You are on page 1of 201

‫صفحة ‪1 :‬‬

‫الجزء الول‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫ذكر المائة الصوت المختارة‬


‫إجماع المغنين على اختيار الصوات الثلثة‬
‫الشاملة لجميع نغم الغناء أخبرنا أبو أحمد يحيى بن علي بن يحيى المنجم قال حدثني أبي قال‪ :‬حدثني إسحاق بن إبراهيم‬
‫الموصلي أن أباه أخبره أن الرشيد ‪ -‬رحمة الله عليه ‪ -‬أمر المغنين‪ ،‬وهم يومئذ متوافرون‪ ،‬أن يختاروا له ثلثة أصوات من جميع‬
‫‪.‬الغناء‪ ،‬فأجمعوا على ثلثة أصوات أنا أذكرها بعد هذا إن شاء الله‬
‫قال إسحاق‪ :‬فجرى هذا الحديث يوما وأنا عند أمير المؤمنين الواثق بالله‪ ،‬فأمرني باختيار أصوات من الغناء القديم‪ ،‬فاخترت‬
‫له من غناء أهل كل عصر ما اجتمع علماؤهم على براعته وإحكام صنعته‪ ،‬ونسبته إلى من شدا به‪ ،‬ثم نظرت إلى ما أحدث‬
‫الناس بعد ممن شاهدناه في عصرنا وقبيل ذلك‪ ،‬فاجتبيت منه ما كان مشبها لما تقدم أو سالكا طريقه‪ ،‬فذكرته ولم أبخسه ما‬
‫‪.‬يجب له وإن كان قريب العهد؛ لن الناس قد يتنازعون الصوت في كل حين وزمان‪ ،‬وإن كان السبق للقدماء إلى كل إحسان‬
‫وأخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدثني هارون بن الحسن بن سهل وأبو العبيس بن حمدون وابن دقاق وهو محمد بن‬
‫أحمد بن يحيى المعروف بابن دقاق بهذا الخبر‪ ،‬فزعم‪ :‬أن الرشيد أمر هؤلء المغنين أن يختاروا له مائة صوت فاختاروها‪ ،‬ثم‬
‫أمرهم باختيار عشرة منها فاختاروها‪ ،‬ثم أمرهم أن يختاروا منها ثلثة ففعلوا‪ .‬وذكر نحو ما ذكره يحيى بن علي‪ ،‬ووافقه في‬
‫صوت من الثلثة الصوات‪ ،‬وخالفه في صوتين‪ .‬وذكر يحيى بن علي بإسناده المذكور أن منها لحن معبد في شعر أبي قطيفة‬
‫‪:‬وهو من خفيف الثقيل الول‬
‫أشهى إلى القلب من أبواب جيرون ولحن ابن سريج في شعر عمر بن أبي‬ ‫القصر فالنخل فالجماء بينـهـمـا‬
‫‪:‬ربيعة‪ ،‬ولحنه من الثقيل الثاني‬
‫وبين لو يسطيع أن يتكـلـمـا ولحن ابن محرز في شعر نصيب‪ ،‬وهو من‬ ‫تشكى الكميت الجري لما جهدته‬
‫‪:‬الثقيل الثاني أيضا‬
‫نعم‪ ،‬وبه ممن شجاك معالم وذكر جحظة عمن روى عنه أن من الثلثة الصوات‬ ‫أهاج هواك المنزل المتقادم?‬
‫‪:‬لحن ابن محرز في شعر المجنون‪ ،‬وهو من الثقيل الثاني‬
‫فشأن المنايا القاضيات وشانيا ولحن إبراهيم الموصلي في شعر العرجي‪ ،‬وهو‬ ‫إذا ما طواك الدهر يا أم مالك‬
‫‪:‬من خفيف الثقيل الثاني‬
‫ليحزنها‪ ،‬فل صحب الرسول ولحن ابن محرز في شعر نصيب‪ ،‬وهو على ما ذكر‬ ‫إلى جيداء قد بعثـوا رسـول‬
‫‪:‬هزج‬
‫نعم‪ ،‬وبه ممن شجاك معالم وحكى عن أصحابه أن هذه الثلثة الصوات على‬ ‫أهاج هواك المنزل المتقادم?‬
‫‪.‬هذه الطرائق ل تبقى نغمة في الغناء إل وهي فيها‬
‫رواية أن المغنين أجمعوا على صوت واحد من هذه الثلثة وتفنيد أبي الفرج لهذه الرواية أخبرني الحسن بن علي الدمي قال‬
‫حدثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد الوراق قال حدثني أبو توبة صالح بن محمد قال حدثني‬
‫محمد بن جبر المغني قال حدثني إبراهيم بن المهدي‪ :‬أن الرشيد أمر المغنين أن يختاروا له أحسن صوت غني فيه‪ ،‬فاختاروا له‬
‫‪:‬لحن ابن محرز في شعر نصيب‬
‫أهاج هواك المنزل المتقادم? قال‪ :‬وفيه دور كثير‪ ،‬أي صنعة كثيرة‪ .‬والذي ذكره أبو أحمد يحيى بن علي أصح عندي‪ .‬ويدل‬
‫على ذلك تباين ما بين الصوات التي ذكرها والصوات الخر في جودة الصنعة وإتقانها وإحكام مباديها ومقاطعها وما فيها من‬
‫العمل‪ ،‬وأن الخرى ليست مثلها ول قريبة منها‪ .‬وأخرى هي أن جحظة حكى عمن روى عنه أن فيها صوتا لبراهيم الموصلي‪،‬‬
‫وهو أحد من كان اختار هذه الصوات للرشيد‪ ،‬وكان معه في اختيارها إسماعيل بن جامع وفليح بن العوراء‪ ،‬وليس أحد منهما‬
‫دونه إن لم يفقه‪ ،‬فكيف يمكن أن يقال‪ :‬إنهما ساعدا إبراهيم على اختيار لحن من صنعته في ثلثة أصوات اختيرت من سائر‬
‫الغاني وفضلت عليها ألم يكونا لو فعل ذلك قد حكما لبراهيم على أنفسهما بالتقدم والحذق والرياسة وليس هو كذلك عندهما?‬
‫‪:‬ولقد أخبرنا يحيى بن علي بن يحيى المنجم عن حماد بن إسحاق عن أبيه‬

‫صفحة ‪2 :‬‬

‫أنه أتى أباه إبراهيم بن ميمون يوما مسلما‪ ،‬فقال له أبوه‪ :‬يا بني‪ ،‬ما أعلم أحدا بلغ من بر ولده ما بلغته من برك‪ ،‬وإني‬
‫لستقل ذلك لك‪ ،‬فهل من حاجة أصير فيها إلى محبتك? قلت‪ :‬قد كان ‪ -‬جعلت فداك ‪ -‬كل ما ذكرت فأطال الله لي بقاءك‪،‬‬
‫ولكني أسالك واحدة‪ :‬يموت هذا الشيخ غدا أو بعد غد ولم أسمعه‪ ،‬فيقول الناس لي ماذا وأنا أحل منك هذا المحل‪ .‬قال لي‪:‬‬
‫ومن هو? قلت‪ :‬ابن جامع‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا بني‪ ،‬أسرجوا لنا‪ .‬فجئنا ابن جامع‪ ،‬فدخل علينا أبي وأنا معه‪ ،‬فقال‪ :‬يا أبا القاسم‪ ،‬قد‬
‫جئتك في حاجة‪ ،‬فإن شئت فاشتمني‪ ،‬وإن شئت فاقذفني‪ ،‬غير أنه ل بد لك من قضائها‪ .‬هذا عبدك وابن أخيك إسحاق قال لي‬
‫كذا وكذا‪ ،‬فركبت معه أسالك أن تسعفه فيما سأل‪ .‬فقال‪ :‬نعم‪ ،‬على شريطة‪ :‬تقيمان عندي أطعمكما مشوشة وقلية وأسقيكما‬
‫من نبيذي التمري وأغنيكما‪ ،‬فإن جاءنا رسول الخليفة مضينا إليه وإل أقمنا يومنا‪ .‬فقال أبي‪ :‬السمع والطاعة‪ ،‬وأمر بالدواب‬
‫فردت‪ .‬فجاءنا ابن جامع بالمشوشة والقلية ونبيذه التمري فأكلنا وشربنا‪ ،‬ثم اندفع فغنانا‪ ،‬فنظرت إلى أبي يقل في عيني‬
‫ويعظم ابن جامع حتى صار أبي في عيني كل شيء‪ .‬فلما طربنا غاية الطرب جاء رسول الخليفة فركبا وركبت معهما‪ .‬فلما كنا‬
‫في بعض الطريق قال لي أبي‪ :‬كيف رأيت ابن جامع يا بني? قلت له‪ :‬أو تعفيني جعلت فداك قال‪ :‬لست أعفيك فقل‪ .‬فقلت له‪:‬‬
‫رأيتك ول شيء أكبر عندي منك قد صغرت عندي في الغناء معه حتى صرت كل شيء‪ .‬ثم مضيا إلى الرشيد‪ ،‬وانصرفت إلى‬
‫منزلي؛ وذلك لني لم أكن بعد وصلت إلى الرشيد‪ .‬فلما أصبحت أرسل إلي أبي فقال‪ :‬يا بني‪ ،‬هذا الشتاء قد هجم عليك وأنت‬
‫تحتاج فيه إلى مؤنة وإذا مال عظيم بين يديه‪ ،‬فاصرف هذا المال في حوائجك‪ .‬فقمت فقبلت يده ورأسه وأمرت بحمل المال‬
‫واتبعته‪ ،‬فصوت بي‪ :‬يا إسحاق ارجع‪ ،‬فرجعت‪ .‬فقال لي‪ :‬أتدري لم وهبت لك هذا المال? قلت‪ :‬نعم‪ ،‬جعلت فداك قال‪ :‬لم?‬
‫قلت‪ :‬لصدقي فيك وفي ابن جامع‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا بني‪ ،‬امض راشدا‪ .‬ولهما في هذا الجنس أخبار كثيرة تأتي في غير هذا‬
‫الموضع متفرقة في أماكن تحسن فيها ول يستغني بما ذكرها هنا عنها‪ .‬فإبراهيم يحل ابن جامع هذا المحل مع ما كان بينهما من‬
‫المنافسة والمفاخرة ثم يقدم على أن يختار فيما هو معه فيه صوتا لنفسه يكون مقدما على سائر الغناء‪ ،‬ويطابقه هو وفليح‬
‫عليه هذا خطأ ل يتخيل‪ .‬وعلى ما به فإنا نذكر الصوتين اللذين رويناهما عن جحظة المخالفين لرواية يحيى بن علي‪ ،‬بعد ذكرنا‬
‫‪.‬ما رواه يحيى‪ ،‬ثم نتبعهما باقي الختيار‪ .‬فأول ذلك من رواية أبي الحسن علي بن يحيى‬
‫الكلم على أحد هذه الصوات الثلثة‬
‫صوت فيه لحنان‬
‫أشهى إلى القلب من أبواب جيرون‬ ‫القصر فالنخل فالجماء بينـهـمـا‬
‫دور نزحن عن الفحشاء والهـون‬ ‫إلى البلط فما حـازت قـرائنـه‬
‫ول ينالون حتى الموت مكنـونـي عروضه من أول البسيط‪ .‬القصر الذي‬ ‫قد يكتم الناس أسرارا فأعلـمـهـا‬
‫عناه هاهنا‪ :‬قصر سعيد بن العاص بالعرصة‪ .‬والنخل الذي عناه‪ :‬نخل كان لسعيد هناك بين قصره وبين الجماء وهي أرض كانت‬
‫له‪ ،‬فصار جميع ذلك لمعاوية بن أبي سفيان بعد وفاة سعيد‪ ،‬ابتاعه من ابنه عمرو باحتمال دينه عنه؛ ولذلك خبر يذكر بعد‪.‬‬
‫وأبواب جيرون بدمشق‪ .‬ويروى‪ :‬حاذت قرائنه من المحاذاة‪ .‬والقرائن‪ :‬دور كانت لبني سعيد بن العاص متلصقة؛ سميت بذلك‬
‫‪:‬لقترانها‪ .‬ونزحن‪ :‬بعدن‪ ،‬والنازح‪ :‬البعيد؛ يقال‪ :‬نزح نزوحا‪ .‬والهون‪ :‬الهوان‪ .‬قال الراجز‬
‫أبيض ماض كالسنان المسنون‬ ‫لم يبتذل مثل كريم مكـنـون‬
‫كان يوقى نفسه من الهـون والمكنون‪ :‬المستور الخفي‪ ،‬وهو مأخوذ من الكن‪ .‬الشعر لبي قطيفة المعيطي‪ ،‬والغناء لمعبد‪،‬‬
‫وله فيه لحنان‪ :‬أحدهما خفيف ثقيل أول بالوسطى في مجراها من رواية إسحاق وهو اللحن المختار‪ ،‬والخر ثقيل أول‬
‫‪.‬بالوسطى على مذهب إسحاق من رواية عمرو بن بانة‬

‫خبر أبي قطيفة‬


‫نسبه‬
‫هو عمرو بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط‪ .‬واسم أبي معيط أبان بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي‬
‫‪.‬بن كلب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب‪ .‬هذا الذي عليه النسابون‬

‫صفحة ‪3 :‬‬

‫وذكر الهيثم بن عدي في كتاب المثالب أن أبا عمرو بن أمية كان عبدا لمية اسمه ذكوان فاستلحقه‪ .‬وذكر أن دغفل النسابة‬
‫دخل على معاوية فقال له‪ :‬من رأيت من علية قريش? فقال‪ :‬رأيت عبد المطلب بن هاشم وأمية بن عبد شمس‪ .‬فقال‪ :‬صفهما‬
‫لي‪ .‬فقال‪ :‬كان عبد المطلب أبيض مديد القامة حسن الوجه‪ ،‬في جبينه نور النبوة وعز الملك‪ ،‬يطيف به عشرة من بنيه كأنهم‬
‫أسد غاب‪ .‬قال‪ :‬فصف أمية‪ .‬قال‪ :‬رأيته شيخا قصيرا نحيف الجسم ضريرا يقوده عبده ذكوان‪ .‬فقال‪ :‬مه‪ ،‬ذاك ابنه أبو عمرو‪.‬‬
‫فقال‪ :‬هذا شيء قلتموه بعد وأحدثتموه‪ ،‬وأما الذي عرفت فهو الذي أخبرتك به‪ .‬ثم نعود إلى سياقة النسب من لؤي بن غالب‬
‫بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة‪ .‬والنضر عند أكثر النسابين أصل قريش‪ ،‬فمن ولده النضر عد منهم‪ ،‬ومن لم يلده فليس‬
‫منهم‪ .‬وقال بعض نسابي قريش‪ :‬بل فهر بن مالك أصل قريش‪ ،‬فمن لم يلده فليس من قريش‪ .‬ثم نعود للنسب إلى النضر‬
‫بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار‪ .‬وولد إلياس يقال لهم خندف‪ ،‬سموا بأمهم خندف وهو لقبها‪ ،‬واسمها‬
‫ليلى بنت حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة‪ ،‬وهي أم مدركة وطابخة وقمعة بني إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن‬
‫عدنان بن أد بن أدد بن الهميسع بن يشجب ‪ -‬وقيل‪ :‬أشجب ‪ -‬بن نبت بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم‪ ،‬هذا النسب الذي رواه‬
‫‪.‬نسابو العرب وروي عن ابن شهاب الزهري وهو من علماء قريش وفقهائها‬
‫وقام قوم آخرون من النسابين ممن أخذ ‪ -‬فيما يزعم ‪ -‬عن دغفل وغيره‪ :‬معد بن عدنان بن أدد بن آمين بن شاجيب بن نبت‬
‫بن ثعلبة بن عنز بن سرائج بن ملحم بن العوام بن المحتمل بن رائمة بن العقيان بن علة ابن شحدود بن الضرب بن عيفر بن‬
‫إبراهيم بن إسماعيل بن رزين بن أعوج بن المطعم بن الطمح بن القسور بن عتود بن دعدع بن محمود بن الرائد بن بدوان بن‬
‫أمامة بن دوس بن حصين بن النزال بن الغمير بن محشر بن معذر بن صيفي بن نبت بن قيدار بن إسماعيل ذبيح الله ابن‬
‫إبراهيم خليل الله صلى الله عليهما وعلى أنبيائه أجمعين وسلم تسليما‪ .‬ثم أجمعوا أن إبراهيم بن آزر وهو اسمه بالعربية كما‬
‫ذكره الله تعالى في كتابه‪ ،‬وهو في التوراة بالعبرانية تارح بن ناحور‪ ،‬وقيل‪ :‬الناحر بن الشارع وهو شاروع بن أرغو وهو الرامح‬
‫بن فالغ ‪ -‬وهو قاسم الرض الذي قسمها بين أهلها ‪ -‬بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ وهو الرافد بن سام بن نوح صلى الله عليه‬
‫وسلم ابن لمك وهو في لغة العرب ملكان ابن المتوشلخ وهو المنوف بن أخنخ وهو إدريس نبي الله عليه السلم بن يارد وهو‬
‫الرائد بن مهليل بن قينان وهو قنان بن أنوش وهو الطاهر بن شيث وهو هبة الله‪ .‬يقال له أيضا شاث بن آدم أبي البشر صلى‬
‫‪.‬الله عليه وعلى سائر النبياء وعلى نبينا محمد خاصة وسلم تسليما‪ .‬هذا الذي في أيدي الناس من النسب على اختلفهم فيه‬
‫وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم تكذيب للنسابين ودفع لهم‪ .‬وروي أيضا خلف لسماء بعض الباء‪ .‬وقد شرحت ذلك‬
‫‪.‬في كتاب النسب شرحا يستغنى به عن غيره‬
‫ذكر العنابس والعياص‬
‫من بني أمية وأن أبا قطيفة من الولين‬
‫وأبو قطيفة وأهله من العنابس من بني أمية‪ .‬وكان لمية من الولد أحد عشر ذكرا‪ ،‬كل واحد منهم يكنى باسم صاحبه‪ ،‬وهم‬
‫العاص وأبو العاص‪ ،‬والعيص وأبو العيص‪ ،‬وعمرو وأبو عمرو‪ ،‬وحرب وأبو حرب‪ ،‬وسفيان وأبو سفيان‪ ،‬والعويص ل كنى له‪.‬‬
‫فمنهم العياص فيما أخبرنا حرمي بن أبي العلء ‪ -‬واسمه أحمد بن محمد بن إسحاق‪ ،‬والطوسي ‪ -‬واسمه أحمد بن سليمان ‪-‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا الزبير بن بكار عن محمد بن الضحاك الحزامي عن أبيه قال‪ :‬العياص‪ :‬العاص وأبو العاص والعيص وأبو العيص‬
‫والعويص‪ .‬ومنهم العنابس وهم حرب وأبو حرب وسفيان وأبو سفيان وعمرو وأبو عمرو‪ .‬وإنما سموا العنابس لنهم ثبتوا مع‬
‫أخيهم حرب بن أمية بعكاظ وعقلوا أنفسهم وقاتلوا قتال شديدا فشبهوا بالسد‪ ،‬والسد يقال لها العنابس‪ ،‬واحدها عنبسة‪ .‬وفي‬
‫‪:‬العياص يقول عبد الله بن فضالة السدي‬
‫أغر كغرة الفرس الـجـواد والسبب في قوله هذا الشعر ما أخبرنا به أحمد بن‬ ‫من العياص أو من آل حرب‬
‫عبد العزيز الجوهري قال‪ :‬حدثنا عمر بن شبة‪ ،‬وحدثنا محمد بن العباس اليزيدي قال‪ :‬حدثنا أحمد بن الحارث الخراز‪ ،‬قال‪:‬‬
‫‪:‬حدثنا المدائني وابن غزالة‪ ،‬قالوا‬

‫صفحة ‪4 :‬‬

‫أتى عبد الله بن فضالة بن شريك الوالبي ثم السدي من بني أسد بن خزيمة عبد الله بن الزبير‪ ،‬فقال له‪ :‬نفدت نفقتي‬
‫ونقبت راحلتي‪ .‬قال‪ :‬فأحضرها‪ ،‬فقال‪ ...‬أقبل بها‪ ،‬أدبر بها‪ ،‬ففعل‪ .‬فقال‪ :‬ارقعها بسبت واخصفها بهلب وأنجد بها يبرد خفها وسر‬
‫البردين تصح‪ .‬فقال ابن فضالة‪ :‬إني أتيتك مستحمل ولم آتك مستوصفا‪ ،‬فلعن الله ناقة حملتني إليك قال ابن الزبير‪ :‬إن‬
‫‪:‬وراكبها‪ .‬فانصرف عنه ابن فضالة وقال‬
‫أجاوز بطن مكة في سـواد‬ ‫أقول لغلمتي شدوا ركـابـي‬
‫إلى ابن الكاهلية من معـاد‬ ‫فما لي حين أقطع ذات عرق‬
‫وتعليق الداوى والـمـزاد‬ ‫سيبعد بيننا نص الـمـطـايا‬
‫مناسمهن طلع الـنـجـاد‬ ‫وكل معبد قـد أعـلـمـتـه‬
‫نكدن ول أمـية بـالـبـلد‬ ‫أرى الحاجات عند أبي خبيب‬
‫أغر كغرة الفرس الـجـواد أبو خبيب‪ :‬عبد الله بن الزبير‪ ،‬كان يكنى أبا بكر‪.‬‬ ‫من العياص أو من آل حرب‬
‫وخبيب‪ :‬ابن له هو أكبر ولده‪ ،‬ولم يكن يكنيه به إل من ذمه‪ ،‬يجعله كاللقب له‪ .‬قال‪ :‬فقال ابن الزبير لما بلغه هذا الشعر‪ :‬علم‬
‫أنها شر أمهاتي فعيرني بها وهي خير عماته‪ .‬قال اليزيدي‪ :‬إن ها هنا بمعنى نعم‪ ،‬كأنه إقرار بما قال‪ .‬ومثله قول ابن قيس‬
‫‪:‬الرقيات‬
‫ك وقد كبرت فقلت إنه عود إلى نسب أبي قطيفة‬ ‫ويقلن شيب قـد عـل‬
‫‪:‬وأم أبي معيط آمنة بنت أبان بن كليب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن‪ ،‬ولها يقول نابغة بني جعدة‬
‫وفي أنسابها شرك العنان‬ ‫وشاركنا قريشا في تقاها‬
‫وما ولدت نساء بني أبان وكانت آمنة هذه تحت أمية بن عب شمس‪ ،‬فولدت له‬ ‫بما ولدت نساء بني هلل‬
‫العاص وأبا العاص وأبا العيص والعويص وصفية وتوبة وأروى بني أمية‪ .‬فلما مات أمية تزوجها بعده ابنه أبو عمرو ‪ -‬وكان أهل‬
‫الجاهلية يفعلون ذلك‪ ،‬يتزوج الرجل امرأة ابيه بعده ‪ -‬فولدت له أبا معيط‪ ،‬فكان بنو أمية من آمنة إخوة أبي معيط وعمومته‪،‬‬
‫‪.‬أخبرني بذلك كله الطوسي عن الزبير بن بكار‬
‫قال الزبير‪ :‬وحدثني عمي مصعب قال‪ :‬زعموا أن ابنها أبا العاص زوجها أخاه أبا عمرو‪ ،‬وكان هذا نكاحا تنكحه الجاهلية‪ .‬فأنزل‬
‫الله تعالى تحريمه‪ ،‬قال الله تعالى‪ :‬ول تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إل ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيل ‪،‬‬
‫‪.‬فسمي نكاح المقت‬
‫مقتل عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث‬
‫وما قالته قتيلة بنت الحارث من الشعر ترثي أخاها وأسر عقبة بن أبي معيط في يوم بدر‪ ،‬فقتله رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم صبرا‪ .‬حدثنا بذلك محمد بن جرير الطبري قال حدثنا محمد بن حميد الرازي قال حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن‬
‫إسحاق في خبر ذكره طويل‪ ،‬وحدثني به أحمد بن محمد بن الجعد قال حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي قال حدثنا محمد بن‬
‫‪.‬فليح عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب الزهري‪ ،‬قالوا جميعا‬
‫قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم صبرا‪ .‬فقال له ‪ -‬وقد أمر بذلك فيه ‪ :-‬يا محمد‪ ،‬أأنا خاصة من قريش? قال نعم‪ .‬قال‪:‬‬
‫فمن للصبية بعدي? قال‪ :‬النار‪ .‬فلذلك يسمى بنو أبي معيط صبية النار‪ .‬واختلف في قاتله‪ ،‬فقيل‪ :‬إن علي بن أبي طالب تولى‬
‫قتله‪ .‬وهذا من رواية بعض الكوفيين‪ ،‬حدثني به أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة قال‪ :‬أخبرني المنذر بن محمد اللخمي قال‬
‫حدثنا سليمان بن عباد قال حدثني عبد العزيز بن أبي ثابت المدني عن أبيه عن محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن عن أبيه‬
‫عن جده عن علي بن أبي طالب‪ :‬أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عليا يوم بدر فضرب عنق عقبة بن أبي معيط والنضر بن‬
‫الحارث‪ .‬وروى ابن إسحاق أن عاصم بن ثابت بن أبي القلح النصاري قتله‪ ،‬وأن الذي قتله علي بن أبي طالب النضر بن‬
‫‪.‬الحارث بن كلدة‬
‫أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني الحسن بن عثمان قال حدثني ابن أبي زائدة عن‬
‫محمد بن إسحاق عن أصحابه‪ ،‬وحدثنا محمد بن جرير قال حدثنا أحمد بن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن أصحابه‪،‬‬
‫‪:‬قالوا‬

‫صفحة ‪5 :‬‬

‫قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر عقبة بن أبي معيط صبرا‪ :‬أمر عاصم بن ثابت فضرب عنقه‪ ،‬ثم أقبل من بدر‬
‫حتى إذا كان ب الصفراء قتل النضر بن الحارث بن كلدة أحد بني عبد الدار‪ ،‬أمر عليا أن يضرب عنقه‪ ،‬قال عمر بن شبة في‬
‫‪:‬حديثه ب الثيل ‪ ،‬فقالت أخته قتيلة بنت الحارث ترثيه‬
‫من صبح خامسة وأنت موفق‬ ‫يا راكبـا إن الثـيل مـظـنة‬
‫ما إن تزال بها النجائب تخفق‬ ‫أبلغ به مـيتـا بـأن تـحـية‬
‫جادت بدرتها وأخرى تخنـق‬ ‫مني إليك وعبرة مسـفـوحة‬
‫إن كان يسمع هالك ل ينطـق‬ ‫هل يسمعن النمضر إن ناديتـه‬
‫لله أرحام هنـاك تـشـقـق‬ ‫ظلت سيوف بني أبيه تنوشـه‬
‫رسف المقيد وهو عان موثق‬ ‫صبرا يقاد إلى المنية متعـبـا‬
‫في قومها والفحل فحل معرق‬ ‫أمحمد ولنت نسـل نـجـيبة‬
‫من الفتى وهو المغيظ المحنق‬ ‫ما كان ضرك لو مننت وربما‬
‫بأعز ما يغلو لديك وينـفـق‬ ‫أو كنت قابل فدية فـلـيأتـين‬
‫وأحقهم إن كان عتق يعـتـق فبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪ :‬لو‬ ‫والنضر أقرب من أخذت بزلة‬
‫سمعت هذا قبل أن أقتله ما قتلته ‪ .‬فيقال‪ :‬إن شعرها أكرم شعر موتورة وأعفه وأكفه وأحلمه‪ .‬قال ابن إسحاق‪ :‬وحدثني أبو‬
‫عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان بعرق الظبية قتل عقبة بن أبي معيط‪ .‬قال حين‬
‫‪.‬أمر به أن يقتل‪ :‬فمن للصبية يا محمد? قال‪ :‬النار‪ .‬فقلته عاصم بن ثابت بن أبي القلح أحد بني عمرو بن عوف‬
‫حدثني أحمد بن الجعد قال حدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق الدمي قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثني الوزاعي قال‬
‫حدثني يحيى بن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم التيمي قال حدثني عروة بن الزبير قال‪ :‬سألت عبد الله بن عمرو فقلت‪:‬‬
‫أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقال‪ :‬بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في‬
‫حجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فوضع ثوبه في عنق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخنقه به خنقا شديدا‪،‬‬
‫فأقبل أبو بكر ‪ -‬رحمة الله عليه ‪ -‬حتى أخذ بمنكبه فدفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال‪ :‬أتقتلون رجل أن يقول‬
‫ربي الله ولية الوليد بن عقبة الكوفة‬
‫في خلفة عثمان ثم عزله عنها وكان الوليد بن عقبة أخا عثمان بن عفان لمه‪ ،‬أمهما أروى بنت عامر بن كريز‪ ،‬وأمها أم حكيم‬
‫البيضاء بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف‪ .‬والبيضاء وعبد الله أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم توءمان‪ .‬وكان عقبة‬
‫بن أبي معيط تزوج أروى بعد وفاة عفان‪ ،‬فولدت له الوليد وخالدا وعمارة وأم كلثوم‪ ،‬كل هؤلء إخوة عثمان لمه‪ .‬وولي عثمان‬
‫الوليد بن عقبة في خلفته الكوفة‪ ،‬فشرب الخمر وصلى بالناس وهو سكران فزاد في الصلة‪ ،‬وشهد عليه بذلك عند عثمان‬
‫‪.‬فجلده الحد‪ .‬وسيأتي خبره بعد هذا في موضعه‬
‫‪.‬وأبو قطيفة عمرو بن الوليد يكنى أبا الوليد‪ .‬وأبو قطيفة لقب لقب به‪ .‬وأمه بنت الربيع بن ذي الخمار من بني أسد بن خزيمة‬
‫نفي ابن الزبير أبا قطيفة‬
‫فيمن نقله عن المدينة في وقعة الحرة‬
‫قال أبو قطيفة هذا الشعر حين نفاه ابن الزبير مع بني أمية عن المدينة‪ ،‬مع نظائر له تشوقا إليها‪ .‬حدثني بالسبب في ذلك‬
‫أحمد بن محمد بن شبيب بن أبي شيبة البزار‪ ،‬قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز عن المدائني‪ ،‬وأخبرني ببعضه أحمد بن محمد‬
‫بن الجعد قال حدثنا أحمد بن زهير بن حرب قال حدثني أبي قال حدثني وهب بن جرير عن أبيه في كتابه المسمى كتاب‬
‫الزارقة ‪ ،‬ونسخت بعضه من كتاب منسوب إلى الهيثم بن عدي‪ .‬واللفظ للمدائني في الخبر ما اتسق‪ ،‬فإذا انقطع أو اختلف‬
‫نسبت الخلف إلى راويه‪ .‬قال الهيثم بن عدي أخبرنا ابن عياش عن مجالد عن الشعبي وعن ابن أبي الجهم ومحمد بن‬
‫المنتشر‪ :‬خروج ابن الزبير على بني أمية ووفد يزيد بن معاوية له‬

‫صفحة ‪6 :‬‬

‫أن الحسين بن علي بن أبي طالب لما سار إلى العراق‪ ،‬شمر ابن الزبير للمر الذي أراده ولبس المعافري وشبر بطنه وقال‪:‬‬
‫إنما بطني شبر‪ ،‬وما عسى أن يسع الشبر وجعل يظهر عيب بني أمية ويدعو إلى خلفهم‪ .‬فأمهله يزيد سنة‪ ،‬ثم بعث إليه عشرة‬
‫من أهل الشأم عليهم النعمان بن بشير‪ .‬وكان أهل الشأم يسمون أولئك العشرة النفر الركب‪ ،‬منهم عبد الله بن عضاه‬
‫الشعري‪ ،‬وروح بن زنباع الجذامي‪ ،‬وسعد بن حمزة الهمداني‪ ،‬ومالك بن هبيرة السكوني‪ ،‬وأبو كبشة السكسكي‪ ،‬وزمل بن‬
‫عمرو العذري‪ ،‬وعبد الله بن مسعود‪ ،‬وقيل‪ :‬ابن مسعدة الفزاي‪ ،‬وأخوه عبد الرحمن‪ ،‬وشريك بن عبد الله الكناني‪ ،‬وعبد الله بن‬
‫عامر الهمداني‪ ،‬وجعل عليهم‪ ،‬النعمان بن بشير‪ ،‬فأقبلوا حتى قدموا مكة على عبد الله بن الزبير‪ ،‬وكان النعمان يخلو به في‬
‫الحجر كثيرا‪ .‬فقال له عبد الله بن عضاة يوما‪ :‬يا ابن الزبير‪ ،‬إن هذا النصاري والله ما أمر بشيء إل وقد أمرنا بمثله إل أنه قد‬
‫أمر علينا‪ ،‬إني والله ما أدري ما بين المهاجرين والنصار‪ .‬فقال ابن الزبير‪ :‬يا ابن عضاه‪ ،‬مالي ولك إنما أنا بمنزلة حمامة من‬
‫حمام مكة‪ ،‬أفكنت قاتل حماما من حمام مكة? قال‪ :‬نعم‪ ،‬وما حرمة حمام مكة يا غلم‪ ،‬ائتني بقوسي وأسهمي‪ ،‬فأتاه بقوسه‬
‫وأسهمه‪ ،‬فأخذ سهما فوضعه في كبد القوس ثم سدده نحو حمامة من حمام المسجد وقال‪ :‬يا حمامة‪ ،‬أيشرب يزيد بن معاوية‬
‫الخمر? قولي نعم‪ ،‬فوالله‪ :‬لئن فعلت لرمينك‪ .‬يا حمامة‪ ،‬أتخلعين يزيد بن معاوية وتفارقين أمة محمد صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫وتقيمين في الحرم حتى يستحل بك? والله لئن فعلت لرمينك‪ .‬فقال ابن الزبير‪ :‬ويحك أويتكلم الطائر? قال‪ :‬ل ولكنك يا ابن‬
‫الزبير تتكلم‪ .‬أقسم بالله لتبايعن طائعا أو مكرها أو لتتعرفن راية الشعريين في هذه البطحاء‪ ،‬ثم ل أعظم من حقها ما تعظم‪.‬‬
‫فقال ابن الزبير‪ :‬أوتستحل الحرم قال‪ :‬إنما يستحله من ألحد فيه‪ .‬فحبسهم شهرا ثم ردهم إلى يزيد بن معاوية ولم يجبه إلى‬
‫شيء‪ .‬وفي رواية أحمد بن الجعد‪ :‬وقال بعض الشعراء ‪ -‬وهو أبو العباس العمى‪ ،‬واسمه السائب بن فروخ يذكر ذلك وشبر ابن‬
‫‪ -:‬الزبير بطنه‬
‫حتى بدا لي مثل الخز في اللـين‬ ‫مازال في سورة العراف يدرسها‬
‫أفضلت فضل كثيرا للمسـاكـين قال الهيثم‪ :‬ثم إن ابن الزبير مضى إلى‬ ‫لو كان بطنك شبرا قد شبعت وقد‬
‫صفية بنت أبي عبيد زوجة عبد الله بن عمر‪ ،‬فذكر لها أن خروجه كان غضبا لله تعالى ورسوله ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬والمهاجرين‬
‫والنصار من أثرة معاوية وابنه وأهله بالفيء‪ ،‬وسألها مسألته أن يبايعه‪ .‬فلما قدمت له عشاءه ذكرت له أمر ابن الزبير‬
‫واجتهاده‪ ،‬وأثنت عليه وقالت‪ :‬ما يدعو إل إلى طاعة الله جل وعز‪ ،‬وأكثرت القول في ذلك‪ .‬فقال لها‪ :‬أما رأيت بغلت معاوية‬
‫اللواتي كان يحج عليهن الشهب‪ ،‬فإن ابن الزبير ما يريد غيرهن قال المدائني في خبره‪ :‬وأقام ابن الزبير على خلع يزيد وماله‬
‫على ذلك أكثر الناس‪ .‬فدخل عليه عبد الله بن مطيع وعبد الله بن حنظلة وأهل المدينة المسجد وأتوا المنبر فخلعوا يزيد‪ .‬فقال‬
‫عبد الله بن أبي عمرو بن حفص بن المغيرة المخزومي‪ :‬خلعت يزيد كما خلعت عمامتي‪ ،‬ونزعها عن رأسه وقال‪ :‬إني لقول‬
‫هذا وقد وصلني وأحسن جائزتي‪ ،‬ولكن عدو الله سكير خمير‪ .‬وقال آخر‪ :‬خلعته كما خلعت نعلي‪ .‬وقال آخر‪ :‬خلعته كما خلعت‬
‫ثوبي‪ .‬وقال آخر‪ :‬قد خلعته كما خلعت خفي‪ ،‬حتى كثرت العمائم والنعال والخفاف‪ ،‬وأظهروا البراءة منه وأجمعوا على ذلك‪،‬‬
‫وامتنع منه عبد الله بن عمر ومحمد بن علي بن أبي طالب وجرى بين محمد خاصة وبين أصحاب ابن الزبير فيه قول كثير‪ ،‬حتى‬
‫‪.‬أرادوا إكراهه على ذلك‪ ،‬فخرج إلى مكة‪ ،‬وكان هذا أول ما هاج الشر بينه وبين ابن الزبير‬
‫وقعة الحرة‬

‫صفحة ‪7 :‬‬

‫قال المدائني‪ :‬واجتمع أهل المدينة لخراج بني أمية عنها‪ ،‬فأخذوا عليهم العهود أل يعينوا عليهم الجيش‪ ،‬وأن يردوهم عنهم‪،‬‬
‫فإن لم يقدروا على ردهم ل يرجعوا إلى المدينة معهم‪ .‬فقال لهم عثمان بن محمد بن أبي سفيان‪ :‬أنشدكم الله في دمائكم‬
‫وطاعتكم فإن الجنود تأتيكم وتطؤكم‪ ،‬وأعذر لكم أل تخرجوا أميركم‪ ،‬إنكم إن ظفرتم وأنا مقيم بين أظهركم فما أيسر شأني‬
‫وأقدركم على إخراجي وما أقول هذا إل نظرا لكم أريد به حقن دمائكم‪ .‬فشتموه وشتموا يزيد‪ ،‬وقالوا‪ :‬ل نبدأ إل بك‪ ،‬ثم‬
‫نخرجهم بعدك‪ .‬فأتى مروان عبد الله بن عمر فقال‪ :‬يا أبا عبد الرحمن‪ ،‬إن هؤلء القوم قد ركبونا بما ترى‪ ،‬فضم عيالنا‪ .‬فقال‪:‬‬
‫لست من أمركم وأمر هؤلء في شيء‪ .‬فقام مروان وهو يقول‪ :‬قبح الله هذا أمرا وهذا دينا‪ .‬ثم أتى علي بن الحسين فسأله أن‬
‫يضم أهله وثقله ففعل‪ ،‬ووجههم وامرأته أم أبان بنت عثمان إلى الطائف ومعها ابناه‪ :‬عبد الله ومحمد‪ .‬فعرض حريث رقاصة ‪-‬‬
‫وهو مولى لبني بهز من سليم كان بعض عمال المدينة قطع رجله فكان إذا مشى كأنه يرقص‪ ،‬فسمي رقاصة ‪ -‬لثقل مروان‬
‫وفيه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب‪ ،‬فضربته بعضا فكادت تدق عنقه‪ ،‬فولى ومضى‪ .‬ومضوا إلى الطائف وأخرجوا‬
‫بني أمية‪ .‬فحس بهم سليمان بن أبي الجهم العدوي وحريث رقاصة‪ ،‬فأراد مروان أن يصلي بمن معه فمنعوه‪ ،‬وقالوا‪ :‬ل يصلي‬
‫والله بالناس أبدا‪ ،‬ولكن إن أراد أن يصلي بأهله فليصل‪ ،‬فصلى بهم ومضى‪ .‬فمر مروان بعبد الرحمن بن أزهر الزهري‪ ،‬فقال‬
‫له‪ :‬هلم إلي يا أبا عبد الملك‪ ،‬فل يصل إليك مكروه ما بقي رجل من بني زهرة‪ .‬فقال له‪ :‬وصلتك رحم‪ ،‬قومنا على أمر فأكره‬
‫أن أعرضك لهم‪ .‬وقال ابن عمر بعد ذلك ‪ -‬لما أخرجوا وندم على ما كان قاله لمروان ‪ :-‬لو وجدت سبيل إلى نصر هؤلء لفعلت‪،‬‬
‫فقد ظلموا وبغي عليهم‪ .‬فقال ابنه سالم‪ :‬لو كلمت هؤلء القوم فقال‪ :‬يا بني‪ ،‬ل ينزع هؤلء القوم عما هم عليه‪ ،‬وهم بعين الله‪،‬‬
‫إن أراد أن يغير غير‪ .‬قال‪ :‬فمضوا إلى ذي خشب ‪ ،‬وفيهم عثمان بن محمد بن أبي سفيان والوليد بن عتبة بن أبي سفيان‪،‬‬
‫واتبعهم العبيد والصبيان والسفلة يرمونهم‪ .‬ثم رجع حريث رقاصة وأصحابه إلى المدينة‪ ،‬وأقامت بنو أمية ب ذي خشب عشرة‬
‫أيام‪ ،‬وسرحوا حبيب بن كرة إلى يزيد بن معاوية يعلمونه‪ ،‬وكتبوا إليه يسالونه الغوث‪ .‬وبلغ أهل المدينة أنهم وجهوا رجل إلى‬
‫يزيد‪ ،‬فخرج محمد بن عمرو بن حزم ورجل من بني سليم من بهز وحريث رقاصة وخمسون راكبا فأزعجوا بني أمية منها‪،‬‬
‫فنخس حريث بمروان فكاد يسقط عن ناقته‪ ،‬فتأخر عنها وزجرها وفقال‪ :‬اعلي واسلمي‪ .‬فلما كانوا بالسويداء عرض لهم‬
‫مولى لمروان‪ ،‬فقال‪ :‬جعلت فداك لو نزلت فأرحت وتغديت فالغداء حاضر كثير قد أدرك‪ .‬فقال‪ :‬ل يدعني رقاصة وأشباهه‪،‬‬
‫وعسى أن يمكن الله منه فتقطع يده‪ .‬ونظر مروان إلى ماله ب ذي خشب فقال‪ :‬ل مال إل ما أحرزته العياب فمضوا فنزلوا‬
‫‪:‬حقيل أو وادي القرى‪ ،‬وفي ذلك يقول الحوص‬
‫ضرا ولو سقط الحزمي في النار‬ ‫ل ترثين لـحـزمـي رأيت بـه‬
‫والمقحمين على عثمان في الدار قال المدائني‪ :‬فدخل حبيب بن كرة على‬ ‫الناخسين بمروان بـذي خـشـب‬
‫يزيد ‪ -‬وهو واضع رجله في طست لوجع كان يجده ‪ -‬بكتاب بني أمية وأخبره الخبر‪ .‬فقال‪ :‬أما كان بنو أمية ومواليهم ألف رجل?‬
‫قال‪ :‬بلى وثلثة آلف‪ .‬قال‪ :‬أفعجزوا أن يقاتلوا ساعة من نهار? قال‪ :‬كثرهم الناس ولم تكن لهم بهم طاقة‪ .‬فندب الناس وأمر‬
‫عليهم صخر بن أبي الجهم القيني‪ ،‬أحدا إل قصر وما صاحبهم غيري‪ ،‬إني رأيت في منامي شجرة غرقد تصيح‪ :‬على يدي مسلم‪،‬‬
‫فأقبلت نحو الصوت فسمعت قائل يقول‪ :‬أدرك ثأرك أهل المدينة قتلة عثمان فخرج مسلم وكان من قصة الحرة ما كان على‬
‫يده‪ ،‬وليس هذا موضعه‪ .‬فقال أبو قطيفة في ذلك ‪ -‬لما أخرجوا عن المدينة ‪ :-‬صوت من غير المائة فيه لحنان‬
‫شعر أبي قطيفة في تشوقه إلى المدينة‬
‫فكيف بذي وجد من القوم آلـف‬ ‫بكى أحد لما تـحـمـل أهـلـه‬
‫أمـية‪ ،‬واليام ذات تـصـارف‬ ‫من أجل أبي بكر جلت عن بلدها‬

‫صفحة ‪8 :‬‬

‫عروضه من الطويل‪ ،‬وفيه ثقيل أول‪ .‬والغناء لسائب خائر‪ ،‬خفيف ثقيل أول بالوسطى‪ ،‬ذكر ذلك حماد عن أبيه‪ ،‬وذكر أن فيه‬
‫‪:‬لحنا آخر لهل المدينة ل يعرف صاحبه‪ .‬قال الهيثم في خبره‪ :‬وقال أبو العباس العمى في ذلك‬
‫ودار أبي العاص التميمي حنتف‬ ‫قد حل في دار البلط مـجـوع‬
‫ول مثلنا عن مثلهم يتـنـكـف وقال أبو قطيفة أيضا‪ :‬من غير المائة فيه ثلث‬ ‫فلم أر مثل الحي حين تحمـلـوا‬
‫ألحان‬
‫فسلع فدار المال أمست تصدع‬ ‫بكى أحد لما تحمـل أهـلـه‬
‫فقد جعلت نفسي إليهم تطلـع عروضه من الطويل‪ .‬غنى فيه دحمان‪ ،‬ولحنه‬ ‫وبالشأم إخواني وجل عشيرتي‬
‫ثقيل أول بإطلق الوتر في مجرى البنصر من رواية إسحاق‪ .‬وفيه لمعبد ثقيل أول بالوسطى من رواية حبش‪ .‬وذكر إسحاق أن‬
‫فيه لحنا في خفيف الثقيل الول بالخنصر في مجرى البنصر مجهول الصانع‪ .‬وقال أبو قطيفة أيضا‪ :‬صوت من غير المائة‬
‫المختارة‬
‫والمصلى إلى قصور العقيق‬ ‫?ليت شعري‪ :‬هل البلط كعهدي‬
‫من مبين بغـشـه أو صـديق عروضه من الخفيف‪ .‬غناه معبد ويقال دحمان‪،‬‬ ‫لمني في هـواك يا أم يحـيى‬
‫‪.‬ولحنه ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى‪ ،‬وذكر إسحاق أنه ل يعرف صاحبه‬
‫حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني محمد بن يونس بن الوليد قال‪ :‬كان ابن الزبير قد نفى أبا قطيفة مع من نفاه‬
‫‪:‬من بني أمية عن المدينة إلى الشأم‪ ،‬فلما طال مقامه بها قال‬
‫قباء وهل زال العقيق وحاضره‬ ‫?أل ليت شعري هل تغير بعـدنـا‬
‫أراهط غر من قريش تبـاكـره‬ ‫وهل برحت بطحاء قبر محـمـد‬
‫ومحض الهوى مني وللناس سائره قال وقال أيضا‪ :‬صوت من غير المائة‬ ‫لهم منتهى حبي وصفو مـودتـي‬
‫المختارة‬
‫أعلى العهد يلبـن فـبـرام‬ ‫?ليت شعري وأين منـي لـيت‬
‫بعدي الـحـادثـات واليام‬ ‫?أم كعهدي العقيق أم غـيرتـه‬
‫وجذاما‪ ،‬وأين منـي جـذام‬ ‫وبأهلي بدلت عكا ولـخـمـا‬
‫والقصور التي بهـا الطـام‬ ‫وتبدلت من مساكـن قـومـي‬
‫يتغنى على ذراه الـحـمـام‬ ‫كل قصر مـشـيد ذي أواس‬
‫وقليل لهـم لـدي الـسـلم عروضه من الخفيف‪ ،‬غناه معبد‪ ،‬ولحنه ثقيل‬ ‫إقر مني السلم إن جئت قومي‬
‫بالخنصر في مجرى البنصر‪ .‬و يلبن و برام ‪ :‬موضعان‪ .‬والطام‪ :‬جمع أطم‪ ،‬وهي القصور والحصون‪ .‬وقال الصمعي‪ :‬الطام‪:‬‬
‫الدور المسطحة السقوف‪ .‬وفي رواية ابن عمار‪ :‬ذي أواش بالشين معجمة‪ ،‬كأنه أراد به أن هذه القصور موشية أي منقوشة‪.‬‬
‫ورواه إسحاق‪ :‬أواس بالسين غير معجمة‪ ،‬وقال‪ :‬واحدها آسي‪ ،‬وهو الصل‪ .‬قال ويقال‪ :‬فلن في آسية‪ ،‬أي في أصله‪ .‬والسي‬
‫‪:‬والساس واحد‪ .‬وذرا كل شيء‪ :‬أعاليه‪ ،‬وهو جمع‪ ،‬واحدته ذروة‪ .‬ويروى‬
‫‪:‬أبلغن السلم إن جئت قومي وروى الزبير بن بكار هذه البيات لبي قطيفة‪ ،‬وزاد فيها‬
‫وزفـير فـمـا أكـاد أنـام‬ ‫أقطع الليل كلـه بـاكـتـئاب‬
‫ر وحادت عن قصدها الحلم‬ ‫نحو قومي إذ فرقت بيننا الـدا‬
‫ر وحرب يشيب منها الغـلم‬ ‫خشية أن تصيبهم عنـت الـده‬
‫ر عنا تبـاعـد وانـصـرام عفو ابن الزبير عن أبي قطيفة وعودته إلى المدينة‬ ‫فلقد حان أن يكون لهـذا الـده‬
‫وموته حين وصوله إليها رجع الخبر إلى سياقته من رواية ابن عمار‪ .‬وأخبرنا بمثله من هذا الموضع الحسين بن يحيى عن حماد‬
‫بن إسحاق عن أبيه عن الحزامي‪ ،‬وهو إبراهيم بن المنذر‪ ،‬عن مطرف بن عبد الله المدني قال‪ :‬إن ابن الزبير لما بلغه شعر أبي‬
‫قطيفة هذا قال‪ :‬حن والله أبو قطيفة وعليه السلم ورحمة الله‪ ،‬من لقيه فليخبره أنه آمن فليرجع‪ .‬فأخبر بذلك فانكفأ إلى‬
‫المدينة راجعا‪ ،‬فلم يصل إليها حتى مات‪ .‬قال ابن عمار‪ :‬فحدثت عن المدائني أن امرأة من أهل المدينة تزوجها رجل من أهل‬
‫الشأم‪ ،‬فخرج بها إلى بلده على كره منها‪ ،‬فسمعت منشدا ينشد شعر أبي قطيفة هذا‪ ،‬فشهقت شهقة وخرت على وجهها ميتة‪،‬‬
‫‪.‬هكذا ذكر ابن عمار في خبره‬

‫صفحة ‪9 :‬‬

‫وأخبرني الحسين بن يحيى قال قال حماد‪ :‬قرأت على أبي عن أيوب بن عباية قال قال حدثني سعيد بن عائشة مولى آل‬
‫المطلب بن عبد مناف قال‪ :‬خرجت امرأة من بني زهرة في خف‪ ،‬فرآها رجل من بني عبد شمس من أهل الشأم فأعجبته‪،‬‬
‫فسأل عنها فنسبت له‪ ،‬فخطبها إلى أهلها فزوجوه إياها بكره منها‪ ،‬فخرج بها إلى الشأم‪ .‬وخرجت مخرجا ‪ ،‬فسمعت متمثل‬
‫يقول‪ :‬صوت من غير المائة المختارة‬
‫جبوب المصلى أم كعهدي القرائن‬ ‫?أل ليت شعري هل تغير بـعـدنـا‬
‫من الحي أم هل بالمدينة ساكـن‬ ‫?وهل أدؤر حول البلط عـوامـر‬
‫دعا الشوق مني برقها المتـيامـن‬ ‫إذا برقت نحو الحجـاز سـحـابة‬
‫ولكنـه مـا قـدر الـلـه كـائن عروضه من الطويل‪ ،‬يقال‪ :‬إن لمعبد فيه لحنا‪،‬‬ ‫فلم أتركنها رغـبة عـن بـلدهـا‬
‫قال‪ :‬فتنفست بين النساء فوقعت ميتة‪ .‬قال أيوب‪ :‬فحدثت بهذا الحديث عبد العزيز بن أبي ثابت العرج فقال‪ :‬أتعرفها? قلت‬
‫‪.‬ل‪ .‬قال‪ :‬هي والله عمتي حميدة بنت عمر بن عبد الرحمن بن عوف‬
‫أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال‪ :‬حدثنا الرياشي قال‪ :‬أخبرني ابن عائشة‪ ،‬قال‪ :‬لما أجلى ابن الزبير بني أمية عن الحجاز‬
‫‪:‬قال أيمن بن خريم السدي‬
‫وعري عن منازلهم صرار‬ ‫كأن بني أمـية يوم راحـوا‬
‫بزينتها وجادتها القـطـار وأخبرني الحسن بن علي الخفاف‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا بن محمد‬ ‫شماريخ الجبال إذا تـردت‬
‫سعد الكراني‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا العمري عن العتبى قال‪ :‬كتب أبو قطيفة عمرو بن الوليد بن عقبة إلى أبيه وهو متولي الكوفة لعثمان‬
‫‪:‬بن عفان‬
‫أرق بل داء سوى النـعـاظ‬ ‫من مبلغ عني المير بأنـنـي‬
‫في الدار محدودا بزرق لحاظ يعني دار عثمان التي تقام فيها الحدود‪ .‬فابتاع‬ ‫إن لم تغثني خفت إثمك أو أرى‬
‫له جارية بالكوفة وبعث بها إليه‪ .‬أخبرني عبد الله بن محمد الرازي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الخراز عن المدائني‪ ،‬قال‪ :‬كان أبو قطيفة من‬
‫‪:‬شعراء قريش‪ ،‬وكان ممن نفاه ابن الزبير مع بني أمية إلى الشأم‪ ،‬فقال في ذلك‬
‫ولكنه ما قـدر الـلـه كـائن‬ ‫وما أخرجتنا رغبة عن بلدنـا‬
‫كأني أسير في السلسل راهن وكان يتحرق على المدينة‪ ،‬فأتى عباد بن زياد‬ ‫أحن إلى تلك الوجوه صـبـابة‬
‫ذات يوم عبد الملك فقال له‪ :‬إن خاله أخبره أن العراقين قد فتحا‪ .‬فقال عبد الملك لبي قطيفة لما يعلمه من حبه المدينة‪ :‬أما‬
‫‪:‬تسمع ما يقوله عباد عن خاله? قد طابت لك المدينة الن‪ .‬فقال أبو قطيفة‬
‫إن غرني من حياتي خال عباد‬ ‫إني لحمق من يمشي على قدم‬
‫ودون ذلك يوم شـره بـادي قال‪ :‬وأذن له ابن الزبير في الرجوع‪ ،‬فرجع‬ ‫أنشا يقول لنا المصران قد فتحا‬
‫‪.‬فمات في طريقه‬
‫قصر سعيد بن العاص بالعرصة‬
‫وشيء من أخباره وأما خبر القصر الذي تقدم ذكره وبيعه من معاوية‪ ،‬فأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال ذكر‬
‫مصعب بن عمار بن مصعب بن عروة بن الزبير‪ :‬أن سعيد بن العاص لما حضرته الوفاة وهو في قصره هذا‪ ،‬قال له ابنه عمرو‪:‬‬
‫‪:‬لو نزلت إلى المدينة فقال‬

‫صفحة ‪10 :‬‬

‫يا بني‪ ،‬إن قومي لن يضنوا علي بأن يحملوني على رقابهم ساعة من نهار‪ ،‬وإذا أنا مت فآذنهم‪ ،‬فإذا واريتني فانطلق إلى‬
‫معاوية فانعني له‪ ،‬وانظر في ديني‪ ،‬واعلم أنه سيعرض عليك قضاءه فل تفعل‪ ،‬واعرض عليه قصري هذا‪ ،‬فإني إنما اتخذته نزهة‬
‫وليس بمال‪ .‬فلما مات آذن به الناس‪ ،‬فحملوه من قصره حتى دفن بالبقيع‪ ،‬ورواحل عمرو بن سعيد مناخة‪ ،‬فعزاه الناس على‬
‫قبره وودعوه‪ ،‬فكان هو أول من نعاه لمعاوية‪ ،‬فتوجع له وترحم عليه‪ ،‬ثم قال‪ :‬هل ترك دينا? قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬كم هو? قال‪:‬‬
‫ثلثمائة ألف درهم ‪ .‬قال‪ :‬هي علي‪ .‬قال‪ :‬قد ظن ذلك وأمرني أل أقبله منك‪ ،‬وأن أعرض عليك بعض ماله فتبتاعه فيكون قضاء‬
‫دينه منه‪ .‬قال‪ :‬فاعرض علي ‪ .‬قال‪ :‬قصره بالعرصة‪ .‬قال‪ :‬قد أخذته بدينه‪ .‬قال‪ :‬هو لك على أن تحملها إلى المدينة وتجعلها‬
‫بالوافية‪ .‬قال‪ :‬نعم‪ .‬فحملها له إلى المدينة وفرقها في غرمائه‪ ،‬وكان أكثرها عدات‪ .‬فأتاه شاب من قريش بصك فيه عشرون‬
‫ألف درهم بشهادة سعيد على نفسه وشهادة مولى له عليه‪ .‬فأرسل إلى المولى فأقرأه الصك‪ ،‬فلما قرأه بكى وقال‪ :‬نعم هذا‬
‫خطه وهذه شهادتي عليه‪ .‬فقال له عمرو‪ :‬من أين يكون لهذا الفتى عليه عشرون ألف درهم وإنما هو صعلوك من صعاليك‬
‫قريش? قال‪ :‬أخبرك عنه‪ ،‬مر سعيد بعد عزله‪ ،‬فاعترض له هذا الفتى ومشى معه حتى صار إلى منزله‪ ،‬فوقف له سعيد فقال‪:‬‬
‫ألك حاجة? قال‪ :‬ل‪ ،‬إل أني رأيتك تمشي وحدك فأحببت أن أصل جناحك‪ .‬فقال لي‪ :‬ائتني بصحيفة‪ ،‬فأتيته بهذه‪ ،‬فكتب له على‬
‫نفسه هذا الدين وقال‪ :‬إنك لم تصادف عندنا شيئا فخذ هذا‪ ،‬فإذا جاءنا شيء فأتنا‪ .‬فقال عمرو‪ :‬ل جرم والله ل يأخذها إل‬
‫‪.‬بالوافية‪ ،‬أعطيه إياها‪ ،‬فدفع إليه عشرين ألف درهم وافية‬
‫أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عمر بن شبة‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الصلت بن مسعود‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سفيان بن عيينة‪،‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا هارون المدائني قال‪ :‬كان الرجل يأتي سعيد بن العاص يسأله فل يكون عنده‪ ،‬فيقول‪ :‬ما عندي‪ ،‬ولكن أكتب علي به‪،‬‬
‫فيكتب عليه كتابا‪ ،‬فيقول‪ :‬تروني أخذت منه ثمن هذا? ل‪ ،‬ولكنه يجيء فيسألني فينزو دم وجهه في وجهي فأكره رده‪ .‬فأتاه‬
‫مولى لقريش بابن موله وهو غلم فقال‪ :‬إن أبا هذا قد هلك وقد أردنا تزويجه‪ .‬فقال‪ :‬ما عندي‪ ،‬ولكن خذ ما شئت في أمانتي‪.‬‬
‫فلما مات سعيد بن العاص جاء الرجل إلى عمرو بن سعيد فقال‪ :‬إني أتيت أباك بابن فلن‪ ،‬وأخبره بالقصة‪ .‬فقال له عمرو‪:‬‬
‫فكم أخذت? قال‪ :‬عشرة آلف‪ .‬فأقبل عمرو على القوم فقال‪ :‬من رأى أعجز من هذا يقول له سعيد‪ :‬خذ ما شئت في أمانتي‬
‫‪.‬فيأخذ عشرة آلف لو أخذت مائة ألف لديتها عنك‬
‫اعتداد أبي قطيفة بنسبه‬
‫وهجوه عبد الملك بن مروان أخبرني عمي قال‪ :‬حدثنا الكراني قال‪ :‬حدثنا العمري عن ابن الكلبي‪ ،‬قال‪ :‬قال أبو قطيفة ‪-‬‬
‫‪ -:‬وكانت أمه وأم خالد بن الوليد بن عقبة عمة أروى بنت أبي عقيل بن مسعود بن عامر بن معتب‬
‫لكرم ضئضىء وأعز جـيل‬ ‫أنا ابن أبي معيط حين أنـمـى‬
‫ومخزوم فما أنا بـالـضـئيل‬ ‫وأنمي للعقائل مـن قـصـي‬
‫وأروى الخير بنت أبي عقـيل‬ ‫وأروى من كريز قد نمتـنـي‬
‫لعمر أبيك في الشرف الطويل‬ ‫كل الحيين مـن هـذا وهـذا‬
‫ليعلم ما تقول ذوو العـقـول‬ ‫فعدد مثـلـهـن أبـا ذبـاب‬
‫ول لي في الزارق من سبيل قال‪ :‬يعني بأبي الذباب عبد الملك‪ .‬والزرقاء‪ :‬إحدى‬ ‫فما الزرقاء لي أما فـأخـزى‬
‫‪.‬أمهاته من كندة‪ ،‬وكان يعير بها‬
‫أخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬أخبرني محمد بن زكريا‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا قعنب بن المحرز‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا المدائني‪ ،‬قال‪ :‬بلغ أبا قطيفة‬
‫‪:‬أن عبد الملك بن مروان يتنقصه‪ ،‬فقال‬
‫ومن ذا من الناس البريء المسلم‬ ‫?نبئت أن ابن العملـس عـابـنـي‬
‫فقد جعلت أشياء تبدو وتـكـتـم فبلغ ذلك عبد الملك فقال‪ :‬ما ظننت أنا‬ ‫من أنتم من أنتم خبرونا من أنـتـم‬
‫‪.‬نجهل‪ ،‬والله لول رعايتي لحرمته للحقته بما يعلم‪ ،‬ولقطعت جلده بالسياط‬
‫شعر أبي قطيفة في امرأته بعد طلقها‬
‫‪:‬أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن العتبي قال‬
‫صفحة ‪11 :‬‬

‫‪:‬طلق أبو قطيفة امرأته‪ ،‬فتزوجها رجل من أهل العراق‪ ،‬ثم ندم بعد أن رحل بها الرجل وصارت له‪ ،‬فقال‬
‫ورحلة أهلها نحو العراق‬ ‫فيا أسفا لفرقة أم عمـرو‬
‫ول حتى القيامة من تلقي‬ ‫فليس إلى زيارتها سـبـيل‬
‫بموت من حليل أو طلق‬ ‫وعل الله يرجعهـا إلـينـا‬
‫ويجمع شملنا بعد افتـراق مقتل سعيد بن عثمان بالمدينة‬ ‫فأرجع شامتا وتقر عينـي‬
‫أخبرني عمي ومحمد بن جعفر قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثنا محمد بن علي بن أبي حسان عن هشام بن محمد‬
‫عن خالد بن سعيد عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬استعمل معاوية سعيد بن عثمان على خراسان‪ ،‬فلما عزله قدم المدينة بمال وسلح وثلثين‬
‫عبدا من السغد‪ ،‬فأمرهم أن يبنوا له دارا‪ .‬فبينا هو جالس فيها ومعه ابن سيحان وابن زينة وخالد بن عقبة وأبو قطيفة إذ تآمروا‬
‫‪ -:‬بينهم فقتلوه‪ ،‬فقال أبو قطيفة يرثيه ‪ -‬وقيل إنها لخالد بن عقبة‬
‫وابكي سعيد بن عثمان بن عفانا‬ ‫يا عين جودي بدمع منك تهتانـا‬
‫وفر عنه ابن أرطاة بن سيحانا‬ ‫إن ابن زينة لم تصدق مودتـه‬
‫ذكر معبد وبعض أخباره‬
‫نسب معبد ونشأته ووفاته‬
‫هو معبد بن وهب‪ ،‬وقيل ابن قطني مولى ابن قطر‪ ،‬وقيل ابن قطن مولى العاص بن وابصة المخزومي‪ ،‬وقيل بل مولى معاوية‬
‫‪.‬بن أبي سفيان‬
‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الزبير بن بكار‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عبد الرحمن بن عبد الله الزهري‪ ،‬قال‪ :‬معبد المغني‬
‫‪.‬ابن وهب مولى عبد الرحمن بن قطر‬
‫وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬قال ابن الكلبي‪ :‬معبد مولى ابن قطر‪ ،‬والقطريون موالي معاوية بن أبي‬
‫‪.‬سفيان‬
‫وأخبرني إسماعيل بن يونس‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عمر بن شبة‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو غسان‪ ،‬قال‪ :‬معبد بن وهب مولى ابن قطن وهم موالي‬
‫‪.‬آل وابصة من بني مخزوم‪ ،‬وكان أبوه أسود وكان هو خلسيا مديد القامة أحول‬
‫وذكر ابن خرداذبه أنه غنى في أول دولة بني أمية‪ ،‬وأدرك دولة بني العباس‪ ،‬وقد أصابه الفالج وارتعش وبطل‪ ،‬فكان إذا غنى‬
‫يضحك منه ويهزأ به‪ .‬وابن خرداذبه قليل التصحيح لما يرويه ويضمنه كتبه‪ .‬والصحيح أن معبدا مات في أيام الوليد بن يزيد‬
‫‪.‬بدمشق وهو عنده‪ .‬وقد قيل‪ :‬إنه أصابه الفالج قبل موته وارتعش وبطل صوته‬
‫‪.‬فأما إدراكه دولة بني العباس فلم يروه أحد سوى ابن خرداذبه ول قاله ول رواه عن أحد‪ ،‬وإنما جاء به مجازفة‬
‫أخبرني محمد بن العباس اليزيدي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عمر بن شبة‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أيوب بن عمر أبو سلمة المديني قال حدثنا عبد الله‬
‫بن عمران بن أبي فروة‪ ،‬قال‪ :‬حدثني كردم بن معبد المغني مولى ابن قطن‪ ،‬قال‪ :‬مات أبي وهو في عسكر الوليد بن يزيد وأنا‬
‫معه‪ ،‬فنظرت حين أخرج نعشه إلى سلمة القس (جارية يزيد بن عبد الملك) وقد أضرب الناس عنه ينظرون إليها وهي آخذة‬
‫‪:‬بعمود السرير‪ ،‬وهي تبكي أبي وتقول‬
‫كأخي الداء الوجـيع‬ ‫قد لعمري بت لـيلـي‬
‫بات أدنى من ضجيعي‬ ‫ونجي الـهـم مـنـي‬
‫خاليا فاضت دموعـي‬ ‫كلما أبصـرت ربـع‬
‫ن لنا غير مـضـيع‬ ‫قد خل من سـيد كـا‬
‫أو هممنا بخـشـوع قال كردم‪ :‬وكان يزيد أمر أبي أن يعلمها هذا الصوت‪ ،‬فعلمها إياه‬ ‫ل تلمنا إن خشـعـنـا‬
‫فندبته به يومئذ‪ .‬قال‪ :‬فلقد رأيت الوليد بن يزيد والغمر أخاه متجردين في قميصين ورداءين يمشيان بين يدي سريره حتى‬
‫‪.‬أخرج من دار الوليد‪ ،‬لنه تولى أمره وأخرجه من داره إلى موضع قبره‬
‫فأما نسبة هذا الصوت‪ ،‬فإن الشعر للحوص‪ ،‬والغناء لمعبد‪ ،‬ذكره يونس ولم يجنسه‪ .‬وذكر الهشامي أنه ثاني ثقيل بالوسطى‪،‬‬
‫قال‪ :‬وفيه لحبابة خفيف ثقيل‪ ،‬ولبن المكي ثقيل أول نشيد‪ .‬وفيه لسلمة القس عن إسحاق لحن من القدر الوسط من الثقيل‬
‫‪.‬الول بالوسطى في مجراها‬
‫أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه‪ ،‬قال قال أبو عبيدة‪ :‬ذكر مولى لل الزبير ‪ -‬وكان منقطعا إلى جعفر ومحمد ابني‬
‫سليمان بن علي ‪ :-‬أن معبدا عاش حتى كبر وانقطع صوته‪ ،‬فدعاه رجل من ولد عثمان‪ ،‬فلما غنى الشيخ لم يطرب القوم‪،‬‬
‫‪:‬وكان فيهم فتيان نزول من ولد أسيد بن أبي العيص بن أمية‪ ،‬فضحكوا منه وهزئوا به‪ ،‬فأنشأ يغني‬

‫صفحة ‪12 :‬‬

‫قمدون سودان عظام المنـاكـب‬ ‫فضحتم قريشا بالفـرار وأنـتـم‬


‫ولكن سيرا في عراض المواكب ‪ -‬وهذا شعر هجوا به قديما ‪ -‬فقاموا إليه‬ ‫فأما القتـال ل قـتـال لـديكـم‬
‫ليتناولوه؛ فمنعهم العثماني من ذلك وقال‪ :‬ضحكتم منه حتى إذا أحفظتموه أردتم أن تتناولوه‪ ،‬ل والله ل يكون ذلك قال إسحاق‪:‬‬
‫فحدثني ابن سلم قال‪ :‬أخبرني من رآه على هذه الحال فقال له‪ :‬أصرت إلى ما أرى? فأشار إلى حلقه وقال‪ :‬إنما كان هذا؛‬
‫‪.‬فلما ذهب ذهب كل شيء‬
‫اعتراف المغنين لمعبد بالتفوق‬
‫والسبق في صناعة الغناء قال إسحاق‪ :‬كان معبد من أحسن الناس غناء‪ ،‬وأجودهم صنعة‪ ،‬وأحسنهم حلقا؛ وهو فحل المغنين‬
‫وإمام أهل المدينة في الغناء‪ ،‬وأخذ عن سائب خاثر‪ ،‬ونشيط مولى عبد الله بن جعفر‪ ،‬وعن جميلة مولة بهز بطن من سليم ‪،‬‬
‫‪:‬وكان زوجها مولى لبني الحارث بن الخزرج؛ فقيل لها مولة النصار لذلك‪ .‬وفي معبد يقول الشعر‬
‫وما قصبات السبق إل لمعب قال إسحاق قال ابن الكلبي عن أبيه‪ :‬كان ابن أبي‬ ‫أجاد طويس والسريجي بعده‬
‫عتيق خرج إلى مكة فجاء معه ابن سريج إلى المدينة‪ ،‬فأسمعوه غناء معبد وهو غلم‪ ،‬وذلك في أيام مسلم بن عقبة المري‪،‬‬
‫وقالوا‪ :‬ما تقول فيه? فقال‪ :‬إن عاش كان مغني بلده‪ .‬ولمعبد صنعة لم يسبقه إليها من تقدم‪ ،‬ول زاد عليه فيها من تأخر‪.‬‬
‫وكانت صناعته التجارة في أكثر أيام رقه‪ ،‬وربما رعى الغنم لمواليه‪ ،‬وهو مع ذلك يختلف إلى نشيط الفارسي وسائب خاثر‬
‫مولى عبد الله بن جعفر‪ ،‬حتى اشتهر بالحذق وحسن الغناء وطيب الصوت‪ .‬وصنع اللحان فأجاد واعترف له بالتقدم على أهل‬
‫‪.‬عصره‬
‫أخبرني الحسين بن يحيى‪ ،‬قال قال حماد قرأت على أبي‪ :‬قال الجمحي‪ :‬بلغني أن معبدا قال‪ :‬والله لقد صنعت ألحانا ل يقدر‬
‫شبعان ممتلىء ول سقاء يحمل قربة على الترنم بها ولقد صنعت ألحانا ل يقدر المتكىء أن يترنم بها حتى يقعد مستوفزا‪ ،‬ول‬
‫‪.‬القاعد حتى يقوم‬
‫قال إسحاق‪ :‬وبلغني أن معبدا أتى ابن سريج وابن سريج ل يعرفه‪ ،‬فسمع منه ما شاء‪ ،‬ثم عرض نفسه عليه وغناه وقال له‪:‬‬
‫كيف كنت تسمع جعلت فداءك? فقال له‪ :‬لو شئت كنت قد كفيت بنفسك الطلب من غيرك‪ .‬قال‪ :‬وسمعت من ل أحصي من‬
‫أهل العلم بالغناء يقولون‪ :‬لم يكن فيمن غنى أحد أعلم بالغناء من معبد‪ .‬قال‪ :‬وحدثني أيوب بن عباية قال‪ :‬دخلت على الحسن‬
‫بن مسلم أبي العراقيب وعنده جاريته عاتكة‪ ،‬فتحدث فذكر معبدا فقال‪ :‬أدركته يلبس ثوبين ممشقين‪ ،‬وكان إذا غنى عل‬
‫‪.‬منخراه‪ .‬فقالت عاتكة‪ :‬يا سيدي أو أدركت معبدا? قال‪ :‬إي والله وأقدم من معبد‪ .‬فقالت‪ :‬استحييت لك من هذا الكبر‬
‫علو كعبه في صناعة الغناء‬
‫أخبرني الحسين بن يحيى قال نسخت من كتاب حماد‪ :‬قرأت على أبي أخبرني محمد بن سلم‪ ،‬قال‪ :‬حدثني جرير‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫معبد‪ :‬قدمت مكة فقيل لي‪ :‬إن ابن صفوان قد سبق بين المغنين جائزة‪ ،‬فأتيت بابه فطلبت الدخول‪ ،‬فقال لي آذنه‪ :‬قد تقدم‬
‫إلي أل آذن لحد عليه ول أؤذنه به‪ .‬قال فقلت‪ :‬دعوني أدنو من الباب فأغني صوتا‪ .‬قال‪ :‬أما هذا فنعم‪ .‬فدنوت من الباب‪ ،‬فغنيت‬
‫‪.‬صوتا ‪ ،‬فقالوا‪ :‬معبد وفتحوا لي‪ ،‬فأخذت الجائزة يومئذ‬
‫أخبرني الحسين قال نسخت من كتاب حماد‪ :‬قال أبي‪ :‬وذكر عورك ‪ -‬وهو الحسن بن عتبة اللهبي ‪ -‬أن الوليد بن يزيد كان‬
‫‪:‬يقول‪ :‬ما أقدر على الحج‪ .‬فقيل له‪ :‬وكيف ذاك? قال‪ :‬يستقبلني أهل المدينة بصوتي معبد‬
‫‪:‬القصر فالنخل فالجماء بينهما و قتيلة يعني لحنه‬
‫د تليع تزينه الطـواق قال إسحاق‪ :‬قيل لمعبد‪ :‬كيف تصنع إذا أردت أن تصوغ‬ ‫يوم تبدي لنا قتيلة عن جي‬
‫الغناء? قال‪ :‬أرتحل قعودي وأوقع بالقضيب على رحلي وأترنم عليه بالشعر حتى يستوي لي الصوت‪ .‬فقيل له‪ :‬ما أبين ذلك في‬
‫غنائك قال إسحاق‪ :‬وقال مصعب الزبيري قال يحيى بن عباد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير حدثني أبي قال‪ :‬قال معبد‪ :‬كنت‬
‫غلما مملوكا لل قطن مولى بني مخزوم‪ ،‬وكنت أتلقى الغنم بظهر الحرة‪ ،‬وكانوا تجارا أعالج لهم التجارة في ذلك‪ ،‬فآرتي‬
‫صخرة بالحرة ملقاة بالليل فأستند إليها‪ ،‬فأسمع وأنا نائم صوتا يججري في مسامعي‪ ،‬فأقوم من النوم فأحكيه‪ ،‬فهذا كان مبدأ‬
‫‪.‬غنائي‬
‫اعتراف مالك بن أبي السمح لمعبد بالتفوق‬
‫عليه في صنعة الغناء‬

‫صفحة ‪13 :‬‬

‫أخبرني الحسين بن يحيى قال‪ :‬نسخت من كتاب حماد‪ :‬قال أبي قال محمد بن سعيد الدوسي عن أبيه ومحمد بن يزيد عن‬
‫سعيد الدوسي عن الربيع بن أبي الهيثم قال‪ :‬كنا جلوسا مع عبد الله بن جعفر بن أبي طالب‪ ،‬فقال إنسان لمالك‪ :‬أنشدك الله‪،‬‬
‫‪:‬أنت أحسن غناء أم معبد? فقال مالك‪ :‬والله ما بلغت شراكه قط‪ ،‬والله لو لم يغن معبد إل قوله‬
‫أل فر عني مالك بن أبي كعـب‬ ‫لعمر أبيها ل تقول حـلـيلـتـي‬
‫ترى حوله البطال في حلق شهب لكان حسبه‪ .‬قال‪ :‬وكان مالك إذا غنى‬ ‫وهم يضربون الكبش تبرق بيضـه‬
‫غناء معبد يخفف منه‪ ،‬ثم يقول‪ :‬أطال الشعر معبد ومططه‪ ،‬وحذفته أنا‪ .‬وتمام هذا الصوت‪ :‬صوت من غير المائة المختارة‬

‫أل فر عني مالك بن أبي كعـب‬ ‫لعمر أبيها ل تقول حـلـيلـتـي‬


‫ترى حوله البطال في حلق شهب‬ ‫وهم يضربون الكبش تبرق بيضـه‬
‫نشاوى فلم أقطع بقولي لهم حسبي‬ ‫إذا أنفدوا الزق الروي وصرعـوا‬
‫بغير مكاس في السوام ول غصب عروضه من الطويل‪ .‬والشعر لمالك بن أبي‬ ‫بعثت إلى حانوتها فـسـبـأتـهـا‬
‫كعب بن القين الخزرجي أحد بني سلمة‪ .‬هكذا ذكر إسحاق‪ ،‬وغيره يذكر أنه من مراد‪ .‬ولهذا الشعر خبر طويل يذكر بعد هذا‪.‬‬
‫والغناء في البيتين الولين لمعبد ثقيل أول بالوسطى‪ ،‬ومن الناس من ينسبه إلى ابن سريج‪ .‬ولمالك في الثالث والرابع من‬
‫البيات لحن من الثقيل الول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق‪ ،‬ومن الناس من ينسب هذا اللحن إلى معبد ويقول‪ :‬إن‬
‫مالكا أخذ لحنه فيه فحذف بعض نغمه وانتحله‪ ،‬وإن اللحن لمعبد في البيات الربعة‪ .‬وقد ذكر أن هذا الشعر لرجل من مراد‪،‬‬
‫وروي له فيه حديث طويل‪ .‬وقد أخرج خبره في ذلك وخبر مالك بن أبي كعب الخزرجي أبي كعب بن مالك صاحب رسول الله‬
‫‪.‬صلى الله عليه وسلم وآله في موضع آخر أفرد له‪ ،‬إذ كانت له أخبار كثيرة‪ ،‬ولجله ل تصلح أن تذكر ها هنا‬
‫رجع الخبر إلى معبد ‪ -‬أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو غسان عن يونس الكاتب قال‪ :‬معبد‬
‫وابن محرز‬
‫أقبلت من عند معبد‪ ،‬فلقيني ابن محرز ببطحان‪ ،‬فقال‪ :‬من أين أقبلت? قلت‪ :‬من عند أبي عباد‪ .‬فقال‪ :‬ما أخذت عنه? قلت‪:‬‬
‫‪:‬غنى صوتا فأخذته‪ .‬قال‪ :‬وما هو? قلت‬
‫في ربع دار عابه قدمه ‪ -‬الشعر لخالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد ‪ -‬فقال لي‪ :‬ادخل‬ ‫ماذا تأمل واقف جمـل‬
‫معي دار ابن هرمة وألقه علي‪ ،‬فدخلت معه‪ ،‬فما زلت أردده عليه حتى غناه‪ ،‬ثم قال‪ :‬ارجع معي إلى أبي عباد‪ ،‬فرجعنا فسمعه‬
‫‪.‬منه‪ ،‬ثم لم نفترق حتى صنع فيه ابن محرز لحنا آخر‬
‫نسبة هذا الصوت‬
‫صوت‬
‫في ربع دار عابه قدمه‬ ‫ماذا تأمل واقف جمـل‬
‫لبد الرمادة ناصع حممه غناه معبد‪ ،‬ولحنه ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى‪.‬‬ ‫أقوى وأقفر غير منتصب‬
‫وفيه خفيف ثقيل أول بالوسطى ينسب إلى الغريض وإلى ابن محرز‪ .‬وذكر عمرو بن بانة أن الثقيل الول للغريض‪ .‬وذكر حبش‬
‫‪.‬أن فيه لمالك ثاني ثقيل بالوسطى‪ .‬وفيه رمل بالوسطى ينسب إلى سائب خاثر‪ ،‬وذكر حبش أنه لسحاق‬
‫قدوم ابن سريج والغريض المدينة‬
‫ثم ارتدادهما عنها بعد سماعهما صوت معبد أخبرني الحسين بن يحيى قال نسخت من كتاب حماد‪ :‬قال أبي قال ابن الكلبي‪:‬‬
‫قدم ابن سريج والغريض المدينة يتعرضان لمعروف أهلها‪ ،‬ويزوران من بها من صديقهما من قريش وغيرهم‪ .‬فلما شارفاها‬
‫تقدما ثقلهما ليرتادا منزل‪ ،‬حتى إذا كانا بالمغسلة ‪ -‬وهي جبانة على طرف المدينة يغسل فيها الثياب ‪ -‬إذا هما بغلم ملتحف‬
‫‪:‬بإزار وطرفه على رأسه‪ ،‬بيده حبالة يتصيد بها الطير وهو يتغنى ويقول‬
‫أشهى إلى النفس من أبواب جيرون وإذا الغلم معبد‪ .‬قال‪ :‬فلما سمع ابن‬ ‫القصر فالنخل فالجماء بينـهـمـا‬
‫سريج والغريض معبدا مال إليه واستعاداه الصوت فأعاده‪ ،‬فسمعا شيئا لم يسمعا بمثله قط‪ .‬فأقبل أحدهما على صاحبه فقال‪:‬‬
‫هل سمعت كاليوم قط? قال‪ :‬ل والله فما رأيك? قال ابن سريج‪ :‬هذا غناء غلم يصيد الطير‪ ،‬فكيف بمن في الجوبة ‪ -‬يعني‬
‫‪.‬المدينة ‪ -‬قال‪ :‬أما أنا فثكلته والدته إن لم أرجع‪ .‬قال‪ :‬فكرا راجعين‬
‫صفحة ‪14 :‬‬

‫قدوم معبد مكة وما وقع له مع الغريض‬


‫قال‪ :‬وقال معبد‪ :‬قدمت مكة‪ ،‬فذهب بي بعض القرشيين إلى الغريض‪ ،‬فدخلنا عليه وهو متصبح‪ ،‬فانتبه من صبحته وقعد‪ ،‬فسلم‬
‫عليه القرشي‪ ،‬وسأله فقال له‪ :‬هذا معبد قد أتيتك به‪ ،‬وأنا أحب أن تسمع منه‪ .‬قال‪ :‬هات‪ ،‬فغنيته أصواتا‪ .‬فقال بمدرى معه في‬
‫رأسه‪ ،‬ثم قال‪ :‬إنك يا معبد لمليح الغناء‪ .‬قال‪ :‬فأحفظني ذلك‪ ،‬فجثوت على ركبتي‪ ،‬ثم غنيته من صنعتي عشرين صوتا لم يسمع‬
‫‪.‬بمثلها قط‪ ،‬وهو مطرق واجم قد تغير لونه حسدا وخجل‬
‫ما وقع لمعبد مع حكم الوادي‬
‫قال إسحاق‪ :‬وأخبرت عن حكم الوادي قال‪ :‬كنت أنا وجماعة من المغنين نختلف إلى معبد نأخذ عنه ونتعلم منه‪ ،‬فغنانا يوما‬
‫‪:‬صوتا من صنعته وأعجب به‪ ،‬وهو‬
‫القصر فالنخل فالجماء بينهما فاستحسناه وعجبنا منه‪ .‬وكنت في ذلك اليوم أول من أخذه عنه واستحسنه مني فأعجبتني‬
‫نفسي‪ .‬فلما انصرفت من عند معبد عملت فيه لحنا آخر وبكرت على معبد مع أصحابي وأنا معجب بلحني‪ .‬فلما تغنينا أصواتا‬
‫قلت له‪ :‬إني قد عملت بعدك في الشعر الذي غنيتناه لحنا‪ ،‬واندفعت فغنيته صوتي‪ ،‬فوجم معبد ساعة يتعجب مني ثم قال‪ :‬قد‬
‫كنت أمس أرجى مني لك اليوم‪ ،‬وأنت اليوم عندي أبعد من الفلح‪ .‬قال حكم‪ :‬فأنسيت ‪ -‬يعلم الله ‪ -‬صوتي ذلك منذ تلك‬
‫‪.‬الساعة فما ذكرته إلى وقتي هذا‬
‫ما وقع لمعبد مع العبد السود‬
‫وهو في طريقه إلى بعض أمراء الحجاز قال إسحاق‪ :‬وقال معبد‪ :‬بعث إلي بعض أمراء الحجاز ‪ -‬وقد كان جمع له الحرمان ‪ -‬أن‬
‫اشخص إلى مكة‪ ،‬فشخصت‪ .‬قال‪ :‬فتقدمت غلمي في بعض تلك اليام‪ ،‬واشتد علي الحر والعطش‪ ،‬فانتهيت إلى خباء فيه‬
‫أسود وإذا حباب ماء قد بردت‪ ،‬فملت إليه فقلت‪ :‬يا هذا‪ ،‬اسقني من هذا الماء‪ .‬فقال ل‪ .‬فقلت‪ :‬فأذن لي في الكن ساعة‪ .‬قال‬
‫ل‪ .‬فأنخت ناقتي ولجأت إلى ظلها فاستترت به‪ ،‬وقلت‪ :‬لو أحدثت لهذا المير شيئا من الغناء أقدم به عليه‪ ،‬ولعلي إن حركت‬
‫‪:‬لساني أن يبل حلقي ريقي فيخفف عني بعض ما أجده من العطش فترنمت بصوتي‬
‫القصر فالنخل فالجماء بينهما فلما سمعني السود‪ ،‬ما شعرت به إل وقد احتملني حتى أدخلني خباءه‪ ،‬ثم قال‪ :‬إي‪ ،‬بأبي أنت‬
‫وأمي هل لك في سويق السلت بهذا الماء البارد? فقلت‪ :‬قد منعتني أقل من ذلك‪ ،‬وشربة ماء تجزئني‪ .‬قال‪ :‬فسقاني حتى‬
‫رويت‪ ،‬وجاء الغلم فأقمت عنده إلى وقت الرواح‪ .‬فلما أردت الرحلة قال‪ :‬إي‪ ،‬بأبي أنت وأمي الحر شديد ول آمن عليك مثل‬
‫الذي أصابك‪ ،‬فأذن لي في أن أحمل معك قربة من ماء على عنقي وأسعى بها معك‪ ،‬فكلما عطشت سقيتك صحنا وغنيتني‬
‫‪.‬صوتا قال‪ :‬قلت ذاك لك‪ .‬فوالله ما فارقني يسقيني وأغنيه حتى بلغت المنزل‬
‫نسخت من كتاب جعفر بن قدامة بخطه‪ :‬حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه عن الزبير عن جرير قال‪ :‬معبد وابن سريج‬
‫والتقاؤهما‬
‫عفوا ببطن مر ثم تعارفهما بصوتيهما كان معبد خارجا إلى مكة في بعض أسفاره‪ ،‬فسمع في طريقه غناء في بطن مر فقصد‬
‫الموضع‪ ،‬فإذا رجل جالس على حرف بركة فارق شعره حسن الوجه‪ ،‬عليه دراعة قد صبغها بزعفران‪ ،‬وإذا هو يتغنى‪ :‬صوت‬

‫ودعا الهم شجـوه فـأجـابـا‬ ‫حن قلبي من بعد ما قد أنـابـا‬


‫لبس من خلئه جـلـبـابـا‬ ‫ذاك من منزل لسلمـى خـلء‬
‫طمعـا أن يرد ريع جـوابـا‬ ‫عجت فيه وقلت للركب عوجوا‬
‫ب وأبدى الهموم والوصابـا فقرع معبد بعصاه وغنى‬ ‫‪:‬فاستشار المنسي من لوعة الح‬
‫حدق تقلبها النساء مـراض‬ ‫منع الحياة من الرجال ونفعها‬
‫حدق النساء لنبلها أغـراض فقال له ابن سريج‪ :‬بالله أنت معبد? قال‪ :‬نعم‪ ،‬وبالله‬ ‫وكأن أفئدة الرجـال إذا رأوا‬
‫‪.‬أنت ابن سريج? قال‪ :‬نعم‪ ،‬وواله لو عرفتك ما غنيت بين يديك‬
‫نسبة هذين الصوتين وأخبارهما‬
‫صوت‬

‫ودعا الهم شجـوه فـأجـابـا‬ ‫حن قلبي من بعد ما قد أنـابـا‬


‫ب وأبدى الهموم والوصابـا‬ ‫فاستثار المنسي من لوعة الـح‬
‫مكتس من عفائه جـلـبـابـا‬ ‫ذاك من منزل لسلمـى خـلء‬
‫طمعا أن يرد ربـع جـوابـا‬ ‫عجت فيه وقلت للركب عوجوا‬

‫صفحة ‪15 :‬‬

‫قانيا لونها يخال خضابـا‬ ‫ثانيا من زمام وجناء عنس‬


‫ت وخالتها انتخبن عرابا الشعر لعمر بن أبي ربعية‪ .‬والغناء لبن سريج‪ ،‬وله فيه‬ ‫جدها الفالج الشم من البخ‬
‫‪.‬لحنان‪ :‬رمل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق‪ ،‬وخفيف ثقيل أول بالبنصر عن عمرو‬
‫صوت‬

‫حدق تقلبها النساء مـراض‬ ‫منع الحياة من الرجال ونفعها‬


‫حدق النساء لنبلها أغـراض الشعر للفرزدق‪ ،‬والغناء لمعبد ثقيل أول عن‬ ‫وكأن أفئدة الرجـال إذا رأوا‬
‫الهشامي‪ :‬أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن سياط قال حدثني يونس الكاتب قال‪:‬‬
‫رحلة معبد إلى الهواز‬
‫وما وقع بينه وبين الجواري المغنيات بالسفينة كان معبد قد علم جارية من جواري الحجاز الغناء ‪ -‬تدعى ظبية‪ - :‬وعني‬
‫بتخريجها‪ ،‬فاشتراها رجل من أهل العراق فأخرجها إلى البصرة وباعها هناك‪ ،‬فاشتراها رجل من أهل الهواز‪ ،‬فأعجب بها‬
‫وذهبت به كل مذهب وغلبت عليه‪ ،‬ثم ماتت بعد أن أقامت عنده برهة من الزمان وأخذ جواريه أكثر غنائها عنها‪ ،‬فكان لمحبته‬
‫إياها وأسفه عليها ل يزال يسأل عن أخبار معبد وأين مستقره‪ ،‬ويظهر التعصب له والميل إليه والتقديم لغنائه على سائر أغاني‬
‫أهل عصره إلى أن عرف ذلك منه‪ .‬وبلغ معبدا خبره‪ ،‬فخرج من مكة حتى أتى البصرة‪ ،‬فلما وردها صادف الرجل قد خرج عنها‬
‫في ذلك اليوم إلى الهواز فاكترى سفينة‪ .‬وجاء معبد يلتمس سفينة ينحدر فيها إلى الهواز‪ ،‬فلم يجد غير سفينة الرجل‪ ،‬وليس‬
‫يعرف أحد منهما صاحبه‪ ،‬فأمر الرجل الملح أن يجلسه معه في مؤخر السفينة ففعل وانحدروا‪ .‬فلما صاروا في فم نهر البلة‬
‫تغدوا وشربوا‪ ،‬وأمر جواريه فغنين‪ ،‬ومعبد ساكت وهو في ثياب السفر‪ ،‬وعليه فرو وخفان غليظان وزي جاف من زي أهل‬
‫الحجاز‪ ،‬إلى أن غنت إحدى الجواري‪ :‬صوت‬

‫واحتلت الغور فالجزاع من إضما‬ ‫بانت سعاد وأمسى حبلها انصرمـا‬


‫إل السفاه وإل ذكـرة حـلـمـا ‪ -‬قال حماد‪ :‬والشعر للنابغة الذبياني‪ .‬والغناء‬ ‫إحدى بلي وما هام الفـؤاد بـهـا‬
‫لمعبد‪ ،‬خفيف ثقيل أول بالبنصر‪ ،‬وفيه لغيره ألحان قديمة ومحدثة ‪ -‬فلم تجد أداءه‪ ،‬فصاح بها معبد‪ :‬يا جارية‪ ،‬إن غناءك هذا‬
‫ليس بمستقيم‪ .‬قال‪ :‬فقال له مولها وقد غضب‪ :‬وأنت ما يدريك الغناء ما هو? أل تمسك وتلزم شأنك فأمسك‪ .‬ثم غنت أصواتا‬
‫من غناء غيره وهو ساكت ل يتكلم‪ ،‬حتى غنت‪ :‬صوت‬

‫مستهام عندها ما ينـيب‬ ‫بابنة الزدي قلبي كـئيب‬


‫إن من تنهون عنه حبيب‬ ‫ولقد لموا فقلت دعونـي‬
‫حبها والحب شيء عجيب‬ ‫إنما أبلى عظامي وجسمي‬
‫أنت تفدي من أراك تعيب ‪ -‬والشعر لعبد الرحمن بن أبي بكر‪ ،‬والغناء لمعبد ثقيل‬ ‫أيها العائب عندي هواهـا‬
‫أول بالسبابة في مجرى البنصر ‪ -‬قال‪ :‬فأخلت ببعضه‪ .‬فقال لها معبد‪ :‬يا جارية‪ ،‬لقد أخللت بهذا الصوت إخلل شديدا‪ .‬فغضب‬
‫الرجل وقال له‪ :‬ويلك ما أنت والغناء أل تكف عن هذا الفضول فأمسك‪ .‬وغنى الجواري مليا‪ ،‬ثم غنت إحداهن‪ :‬صوت‬

‫على الربع نقضي حاجة ونـودع‬ ‫خليلي عوجا فابكيا ساعة مـعـي‬
‫لعزة لحت لي ببيداء بـلـقـع‬ ‫ول تعجلنـي أن ألـم بـدمـنة‬
‫وللعين‪ :‬أذري من دموعك أودعي‬ ‫وقول لقلب قد سل‪ :‬راجع الهوى‬
‫مصيفا أقمنا فيه من بعد مربـع‬ ‫فل عيش إل مثل عيش مضى لنا‬

‫صفحة ‪16 :‬‬

‫الشعر لكثير‪ ،‬والغناء لمعبد خفيف ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى‪ ،‬وفيه رمل للغريض ‪ -‬قال‪ :‬فلم تصنع فيه شيئا‪ .‬فقال ‪-‬‬
‫لها معبد‪ :‬يا هذه‪ ،‬أما تقوين على أداء صوت واحد? فغضب الرجل وقال له‪ :‬ما أراك تدع هذا الفضول بوجه ول حيلة وأقسم‬
‫بالله لئن عاودت لخرجنك من السفينة‪ ،‬فأمسك معبد‪ ،‬حتى إذا سكتت الجواري سكتة اندفع يغني الصوت الول حتى فرغ منه‪،‬‬
‫فصاح الجواري‪ :‬أحسنت والله يا رجل فأعده‪ .‬فقال‪ :‬ل والله ول كرامة‪ .‬ثم اندفع يغني الثاني‪ ،‬فقلن لسيدهن‪ :‬ويحك هذا والله‬
‫أحسن الناس غناء‪ ،‬فسله أن يعيده علينا ولو مرة واحددة لعلنا نأخذه عنه‪ ،‬فإنه إن فاتنا لم نجد مثله أبدا‪ .‬فقال‪ :‬قد سمعتن‬
‫سوء رده عليكن وأنا خائف مثله منه‪ ،‬وقد أسلفنا الساءة‪ ،‬فاصبرن حتى نداريه‪ .‬ثم غنى الثالث‪ ،‬فزلزل عليهم الرض‪ .‬فوثب‬
‫الرجل فخرج إليه وقبل رأسه وقال‪ :‬يا سيدي أخطأنا عليك ولم نعرف موضعك‪ .‬فقال له‪ :‬فهبك لم تعرف موضعي‪ ،‬قد كان‬
‫ينبغي لك أن تتثبت ول تسرع إلي بسوء العشرة وجفاء القول‪ .‬فقال له‪ :‬قد أخطأت وأنا أعتذر إليك مما جرى‪ ،‬وأسألك أن تنزل‬
‫إلي وتختلط بي‪ .‬فقال‪ :‬أما الن فل‪ .‬فلم يزل يرفق به حتى نزل إليه‪ .‬فقال له الرجل‪ :‬ممن أخذت هذا الغناء? قال‪ :‬من بعض‬
‫أهل الحجاز‪ ،‬فمن أين أخذه جواريك? فقال‪ :‬أخذنه من جارية كانت لي ابتاعها رجل من أهل البصرة من مكة‪ ،‬وكانت قد أخذت‬
‫عن أبي عباد معبد وعني بتخريجها‪ ،‬فكانت تحل مني محل الروح من الجسد‪ ،‬ثم استأثر الله عز وجل بها‪ ،‬وبقي هؤلء الجواري‬
‫وهن من تعليمها‪ ،‬فأنا إلى الن أتعصب لمعبد وأفضله على المغنين جميعا وأفضل صنعته على كل صنعة‪ .‬فقال له معبد‪ :‬أو إنك‬
‫لنت هو أفتعرفني? قال‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬فصك معبد بيده صلعته ثم قال‪ :‬فأنا والله معبد‪ ،‬وإليك قدمت من الحجاز‪ ،‬ووافيت البصرة‬
‫ساعة نزلت السفينة لقصدك بالهواز‪ ،‬ووالله ل قصرت في جواريك هؤلء‪ ،‬ولجعلن لك في كل واحدة منهن خلفا من الماضية‪.‬‬
‫فأكب الرجل والجواري على يديه ورجليه يقبلونها ويقولون‪ :‬كتمتنا نفسك طول هذا اليوم حتى جفوناك في المخاطبة‪ ،‬وأسأنا‬
‫عشرتك‪ ،‬وأنت سيدنا ومن نتمنى على الله أن نلقاه‪ .‬ثم غير الرجل زيه وحاله وخلع عليه عدة خلع‪ ،‬وأعطاه في وقته ثلثمائة‬
‫دينار وطيبا وهدايا بمثلها‪ ،‬وانحدر معه إلى الهواز‪ ،‬فأقام عنده حتى رضي حذق جواريه وما أخذته عنه‪ ،‬ثم ودعه وانصرف إلى‬
‫‪.‬الحجاز‬
‫غناء معبد للوليد بن يزيد‬
‫أخبرني الحسن بن علي الخفاف وعبد الباقي بن قانع قال‪ :‬حدثنا محمد بن زكريا الغلبي قال حدثني مهدي بن سابق قال‬
‫حدثني سليمان بن غزوان مولى هشام قال حدثني عمر القاري بن عيد قال‪ :‬قال الوليد بن يزيد يوما‪ :‬لقد اشتقت إلى معبد‪،‬‬
‫فوجه البريد إلى المدينة فأتى بمعبد‪ ،‬وأمر الوليد ببركة قد هيئت له فملئت بالخمر والماء‪ ،‬وأتي بمعبد فأمر به فأجلس والبركة‬
‫بينهما‪ ،‬وبينهما ستر قد أرخي‪ ،‬فقال له غنني يا معبد‪ :‬صوت‬

‫فما أصابهم إل بمـا شـاءوا‬ ‫لهفي على فتية ذل الزمان لهم‬


‫حتى تفانوا وريب الدهر عداء‬ ‫مازال يعدو عليهم ريب دهرهم‬
‫إن التفرق للحبـاب بـكـاء ‪ -‬الغناء لمعبد خفيف ثقيل‪ ،‬وفيه ليحيى المكي رمل‪،‬‬ ‫أبكى فراقهم عيني وأرقـهـا‬
‫ولسليمان هزج‪ ،‬كلها رواية الهشامي ‪ -‬قال‪ :‬فغناه إياه‪ ،‬فرفع الوليد الستر ونزع ملءة مطيبة كانت عليه وقذف نفسه في تلك‬
‫البركة‪ ،‬فنهل فيها نهلة‪ ،‬ثم أتي بأثواب غيرها وتلقوه بالمجامر والطيب‪ ،‬ثم قال غنني‪ :‬صوت‬

‫قد عاج نحوك زائرا ومسلما‬ ‫يا ربع مالك ل تجيب متيمـا‬
‫حتى ترى عن زهرة متبسما ‪ -‬الغناء لمعبد ثاني ثقيل بالوسطى والخنصر عن ابن‬ ‫جادتك كل سحابة هـطـالة‬
‫المكي‪ .‬وفيه لعلوية ثاني ثقيل آخر بالبنصر في مجراها عنه ‪ -‬قال‪ :‬فغناه فدعا له بخمسة عشر ألف دينار فصبها بين يديه‪ ،‬ثم‬
‫‪.‬قال‪ :‬انصرف إلى أهلك واكتم ما رأيت‬
‫وأخبرني بهذا الخبر عمي فجاء ببعض معانيه وزاد فيه ونقص‪ ،‬قال‪ :‬حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال حدثني‬
‫‪:‬سليمان بن سعد الحلبي قال‬

‫صفحة ‪17 :‬‬


‫سمعت القاري بن عدي يقول‪ :‬إشتاق الوليد بن يزيد إلى معبد‪ ،‬فوجه إليه إلى المدينة فأحضر‪ .‬وبلغ الوليد قدومه‪ ،‬فأمر ببركة‬
‫بين يدي مجلسه فملئت ماء ورد قد خلط بمسك وزعفران‪ ،‬ثم فرش للوليد في داخل البيت على حافة البركة‪ ،‬وبسط لمعبد‬
‫مقابله على حافة البركة‪ ،‬ليس معهما ثالث‪ ،‬وجيء بمعبد فرأى سترا مرخى ومجلس رجل واحد‪ .‬فقال له الحجاب‪ :‬يا معبد‪،‬‬
‫سلم على أمير المؤمنين واجلس في هذا الموضع؛ فسلم فرد عليه الوليد السلم من خلف الستر‪ ،‬ثم قال له‪ :‬حياك الله يا‬
‫معبد أتدري لم وجهت إليك? قال‪ :‬الله أعلم وأمير المؤمنين‪ .‬قال‪ :‬ذكرتك فأحببت أن أسمع منك‪ .‬قال معبد‪ :‬أأغني ما حضر أم‬
‫‪:‬ما يقترحه أمير المؤمنين? قال‪ :‬بل غنني‬
‫حتى تافنوا وريب الدهر عداء فغناه‪ ،‬فما فرغ منه حتى رفع الجواري السجف‪،‬‬ ‫مازال يعدو عليهم ريب دهرهم‬
‫ثم خرج الوليد فألقى نفسه في البركة فغاص فيها ثم خرج منها‪ ،‬فاستقبله الجواري بثياب غير الثياب الولى‪ ،‬ثم شرب وسقى‬
‫‪:‬معبدا‪ ،‬ثم قال له‪ :‬غنني يا معبد‬
‫قد عاج نحوك زائرا ومسلما‬ ‫يا ربع مالك ل تجيب متيمـا‬
‫حتى ترى عن زهرة متبسما‬ ‫جادتك كل سحـابة هـطـالة‬
‫وبكيت من حرق عليه إذا دما قال‪ :‬فغناه‪ ،‬وأقبل الجواري فرفعن الستر‪ ،‬وخرج‬ ‫لو كنت تدري من دعاك أجبته‬
‫الوليد فالقى نفسه في البركة فغاص فيها ثم خرج‪ ،‬فلبس ثيابا غير تلك‪ ،‬ثم شرب وسقى معبدا‪ ،‬ثم قال له‪ :‬غنني‪ .‬فقال‪ :‬بماذا‬
‫‪:‬يا أمير المؤمنين? قال غنني‬
‫أندب الربع المحيل‬ ‫عجبت لما رأتـنـي‬
‫ل أرى إل الطلول‬ ‫واقفا في الدار أبكي‬
‫ل يملون الذمـيل‬ ‫?كيف تبكي لنـاس‬
‫دارهم قالوا الرحيل قال‪ :‬فلما غناه رمى نفسه في البركة ثم خرج‪ ،‬فردوا عليه ثيابه‪ ،‬ثم‬ ‫كلما قلت اطمأنـت‬
‫شرب وسقى معبدا‪ ،‬ثم أقبل عليه الوليد فقال له‪ :‬يا معبد‪ ،‬من أراد أن يزداد عند الملوك حظوة فليكتم أسرارهم‪ .‬فقلت‪ :‬ذلك‬
‫ما ل يحتاج أمير المؤمنين إلى إيصائي به‪ .‬فقال‪ :‬يا غلم‪ ،‬احمل إلى معبد عشرة آلف دينار تحصل له في بلده وألفي دينار‬
‫‪.‬لنفقة طريقه‪ ،‬فحملت إليه كلها‪ ،‬وحمل على البريد من وقته إلى المدينة‬
‫خبر معبد مع رجل لم يستحسن غناءه‬
‫قال إسحاق‪ :‬وقال معبد‪ :‬أرسل إلي الوليد بن يزيد فأشخصت إليه‪ .‬فبينا أنا يوما في بعض حمامات الشأم إذ دخل علي رجل‬
‫له هيبة ومعه غلمان له‪ ،‬فأطلى واشتغل به صاحب الحمام عن سائر الناس‪ .‬فقلت‪ :‬والله لئن لم أطلع هذا على بعض ما عندي‬
‫لكونن بمزجر الكلب؛ فاستدبرته حيث يراني ويسمع مني‪ ،‬ثم ترنمت‪ ،‬فالتفت إلي وقال للغلمان‪ :‬قدموا إليه جميع ما ها هنا‪،‬‬
‫فصار جميع ما كان بين يديه عندي‪ .‬قال‪ :‬ثم سألني أن أسير معه إلى منزله فأجبته‪ ،‬فلم يدع من البر والكرام شيئا إل فعله‪ ،‬ثم‬
‫وضع النبيذ‪ ،‬فجعلت ل آتي بحسن إل خرجت إلى ما هو أحسن منه وهو ل يرتاح ول يحفل لما يرى مني‪ .‬فلما طال عليه أمري‬
‫‪:‬قال‪ :‬يا غلم‪ ،‬شيخنا شيخنا‪ ،‬فأتي بشيخ‪ ،‬فلما رآه هش إليه‪ ،‬فأخذ الشيخ العود ثم اندفع يغني‬
‫جاء القط أكله ويلي علوه السلور‪ :‬السمك الجري بلغة أهل الشأم ‪ -‬قال‪ :‬فجعل‬ ‫سلور في القدر ويلي علوه‬
‫‪:‬صاحب المنزل يصفق ويضرب برجله طربا وسرورا‪ .‬قال‪ :‬ثم غناه‬
‫وتحسبني حبيبة ل أراها ‪ -‬الدراقن‪ :‬اسم الخوخ بلغة أهل الشأم ‪ -‬فكاد أن يخرج من‬ ‫وترميني حبيبة بالدراقن‬
‫جلده طربا‪ .‬قال‪ :‬وانسللت منهم فانصرفت ولم يعلم بي‪ .‬فما رأيت مثل ذلك اليوم غناء أضيع‪ ،‬ول شيخا أجهل معبد وابن‬
‫عائشة‬
‫قال إسحاق‪ :‬وذكر لي شيخ من أهل المدينة عن هارون بن سعد‪ :‬أن ابن عائشة كان يلقي عليه وعلى ربيحة الشماسية‪ ،‬فدخل‬
‫معبد فألقى عليهما صوتا‪ ،‬فاندفع ابن عائشة يغنيه وقد أخذه منه؛ فغضب معبد وقال‪ :‬أحسنت يابن عاهرة الدار‪ ،‬تفاخرني فقال‪:‬‬
‫ل والله ‪ -‬جعلني الله فداءك يا أبا عباد ‪ -‬ولكني أقتبس منك‪ ،‬وما أخذته إل عنك‪ ،‬ثم قال‪ :‬أنشدك الله يابن شماس‪ ،‬هل قلت‬
‫‪.‬لك‪ :‬قد جاء أبو عباد فاجمع بيني وبينه أقتبس منه‪ .‬قال‪ :‬اللهم نعم‬
‫‪:‬أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال‬

‫صفحة ‪18 :‬‬

‫قيل لبن عائشة‪ ،‬وقد غنى صوتا أحسن فيه فقال‪ :‬أصبحت أحسن الناس غناء‪ ،‬فقيل له‪ :‬وكيف أصبحت أحسن الناس غناء?‬
‫قال‪ :‬وما يمنعني من ذلك وقد أخذت من أبي عباد أحد عشر صوتا‪ ،‬وأبو عباد مغني أهل المدينة والمقدم فيهم أخبرنا وكيع قال‬
‫حدثنا حماد بن إسحاق قال حدثني أبي قال حدثني أيوب بن عباية عن رجل من هذيل قال‪ :‬قدومه مكة والتقاؤه بالمغنين بها‬
‫قال معبد‪ :‬غنيت فأعجبني غنائي وأعجب الناس وذهب لي به صيت وذكر‪ ،‬فقلت لتين مكة فلسمعن من المغنين بها ولغنينهم‬
‫ولتعرفن إليهم‪ ،‬فابتعت حمارا فخرجت عليه إلى مكة‪ .‬فلما قدمتها بعت حماري وسألت عن المغنين أين يجتمعون? فقيل‪:‬‬
‫بقعيقعان في بيت فلن‪ ،‬فجئت إلى منزله بالغلس فقرعت الباب‪ ،‬فقال‪ :‬من هذا‪ .‬فقلت‪ :‬انظر عافاك الله فدنا وهو يسبح‬
‫ويستعيد كأنه يخاف‪ ،‬ففتح فقال‪ :‬من أنت عافاك الله? قلت‪ :‬رجل من أهل المدينة‪ .‬قال‪ :‬فما حاجتك? قلت‪ :‬أنا رجل أشتهي‬
‫الغناء‪ ،‬وأزعم أني أعرف منه شيئا‪ ،‬وقد بلغني أن القوم يجتمعون عندك‪ ،‬وقد أحببت أن تنزلني في جانب منزلك وتخلطني بهم‪،‬‬
‫فإنه ل مئونة عليك ول عليهم مني‪ .‬فلوى شيئا ثم قال‪ :‬انزل على بركة الله‪ .‬قال‪ :‬فنقلت متاعي فنزلت في جانب حجرته‪ .‬ثم‬
‫جاء القوم حين أصبحوا واحدا بعد واحد حتى اجتمعوا‪ ،‬فأنكروني وقالوا‪ :‬من هذا الرجل? قال‪ :‬رجل من أهل المدينة خفيف‬
‫يشتهي الغناء ويطرب عليه‪ ،‬ليس عليكم منه عناء ول مكروه‪ .‬فرحبوا بي وكلمتهم‪ ،‬ثم انبسطوا وشربوا وغنوا‪ ،‬فجعلت أعجب‬
‫بغنائهم وأظهر ذلك لهم ويعجبهم مني‪ ،‬حتى أقمنا أياما‪ ،‬وأخذت من غنائهم وهم ل يدرون أصواتا وأصوتا وأصواتا‪ .‬ثم قلت لبن‬
‫‪:‬سريج‪ :‬أي فديتك أمسك علي صوتك‬
‫قبل شحط النوى غدا قال‪ :‬أو تحسن شيئا? قلت‪ :‬تنظر‪ ،‬وعسى أن أصنع شيئا‪ ،‬واندفعت‬ ‫قل لهند وتـربـهـا‬
‫فيه فغنيته‪ ،‬فصاح وصاحوا وقالوا‪ :‬أحسنت قاتلك الله قلت‪ :‬فأمسك علي صوت كذا فأمسكوه علي‪ ،‬فغنيته‪ ،‬فازدادوا عجبا‬
‫‪.‬وصياحا‬
‫فما تركت واحدا منهم إل غنيته من غنائه أصواتا قد تخيرتها‪ .‬قال‪ :‬فصاحوا حتى علت أصواتهم وهرفوا بي وقالوا‪ :‬لنت أحسن‬
‫بأداء غنائنا عنا منا‪ .‬قال‪ :‬قلت‪ :‬فأمسكوا علي ول تضحكوا بي حتى تسمعوا من غنائي ‪ ،‬فأمسكوا علي؛ فغنيت صوتا من غنائي‬
‫فصاحوا بي‪ ،‬ثم غنيتهم آخر وآخر فوثبوا إلي وقالوا‪ :‬نحلف بالله إن لك لصيتا واسما وذكرا‪ ،‬وإن لك فيما هاهنا لسهما عظيما‪،‬‬
‫فمن أنت? قلت‪ :‬أنا معبد‪ .‬فقبلوا رأسي وقالوا‪ :‬لفقت علينا وكنا نتهاون بك ول نعدك شيئا وأنت أنت‪ .‬فأقمت عندهم شهرا آخذ‬
‫‪.‬منهم ويأخذون مني‪ ،‬ثم انصرفت إلى المدينة‬
‫نسبة هذا الصوت صوت‬
‫قبل شحط النوى غدا‬ ‫قل لهند وتـربـهـا‬
‫بت ليلي مسـهـدا‬ ‫إن تجوي فطالـمـا‬
‫خير ما عنـدنـا يدا‬ ‫أنت في ود بـينـنـا‬
‫حالك اللون أسـوادا الشعر لعمر بن أبي ربيعة‪ ،‬والغناء لبن سريج عن حماد ولم يجنسه‪.‬‬ ‫حين تدلي مضفـرا‬
‫ثقيل أول بالبنصر في مجراها عن إسحاق‪ .‬وقال الهشامي‪ :‬فيه لبن محرز خفيف ثقيل بالوسطى‬ ‫‪.‬وفيه لمالك خفيف‬

‫ومن الثلثة الصوات المختارة‬


‫صوت فيه أربعة ألحان من رواية علي بن يحيى ثاني الثلثة الصوات المختارة‬

‫وبين لو يسطيع أن يتـكـلـمـا‬ ‫تشكى الكميت الجري لما جهدته‬


‫وأوصي به أل يهان ويكـرمـا‬ ‫لذلك أدني دون خيلي مـكـانـه‬
‫فهان علي أن تكل وتـسـأمـا‬ ‫فقلت له‪ :‬إن ألق للـعـين قـرة‬
‫لئن لم أقل قرنا إن الله سلـمـا عروضه من الطويل‪ .‬قوله‪( :‬لئن لم أقل‬ ‫عدمت إذا وفري وفارقت مهجتي‬
‫‪.‬قرنا)‪ ،‬يعني أنه يجد في سيره حتى يقيل بهذا الموضع‪ ،‬وهوقرن المنازل‪ ،‬وكثيرا ما يذكره في شعره‬
‫الشعر لعمر بن أبي ربيعة المخزومي‪ ،‬والغناء في هذا اللحن المختار لبن سريج‪ ،‬ثاني ثقيل مطلق في مجرى الوسطى‪ .‬وفيه‬
‫لسحاق أيضا ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو بن بانة‪ .‬وفيه ثقيل أول يقال إنه ليحيى المكي‪ .‬وفيه خفيف رمل يقال إنه لحمد بن‬
‫‪.‬موسى المنجم‪ .‬وفيه للمعتضد ثاني ثقيل آخر في نهاية الجودة‪ .‬وقد كان عمرو بن بانة صنع فيه لحنا فسقط لسقوط صنعته‬

‫صفحة ‪19 :‬‬

‫أخبرني جحظة قال حدثني أبو عبد الله الهشامي قال‪ :‬صنع عمرو بن بانة لحنا في تشكي الكميت الجري فأخبرني بعض‬
‫عجائزنا بذلك‪ ،‬قالت فأردنا أن نعرضه على متيم لنعلم ما عندها فيه‪ ،‬فقلنا لبعض من أخذه عن عمرو‪ :‬إن تشكى الكميت‬
‫الجري في اللحن الجديد‪ ،‬فقالت متيم‪ :‬أيش هذا اللحن الجديد والكميت المحدث? قلنا‪ :‬لحن صنعه عمرو بن بانة‪ .‬فغنته‬
‫‪.‬الجارية‪ ،‬فقالت متيم لها‪ :‬اقطعي اقطعي‪ ،‬حسبك حسبك هذا والله لحمار حنين المكسور أشبه مه بالكميت‬

‫ذكر خبر عمر بن أبي ربعية ونسبه‬


‫نسب عمر بن أبي ربيعة‬
‫هو عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة‪ ،‬واسم أبي ربيعة‪ :‬حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن‬
‫كعب بن لؤي بن غالب بن فهر‪ .‬وقد تقدم باقي النسب في نسب أبي قطيفة‪ .‬ويكنى عمر بن أبي ربيعة أبا الخطاب ‪ .‬وكان‬
‫‪.‬أبو ربيعة جده يسمى ذا الرمحين سمي بذلك لطوله‪ ،‬كان يقال‪ :‬كأنه يمشي على رمحين‬
‫أخبرني بذلك الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي ومحمد بن الضحاك عن أبيه الضحاك عن‬
‫‪.‬عثمان بن عبد الرحمن اليربوعي‪ .‬وقيل‪ :‬إنه قاتل يوم عكاظ برمحين فسمي ذا الرمحين لذلك‬
‫وأخبرني بذلك أيضا علي بن صالح بن الهيثم قال حدثني أبو هفان عن إسحاق بن إبراهيم الموصلي عن مصعب الزبيري‬
‫‪:‬والمدائني والمسيبي ومحمد بن سلم‪ ،‬قالوا‪ :‬وفيه يقول عبد الله بن الزبعرى‬
‫لدت أخت بني سهم‬ ‫أل لـلـه قــوم و‬
‫مناف مدرة الخصم‬ ‫هشام وأبـو عـبـد‬
‫على القوة والحـزم‬ ‫وذو الرمحين أشبـاك‬
‫وذا من كثب يرمي‬ ‫فهــــذان يذودان‬
‫ن مناعون للهضـم‬ ‫أسود تزدهي القـرا‬
‫نعوا الناس من الهزم‬ ‫وهم يوم عـكـاظ م‬
‫بسر الحسب الضخم‬ ‫وهم من ولدوا أشبوا‬
‫ه ل أحلف على إثم‬ ‫فإن أحلف وبيت الل‬
‫قصور الشأم والردم‬ ‫لما من إخـوة بـين‬
‫ة أو أوزن في الحلم أبو عبد مناف‪ :‬الفاكه بن المغيرة‪ .‬وريطة هذه التي عناها هي أم‬ ‫بأزكى من بني ريط‬
‫‪.‬بني المغيرة‪ ،‬وهي بنت سعيد بن سعد بن سهم‪ ،‬ولدت من المغيرة هشاما وهاشما ربيعة والفاكه‬
‫وأخبرني أحمد بن سليمان بن داود الطوسي والحرمي بن أبي العلء قال‪ :‬حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا محمد بن يحيى عن‬
‫عبد العزيز بن أبي ثابت قال أخبرني محمد بن عبد العزيز عن ابن أبي نهشل عن أبيه قال‪ :‬قال لي أبو بكر بن عبد الرحمن بن‬
‫الحارث بن هشام ‪ -‬وجئته أطلب منه مغرما ‪ -‬يا خال‪ ،‬هذه أربعة آلف درهم وأنشد هذه البيات الربعة وقل‪ :‬سمعت حسان‬
‫ينشدها رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬فقلت‪ :‬أعوذ بالله أن أفتري على الله ورسوله‪ ،‬ولكن إن شئت أن أقول‪ :‬سمعت‬
‫عائشة تنشدها فعلت‪ .‬فقال‪ :‬ل‪ ،‬إل أن تقول‪ :‬سمعت حسان ينشدها رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم جالس‪ ،‬فأبى علي وأبيت عليه‪ ،‬فأقمنا لذلك ل نتكلم عدة ليال‪ .‬فأرسل إلي فقال‪ :‬قل أبياتا تمدح بها هشاما ‪ -‬يعني‬
‫‪:‬ابن المغيرة ‪ -‬وبني أمية‪ .‬فقلت‪ :‬سمهم لي‪ ،‬فسماهم وقال‪ :‬اجعلها في عكاظ واجعلها لبيك‪ .‬فقلت‬
‫لدت أخت بني سهم قال‪ :‬ثم جئت فقلت‪ :‬هذه قالها أبي‪ .‬فقال‪ :‬ل‪ ،‬ولكن قل‪ :‬قالها ابن‬ ‫أل لـلـه قــوم و‬
‫‪.‬الزبعري‪ .‬قال‪ :‬فهي إلى الن منسوبة في كتب الناس إلى ابن الزبعري‬
‫‪:‬قال الزبير‪ :‬وأخبرني محمد بن الحسن المخزومي قال‪ :‬أخبرني محمد بن طلحة أن عمر بن أبي ربيعة قائل هذه البيات‬
‫لدت أخت بني سهم أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قال‪:‬‬ ‫أل لـلـه قــوم و‬
‫حدثنا عمر بن شبة قال حدثني محمد بن يحيى قال حدثني عبد العزيز بن عمران قال حدثني محمد بن عبد العزيز عن ابن أبي‬
‫نهشل عن أبيه بمثل ما رواه الزبير عنه‪ .‬وزاد فيه عمر بن شبة‪ :‬قال محمد بن يحيى‪ :‬و أخت بني سهم التي عناها ريطة بنت‬
‫سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب‪ ،‬وهي أم بني المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وهم‪:‬‬
‫‪:‬هشام وهاشم وأبو ربيعة والفاكه‪ ،‬وعدة غيرهم لم يعقبوا‪ ،‬وإياهم يعني أبو ذؤيب بقوله‬

‫صفحة ‪20 :‬‬

‫عبد لل أبي ربيعة مسـبـع ضرب بعزهم المثل‪ .‬قال ‪ :‬وكان اسم عبد الله بن‬ ‫صخب الشوارب ل يزال كأنه‬
‫أبي ربيعة في الجاهلية بحيرا‪ ،‬فسماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عبد الله‪ ،‬وكانت قريش تلقبه العدل ‪ ،‬لن قريشا‬
‫كانت تكسو الكعبة في الجاهلية بأجمعها من أموالها سنة‪ ،‬ويكسوها من ماله سنة‪ ،‬فأرادوا بذلك أنه وحده عدل لهم جميعا في‬
‫‪.‬ذلك‬
‫‪:‬وفيه يقول ابن الزبعري‬
‫وراح علي خيره غـير عـاتـم وقد قيل‪ :‬إن العدل هو الوليد بن المغيرة‬ ‫‪.‬بحير بن ذي الرمحين قرب مجلسي‬
‫وكان عبد الله بن أبي ربيعة تاجرا موسرا‪ ،‬وكان متجره إلى اليمن‪ ،‬وكان من أكثرهم مال‪ .‬وأمه أسماء بنت مخربة‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫مخرمة‪ ،‬وكانت عطارة يأتيها العطر من اليمن‪ .‬وقد تزوجها هشام بن المغيرة أيضا‪ ،‬فولدت له أبا جهل والحارث ابني هشام‪،‬‬
‫‪.‬فهي أمهما وأم عبد الله وعياش ابني أبي ربيعة‬
‫أخبرني الحرمي والطوسي قال‪ :‬حدثنا الزبير قال حدثني عمي عن الواقدي قال‪ :‬كانت أسماء بنت مخربة تبيع العطر بالمدينة‪.‬‬
‫فقالت الربيع بنت معوذ بن عفراء النصارية ‪ -‬وكان أبوها قتل أبا جهل بن هشام يوم بدر واحتز رأسه عبد الله بن مسعود ‪-‬‬
‫وقيل‪ :‬بل عبد الله بن مسعود هو الذي قتله ‪ -‬فذكرت أن أسماء بنت مخربة دخلت عليها وهي تبيع عطرا لها في نسوة‪ ،‬قالت‪:‬‬
‫فسألت عنا‪ ،‬فانتسبنا لها‪ .‬فقالت‪ :‬أأنت ابنة قاتل سيده? تعني أبا جهل‪ .‬قلت‪ :‬بل أنا بنت قاتل عبده‪ .‬قالت‪ :‬حرام علي أن أبيعك‬
‫من عطري شيئا‪ .‬قلت‪ :‬وحرام علي أن أشتري منه شيئا‪ ،‬فما وجدت لعطر نتنا غير عطرك‪ ،‬ثم قمت‪ ،‬ول والله ما رأيت عطرا‬
‫‪.‬أطيب من عطرها‪ ،‬ولكني أردت أن أعيبه لغيظها‬
‫وكان لعبد الله بن أبي ربيعة عبيد من الحبشة يتصرفون في جميع المهن‪ ،‬وكان عددهم كثيرا‪ ،‬فروي عن سفيان بن عيينة أنه‬
‫قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى حنين‪ :‬هل لك في حبش بني المغيرة تستعين بهم? فقال‪ :‬ل خير في‬
‫الحبش إن جاعوا سرقوا وإن شبعوا زنوا‪ ،‬وإن فيهم لخلتين حسنتين إطعام الطعام والبأس يوم البأس ‪ .‬واستعمل رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي ربيعة على الجند ومخلفيها‪ ،‬فلم يزل عامل عليها حتى قتل عمر بن الخطاب رضي الله‬
‫عنه‪ .‬هذا من رواية الزبير عن عمه‪ .‬قال‪ :‬وحدثني ابن الماجشون عن عمه أن عثمان بن عفان ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬استعمله أيضا‬
‫‪.‬عليها‬
‫أم عمر بن أبي ربيعة وأخوه الحارث‬
‫الملقب بالقباع‬
‫وأم عمر بن أبي ربيعة أم ولد يقال لها مجد ‪ ،‬سبيت من حضرموت‪ ،‬ويقال من حمير‪ .‬قال أبو محلم ومحمد بن سلم‪ :‬هي‬
‫‪.‬من حمير‪ ،‬ومن هناك أتاه الغزل‪ ،‬يقال‪ :‬غزل يمان‪ ،‬ودل حجازي‬
‫وقال عمر بن شبة‪ :‬أم عمر بن أبي ربيعة أم ولد سوداء من حبش يقال لهم‪ :‬فرسان‪ .‬وهذا غلط من أبي زيد‪ ،‬تلك أم أخيه‬
‫الحارث بن عبد الله الذي يقال له‪ :‬القباع ‪ ،‬وكانت نصرانية‪ .‬وكان الحارث بن عبد الله شريفا كريما دينا وسيدا من سادات‬
‫‪.‬قريش‬
‫قال الزبير بن بكار‪ :‬ذكره عبد الملك بن مروان يوما وقد وله عبد الله بن الزبير‪ ،‬فقال‪ :‬أرسل عوفا وقعد ل حر بوادي‬
‫‪.‬عوف ‪ .‬فقال له يحيى بن الحكم‪ :‬ومن الحارث ابن السوداء فقال له عبد الملك‪ :‬ما ولدت والله أمة خيرا مما ولدت أمه‬
‫وأخبرني علي بن صالح عن أبي هفان عن إسحاق بن إبراهيم عن الزبير والمدائني والمسيبي‪ :‬أن أمه ماتت نصرانية وكانت‬
‫تسر ذلك منه‪ .‬فحضر الشراف جنازتها‪ ،‬وذلك في عهد عمر بن الخطاب ‪ -‬رحمة الله عليه ‪ -‬فسمع الحارث من النساء لغطا‪،‬‬
‫فسأل عن الخبر‪ ،‬فعرف أنها ماتت نصرانية وأنه وجد الصليب في عنقها‪ ،‬وكانت تكتمه ذلك‪ .‬فخرج إلى الناس فقال‪ :‬انصرفوا‬
‫‪.‬رحمكم الله‪ ،‬فإن لها أهل دين هم أولى بها منا ومنكم فاستحسن ذلك منه وعجب الناس من فعله‬
‫نسبة ما في هذه الخبار من الغناء الغناء في أل لله قوم ‪ ...‬البيات صوت‬
‫لدت أخت بني سهم‬ ‫أل لـلـه قــوم و‬
‫مناف مدرة الخصم‬ ‫هشام وأبو عـبـد‬
‫على القوة والحزم‬ ‫وذو الرمحين أشباك‬
‫وذا من كثب يرمي عروضه من مكفوف الهزج‪ .‬الغناء لمعبد خفيف رمل من رواية حماد‬ ‫‪.‬فهـــذان يذودان‬
‫رأي يزيد في غناء معبد وابن سريج‬

‫صفحة ‪21 :‬‬

‫أخبرني محمد بن خلف وكيع قال قال إسماعيل بن مجمع أخبرنا المدائني عن رستم ابن صالح قال‪ :‬قال يزيد بن عبد الملك‬
‫يوما لمعبد‪ :‬يا أبا عباد‪ ،‬أني أريد أن أخبرك عن نفسي وعنك‪ ،‬فإن قلت فيه خلف ما تعلم فل تتحاش أن ترده علي‪ ،‬فقد أذنت‬
‫لك‪ .‬قال‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬لقد وضعك ربك بموضع ل يعصيك إل ضال‪ ،‬ول يرد عليك إل مخطىء‪ .‬قال‪ :‬إن الذي أجده في غنائك‬
‫ل أجده في غناء ابن سريج‪ :‬أجد في غنائك متانة‪ ،‬وفي غنائه انحناثا ولينا‪ .‬قال معبد‪ :‬والذي أكرم أمير المؤمنين بخلفته‪،‬‬
‫وارتضاه لعباده‪ ،‬وجعله أمينا على أمة نبيه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ما عدا صفتي وصفة ابن سريج‪ ،‬وكذا يقول ابن سريج وأقول‪،‬‬
‫‪.‬ولكن أن رأى أمير المؤمنين أن يعلمني هل وضعني ذاك عنده فعل‪ .‬قال‪ :‬ل والله‪ ،‬ولكني أؤثر الطرب على كل شيء‬
‫قال‪ :‬يا سيدي فإذا كان ابن سريج يذهب إلى الخفيف من الغناء وأذهب أنا إلى الكامل التام‪ ،‬فأغرب أنا ويشرق هو‪ ،‬فمتى‬
‫‪:‬نلتقي? قال‪ :‬أفتقدر أن تحكي رقيق بن سريج? قال نعم‪ ،‬فصنع من وقته لحنا من الخفيف في‬
‫لدت أخت بني سهم الربعة البيات‪ .‬فغناه‪ ،‬فصاح يزيد‪ :‬أحسنت والله يا مولي أعد فداك‬ ‫أل لـلـه قــوم و‬
‫أبي وأمي‪ ،‬فأعاد‪ ،‬فرد عليه مثل قوله الول‪ ،‬فأعاد‪ .‬ثم قال‪ :‬أعد فداك أبي وأمي‪ ،‬فأعاد‪ ،‬فاستخفه الطرب حتى وثب وقال‬
‫‪:‬لجواريه‪ :‬افعلن كما أفعل‪ ،‬وجعل يدور في الدار ويدرن معه وهو يقول‬
‫يا قرقر امسكيني‬ ‫يا دار دورينــي‬
‫حقا لتصرمينـي‬ ‫آليت منـذ حـين‬
‫بالله فارحمينـي‬ ‫ول تواصلـينـي‬
‫لم تذكري يميني قال‪ :‬فلم يزل يدور كما يدور الصبيان ويدرن معه‪ ،‬حتى خر مغشيا عليه ووقعن فوقه ما يعقل ول يعقلن‪،‬‬
‫‪.‬فابتدره الخدم فأقاموه وأقاموا من كان على ظهره من جواريه‪ ،‬وحملوه وقد جاءت نفسه أو كادت‬
‫سيرة جوان بن عمر بن أبي ربيعة‬
‫‪:‬رجع الخبر إلى ذكر عمر بن أبي ربيعة وكان لعمر بن أبي ربيعة بن صالح يقال له جوان ‪ ،‬وفيه يقول العرجي‬
‫أليس بعدل عليها جوان فأخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني يحيى‬ ‫شهيدي جوان على حبها‬
‫بن محمد بن عبد الله بن ثوبان قال‪ :‬جاء جوان بن عمر بن أبي ربيعة إلى زياد بن عبد الله الحارثي وهو إذ ذاك أمير على‬
‫‪:‬الحجاز‪ ،‬فشهد عنده بشهادة‪ ،‬فتمثل‬
‫أليس بعدل عليها جوان ‪ -‬وهذا الشعر للعرجي ‪ -‬ثم قال‪ :‬قد أجزنا شهادتك‪ ،‬وقبله‪.‬‬ ‫شهيدي جوان على حبها‬
‫وقال غير الزبير‪ :‬إنه جاء إلى العرجي‪ ،‬فقال له‪ :‬يا هذا ما لي وما لك تشهرني في شعرك متى أشهدتني على صاحبتك هذه‬
‫‪.‬ومتى كنت أنا أشهد في مثل هذا قال‪ :‬وكان امرأ صالحا‬
‫وأخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني بكار بن عبد الله قال‪ :‬استعمل بعض ولة مكة جوان بن عمر على تبالة‪ ،‬فحمل‬
‫‪:‬على خثعم في صدقات أموالهم حمل شديدا‪ ،‬فجعلت خثعم سنة جوان تاريخا‪ ،‬فقال ضبارة بن الطفيل‬
‫من العام أو يرمى بنا الرجوان صوت‬ ‫أتلبسنا ليلى على شعـث بـنـا‬

‫أخو غـزل ذو لـمة ودهـان‬ ‫رأتني كأشلء اللجام وراقـهـا‬


‫لعامين مرا قبل عـام جـوان‬ ‫ولو شهدتني في ليال مضين لي‬
‫هوى فحفظناه بحسـن صـيان‬ ‫رأتنا كريمي معشر حم بينـنـا‬
‫وهن بأعنـاق إلـيه ثـوانـي ذكر حبش أن الغناء في هذه البيات للغريض‬ ‫نذود النفوس الحائمات عن الصبا‬
‫‪.‬ثاني ثقيل بالبنصر‪ ،‬وذكر الهشامي أنه لقراريط‬
‫أمة الواحد بنت عمر بن أبي ربيعة قالوا‪ :‬وكان لعمر أيضا بنت يقال لها‪ :‬أمه الواحد وكانت مسترضعة في هذيل‪ ،‬وفيها يقول‬
‫‪ -:‬عمر بن أبي ربيعة ‪ -‬وقد خرج يطلبها فضل الطريق‬
‫ما جشمتنا أمة الواحـد‬ ‫لم تدر وليغفر لها ربهـا‬
‫نسأل عن بيت أبي خالد‬ ‫جشمت الهول براذيننـا‬
‫أعيا خفاء نشدة الناشـد مولد عمر يوم قتل عمر بن الخطاب‬ ‫نسأل عن شيخ بني كاهل‬
‫ووفاته وقد قارب السبعين‬

‫صفحة ‪22 :‬‬

‫أخبرني بذلك محمد بن خلف بن المرزبان عن أبي بكر العامري أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي‬
‫قال‪ :‬حدثنا عمر بن شبة قال حدثني يعقوب بن القاسم قال حدثنا أسامة بن زيد بن الحكم بن عوانة عن عوانة بن الحكم ‪-‬‬
‫قال‪ :‬أراه عن الحسن ‪ -‬قال‪ :‬ولد عمر بن أبي ربيعة ليلة قتل عمر بن الخطاب ‪ -‬رحمة الله عليه ‪ -‬فأي حق رفع‪ ،‬وأي باطل‬
‫‪.‬وضع‪ .‬قال عوانة‪ :‬ومات وقد قارب السبعين أو جاوزها‬
‫أخبرني الجوهري والمهلبي قال‪ :‬حدثنا عمر بن شبة قال حدثني يعقوب بن القاسم قال حدثني عبد الله بن الحارث عن ابن‬
‫‪.‬جريج عن عطاء قال‪ :‬كان عمر بن أبي ربيعة أكبر مني كأنه ولد في أول السلم‬
‫عمر في مجلس ابن عباس بالمسجد الحرام‬
‫أخبرني الجوهري والمهلبي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني هارون بن عبد الله الزهري قال‪ :‬حدثنا ابن أبي ثابت‪ ،‬وحدثني‬
‫به علي بن صالح بن الهيثم عن أبي هفان عن إسحاق عن المسيبي والزبيري والمدائني ومحمد بن سلم‪ ،‬قالوا‪ :‬قال أيوب بن‬
‫سيار‪ ،‬وأخبرني به الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد بن الحسن المخزومي عن عبد العزيز بن‬
‫عمران عن أيوب بن سيار عن عمر الركاء قال‪ :‬بينا ابن عباس في المسجد الحرام وعنده نافع بن الزرق وناس من الخوارج‬
‫يسألونه‪ ،‬إذ أقبل عمر بن أبي ربيعة في ثوبين مصبوغين موردين أو ممصرين حتى دخل وجلس‪ ،‬فأقبل عليه ابن عباس فقال‬
‫‪:‬أنشدنا فأنشده‬
‫غداة غد أم رائح فمهجر حتى أتى على آخرها‪ .‬فأقبل عليه نافع بن الزرق فقال‪:‬‬ ‫أمن آل نعم أنت غاد فمبكر‬
‫الله يابن عباس إنا نضرب إليك أكباد البل من أقاصي البلد نسألك عن الحلل والحرام فتتثاقل عنا‪ ،‬ويأتيك غلم مترف من‬
‫‪:‬مترفي قريش فينشدك‬
‫فيخزى وأما بالعشى فـيخـسـر فقال‪ :‬ليس هكذا قال‪ .‬قال‪ :‬فكيف قال?‬ ‫رأت رجل أما إذا الشمس عارضت‬
‫‪:‬فقال‪ :‬قال‬
‫فيضحى وأما بالعشى فيخـصـر فقال‪ :‬ماأراك إل وقد حفظت البيت قال‪:‬‬ ‫رأت رجل أما إذا الشمس عارضت‬
‫أجل وإن شئت أن أنشدك القصيدة أنشدتك إياها‪ .‬قال فإني أشاء‪ ،‬فأنشده القصيدة حتى أتى على آخرها‪ .‬وفي غير رواية عمر‬
‫بن شبة‪ :‬أن ابن عباس أنشدها من أولها إلى آخرها‪ ،‬ثم أنشدها من آخرها إلى أولها مقلوبة‪ ،‬وما سمعها قط إل تلك المرة‬
‫صفحا‪ .‬قال‪ :‬وهذا غاية الذكاء‪ .‬فقال له بعضهم‪ :‬ما رأيت أذكى منك قط‪ .‬فقال‪ :‬لكني ما رأيت قط أذكى من علي بن أبي طالب‬
‫رضي الله عنه‪ .‬وكان ابن عباس يقول‪ :‬ما سمعت شيئا قط إل رويته‪ ،‬وإني لسمع صوت النائحة فأسد أذني كراهة أن أحفظ ما‬
‫‪.‬تقول‪ .‬قال‪ :‬ولمه بعض أصحابه في حفظ هذه القصيدة‪ :‬أمن آل نعم‪ ...‬فقال‪ :‬إنا نستجيدها‬
‫وقال الزبير في خبره عن عمه‪ :‬فكان ابن عباس بعد ذلك كثيرا ما يقول‪ :‬هل أحدث هذا المغيري شيئا بعدنا? قال‪ :‬وحدثني عبد‬
‫‪:‬الله بن نافع بن ثابت قال‪ :‬كان عبد الله بن الزبير إذا سمع قول عمر بن أبي ربيعة‬
‫‪:‬فيضحى وأما بالعشي فيحضر قال‪ :‬ل‪ ،‬بل‬
‫فيخزى وأما بالعشي فيخسر قال عمر بن شبة وأبو هفان والزبير في حديثهم‪ :‬ثم أقبل على ابن أبي ربيعة فقال‪ :‬أنشد‪،‬‬
‫‪:‬فأنشده‬
‫‪:‬تشط غدا دار جيراننا وسكت‪ ،‬فقال ابن عباس‬
‫‪.‬وللدار بعد غد أبعد فقال له عمر‪ :‬كذلك قلت ‪ -‬أصلحك الله ‪ -‬أفسمعته? قال‪ :‬ل‪ ،‬ولكن كذلك ينبغي‬
‫شعره وخلقه وشهادة الشعراء فيه‬
‫أخبرنا الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني يعقوب بن إسحاق قال‪ :‬كانت العرب تقر لقريش بالتقدم‬
‫في كل شيء عليها إل في الشعر‪ ،‬فإنها كانت ل تقر لها به‪ ،‬حتى كان عمر بن أبي ربيعة‪ ،‬فأقرت لها الشعراء بالشعر أيضا ولم‬
‫‪.‬تنازعها شيئا‬
‫قال الزبير‪ :‬وسمعت عمي مصعبا يحدث عن جدي أنه قال مثل هذا القول‪ .‬قال‪ :‬وحدثني عدة من أهل العلم أن النصيب قال‪:‬‬
‫‪.‬لعمر بن أبي ربيعة أوصفنا لربات الحجال‬
‫قال المدائني قال سليمان بن عبد الملك لعمر بن أبي ربيعة‪ :‬ما يمنعك من مدحنا? قال‪ :‬إني ل أمدح الرجال‪ ،‬إنما أمدح‬
‫‪.‬النساء‪ .‬قال‪ :‬وكان ابن جريج يقول‪ :‬ما دخل على العواتق في حجالهن شيء اضر عليهن من شعر عمر بن أبي ربيعة‬

‫صفحة ‪23 :‬‬

‫قال الزبير وحدثني عمي عن جدي ‪ -‬وذكره أيضا إسحاق فيما رويناه عن أبي هفان عنه عن المدائني ‪ -‬قال قال هشام بن‬
‫‪:‬عروة‪ :‬ل ترووا فتياتكم شعر عمر بن أبي ربيعة ل يتورطن في الزنا تورطا‪ ،‬وأنشد‬
‫وقلت لها خذي حذرك‬ ‫لقد أرسلت جـاريتـي‬
‫لزينب‪ :‬نولي عمرك أخبرنا علي بن صالح قال حدثني أبو هفان عن إسحاق عن الزبيري‬ ‫وقولي في مـلطـفة‬
‫قال حدثني أبي عن سمرة الدوماني من حمير قال‪ :‬إني لطوف بالبيت فإذا أنا بشيخ في الطواف‪ ،‬فقيل لي‪ :‬هذا عمر بن أبي‬
‫ربيعة‪ .‬فقبضت على يده وقلت له‪ :‬يابن أبي ربيعة‪ .‬فقال‪ :‬ما تشاء? قلت‪ :‬أكل ما قتله في شعرك فعلته? قال‪ :‬إليك عني‪ .‬قلت‪:‬‬
‫‪.‬أسألك بالله قال‪ :‬نعم وأستغفر الله‬
‫‪.‬قال إسحاق وحدثني الهيثم بن عدي عن حماد الراوية‪ :‬أنه سئل عن شعر عمر بن أبي ربيعة فقال‪ :‬ذاك الفستق المقشر‬
‫أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير عن عمه قال‪ :‬سمع الفرزدق شيئا من نسيب عمر فقال‪ :‬هذا الذي كانت الشعراء تطلبه‬
‫فأخطأته وبكت الديار‪ ،‬ووقع هذا عليه‪ .‬قال‪ :‬وكان بالكوفة رجل من الفقهاء تجتمع إليه الناس فيتذاكرون العلم‪ ،‬فذكر يوما شعر‬
‫عمر بن أبي ربيعة فهجنه‪ .‬فقالوا له‪ :‬بمن ترضى? ومر بهم حماد الراوية فقال‪ :‬قد رضيت بهذا‪ .‬فقالوا له‪ :‬ما تقول فيمن يزعم‬
‫أن عمر بن أبي ربيعة لم يحسن شيئا? فقال‪ :‬أين هذا? اذهبوا بنا إليه‪ .‬قالوا‪ :‬نصنع به ماذا? قال‪ :‬ننزو على أمه لعلها تأتي بمن‬
‫‪.‬هو أمثل من عمر‬
‫‪.‬قال إسحاق‪ :‬وقال أبو المقوم النصاري‪ :‬ما عصي الله بشيء كما عصي بشعر عمر بن أبي ربيعة‬
‫قال إسحاق‪ :‬وحدثني قيس بن داود قال حدثني أبي قال‪ :‬سمعت عمر بن أبي ربيعة يقول‪ :‬لقد كنت وأنا شاب أعشق ول‬
‫أعشق‪ ،‬فاليوم صرت إلى مداراة الحسان إلى الممات‪ .‬ولقد لقيتني فتاتان مرة فقالت لي إحداهما‪ :‬أدن مني يابن أبي ربيعة‬
‫‪.‬أسر إليك شيئا‪ .‬فدنوت منها ودنت الخرى فجعلت تعضني‪ ،‬فما شعرت بعض هذه من لذة سرار هذه‬
‫قال إسحاق‪ :‬وذكر عبد الصمد بن المفضل الرقاشي عن محمد بن فلن الزهري ‪ -‬سقط اسمه ‪ -‬عن إسحاق عن عبد الله بن‬
‫مسلمة بن أسلم قال‪ :‬لقيت جريرا فقلت له‪ :‬يا أبا حزرة‪ ،‬إن شعرك رفع إلى المدينة وأنا أحب أن تسمعني منه شيئا‪ .‬فقال‪:‬‬
‫‪.‬إنكم يا أهل المدينة يعجبكم النسيب‪ ،‬وإن أنسب الناس المخزومي‪ .‬يعني ابن أبي ربيعة‬
‫قال إسحاق‪ :‬وذكر محمد بن إسماعيل الجعفري عن أبيه عن خاله عبد العزيز بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أشرف عمر بن أبي ربيعة على أبي قبيس‪ ،‬وبنو أخيه معه وهم محرمون‪ ،‬فقال لبعضهم‪ :‬خذ بيدي فأخذ بيده‪ ،‬وقال‪ :‬ورب هذه‬
‫البنية ما قلت لمرأة قط شيئا لم تقله لي‪ ،‬وما كشفت ثوبا عن حرام قط‪ .‬قال‪ :‬ولما مرض عمر مرضه الذي مات فيه جزع‬
‫أخوه الحارث جزعا شديدا‪ .‬فقال له عمر‪ :‬أحسبك إنما تجزع لما تظنه بي‪ ،‬والله ما أعلم أني ركبت فاحشة قط فقال‪ :‬ما كنت‬
‫‪.‬أشفق عليك إل من ذلك‪ ،‬وقد سليت عني‬
‫قال إسحاق‪ :‬حدثني مصعب الزبيري قال قال مصعب بن عروة بن الزبير‪ :‬خرجت أنا وأخي عثمان إلى مكة معتمرين أو‬
‫حاجين‪ ،‬فلما طفنا بالبيت مضينا إلى الحجر نصلي فيه‪ ،‬فإذا شيخ قد فرج بيني وبين أخي فأوسعنا له‪ .‬فلما قضى صلته أقبل‬
‫علينا فقال‪ :‬من أنتما? فأخبرناه‪ .‬فرحب بنا وقال‪ :‬يا ابني أخي‪ ،‬إني موكل بالجمال أتبعه‪ ،‬وإني رأيتكما فراقني حسنكما‬
‫‪.‬وجمالكما‪ ،‬فاستمتعا بشبابكما قبل أن تندما عليه‪ ،‬ثم قام‪ ،‬فسألنا عنه فإذا هو عمر بن أبي ربيعة‬
‫أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني محمد بن الضحاك قال‪ :‬عاش عمر بن أبي ربيعة ثمانين سنة‪ ،‬فتك منها أربعين‬
‫‪.‬سنة‪ ،‬ونسك أربعين سنة‬
‫قال الزبير وحدثني إبراهيم عن حمزة ومحمد بن ثابت عن المغيرة بن عبد الرحمن عن أبيه قال‪ :‬حججت مع أبي وأنا غلم‬
‫وعلي جمة‪ .‬فلما قدمت مكة جئت عمر بن أبي ربيعة‪ ،‬فسلمت عليه وجلست معه‪ ،‬فجعل يمد الخصلة من شعري ثم يرسلها‬
‫فترجع على ما كانت عليه‪ ،‬ويقول‪ :‬واشباباه‪ .‬حتى فعل ذلك مرارا‪ .‬ثم قال لي‪ :‬يابن أخي‪ ،‬قد سمعتني أقول في شعري‪ :‬قالت‬
‫لي وقلت لها‪ ،‬وكل مملوك لي حر إن كنت كشفت عن فرج حرام قط فقمت وأنا متشكك في يمينه‪ ،‬فسألت عن رقيقه فقيل‬
‫‪.‬لي‪ :‬أما في الحوك فله سبعون عبدا سوى غيرهم‬

‫صفحة ‪24 :‬‬

‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثتني ظبية مولة فاطمة بنت عمر بن مصعب قالت‪ :‬مررت‬
‫بجدك عبد الله بن مصعب وأنا داخلة منزله وهو بفنائه ومعي دفتر‪ ،‬فقال‪ :‬ما هذا معك? ودعاني‪ .‬فجئته وقلت‪ :‬شعر عمر بن‬
‫أبي ربيعة‪ .‬فقال‪ :‬ويحك تدخلين على النساء بشعر عمر بن أبي ربيعة إن لشعره لموقعا من القلوب ومدخل لطيفا‪ ،‬لو كان شعر‬
‫‪.‬يسحر لكان هو‪ ،‬فارجعي به‪ .‬قالت‪ :‬ففعلت‬
‫قال إسحاق ‪ :‬وأخبرني الهيثم بن عدي قال‪ :‬قدمت امرأة مكة وكانت من أجمل النساء‪ .‬فبينا عمر بن أبي ربيعة يطوف إذ‬
‫نظر إليها فوقعت في قلبه‪ ،‬فدنا منها فكلمها‪ ،‬فلم تلتفت إليه‪ .‬فلما كان في الليلة الثانية جعل يطلبها حتى أصابها‪ .‬فقالت له‪:‬‬
‫إليك عني يا هذا‪ ،‬فإنك في حرم الله وفي أيام عظيمة الحرمة‪ .‬فألح عليها يكلمها‪ ،‬حتى خافت أن يشهرها‪ .‬فلما كان في الليلة‬
‫الخرى قالت لخيها‪ :‬أخرج معي يا أخي فأرني المناسك‪ ،‬فإني لست أعرفها‪ ،‬فأقبلت وهو معها‪ .‬فلما رآها عمر أراد أن يعرض‬
‫‪:‬لها‪ ،‬فنظر إلى أخيها معها فعدل عنها‪ ،‬فتمثلت المرأة بقول النابغة‬
‫وتتقي صولة المستأسد الحامـي قال إسحاق‪ :‬فحدثني السندي مولى أمير‬ ‫تعدو الذئاب على من ل كلب له‬
‫‪.‬المؤمنين أن المنصور قال ‪-‬وقد حدث بهذا الخبر‪ :-‬وددت أنه لم تبق فتاة من قريش في خدرها إل سمعت بهذا الحديث‬
‫‪:‬قال إسحاق‪ :‬قال لي الصمعي‪ :‬عمر حجة في العربية‪ ،‬ولم يؤخذ عليه إل قوله‬
‫عدد الرمل والحصى والتراب وله في ذلك مخرج‪ ،‬إذ قد أتى به على سبيل الخبار‪.‬‬ ‫ثم قالوا تحبها قلـت بـهـرا‬
‫‪:‬قال‪ :‬ومن الناس من يزعم أنه إنما قال‬
‫قيل لي هل تحبها قلت بهرا نسبة ما مضى في هذه الخبار من الشعار التي قالها عمر بن أبي ربيعة وغنى فيها المغنون إذ‬
‫كانت لم تنسب هناك لطول شرحها شعر عمر الذي غنى فيه المغنون‬
‫منها ما يغنى فيه من قوله‪ :‬صوت‬

‫غداة غـد أم رائح فـمـهـجـر‬ ‫أمن آل نعم أنت غاد فـمـبـكـر‬


‫فتبلغ عذرا والـمـقـالة تـعـذر‬ ‫لحاجة نفس لم تقل في جـوابـهـا‬
‫أهذا المغيري الذي كـان يذكـر‬ ‫?أشارت بمدراها وقالت لخـتـهـا‬
‫سر الليل يطوي نصه والتهـجـر‬ ‫فقالت‪ :‬نعم ل شـك غـير لـونـه‬
‫فيضحى وأما بالعشي فيخـصـر‬ ‫رأت رجل أما إذا الشمس عارضت‬
‫به فلوات فهو أشـعـث أغـبـر‬ ‫أخا سفر جواب أرض تـقـاذفـت‬
‫وقد يجشم الهول المحب المغـرر‬ ‫وليلة ذي دوران جشمتني السـرى‬
‫وإما ينال السـيف ثـأرا فـيثـأر هذه البيات جمعت على غير توال؛ لنه إنما ذكر‬ ‫فقلت‪ :‬أباديهم فـإمـا أفـوتـهـم‬
‫منها ما فيه صنعة‪ .‬غنى في الول والثاني من البيات ابن سريج خفيف رمل بالبنصر عن أحمد بن المكي وذكر حبش أن فيهما‬
‫‪.‬لمعبد لحنا من الثقيل الول بالبنصر‬
‫وغنى ابن سريج في الثالث والرابع أيضا خفيف ثقيل بالوسطى‪ ،‬وذكر حبش أن فيهما لحنا من الهزج بالوسطى لحكم‪ .‬وغنى‬
‫ابن سريج في الخامس والسادس لحنا من الرمل بالوسطى عن عمرو بن بانه‪ .‬وذكر يونس أن في السابع والثامن لبن سريج‬
‫‪.‬لحنا ولم يذكر طريقته‪ ،‬وذكر حبش أن فيهما لمالك لحنا من الثقيل الثاني بالبنصر‬
‫أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال أخبرني محمد بن إسحاق قال أخبرني محمد بن حبيب عن هشام بن الكلبي‪ :‬أن عمر‬
‫بن أبي ربيعة أتى عبد الله بن عباس وهو في المسجد الحرام فقال‪ :‬متعني الله بك إن نفسي قد تاقت إلى قول الشعر‬
‫‪:‬ونازعتني إليه‪ ،‬وقد قلت منه شيئا أحببت أن تسمعه وتستره علي‪ .‬فقال‪ :‬أنشدني‪ ،‬فأنشده‬
‫أمن آل نعم أنت غاد فمبكر فقال له‪ :‬أنت شاعر يا ابن أخي‪ ،‬فقل ما شئت‪ .‬قال‪ :‬وأنشد عمر هذه القصيدة طلحة بن عبد الله‬
‫‪.‬بن عوف الزهري وهو راكب‪ ،‬فوقف ومازال شانقا ناقته حتى كتبت له‬
‫أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني الحسين بن إسماعيل قال حدثنا ابن عائشة عن أبيه قال‪ :‬كان جرير إذا أنشد‬
‫‪:‬شعر عمر بن أبي ربيعة قال‪ :‬هذا شعر تهامي إذا أنجد وجد البرد‪ ،‬حتى أنشد قوله‬
‫فيضحى وأما بالعشي فينحـصـر‬ ‫رأت رجل أما إذا الشمس عارضت‬

‫صفحة ‪25 :‬‬

‫سوى ما نفى عنه الرداء المحبر‬ ‫قليل على ظهر المطية ظـلـه‬
‫وريان ملتف الحدائق أخضـر‬ ‫وأعجبها من عيشها ظل غـرفة‬
‫فليست لشيء آخر الليل تسهـر فقال جرير‪ :‬ما زال هذا القرشي يهذي حتى‬ ‫ووال كفاها كل شيء يهمـهـا‬
‫‪.‬قال الشعر‬
‫أخبرني محمد بن خلف قال أخبرني أبو عبد الله اليمامي قال حدثني الصمعي قال‪ :‬قال لي الرشيد‪ :‬أنشدني أحسن ما قيل‬
‫‪:‬في رجل قد لوحه السفر‪ ،‬فأنشدته قول عمر بن أبي ربيعة‬
‫فيضحى وأما بالعشي فينحـصـر‬ ‫رأت رجل إذا ما الشمس عارضت‬
‫به فلوات فهو أشـعـث أغـبـر ‪ ...‬البيات كلها‪ .‬قال‪ :‬فقال لي الرشيد‪ :‬أنا والله‬ ‫أخا سفر جواب أرض تقـاذفـت‬
‫‪.‬ذلك الرجل‪ .‬قال‪ :‬وهذا بعقب قدومه من بلد الروم‬
‫أخبرني الفضل بن الحباب الجمحي أبو خليفة في كتابه إلي‪ :‬قال حدثنا محمد بن سلم قال أخبرني شعيب بن صخر قال‪ :‬كان‬
‫بين عائشة بنت طلحة وبين زوجها عمر بن عبيد الله بن معمر كلم‪ ،‬فسهرت ليلة فقالت‪ :‬إن ابن أبي ربيعة لجاهل بليلتي هذه‬
‫‪:‬حيث يقول‬
‫فليست لشيء آخر الليل تسهر أخبرني علي بن صالح قال حدثنا أبو هفان قال‬ ‫ووال كفاها كل شيء يهمهـا‬
‫حدثني إسحاق عن المدائني قال‪ :‬عرض يزيد بن معاوية جيش أهل الحرة‪ ،‬فمر به رجل من أهل الشأم معه ترس خلق سمج‪،‬‬
‫‪:‬فنظر إليه يزيد وضحك وقال له‪ :‬ويحك ترس عمر بن أبي ربيعة كان أحسن من ترسك‪ .‬يريد قول عمر‬
‫ثلث شخوص كاعبان ومعصر أخبرنا جعفر بن قدامة قال حدثني محمد بن‬ ‫فكان مجني دون من كنت أتقي‬
‫‪:‬عبد الله بن مالك الخزاعي قال‪ :‬سمع أبو الحارث جميز مغنية تغني‬
‫أهذا المغيري الذي كان يذكر? فقال جميز‪ :‬امرأته طالق إن كانت أشارت إليه‬ ‫أشارت بمدراها وقالت لختهـا‬
‫بمدراها إل لتفقأ بها عينه‪ ،‬هل أشارت إليه بنقانق مطرف بالخردل‪ ،‬أو سنبوسجة مغموسة في الخل‪ ،‬أو لوزينجة شرقة بالدهن‬
‫‪.‬فإن ذلك أنفع له‪ ،‬وأطيب لنفسه‪ ،‬وأدل على مودة صاحبته‬
‫أخبرني الحرمي قال‪ :‬حدثنا الزبير قال حدثني عبد العزيز بن أبي أويس عن عطاف بن خالد الوابصي عن عبد الرحمن بن‬
‫‪:‬حرملة قال‪ :‬أنشد سعيد بن المسيب قول عمر بن أبي ربيعة‬
‫وروح رعيان ونوم سـمـر فقال‪ :‬ما له قاتله الله لقد صغر ما عظم الله يقول‬ ‫وغاب قمير كنت أرجو غيوبه‬
‫‪ .‬الله عز وجل‪ :‬والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم‬
‫شعر عمر في فاطمة الكندية‬
‫بنت محمد بن الشعث‬
‫ومنها ما فيه غناء لم ينسب في موضعه من الخبار فنسب ها هنا‪ :‬صوت‬

‫وللدار بـعـد غـد أبـعـد‬ ‫تشط غـدا دار جـيرانـنـا‬


‫مع الصبح قصد لها الفرقـد‬ ‫إذا سلكت غمـر ذي كـنـدة‬
‫يغـور بـمـكة أو ينـجـد‬ ‫عراقية‪ ،‬وتهامـي الـهـوى‬
‫سراعا إذا ما ونت تـطـرد‬ ‫وحث الحداة بهـا عـيرهـا‬
‫وإما على إثرهـا تـكـمـد‬ ‫هنالك إما تـعـزي الـفـؤاد‬
‫نأت والـعـزاء إذا أجـلـد‬ ‫وليسـت بـبـدع إذا دارهـا‬
‫ت أين المصادر والـمـورد‬ ‫صرمت وواصلت حتى علـم‬
‫ت ما أتوقى ومـا أحـمـد‬ ‫وجربت من ذاك حتى عرف‬
‫ح والضوء‪ ،‬والحي لم يرقدوا‬ ‫فلما دنونا لجـرس الـنـبـا‬
‫تودع من نارها الـمـوقـد‬ ‫نأينا عن الحـي حـتـى إذا‬
‫وفي الحي بغية من ينـشـد‬ ‫بعثنا لهـا بـاغـيا نـاشـدا‬
‫من الخوف أحشاؤها ترعـد‬ ‫أتتنا تهـادى عـلـى رقـبة‬
‫ووجدي وإن أظهرت أوجـد‬ ‫تقول وتظهـر وجـدا بـنـا‬
‫وقد كان لي عندكم مقـعـد‬ ‫لمما شقائي تعـلـقـتـكـم‬
‫على الخد يجري بها الثمـد‬ ‫وكفت سوابق مـن عـبـرة‬
‫مع الفجر قلبي بها مقصـد‬ ‫فإن التي شيعتـنـا الـغـداة‬
‫تحدر من ماء مـزن نـدي‬ ‫كـأن أقـاحـي مـولــية‬

‫صفحة ‪26 :‬‬

‫غنى معبد في الول والثاني والثالث من البيات خفيف ثقيل من أصوات قليلت الشباه عن إسحاق‪ .‬وغنى فيها أشعب‬
‫المعروف بالطامع ثاني ثقيل بالوسطى عن الهشامي‪ .‬وللغريض في البيات الربعة الول ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو‪.‬‬
‫‪:‬ولبن سريج في الرابع عشر وهو‬
‫وكفت سوابق من عبرة ثم الول والتاسع رمل بالوسطى عن ابن المكي‪ .‬ولمالك (ويقال إنه لمعبد ) خفيف ثقيل في الرابع‬
‫عشر والثالث عشر والول عن الهشامي‪ .‬وفي السابع والثامن والول لبن جامع ثقيل أول بالوسطى عن الهشامي‪ .‬وفي الول‬
‫والحادي عشر لبن سريج رمل بالبنصر في مجراها عن إسحاق‪ ،‬وفيهما ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق ولم‬
‫ينسبه إلى أحد‪ ،‬وذكر أحمد بن المكي أنه لبيه‪ .‬وفي الرابع والخامس رمل لمعبد عن ابن المكي‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه من منحول أبيه إلى‬
‫معبد‪ .‬وفي الثالث عشر والسادس ليونس خفيف رمل عن الهشامي‪ .‬وفي الول والثاني عشر ثاني ثقيل تشترك فيه الصابع‬
‫عن ابن المكي‪ ،‬وقال أيضا‪ :‬فيه للبجر لحن آخر من الثقيل الثاني‪ .‬ولمعبد في الرابع والسادس ثاني ثقيل آخر عنه‪ ،‬وفيهما أيضا‬
‫رمل لبن سريج عنه وعن حبش‪ .‬ولسحاق في الول والثاني رمل من كتابه‪ .‬ولعلية بنت المهدي في الثالث عشر والول ثقيل‬
‫أول‪ .‬ولبن مسجح في الثاني عشر والول رمل‪ ،‬ويقال إنه للرطاب‪ ،‬وذكر حبش أنه لبن سريج‪ .‬وفي الخمسة البيات الولى‬
‫متوالية خفيف رمل بالوسطى ينسب إلى معبد وإلى يحيى المكي‪ ،‬وزعم حبش أن فيها رمل بالوسطى لبن محرز‪ .‬والذي ذكره‬
‫يونس في كتابه أن في‬
‫تشط غدا دار جيراننا خمسة ألحان‪ :‬اثنان لمعبد‪ ،‬واثنان لمالك‪ ،‬وواحد ليونس‪ .‬وذكر أحمد بن عبيد أن الذي عرف صحته من‬
‫‪.‬الغناء فيه سبعة ألحان‪ :‬ثقيل أول‪ ،‬وثاني ثقيل‪ ،‬وخفيف ثقيل‪ ،‬ورمل‪ ،‬وخفيفه‬
‫أخبرني بعض أصحابنا عن أبي عبد الله بن المرزبان أن الذي أحصي فيه إلى وقته ستة عشر لحنا‪ .‬والذي وجدته فيه مما‬
‫جمعته ها هنا ‪ -‬سوى ما لم يذكر يونس طريقته ‪ -‬تسعة عشر لحنا‪ :‬منها في الثقيل الول لحنان‪ ،‬وفي خفيف الثقيل لحنان‪،‬‬
‫‪.‬وفي الثقيل الثاني ستة‪ ،‬وفي الرمل سبعة‪ ،‬وفي خفيف الرمل لحنان‬
‫وهذا الشعر يقوله عمر بن أبي ربيعة في امرأة من ولد الشعث بن قيس حجت فهويها وراسلها‪ ،‬فواصلته ودخل إليها وتحدث‬
‫‪.‬معها وخطبها‪ ،‬فقالت‪ :‬أما ها هنا فل سبيل إلى ذلك‪ ،‬ولكن إن قدمت إلى بلدي خاطبا تزوجتك‪ ،‬فلم يفعل‬
‫أخبرني بهذا الخبر الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير قال حدثنا محمد بن الحسن المخزومي عن محرز بن جعفر مولى‬
‫أبي هريرة عن أبيه قال‪ :‬سمعت بديحا يقول‪ :‬حجت بنت محمد بن الشعث الكندية‪ ،‬فراسلها عمر بن أبي ربيعة وواعدها أن‬
‫يتلقاها مساء الغد‪ ،‬وجعل الية بينه وبينها أن تسمع ناشدا ينشد ‪ -‬إن لم يمكنه أن يرسل رسول ‪ -‬يعلمها بمصيره إلى المكان‬
‫الذي وعدها‪ .‬قال بديح‪ :‬فلم أشعر به إل متلثما‪ ،‬فقال لي‪ :‬يا بديح‪ ،‬ائت بنت محمد بن الشعث فأخبرها أني قد جئت لموعدها‪،‬‬
‫‪.‬فأبيت أن أذهب وقلت‪ :‬مثلي ل يعين على مثل هذا‬
‫فغيب بغلته عني ثم جاءني فقال لي‪ :‬قد أضللت بغلتي فانشدها لي في زقاق الحاج‪ .‬فذهبت فنشدتها‪ ،‬فخرجت علي بنت‬
‫‪:‬محمد بن الشعث وقد فهمت الية‪ ،‬فأتته لموعده‪ ،‬وذلك قوله‬
‫إذا جئتكم ناشدا ينشد قال بديح‪ :‬فلما رأيتها مقبلة عرفت أنه قد خدعني بنشدي البغلة‪،‬‬ ‫وآية ذلك أن تسمعي‬
‫‪:‬فقلت له‪ :‬يا عمر‪ ،‬لقد صدقت التي قالت لك‬
‫ن‪ ،‬قد خبرنني خبرك قد سحرتني وأنا رجل فكيف برقة قلوب النساء وضعف رأيهن وما‬ ‫فهذا سحرك النسـوا‬
‫‪.‬آمنك بعدها‪ ،‬ولو دخلت الطواف ظننت أنك دخلته لبلية‪ .‬قال‪ :‬وحدثها بحديثي‪ ،‬فما زال ليلتهما يفصلن حديثهما بالضحك مني‬
‫قال الزبير‪ :‬فحدثني أبو الهندام مولى الربعيين عن أبي الحارث بن عبد الله الربعي قال‪ :‬لقي ابن أبي عتيق بديحا فقال له‪ :‬يا‬
‫بديح‪ ،‬أخدعك ابن أبي ربيعة أنه قرشي? فقال بديح‪ :‬نعم وقد أخطأه ذلك عند القسري وصواحبه‪ .‬فقال ابن أبي عتيق‪ :‬ويحك يا‬
‫بديح أن من تغابى لك ليغبى عنك‪ ،‬فقد ضمت عليه قبضتك إن كان لك ذهن‪ ،‬أما رأيت لمن كانت العاقبة? والله ما بالى ابن أبي‬
‫‪.‬ربيعة أوقع عليهن أم وقعن عليه‬

‫صفحة ‪27 :‬‬

‫أخبرني عمي قال حدثنا محمد بن سعد الكراني قال حدثنا العمري عن كعب بن بكر المحاربي‪ :‬أن فاطمة بنت محمد بن‬
‫‪.‬الشعث حجت‪ ،‬فراسلها عمر بن أبي ربيعة فواعدته أن تزوره‪ ،‬فأعطى الرسول الذي بشره بزيارتها مائة دينار‬
‫أخبرني علي بن صالح عن أبي هفان عن إسحاق عن رجاله المذكورين‪ ،‬قالوا‪ :‬حجت بنت لمحمد بن الشعث ‪ -‬هكذا قال‬
‫‪:‬إسحاق وهو عندي الصحيح ‪ -‬وكانت معها أمها وقد سمعت بعمر بن أبي ربيعة فأرسلت إليه‪ ،‬فجاءها فاستنشدته‪ ،‬فأنشدها‬
‫وللدار بعد غد أبعد وذكر القصة بطولها‪ .‬قال‪ :‬وقد كانت لما جاءها أرسلت بينها وبينه‬ ‫تشط غدا دار جيراننا‬
‫سترا رقيقا تراه من ورائه ول يراها‪ ،‬فجعل يحدثها حتى استنشدته‪ ،‬فأنشدها هذه القصيدة‪ ،‬فاستخفها الشعر فرفعت السجف‪،‬‬
‫فرأى وجها حسنا في جسم ناحل‪ ،‬فخطبها وأرسل إلى أمها بخمسمائة دينار‪ ،‬فأبت وحجبته وقالت للرسول‪ :‬تعود إلينا‪ .‬فكأن‬
‫الفتاة غمها ذلك‪ ،‬فقالت لها أمها‪ :‬قد قتلك الوجد به فتزوجيه‪ .‬قالت‪ :‬ل والله ل يتحدث أهل العراق عني أني جئت ابن أي ربيعة‬
‫أخطبه‪ ،‬ولكن إن أتاني إلى العراق تزوجته‪ .‬قال‪ :‬ويقال إنها راسلته وواعدته أن تزوره‪ ،‬فأجمر بيته وأعطى المبشر مائة دينار‪،‬‬
‫فأتته وواعدته إذا صدر الناس أن يشيعها‪ ،‬وجعلت علمة ما بينهما أن يأتيها رسوله ينشدها ناقة له‪ .‬فلما صدر الناس فعل ذلك‬
‫عمر‪ .‬وفيه يقول وقد شيعها‪ :‬صوت‬

‫أو بعده‪ ،‬أفل تـشـيعـنـا‬ ‫قال الخليط غدا تصدعـنـا‬


‫فمتى تقول الدار تجمعنـا‬ ‫أما الرحيل فدون بعـد غـد‬
‫علما بأن البين يفـزعـنـا‬ ‫لتشوقنا هند وقد عـلـمـت‬
‫وبسمع تربيها تراجعـنـا‬ ‫عجبا لموقفنا وموقـفـهـا‬
‫نعهد فإن البين فاجعـنـا‬ ‫ومقالها سر ليلة مـعـنـا‬
‫وأظن أن السير مانعـنـا‬ ‫قلت العيون كثيرة معـكـم‬
‫فيطاع قائلكم وشافـعـنـا‬ ‫ل بل نزوركم بأرضـكـم‬
‫هذا لعمرك أم تخادعنـا‬ ‫?قالت أشيء أنت فـاعـلـه‬
‫واصدق فإن الصدق واسعنا‬ ‫بالله حدث مـا تـؤمـلـه‬
‫إخلف موعده تقاطعـنـا الغناء لبن سريج ثقيل أول مطلق في مجرى البنصر عن‬ ‫اضرب لنا أجل نعـد لـه‬
‫‪.‬إسحاق‪ ،‬وذكر عمرو أنه للغريض بالوسطى‪ .‬وفيه لبن سريج خفيف رمل عن الهشامي‪ ،‬وذكر حبش أنه لموسى شهوات‬
‫شعره في زينب بنت موسى الجمحية‬
‫ومنها مما لم ينسب أيضا صوت‬
‫وقلت لها‪ :‬خذي حذرك‬ ‫لقد أرسلت جـاريتـي‬
‫لزينب‪ :‬نولي عمـرك‬ ‫وقولي في مـلطـفة‬
‫وقالت‪ :‬من بذا أمـرك‬ ‫فهزت رأسها عجـبـا‬
‫ن‪ ،‬قد خبرنني خبـرك غنى فيها ابن سريج خفيف رمل بالبنصر عن عمرو‪ ،‬وقال قوم‪:‬‬ ‫أهذا سحرك النـسـوا‬
‫إنه للغريض‪ .‬وفيها لمالك خفيف ثقيل عن ابن المكي‪ .‬وفي هذا الشعر ألحان كثيرة‪ ،‬والشعر فيها على غير هذه القافية‪ ،‬لن‬
‫هذه البيات لعمر من قصيدة رائية موصولة الراءات بألف‪ ،‬إل أن المغنين غيروا هذه البيات في هذين اللحنين‪ ،‬فجعلوا مكان‬
‫‪:‬اللف كافا‪ ،‬وإنما هي‬
‫وقلت لها‪ :‬خذي حذرا وأول القصيدة‪ :‬صوت‬ ‫لقد أرسلت جاريتـي‬

‫صباه ولم يكن ظهـرا‬ ‫تصابى القلب وادكـرا‬


‫صفاء لم يكـن كـدرا‬ ‫لزينب إذ تـجـدلـنـا‬
‫لمولة لهـا ظـهـرا‬ ‫أليست بالتـي قـالـت‬
‫إذا هو نحونا خـطـرا‬ ‫أشيري بالـسـلم لـه‬
‫وقلت لها‪ :‬خذي حذرا‬ ‫لقد أرسلت جـاريتـي‬
‫لزينب‪ :‬نولي عـمـرا‬ ‫وقولي في مـلطـفة‬
‫وقالت‪ :‬من بذا أمـرا‬ ‫فهزت رأسها عجـبـا‬
‫ن‪ ،‬قد خبرنني الخبـرا غنى ابن سريج في الثالث والرابع والخامس والول خفيف ثقيل‬ ‫أهذا سحرك النـسـوا‬
‫أول بإطلق الوتر في مجرى البنصر من رواية إسحاق‪ .‬وذكر عمرو بن بانة في نسخته الولى أنه لبن سريج‪ ،‬وأبو إسحاق‬
‫ينسبه في نسخته الثانية إلى دحمان‪ .‬وللغريض في الول من البيات لحن من القدر الوسط من الثقيل الول بالوسطى في‬
‫‪:‬مجراها‪ ،‬وأضاف إليه بيتين ليسا من هذه القصيدة وهما‬

‫صفحة ‪28 :‬‬

‫جمال الحي فابتكروا‬ ‫طربت ورد من تهوى‬


‫تلومي القلب إن جهرا وذكر يونس أن لمعبد في هذا الشعر الذي أوله‬ ‫‪:‬فقل للـمـالـكـية ل‬
‫تصابى القلب وادكرا لحنين لم يذكر جنسيهما‪ ،‬وذكر الهشامي‪ :‬أن أحدهما خفيف ثقيل والخر رمل‪ .‬وفي البيات التي غنى‬
‫فيها الغريض رمل لدحمان عن الهشامي‪ ،‬قال‪ :‬ويقال إنه لبنة الزبير‪ .‬وزينب التي ذكرها عمر بن أبي ربيعة ها هنا‪ ،‬يقال لها‪:‬‬
‫‪.‬زينب بنت موسى أخت قدامة بن موسى الجمحي‬
‫أخبرني بذلك محمد بن خلف بن المرزبان عن أبي بكر العامري‪ .‬وأخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير بن بكار قال‬
‫حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد العزيز الزهري قال حدثني عمي عمران بن عبد العزيز قال‪ :‬شبب عمر بن أبي ربيعة‬
‫بزينب بنت موسى الجمحية في قصيدته التي يقول فيها‪ :‬صوت‬

‫وألما الغـداة بـالظـعـان‬ ‫يا خليلي من ملم دعـانـي‬


‫قلب رهن بآل زينب عانـي‬ ‫ل تلوما في آل زينـب إن ال‬
‫قف منها بالخيف إل شجاني ‪ -‬غنى في هذه البيات الغريض خفيف رمل‬ ‫ما أرى ما بقيت أن أذكر المو‬
‫‪ -‬بالبنصر عن عمرو‬
‫غير ما قلت مازحا بلـسـانـي‬ ‫لم تدع للنساء عـنـدي حـظـا‬
‫وإليها الهوى فل تـعـدلنـي‬ ‫هي أهل الصفاء والود مـنـي‬
‫من قطين مولـد‪ :‬حـدثـانـي‬ ‫حين قالت لختـهـا ولخـرى‬
‫سل سرا في القول أن يلقانـي‬ ‫?كيف لي اليوم أن أرى عمر المر‬
‫ونميت الحديث بالـكـتـمـان‬ ‫قالتا‪ :‬نبـتـغـي رسـول إلـيه‬
‫كالمعمى عن سائر النـسـوان قال‪ :‬وكان سبب ذكره لها أن ابن أبي عتيق‬ ‫إن قلبي بعد الذي نلت مـنـهـا‬
‫ذكرها عنده يوما فأطراها‪ ،‬ووصف من عقلها وأدبها وجمالها ما شغل قلب عمر وأماله إليها‪ ،‬فقال فيها الشعر وشبب بها‪ ،‬فبلغ‬
‫ذلك ابن أبي عتيق‪ ،‬فلمه فيه وقال له‪ :‬أتنطق الشعر في ابنة عمي? فقال عمر‪ :‬صوت‬

‫إن بي يا عتيق ما قد كفانـي‬ ‫ل تلمني عتيق حسبي الذي بي‬


‫أنت مثل الشيطان للنسـان‬ ‫ل تلمني وأنت زينتهـا لـي‬
‫لى عظامي مكنونه وبرانـي‬ ‫إن بي داخل من الحب قد أب‬
‫ليلة السفح قرت العـينـان‬ ‫لو بعينيك يا عتيق نـظـرنـا‬
‫ر فضل فيه من المرجـان‬ ‫إذ بدا الكشح والوشاح من الد‬
‫غير ما قلت مازحا بلسانـي وأول هذه القصيدة‬ ‫‪:‬قد قلى قلبي النساء سـواهـا‬
‫وتذكرت ما مضى من زماني‬ ‫إنني اليوم عاد لـي أحـزانـي‬
‫هاج لي الشوق ذكرها فشجاني غنى أبو العبيس بن حمدون في ل تلمني عتيق‪...‬‬ ‫وتـذكـرت ظـبــية أم رئم‬
‫‪.‬لحنا من الثقيل الول المطلق‪ .‬وفيه رمل طنبوري مجهول‬
‫أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال أخبرني عبد الملك بن عبد العزيز عن يوسف بن الماجشون قال‪ :‬أنشد عمر بن أبي‬
‫‪:‬ربيعة قوله‬
‫وألما الغداة بـالظـعـان‬ ‫يا خليلي من ملم دعانـي‬
‫قلب رهن بآل زينب عاني القصيدة‪ .‬قال‪ :‬فبلغ ذلك أبا وداعة السهمي فأنكره‬ ‫ل تلوما في آل زينب إن ال‬
‫وغضب‪ .‬وبلغ ذلك ابن أبي عتيق وقيل له‪ :‬إن أبا وداعة قد اعترض لبن أبي ربيعة من دون زينب بنت موسى‪ ،‬وقال‪ :‬ل أقر لبن‬
‫أبي ربيعة أن يذكر امرأة من بني هصيص في شعره‪ .‬فقال ابن أبي عتيق‪ :‬ل تلوموا أبا وداعة أن ينعظ من سمرقند على أهل‬
‫عدن قال الزبير‪ :‬وحدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد العزيز الزهري قال حدثني عمي عمران بن عبد العزيز قال‪ :‬شبب‬
‫‪:‬عمر بن أبي ربيعة بزينب بنت موسى في أبياته التي يقول فيها‬
‫قلب رهن بآل زينب عاني فقال له ابن أبي عتيق‪ :‬أما قلبك فقد غيب عنا‪ ،‬وأما‬ ‫ل تلوما في آل زينب إن ال‬
‫‪.‬لسانك فشاهد عليك‬
‫‪:‬قال عبد الرحمن بن عبد الله قال عمران بن عبد العزيز‪ :‬عذل ابن أبي عتيق عمر في ذكره زينب في شعره‪ ،‬فقال عمر‬
‫إن بي يا عتيق ما قد كفانـي‬ ‫ل تلمني عتيق حسبي الذي بي‬

‫صفحة ‪29 :‬‬

‫قال‪ :‬فبدره ابن أبي عتيق‪ ،‬فقال‬ ‫‪:‬ل تلمني وأنت زينتها لي‬
‫أنت مثل الشيطان للنسان فقال ابن أبي ربيعة‪ :‬هكذا ورب البيت قلته‪ .‬فقال ابن أبي عتيق‪ :‬إن شيطانك ورب القبر ربما ألم‬
‫‪.‬بي‪ ،‬فيجد عندي من عصيانه خلف ما يجد عندك من طاعته‪ ،‬فيصيب مني وأصيب منه‬
‫أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد الملك بن عبد العزيز قال حدثني قدامة بن موسى قال‪ :‬خرجت بأختي زينب‬
‫إلى العمرة‪ ،‬فلما كنت بسرف لقيني عمر بن أبي ربيعة على فرس فسلم علي‪ .‬فقلت له‪ :‬إلى أين أراك متوجها يا أبا الخطاب?‬
‫فقال‪ :‬ذكرت لي امرأة من قومي برزة الجمال‪ ،‬فأردت الحديث معها‪ .‬فقلت‪ :‬هل علمت أنها أختي? فقال‪ :‬ل واستحيا وثنى‬
‫‪.‬عنق فرسه راجعا إلى مكة‬
‫أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثنا أحمد بن الهيثم قال حدثنا العمري عن لقيط بن بكر المحاربي قال‪ :‬أنشدني‬
‫ابن أبي عتيق قول عمر‪ :‬صوت‬

‫لزينب نجوى صدره والوسـاوس‬ ‫من لسقيم يكتم الـنـاس مـا بـه‬
‫بزينب تدرك بعض ما أنت لمس‬ ‫أقول لمن يبغي الشفاء متى تجيء‬
‫فإني من طـب الطـبـاء آيس‬ ‫فإنك إن لم تشف من سقمي بـهـا‬
‫لزينب حتى يعلو الرأس رامـس‬ ‫ولست بناس ليلة الدار مجـلـسـا‬
‫دجنته وغاب مـن هـو حـارس‬ ‫خلء بدت قمراؤه وتكـشـفـت‬
‫كلنا من الثوب المـورد لبـس‬ ‫وما نلت منها محرما غير أنـنـا‬
‫وإن رغمت م الكاشحين المعاطس قال‪ :‬فقال ابن أبي عتيق‪ :‬أمنا يسخر‬ ‫نجيين نقضي اللهو في غير مأثـم‬
‫ابن أبي ربيعة فأي محرم بقي ثم أتى عمر فقال له‪ :‬يا عمر‪ ،‬ألم تخبرني أنك ما أتيت حراما قط? قال بلى قال‪ :‬فأخبرني عن‬
‫‪:‬قولك‬
‫كلنا من الثوب المورد لبس ما معناه? قال‪ :‬والله لخبرنك خرجت أريد المسجد وخرجت زينب تريده‪ ،‬فالتقينا فاتعدنا لبعض‬
‫الشعاب‪ ،‬فلما توسطنا الشعب أخذتنا السماء‪ ،‬فكرهت أن يرى بثيابها بلل المطر‪ ،‬فيقال لها‪ :‬أل استترت بسقائف المسجد أن‬
‫‪:‬كنت فيه‪ ،‬فأمرت غلماني فسترونا بكساء خز كان علي؛ فذلك حين أقول‬
‫‪:‬كلنا من الثوب المطارف لبس فقال له ابن أبي عتيق‪ :‬يا عاهر هذا البيت يحتاج إلى حاضنة الغناء في هذه البيات التي أولها‬
‫‪.‬من لسقيم يكتم الناس ما به لرذاذ ثقيل أول‪ ،‬وكان بعض المحدثين ممن شاهدناه يدعي أنه له‪ ،‬ولم يصدق‬
‫أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد الملك بن عبد العزيز عن يوسف بن الماجشون قال‪ :‬قال عمر بن أبي ربيعة‬
‫في زينب بنت موسى‪ :‬صوت‬

‫للتعدي وما بهـا البـغـاض‬ ‫طال من آل زينب العـراض‬


‫ب إلى أن عل الرءوس بياض‬ ‫ووليدين كان علقـهـا الـقـل‬
‫عندها واهن القوى أنـقـاض الغناء في هذا البيات لبن محرز خفيف رمل بالبنصر‬ ‫حبلها عندنا متـين وحـبـلـي‬
‫‪.‬عن عمرو‪ .‬وقال الهشامي‪ :‬فيه لبن جامع خفيف رمل آخر‬
‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير قال قال عبد الرحمن بن عبد الله وحدثني إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز عن‬
‫‪:‬أبيه قال‪ :‬لما قال عمر بن أبي ربيعة في زينب‬
‫غير ما قلت مازحا بلساني قال له ابن أبي عتيق‪ :‬رضيت لها بالمودة‪ ،‬وللنساء‬ ‫لم تدع للنساء عندي نصيبـا‬
‫‪ .‬بالدهفشة‪ .‬قال‪ :‬والدهفشة‪ :‬التجميش والخديعة بالشيء اليسير‪ .‬وقال غير الزبير في هذا الخبر‪ :‬الدهقشة‪ ،‬مكان الدهفشة‬
‫ومما قاله عمر في زينب وغني فيه قوله‪ :‬صوت‬

‫م تزحزح فمـا لـهـا الـهـجـران‬ ‫أيها الكاشـح الـمـعـير بـالـصـر‬


‫أو تكـلـم حـتـى يمـل الـلـسـان‬ ‫ل مطـاع فـي آل زينـب فـارجـع‬
‫ثم يخفـي حـديثـنـا الـكـتـمـان‬ ‫نجعل الليل موعـدا حـين نـمـسـي‬
‫بر عن بعـض نـفـسـه النـسـان‬ ‫كيف صبري عن بعض نفسي وهل يص‬
‫قصـر فـيه تـعـفــف وبـــيان‬ ‫ولقد أشـهـد الـمـحـدث عـنـد ال‬
‫قد مضـى عـصـره وهـذا زمـان الغناء في هذه البيات لبن سريج رمل‬ ‫في زمـان مـن الـمـعـيشة لــدن‬
‫‪:‬بالوسطى عن عمرو ودنانير‪ .‬وذكر يونس أن فيه لحنا لبن محرز ولحنا لبن عباد الكاتب‪ ،‬أول لحن ابن عباد الكاتب‬

‫صفحة ‪30 :‬‬

‫‪:‬ل مطاع في آل زينب‪ ....‬وأول لحن ابن محرز‬


‫ولقد أشهد المحدث‪ ....‬ومما غني فيه لبن محرز من أشعار عمر بن أبي ربيعة في زينب بنت موسى قوله‪ :‬صوت‬

‫يهذي بخود مريضة النـظـر‬ ‫يا من لقلـب مـتـيم كـلـف‬


‫وهي كمثل العسلوج في الشجر ‪ -‬للغريض في هذين البيتين خفيف رمل‬ ‫تمشي الهوينى إذا مشت فضـل‬
‫‪ -‬بالوسطى‪ ،‬ولبن سريج رمل بالبنصر عن الهشامي وحبش‬
‫حتى رأيت النقصان في بصري‬ ‫ما زال طرفي يحار إذ بـرزت‬
‫يمشين بين المقام والـحـجـر‬ ‫أبصرتها لـيلة ونـسـوتـهـا‬
‫حتى التقينا ليل عـلـى قـدر‬ ‫ما إن طمعنا بها ول طمـعـت‬
‫يمشين هونا كمشية الـبـقـر‬ ‫بيضا حسانا خـرائدا قـطـفـا‬
‫وفزن رسل بالدل والـخـفـر‬ ‫قد فزن بالحسن والجمال مـعـا‬
‫كيما يشرفنها على الـبـشـر‬ ‫ينصتن يوما لها إذا نـطـقـت‬
‫لنفسدن الطواف فـي عـمـر‬ ‫قالت لثرب لهـا تـحـدثـهـا‬
‫ثم اغمزيه يا أخت في خـفـر‬ ‫قومي تصدي له لـيعـرفـنـا‬
‫ثم اسبطرت تسعى على أثـري‬ ‫قالت لها قد غمـزتـه فـأبـى‬
‫يسق بمسك وبـارد خـصـر غنى في هذا الشعر الغريض خفيف رمل بالوسطى‬ ‫من يسق بعد المنام ريقـتـهـا‬
‫عن عمرو‪ .‬وغن فيه ابن سريج رمل بالبنصر عن الهشامي وحبش‪ .‬ومنها‪ :‬صوت‬

‫خيال هاج لي الرقا‬ ‫أل يا بكر قد طرقـا‬


‫فكيف بحبلها خلقـا‬ ‫لزينب إنها هـمـي‬
‫رأيت وشاحها قلقـا‬ ‫خدلجة إذا انصرفت‬
‫ل فيه تراه مختنقـا‬ ‫وساقا تمل الخلـخـا‬
‫سكبت الدمع متسقا‬ ‫إذا ما زينب ذكـرت‬
‫بماء حملت غـدقـا الغناء لحنين رمل عن الهشامي‪ .‬وفيه لبن عباد خفيف ثقيل‪ ،‬ويقال‪:‬‬ ‫كأن سحابة تهـمـي‬
‫إنه ليونس‪ .‬ومما قاله فيها أيضا وغني فيه‪ :‬صوت‬

‫قل الثواء لئن كان الرحيل غـدا‬ ‫ألمم بزينب إن الـبـين قـد أفـدا‬
‫وما على المرء إل الحلف مجتهدا‬ ‫قد حلفت ليلة الصورين جـاهـدة‬
‫لقد وجدت به فوق الـذي وجـدا‬ ‫لختها ولخرى من مناصـفـهـا‬
‫شخصا من الناس لم أعدل به أحدا الغناء لبن سريج رمل بالسبابة والبنصر‬ ‫لو جمع الناس ثم اختير صفوهـم‬
‫في الول والثاني عن يحيى المكي‪ ،‬وله فيه أيضا خفيف رمل بالوسطى في الثاني والثالث والرابع عن عمرو‪ .‬ولمعبد ثقيل أول‬
‫‪.‬في الول والثاني عن الهشامي‪ .‬وفيه خفيف ثقيل ينسب إلى الغريض ومالك‬
‫أخبرني علي بن صالح قال حدثنا أبو هفان عن إسحاق عن مصعب الزبيري قال‪ :‬اجتمع نسوة فذكرن عمر بن أبي ربيعة‬
‫وشعره وظرفه ومجلسه وحديثه‪ ،‬فتشوقن إليه وتمنينه‪ .‬فقالت سكينة‪ :‬أنا لكن به‪ ،‬فبعثت إليه رسول أن يوافي الصورين ليلة‬
‫سمتها‪ ،‬فوافاهن على رواحله‪ ،‬فحدثهن حى طلع الفجر وحان انصرافهن‪ .‬فقال لهن‪ :‬والله إني لمحتاج إلى زيارة قبر النبي صلى‬
‫‪:‬الله عليه وسلم والصلة في مسجده‪ ،‬ولكني ل أخلط بزيارتكن شيئا‪ .‬ثم انصرف إلى مكة وقال في ذلك‬
‫‪.‬ألمم بزينب إن البين قد أفدا وذكر البيات المتقدمة‬
‫عود إالى شهادة جرير‬
‫والغريب وغيرهما في شعرعمر‬
‫أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن لقيط قال‪ :‬أنشد جرير قول عمر بن أبي ربيعة‪ :‬الصوت‬

‫هجت شوقا لي الغداة طويل‬ ‫سائل الربع بالبلـي وقـول‬


‫ف بهم آهل أراك جمـيل‬ ‫?أين حي حلوك إذ أنت محفو‬
‫وبزعمي لو استطعت سبيل‬ ‫قال ساروا فأمعنوا واستقلـوا‬
‫وأحبوا دمـاثة وسـهـول‬ ‫سئمونا وما سئمنا مـقـامـا‬

‫صفحة ‪31 :‬‬

‫فقال جرير‪ :‬إن هذا الذي كنا ندور عليه فأخطأناه وأصابه هذا القرشي‪ .‬وفي هذه البيات رملن‪ :‬أحدهما لبن سريج بالسبابة‬
‫في مجرى الوسطى‪ ،‬والخر لسحاق مطلق في مجرى البنصر جميعا من روايته‪ .‬وذكر عمرو‪ :‬أن فيها رمل ثالثا بالوسطى‪ ،‬لبن‬
‫جامع‪ .‬وقال الهشامي‪ :‬فيها ثلثة أرمال لبن سريج‪ ،‬وابن جامع‪ ،‬وإبراهيم‪ .‬ولبي العبيس بن حمدون فيها ثاني ثقيل‪ .‬وفيها هزج‬
‫‪.‬لبراهيم الموصلي من جامع أغانيه‬
‫أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال‪ :‬وجدت كتابا بخط محمد بن الحسن ذكر فيه أن فليح بن إسماعيل حدثه عن معاذ‬
‫‪.‬صاحب الهروي أن النصيب قال‪ :‬عمر بن أبي ربيعة أوصفنا لربات الحجال‬
‫أخبرني الطوسي‪ :‬قال حدثنا الزبير قال حدثتني ظمياء مولة فاطمة بنت عمر بن مصعب قالت‪ :‬سمعت جدك يقول ‪ -‬وقد‬
‫أنشد قول عمر بن أبي ربيعة‪ :‬صوت‬

‫حبل المعرف أو جاوزت ذا عشر‬ ‫يا ليتني قد أجزت الحبل نحـوكـم‬


‫فاستيقنيه ثـواء حـق ذي كـدر‬ ‫إن الثواء بـأرض ل أراك بـهـا‬
‫وما ذكرتك إل ظلت كالـسـدر‬ ‫وما مللت ولكـن زاد حـبـكـم‬
‫ول منحت سواك الحب من بشر الغناء في هذه الربعة البيات لسلم بن‬ ‫ول جذلت بشيء كان بـعـدكـم‬
‫الغساني رمل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق‪ .‬وفيه لبن جامع وقفا النجار لحنان من كتاب إبراهيم ولم يجنسهما‪.‬‬
‫‪:‬وتمام البيات‬
‫وما يخامرني سقم سوى الذكر‬ ‫أذري الدموع كذى سقم يخامره‬
‫يا أشبه الناس كل الناس بالقمر ‪ -‬قالت‪ :‬فقال جدك‪ :‬إن لشعر عمر بن أبي‬ ‫كم قد ذكرتك لو أجدى تذكركم‬
‫‪.‬ربيعة لموقعا في القلب‪ ،‬ومخالطة للنفس ليسا لغيره‪ ،‬ولو كان شعر يسحر لكان شعره سحرا‬
‫أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عمامة بن عمر قال‪ :‬رأيت عامر بن صالح بن عبد الله بن عروة بن الزبير يسأل‬
‫المسور بن عبد الملك عن شعر عمر بن أبي ربيعة‪ ،‬فجعل يذكر له شيئا ل يعرفه‪ ،‬فيسأله أن يكتبه إياه ففعل‪ ،‬فرأيته يكتب‬
‫‪.‬ويده ترعد من الفرح‬
‫المفاضلة بين شعره و شعر الحارث‬
‫بن خالد‬
‫أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون عن عمه يوسف قال‪ :‬ذكر شعر الحارث‬
‫بن خالد وشعر عمر بن أبي ربيعة عند ابن أبي عتيق في مجلس رجل من ولد خالد بن العاصي بن هشام‪ ،‬فقال‪ :‬صاحبنا ‪ -‬يعني‬
‫الحارث بن خالد ‪ -‬أشعرهما‪ .‬فقال له ابن أبي عتيق‪ :‬بعض قولك يا ابن أخي‪ ،‬لشعر عمر بن أبي ربيعة نوطة في القلب‪ ،‬وعلوق‬
‫بالنفس‪ ،‬ودرك للحاجة ليست لشعر‪ ،‬وما عصي الله جل وعز بشعر أكثر مما عصي بشعر ابن أبي ربيعة‪ ،‬فخذ عني ما أصف‬
‫لك‪ :‬أشعر قريش من دق معناه‪ ،‬ولطف مدخله‪ ،‬وسهل مخرجه‪ ،‬ومتن حشوه‪ ،‬وتعطفت حواشيه‪ ،‬وأنارت معانيه‪ ،‬وأعرب عن‬
‫‪:‬حاجته‪ .‬فقال المفضل للحارث‪ :‬أليس صاحبنا الذي يقول‬
‫عند الجمار يؤدها العقل‬ ‫إني وما نحروا غداة منى‬
‫سفل واصبح سفلها يعلو‬ ‫لو بدلت أعلى مساكنـهـا‬
‫فيرده القواء والمـحـل‬ ‫فيكاد يعرفها الخبير بهـا‬
‫مني الضلوع لهلها قبل فقال له ابن أبي عتيق‪ :‬يابن أخي‪ ،‬استر على نفسك‪،‬‬ ‫لعرفت مغناها بما احتملت‬
‫واكتم على صاحبك‪ ،‬ول تشاهد المحافل بمثل هذا‪ ،‬أما تطير الحارث عليها حين قلب ربعها فجعل عاليه سافله ما بقي إل أن‬
‫‪:‬يسأل الله تبارك وتعالى لها حجارة من سجيل‪ .‬ابن أبي ربيعة كان أحسن صحبة للربع من صاحبك‪ ،‬وأجمل مخاطبة حيث يقول‬
‫هجت شوقا لي الغداة طويل وذكر البيات الماضية‪ .‬قال‪ :‬فانصرف الرجل خجل‬ ‫سائل الربع بالبلـي وقـول‬
‫‪.‬مذعنا‬
‫شيء من أخبار الحارث الملقب بالقباع‬
‫أخبرني علي بن صالح قال حدثني أبو هفان عن إسحاق عن رجاله المسمين‪ ،‬وأخبرني به الحرمي عن الزبير عن عمه عن‬
‫جده‪ ،‬قالوا‪ :‬كان الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة أخو عمر بن أبي ربيعة رجل صالحا دينا من سروات قريش‪ ،‬وإنما لقب القباع‬
‫لن عبد الله بن الزبير كان وله البصرة‪ ،‬فرأى مكيال لهم فقال‪ :‬إن مكيالكم هذا لقباع ‪ -‬قال‪ :‬وهو الشيء الذي له قعر ‪ -‬فلقب‬
‫‪.‬بالقباع‬

‫صفحة ‪32 :‬‬

‫وأخبرني محمد بن خلف بن المرزبان وأحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالوا حدثنا عمر بن شبة قال‬
‫حدثني عبد الله بن محمد الطائي قال حدثنا خالد بن سعيد قال‪ :‬استعمل ابن الزبير الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة على‬
‫البصرة‪ ،‬فأتوه بمكيال لهم‪ ،‬فقال لهم‪ :‬إن مكيالكم هذا لقباع‪ ،‬فغلب عليه‪ .‬وقال أبو السود الدؤلي ‪ -‬وقد عتب عليه ‪ -‬يهجوه‬
‫‪:‬ويخاطب ابن الزبير‬
‫أرحنا من قباع بني المغيرة‬ ‫أمير المؤمنين جزيت خيرا‬
‫علينا ما يمر لنـا مـريرة‬ ‫بلوناه ولـمـنـاه فـأعـيا‬
‫وولج مذاهبـه كـثـيرة شعر عمر في تشوقه إلى مكة‬ ‫على أن الفتى نكح أكـول‬
‫بعد أن خرج منها إلى اليمن‬
‫قالوا‪ :‬وكان الحارث ينهى أخاه عن قول الشعر فيأبى أن يقبل منه‪ ،‬فأعطاه ألف دينار على أل يقول شعرا‪ ،‬فأخذ المال وخرج‬
‫إلى أخواله بلحج وأبين مخافة أن يهجيه مقامه بمكة على قول الشعر‪ ،‬فطرب يوما فقال‪ :‬صوت‬

‫إذا حللنا بسيف البحر مـن عـدن‬ ‫هيهات من أمة الوهاب منزلـنـا‬
‫إل التذكر أو حظ مـن الـحـزن‬ ‫واحتل أهلك أجيادا ولـيس لـنـا‬
‫من أن يغرد قمري على فـنـن‬ ‫لو أنها أبصرت بالجزع عبـرتـه‬
‫وأيقنت أن لحجا ليس من وطنـي‬ ‫إذا رأت غير ما ظنت بصاحبـهـا‬
‫وموقفي وكلنا ثـم ذو شـجـن‬ ‫ما أنس ل أنس يوم الخيف موقفها‬
‫والدمع منها على الخدين ذو سنن‬ ‫وقولها للـثـريا وهـي بـاكـية‬
‫ماذا أردت بطول المكث في اليمن‬ ‫بالله قولي له في غير مـعـتـبة‬
‫فما أخذت بترك الحج من ثـمـن قال‪ :‬فسارت القصيدة حتى سمعها أخوه‬ ‫إن كنت حاولت دنيا أو ظفرت بها‬
‫الحارث‪ ،‬فقال‪ :‬هذا والله شعر عمر‪ ،‬قد فتك وغدر‪ .‬قال‪ :‬وقال ابن جريج‪ :‬ما ظننت أن الله عز وجل ينفع أحدا بشعر عمر بن‬
‫‪:‬أبي ربيعة حتى سمعت وأنا باليمن منشدا ينشد قوله‬
‫ماذا أردت بطول المكث في اليمن‬ ‫بالله قولي له في غير مـعـتـبة‬
‫فما أخذت بترك الحج من ثـمـن فحركني ذلك على الرجوع إلى مكة‪،‬‬ ‫إن كنت حاولت دنيا أو ظفرت بها‬
‫‪.‬فخرجت مع الحاج وحججت‬
‫غنى في أبيات عمر هذه ابن سريج‪ ،‬ولحنه رمل بالبنصر في مجراها عن إسحاق‪ .‬وفيها للغريض ثقيل أول بالوسطى عن‬
‫‪.‬عمرو‬
‫طلب الوليد من يخبره عن الطائف‬
‫فدل على عمر‬
‫أخبرني علي بن صالح قال حدثنا أبو هفان قال حدثني إسحاق عن السعدي قال‪ :‬قدم الوليد بن عبد الملك مكة‪ ،‬فأراد أن يأتي‬
‫الطائف فقال‪ :‬هل لي في رجل علم بأموال الطائف فيخبرني عنها? فقالوا‪ :‬عمر بن أبي ربيعة‪ .‬قال‪ :‬ل حاجة لي به‪ .‬ثم عاد‬
‫فسأل فذكروه له فرده‪ .‬ثم عاد فسأل فذكروه له ثم رده‪ .‬ثم عاد فسأل فذكروه له ‪ ،‬فقال‪ :‬هاتوه‪ .‬فركب معه يحدثه‪ ،‬ثم‬
‫حرك عمر رداءه ليصلحه على كتفه‪ ،‬فرأى على منكبه أثرا‪ .‬فقال‪ :‬ما هذا الثر? فقال‪ :‬كنت عند جارية إذ جاءتني جارية برسالة‬
‫من عند جارية أخرى‪ ،‬فجعلت تسارني‪ ،‬فغارت التي كنت أحدثها فعضت منكبي‪ ،‬فما وجدت ألم عضها من لذة ما كانت تلك‬
‫تنفث في أذني‪ ،‬حتى بلغت ما ترى‪ ،‬والوليد يضحك‪ .‬فلما رجع عمر قيل له‪ :‬ما الذي كنت تضحك أمير المؤمنين به? فقال‪:‬‬
‫‪.‬مازلنا في حديث الزنا حتى رجعنا‬
‫المفاضلة بينه وبين ابن قيس الرقيات‬
‫أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني محمد بن عبد الله البكري وغيره عن عبد الجبار بن سعيد المساحقي عن أبيه‬
‫قال‪ :‬دخلت مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع نوفل بن مساحق‪ ،‬فإنه لمعتمد على يدي‪ ،‬إذ مررنا بسعيد بن المسيب‬
‫في مجلسه وحوله جلساؤه‪ ،‬فسلمنا عليه فرد علينا‪ ،‬ثم قال لنوفل‪ :‬يا أبا سعيد‪ ،‬من أشعر‪ :‬صاحبنا أم صاحبكم? يريد‪ :‬عبد الله‬
‫‪:‬بن قيس‪ ،‬أو عمر بن أبي ربيعة‪ .‬فقال نوفل‪ :‬حين يقولن ماذا يا أبا محمد? قال‪ :‬حين يقول صاحبنا‬
‫نراها على الدبار بالقوم تنكص‬ ‫خليلي ما بال المطايا كـأنـمـا‬
‫فأنفسنا مما يلقـين شـخـص‬ ‫وقد قطعت أعناقهـن صـبـابة‬
‫بهن فما يألو عجول مقـلـص‬ ‫وقد أتعب الحادي سراهن وانتحى‬
‫صفحة ‪33 :‬‬

‫إذا زاد طول العهد والبعد ينقض ويقول صاحبك ما شئت‪ .‬فقال له نوفل‪:‬‬ ‫يزدن بنا قربا فيزداد شـوقـنـا‬
‫صاحبكم أشعر في الغزل‪ ،‬وصاحبنا أكثر أفانين شعر‪ .‬فقال سعيد‪ :‬صدقت‪ .‬فلما انقضى ما بينهما من ذكر الشعر‪ ،‬جعل سعيد‬
‫يستغفر الله ويعقد بيده حتى وفى مائة‪ .‬فقال البكري في حديثه عن عبد الجبار‪ :‬قال مسلم‪ :‬فلما انصرفنا قلت لنوفل‪ :‬أتراه‬
‫استغفر الله من إنشاد الشعر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم? فقال‪ :‬كل هو كثير النشاد والستنشاد فيه‪ ،‬ولكن‬
‫‪.‬أحسب ذلك للفخر بصاحبه‬
‫المفاضلة بينه وبين جميل‬
‫ابن معمر العذري‬
‫أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال قال أبو عبيدة حدثنا عوانة بن الحكم وأبو يعقوب الثقعفي‪ :‬أن الوليد‬
‫‪:‬بن يزيد بن عبد الملك قال لصحابه ذات ليلة‪ :‬أي بيت قالته العرب أغزل? فقال بعضهم‪ :‬قول جميل‬
‫ويحيا إذا فارقتهـا فـيعـود وقال آخر‪ :‬قول عمر بن أبي ربيعة‬ ‫‪:‬يموت الهوى مني إذا ما لقيتها‬
‫ذو بغية يبتغي ما ليس موجودا فقال الوليد‪ :‬حسبك والله بهذا أخبرني الحرمي‬ ‫كأنني حين أمسي ل تكلمنـي‬
‫قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الحميد عن شيخ من أهله عن أبي الحارث مولى‬
‫‪:‬هشام بن الوليد بن المغيرة ‪ -‬قال‪ :‬وهو الذي يقول فيه عمر بن أبي ربيعة‬
‫يا أبا الحارث قلبي طائرفأتمر أمر رشيد مؤتمن قال‪ :‬شهدت عمر بن أبي ربيعة‪ ،‬وجميل بن عبد الله بن معمر العذري‪ ،‬وقد‬
‫‪:‬اجتمعا بالبطح‪ ،‬فأنشد جميل قصيدته التي يقول فيها‬
‫بثينة أو أبدت لنا جانب الـبـخـل‬ ‫لقد فرح الواشون أن صرمت حبلي‬
‫لقسم مالي عن بثينة من مـهـل حتى أتى على آخرها‪ ،‬ثم قال لعمر‪ :‬يا أبا‬ ‫يقولون مهل يا جـمـيل وإنـنـي‬
‫‪.‬الخطاب‪ ،‬هل قلت في هذا الروي شيئا? قال نعم‬
‫‪:‬قال‪ :‬فأنشدنيه‪ ،‬فأنشده قوله‬
‫فقربني يوم الحصاب إلى قـتـلـي‬ ‫جرى ناصح بالود بينـي وبـينـهـا‬
‫قرينتها حبل الصفاء إلى حـبـلـي‬ ‫فطارت بحد من فـؤادي وقـارنـت‬
‫كمثل الذي بي حذوك النعل بالنعـل‬ ‫فلما تواقفنا عـرفـت الـذي بـهـا‬
‫قريب ألما تسأمي مركب البـغـل‬ ‫فقلن لها هذا عـشـاء وأهـلـهـا‬
‫فللرض خير من وقوف على رحل‬ ‫فقالت فما شئتن قلن لهـا انـزلـي‬
‫من البدر وافت غير هوج ول عجل‬ ‫نجوم دراري تـكـنـفـن صـورة‬
‫عدو مقامي أو يرى كاشح فعـلـي‬ ‫فسلمت واستأنسـت خـيفة أن يرى‬
‫معي فتكلم غير ذي رقبة أهـلـي‬ ‫فقالت وأرخت جانب الستـر إنـمـا‬
‫ولكن سري ليس يحملـه مـثـلـي‬ ‫فقلت لها ما بي لهم مـن تـرقـب‬
‫وهن طبيبات بحاجة ذي الـشـكـل‬ ‫فلما اقتصرنا دونـهـن حـديثـنـا‬
‫نطف ساعة في برد ليل وفي سهل‬ ‫عرفن الذي تهوى فقلن ائذني لـنـا‬
‫أتيناك‪ ،‬وانسبن انسياب مها الرمـل‬ ‫فقالت‪ :‬فل تلبثن قـلـن تـحـدثـي‬
‫أتين الذي يأتين من ذاك من أجلـي فقال جميل‪ :‬هيهات يا أبا الخطاب ل‬ ‫وقمن وقد أفهمن ذا الـلـب أنـمـا‬
‫‪.‬أقول والله مثل هذا سجيس الليالي‪ ،‬والله ما يخاطب النساء مخاطبتك أحد‪ .‬وقام مشمرا‬
‫‪.‬قال أبو عبد الله الزبير قال عمي مصعب‪ :‬كان عمر يعارض جميل‪ ،‬فإذا قال هذا قصيدة قال هذا مثلها‬
‫‪:‬فيقال‪ :‬إنه في الرائية والعينية أشعر من جميل‪ ،‬وإن جميل اشعر منه في اللمية‪ ،‬وكلهما قد قال بيتا نادرا ظريفا‪ ،‬قال جميل‬
‫قتيل بكى من حب قاتله قبلي وقال عمر‬ ‫‪:‬خليلي فيما عشتما هل رأيتما‬
‫معي فتكلم غير ذي رقبة أهلي كلمة الفرزدق وقد سمع شعر عمر‬ ‫فقالت وأرخت جانب الستر إنما‬
‫‪:‬أخبرني علي بن صالح قال حدثنا أبو هفان عن إسحاق عن المدائني قال‪ :‬سمع الفرزدق عمر بن أبي ربيعة ينشد قوله‬
‫فقربني يوم الحصاب إلى قتلي ولما بلغ قوله‬ ‫‪:‬جرى ناصح بالود بيني وبينهـا‬
‫أتين الذي يأتين من ذاك من أجلي‬ ‫فقمن وقد أفهمن ذا اللب أنـمـا‬

‫صفحة ‪34 :‬‬

‫‪.‬صاح الفرزدق‪ :‬هذا والله الذي أرادته الشعراء فأخطأته‪ ،‬وبكت على الديار‬
‫نسبة ما في هذه الشعار من الغناء الغناء في قصيدتي جميل وعمر اللميتين منها في قصيدة جميل التي أنشدها عمر‪،‬‬
‫واستنشده ما له في وزنها‪ :‬صوت‬

‫قتيل بكى من حب قاتله قـبـلـي‬ ‫خليلي فيما عشتما هـل رأيتـمـا‬


‫وأهلي قريب موسعون ذوو فضل‬ ‫أبيت مع الهلك ضيفا لهـلـهـا‬
‫ودع عنك جمل ل سبيل إلى جمل‬ ‫أفق أيها القلب اللجوج عن الجهـل‬
‫ولكن طلبيها لما فات من عقلـي الغناء للغريض ثاني ثقيل بالوسطى عن‬ ‫فلو تركت عقلي معي ما طلبتـهـا‬
‫‪.‬عمرو في الول والثاني من البيات‬
‫وذكر الهشامي البيات كلها ووصف أن الثقيل الثاني الذي يغنى به فيها لمعبد‪ .‬وذكر يحيى المكي‪ :‬أن لبن محرز في الثالث‬
‫وما بعده من البيات ثاني ثقيل بالخنصر والبنصر‪ .‬وفي هذه البيات التي أولها الثالث هزج بالبنصر يمان عن عمرو‪ .‬وفي الرابع‬
‫والخامس لبن طنبورة خفيف رمل عن الهشامي‪ .‬وفيها لسحاق ثقيل أول عن الهشامي أيضا‪ .‬وذكر حماد عن أبيه‪ :‬أن لنافع‬
‫الخير مولى عبد الله بن جعفر في هذه البيات لحنا‪ ،‬ولم يجنسه‪ .‬وذكر حبش أن الثقيل الول لبن طنبورة‪ .‬ومنها في شعر‬
‫جميل أيضا‪ :‬صوت‬

‫بثينة أو أبدت لنا جانب الـبـخـل‬ ‫لقد فرح الواشون إن صرمت حبلي‬
‫ولكن طلبيها لما فات من عقلـي الغناء لبن مسحج ثقيل أول بالوسطى‬ ‫فلو تركت عقلي معي ما طلبتهـا‬
‫‪.‬عن الهشامي‬
‫ومنها في شعر عمر بن أبي ربيعة المذكور في أول الخبر‪ :‬صوت‬

‫معي فتحدث غير ذي رقبة أهلي‬ ‫فقالت وأرخت جانب الستر إنمـا‬
‫ولكن سري ليس يحمله مثـلـي‬ ‫فقلت لها ما بي لهم من تـرقـب‬
‫فقربني يوم الحصاب إلى قتلـي غنى في هذه البيات ابن سريج‪ ،‬ولحنه رمل‬ ‫جرى ناصح بالود بيني وبينـهـا‬
‫مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق وعمرو‪ .‬وذكر يونس‪ :‬أن فيه لحنا لمالك لم يجنسه‪ ،‬وذكر الهشامي‪ :‬أن لحن مالك خفيف‬
‫ثقيل‪ .‬وذكر حبش‪ :‬أن لمعبد فيه لحنا من الثقيل الول بالبنصر‪ ،‬ولبن سريج ثاني ثقيل بالوسطى‪ .‬وليس حبش ممن يعتمد في‬
‫‪ .‬هذا على روا يته‬
‫إستحسان الناس شعر عمر وتفضيله‬
‫على شعراء عصره‬
‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير بن بكار قال‪ :‬أدركت مشيخة من قريش ل ينزون بعمر بن أبي ربيعة شاعرا‬
‫من أهل دهره في النسيب‪ ،‬ويستحسنون منه ما كانوا يستقبحونه من غيره من مدح نفسه‪ ،‬والتحلي بمودته‪ ،‬والبتيار في شعره‬
‫‪.‬والبتيار‪ :‬أن يفعل النسان الشيء فيذكره ويفخر به‪ .‬والبتهار‪ :‬أن يقول ما لم يفعل‬
‫نقد ابن أبي عتيق أبيات عمر الرائية‬
‫أخبرني محمد بن خلف قال‪ :‬أخبرني عبد الله بن عمر وغيره عن إبراهيم بن المنذر الحزامي عن عبد العزيز بن عمران قال‪:‬‬
‫قال ابن أبي عتيق لعمر وقد أنشده قوله‪ :‬صوت‬

‫دون قيد الميل يعدو بي الغر‬ ‫بينما ينعتنني أبـصـرنـنـي‬


‫قالت الوسطى نعم هذا عمر‬ ‫قالت الكبرى أتعرفن الفتـى‬
‫قد عرفناه وهل يخفى القمر ‪ -‬الغناء في هذه البيات لبن سريج خفيف رمل‬ ‫قالت الصغرى وقد تيمتـهـا‬
‫بالبنصر ‪ -‬فقال له ابن أبي عتيق‪ - :‬وقد أنشدها ‪ -‬أنت لم تنسب بها‪ ،‬وإنما نسبت بنفسك‪ ،‬كان ينبغي أن تقول‪ :‬قلت لها فقالت‬
‫‪.‬لي‪ ،‬فوضعت خدي فوطئت عليه‬
‫عود إلى سيرته وخلقه‬
‫أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار قال‪ :‬لم يذهب على أحد من الرواة أن عمر كان عفيفا يصف ول يقف‪ ،‬ويحوم ول‬
‫‪.‬يرد‬
‫أخبرني محمد بن خلف قال حدثنا أحمد بن منصور عن ابن العرابي‪ ،‬وحدثني علي بن صالح قال حدثنا أبو هفان عن إسحاق‬
‫الموصلي عن رجاله‪ ،‬قالوا‪ :‬كان ابن أبي ربيعة قد حج في سنة من السنين‪ .‬فلما انصرف من الحج ألفى الوليد بن عبد الملك‬
‫وقد فرش له في ظهر الكعبة وجلس‪ ،‬فجاءه عمر فسلم عليه وجلس إليه‪ .‬فقال له‪ :‬أنشدني شيئا من شعرك‪ .‬فقال‪ :‬يا أمير‬
‫المؤمنين‪ ،‬أنا شيخ كبير وقد تركت الشعر‪ ،‬ولي غلمان هما عندي بمنزلة الولد‪ ،‬وهما يرويان كل ما قلت وهما لك‪ .‬قال‪ :‬ائتني‬
‫‪:‬بهما ففعل‪ ،‬فأنشداه قوله‬

‫صفحة ‪35 :‬‬

‫‪.‬أمن آل نعم أنت غاد فمبكر فطرب الوليد واهتز لذلك‪ ،‬فلم يزال ينشدانه حتى قام‪ ،‬فأجزل صلته ورد الغلمين إليه‬
‫مميزات شعره‬
‫حدثني علي بن صالح بن الهيثم النباري الكاتب الملقب كيلجة قال حدثني أبو هفان قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم الموصلي‬
‫عن مصعب بن عبد الله الزبيري‪ ،‬وأخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير بن بكار عن عمه مصعب أنه قال‪ :‬راق عمر‬
‫بن أبي ربيعة الناس وفاق نظراءه وبرعهم بسهولة الشعر وشدة السر‪ ،‬وحسن الوصف‪ ،‬ودقة المعنى وصواب المصدر‪،‬‬
‫والقصد للحاجة‪ ،‬واستنطاق الربع‪ ،‬وإنطاق القلب‪ ،‬وحسن العزاء‪ ،‬ومخاطبة النساء‪ ،‬وعفة المقال‪ ،‬وقلة النتقال‪ ،‬وإثبات الحجة‪،‬‬
‫وترجيح الشك في موضع اليقين‪ ،‬وطلوة العتذار‪ ،‬وفتح الغزل‪ ،‬ونهج العلل‪ ،‬وعطف المساءة على العذال‪ ،‬وأحسن التفجع‪،‬‬
‫وبخل المنازل‪ ،‬واختصر الخبر‪ ،‬وصدق الصفاء‪ ،‬إن قدح أورى‪ ،‬وإن اعتذر أبرا‪ ،‬وإن تشكى أشجى‪ ،‬وأقدم عن خبرة ولم يعتذر‬
‫بغرة‪ ،‬وأسر النوم‪ ،‬وغم الطير‪ ،‬وأغد السير‪ ،‬وحير ماء الشباب‪ ،‬وسهل وقول‪ ،‬وقاس الهوى فأربى‪ ،‬وعصى وأخلى‪ ،‬وحالف‬
‫بسمعه وطرفه‪ ،‬وأبرم نعت الرسل وحذر‪ ،‬وأعلن الحب وأسر‪ ،‬وبطن به وأظهر‪ ،‬وألح وأسف‪ ،‬وأنكح النوم‪ ،‬وجنى الحديث‪،‬‬
‫وضرب ظهره لبطنه‪ ،‬وأذل صعبه‪ ،‬وقنع بالرجاء من الوفاء‪ ،‬وأعلى قاتله‪ ،‬واستبكى عاذله‪ ،‬ونفض النوم‪ ،‬وأغلق رهن مني وأهدر‬
‫‪.‬قتله‪ ،‬وكان بعد هذا كله فصيحا‬
‫فمن سهولة شعره وشدة أسره قوله صوت‬

‫وجوه زهاها الحسن أن تتقنعا‬ ‫فلما تواقفنا وسلمت أشرقـت‬


‫وقلن امرؤ باغ أكل وأوضعا الغناء لبن عباد رمل عن الهشامي‪ ،‬وفيه لبن جامع‬ ‫تبالهن بالعرفان لما رأينـنـي‬
‫‪.‬لحن غير مجنس عن إبراهيم‬
‫ومن حسن وصفه قوله‬
‫ونخوة السابق المختال إذ صهل ومن دقة معناه وصواب مصدره قوله صوت‬ ‫لها من الريم عيناه وسـنـتـه‬

‫والربع من أسماء والمنزل‬ ‫عوجا نحي الطلل المحول‬


‫تقادم العهد بـأن يؤهـل الغناء لبن سريج ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى عن‬ ‫بسابغ البوبـاة لـم يعـده‬
‫إسحاق‪ .‬قال إسحاق بن إبراهيم‪ :‬يعني أنه لم يؤهل فيعدوه تقادم العهد‪ .‬وقال الزبير‪ :‬قال بعض المدنيين‪ :‬يحييه بأن يؤهل‪ ،‬أي‬
‫‪.‬يدعو له بذلك‬
‫ومن قصده للحاجة قوله صوت‬

‫عمرك الله كيف يلتقيان‬ ‫أيها المنكح الثريا سهيل‬


‫وسهيل إذا استقل يماني ويروى‪ :‬هي غورية ‪ .‬الغناء للغريض خفيف ثقيل بالبنصر‬ ‫هي شامية إذا ما استقلت‬
‫‪.‬عن عمرو وابن المكي‬
‫ومن استنطاقه الربع قوله صوت‬

‫هجت شوقا لي الغداة طويل‬ ‫سائل الربع بالبلـي وقـول‬


‫ف بهم آهل أراك جـمـيل‬ ‫أين حي حلوك إذ أنت محفو‬
‫وبرغمي لو قد وجدت سبيل‬ ‫قال ساروا فأمعنوا واستقلـوا‬
‫وبكرهي لو استطعت سبيل‬
‫وأحبوا دمـاثة وسـهـول فيه رملن‪ :‬أحدهما لبن سريج بالسبابة في مجرى الوسطى‬ ‫سئمونا وما سئمنا جوارا‬
‫عن إسحاق‪ ،‬والخر لسحاق مطلق في مجرى البنصر‪ ،‬وفيه لبي العبيس بن حمدون ثقيل‪ .‬وقد شرحت نسبته مع خبره في‬
‫‪.‬موضع آخر‪ .‬قال إسحاق‪ :‬أنشد جرير هذه البيات فقال‪ :‬إن هذا الذي كنا ندور عليه فأخطأناه‬
‫ومن أنطاقه القلب قوله‬
‫فجرت مما يقول الدموع‬ ‫قال لي فيها عتيق مقـال‬
‫فأجاب القلب‪ :‬ل أستطيع الغناء للهذلي ثاني ثقيل بالوسطى عن الهشامي‪ .‬قال‪:‬‬ ‫قال لي ودع سليمى ودعها‬
‫‪.‬وفيه ليحيى المكي ثقيل أول نسب إلى معبد وهو من منحوله‬
‫ومن حسن عزائه قوله صوت‬

‫أو أنبت حبل أن قلـبـك طـائر‬ ‫أألحق إن دار الرباب تبـاعـدت‬


‫هوى واستمرت بالرجال المرائر‬ ‫أفق قد أفاق العاشقون وفارقوا ال‬
‫تباعد أو تدني الرباب المـقـادر‬ ‫زع النفس واستبق الحياء فإنـمـا‬
‫وعشرتها كمثل من ل تعـاشـر‬ ‫أمت حبها واجعل قديم وصالهـا‬
‫به الدار أو من غيبته المقـابـر‬ ‫وهبها كشيء لم يكن أو كنـازح‬

‫صفحة ‪36 :‬‬

‫أحاديث من يبدو ومن هو حاضر الغناء في بعض هذه البيات وأوله زع‬ ‫وكالناس علقت الرباب فل تكـن‬
‫النفس لبن سريج ثقيل أول بالبنصر عن عمرو‪ .‬وفيه لعمر الوادي رمل بالبنصر عن ابن المكي‪ .‬وفيه ل قدار لحن من كتاب‬
‫إبراهيم غير مجنس‪ .‬وهذه البيات يرويها بعض أهل الحجاز لكثير‪ ،‬ويرويها الكوفيون للكميت بن معروف السدي‪ ،‬وذكر بعضها‬
‫‪.‬الزبير بن بكار عن أبي عبيدة لكثير في أخباره‬
‫ومن حسن غزله في مخاطبة النساء ‪ -‬قال مصعب الزبيري‪ :‬وقد أجمع أهل بلدنا ممن له علم بالشعر أن هذه البيات أغزل ما‬
‫سمعوا ‪ -‬قوله‪ :‬صوت‬

‫ايا ذا أفلت أفـول الـسـمـاك‬ ‫تقول غداة التقـينـا الـربـاب‬


‫كما ارفض نظم ضعيف السلك‬ ‫وكفت سـوابـق مـن عـبـرة‬
‫ق أعداءه يجـتـنـبـه كـذاك‬ ‫فقلت لها من يطع في الصـدي‬
‫م فـيك وأن هـوانـا هـواك‬ ‫أغرك أني عـصـيت الـمـل‬
‫تقر بها الـعـين حـتـى أراك‬ ‫وأل أرى لـذة فـي الـحــياة‬
‫مكارمتي واتبـاعـي رضـاك‬ ‫فكان من الذنب لـي عـنـدكـم‬
‫وفي أن تزاري بقـرن وقـاك‬ ‫فليت الـذي لم فـي حـبـكـم‬
‫وإن كان حتف جـهـيز فـداك الغناء لبن سريج ثاني ثقيل بالوسطى‪ .‬وذكر إبراهيم‬ ‫هموم الـحـياة وأسـقـامـهـا‬
‫‪.‬أن فيه لحنا لحكم‪ .‬وقيل‪ :‬إن فيه لحنا آخر لبن جامع‬
‫ومن عفة مقاله قوله صوت‬

‫وأصابت مقاتل القلب نعـم‬ ‫طال ليلي واعتادني اليوم سقم‬


‫هر تكليمها لمن نال غـنـم‬ ‫حرة الوجه والشمائل والجو‬
‫م رخيم يشوب ذلك حـلـم‬ ‫وحديث بمثله تنزل العـص‬
‫ليس لي بالذي تغيب عـلـم‬ ‫هكذا وصف ما بدا لي منها‬
‫لست يا نعم فيهما مـن يذم الغناء لبن سريج رمل عن الهشامي‬ ‫‪.‬إن تجودي أو تبخلي فبحمـد‬
‫ومن قلة انتقاله قوله صوت‬

‫أمسك النصح وأقلل عتابـي‬ ‫أيها القائل غير الـصـواب‬


‫ولخير لك طول اجتنـابـي‬ ‫واجتنبني واعلمن أن ستعصى‬
‫دائم الغمر بعـيد الـذهـاب‬ ‫إن تقل نصحا فعن ظهر غش‬
‫عالم أفقه رجع الـجـواب‬ ‫ليس بي عي بما قلـت إنـي‬
‫فدع اللوم وكلني لمـا بـي‬ ‫إنما قرة عـينـي هـواهـا‬
‫عدلت للنفس برد الشـراب‬ ‫ل تلمني في الرباب وأمست‬
‫صادقا أحلف غير الكـذاب‬ ‫هي والله الـذي هـو ربـي‬
‫عند قرب منهم واجتـنـاب‬ ‫أكرم الحياء طرا عـلـينـا‬
‫ثم عزت خلتي في الخطاب‬ ‫خاطبتني ساعة وهي تبكـي‬
‫لسواها عند حـد تـبـابـي الغناء لكردم ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى عن‬ ‫وكفى بي مدرها لخـصـوم‬
‫‪.‬إسحاق في الول والخامس ثم الثاني والثالث‪ .‬وفيه لمعبد خفيف ثقيل بالبنصر عن يحيى المكي‬
‫ومن إثباته الحجة قوله‬
‫رفيقكما حتى تقول على عـلـم‬ ‫خليلي بعض اللوم ل ترحل بـه‬
‫كلفت به يدمل فؤادا على سقـم‬ ‫خليلي من يكلف بآخر كـالـذي‬
‫ول غرتي حتى وقعت على نعم‬ ‫خليلي ما كانت تصاب مقاتـلـي‬
‫موقى إذا يرمى صيود إذا يرمي‬ ‫خليلي حتى لف حبلـي بـخـادع‬
‫رقيت بما يدني النوار منه العصم‬ ‫خليلي لو يرقى خليل من الهـوى‬
‫تباعد فلم أنبل بحرب ول سـلـم ومن ترجيحه الشك في موضع اليقين قوله‬ ‫خليلي إن باعدت لنت وإن ألـن‬
‫صوت‬

‫ولي نظر لول التـحـرج عـارم‬ ‫نظرت إليها بالمحصب من منـى‬


‫بدت لك خلف السجف أم أنت حالم‬ ‫فقلت‪ :‬أشمس أم مصابـيح بـيعة‬
‫أبوها وإما عبد شمـس وهـاشـم‬ ‫بعيدة مهوى القرط إما لـنـوفـل‬
‫على عجل تباعـهـا والـخـوادم‬ ‫ومد عليها السجف يوم لقـيتـهـا‬

‫صفحة ‪37 :‬‬

‫عشية راحت وجهها والمـعـاصـم‬ ‫فلم أستطعها غير أن قـد بـدا لـنـا‬
‫عصاها ووجه لم تلحه الـسـمـائم‬ ‫معاصم لم تضرب على البهم بالضحى‬
‫صبيح تغاديه الكـف الـنـواعـم‬ ‫نضـار تـرى فـيه أسـاريع مـائه‬
‫تمايلن أو مالت بـهـن الـمـآكـم‬ ‫إذا ما دعت أترابها فاكتـنـفـنـهـا‬
‫نزعن وهن المسلمات الـظـوالـم الغناء لمعبد ثقيل أول بالسبابة في مجرى‬ ‫طلبن الصبا حتى إذا مـا أصـبـنـه‬
‫البنصر عن إسحاق وابن المكي‪ .‬وفيها لبن سريج رمل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق أيضا‪ .‬وفيها للغريض خفيف‬
‫‪.‬ثقيل بالوسطى عن الهشامي‬
‫ومن طلوة اعتذاره قوله صوت‬

‫من حبيب أمسى هوانـا هـواه‬ ‫عاود القلب بعض ما قد شـجـاه‬


‫ل ترى النفس طيب عيش سواه‬ ‫يا لقومي فكيف أصبـر عـمـن‬
‫يقبلن بي مـحـرشـا إن أتـاه‬ ‫أرسـلـت إذ رأت بـعـادي أل‬
‫وليطعني فإن عـنـدي رضـاه‬ ‫دون أن يسمع المـقـالة مـنـا‬
‫لحديث علـى هـواه افـتـراه‬ ‫ل تطع بي فدتك نفسـي عـدوا‬
‫ك أسيري ضرورة مـا عـنـاه‬ ‫ل تطع بي مـن لـو رآنـي وإيا‬
‫س مـسـيئا ول بـعـيدا ثـراه‬ ‫ما ضراري نفسي بهجري من لي‬
‫د بأشـهـى إلـي مـن أن أراه الغناء لمعبد خفيف ثقيل بالخنصر في مجرى‬ ‫واجتنابي بيت الحبيب وما الخـل‬
‫الوسطى عن إسحاق‪ .‬وفيه لبن جامع ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو‪ .‬وقال عمرو‪ ،‬فيه خفيف ثقيل بالوسطى للهذلي‪ .‬وفيه‬
‫لبن محرز ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو‪ ،‬وابتداؤه نشيد أوله‪ :‬ما ضراري نفسي ‪ .‬وقال الهشامي‪ :‬وفيه لعلية بنت المهدي‬
‫‪.‬وسعيد بن جابر لحنان من الثقيل الثاني‬
‫ومن نهجه العلل قوله‬
‫إذا جئتكـم نـاشـدا ينـشـد‬ ‫وآية ذلـك أن تـسـمـعـي‬
‫دليل إليهـا بـنـا يقـصـد‬ ‫فرحنا سراعا وراح الـهـوى‬
‫ح والصوت‪ ،‬والحي لم يرقدوا‬ ‫فلما دنونا لـجـرس الـنـبـا‬
‫وفي الحي بغية مـن ينـشـد وقد نسبت هذه البيات إلى من غنى فيها مع‬ ‫‪:‬بعثنا لـهـا بـاغـيا نـاشـدا‬
‫تشط غدا دار جيراننا ومن فتحه الغزل قوله‬
‫فكن حجرا من يابس الصخر جلمدا ومن عطفه المساءة على العذال‬ ‫إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى‬
‫قوله صوت‬

‫إن بي يا عتيق ما قد كفانـي‬ ‫ل تلمني عتيق حسبي الذي بي‬


‫أنت مثل الشيطان للنسـان الغناء لبي العبيس بن حمدون ثقيل أول مطلق من‬ ‫ل تلمني وأنت زينتهـا لـي‬
‫‪.‬مجموع أغانيه‪ .‬وفيه رمل طنبري محدث‪ ،‬وفيه هزج لبي عيسى بن المتوكل‬
‫ومن حسن تفجعه قوله صوت‬

‫وقطعت من ذي ودك الحبل فانصرم‬ ‫هجرت الحبيب اليوم من غير ما اجترم‬


‫مقالة واش يقرع الـسـن مـن نـدم‬ ‫أطعت الوشاة الكاشحين ومـن يطـع‬
‫شفيق علينا ناصـح كـالـذي زعـم‬ ‫أتاني رسول كـنـت أحـسـب أنـه‬
‫سرائره عن بعض ما كان قد كـتـم‬ ‫فلما تباثثنـا الـحـديث وصـرحـت‬
‫فعندي لك العتبى على رغم من رغم‬ ‫تبـين لـي أن الـمـحـرش كـاذب‬
‫وبعد الذي آلت وآلـيت مـن قـسـم‬ ‫فملن لمت النفس بعد الذي مـضـى‬
‫إليك سريعا بالرضـا لـك إذ ظـلـم الغناء لبن سريج رمل مطلق في مجرى‬ ‫ظلمت ولم تعتب وكـان رسـولـهـا‬
‫‪.‬البنصر عن إسحاق‪ .‬وقال يونس‪ :‬فيه لبن سريج لحنان‪ ،‬وذكر الهشامي أن لحنه الخر ثقيل أول‪ ،‬وأن لعلوية فيه رمل آخر‬
‫ومن تبخيله المنازل قوله صوت‬

‫ببطن حليات دوارس بـلـقـعـا‬ ‫عرفت مصيف الحي والمتربـعـا‬


‫معالمها وبل ونكبـاء زعـزعـا‬ ‫إلى السرح من وادي المغمس بدلت‬
‫نكأن فؤادا كان قدما مـفـجـعـا الغناء للغريض ثاني ثقيل بالوسطى‬ ‫‪.‬فيبخلن أو يخبرن بالعلم بـعـد مـا‬
‫ومن اختصاره الخبر قوله صوت‬

‫صفحة ‪38 :‬‬

‫غداة غد أم رائح فمهـجـر‬ ‫أمن آل نعم أنت غاد فمبكـر‬


‫فتبلغ عذرا والمقالة تـعـذر‬ ‫بحاجة نفس لم تقل في جوابها‬
‫أهذا المغيري الذي كان يذكر‬ ‫أشارت بمدراها وقالت لتربها‬
‫عن العهد والنسان قد يتغير الغناء لبن سريج رمل بالسبابة في مجرى البنصر‪،‬‬ ‫لئن كان إياه لقد حال بعـدنـا‬
‫‪:‬وله في بيتين آخرين من هذه القصيدة‪ ،‬وهما‬
‫وقد يجشم الهول المحب المعزرا‬ ‫وليلة ذي دوران جشمتني السرى‬
‫وإما ينال السيف ثأرا فـيثـأرا رمل آخر بالوسطى عن عمرو‪ .‬قال الزبير حدثني‬ ‫فقلت أباديهم فـإمـا أفـوتـهـم‬
‫‪:‬إسحاق الموصلي قال‪ :‬قلت لعرابي ما معنى قول ابن أبي ربيعة‬
‫فتبلغ عذرا والمقالة تعـذر فقال‪ :‬قام كما جلس‬ ‫‪.‬بحاجة نفس لم تقل في جوابها‬
‫ومن صدقه الصفاء قوله‬
‫غيرها وصلها إليهـا أداء‬ ‫كل وصل أمسى لديك لنثى‬
‫أو نأت فهي للرباب الفداء وقوله‪ :‬صوت‬ ‫كل أنثى وإن دنت لوصـال‬

‫صفيا لنفسي ول صاحبـا‬ ‫أحب لحبك مـن لـم يكـن‬


‫وأعتب من جاءكم عاتـبـا‬ ‫وأبذل ما لي لمرضاتـكـم‬
‫إلى وده قبلكـم راغـبـا‬ ‫وأرغب في ود من لم أكن‬
‫من الرض واعتزلت جانبا‬ ‫ولو سلك الناس في جانـب‬
‫أرى قربها العجب العاجبا الغناء لبن القفاص رمل عن الهشامي ويحيى المكي‪ ،‬وفيه‬ ‫ليممت طـيتـهـا إنـنـي‬
‫‪.‬للربعي لحن من كتاب إبراهيم غير مجنس‬
‫ومما قدح فيه فأورى قوله صوت‬

‫واعتراني طول هم ووصب‬ ‫طال ليلي وتعناني الـطـرب‬


‫عتبتها وهي أحلى من عتب‬ ‫أرسلت أسماء في مـعـتـبة‬
‫وجد الحي نياما فانـقـلـب‬ ‫أن أتى منها رسول موهـنـا‬
‫أحد يفتح بـابـا إذ ضـرب‬ ‫ضرب الباب فلم يشعـر بـه‬
‫عرضت تكتم منا فاحتجـب‬ ‫قال‪ :‬أيقاظ ولـكـن حـاجة‬
‫بيمين حلفة عند الغـضـب‬ ‫ولعمدا ردني‪ ،‬فاجـتـهـدت‬
‫سقف بيت رجبا بعد رجـب‬ ‫يشهد الرحمن ل يجمـعـنـا‬
‫ما كذا يجري محب من أحب‬ ‫قلت حل فاقبلي معـذرتـي‬
‫فاقبلي يا هند‪ ،‬قالت قد وجب الغناء لمالك خفيف ثقيل بالسبابة في مجرى‬ ‫إن كفي لك رهن بالـرضـا‬
‫الوسطى عن إسحاق‪ .‬وفيه لدحمان ثقيل أول بالبنصر عن عمرو‪ .‬وفيه لمعبد لحن من كتاب يونس لم يجنسه‪ ،‬وذكر الهشامي‬
‫‪.‬أنه خفيف ثقيل‪ .‬وفيه لبن سريج رمل عن الهشامي‬
‫قال من حكينا عنه في صدر أخبار عمر روايته التي رواها علي بن صالح عن أبي هفان عن إسحاق عن رجاله والحرمي عن‬
‫الزبير عن عمه‪ :‬كان عمر بن أبي ربيعة يهوى امرأة يقال لها أسماء ‪ ،‬فكان الرسول يختلف بينهما زمانا وهو ل يقدر عليها‪ .‬ثم‬
‫وعدته أن تزوره‪ ،‬فتأهب لذلك وانتظرها‪ ،‬فأبطأت عنه حتى غلبته عينه فنام‪ ،‬وكانت عنده جارية له تخدمه‪ ،‬فلم تلبث أن جاءت‬
‫ومعها جارية لها‪ ،‬فوقفت حجرة وأمرت الجارية أن تضرب الباب‪ ،‬فضربته فلم يستيقظ‪ .‬فقالت لها‪ :‬تطلعي فانظري ما الخبر?‬
‫‪:‬فقالت لها‪ :‬هو مضطجع وإلى جنبه امرأة‪ ،‬فحلفت ل تزوره حول‪ ،‬فقال في ذلك‬
‫طال ليلي وتعناني الطرب قال أبو هفان في حديثه‪ :‬وبعث إليها امرأة كانت تختلف بينه وبين معارفه‪ ،‬وكانت جزلة من النساء‪،‬‬
‫‪:‬فصدقتها عن قصته وحلفت لها أنه لم يكن عنده إل جاريته‪ ،‬فرضيت‪ .‬وإياها يعني عمر بقوله‬
‫تخلط الجد مرارا باللـعـب‬ ‫فأتـتـهـا طـبة عـالــمة‬
‫وتراخي عند سورات الغضب‬ ‫تغلظ القول إذا لنـت لـهـا‬
‫وتـأنـاهـا بـرفـق وأدب قال إسحاق في خبره‪ :‬وحدثني ابن كناسة قال أخبرني‬ ‫لم تزل تصرفها عـن رأيهـا‬
‫‪:‬حماد الراوية قال‪ :‬استنشدني الوليد بن يزيد‪ ،‬فأنشدته نحوا من ألف قصيدة‪ ،‬فما استعادني إل قصيدة عمر بن أبي ربيعة‬
‫‪:‬طال ليلي وتعناني الطرب فلما أنشدته قوله‬

‫صفحة ‪39 :‬‬

‫تخلط الجد مرارا باللعب إلى قوله‬ ‫‪:‬فأتتهـا طـبة عـالـمة‬


‫فاقبلي يا هند قالت قد وجب فقال الوليد‪ :‬ويحك يا حماد اطلب لي مثل هذه‬ ‫إن كفي لك رهن بالرضـا‬
‫‪.‬أرسلها إلى سلمى‪ .‬يعني امرأته سلمى بنت سعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان‪ ،‬وكان طلقها ليتزوج أختها ثم تتبعتها نفسه‬
‫قال إسحاق وحدثني جماعة منهم الحرمي والزبيري وغيرهما‪ :‬أن عمر أنشد ابن أبي عتيق هذه القصيدة‪ ،‬فقال له ابن أبي‬
‫‪.‬عتيق‪ :‬الناس يطلبون خليفة مذ قتل عثمان في صفة قوادتك هذه يدبر أمورهم فما يجدونه‬
‫رجع إلى خبر عمر الطويل قالوا‪ :‬ومن شعره الذي اعتذر فيه فأبرأ قوله‬
‫ت وكفت دمعا من العين مارا‬ ‫فالتقينا فرحبت حـين سـلـم‬
‫منك عنا تجـلـدا وازورارا‬ ‫ثم قالت عند العـتـاب رأينـا‬
‫نا أمورا كنا بهـا أغـمـارا‬ ‫قلت كلله ابن عمك بل خف‬
‫قالة الناس للهـوى أسـتـارا‬ ‫فجعلنا الصدود لما خـشـينـا‬
‫أوقد الناس بالنـمـيمة نـارا‬ ‫ليس كالعهد إذ عهدت ولكـن‬
‫ثر قلبي عليك أخرى اختيارا‬ ‫فلذاك العراض عنك ومـا آ‬
‫فدنوتم من حل أو من سـارا‬ ‫ما أبالي إذا النوى قربـتـكـم‬
‫وأراها إذا قربت قـصـارا ومن تشكيه الذي أشجى فيه قوله‪ :‬صوت‬ ‫فاللـيالـي إذا نـأيت طـوال‬

‫وقصر شعوب أن أكون به صبـا‬ ‫لعمرك ما جاورت غمدان طائعـا‬


‫مجرمة ثم استمرت بـنـا غـبـا‬ ‫ولكن حمى أضرعـتـنـي ثـلثة‬
‫إلى الباب رجلي ما نقلت لها إربا‬ ‫وحتى لو أن الخلد تعرض إن مشت‬
‫مناخي وحبسي العيس دامية جدبـا‬ ‫فإنك لـو أبـصـرت يوم سـويقة‬
‫أنين المكاكي صادفت بلدا خصبـا‬ ‫ومصرع إخوان كـأن أنـينـهـم‬
‫ولستفرغت عيناك من سكبة غربا غنى في الول والثاني من هذه البيات‬ ‫إذا لقشعر الرأس منك صـبـابة‬
‫‪.‬معبد ولحنه خفيف ثقيل أول بالوسطى عن عمرو‪ .‬وفيهما لمالك ثقيل أول عن الهشامي‪ ،‬ونسبه يونس إلى مالك ولم يجنسه‬
‫ومن إقدامه عن خبرة ولم يعتذر بغرة قوله‬
‫ت أين المصادر والـمـورد‬ ‫صرمت وواصلت حتى عرف‬
‫ت ما أتوقى ومـا أعـمـد ومن أسره النوم قوله‬ ‫وجربت من ذاك حتى عرف‬
‫أرقب النجم موهنا أن يغورا ومن غمه الطير قوله‬ ‫نام صحبي وبات نومي أسيرا‬
‫لنا ثم أدركنا ول تـتـغـبـر‬ ‫فرحنا وقلنا للغلم اقض حاجة‬
‫وإن تلقنا الركبان ل نتخـبـر تتغبر‪ ،‬من قولهم‪ :‬غبر فلن أي لبث‬ ‫‪.‬سراعا نغم الطير إن سنحت لنا‬
‫ومن إغذاذه السير قوله‬
‫وحفير فما أحب حـفـيرا‬ ‫قلت سيرا ول تقيما ببصرى‬
‫فأقل به الثـواء وسـيرا‬ ‫وإذا ما مررتما بـمـعـان‬
‫ر بعيرا أن نستجد بعـيرا ومن تحييره ماء الشباب قوله صوت‬ ‫إنما قصرنا إذا حسر السي‬

‫بين خمس كواعـب أتـراب‬ ‫أبرزوها مثل المهاة تـهـادى‬


‫عدد القطر والحصى والتراب‬ ‫ثم قالوا تحبها قلـت بـهـرا‬
‫في أديم الخدين ماء الشبـاب الغناء لمحمد بن عائشة خفيف ثقيل بالبنصر‪ .‬وفيه‬ ‫وهي مكنونة تحير مـنـهـا‬
‫‪.‬لمالك خفيف ثقيل آخر عن الهشامي‪ ،‬وقيل‪ :‬بل هو هذا‬
‫ومن تقويله وتسهيله قوله‬
‫ما تأمرين فإن القلب قد تبـل‬ ‫قالت على رقبة يوما لجارتهـا‬
‫منكن أشكو إليها بعض ما فعل‬ ‫وهل لي اليوم من أخت مواخية‬
‫برجع قول ولب لم يكن خطل‬ ‫فراجعتها حصان غير فاحـشة‬
‫إني سأكفيكه إن لم أمت عجل‬ ‫ل تذكري حبه حتى أراجـعـه‬
‫فلست أول أنثى علقت رجـل وأما ما قاس فيه الهوى فقوله‬ ‫فاقني حياءك في ستر وفي كرم‬
‫يقيس ذراعا كلما قسن إصبعا ومن عصيانه وإخلئه قوله‬ ‫وقربن أسباب الهوى لمـتـيم‬

‫صفحة ‪40 :‬‬

‫ب سراعا نواعم الظـعـان‬ ‫وأنص المطي يتبعن بـالـرك‬


‫ش ونلهو بلـذة الـفـتـيان‬ ‫فنصيد الغرير من بقر الـوح‬
‫غير شك عرفت لي عصياني‬ ‫في زمان لو كنت فيه ضجيعي‬
‫رين إل الظنون أين مكانـي ومن محالفته بسمعه وطرفه قوله‬ ‫وتقلبت في الفـراش ول تـد‬
‫فكيف أصبر عن سمعي وعن بصري‬ ‫سمعي وطرفي حليفاها على جسـدي‬
‫إذا لقضيت من أوطارهـا وطـري ومن إبرامه نعت الرسل قوله‬ ‫لو طاوعاني علـى أل أكـلـمـهـا‬
‫ث رفيقة بجوابـهـا‬ ‫فبعثت كاتمة الحـدي‬
‫خراجة من بابـهـا‬ ‫وحـشـية إنـسـية‬
‫رض من سبيل نقابها ومن تحذيره قوله صوت‬ ‫فرقت فسلهت المعـا‬

‫وقلت لها خذي حذرك‬ ‫لقد أرسلت جـاريتـي‬


‫لزينب نولي عمـرك‬ ‫وقولي في مـلطـفة‬
‫فأخزى الله من كفرك‬ ‫فإن داويت ذا سـقـم‬
‫وقالت من بذا أمـرك‬ ‫فهزت رأسها عجـبـا‬
‫ن‪ ،‬قد خبرنني خبرك‬ ‫أهذا سحرك النـسـوا‬
‫وأدرك حاجة هجرك غنى ابن سريج في هذه البيات‪ ،‬ولحنه خفيف ثقيل‪ .‬ولبن المكي‬ ‫وقلن إذا قضى وطرا‬
‫فيها هزج بالوسطى‪ .‬وفيها رمل ذكر ذكاء وجه الرزة عن أحمد بن أبي العلء عن مخارق أنه لبن جامع‪ ،‬وذكر قمري أنه له وأن‬
‫ذكاء أبطل في هذه الحكاية‪ .‬قال الزبير‪ :‬حدثني عمي قال حدثني أبي قال‪ :‬قال شيخ من قريش‪ :‬ل ترووا نساءكم شعر عمر بن‬
‫‪:‬أبي ربيعة ل يتورطن في الزنا تورطا‪ ،‬وأنشد‬
‫وقلت لها خذي حذرك ومن إعلنه الحب وإسراره قوله‬ ‫لقد أرسلت جـاريتـي‬
‫وأخفيت منه في الفؤاد غليل ومما بطن به وأظهر قوله‬ ‫شكوت إليها الحب أعلن بعضه‬
‫ظهر الحب بجسمي وبطن‬ ‫حبكم يا آل ليلى قـاتـلـي‬
‫غير أن أقتل نفسي أو أجن ومما ألح فيه وأسف قوله‬ ‫ليس حب فوق ما أحببتكـم‬
‫وكثير منها القليل المهـنـا‬ ‫ليت حظي كطرفة العين منها‬
‫ما يجن الفؤاد منها ومـنـا‬ ‫أو حديث على خلء يسلـي‬
‫أن أراها قبل الممات ومنـا ومن إنكاحه النوم قوله صوت‬ ‫كبرت رب نعمة منك يومـا‬
‫ونظرت غفلة كاشح أن يعقل‬ ‫حتى إذا ما الليل جن ظلمـه‬
‫وسقى الكرى بوابهم فاستثقل‬ ‫واستنكح النوم الذين نخافـهـم‬
‫أيم يسيب على كثيب أهـيل الغناء لمعبد خفيف ثقيل مطلق في مجرى‬ ‫خرجت تاطر في الثياب كأنها‬
‫‪:‬الوسطى عن إسحاق‪ .‬وفيه ألحان لغيره وقد نسبت في غير هذا الموضع مع قوله‬
‫ودع لبابة قبل أن تترحل ومن جنيه الحديث قوله‬
‫و ومسرات باطن الضغان‬ ‫وجوار مساعفات على اللـه‬
‫ف حسان كخذل الغـزلن‬ ‫صيد للرجال يرشقن بالمطر‬
‫و شجون مهمة الشجـان‬ ‫قد دعاني وقد دعاهن لـلـه‬
‫ما جنى مثلها لعمرك جاني ومن ضربه الحديث ظهره لبطنه قوله‬ ‫فاجتنينا من الحديث ثمـارا‬
‫فبثثنا غليلنا واشـتـفـينـا‬ ‫في خلء من النيس وأمـن‬
‫وأتينا من أمرنا ما اشتهينـا‬ ‫وضربنا الحديث ظهرا لبطن‬
‫في قضاء لديننا واقتضينـا ومن إذلله صعب الحديث قوله‬ ‫فمكثنا بذاك عـشـر لـيال‬
‫وعاد لنا صعب الحديث ذلـول‬ ‫فلما أفضنا في الهوى نستبينـه‬
‫وأخفيت منه في الفؤاد غلـيل ومن قناعته بالرجاء من الوفاء قوله‬ ‫شكوت إليها الحب أظهر بعضه‬
‫إنه ينفع المحب الرجاء قال الزبير‪ :‬هذا أحسن من قول كثير‬ ‫‪:‬فعدي نائل وإن لم تنيلي‬
‫قليل ول أرضى له بقلـيل ومن إعلئه قاتله قوله‬ ‫ولست براض من خليل بنائل‬
‫فاشكي إليها ما علمت وسلمي‬ ‫فبعثت جاريتي وقلت لها اذهبي‬

‫صفحة ‪41 :‬‬

‫كلـف بـكـم حـتـى الـمـمـات مـــتـــيم‬ ‫قولـي يقـول تـحـرجـي فـي عـــاشـــق‬
‫أصـبـحـتـم يا بـــشـــر أوجـــه ذي دم‬ ‫ويقـول إنـك قـد عـلـمـت بـــأنـــكـــم‬
‫فاعلي عـلـى قـتـل ابـن عـمـك واسـلـمـي‬ ‫فكـي رهـينـتـه فـإن لـم تـفــعـــلـــي‬
‫أل يعـلـمـنـا بـمـا لــم نـــعـــلـــم‬ ‫فتـضـاحـكـت عـجـبـا وقـالـت حـقـــه‬
‫علمي به والله يغفر ذنبه فيما بدا لي‪ ،‬ذو هوى متقسم‬
‫ويبـث خـــلة ذي الـــوصـــال القـــدم ومن تنفيضه النوم قوله‬ ‫طرف ينازعه إلى الدنى الهوى‬
‫مصابيح شبت بالعشـاء وأنـور‬ ‫فلما فقدت الصوت منهم وأطفئت‬
‫وروح رعيان ونـوم سـمـر‬ ‫وغاب قمير كنت أرجو غيوبـه‬
‫حباب وركني خشية القوم أزور ومن إغلقه رهن منى وإهداره قتله قوله‬ ‫ونفضت عني أقبلت مـشـية ال‬
‫ومن غلق رهنا إذا لـفـه مـنـى‬ ‫فكم من قـتـيل مـا يبـاء بـه دم‬
‫إذا راح نحو الجمرة البيض كالدمى وكان بعد هذا كله فصيحا شاعرا‬ ‫ومن مالىء عينيه من شيء غـيره‬
‫‪.‬مقول‬
‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير قال حدثني عمي‪ ،‬وأخبرنا به علي بن صالح عن أبي هفان عن إسحاق عن‬
‫رجاله‪ :‬أن عمر بن أبي ربيعة نظر إلى رجل يكلم امرأة في الطواف‪ ،‬فعاب ذلك عليه وأنكره‪ .‬فقال له‪ :‬إنها ابنة عمي‪ .‬قال‪:‬‬
‫ذاك أشنع لمرك‪ .‬فقال‪ :‬إني خطبتها إلى عمي‪ ،‬فأبى علي إل بصداق أربعمائة دينار‪ ،‬وأنا غير مطيق ذلك‪ ،‬وشكا إليه من حبها‬
‫وكلفه بها أمرا عظيما‪ ،‬وتحمل به على عمه‪ .‬فسار معه إليه فكلمه‪ .‬فقال له‪ :‬هو مملق‪ ،‬وليس عندي ما أصلح به أمره‪ .‬فقال له‬
‫‪.‬عمر‪ :‬وكم الذي تريده منه? قال‪ :‬أربعمائة دينار‪ .‬فقال له‪ :‬هي علي فزوجه‪ ،‬ففعل ذلك‬
‫وقد كان عمر حين أسن حلف أل يقول بيت شعر أل أعتق رقبة‪ .‬فانصرف عمر إلى منزله يحدث نفسه‪ ،‬فجعلت جارية له‬
‫تكلمه فل يرد عليها جوابا‪ .‬فقالت له‪ :‬إن لك لمرا‪ ،‬وأراك تريد أن تقول شعرا‪ ،‬فقال‪ :‬صوت‬

‫طربت وكنت قد أقصرت حينا‬ ‫تقول وليدتي لـمـا رأتـنـي‬


‫وهاج لك الهوى داء دفـينـا‬ ‫أراك اليوم قد أحدثت شـوقـا‬
‫إذا ما شئت فارقت القـرينـا‬ ‫وكنت زعمت أنك ذو عـزاء‬
‫فشاقك أم لقيت لهـا خـدينـا‬ ‫بربك هل أتاك لـهـا رسـول‬
‫كبعض زماننا إذ تعلـمـينـا‬ ‫فقلت شكا إلـي أخ مـحـب‬
‫فذكر بعض ما كنا نـسـينـا‬ ‫فقص علي ما يلقى بـهـنـد‬
‫مشوق حين يلقى العاشقـينـا‬ ‫وذو الشوق القديم وإن تعـزى‬
‫لغير قلى وكنت بها ضنـينـا‬ ‫وكم من خلة أعرضت عنهـا‬
‫ولو جن الفؤاد بها جـنـونـا ثم دعا تسعة من رقيقه فأعتقهم لكل بيت واحد‪.‬‬ ‫أردت بعادها فصددت عنـهـا‬
‫الغناء لبن سريج رمل بالبنصر عن عمرو والهشامي‪ .‬وفيه ثقيل أول يقال‪ :‬إنه للغريض‪ .‬وذكر عبد الله بن موسى أن فيه‬
‫‪.‬لدحمان خفيف رمل‬
‫عمر بن أبي ربيعة وعروة بن الزبير‬
‫أخبرني الحرمي قال حدثنا أحمد بن عبيد أبو عصيدة قال‪ :‬ذكر ابن الكلبي أن عمر بن أبي ربيعة كان يساير عروة بن الزبير‬
‫‪.‬ويحادثه‪ ،‬فقال له‪ :‬وأين زين المواكب? يعني ابنه محمد بن عروة‪ ،‬وكان يسمى بذلك لجماله‬
‫فقال له عروة‪ :‬هو أمامك‪ ،‬فركض يطلبه‪ .‬فقال له عروة‪ :‬يا أبا الخطاب‪ ،‬أولسنا أكفاء كراما لمحادثتك ومسايرتك? فقال‪ :‬بلى‬
‫‪:‬بأبي أنت وأمي ولكني مغرى بهذا الجمال أتبعه حيث كان‪ .‬ثم التفت إليه وقال‬
‫ل حظ لي فيه إل لذة النظر ثم مضى حتى لحقه فسار معه‪ ،‬وجعل عروة‬ ‫إني امرؤ مولع بالحسن أتبعه‬
‫‪.‬يضحك من كلمه تعجبا منه‬
‫عمر بن أبي ربيعة ومالك بن أسماء‬
‫أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا مصعب ابن عبد الله قال‪ :‬رأى عمر بن أبي ربيعة رجل‬
‫يطوف بالبيت وقد بهر الناس بجماله وتمامه‪ ،‬فسأل عنه فقيل له‪ :‬هذا مالك بن أسماء بن خارجة‪ .‬فجاءه فسلم عليه وقال له‪:‬‬
‫‪:‬يابن أخي مازلت أتشوقك منذ بلغني قولك‬
‫ن من الورد أو من الياسمينا‬ ‫إن لي عند كل نفحة بسـتـا‬

‫صفحة ‪42 :‬‬

‫أن تكوني حللت فيما يلينا ويروى‬ ‫‪:‬نظرة والتفاتة أتـمـنـى‬


‫أن تكوني حللت‪ ...‬عمر وأبو السود الدؤلي وقد عرض لمرأته ‪...‬‬ ‫أتـرجـــى‬
‫في الطواف‬
‫أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا العباس بن هشام عن أبيه قال أخبرني مولى لزياد‬
‫قال‪ :‬حج أبو السود الدؤلي ومعه امرأته وكانت جميلة‪ .‬فبينا هي تطوف بالبيت إذ عرض لها عمر بن أبي ربيعة‪ ،‬فأتت أبا السود‬
‫فأخبرته‪ ،‬فأتاه أبو السود فعاتبه‪ .‬فقال له عمر‪ :‬ما فعلت شيئا‪ .‬فلما عادت إلى المسجد عاد فكلمها‪ ،‬فأخبرت أبا السود‪ ،‬فأتاه‬
‫‪:‬في المسجد وهو مع قوم جالس فقال له‬
‫وعن شتم أقوام خلئق أربع‬ ‫وإني ليثنيني عن الجهل والخنا‬
‫كريم ومثلي قد يضر وينفع‬ ‫حياء وإسلم وبقـيا وأنـنـي‬
‫على كل حال أستقيم وتظلع فقال له عمر‪ :‬لست أعود يا عم لكلمها بعد هذا‬ ‫فشتان ما بيني وبينك إنـنـي‬
‫‪:‬اليوم‪ .‬ثم عاود فكلمها‪ ،‬فأتت أبا السود فأخبرته‪ ،‬فجاء إليه فقال له‬
‫وسيدنـا لـول خـلئق أربـع‬ ‫أنت الفتى وابن الفتى وأخو الفتى‬
‫وبخل عن الجدوى وأنك تـبـع ثم خرجت وخرج معها أبو السود مشتمل على‬ ‫نكول عن الجلى وقرب من الخنا‬
‫‪:‬سيف‪ .‬فلما رآهما عمر أعرض عنها‪ ،‬فتمثل أبو السود‬
‫وتتقي صولة المستأسد الحامـي رأي الفرزدق في شعر ابن أبي ربيعة‬ ‫تعدو الذئاب على من ل كلب له‬
‫أخبرني ابن المرزبان قال حدثنا أحمد بن الهيثم الفراسي قال حدثنا العمري قال أخبرنا الهيثم بن عدي قال‪ :‬قدم الفرزدق‬
‫المدينة وبها رجلن يقال لحدهما صريم‪ ،‬وللخر ابن أسماء‪ ،‬وصفا له فقصدهما‪ ،‬وكان عندهما قيان‪ ،‬فسلم عليهما وقال لهما‪:‬‬
‫من أنتما? فقال أحدهما‪ :‬أنا فرعون‪ ،‬وقال الخر‪ :‬أنا هامان‪ .‬قال‪ :‬فأين منزلكما في النار حتى أقصدكما? فقال‪ :‬نحن جيران‬
‫الفرزدق الشاعر فضحك ونزل‪ ،‬فسلم عليهما وسلما عليه وتعاشروا مدة‪ .‬ثم سألهما أن يجمعا بينه وبين عمر بن أبي ربيعة‬
‫‪:‬ففعل‪ ،‬واجتمعا وتحادثا وتناشدا إلى أن أنشد عمر قصيدته التي يقول فيها‬
‫وغيب عنا من نخاف ونشفق حتى انتهى إلى قوله‬ ‫‪:‬فلما التقينا واطمأنت بنا النوى‬
‫مدامـع عـينـيهــا وظـــلـــت تـــدفـــق‬ ‫فقـمـن لـكـي يخـلـينـنـا فـتــرقـــرقـــت‬
‫لدى غـزل جـــم الـــصـــبـــابة يخـــرق‬ ‫وقـالـت أمـا تـرحـمـنـنـي ل تـدعـنــنـــي‬
‫فقلن اسكتي عنا فسلت مطاعةوخلك منا فاعلمي بك أرفق فصاح الفرزدق‪ :‬أنت والله يا أبا الخطاب أغزل الناس ل يحسن‬
‫‪.‬والله الشعراء أن يقولوا مثل هذا النسيب ول أن يرقوا مثل هذه الرقية وودعه وانصرف‬
‫عمرو وعبد الرحمن بن الحارث‬
‫ابن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة‬
‫أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد الجبار بن سعيد المساحقي عن المغيرة بن عبد الرحمن عن أبيه‪ :‬أنه حج مع‬
‫أبيه الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة‪ ،‬فأتى عمر بن أبي ربيعة وقد أسن وشاخ‪ ،‬فسلم عليه وساءله ثم قال له‪ :‬أي‬
‫‪:‬شيء أحدثت بعدي يا أبا الخطاب? فأنشده‬
‫وإني ل أرعـاك حـين أغـيب‬ ‫يقولون‪ :‬إني لست أصدقك الهوى‬
‫له أعين من معشـر وقـلـوب‬ ‫فما بال طرفي عف عما تساقطت‬
‫سفاه امرىء ممن يقال لـبـيب‬ ‫عشية ل يستنكف القـوم أن يروا‬
‫بعين الصبا كسلى القيام لعـوب‬ ‫ول قتنة من ناسك أومضـت لـه‬
‫فآب وقد زيدت عـلـيه ذنـوب‬ ‫تروح يرجو أن تحـط ذنـوبـه‬
‫على العين مني والفؤاد رقـيب عمرو والنسوة اللتي واعدهن بالعقيق‬ ‫وما النسك أسلني ولكن للهـوى‬
‫أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا عيسى بن إسماعيل عن القحذمي قال‪ :‬واعد عمر بن أبي ربيعة نسوة من قريش‬
‫إلى العقيق ليتحدثن معه‪ ،‬فخرج إليهن ومعه الغريض‪ ،‬فتحدثوا مليا ومطروا‪ ،‬فقال عمر والغريض وجاريتان للنسوة فأظلوا‬
‫عليهن بمطرفة وبردين له حتى استترن من المطر إلى أن سكن‪ ،‬ثم انصرفن‪ .‬فقال له الغريض‪ :‬قل في هذا شعرا حتى أغني‬
‫فيه‪ ،‬فقال عمر‪ :‬صوت‬

‫صفحة ‪43 :‬‬

‫بيانا فيكـتـم أو يخـبـرا‬ ‫ألم تسأل المنزل المقـفـرا‬


‫وحق لذي الشجو أن يذكرا‬ ‫ذكرت به بعض ما قد شجاك‬
‫كساء وبردين أن يمـطـرا‬ ‫مقام المحبين قـد ظـاهـرا‬
‫خرجـن إلـى زائر زورا‬ ‫وممشى الثلث به موهـنـا‬
‫ب سهل الربا طيب أعفـرا‬ ‫إلى مجلس من وراء القبـا‬
‫تباشير من واضح أسـفـرا‬ ‫غفلن عن الليل حتـى بـدت‬
‫بأكسية الخز أن تـقـفـرا‬ ‫فقمـن يعـفـين آثـارنـا‬
‫أسـيل مـقـلـده أحـورا‬ ‫مهاتان شـيعـتـا جـؤذرا‬
‫ر مد له الليل فاستـأخـرا‬ ‫وقمن وقلن لو أن الـنـهـا‬
‫وكان الحديث بـه أجـدرا ذكر ابن المكي أن الغناء في الخمسة البيات الولى لبن‬ ‫قضينا به بعض أشجـانـنـا‬
‫سريج ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى البنصر‪ ،‬وذكر الهشامي أن هذا اللحن للغريض‪ ،‬وأن لحن ابن سريج رمل بالوسطى‪ .‬وقال‬
‫‪.‬حبش‪ :‬فيها لمعبد خفيف ثقيل بالوسطى‬
‫عمر وابن أبي عتيق‬
‫أخبرنا محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني أبو العباس المديني قال أخبرنا ابن عائشة قال‪ :‬حضر ابن أبي عتيق عمر بن‬
‫‪:‬أبي ربيعة وهو ينشد قوله‬
‫وهي غربها فليأتنا نبـكـه غـدا‬ ‫ومن كان محزونا بإهراق عبـرة‬
‫وإن كان محروبا وإن كان مقصدا قال‪ :‬فلما أصبح ابن أبي عتيق أخذ معه‬ ‫نعنه على الثكال إن كان ثـاكـل‬
‫خالدا الخريت وقال له‪ :‬قم بنا إلى عمر‪ .‬فمضيا إليه‪ ،‬فقال له ابن أبي عتيق‪ :‬قد جئناك لموعدك‪ .‬قال‪ :‬وأي موعد بيننا? قال‪:‬‬
‫قولك‪ :‬فليأتنا نبكه غدا‪ .‬قد جئناك‪ ،‬والله ل نبرح أو تبكي إن كنت صادقا في قولك‪ ،‬أو ننصرف على أنك غير صادق‪ .‬ثم مضى‬
‫‪.‬وتركه‪ .‬قال ابن عائشة‪ :‬خالد الخريت هو خالد بن عبد الله القسري‬
‫عود إلى خلق عمر‬
‫أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا دماذ عن الهيثم بن عدي عن عبد الله بن عياش الهمداني قال‪ :‬لقيت عمر بن أبي‬
‫‪.‬ربيعة فقلت له‪ :‬يا أبا الخطاب‪ ،‬أكل ما قلته في شعرك فعلته? قال‪ :‬نعم‪ ،‬وأستغفر الله‬
‫قدوم عمر الكوفة ونزوله على ابن هلل‬
‫أخبرني علي بن صالح عن أبي هفان عن إسحاق عن عبد الله بن مصعب قال‪ :‬قدم عمر بن أبي ربيعة الكوفة‪ ،‬فنزل على عبد‬
‫‪:‬الله بن هلل الذي كان يقال له صاحب إبليس‪ ،‬وكان له قينتان حاذقتان‪ ،‬وكان عمر يأتيهما فيسمع منهما‪ ،‬فقال في ذلك‬
‫من عيشكم إل ثلث خلل‬ ‫يأهل بابل ما نفست عليكـم‬
‫وغناء مسمعتين لبن هلل وصف الشعراء للبرق وما قاله عمر‬ ‫ماء الفرات وطيب ليل بارد‬

‫في ذلك‬
‫أخبرني علي بن صالح عن أبي هفان عن إسحاق عن رجاله‪ :‬أن عمر بن أبي ربيعة والحارث بن خالد وأبا ربيعة المصطلقي‬
‫ورجل من بني مخزوم وابن أخت الحارث بن خالد‪ ،‬خرجوا يشيعون بعض خلفاء بني أمية‪ .‬فلما انصرفوا نزلوا بسرف فلح لهم‬
‫‪:‬برق؛ فقال الحارث‪ :‬كلنا شاعر‪ ،‬فهلموا نصف البرق‪ .‬فقال أبو ربيعة‬
‫جرى سناه ذو الربا فينابع فقال الحارث‬ ‫‪:‬أرقت لبرق آخر الليل لمع‬
‫مهامه موماة وأرض بلقع فقال المخزومي‬ ‫‪:‬أرقت له ليل التمام ودونـه‬
‫مصابيح أو فجر من الصبح ساطع فقال عمر‬ ‫‪:‬يضيء عضاه الشوك حتى كـأنـه‬
‫لسماء فاصنع بي الذي أنت صانع ثم قال‪ :‬مالي وللبرق والشوك بقية خبر‬ ‫أيا رب ل آلو الـمـودة جـاهـدا‬
‫عمر ونسوة العقيق‬
‫أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي قال‪ :‬كان عمر بن أبي ربيعة وخالد القسري معه ‪ -‬وهو‬
‫خالد الخريت ‪ -‬ذات يوم يمشيان‪ ،‬فإذا هما بهند وأسماء اللتين كان يشبب بهما عمر بن أبي ربيعة تتماشيان‪ ،‬فقصداهما وجلسا‬
‫معهما مليا‪ ،‬فأخذتهم السماء ومطروا‪ .‬ثم ذكر مثل خبر تقدم‪ ،‬ورويته آنفا عن هاشم بن محمد الخزاعي‪ ،‬وذكر البيات الماضية‪،‬‬
‫ولم يذكر فيها خبر الغريض‪ .‬وحكى أنه قال في ذلك‪ :‬صوت‬

‫سفاها وما استنطاق ما ليس ينطق‬ ‫أفي رسم دار دمعك المـتـرقـرق‬
‫مغاني قد كادت على العهد تخلـق‬ ‫بحيث التقى جمع ومفضى محسر‬

‫صفحة ‪44 :‬‬

‫وذكرك رسم الدار مما يشـوق‬ ‫ذكرت به ما قد مضى من زماننا‬


‫به لم يكدره علـينـا مـعـوق‬ ‫مقاما لنا عند العشاء ومجلـسـا‬
‫به تحت عين برقهـا يتـألـق‬ ‫وممشى فتاة بالكساء تـكـنـنـا‬
‫شعاع بدا يعشي العيون ويشرق‬ ‫يبل أعالي الثوب قطر وتحـتـه‬
‫وآخره حـزن إذا نـتـفـرق ذكر يحيى بن المكي أن الغناء في ستة أبيات متوالية‬ ‫فأحسن شيء بدء أول لـيلـنـا‬
‫‪.‬من هذا الشعر لمعبد خفيف ثقيل بالسبابة والوسطى‪ ،‬وذكر الهشامي أنه من منحول يحيى‬
‫عمر وليلى بنت الحارث البكرية‬
‫وما قاله فيها من الشعر‬
‫أخبرنا الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير بن بكار قال أخبرني مصعب قال‪ :‬لقي عمر بن أبي ربيعة ليلى بنت الحارث بن‬
‫عمرو البكرية وهي تسير على بغلة لها‪ ،‬وقد كان نسب بها‪ ،‬فقال‪ :‬جعلني الله فداك عرجي ها هنا أسمعك بعض ما قلته فيك‪.‬‬
‫‪.‬قالت‪ :‬أو قد فعلت? قال نعم فوقفت وقالت‪ :‬هات‪ .‬فأنشدها‬
‫صوت‬

‫نوالك إن بخلت فنولـينـا‬ ‫أل يا ليل إن شفاء نفـسـي‬


‫فراقك فانظري ما تأمرينا فقالت‪ :‬آمرك بتقوى الله وإيثار طاعته وترك ما أنت‬ ‫وقد حضر الرحيل وحان منا‬
‫‪.‬عليه‪ .‬ثم صاحت ببغلتها ومضت‬
‫وفي هذين البيتين لبن سريج خفيف ثقيل بالوسطى عن يحيى المكي‪ ،‬وذكر الهشامي أنه من منحوله إلى ابن سريج‪ .‬وفيهما‬
‫‪.‬رمل طنبوري لحمد بن صدقة‬
‫أخبرني بذلك جحظة عنه‪ .‬وأخبرني بهذا الخبر عبد الله بن محمد الرازي قال‪ :‬حدثنا أحمد بن الحارث الخراز عن ابن العرابي‪:‬‬
‫أن ليلى هذه كانت جالسة في المسجد الحرام‪ ،‬فرأت عمر بن أبي ربيعة‪ ،‬فوجهت إليه مولى لها فجاءها به‪ .‬فقالت له‪ :‬يابن أبي‬
‫ربيعة‪ ،‬حتى متى ل تزال سادرا في حرم الله تشبب بالنساء وتشيد بذكرهن أما تخاف الله قال‪ :‬دعيني من ذاك واسمعي ما‬
‫‪.‬قلت‪ .‬قالت‪ :‬وما قلت? فأنشدها البيات المذكورة‬
‫‪:‬فقالت له القول الذي تقدم أنها أجابته به‪ .‬قال‪ :‬وقال لها‪ :‬اسمعي أيضا ما قلت فيك‪ ،‬ثم أنشدها قوله‬
‫عاد لي وجدي وعاودت الحزن‬ ‫أمن الرسم وأطـلل الـدمـن‬
‫ظهر الحب بجسمي وبـطـن‬ ‫إن حبي آل ليلـى قـاتـلـي‬
‫فأتمر أمر رشيد مـؤتـمـن‬ ‫يا أبا الحارث قلـبـي طـائر‬
‫إن خير الوصل ما ليس يمـن‬ ‫التمس للقلب وصل عنـدهـا‬
‫من بني بكر غزال قد شـدن‬ ‫علق القلب‪ ،‬وقد كان صـحـا‪،‬‬
‫قلد الدر فقلبي مـمـتـحـن‬ ‫أحور المقـلة كـالـبـدر‪ ،‬إذا‬
‫غير أن أقتل نفسـي أو أجـن‬ ‫ليس حب فوق ما أحببـتـكـم‬
‫هكذا يخلق معروض الفـتـن قال‪ :‬وفيها يقول‬ ‫‪:‬خلقت للقلـب مـنـي فـتـنة‬
‫لم تدع للنساء عندي نصيبـا‬ ‫إن ليلى وقد بلغت المشـيبـا‬
‫قول ذي العيب إن أراد عيوبا نسبة ما في هذين الشعرين من الغناء الغناء في‬ ‫هاجر بيتها لنفي عـنـهـا‬
‫البيات الولى النونية لبن سريج ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو‪ .‬وفيها لبن عائشة ثقيل أول‪ ،‬يقال‪ :‬إنه أول ثقيل غناه‪ ،‬كان‬
‫‪.‬يغني الخفيف‪ ،‬فعيب بذلك فصنع هذا اللحن‪ .‬وفيه لعبد الله بن يونس البلي رمل عن الهشامي‬
‫‪:‬والغناء في‬
‫إن ليلى وقد بلغت المشيبا لبن سريج رمل بالوسطى عن عمرو‪ .‬وفيه لكردم ثقيل أول بالوسطى عن عمرو أيضا‪ .‬وذكر‬
‫‪.‬إبراهيم أن فيه لحنا لعطرد‪ ،‬ولم يجنسه‬
‫حديثه مع النوار وشعره فيها‬
‫أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني محمد بن منصور الزدي قال حدثني أبي عن الهيثم بن عدي قال‪ :‬بينما عمر‬
‫بن أبي ربيعة منصرف من المزدلفة يريد منى إذ بصر بامرأة في رحالة ففتن‪ ،‬وسمع عجوزا معها تناديها‪ :‬يا نوار استتري ل‬
‫يفضحك ابن أبي ربيعة‪ .‬فاتبعها عمر وقد شغلت قلبه حتى نزلت بمنى في مضرب قد ضرب لها‪ ،‬فنزل إلى جنب المضرب‪ ،‬ولم‬
‫يزل يتلطف حتى جلس معها وحادثها‪ ،‬وإذا أحسن الناس وجها وأحله منطقا‪ ،‬فزاد ذلك في إعجاب عمر بها‪ .‬ثم أراد معاودتها‬
‫فتعذر ذلك عليه‪ ،‬وكان آخر عهده‪ ،‬فقال فيها‪ :‬صوت‬

‫صفحة ‪45 :‬‬

‫وصبا فلم تترك له عـقـل‬ ‫علق النوار فـؤاده جـهـل‬


‫أمسى الفؤاد يرى لها مثـل‬ ‫وتعرضت لي في المسير فما‬
‫تغذو بسقط صريمة طفـل‬ ‫ما نعجة من وحش ذي بقـر‬
‫وأردت كشف قناعها‪ :‬مهل‬ ‫بألذ منهـا إذ تـقـول لـنـا‬
‫تجزي ولست بواصل حبـل‬ ‫دعنا فـإنـك ل مـكـارمة‬
‫أمسى لقلبك ذكره شـغـل‬ ‫وعليك من تبل الـفـؤاد وإن‬
‫فدعي العتاب وأحدثي بـذل الغناء لبن محرز خفيف ثقيل بالسبابة في مجرى‬ ‫فأجبتها إن المحب مكـلـف‬
‫‪.‬البنصر عن إسحاق‪ .‬وفيه ثاني ثقيل بالبنصر ينسب إلى ابن عائشة‬
‫حديثه مع أم الحكم وشعره فيها‬
‫أخبرني محمد بن خلف قال حدثني أبو عبد الله السدوسي عن عيسى بن إسماعيل العتكي عن هشام بن الكلبي عن أبيه قال‪:‬‬
‫حجت امرأة من بني أمية يقال لها أم الحكم‪ ،‬فقدمت قبل أوان الحج معتمرة‪ .‬فبينا هي تطوف على بغلة لها إذ مرت على عمر‬
‫بن أبي ربيعة في نفر من بني مخزوم وهم جلوس يتحدثون وقد فرعهم طول وجهرهم جمال وبهرهم شارة وعارضة وبيانا‪،‬‬
‫فمالت إليهم ونزلت عندهم‪ ،‬فتحدثت معهم طويل ثم انصرفت‪ .‬ولم يزل عمر يتردد إليها إلى أن انقضت أيام الحج‪ ،‬فرحلت إلى‬
‫‪:‬الشأم‪ ،‬وفيها يقول عمر‬
‫وعاودت ذكرى لم الحكم‬ ‫تأوب ليلى بنصـب وهـم‬
‫م‪ ،‬من نام من عاشق لم أنم‬ ‫فبت أراقب ليل الـتـمـا‬
‫ضعيف القيام شديد السقـم‬ ‫فإما ترينني على ما عـزا‬
‫ش ما إن تقل قيامي قـدم‬ ‫كثير القلب فوق الـفـرا‬
‫هضيم الحشا عذبة المبتسم في أول البيات الثلثة غناء‪ .‬وقبلها وهو أول الصوت‪:‬‬ ‫بالمديحة طيب نـشـرهـا‬
‫صوت‬

‫ه ل يجدون لـشـيء ألـم‬ ‫وفيتان صدق صباح الوجـو‬


‫ن عند المجازر لحسم الوضم الغناء في هذه البيات لمالك خفيف ثقيل الثاني‬ ‫من آل المغيرة ل يشـهـدو‬
‫بالبنصر وهو الذي يقال له الماخوري‪ ،‬عن عمرو‪ .‬وفيه ثاني ثقيل ينسب إلى ابن سريج والعريض ودحمان‪ .‬وفيه لبن المكي‬
‫‪.‬خفيف رمل‬
‫حديثه مع سكينة وشعره فيها‬
‫أخبرني علي بن صالح قال حدثنا أبو هفان عن إسحاق عن أبي عبد الله الزبيري قال‪ :‬اجتمع نسوة من أهل المدينة من أهل‬
‫الشرف‪ ،‬فتذاكرن عمر بن أبي ربيعة وشعره وظرفه وحسن حديثه‪ ،‬فتشوقن إليه وتمنينه‪ ،‬فقالت سكينة بنت الحسين‪ :‬أنا لكن‬
‫به‪ .‬فأرسلت إليه رسول وواعدته الصورين‪ ،‬وسمت له الليلة والوقت‪ ،‬وواعدت صواحباتها‪ ،‬فوافاهن عمر على راحلته‪ ،‬فحدثهن‬
‫حتى أضاء الفجر وحان انصرافهن‪ .‬فقال لهن‪ :‬والله إني لمحتاج إلى زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم والصلة في‬
‫مسجده‪ ،‬ولكن ل أخلط بزيارتكن شيئا‪ .‬ثم انصرف إلى مكة وقال‪ :‬صوت‬

‫منها على الخدين والجلبـاب‬ ‫قالت سكينة والدموع ذوارف‬


‫فيما أطال تصيدي وطلبـي‬ ‫ليت المغيري الذي لم أجـزه‬
‫إذ ل نلم على هوى وتصابي‬ ‫كانت ترد لنا المنـى أيامـنـا‬
‫ترمي الحشا بنوافذ النشـاب‬ ‫خبرت ما قالت فبت كأنـمـا‬
‫مني على ظمأ وفقد شـراب‬ ‫أسكين ما ماء الفرات وطيبـه‬
‫ترعى النساء أمانة الغـياب الغناء للهذلي رمل بالوسطى عن الهشامي‪ .‬وفيه‬ ‫بألذ منك وإن نأيت وقـلـمـا‬
‫للغريض خفيف ثقيل بالوسطى عن حبش‪ .‬قال وقال فيها‪ :‬صوت‬

‫صفيا لنفسي ول صاحبـا‬ ‫أحب لحبك مـن لـم يكـن‬


‫وأعتب من جاءكم عاتـبـا‬ ‫وأبذل نفسي لمرضاتـكـم‬
‫إلى وده قبلكـم راغـبـا‬ ‫وأرغب في ود من لم أكن‬
‫من الرض واعتزلت جانبا‬ ‫ولو سلك الناس في جانـب‬
‫أرى قربها العجب العاجبا‬ ‫ليممت طيتـهـا‪ ،‬إنـنـي‬
‫ك تقرو دميث الربا عاشبا‬ ‫فما نعجة من ظبـاء الرا‬
‫وقد أبدت الخد والحاجـبـا‬ ‫بأحسن منها غداة الغـمـيم‬
‫لخادمها‪ :‬يا احبسي الراكبا‬ ‫غداة تقول عـلـى رقـبة‬

‫صفحة ‪46 :‬‬

‫وأبدت لها عابسا قاطبـا‬ ‫فقالت لها‪ :‬فيم هذا الكلم‬


‫يمر بكم هكذا جانـبـا‬ ‫فقالت كريم أتـى زائرا‬
‫فأكره رجعته خائبـا غنى في الول والثاني والرابع والخامس من هذه البيات ابن‬ ‫شريف أتى ربعنا زائرا‬
‫‪.‬القفاص المكي‪ ،‬ولحنه رمل من رواية الهشامي‬
‫بغوم ابن أبي ربيعة‬
‫وحدثني وكيع وابن المرزبان وعمي قالوا حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي قال حدثنا محمد‬
‫بن معن الغفاري قال حدثني سفيان بن عيينة قال‪ :‬بينا أنا ومسعر بن كدام مع إسماعيل بن أمية بفناء الكعبة إذا بعجوز قد‬
‫صلعت علينا عوراء متكئة على عصا يصفق أحد لحييها على الخر‪ ،‬فوقفت على إسماعيل فسلمت عليه‪ ،‬فرد عليها السلم‪،‬‬
‫وساءلها فأحفى المسألة‪ ،‬ثم انصرفت‪ .‬فقال إسماعيل‪ :‬ل إله إل الله ماذا تفعل الدنيا بأهلها ثم أقبل علينا فقال‪ :‬أتعرفان هذه?‬
‫‪:‬قلنا‪ :‬ل والله‪ ،‬ومن هي? قال‪ :‬هذه بغوم ابن أبي ربيعة التي يقول فيها‬
‫ء وعيص يكننا وخلء انظرا كيف صارت‪ ،‬وما كان بمكة امرأة أجمل منها‪ .‬قال‪ :‬فقال‬ ‫حبذا أنت يا بغوم وأسما‬
‫له مسعر‪ :‬ل ورب هذه البنية‪ ،‬ما أرى أنه كان عند هذه خير قط‪ .‬وفي هذه البيات يقول عمر‪ :‬صوت‬

‫عنـــك فـــي غـــير ريبة أســـمـــاء‬ ‫صرمـت حـبـلـك الـبـــغـــوم وصـــدت‬


‫كان فـيهــن عـــن هـــواك الـــتـــواء‬ ‫والـغـــوانـــي إذا رأينـــك كـــهـــل‬
‫ء وعـــيص يكـــنـــنـــا وخـــــلء‬ ‫حبــذا أنـــت يا بـــغـــوم وأســـمـــا‬
‫أخـضـلـت ريطـتـي عـلـي الـســـمـــاء‬ ‫ولـقـد قـلـت لـيلة الــجـــزل لـــمـــا‬
‫ليت شعري وهل يردن ليت هل لهذا عند الرباب جزاء‬
‫غيرهـا وصـــلـــهـــا إلـــيهـــا أداء‬ ‫كل وصل أمسى لدي لنثى‬
‫أو نـأى فـهـو لـلـــربـــاب الـــفـــداء‬ ‫كل خـــلـــق وإن دنـــا لـــوصــــال‬
‫إنـمـا ينـفـع الـمــحـــب الـــرجـــاء لمعبد في‪ :‬ولقد قلت ليلة الجزل‪...‬‬ ‫فعــدي نـــائل وإن لـــم تـــنـــيلـــي‬
‫‪ .‬والذي بعده خفيف ثقيل مطلق في مجرى الوسطى عن يونس وإسحاق ودنانير‪ ،‬وهو من مشهور غنائه‬
‫أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثتني ظبية مولة فاطمة بنت عمر بن مصعب عن ذهيبة مولة محمد بن مصعب بن‬
‫الزبير قالت‪ :‬كنت عند أمة الواحد أو أمة المجيد بنت عمر بن أبي ربيعة في الجنبذ الذي في بيت سكينة بنت خالد بن مصعب‬
‫أنا وأبوها عمر وجاريتان له تغنيان‪ ،‬يقال لحداهما البغوم‪ ،‬والخرى أسماء‪ .‬وكانت أمة المجيد بنت عمر تحت محمد بن مصعب‬
‫‪.‬بن الزبير‬
‫‪:‬قالت‪ :‬فقال عمر بن أبي ربيعة وهو معهم في الجنبذ هذه البيات‪ .‬فلما انتهى إلى قوله‬
‫أخضلت ريطتي علي السماء خرجت البغوم ثم رجعت إليه فقالت‪ :‬ما رأيت أكذب‬ ‫ولقد قلت ليلة الجزل لـمـا‬
‫منك يا عمر تزعم أنك بالجزل وأنت في جنبذ محمد بن مصعب‪ ،‬وتزعم أن السماء أخضلت ريطتك وليس في السماء قزعة‬
‫‪.‬قال‪ :‬هكذا يستقيم هذا الشأن‬
‫‪:‬وأخبرني علي بن صالح عم أبي هفان عن إسحاق عن المسيبي ومحمد بن سلم أن عمر أنشد ابن أبي عتيق قوله‬
‫ء وعيص يكننا وخلء فقال له‪ :‬ما أبقيت شيئا يتمنى يا أبا الخطاب إل مرجل يسخن‬ ‫حبذا أنت يا بغوم وأسما‬
‫‪.‬لكم فيه الماء للغسل‬
‫عمر و بنت مروان بن الحكم‬
‫أخبرني ابن المرزبان قال حدثني إسماعيل بن جعفر عن محمد بن حبيب عن ابن العرابي قال‪ :‬حجت أم محمد بنت مروان‬
‫بن الحكم‪ ،‬فلما قضت نسكها أتت عمر بن أبي ربيعة وقد أخفت نفسها في نسوة‪ ،‬فحدثها مليا‪ .‬فلما انصرفت أتبعها عمر رسول‬
‫‪.‬عرف موضعها وسأل عنها حتى أثبتها‪ ،‬فعادت إليه بعد ذلك فأخبرها بمعرفته إياها‬
‫فقالت‪ :‬نشدتك الله أن تشهرني بشعرك وبعثت إليه بألف دينار‪ ،‬فقبلها وابتاع بها حلل وطيبا فأهداه إليها‪ ،‬فردته‪ .‬فقال لها‪:‬‬
‫والله لئن لم تقبليه لنهبنه‪ ،‬فيكون مشهورا‪ ،‬فقبلته ورحلت‪ .‬فقال فيها‪ :‬صوت‬

‫قد قضى من تهامة الوطارا‬ ‫أيها الراكب المجد ابتـكـارا‬


‫ففؤادي بالخيف أمسى معارا‬ ‫من يكن قلبه صحيحا سليمـا‬
‫كل يومين حجة واعتمـارا‬ ‫ليت ذا الدهر كان حتما علينا‬

‫صفحة ‪47 :‬‬

‫الغناء لبن محرز ولحنه من القدر الوسط من الثقيل الول بالخنصر في مجرى الوسطى عن إسحاق‪ ،‬وفيه أيضا له خفيف‬
‫ثقيل بالوسطى عن ابن المكي‪ .‬وفيه لذكاء وجه الرزة المعتمدي ثقيل أول من جيد الغناء وفاخر الصنعة ليس لحد من طبقته‬
‫‪.‬وأهل صنعته مثله‪ .‬وأنشد ابن أبي عتيق قول عمر هذا‪ ،‬فقال‪ :‬الله أرحم بعباده أن يجعل عليهم ما سألته ليتم لك فسقك‬
‫عمر وحميدة جارية ابن تفاحة‬
‫أخبرني ابن المرزبان قال أخبرني أحمد بن يحيى القرشي عن أبي الحسن الزدي عن جماعة من الرواة‪ :‬أن عمر كان يهوى‬
‫حميدة جارية ابن تفاحة‪ ،‬وفيها يقول‪ :‬صوت‬

‫إن في ذاك للـفـؤاد لـشـغـل‬ ‫حمل القلب مـن حـمـيدة ثـقـل‬


‫حمد خيرا وأتبعي القـول فـعـل‬ ‫إن فعلت الذي سألـت فـقـولـي‬
‫لست أصفي سواك ما عشت وصل الغناء لمعبد خفيف ثقيل بالوسطى عن‬ ‫وصليني فـأشـهـد الـلـه أنـي‬
‫يحيى المكي والهشامي‪ .‬وفيها يقول‪ :‬صوت‬

‫أم أنت مدكر الحياء فصـابـر‬ ‫يا قلب هل لك عن حميدة زاجر‬


‫والدمع منحدر وعظمي فاتـر‬ ‫فالقلب من ذكرى حميدة موجع‬
‫فعلت على ما عند حمدة قادر‬ ‫قد كنت أحسب أنني قبل الـذي‬
‫بين وكنت من الفراق أحـاذر الغناء لمعبد خفيف ثقيل بالسبابة في مجرى‬ ‫حتى بدا لي من حميدة خلـتـي‬
‫‪ .‬البنصر عن إسحاق‬
‫عمر و بعض جواري بني أمية‬
‫في موسم الحج‬
‫أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني أبو مسلم المستملي عن ابن أخي‬
‫زرقان عن أبيه قال‪ :‬أدركت مولى لعمر بن أبي ربيعة شيخا كبيرا‪ ،‬فقلت له‪ :‬حدثني عن عمر بحديث غريب‪ ،‬فقال‪ :‬نعم كنت‬
‫معه ذات يوم‪ ،‬فاجتاز به نسوة من جواري بني أمية قد حججن‪ ،‬فتعرض لهن وحادثهن وناشدهن مدة أيام حجهن‪ ،‬ثم قالت له‬
‫إحداهن‪ :‬يا أبا الخطاب‪ ،‬إنا خارجات في غد فابعث مولك هذا إلى منزلنا ندفع إليه تذكرة تكون عندك تذكرنا بها‪ .‬فسر بذلك‬
‫ووجه بي إليهن في السحر‪ ،‬فوجدتهن يركبن‪ ،‬فقلن لعجوز معهن‪ :‬يا فلنة‪ ،‬ادفعي إلى مولى أبي الخطاب التذكرة التي أتحفناه‬
‫‪.‬بها‪ .‬فأخرجت إلي صندوقا لطيفا مقفل مختوما‪ ،‬فقلن‪ :‬ادفعه إليه وارتحلن‬
‫فجئته به وأنا أظن أنه قد أودع طيبا أو جوهرا‪ .‬ففتحه عمر فإذا هو مملوء من المضارب وهي الكيرنجات ‪ ،‬وإذا على كل واحد‬
‫منها اسم رجل من مجان مكة‪ ،‬وفيها اثنان كبيران عظيمان‪ ،‬على أحدهما الحارث بن خالد وهو يومئذ أمير مكة‪ .‬وعلى الخر‬
‫عمر بن أبي ربيعة‪ .‬فضحك وقال‪ :‬تماجن علي ونفذ لهن‪ .‬ثم أصلح مأدبة‪ .‬ودعا كل واحد ممن له اسم في تلك المضارب‪ .‬فلما‬
‫أكلوا واطمأنوا للجلوس قال‪ :‬هات يا غلم تلك الوديعة‪ ،‬فجئته بالصندوق‪ ،‬ففتحه ودفع إلى الحارث الكيرنج الذي عليه اسمه‪.‬‬
‫فلما أخذه وكشف عنه غطاءه فزع وقال‪ :‬ما هذا أخزاك الله فقال له‪ :‬رويدا‪ ،‬اصبر حتى ترى‪ .‬ثم أخرج واحدا واحدا فدفعه إلى‬
‫من عليه اسمه حتى فرقها فيهم ثم أخرج الذي باسمه وقال‪ :‬هذا لي‪ .‬فقالوا له‪ :‬ويحك ما هذا? فحدثهم بالخبر فعجبوا منه‪ ،‬وما‬
‫‪.‬زالوا يتمازحون بذلك دهرا طويل ويضحكون منه‬
‫قصته مع بنات أبصرنه من وراء المضرب‬
‫قال وحدثني هذا المولى قال‪ :‬كنت مع عمر وقد أسن وضعف‪ ،‬فخرج يوما يمشي متوكئا على يدي حتى مر بعجوز جالسة‪،‬‬
‫فقال لي‪ :‬هذه فلنة وكانت إلفا لي‪ ،‬وعدل إليها فسلم عليها وجلس عندها وجعل يحادثها‪ ،‬ثم قال‪ :‬هذه التي أقول فيها‪ :‬صوت‬

‫يمشين بين المقام والحجـر‬ ‫أبصرتها ليلة ونسـوتـهـا‬


‫يمشين هونا كمشية البقـر‬ ‫بيضا حسانا نواعما قطـفـا‬
‫لنفسدن الطواف في عمـر‬ ‫قالت لترب لها تلطفـهـا‬
‫ثم اغمزيه يا أخت في خفر‬ ‫قومي تصدي له ليعرفـنـا‬
‫ثم اسبطرت تشتد في أثري‬ ‫قالت لها قد غمزته فـأبـى‬
‫بل اعترتني الهموم بالسهر ‪ -‬الغناء لبن سريج في السادس والول والثاني خفيف‬ ‫بل يا خليلي عادني ذكـري‬
‫وفيها لسنان الكاتب رمل بالوسطى عنه وعن يونس‪ .‬وفيها للبجر خفيف رمل بالوسطى عنه‪ .‬وفي‬ ‫‪:‬ثقيل بالوسطى عن عمرو‪.‬‬
‫قالت لترب لها تلطفها‬

‫صفحة ‪48 :‬‬

‫لعبد الله بن العباس خفيف رمل بالبنصر عن الهشامي‪ ،‬وفيه للدلل خفيف ثقيل عنه أيضا‪ .‬ولبي سعيد مولى فائد في الول‬
‫والثاني ثقيل أول عن الهشامي أيضا‪ ،‬ومن الناس من ينسب لحنه إلى سنان الكاتب وينسب لحن سنان إليه ‪ -‬قال‪ :‬وجلس معها‬
‫يحادثها‪ ،‬فأطلعت رأسها إلى البيت وقالت‪ :‬يا بناتي‪ ،‬هذا أبو الخطاب عمر بن أبي ربيعة عندي‪ ،‬فإن كنتن تشتهين أن ترينه‬
‫فتعالين‪ .‬فجئن إلى مضرب قد حجزن به دون بابها فجعلن يثقبنه ويضعن أعينهن عليه يبصرن‪ .‬فاستسقاها عمر‪ ،‬فقالت له‪ :‬أي‬
‫الشراب أحب إليك? قال‪ :‬الماء‪ .‬فأتي بإناء فيه ماء‪ ،‬فشرب منه‪ ،‬ثم مل فمه فمجه عليهن في وجوههن من وراء الحاجز‪ ،‬فصاح‬
‫الجواري وتهاربن وجعلن يضحكن‪ .‬فقالت له العجوز‪ :‬ويلك ل تدع مجونك وسفهك مع هذه السن فقال‪ :‬ل تلوميني‪ ،‬فما ملكت‬
‫‪.‬نفسي لما سمعت من حركاتهن أن فعلت ما رأيت‬
‫حديثه مع المرأة التي رآها في الطواف‬
‫وارتحل معها إلى العراق‬
‫أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني أحمد بن منصور بن أبي العلء الهمداني قال حدثني علي بن طريف السدي‬
‫قال‪ :‬سمعت أبي يقول‪ :‬بينما عمر بن أبي ربيعة يطوف بالبيت إذ رأى امرأة من أهل العراق فأعجبه جمالها‪ ،‬فمشى معها حتى‬
‫عرف موضعها‪ ،‬ثم أتاها فحادثها وناشدها وناشدته وخطبها‪ .‬فقالت‪ :‬إن هذا ل يصلح ها هنا‪ ،‬ولكن إن جئتني إلى بلدي وخطبتني‬
‫إلى أهلي تزوجتك‪ .‬فلما ارتحلوا جاء إلى صديق له من بني سهم وقال له‪ :‬إن لي إليك حاجة أريد أن تساعدني عليها‪ ،‬فقال له‬
‫نعم‪ .‬فأخذ بيده ولم يذكر له ما هي‪ ،‬ثم أتى منزله فركب نجيبا له وأركبه نجيبا آخر ‪ ،‬وأخذ معه ما يصلحه‪ ،‬وسارا ل يشك‬
‫السهمي في أنه يريد سفر يوم أو يومين‪ ،‬فما زال يحفد حتى لحق بالرفقة‪ ،‬ثم سار بسيرهم يحادقث المرأة طول طريقه‬
‫ويسايرها وينزل عندها إذا نزلت حتى ورد العراق‪ .‬فأقام أياما‪ ،‬ثم راسلها يتنجزها وعدها‪ ،‬فأعلمته أنها كانت متزوجة ابن عم لها‬
‫وولدت منه أولدها ثم مات وأوصى بهم وبماله إليها ما لم تتزوج‪ ،‬وأنها تخاف فرقة أولدها وزوال النعمة‪ ،‬وبعثت إليه بخمسة‬
‫آلف درهم واعتذرت‪ ،‬فردها عليها ورحل إلى مكة‪ ،‬وقال في ذلك قصيدته التي أولها‪ :‬صوت‬

‫من خيال بنـا ألـم‬ ‫نام صحبي ولم أنـم‬


‫بين خاخ إلى إضـم‬ ‫طاف بالركب موهنا‬
‫طيب الخيم والشـيم‬ ‫ثم نبهت صـاحـبـا‬
‫غير نكس ول بـرم‬ ‫أريحيا مـسـاعـدا‬
‫لعج الحب واللـم‬ ‫قلت يا عمرو شفني‬
‫ليلة الخيف ذي السلم الغناء لمالك خفيف رمل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق‬ ‫ايت هندا فقل لـهـا‬
‫ويونس‪ .‬وفيه لعبد الله بن العباس الربيعي خفيف رمل من رواية عمرو بن بانة‪ ،‬وذكر حبش أن لحن عبد الله بن العباس رمل‬
‫‪.‬آخر عن الهشامي‬
‫عود إلى شهادة جرير في شعر عمر‬
‫أخبرني محمد بن خلف قال حدثنا الحسين بن إسماعيل عن ابن عائشة عن أبيه قال‪ :‬كان جرير إذا أنشد شعر عمر بن أبي‬
‫‪:‬ربيعة قال‪ :‬شعر تهامي إذا أنجد وجد البرد‪ ،‬حتى أنشد قوله‬
‫فيضحى وأما بالعشي فيخـصـر ‪ ...‬البيات‪ .‬فقال‪ :‬مازال هذا يهذي حتى‬ ‫رأت رجل أما إذا الشمس عارضت‬
‫‪.‬قال الشعر‬
‫حنين عمر إلى ذكر الغزل‬
‫بعد أن كبرت سنه‬
‫أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي عن عثمان بن إبراهيم الخاطبي‪ ،‬وأخبرني به محمد‬
‫بن خلف بن المرزبان قال حدثني إسحاق بن إبراهيم عن محمد بن أبان قال أخبرني العتبي عن أبي زيد الزبيري عن عثمان بن‬
‫إبراهيم الخاطبي قال‪ :‬أتيت عمر بن أبي ربيعة بعد أن نسك بسنين وهو في مجلس قومه من بني مخزوم‪ ،‬فانتظرت حتى‬
‫تفرق القوم‪ ،‬ثم دنوت منه ومعي صاحب لي ظريف وكان قد قال لي‪ :‬تعال حتى نهيجه على ذكر الغزل‪ ،‬فننظر هل بقي في‬
‫نفسه منه شيء‪ .‬فقال له صاحبي‪ :‬يا أبا الخطاب‪ ،‬أكرمك الله لقد أحسن العذري وأجاد فيما قال‪ .‬فنظر عمر إليه ثم قال له‪:‬‬
‫‪:‬وماذا قال? قال‪ :‬حيث يقول‬
‫لمر يهوي سريعا نحوها راسي‬ ‫لو جد بالسيف رأسي في مودتها‬

‫صفحة ‪49 :‬‬

‫قال‪ :‬فارتاح عمر إلى قوله وقال‪ :‬هاه لقد أجاد وأحسن فقلت‪ :‬ولله در جنادة العذري فقال عمر حيث يقول ماذا ويحك?‬
‫‪:‬فقلت‪ :‬حيث يقول‬
‫فبت مستنبها من بعد مسـراهـا‬ ‫سرت لعينك سلمى بعد مغفاهـا‬
‫إن كنت تمثالها أو كنـت إياهـا‬ ‫وقلت أهل وسهل من هداك لنـا‬
‫من نحو بلدتها ناع فينـعـاهـا‬ ‫من حبها أتمنـى أن يلقـينـي‬
‫وتضمر النفس يأسا ثم تسلهـا‬ ‫كيما أقول فراق ل لـقـاء لـه‬
‫يا بؤس للموت ليت الموت أبقاها قال‪ :‬فصحك عمر ثم قال‪ :‬وأبيك لقد أحسن‬ ‫ولو تموت لراعتني وقـلـت أل‬
‫وأجاد وما أبقى ولقد هيجتما علي ساكنا‪ ،‬وذكرتماني ما كان عني غائبا‪ ،‬ولحدثنكما حديثا حلوا‪ :‬قصته مع هند بنت الحارث‬
‫المرية‬
‫بينا أنا منذ أعوام جالس‪ ،‬إذ أتاني خالد الخريت‪ ،‬فقال لي‪ :‬يا أبا الخطاب‪ ،‬مرت بي أربع نسوة قبيل العشاء يردن موضع كذا‬
‫وكذا لم أر مثلهن في بدو ول حضر‪ ،‬فيهن هند بنت الحارث المرية‪ ،‬فهل لك أن تأتيهن متنكرا فتسمع من حديثهن وتتمتع بالنظر‬
‫إليهن ول يعلمن من أنت? فقلت له‪ :‬ويحك وكيف لي أن أخفي نفسي? قال‪ :‬تلبس لبسة أعرابي ثم تجلس على قعود ثم ائتهن‬
‫فسلم عليهن ‪ ،‬فل يشعرن إل بك قد هجمت عليهن‪ .‬ففعلت ما قال‪ ،‬وجلست على قعود‪ ،‬ثم أتيتهن فسلمت عليهن ثم وقفت‬
‫بقربهن‪ .‬فسألنني أن أنشدهن وأحدثهن‪ ،‬فأنشدتهن لكثير وجميل والحوص ونصيب وغيرهم‪ .‬فقلن لي‪ :‬ويحك يا أعرابي ما‬
‫أملحك وأظرفك لو نزلت فتحدثت معنا يومنا هذا فإذا أمسيت انصرفت في حفظ الله‪ .‬قال‪ :‬فأنخت بعيري ثم تحدثت معهن‬
‫وأنشدتهن‪ ،‬فسررن بي وجذلن بقربي وأعجبهن حديثي‪ .‬قال‪ :‬ثم أنهن تغامزن وجعل بعضهن يقول لبعض‪ :‬كأنا نعرف هذا‬
‫العرابي ما أشبهه بعمر بن أبي ربيعة فقالت إحداهن‪ :‬فهو والله عمر فمدت هند يدها فانتزعت عمامتي فألقتها عن رأسي ثم‬
‫قالت لي‪ :‬هيه يا عمر أتراك خدعتنا منذ اليوم بل نحن والله خدعناك واحتلنا عليك بخالد‪ ،‬فأرسلناه إليك لتأتينا في أسوأ هيئة‬
‫ونحن كما ترى‪ .‬قال عمر‪ :‬ثم أخذنا في الحديث‪ ،‬فقالت هند‪ :‬ويحك يا عمر اسمع مني‪ ،‬لو رأيتني منذ أيام وأصبحت عند أهلي‪،‬‬
‫فأدخلت رأسي في جيبي‪ ،‬فنظرت إلى حري فإذا هو ملء الكف ومنية المتمني‪ ،‬فناديت يا عمراه يا عمراه قال عمر‪ :‬فصحت يا‬
‫‪.‬لبيكاه يا لبيكاه ثلثا ومددت في الثالثة صوتي‪ ،‬فضحكت‪ .‬وحادثتهن ساعة‪ ،‬ثم ودعتهن وانصرفت‬
‫فذلك قولي‪ :‬صوت‬

‫ببطن حلـيات دوارس بـلـقـعـا‬ ‫عرفت مصيف الحي والمتـربـعـا‬


‫معالمه وبل ونكـبـاء زعـزعـا‬ ‫إلى السفح من وادي المغمس بدلـت‬
‫جميع وإذ لم نخش أن يتـصـدعـا‬ ‫لهند وأتراب لـهـنـد إذ الـهـوى‬
‫كما صفق الساقي الرحيق المشعشعا‬ ‫وإذ نحن مثل الماء كـان مـزاجـه‬
‫لواش لدينا يطلب الصرم موضعـا الغناء للغريض ثاني ثقيل بالوسطى عن‬ ‫وإذا ل نطيع الكاشحـين ول نـرى‬
‫الهشامي ومن نسخة عمرو الثانية‪ .‬وفيه لبن جامع وابن عباد لحنان من كتاب إبراهيم‪ .‬وفيها يقول ‪ -‬وفيه غناء ‪ :-‬صوت‬

‫وجوه زهاها الحسن أن تتقنعا‬ ‫فلما تواقفنا وسلمت أشرقـت‬


‫وقلن امرؤ باغ أكل وأوضعا‬ ‫تبالهن بالعرفان لما رأينـنـي‬
‫يقيس ذراعا كلما قسن إصبعا الغناء لبن عباد رمل عن الهشامي‪ .‬وفيه لبن‬ ‫وقربن أسباب الهوى لمـتـيم‬
‫جامع لحن من كتاب إبراهيم غير مجنس‪ .‬هذه البيات مقرونة بالولى‪ ،‬والصنعة في جميعها مختلفة‪ ،‬يغني المغنون بعض هذه‬
‫‪.‬وبعض تلك ويخلطونها‪ ،‬والصنعة لمن قدمت ذكره ‪ .‬وهي قصيدة طويلة‪ ،‬ذكرت منها ما فيه صنعة‬
‫ومما قاله في هند هذه وغني فيه قوله‪ :‬صوت‬

‫ببرقة ذي ضال فيخبر إن نطق‬ ‫?ألم تسأل الطلل والمنزل الخلق‬


‫أخو نشوة لقى الحوانيت فاغتبق الغناء لعطرد ولحنه من القدر الوسط من‬ ‫ذكرت به هندا فظلت كـأنـنـي‬
‫الثقيل الول بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق‪ .‬وفيه لمعبد ثقيل أول بالوسطى عن الهشامي‪ .‬وذكر حبش أن فيه‬
‫للغريض ثاني ثقيل بالوسطى‪ .‬ومنها‪ :‬صوت‬

‫صفحة ‪50 :‬‬


‫راجع الحب الغريضا‬ ‫أسبح القلب مهيضـا‬
‫أن رأى برقا وميضا‬ ‫وأجد الشوق وهـنـا‬
‫ما ولم أطعم غموضا‬ ‫ثم بات الركـب نـوا‬
‫تركها القلب مهيضا‬ ‫ذاك من هند قـديمـا‬
‫واضح اللون نحيضا‬ ‫وتـبـدت ثـم أبـدت‬
‫كأقاحي الرمل بيضا الغناء لبن محرز خفيف ثقيل بالسبابة في مجرى البنصر‪ .‬وفيه لحكم‬ ‫وعذاب الطعم غـرا‬
‫هزج بالوسطى عن عمرو‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه يمان‪ .‬ومن الناس من ينسب لحن ابن محرز إلى ابن مسجح‪ .‬ومنها‪ :‬صوت‬

‫لهـا إذ تـواقـفـنـا بـفـرع الـمـــقـــطـــع‬ ‫أربـت إلـى هـــنـــد وتـــربـــين مـــرة‬


‫علـينـا بـجـمـع الـشـمـل قـبـل الـتـصـــدع‬ ‫لـتـعـــريج يوم أو لـــتـــعـــريس لـــيلة‬
‫لنـا خـلـفـنـا عـجـنـا ولـــم نـــتـــورع‬ ‫فقـلـن لـهـا لـول ارتــقـــاب صـــحـــابة‬
‫مغـــفـــلة فـــي مـــئزر لـــم تـــدرع‬ ‫وقـالـت فـتـاة كـنـت أحــســـب أنـــهـــا‬
‫لهن وما شاورنها ليس ما أرىبحسن جزاء للحبيب المودع‬
‫لنـا بـاب مـا يخـفـى مـن المـر نـســـمـــع وهي أبيات‪ .‬الغناء للغريض ولحنه‬ ‫فقلن لها ل شب قرنك فافتحي‬
‫من القدر الوسط من الثقيل الول بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق‪ ،‬وذكر ابن المكي أنه لبن سريج‪ .‬ومنها‪ :‬صوت‬

‫حسبت وسط رحال القوم عطارا‬ ‫لما ألمت بأصحابي وقد هجعـوا‬
‫ومن محدثنا هـذا الـذي زارا‬ ‫?فقلت من ذا المحيى وانتبهت لـه‬
‫أهل وسهل بكم من زائر زارا‬ ‫أل انزلوا نعمت دار بقـربـكـم‬
‫عفر الظباء به يمشين أسطـارا الغناء لبن سريج رمل بالخنصر في مجرى‬ ‫فبدل الربع ممن كان يسـكـنـه‬
‫‪:‬البنصر عن إسحاق‪ .‬وفيه ليونس خفيف ثقيل‪ .‬وفيه لبي فارة هزج بالبنصر‪ .‬وأول هذه القصيدة التي فيها ذكر هند قوله‬
‫أقوت وهاجت لنا بالنعف تذكارا‬ ‫يا صاحبي قفا نستخبـر الـدارا‬
‫مثل الجآذر لم يمسسن أبكـارا‬ ‫وقد أرى مرة سربا بها حسـنـا‬
‫فيمن أقام من الحياء أو سـارا‬ ‫فيهن هند وهند ل شبـيه لـهـا‬
‫كي نلهو اليوم أو ننشد أشعـارا‬ ‫تقول ليت أبا الخطاب وافقـنـا‬
‫بالقوم يحملن ركبانـا وأكـوارا‬ ‫فلم يرعهن إل العيس طـالـعة‬
‫ها هم أولء وما أكثرن إكثارا‬ ‫وفارس يحمل البازي فقلن لهـا‬
‫بدلن بالعرف بعد الرجع إنكارا ومنها‪ :‬صوت‬ ‫لما وقفنا وعنـنـا ركـائبـنـا‬

‫ومغنى الحي كالخلـل‬ ‫ألم تربع على الطـلـل‬


‫ها قد كان من شغلـي‬ ‫لهند إن هـنـدا حـب‬
‫ر عجت لرسمها جملي‬ ‫فلما أن عرفـت الـدا‬
‫فعاجوا هـزة البـل‬ ‫وقلت لصحبتي عوجـوا‬
‫وإن كنا على عـجـل‬ ‫وقالوا قف ول تعجـل‬
‫م ما نلقى من العمـل الغناء لبن سريج ثاني ثقيل مطلق في مجرى الوسطى عن‬ ‫قليل في هـواك الـيو‬
‫إسحاق‪ ،‬وفيه له أيضا رمل عن الهشامي وحبش‪ .‬ومنها‪ :‬صوت‬

‫بالبلـيين مـحـول‬ ‫هاج ذا القلب منزل‬


‫وجنوب وشـمـال‬ ‫غيرت آيه الصـبـا‬
‫وأخو الشوق مرسل‬ ‫إن هندا قد أرسلـت‬
‫وتفـدي وتـعـذل‬ ‫أرسلت تستحثـنـي‬
‫بين غصنين يوبـل‬ ‫أينـا بـات لـيلـه‬
‫برد عصب مهلهل في هذه البيات خفيف ثقيل مطلق في مجرى البنصر‪ ،‬ذكر إسحاق أنه‬ ‫تحت عين‪ ،‬يكنـنـا‬
‫‪.‬لمالك‪ ،‬وذكر عمرو أنه لبن محرز‬
‫وذكر يونس أن فيها لحنا لبن محرز ولحنا لمالك‪ .‬وقال عمرو في نسخته الثانية‪ :‬إنه لبن زرزر الطائفي خفيف ثقيل‬
‫بالوسطى‪ ،‬وروت مثل ذالك دنانير عن فليح‪ .‬وفيها لبن سريج رمل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق‪ .‬وفيها لعبد الله بن‬
‫موسى الهادي ثاني ثقيل من مجموعة ورواية الهشامي وفيه لحكم هزج بالخنصر والبنصر عن ابن المكي‪ .‬وفيه للحجبي رمل‬
‫عن الهشامي وفيه ثقيل أول نسبه ابن المكي إلى ابن محرز‪ ،‬وذكر الهشامي أنه منحول‪ .‬وفيه خفيف رمل ذكر الهشامي أنه‬
‫‪:‬لحن ابن محرز‪ .‬ومنها‬

‫صفحة ‪51 :‬‬

‫صوت‬

‫عيني بما ألقى من الـوجـد‬ ‫يا صاح هل تدري وقد جمدت‬


‫وتبدلت أعلمهـا بـعـدي‬ ‫لمـا رأيت ديارهـا درسـت‬
‫ذات العشاء بمهبط النـجـد‬ ‫وذكرت مجلسها ومجلسـنـا‬
‫فرددت معتبة علـى هـنـد الغناء ليحيى المكي رمل بالوسطى‪ .‬وفيه لغيره ألحان‬ ‫ورسالة منها تـعـاتـبـنـي‬
‫أخر‪ .‬ومنها‪ :‬صوت‬

‫وشفت أنفسنا مما تجـد‬ ‫ليت هندا أنجزتنا ما تعد‬


‫إنما العاجز من ل يستبد‬ ‫واستبدت مـرة واحـدة‬
‫ذات يوم وتعرت تبترد ‪ -‬ويروى‬ ‫‪:‬ولقد قالت لجارات لهـا‬
‫زعموها سألت جاراتـهـا‬
‫عمركن الله أم ل يقتـصـد‬ ‫أكما ينعتني تبصـرنـنـي‬
‫حسن في كل عين من تود‬ ‫فتضاحكن وقد قلـن لـهـا‬
‫وقديما كان في الناس الحسد الغناء لبن سريج رمل بالخنصر في مجرى البنصر‬ ‫حسدا حملنه من أجـلـهـا‬
‫عن إسحاق‪ .‬وفيه لحن لمالك من كتاب يونس غير مجنس‪ .‬وفيه لبن سريج خفيف رمل بالبنصر عن عمرو‪ ،‬وذكره إسحاق في‬
‫خفيف الثقيل بالخنصر في مجرى البنصر ولم ينسبه إلى أحد‪ .‬وفيه ثاني ثقيل يقال إنه لحن لمالك‪ ،‬ويقال إنه لمتيم‪ .‬ومنها‪:‬‬
‫صوت‬

‫لما غدوا فانشمروا‬ ‫هاج القريض الذكر‬


‫قد ضمهن السفـر‬ ‫على بغال شـحـج‬
‫ما عمرت أعمـر‬ ‫فيهن هند ليتـنـي‬
‫حتف أتاني القـدر لبن سريج فيه لحنان‪ :‬رمل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق‪،‬‬ ‫حتى إذا ما جاءهـا‬
‫وخفيف رمل عن الهشامي‪ .‬ومنها‪ :‬صوت‬

‫هام إلى هـنـد ولـم يظـلـم‬ ‫يا من لقـلـب دنـف مـغـرم‬


‫عذب الثنايا طيب الـمـبـسـم‬ ‫هام إلى ريم هضيم الـحـشـى‬
‫قبلي لـذي لـحـم ول ذي دم‬ ‫لم أحسب الشمس بـلـيل بـدت‬
‫يصرفك الدنـى عـن القـدم‬ ‫قالـت أل إنــك ذو مـــلة‬
‫في الوصل يا هند لكي تصرمي الغناء لبن سريج رمل بالسبابة في مجرى‬ ‫قلت لها بـل أنـت مـعـتـلة‬
‫الوسطى عن إسحاق‪ .‬وفيه لبديح لحن قديم‪ .‬وقيل‪ :‬إن فيه رمل آخر لعمارة مولة عبد الله بن جعفر‪ .‬ومنها‪ :‬صوت‬

‫وعاود من هند جوى غـير زائل‬ ‫تصابى وما بعض التصابي بطائل‬
‫فما من تلق قد أرى دون قابـل‬ ‫عشية قالت صدعت غربة النوى‬
‫لنا مرة منها بقرن الـمـنـازل‬ ‫وما أنس م الشياء ل أنس مجلسا‬
‫من العين عند العين برد المراجل الغناء للغريض ثقيل أول بالبنصر عن عمرو‪.‬‬ ‫بنخلة بين النخلـتـين يكـنـنـا‬
‫وفيه للعماني خفيف ثقيل عن دنانير والهشامي‪ .‬ومنها‪ :‬صوت‬

‫وازدهى عني شبابي‬ ‫لج قلبي في التصابي‬


‫د فؤاد غير نـابـي‬ ‫ودعاني لهوى هـن‬
‫نان دمعا ذا انسكاب‬ ‫قلت لما فاضت العي‬
‫بعد ود واقـتـراب‬ ‫إن جفتني اليوم هنـد‬
‫لفـنـاء وذهــاب الغناء لهل مكة رمل بالوسطى‬ ‫‪.‬فسبيل النـاس طـرا‬
‫قصته مع فاطمة بنت عبد الملك‬
‫أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني أبو علي السدي ‪ -‬وهو بشر ابن موسى بن صالح ‪ -‬قال حدثني أبي موسى بن‬
‫‪:‬صالح عن أبي بكر القرشي قال‬

‫صفحة ‪52 :‬‬

‫كان عمر بن أبي ربيعة جالسا بمنى في فناء مضربه وغلمانه حوله‪ ،‬إذ أقبلت امرأة برزة عليها أثر النعمة فسلمت‪ ،‬فرد عليها‬
‫عمر السلم‪ ،‬فقالت له‪ :‬أنت عمر بن أبي ربيعة? فقال لها‪ :‬أنا هو‪ ،‬فما حاجتك? قالت له‪ :‬حياك الله وقربك هل لك في محادثة‬
‫أحسن الناس وجها‪ ،‬وأتمهم خلقا‪ ،‬وأكملهم أدبا‪ ،‬وأشرفهم حسبا? قال‪ :‬ما أحب إلي ذلك قالت‪ :‬على شرط‪ .‬قال‪ :‬قولي‪ .‬قالت‪:‬‬
‫تمكنني من عينيك حتى أشدهما وأقودك‪ ،‬حتى إذا توسطت الموضع الذي أريد حللت الشد‪ ،‬ثم أفعل ذلك بك عند إخراجك حتى‬
‫أنتهي بك إلى مضربك‪ .‬قال‪ :‬شأنك‪ ،‬ففعلت ذلك به‪ .‬قال عمر‪ :‬فلما انتهت بي إلى المضرب الذي أرادت كشفت عن وجهي‪،‬‬
‫فإذا أنا بامرأة على كرسي لم أر مثلها قط جمال وكمال‪ ،‬فسلمت وجلست‪ .‬فقالت‪ :‬أأنت عمر بن أبي ربيعة? قلت‪ :‬أنا عمر‪.‬‬
‫قالت‪ :‬أنت الفاضح للحرائر? قلت‪ :‬وما ذاك جعلني الله فداءك? قالت‪ :‬ألست القائل‪ :‬صوت‬

‫لنبهن الحي إن لـم تـخـرج‬ ‫قالت وعيش أخي ونعمة والـدي‬


‫فعلمت أن يمينها لـم تـحـرج‬ ‫فخرجت خوف يمينها فتبسمـت‬
‫بمخضب الطراف غير مشنـج‬ ‫فتناولت رأسي لتعرف مـسـه‬
‫شرب النزيف ببرد ماء الحشرج ‪ -‬الغناء لمعبد ثقيل أول بالبنصر عن يونس‬ ‫فلثمت فاها آخذا بـقـرونـهـا‬
‫‪ -.‬وعمرو‬
‫ثم قالت‪ :‬قم فاخرج عني‪ ،‬ثم قامت من مجلسها‪ .‬وجاءت المرأة فشدت عيني‪ ،‬ثم أخرجتني حتى انتهت بي إلى مضربي‪،‬‬
‫وانصرفت وتركتني‪ .‬فحللت عيني وقد دخلني من الكآبة والحزن ما الله به أعلم‪ .‬وبت ليلتي‪ ،‬فلما أصبحت إذا أنا بها‪ ،‬فقالت‪:‬‬
‫هل لك في العود? فقلت‪ :‬شأنك‪ ،‬ففعلت بي مثل فعلها بالمس‪ ،‬حتى انتهت بي إلى الموضع‪ .‬فلما دخلت إذا بتلك الفتاة على‬
‫كرسي‪ .‬فقالت‪ :‬إيه يا فضاح الحرائر قلت‪ :‬بماذا جعلني الله فداءك? قالت‪ :‬بقولك‪ :‬صوت‬

‫على الرمل من جبانة لم توسـد‬ ‫وناهدة الثديين قلت لهـا اتـكـي‬


‫وإن كنت قد كلفت ما لم أعـود‬ ‫فقالت على اسم الله أمرك طاعة‬
‫فقم غير مطرود وإن شئت فازدد ‪ -‬الغناء لهل مكة ثقيل أول عن الهشامي‬ ‫فلما دنا الصباح قالت فضحتنـي‬
‫‪ -‬ثم قالت قم فاخرج عني‪ ،‬فقمت فخرجت ثم رددت‪ .‬فقالت لي‪ :‬لول وشك الرحيل‪ ،‬وخوف الفوت‪ ،‬ومحبتي لمناجاتك‬
‫‪.‬والستكثار من محادثتك‪ ،‬لقصيتك‪ ،‬هات الن كلمني وحدثني وأنشدني‬
‫فكلمت آدب الناس وأعلمهم بكل شيء‪ .‬ثم نهضت وأبطأت العجوز وخل لي البيت‪ ،‬فأخذت أنظر‪ ،‬فإذا أنا بتور فيه خلوق‪،‬‬
‫فأدخلت يدي فيه ثم خبأتها في ردني‪ .‬وجاءت تلك العجوز فشدت عيني ونهضت بي تقودني‪ ،‬حتى إذا صرت على باب المضرب‬
‫أخرجت يدي فضربت بها على المضرب‪ ،‬ثم صرت إلى مضربي‪ ،‬فدعوت غلماني فقلت‪ :‬أيكم يقفني على باب مضرب عليه‬
‫‪.‬خلوق كأنه أثر كف فهو حر وله خمسمائة درهم‬
‫فلم ألبث أن جاء بعضهم فقال‪ :‬قم‪ .‬فنهضت معه‪ ،‬فإذا أنا بالكف طرية‪ ،‬وإذا المضرب مضرب فاطمة بنت عبد الملك بن‬
‫مروان‪ .‬فأخذت في أهبة الرحيل‪ ،‬فلما نفرت نفرت معها‪ ،‬فبصرت في طريقها بقباب ومضرب وهيئة جميلة‪ ،‬فسألت عن ذلك‪،‬‬
‫فقيل لها‪ :‬هذا عمر بن أبي ربيعة‪ ،‬فساءها أمره وقالت للعجوز التي كانت ترسلها إليه‪ :‬قولي له نشدتك الله والرحم أن‬
‫تصحبني‪ ،‬ويحك ما شأنك وما الذي تريد? انصرف ول تفضحني وتشيط بدمك‪ .‬فسارت العجوز فأدت إليه ما قالت لها فاطمة‪.‬‬
‫فقال‪ :‬لست بمنصرف أو توجه إلي بقميصها الذي يلي جلدها‪ ،‬فأخبرتها ففعلت وجهت إليه بقميص من ثيابها‪ ،‬فزاده ذلك شغفا‪.‬‬
‫‪:‬ولم يزل يتبعهم ل يخالطهم‪ ،‬حتى إذا صاروا على أميال من دمشق انصرف وقال في ذلك‬
‫ويئست بعد تقارب المـر‬ ‫ضاق الغداة بحاجتي صدري‬
‫عرضا فيا لحوادث الدهـر وفي هذه القصيدة مما يغنى فيه قوله‪ :‬صوت‬ ‫وذكرت فاطمة التي علقتها‬

‫جم العظام لطيفة الخصر‬ ‫ممكورة ردع العبير بهـا‬


‫تجري عليه سلفة الخمر الغناء لبراهيم بن المهدي ثاني ثقيل من جامعه‪ .‬وفيه لمتيم‬ ‫وكأن فاها عند رقدتـهـا‬
‫‪:‬رمل من جامعها أيضا‪ .‬وتمام البيات وليست فيه صنعة‬
‫يوم الرحيل بساحة القصـر‬ ‫فسبت فؤادي إذ عرضت لها‬

‫صفحة ‪53 :‬‬

‫حسن الترائب وضح النحـر‬ ‫بمزين ودع الـعـبـير بـه‬


‫يرعى الرياض ببلدة قـفـر‬ ‫وبـجـيد آدم شـادن خـرق‬
‫خفق الفؤاد وكنت ذا صبـر‬ ‫لما رأيت مطـيهـا حـزقـا‬
‫وانهل دمعهما على الصـدر‬ ‫وتبادرت عينـاي بـعـدهـم‬
‫طرا وأهل الود والصـهـر‬ ‫ولقد عصيت ذوي القرابة فيكم‬
‫أجننت أم بك داخل السحـر خوفه من التصريح باسمها أخبرنا محمد بن خلف بن‬ ‫حتى لقد قالوا ومـا كـذبـوا‬
‫المرزبان قال حدثني إسحاق عن محمد بن أبان قال حدثني الوليد بن هشام القحذمي عن أبي معاذ القرشي قال‪ :‬لما قدمت‬
‫فاطمة بنت عبد الملك بن مروان مكة جعل عمر بن أبي ربيعة يدورحولها ويقول فيها الشعر ول يذكر باسمها فرقا من عبد‬
‫الملك بن مروان ومن الحجاج‪ ،‬لنه كان كتب إليه يتوعده إن ذكرها أو عرض باسمها‪ .‬فلما قضت حجها وارتحلت أنشأ يقول‪:‬‬
‫صوت‬

‫ليتني مت قبل يوم الـرحـيل‬ ‫كدت يوم الرحيل أقضي حياتي‬


‫ف ودمعي يسيل كل مسـيل‬ ‫ل أطيق الكلم من شدة الخـو‬
‫وكلنا يلقى بـلـب أصـيل‬ ‫ذرفت عينها وفاضت دموعي‬
‫أو حديثا يشفي من التـنـويل‬ ‫لو خلت خلتي أصبـت نـوال‬
‫مثل أثناء حـية مـقـتـول‬ ‫ولظل الخلخال فوق الحشـايا‬
‫كثرة الناس جدت بالتقـبـيل غنى فيه ابن محرز ولحنه ثقيل أول من أصوات قليلة‬ ‫فلقد قالت الـحـبـيبة لـول‬
‫الشباه عن إسحاق وفيه لعبادل خفيف ثقيل بالبنصر عن عمرو‪ ،‬ويقال إنه للهذلي‪ .‬وفيه لعبيد الله بن أبي غسان ثاني ثقيل عن‬
‫‪.‬الهشامي‬
‫أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال أخبرني أبو علي الحسن بن الصباح عن محمد بن حبيب أنه أخبره‪ :‬أن عمر بن أبي‬
‫ربيعة قال في فاطمة بنت عبد الملك بن مروان‪ :‬صوت‬

‫وحمول الحي إذ صـدروا‬ ‫يا خليلي شفنـي الـذكـر‬


‫وأديرت حولها الحـجـر‬ ‫ضربوا حمر القباب لـهـا‬
‫زمرا تحتـثـهـا زمـر‬ ‫سلكا شعب النقـاب بـهـا‬
‫ومعي عضب بـه أثـر‬ ‫وطرقت الحي مكتـتـمـا‬
‫بنواحي أمرهـم خـبـر‬ ‫وأخ لم أخـش نـبـوتـه‬
‫في حجال الخز مختـدر‬ ‫فإذا ريم عـلـى فــرش‬
‫نوم من طول ما سهـروا‬ ‫حوله الحراس تـرقـبـه‬
‫ذاك إل أنهـم سـمـروا‬ ‫شبه القتلى وما قـتـلـوا‬
‫حرة من شأنها الخـفـر‬ ‫فدعت بالويل‪ ،‬ثـم دعـت‬
‫ويح نفسي قد أتى عمـر‬ ‫ثم قالت للتـي مـعـهـا‬
‫ويرى العداء قد حضروا‬ ‫ماله قد جـاء يطـرقـنـا‬
‫ولحيني ساقـه الـقـدر‬ ‫لشقائي كـان عـلـقـنـا‬
‫ولمن ناواكم الـحـجـر هذا البيت الخير مما فيه غناء مع‬ ‫‪:‬قلت عرضي دون عرضكم‬
‫‪:‬وطرقت الحي مكتتما للغريض وفي‬
‫‪:‬يا خليلي شفني الذكر وفي‬
‫‪:‬قلت عرضي دون عرضكم وفي‬
‫‪:‬ثم قالت للتي معها وفي‬
‫‪:‬ماله قد جاء يطرقنا ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو وفي‬
‫ضربوا حمر القباب لها وما بعده أربعة متوالية رمل بالوسطى للهذلي وفي‪ :‬وطرقت وبعده‪ :‬فإذا ريم وبعده‪ :‬حوله‬
‫الحراس والبيتين اللذين بعده لبن سريج خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو‪ .‬وفيها بعينها ثقيل أول يقال إنه للبجر‪ ،‬وينسب إلى‬
‫‪.‬غيره عن الهشامي‬
‫عمر وعائشة بنت طلحة‬
‫وما قاله فيها من الشعر‬
‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير بن بكار قال أخبرني عبد الملك بن عبد العزيز عن رجل من قريش قال‪ :‬بينا‬
‫عمر بن أبي ربيعة يطوف بالبيت‪ ،‬إذ رأى عائشة بنت طلحة بن عبيد الله‪ ،‬وكانت من أجمل أهل دهرها‪ ،‬وهي تريد الركن‬
‫تستلمه‪ ،‬فبهت لما رآها ورأته‪ ،‬وعلمت أنها قد وقعت في نفسه‪ ،‬فبعثت إليه بجارية لها وقالت‪ :‬قولي له اتق الله ول تقل هجرا‪،‬‬
‫فإن هذا مقام لبد فيه مما رأيت‪ .‬فقال للجارية‪ :‬أقرئيها السلم وقولي لها‪ :‬ابن عمك ل يقول إل خيرا‪ .‬وقال فيها‪ :‬صوت‬

‫صفحة ‪54 :‬‬

‫حمى فـي الـقـلـب مـا يرعـى حـمـاهـا‬ ‫لعـائشة ابـنة الـتــيمـــي عـــنـــدي‬
‫يرود بـروضة ســـهـــل ربـــاهـــا‬ ‫يذكـرنـي ابـنة الـتـيمـــي ظـــبـــي‬
‫فقلت له وكاد يراع قلبي فلم أر قط كاليوم اشتباها‬
‫وأن شـواك لـم يشــبـــه شـــواهـــا‬ ‫سوى حمش بساقك مستبين‬
‫بعـــارية ول عـــطـــل يداهـــــا‬ ‫وأنـك عـاطـــل عـــار ولـــيســـت‬
‫علـى الـمـتـنـين أسـحـم قـد كـسـاهــا‬ ‫وأنـك غـير أفـرغ وهـــي تـــدلـــي‬
‫سوى مـا قـد كـلـفـت بـه كـفــاهـــا‬ ‫ولـو قـعـدت ولـم تـكـــلـــف بـــود‬
‫أكـلـم حـية غـلــبـــت رقـــاهـــا‬ ‫أظـل إذا أكـلــمـــهـــا كـــأنـــي‬
‫وقـد أمـسـيت ل أخـشـى ســـراهـــا الغناء في البيتين الولين من هذه‬ ‫تبـيت إلـي بـعـد الـنــوم تـــســـري‬
‫البيات لبي فارة ثقيل أول‪ .‬وفيهما لعبد الله بن العباس الربيعي خفيف ثقيل جميعا عن الهشامي‪ .‬وذكر إسحاق أن هذا الصوت‬
‫مما ينسب إلى معبد‪ ،‬وهو يشبه غناءه إل أنه لم يروه عن ثبت ولم يذكر طريقته‪ .‬قال‪ :‬وقال فيها أشعارا كثيرة‪ ،‬فبلغ ذلك فتيان‬
‫بني تيم‪ ،‬أبلغهم إياه فتى منهم وقال لهم‪ :‬يا بني تيم بن مرة‪ ،‬هالله ليقذفن بنو مخزوم بناتنا بالعظائم وتغفلون فمشى ولد أبي‬
‫بكر وولد طلحة بن عبيد الله إلى عمر بن أبي ربيعة فأعلموه بذلك وأخبروه بما بلغهم‪ .‬فقال لهم‪ :‬والله ل أذكرها في شعر أبدا‪.‬‬
‫ثم قال بعد ذلك فيها ‪ -‬وكنى عن اسمها ‪ -‬قصيدته التي أولها‪ :‬صوت‬

‫قل الثواء لئن كان الرحيل غـدا‬ ‫يا أم طلحة إن البـين قـد أفـدا‬
‫من ذا تطوف بالركان أو سجدا ‪ -‬الغناء لمعبد ثقيل أول بالبنصر عن عمرو‬ ‫أمسى العراقي ل يدري إذا برزت‬
‫ويونس ‪ -‬قال ولم يزل عمر ينسب بعائشة أيام الحج ويطوف حولها ويتعرض لها وهي تكره أن يرى وجهها‪ ،‬حتى وافقها وهي‬
‫ترمي الجمار سافرة‪ ،‬فنظر إليها فقالت‪ :‬أما والله لقد كنت لهذا منك كارهة يا فاسق فقال‪ :‬صوت‬

‫عجب وهل في الحب من متعجب‬ ‫إني وأول ما كلفـت بـذكـرهـا‬


‫شبها لهـا أبـدا ول بـمـقـرب‬ ‫نعت النساء فقلت لست بمبـصـر‬
‫للحج‪ ،‬موعدها لقـاء الخـشـب‬ ‫فمكثن حينا ثم قلـن تـوجـهـت‬
‫والقلب بين مصـدق ومـكـذب‬ ‫أقبلت أنظر ما زعمن وقلـن لـي‬
‫ترمي الجمار عشية في موكـب‬ ‫فلقيتها تمشي تهـادى مـوهـنـا‬
‫حوراء في غلواء عيش معجـب‬ ‫غراء يعشي الناظرين بياضـهـا‬
‫جلبت لحينك ليتها لـم تـجـلـب الغناء لمعبد في الول والثاني والرابع والسابع‬ ‫إن التي من أرضها وسـمـائهـا‬
‫‪.‬ثقيل أول بالوسطى عن عمرو‪ .‬وفيها للغريض خفيف ثقيل عن الهشامي‪ ،‬يبدأ فيه بالثالث‬
‫أخبرني علي بن صالح قال حدثنا أبو هفان عن إسحاق قال أخبرني مصعب الزبيري‪ :‬أن عمر بن أبي ربيعة لقي عائشة بنت‬
‫طلحة بمكة وهي تسير على بغلة لها‪ ،‬فقال لها‪ :‬قفي حتى أسمعك ما قلت فيك‪ .‬قالت‪ :‬أو قد قلت يا فاسق? قال‪ :‬نعم فوقفت‬
‫فأنشدها‪ :‬صوت‬

‫أن تنشري ميتا ل ترهقي حرجا ويروى‪ :‬هل لكم في عاشق دنف‬ ‫يا ربة البغلة الشهباء هل لك في‬
‫فما نرى لك فيما عندنا فرجـا‬ ‫قالت بدائك مت أو عش تعالجـه‬
‫فإن تقدنا فقد عنيتنا حـجـجـا‬ ‫قد كنت حملتنا غيظا نعالـجـه‬
‫أكلت لحمك من غيظ وما نضجا الغناء لبن سريح ثقيل أول مطلق في‬ ‫حتى لو اسطيع مما قد فعلت بنا‬
‫مجرى البنصر عن إسحاق‪ .‬وفيه لبن سريج ثلثة ألحان ذكرها إسحاق ولم يجنس منها إل واحدا‪ ،‬وذكر الهشامي أن أحدها‬
‫خفيف رمل بالوسطى‪ ،‬وذكر عمرو أن الثالث هزج بالوسطى ‪ .‬ولسحاق فيها هزج من مجموع صنعته فقالت‪ :‬ل ورب هذه‬
‫‪:‬البنية ما عنيتنا طرفة عين قط‪ .‬ثم قالت لبغلتها‪ :‬عدس‪ ،‬وسارت‪ .‬وتمام هذه البيات‬
‫ما مح حبك من قلبي ول نهجـا‬ ‫فقلت ل والذي حج الحجـيج لـه‬
‫مذ بان منزلكم منا ول ثـلـجـا‬ ‫ول أرى القلب من شيء يسر به‬
‫في غير ذنب أبا الخطاب مختلجا قال‪ :‬فلم تزل عائشة تداريه وترفق به خوفا‬ ‫ضنت بنائلها عنه فقـد تـركـت‬
‫‪:‬من أن يتعرض لها حتى قضت حجها وانصرفت إلى المدينة‪ .‬فقال في ذلك‬

‫صفحة ‪55 :‬‬

‫للهوى والقلب متباع الوطن‬ ‫إن من تهوى مع الفجر ظعن‬


‫ذكرت للقلب عاودت الددن صوت‬ ‫بانت الشمس وكانت كلـمـا‬

‫فأتمر أمر رشيد مؤتمـن‬ ‫يا أبا الحارث قلبي طـائر‬


‫تركت قلبي لديها مرتهـن‬ ‫نظرت عيني إليها نظـرة‬
‫غير أن أقتل نفسي أو أجن فيها ثاني ثقيل بالوسطى نسبه عمرو بن بانة إلى ابن‬ ‫ليس حب فوق ما أحببتهـا‬
‫‪.‬سريج‪ ،‬ونسبه ابن المكي إلى الغريض‪ .‬وفيها رمل لهل مكة‬
‫ومما يغني فيه من أشعاره في عائشة بنت طلحة قوله في قصيدته التي أولها‪ :‬صوت‬

‫مستكينا قد شـفـه مـا أجـنـا‬ ‫من لقلب أمسى رهينا مـعـنـى‬


‫نازح الدار بـالـمـدينة عـنـا‬ ‫إثر شخص نفسي فدت ذاك شخصا‬
‫وكثير منها القلـيل الـمـهـنـا الغناء لبراهيم خفيف ثقيل بالسبابة في مجرى‬ ‫ليت حظي كطرفة العين منـهـا‬
‫‪.‬البنصر عن إسحاق‬
‫عمر وكلثم بنت سعد المخزومية‬
‫أخبرني الحسن بن علي الخفاف ومحمد بن خلف قال حدثنا محمد بن زكريا الغلبي قال حدثني محمد بن عبد الرحمن التيمي‬
‫عن هشام بن سليمان بن عكرمة بن خالد المخزومي قال‪ :‬كان عمر بن أبي ربيعة يهوى كلثم بنت سعد المخزومية‪ ،‬فأرسل‬
‫إليها رسول فضربتها وحلقتها وأحلفتها أل تعاود‪ ،‬ثم أعادها ثانية ففعلت بها مثل ذلك‪ ،‬فتحاماها رسله‪ .‬فابتاع أمة سوداء لطيفة‬
‫رقيقة وأتى بها منزله‪ ،‬فأحسن إليها وكساها وآنسها وعرفها خبره وقال لها‪ :‬إن أوصلت لي رقعة إلى كلثم فقرأتها فأنت حرة‬
‫ولك معيشتك ما بقيت‪ .‬فقالت اكتب لي مكاتبة واكتب حاجتك في آخرها‪ ،‬ففعل ذلك‪ .‬فأخذتها ومضت بها إلى باب كلثم‬
‫فاستأذنت‪ ،‬فخرجت إليها أمة لها فسألتها عن أمرها؛ فقالت‪ :‬مكاتبة لبعض أهل مولتك جئت أستعينها في مكاتبتي‪ ،‬وحادثتها‬
‫وناشدتها حتى ملت قلبها؛ فدخلت إلى كلثم وقالت‪ :‬إن بالباب مكاتبة لم أر قط أجمل منها ول أكمل ول آدب‪ .‬فقالت‪ :‬ائذني‬
‫لها‪ ،‬فدخلت‪ .‬فقالت‪ :‬من كاتبك‪ .‬قالت‪ :‬عمر بن أبي ربيعة الفاسق فاقرئي مكاتبتي‪ .‬فمدت يدها لتأخذها‪ .‬فقالت لها‪ :‬لي عليك‬
‫عهد الله أن تقرئيها؛ فإن كان منك إلي شيء مما أحبه وإل لم يلحقني منك مكروه؛ فعاهدتها وفطنت‪ .‬وأعطتها الكتاب‪ ،‬فإذا‬
‫‪:‬أوله‬
‫قد شفه الوجد إلى كلـثـم‬ ‫من عاشق صب يسر الهوى‬
‫إليك للحين ولـم أعـلـم‬ ‫رأتك عيني فدعاني الهـوى‬
‫في غير ما جرم ول مأثـم‬ ‫قتلتنـا‪ ،‬يا حـبـذا أنـتـم‪،‬‬
‫مبينا في آيه المـحـكـم‬ ‫والله قد أنزل فـي وحـيه‬
‫ولم يقدها نفسـه يظـلـم‬ ‫من يقتل النفس كذا ظالمـا‬
‫ثم اجعليه نعمة تنعـمـي‬ ‫وأنت ثأري فتلفـى دمـي‬
‫أو أنت فيما بيننا فاحكمـي‬ ‫وحكمي عدل يكن بـينـنـا‬
‫من غير ما عار ول محرم‬ ‫وجالسيني مجلسـا واحـدا‬
‫بالله في قتل امرىء مسلم قال‪ :‬فلما قرأت الشعر قالت لها‪ :‬إنه خداع ملق‪،‬‬ ‫وخبريني ما الذي عنـدكـم‬
‫وليس لما شكاه أصل‪ .‬قالت‪ :‬يا مولتي فما عليك من امتحانه? قالت‪ :‬قد أذنت له‪ ،‬وما زال حتى ظفر ببغيته؛ فقولي له‪ :‬إذا‬
‫كان المساء فليجلس في موضع كذا وكذا حتى يأتيه رسولي‪ .‬فانصرفت الجارية فأخبرته؛ فتأهب لها‪ .‬فلما جاءه رسولها مضى‬
‫معه حتى دخل إليها وقد تهيأت أجمل هيئة‪ ،‬وزينت نفسها ومجلسها وجلست له من وراء ستر‪ ،‬فسلم وجلس‪ .‬فتركته حتى‬
‫‪:‬سكن‪ ،‬ثم قالت له‪ :‬أخبرني عنك يا فاسق ألست القائل‬
‫صديان لم تدعي له قلبـا‬ ‫هل استحيت فترحمي صبا‬
‫وأراد أل ترهقي ذنـبـا‬ ‫جشم الزيارة في مودتكـم‬
‫سلما وكنت ترينه حربـا‬ ‫ورجا مصالحة فكان لكـم‬
‫من ل يراك مساميا خطبا‬ ‫يا أيها المعطي مـودتـه‬
‫أحببتـه وهـويتـه ربـا‬ ‫ل تجعلن أحدا عـلـيك إذا‬
‫واطو الزيارة دونه غبـا‬ ‫وصل الحبيب إذا شغفت به‬
‫ليست تزيدك عنده قربـا‬ ‫فلذاك أحسن من مواظـبة‬
‫فيقول هاه وطالما لـبـى‬ ‫ل بل يملك عند دعـوتـه‬

‫صفحة ‪56 :‬‬

‫فقال لها‪ :‬جعلت فداك إن القلب إذا هوي نطق اللسان بما يهوى‪ .‬فمكث عندها شهرا ل يدري أهله أين هو‪ .‬ثم استأذنها في‬
‫الخروج‪ .‬فقالت له‪ :‬بعد أن فضحتني ل والله ل تخرج إل بعد أن تتزوجني‪ .‬ففعل وتزوجها؛ فولدت منه ابنين أحدهما جوان؛‬
‫‪.‬وماتت عنده‬
‫عمر ولبابة بنت عبد الله بن العباس‬
‫امرأة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان‬
‫أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عبد الجبار بن سعيد قال حدثني إبراهيم بن يعقوب بن أبي‬
‫‪.‬عبد الله عن أبيه عن جده‬
‫أن عمر رأى لبابة بنت عبد الله بن العباس امرأة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان تطوف بالبيت‪ ،‬فرأى أحسن خلق الله‪ ،‬فكاد‬
‫عقله يذهب‪ ،‬فسأل عنها فأخبر بنسبها؛ فنسب بها وقال فيها‪ :‬صوت‬

‫واسأل فإن قلله أن تـسـأل‬ ‫ودع لبابة قبل أن تـتـرحـل‬


‫فلعل ما بخلت بـه أن يبـذل‬ ‫البث بعمرك ساعة وتـأنـهـا‬
‫فيما هويت فإننا لن نعـجـل‬ ‫قال ائتمر ما شئت غير مخالف‬
‫ما بات أو ظل المطي معقل‬ ‫لسنا نبالي حين تقضي حـاجة‬
‫ورقبت غفلة كاشح أن يمحل‬ ‫حتى إذا ما الليل جن ظلمـه‬
‫أيم يسيب على كثـيب أهـيل‬ ‫خرجت تأطر في الثياب كأنها‬
‫لتحيتي لما رأتني مـقـبـل‬ ‫رحبت حين رأيتها فتبسـمـت‬
‫غراء تعشي الطرف أن يتأمل‬ ‫وجل القناع سحابة مشهـورة‬
‫يرقى به ما اسطاع أل ينـزل غنى في هذه البيات معبد خفيف ثقيل مطلق في‬ ‫فلبثت أرقيها بما لـو عـاقـل‬
‫مجرى الوسطى عن إسحاق‪ ،‬ابتداؤه نشيد‪ .‬وفيها لبن سريج ثقيل أول بالوسطى في مجراها عن إسحاق أيضا‪ .‬وفيها لبن‬
‫سريج في الول والرابع من البيات رمل عن ابن المكي‪ ،‬ولبي دلف القاسم بن عيسى في هذين البيتين خفيف ثقيل بالسبابة‬
‫‪.‬والبنصر‪ ،‬وابتداؤه نشيد من رواية ابن المكي‪ .‬وفيه لمحمد بن الحسن بن مصعب هزج‬
‫أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال‪ :‬لما حج الغمر بن يزيد بن عبد الملك دخل إليه‬
‫‪:‬معبد فغناه‬
‫ودع لبابة قبل أن تترحل فلم يزل يردده عليه‪ ،‬ثم أخرجه معه لما رحل عن المدينة‪ ،‬فغناه في المنزل به حتى أراد الرحيل‪،‬‬
‫فحمله على بغلة له وذهب غلم له يتبعه؛ فقال‪ :‬إلى أين? فقال‪ :‬أمضي معه حتى أجيء بالبغلة‪ .‬فقال‪ :‬هيهات ارجع يا بني‪،‬‬
‫‪.‬ذهبت والله لبابة ببغلة مولك‪ .‬وقد روي هذا الخبر لغير الغمر بن يزيد‬
‫عمر والثريا‬
‫بنت عبد الله بن الحارث بن أمية الصغر‬
‫‪:‬وهذه البيات التي فيها الغناء المختار هو‬
‫تشكى الكميت الجري لما جهدته يقولها عمر بن أبي ربيعة في الثريا بنت علي بن عبد الله بن الحارث بن أمية الصغر بن عبد‬
‫شمس بن عبد مناف‪ ،‬وهم الذين يقال لهم العبلت؛ سموا بذلك لجدة لهم يقال لها عبلة بنت عبيد بن خالد بن خازل بن قيس‬
‫‪.‬بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم‪ ،‬وهي من بطن من تميم يقال لهم البراجم‪ ،‬غير براجم بني أسد‬
‫نسب الثريا بنت علي ابن عبد الله بن الحارث‬
‫أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال‪ :‬كانت عبلة بنت عبيد بن خالد بن خازل بن قيس بن‬
‫حنظلة‪ ،‬عند رجل من بني جشم بن معاوية‪ ،‬فبعثها بأنحاء سمن تبيعها له بعكاظ‪ ،‬فباعت السمن وراحلتين كان عليهما‪ ،‬وشربت‬
‫‪:‬بثمنها الخمر‪ .‬فلما نفذ ثمنها رهنت ابن أخيه وهربت‪ ،‬فطلقها‪ .‬وقالت في شربها الخمر‬
‫فيا ويلتي‪ ،‬محجن قاتلي‬ ‫شربت براحلتي محجن‬
‫ولم أحتفل عذل العاذل قال‪ :‬فتزوجها عبد شمس بن عبد مناف؛ فولدت له أمية‬ ‫وبابن أخيه علـى لـذة‬
‫‪.‬الصغر وعبد أمية ونوفل‪ ،‬وهم العبلت‬
‫وقد ذكر الزبير بن بكار عن عمه‪ :‬أن الثريا بنت عبد الله بن محمد بن عبد الله بن الحارث بن أمية الصغر‪ ،‬وأنها أخت محمد‬
‫‪:‬بن عبد الله المعروف بأبي جراب العبلي الذي قتله داود بن علي؛ وهو الذي يقول فيه ابن زياد المكي‬
‫فقم فيهن يابن أبي جراب‬ ‫ثلث حوائج ولهن جئنـا‬
‫بقية معشر تحت التراب قال‪ :‬وله يقول ابن زياد المكي أيضا‬ ‫‪:‬فإنك ماجد في بيت مجـد‬

‫صفحة ‪57 :‬‬

‫ولم يبق في الدنيا رجاء لسائل قال الزبير‪ :‬وهذا أشبه من أن تكون بنت عبد‬ ‫إذا مت لم توصل بعرف قرابة‬
‫الله بن الحارث‪ ،‬وعبد الله إنما أدرك سلطان معاوية وهو شيخ كبير‪ ،‬وورث بقعدده في النسب دار عبد شمس بن عبد مناف‪،‬‬
‫وحج معاوية في خلفته‪ ،‬فجعل ينظر إلى الدار‪ ،‬فخرج إليه عبد الله بن الحارث بمحجن ليضربه به وقال‪ :‬ل أشبع الله بطنك أما‬
‫‪.‬تكفيك الخلفة حتى تطلب هذه الدار فخرج معاوية يضحك‬
‫قال مؤلف هذا الكتاب‪ :‬وهذا غلط من الزبير عندي‪ ،‬والثريا أن تكون بنت عبد الله بن الحارث أشبه من أن تكون أخت الذي‬
‫قتله داود بن علي؛ لنها ربت الغريض المغني وعلمته النوح بالمراثي على من قتله يزيد بن معاوية من أهلها يوم الحرة‪ .‬وإذا‬
‫كانت قد ربت الغريض حتى كبر وتعلم النوح على قتلى الحرة وهو رجل ‪ -‬وهي وقعة كانت بعقب موت معاوية ‪ -‬فقد كانت‬
‫في حياة معاوية امرأة كبيرة‪ ،‬وبين ذلك وبين من قتله داود بن علي من بني أمية نحو ثمانين سنة‪ ،‬وقد شبب بها عمر بن أبي‬
‫ربيعة في حياة معاوية‪ ،‬وأنشد عبد الله بن عباس شعره فيها‪ ،‬فكيف تكون أخت الذي قتله داود بن علي وقد أدركت عبد الله‬
‫بن عباس وهي امرأة كبيرة وقد اعترف الزبير أيضا في خبره بأن عبد الله بن الحارث أدرك خلفة معاوية وهو شيخ كبير؛ فقول‬
‫من قال‪ :‬إنها بنته‪ ،‬أصوب من قول من قرنها بمن قتله داود بن علي‪ .‬وهذا القول الذي قلته قول ابن الكلبي وأبي اليقظان‪،‬‬
‫أخبرني به الحسن بن علي عن أحمد بن الحارث عن المدائني عن أبي اليقظان‪ ،‬قال وحدثني به جماعة من أهل العلم بنسب‬
‫‪.‬قريش‬
‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني مسلمة بن إبراهيم بن هشام المخزومي عن أيوب بن‬
‫مسلمة‪ ،‬أنه أخبره أن عمر بن أبي ربيعة كان مسهبا بالثريا بنت علي بن عبد الله بن الحارث بن أمية الصغر‪ ،‬وكانت عرضة‬
‫ذلك جمال وتماما‪ ،‬وكانت تصيف بالطائف‪ ،‬وكان عمر يغدو عليها كل غداة إذا كانت بالطائف على فرسه‪ ،‬فيسأل الركبان الذين‬
‫يحملون الفاكهة من الطائف عن الخبار قبلهم‪ .‬فلقي يوما بعضهم فسأله عن أخبارهم؛ فقال‪ :‬ما استطرفنا خبرا؛ إل أنني‬
‫سمعت عند رحيلنا صوتا وصياحا عاليا على امرأة من قريش اسمها اسم نجم في السماء وقد سقط عني اسمه‪ .‬فقال عمر‪:‬‬
‫الثريا? قال نعم‪ .‬وقد كان بلغ عمر قبل ذلك أنها عليلة‪ ،‬فوجه فرسه على وجهه إلى الطائف يركضه ملء فروجه وسلك طريق‬
‫كداء ‪ -‬وهي أخشن الطرق وأقربها ‪ -‬حتى انتهى إلى الثريا وقد توقعته وهي تتشوف له وتشرف‪ ،‬فوجدها سليمة عميمة ومعها‬
‫‪:‬أختاها رضيا وأم عثمان‪ ،‬فأخبرها الخبر؛ فضحكت وقالت‪ :‬أنا والله أمرتهم لختبر ما لي عندك‪ .‬فقال عمر في ذلك هذا الشعر‬
‫وبين لو يسطيع أن يتـكـلـمـا‬ ‫تشكى الكميت الجري لما جهدته‬
‫فهان علي أن تكل وتـسـأمـا‬ ‫فقلت له إن ألق للـعـين قـرة‬
‫وأوصي به أل يهان ويكـرمـا‬ ‫لذلك أدني دون خيلي ربـاطـه‬
‫لئن لم أقل قرنا إن الله سلـمـا قال مسلمة بن إبراهيم‪ :‬قلت ليوب بن‬ ‫عدمت إذا وفري وفارقت مهجتي‬
‫‪:‬مسلمة‪ :‬أكانت الثريا كما يصف عمر بن أبي ربيعة? فقال‪ :‬وفوق الصفة‪ ،‬كانت والله كما قال عبد الله بن قيس‬
‫خيف من أجلها وملقى الرحال‬ ‫حبذا الحج والثريا ومـن بـال‬
‫تلق عيش الخلود قبل الهـلل‬ ‫يا سليمان إن تـلق الـثـريا‬
‫لم تشنها مـثـاقـب الـلل‬ ‫درة عقائل الـبـحـر بـكـر‬
‫ز على حقو بادن مكـسـال عمر ورملة بنت عبد الله الخزاعية‬ ‫تعقد المئزر السخام مـن الـخ‬
‫قال إسحاق في خبره عمن أسند إليه أخبار عمر بن أبي ربيعة‪ ،‬وذكر مثله الزبير بن بكار فيما حدثنا عنه الحرمي بن أبي العلء‬
‫قال حدثني مؤمن بن عمر بن أفلح مولى فاطمة بنت الوليد بن عبد شمس بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم قال‬
‫‪:‬حدثني بلل مولى ابن أبي عتيق‬

‫صفحة ‪58 :‬‬

‫أن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة قدم للحج‪ ،‬فأتاه ابن أبي عتيق فسلم عليه وأنا معه‪ .‬فلما قضى سلمه‬
‫ومساءلته عن حجه وسفره‪ ،‬قال له‪ :‬كيف تركت أبا الخطاب عمر بن أبي ربيعة? قال‪ :‬تركته في بلهنية من العيش‪ .‬قال‪ :‬وأنى‬
‫ذلك? قال‪ :‬حجت رملة بنت عبد الله بن خلف الخزاعية فقال فيها‪ :‬صوت‬
‫مقصدا يوم فارق الظاعنينـا‬ ‫أصبح القلب في الحبال رهينا‬
‫أمبد سؤالك العـالـمـينـا‬ ‫قلت من أنتم فصدت وقالـت‬
‫قبله قاطنين مـكة حـينـا‬ ‫نحن من ساكني العراق وكنا‬
‫ت عسى أن يجر شأن شؤونا‬ ‫قد صدقناك إذ سألت فمن أن‬
‫ت بظن وما قتلنـا يقـينـا‬ ‫ونرى أننا عرفناك بـالـنـع‬
‫قد نراه لناظر مستـبـينـا ‪ -‬غنى معبد في البيتين الولين خفيف ثقيل أول بالوسطى‬ ‫بسواد الثـنـيتـين ونـعـت‬
‫في مجراها عن إسحاق‪ .‬وغنى في الثاني وما بعده ابن سريج خفيف ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر عنه أيضا‪ .‬وذكر‬
‫حبش أن فيه للغريض أيضا لحنا من الثقيل الول بالبنصر ‪ -‬قال‪ :‬فبلغ ذلك الثريا‪ ،‬بلغتها إياه أم نوفل‪ ،‬وكانت غضبى عليه‪ ،‬وقد‬
‫‪:‬كان انتشر خبره عن الثريا حتى بلغها من جهة أم نوفل وأنشدتها قوله‬
‫مقصدا يوم فارق الظاعنينـا فقالت‪ :‬إنه لوقاح صنع بلسانه‪ ،‬ولئن سلمت له‬ ‫أصبح القلب في الحبال رهينا‬
‫‪:‬لردن من شأوه‪ ،‬ولثنين من عنانه‪ ،‬ولعرفنه نفسه‪ .‬فلما بلغت إلى قوله‬
‫أمبد سؤالك العالـمـينـا فقالت‪ :‬إنه لسأل ملح‪ ،‬قبحا له ولقد أجابته إن وفت‪.‬‬ ‫قلت من أنتم فصدت وقالت‬
‫‪:‬فلما بلغت إلى قوله‬
‫قبله قاطنين مـكة حـينـا قالت‪ :‬غمزته الجهمة‪ .‬فلما بلغت إلى قوله‬ ‫‪:‬نحن من ساكني العراق وكنا‬
‫ت عسى أن يجر شأن شؤونا قالت‪ :‬رمته الورهاء بآخر ما عندها في مقام‬ ‫قد صدقناك إذ سألت فمن أن‬
‫‪.‬واحد‪ .‬وهجرت عمر‬
‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي مصعب‪ :‬أن رملة بنت عبد الله بن خلف حجت‪،‬‬
‫‪:‬فتعرض لها عمر بن أبي ربيعة فقال فيها‬
‫مقصدا يوم فارق الظاعنينـا وقال في هذه القصيدة‬ ‫‪:‬أصبح القلب في الحبال رهينا‬
‫خبريه‪ ،‬من أجل من تكتمينا‬ ‫?فرأت حرصي الفتاة فقالـت‬
‫قبله قاطنين مـكة حـينـا‬ ‫نحن من ساكني العراق وكنا‬
‫ت عسى أن يجر شأن شؤونا قال الزبير‪ :‬ورملة هذه أم طلحة بن عمر بن‬ ‫قد صدقناك إذ سالت فمن أن‬
‫‪.‬عبيد الله بن معمر التيمي‪ ،‬وهي أخت طلحة الطلحات بن عبد الله بن خلف الخزاعي‬
‫قال‪ :‬فبلغت هذه البيات كثيرا‪ ،‬فغضب لذلك وقال‪ :‬وأنا والله ل أتمارى أن سيجر شأن شؤونا‪ .‬ثم ذكر نسوة من قريش‬
‫‪:‬فساقهن في شعره من الحج حتى بلغ بهن إلى ملل‪ ،‬ثم أشفق فجاز‪ ،‬ولم يزد على ذلك‪ ،‬وهو قوله في قصيدته التي أولها‬
‫دارسات المقام مذ أحوال صوت‬ ‫ما عناك الغداة من أطلل‬

‫هل ترى بالغميم من أجمـال‬ ‫قم تأمل فأنت أبصر مـنـي‬


‫وطواف وموقف بالجـبـال‬ ‫قاضيات لبانة مـن مـنـاخ‬
‫هابطات عشية مـن غـزال‬ ‫قلن عسفان ثم رحن سراعـا‬
‫جزن وادي الحجون بالثقال‬ ‫واردات الكديد مجتـرعـات‬
‫كالعدولي لحقات التـوالـي‬ ‫قصدلفت وهن متـسـقـات‬
‫سالكات الخوي مـن أمـلل‬ ‫طالعات الغميس من عـبـود‬
‫حيث أمت بها صدور الرحال‬ ‫فسقى الله منتوى أم عـمـرو‬
‫وجديد الشباب من سربالـي‬ ‫حبذا هن من لبانة قـلـبـي‬
‫عند بيضاء رخصة مكسـال‬ ‫رب يوم أتيتهـن جـمـيعـا‬
‫يكره الجهل والصبا أمثالـي غنى ابن سريج في الثلثة البيات الول خفيف ثقيل‬ ‫غير أني امرؤ تعممت حلمـا‬
‫‪.‬بالوسطى عن عمرو ويونس‪ .‬وذكر الهشامي أن فيها للحجبي رمل بالبنصر‬
‫شعر عمر حين هجرته الثريا‬
‫‪:‬قالوا‪ :‬فلما هجرت الثريا عمر قال في ذلك‬
‫ضقت ذرعا بهجرها والكتاب‬ ‫من رسولي إلى الثريا فإنـي‬

‫صفحة ‪59 :‬‬

‫فبلغ ابن أبي عتيق قوله‪ ،‬فمضى حتى أصلح بينهما‪ .‬وهذه البيات تذكر مع ما فيها من الغناء ومع خبر إصلح ابن أبي عتيق‬
‫‪.‬بينهما بعد انقضاء خبر رملة التي ذكرها عمر في شعره‬
‫قال مصعب بن عبد الله في خبره‪ :‬وكانت رملة جهمة الوجه‪ ،‬عظيمة النف‪ ،‬حسنة الجسم‪ ،‬وتزوجها عمر بن عبيد الله بن‬
‫معمر‪ ،‬وتزوج عائشة بنت طلحة بن عبيد الله وجمع بينهما‪ ،‬فقال يوما لعائشة‪ :‬فعلت في محاربة الخوارج مع أبي فديك كذا‪،‬‬
‫وصنعت كذا‪ ،‬يذكر لها شجاعته وإقدامه‪ .‬فقالت له عائشة‪ :‬أنا أعلم أنك أشجع الناس‪ ،‬وأعرف لك يوما هو أعظم من هذا اليوم‬
‫‪.‬الذي ذكرته‪ .‬قال‪ :‬وما هو? قالت‪ :‬يوم اجتليت رملة وأقدمت على وجهها وأنفها‬
‫‪ :‬قال مصعب وحدثني يعقوب بن إسحاق قال‪ :‬لما بلغ الثريا قول عمر بن أبي ربيعة في رملة‬
‫نور بدر يضيء للناظرينا قالت‪ :‬أف له ما أكذبه أو ترتفع حسناء بصفته لها بعد رملة‬ ‫وجل بردها وقد حسرتـه‬
‫وذكر ابن أبي حسان عن الرياشي عن العباس بن بكار عن ابن دأب‪ :‬أن هذا الشعر قاله عمر في امرأة من بني جمح كان أبوها‬
‫من أهل مكة‪ ،‬فولدت له جارية لم يولد مثلها بالحجاز حسنا‪ .‬فقال أبوها‪ :‬كأني بها وقد كبرت‪ ،‬فشبب بها عمر بن أبي ربيعة‬
‫وفضحها ونوه باسمها كما فعل بنساء قريش‪ ،‬والله ل أقمت بمكة‪ .‬فباع ضيعة له بالطائف ومكة ورحل بابنته إلى البصرة‪ ،‬فأقام‬
‫بها وابتاع هناك ضيعة‪ ،‬ونشأت ابنته من أجمل نساء زمانها‪ .‬ومات أبوها فلم تر أحدا من بني جمح حضر جنازته‪ ،‬ول وجدت لها‬
‫مسعدا ول عليها داخل‪ .‬فقالت لداية لها سوداء‪ :‬من نحن? ومن أي البلد نحن? فخبرتها‪ .‬فقالت‪ :‬ل جرم والله ل أقمت في هذا‬
‫البلد الذي أنا فيه غريبة فباعت الضيعة والدار‪ ،‬وخرجت في أيام الحج‪ .‬وكان عمر يقدم فيعتمر في ذي القعدة ويحل‪ ،‬ويلبس‬
‫تلك الحلل والوشي‪ ،‬ويركب النجائب المخضوبة بالحناء عليها القطوع والديباج‪ ،‬ويسبل لمته‪ ،‬ويلقى العراقيات فيما بينه وبين‬
‫ذات عرق محرمات‪ ،‬ويتلقى المدنيات إلى مر‪ ،‬ويتلقى الشأميات إلى الكديد‪ .‬فخرج يوما للعراقيات فإذا قبة مكشوفة فيها‬
‫‪.‬جارية كأنها القمر‪ ،‬تعادلها جارية سوداء كالسبجة‬
‫فقال للسوداء‪ :‬من أنت? ومن أين أنت يا خالة? فقالت‪ :‬لقد أطال الله تعبك‪ ،‬إن كنت تسأل هذا العالم من هم ومن أين هم‪.‬‬
‫قال‪ :‬فأخبريني عسى أن يكون لذلك شأن‪ .‬قالت‪ :‬نحن من أهل العراق‪ ،‬فأما الصل والمنشأ فمكة‪ ،‬وقد رجعنا إلى الصل‬
‫ورحلنا إلى بلدنا‪ ،‬فضحك‪ .‬فلما نظرت إلى سواد ثنيتيه قالت‪ :‬قد عرفناك‪ .‬قال‪ :‬ومن أنا? قالت‪ :‬عمر بن أبي ربيعة‪ .‬قال‪ :‬وبم‬
‫‪:‬عرفتني? قالت‪ :‬بسواد ثنيتيك وبهيئتك التي ليست إل لقريش‪ ،‬فأنشأ يقول‬
‫أمبد سؤالك العالـمـينـا وذكر البيات‪ :‬فلما يزل عمر بها حتى تزوجها وولدت له‬ ‫‪.‬قلت من أنتم فصدت وقالت‬
‫خبر صلحهما ووساطة ابن أبي عتيق قال‪ :‬فلما صرمت الثريا عمر قال فيها‪ :‬صوت‬

‫ضقت ذرعا بهجرها والكتاب‬ ‫من رسولي إلى الثريا فإنـي‬


‫فسلوها ماذا أحل اغتصابـي‬ ‫سلبتني مجاجة المسك عقلـي‬
‫في أديم الخدين ماء الشبـاب‬ ‫وهي مكنونة تحير مـنـهـا‬
‫بين خمس كواعـب أتـراب‬ ‫أبرزوها مثل المهاة تـهـادى‬
‫عدد القطر والحصى والتراب الغناء لبن عائشة خفيف ثقيل أول بالبنصر عن‬ ‫ثم قالوا تحبها قلـت بـهـرا‬
‫‪.‬عمرو‪ ،‬وذكر حبش أنه لمالك‬
‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني مؤمن بن عمر بن أفلح مولى فاطمة بنت الوليد قال‬
‫‪:‬أخبرني بلل مولى ابن أبي عتيق قال‪ :‬أنشد ابن أبي عتيق قول عمر‬
‫ضقت ذرعا بهجرها والكتاب فقال ابن أبي عتيق‪ :‬إياي أراد وبي نوه ل جرم والله‬ ‫من رسولي إلى الثريا فإنـي‬
‫ل أذوق أكل حتى أشخص فأصلح بينهما‪ ،‬ونهض ونهضت معه‪ ،‬فجاء إلى قوم من بني الديل بن بكر لم تكن تفارقهم نجائب لهم‬
‫فره يكرونها‪ ،‬فاكترى منهم راحلتين وأغلى لهم‪ .‬فقلت له‪ :‬استوضعهم أو دعني أماكسهم‪ ،‬فقد اشتطوا عليك‪ .‬فقال‪ :‬ويحك أما‬
‫علمت أن المكاس ليس من أخلق الكرام ثم ركب إحداهما وركبت الخرى‪ ،‬فسار سيرا شديدا‪ ،‬فقلت‪ :‬أبق على نفسك‪ ،‬فإن‬
‫ما تريد ليس يفوتك‪ .‬فقال‪ :‬ويحك‬
‫أبادر حبل الود أن يتقضبا‬

‫صفحة ‪60 :‬‬

‫وما حلوة الدنيا إن تم الصدع بين عمر والثريا فقدمنا ليل غير محرمين‪ ،‬فدق على عمر بابه‪ ،‬فخرج إليه وسلم عليه ولم ينزل‬
‫عن راحلته‪ ،‬فقال له‪ :‬اركب أصلح بينك وبين الثريا‪ ،‬فأنا رسولك الذي سألت عنه‪ .‬فركب معنا وقدمنا الطائف‪ ،‬وقد كان عمر‬
‫أرضى أم نوفل فكانت تطلب له الحيل لصلحها فل يمكنها‪ .‬فقال ابن أبي عتيق للثريا‪ :‬هذا عمر قد جشمني السفر من المدينة‬
‫إليك‪ ،‬فجئتك به معترفا لك بذنب لم يجنه‪ ،‬معتذرا إليك من إساءته إليك‪ ،‬فدعيني من التعداد والترداد‪ ،‬فإنه من الشعراء الذين‬
‫يقولون ما ل يفعلون‪ ،‬فصالحته أحسن صلح وأتمه وأجمله‪ ،‬وكررنا إلى مكة‪ ،‬فلم ينزلها ابن أبي عتيق حتى رحل‪ .‬وزاد عمر في‬
‫‪:‬أبياته‬
‫مهجتي‪ ،‬ما لقاتلي من متـاب‬ ‫أزهقت أم نوفل إذ دعـتـهـا‬
‫من دعاني? قالت أبو الخطاب‬ ‫حين قالت لها أجيبي فقـالـت‬
‫ى رجال يرجون حسن الثواب قال الزبير‪ :‬وما دعتها أم نوفل إل لبن أبي‬ ‫فاستجابت عند الدعاء كما لـب‬
‫عتيق‪ ،‬ولو دعتها لعمر ما أجابت‪ .‬قال‪ :‬وسألت عمي عن أم نوفل‪ ،‬فقال‪ :‬هي أم ولد عبد الله بن الحارث أبي الثريا‪ .‬وسألته عن‬
‫‪:‬قوله‬
‫رجال يرجون حسن الثواب فقال‪ :‬كررت في التلبية كما يفعل المحرم‪ ،‬فقالت‪ :‬لبيك لبيك ‪...‬‬ ‫‪.‬كـمـا لـــبـــى‬
‫وأخبرني حبيب بن نصر قال حدثنا الزبير بن بكار عن عمه أن بعض المكيين قال‪ :‬كانت الثريا تصب عليها جرة ماء وهي قائمة‬
‫‪.‬فل يصيب ظاهر فخذيها منه شيء من عظم عجيزتها‬
‫وأخبرني حبيب بن نصر قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو غسان محمد بن يحيى بخبر الثريا هذا مع عمر‪ ،‬فذكر نحوا مما‬
‫ذكره الزبير‪ ،‬وقال فيه‪ :‬لما أناخ ابن أبي عتيق بباب الثريا أرسلت إليه‪ :‬ما حاجتك? قال‪ :‬أنا رسول عمر بن أبي ربيعة وأنشدها‬
‫الشعر‪ .‬فقالت‪ :‬ابن أبي ربيعة فارغ ونحن في شغل‪ ،‬وقد تعبت فانزل بنا‪ .‬فقال‪ :‬ما أنا إذا برسول‪ .‬ثم كر راجعا إلى ابن أبي‬
‫‪.‬ربيعة بمكة فأخبره الخبر فأصلح بينهما‬
‫حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني يعقوب بن نعيم قال حدثني إبراهيم بن إسحاق العنزي قال حدثني عبد الله بن‬
‫إبراهيم الجمحي‪ ،‬وأخبرني به الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن أيوب بن عباية‪ ،‬وأخبرني به الحرمي بن أبي العلء قال‬
‫حدثنا الزبير عن مؤمن بن عمر بن أفلح عن عبد العزيز بن عمران‪ ،‬قالوا‪ :‬قدم عمر بن أبي ربيعة المدينة‪ ،‬فنزل على ابن أبي‬
‫‪.‬عتيق ‪ -‬وهو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر ‪ -‬فلما استلقى قال‪ :‬أوه‬

‫ضقت ذرعا بهجرها والكتاب فقال ابن أبي عتيق‪ :‬كل مملوك لي حر إن بلغها‬ ‫من رسولي إلى الثريا فإنـي‬
‫ذاك غيري‪ .‬فخرج‪ ،‬حتى إذا كان بالمصلى مر بنصيب وهو واقف فقال‪ :‬يا أبا محجن‪ .‬قال لبيك قال‪ :‬أتودع إلى سلمى شيئا?‬
‫‪:‬قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬وما ذاك? قال‪ :‬تقول لها يابن الصديق‪ :‬إنك مررت بي فقلت لي‪ :‬أتودع إليها شيئا‪ ،‬فقلت‬
‫وأنت بحسن العزم منك جـدير‬ ‫أتصبر عن سلمى وأنت صبـور‬
‫سنى بارق نحو الحجاز أطـير قال‪ :‬فمر بسلمى وهي في قرية يقال لها‬ ‫وكدت ولم أخلق من الطير إن بدا‬
‫القسرية فأبلغها الرسالة‪ ،‬فزفرت زفرة كادت أن تفرق أضلعها‪ .‬فقال ابن أبي عتيق‪ :‬كل مملوك حر إن لم يكن جوابك أحسن‬
‫من رسالته‪ ،‬ولو سمعك الن لنعق وصار غرابا‪ .‬ثم مضى إلى الثريا فأبلغ الكتاب‪ .‬فقالت له‪ :‬أما وجد رسول أصغر منك انزل‬
‫فأرح‪ .‬فقال‪ :‬لست إذا برسول وسألها أن ترضى عنه‪ ،‬ففعلت‪ .‬وقال الزبير في خبره‪ :‬فقال لها‪ :‬أنا رسول ابن أبي ربيعة إليك‪،‬‬
‫وأنشدها البيات‪ ،‬وقال لها‪ :‬خشيت أن تضيع هذه الرسالة‪ .‬قالت‪ :‬أدى الله عنك أمانتك‪ .‬قال‪ :‬فما جواب ما تجشمته إليك?‬
‫‪:‬قالت‪ :‬تنشده قوله في رملة‬
‫ضوء بدر أضاء للناظرينا فقال‪ :‬أعيذك بالله يابنة أخي أن تغلبيني بالمثل السائر‪.‬‬ ‫وجل بردها وقد حسرتـه‬
‫قالت‪ :‬وما هو? قال‪ :‬حريص ل يرى عمله ‪ .‬قالت‪ :‬فما تشاء? قال‪ :‬تكتبين إليه بالرضا عنه كتابا يصل على يدي‪ ،‬ففعلت‪ .‬فأخذ‬
‫الكتاب ورجع من فوره حتى قدم مكة‪ ،‬فأتى عمر‪ .‬فقال له‪ :‬من أين أقبلت? قال‪ :‬من حيث أرسلتني‪ .‬قال‪ :‬وأنى ذلك? قال‪ :‬من‬
‫‪.‬عند الثريا‪ ،‬أفرخ روعك هذا كتابها بالرضا عنك إليك‬

‫صفحة ‪61 :‬‬

‫تغني ابن عائشة بشعره في مجلس حسن بن حسن بن علي‬


‫أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن أيوب بن عباية قال‪ :‬اجتمع ابن عائشة ويونس ومالك عند حسن بن حسن بن‬
‫علي فقال الحسن لبن عائشة‪ :‬غنني من رسولي إلى الثريا‪ ...‬؛ فسكت عنه فلم يجبه‪ .‬فقال له جليس له‪ :‬أيقول لك غنني فل‬
‫تجيبه فسكت‪ .‬فقال له الحسن‪ :‬مالك? ويحك أبك خبال كان والله ابن أبي عتيق أجود منك بما عنده؛ فإنه لما سمع هذا الشعر‬
‫قال لبن أبي ربيعة‪ :‬أنا رسولك إليها‪ ،‬فمضى نحو الثريا حتى أدى رسالته‪ ،‬وأنت معنا في المجلس تبخل أن تغنيه لنا فقال له‪:‬‬
‫‪:‬لم أذهب حيث ظننت‪ ،‬إنما كنت أتخير لك أي الصوتين أغني‪ :‬أقوله‬
‫ضافني الهم واعترتني الهموم‬ ‫من رسولي إلى الثريا فإنـي‬
‫بهواكم وأنـنـي مـرحـوم أم قوله‬ ‫‪:‬يعلم الله أننـي مـسـتـهـام‬
‫ضقت ذرعا بهجرها والكتاب فقال له الحسن‪ :‬أسأنا بك الظن أبا جعفر غن بهما‬ ‫من رسولي إلى الثريا فإنـي‬
‫جميعا‪ ،‬فغناهما‪ .‬فقال له الحسن‪ :‬لول أنك تغضب إذا قلنا لك‪ :‬أحسنت‪ ،‬لقلت لك‪ :‬أحسنت والله قال‪ :‬ولم يزل يرددهما بقية‬
‫‪.‬يومه‬
‫عمر وابن أبي عتيق وإنشاده شعره في الثريا‬
‫أخبرنا الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير قال حدثني يعقوب بن إسحاق الربعي عن أبيه قال‪ :‬أنشد عمر بن أبي ربيعة ابن‬
‫‪:‬أبي عتيق قوله‬
‫بمسيل التلع يوم التقينا فلما بلغ إلى قوله‬ ‫‪:‬لم تر العين للثريا شبيها‬
‫إن رددناه خائبا واعتدينا قال‪ :‬أحسنت والهدايا وأجادت‪ .‬ثم أنشده ابن أبي عتيق‬ ‫ثم قالت لختها قد ظلمنا‬
‫‪:‬متمثل قول الشاعر‬
‫أرى ما ترين أو بخيل مخلدا فلما بلغ عمر إلى قوله في الشعر‬ ‫‪:‬أريني جوادا مات هزل لعلني‬
‫‪ .‬في خلء من النيس وأمن قال ابن أبي عتيق‪ :‬أمكنت للشارب الغدر من عال بعدها فل انجبر‬
‫‪:‬فلما بلغ إلى قوله‬
‫في قضاء لديننا واقتضينا قال‪ :‬أما والله ما قضيتها ذهبا ول فضة ول اقتضيتها إياه‪،‬‬ ‫فمكثنا كذاك عشرا تباعا‬
‫‪:‬فل عرفكما الله قبيحا فلما بلغ إلى قوله‬
‫علم الله فيه ما قد نـوينـا قال‪ :‬إن ظاهر أمرك ليدل على باطنه‪ ،‬فأرود‬ ‫كان ذا في مسيرنا إذ حججنا‬
‫التفسير‪ ،‬ولئن مت لموتن معك‪ ،‬أف للدنيا بعدك يا أبا الخطاب فقال له عمر‪ :‬بل عليها بعدك العفاء يا أبا محمد قال‪ :‬فلقي‬
‫الحارث بن خالد ابن أبي عتيق فقال‪ :‬قد بلغني ما دار بينك وبين ابن أبي ربيعة‪ ،‬فكيف لم تتحلل مني? فقال له ابن أبي عتيق‪:‬‬
‫يغفر الله لك يا أبا عمرو‪ ،‬إن ابن أبي ربيعة يبرىء القرح‪ ،‬ويضع الهناء مواضع النقب‪ ،‬وأنت جميل الخفض‪ .‬فضحك الحارث بن‬
‫خالد وقال‪ :‬حبك الشيء يعمي ويصم ‪ .‬فقال‪ :‬هيهات أنا بالحسن عالم نظار خبر السواد في ثنيتي عمر وأما خبر السواد في‬
‫ثنيتي عمر فإن الزبير بن بكار ذكره عن عمه مصعب في خبره‪ :‬أن امرأة غارت عليه فاعترضته بمسواك كان في يدها فضربت‬
‫‪.‬به ثنيتيه فاسودتا‬
‫وذكر إسحاق الموصلي عن أبي عبد الله المسيبي وأبي الحسن المدائني‪ :‬أنه أتى الثريا يوما ومعه صديق له كان يصاحبه‬
‫ويتوصل بذكره في الشعر‪ ،‬فلما كشفت الثريا الستر وأرادت الخروج إليه‪ ،‬رأت صاحبه فرجعت‪ .‬فقال لها‪ :‬إنه ليس ممن‬
‫أحتشمه ول أخفي عنه شيئا؛ واستلقى فضحك ‪ -‬وكان النساء إذ ذاك يتختمن في أصابعهن العشر ‪ -‬فخرجت إليه فضربته بظاهر‬
‫كفها‪ ،‬فأصابت الخواتيم ثنيتيه العلييين فنغضتا وكادتا تسقطان‪ ،‬فقدم البصرة فعولجتا له‪ ،‬فثبتتا واسودتا‪ .‬فقال الحزين الكناني‬
‫‪ -:‬يعيره بذلك ‪ -‬وكان عدوه وقد بلغه خبره‬
‫أهكذا كسرا في غير مـا بـاس‬ ‫ما بال سنيك أم ما بال كسرهمـا‬
‫أم نالها وسط شرب صدمة الكاس قال‪ :‬ولقيه الحزين الكناني يوما فأنشده‬ ‫أم نفحة من فتاة كنت تألـفـهـا‬
‫هذين البيتين؛ فقال له عمر‪ :‬اذهب اذهب‪ ،‬ويلك فإنك ل تحسن أن تقول‪ :‬صوت‬

‫وشفت أنفسنا مما تجـد‬ ‫ليت هندا أنجزتنا ما تعد‬


‫إنما العاجز من ل يستبد‬ ‫واستبدت مـرة واحـدة‬

‫صفحة ‪62 :‬‬

‫لبن سريج في هذا الشعر رمل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق‪ ،‬وخفيف رمل أيضا في هذه الصبع وهذا المجرى‬
‫عن ابن المكي‪ .‬ولمالك فيه ثقيل أول عن الهشامي‪ .‬ولمتيم ثاني ثقيل عن ابن المعتز‪ .‬وذكر أحمد بن أبي العلء عن مخارق‬
‫‪ :‬أن خفيف الرمل ليحيى المكي صنعه وحكى فيه لحن هذا الصوت‬
‫اسلمي يا دار من هند خبر الثريا مع الحارث الملقب بالقباع حدثني علي بن صالح قال حدثني أبو هفان عن إسحاق الموصلي‬
‫عن رجاله المذكورين‪ :‬أن الثريا واعدت عمر بن أبي ربيعة أن تزوره‪ ،‬فجاءت في الوقت الذي ذكرته‪ ،‬فصادفت أخاه الحارث قد‬
‫طرقه وأقام عنده‪ ،‬ووجه به في حاجة له ونام مكانه وغطى وجهه بثوبه‪ ،‬فلم يشعر إل بالثريا قد ألقت نفسها عليه تقبله‪ ،‬فانتبه‬
‫وجعل يقول‪ :‬اغربي عني فلست بالفاسق‪ ،‬أخزاكما الله فلما علمت بالقصة انصرفت‪ .‬ورجع عمر فأخبره الحارث بخبرها؛ فاغتم‬
‫‪.‬لما فاته منها‪ ،‬وقال‪ :‬أما والله ل تمسك النار أبدا وقد ألقت نفسها عليك‪ .‬فقال له الحارث‪ :‬عليك وعليها لعنة الله‬
‫وأخبرني بهذه القصة الحرمي بن أبي العلء عن الزبير بن بكار عن يعقوب بن إسحاق الربعي عن الثقة عنه عن ابن جريج عن‬
‫عثمان بن حفص الثقفي‪ :‬أن الحارث بن عبد الله زار أخاه‪ ،‬ثم ذكر نحوا من الذي ذكره إسحاق‪ ،‬وقال فيه‪ :‬فبلغ عمر خبرها‪،‬‬
‫فجاء إلى أخيه الحارث وقال له‪ :‬جعلت فداءك ما لك ولمة الوهاب ابنتك ? أتتك مسلمة عليك فلعنتها وزجرتها وتهددتها‪ ،‬وها‬
‫‪.‬هي تيك باكية‪ .‬فقال‪ :‬وإنها لهي قال‪ :‬ومن تراها تكون? قال‪ :‬فانكسر الحارث عنه وعن لومه‬
‫تزوج الثريا بسهيل في غيبة عمر وما قاله من الشعر في ذلك‬
‫أخبرني علي بن صالح قال حدثني أبو هفان عن إسحاق بن إبراهيم عن جعفر بن سعيد عن أبي سعيد مولى فائد هكذا قال‬
‫إسحاق‪ ،‬وأخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير قال حدثني جعفر بن سعيد عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار‪ .‬ورواه‬
‫أيضا حماد بن إسحاق عن أبيه عن جعفر بن سعيد فقال فيه‪ :‬عن أبي عبيدة العماري‪ ،‬ولم يذكر أبا سعيد مولى فائد‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫تزوج سهيل بن عبد العزيز بن مروان الثريا ‪ -‬وقال الزبير‪ :‬بل تزوجها أبو البيض سهيل بن عبد الرحمن بن عوف ‪ -‬فحملت إليه‬
‫وهو بمصر‪ .‬والصواب قول من قال‪ :‬سهيل بن عبد العزيز؛ لنه كان هناك منزله‪ ،‬ولم يكن لسهيل بن عبد الرحمن هناك موضع‪.‬‬
‫فقال عمر‪ :‬صوت‬

‫عمرك الله كيف يلتقيان‬ ‫أيها المنكح الثريا سهيل‬


‫وسهيل إذا استقل يماني الغناء للغريض خفيف ثقيل بالبنصر‪ .‬وفيه لعبد الله بن‬ ‫هي شامية إذا ما استقلت‬
‫‪:‬العباس ثاني ثقيل بالبنصر‪ .‬وأول هذه القصيدة‬
‫بعد ما نام سامر الركبـان‬ ‫أيها الطارق الذي قد عناني‬
‫يتخطى إلي حتى أتانـي وذكر الرياشي عن ابن زكريا الغلبي عن محمد بن عبد‬ ‫زار من نازح بغير دلـيل‬
‫الرحمن التيمي عن أبيه عن هشام بن سليمان بن عكرمة بن خالد المخزومي قال‪ :‬كان عمر بن أبي ربيعة قد ألح على الثريا‬
‫بالهوى‪ ،‬فشق ذلك على أهلها‪ ،‬ثم إن مسعدة بن عمرو أخرج عمر إلى اليمن في أمر عرض له‪ ،‬وتزوجت الثريا وهو غائب‪،‬‬
‫‪:‬فبلغه تزويجها وخروجها إلى مصر‪ ،‬فقال‬
‫عمرك الله كيف يلتقيان وذكر البيات‪ .‬وقال في خبره‪ :‬ثم حمله الشوق على أن سار‬ ‫أيها المنكح الثريا سهيل‬
‫‪:‬إلى المدينة فكتب إليها‬
‫كتاب موله كـمـد‬ ‫كتبت إليك من بلدي‬
‫ن بالحسرات منفرد‬ ‫كئيب واكف العينـي‬
‫ق بين السحر والكبد‬ ‫يؤرقه لهيب الشـو‬
‫ويمسح عينـه بـيد وكتبه في قوهية وشنفه وحسنه وبعث به إليها‪ .‬فلما قرأته بكت بكاء‬ ‫فيمسك قلـبـه بـيد‬
‫‪:‬شديدا‪ ،‬ثم تمثلت‬
‫ومن هو إن لم يحفظ الله ضائع وكتبت إليه تقول‬ ‫‪:‬بنفسي من ل يستقل بنـفـسـه‬
‫أمد بكافور ومسك وعـنـبـر‬ ‫أتاني كتاب لم ير الناس مثـلـه‬
‫بعقد من الياقوت صاف وجوهر‬ ‫وقرطاسه قـوهـية وربـاطـه‬
‫لقد طال تهيامي بكم وتـذكـري‬ ‫وفي صدره‪ :‬مني إليك تـحـية‬
‫ألى هائم صب من الحزن مسعر‬ ‫وعنوانه من مسـتـهـام فـؤاده‬

‫صفحة ‪63 :‬‬

‫‪.‬قال مؤلف هذا الكتاب‪ :‬وهذا الخبر عندي مصنوع‪ ،‬وشعره مضعف يدل على ذلك‪ ،‬ولكني ذكرته كما وقع إلي‬
‫قال أبو سعيد مولى فائد ومن ذكر خبره مع الثريا‪ :‬فمات عنها سهيل أو طلقها‪ ،‬فخرجت إلى الوليد بن عبد الملك وهو خليفة‬
‫بدمشق في دين عليها‪ ،‬فبينا هي عند أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان‪ ،‬إذ دخل عليها الوليد فقال‪ :‬من هذه? فقالت‪ :‬الثريا‬
‫جاءتني‪ ،‬تطلب إليك في قضاء دين عليها وحوائج لها‪ .‬فأقبل عليها الوليد فقال‪ :‬أتروين من شعر عمر بن أبي ربيعة شيئا? قالت‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬أما إنه يرحمه الله كان عفيفا عفيف الشعر‪ ،‬أروي قوله‪ :‬صوت‬

‫ين رجع السـلم أو أجـابـا‬ ‫ما على الرسم بالبلـيين لـو ب‬


‫ئف أمسى من النيس يبـابـا‬ ‫فإلى قصر ذي العشيرة فالصا‬
‫ظاهري العيش نعمة وشبابـا‬ ‫وبما قد أرى به حـي صـدق‬
‫دهر حتى الممات أنسى الربابا‬ ‫إذ فؤادي يهوى الرباب وأني ال‬
‫حافظات عند الهوى الحسابـا‬ ‫وحسانـا جـواريا خـفـرات‬
‫بعن ينعقن بالبهام الـظـرابـا فقضى حوائجها وانصرفت بما أرادت منه‪ .‬فلما خل‬ ‫ل يكثرن في الحـديث ول يت‬
‫‪.‬الوليد بأم البنين قال لها‪ :‬لله در الثريا أتدرين ما أرادت بإنشادها ما أنشدتني من شعر عمر? قالت‪ :‬ل‬
‫قال‪ :‬إني لما عرضت لها به عرضت لي بأن أمي أعرابية‪ .‬وأم الوليد وسليمان ولدة بنت العباس بن جزي بن الحارث بن زهير‬
‫‪.‬بن جذيمة العبسي‬
‫الغناء في البيات التي أنشدتها الثريا الوليد بن عبد الملك لمالك بن أبي السمح ‪</H6‬نسبةالبيات التي أنشدتها الثريا ‪<H6‬‬
‫خفيف ثقيل بإطلق الوتر في مجرى البنصر‪ .‬وفيها لبن سريج رمل بالخنصر في مجرى البنصر‪ .‬وفيها لبراهيم خفيف ثقيل‬
‫بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق‪ .‬وذكر حبش أيضا أن فيها لبن مسجح خفيف رمل بالوسطى‪ .‬وذكر عمرو بن بانة أن‬
‫‪.‬لبن محرز فيها خفيف ثقيل بالوسطى‬
‫ومما يغنى فيه من أشعار عمر بن أبي ربيعة التي قالها في الثريا من القصيدة التي أولها من رسولي ‪ :‬صوت‬

‫حال دوني ولئد بالثياب‬ ‫وتبدت حتى إذا جن قلبي‬


‫مستهام بربة المحراب الغناء لبن سريج ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو‪ .‬ومنها‪:‬‬ ‫يا خليلي فأعلما أن قلبي‬
‫صوت‬

‫ل تكوني علـي سـوط عـذاب‬ ‫أقتليني قتل سـريعـا مـريحـا‬


‫فهي كالشمس من خلل السحاب الغناء للغريض ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو‪.‬‬ ‫شف عنها مـحـقـق جـنـدي‬
‫ومنها‪ :‬صوت‬

‫أتحب البتول أخت الرباب‬ ‫قال لي صاحبي ليعلم ما بي‬


‫ء إذا منعت برد الشـراب الغناء لمالك رمل مطلق في مجرى الوسطى عن‬ ‫قلت وجدي بها كوجدك بالما‬
‫إسحاق‪ .‬ومنها‪ :‬صوت‬

‫برزت من دجنة وسـحـاب‬ ‫أذكرتني من بهجة الشمس لما‬


‫مهجتي‪ ،‬ما لقاتلي من متـاب‬ ‫أزهقت أم نوفل إذ دعـتـهـا‬
‫من دعاني? قالت أبو الخطاب الغناء للغريض خفيف رمل عن الهشامي وحماد‬ ‫حين قالت لها أجيبي فقـالـت‬
‫‪.‬بن إسحاق‬
‫ومنها‪ :‬صوت‬

‫لت غداة الوداع عند الرحيل‬ ‫مرحبا ثم مرحبا بالتـي قـا‬


‫ومنى النفس خاليا وخليلـي الغناء لبن محرز ثقيل مطلق في مجرى البنصر عن‬ ‫للثريا قولي له أنت هـمـي‬
‫‪.‬إسحاق‪ .‬وفيه لبن سريج خفيف رمل بالوسطى عن عمرو‬
‫ومنها‪ :‬صوت‬
‫فالقلب مما أزمعوا يجف‬ ‫زعموا بأن البين بعد غـد‬
‫كل لوشك البين يعتـرف‬ ‫تشكو ونشكو ما أشت بنـا‬
‫وحلفت ألفا مثل ما حلفوا الغناء للغريض خفيف ثقيل بالوسطى‬ ‫‪.‬حلفوا لقد قطعوا ببينهـم‬
‫ومنها‪ :‬صوت‬

‫ل وعيشي ولو رأيتك متـا‬ ‫فلوت رأسها ضرارا وقالت‬


‫وتناسيت وصلنا ومللـتـا‬ ‫حين آثرت بالمودة غـيري‬
‫طرفا لم تكن كما كنت قلتا‬ ‫قد وجدناك إذ خبرت ملول‬

‫صفحة ‪64 :‬‬

‫الغناء لمالك رمل ثقيل أول بالوسطى عن عمرو‪ .‬وفيه لبن سريج خفيف ثقيل عن الهشامي‪ ،‬وكذا روته دنانير عن فليح‪ ،‬وقد‬
‫نسب قوم لحن مالك إلى الغريض‪ .‬ومنها‪ :‬صوت‬

‫ومحل بالروضتين أحال ‪ -‬ويروى‬ ‫‪:‬يا خليلي سائل الطلل‬


‫بالبليين إن أحـزن سـؤال‬
‫في رسوم الديار ركبا عجال‬ ‫وسفاه لول الصبابة حبسي‬
‫وأجدت فيها النعاج ظـلل الغناء لبن سريج هزج خفيف مطلق في مجرى البنصر‬ ‫بعد ما أقفرت من آل الثـريا‬
‫عن إسحاق‪ .‬وفيه لحكم الوادي ثقيل أول من جامع أغانيه‪ .‬وذكر ابن دينار أن فيه لبن عائشة لحنا لم يذكر طريقته‪ .‬وذكر‬
‫‪.‬إبراهيم أن فيه لدحمان لحنا ولم يجنسه‬
‫‪.‬وقال حبش‪ :‬فيه لسحاق ثقيل أول بالوسطى‬
‫عمر والثريا وقد نقلها زوجها إلى الشأم أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثنا أبو عبد الله التميمي يعني أبا العيناء‬
‫عن القحذمي عن أبي صالح السعدي قال‪ :‬لما تزوج سهيل بن عبد العزيز الثريا ونقلها إلى الشأم‪ ،‬بلغ عمر بن أبي ربيعة الخبر‪،‬‬
‫فأتى المنزل الذي كانت الثريا تنزله‪ ،‬فوجدها قد رحلت منه يومئذ‪ ،‬فخرج في أثرها فلحقها على مرحلتين‪ ،‬وكانت قبل ذلك‬
‫مهاجرته لمر أنكرته عليه‪ .‬فلما أدركهم نزل عن فرسه ودفعه إلى غلمه ومشى متنكرا حتى مر بالخيمة‪ ،‬فعرفته الثريا وأثبتت‬
‫حركته ومشيته‪ ،‬فقالت لحاضنتها‪ :‬كلميه‪ ،‬فسلمت عليه وسألته عن حاله وعاتبته على ما بلغ الثريا عنه‪ ،‬فاعتذر وبكى‪ ،‬فبكت‬
‫الثريا‪ ،‬فقالت‪ :‬ليس هذا وقت العتاب مع وشك الرحيل‪ .‬فحادثها إلى وقت طلوع الفجر ثم ودعها وبكيا طويل‪ ،‬وقام فركب‬
‫‪:‬فرسه ووقف ينظر إليهم وهم يرحلون‪ ،‬ثم أتبعهم بصره حتى غابوا‪ ،‬وأنشأ يقول‬
‫عن حال من حله بالمس ما فعـل‬ ‫يا صاحبي قفا نستخبـر الـطـلـل‬
‫إن الخليط أجد البين فـاحـتـمـل‬ ‫فقال لي الربع لما أن وقـفـت بـه‬
‫في الفجر يحتث حادي عيسهم زجل‬ ‫وخادعتك النوى حـتـى رأيتـهـم‬
‫هواتف البين واستولت بهـم أصـل‬ ‫لما وقفنا نحييهـم وقـد صـرخـت‬
‫بالله لوميه في بعض الذي فـعـل‬ ‫صدت بعادا وقالت للتـي مـعـهـا‬
‫ماذا يقول ول تـعـيي بـه جـدل‬ ‫وحدثيه بما حدثـت واسـتـمـعـي‬
‫فينا لـديه إلـينـا كـلـه نـقـل‬ ‫حتى يرى أن ما قال الـوشـاة لـه‬
‫في بعض معتبة أن تغضبي الرجل‬ ‫وعرفيه به كالهزل واحـتـفـظـي‬
‫وإن أتى الذنب ممن يكره الـعـذل‬ ‫فإن عهدي به والـلـه يحـفـظـه‬
‫ما آب مغتابه من عـنـدنـا جـذل‬ ‫لو عندنا اغتيب أو نيلت نقـيصـتـه‬
‫وليس يخفى على ذي اللب من هزل‬ ‫قلت اسمعي فلقد أبلغت في لطـف‬
‫وقد أرى أنها لن تعـدم الـعـلـل‬ ‫هذا أرادت به بـخـل لعـذرهـا‬
‫ول الفؤاد فؤادا غـير أن عـقـل‬ ‫ما سمي القلب إل مـن تـقـلـبـه‬
‫فما عبأت بـه إذ جـاءنـي حـول‬ ‫أما الحديث الذي قالـت أتـيت بـه‬
‫مقالة الكاشح الواشـي إذا مـحـل‬ ‫ما إن أطعت بها بالغيب قد علمـت‬
‫وقد يرى أنه قـد غـرنـي زلـل وهي قصيدة طويلة مذكورة في شعره‬ ‫‪.‬إني لرجعه فيها بـسـخـطـتـه‬
‫وفاة الثريا أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر ومحمد بن خلف بن المرزبان قالوا حدثنا عمر بن شبة قال‬
‫أخبرنا محمد بن يحيى قال زعم عبيد بن يعلى قال حدثني كثير بن كثير السهمي قال‪ :‬لما ماتت الثريا أتاني الغريض فقال لي‪:‬‬
‫قل أبيات شعر أنح بها على الثريا فقلت‪ :‬صوت‬

‫أمن رمد بكيت فتكحلينـا‬ ‫أل يا عين مالك تدمعينـا‬


‫فشجوك مثله أبكى العيونا غنى الغريض في هذين البيتين لحنا من خفيف الثقيل‬ ‫أم أنت حزينة تبكين شجوا‬
‫‪.‬الول بالوسطى عن عمرو ويحيى المكي والهشامي وغيرهم‬
‫وفاة عمر بن أبي ربيعة‬

‫صفحة ‪65 :‬‬

‫أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عبد الجبار بن سعيد المساحقي قال حدثني إبراهيم بن‬
‫يعقوب بن أبي عبد الله عن أبيه عن جده عن ثعلبة بن عبد الله بن صعير‪ :‬أن عمر بن أبي ربيعة نظر في الطواف إلى امرأة‬
‫‪:‬شريفة‪ ،‬فرأى أحسن خلق الله صورة‪ ،‬فذهب عقله عليها‪ ،‬وكلمها فلم تجبه‪ ،‬فقال فيها‬
‫يا ليتني كنت ممن تسحب الريح‬ ‫الريح تسحب أذيال وتنشـرهـا‬
‫على التي دونها مغبـرة سـوح‬ ‫كيما تجر بنا ذيل فتطـرحـنـا‬
‫هيهات ذلك ما أمست لنـا روح‬ ‫أنى بقربكم أم كيف لـي بـكـم‬
‫بل ليت ضعف الذي ألقى تباريح‬ ‫فليت ضعف الذي ألقى يكون بها‬
‫أرض بقيعانها القيصوم والشيح فبلغها شعره فجزعت منه‪ .‬فقيل لها‪ :‬اذكريه‬ ‫إحدى بنيات عمي دون منزلهـا‬
‫لزوجك‪ ،‬فإنه سينكر عليه قوله‪ .‬فقالت‪ :‬كل والله ل أشكوه إل إلى الله‪ .‬ثم قالت‪ :‬اللهم إن كان نوه باسمي ظالما فاجعله‬
‫طعاما للريح‪ .‬فضرب الدهر من ضربه‪ ،‬ثم إنه غدا يوما على فرس فهبت ريح فنزل فاستتر بسلمة‪ ،‬فعصفت الريح فخدشه‬
‫‪.‬غضن منها فدمي وورم به ومات من ذلك‬

‫أخبار ابن سريج ونسبه‬


‫نسب ابن سريج وشيء من أوصافه‬
‫هو عبيد بن سريج‪ ،‬ويكنى أبا يحيى‪ ،‬مولى بني نوفل بن عبد مناف‪ .‬وذكر ابن الكلبي عن أبيه وأبي مسكين أنه مولى لبني‬
‫‪.‬الحارث بن عبد المطلب‬
‫أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا محمد بن يحيى أبو غسان قال‪ :‬ابن سريج مولى لبني‬
‫‪.‬ليث‪ ،‬ومنزله مكة‬
‫وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال‪ :‬سألت الحسن بن عتبة اللهبي عن ابن سريج فقال‪ :‬هو مولى‬
‫‪:‬لبني عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم‪ .‬وفي بني عائذ يقول الشاعر‬
‫وصلح العائذي إلى فساد قال إسحاق‪ :‬وقال سلمة بن نوفل بن عمارة‪ :‬ابن سريج‬ ‫فإن تصلح فإنك عـائذي‬
‫‪.‬مولى عبد الرحمن بن أبي حسين بن الحارث بن نوفل‪ ،‬أو ابن عامر بن الحارث بن نوفل بن عبد مناف‬
‫أخبرني أحمد بن عبد العزيز عن أبي أيوب المديني قال‪ :‬ذكر إبراهيم بن زياد بن عنبسة بن سعيد بن العاص‪ :‬أن ابن سريج‬
‫كان آدم أحمر ظاهر الدم سناطا في عينيه قبل‪ ،‬بلغ خمسا وثمانين سنة‪ ،‬وصلع فكان يلبس جمة مركبة‪ ،‬وكان أكثر ما يرى‬
‫‪.‬مقنعا‪ ،‬وكان منقطعا إلى عبد الله بن جعفر‬
‫وقال ابن الكلبي عن أبيه قال‪ :‬كان ابن سريج مخنثا أحول أعمش يلقب وجه الباب ‪ ،‬وصلع فكان يلبس جمة‪ ،‬وكان ل يغني‬
‫‪.‬إل مقنعا يسبل القناع على وجهه‬
‫وقال ابن الكلبي عن أبي وأبي مسكين‪ :‬كان ابن سريج أحسن الناس غناء‪ ،‬وكان يغني مرتجل ويوقع بقضيب‪ ،‬وغنى في زمن‬
‫‪.‬عثمان بن عفان رضي الله عنه‪ ،‬ومات في خلفة هشام بن عبد الملك‬
‫‪.‬قال إسحاق‪ :‬وكان الحسن بن عتبة اللهبي يروي مثل ذلك فيه‪ .‬وذكر أن قبره بنخلة قريبا من بستان ابن عامر‬
‫قال إسحاق وحدثني الهيثم بن عدي عن صالح بن حسان قال‪ :‬كان عبيد بن سريج من أهل مكة وكان أحسن الناس غناء‪ .‬قال‬
‫‪.‬إسحاق قال عمارة بن أبي طرفة الهذلي‪ :‬سمعت ابن جريج يقول‪ :‬عبيد بن سريج من أهل مكة مولى آل خالد بن أسيد‬
‫قال إسحاق وحدثني إبراهيم بن زياد عن أيوب بن سلمة المخزومي قال‪ :‬كان في عين ابن سريج قبل حلو ل يبلغ أن يكون‬
‫حول‪ ،‬وغنى في خلفة عثمان رضي الله عنه‪ ،‬ومات بعد قتل الوليد بن يزيد‪ ،‬وكان له صلع في جبهته‪ ،‬وكان يلبس مركبة فيكون‬
‫‪.‬فيها أحسن شيء‪ ،‬وكان يلقب وجه الباب ول يغضب من ذلك‪ ،‬وكان أبوه تركيا‬
‫وقال أبو أيوب المديني‪ :‬كان ابن سريج‪ ،‬فيما روينا عن جماعة من المكيين‪ ،‬مولى بني جندع بن ليث بن بكر‪ ،‬وكان إذا غنى‬
‫‪.‬سدل قناعه على وجهه حتى ل يرى حوله‪ ،‬وكان يوقع بقضيب وقيل‪ :‬إنه كان يضرب بالعود‪ ،‬وكانت علته التي مات منها الجذام‬
‫أنه أول من ضرب بالعود الفارسي‬
‫على الغناء العربي‬
‫قال إسحاق وحدثني أبي قال‪ :‬أخبرني من رأى عود ابن سريج وكان على صنعة عيدان الفرس‪ ،‬وكان ابن سريج أول من ضرب‬
‫به على الغناء العربي بمكة‪ .‬وذلك أنه رآه مع العجم الذين قدم بهم ابن الزبير لبناء الكعبة‪ ،‬فأعجب أهل مكة غناؤهم‪ .‬فقال ابن‬
‫‪.‬سريج‪ :‬أنا أضرب به على غنائي‪ ،‬فضرب به فكان أحذق الناس‬
‫أم ابن سريج‬

‫صفحة ‪66 :‬‬

‫قال إسحاق وذكر الزبيري‪ :‬أن أم ابن سريج مولة لل المطلب يقال لها رائقة ‪ ،‬وقيل‪ :‬بل أمه هند أخت رائقة‪ ،‬فمن ثم‬
‫قيل‪ :‬إنه مولى بني المطلب بن حنطب‪ .‬وكان ابن سريج بعد وفاة عبد الله بن جعفر قد انقطع إلى الحكم بن المطلب بن عبد‬
‫‪.‬الله بن المطلب بن حنطب أحد بني مخزوم‪ ،‬وكان من سادة قريش ووجوهها‪ .‬وأخذ ابن سريج الغناء عن ابن مسجح‬
‫الشخاص المعدودون أصول للغناء العربي‬
‫‪.‬قال إسحاق‪ :‬وأصل الغناء أربعة نفر‪ :‬مكيان ومدنيان‪ ،‬فالمكيان‪ :‬ابن سريج وابن محرز‪ ،‬والمدنيان‪ :‬معبد ومالك‬
‫أول شهرة ابن سريج بالغناء‬
‫قال إسحاق‪ :‬وقال سلمة بن نوفل بن عمارة‪ :‬أخبرني بذلك من شئت من مشيختنا‪ :‬أن يوما شهر فيه ابن سريج بالغناء في‬
‫ختان ابن موله عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين‪ .‬قال لم الغلم‪ :‬خفضي عليك بعض الغرم والكلفة‪ ،‬فوالله للهين‬
‫‪.‬نساءك حتى ل يدرين ما جئت به ول ما عزمت عليه‬
‫شهادة هشام بن المربة في ابن سريج قال إسحاق‪ :‬وسألت هشام بن المرية‪ ،‬وكان قد عمر‪ ،‬وكان عالما بالغناء فل يبارى فيه‪،‬‬
‫فقلت له‪ :‬من أحذق الناس بالغناء? فقال لي‪ :‬أتحب الطالة أم الختصار? فقلت‪ :‬أحب الختصار الذي يأتي على سؤالي‪ .‬قال‪:‬‬
‫ما خلق الله تعالى بعد داود النبي عليه الصلة والسلم أحسن صوتا من ابن سريج‪ ،‬ول صاغ الله عز وجل أحدا أحذق منه‬
‫‪.‬بالغناء‪ ،‬ويدلك على ذلك أن معبدا كان إذا أعجبه غناؤه قال‪ :‬أنا اليوم سريجي‬
‫شهادة يونس بن محمد الكاتب فيه قال وأخبرني إبراهيم ‪ -‬يعني أباه ‪ -‬قال‪ :‬أدركت يونس بن محمد الكاتب فحدثني عن‬
‫الربعة‪ :‬ابن سريج وابن محرز والغريض ومعبد‪ .‬فقلت له‪ :‬من أحسن الناس غناء? فقال‪ :‬أبو يحيى‪ .‬قلت‪ :‬عبيد بن سريج? قال‬
‫نعم‪ .‬قلت‪ :‬وكيف ذاك?‪ .‬قال‪ :‬إن شئت فسرت لك‪ ،‬وإن شئت أجملت‪ .‬قلت‪ :‬أجمل‪ .‬قال‪ :‬كأنه خلق من كل قلب‪ ،‬فهو يغني‬
‫‪.‬لكل إنسان ما يشتهي‬
‫شهادة إبراهيم الموصلي فيه أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال قال حماد بن إسحاق‪ :‬أخبرني أبي عن الفضل بن يحيى بن‬
‫خالد بن برمك قال‪ :‬سألت إبراهيم الموصلي ليلة وقد أخذ منه النبيذ‪ :‬من أحسن الناس غناء? فقال لي‪ :‬من الرجال أم من‬
‫النساء? فقلت‪ :‬من الرجال‪ .‬فقال‪ :‬ابن محرز‪ .‬قلت‪ :‬ومن النساء? قال‪ :‬ابن سريج‪ .‬ثم قال لي‪ :‬إن كان ابن سريج إل كأنه خلق‬
‫من كل قلب فهو يغني له ما يشتهي شهادة إسحاق الموصلي فيه أخبرني جحظة قال حدثني علي بن يحيى المنجم قال‪:‬‬
‫‪:‬أرسلني محمد بن الحسين بن مصعب إلى إسحاق أسأله عن لحنه ولحن ابن سريج في‬
‫تشكى الكميت الجري لما جهدته أيهما أحسن? فصرت إليه فسألته عن ذلك‪ ،‬فقال لي‪ :‬يا أبا الحسن‪ ،‬والله لقد أخذت بخطام‬
‫راحلته فزعزعتها وأنختها وقمت بها فما بلغته‪ .‬فرجعت إلى محمد بن الحسين فأخبرته؛ فقال‪ :‬والله إنه ليعلم أن لحنه أحسن‬
‫من لحن ابن سريج‪ ،‬ولقد تحامل لبن سريج على نفسه‪ ،‬ولكن ل يدع تعصبه للقدماء‪ .‬وقد أخبرنا يحيى بن علي بن يحيى هذا‬
‫الخبر عن أبيه‪ ،‬فذكر نحو ما ذكره جحظة في خبره ولم يقل‪ :‬أرسلني محمد بن الحسين إلى إسحاق‪ .‬وقال جحظة في خبره‪:‬‬
‫قال علي بن يحيى‪ :‬وقد صدق محمد بن الحسين؛ لنه قلما غني في صوت واحد لحنان فسقط خيرهما‪ ،‬والذي في أيدي الناس‬
‫الن من اللحنين لحن إسحاق‪ ،‬وقد ترك لحن ابن سريج‪ ،‬فقل من يسمعه إل من العجائز المتقدمات ومشايخ المغنين‪ .‬هذا أو‬
‫‪.‬نحوه‬
‫لحن إسحاق في تشكى الكميت‬
‫مأخوذ من لحن البجر في يقولون‪ .‬أبكاك البيت‬
‫وأخبرني يحيى بن علي قال حدثنا أبو أيوب المديني عن إبراهيم بن علي بن هشام قال‪ :‬يقولون‪ :‬إن ابتداء غناء إسحاق الذي‬
‫‪:‬في‬
‫‪:‬تشكى الكميت الجري لما جهدته أنما أخذه من صوت البجر‬
‫يقولون ما أبكاك والمال غامر نسبة هذا الصوت صوت‬

‫عليك وضاحي الجلد منك كنين‬ ‫يقولون ما أبكاك والمال غامر‬


‫إلى الطرب النزاع كيف يكون غناه البجر ثقيل أول بالبنصر‪ ،‬عن عمرو‬ ‫فقلت لهم ل تسألوني وانظروا‬
‫‪.‬ودنانير‪ .‬وذكر الهشامي أن فيه لعزة المرزوقية ثاني ثقيل بالوسطى‬
‫مولده ووفاته واشتغاله بالغناء بعد النياحة‬

‫صفحة ‪67 :‬‬

‫أخبرني رضوان بن أحمد الصيدلني قال حدثنا يوسف بن إبراهيم قال حدثني إبراهيم بن المهدي قال حدثني إسماعيل بن‬
‫جامع عن سياط قال‪ :‬كان ابن سريج أول من غنى الغناء المتقن بالحجاز بعد طويس‪ ،‬وكان مولده في خلفة عمر بن الخطاب‪،‬‬
‫وأدرك يزيد بن عبد الملك وناح عليه‪ ،‬ومات في خلفة هشام‪ .‬قال‪ :‬وكان قبل أن يغني نائحا ولم يكن مذكورا‪ ،‬حتى ورد الخبر‬
‫‪:‬مكة بما فعله مسرف بن عقبة بالمدينة‪ ،‬فعل على أبي قبيس وناح بشعر هو اليوم داخل في أغانيه‪ ،‬وهو‬
‫وابكي على قتلى قريش البطاح فاستحسن الناس ذلك منه‪ ،‬وكان أول من‬ ‫يا عين جودي بالدموع السفـاح‬
‫‪.‬ندب به‬
‫قال ابن جامع‪ :‬وحدثني جماعة من شيوخ أهل مكة أنهم حدثوا‪ :‬أن سكينة بنت الحسين بعثت إلى ابن سريج بشعر أمرته أن‬
‫‪:‬يصوغ فيه لحنا يناح به‪ ،‬فصاغ فيه‪ ،‬وهو الن داخل في غنائه‪ .‬والشعر‬
‫فلقد ظفرت بسادتي وحماتي فقدمه ذلك عند أهل الحرمين على جميع ناحة‬ ‫يا أرض ويحك أكرمي أمواتي‬
‫‪.‬مكة والمدينة والطائف‬
‫قال وحدثني ابن جامع وابن أبي الكنات جميعا‪ :‬أن سكينة بعثت إليه بمملوك لها يقال له عبد الملك‪ ،‬وأمرته أن يعلمه النياحة‪،‬‬
‫فلم يزل يعلمه مدة طويلة‪ ،‬ثم توفي عمها أبو القاسم محمد بن الحنفية‪ ،‬وكان ابن سريج عليل علة صعبة فلم يقدر على‬
‫النياحة‪ .‬فقال لها عبدها عبد الملك‪ :‬أنا أنوح لك نوحا أنسيك به نوح ابن سريج‪ .‬قالت‪ :‬أو تحسن ذاك? قال نعم‪ .‬فأمرته فناح؛‬
‫فكان نوحه في الغاية من الجودة‪ ،‬وقال النساء‪ :‬هذا نوح غريض؛ فلقب عبد الملك الغريض‪ .‬وأفاق ابن سريج من علته بعد أيام‬
‫وعرف خبر وفاة ابن الحنفية‪ ،‬فقال لهم‪ :‬فمن ناح عليه? قالوا‪ :‬عبد الملك غلم سكينة‪ .‬قال‪ :‬فهل جوز الناس نوحه? قالوا‪ :‬نعم‬
‫وقدمه بعضهم عليك‪ .‬فحلف ابن سريج أل ينوح بعد ذلك اليوم‪ ،‬وترك النوح وعدل إلى الغناء‪ ،‬فلم ينح حتى ماتت حبابة‪ ،‬وكانت‬
‫‪.‬قد أخذت عنه وأحسنت إليه فناح عليها‪ ،‬ثم ناح بعدها على يزيد بن عبد الملك‪ ،‬ثم لم ينح بعده حتى هلك‬
‫‪.‬قال‪ :‬ولما عدل ابن سريج عن النوح إلى الغناء عدل معه الغريض إليه‪ ،‬فكان ل يغني صوتا إل عارضه فيه‬
‫ابن سريج وعطاء بن أبي رباح‬
‫أخبرني رضوان بن أحمد الصيدلني قال حدثنا يوسف بن إبراهيم قال‪ :‬حدث إسحاق بن إبراهيم الموصلي أبا إسحاق إبراهيم‬
‫بن المهدي وأنا حاضر أن يحيى المكي حدثه أن عطاء بن أبي رباح لقي ابن سريج بذي طوى‪ ،‬وعليه ثياب مصبغة وفي يده‬
‫جرادة مشدودة الرجل بخيط يطيرها ويجذبها به كلما تخلفت؛ فقال له عطاء‪ :‬يا فتان‪ ،‬أل تكف عما أنت عليه كفى الله الناس‬
‫مئونتك‪ .‬فقال ابن سريج‪ :‬وما على الناس من تلويني ثيابي ولعبي بجرادتي? فقال له‪ :‬تفتنهم أغانيك الخبيثة‪ .‬فقال له ابن‬
‫سريج‪ :‬سألتك بحق من تبعته من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وبحق رسول الله صلى الله عليه وسلم عليك‪ ،‬إل‬
‫ما سمعت مني بيتا من الشعر‪ ،‬فإن سمعت منكرا أمرتني بالمساك عما أنا عليه‪ .‬وأنا أقسم بالله وبحق هذه البنية لئن أمرتني‬
‫‪:‬بعد استماعك مني بالمساك عما أنا عليه لفعلن ذلك‪ .‬فأطمع ذلك عطاء في ابن سريج‪ ،‬وقال‪ :‬قل‪ .‬فاندفع يغني بشعر جرير‬
‫صوت‬

‫وشل بعينك ل يزال معينـا‬ ‫إن الذين غدوا بلبك غـادروا‬


‫ماذا لقيت من الهوى ولقينـا ‪ -‬لحن ابن سريج هذا ثقيل أول بالوسطى عن ابن‬ ‫غيضن من عبراتهن وقلن لي‬
‫المكي والهشامي‪ ،‬وله أيضا فيه رمل‪ .‬ولسحاق فيه رمل آخر بالوسطى‪ .‬وفيه هزج بالوسطى ينسب إلى ابن سريج والغريض ‪-‬‬
‫قال‪ :‬فلما سمعه عطاء اضطرب اضطرابا شديدا ودخلته أريحية‪ ،‬فحلف أل يكلم أحدا بقية يومه إل بهذا الشعر‪ ،‬وصار إلى مكانه‬
‫من المسجد الحرام؛ فكان كل من يأتيه سائل عن حلل أو حرام أو خبر من الخبار‪ ،‬ل يجيبه إل بأن يضرب إحدى يديه على‬
‫‪.‬الخرى وينشد هذا الشعر حتى صلى المغرب‪ ،‬ولم يعاود ابن سريج بعد هذا ول تعرض له‬
‫ابن سريج ويزيد ابن عبد الملك‬
‫أخبرني جعفر بن قدامة قال حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه‪ ،‬وأخبرني الحسن بن علي قال حدثني الفضل بن محمد اليزيدي‬
‫‪:‬قال حدثني إسحاق عن ابن جامع عن سياط عن يونس الكاتب قال‪ :‬لما قال عمر بن أبي ربيعة‬

‫صفحة ‪68 :‬‬

‫ولي نظر لول التحرج عـارم غنى فيه ابن سريج‬ ‫‪.‬نظرت إليها بالمحصب من منى‬
‫قال‪ :‬وحج يزيد بن عبد الملك في تلك السنة بالناس‪ ،‬وخرج عمر بن أبي ربيعة ومعه ابن سريج على نجيبين رحالتاهما ملبستان‬
‫بالديباج‪ ،‬وقد خضبا النجيبين ولبسا حلتين‪ ،‬فجعل يتلقيان الحاج ويتعرضان للنساء إلى أن أظلم الليل‪ ،‬فعدل إلى كثيب مشرف‬
‫والقمر طالع يضيء‪ ،‬فجلسا على الكثيب‪ ،‬وقال عمر لبن سريج‪ :‬غنني صوتك الجديد؛ فاندفع يغنيه‪ ،‬فلم يستتمه إل وقد طلع‬
‫عليه رجل راكب على فرس عتيق‪ ،‬فسلم ثم قال‪ :‬أيمكنك ‪ -‬أعزك الله ‪ -‬أن ترد هذا الصوت? قال‪ :‬نعم ونعمة عين‪ ،‬على أن‬
‫تنزل وتجلس معنا‪ .‬قال‪ :‬أنا أعجل من ذلك‪ ،‬فإن أجملت وأنعمت أعدته وليس عليك من وقوفي شيء ول مئونة‪ ،‬فأعاده‪ .‬فقال‬
‫له‪ :‬بالله أنت ابن سريج? قال نعم‪ .‬قال‪ :‬حياك الله وهذا عمر بن أبي ربيعة? قال نعم‪ .‬قال‪ :‬حياك الله يا أبا الخطاب فقال له‪:‬‬
‫وأنت فحياك الله قد عرفتنا فعرفنا نفسك‪ .‬قال‪ :‬ل يمكنني ذلك‪ .‬فغضب ابن سريج وقال‪ :‬والله لو كنت يزيد بن عبد الملك لما‬
‫زاد‪ .‬فقال له‪ :‬أنا يزيد بن عبد الملك‪ .‬فوثب إليه عمر فأعظمه‪ ،‬ونزل ابن سريج إليه فقبل ركابه؛ فنزع حلته وخاتمه فدفعهما‬
‫إليه‪ ،‬ومضى يركض حتى لحق ثقله‪ .‬فجاء بهما ابن سريج إلى عمر فأعطاه إياهما‪ ،‬وقال له‪ :‬إن هذين بك أشبه منهما بي‪.‬‬
‫فأعطاه عمر ثلثمائة دينار وغدا فيهما إلى المسجد‪ ،‬فعرفهما الناس وجعلوا يتعجبون ويقولون‪ :‬كأنهما والله حلة يزيد بن عبد‬
‫‪.‬الملك وخاتمه‪ ،‬ثم يسألون عمر عنهما فيخبرهم أن يزيد بن عبد الملك كساه ذلك‬
‫وأخبرني بهذا الخبر جعفر بن قدامة أيضا قال وحدثني ابن عبد الله بن أبي سعيد قال حدثني علي بن الصباح عن ابن الكلبي‬
‫قال‪ :‬غناء ابن سريج في طريق الحاج‬
‫ووقفه الناس بحسن غنائه‬
‫حج عمر بن أبي ربيعة في عام من العوام على نجيب له مخضوب بالحناء مشهر الرحل بقراب مذهب‪ ،‬ومعه عبيد بن سريج‬
‫على بغلة له شقراء‪ ،‬ومعه غلمه جناد يقود فرسا له أدهم أغر محجل‪ ،‬وكان عمر بن أبي ربيعة يسميه الكوكب في عنقه طوق‬
‫ذهب ‪ -‬وجناد هذا هو الذي يقول فيه‪ :‬صوت‬

‫عليه برفق وارقب الشمس تغـرب‬ ‫فقلت لجناد خذ السيف واشـتـمـل‬


‫ول تعلمن خلقا من الناس مذهبـي الغناء لزرزر غلم المارقي خفيف‬ ‫وأسرج لي الدهماء واعجل بممطري‬
‫ثقيل وهو أجود صوت صنعه ‪ -‬قال‪ :‬ومع عمر جماعة من حشمه وغلمانه ومواليه وعليه حلة موشية يمانية‪ ،‬وعلى ابن سريج‬
‫ثوبان هرويان مرتفعان‪ ،‬فلم يمروا بأحد إل عجب من حسن هيئتهم‪ ،‬وكان عمر من أعطر الناس وأحسنهم هيئة‪ ،‬فخرجوا من‬
‫مكة يوم التروية بعد العصر يريدون منى‪ ،‬فمروا بمنزل رجل من بني عبد مناف بمنى قد ضربت عليه فساطيطه وخيمه‪ ،‬ووافى‬
‫الموضع عمر فأبصر بنتا للرجل قد خرجت من قبتها‪ ،‬وستر جواريها دون القبة لئل يراها من مر‪ .‬فأشرق عمر على النجيب‬
‫فنظر إليها‪ ،‬وكانت من أحسن النساء وأجملهن‪ .‬فقال لها جواريها‪ :‬هذا عمر بن أبي ربيعة‪ .‬فرفعت رأسها فنظرت إليه‪ ،‬ثم‬
‫سترتها الجواري وولئدها عنه وبطن دونها بسجف القبة حتى دخلت‪ .‬ومضى عمر إلى منزله وفساطيطه بمنى‪ ،‬وقد نظر من‬
‫‪:‬الجارية إلى ما تيمه ومن جمالها إلى ما حيره‪ ،‬فقال فيها‬
‫ولي نظر لول الـتـحـرج عـارم‬ ‫نظرت إليها بالمحصب مـن مـنـى‬
‫بدت لك خلف السجف أم أنت حالـم‬ ‫فقلت أشمس أم مـصـابـيح بـيعة‬
‫أبوها وإما عبد شـمـس وهـاشـم‬ ‫بعيدة مهوى القرط إمـا لـنـوفـل‬
‫على عجل تبـاعـهـا والـخـوادم‬ ‫ومد عليها السجـف يوم لـقـيتـهـا‬
‫على الرغم منها كفها والمعـاصـم‬ ‫فلم أستطعها غير أن قـد بـدا لـنـا‬
‫عصاها ووجه لم تلحه الـسـمـائم‬ ‫معاصم لم تضرب على البهم بالضحى‬
‫صبيح تغاديه الكـف الـنـواعـم‬ ‫نضـير تـرى فـيه أسـاريع مـائه‬
‫تمايلن أو مالت بـهـن الـمـآكـم‬ ‫إذا ما دعت أترابها فاكتـنـفـنـهـا‬
‫نزعن وهن المسلمات الـظـوالـم‬ ‫طلبن الصبا حتى إذا مـا أصـبـنـه‬

‫صفحة ‪69 :‬‬

‫ثم قال عمر لبن سريج‪ :‬يا أبا يحيى‪ ،‬إني تفكرت في رجوعنا مع العشية إلى مكة مع كثرة الزحام والغبار وجلبة الحاج فثقل‬
‫علي‪ ،‬فهل لك أن نروح رواحا طيبا معتزل‪ ،‬فنرى فيه من راح صادرا إلى المدينة من أهلها‪ ،‬ونرى أهل العراق وأهل الشأم‬
‫ونتعلل في عشيتنا وليلتنا ونستريح? قال‪ :‬وأنى ذلك يا أبا الخطاب? قال‪ :‬على كثيب أبي شحوة المشرف على بطن يأجج بين‬
‫منى وسرف‪ ،‬فنبصر مرور الحاج بنا ونراهم ول يرونا‪ .‬قال ابن سريج‪ :‬طيب والله يا سيدي‪ .‬فدعا بعض خدمه فقال‪ :‬اذهبوا إلى‬
‫الدار بمكة‪ ،‬فاعلموا لنا سفرة واحملوها مع شراب إلى الكثيب‪ ،‬حتى إذا أبردنا ورمينا الجمرة صرنا إليكم ‪ -‬قال‪ :‬والكثيب على‬
‫خمسة أميال من مكة مشرف على طريق المدينة وطريق الشأم وطريق العراق‪ ،‬وهو كثيب شامخ مستدق أعله منفرد عن‬
‫الكثبان ‪ -‬فصارا إليه فأكل وشربا‪ .‬فلما انتشيا أخذ ابن سريج الدف فنقره وجعل يغني وهم ينظرون إلى الحاج‪ .‬فلما أمسيا رفع‬
‫ابن سريج صوته يغني في الشعر الذي قاله عمر‪ ،‬فسمعه الركبان فجعلوا يصيحون به‪ :‬يا صاحب الصوت أما تتقي الله قد‬
‫حبست الناس عن مناسكهم فيسكت قليل‪ ،‬حتى إذا مضوا رفع صوته وقد أخذ فيه الشراب فيقف آخرون‪ ،‬إلى أن مرت قطعة‬
‫من الليل‪ ،‬فوقف عليه في الليل رجل على فرس عتيق عربي مرح مستن فهو كأنه ثمل‪ ،‬حتى وقف بأصل الكثيب وثنى رجله‬
‫على قربوس سرجه‪ ،‬ثم نادى‪ :‬يا صاحب الصوت‪ ،‬أيسهل عليك أن ترد شيئا مما سمعته‪ .‬قال‪ :‬نعم ونعمة عين‪ ،‬فأيها تريد? قال‪:‬‬
‫‪:‬تعيد علي‬
‫نعبت بفقدان علـي تـحـوم‬ ‫أل يا غراب البين مالك كلمـا‬
‫عدمتك من طير فأنت مشوم ‪ -‬قال‪ :‬والغناء لبن سريج ‪ -‬فأعاده‪ ،‬ثم قال له‬ ‫أبالبين من عفراء أنت مخبري‬
‫‪:‬ابن سريج‪ :‬ازدد إن شئت‪ .‬فقال‪ :‬غنني‬
‫ويا فارس الهيجا ويا قمر الرض‬ ‫أمسلم إنـي يابـن كـل خـلـيفة‬
‫وما كل من أقرضته نعمة يقضي‬ ‫شكرتك إن الشكر حبل من التقـى‬
‫ولكن بعض الذكر أنبه من بعض فغناه‪ ،‬فقال له‪ :‬الثالث ول أستزيدك‪.‬‬ ‫ونوهت لي باسمي وما كان خامل‬
‫فقال‪ :‬قل ما شئت‪ .‬فقال‪ :‬تغنيني‬
‫بين مسيل العذيب فالرحـب‬ ‫يا دار أقوت بالجزع فالكثب‬
‫دعد ولم تسق دعد في العلب فغناه‪ .‬فقال له ابن سريج‪ :‬ابقيت لك حاجة? قال‪:‬‬ ‫لم تتقنع بفضـل مـئزرهـا‬
‫نعم‪ ،‬تنزل إلي لخاطبك شفاها بما أريد‪ .‬فقال له عمر‪ :‬انزل إليه‪ ،‬فنزل‪ .‬فقال له‪ :‬لول أني أريد وداع الكعبة وقد تقدمني ثقلي‬
‫وغلماني لطلت المقام معك ولنزلت عندكم‪ ،‬ولكني أخاف أن يفضحني الصبح‪ ،‬ولو كان ثقلي معي لما رضيت لك بالهوينى‪،‬‬
‫ولكن خذ حلتي هذه وخاتمي ول تخدع عنهما‪ ،‬فإن شراءهما ألف وخمسمائة دينار‪ .‬وذكر باقي الخبر مثل ما ذكره حماد بن‬
‫‪.‬إسحاق‬
‫نسبة ما في هذا الخبر من الغاني صوت‬

‫ولي نظر لول التـحـرج عـارم‬ ‫نظرت إليها بالمحصب من منـى‬


‫بدت لك خلف السجف أم أنت حالم‬ ‫فقلت أشمس أم مصـابـيح بـيعة‬
‫أبوها وإما عبد شمـس وهـاشـم الشعر لعمر بن أبي ربيعة‪ .‬والغناء لمعبد‬ ‫بعيدة مهوى القرط إما لـنـوفـل‬
‫ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق‪ .‬وفيه لبن سريج رمل بالسبابة في مجرى البنصر عنه‪ .‬وقد نسب في مواضع‬
‫‪.‬من هذا الكتاب‬
‫صوت‬

‫نعبت بفقدان علـي تـحـوم‬ ‫أل يا غراب البين مالك كلمـا‬


‫عدمتك من طير فأنت مشـوم الشعر لقيس بن ذريح‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه لغيره‪.‬‬ ‫أبا لبين من عفراء أنت مخبري‬
‫‪.‬والغناء لبن سريج رمل بالوسطى عن الهشامي‬
‫صوت‬

‫ويا فارس الهيجا ويا قمر الرض‬ ‫أمسلم إنـي يابـن كـل خـلـيفة‬
‫وما كل من أوليته نعمة يقضـي‬ ‫شكرتك إن الشكر حبل من التقـى‬
‫ولكن بعض الذكر أنبه من بعض الشعر لبي نخيلة الحماني‪ .‬والغناء لبن‬ ‫ونوهت لي باسمي وما كان خامل‬
‫‪.‬سريج ثاني ثقيل بالوسطى‪ ،‬وقد أخرج هذا الصوت مع سائر أخبار أبي نحيلة في موضع آخر‬
‫إجلل المغنين له وعلو كعبه‬
‫في صنعة الغناء‬

‫صفحة ‪70 :‬‬

‫حدثني الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير بن بكار حدثني محمد بن سلم الجمحي قال حدثني عمر بن أبي خليفة قال‪:‬‬
‫كان أبي نازل في علو‪ ،‬فكان المغنون يأتونه‪ .‬قال فقلت‪ :‬فأيهم كان أحسن غناء? قال‪ :‬ل أدري‪ ،‬إل أني كنت أراهم إذا جاء ابن‬
‫‪.‬سريج سكتوا‬
‫أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال حدثني الزبيري ‪-‬‬
‫يعني عبد الله بن مصعب ‪ -‬عن عمرو بن الحارث‪ ،‬قال إسحاق‪ :‬وحدثنيه المدائني ومحمد بن سلم عن المحرز بن جعفر عن‬
‫عمر بن سعد مولى الحارث بن هشام قال‪ :‬خرج ابن الزبير ليلة إلى أبي قبيس فسمع غناء‪ ،‬فلما انصرف رآه أصحابه وقد حال‬
‫لونه‪ ،‬فقالوا‪ :‬إن بك لشرا‪ .‬قال‪ :‬إنه ذاك‪ .‬قالوا‪ :‬ما هو? قال‪ :‬لقد سمعت صوتا إن كان من الجن إنه لعجب‪ ،‬وإن كان من النس‬
‫فما انتهى منتهاه شيء قال‪ :‬فنظروا فإذا هو ابن سريج يتغنى‪ :‬صوت‬

‫لجارية من جواري مضر‬ ‫أمن رسم دار بوادي غـدر‬


‫سلوس الوشاح كمثل القمر‬ ‫خدلجة الساق مـمـكـروة‬
‫ويبهت في وجهها من نظر الشعر ليزيد بن معاوية‪ .‬الغناء لبن سريج رمل بالبنصر‬ ‫تزين النساء إذا مـا بـدت‬
‫‪.‬عن يونس وحبش‬
‫‪:‬قال إسحاق‪ :‬وذكر المدائني في خبره أن عمر بن عبد العزيز مر أيضا فسمع صوت ابن سريج وهو يتغنى‬
‫بت الخليط قوى الحبل الذي قطعوا فقال عمر‪ :‬لله در هذا الصوت لو كان بالقرآن قال المدائني‪ :‬وبلغني من وجه آخر أنه‬
‫‪:‬سمعه يغني‬
‫ليل فأضحوا معا قد ارتفعوا‬ ‫قرب جيراننا جـمـالـهـم‬
‫حتى رأيت الحداة قد طلعوا فقال هذه المقالة‬ ‫‪.‬ما كنت أدري بوشك بينهـم‬
‫نسبة هذين الصوتين صوت‬

‫إذ ودعوك فولوا ثم ما رجـعـوا‬ ‫بت الخلطي قوى الحبل الذي قطعوا‬
‫فما سلوت ول يسليك ما صنعـوا‬ ‫وآذنوك ببـين مـن وصـالـهـم‬
‫فينا وأنت بما حملت مضـطـلـع‬ ‫يابن الطويل وكم آثرت من حسـن‬
‫فإن هلكت فما في ملجأ طـمـع الشعر للحوص‪ .‬والغناء لبن سريج رمل‬ ‫نحظى ونبقى بخير ما بقيت لـنـا‬
‫‪.‬بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق وذكر حبش أن فيه رمل بالوسطى عن الهشامي‬
‫نسبة الصوت الخر صوت‬

‫ليل فأضحوا معا قد ارتفعوا‬ ‫قرب جيراننا جـمـالـهـم‬


‫حتى رأيت الحداة قد طلعوا‬ ‫ما كنت أدري بوشك بينهـم‬
‫وعنتريسين فيهما خـضـع‬ ‫على مصكين من جمالـهـم‬
‫بالحر أن يستفزه الـجـزع الغناء لبن سريج ثقيل اول من أصوات قليلة الشباه عن‬ ‫يا قلب صبرا فإنـه سـفـه‬
‫إسحاق‪ .‬وفيه رمل في مجرى الوسطى ذكره إسحاق ولم ينسبه إلى أحد‪ ،‬وذكر أيضا فيه خفيف رمل بالسبابة في مجرى‬
‫الوسطى ولم ينسبه‪ .‬وذكر الهشامي أن الرمل للغريض وخفيف الرمل لبن المكي وذكرت دنانير والهشامي فيه لمعبد ثاني‬
‫‪.‬ثقيل‪ .‬وذكر عمرو بن بانة أن الثقيل الول للغريض‪ .‬وذكر عبد الله بن موسى أن لحن ابن ‪ -‬سريج خفيف ثقيل‬
‫عدد الصوات التي غنى فيها‬
‫أخبرني رضوان بن أحمد الصيدلني قال حدثني يوسف بن إبراهيم قال‪ :‬حضرت أبا إسحاق إبراهيم بن المهدي وعنده إسحاق‬
‫الموصلي‪ ،‬فقال إسحاق‪ :‬غنى ابن سريج ثمانية وستين صوتا‪ .‬فقال له أبو إسحاق‪ :‬ما تجاوز قط ثلثة وستين صوتا‪ .‬فقال بلى‪.‬‬
‫ثم جعل ينشدان أشعار الصحيح منها حتى بلغا ثلثة وستين صوتا وهما يتفقان على ذلك‪ ،‬ثم أنشد إسحاق بعد ذلك أشعار خمسة‬
‫‪.‬أصوات أيضا‬
‫فقال أبو إسحاق‪ :‬صدقت‪ ،‬هذا من غنائه‪ ،‬ولكن لحن هذا الصوت نقله من لحنه في الشعر الفلني‪ ،‬ولحن الثاني من لحنه‬
‫الفلني‪ ،‬حتى عد له الخمسة الصوات‪ .‬فقال له إسحاق‪ :‬صدقت‪ .‬ثم قال له إبراهيم‪ :‬إن ابن سريج كان رجل عاقل أديبا‪ ،‬وكان‬
‫يغني الناس بما يشتهون‪ ،‬فل يغنيهم صوتا مدح به أعداؤهم ول صوتا عليهم فيه عار أو غضاضة‪ ،‬ولكنه يعدل بتلك اللحان إلى‬
‫أشعار في أوزانها‪ ،‬فالصوتان واحد ل ينبغي أن نعدهما اثنين عند التحصيل منا لغنائه‪ ،‬فصدقه إسحاق‪ .‬فقال له إبراهيم‪ :‬فأيها‬
‫‪:‬أولى عندك بالتقدمة? فقال‬

‫صفحة ‪71 :‬‬

‫نهضت باسمي وقالت يا عمر فقال له إبراهيم‪ :‬أحسبك يا أبا محمد ‪ -‬متعت بك ‪-‬‬ ‫وإذا ما عثرت في مرطـهـا‬
‫‪.‬ما أردت إل مساعدتي‪ .‬فقال‪ :‬ل‪ ،‬والله ما إلى هذا قصدت‪ ،‬وإن كنت أهوى كل ما قربني من محبتك‬
‫فقال له‪ :‬هذا أحب أغانيه إلي‪ ،‬وما أحسبه في مكان أحسن منه عندي‪ ،‬ول كان ابن سريج يتغناه أحسن مما يتغناه جواري‪،‬‬
‫ولئن كان كذلك فما هو عندي في حسن التجزئة والقسمة وصحتهما مثل لحنه في‪ :‬صوت من المائة لمختارة من رواية جحظة‬
‫قبل شحط من النوى‬ ‫حييا أم يعـمـــرا‬
‫ففؤادي كذى السى‬ ‫أجمع الحي رحـلة‬
‫ح فقالوا أل بـلـى ‪ -‬الغناء لبن سريج من القدر الوسط من الثقيل الول مطلق في‬ ‫قلت ل تعجلوا الروا‬
‫مجرى الوسطى‪ .‬وفيه للهذلي خفيف ثقيل بالبنصر عن ابن المكي‪ .‬وفيه لمالك ثقيل أول البنصر عن عمرو‪ .‬وفيه لحنان من‬
‫الثقيل الثاني‪ :‬أحدهما لسحاق والخر لبيه‪ ،‬ونسبه قوم إلى ابن محرز‪ ،‬ولم يصح ذلك ‪ -‬قال‪ :‬فاجتمعا معا على أنه أول أغانيه‬
‫‪:‬وأحقها بالتقديم‪ .‬وأمرني أبو إسحاق بتدوين ما يجري بينهما ويتفقان عليه‪ ،‬فكتبت هذا الشعر‪ .‬ثم اتفقا على أن الذي يليه‬
‫نهضت باسمي وقالت يا عمر فأثبته أيضا‪ .‬ثم تناظرا في الثالث فاجتمعا على أنه‬ ‫‪:‬وإذا ما عثرت في مرطـهـا‬
‫ما بين قلة رأسه والمعصم فقال إسحاق‪ :‬لو قدمناه على الغاني التي تقدمته كلها‬ ‫فتركته جزر السباع ينشنه‬
‫لكان يستحق ذلك‪ .‬فقال أبو إسحاق‪ :‬ما سمعته منذ عرفته إل أبكاني‪ ،‬لني إذا سمعته أو ترنمت به وجدت غمرا على فؤادي ل‬
‫‪:‬يسكن حتى أبكي‪ .‬فقال إسحاق‪ :‬إن مذهبه فيه ليوجب ذلك‪ ،‬فدونته ثالثا‪ .‬ثم اتفقا على الرابع وأنه‬
‫ول كليالي الحج أفتن ذا هوى تحدثا بأحاديث لهذا الصوت مشهورة‪ .‬ثم تناظرا‬ ‫فلم أر كالتجمير منظر ناظـر‬
‫‪:‬في الخامس‪ ،‬فاتفقا على أنه‬
‫إنك إل تفعلي تحرجي فأثبته‪ .‬ثم تناظرا في السادس واتفقا على أنه‬ ‫‪:‬عوجي علينا ربة الهودج‬
‫ن إذ جاوزن مطلحا فأثبته‪ .‬ثم تناظرا في السابع فاتفقا على أنه‬ ‫‪:‬أل هل هاجك الظعا‬
‫ماذا لقيت من الهوى ولقينـا فأثبته‪ .‬وتناظرا في الثامن فاتفقا على أنه‬ ‫‪:‬غيضن من عبراتهن وقلن لي‬
‫غير أن تسمع منه بخبر فأثبته‪ .‬وتناظرا في التاسع فاتفقا على أنه‬ ‫‪:‬تنكر الثمد ل تعـرفـه‬
‫أكلفها سير الكلل مع الظـلـع‬ ‫‪</H6‬نسبة هذه الصوات وأجناسها ‪ <H6‬ومن أجل ذات الخال أعملت ناقتي‬
‫منها‪ :‬صوت‬

‫نهضت باسمي وقالت يا عمر الشعر لعمر بن أبي ربيعة‪ .‬والغناء لبن سريج‬ ‫وإذا ما عثرت في مرطـهـا‬
‫‪.‬خفيف رمل بالوسطى عن الهشامي‬
‫ومنها‪ :‬صوت‬

‫ما بين قلة رأسه والمعصم الشعر لعنترة بن شداد العبسي‪ .‬والغناء لبن سريج‬ ‫فتركته جزر السباع ينشنه‬
‫‪.‬ثقيل أول بالوسطى عن عمرو‬
‫ومنها‪ :‬صوت‬

‫ول كليالي الحج أفتن ذا هوى الشعر لعمر بن أبي ربيعة‪ .‬والغناء لبن سريج‬ ‫فلم أر كالتجمير منظر ناظـر‬
‫‪.‬رمل بالوسطى عن عمرو‬
‫ومنها‪ :‬صوت‬

‫إنك إل تفعلي تحرجي الشعر للعرجي‪ .‬والغناء لبن سريج ثقيل بالوسطى عن عمرو‬ ‫‪.‬عوجي علينا ربة الهودج‬
‫ومنها‪ :‬صوت‬

‫ن إذ جاوزن مطلحا الشعر لعمر‪ .‬والغناء لبن سريج ثقيل أول مطلق في مجرى البنصر‬ ‫أل هل هاجك الظعا‬
‫عن إسحاق‪ .‬وفيه للغريض لحنان‪ :‬ثقيل أول بالوسطى في مجراها عن إسحاق‪ ،‬وخفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو‪ .‬وفيه لمعبد‬
‫‪.‬ثقيل أول ثالث بالخنصر في مجرى الوسطى عن إسحاق‬
‫ومنها‪ :‬صوت‬

‫ماذا لقيت من الهوى ولقينـا الشعر لجرير‪ .‬والغناء لبن سريج رمل بالبنصر‪.‬‬ ‫غيضن من عبراتهن وقلن لي‬
‫‪.‬وفيه لسحاق رمل بالوسطى‪ .‬وفيه للهذلي ثاني ثقيل بالوسطى عن الهشامي‬
‫ومنها‪ :‬صوت‬

‫غير أن تسمع منه بخبر الشعر لعبد الرحمن بن حسان‪ .‬والغناء لبن سريج رمل‬ ‫تنكر الثمد ل تعـرفـه‬
‫‪.‬بالوسطى‬
‫ومنها‪ :‬صوت‬

‫صفحة ‪72 :‬‬

‫أكلفها سير الكلل مع الظـلـع الشعر لعمر بن أبي ربيعة‪ .‬والغناء لبن‬ ‫ومن أجل ذات الخال أعملت ناقتي‬
‫‪.‬سريج رمل بالبنصر‪ .‬وفيه لسحاق رمل بالوسطى‬
‫تنافر معبد ومالك بن أبي السمح إليه‬
‫في صوتين غنياهما‬
‫أخبرني رضوان بن أحمد قال حدثنا يوسف بن إبراهيم قال حدثني أبو إسحاق بن المهدي قال حدثني الزبير بن دحمان أن أباه‬
‫‪:‬حدثه‪ :‬أن معبدا تغنى‬
‫من حبيب هاج حزني والسهر‬ ‫آب ليلي بـهـمـوم وفـكـر‬
‫شر ما طار على شر الشجر فعارضه مالك فغنى في أبيات من هذا الشعر‪ ،‬وهي‬ ‫‪:‬يوم أبصرت غرابـا واقـعـا‬
‫لين الظلف من حور البقر‬ ‫وجرت لي ظبية يتبـعـهـا‬
‫فاضت العين بمنهـل درر قال‪ :‬فتلحيا جميعا فيما صنعان من هذين الصوتين‪ ،‬فقال‬ ‫كلما كفكفت منـي عـبـرة‬
‫كل واحد منهما لصاحبه‪ :‬أنا أجود صنعة منك‪ .‬فتنافرا إلى ابن سريج فمضيا إليه بمكة‪ .‬فلما قدماها سأل عنه‪ ،‬فأخبرا أنه خرج‬
‫يتطرف بالحناء في بعض بساتينها‪ .‬فاقتفيا أثره‪ ،‬حتى وقفا عليه وفي يده الحناء‪ ،‬فقال له‪ :‬إنا خرجنا إليك من المدينة لتحكم بيننا‬
‫في صوتين صنعناهما‪ .‬فقال لهما‪ :‬ليغن كل واحد منكما صوته‪ .‬فابتدأ معبد يغني لحنه‪ .‬فقال له‪ :‬أحسنت والله على سوء‬
‫اخيتارك للشعر يا ويحك ما حملك على أن ضيعت هذه الصنعة الجيدة في حزن وسهر وهموم وفكر أربعة ألوان من الحزن في‬
‫‪:‬بيت واحد‪ ،‬وفي البيت الثاني شران في مصراع واحد‪ ،‬وهو قولك‬
‫شر ما طار على شر الشجر ثم قال لمالك‪ :‬هات ما عندك‪ ،‬فغناه مالك‪ .‬فقال له‪ :‬أحسنت والله ما شئت فقال له مالك‪ :‬هذا‬
‫وإنما هو ابن شهره‪ ،‬فكيف تراه يا أبا يحيى يكون إذا حال عليه الحول قال دحمان‪ :‬فحدثني معبد أن ابن سريج غضب عند ذلك‬
‫غضبا شديدا‪ ،‬ثم رمى بالحناء من يديه وأصابعه وقال له‪ :‬يا مالك‪ ،‬ألي تقول ابن شهره اسمع مني ابن ساعته‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا أبا‬
‫‪:‬عباد أنشدني القصيدة التي تغنيتما فيها‪ .‬فأنشدته القصيدة حتى انتهيت إلى قوله‬
‫غير أن تسمع منه بخبر فصاح بأعلى صوته‪ :‬هذا خليلي وهذا صاحبي‪ ،‬ثم تغنى فيه‪،‬‬ ‫تنكر الثمد ل تعـرفـه‬
‫‪.‬فانصرفنا مفلولين مفضوحين من غير أن نقيم بمكة ساعة واحدة‬
‫نسبة هذه الغاني كلها صوت‬

‫من حبيب هاج حزني والسهر‬ ‫آب ليلي بـهـمـوم وفـكـر‬


‫شر ما طار على شر الشجر‬ ‫يوم أبصرت غرابـا واقـعـا‬
‫مرة المقضم من روح العشر الشعر لعبد الرحمن بن حسان بن ثابت يقوله في‬ ‫ينتف الريش علـى عـبـرية‬
‫رملة بنت معاوية بن أبي سفيان‪ ،‬وله معها ومع أبيها وأخيها في تشبيبه بها أخبار كثيرة ستذكر في موضعها إن شاء الله‪ .‬ومن‬
‫‪.‬الناس من ينسب هذا الشعر إلى عمر بن أبي ربيعة‪ ،‬وهو غلط‪ .‬وقد بين ذلك مع أخبار عبد الرحمن في موضعه‬
‫‪.‬والغناء لمعبد خفيف ثقيل أول بالوسطى عن يحيى المكي‪ ،‬وذكر عمرو بن بانة أنه للغريض‪ ،‬وله لحن آخر في هذه الطريقة‬
‫صوت‬

‫لين الظلف من حور البقر‬ ‫وجرت لي ظبية يتبـعـهـا‬


‫صادفته يوم طل وحـصـر الغناء لمالك خفيف ثقيل بالبنصر في مجراها عن‬ ‫خلفها أطلس عسال الضحى‬
‫‪.‬إسحاق‬
‫صوت‬

‫أهدب الشفار من حور البقر‬ ‫إن عينيها لـعـينـا جـؤذر‬


‫غير أن تسمع منه بخـبـر الغناء لبن سريج رمل بالسبابة‪ ،‬عن عمرو ويحيى المكي‬ ‫‪.‬تنكر الثـمـد ل تـعـرفـه‬
‫مضادة ابن سريج للغريض ومعارضة الغريض له‬
‫‪:‬أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حماد قال أبي قال محمد بن سعيد‬

‫صفحة ‪73 :‬‬

‫لما ضاد ابن سريج الغريض وناوأه‪ ،‬جعل ابن سريج ل يغني صوتا أل عارضه فيه الغريض فغنى فيه لحنا غيره‪ ،‬وكانت ببعض‬
‫أطراف مكة دار يأتيانها في كل جمعة ويجتمع لهما ناس كثير‪ ،‬فيوضع لكل واحد منهما كرسي يجلس عليه ثم يتناقضان الغناء‬
‫ويترادانه‪ .‬قال‪ :‬فلما رأى ابن سريج موقع الغريض وغنائه من الناس لقربه من النوح وشبهه به‪ ،‬مال إلى الرمال والهزاج‬
‫فاستخفها الناس‪ .‬فقال له الغريض‪ :‬يا أبا يحيى‪ ،‬قصرت الغناء وحذفته وأفسدته‪ .‬فقال له‪ :‬نعم يا مخنث‪ ،‬جعلت تنوح على أبيك‬
‫‪:‬وأمك‪ ،‬ألى تقول هذا والله لغنين غناء ما غنى أحد أثقل منه ول أجود‪ .‬ثم تغنى‬
‫تشكى الكميت الجري لما جهدته تقدير ابن أبي عتيق لبن سريج‬
‫قال حماد‪ :‬وقرأت على أبي عن هشام بن المرية قال‪ :‬كان ابن عتيق يسوق في كل عام عن ابن سريج بدنة وينحرها عنه‪،‬‬
‫‪.‬ويقول‪ :‬هذا أقل حقه علينا‬
‫اعتراف معبد لبن سريج بالسبق‬
‫عليه في صنعة الغناء‬
‫قال حماد‪ :‬قال أبي وقال مخلد بن خداش المهلبي‪ :‬كنا بالمدينة في مجلس لنا ومعنا معبد‪ ،‬فقدم من مكة إلى المدينة فدخل‬
‫علينا ليل‪ ،‬فجلس معبد يسائله عن الخبار وهو يخبره ول نسمع ما يقول‪ .‬فالتفت إلينا معبد فقال‪ :‬أصبحت أحسن الناس غناء‪.‬‬
‫فقيل له‪ :‬أو لم تكن كذلك? قال‪ :‬ل حيث كان ابن سريج حيا‪ ،‬إن هذا أخبرني أن ابن سريج قد مات‪ .‬ثم كان بعد ذلك إذا غنى‬
‫‪.‬صوتا فأعجبه غناؤه قال‪ :‬أصبحت اليوم سريجيا‬
‫أبو السائب المخزومي وأغاني ابن سريج‬
‫قال حماد‪ :‬حدثني أبي قال حدثني أبو الحسن المدائني قال‪ :‬قال معبد‪ :‬أتيت أبا السائب ‪ -‬المخزومي وكان يصلي في كل يوم‬
‫‪:‬وليلة ألف ركعة ‪ -‬فلما رآني تجوز وقال‪ :‬ما معك من مبكيات ابن سريج? قلت قوله‬
‫والبيت يعرفهن لو يتـكـلـم‬ ‫ولهن بالبيت العتـيق لـبـانة‬
‫حيا الحطيم وجوههن وزمزم‬ ‫لو كان حيا قبلهن ظـعـائنـا‬
‫وهم على سفر لعمرك ما هم‬ ‫لبثوا ثلث منى بمنزل غبطة‬
‫لو قد أجد تفرق لم ينـدمـوا فقال لي‪ :‬غنه‪ ،‬فغنيته‪ .‬ثم قام يصلي فأطال‪ ،‬ثم تجوز‬ ‫متجاورين بغـير دار إقـامة‬
‫‪:‬إلي فقال‪ :‬ما معك من مطرباته ومشجياته? فقلت‪ :‬قوله‬
‫ما بات أو ظل المطي معقل فقال لي‪ :‬غنه‪ ،‬فغنيته‪ .‬ثم صلى وتجوز إلي وقال‪:‬‬ ‫لسنا نبالي حين ندرك حـاجة‬
‫‪:‬ما معك من مرقصاته? فقلت‬
‫ول كليالي الحج أفتن ذا هوى فقال‪ :‬كما أنت حتى أتحرم لهذا بركعتين‬ ‫‪.‬فلم أر كالتجمير منظر ناظـر‬
‫تغنيه بمسمع من عطاء بن أبي رباح‬
‫وتفضيله ابن سريج على الغريض‬
‫قال حماد‪ :‬وأخبرني أبي عن إبراهيم بن المنذر الحزامي‪ ،‬وذكر أبو أيوب المديني عن الحزامي قال حدثني عبد الرحمن بن‬
‫إبراهيم المخزومي قال‪ :‬أرسلتني أمي وأنا غلم أسأل عطاء بن أبي رباح عن مسألة‪ ،‬فوجدته في دار يقال لها دار المعلى ‪-‬‬
‫وقال أبو أيوب في خبره‪ :‬دار المقل ‪ -‬وعليه ملحفة معصفرة‪ ،‬وهو جالس على منبر وقد ختن ابنه والطعام يوضع بين يديه وهو‬
‫يأمر به أن يفرق في الخلق‪ ،‬فلهوت مع الصبيان ألعب بالجوز حتى أكل القوم وتفرقوا وبقي مع عطاء خاصته‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا أبا‬
‫محمد لو أذنت لنا فأرسلنا إلى الغريض وابن سريج فقال‪ :‬ما شئتم‪ ،‬فأرسلوا إليهما‪ .‬فلما أتيا قاموا معهما وثبت عطاء في‬
‫‪:‬مجلسه فلم يدخل‪ ،‬فدخلوا بهما بيتا في الدار‪ ،‬فتغنيا وأنا أسمع‪ .‬فبدأ ابن سريج فنقر بالدف وتغنى بشعر كثير‬
‫نعاج المل تحدى بهن الباعر‬ ‫بليلى وجارات لليلى كـأنـهـا‬
‫وشاجرني يا عز فيك الشواجر‬ ‫أمنقطع يا عز ما كان بـينـنـا‬
‫إليه الهوى واستعجلتني البوادر‬ ‫إذا قيل هذا بيت عزة قـادنـي‬
‫رواة الخنا أني لبيتك هـاجـر فكأن القوم قد نزل عليهم السبات‪ ،‬وأدركهم‬ ‫أصد وبي مثل الجنون لكي يرى‬
‫الغشي فكانوا كالموات‪ ،‬ثم أصغوا إليه بآذانهم وشخصت إليه أعينهم وطالت أعناقهم‪ .‬ثم غنى الغريض بصوت أنسيته بلحن‬
‫‪:‬آخر‪ .‬ثم غنى ابن سريج وأوقع بالقضيب‪ ،‬وأخذ الغريض الدف فغنى بشعر الخطل‬
‫وما وضعوا الثقال إل ليفعلوا‬ ‫فقلت اصبحونا ل أبا لبـيكـم‬

‫صفحة ‪74 :‬‬

‫فأكرم بها مقتولة حين تقتـل‬ ‫وقلت اقتلوها عنكم بمزاجهـا‬


‫رجال من السودان لم يتسربلوا فوالله ما رأيتهم تحركوا ول نطقوا إل مستمعين‬ ‫أناخوا فجروا شاصيات كأنهـا‬
‫‪:‬لما يقول‪ .‬ثم غنى الغريض بشعر آخر وهو‬
‫زدن الفؤاد على ما عنده حـزنـا‬ ‫هل تعرف الرسم والطلل والدمنا‬
‫وإذ ترى الوصل فيما بيننا حسنـا‬ ‫دار لصفراء إذ كانت تحل بـهـا‬
‫ومقلتي جؤذر لم يعد أن شـدنـا ثم غنيا جميعا بلحن واحد‪ ،‬فلقد خيل لي أن‬ ‫إذ تستبيك بمصقـول عـوارضـه‬
‫‪:‬الرض تميد‪ ،‬وتبينت ذلك في عطاء أيضا‪ .‬وغنى الغريض في شعر عمر بن أبي ربيعة‪ ،‬وهو قوله‬
‫وأمسي قريبا ل أزورك كلثمـا‬ ‫كفى حزنا تجمع الدار شمـلـنـا‬
‫به منك أو داوى جواه المكتمـا‬ ‫دعي القلب ل يزدد خبال مع الذي‬
‫فقد حل في قلبي هواك وخيمـا‬ ‫ومن كان ل يعدو هواه لسـانـه‬
‫ولكنه قد خالط اللحـم والـدمـا وغنى ابن سريج أيضا‬ ‫‪:‬وليس بتزويق اللسان وصـوغـه‬
‫أبى بالبراق العفر أن يتـحـول‬ ‫خليلي عوجا نسأل اليوم مـنـزل‬
‫وبدل أرواحا جنوبـا وشـمـال‬ ‫ففرع النبيت فالشرى خف أهلـه‬
‫إلينا ولم تأمن رسول فتـرسـل‬ ‫أرادت فلم تسطع كلما فأومـأت‬
‫لنا أو تنام العين عنا فـتـقـبـل وغنى الغريض أيضا‬ ‫‪:‬بأن بت عسى أن يستر الليل مجلسا‬
‫وعلى الظعائن قبل بينكما اعرضا‬ ‫يا صاحبي قفا نـقـض لـبـانة‬
‫رفقا فقد زودت زادا مجرضـا‬ ‫ل تعجلني أن أقـول بـحـاجة‬
‫لفتاتها هل تعرفين المعـرضـا‬ ‫ومقالها بالنعف نعف مـحـسـر‬
‫حتى رضيت وقلت لي لن ينقضا وأغاني أنسيتها‪ ،‬وعطاء يسمع على منبره‬ ‫هذا الذي أعطى مواثق عـهـده‬
‫ومكانه‪ ،‬وربما رأيت رأسه قد مال وشفتيه تتحركان حتى بلغته الشمس‪ ،‬فقام يريد منزله‪ .‬فما سمع السامعون شيئا أحسن‬
‫منهما وقد رفعا أصواتهما وتغنيا بهذا‪ .‬ولما بلغت الشمس عطاء قام وهم على طريقة واحدة في الغناء‪ ،‬فاطلع في كوة البيت‪.‬‬
‫‪.‬فلما رأوه قالوا‪ :‬يا أبا محمد‪ ،‬أيهما أحسن غناء? قال‪ :‬الرقيق الصوت‪ .‬يعني ابن سريج‬
‫نسبة ما في هذه الخبار من الصوات صوت‬

‫والبيت يعرفهن لو يتـكـلـم‬ ‫ولهن بالبيت العتـيق لـبـانة‬


‫حيا الحطيم وجوههن وزمزم‬ ‫لو كان حيا قبلهن ظـعـائنـا‬
‫بيض بأكناف الحطيم مركـم‬ ‫وكأنهن وقد حسرن لواغـبـا‬
‫وهم على سفر لعمرك ما هم‬ ‫لبثوا ثلث منى بمنزل غبطة‬
‫لو قد أجد رحيلهم لم يندمـوا عروضه من الكامل‪ .‬الشعر لبن أذينة‪ .‬والغناء لبن‬ ‫متجاورين بغـير دار إقـامة‬
‫‪.‬سريج ثاني ثقيل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق‪ .‬وأخبار ابن أذينة تأتي بعد هذا في موضعها إن شاء الله‬
‫‪:‬ومنها الصوت الذي أوله في الخبر‬
‫لسنا نبالي حين ندرك حاجة صوت‬

‫واسأل فإن قليلـه أن تـسـأل‬ ‫ودع لبابة قبل أن تـتـرحـل‬


‫فلعل ما بخلت بـه أن يبـذل‬ ‫وانظر بعينك لـيلة وتـأنـهـا‬
‫ما راح أو ظل المطي معقل‬ ‫لسنا نبالي حين نـدرك حـاجة‬
‫ورجوت غفلة حارس أن يعقل‬ ‫حتى إذا ما الليل جن ظـلمـه‬
‫أيم يسيب على كثـيب أهـيل الشعر لعمر بن أبي ربيعة‪ .‬والغناء لبن سريج‬ ‫خرجت تأطر في الثياب كأنهـا‬
‫ثقيل أول بالوسطى في مجراها‪ .‬وفيه لمعبد لحن من خفيف الثقيل الول بإطلق الوتر في مجرى الوسطى‪ ،‬وهو من مختار‬
‫‪.‬أغانيه ونادرها وصدور صنعته وما يقدم على كثير منها‬
‫أخبرني أحمد بن محمد بن إسحاق الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار قال ‪</H6‬الغمر بن يزيد وشعر ابن أبي ربيعة ‪<H6‬‬
‫حدثني عبد الرحمن بن عبد الله الزهري عن عبد الله بن عمران بن أبي فروة قال‪ :‬كنت أسير مع الغمر بن يزيد‪ ،‬فاستنشدني‬
‫‪:‬فأنشدته لعمر بن أبي ربيعة‬

‫صفحة ‪75 :‬‬

‫واسأل فإن قليلـه أن تـسـأل‬ ‫ودع لـبـابة أن تـتـرحــل‬


‫فيما هويت فإننا لن نعـجـل‬ ‫قال ائتمر ما شئت غير مخالف‬
‫حق علينا واجب أن نفـعـل‬ ‫نجري أيادي كنت تبذلها لـنـا‬
‫ورجوت غفلة حارس أن يعقل‬ ‫حتى إذا ما الليل جن ظـلمـه‬
‫أيم يسيب على كثـيب أهـيل‬ ‫خرجت تأطر في الثياب كأنهـا‬
‫لتحيتي لما رأتنـي مـقـبـل‬ ‫رحبت لما أقبلت فتـعـلـلـت‬
‫غراء تعشي الطرف أن يتأمل‬ ‫فجل القناع سحابة مشـهـورة‬
‫يرقى به ما اسطاع أل ينـزل‬ ‫فظللت أرقيها بما لو عـاقـل‬
‫نفس أبت للجود أن تتبـخـل قال‪ :‬فأمر غلمه فحملني على بغلته التي كانت‬ ‫تدنو فأطمع ثم تمنع بـذلـهـا‬
‫تحته‪ .‬فلما أراد النصراف طلب الغلم مني البغلة‪ ،‬فقلت‪ :‬ل أعطيكها‪ ،‬هو أكرم وأشرف من أن يحملني عليها ثم ينتزعها مني‪.‬‬
‫‪.‬فقال للغلم‪ :‬دعه يا بني‪ ،‬ذهبت والله لبابة ببغلة مولك‬
‫إذا أعجزك أن تطرب القرشي‬
‫فغنه غناء ابن سريج في شعر ابن أبي ربيعة‬
‫أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه‪ ،‬وأخبرنيه الحسن بن علي عن هارون بن الزيات عن حماد عن أبيه قال حدثني‬
‫عثمان بن حفص الثقفي عن إبراهيم بن عبد السلم بن أبي الحارث عن ابن تيزن المغنى قال قال أبو نافع السود ‪ -‬وكان آخر‬
‫من بقي من غلمان ابن سريج ‪ :-‬إذا أعجزك أن تطرب القرشي فغنه غناء ابن سريج في شعر عمر بن أبي ربيعة فإنك ترقصه‪.‬‬
‫‪.‬قال‪ :‬وأبو نافع هذا أحذق غلمان ابن سريج ومن أخذ عنه‪ ،‬وكان أحسن رواته موتا‬
‫ومنها‪ :‬صوت‬

‫نعاج المل تحدى بهن الباعـر‬ ‫بليلى وجارات لليلـى كـأنـهـا‬


‫وشاجرني يا عز فيك الشواجـر‬ ‫أمنقطع يا عز ما كـان بـينـنـا‬
‫إليه الهوى واستعجلتني البـوادر‬ ‫إذا قيل هذا بيت عـزة قـادنـي‬
‫رواة الخنا أني لبيتـك هـاجـر‬ ‫أصد وبي الجنـون لـكـي يرى‬
‫إذا بنت باع الصبر لي عنك تاجر عروضه من الطويل‪ .‬الشعر لكثير‪ .‬والغناء‬ ‫أل ليت حظي منك يا عز أننـي‬
‫لمعبد ثقيل أول بالبنصر على مذهب إسحاق من رواية عمرو‪ .‬وفيه لبن سريج لحن أوله‪ :‬أصد وبي مثل الجنون خفيف رمل‬
‫‪.‬بالخنصر في مجرى الوسطى عن إسحاق‬
‫ومنها‪ :‬صوت‬

‫رجال من السودان لم يتسربلوا‬ ‫أناخوا فجروا شاصيات كأنهـا‬


‫وما وضعوا الثقال إل ليفعلوا‬ ‫فقلت اصبحوني ل أبا لبيكـم‬
‫وترفع باللهم حـي وتـنـزل قال‪ :‬عروضه من الطويل‪ .‬الشاصيات‪ :‬الشائلت‬ ‫تمر بها اليدي سنيجا وبارحـا‬
‫‪:‬قوائمها من امتلئها‪ ،‬يعني الزقاق‪ ،‬يقال‪ :‬شصا يشصو وشصا ببصره إذا رفعه كالشاخص‪ ،‬وأنشد‬
‫يطعن بالصياصي‬ ‫وربرب خمـاص‬
‫بأعين شواصـي‬ ‫ينظر من خصاص‬
‫تسمو إلى القناص الشعر للخطل‪ ،‬وذكره يأتي في غير هذا الموضع‪ ،‬من قصيدة يمدح بها‬ ‫كفلق الرصـاص‬
‫خالد بن عبد الله بن أسيد بن أبي العيص بن أمية‪ .‬والغناء لمالك وله فيه لحنان‪ :‬أحدهما في الول والثاني رمل بالبنصر في‬
‫مجراها عن إسحاق‪ ،‬والخر في الثالث والول والثاني خفيف رمل بالوسطى عن عمرو‪ .‬وفيه لبن سريج رمل بالوسطى عن‬
‫‪.‬عمرو‪ .‬وفيه لبن محرز خفيف ثقيل بالبنصر في مجراها‪ .‬وفيه رمل آخر لبراهيم عن عمرو أيضا‬
‫ومنها‪ :‬صوت‬

‫هل تعرف الرسم والطلل والدمنا وذكر البيات الثلثة وقد تقدمت‪ .‬عروضه من البسيط‪ .‬الشعر لذي الصبع العدواني‪ .‬والغناء‬
‫‪.‬لبن عائشة ثاني ثقيل بالبنصر‬
‫ومنه‪ :‬صوت‬

‫كفى حزنا أن تجمع الدار شملنا صوت من المائة المختارة‬


‫في رواية جحظة‬

‫به منك أو داوي جواه المكتمـا‬ ‫دعي القلب ل يزدد خبال مع الذي‬
‫فقد حل في قلبي هواك وخيمـا‬ ‫ومن كان ل يعدو هواه لسـانـه‬
‫ولكنه قد خالط اللحـم والـدمـا‬ ‫وليس بتزويق اللسان وصـوغـه‬

‫صفحة ‪76 :‬‬

‫عروضه من الطويل‪ .‬الشعر للحوص‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه لسعيد بن عبد الرحمن بن حسان‪ .‬والغناء لمعبد ثقيل أول بإطلق الوتر في‬
‫‪ -‬مجرى البنصر‪ .‬وذكر يونس أن لمالك لحنا فيه‬
‫وشدي قوى حبل لنا قد تصرما‬ ‫أكلثم فكي عانيا بك مغـرمـا‬
‫فقد طالما لم ينج منك مسلمـا‬ ‫فإن تسعفيه مرة بـنـوالـكـم‬
‫وأمسي قريبا ل أزورك كلثما وبعده هذه البيات التي مضت‬ ‫‪.‬كفى حزنا أن تجمع الدار شملنا‬
‫اتفاق المغنين على تفضيل لحن ابن سريج‬
‫وليس بتزويق اللسان‪ ...‬الخ‬
‫أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حماد وذكر الثقفي عن دحمان قال‪ :‬تذاكرنا ونحن في المسجد أنا والربيع بن أبي الهيثم‬
‫الغناء أيه أحسن‪ ،‬فجعل يقول وأقول فل نجتمع على شيء‪ .‬فقلت‪ :‬اذهب بنا إلى مالك بن أبي السمح‪ .‬فذهبنا إليه فوجدناه في‬
‫المسجد‪ ،‬فقال‪ :‬ما جاء بكما? فأخبرناه‪ .‬فقال‪ :‬قد جرى هذا بيني وبين معبد وقال وقلت‪ ،‬فجاءني معبد يوما وأنا في المسجد‬
‫‪:‬وقال‪ :‬قد جئتك بشيء ل ترده‪ .‬فقلت‪ :‬وما هو? قال‪ :‬لحن ابن سريج‬
‫ولكنه قد خالط اللحم والدمـا ثم قال لي معبد‪ :‬أسمعكه? قلت‪ :‬نعم‪ ،‬وأريته‬ ‫وليس بتزويق اللسان وصوغه‬
‫أني لم أسمعه قبل‪ ،‬فقال‪ :‬اسمعه مني؛ فغنى فيه ونحن في المسجد‪ ،‬فما سمعت شيئا قط أحسن منه‪ ،‬فافترقنا وقد اجتمعنا‬
‫‪.‬عليه‬
‫وقرأت في فصل لبراهيم بن المهدي إلى إسحاق الموصلي‪ .‬وكتبت رقعتي هذه وأنا في غمرة من الحمى تصدف عن‬
‫المفترضات‪ .‬ولول خوفي من تشنيعك وتجنيك لم يكن في للجابة فضل‪ ،‬غير أني قد تكلفت الجواب على ما الله به عالم من‬
‫‪.‬صعوبة علتي وما أقاسيه من الحرارة الحادثة بي‬

‫ولكنه قد خالط اللحم والدمـا تفضيل غناء ابن سريج‬ ‫وليس بتزويق اللسان وصوغه‬
‫على غناء معبد ومالك بن أبي السمح‬
‫وقال إسحاق حدثني شيخ من موالي المنصور قال‪ :‬قدم علينا فتيان من بني أمية يريدون مكة‪ ،‬فسمعوا معبدا ومالكا فأعجبوا‬
‫بهما‪ ،‬ثم قدموا مكة فسألوا عن ابن سريج فوجدوه مريضا‪ ،‬فأتوا صديقا له فسألوه أن يسمعهم غناءه‪ ،‬فخرج معهم حتى دخلوا‬
‫عليه‪ .‬فقالوا‪ :‬نحن فتيان من قريش‪ ،‬أتيناك مسلمين عليك‪ ،‬وأحببنا أن نسمع منك‪ .‬فقال‪ :‬أنا مريض كما ترون‪ .‬فقالوا‪ :‬إن الذي‬
‫نكتفي منك به يسير ‪ -‬وكان ابن سريج أديبا طاهر الخلق عارفا بأقدار الناس ‪ -‬فقال‪ :‬يا جارية‪ ،‬هاتي جلبابي وعودي‪ ،‬فأتته‬
‫خادمة بخامة فسدلها على وجهه ‪ -‬وكان يفعل ذلك إذا تغنى لقبح وجهه ‪ -‬ثم أخذ العود فغناهم‪ ،‬فأرخى ثوبه على عينيه وهو‬
‫يغني‪ ،‬حتى إذا اكتوا ألقى عوده وقال‪ :‬معذرة‪ .‬فقالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قد قبل الله عذرك فأحسن الله إليك‪ ،‬ومسح ما بك‪ ،‬وانصرفوا‬
‫يتعجبون مما سمعوا‪ .‬فمروا بالمدينة منصرفين‪ ،‬فسمعوا من معبد ومالك‪ ،‬فجعلوا ل يطربون لهما ول يعجبون بهما كما كانوا‬
‫يطربون‪ .‬فقال أهل المدينة‪ :‬نحلف بالله لقد سمعتم بعدنا ابن سريج قالوا‪ :‬أجل لقد سمعناه فسمعنا ما لم نسمع مثله قط‪،‬‬
‫‪.‬ولقد نغص علينا ما بعده‬
‫تغني رقطاء الحبطية برمله‬
‫في شعر ابن عمارة السلمي‬
‫وذكر العتابي أن زكريا بن يحيى حدثه قال حدثني عبد الله بن محمد بن عثمان العثماني عن بعض أهل الحجاز قال‪ :‬التقى‬
‫قنديل الجصاص وأبو الجديد بشعب الصفراء‪ ،‬فقال قنديل لبي الجديد‪ :‬من أين وإلى أين? قال‪ :‬مررت برقطاء الحبطية رائحة‬
‫تترنم برمل ابن سريج في شعر ابن عمارة السلمي‪ :‬صوت‬

‫فوادي نصاع فالقرون إلى عـمـد‬ ‫سقى مأزمي نجد إلى بـئر خـالـد‬
‫تسح شآبيبا بمـرتـجـز الـرعـد‬ ‫وجادت بروق الرائحـات بـمـزنة‬
‫ليالي تسبيني بمسـتـطـرف الـود‬ ‫منازل هند إذ تواصـلـنـي بـهـا‬
‫وتهدي بطيب الريح من جاء من نجد‬ ‫ينير ظلم الليل من حسن وجهـهـا‬

‫صفحة ‪77 :‬‬

‫الغناء لبن سريج رمل بالبنصر عن الهشامي ‪ -‬فزففت خلفها زفيف النعامة‪ ،‬فما انجلت غشاوتي إل وأنا بالمشاش حسير‪- ،‬‬
‫فأودعتها قلبي وخلفته لديها‪ ،‬وأقبلت أهوي كالرخمة بغير قلب‪ .‬فقال لي قنديل‪ :‬ما دفع أحد من المزدلفة أسعد منك‪ ،‬سمعت‬
‫شعر ابن عمارة في غناء ابن سريج من رقطاء الحبطية؛ لقد أوتيت جزءا من النبوة‪ .‬قال‪ :‬وكانت رقطاء هذه من أضرب الناس؛‬
‫فدخل رجل من أهل المدينة منزلها فغنته صوتا‪ .‬فقال له بعض من حضر‪ :‬هل رأيت قط أو ترى أفصح من وتر هذه? فطرب‬
‫المدني وقال‪ :‬علي العهد إن لم يكن وترها من معي بشكست النحوي‪ ،‬فكيف ل يكون فصيحا وبشكست هذا كان نحويا‬
‫‪.‬بالمدينة‪ ،‬وقتل مع الشراة الخارجين مع أبي حمزة صاحب عبد الله بن يحيى الكندي الشاري المعروف بطالب الحق‬
‫غناؤه مخلوق من قلوب الناس جميعا‬
‫قال محمد بن الحسن وحدث عن إسحاق عن أبيه أنه كان يقول‪ :‬غناء كل مغن مخلوق من قلب رجل واحد‪ ،‬وغناء ابن سريج‬
‫مخلوق من قلوب الناس جميعا‪ .‬وكان يقول‪ :‬الغناء على ثلثة أضرب‪ ،‬فضرب مله مطرب يحرك ويستخف‪ ،‬وضرب ثان له شجا‬
‫‪.‬ورقة‪ ،‬وضرب ثالث حكمة وإتقان صنعة‬
‫‪.‬قال‪ :‬وكل هذا مجموع في غناء ابن سريج‬
‫تغني ابن سلمة الزهري بغنائه‬
‫والتقاء ابن سلمة الزهري والخضر الجدي ببئر الفصح‬
‫قال العتابي وحدثني زكريا بن يحيى عن عبد الله بن محمد العثماني قال‪ :‬ذكر بعض أصحابنا الحجازيين قال‪ :‬التقى ابن سلمة‬
‫الزهري والخضر الجدي ببئر الفصح‪ ،‬فقال ابن سلمة‪ :‬هل لك في الجتماع نستمتع بك? فقال له الخضر‪ :‬لقد كنت إلى ذلك‬
‫مشتاقا‪ ،‬قال‪ :‬فقعدا يتحدثان‪ ،‬فمر بهما أبو السائب‪ ،‬فقال‪ :‬يا مطربي الحجاز‪ ،‬ألشيء كان اجتماعكما? فقال‪ :‬لغير موعد كان‬
‫ذلك‪ ،‬أفتؤنسنا? قال‪ :‬فقعدوا يتحدثون‪ .‬فلما مضى بعض الليل قال الخضر لبن سلمة‪ :‬يا أبا الزهر‪ ،‬قد ابهار الليل وساعدك‬
‫القمر‪ ،‬فأوقع بقهقهة ابن سريج وأصب معناك‪ .‬فاندفع يغني‪ :‬صوت‬

‫وقالت لتربيها مقالة عـاتـب‬ ‫تجنت بل جرم وصدت تغضبـا‬


‫سأمنع نفسي من ظنون كواذب‬ ‫سيعلم هذا أنني بـنـت حـرة‬
‫أبيات فحش طاهرات المناسب ‪ -‬الغناء لبن سريج ولم يذكر طريقته ‪ -‬قال‪ :‬فجعل‬ ‫فقولي له عنا تـنـح فـإنـنـا‬
‫أبو السائب يزفن ويقول‪ :‬أبشر حبيبي؛ فلنت أفضل من شهداء قزوين‪ .‬قال‪ :‬ثم قال ابن سلمة للخضر‪ :‬نعم المساعد على هم‬
‫الليل أنت فأوقع بنوح ابن سريج ول تعد معناك‪ .‬فاندفع يغني‪ :‬صوت‬

‫تنفس محزون الفـؤاد سـقـيم‬ ‫فلما التقينا بالحجون تنـفـسـت‬


‫أقاطنها أم أنـت غـير مـقـيم‬ ‫وقالت وما يرقا من الخوف دمعها‬
‫وأنت بما نلقـاه غـير عـلـيم‬ ‫فإنا غدا تحدى بنا العيس بالضحى‬
‫محاجز عيني دمعها بـسـجـوم قال‪ :‬فجعل أبو السائب يتأفف ويقول‪ :‬أعتق ما‬ ‫فقطع قلبي قولها ثم أسـبـلـت‬
‫‪.‬أملك إن لم تكن فردوسية الطينة‪ ،‬وإنها بعلمها لفضل من آسية امرأة فرعون‬
‫تغني الذلفاء بلحن ابن سريج‬
‫أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن الهيثم بن عدي قال‪ :‬بلغني أن أبا دهبل الجمحي قال‪ :‬كنت أنا وأبو السائب‬
‫المخزومي عند مغنية بالمدينة يقال لها الذلفاء ‪ ،‬فغنتنا بشعر جميل بن معمر العذري‪ ،‬واللحن لبن سريج‪ :‬صوت‬

‫ول زال منها ظالـع وكـسـير‬ ‫لهن الوجى لم أكن عونا على النوى‬
‫وجد بهم حـاد وحـان مـسـير فقال أبو السائب‪ :‬يا أبا دهبل‪ ،‬نحن والله على‬ ‫كأني سقيت السم يوم تحـمـلـوا‬
‫‪.‬خطر من هذا الغناء‪ ،‬فنسأل الله السلمة وأن يكفينا كل محذور‪ ،‬فما آمن أن يهجم بي على أمر يهتكني‪ .‬قال‪ :‬وجعل يبكي‬
‫تأثير غناء ابن سريج في الحاج‬
‫أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا الزبير بن بكار عن بكار بن رباح عن إسحاق بن مقمة عن أمه قالت‪ :‬سمعت ابن سريج‬
‫‪:‬على أخشب منى غداة النفر وهو يغني‬
‫لمحب فـراقـه قـد ألـمـا‬ ‫جدوي الوصل يا قريب وجودي‬
‫أن يردوا جمالهم فـتـرمـا‬ ‫ليس بين الحياة والـمـوت إل‬

‫صفحة ‪78 :‬‬

‫‪.‬ونسبة هذا الصوت تأتي بعد هذه الخبار ‪ -‬قالت‪ :‬فما تشاء أن تسمع من خباء ول مضرب حنينا ول أنينا إل سمعته ‪-‬‬
‫مذاكرة ابن المهدي وإسحاق في تفضيله‬
‫وذكر يوسف بن إبراهيم أنه حضر إسحاق بن إبراهيم الموصلي ليلة وهو يذاكر إبراهيم بن المهدي‪ ،‬إلى أن قال إسحاق في‬
‫بعض مخاطبته إياه‪ :‬هذا صوت قد تمعبد فيه ابن سريج‪ .‬فقال له إبراهيم‪ :‬ما ظننت أنك يا أبا محمد مع علمك وتقدمك تقول‬
‫مثل هذا في ابن سريج‪ ،‬فكيف يجوز أن تقول‪ :‬تمعبد ابن سريج‪ ،‬وإنما معبد إذا أحسن قال‪ :‬أصبحت سريجيا قد أغنى الله ابن‬
‫سريج عن هذا ورفع قدره عن مثله‪ ،‬وأعيذك بالله أن تستشعر مثله في ابن سريج‪ .‬قال‪ :‬فما رأيت إسحاق دفع ذلك ول أباه‪ ،‬ول‬
‫‪.‬زاد على أن قال‪ :‬هي كلمة يقولها الناس‪ ،‬لم أقلها اعتقادا لها فيه‪ ،‬وإنما تكلمت بها على العادة‬
‫اعتراف معبد له بالتفوق أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا محمد بن سلم قال‪ :‬قال لي‬
‫‪.‬شعيب بن صخر‪ :‬كان معبد إذا غنى فأجاد قال‪ :‬أنا اليوم سريجي‬
‫كان المغنون يغنون فإذا جاء سكتوا حدثني الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد بن سلم قال‬
‫حدثنا شعيب بن صخر قال‪ :‬كان نعمان المغني عندي نازل‪ ،‬وكان يغني‪ ،‬وكنت أراه يأتيه قوم‪ .‬قال أبو عبد الله‪ :‬فقلت له‪ :‬فأيهم‬
‫‪.‬كان أحذق? قال‪ :‬ل أدري‪ ،‬إل أنهم كانوا إذا جاء ابن سريج سكتوا‬
‫الحوص وابن سريج‬
‫أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال حدثني الهيثم بن عياش قال حدثني عبد الرحمن بن عيينة قال‪ :‬بينما نحن‬
‫بمنى ونحن نريد الغدو إلى عرفات‪ ،‬إذ أتانا الحوص فقال‪ :‬أبيت بكم الليلة? قلنا‪ :‬بالرحب والسعة‪ .‬فلما جنه الليل لم يلبث أن‬
‫غاب عنا ثم عاد ورأسه يقطر ماء‪ .‬قلت‪ :‬ما لك? قال‪ :‬صوت‬

‫ت ضل ضللك من محرم‬ ‫تعرض سلماك لمـا حـرم‬


‫كفافا من البر والـمـأثـم ‪ -‬الغناء لبن سريج ولم يجنسه ‪ -‬قال قلت‪ :‬زنيت ورب الكعبة‬ ‫تريد بـه الـبـر يا لـيتـه‬
‫قال‪ :‬قل ما بدا لك‪ .‬ثم لقي ابن سريج فقال‪ :‬إني قد قلت بيتين حسنين أحب أن تغنيني بهما‪ .‬قال‪ :‬ما هما? فأنشده إياهما؛‬
‫‪.‬فغنى بهما من ساعته‪ ،‬ففتن من حضر ممن سمع صوته‬
‫ارتحال جرير إلى مكة ليسمع غناءه‬
‫أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال حدثني إسحاق بن يحيى بن طلحة قال‪ :‬قدم جرير بن الخطفي المدينة ونحن‬
‫يومئذ شباب نطلب الشعر‪ ،‬فاحتشدنا له ومعنا أشعب‪ .‬فبينا نحن عنده إذ قام لحاجة وأقمنا لم نبرح‪ .‬وجاء الحوص بن محمد‬
‫الشاعر من قباء على حمار فقال‪ :‬أين هذا? فقلنا‪ :‬قام لحاجة‪ ،‬فما حاجتك إليه? قال‪ :‬أريد والله أن أعلمه أن الفرزدق أشعر‬
‫منه وأشرف‪ .‬قلنا‪ :‬ويحك ل تعرض له وانصرف‪ ،‬فانصرف وخرج‪ .‬فجاء جرير فلم يكن بأسرع من أن أقبل الحوص الشاعر‬
‫فأقبل عليه‪ ،‬فقال‪ :‬السلم عليك يا جرير‪ .‬قال جرير‪ :‬وعليك السلم‪ .‬فقال الحوص‪ :‬يابن الخطفى‪ ،‬الفرزدق أشرف منك‬
‫وأشعر‪ .‬قال جرير‪ :‬من هذا أخزاه الله قلنا‪ :‬الحوص بن محمد بن عاصم بن ثابت بن أبي القلح‪ .‬فقال‪ :‬نعم هذا الخبيث ابن‬
‫‪:‬الطيب‪ ،‬أأنت القائل‬
‫وأحسن شيء ما به العين قرت قال نعم‪ .‬قال‪ :‬فإنه يقر بعينها أن يدخل فيها مثل‬ ‫يقر بعيني ما يقر بـعـينـهـا‬
‫ذراع البكر‪ ،‬أفيقر ذلك بعينك? قال‪ :‬وكان الحوص يرمى بالحلق فانصرف‪ ،‬فبعث إليهم بتمر وفاكهة‪ .‬وأقبلنا على جرير نسائله‪،‬‬
‫وأشعب عند الباب وجرير في مؤخر البيت‪ ،‬فألح عليه أشعب يسأل‪ .‬فقال‪ :‬والله إني لراك أقبحهم وجها وأراك ألمهم حسبا؛‬
‫فقد أبرمتني منذ اليوم‪ .‬قال‪ :‬إني والله أنفعهم وخيرهم لك‪ .‬فانتبه جرير وقال‪ :‬ويحك كيف ذاك? قال‪ :‬إني أملح شعرك وأجيد‬
‫‪:‬مقاطعه ومبادئه‪ .‬فقال‪ :‬قل‪ ،‬ويحك فاندفع أشعب فنادى بلحن ابن سريج‬
‫قبل الرحيل وقبل عدل العذل‬ ‫يا أخت ناجية السلم عليكـم‬
‫يوم الرحيل فعلت ما لم أفعل‬ ‫لو كنت أعلم أن آخر عهدكم‬

‫صفحة ‪79 :‬‬

‫فطرب جرير وجعل يزحف نحوه حتى ألصق بركبته ركبته‪ ،‬وقال‪ :‬لعمري لقد صدقت‪ ،‬إنك لنفعهم لي وقد حسنته وأجدته‬
‫وزينته‪ ،‬أحسنت والله‪ ،‬ثم وصله وكساه‪ .‬فلما رأينا إعجاب جرير بذلك الصوت‪ ،‬قال له بعض أهل المجلس‪ :‬فكيف لو سمعت‬
‫واضع هذا الغناء? قال‪ :‬أو إن له لواضعا غير هذا? فقلنا نعم‪ .‬قال‪ :‬فأين هو? قلنا‪ :‬بمكة قال‪ :‬فلست بمفارق حجازكم حتى أبلغه‪.‬‬
‫فمضى ومضى معه جماعة ممن يرغب في طلب الشعر في صحابته وكنت فيهم‪ ،‬فأتيناه جميعا‪ ،‬فإذا هو في فتية من قريش‬
‫كأنهم المها مع ظرف كثير‪ ،‬فأدنوا ورحبوا وسألوا عن الحاجة‪ ،‬فأخبرناهم الخبر‪ ،‬فرحبوا بجرير وأدنوه وسروا بمكانه‪ ،‬وأعظم‬
‫عبيد بن سريج موضع جرير وقال‪ :‬سل ما تريد جعلت فداءك قال‪ :‬أريد أن تغنيني لحنا سمعته بالمدينة أزعجني إليك‪ .‬قال‪ :‬وما‬
‫‪:‬هو? قال‬
‫قبل الرحيل وقبل عذل العذل فغناه ابن سريج وبيده قضيب يوقع به وينكت‪،‬‬ ‫يا أخت ناجية السلم عليكـم‬
‫فوالله ما سمعت شيئا قط أحسن من ذلك‪ .‬فقال جرير‪ :‬لله دركم يا أهل مكة‪ ،‬ما أعطيتم والله لو أن نازعا نزع إليكم ليقيم‬
‫بين أظهركم فيسمع هذا صباح مساء لكان أعظم الناس حظا ونصيبا‪ ،‬فكيف ومع هذا بيت الله الحرام‪ ،‬ووجوهكم الحسان‪،‬‬
‫ورقة ألسنتكم‪ ،‬وحسن شارتكم‪ ،‬وكثرة فوائدكم أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن جده إبراهيم قال‪ :‬الوليد بن‬
‫عبد الملك وابن سريج‬
‫كتب الوليد بن عبد الملك إلى عامل مكة أن أشخص إلي ابن سريج‪ ،‬فأشخصه‪ .‬فلما قدم مكث أياما ل يدعو به ول يلتفت إليه‪.‬‬
‫قال‪ :‬ثم إنه ذكره‪ ،‬فقال‪ :‬ويلكم أين ابن سريج? قالوا‪ :‬هو حاضر‪ .‬قال‪ :‬علي به‪ .‬فقالوا‪ :‬أجب أمير المؤمنين‪ .‬فتهيأ ولبس وأقبل‬
‫حتى دخل عليه فسلم‪ .‬فأشار إليه أن اجلس‪ ،‬فجلس بعيدا ‪ .‬فاستدناه فدنا حتى كان منه قريبا‪ ،‬وقال‪ :‬ويحك يا عبيد لقد‬
‫بلغني عنك ما حملني على الوفادة بك من كثرة أدبك وجودة اختيارك مع ظرف لسانك وحلوة مجلسك‪ .‬فقال‪ :‬جعلت فداءك يا‬
‫أمير المؤمنين تسمع بالمعيدي خير من أن تراه ‪ .‬قال الوليد‪ :‬إني لرجو أل تكون أنت ذاك‪ ،‬ثم قال‪ :‬هات ما عندك‪ .‬فاندفع ابن‬
‫‪:‬سريج فغنى بشعر الحوص‬
‫فقد هجتما للشوق قلبـا مـتـيمـا‬ ‫أمنزلتي سلمى على القدم اسلـمـا‬
‫وجدة وصل حبله قـد تـجـذمـا‬ ‫وذكرتما عصر الشباب الذي مضى‬
‫وحل بوج جالسـا أو تـتـهـمـا‬ ‫وإني إذا حلـت بـبـيش مـقـيمة‬
‫رجاء وظنا بالمغـيب مـرجـمـا‬ ‫يمانية شطت فأصبـح نـفـعـهـا‬
‫بها صدع شعب الدار إل تثـلـمـا‬ ‫أحب دنو الدار منـهـا وقـد أبـى‬
‫أحيا يبكى أم ترابـا وأعـظـمـا‬ ‫بكاها وما يدري سوى الظن من بكى‬
‫تزل عنك بؤس أو تفيدك أنعـمـا‬ ‫فدعها وأخلف للـخـلـيفة مـدحة‬
‫وغيث حيا يحيا به الناس مرهـمـا‬ ‫فإن بكـفـيه مـفـاتـيح رحـمة‬
‫على ملكه مال حـرامـا ول دمـا‬ ‫إمام أتاه الملك عـفـوا ولـم يثـب‬
‫وليا وكان الله بالنـاس أعـلـمـا‬ ‫تخيره رب العـبـاد لـخـلـقـه‬
‫لبـيعـتـه إل أجـاب وسـلـمـا‬ ‫فلما قضاه الله لم يدع مـسـلـمـا‬
‫ويرهب موتا عاجل من تـشـأمـا فقال الوليد‪ :‬أحسنت والله وأحسن الحوص‬ ‫ينال الغنى والعـز مـن نـال وده‬
‫علي بالحوص‪ .‬ثم قال‪ :‬يا عبيد هيه فغناه بشعر عدي بن الرقاع العاملي يمدح الوليد‪ :‬صوت‬

‫وحيل بيني وبين النوم فامتنـعـا‬ ‫طار الكرى وألم الهم فاكتـنـعـا‬
‫وأستظل زمانا ثمت انقـشـعـا‬ ‫كان الشباب قناعا أسـتـكـن بـه‬
‫فينانة ما ترى في صدغها نزعـا‬ ‫فاستبدل الرأس شيبا بعـد داجـية‬
‫وأعقب الله بعد الصبوة الورعـا‬ ‫فإن تكن ميعة من باطل ذهـبـت‬
‫على الوسائد مسرورا بها ولـعـا‬ ‫فقد أبيت أراعي الـخـود راقـدة‬
‫إذا مقبلها في ريقـهـا كـرعـا‬ ‫براقة الثغر تشفي القلب لذتـهـا‬
‫غيث أرش بتنضاح وما نـقـعـا‬ ‫كالقحوان بضاحي الروض صبحه‬

‫صفحة ‪80 :‬‬

‫والمؤمنون إذا ما جمعوا الجمعا‬ ‫صلى الذي الصلوات الطيبات له‬


‫بالجر والحمد حتى صاحباه معا‬ ‫على الذي سبق القوام ضاحـية‬
‫على يديه وكانوا قبلـه شـيعـا‬ ‫هو الذي جمع الرحمن أمـتـه‬
‫وان نكون لراع بعده تـبـعـا‬ ‫عذنا بذي العرش أن نحيا ونفقده‬
‫ملك عليه أعان الله فارتفـعـا‬ ‫إن الوليد أمير المؤمـنـين لـه‬
‫له عباد ول يعطون ما منـعـا فقال له الوليد‪ :‬صدقت يا عبيد أنى لك هذا?‬ ‫ل يمنع الناس ما أعطى الذين هم‬
‫قال‪ :‬هو من عند الله‪ .‬قال الوليد‪ :‬لو غير هذا قلت لحسنت أدبك‪ .‬قال ابن سريج‪ :‬ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء‪ .‬قال الوليد‪:‬‬
‫يزيد في الخلق ما يشاء‪ .‬قال ابن سريج‪ :‬هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر‪ .‬قال الوليد‪ :‬لعلمك والله أكبر وأعجب إلي‬
‫‪:‬من غنائك غنني‪ .‬فغناه بشعر عدي بن الرقاع العاملي يمدح الوليد‬
‫من بعد ما شمل البلى أبلدهـا‬ ‫عرف الديار توهما فاعتـادهـا‬
‫كالريم قد ضربت بها أوتادهـا‬ ‫ولرب واضحة العوارض طفلة‬
‫وتباعدت مني اغتفرت بعادهـا‬ ‫إني إذا ما لم تصلني خـلـتـي‬
‫وأتم نعمتـه عـلـيه وزادهـا‬ ‫صلى الله على امرىء ودعته‬
‫فسقى خناصرة الحص فجادها‬ ‫وإذا الربيع تتابـعـت أنـواؤه‬
‫غيثا أغاث أنيسهـا وبـلدهـا‬ ‫نزل الوليد بها فكان لهـلـهـا‬
‫ألقت خزائمها إليه فـقـادهـا‬ ‫أول ترى أن البـرية كـلـهـا‬
‫من أمة إصلحها ورشـادهـا‬ ‫ولقد أراد الـلـه إذ ولكـهـا‬
‫وكففت عنها من يروم فسادها‬ ‫أعمرت أرض المسلمين فأقبلت‬
‫عمت أقاصي غورها ونجادها‬ ‫وأصبت في أرض العدو مصيبة‬
‫أحد من الخلفاء كـان أرادهـا‬ ‫ظفرا ونصرا ما تناول مثـلـه‬
‫جمع المكارم طرفها وتلدهـا‬ ‫فإذا نشرت له الثنـاء وجـدتـه‬

‫صفحة ‪81 :‬‬

‫فأشار الوليد إلى بعض الخدم‪ ،‬فغطوه بالخلع ووضعوا بين يديه كيسا من الدنانير وبدرا من الدراهم‪ ،‬ثم قال الوليد بن عبد‬
‫الملك‪ :‬يا مولى بني نوفل بن الحارث‪ ،‬لقد أوتيت أمرا جليل‪ .‬فقال ابن سريج‪ :‬يا أمير المؤمنين لقد آتاك الله ملكا عظيما‬
‫وشرفا عاليا‪ ،‬وعزا بسط يدك فيه فلم يقبضه عنك ول يفعل إن شاء الله‪ .‬فأدام الله لك ما ولك‪ ،‬وحفظك فيما استرعاك‪ ،‬فإنك‬
‫أهل لما أعطاك‪ ،‬ول نزعه منك إذ رآك له موضعا‪ .‬قال‪ :‬يا نوفلي‪ ،‬وخطيب أيضا قال ابن سريج‪ :‬عنك نطقت‪ ،‬وبلسانك تكلمت‪،‬‬
‫وبعزك بينت‪ .‬وقد كان أمر بإحضار الحوص بن محمد النصاري وعدي بن الرقاع العاملي‪ .‬فلما قدما عليه أمر بإنزالهما حيث‬
‫ابن سريج‪ ،‬فأنزل منزل إلى جنب ابن سريج‪ .‬فقال‪ :‬والله لقرب أمير المؤمنين كان أحب إلينا من قربك يا مولى بني نوفل‪ ،‬وإن‬
‫في قربك لما يلذنا ويشغلنا عن كثير مما نريد‪ .‬فقال لهما ابن سريج‪ :‬أو قلة شكر فقال له عدي‪ :‬كأنك يابن اللخناء تمن علينا‬
‫علي وعلي إن جمعنا وإياك سقف بيت أو صحن دار إل عند أمير المؤمنين‪ .‬وأما الحوص فقال‪ :‬أو ل تحتمل لبي يحيى الزلة‬
‫والهفوة وكفارة يمين خير من عدم المحبة‪ ،‬وإعطاء النفس سؤلها خير من لجاج في غير منفعة فتحول عدي‪ ،‬وبقي عنده‬
‫الحوص‪ .‬وبلغ الوليد ما جرى بينهم‪ ،‬فدعا ابن سريج وأدخله بيتا وأرخى دونه سترا‪ ،‬ثم أمره إذا فرغ الحوص وعدي من‬
‫كلمتيهما أن يغنى‪ .‬فلما دخل وأنشداه مدائح فيه‪ ،‬رفع ابن سريج صوته من حيث ل يرونه وضرب بعوده‪ .‬فقال عدي‪ :‬يا أمير‬
‫المؤمنين‪ ،‬أتأذن لي أن أتكلم? فقال‪ :‬قل يا عاملي‪ .‬قال‪ :‬أمثل هذا عند أمير المؤمنين‪ ،‬ويبعث إلى ابن سريج يتخطى به رقاب‬
‫قريش والعرب من تهامة إلى الشأم‪ ،‬ترفعه أرض وتخفضه أخرى فيقال‪ :‬من هذا‪ .‬فيقال‪ :‬عبيد بن سريج مولى بني نوفل بعث‬
‫أمير المؤمنين إليه‪ ،‬ليسمع غناءه فقال‪ :‬ويحك يا عدي أو ل تعرف هذا الصوت? قال‪ :‬ل‪ ،‬والله ما سمعته قط ول سمعت مثله‬
‫حسنا‪ ،‬ولول أنه في مجلس أمير المؤمنين لقلت‪ :‬طائفة من الجن يتغنون‪ .‬فقال‪ :‬اخرج عليهم‪ ،‬فخرج فإذا ابن سريج‪ .‬فقال‬
‫عدي‪ :‬حق لهذا أن يحمل حق لهذا أن يحمل ‪ -‬ثلثا ‪ -‬ثم أمر لهما بمثل ما أمر به لبن سريج‪ ،‬وارتحل القوم‪ .‬وكان الذي غناه ابن‬
‫‪:‬سريج من شعر عمر بن أبي ربيعة‬
‫هل من وفى بالعهد كالناكث‬ ‫بالله يا ظبي بني الـحـارث‬
‫وأنت بي تلعب كالعـابـث‬ ‫ل تخدعني بالمنى بـاطـل‬
‫نفسي فداء لك يا حـارثـي‬ ‫حتى متى أنت لنـا هـكـذا‬
‫ويا هوى نفسي ويا وارثـي عتاب الناس له في صنعة الغناء‬ ‫يا منتهى همي ويا منـيتـي‬
‫ثم رجوعهم بعد أن يسمعوا صوته‬
‫قال‪ :‬وبلغني أن رجل من الشراف من قريش من موالي ابن سريج عاتبه يوما على الغناء وأنكره عليه‪ ،‬وقال له‪ :‬لو أقبلت‬
‫على غيره من الداب لكان أزين بمواليك وبك فقال‪ :‬جعلت فداك امرأته طالق إن أنت لم تدخل الدار‪ .‬فقال الشيخ‪ :‬ويحك ما‬
‫حملك على هذا? قال‪ :‬جعلت فداك قد فعلت‪ .‬فالتفت النوفلي إلى بعض من كان معه متعجبا مما فعل‪ .‬فقال له القوم‪ :‬قد‬
‫طلقت امرأته إن أنت لم تدخل الدار‪ .‬فدخل ودخل القوم معه‪ .‬فلما توسطوا الدار قال‪ :‬امرأته طالق إن أنت لم تسمع غنائي‪.‬‬
‫قال‪ :‬اغرب عني يا لكع ثم بدر الشيخ ليخرج‪ .‬فقال له أصحابه‪ :‬أتطلق امرأته وتحمل وزر ذلك? قال‪ :‬فوزر الغناء أشد‪ .‬قالوا‪:‬‬
‫‪:‬كل ما سوى الله عز وجل بينهما‪ .‬فأقام الشيخ مكانه‪ .‬ثم اندفع ابن سريج يغني في شعر عمر بن أبي ربيعة في زينب‬
‫لمولة لها ظهـرا‬ ‫أليست بالتي قالـت‬
‫إذا هو نحونا خطرا‬ ‫أشيري بالسلم لـه‬
‫لزينب نولي عمـرا‬ ‫وقولي في ملطـفة‬
‫ن قد خبرنني الخبرا فقال للجماعة‪ :‬هذا والله حسن ما بالحجاز مثله ول في غيره‪.‬‬ ‫أهذا سحرك النسـوا‬
‫‪.‬وانصرفوا‬

‫صفحة ‪82 :‬‬

‫أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن الصمعي قال‪ :‬قال عبد الله بن عمير الليثي لبن سريج‪ :‬لو تركت الغناء‬
‫وعاتبه على ذلك‪ .‬فقال‪ :‬جعلت فداك لو سمعته ما تركته‪ .‬ثم قال‪ :‬امرأته طالق ثلثا إن لم تدخل الدار حتى تسمع غنائي‪.‬‬
‫فالتفت عبد الله إلى رفيق له كان معه فقال‪ :‬ما تنتظر? ادخل بنا وإل طلقت امرأة الرجل‪ .‬فدخل مع ابن سريج‪ ،‬فغنى بشعر‬
‫الحوص‪ :‬صوت‬

‫فعينك في إثرهم تدمع‬ ‫لقد شاقك الحي إذ ودعوا‬


‫فظلت كأنك ل تسمـع ثم قال‪ :‬امرأته طالق إن أنت لم تستحسنه لتركنه‪ .‬فتبسم عبد‬ ‫وناداك للبين غربـانـه‬
‫‪.‬الله وخرج‬
‫‪:‬نسبة ما في هذه الخبار من الصوات منها‪ :‬الصوت الذي أوله في الخبر‬
‫جددي الوصل يا قريب وجودي أوله‪ :‬صوت‬

‫هاج لي ذكرة وأحدث هـمـا‬ ‫إن طيف الخيال حـين ألـمـا‬


‫لمحب فـراقـه قـد ألـمـا‬ ‫جددي الوصل يا قريب وجودي‬
‫أن يردوا جمالهـم فـتـزمـا‬ ‫ليس بين الحياة والـمـوت أل‬
‫هل ترى ذلك الغزال الحمـا‬ ‫ولقد قلت مخفـيا لـغـريض‬
‫أكمل الناس صـورة وأتـمـا عروضه من الخفيف‪ .‬الشعر لعمر بن أبي ربيعة‪،‬‬ ‫هل ترى مثله من الناس شخصا‬
‫‪.‬والغناء لبن سريج ثقيل أول بالوسطى عن الهشامي‪ .‬وفيه للغريض أيضا ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق‬
‫أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن سعيد الدمشقي قال حدثنا الزبير قال‪ :‬أنشد جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن‬
‫‪:‬الحسين قول عمر‬
‫أن يردوا جمالهم فتزمـا فطرب وارتاح وجعل يقول‪ :‬لقد عجلوا البين‪ ،‬أفل يوكون‬ ‫ليس بين الحياة والموت إل‬
‫‪.‬قربة أفل يودعون صديقا أفل يشدون رحل حتى جرت دموعه‬
‫‪.‬وحدثنا الحرمي بن أبي العلء عن الزبير فذكر مثله‬
‫ومنها‪ :‬صوت‬

‫قبل الرحيل وقبل عذل العذل‬ ‫يا أخت ناجية السلم عليكـم‬
‫يوم الرحيل فعلت ما لم أفعل عروضه من الكامل‪ .‬الشعر لجرير‪ .‬والغناء لبن‬ ‫لو كنت أعلم أن آخر عهدكم‬
‫سريج ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى عن ابن المكي‪ ،‬وذكره إسحاق في هذه الطريقة ولم ينسبه إلى أحد‪ .‬وفيه‬
‫للغريض ثاني ثقيل بالوسطى عن ابن المكي أيضا‪ .‬ومما يشك فيه أنه لمعبد أو لكردم ابنه في البيت الثاني والول ثاني ثقيل‪.‬‬
‫‪.‬ولعريب في هذين البيتين لحن من رواية ابن المعتز غير مجنس‬
‫ومنها‪ :‬صوت‬
‫فقد هجتما للشوق قلبا مـتـيمـا‬ ‫أمنزلتي سلمى على القدم أسلـمـا‬
‫وجدة وصل حبله قد تـجـذمـا عروضه من الطويل‪ .‬والشعر للحوص‪.‬‬ ‫وذكرتما عصر الشباب الذي مضى‬
‫‪.‬والغناء لكردم ثاني ثقيل بالوسطى‪ ،‬وقيل‪ :‬إن هذا الثقيل الثاني لمحمد الرف‪ ،‬وإن فيه لحنا من الثقيل الول لكردم‬
‫ومنها‪ :‬صوت‬

‫من بعد ما شمل البلى أبلدها‬ ‫عرف الديار توهما فاعتادهـا‬


‫حمراء أكثر أهلها إيقادهـا عروضه من الكامل‪ .‬الشعر لعدي بن الرقاع العاملي‪.‬‬ ‫إل رواكد كلهن قد اصطلـى‬
‫والغناء لبن محرز ثقيل أول مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق‪ .‬وفيه لمالك ثقيل أول بالبنصر عن عمرو‪ .‬وفيه لحن‬
‫‪.‬لبراهيم‪ ،‬وفي هذه الخبار أنه لبن سريج‪ ،‬وذكر حماد في كتاب ابن محرز أنه مما ينسب إلى ابن مسجح‪ ،‬أو إلى ابن محرز‬
‫ومنها‪ :‬صوت‬

‫هل من وفى بالعهد كالناكث‬ ‫بالله يا ظبي بني الـحـارث‬


‫وأنت بي تلعب كالعـابـث عروضه من السريع‪ .‬الشعر لعمر بن أبي ربيعة‪ .‬والغناء‬ ‫ل تخدعني بالمنى بـاطـل‬
‫لبن سريج ولحنه خفيف ثقيل أول بالوسطى‪ ،‬وذكر عمرو بن بانة أنه لسياط‪ .‬وذكر الهشامي وبذل أن فيه لبراهيم الموصلي‬
‫‪.‬لحنا آخر‪ .‬وفيه خفيف رمل بالبنصر ذكر حبش أنه لبراهيم بن المهدي‪ ،‬وغيره ينسبه إلى إسحاق‬
‫ومنها‪ :‬صوت‬
‫‪:‬وهو الذي أوله في الخبر ‪-‬‬
‫لمولة لها ظهـرا‬ ‫أليست بالتي قالـت‬
‫هواه ولم يكن ظهرا‬ ‫تصابى القلب فادكرا‬
‫صفاء لم يكن كدرا‬ ‫لزينب إذ تجد لـنـا‬

‫صفحة ‪83 :‬‬

‫لمولة لها ظـهـرا‬ ‫أليست بالتي قـالـت‬


‫إذا هو نحونا نظـرا‬ ‫أشيري بالسـلم لـه‬
‫لزينب نولي عـمـرا‬ ‫وقولي في مـلطـفة‬
‫وقالت من بذا أمـرا‬ ‫فهزت رأسها عجـبـا‬
‫ن قد خبرنني الخبـرا‬ ‫أهذا سحرك النـسـوا‬
‫جمال الحي فابتكـرا‬ ‫طربت ورد من تهوى‬
‫تلومي القلب إن جهرا‬ ‫فقل للـبـربـرية ل‬
‫ن ذو بطر إذا ظفـرا‬ ‫بطرت وهكذا النسـا‬
‫ق ل تخبر بنا بشـرا عروضه من الوافر‪ .‬الشعر لعمر بن أبي ربيعة‪ .‬والغناء لبن سريج‬ ‫فأين العهد والـمـيثـا‬
‫في الثالث والرابع والخامس والول خفيف ثقيل أول مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق‪ .‬وللغريض في السابع والثامن‬
‫والول لحن من القدر الوسط من الثقيل الول بالوسطى في مجراها عن إسحاق‪ .‬ولمعبد في هذا البيات كلها لحن عن يونس‬
‫ودنانير ولم يجنساه‪ ،‬وذكر الهشامي أنه خفيف ثقيل‪ .‬وفي السابع والثامن والتاسع رمل لدحمان‪ ،‬ويقال إنه للزبير ابنه ولمالك‬
‫لحن أوله‪ :‬صوت‬

‫وقلت لها خذي حذرك‬ ‫لقد أرسلت جـاريتـي‬


‫لزينب نولي عمـرك‬ ‫وقولي في مـلطـفة‬
‫وقالت من بذا أمـرك‬ ‫فهزت رأسها عجـبـا‬
‫ن قد خبرنني خبـرك ولحن مالك هذا خفيف ثقيل بالوسطى من رواية ابن المكي‪ .‬وهذا‬ ‫أهذا سحرك النـسـوا‬
‫يروي الشعر ويجعل قوافيه كلها على الكاف‪ .‬وفي هذا البيات بعينها على هذا القافية خفيف رمل ينسب إلى ابن سريج وإلى‬
‫‪.‬الغريض‪ .‬وذكر حبش أن فيه لمعبد لحنا من الرمل أوله الثالث من البيات الول المذكورة‬
‫رجع الخبر إلى أحاديث ابن سريج‬
‫ابن سريج أحسن الناس غناء‬
‫أخبرنا يحيى بن علي ووكيع وجحظة قالوا‪ :‬حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال‪ :‬قال لي الفضل بن يحيى‪ :‬سألت أباك ليلة وقد‬
‫أخذ منه الشراب عن أحسن الناس غناء‪ ،‬فقال لي؛ من النساء أم من الرجال? قلت‪ :‬من الرجال‪ .‬قال‪ :‬ابن محرز‪ .‬فقلت‪ :‬فمن‬
‫النساء? قال‪ :‬ابن سريج‪ ،‬قال إسحاق لي‪ :‬ويقال أحسن الرجال غناء من تشبه بالنساء‪ ،‬وأحسن النساء غناء من تشبه بالرجال‪.‬‬
‫‪.‬قال يحيى بن علي خاصة‪ :‬ثم كان ابن سريج كأنه خلق من قلب كل واحد‪ ،‬فهو يغني له بما يشتهي‬
‫ابن سريج ببعض أندية مكة‬
‫أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حماد‪ :‬قرأت على أبي عن الهيثم بن عدي قال‪ :‬قال ابن سريج‪ :‬مررت ببعض أندية مكة‬
‫وفيه جماعة‪ ،‬فحضرت فقلت‪ :‬كيف أجوزهم مع تعبي وما أنا فيه فسمعتهم يقولون‪ :‬قد جاء ابن سريج‪ ،‬فقال بعضهم ممن لم‬
‫‪:‬يعرفني‪ :‬ومن ابن سريج? فقال‪ :‬الذي يغني‬
‫ن إذ جاوزن مطلحا قال ابن سريج‪ :‬فلما سمعت ذلك قويت نفسي واشتدت منتي‪،‬‬ ‫أل هل هاجك الظعا‬
‫‪.‬ومررت بهم أخطر في مصبغاتي‪ .‬فلما حاذيتهم قاموا بأجمعهم فسلموا علي‪ ،‬ثم قالوا لحداثهم‪ :‬امشوا مع أبي يحيى‬
‫ابن سريج مع فتية من بني مروان‬
‫وقد حدثني عمي بهذا الخبر فقال حدثني أبو أيوب المديني قال حدثني محمد بن سلم عن جرير قال‪ :‬قال لي ابن سريج‪:‬‬
‫دعاني فتية من بني مروان‪ ،‬فدخلت إليهم وأنا في ثياب الحجاز الغلظ الجافية‪ ،‬وهم في القوهي والوشي يرفلون كأنهم الدنانير‬
‫الهرقلية‪ ،‬فغنيتهم وأنا محتقر لنفسي عندهم لحنا لي‪ ،‬وهو‪ :‬صوت‬

‫بنفسي عن النأي الحبيب المغيب‬ ‫أبا لفرع لم تظعن مع الحي زينب‬


‫فل تبعدي إذ كل حي سيعطـب ‪ -‬ولحن ابن سريج هذا رمل بالخنصر في‬ ‫بوجهك عن مس التراب مضـنة‬
‫‪:‬مجرى البنصر ‪ -‬قال‪ :‬فتضاءلوا في عيني حتى ساويتهم في نفسي لما رأيتهم عليه من العظام لي‪ .‬ثم غنيتهم‬
‫واسأل فإن قلله أن تسأل فطربوا وعظموني وتواضعوا لي‪ ،‬حتى صرت في نفسي‬ ‫ودع لبابة قبل أن تترحـل‬
‫‪:‬بمنزلتهم لما رأيتهم عليه‪ ،‬وصاروا في عيني بمنزلتي‪ .‬ثم غنيتهم‬
‫ن إذ جاوزن مطلحا فطربوا ومثلوا بين يدي ورموا بحللهم كلها حتى غطوني بها‪ ،‬فمثلت‬ ‫أل هل هاجك الظعا‬
‫لي نفسي أنها نفس الخليفة وأنهم لي خول‪ ،‬فما رفعت طرفي إليهم بعد ذلك تيها‪ .‬وقد مضت نسبة ودع لبابة في أخبار عمر‬
‫‪:‬بن أبي ربيعة وغيره‪ .‬وأما‬

‫صفحة ‪84 :‬‬

‫ن‪ ......‬فنذكر نسبته‪ :‬نسبة هذا الصوت صوت‬ ‫أل هل هاجك الظعا‬

‫ن إذ جاوزن مطلـحـا‬ ‫أل هل هاجك الظعـا‬


‫جرى لك طائر سنحـا‬ ‫نعم ولو شك بـينـهـم‬
‫وضوء الفجر قد وضحا‬ ‫أجزن الماء من ركـك‬
‫نباكر ماءه صـبـحـا‬ ‫فقلن مقـيلـنـا قـرن‬
‫ن حتى قيل لي افتضحا‬ ‫تبعتهم بطرف الـعـي‬
‫وكل بالهوى جـرحـا‬ ‫يودع بعضنا بـعـضـا‬
‫فغيري إذ غدوا فرحـا عروضه من الوافر‪ .‬الشعر لبي دهبل الجمحي‪ .‬والغناء لمالك وله‬ ‫فمن يفـرح بـينـهـم‬
‫فيه لحنان‪ :‬ثقيل أول بالبنصر عن إسحاق‪ ،‬وخفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو‪ .‬ولمعبد فيه ثقيل أول بالخنصر في مجرى‬
‫الوسطى ‪ .‬ولبن سريج في الخامس وما بعده ثقيل أول مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق‪ .‬وفيه للغريض ثاني ثقيل‬
‫‪.‬بالوسطى عن حبش‬
‫مدح جرير الشاعر لغناء ابن سريج‬
‫أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال‪ :‬قدم جرير المدينة أو مكة فجلس مع قوم‪ ،‬فجعلوا يعرضون عليه غناء رجل‬
‫‪.‬رجل من المغنين‪ ،‬حتى غنوه لبن سريج‪ ،‬فطرب وقال‪ :‬هذا أحسن ما أسمعتموني من الغناء كله‬
‫‪.‬قالوا‪ :‬وكيف قلت ذاك يا أبا حزرة? قال‪ :‬مخرج كل ما أسمعتموني من الغناء من الرأس‪ ،‬ومخرج هذا من الصدر‬
‫غناء رقطاء الحبطية وصفراء العلقمية‬
‫وتحكيم الفلح المخزومي في ذلك‬
‫أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال حدثني أبي قال حدثني إبراهيم بن محمد الشافعي قال‪:‬‬
‫جاء سندة الخياط المغني إلى الفلح المخزومي ‪ -‬وكان يوصف بعقل وفضل ‪ -‬فقال له‪ :‬من أين أقبلت? وإلى أين تمضي?‬
‫فقال‪ :‬إليك قصدت من مجلس لبعض القرشيين أقبلت محاكما إليك‪ .‬قال‪ :‬فيماذا? قال‪ :‬كنت عند هذا الرجل وحضرت مجلسه‬
‫‪:‬رقطاء الحبطيين‪ ،‬وصفراء العلقميين‪ ،‬فتناولتا بينهما رمل ابن سريج‬
‫مع ما ألقى إذا الليل حضر‬ ‫ليت شعري كيف أبقى ساعة‬
‫فلقد بدلت بالنوم السـهـر‬ ‫من يذق نوما ويهدأ لـيلـه‬
‫إن نخالطها تفز منها بشـر فغنتاه جميعا‪ ،‬واختلفتا في تفضيلهما‪ ،‬ففضل كل فريق منا‬ ‫قلت مهل إنـهـا جـنـية‬
‫إحداهما‪ ،‬فرضينا جميعا بحكمك‪ ،‬فاحكم بيننا وبينهما‪ .‬قال‪ :‬فوجم ساعة ‪ -‬وأهل الحجاز إذا أرادوا أن يحكموا تأملوا ساعة ثم‬
‫حكموا‪ ،‬فإذا حكم المحكم مضى حكمه كائنا ما كان‪ ،‬ففضل من فضله وأسقط من أسقطه‪ ،‬إذا تراضى الخصمان به ‪ -‬فكره‬
‫الفلح أن يرضي قوما ويسخط آخرين‪ ،‬فقال لسندة‪ :‬صفهما أنت لي كيف كانتا إذ غنتاه واشرح لي مذهبهما فيه كما سمعت‪،‬‬
‫وأنا أحكم بعد ذلك‪ .‬فقال‪ :‬سندة أما جارية الحبطيين‪ ،‬فإنها كانت تلوك لحنه كما يلوك الفرس العتيق لجامه‪ ،‬ثم تلقيه في هامة‬
‫لدنة ثم تخرجه من منخر أغن‪ ،‬والله ما ابتدأته فتوسطته وأنا أعقل‪ ،‬ول فرغت منه فأفقت إل وأنا أظن أني رأيته في نومي‪.‬‬
‫وأما صفراء العلقميين‪ ،‬فإنها أحسنهما حلقا‪ ،‬وأصحهما صوتا‪ ،‬وألينهما تثنيا‪ ،‬والله ما سمعها أحد قط فانتفع بنفسه ول دينه‪ .‬هذا‬
‫ما عندي‪ ،‬فاحكم أنت يا أخا بني مخزوم‪ .‬فقال‪ :‬قد حكمت بأنهما بمنزلة العينين في الرأس‪ ،‬فبأيهما نظرت أبصرت‪ ،‬ولو كان‬
‫‪.‬في الدنيا من عبيد بن سريج خلف لكانتا‪ .‬قال‪ :‬فانصرفوا جميعا راضين بحكمه‬
‫ثناء جرير المديني على ابن سريج‬
‫أخبرني الحسين عن حماد عن أبيه عن محمد بن سلم قال‪ :‬سألت جرير المديني عن ابن سريج‪ ،‬فقال‪ :‬أتذكره ويحك باسمه‪،‬‬
‫ول تقول‪ :‬سيد من غنى وواحد من ترنم ثناء الشعبي عليه‬
‫قال حماد وحدثني أبي عن هارون بن مسلم عن محمد بن زهير السعدي الكوفي عن أبي بكر بن عياش عن الحسن بن عمرو‬
‫الفقيمي قال‪ :‬دخلت على الشعبي‪ ،‬فبينا أنا عنده في غرفته‪ ،‬إذ سمعت صوت غناء‪ ،‬فقلت‪ :‬أهذا في جوارك? فأشرف بي على‬
‫‪ -:‬منزله‪ ،‬فإذا بغلم كأنه فلقة قمر وهو يتغنى ‪ -‬قال إسحاق‪ :‬وهذا الغناء لبن سريج‬
‫ن له قالت الفتاتان قـومـا قال‪ :‬فقال لي الشعبي‪ :‬أتعرف هذا? قلت ل‪ .‬فقال‪:‬‬ ‫وقمير بدا ابن خمس وعشري‬
‫‪.‬هذا الذي أوتي الحكم صبيا‪ ،‬هذا ابن سريج‬
‫ثناؤه على نفسه في تغنيه بشعر لعمر‬

‫صفحة ‪85 :‬‬

‫وأخبرني يحيى بن علي بن يحيى قال حدثني أبو أيوب المديني قال‪ :‬حدثني الهشامي الربعي عن إسحاق الموصلي قال‪ :‬تغنى‬
‫ابن سريج في شعر لعمر بن أبي ربيعة وهو‪ :‬صوت‬

‫وكن وفيا إن سلوت عنه‬ ‫خانك من تهوى فل تخنه‬


‫إن كان غدارا فل تكنـه‬ ‫واسلك سبيل وصله وصنه‬
‫فيرجع الوصل ولم تشنه قال المكيون‪ :‬قال ابن سريج‪ :‬ما تغنين بهذا الشعر قط إل‬ ‫عسى تباريح تجيء منـه‬
‫‪.‬ظننت أني أحل محل الخليفة‬
‫قال مؤلف هذا الكتاب أبو الفرج الصفهاني‪ :‬وجدت في هذا الشعر لحنين ‪ -‬أحدهما ثقيل أول والخر رمل ‪ -‬مجهولين جميعا‪،‬‬
‫‪.‬فل أدري أيهما لحنه‬
‫وصفه للمصيب المحسن من المغنين‬
‫ونسخت من كتاب العتابي‪ :‬أخبرني عون بن محمد قال حدثني عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع عن جده الفضل عن‬
‫ابن جامع عن سياط عن يونس الكاتب عن مالك بن أبي السمح قال‪ :‬سألت ابن سريج عن قول الناس‪ :‬فلن يصيب وفلن‬
‫يخطىء‪ ،‬وفلن يحسن وفلن يسيء؛ فقال‪ :‬المصيب المحسن من المغنين هو الذي يشبع اللحان‪ ،‬ويمل النفاس‪ ،‬ويعدل‬
‫الوزان‪ ،‬ويفخم اللفاظ‪ ،‬ويعرف الصواب‪ ،‬ويقيم العرب‪ ،‬ويستوفي النغم الطوال‪ ،‬ويحسن مقاطيع النغم القصار‪ ،‬ويصيب‬
‫أجناس اليقاع‪ ،‬ويختلس مواقع النبرات‪ ،‬ويستوفي ما يشاكلها في الضرب من النقرات‪ .‬فعرضت ما قال على معبد‪ ،‬فقال‪ :‬لو‬
‫‪.‬جاء في الغناء قرآن ما جاء إل هكذا‬
‫يزيد بن عبد الملك ومولى حبابة المغنية‬
‫أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثني أحمد بن سعيد الدمشقي قال حدثني الزبير بن بكار عن ظبية‪ :‬أن يزيد بن عبد‬
‫الملك قال لحبابة يوما‪ :‬أتعرفين أحدا هو أرب مني? قالت‪ :‬نعم‪ ،‬مولي الذي باعني‪ .‬فأمر بإشخاصه فأشخص إليه مقيدا‪ ،‬وأعلم‬
‫‪:‬بحاله فأذن في إدخاله‪ ،‬فمثل بين يديه وحبابة ولسمة تغنيان؛ فغنته سلمة لحن الغريض في‬
‫تشط غدا دار جيراننا فطرب وتحرك في أقياده‪ .‬ثم غنته حبابة لحن ابن سريج المجرد في هذا الشعر‪ ،‬فوثب وجعل يحجل في‬
‫قيده ويقول‪ :‬هذا وأبيكما ما ل تعذلني فيه‪ ،‬حتى دنا من الشمعة فوضع لحيته عليها فاحترقت‪ ،‬وجعل يصيح‪ :‬الحريق الحريق يا‬
‫‪.‬أولد الزنا‪ .‬فضحك يزيد وقال‪ :‬هذا والله أطرب الناس حقا‪ ،‬ووصله وسرحه إلى بلده‬
‫سماع عطاء وابن جريج لغناء ابن سريج‬
‫أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا فضل اليزيدي عن إسحاق‪ :‬أن ابن سريج كان جالسا فمر به عطاء وابن جريج‪ ،‬فحلف‬
‫‪:‬عليهما بالطلق أن يغنيهما‪ ،‬على أنهما إن نهياه عن الغناء بعد أن يسمعا منه تركه‪ .‬فوقفا له وغناهما‬
‫وابلى والله قد بعدوا فغني على ابن جريج‪ ،‬وقام عطاء فرقص‪ .‬ونسبة هذا الصوت‬ ‫إخوتي ل تبعدوا أبدا‬
‫‪.‬وخبره يذكر في موضع آخر‬
‫غناؤه ووقفة الحاج لستماعه‬
‫عند بستان ابن عامر‬
‫‪:‬أخبرني الحسن قال حدثنا الفضل عن إسحاق‪ :‬أن ابن سريج كان عند بستان ابن عامر يغني‬
‫ف دون البئر ما تخبو‬ ‫لمن نار بأعلى الخـي‬
‫فحن لذكرها القلـب‬ ‫أرقت لذكر موقعهـا‬
‫عليها المندل الرطب فجعل الحاج يركب بعضهم بعضا‪ ،‬حتى جاء إنسان من آخر‬ ‫إذا ما أخمدت ألقـي‬
‫‪.‬القطرات فقال‪ :‬يا هذا قد قطعت على الحاج وحبستهم‪ ،‬والوقت قد ضاق‪ ،‬فاتق الله وقم عنهم فقام وسار الناس‬
‫استحقاق ابن سريج لجائزة سليمان‬
‫أخبرني الحسن قال حدثني محمد بن زكريا قال حدثني يزيد بن محمد عن إسحاق الموصلي‪ :‬أن سليمان بن عبد الملك لما حج‬
‫‪:‬سبق بين المغنين بدرة‪ .‬فجاء ابن سريج وقد أغلق الباب‪ ،‬فلم يأذن له الحاجب‪ ،‬فأمسك حتى سكتوا وغنى‬
‫‪.‬سرى همي وهم المرء يسري فأمر سليمان بدفع البدرة إليه‬
‫نسبة هذا الصوت صوت‬

‫وغاب النجم إل قيس فـتـر‬ ‫سرى همي وهم المرء يسري‬


‫تعرض للمجرة كيف يجري‬ ‫أراقب في المجرة كل نجـم‬
‫كأن القلب أسعر حر جمـر‬ ‫لهـم ل أزال لـه مـديمـا‬
‫وأي العيش يصفو بعد بكـر الشعر لعروة بن أذينة‪ ،‬والغناء لبن سريج ثاني ثقيل‬ ‫على بكر أخي ولى حـمـيدا‬
‫‪.‬بالوسطى‪ ،‬وفيه لبي عباد رمل بالوسطى‪ ،‬وذكر الهشامي أن هذا اللحن لصاحب الحرون‬
‫وفاة ابن سريج في خلفة سليمان‬

‫صفحة ‪86 :‬‬

‫ابن عبد الملك أو في آخر خلفة الوليد‬


‫أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال‪ :‬قال ابن مقمة‪ :‬دخلت على ابن سريج في مرضه الذي مات فيه‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫‪:‬كيف أصبحت يا أبا يحيى? فقال‪ :‬أصبحت والله كما قال الشاعر‬
‫إذا ما أظلم الليل البهـيم‬ ‫كأني من تذكر ما ألقي‬
‫وأسلمه المداوي والحميم ثم مات‬ ‫‪.‬سقيم مل منه أقـربـوه‬
‫قال إسحاق‪ :‬قال ابن مقمة‪ :‬لما احتضر ابن سريج نظر إلى ابنته تبكي فبكى‪ ،‬وقال‪ :‬إن من أكبر همي أنت‪ ،‬وأخشى أن‬
‫تضيعي بعدي‪ .‬فقالت‪ :‬ل تخف؛ فما غنيت شيئا إل وأنا أغنيه‪ .‬فقال‪ :‬هاتي‪ .‬فاندفعت تغني أصواتا وهو مصغ إليها‪ ،‬فقال‪ :‬قد‬
‫أصبت ما في نفسي‪ ،‬وهونت علي أمرك‪ .‬ثم دعا سعيد بن مسعود الهذلي فزوجه إياها؛ فأخذ عنها أكثر غناء أبيها وانتحله؛ فهو‬
‫‪:‬الن ينسب إليه‪ .‬قال إسحاق‪ :‬فقال كثير بن كثير السهمي يرثيه‬
‫من كان يلهو به منه بمطلـب‬ ‫ما اللهو بعد عبيد حين يخـبـره‬
‫لذاذة العيش والحسان والطرب‬ ‫لله قبر عبيد ما تضـمـن مـن‬
‫مشابه لم أكن فيها بـذي أرب قال إسحاق‪ :‬وحدثني هشام بن المرية أن قادما‬ ‫لول الغريض ففيه من شمائلـه‬
‫قدم المدينة فسار معبدا بشيء‪ ،‬فقال معبد‪ :‬أصبحت أحسن الناس غناء‪ .‬فقلنا‪ :‬أو لم تكن كذلك? فقال‪ :‬أل تدرون ما أخبرني به‬
‫هذا? قالوا ل‪ .‬قال‪ :‬أعلمني أن عبيد بن سريج مات‪ ،‬ولم أكن أحسن الناس غناء وهو حي‪ .‬وفي ابن سريج يقول عمر بن أبي‬
‫ربيعة‪ :‬صوت‬

‫صوحبت والله لك الراعي‬ ‫قالت وعيناها تجودانـهـا‬


‫قد كنت عندي غير مذياع غنى فيه ابن سريج من رواية يونس‬ ‫‪.‬يابن سريج ل تذع سرنـا‬
‫قال أبو أيوب المديني‪ :‬توفي ابن سريج بالعلة التي أصابته من الجذام بمكة‪ ،‬في خلفة سليمان بن عبد الملك أو في آخر‬
‫‪.‬خلفة الوليد‪ ،‬بمكة ودفن في موضع بها يقال له دسم‬
‫وقفة على قبر ابن سريج بدسم أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير بن بكار قال أخبرني هارون بن أبي بكر قال‬
‫حدثني إسحاق بن يعقوب العثماني مولى آل عثمان عن أبيه قال‪ :‬إنا لبفناء دار عمرو بن عثمان بالبطح في صبح خامسة من‬
‫الثمان ‪ -‬يعني أيام الحج ‪ -‬قال‪ :‬كنت جالسا أيام الحج‪ ،‬فما إن دريت إل برجل على راحلة على رحل جميل وأداة حسنة‪ ،‬معه‬
‫صاحب له على راحلة قد جنب إليها فرسا وبغل‪ ،‬فوقفا علي وسألني‪ ،‬فانتسبت لهما عثمانيا‪ .‬فنزل وقال‪ :‬رجلن من أهلك لهما‬
‫حاجة ونحب أن تقضيها قبل أن نشده بأمر الحج‪ .‬فقلت ما حاجتكما? قال‪ :‬نريد إنسانا يقفنا على قبر عبيد بن سريج‪ .‬قال‪:‬‬
‫فنهضت معهما حتى بلغت بهما محلة بني أبي قارة من خزاعة بمكة‪ ،‬وهم موالي عبيد بن سريج‪ ،‬فالتمست لهما إنسانا‬
‫يصحبهما حتى يقفهما على قبره بدسم‪ ،‬فوجدت ابن أبي دباكل فأنهضته معهما‪ .‬فأخبرني بعد‪ :‬أنه لما وقفهما على قبره نزل‬
‫أحدهما عن راحلته فحسر عمامته عن وجهه‪ ،‬فإذا هو عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان‪ ،‬فعقر ناقته واندفع يندب‬
‫‪:‬بصوت شجي كليل حسن ويقول‬
‫وذكرنا بالعيش إذ هو مصحب‬ ‫وقفنا على قبر بدسم فهاجـنـا‬
‫من الدمع تستتلي الذي يتعقب‬ ‫فجالت بأرجاء الجفون سوافـح‬
‫دم بعد دمع إثره يتـصـبـب‬ ‫إذا أبطأت عن ساحة الخد ساقها‬
‫وقل له منا البكا والتـحـوب ثم نزل صاحبه فعقر ناقته‪ ،‬وقال له القرشي‪ :‬خذ‬ ‫فإن تسعدا نندب عبيدا بـعـولة‬
‫‪:‬في صوت أبي يحيى؛ فاندفع يتغنى‬
‫من دموع كثيرة الـتـسـكـاب‬ ‫أسعدانـي بـعـبـرة أسـراب‬
‫مولها مولعا بأهل الحـصـاب‬ ‫إن أهل الحصاب قد تركـونـي‬
‫ما على الموت بعدهم من عتاب‬ ‫أهل بيت تتابعـوا لـلـمـنـايا‬
‫ما لمـن ذاق مـيتة مـن إياب‬ ‫فارقوني وقد علـمـت يقـينـا‬
‫كهـول أعـفة وشـبـــاب‬ ‫كم بذاك الحجون من أهل صدق‬
‫سى إلى النخل من صفي السباب‬ ‫سكنوا الجزع جزع بيت أبي مـو‬
‫صرت فردا وملني أصحـابـي‬ ‫فلي الويل بعدهـم وعـلـيهـم‬

‫صفحة ‪87 :‬‬

‫قال ابن أبي دباكل‪ :‬فوالله ما تمم صاحبه منها ثلثا حتى غشي على صاحبه‪ ،‬وأقبل يصلح السرج على بغلته وهو غير معرج‬
‫عليه‪ .‬فسألته من هو? فقال‪ :‬رجل من جذام‪ .‬قلت‪ :‬بمن تعرف? قال‪ :‬بعبد الله بن المنتشر‪ .‬قال‪ :‬ولم يزل القرشي على حاله‬
‫ساعة ثم أفاق‪ ،‬ثم جعل الجذامي ينضح الماء على وجهه ويقول كالمعاتب له‪ :‬أنت أبدا مصبوب على نفسك ومن كلفك ما ترى‬
‫ثم قرب إليه الفرس‪ ،‬فلما عله استخرج الجذامي من خرج على بغل قدحا وإداوة ماء‪ ،‬فجعل في القدح ترابا من تراب قبر ابن‬
‫سريج وصب عليه ماء من الداوة‪ ،‬ثم قال‪ :‬هاك فاشرب هذه السلوة فشرب‪ ،‬ثم فعل هو مثل ذلك‪ ،‬وركب على البغل‬
‫وأردفني‪ .‬فخرجا والله ما يعرضان بذكر شيء مما كنا فيه‪ ،‬ول أرى في وجوههما شيئا مما كنت أرى قبل ذلك‪ .‬فلما اشتمل‬
‫علينا أبطح مكة قال‪ :‬انزل يا خزاعي فنزلت‪ .‬وأومأ الفتى إلى الجذامي بكلم‪ ،‬فمد يده إلي وفيها شيء فأخذته‪ ،‬فإذا هو‬
‫‪.‬عشرون ينارا‪ ،‬ومضيا‪ .‬فانصرفت إلى قبره ببعيرين‪ ،‬فاحتملت عليهما أداة الراحلتين اللتين عقراهما فبعتهما بثلثين دينارا‬

‫صوت من المائة المختارة‬

‫ثالث الثلثة الصوات المختارة‬


‫‪.‬وهو الثالث من الثلثة المختارة‬

‫نعم وبه ممن شجاك معالـم‬ ‫أهاج هواك المنزل المتقادم‬


‫مقيم وسفع في المحل جواثم عروضه من الطويل‪ .‬الشعر لنصيب‪ .‬والغناء في‬ ‫مضارب أوتاد وأشعث دائر‬
‫اللحن المختار لبن محرز ثاني ثقيل بإطلق الوتر في مجرى البنصر‪ ،‬وله فيه أيضا هزج بالسبابة في مجرى البنصر‪ ،‬وذكر‬
‫جحظة عن أصحابه أنه هو المختار‪ .‬وحكى إن أصحابه أنه ليس في الغناء كله نغمة إل وهي في الثلثة الصوات المختارة التي‬
‫‪.‬ذكرها‬
‫‪:‬ومن قصيدة نصيب هذا مما يغنى فيه قوله‬
‫على غصن بان جاوبتها حمائم‬ ‫لقد راعني للبين نوح حمـامة‬
‫قديم وأما شجـوهـن فـدائم الغناء لبن سريج ثاني ثقيل مطلق في مجرى‬ ‫هواتف أما من بكين فعـهـده‬
‫البنصر عن يونس ويحيى المكي وإسحاق‪ ،‬وأظنه مع البيتين الولين وأن الجميع لحن واحد‪ ،‬ولكنه تفرق لصعوبة اللحن وكثرة ما‬
‫‪.‬فيه من العمل‪ .‬فجعل صوتين‬

‫ذكر نصيب وأخباره‬


‫نسب نصيب ونشأته‬
‫هو نصيب بن رباح‪ ،‬مولى عبد العزيز بن مروان‪ ،‬وكان لبعض العرب من بني كنانة السكان بودان‪ ،‬فاشتراه بعد العزيز منهم‪،‬‬
‫‪.‬وقيل‪ :‬بل كانوا أعتقوه‪ ،‬فاشترى عبد العزيز ولءه منهم‪ ،‬وقيل‪ :‬بل كاتب مواليه‪ ،‬فأدى عنه مكاتبته‬
‫وقال ابن دأب‪ :‬كان نصيب من قضاعة ثم من بلي‪ .‬وكانت أمه سوداء فوقع عليها سيدها فحبلت بنصيب‪ ،‬فوثب عليه عمه بعد‬
‫‪.‬وفاة أبيه فباعه من عبد العزيز‬
‫وقال أبو اليقظان‪ :‬كان أبوه من كنانة من بني ضمرة‪ .‬وكان شاعرا فحل فصيحا مقدما في النسيب والمديح‪ ،‬ولم يكن له حظ‬
‫‪.‬في الهجاء‪ ،‬وكان عفيفا‪ ،‬وكا يقال‪ :‬أنه لم ينسب قط إل بامرأته‬
‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير بن بكار قال‪ :‬كتب إلي عبد الله بن عبد العزيز بن محجن بن نصيب بن رباح‬
‫يذكر عن عمته غرضة بنت النصيب‪ :‬أن النصيب كان ابن نوبيين سبيين كانا لخزاعة‪ ،‬ثم اشترت سلمة أم نصيب امرأة من‬
‫‪.‬خزاعة ضمرية حامل بالنصيب‪ ،‬فأعتقت ما في بطنها‬
‫أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن محمد بن كناسة قال‪ :‬كان نصيب من أهل ودان عبدا لرجل من كنانة هو وأهل‬
‫بيته‪ .‬وكان أهل البادية يدعونه النصيب تفخيما له‪ ،‬ويروون شعره‪ .‬وكان عفيفا كبير النفس مقدما عند الملوك‪ ،‬يجيد مديحهم‬
‫‪.‬ومراثيهم‬
‫أخبرني الحسين عن حماد عن أبيه عن ابن الكلبي قال‪ :‬كان نصيب من بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة‪ .‬وكانت أمه أمة‬
‫‪.‬سوداء‪ ،‬وقع عليها أبوه فحملت ثم مات‪ ،‬فباعه عمه أخو أبيه من عبد العزيز بن مروان‬
‫مبدأ قوله الشعر واتصاله بعبد العزيز‬
‫ابن مروان بمصر‬
‫قال حماد وأخبرني أبي عن أيوب بن عبابة‪ ،‬وأخبرنا الحرمي عن الزبير عن عمه وعن إسحاق بن إبراهيم جيمعا عن أيوب بن‬
‫‪:‬عبابة قال حدثني رجل من خزاعة من أهل كلية ‪ -‬وهي قرية كان فيها النصيب وكثير ‪ -‬قال‬

‫صفحة ‪88 :‬‬

‫بلغني أن النصيب قال‪ :‬قلت الشعر وأنا شاب فأعجبني قولي‪ ،‬فجعلت آتي مشيخة من بني ضمرة بن بكر بن عبد مناة ‪ -‬وهم‬
‫موالي النصيب ‪ -‬ومشيخة من خزاعة‪ ،‬فأنشدهم القصيدة من شعري‪ ،‬ثم أنسبها إلى بعض شعرائهم الماضين‪ ،‬فيقولون‪ :‬أحسن‬
‫والله هكذا يكون الكلم وهكذا يكون الشعر فلما سمعت ذلك منهم علمت أني محسن‪ ،‬فأزمعوا وأزمعت الخروج إلى عبد‬
‫العزيز بن مروان‪ ،‬وهو يومئذ بمصر‪ ،‬فقلت لختي أمامة وكانت عاقلة جلدة‪ :‬أي أخية‪ ،‬إني قد قلت شعرا‪ ،‬وأنا أريد عبد العزيز‬
‫بن مروان‪ ،‬وأرجو أن يعتقك الله عز وجل به وأمك‪ ،‬ومن كان مرقوقا من أهل قرابتي‪ .‬قالت‪ :‬إنا لله وإنا إليه راجعون يابن أم‪،‬‬
‫أتجتمع عليك الخصلتان‪ :‬السواد‪ ،‬وأن تكون ضحكة للناس قال‪ :‬قلت فاسمعي‪ ،‬فأنشدتها فسمعت‪ ،‬فقالت‪ :‬بأبي أنت أحسنت‬
‫والله في هذا والله رجاء عظيم‪ ،‬فاخرج على بركة الله‪ .‬فخرجت على قعود لي حتى قدمت المدينة‪ ،‬فوجدت بها الفرزدق في‬
‫مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فعرجت إليه فقلت‪ :‬أنشده واستنشده وأعرض عليه شعري‪ .‬فأنشدته‪ ،‬فقال لي‪:‬‬
‫ويلك أهذا شعرك الذي تطلب به الملوك? قلت‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬فلست في شيء‪ .‬إن استطعت أن تكتم هذا على نفسك فافعل‪.‬‬
‫فانفضخت عرقا‪ ،‬فحصبني رجل من قريش كان قريبا من الفرزدق‪ ،‬وقد سمع إنشادي وسمع ما قال لي الفرزدق‪ ،‬فأومأ إلي‬
‫فقمت إليه‪ .‬فقال‪ :‬ويحك أهذا شعرك الذي أنشثدته الفرزدق? قلت‪ :‬نعم‪ .‬فقال‪ :‬قد والله أصبت‪ ،‬والله لئن كان هذا الفرزدق‬
‫شاعرا لقد حسدك‪ ،‬فإنا لنعرف محاسن الشعر‪ ،‬فامض لوجهك ول يكسرنك‪ .‬قال‪ :‬فسرني قوله‪ ،‬وعلمت أنه قد صدقني فيما‬
‫قال‪ ،‬فاعتزمت على المضي‪ .‬قال‪ :‬فمضيت فقدمت مصر‪ ،‬وبها عبد العزيز بن مروان‪ ،‬فحضرت بابه مع الناس‪ ،‬فنحيت عن‬
‫مجلس الوجوه‪ ،‬فكنت وراءهم‪ ،‬ورأيت رجل جاء على بغلة حسن الشارة سهل المدخل‪ ،‬يؤذن له إذا جاء‪ .‬فلما انصرف إلى‬
‫منزله انصرفت معه أماشي بغلته‪ .‬فلما رآني قال‪ :‬ألك حاجة? قلت‪ :‬نعم‪ ،‬أنا رجل من أهل الحجاز شاعر‪ ،‬وقد مدحت المير‬
‫وخرجت إليه راجيا معروفه‪ .‬وقد ازدريت فطردت من الباب ونحيت عن الوجوه‪ .‬قال‪ :‬فأنشدني‪ ،‬فأنشدته‪ .‬فأعجبه شعري‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ويحك أهذا شعرك? فإياك أن تنتحل‪ ،‬فإن المير رواية عالم بالشعر وعنده رواة‪ ،‬فل تفضحني ونفسك‪ .‬فقلت‪ :‬والله ما‬
‫هو إل شعري‪ .‬فقال‪ :‬ويحك فقل ابياتا تذكر فيها حوف مصر وفضلها على غيرها‪ ،‬والقني بها غدا‪ .‬فغدوت عليه من غد فأنشدته‬
‫‪:‬قولي‬
‫بمصر وبالحوف اعترتني روائعه‬ ‫سرى الهم تثنيني إليك طـلئعـه‬
‫عن العظم حتى كاد تبدو أشاجعه قال‪ :‬وذكرت فيها الغيث فقلت‬ ‫‪:‬وبات وسادي ساعد قل لـحـمـه‬
‫له اشتقت من وجه أسيل مدامعـه‬ ‫وكم دون ذاك العارض البارق الذي‬
‫وأفناء عمرو وهو خصب مرابعه‬ ‫تمشى به أفناء بـكـر ومـذحـج‬
‫دميث الربا تسقي البحار دوافعـه‬ ‫فكل مسيل مـن تـهـامة طـيب‬
‫تضىء دجنات الظلم لوامـعـه‬ ‫أعني على برق أريك ومـيضـه‬
‫تجافت به حتى الصباح مضاجعه‬ ‫إذا اكتحلت عينا محـب بـضـوئه‬
‫وإن أنهج الحبل الذي أنا قاطعـه‬ ‫هنيئا لم البخـتـري الـروي بـه‬
‫ولئي من مولى نمتني قوارعـه‬ ‫وما زلت حتى قلت إني لخـالـع‬
‫ومتخذ مولك مولى فـتـابـعـه نصيب وأيمن بن خريم السدي‬ ‫ومانح قوم أنت منـهـم مـودتـي‬
‫فقال‪ :‬أنت والله شاعر احضر بالباب حتى أذكرك للمير‪ .‬قال‪ :‬فجلست على الباب ودخل‪ ،‬فما ظننت أنه أمكنه أن يذكرني‬
‫‪.‬حتى دعي بي‪ .‬فدخلت فسلمت على عبد العزيز‪ ،‬فصعد في بصره وصوب‪ ،‬ثم قال‪ :‬أنت شاعر? ويلك‬

‫صفحة ‪89 :‬‬

‫قلت‪ :‬نعم‪ ،‬أيها المير‪ .‬قال‪ :‬فأنشدني‪ .‬فأنشدته‪ ،‬فأعجبه شعري‪ .‬وجاء الحاجب فقال‪ :‬أيها المير‪ ،‬هذا أيمن بن خريم السدي‬
‫بالباب‪ .‬قال‪ :‬ائذن له‪ ،‬فدخل فاطمأن‪ .‬فقال له المير‪ :‬يا أيمن بن خريم‪ ،‬كم ترى ثمن هذا العبد? فنظر إلي فقال‪ :‬والله لنعم‬
‫الغادي في أثر المخاض‪ ،‬هذا أيها المير أرى ثمنه مائة دينار‪ .‬قال‪ :‬فإن له شعرا وفصاحة‪ .‬فقال لي أيمن‪ :‬أتقول الشعر? قلت‪:‬‬
‫نعم‪ .‬قال‪ :‬قيمته ثلثون دينارا‪ .‬قال‪ :‬يا أيمن‪ ،‬أرفعه وتخفضه أنت قال‪ :‬لكونه أحمق أيها المير ما لهذا وللشعر أمثل هذا يقول‬
‫الشعر أو يحسن شعرا فقال‪ :‬أنشده يا نصيب‪ ،‬فأنشدته‪ .‬فقال له عبد العزيز‪ :‬كيف تسمع يا أيمن? قال‪ :‬شعر أسود‪ ،‬هو أشعر‬
‫أهل جلدته‪ .‬قال‪ :‬هو والله أشعر منك‪ .‬قال‪ :‬أمني أيها المير? قال‪ :‬إي والله منك‪ .‬قال‪ :‬والله أيها المير‪ ،‬إنك لملول طرف‪.‬‬
‫قال‪ :‬كذبت والله ما أنا كذلك ولو كنت كذلك ما صبرت عليك تنازعني التحية وتؤاكلني الطعام وتتكىء على وسائدي وفرشي‬
‫وبك ما بك ‪ -‬يعني وضحا كان بأيمن ‪ -‬قال‪ :‬ائذن لي أن أخرج إلى بشر بالعراق‪ .‬واحملني على البريد‪ .‬قال‪ :‬قد أذنت لك‪ ،‬وأمر‬
‫‪:‬به فحمل على البريد إلى بشر‪ .‬فقال‪ :‬أيمن بن خريم‬
‫إلى بشر بن مروان البـريدا‬ ‫ركبت من المقطم في جمادى‬
‫رأى حقا عـلـيه أن يزيدا‬ ‫ولو أعطاك بشر ألف ألـف‬
‫عمود الحق إن له عمـودا‬ ‫أمير المؤمنين أقم بـبـشـر‬
‫لهل الزيع إسلما جـديدا‬ ‫ودع بشرا يقومهـم ويحـدث‬
‫جلوه لعظـم اليام عـيدا‬ ‫كأن التاج تاج بني هـرقـل‬
‫إذا اللوان خالفت الخـدودا قال أيوب يعني بقوله‬ ‫‪:‬عل ديباج خدي وجه بـشـر‬
‫‪ -.‬إذا اللوان خالفت الخدودا أنه عرض بكلف كان في وجه عبد العزيز‬

‫وأبيض جوزجانيا عقـودا‬ ‫وأعقب مدحتي سرجا مليحا‬


‫كأم السد مذكارا ولـودا قال‪ :‬فأعطاه بشر مائة ألف درهم‬ ‫‪.‬وإنا قد وجدنـا أم بـشـر‬
‫أول من نوه باسم نصيب لعبد العزيز‬
‫أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد الرحمن بن عبد الله الزهري عن عبد الله بن عمران بن أبي فروة قال‪ :‬أول‬
‫من نوه باسم نصيب وقدم به على عبد العزيز بن مروان عبد الله بن أبي فروة‪ ،‬قدم به عليه وهو وصيف حين بلغ وأول ما قال‬
‫الشعر‪ .‬قال‪ :‬أصلح الله المير جئتك بوصيف نوبي يقول الشعر ‪ -‬وكان نصيب ابن نوبيين ‪ -‬فأدخله عليه‪ ،‬فأعجبه شعره‪ ،‬وكان‬
‫معه أيمن بن خريم السدي‪ .‬فقال عبد العزيز‪ :‬إذا دعوت بالغداء فأدخلوه علي في جبة صوف محتزما بعقال‪ ،‬فإذا قلت قوموه‬
‫فقوموه وأخرجوه وردوه علي في جبة وشي ورداء وشي‪ .‬فلما جلس للغداء ومعه أيمن بن خريم أدخل نصيب في جبة صوف‬
‫محتزما بعقال‪ ،‬فقال‪ :‬قوموا هذا الغلم‪ .‬فقالوا‪ :‬عشرة‪ ،‬عشرون‪ ،‬ثلثون دينارا‪ .‬فقال‪ :‬ردوه‪ ،‬فأخرجوه ثم ردوه في جبة وشي‬
‫ورداء وشي‪ .‬فقال‪ :‬أنشدنا‪ ،‬فأنشدهم‪ .‬فقال‪ :‬قوموه‪ ،‬قالوا‪ :‬ألف دينار‪ .‬فقال أيمن‪ :‬والله ما كان قط أقل في عيني منه الن‪،‬‬
‫وإ‪ ،‬لنعم راعي المخاض‪ .‬فقال له‪ :‬فكيف شعره? قال‪ :‬هو أشعر أهل جلدته‪ .‬فقال له عبد العزيز‪ :‬وهو والله أشعر منك‪ .‬قال‪:‬‬
‫أمني أيها المير? قال أيمن‪ :‬إنك لملول طرف‪ .‬فقال له‪ :‬والله ما أنا بملول وأنا أنازعك الطعام منذ كذا وكذا‪ ،‬تضع يدك حيث‬
‫أضعها وتلتقي يدك مع يدي على مائدة‪ ،‬كل ذلك أحتملك ‪ -‬وكان بأيمن بياض ‪ -‬فقال له أيمن‪ :‬ائذن لي أخرج إلى بشر‪ .‬فأذن له‬
‫‪:‬فخرج‪ ،‬وقال أبياته التي أولها‬
‫ركبت من المقطم في جمادى وقد مضت البيات‪ .‬قال‪ :‬فلما جاز بعبد الملك بن مروان‪ ،‬قال‪ :‬أين تريد? قال أريد أخاك بشرا‪.‬‬
‫قال‪ :‬أتجوزني? قال‪ :‬إي والله أجوزك إلى من قدم إلي وطلبني‪ .‬قال‪ :‬فلم فارقت صاحبك? قال‪ :‬رأيتكم يا بني مروان‪ ،‬تتخذون‬
‫للفتى من فتيانكم مؤدبا‪ ،‬وشيخكم والله محتاج إلى خمسة مؤدبين‪ .‬فسر ذلك عبد الملك‪ ،‬وكان عازما على أن يخلعه ويعقد‬
‫‪.‬لبنه الوليد‬
‫‪:‬ابتاعه عبد العزيز وأعتقه وقيل‪ :‬أعتقته امرأة من ضمرة أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال‬

‫صفحة ‪90 :‬‬

‫يقال‪ :‬إن نصيبا أضل إبل فخرج في بغائها فلم يصبها‪ ،‬وخاف مواليه أن يرجع إليهم‪ ،‬فأتى عبد العزيز بن مروان فمدحه وذكر له‬
‫‪.‬قصته‪ ،‬فأخلف عليه ما ضل لمواليه وابتاعه وأعتقه‬
‫أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا عبد الله بن إبراهيم الهللي ثم الدوسي قال‪ :‬أراد النصيب الخروج إلى عبد العزيز‬
‫بن مروان‪ ،‬وهو عبد لبني محرز الضمري‪ ،‬فقالت أمه له‪ :‬إنك سترقد ويأخذك ابن محرز يذهب بك‪ ،‬فذهب ولم يبال بقولها‪ .‬حتى‬
‫‪:‬إذا كان بمكان ماء يعرف بالدو‪ ،‬فبينا هو راقد إذ هجم عليه ابن محرز‪ ،‬فقال حين رآه‬
‫إذا وخدت بالدو وخد الـنـعـائم‬ ‫إني لخشى من قلص ابن محرز‬
‫ضحيا إذا استقبلنـه غـير نـائم فأطلقوه‪ ،‬فرجع فأتى أمه فقالت‪ :‬أخبرتك يا بني‬ ‫يرعن بطـين الـقـوم أية روعة‬
‫أنه ليس عندك أن تعجز القوم‪ .‬فإن كنت يا بني قد غلبتني أنك ذاهب فخذ بنت الفلنة‪ ،‬فإني رأيتها وطئت أفحوص بيضات قطاة‬
‫‪.‬فلم تفلقهن فركبها‪ ،‬فهي التي بلغته ابن مروان‬
‫‪.‬قال أبو عبد الله بن الزبير‪ :‬عندنا أن التي أعتقته امرأة من بني ضمرة ثم من بني حنبل‬
‫أول اتصال نصيب بعبد العزيز حدثنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا الخليل بن أسد قال حدثنا عبد الله بن صالح بن‬
‫مسلم قال حدثنا كليب بن إسماعيل مولى بني أمية وكان حدثا أي حسن الحديث قال‪ :‬بلغني أن نصيبا كان حبشيا يرعى إبل‬
‫لمواليه‪ ،‬فأضل منها بعيرا‪ ،‬فخرج في طلبه حتى أتى الفسطاط‪ ،‬وبه إذ ذاك عبد العزيز بن مروان‪ ،‬وهو ولي عهد عبد الملك‬
‫بن مروان‪ ،‬فقال نصيب‪ :‬ما بعد عبد العزيز واحد أعتمده لحاجتي‪ .‬فأتى الحاجب فقال‪ :‬استأذن لي على المير‪ ،‬فإني قد هيأت‬
‫له مديحا‪ .‬فدخل الخاجب فقال‪ :‬أصلح الله المير بالباب رجل أسود يستأذن عليك بمديح قد هيأه لك‪ .‬فظن عبد العزيز أنه ممن‬
‫يهزأ به ويضحكهم‪ ،‬فقال‪ :‬مره بالحضور ليوم حاجتنا إليه‪ .‬فغدا نصيب وراح إلى باب عبد العزيز أربعة أشهر‪ ،‬وأتاه آت من عبد‬
‫الملك فسره‪ ،‬فأمر بالسرير فأبرز للناس‪ ،‬وقال‪ :‬علي بالسود‪ ،‬وهو يريد أن يضحك منه الناس‪ .‬فدخل‪ ،‬فلما كان حيث يسمع‬
‫‪:‬كلمه‪ ،‬قال‬
‫وغيرهم نعـم غـامـره‬ ‫لعبد العزيز على قـومـه‬
‫ودارك مأهولة عامـره‬ ‫فبابك ألـين أبـوابـهـم‬
‫من الم بالبنة الـزائره‬ ‫وكلبك آنس بالمعـتـفـين‬
‫ن أندى من الليلة الماطره‬ ‫وكفك حين ترى السائلـي‬
‫بكل مـحـبـرة سـائره فقال‪ :‬أعطوه أعطوه‪ .‬فقال‪ :‬إني مملوك‪ .‬فدعا الحاجب‬ ‫فمنك العطاء ومني الثنـاء‬
‫فقال‪ :‬اخرج فابلغ في قيمته‪ ،‬فدعا المقومين فقال‪ :‬قوموا غلما أسود ليس به عيب‪ .‬قالوا‪ :‬مائة دينار‪ .‬قال‪ :‬إنه راع للبل‬
‫يبصرها ويحسن القيام عليها‪ .‬قالوا‪ :‬حينئذ مائتا دينار‪ .‬قال‪ :‬إني يبري القسي ويثقفها ويرمي النبل ويريشها‪ .‬قالوا‪ :‬أربعمائة‬
‫دينار‪ .‬قال‪ :‬إنه رواية للشعر بصير به‪ .‬قالوا‪ :‬ستمائة دينار‪ .‬قال‪ :‬إنه شاعر ل يلحق حذقا‪ .‬قالوا‪ :‬ألف دينار‪ .‬قال عبد العزيز‪:‬‬
‫ادفعوها إليه‪ .‬قال‪ :‬أصلح الله المير ثمن بعيري الذي أضللت‪ .‬قال‪ :‬وكم ثمنه? قال‪ :‬خمسة وعشرون دينارا‪ .‬قال‪ :‬ادفعوها إليه‪.‬‬
‫قال‪ :‬أصلح الله المير جائزتي لنفسي عن مديحي إياك‪ .‬قال‪ :‬اشتر نفسك ثم عد إلينا‪ .‬فأتى الكوفة وبها بشر بن مروان‪،‬‬
‫‪:‬فاستأذن عليه فاستصعب الدخول إليه‪ .‬وخرج بشر بن مروان متنزها فعارضه‪ ،‬فلما ناكبه أي صار حذاء منكبه ناداه‬
‫خلق الله يديك للبـخـل‬ ‫يا بشر يابن الجعفرية مـا‬
‫ما هن من جرم ول عكل قال‪ :‬فأمر له بشر بعشرة آلف درهم‪ .‬الجعفرية التي عناها‬ ‫جاءت به عجز مقـابـلة‬
‫‪.‬نصيب‪ :‬أم بشر بن مروان‪ ،‬وهي قطية بنت بشر بن عامر ملعب السنة بن مالك بن جعفر بن كلب‬
‫أم بشر بن مروان ابن الحكم‬
‫أخبرنا اليزيدي عن الخراز عن المدائني عن عبد الله بن مسلم وعامر بن حفص وغيرهما‪ :‬أن مروان بن الحكم مر ببادية بني‬
‫‪:‬جعفر‪ ،‬فرأى قطية بنت بشر تنزع بدلو على إبل لها‪ ،‬وتقول‬
‫جربة كحـمـر البـك‬ ‫ليس بنا فقر إلى التشكـي‬
‫‪:‬ل ضرع فيها ول مذكي ثم تقول‬

‫صفحة ‪91 :‬‬

‫لم يترك لحما ولم يترك دما‬ ‫عامان ترقيق وعام تمـمـا‬
‫إل رذايا ورجـال رزمـا فخطبها مروان فتزوجها‪ ،‬فولدت له بشر بن مروان‬ ‫‪.‬ولم يدع في رأس عظم ملدما‬
‫أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أحمد بن معاوية عن إسحاق بن أيوب عن خليل بن عجلن في‬
‫‪.‬خبر النصيب مثل ما ذكره الزبير وإسحاق سواء‬
‫كان إذا أصاب مال قسمه في مواليه‬
‫وكان فيه كأحدهم وظل كذلك حتى مات‬
‫أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن العتبي قال‪ :‬دعا النصيب مواليه أن يستلحقوه فأبى‪ ،‬وقال‪ :‬والله لن‬
‫أكون مولى لئقا أحب إلي من أن أكون دعيا لحقا‪ .‬وقد علمت أنكم تريدون بذلك مالي‪ ،‬ووالله ل أكسب شيئا أبدا إل كنت أنا‬
‫وأنتم فيه سواء كأحدكم‪ ،‬ل أستأثرو عليكم منه بشيء أبدا‪ .‬قال‪ :‬وكان كذلك معهم حتى مات‪ ،‬إذا أصاب شيئا قسمه فيهم‪،‬‬
‫‪.‬فكان فيه كأحدهم‬
‫نصيب والفرزدق بحضرة سليمان‬
‫أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبيري‪ ،‬وحدثنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا أحمد بن أبي خيثمة قال حدثنا الزبير قال‬
‫حدثنا محمد بن إسمماعيل الجعفري قال‪ :‬دخل النصيب على سليمان بن عبد الملك وعنده الفرزدق‪ ،‬فاستنشد الفرزدق وهو‬
‫‪:‬يرى أنه سينشده مديحا له‪ ،‬فأنشده قوله يفتخر‬
‫لها ترة من جذبها بالعـصـائب‬ ‫وركب كأن الريح تطلب عندهـم‬
‫على شعب الكوار من كل جانب‬ ‫سروا يركبون الريح وهي تلفهـم‬
‫وقد خصرت أيديهم نار غـالـب قال‪ :‬وعمامته على رأسه مثل المنسف؛‬ ‫إذا استوضحوا نارا يقولون ليتهـا‬
‫‪:‬فغاظ سليمان وكلح في وجهه‪ ،‬وقال لنصيب‪ :‬قم فأنشد مولك ويلك فقام نصيب فأنشده قوله‬
‫قفا ذات أوشال ومولك قـارب‬ ‫اقول لركب صادرين لقـيتـهـم‬
‫لمعروفه من أهل ودان طالـب‬ ‫قفوا خبروني عن سليمان إنـنـي‬
‫ولو سكتوا أثنت عليك الحقـائب‬ ‫فعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهـلـه‬
‫بأبوابه من طالب العرف راكب‬ ‫وقالوا عهدنـاه وكـل عـشـية‬
‫ول تشبه البدر المضيء الكواكب فقال له سليمان‪ :‬أحسنت والله يا نصيب‬ ‫هو البدر والناس الكواكب حولـه‬
‫‪:‬وأمر له بجائزة ولم يصنع ذلك بالفرزدق‪ .‬فقال الفرزدق وقد خرج من عنده‬
‫وشر الشعر ما قال العبيد نصيب وعبد العزيز بجبل المقطم‬ ‫وخير الشعر أكرمه رجال‬
‫أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد الرحمن بن عبد الله الزهري عن عمه موسى بن عبد العزيز قال‪ :‬حمل عبد‬
‫العزيز بن مروان النصيب بالمقطم مقطم مصر على بختي قد رحله بغبيط فوقه‪ ،‬وألبسه مقطعات وشي‪ ،‬ثم أمره أن ينشد؛‬
‫‪.‬فاجتمع حوله السودان وفرحوا به‪ ،‬فقال لهم‪ :‬أسررتكم? قالوا‪ :‬إي والله‪ .‬قال‪ :‬والله لما يسوءكم من أهل جلدتكم أكثر‬
‫نصيب وجرير‬
‫أخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلم قال حدثني أبو العراف قال‪ :‬مر جرير بنصيب وهو ينشد‪ ،‬فقال له‪ :‬اذهب فأنت أشعر أهل‬
‫‪.‬جلدتك‪ .‬قال‪ :‬وجلدتك يا أبا حزرة‬
‫هشام بن عبد الملك ونصيب‬
‫أخبرنا الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال حدثني أيوب بن عباية قال‪ :‬بلغني أن النصيب كان إذا قدم على هشام بن عبد‬
‫‪:‬الملك أخلى له مجلسه واستنشده مراثي بني أمية‪ ،‬فإذا أنشده بكى وبكى معه‪ .‬فأنشده يوما قصيدة له مدحه بها‪ ،‬يقول فيها‬
‫يمينك عفوا ثم صلت شمالها فقال له هشام‪ :‬يا أسود‪ ،‬بلغت غاية المدح‬ ‫إذا استبق الناس العل سبقتهم‬
‫فسلني‪ .‬فقال‪ :‬يدك بالعطية أجود وأبسط من لساني بمسئلتك‪ .‬فقال‪ :‬هذا والله أحسن من الشعر‪ ،‬وحباه وكساه وأحسن‬
‫‪.‬جائزته‬
‫نصيب وإعتاقه ذوي قرابته‬
‫‪:‬أخبرني الحسين بن يحيى قال أخبرنا حماد بن إسحاق عن أبيه أيوب بن عباية قال‬

‫صفحة ‪92 :‬‬

‫أصاب نصيب من عبد العزيز بن مروان معروفا‪ ،‬فكتمه ورجع إلى المدينة في هيئة بذة‪ ،‬فقالوا‪ :‬لم يصب بمدحه شيئا‪ .‬فمكث‬
‫مدة‪ ،‬ثم ساوم بأمه فابتاعها وأعتقها‪ ،‬ثم ابتاع أم أمه بضعف ما ابتاع به أمه فأعتقها‪ .‬وجاءه ابن خالة له اسمه سحيم فسأله أن‬
‫يعتقه‪ ،‬فقال له‪ :‬ما معي والله شيء‪ ،‬ولكني إذا خرجت أخرجتك معي‪ ،‬لعل الله أن يعتقك‪ .‬فلما أراد الخروج دفع غلما له إلى‬
‫مولى سحيم يرعى إبله وأخرجه معه‪ ،‬فسأل في ثمنه فأعطاهه وأعتقه‪ .‬فمر به يوما وهو يزفن ويزمر مع السودان‪ ،‬فأنكر ذلك‬
‫عليه وزجره‪ .‬فقال له‪ :‬إن كنت أعتقتني لكون كما تريد فهذا والله ما ل يكون أبدا‪ ،‬وإن كنت أعتقتني لتصل رحمي وتقضي‬
‫‪:‬حقي فهذا والله الذي أفعله هو الذي أريده‪ ،‬أزفن وأزمر وأصنع ما شئت‪ .‬فانصرف النصيب وهو يقول‬
‫إن سحيما لم يثبنـي طـائل‬ ‫إني اراني لسـحـيم قـائل‬
‫وضربي البواب فيك سائل‬ ‫نسيت إعمالي لك الرواحـل‬
‫حتى إذا آنست عتقا عاجل‬ ‫عند الملوك أستثيب الـنـائل‬
‫أخلقا شكسا ولونـا حـائل استعجاله جائزة عند عبد العزيز‬ ‫وليتني منك القفا والكـاهـل‬
‫ابن مروان‪ ،‬وليلى أم عبد العزيز‬
‫‪:‬قال إسحاق‪ :‬وأبطأت جائزة النصيب عند عبد العزيز‪ ،‬فقال‬
‫أناسا ينظرون متـى أؤوب‬ ‫وإن وراء ظهري يابن ليلى‬
‫غداة البين في أثري غروب‬ ‫أمامة منهم ولـمـأقـييهـا‬
‫فأشبه ما رأيت بها السلوب‬ ‫تركت بلدها ونأيت عنهـا‬
‫نثيبك لكن الله الـمـثـيب فعجل جائزته وسرحه‪ .‬قال إسحاق‪ :‬فحدثني ابن كناسة‬ ‫فأتبع بعضنا بعضا فلسـنـا‬
‫قال‪ :‬ليلى أم عبد العزيز كلبية‪ .‬وبلغني عنه أنه قال‪ :‬ل أعطي شاعرا شيئا حتى يذكرها في مدحي لشرفها؛ فكان الشعراء‬
‫‪.‬يذكرونها باسمها في أشعارهم‬
‫شرف نصيب لشعره‬
‫أخبرني الحسين عن حماد عن أبيه عن ابن عباية قال‪ :‬وقفت سوداء بالمدينة على نصيب وهو ينشد الناس‪ ،‬فقالت‪ :‬بأبي أنت‬
‫‪.‬يابن عم وأمي ما أنت والله علي بخزي‪ .‬فضحك وقال‪ :‬والله لمن يخزيك من بني عمك أكثر ممن يزينك‬
‫خطبة ابن نصيب بنت سيده‬
‫وما فعله نصيب في ذلك‬
‫قال إسحاق وحدثني ابن عبابة وغيره أن ابنا لنصيب خطب بعد وفاة سيده الذي أعتقه بنتا له من أخيه‪ ،‬فأجابه إلى ذلك‪،‬‬
‫وعرف أباه‪ .‬فقال له‪ :‬اجمع وجوه الحي لهذا الحال فجمعهم‪ .‬فلما حضروا أقبل نصيب على أخي سيده فقال‪ :‬أزوجت ابني هذا‬
‫من ابنة أخيك? قال‪ :‬نعم‪ .‬فقال لعبيد له سود‪ :‬خذوا برجل ابني هذا فجروه فاضربوه ضربا مبرحا‪ ،‬ففعلوا وضربوه ضربا مبرحا‪.‬‬
‫وقال لخي سيده‪ :‬لول أني أكره أذاك للحقتك به‪ .‬ثم نظر إلى شاب من أشراف الحي‪ ،‬فقال‪ :‬زوج هذا ابنة أخيك وعلي ما‬
‫‪.‬يصلحهما في مالي‪ ،‬ففعل‬
‫نصيب وعبد الملك حين أراد منادمته‬
‫أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن الحارث عن المدائني قال‪ :‬دخل نصيب على عبد الملك فتغدى معه‪ ،‬ثم قال‪ :‬هل‬
‫لك فيما نتنادم عليه? فقال‪ :‬تؤمنني ففعل‪ .‬فقال‪ :‬لوني حائل‪ ،‬وشعري مفلفل‪ ،‬وخلقتي مشوهة‪ ،‬ولم أبلغ ما بلغت من إكرامك‬
‫إياي بشرف أب أو أم أو عشيرة‪ ،‬وإنما بلغته بعقلي ولساني‪ .‬فأنشدك الله يا أمير المؤمنين أن تحول بيني وبين ما بلغت به‬
‫‪.‬هذه المنزلة منك فأعفاه‬
‫سبب تسميته بهذا السم‬
‫أخبرني أبو الحسن السدي قال حدثني محمد بن صالح بن النطاح قال بلغني عن خلذ بن مرة عن أبي بكر بن مزيد قال‪:‬‬
‫لقيت النصيب يوما بباب هشام‪ ،‬فقلت له‪ :‬يا أبا محجن‪ ،‬لم سميت نصيبا‪ ،‬ألقولك في شعرك عاينها النصيب? فقال‪ :‬ل‪ ،‬ولكني‬
‫ولدت عند أهل بيت من ودان‪ ،‬فقال سيدي‪ :‬إيتونا بمولودنا هذا لننظر إليه‪ .‬فلما رآني قال‪ :‬إنه لمنصب الخلق؛ فسميت‬
‫‪.‬النصيب‪ ،‬ثم اشتراني عبد العزيز بن مروان فأعتقني‬
‫فصاحته وتخلصه إلى جيد الكلم‬
‫أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن محمد بن كناسة أبي يحيى السدي قال‪ :‬قال أبو عبد الله بن أبي إسحاق‬
‫‪.‬البصري‪ :‬لئن وليت العراق لستكتبن نصيبا لفصاحته وتخلصه إلى جيد الكلم‬
‫صدق الحديث مع عبد العزيز فأجازه‬
‫‪:‬أخبرني السدي قال حدثني محمد بن صالح عن أبيه عن محمد بن عبد العزيز الزهري‪ .‬قال‪ :‬حدثني نصيب قال‬

‫صفحة ‪93 :‬‬

‫‪:‬دخلت على عبد العزيز بن مروان‪ ،‬فقال‪ :‬أنشدني قولك‬


‫سوى ذكر شيء قد مضى درس الذكر فقلت‪ :‬ليس هذا لي‪ ،‬هذا لبي صخر‬ ‫إذا لم يكـن بـين الـخـلـيلـين ردة‬
‫‪:‬الهذلي‪ ،‬ولكني الذي أقول‬
‫وما إن بها لي من قلوص ول بكر فقال لي عبد العزيز‪ :‬لك جائزة على صدق‬ ‫وقفت بذي دوران أنشد نـاقـتـي‬
‫‪.‬حديثك‪ ،‬وجائزة على شعرك؛ فأعطاني على صدق حديثي ألف دينار‪ ،‬وعلى شعري ألف دينار‬
‫أوصاف نصيب الجسمية‬
‫أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن عثمان بن حفص عن أبيه قال‪ :‬رأيت النصيب وكان أسود خفيف العارضين‬
‫‪.‬ناتىء الحنجرة‬
‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثني الزبير قال حدثني إبراهيم بن يزيد السعدي عن جدته جمال بنت عون بن مسلم عن‬
‫أبيها عن جدها قال‪ :‬رأيت رجل أسود مع امرأة بيضاء‪ ،‬فجعلت أعجب من سواده وبياضها‪ ،‬فدنوت منه وقلت‪ :‬من أنت? قال‪ :‬أنا‬
‫‪:‬الذي أقول‬
‫غدا غربة النأي المفرق والبعـد‬ ‫أل ليت شعري ما الذي تحدثين بي‬
‫بنا ثم يخلو الكاشحون بها بعـدي‬ ‫لدى أم بكر حين تقترب الـنـوى‬
‫فتشمتهم بي أم تدوم على العهـد قال‪ :‬فصاحت‪ :‬بل والله تدوم على العهد‪.‬‬ ‫أتصرمني عند اللى هم لنا العـدا‬
‫‪.‬فسألت عنهما فقيل‪ :‬هذا نصيب‪ ،‬وهذه أم بكر‬
‫نصيب وعبد الله بن جعفر‬
‫أخبرني أبو الحسن السدي قال حدثنا محمد بن صالح بن النطاح قال حدثني أبو اليقظان عن جويرية بن أسماء قال‪ :‬أتى‬
‫النصيب عبد الله بن جعفر فحمله وأعطاه وكساه‪ .‬فقال له قائل‪ :‬يا أبا جعفر‪ ،‬أعطيت هذا العبد السود هذه العطايا فقال‪ :‬والله‬
‫لئن كان أسود إن ثناءه لبيض‪ ،‬وإن شعره لعربي‪ ،‬ولقد استحق بما قال أكثر مما نال‪ .‬وما ذاك إنما هي رواحل تنضى‪ ،‬وثياب‬
‫تبلى‪ ،‬ودراهم تفنى‪ ،‬وثناء يبقى‪ ،‬ومدائح تروى أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن المدائني قال قال أبو السود‪:‬‬
‫‪.‬امتدح نصيب عبد الله بن جعفر وذكر مثله‬
‫نصيب ونسوة أردن سماع شعره‬
‫أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا الخراز عن المدائني قال‪ :‬قيل لنصيب‪ :‬إن ها هنا نسوة يردن أن ينظرن إليك ويسمعن منك‬
‫‪.‬شعرك‪ .‬قال‪ :‬وما يصنعن بي يرين جلدة سوداء وشعرا أبيض‪ ،‬ولكن ليسمعن شعري من وراء ستر‬
‫تغنى منقذ الهللي بشعر نصيب‬
‫أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن عثمان بن حفص عن رجل ذكره قال‪ :‬أتاني منقذ الهللي ليل‪ ،‬فضرب علي‬
‫الباب‪ .‬فقلت‪ :‬من هذا? فقال‪ :‬منقذ الهللي‪ .‬فخرجت إليه فزعا‪ .‬فقال‪ :‬البشرى‪ .‬فقلت‪ :‬وأي بشرى أتتني بك في هذا الليل?‬
‫فقال‪ :‬خير‪ ،‬أتاني أهل بدجاجة مشوية بين رغيفين فتعشيت بها‪ ،‬ثم أتوني بقنينة من نبيذ قد التقى طرفاها صفاء ورقة‪ ،‬فجعلت‬
‫‪:‬أشرب وأترنم بقول نصيب‬
‫بزينب ألمم قبل أن يظعن الركب ففكرت في إنسان يفهم حسنه ويعرف فضله‪ ،‬فلم أجد غيرك‪ ،‬فأتيتك مخبرا بذلك‪ .‬فقلت‪:‬‬
‫‪.‬ما جاء بك إل هذا? فقال‪ :‬أول يكفي ثم انصرف‬
‫عفة نصيب في شعره‬
‫أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال‪ :‬قال مسلمة لنصيب‪ :‬أنت ل تحسن الهجاء‪ .‬فقال‪ :‬بلى والله‪ ،‬أتراني ل أحسن‬
‫أن أجعل مكان عافاك الله أخزاك الله? قال‪ :‬فإن فلنا قد مدحته فحرمك فاهجه‪ ،‬قال‪ :‬ل والله ما ينبغي أن أهجوه‪ ،‬وإنما ينبغي‬
‫‪.‬أن أهجو نفسي حين مدحته‪ .‬فقال مسلمة‪ :‬هذا والله أشد من الهجاء‬
‫نصيب وعمر بن عبد العزيز‬
‫في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫أخبرني الحسين قال قال حماد‪ :‬قرأت على أبي عن ابن عباية عن الضحاك الحزامي قال‪ :‬دخل نصيب مسجد رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يومئذ أمير المدينة‪ ،‬وهو جالس بين قبر النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ومنبره‪ ،‬فقال‪ :‬أيها المير‪ ،‬ائذن لي أن أنشدك من مراثي عبد العزيز‪ .‬فقال‪ :‬ل تفعل فتحزنني‪ ،‬ولكن أنشدني قولك‪ :‬قفا أخوي‬
‫فإن شيطانك كان لك فيها ناصحا حين لقنك إياها‪ .‬فأنشده‪ :‬صوت‬

‫كما كانت بعهدكما كما تكون‬ ‫قفا أخوي إن الدار لـيسـت‬


‫قطين الدار فاحتمل القطين‬ ‫ليالي تعلمـان وآل لـيلـى‬
‫سألناهـا بـه أم ل تـبـين‬ ‫فعوجا فانظرا أتبين عـمـا‬

‫صفحة ‪94 :‬‬

‫على خدي تجود به الجفون‬ ‫فظل واقفين وظل دمعـي‬


‫بدا أن كدت ترشقك العيون‬ ‫‪،‬فلول إذ رأيت اليأس منهـا‬
‫ولم تغلق كما غلق الرهين في البيتين الولين من هذه البيات والخيرين لبن‬ ‫برحت فلم يلمك الناس فيهـا‬
‫‪.‬سريج خفيف رمل بالوسطى عن عمرو‪ .‬وفيه للغريض خفيف ثقيل أول بالوسطى عن عمرو ويونس‬
‫قصة نصيب مع امرأة عجوز بالجحفة‬
‫كان يختلف إليها‬
‫أخبرني الحسين عن حماد عن أبيه عن أيوب بن عباية قال‪ :‬كان نصيب ينزل على عجوز بالجحفة إذا قدم من الشأم‪ ،‬وكان لها‬
‫بنية صفراء وكان يستحليها‪ ،‬فإذا قدم وهب لها دراهم وثيابا غير ذلك‪ .‬فقدم عليهما قدمة وبات بهما‪ ،‬فلم يشعر إل بفتى قد‬
‫جاءها ليل فركضها برجله‪ ،‬فقامت معه فأبطأت ثم عادت‪ ،‬وعاد إليها بعد ساعة فركضها برجله فقالت معه فأبطأت ثم عادت‪.‬‬
‫‪:‬فلما أصبح نصيب رأى أثر معتركهما ومغتسلهما‪ .‬فلما أراد أن يرتحل قالت له العجوز وبنتها‪ :‬بأبي أنت عادتك‪ .‬فقال لها‬
‫لهذا وهذا منك ود ملطـف‬ ‫أراك طموح العين ميالة الهوى‬
‫فحبي فرد لست ممن يرادف ولم يعطها شيئا ورحل‬ ‫‪.‬فإن تحملي ردفين ل أك منهما‬
‫حديث النصيب مع امرأة من ملل‬
‫كان الناس ينزلون عندها‬
‫قال أيوب‪ :‬وكانت بملل امرأة ينزل بها الناس‪ ،‬فنزل بها أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة وعمران بن عبد الله بن مطيع ونصيب‬
‫فلما رحلوا وهب لها القرشيان ولم يكن مع نصيب شيء‪ ،‬فقال لها‪ :‬اختاري إن شئت أن أضمن لك مثل ما أعطياك إذا قدمت‪،‬‬
‫‪:‬وإن شئت قلت فيك أبياتا تنفعك‪ .‬قالت‪ :‬بل الشعر أحب إلي‪ .‬فقال‬
‫وإن لم تكن منا غدا بـقـريب‬ ‫أل حي قبل البـين أم حـبـيب‬
‫فما أحد عندي إذا بـحـبـيب‬ ‫لئن لم يكن حبيك حبا صدقـتـه‬
‫غريب الهوى يا ويح كل غريب فشهرها بذلك‪ ،‬فأصابت بقوله ذلك فيها خيرا‬ ‫‪.‬تهام أصابت قلـبـه مـلـلـية‬
‫عمر ينهاه عن التشبيب بالنساء‬
‫قال أيوب‪ :‬ودخل النصيب على عمر بن عبد العزيز ‪ -‬رحمة الله عليه ‪ -‬بعد ما ولي الخلفة‪ .‬فقال له‪ :‬إيه يا أسود أنت الذي‬
‫تشهر النساء بنسيبك فقال‪ :‬إني قد تركت ذلك يا أمير المؤمنين‪ ،‬وعاهدت الله عز وجل أل أقول نسيبا‪ ،‬وشهد له بذلك من‬
‫حضر وأثنوا عليه خيرا‪ .‬فقال‪ :‬أما إذ كان المر هكذا فسل حاجتك‪ .‬فقال‪ :‬بنيات لي نفضت عليه سوادي فكسدن‪ ،‬أرغب بهن‬
‫عن السودان ويرغب عنهن البيضان‪ .‬قال‪ :‬فتريد ماذا? قال‪ :‬تفرض لهن‪ ،‬ففعل‪ .‬قال‪ :‬ونفقة لطريقي‪ .‬قال‪ :‬فأعطاه حلية سيفه‬
‫‪.‬وكساه ثوبيه‪ ،‬وكانا يساويان ثلثين درهما‬
‫اجتماع النصيب والكميت ذي الرمة‬
‫وتناشدهم الشعر‬
‫أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة عن إسحاق الموصلي عن ابن كناسة قال‪ :‬اجتمع النصيب والكميت وذو‬
‫‪:‬الرمة‪ ،‬فأنشدهما الكميت قوله‬
‫‪:‬هل أنت عن طلب اليفاع منقلب حتى بلغ إلى قوله فيها‬
‫وإن تكامل فيها النس والشنب فعقد نصيب واحدة‪ .‬فقال له الكميت‪ :‬ماذا‬ ‫أم هل ظغائن بالعلياء نـافـعة‬
‫‪:‬تحصي? قال‪ :‬خطأك‪ ،‬باعدت في القول‪ ،‬ما النس من الشنب‪ ،‬أل قلت كما قال ذو الرمة‬
‫وفي اللثات وفي أنيابها شنب ثم أنشدهما قوله‬ ‫‪:‬لمياء في شفتيها حوة لعـس‬
‫‪:‬أبت هذه النفس إل ادكارا حتى بلغ إلى قوله‬
‫تجاوبن بالفلوات الوبارا فقال له النصيب‪ :‬والوبار ل تسكن الفلوات‪ .‬ثم أنشد حتى بلغ‬ ‫إذا ما الهجارس غنينها‬
‫‪:‬منها‬
‫أراجيز أسلم تهجو غفارا فقال النصيب‪ :‬ما هجت أسلم غفارا قط‪ ،‬فانكسر الكميت‬ ‫كأن الغطامط من غليهـا‬
‫‪.‬وأمسك‬
‫نصيب وعبد الرحمن بن الضحاك‬
‫ابن قيس الفهري‬
‫‪:‬أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن ابن الكلبي‬

‫صفحة ‪95 :‬‬

‫أن نصيبا مدح عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس الفهري‪ ،‬فأمر له بعشر قلئص‪ ،‬وكتب بها إلى رجلين من النصار‪ ،‬واعتذر إليه‬
‫وقال له‪ :‬والله ما أملك إل رزقي‪ ،‬وإني لكره أن أبسط يدي في أموال هؤلء القوم‪ .‬فخرج حتى أتى النصاريين فأعطاهما‬
‫الكتاب مختوما‪ .‬فقرآه وقال‪ :‬قد أمر لك بثمان قلئص‪ ،‬ودفعا ذلك إليه‪ .‬ثم عزل وولي مكانه رجل من بني نصر بن هوازن‪ ،‬فأمر‬
‫بأن يتتبع ما أعطى ابن الضحاك ويرتجع‪ ،‬فوجد باسم نصيب عشر قلئص‪ ،‬فأمر بمطالبته بها‪ .‬فقال‪ :‬والله ما دفع إلي إل ثماني‬
‫قلئص فقال‪ :‬والله ما تخرج من الدار حتى تؤدي عشر قلئص أو أثمانها‪ ،‬فلم يخرج حتى قبض ذلك منه‪ .‬فلما قدم على هشام‬
‫‪:‬سمر عنده ليلة وتذاكروا النصري‪ ،‬فأنشده قوله فيه‬
‫أردى وتنزع من أحشائي الكبد‬ ‫أفي قلئص جرب كن من عمل‬
‫عشر فأي كتاب بعدنا وجـدوا‬ ‫ثمانيا كن في أهلي وعنـدهـم‬
‫منها فعندهما الفقد الذي فقـدوا‬ ‫أخانني أخوا النصار فانتقصـا‬
‫في غير نائرة دينا له صـعـد‬ ‫وإن عاملك النصري كلفـنـي‬
‫أم كيف أقتل ل عقل ول قـود قال‪ :‬فقال هشام‪ :‬ل جرم والله‪ ،‬ل يعمل لي‬ ‫أذنب غيري ولم أذنب يكلفنـي‬
‫‪.‬النصري عمل أبدا‪ ،‬فكتب بعزله عن المدينة‬
‫شعر لنصيب في الجفر من نواحي ضرية‬
‫أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال أخبرنا الزبير بن بكار إجازة عن هارون بن عبد الله الزبيري عن شيخ من الجفر قال‪:‬‬
‫‪:‬قدم علينا النصيب فجلس في هذا المجلس وأومأ إلى مجلس حذاءه‪ ،‬فاستنشدناه‪ ،‬فأنشدنا قوله‬
‫سقتك الغوادي من عقاب ومن وكر‬ ‫أل يا عقاب الوكر وكـر ضـرية‬
‫مرور الليالي منسياتي ابنة النضـر‬ ‫تمر الليالـي مـا مـررن ول أرى‬
‫ومالي لديها من قلوص ول بكـر‬ ‫وقفت بذي دوران أنشد نـاقـتـي‬
‫بواضحة النياب طيبة الـنـشـر‬ ‫وما أنشـد الـرعـيان إل تـعـلة‬
‫وعلم أيام المنـاسـك والـنـحـر‬ ‫أما والذي نادى من الطور عـبـده‬
‫ليال أقامتهن ليلى على الـجـفـر نصيب وعبد الملك بن مروان‬ ‫لقد زادني للجفر حـبـا وأهـلـه‬
‫أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال أخبرني عمر بن إبراهيم السعدي عن يوسف بن يعقوب بن العلء بن سليمان عن سلمة‬
‫‪:‬بن عبد الله بن أبي مسروح قال‪ :‬قال عبد الملك بن مروان لنصيب أنشدني‪ ،‬فأنشده قصيدته التي يقول فيها‬
‫طي الحمائل ل جاف ول فقـر‬ ‫ومضمر الكشح يطويه الضجيع به‬
‫يلوى ولو كان سبعا حين يأتـزر فقال له عبد الملك‪ :‬يا نصيب‪ ،‬من هذه? قال‪:‬‬ ‫وذي روادف ل يلغي الزار بهـا‬
‫‪.‬بنت عم لي نوبية‪ ،‬لو رأيتها ما شربت من يدها الماء‪ .‬فقال له‪ :‬لو غير هذا قلت لضربت الذي فيه عيناك‬
‫رحلة نصيب إلى عبد العزيز ابن مروان كل عام يستميحه العطاء‬
‫أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثنا الحارث بن محمد بن أبي أسامة قال حدثنا المدائني قال‪ :‬كان عبد العزيز بن‬
‫مروان اشترى نصيبا وأهله وولده فأعتقهم‪ ،‬وكان نصيب يرحل إليه في كل عام مستميحا فيجيزه ويحسن صلته‪ .‬فقال فيه‬
‫‪:‬نصيب‬
‫ويفعل فوق أحسن ما يقول‬ ‫يقول فيحسن القول ابن ليلى‬
‫مودتهم ويرزؤه الـخـلـيل‬ ‫فتـى ل يرزأ الـخـلن إل‬
‫مع النيل الذي في مصر نيل نصيب وشاعر هجاه من أهل الحجاز‬ ‫فبشر أهل مصر فقد أتاهـم‬
‫أخبرني هاشم بن محمد بن هارون بن عبد الله بن مالك الخزاعي أبو دلف قال حدثنا عبد الرحمن ابن أخي الصمعي عن عمه‬
‫‪:‬قال‪ :‬كان نصيب يكنى أبا الحجناء‪ ،‬فهجاه شاعر من أهل الحجاز فقال‬
‫ولون أبي الحجناء لون البهـائم‬ ‫رأيت أبا الحجناء في الناس حائرا‬
‫وإن كان مظلوما له وجه ظالـم‬ ‫تراه على ما لحه مـن سـواده‬

‫صفحة ‪96 :‬‬

‫فقيل لنصيب‪ :‬أل تجيبه فقال‪ :‬ل‪ ،‬ولو كانت هاجيا لحد لجبته ولكن الله أوصلني بهذا الشعر إلى خير‪ ،‬فجعلت على نفسي أل‬
‫‪:‬أقوله في شر‪ ،‬وما وصفني إل بالسواد وقد صدق‪ .‬أفل أنشدكم ما وصفت به نفسي? قالوا بلى‪ .‬فأنشدهم قوله‬
‫هذا اللسـان إلـى فـؤاد ثـابـت‬ ‫ليس السواد بناقصـي مـادام لـي‬
‫فبيوت أشعاري جعلن منـابـتـي‬ ‫من كان ترفعه منـابـت أصـلـه‬
‫ماضي الجنان وبين أبيض صامت‬ ‫كم بين أسـود نـاطـق بـبـيانـه‬
‫من فضل ذاك وليس بي من شامت ويروى مكان من فضل ذاك ‪ ،‬فضل‬ ‫إني ليحسدنـي الـرفـيع بـنـاؤه‬
‫‪.‬البيان وهو أجود‬
‫أخبرني عمي ومحمد بن خلف قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني سعيد بن يحيى الموي قال حدثني عمي عن محمد‬
‫بن سعد قال‪ :‬قال قائل للنصيب‪ :‬أيها العبد‪ ،‬مالك وللشعر? فقال‪ :‬أما قولك عبد فما ولدت إل وأنا حر‪ ،‬ولكن أهلي ظلموني‬
‫‪:‬فباعوني‪ .‬وأما السواد فأنا الذي أقول‬
‫لعقل غير ذي سـقـط وعـاء‬ ‫وإن أك حالكا لـونـي فـإنـي‬
‫وفي عرضي من الطمع الحياء شعره في جارية طلبت منه أن يشبب بها‬ ‫وما نزلت بي الـحـاجـات إل‬
‫أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد عن أبيه قال حدثت عن السدوسي قال‪ :‬وقف نصيب على أبيات فاستسقى ماء‪،‬‬
‫فخرجت إليه جارية بلبن أو ماء فسقته‪ ،‬وقالت‪ :‬شبب بي‪ :‬فقال‪ :‬وما اسمك? فقالت‪ :‬هند‪ .‬ونظر إلى جبل وقال‪ :‬ما اسم هذا‬
‫‪:‬العلم? قالت‪ :‬قنا‪ .‬فأنشأ يقول‬
‫أبالي أقربا زاده الله أم بعـدا‬ ‫أحب قنا من حب هند ولم أكن‬
‫لنا حاجة مالت إليه بنا عمـدا‬ ‫أل إن بالقيعان من بطن ذي قنا‬
‫أحب قنا إني رأيت به هنـدا قال‪ :‬فشاعت هذه البيات‪ ،‬وخطبت هذه الجارية من‬ ‫أروني قنا انظر إليه فإنـنـي‬
‫‪.‬أجلها‪ ،‬وأصابت بقول نصيب فيها خيرا كثيرا‬
‫قصته مع جارية خطبها فأبت ثم تزوجته‬
‫أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا عيسى بن إسماعيل بن نبيه قال حدثنا محمد بن سلم قال‪ :‬دخل نصيب على يزيد‬
‫بن عبد الملك‪ ،‬فقال له‪ :‬حدثني يا نصيب ببعض ما مر عليك‪ .‬فقال‪ :‬نعم‪ ،‬يا أمير المؤمنين علقت جارية حمراء‪ ،‬فمكثت زمانا‬
‫تمنيني بالباطيل‪ ،‬فلما ألححت عليها قالت‪ :‬إليك عني‪ ،‬فوالله لكأنك من طوارق الليل‪ .‬فقلت لها‪ :‬وأنت والله لكأنك من طوارق‬
‫النهار‪ .‬فقالت‪ :‬ما أظرفك يا أسود فغاظني قولها‪ ،‬فقلت لها‪ :‬هل تدرين ما الظرف? إنما الظرف العقل‪ .‬ثم قالت لي‪ :‬انصرف‬
‫‪:‬حتى أنظر في أمرك‪ .‬فأرسلت إليها هذه البيات‬
‫وما لسواد جلدي مـن دواء‬ ‫فإن أك حالكا فالمسك أحـوى‬
‫كبعد الرض من جو السماء‬ ‫ولي كرم عن الفحشـاء نـاء‬
‫ومثلك ليس يعدم في النسـاء‬ ‫ومثلي في رجالكـم قـلـيل‬
‫وإن تأبي فنحن على السواء قال‪ :‬فلما قرأت الشعر قالت‪ :‬المال والشعر يأتيان‬ ‫فإن ترضي فردي قول راض‬
‫‪.‬على غيرهما‪ ،‬فتزوجتني‬
‫استجادة الصمعي شعرا لنصيب‬
‫أخبرنا هاشم بن محمد قال حدثنا الرياشي قال‪ :‬أنشدنا الصمعي لنصيب وكان يستجيد هذه البيات ويقول إذا أنشدها‪ :‬قاتل‬
‫‪.‬الله نصيبا ما أشعره‬

‫لكالمسك ل يروى من المسك ذائقه‬ ‫فإن يك من لوني السواد فـإنـنـي‬


‫لباس من العلياء بيض بـنـائقـه‬ ‫وما ضر أثوابي سوادي وتحتـهـا‬
‫بذلت له فاعلم بأنـي مـفـارقـه نصيب وجرير‬ ‫إذا المرء لم يبذل من الود مثل مـا‬
‫أخبرني الفضل بن الحباب أبو خليفة قال حدثنا محمد بن سلم عن خلف‪ :‬أن نصيبا أنشد جريرا شيئا من شعره‪ ،‬فقال له‪ :‬كيف‬
‫‪.‬ترى يا أبا حرزة? فقال له‪ :‬أنت أشعر أهل جلدتك‬
‫نصيب والوليد بن عبد الملك‬
‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد بن إسماعيل عن عبد العزيز بن عمران بن محمد‬
‫‪:‬عن المسور بن عبد الملك قال‬

‫صفحة ‪97 :‬‬

‫قال نصيب لعبد الرحمن بن أزهر‪ :‬أنشدت الوليد بن عبد الملك‪ ،‬فقال لي‪ :‬أنت أشعر أهل جلدتك‪ ،‬والله ما زاد عليها فقال لي‬
‫عبد الرحمن‪ :‬يا أبا محجن‪ ،‬أفرضيت منه أن جعلك أشعر السودان فقط? فقال له‪ :‬وردت والله يابن أخي أنه أعطاني أكثر من‬
‫‪.‬هذا‪ ،‬ولكنه لم يفعل ولست بكاذبك‬
‫نصيب ووصفه لشعره وشعر معاصريه‬
‫أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا أبو حاتم قال أخبرنا أبو عبيدة قال‪ :‬قال لي محمد بن عبد ربه‪ :‬دخلت مسجد‬
‫الكوفة‪ ،‬فرأيت رجل لم أر قط مثله ول أشد سوادا منه‪ ،‬ول أنقى ثيابا منه‪ ،‬ول أحسن زيا‪ .‬فسألت عنه‪ ،‬فقيل‪ :‬هذا نصيب‪.‬‬
‫فدنوت منه فحدثته‪ ،‬ثم قلت له‪ :‬أخبرني عنك وعن أصحابك‪ .‬فقال‪ :‬جميل إمامنا‪ ،‬وعمر بن أبي ربيعة أوصفنا لربات الحجال‪،‬‬
‫وكثير أبكانا على الدمن وأمدحنا للملوك‪ ،‬وأما أنا فقد قلت ما سمعت‪ .‬فقلت له‪ :‬إن الناس يزعمون أنك ل تحسن أن تهجو‪.‬‬
‫فضحك ثم قال‪ :‬أفتراهم يقولون‪ :‬إني ل أحسن أن أمدح? فقلت ل‪ .‬فقال‪ :‬أفما تراني أحسن أن أجعل مكان عافاك الله أخزاك‬
‫الله? قال قلت بلى‪ .‬قال‪ :‬فإني رأيت الناس رجلين‪ :‬إما رجل لم أسأله شيئا فل ينبغي أن أهجوه فأظلمه‪ ،‬وإما رجل سألته‬
‫‪.‬فمنعني فنفسي كانت أحق بالهجاء‪ ،‬إذ سولت لي أن أساله وأن أطلب ما لديه‬
‫نصيب وكثير والحوص‬
‫في مجلس امرأة من بني أمية‬
‫أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني عبد الله بن إسماعيل بن أبي عبيد الله كاتب المهدي قال‪ :‬وجدت في كتاب‬
‫أبي بخطه‪ :‬حدثني أبو يوسف التجيبي قال حدثني إسماعيل بن المختار مولى آل طلحة وكان شيخا كبيرا قال‪ :‬حدثني النصيب‬
‫أبو محجن أنه خرج هو وكثير والحوص غب يوم أمطرت فيه السماء‪ ،‬فقال‪ :‬هل لكم في أن نركب جميعا فنسير حتى نأتي‬
‫العقيق فنمتع فيه أبصارنا? فقالوا نعم‪ .‬فركبوا أفضل ما يقدرون عليه من الدواب‪ ،‬ولبسوا أحسن ما يقدرون عليه من الثياب‪،‬‬
‫وتنكروا ثم ساروا حتى أتوا العقيق‪ ،‬فجعلوا يتصفحون ويرون بعض ما يشتهون‪ ،‬حتى رفع لهم سواد عظيم فأموه حتى أتوه‪،‬‬
‫فإذا وصائف ورجال من الموالي ونساء بارزات‪ ،‬فسألنهم أن ينزلوا‪ ،‬فاستحيوا أن يجيبوهن من أول وهلة‪ ،‬فقالوا‪ :‬ل نستطيع أو‬
‫نمضي في حاجة لنا‪ .‬فحلفنهم أن يرجعوا إليهن‪ ،‬ففعلوا وأتوهن‪ ،‬فسألنهم النزول فنزلوا‪ .‬ودخلت امرأة من النساء فاستأذنت‬
‫لهم‪ ،‬فلم تلبث أن جاءت المرأة فقالت‪ :‬ادخلوا‪ .‬فدخلنا على امرأة جميلة برزة على فرش لها‪ ،‬فرحبت وحيت‪ ،‬وإذا كراسي‬
‫موضوعة‪ ،‬فجلسنا جميعا في صف واحد كل إنسان على كرسي‪ .‬فقالت‪ :‬إن أحببتم أن ندعو بصبي لنا فنصيحه ونعرك أنذه‬
‫فعلنا‪ ،‬وإن شئتم بدأنا بالغداء‪ .‬فقلنا‪ :‬بل تدعين بالصبي ولن يفوتنا الغداء‪ .‬فأومأت بيدها إلى بعض الخدم‪ ،‬فلم يكن إل كل ول‬
‫حتى جاءت جارية جميلة قد سترت بمطرف‪ ،‬فأمسكوه عليها حتى ذهب بهرها‪ ،‬ثم كشف عنها وإذا جارية ذات جمال قريبة من‬
‫‪:‬جمال مولتها‪ ،‬فرحبت بهم وحيتهم‪ ،‬فقالت لها مولتها‪ :‬خذي ‪ -‬ويحك ‪ -‬من قول النصيب عافى الله أبا محجن‬
‫وهل مثل أيام بمنقطع السعـد‬ ‫أل هل من البين المفرق من بد‬
‫على عهد عاد ما تعيد ول تبدي فغنته‪ ،‬فجاءت به كأحسن ما سمعته قط بأحلى‬ ‫تمنيت أيامي أولئك‪ ،‬والمـنـى‬
‫‪:‬لفظ وأشجى صوت‪ .‬ثم قالت لها‪ :‬خذي أيضا من قول أبي محجن عافى الله أبا محجن‬
‫لطـوارق الـهـم الـــتـــي تـــرده‬ ‫أرق الـمـحـب وعـــاده ســـهـــده‬
‫وأبـى فـلـيس تـرق لـي كـــبـــده‬ ‫وذكـرت مـن رقـت لــه كـــبـــدي‬
‫ل قومه قومي ول بلدي فنكون حينا جيزة بلده‬
‫قبـلـي مـن أجـل صـبـــابة يجـــده‬ ‫ووجدت وجدا لم يكن أحد‬
‫هنـد فـفـات بـنـفـسـه كـــمـــده قال‪ :‬فجاءت به أحسن من الول‪ ،‬فكدت‬ ‫إل ابـن عـجـلن الـذي تـبـــلـــت‬
‫‪:‬أطير سرورا‪ .‬ثم قالت لها‪ :‬ويحك خذي من قول أبي محجن عافى الله أبا محجن‬
‫وهل طائف من نائم متمـتـع‬ ‫فيا لك من ليل تمتعت طـولـه‬
‫ولو نائما مستعتـب أو مـودع‬ ‫نعم إن ذا شجو متى يلق شجوه‬
‫من الناس في صدر بها يتصدع‬ ‫له حاجة قد طالما قد أسـرهـا‬
‫يكون لها يوما من الدهر منزع‬ ‫تحملها طول الزمان لعـلـهـا‬

‫صفحة ‪98 :‬‬

‫قديما كما كانت لذي الحلم تقـرع قال‪ :‬فجاءت والله بشيء حيرني‬ ‫وقد قرعت في أم عمرو لي العصا‬
‫وأذهلني طربا لحسن الغناء وسرورا باختيارها الغناء في شعري‪ ،‬وما سمعت فيه من حسن الصنعة وجودتها وإحكامها‪ .‬ثم قالت‬
‫‪:‬لها‪ :‬خذي أيضا من قول أبي محجن‪ ،‬عافى الله أبا محجن‬
‫حتى تلموا وأنتم بي ملمونـا‬ ‫يا أيها الركب إني غير تابعكم‬
‫يدعوهم ذو هوى إل يعوجونا‬ ‫فما أرى مثلكم ركبا كشكلكم‬
‫وأعلم الناس بالداء الطبونـا قال نصيب‪ :‬فوالله لقد زهيت بما سمعت زهوا‬ ‫أم خبروني عن دائي بعلمكـم‬
‫خيل إلي أني من قريش‪ ،‬وأن الخلفة لي‪ .‬ثم قالت‪ :‬حسبك يا بنية هات الطعام يا غلم فوثب الحوص وكثير وقال‪ :‬والله ل‬
‫نطعم لك طعاما ول نجلس لك في مجلس؛ فقد أسأت عشرتنا واستخففت بنا‪ ،‬وقدمت شعر هذا على أشعارنا‪ ،‬واستمعت‬
‫الغناء فيه‪ ،‬وإن في أشعارنا لما يفضل شعره‪ ،‬وفيها من الغناء ما هو أحسن من هذا‪ .‬فقالت‪ :‬على معرفة كل ما كان مني‪ ،‬فأي‬
‫‪:‬شعركما أفضل من شعره? أقولك يا أحوص‬
‫وأحسن شيء ما به العين قرت أو قولك يا كثير في عزة‬ ‫‪:‬يقر بعيني ما يقر بـعـينـهـا‬
‫سوى التيس ذي القرنين أن لها بعل أم قولك فيها‬ ‫‪:‬وما حسـبـت ضـمـرية جـدوية‬
‫فإن عطاسها طرف السفاد قال‪ :‬فخرجا مغضبين واحتبستني‪ ،‬فتغديت عندها‪،‬‬ ‫إذا ضمرية عطست فنكها‬
‫وأمرت لي بثلثمائة دينار وحلتين وطيب‪ ،‬ثم دفعت إلي مائتي دينار وقالت‪ :‬ادفعها إلى صاحبيك؛ فإن قبلها وإل فهي لك‪.‬‬
‫فأتيتهما منازلهما فأخبرتهما القصة‪ .‬فأما الحوص فقبلها‪ ،‬وأما كثير فلم يقبلها‪ ،‬وقال‪ :‬لعن الله صاحبتك وجائزتها ولعنك معها‬
‫‪.‬فأخذتها وانصرفت‬
‫‪.‬فسألت النصيب‪ :‬ممن المرأة?‪ .‬فقال‪ :‬من بني أمية ول أذكر اسمها ما حييت لحد‬
‫رثاء نصيب عبد العزيز وقد مات بسكر‬
‫من قرى الصعيد‬
‫أخبرني عيسى بن يحيى الوراق عن أحمد بن الحارث الخراز قال حدثنا المدائني قال‪ :‬وقع الطاعون بمصر في ولية عبد‬
‫العزيز بن مروان إياها‪ ،‬فخرج هاربا منه فنزل بقرية من الصعيد يقال لها سكر ‪ .‬فقدم عليه حين نزلها رسول لعبد الملك‪،‬‬
‫فقال له عبد العزيز‪ :‬ما اسمك? فقال‪ :‬طالب بن مدرك‪ .‬فقال‪ :‬أوه‪ ،‬ما أراني راجعا إلى الفسطاط أبدا ومات في تلك القرية‪.‬‬
‫‪:‬فقال نصيب يرثيه‬
‫مصيبة ليس لي بهـا قـبـل‬ ‫أصبت يوم الصعيد من سكـر‬
‫ما أسمعتني حنينهـا البـل‬ ‫تالله أنسى مصـيبـتـي أبـدا‬
‫كل المصيبات بعده جـلـل‬ ‫ول التبكي عـلـيه أعـولـه‬
‫عرف ول الحاملون ما حملوا‬ ‫لم يعلم النعش ما عليه من ال‬
‫حين انتهى من خليلك المـل غنى في هذه البيات ابن سريج‪ ،‬ولحنه رمل بالسبابة‬ ‫حتى أجنوه في ضريحـهـم‬
‫‪.‬في مجرى الوسطى عن إسحاق‪ ،‬وذكر الهشامي أن له فيه لحنا من الهزج‪ ،‬وذكر ابن بانة أن الرمل لبن الهربذ‬
‫أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن مصعب الزبيري عن مشيخة من أهل الحجاز‪ :‬أن‬
‫‪:‬نصيبا دخل على عبد الملك بن مروان‪ ،‬فقال له‪ :‬أنشدني بعض ما رثيت به أخي؛ فأنشده قوله‬
‫كماض تله الغابر المـتـأخـر‬ ‫عرفت وجربت المور فمـا أرى‬
‫يمرون أسلفا أمامي وأغـبـر‬ ‫ولكن أهل الفضل من أهل نعمتي‬
‫بصبر فمثلي عندما اشتد يصبـر‬ ‫فإن أبكه أعذر وإن أغلب السـى‬
‫إليك فتقضي نحبها وهي ضمـر‬ ‫وكانت ركابي كلما شئت تنتحـي‬
‫لديك وتثنى بالرضا حين تصـدر‬ ‫ترى الورد يسرا والثواء غنـيمة‬
‫ذراها لمن لقت من الناس منظر‬ ‫فقد عريت بعد ابن ليلى فإنـمـا‬
‫مراد لغربان الطريق ومنـقـر‬ ‫ولو كان حيا لم يزل بدفـوفـهـا‬
‫هو المصطفى من أهله المتخير فلما سمع عبد الملك قوله‬ ‫‪:‬فإن كن قد نلن ابن ليلـى فـإنـه‬
‫بصبر فمثلي عندما اشتد يصبر‬ ‫فإن أبكه أعذر وإن أغلب السى‬

‫صفحة ‪99 :‬‬

‫‪.‬قال له‪ :‬ويلك أنا كنت أحق بهذ الصفة في أخي منك فهل وصفتني بها وجعل يبكي‬
‫نصيب وعبد الله بن إسحاق البصري‬
‫أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن أبي يحيى محمد بن كناسة قال‪ :‬قال لي عبد الله بن إسحاق‬
‫‪:‬البصري‪ :‬لو وليت العراق لستكتبت نصيبا‪ .‬قلت‪ :‬لماذا? قال لفصاحته وحسن تخلصه إلى جيد الكلم‪ ،‬ألم تسمع قوله‬
‫إليها سوام الطرف عنها فترجع‬ ‫فل النفس ملتها ول العين تنتهي‬
‫ترى بدل منها به النفس تقنـع نصيب وإبراهيم بن هشام‬ ‫رأتها فما ترتد عنـهـا سـآمة‬
‫أخبرني الحرمي عن الزبير عن محمد بن الحسن قال‪ :‬دخل نصيب على إبراهيم بن هشام فأنشده مديحا له‪ .‬فقال إبراهيم‪ :‬ما‬
‫‪:‬هذا بشيء أين هذا من قول أبي دهبل لصاحبنا ابن الزرق حيث يقول‬
‫يرحل من اليمن المعروف والجود قال‪ :‬فغضب نصيب ونزع عمامته وبرك‬ ‫إن تغد من منقلي نخلن مرتحـل‬
‫عليها‪ ،‬وقال‪ :‬لئن تأتونا برجال مثل ابن الزرق نأتكم بمثل مديح أبي دهبل أو أحسن؛ إن المديح والله إنما يكون على قدر‬
‫‪.‬الرجال‪ .‬قال‪ :‬فأطرق ابن هشام‪ ،‬وعجبوا من إقدام نصيب عليه‪ ،‬ومن حلم ابن هشام وهو غير حليم‬
‫نصيب وأم بكر الخزاعية‬
‫أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد الرحمن بن عبد الله الزهري‪ :‬أن نصيبا كان ربما قدم من الشأم فيطرح في‬
‫‪.‬حجر أم بكر الخزاعية أربعمائة دينار‪ ،‬وأن عبد الملك بن مروان ظهر على تعلقه بها ونسيبه فيها‪ ،‬فنهاه عن ذلك حتى كف‬
‫نصيب وشيء من أوصافه الخلقية‬
‫أخبرني محمد بن يزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن عثمان بن حفص الثقفي عن أبيه قال‪ :‬رأيت النصيب بالطائف‪،‬‬
‫فجاءنا وجلس في مجلسنا وعليه قميص قوهي ورداء وحبرة‪ ،‬فجعل ينشدنا مديحا لبن هشام‪ ،‬ثم قال‪ :‬إن الوادي مسبعة‪ ،‬فمن‬
‫أهل المجلس? قالوا‪ :‬ثقيف؛ فعرف أنا نبغض ابن هشام ويبغضنا‪ ،‬فقال‪ :‬إنا لله أبعد ابن ليلى أمتدح ابن جيداء فقال له أهل‬
‫المجلس‪ :‬يا أبا محجن‪ ،‬أتطلب القريض أحيانا فيعسر عليك? فقال‪ :‬إي والله لربما فعلت‪ ،‬فآمر براحلتي فيشد بها رحلي‪ ،‬ثم‬
‫أسير في الشعاب الخالية‪ ،‬وأقف في الرباع المقوية‪ ،‬فيطربني ذلك ويفتح لي الشعر‪ .‬والله إني على ذلك ما قلت بيتا قط‬
‫تستحي الفتاة الحيية من إنشاده في ستر أبيها‪ .‬قال إسحاق قال عثمان بن حفص فوصفه أبي وقال‪ :‬كأني أراه صدعا خفيف‬
‫‪.‬العارضين ناتىء الحنجرة‬
‫نصيب وابن أبي عتيق‬
‫‪:‬أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد عن أبيه عن محمد بن كناسة قال‪ :‬أنشد نصيب قوله‬
‫لها بارق نحو الحجـاز أطـير فسمعه ابن أبي عتيق‪ ،‬فقال‪ :‬يابن أم‪ ،‬قل‬ ‫وكدت ولم أخلق من الطير إن بدا‬
‫‪.‬غاق فإنك تطير‪ .‬يعني أنه غراب أسود‬
‫أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال أخبرني أحمد بن محمد السدي أسد قريش قال‪ :‬قال ابن أبي عتيق لنصيب‪ :‬إني خارج‪،‬‬
‫‪:‬أفترسل إلى سعدى بشيء? قال‪ :‬نعم‪ ،‬بيتي شعر‪ .‬قال‪ :‬قل‪ ،‬فقال‬
‫وأنت بحسن الصبر منك جـدير‬ ‫أتصبر عن سعدى وأنت صبـور‬
‫سنى بارق نحو الحجاز أطـير قال‪ :‬فأنشد ابن أبي عتيق سعدى البيتين‪،‬‬ ‫وكدت ولم أخلق من الطير إن بدا‬
‫‪.‬فتنفست تنفسة شديدة‪ .‬فقال ابن أبي عتيق‪ :‬أوه أجبته والله بأجود من شعره‪ ،‬ولو سمعك خليلك لنعق وطار إليك‬
‫نصيب والحكم بن المطلب‬
‫أخبرني علي بن صالح بن الهيثم الكاتب قال حدثني أبو هفان عن إسحاق الموصلي عن المسيبي قال‪ :‬قال أبو النجم‪ :‬أتيت‬
‫الحكم بن المطلب فمدحته‪ ،‬وخرج إلى السعاية فخرجنا معه ومعه عدة من الشعراء‪ .‬فبينا هو مع أصحابه يوما واقف‪ ،‬إذا براكب‬
‫يوضع في السراب وإذا هو نصيب‪ ،‬فتقدم إليه فمدحه فأمر بإنزاله‪ ،‬فمكث أياما حتى أتاه فقال‪ :‬إني قد خلفت صبية صغارا‬
‫وعيال ضعافا‪ .‬فقال له‪ :‬ادخل الحظيرة فخذ منها سبعين فريضة‪ .‬فقال له‪ :‬جعلني الله فداك قد أحسنت ومعي ابن لي أخاف أن‬
‫‪.‬يثلمها علي‪ .‬قال‪ :‬فادخل فخذ له سبعين فريضة أخرى؛ فانصرف بمائة وأربعين فريضة‬
‫‪:‬أخبرنا الحرمي بن أبي العلء عن الزبير عن محمد بن الضحاك عن عثمان عن أبيه قال‬

‫صفحة ‪100 :‬‬

‫قيل لنصيب‪ :‬هرم شعرك‪ .‬قال‪ :‬ل والله ما هرم‪ ،‬ولكن العطاء هرم‪ ،‬ومن يعطيني مثل ما أعطاني الحكم بن المطلب خرجت‬
‫‪:‬إليه وهو ساع على بعض صدقات المدينة‪ ،‬فلما رأيته قلت‬
‫وليس قديم مجدك بانتحـال‬ ‫أبا مروان لست بخارجـي‬
‫بدا مثل الهلل على المثال‬ ‫أغر إذا الرواق انجاب عنه‬
‫عشية فطرها وضح الهلل قال‪ :‬فأعطاني أربعمائة ضائنة ومائة لقحة‪ ،‬وقال‪ :‬ارفع‬ ‫تراءاه العيون كما تـراءى‬
‫‪.‬فراشي؛ فرفعته فأخذت من تحته مائتي دينار‬
‫نصيب وكثير عند أبي عبيدة‬
‫ابن عبد الله بن زمعة‬
‫أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثنا الزبير قال حدثني أسعد بن عبد الله المري عن إبراهيم بن سعيد بن بشر بن عبد‬
‫الله بن عقيل الخارجي عن أبيه قال‪ :‬والله إني لمع أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة في حواء له‪ ،‬إذ جاءه كثير فحياه‪ ،‬فاحتفى‬
‫به‪ ،‬ودعا بالغداء فشرعنا فيه وشرع معنا كثير؛ وجاء رجل فسلم فرددنا عليه السلم واستدنيناه‪ ،‬فإذا نصيب في بزة جميلة قد‬
‫وافى الحج قادما من الشأم‪ ،‬فأكب على أبي عبيدة فعانقه وسأله ثم دعاه إلى الغداء‪ ،‬فأكل مع القوم‪ ،‬فرفع كثير يده وأقلع عن‬
‫الطعام‪ ،‬وأقبل عليه أبو عبيدة والقوم جميعا يسألونه أن يأكل‪ ،‬فأبى فتركوه‪ .‬وأقبل كثير على نصيب فقال‪ :‬والله يا أبا محجن‪،‬‬
‫إن أثر أهل الشأم عليك لجميل‪ ،‬لقد رجعت هذه الكرة ظاهر الكبر قليل الحياء‪ .‬فقال له نصيب‪ :‬لكن أثر الحجاز عليك يا أبا‬
‫‪:‬صخر غير جميل‪ .‬لقد رجعت وإنك لزايد النقص‪ ،‬كثير الحماقة‪ .‬فقال كثير‪ :‬أنا والله أشعر العرب حيث أقول لمولتك‬
‫وعمق دون عزة فالبقـيع‬ ‫إذا أمسيت بطن مجاح دوني‬
‫إذا أخذت مجاريها الدموع فقال له نصيب‪ :‬أنا والله أشعر منك حيث أقول لبنة‬ ‫فليس بلئمي أحد يصـلـي‬
‫‪:‬عمك‬
‫فذا أمج فالشعب ذا الماء والحمض‬ ‫خليلي إن حلت كـلـية فـالـربـا‬
‫يبعده من دونـهـا نـازح الرض‬ ‫فأصبح من حوران رحلي بمـنـزل‬
‫فخوضا لي السم المصرح بالمحض‬ ‫وأيأستما أن يجمع الدهـر بـينـنـا‬
‫وللموت خير من حياة على غمض قال‪ :‬فاقتحم إليه كثير‪ ،‬وثبت له‬ ‫ففي ذاك من بعض المور سـلمة‬
‫‪.‬النصيب‪ .‬فلما نالته رجله رمحه نصيب بساقه رمحة طاح منها بعيدا عنه‪ ،‬فما زال راقدا حتى أيقظناه عشيا لرمي الجمار‬
‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء عن الزبير عن محمد بن موسى بن طلحة عن عبد الله بن عمر بن عثمان النحوي عن أنيس بن‬
‫ربيعة السلمي أنه قال‪ :‬غدوت يوما إلى أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة وهو محتل بالرحبة‪ ،‬فألفيت عنده جماعة منا ومن‬
‫غيرنا‪ ،‬فأتاه آت فقال له‪ :‬ذاك النصيب منذ ثلث بالفرش من ملل متلدد كأنه واله في أثر قوم ظاعنين‪ .‬فنهض أبو عبيدة ونهضنا‬
‫معه‪ ،‬فإذا نصيب على المنحر من صفر‪ .‬فلما عايننا وعرف أبا عبيدة هبط؛ فسأله عن أمره‪ ،‬فأخبره أنه تبع قوما سائرين وأنه‬
‫وجد آثارهم ومحلهم بالفرش فاستولهه ذلك‪ .‬فضحك به أبو عبيدة والقوم‪ ،‬وقالوا له‪ :‬إنما يهتر إذا عشق من انتسب عذريا‪ ،‬فأما‬
‫‪:‬أنت فما لك ولهذا? فاستحيا وسكن‪ .‬وسأله أبو عبيدة‪ :‬هل قلت في مقامك شعرا? قال‪ :‬نعم وأنشد‬
‫ثوياك عبـود وعـدنة أو صـفـر‬ ‫لعمري لئن أمسيت بالفرش مقصـدا‬
‫لربع قديم العهد ينـتـكـف الثـر‬ ‫ففرع صبـا أو تـيمـم مـصـعـدا‬
‫ولم أر متبوعا أضر من الـمـطـر‬ ‫دعا أهله بالشأم بـرق فـأوجـفـوا‬
‫وإل أتى قصدا حشاشتـك الـقـدر‬ ‫لتستبدلن قلبـا عـينـا سـواهـمـا‬
‫هل اشتاق مضرور إلى من به أضر‬ ‫خليلي فيما عشـتـمـا أو رأيتـمـا‬
‫يغطي على سمع ابن آدم والبصـر قال‪ :‬فانصرف به أبو عبيدة إلى منزله‪،‬‬ ‫نعم ربما كان الـشـقـاء مـتـيحـا‬
‫‪:‬وأطعمه وكساه وحمله‪ ،‬وانصرف وهو يقول‬
‫وخاض لك السلو ابن الربيب‬ ‫أصاب دواء علتك الطـبـيب‬
‫وداؤك كان أعرف بالطبيب نصيب ويزيد بن عبد الملك‬ ‫وأبصر من رقاك منفـثـات‬
‫‪:‬أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا أبو حاتم عن الصمعي قال‬

‫صفحة ‪101 :‬‬

‫دخل نصيب على يزيد بن عبد الملك ذات يوم‪ ،‬فأنشده قصيدة امتدحه بها‪ ،‬فطرب لها يزيد واستحسنها‪ ،‬فقال له‪ :‬أحسنت يا‬
‫نصيب سلني ما شئت‪ .‬فقال‪ :‬يدك يا أمير المؤمنين بالعطاء أبسط من لساني بالمسألة فأمر به فملىء فمه جوهرا‪ ،‬فلم يزل‬
‫‪.‬به غنيا حتى مات‬
‫نصيب وإبراهيم بن هشام‬
‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير قال حدثنا أبو غزية عن عبد الرحمن بن أبي الزناد قال‪ :‬دخل نصيب على‬
‫‪:‬إبراهيم بن هشام وهو وال على المدينة‪ ،‬فأنشده قوله‬
‫إذا تسامت إلى أحسابها مضر فقال له إبراهيم‪ :‬قم يا أبا محجن إلى تلك‬ ‫يابن الهشامين ل بيت كبيتهمـا‬
‫الراحلة المرحولة فخذها برحلها‪ .‬فقام إليها نصيب متباطئا والناس يقولون‪ :‬ما رأينا عطية أهنأ من هذه ول أكرم ول أعجل ول‬
‫أجزل‪ .‬فسمعهم نصيب فأقبل عليهم وقال‪ :‬والله إنكم قلما صاحبتم الكرام وما راحلة ورحل حتى ترفعوهما فوق قدرهما‬
‫نصيب وهشام بن عبد الملك‬
‫أخبرني الحرمي وعيسى بن الحسين قال حدثنا الزبير عن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان عن‬
‫أبيه قال‪ :‬استبطأ هشام بن عبد الملك حين ولي الخلفة نصيبا أل يكون جاءه وافدا عليه مدحا له ووجد عليه‪ .‬وكان نصيب‬
‫‪:‬مريضا‪ ،‬فبلغه ذلك حين برأ‪ ،‬فقدم عليه وعليه أثر المرض وعلى راحلته أثر النصب‪ ،‬فأنشده قصيدته التي يقول فيها‬
‫وأهدت له بدنا عليهـا الـقـلئد‬ ‫حلفت بمن حجت قريش لبـيتـه‬
‫بمبلغ حولي في رضاك لجاهـد‬ ‫لئن كنت طالت غيبتي عنك إننـي‬
‫علي العهاد المشفقات الـعـوائد‬ ‫ولكنني قد طال سقمي وأكثـرت‬
‫بنصح وإشفاق متى أنت قـاعـد‬ ‫صريع فراش ل يزلن يقلـن لـي‬
‫إليك وذلت للسـان الـقـصـائد‬ ‫فلما زجرت العيس أسرت بحاجتي‬
‫ونصحي وإشفاقي إليك لعـامـد‬ ‫وإني فل تستبطنـي بـمـودتـي‬
‫فييأس ذو قربي ويشمت حـاسـد‬ ‫فل تقصني حتى أكون بصـرعة‬
‫رضاك بعفو مـن نـداك وزائد‬ ‫أنلني وقربنـي فـإنـي بـالـغ‬
‫قليل وأما مس جلـدي فـبـارد‬ ‫أبت نائما أما فـؤادي فـهـمـه‬
‫ليان ومعروف وللـخـير قـائد‬ ‫وقد كان لي منكم إذا ما لقيتـكـم‬
‫قسي السرى ذبل برتها الطـرائد‬ ‫إليك رحلت العيس حتى كأنـهـا‬
‫صريف وباقي النقي منها شرائد‬ ‫وحتى هواديها دقاق وشـكـوهـا‬
‫إليك وكل الراسمات الحـوافـد قال‪ :‬فرق له هشام وبكى‪ ،‬قال له‪ :‬ويحك يا‬ ‫وحتى ونت ذات المراح فأذعنـت‬
‫‪.‬نصيب لقد أضررنا بك وبرواحلك‪ .‬ووصله وأحسن صلته واحتفل به‬
‫نصيب وعبد الواحد النصري أمير المدينة‬
‫أخبرنا الحرمي عن الزبير عن عمه عن أيوب بن عبابة قال‪ :‬قدم نصيب على عبد الواحد النصري وهو أمير المدينة بفرض من‬
‫أمير المؤمنين يضعه في قومه من بني ضمرة‪ ،‬فأدخلهم عليه ليفرض لهم وفيهم أربعة غلمة لم يحتلموا‪ ،‬فردهم النصري‪.‬‬
‫فكلمه نصيب كلما غليظا إدلل بمنزلته عند الخليفة‪ ،‬فأشار إليه إبراهيم بن عبد الله بن مطيع أن اسكت وكف واخرج‪ ،‬فإني‬
‫كافيك‪ .‬فلما خرج إبراهيم لقيه نصيب‪ ،‬فقال له‪ :‬أشرت إلي فكرهت أن أغضبك‪ ،‬فما كرهت لي من مراجعته والصلبة له ومن‬
‫ورائي المستعتب من أمير المؤمنين? فقال إبراهيم‪ :‬هو رجل عربي حديد غلق‪ ،‬وخشيت إن جاذبته شيئا أل يرجع عنه وأن‬
‫يمضي عليه ويلج فيه‪ ،‬وهو مالك للمر وله فيه سلطان‪ ،‬فأردت أن تخرج قبل أن يلج ويظهر منه ما ل يرجع عنه فيمضي عليه‬
‫‪:‬ويلج فيه‪ ،‬فتنتظر لتصادف منه طيب نفس فتكلمه ونرفدك عنده‪ .‬فقال نصيب‬
‫يومه الخر سمح فضل أنا ‪ -‬جعلت فداءك ‪ -‬فاعل ذلك‪ ،‬فإذا رأيت القول فأشر إلي‬ ‫يومان يوم لزريق فسل‬
‫‪.‬حتى أكلمه‬
‫قال‪ :‬ودخل إليه نصيب عشيات‪ ،‬كل ذلك يشير إليه ابن مطيع أل يكلمه‪ ،‬حتى صادف عشية من العشيات منه طيب نفس‪،‬‬
‫‪:‬فأشار إليه أن كلمه‪ .‬فكلمه نصيب فأصاب مختله بكلمه‪ ،‬ثم قال‪ :‬إني قد قلت شعرا فاسمعه أيها المير وأجزه‪ ،‬ثم قال‬
‫عفاه اختلف العصر بعدك والقطر‬ ‫أهاج البكا ربع بأسفل ذي الـسـدر‬

‫صفحة ‪102 :‬‬

‫ذكرت وليس الشوق إل مع الذكـر‬ ‫نعم فثناني الوجد فاشتـقـت لـلـذي‬


‫وحرمة ما بين المقام إلى الحـجـر‬ ‫حلفت برب الموضعـين لـربـهـم‬
‫بنفحة عرف من يديك أبـا بـشـر‬ ‫لئن حاجتي يوما قضيت ورشتـنـي‬
‫ونصحا على نصح وشكرا على شكر‬ ‫لتعترفـن الـدهـر مـنـي مـودة‬
‫بري وأسقاها بلد بـنـي نـصـر‬ ‫سقى الله صوب المزن أرضا عمرتها‬
‫لربك تقضي راشدا آخـر الـدهـر‬ ‫بوجهك فاستعملت ما دمـت خـائفـا‬
‫بدت لك من صحبي فإنك ذو ستـر‬ ‫لتنقذ أصحابـي وتـسـتـر عـورة‬
‫سألت فأعطاني لقومي مـن فـقـر‬ ‫فما بأمير المؤمـنـين إلـى الـتـي‬
‫بموضع بيضات النوق من الوكـر قال‪ :‬فقال عثمان بن حيان المري وهو‬ ‫وقد خرجت منه إلـيك فـل تـكـن‬
‫عنده ‪ -‬وكان قد جاءه بالقود من ابن حزم ‪ :-‬قد احتلم الن القوم أيها المير‪ ،‬واستوجبوا الفرض‪ .‬ورفده ابن مطيع فأحسن‪،‬‬
‫واشتد عليه أن شركه ابن حيان في رفده وتشييعه وقال النصري لبن مطيع وابن حيان‪ :‬صدقتما قد احتلموا واستوجبوا الفرض‪،‬‬
‫‪.‬افرض لهم يا فلن ‪ -‬لكاتب من كتابه ‪ -‬ففرض لهم‬
‫عشقه أمة لبني مدلج وشعره فيها‬
‫أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني جعفر بن علي اليشكري قال حدثني الرياشي عن العتبي قال‪ :‬دخل نصيب‬
‫على عبد العزيز بن مروان‪ ،‬فقال له عبد العزيز وقد طال الحديث بينهما‪ :‬هل عشقت قط? قال‪ :‬نعم‪ ،‬أمة لبني مدلج‪ .‬قال‪:‬‬
‫‪:‬فكنت تصنع ماذا? قال‪ :‬كانوا يحرسونها مني‪ ،‬فكنت أقنع أن أراها في الطريق وأشير إليها بعيني أو حاجبي‪ ،‬وفيها أقول‬
‫أخالسها التسليم إن لـم تـسـلـم‬ ‫وقفت لها كيما تمـر لـعـلـنـي‬
‫مدامعها خوفـا ولـم تـتـكـلـم‬ ‫ولما رأتني والـوشـاة تـحـدرت‬
‫جميع حياة العاشـقـين بـدرهـم فقال عبد العزيز‪ :‬ويحك فما فعلت?‬ ‫مساكين أهل العشق ما كنت أشتري‬
‫‪.‬قال‪ :‬بيعت فأولدها سيدها‪ .‬قال‪ :‬فهل في نفسك منها شيء? قال‪ :‬نعم‪ ،‬عقابيل أحزان‬
‫عبد العزيز يحمل دينا عن نصيب‬
‫أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني بهلول بن سليمان بن قرضاب البلوي‪ :‬أن إبل لنصيب أجدبت وحالت‪ ،‬وكان لرجل‬
‫من أسلم عليه ثمانية آلف درهم قال‪ :‬فأخبرني أبي وعمي أنه وفد على عبد العزيز بن مروان‪ ،‬فقال له‪ :‬جعلني الله فداءك‬
‫‪.‬إني حملت دينا في إبل ابتعتها مجدبات حيال‪ ،‬وقد قلت فيها شعرا‬
‫‪:‬قال‪ :‬انشده‪ ،‬فأنشده‬
‫حيال مسنات الهوى كدت أنـدم‬ ‫فلما حملت الدين فيها وأصبحـت‬
‫لها بصعيد من تهامة مقـضـم‬ ‫على حين أن راث الربيع ولم يكن‬
‫لفحش ول تدنو إلى الفحش أسلم فقال له عبد العزيز‪ :‬فما دينك? ويحك قال‪:‬‬ ‫ثمانية للسـلـمـي ومـا دنـا‬
‫‪.‬ثمانية آلف‪ ،‬فأمر له بثمانية آلف درهم‪ .‬فلما رجع أنشد السلمي الشعر فترك ماله عليه‪ ،‬قال‪ :‬الثمانية اللف لك‬
‫نصيب والنسوة الثلث في المسجد الحرام‬
‫أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني الموصلي عن ابن أبي عبيدة قال‪ :‬أتى نصيب مكة فأتى المسجد‬
‫الحرام ليل‪ .‬فبينما هو كذلك إذ طلع نسوة فجلسن قريبا منه وجعلن يتحدثن ويتذاكرن الشعر والشعراء‪ ،‬وإذا هن من أفصح‬
‫‪:‬النساء وآدابهن‪ .‬فقالت إحداهن‪ :‬قاتل الله جميل حيث يقول‬
‫بمختلـف مـا بـين سـاع ومـوجـف‬ ‫وبين الصفا والـمـروتـين ذكـرتـكـم‬
‫هي الموت بل كادت على الموت تضعف فقالت الخرى‪ :‬بل قاتل الله كثير‬ ‫وعند طـوافـي قـد ذكـرتـك ذكـرة‬
‫‪:‬عزة حيث يقول‬
‫يمرن على البطحاء مور السحائب‬ ‫طلعن علينا بين مروة والصـفـا‬
‫لمختشع من خشية الـلـه تـائب فقالت الخرى‪ :‬قاتل الله ابن الزانية نصيبا‬ ‫فكدن لعمر الله يحـدثـن فـتـنة‬
‫‪:‬حيث يقول‬
‫وحرمة ما بين البنية والسـتـر‬ ‫ألم على ليلى ولو أستطيعـهـا‬
‫ولو كان في يوم التحالق والنحر‬ ‫لملت على ليلى بنفسـي مـيلة‬

‫صفحة ‪103 :‬‬

‫فقام نصيب إليهن فسلم عليهن‪ ،‬فرددن عليه السلم‪ .‬فقال لهن‪ :‬إني رأيتكن تتحادثن شيئا عندي منه علم‪ .‬فقلن‪ :‬ومن أنت?‬
‫‪:‬فقال‪ :‬اسمعن أول‪ .‬فقلن‪ :‬هات‪ .‬فأنشدهن قصيدته التي أولها‬
‫ورقاء في فنن والريح تضطرب فقلن له‪ :‬نسألك بالله وبحق هذه البنية‪ ،‬من‬ ‫ويوم ذي سلم شاقـتـك نـائحة‬
‫أنت? فقال‪ :‬أنا ابن المظلومة المقذوفة بغير جرم نصيب ‪ .‬فقمن إليه فسلمن عليه ورحبن به‪ ،‬واعتذرت إليه القائلة‪ ،‬وقالت‪:‬‬
‫‪.‬والله ما أردت سوءا‪ ،‬وإنما حملني الستحسان لقولك على ما سمعت‪ .‬فضحك وجلس إليهن‪ .‬فحادثهن إلى أن انصرفن‬
‫أخبار ابن محرز ونسبه‬
‫نسب ابن محرز‬
‫هو مسلم بن محرز‪ .‬فيما روى ابن المكي‪ ،‬ويكنى أبا الخطاب‪ ،‬مولى بني عبد الدار ابن قصي‪ .‬وقال ابن الكلبي‪ :‬اسمه سلم‪.‬‬
‫‪.‬قال ويقال‪ :‬اسمه عبد الله‪ .‬وكان أبوه من سدنة الكعبة‪ ،‬أصله من الفرس‪ ،‬وكان أصفر أحنى طويل‬
‫وأخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني أخي هارون عن عبد الملك بن الماجشون قال‪ :‬اسم ابن محرز سلم‪ ،‬وهو مولى‬
‫بني مخزوم‪ .‬وذكر إسحاق أنه كان يسكن المدينة مرة ومكة مرة‪ ،‬فإذا أتى المدينة أقام بها ثلثة أشهر يتعلم الضرب من عزة‬
‫الميلء‪ ،‬ثم يرجع إلى مكة فيقيم بها ثلثة أشهر‪ .‬ثم شخص إلى فارس فتعلم ألحان الفرس وأخذ غناءهم‪ ،‬ثم صار إلى الشأم‬
‫فتعلم ألحان الروم وأخذ غناءهم‪ ،‬فأسقط من ذلك ما ل يستحسن من نغم الفريقين‪ ،‬وأخذ محاسنها فمزج بعضها ببعض وألف‬
‫‪.‬منها الغاني التي صنعها في أشعار العرب‪ ،‬فأتى بما لم يسمع مثله‪ .‬وكان يقال له صناج العرب‬
‫ابن محرز أول من غنى الرمل‬
‫أخبرني عمي قال حدثني أبو أيوب المديني عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال‪ :‬قال أبي‪ :‬أول من غنى الرمل ابن محرز وما‬
‫غني قبله‪ .‬فقلت له‪ :‬ول بالفارسية? قال‪ :‬ول بالفارسية‪ ،‬وأول من غنى رمل بالفارسية سلمك في أيام الرشيد‪ ،‬استحسن لحنا‬
‫‪.‬من ألحان ابن محرز‪ ،‬فنقل لحنه إلى الفارسية وغنى فيه‬
‫سبب خمول ذكره‬
‫قال أبو أيوب وقال إسحاق‪ :‬كان ابن محرز قليل الملبسة للناس‪ ،‬فأخمل ذلك ذكره فما يذكر منه إل غناؤه‪ ،‬وأخذت أكثر غنائه‬
‫جارية كانت لصديق له من أهل مكة كانت تألفه‪ ،‬فأخذه الناس عنها‪ .‬ومات بداء كان به‪ .‬وسقط إلى فارس فأخذ غناء الفرس‪،‬‬
‫وإلى الشأم فأخذ غناء الروم‪ ،‬فتخير من نغمهم ما تغنى به غناءه‪ .‬وكان يقدم بما يصيبه فيدفعه إلى صديقه ذاك فينفقه كيف‬
‫شاء‪ ،‬ل يسأله عن شيء منه‪ ،‬حتى إذا كاد أن ينفد جهزه وأصلح من أمره‪ ،‬وقال له‪ :‬إذا شئت فارحل‪ ،‬فيرحل ثم يعود‪ .‬فلم يزل‬
‫‪.‬كذلك حتى مات‬
‫ابن محرز أول من غنى بزوج من الشعر‬
‫واقتدى به المغنون في ذلك‬
‫قال ‪ :‬وهو أول من غنى بزوج من الشعر‪ ،‬وعمل ذلك بعده المغنون اقتداء به‪ .‬وكان يقول‪ :‬الفراد ل تتم بها اللحان‪ .‬وذكر أنه‬
‫أول ما أخذ الغناء أخذه عن ابن مسجح‪ .‬قال إسحاق‪ :‬وكانت العلة التي مات بها الجذام‪ ،‬فلم يعاشر الخلفاء ول خالط الناس‬
‫‪.‬لجل ذلك‬
‫قال أبو أيوب قال إسحاق‪ :‬قدم ابن محرز يريد العراق‪ ،‬فلما نزل القادسية لقيه حنين‪ ،‬فقال له‪ :‬كم منتك نفسك من العراق?‬
‫‪.‬قال‪ :‬ألف دينار‪ .‬قال‪ :‬فهذه خمسمائة دينار فخذها وانصرف واحلف أل تعود‬
‫علو كعبه في صنعة الغناء‬
‫وقال إسحاق‪ :‬وقلت ليونس‪ :‬من أحسن الناس غناء? قال‪ :‬ابن محرز‪ .‬قلت‪ :‬وكيف قلت ذاك‪ .‬قال‪ :‬إن شئت فسرت‪ ،‬وإن‬
‫شئت أجملت‪ .‬قلت‪ :‬أجمل‪ .‬قال‪ :‬كأنه خلق من كل قلب‪ ،‬فهو يغني لكل إنسان بما يشتهي‪ .‬وهذه الحكاية بعينها قد حكيت في‬
‫‪.‬ابن سريج‪ ،‬ول أدري أيهما الحق‬
‫قال إسحاق‪ :‬وأخبرني الفضل بن يحيى بن خالد أنه سأل بعض من يبصر الغناء‪ :‬من أحسن الناس غناء? فقال‪ :‬أمن الرجال أم‬
‫من النساء? فقلت‪ :‬من الرجال‪ .‬فقال‪ :‬ابن محرز‪ .‬فقلت‪ :‬فمن النساء? فقال‪ :‬ابن سريج‪ .‬قال‪ :‬وكان إسحاق يقول‪ :‬الفحول‬
‫‪.‬ابن سريج‪ ،‬ثم ابن محرز‪ ،‬ثم معبد ثم الغريض‪ ،‬ثم مالك‬
‫أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حماد‪ :‬قرأت على أبي حدثنا بعض أهل المدينة‪ ،‬وأخبرني بهذا الخبر الحرمي بن أبي العلء‬
‫‪:‬قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني أخي هارون عن عبد الملك بن الماجشون قال‬

‫صفحة ‪104 :‬‬

‫كان ابن محرز أحسن الناس غناء‪ ،‬فمر بهند بنت كنانة بن عبد الرحمن بن نضلة بن صفوان بن أمية بن محرث الكناني حليف‬
‫قريش‪ ،‬فسألته أن يجلس لها ولصواحب لها‪ ،‬ففعل وقال‪ :‬أغنيكن صوتا أمرني الحارث بن خالد بن العاص بن هشام أن أغنيه‬
‫عائشة بنت طلحة بن عبيد الله في شعر له قاله فيها وهو يومئذ أمير مكة? قلن نعم‪ .‬فغناهن‪ :‬صوت‬

‫وعدتهم عنا عـواد تـشـغـل‬ ‫فوددت إذ شحطوا وشطت دارهم‬


‫أو أن أرضهم إلينـا تـنـقـل‬ ‫أنا نطاع وأن تنـقـل أرضـنـا‬
‫بجوابها ويعود ذاك المـرسـل عروضه من الكامل‪ .‬الغناء في هذه البيات خفيف‬ ‫لترد من كثب إلـيك رسـائلـي‬
‫‪.‬رمل مطلق في مجرى البنصر‪ ،‬ذكر عمرو بن بانة أنه لبن محرز‪ ،‬وذكر إسحاق أنه لبن سريج‬
‫ابن محرز وحنين الحيري‬
‫وقال أبو أيوب المديني في خبره‪ :‬بلغني أن ابن محرز لما شخص يريد العراق لقيه حنين فقال له‪ :‬غنني صوتا من غنائك‪.‬‬
‫فغناه‪ :‬صوت‬

‫على واضح الليث زان العقودا‬ ‫وحسن الزبرجد في نظـمـه‬


‫وكالجمر أبصرت فيه الفريدا عروضه من المتقارب‪ .‬الشعر لعمر بن أبي ربيعة‪.‬‬ ‫يفـصـل ياقــوتـــه دره‬
‫والغناء لبن محرز ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى البنصر ‪ -‬قال‪ :‬فقال له حنين حينئذ‪ :‬كم أملت من العراق? قال‪ :‬ألف دينار‪.‬‬
‫فقال له‪ :‬هذه خمسمائة دينار فخذها وانصرف‪ .‬ولما شاع ما فعل لمه أصحابه عليه؛ فقال‪ :‬والله لو دخل العراق لما كان لي‬
‫‪:‬معه فيه خبز آكله‪ ،‬ول طرحت وسقطت إلى آخر الدهر‪ .‬وهذا الصوت أعنى‬
‫وحسن الزبرجد في نظمه من صدور أغاني ابن محرز وأوائلها وما ل يتعلق بمذهبه فيه ول يتشبه به أحد‪ .‬ومما يغنى فيه من‬
‫‪:‬قصيدة نصيب التي أولها‬
‫أهاج هواك المنزل المتقادم صوت‬

‫على غصن بان جاوبتها حمائم‬ ‫لقد راعني للبين نوح حمـامة‬
‫قديم وأما شجـوهـن فـدائم الغناء لبن سريج من رواية يونس وعمرو وابن‬ ‫هواتف أما من بكين فعـهـده‬
‫‪.‬المكي‪ ،‬وهو ثاني ثقيل بالبنصر‪ ،‬وهو من جيد اللحان وحسن الغاني‪ ،‬وهو مما عارض ابن سريج فيه ابن محرز وانتصف منه‬

‫ذكر الصوات التي رواها جحظة‬


‫عن أصحابه وحكى أنها من الثلثة المختارة‬

‫صوت‬

‫ليحزنها فل صحب الرسول‬ ‫إلى جيداء قد بعثوا رسـول‬


‫تغيرت المواسم والشكـول الشعر للعرجي‪ ،‬والغناء لبراهيم الموصلي‪ ،‬ولحنه‬ ‫كأن العام ليس بعـام حـج‬
‫المختار ماخوري بالوسطى‪ .‬وهو من خفيف الثقيل الثاني على مذهب إسحاق‪ .‬وفيه لبن سريج ثاني ثقيل بالسبابة‪ .‬في مجرى‬
‫‪.‬البنصر‪ ،‬وذكر عمرو بن بانة أن الماخوري لبن سريج‬

‫أخبار العرجي ونسبه‬


‫نسب العرجي من قبل أبويه‬
‫هو عبد الله بن عمر بن عمرو بن عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس‪ .‬وقد شرح هذا النسب في نسب أبي‬
‫قطيفة‪ .‬وأم عفان وجميع بني أبي العاص آمنة بنت عبد العزى بن حرثان بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب‪ .‬وأم‬
‫عثمان أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس‪ .‬وأمها البيضاء أم حكيم بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف‪،‬‬
‫وهي أخت عبد الله بن عبد المطلب أبى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‪ ،‬لمه وأبيه ولدا في بطن واحد‪ .‬وأم عمرو بن‬
‫‪.‬عثمان أم أبان بنت جندب الدوسية‬
‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء والطوسي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني علي بن صالح عن يعقوب بن محمد بن عبد‬
‫‪:‬العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال حدثني محرز بن جعفر عن أبيه عن جده قال‬

‫صفحة ‪105 :‬‬

‫قدم جندب بن عمرو بن حممة الدوسي المدينة مهاجرا في خلفة عمر بن الخطاب‪ ،‬ثم مضى إلى الشأم وخلف ابنته أم أبان‬
‫عند عمر‪ ،‬وقال له‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬إن وجدت لها كفئا فزوجه بها ولو بشراك نعله‪ ،‬وإل فأمسكها حتى تلحقها بدار قومها‬
‫بالسراة‪ .‬فكانت عند عمر‪ ،‬واستشهد أبوها‪ ،‬فكانت تدعوا عمر أباها ويدعوها ابنته‪ .‬قال‪ :‬فإن عمر على المنبر يوما يكلم الناس‬
‫في بعض المر إذ خطر على قلبه ذكرها‪ ،‬فقال‪ :‬من له في الجميلة الحسيبة بنت جندب بن عمرو بن حممة‪ ،‬وليعلم امرؤ من‬
‫هو فقام عثمان فقال‪ :‬إنا يا أمير المؤمنين‪ .‬فقال أنت لعمر الله كم سقت إليها? قال‪ :‬كذا وكذا‪ .‬قال‪ :‬قد زوجتكها‪ ،‬فعجله؛ فإنها‬
‫معدة‪ .‬قال‪ :‬ونزل عن المنبر‪ .‬فجاء عثمان رضي الله عنه بمهرها‪ ،‬فأخذه عمر في ردنه فدخل به عليها‪ ،‬فقال‪ :‬يا بنية‪ ،‬مدي‬
‫حجرك‪ ،‬ففتحت حجرها‪ ،‬فألقى فيه المال‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا بنية‪ ،‬قولي اللهم بارك لي فيه‪ .‬فقالت‪ :‬اللهم بارك لي فيه‪ ،‬وما هذا يا‬
‫أبتاه? قال‪ :‬مهرك‪ .‬فنفحت به وقالت‪ :‬واسوأتاه فقال‪ :‬احتسبي منه لنفسك ووسعي منه لهلك‪ ،‬وقال لحفصة‪ :‬يا بنتاه‪ ،‬أصلحي‬
‫من شأنها وغيري بدنها واصبغي ثوبها‪ ،‬ففعلت‪ .‬ثم أرسل بها مع نسوة إلى عثمان‪ .‬فقال عمر لما فارقته‪ :‬إنها أمانة في عنقي‬
‫أخشى أن تضيع بيني وبين عثمان‪ ،‬فلحقهن فضرب على عثمان بابه‪ ،‬ثم قال‪ :‬خذ أهلك بارك الله لك فيهم‪ .‬فدخلت على‬
‫عثمان‪ ،‬فأقام عندها مقاما طويل ل يخرج إلى حاجة‪ .‬فدخل عليه سعيد بن العاص فقال له‪ :‬يا أبا عبد الله‪ ،‬لقد أقمت عند أهل‬
‫الدوسية مقاما ما كنت تقيمه عند النساء‪ .‬فقال‪ :‬أما إنه ما بقيت خصلة كنت أحب أن تكون في امرأة إل صادفتها فيها ما خل‬
‫خصلة واحدة‪ .‬قال‪ :‬وما هي? قال‪ :‬إني رجل قد دخلت في السن‪ ،‬وحاجتي في النساء الولد‪ ،‬وأحسبها حديثة ل ولد فيها اليوم‪.‬‬
‫قال‪ :‬فتبسمت‪ .‬فلما خرج سعيد من عنده قال لها عثمان‪ :‬ما أضحكك‪ .‬قالت‪ :‬قد سمعت قولك في الولد‪ ،‬وإني لمن نسوة ما‬
‫دخلت امرأة منهن على سيد قط فرأت حمراء حتى تلد سيد من هو منه‪ .‬قال‪ :‬فما رأت حمراء حتى ولدت عمرو بن عثمان‪.‬‬
‫وأم عمر بن عمرو بن عثمان وأم ولد‪ .‬وأم العرجي آمنة بنت عمر بن عثمان؛ وقال إسحاق‪ :‬بنت سعيد بن عثمان‪ ،‬وهي لم‬
‫‪.‬ولد‬
‫سبب تلقبه بالعرجي ونحوه نحو عمر بن أبي ربيعة في شعره‬
‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي‪ :‬أنه إنما لقب العرجي لنه كان يسكن عرج الطائف‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬بل سمي بذلك لماء كان له ومال عليه بالعرج‪ .‬وكان من شعراء قريش‪ ،‬ومن شهر بالغزل منها‪ ،‬ونحا نحو عمر بن أبي‬
‫ربيعة في ذلك وتشبه به فأجاد‪ .‬وكان مشغوفا باللهو والصيد حريصا عليهما قليل المحاشاة لحد فيهما‪ .‬ولم يكن له نباهة في‬
‫أهله‪ ،‬وكان أشقر أزرق جميل الوجه‪ .‬وجيداء التي شبب بها هي أم محمد بن هشام بن إسماعيل المخزومي‪ ،‬وكان ينسب بها‬
‫‪.‬ليفضح ابنها ل لمحبة كانت بينهما؛ فكان ذلك سبب حبس محمد إياه وضربه له‪ ،‬حتى مات في السجن‬
‫وأخبرني محمد بن مزيد إجازة عن حماد بن إسحاق فذكر أن حمادا حدثه عن إسحاق عن أبيه عن بعض شيوخه‪ :‬أن العرجي‬
‫كان أزرق كوسجا ناتىء الحنجرة‪ ،‬وكان صاحب غزل وفتوة‪ ،‬وكان يسكن بمال له في الطائف يسمى العرج؛ فقيل له العرجي‬
‫‪.‬ونسب إلى ماله‪ .‬وكان من الفرسان المعدودين مع مسلمة بن عبد الملك بأرض الروم‪ ،‬وكان له معه بلء ونفقة كثيرة‬
‫قال إسحاق‪ :‬قد ذكر عتبة بن إبراهيم اللهبي‪ :‬أن العرجي فيما بلغه باع أموال عظاما كانت له وأطعم ثمنها في سبيل الله حتى‬
‫نفد ذلك كله‪ .‬وكان قد اتخذ غلمين‪ ،‬فإذا كان الليل نصب قدره وقام الغلمان يوقدان‪ ،‬فإذا نام واحد قام الخر‪ ،‬فل يزالن كذلك‬
‫‪.‬حتى يصحبا‪ ،‬يقول‪ :‬لعل طارقا يطرق‬
‫أخبرني حبيب بن نصر قال حدثنا أحمد بن أبي خيثمة قال حدثني مصعب‪ ،‬وأخبرنا الحرمي عن الزبير عن عمه مصعب‪ ،‬وعن‬
‫محمد بن الضحاك بن عثمان عن أبيه قال‪ ،‬دخل حديث بعضهم في بعض‪ ،‬وأخبرني محمد بن مزيد عن حماد عن أبيه عن‬
‫مصعب قال‪ :‬العرجي خليفة عمر بن أبي ربيعة‬

‫صفحة ‪106 :‬‬

‫كانت حبشية من مولدات مكة ظريفة صارت إلى المدينة‪ ،‬فلما أتاهم موت عمر بن أبي ربيعة اشتد جزعها وجعلت تبكي‬
‫وتقول‪ :‬من لمكة وشعابها وأباطحها ونزهها ووصف نسائها وحسنهن وجمالهن ووصف ما فيها فقيل لها‪ :‬خفضي عليك؛ فقد نشأ‬
‫فتى من ولد عثمان رضي الله عنه يأخذ مأخذه ويسلك مسلكه‪ .‬فقالت‪ :‬أنشدوني من شعره‪ ،‬فأنشدوها؛ فمسحت عينها‬
‫‪.‬وضحكت وقالت‪ :‬الحمد لله الذي لم يضيع حرمه‬
‫العرجي وكلبة مولة العبلى‬
‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثني الزبير بن بكار قال حدثني عمي مصعب‪ ،‬وأخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد‬
‫بن إسحاق عن أبيه عن عورك اللهبي‪ :‬أن مولة لثقيف يقال لها كلبة كانت عند عبد الله بن القاسم الموي العبلي‪ ،‬وكان يبلغها‬
‫تشبيب العرجي بالنساء وذكره لهن في شعره‪ ،‬وكانت كلبة تكثر أن تقول‪ :‬لشد ما اجترأ العرجي على نساء قريش حين‬
‫يذكرهن في شعره ولعمري ما لقي أحدا فيه خير‪ ،‬ولئن لقيته لسودن وجهه فبلغه ذلك عنها‪ .‬قال إسحاق في خبره‪ :‬وكان‬
‫العبلى نازل على ماء لبني نصر بن معاوية يقال له الفتق على ثلثة أميال من مكة على طريق من جاء من نجران أنو تبالة إلى‬
‫مكة‪ ،‬والعرج أعلها قليل مما يلي الطائف‪ .‬فبلغ العرجي أنه خرج إلى مكة‪ ،‬فأتى قصره فأطاف به‪ ،‬فخرجت إليه كلبة وكان‬
‫خلفها في أهله‪ ،‬فصاحت به‪ :‬إليك‪ ،‬ويلك وجعلت ترميه بالحجارة وتمنعه أن يدنو من القصر‪ .‬فاستسقاها ماء فأبت أن تسقيه‪،‬‬
‫وقالت‪ :‬ل يوجد والله أثرك عندي أبدا فيلصق بي منك شر‪ .‬فانصرف وقال‪ :‬ستعلمين وقال‪ :‬صوت‬

‫ثقفا إذا غفل الـنـسـاءة الـوهـم‬ ‫حور بعثن رسول فـي مـلطـفة‬
‫أحراسنا وافتضحنا إن هم علـمـوا‬ ‫إلي أن إيتـنـا هـدأ إذا غـفـلـت‬
‫تجشم المرء هول في الهوى كـرم‬ ‫فجئت أمشي على هول أجـشـمـه‬
‫قد جف فامض بشيء قدر القـلـم‬ ‫إذا تخوفت مـن شـيء أقـول لـه‬
‫غصنا من البان رطبا طلـه الـديم‬ ‫أمشي كما حـركـت ريح يمـانـية‬
‫تعفو بهدابـهـا مـا أثـرت قـدم‬ ‫في حلة من طراز السوس مشـربة‬
‫إذا رأته عتاق الـخـيل ينـتـجـم‬ ‫خلت سبيلي كما خـلـيت ذا عـذر‬
‫عين عليهـن أخـشـاهـا ول نـدم‬ ‫وهن في مجلس خـال ولـيس لـه‬
‫وطالب الحاج تحت الليل مكـتـتـم‬ ‫حتى جلست إزاء الباب مكتـتـمـا‬
‫أدم هجان أتاها مصـعـب قـطـم‬ ‫أبدين لي أعينا نجل كمـا نـظـرت‬
‫أنا الذي أنت من أعـدائه زعـمـوا‬ ‫قالت كلبة من هذا? فقلـت لـهـا‬
‫حتى بليت وحتى شفنـي الـسـقـم‬ ‫أنا امرؤ جد بي حب فأحـرضـنـي‬
‫من بغضنا أطعموا الحمى إذا طعموا‬ ‫ل تكلينـي إلـى قـوم لـو أنـهـم‬
‫فطالما مسني من أهلـك الـنـعـم‬ ‫وأنعمي نعمة تجزي بأحـسـنـهـا‬
‫أن يحدثوا توبة فـيهـا إذا أثـمـوا‬ ‫ستر المحبين في الدنـيا لـعـلـهـم‬
‫فارضي بها ولنف الكاشح الرغـم‬ ‫هذي يميني رهن بالـوفـاء لـكـم‬
‫هل تلبثت حتى تدخـل الـظـلـم‬ ‫قالت رضيت ولكن جئت في قـمـر‬
‫من بارد طاب منها الطعم والنـسـم‬ ‫فبت أسقي بـأكـواس أعـل بـهـا‬
‫سنى حريق بليل حـين يضـطـرم‬ ‫حتى بدا ساطع للفجر نـحـسـبـه‬
‫عنه الجلل تلل وهـو يلـتـجـم‬ ‫كغرة الفرس المنسوب قد حسـرت‬
‫إل البنان وإل العـين الـسـجـم‬ ‫ودعتهـن ول شـيء يراجـعـنـي‬
‫من دونه عبرات فانثنـى الـكـلـم‬ ‫إذا أردن كلمي عنده اعتـرضـت‬
‫أعجازهن من النصاف تنـقـصـم‬ ‫تكاد إذ رمن نهضا للـقـيام مـعـي‬

‫صفحة ‪107 :‬‬

‫قال‪ :‬فسمع ابن القاسم العبلي بالشعر يغنى به‪ ،‬وكان العرجي قد أعطاه جماعة من المغنين وسألهم أن يغنوا فيه‪ ،‬فصنعوا‬
‫في أبيات منه عدة ألحان‪ ،‬وقال‪ :‬والله ل أجد لهذه المة شيئا أبلغ من إيقاعها تحت التهمة عند ابن القاسم ليقطع مأكلتها من‬
‫ماله‪ .‬قال‪ :‬فلما سمع العبلي بالشعر يغنى به أخرج كلبة واتهمها‪ ،‬ثم أرسل بها بعد زمان على بعير بين غرارتي بعر‪ ،‬فأحلفها‬
‫بمكة بين الركن والمقام إن العرجي كذب فيما قاله‪ .‬فحلفت سبعين يمينا‪ ،‬فرضي عنها وردها‪ .‬فكان بعد ذلك إذا سمع قول‬
‫‪:‬العرجي‬
‫فطالما مسني من أهلم النعم قال‪ :‬كذب والله ما مسه ذلك قط‪ .‬وقال إسحاق‪ :‬وقد قيل‪ :‬إن صاحب هذه القصيدة والقصة‬
‫أبو حراب العبلي‪ ،‬وإن كلبة كانت أمة لسعدة بنت عبد الله بن عمرو بن عثمان‪ ،‬وكان العرجي قد خطبها وسميت به‪ ،‬ثم خطبها‬
‫‪:‬يزيد بن عبد الملك أو الوليد بن يزيد فزوجته‪ ،‬فقال العرجي هذا الشعر فيها‪ .‬غنى في قوله‬
‫‪:‬أمشي كما حركت ريح يمانية علي بن هشام هزجا مطلقا بالبنصر‪ ،‬وفيه للمسدود هزج آخر طنبوري‪ ،‬ذكر ذلك جحظة‪ .‬وفي‬
‫ل تكليني إلى قوم لو أنهم رمل لبن سريج عن ابن المكي وإسحاق بالسبابة في مجرى الوسطى‪ .‬وفي قالت كلبة والذي‬
‫بعده لعبيد الله بن أبي غسان لحن من خفيف الرمل‪ .‬ولنبيه في أنا امرؤ جد بي وما بعده‪ ،‬هزج بالوسطى‪ .‬ولدحمان في حور‬
‫بعثن وما بعده‪ ،‬هزج بالوسطى‪ ،‬وروى عنه الهشامي فيه ثقيل أول‪ .‬ولبي عيسى بن المتوكل في وأنعمي نعمة وبيتين بعده‪،‬‬
‫‪.‬ثقيل أول‬
‫وأخبرني بخبر العرجي وكلبة هذه الحرمي بن أبي العلء عن الزبير بن بكار عن عمه مصعب‪ ،‬وأخبرني به وكيع عن أبي أيوب‬
‫المديني عن مصعب وذكر نحوا مما ذكره إسحاق؛ وزعما أن كلبة كانت قيمة لبي حراب العبلي وهو محمد بن عبد الله بن‬
‫‪.‬محمد بن عبد الله بن الحارث بن أمية الصغر بن عبد شمس‬
‫أيوب بن مسلمة وأشعب يتذكران شعره‬
‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير بن بكار قال أخبرني مسلمة بن إبراهيم بن هشام قال‪ :‬كنت عند أيوب بن‬
‫‪:‬مسلمة ومعنا أشعب‪ ،‬فذكر قول العرجي‬
‫أين تصديق ما وعـدت إلـينـا‬ ‫أين ما قلت مت قـبـلـك أينـا‬
‫ل وأن تجمعي مع الصرم بينـا‬ ‫فلقد خفت منك أن تصرمي الحب‬
‫م بمن ل ينال جهـل وحـينـا‬ ‫ما تقولين في فتى هـام إذ هـا‬
‫ل تحيفي ول يحـيف عـلـينـا‬ ‫فاجعلي بينـنـا وبـينـك عـدل‬
‫أو يمينا فأحضري شـاهـدينـا‬ ‫واعلمي أن في القضاء شهـودا‬
‫قلت لي في الخلء حين التقينـا‬ ‫خلتي لو قدرت منك علـى مـا‬
‫ه ولو كنت قد شهدت حـنـينـا قال فقال أيوب لشعب‪ :‬ما تظن أنها وعدته?‬ ‫ما تحرجت من دمي علـم الـل‬
‫قال‪ :‬أخبرك يقينا ل ظنا أنها وعدته أن تأتيه في شعب من شعاب العرج يوم الجمعة إذا نزل الرجال إلى الطائف للصلة‪،‬‬
‫فعرض لها عارض شغل فقطعها عن موعده‪ .‬قال‪ :‬فمن كان الشاهدان? قال‪ :‬كسير وعوير‪ ،‬وكل غير خير‪ :‬فند أبو زيد مولى‬
‫عائشة بنت سعد‪ ،‬وزور الفرق مولى النصار‪ .‬قال‪ :‬فمن العدل الحكم? قال‪ :‬حصين بن غرير الحميري‪ .‬قال‪ :‬فما حكم به? قال‪:‬‬
‫‪.‬أدت إليه حقه وسقطت المؤنة عنه‪ .‬قال‪ :‬يا أشعب‪ ،‬لقد أحكمت صناعتك قال‪ :‬سل علمة عن علمه‬
‫شعره في عاتكة زوجة طريح الثقفي‬
‫أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن عورك اللهبي قال‪ :‬قال العرجي في امرأة من بني حبيب بطن‬
‫‪:‬من بني نصر بن معاوية يقال لها عاتكة‪ ،‬وكانت زوجة طريح بن إسماعيل الثقفي‬
‫أو فوقه بقفا الكثيب الحمر‬ ‫يا دار عاتكة التي بالزهـر‬
‫يا ليت أن لقاءهم لم يقـدر صوت‬ ‫لم ألق أهلك بعد عام لقيتهم‬

‫في سامر عطر وليل مقمـر‬ ‫بفناء بيتك وابن مشعب حاضـر‬
‫بالزعفران صباغها والعصفر‬ ‫مستشعرين ملحـفـا هـروية‬
‫أخذ الغريم بفضل ثوب المعسر‬ ‫فتلزما عند الفراق صـبـابة‬

‫صفحة ‪108 :‬‬

‫الزهر‪ :‬على ثلثة أميال من الطائف‪ .‬وابن مشعب الذي عناه مغن من أهل مكة كان في زمن ابن سريج‪ .‬والغناء في هذه‬
‫البيات له رمل بالوسطى‪ .‬قال إسحاق‪ :‬كان ابن مشعب من أحسن الناس وجها وغناء‪ ،‬ومات في تلك اليام‪ ،‬فأدخل الناس‬
‫‪:‬غناءه في غناء ابن سريج والغريض‪ .‬قال‪ :‬وهذا الصوت ينسبه من ل يعلم إلى ابن محرز‪ ،‬يعني‬
‫‪:‬بفناء بيتك وابن مشعب حاضر قال‪ :‬وهو الذي غنى‬
‫فالمنحنى فالعقيق فالجمـد‬ ‫أقفر ممن يحله الـسـنـد‬
‫أحذر من فرقة الحبيب غد والناس ينسبونه إلى ابن سريج‬ ‫‪.‬ويحي غدا إن غدا علي بما‬
‫حكاية يرويها ابن مخارق عن العرجي‬
‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير قال حدثنا محمد بن ثابت بن إبراهيم النصاري قال حدثني ابن مخارق قال‪:‬‬
‫واعد العرجي هوى له شعبا من شعاب عرج الطائف إذا نزل رجالها يوم الجمعة إلى مسجد الطائف‪ .‬فجاءت على أتان لها معها‬
‫جارية لها‪ ،‬وجاء العرجي على حمار معه غلم له‪ ،‬فواقع المرأة‪ ،‬وواقع الغلم الجارية‪ ،‬ونزا الحمار على التان‪ .‬فقال العرجي‪:‬‬
‫هذا يوم قد غاب عذاله‪ :‬غنى العرجي‬
‫أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا النضر بن عمرو عن ابن داحة قال‪ :‬كان العرجي يستقي على إبله في شملتين‪ ،‬ثم‬
‫‪:‬يغتسل ويلبس حلتين بخمسمائة دينار‪ ،‬ثم يقول‬
‫مدرعة يوما ويوما سربال أخبرني محمد بن مزبد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن‬ ‫يوما لصحابي ويوما للمال‬
‫أبيه عن بعض رجاله‪ :‬أن العرجي كان غازيا فأصابت الناس مجاعة‪ ،‬فقال للتجار‪ :‬أعطوا الناس وعلي ما تعطون‪ ،‬فلم يزل‬
‫يعطيهم ويطعم الناس حتى أخصبوا‪ ،‬فبلغ ذلك عشرين ألف دينار‪ ،‬فألزمها العرجي نفسه‪ .‬وبلغ الخبر عمر بن عبد العزيز فقال‪:‬‬
‫‪.‬بيت المال أحق بهذا‪ ،‬فقضى التجار ذلك المال من بيت المال‬
‫العرجي وأم الوقص‬
‫وهو محمد بن عبد الرحمن المخزومي القاضي‬
‫أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير عن عمه‪ ،‬وأخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن الزبيري وغيره‪:‬‬
‫أن العرجي خرج إلى جنبات الطائف متنزها‪ ،‬فمر ببطن النقيع فنظر إلى أم الوقص‪ ،‬وهو محمد بن عبد الرحمن المخزومي‬
‫القاضي‪ ،‬وكان يتعرض لها‪ ،‬فإذا رآها رمت بنفسها وتسترت منه‪ ،‬وهي امرأة من بني تميم‪ ،‬فبصر بها في نسوة جالسة وهن‬
‫يتحدثن‪ ،‬فعرفها وأحب أن يتأملها من قرب‪ ،‬فعدل عنها ولقي أعرابيا من بني نصر على بكر له ومعه وطبا لبن‪ ،‬فدفع إليه دابته‬
‫وثيابه وأخذ قعوده ولبنه ولبس ثيابه‪ ،‬ثم أقبل على النسوة فصحن به‪ :‬يا أعرابي‪ ،‬أمعك لبن? قال‪ :‬نعم‪ ،‬ومال إليهن وجلس‬
‫يتأمل أم الوقص‪ ،‬وتواثب من معها إلى الوطبين‪ ،‬وجعل العرجي يلحظها وينظر أحيانا إلى الرض كأنه يطلب شيئا وهن يشربن‬
‫من اللبن‪ .‬فقالت له امرأة منهن‪ :‬أي شيء تطلب يا أعرابي في الرض? أضاع منك شيء? قال‪ :‬نعم قلبي‪ .‬فلما سمعت‬
‫التميمية كلمه نظرت إليه وكان أزرق فعرفته‪ ،‬فقالت‪ :‬العرجي بن عمر ورب الكعبة ووثبت وسترها نساؤها وقلن‪ :‬انصرف عنا‬
‫‪:‬ل حاجة بنا إلى لبنك‪ .‬فمضى منصرفا‪ ،‬وقال في ذلك‬
‫شكاه المرء ذو الوجد الليم‬ ‫أقول لصاحبي ومثل ما بي‬
‫تأوبه مؤرقه الـهـمـوم‬ ‫إلى الخوين مثلهما إذا مـا‬
‫بأعلى النقع أخت بني تميم‬ ‫لحيني والبلء لقيت ظهـرا‬
‫أسيل الخد في خلق عمـيم‬ ‫فلما أن رأت عيناني منهـا‬
‫كلون القحوان وجـيد ريم‬ ‫وعيني جؤذر خرق وثغرا‬
‫حنو العائدات على السقـيم قال إسحاق في خبره‪ :‬فقال رجل من بني جمع يقال له‬ ‫حنا أترابها دوني علـيهـا‬
‫ابن عامر للوقص وقضى عليه بقضية فتظلم منه‪ :‬والله لو كنت أنا عبد الله بن عمر العرجي لكنت قد أسرفت علي‪ .‬فضربه‬
‫‪.‬الوقص سبعين سوطا‬
‫ابو السائب المخزومي وشعر العرجي‬
‫أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا مصعب بن عبد الله عن أبيه قال‪ :‬أتاني أبو السائب‬
‫المخزومي ليلة بعد ما رقد السامر فأشرفت عليه‪ .‬فقال‪ :‬سهرت وذكرت أخا لي أستمتع به‪ ،‬فلم أجد سواك‪ .‬فلو مضينا إلى‬
‫‪:‬العقيق فتناشدنا وتحدثنا فمضينا‪ ،‬فأنشدته في بعض ذلك بيتين للعرجي‬

‫صفحة ‪109 :‬‬

‫صبح تلوح كالغر الشـقـر‬ ‫باتا بأنعـم لـيلة حـتـى بـدا‬


‫أخذ الغريم بفضل ثوب المعسر فقال‪ :‬أعده علي‪ ،‬فأعدته‪ .‬فقال‪ :‬أحسن والله‬ ‫فتلزما عند الفراق صـبـابة‬
‫امرأته طالق إن نطق بحرف غيره حتى يرجع إلى بيته‪ .‬قال‪ :‬فلقينا عبد الله بن حسن بن حسن‪ ،‬فلما صرنا إليه وقف بنا وهو‬
‫‪:‬منصرف من ماله يريد المدينة‪ ،‬فسلم ثم قال‪ :‬كيف أنت يا أبا السائب? فقال‬
‫أخذ الغريم بفضل ثوب المعسر فالتفت إلي فقال‪ :‬متى أنكرت صاحبك? فقلت‪:‬‬ ‫فتلزما عند الفراق صـبـابة‬
‫منذ الليلة‪ .‬فقال‪ :‬إنا لله وأي كهل أصيبت منه قريش ثم مضينا‪ ،‬فلقينا محمد بن عمران التيمي قاضي المدينة يريد مال له على‬
‫‪:‬بغلة له ومعه غلم على عنقه مخلة فيها قيد البغلة‪ ،‬فسلم ثم قال‪ :‬كيف أنت يا أبا السائب? فقال‬
‫أخذ الغريم بفضل ثوب المعسر قلت‪ :‬آنفا‪ .‬فلما أراد المضي قلت‪ :‬أفتدعه هكذا?‬ ‫فتلزما عند الفراق صـبـابة‬
‫ولله ما آمن أن يتهور في بعض آبار العقيق قال‪ :‬صدقت‪ ،‬يا غلم قيد البغلة‪ ،‬فأخذ القيد فوضعه في رجله وهو ينشد البيت‬
‫ويشير بيده إليه يري أنه يفهم عنه قصته‪ .‬ثم نزل الشيخ وقال لغلمه‪ :‬يا غلم‪ ،‬احمله على بغلتي وألحقه بأهله‪ .‬فلما كان بحيث‬
‫‪.‬علمت أنه فاته أخبرته بخبره‪ ،‬فقال‪ :‬قبحك الله ماجنا فضحت شيخا من قريش وغررتني‬
‫ابن أبي عتيق وشعر العرجي‬
‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عروة بن عبد الله بن عروة بن الزبير عن عروة بن أذينة‬
‫‪:‬قال‪ :‬أنشد ابن جندب الهذلي ابن أبي عتيق قول العرجي‬
‫لخادمها قومي اسألي لي عن الوتر‬ ‫وما أنس م الشياء ل أنس قولـهـا‬
‫فل تعجلي منه فإنك فـي أجـر‬ ‫فقالت يقول الناس في ست عشـرة‬
‫ول ليلة الضحى ول ليلة الفطـر‬ ‫فما ليلة عندي وإن قـيل جـمـعة‬
‫يكون سواء منهما لـيلة الـقـدر فقال ابن أبي عتيق‪ :‬أشهدكم أنها حرة من‬ ‫بعادلة الثنين عندي وبـالـحـرى‬
‫‪.‬مالي إن أجاز ذلك أهلها‪ ،‬هذه والله أفقه من ابن شهاب‬
‫شعر العرجي في زوجته أم نعمان‬
‫بنت بكير بن عمرو بن عثمان بن عفان‬
‫أخبرني حبيب بن نصر قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال‪ :‬تزوج العرجي أم عثمان بنت بكير‬
‫‪:‬بن عمرو بن عثمان بن عفان‪ ،‬وأمها سكينة بنت مصعب بن الزبير‪ ،‬فقال فيها‬
‫دارها بالـيفـاع إذ ولـداهـا‬ ‫إن عثمـان والـزبـير أحـل‬
‫نال في المجد من قصي ذراها‬ ‫إنها بنـت كـل أبـيض قـرم‬
‫وتبوا لنفسـه بـطـحـاهـا قال إسحاق‪ :‬ولما تزوج الرشيد زوجته العثمانية أعجب‬ ‫سكن الناس بالظواهر منـهـا‬
‫‪.‬بها‪ ،‬فكان كثيرا ما يتمثل بهذه البيات‬
‫العرجي وأبو عدي العبلي‬
‫أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال‪ :‬حدثت أن أبا عدي العبلي خرج يريد واديا نحو الطائف يقال له‬
‫جلدان‪ ،‬فمر بعبد الله بن عمر العرجي وهو نازل هناك بواد يقال له العرج‪ ،‬فأرسل إليه غلما له فأعلمه بمكانه‪ ،‬فأتاه الغلم‬
‫فقال له‪ :‬هذا أبو عدي‪ ،‬فأمر أن ينزله في مسجد الخيف‪ ،‬فأنزل وأبطأ عليه في الخروج‪ .‬فقال للغلم‪ :‬ويحك ما يحبس مولك?‬
‫قال‪ :‬عنده ابن وردان مولى معاوية‪ ،‬وهما يأكلن القسب والجلجلن‪ .‬ثم بعث إليه بخبز ولبن‪ ،‬وبعث لرواحله بحمض وقدم إلى‬
‫‪:‬رواحل ابن وردان القت والشعير‪ .‬فكتب إليه أبو عدي‬
‫منازلهم والركب يحفون بالركب‬ ‫أبا عمر لم تنزل الركب إذ أتـوا‬
‫وآثرتهم بالجلجلن والقـسـب‬ ‫رفعت لئام الناس فوق كرامهـم‬
‫وأوثر عباد بن وردان بالقضب فكتب إليه العرجي‬ ‫‪:‬فأما بعيرانا فبالحـمـض غـذيا‬
‫له لحية طالت على حـمـق الـقـلـب‬ ‫أتانـا فـلـم نـشـعـر بـه غـير أنـه‬
‫إذا نصبت لم تكسب الحمد بـالـنـصـب‬ ‫كراية بـيطـار بـأعـلــى حـــديدة‬
‫وهل فوق قرض من قرى صاحب السغب قال‪ :‬فارتحل أبو عدي مغضبا‬ ‫أتانا على سـغـب يعـرض بـالـقـرى‬
‫‪:‬وقال‪ :‬مزحت معه فهجاني‪ ،‬وأنشأ يقول في العرجي‬

‫صفحة ‪110 :‬‬

‫وعارضها عرج الجبانة والخصـب‬ ‫سرت ناقتي حتى إذا ملت السـرى‬
‫جديب وشيخ بئس مستعرض الركب‬ ‫طواها الكرى بعد السرى بمعـرس‬
‫إلى رجل بالعرج ألم من كـلـب‬ ‫وهمت بتعريس فحلـت قـيودهـا‬
‫وقرص شعير مثل كركرة السقـب‬ ‫تمطى قلـيل ثـم جـاء بـصـربة‬
‫فلست إليه بالفقير ول صـحـبـي‬ ‫فقلت لـه أردد قـراك مـذمـمـا‬
‫وأنحرنا للكوم في اليوم ذي السغب‬ ‫جزى الله خيرا خيرنا عنـد بـيتـه‬
‫وآكل فهر للخبيث من الـكـسـب‬ ‫لقد علمت فهـر بـأنـك شـرهـا‬
‫ومرطا فبئس الشيخ يرفل في التب‬ ‫وتلبس للجـارات إتـبـا ومـئزرا‬
‫وبالضرو والسوداء والمائع الرطب‬ ‫يدخن بالعـد الـيلـنـجـوج مـرة‬
‫فقد كان عثمان بريئا من الـوشـب‬ ‫فإن قلت عثمان بن عفـان والـدي‬
‫ويأتي كريم الناس بالوكل الثـلـب‬ ‫وقدما يجيء الحي بالنسـل مـيتـا‬
‫مقمة حشاش محالـفة الـعـشـب فلما بلغ ذلك العرجي أتى عمه علي بن عبد‬ ‫له لحية قد مـزقـت فـكـأنـهـا‬
‫الله بن علي العبلي فشق قميصه بين يديه وشكاه إليه‪ .‬فبعث إلى ابن عدي فنهاه عنه وقال‪ :‬لئن عدت ل كلمتك أبدا فكف‬
‫‪.‬عنه‬
‫كان العرجي من أفرس الناس وأرماهم‬
‫وأبراهم لسهم‬
‫أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن سليمان بن عثمان بن يسار‪ :‬رجل من أهل مكة وكان هيبا أديبا‬
‫قال‪ :‬كان للعرجي حائط يقال له العرج في وسط بلد بني نصر بن معاوية‪ ،‬فكانت إبلهم وغنمهم تدخل فيه فيعقر كل ما دخل‬
‫منها‪ ،‬فكانت تضر به ويضر بأهلها ويشكونه ويشكوهم‪ .‬وكان من أفرس الناس وأرماهم وأبراهم لسهم‪ ،‬فكان ربما برى مائة‬
‫‪.‬سهم من الرمان‪ ،‬ثم يقول‪ :‬والله ل أنقلب حتى أقتل بها مائة خلفة من إبل بني نصر‪ ،‬فيفعل ذلك‬
‫حبس العرجي‬
‫‪:‬قال إسحاق‪ :‬فحدثني ابن غرير قال‪ :‬لما حبس العرجي وضرب وأقيم على البلس قال‬
‫لعمري لقد قرت عيون بني نصر فقال فتى من بني نصر يجيبه ‪ -‬وكان‬ ‫معي ابن غرير واقفا في عبـاءة‬
‫‪ -:‬حاضرا لضربه وإقامته‬
‫فبئس الفتى والجار في سالف الدهر وقال إسحاق في خبره‪ :‬قال رجل‬ ‫أجل قد أقر اللـه فـيك عـيونـنـا‬
‫للعرجي‪ :‬جئتك أخطب إليك مودتك‪ .‬قال‪ :‬بل خذها زنا‪ ،‬فإنها أحلى وألذ تمثل امرأة بشعره في الحج‬
‫أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا إسماعيل بن مجمع عن المدائني عن عبد الله بن سلم قال‪ :‬قال عبد الله بن عمر‬
‫العمري‪ :‬خرجت حاجا‪ ،‬فرأيت امرأة جميلة تتكلم بكلم أرفثت فيه‪ ،‬فأدنيت ناقتي منها‪ ،‬ثم قلت لها‪ :‬يا أمة الله‪ ،‬ألست حاجة أما‬
‫تخافين الله فسفرت عن وجه يبهر الشمس حسنا‪ ،‬ثم قالت‪ :‬تأمل يا عم فإنني ممن غنا العرجي بقوله‪ :‬صوت‬

‫وأدنت على الخدين بردا مهلهـل‬ ‫أماطت كساء الخز عن حر وجهها‬


‫ولكن ليقتلن البريء المـغـفـل قال فقلت لها‪ :‬فإني أسأل الله أل يعذب هذا‬ ‫من اللء لم يحججن يبغين حسـبة‬
‫الوجه بالنار‪ .‬قال‪ :‬وبلغ ذلك سعيد بن المسيب فقال‪ :‬أما والله لو كان من بعض بغضاء العراق لقال لها‪ :‬اغربي قبحك الله‬
‫ولكنه ظرف عباد أهل الحجاز‪ .‬وقد رويت هذه الحكاية عن أبي حازم العرج وهو سلمة بن دينار‪ ،‬وقد روى أبو حازم عن أبي‬
‫هريرة وسهل بن سعد وغيرهما‪ ،‬وروى عنه مالك وابن أبي أيوب‪ .‬والحكاية عنه في هذا أصح منها عن عبد الله العمري‪ ،‬حدثنا‬
‫بهذا وكيع‪ .‬والغناء في هذه البيات لعرار المكي ثاني ثقيل‪ .‬وفيه خفيف ثقيل لمعبد‪ ،‬وفيها لعبد الله بن العباس الربيعي ثقيل‬
‫‪.‬أول‪ ،‬ويقال إن خفيف الثقيل لبن سريج‪ ،‬ويقال للغريض‬
‫غناء عبد الله بن العباس الربيعي بشعره‬
‫أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني ابو ثوبة قال‪ :‬قال عبد الله بن العباس‪ :‬دعاني المتوكل‪،‬‬
‫‪:‬فلما جلست مجلس المنادمة قال لي‪ :‬يا عبد الله‪ ،‬تغن‪ ،‬فغنيته في شعر مدحته به‪ ،‬فقال‪ :‬أين هذا من غنائك في‬
‫‪:‬أماطت كساء الخز عن حر وجهها ومن صنعتك في‬
‫أقفر ممن يحله سرف‬

‫صفحة ‪111 :‬‬

‫فقلت‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬إن صنعتي حينئذ كانت وأنا شاب عاشق‪ ،‬فإن استطعت رد شبابي وعشقي صنعت مثل تلك الصنعة‪.‬‬
‫فقال هيهات وقد لعمري صدقت‪ ،‬ووصلني‪ .‬والبيات التي فيها الغناء المذكور من شعر العرجي يقوله في جيداء أم محمد بن‬
‫هشام بن إسماعيل المخزومي‪ ،‬وكان يهجوه ويشبب بأمه وبامرأته‪ ،‬وكان محمد تياها شديد الكبر جبارا‪ ،‬فلم يزل يتطلب عليه‬
‫العلل حتى حبسه وقيده بعد أن ضربه بالسوط وأقامه على البلس للناس‪ .‬واختلف الرواة في السبب الذي اعتل به عليه‪ ،‬وقد‬
‫ذكرت ذلك في رواياتهم‪ :‬هجاؤه محمد بن هشام المخزومي‬
‫وتشبيبه بأمه‬
‫أخبرني بخبره أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عمر بن شبة‪ ،‬وأخبرنا أحمد بن محمد بن‬
‫إسحاق قال أخبرنا الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي مصعب ومحمد بن الضحاك الحزامي عن‬
‫الضحاك بن عثمان‪ ،‬وذكره حماد بن إسحاق عن أبيه عن أيوب بن عباية‪ ،‬ونسخته أيضا من رواية محمد بن حبيب قالوا‪ :‬كان‬
‫‪.‬محمد بن هشام خال هشام بن عبد الملك‪ ،‬فلما ولي الخلفة وله مكة‪ ،‬وكتب إليه يحج بالناس‪ ،‬فهجاه العرجي بأشعار كثيرة‬
‫‪:‬منها قوله فيه‬
‫تغيرت المواسم والشكـول‬ ‫كأن العام ليس بـعـام حـج‬
‫ليخبرها فل صحب الرسول ويروى‪ :‬ليحزنها وهكذا يغني‬ ‫‪.‬إلى جيداء قد بعثوا رسـول‬
‫‪:‬ومنها قوله‬
‫ومن جاء من عمق ونقب المشلل‬ ‫أل قل لمن أمسى بمكة قاطـنـا‬
‫فما حج هذا العام بالمـتـقـبـل‬ ‫دعوا الحج ل تستهلكوا نفقاتـكـم‬
‫إمام لدى تجمـيره غـير دلـدل‬ ‫وكيف يزكي حج من لم يكن لـه‬
‫ويلبس في الظلماء سمطى قرنفل فلم يزل محمد يطلب عليه العلل حتى‬ ‫يظل يرائي بالـصـيام نـهـاره‬
‫‪.‬وجدها فحبسه‬
‫قال الزبير في خبره عن عمه ومحمد الضحاك‪ ،‬وقال إسحاق في خبره عن أيوب بن عباية‪ :‬كان العرجي يشبب بأم محمد بن‬
‫هشام‪ ،‬وهي من بني الحارث بن كعب‪ ،‬ويقال لها جيداء‪ :‬صوت‬

‫إنك إن ل تفعلي تحـرجـي‬ ‫عوجي علينا ربة الـهـودج‬


‫إحدى بني الحارث من مذحج‬ ‫إني أتيحـت لـي يمـانـية‬
‫ما نلتقي إل على مـنـهـج‬ ‫نلبث حول كـامـل كـلـه‬
‫وأهله إن هي لم تـحـجـج‬ ‫في الحج إن حجت وماذا منى‬
‫بين حبـيب قـولـه عـرج‬ ‫أيسر ما نال مـحـب لـدى‬
‫هل لي مما بي من مخـرج قال إسحاق في خبره‪ :‬فحدثني حمزة بن عتبة اللهبي‬ ‫نقض إليكم حاجة أو نـقـل‬
‫‪:‬قال‪ :‬أنشد عطاء بن أبي رباح قول العرجي‬
‫وأهله إن هي لم تحـجـج فقال‪ :‬الخير والله كله بمنى وأهله حجت أو لم تحج‪.‬‬ ‫في الحج إن حجت وماذا مني‬
‫قال‪ :‬ولقي ابن سريج عطاء وهو راكب بمنى على بغلته‪ ،‬فقال له‪ :‬سألتك بالله إل وقفت لي حتى أسمعك شيئا‪ .‬قال‪ :‬ويحك‬
‫دعني فإني عجل‪ .‬قال‪ :‬امرأته طالق لئن لم تقف مختارا للوقوف لمسكن بلجام بغلتك ثم ل أفارقها ولو قطعت يدي حتى‬
‫‪:‬أغنيك وأرفع صوتي ل أسره‪ .‬قال‪ :‬هات وعجل؛ فغناه‬
‫وأهله إن هي لم تحـجـج قال‪ :‬الخير كله والله بمنى‪ ،‬لسيما وقد غيبها الله عن‬ ‫في الحج إن حجت وماذا منى‬
‫‪.‬مشاعره خل سبيل البغلة‬
‫أخبرنا محمد بن خلف وكيع قال حدثني عبد الله بن أبي سعد قال حدثنا إبراهيم بن المنذر قال حدثني حمزة بن عتبة اللهبي‬
‫‪:‬عن عبد الوهاب بن مجاهد أو غيره قال‪ :‬كنت مع عطاء بن أبي رباح فجاءه رجل فأنشده قول العرجي‬
‫إحدى بني الحارث من مذحج‬ ‫إني أتيحـت لـي يمـانـية‬
‫ل نلتقي إل على مـنـهـج‬ ‫نلبث حول كـامـل كـلـه‬
‫وأهله إن هي لم تـحـجـج فقال عطاء‪ :‬خير كثير بمنى إذ غيبها الله عن‬ ‫في الحج إن حجت وماذا منى‬
‫‪.‬مشاعره‬
‫تشبيبه بزوجة محمد بن هشام‬
‫قال‪ :‬وقال في زوجته جبرة المخزومية يعني زوجة محمد بن هشام ‪ :‬صوت‬

‫فيم الصدود وأنتم سـفـر‬ ‫عوجي علي فسلمي جبـر‬


‫حتى يفرق بيننا الـنـفـر‬ ‫ما نلتقي إل ثـلث مـنـى‬
‫ما الدهر إل الحول والشهر‬ ‫الحول بعد الحول يتبـعـه‬

‫صفحة ‪112 :‬‬

‫قال حماد بن إسحاق في خبره‪ :‬حدثني ابن أبي الحويرث الثقفي عن ابن عم لعمارة ابن حمزة قال حدثنا سليمان الخشاب‬
‫عن داود المكي قال‪ :‬كنا في حلقة ابن جريج وهو يحدثنا وعنده جماعة فيهم عبد الله بن المبارك وعدة من العراقيين‪ ،‬إذ مر به‬
‫ابن تيزن المغني وقد ائتزر بمئزر على صدره‪ ،‬وهي إزرة الشطار عندنا‪ ،‬فدعاه ابن جريج فقال له‪ :‬أحب أن تسمعني‪ .‬قال‪ :‬إني‬
‫مستعجل‪ ،‬فألح عليه؛ فقال‪ :‬امرأته طالق إن غناك أكثر من ثلثة أصوات‪ .‬فقال له‪ :‬ويحك ما أعجلك إلى اليمين غنني الصوت‬
‫الذي غناه ابن سريج في اليوم الثاني من أيام منى على جمرة العقبة فقطع طريق الذاهب والجائي حتى تكسرت المحامل‪.‬‬
‫‪:‬فغناه‬
‫عوجي علي فسلمي جبر فقال له ابن جريج‪ :‬أحسنت والله ثلث مرات ‪ ،‬ويحك أعده‪ .‬قال‪ :‬من الثلثة فإني قد حلفت‪ .‬قال‪:‬‬
‫أعده‪ ،‬فأعاده‪ .‬فقال‪ :‬أحسنت فأعده من الثلثة‪ ،‬فأعاده وقام ومضى‪ ،‬وقال‪ :‬لول مكان هؤلء الثقلء عندك لطلت معك حتى‬
‫تقضي وطرك‪ .‬فالتفت ابن جريج إلى أصحابه فقال‪ :‬لعلكم أنكرتم ما فعلت فقالوا‪ :‬إن لننكره عندنا بالعراق ونكرهه‪ .‬قال‪ :‬فما‬
‫تقولون في الرجر? يعني الحداء ‪ .‬قالوا‪ :‬ل بأس به عندنا‪ :‬قال‪ :‬فما الفرق بينه وبين الغناء? اضطغان ابن هشام عليه وحبسه‬
‫قال إسحاق في خبره‪ :‬بلغني أن محمد بن هشام كان يقول لمه جيداء بنت عفيف ‪ :‬أنت غضضت مني بأنك أمي‪ ،‬وأهلكتني‬
‫وقتلتني‪ .‬فتقول له‪ :‬ويحك وكيف ذاك? قال‪ :‬لو كانت أمي من قريش ما ولي الخلفة غيري‪ .‬قالوا‪ :‬فلم يزل محمد بن هشام‬
‫مضطغنا على العرجي من هذه الشعار التي يقولها فيه ومتطلبا سبيل عليه حتى وجده فيه‪ ،‬فأخذه وقيده وضربه وأقامه للناس‪،‬‬
‫‪.‬ثم حبسه وأقسم‪ :‬ل يخرج من الحبس مادام لي سلطان‪ .‬فمكث في حبسه نحوا من تسع سنين حتى مات فيه‬
‫روايات أخرى في سبب الخصومة بينهما وذكر إسحاق في خبره عن أيوب بن عباية ووافقه عمر بن شبة ومحمد بن حبيب‪ :‬أن‬
‫السبب في ذلك أن العرجي لحى مولى كان لبيه فأمضه العرجي‪ ،‬فأجابه المولى بمثل ما قاله له‪ .‬فأمهله حتى إذا كان الليل‬
‫أتاه مع جماعة من مواليه وعبيده فهجم عليه في منزله وأخذه وأوثقه كتافا‪ ،‬ثم أمر عبيده أن ينكحوا امرأته بين يديه ففعلوا‪ ،‬ثم‬
‫‪.‬قتله وأحرقه بالنار‪ .‬فاستعدت امرأته على العرجي محمد بن هشام فحبسه‬
‫وذكر الزبير في خبره عن الضحاك بن عثمان‪ :‬أن العرجي كان وكل بحرمه مولى له يقوم بأمورهن‪ ،‬فبلغه أنه يخالف إليهن‪،‬‬
‫فلم يزل يرصده حتى وجده يحدث بعضهن‪ ،‬فقتله وأحرقه بالنار‪ .‬فاستعدت عليه امرأة المولى محمد بن هشام المخزومي‬
‫وكان واليا على مكة في خلفة هشام‪ ،‬وكان العرجي قد هجاه قبل ذلك هجاء كثيرا لما وله هشام الحج فأحفظه‪ .‬فلما وجد‬
‫‪.‬عليه سبيل ضربه وأقامه على البلس للناس‪ ،‬وسجنه حتى مات في سجنه‬
‫وذكر الزبير أيضا في خبره عن عمه وغيره أن أشعب كان حاضرا للعرجي وهو يشتم موله هذا‪ ،‬وأنه طال شتمه إياه‪ .‬فلما‬
‫أكثر رد المولى عليه‪ ،‬فاختلط من ذلك‪ ،‬فقال لشعب‪ :‬اشهد على ما سمعت‪ .‬قال أشعب‪ :‬وعلم أشهد‪ ،‬قد شتمته ألفا وشتمك‬
‫واحدة‪ .‬والله لو أن أمك أم الكتاب‪ ،‬وأمه حمالة الحطب ما زاد على هذا تعذيب محمد بن هشام للعرجي وما كان يقوله‬
‫العرجي من الشعر في ذلك‬
‫قال الزبير وحدثني حمزة بن عتبة اللهبي قال‪ :‬لما أخذ محمد بن هشام المخزومي العرجي أخذه وأخذ معه الحصين بن غرير‬
‫‪:‬الحميري‪ ،‬فجلدهما‪ ،‬وصب على رءوسهما الزيت‪ ،‬وأقامهما في الشمس على البلس في الحناطين بمكة؛ فجعل العرجي ينشد‬
‫ويغضب حين يخبر عن مساقي‬ ‫سينصرني الخليفة بعـد ربـي‬
‫مع البلوى تغيب نصف ساقي‬ ‫علي عباءة بلـقـاء لـيسـت‬
‫قطين البيت والدمث الرقـاق ثم يصيح‪ :‬يا غرير أجياد‪ ،‬يا غرير أجياد فيقول له‬ ‫وتغضب لي بأجمعها قـصـي‬
‫الحميري المجلود معه‪ :‬أل تدعنا أل ترى ما نحن فيه من البلء يعني بقوله‪ :‬يا غرير‪ ،‬الحصين بن غرير الحميري المجلود معه‪،‬‬
‫‪:‬وكان صديقا للعرجي وخليطا‪ .‬وذكر إسحاق تمام هذه البيات وأولها‬
‫ألوف الستر واضحة التراقي‬ ‫وكم من كاعب حوراء بكـر‬
‫وجامعة يشد بها خـنـاقـي‬ ‫بكت جزعا وقد سمرت كبول‬

‫صفحة ‪113 :‬‬

‫ثناها القمح مزلقة التـراقـي‬ ‫على دهماء مشرفة سـمـوق‬


‫مع البلوى تغيب نصف ساقي‬ ‫علي عباءة بلـقـاء لـيسـت‬
‫سجال الماء يبعث في السواقي‬ ‫كأن على الخدود وهن شعـث‬
‫أبالي اليوم ما دفعت مـآقـي‬ ‫فقلت تجلدا وحلفـت صـبـرا‬
‫ويغضب حين يخبر عن مساقي‬ ‫سينصرني الخليفة بعـد ربـي‬
‫قطين البيت والدمث الرقـاق‬ ‫وتغضب لي بأجمعها قـصـي‬
‫لئام الناس في الشعب العمـاق قال‪ :‬فكان إذا أنشد هذا البيت التفت إلى ابن‬ ‫بمجتمع السـيول إذ تـنـحـى‬
‫‪.‬غرير فصاح به‪ :‬يا غرير أجياد‪ ،‬يا غرير أجياد يعني بني مخزوم‪ ،‬وكانت منازلهم في أجياد‪ ،‬فعيرهم بأنهم ليسوا من أهل البطح‬
‫وقال الزبير في خبره ووافقه إسحاق فذكر أن رجل مر بالعرجي وهو واقف على البلس ومعه ابن غرر وقد جلدا وحلقا وصب‬
‫الزيت على رءوسهما وألبسا عباءتين واجتمع الناس ينظرون إليهما‪ .‬قال‪ :‬وكان الرجل صديقا للعرجي‪ ،‬وكان فأفاء‪ ،‬فوقف عليه‬
‫فأراد أن يتوجع لما ناله ويدعو له‪ ،‬فلجلج لما كان في لسانه كما يفعل الفأفاء‪ .‬فقال له ابن غرير‪ :‬عني‪ ،‬ل خرجت من فيك أبدا‬
‫‪.‬فقال له الرجل‪ :‬فمكانك إذا ل برحت منه أبدا‬
‫قال‪ :‬ومر به صبيان يلقطون النوى‪ ،‬فوقفوا ينظرون إليه‪ ،‬فالتفت إلى ابن غرير وقال له‪ :‬ما أعرف في الدنيا سخلين أشأم‬
‫مني ومنك إن هؤلء الصبيان لهلهم عليهم في كل يوم على كل واحد منهم مد نوى‪ ،‬فقد تركوا لقطهم للنوى‪ ،‬وقد وقفوا‬
‫‪.‬ينظرون إلي وإليك وينصرفون بغير شيء فيضربون‪ ،‬فيكون شؤمنا قد لحقهم‬
‫قال‪ :‬وقال العرجي في حبسه‪ :‬صوت‬

‫ليوم كريهة وسداد ثـغـر‬ ‫أضاعوني وأي فتى أضاعوا‬


‫وقد شرعت أسنتها بنحري‬ ‫وصبر عند معترك المنـايا‬
‫فيا لله مظلمتي وصـبـري‬ ‫أجرر في الجوامع كـل يوم‬
‫ولم تك نسبتي في آل عمرو‬ ‫‪</H6‬أبو حنيفة وجار له كان يغني بشعره ‪ <H6‬كأني لم أكن فيهم وسـيطـا‬
‫أخبرني محمد بن زكريا الصحاف قال حدثنا قعنب بن المحرز الباهلي عن الصمعي قال‪ :‬كان لبي حنيفة جار بالكوفة يغني‪،‬‬
‫‪:‬فكان إذا انصرف وقد سكر يغني في غرفته‪ ،‬ويسمع أبو حنيفة غناءه فيعجبه‪ .‬وكان كثيرا ما يغني‬
‫ليوم كريهة وسداد ثـغـر فلقيه العسس ليلة فأخذوه وحبس‪ ،‬ففقد أبو حنيفة‬ ‫أضاعوني وأي فتى أضاعوا‬
‫صوته تلك الليلة‪ ،‬فسأل عنه من غد فأخبر‪ ،‬فدعا بسواده وطويلته فلبسهما‪ ،‬وركب إلى عيسى بن موسى فقال له‪ :‬إن لي جارا‬
‫أخذه عسسك البارحة فحبس‪ ،‬وما علمت منه إل خيرا‪ .‬فقال عيسى‪ :‬سلموا إلى أبي حنيفة كل من أخذه العسس البارحة‪،‬‬
‫‪:‬فأطلقوا جميعا‪ .‬فلما خرج الفتى دعا به أبو حنيفة وقال له سرا‪ :‬ألست كنت تغني يا فتى كل ليلة‬
‫أضاعوني واي فتى أضاعوا فهل أضعناك? قال‪ :‬ل والله أيها القاضي‪ ،‬ولكن أحسنت وتكرمت‪ ،‬أحسن الله جزاءك‪ .‬قال‪ :‬فعد‬
‫‪.‬إلى ما كنت تغنيه‪ ،‬فإني كنت آنس به‪ ،‬ولم أر به باسا‪ .‬قال‪ :‬أفعل‬
‫وقال إسحاق في خبره‪ :‬لما حبس المنصور عبد الله بن علي‪ ،‬كان يكثر ‪</H6‬تمثل عبد الله بن علي بقوله أضاعوني ‪<H6‬‬
‫‪:‬التمثل بقول العرجي‬
‫ليوم كريهة وسداد ثـغـر فبلغ ذلك المنصور‪ ،‬فقال‪ :‬هو أضاع نفسه بسوء فعله‪،‬‬ ‫أضاعوني وأي فتى أضاعوا‬
‫‪.‬فكانت أنفسنا عندنا آثر من نفسه‬
‫قال إسحاق‪ :‬وقال الصمعي‪ :‬مررت بكناس بالبصرة يكنس كنيفا ‪</H6‬حكاية كناس بالبصرة كان يتمثل بهذا البيت ‪<H6‬‬
‫‪:‬ويغني‬
‫ليوم كريهة وسداد ثـغـر فقلت له‪ :‬أما سداد الكنيف فأنت ملىء به‪ .‬وأما الثغر فل‬ ‫أضاعوني وأي فتى أضاعوا‬
‫‪:‬علم لي بك كيف أنت فيه ‪ -‬وكنت حديث السن فأردت العبث به ‪ -‬فأعرض عني مليا‪ ،‬ثم أقبل علي فأنشد متمثل‬
‫وحقك لم تكرم على أحد بعدي‬ ‫وأكرم نفسي إنني إن أهنتهـا‬

‫صفحة ‪114 :‬‬

‫قال فقلت له‪ :‬والله ما يكون من الهوان شيء أكثر مما بذلتها له‪ ،‬فبأي شيء أكرمتها? فقال‪ :‬بلى والله إن من الهوان لشرا‬
‫مما أنا فيه‪ .‬فقلت‪ :‬وما هو? فقال‪ :‬الحاجة إليك وإلى أمثالك من الناس‪ .‬فانصرفت عنه أخزى الناس‪ .‬قال محمد بن مزيد‪:‬‬
‫فحدثني حماد قال قال لي أبي‪ :‬اختصر الصمعي ‪ -‬فيما أرى ‪ -‬الجواب‪ ،‬وستر أقبحه على نفسه‪ ،‬وإل فكناس كنيف قائم يكنسه‬
‫‪.‬ويعبث به هذا العبث‪ ،‬فيرضى بهذا الجواب الذي ل يجيب بمثله الحنف بن قيس لو كانت المخاطبة له‬
‫اقتصاص الوليد من محمد بن هشام وأخيه وإبراهيم بن هشام‬
‫وقال إسحاق في خبره‪ :‬كان الوليد بن يزيد مضطغنا على محمد بن هشام لشياء كانت تبلغه عنه في حياة هشام‪ ،‬فلما ولي‬
‫الخلفة قبض عليه وعلى أخيه إبراهيم بن هشام وأشخصا إليه إلى الشأم‪ ،‬ثم دعا بالسياط‪ .‬فقال له محمد‪ :‬أسألك بالقرابة‪.‬‬
‫قال‪ :‬وأي قرابة بيني وبينك وهل أنت إل من أشجع قال‪ :‬فأسألك بصهر عبد الملك‪ .‬قال‪ :‬لم تحفظه‪ .‬فقال له‪ :‬يا أمير المؤمنين‪،‬‬
‫قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضرب قرشي بالسياط إل في حد‪ .‬قال‪ :‬ففي حد أضربك وقود‪ ،‬أنت أول من سن‬
‫ذلك على العرجي‪ ،‬وهو ابن عمي وابن أمير المؤمنين عثمان‪ ،‬فما رعيت حق جده ول نسبه بهشام‪ ،‬ول ذكرت حينئذ هذا الخبر‪،‬‬
‫وأنا ولي ثأره‪ ،‬اضرب يا غلم‪ ،‬فضربهما ضربا مبرحا‪ ،‬وأثقل بالحديد‪ ،‬ووجه بهما إلى يوسف بن عمر بالكوفة‪ ،‬وأمره‬
‫باستصفائهما وتعذيبهما حتى يتلفا‪ ،‬وكتب إليه‪ :‬احبسهما مع ابن النصرانية ‪ -‬يعني خالدا القسري ‪ -‬ونفسك نفسك إن عاش أحد‬
‫منهم‪ .‬فعذبهم عذابا شديدا‪ ،‬وأخذ منهم مال عظيما حتى لم يبق فيهم موضع للضرب‪ .‬فكان محمد بن هشام مطروحا‪ ،‬فإن‬
‫أرادوا أن يقيموه أخذوا بلحيته فجذبوه بها‪ .‬ولما اشتدت عليهما الحال‪ ،‬تحامل إبراهيم لينظر في وجه محمد‪ ،‬فوقع عليه فماتا‬
‫‪:‬جميعا‪ ،‬ومات خالد القسري معهما في يوم واحد‪ .‬فقال الوليد بن يزيد لما حملهما إلى يوسف بن عمر‬
‫قصاره السجن بعده الخشبه‬ ‫قد راح نحو العراق مشخلبه‬
‫ول خطام وحوله جلـبـه‬ ‫يركبها صاغرا بل قـتـب‬
‫لن يعجز الله هارب طلبـه‬ ‫فقل لدعجاء إن مررت بها‬
‫لنا عليكم يا دلدل الغلـبـه‬ ‫قد جعل الله بعد غلبـتـكـم‬
‫ول إلى نوفل ول الحجبـه‬ ‫لست إلى هاشـم ول أسـد‬
‫كلبي ل ما يزوق الكذبـه الرشيد وإسحاق حين غناه بيت العرجي أضاعوني‬ ‫لكنما أشجع أبوك سـل ال‬
‫‪:‬قال إسحاق في خبره‪ :‬غنيت الرشيد يوما في عرض الغناء‬
‫ليوم كريهة وسداد ثـغـر فقال لي‪ :‬ما كان سبب هذا الشعر حتى قاله العرجي?‬ ‫أضاعوني وأي فتى أضاعوا‬
‫فأخبرته بخبره من أوله إلى أن مات‪ ،‬فرأيته يتغيظ كلما مر منه شيء‪ .‬فأتبعته بحديث مقتل ابني هشام‪ ،‬فجعل وجهه يسفر‬
‫وغيظه يسكن‪ .‬فلما انقضى الحديث‪ ،‬قال لي‪ :‬يا إسحاق والله لول ما حدثتني به من فعل الوليد لما تركت أحدا من أماثل بني‬
‫‪.‬مخزوم إل قتلته بالعرجي‬
‫والصوت الخر من رواية جحظة عن أصحابه‪ :‬صوت‬

‫فشأن المنايا القاضيات وشانـيا‬ ‫إذا ما طواك الدهر يا أم مالك‬


‫وحبك مـا يزداد إل تـمـاديا‬ ‫تمر الليالي والشهور وتنقضي‬
‫صروف الليالي فابغيا لي ناعيا‬ ‫خليلي إن دارت على أم مالـك‬
‫ول لبقاء تنـظـران بـقـائيا الشعر للمجنون‪ ،‬ومن الناس من يروي البيت الول‬ ‫ول تتركاني ل لخير معـجـل‬
‫منها لقيس بن الحدادية وهو جاهلي‪ .‬والغناء لبن محرز ثاني ثقيل بالوسطى‪ .‬وذكر حبش وابن المكي أن فيه لسحاق لحنا آخر‬
‫‪.‬من الثقيل الثاني بالخنصر والبنصر‬

‫الجزء الثاني‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫أخبار مجنون بني عامر ونسبه‬


‫نسبه وتصحيح اسمه‬
‫هو ‪ -‬على ما يقوله من صحح نسبه وحديثه ‪ -‬قيس‪ ،‬وقيل‪ :‬مهدي‪ ،‬والصحيح أنه قيس بن الملوح بن مزاحم بن عدس بن ربيعة‬
‫‪:‬بن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة‪ .‬ومن الدليل على أن اسمه قيس قول ليلى صاحبته فيه‬
‫متى رحل قيس مستقل فراجع‬ ‫أل ليت شعري والخطوب كثيرة‬

‫صفحة ‪115 :‬‬

‫‪.‬وأخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن زهير قال‪ :‬سمعت من ل أحصي يقول‪ :‬اسم المجنون قيس بن الملوح‬
‫قيل كانت به لوثة ولم يكن مجنونا‬
‫وأخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا الرياشي‪ ،‬وأخبرني الجوهري عن عمر بن شبة أنهما سمعا الصمعي يقول ‪ -‬وقد‬
‫‪.‬سئل عنه ‪ :-‬لم يكن مجنونا ولكن كانت به لوثة كلوثة أبي حية النميري‬
‫اختلف الرواة في وجوده‬
‫وأخبرني حبيب بن نصر المهلبي وأحمد بن عبد العزيز الجوهري عن ابن شبة عن الحزامي قال حدثني أيوب بن عباية قال‪:‬‬
‫‪.‬سألت بني عامر بطنا بطنا عن مجنون بني عامر فما وجدت أحدا يعرفه‬
‫وأخبرني عمي قال حدثنا أحمد بن الحارث عن المدائني عن ابن دأب قال‪ :‬قلت لرجل من بني عامر‪ :‬أتعرف المجنون وتروي‬
‫من شعره شيئا? قال‪ :‬أو قد فرغنا من شعر العقلء حتى نروي أشعار المجانين إنهم لكثير فقلت‪ :‬ليس هؤلء أعني‪ ،‬إنما أعني‬
‫مجنون بني عامر الشاعر الذي قتله العشق‪ ،‬فقال‪ :‬هيهات بنو عامر أغلظ أكبادا من ذاك‪ ،‬إنما يكون هذا في هذه اليمانية‬
‫‪.‬الضعاف قلوبها‪ ،‬السخيفة عقولها‪ ،‬الصعلة رؤوسها‪ ،‬فأما نزار فل‬
‫أخبرني هاشم بن محمد قال حدثنا الرياشي قال سمعت الصمعي يقول‪ :‬رجلن ما عرفا في الدنيا قط إل بالسم‪ :‬مجنون بني‬
‫‪.‬عامر‪ ،‬وابن القرية‪ ،‬وإنما وضعهما الرواة‬
‫وأخبرنا أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني عبد الله بن أبي سعد عن الحزامي قال‪ :‬ولم أسمعه من‬
‫الحزامي فكتبته عن ابن أبي سعد قال أحمد‪ :‬وحدثنا به ابن أبي سعد عن الحزامي قال حدثنا عبد الجبار بن سعيد بن سليمان‬
‫‪.‬بن نوفل بن مساحق عن أبيه عن جده قال‪ :‬سعيت على بني عامر فرأيت المجنون وأتيت به وأنشدني‬
‫أخبرني علي بن سليمان الخفش قال حدثنا أبو سعيد السكري قال حدثنا إسماعيل بن مجمع عن المدائني قال‪ :‬المجنون‬
‫المشهور بالشعر عند الناس صاحب ليلى قيس بن معاذ من بني عامر‪ ،‬ثم من بني عقيل‪ ،‬أحد بني نمير بن عامر بن عقيل‪،‬‬
‫‪.‬قال‪ :‬ومنهم رجل آخر يقال له‪ :‬مهدي بن الملوح من بني جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة‬
‫قيل إن فتى من أمية نحله شعره وأخبرني عمي عن الكراني قال حدثنا ابن أبي سعد عن علي بن الصباح عن ابن الكلبي قال‪:‬‬
‫حدثت أن حديث المجنون وشعره وضعه فتى من بني أمية كان يهوى ابنة عم له‪ ،‬وكان يكره أن يظهر ما بينه وبينها‪ ،‬فوضع‬
‫‪.‬حديث المجنون وقال الشعار التي يرويها الناس للمجنون ونسبها إليه‬
‫أخبرني الحسين بن يحيى وأبو الحسن السدي قال‪ :‬حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال‪ :‬اسم المجنون قيس بن معاذ أحد بني‬
‫‪.‬جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة‬
‫وأخبرني أبو سعد الحسن بن علي بن زكريا العدوي قال حدثنا حماد بن طالوت بن عباد‪ :‬أنه سأل الصمعي عنه‪ ،‬فقال‪ :‬لم‬
‫‪.‬يكن مجنونا‪ ،‬بل كانت به لوثة أحدثها العشق فيه‪ ،‬كان يهوى امرأة من قومه يقال لها ليلى‪ ،‬واسمه قيس بن معاذ‬
‫‪.‬وذكر عمرو بن أبي عمرو الشيباني عن أبيه أن اسمه قيس بن معاذ‬
‫وذكر شعيب بن السكن عن يونس النحوي أن اسمه قيس بن الملوح‪ ،‬قال أبو عمرو الشيباني‪ :‬وحدثني رجل من أهل اليمن‬
‫‪.‬أنه رآه ولقيه وسأله عن اسمه ونسبه‪ ،‬فذكر أنه قيس بن الملوح‬
‫‪:‬وذكر هشام بن محمد الكلبي أنه قيس بن الملوح‪ ،‬وحدث أن أباه مات قبل اختلطه‪ ،‬فعقر على قبره ناقته وقال في ذلك‬
‫بذي السرح لما أن جفاه القارب‬ ‫عقرت على قبر الملوح ناقـتـي‬
‫غدا راجل أمشي وبالمس راكب‬ ‫وقلت لها كوني عقيرا فـإنـنـي‬
‫فكل بكأس الموت لشك شارب وذكر إبراهيم بن المنذر الحزامي وأبو عبيدة‬ ‫فل يبعدنك اللـه يابـن مـزاحـم‬
‫‪.‬معمر بن المثنى أن اسمه البحتري بن الجعد‬
‫‪.‬وذكر مصعب الزبيري والرياشي وأبو العالية أن اسمه القرع بن معاذ‪ .‬وقال خالد بن كلثوم‪ :‬اسمه مهدي ابن الملوح‬
‫وأخبرني الخفش عن السكري عن أبي زياد الكلبي‪ ،‬قال‪ :‬ليلى صاحبة المجنون هي ليلى بنت سعد بن مهدي بن ربيعة بن‬
‫‪.‬الحريش بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة‬
‫أخبرني محمد بن خلف وكيع‪ ،‬قال حدثنا أبو قلبة الرقاشي‪ ،‬قال حدثني عبد الصمد بن المعذل‪ ،‬قال‪ :‬سمعت الصمعي وقد‬
‫‪:‬تذاكرنا مجنون بني عامر يقول‪ :‬لم يكن مجنونا وإنما كانت به لوثة‪ ،‬وهو القائل‬

‫صفحة ‪116 :‬‬

‫ضنت محاسنه بحسنـه‬ ‫أخذت محاسن كـل مـا‬


‫لول الشوى ونشوز قرنه لقب بالمجنون كثير غيره‬ ‫كاد الغزال يكـونـهـا‬
‫وكلهم كان يشبب بليلى‬
‫وأخبرني عمر بن عبد الله بن جميل العتكي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا الصمعي قال‪ :‬سألت أعرابيا من بني عامر بن‬
‫صعصعة عن المجنون العامري فقال‪ :‬عن أيهم تسألني? فقد كان فينا جماعة رموا بالجنون‪ ،‬فعن أيهم تسأل? فقلت‪ :‬عن الذي‬
‫‪:‬كان يشبب بليلى‪ ،‬فقال‪ :‬كلهم كان يشبب بليلى‪ ،‬قلت‪ :‬فأنشدني لبعضهم‪ ،‬فأنشدني لمزاحم بن الحارث المجنون‬
‫بليلى وليدا لم تقطع تمائمـه‬ ‫أل أيها القلب الذي لج هائمـا‬
‫لك اليوم أن تلقى طبيبا تلئمه‬ ‫أفق قد أفاق العاشقون وقد أنى‬
‫تلم ول عهد يطول تقـادمـه قلت‪ :‬فأنشدني لغيره منهم‪ ،‬فأنشدني لمعاذ بن‬ ‫أجدك ل تنسيك ليلى مـلـمة‬
‫‪:‬كليب المجنون‬
‫إلى اللهو قلب للحسان تـبـوع‬ ‫أل طالما لعبت ليلى وقـادنـي‬
‫نزفت دموعا تستـجـد دمـوع‬ ‫وطال امتراء الشوق عيني كلما‬
‫بها من هوى ليلى الغداة صدوع قلت‪ :‬فأنشدني لغير هذين ممن ذكرت‪،‬‬ ‫فقد طال إمساكي على الكبد التي‬
‫‪:‬فأنشدني لمهدي بن الملوح‬
‫سواها وليلى بائن عنك بينها‬ ‫لو أن لك الدنيا وما عدلت به‬
‫يقود إليها ود نفسك حينهـا قلت له‪ :‬فأنشدني لمن بقي من هؤلء‪ ،‬فقال‪ :‬حسبك‬ ‫لكنت إلى ليلى فقيرا وإنمـا‬
‫‪.‬فوالله إن في واحد من هؤلء لمن يوزن بعقلئكم اليوم‬
‫أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز قال قال ابن العرابي‪ :‬كان معاذ بن كليب مجنونا‪ ،‬وكان يحب‬
‫‪:‬ليلى‪ ،‬وشركه في حبها مزاحم بن الحارث العقيلي‪ ،‬فقال مزاحم يوما للمجنون‬
‫بفي وفيك من ليلى الـتـراب‬ ‫كلنا يا معـاذ يحـب لـيلـى‬
‫وحظك من مودتها الـعـذاب‬ ‫شركتك في هوى من كان حظي‬
‫بقلبي فهو مخبـول مـصـاب قال فيقال‪ :‬إنه لما سمع هذه البيات التبس وخولط‬ ‫لقد خبلت فـؤادك ثـم ثـنـت‬
‫‪.‬في عقله‬
‫‪.‬وذكر أبو عمرو الشيباني‪ :‬أنه سمع في الليل هاتفا يهتف بهذه البيات‪ ،‬فكانت سبب جنونه‬
‫وذكر إبراهيم بن المنذر الحزامي عن أيوب بن عباية‪ :‬أن فتى من بني مروان كان يهوى امرأة منهم فيقول فيها الشعر وينسبه‬
‫‪.‬إلى المجنون‪ ،‬وأنه عمل له أخبارا وأضاف إليها ذلك الشعر‪ ،‬فحمله الناس وزادوا فيه‬
‫إنكار وجوده‬
‫والقول بأن شعره مولد عليه‬
‫وأخبرني عمي عن الكراني عن العمري عن العتبي عن عوانة أنه قال‪ :‬المجنون اسم مستعار ل حقيقة له‪ ،‬وليس له في بني‬
‫‪.‬عامر أصل ول نسب‪ ،‬فسئل من قال هذه الشعار? فقال‪ :‬فتى من بني أمية‬
‫وقال الجاحظ‪ :‬ما ترك الناس شعرا مجهول القائل قيل في ليلى إل نسبوه إلى المجنون‪ ،‬ول شعرا هذه سبيله قيل في لبنى إل‬
‫‪.‬نسبوه إلى قيس بن ذريح‬
‫وأخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا هارون بن محمد بن عبد الملك قال حدثني أبو أيوب المديني قال حدثني الحكم بن‬
‫صالح قال‪ :‬قيل لرجل من بني عامر‪ :‬هل تعرفون فيكم المجنون الذي قتله العشق‪ .‬فقال‪ :‬هذا باطل‪ ،‬إنما يقتل العشق هذه‬
‫‪.‬اليمانية الضعاف القلوب‬
‫أخبرنا أحمد بن عمر بن موسى قال حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي قال حدثني أيوب بن عبابة قال حدثني من سأل بني‬
‫‪.‬عامر بطنا بطنا عن المجنون فما وجد فيهم أحدا يعرفه‬
‫أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الزهر قال حدثنا أحمد بن الحارث عن ابن العرابي أنه ذكر عن جماعة من بني عامر أنهم‬
‫‪.‬سئلوا عن المجنون فلم يعرفوه‪ ،‬وذكروا أن هذا الشعر كله مولد عليه‬
‫أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني أحمد بن سليمان بن أبي شيخ عن أبيه عن محمد ابن الحكم عن عوانة قال‪:‬‬
‫‪.‬ثلثة لم يكونوا قط ول عرفوا‪ :‬ابن أبي العقب صاحب قصيدة الملحم‪ ،‬وابن القرية‪ ،‬ومجنون بني عامر‬
‫أخبرني أبوالحسن السدي قال حدثنا الرياشي قال سمعت الصمعي يقول‪ :‬الذي ألقي على المجنون من الشعر وأضيف إليه‬
‫‪.‬أكثر مما قاله هو‬
‫‪:‬أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني إسحاق قال‪ :‬أنشدت أيوب بن عباية هذين البيتين‬

‫صفحة ‪117 :‬‬

‫لليلى إذا ما الصيف ألقى المراسيا‬ ‫وخبرتمانـي أن تـيمـاء مـنـزل‬


‫فما للنوى ترمي بليلى المـرامـيا وسألته عن قائلهما‪ ،‬فقال‪ :‬جميل‪،‬‬ ‫فهذي شهور الصيف عنا قد انقضت‬
‫‪.‬فقلت له‪ :‬إن الناس يروونهما للمجنون‪ ،‬فقال‪ :‬ومن هو المجنون? فأخبرته‪ ،‬فقال‪ :‬ما لهذا حقيقة ول سمعت به‬
‫وأخبرني عمي عن عبد الله بن شبيب بن هارون بن موسى الفروي قال‪ :‬سألت أبا بكر العدوي عن هذين البيتين فقال‪ :‬هما‬
‫‪:‬لجميل‪ ،‬ولم يعرف المجنون‪ ،‬فقلت‪ :‬فهل معهما غيرهما? قال‪ :‬نعم‪ ،‬وأنشدني‬
‫وفي النفس حاجات إليك كما هي‬ ‫وإني لخشى أن أموت فـجـاءة‬
‫لقيتك يوما أن أبـثـك مـا بـيا‬ ‫وإني لينسيني لقـاؤك كـلـمـا‬
‫وقد علمت نفسي مـكـان دوائيا وأنا أذكر مما وقع إلي من أخباره جمل‬ ‫وقالوا بـه داء عـياء أصـابـه‬
‫مستحسنة‪ ،‬متبرئا من العهدة فيها‪ ،‬فإن أكثر أشعاره المذكورة في أخباره ينسبها بعض الرواة إلى غيره وينسبها من حكيت عنه‬
‫‪.‬إليه‪ ،‬وإذا قدمت هذه الشريطة برئت من عيب طاعن ومتتبع للعيوب‬
‫بدء تعشقه ليلى‬
‫أخبرني بخبره في شغفه بليلى جماعة من الرواة‪ ،‬ونسخت ما لم أسمع من الروايات وجمعت ذلك في سياقه خبره ما اتسق‬
‫‪.‬ولم يختلف‪ ،‬فإذا اختلف نسبت كل رواية إلى راويها‬
‫فممن أخبرني بخبره أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عمر بن شبة عن رجاله وإبراهيم بن‬
‫أيوب عن ابن قتيبة‪ ،‬ونسخت أخباره من رواية خالد بن كلثوم وأبي عمرو الشيباني وابن دأب وهشام بن محمد الكلبي وإسحاق‬
‫‪.‬بن الجصاص وغيرهم من الرواة‬
‫قال أبو عمرو الشيباني وأبو عبيدة‪ :‬كان المجنون يهوى ليلى بنت مهدي بن سعد بن مهدي بن ربيعة ابن الحريش بن كعب بن‬
‫ربيعة بن عامر بن صعصعة وتكنى أم مالك‪ ،‬وهما حينئذ صبيان‪ ،‬فعلق كل واحد منهما صاحبه وهما يرعيان مواشي أهلهما‪ ،‬فلم‬
‫يزال كذلك حتى كبرا فحجبت عنه‪ ،‬قال‪ :‬ويدل على ذلك قوله‪ :‬صوت‬

‫ولم يبد للتراب من ثديها حجم‬ ‫تعلقت ليلـى وهـي ذات ذؤابة‬
‫إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم في هذين البيتين للخضر الجدي لحن من‬ ‫صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا‬
‫‪.‬الثقيل الثاني بالوسطى‪ ،‬ذكره هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات والهشامي‬
‫أخبرنا الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن أيوب بن عباية ونسخت هذا الخبر بعينه من خط هارون بن محمد‬
‫بن عبد الملك الزيات قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن عمرو بن أبي سعد قال حدثنا الحسن بن علي قال حدثني أبو عتاب البصري عن‬
‫‪:‬إبراهيم بن محمد الشافعي قال‪ :‬بينا ابن مليكة يؤذن إذ سمع الخضر الجدي يغني من دار العاص بن وائل‬
‫ولم يبد للتراب من ثديها حجم‬ ‫وعلقتـهـا غـراء ذات ذوائب‬
‫إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم قال فأراد أن يقول‪ :‬حي على الصلة فقال‪:‬‬ ‫صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا‬
‫‪.‬حي على البهم‪ ،‬حتى سمعه أهل مكة فغدا يعتذر إليهم‬
‫وقال ابن الكلبي‪ :‬حدثني معروف المكي والمعلى بن هلل وإسحاق بن الجصاص قالوا‪ :‬كان سبب عشق المجنون ليلى‪ ،‬أنه‬
‫أقبل ذات يوم على ناقة له كريمة وعليه حلتان من حلل الملوك‪ ،‬فمر بامرأة من قومه يقال لها‪ :‬كريمة‪ ،‬وعندها جماعة نسوة‬
‫يتحدثن فيهن ليلى‪ ،‬فأعجبهن جماله وكماله‪ ،‬فدعونه إلى النزول والحديث‪ ،‬فنزل وجعل يحدثهن وأمر عبدا له كان معه فعقر‬
‫لهن ناقته‪ ،‬وظل يحدثهن بقية يومه‪ ،‬فبينا هو كذلك‪ ،‬إذ طلع عليهم فتى عليه بردة من برد العراب يقال له‪ :‬منازل يوسق معزى‬
‫‪:‬له‪ ،‬فلما رأينه أقبلن عليه وتركن المجنون‪ ،‬فغضب وخرج من عندهن وأنشأ يقول‬
‫ووصلي مفروش لوصل مـنـازل‬ ‫أأعقر من جـرا كـريمة نـاقـتـي‬
‫إذا جئت أرضى صوت تلك الخلخل‬ ‫إذا جاء قعقعن الحـلـي ولـم أكـن‬
‫وإن نرم رشقا عندها فهو ناضـلـي‬ ‫متى ما انتضلنا بالسهام نـضـلـتـه‬

‫صفحة ‪118 :‬‬

‫قال‪ :‬فلما أصبح لبس حلته وركب ناقة له أخرى ومضى متعرضا لهن‪ ،‬فألفى ليلى قاعدة بفناء بيتها وقد علق حبه بقلبها‬
‫وهويته‪ ،‬وعندها جويريات يتحدثن معها‪ ،‬فوقف بهن وسلم‪ ،‬فدعونه إلى النزول وقلن له‪ :‬هل لك في محادثة من ل يشغله عنك‬
‫منازل ول غيره? فقال‪ :‬إي لعمري‪ ،‬فنزل وفعل مثل ما فعله بالمس‪ ،‬فأرادت أن تعلم‪ ،‬هل لها عنده مثل ما له عندها‪ ،‬فجعلت‬
‫تعرض عن حديثه ساعة بعد ساعة وتحدث غيره‪ ،‬وقد كان علق بقلبه مثل حبها إياه وشغفته واستملحها‪ ،‬فبينا هي تحدثه‪ ،‬إذ‬
‫أقبل فتى من الحي فدعته وسارته سرارا طويل‪ ،‬ثم قالت له‪ :‬انصرف‪ ،‬ونظرت إلى وجه المجنون قد تغير وانتقع لونه وشق‬
‫‪:‬عليه فعلها‪ ،‬فأنشأت تقول‬
‫وكل عند صاحبه مكـين‬ ‫كلنا مظهر للناس بغضا‬
‫وفي القلبين ثم هوى دفين فلما سمع البيتين شهق شهقة شديدة وأغمي عليه‪،‬‬ ‫تبلغنا العيون بمـا أردنـا‬
‫فمكث على ذلك ساعة‪ ،‬ونضحوا الماء على وجهه حتى أفاق وتمكن حب كل واحد منهما في قلب صاحبه حتى بلغ منه كل‬
‫‪.‬مبلغ‬
‫خطبته لليلى واختيارها عليه وشعره في ذلك أخبرني الحسن بن علي قال حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك قال حدثني‬
‫عبد الرحمن بن إبراهيم عن هشام بن محمد بن موسى المكي عن محمد بن سعيد المخزومي عن أبي الهيثم العقيلي قال‪ :‬لما‬
‫شهر أمر المجنون وليلى وتناشد الناس شعره فيها‪ ،‬خطبها وبذل لها خمسين ناقة حمراء‪ ،‬وخطبها ورد بن محمد العقيلي وبذل‬
‫لها عشرا من البل وراعيها‪ ،‬فقال أهلها‪ :‬نحن مخيروها بينكما‪ ،‬فمن اختارت تزوجته‪ ،‬ودخلوا إليها فقالوا‪ :‬والله لئن لم تختاري‬
‫‪:‬وردا لنمثلن بك‪ ،‬فقال المجنون‬
‫خيارك فانظري لمن الخيار‬ ‫أل يا ليل إن ملكت فـينـا‬
‫ول برما إذا حب القـتـار‬ ‫ول تستبدلـي مـنـي دنـيا‬
‫وتعجزه ملمـات كـبـار‬ ‫يهرول في الصغير إذا رآه‬
‫ومثل تمؤل منه افتـقـار فاختارت وردا فتزوجته على كره منها‬ ‫‪.‬فمثل تأيم مـنـه نـكـاح‬
‫حكاية أبيه عن جنونه بليلى وأخبرني أحمد بن عبد العزيز وحبيب بن نصر قال‪ :‬حدثنا عمر بن شبة قال ذكر الهيثم بن عدي عن‬
‫عثمان بن عمارة بن حريم المري قال‪ :‬خرجت إلى أرض بني عامر للقى المجنون‪ ،‬فدللت عليه وعلى محلته‪ ،‬فلقيت أباه شيخا‬
‫كبيرا وحوله إخوة للمجنون مع أبيهم رجال؛ فسألتهم عنه فبكوه‪ ،‬وقال الشيخ‪ :‬أما والله لهو كان آثر عندي من هؤلء جميعا‪ ،‬وإنه‬
‫عشق امرأة من قومه والله ما كانت تطمع في مثله‪ ،‬فلما فشا أمره وأمرها كره أبوها أن يزوجه إياها بعد ما ظهر من أمرهما‪،‬‬
‫فزوجها غيره‪ ،‬وكان أول ما كلف بها يجلس إليها في نفر من قومها فيتحدثون كما يتحدث الفتيان‪ ،‬وكان أجملهم وأظرفهم‬
‫وأرواهم لشعار العرب‪ ،‬فيفيضون في الحديث فيكون أحسنهم فيه إفاضة‪ ،‬فتعرض عنه وتقبل على غيره‪ ،‬وقد وقع له في قلبها‬
‫مثل ما وقع لها في قلبه‪ ،‬فظنت به ما هو عليه من حبها‪ ،‬فأقبلت عليه يوما وقد خلت فقالت‪ :‬صوت‬

‫وكل عند صاحبه مـكـين‬ ‫كلنا مظهر للناس بغضـا‬


‫إذا نطقت بما تخفي العيون غنت في الول عريب خفيف رمل‪ ،‬وقيل‪ :‬إن هذا‬ ‫وأسرار الملحظ ليس تخفي‬
‫الغناء لشارية‪ ،‬والبيت الخير ليس من شعره ‪ -‬قال‪ :‬فخر مغشيا عليه ثم أفاق فاقدا عقله‪ ،‬فكان ل يلبس ثوبا إل خرقه ول‬
‫يمشي إل عاريا ويلعب بالتراب ويجمع العظام حوله‪ ،‬فإذا ذكرت له ليلى أنشأ يحدث عنها عاقل ول يخطىء حرفا‪ ،‬وترك الصلة‪،‬‬
‫‪.‬فإذا قيل له‪ :‬ما لك ل تصلي لم يرد حرفا‪ ،‬وكنا نحبسه ونقيده‪ ،‬فيعض لسانه وشفته‪ ،‬حتى خشينا عليه فخلينا سبيله فهو يهيم‬
‫قصته مع عمر بن عبد الرحمن بن عوف‬
‫قال الهيثم؛ فولى مروان بن الحكم عمر بن عبد الرحمن بن عوف صدقات بني كعب وقشير وجعدة‪ ،‬والحريش وحبيب وعبد‬
‫الله‪ ،‬فنظر إلى المجنون قبل أن يستحكم جنونه فكلمه وأنشده فأعجب به‪ ،‬فسأله أن يخرج معه‪ ،‬فأجابه إلى ذلك‪ ،‬فلما أراد‬
‫الرواح جاءه قومه فأخبروه خبره وخبر ليلى‪ ،‬وأن أهلها استعدوا السلطان عليه‪ ،‬فأهدر دمه إن أتاهم‪ ،‬فأضرب عما وعده وأمر‬
‫‪.‬له بقلئص‪ ،‬فلما علم بذلك وأتي بالقلئص ردها عليه وانصرف‬

‫صفحة ‪119 :‬‬

‫وذكر أبو نصر أحمد بن حاتم عن جماعة من الرواة‪ :‬أن المجنون هو الذي سأل عمر بن عبد الرحمن أن يخرج به‪ ،‬قال له‪:‬‬
‫أكون معك في هذا الجمع الذي تجمعه غدا‪ ،‬فأرى في أصحابك‪ ،‬وأتجمل في عشيرتي بك‪ ،‬وأفخر بقربك‪ ،‬فجاءه رهط من رهط‬
‫ليلى وأخبروه بقصته‪ ،‬وأنه ل يريد التجمل به‪ ،‬وإنما يريد أن يدخل عليهم بيوتهم ويفضحهم في امرأة منهم يهواها‪ ،‬وأنهم قد‬
‫‪ :‬شكوه إلى السلطان فأهدر دمه إن دخل عليهم‪ ،‬فأعرض عما أجابه إليه من أخذه معه وأمر له بقلئص‪ ،‬فردها وقال في ذلك‬
‫بدا لي النقض منه للعهود‬ ‫رددت قلئص القرشي لما‬
‫إلى حزن أعالجه شـديد قال‪ :‬ورجع آيسا فعاد إلى حاله الولى‪ ،‬قال‪ :‬فلم تزل تلك‬ ‫وراحوا مقصرين وخلفوني‬
‫حاله‪ ،‬إل أنه غير مستوحش‪ ،‬إنما يكون في جنبات الحي منفردا عاريا ل يلبس ثوبا إل خرقه‪ ،‬ويهذي ويخطط في الرض ويلعب‬
‫بالتراب والحجارة‪ ،‬ول يجيب أحدا سأله عن شيء‪ ،‬فإذا أحبوا أن يتكلم أو يثوب عقله ذكروا له ليلى‪ ،‬فيقول‪ :‬بأبي هي وأمي‪ ،‬ثم‬
‫يرجع إليه عقله فيخاطبونه ويجيبهم‪ ،‬ويأتيه أحداث الحي فيحدثونه عنها وينشدونه الشعر الغزل‪ ،‬فيجيبهم جوابا صحيحا وينشدهم‬
‫أشعارا قالها‪ ،‬حتى سعى عليهم في السنة الثانية بعد عمر بن عبد الرحمن نوفل بن مساحق‪ ،‬فنزل مجمعا من تلك المجامع‬
‫فرآه يلعب بالتراب وهو عريان‪ ،‬فقال لغلم له‪ :‬يا غلم‪ ،‬هات ثوبا‪ ،‬فأتاه به‪ ،‬فقال لبعضهم‪ :‬خذ هذا الثوب فألقه على ذلك‬
‫الرجل‪ ،‬فقال له‪ :‬أتعرفه جعلت فداك? قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬هذا ابن سيد الحي‪ ،‬ل والله ما يلبس الثياب ول يزيد على ما تراه يفعله‬
‫الن‪ ،‬وإذا طرح عليه شيء خرقه‪ ،‬ولو كان يلبس ثوبا لكان في مال أبيه ما يكفيه‪ ،‬وحدثه عن أمره‪ ،‬فدعا به وكلمه‪ ،‬فجعل ل‬
‫يعقل شيئا يكلمه به‪ ،‬فقال له قومه‪ :‬إن أردت أن يجيبك جوابا صحيحا فاذكر له ليلى‪ ،‬فذكرها له وسأله عن حبه إياها‪ ،‬فأقبل‬
‫عليه يحدثه بحديثها ويشكو إليه حبه إياها وينشده شعره فيها‪ ،‬فقال له نوفل‪ :‬الحب صيرك إلى ما أرى? قال نعم‪ ،‬وسينتهي بي‬
‫إلى ما هو أشد مما ترى‪ ،‬فعجب منه وقال له‪ :‬أتحب أن أزوجكها? قال‪ :‬نعم‪ ،‬وهل إلى ذلك من سبيل? قال‪ :‬انطلق معي حتى‬
‫أقدم على أهلها بك وأخطبها عليك وأرغبهم في المهر لها‪ ،‬قال‪ :‬أتراك فاعل? قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬انظر ما تقول قال‪ :‬لك علي أن‬
‫أفعل بك ذلك‪ ،‬ودعا له بثياب فألبسه إياها‪ ،‬وراح معه المجنون كأصح أصحابه يحدثه وينشده‪ ،‬فبلغ ذلك رهطها فتلقوه في‬
‫السلح‪ ،‬وقالوا له‪ :‬يابن مساحق ل والله ل يدخل المجنون منازلنا أبدا أو يموت‪ ،‬فقد أهدر لنا السلطان دمه‪ ،‬فأقبل بهم وأدبر‪،‬‬
‫فأبوا‪ ،‬فلما رأى ذلك قال للمجنون‪ :‬انصرف‪ ،‬فقال له المجنون‪ :‬والله ما وفيت لي بالعهد‪ ،‬قال له‪ :‬انصرافك بعد أن آيسني‬
‫القوم من إجابتك أصلح من سفك الدماء‪ ،‬فقال المجنون‪ :‬صوت‬

‫فاصبح مذهوبا به كل مذهـب‬ ‫أيا ويح من أمسى تخلس عقلـه‬


‫يضاحكني من كان يهوى تجنبي الغناء للحسين بن محرز ثقيل أول بالوسطى من‬ ‫خليا من الخـلن إل مـعـذرا‬
‫‪:‬جامع أغانيه‬
‫روائع عقلي من هوى متـشـعـب‬ ‫إذا ذكرت ليلى عقلـت وراجـعـت‬
‫ول الهم إل بافـتـراء الـتـكـذب‬ ‫وقالوا صحيح ما بـه طـيف جـنة‬
‫برى اللحم عن أحناء عظمي ومنكبي صوت‬ ‫وشاهد وجدي دمع عيني وحـبـهـا‬

‫وهيهات كان الحب قبل التجنـب‬ ‫تجنبت ليلى أن يلج بك الـهـوى‬


‫صدى أينما تذهب به الريح يذهب الغناء لسحاق خفيف ثقيل أول بإطلق الوتر‬ ‫أل إنمـا غـادرت يا أم مـالـك‬
‫‪.‬في مجرى البنصر‪ ،‬وفيه لبن جامع هزج من رواية الهشامي وهي قصيدة طويلة‬
‫ومما يغنى فيه منها قوله‪ :‬صوت‬

‫بخيف منى ترمي جمار المحصب‬ ‫فلم أرى ليلى بعد موقـف سـاعة‬
‫من البرد أطراف البنان المخضب‬ ‫ويبدي الحصى منها إذا قذفت بـه‬
‫مع الصبح في أعقاب نجم مغرب‬ ‫فأصبحت من ليلى الغداة كناظـر‬
‫صدى إينما تذهب به الريح يذهب‬ ‫أل إنمـا غـادرت يا أم مـالـك‬

‫صفحة ‪120 :‬‬

‫فيه ثقيل أول مطلق باستهلل‪ ،‬ذكر ابن المكي أنه لبيه يحيى‪ ،‬وذكر الهشامي أنه للواثق‪ ،‬وذكر حبش أنه لبن محرز‪ ،‬وهو في‬
‫‪.‬جامع أغاني سليمان منسوب إليه‬
‫أنشدني الخفش عن أبي سعيد السكري عن محمد بن حبيب للمجنون‬
‫أفكر ما ذنبي إليهـا وأعـجـب‬ ‫فواللـه ثـم الـلـه إنـي لـدائب‬
‫وأي أموري فيك يا ليل أركـب‬ ‫ووالله ما أدري علم قتلـتـنـي‬
‫أم أشرب رنقا منكم ليس يشرب‬ ‫أأقطع حبل الوصل فالموت دونه‬
‫أم أصنع ماذا أم أبوح فأغـلـب‬ ‫أم أهرب حتى ل أرى لي مجاورا‬
‫فإني لمظلوم وإنى لـمـعـتـب حجه مع أبيه إلى مكة لسلوان ليلى‬ ‫فأيهما يا ليل مـا تـرتـضـينـه‬
‫ودعوته هو استزادة حبها ودوامه‬
‫أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قال‪ :‬حدثنا عمر بن شبة قال‪ :‬ذكر هشام بن الكلبي ووافقه في‬
‫روايته أبو نصر أحمد بن حاتم وأخبرنا الحسن بن علي قال حدثنا ابن أبي سعد قال حدثني علي ابن الصباح عن هشام ابن‬
‫الكلبي عن أبيه‪ :‬أن أبا المجنون وأمه ورجال عشيرته اجتمعوا إلى ليلى فوعظوه وناشدوه الله والرحم‪ ،‬وقالوا له‪ :‬إن هذا‬
‫الرجل لهالك‪ ،‬وقبل ذلك ففي أقبح من الهلك بذهاب عقله‪ ،‬وإنك فاجع به أباه وأهله‪ ،‬فنشدناك الله والرحم أن تفعل ذلك‪،‬‬
‫فوالله ما هي أشرف منه‪ ،‬ول لك مثل مال أبيه‪ ،‬وقد حكمك في المهر‪ ،‬وإن شئت أن يخلع نفسه إليك من ماله فعل‪ ،‬فأبى‬
‫وحلف بالله وبطلق أمها إنه ل يزوجه إياها أبدا‪ ،‬وقال‪ :‬أفضح نفسي وعشيرتي وآتي ما لم يأته أحد من العرب‪ ،‬واسم ابنتي‬
‫بميسم فضيحة فانصرفوا عنه‪ ،‬وخالفهم لوقته فزوجها رجل من قومها وأدخلها إليه‪ ،‬فما أمسى إل وقد بنى بها‪ ،‬وبلغه الخبر‬
‫فأيس منها حينئذ وزال عقله جملة‪ ،‬فقال الحي لبيه‪ :‬أحجج به إلى مكة وادع الله عز وجل له‪ ،‬ومره أن يتعلق بأستار الكعبة‪،‬‬
‫فيسأل الله يعافيه مما به ويبغضها إليه‪ ،‬فلعل الله أن يخلصه من هذا البلء‪ ،‬فحج به أبوه‪ ،‬فلما صاروا بمنى سمع صائحا في‬
‫الليل يصيح‪ :‬يا ليلى‪ ،‬فصرخ صرخة ظنوا أن نفسه قد تلفت وسقط مغشيا عليه‪ ،‬فلم يزل كذلك حتى أصبح ثم أفاق حائل‬
‫اللوان ذاهل‪ ،‬فأنشأ يقول‪ :‬صوت‬

‫من الن فاياس ل أعزك من صبـر‬ ‫عرضت على قلبي العزاء فقال لـي‬
‫فل شيء أجدى من حلولك في القبر‬ ‫إذا بان من تهـوى وأصـبـح نـائيا‬
‫فهيج أطراب الـفـؤاد ومـا يدري‬ ‫وداع دعا إذ نحن بالخيف من منـى‬
‫أطار بليلى طائرا كان في صـدري‬ ‫دعا باسم ليلى غيرهـا فـكـأنـمـا‬
‫وليلى بأرض عنه نـازحة قـفـر الغناء لعريب خفيف ثقيل ‪ -‬ثم قال له أبوه‪:‬‬ ‫دعا باسم ليلى ظلل الـلـه سـعـيه‬
‫تعلق بأستار الكعبة واسأل الله أن يعافيك من حب ليلى‪ ،‬فتعلق بأستار الكعبة‪ .‬وقال‪ :‬اللهم زدني لليلى حبا وبها كلفا ول تنسني‬
‫ذكرها أبدا‪ ،‬فهام حينئذ واختلط فلم يضبط‪ .‬قالوا‪ :‬فكان يهيم في البرية مع الوحش ول يأكل إل ما ينبت في البرية من بقل ول‬
‫يشرب إل مع الظباء إذا وردت مناهلها‪ ،‬وطال شعر جسده ورأسه وألفته الظباء والوحوش فكانت ل تنفر منه‪ ،‬وجعل يهيم حتى‬
‫يبلغ حدود الشأم‪ ،‬فإذا ثاب إليه عقله سأل من يمر به من أحياء العرب عن نجد‪ ،‬فيقال له‪ :‬وأين أنت من نجد قد شارفت الشأم‬
‫أنت في موضع كذا‪ ،‬فيقول‪ :‬فأروني وجهة الطريق‪ ،‬فيرحمونه ويعرضون عليه أن يحملوه وأن يكسوه فيأبى‪ ،‬فيدلونه على‬
‫‪.‬طريق نجد فيتوجه نحوه‬
‫أخبرني عمي قال حدثني الكراني قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي وأخبرنا حبيب بن نصر المهلبي وأحمد بن عبد العزيز‬
‫‪:‬الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال ذكر الهيثم بن عدي عن أبي مسكين قال‬

‫صفحة ‪121 :‬‬

‫خرج منا فتى حتى إذا كان ببئر ميمون إذا جماعة فوق بعض تلك الجبال‪ ،‬وإذا معهم فتى أبيض طوال جعد كأحسن من رأيت‬
‫من الرجال على هزال منه وصفرة‪ ،‬وإذا هم متعلقون به‪ ،‬فسألته عنه‪ ،‬فقيل لي‪ :‬هذا قيس المجنون خرج به أبوه يستجير له‬
‫بالبيت‪ ،‬وهو على أن يأتي به قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدعو له هناك لعله يكشف ما به‪ ،‬فإنه يصنع بنفسه صنيعا‬
‫يرحمه منه عدوه‪ ،‬يقول‪ :‬أخرجوني لعلني أتنسم صبا نجد‪ ،‬فيخرجونه فيتوجهون به نحو نجد‪ ،‬ونحن مع ذلك نخاف أن يلقي‬
‫نفسه من الجبل‪ ،‬فإن شئت الجر دنوت منه فأخبرته أنك أقبلت من نجد‪ ،‬فدنوت منه وأقبلوا عليه فقالوا له‪ :‬يا أبا المهدي‪ ،‬هذا‬
‫الفتى أقبل من نجد‪ ،‬فتنفس تنفسة ظننت أن كبده قد انصدعت‪ ،‬ثم جعل يسألني عن واد واد وموضع موضع‪ ،‬وأنا أخبره وهو‬
‫‪:‬يبكي أحر بكاء وأوجعه للقلب‪ ،‬ثم أنشأ يقول‬
‫لطول الليالي هل تغيرتا بـعـدي‬ ‫أل ليت شعري عن عوارضتي قنا‬
‫على عهدنا أم لم تدوما على العهد‬ ‫وهل جارتانا بالبتيل إلى الحـمـى‬
‫بريح الخزامى هل تهب على نجد‬ ‫وعن علويات الـرياح إذا جـرت‬
‫إذا هو أسرى ليلة بثرى جـعـد‬ ‫وعن أقحوان الرمل ما هو فاعـل‬
‫على لحق المتنين مندلق الوخـد‬ ‫وهل أنفضن الدهر أفنان لمـتـى‬
‫تحدر من نشز خصيب إلى وهـد سؤاله زوج ليلى عن عشرته معها‬ ‫وهل أسمعن الدهر أصوات هجمة‬
‫أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي والعتبي قال‪ :‬مر المجنون بزوج ليلى وهو جالس‬
‫يضطلي في يوم شات‪ ،‬وقد أتى ابن عم له في حي المجنون لحاجة‪ ،‬فوقف عليه ثم أنشأ يقول‪ :‬صوت‬

‫قبيل الصبح أو قبلت فاهـا‬ ‫بربك هل ضممت إليك ليلى‬


‫رفيف القحوانة في نداها فقال‪ :‬اللهم إذ حلفتني فنعم‪ ،‬قال‪ :‬فقبض المجنون‬ ‫وهل رفت عليك قرون ليلى‬
‫بكلتا يديه قبضتين من الجمر‪ ،‬فما فارقهما حتى سقط مغشيا عليه‪ ،‬وسقط الجمر مع لحم راحتيه‪ ،‬وعض على شفته فقطعها‪،‬‬
‫‪.‬فقام زوج ليلى مغموما بفعله متعجبا منه فمضى‬
‫‪.‬غنى في البيتين المذكورين في هذا الخبر الحسين بن محرز‪ ،‬ولحنه رمل بالوسطى عن الهشامي‬
‫مروره بجبلي نعمان وشعره في ذلك‬
‫أخبرني أحمد بن عبد العزيز وحبيب بن نصر المهلبي قال‪ :‬حدثنا عمر بن شبة قال قال محمد بن الحكم عن عوانة‪ :‬إنه حدثه‬
‫ووافقه ابن نصر وابن حبيب قالوا‪ :‬إن أهل المجنون خرجوا به معهم إلى وادي القرى قبل توحشه ليمتاروا خوفا عليه من أن‬
‫يضيع أو يهلك‪ ،‬فمروا في طريقهم بجبلي نعمان‪ ،‬فقال له بعض فتيان الحي‪ :‬هذان جبل نعمان‪ ،‬وقد كانت ليلى تنزل بهما‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فأي الرياح يأتي من ناحيتهما? قالوا‪ :‬الصبا‪ ،‬قال‪ :‬فوالله ل أريم هذا الموضع حتى تهب الصبا‪ ،‬فأقام ومضوا فامتاروا لنفسهم‪،‬‬
‫ثم أتوا عليه فأقاموا معه ثلثة أيام حتى هبت الصبا‪ ،‬ثم انطلق معهم فأنشأ يقول‪ :‬صوت‬

‫سبيل الصبا يخلص إلي نسيمهـا‬ ‫أيا جبلي نعمان بـالـلـه خـلـيا‬
‫على كبد لم يبق إل صميمـهـا‬ ‫أجد بردها أو تشف مني حـرارة‬
‫على نفس محزون تجلت همومها ارتحال أهل ليلى وما قاله في ذلك‬ ‫فإن الصبا ريح إذا ما تنسـمـت‬
‫أخبرني علي بن سليمان الخفش قال حدثني محمد بن الحسين بن الحرون قال حدثني الكسروي عن جماعة من الرواة قال‪:‬‬
‫لما منع أبو ليلى المجنون وعشيرته من تزويجه بها‪ ،‬كان ل يزال يغشى بيوتهم ويهجم عليهم‪ ،‬فشكوه إلى السلطان فأهدر دمه‬
‫لهم‪ ،‬فأخبروه بذلك فلم يرعه وقال‪ :‬الموت أروح لي فليتهم قتلوني‪ ،‬فلما علموا بذلك وعرفوا أنه ل يزال يطلب غرة منهم حتى‬
‫إذا تفرقوا دخل دورهم‪ ،‬فارتحلوا عنها وأبعدوا‪ ،‬وجاء المجنون عشية فأشرف على دورهم فإذا هي منهم بلقع‪ ،‬فقصد منزل‬
‫ليلى الذي كان بيتها فيه‪ ،‬فألصق صدره به وجعل يمرغ خديه على ترابه ويبكي ‪ ،‬ثم أنشأ يقول‪ - ،‬وذكر هذه البيات ابن حبيب‬
‫‪ -:‬وأبو نصر له بغير خبر‬
‫بذي سلم ل جادكـن ربـيع‬ ‫أيا حرجات الحي حيث تحملوا‬
‫بلين بلى لم تبـلـن ربـوع‬ ‫وخيماتك اللتي بمنعرج اللوى‬

‫صفحة ‪122 :‬‬

‫كما يندم المغبـون حـين يبـيع‬ ‫ندمت على ما كان مني نـدامة‬
‫نهيتك عن هذا وأنت جـمـيع‬ ‫فقدتك من نفس شعاع فإنـنـي‬
‫إليك ثنايا ما لـهـن طـلـوع حديثه مع نسوة فيهن ليلى‬ ‫فقربت لي غير القريب وأشرفت‬
‫وذكر خالد بن جميل وخالد بن كلثوم في أخبارهما التي صنعاها أن ليلى وعدته قبل أن يختلط أن تستزيره ليلة إذا وجدت‬
‫فرصة لذلك‪ ،‬فمكث مدة يراسلها في الوفاء وهي تعده وتسوفه‪ ،‬فأتى أهلها ذات يوم والحي خلوف‪ ،‬فجلس إلى نسوة من‬
‫أهلها حجرة منها بحيث تسمع كلمه‪ ،‬فحادثهن طويل ثم قال‪ :‬أل أنشدكن أبياتا أحدثها في هذه اليام? قلن‪ :‬بلى‪ ،‬فأنشدهن‪:‬‬
‫صوت‬

‫مستطرف وقديم كـاد يبـلـينـي‬ ‫يا للرجال لهـم بـات يعـرونـي‬


‫يأبى فيمطلنـي دينـي ويلـوينـي‬ ‫من عاذري من غريم غير ذي عسر‬
‫ول يحدثني أن سوف يقضـينـي‬ ‫ل يبعد النقد من حقي فـينـكـره‬
‫ول مناي سـواه لـو يوافـينـي‬ ‫وما كشكرى شكر لو يوافـقـنـي‬
‫في أمره وهواه وهو يعصـينـي قال‪ :‬فقلن له‪ :‬ما أنصفك هذا الغريم الذي‬ ‫أطعته وعصيت النـاس كـلـهـم‬
‫‪.‬ذكرته وجعلن يتضاحكم وهو يبكي‪ ،‬فاستحيت ليلى منهن ورقت له حتى بكت‪ ،‬وقامت فدخلت بيتها وانصرف هو‬
‫في الثلثة البيات الولى من هذه البيات هزج طنبوري للمسدود ‪ -‬قال في خبرهما هذا‪ :‬وكان للمجنون ابنا عم يأتيانه ‪-‬‬
‫فيحدثانه ويسليانه ويؤانسانه‪ ،‬فوقف عليهما يوما وهما جالسان‪ ،‬فقال له‪ :‬يا أبا المهدي أل تجلس? قال‪ :‬ل‪ ،‬بل أمضي إلى منزل‬
‫ليلى فاترسمه وأرى آثارها فيه‪ ،‬فأشفي بعض ما في صدري بها‪ ،‬فقال له‪ :‬فنحن معك‪ ،‬فقال‪ :‬إذا فعلتما أكرمتما وأحسنتما‪،‬‬
‫فقاما معه حتى أتى دار ليلى‪ ،‬فوقف بها طويل يتتبع آثارها ويبكي ويقف في موضع موضع منها ويبكي ثم قال‪ :‬صوت‬

‫قد مر حين عليهـا إيمـا حـين‬ ‫يا صاحبي ألما بـي بـمـنـزلة‬
‫وكان في بدئها ما كان يكفـينـي‬ ‫إني أرى رجعات الحب تقتلـنـي‬
‫كأن صاحبها في نزع مـوتـون‬ ‫ل خير في الحب ليست فيه قارعة‬
‫قال الهوى غير هذا القول يعنيني‬ ‫إن قال عذاله مهل فـلن لـهـم‬
‫وللرجاء بشاشات فـتـحـيينـي الغناء لبراهيم خفيف ثقيل من جامع غنائه‬ ‫ألقى من اليأس تارات فتقتلـنـي‬
‫وقال هشام بن الكلبي عن أبي مسكين‪ :‬إن جماعة من بني عامر حدثوه قالوا‪ :‬كان رجل من بني عامر ابن عقيل يقال له‪:‬‬
‫قيس بن معاذ‪ ،‬وكان يدعى المجنون‪ ،‬وكان صاحب غزل ومجالسة للنساء‪ ،‬فخرج على ناقة له يسير‪ ،‬فمر بامرأة من بني عقيل‬
‫يقال لها‪ :‬كريمة‪ ،‬وكانت جميلة عاقلة‪ ،‬معها نسوة فعرفنه ودعونه إلى النزول والحديث‪ ،‬وعليه حلتان له فاخرتان وطيلسان‬
‫وقلنسوة‪ ،‬فنزل فظل يحدثهن وينشدهن وهن أعجب شيء به فيما يرى‪ ،‬فلما أعجبه ذلك منهن عقر لهن ناقته‪ ،‬وقمن إليها‬
‫فجعلن يشوين ويأكلن إلى أن أمسى‪ ،‬فأقبل غلم شاب حسن الوجه من حيهن فجلس إليهن‪ ،‬فأقبلن عليه بوجوههن يقلن له‪:‬‬
‫‪:‬كيف ظللت يا منازل اليوم? فلما رأى ذلك من فعلهن غضب‪ ،‬فقام وتركهن وهو يقول‬
‫ووصلي مفروش لوصل مـنـازل‬ ‫أأعقر من جـرا كـريمة نـاقـتـي‬
‫إذا جئت أرضى صوت تلك الخلخل قال‪ :‬فقال له الفتى‪ :‬هلم نتصارع أو‬ ‫إذا جاء قعقن الحـلـي ولـم أكـن‬
‫‪:‬نتناضل‪ ،‬فقال له‪ :‬إن شئت ذلك فقم إلى حيث ل تراهن ول يرينك‪ ،‬ثم ما شئت فافعل‪ ،‬وقال‬
‫وإن يرم رشقا عندها فهو ناضلي‬ ‫إذا ما انتضلنا في الخلء نضلتـه‬

‫صفحة ‪123 :‬‬

‫وقال ابن الكلبي في هذا الخبر‪ :‬فلما أصبح لبس حلته وركب ناقته ومضى متعرضا لهن‪ ،‬فالفى ليلى جالسة بفناء بيتها‪ ،‬وكانت‬
‫معهن يومئذ جالسة‪ ،‬وقد علق بقلبها وهويته‪ ،‬وعندها جويريات يحدثنها‪ ،‬فوقف بهن وسلم‪ ،‬فدعونه إلى النزول وقلن له‪ :‬هل لك‬
‫في محادثة من ل يشغله عنك منازل ول غيره? قال‪ :‬إي لعمري‪ ،‬فنزل وفعل فعلته بالمس‪ ،‬فأرادت أن تعلم هل لها عنده مثل‬
‫ما له عندها‪ ،‬فجعلت تعرض عن حديثه ساعة بعد ساعة وتحدث غيره‪ ،‬وقد كان علق حبها بقلبه وشغفه واستملحها‪ ،‬فبينا هي‬
‫تحدثه إذ أقبل فتى من الحي فدعته فسارته سرارا طويل ثم قالت له انصرف‪ ،‬فانصرف‪ ،‬ونظرت إلى وجه المجنون قد تغير‬
‫‪:‬وامتقع وشق عليه ما فعلت‪ ،‬فأنشأت تقول‬
‫وكل عند صاحبه مكـين‬ ‫كلنا مظهر للناس بغضا‬
‫وفي القلبين ثم هوى دفين قد نسبت هذا الشعر متقدما فلما سمع هذين البيتين‬ ‫تبلغنا العيون مقالـتـينـا‬
‫شهق شهقة عظيمة وأغمي عليه فمكث كذلك ساعة‪ ،‬ونضحوا الماء على وجهه حتى أفاق‪ ،‬وتمكن حب كل واحد منهما في‬
‫‪.‬قلب صاحبه وبلغ منه كل مبلغ‬
‫حدثني عمي عن عبد الله بن أبي سعد عن إبراهيم بن محمد بن إسماعيل القرشي قال حدثنا أبو العالية عن أبي ثمامة‬
‫‪.‬الجعدي قال‪ :‬ل يعرف فينا مجنون إل قيس بن الملوح‬
‫حديث اتصاله بليلى في صباه‬
‫قال‪ :‬وحدثني بعض العشيرة قال‪ :‬قلت لقيس بن الملوح قبل أن يخالط‪ :‬ما أعجب شيء أصابك في وجدك بليلى? قال‪ :‬طرقنا‬
‫ذات ليلة أضياف ولم يكن عندنا لهم أدم‪ ،‬فبعثني أبي منزل أبي ليلى وقال لي‪ :‬اطلب لنا وقال لي‪ :‬اطلب لنا منه أدما‪ ،‬فأتيته‬
‫فوقفت على خبائه فصحت به‪ ،‬فقال‪ :‬ما تشاء? فقلت‪ :‬طرقنا ضيفان ول أدم عندنا لهم فأرسلني أبي نطلب منك أدما‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬
‫ليلى‪ ،‬أخرجي إليك ذلك النحي‪ ،‬فاملئن له إناءه من السمن‪ ،‬فأخرجته ومعي قعب‪ ،‬فجعلت تصب السمن فيه ونتحدث‪ ،‬فألهانا‬
‫الحديث وهي تصب السمن وقد امتل القعب ول نعلم جميعا‪ ،‬وهو يسيل استنقعت أرجلنا في السمن‪ ،‬قال‪ :‬فأتيتهم ليلة ثانية‬
‫أطلب نارا‪ ،‬وأنا متلفع ببرد لي‪ ،‬فأخرجت لي نارا في عطبة فأعطتنيها ووقفنا نتحدث‪ ،‬فلما احترقت العطبة خرقت من بردي‬
‫خرقة وجعلت النار فيها‪ ،‬فكلما احترقت خرقت أخرى وأذكيت بها النار حتى لم يبق علي من البرد إل ما وارى عورتي‪ ،‬وما‬
‫‪:‬أعقل ما أصنع‪ ،‬وأنشدني‬
‫ببرد ثنـايا أم حـسـان شـائق‬ ‫أمستقبلي نفح الصبا ثم شـائقـي‬
‫بماء الندى من آخر الليل عاتق‬ ‫كأن على أنيابها الخمر شجـهـا‬
‫كما شيم في أعلى السحابة بارق ومن الناس من يروي هذه البيات لنصيب‪،‬‬ ‫وما شمته إل بعيني تـفـرسـا‬
‫‪.‬ولكن هكذا روي في هذا الخبر‬
‫حدث الصمعي أنه لم يكن مجنونا‬
‫أخبرنا محمد بن خلف وكيع عن عبد الملك بن محمد الرقاشي عن عبد الصمد بن المعذل قال‪ :‬سمعت الصمعي يقول ‪ -‬و قد‬
‫‪:‬تذاكرنا مجنون بني عامر ‪ -‬قال‪ :‬هو قيس ابن معاذ العقيلي‪ ،‬ثم قال‪ :‬لم يكن مجنونا إنما كانت به لوثة‪ ،‬وهو القائل‬
‫ضنت محاسنه بحسنـه‬ ‫أخذت محاسن كـل مـا‬
‫لول الشوى ونشوز قرنه قال‪ :‬وهو القائل‪ :‬صوت‬ ‫كاد الغزال يكـونـهـا‬

‫بخيف منى ترمي جمار المحصب‬ ‫ولم أر ليلى بعد مـوقـف سـاعة‬
‫من البرد أطراف البنان المخصب‬ ‫ويبدي الحصى منها إذا قذفت بـه‬
‫مع الصبح في أعقاب نجم مغرب‬ ‫فأصبحت من ليلى الغداة كناظـر‬
‫صدى إينما تذهب به الريح يذهب في هذه البيات لحن من الثقيل الول‪ ،‬ابتداؤه‬ ‫أل إنمـا غـادرت يا أم مـالـك‬
‫نشيد من صنعة الواثق وهو المشهور‪ .‬وذكره ابن المكي لبيه يحيى‪ .‬وهو في جامع غناء سليم بن سلم له‪ .‬وذكره حبش في‬
‫موضعين من كتابه فنسبه في طريقه الثقيل الول في أحدهما إلى ابن محرز‪ ،‬والخر إلى يحيى المكي‪ .‬وزعم الهشامي أن فيه‬
‫‪.‬لسليم بن سلم لحنا آخر من الثقيل الول‬

‫صفحة ‪124 :‬‬

‫أخبرنا الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار الصوفي قال حدثني إبراهيم بن سعد الزهري قال‪ :‬أتاني رجل من‬
‫عذرة لحاجة‪ ،‬فجرى ذكر العشق والعشاق‪ ،‬فقلت له‪ :‬أنتم أرق قلوبا أم بنو عامر? إنا لرق الناس قلوبا‪ ،‬ولكن غلبتنا بنو عامر‬
‫‪.‬بمجنونها‬
‫شيء من أوصافه‬
‫أخبرني أحمد بن عمر بن موسى بن زكويه القطان إجازة قال حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي قال أخبرني عبد الجبار بن‬
‫سليمان بن نوفل بن مساحق عن أبيه عن جده قال‪ :‬أنا رأيت مجنون بني عامر‪ ،‬وكان جميل الوجه أبيض اللون قد عله‬
‫‪:‬شحوب‪ ،‬واستنشدته فأنشدني قصيدته التي يقول فيها‬
‫وأيام ل أعدي على اللهو عاديا أخبرني محمد بن الحسن الكندي خطيب‬ ‫تذكرت ليلى والسنين الخوالـيا‬
‫مسجد القادسية قال حدثنا الرياشي قال‪ :‬سمعت أبا عثمان المازني يقول‪ :‬سمعت معاذا وبشر بن المفضل جميعا ينشدان‬
‫‪:‬هذين البيتين وينسبانهما لمجنون بني عامر‬
‫تقطع أعناق الرجال المطامع‬ ‫طمعت بليلى أن تريع وإنمـا‬
‫شهود على ليلى عدول مقانع وحدثني محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا أبو‬ ‫ودانيت ليلى في خلء ولم يكن‬
‫خليفة الفضل بن الحباب عن ابن سلم قال‪ :‬قضى عبيد الله الحسن بن الحصين بن أبي الحر العنبري على رجل من قومه‬
‫قضية أوجبها الحكم عليه‪ ،‬وظن العنبري أنه تحامل عليه وانصرف مغضبا‪ ،‬ثم لقيه في طريق‪ ،‬فأخذ بلجام بغلته وكان شديدا‬
‫أيدا‪ ،‬ثم قال له‪ :‬إيه يا عبيد الله‬
‫تقطع أعناق الرجل المطامع فقال عبيد الله‬ ‫‪:‬طمعت بليلى أن تريع وإنمـا‬
‫شهود عدول عند ليلى مقانـع خل عن البغلة‪ .‬قال الصولي في خبره هذا‪:‬‬ ‫وبايعت ليلى في خلء ولم يكن‬
‫‪.‬والبيتان للبعيث هكذا‪ ،‬قال‪ :‬فل أدري أمن قوله هو أم حكاية عن أبي خليفة‬
‫زيارة ليلى له وحديثه معها‬
‫أخبرنا محمد بن القاسم النباري عن عبد الله بن خلف الدلل قال حدثنا زكريا بن موسى عن شعيب بن السكن عن يونس‬
‫النحوي قال‪ :‬لما اختلط عقل قيس بن الملوح وترك الطعام والشراب‪ ،‬مضت أمه إلى ليلى فقالت لها‪ :‬إن قيسا قد ذهب حبك‬
‫بعقله‪ ،‬وترك الطعام والشراب‪ ،‬فلو جئته وقتا لرجوت أن يثوب إليه بعض عقله‪ ،‬فقالت ليلى‪ :‬أما نهارا فل لنني ل آمن قومي‬
‫على نفسي ولكن ليل‪ ،‬فأتته ليل فقالت له‪ :‬يا قيس‪ ،‬إن أمك تزعم أنك جننت من أجلي وتركت المطعم والمشرب‪ ،‬فاتق الله‬
‫‪:‬وأبق على نفسك‪ ،‬فبكى وأنشأ يقول‬
‫الحب أعظم مما بالمـجـانـين‬ ‫قالت جننت على أيش فقلت لها‬
‫وإنما يصرع المجنون في الحين قال‪ :‬فبكت معه‪ ،‬وتحدثا حتى كاد الصبح أن‬ ‫الحب ليس يفيق الدهر صاحبـه‬
‫‪.‬يسفر‪ ،‬ثم ودته وانصرفت‪ ،‬فكان آخر عهده بها‬
‫سبب جنونه بيت شعر قاله‬
‫‪:‬أخبرنا ابن المرزبان قال قال القحذمي‪ :‬لما قال المجنون‬
‫فهل بشيء غير ليلى ابتلنيا سلب عقله‪ .‬الغناء لحكم ثقيل أول‪ ،‬وقيل إنه لبن‬ ‫قضاها لغيري وابتلني بحبها‬
‫الهربذ‪ .‬وفيه لمتيم خفيف ثقيل أول من جامع أغانيها‪ .‬وحدثني جحظة بهذا الخبر عن ميمون بن هارون أنه بلغه أنه لما قال هذا‬
‫‪.‬البيت برص‬
‫سبب تسميته المجنون‬
‫واختلف الرواة في ذلك‬
‫‪:‬أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن طاهر القرشي عن ابن عائشة قال‪ :‬إنما سمي المجنون بقوله‬
‫في حب من ل ترى في نيله طمعا‬ ‫ما بال قلبك يا مجنون قد خـلـعـا‬
‫فأصبحا في فؤادي ثابتـين مـعـا حدثنا وكيع عن ابن يونس قال قال الصمعي‪:‬‬ ‫الحب والود نيطا بالـفـؤاد لـهـا‬
‫‪:‬لم يكن المجنون‪ ،‬إنما جننه العشق‪ ،‬وأنشد له‬
‫نعم بي من ليلى الغداة جنـون‬ ‫يسمونني المجنون حين يرونني‬
‫وإذ بي من خفض المعيشة لين أخبرني محمد بن المرزبان عن إسحاق بن‬ ‫ليالي يزهى بي شباب وشـرة‬
‫محمد بن أبان قال حدثني علي بن سهل عن المدائني‪ :‬أنه ذكر عنده مجنون بني عامر فقال‪ :‬لم يكن مجنونا‪ ،‬وإنما قيل له‬
‫‪:‬المجنون بقوله‬
‫ولست عزوفا عن هواها ول جلدا‬ ‫وإني لمجنون بلـيلـى مـوكـل‬
‫لتذكارها حتى يبل البكا الـخـدا‬ ‫إذا ذكرت ليلى بكـيت صـبـابة‬

‫صفحة ‪125 :‬‬

‫أخبرني عمر بن جميل العتكي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا عون بن عبد الله العامري أنه قال‪ :‬ما كان والله المجنون‬
‫‪:‬الذي تعزونه إلينا مجنونا‪ ،‬إنما كانت به لوثة وسهو أحدثهما به حب ليلى‪ ،‬وأنشد له‬
‫جماعة أعدائي بكت لي عيونـهـا‬ ‫وبي من هوى ليلى الذي لو أبـثـه‬
‫فقد جن من وجدي بليلى جنونـهـا أخبرني ابن المرزبان قال قال‬ ‫أرى النفس عن ليلى أبت أن تطيعني‬
‫‪:‬العتبي‪ :‬إنما سمي المجنون بقوله‬
‫يروم سلوا قلت أنى لـمـا بـيا‬ ‫يقول أناس عل مجنـون عـامـر‬
‫أخي وابن عمي وابن خالي وخاليا‬ ‫وقد لمني في حب ليلى أقاربـي‬
‫بنفسي ليلى من عـدو ومـالـيا‬ ‫يقولون ليلى أهـل بـيت عـداوة‬
‫للويت أعناق المطي الـمـلويا أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي عن‬ ‫ولو كان في ليلى شذا من خصومة‬
‫عيسى بن إسماعيل قال قال ابن سلم‪ :‬لو حلفت أن مجنون بني عامر لم يكن مجنونا لصدقت‪ ،‬ولكن توله لما زوجت ليلى‬
‫‪:‬وأيقن اليأس منها‪ ،‬ألم تسمع إلى قوله‬
‫فأصبح مذهوبا به كل مذهـب‬ ‫أيا ويح من أمسى تخلس عقلـه‬
‫يساعدني من كان يهوى تجنبي‬ ‫خليعا من الخلن إل مجـامـل‬
‫عوزاب قلبي من هوى متشعب أخبرني به الحسن بن علي عن دينار بن‬ ‫إذا ذكرت ليلى عقلت وراجعت‬
‫‪.‬عامر التغلبي عن مسعود بن سعد عن ابن سلم ونحوه‬
‫‪.‬أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال أنشدني صالح بن سعيد قال أنشدني يعقوب بن السكيت للمجنون‬

‫نعم بي من ليلى الغداة جنون قال‪ :‬وأنشدنا له أيضا‪ :‬صوت‬ ‫يسمونني المجنون حين يرونني‬

‫ما كان فيك فإنه شـغـلـي‬ ‫وشغلت عن فهم الحديث سوى‬


‫أن قد فهمت وعندكم عقلـي الحديث عن تكنيته ليلى بأم مالك‬ ‫وأديم لحظ محـدثـي لـيرى‬
‫أخبرني ابن المرزبان عن محمد بن الحسن دينار الحول عن علي بن المغيرة الثرم عن أبي عبيدة‪ :‬أن صاحبة مجنون بني‬
‫عامر التي كلف بها ليلى بنت مهدي بن سعد بن مهدي بن ربيعة بن الحريش‪ ،‬وكنيتها أم مالك‪ ،‬وقد ذكر هذه الكنية المجنون‬
‫‪:‬في شعره فقال‬
‫بما رحبت يوما علي تضيق وقال أيضا‬ ‫‪:‬تكاد بلد الله يا أم مـالـك‬
‫أشاب قذالي واستهـام فـؤاديا‬ ‫فإن الذي أملت من أم مـالـك‬
‫صروف الليالي فابغيا لي ناعيا وقال أبو عمرو الشيباني‪ :‬علق المجنون ليلى‬ ‫خليلي إن دارت على أم مالـك‬
‫بنت مهدي بن سعد من بني الحريش‪ ،‬وكنيتها أم مالك‪ ،‬فشهر بها وعرف خبره فحجبت عنه‪ ،‬فشق عليه فخطبها إلى أبيها فرده‬
‫وأبى أن يزوجه إياها‪ ،‬فاشتد به المر حتى جن وقيل له‪ :‬مجنون بني عامر فكان على حاله يجلس في نادي قومه فل يفهم ما‬
‫يحدث به ول يعقله إل إذا ذكرت ليلى‪ .‬وأنشد له أبو عمرو‪ :‬صوت‬
‫الرائية‬
‫بليل ول يجـري بـذلـك طـائر‬ ‫أل ما لليلى ل ترى عند مضجعـي‬
‫بليلى ولكن ليس للطـير زاجـر‬ ‫بلى إن عجم الطير تجري إذا جرت‬
‫بذي الثل أم قد غيرتها المـقـادر‬ ‫أزالت عن العهد الذي كان بينـنـا‬
‫ول البعد يسليني ول أنا صـابـر‬ ‫فوالله ما في القرب لي منك راحة‬
‫وأي مرام أو خطـار أخـاطـر‬ ‫ووالـلـه مـا أدري بـأية حـيلة‬
‫علي لها في كل حـال لـجـائر‬ ‫وتالله إن الدهر في ذات بـينـنـا‬
‫جميع القوى والعقل منـي وافـر‬ ‫فلو كنت إذ أزمعت هجري تركتني‬
‫وبالرضم أيام جناها الـتـجـاور‬ ‫ولكن أيامي بـحـقـل عـنـيزة‬
‫أماني نفس والـمـؤمـل حـائر‬ ‫وقد أصبح الود الذي كان بـينـنـا‬
‫حياتي وساقتني إليك الـمـقـادر قال أبو عمرو‪ :‬وأخبرني بعض الشأميين قال‪:‬‬ ‫لعمري لقد رنقـت يا أم مـالـك‬
‫دخلت أرض بني عامر‪ ،‬فسألت عن المجنون الذي قتله الحب‪ ،‬فخبروني عنه أنه كان عاشقا لجارية منهم يقال لها ليلى‪ ،‬ربا‬
‫معها ثم حجبت عنه‪ ،‬فاشتد عليه وذهب عقله‪ ،‬فأتاه إخوان من إخوانه يلومونه على ما يصنع بنفسه‪ ،‬فقال‪ :‬صوت‬

‫صفحة ‪126 :‬‬

‫قد مر حين عليها أيما حـين‬ ‫يا صاحبي ألما بي بمـنـزلة‬


‫لم يبق باقية ذكـر الـدواوين‬ ‫في كل منزلة ديوان معـرفة‬
‫وكان في بدئها ما كان يكفيني الغناء لبن جامع خفيف ثقيل‬ ‫‪.‬إني أرى رجعات الحب تقتلني‬
‫جنونه بليلى وهيامه على وجهه‬
‫من أجلها‬
‫أخبرني هاشم الخزاعي عن العباس بن الفرج الرياشي قال‪ :‬ذكر العتبي عن أبيه قال‪ :‬كان المجنون في بدء أمره يرى ليلى‬
‫ويألفها ويأنس بها ثم غيبت عن ناظره‪ ،‬فكان أهله يعزونه عنها ويقولون‪ :‬نزوجك أنفس جارية في عشيرتك‪ ،‬فيأبى إل ليلى‬
‫ويهذي بها ويذكرها فكان ربما استراح إلى أمانيهم وركن إلى قولهم ‪ ،‬وكان ربما هاج عليه الحزن والهم فل يملك مما هو فيه‬
‫أن يهيم على وجهه‪ ،‬وذلك قبل أن يتوحش مع البهائم في القفار‪ ،‬فكان قومه يلومونه ويعذلونه‪ ،‬فأكثروا عليه في الملمة‬
‫والعذل يوما فقال‪ :‬صوت‬

‫مستطرف وقديم كان يعـنـينـي‬ ‫يا للرجال لهـم بـت يعـرونـي‬


‫يأبى فيمطلني دينـي ويلـوينـي‬ ‫على غريم مليء غـير ذي عـدم‬
‫ول يحدثني أن سوف يقضـينـي‬ ‫ل يذكر البعض من ديني فينكـره‬
‫ول منى كمـنـاه إذ يمـنـينـي‬ ‫وما كشكري شكر لو يوافـقـنـي‬
‫في أمره ثم يأبى فهو يعصـينـي‬ ‫أطعته وعصيت النـاس كـلـهـم‬
‫من دون شري وشري غير مأمون‬ ‫خيري لمن يبتغي خيري ويأمـلـه‬
‫ول أقول أخي مـن ل يواتـينـي في هذه البيات هزج طنبوري للمسدود من‬ ‫وما أشارك في رأيي أخا ضعـف‬
‫‪.‬جامعه‬
‫وقال أبو عمرو الشيباني‪ :‬حدثني رباح العامري قال‪ :‬كان المجنون أول ما علق ليلى كثير الذكر لها والتيان بالليل إليها‪،‬‬
‫والعرب ترى ذلك غير منكر أن يتحدث الفتيان إلى الفتيات‪ ،‬فلما علم أهلها بعشقه لها منعوه من إتيانها وتقدموا إليه‪ ،‬فذهب‬
‫لذلك عقله ويئس منه قومه واعتنوا بأمره‪ ،‬واجتمعوا إليه ولموه وعذلوه على ما يصنع بنفسه‪ ،‬وقالوا‪ :‬والله ما هي لك بهذه‬
‫الحال‪ ،‬فلو تناسيتها رجونا أن تسلو قليل‪ ،‬فقال لما سمع مقالتهم وقد غلب عليه البكاء‪ :‬صوت‬

‫ومن زفرات ما لهـن فـنـاء‬ ‫فواكبدا من حب من ل يحبنـي‬


‫ولم يك عنـدي إذ أبـيت إبـاء‬ ‫أريتك إن لم أعطك الحب عن يد‬
‫وما للنفوس الخائفـات بـقـاء ثم أقبل على القوم فقال‪ :‬إن الذي بي ليس بهين‪،‬‬ ‫أتاركتي للموت أنـت فـمـيت‬
‫‪.‬فاقلوا من ملمكم فلست بسامع فيها ول مطيع لقول قائل‬
‫قصة حبه ليلى برواية رباح العامري أخبرني عمي ومحمد بن حبيب وابن المرزبان عن عبد الله بن أبي سعد عن عبد العزيز‬
‫صالح عن أبيه عن ابن دأب عن رباح بن حبيب العامري‪ :‬أنه سأله عن حال المجنون وليلى‪ ،‬فقال‪ :‬كانت ليلى من بني الحريش‬
‫وهي بنت مهدي بن سعيد بن مهدي بن ربيعة بن الحريش‪ ،‬وكانت من أجمل النساء وأظرفهن وأحسنهن جسما وعقل وأفضلهن‬
‫أدبا وأملحهن شكل‪ ،‬وكان المجنون كلفا بمحادثة النساء صبا بهن‪ ،‬فبلغه خبرها ونعتت له‪ ،‬فصبا إليها وعزم على زيارتها‪ ،‬فتأهب‬
‫لذلك ولبس أفضل ثيابه ورجل جمته ومس طيبا كان عنده‪ ،‬وارتحل ناقة له كريمة برحل حسن وتقلد سيفه وأتاها‪ ،‬فسلم فردت‬
‫عليه السلم وتحفت في المسئلة‪ ،‬وجلس إليها فحادثته وحادثها فأكثرا‪ ،‬وكل واحد منهما مقبل على صاحبه معجب به‪ ،‬فلم يزال‬
‫كذلك حتى أمسيا‪ ،‬فانصرف إلى أهله فبات بأطول ليلة شوقا إليها‪ ،‬حتى إذا أصبح عاد إليها فلم يزل عندها حتى أمسى‪ ،‬ثم‬
‫‪:‬انصرف إلى أهله فبات بأطول من ليلته الولى واجتهد أن يغمض فلم يقدر على ذلك‪ ،‬فأنشأ يقول‬
‫لي الليل هزتني إليك المضاجع‬ ‫نهاري نهار الناس حتى إذا بـدا‬
‫ويجمعني والهم بالليل جامـع‬ ‫أقضي نهاري بالحديث وبالمنى‬
‫كما ثبتت في الراحتين الصابع‬ ‫لقد ثبتت في القلب منك محـبة‬

‫صفحة ‪127 :‬‬

‫عروضه من الطويل‪ ،‬والغناء لبراهيم الموصلي رمل بالوسطى عن عمرو ‪ -‬قال‪ :‬وأدام زيارتها وترك من يأتيه فيتحدث إليه ‪-‬‬
‫غيرها‪ ،‬وكان يأتيها في كل يوم فل يزال عندها نهاره أجمع حتى إذا أمسى انصرف‪ ،‬فخرج ذات يوم يريد زيارتها فلما قرب من‬
‫‪:‬منزلها لقيته جارية عسراء فتطير منها‪ ،‬وأنشأ يقول‬
‫بجد القوى والوصل أعسر حاسـر‬ ‫وكيف يرجى وصل ليلى وقد جـرى‬
‫لوصل امرىء جدت عليه الواصر ثم سار إليها في غد فحدثها بقصته‬ ‫صديع العصا صعب المرام إذا انتحى‬
‫وطيرته ممن لقيه‪ ،‬وأنه يخاف تغير عهدها وانتكاثه وبكى‪ ،‬فقالت‪ :‬ل ترع‪ ،‬حاش لله من تغير عهدي‪ ،‬ل يكون والله ذلك أبدا إن‬
‫شاء الله‪ ،‬فلم يزل عندها يحادثها بقية يومه‪ ،‬ووقع له في قلبها مثل ما وقع لها في قلبه‪ ،‬فجاءها يوما كما كان يجيء‪ ،‬وأقبل‬
‫يحدثها فأعرضت عنه‪ ،‬وأقبلت على غيره بحديثها‪ ،‬تريد بذلك محنته وأن تعلم ما في قلبه‪ ،‬فلما رأى ذلك جزع جزعا شديدا حتى‬
‫‪:‬بان في وجهه وعرف فيه‪ ،‬فلما خافت عليه أقبلت عليه كالمسرة إليه فقالت‬
‫وكل عند صاحبه مكين فسري عنه وعلم ما في قلبها‪ ،‬فقالت له‪ :‬إنما أردت أن‬ ‫كلنا مظهر للناس بغضنا‬
‫أمتحنك والذي لك عندي أكثر من الذي لي عندك‪ ،‬وأعطي الله عهدا إن جالست بعد يومي هذا رجل سواك حتى أذوق الموت إل‬
‫‪:‬أن أكره على ذلك‪ ،‬قال‪ :‬فانصرفت عنه وهو من أشد الناس سرورا وأقرهم عينا‪ ،‬وقال‬
‫من الرض ل مال لدي ول أهل‬ ‫أظن هواها تاركي بـمـضـلة‬
‫ول صاحب إل المطية والرحل‬ ‫ول أحد أفضي إلـيه وصـيتـي‬
‫وحلت مكانا لم يكن حل من قبل شعره بعد أن تزوجت وأيس منها أخبرني‬ ‫محا حبها حب اللى كن قبلـهـا‬
‫جعفر بن قدامة عن أبي العيناء عن العتبي قال‪ :‬لما حجبت ليلى عن المجنون خطبها جماعة فلم يرضهم أهلها‪ ،‬وخطبها رجل‬
‫‪:‬من ثقيف موسر فزوجوه وأخفوا ذلك عن المجنون ثم نمي إليه طرف منه لم يتحققه‪ ،‬فقال‬
‫وربي بما تخفي الصدور بصير‬ ‫دعوت إلهي دعوة ما جهلتـهـا‬
‫لفقر مني إنـنـي لـفـقـير‬ ‫لئن كنت تهدي برد أنيابها العـل‬
‫فهل يأتيني بالطـلق بـشـير وقال أيضا‬ ‫‪:‬فقد شاعت الخبار أن قد تزوجت‬
‫تقطع إل من ثقيف حـبـالـهـا‬ ‫أل تلك ليلى العامرية أصبـحـت‬
‫بها المال أقوام أل قل مـالـهـا‬ ‫هم حبسوها محبس البدن وابتغـى‬
‫بنخلة جلت عبرة العين حالـهـا قال‪ :‬وجعل يمر بيتها فل يسأل عنها ول‬ ‫إذا التفتت والعيس صعر من البرى‬
‫يلتفت إليه‪ ،‬ويقول إذا جاوزه‪ :‬صوت‬

‫وإن حله شخص إلي حبـيب‬ ‫أل أيها البيت الـذي ل أزوره‬
‫وفيك علي الدهر منك رقيب‬ ‫هجرتك إشفاقا وزرتك خائفـا‬
‫بيوم سرور في الزمان تؤوب الغناء لعريب ثاني ثقيل بالوسطى‪ .‬قال‪ :‬وبلغه أن‬ ‫سأستعتب اليام فيك لعلـهـا‬
‫أهلها يريدون نقلها إلى الثقفي فقال‪ :‬صوت‬

‫بليلى العامرية أو يراح‬ ‫كأن القلب ليلة قيل يغدى‬


‫تجاذبه وقد علق الجناح ‪ -‬عروضه من الوافر‪ .‬الغناء لبن المكي خفيف ثقيل أول‬ ‫قطاة عزها شرك فباتت‬
‫بالوسطى في مجراها عن إسحاق‪ ،‬وفيه خفيف ثقيل آخر لسليمان مطلق في مجرى البنصر‪ ،‬وفيه لبراهيم رمل بالوسطى في‬
‫‪</H6‬قصيدته العينية ‪: <H6‬مجراها عن الهشامي ‪ -‬قال‪ :‬فلما نقلت ليلى إلى الثقفي قال‬
‫غداة دعا بالبـين أسـفـع نـازع‬ ‫طربت وشاقتك الحمول الـدوافـع‬
‫حريب سليب نازح الـدار جـازع‬ ‫شحا فاه نعبا بـالـفـراق كـأنـه‬
‫فقد راعنا بالبـين قـبـلـك رائع‬ ‫فقلت أل قد بين المر فانـصـرف‬
‫تبينت ما خبرت مـذ أنـت واقـع‬ ‫سقيت سموما من غراب فأنـنـي‬
‫ول ببديل بعـدهـم أنـا قـانـع‬ ‫ألم تر أنـي ل مـحـب ألـومـه‬
‫بحيث انحنت للهضبتين الجـارع‬ ‫ألم تر دار الحي في رونق الضحى‬

‫صفحة ‪128 :‬‬

‫ويصدع ما بين الخليطـين صـادع‬ ‫وقد يتناءى اللف من بـعـد ألـفة‬


‫زمانا فلم يمنعهم الـبـين مـانـع‬ ‫وكم من هوى أو جيرة قد ألفتـهـم‬
‫أخو ظمأ سدت عليه المـشـارع‬ ‫كأني غداة الـبـين مـيت جـوبة‬
‫فل الشرب مبذول ول هو نـاقـع‬ ‫تخلس من أوشـال مـاء صـبـابة‬
‫نعاج المل جيبت عليها البـراقـع‬ ‫وبيض تطلى بالعـبـير كـأنـهـا‬
‫لهن بأطراف العيون الـمـدامـع‬ ‫تحملن من وادي الراك فأومضـت‬
‫هجائنها والجون منها الخـواضـع‬ ‫فما رمن ربع الدار حتى تشابهـت‬
‫وخاضت سدول الرقم منها الكارع‬ ‫وحتى حلمن الحور من كل جانـب‬
‫عبير ومسك بالـعـرانـين رادع‬ ‫فلما استوت تحت الخدور وقد جرى‬
‫من الصيف يوم لفح الحر ماتـع‬ ‫أشرن بأن حثوا الجمال فـقـد بـدا‬
‫بنا مقصرات غاب عنها المطامـع‬ ‫فلما لحقنا بالحمـول تـبـاشـرت‬
‫جناهن مشغوف فهـن مـوانـع‬ ‫يعرضن بالدل الـمـلـيح وإن يرد‬
‫وقد صدع الشمل المشتت صـادع‬ ‫فقلت لصحابي ودمعي مـسـبـل‬
‫لعيني أم قرن من الشمس طالـع مروره على حمامة تهدل‬ ‫أليلى بأبواب الخدور تـعـرضـت‬
‫وما قال في ذلك من الشعر‬
‫أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثنا الهيثم بن فراس قال حدثني العمري عن الهيثم بن عدي‪ :‬أن أبا المجنون حج به‬
‫ليدعو الله عز وجل في الموقف أن يعافيه‪ ،‬فسار ومعه ابن عمه زياد بن كعب بن مزاحم‪ ،‬فمر بحمامة تدعو على أيكة فوقف‬
‫‪:‬يبكي‪ ،‬فقال له زياد‪ :‬أي شيء هذا? ما يبكيك أيضا? سر بنا نلحق الرفقة‪ ،‬فقال‬
‫بكيت ولم يعذرك بالجهـل عـاذر‬ ‫أأن هتفـت يومـا بـواد حـمـامة‬
‫فهاج لك الحزان أن نـاح طـائر‬ ‫دعت ساق حر بعد ما علت الضحى‬
‫كثاف العالي تحتها المـاء حـائر‬ ‫تغني الضحى والصبح في مرجحنة‬
‫أو الجزع من تول الشاءة حاضـر‬ ‫كأن لم يكن بالغيل أو بـطـن أيكة‬
‫أرى الحي قد ساروا فهل أنت سائر‬ ‫يقول زياد إذ رأى الحي هـجـروا‬
‫ملم على أوطان ليلـى فـنـاظـر هيامه إلى نواحي الشأم‬ ‫وإني وإن غال التقـادم حـاجـتـي‬
‫وما يقوله من الشعر عند عوده ورؤبة التوباد‬
‫أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الزهر عن الزبير عن محمد بن عبد الله البكري عن موسى بن جعفر بن أبي كثير وأخبرني‬
‫عمي عن عبد الله بن شبيب عن هارون بن موسى الفروي عن موسى بن جعفر بن أبي كثير وأخبرني ابن المرزبان عن ابن‬
‫الهيثم عن العمري عن العتبي قالوا جميعا‪ :‬كان المجنون وليلى وهما صبيان يرعيان غنما لهلها عند جبل في بلدهما يقال له‬
‫التوباد‪ ،‬فلما ذهب عقله وتوحش‪ ،‬كان يجيء إلى ذلك الجبل فيقيم به‪ ،‬فإذا تذكر أيام كان يطيف هو وليلى به جزع جزعا شديدا‬
‫واستوحش فهام على وجهه حتى يأتي نواحي الشأم‪ ،‬فإذا ثاب إليه عقله رأى بلدا ل يعرفه فيقول للناس الذين يلقاهم‪ :‬بأبي‬
‫أنتم‪ ،‬أين التوباد من أرض بني عامر? فيقال له‪ :‬وأين أنت من أرض بني عامر أنت بالشأم عليك بنجم كذا فأمه‪ ،‬فيمضي على‬
‫وجهه نحو ذلك النجم حتى يقع بأرض اليمن‪ ،‬فيرى بلدا ينكرها وقوما ل يعرفهم فيسألهم عن التوباد وأرض بني عامر‪ ،‬فيقولون‪:‬‬
‫وأين أنت من أرض بني عامر عليك بنجم كذا وكذا‪ ،‬فل يزال كذلك حتى يقع على التوباد‪ ،‬فإذا رآه قال في ذلك‪ :‬أبياته التي‬
‫يصف فيها انصباب الدمع‬
‫وكبر للرحمـن حـين رآنـي‬ ‫وأجهشت للتوباد حـين رأيتـه‬
‫ونادى بأعلى صوته فدعـانـي‬ ‫وأذريت دمع العين لما عرفتـه‬
‫وعهدي بذاك الصرم منذ زمان‬ ‫فقلت له قد كان حولـك جـيرة‬
‫ومن ذا الذي يبقى على الحدثان‬ ‫فقال مضوا واستودعوني بلدهم‬
‫فراقك والحيان مجتـمـعـان‬ ‫وإني لبكي اليوم من حذري غدا‬
‫وسحا وتسجاما إلى هـمـلن سبب ذهاب عقله‬ ‫سجال وتهتـانـا ووبـل وديمة‬

‫صفحة ‪129 :‬‬

‫أخبرني عمي عن عبد الله بن شبيب عن هارون بن موسى الفروي عن موسى بن جعفر بن أبي كثير قال‪ :‬لما قال‬
‫‪:‬المجنون‬
‫قضى الله في ليلى ول ما قضى ليا‬ ‫خليلي ل واللـه ل أمـلـك الـذي‬
‫فهل بشيء غير ليلى ابـتـلنـيا سلب عقله‬ ‫‪.‬قضاها لغيري وابتلني بحـبـهـا‬
‫‪.‬وحدثني جحظة عن ميمون بن هارون عن إسحاق الموصلي أنه لما قالهما برص‬
‫شعره حين توهم هاتفا باسم ليلى‬
‫قال موسى بن جعفر في خبره المذكور‪ :‬وكان المجنون يسير مع أصحابه فسمع صائحا يصيح‪ :‬يا ليلى في ليلة ظلماء أو توهم‬
‫‪:‬ذلك‪ ،‬فقال لبعض من معه‪ :‬أما تسمع هذا الصوت? فقال‪ :‬ما سمعت شيئا‪ ،‬قال‪ :‬بلى‪ ،‬والله هاتف يهتف بليلى‪ ،‬ثم أنشأ يقول‬
‫أسرت من القصى أجب ذا المناديا‬ ‫أقول لدنى صـاحـبـي كـلـيمة‬
‫أصانع رحلـي أن يمـيل حـيالـيا‬ ‫إذا سرت في الرض الفضاء رأيتني‬
‫شمال ينازعني الهوى عن شمالـيا شعر له في منى وغيرها‬ ‫يمينا إذا كانت يمـينـا وإن تـكـن‬
‫يرويه غرير بن طلحة‬
‫وقال ابن شبيب وحدثني هارون بن موسى قال‪ :‬قلت لغريز بن طلحة المخزومي‪ :‬من أشعر الناس ممن قال شعرا في منى‬
‫‪:‬ومكة وعرفات? فقال‪ :‬أصحابنا القرشيون‪ ،‬ولقد أحسن المجنون حيث يقول‬
‫فهيج أحزان الفـؤاد ومـا يدري‬ ‫وداع دعا إذ نحن بالخيف من منى‬
‫أطار بليلى طائرا كان في صدري فقلت له‪ :‬هل تروي للمجنون غير هذا? قال‪:‬‬ ‫دعا باسم ليلى غرها فـكـأنـمـا‬
‫‪:‬نعم‪ ،‬وأنشدني له‬
‫عليه السحاب فوقه يتـنـصـب‬ ‫أما والذي أرسى ثبيرا مـكـانـه‬
‫طليح كجفن السيف تهوي فتركب‬ ‫وما سلك الموماة من كل جسـرة‬
‫أخا الموت إذ بعض المحبين يكذب أخبرني محمد بن مزيد عن حماد بن‬ ‫لقد عشت من ليلى زمانا أحبـهـا‬
‫إسحاق عن أبيه قال‪ :‬كانت كنية ليلى أم عمرو‪ ،‬وأنشد للمجنون‪ :‬صوت‬

‫لها كنية عمرو وليس لها عمـرو‬ ‫أبى القلب إل حـبـه عـامـرية‬
‫وينبت في أطرافها الورق الخضر الغناء لعريب ثقيل أول‪ ،‬وقال حبش‪ :‬فيه‬ ‫تكاد يدي تندى إذا ما لمـسـتـهـا‬
‫‪.‬لسحاق خفيف ثقيل‬
‫خطبة ليلى برجل من ثقيف‬
‫وما قاله المجنون في ذلك من الشعر‬
‫أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي عن دماذ عن أبي عبيدة قال‪ :‬خطب ليلى صاحبة المجنون جماعة من قومها فكرهتهم‪،‬‬
‫‪:‬فخطبها رجل من ثقيف موسر فرضيته‪ ،‬وكان جميل فتزوجها وخرج بها‪ ،‬فقال المجنون في ذلك‬
‫تقطع إل من ثقيف حـبـالـهـا‬ ‫أل إن ليلى كالمنيحة أصـبـحـت‬
‫بها الريح أقوام تساحت مـالـهـا‬ ‫فقد حبسوها محبس البدن وابتغـى‬
‫يدني لنا تكليم ليلى احـتـيالـهـا‬ ‫خليلي هل من حيلة تعلـمـانـهـا‬
‫بأول بـاغ حـاجة ل ينـالـهــا‬ ‫فإن أنتما لم تعلماها فـلـسـتـمـا‬
‫غمامة صيف زعزعتها شمالـهـا‬ ‫كأن مع الركب الذين اغتدوا بـهـا‬
‫تخب بأطراف المـخـارم آلـهـا‬ ‫نظرت بمفضى سيل جوشن إذ غدوا‬
‫مجـامـعة اللف ثـم زيالـهـا‬ ‫بشافية الحزان هـيج شـوقـهـا‬
‫بها العيس جلى عبرة العين حالهـا أخبرني علي بن سليمان الخفش قال‬ ‫إذا التفتت من خلفها وهي تعتـلـي‬
‫أنشدني أحمد بن يحيى ثعلب عن أبي نصر أحمد بن حاتم قال‪ :‬وأنشدناه المبرد للمجنون فقال‪ :‬صوت‬

‫بذكـراك والـمـــمـــشـــى ألـــيك قـــريب‬ ‫وأحـبـس عـنـك الـنـفـس والـنـفـــس صـــبة‬


‫وأحــرســـكـــم أن يســـتـــريب مـــريب‬ ‫مخـافة أن تـسـعــى الـــوشـــاة بـــظـــنة‬
‫فقد جعلت نفسي وأنت اجترمتهوكنت أعز الناس عنك تطيب‬
‫لك الـدهـر مـنـي مـــا حـــييت نـــصـــيب‬ ‫فلو شئت لم أغضب عليك ولم يزل‬
‫ويعـلـم مــا تـــبـــدي بـــه وتـــغـــيب‬ ‫أمـا والـذي يبـلـو الــســـرائر كـــلـــهـــا‬
‫لهـا دون خـلن الــصـــفـــاء حـــجـــوب ذكر يحيى المكي أنه‬ ‫لقـد كـنـت مـمـن تـصـطـفـي الـنـفـس خـــلة‬
‫‪.‬لبن سريج ثقيل أول‪ ،‬وقال الهشامي‪ :‬إنه منحول يحيى إليه‬
‫خبر أبي الحسن الببغاء‬
‫والمرأة التي أحبت صديقا له من قريش‬
‫صفحة ‪130 :‬‬

‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثني الحسن بن محمد بن طالب الديناري قال حدثني إسحاق الموصلي‪ ،‬وأخبرني به‬
‫محمد بن مزيد والحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال حدثني سعيد بن سليمان عن أبي الحسن الببغاء قال‪ :‬بينا‬
‫أنا وصديق لي من قريش نمشي بالبلط ليل‪ ،‬إذا بظل نسوة في القمر‪ ،‬فسمعت إحداهن تقول‪ :‬أهو هو? فقالت لها أخرى‬
‫‪:‬معها‪ :‬أي والله إنه لهو هو? فدنت مني ثم قالت‪ :‬يا كهل‪ ،‬قل لهذا الذي معك‬
‫كما عهدت ول أيام ذي سلم فقلت‪ :‬أجب فقد سمعت‪ ،‬فقال‪ :‬قد والله قطع بي‬ ‫ليست لياليك في خاخ بعائدة‬
‫‪:‬وأرتج علي فأجب عني‪ ،‬فقلت‬
‫إذا وطنت يوما لها النفس ذلت ثم مضينا حتى إذا كنا بمفرق طريقين مضى‬ ‫فقلت لها يا عز كل مـصـيبة‬
‫الفتى إلى منزله ومضيت إلى منزلي‪ ،‬فإذا أنا بجويرية تجذب ردائي فالتفت‪ ،‬فقالت لي‪ :‬المرأة التي كلمتها تدعوك‪ ،‬فمضيت‬
‫معها حتى دخلت دارا واسعة ثم صرت إلى بيت فيه حصير‪ ،‬وقد ثنت لي وسادة فجلست عليها‪ ،‬ثم جاءت جارية بوسادة مثنية‬
‫فطرحتها‪ ،‬ثم جاءت المرأة فجلست عليها‪ ،‬فقالت لي‪ :‬أنت المجيب? قلت‪ :‬نعم‪ ،‬قالت‪ :‬ما كان أفظ لجوابك وأغلظه فقلت لها‪:‬‬
‫ما حضرني غيره‪ ،‬فسكتت‪ ،‬ثم قالت‪ :‬ل والله ما خلق الله خلقا أحب إلي من إنسان كان معك فقلت لها‪ :‬أنا الضامن لك عنه ما‬
‫تحبين‪ ،‬فقالت‪ :‬هيهات أن يقع بذلك وفاء‪ ،‬فقلت‪ :‬أنا الضامن وعلي أن آتيك به في الليلة القابلة فانصرفت‪ ،‬فإذا الفتى ببابي‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬ما جاء بك? قال‪ :‬ظننت أنها سترسل إليك وسألت عنك فلم أعرف لك خبرا‪ ،‬فظننت أنك عندها‪ ،‬فجلست أنتظرك‪،‬‬
‫فقلت له‪ :‬وقد كان الذي ظننت‪ ،‬وقد وعدتها أن آتيك فأمضي بك إليها في الليلة المقبلة‪ ،‬فلما أصبحنا تهيأنا وانتظرنا المساء‪،‬‬
‫فلما جاء الليل رحلنا إليها‪ ،‬فإذا الجارية منتظرة لنا‪ ،‬فمضت أمامنا حين رأتنا حتى دخلت تلك الدار ودخلنا معها‪ ،‬فإذا رائحة طيبة‬
‫ومجلس قد أعد ونضد‪ ،‬فجلسنا على وسائد قد ثنيت لنا‪ ،‬وجلست مليا ثم أقبلت عليه فعاتبته مليا ثم قالت‪ :‬صوت‬

‫وأشمت بي من كان فيك يلوم‬ ‫وأنت الذي أخلفتني ما وعدتني‬


‫لهم غرضا أرمى وأنت سليم‬ ‫وأبرزتني للناس ثم تركتنـي‬
‫بجلدي من قول الوشاة كلوم هذه البيات لميمة امرأة ابن الدمينة‪ ،‬وفيها‬ ‫فلو كان قول يكلم الجلد قد بدا‬
‫غناء لبراهيم الموصلي ذكره إسحاق ولم يجنسه‪ .‬وقال الهشامي‪ :‬هو خفيف رمل‪ .‬وفيه لعريب خفيف ثقيل أول ينسب إلى‬
‫‪:‬حكم الوادي وإلى يعقوب‪ .‬قال‪ :‬ثم سكتت وسكت الفتى هنيهة ثم قال‬
‫وفي بعض هذا للمحب عـزاء‬ ‫غدرت ولم أغدر وخنت ولم أخن‬
‫فحبك من قلـبـي إلـيك أداء فالتفتت إلي فقالت‪ :‬أل تسمع ما يقول قد‬ ‫جزيتك ضعف الود ثم صرمتني‬
‫خبرتك‪ ،‬فغمزته أن كف فكف‪ ،‬ثم أقبلت عليه وقالت‪ :‬صوت‬

‫فهل صرمت الحبل إذ أنا أبصـر‬ ‫تجاهلت وصلي حين جدت عمايتي‬
‫نصيب وإذ رأيي جميع مـوفـر‬ ‫ولي من قوى الحبل الذي قد قطعته‬
‫ولست على مثل الذي جئت أقـدر ‪ -‬الغناء لبراهيم ثقيل أول بالوسطى عن‬ ‫ولكنما آذنت بـالـصـرم بـغـتة‬
‫‪:‬عمرو ‪ -‬فقال‬
‫لقد جعلت نفسي وأنت اجترمتهوكنت أعز الناس عنك تطيب قال‪ :‬فبكت‪ ،‬ثم قالت‪ :‬أو قد طابت نفسك ل‪ ،‬والله ما فيك بعدها‬
‫خير‪ ،‬ثم التفتت إلي وقالت‪ :‬قد علمت أنك ل تفي بضمانك ول يفي به عنك‪ .‬وهذا البيت الخير للمجنون‪ ،‬وإنما ذكر هذا الخبر هنا‬
‫‪.‬وليس من أخبار المجنون لذكره فيه‬
‫رجع الخبر إلى سياق أخبار المجنون‬
‫رأى المجنون أبيات أهل ليلى فقال شعرا‬
‫أخبرني عمي قال حدثنا الكراني عن العمري عن الهيثم بن عدي أن رهط المجنون اجتازوا في نجعة لهم بحي ليلى‪ ،‬وقد‬
‫‪:‬جمعتهم نجعة فرأى أبيات أهل ليلى ولم يقدم على اللمام بهم وعدل أهله إلى جهة أخرى‪ ،‬فقال المجنون‬
‫مررت ولم ألمم عليه لشـائق‬ ‫لعمرك إن البيت بالقبـل الـذي‬
‫شجا حزن صدري به متضايق‬ ‫وبالجزع من أعلى الجنيبة منزل‬
‫بسبين أهفوا بين سهل وحالـق‬ ‫كأني إذا لم ألق ليلى معـلـق‬

‫صفحة ‪131 :‬‬

‫علي رسوم عي فيها التنـاطـق‬ ‫على أنني لو شئت هاجت صبابتي‬


‫بقلبي براني الله منه لـلصـق‬ ‫لعمرك إن الحـب يا أم مـالـك‬
‫كما ضم أطراف القميص البنائق صوت‬ ‫يضم علي الليل أطراف حبـكـم‬

‫سوى أن يقولوا إنني لك عاشق‬ ‫وماذا عسى الواشون أن يتحدثوا‬


‫إلي وإن لم تصف منك الخلئق الغناء لمتيم ثقيل أول من جامعها‪ .‬وفيه‬ ‫نعم صدق الواشون إنت حبـيبة‬
‫‪.‬لدعامة رمل عن حبش‬
‫حديث ليلى جارة لها من عقيل‬
‫أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدثني أحمد بن الطيب قال قال ابن الكلبي‪ :‬دخلت ليلى على جارة لها من عقيل وفي‬
‫يدها مسواك تستاك به‪ ،‬فتنفست ثم قالت‪ :‬سقى الله من أهدى لي هذا المسواك؛ فقالت لها جارتها‪ :‬من هو? قالت‪ :‬قيس بن‬
‫الملوح‪ ،‬وبكت ثم نزعت ثيابها تغتسل؛ فقالت‪ :‬ويحه لقد علق منى ما أهلكه من غير أن أستحق ذلك‪ ،‬فنشدتك الله‪ ،‬أصدق في‬
‫‪:‬صفتي أم كذب? فقالت‪ :‬ل والله‪ ،‬بل صدق؛ قال‪ :‬وبلغ المجنون قولها فبكى ثم أنشأ يقول‬
‫قالت سقى المزن غيثا منزل خربا‬ ‫نبئت ليلى وقد كنا نـبـخـلـهـا‬
‫يهدي لنا من أراك الموسم القضبا‬ ‫وحبذا راكب كـنـا نـهـش بـه‬
‫لما استحمت وألقت عندها السلبـا‬ ‫قالت لجارتها يوما تـسـائلـهـا‬
‫أصدقت صفة المجنون أم كـذبـا ويروى‪ :‬نشدتك الله ويروى‪ :‬أصادقا وصف‬ ‫يا عمرك الله أل قـلـت صـادقة‬
‫‪ .‬المجنون أم كذبا‬
‫خروج ليلى مع زوجها وشعره فيه‬
‫وقال أبو نصر في أخباره‪ :‬لما زوجت ليلى بالرجل الثقفي سمع المجنون رجل من قومها يقول لخر‪ :‬أنت ممن يشيع ليلى?‬
‫قال‪ :‬ومتى تخرج? قال‪ :‬غدا‪ ،‬ضحوة أو الليلة‪ ،‬فبكى المجنون ثم قال‪ :‬صوت‬

‫بليليى العامرية أو يراح‬ ‫كأن القلب ليلة قيل يغدى‬


‫تجاذبه وقد علق الجناح الغناء ليحيى المكي خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو‪ ،‬وفيه‬ ‫قطاة عزها شرك فباتت‬
‫‪.‬رمل ينسب إلى إبراهيم وإلى أحمد بن يحيى المكي؛ وقال حبش‪ :‬فيه خفيف ثقيل بالوسطى لسليم‬
‫وعظه رجل من بني عامر فأنشده شعرا‬
‫وقال الهيثم بن عدي في خبره‪ .‬حدثني عبد الله بن عياش الهمداني قال حدثني رجل من بني عامر قال‪ :‬مطرنا مطرا شديدا‬
‫في ربيع ارتبعناه‪ ،‬ودام المطر ثلثا ثم أصبحنا في اليوم الرابع على صحو وخرج الناس يمشون على الوادي‪ ،‬فرأيت رجل جالسا‬
‫حجرة وحده فقصدته‪ ،‬فإذا هو المجنون جالس وحده يبكي فوعظته وكلمته طويل وهو ساكت لم يرفع رأسه إلي‪ ،‬ثم أنشدني‬
‫‪.‬بصوت حزين ل أنساه أبدا وحرقته‬
‫صوت‬

‫وفاضت له من مقلـتـي غـروب‬ ‫جرى السيل فاستبكاني السيل إذ جرى‬


‫يكـون بـواد فـــيه قـــريب‬ ‫ومـا ذاك إل حـين أيقـنـت أنـه‬
‫إليكم تلقـى طـيبـكـم فـيطـيب‬ ‫يكون أجاجا دونكم فـإذا انـتـهـى‬
‫أل كل مهجـور هـنـاك غـريب‬ ‫أظل غريب الدار في أرض عامـر‬
‫إلـي وإن لـم آتـه لـحـبــيب‬ ‫وإن الكثيب الفرد من أيمن الحمـى‬
‫حبيبا ولم يطـرب إلـيك حـبـيب وأول هذه القصيدة ‪ -‬وفيه أيضا غناء ‪:-‬‬ ‫فل خير في الدنيا إذا أنت لـم تـزر‬
‫صوت‬

‫وهجرانه منى إلـيه ذنـوب‬ ‫أل أيها البيت الذي ل أزوره‬


‫وفيك علي الدهر منك رقيب‬ ‫هجرتك مشتاقا وزرتك خائفا‬
‫بيوم سرور في هواك تثيب هذه البيات في شعر محمد بن أمية مروية‪ ،‬ورويت‬ ‫سأستعطف اليام فيك لعلهـا‬
‫‪.‬ها هنا للمجنون في هذه القصيدة ‪ .‬وفيها لعريب ثقيل أول‪ .‬ولعبد الله بن العباس ثاني ثقيل‪ .‬ولحمد بن المكي خفيف ثقيل‬

‫إلى النفس حاجات وهن قـريب‬ ‫وأفردت إفراد الطريد وبـاعـدت‬


‫أتى اليأس دون المر فهو عصيب‬ ‫لئن حال يأس دون ليلى لـربـمـا‬
‫على شرف للـنـاظـرين يريب‬ ‫ومنيتني حتـى إذا مـا رأيتـنـي‬
‫أثابك يا ليلى الـجـزاء مـثـيب‬ ‫صددت وأشمت العدو بصرمـنـا‬

‫صفحة ‪132 :‬‬

‫لقاؤه في توحشه ليلى وشعره في ذلك‬


‫أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا محمد بن زكريا الغلبي قال حدثنا مهدي بن سابق قال حدثنا بعض مشايخ بني‬
‫عامر أن المجنون مر في توحشه فصادف حي ليلى راحل ولقيها فجأة فعرفها وعرفته فصعق وخر مغشيا على وجهه‪ ،‬وأقبل‬
‫فتيان من حي ليلى فأخذوه ومسحوا التراب عن وجهه‪ ،‬وأسندوه إلى صدورهم وسألوا ليلى أن تقف له وقفة‪ ،‬فرقت لما رأته‬
‫به‪ ،‬وقالت‪ :‬أما هذا فل يجوز أن أفتضح به‪ ،‬ولكن يا فلنة ‪ -‬لمة لها ‪ -‬اذهبي إلى قيس فقولي له‪ :‬ليلى تقرأ عليك السلم‪ ،‬وتقول‬
‫لك‪ :‬أعزز علي بما أنت فيه‪ ،‬ولو وجدت سبيل إلى شفاء دائك لوقيتك بنفسي منه‪ ،‬فمضت الوليدة إليه وأخبرته بقولها‪ ،‬فأفاق‬
‫وجلس وقال‪ :‬أبلغيها السلم وقولي لها هيهات إن دائي ودوائي أنت‪ ،‬وإن حياتي ووفاتي لفي يديك‪ ،‬ولقد وكلت بي شقاء لزما‬
‫‪:‬وبلء طويل‪ .‬ثم بكى وأنشأ يقول‬
‫قريب ولـكـن فـي تــنـــاولـــهـــا بـــعـــد‬ ‫أقـول لصـحـابـي هـي الـشـمـــس ضـــوءهـــا‬
‫علـى كـبـدي مــن طـــيب أرواحـــهـــا بـــرد‬ ‫لقـد عـارضـتـنـا الـريح مـنـهــا بـــنـــفـــحة‬
‫أنـــاة ومـــا عـــنـــدي جـــــــواب ول رد‬ ‫فمـا زلـت مـغـشـيا عـلـــي وقـــد مـــضـــت‬
‫يفـدونـنـي لـو يســتـــطـــيعـــون أن يفـــدوا‬ ‫أقـــلـــب بـــاليدي وأهـــلـــي بـــعـــولة‬
‫ول عـــظـــم لـــي إن دام بـــي ول جـــلـــد‬ ‫ولـم يبـق إل الـجـلـــد والـــعـــظـــم عـــاريا‬
‫إلـــيك ثـــواب مـــنـــك دين ول نـــقـــــد‬ ‫أدنـياي مـالـي فـي انـقـطـاعـي وغـــربـــتـــي‬
‫عديني بنفسي أنت وعدا فربماجل كربة المكروب عن قلبه الوعد‬
‫ول مـثـل جـدي فـي الـشـقـــاء بـــكـــم جـــد‬ ‫وقد يبتلى قوم ول كبليتي‬
‫إذا حـان مـن جـنـد قــفـــول أتـــى جـــنـــد وقال أبو نصر‬ ‫غزتـنـي جـنـود الـحـب مـــن كـــل جـــانـــب‬
‫أحمد بن حاتم‪ :‬كان أبو عمرو المدني يقول قال نوفل بن مساحق‪ :‬أخبرت عن المجنون أن سبب توحشه أنه كان يوما بضرية‬
‫‪:‬جالسا وحده إذ ناداه مناد من الجبل‬
‫بفي وفيك ومن ليلى التـراب‬ ‫كلنا يا أخـي يحـب لـيلـى‬
‫بقلبي فهو مهموم مـصـاب‬ ‫لقد خبلت فـؤادك ثـم ثـنـت‬
‫لنا اليام منه سوى اجتـنـاب خبر نوفل بن مساحق مع المجنون‬ ‫شركتك في هوى من ليس تبدي‬
‫قال‪ :‬فتنفس الصعداء وغشي عليه‪ ،‬وكان هذا سبب توحشه فلم ير له أثر حتى وجده نوفل بن مساحق‪ .‬قال نوفل‪ :‬قدمت‬
‫البادية فسألت عنه‪ ،‬فقيل لي‪ :‬توحش وما لنا به عهد ول ندري إلى أين صار‪ ،‬فخرجت يوما أتصيد الروى‪ ،‬ومعي جماعة من‬
‫أصحابي‪ ،‬حتى إذا كنت بناحية الحمى إذا نحن بأراكة عظيمة قد بدا منها قطيع من الظباء‪ ،‬فيها شخص إنسان يرى من خلل تلك‬
‫الراكة‪ ،‬فعجب أصحابي من ذلك‪ ،‬فعرفته وأتيته وعرفت أنه المجنون الذي أخبرت عنه‪ ،‬فنزلت عن دابتي وتخففت من ثيابي‬
‫وخرجت أمشي رويدا حتى أتيت الراكة فارتقيت حتى صرت على أعلها وأشرفت عليه وعلى الظباء؛ فإذا به وقد تدلى الشعر‬
‫‪:‬على وجهه‪ ،‬فلم أكد أعرفه إل بتأمل شديد‪ ،‬وهو يرتعي في ثمر تلك الراكة‪ ،‬فرفع رأسه فتمثلت ببيت من شعره‬
‫مزارك من ليلى وشعباكما معا قال‪ :‬فنفرت الظباء‪ ،‬واندفع في باقي‬ ‫أتبكي على ليلى ونفسك باعدت‬
‫‪:‬القصيدة ينشدها‪ ،‬فما أنسى حسن نغمته وحسن صوته وهو يقول‬
‫وتجزع أن داعي الصبابة أسمـعـا‬ ‫فما حسن أن تأتي المـر طـائعـا‬
‫عن الجهل بعد الحلم اسبلتا مـعـا‬ ‫بكت عيني اليسرى فلما زجرتـهـا‬
‫على كبدي من خشية أن تصـدعـا‬ ‫وأذكر أيام الحمـى ثـم أنـثـنـي‬
‫عليك ولكن خل عينيك تـدمـعـا‬ ‫فليست عشيات الحمـى بـرواجـع‬
‫بوصل الغواني من لدن أن ترعرعا‬ ‫معي كل غر قد عصى عـاذلتـه‬
‫إليه العيون الناظرات التطـلـعـا قال‪ :‬ثم سقط مغشيا عليه‪ ،‬فتمثلت‬ ‫إذا راح يمشي في الرداءين أسرعت‬
‫‪:‬بقوله‬
‫إل الثمام وإل مـوقـد الـنـار‬ ‫يا دار ليلى بسقط الحي قد درست‬
‫في موقف وقفته أو علـى دار‬ ‫ما تفتأ الدهر من ليلى تموت كذا‬
‫كما ينحت قدح الشوحط الباري‬ ‫أبلى عظامك بعد اللحم ذكركهـا‬

‫صفحة ‪133 :‬‬

‫فرفع رأسه إلي وقال‪ :‬من أنت حياك الله? فقلت‪ :‬أنا نوفل بن مساحق‪ ،‬فحياني فقلت له‪ :‬ما أحدثت بعدي في يأسك منها?‬
‫‪:‬فأنشدني يقول‬
‫علي يمينا جاهـدا ل أزورهـا‬ ‫أل حجبت ليلى وآلى أمـيرهـا‬
‫أبي وابوها خشنت لي صدورها‬ ‫وأوعدني فيها رجـال أبـوهـم‬
‫وأن فؤادي رهنها وأسـيرهـا قال‪ :‬ثم سنحت له ظباء فقام يعدو في أثرها حتى‬ ‫غلى غير جرم غير أني أحبهـا‬
‫‪.‬لحقها فمضى معها‬
‫حدثني الحسن بن علي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني علي بن الصباح عن ابن الكلبي قال‪ :‬لما قال مجنون بني‬
‫‪:‬عامر‬
‫فهل بشيء غير ليلى ابتلنيا نودي في الليل‪ :‬أنت المتسخط لقضاء الله‬ ‫قضاها لغيري وابتلني بحبها‬
‫والمعترض في أحكامه واختلس عقله فتوحش منذ تلك الليلة وذهب مع الوحش على وجهه‪ .‬وهذه القصيدة التي قال فيها هذا‬
‫البيت من أشهر أشعاره‪ ،‬والصوت المذكور بذكره أخبار المجنون ها هنا منها‪ .‬وفيها أيضا عدة أبيات يغنى فيها‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬
‫صوت‬
‫قصديته اليائية‬

‫وقد عشت دهرا ل أعد الليالـيا‬ ‫أعد الليالـي لـيلة بـعـد لـيلة‬
‫بوجهي وإن كان المصلى ورائيا‬ ‫أراني إذا صليت يممت نحوهـا‬
‫كعود الشجا أعيا الطبيب المداويا‬ ‫وما بي إشراك ولكن حـبـهـا‬
‫وأشبهه أو كان منـه مـدانـيا في هذه البيات هزج خفيف لمعان معزفي‪:‬‬ ‫أحب من السماء ما وافق اسمها‬
‫صوت‬

‫لليلى إذا ما الصيف القى المراسـيا‬ ‫وخبر تمانـي أن تـيمـاء مـنـزل‬


‫فما للنوى ترمي بليلى الـمـرامـيا في هذين البيتين لحن من الرمل‬ ‫فهذي شهور الصيف عني قد انقضت‬
‫‪:‬صنعته عجوز عمير الباذغيسي على لحن إسحاق‬
‫أماوي إن المال غاد ورائح وله حديث قد ذكر في أخبار إسحاق‪ .‬وهذا اللحن إلى الن يغنى‪ ،‬لنه أشهر في أيدي الناس‪ ،‬وإنما‬
‫هو لحن إسحاق أخذ فجعل على هذه البيات وكيد بذلك‪ :‬صوت‬

‫وداري بـأعـلـى حـضـرمـوت اهـتـدى لـــيا‬ ‫فلـو كـان واش بـــالـــيمـــامة بـــيتـــه‬
‫وماذا لهم ل أحسن الله حالهم من الحظ تصريم ليلى حباليا‬
‫وإن شـئت بـعـد الـلـه أنـعـمــت بـــالـــيا‬ ‫فأنت التي إن شئت أشقيت عيشتي‬
‫يرى نـضـو مـا ابــقـــيت إل رثـــى لـــيا‬ ‫وأنـت الـتـي مـا مـــن صـــديق ول عـــدا‬
‫ومـتـخـذ ذنـبــا لـــهـــا أن تـــرانـــيا‬ ‫أمـضـروبة لـيلــى عـــلـــى أن أزورهـــا‬
‫أصـانـع رحـلـــي أن يمـــيل حـــيالـــيا‬ ‫إذا سـرت فـي الرض الـفـضـاء رأيتـــنـــي‬
‫شمـال ينـازعـنـي الـهـوى عـن شـمــالـــيا‬ ‫يمـينـا إذا كـانـت يمـــينـــا وإن تـــكـــن‬
‫وأشـبـهـه أو كــان مـــنـــه مـــدانـــيا‬ ‫أحـب مـن الـسـمـاء مـا وافـق اسـمـــهـــا‬
‫وإنـي ل ألـفـي لـهــا الـــدهـــر راقـــيا وأنشد أبو نصر للمجنون‬ ‫هي الـسـحـر إل أن لـلـســـحـــر رقـــية‬
‫وفيه غناء‪ :‬صوت‬

‫وينبت في أطرافها الورق الخضر‬ ‫تكاد يدي تندى إذا ما لمـسـتـهـا‬


‫لها كنية عمرو وليس لها عمـرو الغناء لعريب ثقيل أول‪ ،‬وذكر الهشامي أن فيه‬ ‫أبى القلب إل حبـهـا عـامـرية‬
‫‪.‬لسحاق خفيف ثقيل‬
‫رثاؤه لبيه‬
‫أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن الهيثم بن عدي قال‪ :‬أنشدني جماعة من بني‬
‫‪:‬عقيل للمجنون يرثي أباه‪ ،‬ومات قبل اختلطه وتوحشه‪ ،‬فعقر على قبره ورثاه بهذه البيات‬
‫بذي السرح لما أن جفته أقاربه‬ ‫عقرت على قبر الملوح ناقتـي‬
‫غداة غد ماش بالمس راكـبـه‬ ‫وقلت لها كوني عقيرا فإنـنـي‬
‫وكل امرىء للموت لبد شاربه‬ ‫فل يبعدنك الله يابـن مـزاحـم‬
‫جياد وسيفا ل تفل مـضـاربـه وعظه رجل من بني جعدة فقال شعرا‬ ‫فقد كنت طلع النجاد ومعطى ال‬

‫صفحة ‪134 :‬‬


‫أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عبد الله بن شبيب عن الحزامي عن محمد بن معن قال‪ :‬بلغني أن رجل من بني‬
‫جعدة بن كعب كان أخا وخل للمجنون‪ ،‬مر به يوما وهو جالس يخط في الرض ويعبث بالحصى‪ ،‬فسلم عليه وجلس عنده فأقبل‬
‫يخاطبه ويعظه ويسليه‪ ،‬وهو ينظر إليه ويلعب بيده كما كان وهو مفكر قد غمره ما هو فيه‪ ،‬فلما طال خطابه إياه قال‪ :‬يا أخي‪،‬‬
‫أما لكلمي جواب? فقال له‪ :‬والله يا أخي ما علمت أنك تكلمني فاعذرني‪ ،‬فإني كما ترى مذهوب العقل مشترك اللب وبكى‪،‬‬
‫ثم أنشأ يقول‪ :‬صوت‬

‫ما كان منك فإنه شـغـلـي‬ ‫وشغلت عن فهم الحديث سوى‬


‫أن قد فهمت وعندكم عقلـي شعره في حمام يتجاوب‬ ‫وأديم لحظ محـدثـي لـيرى‬
‫الغناء لعلويه‪ .‬وقال الهيثم‪ :‬مر المجنون بواد في أيام الربيع وحمامه يتجاوب فأنشأ يقول‪ :‬صوت‬

‫أفارقت إلفـا أم جـفـاك حـبـيب‬ ‫أل يا حمام اليك مـا لـك بـاكـيا‬
‫هتوف الضحى بين الغصون طروب‬ ‫دعاك الهوى والشوق لما ترنـمـت‬
‫فكل لكـل مـسـعـد ومـجـيب الغناء لرذاذ ثقيل أول مطلق في مجرى‬ ‫تجاوب ورقا قد أذن لـصـوتـهـا‬
‫‪.‬الوسطى‬
‫خروج زوج ليلى وأبيها إلى مكة‬
‫واختلف المجنون إليها‬
‫قال خالد بن حمل‪ :‬حدثني رجال من بني عامر أن زوج ليلى وأباها خرجا في أمر طرق الحي إلى مكة‪ ،‬فأرسلت ليلى بأمة لها‬
‫إلى المجنون فدعته فأقام عندها ليلة فأخرجته في السحر‪ ،‬وقالت له‪ :‬سر إلي في كل ليلة ما دام القوم سفرا‪ ،‬فكان يختلف‬
‫‪:‬إليها حتى قدموا‪ .‬وقال فيها في آخر ليلة لقيها وودعته‬
‫من الهام يدنو كل يوم حمامهـا‬ ‫تمتع بليلى إنـمـا أنـت هـامة‬
‫متى يرجعوا يحرم عليك كلمها مرض ولم تعده ليلى فقال شعرا‬ ‫تمتع إلى أن يرجع الركب إنهـم‬
‫وقال الهيثم‪ :‬مرض المجنون قبل أن يختلط فعاده قومه ونساؤهم ولم تعده ليلى فيمن عاده‪ ،‬فقال‪ :‬صوت‬

‫بليل ول يجري بهـا لـي طـائر‬ ‫أل ما لليلى ل ترى عند مضجعـي‬
‫بليلى ولكن ليس للطـير زاجـر‬ ‫بلى إن عجم الطير تجري إذا جرت‬
‫بذي الرمث أم قد غيبتها المقابـر الغناء لسليم ثاني ثقيل بالوسطى عن‬ ‫أحالت عن العهد الذي كان بينـنـا‬
‫‪.‬الهشامي‬

‫ول البعد يسليني ول أنا صـابـر‬ ‫فوالله ما في القرب لي منك راحة‬


‫وأي مرام أو خطـار أخـاطـر‬ ‫ووالـلـه مـا أدري بـأية حـيلة‬
‫علي لها في كل أمـر لـجـائر‬ ‫ووالله إن الدهر في ذات بـينـنـا‬
‫جميع القوى والعقل منـي وافـر‬ ‫فلو كنت إذ أزمعت هجري تركتني‬
‫وذي الرمث أيام جناها التجـاور‬ ‫ولكن أيامي بـحـفـل عـنـيزة‬
‫أماني نفس إن تخـبـر خـابـر‬ ‫فقد أصبح الود الذي كان بـينـنـا‬
‫حياتي وساقتني إليك الـمـقـادر خبر الظبي الذي ذكره‬ ‫لعمري لقد أرهقت يا أم مـالـك‬
‫أخبرني عمي قال حدثني محمد بن عبد الله الصبهاني المعروف بالحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو الشيباني عن أبيه قال‪:‬‬
‫حدثني بعض بني عقيل قال‪ :‬قيل للمجنون أي شيء رأيته أحب إليك? قال‪ :‬ليلى‪ ،‬قيل‪ :‬دع ليلى فقد عرفنا ما لها عندك ولكن‬
‫سواها‪ ،‬قال‪ :‬والله ما أعجبني شيء قط فذكرت ليلى إل سقط من عيني وأذهب ذكرها بشاشته عندي‪ ،‬غير أني رأيت ظبيا مرة‬
‫فتأملته وذكرت ليلى فجعل يزداد في عيني حسنا‪ ،‬ثم إنه عارضه ذئب وهرب منه فتبعته حتى خفيا عني فوجدت الذئب قد‬
‫صرعه وأكل بعضه‪ ،‬فرميته بسهم فما أخطأت مقتله‪ ،‬وبقرت بطنه فأخرجت ما أكل منه‪ ،‬ثم جمعته إلى بقية شلوه‪ ،‬ودفنته‬
‫‪:‬وأحرقت الذئب‪ ،‬وقلت في ذلك‬
‫فصبرا على ما شاء الله لي صبرا‬ ‫أبى الله أن تبقى لحـي بـشـاشة‬
‫فقلت أرى ليلى تراءت لنا ظهرا‬ ‫رأيت غزال يرعتي وسط روضة‬
‫فإنك لي جار ول ترهب الدهـرا‬ ‫فيا ظبي كل رغدا هنيئا ول تخف‬
‫حسام إذا أعملته أحسن الهـبـرا‬ ‫وعندي لكم حصن حصين وصارم‬

‫صفحة ‪135 :‬‬

‫فأعلق في أحشائه الناب والظفـرا‬ ‫فما راعني إل وذئب قد انتـحـى‬


‫فخالط سهمي مهجة الذئب والنحرا‬ ‫ففوقت سهمي في كتوم غمزتـهـا‬
‫بقلبي إن الحر قد يدرك الـوتـرا شعره وقد بلغه أن زوج ليلى سبه‬ ‫فأذهب غيظي قتله وشفـى جـوى‬
‫قال أبو نصر‪ :‬بلغ المجنون قبل توحشه أن زوج ليلى ذكره وعضهه وسبه وقال‪ :‬أو بلغ من قدر قيس ابن الملوح أن يدعي‬
‫‪:‬محبة ليلى وينوه باسمها فقال ليغيظه بذلك‬
‫وذي العرش قد قبلت فاها ثمانيا‬ ‫فإن كان فيكم بعل ليلى فإنـنـي‬
‫وعشرون منها أصبعا من ورائيا‬ ‫وأشهد عند اللـه أنـي رأيتـهـا‬
‫بأن زوجت كلبا وما بذلت لـيا خبر رفقة أبوا صحبته إلى رهط ليلى‬ ‫أليس من البلوى التي ل شوى لها‬
‫أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا عبد الله بن عمرو بن أبي سعد قال حدثنا علي بن الصباح عن ابن الكلبي قال‪ :‬خرج‬
‫المجنون في عدة من قومه يريدون سفرا لهم‪ ،‬فمروا في طريق يتشعب وجهتين‪ :‬إحداهما ينزلها رهط ليلى وفيها زيادة مرحلة‬
‫فسألهم أن يعدلوا معه إلى تلك الوجهة فأبوا‪ ،‬فمضى وحده وقال‪ :‬صوت‬

‫سوى ليلة إني إذا لـصـبـور‬ ‫أأترك ليلى ليس بيني وبينـهـا‬
‫له ذمة إن الـذمـام كـبــير‬ ‫هبوني امرأ منكم أضل بعـيره‬
‫على صاحب من أن يضل بعير‬ ‫وللصاحب المتروك أعظم حرمة‬
‫إذا وليت حكما علي تـجـور الغناء لبن سريج خفيف رمل بالوسطى عن‬ ‫عفا الله عن ليلى الغداة فإنـهـا‬
‫‪.‬عمرو وفيه للغريض ثاني ثقيل بالوسطى عن حبش‪ ،‬وفيه لبن المارقي خفيف ثقيل عن الهشامي‪ ،‬وفيه لعلويه رمل بالبنصر‬
‫هتفت حمامة فقال شعرا‬
‫وذكر عمرو بن أبي عمرو الشيباني عن أبيه‪ :‬أن المجنون كان ذات ليلة جالسا مع أصحاب له من بني عمه وهو وله يتلظى‬
‫ويتململ يعظونه ويحادثونه‪ ،‬حتى هتفت حمامة من سرحة كانت بإزائهم‪ ،‬فوثب قائما وقال‪ :‬صوت‬

‫على إلفها تبكي وإني لـنـائم‬ ‫لقد غردت في جنح ليل حمامة‬
‫لما سبقتني بالبكاء الحـمـائم ثم بكى حتى سقط على وجهه مغشيا عليه‪،‬‬ ‫كذبت وبيت الله لو كنت عاشقا‬
‫‪.‬فما أفاق حتى حميت الشمس عليه من غد‪ .‬الغناء في هذين البيتين لعبد الله بن دخمان ثقيل أول مطلق في مجرى الوسطى‬
‫مرور رجل به وهو برمل يبرين‬
‫وذكر أبو نصر عن أصحابه أن رجل مر بالمجنون وهو برمل يبرين يخطط فيه‪ ،‬فوقف عليه متعجبا منه وكان ل يعرفه‪ ،‬فقال له‪:‬‬
‫‪:‬ما بك يا أخي? فرفع رأسه إليه وأنشأ يقول‬
‫فإياك عني ل يكن بك ما بـيا‬ ‫بي اليأس والداء الهيام أصابني‬
‫غداة رأت أظعان ليلى غواديا‬ ‫كأن جفون العين تهمي دموعها‬
‫على عجل عجم يروين صاديا مر به نفر من اليمن فقال شعرا‬ ‫غروب أمرتها نواضح بـزل‬
‫‪:‬قال خالد بن جمل‪ :‬ذكر حماد الرواية أن نفرا من أهل اليمن مروا بالمجنون‪ ،‬فوقفوا ينظرون إليه فأنشأ يقول‬
‫علينا فقد أمسى هوانا يمانـيا‬ ‫أل أيها الركب اليمانون عرجوا‬
‫وحب إلينا بطن نعمـان واديا يقول في هذا القصيدة‪ :‬صوت‬ ‫نسائلكم هل سال نعمان بعدنـا‬

‫علي الهوى لما تغنيتـمـا لـيا‬ ‫أل يا حمامي قصر ودان هجتما‬
‫أبالي دموع العين لو كنت خاليا غنى في هذين البيتين علويه غناء لم‬ ‫فأبكيتماني وسط صحبي ولم أكن‬
‫‪.‬ينسب‬

‫تحل بها ليلى البراق العالـيا‬ ‫فوالله إني ل أحب‪ ،‬لـغـير أن‬
‫حياض المنايا أو مقيدي العاديا‬ ‫أل يا خليلي حب ليلى مجشمي‬
‫بلحنيكما ثم اسجعا عـلـلنـيا‬ ‫ويا أيها القمريتـان تـجـاوبـا‬
‫لحاقا بأطراف الغضى فاتبعانيا رحيل زوج ليلى بها وشعره بذلك‬ ‫فإن أنتما استطربتما وأردتـمـا‬
‫قال أبو نصر‪ :‬وذكر خالد بن كلثوم أن زوج ليلى لما أراد الرحيل بها إلى بلده بلغ المجنون أنه غاد بها فقال‪ :‬صوت‬

‫كأنك عما قد أظلك غافل‬ ‫أمزمعة للبين ليلى ولم تمت‬

‫صفحة ‪136 :‬‬

‫وزالوا بليلـى أن لـبـك زائل الغناء للزبير بن دحمان ثقيل أول بالوسطى‬ ‫‪.‬ستعلم إن شطت بهم غربة النوى‬
‫قال أبو نصر قال خالد‪ :‬وحدثني جماعة من بني قشير أن المجنون سقم سقاما شديدا قبل اختلطه حتى أشفى على الهلك‪،‬‬
‫‪:‬فدخل إليه أبوه يعلله فوجده ينشد هذه البيات ويبكي أحر بكاء وينشج أحر نشيج‬
‫بليلى وليدا لم تقطع تـمـائمـه‬ ‫أل أيها القلب الذي لـج هـائمـا‬
‫لحالك أن تلقى طبيبـا تـلئمـه‬ ‫أفق قد أفاق العاشقون وقد أنـى‬
‫ترى نأى ليلى مغرما أنت غارمه‬ ‫فما لك مسلوب العزاء كـأنـمـا‬
‫تلم ول ينسيك عهدا تـقـادمـه خبر نظره إلى أظعان ليلى وقد رحل بها زوجها‬ ‫أجدك ل تنسيك لـيلـى مـلـمة‬
‫قال‪ :‬وقف مستترا ينظر إلى أظعان ليلى وقد رحل بها زوجها وقومها‪ ،‬فلما رآهم يرتحلون بكى وجزع‪ ،‬فقال له أبوه‪ :‬ويحك‬
‫إنما جئنا بك متخفيا ليتروح بعض ما بك بالنظر إليهم‪ ،‬فإذا فعلت ما أرى عرفت‪ ،‬وقد أهدر السلطان دمك إن مررت بهم‪،‬‬
‫فأمسك أو فانصرف‪ ،‬فقال‪ :‬ما لي سبيل إلى النظر إليهم يرتحلون وأنا ساكن غير جازع ول باك فانصرف بنا‪ ،‬فانصرف وهو‬
‫يقول‪ :‬صوت‬

‫دموعك إن فاضت عليك دليل‬ ‫ذد الدمع حتى يظعن الحي إنما‬
‫جمان على جيب القميص يسيل أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال‬ ‫كأن دموع العين يوم تحمـلـوا‬
‫أنشدني إسحاق بن محمد عن بعض أصحابه عن ابن العرابي للمجنون‪ :‬صوت من المائة المختارة‬

‫أعالجها ل أستطـيع لـهـا ردا‬ ‫أل ليت ليلى أطفأت حـر زفـرة‬
‫وجدت لمسراها ومنسمها بـردا‬ ‫إذا الريح من نحو الحمى نسمت لنا‬
‫ندوبا وبعض القوم يحسبني جلـدا هذا البيت الثالث خاصة يروى لبن هرمة‬ ‫على كبد قد كاد يبدي بها الهـوى‬
‫‪:‬في بعض قصائده‪ ،‬وهو من المائة المختارة التي رواها إسحاق أوله‬
‫أفاطم إن النأي يسلي من الهوى وقد أخرج في موضع آخر‪ .‬غنى في هذين البيتين عبد آل الهذلي‪ ،‬ولحنه المختار على ما‬
‫‪:‬ذكره جحظة ثاني ثقيل‪ ،‬وهما في هذه القصيدة‬
‫سبيلن ألقى من خلفهما جـهـدا‬ ‫وإني يماني الهوى منجد الـنـوى‬
‫وماذا يرجى من ربيع سقى نجـدا‬ ‫سقى الله نجدا من ربـيع وصـيف‬
‫وللصحب والركبان منزلة حمـدا‬ ‫بلى إنه قد كان لـلـعـيش قـرة‬
‫رقاق ولم يخلقن شؤما ول نـكـدا‬ ‫أبى القلب أن ينفك من ذكر نسـوة‬
‫ويقتلن باللحاظ أنفسنـا عـمـدا‬ ‫إذا رحن يسحبن الـذيول عـشـية‬
‫روادف وعثات ترد الخـطـا ردا‬ ‫مشى عيطلت رجح بحضورهـا‬
‫ولثت بسب القز ذا غدر جـعـدا‬ ‫وتهتز ليلى العامـرية فـوقـهـا‬
‫مججن ندى الريحان والعنبر الوردا وأخبار الهذليين تذكر في غير هذا الموضع‬ ‫إذا حرك المدرى ضفائرها العـل‬
‫‪.‬إن شاء الله لئل تنقطع أخبار المجنون‪ ،‬ولهما في المائة الصوت المختارة أغان تذكر أخبارها معا إن شاء الله‬
‫خبر ظبية سأل صياديها أن يطلقاها‬
‫أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدثني ميمون بن هارون قال ذكر الهيثم بن عدي‪ ،‬وأخبرني محمد بن خلف بن المرزبان‬
‫عن أحمد بن الهيثم عن العمري عن الهيثم بن عدي قال‪ :‬مر المجنون برجلين قد صادا ظبية فربطاها بحبل وذهبا بها‪ ،‬فلما نظر‬
‫إليها وهي تركض في حبالهما دمعت عيناه‪ ،‬وقال لهما‪ :‬حلها وخذا مكانها شاة من غنمي ‪ -‬وقال ميمون في خبره‪ :‬وخذا مكانها‬
‫‪:‬قلوصا من إبلي ‪ -‬فأعطاهما وحلها فولت تعدو هاربة‪ .‬وقال المجنون للرجلين حين رآها في حبالهما‬
‫في الحبل شبها لليلى ثم غلهـا‬ ‫يا صاحبي اللذين اليوم قـد أخـذا‬
‫مشابها أشبهت ليلى فـحـلهـا قال‪ :‬وقال فيها وقد نظر إليها وهي تعدو‬ ‫إني أرى اليوم في أعطاف شاتكما‬
‫أشد عدو هاربة مذعورة‪ :‬صوت‬

‫لك اليوم من وحشية لصديق‬ ‫أيا شبه ليلى ل تراعي فإنني‬


‫لعل فؤادي من جواه يفـيق‬ ‫ويا شبه ليلى لو تلبثت ساعة‬

‫صفحة ‪137 :‬‬

‫فأنت لليلى لو علمت طليق خبره مع نسوة عذلنه في ليلى‬ ‫تفر وقد أطلقتها من وثاقها‬
‫وذكر أبو نصر عن جماعة من الرواة وذكر أبو مسلم ومحمد بن الحسن الحول أن ابن العرابي أخبرهما أن نسوة جلسن إلى‬
‫المجنون فقلن له‪ :‬ما الذي دعاك إلى أن أحللت بنفسك ما ترى في هوى ليلى‪ ،‬وإنما هي امرأة من النساء‪ ،‬هل لك في أن‬
‫تصرف هواك عنها إلى إحدانا فنساعفك ونجزيك بهواك ويرجع إليك ما عزب من عقلك وجسمك? فقال لهن‪ :‬لو قدرت على‬
‫صرف الهوى عنها إليكن لصرفته عنها وعن كل أحد بعدها وعشت في الناس سويا مستريحا؛ فقلن له‪ :‬ما أعجبك منها? فقال‪:‬‬
‫كل شيء رأيته وشاهدته وسمعته منها أعجبني‪ ،‬والله ما رأيت شيئا منها قط إل كان في عيني حسنا وبقلبي علقا‪ ،‬ولقد جهدت‬
‫‪:‬أن يقبح منها عندي شيء أو يسمج أو يعاب لسلو عنها فلم أجده؛ فقلن له‪ :‬فصفها لنا‪ ،‬فأنشأ يقول‬
‫قمر توسط جنح ليل مـبـرد‬ ‫بيضاء خالصة البياض كأنهـا‬
‫إن الجمال مظنة للـحـسـد‬ ‫موسومة بالحسن ذات حواسـد‬
‫سوداء ترغب عن سواد الثمد‬ ‫وترى مدامعها ترقرق مقـلة‬
‫بحمى الحياء وإن تكلم تقصد قال‪ :‬ثم قال ابن العرابي‪ :‬هذا والله من حسن‬ ‫خود إذا كثر الكلم تـعـوذت‬
‫‪.‬الكلم ومنقح الشعر‬
‫‪:‬وأنشد أبو نصر للمجنون أيضا‪ ،‬وفيه غناء‪ ،‬قال‬
‫إذا ذكرت ليلى يشد بها قبـضـا‬ ‫كأن فؤادي في مخالـب طـائر‬
‫علي‪ ،‬فما تزداد طول ول عرضا أودع رجل شعرا ينشده ليلى‬ ‫كأن فجاج الرض حلقة خـاتـم‬
‫أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثنا أبو مسلم عن القحذمي قال‪ :‬قال رجل من عشيرة‬
‫المجنون له‪ :‬إني أريد اللمام بحي ليلى فهل تودعني إليها شيئا? فقال‪ :‬نعم قف بحيث تسمعك ثم قل‪ :‬صوت‬

‫باليأس منك ولكني أعـنـيهـا‬ ‫الله يعلم أن النـفـس هـالـكة‬


‫واستيقنت خلفا مما أمـنـيهـا‬ ‫منيتك النفس حتى قد أضر بهـا‬
‫أشهى إلي من الدنيا وما فيهـا قال‪ :‬فمضى الرجل‪ ،‬ولم يزل يرقب خلوة‬ ‫وساعة منك ألهوها وإن قصرت‬
‫‪:‬حتى وجدها‪ ،‬فوقف عليها ثم قال لها‪ :‬يا ليلى لقد أحسن الذي يقول‬
‫باليأس منك ولكني أعنيها وأنشد البيات؛ فبكت بكاء طويل ثم قالت‪ :‬أبلغه السلم‬ ‫الله يعلم أن النفس هالكة‬
‫‪:‬وقل له‬
‫ما كان غيرك يجزيها ويرضيهـا‬ ‫نفسي فداؤك‪ ،‬لو نفسي ملكـت إذا‬
‫مرارة في اصطباري عنك أخفيها قال‪ :‬فأبلغه الفتى البيتين وأخبره بحالها؛‬ ‫صبرا على ما قضاه الله فيك على‬
‫‪:‬فبكى حتى سقط على وجهه مغشيا عليه‪ ،‬ثم أفاق وهو يقول‬
‫أحاديثا لقـوم بـعـد قـوم‬ ‫عجبت لعروة العذري أضحى‬
‫وها أنا ميت فـي كـل يوم أخبرنا محمد بن يحيى الصولي قال أنشدنا أحمد بن‬ ‫وعروة مات موتا مستريحـا‬
‫يحيى ثعلب عن أبي نصر للمجنون‪ :‬صوت‬

‫مناي ول يبدو لقلبي صـريمـهـا‬ ‫أيا زينة الـدنـيا ل ينـالـهـــا‬


‫تداوى بمن تهوى لصح سقيمـهـا‬ ‫بعيني قذاة من هـواك لـو أنـهـا‬
‫وإن كنت أحيانا كثيرا ألـومـهـا أبوه يحتال أن يبلغه أن ليلى تشتمه‬ ‫وما صبرت عن ذكرك النفس ساعة‬
‫أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثنا علي بن الصباح عن ابن الكلبي قال‪ :‬سأل الملوح أبو‬
‫المجنون رجل قدم من الطائف أن يمر بالمجنون فيجلس إليه فيخبره أنه لقي ليلى وجلس إليها‪ ،‬ووصف له صفات منها ومن‬
‫كلمها يعرفها المجنون‪ ،‬وقال له‪ :‬حدثه بها‪ ،‬فإذا رأيته قد اشرأب لحديثك واشتهاه فعرفه أنك ذكرته لها ووصفت ما به فشتمته‬
‫وسبته‪ ،‬وقالت‪ :‬إنه يكذب عليها ويشهرها بفعله‪ ،‬وإنها ما اجتمعت معه قط كما يصف؛ ففعل الرجل ذلك‪ ،‬وجاء إليه فأخبره‬
‫بلقائه إياها؛ فأقبل عليه وجعل يسائله عنها‪ ،‬فيخبره بما أمره به الملوح‪ ،‬فيزداد نشاطا ويثوب إليه عقله‪ ،‬إلى أن أخبره بسبها‬
‫إياه وشتمها له؛ وقال وهو غير مكترث لما حكاه عنها‪ :‬صوت‬

‫ويصدع قلبي أن يهب هبـوبـهـا‬ ‫تمر الصبا صفحا بساكن ذي الغضى‬

‫صفحة ‪138 :‬‬


‫جواي بما تهدى إلي جنـوبـهـا‬ ‫إذا هبت الريح الشمال فـإنـمـا‬
‫هوى كل نفس حيث كان حبيبهـا‬ ‫قريبة عهد بالـحـبـيب وإنـمـا‬
‫بدار قلى تمسي وأنت غريبـهـا‬ ‫وحسب الليالي أن طرحنك مطرحا‬
‫هنيئا ومغفور لليلـى ذنـوبـهـا ذكر أبو أيوب المديني أن الغناء في هذا الشعر‬ ‫حلل لليلى شتمنا وانتقـاصـنـا‬
‫لبن سريج ولم يذكر طريقته‪ .‬وفيه لمتيم غناء ينسب‪ .‬وذكر الهيثم بن عدي أن المجنون قال ‪ -‬وفيه غناء ‪ :-‬صوت‬

‫وبالجزع من أجزاع ودان فالنخل‬ ‫كأن لم تكن ليلى تزار بذي الثل‬
‫ترى أن حبي قد أحل لها قتلـي وصف لليلى فبكت وقالت شعرا‬ ‫صديق لنا فيما نرى غير أنـهـا‬
‫أخبرني عمي قال حدثني الكراني قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي عن عثمان بن عمارة بن حريم عن أشياخ من بني‬
‫مرة قالوا‪ :‬خرج منا رجل إلى ناحية الشأم والحجاز وما يلي تيماء والسراة وأرض نجد‪ ،‬في طلب بغية له‪ ،‬فإذا هو بخيمة قد‬
‫رفعت له وقد أصابه المطر فعدل إليها وتنحنح‪ ،‬فإذا امرأة قد كلمته فقالت‪ :‬انزل‪ ،‬فنزل‪ .‬قال وراحت أبلهم وغنمهم فإذا أمر‬
‫عظيم‪ ،‬فقالت‪ :‬سلوا هذا الرجل من أين أقبل؛ فقلت‪ :‬من ناحية تهامة ونجد؛ فقالت‪ :‬ادخل أيها الرجل‪ ،‬فدخلت إلى ناحية من‬
‫الخيمة‪ ،‬فأرخت بيني وبينها سترا ثم قالت لي‪ :‬يا عبد الله‪ ،‬أي بلد نجد وطئت? فقلت‪ :‬كلها؛ قالت‪ :‬فبمن نزلت هناك? قلت‪:‬‬
‫ببني عامر؛ فتنفست الصعداء ثم قالت‪ :‬فبأي بني عامر نزلت? فقلت‪ :‬ببني الحريش؛ فاستعبرت ثم قالت‪ :‬فهل سمعت بذكر‬
‫فتى منهم يقال له‪ :‬قيس بن الملوح ويلقب بالمجنون? قلت‪ :‬بلى والله وعلى أبيه نزلت‪ ،‬وأتيته فنظرت إليه يهيم في تلك‬
‫الفيافي‪ ،‬ويكون مع الوحش ل يعقل ول يفهم إل أن تذكر له امرأة يقال لها ليلى‪ ،‬فيبكي وينشد أشعارا قالها فيها‪ .‬قال‪:‬‬
‫فرفعت الستر بيني وبينها‪ ،‬فإذا فلقة قمر لم تر عيني مثلها‪ ،‬فبكت حتى ظننت ‪ -‬والله ‪ -‬أن قلبها قد انصدع‪ ،‬فقلت‪ :‬أيتها المرأة‪،‬‬
‫‪:‬اتقي الله فما قلت بأسا‪ ،‬فمكثت طويل على تلك الحال من البكاء والنحيب ثم قالت‬
‫متى رحل قيس مستقل فراجع‬ ‫أل ليت شعري والخطوب كثيرة‬
‫ومن هو إن لم يحفظ الله ضائع ثم بكت حتى سقطت مغشيا عليها‪ ،‬فقلت لها‪:‬‬ ‫بنفسي من ل يستقل برحـلـه‬
‫من أنت يا أمة الله? وما قصتك? قالت‪ :‬أنا ليلى صاحبته المشئومة والله عليه غير المؤنسة له؛ فما رأيت مثل حزنها ووجدها‬
‫‪ .‬عليه قط‬
‫خبر شيخ من بني مرة لقيه ميتا في واد‬
‫أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري‪ ،‬وحبيب بن نصر المهلبي قال‪ :‬حدثنا عمر بن شبة قال ذكر الهيثم ابن عدي عن عثمان‬
‫بن عمارة‪ ،‬وأخبرني عثمان عن الكراني عن العمري عن لقيط‪ ،‬وحدثنا إبراهيم بن أيوب عن عبد الله بن مسلم قال ذكر الهيثم‬
‫بن عدي عن عثمان بن عمارة‪ ،‬وذكر أبو نصر أحمد بن حاتم صاحب الصمعي وأبو مسلم المستملي عن ابن العرابي ‪ -‬يزيد‬
‫‪ -‬بعضهم على بعض‬

‫صفحة ‪139 :‬‬

‫أن عثمان بن عمارة المري أخبرهم أن شيخا منهم من بني مرة حدثه أنه خرج إلى أرض بني عامر ليلقى المجنون‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فدللت على محلته فأتيتها‪ ،‬فإذا أبوه شيخ كبير وإخوة له رجال‪ ،‬وإذا نعم كثير وخير ظاهر‪ ،‬فسألتهم عنه فاستعبروا جميعا‪ ،‬وقال‬
‫الشيخ‪ :‬والله لهو كان آثر في نفسي من هؤلء وأحبهم إلي وإنه هوي امرأة من قومه‪ ،‬والله ما كانت تطمع في مثله‪ ،‬فلما أن‬
‫فشا أمره وأمرها كره أبوها أن يزوجها منه بعد ظهور الخبر فزوجها من غيره‪ ،‬فذهب عقل ابني ولحقه خبل وهام في الفيافي‬
‫وجدا عليها‪ ،‬فحبسناه وقيدناه‪ ،‬فجعل يعض لسانه وشفتيه حتى خفنا عليه أن يقطعها فخلينا سبيله‪ ،‬فهو يهيم في هذه‬
‫الفيافي مع الوحوش يذهب إليه كل يوم بطعامه فيوضع له حيث يراه‪ ،‬فإذا تنموا عنه جاء فأكل منه‪ .‬قال‪ :‬فسألتهم أن يدلوني‬
‫عليه‪ ،‬فدلوني على فتى من الحي صديقا له وقالوا‪ :‬إنه ل يأنس إل به ول يأخذ أشعاره عنه غيره‪ ،‬فأتيته فسألته أن يدلني عليه؛‬
‫فقال‪ :‬إن كنت تريد شعره فكل شعر قاله إلى أمس عندي‪ ،‬وأنا ذاهب إليه غدا فإن قال شيئا أتيتك به؛ فقلت‪ :‬بل أريد أن‬
‫تدلني عليه لتيه؛ فقال لي‪ :‬إنه إن نفر منك نفر مني فيذهب شعره‪ ،‬فأبيت إل أن يدلني عليه؛ فقال اطلبه في هذه الصحاري‬
‫إذا رأيته فادن منه مستأنسا ول تره أنك تهابه‪ ،‬فإنه يتهددك ويتوعدك أن يرميك بشيء‪ ،‬فل يروعنك واجلس صارفا بصرك عنه‬
‫والحظه أحيانا‪ ،‬فإذا رأيته قد سكن من نفاره فأنشده شعرا غزل‪ ،‬وإن كنت تروي من شعر قيس بن ذريح شيئا فأنشده إياه فإنه‬
‫معجب به؛ فخرجت فطلبته يومي إلى العصر فوجدته جالسا على رمل قد خط فيه بأصبعه خطوطا‪ ،‬فدنوت منه غير منقبض‪،‬‬
‫فنفر مني نفور الوحش من النس‪ ،‬وإلى جانبه أحجار فتناول حجرا فأعرضت عنه‪ ،‬فمكث ساعة كأنه نافر يريد القيام‪ ،‬فلما‬
‫‪:‬طال جلوسي سكن وأقبل يخط بأصبعه‪ ،‬فأقبلت عليه وقلت‪ :‬أحسن والله قيس بن ذريح حيث يقول‬
‫بعلمك في لبنى وأنت خبير‬ ‫أل يا غراب البين ويحك نبني‬
‫فل طرت إل والجناح كسير‬ ‫فإن أنت لم تخبر بشيء لمته‬
‫كما قد تراني بالحبيب أدور فأقبل علي وهو يبكي فقال‪ :‬أحسن والله‪ ،‬وأنا أحسن‬ ‫ودرت بأعداء حبيبك فـيهـم‬
‫‪:‬منه قول حيث أقول‬
‫بليلى العامرية أو يراح‬ ‫كأن القلب ليلة قيل يغدى‬
‫تجاذبه وقد علق الجناح فأمسكت عنه هنيهة‪ ،‬ثم أقبلت عليه فقلت‪ :‬وأحسن الله‬ ‫قطاة عزها شرك فباتت‬
‫‪:‬قيس بن ذريح حيث يقول‬
‫حذارا لما قد كان أو هو كائن‬ ‫وإني لمفن دمع عيني بالبـكـا‬
‫فراق حبيب لم يبن وهو بـائن‬ ‫وقالوا غدا أو بعد ذاك بـلـيلة‬
‫بكفيك إل أن من حان حـائن قال‪ :‬فبكى ‪ -‬والله ‪ -‬حتى ظننت أن نفسه قد‬ ‫وما كنت أخشى أن تكون منيتي‬
‫فاضت‪ ،‬وقد رأيت دموعه قد بلت الرمل الذي بين يديه‪ ،‬ثم قال‪ :‬أحسن لعمر الله‪ ،‬وأنا والله أشعر منه حيث أقول‪ :‬صوت‬

‫بقول يحل العصم سهل الباطح‬ ‫وأدنيتني حتى إذا ما سبيتـنـي‬


‫وخلفت ما خلفت بين الجوانـح ‪ -‬ويروى‪ :‬وغادرت ما غادرت‪ - ...‬ثم سنحت له‬ ‫تناءيت عني حين ل لي حـيلة‬
‫ظبية فوثب يعدو خلفها حتى غاب عني وانصرفت‪ ،‬وعدت من غد فطلبته فلم أجده‪ ،‬وجاءت امرأة كانت تصنع له طعامه إلى‬
‫الطعام فوجدته بحاله‪ ،‬فلما كان في اليوم الثالث غدوت وجاء أهله معي فطلبناه يومنا فلم نجده‪ ،‬وغدونا في اليوم الرابع‬
‫‪.‬نستقري أثره حتى وجدناه في واد كثير الحجارة خشن‪ ،‬وهو ميت بين تلك الحجارة‪ ،‬فاحتمله أهله فغسلوه وكفنوه ودفنوه‬
‫ندم أبي ليلى على عدم تزويجه بها‬
‫صفحة ‪140 :‬‬

‫قال الهيثم‪ :‬فحدثني جماعة من بني عامر‪ :‬أنه لم تبق فتاة من بني جعدة ول بني الحريش إل خرجت حاسرة صارخة عليه‬
‫تندبه؛ واجتمع فتيان الحي يبكون عليه أحر بكاء‪ ،‬وينشجون عليه أشد نشيج‪ ،‬وحضرهم حي ليلى معزين وأبوها معهم فكان أشد‬
‫القوم جزعا وبكاء عليه‪ ،‬وجعل يقول‪ :‬ما علمنا أن المر يبلغ كل هذا‪ ،‬ولكني كنت امرأ عربيا أخاف من العار وقبح الحدوثة ما‬
‫يخافه مثلي‪ ،‬فزوجتها وخرجت عن يدي‪ ،‬ولو علمت أن أمره يجري على هذا ما أخرجتها عن يده ول احتملت ما كان علي في‬
‫‪.‬ذلك‪ .‬قال‪ :‬فما رئي يوم كان أكثر باكية وباكيا على ميت من يومئذ‬
‫‪:‬نسبة ما في هذا الخبر من الغاني منها الصوت الذي أوله‬
‫بعلمك في لبنى وأنت خبير الغناء لبن محرز ثقيل أول بالوسطى عن الهشامي‪،‬‬ ‫أل يا غراب البين ويحك نبني‬
‫‪:‬وذكر إبراهيم أن فيه لحنا لحكم‪ .‬وفي رواية ابن العرابي أنه أنشده مكان‬
‫بعلمك في لبنى وأنت خبير صوت‬ ‫أل يا عراب البين ويحك نبني‬
‫بخير كما خبرت بالنـأي والـشـر‬ ‫أل يا غراب البين هل أنت مخبـري‬
‫جمال لبين مثقلت مـن الـغـدر‬ ‫وخبرت أن قد جد بـين وقـربـوا‬
‫إذا ذكرت فاضت مدامعها تجـري‬ ‫وهجت قذى عين بلبنـى مـريضة‬
‫صدقت وهل شيء بباق على الدهر الشعر لقيس بن ذريح‪ ،‬والغناء لبن‬ ‫وقلت كذاك الدهر مازال فاجـعـا‬
‫جامع‪ ،‬ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق‪ .‬وفيه لبحر ثقيل أول بالوسطى عن عمرو‪ .‬وفيه لدحمان ثاني ثقيل عن‬
‫‪.‬الهشامي وعبد الله بن موسى‬
‫‪.‬ومنها الصوت الذي أوله‬

‫بليلي العامرية أو يراح ومنها الصوت الذي أوله‬ ‫‪:‬كأن القلب ليلة قيل يغدى‬
‫بقول يحل العصم سهل الباطح الغناء لبراهيم‪ ،‬خفيف ثقيل بالوسطى عن‬ ‫وأدنيتني حتى إذا ما سبيتـنـي‬
‫‪.‬الهشامي‬
‫بكاء أبي ليلى على المجنون‬
‫وشعر وجد بعد موت المجنون في خرقة‬
‫أخبرنا الحسين بن القاسم الكوكبي قال حدثنا الفضل الربعي عن محمد بن حبيب قال‪ :‬لما مات مجنون بني عامر وجد أرض‬
‫خشنة بين حجارة سود‪ ،‬فحضر أهله وحضر معهم أبو ليلى ‪ -‬المرأة التي كان يهواها ‪ -‬وهو متذمم من اهله‪ ،‬فلما رآه ميتا بكى‬
‫‪:‬واسترجع وعلم أنه قد شرك في هلكه‪ ،‬فبينما هم يقلبونه إذ وجدوا خرقة فيها مكتوب‬
‫شقيت ول هنيت من عيشك الغضا‬ ‫أل أيها الشيخ الذي ما بنا يرضـى‬
‫أهيم مع الهلك ل أطعم الغمضا صوت‬ ‫شقيت كما أشقيتني وتركـتـنـي‬

‫إذا ذكرت ليلى يشد بها قبضـا‬ ‫كأن فؤادي في مخالـب طـائر‬
‫علي فما تزداد طول ول عرضا في هذين البيتين رمل ينسب إلى سليم وإلى‬ ‫كأن فجاج الرض حلقة خاتـم‬
‫‪.‬ابن محرز‪ ،‬وذكر حبش والهشامي أنه لسحاق‬
‫عوتب على التغني بالشعر فقال‬
‫أخبرني محمد بن خلف قال حدثني أبو سعيد السكري عن محمد بن حبيب قال حدثني بعض القشيريين عن أبيه قال‪ :‬مررت‬
‫بالمجنون وهو مشرف على واد في أيام الربيع‪ ،‬وذاك قبل أن يختلط‪ ،‬وهو يتغنى بشعر لم أفهمه‪ ،‬فصحت به‪ :‬يا قيس‪ ،‬أما‬
‫تشغلك ليلى عن الغناء والطرب فتنفس تنفسا ظننت أن حيازيمه قد انقدت‪ ،‬ثم قال‪ :‬صوت‬

‫ول أنشد الشعـار إل تـداويا‬ ‫وما أشرف اليفاع إل صـبـابة‬


‫يظنان جهد الظن أن ل تلقـيا‬ ‫وقد يجمع الله الشتيتين بعـد مـا‬
‫وجدت طوال الدهر للحب شافيا التقاؤه بقيس بن ذريح‬ ‫لحي الله أقواما يقولون إنـنـي‬
‫وطلبه منه إبلغ سلمه لليلى‬

‫صفحة ‪141 :‬‬

‫أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال‪ :‬اجتاز قيس بن ذريح بالمجنون وهو‬
‫جالس وحده في نادي قومه‪ ،‬وكان كل واحد منهما مشتاقا إلى لقاء الخر‪ ،‬وكان المجنون قبل توحشه ل يجلس إل منفردا ول‬
‫يحدث أحدا ول يرد على متكلم جوابا ول على مسلم سلما‪ ،‬فسلم عليه قيس بن ذريح فلم يرد عليه السلم؛ فقال له‪ :‬يا أخي‬
‫أنا قيس بن ذريح فوثب إليه فعانقه وقال‪ :‬مرحبا بك يا أخي‪ ،‬أنا والله مذهوب بي مشترك اللب فل تلمني‪ ،‬فتحدثا ساعة‬
‫وتشاكيا وبكيا‪ ،‬ثم قال له المجنون‪ :‬يا أخي‪ ،‬إن حي ليلى منا قريب‪ ،‬فهل لك أن تمضي إليها فتبلغها عني السلم? فقال له‪:‬‬
‫أفعل‪ .‬فمضى قيس بن ذريح حتى أتى ليلى فسلم وانتسب؛ فقالت له‪ :‬حياك الله‪ ،‬ألك حاجة? قال‪ :‬نعم‪ ،‬ابن عمك أرسلني‬
‫‪:‬إليك بالسلم؛ فأطرقت ثم قالت ما كنت أهل للتحية لو علمت أنك رسوله‪ ،‬قل له عني‪ :‬أرأيت قولك‬
‫لكم غير حب صادق ليس يكذب‬ ‫أبت ليلة بالـغـيل يا أم مـالـك‬
‫صدى أينما تذهب به الريح يذهب أخبرني عن ليلة الغيل‪ ،‬أي ليلة هي? وهل‬ ‫أل إنمـا أبـقـيت يا أم مـالـك‬
‫خلوت معك في الغيل أو غيره ليل أو نهارا? فقال لها قيس‪ :‬يابنة عم‪ ،‬إن الناس تأولوا كلمه على غير ما أراد‪ ،‬فل تكوني مثلهم‪،‬‬
‫إنما أخبر أنه رآك ليلة الغيل فذهبت بقلبه‪ ،‬ل أنه عناك بسوء؛ قال‪ :‬فأطرقت طويل ودموعها تجري وهي تكفكفها‪ ،‬ثم انتحبت‬
‫حتى قلت تقطعت حيازيمها‪ ،‬ثم قال‪ :‬اقرأ على ابن عمي السلم‪ ،‬وقل له‪ :‬بنفسي أنت والله إن وجدي بك لفوق ما تجد‪ ،‬ولكن‬
‫‪.‬ل حيلة لي فيك؛ فانصرف قيس إليه ليخبره فلم يجده‬
‫رأى ليلى فبكى ثم قال شعرا‬
‫أخبرني الحسن بن علي قال حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني عمي عن ابن الصباح عن ابن الكلبي عن أبيه‬
‫قال‪ :‬مر المجنون بعد اختلطه بليلى وهي تمشي في ظاهر البيوت بعد فقد لها طويل‪ ،‬فلما رآها بكى حتى سقط على وجهه‬
‫‪:‬مغشيا عليه‪ ،‬فانصرفت خوفا من أهلها أن يلقوها عنده‪ ،‬فمكث كذلك مليا ثم أفاق وأنشأ يقول‬
‫محب ل يرى حسنا سواهـا‬ ‫بكى فرحا بلـيلـى إذ رآهـا‬
‫لئن كانت تراه كمـا يراهـا الغناء لبن المكي رمل بالبنصر‪ .‬وفيه لعريب ثقيل‬ ‫لقد ظفرت يداه ونال ونال ملكا‬
‫‪.‬أول عن الهشامي‪ .‬وفيه خفيف رمل ليزيد حوراء‪ .‬وقد نسب لحنه إلى ابن المكي ولحن ابن المكي إليه‬

‫صوت من المائة المختارة‬

‫من رواية علي بن يحيى‬

‫يشربون الخمر بالماء الزلل‬ ‫رب ركب قد أناخوا عندنـا‬


‫وكذاك الدهر حال بعد حال الشعر لعدي بن زيد العبادي‪ ،‬والغناء لبن محرز ولحنه‬ ‫عصف الدهر بهم فانقرضوا‬
‫المختار خفيف رمل بإطلق الوتر في مجرى الوسطى عن إسحاق‪ .‬وفيه خفيف رمل آخر بالبنصر ابتداؤه نشيد ذكر عمرو بن‬
‫بانة أنه لبن طنبورة‪ ،‬وذكر أحمد بن المكي أنه لبيه‪ .‬وهذه البيات قالها عدي بن زيد العبادي على سبيل الموعظة للنعمان بن‬
‫‪.‬المنذر‪ ،‬فيقال‪ :‬إنها كانت سبب دخوله في النصرانية‬
‫عظة عدي بن زيد للنعمان بن المنذر‬
‫وتنصر النعمان‬
‫حدثني بذلك أحمد بن عمران المؤدب قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثنا عبد الله بن عمرو قال حدثني علي‬
‫بن الصباح عن ابن الكلبي قال‪ :‬خرج النعمان بن المنذر إلى الصيد ومعه عدي بن زيد فمروا بشجرة‪ ،‬فقال له عدي بن زيد‪ :‬أيها‬
‫‪:‬الملك‪ ،‬أتدري ما تقول هذه الشجرة? قال‪ :‬ل‪ ،‬قال تقول‬
‫يشربون الخمر بالماء الزلل‬ ‫رب ركب قد أناخوا عندنـا‬
‫وكذاك الدهر حال بعد حال قال‪ :‬ثم جاوز الشجرة فمر بمقبرة‪ ،‬فقال له عدي‪:‬‬ ‫عصف الدهر بهم فانقرضوا‬
‫‪:‬أيها الملك‪ ،‬أتدري ما تقول هذه المقبرة? قال‪ :‬ل‪ ،‬قال تقول‬
‫ن على الرض المجدون‬ ‫أيها الركب المـخـبـو‬
‫وكما نحن تـكـونـون‬ ‫فكـمـا أنـتـم كـنــا‬

‫صفحة ‪142 :‬‬

‫فقال له النعمان‪ :‬إن الشجرة والمقبرة ل يتكلمان‪ ،‬وقد علمت أنك إنما أردت عظتي‪ ،‬فما السبيل التي تدرك بها النجاة? قال‪:‬‬
‫تدع عبادة الوثان وتعبد الله وتدين بدين المسيح عيسى ابن مريم؛ قال‪ :‬أو في هذا النجاة? قال‪ :‬نعم فتنصر يومئذ‪ .‬وقد قيل‪:‬‬
‫إن هذه الفصة كانت لعدي مع النعمان الكبر بن المنذر‪ ،‬وإن النعمان الذي قتله هو ابن المنذر بن النعمان الكبر الذي تنصر‪.‬‬
‫‪.‬وخبر هذا يأتي مع أحاديث عدي‬

‫ذكر عدي بن زيد ونسبه وقصته ومقتله‬


‫نسبه‬
‫هو عدي بن زيد بن حماد بن أيوب بن محروف بن عامر بن عصية بن امرىء القيس بن زيد مناة بن تميم بن مر بن أد بن‬
‫‪.‬طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار‬
‫عدي بن زيد ل يعد في فحول الشعراء وكان أيوب هذا فيما زعم ابن العرابي أول من سمي من العرب أيوب‪ ،‬شاعر فصيح‬
‫من شعراء الجاهلية‪ ،‬وكان نصرانيا وكذلك كان أبوه وأمه وأهله‪ ،‬وليس ممن يعد في الفحول‪ ،‬وهو قروي‪ .‬وكانوا قد أخذوا عليه‬
‫أشياء عيب فيها‪ .‬وكان الصمعي وأبو عبيدة يقولن‪ :‬عدي بن زيد في الشعراء بمنزلة سهيل في النجوم يعارضها ول يجري معها‬
‫مجراها‪ .‬وكذلك عندهم أمية بن أبي الصلت‪ ،‬ومثلهما كان عندهم من السلميين الكميت والطرماح‪ .‬قال العجاج‪ :‬كانا يسألني‬
‫عن الغريب فأخبرهما به‪ ،‬ثم أراه في شعرهما وقد وضعاه في غير مواضعه؛ فقيل له‪ :‬ولم ذاك? قال‪ :‬لنهما قرويان يصفان ما‬
‫‪.‬لم يريا فيضعانه في غير موضعه‪ ،‬وأنا بدوي أصف ما رأيت فأضعه في مواضعه‪ .‬وكذلك عندهم عدي وأمية‬
‫سبب نزول آل عدي الحيرة قال ابن العرابي فيما أخبرني به علي بن سليمان الخفش عن السكري عن محمد بن حبيب عنه‬
‫وعن هشام بن الكلبي عن أبيه قال‪ :‬سبب نزول آل عدي بن زيد الحيرة أن جده أيوب بن محروف كان منزله اليمامة في بني‬
‫امرىء القيس بن زيد مناة‪ ،‬فأصاب دما في قومه فهرب فلحق بأوس بن قلم أحد بني الحارث بن كعب بالحيرة‪ .‬وكان بين‬
‫أيوب بن محروف وبين أوس بن قلم هذا نسب من قبل النساء‪ ،‬فلما قدم عليه أيوب بن محروف أكرمه وأنزله في داره‪،‬‬
‫فمكث معه ما شاء الله أن يمكث‪ ،‬ثم إن أوسا قال له‪ :‬يابن خال‪ ،‬أتريد المقام عندي وفي داري? فقال له أيوب‪ :‬نعم‪ ،‬فقد‬
‫علمت أني إن أتيت قومي وقد أصبت فيهم دما لم أسلم‪ ،‬وما لي دار إل دارك آخر الدهر؛ قال أوس‪ :‬إني قد كبرت وأنا خائف‬
‫أن أموت فل يعرف ولدي لك من الحق مثل ما أعرف‪ ،‬وأخشى أن يقع بينك وبينهم أمر يقطعون فيه الرحم‪ ،‬فانظر أحب مكان‬
‫في الحيرة إليك فأعلمني به لقطعكه أو أبتاعه لك؛ قال‪ :‬وكان ليوب صديق في الجانب الشرقي من الحيرة‪ ،‬وكان منزل أوس‬
‫في الجانب الغربي‪ ،‬فقال له‪ :‬قد أحببت أن يكون المنزل الذي تسكننيه عند منزل عصام بن عبدة أحد بني الحارث بن كعب؛‬
‫فابتاع له موضع داره بثلمثائة أوقية من ذهب وأنفق عليها مائتي أوقية ذهبا‪ .‬وأعطاه مائتين من البل برعائها وفرسا وقينة؛‬
‫فمكث في منزل أوس حتى هلك‪ ،‬ثم تحول إلى داره التي في شرقي الحيرة فهلك بها‪ .‬وقد كان أيوب اتصل قبل مهلكه‬
‫بالملوك الذين كانوا بالحيرة وعرفوا حقه وحق ابنه زيد بن أيوب‪ ،‬وثبت أيوب فلم يكن منهم ملك يملك إل ولولد أيوب منه‬
‫‪.‬جوائز وحملن‬
‫‪</H6‬مقتل زيد بن أيوب ‪<H6‬‬

‫صفحة ‪143 :‬‬

‫ثم إن زيد بن أيوب نكح امرأة من آل قلم فولدت له حمادا‪ ،‬فخرج زيد بن أيوب يوما من اليام يريد الصيد في ناس من أهل‬
‫الحيرة وهم منتدون بحفير ‪ -‬المكان الذي يذكره عدي بن زيد في شعره ‪ -‬فانفرد في الصيد وتباعد من أصحابه‪ ،‬فلقيه رجل من‬
‫بني امرىء القيس الذين كان لهم الثأر قبل أبيه‪ ،‬فقال له ‪ -‬وقد عرف فيه شبه أيوب ‪ :-‬ممن الرجل? قال‪ :‬من بني تميم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫من أيهم? قال‪ :‬مرئي؛ قال له العرابي‪ :‬وأين منزلك? قال‪ :‬الحيرة؛ قال أمن بني أيوب أنت? قال‪ :‬نعم‪ ،‬ومن أين تعرف بني‬
‫ايوب? واستوحش من العرابي وذكر الثأر الذي هرب أبوه منه؛ فقال له‪ :‬سمعت بهم‪ ،‬ولم يعلمه أنه قد عرفه؛ فقال له زيد بن‬
‫أيوب‪ :‬فمن أي العرب أنت? قال‪ :‬أنا امرؤ من طيء؛ فأمنه زيد وسكت عنه‪ ،‬ثم إن العرابي اغتفل زيد بن أيوب‪ :‬فرماه بسهم‬
‫فوضعه بين كتفيه ففلق قلبه‪ ،‬فلم يرم حافر دابته حتى مات؛ فلبث أصحاب زيد حتى إذا كان الليل طلبوه وقد افتقدوه وظنوا‬
‫أنه قد أمعن في طلب الصيد‪ ،‬فباتوا يطلبونه حتى يئسوا منه‪ ،‬ثم غدوا في طلبه فاقتفوا أثره حتى وقفوا عليه ورأوا معه أثر‬
‫راكب يسايره فاتبعوا الثر حتى وجدوه قتيل‪ ،‬فعرفوا أن صاحب الراحلة قتله‪ ،‬فاتبعوه وأغدوا السير فأدركوه مساء الليلة الثانية‪،‬‬
‫فصاحوا به وكان من أرمى الناس فامتنع منهم بالنبل حتى حال الليل بينهم وبينه وقد أصاب رجل منهم في مرجع كتفيه بسهم‬
‫‪.‬فلما أجنه الليل مات وأفلت الرامي‪ ،‬فرجعوا وقد قتل زيد بن أيوب ورجل آخر معه من بني الحارث بن كعب‬
‫تولى حماد بن زيد الكتابة للنعمان الكبر فمكث حماد في أخواله حتى أيفع ولحق بالوصفاء؛ فخرج يوما من اليام يلعب مع‬
‫غلمان بني لحيان‪ ،‬فلطم اللحياني عين حماد فشجه حماد‪ ،‬فخرج أبو الليحاني فضرب حمادا‪ ،‬فأتى حماد أمه يبكي‪ ،‬فقالت له‪:‬‬
‫ما شأنك? فقال‪ :‬ضربني فلن لن ابنه لطمني فشججته‪ ،‬فجزعت من ذلك وحولته إلى دار زيد بن أيوب وعلمته الكتابة في دار‬
‫أبيه‪ ،‬فكان حماد أول من كتب من بني أيوب‪ ،‬فخرج من أكتب الناس وطلب حتى صار كاتب الملك النعمان الكبر‪ ،‬فلبث كاتبا‬
‫‪.‬له حتى ولد له ابن من امرأة تزوجها من طيء فسماه زيدا باسم أبيه‬
‫وكان لحماد صديق من الدهاقين العظماء يقال له فروخ ماهان‪ ،‬وكان محسنا ‪</H6‬سبب اتصال زيد بن حماد بكسرى ‪<H6‬‬
‫إلى حماد‪ ،‬فلما حضرت حمادا الوفاة أوصى بابنه زيد إلى الدهقان‪ ،‬وكان من المرازبة‪ ،‬فأخذه الدهقان إليه فكان عنده مع‬
‫ولده‪ ،‬وكان زيد قد حذق الكتابة والعربية قبل أن يأخذه الدهقان‪ ،‬فعلمه لما أخذه الفارسية فلقنها‪ ،‬وكان لبيبا فأشار الدهقان‬
‫‪.‬على كسرى أن يجعله على البريد في حوائجه‪ ،‬ولم يكن كسرى يفعل ذلك إل بأولد المرازبة‪ ،‬فمكث يتولى ذلك لكسرى زمانا‬
‫ثم إن النعمان النصري اللخمي هلك‪ ،‬فاختلف أهل الحيرة فيمن يملكونه إلى أن ‪</H6‬تمليك زيد بن حماد على الحيرة ‪<H6‬‬
‫يعقد كسرى المل لرجل ينصبه‪ ،‬فأشار عليهم المرزبان يزيد بن حماد‪ ،‬فكان على الحيرة إلى أن ملك كسرى المنذر بن ماء‬
‫السماء ونكح زيد بن حماد نعمة بنت ثعلبة العدوية فولدت له عديا‪ ،‬وملك المنذر وكان ل يعصيه في شيء‪ ،‬وولد للمرزبان ابن‬
‫‪ .‬فسماه شاهان مرد‬
‫تعلم عدي بن زيد الفارسية‬
‫فلما تحرك عدي بن زيد وأيفع طرحه أبوه في الكتاب‪ ،‬حتى إذا حذق أرسله المرزبان مع ابنه شاهان مرد إلى كتاب‬
‫الفارسية‪ ،‬فكان يختلف مع ابنه ويتعلم الكتابة والكلم بالفارسية حتى خرج من أفهم الناس بها وأفصحهم بالعربية وقال الشعر‪،‬‬
‫‪.‬وتعلم الرمي بالنشاب فخرج من الساورة الرماة‪ ،‬وتعلم لعب العجم على الخيل بالصوالجة وغيرها‬
‫اتصاله بكسرى وتوليه الكتابة له‬

‫صفحة ‪144 :‬‬

‫ثم إن المرزبان وفد على كسرى ومعه ابنه شاهان مرد فبينما هما واقفان بين يديه إذ سقط طائران على السور فتطاعما‬
‫كما يتطاعم الذكر والنثى فجعل كل واحد منقاره في منقار الخر‪ ،‬فغضب كسرى من ذلك ولحقته غيرة‪ ،‬فقال للمرزبان وابنه‪:‬‬
‫ليرم كل واحد منكما واحدا من هذين الطائرين‪ ،‬فإن قتلتماهما أدخلتكما بيت المال وملت أفواهكما بالجوهر‪ ،‬ومن أخطأ منكما‬
‫عاقبته؛ فاعتمد كل واحد منهما طائرا منهما ورميا فقتلهما جميعا‪ ،‬فبعثهما إلى بيت المال فملئت أفواههما جوهرا‪ ،‬وأثبت‬
‫شاهان مرد وسائر أولد المرزبان في صحابته؛ فقال فروخ ماهان عند ذلك للملك‪ :‬إن عندي غلما من العرب مات أبوه وخلفه‬
‫في حجري فربيته‪ ،‬فهو أفصح الناس وأكتبهم بالعربية والفارسية‪ ،‬والملك محتاج إلى مثله‪ ،‬فإن رأى أن يثبته في ولدي فعل؛‬
‫فقال‪ :‬ادعه‪ ،‬فأرسل إلى عدي بن زيد‪ ،‬وكان جميل الوجه فائق الحسن وكانت الفرس تتبرك بالجميل الوجه‪ ،‬فلما كلمه وجده‬
‫‪.‬أظرف الناس وأحضرهم جوابا‪ ،‬فرغب فيه وأثبته مع ولد المرزبان‬
‫عدي أول من كتب بالعربية في ديوان كسرى فكان عدي أول من كتب بالعربية في ديوان كسرى‪ ،‬فرغب أهل الحيرة إلى‬
‫عدي ورهبوه‪ ،‬فلم يزل بالمدائن في ديوان كسرى يؤذن له عليه في الخاصة وهو معجب به قريب منه‪ ،‬وأبوه زيد بن حماد‬
‫يومئذ حي إل أن ذكر عدي قد ارتفع وخمل ذكر أبيه‪ ،‬فكان عدي إذا دخل على المنذر قام جميع من عنده حتى يقعد عدي‪ ،‬فعل‬
‫له بذلك صيت عظيم‪ ،‬فكان إذا أراد المقام بالحيرة في منزله ومع أبيه واهله استأذن كسرى فأقام فيهم الشهر والشهرين‬
‫‪.‬وأكثر وأقل‬
‫إرسال كسرى له إلى ملك الروم ثم إن كسرى أرسل عدي بن زيد إلى ملك الروم بهدية من طرف ما عنده‪ ،‬فلما أتاه عدي‬
‫بها أكرمه وحمله إلى عماله على البريد ليريه سعة أرضه وعظيم ملكه ‪ -‬وكذلك كانوا يصنعون ‪ -‬فمن ثم وقع عدي بدمشق‪،‬‬
‫‪:‬وقال فيها الشعر‪ .‬فكان مما قاله بالشأم وهي أول شعر قاله فيما ذكر‬
‫مة أشهى إلي مـن جـيرون‬ ‫رب دار بأسفل الجزع مـن دو‬
‫لوا ول يرهبون صرف المنون‬ ‫وندامى ل يفرحون بـمـا نـا‬
‫قهوة مرة بـمـاء سـخـين ثم كان أول ما قاله بعدها قوله‬ ‫‪:‬قد سقيت الشمول في دار بشر‬
‫أصبحت غيرها طول القدم‬ ‫لمن الدار تعفـت بـخـيم‬
‫غير نؤي مثل خط بالقلـم‬ ‫ما تبين العين من آياتـهـا‬
‫لف بازي حماما في سلـم تولية أهل الحيرة زيدا أبا عدي على الحيرة وإبقاء‬ ‫صالحا قد لفها فاستوسقـت‬
‫اسم الملك للمنذر قال‪ :‬وفسد أمر الحيرة وعدي بدمشق حتى أصلح أبوه بينهم‪ ،‬لن أهل الحيرة حين كان عليهم المنذر أرادوا‬
‫قتله لنه كان ل يعدل فيهم‪ ،‬وكان يأخذ من أموالهم ما يعجبه‪ ،‬فلما تيقن أن أهل الحيرة قد أجمعوا على قتله بعث إلى زيد بن‬
‫حماد بن زيد بن أيوب‪ ،‬وكان قبله على الحيرة‪ ،‬فقال له‪ :‬يا زيد أنت خليفة أبي‪ ،‬وقد بلغني ما أجمع عليه أهل الحيرة فل حاجة‬
‫لي في ملككم‪ ،‬دونكموه ملكوه من شئتم؛ فقال له زيد‪ :‬إن المر ليس إلي‪ ،‬ولكني أسبر لك هذا المر ول آلوك نصحا‪ ،‬فلما‬
‫أصبح غدا إليه الناس فحيوه تحية الملك‪ ،‬وقالوا له‪ :‬أل تبعث إلى عبدك الظالم ‪ -‬يعنون المنذر‪ -‬فتريح منه رعيتك? فقال لهم‪:‬‬
‫أول خير من ذلك قالوا‪ :‬أشر علينا؛ قال‪ :‬تدعونه على حاله فإنه من أهل بيت ملك‪ ،‬وأنا آتيه فأخبره أن أهل الحيرة قد اختاروا‬
‫رجل يكون أمر الحيرة إليه إل أن يكون غزو أو قتال‪ ،‬فلك اسم الملك وليس إليك سوى ذلك من المور؛ قالوا‪ :‬رأيك أفضل‪.‬‬
‫فأتى المنذر فأخبره بما قالوا؛ فقبل ذلك وفرح‪ ،‬وقال‪ :‬إن لك يا زيد علي نعمة ل أكفرها ما عرفت حق سبد ‪ -‬وسبد صنم كان‬
‫‪:‬لهل الحيرة ‪ -‬فولى أهل الحيرة زيدا على كل شيء سوى اسم الملك فإنهم أقروه للمنذر‪ .‬وفي ذلك يقول عدي‬
‫عمد البيت وأوتاد الصار قدوم عدي للحيرة وخروج المنذر للقائه قال‪ :‬ثم هلك زيد‬ ‫نحن كنا قد علمتم قبلكـم‬
‫وابنه عدي يومئذ بالشأم‪ .‬وكانت لزيد ألف ناقة للحمالت كان أهل الحيرة أعطوه إياها حين ولوه ما ولوه‪ ،‬فلما هلك أرادوا‬
‫‪.‬أخذها؛ فبلغ ذلك المنذر‪ ،‬فقال‪ :‬ل‪ ،‬واللت والعزى ل يؤخذ مما كان في يد زيد ثفروق وأنا أسمع الصوت‬

‫صفحة ‪145 :‬‬

‫‪:‬ففي ذلك يقول عدي بن زيد لبنه النعمان بن المنذر‬


‫يوم سيم الخسف منا ذو الخسار قال‪ :‬ثم إن عديا قدم المدائن على كسرى بهدية‬ ‫وأبوك المرء لـم يشـنـأ بـه‬
‫قيصر‪ ،‬فصادف أباه والمرزبان الذي رباه قد هلكا جميعا‪ ،‬فاستأذن على كسرى في اللمام بالحيرة فإذن له فتوجه إليها‪ ،‬وبلغ‬
‫المنذر خبره فخرج فتلقاه في الناس ورجع معه‪ .‬وعدي أنبل أهل الحيرة في أنفسهم‪ ،‬ولو أراد أن يملكوه لملكوه‪ ،‬ولكنه كان‬
‫يؤثر الصيد واللهو واللعب على الملك‪ ،‬فمكث سنين يبدو في فصلي السنة فيقيم في جفير ويشتو بالحيرة‪ ،‬ويأتي المدائن في‬
‫خلل ذلك فيخدم كسرى‪ ،‬فمكث كذلك سنين‪ ،‬وكان ل يؤثر على بلد بني يربوع مبدى من مبادي العرب ول ينزل في حي من‬
‫أحياء بني تميم غيرهم‪ ،‬وكان أخلؤه من العرب كلهم بني جعفر‪ ،‬وكانت إبله في بلد بني ضبة وبلد بني سعد‪ ،‬وكذلك كان أبوه‬
‫‪.‬يفعل‪ :‬ل يجاوز هذين الحيين بإبله‬
‫ولم يزل على حاله تلك حتى تزوج هند بنت النعمان بن المنذر‪ ،‬وهي يومئذ جارية حين ‪</H6‬تزوجه هند بنت النعمان ‪<H6‬‬
‫‪.‬بلغت أو كادت‪ .‬وخبره يذكر في تزويجها بعد هذا‬
‫قال ابن حبيب وذكر هشام بن الكلبي عن إسحاق بن الجصاص وحماد الراوية وأبي محمد بن السائب قال‪ :‬كان لعدي بن زيد‬
‫أخوان‪ :‬أحدهما اسمه عمار ولقبه أبي‪ ،‬والخر اسمه عمرو ولقبه سمي‪ ،‬وكان لهم أخ من أمهم يقال له عدي بن حنظلة من‬
‫طيء‪ ،‬وكان أبي يكون عند كسرى‪ ،‬وكانوا أهل بيت نصارى يكونون مع الكاسرة‪ ،‬ولهم معهم أكل وناحية‪ ،‬يقطعونهم القطائع‬
‫‪.‬ويجزلون صلتهم‬
‫وكان المنذر لما ملك جعل ابنه النعمان بن المنذر في حجر عدي بن زيد‪</H6 ،‬جعل المنذر ابنه النعمان في حجر عدي ‪<H6‬‬
‫فهم الذين أرضعوه وربوه‪ ،‬وكان للمنذر ابن آخر يقال له السود أمه مارية بنت الحارث بن جلهم من تيم الرباب‪ ،‬فأرضعه‬
‫ورباه قوم من أهل الحيرة يقال لهم بنو مرينا ينتسبون إلى لخم وكانوا أشرافا‪ .‬وكان للمنذر سوى هذين من الولد عشرة‪ ،‬وكان‬
‫‪:‬ولده يقال لهم الشاهب من جمالهم‪ ،‬فذلك قول أعشى بن قيس بن ثعلبة‬
‫رة يمشون غدوة كالسـيوف‬ ‫سعي عدي بن زيد في ولية ‪ <H6‬وبنو المنذر الشاهب في الحي‬
‫ابن المنذر وسبب الخلف بينه وبين عدي بن مرينا ‪</H6‬النعمان‬

‫صفحة ‪146 :‬‬

‫وكان النعمان من بينهم أحمر أبرش قصيرا‪ ،‬وأمه سلمى بنت وائل بن عطية الصائغ من أهل فدك‪ ،‬فلما احتضر المنذر وخلف‬
‫أولده العشرة‪ ،‬وقيل‪ :‬بل كانوا ثلثة عشر‪ ،‬أوصى بهم إلى إياس بن قبيصة الطائي‪ ،‬وملكه على الحيرة إلى أن يرى كسرى‬
‫رأيه‪ ،‬فمكث عليها أشهرا وكسرى في طلب رجل يملكه عليهم‪ ،‬وهو كسرى بن هرمز‪ ،‬فلم يجد أحدا يرضاه فضجر فقال‪:‬‬
‫لبعثن إلى الحيرة اثني عشر ألفا من الساورة‪ ،‬ولملكن عليهم رجل من الفرس‪ ،‬ولمرنهم أن ينزلوا على العرب في دورهم‬
‫ويملكوا عليهم أموالهم ونساءهم‪ ،‬وكان عدي بن زيد واقفا بين يديه‪ ،‬فأقبل عليه وقال‪ :‬ويحك يا عدي‪ :‬من بقي من آل المنذر?‬
‫وهل فيهم أحد فيه خير? فقال‪ :‬نعم أيها الملك السعيد‪ ،‬إن في ولد المنذر لبقية وفيهم كلهم خير‪ ،‬فقال‪ :‬ابعث إليهم فأحضرهم‪،‬‬
‫فبعث عدي إليهم فأحضرهم وأنزلهم جميعا عنده‪ ،‬ويقال‪ :‬بل شخص عدي بن زيد إلى الحيرة حتى خاطبهم بما أراد وأوصاهم‪،‬‬
‫ثم قدم بهم على كسرى‪ .‬قال‪ :‬فلما نزلوا على عدي بن زيد أرسل إلى النعمان‪ :‬لست أملك غيرك فل يوحشنك ما أفضل به‬
‫إخوتك عليك من الكرامة فإني إنما أغترهم بذلك‪ ،‬ثم كان يفضل إخوته جميعا عليه في النزل والكرام والملزمة ويريهم تنقصا‬
‫للنعمان وأنه غير طامع في تمام أمر على يده‪ ،‬وجعل يخلو بهم رجل رجل فيقول‪ :‬إذا أدخلتكم على الملك فالبسوا أفخر ثيابكم‬
‫وأجملها‪ ،‬وإذا دعا لكم بالطعام لتأكلوا فتباطئوا في الكل وصغروا اللقم ونزروا ما تأكلون‪ ،‬فإذا قال لكم‪ :‬أتكفونني العرب?‬
‫فقولوا‪ :‬نعم‪ ،‬فإذا قال لكم‪ :‬فإن شذ أحدكم عن الطاعة وأفسد‪ ،‬أتكفوننيه? فقولوا‪ :‬ل‪ ،‬إن بعضنا ل يقدر على بعض‪ ،‬ليهابكم ول‬
‫يطمع في تفرقكم ويعلم أن للعرب منعة وبأسا فقبلوا منه‪ ،‬وخل بالنعمان فقال له‪ :‬البس ثياب السفر وادخل متقلدا بسيفك‪،‬‬
‫وإذا جلست للكل فعظم اللقم وأسرع المضغ والبلع وزد في الكل وتجوع قبل ذلك‪ ،‬فإن كسرى يعجبه كثرة الكل من العرب‬
‫خاصة‪ ،‬ويرى أنه ل خير في العربي إذا لم يكن أكول شرها‪ ،‬ولسيما إذا رأى غير طعامه وما ل عهد له بمثله‪ ،‬وإذا سألك هل‬
‫تكفيني العرب? فقل‪ :‬نعم‪ ،‬فإذا قال لك‪ :‬فمن لي بإخوتك? فقل له‪ :‬إن عجزت عنهم فإني عن غيرهم لعجز‪ .‬قال‪ :‬وخل ابن‬
‫مرينا بالسود فسأله عما أوصاه به عدي فأخبره‪ ،‬فقال‪ :‬غشك والصليب والمعمودية وما نصحك‪ ،‬لئن أطعتني لتخالفن كل ما‬
‫أمرك به ولتملكن‪ ،‬ولئن عصيتني ليملكن النعمان ول يغرنك ما أراكه من الكرام والتفضيل على النعمان‪ ،‬فإن ذلك دهاء فيه‬
‫ومكر‪ ،‬وإن هذه المعدية ل تخلو من مكر وحيلة‪ ،‬فقال له‪ :‬إن عديا لم يألني نصحا وهو أعلم بكسرى منك‪ ،‬وإن خالفته أوحشته‬
‫وأفسد علي وهو جاء بنا ووصفنا وإلى قوله يرجع كسرى‪ ،‬فلما أيس ابن مرينا من قبوله منه قال‪ :‬ستعلم‪ .‬ودعا بهم كسرى‪،‬‬
‫فلما دخلوا عليه أعجبه جمالهم وكمالهم ورأى رجال قلما رأى مثلهم‪ ،‬فدعا لهم بالطعام ففعلوا ما أمرهم به عدي‪ ،‬فجعل ينظر‬
‫إلى النعمان من بينهم ويتأمل أكله‪ ،‬فقال لعدي بالفارسية‪ :‬إن لم يكن في أحد منهم خير ففي هذا‪ ،‬فلما غسلوا أيديهم جعل‬
‫يدعو بهم رجل رجل فيقول له‪ :‬أتكفيني العرب? فيقول‪ :‬نعم أكفيكها كلها إل إخوتي‪ ،‬حتى انتهى النعمان آخرهم فقال له‪:‬‬
‫أتكفيني العرب? قال‪ :‬نعم قال‪ :‬كلها? قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فكيف لي بإخوتك? قال‪ :‬إن عجزت عنهم فأنا عن غيرهم أعجز‪ ،‬فملكه‬
‫‪.‬وخلع عليه وألبسه تاجا قيمته ستون ألف درهم فيه اللؤلؤ والذهب‬
‫‪ </H6‬بأن يهجوه ويبغيه الغوائل ما بقي ‪</H6 <H6‬توعد عدي بن مرينا لعدي بن زيد ‪<H6‬‬

‫صفحة ‪147 :‬‬

‫فلما خرج وقد ملك قال ابن مرينا للسود‪ :‬دونك عقبى خلفك لي‪ .‬ثم إن عديا صنع طعاما في بيعة وأرسل إلى ابن مرينا أن‬
‫ائتني بمن أحببت فإن لي حاجة فأتى في ناس فتغدوا في البيعة‪ ،‬فقال عدي بن زيد لبن مرينا‪ :‬يا عدي‪ ،‬إن أحق من عرف‬
‫الحق ثم لم يلم عليه من كان مثلك‪ ،‬وإني قد عرفت أن صاحبك السود بن المنذر كان أحب إليك أن يملك من صاحبي النعمان‪،‬‬
‫فل تلمني على شيء كنت على مثله‪ ،‬وأنا أحب أل تحقد علي شيئا لو قدرت عليه ركبته‪ ،‬وأنا أحب أن تعطيني من نفسك ما‬
‫أعطيت من نفسي‪ ،‬فإن نصيبي في هذا المر ليس بأوفر من نصيبك‪ ،‬وقام إلى البيعة فحلف أل يهجوه أبدا ول يبغيه غائلة؛ ول‬
‫يزوي عنه خيرا‪ ،‬أبدا فلما فرغ عدي بن زيد‪ ،‬قام عدي بن مرينا فحلف مثل عينه أل يزال يهجوه أبدا ويبغيه الغوائل ما بقي‪.‬‬
‫‪:‬وخرج النعمان حتى نزل منزل أبيه بالحيرة‪ ،‬فقال عدي بن مرينا لعدي بن زيد‬
‫فل تجزع وإن رثت قواكا‬ ‫أل أبلغ عـديا عـن عـدي‬
‫لتحمد أو يتم به غـنـاكـا‬ ‫هياكلنا تبر لـغـير فـقـر‬
‫وإن تعطب فل يبعد سواكا‬ ‫فإن تظفر فلم تظفر حمـيدا‬
‫رأت عيناك ما صنعت يداكا‬ ‫قال‪</H6 :‬تدبير عدي بن مرينا المكيدة لعدي ‪ <H6‬ندمت ندامة الكسعي لـمـا‬
‫ثم قال عدي بن مرينا للسود‪ :‬أما إذا لم تظفر فل تعجزن أن تطلب بثأرك من هذا المعدي الذي فعل بك ما فعل‪ ،‬فقد كنت‬
‫أخبرك أن معدا ل ينام كيدها ومكرها وأمرتك أن تعصيه فخالفتني‪ ،‬قال‪ :‬فما تريد? قال‪ :‬أريد أل تأتيك فائدة من مالك وأرضك‬
‫إل عرضتها علي ففعل‪ .‬وكان ابن مرينا كثير المال والضيعة‪ ،‬فلم يكن في الدهر يوم يأتي إل على باب النعمان هدية من ابن‬
‫مرينا‪ ،‬فصار من أكرم الناس عليه حتى كان ل يقضي في ملكه شيئا إل بأمر ابن مرينا‪ ،‬وكان إذا ذكر عدي بن زيد عند النعمان‬
‫أحسن الثناء عليه وشيع ذلك بأن يقول‪ :‬إن عدي بن زيد فيه مكر وخديعة‪ ،‬والمعدي ل يصلح إل هكذا‪ .‬فلما رأى من يطيف‬
‫بالنعمان منزلة ابن مرينا عنده لزموه وتابعوه‪ ،‬فجعل يقول لمن يثق به من أصحابه‪ :‬إذا رأيتموني أذكر عديا عند الملك بخير‬
‫فقولوا‪ :‬إنه لكذلك‪ ،‬ولكنه ل يسلم عليه أحد وإنه ليقول‪ :‬إن الملك ‪ -‬يعني النعمان ‪ -‬عامله‪ ،‬وإنه هو وله ما وله‪ ،‬فلم يزالوا‬
‫بذلك حتى أضغنوه عليه‪ ،‬فكتبوا كتابا على لسانه إلى قهرمان له ثم دسوا إليه حتى أخذوا الكتاب منه وأتوا به النعمان فقرأه‬
‫وما خاطب به عدي النعمان من الشعر ‪</H6 <H6‬حبس النعمان لعدي بن زيد ‪: <H6‬فاشتد غضبه‪ ،‬فأرسل إلى عدي بن زيد‬
‫عزمت عليك إل زرتني فإني قد اشتقت إلى رؤيتك‪ ،‬وعدي يومئذ عند كسرى‪ ،‬فاستأذن كسرى فأذن له‪ .‬فلما أتاه لم ‪</H6‬‬
‫ينظر إليه حتى حبسه في محبس ل يدخل عليه فيه أحد‪ ،‬فجعل عدي يقول الشعر وهو في الحبس‪ ،‬فكان أول ما قاله وهو‬
‫‪:‬محبوس من الشعر‬
‫ك بخبر النباء عطف السؤال‬ ‫ليت شعري عن الهمام ويأتي‬
‫س إذ ناهدوا ليوم المـحـال‬ ‫أين عنا إخطارنا المال والنف‬
‫ن وأرمي وكلنا غـير آلـي‬ ‫ونضالي في جنبك الناس يرمو‬
‫وأربي عـلـيهـم وأوالـي‬ ‫فأصيب الذي تريد بل غـش‬
‫ولم ألـق مـيتة القـتـال‬ ‫ليت أني أخذت حتفي بكفـي‬
‫م فقد أوقعوا الرحا بالثفـال وهي قصيدة طويلة‪ .‬قالوا وقال أيضا وهو محبوس‬ ‫‪:‬محلوا محلهم لصرعتنا العـا‬
‫بوارق يرتقين رؤوس بشيب‬ ‫أرقت لمكفهـر بـات فـيه‬
‫ويجلو صفح دخدار قشـيب ويروي‪ :‬تخال المشرفية‪ .‬والدخدار‪ :‬فارسية معربة وهو‬ ‫تلوح الـمـشـرفـية ذراه‬
‫‪:‬الثوب المصون‪ .‬يقول فيها‬
‫علي ورب مكة والصلـيب‬ ‫سعى العداء ل يألون شـرا‬
‫ليسجن أو يدهده في القليب‬ ‫أرادوا كي تمهل عن عـدي‬
‫وقد سلكوك في يوم عصيب‬ ‫وكنت لزاز خصمك لم أعرد‬
‫كما بين اللحاء إلى العسيب‬ ‫أعالنهم وأبطـن كـل سـر‬
‫بتاجك فوزة القدح الريب‬ ‫ففزت عليهم لما التـقـينـا‬
‫ولكن ما لقيت من العجيب‬ ‫وما دهري بأن كدرت فضل‬

‫صفحة ‪148 :‬‬

‫وقد تهدى النصيحة بالمغـيب‬ ‫أل من مبلغ النعمـان عـنـي‬


‫وغل والبيان لـدى الـطـيب‬ ‫أحظي كان سلـسـلة وقـيدا‬
‫ولم تسأم بمسجـون حـريب‬ ‫أتاك بأنني قد طال حـبـسـي‬
‫أرامل قد هلكن من النحـيب‬ ‫وبيتي مـقـفـر إل نـسـاء‬
‫كشن خانه خـرز الـربـيب‬ ‫يبادرن الدموع عـلـى عـدي‬
‫وما اقترفوا عليه من الذنـوب‬ ‫يحاذرن الوشاة عـلـى عـدي‬
‫فقد يهم المصافي بالحـبـيب‬ ‫فإن أخطأت أو أوهمت أمـرا‬
‫وإن أظلم فذلك من نصـيبـي‬ ‫وإن أظلم فقد عاقبتـمـونـي‬
‫إذا التقت العوالي في الحروب‬ ‫وإن أهلك تجد فقدي وتـخـذل‬
‫ول تغلب على الرأي المصيب‬ ‫فهل لك أن تدارك ما لـدينـا‬
‫إلى رب قريب مسـتـجـيب قالوا‪ :‬وقال فيه أيضا‬ ‫‪:‬فإني قد وكلت الـيوم أمـري‬
‫وكأني ناذر الصبح سـمـر‬ ‫طال ذا الليل علينا واعتكـر‬
‫فوق ما أعلن منـه وأسـر‬ ‫من نجي الهم عنـدي ثـاويا‬
‫ولقد ما ظن بالليل القصـر‬ ‫وكأن اللـيل فـيه مـثـلـه‬
‫أتمنى لو أرى الصبح جشر‬ ‫لم أغمض طوله حتى انقضى‬
‫خلس النوم وأجداني السهـر وفيها يقول‬ ‫‪:‬غير ما عشق ولكن طـارق‬
‫قول من قد خاف ظنا فاعتذر‬ ‫أبلغ النعمان عني مـالـكـا‬
‫لبيل كلمـا صـلـى جـأر‬ ‫أنني والله‪ ،‬فاقبل حـلـفـي‬
‫حسن لمته وافي الـشـعـر‬ ‫مرعد أحشاؤه فـي هـيكـل‬
‫ولدى الله من العلم المـسـر‬ ‫ما حملت الغل من أعدائكـم‬
‫بأسا حتى إذا العظم جـبـر‬ ‫ل تكونن كآسي عـظـمـه‬
‫ينحنون المشي منه فانكسـر‬ ‫عاد بعد الجبر يبغي وهـنـه‬
‫لك في السعي إذا العبد كفر وقال له أيضا ‪ -‬وهي قصيدة طويلة‬ ‫‪ -:‬واذكر النعمى التي لم أنسهـا‬
‫أنه قد طال حبسي وانتظـاري‬ ‫أبلغ النعمان عـنـي مـألـكـا‬
‫كنت كالغصان بالماء اعتصاري‬ ‫لو بغير الماء حلـقـي شـرق‬
‫حيثما أدرك ليلـي ونـهـاري‬ ‫ليت شعري عن دخيل يفـتـري‬
‫وحراما كان سجني واحتصاري‬ ‫قاعدا يكرب نفـسـي بـثـهـا‬
‫ودنوي كان منكم واصطهـاري في قصائد كثيرة كان يقولها فيه‪ ،‬ويكتب بها إليه فل‬ ‫أجل نعمـى ربـهـا أولـكـم‬
‫‪(.‬تغني عنده شيئا‪( .‬هذه رواية الكلبي‬
‫وأما المفضل الضبي فإنه ذكر أن عدي بن زيد لما قدم على النعمان صادفه ‪</H6‬رواية المفضل الضبي في سبب ذلك ‪<H6‬‬
‫ل مال ول أثاث ول ما يصلح لملك‪ ،‬وكان آدم إخوته منظرا وكلهم أكثر مال منه‪ ،‬فقال له عدي‪ :‬كيف أصنع بك ول مال عندك‬
‫فقال له النعمان‪ :‬ما أعرف لك حيلة إل ما تعرفه أنت‪ ،‬فقال له‪ :‬قم بنا نمض إلى ابن قردس ‪ -‬رجل من أهل الحيرة من دومة ‪-‬‬
‫فأتياه ليقترضا منه مال‪ ،‬فأبى أن يقرضهما وقال‪ :‬ما عندي شيء فأتيا جابر بن شمعون وهو السقف أحد بني الوس بن قلم‬
‫بن بطين بن جمهير بن لحيان من بني الحارث بن كعب فاستقرضا منه مال‪ ،‬فأنزلهما عنده ثلثة أيام يذبح لهم ويسقيهم الخمر‪،‬‬
‫فلما كان في اليوم الرابع قال لهما‪ :‬ما تريدان? فقال له عدي‪ :‬تقرضنا أربعين ألف درهم يستعين بها النعمان على أمره عند‬
‫كسرى‪ ،‬فقال‪ :‬لكما عندي ثمانون ألفا‪ ،‬ثم أعطاهما إياها‪ ،‬فقال النعمان لجابر‪ :‬ل جرم ل جرى لي درهم إل على يديك إن أنا‬
‫ملكت‪ .‬قال‪ :‬وجابر هو صاحب القصر البيض بالحيرة‪ ،‬ثم ذكر من قصة النعمان وإخوته وعدي وابن مرينا مثل ما ذكره ابن‬
‫الكلبي‪ .‬وقال المفضل خاصة‪ :‬إن سبب حبس النعمان عدي بن زيد‪ ،‬أن عديا صنع ذات يوم طعاما للنعمان‪ ،‬وسأله أن يركب‬
‫إليه ويتغدى عنده هو وأصحابه‪ ،‬فركب النعمان إليه فاعترضه عدي بن مرينا فاحتبسه حتى تغدى عنده هو وأصحابه وشربوا حتى‬
‫ثملوا‪ ،‬ثم ركب إلى عدي ول فضل فيه‪ ،‬فأحفظه ذلك‪ ،‬ورأى في وجه عدي الكراهة فقام فركب ورجع إلى منزله‪ ،‬فقال عدي‬
‫‪:‬بن زيد في ذلك من فعل النعمان‬

‫صفحة ‪149 :‬‬

‫ن حديثنا يودي بمـالـك‬ ‫أحسبت مجلسنـا وحـس‬


‫رعة لمرك أو نكالـك‬ ‫فالمال والهلون مـص‬
‫رك في يمينك أو شمالك قال‪ :‬وأرسل النعمان ذات يوم إلى عدي بن زيد فأبى أن يأتيه‬ ‫ما تأمـرن فـينـا فـأم‬
‫ثم أعاد رسوله فأبى أن يأتيه‪ ،‬وقد كان النعمان شرب فغضب وأمر به فسحب من منزله حتى انتهي به إليه‪ ،‬فحبسه في‬
‫‪:‬الصنين ولج في حبسه وعدي يرسل إليه بالشعر‪ ،‬فمما قاله له‬
‫غير وجه المسبح الـخـلق‬ ‫ليس شيء على المنون ببـاق‬
‫مصيب ذا الود والشـفـاق‬ ‫إن نكن آمنين فاجـأنـا شـر‬
‫للرب وحنث بمعقد الميثـاق‬ ‫فبرىء صدري من الـظـلـم‬
‫بى حبيب لودنـا مـشـتـاق‬ ‫ولقد ساءنـي زيارة ذي قـر‬
‫دي وإشناقها إلى العـنـاق‬ ‫ساءه ما بنا تـبـين فـي الي‬
‫ل يؤاتي العناق من في الوثاق‬ ‫فاذهبي يا أميم غـير بـعـيد‬
‫ينفس من أزم هذا الخـنـاق‬ ‫واذهبي يا أميم إن يشأ الـلـه‬
‫س ل تمنع الحتوف الرواقي ويقول فيها‬ ‫‪:‬أو تكن وجهة فتلك سبيل النـا‬
‫وبنوه قد أيقـنـوا بـغـلق‬ ‫وتقول الـعـداة أودى عـدي‬
‫إخوتي إن أتيت صحن العراق‬ ‫يا أبا مسهر فأبـلـغ رسـول‬
‫أنني موثق شـديد وثـاقـي‬ ‫أبلغا عامـرا وأبـلـغ أخـاه‬
‫رس والمرء كل شيء يلقي‬ ‫في حديد القسطاس يرقبني الحا‬
‫وثياب منضـحـات خـلق‬ ‫في حديد مضاعف وغـلـول‬
‫إن عيرا قد جهزت لنطلق يعني الشهر الحرام‪ .‬قالوا جميعا‪ :‬وخرج النعمان‬ ‫فاركبوا في الحرام فكوا أخاكم‬
‫إلى البحرين‪ ،‬فأقبل رجل من غسان فأصاب في الحيرة ما أحب‪ ،‬ويقال‪ :‬إنه جفنة بن النعمان الجفني‪ ،‬فقال عدي بن زيد في‬
‫‪:‬ذلك‬
‫وألهاك المروح والعزيب المروح‪ :‬البل المروحة إلى أعطانها‪ .‬والعزيب‪ :‬ما ترك في‬ ‫سما صقر فأشعل جانبيها‬
‫‪.‬مراعيه‬

‫وصبحن العباد وهن شيب‬ ‫وثبن لدى الثوية ملجمـات‬


‫ترجيها مـسـومة ونـيب‬ ‫أل تلك الغنـيمة ل إفـال‬
‫كما ترجو أصاغرها عتيب‬ ‫في ذلك ‪</H6 <H6‬لما طال سجنه كتب إلى أخيه ‪ <H6‬ترجيها وقد صابت بـقـر‬
‫‪:‬وقالوا جميعا‪ :‬فلما طال سجن عدي بن زيد كتب إلى أخيه أبي وهو مع كسرى بهذا الشعر ‪ </H6‬شعرا فأجابه‬
‫وهل ينفع المرء ما قد علم‬ ‫ابلـغ أبـيا عـلـى نـأيه‬
‫د كنت به واثقا ما سـلـم‬ ‫بأن أخاك شقـيق الـفـؤا‬
‫يدإما بحق وإمـا ظـلـم‬ ‫لدى ملك موثق في الحـد‬
‫ما لم تجد عارما تعـتـرم‬ ‫فل أعرفنك كذات الغـلم‬
‫تنم نومة ليس فيها حـلـم قال‪ :‬فكتب إليه أخوه أبي‬ ‫‪:‬فأرضك أرضك إن تأتينـا‬
‫جز باع ول ألف ضـعـيف‬ ‫إن يكن خانك الزمان فل عـا‬
‫ء طحونا تضيء فيها السيوف‬ ‫ويمـين اللـه لـو أن جـأوا‬
‫ت صحيح سربالها مكفـوف‬ ‫ذات رز مجتابة غمرة الـمـو‬
‫فاعلمن لو سمعت إذ تستضيف‬ ‫كنت في حميها لجئتك أسعـى‬
‫نع تلد لحـاجة أو طـريف‬ ‫أو بمال سألـت دونـك لـم يم‬
‫لم يهلني بعد بها أو مخـوف‬ ‫أو بأرض أسطيع آتيك فـيهـا‬
‫ل يعقبك ما يصوب الخـريف‬ ‫إن تفتني والله إلفا فـجـوعـا‬
‫عز هذا الزمان والتعـنـيف‬ ‫في العادي وأنت مني بـعـيد‬
‫لجزوع على الصديق أسـوف‬ ‫ولعمري لئن جزعت عـلـيه‬
‫لقليل شرواك فيمـا أطـوف‬ ‫‪</H6‬أمر كسرى النعمان بإطلق عدي فقتله ‪ <H6‬ولعمري لئن ملكـت عـزائي‬
‫‪ </H6‬قبل وصول الرسول إليه ‪<H6‬‬

‫صفحة ‪150 :‬‬

‫قالوا جميعا‪ :‬فلما قرأ أبي كتاب عدي قام إلى كسرى فكلمه في أمره وعرفه خبره‪ ،‬فكتب إلى النعمان يأمره بإطلقه‪ ،‬وبعث‬
‫معه رجل‪ ،‬وكتب خليفة النعمان إليه‪ :‬إنه كتب إليك في أمره‪ ،‬فأتى النعمان أعداء عدي من بني بقيلة وهم من غسان‪ ،‬فقالوا‬
‫له‪ :‬اقتله الساعة فأبى عليهم‪ ،‬وجاء الرسول‪ ،‬وقد كان أخو عدي تقدم إليه ورشاه وأمره أن يبدأ بعدي فيدخل إليه محبوس‬
‫بالصنين‪ ،‬فقال له‪ :‬ادخل عليه فانظر ما يأمرك به فامتثله‪ ،‬فدخل الرسول على عدي‪ ،‬فقال له‪ :‬إني قد جئت بإرسالك‪ ،‬فما‬
‫عندك? قال‪ :‬عندي الذي تحب ووعده بعدة سنية‪ ،‬وقال له‪ :‬ل تخرجن من عندي وأعطني الكتاب حتى أرسله إليه‪ ،‬فإنك والله‬
‫إن خرجت من عندي لقتلن‪ ،‬فقال‪ :‬ل أستطيع إل أن آتي الملك بالكتاب فأوصله إليه‪ ،‬فانطلق بعض من كان هناك من أعدائه‬
‫فأخبر النعمان أن رسول كسرى دخل على عدي وهو ذاهب به‪ ،‬وإن فعل والله لم يستبق منا أحدا أنت ول غيرك‪ ،‬فبعث إليه‬
‫النعمان أعداءه فغموه حتى مات ثم دفنوه‪ .‬ودخل الرسول إلى النعمان فأوصل الكتاب إليه‪ ،‬فقال‪ :‬نعم وكرامة‪ ،‬وأمر له بأربعة‬
‫آلف مثقال ذهبا وجارية حسناء‪ ،‬وقال له‪ :‬إذا أصبحت فادخل أنت بنفسك فأخرجه‪ ،‬فلما أصبح ركب فدخل السجن‪ ،‬فأعلمه‬
‫الحرس أنه قد مات منذ أيام ولم نجترىء على إخبار الملك خوفا منه‪ ،‬وقد عرفنا كراهته لموته‪ .‬فرجع إلى النعمان‪ ،‬وقال له‪:‬‬
‫إني كنت أمس دخلت على عدي‪ .‬وهو حي‪ ،‬وجئت اليوم فجحدني السجان وبهتني‪ ،‬وذكر أنه قد مات منذ أيام‪ .‬فقال له النعمان‪:‬‬
‫أيبعث بك الملك إلي فتدخل إليه قبلي كذبت‪ ،‬ولكنك أردت الرشوة والخبث‪ ،‬فتهدده ثم زاده جائزة وأكرمه‪ ،‬وتوثق منه أل يخبر‬
‫كسرى إل أنه قد مات قبل أن يقدم عليه‪ .‬فرجع الرسول إلى كسرى‪ ،‬وقال‪ :‬إني وجدت عديا قد مات قبل أن أدخل عليه‪ .‬وندم‬
‫‪.‬النعمان على قتل عدي وعرف أنه احتيل عليه في أمره‪ ،‬واجترأ عليه وهابهم هيبة شديدة‬
‫ثم إنه خرج إلى صيده ذات يوم فلقي ابنا لعدي ‪ </H6‬بن عدي فاتخذه كاتبا ‪</H6 <H6‬مدح النعمان لدى كسرى زيدا ‪<H6‬‬
‫يقال له زيد‪ ،‬فلما رآه عرف شبهه‪ ،‬فقال له‪ :‬من أنت? فقال‪ :‬أنا زيد بن عدي بن زيد‪ ،‬فكلمه فإذا غلم ظريف‪ ،‬ففرح به فرحا‬
‫شديدا وقربه وأعطاه ووصله واعتذر إليه من أمر أبيه وجهزه‪ ،‬ثم كتب إلى كسرى‪ :‬إن عديا كان ممن أعين به الملك في نصحه‬
‫ولبه‪ ،‬فأصابه ما لبد منه وانقطعت مدته وانقضى أجله‪ ،‬ولم يصب به أحد أشد من مصيبتي‪ ،‬وأما الملك فلم يكن ليفقد رجل إل‬
‫جعل الله له منه خلفا لما عظم الله من ملكه وشأنه‪ ،‬وقد بلغ ابن له ليس بدونه‪ ،‬رأيته يصلح لخدمة الملك فسرحته إليه‪ ،‬فإن‬
‫رأى الملك أن يجعله مكان أبيه فليفعل وليصرف عمه عن ذلك إلى عمل آخر‪ .‬وكان هو الذي يلي المكاتبة عن الملك إلى ملوك‬
‫العرب في أمورها وفي خواص أمور الملك‪ .‬وكانت له من العرب وظيفة موظفة في كل سنة‪ :‬مهران أشقران يجعلن له هلما‪،‬‬
‫والكمأة الرطبة في حينها واليابسة والقط والدم وسائر تجارات العرب‪ ،‬فكان زيد بن عدي يلي ذلك له وكان هذا عمل عدي‪.‬‬
‫فلما وقع زيد بن عدي عند الملك هذا الموقع سأله كسرى عن النعمان‪ ،‬فأحسن الثناء عليه‪ .‬ومكث على ذلك سنوات على المر‬
‫‪.‬الذي كان أبوه عليه‪ .‬وأعجب به كسرى‪ ،‬فكان يكثر الدخول عليه والخدمة له‬
‫‪ </H6‬حتى غضب عليه فقتله ‪</H6 <H6‬كيد زيد للنعمان عند كسرى ‪<H6‬‬

‫صفحة ‪151 :‬‬

‫وكانت لملوك العجم صفة من النساء مكتوبة عندهم‪ ،‬فكانوا يبعثون في تلك الرضين بتلك الصفة‪ ،‬فإذا وجدت حملت إلى‬
‫الملك‪ ،‬غير أنهم لم يكونوا يطلبونها في أرض العرب ول يظنونها عندهم‪ .‬ثم إنه بدا للملك في طلب تلك الصفة‪ ،‬وأمر فكتب بها‬
‫إلى النواحي‪ ،‬ودخل إليه زيد بن عدي وهو في ذلك القول‪ ،‬فخاطبه فيما دخل إليه فيه‪ ،‬ثم قال‪ :‬إني رأيت الملك قد كتب في‬
‫نسوة يطلبن له وقرأت الصفة وقد كنت بآل المنذر عارفا‪ ،‬وعند عبدك النعمان من بناته وأخواته وبنات عمه وأهله أكثر من‬
‫عشرين امرأة على هذه الصفة‪ ،‬قال‪ :‬فاكتب فيهن‪ ،‬قال‪ :‬أيها الملك‪ ،‬إن شر شيء في العرب وفي النعمان خاصة أنهم‬
‫يتكرمون ‪ -‬زعموا في أنفسهم ‪ -‬عن العجم‪ ،‬فأنا أكره أن يغيبهن عمن تبعث إليه أو يعرض عليه غيرهن‪ ،‬وإن قدمت أنا عليه لم‬
‫يقدر على ذلك‪ ،‬فابعثني وابعث معي رجل من ثقاتك يفهم العربية حتى أبلغ ما تحبه‪ ،‬فبعث معه رجل جلدا فهما‪ ،‬فخرج به زيد‪،‬‬
‫فجعل يكرم الرجل ويلطفه حتى بلغ الحيرة‪ ،‬فلما دخل عليه أعظم الملك وقال‪ :‬إنه قد احتاج إلى نساء لنفسه وولده وأهل‬
‫بيته‪ ،‬وأراد كرامتك بصهره فبعث إليك‪ ،‬فقال‪ :‬ما هؤلء النسوة? فقال‪ :‬هذه صفتهن قد جئنا بها‪ .‬وكانت الصفة أن المنذر الكبر‬
‫أهدى إلى أنوشروان جارية كان أصابها إذ أغار على الحارث الكبر بن أبي شمر الغساني‪ ،‬فكتب إلى أنوشروان بصفتها‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫إني قد وجهت إلى الملك جارية معتدلة الخلق‪ ،‬نقية اللون والثغر‪ ،‬بيضاء قمراء وطفاء كحلء دعجاء حوراء عيناء قنواء شماء‬
‫برجاء زجاء أسيلة الخد‪ ،‬شهية المقبل‪ ،‬جثلة الشعر‪ ،‬عظيمة الهامة‪ ،‬بعيدة مهوى القرط‪ ،‬عيطاء‪ ،‬عريضة الصدر‪ ،‬كاعب الثدي‪،‬‬
‫ضخمة مشاش المنكب والعضد‪ ،‬حسنة المعصم‪ ،‬لطيفة الكف‪ ،‬سبطة البنان‪ ،‬ضامرة البطن‪ ،‬خميصة الخصر‪ ،‬غرثى الوشاح‪،‬‬
‫رداح القبال‪ ،‬رابية الكفل‪ ،‬لفاء الفخذين‪ ،‬ريا الروادف‪ ،‬ضخمة المأكمتين‪ ،‬مفعمة الساق‪ ،‬مشبعة الخلخال‪ ،‬لطيفة الكعب‬
‫والقدم‪ ،‬قطوف المشي‪ ،‬مكسال الضحى‪ ،‬بضة المتجرد‪ ،‬سموعا للسيد‪ ،‬ليست بخنساء ول سفعاء‪ ،‬رقيقة النف‪ ،‬عزيزة النفس‪،‬‬
‫لم تغذ في بؤس‪ ،‬حيية رزينة‪ ،‬حليمة ركينة‪ ،‬كريمة الخال‪ ،‬تقتصر على نسب أبيها دون فصيلتها‪ ،‬وتستغني بفصيلتها دون جماع‬
‫قبيلتها‪ ،‬قد أحكمتها المور في الدب‪ ،‬فرأيها رأي أهل الشرف‪ ،‬وعملها عمل أهل الحاجة‪ ،‬صناع الكفين‪ ،‬قطيعة اللسان ورهو‬
‫الصوت ساكنته‪ ،‬تزين الولي‪ ،‬وتشين العدو‪ ،‬إن أردتها اشتهت‪ ،‬وإن تركتها انتهت‪ ،‬تحملق عيناها‪ ،‬وتحر وجنتاها‪ ،‬وتذبذب شفتاها‪،‬‬
‫وتبادرك الوثبة إذا قمت‪ ،‬ول تجلس إل بأمرك إذا جلست‪ .‬قال‪ :‬فقبلها أنوشروان وأمر بإثبات هذه الصفة في دواوينه‪ ،‬فلم يزالوا‬
‫يتوارثونها حتى أفضى ذلك إلى كسرى بن هرمز‪ .‬فقرأ زيد هذه الصفة على النعمان‪ ،‬فشقت عليه؛ وقال لزيد والرسول يسمع‪:‬‬
‫أما في مها السواد وعين فارس ما يبلغ به كسرى حاجته فقال الرسول لزيد بالفارسية‪ :‬ما المها والعين? فقال له بالفارسية‪:‬‬
‫كاوان أي البقر؛ فأمسك الرسول‪ .‬وقال زيد للنعمان‪ :‬إنما أراد الملك كرامتك‪ ،‬ولو علم أن هذا يشق عليك لم يكتب إليك به‪.‬‬
‫فأنزلهما يومين عنده‪ ،‬ثم كتب إلى كسرى‪ :‬إن الذي طلب الملك ليس عندي‪ ،‬وقال لزيد‪ :‬اعذرني عند الملك‪ .‬فلما رجعا إلى‬
‫كسرى؛ قال زيد للرسول الذي قدم معه‪ :‬اصدق الملك عما سمعت‪ ،‬فإني سأحدثه بمثل حديثك ول أخالفك فيه‪ .‬فلما دخل على‬
‫كسرى‪ ،‬قال زيد‪ :‬هذا كتابه إليك‪ ،‬فقرأه عليه‪ .‬فقال له كسرى‪ :‬وأين الذي كنت خبرتني به? قال‪ :‬قد كنت خبرتك بضنتهم‬
‫بنسائهم على غيرهم‪ ،‬وإن ذلك من شقائهم واختيارهم الجوع والعري على الشبع والرياش‪ ،‬وإيثارهم السموم والرياح على‬
‫طيب أرضك هذه‪ ،‬حتى إنهم ليسمونها السجن‪ ،‬فسل هذا الرسول الذي كان معي عما قال‪ ،‬فإني أكرم الملك عن مشافهته بما‬
‫قال وأجاب به‪ .‬قال للرسول‪ :‬وما يقال أيها الملك‪ ،‬إنه قال‪ :‬أما كان في بقر السواد وفارس ما يكفيه حتى يطلب ما عندنا‪،‬‬
‫فعرف الغضب في وجهه‪ ،‬ووقع في قلبه منه ما وقع‪ ،‬لكنه لم يزد على أن قال‪ :‬رب عبد قد أراد ما هو أشد من هذا ثم صار‬
‫‪.‬أمره إلى التباب‪ .‬وشاع هذا الكلم حتى بلغ النعمان‪ ،‬وسكت كسرى أشهرا على ذلك‬
‫‪</H6‬النعمان يسلم نفسه لكسرى ‪<H6‬‬

‫صفحة ‪152 :‬‬

‫وجعل النعمان يستعد ويتوقع حتى أتاه كتابه‪ :‬أن أقبل فإن للملك حاجة إليك‪ ،‬فانطلق حين أتاه كتابه فحمل سلحه وما قوي‬
‫عليه‪ ،‬ثم لحق بجبلي طي وكانت فرعة بنت سعد بن حارثة بن لم عنده‪ ،‬وقد ولدت له رجل وامرأة‪ ،‬وكانت أيضا عنده زينب‬
‫بنت أوس بن حارثة‪ ،‬فأراد النعمان طيئا على أن يدخلوه الجبلين ويمنعوه فأبوا ذلك عليه‪ ،‬وقالوا له‪ :‬لول صهرك لقتلناك‪ ،‬فإنه ل‬
‫حاجة بنا إلى معاداة كسرى‪ ،‬ول طاقة لنا به‪ .‬وأقبل يطوف على قبائل العرب ليس أحد منهم يقبله‪ ،‬غير أن بني رواحة بن‬
‫قطيعة بن عبس قالوا‪ :‬إن شئت قاتلنا معك‪ ،‬لمنة كانت له عندهم في أمر مروان القرظ‪ ،‬قال‪ :‬ما أحب أن أهلككم‪ ،‬فإنه ل‬
‫طاقة لكم بكسرى‪ .‬فأقبل حتى نزل بذي قار في بني شيبان سرا‪ ،‬فلقي هانىء بن قبيصة‪ ،‬وقيل بل هانىء بن مسعود بن عامر‬
‫بن عمرو بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان‪ ،‬وكان سيدا منيعا‪ ،‬والبيت يومئذ من ربيعة في آل ذي الجدين لقيس بن مسعود بن‬
‫قيس بن خالد ذي الجدين‪ ،‬وكان كسرى قد أطعم قيس بن مسعود البلة‪ ،‬فكره النعمان أن يدفع إليه أهله لذلك‪ ،‬وعلم أن هانئا‬
‫‪.‬يمنعه مما يمنع منه نفسه‬
‫وقال حماد الراوية في خبره‪ :‬إنه إنما استجار بهانىء كما استجار بغيره فأجاره‪ ،‬وقال له‪ :‬قد لزمني ذمامك وأنا مانعك مما‬
‫أمنع نفسي وأهلي وولدي منه ما بقي من عشيرتي الدنين رجل‪ ،‬وإن ذلك غير نافعك لنه مهلكي ومهلكك‪ ،‬وعندي رأي لك‪،‬‬
‫لست أشير به عليك لدفعك عما تريده من مجاورتي ولكنه الصواب؛ فقال‪ :‬هاته؛ فقال‪ :‬إن كل أمر يجمل بالرجل أن يكون‬
‫عليه إل أن يكون بعد الملك سوقة‪ ،‬والموت نازل بكل أحد‪ ،‬ولن تموت كريما خير من أن تتجرع الذل أو تبقى سوقة بعد‬
‫الملك‪ ،‬هذا إن بقيت‪ ،‬فأمض إلى صاحبك وارسل إليه هدايا ومال وألق نفسك بين يديه‪ ،‬فإما أن صفح عنك فعدت ملكا عزيزا‪،‬‬
‫وإما أن أصابك فالموت خير من أن يتلعب بك صعاليك العرب ويتخطفك ذئابها وتأكل مالك وتعيش فقيرا مجاورا أو تقتل‬
‫مقهورا؛ فقال‪ :‬كيف بحرمي? قال‪ :‬هن في ذمتي‪ ،‬ل يخلص إليهن حتى يخلص إلى بناتي؛ فقال‪ :‬هذا وأبيك الرأي الصحيح‪ ،‬ولن‬
‫أجاوزه‪ .‬ثم اختار خيل وحلل من عصب اليمن وجوهرا وطرقا كانت عنده‪ ،‬ووجه بها إلى كسرى وكتب إليه يعتذر ويعلمه أنه صائر‬
‫إليه‪ ،‬ووجه بها مع رسوله‪ ،‬فقبلها كسرى وأمره بالقدوم؛ فعاد إليه الرسول فأخبره بذلك وأنه لم ير له عند كسرى سوءا‪.‬‬
‫فمضى إليه حتى إذا وصل إلى المدائن لقيه زيد بن عدي على قنطرة ساباط‪ ،‬فقال له‪ :‬انج نعيم‪ ،‬إن استطعت النجاء؛ فقال له‪:‬‬
‫أفعلتها يا زيد أما والله‪ ،‬لئن عشت لك لقتلنك قتلة لم يقتلها عربي قط وللحقنك بأبيك فقال له زيد‪ :‬امض لشأنك نعيم‪ ،‬فقد‬
‫‪.‬والله أخيت لك أخيه ل يقطعها المهر الرن‬
‫فلما بلغ كسرى أنه بالباب بعث إليه‪ ،‬فقيده وبعث به إلى سجن كان له بخانقين‪</H6 ،‬وصول النعمان لكسرى وموته ‪<H6‬‬
‫‪.‬فلم يزل فيه حتى وقع الطاعون هناك فمات فيه‬
‫وقال حماد الراوية والكوفيون‪ :‬بل مات بساباط في حبسه‪ .‬وقال ابن الكلبي‪ :‬ألقاه تحت أرجل الفيلة فوطئته حتى مات‪،‬‬
‫‪:‬واحتجوا بقول العشى‬
‫بساباط حتى مات وهو محزرق قال‪ :‬المحرزق‪ :‬المضيق عليه‪ .‬وأنكر هذا من‬ ‫فذاك وما أنجى من الموت ربه‬
‫زعم أنه مات بخانقين‪ ،‬وقالوا‪ :‬لم يزل محبوسا مدة طويلة‪ ،‬وإنه إنما مات بعد ذلك بحين قبيل السلم‪ ،‬وغضبت له العرب‬
‫‪.‬حينئذ‪ ،‬وكان قتله سبب وقعه ذي قار‬
‫عدي بن زيد وهند بنت النعمان أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثنا علي بن الصباح وأخبرني الحسن بن‬
‫علي قال حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال قال علي بن الصباح حدثني هشام بن الكلبي عن أبيه قال‪ :‬كان عدي بن زيد‬
‫بن حماد بن زيد بن أيوب الشاعر العبادي يهوى هند بنت النعمان بن المنذر بن المنذر بن امرىء القيس بن النعمان بن امرىء‬
‫القيس بن عمرو بن عدي بن نصر بن ربيعة بن عمرو بن الحارث بن مسعود بن مالك بن غنم بن نمارة بن لخم وهو مالك بن‬
‫‪:‬عدي بن الحارث بن مرة بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلن بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان‪ ،‬ولها يقول‬
‫مستسر فيه نصب وأرق وهي قصيدة طويلة‪ .‬وفيها أيضا يقول‬ ‫‪:‬علق الحشاء من هند علق‬
‫قد عصى كل نصوح ومغد‬ ‫من لقلب دنف أو معتـمـد‬

‫صفحة ‪153 :‬‬

‫‪:‬وهي طويلة‪ .‬وفيها أيضا يقول‬


‫ثم روحا فهجرا تهـجـيرا‬ ‫يا خليلي يسرا التـعـسـيرا‬
‫ليس أن عجتما المطي كبيرا‬ ‫قال ابن الكلبي‪ :‬وقد ‪</H6‬قصة تزوجه بهند ‪ <H6‬عرجا بي على ديار لهـنـد‬
‫تزوجها عدي‪ .‬وقال ابن أبي سعد‪ ،‬وذكر ذلك خالد ابن كلثوم أيضا قال‪ :‬كان سبب عشقه إياها أن هندا كانت من أجمل نساء‬
‫أهلها وزمانها‪ ،‬وأمها مارية الكندية؛ فخرجت في خميس الفصح‪ ،‬وهو بعد السعانين بثلثة أيام‪ ،‬تتقرب في البيعة‪ ،‬ولها حينئذ‬
‫إحدى عشرة سنة‪ ،‬وذلك في ملك المنذر؛ وقد قدم عدي حينئذ بهدية من كسرى إلى المنذر‪ ،‬والنعمان يومئذ فتى شاب‪ ،‬فاتفق‬
‫دخولها البيعة وقد دخلها عدي ليتقرب‪ ،‬وكانت مديدة القامة عبلة الجسم‪ ،‬فرآها عدي وهي غافلة فلم تنتبه له حتى تأملها‪ ،‬وقد‬
‫كان جواريها رأين عديا وهو مقبل فلم يقلن لها ذلك‪ ،‬كي يراها عدي‪ ،‬وإنما فعلن هذا من أجل أمة لهند يقال لها مارية‪ ،‬وقد‬
‫كانت أحبت عديا فلم تدر كيف تأتي له‪ .‬فلما رأت هند عديا ينظر إليها شق ذلك عليها‪ ،‬وسبت جواريها ونالت بعضهن بضرب؛‬
‫فوقعت هند في نفس عدي‪ ،‬فلبث حول ل يخبر بذلك أحدا‪ .‬فلما كان بعد حول وظنت مارية أن هندا قد أضربت عما جرى‬
‫وصفت لها بيعة دومة ‪ -‬وقال خالد بن كلثوم‪ :‬بيعة توما وهو الصحيح ‪ -‬ووصفت لها من فيها من الرواهب‪ ،‬ومن يأتيها من جواري‬
‫الحيرة‪ ،‬وحسن بنائها وسرجها؛ وقالت لها‪ :‬سلي أمك الذن لك في إتيانها‪ ،‬فسألتها ذلك فأذنت لها‪ ،‬وبادرت مارية إلى عدي‬
‫فأخبرته الخبر فبادر فلبس يلمقا كان فرخانشاه مرد قد كساه إياه وكان مذهبا لم ير مثله حسنا‪ ،‬وكان عدي حسن الوجه‪،‬‬
‫مديد القامة‪ ،‬حلو العينين‪ ،‬حسن المبسم‪ ،‬نقي الثغر‪ .‬وأخذ معه جماعة من فتيان الحيرة‪ ،‬فدخل البيعة؛ فلما رأته مارية قالت‬
‫لهند‪ :‬انظري إلى هذا الفتى فهو والله أحسن من كل ما ترين من السرج وغيرها قالت‪ :‬ومن هو? قالت‪ :‬عدي بن زيد؛ قالت‪:‬‬
‫أتخافين أن يعرفني إن دنوت منه لراه من قريب? قالت‪ :‬ومن أين يعرفك وما رآك قط من حيث يعرفك فدنت منه وهو يمازح‬
‫الفتيان الذين معه وقد برع عليهم بجماله‪ ،‬وحسن كلمه وفصاحته‪ ،‬وما عليه من الثياب‪ ،‬فذهلت لما رأته وبهتت تنظر إليه‪.‬‬
‫وعرفت مارية ما بها وتبينته في وجهها‪ ،‬فقالت لها‪ :‬كلميه‪ ،‬فكلمته‪ ،‬وانصرفت وقد تبعته نفسها وهويته‪ ،‬وانصرف بمثل حالها‪.‬‬
‫فلما كان الغد تعرضت له مارية‪ ،‬فلما رآها هش لها‪ ،‬وكان قبل ذلك ل يكلمها‪ ،‬وقال لها‪ :‬ما غدا بك? قالت‪ :‬حاجة إليك‪ ،‬قال‪:‬‬
‫اذكريها‪ ،‬فوالله ل تسأليني شيئا إل أعطيتك إياه‪ ،‬فعرفته أنها تهواه‪ ،‬وأن حاجتها الخلوة به على أن تحتال له في هند‪ ،‬وعاهدته‬
‫على ذلك؛ فأدخلها حانوت خمار في الحيرة ووقع عليها‪ ،‬ثم خرجت فأتت هندا‪ ،‬فقالت‪ :‬أما تشتهي أن تري عديا? قالت‪ :‬وكيف‬
‫لي به? قالت‪ :‬أعده مكان كذا وكذا في ظهر القصر وتشرفين عليه؛ قالت‪ :‬افعلي‪ ،‬فواعدته إلى ذلك المكان‪ ،‬فأتاه وأشرفت‬
‫هند عليه‪ ،‬فكادت تموت‪ ،‬وقالت‪ :‬إن لم تدخليه إلي هلكت‪ .‬فبادرت المة إلى النعمان فأخبرته خبرها وصدقته‪ ،‬وذكرت أنها قد‬
‫شغفت به‪ ،‬وأن سبب ذلك رؤيتها إياه في يوم الفصح‪ ،‬وأنه إن لم يزوجها به افتضحت في أمره أو ماتت؛ فقال لها‪ :‬ويلك وكيف‬
‫أبدؤه بذلك فقالت‪ :‬هو أرغب في ذلك من أن تبدأه أنت‪ ،‬وأنا أحتال في ذلك من حيث ل يعلم أنك عرفت أمره‪ .‬وأتت عديا‬
‫فأخبرته الخبر‪ ،‬وقالت‪ :‬ادعه‪ ،‬فإذا أخذ الشراب منه فاخطب إليه فإنه غير رادك؛ قال‪ :‬أخشى أن يغضبه ذلك فيكون سبب‬
‫العدواة بيننا؛ قالت‪ :‬ما قلت لك هذا حتى فرغت منه معه؛ فصنع عدي طعاما واحتفل فيه‪ ،‬ثم أتى النعمان بعد الفصح بثلثة أيام‪،‬‬
‫وذلك في يوم الثنين‪ ،‬فسأله أن يتغدى عنده هو وأصحابه‪ ،‬ففعل‪ .‬فلما أخذ منه الشراب خطبها إلى النعمان‪ ،‬فأجابه وزوجه‬
‫‪.‬وضمها إليه بعد ثلثة أيام‬
‫قال خالد بن كلثوم‪ :‬فكانت معه حتى قتله النعمان‪ ،‬فترهبت وحبست نفسها في الدير ‪</H6‬ترهب هند بعد قتل عدي ‪<H6‬‬
‫المعروف بدير هند في ظاهر الحيرة‪ .‬وقال ابن الكلبي‪ :‬بل ترهبت بعد ثلث سنين ومنعته نفسها واحتبست في الدير حتى‬
‫‪.‬ماتت‪ ،‬وكانت وفاتها بعد السلم بزمان طويل في ولية المغيرة بن شعبة الكوفة‪ ،‬وخطبها المغيرة فردته‬
‫‪</H6‬خطبها المغيرة بن شعبة فردته ‪<H6‬‬

‫صفحة ‪154 :‬‬

‫أخبرني عمي قال حدثني ابن أبي سعد قال حدثنا علي بن الصباح عن هشام بن محمد بن الكلبي عن أبيه والشرقي بن‬
‫القطامي قال‪ :‬مر المغيرة بن شعبة لما وله معاوية الكوفة بدير هند‪ ،‬فنزله ودخل على هند بنت النعمان بعد أن استأذن عليها‪،‬‬
‫فأذنت له وبسطت له مسحا فجلس عليه‪ ،‬ثم قالت له‪ :‬ما جاء بك? قال‪ :‬جئتك خاطبا؛ قالت‪ :‬والصليب لو علمت أن في خصلة‬
‫من جمال أو شباب رغبتك في لجبتك‪ ،‬ولكنك أردت أن تقول في المواسم‪ :‬ملكت مملكة النعمان بن المنذر ونكحت ابنته‪،‬‬
‫‪:‬فبحق معبودك هذا أردت? قال‪ :‬إي والله؛ قال‪ :‬فل سبيل إليه؛ فقام المغيرة وانصرف وقال فيها‬
‫لله درك يابنة الـنـعـمـان‬ ‫أدركت ما منيت نفسي خالـيا‬
‫إن الملوك نـقـية الذهـان وفي رواية أخرى‬ ‫‪:‬فلقد رددت على المغيرة ذهنه‬
‫إن الملوك بطية الذعـان‬
‫فالصدق خير مقالة النسان‬ ‫‪</H6‬حديث عشقها لزرقاء اليمامة ‪ <H6‬يا هند حسبك قد صدقت فأمسكي‬
‫وقد روى عن ابن الكلبي غير علي بن الصباح في هند أنها كانت تهوى زرقاء اليمامة‪ ،‬وأنها أول امرأة أحبت امرأة في العرب‪،‬‬
‫فإن الزرقاء كانت ترى الجيش من مسيرة ثلثين ميل؛ فغزا قوم من العرب اليمامة‪ ،‬فلما قربوا من مسافة نظرها قالوا‪ :‬كيف‬
‫لكم بالوصول‪ ،‬مع الزرقاء فاجتمع رأيهم على أن يقتلعوا شجرا تستر كل شجرة منها الفارس إذا حملها؛ فقطع كل واحد منهم‬
‫بمقدار طاقته وساروا بها؛ فأشرفت‪ ،‬كما كانت تفعل‪ ،‬فقال لها قومها‪ :‬ما ترين يا زرقاء? وذلك في آخر النهار؛ قالت‪ :‬ارى‬
‫شجرا يسير؛ فقالوا‪ :‬كذبت أو كذبتك عينك‪ ،‬واستهانوا بقولها؛ فلما أصبحوا صبحهم القوم‪ ،‬فاكتسحوا أموالهم وقتلوا منهم مقتلة‬
‫عظيمة وأخذوا الزرقاء فقعلوا عينها فوجدوا فيها عروقا سوداء‪ ،‬فسئلت عنها فقالت‪ :‬إني كنت أديم الكتحال بالثمد فلعل هذا‬
‫منه‪ ،‬وماتت بعد ذلك بأيام؛ وبلغ هندا خبرها فترهبت ولبست المسوح وبنت ديرا يعرف بدير هند إلى الن‪ ،‬فأقامت فيه حتى‬
‫‪.‬ماتت‬
‫وروى ابن حبيب عن ابن العرابي‪ :‬أن النعمان لما حبس عديا أكرهه في ‪</H6‬قيل إن النعمان أكرهه على طلقها ‪<H6‬‬
‫أمرها على طلقها ولم يزل به حتى طلقها‪ .‬قال ابن حبيب‪ :‬وذكر عدي بن زيد صهره هذا للنعمان في قصائده وكان زوج أخته ‪-‬‬
‫‪:‬هكذا ذكر العلماء من أهل الحيرة‪ .‬وقالت رواة العرب‪ :‬إنه كان زوج ابنته هند ‪ -‬فمن ذلك قوله في قصيدته التي أولها‬
‫‪:‬أبصرت عيني عشاء ضوء نار فقال فيها‬
‫ودنوي كان منكم واصطهاري‬ ‫أجل نعمى ربـهـا أولـكـم‬
‫عمد البيت وأوتـاد الصـار سبب تنصر النعمان وما وقع بينه وبين عدي في ذلك‬ ‫نحن كنا قد علمتم قـبـلـهـا‬
‫أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا إبراهيم بن فهد قال حدثنا خليفة بن خياط شباب العصفري قال حدثنا هشام بن‬
‫محمد قال حدثنا يحيى بن أيوب البجلي قال حدثنا أبو زرعة بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي قال‪ :‬سمعت جدي جرير بن‬
‫عبد الله يقول‪ ،‬وأخبرني به عمي قال حدثنا أحمد بن عبيد الله قال أخبرنا محمد بن يزيد بن زياد الكلبي أبو عبد الله قال حدثني‬
‫معروف بن خربوذ عن يحيى بن أيوب عن أبي زرعة بن عمرو قال‪ :‬سمعت جدي جرير بن عبد الله ‪ -‬ولفظ هذا الخبر لحمد‬
‫ابن عبيد الله وروايته أتم ‪ -‬قال‪ :‬كان سبب تنصر النعمان ‪ -‬وكان يعبد الوثان قبل ذلك‪ ،‬وقال أحمد بن عبيد الله في خبره‪:‬‬
‫النعمان بن المنذر الكبر ‪ -‬أنه كان قد خرج يتنزه بظهر الحيرة ومعه عدي بن زيد‪ ،‬فمر على المقابر من ظهر الحيرة ونهرها؛‬
‫‪:‬فقال له عدي بن زيد‪ :‬أبيت اللعن‪ ،‬أتدري ما تقول هذه المقابر? قال‪ :‬ل‪ ،‬وقال أحمد بن عبيد الله في خبره‪ :‬فقال له تقول‬
‫ن على الرض المجدون‬ ‫أيها الركب المـخـبـو‬
‫وكما نحن تـكـونـون وقال الصولي في خبره‪ :‬فقال له تقول‬ ‫‪:‬كمـا أنـتـم كـنـــا‬
‫دهر فسوف كما صرنا تصيرونا قال‪ :‬فانصرف وقد دخلته رقة‪ ،‬فمكث بعد ذلك‬ ‫كنا كما كنتم حـينـا فـغـيرنـا‬
‫يسيرا؛ ثم خرج خرجة أخرى فمر على تلك المقابر ومعه عدي‪ ،‬فقال له‪ :‬أبيت اللعن‪ ،‬أتدري ما تقول هذه المقابر? قال‪ :‬ل؛‬
‫‪:‬قال‪ :‬فإنها تقول‬
‫أنه موف على قرن زوال‬ ‫من رآنا فليحدث نفـسـه‬

‫صفحة ‪155 :‬‬

‫ولما تأتي به صم الـجـبـال‬ ‫وصروف الدهر ل يبقى لـهـا‬


‫يشربون الخمر بالماء الـزلل‬ ‫رب ركب قد أناخوا عـنـدنـا‬
‫وجياد الخيل تردي في الجلل‬ ‫والبـاريق عـلـيهـا فــدم‬
‫آمني دهرهم غـير عـجـال‬ ‫عمروا دهرا بعـيش حـسـن‬
‫وكذاك الدهر يودي بالرجـال‬ ‫ثم أضحوا عصف الدهر بـهـم‬
‫في طلب العيش حال بعد حال قال الصولي في خبره وهو الصحيح‪ :‬فرجع‬ ‫وكذاك الدهر يرمي بالـفـتـى‬
‫النعمان فتنصر؛ وقال أحمد بن عبيد الله في خبره عن الزيادي الكلبي‪ :‬فرجع النعمان من وجهه وقال لعدي‪ :‬ائتني الليلة إذا‬
‫هدأت الرجل لتعلم حالي‪ ،‬فأتاه فوجده قد لبس المسوح وتنصر وترهب وخرج سائحا على وجهه فل يدرى ما كانت حاله‪ ،‬فتنصر‬
‫ولده بعده‪ ،‬وبنوا البيع والصوامع‪ ،‬وبنت هند بنت النعمان بن المنذر بن النعمان بن المنذر الدير الذي بظهر الكوفة ويقال له‪:‬‬
‫دير هند فلما حبس كسرى النعمان الصغر أباها ومات في حبسه ترهبت هند ولبست المسوح وأقامت في ديرها مترهبة حتى‬
‫‪.‬ماتت فدفنت فيه‬
‫قال مؤلف هذا الكتاب‪ :‬إنما ذكرت الخبر الذي رواه الزيادي على ما فيه ‪</H6‬رأي المؤلف أن النعمان هو الذي تنصر ‪<H6‬‬
‫من التخليط لني إذا أتيت بالقصة ذكرت كل ما يروى في معناها‪ .‬وهو خبر مختلط‪ ،‬لن عدي بن زيد إنما كان صاحب النعمان‬
‫بن المنذر وهو المحبوس والنعمان الكبر ل يعرفه عدي ول رآه ول هو جد النعمان الذي صحبه عدي كما ذكر ابن زياد‪ ،‬وقد‬
‫ذكرت نسب النعمان آنفا‪ ،‬ولعل هذا النعمان الذي ذكره عم النعمان بن المنذر الصغر بن المنذر الكبر‪ ،‬والمتنصر السائح على‬
‫وجهه ليس عدي بن زيد أدخله في النصرانية‪ ،‬وكيف يكون هو المدخل له في النصرانية وقد ضربه مثل للنعمان في شعره لما‬
‫‪.‬حبسه مع من ضربه مثل له من الملوك السالفة‬
‫حدثنا بخبر ذلك الملك ‪ </H6‬بن عبد الملك وتذكره قصة النعمان وتنصره ‪</H6 <H6‬حكاية خالد بن صفوان مع هشام ‪<H6‬‬
‫جعفر بن محمد الفريابي وأحمد بن عبد العزيز بن الجعد الوشاء قال‪ :‬حدثنا إسحاق بن البهلول النباري قال حدثني أبي البهلول‬
‫‪:‬بن حسان التنوخي قال حدثني إسحاق بن زياد من بني سامة بن لؤي عن شبيب بن شيبة عن خالد بن صفوان بن الهتم قال‬

‫صفحة ‪156 :‬‬

‫أوفدني يوسف بن عمر إلى هشام بن عبد الملك في وفد أهل العراق قال‪ :‬فقدمت عليه وقد خرج بقرابته وحشمه وغاشيته‬
‫وجلسائه‪ ،‬فنزل في أرض قاع صحصح منيف أفيح‪ ،‬في عام قد بكر وسميه وتتابع وليه‪ ،‬وأخذت الرض فيه زينتها على اختلف‬
‫ألوان نبتها من نور ربيع مونق فهو في أحسن منظر‪ ،‬وأحسن مختبر‪ ،‬وأحسن مستمطر‪ ،‬بصعيد كأن ترابه قطع الكافور؛ قال‪:‬‬
‫وقد ضرب له سرادق من حبرة كان يوسف بن عمر صنعه له باليمن‪ ،‬فيه فسطاط فيه أربعة أفرشة من خز أحمر مثلها‬
‫مرافقها‪ ،‬وعليه دراعة من خز أحمر مثلها عمامتها‪ ،‬وقد أخذ الناس مجالسهم؛ قال‪ :‬فأخرجت رأسي من ناحية السماط فنظر‬
‫إلي شبه المستنطق لي فقلت‪ :‬أتم الله عليك يا أمير المؤمنين نعمه‪ ،‬وجعل ما قلدك من هذا المر رشدا‪ ،‬وعاقبة ما يؤول إليه‬
‫حمدا‪ ،‬وأخلصه لك بالتقى‪ ،‬وكثره لك بالنماء‪ ،‬ول كدر عليك منه ما صفا‪ ،‬ول خالط سروره بالردى‪ ،‬فلقد أصبحت للمؤمنين ثقة‬
‫ومستراحا‪ ،‬إليك يقصدون في مظالمهم‪ ،‬ويفزعون في أمورهم‪ ،‬وما أجد شيئا يا أمير المؤمنين هو أبلغ في قضاء حقك‪ ،‬وتوقير‬
‫مجلسك‪ ،‬وما من الله جل وعز علي به من مجالستك من أن أذكرك نعم الله عليك‪ ،‬وأنبهك لشكرها‪ ،‬وما أجد في ذلك شيئا هو‬
‫أبلغ من حديث من سلف قبلك من الملوك‪ ،‬فإن أذن أمير المؤمنين أخبرته به؛ قال‪ :‬فاستوى جالسا وكان متكئا ثم قال‪ :‬هات‬
‫يابن الهتم‪ ،‬قال‪ :‬قلت يا أمير المؤمنين إن ملكا من الملوك قبلك خرج في عام مثل عامك هذا إلى الخورنق والسدير في عام‬
‫قد بكر وسميه‪ ،‬وتتابع وليه‪ ،‬وأخذت الرض فيه زينتها على اختلف ألوان نبتها في ربيع مونق‪ ،‬فهو في أحسن منظر‪ ،‬وأحسن‬
‫مختبر‪ ،‬بصعيد كأن ترابه قطع الكافور‪ ،‬وقد كان أعطي فتاء السن مع الكثرة والغلبة والقهر‪ ،‬فنظر فأبعد النظر ثم قال‬
‫لجلسائه‪ :‬لمن مثل هذا‪ ،‬هل رأيتم مثل ما أنا فيه وهل أعطي أحد مثل ما أعطيت قال‪ :‬وعنده رجل من بقايا حملة الحجة‪،‬‬
‫والمضي على أدب الحق ومنهاجه‪ ،‬قال‪ :‬ولم تخل الرض من قائم لله بحجة في عباده؛ فقال‪ :‬أيها الملك إنك سألت عن أمر‪،‬‬
‫أفتأذن في الجواب عنه? قال‪ :‬نعم؛ قال‪ :‬أرأيت هذا الذي أنت فيه‪ ،‬أشيء لم تزل فيه‪ ،‬أم شيء صار إليك ميراثا وهو زائل عنك‬
‫وصائر إلى غيرك كما صار إليك? قال‪ :‬كذلك هو؛ قال‪ :‬فل أراك إل عجبت بشيء يسير تكون فيه قليل وتغيب عنه طويل‪ ،‬وتكون‬
‫غدا بحسابه مرتهنا؛ قال‪ :‬ويحك فأين المهرب وأين المطلب? قال‪ :‬إما أن تقيم في ملكك فتعمل فيه بطاعة الله ربك على ما‬
‫ساءك وسرك‪ ،‬وأمضك وأرمضك‪ ،‬وإما أن تضع تاجك‪ ،‬وتخلع أطمارك‪ ،‬وتلبس أمساحك‪ ،‬وتعبد ربج حتى يأتيك أجلك؛ قال‪ :‬فإذا‬
‫كان السحر فاقرع علي بابي فإني مختار أحد الرأيين‪ ،‬وربما قال إحدى المنزلتين‪ ،‬فإن اخترت ما أنا فيه كنت وزيرا ل يعصى‪،‬‬
‫وإن اخترت فلوات الرض وقفر البلد كنت رفيقا ل يخالف؛ قال‪ :‬فقرع عليه عند السحر بابه فإذا هو قد وضع تاجه‪ ،‬وخلع‬
‫‪:‬أطماره‪ ،‬ولبس أمساحه‪ ،‬وتهيأ للسياحة‪ ،‬فلزما والله الجبل حتى أتاهما أجلهما‪ ،‬وهو حيث يقول عدي بن زيد أخو بني تميم‬
‫هر أأنت المبـرأ الـمـوفـور‬ ‫أيها الشأمت الـمـعـير بـالـد‬
‫ام بل أنت جـاهـل مـغـرور‬ ‫أم لديك العهد الوثـيق مـن الي‬
‫ذا عليه من أن يضـام خـفـير‬ ‫من رأيت المنون خلـدن أم مـن‬
‫وان أم أين قـبـلـه سـابـور‬ ‫أين كسرى كسرى الملوك أنوشر‬
‫وم لم يبق مـنـهـم مـذكـور‬ ‫وبنو الصفر الكرام ملـوك الـر‬
‫لة تجبـى إلـيه والـخـابـور‬ ‫وأخو الحضـر إذ بـنـاه وإذ دج‬
‫ا فللـطـير فـي ذراه وكـور‬ ‫شاده مرمرا وجلـلـه كـلـس‬
‫عنـه فـبـابـه مـهـجـور‬ ‫لم يهبه ريب المنون فباد الملـك‬
‫يومـا ولـلـهـدى تـفـكـير‬ ‫وتذكر رب الخورنق إذ أشـرف‬
‫والبحر معـرضـا والـسـدير‬ ‫سره ماله وكثـرة مـا يمـلـك‬
‫حي إلـى الـمـمـات يصـير‬ ‫فارعوى قلبه فقال وما غـبـطة‬
‫وارتهـم هـنـاك الـقـبـور‬ ‫ثم بعد الفلح والـمـلـك والمة‬
‫به الـصـبـا والــدبـــور‬ ‫ثم صاروا كأنهم ورق جف فألوت‬

‫صفحة ‪157 :‬‬

‫قال‪ :‬فبكى والله هشام حتى أخضل لحيته‪ ،‬وبل عمامته‪ ،‬وأمر بنزع أبنيته‪ ،‬وبنقلن قرابته وأهله وحشمه وغاشيته من جلسائه‪،‬‬
‫ولزم قصره‪ ،‬فأقبلت الموالي والحشم على خالد بن صفوان فقالوا‪ :‬ما أردت إلى أمير المؤمنين أفسدت عليه لذته‪ ،‬ونغصت‬
‫‪.‬عليه مأدبته‪ ،‬فقال‪ :‬إليكم عني فإني عاهدت الله عز وجل أل أخلو بملك إل ذكرته الله عز وجل‬
‫قصرا الحضر والخورنق فأما خبر الحضر وصاحبه‪ ،‬والخورنق وصاحبه‪ ،‬فإني أذكرخبرهما ها هنا لنه مما يحسن ذكره بعقب هذه‬
‫‪.‬الخبار ول يستغنى عنه‪ ،‬والشيء يتبع الشيء‬
‫أخبرني بخبره إبراهيم بن السري عن أبيه عن شعيب عن سيف‪ ،‬وأخبرني به الحسن بن علي قال حدثنا الحارث بن محمد قال‬
‫حدثنا محمد بن سعد عن الواقدي‪ ،‬وأخبرني به علي بن سليمان الخفش في كتاب المغتالين عن السكري عن محمد بن حبيب‬
‫عن ابن العرابي عن المفضل بن سلمة الضبي‪ ،‬وهشام بن الكلبي عن أبيه‪ ،‬وإسحاق بن الجصاص عن الكوفيين‪ :‬أن الحضر‬
‫كان قصرا بحيال تكريت بين دجلة والفرات‪ ،‬وأن أخا الحضر الذي ذكره عدي بن زيد هو الضيزن بن معاوية بن العبيد بن‬
‫الجرام بن عمرو بن النخع بن سليح من بني تزيد بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة‪ ،‬وأمه جبهلة امرأة من بني تزيد‬
‫بن حلوان أخي سليح بن حلوان‪ ،‬وكان ل يعرف إل بأمه هذه‪ ،‬وكان ملك تلك الناحية وسائر أرض الجزيرة‪ ،‬وكان معه من بني‬
‫الجرام ثم من بني العبيد ابن الجرام وسائر قبائل قضاعة ما ل يحصى‪ ،‬وكان ملكه قد بلغ الشأم‪ .‬فأغار الضيزن فأصاب أختا‬
‫لسابور ذي الكتاف وفتح مدينة نهر شير وفتك فيهم‪ ،‬فقال في ذلك عمرو بن السيح بن حدي بن الدها بن غنم بن حلوان بن‬
‫‪:‬عمران بن الحاف بن قضاعة‬
‫وبالخيل الصلدمة الذكور‬ ‫لقيناهم بجمع من عـلف‬
‫وقتلنا هرابذ شهـرزور‬ ‫فلقت فارس منا نـكـال‬
‫بجمع م الجزيرة كالسعير قالوا‪ :‬ثم إن سابور ذا الكتاف جمع لهم وسار إليهم‪ ،‬فأقام‬ ‫دلفنا للعاجم من بـعـيد‬
‫على الحضر أربع سنين ل يستغل منهم شيئا‪ .‬ثم إن النضيرة بنت الضيزن عركت ‪ -‬أي حاضت ‪ -‬فأخرجت إلى الربض‪ ،‬وكانت‬
‫من أجمل أهل دهرها‪ ،‬وكذلك كانوا يفعلون بنسائهم إذا حضن‪ ،‬وكان سابور من أجمل أهل زمانه‪ ،‬فرآها ورأته‪ ،‬وعشقها‬
‫وعشقته‪ ،‬فأرسلت إليه‪ :‬ما تجعل لي أن دللتك على ما تهدم به هذه المدينة وتقتل أبي? قال‪ :‬أحكمك وأرفعك على نسائي‪،‬‬
‫وأخصك بنفسي دونهن؛ قالت‪ :‬عليك بحمامة مطوقة ورقاء‪ ،‬فاكتب في رجلها بحيض جارية بكر تكون زرقاء‪ ،‬ثم أرسلها فإنها‬
‫تقع على حائط المدينة فتتداعى المدينة‪ ،‬وكان ذلك طلسمها ل يهدمها إل هو‪ ،‬ففعل وتأهب لهم‪ ،‬وقالت له‪ :‬أنا أسقي الحرس‬
‫الخمر‪ ،‬فإذا صرعوا فاقتلهم وادخل المدينة‪ ،‬ففعل فتداعت المدينة‪ ،‬وفتحها سابور عنوة‪ ،‬فقتل الضيزن يومئذ‪ ،‬وأباد بني العبيد‪،‬‬
‫وأفنى قضاعة الذين كانوا مع الضيزن فلم يبق منهم باق يعرف إلى اليوم‪ ،‬وأصيب قبائل حلوان وانقرضوا ودرجوا‪ ،‬فقال في‬
‫‪:‬ذلك عمرو بن آلة وكان مع الضيزن‬
‫بما لقت سراة بني العـبـيد‬ ‫ألم يحزنك والنبـاء تـنـمـي‬
‫وأحلس الكتائب مـن تـزيد‬ ‫ومصرع ضيزن وبنـي أبـيه‬
‫وبالبطال سابور الـجـنـود‬ ‫أتاهم بالـفـيول مـجـلـلت‬
‫كأن ثقـالـه زبـر الـحـديد قال‪ :‬فأخرب سابور المدينة واحتمل النضيرة بنت‬ ‫فهدم من أواسي الحضر صخرا‬
‫الضيزن فأعرس بها بعين التمر‪ ،‬فلم تزل ليلتها تتضور من خشانة في فرشها وهي من حرير محشو بالقز‪ ،‬فالتمس ما كان‬
‫يؤذيها فإذا هي ورقة آس ملتصقة بعكنة من عكنها قد أثرت فيها‪ .‬قال‪ :‬وكان ينظر إلى مخها من لين بشرتها‪ .‬فقال لها سابور‪:‬‬
‫ويحك باي شيء كان أبوك يغذيك? قالت‪ :‬بالزبد والمخ وشهد البكار من النحل وصفوة الخمر فقال‪ :‬وأبيك لنا أحدث عهدا‬
‫بمعرفتك‪ ،‬وآثر لك من أبيك الذي غذاك بما تذكرين ثم أمر رجل فركب فرسا جموحا وضفر غدائرها بذنبه‪ ،‬ثم استركضه فقطعها‬
‫‪:‬قطعا‪ ،‬فذلك قول الشاعر‬
‫باع منها فجانب الـثـرثـار قالوا‪ :‬وكان الضيزن صاحب الحضر يلقب الساطرون‪،‬‬ ‫أقفرا الحضر من نضير فالمر‬
‫وقال غيرهم‪ :‬بل الساطرون صاحب الحضر كان رجل من أهل باجرمى والله أعلم أي ذلك كان‪ .‬هذا خبر صاحب الحضر الذي‬
‫‪.‬ذكره عدي‬

‫صفحة ‪158 :‬‬

‫وأما صاحب الخورنق فهو النعمان بن الشقيقة‪ ،‬وهو الذي ساح على وجهه فلم يعرف له خبر‪ ،‬والشقيقة أمه بنت أبي ربيعة‬
‫بن ذهل بن شيبان‪ .‬وهو النعمان بن امرىء القيس بن عمرو بن عيد بن نصر بن ربيعة بن الضخم اللخمي‪ ،‬وهو صاحب‬
‫الخورنق‪ ،‬فذكر ابن الكلبي في خبره الذي قدمنا ذكره ورواية علي بن الصباح أياه عنه‪ :‬أنه كان سبب بنائه الخورنق أن يزدجرد‬
‫بن سابور كان ل يبقى له ولد‪ ،‬فسأل عن منزل مريء صحيح من الدواء والسقام‪ ،‬فدل على ظهر الحيرة‪ ،‬فدفع ابنه بهرام جور‬
‫بن يزدجرد إلى النعمان بن الشقيقة‪ ،‬وكان عامله على أرض العرب‪ ،‬وأمره بأن يبني الخورنق مسكنا له ولبنه وينزله إياه معه‪،‬‬
‫وأمره بإخراجه إلى بوادي العرب‪ ،‬وكان الذي بنى الخورنق رجل يقال له سنمار فلما فرغ من بنائه عجبوا من حسنه وإتقان‬
‫عمله‪ ،‬فقال‪ :‬و علمت أنكن توفوني أجرتي وتصنعون بي ما أستحقه‪ ،‬لبنيته بناء يدور مع الشمس حيثما دارت‪ ،‬فقالوا‪ :‬وإنك‬
‫لتبني ما هو أفضل منه ولم تبنه أمر به فطرح من أعلى الجوسق‪ .‬وقال‪ :‬في بعض الروايات أنه قال له‪ :‬إني لعرف في هذا‬
‫القصر موضع عيب إذا هدم تداعى القصر أجمع‪ ،‬فقال له‪ :‬أما والله ل تدل عليه أحدا أبدا‪ ،‬ثم رمي به من أعلى القصر‪ ،‬فقالت‬
‫‪:‬الشعراء في ذلك أشعارا كثيرة منها قول أبي الطمحان القيني‬
‫وباللت والعزى جزاء المكفر ومنها قول سليط بن سعد‬ ‫‪:‬جزاء سنمار جزوها وربـهـا‬
‫وحسن فعل كما يجزى سنمار وقال عبد العزى بن امرىء القيس الكلبي ‪-‬‬ ‫جزى بنوه أبا الغيلن عن كبر‬
‫وكان أهدى إلى الحارث بن مارية الغساني أفراسا‪ ،‬ووفد إليه فأعجب به واختصه‪ ،‬وكان للملك ابن مسترضع في بني عبد ود‬
‫من كلب فنهشته حية‪ ،‬فظن الملك أنهم اغتالوه‪ ،‬فقال لعبد العزى‪ :‬جئني بهؤلء القوم‪ ،‬فقال‪ :‬هم قوم أحرار ليس لي عليهم‬
‫فضل في نسب ولفعل‪ ،‬فقال‪ :‬لتأتينى بهم أو لفعلن وأفعلن‪ ،‬فقال له‪ :‬رجونا من حبائك امرا حال دون عقابك ودعا ابنيه‬
‫‪:‬شراحيل وعبد الحارث ‪ -‬فكتب معهما إلى قومه‬
‫جزاء سنمار وما كان ذا ذنـب‬ ‫جزاني جزاه الله شـر جـزائه‬
‫يعلى عليه بالقراميد والسكـب وهي أبيات‪ ،‬قال‪ :‬فقتله النعمان‪ ،‬وكان أمره‬ ‫سوى رصه البنيان عشرين حجة‬
‫قد عظم وجعل معه كسرى كتيبتين‪ :‬أحداهما يقال لها‪ :‬دوسر وهي لتنوخ‪ ،‬والخرى‪ :‬الشهباء وهي للفرس‪ ،‬وكانتا أيضا‬
‫تسميان القبيلتين‪ ،‬وكان يغزو بهما بلد الشأم‪ ،‬وكل من لم يدن له من العرب‪ .‬فجلس يوما يشرف من الخورنق فأعجبه ما رأى‬
‫من ملكه‪ .‬ثم ذكر باقي خبره مثل ما ذكره خالد بن صفوان لهشام من مخاطبة الواعظ وجوابه وما كان من اختياره السياحة‬
‫‪.‬وتركه ملكه‬
‫أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محم دبن القاسم بن مهرويه قال حدثني عبد الله ‪</H6‬رثاء النابغة الذبياني للنعمان ‪<H6‬‬
‫بن عمرو قال ذكر ابن حمزة عن مشايخه‪ :‬أن النعمان بن المنذر لما نعي إلى النابغة الذبياني وحدث بما صنع به كسرى قال‪:‬‬
‫‪:‬طلبه من الدهر طالب الملوك ثم تمثل‬
‫والدهر بالوتر ناج غير مطلوب‬ ‫من يطلب الدهر تدركه مخالبـه‬
‫إل يشـد شـــدة الـــذيب‬ ‫ما من أناس ذوي مجد ومكرمة‬
‫بالنافذات من النبل المصـاييب‬ ‫حتى يبيد على عمد سـراتـهـم‬
‫بكل حتف من الجال مكتـوب الغناء في شعر عدي بن زيد‬ ‫إني وجدت سهام الموت معرضة‬
‫‪.‬وفي سائر قصائد عدي بن زيد التي كتب بها إلى النعمان يستعطفه ويعتذر إليه أغان‬
‫منها‪ :‬صوت‬

‫أيام ينسون ما عواقـبـهـا‬ ‫لم أر مثل الفتيان في غبن ال‬


‫وكيف تعتاقهم مخالـبـهـا‬ ‫ينسون إخوانهم ومصرعهـم‬
‫الخير وحب الحياة كاربهـا‬ ‫ماذا ترجى النفوس من طلب‬
‫الدهر وريب المنون صائبها ويروى عقب الدهر ‪ -‬يقول‪ :‬اليام تغبن الناس فتخدعهم‬ ‫تظن أن لن يصيبها عـنـت‬
‫وتختلهم مثل الغبن في البيع‪ .‬وتعتاقهم‪ :‬تحبسهم‪ ،‬يقال‪ :‬اعتاقه واعتقاه‪ .‬وكاربها ها هنا‪ :‬غامها‪ ،‬وهو في موضع آخر القريب منها‪،‬‬
‫‪.‬يقال كربه المر وكرثه وبهضه وغنظه إذا غم ‪ -‬الغناء في هذه البيات لبن محرز خفيف رمل بالوسطى عن عمرو بن بانة‬

‫صفحة ‪159 :‬‬

‫‪.‬وفيها رمل بالبنصر‪ ،‬نسبه حبش ودنانير إلى حنين‪ ،‬ونسبه الهشامي وابن المكي إلى الهذلي‬
‫ومنها‪ :‬صوت‬

‫إن من تهوين قد حارا‬ ‫يا لبينى أوقدي النـارا‬


‫تقضم الهندي والغارا‬ ‫رب نار بت أرمقهـا‬
‫عاقد في الجيد تقصارا عروضه من المديد ‪ -‬حار يحير هنا‪ :‬ضل‪ ،‬وحار في موضع آخر‪:‬‬ ‫عندها ظبي يؤرثـهـا‬
‫رجع‪ .‬والغار‪ :‬شجر طيب الريح‪ ،‬والغار أيضا‪ :‬شجر السوس‪ ،‬والغار‪ :‬الغيرة‪ .‬ويؤرثها‪ :‬يوقدها ويكثر حطبها‪ .‬والتقصار‪ :‬المخنقة ‪-‬‬
‫‪.‬الغناء لحنين خفيف ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق‪ .‬وفيه خفيف رمل يقال إنه لعريب‬
‫أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق‪ ،‬وأخبرنا به يحيى بن علي عن داود بن محمد عن حماد بن‬
‫إسحاق عن أبيه عن ابن عائشة عن يونس النحوي قال‪ :‬مات رجل من جند أهل الشأم عظيم القدر‪ ،‬له فيهم عز وعدد ؛‬
‫فحضر الحجاج جنازته وصلى عليه وجلس على قبره‪ ،‬وقال‪ :‬لينزل إليه بعض إخوانه‪ ،‬فنزل نفر منهم‪ ،‬فقال أحدهم وهو يسوي‬
‫عليه‪ :‬رحمك الله أبا قنان‪ ،‬إن كنت ما علمت لتجيد الغناء‪ ،‬وتسرع رد الكأس‪ ،‬ولقد وقعت في موضع سوء ل تخرج منه والله‬
‫إلى يوم القيامة‪ .‬قال‪ :‬فما تمالك الحجاج أن ضحك‪ ،‬وكان ل يكثر الضحك في جد ول هزل‪ .‬فقال له‪ :‬أهذا موضع هذا ل أم لك‬
‫‪:‬فقال‪ :‬أصلح الله المير‪ ،‬فرسه حبيس في سبيل الله لو سمعه المير وهو يغني‬
‫إن من تهوين قد حارا ل نتشر المير على سعنة‪ ،‬وكان الميت يلقب بسعنة‪ ،‬فقال‪ :‬إنا‬ ‫يا لبينى أوقدي النـارا‬
‫لله أخرجوه من القبر ما أبين حجة أهل العراق في جهلكم يا أهل الشأم قال‪ :‬وكان سعنة هذا الميت من أوحش خلق الله كلهم‬
‫‪.‬صورة‪ ،‬وأذمهم قامة‪ .‬فلم يبق أحد حضر القبر إل استفرغ ضحكا‬
‫‪:‬ومنها من قصيدته التي أولها‬
‫لمن الدار تعفت بخيم صوت‬

‫بين مجثاهن توشيم الحمم‬ ‫وثلث كالحمامات بـهـا‬


‫عن حبيبي فإذا فيها صمم ‪ -‬ويروى‪ :‬توشيم العجم‪ .‬والتوشيم أراد به آثار الوقود قد‬ ‫أسأل الدار وقد أنكرتهـا‬
‫صار فيها كالوشم‪ .‬والثلث يعني الثافي التي تنصب عليها القدر ‪ -‬الغناء لبراهيم خفيف ثقيل أول مطلق في مجرى البنصر عن‬
‫‪:‬عمرو وابن المكي‪ .‬وفيه لحكم لحن من كتاب إبراهيم غير مجنس‪ .‬وهذه القصيدة التي أولها‬
‫أصبحت غيرها طول القدم‬ ‫لمن الدار تعفـت بـخـيم‬
‫غير نؤي مثل خط بالقلـم وبعده‬ ‫‪.‬ما تبين العين من آياتـهـا‬

‫بين مجثاهن توشيم الحمم وعلى هذا خفض قوله‪ :‬وثلث كالحمامات‬ ‫‪.‬وثلث كالحمامات بهـا‬
‫‪:‬ومنها قوله‬
‫كفى غير اليام للمرء وازعا صوت‬

‫دمى شرقات بالعبـير روادعـا‬ ‫بنات كرام لـم يربـن بـضـرة‬


‫ويبرزن من فتق الخدور الصابعا بنات كرام موضعه نصب وهو يتبع ما قبله‬ ‫يسارقن م الستار طرفا مفـتـرا‬
‫‪:‬وينصب به وهو قوله‬
‫وأصبى ظباء في الدمقس خواضعا بنات كرام هكذا في القصيدة على تواليها‪ ،‬وقد يجوز رفعه على البتداء‪ .‬ويروى‪ :‬بضرة‬
‫وبضرة جمعا بالضم والفتح‪ .‬والدمى‪ :‬الصور‪ ،‬واحدتها دمية‪ .‬الغناء في هذين البيتين لبن قندح ثقيل أول بالبنصر عن عمرو‪،‬‬
‫‪.‬وذكر الهشامي أنه لمحمد بن إسحاق بن عمرو بن بزيع‪ ،‬وذكر حبش أنه لبراهيم‬
‫صوت‬

‫بوارق يرتقين رؤوس شيب‬ ‫أرقت لمكفهر بـات فـيه‬


‫ويجلو صفحة الذيل القشيب والمكرهف والمرهف‪ :‬السحاب المتوالي المتراكب‪.‬‬ ‫تروح المشرفية فـي ذراه‬
‫والشيب‪ :‬السحائب التي فيها سواد وبياض شبهها بالرؤوس الشيب‪ ،‬وقال قوم‪ :‬بل شيب‪ :‬جبل معروف‪ .‬شبه البرق في‬
‫‪:‬السحاب بلمعان السيوف‪ .‬ورواه ابن العرابي‬
‫ويجلو صفح دخدار قشيب وقال‪ :‬الدخدار‪ :‬الثوب المصون‪ ،‬وهو أعجمي معرب أصله تخت دار‪ .‬والقشيب‪ :‬الجديد‪ .‬الغناء‬
‫‪.‬لعريب ثقيل أول بالبنصر‬
‫‪:‬ومنها من قصيدته التي أولها‬
‫أل يا طال ليلي والنهار صوت‬

‫علنية فقد ذهب السرار‬ ‫أل من مبلغ النعمان عني‬


‫ول هضبا توقاه الوبـار‬ ‫بأن المرء لم يخلق حديدا‬

‫صفحة ‪160 :‬‬

‫وحادي الموت عنه ما يحار‬ ‫ولكن كالشهاب فثم يخـبـو‬


‫وهل بالموت يا للناس عار الهضب‪ :‬الجبل‪ .‬والوبار‪ :‬جمع وبر‪ .‬والشهاب‪ :‬السراج‪.‬‬ ‫فهل من خالد إما هلكـنـا‬
‫‪.‬ويخبو‪ :‬يطفأ‪ .‬الغناء لبابويه ثقيل أول بالبنصر عن حبش والهشامي‬
‫ومنها‪ :‬صوت‬

‫فبينا المرء أغرب إذ أراحا‬ ‫أل من مبلغ النعمان عنـي‬


‫وكنا في حلوقهم ذبـاحـا‬ ‫أطعت بني بقيلة في وثاقي‬
‫وتسقينا الواجن والملحـا الغناء لحنين خفيف ثقيل أول بالسبابة في مجرى‬ ‫منحتهم الفرات وجانـبـيه‬
‫‪.‬الوسطى عن إسحاق‬
‫ومنها‪ :‬صوت‬

‫قد عصى كل نصيح ومفد‬ ‫من لقلب دنف أو معتمـد‬


‫سامعا فيها إلى قول أحـد المعتمد‪ :‬الذي عمده الوجع بعمده عمدا‪ .‬غناه ابن‬ ‫لست إن سلمى نأتني دارها‬
‫محرز ولحنه خفيف ثقيل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق‪ .‬وفيه لمالك خفيف ثقيل آخر بالوسطى عن عمرو‪ .‬وذكر‬
‫‪.‬يونس أن فيه لمالك لحنا‪ ،‬ولسنان الكاتب لحنا‪ ،‬وهو ثقيل أول بالوسطى عن حبش‬
‫ومنها‪ :‬صوت‬

‫لك فاعمد لي حال تصـير‬ ‫أرواح مـودع أم بـكــور‬


‫وعدي بسخـط رب أسـير‬ ‫ويقول العـداة أودى عـدي‬
‫أأنت المبـرأ الـمـوفـور‬ ‫أيها الشأمت المعير الـدهـر‬
‫بل أنت جاهـل مـغـرور يريد‪ :‬ارواح نودعك فيه أم بكور? أيهما تريد? فاعمد‬ ‫أم لديك العهد الوثيق من اليام‬
‫للذي تصير إليه من أمر آخرتك‪ .‬والموفور‪ :‬الذي لم تصبه نوائب الدهر‪ .‬الغناء لحنين من كتاب يونس ولم يذكر طريقته‪ ،‬وذكر‬
‫حماد بن إسحاق عن أبيه أن حنينا غناه خالدا القسري أيام حرم الغناء‪ ،‬فرق له وقال‪ :‬غن ول تعاشر سفيها ول معربدا‪ .‬والخبر‬
‫‪.‬في ذلك يذكر في أخبار حنين‬
‫ومما يغنى فيه أيضا من شعر عدي صوت‬

‫خليلي فتـهـاونـت‬ ‫أل يا ربـمـا عــز‬


‫رة مني لعـاقـبـت‬ ‫ولو شئت على مقـد‬
‫قدري فأقـلـعـت‬ ‫ولكن سرني أن يعلموا‬
‫ما قالوا وقد قـمـت الغناء لسياط رمل عن الهشامي‪ .‬وفيه ليحيى المكي خفيف ثقيل‬ ‫أل ل فاسألوا الفتـية‬
‫‪:‬نسبه إلى مالك وليس له‪ .‬ولعريب في البيتين الولين ثقيل أول‪ .‬وبعدهما بيت ليس من العشر وهو‬
‫ولكن حبيبي جل عندي فتغافلت ومما يغنى فيه من شعره‪ :‬صوت‬

‫مثل الكتاب الدارس الحول الذي قد درس فل يقرأ‬ ‫‪.‬تعرف أمس من لميس الطلل‬

‫أثويت الـيوم أم تـرحـل‬ ‫أنعم صباحا علقم بن عـدي‬


‫واللحم بالغيطان لم ينـشـل‬ ‫قد رحل الفتـيان عـيرهـم‬
‫واضحا كالقحـوان رتـل الرتل‪ :‬المستوي البنية‬ ‫‪.‬إذ هي تسبى الناظرين وتجلو‬

‫التفاح مسقيا ببرد‪ ،‬الطل هكذا يغنى‪ .‬والذي قاله عدي‪ :‬يسقيه برد الطل‪ .‬الغناء‬ ‫عذبا كما ذقت الجني من‬
‫‪.‬لحنين رمل بالوسطى عن عمرو‬
‫أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن ابن الكلبي أن عمرو بن امرىء القيس المكنى بأبي سريح وعلقمة بن عدي ‪-‬‬
‫وقيل علقم بن عدي بن كعب ‪ -‬وعمرو بن هند خرجوا إلى الصيد فأتوا قصر ابن مقاتل فمكثوا فيه يتصيدون‪ ،‬فزعموا أن علقمة‬
‫بن عدي تبع حمادا فصرعه والشمس لم تطلع‪ ،‬ثم لحق آخر فطعنه فانقصف الرمح فيه ومر به فرسه يركض‪ ،‬فجال به العير‬
‫فضربه فأصاب صدره فقتله‪ ،‬وقيل‪ :‬إن الرمح المنقصف دخل في صدره فقتله‪ ،‬وذلك في أيام الربيع‪ ،‬وكان عدي بن زيد معهم‬
‫‪.‬وإليه قصدوا‪ ،‬وكان نازل في قصر ابن مقاتل‪ ،‬فقال عدي هذه القصيدة يرثيه بها‬

‫صوت من المائة المختارة‬

‫تمشى به ظلمـانـه وجـآذره‬ ‫عفا من سليمى مسحلن فحامره‬


‫فنواره ميل إلى الشمس زاهره‬ ‫بمستأسد القريان عاف نـبـاتـه‬
‫بمسحاتها قبل الظلم تـبـادره‬ ‫رأت عارضا جونا فقامت غريرة‬
‫وسدت نواحـيه ورفـع دابـره‬ ‫فما برحت حتى أتى الماء دونها‬

‫صفحة ‪161 :‬‬

‫عروضه من الطويل‪ .‬عفا‪ :‬درس‪ .‬مسحلن‪ :‬موضع‪ .‬وحامره‪ :‬موضع أضافه إلى مسحلن‪ .‬والظلمان‪ :‬ذكور النعام واحدها‬
‫ظليم‪ .‬والجآذر‪ :‬أولد البقر واحدها جؤذر وجؤذر بضم الذال وفتحها‪ .‬وتمشى‪ :‬تكثر المشي‪ .‬والقريان‪ :‬مجاري الماء إلى الرياض‬
‫وحدها قري‪ .‬والمستأسد‪ :‬ما التف منها وطال‪ .‬والنوار يقال‪ :‬إنه يكون أبدا حيال الشمس يستقبلها بوجهه‪ ،‬فيقول‪ :‬إن نوار هذه‬
‫الروضة يميل زاهره حيال الشمس‪ .‬والعارض‪ :‬السحاب‪ .‬والجون‪ :‬السود‪ .‬والغريرة‪ :‬الناعمة التي لم تجرب المور‪ ،‬يقول‪ :‬لما‬
‫رأت هذه المرأة السحابة السوداء قامت بمسحاتها تصلح النؤي حوالي بيتها وهو الحاجز بينه وبين الرض المستوية‪ .‬وقوله‪ :‬رفع‬
‫دابره أي مؤخره الذي يلي الماء من النؤي‪ .‬الشعر للحطيئة يهجو الزبرقان بن بدر‪ .‬والغناء لبن عائشة ولحنه المختار خفيف‬
‫‪.‬رمل بإطلق الوتر في مجرى الوسطى عن إسحاق وذكر حبش أن فيه لحنا آخر من الثقيل الثاني‬

‫خبر الحطيئة ونسبه‬

‫والسبب الذي من أجله هجا الزبرقان بن بدر‬


‫نسبه‬
‫الحطيئة لقب لقب به‪ ،‬واسمه جرول بن أوس بن مالك بن جؤية بن مخزوم بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض‬
‫بن الريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلن بن مضر بن نزار‪ .‬وهو من فحول الشعراء ومتقدميهم وفصحائهم‪ ،‬متصرف‬
‫في جميع فنون الشعر من المديح والهجاء والفخر والنسيب‪ ،‬مجيد في ذلك أجمع‪ ،‬وكان ذا شر وسفه‪ ،‬ونسبه متدافع بين قبائل‬
‫العرب‪ ،‬وكان ينتمي إلى كل واحدة منها إذا غضب على الخرين وهو مخضرم أدرك الجاهلية والسلم فأسلم ثم ارتد وقال في‬
‫‪.‬ذلك‬
‫إسلمه وارتداده وشعره في ذلك‬

‫فيا أحباد الله ما لبي بـكـر‬ ‫أطعنا رسول الله إذ كان بيننـا‬
‫وتلك لعمر الله قاصمة الظهر سبب لقبه الحطيئة‬ ‫أيورثها بكرا إذا مات بـعـده‬
‫ويكنى الحطيئة أبا مليكة‪ ،‬وقيل‪ :‬إن الحطيئة غلب عليه ولقب به لقصره وقربه من الرض وقال حماد الراوية قال أبو نصر‬
‫العرابي‪ :‬سمي الحطيئة لنه ضرط ضرطة بين قوم‪ ،‬فقيل له‪ :‬ما هذا? فقال‪ :‬إنما هو حطيئة‪ ،‬فسمي الحطيئة‪ .‬وقال المدائني‬
‫قال أبو اليقظان‪ :‬كان الحطيئة يدعي أنه ابن عمرو بن علقمة أحد بني الحارث ابن سدوس‪ ،‬قال‪ :‬وسمي الحطيئة لقربه من‬
‫‪.‬الرض‬
‫انتماؤه إلى بني ذهل ابن ثعلبة‬
‫أخبرني الفضل بن الحباب الجمحي أبو خليفة في كتابه إلي بإجازته لي يذكر عن محمد بن سلم‪ :‬أن الحطيئة كان ينتمي إلى‬
‫‪:‬بني ذهل بن ثعلبة فقال‬
‫أهل القرية من بني ذهل قال‪ :‬والقرية‪ :‬منازلهم‪ ،‬ولم ينبت الحطيئة في هؤلء‬ ‫‪.‬إن اليمامة خير ساكنهـا‬
‫تلونه وانتسابه إلى عدة قبائل وأخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثني عمي عن ابن الكلبي قال‪ :‬سمعت خراش بن‬
‫إسماعيل وخالد بن سعيد يقولن‪ :‬كان الحطيئة إذا غضب على بني عبس يقول‪ :‬أنا من بني ذهل‪ ،‬وإذا غضب على بني ذهل‬
‫‪.‬قال‪ :‬أنا من بني عبس‬
‫أخبرني الحسين بن يحيى المرداسي قال قال حماد بن إسحاق قال أبي قال ابن الكلبي‪ :‬كان الحطيئة مغموز النسب‪ ،‬وكان‬
‫‪.‬من أولد الزنا الذين شرفوا‪ .‬قال إسحاق وقال الصمعي‪ :‬كان الحطيئة يضرب بنسبه إلى بكر بن وائل فقال في ذلك‬

‫إن أراد العلـم عـالـم‬ ‫قومي بنو عوف بن عمرو‬


‫رم منهم خلفت خضـارم‬ ‫قوم إذا ذهبـت خـضـا‬
‫أنوفهـم الـمـخـاطـم قال الصمعي وقدم الحطيئة الكوفة فنزل في بني عوف بن‬ ‫ل يفشلون ول تبيت علـى‬
‫‪:‬عامر بن ذهل يسألهم وكان يزعم أنه منهم وقال في ذلك‬
‫سيب الله وإقبـالـي وإدبـاري‬ ‫سيري أمام فإن المال يجـمـعـه‬
‫من آل عوف بدوء غير أشـرار‬ ‫إلى معاشر منـهـم ياأمـام أبـي‬
‫ما ضوأت ليلة القمراء للسـاري خبره مع أخويه من أوس بن مالك‬ ‫نمشي على ضوء أحساب أضأن لنا‬

‫صفحة ‪162 :‬‬

‫وقال ابن دريد في خبره عن عمه عن ابن الكلبي عن أبيه‪ ،‬وحماد بن إسحاق عن أبيه عن ابن الكلبي عن أبيه قال‪ :‬كان أوس‬
‫بن مالك بن جؤية بن مخزوم بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس تزوج بنت رياح بن عمرو بن عوف بن الحارث بن سدوس‬
‫بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة‪ ،‬وكان له أمة يقال لها الضراء فأعلقها بالحطيئة ورحل عنها‪ .‬وكان لبنت رياح أخ يقال له‪ :‬الفقم‪،‬‬
‫وكان طويل أفقم‪ ،‬صغير العينين‪ ،‬مضغوط اللحيين‪ ،‬فولدت الضراء الحطيئة فجاءت به شبيها بالفقم‪ ،‬فقالت لها مولتها‪ :‬من‬
‫أين هذا الصبي? فقالت لها‪ :‬من أخيك‪ ،‬وهابت أن تقول لها من زوجك‪ ،‬فشبهته بأخيها؛ فقالت لها‪ :‬صدقت‪ .‬ثم مات أوس وترك‬
‫ابنين من الحرة‪ ،‬وتزوج الضراء رجل من بني عبس فولدت له رجلين فكانا أخوي الحطيئة من أمه‪ .‬فأعتقت بنت رياح الحطيئة‬
‫وربته فكان كأنه أحدهما‪ .‬وترك الفقم نخل باليمامة‪ .‬فأتى الحطيئة أخويه من أوس بن مالك وقد كانت أمه لما أعتقتها بنت‬
‫رياح اعترفت أنها اعتلقت من أوس بن مالك‪ ،‬فقال لهم‪ :‬أفردوا إلي من مالكم قطعة فقال‪ :‬ل‪ ،‬ولكن أقم معنا فنحن نواسيك‬
‫‪:‬فقال‬
‫كل لعمر أبيكما الحـبـاق‬ ‫أأمرتماني أن أقيم عليكمـا‬
‫شل الجير قلئص الوراق خبره وقد سأل أمه من أبوه‬ ‫عبدان خيرهما يشل بضبعه‬
‫‪:‬قال‪ :‬وسأل الحطيئة أمه‪ :‬من أبوه فخلطت عليه فقال‬
‫ول اثنين فانظر كيف شرك أولئكا‬ ‫تقول لي الضراء لست لـواحـد‬
‫هبلت ألما تستفق من ضللـكـا خبره مع إخوته من بني الفقم‬ ‫وأنت امرؤ تبغي أبا قد ضللـتـه‬
‫‪:‬قال‪ :‬وغضب عليها فلحق بإخوته بني الفقم فقال‬
‫سيب الله وإقبالي وإدباري قال‪ :‬فلم يدفعوه ولم يقبلوه فقال‬ ‫‪:‬سيري أمام فإن المال يجمعه‬
‫أهل القرية من بني ذهل وسألهم ميراثه من الفقم فأعطوه نخلت من نخل أبيهم‬ ‫إن اليمامة خير ساكنهـا‬
‫‪:‬تدعى نخلت أم مليكة‪ ،‬وأم مليكة‪ :‬امرأة الحطيئة‪ ،‬فقال‬
‫صنابير أحدان لهن حفـيف قال‪ :‬ثم لم تقنعه النخيلت‪ ،‬وقد أقام فيهم زمانا‬ ‫ليهني تراثي لمرىء غير ذلة‬
‫‪:‬فسألهم ميراثه كامل من الفقم فلم يعطوه شيئا وضربوه‪ ،‬فغضب عليهم وقال‬
‫وقومي وبكر شر تلك القبائل‬ ‫تمنيت بكرا أن يكونوا عمارتي‬
‫فيا ليتني من غير بكر بن وائل فعاد إلى بني عبس وانتسب إلى أوس بن مالك‪.‬‬ ‫إذا قلت بكري نبوتم بحاجتـي‬
‫‪:‬وقال الصمعي في خبره‪ :‬لما أتى أهل القرية‪ ،‬وهم بنو ذهل‪ ،‬يطلب ميراثه من الفقم مدحهم فقال‬
‫أهل القرية من بني ذهـل‬ ‫إن اليمامة خر ساكـنـهـا‬
‫حتى يتم نواهض البـقـل‬ ‫الضامنون لمال جـارهـم‬
‫فرعي وأثبت أصلهم أصلي قال‪ :‬فلم يعطوه شيئا‪ ،‬فقال يهجوهم‬ ‫‪:‬قوم إذا انتسبوا ففرعـهـم‬
‫أهل القرية من بني ذهل تزوجت أمه فهجاها‬ ‫إن اليمامة شر ساكنـهـا‬
‫وقال أبو اليقظان في خبره‪ :‬كان الرجل الذي تزوج أم الحطيئة أيضا ولد زنا اسمه الكلب بن كنيس بن جابر بن قطن بن‬
‫نهشل‪ ،‬وكان كنيس زنى بأمة لزرارة يقال لها رشية‪ ،‬فولدت له الكلب ويربوعا‪ ،‬فطلبهم من زرارة فمنعه منهم‪ ،‬فلما مات‬
‫‪:‬طلبهم من أبيه لقيط فمنعه؛ وقال لقيط في ذلك‬
‫ونحن صبرنا قبل ذاك سنـينـا وهي أبيات‪ .‬فتزوج الكلب الضراء أم الحطيئة؛‬ ‫أفي نصف شهر ما صبرتم لحقنا‬
‫‪:‬فهجاه الحطيئة وهجا أمه فقال‬
‫وأبا بنيك فساءني في الـمـجـلـس‬ ‫ولقد رأيتك في النساء فـسـؤتـنـي‬
‫رهط ابن جحش في الخطوب الحوس‬ ‫إن الذلـيل لـمـن تـزور ركـابـه‬
‫يوم المجيمر جارهم من فـقـعـس‬ ‫قبح اللـه قـبـيلة لـم يمـنـعـوا‬
‫لؤم وأن أبـاهـم كـالـهـجـرس وقال الحطيئة يهجو أمه‬ ‫‪:‬أبلغ بني جحـش بـأن نـجـارهـم‬
‫ولقاك العقوق من البنـين‬ ‫جزاك الله شرا من عجـوز‬
‫تركتهم أدق من الطحـين‬ ‫فقد ملكت أمر بنيك حتـى‬
‫بمشتد قـواه ول مـتـين‬ ‫فإن تخلى وأمرك ل تصولي‬
‫ودرك در جـاذبة دهـين وقال يهجو أمه أيضا‬ ‫‪:‬لسانك مبرد ل خـير فـيه‬

‫صفحة ‪163 :‬‬

‫أراح الله منك العالمينـا‬ ‫تنحي فاجلسي مني بعـيدا‬


‫وكانونا على المتحدثـينـا‬ ‫أغر بال إذا استودعت سرا‬
‫وموتك قد يسر الصالحينا كان هجاء دنىء النفس فاسد الدين‬ ‫حياتك ما علمت حياة سوء‬
‫أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال أخبرني عبد الرحمن ابن أخي الصمعي عن عمه قال‪ :‬كان الحطيئة جشعا سؤول‬
‫ملحفا‪ ،‬دنىء النفس‪ ،‬كثير الشر‪ ،‬قليل الخير‪ ،‬بخيل‪ ،‬قبيح المنظر‪ ،‬رث الهيئة‪ ،‬مغموز النسب‪ ،‬فاسد الدين‪ ،‬وما تشاء أن تقول‬
‫‪.‬في شعر شاعر من عيب إل وجدته‪ ،‬وقلما تجد ذلك في شعره‬
‫أخبرني ابن دريد قال أخبرنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال‪ :‬بخلء العرب أربعة‪ :‬الحطيئة‪ ،‬وحميد الرقط‪ ،‬وأبو السود الدولي‪،‬‬
‫‪.‬وخالد بن صفوان‬
‫أخبرنا ابن دريد قال حدثنا أبو حاتم قال قال أبو عبيدة‪ :‬كان الحطيئة بذيا هجاء‪ ،‬فالتمس ذات يوم إنسانا يهجوه فلم يجده‪،‬‬
‫‪:‬وضاق عليه ذلك فأنشأ يقول‬
‫بشر فما أدري لمن أنا قائله وجعل يدهور هذا البيت في أشداقه ول يرى إنسانا‪،‬‬ ‫أبت شفتاي اليوم إل تكلمـا‬
‫‪:‬إذ اطلع في ركي أو حوض فرأى وجهه فقال‬
‫فقبح من وجه وقبح حامله قدم المدينة فجمعت له العطايا خوفا منه نسخت‬ ‫أرى لي وجها شوه الله خلقه‬
‫من كتاب الحرمي بن أبي العلء‪ :‬حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي قال‪ :‬قدم الحطيئة المدينة فأرصدت قريش له العطايا‬
‫‪.‬خوفا من شره‪ ،‬فقام في المسجد فصاح‪ :‬من يحملني على بغلين‬
‫أخبرني أبو خليفة قال حدثنا محمد بن سلم وأخبرني الحسين بن يحيى المرداسي قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال‬
‫قال أبو عبيدة والمدائني ومصعب‪ :‬كان الحطيئة سؤول جشعا‪ ،‬فقدم المدينة وقد أرصدت له قريش العطايا‪ ،‬والناس في سنة‬
‫مجدبة وسخطة من خليفة‪ ،‬فمشى أشراف أهل المدينة بعضهم إلى بعض‪ ،‬فقالوا‪ :‬قد قدم علينا هذا الرجل وهو شاعر‪،‬‬
‫والشاعر يظن فيحقق‪ ،‬وهو يأتي الرجل من أشرافكم يسأله‪ ،‬فإن أعطاه جهد نفسه بهرها‪ ،‬وإن حرمه هجاه‪ ،‬فأجمع رأيهم على‬
‫أن يجعلوا له شيئا معدا يجمعونه بينهم له‪ ،‬فكان أهل البيت من قريش والنصار يجمعون له العشرة والعشرين والثلثين دينارا‬
‫حتى جمعوا له أربعمائة دينار‪ ،‬وظنوا أنهم قد أغنوه‪ ،‬فأتوه فقالوا له‪ :‬هذه صلة آل فلن وهذه صلة آل فلن وهذه صلة آل فلن‪،‬‬
‫فأخذها؛ فظنوا أنهم قد كفوه عن المسئلة‪ ،‬فإذا هو يوم الجمعة قد استقبل المام ماثل ينادي‪ :‬من يحملني على بغلين وقاه الله‬
‫‪.‬كبة جهنم‬
‫متانة شعره‬
‫ووصف أبو عبيدة ومحمد بن سلم شعر الحطيئة فجمعت متفرق ما وصفاه به في هذا الخبر‪ ،‬أخبرنا به أبو خليفة عن محمد بن‬
‫سلم وابن دريد عن أبي حاتم عن أبي عبيدة قال‪ :‬طلب من كعب بن زهير أن يقول شعرا يضعه فيه بعده فقال‪ ،‬وهجاه لذلك‬
‫مزرد بن ضرار كان الحطيئة متين الشعر‪ ،‬شرود القافية‪ ،‬وكان دنىء النفس‪ ،‬وما تشاء أن تطعن في عشر شاعر إل وجدت فيه‬
‫مطعنا‪ ،‬وما أقل ما تجد ذلك في شعره‪ .‬قال‪ :‬فبلغ من دناءة نفسه أنه أتى كعب بن زهير ‪ -‬وكان الحطيئة راوية زهير وآل زهير‬
‫‪ -‬فقال له‪ :‬قد علمت روايتي لكم أهل البيت وانقطاعي إليكم‪ ،‬وقد ذهب الفحول غيري وغيرك‪ ،‬فلو قلت شعرا تذكر فيه نفسك‬
‫‪:‬وتضعني موضعا بعدك ‪ -‬وقال أبو عبيدة‪ :‬تبدأ بنفسك فيه ثم تثني بي ‪ -‬فإن الناس لشعاركم أروى وإليها أسرع فقال كعب‬
‫إذا ما ثوى كعب وفور جرول‬ ‫فمن للقوافي شانها من يحوكها‬
‫تنخل منها مثل ما نتـنـخـل‬ ‫كفيتك ل تلقى من الناس واحدا‬
‫ومن قائليها من يسيء ويجمل‬ ‫نقول فل نعيا بشيء نقـولـه‬
‫فيقصر عنها كل ما يتمـثـل قال‪ :‬فاعترضه مزرد بن ضرار‪ ،‬واسمه يزيد وهو أخو‬ ‫نثقفها حتى تلين مـتـونـهـا‬
‫‪:‬الشماخ‪ ،‬وكان عريضا أي شديد العارضة كثيرها‪ ،‬فقال‬
‫من الناس لم أكفىء ولم أتنخل‬ ‫باستك إذ خلفتني خلف شاعـر‬
‫وإن كنت أفتى منكما أتنخـل‬ ‫فإن تخشبا أخشب وإن تتنخـل‬
‫ولست كشماخ ول كالمخبـل أنشد عمر شعرا هجا به قومه‬ ‫فلست كحسان الحسام ابن ثابت‬
‫ومدح إبله‬

‫صفحة ‪164 :‬‬

‫نسخت من كتاب الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد بن الضحاك قال‪ :‬أنشد الحطيئة عمر بن‬
‫‪:‬الخطاب رضي الله عنه قصيدة نال فيها من قومه ومدح إبله فقال‬
‫إذا الريح أبدت أوجه الخـفـرات‬ ‫مهاريس يروي رسلها ضيف أهلها‬
‫إذا أصبحت مقورة خـرصـات دخوله حفل سعيد بن العاص‬ ‫يزيل القتاد جذبـهـا بـأصـولـه‬
‫أخبرني عمي قال حدثنا الكراني عن التوزي عن أبي عبيدة قال‪ :‬بينا سعيد بن العاص يعشي الناس بالمدينة والناس يخرجون‬
‫أول أول‪ ،‬إذ نظر على بساطه إلى رجل قبيح المنظر‪ ،‬رث الهيئة‪ ،‬جالس مع أصحاب سمره‪ ،‬فذهب الشرط يقيمونه فأبى أن‬
‫يقوم‪ ،‬وحانت من سعيد التفاتة فقال‪ :‬دعوا الرجل‪ ،‬فتركوه؛ وخاضوا في أحاديث العرب وأشعاره مليا؛ فقال لهم الحطيئة‪ :‬والله‬
‫ما أصبتم جيد الشعر ول شاعر العرب؛ فقال له سعيد‪ :‬أتعرف من ذلك شيئا? قال‪ :‬نعم؛ قال‪ :‬فمن أشعر العرب? قال‪ :‬الذي‬
‫‪:‬يقول‬
‫فقد من قد رزئته العدام وأنشدها حتى أتى عليها؛ فقال له‪ :‬من يقولها? قال‪ :‬أبو‬ ‫ل أعد القتار عدما ولكن‬
‫‪:‬داود اليادي؛ قال‪ :‬ثم من? قال‪ :‬الذي يقول‬
‫جهل وقد يخـدع الريب ثم أنشدها حتى فرغ منها؛ قال‪ :‬ومن يقولها? قال عبيد‬ ‫أفلح بما شئت فقد يدرك بال‬
‫بن البرص؛ قال‪ :‬ثم من? قال‪ :‬والله لحسبك بي عند رغبة أو رهبة إذا رفعت إحدى رجلي على الخرى ثم عويت في أثر‬
‫القوافي عواء الفصيل الصادي؛ قال‪ :‬ومن أنت? قال‪ :‬الحطيئة؛ قال‪ :‬فرحب به سعيد‪ ،‬ثم قال‪ :‬أسأت بكتماننا نفسك منذ الليلة؛‬
‫‪.‬ووصله وكساه‬
‫خبره مع عتيبة بن النهاس‬
‫ومضى لوجهه إلى عتيبة بن النهاس العجلي فسأله؛ فقال له‪ :‬ما أنا على عمل فأعطيك من عدده‪ ،‬ول في مالي فضل عن‬
‫قومي؛ قال له‪ :‬فل عليك‪ ،‬وانصرف‪ .‬فقال له بعض قومه‪ :‬لقد عرضتنا ونفسك للشر قال‪ :‬وكيف قالوا‪ :‬هذا الحطيئة وهو هاجينا‬
‫أخبث هجاء؛ فقال ردوه‪ :‬فردوه إليه‪ ،‬فقال له‪ :‬لم كتمتنا نفسك كأنك كنت تطلب العلل علينا اجلس فلك عندنا ما يسرك؛‬
‫‪:‬فجلس فقال له‪ :‬من أشعر الناس? قال‪ :‬الذي يقول‬
‫يفره ومن ل يتق الـشـتـم يشـتـم فقال له عتيبة‪ :‬إن هذا من مقدمات‬ ‫ومن يجعل المعروف من دون عرضه‬
‫أفاعيك؛ ثم قال لوكيله‪ :‬اذهب معه إلى السوق فل يطلب شيئا إل اشتريته له؛ فجعل يعرض عليه الخز ورقيق الثياب فل يريدها‬
‫ويومىء إلى الكرابيس والكسية الغلظ فيشتريها له حتى قضى أربه ثم مضى؛ فلما جلس عتيبة في نادي قومه أقبل الحطيئة‪،‬‬
‫‪:‬فلما رآه عتيبة قال‪ :‬هذا مقام العائذ بك يا أبا مليكة من خيرك وشرك؛ قال‪ :‬كنت قلت بيتين فاستمعهما ثم أنشأ يقول‬
‫فسيان ل ذم عـلـيك ول حـمـد‬ ‫سئلت فلم تبخل ولم تعـط طـائل‬
‫فتعطى ول يعدي على النائل الوجد ثم ركض فرسه فذهب‬ ‫‪.‬وأنت امرؤ ل الجود منك سـجـية‬
‫ليس في شعره مطعن‬
‫أخبرني الحسين بن يحيى ومحمد بن مزيد البوشنجي قال حدثنا حماد بن إسحاق قال حدثني محمد بن عمرو الجرجرائي عن‬
‫‪.‬أبي صفوان الحوزي قال‪ :‬ما من أحد إل لو أشاء أن أجد في شعره مطعنا لوجدته إل الحطيئة‬
‫قول إسحاق أنه أشعر الشعراء بعد زهير‬
‫صفائح بصرى علقت بالعواتـق‬ ‫وفتيان صدق من عدي عـلـيهـم‬
‫ولم يمسكوا فوق القلوب الخوافق‬ ‫إذا ما دعوا لم يسألوا من دعاهـم‬
‫وشدوا على أوساطهم بالمناطـق‬ ‫وطاروا إلى الجرد العتاق فألجموا‬
‫ريخ ومأوى المرملين الـدرادق‬ ‫أولئك آباء الغريب وغـاثة الـص‬
‫مكان النواصي من وجوه السوابق ويروى‬ ‫‪:‬أحلوا حياض الموت فوق جباههم‬
‫وإذا ركبوا لم ينظروا عن شمالهم ويروى‪ :‬أولئك أبناء العزيف ‪ -‬ثم قال‪ :‬أما إني ما‬ ‫إذا اسـتـلـحـــمـــوا‪...‬‬
‫‪.‬أزعم أن أحدا بعد زهير أشعر من الحطيئة‬
‫وافقه ابن ميادة في شطر فعرف أنه شاعر أخبرني الحسين بن يحيى حماد بن إسحاق عن أبيه قال‪ :‬بلغني أنه لما قال ابن‬
‫‪:‬ميادة‬
‫تمشي به ظلمانه وجآذره‬

‫صفحة ‪165 :‬‬

‫قيل له‪ :‬قد سبقك الحطيئة إلى هذا‪ ،‬فقال‪ :‬والله ما علمت أن الحطيئة قال هذا قط‪ ،‬والن علمت والله أني شاعر حين‬
‫‪.‬واطأت الحطيئة‬
‫شعره وقول الصمعي أفسده بالهجاء قال حماد‪ :‬قال أبي‪ :‬وقال لي الصمعي وقد أنشدني شيئا من شعر الحطيئة‪ :‬أفسد مثل‬
‫‪.‬هذا الشعر الحسن بهجاء الناس وكثرة الطمع‬
‫سئل من أشعر الناس فأخرج لسانه يعني نفسه قال حماد‪ :‬قال أبي‪ :‬وبلغني عن عبد الرحمن بن أبي بكرة أنه قال‪ :‬لقيت‬
‫‪.‬الحطيئة بذات عرق فقلت له‪ :‬يا أبا مليكة‪ ،‬من أشعر الناس? فأخرج لسانه كأنه لسان الحية ثم قال‪ :‬هذا إذا طمع‬
‫قابل حسان متنكرا وسمع من شعره ونسخت من كتاب أحمد بن سعيد الدمشقي قال حدثنا الزبير قال حدثني يحيى بن محمد‬
‫بن طلحة وكان قد قارب ثمانين سنة قال‪ :‬أخبرني بعض أشياخنا أن أعرابيا وقف على حسان بن ثابت وهو ينشد‪ ،‬فقال له‬
‫حسان‪ :‬كيف تسمع يا أعرابي? قال‪ :‬ما أسمع بأسا؛ قال حسان‪ :‬أما تسمعون إلى العرابي ما كنيتك أيها الرجل? قال‪ :‬أبو‬
‫مليكة‪ ،‬قال‪ :‬ما كنت قط أهون علي منك حين أكتنيت بامرأة‪ ،‬فما اسمك? قال‪ :‬الحطيئة‪ ،‬فأطرق حسان ثم قال له‪ :‬امض‬
‫‪.‬بسلم‬
‫كان بخيل يطرد أضيافه‬
‫أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن المدائني قال‪ :‬مر ابن الحمامة بالحطيئة وهو جالس بفناء بيته‪ ،‬فقال‪ :‬السلم‬
‫عليكم؛ فقال‪ :‬قلت ما ل ينكر؛ قال‪ :‬إني خرجت من عند أهلي بغير زاد؛ فقال‪ :‬ما ضمنت لهلك قراك؛ قال‪ :‬أفتأذن لي أن آتي‬
‫‪.‬ظل بيتك فأتفيأ به? قال‪ :‬دونك الجبل يفيء عليك؛ قال‪ :‬أنا ابن الحمامة؛ قال‪ :‬انصرف وكن ابن أي طائر شئت‬
‫‪.‬وأخبرنا بهذا الخبر اليزيدي عن الخزاز عن المدائني فحكى ما ذكرناه من قول الحطيئة عن أبي السود الدؤلي‬
‫وأخبرني الحسين عن حماد عن أبيه عن أبي عبيدة والمدائني قال‪ :‬أتى رجل الحطيئة وهو في غنم له فقال له‪ :‬يا صاحب‬
‫الغنم‪ ،‬فرفع الحطيئة العصا وقال‪ :‬إنها عجراء من سلم؛ فقال الرجل‪ :‬إني ضيف؛ فقال‪ :‬للضيفان أعددتها‪ ،‬فانصرف عنه‪ .‬قال‬
‫إسحاق‪ :‬وقال غيرهما‪ :‬إن الرجل قال له‪ :‬السلم عليكم؛ فقال له‪ :‬عجراء من سلم؛ فقال‪ :‬السلم عليكم؛ فقال‪ :‬أعددتها‬
‫‪.‬للطراق؛ فأعاد السلم فقال له‪ :‬إن شئت قمت بها إليك؛ فانصرف الرجل عنه‬
‫كان يقول إنما أنا حسب موضوع‬
‫أخبرني علي بن سليمان الخفش قال حدثنا محمد بن يزيد قال‪ :‬زعم الجاحظ أن الحطيئة كان يقول‪ :‬إنما أنا حسب موضوع؛‬
‫‪.‬فسمع عمرو بن عبيد رجل يحكي ذلك عنه يقال له عبد الرحمن بن صديقة‪ ،‬فقال عمرو‪ :‬كذب ترحه الله إنما ذلك التقوى‬
‫هجاؤه أضيافه وقد ضافه صخر بن أعيى فتهاجيا‬
‫أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال الصمعي‪ :‬لم ينزل ضيف قط بالحطيئة إل هجاه‪ ،‬فنزل به رجل‬
‫من بني أسد لم يسمه الصمعي‪ ،‬وذكر أبو عبيدة أنه صخر بن أعيى السدي أحد بني أعيى ابن طريف بن عمرو بن قعين‪،‬‬
‫‪:‬فسقاه شربة من لبن‪ ،‬فلما شربها قال‬
‫وأن ابن أعيى ل محالة فاضحي‬ ‫لما رأيت أن من يبتغي القـرى‬
‫على ظمأ سدت أصول الجوانح وروى الصمعي شدت بالشين المعجمة‬ ‫‪.‬شددت حيازيم ابن أعيى بشـربة‬

‫بغى الود من مطروفة العين طامح‬ ‫ولم أك مثل الكاهلـي وعـرسـه‬


‫وغابت له غيب امرىء غير ناصح‬ ‫غدا باغيا يبغي رضـاهـا وودهـا‬
‫ول يغتدي إل علـى حـد بـارح قال فأجابه صخر بن أعيى فقال‬ ‫‪:‬دعـت ربـهـا أل يزال بـفـاقة‬
‫على كل ضيف ضافه هو سالح‬ ‫أل قـبـح الـحـطـيئة إنـه‬
‫أل كل كلب ل أبا لـك نـابـح‬ ‫دفعت إليه وهو يخنق كـلـبـه‬
‫أل كل عبسي على الزاد شائح قال أبو عبيدة وهجا الحطيئة أيضا رجل من‬ ‫بكيت على مذق خبيث قـريتـه‬
‫‪:‬أضيافه فقال‬
‫كفتك المرة الولى السلما‬ ‫وسلم مرتين فقلت مـهـل‬
‫لما قد نال من شبع ونامـا أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلم عن يونس أن‬ ‫ونقنق بطنه ودعا رؤاسـا‬
‫‪:‬الحطيئة خرج في سفر له ومعه امرأته أمامة وابنته مليكة‪ ،‬فنزل منزل وسرح ذودا له ثلثا‪ ،‬فلما قام للرواح فقد إحداها فقال‬
‫أصاب البكر أم حدث الليالي‬ ‫أذئب القفـر أم ذئب أنـيس‬

‫صفحة ‪166 :‬‬

‫لقد جار الزمان على عيالي أخبرني محمد بن خلف وكيع والحسين بن يحيى قال حدثنا‬ ‫ونحن ثـلثة وثـلث ذود‬
‫‪:‬حماد عن أبيه قال قال أبو عمرو بن العلء‪ :‬لم تقل العرب بيتا قط أصدق من بيت الحطيئة‬
‫ل يذهب العرف بين الله والناس فقيل له‪ :‬فقول طرفة‬ ‫‪:‬من يفعل الخير ل يعدم جوازيه‬
‫ويأتيك بالخبار من لم تـزود فقال‪ :‬من يأتيك بها ممن زودت أكثر‪ ،‬وليس بيت‬ ‫ستبدي لك اليام ما كنت جاهل‬
‫‪:‬مما قالته الشعراء إل وفيه مطعن إل قول الحطيئة‬
‫ل يذهب العرف بين الله والناس قال إسحاق قال المدائني قال سلم بن قتيبة‪ :‬ما أعلم قافية تستغني عن صدرها وتدل عليه‬
‫‪:‬وإن لم ينشد مثل قول الحطيئة‬
‫ل يذهب العرف بين الله والناس كتب له الصمعي أربعين قصيدة في ليلة‬
‫‪.‬أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا الرياشي قال سمعت الصمعي يقول‪ :‬كتبت للحطيئة في ليلة أربعين قصيدة‬
‫قوله ل يذهب العرف مكتوب في التوراة‬
‫أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن أبي عبيدة قال‪ :‬بلغني أن هذا البيت في التوراة‪ ،‬ذكره غير واحد عن أبي بن‬
‫‪:‬كعب‪ .‬يعني قول الحطيئة‬
‫ل يذهب العرف بين الله والناس قال إسحاق وذكر عبد الله بن مروان عن أيوب بن عثمان الدمشقي عن عثمان بن أبي‬
‫‪:‬عائشة قال‪ :‬سمع كعب الحبر رجل ينشد بيت الحطيئة‬
‫ل يذهب العرف بين الله والناس فقال‪ :‬والذي نفسي بيده إن هذا البيت‬ ‫من يفعل الخير ل يعدم جوازيه‬
‫‪ .‬لمكتوب في التوراة‪ .‬قال إسحاق قال العمري‪ :‬والذي صح عندنا في التوراة ل يذهب العرف بين الله والعباد‬
‫أوصى ابن شداد ابنه محمدا بشعره‬
‫أخبرني الحسين عن حماد عن أبيه قال قال أبو عدنان‪ :‬لما حضرت عبيد الله ابن شداد الوفاة دعا ابنه محمدا فأوصاه وقال‬
‫له‪ :‬يا بني أرى داعي الموت ل يقلع‪ ،‬وبحق أن من مضى ل يرجع‪ ،‬ومن بقي فإليه ينزع‪ .‬يا بني‪ ،‬ليكن أولى المور بك تقوى الله‬
‫‪:‬في السر والعلنية‪ ،‬والشكر لله‪ ،‬وصدق الحديث والنية‪ ،‬فإن للشكر مزيدا‪ ،‬والتقوى خير زاد‪ ،‬كما قال الحطيئة‬
‫ولكن التقي هو الـسـعـيد‬ ‫ولست أرى السعادة جمع مال‬
‫وعند الله للتـقـى مـزيد‬ ‫وتقوى الله خير الزاد ذخـرا‬
‫ولكن الذي يمضـي بـعـيد مدحه أبا موسى الشعري‬ ‫وما لبـد أن يأتـي قـريب‬
‫أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلم قال أخبرني أبو عبيدة عن يونس قال‪ :‬قدم حماد الراوية البصرة على بلل بن أبي بردة‬
‫‪:‬وهو عليها؛ فقال له‪ :‬ما أطرفتني شيئا يا حماد؛ قال‪ :‬بلى‪ ،‬ثم عاد إليه فأنشده للحطيئة في أبي موسى الشعري يمدحه‬
‫ومن تميم ومن حاء ومن حـام‬ ‫جمعت من عامر فيه ومن جشم‬
‫يسمو بها أشعري طرفه سامي فقال له بلل‪ :‬ويحك أيمدح الحطيئة أبا موسى‬ ‫مستحقبات رواياها جحافلـهـا‬
‫‪.‬الشعري وأنا أروي شعر الحطيئة كله فل أعرفها ولكن أشعها تذهب في الناس‬
‫‪:‬وذكر المدائني أن الحطيئة قال هذه القصيدة في أبي موسى‪ ،‬وأنها صحيحة‪ .‬قالها فيه وقد جمع جيشا للغزو فأنشده‬
‫‪:‬جمعت من عامر فيه ومن أسد وذكر البتين وبينهما هذا البيت وهو‬
‫بوائل رهط ذي الجدين بسطام فوصله أبو موسى؛ فكتب إليه عمر رضي الله عنه‬ ‫فما رضيتهم حتى رفدتـهـم‬
‫يلومه على ذلك؛ فكتب إليه‪ :‬إني اشتريت عرضي منه بها؛ فكتب إليه عمر‪ :‬إن كان هذا هكذا وإنما فديت عرضك من لسانه ولم‬
‫‪.‬تعطه للمدح والفخر فقد أحسنت‪ .‬ولما ولى بلل ابن أبي بردة أنشده إياها حماد الراوية فوصله أيضا‬
‫كذبه عمر في بيت قاله‬
‫ونسخت من كتاب لحماد بن إسحاق حدثني به أبي وأخبرني به عمي عن الكراني عن الرياشي قال حدثني محمد بن الطفيل‬
‫عن أبي بكر بن عياش عن الحارث بن عبد الرحمن بن مكحول قال‪ :‬سبق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على فرس له‬
‫‪:‬فجثا على ركبتيه وقال‪ :‬إنه لبحر ؛ قال عمر‪ :‬كذب الحطيئة حيث يقول‬
‫ول جاعلت الريط فوق المعاصم لو ترك هذا أحد لتركه رسول الله صلى الله‬ ‫وإن جياد الخيل ل تسـتـفـزنـا‬
‫‪.‬عليه وسلم‬
‫أراد سفرا فاستعطفته امرأته فرجع‬

‫صفحة ‪167 :‬‬

‫أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن ابي عبيدة أن الحطيئة أراد سفرا فأتته امرأته وقد قدمت راحلته ليركب‪،‬‬
‫‪:‬فقال‬
‫واذكر بناتك إنهن صغار فقال‪ :‬حطوا‪ ،‬ل رحلت لسفر أبدا‬ ‫‪.‬أذكر تحنننا إليك وشوقنـا‬
‫رؤية صاحب الحطيئة الجني‬
‫أخبرني محمد بن العباس اليزيدي ومحمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا عبد الرحمن ابن أخي الصمعي عن عمه عن أبيه قال‪:‬‬
‫قال رجل‪ :‬ضفت قوما في سفر وقد ضللت الطريق‪ ،‬فجاءوني بطعام أجد طعمه في فمي وثقله في بطني‪ ،‬ثم قال شيخ منهم‬
‫‪:‬لشاب‪ :‬أنشد عمك؛ فأنشدني‬
‫تمشى به ظلمـانـه وجـآذره فقلت له‪ :‬أليس هذا للحطيئة? فقال‪ :‬بلى‪ ،‬وأنا‬ ‫عفا من سليمى مسحلن فحامره‬
‫‪.‬صاحبه من الجن‬
‫ابن شبرمة يستجيد شعره‬
‫أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال‪ :‬قال ابن عيينة‪ :‬سمعت ابن شبرمة يقول‪ :‬أنا والله أعلم بجيد الشعر‪ ،‬لقد‬
‫‪:‬أحسن الحطيئة حيث يقول‬
‫وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا‬ ‫أولئك قوم إن بنوا أحسنوا الـبـنـى‬
‫وإن أنعموا ل كدروهـا ول كـدوا‬ ‫وإن كانت النعماء فيهم جزوا بـهـا‬
‫من الدهر ردوا فضل أحلمكم ردوا قال‪ :‬وقال الصمعي وقد سأله أبو‬ ‫وإن قال مولهم على جـل حـادث‬
‫‪.‬عدنان عن هذا البيت‪ :‬ما واحد البنى‪ ،‬قال‪ :‬بنيه؛ فقال له‪ :‬أتجمع فعلة على فعل? قال‪ :‬نعم مثل رشوة ورشى وحبوة وحبى‬
‫نزوله على بني مقلد بن يربوع‬
‫حدثنا أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني محمد بن أحمد بن صدقة النباري قال حدثنا ابن العرابي عن المفضل‪ :‬أن‬
‫الحطيئة أقحمته السنة‪ ،‬فنزل ببني مقلد بن يربوع‪ ،‬فمشى بعضهم إلى بعض وقالوا‪ :‬إن هذا الرجل ل يسلم أحد من لسانه‪،‬‬
‫فتعالوا حتى نسأله عما يحب فنفعله وعما يكره فنجتنبه؛ فأتوه فقالوا له‪ :‬يا أبا مليكة‪ ،‬إنك اخترتنا على سائر العرب ووجب‬
‫حقك علينا‪ ،‬فمرنا بما تحب أن نفعله وبما تحب أن ننتهي عنه؛ فقال‪ :‬ل تكثروا زيارتي فتملوني‪ ،‬ول تقطعوها فتوحشوني‪ ،‬ول‬
‫تجعلوا فناء بيتي مجلسا لكم‪ ،‬ول تسمعوا بناتي غناء شبانكم‪ ،‬فإن الغناء رقية الزنا‪ .‬قال‪ :‬فأقام عندهم‪ .‬وجمع كل رجل منهم‬
‫ولده وقال‪ :‬أمكم الطلق‪ ،‬لئن تغنى أحد منكم والحطيئة مقيم بين أظهرنا لضربنه ضربة بسيفي أخذت منه ما أخذت‪ .‬فلم يزل‬
‫‪:‬مقيما فيما يرضى حتى انجلت عنه السنة‪ ،‬فارتحل وهو يقول‬
‫إذ ليس كل أخي جوار يحمد‬ ‫جاورت آل مقلد فحمدتـهـم‬
‫فينا ومن يرد الزهادة يزهد خبره مع الزبرقان وسبب هجائه إياه‬ ‫أيام من يرد الصنيعة يصطنع‬
‫فأما خبره مع الزبرقان بن بدر والسبب في هجائه إياه‪ ،‬فأخبرني به أبو خليفة عن محمد بن سلم ولم يتجاوزه به‪ ،‬وأخبرني‬
‫الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن محمد بن سلم عن يونس‪ ،‬وأخبرني محمد بن الحسن بن دريد عن أبي حاتم عن أبي‬
‫‪:‬عبيدة‪ ،‬وأخبرني اليزيدي عن عمه عبيد الله عن أبي حبيب عن ابن العرابي وقد جمعت رواياتهم وضممت بعضها إلى بعض‬

‫صفحة ‪168 :‬‬

‫أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ولى الزبرقان بن بدر بن امرىء القيس بن خلف بن بهدلة بن عوف بن كعب بن سعد بن‬
‫زيد مناة بن تميم عمل‪ ،‬وذكر مثل ذلك الصمعي‪ ،‬وقال‪ :‬الزبرقان‪ :‬القمر‪ ،‬والزبرقان‪ :‬الرجل الخفيف اللحية‪ .‬قال‪ :‬وأقره أبو‬
‫بكر رضي الله عنه بعد النبي صلى الله عليه وسلم على عمله‪ ،‬ثم قدم على عمر في سنة مجدبة ليؤدي صدقات قومه‪ ،‬فلقيه‬
‫الحطيئة بقرقرى ومعه ابناه أوس وسوادة وبناته وامرأته؛ فقال له الزبرقان وقد عرفه ولم يعرفه الحطيئة‪ :‬أين تريد? قال‪:‬‬
‫العراق‪ ،‬فقد حطمتنا هذه السنة؛ قال‪ :‬وتصنع ماذا? قال وددت أن أصادف بها رجل يكفيني مؤونة عيالي وأصفيه مدحي أبدا؛‬
‫فقال له الزبرقان‪ :‬قد أصبته‪ ،‬فهل لك فيه يوسعك لبنا وتمرا ويجاورك أحسن جوار وأكرمه? فقال له الحطيئة‪ :‬هذا وأبيك‬
‫العيش‪ ،‬وما كنت أرجو هذا كله؛ قال‪ :‬فقد أصبته؛ قال‪ :‬عند من? قال‪ :‬عندي؛ قال‪ :‬ومن أنت? قال‪ :‬الزبرقان بن بدر؛ قال وأين‬
‫محلك? قال‪ :‬اركب هذه البل‪ ،‬واستقبل مطلع الشمس‪ ،‬وسل عن القمر حتى تأتي منزلي‪ .‬قال يونس‪ :‬وكان اسم الزبرقان‬
‫الحصين بن بدر‪ ،‬وإنما سمي الزبرقان لحسنه‪ ،‬شبه القمر‪ .‬وقيل‪ :‬بل لبس عمامة مزبرقة بالزعفران فسمي الزبرقان لذلك‪.‬‬
‫وقال أبو عبيدة في خبره‪ :‬فقال له‪ :‬سر إلى أم شذرة وهي أم الزبرقان وهي أيضا عمة الفرزدق‪ ،‬وكتب إليها أن أحسني إليه‪،‬‬
‫وأكثري له من التمر واللبن‪ .‬وقال آخرون‪ :‬بل وكله إلى زوجته‪ .‬فلحق الحطيئة بزوجته على رواية ابن سلم‪ ،‬وهي بنت صعصعة‬
‫بن ناجية المجاشعية‪ ،‬واسمها هنيدة‪ ،‬وعلى رواية أبي عبيدة‪ :‬أنها أمه‪ ،‬وذلك في عام صعب مجدب‪ ،‬فأكرمته المرأة وأحسنت‬
‫إليه؛ فبلغ ذلك بغيض بن عامر بن شماس بن لي بن جعفر وهو أنف الناقة بن قريع بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة‬
‫بن تميم‪ ،‬وبلغ إخوته وبني عمه فاغتنموها‪ .‬وفي خبر اليزيدي عن عمه قال ابن حبيب عن ابن العرابي‪ :‬وكانوا يغضبون من أنف‬
‫الناقة‪ ،‬وإنما سمي جعفر أنف الناقة لن أباه قريعا نحر ناقة فقسمها بين نسائه‪ ،‬فبعثت جعفرا هذا أمه‪ ،‬وهي الشموس من‬
‫وائل ثم من سعد هذيم‪ ،‬فأتى أباه ولم يبق من الناقة إل رأسها وعنقها‪ ،‬فقال‪ :‬شأنك بهذا؛ فأدخل يده في أنفها وجر ما أعطاه؛‬
‫‪:‬فسمي أنف الناقة‪ .‬وكان ذلك كاللقب لهم حتى مدحهم الحطيئة‪ ،‬فقال‬
‫ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا فصار بعد ذلك فخرا لهم ومدحا‪ ،‬وكانوا ينازعون‬ ‫قوم هم النف والذناب غيرهم‬
‫الزبرقان الشرف ‪ -‬يعني بغيضا وإخوته وأهله ‪ -‬وكانوا أشرف من الزبرقان‪ ،‬إل أنه قد كان استعلهم بنفسه‪ .‬وقال أبو عبيدة في‬
‫خبره‪ :‬كان الحطيئة دميما سيء الخلق‪ ،‬ل تأخذه العين‪ ،‬ومعه عيال كذلك‪ .‬فلما رأت أم شذرة حاله هان عليها وقصرت به‪،‬‬
‫ونظر بغيض وبنو أنف الناقة إلى ما تصنع به أم شذرة‪ ،‬فأرسلوا إليه‪ :‬أن ائتنا‪ ،‬فأبى عليهم وقال‪ :‬إن من شأن النساء التقصير‬
‫والغفلة‪ ،‬ولست بالذي أحمل على صاحبها ذنبها‪ .‬فلما ألح عليه بنو أنف الناقة‪ ،‬وكان رسولهم إليه شماس بن لي وعلقمة بن‬
‫هوذة وبغيض بن شماس والمخبل الشاعر‪ ،‬قال لهم‪ :‬لست بحامل على الرجل ذنب غيره‪ ،‬فإن تركت وجفيت تحولت إليكم؛‬
‫فأطعموه ووعدوه وعدا عظيما‪ .‬وقال ابن سلم في خبره‪ :‬فلما لم يجبهم دسوا إلى هنيدة زوجة الزبرقان أن الزبرقان إنما يريد‬
‫أن يتزوج ابنته مليكة؛ وكانت جميلة كاملة‪ ،‬فظهرت من المرأة للحطيئة جفوة وهي في ذاك تداريه‪ .‬ثم أرادوا النجعة‪ ،‬قال أبو‬
‫عبيدة‪ :‬فقالت له أم شذرة ‪ -‬وقال ابن سلم‪ :‬فقالت له هنيدة ‪ :-‬قد حضرت النجعة فاركب أنت وأهلك هذا الظهر إلى مكان كذا‬
‫وكذا‪ ،‬ثم اردده إلينا حتى نلحقك فإنه ل يسعنا جميعا؛ فأرسل إليها‪ :‬بل تقدمي أنت فأنت أحق بذلك؛ ففعلت وتثاقلت عن ردها‬
‫إليه وتركته يومين أو ثلثة‪ ،‬وألح بنو أنف الناقة عليه وقالوا له‪ :‬قد تركت بمضيعة‪ .‬وكان أشدهم في ذلك قول بغيض بن شماس‬
‫‪:‬وعلقمة بن هوذة‪ ،‬وكان الزبرقان قد قال في علقمة‬
‫ل بعيني ويعـين عـائب‬ ‫لي ابــن عـــم ل يزا‬
‫ت ول يعين على النوائب‬ ‫وأعينـه فـي الـنـائبـا‬
‫ى ول تدب له عـقـارب‬ ‫تسـري عـقـاربــه إل‬
‫ف المحزنات من العواقب‬ ‫له ابـن عـمـك ل يخـا‬

‫صفحة ‪169 :‬‬

‫قال‪ :‬فكان علقمة ممتلئا غيظا عليه‪ .‬فلما ألحوا على الحطيئة أجابهم وقال‪ :‬أما الن فنعم‪ ،‬أنا صائر معكم‪ .‬فتحمل معهم‪،‬‬
‫فضربوا له قبة‪ ،‬وربطوا بكل طنب من أطنابها جلة هجرية‪ ،‬وأراحوا عليه إبلهم‪ ،‬وأكثروا له من التمر واللبن‪ ،‬وأعطوه لقاحا‬
‫وكسوة‪ .‬قال‪ :‬فلما قدم الزبرقان سأل عنه فأخبر بقصته‪ ،‬فنادى في بني بهدلة بن عرف‪ ،‬وهم لم دون قريع‪ ،‬أمهم السفعاء‬
‫بنت غنم بن قتيبة من باهلة‪ .‬فركب الزبرقان فرسه‪ ،‬وأخذ رمحه‪ ،‬وسار حتى وقف على نادي بني شماس القريعيين‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ردوا علي جاري؛ فقالوا‪ :‬ما هو لك بجار وقد اطرحته وضيعته؛ فألم أن يكون بين الحيين حرب‪ ،‬فحضرهم أهل الحجا من‬
‫قومهم‪ ،‬فلموا بغيضا وقالوا‪ :‬اردد على الرجل جاره؛ فقال‪ :‬لست مخرجه وقد آويته‪ ،‬وهو رجل حر مالك لمره‪ ،‬فخيروه فإن‬
‫اختارني لم أخرجه‪ ،‬وإن اختاره لم أكرهه‪ .‬فخيروا الحطيئة فاختار بغيضا ورهطه؛ فجاء الزبرقان ووقف عليه وقال له‪ :‬أبا مليكة‪،‬‬
‫أفارقت جواري عن سخط وذم? قال‪ :‬ل؛ فانصرف وتركه‪ .‬هذه رواية ابن سلم‪ ،‬وأما أبو عبيدة فإنه ذكر أنه كان بين الزبرقان‬
‫ومن معه من القريعيين تلح وتشاح‪ .‬وزعم غيرهما أن الزبرقان استعدى عمر بن الخطاب على بغيض‪ ،‬فحكم عمر بأن يخرج‬
‫الحطيئة حتى يقام في موضع خال بين الحيين وحده ويخلى سبيله‪ ،‬ويكون جار أيهما اختار؛ ففعل ذلك به‪ ،‬فاختار القريعيين‪.‬‬
‫قال‪ :‬وجعل الحطيئة يمدحهم من غير أن يهجو الزبرقان‪ ،‬وهم يحضونه على ذلك ويحرضونه فيأبى ويقول‪ :‬ل ذنب للرجل عندي؛‬
‫‪:‬حتى أرسل الزبرقان إلى رجل من النمر بن قاسط يقال له دثار بن شيبان‪ ،‬فهجا بغيضا فقال‬
‫وأعوزها به المـاء الـرواء‬ ‫أرى إبلي بجوف الماء حلـت‬
‫فما وصلوا القرابة مذ أساءوا‬ ‫وقد وردت مياه بنـي قـريع‬
‫وتصدر وهي محنقة ظمـاء‬ ‫تحل يوم ورد الناس إبـلـي‬
‫فأسلمني وقد نزل الـبـلء‬ ‫ألم أك جار شماس بـن لي‬
‫إلى حيث المكارم والعـلء‬ ‫فقلت تحـولـي يا أم بـكـر‬
‫تعالى سمكه ودجا الفـنـاء‬ ‫وجدنا بيت بهدلة بـن عـوف‬
‫قديم في الفعـال ول ربـاء‬ ‫وما أضحى لشماس بـن لي‬
‫فهذا من مقـالـتـه جـزاء فحينئذ قال الحطيئة يهجو الزبرقان ويناضل عن بغيض‬ ‫سوى أن الحطيئة قال قـول‬
‫‪:‬قصيدته التي يقول فيها‬
‫في آل لي بن شماس بأكـياس‬ ‫والله ما معشر لموا امرأ جنبـا‬
‫في بائس جاء يحدو آخر النـاس‬ ‫ما كان ذنب بغيض ل أبا لـكـم‬
‫يوما يجيىء بها مسحي وإبساسي‬ ‫لقد مريتـكـم لـو أن درتـكـم‬
‫كيما يكون لكم متحي وإمراسي‬ ‫وقد مدحتكم عمـدا لرشـدكـم‬
‫ولم يكن لجراحي فيكـم آسـي‬ ‫لما بدا لي منكم غيب أنفسـكـم‬
‫ولن يرى طاردا للحر كالـياس‬ ‫أزمعت يأسا مبينا من نوالـكـم‬
‫وغادروه مقيما بـين أرمـاس‬ ‫جار لقوم أطالوا هون منـزلـه‬
‫وجرحوه بـأنـياب وأضـراس‬ ‫ملوا قراه وهرتـه كـلبـهـم‬
‫واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي‬ ‫دع المكارم ل ترحل لبغـيتـهـا‬
‫ل يذهب العرف بين الله والناس‬ ‫من يفعل الخير ل يعدم جـوازيه‬
‫من آل لي صفاة أصلها راسي‬ ‫ما كان ذنبي أن فلت معاولـكـم‬
‫مجدا تليدا ونبل غير أنـكـاس ‪ -‬الجنب‪ :‬الغريب‪ .‬والبساس‪ :‬أن يسكنها عند‬ ‫قد ناضلوك فسلوا من كنائنـهـم‬
‫‪ -.‬الحلب‪ .‬والماتح‪ :‬المستقي الذي يجذب الدلو من فوق‪ .‬والمراس‪ :‬أن يقع الحبل في جانب البكرة فيخرجه‬
‫استعدى الزبرقان عليه فحبسه فاستعدى عليه الزبرقان عمر بن الخطاب‪ ،‬فرفعه عمر إليه واستنشده فأنشده؛ فقال عمر‬
‫في أمر الزبرقان ‪</H6 <H6‬فصل زياد بنحو ما فصل عمر ‪: <H6‬لحسان‪ :‬أتراه هجاه? قال‪ :‬نعم وسلح عليه‪ ،‬فحبسه عمر‬
‫‪ </H6‬والحطيئة‬

‫صفحة ‪170 :‬‬

‫أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أحمد بن معاوية عن أبي‬
‫عبد الرحمن الطائي عن عبد الله بن عياش عن الشعبي قال‪ :‬شهدت زيادا وأتاه عامر بن مسعود بأبي علثة التيمي‪ ،‬فقال‪ :‬إنه‬
‫‪:‬هجاني؛ قال‪ :‬وما قال لك? قال قال‬
‫وقد سار فيها خصية الكلب عامر فقال أبو علثة‪ :‬ليس هكذا قلت؛ قال‪ :‬فكيف‬ ‫وكيف أرجي ثروها ونمـاءهـا‬
‫‪:‬قلت? قال قلت‬
‫وقد سار فيها ناجذ الحق عامر قال زياد‪ :‬قاتل الله الشاعر‪ ،‬ينقل لسانه كيف شاء‪،‬‬ ‫وإني لرجو ثروها ونماءهـا‬
‫والله لول أن تكون سنة لقطعت لسانك فقام قيس بن فهد النصاري فقال‪ :‬أصلح الله المير‪ ،‬ما أدري من الرجل‪ ،‬فإن شئت‬
‫حدثتك عن عمر بما سمعت منه ‪ -‬قال‪ :‬وكان زياد يعجبه الحديث عن عمر رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ :‬هاته‪ ،‬قال شهدته وأتاه‬
‫‪:‬الزبرقان بن بدر بالحطيئة فقال‪ :‬إنه هجاني؛ قال ما قال لك? قال قال لي‬
‫وقاعد فإنك أنت الطاعم الكاسي فقال عمر‪ :‬ما أسمع هجاء ولكنها معاتبة؛‬ ‫دع المكارم ل ترحل لبغيتـهـا‬
‫فقال الزبرقان‪ :‬أو ما تبلغ مروؤتي إل أن آكل وألبس فقال عمر‪ :‬علي بحسان‪ ،‬فجيء به فسأله؛ فقال‪ :‬لم يهجه ولكن سلح‬
‫عليه ‪ -‬قال ويقال‪ :‬إنه سأل لبيدا عن ذلك فقال‪ :‬ما يسرني أنه لحقني من هذا الشعر ما لحقه وأن لي حمر النعم ‪ -‬فأمر به‬
‫‪:‬عمر فجعل في نقير في بئر ثم ألقي عليه شيء‪ ،‬فقال‬
‫زغب الحواصل ل ماء ول شجر‬ ‫ماذا تقول لفـراخ بـذي مـرخ‬
‫فاغفر عليك سلم الله يا عمـر‬ ‫ألقيت كاسبهم في قعر مظـلـمة‬
‫ألقى إليك مقاليد النهى البـشـر‬ ‫أنت المام الذي من بعد صاحبـه‬
‫لكن لنفسهم كانت بـك الثـر فأخرجه وقال له‪ :‬إياك وهجاء الناس؛ قال‪ :‬إذا‬ ‫لم يؤثروك بها إذ قدمـوك لـهـا‬
‫يموت عيالي جوعا‪ ،‬هذا مكسبي ومنه معاشي؛ قال‪ :‬فإياك والمقذع من القول؛ قال‪ :‬وما المقذع? قال‪ :‬أن تخاير بين الناس‬
‫فتقول‪ :‬فلن خير من فلن‪ ،‬وآل فلن خير من آل فلن؛ قال‪ :‬فأنت والله أهجى مني‪ .‬ثم قال‪ :‬والله لول أن تكون سنة لقطعت‬
‫لسانك‪ ،‬ولكن اذهب فأنت له‪ ،‬خذه يا زبرقان؛ فألقى الزبرقان في عنقه عمامة فاقتاده بها؛ وعارضته غطفان فقالوا له‪ :‬يا أبا‬
‫شذرة‪ ،‬إخوتك وبنو عمك‪ ،‬هبه لنا؛ فوهبه لهم‪ .‬فقال زياد لعامر بن مسعود‪ :‬قد سمعت ما روي عن عمر‪ ،‬وإنما هي السنن‪،‬‬
‫‪.‬فاذهب به فهو لك؛ فألقى في عنقه حبل أو عمامة‪ ،‬وعارضته بكر بن وائل فقالوا له‪ :‬أخوالك وجيرانك؛ فوهبه لهم‬
‫أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال أخبرنا أبو حاتم عن أبي عبيدة‪ :‬أن الحطيئة ‪</H6‬استعطف عمر بشعر فأطلقه ‪<H6‬‬
‫‪:‬لما حبسه عمر قال وهو أول ما قاله‬
‫سقتني العادي إليك السجال‬ ‫أعوذ بجـدك إنـي امـرؤ‬
‫أشد نكال وأرجـى نـوال‬ ‫فإنك خير من الزبـرقـان‬
‫فإن لكل مـقـام مـقـال‬ ‫تحنن علي هداك المـلـيك‬
‫فإن لكـل زمـان رجـال‬ ‫ول تأخذني بقول الـوشـاة‬
‫فسيقت إليك نسائي رجـال‬ ‫فإن كان ما زعموا صادقـا‬
‫يخفضن آل ويرفـعـن آل فلم يلتفت عمر إليه حتى قال أبياته التي أولها‬ ‫‪:‬حواسر ل يشتكين الـوجـا‬
‫ماذا تقول لفراخ بذي مرخ أخبرني الحرمي بن أبي العلء ومحمد بن العباس اليزيدي وعمر بن عبد العزيز بن أحمد وطاهر‬
‫بن عبد الله الهشامي قالوا حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد بن الضحاك بن عثمان الحزامي قال حدثني عبد الله بن‬
‫مصعب عن ربيعة بن عثمان عن زيد بن أسلم عن أبيه قال‪ :‬أرسل عمر إلى الحطيئة وأنا جالس عنده وقد كلمه فيه عمرو بن‬
‫‪:‬العاص وغيره فأخرجه من السجن فأنشده قوله‬
‫زغب الحواصل ل ماء ول شجر‬ ‫ماذا تقول لفـراخ بـذي مـرخ‬
‫فاغفر عليك سلم الله يا عمـر‬ ‫ألقيت كاسبهم في قعر مظـلـمة‬
‫ألقى إليك مقاليد النهي البـشـر‬ ‫أنت المام الذي من بعد صاحبـه‬
‫لكن لنفسهم كانت بـك الثـر‬ ‫لم يؤثروك بها إذ قدمـوك لـهـا‬

‫صفحة ‪171 :‬‬

‫بين الباطح تغشاهم بها القـرر‬ ‫فامنن على صبية بالرمل مسكنهم‬
‫من عرض داوية تعمى بها الخبر ‪ -‬قال فبكى حين قال‬ ‫‪:‬أهلي فداؤك كم بيني وبـينـهـم‬
‫ماذا تقول لفراخ بذي مرخ فقال عمرو بن العاص‪ :‬ما أظلت الخضراء ول أقلت الغبراء أعدل من رجل يبكي على تركه‬
‫الحطيئة ‪ -‬فقال عمر‪ :‬علي بالكرسي‪ ،‬فأتي به‪ ،‬فجلس عليه ثم قال‪ :‬أشيروا علي في الشاعر‪ ،‬فإنه يقول الهجر وينسب بالحرم‬
‫ويمدح الناس ويذمهم بغير ما فيهم‪ ،‬ما أراني إل قاطعا لسانه‪ ،‬ثم قال‪ :‬علي بالطست‪ ،‬فأتي بها‪ ،‬ثم قال‪ :‬علي بالمخصف‪ ،‬علي‬
‫بالسكين‪ ،‬ل بل علي بالموسى‪ ،‬فهو أوحى؛ فقالوا ل يعود يا أمير المؤمنين‪ ،‬فأشاروا إليه أن قل ل أعود؛ فقال‪ :‬ل أعود يا أمير‬
‫المؤمنين؛ فقال له‪ :‬النجاء‪ .‬قال‪ :‬فلما ولى قال له عمر‪ :‬يا حطيئة‪ ،‬كأني بك عند فتى من قريش‪ ،‬قد بسط لك نمرقة وكسر له‬
‫أخرى وقال‪ :‬غننا يا حطيئة فطفقت تغنيه بأعراض الناس‪ .‬قال ابن أسلم‪ :‬فما انقضت الدنيا حتى رأيت الحطيئة عند عبيد الله‬
‫بن عمر قد بسط له نمرقة وكسر له أخرى وقال‪ :‬غننا يا حطيئة‪ ،‬فجعل يغنيه‪ ،‬فقلت له‪ :‬يا حطيئة‪ ،‬أتذكر قول عمر? ففزع‬
‫وقال‪ :‬يرحم الله ذلك المرء‪ ،‬أما إنه لو كان حيا ما فعلت‪ .‬قال‪ :‬وقلت لعبيد الله‪ :‬سمعت أباك يقول كذا وكذا فكنت أنت ذلك‬
‫‪.‬الرجل‬
‫اشترى منه عمر أعراض المسلمين وروي عن عبد الله بن المبارك أن عمر رضي الله عنه لما أطلق الحطيئة أراد أن يؤكد‬
‫‪:‬عليه الحجة فاشترى منه أعراض المسلمين جميعا بثلثة آلف درهم؛ فقال الحطيئة في ذلك‬
‫شتما يضر ول مديحا ينـفـع‬ ‫وأخذت أطراف الكلم فلم تدع‬
‫دمي وأصبح آمنـا ل يفـزع شفاعة ابن عوف له عند عمر أخبرني الحسين بن‬ ‫وحميتني عرض اللئيم فلم يخف‬
‫يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال حدثني عبد الرحمن ابن أخي الصمعي عن عمه عن نافع بن أبي نعيم‪ :‬أن عبد الرحمن‬
‫بن عوف هو الذي استرضى عمر بن الخطاب وكلمه في أمر الحطيئة حتى أخرجه من السجن‪ .‬قال حماد وأخبرني أبي عن أبي‬
‫‪:‬عبيدة أن عمر رضي الله عنه لما أطلقه قال الشاعر النمري الذي كان الزبرقان حمله على هجاء بغيض‬
‫وأهلي بالعلة فـمـنـيانـي‬ ‫دعاني الثبجان ابنا بـغـيض‬
‫إلى حب وأنـعـام سـمـان‬ ‫وقالوا سر بأهلـك فـأتـينـا‬
‫وأربعة فـذلـك حـجـتـان‬ ‫فسرت إليهم عشرين شـهـرا‬
‫وأسلمني بـدائي الـداعـيان‬ ‫فلما أن أتيت ابنـي بـغـيض‬
‫لنا بالليل بئس الـضـائفـان‬ ‫يبيت الذئب والعثواء ضـيفـا‬
‫أهجهج عن بنـي ويعـروان‬ ‫أمارس منهمـا لـيل طـويل‬
‫سيدركنا بنو القرم الهـجـان‬ ‫تقول حليلتي لما اشـتـكـينـا‬
‫سراج الليل للشمس الحصان‬ ‫سيدركنا بنو القمر بـن بـدر‬
‫لصـوت أن ينـادي داعـيان‬ ‫فقلت ادعي وأدعـو إن أنـدى‬
‫أنا النمري جار الزبـرقـان‬ ‫فمن يك سائل عنـي فـإنـي‬
‫بما اجترمت يدي وجنى لساني‬ ‫طريد عشيرة وطريد حـرب‬
‫نزلت على الممنع من أبـان‬ ‫كأني إذ نزلـت بـه طـريدا‬
‫وضيعني بتريم من دعـانـي مكثه في بني قريع‬ ‫أتيت الزبرقان فلم يضعـنـي‬
‫إلى أن أخصبوا وأجازوه فرحل عنهم ومدحهم‬
‫أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن أبي عبيدة قال‪ :‬لم يزل الحطيئة في بني قريع يمدحهم حتى إذا‬
‫أحيوا قال لبغيض‪ :‬ف لي بما كنت تضمنت؛ فأتى بغيض علقمة بن هوذة فقال له‪ :‬قد جاء الله بالحيا‪ ،‬فف لي بما قلت ‪ -‬وكان‬
‫قد ضمن له مائة بعير ‪ -‬وأبرئني مما تضمنته عهدتي؛ فقال‪ :‬نعم‪ ،‬سل في بني قريع فمهما فضل بعد عطائهم أن يتم مائة‬
‫أتممته‪ ،‬ففعل فجمعوا له أربعين أو خمسين بعيرا‪ ،‬كان الرجل يعطيه على قدر ماله البعير والبعيرين؛ قال‪ :‬فأتمها علقمة له‬
‫مائة وراعيين فدفعت إليه فلم يزل يمدحهم وهو مقيم بينهم حتى قال كلمته السينية واستعدى الزبرقان عليه عمر رضي الله‬
‫‪:‬عنه‪ .‬فلما رحل عنهم قال‬
‫أخي بغيضا ولكن غيره بعدا‬ ‫ل يبعد الله إذ ودعت أرضهم‬

‫صفحة ‪172 :‬‬

‫يحبو الجليل وما أكدي ول نكـدا‬ ‫ل يبعد الله من يعطي الجزيل ومن‬
‫إذا اجرهد صفا المذموم أو صلدا‬ ‫ومن تلقيه بالمعروف مبتهـجـا‬
‫أن يعطك اليوم ل يمنعك ذاك غدا‬ ‫لقيته ثلجـا تـنـدى أنـامـلـه‬
‫وحافظ غيبه إن غاب أو شهـدا سؤاله ابن عباس في هجاء الناس‬ ‫إني لرافده ودي ومنـصـرتـي‬
‫أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن موسى قال حدثنا أحمد بن الحارث عن المدائني عن ابن دأب عن عبد الله بن‬
‫عياش المنتوف قال‪ :‬بينا ابن عباس جالس في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما كف بصره وحوله ناس من‬
‫قريش‪ ،‬إذ أقبل أعرابي يخطر وعليه مطرف وجبة وعمامة خز‪ ،‬حتى سلم على القوم فردوا عليه السلم‪ ،‬فقال‪ :‬يابن عم‬
‫رسول الله‪ ،‬أفتني؛ قال‪ :‬فيماذا? قال أتخاف علي جناحا إن ظلمني رجل فظلمته وشتمني فشتمته وقصر بي فقصرت به?‬
‫فقال‪ :‬العفو خير‪ ،‬ومن انتصر فل جناح عليه؛ فقال‪ :‬يابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت امرأ أتاني فوعدني وغرني‬
‫ومناني ثم أخلفني واستخف بحرمتي‪ ،‬أيسعني أن أهجوه? قال‪ :‬ل يصلح الهجاء‪ ،‬لنه لبد لك من أن تهجو غيره من عشيرته‬
‫فتظلم من لم يظلمك‪ ،‬وتشتم من لم يشتمك‪ ،‬وتبغي على من لم يبغ عليك‪ ،‬والبغي مرتع وخيم‪ ،‬وفي العفو ما قد علمت من‬
‫الفضل؛ قال‪ :‬صدقت وبررت؛ فلم ينشب أن أقبل عبد الرحمن بن سيحان المحاربي حليف قريش‪ ،‬فلما رأى العرابي أجله‬
‫وأعظمه وألطف في مسئلته‪ ،‬وقال‪ :‬قرب الله دارك يا أبا مليكة‪ ،‬فقال ابن عباس‪ :‬أجرول? قال‪ :‬جرول؛ فإذا هو الحطيئة‪ ،‬فقال‬
‫ابن عباس‪ :‬لله أنت أي مردي قذاف‪ ،‬وذائد عن عشيرة‪ ،‬ومثن بعارفة تؤتاها أنت يا أبا مليكة والله لو كنت عركت بجنبك بعض‬
‫ما كرهت من أمر الزبرقان كان خيرا لك‪ ،‬ولقد ظلمت من قومه من لم يظلمك‪ ،‬وشتمت من لم يشتمك؛ قال‪ :‬إني والله بهم يا‬
‫‪:‬أبا العباس لعالم؛ قال ما أنت بأعلم بهم من غيرك؛ قال‪ :‬بلى والله يرحمك الله ثم أنشأ يقول‬
‫فسل بسعد تجدني أعلم النـاس‬ ‫أنا ابن بجدتهم علما وتـجـربة‬
‫ورأس سعد بن زيد آل شماس‬ ‫سعد بن زيد كثير إن عددتهـم‬
‫ليس الذنابى أبا العباس كالراس فقال ابن عباس‪ :‬اقسمت عليك أل تقول إل‬ ‫والزبرقان ذناباهـم وشـرهـم‬
‫خيرا‪ ،‬قال‪ :‬أفعل‪ .‬ثم قال ابن عباس‪ :‬يا أبا مليكة‪ ،‬من أشعر الناس? قال‪ :‬أمن الماضين أم من الباقين? قال‪ :‬من الماضين؛‬
‫‪:‬قال‪ :‬الذي يقول‬
‫يفره ومن ل يتق الـشـتـم يشـتـم وما بدونه الذي يقول‬ ‫‪:‬ومن يجعل المعروف من دون عرضه‬
‫على شعث أي الرجال المهذب ولكن الضراعة أفسدته كما أفسدت جرول ‪-‬‬ ‫ولست بمستبق أخا ل تـلـمـه‬
‫يعني نفسه ‪ -‬والله يابن عم رسول الله لول الطمع والجشع لكنت أشعر الماضين‪ ،‬فأما الباقون فل تشك أني أشعرهم‬
‫‪.‬وأصردهم سهما إذا رميت‬
‫الزبرقان وبنو أنف الناقة‬
‫أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال‪ :‬روي لنا عن أبي عبيدة والهيثم بن عدي وغيرهما‪ :‬أن عبد الله بن أبي ربيعة لما قدم‬
‫من البحرين نزل على الزبرقان بن بدر بمائه فحله وهو الماء الذي يقال له بنيان‪ ،‬فنزل على بني أنف الناقة بمائهم وهو الذي‬
‫‪:‬يقال له وشيع‪ ،‬فأكرموه وذبحوا له شاة وقالوا‪ :‬لو كانت إبلنا منا قريبة لنحرنا لك؛ فراح من عندهم يتغنى فيهم بقوله‬
‫بمحتسب التقوى ول متوكـل‬ ‫وما الزبرقان يوم يمنع مـاءه‬
‫وماء وشيع ماء ظمآن مرمل قال‪ :‬فركب الزبرقان إلى عمر رضي الله عنه‬ ‫مقيم على بنيان يمنـع مـاءه‬
‫فاستعداه على عبد الله وقال‪ :‬إنه هجاني يا أمير المؤمنين؛ فسأل عمر عن ذلك عبد الله؛ فقال له‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬إني نزلت‬
‫على مائه فحلني عنه؛ فقال عمر رضوان الله عليه‪ :‬يا زبرقان‪ ،‬أتمنع ماءك من ابن السبيل قال‪ :‬يا أمير المؤمنين أل أمنع ماء‬
‫حفر آبائي مجاريه ومستقره وحفرته أنا بيدي فقال عمر‪ :‬والذي نفسي بيده‪ ،‬لئن بلغني أنك منعت ماءك من أبناء السبيل ل‬
‫‪:‬ساكنتني بنجد أبدا فقال بعض بني أنف الناقة يعير الزبرقان ما فعله‬
‫سليل خضارم منعوا البطاحـا‬ ‫أتدري من منعت ورود حوض‬

‫صفحة ‪173 :‬‬

‫وذا الرمحين أمنعهم سلحا‬ ‫أزاد الركب تمنع أم هشاما‬


‫ومن بالخيف والبدن اللقاحا‬ ‫هم منعوا الباطح دون فهر‬
‫إذ الملهوف لذ بهم وصاحا‬ ‫بضرب دون بيضتهم طلخف‬
‫صدور المشرفية والرماحا وصيته عند موته بالشعراء والفقراء‬ ‫وما تدري بأيهـم تـلقـي‬
‫‪.‬وللحطيئة وصية ظريفة يأتي كل فريق من الرواة ببعضها‪ ،‬وقد جمعت ما وقع إلي منها في موضع واحد وصدرت بأسانيدها‬
‫أخبرني بها محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا أحمد بن يحيى ثعلب قال حدثنا عيينة بن المنهال عن الصمعي‪ ،‬وأخبرني بها‬
‫أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة‪ ،‬وأخبرني إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة‪ ،‬ونسختها من كتاب محمد بن‬
‫الليث عن محمد بن عبد الله العبدي عن الهيثم بن عدي عن عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبي عمرة عن أبيه‪ ،‬وأخبرني‬
‫الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن أبي عبيدة‪ ،‬وأخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا أبو غسان دماذ‬
‫عن أبي عبيدة قالوا‪ :‬لما حضرت الحطيئة الوفاة اجتمع إليه قومه فقالوا‪ :‬يا أبا مليكة‪ :‬أوص فقال‪ :‬ويل للشعر من راوية السوء؛‬
‫‪:‬قالوا‪ :‬أوص رحمك الله يا حطىء؛ قال‪ :‬من الذي يقول‬
‫ترنم ثكلى أوجعتها الجنـائز? قالوا‪ :‬الشماخ؛ قال‪ :‬أبلغوا غطفان أنه أشعر‬ ‫إذا أنبض الرامون عنها ترنمت‬
‫‪:‬العرب؛ قالوا‪ :‬ويحك أهذه وصية أوص بما ينفعك قال‪ :‬أبلغوا أهل ضابىء أنه شاعر حيث يقول‬
‫رأيت جديد الموت غير لذيذ قالوا‪ :‬أوص ويحك بما ينفعك قال‪ :‬أبلغوا أهل امرىء‬ ‫لكل جديد لذة غير أنـنـي‬
‫‪:‬القيس أنه أشعر العرب حيث يقول‬
‫بكل مغار الفتل شدت بيذبل قالوا‪ :‬اتق الله ودع عنك هذا؛ قال‪ :‬أبلغوا النصار أن‬ ‫فيا لك من ليل كأن نجومـه‬
‫‪:‬صاحبهم أشعر العرب حيث يقول‬
‫ل يسألون عن السواد المقبل قالوا‪ :‬هذا ل يغني عنك شيئا‪ ،‬فقل غير ما أنت فيه؛‬ ‫يغشون حتى ما تهر كلبهم‬
‫‪:‬فقال‬
‫إذا ارتقى فيه الذي ل يعلمه‬ ‫الشعر صعب وطويل سلمه‬
‫يريد أن يعربه فيعجـمـه قالوا‪ :‬هذا مثل الذي كنت فيه؛ فقال‬ ‫‪:‬زلت به إلى الحضيض قدمه‬
‫وكنت ذا غرب على الخصم ألد‬ ‫قد كنت أحيانا شديد المعتـمـد‬
‫فوردت نفسي وما كادت ترد قالوا‪ :‬يا أبا مليكة‪ ،‬ألك حاجة? قال‪ :‬ل والله‪ ،‬ولكن أجزع على المديح الجيد يمدح به من ليس له‬
‫أهل‪ .‬قالوا‪ :‬فمن أشعر الناس? فأومأ بيده إلى فيه وقال‪ :‬هذا الحجير إذا طمع في خير (يعني فمه) واستعبر باكيا؛ فقالوا له‪ :‬قل‬
‫‪:‬ل إله إل الله؛ فقال‬
‫عوذ بربي منكم وحجر فقالوا له‪ :‬ما تقول في عبيدك وإمائك? فقال‪ :‬هم عبيد قن ما‬ ‫قالت وفيها حيدة وذعر‬
‫‪.‬عاقب الليل النهار؛ قالوا‪ :‬فأوص للفقراء بشيء؛ قال‪ :‬أوصيهم باللحاح في المسئلة فإنها تجارة ل تبور‪ ،‬واست المسئول أضيق‬
‫قالوا‪ :‬فما تقول في مالك? قال‪ :‬للنثى من ولدي مثل حظ الذكر؛ قالوا‪ :‬ليس هكذا قضى الله جل وعز لهن؛ قال‪ :‬لكني هكذا‬
‫‪.‬قضيت‬
‫قالوا‪ :‬فما توصي لليتامى? قال‪ :‬كلوا أموالهم ونيكوا أمهاتهم؛ قالوا‪ :‬فهل شيء تعهد فيه غير هذا? قال‪ :‬نعم‪ ،‬تحملونني على‬
‫أتان وتتركونني راكبها حتى أموت فإن الكريم ل يموت على فراشه‪ ،‬والتان مركب لم يمت عليه كريم قط؛ فحملوه على أتان‬
‫‪:‬وجعلوا يذهبون به ويجيئون عليها حتى مات وهو يقول‬
‫هجا بنيه وهجا الـمـريه‬ ‫ل أحد ألم مـن حـطـيه‬
‫‪.‬من لؤمه مات على فريه والفرية‪ :‬التان‬
‫الغناء في شعر الحطيئة‬
‫ذكر ما غني فيه من القصائد التي مدح بها الحطيئة بغيضا وقومه وهجا الزبرقان وقومه منها‪ :‬صوت‬

‫وقد جزن غورا واستبان لنا نجـد‬ ‫أل طرقتنا بعد ما هجعـوا هـنـد‬
‫علي غضاب أن صددت كما صدوا الغناء لعلويه ثقيل أول بالوسطى عن عمرو‪،‬‬ ‫وإن التي نكبتها عـن مـعـاشـر‬
‫‪:‬وهذه القصيدة التي يقول فيها‬
‫أتاهم بها الحلم والحسب العد‬ ‫أتت آل شماس بن لي وإنمـا‬

‫صفحة ‪174 :‬‬

‫وذو الجد من لنوا إليه ومـن ودوا‬ ‫فإن الشقي من تعـادي صـدورهـم‬
‫فإن غضبوا جاء الحفيظة والـجـد‬ ‫يسوسون أحلما بـعـيدا أنـاتـهـا‬
‫من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا‬ ‫أقلـوا عـلـيهـم ل أبـا لبـيكـم‬
‫وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا‬ ‫أولئك قوم إن بنوا أحسنوا الـبـنـى‬
‫وإن أنعموا ل كدروهـا ول كـدوا‬ ‫وإن كانت النعمى عليهم جزوا بهـا‬
‫من الدهر ردوا فضل أحلمكم ردوا‬ ‫وإن قال مولهم على جـل حـادث‬
‫بنى لهم آباؤهـم وبـنـى الـجـد ومنها‪ :‬صوت‬ ‫مطاعين في الهيجا مكاشيف للدجـى‬
‫بسوطي فارمدت نجاء الخـفـيدد‬ ‫وأدماء حرجوج تعاللت مـوهـنـا‬
‫به الجور حتى يستقيم ضحى الغـد‬ ‫إذا آنست وقعا من السئوط عارضت‬
‫بمشفرها يوما إلى الحوض تنقـد الموهن‪ :‬وقت من الليل بعد مضي صدر‬ ‫وتشرب بالقعب الصغير وإن تقـد‬
‫‪.‬منه‪ .‬وارمدت‪ :‬نجت‪ ،‬والرمداد‪ :‬النجاء‪ .‬والخفيدد‪ :‬الظليم‬
‫الغناء لبن محرز خفيف رمل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق‪ .‬وذكر الهشامي‪ :‬أن فيه لبراهيم خفيف رمل آخر‪ ،‬وهو‬
‫‪.‬في جامع إبراهيم غير مجنس‪ .‬وفيه خفيف ثقيل مجهول‪ ،‬وذكر حبش‪ :‬أنه لمعبد؛ ويشبه أن يكون ليحيى المكي‬
‫عده بعضهم أشعر الناس‬
‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني إبراهيم بن المنذر عن ابن عباية عن محمد بن مسلم‬
‫الجوسق عن رجل من كعب قال‪ :‬جئت سوق الظهر فإذا بكثير‪ ،‬وإذا الناس متقصفون عليه‪ ،‬فتخلصت حتى دنوت منه فقلت‪ :‬أبا‬
‫‪:‬صخر؛ قال‪ :‬ما تشاء? قلت‪ :‬من أشعر الناس? قال‪ :‬الذي يقول‬
‫هضيم الحشا حسانة المتجـرد‬ ‫وآثرت إدلجي على ليل حـرة‬
‫على واضح الذفرى أسيل المقلد قال‪ :‬قلت‪ :‬هذا الحطيئة? قال‪ :‬هو ذاك‬ ‫‪.‬تفرق بالمدرى أثيثـا نـبـاتـه‬
‫كذبه سيدنا عمر في شعر له‬
‫أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن موسى قال حدثنا أحمد بن الحارث الخزاز عن المدائني عن علي ابن مجاهد عن‬
‫‪:‬هشام بن عروة‪ :‬أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنشد قول الحطيئة‬
‫تجد نار عندها خير مـوقـد فقال عمر‪ :‬كذب‪ ،‬بل تلك نار موسى نبي الله صلى‬ ‫متى تأته تعشو إلى ضوء ناره‬
‫‪.‬الله عليه وسلم‬
‫أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن الهيثم بن عدي عن حماد الراوية‪ :‬أن رجل دخل على الحطيئة‪ ،‬وهو مضطجع‬
‫على فراشه وإلى جانبه سوداء قد أخرجت رجلها من تحت الكساء‪ ،‬فقال له‪ :‬ويحك أفي رجلك خف? قال‪ :‬ل والله ولكنها رجل‬
‫‪:‬سوداء‪ ،‬أتدري من هي? قال‪ :‬ل؛ قال‪ :‬هي والله التي أقول فيها‬
‫وآثرت إدلجي على ليل حرة ‪ -‬وذكر البيتين ‪ -‬والله لو رأيتها يابن أخي لما شربت الماء من يدها؛ قال‪ :‬فجعلت تسبه أقبح سب‬
‫‪.‬وهو يضحك‬
‫ومنها‪ :‬صوت‬

‫في بائس جاء يحدو أنيقا شزبـا‬ ‫ما كان ذنب بغيض ل أبا لكـم‬
‫يا حسنها من خيال زار منتقبـا‬ ‫طافت أمامة بالـركـبـان آونة‬
‫حمش اللثات ترى في مائه شنبا‬ ‫إذ تستبيك بمصقول عوارضـه‬
‫وكذبت حب ملهوف وما كذبـا الغناء لبن سريج رمل بالوسطى عن عمرو بن‬ ‫قد أخلقت عهدها من بعد جدتـه‬
‫‪.‬بانة‬
‫ومنها‪ :‬صوت‬

‫جزى الله خيرا والجزاء بكفهبأحسن ما يجزي الرجال بغيضا‬


‫وصـادف مـنـأى فـي الــبـــلد عـــريضـــا الغناء للهدلي ثقيل أول بالبنصر عن‬ ‫فلو شاء إذ جئناه صد فلم يلم‬
‫‪.‬الهشامي‬

‫أخبار ابن عائشة ونسبه‬


‫اسمه وكنيته ونسبه إلى أمه‬

‫صفحة ‪175 :‬‬

‫محمد بن عائشة ويكنى أبا جعفر‪ ،‬ولم يكن يعرف له أب فكان ينسب إلى أمه‪ ،‬ويلقبه من عاداه أو أراد سبه ابن عاهة‬
‫الدار ‪ .‬وكان يزعم أن اسم أبيه جعفر؛ وليس يعرف ذلك‪ .‬وعائشة أمه مولة لكثير بن الصلت الكندي حليف قريش‪ .‬وقيل‪ :‬إنها‬
‫مولة لل المطلب بن أبي وداعة السهمي‪ ،‬ذكر ذلك إسحاق عن محمد بن سلم‪ .‬وحكى ابن الكلبي القول الول‪ ،‬وقال إسحاق‪:‬‬
‫هو الصحيح‪ ،‬يعني قول ابن الكلبي‪ .‬وقال إسحاق فيما رواه لنا الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه‪ :‬إن محمد بن معن الغفاري‬
‫ذكر له عن أبي السائب المخزومي أن ابن عائشة مولى المطلب بن أبي وداعة السهمي وإنه كان لغير رشدة‪ ،‬فأدركت‬
‫المشيخة وهم إذا سمعوا له صوتا حسنا قالوا‪ :‬أحسن ابن المرأة‪ .‬قال إسحاق وقال عمران بن هند الرقمي‪ :‬بل كان مولى‬
‫‪.‬لكثير بن الصلت‬
‫سأله الوليد عن نسبه لمه فأجابه قال إسحاق‪ :‬قال عبيد الله بن محمد بن عائشة‪ :‬قال الوليد بن يزيد لبن عائشة‪ :‬يا محمد‪،‬‬
‫ألغية أنت? قال‪ :‬كانت أمي يا أمير المؤمنين ماشطة‪ ،‬وكنت غلما‪ ،‬فكانت إذا دخلت إلى موضع قالوا‪ :‬ارفعوا هذا لبن عائشة؛‬
‫‪.‬فغلبت على نسبي‬
‫كان يفتن كل من سمعه‬
‫وأخذ عن معبد ومالك‬
‫قال إسحاق‪ :‬وكان ابن عائشة يفتن كل من سمعه‪ ،‬وكان فتيان من المدينة قد فسدوا في زمانه بمحادثته ومجالسته‪ .‬وقد أخذ‬
‫‪.‬عن معبد ومالك ولم يموتا حتى ساواهما على تقديمه لهما واعترافه بفضلهما‬
‫‪.‬كان جيد الغناء دون الضرب وقد قيل‪ :‬إنه كان ضاربا ولم يكن بالجيد الضرب؛ وقيل‪ :‬بل كان مرتجل لم يضرب قط‬
‫كان يضرب بابتدائه المثل وكان أحسن المغنين بعد معبد وابتداؤه بالغناء كان يضرب به المثل‪ ،‬فيقال للبتداء الحسن كائنا ما‬
‫كان من قراءة قرآن‪ ،‬أو إنشاد شعر‪ ،‬أو غناء يبدأ به فيستحسن‪ :‬كأنه ابتداء ابن عائشة‪ .‬قال إسحاق‪ :‬وسمعت علماءنا قديما‬
‫وحديثا يقولون‪ :‬ابن عائشة أحسن الناس ابتداء‪ ،‬وأنا أقول‪ :‬إنه أحسن الناس ابتداء وتوسطا وقطعا بعد أبي عباد معبد‪ ،‬وقد‬
‫‪.‬سمعت من يقول‪ :‬إن ابن عائشة مثله؛ وأما أنا فل أجسر على أن أقول ذلك‬
‫‪.‬وكان ابن عائشة غير جيد اليدين فكان أكثر ما يغني مرتجل‪ .‬وكان أطيب الناس صوتا‬
‫قال إسحاق وحدثني محمد بن سلم قال قال لي جرير‪ :‬ل تخدعن عن أبي جعفر محمد بن عائشة‪ ،‬فلول صلف كان فيه لما‬
‫‪.‬كان بعد أبي عباد مثله‬
‫أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدثني محمد بن أحمد بن يحيى المكي عن أبيه عن جده قال‪ :‬ثلثة من المغنين كانوا‬
‫‪.‬أحسن الناس حلوقا‪ :‬ابن عائشة وابن تيزن وابن أبي الكنات‬
‫ابن أبي عتيق وانتصاره له حدثني عمي قال حدثنا محمد بن داود بن الجراح قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثني مصعب‬
‫الزبيري عن أبيه قال‪ :‬رأى ابن أبي عتيق حلق ابن عائشة مخدشا فقال‪ :‬من فعل هذا بك? قال‪ :‬فلن‪ ،‬فمضى فنزع ثيابه‬
‫وجلس للرجل على بابه‪ ،‬فلما خرج أخذ بتلبيبه وجعل يضربه ضربا شديدا والرجل يقول له‪ :‬مالك تضربني أي شيء صنعت وهو‬
‫ل يجيبه حتى بلغ منه؛ ثم خله وأقبل على من حضر فقال‪ :‬هذا أراد أن يكسر مزامير داود‪ :‬شد على ابن عائشة فخنقه وخدش‬
‫‪.‬حلقه‬
‫لول آخر غنائه لفاق ابن سريج قال إسحاق في خبره‪ :‬وحدثني أبي عن سياط عن يونس الكاتب قال‪ :‬ما عرفنا بالمدينة أحسن‬
‫ابتداء من ابن عائشة إذا غنى‪ ،‬ولو كان آخر غنائه مثل أوله لقدمته على ابن سريج‪ .‬قال إبراهيم‪ :‬هو كذاك عندي‪ ،‬وقال إسحاق‬
‫مثل قولهما‪ .‬قال‪ :‬وقال يونس‪ :‬كان ابن عائشة يضرب بالعود ولم يكن مجيدا‪ ،‬وكان غناؤه أحسن من ضربه‪ ،‬فكان ل يكاد يمس‬
‫‪.‬العود إل أن تجتمع جماعة من الضراب فيضربون عليه ويضرب هو ويغني‪ ،‬فناهيك به حسنا‬
‫كان يصلح لمنادمة الخلفاء والملوك أخبرني الحسين عن حماد عن أبيه عن الهيثم بن عدي عن صالح بن حسان أنه ذكر يوما‬
‫المغنين بالمدينة‪ ،‬فقال‪ :‬لم يكن بها أحد بعد طويس أعلم من ابن عائشة ول أظرف مجلسا ول أكثر طيبا؛ وكان يصلح أن يكون‬
‫‪.‬نديم خليفة أو سمير ملك‪ .‬قال إسحاق‪ :‬فأذكرني هذا القول قول جميلة له‪ :‬وأنت يا أبا جعفر فمع الخلفاء تصلح أن تكون‬
‫الحسن يكرهه على غناء مائة صوت‬

‫صفحة ‪176 :‬‬

‫قال إسحاق وحدثني المدائني قال حدثني جرير قال‪ :‬كان ابن عائشة تائها سيىء الخلق‪ ،‬فإن قال له إنسان‪ :‬تغن‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ألمثلي يقال هذا وإن قال له إنسان وقد ابتدأ هو بغناء‪ :‬أحسنت‪ ،‬قال‪ :‬ألمثلي يقال أحسنت ثم يسكت‪ ،‬فكان قليل ما ينتفع به‪.‬‬
‫فسال العقيق مرة فدخل عرصة سعيد بن العاصي الماء حتى ملها‪ ،‬فخرج الناس إليها وخرج ابن عائشة فيمن خرج‪ ،‬فجلس‬
‫على قرن البئر‪ ،‬فبينا هم كذلك إذ طلع الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب‪ ،‬على بغلة وخلفه غلمان أسودان كأنهما من‬
‫الشياطين‪ ،‬فقال لهما‪ :‬امضيا رويدا حتى تقفا بأصل القرن الذي عليه ابن عائشة‪ ،‬فخرجا حتى فعل ذلك‪ .‬ثم ناداه الحسن‪ :‬كيف‬
‫أصبحت يابن عائشة? قال‪ :‬بخير‪ ،‬فداك أبي وأمي‪ ،‬قال‪ :‬انظر من إلى جنبك‪ ،‬فنظر فإذا العبدان‪ ،‬فقال له‪ :‬أتعرفهما? قال‪ :‬نعم‪،‬‬
‫قال‪ :‬فهما حران لئن لم تغنني مائة صوت لمرنهما بطرحك في البئر‪ ،‬وهما حران لئن لم يفعل لقطعن أيديهما‪ ،‬فاندفع ابن‬
‫‪:‬عائشة فكان أول ما ابتدأ به صوتا له وهو‬
‫فتى قوم إذا رهبوا ثم لم يسكت حتى غنى مائة صوت‪ ،‬فيقال إن الناس لم يسمعوا من ابن‬ ‫أل للـه درك مـن‬
‫عائشة أكثر مما سمعوا في ذلك اليوم‪ ،‬وكان آخر ما غنى‪ :‬صوت‬

‫أن تنطقي فتبيني القول تبيانا قال جرير‪ :‬فما رئي يوم أحسن منه‪ ،‬ولقد سمع‬ ‫قل للمنازل بالظهران قد حانا‬
‫الناس شيئا لم يسمعوا مثله‪ ،‬وما بلغني أن أحدا تشاغل عن استماع غنائه بشيء‪ ،‬ول انصرف أحد لقضاء حاجة ول لغير ذلك‬
‫حتى فرغ‪ .‬ولقد تبادر الناس من المدينة وما حولها حيث بلغهم الخبر لستماع غنائه‪ ،‬فيقال‪ :‬إنه ما رئي جمع في ذلك الموضع‬
‫‪.‬مثل ذلك الجمع‪ ،‬ولقد رفع الناس أصواتهم يقولون له‪ :‬أحسنت والله‪ ،‬أحسنت والله‪ ،‬ثم انصرفوا حوله يزفونه إلى المدينة زفا‬
‫نسبة ما في هذا الخبر من الغاني‬
‫صوت‬

‫فتى قوم إذا رهبـوا‬ ‫أل لـلـه درك مــن‬


‫ب يرقبنا ويرتـقـب‬ ‫وقالوا من فتى للحـر‬
‫إذا تدعي لها تـثـب‬ ‫فكنت فتاهـم فـيهـا‬
‫رداع السقم والوصب‬ ‫ذكرت أخي فعاودنـي‬
‫سلوهـا الـطـرب‬ ‫كما يعتاد ذات البو بعد‬
‫طول الليل أنتـحـب الشعر لبي العيال الهذلي‪ .‬والغناء لمعبد‪ ،‬وله فيه لحنان‪ ،‬أحدهما‬ ‫على عبد بن زهرة بت‬
‫‪:‬ثقيل أول بالخنصر في مجرى الوسطى عن إسحاق يبدأ فيه بقوله‬
‫رداع السقم والوصب والخر خفيف رمل بالوسطى عن عمرو بن بانة‪ .‬وفيه لبن عائشة‬ ‫ذكرت أخي فعاودني‬
‫خفيف رمل آخر‪ ،‬وقيل‪ :‬بل هو لحن معبد‪ .‬وذكر حماد بن إسحاق أن خفيف الرمل لمالك‪ .‬البو‪ :‬جلد يحشى تبنا ويجفف لكيل‬
‫‪.‬تحبث رائحته‪ ،‬ويدنى إلى الناقة التي قد نحر فصيلها أو مات لتشمه فتدر عليه‬
‫ومنها‪ :‬صوت‬

‫أن تنطقي فتبيني القـول تـبـيانـا‬ ‫قل للمنازل بالظهـران قـد حـانـا‬
‫هجت له من دواعي الحب أحزانـا الشعر لعمر بن أبي ربيعة‪ .‬والغناء‬ ‫قالت ومن أنت قل لي قلت ذو شغف‬
‫‪.‬لبن عائشة خفيف ثقيل أول بالوسطى عن الهشامي وحبش‬
‫غنى بالموسم فحبس الناس عن المسير‬
‫وقال هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات حدثني عبد الرحمن بن سليمان عن علي بن الجهم الشاعر قال حدثني رجل‪ :‬أن‬
‫ابن عائشة وافقا بالموسم متحيرا‪ ،‬فمر به بعض أصحابه فقال له‪ :‬ما يقيمك ها هنا? فقال‪ :‬إني أعرف رجل لو تكلم لحبس‬
‫‪:‬الناس ها هنا فلم يذهب أحد ولم يجيء؛ فقال له الرجل‪ :‬وما ذاك? قال أنا‪ ،‬ثم اندفع يغني‬
‫نوى مشمولة فمتى اللقـاء قال‪ :‬فحبس الناس‪ ،‬واضطربت المحامل‪ ،‬ومدت‬ ‫جرت سنحا فقلت لها أجيزي‬
‫البل أعناقها‪ ،‬وكادت الفتنة أن تقع‪ .‬فأتي به هشام بن عبد الملك‪ ،‬فقال له‪ :‬يا عدو الله‪ ،‬أردت أن تفتن الناس قال‪ :‬فأمسك‬
‫عنه وكان تياها‪ ،‬فقال له هشام‪ :‬ارفق بتيهك‪ ،‬فقال‪ :‬حق لمن كانت هذه مقدرته على القلوب أن يكون تياها‪ ،‬فضحك منه وخلى‬
‫‪.‬سبيله‬
‫نسبة هذا الصوت الذي غناه ابن عائشة صوت‬

‫نوى مشمولة فمتى اللقـاء‬ ‫جرت سنحا فقلت لها أجيزي‬


‫أعانيه ومطلـبـه عـنـاء‬ ‫بنفسي من تذكـره سـقـام‬
‫صفحة ‪177 :‬‬

‫السانح‪ :‬ما أقبل من شمالك يريد يمينك‪ ،‬والبارح ضده‪ .‬وقال أبو عبيدة‪ :‬سمعت يونس بن حبيب يسأل رؤبة عن السانح‬
‫والبارح‪ ،‬فقال‪ :‬السانح‪ :‬ما ولك ميامنه‪ ،‬والبارح‪ :‬ما ولك مشائمه‪ .‬وقوله‪ :‬أجيزي أي انفذي‪ .‬قال الصمعي‪ :‬يقال‪ :‬أجزت الوادي‬
‫‪:‬إذا قطعته وخلفته‪ ،‬وجزته أي سرت فيه فتجاوزته‪ ،‬وجاوزته مثله‪ .‬قال أوس بن مغراء‬
‫حتى يقال أجيزوا آل صوفانـا ومشمولة‪ :‬سريعة النكشاف‪ .‬أخذه من‬ ‫ول يريمون في التعريف موقفهم‬
‫السحابة المشمولة‪ ،‬وهي التي تصيبها الشمال فتكشفها‪ ،‬ومن شأن الشمال أن تقطع السحاب‪ ،‬واستعارها ها هنا في النوى‬
‫لسرعة انكشافهم فيها عن بلدهم‪ ،‬وأجرى ذلك مجرى الذم للسانح لنه يتشاءم به‪ .‬البيت الول من الشعر لزهير بن أبي‬
‫‪.‬سلمى‪ ،‬والثاني محدث ألحقه المغنون به ل أعرف قائله‪ .‬والغناء لبن عائشة‪ ،‬ولحنه خفيف ثقيل أول بالبنصر‬
‫غنى الوليد بحضرة معبد ومالك‬
‫أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا إسحاق وأخبرني به محمد بن مزيد والحسين بن يحيى قال حدثنا‬
‫حماد بن إسحاق عن أبيه عن الهيثم بن عدي عن حماد الراوية قال‪ :‬كتب الوليد بن يزيد إلى يوسف بن عمر‪ :‬أما بعد‪ ،‬فإذا‬
‫قرأت كتابي هذا فسرح إلي حمادا الراوية على ما أحب من دواب البريد‪ ،‬وأعطه عشرة آلف درهم يتهيأ بها‪ .‬قال‪ :‬فأتاه الكتاب‬
‫وأنا عنده فنبذه إلي‪ ،‬فقلت‪ :‬السمع والطاعة‪ ،‬فقال‪ :‬يا دكين‪ ،‬مر شجرة يعطيه عشرة آلف درهم‪ ،‬فأخذتها‪ .‬فلما كان اليوم‬
‫الذي أردت الخروج فيه أتيت يوسف بن عمر‪ ،‬فقال‪ :‬يا حماد‪ ،‬أنا بالموضع الذي قد عرفته من أمير المؤمنين‪ ،‬ولست مستغنيا‬
‫عن ثنائك؛ فقلت‪ :‬أصلح الله المير إن العوان ل تعلم الخمرة وسيبلغك قولي وثنائي‪ .‬فخرجت حتى انتهيت إلى الوليد وهو‬
‫بالبخراء‪ ،‬فاستأذنت عليه فأذن لي‪ ،‬فإذا هو على سرير ممهد‪ ،‬وعليه ثوبان أصفران‪ :‬إزار ورداء يقيئان الزعفران قيئا‪ ،‬وإذا عنده‬
‫‪:‬معبد ومالك بن أبي السمح وأبو كامل موله‪ ،‬فتركني حتى سكن جأشي‪ ،‬ثم قال أنشدني‬
‫أمن المنون وريبها تتوجع فأنشدته حتىأتيت على آخرها؛ فقال لساقيه‪ :‬يا سبرة اسقه‪ ،‬فسقاني ثلثة أكؤس خثرن ما بين‬
‫‪:‬الذؤابة والنعل‪ .‬ثم قال يا مالك‪ ،‬غنني‬
‫ن إذ جاوزن مطلحا ففعل‪ .‬ثم قال له‪ :‬غني‬ ‫‪:‬أل هل هاجك الظعا‬
‫سهل الحجاب وأوفى بالذي وعدا ففعل‪ .‬ثم قال له‪ :‬غنني‬ ‫‪:‬جل أمية عني كل مـظـلـمة‬
‫بفرع بشامة سقي البشام ففعل‪ .‬ثم قال‪ :‬يا سبرة‪ ،‬أو يا أبا سبرة‪ ،‬اسقني بزب‬ ‫أتنسى إذ تودعنا سليمـى‬
‫فرعون؛ فأتاه بقدح معوج فسقاه به عشرين‪ ،‬ثم أتاه الحاجب فقال‪ :‬أصلح الله أمير المؤمنين‪ ،‬الرجل الذي طلبت بالباب؛ قال‪:‬‬
‫‪:‬أدخله‪ ،‬فدخل شاب لم أر شابا أحسن وجها منه‪ ،‬في رجله بعض الفدع‪ ،‬فقال‪ :‬يا سبرة اسقه‪ ،‬فسقاه كأسا؛ ثم قال له‪ :‬غنني‬
‫ولها بيت جوار من لعب فغناه؛ فنبذ إليه الثوبين‪ .‬ثم قال له‪ :‬غنني‬ ‫‪:‬وهي إذ ذاك عليها مئزر‬
‫ألفا برؤية زينـبـا فغضب معبد وقال‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬إنا مقبلون عليك بأقدارنا‬ ‫طاف الخيال فمرحبا‬
‫وأسناننا‪ ،‬وإنك تركتنا بمزجر الكلب‪ ،‬وأقبلت على هذا الصبي فقال‪ :‬والله يا أبا عباد‪ ،‬ما جهلت قدرك ول سنك‪ ،‬ولكن هذا الغلم‬
‫‪.‬طرحني في مثل الطناجير من حرارة غنائه‪ .‬قال حماد الراوية‪ :‬فسألت عن الغلم فقيل لي هو ابن عائشة‬
‫نسبة ما في هذا الخبر من الغاني‬
‫صوت‬

‫سهل الحجاب أوفى بالذي وعدا‬ ‫جل أمية عني كل مـظـلـمة‬


‫ضاقت علي ولم أعرف بها أحدا الغناء لبن عباد الكاتب خفيف ثقيل بإطلق‬ ‫إذا حللت بأرض ل أراك بـهـا‬
‫الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق‪ .‬وذكر عمرو بن بانة أنه لعمر الوادي‪ .‬وذكر حبش أن فيه لمالك لحنا من خفيف الثقيل‬
‫‪.‬الول بالوسطى‬
‫ومنها‪ :‬صوت‬

‫بفرع بشامة سقي البشـام‬ ‫أتنسى إذ تودعنا سلـيمـى‬


‫سقيت الغيث أيتها الخـيام‬ ‫متى كان الخيام بذي طلوح‬
‫كلمكم علـي إذا حـرام‬ ‫أتمضون الخيام ولم نسلـم‬
‫علي ومن زيارته لمـام‬ ‫بنفسي من تجنبـه عـزيز‬
‫ويطرقني إذا رقد النـيام‬ ‫ومن أمسي وأصبح ل أراه‬

‫صفحة ‪178 :‬‬

‫الشعر لجرير‪ .‬والغناء لبن سريج‪ ،‬وله في هذه البيات ثلثة ألحان‪ :‬أحدها في الول والرابع ثقيل أول بالخنصر في مجرى‬
‫البنصر عن إسحاق‪ .‬والخر في الثاني ثم الول ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو‪ ،‬والخر في الثالث وما بعده رمل بالبنصر عن‬
‫الهشامي وحبش‪ .‬وللدلل في الثاني والثالث ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق والمكي‪ .‬وللغريض في الول‬
‫والثاني والثالث خفيف رمل بالبنصر عن عمرو‪ .‬وفيها لمالك ثقيل أول بالبنصر عن الهشامي‪ .‬ولبن جامع في الول والثاني‬
‫‪.‬والرابع والخامس هزج عن الهشامي‪ .‬وفيها لبن جندب خفيف ثقيل بالبنصر‬
‫‪:‬ومنها الصوت الذي أوله في الخبر‬
‫وهي إذ ذاك عليها مئزر وأوله صوت‬

‫رجل الجمة ذا بطن أقـب‬ ‫عهدتنـي نـاشـئا ذا غـرة‬


‫ابن عشر ذا قريط من ذهب‬ ‫أتبع الولدان أرخي مـئزري‬
‫ولها بيت جوار من لعـب الشعر لمرىء القيس‪ ،‬ويقال‪ :‬إنه أول شعر شبب فيه‬ ‫وهي إذ ذاك عليهـا مـئزر‬
‫بالنساء‪ .‬والغناء لبن عائشة ثاني ثقيل بالبنصر عن الهشامي ودنانير وحماد بن إسحاق‪ .‬وفيه خفيف ثقيل بالبنصر ذكر حماد في‬
‫‪.‬أخبار جميلة أنه لها‪ ،‬وذكر حبش والهشامي أنه لبن سريج‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه لغيرهما‬
‫ومنها‪ :‬صوت‬

‫جاوزن مـطـلـحــا‬ ‫أل هل هاجك الظعان إذ‬


‫جرى لك طائر سنحـا‬ ‫نعم ولو شـك بـينـهـم‬
‫وضوء الفجر قد وضحا‬ ‫أخذن الماء مـن ركـك‬
‫نباكر ماءه صـبـحـا‬ ‫يقلن مـقـيلـنـا قـرن‬
‫حتى قيل لي افتضحـا‬ ‫تبعتهم بطرف الـعـين‬
‫وكل بالهوى جـرحـا‬ ‫يودع بعضنا بـعـضـا‬
‫فغيري إذ غدوا فرحـا الشعر ترويه الرواة جميعا لعمر بن أبي ربيعة سوى الزبير بن بكار‬ ‫فمن يفـرح بـينـهـم‬
‫فإنه رواه عن عمه وأهله لجعفر بن الزبير بن العوام‪ ،‬وقد ذكر خبره في هذا مع أخباره المذكورة في آخر الكتاب‪ .‬ورواه الزبير‬
‫إذ جاوزن من طلحا وقال‪ :‬ليس على وجه الرض موضع يقال له‪ :‬مطلح‪ .‬والغناء لمالك وله فيه لحنان‪ :‬ثقيل أول بالبنصر عن‬
‫إسحاق‪ ،‬وخفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو‪ .‬وفيه لمعبد ثقيل أول بالخنصر في مجرى الوسطى عن إسحاق‪ .‬وفيه لبن سريج‬
‫في الخامس ‪ -‬وهو تبعتهم بطرف العين إلى آخر البيات ‪ -‬ثقيل أول مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق‪ .‬وفيها للغريض ثاني‬
‫‪.‬ثقيل بالوسطى عن الهشامي‪ ،‬قال‪ :‬وهو الذي فيه استهلل‪ .‬وذكر ابن المكي أن الثقيل الثاني لمالك‪ ،‬وخفيف العقيل للغريض‬
‫صوت‬

‫ألفا برؤية زينـبـا‬ ‫طرق الخيال فمرحبا‬


‫سلكوا السليل فعليبا طرب أبي جعفر الناسك لغناء ابن عائشة‬ ‫أنى اهتديت لفـتـية‬
‫أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة عن محمد بن سلم قال حدثني جرير قال‪ :‬أخذ بعض ولة المدينة المغنين‬
‫والمخنثين والسفهاء بلزوم مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وكان في المسجد رجل ناسك يكنى أبا جعفر مولى لبن‬
‫عياش بن أبي ربيعة المخزومي يقرىء الناس القرآن‪ ،‬وكان ابن عائشة يلزمه‪ ،‬فخل لبن عائشة يوما الموضع مع أبي جعفر‬
‫فقرأ له فطرب ورجع‪ ،‬فسمع الشيخ صوتا لم يسمع مثله قط‪ ،‬فقال له‪ :‬يابن أخي‪ ،‬أفسدت نفسك وضيعتها‪ ،‬فلو أنك لزمت‬
‫المسجد وتعلمت القرآن لقمت للناس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان‪ ،‬ولصبت بذلك من الولة‬
‫خيرا‪ ،‬فوالله ما دخل أذني قط صوت أحسن من صوتك؛ فقال ابن عائشة‪ :‬فكيف لو سمعت يا أبا جعفر صوتي في المر الذي‬
‫صنع له قال وما هو? قال‪ :‬انطلق معي حتى أسمعكه‪ ،‬فخرج معه إلى ميضأة ببقيع الغرقد عند دار المغيرة بن شعبة‪ ،‬وكان أبو‬
‫‪:‬جعفر يتوضأ عندها كل يوم‪ ،‬فاندفع ابن عائشة يغني‬
‫وعل المشيب مفارقي فبلغ ذلك من الشيخ كل مبلغ‪ ،‬وقال‪ :‬يابن أخي‪ ،‬هذا حسن وأنا‬ ‫ألن أبصرت الهـدى‬
‫أشتهي أن أسمعه‪ ،‬ولكن ل أطلبه ول أمشي إليه؛ قال ابن عائشة‪ :‬فعلي أن أسمعكه؛ فكان يرصده‪ ،‬فإذا خرج أبو جعفر يتوضأ‬
‫خرج ابن عائشة في أثره حتى يقف خلف جدار الميضأة بحيث غناءه‪ ،‬فيغنيه أصواتا حتى يفرغ أبو جعفر من وضوئه‪ .‬فلم يزل‬
‫‪.‬يفعل ذلك حتى أطلقوا من لزوم المسجد‬

‫صفحة ‪179 :‬‬

‫نسبة هذا الصوت‬


‫صوت‬

‫وهنا فؤاد العـاشـق‬ ‫طرق الخيال المعتري‬


‫للبين أم مـسـاحـق‬ ‫طيف ألم فهـاجـنـي‬
‫وعل المشيب مفارقي‬ ‫ألن أبصرت الهـدى‬
‫وسلكت قصد طرائقي‬ ‫وتركت أمر غوايتـي‬
‫إذ نحن بـين حـدائق‬ ‫ولقد رضيت بعيشـنـا‬
‫بين الدروب فـدابـق الشعر للوليد بن يزيد‪ ،‬ويقال‪ :‬إنه لبن رهيمة‪ .‬والغناء لبن عائشة‬ ‫وركائب تهوي بـنـا‬
‫رمل بالبنصر عن عمرو‪ ،‬وذكره يونس أيضا له في كتابه‪ .‬وفيه لبي زكار العمى خفيف رمل بالوسطى عن عمرو والهشامي‪.‬‬
‫وذكر ابن خرداذبه أنه لبي زكار العمى وهو قديم‪ ،‬وأنه وجد ذلك في كتاب يونس‪ .‬وفيه لحكم الوادي لحن في كتاب يونس غير‬
‫مجنس‪ ،‬ولأدري أيها هو‪ .‬وفي هذه البيات خفيف ثقيل متنازع فيه نسب إلى معبد وإلى مالك‪ ،‬ولم أجده لهما عن ثقة‪ ،‬وأظنه‬
‫‪.‬لحن حكم‬
‫أكرهه الحسن ليخرج معه إلى البغيبغة ليغنيه‬
‫أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الزهر البوشنجي والحسين بن يحيى العور المرداسي قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن‬
‫محمد بن سلم عن أبيه قال‪ :‬كان الحسن بن الحسن مكرما لبن عائشة محبا له‪ ،‬وكان ابن عائشة منقطعا إليه‪ ،‬وكان من أتيه‬
‫خلق الله وأشده ذهابا بنفسه‪ ،‬فسأله الحسن أن يخرج معه إلى البغيبغة فامتنع ابن عائشة من ذلك؛ فأقسم عليه فأبى؛ فدعا‬
‫بغلمان له حبشان وقال‪ :‬نفيت من أبي لئن لم تسر معي طائعا لتسيرن كارها‪ ،‬ونفيت من أبي لئن لم ينفذوا أمري فيك‬
‫لقطعن أيديهم‪ .‬فلما رأى ابن عائشة ما ظهر من الحسن علم أنه لبد من الذهاب‪ ،‬فقال له‪ :‬بأبي أنت وأمي‪ ،‬أنا أمضي معك‬
‫طائعا ل كارها‪ .‬فأمر الحسن بإصلح ما يحتاج إليه وركب‪ ،‬وأمر لبن عائشة ببغلة فركبها ومضيا‪ ،‬حتى صارا إلى البغيبغة فنزل‬
‫الشعب‪ ،‬وجاءهم ما أعدوا فأكلوا؛ ثم أمرالحسن بأمره وقال يا محمد؛ فقال له‪ :‬لبيك يا سيدي؛ قال‪ :‬غنني؛ فاندفع فغناه‪:‬‬
‫صوت‬

‫يا خير من يدعو النبي جلل‬ ‫يدعو النبي بعمه فـيجـيبـه‬


‫وأرى القامة بالعراق ضلل‬ ‫ذهب الرجال فل أحس رجال‬
‫ظمآن هـاجـرة يؤمـل آل‬ ‫وأرى المرجي للعراق وأهله‬
‫يوم الخميس فهاج لي بلبـال‬ ‫وطربت إذ ذكر المدينة ذاكر‬
‫أبغي بناحية السمـاء هـلل ‪ -‬الشعر لبن المولى من قصيدة طويلة قالها وقد‬ ‫فظللت أنظر في السماء كأنني‬
‫قدم إلى العراق لبعض أمره فطال مقامه بها واشتاق إلى بلده‪ .‬وقد ذكر خبره في موضعه من هذا الكتاب‪ .‬والغناء لبن عائشة‬
‫ثقيل أول بالبنصر عن حماد والهشامي وحبش‪ .‬وقال الهشامي خاصة‪ :‬فيه لحن لقراريط ‪ -‬فقال له الحسن‪ :‬أحسنت والله يابن‬
‫عائشة فقال ابن عائشة‪ :‬والله ل غنيتك في يومي هذا شيئا؛ فقال الحسن‪ :‬فوالله ل برحت البغيبغة ثلثة أيام فاغتم ابن عائشة‬
‫ليمينه وندم وعلم أنه ل حيلة له إل المقام‪ ،‬فأقاموا‪ .‬فلما كان اليوم الثاني قال له الحسن‪ :‬هات ما عندك فقد برت يمينك‪،‬‬
‫‪:‬وكانوا جلوسا على شيء مرتفع‪ ،‬فنظروا إلى ناقة تقدم جماعة إبل‪ ،‬فاندفع ابن عائشة فغنى‬
‫ق يرمى بها السور يوم القتال‬ ‫تمر كجندلة الـمـنـجـنـي‬
‫ومن حدب وإكـام تـوالـي‬ ‫فماذا تخـطـرف مـن قـلة‬
‫والعجرفية بـعـد الـكـلل فقال له الحسن‪ :‬ويلك يا محمد لقد أحسنت الصنعة؛‬ ‫ومن سيرها العنق المسبطـر‬
‫‪:‬فسكت ابن عائشة؛ ثم قال له‪ :‬غنني‪ ،‬فغناه‬
‫م في شدق منجرد سلهب‬ ‫إذا ما انتشيت طرحت اللجا‬
‫ويأوي إلى حضر ملهـب‬ ‫يبذ الجـياد بـتـقـريبـه‬
‫سبائك من قطع المذهـب‬ ‫كميت كأن على مـتـنـه‬
‫يعل على ريقها الطـيب‬ ‫كأن القرنفل والزنجـبـيل‬

‫صفحة ‪180 :‬‬

‫فقال له الحسن‪ :‬أحسنت يا محمد‪ ،‬فقال له ابن عائشة‪ :‬لكنك‪ ،‬بأبي أنت وأمي‪ ،‬قد ألجمتني بحجر فما أطيق الكلم‪ .‬فأقاموا‬
‫باقي يومهم يتحدثون؛ فلما كان اليوم الثالث قال الحسن‪ :‬هذا آخر أيامك يا محمد؛ فقال ابن عائشة‪ :‬عليه وعليه إن غناك إل‬
‫صوتا واحدا حتى تنصرف‪ ،‬وعليه وعليه إن حلفت أل أبر قسمك ولو في ذهاب روحه فقال له الحسن‪ :‬فلك المان على محبتك؛‬
‫فاندفع فغناه‪ :‬صوت‬

‫وبه مرحبا وأهـل وسـهـل‬ ‫أنعم الله لي بذا الوجـه عـينـا‬


‫يابن عمي أقسمت قلت أجل ل‬ ‫حين قالت ل تذكرن حـديثـي‬
‫ينقل البحر بالغرابـيل نـقـل قال‪ :‬ثم انصرف القوم‪ ،‬فما رأى الحسن بن‬ ‫ل أخون الصديق في السر حتى‬
‫‪.‬الحسن ابن عائشة بعدها‬
‫نسبة ما لم تمض نسبته في الخبر من هذه الصوات‬
‫منها‪ :‬نسبة الغناء في الشعر الذي غنى به ابن عائشة ذلك اليوم صوت‬

‫بها السور يوم الـقـتـال‬ ‫تمر كجندلة المنجنيق يرمى‬


‫ومن حدب وإكام تـوالـي‬ ‫فماذا تخطرف مـن قـلة‬
‫والعجرفية بعد الـكـلل‬ ‫ومن سيرها العنق المسبطر‬
‫ل أرق من نازح ذي دلل‬ ‫أل يا لقوم لطيف الـخـيا‬
‫م ثم يفدي بـعـم وخـال‬ ‫يثني التحية بعـد الـسـل‬
‫بنكس من الحب بعد اندمال أما الذي قاله الشاعر في هذا الشعر فإنه قال‪ :‬يمر‬ ‫خيال لسلمى فقد عاد لـي‬
‫بالياء لنه وصف به حمارا وحشيا‪ ،‬ولكن المغنين جميعا يغنونه بالتاء على لفظ المؤنث‪ ،‬وقد وصف في هذه القصيدة الناقة ولم‬
‫‪:‬يذكر من صفتها إل قوله‬
‫‪:‬ومن سيرها العنق المسبطر ولكن المغنين أخذوا من صفة العير شيئا ومن صفة الناقة شيئا فخلطوها وغنوا فيهما‪ .‬وقوله‬
‫‪:‬فماذا تخطرف من قلة يعني أنه يمر بالموضع المرتفع فيطفره‪ .‬وروى الصمعي‬
‫ومن قلة وحجاب وجال فالحالق‪ :‬ما أشرف‪ .‬والحجاب‪ :‬ما حجب عنك ما بين يديك‬ ‫فماذا تخطرف من حالق‬
‫‪.‬من الرض‬
‫‪.‬والجال‪ :‬حرف الشيء‪ ،‬يقال له‪ :‬جال وجول‪ .‬والعنق المسبطر‪ :‬المسترسل السهل‬
‫‪:‬والعجرفية‪ :‬التعسف والسراع‪ .‬يقول‪ :‬أذا كلت وتعبت تعجرفت في السير من بقية نفسها وشدتها‪ .‬وروى الصمعي فيها‬
‫نكاسا من الحب بعد اندمال يقال‪ :‬نكس ونكاس بمعنى واحد وهو عود المرض بعد‬ ‫خيال لجعدة قد هـاج لـي‬
‫‪:‬الصحة‪ .‬والندمال‪ :‬الفاقة من العلة‪ ،‬واندمال الجرح‪ :‬برؤه‪ .‬فأما البيات التي يصف فيها الناقة فقوله‬
‫مواشكة الرجع بعد انتـقـال‬ ‫فسل الـهـمـوم بـعـيرانة‬
‫م شمر بالنعف وسط الـرئال‬ ‫ذمول تزف زفيف الـظـلـي‬
‫كما انخرط الحبل فوق المحال‬ ‫وترمد همـلـجة زعـزعـا‬
‫والعجرفية بـعـد الـكـلل‬ ‫ومن سيرها العنق المسبطـر‬
‫على جمزى جازىء بالرمال وأما صفة الحمار في هذه القصيدة فقوله فيه وفي‬ ‫كأني ورحلـي إذا رعـتـهـا‬
‫‪:‬التن‬
‫ويوفي زيازي حـدب الـتـلل‬ ‫فظـل يسـوف أبـوالـهـــا‬
‫جوائلها وهو كالـمـسـتـجـال‬ ‫فطاف بتعـشـيره وانـتـحـى‬
‫زواهق ضرب قـلت بـقـال‬ ‫تهـادى حـوافـرهـا جـنـدل‬
‫ن وآرمد في الجري بعد انفتـال‬ ‫رمى بالجزاميز عرض الوجـي‬
‫ق أو شقة البرق في عرض خال‬ ‫بشأو لـه كـضـريم الـحـري‬
‫ق يرمى بها السور يوم القـتـال‬ ‫يمر كجـنـدلة الـمـنـجـنـي‬
‫ومن حـدب وحـجـاب وجـال‬ ‫فماذا تخـطـرف مـن حـالـق‬

‫صفحة ‪181 :‬‬

‫الشعر لمية بن أبي عائذ الهذلي‪ .‬والغناء لبن عائشة‪ .‬ولحن ابن عائشة مشكوك فيه‪ :‬أي اللحان المصنوعة في هذا الشعر‬
‫هو‪ ،‬فيقال‪ :‬إنه خفيف الرمل‪ ،‬ويقال‪ :‬إنه هو الثقيل الول‪ ،‬ويقال‪ :‬إنه الرمل‪ .‬فأما خفيف الرمل فهو بالخنصر في مجرى‬
‫الوسطى‪ ،‬وذكره إسحاق في موضع فتوقف عنه ولم ينسبه‪ ،‬ونسبه في موضع آخر إلى ابن أبي يزن المكي‪ .‬ونسبه عمرو بن‬
‫بانة إلى معبد وقال‪ :‬فيه خفيف رمل آخر لمالك‪ .‬وذكره يونس في أغاني ابن أبي يزن المكي ونسبه ولم يجنسه‪ .‬وذكر ابن‬
‫خرداذبه والهشامي أن فيه لهشام بن المرية لحنا من الثقيل الول‪ ،‬ورأيت ذلك ايضا في بعض الكتب بخط علي بن يحيى‬
‫المنجم كما ذكرا‪ .‬وذكر إسحاق أن الرمل مطلق في مجرى الوسطى وأنه لبن عائشة‪ .‬وذكر أحمد بن المكي أنه لبيه‪ ،‬وذكر‬
‫‪.‬غيره أنه غلط وأن لحن أبيه هو الثقيل الول والرمل لبن عائشة‪ .‬وقال حبش‪ :‬فيه لبن سريج هزج خفيف بالوسطى‬
‫ومنها‪ - ،‬وقد مضى تفسيره في الخبر واقتصر على البيت الول منه ‪ :-‬صوت‬

‫م في شدق منجرد سلهب الشعر للنابغة الجعدي‪ .‬والغناء لبن عائشة‪ :‬خفيف ثقيل‬ ‫إذا انتشيت طرحت اللجـا‬
‫‪.‬بالوسطى عن الهشامي وحماد‬
‫‪:‬ومنها الصوت الذي أوله‬
‫‪:‬أنعم الله لي بذا الوجه عينا وقد جمع مع سائر ما يغنى فيه من القصيدة‪ ،‬وهو‬
‫ل تزيدي فؤادي أثـل خـبـل‬ ‫أثل جودي على المـتـيم أثـل‬
‫يتبـارين فـي الزمة فـتـل‬ ‫أثل إني والراقصات بـجـمـع‬
‫بين أيدي المطي حزنا وسهـل‬ ‫سابحات يقطعن من عـرفـات‬
‫ن لشعث سعوا إلى البيت رجل‬ ‫والكف المطهرات على الرك‬
‫ينقل البحر بالغرابـيل نـقـل‬ ‫ل أخون الصديق في السر حتى‬
‫مرتق قد وعى من الماء ثقـل‬ ‫أو تمور الجبال مور سـحـاب‬
‫وبه مرحبا وأهـل وسـهـل‬ ‫أنعم الله لي بذا الوجـه عـينـا‬
‫يابن عمي أقسمت قلت أجل ل‬ ‫حين قالت ل تفشـين حـديثـي‬
‫وتجافي عن بعض ما كان زل‬ ‫فاتقي الله واقبلي العذر مـنـي‬
‫بى لـدينـا وحـق ذاك وقـل‬ ‫إن أكن سؤتكم به فلك الـعـت‬
‫مرحبا أن رضيت عنا وأهـل‬ ‫لم أرحب بأن سخطت ولـكـن‬
‫ر عليه ابتنى الجمـال وحـل‬ ‫إن شخصا رأيتـه لـيلة الـبـد‬
‫لك بل خدها لرجلـيك نـعـل‬ ‫جعل اللـه كـل أنـثـى فـداء‬
‫ن من الحسن والجمال استهـل الشعر للحارث بن خالد المخزومي‪ .‬والغناء‬ ‫وجهك الوجه لو سألت به المز‬
‫لمعبد في الربعة البيات الول‪ :‬خفيف ثقيل أول بالوسطى عن عمرو بن بانة‪ .‬ولبن هوبر في الول والثاني ثقيل أول عن‬
‫إسحاق‪ .‬ولبن سريج في الول والثاني والخامس ثقيل أول وآخر بالبنصر أوله استهلل‪ .‬وللغريض في الخامس وما بعده إلى‬
‫التاسع خفيف ثقيل بالوسطى‪ .‬ولدحمان في التاسع والثالث عشر والرابع عشر خفيف ثقيل أول بالبنصر‪ .‬ولمالك في التاسع‬
‫إلى آخر الثاني عشر لحن من كتاب يونس ولم يقع إلي من يجنسه‪ .‬ولبن سريج فيها بعينها رمل بالوسطى عن الهشامي‪ .‬وفيها‬
‫‪.‬أيضا للغريض خفيف رمل بالبنصر‪ .‬ولبن عائشة في السابع والثامن لحن ذكره حماد عن أبيه ولم يجنسه‬
‫غنى الوليد فطرب وقبل كل أعضائه‬
‫أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وإسماعيل بن يونس الشيعي وحبيب بن نصر المهلبي قالوا حدثنا عمر بن شبة قال‬
‫حدثني محمد بن سلم‪ ،‬وأخبرني محمد بن مزيد بن أبي الزهر والحسين بن يحيى قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن‬
‫محمد بن سلم عن أبيه عن شيخ من تنوخ‪ ،‬ولم يقل عمر بن شبة في خبره‪ :‬محمد بن سلم عن أبيه‪ ،‬ورواه عن محمد عن‬
‫شيخ من تنوخ‪ ،‬قال‪ :‬كنت صاحب ستر الوليد بن يزيد‪ ،‬فرأيت ابن عائشة عنده وقد غناه‪ :‬صوت‬

‫حورا نفين عزيمة الصبـر‬ ‫إني رأيت صبيحة النـفـر‬


‫بعد العشاء أطفن بالـبـدر‬ ‫مثل الكوكب في مطالعهـا‬
‫فرجعت موفورا من الوزر‬ ‫وخرجت أبغي الجر محتسبا‬

‫صفحة ‪182 :‬‬

‫قال إسحاق في خبره‪ :‬والشعر لرجل من قريش‪ ،‬والغناء لمالك‪ .‬هكذا في خبر إسحاق‪ .‬وما وجدته ذكره لمالك في جامع ‪-‬‬
‫أغانيه‪ .‬ووجدته في غناء ابن سريج خفيف رمل بالوسطى عن الهشامي ‪ -‬قال‪ :‬فطرب الوليد حتى كفر وألحد‪ ،‬وقال‪ :‬يا غلم‪،‬‬
‫اسقنا بالسماء الرابعة‪ ،‬وكان الغناء يعمل فيه عمل ضل عنه من بعده؛ ثم قال‪ :‬أحسنت والله يا أميري أعد بحق عبد شمس‪،‬‬
‫فأعاد؛ ثم قال‪ :‬أحسنت والله يا أميري أعد بحق أمية‪ ،‬فأعاد؛ ثم قال‪ :‬أعد بحق فلن‪ ،‬أعد بحق فلن‪ ،‬حتى بلغ من الملوك‬
‫نفسه‪ ،‬فقال‪ :‬أعد بحياتي؛ فأعاده‪ .‬قال‪ :‬فقام إليه فأكب عليه فلم يبق عضو من أعضائه إل قبله وأهوى إلى هنه؛ فجعل ابن‬
‫عائشة يضم فخذيه عليه؛ فقال‪ :‬والله العظيم ل تريم حتى أقبله‪ ،‬فأبداه له فقبل رأسه‪ ،‬ثم نزع ثيابه فألقاها عليه‪ ،‬وبقي مجردا‬
‫إلى أن أتوه بمثلها‪ ،‬ووهب له ألف دينار‪ ،‬وحمله على بغلة وقال‪ :‬اركبها ‪ -‬بأبي أنت ‪ -‬وانصرف‪ ،‬فقد تركتني على مثل المقلى‬
‫‪.‬من حرارة غنائك؛ فركبها على بساطه وانصرف‬
‫أمر لمحتاج بمال فابى إل سماعه‬
‫فحكى ذلك للوليد فجعله في ندمائه‬
‫وأخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني محمد بن الحسن النخعي قال حدثني محمد بن الحارث بن‬
‫‪:‬كليب بن زيد الربعي قال‪ :‬خرج ابن عائشة المدني من عند الوليد بن يزيد وقد غناه‬
‫قد اعيتني المعاقل والحصون ‪ -‬وهي أربعة أبيات‪ ،‬هكذا في الخبر‪ ،‬ولم يذكر غير‬ ‫أبعدك معقل أرجو وحصنـا‬
‫هذا البيت منها ‪-‬قال فأطربه فأمر له بثلثين ألف درهم وبمثل كارة القصار كسوة‪ .‬فبينا ابن عائشة يسير إذ نظر إليه رجل من‬
‫أهل وادي القرى كان يشتهي الغناء ويشرب النبيذ‪ ،‬فدنا من غلمه وقال‪ :‬من هذا الراكب? قال‪ :‬ابن عائشة المغني؛ فدنا منه‬
‫وقال‪ :‬جعلت فداءك‪ ،‬أنت ابن عائشة أم المؤمنين? قال‪ :‬ل‪ ،‬أنا مولى لقريش وعائشة أمي وحسبك هذا فل عليك أن تكثر؛ قال‪:‬‬
‫وما هذا الذي أراه بين يديك من المال والكسوة? قال‪ :‬غنيت أمير المؤمنين صوتا فأطربته فكفر وترك الصلة وأمر لي بهذا‬
‫المال وهذه الكسوة؛ قال‪ :‬جعلت فداءك‪ ،‬فهل تمن علي بأن تسمعني ما أسمعته إياه? فقال له‪ :‬ويلك أمثلي يكلم بمثل هذا في‬
‫الطريق قال فما أصنع? قال‪ :‬الحقني بالباب‪ .‬وحرك ابن عائشة بغلة شقراء كانت تحته لينقطع عنه؛ فعدا معه حتى وافيا الباب‬
‫كفرسي رهان‪ ،‬ودخل ابن عائشة فمكث طويل طمعا في أن يضجر فينصرف‪ ،‬فلم يفعل؛ فلما أعياه قال لغلمه‪ :‬أخله؛ فلما‬
‫دخل قال له‪ :‬ويلك من أين صبك الله علي قال‪ :‬أنا رجل من أهل وادي القرى أشتهي هذا الغناء؛ فقال له‪ :‬هل لك فيما هو أنفع‬
‫لك منه? قال‪ :‬وما ذاك? قال‪ :‬مائتا دينار وعشرة أثواب تتصرف بها إلى أهلك؛ فقال له‪ :‬جعلت فداءك‪ ،‬والله إن لي لبنية ما في‬
‫أذنها ‪ -‬علم الله ‪ -‬حلقة من الورق فضل عن الذهب‪ ،‬وإن لي لزوجة ما عليها ‪ -‬يشهد الله ‪ -‬قميص‪ .‬ولو أعطيتني جميع ما أمر‬
‫لك به أمير المؤمنين على هذه الخلة والفقر اللذين عرفتكهما وأضعفت لي ذلك‪ ،‬لكان الصوت أعجب إلي ‪ -‬وكان ابن عائشة‬
‫نائها ل يغني إل لخليفة أو لذي قدر جليل من إخوانه ‪ -‬فتعجب ابن عائشة منه ورحمه‪ ،‬ودعا بالدواة وكان يغني مرتجل‪ ،‬فغناه‬
‫الصوت؛ فطرب له طربا شديدا‪ ،‬وجعل يحرك رأسه حتى ظن أن عنقه سينقصف‪ ،‬ثم خرج من عنده ولم يرزأه شيئا‪ ،‬وبلغ الخبر‬
‫الوليد بن يزيد فسأل ابن عائشة عنه‪ ،‬فجعل يغيب عن الحديث‪ .‬ثم جد الوليد به فصدقه عنه‪ ،‬وأمر بطلب الرجل فطلب حتى‬
‫‪.‬أحضر‪ ،‬ووصله صلة سنية‪ ،‬وجعله في ندمائه ووكله بالسقي‪ ،‬فلم يزل معه حتى مات‬
‫سمع الشعبي غناءه فمدحه‬
‫أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثنا أحمد بن زهير بن حرب قال حدثنا محمد بن سلم قال حدثني عمر بن أبي خليفة‬
‫قال‪ :‬كان الشعبي مع أبي في أعلى الدار‪ ،‬فسمعنا تحتنا غناء حسنا‪ ،‬فقال له أبي‪ :‬هل ترى شيئا? قال‪ :‬ل‪ ،‬فنظرنا فإذا غلم‬
‫‪:‬حسن الوجه حديث السن يتغنى‬
‫في القول فعل المازح فما سمعت غناء كان أحسن منه‪ ،‬فإذا هو ابن عائشة‪ ،‬فجعل‬ ‫قالت عبيد تـجـرمـا‬
‫‪.‬الشعبي يتعجب من غنائه‪ ،‬ويقول‪ :‬يؤتي الحكمة من يشاء‬
‫نسبة هذا الصوت‬
‫صوت‬

‫في القول فعل المازح‬ ‫قالت عبيد تـجـرمـا‬


‫فأظن حبك فاضحـي‬ ‫أنجز بعمرك وعـدنـا‬

‫صفحة ‪183 :‬‬

‫ين بما تجن جوانحي‬ ‫فاجبتها لـو تـعـلـم‬


‫من خمل حب فـادح‬ ‫فيما أرى لرحمتنـي‬
‫فاسمع مقالة ناصـح‬ ‫ما في البرية لي هوى‬
‫إل سلم مصافحـي زعم حبش أن الغناء لبن عائشة خفيف ثقيل بالبنصر‬ ‫‪.‬أشكو إليه جفـاءكـم‬
‫حج ولقيه جماعة من قريش‬
‫فاحتالوا عليه حتى غنى لهم‬
‫أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال حدثني بعض أهل المدينة قال‪ :‬حدثني من رأى ابن عائشة حاجا وقد دعاه‬
‫فتية من بني هاشم فأجابهم‪ ،‬قال‪ :‬وكنت فيهم‪ ،‬فلما دخلنا جعلوا صدر المجلس لبن عائشة فجلس فتحدثوا حتى حضر الطعام؛‬
‫فلما طعموا دعا بشراب فشربوا‪ ،‬وكان ابن عائشة إذا سئل أن يغني أبى ذلك وغضب‪ ،‬فإذا تحدث القوم بحديث ومضى فيه‬
‫شعر قد غنى فيه ابتدأ هو فغناه‪ ،‬فكان من فطن له يفعل ذلك به‪ ،‬فقال رجل منهم‪ :‬حدثني اليوم رجل من العراب ممن ان‬
‫يصاحب جميل بحديث عجيب؛ فقال القوم‪ :‬وما هو? فقال‪ :‬حدثني أن جميل بينما هو يحدثه كما كان يحدثه إذ أنكره ورأى منه‬
‫غير ما كان يرى‪ ،‬فثار نافرا‪ ،‬مقشعر الشعر‪ ،‬متغير اللون إلى ناقة له مجتمعة قريبة من الرض‪ ،‬موثقة الخلق‪ ،‬فشد عليها رحله‬
‫ثم أتاها بمحلب فيه لبن فشربته‪ ،‬ثم ثنى فشربت حتى رويت‪ ،‬ثم قال‪ :‬اشدد أداة رحلك واشرب واسق جملك‪ ،‬فإني ذاهب بك‬
‫إلى بعض مذاهبي‪ ،‬ففعلت‪ ،‬فجال في ظهر ناقتي‪ ،‬فسرنا بياض يومنا وسواد ليلتنا‪ ،‬ثم أصبحنا فسرنا يومنا ل والله ما نزلنا إل‬
‫للصلة؛ فلما كان اليوم الثالث دفعنا إلى نسوة فمال إليهم فوجدنا الرجال خلوفا‪ ،‬وإذا قدر لبأ وقد جهدت جوعا وعطشا‪ ،‬فلما‬
‫رأيت القدر اقتحمت عن بعيري وتركتهم جانبا‪ ،‬ثم أدخلت رأسي في القدر ما يثنيني حرها حتى رويت‪ ،‬فذهبت أخرج رأسي من‬
‫القدر فضاقت علي وإذا هي على رأسي قلنسوة‪ ،‬فضحكن مني وغسلن ما أصابني‪ .‬وأتي جميل بقرى فوالله ما التفت إليه؛‬
‫فبينا هو يحدثهن إذا رواعي البل‪ ،‬وقد كان السلطان أحل لهم دمه إن وجدوه في بلدهم‪ ،‬وجاء الناس فقلن‪ :‬ويحك انج وتقدم‪،‬‬
‫فوالله ما أكبرهم ذلك الكبار‪ ،‬فإذا بهم يرمونه‪ ،‬ويطردونه‪ ،‬فإذا غشوه قاتلهم ورمى فيهم‪ ،‬وقام بي جملي‪ ،‬فقال لي‪ :‬يسر‬
‫لنفسك مركبا خلفي‪ ،‬فأردفني خلفه‪ ،‬ل والله ما انكسر ول انحل عن فرصته حتى رجع إلى أهله‪ ،‬وقد سار ست ليال وستة أيام‬
‫‪:‬وما التفت إلى طعام وقال في ذلك‬
‫واستعجمت آياتها بجوابي وهي قصيدة طويلة‪ .‬وقال أيضا‬ ‫‪:‬إن المنازل هيجت أطرابي‬
‫إذا هيج بي يوما وهن قعود قال فقال ابن عائشة‪ :‬أفل أغني لكم ذلك? فقلنا‪ :‬بلى‬ ‫وأحسن أيام وأبهج عيشتـي‬
‫والله‪ ،‬فاندفع فغناه‪ ،‬فما سمع السامعون شيئا أحسن من ذلك‪ ،‬وبقي أصحابنا يتعجبون من الحديث وحسنه والغناء وطيبه؛ فقال‬
‫له أصحابنا‪ :‬يا أبا جعفر‪ ،‬إنا مستأذنوك‪ ،‬فإن أذنت لنا سألناك‪ ،‬وإن كرهت تركناك؛ فقال‪ :‬سلوا‪ ،‬فقالوا‪ :‬نحب أن تغنينا في‬
‫‪.‬مجلسنا هذا ما نشطت هذا الصوت فقط؛ فقال لهم‪ :‬نعم ونعمة عين وكرامة‪ ،‬فما زلنا في غاية السرور حتى انقضى المجلس‬
‫نسبة هذا الغناء‬
‫صوت‬

‫واستعجمت آياتها بجـوابـي‬ ‫إن المنازل هيجت أطرابـي‬


‫أنضاء وشم أو سطور كثاب‬ ‫قفر تلوح بذي اللجين كأنهـا‬
‫مني الدموع لفرقة الحبـاب‬ ‫لما وقفت بها القلوص تبادرت‬
‫إذ فاتني وذكرت شرخ شبابي الشعر لجميل‪ .‬والغناء للهذلي ثاني ثقيل بإطلق‬ ‫وذكرت عصرا يا بثينة شاقني‬
‫‪.‬الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق‬
‫أخبرني عمي قال حدثني عبد الله بن أبي سعد قال حدثني أحمد بن يحيى المكي عن أبيه قال حدثني عمرو بن أبي الكنات‬
‫‪:‬الحكمي قال حدثني يونس الكاتب قال‬

‫صفحة ‪184 :‬‬

‫كنا يوما متنزهين بالعقيق أنا وجماعة من قريش‪ ،‬فبينا نحن على حالنا إذ أقبل ابن عائشة يمشي ومعه غلم من بني ليث وهو‬
‫متوكىء على يده‪ ،‬فلما رأى جماعتنا وسمعني أغني جاءنا فسلم وجلس إلينا وتحدث معنا‪ ،‬وكانت الجماعة تعرف سوء خلقه‬
‫وغضبه إذا سئل أن يغني‪ ،‬فاقبل بعضهم على بعض يتحدثون بأحاديث كثير وجميل وغيرهما من الشعراء‪ ،‬يستجرون بذلك أن‬
‫يطرب فيغني‪ ،‬فلم يجدوا عنده ما أرادوا‪ ،‬فقلت لهم أنا‪ :‬لقد حدثني اليوم بعض العراب حديثا يأكل الحاديث‪ ،‬فإن شئتم‬
‫حدثتكم إياه؛ قالوا‪ :‬هات؛ قلت‪ :‬حدثني هذا الرجل أنه مر بناحية الربذة فإذا صبيان يتغاطسون في غدير‪ ،‬وإذا شاب جميل‬
‫منهوك الجسم عليه أثر العلة‪ ،‬والنحول في جسمه بين‪ ،‬وهو جالس ينظر إليهم‪ ،‬فسلمت عليه فرد علي السلم وقال‪ :‬من أين‬
‫وضح الراكب? قلت‪ :‬من الحمى؛ قال‪ :‬ومتى عهدك به? قلت‪ :‬رائحا؛ قال‪ :‬وأين كان مبيتك? قلت‪ :‬ببني فلن؛ فقال‪ :‬أوه وألقى‬
‫بنفسه على ظهره وتنفس الصعداء تنفسا قلت إنه قد خرق حجاب قلبه؛ ثم أنشأ يقول‪ :‬صوت‬

‫من المزن ما يروى به ويسيم‬ ‫سقى بلدا أمست سليمى تحلـه‬


‫يحل به شخص علي كـريم‬ ‫وإن لم أكن من قاطنيه فإنـه‬
‫لدي وإن شط المزار نـعـيم‬ ‫أل حبذا من ليس يعدل قربـه‬
‫فرد بغيظ صاحب وحـمـيم ثم سكن كالمغشي عليه‪ ،‬فصحت بالصبية‪ ،‬فأتوا‬ ‫ومن لمني فيه حميم وصاحب‬
‫‪:‬بماء فصببته على وجهه‪ ،‬فأفاق وأنشأ يقول‬
‫وأنفاسي تزين بـالـخـشـوع‬ ‫إذا الصب الغريب رأى خشوعي‬
‫إلى الجزاع مطلقة الـدمـوع‬ ‫ولي عين أضر بها التـفـاتـي‬
‫كما أنس الغريب إلى الجمـيع فقلت له‪ :‬أل أنزل فأساعدك‪ ،‬أو أكر عودي‬ ‫إلى الخلوات يأنس فيك قلـبـي‬
‫على بدئي إلى الحمى في حاجة إن كانت لك حاجة أو رسالة? فقال‪ :‬جزيت وصحبتك السلمة امض لطيتك‪ ،‬فلو أني علمت أنك‬
‫تغني عني شيئا لكنت موضعا للرغبة وحقيقا بإسعاف المسئلة‪ ،‬ولكنك أدركتني في صبابة من حياتي يسيرة؛ فانصرفت وأنا ل‬
‫أراه يمسي ليلته إل ميتا‪ ،‬فقال القوم‪ :‬ما أعجب هذا الحديث واندفع ابن عائشة فتغنى في الشعرين جميعا وطرب وشرب بقية‬
‫‪.‬يومه‪ ،‬ولم يزل يغنينا إلى أن انصرفنا‬
‫فأما نسبة هذين الصوتين فإن في الول منهما لحنا من خفيف الرمل الثقيل المطلق في مجرى الوسطى‪ ،‬نسبه يحيى المكي‬
‫إلى معبد‪ ،‬وذكر الهشامي أنه منحول‪ .‬وفي هذا الخبر‪ :‬أن ابن عائشة غناه‪ ،‬وهو يغني في البيت الول والثاني من البيات‪ .‬وفيه‬
‫للضيزني الملقب بنبيكة لحن جيد من الثقيل الول‪ .‬وكان نبيكة هذا من حذاق المغنين وكبارهم‪ ،‬وقد خدم المعتمد ثم شخص‬
‫إلى مصر فخدم خمارويه بن أحمد‪ ،‬ثم قدم بغداد في أيام المقتدر‪ ،‬ورأيناه وشاهدناه‪ ،‬وكانت في يده صبابة قوية من إفضال‬
‫ابن طولون واستغنى بها حتى مات‪ ،‬وله صنعة جيدة قد ذكرت ما وقع إلي منها في المجرد ‪ .‬وذكرت مما وقع إلي له في هذا‬
‫‪:‬الكتاب لحنا جيدا في شعر سعد ذلفاء‪ ،‬وهو‬
‫‪.‬ولما وقفنا دون سرحة مالك في موضعه من أخباره‬
‫وأما الشعر الثاني الذي ذكرت في هذا الخبر الماضي‪ :‬أن ابن عائشة غناه فما رأيت له نسبة في كتاب ول سمعت فيه صنعة‬
‫‪.‬من أحد‪ ،‬ولعله مما انطوى عني أو لم يشتهر فسقط عن الناس‬
‫سبب موته‬
‫أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه‪ ،‬وأخبرني به الحسن بن علي عن هارون بن محمد بن عبد الملك‬
‫الزيات عن حماد عن أبيه عن يعقوب بن طلحة الليثي عن بعض مشايخه من أهل المدينة قال‪ :‬أقبل ابن عائشة من الشأم حتى‬
‫نزل قصر ذي حشب ومعه مال وطيب وكسا فشرب فيه‪ ،‬ثم تطرقوا إلى ظهر القصر فصعدوا‪ ،‬ثم نظر فإذا بنسوة يتمشين في‬
‫ناحية الوادي‪ ،‬فقال لصحابه‪ :‬هل لكم فيهن? قالوا‪ :‬وكيف لنا بهن? فنهض فلبس ملءة مدلوكة‪ ،‬ثم قام على شرفة من شرفات‬
‫‪:‬القصر فتغنى‬
‫لها زهر تلقينا‬ ‫وقد قالت لتراب‬
‫لنا العيش تعالينا فأقبلن إليه فطرب واستدار حتى سقط من السطح؛ وهذا الخبر يذكر على‬ ‫تعالين فقد طاب‬
‫‪.‬شرحه في خبر وفاته‬
‫كان يعشق شعر الحطيئة‬
‫‪:‬أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حماد‪ :‬قرأت على أبي عن محمد بن سلم عن جرير أبي الحصين قال‬

‫صفحة ‪185 :‬‬

‫‪:‬كان ابن عائشة إذا غنى في صوت له من شعر الحطيئة وهو‬


‫عفا من سليمى مسحلن فحامره نظر إلى أعطافه في كل رنة‪ ،‬فسئل يوما ‪ -‬وقد دب فيه الشراب ‪ -‬عن ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬أنا‬
‫عاشق لهذا الصوت‪ ،‬وعاشق لحديثه‪ ،‬وعاشق لغريبه‪ ،‬وعاشق لقول الحطيئة‪ ،‬إن الغناء رقية من رقى النيك‪ ،‬ويعجبني فهم‬
‫الحطيئة بالغناء وليس هو من أهله ول بصاحب غناء‪ ،‬وكيف ل أعجب به ومحله مني هذا المحل وكان ل يسأله أحد إياه إل غناه‪،‬‬
‫‪.‬فمن فطن له أكثر سؤاله إياه‪ .‬وكان جرير يقول‪ :‬إنه أحسن صوت له وأرقه وأجوده‬
‫وفاة ابن عائشة‬
‫توفي في خلفة الوليد بن يزيد وتوفي ابن عائشة فيما قيل في أيام هشام بن عبد الملك‪ ،‬وقيل في أيام الوليد‪ .‬وما أظن‬
‫الصحيح إل أنه توفي في أيام الوليد‪ ،‬لنه أقدمه إليه‪ .‬وذكر من زعم أنه توفي في خلفة هشام‪ :‬أنه إنما وفد على الوليد وهو‬
‫‪.‬ولي عهد‬
‫روايات أخرى في سبب موته أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال‪ :‬ذكر عمران بن هند‪ :‬أن الغمر بن يزيد خرج‬
‫إلى الشأم‪ ،‬فلما نزل قصر ذي خشب شرب على سطحه‪ ،‬فغنى ابن عائشة صوتا طرب له الغمر‪ ،‬فقال‪ :‬اردده‪ ،‬فأبى‪ ،‬وكان ل‬
‫يرد صوتا لسوء خلقه‪ ،‬فأمر به‪ ،‬فطرح من أعلى السطح فمات‪ .‬ويقال‪ :‬بل قام من الليل وهو سكران ليبول فسقط من‬
‫‪.‬السطح فمات‬
‫قال إسحاق فحدثني المدائني قال حدثني بعض أهل المدينة قال‪ :‬أقبل ابن عائشة من عند الوليد بن يزيد وقد أجازه وأحسن‬
‫إليه فجاء بما لم يأت به أحد من عنده‪ ،‬فلما قرب من المدينة نزل بذي خشب على أربعة فراسخ من المدينة‪ ،‬وكان واليها‬
‫إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي‪ ،‬وله هشام وهو خاله‪ ،‬وكان في قصر هناك‪ ،‬فقيل له‪ :‬أصلح الله المير‪ ،‬هذا ابن‬
‫عائشة قد أقبل من عند الوليد بن يزيد‪ ،‬فلو سألته أن يقيم عندنا اليوم فيطربنا وينصرف من غد فدعا به فسأله المقام عنده‬
‫فأجابه إلى ذلك‪ ،‬فلما أخذوا في شربهم أخرج المخزومي جواريه‪ ،‬فنظر إلى ابن عائشة وهو يغمز جارية منهن‪ ،‬فقال لخادمه‪:‬‬
‫إذا خرج ابن عائشة يريد حاجته فارم به‪ ،‬وكانوا يشربون فوق سطح ليس له إفريز ول شرفات‪ ،‬وهو يشرف على بستان‪ ،‬فلما‬
‫‪.‬قام ليبول رمى به الخادم من فوق السطح فمات‪ ،‬فقبره معروف هناك‬
‫أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه وأخبرني به الحسن بن علي عن هارون بن محمد بن عبد الملك بن حماد بن‬
‫إسحاق عن أبيه عن يعقوب بن طلحة الليثي عن بعض مشايخه من أهل المدينة قال‪ :‬أقبل ابن عائشة من الشأم حتى نزل‬
‫بقصر ذي خشب ومعه مال وطيب وكسا‪ ،‬فشرب فيه‪ ،‬ثم تطرقوا إلى ظهر القصر فصعدوا‪ ،‬ثم نظر فإذا بنسوة يتمشين في‬
‫ناحية الوادي‪ ،‬فقال لصحابه‪ :‬هل لكم فيهن? قالوا‪ :‬وكيف لنا بهن? فنهض فلبس ملءة مدلوكة‪ ،‬ثم قام على شرفة من شرف‬
‫‪:‬القصر فتغنى في شعر ابن أذينة‬
‫لها زهر تلقينا‬ ‫وقد قالت لتراب‬
‫لنا العيش تعالينا فأقبلن إليه؛ وطرب فاستدار فسقط فمات‪ .‬قال‪ :‬وقال قوم‪ :‬بل قدم‬ ‫تعالين فقد طاب‬
‫‪.‬المدينة فمات بها‬
‫بكى عليه أشعب فأضحك الناس‬
‫قال‪ :‬ولما مات قال أشعب‪ :‬قد قلت لكم‪ ،‬ولكنه ل يغني حذر من قدر‪ :‬زوجوا ابن عائشة ربيحة الشماسية تخرج لكم بينهما‬
‫‪.‬مزامير داود فلم تفعلوا‪ ،‬وجعل يبكي والناس يضحكون منه‬
‫نسبة هذا الصوت الذي غناه‬
‫صوت‬

‫فأين تقـولـهـا أينـا‬ ‫سليمى أزمعت بـينـا‬


‫لها زهر تـلقـينـا‬ ‫وقد قـالـت لتـراب‬
‫لنا العيش تعـالـينـا‬ ‫تعالين فـقـد طـاب‬
‫ة والعين فل عـينـا‬ ‫وغاب البـرم الـلـيل‬
‫رعـات يتـهـادينـا‬ ‫فأقبلن إلـيهـا مـس‬
‫ل تكسو المجلس الزينا‬ ‫إلى مثل مهـاة الـرم‬
‫حففن بهـا وفـدينـا‬ ‫إلى خـود مـنـعـمة‬
‫فكنا مـا تـمـنـينـا الشعر لعروة بن أذينة‪ .‬والغناء لبن عائشة لحنان أحدهما رمل مطلق في‬ ‫تمـنـين مـنـاهـن‬
‫‪.‬مجرى الوسطى عن إسحاق‪ ،‬والخرثاني ثقيل بالوسطى عن حبش‬
‫كان مالك بن أنس يكره الغناء‬
‫‪:‬أخبرني الحسين بن يحيى ومحمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال‬

‫صفحة ‪186 :‬‬

‫سمعت إبراهيم بن سعد يحلف للرشيد وقد سأله عمن بالمدينة يكره الغناء‪ ،‬فقال‪ :‬من قنعه الله بخزيه مالك بن أنس‪ ،‬ثم‬
‫‪:‬حلف له إنه سمع مالكا يغني‬
‫فأين تقولها أينـا في عرس رجل من أهل المدينة يكنى أبا حنظلة‬ ‫‪.‬سليمى أزمعت بينا‬
‫خبر ابن عائشة وابن أذينة‬
‫وطلبه إليه أن يقول له شعرا يغنيه‬
‫أخبرنا أحمد بن عبد العزيز وإسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أبو غسان محمد بن يحيى عن بعض‬
‫‪:‬أصحابه قال‪ :‬مر ابن عائشة بابن أذينة فقال له‪ :‬قل أبياتا هزجا أغن فيها؛ فقال له‪ :‬اجلس فجلس؛ فقال‬
‫‪:‬سليمى أزمعت فينا البيات‪ .‬قال أبو غسان‪ :‬فحدثت أن ابن عائشة رواها‪ ،‬ثم ضحك لما سمع قوله‬
‫فكنا ما تمنينا ثم قال له‪ :‬يا أبا عامر‪ ،‬تمنيتك لما أقبل بخرك‪ ،‬وأدبرذفرك‪ ،‬وذبل ذكرك فجعل‬ ‫تمنين مناهن‬
‫‪.‬يشتمه‪ .‬هذا لفظ إسماعيل بن يونس‬
‫أخبرني الجوهري وإسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أبو غسان قال فحدثني حماد الخشبي قال‪ :‬ذكر ابن‬
‫‪:‬أذينة عند عمر بن عبد العزيز‪ ،‬فقال‪ :‬نعم الرجل أبو عامر‪ ،‬على أنه الذي يقول‬
‫لها زهر تلقينا غنى للوليد بن يزيد بمكة فأجازه‬ ‫وقد قالت لتراب‬
‫أخبرني محمد بن مزيد والحسين بن يحيى قال حدثنا حماد عن أبيه عن المدائني عن إسحاق بن أيوب القرشي قال‪ :‬كان‬
‫هشام بن عبد الملك مكرما للوليد بن يزيد‪ ،‬وكان عبد الصمد بن عبد العلى مؤدبا للوليد‪ ،‬وكان‪ ،‬فيما يقال‪ ،‬زنديقا‪ ،‬فحمل الوليد‬
‫على الشراب والستخفاف بدينه‪ ،‬فاتخذ ندماء وشرب وتهتك‪ ،‬فأراد هشام قطعهم عنه‪ ،‬فوله الموسم في سنة عشر ومائة‪،‬‬
‫‪:‬فرأى الناس منه تهاونا واستخفافا بدينه‪ ،‬وأمر موله عيسى فصلى بالناس‪ ،‬وبعث إلى المغنين فغنوه وفيهم ابن عائشة فغناه‬
‫‪.‬سليمى أجمعت بينا فنعر الوليد نعرة أذن لها أهل مكة‪ .‬وأمر لبن عائشة بألف دينار‪ ،‬وخلع عليه عدة خلع‪ ،‬وحمله‬
‫فخرج ابن عائشة من عنده بأمر أنكره الناس‪ ،‬وأمر للمغنين بدون ذلك‪ ،‬فتكلم أهل الحجاز وقالوا‪ :‬أهذا ولي عهد المسلمين‬
‫وبلغ ذلك هشاما فطمع في خلعه‪ ،‬وأراده على ذلك فأبى؛ وتنكر هشام للوليد‪ ،‬وتمادى الوليد في الشرب واللذات فأفرط‪،‬‬
‫وتعبث هشام بالوليد وخاصته ومواليه‪ ،‬فنزل بالزرق بين أرض بلقين وفزارة على ماء يقال له الغدق‪ ،‬حتى مات هشام‪.‬‬
‫‪ .‬انقضت أخباره‬
‫ومن المائة صوت المختارة من أغانيه‬
‫غناؤه في صوت من المائة الصوت المختارة‬
‫صوت‬
‫‪:‬من رواية علي بن يحيى‬
‫بعض الحنين فإن شجوك شائقي‬ ‫حنت إلى برق فقلت لها قـري‬
‫بدت النجوم وذر قرن الشـارق‬ ‫بأبي الوليد وأم نفسي كـلـمـا‬
‫حاجاتنا من عند أروع بـاسـق‬ ‫أثوى فأكرم في الثواء وقضـيت‬
‫كانت حديثا للشراب العـاتـق ويروي‪ :‬بالشراب العاتق‪ .‬عروضه من الكامل‪ .‬حنت‪،‬‬ ‫ل تبـعـدن إداوة مـطـروحة‬
‫‪:‬يعني ناقته‪ .‬وهذا البيت يتبع بيتا قبله وهو‬
‫تهوي بمغبر المتون سمالق وبعده حنت إلى برق‪ ...‬وقوله‪ :‬قري من الوقار‪،‬‬ ‫فإلى الوليد اليوم حنت ناقتي‬
‫كأنها لما حنت أسرعت ونازعت إلى الوطن أو المقصد‪ ،‬فقال يخاطبها‪ :‬قري‪ .‬وذر قرن الشارق‪ :‬طلع قرن الشمس؛ يريد‪ :‬بأبي‬
‫‪.‬الوليد وأمي في كل ليل ونهار أبدا‪ .‬وأثوى‪ :‬أنزل‬
‫‪:‬والثواء‪ :‬القامة؛ قال العشى‬
‫تقضى لبانات ويسأم سـائم والباسق‪ :‬الطويل؛ قال الله عز وجل‪ :‬والنخل‬ ‫لقد كان في حول ثواء ثويته‬
‫‪:‬باسقات أي طوال‪ .‬ويروي‬
‫ل تبعدن إداوة مطروحة الشعر لعبد الرحمن بن أرطاة المحاربي‪ .‬والغناء لبن عائشة‪ .‬ولحنه المختار ثقيل أول بإطلق الوتر‬
‫في مجرى البنصر عن إسحاق‪ .‬وفيه للهذلي لحن آخر من الثقيل الول عن الهشامي وابن المكي‪ .‬فأول لحن الهذلي استهلل‬
‫‪:‬في‬
‫‪:‬حنت إلى برق فقلت لها قري وأول لحن ابن عائشة‬
‫بدت النجوم وذر قرن الشارق‬ ‫بأبي الوليد وأم نفسي كلـمـا‬
‫أخبار ابن أرطاة ونسبه‬
‫نسبه‬

‫صفحة ‪187 :‬‬

‫هو عبد الرحمن بن أرطاة‪ ،‬وقيل‪ :‬عبد الرحمن بن سيحان بن أرطاة بن سيحان بن عمرو بن نجيد بن سعد بن لحب بن ربيعة‬
‫بن شكم بن عبد الله بن عوف بن زيد بن بكر بن عمير بن علي بن جسر بن محارب بن خصفة بن قيس بن غيلن بن مضر بن‬
‫نزار‪ .‬وأم جسر بن محارب كأس بنت لكيز بن أقصى بن عبد القيس‪ ،‬وأم علي بن جسر ماوية بنت علي بن بكر بن وائل‪ ،‬هذه‬
‫رواية أبي عمرو الشيباني أخبرني بها عمي والصولي عن الحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو عن أبيه‪ ،‬قال وشكم بن عبد الله‬
‫أول محاربي ساد قومه وأبذهم رأسا بنفسه‪ ،‬وكانوا جيرانا في هوازن؛ وآل سيحان حلفاء حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد‬
‫‪.‬مناف‪ ،‬وبمنزلة بعضهم عندهم خاصة وعند سائر بني أمية عامة‬
‫أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا محمد بن يحيى عن عبد العزيز بن عمران قال‪ :‬بنو سيحان من‬
‫‪.‬بني جسر بن محارب‪ ،‬وبنو مناف تقوي حلفهم‪ ،‬وهم عندي أعزاؤهم وليسوا بأحلفهم‬
‫أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار وأحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا محمد بن يحيى أبو‬
‫غسان قال‪ :‬لما قتل هشام بن الوليد أبا أزيهر‪ ،‬بعثت قريش أرطاة بن سيحان حليف حرب بن أمية إلى الشراة يحذر من بها‬
‫‪:‬من تجار قريش‪ ،‬وخرج حاجز الزدي ليخبر قومه‪ ،‬فسبقه أرطاة‪ ،‬وقال في ذلك وقد حذرهم فنجوا‬
‫يثني العناج لها مع الكرب‬ ‫مثل الحليف يشد عـروتـه‬
‫ومناضل يحمي عن الحسب‬ ‫زلم إذا يسـروا بـه يسـر‬
‫دأب الشرى بالليل والخبب‬ ‫هل تشكرن فهر وتاجرهـا‬
‫ببيان ل ألـس ول كـذب وكان حليفا لبني أمية ومدحهم‬ ‫حتى جلوت لهم يقـينـهـم‬
‫وكان عبد الرحمن شاعرا مقل إسلميا ليس من الفحول المشهورين ولكنه كان يقول في الشراب والغزل والفخر ومدح‬
‫أحلفه من بني أمية‪ ،‬وهو أحد المعاقرين للشراب والمحدودين فيه‪ ،‬وكان بني أمية كواحد منهم إل أن اختصاصه بآل أبي سفيان‬
‫وآل عثمان خاصة كان أكثر‪ ،‬وخصوصه بالوليد بن عثمان ومؤانسته إياه أزيد من خصوصه بسائرهم‪ ،‬لنهما كانا يتنادمان على‬
‫‪.‬الشراب‬
‫‪.‬وهذه البيات التي فيها الغناء يقولها في الوليد بن عثمان‪ ،‬وقيل‪ :‬بل في الوليد بن عتبة‪ .‬وخبره في ذلك يذكر بعد هذا‬
‫أصابه خمار فداواه منه الوليد بن عثمان‬
‫أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال عتبة بن المنهال المهلبي حدثني غير واحد من أهل الحجاز قالوا‪ :‬كان ابن سيحان حليفا‬
‫لقريش ينزل بالمدينة‪ ،‬وكان نديما للوليد بن عثمان‪ ،‬فأصابه ذات يوم خمار‪ ،‬فذهب لسانه وسكنت أطرافه وصرخ أهله عليه‪،‬‬
‫فأقبل الوليد إليه فزعا‪ ،‬فلما رآه قال‪ :‬أخي مخمور ورب الكعبة‪ ،‬ثم أمر غلما له فأتاه بشراب من منزله في إداوة فأمر به‬
‫فأسخن ثم سقاه إياه وقيأه‪ ،‬وصنع له حساء وجعل على رأسه دهنا وجعل رجليه في ماء سخن‪ ،‬فما لبث أن انطلق وذهب ما‬
‫كان به‪ .‬ومات الوليد بعد ذلك‪ .‬فبينا ابن سيحان يوما جالس وبعض متاعه ينقل من بيت إلى بيت‪ ،‬إذ مرت الخادم بإدواة الوليد‬
‫‪:‬التي كان داواه بما فيها من الشراب وقد يبست وتقبضت‪ ،‬فانتحب وقال‬
‫كانت حديثا للشراب العاتق وذكر باقي البيات‬ ‫‪.‬ل تبعدن إداوة مطـروحة‬
‫أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أحمد بن معاوية عن الواقدي قال حدثنا عبد الله بن‬
‫أبي عبيدة عن أبيه قال‪ :‬كان الوليد بن عثمان بن عفان يشرب مع الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وابن سيحان وكان يخمر‬
‫فأصابه من ذلك شيء شديد حتى خيف عليه وشق النساء عليه الجيوب‪ ،‬فدعي له ابن سيحان‪ ،‬فلما رآه قال‪ :‬اخرجن عني‬
‫‪:‬وعن أخي‪ ،‬فقال له‪ :‬الصبوح أبا عبد الله‪ ،‬فجلس مفيقا؛ فذلك حين يقول ابن سيحان‬
‫بدت النجوم وذر قرن الشارق‬ ‫بأبي الوليد وأم نفسي كلـمـا‬
‫حاجاتنا من عند أروع باسـق‬ ‫أثوى فأكرم في الثواء وقضيت‬
‫وفضائل معـدودة وخـلئق‬ ‫كم عنده من نائل وسـمـاحة‬
‫في ماله حقا وقول صـادق‬ ‫وسماحة للمعتفين إذا اعتفـوا‬
‫كانت حديثا للشراب العاتـق كان من ندماء الوليد بن عثمان‬ ‫ل تبعـدن إداوة مـطـروحة‬

‫صفحة ‪188 :‬‬

‫أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال‪ :‬كان الوليد بن عثمان يكنى أبا الجهم‪ ،‬وكان لبن سيحان صديقا‬
‫ونديما‪ ،‬وكان صاحب شراب‪ ،‬فمرض فعاده الوليد وقال‪ :‬ما تشتهي? قال‪ :‬شرابا‪ ،‬فبعث فجاءه بشراب في إدواة‪ .‬ثم ذكر باقي‬
‫‪.‬الخبر نحو الذي قبله‬
‫أخبرني محمد بن ‪ </H6‬ولما عاد أعطاه إداوة وذكره بها فمدحه ‪</H6 <H6‬قيل إنه خرج معه إلى الحجاز لجني تمره ‪<H6‬‬
‫خلف وكيع قال حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه عن أيوب بن عباية قال‪ :‬كان الوليد بن عثمان ذا غلة في الحجاز يخرج إليها في‬
‫زمان التمر بنفر من قومه‪ ،‬يجنون له ويعاونونه‪ ،‬فكان إذا حضر خروجهم دفع إليهم نفقات لهليهم إلى رجعتهم‪ ،‬فخرج بهم مرة‬
‫كما كان يخرج وفيهم ابن سيحان‪ ،‬فأتى ابن سيحان كتاب من أهله يسألونه القدوم لحاجة لبد منها‪ ،‬فاستأذنه فأذن له‪ ،‬فقال له‬
‫ابن سيحان‪ :‬زودوني من شرابكم هذا‪ ،‬فزودوه إداوة ملها له من شرابهم‪ ،‬فكان يشربها في طريقه حتى قدم على أهله‪،‬‬
‫‪:‬فألقاها في جانب بيته فارغة‪ ،‬فمكث زمانا ل يذكرها‪ ،‬ثم كنسوا البيت فرآها ملقاة في الكناسة فقال‬
‫كانت حديثا للشراب العـاتـق‬ ‫ل تبـعـدن إداوة مـطـروحة‬
‫أترعت من كأس تلـذ لـذائق‬ ‫إن تصبحي ل شيء فيك فربمـا‬
‫بدت النجوم وذر قرن الشـارق‬ ‫بأبي الوليد وأم نفسي كـلـمـا‬
‫وشمـائل مـيمـونة وخـلئق‬ ‫كم عنده من نـائل وسـمـاحة‬
‫في ماله حقا وقـول صـادق‬ ‫وكرامة للمعتفين إذا اعتـفـوا‬
‫حاجاتنا من عند أروع بـاسـق‬ ‫أثوى فأكرم في الثواء وقضـيت‬
‫أخلق سباقا لـقـرم سـابـق‬ ‫لما أتينـاه أتـينـا مـاجـد ال‬
‫حاولتم من صامت أو نـاطـق‬ ‫قال الوليد يدي لكم رهن ربمـا‬
‫تهوي بمغبر المتون سمـالـق‬ ‫فإلى الوليد اليوم حنت ناقـتـي‬
‫بعض الحنين فإن شجوك شائقي حده مروان بالخمر ومنع منه معاوية‬ ‫حنت إلى برق فقلت لها قـري‬
‫أخبرني عمي قال حدثني محمد بن عبد الله التميمي الصبهاني المعروف بالحزنبل قال حدثني عمرو ابن أبي عمرو الشيباني‬
‫عن أبيه وأخبرني الحسين بن يحيى المرداسي قال قال حماد بن إسحاق‪ :‬قرأت على أبي‪ ،‬قال جميعا‪ :‬كان عبد الرحمن بن‬
‫سيحان قد غاظ مروان بن الحكم أيام كان معاوية يعاقب بينه وبين سعيد بن العاص في ولية الحرمين‪ ،‬وأنكر عليه أشياء بلغته‬
‫فغاظته‪ :‬من مدحه سعيدا وانقطاعه إليه وسروره بوليته‪ ،‬فرصده حتى وجده خارجا من دار الوليد بن عثمان وهو سكران‬
‫فضربه الحد ثمانين سوطا‪ .‬وقدم البريد من المدينة على معاوية فسأله عن أخبار الناس فجعل يخبره بها‪ ،‬حتى انتهى به‬
‫الحديث إلى ابن سيحان فأخبره أن مروان ضربه الحد ثمانين؛ فغضب معاوية وقال‪ :‬والله لو كان حليف أبي العاص لما ضربه‬
‫‪:‬ولكنه ضربه لنه حليف حرب‪ ،‬أليس هو الذي يقول‬
‫عديدا إذا ارفضت عصا المتخلف كذب والله مروان‪ ،‬ل يضربه في نبيذ أهل‬ ‫وإني آمرؤ حلف إلى أفضل الورى‬
‫المدينة وشكهم وحمقهم؛ ثم قال لكاتبه‪ :‬أكتب إلى مروان‪ :‬فليبطل الحد عن ابن سيحان‪ ،‬وليخطب بذلك على المنبر‪ ،‬وليقل إنه‬
‫كان ضربه على شبهة ثم بان له أنه لم يشرب مسكرا‪ ،‬وليعطه ألفي درهم‪ .‬فلما ورد الكتاب على مروان عظم ذلك عليه‪ ،‬ودعا‬
‫بابنه عبد الملك فقرأه عليه وشاوره فيه؛ فقال له عبد الملك‪ :‬راجعه ول تكذب نفسك‪ ،‬ول تبطل حكمك؛ فقال مروان‪ :‬أنا أعلم‬
‫بمعاوية إذا عزم على شيء أو أراده‪ ،‬ل والله ل أراجعه‪ .‬فلما كان يوم الجمعة وفرغ من الخطبة قال‪ :‬وابن سيحان فإنا كشفنا‬
‫‪.‬أمره فإذا هو لم يشرب مسكرا‪ ،‬وإذا نحن قد عجلنا عليه؛ وقد أبطلت عنه الحد‪ .‬ثم نزل فأرسل إليه بألفي درهم‬
‫خبر الوليد ومروان أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أحمد بن معاوية عن الواقدي‬
‫‪:‬قال حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال‬

‫صفحة ‪189 :‬‬

‫كان عبد الرحمن بن سيحان المحاربي شاعرا‪ ،‬وكان حلو الحديث‪ ،‬عنده أحاديث حسنة غريبة من أخبار العرب وأيامها‬
‫وأشعارها‪ ،‬وكان على ذلك يصيب من الشراب‪ ،‬فكان كل من قدم من ولة بني أمية وأحداثهم ممن يصيب الشراب يدعوه‬
‫وينادمه‪ ،‬فلما ولي الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وعزل مروان وجد مروان في نفسه وكان قد سبعه‪ ،‬فحقد عليه مروان‬
‫واضطغنه‪ ،‬وكان الوليد يصيب من الشراب ويبعث إلى ابن سيحان فيشرب معه‪ ،‬وابن سليمان ل يطن أن مروان يفعل به الذي‬
‫فعله‪ ،‬وقد كان مدحه ابن سليمان ووصله مروان‪ ،‬ولكن مروان أراد فضيحة الوليد‪ ،‬فرصده ليلة في المسجد‪ ،‬وكان ابن سيحان‬
‫يخرج في السحر من عند الوليد ثمل فيمر في المقصورة من المسجد حتى يخرج في زقاق عاصم‪ ،‬وكان محمد بن عمرو يبيت‬
‫في المسجد يصلي‪ ،‬وكذلك عبد الله بن حنظلة وغيرهما من القراء يبيتون في المسجد يتهجدون‪ ،‬فلما خرج ابن سيحان ثمل من‬
‫دار الوليد أخذه مروان وأعوانه‪ ،‬ثم دعا له محمد بن عمرو وعبد الله بن حنظلة فأشهدهما على سكره وقد سأله أن يقرأ أم‬
‫القرآن فلم يقرأها‪ ،‬فدفعه إلى صاحب شرطته فحبسه؛ فلما أصبح الوليد بلغه الخبر وشاع في المدينة وعلم أن مروان إنما أراد‬
‫أن يفضحه‪ ،‬وأنه لو لقي ابن سيحان ثمل خارجا من عند غيره لم يعرض له‪ ،‬فقال الوليد‪ :‬ل يبرئني من هذا عند أهل المدينة إل‬
‫‪.‬ضرب ابن سيحان‪ ،‬فأمر صاحب شرطته فضربه الحد ثم أرسله‬
‫مكث في بيته استحياء فحمله عبد الرحمن بن الحارث على الخروج إلى المسجد فجلس ابن سيحان في بيته ل يخرج حياء من‬
‫الناس‪ ،‬فجاءه عبد الرحمن بن الحارث بن هشام في ولده وكان له جليسا فقال له‪ :‬ما يجلسك في بيتك? قال‪ :‬الستحياء من‬
‫الناس؛ قال‪ :‬اخرج أيها الرجل‪ ،‬وكان عبد الرحمن قد حمل له معه كسوة‪ ،‬فقال له‪ :‬البسها ورح معنا إلى المسجد فهذا أحرى‬
‫أن يكذب به مكذب‪ ،‬ثم ترحل إلى أمير المؤمنين فتخبره بما صنع بك الوليد فإنه يصلك ويبطل هذا الحد عنك؛ فراح مع عبد‬
‫الرحمن في جماعة ولده متوسطا لهم حتى دخل المسجد فصلى ركعتين‪ ،‬ثم تساند مع عبد الرحمن إلى السطوانة؛ فقائل‬
‫يقول‪ :‬لم يضرب‪ ،‬وقائل يقول‪ :‬رحل إلى معاوية وشفع فيه يزيد فعفا عنه وكتب بذلك إلى الوليد أنا رأيته يضرب‪ ،‬وقائل يقول‪:‬‬
‫عزر أسواطا‪ .‬فمكث أياما ثم رحل إلى معاوية فدخل إلى يزيد فشرب معه‪ ،‬وكلم يزيد أباه معاوية في أمره فدعا به فأخبره‬
‫بقصته وما صنعه به مروان‪ ،‬فقال‪ :‬قبح الله الوليد ما أضعف عقله أما استحيا من ضربك فيما شرب وأما مروان فإني كنت ل‬
‫أحسبه يبلغ هذا منك مع رأيك فيه ومودتك له‪ ،‬ولكنه أراد أن يضع الوليد عندي ولم يصب‪ ،‬وقد صير نفسه في حد كنا ننزهه‬
‫عنه‪ ،‬صار شرطيا ثم قال لكاتبه‪ :‬اكتب‪ :‬بسم الله الرحمن الرحيم‪ ،‬من عبد الله معاوية أمير المؤمنين إلى الوليد بن عتبة‪ .‬أما‬
‫بعد‪ ،‬فالعجيب لضربك ابن سيحان فيما تشرب منه‪ ،‬ما زدت على أن عرفت أهل المدينة ما كنت تشربه مما حرم عليك‪ ،‬فإذا‬
‫جاءك كتابي هذا فأبطل الد عن ابن سيحان‪ ،‬وطف به في حلق المسجد وأخبرهم أن صاحب شرطك تعدى عليه وظلمه‪ ،‬وأن‬
‫‪:‬أمير المؤمنين قد أبطل ذلك عنه‪ ،‬أليس ابن سيحان الذي يقول‬
‫عديدا إذا ارفضت عصا المتحلف‬ ‫وإني امرؤ أنمى إلى أفضل الورى‬
‫هضاب أجا أركانها لم تقـصـف‬ ‫إلى نضد من عبد شمس كأنـهـم‬
‫ويكفون ما ولوا بغير تـكـلـف‬ ‫ميامين يرضون الكفاية إن كفـوا‬
‫سياستها حتى أقـرت لـمـردف‬ ‫غطارفة ساسوا البلد فأحسـنـوا‬
‫ومن يك منهم معسرا يتعـفـف‬ ‫فمن يك منهم موسرا يفش فضلـه‬
‫أكفا سباطا نفعها غير مـقـرف‬ ‫وإن تبسط النعمى لهم يبسطوا بهـا‬
‫قليلي التشكي عندها والتكـلـف‬ ‫وإن تزو عنهم ل يضجوا وتلفهـم‬
‫إذا الجاهل الحيران لم يتصـرف‬ ‫إذا انصرفوا للحق يوما تصرفـوا‬
‫ببنيان عال من منيف ومـشـرف‬ ‫سموا فعلوا فوق البرية كـلـهـا‬

‫صفحة ‪190 :‬‬

‫قال‪ :‬وكتب له بأن يعطى أربعمائة شاة وثلثين لقحة مما يوطن السيالة وأعطاه هو خمسمائة دينار‪ ،‬وأعطاه يزيد مائتي دينار‪.‬‬
‫ثم قدم بكتاب معاوية إلى الوليد‪ ،‬فطاف به في المسجد‪ ،‬وأبطل ذلك الحد عنه‪ ،‬وأعطاه ما كتب به له معاوية‪ .‬وكتب معاوية‬
‫إلى مروان يلومه فيما يفعله بابن سيحان‪ ،‬وما أراده بذلك‪ .‬ودعا الوليد عبد الرحمن بن سيحان إلى أن يعود للشرب معه؛‬
‫‪.‬فقال‪ :‬والله ل ذقت معك شرابا ابدا‬
‫أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو مسلم ‪</H6‬ضربه مروان الحد فأبطله معاوية ‪<H6‬‬
‫الغفاري قال حدثني موسى بن عبد العزيز قال‪ :‬أخذ ابن سيحان الجسري ‪ -‬هكذا قال وهو غلط ‪ -‬في شراب في إمارة مروان‪،‬‬
‫وكان حليفا لبي سفيان ابن حرب‪ ،‬فضربه مروان ثمانين سوطا على رؤوس الناس‪ ،‬فكتب إلى معاوية يشكوه‪ ،‬فكتب إليه‬
‫معاوية‪ :‬أما بعد فإنك أخذت حليف حرب فضربته ثمانين على رؤوس الناس‪ ،‬والله لتبطلنها عنه‪ ،‬أو لقيدنه منك؛ فقال مروان‬
‫لبنه عبد الملك‪ :‬ماترى? قال‪ :‬أرى والله أل تفعل؛ قال‪ :‬ويحك أنا أعلم بعزمات معاوية منك‪ ،‬فصعد المنبر فحمد الله وأثنى‬
‫عليه‪ ،‬ثم قال‪ :‬أيها الناس‪ ،‬إنا كنا ضربنا ابن سيحان بشهادة رجل من الحرس ووجدناه غير عدل ول رضا‪ ،‬فاشهدوا أني قد‬
‫‪.‬أبطلت ذلك الحد عنه‬
‫أخبرني أحمد قال حدثنا عمر قال حدثني محمد بن يحيى قال حدثني عبد العزيز بن عمران قال‪ :‬ضرب مروان عبد الرحمن بن‬
‫سيحان في الخمر ثمانين سوطا‪ ،‬فكتب إليه معاوية‪ :‬أما بعد‪ ،‬فإنك ضربت عبد الرحمن في نبيذ أهل الشأم الذي يستعملونه‬
‫وليس بحرام‪ ،‬وإنما ضربته حيث كان حلفه إلى أبي سفيان بن حرب‪ ،‬وايم الله لو كان حليفا للحكم ما ضربته‪ ،‬فأبطل عنه الحد‬
‫‪:‬قبل أن أضرب من أخذ معه‪ :‬أخاك عبد الرحمن بن الحكم؛ فأبطل مروان عنه الحد؛ فقال ابن سيحان في ذلك يذكر حلفه‬
‫عديدا إذا ارفضت عصا المتحلف وقال الطوسي‪ :‬كان عبد الرحمن بن‬ ‫إني امرؤ عقدي إلى أفضل الورى‬
‫الحكم أخو مروان يشرب مع ابن سيحان‪ ،‬فلما ضربه مروان الحد كتب إليه معاوية‪ :‬والله لتبطلنه عنه أو لبعثن إلى أخيك من‬
‫‪:‬يضرب ظهره بالسوط في السوق‪ ،‬أليس ابن سيحان الذي يقول‬
‫ولم تلقني قنا لدى مبرك الـجـرب‬ ‫سموت بحلفي للطوال من الـربـى‬
‫ودب كما دب الحسير على نـقـب‬ ‫إذا ما حليف الذل اقمـأ شـخـصـه‬
‫إذا أنا راخى لي خناقي بنو حـرب كان مع سعيد بن عثمان حين قتله‬ ‫وهصت الحصى ل أخنس النف قابعا‬
‫وهرب عنه ثم رثاه‬
‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء وأحمد بن سليمان الطوسي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي مصعب وغيره قالوا‪:‬‬
‫قدم سعيد بن عثمان المدينة فقتله غلمان جاء بهم من الصغد‪ ،‬وكان معه عبد الرحمن بن أرطاة بن سيحان حليف بني حرب‬
‫‪ -:‬بن أمية‪ ،‬فهرب عنه لما قتلوه‪ ،‬فقال خالد بن عقبة بن أبي معيط يرثي سعيد بن عثمان ‪ -‬وعثمان أخوه لمه‬
‫وابكي سعيد بن عثمان بن عفانا‬ ‫يا عين جودي بدمع منك تهتانـا‬
‫وفر عنه ابن أرطاة بن سيحانا فقال ابن سيحان يعتذر من ذلك‬ ‫‪:‬إن ابن زينة لم تصدق مودتـه‬
‫وذلك من تلقاء مـثـلـك رائع‬ ‫يقول رجال قد دعاك فلم تـجـب‬
‫فشلت يدي واستك مني المسامع‬ ‫فإن كان نادى دعوة فسمعـتـهـا‬
‫ودارت عليه الدائرات القـوارع‬ ‫وإل فكانت بالذي قـال بـاطـل‬
‫وقد فر عنه خـالـد هـو دارع فقال بعض الشعراء يجيبه‬ ‫‪:‬يلومونني أن كنت في الدار حاسرا‬
‫بعينيك إذ مجراك في الدار واسع‬ ‫فإنك لم تسمـع ولـكـن رأيتـه‬
‫وفارقته والصوت في الدار شائع‬ ‫وأسلمته للصغد تدمي كـلـومـه‬
‫سواء عليه صم أو هو سـامـع‬ ‫وما كان فيها خالـد بـمـعـذر‬
‫ودارت عليكم بالشمات القـوارع أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا‬ ‫فل زلتما في غل سوء بعـبـرة‬
‫العمري عن العتبي قال‪ :‬لما قتل سعيد بن عثمان بن عفان قالت أمه‪ :‬أشتهي أن يرثيه شاعر كما في نفسي حتى أعطيه ما‬
‫‪:‬يحتكم؛ فقال ابن سيحان‬
‫فابكي هبلت على سعيد‬ ‫‪:‬إن كنت باكـية فـتـى‬

‫صفحة ‪191 :‬‬

‫وجلبت حتفك من بعـيد‬ ‫فارقت أهـلـك بـغـتة‬


‫ء على الشهيد ابن الشهيد فقالت‪ :‬هكذا كنت أشتهي أن يقال فيه‪ ،‬ووصلت ابن‬ ‫أذري دموعك والـدمـا‬
‫‪.‬سيحان‪ .‬وكانت تندبه بهذا الشعر‬
‫وقال أبو عمرو في روايته التي ذكرتها عن عمي عن الحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو عن أبيه قال‪ :‬جلس ابن سيحان وخالد‬
‫‪:‬بن عقبة بعد مقتل سعيد بن عثمان يتحدثان‪ ،‬فجرى ذكره فبكيا جميعا عليه‪ ،‬فقال ابن سيحان يرثيه‬
‫سعيد بن عثمان القتيل بل ذحل‬ ‫أل إن خير الناس إن كنت سائل‬
‫فأضحى سعيد ل يمر ول يحلي وقال خالد بن عقبة‬ ‫‪:‬تداعت عليه عصبة فـارسـية‬
‫سعيد بن عثمان قتيل العـاجـم‬ ‫أل إن خير الناس نفسـا ووالـدا‬
‫مدى الدهر منه بالدموع السواجم‬ ‫بكت عين من لم يبكه وسط يثرب‬
‫سعيدا‪ ،‬فمن هذا عليها بسـالـم قال الحزنبل‪ :‬أنشدني عمرو بن أبي عمرو عن‬ ‫فإن تكن اليام أردت صروفهـا‬
‫أبيه لبن سيحان قال عمي وأنشدني السكري عن ابن حبيب والطوسي له‪ :‬صوت‬

‫رث إذ ينهـانـنـي أن أبـوحـا‬ ‫رحم الله صاحبي ابـنـي الـحـا‬


‫ري دموعي على ردائي سفوحـا‬ ‫بالـتـي تـيمـت فـؤادي وأن أذ‬
‫باشرت بعـده قـطـارا وريحـا‬ ‫في مغاني منـازل مـن حـبـيب‬
‫كان قدما إلى هـواه جـمـوحـا‬ ‫ولقد قـلـت لـلـفـؤاد ولـكـن‬
‫إن بعض الحباب كان فضـوحـا‬ ‫قلت أقصر عن بعض حبك أروى‬
‫من حمام على الراك‪ ،‬جنـوحـا‬ ‫فعصاني‪ ،‬فلـيس يسـمـع قـول‬
‫بقبول كـمـا تـقـبـل نـوحـا‬ ‫أم يحيى تـقـبـل الـلـه يحـيى‬
‫مع الوحش أو لبست المسـوحـا‬ ‫أم يحيى لول طلبك قـد سـحـت‬
‫سر أخرى ما دامت أمشي صحيحا الغناء لمعبد خفيف ثقيل أول بالسبابة في‬ ‫ولـقـد قـلـت ل أحـدث سـرا‬
‫‪.‬مجرى الوسطى عن إسحاق ويونس‪ .‬وفيه للغريض ثقيل أول عن الهشامي‪ .‬وفيه لزريق رمل‬
‫‪:‬قال أبو عمرو‪ :‬وابن سيحان الذي يقول‬
‫ن إذ جاوزن مطلحا بنو مطيع وذمه لهم‬ ‫أل هل هاجك الظعا‬
‫والناس يروونه لعمر بن أبي ربيعة لغلبته على أهل الحجاز جميعا‪ .‬وقال أبو عمرو في خبره‪ :‬كان ابن سيحان يحدث قال‪ :‬كنت‬
‫آلف من قريش أهل بيتين سوى من كنت منقطعا إليه من بني أمية‪ :‬بني عبد الرحمن بن الحارث بن هشام‪ ،‬وبني مطيع‪ ،‬فلما‬
‫ضربني مروان الحد جئت فجلست إلى بني مطيع كما كنت أجلس‪ ،‬فلما رأوني عرفت الكراهة في وجوههم‪ ،‬والله ما أقبلوا‬
‫بوجوههم علي بحديثم ول وسعوا لي‪ ،‬فانصرفت ورحت إلى بني عبد الرحمن‪ ،‬فلما رأوني أقبلوا بوجوههم علي وحيوا ورحبوا‬
‫وسهلوا ووسعوا ورفعوني إلى حيث لم أكن أجلس وأقبلوا علي بوجوههم يحدثونني‪ ،‬وقالوا‪ :‬لعلك خشعت للذي لحقك‪ ،‬أما والله‬
‫لقد علم الناس أنك مظلوم‪ ،‬وظلموا مروان في فعله‪ ،‬ورأوا أنه قد أساء وأخطأ في شأنك‪ ،‬وقالوا‪ :‬ما ضرك ذلك ول نقصك ول‬
‫‪:‬زادك إل خيرا‪ ،‬ولم يزالوا حتى بسطوني‪ ،‬فقلت أمدحهم وأذم بني مطيع‬
‫حرام الدهن للرجل الحـرام‬ ‫لقد حرمت ود بني مـطـيع‬
‫متينا من حبال بني هـشـام‬ ‫وإن جنف الزمان مددت حبل‬
‫إذا ما اغبر عيدان الـلـئام ما وقع له مع إمرأته بسبب سكره‬ ‫رطيب عودهـم أبـدا وريق‬
‫وقال أبو عمرو في خبره‪ :‬كان عبد الرحم بن سيحان ينادم الوليد بن عثمان على الشراب فيبيت عنده خوفا من أن يظهر وهو‬
‫‪:‬سكران فيحد‪ ،‬فقالت له امرأته‪ :‬قد صرت ل تبيت في منزلك وأظنك قد تزوجت‪ ،‬وإل فما مبيتك عن أهلك فقال لها‬
‫ل قائل قاذفا خلقا بـبـهـتـان‬ ‫ل تعدميني نديما مـاجـدا أنـفـا‬
‫تنفي القذى عن جبين غير خزيان‬ ‫أغر راووقـه مـلن صـافـية‬
‫عذراء أو سبئت من أرض بيسان‬ ‫سبيئة من قرى بيروت صـافـية‬
‫كما تمايل وسنـان بـوسـنـان حثه ابن عمه على شرب الخمر‬ ‫إنا لنشربها حتـى تـمـيل بـنـا‬

‫صفحة ‪192 :‬‬


‫أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن عاصم بن الحدثان قال‪ :‬كان ابن سيحان صاحب‬
‫شراب‪ ،‬فدخل على ابن عم له يقال له الحارث بن سريع فوجده يشرب نبيذ زبيب‪ ،‬فجعل يعظه ويأمره بشرب الخمر‪ ،‬وقال له‪:‬‬
‫يابن سريع‪ ،‬إن كنت تشربه على أن نبيذ الزبيب حلل فإنك أحمق‪ ،‬وإن كنت تشربه على أنه حرام تستغفر الله منه وتنوي‬
‫‪:‬التوبة فاشرب أجوده فإن الوزر واحد‪ ،‬ثم قال‬
‫وخذها سلفا حية مزة الطـعـم‬ ‫دع ابن سريع شرب ما مات مـرة‬
‫إذا حرمت قراؤنا حلب الـكـرم‬ ‫تدعك على ملك ابن ساسان قـادرا‬
‫على مزة صفراء راووقها يهمي‬ ‫فشتان بين الحي والميت فاعـتـزم‬
‫بنيه وعمي جاوز الله عن عمـي‬ ‫فإن سريعا كان أوصى بحـبـهـا‬
‫عليها إلى أن غاب تالية النـجـم‬ ‫ويا رب يوم قد شهدت بنـي أبـي‬
‫تدار عليهم بالصغير وبالضـخـم‬ ‫حسوها صلة العصر والشمس حية‬
‫مشعشعة كالنجم توصف بالوهـم أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد‬ ‫فماتوا وعاشوا والمدامة بـينـهـم‬
‫عن أبيه عن عاصم بن الحدثان قال‪ :‬كان ابن سيحان حليف حرب بن أمية ينادم الوليد بن عقبة بن أبي معيط‪ ،‬ويشرب معه‬
‫‪:‬الخمر‪ ،‬وهو القائل‬
‫حتى يروح كريما ناعم الـبـال‬ ‫إصبح نديمك من صهباء صافـية‬
‫واختل فإنك من قوم أولى خـال‬ ‫واشرب هديت أبا وهب مجاهرة‬
‫أيدي الرجال بما تحويه من مال‬ ‫أنت الجواد أبا وهب إذا جمـدت‬
‫عنسا تعاقب تخـويدا بـإرقـال‬ ‫لول رجاؤك قد شمرت مرتحـل‬
‫حتى حميت من العداء أوصالي‬ ‫لما تواصوا بقتلي قمت معتزمـا‬
‫والبعدون حظوا منه بإفضـال شعره في الوليد وقد حماه من أخواله‬ ‫عم الوليد بمعروف عـشـيرتـه‬
‫قال‪ :‬وكان ابن سيحان قد ضرب رجل من أخواله بالسيف فقطع يده ولم تقم عليه بينة‪ ،‬فتآمر به القوم ومنع منه ابن خال له‬
‫منهم؛ وخاف الوليد بن عقبة أن يرجع إلى المدينة هاربا منهم وخوفا من جنايته عليهم فيفارقه وينقطع عنه‪ ،‬فدعاهم وأرضاهم‬
‫وأعطاهم دية صاحبهم‪ .‬فلم يزل عند الوليد حتى عزل وهو نديمه وصفيه‪ .‬وهو القائل في الوليد ‪ -‬وفيه غناء ‪ :-‬صوت‬

‫حتى هويت صريعا بين أصحابي في الغناء‪ :‬بات الكريم يعاطيني‬ ‫‪.‬بات الوليد يعاطيني مشعـشـعة‬

‫وما أنهنه من حسو وتشـراب‬ ‫ل أستطيع نهوضا إن هممت به‬


‫وليت أسحب نحو الفوم أثوابـي‬ ‫حتى إذا الصبح لحت لي جوانبه‬
‫صحت قوائمه من بعد أوصاب ويروى‬ ‫‪:‬كأنني من حميا كأسـه جـمـل‬
‫كأنني من حميا كأسه ظلع الغناء ليحيى المكي ‪ -‬وروي‪ :‬ضلع ‪ -‬خفيف ثقيل بالبنصر عن الهشامي وبذل‪ :‬قالت بذل‪ :‬وفيه لحن‬
‫‪.‬آخر ليحيى‪ ،‬ولم تذكر طريقته‬
‫خبره مع سعيد بن العاص‬
‫أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني أبو فهيرة قال‪ :‬دخل عبد الرحمن بن أرطاة على سعيد بن العاص‬
‫‪:‬وهو أمير المدينة؛ فقال له‪ :‬ألست القائل‬
‫كما تمايل وسنان بوسنان فقال له عبد الرحمن‪ :‬معاذ الله أن أشربها وأنعتها‪ ،‬ولكني‬ ‫إنا لنشربها حتى تميل بنا‬
‫‪:‬الذي أقول‬
‫ولم تلقني كالنسر في ملتقـى جـدب‬ ‫سموت بحلفي للطـوال مـن الـذرى‬
‫ودب كما يمشي الحسير من النقـب‬ ‫إذا ما حليف القوم أقعـى مـكـانـه‬
‫إذا أنا راخى لي خناقي بنـو حـرب وقام يجر مطرفه بين الصفين حتى‬ ‫وهصت الحصى ل أرهب الضيم قائما‬
‫خرج‪ .‬فأقبل عمرو بن سعيد على أبيه فقال‪ :‬لو أمرت بهذا الكب فضرب مائتي سوط كان خيرا له؛ فقال‪ :‬يا بني‪ ،‬أضربه وهو‬
‫حليف حرب بن أمية ومعاوية خليفة بالشأم إذا ل يرضى فلما حج معاوية لقيه بمنى‪ ،‬فقال‪ :‬إيه يا سعيد أمرك أحمقك بأن‬
‫تضرب حليفي مائتي سوط أما والله لو جلدته سوطا لجلدتك سوطين فقال له سعيد‪ :‬ولم ذاك? أو لم تجلد أنت حليفك عمر بن‬
‫‪:‬جبلة فقال له معاوية‪ :‬هو لحمي آكله ول أوكله‪ .‬قال‪ :‬وكان ابن سيحان قد قال‬

‫صفحة ‪193 :‬‬

‫ل قائل خالطا زورا ببهـتـان‬ ‫ل يعدمني نديمي ماجدا أنـفـا‬


‫كالمسك حفت بنسرين وريحان‬ ‫أمسي أعاطيه كأسا لذ مشربها‬
‫أو التي سبئت من أرض بيسان‬ ‫سبيئة من قرى بيروت صافـية‬
‫كما تمايل وسنان بـوسـنـان انقضت أخباره‬ ‫‪.‬إنا لنشربها حتى تمـيل بـنـا‬

‫أحد الصوات من المائة المختارة‬

‫من رواية علي بن يحيى‬

‫هجتما للرواح قلبا قريحـا‬ ‫يا خليلي هجرا كي تروحـا‬


‫تجداني بسر سعدى شحيحا‬ ‫إن تريغا لتعلما سر سعـدى‬
‫جمعت عفة ووجها صبيحا‬ ‫إن سعدى لمنية المتمـنـي‬
‫إن سعدى ترى الكلم ربيحا الشعر لبن ميادة‪ .‬والغناء لحنين‪ ،‬ولحنه المختار من‬ ‫كلمتني وذاك ما نلت منهـا‬
‫الثقيل الول بإطلق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق‪ .‬وذكر عمرو بن بانة أن فيه لدحمان لحنا من الثقيل الول بالبنصر‪،‬‬
‫‪.‬وأظنه هذا‪ ،‬وأن عمرا غلط في نسبته إلى دحمان‬

‫أخبار ابن ميادة ونسبه‬


‫نسبه‬
‫اسمه الرماح بن أبرد بن ثوبان بن سراقة بن حرملة‪ ،‬هكذا قال الزبير بن بكار في نسبه‪ .‬وقال ابن الكلبي‪ :‬ثوبان بن سراقة‬
‫بن سلمى بن ظالم ويقال سراقة بن قيس بن سلمى بن ظالم بن جذيمة بن يربوع بن غيظ بن مرة بن عوف بن سعد بن‬
‫‪.‬ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلن بن مضر‬
‫‪.‬كان يزعم أن أمه فارسية وأمه ميادة أم ولد بربرية‪ ،‬وروي أنها كانت صقلبية‪ .‬ويكنى أبا شرحبيل‪ ،‬وقيل بل يكنى أبا شراحيل‬
‫‪:‬وكان ابن ميادة يزعم أن أمه فارسية‪ ،‬وذكر ذلك في شعره فقال‬
‫وأمي حصان أخلصتها العاجم‬ ‫أنا ابن سلمى وجـدي ظـالـم‬
‫بأكرم من نيطت عليه التمـائم‬ ‫كذبه موسى بن سيار أن أمه ‪ <H6‬أليس غلم بين كسرى وظالـم‬
‫أخبرني بذلك الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني أبو مسلمة مرهوب بن سيد وأخبرني ‪</H6‬فارسية‬
‫الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني موسى بن زهير الفزاري قال أخبرني موسى بن سيار بن نجيح المزني قال‪ :‬أنشدني‬
‫‪:‬ابن ميادة أبياته التي يقول فيها‬
‫بأكرم من نيطت عليه التمائم فقلت له‪ :‬لقد أشحطت بدار العجوز وأبعدت بها‬ ‫أليس غلم بين كسرى وظالم‬
‫النجعة‪ ،‬فهل غربت يريد أنها صقلبية ومحلها بناحية المغرب فقال‪ :‬إي بأبي أنت‪ ،‬إنه من جاع انتجع‪ ،‬فدعها تسر في الناس فإنه‬
‫رد عليه ‪: <H6‬من يسمع يخل ‪ .‬قال الزبير قال ابن مسلمة‪ :‬ولما قال ابن ميادة هذه البيات قال الحكم الخضري يرد عليه‬
‫‪</H6‬الحكم الخضري فخره بأمه وهجاه‬
‫ول ولدتك المحصنات الكـرائم‬ ‫وما لك فيهم من أب ذي دسيعة‬
‫من الدهر يوما تستربك المقاسم‬ ‫وما أنت إل عبدهم إن تربـهـم‬
‫بحوقاء تسقيها العروق الثواجم قال أبو مسلمة‪ :‬ونهبل عبد لبني مرة كانت‬ ‫رمى نهبل في فرج أمك رمية‬
‫ميادة تزوجته بعد سيدها‪ ،‬وكانت صقلبية‪ .‬وابن ميادة شاعر فصيح مقدم مخضرم من شعراء الدولتين‪ .‬وجعله ابن سلم في‬
‫‪.‬الطبقة السابعة‪ ،‬وقرن به عمر بن لجأ والعجيف العقيلي والعجير السلولي‬
‫أخبرني علي بن سليمان الخفش قال حدثنا ‪ </H6‬على الهجو ‪</H6 <H6‬كان يتعرض للمهاجاة ويقول لمه اصبري ‪<H6‬‬
‫الحسن بن الحسين السكري قال حدثنا محمد بن حبيب عن ابن العرابي قال‪ :‬كان ابن ميادة عريضا للشر‪ ،‬طالبا مهاجاة‬
‫‪:‬الشعراء ومسابة الناس‪ .‬وكان يضرب بيده على جنب أمه ويقول‬
‫‪.‬اعرنزمي مياد للقوافي أي إني سأهجو الناس فيهجونك‬
‫‪:‬وأخبرنا يحيى بن علي عن أبي هفان بهذه الحكاية مثله‪ ،‬وزاد فيها‬
‫واستسمعيهن ولتخافي‬ ‫اعرنزمي مياد للقوافي‬
‫‪</H6‬استنشد امرأة أمام أمه ما هجيت به ‪ <H6‬ستجدين ابنك ذا قذاف‬

‫صفحة ‪194 :‬‬

‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا داود بن علفة السدي قال‪ :‬جاورة امرأة من الخضر‪ :‬رهط‬
‫الحكم الخضري أبيات ابن ميادة‪ ،‬فجاءت ذات يوم تطلب رحى وثفال لتطحن‪ ،‬فأعاروها إياهما فقال لها ابن ميادة‪ :‬يا أخت‬
‫‪:‬الخضر‪ ،‬أتروين شيئا مما قاله الحكم الخضري لنا‪ ،‬يريد بذلك أن تسمع أمه‪ ،‬فجعلت تأبى‪ ،‬فلم يزل حتى أنشدته‬
‫ببظرك حتى عاد أثلم بـالـيا قال‪ :‬وميادة جالسة تسمع‪ .‬فضحك الرماح‪،‬‬ ‫أمياد قد أفسدت سيف ابن ظالم‬
‫وثارت ميادة إليها بالعمود تضربها به وتقول‪ :‬أي زانية هيا زانية أإياي تعنين وقام ابن ميادة يخلصها‪ ،‬فبعد لي ما أنقذها‪ ،‬وقد‬
‫‪.‬انتزعت منها الرحى والثفال‬
‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني أبو حرملة منظور ‪</H6‬إنشاده شماطيط هجاء أمه ‪<H6‬‬
‫‪:‬بن أبي عدي الفزاري قال حدثني شماطيط ‪ -‬وهو الذي يقول‬
‫متى أنبه للغداء أنتـبـه‬ ‫أنا شماطيط الذي حدثت به‬
‫‪:‬حتى يقال شره ولست به ‪ -‬قال‪ :‬كنت جالسا مع ابن ميادة فوردت عليه أبيات للحكم الخضري يقول فيها‬
‫إلى اللؤم مقلت لئيم جنينها ‪ -‬أشبانية‪ :‬صقلبية ‪ -‬قال‪ :‬وأمه ميادة تسمع فضرب‬ ‫أأنت ابن أشبانية أدلجت بـه‬
‫‪:‬جنبها وقال‬
‫‪:‬اعرنزمي مياد للقوافي فقالت‪ :‬هذه جنايتك يابن من خبث وشر‪ ،‬وأهوت إلى عصا تريد ضربه بها؛ ففر منها وهو يقول‬
‫يا صدقها ولم تكن صدوقا فصحت به‪ :‬أيهما المعني? فقال‪ :‬أضرعهما خدين وألمهما جدين؛ فضربت جنبها الخر وقلت‪ :‬فهي‬
‫‪.‬إذا ميادة‪ ،‬وخرجت أعدو في أثر الرماح‪ ،‬وتبعتنا ترمينا بالحجارة وتفتري علينا حتى فتناها‬
‫أمه ميادة وقصة تزوجها أبرد أخبرني يحيى بن علي بن يحيى قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال حدثني أبو داود الفزاري‪:‬‬
‫أن ميادة كانت أمة لرجل من كلب زوجة لعبد له يقال له نهبل‪ ،‬فاشتراها بنو ثوبان بن سراقة فأقبلوا بها من الشأم‪ ،‬فلما قدموا‬
‫وصبحوا بها المليحة وهي ماءة لبني سلمى ورحل بن ظالم بن جذيمة نظر رجل من بني سلمى إليها وهي ناعسة تمايل على‬
‫بعيرها‪ ،‬فقال‪ :‬ما هذه? قالوا‪ :‬اشتراها بنو ثوبان؛ فقال‪ :‬وأبيكم إنها لميادة تميد وتميل على بعيرها‪ ،‬فغلب عليها ميادة ‪ .‬وكان‬
‫أبرد ضلة من الضلل ورثة من الرثث جلفا ل تخلص إحدى يديه من الخرى‪ ،‬يرعى على إخوته وأهله‪ ،‬وكانت إخوته كلهم ظرفاء‬
‫غيره‪ .‬فأرسلوا ميادة ترعى البل معه فوقع عليها‪ ،‬فلم يشعروا بها إل قد أقعسها بطنها‪ ،‬فقالوا لها‪ :‬لمن ما في بطنك‪ .‬قالت‪:‬‬
‫لبرد‪ ،‬وسألوه فجعل يسكت ول يجيبهم‪ ،‬حتى رمت بالرماح فرأوا غلما فدغما نجيبا‪ ،‬فأقر به أبرد‪ .‬وقالت بنو سلمى‪ :‬ويلكم يا‬
‫بني ثوبان ابتطنوه فلعله ينجب؛ فقالوا‪ :‬والله ما له غير ميادة‪ ،‬فبنوا لها بيتا وأقعدوها فيه‪ ،‬فجاءت بعد الرماح بثوبان وخليل‬
‫وبشير بني أبرد‪ ،‬وكانت أول نسائه وآخرهن‪ ،‬وكانت امرأة صدق‪ ،‬ما رميت بشيء ول سبت إل بنهبل‪ .‬قال عبد الرحمن بن جهيم‬
‫‪:‬السدي في هجائه ابن ميادة‬
‫لبئس شباب المرء كان شبابها‬ ‫لعمري لئن شابت حليلة نهبل‬
‫أبوه أم المري تب تبابـهـا هجا بني مازن فرد عليه رجل منهم قال أبو داود‪:‬‬ ‫ولم تدر حمراء العجان أنهبل‬
‫وكان ابن ميادة هجا بني مازن وفزارة بن ذبيان‪ ،‬وذلك أنهم ظلموا بني الصارد ‪ -‬والصارد من مرة ‪ -‬فأخذوا مالهم وغلبوهم عليه‬
‫‪:‬حتى الساعة؛ فقال ابن ميادة‬
‫خيل مقلصة الحصى ورجال‬ ‫فلوردن على جماعة مـازن‬
‫شجر تخطاه الربيع فـحـال فقال رجل من بني مازن يرد عليه‬ ‫‪:‬ظلوا بذي أرك كأن رءوسهم‬
‫هل جمعت كما زعمت رجال‬ ‫يابن الخبيثة يابن طلة نهـبـل‬
‫أم بالفساة تنـازل البـطـال‬ ‫أببظر ميدة أم بخصيي نهـبـل‬
‫تبغي القتال لتلـقـين قـتـال قال‪ :‬وبنو مرة يسمون الفساة لكثرة امتيارهم‬ ‫ولئن وردت على جماعة مازن‬
‫التمر‪ ،‬وكانت منازلهم بين فدك وخيبر فلقبوا بذلك لكلهم التمر‪ .‬وقال يحيى بن علي في خبره ‪ -‬ولم يذكره عن أحد ‪ :-‬وقال‬
‫ابن ميادة يفتخر بأمه‪ :‬شعره في الفخر بنسبه‬
‫صلت الجبين حسن مركبي‬ ‫أنا ابن ميادة تهوي نجبـي‬

‫صفحة ‪195 :‬‬

‫فوق السحاب ودوين الكوكب قال يحيى بن علي في خبره عن حماد عن أبيه عن‬ ‫ترفعني أمي وينمينـي أبـي‬
‫‪:‬أبي داود الفزاري‪ :‬إن ابن ميادة قال يفخر بنسب أبيه في العرب ونسب أمه في العجم‬
‫بأكرم من نيطت عليه التمائم‬ ‫أليس غلم بين كسرى وظالم‬
‫وجئت بجدي ظالم وابن ظالم‬ ‫لو أن جميع الناس كانوا بتلعة‬
‫سجودا على أقدامنا بالجماجم سمع الفرزدق شيئا من شعره فانتحله‬ ‫لظلت رقاب الناس خاضعة لنا‬
‫‪:‬فأخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا أبو غسان دماذ عن أبي عبيدة قال‪ :‬كان ابن ميادة واقفا في الموسم ينشد‬
‫لو أن جميع الناس كانوا بتلعة وذكر تمام البيت والذي بعده‪ .‬قال‪ :‬والفرزدق واقف عليه في جماعة وهو متلثم‪ ،‬فلما سمع‬
‫هذين البيتين أقبل عليه ثم قال‪ :‬أنت يابن أبرد صاحب هذه الصفة كذبت والله وكذب من سمع ذلك منك فلم يكذبك؛ فأقبل‬
‫‪:‬عليه فقال‪ :‬فمه يا أبا فراس؛ فقال‪ :‬أنا والله أولى بهما منك‪ ،‬ثم أقبل على روايته فقال‪ :‬اضممهما إليك‬
‫وجئت بجدي دارم وابن دارم‬ ‫لو أن جميع الناس كانوا بتلعة‬
‫سجودا على أقدامنا بالجماجم قال‪ :‬فأطرق ابن ميادة فما أجابه بحرف‪،‬‬ ‫لظلت رقاب الناس خاضعة لنا‬
‫‪.‬ومضى الفرزدق فانتحلهما‬
‫كان له أخوان شاعران‬
‫وقد أتاهم الشعر من قبل جدهم زهير‬
‫أم بني ثوبان ‪ -‬وهو أبرد أبو ابن ميادة والعوثبان وقريض وناعضة‪ ،‬وكان العوثبان وقريض شاعرين ‪ -‬أمهم جميعا سلمى بنت‬
‫‪.‬كعب بن زهير بن أبي سلمى‬
‫مهاجاته لعقبة بن كعب بن زهير ويقال‪ :‬إن الشعر أتى ابن ميادة عن أعمامه من قبل جدهم زهير‪ .‬قال إسحاق في خبره هذا‪:‬‬
‫وحدثني حميد بن الحارث أن عقبة بن كعب بن زهير نزل المليحة على بني سلمى بن ظالم فأكلوا له بعيرا‪ ،‬وبلغ ابن ميادة أن‬
‫‪:‬عقبة قال في ذلك شعرا‪ ،‬فقال ابن ميادة يرد عليه‬
‫لول قرابة نسوة بالحاجـر‬ ‫ولقد حلفت برب مكة صادقا‬
‫ترد المناهل من كلم عائر وهي قصيدة؛ فقال له عقبة‬ ‫‪:‬لكسوت عقبة كسوة مشهورة‬
‫وذكر الخال ينقص أو يزيد‬ ‫ألوما أنني أصبحـت خـال‬
‫عليهم مسحة وهم العبـيد فقال ابن ميادة‬ ‫‪:‬لقد قلدت من سلمى رجال‬
‫فأنت الخال تنقص ل تزيد‬ ‫أن تك خالنا فقبحت خـال‬
‫ويوما أنت محتدك العبـيد‬ ‫فيوما في مزينة أنت حـر‬
‫ويؤكل ماله العبد الطريد أوصاف ابن ميادة‬ ‫أحق الناس أن يلقى هوانا‬
‫قال إسحاق فحدثني عجرمة قال‪ :‬كان ابن ميادة أحمر سبطا عظيم الخلق طويل اللحية‪ ،‬وكان لباسا عطرا‪ ،‬ما دنوت من رجل‬
‫‪.‬كان أطيب عرفا منه‬
‫مقارنة بينه وبين النابغة‬
‫قال إسحاق‪ :‬وحدثني أبو داود قال‪ :‬سمعت شيخا عالما من غطفان يقول‪ :‬كان الرماح أشعر غطفان في الجاهلية والسلم‪،‬‬
‫‪.‬وكان خيرا لقومه من النابغة‪ ،‬لم يمدح غير قريش وقيس‪ ،‬وكان النابغة إنما يهذي باليمن مضلل حتى مات‬
‫هو كثير السقط في شعره‬
‫قال إسحاق‪ :‬وحدثني أبو داود أن بني ذبيان تزعم أن الرماح بن ميادة كان آخر الشعراء‪ .‬قال إسحاق‪ :‬وحدثني أبو صالح‬
‫الفزاري أن القاسم بن جندب الفزاري‪ ،‬وكان عالما‪ ،‬قال لبن ميادة‪ :‬والله لو أصلحت شعرك لذكرت به‪ ،‬فإني لراه كثير‬
‫‪.‬السقط؛ فقال له ابن ميادة‪ :‬يابن جندب‪ ،‬إنما الشعر كنبل في جفيرك ترمى به الغرض‪ ،‬فطالع وواقع وعاصد وقاصد‬
‫كان زمن هشام وبقي إلى خلفة المنصور‬
‫أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال‪ :‬كان ابن ميادة حديث العهد لم يدرك زمان قتيبة بن مسلم‪،‬‬
‫ول دخل فيمن عناه حين قال‪ :‬أشعر قيس الملقبون من بني عامر والمنسوبون إلى أمهاتهم من غطفان ‪ ،‬ولكنه شاعر مجيد‬
‫‪.‬كان في أيام هشام بن عبد الملك وبقي إلى زمن المنصور‬
‫مدح بني أمية وبني هاشم‬
‫أخبرنا يحيى بن علي قال‪ :‬كان ابن ميادة فصيحا يحتج بشعره‪ ،‬وقد مدح بني أمية وبني هاشم‪ :‬مدح من بني أمية الوليد بن‬
‫‪.‬يزيد وعبد الواحد بن سليمان‪ ،‬ومدح من بني هاشم المنصور وجعفر بن سليمان‬
‫علم أنه شاعر حين وافق الحطيئة‬

‫صفحة ‪196 :‬‬

‫في بيت قاله‬


‫وأخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا الرياشي عن الصمعي قال أخبرني طماح ابن أخي الرماح ابن ميادة قال‪ :‬قال‬
‫‪:‬لي عمي الرماح‪ :‬ما علمت أني شاعر حتى واطأت الحطيئة‪ ،‬فإنه قال‬
‫تمشى به ظلمـانـه وجـآذره فوالله ما سمعته ول رويته فواطأته بطبعي‬ ‫عفا مسحلن من سليمى فحامره‬
‫‪:‬فقلت‬
‫تمشى به ظلمـانـه وجـآذره فلما أنشدتها قيل لي‪ :‬قد قال الحطيئة‬ ‫‪:‬فذو العش والممدور أصبح قاويا‬
‫‪.‬تمشى به ظلمانه وجآذره فعلمت أني شاعر حينئذ‬
‫كان ينسب بأم جحدر وشعره فيها‬
‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني موسى بن زهير بن مضرس قال‪ :‬كان الرماح بن أبرد‬
‫المعروف بابن ميادة ينسب بأم جحدر بنت حسان المرية إحدى نساء بني جذيمة‪ ،‬فحلف أبوها ليخرجنها إلى رجل من غير‬
‫عشيرته ول يزوجها بنجد؛ فقدم عليه رجل من الشأم فزوجه إياها؛ فلقي عليها ابن ميادة شدة‪ ،‬فرأيته وما لقي عليها‪ ،‬فأتاها‬
‫نساؤها ينظرن إليها عند خروج الشأمي بها‪ .‬قال‪ :‬فوالله ما ذكرن منها جمال بارعا ول حسنا مشهورا‪ ،‬ولكنها كانت أكسب‬
‫‪:‬الناس لعجب‪ .‬فلما خرج بها زوجها إلى بلده اندفع ابن ميادة يقول‬
‫سبيل فأما الصبر عنها فل صبرا‬ ‫أل ليت شعري هل إلى أم جحدر‬
‫وأغلق بوابان من دونها قصـرا‬ ‫إذا نزلت بصرى تراخى مزارها‬
‫برياك تعروري بها جرعا عفرا قال الزبير‪ :‬وزادني عمي مصعب فيها‬ ‫‪:‬فهل تأتيني الريح تدرج موهـنـا‬
‫إلي لقد أوجبت في عنقي نـذرا‬ ‫فلو كان نذر مدنـيا أم جـحـدر‬
‫كفى بذرا العلم من دوننا سترا‬ ‫أل ل تلطي الستر يا أم جحـدر‬
‫نأيت لقد أبليت في طلب عـذرا‬ ‫لعمري لئن أمسيت يا أم جحـدر‬
‫بغانية بهرا لهم بعدهـا بـهـرا قال الزبير‪ :‬بهرا ها هنا‪ :‬يدعو عليهم أن ينزل بهم‬ ‫فبهرا لقومي إذ يبيعون مهجتـي‬
‫من المور ما يبهرهم‪ ،‬كما تقول‪ :‬جدعا وعقرا‪ .‬وفي أول هذه القصيدة ‪ -‬على ما رواه يحيى بن علي عن حماد بن إسحاق عن‬
‫‪:‬أبيه عن حميد بن الحارث ‪ -‬يقول‬
‫عليك بأدمى والهوى يرجع الذكرا‬ ‫أل ل تعدلي لوعة مثل لوعـتـي‬
‫كأن ردائي مشعل دونه جـمـرا زاوج أم جحدر وما قاله في ذلك قال حميد‬ ‫عشية ألوي بالرداء على الحـشـا‬
‫‪.‬بن الحارث‪ :‬وأم جحدر امرأة من بني رحل بن ظالم بن جذيمة بن يربوع بن غيظ بن مرة‬
‫أخبرني يحيى بن علي قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه وأخبرني الحرمي بن أبي العلء عن الزبير عن موهوب بن رشيد عن‬
‫جبر بن رباط النعامي‪ :‬أن أم جحدر كانت امرأة من بني مرة ثم من بني رحل‪ ،‬وأن أباها بلغه مصير ابن ميادة إليها‪ ،‬فحلف‬
‫ليزوجنها رجل من غير ذلك البلد‪ ،‬فزوجها رجل من أهل الشأم فاهتداها وخرج بها إلى الشأم‪ ،‬فتبعها ابن ميادة‪ ،‬حتى أدركه أهل‬
‫‪:‬بيته فردوه مصمتا ل يتكلم من الوجد بها؛ فقال قصيدة أولها‬
‫رسائل منا ل تـزيدكـمـا وقـرا‬ ‫خليلي من أبنـاء عـذرة بـلـغـا‬
‫فإن لدى تيماء من ركبهـا خـبـرا‬ ‫ألما على تيماء نـسـأل يهـودهـا‬
‫عليه فسل عن ذاك نيان فالغـمـرا‬ ‫وبالغمر قد جازت وجاز مطـيهـا‬
‫وأهلك روضات ببطن اللوى خضرا قصة عشقه لها‬ ‫ويا ليت شعري هل يحلن أهـلـهـا‬

‫صفحة ‪197 :‬‬

‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثني أبو سعيد يعني عبد الله بن شبيب قال حدثني أبو العالية الحسن بن مالك‬
‫وأخبرني به الخفش عن ثعلب عن عبد الله بن شبيب عن أبي العالية الحسن بن مالك الرياحي العذري قال حدثني عمر بن‬
‫وهب العبسي قال حدثني زياد بن عثمان الغطفاني من بني عبد الله بن غطفان قال‪ :‬كنا بباب بعض ولة المدينة فغرضنا من‬
‫طول الثواء‪ ،‬فإذا أعرابي يقول‪ :‬يا معشر العرب‪ ،‬أما منكم رجل يأتيني أعلله إذ غرضنا من هذا المكان فأخبره عن أم جحدر‬
‫وعني? فجئت إليه فقلت‪ :‬من أنت? فقال‪ :‬أنا الرماح بن أبرد‪ ،‬قلت‪ :‬فأخبرني ببدء أمركما؛ قال‪ :‬كانت أم جحدر من عشيرتي‬
‫فأعجبتني‪ ،‬وكانت بيني وبينها خلة‪ ،‬ثم إني عتبت عليها في شيء بلغني عنها‪ ،‬فأتيتها فقلت‪ :‬يا أم جحدر إن الوصل عليك مردود؛‬
‫فقالت‪ :‬ما قضى الله فهو خير‪ .‬فلبثت على تلك الحال سنة‪ ،‬وذهبت بهم نجعة فتباعدوا‪ ،‬واشتقت إليها شوقا شديدا‪ ،‬فقلت‬
‫لمرأة أخ لي‪ :‬والله لئن دنت دارنا من أم جحدر لتينها ولطلبن إليها أن ترد الوصل بيني وبينها‪ ،‬ولئن ردته ل نقضته أبدا‪ ،‬ولم‬
‫يكن يومان حتى رجعوا‪ ،‬فلما أصبحت غدوت عليهم فإذا أنا ببيتين نازلين إلى سند أبرق طويل‪ ،‬وإذا امرأتان جالستان في كساء‬
‫واحد بين البيتين‪ ،‬فجئت فسلمت‪ ،‬فردت إحداهما ولم ترد الخرى‪ ،‬فقالت‪ :‬ما جاء بك يا رماح إلينا? ما كنا حسبنا إل أنه قد‬
‫انقطع ما بيننا وبينك؛ فقلت‪ :‬إني جعلت علي نذرا لئن دنت بأم جحدر دار لتينها ولطلبن منها أن ترد الوصل بيني وبينها‪ ،‬ولئن‬
‫هي فعلت ل نقضته أبدا وإذا التي تكلمني امرأة أخيها وإذا الساكتة أم جحدر؛ فقالت امرأة أخيها‪ :‬فادخل مقدم البيت فدخلت‪،‬‬
‫وجاءت فدخلت من مؤخره فدنت قليل‪ ،‬ثم إذا هي قد برزت‪ ،‬فساعة برزت جاء غراب فنعب على رأس البرق فنظرت إليه‬
‫وشهقت وتغير وجهها؛ فقلت‪ :‬ما شأنك? قالت‪ :‬ل شيء‪ ،‬قلت‪ :‬بالله إل أخبرتني؛ قالت‪ :‬أرى هذا الغراب يخبرني أنا ل نجتمع بعد‬
‫هذا اليوم إل ببلد غير هذا البلد‪ ،‬فتقبضت نفسي‪ ،‬ثم قلت‪ :‬جارية والله ما هي في بيت عيافة ول قيافة‪ ،‬فأقمت عندها‪ ،‬ثم‬
‫تروحت إلى أهلي فمكنت عندهم يومين‪ ،‬ثم أصبحت غاديا إليها‪ ،‬فقالت لي امرأة أخيها‪ :‬ويحك يا رماح أين تذهب? فقلت‪:‬‬
‫إليكم؛ فقالت‪ :‬وما تريد? قد والله زوجت أم جحدر البارحة‪ ،‬فقلت‪ :‬بمن ويحك? قالت‪ :‬برجل من أهل الشأم من أهل بيتها‪،‬‬
‫جاءهم من الشأم فخطبها فزوجها وقد حملت إليه‪ ،‬فمضيت إليهم فإذا هو قد ضرب سرادقات‪ ،‬فجلست إليه فأنشدته وحدثته‬
‫‪:‬وعدت إليه أياما‪ ،‬ثم إنه احتملها فذهب بها فقلت‬
‫علينا وبعض المنين تـصـيب‬ ‫أجارتنا إن الخطـوب تـنـوب‬
‫ولكن مقيم ما أقـام عـسـيب‬ ‫أجارتنا لست الـغـداة بـبـارح‬
‫صبور على ريب الزمان صليب قال علي بن الحسين‪ :‬هذه البيات الثلثة أغار‬ ‫فإن تسأليني هل صبرت فإننـي‬
‫‪:‬عليها ابن ميادة فأخذها بأعيانها‪ ،‬أما البيتان الولن فهما لمرىء القيس قالهما لما احتضر بأنقرة في بيت واحد وهو‬
‫وإني مقيم ما أقام عسيب والبيت الثالث لشاعر من شعراء الجاهلية‪ ،‬وتمثل به‬ ‫أجارتنا إن الخطوب تنوب‬
‫أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في رسالة كتب بها إلى أخيه عقيل بن أبي طالب‪ ،‬فنقله ابن ميادة نقل‪ .‬ونرجع إلى باقي‬
‫‪:‬شعر ابن ميادة‬
‫ظباء وطير بالفراق نـعـوب‬ ‫جرى بانبتات الحبل من أم جحدر‬
‫لها الطير قبلي واللبيب لبـيب‬ ‫نظرت فلم أعتف وعافت فبينت‬
‫جميعـين إل أن يلـم غـريب‬ ‫فقالت حرام أن نرى بعد هـذه‬
‫تقطع من وجد عليه قـلـوب رحل إلى الشأم لرؤيتها فردته‬ ‫أجارتنا صبرا فيا رب هـالـك‬

‫صفحة ‪198 :‬‬

‫قال‪ :‬ثم انحدرت في طلبها‪ ،‬وطمعت في كلمتها‪ :‬إل أن نجتمع في بلد غير هذا البلد ‪ .‬قال‪ :‬فجئت فدرت الشأم زمانا‬
‫فتلقاني زوجها فقال‪ :‬مالك ل تغسل ثيابك هذه أرسل بها إلى الدار تغسل‪ ،‬فأرسلت بها؛ ثم إني وقفت أنتظر خروج الجارية‬
‫بالثياب‪ ،‬فقالت أم جحدر لجاريتها‪ :‬إذا جاء فاعلميني؛ فلما جئت إذا أم جحدر وراء الباب فقالت‪ :‬ويحك يا رماح قد كنت أحسب‬
‫أن لك عقل أما ترى أمرا قد حيل دونه وطابت أنفسنا عنه? انصرف إلى عشيرتك فإني أستحي لك من هذا المقام؛ فانصرفت‬
‫وأنا أقول‪ :‬صوت‬

‫ويجمعنا من نخلـتـين طـريق‬ ‫عسى إن حججنا أن نرى أم جحدر‬


‫حديث مسـر دون كـل رفـيق في هذين البيتين لحن من الثقيل الثاني ذكر‬ ‫وتصطك أعضاد المطي وبينـنـا‬
‫‪ -:‬الهشامي أنه للحجبي شعره فيها وقال حين خرج إلى الشأم ‪ -‬هذه رواية ابن شبيب‬
‫وربعا بذي الممدور مستعجما قفرا‬ ‫أل حييا رسما بذي العش مقـفـرا‬
‫إذا ما أتيت الدار ترجعني صفـرا‬ ‫فأعجب دار دارهـا غـير أنـنـي‬
‫كأن الحشى من دون أشعرت جمرا‬ ‫عشية أثني بالرداء على الحـشـى‬
‫عداد الثريا صادفـت لـيلة بـدرا‬ ‫يميل بنا شحط النوى ثم نلـتـقـي‬
‫فأسقى الغوادي بطن نيان فالغمـرا‬ ‫وبالغمر قد جازت وجاز مطـيهـا‬
‫رسائل مني ل تزيدكـمـا وقـرا‬ ‫خليلي من غيظ بن مـرة بـلـغـا‬
‫سبيل‪ ،‬فأما الصبر عنها فل صبرا‬ ‫أل ليت شعري هل إلى أم جحـدر‬
‫علي لقد أوذمت في عنقـي نـذرا‬ ‫فإن يك نذر راجـعـا أم جـحـدر‬
‫لسمع منها وهي نـازحة ذكـرا‬ ‫وإني لستنشي الحديث من أجلـهـا‬
‫إذا غدر الخلن أنوي لهـا غـدرا أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد عن‬ ‫وإني لستحيى مـن الـلـه أن أرى‬
‫‪:‬أبيه قال أنشدني أبو داود لبن ميادة وهو يضحك منذ أنشدني إلى أن سكت‬
‫ليالي بالمـمـدور غـير كـثـير‬ ‫ألم تـر أن الـصـاردية جـاورت‬
‫بسهمين من كحل دعت بهـجـير‬ ‫ثلثا فلـمـا أن أصـابـت فـؤاده‬
‫كأن على ذفراه نـضـخ عـبـير‬ ‫بأصهب يرمي للـزمـام بـرأسـه‬
‫جلء غـنـى ل جـلء فـقـير‬ ‫جلت إذ جلت عن أهل نجد حمـيدة‬
‫عذيرك مـن ذي شـيبة وعـذيري‬ ‫وقالت وما زادت على أن تبسمـت‬
‫لقلبي بسهم فـي الـيدين طـرير‬ ‫عدمت الهوى ما يبرح الدهر مقصدا‬
‫فقد هم قلبي بعـدهـا بـنـشـور قال‪ :‬فقلت‪ :‬وما أضحكك? فقال‪ :‬كذب ابن‬ ‫وقد كان قلبي مات للـوجـد مـوتة‬
‫ميادة‪ ،‬والله ما جلت إل على حمار وهو يذكر بعيرا ويصفه وأنها جلت جلء غنى ل جلء فقير‪ ،‬فأنطقه الشيطان بهذا كله كما‬
‫‪.‬سمعت‬
‫أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني موسى بن زهير قال‪ :‬مكثت أم جحدر عند زوجها زمانا ثم مات زوجها‬
‫‪ .‬عنها ومات ولدها منه‪ ،‬فقدمت نجدا على إخوتها وقد مات أبوها‬
‫آخر عهده بها‬

‫صفحة ‪199 :‬‬

‫أخبرني سيار بن نجيح المزني قال‪ :‬لقيت ابن ميادة وهو يبكي فقلت له‪ :‬ويحك مالك? قال‪ :‬أخرجتني أم جحدر وآلت يمينا أل‬
‫تكلمني‪ ،‬فانطلق فاشفع لي عندها؛ فخرجت حتى غشيت رواق بيتها فوجدتها وهي تدمك جريرا لها بين الصلية والمدق تريد أن‬
‫تخطم به بعيرا تحج عليه؛ فقالت‪ :‬إن كنت جئت شفيعا لبن ميادة فبيتي حرام عليك أن تلقي فيه قدمك‪ .‬قال‪ :‬فحجت‪ ،‬ول والله‬
‫ما كلمته ول رآها ول رأته‪ .‬قال موسى قال سيار‪ :‬فقلت له‪ :‬اذكر لي يوما ما رأيته منها؛ فقال لي‪ :‬أما والله لخبرنك يا سيار‬
‫بذلك‪ :‬بعثت إليها عجوزا منهم فقلت‪ :‬هل ترين من رجال? فقالت‪ :‬ل والله‪ ،‬ما رأيت من رجل؛ فألقيت رحلي على ناقتي ثم‬
‫أرسلتها حتى أنختها بين أطناب بيتهم؛ ثم جعلت أقيد الناقة‪ ،‬فما كان إل ذاك حتى دخلت وقد ألقت لي فراشا مرقوما مطموما‪،‬‬
‫وطرحت لي وسادتين على عجز الفراش وأخريين على مقدمه؛ قال‪ :‬ثم تحدثنا ساعة وكأنما تلعقني بحديثها الرب من حلوته‪،‬‬
‫ثم إذا هي تصب في عس مخصوب بالحناء والزعفران من ألبان اللقاح‪ ،‬فأخذت منها ذلك العس وكأنه قناة فراوحته بين يدي‪،‬‬
‫ما ألقمته فمي ول دريت أنه معي حتى قالت لي عجوز‪ :‬أل تصلي يابن ميادة ل صلى الله عليك فقد أظلك صدر النهار ول‬
‫‪.‬أحسب إل أنني في أول البكرة؛ قال‪ :‬فكان ذلك اليوم آخر يوم كلمتها فيه حتى زوجها أبوها‪ ،‬وهو أظرف ما كان بيني وبينها‬
‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني حكم بن طلحة الفزاري ثم المنظوري قال‪ :‬قال ابن ميادة‪:‬‬
‫إني لعلم أقصر يوم مر بي من الدهر‪ ،‬قيل له‪ :‬وأي يوم هو يا أبا الشرحبيل? قال‪ :‬يوم جئت فيه أم جحدر باكرا فجلست بفناء‬
‫بيتها فدعت لي بعس من لبن فأتيت به وهي تحدثني‪ ،‬فوضعته على يدي وكرهت أن أقطع حديثها إن شربت‪ ،‬فما زال القدح‬
‫‪.‬على راحتي وأنا أنظر إليها حتى فاتتني صلة الظهر وما شربت‬
‫‪:‬قال الزبير‪ :‬وحدثني أبو مسلمة موهوب بن رشيد بمثل هذا‪ ،‬وزاد في خبره‪ :‬وقال ابن ميادة فيها أيضا‬
‫ليالي بالمـمـدور غـير كـثـير‬ ‫ألم تـر أن الـصـاردية جـاورت‬
‫بسهمين من كحل دعت بهـجـير‬ ‫ثلثا فلـمـا أن أصـابـت فـؤاده‬
‫كأن على ذفراه نـضـخ عـبـير‬ ‫بأحمر ذيال الـعـسـيب مـفـرج‬
‫زفيف القطا يقطعن بطن هـبـير‬ ‫حلفت برب الراقصات إلى مـنـى‬
‫عل في سواد الرأس نبـذ قـتـير‬ ‫لقد كان حب الصاردية بـعـدمـا‬
‫على ما مضى من نعمة وعصور‬ ‫يكون سفاهـا أو يكـون ضـمـانة‬
‫لقلبي بسهم في الـفـؤاد طـرير‬ ‫عدمت الهوى ل يبرح الدهر مقصدا‬
‫فقد هم قلبي بعـدهـا بـنـشـور‬ ‫وقد كان قلبي مات للحـب مـوتة‬
‫جلء غـنـى ل جـلء فـقـير ومما يغنى فيه من أشعار ابن ميادة في‬ ‫جلت إذ جلت عن أهل نجد حمـيدة‬
‫النسيب بأم جحدر قوله ‪ :‬صوت‬

‫وعين قذى إنسانها أم جحدر‬ ‫أل يا لقومي للهوى والتذكـر‬


‫ول كضلوع فوقه لم تكسـر الغناء لسحاق ثقيل أول بالوسطى‬ ‫‪.‬فلم تر عيني مثل قلبي لم يطر‬
‫سيار يروي خبر جاريته‬
‫أخبرنا الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا حكيم بن طلحة الفزاري عن رجل من كلب قال‪ :‬جنيت جناية‬
‫فغرمت فيها‪ ،‬فنهضت إلى أخوالي بني مرة فاستعنتهم فأعانوني‪ ،‬فأتيت سيار بن نجيح أحد بني سلمى بن ظالم فأعانني‪ ،‬ثم‬
‫قال‪ :‬انهض بنا إلى الرماح بن أبرد ‪ -‬يعني ابن ميادة ‪ -‬حتى يعينك‪ ،‬فدفعنا إلى بيتين له‪ ،‬فسألنا عنه فقيل‪ :‬ذهب أمس؛ فقال‬
‫سيار‪ :‬ذهب إلى أمة لبني سهيل‪ ،‬فخرجنا في طلبه فوقعنا عليه في قرارة بيضاء بين حرتين‪ ،‬وفي القرارة غنم من الضأن سود‬
‫وبيض‪ ،‬وإذا حمار مقيد مع الغنم وإذا به معها‪ ،‬فجلسنا فإذا شابة حلوة صفراء في دراعة مورسة‪ ،‬فسلمنا وجلسنا؛ فقال‪:‬‬
‫‪:‬أنشديهم مما قلت فيك شيئا؛ فأنشدتنا‬
‫لعلم ل ألقاك مـن دون قـابـل‬ ‫يمنونني منك الـلـقـاء وإنـنـي‬
‫غياية حبيك انجلء الـمـخـايل‬ ‫إلى ذاك ما حارت أمورك وانجلت‬
‫بحيث التقى الغلن من ذي أرائل‬ ‫إذا حل أهلي بالجناب وأهـلـهـا‬
‫صفحة ‪200 :‬‬

‫تقطع منها بـاقـيات الـحـبـائل‬ ‫أقل خلة بانت وأدبـر وصـلـهـا‬


‫ورفع العادي كل حق وبـاطـل‬ ‫وحالت شهور الصيف بين وبينـهـا‬
‫علي بلوم مثل طعن الـمـعـابـل‬ ‫أقول لعـذالـي لـمـا تـقـابـل‬
‫مصلصلة من بعض تلك الصلصل‬ ‫ل تكثرا عنها الـسـؤال فـإنـهـا‬
‫وليست من السود القصار الحـوائل‬ ‫من الصفر ل ورهاء سمج دللهـا‬
‫وردت عليها بالضحى والصـائل ثم قال لها‪ :‬قومي فاطرحي عنك دراعتك‪،‬‬ ‫ولكنها ريحانة طـاب نـشـرهـا‬
‫فقالت‪ :‬ل حتى يقول ليس سيار بن نجيح ذلك‪ ،‬فأبى سيار؛ فقال له ابن ميادة‪ :‬لئن لم تفعل لفضيت حاجتكما‪ ،‬فقال لها فقامت‬
‫‪.‬فطرحتها‪ ،‬فما رأيت أحلى منها‪ .‬فقال له سيار ‪ :‬فما لك يا أبا الشرحبيل ل تشتريها? فقال‪ :‬إذا يفسد حبها‬
‫ابن ميادة وصخر بن الجعد الخضري‬
‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير قال حدثتني مغيرة بنت أبي عدي بن عبد الجبار بن منظور بن زبان ابن سيار‬
‫‪:‬الفزارية قالت أخبرني أبي قال‪ :‬جمعني وابن ميادة وصخر بن الجعد الخضري‪ ،‬مجلس‪ ،‬فأنشدنا ابن ميادة قوله‬
‫لعلم ل ألقاك من دون قابل فأقبل عليه صخر فقال له‪ :‬المحب المكب يرجو‬ ‫يمنونني منك اللقاء وإنـنـي‬
‫‪:‬الفائت ويغم الطير‪ ،‬وأراك حسن العزاء يا أبا الشرحبيل؛ فأعرض عنه ابن ميادة‪ .‬قال أبو عدي فقلت‬
‫بهضـبة تـرده وتـدفـعـه ‪ -‬ويروي‪ :‬درء السيل سيل ‪ -‬فقال لي‪ :‬يا أبا عدي‪،‬‬ ‫صادف درء السيل سيل يردعه‬
‫‪:‬والله ل أتلطخ بالخضر مرتين وقد قال أخو عذرة‬
‫وكان سباب الحر أقصى مدى العبد قال الزبير‪ :‬قوله يغم الطير يقول‪ :‬إذا‬ ‫هو العبد أقصى همه أن تـسـبـه‬
‫‪.‬رأى طيرا لم يزجرها مخافة أن يقع ما يكره‬
‫قال‪ :‬فلم يحر إليه صخر بن الجعد جوابا‪ .‬يعني بقوله‪ :‬ل أتلطخ بالخضر مرتين مهاجاته الحكم الخضري‪ ،‬وكانا تهاجيا زمانا ثم‬
‫‪.‬كف ابن ميادة وسأله الصلح فصالحه الحكم‬
‫ابن ميادة والحكم الخضري أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني أبو مسلمة موهوب بن رشيد‬
‫عن عبد الرحمن بن الحول التغلبي ثم الخولني قال‪ :‬كان أول ما بدأ الهجاء بين ابن ميادة وحكم بن معمر الخضري أن ابن‬
‫‪:‬ميادة مر بالحكم بن معمر وهو ينشد في مصلى النبي صلى الله عليه وسلم في جماعة من الناس قوله‬
‫بين الكناس وبين برق محجر حتى انتهى إلى قوله‬ ‫‪:‬لمن الديار كأنها لم تعـمـر‬
‫نضح الصراد به فهضب المنحر‬ ‫يا صاحبي ألم تشـيمـا بـارقـا‬
‫نهض المقيد في الدهاس الموقر فقال له ابن ميادة‪ :‬ارفع إلي راسك أيها‬ ‫قد بت أرقبه وبات مـصـعـدا‬
‫المنشد‪ ،‬فرفع حكم إليه رأسه؛ فقال له‪ :‬من أنت? قال‪ :‬أنا حكم بن معمر الخضري؛ قال‪ :‬فوالله ما أنت في بيت حسب‪ ،‬ول‬
‫في أرومة شعر؛ فقال له حكم‪ :‬وماذا عبت من شعري? قال‪ :‬عبت أنك أدهست وأوقرت؛ قال له حكم‪ :‬ومن أنت? قال أنا ابن‬
‫ميادة‪ ،‬قال‪ :‬ويحك فلم رغبت عن أبيك وانتسبت إلى أمك? قبح الله والدين خيرهما ميادة‪ ،‬أما والله لو وجدت في أبيك خيرا ما‬
‫انتسبت إلى أمك راعية الضأن‪ .‬وأما إدهاسي وإبقاري فإني لم آت خيبر إل ممتارا ل متحامل‪ ،‬وما عدوت أن حكيت حالك وحال‬
‫‪.‬قومك‪ ،‬فلو كنت سكت عن هذا لكان خيرا لك وأبقى عليك‪ .‬فلم يفترقا إل عن هجاء‬
‫أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا عبد الله بن إبراهيم الجمحي قال حدثني عمير بن ضمرة الخضري قال‪ :‬أول ما‬
‫هاج الهجاء بين ابن ميادة وبين حكم بن معمر بن قنبر بن جحاش بن سلمة بن ثعلبة بن مالك بن طريف بن محارب ‪ -‬قال‪:‬‬
‫والخضر ولد مالك بن طريف‪ ،‬سموا بذلك لن مالكا كان شديد الدمة‪ ،‬وكذلك خرج ولده فسموا الخضر ‪ -‬أن حكما نزل بسمير‬
‫بن سلمة بن عوسجة بن أنس بن يزيد بن معاوية بن ساعدة بن عمرو وهو خصيلة بن مرة‪ .‬فأقبل ابن ميادة إلى حكم ليعرض‬
‫عليه شعره وليسمع من شعره‪ ،‬وكان حكم أسنهما‪ ،‬فأنشدا جميعا جماعة القوم‪ ،‬ثم قال ابن ميادة‪ :‬والله لقد أعجبني بيتان‬
‫‪:‬قلتهما يا حكم؛ قال‪ :‬أو ما أعجبك من شعري إل بيتان فقال‬

‫صفحة ‪201 :‬‬

‫‪:‬والله لقد أعجباني‪ ،‬يردد ذلك مرارا ل يزيده عليه؛ فقال له حكم‪ :‬فأي بيتين هما? قال‪ :‬حين تساهم بين ثوبيها وتقول‬
‫وحسنا على النسوان أم ليس لي عقل‬ ‫فوالـلـه مـا أدري أزيدت مـلحة‬
‫وفي المرط لفاوان ردفهما عـبـل فقال له حكم‪ :‬أو ما أعجبك غير هذين‬ ‫تساهم ثوباها فـفـي الـدرع غـادة‬
‫البيتين? فقال له ابن ميادة‪ :‬قد أعجباني‪ ،‬فقال‪ :‬أو ما في شعري ما أعجبك غيرهما? فقال‪ :‬لقد أعجباني؛ فقال له حكم‪ :‬فإني‬
‫‪:‬سوف أعيب عليك قولك‬
‫وجيد أعالي شعبه وأسافـلـه فاستسقيت لعله وأسفله وتركت وسطه وهو‬ ‫ول برح الممدور ريان مخصبا‬
‫‪:‬خير موضع فيه؛ فقال‪ :‬وأي شيء تريد تركته ل يزال ريان مخصبا‪ .‬وتهاترا فغضب حكم فارتحل ناقته وهدر ثم قال‬
‫‪:‬فإنه يوم قريض ورجز فقال رجل من بني مرة لبن ميادة‪ :‬اهدركما هدر يا رماح‪ ،‬فقال‪ :‬إنما يغط البكر‪ .‬ثم قال الرماح‬
‫من كان منكم ناكزا فقد نكز‬ ‫فإنه يوم قـريض ورجـز‬
‫وبين الطرف النجيب فبرز قال الزبير‪ :‬يريد بقوله ناكزا‪ :‬غائضا قد نزف‪ .‬قال الزبير‪ :‬وسمعت رجل من أهل البادية ينزع على‬
‫‪:‬إبل له كثيرة من قليب ويرتجز‬
‫أو يكن البحر لها حليفـا أم جحدر وهجاء الحكم وعملس لها‬ ‫قد نكزت أن لم تكن خسيفا‬
‫قال الزبير قال الجمحي قال عمير بن ضمرة‪ :‬فهذا أول ما هاج التهاجي بينهما‪ .‬قال الزبي قال الجمحي‪ :‬وحدثني عبد الرحمن‬
‫بن ضبعان المحاربي قال‪ :‬كان ابن ميادة وحكم الخضري وعملس بن عقيل بن علفة متجاورين متحالين‪ ،‬وكانوا جميعا يتحدثون‬
‫إلى أم جحدر بنت حسان المرية‪ ،‬وكانت أمها مولة‪ ،‬ففضلت ابن ميادة على الحكم وعملس فغضبا‪ .‬وكان ابن ميادة قال في أم‬
‫‪:‬جحدر‬
‫سبيل فأما الصبر عنها فل صبـرا‬ ‫أل ليت شعري هل إلى أم جـحـدر‬
‫وأهلك روضات ببطن اللوى خضرا وقال فيها أيضا‬ ‫‪ :‬ويا ليت شعري هل يحلن أهـلـهـا‬
‫طنافسها ولينها العين الخـزرا البيات؛ فقال عملس بن عقيل وحكم‬ ‫إذا ركدت شمس النهار ووضعت‬
‫‪ -:‬الخضري يهجوانها ‪ -‬وهي تنسب إلى حكم‬
‫ول لقيت إل الكلليب والجمـرا‬ ‫ل عوفيت في قبرها أم جـحـدر‬
‫من الزاد إل حشو ريطاته صفرا‬ ‫كما حادثت عبدا لئيما وخـلـتـه‬
‫أكشك أو ذاقت مغابنك القـشـرا‬ ‫فيا ليت شعري هل رأت أم جحدر‬
‫قفا أم رماح إذا ما استقت دفـرا‬ ‫وهل أبصرت أرساغ أبرد أو رأت‬
‫عبيدا فسل عن ذاك نيان فالغمرا وقال عملس بن عقيل بن علفة ويقال‪:‬‬ ‫وبالغمر قد صرت لقاحا وحادثـت‬
‫‪:‬بل قالها علفة بن عقيل‬
‫يقصر بالمرماة من لم يكن صقرا وزاد يحيى بن علي مع هذا البيت عن حماد‬ ‫فل تضعا عنها الطنافـس إنـمـا‬
‫عن أبيه عن جرير بن رباط وأبي داود قال‪ :‬يعرض بقوله‪( :‬من لم يكن صقرا) بابن ميادة أي إنه هجين ليس من أبوين‬
‫‪:‬متشابهين كما الصقر‪ .‬وبعده بيت آخر من رواية يحيى ولم يروه الزبير معه‬
‫بنجد ولم يكشف هجين لها سترا قالوا جميعا‪ :‬فقال ابن ميادة يهجو علفة‬ ‫‪:‬منعمة لم تلق بؤسـا وشـفـوة‬
‫ولكنه بالـلـيل مـتـخـذ وكـرا‬ ‫أعلف إن الصقر لـيس بـمـدلـج‬
‫إذا الليل ألقى فوق خرطومه كسرا‬ ‫ومفترش بين الجناحين سـلـحـه‬
‫وليلة جحاف فأف لـه صـقـرا‬ ‫فإن يك صقرا بـعـد لـيلة أمـه‬
‫إذا هي خافت من مطيها نـفـرا‬ ‫تشد بكفـيهـا عـلـى جـذل أيره‬

‫صفحة ‪202 :‬‬

‫يريد أن أم علفة من بني أنمار‪ ،‬وكان أبوه عقيل بن علفة ضربها‪ ،‬فأرسلت إلى رجل من بني أنمار يقال له جحاف‪ ،‬فأتاها ليل‬
‫فاحتملها على جمل فذهب بها‪ .‬وقال يحيى بن علي خاصة في خبره عن حماد عن أبيه عن أبي داود‪ :‬إن جحاف بن إياد كان‬
‫رجل من بني قتال بن يربوع بن غيظ بن مرة‪ ،‬وكان يتحدث إلى امرأة عقيل بن علفة ‪ -‬وهي أم ابنه علفة بن عقيل ‪ -‬ويتهم بها‪،‬‬
‫وهي امرأة من بني أنمار بن بغيض بن ريث بن غطفان يقال لها سلفة‪ ،‬وكانت من أحسن الناس وجها‪ ،‬وكان عقيل من أغير‬
‫الناس‪ ،‬فربطها بين أربعة أوتاد ودهنها بإهالة‪ ،‬وجعلها في قرية نمل‪ ،‬فمر بها جحاف بن إياد ليل فسمع أنينها‪ ،‬فأتاها فاحتملها‬
‫حتى طرحها بفدك‪ ،‬فاستعدت واليها على عقيل‪ .‬وقال عقيل من جوف الليل فأوقد عشوة ونظرها فلم يجدها ووجد أثر جحاف‬
‫فعرفه وتبعه حتى صبح القرية‪ ،‬وخنس جحاف عنها؛ فأتى الوالي فقال‪ :‬إن هذه رأتني وقد كبرت سني وذهب بصري فاجترأت‬
‫علي‪ ،‬وكان عقيل رجل مهيبا فلم يعاقبه الوالي بما صنعه لموضعه من صهر بني مروان‪ .‬قال‪ :‬فعير ابن ميادة علفة بن عقيل‬
‫‪:‬بأمر جحاف هذا في قوله‬
‫وليلة جحاف فأف له صقرا قال‪ :‬ولج الهجاء بينهما‪ .‬وقال فيه ابن ميادة وفي‬ ‫فإن يك صقرا بعد ليلة أمـه‬
‫‪:‬حكم الخضري وقد عاون علفة‬
‫على مركب من نابيات المراكب وقال لعلفة‬ ‫‪:‬لقد ركب الخضري مني وتربـه‬
‫أأن شربت الحزر والحليبا‬ ‫يابن عقيل ل تكن كـذوبـا‬
‫جهل تجنيت لي الذنـوبـا قال‪ :‬ثم لم يلبثه ابن ميادة أن غلبه‪ ،‬وهاج التهاجي بينه‬ ‫من شول زيد وشممت الطيبا‬
‫وبين حكم الخضري‪ ،‬وانقطع عنه علفة مفضوحا‪ .‬قال‪ :‬وماتت أم جحدر التي كان ينسب بها ابن ميادة على تفيئة ما كان بينه‬
‫‪:‬وبين علفة من المهاجاة‪ ،‬ونعيت له فلم يصدق حتى أتاه رجل من بني رحل يقال له عمار فنعاها له؛ فقال‬
‫حتى نعاها لي الرحلي عـمـار وقال يرثيها‬ ‫‪:‬ما كنت أحسب أن القوم قد صدقوا‬
‫به غير بال من عضاه وحرمـل‬ ‫خلت شعب الممدور لست بواجـد‬
‫وماذا تمني من صدى تحت جندل‬ ‫تمنيت أن تلقي بـه أم جـحـدر‬
‫وللبخل خير من عناء مـطـول أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني‬ ‫فللموت خير مـن حـياة ذمـيمة‬
‫عبد الله بن إبراهيم عن ساعدة ابن مرمىء‪ ،‬وذكره إسحاق أيضا عن أصحابه‪ :‬أن ابن ميادة وحكما الخضري تواعدا المدينة‬
‫ليتواقفا بها‪ ،‬وجاء نفر من قريش ‪ -‬أمهاتهم من مرة ‪ -‬إلى ابن ميادة فمنعوه من مواقفة حكم‪ ،‬وقالوا‪ :‬أتتعرض له ولست بكفئه‬
‫فيشتم أمهاتنا وأخوالنا وخالتنا وهو رجل خبيث اللسان ‪ -‬قال‪ :‬وكان حكم يسجع سجعا كثيرا ‪ -‬فقال‪ :‬والله لئن واقفته لسجعن‬
‫به قبل المقارضة سجعا أفضحه به فلم يلقه‪ .‬وذكر الزبير له سجعا طويل غثا ل فائدة فيه‪ ،‬لنه ليس برجز منظوم ول كلم‬
‫فصيح ول مسجع سجعا مؤتلفا كائتلف القوافي‪ ،‬إل أن من أسلمه قوله‪ :‬والله لئن ساجعتني سجاعا‪ ،‬لتجدني شجاعا‪ ،‬للجار‬
‫مناعا‪ ،‬ولجدنك هياعا‪ ،‬للحسب مضياعا‪ ،‬ولئن باطشتك بطاشا‪ ،‬لدهشنك إدهاشا‪ ،‬ولدقن منك مشاشا‪ ،‬حتى يجيء بولك‬
‫‪:‬رشاشا‪ .‬وهذا من غث السجع ورذله‪ ،‬وإنما ذكرته ليستدل به على ما هو دونه مما ألغيت ذكره‪ .‬قال‪ :‬ورجز به فقال‬
‫وآخر اللؤم وأنـت أولـه‬ ‫يا معدن اللؤم وأنت جبلـه‬
‫كان إذا جارى أباك يفشله‬ ‫جاريت سباقا بعيدا مهـلـه‬
‫وأنت شر رجل وأنـذلـه‬ ‫فكيف ترجوه وكيف تأملـه‬
‫أدخله بيت المخازي مدخله‬ ‫ألمه في مأزق وأجهـلـه‬
‫ثوبا إذا أنهـجـه يبـدلـه فأجابه حكم‬ ‫‪:‬فاللؤم سربال له يسربـلـه‬
‫وتتبع الشول وكانت تمتصـر‬ ‫يابن التي جيرانها كانت تضـر‬
‫‪.‬كيف إذا مارست حرا تنتصر ولهما أراجيز كثيرة طويلة جدا أسقطتها لكثرتها وقلة فائدتها‬
‫الحكم ولقاء ابن ميادة وتهاجيهما‬
‫أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير عن عبد الله بن إبراهيم قال‪ :‬أخبرني بعض من لقيت من الخضر‪ :‬أن حكما الخضري خرج‬
‫‪:‬يريد لقاء ابن ميادة بالرقم من غير موعد فلم يلفه‪ ،‬إما لنه تغيب عنه وإما لنه لم يصادفه‪ ،‬فقال حكم‬

‫صفحة ‪203 :‬‬

‫بالصغر مثل العقد الـدهـم‬ ‫فر ابن ميادة الرقطاء من حكم‬


‫تفر مني وقد أصبحت بالرقم وقال إسحاق في روايته عن أصحابه‪ :‬قال ابن‬ ‫أصبحت في أقر تعلو أطاوله‬
‫‪:‬ميادة يهجو حكما وينسب بأم جحدر‬
‫لعلم ل ألقاك من دون قابل وقد مضى أكثر هذه البيات متقدما‪ ،‬فذكرت ها هنا‬ ‫يمنونني منك اللقاء وإنـنـي‬
‫‪:‬منها ما لم يمض وهو قوله‬
‫لنا بجديد مـن أولك الـبـدائل‬ ‫فيا ليت رث الوصل من أم جحدر‬
‫من الود إل مخفيات الـرسـائل‬ ‫ولم يبق مما كان بيني وبـينـهـا‬
‫رميت بحبيها كرمي المناضـل صوت‬ ‫وإني إذا استنبهت من حلو رقـدة‬
‫وأدمعها يذرين حشو المكاحل‬ ‫فما أنس م الشياء ل أنس قولها‬
‫رهين بأيام الدهور الطـاول الغناء في هذين البيتين لعلي بن يحيى المنجم‪،‬‬ ‫تمتع بذا اليوم القصير فـإنـه‬
‫‪.‬ولحنه من الثقيل الثاني‬

‫فأصبحت قد ودعت رمي الزوائل‬ ‫وكنت امرأ أرمي الزوائل مـرة‬


‫وعادت سهامي بين رث وناصل السرعان‪ :‬وتر يعمل من عقب المتن‪ ،‬وهو‬ ‫وعطلت قوس اللهو من سرعانها‬
‫‪.‬أطول العقب‬

‫ومرة نلت الشمس كاهلي يعني بدر بن عمرو بمن جؤية بن لوذان بن ثعلبة بن‬ ‫إذا حل بيتي بين بدر ومازن‬
‫‪.‬عدي بن فزارة بن ذبيان‪ ،‬ومرة بن عوف بن سعد بن ذبيان‪ ،‬ومرة بن فزارة‪ ،‬ومازن بن فزارة‪ .‬وهي طويلة‬
‫‪:‬قال أبو الفرج الصبهاني‪ :‬أخذ إسحاق الموصلي معنى بيت ابن ميادة في قوله‪ :‬نلت الشمس واشتد كاهلي فقال‬
‫يداي الثريا قاعدا غير قائم ولعمري لئن كان استعار معناه لقد اضطلع به وزاد‬ ‫عطست بأنف شامخ وتناولت‬
‫‪.‬فأحسن وأجاد‬
‫‪:‬وفي هذه القصيدة يقول‬
‫وغير بني مروان أهل الفضائل ضربه إبراهيم بن هشام لدعواه أنه فضل‬ ‫فضلنا قريشا غير رهط محمـد‬
‫قريشا‬
‫قال يحيى بن علي وأخبرني علي بن سليمان بن أيوب عن مصعب‪ ،‬وأخبرني به الحسن بن علي عن أحمد بن زهير عن‬
‫‪.‬مصعب قال‪ :‬قال إبراهيم بن هشام بن إسماعيل لبن ميادة‪ :‬أنت فضلت قريشا وجرده فضربه أسواطا‬
‫‪:‬أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير بن بكار قال‪ :‬لما قال ابن ميادة‬
‫وغير بني مروان أهل الفضائل قال له الوليد بن يزيد‪ :‬قدمت آل محمد قبلنا‪،‬‬ ‫فضلنا قريشا غير رهط محمـد‬
‫فقال‪ :‬ما كنت يا أمير المؤمنين أظنه يمكن غير ذلك‪ .‬فلما أفضت الخلفة إلى بني هاشم وفد ابن ميادة إلى المنصور ومدحه؛‬
‫‪.‬فقال له أبو جعفر لما دخل إليه‪ :‬كيف قال لك الوليد? فأخبره بما قال‪ ،‬فجعل المنصور يتعجب‬
‫ابن ميادة والحكم بعريجاء‬
‫أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد الله بن إبراهيم الجمحي قال‪ :‬حدثني العباس بن سمرة بن عباد بن شماخ‬
‫بن سمرة عن ريحان بن سويد الخضري‪ ،‬وكان رواية حكم بن معمر الخضري‪ ،‬قال‪ :‬تواعد حكم وابن ميادة عريجاء ‪ -‬وهي ماءة‬
‫‪ -‬يتواقفان عليها‪ ،‬فخرج كل واحد منهما في نفر من قومه‪ ،‬وأقبل صخر بن الجعد الخضري يؤم حكما‪ ،‬وهو يومئذ عدو لحكم لما‬
‫فرط بينهما من الهجاء في أركوب من بني مازن بن مالك بن طريف بن خلف بن محارب؛ فلما لقيه قال له‪ :‬يا حكم‪ ،‬أهؤلء‬
‫الذين عرضت للموت وهم وجوه قومك فوالله ما دماؤهم على بني مرة إل كدماء جداية‪ ،‬فعرف حكم أن قول صخر هو الحق‬
‫فرد قومه‪ ،‬وقال لصخر‪ :‬قد وعدني ابن ميادة أن يواقفني غدا بعريجاء لن أناشده‪ ،‬فقال له صخر‪ :‬أنا كثير البل ‪ -‬وكان حكم‬
‫مقل ‪ -‬فإذا وردت إبلي فارتجز‪ ،‬فإن القوم ل يشجعون عليك وأنت وحدك‪ ،‬فإن لقيت الرجل نحر وأطعم فانحر وأطعم وإن أتيت‬
‫على مالي كله‪ .‬قال ريحان راويته‪ :‬فورد يومئذ عريجاء وأنا معه فظل على عريجاء ولم يلق رماحا ولم يواف لموعده‪ ،‬وظل‬
‫ينشد يومئذ حتى أمسى‪ ،‬ثم صرف وجوه إبل صخر وردها‪ .‬وبلغ الخبر ابن ميادة وموافاة حكم لموعده‪ ،‬فأصبح على الماء وهو‬
‫‪:‬يرتجز ويقول‬
‫كل صفي ذات ناب منفظر توافيهما بحمى ضرية وصلحهما‬ ‫أنا ابن ميادة عقار الجـزر‬

‫صفحة ‪204 :‬‬

‫وظل على الماء فنحر وأطعم‪ .‬فلما بلغ حكما ما صنع ابن ميادة من نحره وإطعامه شق عليه مشقة شديدة‪ .‬ثم إنهما بعد‬
‫توافيا بحمى ضرية‪ .‬قال ريحان بن سويد‪ :‬وكان ذلك العام عام جدب وسنة إل بقية كلبضرية‪ .‬قال‪ :‬فسبقنا ابن ميادة يومئذ‬
‫فنزلنا على مولة لعكاشة بن مصعب بن الزبير ذات مال ومنزلة من السلطان‪ .‬قال‪ :‬وكان حكم كريما على الولة هناك يتقى‬
‫لسانه‪ .‬قال ريحان‪ :‬فبينا نحن عند المولة وقد حططنا براذع دوابنا إذا راكبان قد أقبل‪ ،‬وإذا نحن برماح وأخيه ثوبان ‪ -‬ولم يكن‬
‫لثوبان ضريب في الشجاعة والجمال ‪ -‬فأقبل يتسايران‪ ،‬فلما رآهما حكم عرفهما‪ ،‬فقال‪ :‬يا ريحان‪ ،‬هذان ابنا أبرد‪ ،‬فما رأيك?‬
‫أتكفيني ثوبان أم ل? قال‪ :‬فأقبل نحونا ورماح يتضاحك حتى قبض على يد حكم وقال‪ :‬مرحبا برجل سكت عنه ولم يسكت عني‪،‬‬
‫وأصبحت الغداة أطلب سلمه يسوقني الذئب والسنة‪ ،‬وأرجو أن أرعى الحمى بجاهه وبركته‪ ،‬ثم جلس إلى جنب حكم وجاء‬
‫ثوبان فقعد إلى جنبي‪ ،‬فقال له حكم‪ :‬أما ورب المرسلين يا رماح لول أبيات جعلت تعتصم بهن وترجع إليهن ‪ -‬يعني أبيات ابن‬
‫ظالم ‪ -‬لستوسقت كما استوسق من كان قبلك‪ .‬قال ريحان‪ :‬وأخذا في حديث أسمع بعضه ويخفى علي بعضه‪ ،‬فظللنا عند‬
‫المرأة وذبح لنا وهما في ذلك يتحادثان‪ ،‬مقبل كل واحد منهما على صاحبه ل ينظران شدنا‪ ،‬حتى كان العشاء فشددنا للرواح‬
‫نؤم أهلنا‪ ،‬فقال رماح لحكم‪ :‬يا أبا منيع ‪ -‬وكانت كنية حكم ‪ :-‬قد قضيت حاجتك وحاجة من طلبت له من هذا العامل‪ ،‬وإن لنا‬
‫إليه حاجة في أن يرعينا؛ فقال له حكم‪ :‬قد والله قضيت حاجتي منه وإني لكره الرجوع إليه‪ ،‬وما من حاجتك بد‪ ،‬ثم رجع معه‬
‫إلى العامل‪ ،‬فقال له بعد الحديث معه‪ :‬إن هذا الرجل من قد عرفت ما بيني وبينه‪ ،‬وقد سأل الصلح وأناب إليه‪ ،‬فأحببت أن‬
‫يكون ذلك على يدك وبمحضرك‪ .‬قال‪ :‬فدعا به عامل ضرية وقال‪ :‬هل لك حاجة غير ذلك? قال‪ :‬ل والله‪ ،‬ونسي حاجة رماح‪،‬‬
‫فأذكرته إياها‪ ،‬فرجع فطلبها واعتذر بالنسيان‪ .‬فقال العامل لبن ميادة‪ :‬ما حاجتك? فقال‪ :‬ترعيني عريجاء ل يعرض لي فيها أحد‪،‬‬
‫فأرعاه إياها‪ .‬فأقبل رماح على حكم فقال‪ :‬جزاك الله خيرا يا أبا منيع‪ ،‬فوالله لقد كان ورائي من قومي من يتمنى أن يرعى‬
‫عريجاء بنصف ماله‪ .‬قال فلما عزما على النصراف ودع كل واحد منهما صاحبه وانصرفا راضيين وانصرف ابن ميادة إلى قومه‬
‫‪:‬فوجد بعضهم قد ركب إلى ابن هشام فاستغضبه على حكم في قوله‬
‫من الدهر إل زاد لؤما جنينها فأطرده وأقسم‪ :‬لئن ظفر به ليسرجنه وليحملن عليه‬ ‫وما ولدت مـرية ذات لـيلة‬
‫أحدهم‪ .‬فقال رماح ‪ -‬وساءه ما صنعوا ‪ :-‬عمدتم إلى رجل قد صلح ما بيني وبينه وأرعيت بوجهه فاستعديتم عليه وجئتم بإطراده‬
‫‪.‬وبلغ الحكم الخبر فطار إلى الشأم فلم يبرحها حتى مات‬
‫قال العباس بن سمرة‪ :‬مات بالشأم غرقا‪ ،‬وكان ل يحسن العوم فمات في بعض أنهارها‪ .‬قال‪ :‬وهو وجهه الذي مدح فيه أسود‬
‫‪:‬بن بلل المحاربي ثم السوائي في قصيدته التي يقول فيها‬
‫حتى تناخ بأسـود بـن بـلل‬ ‫واستيقنت أن ل براح من السرى‬
‫سمت العيون إلى أشم طـوال مناقضات حكم وابن ميادة ولحكم الخضري وابن‬ ‫قرم إذا نزل الوفـود بـبـابـه‬
‫ميادة مناقضات كثيرة وأراجيز طوال طويت ذكر أكثرها وألغيته‪ ،‬وذكرت منها لمعا من جيد ما قاله لئل يخلو هذا الكتاب من‬
‫‪:‬ذكر بعض ما دار بينهما ول يستوعب سائره فيطول‪ .‬فما قاله حكم في ابن ميادة قوله‬
‫وقول لها سقيا لعصرك من عصر‬ ‫خليلي عوجا حييا الدار بالجـفـر‬
‫بها حرجف تذري بأذيالها الكـدر ومن جيد قوله فيها يفتخر‬ ‫‪:‬وماذا تحي من رسوم تـلعـبـت‬
‫وعيداننا تغشى على الورق الخضر‬ ‫إذا يبست عيدان قـوم وجـدتـنـا‬
‫بقرم يساوي راسه غـرة الـبـدر‬ ‫إذا الناس جاءوا بالقروم أتـيتـهـم‬
‫عليكم وأيام المكـارم والـفـخـر ومن جيد هجائه قوله‬ ‫‪:‬لنا الغور والنجاد والخيل والقـنـا‬
‫من اللؤم خلت يزدن على العشـر‬ ‫فيا مر قد أخزاك في كل مـوطـن‬
‫وبئس المحامي العبد عن حوزة الثغر‬ ‫فمنهن أن العبد حـامـي ذمـاركـم‬

‫صفحة ‪205 :‬‬

‫جواد ولم تأتوا حصانا على طـهـر‬ ‫ومنهن أن لم تمسحوا وجـه سـابـق‬
‫فيفسو على دفانه وهو في القـبـر‬ ‫ومنهن أن المـيت يدفـن مـنـكـم‬
‫بريئا فيلقى بـالـخـيانة والـغـدر‬ ‫ومنهن أن الجار يسكن وسـطـكـم‬
‫وبئس المحامي أنت يا ضرطة الجفر‬ ‫ومنهن أن عدتـم بـأرقـط كـودن‬
‫يدب إلى الجارات محدودب الظهـر‬ ‫ومنهن أن الشـيخ يوجـد مـنـكـم‬
‫وإن هي أمست دونها ساحل البحـر فأجابه ابن ميادة بقصيدة طويلة‪،‬‬ ‫تبيت ضباب الضغن تخشى احتراشها‬
‫‪:‬منها قوله مجيبا له عن هذه الخصال التي سبهم بها‬
‫وفازت بخلت على قومها عشـر‬ ‫لقد سبقت بالمخـزيات مـحـارب‬
‫لحق إذا ما احتيج يوما إلى العقـر‬ ‫فمنهن أن لم تـعـقـروا ذات ذروة‬
‫من الخيل يوما تحت جل على مهر‬ ‫ومنهن أن لم تمسـحـوا عـربـية‬
‫جماجم إل فيشل القرح الـحـمـر‬ ‫ومنهن أن لم تضربوا بسـيوفـكـم‬
‫كما قد علمتم ل تريش ول تبـري‬ ‫ومنهن أن كانت شيوخ مـحـارب‬
‫لكنتم عبيدا تخدمـون بـنـي وبـر‬ ‫ومنهن أخزى سوءة لو ذكـرتـهـا‬
‫إذا اخضر أطراف الثمام من القطر‬ ‫ومنهن أن الضأن كانت نـسـاءكـم‬
‫تريغ الصبا تحت الصفيح من القبر‬ ‫ومنهن أن كانت عجوز مـحـارب‬
‫لخبث ضاحي جلده حومة البـحـر ومما قاله ابن ميادة في حكم قوله من‬ ‫ومنهن أن لو كان في البحر بعضكم‬
‫‪:‬قصيدة أولها‬
‫بحيث التقت زبد الجناب وعينها ويقول فيها‬ ‫‪:‬أل حييا الطلل طالت سنينهـا‬
‫تغنت شياطيني وجن جنـونـهـا‬ ‫فلما أتاني ما تـقـول مـحـارب‬
‫إذا اجتمع القوام لونا يشـينـهـا‬ ‫ألم تر أن الله غشـى مـحـاربـا‬
‫طوابع لؤم ليس ينفت طـينـهـا‬ ‫ترى بوجوه الخضر خضر محارب‬
‫فضمناهم إنا كـذلـك نـدينـهـا‬ ‫لقد ساهمتناكم سـلـيم وعـامـر‬
‫وصارت لهم جسر وذاك ثمينهـا‬ ‫فصارت لنا أهل الضئين محـارب‬
‫تحرك قنباها فطار طحـينـهـا‬ ‫إذا أخذت خضرية قائم الـرحـى‬
‫من الدهر إل ازداد لؤما جنينهـا فقال حكم يجيبه عن هذه بقصيدته‬ ‫‪:‬وما حملت خـضـرية ذات لـيلة‬
‫إلى اللؤم مقلت لئيم جنـينـهـا‬ ‫لنت ابن أشبانـية أدلـجـت بـه‬
‫إذا صغا في خرقتيها جبـينـهـا‬ ‫فجاءت بـرواث كـأن جـبـينـه‬
‫من الدهر إل ازداد لؤما جنينـهـا‬ ‫فما حمـلـت مـرية قـط لـيلة‬
‫ول ذكرت إل بأمـر يشـينـهـا‬ ‫وما حملت إل للم مـن مـشـى‬
‫بها الدر ل درت بخير لبـونـهـا‬ ‫تزوج عثوان الضئين وتبـتـغـي‬
‫بشتمي وبعض القوم حمقى ظنونها‬ ‫أظنت بنو عثوان أن لست شاتـمـا‬
‫لحى مستهبات طوال قـرونـهـا قال الزبير‪ :‬فحدثني موهوب بن رشيد قال‪:‬‬ ‫مدانيس أبـرام كـأن لـحـاهـم‬
‫فسمع هذه القصيدة أحد بني قتال بن مرة فقال‪ :‬ما له أخزاه الله يهجو صبيتنا وهم أجفى قوم غضبا لصبيتهم وقد هجاهم بما‬
‫‪.‬هجاهم به‬
‫‪:‬قال‪ :‬وبلغ إبراهيم بن هشام قوله في نساء بني مرة إذ يقول‬
‫‪.‬وما حملت إل للم من مشى فغضب ثم نذر دمه فهرب من الحجاز إلى الشأم فمات بها‬
‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد الرحمن بن ضبعان الخضري قال‪ :‬لقي ابن ميادة صخر بن‬
‫الجعد الخضري فقال له‪ :‬يا صخر‪ ،‬أعنت علي ابن عمك الحكم بن معمر فقال له صخر‪ :‬ل والله يا أبا الشرحبيل ما أعنته عليك‪،‬‬
‫‪.‬ولكن خيل إليك ما كان يخيل إلي‪ ،‬ولقد هاجيته فكنت أظن أن شجر الوادي يعينه علي‬
‫ومن جيد قول ابن ميادة في حكم قصيدته التي أولها‪ :‬صوت‬

‫وأبكاك من عهد الشباب ملعبه‬ ‫لقد سبقتك اليوم عيناك سـبـقة‬


‫إذا جد جد البين أم أنا غالـبـه‬ ‫فوالله ما أدري أيغلبني الهـوى‬

‫صفحة ‪206 :‬‬

‫فمثل الذي لقيت يغلب صاحبـه ‪ -‬في هذه البيات غناء ينسب ‪ -‬يقول‬ ‫فإن أستطع أغلب وإن يغلب الهوى‬
‫‪:‬فيها في هجاء حكم‬
‫عن المجد لم يأذن لهم بعد حاجبه‬ ‫لقد طال حبس الوفد وفد محارب‬
‫لكم أبدا أو يحصي الترب حاسبه وهي قصيدة طويلة‪ :‬الوليد بن يزيد يفضله‬ ‫وقال لهم كروا فلـسـت بـآذن‬
‫على الشعراء‬
‫أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني جلل بن عبد العزيز المري ثم الصادري عن أبيه‪ - :‬قال جلل‪ :‬وقد رأيت ابن‬
‫ميادة في بيت أبي‪ ،‬قال‪ :‬قال لي ابن ميادة‪ :‬وصلت أنا والشعراء إلى الوليد بن يزيد وهو خليفة‪ .‬وكان مولى من موالي خرشة‬
‫يقال له شقران يعيب ابن ميادة ويحسده على مكانه من الوليد‪ ،‬فلما اجتمعت الشعراء قال الوليد بن يزيد لشقران‪ :‬يا شقران‪،‬‬
‫‪:‬ما علمك في ابن ميادة? قال علمي فيه يا أمير المؤمنين أنه‬
‫لئيم أتاه اللؤم من كل جانب فقال الوليد‪ :‬يابن ميادة‪ ،‬ما علمك في شقران? قال‪:‬‬ ‫لئيم يباري فيه أبرد نهبـل‬
‫علمي يا أمير المؤمنين أنه عبد لعجوز من خرشة كاتبته على أربعين درهما ووعدها ‪ -‬أو قال‪ :‬وعدته ‪ -‬أن تجيزه بعشرين درهما‬
‫فقبضته إياها‪ ،‬فأغنه عني يا أمير المؤمنين‪ ،‬فليس له أصل فاحتفره ول فرع فأهتصره‪ ،‬فقال له الوليد‪ :‬اجتنبه يا شقران فقد‬
‫أبلغ إليك في الشتيمة‪ ،‬فقصر شقران صاغرا‪ ،‬ثم أنشدته‪ ،‬فأقيمت الشعراء جميعا غيري‪ ،‬وأمر لي بمائة لقحة وفحلها وراعيها‬
‫‪:‬وجارية بكر وفرس عتيق فاختلت ذلك اليوم وقلت‬
‫كالنخل زين أعلى نبته الشرب ويروى‬ ‫‪:‬أعطيتني مائة صفرا مدامعهـا‬
‫كأنها النخل روى نبتها الشرب‬
‫مثل الغراب غذاه الصر والحلب‬ ‫يسوقها يافع جعد مفارقه‬
‫وهامة ذات فرق نابها صخـب ولم يذكر الزبير في خبره غير هذه البيات الثلثة‪،‬‬ ‫وذا سبيب صهيبـيا لـه عـرف‬
‫‪:‬وهي من قصيدة للرماح طويلة يمدح فيها الوليد بن يزيد‪ ،‬وقد أجاد فيها وأحسن؛ وذكرت من مختارها ها هنا طرفا‪ ،‬وأولها‬
‫سافي الرياح ومستن له طنب‬ ‫هل تعرف الدار بالعلياء غيرها‬
‫كأنها ظبية ترعى وتنتصـب المسائح‪ :‬ما بين الذن إلى الحاجب من الشعر‪ :‬تقف‬ ‫دار لبيضاء مسود مسائحـهـا‬
‫‪.‬إذا ارتاعت منتصبة تتوجس‬

‫فقلبها شفقا من حوله يجب يقول فيها‬ ‫‪:‬تحنو لكحل ألقته بمضيعة‬
‫وأملح الناس عينا حين تـنـتـقـب‬ ‫يا أطيب الناس ريقا بعد هجعتـهـا‬
‫ولست عند خلء اللهو أغتـصـب‬ ‫ليست تجود بنـيل حـين أسـألـهـا‬
‫على الضجيع وفي أنيابها شـنـب‬ ‫في مرفقيها إذا ما عونقـت جـمـم‬
‫مثل القناديل فيها الزيت والعطـب‬ ‫ولـيلة ذات أهـوال كـواكـبـهـا‬
‫إذا استوى مغفلت البيد والـحـدب‬ ‫قد جبتها جوب ذي المقراض ممطرة‬
‫إذا ترنم حاد خـلـفـهـا طـرب‬ ‫بعنتريس كأن الدبـر يلـسـعـهـا‬
‫ودونه المعط من لبنان والـكـثـب وبعد هذا البيت قوله‬ ‫‪:‬إلى الوليد أبي العباس ما عجـلـت‬
‫أعطيتني مائة صفرا مدامعها‪ ...‬الخ‬
‫نفحت لي نفحة طارت بها العـرب‬ ‫لما أتيتك من نجد وساكنه‬
‫كما اعتفى سنق يلقى له العـشـب السنق‪ :‬الذي قد شبع حتى بشم‪،‬‬ ‫إني امرؤ أعتفي الحاجات أطلبـهـا‬
‫‪.‬يقول‪ :‬أطلب الحاجة بغير حرص ول كلب‪ ،‬كما يعتفي هذا البعير البشم من غير شره ول شدة طلب‬

‫كما يلح بعظم الغـارب الـقـتـب‬ ‫ول ألح على الـخـلن أسـألـهـم‬
‫عن ماله حين يسترخي به اللـبـب‬ ‫ول أخـادع نـدمـانـي لخـدعـه‬
‫ثلثة كلهم بالتـاج مـعـتـصـب‬ ‫وأنت وابناك لم يوجد لـكـم مـثـل‬
‫شوس الحواجب والبصار إن غضبوا‬ ‫الطيبون إذا طـابـت نـفـوسـهـم‬
‫وادع الرواة إذا ما غب ما اجتلـبـوا‬ ‫قسني إلى شعراء النـاس كـلـهـم‬
‫فأحسنوه وما حابـوا ومـا كـذبـوا‬ ‫إنـي وإن قـال أقـوام مـديحـهـم‬

‫صفحة ‪207 :‬‬

‫عنانه حين يجري ليس يضطرب سبب الهجاء بينه وبين شقران‬ ‫أجري أمامهم جري امرىء فلج‬
‫أخبرني يحيى بن علي قال أخبرنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال أخبرني أبو الحسن ‪ -‬أظنه المدائني ‪ -‬قال أخبرني أبو صالح‬
‫الفزاري قال‪ :‬أقبل شقران مولى بني سلمان بن سعد هذيم أخي عذرة بن سعدا بن هذيم‪ ،‬قال‪ :‬وهذيم عبد حبشي كان حضن‬
‫سعدا فغلب عليه‪ ،‬وهو ابن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة من اليمامة ومعه تمر قد امتاره ‪ -‬فلقيه ابن‬
‫‪:‬ميادة فقال له‪ :‬ما هذا معك? قال‪ :‬تمر امترته لهلي يقال له‪ :‬زب رباح‪ ،‬فقال له ابن ميادة يمازحه‬
‫إذا أنت لم تقفل بزب رباح فقال له شقران‬ ‫‪:‬كأنك لم تقفل لهلك تمـرة‬
‫إلى نسوة سود الوجوه قباح فغضب ابن ميادة وأمضه وأنحى عليه بالسوط‬ ‫فإن كان هذا زبه فانطلق به‬
‫‪.‬فضربه ضربات وانصرف مغضبا؛ فكان ذلك سبب الهجاء بينهما‬
‫قال حماد عن أبيه وحدثني أبو علي الكلبي قال‪ :‬اجتمع ابن ميادة وشقران مولى بني سلمان عند الوليد بن يزيد‪ ،‬فقال ابن‬
‫‪:‬ميادة‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬أتجمع بيني وبين هذا العبد وليس بمثلي في حسبي ول نسبي ول لساني ول منصبي فقال شقران‬
‫هرقل وكسرى وما أراني مقصرا‬ ‫لعمري لئن كنت ابن شيخي عشيرتي‬
‫نزاها ابن أرض لم تجد متمـهـرا‬ ‫وما أتمنـى أن أكـون ابـن نـزوة‬
‫فجاءت بخوار إذا عض جرجـرا أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار‬ ‫على حائل تلوي الصرار بكـفـهـا‬
‫وأخبرنا يحيى بن علي عن أيوب المديني‪ ،‬عن زبير قال حدثني جلل بن عبد العزيز وقال يحيى بن خلد عن أبي أيوب ابن عبد‬
‫العزيز قال‪ :‬استأذن ابن ميادة على الوليد بن يزيد وعنده شقران مولى قضاعة فأدخله في صندوق وأذن لبن ميادة؛ فلما دخل‬
‫أجلسه على الصندوق واستنشده هجاء شقران فجعل ينشده‪ ،‬ثم أمر بفتح الصندوق فخرج عليه شقران وجعل يهدر كما يهدر‬
‫‪:‬الفحل ويقول‬
‫على حجر فينصت للكعـام‬ ‫سأكعم عن قضاعة كلب قيس‬
‫وما قيس بسائرة أمـامـي وقال أيضا وهو يسمع‬ ‫‪:‬أسير أمـام قـيس كـل يوم‬
‫بعضا ببلقعة يريد نضالـهـا‬ ‫إني إذا الشعراء لقى بعضهم‬
‫منه البكارة قطعت أبوالهـا‬ ‫وقفوا المرتجز الهدير إذا دنت‬
‫منها عنافق قد حلقت سبالها فقال له ابن ميادة‪ :‬يا أمير المؤمنين اكفف عني‬ ‫فتركتهم زمرا ترمز باللحـى‬
‫‪:‬هذا الذي ليس له أصل فأحفره‪ ،‬ول فرع فأهصره؛ فقال الوليد‪ :‬أشهد أنك قد جرجرت كما قا شقران‬
‫فجاءت بخوار إذا عض جرجرا تفاخره مع عقال بالشعر‬
‫قال يحيى في خبره‪ :‬واجتمع ابن ميادة وعقال بن هاشم بباب الوليد بن يزيد‪ ،‬وكان عقال شديد الرأي في اليمن‪ ،‬فغمز عقال‬
‫‪:‬ابن ميادة واعتله؛ فقال ابن ميادة‬
‫فأصبح فيه ذو الرواية يسـبـح‬ ‫فجرنا ينابيع الكـلم وبـحـره‬
‫وقول سواهم كلفة وتـمـلـح فقال عقال يجيبه‬ ‫‪:‬وما الشعر إل شعر قيس وخندف‬
‫بها خطل الرماح أو كان يمـزح‬ ‫أل أبلغ الرماح نقـض مـقـالة‬
‫طوال وشعر سائر لـيس يقـدح‬ ‫لئن كان في قيس وخندف ألسـن‬
‫بحور الكلم تستقى وهي تطفـح‬ ‫لقد خرق الحي اليمانون قبلـهـم‬
‫وهم أعربوا هذا الكلم وأوضحوا‬ ‫وهم علموا من بعدهم فتعلـمـوا‬
‫وليس لمخلوق عليهم تـبـجـح شعره في حنينه إلى وطنه‬ ‫فللسابقين الفضل ل يجـحـدونـه‬
‫وحوار الوليد إياه‬
‫أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا جلل بن عبد العزيز عن أبيه قال حدثني ابن ميادة قال‪ :‬قلت وأنا عند الوليد بن‬
‫‪ -:‬يزيد بأباين ‪ -‬وهو موضع كان الوليد ينزله في الربيع‬
‫لصوءر مشتاق وإن كنت مكرما‬ ‫لعمـرك إنـي نـازل بـأبـاين‬
‫إذا بات أصحابي من الليل نوما قال‪ :‬فقال لي الوليد‪ :‬يابن ميادة كأنك غرضت‬ ‫أبيت كأني أرمد العين سـاهـر‬
‫‪:‬من قربنا‪ ،‬فقلت‪ :‬ما مثلك يا أمير المؤمنين يغرض من قربه‪ ،‬ولكن‬

‫صفحة ‪208 :‬‬

‫بحرة ليلى حيث ربتـنـي أهـلـي‬ ‫أل ليت شعري هـل أبـيتـن لـيلة‬
‫تطالع من هجل خصيب إلى هجـل‬ ‫وهل أسمعن الدهر أصوات هجـمة‬
‫وقطعن عني حين أدركني عقـلـي‬ ‫بلد بها نيطت عـلـي تـمـائمـي‬
‫فأيسر علي الرزق واجمع إذا شملي فقال‪ :‬كم الهجمة? قلت‪ :‬مائة ناقة؛‬ ‫فإن كنت عن تلك المواطن حابسـي‬
‫فقال‪ :‬قد صدرت بها كلها عشراء‪ .‬قال ابن ميادة‪ :‬فذكرت ولدانا لي بنجد إذا استطعموا الله عز وجل أطعمهم وأنا‪ ،‬وإذا‬
‫استسقوه سقاهم الله وأنا‪ ،‬وإذا استكسوه كساهم الله وأنا‪ ،‬فقال‪ :‬يابن ميادة‪ ،‬وكم ولدانك? فقلت‪ :‬سبعة عشر‪ ،‬منهم عشرة‬
‫نفر وسبع نسوة‪ ،‬فذكرت ذلك منهم فأخذ بقلبي؛ فقال‪ :‬يابن ميادة‪ ،‬قد أطعمهم الله وأمير المؤمنين‪ ،‬وسقاهم الله وأمير‬
‫المؤمنين‪ ،‬وكساهم الله وأميرا لمؤمنين؛ أما النساء فأربع حلل مختلفات اللوان‪ ،‬وأما الرجال فثلث حلل مختلفات اللوان‪ ،‬وأما‬
‫السقي فل أرى مائه لقحة إل سترويهم‪ ،‬فإن لم تروهم زدتهم عينين من الحجاز؛ قلت‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬لسنا بأصحاب عيون‬
‫يأكلنا بها البعوض‪ ،‬وتأخذنا بها الحميات؛ قال‪ :‬فقد أخلفها الله عليك؛ كل عام لك فيه مثل ما أعطيتك العام‪ :‬مائة لقحة وفحلها‬
‫‪.‬وجارية بكر وفرس عتيق‬
‫عارض ابن القتال وانتحل بيتا من شعره‬
‫وأخبرنا يحيى بن علي قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال حدثني شداد بن عقبة عن عبد السلم ابن القتال قال‪ :‬عارضني‬
‫‪:‬ابن ميادة فقال‪ :‬أنشدني يابن التقال‪ ،‬فأنشدته‬
‫بصحراء ما بين التنوفة والرمل‬ ‫أل ليت شعري هل أبيتـن لـيلة‬
‫كما عسل السرحان بالبلد المحل‬ ‫وهل أزجرن العيس شاكية الوجى‬
‫تغني حمامات على فنن جـثـل‬ ‫وهل أسمعن الدهر صوت حمامة‬
‫على ثمد الفعاة حاضره أهلـي‬ ‫وهل أشربن الدهر مزن سحـابة‬
‫وقطعن عني حين أدركني عقلي قال‪ :‬فأتاني الرواة بهذا البيت وقد اصطرفه‬ ‫بلد بها نيطت علي تـمـائمـي‬
‫‪.‬ابن ميادة وحده‬
‫جازه الوليد إبل فأرادوا إبدالها فقال شعرا‬
‫أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني إسحاق بن إبراهيم قال حدثني رجل من كلب وأخبرني‬
‫يحيى بن علي بن يحيى عن حماد عن أبيه عن أبي علي الكلبي قال‪ :‬أمر الوليد بن يزيد لبن ميادة بمائة من البل من صدقات‬
‫‪:‬بني كلب‪ ،‬فلما أتى الحول أرادوا أن يبتاعوها له من الطرائد‪ ،‬وهي الغرائب‪ ،‬وأن يمسكوا التلد؛ فقال ابن ميادة‬
‫أرادوا في عطيتك ارتدادا‬ ‫ألم يبلغك أن الحي كلـبـا‬
‫وقد أعطيتها دهما جعادا فعلموا أن الشعر سبيلغ الوليد فيغضبه؛ فقالوا له‪ :‬انطلق‬ ‫وقالوا إنها صهب وورق‬
‫‪.‬فخذها صفرا جعادا‬
‫شعره في رثاء الوليد‬
‫‪:‬وقال يحيى بن علي في روايته‪ :‬لما قتل الوليد بن يزيد قال ابن ميادة يرثيه‬
‫غداة أصابه القدر المتاح‬ ‫أل يا لهفتي علـى ولـيد‬
‫وأسمحها إذا عد السمـاح‬ ‫أل ابكي الوليد فتى قريش‬
‫إذا ضنت بدرتها اللقـاح‬ ‫وأجبرها لذي عظم مهيض‬
‫وأمرا ما يسوغ به القراح قال يحيى‪ :‬وغنى فيه عمر الوادي ولم يذكر طريقة غنائه‬ ‫‪.‬لقد فعلت بنو مروان فعل‬
‫ابن ميادة وعثمان بن عمرو‬
‫ابن عثمان بن عفان‬
‫أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا محمد بن زهير بن مضرس الفزاري عن أبيه قال‪ :‬أخصب جناب الحجاز الشأمي‬
‫فمالت لذلك الخصب بنو فزارة وبنو مرة‪ ،‬فتحالوا جميعا به‪ .‬قال‪ :‬فبينا ذات يوم أنا وابن ميادة جالسان على قارعة الطريق‬
‫عشاء إذا راكبان يوجفان راحلتين حتى وقفا علينا‪ ،‬فإذا أحدهما بحر الريح وهو عثمان بن عمرو بن عثمان بن عفان معه مولى‬
‫له‪ ،‬فنسبنا وانتسب لنا‪ ،‬وقد كان ابن ميادة يعللني بشعره‪ ،‬فلما انقضى كلمنا مع القرشي وموله استعدت ابن ميادة ما كنا‬
‫‪:‬فيه‪ ،‬فأنشدني فخرا له يقول فيه‬
‫يتمارضون تمـارض السـد‬ ‫وعلى المليحة من جذيمة فتـية‬
‫يمشون في الحلقات والـقـد‬ ‫وترى الملوك الغتر تحت قبابهم‬

‫صفحة ‪209 :‬‬

‫قال‪ :‬فقال له القرشي‪ :‬كذبت؛ قال ابن ميادة‪ :‬أفي هذا وحده أنا والله في غيره أكذب؛ فقال له القرشي‪ :‬إن كنت تريد في‬
‫مديحك قريشا فقد كفرت بربك ودفعت قوله‪ ،‬ثم قرأ عليه‪ :‬ليلف قريش حتى أتى على آخرها‪ ،‬ونهض هو وموله وركبا‬
‫‪:‬راحلتيهما؛ فلما فاتا أبصارنا قال ابن ميادة‬
‫وغث قريش حيث كان سمين ابن ميادة وسنان بن جابر‬ ‫سمين قريش مانع منك نفسه‬
‫أخبرنا يحيى بن علي عن حماد عن أبيه عن أبي الحارث المري قال‪ :‬كان ابن ميادة قد هاجى سنان بن جابر أحد بني حميس‬
‫‪:‬بن عامر بن جهينة بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم؛ فقال ابن ميادة له فيما قال من هجائه‬
‫بأعراض قيس يا سنان بن جابـر‬ ‫لقد طالما عللت حجـرا وأهـلـه‬
‫ويسرقني عرضي حميس بن عامر قال‪ :‬وقال فيهم أيضا‬ ‫أأهجوا قريشا ثم تكـره ريبـتـي‬
‫كأنهم ظرابى اهترشن عـلـى لـحـم‬ ‫قصار الخطى فرق الخصى زمر اللحى‬
‫يمشون حولي في ثـيابـهـم الـدسـم‬ ‫ذكرت حمام الـقـيظ لـمـا رأيتـهـم‬
‫فروجا كآثار الصغار مـن الـبـهـم قال‪ :‬ثم إن ابن ميادة خرج يبغي إبل له‬ ‫وتبدي الحـمـيسـيات فـي كـل زينة‬
‫حتى ورد جبارا ‪ -‬وهو ماء لحميس بن عامر ‪ -‬فأتى بيتا فوجد فيه عجوزا قد أسنت‪ ،‬فنشدها إبله فذكرتها له وقالت‪ :‬ممن أنت?‬
‫قال‪ :‬رجل من سليم بن منصور؛ فأذنت له وقالت‪ :‬ادخل حتى نقريك وقد عرفته وهو ل يدري؛ فلما قرته قال ابن ميادة‪ :‬وجدت‬
‫ريح الطيب قد نفح علي من البيت‪ ،‬فإذا بنت لها قد هتكت الستر‪ ،‬ثم استقبلتني وعليها إزار أحمر وهي مؤتزرة به‪ ،‬فأطلقته‬
‫‪:‬وقالت‪ :‬انظر يابن ميادة الزانية أهذا كما نعت فلم أر امرأة أضخم قبل منها؛ فقالت‪ :‬أهذا كما قلت‬
‫فروجا كآثار الصغار من البهم قال‪ :‬قلت‪ :‬ل والله يا سيدتي‪ ،‬ما هكذا قلت‬ ‫وتبدي الحميسيات في كل زينة‬
‫‪:‬ولكن قلت‬
‫فروجا كآثار المقيسرة الدهم وانصرف يتشبب بها‪ ،‬فذلك حين يقول‬ ‫‪:‬وتبدي الحميسيات في كل زينة‬
‫لزينب نار أوقـدت بـجـبـار‬ ‫نظرنا فهاجتنا على الشوق والهوى‬
‫على غير قصد والمطي سواري‬ ‫كأن سناها لح لي من خصـاصة‬
‫تمد بحلـف بـينـنـا وجـوار قال أبو داود‪ :‬وكانت بنو حميس حلفاء لبني سهم بن‬ ‫حميسية بالرملتـين مـحـلـهـا‬
‫‪.‬مرة‪ ،‬ثم للحصين بن الحمام‪ .‬وتمد وتمت واحد‬
‫رجع إلى الشعر‬

‫بمجتمع النقبـين غـير عـواري‬ ‫تجاور من سهم بن مـرة نـسـوة‬


‫عيون ظبـاء أو عـيون صـوار‬ ‫نواعم أبكـارا كـأن عـيونـهـا‬
‫على متن عصماء الـيدين نـوار‬ ‫كأنا نراها وهـي مـنـا قـريبة‬
‫لها معقل في رأس كل طـمـار‬ ‫تتبع من حجـر ذرا مـتـمـنـع‬
‫وذو كلبات كالقـسـي ضـواري‬ ‫يدور بها ذو أسهـم ل ينـالـهـا‬
‫سقتها السواقـي مـن ودي دوار‬ ‫كأن على المتنـين مـنـهـا ودية‬
‫إذا الماشطات احتفنه بـمـداري‬ ‫يظل سحيق المسك يقطر حولهـا‬
‫بها قنة مـن حـنـوة وعـرار‬ ‫وما روضة خضراء يضربها الندى‬
‫بما التف من درع لها وخـمـار‬ ‫بأطيب من ريح القرنفل ساطـعـا‬
‫على غفلة فاستسمعت لـخـوار‬ ‫وما ظبية ساقت لها الريح نغـمة‬
‫على شرك مـن روعة ونـفـار‬ ‫بأحسن منها يوم قامت فأتلـعـت‬
‫يبيع لنا منـك الـمـودة شـاري ابن ميادة وزينب بنت مالك‬ ‫فليتك يا حسـنـاء يابـنة مـالـك‬
‫وأخبرني بهذا الخبر الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني أبو حرملة منظور بن أبي عدي الفزاري ثم المنظوري عن أبيه قال‬
‫‪:‬حدثني رماح بن أبرد قال‬

‫صفحة ‪210 :‬‬

‫خرجت قافل من السلع إلى نجد حتى إذا كنت ببعض أهضام الحرة هكذا في نسختي‪ ،‬وأظنه هضاب الحرة رفع لي بيت‬
‫كالطراف العظيم‪ ،‬وإذا بفنائه غنم لم تسرح‪ ،‬فقلت‪ :‬بيت من بيوت بني مرة وبي من العيمة إلى اللبن ما ليس بأحد‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫آتيهم فأسلم عليهم وأشرب من لبنهم‪ ،‬فلما كنت غير بعيد سلمت فردت علي امرأة برزة بفناء البيت‪ ،‬وحيت ورحبت‬
‫واستنزلتني فنزلت‪ ،‬فدعت بلبن ولبأ ورسل من رسل تلك الغنم‪ ،‬ثم قالت‪ :‬هيا فلنة البسي شفا واخرجي‪ ،‬فخرجت علي جارية‬
‫كأنها ثمعة ما رأيت في الخلق لها نظيرا قبل ول بعد‪ ،‬فإذا شفها ذاك ليس يواري منها شيئا وقد نبا عن ركبها ما وقع عليه من‬
‫‪:‬الثوب فكأنه قعب مكفأ‪ ،‬ثم قالت‪ :‬يابن ميادة الخبيثة‪ ،‬أأنت القائل‬
‫فروجا كآثار الصغار من البهم? فقلت‪ :‬ل والله ‪ -‬جعلني الله فداك يا سيدتي‬ ‫وتبدي الحميسيات في كـل زينة‬
‫‪ -:‬ما قلت هذا قط‪ ،‬وإنما قلت‬
‫فروجا كآثار المقيسرة الدهم قال‪ :‬وكان يقال للجارية الحميسية‪ :‬زينب بنت‬ ‫وتبدي الحميسيات في كل زينة‬
‫‪:‬مالك‪ ،‬وفيها قال ابن ميادة قصيدته‬
‫ألما فزورا اليوم خير مزار أعطاه الوليد جارية فقال فيها شعرا‬
‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني موهوب ابن رشيد الكلبي قال‪ :‬أعطى الوليد بن يزيد ابن‬
‫‪:‬ميادة جارية طبرية أعجمية ل تفصح‪ ،‬حسناء جميلة كاملة لول العجمة‪ ،‬فعشقها وقال فيها‬
‫فقد أعطيت مبرادا سخونا‬ ‫جزاك الله خيرا من أمير‬
‫لو أنك بالكلم تعربـينـا‬ ‫بأهلي ما الذك عند نفسي‬
‫بوادي الجزع حين تبغمينا ملحاته مع رجل من بني جعفر‬ ‫كأنك ظبية مضغت أراكا‬
‫أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني إسحاق بن شعيب بن إبراهيم بن محمد بن طلحة قال‪ :‬وردت على بني فزارة‬
‫ساعيا‪ ،‬فأتاني ابن ميادة مسلما علي‪ ،‬وجاءتني بنو فزارة ومعها رجل من بني جعفر بن كلب كان لهم جارا وكان مخططا‬
‫موسوما بجمال‪ ،‬فلما رأيته أعجبني‪ ،‬فأقبلت على بني فزارة وقلت لهم‪ :‬أي أخوالي هذا? فوالله إنه ليسرني أن أرى فيكم مثله؛‬
‫فقالوا‪ :‬هذا ‪ -‬أمتع الله بك ‪ -‬رجل من بني جعفر بن كلب وهو لنا جار‪ .‬قال‪ :‬فأصغى إلي ابن ميادة‪ ،‬وكان قريبا مني‪ ،‬وقال‪ :‬ل‬
‫يغرنك ‪ -‬بأبي أنت ‪ -‬ما ترى من جسمه فإنه أجوف ل عقل له؛ فسمعه الجعفري فقال‪ :‬أفي تقع يابن ميادة وأنت ل تقري‬
‫ضيفك? فقال له ابن ميادة‪ :‬إن لم أقره قراه ابن عمي وأنت ل تقري ول ابن عمك‪ .‬قال ابن عمران‪ :‬فضحكت مما شهد به ابن‬
‫‪.‬ميادة على نفسه‬
‫كان بخيل ل يكرم أضيافه‬
‫أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني محمد بن إسماعيل الجعفري عن المعلى بن نوح الفزاري قال حدثني خال لي‬
‫كان شريفا من سادات بني فزارة قال‪ :‬ضفت ابن ميادة فأكرمني وتحفى بي وفرغ لي بيتا فكنت فيه ليس معي أحد‪ ،‬ثم جاءني‬
‫بقدح ضخم من لبن إبله فشربته ثم ولى‪ ،‬فلم ينشب أن جاءني بآخر فتناولت منه شيئا يسيرا‪ ،‬فما لبثت حتى عاد بآخر فقلت‪:‬‬
‫‪.‬حسبك يا رماح فل حاجة لي بشيء؛ فقال‪ :‬اشرب بأبي أنت‪ ،‬فوالله لربما بات الضيف عندنا مدحورا‬
‫أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عمي مصعب عن جدي عبد الله بن مصعب قال‪ :‬أتينا ابن ميادة نتلقى منه‬
‫الشعر؛ فقال لنا‪ :‬هل لكم في فضل شنة? فظنناها تمرا‪ ،‬فقلنا له‪ :‬هات‪ ،‬لنبسطه بذلك‪ ،‬فإذا شنة فيها فضلة من خمر قد شرب‬
‫‪.‬بعضها وبقي بعض‪ ،‬فلما رأيناها قمنا وتركناه‬
‫يرفض وليمة ضرب الناس فيها بالسياط أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني إبراهيم بن عبد الرحمن الكثيري قال‬
‫حدثني نعمة الغفاري قال‪ :‬قدم ابن ميادة المدينة فدعي في وليمة فجاء فوجد على باب الدار التي فيها الوليمة حرسا يضربون‬
‫‪:‬الزللين بالسياط يمنعونهم من الدخول‪ ،‬فرجع وهو يقول‬
‫مفارق شمط حيث تلوى العمائم‬ ‫لما رأيت الصبحية قـنـعـت‬
‫وقلت صحيح من نجا وهو سالم وسأله الوليد من تركت عند نسائك‬ ‫تركت دفاع الباب عمـا وراءه‬
‫‪:‬أخبرني يحيى بن علي عن أبيه عن إسحاق قال‬

‫صفحة ‪211 :‬‬

‫قال الوليد بن يزيد لبن ميادة في بعض وفاداته عليه‪ :‬من تركت عند نسائك? قال‪ :‬رقيبين ل يخالفاني طرفة عين‪ :‬الجوع‬
‫‪.‬والعري‪ .‬وهذا القول والجواب يروى أن عمر بن عبد العزيز وعقيل بن علفة تراجعاهما‪ ،‬وقد ذكرا في أخبار عقيل‬
‫مدحه لبي جعفر المنصور‬
‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي مصعب وأخبرني محمد بن مزيد قال‪ :‬حدثنا حماد بن‬
‫إسحاق عن أبيه عن الزبير وأخبرنا يحيى بن علي قال‪ :‬حدثنا أبو أيوب المديني عن مصعب‪ :‬أن ابن ميادة مدح أبا جعفر‬
‫‪:‬المنصور بقصيدته التي يقول فيها‬
‫طلعت علينا العيس بالرماح ثم خرج من عند أهله يريده‪ ،‬فمر على إبله فحلبت له ناقة من إبله‪ ،‬وراح عليه راعيه بلبنها‬
‫فشربه ثم مسح على بطنه ثم قال‪ :‬سبحان الله إن هذا لهو الشره يكفيني لبن بكرة وأنا شيخ كبير‪ ،‬ثم أخرج وأغترب في طلب‬
‫‪:‬المال ثم رجع فلم يخرج‪ .‬هذه القصيدة من جيد شعر ابن ميادة‪ ،‬أولها‬
‫قول المجد وهن كـالـمـزاح‬ ‫وكواعب قد قلـن يوم تـواعـد‬
‫طلعت علينا العيس بالـرمـاح‬ ‫يا ليتنا في غـير أمـر فـادح‬
‫بالخز فـوق جـللة سـرداح‬ ‫بينا كذاك رأينني متـعـصـبـا‬
‫بيضاء مثل غريضة التـفـاح‬ ‫فيهن صفراء المعاصم طـفـلة‬
‫مرضى مخالطها السقام صحاح‬ ‫فنظرن من خلل الحجال بأعـين‬
‫تبـل بـل ريش ول بـقـداح يقول فيها في مدح المنصور وبني هاشم‬ ‫‪:‬وارتشن حين أردن أن يرميننـي‬
‫ينمين ل قطع ول أنزاح‬ ‫فلئن بقيت للحقن بأبحـر‬
‫من يأتهم يتلق بالفـلح‬ ‫ولتين بني علـي إنـهـم‬
‫بيع الثناء هناك بالرباح‬ ‫قوم إذا جلب الثناء إليهـم‬
‫رحب الفناء بواسع نجباح وهي قصيدة طويلة‬ ‫‪.‬ولجلسن إلى الخليفة إنـه‬
‫قوله فيما أصاب الحاج من المطر‬
‫أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا إسحاق بن أيوب قال‪ :‬اعتمرت في رجب سنة خمس ومائة‪ ،‬فصادفني ابن ميادة‬
‫بمكة وقدمها معتمرا‪ ،‬فأصابنا مطر شديد تهدمت منه البيوت وتوالت فيه الصواعق‪ ،‬فجلس إلي ابن ميادة الغد من ذلك اليوم‪،‬‬
‫فجعل يأتيني قوم من قومي وغيرهم فأستخبرهم عن ذلك الغيث فيقولون‪ :‬صعق فلن وانهدم منزل فلن؛ فقال ابن ميادة‪ :‬هذا‬
‫‪:‬العيث ل الغيث؛ فقلت‪ :‬فما الغيث عندك? فقال‬
‫ول محرقات مـاؤهـن حـمـيم‬ ‫سحائب ل من صيب ذي صواعـق‬
‫يكين بها حـتـى يعـيش هـشـيم كان ينشد من شعره فيستحسنه الناس‬ ‫إذا ما هبطن الرض قد مات عودها‬
‫أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني موسى بن زهير عن أبيه قال‪ :‬جلست أنا وعيسى بن عميلة وابن ميادة ذات يوم‪،‬‬
‫‪:‬فأنشدنا ابن ميادة شعره مليا‪ ،‬ثم أنشدنا قوله‬
‫بحرة ليلى حيث ربتنـي أهـلـي‬ ‫أل ليت شعري هل أبـيتـن لـيلة‬
‫وقطعن عني حين أدركني عقلـي‬ ‫بلد بها نيطت علـي تـمـائمـي‬
‫تطالع من هجل خصيب إلى هجل‬ ‫وهل أسمعن الدهر أصوات هجمة‬
‫بمنعرج الصمان والجرع السهـل تلقى رباعها‪ :‬تطرح أولدها‪ .‬وواحد الرباع ربع‬ ‫‪.‬صهيبية صفراء تلقي ربـاعـهـا‬

‫بمهضومة الكشحين ذات شوى عبل‬ ‫وهل أجمعن الدهر كفـي جـمـعة‬
‫من الطيبات حين تركض في الحجل‬ ‫محللة لـي ل حـرامـا أتـيتـهـا‬
‫كما مال دعص من ذرا عقد الرمل فقال له عيسى بن عميلة‪ :‬فأين قولك يا‬ ‫تميل إذا مال الضجيع بعـطـفـهـا‬
‫‪:‬أبا الشرحبيل‬
‫كرائم قومي ثم قلة مـالـيا فقلت له‪ :‬فاعطف إذا إلى أمة بني سهيل فهي أعند‬ ‫لقد حرمت أمي علي عدمتها‬
‫‪:‬وأنكد‪ ،‬وقد كنت أظن أن ميادة قد ضربت جأشك على اليأس من الحرائر‪ ،‬وأنا أداعبه وأضاحكه؛ فضحك وقال‬
‫ولو خطبت أنسابهم لم تزوج أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عمي‬ ‫ألم تر قوما ينكحون بمالهـم‬
‫‪:‬مصعب وغيره‬

‫صفحة ‪212 :‬‬

‫أن حسينة اليسارية كانت جميلة ‪ -‬وآل يسار من موالي عثمان رضوان الله عليه يسكنون تيماء‪ ،‬ولهم هناك عدد وجلد‪ ،‬وقد‬
‫انتسبوا في كلب إلى يسار بن أبي هند فقبلهم بنو كلب ‪ -‬قال‪ :‬وكانت عند رجل من قومها يقال له‪ :‬عيسى بن إبراهيم بن‬
‫‪:‬يسار‪ ،‬وكان ابن ميادة يزورها؛ وفيها يقول‬
‫وإن رغمت أنوف بني يسار قال‪ :‬فدخل عليها زوجها يوما فوجد ابن ميادة عندها‪،‬‬ ‫ستأتينا حسينة حـيث شـئنـا‬
‫‪:‬فهم به هو وأهلها؛ فقاتلهم وعاونته عليهم حسينة حتى أفلت تتابن ميادة؛ فقال في ذلك‬
‫صموت الحجل كاظمة السوار‬ ‫لقد ظلت تعاوننـي عـلـيهـم‬
‫يقطع سلحه خلف الـجـدار أخبرني يحيى بن علي بن يحيى قال حدثني إبراهيم‬ ‫وقد غادرت عيسى وهو كلـب‬
‫بن سعد بن شاهين قال حدثني عبد الله بن خالد بن دفيف التغلبي عن عثمان بن عبد الرحمن بن نميرة العدوي عن أبي العلء‬
‫بن وثاب قال‪ :‬ابن ميادة وعبد الواحد بن سليمان‬
‫قدم ابن ميادة المدينة زائرا لعبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك وهو أميرها وكان يسمر عنده في الليل‪ ،‬فقال عبد الواحد‬
‫لصحابه‪ :‬إني أهم أن أتزوج‪ ،‬فابغوني أيما؛ فقال له ابن ميادة‪ :‬أنا أدلك‪ ،‬أصلحك الله أيها المير؛ قال‪ :‬على من يا أبا الشرحبيل?‬
‫قال‪ :‬قدمت عليك أيها المير فدخلت مسجدكم فإذا أشبه شيء به وبمن فيه الجنة وأهلها‪ ،‬فوالله لبينا أنا أمشي فيه إذ قادتني‬
‫رائحة عطر رجل حتى وقفت بي عليه‪ ،‬فلما وقع بصري عليه استلهاني حسنه فما أقلعت عنه حتى تكلم‪ ،‬فخلته لما تكلم يتلو‬
‫زبورا ويدرس إنجيل أو يقرأ قرآنا حتى سكت فلول معرفتي بالمير لشككت أنه هو‪ ،‬ثم خرج من مصله إلى داره‪ ،‬فسألت‪ :‬من‬
‫هو? فأخبرت أنه للحيين وبين الخليفتين‪ ،‬وأن قد نالته ولدة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لها نور ساطع من غرته‬
‫وذؤابته‪ ،‬فنعم المنكح ونعم حشو الرحل وابن العشيرة‪ ،‬فإن اجتمعت أنت وهو على ولد ساد العباد وجاب ذكره البلد‪ .‬فلما‬
‫قضى ابن ميادة كلمه قال عبد الواحد ومن حضره‪ :‬ذاك محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان‪ ،‬وأمه فاطمة بنت الحسين‪،‬‬
‫‪:‬فقال ابن ميادة‬
‫وكل قضاء الله فهو مقسـم قال يحيى بن علي‪ :‬ومما مدح به عبد الواحد لما‬ ‫لهم نبوة لم يعطها الله غيرهم‬
‫‪:‬قدم عليه قوله‬
‫نصر الحجاز بغيث عبد الـواحـد‬ ‫من كان أخطأه الربـيع فـإنـمـا‬
‫بمتوج حلو الشـمـائل مـاجـد‬ ‫إن المدينة أصبحت مـعـمـورة‬
‫أعلى الحظوظ برغم أنف الحاسد‬ ‫ولقد بلغت بغير أمـر تـكـلـف‬
‫ملكا أجار لمسـلـم ومـعـاهـد‬ ‫وملكت ما بين العـراق ويثـرب‬
‫غشى الضعيف شعاع سيف المارد التقاؤه جماعة يرتجزون بشعره‬ ‫ماليهما ودميهما مـن بـعـد مـا‬
‫أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني سعيد بن زيد السلمي قال‪ :‬إنا لنزول أنا وأصحاب لي قبل الفطر بثلث ليال على‬
‫ماء لنا‪ ،‬فإذا راكب يسير على جمل ملتف بثوب والسماء تغسله حتى أناخ إلى أجم عرفته‪ ،‬فلما رأيناه لثقا قمنا إليه فوضعنا‬
‫رحله وقيدنا جمله‪ ،‬فلما أقلعت السماء عنا وهو معنا قاعد قام غلمة منا يرتجزون والرجل لم ينتسب لنا ول عرفناه‪ ،‬فارتجز‬
‫‪:‬أحدهم فقال‬
‫أمر من مر وأحلى من عسل حتى قال له الرجل‪ :‬يابن أخي‪ ،‬أتدري‪ ،‬من قال هذا‬ ‫أنا ابن ميادة لباس الـحـلـل‬
‫الشعر? قال‪ :‬نعم‪ ،‬ابن ميادة قال‪ :‬فأنا هو ابن ميادة الرماح بن أبرد‪ ،‬وبات يعللنا من شعره‪ ،‬ويقطع عنا الليل بنشيده‪ ،‬وسرينا‬
‫راحلين فصبحنا مكة فقضينا نسكنا‪ ،‬ولقيه رجلن من قومه من بني مرة فعرفهما وعرفاه‪ ،‬وأفطرنا بمكة‪ ،‬فلما انصرفنا من‬
‫المسجد يوم الفطر إذا نحن بفارسين مسودين وراجلين مع المريين يقولون‪ :‬أين ابن ميادة? فقلنا‪ :‬ها هو وقد برزنا من خيمة‬
‫‪:‬كنا فيها‪ ،‬فقلنا لبن ميادة‪ :‬ابرز؛ فلما نظر إلى المريين قال‬
‫‪:‬إحدى عشياتك يا شميرج ‪ -‬قال‪ :‬وهذا رجز لبعض بني سليم يقوله لفرسه‬
‫إحدى عشياتك يا شميرج‬ ‫أقول والركبة فوق المنسج‬

‫صفحة ‪213 :‬‬

‫ويروى‪ :‬مشمرج ‪ -‬فقالوا لبن ميادة‪ :‬أجب المير عبد الصمد بن علي‪ ،‬وخذ معك من أصحابك من أحببت؛ فخرج وخرج معه‬
‫منا أربعة نفر أنا أحدهم حتى وقفنا على باب دار الندوة‪ ،‬فدخل أحد المسودين‪ ،‬ثم خرج فقال‪ :‬ادخل يا أبا شجرة‪ ،‬فدخلت على‬
‫عبد الصمد بن علي فوجدته جالسا متوشحا بملحفة موردة؛ فقال لي‪ :‬من أنت? قلت‪ :‬رجل من بني سليم؛ فقال‪ :‬مالك تصاحب‬
‫‪:‬المري وقد قتلوا معاوية بن عمرو وقالت الخنساء‬
‫لقد أخضل الدمع سربالهـا‬ ‫أل ما لعينـي أل مـا لـهـا‬
‫وأسـأل نـائحة مـالـهـا‬ ‫فآليت آسى علـى هـالـك‬
‫د حلت به الرض أثقالهـا‬ ‫أبعد ابن عمرو من ال الشري‬
‫فقد كان يكثر تقـتـالـهـا أترويها? قلت‪ :‬نعم أصلح الله المير‪ ،‬وما زال من المعركة‬ ‫فإن تـك مـرة أودت بــه‬
‫حتى قتل به خفاف بن عمرو المعروف بابن ندبة كبش القوم مالك بن حمار الفزاري ثم الشمخي‪ ،‬أما سمع المير قول خفاف‬
‫‪:‬بن ندبة في ذلك‬
‫فعمدا على عين تيممت مالكـا‬ ‫فإن تك خيلي قد أصيب صميمها‬
‫وجانبت شبان الرجال الصعالكا‬ ‫تيممت كبش القوم حين رأيتـه‬
‫تأمل خفافا إننـي أنـا ذلـكـا وقد توسط معاوية بن عمرو خيلهم فأكثر فيهم‬ ‫أقول له والرمح يأطر متـنـه‬
‫القتل‪ ،‬وقتل كبش القوم الذي أصيب بأيديهم؛ فقال‪ :‬لله درك إذا ولدت النساء فليلدن مثلك وأمر لي بالف درهم‪ ،‬فدفعت إلي‬
‫وخلع علي‪ .‬وأدخل ابن ميادة فسلم عليه بالمرة؛ فقال له‪ :‬ل سلم الله عليك يا ماص كذا من أمه‪ :‬فقال ابن ميادة‪ :‬ما أكثر‬
‫‪:‬الماصين فضحك عبد الصمد‪ ،‬ودعا بدفتر فيه قصيدة ابن ميادة التي يقول فيها‬
‫قريش ولو شئنا لداخت رقابها ثم قال لبن ميادة‪ :‬أعتق ما أملك إن غادرت منها‬ ‫لنا الملك إل أن شيئا تـعـده‬
‫شيئا إن لم أبلغ غيظك‪ ،‬فقال ابن ميادة‪ :‬أعتق ما أملك إن أنكرت منها بيتا قلته أو أقررت ببيت لم أقله؛ فقرأها عبد الصمد ثم‬
‫قال له‪ :‬أأنت قلت هذا? قال نعم؛ قال‪ :‬أفكنت أمنت يابن ميادة أن ينقض عليك باز من قريش فيضرب رأسك فقال‪ :‬ما أكثر‬
‫البازين أفكان ذلك البازي آمنا أن يلقاه باز من قيس وهو يسير فيرميه فتشول رجله فضحك عبد الصمد ثم دعا بكسوة‬
‫‪.‬فكساهم‬
‫تمثل بعض ولد الحسن بشعره‬
‫أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عبد الصمد بن شبيب قال قال أبو حذافة السهمي‪ :‬سب رجل من قريش في أيام‬
‫بني أمية بعض ولد الحسن بن علي‪ ،‬فأغلظ له وهو ساكت‪ ،‬والناس يعجبون من صبره عليه‪ ،‬فلما أطال أقبل الحسني عليه‬
‫‪:‬متمثل بقول ابن ميادة‬
‫أن أهجوها لما هجتني محارب‬ ‫أظنت سفاها من سفاهة رأيهـا‬
‫ونفسي عن ذاك المقام لراغب فقام القرشي خجل وما رد عليه جوابا‬ ‫‪.‬فل وأبيها إنني بـعـشـيرتـي‬
‫مدحه لجعفر بن سليمان أميرالمدينة‬
‫أخبرني أبو خليفة إجازة عن محمد بن سلم قال‪ :‬مدح ابن ميادة جعفر بن سليمان وهو على المدينة‪ ،‬فأخبرني مسمع بن عبد‬
‫الملك أنه قام له بحاجته عند جعفر وأوصلها إليه‪ .‬قال فقال له ‪ :‬جزاك الله خيرا ممن أنت رحمك الله? قلت‪ :‬أحد بني مسمع؛‬
‫قال‪ :‬ممن? قلت‪ :‬من قيس بن ثعلبة؛ قال‪ :‬ممن? عافاك الله قلت‪ :‬من بكر بن وائل؛ قال‪ :‬والله لو كنت سمعت ببكر بن وائل‬
‫‪:‬قط أو عرفتهم لمدحتك‪ ،‬ولكني ما سمعت ببكر قط ول عرفتهم‪ ،‬ثم مدح جعفرا فقال‬
‫بنابية الظـبـاة ول كـلل‬ ‫لعمرك ما سيوف بني علـي‬
‫تراث محمد غير انتـحـال‬ ‫هم القوم اللى ورثوا أباهـم‬
‫وما تركوا عليهم من مقـال‬ ‫وهم تركوا المقال لهم رفيعا‬
‫كما يحذى المثال على المثال‬ ‫حذوتم قومكم ما قد حـذوتـم‬
‫فقد أبلغتم مـر الـنـكـال يشير عليه بالعفو عن بني أمية ويذكره بأرحامهم‬ ‫‪.‬فردوا في جراحكم أسـاكـم‬
‫أخبرنا بهذا الخبر يحيى بن علي عن سليمان المديني عن محمد بن سلم‪ ،‬قال يحيى قال أبو الحارث المري فيما ذكره إسحاق‬
‫من أخباره‪ :‬قال جعفر بن سليمان لبن ميادة‪ :‬أتحب أن أعطيك مثل ما أعطاك ابن عمك رياح بن عثمان? فقال‪ :‬ل‪ ،‬أيها المير‪،‬‬
‫‪.‬ولكن أعطني كما أعطاني ابن عمك الوليد بن يزيد‬

‫صفحة ‪214 :‬‬

‫‪:‬قال يحيى وأخبرنا حماد عن أبيه عن أبي الحارث قال قال جعفر بن سليمان لبن ميادة‪ :‬أأنت الذي تقول‬
‫وتغضب قريش تحم قيسا غضابها قال‪ :‬ل والله ما هكذا قلت؛ قال‪ :‬فكيف‬ ‫بني أسد أن تغضوا ثم تغضـبـوا‬
‫‪:‬قلت? قال‪ :‬قلت‬
‫وتعدل قريش تحم قيسا غضابها هجا بني أسد وبني تميم‬ ‫بني أسد إن تغضبوا ثم تغضبوا‬
‫قال‪ :‬صدقت هكذا قلت‪ .‬وهذه القصيدة يهجو بها ابن ميادة بني أسد وبني تميم‪ ،‬وفيها يقول بعد هذا البيت الذي ذكره له جعفر‬
‫‪:‬بن سيمان‬
‫وإن غضبت يربوعها وربـابـهـا‬ ‫وأحقر محقـور تـمـيم أخـوكـم‬
‫ولست أبالي أن يطـن ذبـابـهـا‬ ‫أل ما أبالي أن تخنـدف خـنـدف‬
‫على الشمس لم يطلع عليكم حجابها‬ ‫ولو أن قيسا قيس عيلن أقسـمـت‬
‫عن الجن حتى ل تهر كـلبـهـا‬ ‫ولو حاربتنا الجن لم نرفع الـقـنـا‬
‫قريش ولو شئنا لذلت رقـابـهـا‬ ‫لنا المـلـك إل أن شـيئا تـعـده‬
‫معاذ الله أن أكـون أهـابـهـا‬ ‫وإن غضبت من ذا قريش فقل لهـا‬
‫لمفتجر أشياء يعـيي جـوابـهـا‬ ‫وإن لقـوال الـجـواب وإنـنـي‬
‫يداك وفات الرجل منك ركابـهـا ابن ميادة وسماعة بن أشول‬ ‫إذا غضبت قيس عليك تقـاصـرت‬
‫‪:‬قال إسحاق في خبره فحدثني جبر بن رباط بن عامر بن نصر قال‪ :‬فقال سماعة بن أشول النعامي يعارض ابن ميادة‬
‫رعاء الشوي من مريح وعازب‬ ‫لعل ابن أشبانية عـارضـت بـه‬
‫عليه ثنايا المجد من كل جـانـب فقال ابن ميادة‪ :‬من هذا? لقد أغلق علي‬ ‫يسامي فروعا من خزيمة أحرزت‬
‫‪.‬أغلق الله عليه قالوا‪ :‬سماعة بن أشول؛ فقال‪ :‬سماعة يسمع بي‪ ،‬وأشول يشول بي‪ ،‬والله ل أهاجيه أبدا‪ ،‬وسكت عنه‬
‫هجاه عبد الرحمن بن جهيم السدي‬
‫وقال عبد الرحمن بن جهيم السدي أحد بني الحارث بن سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد يرد على ابن ميادة‪ ،‬وهي قصيدة‬
‫‪:‬طويلة ذكرت منها أبياتا‬
‫ربا وهي وسط الشول تدمى كعابها‬ ‫لقد كذب العبد ابـن مـيادة الـذي‬
‫خضاب ولم تشرق بعطر ثيابـهـا‬ ‫شرنبثة الطراف لم يقن كـفـهـا‬
‫يهج لك حربا قصبها واعتيابـهـا ويروى اغتيابها من الغيبة‪ .‬واعتيابها من العيب‬ ‫‪.‬أرماح إن تغضب صناديد خنـدف‬

‫مسامع قيس وهي خضع رقابـهـا‬ ‫ولو أغضبت قيس قريشا لجـدعـت‬
‫على قومه حربا عظيما عـذابـهـا‬ ‫لقد جر رماح ابن واهصة الخصـى‬
‫قتيبة أن لم تحم قيسا غـضـابـهـا‬ ‫وقد علم المملوح بـالـشـؤم رأسـه‬
‫وأيام قتلى كان خزيا مـصـابـهـا‬ ‫ولم تحمهـا أيام قـتـل ابـن حـازم‬
‫نمير وفرت كعبـهـا وكـلبـهـا‬ ‫ول يوم لقينا نـمـيرا فـقـتـلـت‬
‫خيول تميم سـعـدهـا وربـابـهـا‬ ‫وإن تدع قيسا ل تجبـك وحـولـهـا‬
‫لنواء غنم غرقتـهـا شـعـابـهـا‬ ‫ولو أن قيسا قيس عيلن أصـحـرت‬
‫لكان لنا إشراقها واحـتـجـابـهـا‬ ‫ولو أن قرن الشمس كان لمـعـشـر‬
‫بقدرته إصعادها وانـصـبـابـهـا‬ ‫ولكنـهـا لـلـه يمـلـك أمـرهـا‬
‫لبئس شباب المرء كان شـبـابـهـا‬ ‫لعمري لئن شابت حلـيلة نـهـبـل‬
‫أبوه أم الـمـري تـب تـبـابـهـا‬ ‫ولم تدر حمراء العجـان أنـهـبـل‬
‫يصن إذا باتت بـأرض تـرابـهـا‬ ‫فإن يك رمـاح بـن مـيادة الـتـي‬
‫لئمة أعراق إلـيه انـتـسـابـهـا‬ ‫جرى جري موهون القوى قصرت به‬
‫من الخيل عند الجد إل عـرابـهـا‬ ‫فلن تسبق المضمار في كل موطـن‬
‫لئام فل يرضى لحـر سـبـابـهـا‬ ‫ووالـلـه لـول أن قـيســـا أذلة‬
‫بشنعاء يعيي القـائلـين جـوابـهـا ابن ميادة وأبان بن سعيد‬ ‫للحقتها بالـزنـج ثـم رمـيتـهـا‬
‫أخبرني يحيى بن علي عن حماد عن أبيه قال‪ :‬وجدت في كتاب أبي عمرو الشيباني فعرضته على أبي داود فعرفه أو عامته‪،‬‬
‫‪:‬قال‬

‫صفحة ‪215 :‬‬

‫إنا لجلوس على الهجم في ظل القصر عشية‪ ،‬إذ أقبل إلينا ثلثة نفر يقودون ناقة حتى جلسوا إلى أبان بن سعيد بن عيينة بن‬
‫حصن وهو في جماعة من بني عيينة‪ ،‬قال‪ :‬فرأيت أجلة ثلثة ما رأيتهم قط‪ ،‬فقلنا‪ :‬من القوم? فقال أحدهم‪ :‬أنا ابن ميادة وهذان‬
‫من عشيرتي؛ فقال أبان لحد بنيه‪ :‬اذهب بهذه الناقة فأطلق عنها عند بيت أمك؛ فقال له ابن ميادة‪ :‬هذه يا أبا جعفر السعلة‪،‬‬
‫‪:‬أفل أنشدك ما قلت فيها? قال‪ :‬بلى فهات؛ فقال‬
‫وتجذب مثل اليم في برة الصفـر‬ ‫قعدت على السعلة تنفض مسحهـا‬
‫وتحمل حاجات تضمنهـا صـدري‬ ‫تيمم خير الناس مـاء وحـاضـرا‬
‫وجدت خيار الناس حي بني بـدر‬ ‫فإني على رغم العـادي لـقـائل‬
‫من الناس حيا أهل بدو ول حضـر‬ ‫لهم حاضر بالهجم لم أر مثـلـهـم‬
‫يفيء عليه الظل من جانب القصر‬ ‫وخير معد مجلسا مجـلـس لـهـم‬
‫كذاك ضحاح الماء يأوي إلى الغمر‬ ‫أخص بـهـا روقـي عـيينة إنـه‬
‫مياه وأن ترعوا ذرى البلد القفـر قال‪ :‬فكان أول قائم من القوم ركضة بن‬ ‫فأنتم أحق الناس أن تتـخـيروا ال‬
‫علي بن عيينة‪ ،‬وهو ابن عم أبان وعبدة بنت أبان‪ ،‬وكانت إبله في العطن وهي أكرم نعم بني عيينة وأكثره‪ ،‬فقال‪ :‬ما سمعت‬
‫كاليوم مديح قوم قط ‪ ،‬حكمك ماض في هذه البل؛ ثم قام آخر فقال مثل ذلك‪ ،‬وقام آخر وآخر؛ فقال ابن ميادة‪ :‬يا بني‬
‫عيينة‪ ،‬إني لم آتكم لتتبارى في شياطينكم في أموالكم‪ ،‬إنما كان علي دين فأردت أن تعطوني أبكرا أبيعها في ديني‪ .‬فأقام عند‬
‫أبان بن سعيد خمسة عشر يوما‪ ،‬ثم راح بتسع عشرة ناقة‪ ،‬فيها ناقة لبن أبان عشراء أو رباعية‪ .‬قال يحيى في خبره‪ :‬وقال‬
‫يعقوب بن جعفر بن أبان بن سعيد بن عيينة‪ :‬إني على الهجم يوما إذا أقبل رجل فجعل يصرف راحلته في الحياض فيرده الرجل‬
‫بعد الرجل‪ ،‬فدعوته فقلت‪ :‬اشرع في هذا الحوض؛ فلما شرع فسقى قال‪ :‬من هذا الفتى? فقيل‪ :‬هذا جعفر بن أبان بن سعيد‬
‫‪:‬بن عيينة؛ فقال‬
‫لباء سوء يلقهـم حـيث سـيرا‬ ‫بنو الصالحين الصالحون ومن يكن‬
‫أبي شجر العـيدان أن يتـغـيرا قال إسحاق‪ :‬سألت أبا داود عن قوله‬ ‫‪:‬فما العود إل نابت فـي أرومـه‬
‫‪.‬كذاك ضحاح الماء يجري إلى الغمر فقال‪ :‬أراد أن المر كله والسؤدد يصير إليه‪ ،‬كما يصير الماء إلى الغمرة حيث كانت‬
‫ابن ميادة وأيوب بن سلمة‬
‫أخبرنا يحيى بن علي قال حدثنا أبو أيوب المديني قال أخبرني مصعب بن الزبير قال‪ :‬ضاف ابن ميادة أيوب بن سلمة فلم‬
‫‪:‬يقره‪ ،‬وابن ميادة من أخوال أيوب بن سلمة‪ ،‬فقال فيه‬
‫وظل عن المعروف والمجد في شغل‬ ‫ظللنا وقوفا عند باب ابـن أخـتـنـا‬
‫إذا الحرب أبدت عن نواجذها العصل ابن ميادة ورياح ابن عثمان‬ ‫صفا صلد عنـد الـنـدى ونـعـامة‬
‫قال أبو أيوب وأخبرني مصعب قال‪ :‬قدم ابن ميادة على رياح بن عثمان‪ ،‬وقد ولي المدينة وهو جاد في طلب محمد بن عبد‬
‫الله بن حسن وإبراهيم أخيه‪ ،‬فقال له‪ :‬اتخذ حرسا وجندا من غطفان واترك هؤلء العبيد الذين تعطيهم دراهمك‪ ،‬وحذار من‬
‫‪:‬قريش؛ فاستخف بقوله ولم يقبل رأيه؛ فلما قتل رياح قال ابن ميادة‬
‫فقلت هشيمة من أهل نجد‬ ‫أمرتك يا رياح بأمر حـزم‬
‫ورقع كل حاشـية وبـرد‬ ‫وقلت له تحفظ من قـريش‬
‫وما أغنيت شيئا غير وجدي تشبيبه بالنساء‬ ‫فوجدا ما وجدت على رياح‬
‫أخبرني عمي قال حدثني أحمد بن أبي طاهر قال حدثني أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل قال حدثني أكثم بن صيفي المري ثم‬
‫الصاردي عن أبيه قال‪ :‬كان ابن ميادة رأى امرأة من بني جشم بن معاوية ثم من بني حرام يقال لها‪ :‬أم الوليد‪ ،‬وكانوا ساروا‬
‫‪:‬عليه‪ ،‬فأعجب بها وقال فيها‬
‫لنا ولها نشتو به ونصيف ويروي‬ ‫‪:‬أل حبذا أم الوليد ومربع‬
‫لنا ولها بالمشتوى ومصـيف ‪...‬‬ ‫ومـــربــــــع‬
‫فوعث وأما خصرها فلطيف‬ ‫حرامية أما مـلث إزارهـا‬
‫إذا زال عنها برقع ونصيف‬ ‫كأن القرون السود مقـذهـا‬

‫صفحة ‪216 :‬‬

‫لها الريح حتى بينهن رفيف قال‪ :‬فلما سمع زوجها هذه البيات أتاها فحلف‬ ‫بها زرجونات بقفر تنسمت‬
‫بطلقها‪ :‬لئن وجد ابن ميادة عندها ليدقن فخذها‪ ،‬ثم أعرض عنها واغترها‪ ،‬حتى وجده يوما عند بيتها فدق فخذها‪ ،‬واحتمل فرحل‬
‫‪:‬ورحل بها معه؛ فقال ابن ميادة‬
‫حراميون ليس لهم حرام‬ ‫أتانا عام سار بنو كـلب‬
‫بقيعان تقيل بها النـعـام‬ ‫كأن بيوتهم شجر صغـار‬
‫ول يدرون ما خلق الكرام قال‪ :‬ثم سارت عليهم بعد ذلك بنو جعفر بن كلب‪،‬‬ ‫حراميون ل يقرون ضيفا‬
‫‪:‬فأعجب بامرأة منهم يقال لها أم البختري‪ ،‬وكان يتحدث إليها مدة مقامهم‪ ،‬ثم ارتحلوا فقال فيها‬
‫بشهب الربى والليل قد نام هاجعه‬ ‫أرقت لبرق ل يفـتـر لمـعـه‬
‫وأعجبني إيماضه وتـتـابـعـه‬ ‫أرقت له من بعد ما نام صحبتـي‬
‫هجان أرنت للحنـين نـوازعـه‬ ‫يضيىء صبيرا من سحاب كأنـه‬
‫وإن أنهج الحبل الذي النأي قاطعه‬ ‫هنيئا لم البختـري الـروي بـه‬
‫ليصرح حبلينا تجوز بضـائعـه‬ ‫لقد جعل المستبضع الغش بينـنـا‬
‫بمطرد القيعان عذب ينـابـعـه‬ ‫فما سرحة تجري الجداول تحتهـا‬
‫أترعى جديد الحبل أم أنت قاطعه وخطب إلى بني سلمى بن مالك‬ ‫بأحسن منها يوم قالت بذي الغضـا‬
‫فلم يزوجوه فقال شعرا‬
‫أخبرني عمي قال حدثني أحمد بن ابي طاهر قال حدثني أحمد بن إبراهيم قال‪ :‬وذكر أبو الشعث أن ابن ميادة خطب امرأة‬
‫من بين سلمى بن مالك بن جعفر ثم من بني البهثة ‪ -‬وهم بطن يقال لهم البهثاء ‪ -‬فأبوا أن يزوجوه وقالوا‪ :‬أنت هجين ونحن‬
‫‪:‬أشرف منك؛ فقال‬
‫لعطيت مهرا من مسرة غالـيا‬ ‫فلو طاوعتني آل سلمى بن مالـك‬
‫يغادين بالكحل العيون السـواجـيا‬ ‫وسرب كسرب العين من آل جعفر‬
‫بسرو الحمى ألقين ثم المـراسـيا مات في صدر خلفة المنصور‬ ‫إذا ما هبطن النيل أو كـن دونـه‬
‫قال أحمد بن إبراهيم‪ :‬مات ابن ميادة في صدر من خلفة المنصور‪ ،‬وقد كان مدحه ثم لم يفد إليه ول مدحه‪ ،‬لما بلغه من قلة‬
‫‪.‬رغبته في مدائح الشعراء وقلة ثوابه لهم‬

‫أخبار حنين الحيري‬


‫نسبه‬
‫حنين بن بلوع الحيري مختلف في نسبه‪ ،‬فقيل‪ :‬إنه من العباديين من تميم‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه من بني الحارث بن كعب‪ ،‬وقيل من قوم‬
‫بقوا من جديس وطسم فنزلوا في بني الحارث بن كعب فعدوا فيهم‪ ،‬ويكنى أبا كعب‪ ،‬وكان شاعرا مغنيا فحل من فحول‬
‫المغنين‪ ،‬وله صنعة فاضلة متقدمة‪ ،‬وكان يسكن الحيرة ويكري الجمال إلى الشأم وغيرها‪ ،‬وكان نصرانيا‪ .‬وهو القائل يصف‬
‫الحيرة ومنزله بها‪ :‬صوت‬
‫وما نديمي إل الفتى القصف‬ ‫أنا حنين ومنزلي الـنـجـف‬
‫مترعة‪ ،‬تـارة وأغـتـرف‬ ‫أقرع بالكأس ثغـر بـاطـية‬
‫بيت يهود قرارها الخـزف‬ ‫من قهوة باكر التجار بـهـا‬
‫لم تغذني شقوة ول عـنـف الغناء والشعر لحنين‪ ،‬ولحنه خفيف رمل بالبنصر‪.‬‬ ‫والعيش غض ومنزلي خصب‬
‫‪.‬وفيه لبن المكي خفيف ثقيل قديم‪ .‬ولعريب فيه خفيف ثقيل آخر عن الهشامي‬
‫غنى هشام بن عبد الملك في الحج‬
‫أخبرنا وكيع قال قال حماد حدثني أبي عن أبي الخطاب قال وحدثني ابن كناسة عن سليمان بن داود‪ :‬مولى ليحيى‪ ،‬وأخبرني‬
‫بهذا الخبر الحسن بن علي عن ابن مهرويه عن قعنب بن المحرز الباهلي عن المدائني قالوا جميعا‪ :‬حج هشام بن عبد الملك‬
‫وعديله البرش الكلبي‪ ،‬فوقف له حنين بظهر الكوفة ومعه عوده وزامر له‪ ،‬وعليه قلنسية طويلة‪ ،‬فلما مر هشام عرض له‪،‬‬
‫فقال‪ :‬من هذا? فقيل‪ :‬حنين‪ ،‬فأمر به فحمل في محمل على جمل وعديله زامره‪ ،‬وسير به أمامه وهو يتغنى‪ :‬صوت‬

‫فة اليات والطـلـل‬ ‫أمن سلمى بظهر الكو‬


‫جفون الصيقل والخلل ‪ -‬الصنعة في هذا الصوت لحنين ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو‪.‬‬ ‫يلوح كما تلوح علـى‬
‫وفيه خفيف ثقيل ينسب إلى حنين أيضا وإلى غيره ‪ -‬قال‪ :‬فأمر له هشام بمائتي دينار‪ ،‬وللزامر بمائة‪ .‬وذكر إسحاق في خبره‬
‫‪:‬عن أبي الخطاب أنه غنى هشاما‬

‫صفحة ‪217 :‬‬

‫صوت‬

‫تين من أسـمـاء نـارا‬ ‫صاح هل أبصرت بالخب‬


‫ك ولم توقـد نـهـارا‬ ‫موهنا شبـت لـعـينـي‬
‫ن إذا البرق استـطـارا‬ ‫كتللي البرق في المـز‬
‫دى وأيامـا قـصـارا ‪ -‬الشعر للحوص‪ ،‬والغناء لبن سريج ثاني ثقيل بالسبابة في‬ ‫أذكرتني الوصل من سع‬
‫مجرى الوسطى عن إسحاق‪ .‬ونسبه ابن المكي إلى الغريض‪ .‬وقال يونس‪ :‬فيه لحنان لمالك ولم يجنسهما‪ .‬وقال الهشامي‪ :‬فيه‬
‫‪.‬لمالك خفيف رمل ‪ -‬قال‪ :‬فلم يزل هشام يستعيده حتى نزل من النجف‪ ،‬فأمر له بمائتي دينار‬

‫كان يغلي بغنائه الثمن وقال إسحاق‪ :‬قيل لحنين‪ :‬أنت تغني منذ خمسين سنة ما تركت لكريم مال ول دارا ول عقارا إل أتيت‬
‫‪.‬عليه فقال‪ :‬بأبي أنتم‪ ،‬إنما هي أنفاسي أقسمها بين الناس‪ ،‬أفتلومونني أن أغلي بها الثمن‬
‫غنى في ظل بيت أبي موسى الشعري أخبرني الحسين بن يحيى ومحمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه‬
‫ومصعب بن الزبير عن بعض المكيين‪ ،‬وأخبرني به الحرمي بن أبي العلء وحبيب بن نصر قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني‬
‫عمي مصعب قال حدثني شيخ من المكيين يقال له شريس قال‪ :‬إن لبالبطح أيام الموسم نشتري ونبيع إذ أقبل شيخ أبيض‬
‫الرأس واللحية على بغلة شهباء ما ندري أهو أشد بياضا أم بغلته أم ثيابه؛ فقال‪ :‬أين بيت أبي موسى? فأشرنا له إلى الحائط؛‬
‫فمضى حتى انتهى إلى الظل من بيت أبي موسى‪ ،‬ثم استقبلنا ببغلته ووجهه ثم اندفع يغني‪ :‬صوت‬

‫من دموع كثيرة الـتـسـكـاب‬ ‫أسعـدينـي بـدمـعة أسـراب‬


‫مغرما مولعا بأهل الحـصـاب‬ ‫إن أهل الحصاب قد تركـونـي‬
‫ما لمـن ذاق مـيتة مـن إياب‬ ‫فارقوني وقد علـمـت يقـينـا‬
‫سى إلى النخل من صفي السباب‬ ‫سكنوا الجزع جزع بيت أبي مـو‬
‫وكـهـول أعـفة وشـبــاب‬ ‫كم بذاك الحجون من حي صـدق‬
‫ما على الموت بعدهم من عتاب‬ ‫أهل بيت تتايعـوا لـلـمـنـايا‬
‫صرت فردا وملني أصحـابـي ‪ -‬الشعر لكثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة‬ ‫فلي الويل بعدهـم وعـلـيهـم‬
‫السهمي‪ .‬والغناء لمعبد ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى‪ .‬وفيه لبن أبي دباكل الخزاعي ثاني ثقيل بالوسطى عن ابن‬
‫خرداذبة ‪ -‬قال‪ :‬ثم صرف الرجل بغلته وذهب‪ ،‬فتبعناه حتى أدركناه‪ ،‬فسألناه من هو‪ ،‬فقال‪ :‬أنا حنين بن بلوع وأنا رجل جمال‬
‫‪.‬أكري البل ثم مضى‬
‫خاف أن يفوقه ابن محرز بالعراق‬
‫فرده عنه‬
‫أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حماد على أبي عن المدائني‪ ،‬قال‪ :‬كان حنين غلما يحمل الفاكهة بالحيرة‪ ،‬وكان لطيفا في‬
‫عمل التحيات‪ ،‬فكان إذا حمل الرياحين إلى بيوت الفتيان ومياسير أهل الكوفة وأصحاب القيان والمتطربين إلى الحيرة ورأوا‬
‫رشاقته وحسن قده وحلوته وخفة روحه استحلوه‪ ،‬وأقام عندهم وخف لهم‪ ،‬فكان يسمع الغناء ويشتهيه ويصغي إليه ويستمعه‬
‫ويطيل الصغاء إليه‪ ،‬فل يكاد ينتفع به في شيء إذا سمعه‪ ،‬حتى شدا منه أصواتا فأسمعها الناس ‪ -‬وكان مطبوعا حسن الصوت‬
‫‪ -‬واشتهوا غناءه والستماع منه وعشرته‪ ،‬وشهر بالغناء ومهر فيه‪ ،‬وبلغ منه مبلغا كبيرا‪ ،‬ثم رحل إلى عمر بن داود الوادي وإلى‬
‫حكم الوادي‪ ،‬وأخذ منهما‪ ،‬وغنى لنفسه في أشعار الناس‪ ،‬فأجاد الصنعة وأحكمها‪ ،‬ولم يكن بالعراق غيره فاستولى عليه في‬
‫عصره‪ .‬وقدم ابن محرز حينئذ إلى الكوفة فبلغ خبره حنينا‪ ،‬وقد كان يعرفه‪ ،‬فخشي أن يعرفه الناس فيستحلوه ويستولي على‬
‫البلد فيسقط هو‪ ،‬قال له‪ :‬كم منتك نفسك من العراق? قال‪ :‬ألف دينار‪ ،‬قال‪ :‬فهذه خمسمائة دينار عاجلة فخذها وانصرف‬
‫‪.‬واحلف لي أنك ل تعود إلى العراق؛ فأخذها وانصرف‬
‫أخبرني عمي وعيسى بن الحسين قال حدثنا أبو أيوب المدائني عن أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل قال‪ :‬كان ابن محرز قدم‬
‫الكوفة وبها بشر بن مروان‪ ،‬وقد بلغه أنه يشرب الشراب ويسمع الغناء‪ ،‬فصادفه وقد خرج إلى البصرة؛ وبلغ خبره حنين بن‬
‫بلوع فتلطف له حتى دعاه؛ فغناه ابن محرز لحنه ‪ -‬قال أحمد بن إبراهيم وهو من الثقيل الثاني من جيد الغاني ‪ :-‬صوت‬

‫على واضح الليت زان العقودا‬ ‫وحر الزبرجد في نـظـمـه‬

‫صفحة ‪218 :‬‬


‫وكالجمر أبصرت فيه الفريدا قال‪ :‬فسمع شيئا هاله وحيره‪ ،‬فقال له حنين‪ :‬كم منتك‬ ‫يفـصـل ياقـوتـــه دره‬
‫نفسك من العراق? قال‪ :‬ألف دينار‪ ،‬فقال‪ :‬هذه خمسمائة دينار حاصلة عاجلة ونفقتك في عودتك وبدأتك ودع العراق لي وامض‬
‫‪.‬مصاحبا حيث شئت ‪ -‬قال‪ :‬وكان ابن محرز صغير الهمة ل يحب عشرة الملوك ول يؤثر على الخلوة شيئا ‪ -‬فأخذها وانصرف‬
‫خرج إلى حمص وغنى بها‬
‫فلم يستطعم أهلها غناؤه‬
‫وقال حماد في خبره قال أبي حدثني بعض أهل العلم بالغناء عن حنين قال‪ :‬خرجت إلى حمص ألتمس الكسب بها وأرتاد من‬
‫أستفيد منه شيئا‪ ،‬فسألت عن الفتيان بها وأين يجتمعون‪ ،‬فقيل لي‪ :‬عليك بالحمامات فإنهم يجتمعون بها إذا أصبحوا فجئت إلى‬
‫أحدها فدخلته‪ ،‬فإذا فيه جماعة منهم‪ ،‬فأنست وانبسطت‪ ،‬وأخبرتهم أني غريب‪ ،‬ثم خرجوا وخرجت معهم‪ ،‬فذهبوا بي إلى منزل‬
‫أحدهم‪ ،‬فلما قعدنا أتينا بالطعام فأكلنا وأتينا بالشراب فشربنا‪ ،‬فقلت لهم‪ :‬هل لكم في مغن يغنيكم? قالوا‪ :‬ومن لنا بذلك?‬
‫قلت‪ :‬أنا لكم به‪ ،‬هاتوا عودا فأتيت به‪ ،‬فابتدأت في هنيات أبي عباد معبد‪ ،‬فكأنما غنيت للحيطان ل فكهوا لغنائي ول سروا به‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬ثقل عليهم غناء معبد لكثرة عمله وشدته وصعوبة مذهبه‪ ،‬فأخذت في غناء الغريض فإذا هو عندهم كل شيء‪ ،‬وغنيت‬
‫خفائف ابن سريج‪ ،‬وأهزاج حكم‪ ،‬والغاني التي لي‪ ،‬واجتهد في أن يفهموا‪ ،‬فلم يتحرك من القوم أحد‪ ،‬وجعلوا يقولون‪ :‬ليت أبا‬
‫منبه قد جاءنا‪ ،‬فقلت في نفسي‪ :‬أرى أني سأفتضح اليوم بأبي منبه فضيحة لم يتفضح أحد قط مثلها‪ .‬فبينا نحن كذلك إذ جاء أبو‬
‫منبه‪ ،‬وإذا هو شيخ عليه خفان أحمران كأنه جمال‪ ،‬فوثبوا جميعا إليه وسلموا عليه وقالوا‪ :‬يا أبا منبه أبطأت علينا‪ ،‬وقدموا له‬
‫‪:‬الطعام وسقوه أقداحا‪ ،‬وخنست أنا حتى صرت كل شيء خوفا منه‪ ،‬فأخذ العود ثم اندفع يغني‬
‫ل تشقي على رجال المدينة فأقبل القوم يصفقون ويطربون ويشربون‪ ،‬ثم أخذ‬ ‫طرب البحر فاعبري يا سفينه‬
‫في نحو هذا من الغناء؛ فقلت في نفسي‪ :‬أنتم ها هنا لئن أصبحت سالما ل أمسيت في هذه البلدة‪ .‬فلما أصبحت شددت رحلي‬
‫‪:‬على ناقتي واحتقبت ركوة من شراب ورحلت متوجها إلى الحيرة‪ ،‬وقلت‬
‫قة بين السدير والـصـنـين‬ ‫ليت شعري متى تخب بي النا‬
‫وبقول وقطـعة مـن نـون‬ ‫محقبا ركوة وخـبـز رقـاق‬
‫م وحسبي عللة تكـفـينـي‬ ‫لست أبغي زادا سواها من الشا‬
‫وبعادا لمعشر فـارقـونـي غنى خالد القسري بعد ما حرم الغناء‬ ‫فإذا أبت سالما قلت سـحـقـا‬
‫أخبرني محمد بن مزيد والحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه‪ ،‬وأخبرنا به وكيع في عقب أخبار رواها عن حماد بن إسحاق عن‬
‫أبيه فقال‪ :‬وقال لي إسحاق‪ ،‬فل أدري أأدرج السناد وهو سماعه أم ذكره مرسل‪ ،‬قال إسحاق وذكر ابن كناسة‪ :‬أن خالد بن عبد‬
‫الله القسري حرم الغناء بالعراق في أيامه‪ ،‬ثم أذن للناس يوما في الدخول عليه عامة ‪ ،‬فدخل إليه حنين ومعه عود تحت‬
‫ثيابه‪ ،‬فقال‪ :‬أصلح الله المير‪ ،‬كانت لي صناعة أعود بها على عيالي فحرمها المير فأضر ذلك بي وبهم‪ ،‬فقال‪ :‬وما صناعتك?‬
‫فكشف عن عوده وقال‪ :‬هذا؛ فقال له خالد‪ :‬عن‪ ،‬فحرك أوتاره وغنى‪ :‬صوت‬

‫ر أأنت المبرأ المـوفـور‬ ‫أيها الشأمت المعير بـالـده‬


‫ام بل أنت جاهل مغـرور‬ ‫أم لديك العهد الوثيق من الي‬
‫ذا عليه من أن يضام خفـير قال‪ :‬فبكى خالد وقال‪ :‬قد أذنت لك وحدك خاصة‬ ‫من رأيت المنون خلدن أم من‬
‫‪.‬فل تجالسن سفيها ول معربدا‪ .‬فكان إذا دعي قال‪ :‬أفيكم سفيه أو معربد? فإذا قيل له‪ :‬ل‪ ،‬دخل‬
‫شعر هذا الصوت المذكور لعدي بن زيد‪ ،‬والغناء لحنين رمل بالوسطى عن عمرو‪ .‬وقوله‪ :‬المبرأ‪ ،‬يعني المبرأ من المصائب‪.‬‬
‫‪.‬والموفور‪ :‬الذي لم يذهب من ماله ول من حاله شيء‪ ،‬يقال‪ :‬وفر الرجل يوفر‪ .‬ولديك بمعنى عندك ها هنا‬
‫غنى بشر بن مروان بحضور الشعبي‬

‫صفحة ‪219 :‬‬

‫أخبرني أبو صالح محمد بن عبد الواحد الصحاف الكوفي قال حدثنا قعنب بن المحرز الباهلي قال أخبرنا الهيثم بن عدي عن‬
‫عبد الله بن عياش وعن مجالد عن الشعبي جميعا‪ ،‬وأخبرني محمد بن مزيد وحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن الهيثم بن‬
‫عدي عن عبد الله بن عياش عن الشعبي قال‪ :‬لما ولي بشر بن مروان الكوفة كنت على مظالمه‪ ،‬فأتيته عشية وحاجبه أعين‬
‫صاحب حمام أعين جالس‪ ،‬فقلت له‪ :‬استأذن لي على المير فقال لي‪ :‬يا أبا عمرو‪ ،‬هو على حال ما أظنك تصل إليه معها؛‬
‫فقلت‪ :‬أعلمه ‪ -‬وخلك ذم ‪ -‬فقد حدث أمر لبد لي من إنهائه إليه ‪ -‬وكان ل يجلس بالعشي ‪ -‬فقال‪ :‬ل‪ ،‬ولكن اكتب حاجتك في‬
‫رقعة حتى أوصلها إليه؛ فكتبت رقعة‪ ،‬فما لبث أن خرج التوقيع على ظهرها‪ :‬ليس الشعبي ممن يحتشم منه فأذن له‪ ،‬فأذن لي‬
‫فقال‪ :‬ادخل‪ ،‬فدخلت فإذا بشر بن مروان عليه غللة رقيقة صفراء وملءة تقوم قياما من شدة الصقال‪ ،‬وعلى رأسه إكليل من‬
‫ريحان‪ ،‬وعلى يمينه عكرمة بن ربعى‪ ،‬وعلى يساره خالد بن عتاب بن ورقاء‪ ،‬وإذا بين يديه حنين بن بلوع معه عوده‪ ،‬فسلمت‬
‫فرد علي السلم ورحب وقرب‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا أبا عمرو‪ ،‬لو كان غيرك لم آذن له على هذه الحال‪ ،‬فقلت‪ :‬أصلح الله المير‪ ،‬عندي‬
‫لك الستر لكل ما أرى منك والدخول معك فيما ل يجمل‪ ،‬والشكر على ماتوليني؛ فقال‪ :‬كذلك الظن بك‪ ،‬ثم التفت إلى حنين‬
‫وعوده في حجره وعليه قباء خشك شوي ‪ -‬وقال إسحاق‪ :‬خشكون ‪ -‬ومستقة حمراء وخفان مكعبان‪ ،‬فسلم علي؛ فقلت له‪:‬‬
‫كيف أنت ابا كعب‪ ،‬فقال‪ :‬بخير أبا عمرو؛ فقلت‪ :‬احزق الزير وأعرخ البم ففعل؛ وضرب فأجاد؛ فقال بشر لصحابه‪ :‬تلومونني‬
‫على أن آذن له في كل حال ثم أقبل علي فقال‪ :‬أبا عمرو‪ ،‬من أين وقع لك حزق الزير? فقلت‪ :‬ظننت أن المر هناك‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫فإن المر كما ظننت هناك كله‪ .‬ثم قال‪ :‬فمن أين تعرف حنينا? فقلت‪ :‬هذا بطة أعراسنا فكيف ل أعرفه فضحك‪ ،‬وغنى حنين‬
‫فأجاد فطرب وأمر له بجائزة‪ ،‬ثم ودعته وقمت بعد أن ذكرت له ما جئت فيه‪ ،‬فأمر لي بعشرة آلف درهم وعشرة أثواب‪،‬‬
‫فقمت مع الخادم حتى قبضت ذلك منه وانصرفت‪ .‬وقد وجدت هذا الخبر بخط أبي سعيد السكري يأثره عن محمد بن عثمان‬
‫‪:‬المخزومي عن أبيه عن جده‪ :‬أنه كان عند بشر بن مروان يوم دخل عليه الشعبي هذا المدخل وأن حنين بن بلوع غناه‬
‫وقالوا اتعدنا للرواح وبكـروا وهذا القول خطأ قبيح‪ ،‬لن هذا الشعر للعباس‬ ‫هم كتموني سيرهم حين أزمعوا‬
‫‪.‬بن الحنف‪ ،‬والغناء لعلويه رمل بالوسطى‪ ،‬وغني للمأمون فيه فقال‪ :‬سخروا من أبي الفضل أعزه الله‬
‫شيء من أوصاف الحيرة‬
‫أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حماد بن إسحاق‪ :‬قرأت على أبي‪ ،‬وقال أبو عبيد الله الكاتب حدثني سليمان بن بشر بن‬
‫عبد الملك بن بشر بن مروان قال‪ :‬وكان بعض ولة الكوفة يذم الحيرة في أيام بني أمية‪ ،‬فقال له رجل من أهلها ‪ -‬وكان عاقل‬
‫ظريفا ‪ :-‬أتعيب بلدة يضرب بها المثل في الجاهلية والسلم قال‪ :‬وبماذا تمدح? قال‪ :‬بصحة هوائها‪ ،‬وطيب مائها‪ ،‬ونزهة‬
‫ظاهرها‪ ،‬تصلح للخف والظلف‪ ،‬سهل وجبل‪ ،‬وبادية وبستان‪ ،‬وبر وبحر‪ ،‬محل الملوك ومزارهم‪ ،‬ومسكنهم ومثواهم‪ ،‬وقد قدمتها‬
‫‪ -‬أصلحك الله ‪ -‬مخفا فرجعت مثقل ووردتها مقل فأصارتك مكثرا‪ ،‬قال‪ :‬فكيف نعرف ما وصفتها به من الفضل? قال‪ :‬بأن تصير‬
‫إلي‪ ،‬ثم ادع ما شئت من لذات العيش‪ ،‬فوالله ل أجوز بك الحيرة فيه؛ قال‪ :‬فاصنع لنا صنيعا واخرج من قولك؛ قال‪ :‬أفعل‪،‬‬
‫فصنع لهم طعاما وأطعمهم من خبزها وسمكها وماصيد من وحشها‪ :‬من ظباء ونعام وأرانب وحبارى‪ ،‬وسقاهم من ماءها في‬
‫قللها‪ ،‬وخمرها في آنيتها‪ ،‬وأجلسهم على رقمها ‪ -‬وكان يتخذ بها من الفرش أشياء ظريفة ‪ -‬ولم يستخدم لهم حرا ول عبدا إل‬
‫من مولديها ومولداتها من خدم ووصائف ووصفاء كأنهم اللؤلؤ لغتهم لغة أهلها‪ ،‬ثم غناهم حنين وأصحابه في شعر عدي بن زيد‬
‫شاعرهم وأعشى همدان لم يتجاوزهما‪ ،‬وحياهم برياحينها‪ ،‬ونقلهم على خمرها‪ ،‬وقد شربوا بفواكهها؛ ثم قال له‪ :‬هل رأيتني‬
‫استعنت على شيء مما رأيت وأكلت وشربت وافترشت وشممت وسمعت بغير ما في الحيرة? قال‪ :‬ل والله‪ ،‬لقد أحسنت‬
‫‪.‬صفة بلدك ونصرته فأحسنت نصرته والخروج مما تضمنته‪ ،‬فبارك الله لكم في بلدكم‬
‫المغنون المشهورون بالحيرة غير حنين ونوع غنائهم‬

‫صفحة ‪220 :‬‬

‫قال إسحاق‪ :‬ولم يكن بالحيرة مذكور في الغناء سوى حنين إل نفرا من السدريين يقال لهم‪ :‬عباديس‪ ،‬وزيد بن الطليس‪ ،‬وزيد‬
‫بن كعب‪ ،‬ومالك بن حممة‪ ،‬وكانوا يغنون غناء الحيرة بين الهزج والنصب وهو إلى النصب أقرب ولم يدون منه شيء لسقوطه‬
‫وأنه ليس من أغاني الفحول‪ .‬وما سمعنا نحن لحد من هؤلء خبرا إل لمالك بن حممة‪ ،‬أخبرني به عمي عن عبد الله بن أبي‬
‫‪.‬سعد‬
‫عمره ونسبه‬
‫وقال وكيع في خبره عن إسحاق حدثني أبو بشر الفزاري قال حدثني بشر بن الحسين بن سليمان بن سمرة بن جندب قال‪:‬‬
‫عاش حنين بن بلوع مائة سنة وسبع سنين‪ ،‬وكان يقال أنه من جديس؛ قال وقيل أيضا‪ :‬إنه من لخم‪ ،‬وكان هو يزعم أنه عبادي‬
‫وأخواله من بني الحارث بن كعب غنى حفيده لبراهيم بن المهدي‬
‫وقص عليه خبر جده مع ابن سريج‬
‫أخبرني رضوان بن أحمد الصيدلني قال حدثنا يوسف بن إبراهيم قال حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن المهدي قال‪ :‬كنت مع‬
‫الرشيد في السنة التي نزل فيها على عون العبادي‪ ،‬فأتاني عون بابن ابن حنين بن بلوع‪ ،‬وهو شيخ‪ ،‬فغناني عدة أصوات لجده‪،‬‬
‫فما استحسنتها‪ ،‬لن الشيخ كان مشوه الخلق‪ ،‬طن الغناء‪ ،‬قليل الحلوة‪ ،‬إل أنه كان ل يفارق عمود الصوت أبدا حتى يفرغ منه‪،‬‬
‫‪:‬فغناني صوت ابن سريج‬
‫ما بين قلة رأسه والمعصم فما أذكر أني سمعته من أحد قط أحسن مما سمعته‬ ‫فتركته جزر السباع ينشنه‬
‫منه‪ ،‬فقلت له‪ :‬لقد أحسنت في هذا الصوت‪ ،‬وما هو من أغاني جدك‪ ،‬وإني لعجب من ذلك فقال لي الشيخ‪ :‬والصليب والقربان‬
‫ما صنع هذا الصوت إل في منزلنا وفي سرداب لجدي‪ ،‬ولقد كاد أن ياتي على نفس عمتي؛ فسألته عن الخبر في ذلك فقال‪:‬‬
‫ضافه ابن سريج متنكرا فأكرمه ثم بالغ في إكرامه لما عرفه حدثني أبي أن عبيد بن سريج قدم الحيرة ومعه ثلثمائة دينار‪ .‬فأتى‬
‫بها منزلنا في ولية بشر بن مروان الكوفة‪ ،‬وقال‪ :‬أنا رجل من أهل الحجاز من أهل مكة‪ ،‬بلغني طيب الحيرة وجودة خمرها‬
‫‪:‬وحسن غنائك في هذا الشعر‬
‫كأني خاتـل يدنـو لـصـيد‬ ‫حنتني حانيات الدهر حـتـى‬
‫ولست مقـيدا أنـي بـقـيد فخرجت بهذه الدنانير لنفقها معك وعندك ونتعاشر‬ ‫قريب الخطو يحسب من رآني‬
‫حتى تنفد وأنصرف إلى منزلي‪ .‬فسأله جدي عن اسمه ونسبه فغيرهما وانتمى إلى بني مخزوم‪ ،‬فأخذ جدي المال منه وقال‪:‬‬
‫موفر مالك عليك ولك عندنا كل ما يحتاج إليه مثلك ما نشطت للمقام عندنا‪ ،‬فإذا دعتك نفسك إلى بلدك جهزناك إليه ورددنا‬
‫عليك مالك وأخلفنا ما أنفقته عليك إلى أن جئتنا‪ ،‬وأسكنه دارا كان ينفرد فيها‪ ،‬فمكث عندنا شهرين ل يعلم جدي ول أحد من‬
‫أهلنا أنه يغني‪ ،‬حتى انصرف جدي من دار بشر بن مروان في يوم صائف مع قيام الظهيرة‪ ،‬فصار إلى باب الدار التي كان أنزل‬
‫ابن سريج فيها فوجده مغلقا فارتاب بذلك‪ ،‬ودق الباب فلم يفتح له ولم يجبه أحد‪ ،‬فصار إلى منازل الحرم فلم يجد فيها ابنته ول‬
‫جواريه‪ ،‬ورأى ما بين الدار التي فيها الحرم ودار ابن سريج مفتوحا‪ ،‬فانتضى سيفه ودخل الدار ليقتل ابنته؛ فلما دخلها رأى ابنته‬
‫وجواريه وقوفا على باب السرداب‪ ،‬وهن يومئن إليه بالسكوت وتخفيف الوطء‪ ،‬فلم يلتفت إلى إشارتهن لما تداخله‪ ،‬إلى أن‬
‫سمع ترنم ابن سريج بهذا الصوت‪ ،‬فألقى السيف من يده وصاح به ‪ -‬وقد عرفه من غير أن يكون رآه‪ ،‬ولكن بالنعت والحذق ‪:-‬‬
‫أبا يحيى‪ ،‬جعلت فداءك‪ ،‬أتيتنا بثلثمائة دينار لتنفقها عندنا في حيرتنا فوحق المسيح ل خرجت منها إل ومعك ثلثمائة دينار‬
‫وثلثمائة دينار وثلثمائة دينار سوى ما جئت به معك‪ ،‬ثم دخل إليه فعانقه ورحب به ولقيه بخلف ما كان يلقاه به‪ ،‬وسأله عن هذا‬
‫الصوت‪ ،‬فأخبره أنه صاغه في ذلك الوقت‪ .‬فصار معه إلى بشر بن مروان فوصله بعشرة آلف درهم أول مرة‪ ،‬ثم وصله بعد‬
‫ذلك بمثلها؛ فلما أراد الخروج رد عليه جدي ماله وجهزه ووصله بمقدار نفقته التي أنفقها من مكة إلى الحيرة‪ ،‬ورجع ابن سريج‬
‫‪.‬إلى أهله وقد أخذ جميع من كان في دارنا منه هذا الصوت‬
‫استقدمه ابن سريج والغريض ومعبد إلى الحجاز فقدم وغنى فازدحم الناس فسقط عليه السطح فمات أخبرني عمي قال‬
‫‪:‬حدثني عبد الله بن أبي سعد قال حدثني حسان بن محمد الحارثي قال حدثنا عبد الله قال حدثنا عبيد بن حنين الحيري قال‬

‫صفحة ‪221 :‬‬

‫كان المغنون في عصر جدي أربعة نفر ثلثة بالحجاز وهو وحده بالعراق‪ ،‬والذين بالحجاز‪ :‬ابن سريج والغريض ومعبد‪ ،‬فكان‬
‫‪:‬يبلغهم أن جدي حنينا قد غنى في هذا الشعر‬
‫وكففت عن ذم المشـيب الئب‬ ‫هل بكيت على الشباب الذاهـب‬
‫من خمر بابل لذة لـلـشـارب‬ ‫هذا ورب مسوفين سقـيتـهـم‬
‫من ذات كوب مثل قعب الحالب‬ ‫بكروا علي بسحرة فصبحتـهـم‬
‫قنديل فصح في كنيسة راهـب قال‪ :‬فاجتمعوا فتذاكروا أمر جدي وقالوا‪ :‬ما في‬ ‫بزجاجة ملء الـيدين كـأنـهـا‬
‫الدنيا أهل صناعة شر منا‪ ،‬لنا أخ بالعراق ونحن بالحجاز‪ ،‬ل نزوره ول نستزيره‪ .‬فكتبوا إليه ووجهوا إليه نفقة وكتبوا يقولون‪ :‬نحن‬
‫ثلثة وأنت وحدك فأنت أولى بزيارتنا‪ ،‬فشخص إليهم‪ ،‬فلما كان على مرحلة من المدينة بلغهم خبره فخرجوا يتلقونه‪ ،‬فلم ير‬
‫يوم كان أكثر حشرا ول جمعا من يومئذ‪ ،‬ودخلوا‪ ،‬فلما صاروا في بعض الطريق قال لهم معبد‪ :‬صيروا إلي؛ فقال له ابن سريج‪:‬‬
‫إن كان لك من الشرف والمروءة مثل ما لمولتي سكينة بنت الحسين عطفنا إليك؛ فقال‪ :‬مالي من ذلك شيء‪ ،‬وعدلوا إلى‬
‫منزل سكينة‪ .‬فلما دخلوا إليها أذنت للناس إذنا فغصت الدار بهم وصعدوا فوق السطح‪ ،‬وأمرت لهم بالطعمة فأكلوا منها‪ ،‬ثم‬
‫‪:‬إنهم سألوا جدي حنينا أن يغنيهم صوته الذي أوله‬
‫هل بكيت على الشباب الذاهب فغناهم إياه بعد أن قال لهم‪ :‬ابدءوا أنتم؛ فقالوا‪ :‬ما كنا لنتقدمك ول نغني قبلك حتى نسمع هذا‬
‫الصوت؛ فغناهم إياه‪ ،‬وكان من أحسن الناس صوتا‪ ،‬فازدحم الناس على السطح وكثروا ليسمعوه‪ ،‬فسقط الرواق على من‬
‫تحته فسلموا جميعا وأخرجوا أصحاء‪ ،‬ومات حنين تحت الهدم؛ فقالت سكينة‪ :‬لقد كدر علينا حنين سرورنا‪ ،‬انتظرناه مدة طويلة‬
‫‪.‬وكأنا والله كنا نسوقه إلى منيته‬
‫نسبة ما في الخبر الول من الغناء‬
‫الغناء في الصوات المتقدمة صوت‬

‫ما بين قلة رأسه والمعصم‬ ‫وتركته جزر السباع ينشنه‬


‫طب بأخذ الفارس المستلئم الشعر لعنترة بن شداد العبسي‪ ،‬والغناء فيه لحنين‬ ‫إن تغدفي دوني القناع فإنني‬
‫‪.‬ثاني ثقيل‬
‫ومنها‪ :‬صوت‬

‫كأني خاتـل يدنـو لـصـيد‬ ‫حنتني حانيات الدهر حـتـى‬


‫ولست مقـيدا أنـي بـقـيد الغناء لحنين الحيري ثقيل أول‪ :‬وفيه لبراهيم‬ ‫قريب الخطو يحسب من رآني‬
‫الموصلي ماخوري جميعا عن ابن المكي‪ ،‬ووافقه عمرو بن بانة في لحن إبراهيم الموصلي‪ .‬ونسبة الشعر الذي غناه حنين في‬
‫منزل سكينة يقال‪ :‬إنه لعدي بن زيد‪ ،‬وقيل‪ :‬إن بعضه له وقد أضافه المغنون إليه‪ .‬ولحنه خفيف ثقيل مطلق في مجرى البنصر‬
‫‪.‬عن إسحاق‬

‫صوت من المائة المختارة‬

‫يوم الرحيل فهاج لي أطرابي‬ ‫راع الفؤاد تفرق الحـبـاب‬


‫سحا تفيض كواشل السراب‬ ‫فظللت مكتئبا أكفكف عبـرة‬
‫بزل الجمال لطـية وذهـاب‬ ‫لما تنادوا للرحـيل وقـربـوا‬
‫والوجه منك لبين إلفك كابي عروضه من الكامل‪ .‬والشعر لعمر بن أبي ربيعة‪.‬‬ ‫كاد السى يقضي عليك صبابة‬
‫والغناء للغريض‪ ،‬ولحنه المختار من الثقيل الول بإطلق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق‪ .‬وقال حبش‪ :‬وفيه لبي كامل‬
‫ثاني ثقيل بالوسطى ‪ .‬وذكر حبش‪ :‬أن للغريض أيضا فيه خفيف ثقيل بالوسطى‪ .‬ولمالك ثقيل أول بالوسطى‪ .‬وهذه البيات‬
‫‪.‬قالها عمر بن أبي ربيعة في بنت لعبد الملك بن مروان كانت حجت في خلفته‬
‫ابن أبي ربيعة مع بنت عبد الملك‬
‫أخبرني علي بن صالح بن الهيثم قال أخبرني أبو هفان عن إسحاق بن إبراهيم عن الزبيري والمدائني ومحمد بن سلم‬
‫‪:‬والمسيبي‬

‫صفحة ‪222 :‬‬

‫أن بنتا لعبد الملك بن مروان حجت‪ ،‬فكتب الحجاج إلى عمر بن أبي ربيعة يتوعده إن ذكرها في شعره بكل مكروه؛ وكانت‬
‫تحب أن يقول فيها شيئا وتتعرض لذلك‪ ،‬فلم يفعل خوفا من الحجاج‪ .‬فلما قضت حجها خرجت فمر بها رجل فقالت له‪ :‬من أين‬
‫أنت? قال‪ :‬من أهل مكة؛ قالت‪ :‬عليك وعلى أهل بلدك لعنة الله قال‪ :‬ولم ذاك? قالت‪ :‬حججت فدخلت مكة ومعي من‬
‫الجواري ما لم تر العين مثلهن‪ ،‬فلم يستطع الفاسق ابن أبي ربيعة أن يزودنا من شعره أبياتا نلهو بها في الطريق في سفرنا‬
‫قال‪ :‬فإني ل أراه إل قد فعل؛ قالت‪ :‬فأتنا بشيء إن كان قاله ولك بكل بيت عشرة دنانير؛ فمضى إليه فأخبره؛ فقال‪ :‬لقد‬
‫‪:‬فعلت‪ ،‬ولكن أحب أن تكتم علي؛ قال‪ :‬أفعل؛ فأنشده‬
‫يوم الرحيل فهاج لي أطرابي وهي طويلة‪ .‬وأنشده‬ ‫‪:‬راع الفؤاد تفرق الحـبـاب‬
‫واعترتني نوائب الطراب وهي طويلة أيضا‪ ،‬يقول فيها‬ ‫‪:‬هاج قلبي تذكر الحبـاب‬
‫ل تكوني علي سـوط عـذاب‬ ‫اقتليني قتل سريعـا مـريحـا‬
‫فهي كالشمس من خلل سحاب ‪ -‬ذكر حبش‪ :‬أن في هذه الثلثة البيات للهذلي‬ ‫شف عنها محـقـق جـنـدي‬
‫‪.‬ثاني ثقيل بالبنصر ‪ -‬قال‪ :‬فعاد إليها الرجل فأنشدها هاتين القصيدتين فدفعت إليه ما وعدته به‬

‫ذكر الغريض وأخباره‬


‫اسمه وكنيته وسبب لقبه‬
‫الغريض لقب لقب به‪ ،‬لنه كان طري الوجه نضرا غض الشباب حسن المنظر‪ ،‬فلقب بذلك‪ .‬والغريض‪ :‬الطري من كل شيء‪.‬‬
‫وقال ابن الكلبي‪ :‬شبه بالغريض وهو الجمار فسمي به‪ ،‬وثقل ذلك على اللسنة فحذفت اللف منه‪ ،‬فقيل له‪ :‬الغريض‪ :‬واسمه‪:‬‬
‫‪.‬عبد الملك‪ ،‬وكنيته‪ :‬أبو يزيد‬
‫وأخبرنا إسماعيل بن يونس الشيعي عن عمر بن شبة عن أبي غسان عن جماعة من المكيين‪ :‬أنه كان يكنى أبا مروان‪ .‬وهو‬
‫مولى العبلت‪ ،‬وكان مولدا من مولدي البربر‪ .‬وولؤه وولء يحيى قيل وسمية للثريا صاحبة عمر بن أبي ربيعة وأخواتها‪ :‬الرضيا‬
‫‪.‬وقريبة وأم عثمان بنات علي بن عبد الله بن الحارث بن أمية الصغر‪ ،‬وقد مضت أخبارهن في صدر الكتاب‬
‫أخذه الغناء عن ابن سريج‬
‫فلما رأى ابن سريج مخايل التفوق فيه حده وطرده‬
‫أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثني محمد بن نصر الضبعي قال حدثني عبد الكريم بن أبي معاوية العلبي عن‬
‫هشام بن الكلبي عن أبيه وعن أبي مسكين‪ ،‬وأخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثني عمر بن شبة قال حدثني أبو‬
‫غسان محمد بن يحيى‪ ،‬وأخبرني الحسين بن يحيى ومحمد بن أبي الزهر حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن الزبيري والمدائني‬
‫ومحمد بن سلم‪ ،‬وقد جمعت رواياتهم في قصة الغريض‪ ،‬قالوا‪ :‬كان الغريض يضرب بالعود وينقر بالدف ويوقع بالقضيب‪ ،‬وكان‬
‫جميل وضيئا‪ ،‬وكان يصنع نفسه ويبرقها‪ .‬وكان قبل أن يغني خياطا‪ .‬وأخذ الغناء في أول أمره عن ابن سريج‪ ،‬لنه كان يخدمه‪.‬‬
‫فلما رأى ابن سريج طبعه وظرفه وحلوة منطقه خشي أن يأخذ غناءه فيغلبه عليه عند الناس ويفوقه بحسن وجهه وجسده؛‬
‫فاعتل عليه‪ ،‬وشكاه إلى مولياته‪ ،‬وهن كن دفعنه إليه ليعلمه الغناء‪ ،‬وجعل يتجنى عليه ثم طرده؛ فشكا ذلك إلى مولياته‬
‫وعرفهن غرض ابن سريج في تنحيته إياه عن نفسه‪ ،‬وأنه حسده على تقدمه؛ تعلم النوح وكان ينوح في المآتم‬
‫فقلن له‪ :‬هل لك في أن تسمع نوحنا على قتلنا فتأخذه وتغني عليه? قال‪ :‬نعم فافعلن‪ ،‬فأسمعنه المراثي فاحتذاها وخرج غناء‬
‫عليها كالمراثي‪ ،‬وكان ينوح مع ذلك فيدخل المآتم وتضرب دونه الحجب ثم ينوح فيفتن كل من سمعه‪ .‬ولما كثر غناؤه اشتهاه‬
‫الناس وعدلوا إليه لما كان فيه من الشجا‪ .‬فكان ابن سريج ل يغني صوتا إل عارضه الغريض فيه لحنا آخر‪ .‬فلما رأى ابن سريج‬
‫موقع الغريض اشتد عليه وحسده‪ ،‬فغنى الرمال والهزاج فاشتهاها الناس؛ فقال له الغريض‪ :‬يا أبا يحيى‪ ،‬قصرت الغناء‬
‫‪.‬وحذفته؛ قال‪ :‬نعم يا مخنث حين جعلت تنوح على أمك وأبيك‬

‫صفحة ‪223 :‬‬

‫قال إسحاق وحدثني أبو عبيدة قال‪ :‬لما غضب ابن سريج على الغريض فأقصاه وهجره لحق بحوراء وبغوم ‪ -‬جاريتين نائحتين‬
‫كانتا في شعب ابن عامر بمكة‪ ،‬ولم يكن قبلهما ول بعدهما مثلهما ‪ -‬فرأتاه يوما يعصر عينيه ويبكي؛ فقالتا له‪ :‬ما لك تبكي?‬
‫فذكر لهما ما صنع به ابن سريج؛ فقالتا له‪ :‬ل أرقأ الله دمعك ألزز رأسك بين ما أخذته عنه وبين ما تأخذه منا‪ ،‬فإن ضعت بعدها‬
‫‪.‬فأبعدك الله‬
‫عداده في الربعة المشهورين بالغناء‬
‫قال إسحاق وحدثني أبو عبد الله الزبيري قال‪ :‬رأيت جريرا في مجلس من مجالس قريش فسمعته يقول‪ :‬كان المغنون بمكة‬
‫أربعة‪ ،‬فسيد مبرز وتابع مسدد؛ فسألناه عن ذاك‪ ،‬فقال‪ :‬كان السيد أبو يحيى بن سريج والتابع أبو يزيد الغريض‪ .‬وكان هناك‬
‫رجل عالم بالصناعة فقال‪ :‬كان الغريض أحذق أهل زمانه بمكة بالغناء بعد ابن سريج‪ ،‬كان الناس ل يفرقون بينه وبين ابن‬
‫سريج وما زال أصحابنا ل يفرقون بينهما لمقاربتهما في الغناء‪ .‬قال الزبيري وقال بعض أهلي‪ :‬لو حكمت بين أبي يحيى وابي‬
‫يزيد لما فرقت بينهما‪ ،‬وإنما تفضيلي أبا يحيى بالسبق‪ ،‬فأما غير ذلك فل‪ ،‬لن أبا يزيد عنه أخذ ومن بحره اغترف وفي ميدانه‬
‫‪:‬جرى‪ ،‬فكان كأنه هو؛ ولذلك قالت سكينة لما غنى الغريض وابن سريج‬
‫عوجي علينا ربة الهودج والله ما أفرق بينكما‪ ،‬وما مثلكما عندي إل كمثل اللؤلؤ والياقوت في أعناق الجواري الحسان ل يدرى‬
‫‪.‬أي ذلك أحسن‬
‫قال إسحاق‪ :‬وسمعت جماعة من البصراء عند أبي يتذاكرونهما‪ ،‬فأجمعوا على ‪</H6‬قيل كان أشجى غناء من ابن سريج ‪<H6‬‬
‫‪.‬أن الغريض أشجى غناء‪ ،‬وأن ابن سريج أحكم صنعة‬
‫غنى الناس بجمع فحسبوه من الجن‬
‫قال إسحاق وحدثني أبو عبد الله الزبيري قال حدثني بعض أهلي قال‪ :‬حججنا فلما كنا بجمع سمعنا صوتا لم نسمع أحسن منه‬
‫ول أشجى‪ ،‬فأصغى الناس كلهم إليه تعجبا من حسنه‪ ،‬فسألت‪ :‬من هذا الرجل? فقيل لي‪ :‬الغريض‪ ،‬فتتابع جماعة من أهل مكة‬
‫فقالوا‪ :‬ما نعرف اليوم أحسن غناء من الغريض‪ ،‬ويدلك على ذلك أنه يعترض بصوته الحاج وهم في حجهم فيصغون إليه‪ .‬فسألوا‬
‫الغريض عن ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬نعم‪ ،‬فسألوه أن يغنيهم فأجابهم‪ ،‬وخرج فوقف حيث ل يرى ويسمع صوته فترنم ورجع صوته وغنى في‬
‫‪:‬شعر عمر بن أبي ربيعة‬
‫قد قضى من تهامة الوطارا فما سمع السامعون شيئا كان أحسن من ذلك‬ ‫أيها الرائح المجد ابتـكـارا‬
‫‪.‬الصوت‪ ،‬وتكلم الناس فقالوا‪ :‬طائفة من الجن حجاج‬
‫نسبة هذا الصوت‬
‫صوت‬

‫قد قضى من تهامة الوطارا‬ ‫أيها الرائح المجد ابتـكـارا‬


‫ففؤادي بالخيف أمسى معارا‬ ‫من يكن قلبه الغـداة خـلـيا‬
‫كل شهرين حجة واعتمـارا عروضه من الخفيف‪ .‬الشعر لعمر بن أبي ربيعة‪.‬‬ ‫ليت ذا الحج كان حتما علينـا‬
‫والغناء لبن محرز‪ ،‬ولحنه من القدر الوسط من الثقيل الثاني بالخنصر في مجرى الوسطى‪ .‬وفيه لحن للغريض من رواية حماد‬
‫‪.‬عن أبيه‬
‫غنى هو ومعبد وابن سريج‬
‫على أبي قبيس فعفا الوالي عنهم بعد المر بنفيهم‬
‫أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وإسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني إسحاق بن إبراهيم قال‪ :‬بلغني‬
‫أن معبدا وابن سريج والغريض اجتمعوا بمكة ذات ليلة فقالوا‪ :‬هلم نبك أهل مكة‪ ،‬ووجدت هذا الخبر بغير إسناد مرويا عن‬
‫يونس الكاتب‪ :‬أن أميرا من أمراء مكة أمر بإخراج المغنين من الحرم‪ ،‬فلما كان في الليلة التي عزم بهم على النفي في غدها‬
‫اجتمعوا على أبي قبيس ‪ -‬وكان معبد قد زارهم ‪ -‬فبدأ معبد فغنى ‪ -‬كذا روي عن يونس ولم يذكره الباقون‪ :‬صوت‬

‫أجدا البكا إن التفرق باكر‬ ‫أتربي من أعلى معد هديتما‬


‫بثهلن إل أن تزم الباعر ‪ -‬عروضه من الطويل‪ .‬هكذا ذكره ولم ينسبه ول‬ ‫فما مكثنا دام الجميل عليكما‬
‫‪:‬جنسه ‪ -‬قال‪ :‬فتأوه أهل مكة وأنوا وتمخطوا‪ .‬واندفع الغريض يغني‬
‫قد قضى من تهامة الوطارا فارتفع البكاء والنحيب‪ .‬واندفع ابن سريج يغني‬ ‫‪:‬أيها الرائح المجد ابتـكـارا‬
‫لمحب فـراقـه قـد ألـمـا‬ ‫جددي الوصل يا قريب وجودي‬
‫أن يردوا جمالهم فـتـزمـا‬ ‫ليس بين الحياة والـمـوت إل‬

‫صفحة ‪224 :‬‬

‫فارتفع الصراخ من الدور بالويل والحرب‪ .‬قال يونس في خبره‪ :‬واجتمع الناس إلى المير فاستعفوه من نفيهم فأعفاهم‪ .‬وذكر‬
‫‪:‬الباقون أن الغريض ابتدأ بلحنه‬
‫أيها الراكب المجد ابتكارا وتله ابن سريج في جددي الوصل‪ .‬قال‪ :‬وارتفع الصراخ فلم يسمع من معبد شيء ولم يقدر على‬
‫‪.‬أن يغني‬
‫غنت شطباء المغنية علي بن جعفر فطرب‬
‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير بن بكار قال أخبرني عبد الرحمن بن محمد السعدي قال‪ :‬حضرت شطباء‬
‫‪:‬المغنية جارية علي بن جعفر ذات يوم تغني‬
‫أن يردوا جمالهم فتزمـا فطرب علي بن جعفر وصاح‪ :‬سبحان الله العظيم أل‬ ‫ليس بين الرحيل والبين إل‬
‫‪.‬يوكون قربة أل يشدون محمل أل يعلقون سفرة أل يسلمون على جار هذه والله العجلة‬
‫لما ماتت الثريا ناح عليها الغريض‬
‫أخبرني أحمد بن عبد العزيز وإسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا محمد بن يحيى قال زعم عبيد بن يعلى‬
‫قال‪ :‬قال لي كثير بن كثير السهمي‪ :‬لما ماتت الثريا أتاني الغريض فقال لي‪ :‬قل لي شعرا أبك به عليها؛ فقلت‪ :‬صوت‬

‫أمن رمد بكيت فتكحلينـا‬ ‫أل يا عين ما لك تدمعينـا‬


‫فشجوك مثله أبكى العيونا فناح به عليها‪ .‬قال‪ :‬وأخبرني من رآه بين عمودي‬ ‫أم أنت مريضة تبكين شجوا‬
‫‪.‬سريرها ينوح به‪ .‬الغناء للغريض في هذين البيتين خفيف ثقيل بالوسطى عن ابن المكي‪ .‬وفيه ثقيل أول مجهول‬
‫تحاكم هو وابن سريج إلى سكينة‬
‫بنت الحسين فساوت بينهما‬
‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد بن سلم وأخبرنا وكيع قال‪ :‬حدثنا محمد بن‬
‫إسماعيل عن محمد بن سلم عن جرير‪ ،‬ورواه حماد عن أبيه عن ابن سلم عن جرير أيضا‪ :‬أن سكينة بنت الحسين حجت‬
‫فدخل إليها ابن سريج والغريض وقد استعار ابن سريج حلة لمرأة من قريش فلبسها؛ فقال لها ابن سريج‪ :‬يا سيدتي‪ ،‬إني كنت‬
‫صنعت صوتا وحسنته وتنوقت فيه‪ ،‬وخبأته لك في حريرة في درج مملوء مسكا فنازعنيه هذا الفاسق ‪ -‬يعني الغريض ‪ -‬فأردنا‬
‫‪:‬أن نتحاكم إليك فيه‪ .‬فأينا قدمته فيه تقدم؛ قالت‪ :‬هاته‪ ،‬فغناها‬
‫إنك إل تفعلي تحرجي فقالت‪ :‬هاته أنت يا غريض؛ فغناها إياها؛ فقالت لبن سريج‪:‬‬ ‫عوجي علينا ربة الهودج‬
‫أعده‪ ،‬فأعاده‪ ،‬وقالت‪ :‬يا غريض‪ ،‬أعده‪ ،‬فأعاده؛ فقالت‪ :‬ما أشبهكما إل بالجديين‪ :‬الحار والبارد ل يدرى أيهما أطيب‪ .‬وقال‬
‫‪.‬إسحاق في خبره‪ :‬ما أشبهكما إل باللؤلؤ والياقوت في أعناق الجواري الحسان ل يدرى أيهما أحسن‬
‫نسبة هذا الصوت‬
‫صوت‬

‫إنك إل تفعلي تـحـرجـي‬ ‫عوجي علينا ربة الـهـودج‬


‫إحدى بني الحارث من مذحج‬ ‫إني أتيحـت لـي يمـانـية‬
‫ل نلتقي إل على مـنـهـج‬ ‫نلبث حول كـامـل كـلـه‬
‫وأهله إن هي لم تـحـجـج‬ ‫في الحج إن حجت وماذا مني‬
‫بين حبـيب قـولـه عـرج عروضه من السريع‪ .‬والشعر للعرجي‪ .‬والغناء لبن سريج‬ ‫أيسر ما نال مـحـب لـدى‬
‫ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو‪ .‬وفيه للغريض ثقيل أول بالوسطى عن حبس‪ .‬ولسحاق في الول والثالث ثقيل أول بالبنصر‬
‫عن عمرو‪ .‬وللبجر فيه ثاني ثقيل بالخنصر في مجرى البنصر عن ابن المكي‪ .‬ولعلوية خفيف ثقيل عن الهشامي‪ .‬ولحكم خفيف‬
‫‪.‬رمل عنه أيضا‬
‫غنى عطاء بشعر العرجي فرده عليه‬
‫أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا عبد الله بن عمرو بن بشر قال حدثني إبراهيم بن المنذر قال حدثني حمزة بن عتبة‬
‫‪:‬اللهبي عن عبد الوهاب بن مجاهد أو غيره قال‪ :‬كنت مع عطاء بن ابي رباح فجاءه رجل فأنشده قول العرجي‬
‫‪:‬إني أتيحت لي يمانية وذكر البيات وختمها بقوله‬
‫وأهله إن هي لم تحـجـج قال فقال عطاء‪ :‬بمنى والله وأهله خير كثير إذ غيبها‬ ‫في الحج إن حجت وماذا منى‬
‫‪.‬الله وإياه عن مشاعره‬
‫قصة الوقص المخزومي مع سكران يغني‬
‫أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني إسحاق قال‪ :‬ولي قضاء مكة الوقص المخزومي فما رأى‬
‫‪:‬الناس مثله في عفافه ونبله‪ ،‬فإنه لنائم ليلة في جناح له إذ مر به سكران يتغنى‬
‫عوجي علينا ربة الهودج‬

‫صفحة ‪225 :‬‬

‫‪.‬فأشرف عليه فقال‪ :‬يا هذا شربت حراما وأيقظت نياما وغنيت خطأ خذه عني فأصلحه له وانصرف‬
‫عطاء بن رباح والبجر المغني‬
‫أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني إسحاق عن حمزة بن عتبة اللهبي قال‪ :‬مر البجر بعطاء وهو‬
‫سكران فعذله وقال‪ :‬شهرت نفسك بالغناء واطرحتها وأنت ذو مروءة‪ ،‬فقال‪ :‬امرأته طالق ثلثا إن برحت أو أغنيك صوتا‪ ،‬فإن‬
‫‪:‬قلت لي‪ :‬هو قبيح تركته؛ فقال له عطاء‪ :‬هات ويحك فقد أضررت بي‪ ،‬فغناه‬
‫وأهله إن هي لم تحـجـج فقال له عطاء‪ :‬الخير والله كله هناك حجت أو لم‬ ‫في الحج إن حجت وماذا مني‬
‫‪.‬تحج‪ ،‬فاذهب الن راشدا فقد برت يمينك‬
‫ابن أبي عتيق والغريض‬
‫أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني المغيرة بن محمد قال حدثني هارون بن‬
‫موسى الفروي قال حدثني بعض المدنيين قال‪ :‬خرج ابن أبي عتيق على نجيب له من المدينة قد أوقره من طرف المدينة‬
‫المشارب وغير ذلك‪ ،‬فلقي فتى من بني مخزوم مقبل من بعض ضياعه‪ ،‬فقال‪ :‬يابن أخي‪ ،‬أتصحبني? قال‪ :‬نعم؛ قال المخزومي‪:‬‬
‫فمضينا حتى إذا قربنا من مكة جنبنا عنها حتى جزناها فصرنا إلى قصر‪ ،‬فاستأذن ابن أبي عتيق فأذن له‪ ،‬فدخلنا فإذا رجل‬
‫جالس كأنه عجوز بربرية مختضبة‪ ،‬ل أشك في ذلك‪ ،‬وإذا هو الغريض وقد كبر‪ ،‬فقال له ابن أبي عتيق‪ :‬تشوقنا إليك‪ ،‬وأهدى له‬
‫ما كان معه‪ ،‬ثم قال له‪ :‬نحب أن نسمع؛ قال‪ :‬أدع فلنة ‪ -‬جارية له ‪ -‬فجاءت فغنت‪ ،‬فقال‪ :‬ما صنعت شيئا‪ ،‬ثم حل خضابه‬
‫‪:‬وغنى‬
‫‪.‬عوجى علينا ربة الهودج فما سمعت أحسن منه قط‪ ،‬فأقمنا عنده أياما كثيرة وخبازه وطعامه كثير‬
‫ثم قال له ابن أبي عتيق‪ :‬إني أريد الشخوص‪ ،‬فلم يبق بمكة تحفة عدني ول يمان ول عود إل أوقر به راحلته‪ .‬فلما ارتحلنا‬
‫وبرزنا صاح به الغريض‪ :‬هيا هيا‪ ،‬فرجعنا إليه؛ فقال‪ :‬ألم ترووا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‪ :‬يحشر من بقيعنا هذا‬
‫سبعون ألفا على صورة القمر ليلة البدر فقال له ابن أبي عتيق‪ :‬بلى‪ ،‬فقال‪ :‬هذه سن لي انتزعت فأحب أن تدفنها بالبقيع‪،‬‬
‫‪.‬فخرجنا والله أخسر اثنين لم نعتمر ولم ندخل مكة‪ ،‬حاملين سن الغريض حتى دفناها بالبقيع‬
‫غنى بعض أهل المدينة فطربوا لغنائه‬
‫‪:‬أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن بعض أهل المدينة قال‪ :‬خرج الغريض مع قوم فغناهم هذا الصوت‬
‫فقربني يوم الحصاب إلى قتلي فاشتد سرور القوم‪ ،‬وكان معهم غلم أعجبه‪،‬‬ ‫جرى ناصح بالود بيني وبينهـا‬
‫فطلب إليهم أن يكلموا الغلم في الخلوة معه ساعة ففعلوا‪ ،‬فانطلق مع الغلم حتى توارى بصخرة‪ ،‬فلما قضى حاجته أقبل‬
‫الغلم إلى القوم‪ ،‬وأقبل الغريض يتناول حجرا حجرا يقرع به الصخرة‪ ،‬ففعل ذلك مرارا‪ ،‬فقالوا له‪ :‬ما هذا يا غريض? قال‪ :‬كأني‬
‫‪.‬بها قد جاءت يوم القيامة رافعة ذيلها تشهد علينا بما كان منا إلى جانبها‪ ،‬فأردت أن أجرح شهادتها علي ذلك اليوم‬
‫نسبة هذا الصوت‬
‫صوت‬

‫فقربني يوم الحصاب إلى قتلـي‬ ‫جرى ناصح بالود بيني وبينـهـا‬
‫معي فتحدث غير ذي رقبة أهلي‬ ‫فقالت وأرخت جانب الستر إنمـا‬
‫ولكن سري ليس يحمله مثـلـي عروضه من الطويل‪ .‬الشعر لعمر بن أبي‬ ‫فقلت لها ما بي لهم منه ترقـب‬
‫ربيعة‪ .‬والغناء لبن سريج رمل بإطلق الوتر مجرى البنصر عن إسحاق في الثلثة البيات‪ .‬وذكر يونس أن فيه لحنا لمالك‪ ،‬وفيه‬
‫للغريض خفيف ثقيل أول بالوسطى عن حبش والهشامي وعلي بن يحيى وحماد بن إسحاق‪ .‬ولمعبد فيه ثقيل أول بالبنصر عن‬
‫‪.‬حبش‪ .‬ولبن محرز ثاني ثقيل بالوسطى عنه‬
‫كان عمر وجميل يتعارضان في الشعر‬
‫‪:‬حدثني علي بن صالح بن الهيثم قال حدثني أبو هفان عن إسحاق بن إبراهيم عن المسيبي والمدائني وابن سلم‬

‫صفحة ‪226 :‬‬

‫أن عمر بن أبي ربيعة كان يعارض جميل‪ ،‬إذا قال هذا قصيدة قال هذا مثلها‪ ،‬فيقال‪ :‬إن عمر في الرائية والعينية أشعر من‬
‫جميل‪ ،‬وإن جميل أشعر منه في اللمية‪ .‬وقال الزبير فيما أخبرني به الحرمي بن أبي العلء عنه‪ :‬من الناس من يفضل قصيدة‬
‫جميل اللمية على قصيدة عمر‪ ،‬وأنا ل أقول هذا‪ ،‬لن قصيدة جميل مختلفة غير مؤتلفة‪ ،‬فيها طوالع النجد وخوالد المهد‪،‬‬
‫وقصيدة عمر بن أبي ربيعة ملساء المتون‪ ،‬مستوية البيات‪ ،‬آخذ بعضها بأذناب بعض‪ ،‬ولو أن جميل خاطب في قصيدته مخاطبة‬
‫‪.‬عمر لرتج عليه وعثر كلمه به‬
‫أخبرني الحريم قال حدثنا الزبير قال حدثني محمد بن إسماعيل بن إبراهيم قال حدثني شيخ من أهلي عن أبي الحارث بن‬
‫‪:‬نابتة مولى هشام بن الوليد المخزومي وهو الذي يقول له عمر بن أبي ربيعة‬
‫فاستمع قول رشيد مؤتمن قال‪ :‬شهدت عمر بن أبي ربيعة وجميل بالبطح‪ ،‬فأنشد‬ ‫يا أبا الحارث قلبي طـائر‬
‫‪:‬جميل قصيدته التي يقول فيها‬
‫بثينة أو أبدت لنا جانب الـبـخـل ثم قال‪ :‬يا أبا الخطاب‪ ،‬هل قلت في هذا‬ ‫لقد فرح الواشون أن صرمت حبلي‬
‫‪:‬الوزن شيئا? قال‪ :‬نعم؛ فأنشده قوله‬
‫جرى ناصح بالود بيني وبينها فقال جميل‪ :‬هيهات يا أبا الخطاب‪ ،‬والله ل أقول مثل هذا سجيس الليالي‪ ،‬والله ما خاطب النساء‬
‫‪.‬مخاطبتك أحد وقام مشمرا‬
‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير بن بكار قال‪ :‬رأيت علماءنا جميعا ل يشكون في أن أحسن ما يروى في تعظيم‬
‫‪:‬السر قول عمر‬
‫ولكن سري ليس يحمله مثلي قال الزبير‪ :‬وحدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني ابن أبي الزناد قال‪ :‬إنما اجتمع عمر بن أبي‬
‫‪.‬ربيعة وجميل بالجناب‬
‫سمع الفرزدق شعر ابن أبي ربيعة فمدحه‬
‫أخبرني محمد بن أحمد الطلس قال أخبرنا أحمد بن الحارث الخزاز عن المدائني‪ :‬أن الفرزدق سمع عمر بن أبي ربيعة ينشد‬
‫‪:‬هذه القصيدة‪ ،‬فلما بلغ إلى قوله‬
‫فعلن الذي يفعلن من ذاك من أجلي صاح الفرزدق وقال‪ :‬هذا والله الشعر‬ ‫فقمن وقد أفهمن ذا اللـب أنـمـا‬
‫‪.‬الذي أرادته الشعراء فأخطأته وبكت الديار‬
‫نسبة ما في قصيدة عمر وسائر هذه الخبار من الغاني سوى قصيدة جميل فإن لها أخبارا تذكر مع أخباره فمن ذلك قصيدة‬
‫‪:‬عمر التي أولها‬
‫جرى ناصح بالود بيني وبينها صوت‬

‫عزيزة ذات الدل والخلق الجزل‬ ‫قفي البغلة الشهباء بالله سلـمـي‬
‫كمثل الذي بي حذوك النعل بالنعل‬ ‫فلما تواقفنا عرفت الـذي بـهـا‬
‫قريب ألما تسأمي مركب البغـل عروضه من الطويل‪ .‬الشعر لعمر بن أبي‬ ‫فقلن لها هذا عشـاء وأهـلـنـا‬
‫ربيعة‪ .‬والغناء لمعبد في الول والثاني ثقيل أول بالوسطى عن عمرو بن بانة وعلي بن يحيى‪ ،‬وقيل إنه لمالك‪ .‬ولبن محرز في‬
‫الثاني والثالث خفيف ثقيل أول بالبنصر عن الهشامي‪ .‬ولبن سريج في الول ثقيل والثاني خفيف آخر بالوسطى وهو الذي فيه‬
‫استهلل‪ .‬ولمالك في الثاني والثالث ثاني ثقيل بالبنصر‪ .‬ولبراهيم فيهما خفيف ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى عن ابن‬
‫‪.‬المكي‬
‫صوت‬

‫فاستمع قول رشيد مؤتمن‬ ‫يا أبا الحارث قلبي طـائر‬


‫غير أن أقتل نفسي أو أجن‬ ‫ليس حب فوق ما أحببتكـم‬
‫طيب النشر لذيذ المحتضن عروضه من الرمل‪ .‬الشعر لعمر بن أبي ربيعة‪ .‬والغناء‬ ‫حسن الوجه نقـي لـونـه‬
‫لبن سريج ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه لبن عائشة‪ :‬وذكر ابن المكي أنه للغريض في الثاني والثالث‪ ،‬وفيهما‬
‫رمل يقال إنه لهل مكة‪ ،‬ويقال‪ :‬إنه لعبد الله بن يونس صاحب أيلة‪ .‬وفيه ثقيل أول ذكر حبش أنه لبن سريج‪ ،‬وذكر غيره أنه‬
‫‪.‬لمحمد ابن السندي المكي‪ ،‬وأنه غناه بحضرة إسحاق فأخذه عنه‬
‫أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمربن شبة قال حدثنا أبو غسان محمد بن يحيى قال‪ :‬كان ابن عائشة يغني الهزج‬
‫‪:‬والخفيف؛ فقيل له‪ :‬إنك ل تستطيع أن تغني غناء شجيا ثقيل؛ فغنى‬
‫يا أبا الحارث قلبي طائر رجع الحديث إلى أخبار الغريض‬
‫قيل إنه كان يتلقى غناءه عن الجن أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن أيوب بن عباية عن مولى لل الغريض‬
‫‪:‬قال‬

‫صفحة ‪227 :‬‬


‫حدثني بعض مولياتي وقد ذكرن الغريض فترحمن عليه وقلن‪ :‬جاءنا يوما يحدثنا بحديث أنكرناه عليه ثم عرفنا بعد ذلك‬
‫حقيقته‪ ،‬وكان من أحسن الناس وجها صغيرا وكبيرا‪ ،‬وكنا نلقى من الناس عنتا بسببه‪ ،‬وكان ابن سريج في جوارنا فدفعناه إليه‬
‫فلقن الغناء‪ ،‬وكان من احسن الناس صوتا ففتن أهل مكة بحسن وجهه مع حسن صوته‪ ،‬فلما رأى ذلك ابن سريج نحاه عنه‪،‬‬
‫وكانت بعض مولياته تعلمه النياحة فبرز فيها‪ ،‬فجاءني يوما فقال‪ :‬نهتني الجن أن أنوح وأسمعتني صوتا عجيبا فقد ابتنيت عليه‬
‫‪.‬لحنا فاسمعيه مني‪ ،‬واندفع فغنى بصوت عجيب في شعر المرار السدي‬

‫وهضب القنان من عيان ول بكر‬ ‫حلفت لها بالله ما بين ذي الغضـا‬


‫به عند ليلى من ثواب ول أجـر فكذبناه وقلنا‪ :‬شيء فكر فيه وأخرجه على هذا‬ ‫أحب إلينا منـك دل ومـا نـرى‬
‫اللحن‪ ،‬فكان في كل يوم يأتينا فيقول‪ :‬سمعت البارحة صوتا من الجن بترجيع وتقطيع قد بنيت عليه صوت كذا وكذا بشعر فلن‪،‬‬
‫فلم يزل على ذلك ونحن ننكر عليه؛ فإنا لكذلك ليلة وقد اجتمع جماعة من نساء مكة في جمع لنا سهرنا فيه ليلتنا والغريض‬
‫‪:‬يغنينا بشعر عمر بن أبي ربيعة‬
‫نعم فلي هواها تصير إذ سمعنا في بعض الليل عزيفا عجيبا وأصواتا مختلفة ذعرتنا‬ ‫أمن آل زينب جد البكور‬
‫وأفزعتنا‪ ،‬فقال لنا الغريض‪ :‬إن في هذه الصوات صوتا إذا نمت سمعته‪ ،‬وأصبح فأبني عليه غنائي‪ ،‬فأصغينا إليه فإذا نغمته نغمة‬
‫‪.‬الغريض بعينها فصدقناه تلك الليلة‬
‫نسبة ما في هذا الخبر من الغناء‬
‫صوت‬

‫حلفت لها‪ ................‬البيتان عروضه من الطويل‪ .‬غناه الغريض ولحنه من الثقيل الول بالوسطى عن حبش‪ .‬قال‪ :‬ولعلويه‬
‫فيه ثقيل أول آخر بالبنصر ومنها‪ :‬صوت‬

‫نعم فلي هواها تصـير‬ ‫أمن آل زينب جد البكـور‬


‫وكانت حديثا بعهدي تغور‬ ‫أبالغور أم أنجدت دارهـا‬
‫إليها فكاد فـؤادي يطـير‬ ‫نظرت بخيف منى نظـرة‬
‫وما خلت شمسا بليل تسير‬ ‫هي الشمس تسري بها بغلة‬
‫وأن عدوك حولي حضور عروضه من المتقارب‪ .‬الشعر للنميري‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه ليزيد بن‬ ‫ألم تر أنك مسـتـشـرف‬
‫‪:‬معاوية‪ .‬والغناء لسياط خفيف ثقيل أول بالوسطى عن عمرو‪ .‬ولبن سريج فيه خفيف ثقيل بالوسطى‪ ،‬أوله‬
‫هي الشمس تسري بها بغلة وفيه للغريض ثاني ثقيل بالبنصر عن الهشامي وحماد‪ ،‬وذكر غيرهما أنه لبن جامع‪ .‬وذكر حبش‬
‫‪.‬أن فيها لبن محرز ثقيل أول بالبنصر‬
‫أرسله ابن أبي ربيعة إلى سكينة‬
‫فغناها ونسوة معها بشعره‬
‫أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال قال أبو عبد الله مصعب الزبيري‪ :‬اجتمع نسوة فذكرن عمر بن أبي ربيعة‬
‫وشعره وظرفه وحسن مجلسه وحديثه وتشوقن إليه وتمنينه؛ فقالت سكينة‪ :‬أنا لكن به‪ ،‬فبعثت إليه رسول ووعدته الصورين‬
‫لليلة سمتها‪ ،‬فوافاها على رواحله ومعه الغريض‪ ،‬فحدثهن حتى وافى الفجر وحان انصرافهن‪ ،‬فقال لهن‪ :‬إني والله لمشتاق إلى‬
‫‪:‬زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم والصلة في مسجده‪ ،‬ولكن ل أخلط بزيارتكن شيئا‪ ،‬ثم انصرف إلى مكة وقال‬
‫قل الثواء لئن كان الرحيل غدا قال‪ :‬وانصرف عمر بالغريض معه‪ ،‬فلما كان‬ ‫ألمم بزينب إن البين قـد أفـدا‬
‫بمكة قال عمر‪ :‬يا غريض‪ ،‬إني أريد أن أخبرك بشيء يتعجل لك نفعه ويبقى لك ذكره‪ ،‬فهل لك فيه? قال‪ :‬افعل من ذلك ما‬
‫شئت وما أنت أهله‪ ،‬قال‪ :‬إني قد قلت في هذه الليلة التي كنا فيها شعرا فامض به إلى النسوة فأنشدهن ذلك وأخبرهن أني‬
‫وجهت بك فيه قاصدا؛ قال‪ :‬نعم‪ ،‬فحمل الغريض الشعر ورجع إلى المدينة فقصد سكينة وقال لها‪ :‬جعلت فداك يا سيدتي‬
‫ومولتي‪ ،‬إن أبا الخطاب ‪ -‬أبقاه الله ‪ -‬وجهني إليك قاصدا‪ ،‬فقالت‪ :‬أو ليس في خير وسرور تركته? قال‪ :‬نعم؛ قالت‪ :‬وفيم‬
‫وجهك أبو الخطاب حفظه الله? قال‪ :‬جعلت فداك‪ ،‬إن ابن أبي ربيعة حملني شعرا وأمرني أن أنشدك إياه؛ قالت‪ :‬فهاته‪ ،‬قال‬
‫‪:‬فأنشدها‬
‫قل الثواء لئن كان الرحيل غدا‬ ‫ألمم بزينب إن البين قـد أفـدا‬

‫صفحة ‪228 :‬‬

‫الشعر كله‪ ،‬قالت‪ :‬فيا ويحه فما كان عليه أل يرحل في غده فوجهت إلى النسوة فجمعتهن وأنشدتهن الشعر‪ ،‬وقالت للغريض‪:‬‬
‫هل عملت فيه شيئا? قال‪ :‬قد غنيته ابن أبي ربيعة؛ قالت‪ :‬فهاته‪ ،‬فغناه الغريض؛ فقالت سكينة‪ :‬أحسنت والله وأحسن ابن أبي‬
‫ربيعة‪ ،‬لول أنك سبقت فغنيته عمر قبلنا لحسنا جائزتك‪ ،‬يا بنانة‪ ،‬أعطيه بكل بيت ألف درهم‪ ،‬فأخرجت إليه بنانة أربعة آلف‬
‫‪.‬درهم فدفعتها إليه وقالت سكينة‪ :‬لو زادنا عمر لزدناك‬
‫نسبة هذا الغناء‬
‫صوت‬

‫قل الثواء لئن كان الرحيل غـدا‬ ‫ألمم بزينب إن البـين قـد أفـدا‬
‫وما على الحر إل الصبر مجتهدا‬ ‫قد حلفت ليلة الصورين جاهـدة‬
‫لقد وجدت به فوق الذي وجـدا‬ ‫لختها ولخرى من مناصفـهـا‬
‫وهكذا الحب إل ميتـا كـمـدا عروضه من البسيط‪ .‬الشعر لعمر بن أبي ربيعة‪.‬‬ ‫لعمرها ما أراني إن نوى نزحت‬
‫والغناء لبن سريج‪ ،‬وله فيه لحنان‪ :‬أحدهما رمل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق‪ ،‬والخر خفيف رمل بالوسطى عن‬
‫عمرو‪ .‬وفيه لحن للغريض خفيف ثقيل بالبنصر عن الهشامي وحماد‪ ،‬وذكر عمرو‪ :‬أنه لمالك‪ ،‬أوله الرابع ثم الول‪ ،‬ومن الناس‬
‫‪:‬من ينسب هذا إلى معبد‪ ،‬وأوله‬
‫يا أم طلحة إن البين قد أفدا وذلك خطأ‪ ،‬اللحن الذي عمله معبد غير هذا هو‪ :‬صوت‬

‫قل الثواء لئن كان الرحيل غـدا‬ ‫يا أم طلحة إن البـين قـد أفـدا‬
‫من ذا تطوف بالركان أو سجدا عروضه من البسيط‪ .‬الشعر للحوص‪،‬‬ ‫أمسى العراقي ل يدري إذا برزت‬
‫‪.‬ويقال‪ :‬إنه لعمر أيضا‪ .‬والغناء لمعبد‪ ،‬ولحنه من الثقيل الول بالبنصر عن عمرو والهشامي‬
‫غنى عائشة بنت طلحة فأجزلت صلته‬
‫أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن محمد بن سلم قال‪ :‬حجت عائشة بنت طلحة بن عبيد الله فجاءتها الثريا‬
‫وأخواتها ونساء أهل مكة القرشيات وغيرهن‪ ،‬وكان الغريض فيمن جاء‪ ،‬فدخل النسوة عليها فأمرت لهن بكسوة وألطاف كانت‬
‫قد أعدتها لمن يجيئها‪ ،‬فجعلت تخرج كل واحدة ومعها جاريتها ومعها ما أمرت لها به عائشة والغريض بالباب حتى خرج مولياته‬
‫مع جواريهن الخلع واللطاف؛ فقال الغريض‪ :‬فأين نصيبي من عائشة? فقلن له‪ :‬أغفلناك وذهبت عن قلوبنا؛ فقال‪ :‬ما أنا ببارح‬
‫‪:‬من بابها أو آخذ بحظي منها فإنها كريمة بنت كرام‪ ،‬واندفع يغني بشعر جميل‬
‫وشطت نواها فالمزار بعيد فقالت‪ :‬ويلكم هذا مولى الصلت بالباب يذكر بنفسه‬ ‫تذكرت ليلى فالفؤاد عمـيد‬
‫هاتوه‪ ،‬فدخل‪ ،‬فلما رأته ضحكت وقالت‪ :‬لم أعلم بمكانك‪ ،‬ثم دعت له بأشياء أمرت له بها‪ ،‬ثم قالت له‪ :‬إن أنت غنيتني صوتا‬
‫‪:‬في نفسي فلك كذا وكذا شيء سمته له ذهب عن ابن سلم قال‪ :‬فغناها في شعر كثير‬
‫إلى اليوم أخفي حبهـا وأداجـن‬ ‫ومازلت من ليلى لدن طر شارب‬
‫وتحمل في ليلى علي الضغـائن فقالت له‪ :‬ما عدوت ما في نفسي‪ ،‬ووصلته‬ ‫وأحمل في ليلى لقوم ضـغـينة‬
‫‪.‬فأجزلت‪ .‬قال إسحاق‪ :‬فقلت لبي عبد الله‪ :‬وهل علمت حديث هذين البيتين? ولم سالت الغريض ذلك? قال‪ :‬نعم‬
‫الشعبي عند مصعب وزوجه عائشة حدثني أبي قال قال الشعبي‪ :‬دخلت المسجد فإذا أنا بمصعب بن الزبير على سرير جالس‬
‫والناس عنده‪ ،‬فسلمت ثم ذهبت لنصرف‪ ،‬فقال لي‪ :‬ادن‪ ،‬فدنوت حتى وضعت يدي على مرافقه‪ ،‬ثم قال‪ :‬إذا قمت فاتبعني‪،‬‬
‫فجلس قليل ثم نهض فتوجه نحو دار موسى بن طلحة فتبعته‪ ،‬فلما طعن في الدارالتفت إلي فقال‪ :‬ادخل‪ ،‬فدخلت معه ومضى‬
‫نحو حجرته وتبعته‪ ،‬فالتفت إلي فقال‪ :‬ادخل‪ ،‬فدخلت معه‪ ،‬فإذا حجلة‪ ،‬وإنها لول حجلة رأيتها لمير‪ ،‬فقمت ودخل الحجلة‬
‫فسمعت حركة‪ ،‬فكرهت الجلوس ولم يأمرني بالنصراف‪ ،‬فإذا جارية قد خرجت فقالت‪ :‬يا شعبي‪ ،‬إن المير يأمرك أن تجلس‪،‬‬
‫فجلست على وسادة ورفع سجف الحجلة‪ ،‬فإذا أنا بمصعب بن الزبير‪ ،‬ورفع السجف الخر فإذا أنا بعائشة بنت طلحة‪ ،‬قال‪ :‬فلم‬
‫أر زوجا قط كان أجمل منهما‪ :‬مصعب وعائشة‪ ،‬فقال مصعب‪ :‬يا شعبي‪ ،‬هل تعرف هذه? فقلت‪ :‬نعم أصلح الله المير‪ ،‬قال‪:‬‬
‫‪:‬ومن هي? قلت‪ :‬سيدة نساء المسلمين عائشة بنت طلحة؛ قال‪ :‬ل‪ ،‬ولكن هذه ليلى التي يقول فيها الشاعر‬
‫وما زلت من ليلى لدن طر شاربي‬

‫صفحة ‪229 :‬‬

‫وذكر البيتين‪ .‬ثم قال‪ :‬إذا شئت فقم‪ ،‬فقمت‪ .‬فلما كان العشي رحت وإذا هو جالس على سريره في المسجد فسلمت‪ ،‬فلما‬
‫رآني قال لي‪ :‬ادن‪ ،‬فدنوت حتى وضعت يدي على مرافقه‪ ،‬فأصغى إلي فقال‪ :‬هل رأيت مثل ذلك لنسان قط? قلت‪ :‬ل والله؛‬
‫قال‪ :‬أفتدري لم أدخلناك? قلت‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬لتحدث بما رأيت‪ .‬ثم التفت إلى عبد الله بن أبي فروة فقال‪ :‬أعطه عشرة آلف درهم‬
‫وثلثين ثوبا‪ ،‬فما انصرف يومئذ أحد بمثل ما انصرفت به‪ ،‬بعشرة آلف درهم وبمثل كارة القصار ثيابا وبنظرة من عائشة بنت‬
‫‪.‬طلحة‬
‫قال‪ :‬وكانت عائشة عند عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر وكان أبا عذرتها ثم هلك‪</H6 ،‬عائشة بنت طلحة وأزواجها ‪<H6‬‬
‫فتزوجها مصعب فقتل عنها‪ ،‬ثم تزوجها عمر بن عبيد الله بن معمر فبنى بالحيرة‪ ،‬ومهدت له يوم عرسه فرش لم ير مثلها‪ :‬سبع‬
‫أذرع في عرض أربع‪ ،‬فانصرف تلك الليلة عن سبع مرات؛ فلقيته مولة لها حين أصبح فقالت‪ :‬يا أبا حفص‪ ،‬كملت في كل شيء‬
‫حتى في هذا‪ .‬فلما مات ناحت عليه وهي قائمة‪ ،‬ولم تنح على أحد منهم قائمة ‪ -‬وكانت العرب إذا ناحت المرأة قائمة على‬
‫زوجها علم أنها ل تريد أن تتزوج بعده ‪ -‬فقيل لها‪ :‬يا عائشة‪ ،‬ما صنعت هذا بأحد من أزواجك قالت‪ :‬إنه كان فيه خلل ثلث لم‬
‫‪.‬تكن في أحد منهم‪ :‬كان سيد بني تيم‪ ،‬وكان أقرب القوم بي قرابة‪ ،‬وأردت أل أتزوج بعده‬
‫وأخبرني بخبر مصعب والشعبي وعائشة أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا سليمان بن أبي شيخ قال أخبرنا محمد بن‬
‫الحكم عن عوانة قال‪ :‬خرج مصعب بن الزبير من دار المارة يريد دار موسى بن طلحة‪ ،‬فمر بالمسجد فأخذ بيد الشعبي‪ .‬ثم‬
‫ذكر باقي الحديث مثله‪ ،‬ولم يذكر شيئا من حديث المغنين‪ .‬قال ابن عمار‪ :‬وأخبرني به داود بن جميل بن محمد بن جميل‬
‫الكاتب عن ابن العرابي‪ :‬قال ابن عمار وأخبرني به أحمد بن الحارث الخزاز عن المدائني أن الشعبي قال‪ :‬دخلت المسجد‬
‫وفيه مصعب بن الزبير فاستدناني فدنوت حتى وضعت يدي على مرافقه‪ ،‬فأصغى إلي وقال‪ :‬إذا قمت فاتبعني‪ .‬ثم ذكر باقي‬
‫‪.‬الحديث أيضا مثل الذي تقدمه‬
‫نسبة هذا الصوت‬
‫صوت‬

‫إلى اليوم أخفي حبهـا وأداجـن‬ ‫وما زلت من ليلى لدن طر شاربي‬
‫وتحمل في ليلى علي الضغـائن عروضه من الطويل‪ .‬والشعر لكثير بن عبد‬ ‫وأحمل في ليلى ضغائن معـشـر‬
‫‪.‬الرحمن‪ .‬والغناء لمعبد ثقيل أول بالبنصر عن حبش‪ .‬وفيه لحن للغريض‬
‫كان اذا غنى بشعر لكثير قال أنا سريجي‬
‫أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال‪ :‬كان الغريض إذا غنى بيتين لكثير قال‪ :‬أنا السريجي حقا‪ ،‬ولم يكن يقول ذلك‬
‫‪.‬في شيء من غنائه وكان من جيد غنائه‬
‫قدم يزيد مكة فغناه الغريض‬
‫‪:‬وقدم يزيد بن عبد الملك مكة فبعث إلى الغريض سرا فأتاه فغناه بهذا اللحن وهو فيهما‬
‫وإن أظهروا غشا نصحت لهم جهدي‬ ‫وإني لرعى قومها من جـللـهـا‬
‫صديقا ولم أحمل على قومها حقدي فأشير إلى الغريض أن اسكت؛ وفطن‬ ‫ولو حاربوا قومي لكنت لقـومـهـا‬
‫يزيد فقال‪ :‬دعوا أبا يزيد حتى يغنيني بما يريد‪ ،‬فأعاد عليه الصوت مرارا‪ ،‬ثم قال‪ :‬زدني مما عندك فغناه بشعر عمرو بن شأس‬
‫‪:‬السدي‬
‫ندمت وبان اليوم مني بغير ذم‬ ‫فواندمي على الشبـاب ووانـدم‬
‫عرارا لعمري بالهوان فقد ظلم قال‪ :‬فطرب يزيد وأمر له بجائزة سنية‪ .‬قال‬ ‫أردت عرارا بالهوان ومن يرد‬
‫إسحاق‪ :‬فحدثت أبا عبد الله هذا الحديث‪ .‬وقد أخذنا في أحاديث الخلفاء ومن كان منهم يسمع الغناء أيضا‪ ،‬فقال أبو عبد الله‪:‬‬
‫كان قدوم يزيد مكة وبعثته إلى الغريض سرا قبل أن يستخلف‪ ،‬فقلت له‪ :‬فلم أشير إلى الغريض أن يسكت حين غناه بشعر‬
‫‪:‬كثير‬
‫وإني لرعى قومها من جللها وما السبب في ذلك? فقال أبو عبد الله‪ :‬أنا أحدثكه‪ :‬غضب عاتكة على زوجها عبد الملك‬
‫بن مروان احتيال عمر بن بلل على الصلح بينهما‬
‫صفحة ‪230 :‬‬

‫حدثني أبي قال‪ :‬كان عبد الملك بن مروان من أشد الناس حبا لعاتكة امرأته‪ ،‬وهي ابنة يزيد بن معاوية وأمها أم كلثوم بنت‬
‫عبد الله بن عامر بن كريز‪ ،‬وهي أم يزيد بن عبد الملك‪ ،‬فغضبت مرة على عبد الملك‪ ،‬وكان بينهما باب فحجبته وأغلقت ذلك‬
‫الباب‪ ،‬فشق غضبها على عبد الملك وشكا إلى رجل من خاصته يقال له‪ :‬عمر بن بلل السدي‪ ،‬فقال له‪ :‬ما لي عندك إن‬
‫رضيت? قال‪ :‬حكمك‪ .‬فأتى عمر بابها وجعل يتباكى‪ ،‬وأرسل إليها بالسلم‪ ،‬فخرجت إليه حاضنتها ومواليها وجواريها فقلن‪ :‬ما‬
‫لك? قال‪ :‬فزعت إلى عاتكة ورجوتها‪ ،‬فقد علمت مكاني من أمير المؤمنين معاوية ومن أبيها بعده‪ ،‬قلن‪ :‬ومالك? قال‪ :‬ابناي لم‬
‫يكن لي غيرهما فقتل أحدهما صاحبه‪ ،‬فقال أمير المؤمنين‪ :‬أنا قاتل الخر به‪ ،‬فقلت‪ :‬أنا الولي وقد عفوت؛ قال‪ :‬ل أعود الناس‬
‫هذه العادة‪ ،‬فرجوت أن ينجي الله ابني هذا على يدها؛ فدخلن عليها فذكرن ذلك لها؛ فقالت‪ :‬وكيف أصنع مع غضبي عليه وما‬
‫أظهرت له? قلن إذا والله يقتل‪ ،‬فلم يزلن حتى دعت بثيابها فأجمرتها ثم خرجت نحو الباب‪ ،‬فأقبل حديج الخصي قال أمير‬
‫المؤمنين‪ :‬هذه عاتكة قد أقبلت؛ قال‪ :‬ويلك ما تقول? قال‪ :‬قد والله طلعت فأقبلت وسلمت فلم يرد عليها‪ ،‬فقالت‪ :‬أما والله‬
‫لول عمر ما جئت‪ ،‬إن أحد ابنيه تعدى على الخر فقتله فأردت قتل الخر وهو الولي وقد عفا؛ قال‪ :‬إني أكره أن أعود الناس‬
‫هذه العادة؛ قالت‪ :‬أنشدك الله يا أمير المؤمنين‪ ،‬فقد عرفت مكانه من أمير المؤمنين معاوية ومن أمير المؤمنين يزيد‪ ،‬وهو‬
‫ببابي؛ فلم تزل به حتى أخذت برجله فقبلتها؛ فقال‪ :‬هو لك‪ ،‬ولم يبرحا حتى اصطلحا؛ ثم راح عمر بن بلل إلى عبد الملك‬
‫فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬كيف رأيت? قال‪ :‬رأينا أثرك‪ ،‬فهات حاجتك؛ قال‪ :‬مزرعة بعدتها وما فيها‪ ،‬وألف دينار وفرائض لولدي‬
‫‪:‬وأهل بيتي وعيالي؛ قال‪ :‬ذلك لك‪ .‬ثم اندفع عبد الملك يتمثل بشعر كثير‬
‫وإني لرعى قومها من جللها البيتين؛ فعلمت عاتكة ما أراد‪ .‬فلما غني يزيد بهذا الشعر كرهته مواليه إذ كان عبد الملك تمثل‬
‫به في أمه‪ ،‬ولم يكرهه يزيد وقال‪ :‬لو قيل هذا الشعر فيها ثم غني به لما كان عيبا‪ ،‬فكيف وإنما هو مثل تمثل به أمير المؤمنين‬
‫في أجمل العالمين رأس ابن الشعث و عبد الملك‬
‫قال أبو عبد الله‪ :‬وأما خبره فلما غنى بشعر عمرو بن شأس فإن ابن الشعث لما قتل بعث الحجاج إلى عبد الملك برأسه مع‬
‫عرار بن عمرو بن شأس‪ ،‬فلما ورد به وأوصل كتاب الحجاج جعل عبد الملك يقرؤه‪ ،‬فكلما شك في شيء سأل عرارا عنه‬
‫‪:‬فأخبره‪ ،‬فعجب عبد الملك من بيانه وفصاحته من سواده‪ ،‬فقال متمثل‬
‫فإني أحب الجون ذا المنكب العمم فضحك عرار من قوله ضحكا غاظ عبد‬ ‫وإن عرارا إن لم يكن غير واضح‬
‫الملك؛ فقال له‪ :‬مم ضحكت ويلك قال‪ :‬أتعرف عرارا يا أمير المؤمنين الذي قيل فيه هذا الشعر? قال‪ :‬ل؛ قال‪ :‬فأنا والله هو؛‬
‫‪.‬فضحك عبد الملك وقال‪ :‬حظ وافق كلمة‪ ،‬ثم أحسن جائزته وسرحه‬
‫قال أبو عبد الله‪ :‬وإنما أراد الغريض أن يغني يزيد بمتمثلت عبد الملك في المور العظام‪ ،‬فلما تبين كراهة مواليه غناءه فيما‬
‫‪.‬تمثل به في عاتكة أراد أن يعقبه ما تمثل به في فتح عظيم كان لعبد الملك‪ ،‬فغناه بشعر عمرو بن شأس في عرار‬
‫نسبة ما في هذا الخبر من الغناء‬
‫صوت‬

‫وإن أظهروا غشا نصحت لهم جهدي‬ ‫وإني لرعى قومها من جـللـهـا‬
‫صديقا ولم أحمل على قومها حقدي عروضه من الطويل‪ .‬الشعر لكثير‪.‬‬ ‫ولو حاربوا قومي لكنت لقـومـهـا‬
‫والغناء للغريض ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق‪ .‬وذكر حبش أن فيه لقفا النجار ثاني ثقيل بالوسطى‪ ،‬وفيه‬
‫‪.‬لعلويه ثقيل أول‬
‫خرج إليه معبد بمكة وسمع غناءه‬
‫وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال حدثني إبراهيم عن يونس الكاتب قال حدثني معبد قال‪ :‬خرجت إلى مكة‬
‫‪:‬في طلب لقاء الغريض وقد بلغني حسن غنائه في لحنه‬
‫بمكة مكحول أسيل مدامعه‬ ‫وما أنس الشياء ل أنس شادنا‬

‫صفحة ‪231 :‬‬

‫وقد كان بلغني أنه أول لحن صنعه وأن الجن نهته أن يغنيه لنه فتن طائفة منهم‪ ،‬فانتقلوا عن مكة من أجل حسنه‪ ،‬فلما‬
‫قدمت مكة سألت عنه فدللت على منزله‪ ،‬فأتيته فقرعت الباب فما كلمني أحد‪ ،‬فسألت بعض الجيران فقلت‪ :‬هل في الدار‬
‫أحد? قالوا لي‪ :‬نعم‪ ،‬فيها الغريض‪ ،‬فقلت‪ :‬إني قد أكثرت دق الباب‪ ،‬فما أجابني أحد قالوا‪ :‬إن الغريض هناك‪ ،‬فرجعت فدققت‬
‫‪:‬الباب فلم يجبني أحد‪ ،‬فقلت‪ :‬إن نفعني غنائي يوما نفعني اليوم‪ ،‬فاندفعت فغنيت لحني في شعر جميل‬
‫إلـى الـيوم ينـمــي ويزيد فوالله ماسمعت حركة الباب‪ ،‬فقلت‪ :‬بطل سحري‬ ‫علقت الهوى منها وليدا فلم يزل‬
‫وضاع سفري وجئت أطلب ما هو عسير علي‪ ،‬واحتقرت نفسي وقلت‪ :‬لم يتوهمني لضعف غنائي عنده‪ ،‬فما شعرت إل بصائح‬
‫يصيح‪ :‬يا معبد المغني‪ ،‬افهم وتلق عني شعر جميل الذي تغني فيه يا شقي البخت‪ ،‬وغنى‪ :‬للغريض ولم تذكر طريقته‬
‫صوت‬

‫وقد قربت نضوي أمصر تـريد‬ ‫وما أنس من الشياء ل أنس قولها‬
‫أتيتك فاعذرني فـدتـك جـدود‬ ‫ول قولها لول العيون التي تـرى‬
‫ودمعي بما قلت الغداة شـهـيد‬ ‫خليلي ما أخفي من الوجد باطـن‬
‫وأي جـهـاد غـيرهـن أريد‬ ‫يقولون جاهد يا جميل بـغـزوة‬
‫وكل قتيل بـينـهـن شـهـيد عروضه من الطويل‪ .‬قال‪ :‬فلقد سمعت شيئا لم‬ ‫لكل حديث عنـدهـن بـشـاشة‬
‫أسمع أحسن منه‪ ،‬وقصر إلي نفسي وعلمت فضيلته علي بما أحس من نفسه‪ ،‬وقلت‪ :‬إنه لحري بالستتار من الناس تنزيها‬
‫لنفسه وتعظيما لقدره‪ ،‬وإن مثله ل يستحق البتذال‪ ،‬ول أن تتداوله الرجال‪ ،‬فأردت النصراف إلى المدينة راجعا‪ ،‬فلما كنت غير‬
‫بعيد إذا بصائح يصيح بي‪ :‬يا معبد‪ ،‬انتظر أكلمك‪ ،‬فرجعت‪ ،‬فقال لي‪ :‬إن الغريض يدعوك؛ فأسرعت فرحا فدنوت من الباب؛‬
‫فقال لي‪ :‬أتحب الدخول? فقلت‪ :‬وهل إلى ذلك من سبيل? فقرع الباب ففتح‪ ،‬فقال لي‪ :‬ادخل ول تطل الجلوس؛ فدخلت فإذا‬
‫شمس طالعة في بيت‪ ،‬فسلمت فرد السلم‪ ،‬ثم قال‪ :‬اجلس فجلست‪ ،‬فإذا أنبل الناس وأحسنهم وجها وخلقا وخلقا‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬
‫معبد‪ ،‬كيف طرأت إلى مكة? فقلت‪ :‬جعلت فداءك وكيف عرفتني? فقال‪ :‬بصوتك؛ فقلت‪ :‬وكيف وأنت لم تسمعه قط قال‪ :‬لما‬
‫‪:‬غنيت عرفتك به وقلت‪ :‬إن كان معبد في الدنيا فهذا؛ فقلت‪ :‬جعلت فداءك‪ ،‬فكيف أجبتني بقولك‬
‫وقد قربت نضوي أمصر تريد فقال‪ :‬قد علمت أنك تريد أن أسمعك صوتي‬ ‫‪:‬وما أنس م الشياء ل أنس قولها‬
‫بمكة مكحول أسيل مدامعـه ولم يكن إلى ذلك سبيل لنه صوت قد نهيت أن‬ ‫وما أنس م الشياء ل أنس شادنا‬
‫أغنيه فغنيتك هذا الصوت جوابا لما سألت وغنيت‪ ،‬فقلت‪ :‬والله ما عدوت وما أردت‪ ،‬فهل لك حاجة? فقال لي‪ :‬يا أبا عباد‪ ،‬لول‬
‫مللة الحديث وثقل إطالة الجلوس لستكثرت منك‪ ،‬فاعذر؛ فخرجت من عنده‪ ،‬وإنه لجل الناس عندي‪ ،‬ورجعت إلى المدينة‬
‫‪.‬فتحدثت بحديثه وعجبت من فطنته وقيافته‪ ،‬فما رأيت إنسانا إل وهو أجل منه في عيني‬
‫خبر جميل وبثينة‬
‫وتوسيطه رجل من بني حنظلة في لقائها‬

‫صفحة ‪232 :‬‬

‫وذكرت جميل وبثينة فقلت‪ :‬ليتني عرفت إنسانا يحدثني بقصة جميل وخبر الشعر فأكون قد أخذت بفضيلة المر كله في الغناء‬
‫والشعر‪ .‬فسألت عن ذلك فإذا الحديث مشهور‪ ،‬وقيل لي‪ :‬إن أردت أن تخبر بمشاهدته فأت بني حنظلة‪ ،‬فإن فيهم شيخا منهم‬
‫يقال له فلن يخبرك الخبر؛ فأتيت الشيخ فسألته فقال‪ :‬نعم‪ ،‬بينا أنا في إبلي في الربيع إذا أنا برجل منطو على رحله كأنه جان‬
‫فسلم علي ثم قال‪ :‬ممن أنت يا عبد الله? فقلت‪ :‬أحد بني حنظلة؛ قال‪ :‬فانتسب‪ ،‬فانتسبت حتى بلغت إلى فخذي الذي أنا منه؛‬
‫ثم سألني عن بني عذرة أين نزلوا؛ فقلت له‪ :‬هل ترى ذلك السفح? فإنهم نزلوا من ورائه؛ قال‪ :‬يا أخا بني حنظلة‪ ،‬هل لك في‬
‫خير تصطنعه إلي? فوالله لو أعطيتني ما أصبحت تسوق من هذه البل ما كنت بأشكر مني لك عليه؛ فقلت نعم‪ ،‬ومن أنت أول?‬
‫قال‪ :‬ل تسألني من أنا ول أخبرك غير أني رجل بيني وبني هؤلء القوم ما يكون بين بني العم‪ ،‬فإن رأيت أن تأتيهم فإنك تجد‬
‫القوم في مجلسهم فتنشدهم بكرة أدماء تجر خفيها غفل من السمة‪ ،‬فإن ذكروا لك شيئا فذاك‪ ،‬وإل استأذنتهم في البيوت‬
‫وقلت‪ :‬إن المرأة والصبي قد يريان ما ل يرى الرجال‪ ،‬فتنشدهم ول تدع أحدا تصيبه عينك ول بيتا من بيوتهم إل نشدتها فيه؛‬
‫فأتيت القوم فإذا هم على جزور يقتسمونها‪ ،‬فسلمت وانتسبت لهم ونشدتهم ضالتي‪ ،‬فلم يذكروا لي شيئا؛ فاستأذنتهم في‬
‫البيوت وقلت‪ :‬إن الصبي والمرأة يريان ما ل ترى الرجال‪ ،‬فأذنوا؛ فأتيت أقصاها بيتا ثم استقريتها بيتا بيتا أنشدهم فل يذكرون‬
‫شيئا‪ ،‬حتى إذا انتصف النهار وآذاني حر الشمس وعطشت وفرغت من البيوت وذهبت لنصرف حانت مني التفاتة فإذا بثلثة‬
‫أبيات‪ ،‬فقلت‪ :‬ما عند هؤلء إل ما عند غيرهم‪ ،‬ثم قلت لنفسي‪ :‬سوءة وثق بي رجل وزعم أن حاجته تعدل مالي ثم آتيه فأقول‪:‬‬
‫عجزت عن ثلثة أبيات فانصرفت عامدا إلى أعظمها بيتا‪ ،‬فإذا هو قد أرخي مؤخرة ومقدمه‪ ،‬فسلمت فرد علي السلم‪ ،‬وذكرت‬
‫ضالتي‪ ،‬فقالت جارية منهم‪ :‬يا عبد الله‪ ،‬قد أصبت ضالتك وما أظنك إل قد اشتد عليك الحر واشتهيت الشراب‪ ،‬قلت‪ :‬أجل‪،‬‬
‫قالت‪ :‬ادخل‪ ،‬فدخلت فأتتني بصحفة فيها تمر من تمر هجر‪ ،‬وقدح فيه لبن‪ ،‬والصحفة مصرية مفضضة والقدح مفضض لم أر‬
‫إناء قط أحسن منه‪ ،‬فقالت‪ :‬دونك فتجمعت وشربت من اللبن حتى رويت‪ ،‬ثم قلت‪ :‬يا أمة الله‪ ،‬والله ما أتيت اليوم أكرم منك‬
‫ول أحق بالفضل‪ ،‬فهل ذكرت من ضالتي شيئا? فقالت‪ :‬هل ترى هذه الشجرة فوق الشرف? قلت‪ :‬نعم؛ قالت‪ :‬فإن الشمس‬
‫غربت أمس وهي تطيف حولها ثم حال الليل بيني وبينها؛ فقمت وجزيتها الخير وقلت‪ :‬والله لقد تغذيت ورويت فخرجت حتى‬
‫أتيت الشجرة فأطفت بها فوالله ما رأيت من أثر‪ ،‬فأتيت صاحبي فإذا هو متشح في البل بكسائه ورافع عقيرته يغني‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫السلم عليك؛ قال‪ :‬وعليك السلم ما وراءك? قلت؛ ما ورائي من شيء؛ قال‪ :‬ل عليك فأخبرني بما فعلت‪ ،‬فاقتصصت عليه‬
‫القصة حتى انتهيت إلى ذكر المرأة وأخبرته بالذي صنعت؛ فقال‪ :‬قد أصبت طلبتك؛ فعجبت من قوله وأنا لم أجد شيئا‪ ،‬ثم‬
‫سألني عن صفة الناءين‪ :‬الصحفة والقدح فوصفتهما له‪ ،‬فتنفس الصعداء وقال‪ :‬قد أصبت طلبتك ويحك ثم ذكرت له الشجرة‬
‫وأنها رأتها تطيف بها؛ فقال‪ :‬حسبك فمكث حتى إذا أوت إبلي إلى مباركها دعوته إلى العشاء فلم يدن منه‪ ،‬وجلس مني بمزجر‬
‫الكلب‪ ،‬فلما ظن أني قد نمت رمقته فقام إلى عيبة له فاستخرج منها بردين فأتزر بأحدهما وتردى بالخر‪ ،‬ثم انطلق عامدا نحو‬
‫الشرجة‪ .‬واستبطنت الوادي فجعلت أخفي نفسي حتى إذا خفت أن يراني انبطحت‪ ،‬فلم أزل كذلك حتى سبقته إلى شجرات‬
‫قريب من تلك الشجرة بحيث أسمع كلمهما فاستترت بهن‪ ،‬وإذا صاحبته عند الشجرة‪ ،‬فأقبل حتى كان منها غير بعيد‪ ،‬فقالت‪:‬‬
‫اجلس‪ ،‬فوالله لكأنه لصق بالرض‪ ،‬فسلم عليها عن حالها أكرم سؤال سمعت به قط وأبعده من كل ريبة‪ ،‬وسألته مثل مسئلته‪،‬‬
‫‪:‬ثم أمرت جارية معها فقربت إليه طعاما‪ ،‬فلما أكل وفرغ‪ ،‬قالت أنشدني ما قلت‪ ،‬فأنشدها‬
‫إلى اليوم ينمي حبـهـا ويزيد‬ ‫علقت الهوى منها وليدا فلم يزل‬

‫صفحة ‪233 :‬‬

‫فلم يزال يتحدثان‪ ،‬ما يقولن فحشا ول هجرا‪ ،‬حتى التفتت التفاتة فنظرت إلى الصبح‪ ،‬فودع كل واحد منهما صاحبه أحسن‬
‫وداع ما سمعت به قط ثم انصرفا‪ ،‬فقمت فمضيت إلى إبلي فاضطجعت وكل واحد منهما يمشي خطوة ثم يلتفت إلى صاحبه‪،‬‬
‫فجاء بعد ما أصبحنا فرفع برديه ثم قال‪ :‬يا أخا بني تميم‪ ،‬حتى متى تنام فقمت وتوضأت وصليت وحلبت إبلي وأعانني عليها وهو‬
‫أظهر الناس سرورا‪ ،‬ثم دعوته إلى الغداء فتغدى‪ ،‬ثم قام إلى عيبته فافتتحها فإذا فيها سلح وبردان مما كسته الملوك‪،‬‬
‫فأعطاني أحدهما وقال‪ :‬أما والله لو كان معي شيء ما ذخرته عنك‪ ،‬وحدثني حديثه وانتسب لي‪ ،‬فإذا هو جميل بن معمر‬
‫‪:‬والمرأة بثينة‪ ،‬وقال لي‪ :‬إني قد قلت أبياتا في منصرفي من عندها‪ ،‬فهل لك إن رأيتها أن تنشدها? قلت‪ :‬نعم فأنشدني‬
‫وقد قربت نضوي أمصر تريد البيات‪ ،‬ثم ودعني وانصرف‪ ،‬فمكثت حتى‬ ‫وما أنس م الشياء ل أنس قولها‬
‫أخذت البل مراتعها‪ ،‬ثم عمدت إلى دهن كان معي فدهنت به رأسي‪ ،‬ثم ارتديت بالبرد وأتيت المرأة فقلت‪ :‬السلم عليكم‪ ،‬إني‬
‫جئت أمس طالبا واليوم زائرا‪ ،‬أفتأذنون? قالت‪ :‬نعم‪ ،‬فسمعت جويرية تقول لها‪ :‬يا بثينة‪ ،‬عليه والله برد جميل؛ فجعلت أثني‬
‫على ضيفي وأذكر فضله‪ ،‬وقلت‪ :‬إنه ذكرك فأحسن الذكر‪ ،‬فهل أنت بارزة لي حتى أنظر إليك? قالت‪ :‬نعم‪ ،‬فلبست ثيابها ثم‬
‫برزت ودعت لي بطرف ثم قالت‪ :‬يا أخا بني تميم‪ ،‬والله ما ثوباك هذان بمشتبهين‪ ،‬ودعت بعيبتها فأخرجت لي ملحفة مروية‬
‫مشبعة من العصفر‪ ،‬ثم قالت‪ :‬أقسمت عليك لتقومن إلى كسر البيت ولتخلعن مدرعتك ثم لتأتزرن بهذه الملحفة فهي أشبه‬
‫ببردك؛ ففعلت ذلك وأخذت مدرعتي بيدي فجعلتها إلى جانبي‪ ،‬وأنشدتها البيات فدمعت عيناها‪ ،‬وتحدثتا طويل من النهار‪ ،‬ثم‬
‫انصرفت إلى إبلي بملحفة بثينة وبرد جميل ونظرة من بثينة‪ .‬قال معبد‪ :‬فجزيت الشيخ خيرا وانصرفت من عنده وأنا والله‬
‫أحسن الناس حال بنظرة من الغريض واستماع لغنائه‪ ،‬وعلم بحديث جميل وبثينة فميا غنيت أنا به وفيما غنى به الغريض على‬
‫‪.‬حق ذلك وصدقه‪ ،‬فما رأيت ول سمعت بزوجين قط أحسن من جميل وبثينة‪ ،‬ومن الغريض ومني‬
‫‪.‬نسبة هذه الصوات التي ذكرت في هذا الخبر وهي كلها من قصيدة واحدة?‬
‫ومنها‪? :‬صوت‬

‫إلى اليوم ينمـي حـبـهـا ويزيد‬ ‫علقت الهوى منها وليدا فـلـم يزل‬
‫وأفنت بذاك الدهـر وهـو جـديد‬ ‫وأفنيت عمري في انتظاري نوالهـا‬
‫ول حـبـهـا فـيمـا يبـيد يبـيد‬ ‫فل أنا مـردود جـئت طـالـبـا‬
‫وقد قربت نضوي أمصـر تـريد‬ ‫وما أنس م الشياء ل أنس قولـهـا‬
‫لزرتك فاعذرني فـدتـك جـدود‬ ‫ول قولها لول العيون التـي تـرى‬
‫من الحب قـالـت ثـابـت ويزيد‬ ‫إذا قلت ما بي يا بثـينة قـاتـلـي‬
‫تولت وقالت ذاك مـنـك بـعـيد عروضه من الطويل‪ .‬الشعر لجميل بن‬ ‫وإن قلت ردي بعض عقلي أعش به‬
‫معمر‪ .‬والغناء لمعبد في الول والثاني والثالث والسادس والسابع‪ .‬ولحنه ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق‬
‫وعمرو بن بانة‪ .‬وذكر عمرو والهشامي أن فيه ثقيل أول آخر للهذلي‪ ،‬وأن فيه خفيف ثقيل ينسب إلى معبد وإلى الغريض وإلى‬
‫إبراهيم‪ ،‬أوله‪ :‬وما أنس م الشياء ‪ .‬وفي الربعة البيات الول ثاني ثقيل بالبنصر لبن أبي قباحة‪ .‬ولسحاق في الثالث‬
‫والسادس ثاني ثقيل آخر بالوسطى عن الهشامي‪ .‬وأول هذه القصيدة فيه غناء أيضا‪ ،‬وهو موصول بأبيات أخر‪? :‬صوت‬

‫ودهرا تولى يا يا بثـين يعـود‬ ‫أل ليت ريعان الشبـاب جـديد‬


‫قريب وما قد تبـذلـين زهـيد‬ ‫فنغنى كما كنا نكـون وأنـتـم‬
‫بوادي القرى إني إذا لسـعـيد‬ ‫أل ليت شعري هل أبيتن لـيلة‬
‫وما رث من حبل الصفاء جديد‬ ‫وهل ألقين سعدى من الدهر ليلة‬
‫وقد تطلب الحاجات وهي بعيد في البيتين الولين خفيف ثقيل مطلق في‬ ‫فقد تلتقي الهواء بعد تـفـاوت‬
‫مجرى البنصر‪ ،‬ذكر حبش أنه لسحاق؛ وليس يشبه أن يكون له‪ .‬وفي الثالث وما بعده لبن سريج ثاني ثقيل بالبنصر عن حبش‬
‫‪.‬أيضا‬
‫قال ابن أبي ربيعة في شعر له القريض?‬

‫صفحة ‪234 :‬‬

‫فغيره الغريض باسمه لما غناه‬


‫أخبرني إسماعيل بن يونس إجازة قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أبو غسان قال حدثني الوليد بن هشام عن محمد بن‬
‫معن عن خالد بن سلمة المخزومي قال‪ :‬خرجت مع أعمامي وأنا على نجيب ومعنا شيخ‪ ،‬فلما أسحرنا قال لي أعمامي‪ :‬انزل‬
‫‪:‬عن نجيبك واحمل عليه هذا الشيخ واركب جمله‪ ،‬ففعلت؛ فإذا الشيخ قد أخرج عودا له من غلف‪ ،‬ثم ضرب به وغنى‬
‫لما غدوا فانشمروا فقلت لبعض أصحابنا‪ :‬من هذا? قال‪ :‬الغريض‬ ‫‪.‬هاج الغريض الذكر‬
‫نسبة هذا الصوت?‬
‫صوت?‬

‫لما غدوا فانشمروا‬ ‫هاج الغريض الذكر‬


‫قد ضمهن السفـر‬ ‫على بغال شـحـج‬
‫ما عمرت أعمـر‬ ‫فيهن هند ليتـنـي‬
‫حتف أتاني القـدر عروضه من الرجز‪ .‬الذي قال عمر‬ ‫‪:‬حتى إذا ما جاءهـا‬
‫هاج القريض الذكر بالقاف‪ ،‬فجعله الغريض لما غنى فيه‪ :‬الغريض يعني نفسه‪ .‬الشعر لعمر بن أبي ربيعة‪ .‬والغناء لبن‬
‫سريج‪ .‬ذكر يونس أن له فيه لحنين‪ .‬وذكر إسحاق أن أحدهما رمل مطلق في مجرى البنصر ولم يذكر الخر‪ ،‬وذكر الهشامي أن‬
‫الخر خفيف رمل‪ .‬وفيه للغريض ثقيل أول بالبنصر‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه لحن ابن سريج‪ ،‬وإن خفيف الرمل للغريض‪ .‬وأول هذا الصوت‬
‫‪:‬في كتاب يونس‬
‫بذي عكاظ مقفـر‬ ‫هاج فؤادي محضر‬
‫مروة حين ائتمروا‬ ‫حتى إذا ما واونوا ال‬
‫من ليلكم وانشمروا‬ ‫قيل انزلوا فعرسـوا‬
‫أمطمـئن عـمـر ?الوليد وابن أبي ربيعة والغريض‬ ‫وقولها لخـتـهـا‬
‫أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال وذكر السعدي‪ :‬أن الوليد بن عبد الملك قدم مكة‪ ،‬فأراد أن يأتي الطائف‪،‬‬
‫فقال‪ :‬هل من رجل عالم يخبرني عنها? فقالوا‪ :‬عمر بن أبي ربيعة؛ قال‪ :‬ل حاجة لي به‪ ،‬ثم عاد فسأل‪ ،‬فذكروه فأباه‪ ،‬ثم عاد‬
‫فذكروه فقال‪ :‬هاتوه‪ ،‬وركب معه فجعل يحدثه‪ ،‬ثم حول عمر رداءه ليصلحه على نفسه‪ ،‬فرأى الوليد على ظهره أثرا‪ ،‬فقال‪ :‬ما‬
‫هذا الثر? قال‪ :‬كنت عند جارية لي إذ جاءتني جارية برسالة من عند جارية أخرى وجعلت تسارني بها‪ ،‬فغارت التي كنت عندها‬
‫فعضت منكبي‪ ،‬فما وجدت ألم عضتها من لذة ما كانت تلك تنفث في أذني حتى بلغت ما ترى‪ ،‬والوليد يضحك‪ .‬فلما رجع عمر‬
‫قيل له‪ :‬ما الذي كنت تضحك به أمير المؤمنين? قال‪ :‬مازلنا في حديث الزنا حتى رجع‪ .‬وكان قد حمل الغريض معه‪ ،‬فقال له‪ :‬يا‬
‫أمير المؤمنين‪ ،‬إن عندي أجمل الناس وجها وأحسنهم حديثا‪ ،‬فهل لك أن تسمعه? قال‪ :‬هاته فدعا به فقال‪ :‬أسمع أمير‬
‫المؤمنين أحسن شيء قلته‪ ،‬فاندفع يغني بشعر عمر ‪ -‬ومن الناس من يرويه لجميل ‪? :-‬صوت‬

‫لو تعلمين بصالح أن تذكـري‬ ‫إني لحفظ سركـم ويسـرنـي‬


‫أو نلتقي فيه علي كـأشـهـر‬ ‫ويكون يوم ل أرى لك مرسـل‬
‫إن كان يوم لقائكـم لـم يقـدر‬ ‫يا ليتني ألقى المـنـية بـغـتة‬
‫إل كبرق سحابة لم تـمـطـر‬ ‫ما كنت والوعد الذي تعدينـنـي‬
‫هذا الغريم لنا وليس بمعـسـر ‪ -‬عروضه من الكامل‪ .‬وذكر حبش أن الغناء‬ ‫تقضى الديون وليس ينجز عاجل‬
‫للغريض‪ ،‬ولحنه ثقيل أول بالبنصر ‪ -‬قال‪ :‬فاشتد سرور الوليد بذلك وقال له‪ :‬يا عمر‪ ،‬هذه رقيتك‪ ،‬ووصله وكساه وقضى‬
‫‪.‬حوائجه‬
‫وصف نصيب لنفسه وللشعراء الثلثة?‬
‫جميل وكثير وابن أبي ربيعة‬
‫أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثنا الحارث بن محمد عن المدائني عن عوانة قال حدثني رجل من أهل الكوفة قال‪:‬‬
‫قدم نصيب الكوفة‪ ،‬فأرسلني أبي إليه‪ ،‬وكان له صديقا‪ ،‬فقال‪ :‬أقرئه مني السلم وقل له‪ :‬إن رأيت أن تهدي لنا شيئا مما قلت‬
‫فأتيته في يوم جمعة وهو يصلي‪ ،‬فلما فرغ أقرأته السلم وقلت له‪ :‬فقال قد علم أبوك أني ل أنشد في يوم الجمعة ولكن‬
‫تلقاني في غيره فأبلغ ما تحب‪ ،‬فلما خرجت وانتهيت إلى الباب رددت إليه؛ فقال‪ :‬أتروي شيئا من الشعر? قلت نعم؛ قال‪:‬‬
‫‪:‬فأنشدني‪ ،‬فأنشدته قول جميل‬
‫لو تعلمين بصالح أن تذكري‬ ‫إني لحفظ غيبكم ويسرنـي‬

‫صفحة ‪235 :‬‬

‫البيات المتقدمة‪ ،‬فقال نصيب‪ :‬أمسك أمسك لله دره ما قاله أحد إل دون ما قال‪ ،‬ولقد نحت للناس مثال يحتذون عليه‪ .‬ثم‬
‫‪.‬قال‪ :‬أما أصدقنا في شعره فجميل‪ ،‬وأما أوصفنا لربات الحجال فكثير‪ ،‬وأما أكذبنا فعمر بن أبي ربيعة‪ ،‬وأما أنا فأقول ما أعرف‬
‫سمع أصوات رهبان فصنع لحنا عليها?‬
‫وقال هارون بن محمد الزيات حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه‪ :‬أن الغريض سمع أصوات رهبان بالليل في دير لهم‬
‫‪:‬فاستحسنها‪ ،‬فقال له بعض من معه‪ :‬يا أبا يزيد‪ ،‬صغ على مثل هذا الصوت لحنا؛ فصاغ مثله في لحنه‬
‫ل تصرميني إنني غادي فما سمع بأحسن منه‬ ‫‪.‬يا أم بكر حبك الـبـادي‬
‫نسبة هذا الصوت?‬
‫صوت?‬

‫ل تصرميني إنني غادي‬ ‫يا أم بكر حبك الـبـادي‬


‫وأريد إمتاعا من الـزاد عروضه من مزاحف الكامل‪ .‬الشعر لسعيد بن عبد الرحمن‬ ‫جد الرحيل وحثني صحبي‬
‫بن حسان بن ثابت النصاري‪ .‬والغناء للغريض خفيف ثقيل أول بالوسطى‪ .‬وفيه لبن المكي ثاني ثقيل بالوسطى عن حبش‪.‬‬
‫‪.‬وفيه لبراهيم بن أبي الهيثم هزج‬
‫إبراهيم بن أبي الهيثم والرجل الناسك?‬
‫وأخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة عن أيوب بن عباية عن عمرو بن عقبة ‪ -‬وكان يعرف بابن الماشطة ‪-‬‬
‫قال‪ :‬خرجت أنا وأصحاب لي فيهم إبراهيم بن أبي الهيثم إلى العقيق‪ ،‬ومعنا رجل ناسك كنا نحتشم منه‪ ،‬وكان محموما نائما‪،‬‬
‫وأحببنا أن نسمع من معنا من المغنين ونحن نهابه ونحتشمه‪ ،‬فقلت له‪ :‬إن فينا رجل ينشد الشعر فيحسن‪ ،‬ونحن نحب أن‬
‫‪:‬نسمعه‪ ،‬ولكنا نهابك؛ قال‪ :‬فما علي منكم أنا محموم نائم‪ ،‬فاصنعوا ما بدا لكم‪ ،‬فاندفع إبراهيم بن أبي الهيثم فغنى‬
‫ل تصرميني إنني غادي‬ ‫يا أم بكر حبك الـبـادي‬
‫وأريد إمتاعا من الـزاد فأجاده وأحسنه‪ .‬قال‪ :‬فوثب الناسك فجعل يرقص ويصيح‪:‬‬ ‫جد الرحيل وحثني صحبي‬
‫أريد إمتاعا من الزاد‪ ،‬والله أريد إمتاعا من الزاد‪ ،‬ثم كشف عن أيره وقال‪ :‬أنا أنيك أم الحمى قال‪ :‬يقول لي ابن الماشطة‪:‬‬
‫‪.‬اعتقت ما أملك إن كان ناك أم الحمى أحد قبله‬
‫أخبرني به الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن أيوب فذكر الخبر ولم يذكر فيه كشف الناسك عن سوءته وما قاله بعد‬
‫‪.‬ذلك‬
‫هروبه إلى اليمن خوفا من ابن علقمة?‬
‫وكانت وفاة الغريض في أيام سليمان بن عبد الملك أو عمر بن عبد العزيز لم يتجاوزها‪ .‬والشبه أنه مات في خلفة سليمان‪،‬‬
‫لن الوليد كان ولى نافع بن علقمة مكة فهرب منه الغريض وأقام باليمن واستوطنها مدة ثم مات بها‪ .‬وأخبرني بخبره الحسين‬
‫‪.‬بن يحيى عن حماد عن أبيه عن المسيبي قال أخبرني بعض المخزوميين أيضا بخبره‬
‫وأخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أبو غسان‪ :‬أن نافع بن علقمة لما ولي مكة خافه الغريض ‪-‬‬
‫وكان كثيرا ما يطلبه فلم يجئه ‪ -‬فهرب منه واستخفى في بعض منازل إخوانه‪ .‬قال‪ :‬فحدثني رجل من اهل مكة كان يخدمه‪ :‬أنه‬
‫دفع إليه يوما ربعة له وقال له‪ :‬صر بها إلى فلن العطار يملؤها لي طيبا‪ ،‬قال‪ :‬فصرت بها إليه‪ ،‬فلقيني نافع بن علقمة فقال‪:‬‬
‫هذه ربعة الغريض والله فلم أقدر أن أكتمه‪ ،‬فقلت‪ :‬نعم؛ قال‪ :‬ما قصته? فأخبرته الخبر؛ فضحك وقال‪ :‬سر معي إلى المنزل‬
‫ففعلت‪ ،‬فملها طيبا وأعطاني دنانير‪ ،‬وقال‪ :‬أعطه وقل له يظهر فل بأس عليه؛ فسرت إليه مسرورا فأخبرته بذلك فجزع وقال‪:‬‬
‫‪.‬الن ينبغي أن أهرب‪ ،‬إنما هذه حيلة احتالها علي لقع في يده‪ ،‬ثم خرج من وقته إلى اليمن فكان آخر العهد به‬
‫قال إسحاق فحدثني هذا المخزومي‪ :‬أن الغريض له صار إلى اليمن وأقام به اجتزنا به بعض أسفارنا؛ قال‪ :‬فلما رآني بكى؛‬
‫فقلت له‪ :‬ما يبكيك? قال‪ :‬بأبي أنت وأمي وكيف يطيب لي أن أعيش بين قوم يرونني أحمل عودي فيقولون لي‪ :‬يا هناه‪ ،‬أتبيع‬
‫آخرة الرحل فقلت له‪ :‬فارجع إلى مكة ففيها أهلك‪ ،‬فقال‪ :‬يابن أخي‪ ،‬إنما كنت أستلذ مكة وأعيش بها مع أبيك ونحوه‪ ،‬وقد‬
‫أوطنت هذا المكان ولست تاركه ما عشت؛ قلنا له‪ :‬فغننا بشيء من غنائك فتأبى‪ ،‬ثم أقسمنا عليه فأجاب‪ ،‬وعمدنا إلى شاة‬
‫‪:‬فذبحناها وخرطنا من مصرانها أوتارا‪ ،‬فشدها على عوده واندفع فغنى في شعر زهير‬
‫فقبلي يستجن به جنـونـا‬ ‫جرى دمعي فهيج لي شجونا‬

‫صفحة ‪236 :‬‬

‫فما سمعنا شيئا أحسن منه؛ فقلنا له‪ :‬ارجع إلى مكة‪ ،‬فكل من بها يشتاقك‪ .‬ولم نزل نرغبه في ذلك حتى أجاب إليه‪ .‬ومضينا‬
‫لحاجتنا ثم عدنا فوجدناه عليل‪ ،‬فقلنا‪ :‬ما قصتك? قال‪ :‬جاءني منذ ليال قوم‪ ،‬وقد كنت أغني في الليل‪ ،‬فقالوا‪ :‬غننا؛ فأنكرتهم‬
‫‪:‬وخفتهم‪ ،‬فجعلت أغنيهم‪ ،‬فقال لي بعضهم غنني‬
‫ربوا منا فلم يئلوا ففعلت‪ ،‬فقام إلي هن منهم أزب فقال لي‪ :‬أحسنت والله ودق‬ ‫لقد حثوا الجمال ليه‬
‫رأسي‪ ،‬حتى سقطت ل أدري أين أنا‪ ،‬فأفقت بعد ثالثة وأنا عليل كما ترى‪ ،‬ول أراني إل سأموت‪ .‬قال‪ :‬فأقمنا عنده بقية يومنا‬
‫‪.‬ومات من غد فدفناه وانصرفنا‬
‫أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة عن أبي غسان قال‪ :‬زعم المكيون أن الغريض خرج إلى بلد عك فغنى‬
‫‪:‬ليل‬
‫كما قد تجمع السبل فصاح به صائح‪ :‬أكفف يا أبا مروان‪ ،‬فقد سفهت حلماءنا‪ ،‬وأصبيت‬ ‫هم ركب لقوا ركبا‬
‫‪.‬سفهاءنا‪ ،‬قال‪ :‬فأصبح ميتا‬
‫رواية أخرى في وفاته أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني محمد بن الخطاب قال حدثنا رجل من?‬
‫آل أبي قبيل ‪ -‬يقال له محرز ‪ -‬عن أبي قبيل قال‪ :‬رأيت الغريض‪ ،‬وقال إسحاق في خبره المذكور‪ :‬حدثني محمد بن سلم عن‬
‫أبي قبيل ‪ -‬وهو مولى لل الغريض ‪ -‬قال‪ :‬شهدت مجمعا لل الغريض إما عرسا أو ختانا‪ ،‬فقيل له‪ :‬تغن؛ فقال‪ :‬هو ابن زانية إن‬
‫فعل؛ فقال له بعض مواليه‪ :‬فأنت والله كذلك قال‪ :‬أو كذلك أنا? قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬أنت أعلم بي والله ثم أخذ الدف فرمى به‬
‫‪:‬وتمشى مشية لم أر أحسن منها‪ ،‬ثم تغنى‬
‫أو الزعفران خالط المسك رادعه فجعل يغنيه مقبل ومدبرا حتى التوت عنقه‬ ‫تشرب لون الرازقـي بـياضـه‬
‫وخر صريعا‪ ،‬وما رفعناه إل ميتا‪ ،‬وظننا أن فالجا عاجله‪ .‬قال إسحاق وحدثني ابن الكلبي عن أبي مسكين قال‪ :‬إنما نهته الجن‬
‫‪.‬أن يتغنى بهذا الصوت‪ ،‬فلما أغضبه مواليه تغناه فقتلته الجن في ذلك‬
‫نسبة هذه الصوات?‬
‫صوت?‬
‫منها‬
‫فقلبي يستجن به جنـونـا‬ ‫جرى دمعي فهيج لي شجونا‬
‫سيبكي حين يفتقد القرينـا‬ ‫أأبكي للفراق وكـل حـي‬
‫ببين فالرزية أن تـبـينـا‬ ‫فإن تصبح طليحة فارقتنـي‬
‫مفارقة وكنت بها ضنينـا الشعر لزهير‪ ،‬والغناء للغريض عن حبش‪ .‬وقيل‪ :‬إنه‬ ‫فقد بانت بكرهي يوم بانـت‬
‫‪ .‬لدحمان‪ .‬وفيه لبي الورد خفيف رمل بالوسطى عن حبش والهشامي‬
‫‪.‬انقضت أخبار الغريض‬
‫ومنها‪? :‬صوت من المائة المختارة‬
‫في رواية جحظة‬

‫ربوا منا فلـم يئلـوا‬ ‫لقد حثوا الجمال لـيه‬


‫لص السربال معتمل‬ ‫على آثـارهـن مـق‬
‫ل بالحسناء مختـبـل‬ ‫وفيهم قلبك المـتـبـو‬
‫ئل الديباج والحـلـل‬ ‫مخففة بحمل حـمـا‬
‫أين تراهـم نـزلـوا‬ ‫أسائل عاصما في السر‬
‫ك لو نفعوك إذ رحلوا الشعر للحكم بن عبدل السدي‪ .‬والغناء في اللحن المختار‬ ‫فقال هم قـريب مـن‬
‫للغريض‪ ،‬ولحنه خفيف ثقيل أول بإطلق الوتر في مجرى الوسطى في الول والثاني من البيات‪ .‬وذكر الهشامي أن فيهما‬
‫لحنا لمعبد من الثقيل الول‪ .‬وفي الثالث وما بعده من البيات لبن سريج رمل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق‪ .‬وفيها‬
‫لبراهيم ثقيل أول بالوسطى عن حبش‪ .‬وذكر أحمد بن عبيد أن الذي صح فيه أربعة ألحان‪ :‬منها لحنان في خفيف الثقيل‬
‫للغريض ومالك‪ ،‬ولحنان في الرمل لبن سريج ومخارق‪ .‬وذكر ابن الكلبي أن فيها لعريب رمل ثالثا‪ ،‬وذكر حبش أن فيها لبن‬
‫سريج خفيف رمل بالبنصر‪ ،‬ولبن مسجح رمل بالبنصر‪ ،‬ولبن سريج ثاني ثقيل بالبنصر‪ .‬هذه اللحان كلها في لقد حثوا والذي‬
‫‪.‬بعده‬

‫أخبار الحكم بن عبدل ونسبه?‬


‫نسبه ونشأته?‬
‫هو الحكم بن عبدل بن جبلة بن عمرو بن ثعلبة بن عقال بن بلل بن سعد بن حبال بن نصر بن غاضرة بن مالك بن ثعلبة بن‬
‫دودان بن أسد بن خزيمة‪ ،‬شاعر مجيد مقدم في طبقته‪ ،‬هجاء خبيث اللسان‪ ،‬من شعراء الدولة الموية؛ وكان أعرج أحدب‪.‬‬
‫‪.‬ومنزله ومنشؤه الكوفة‬
‫كان يكتب بحاجته على عصاه فل ترد?‬

‫صفحة ‪237 :‬‬

‫أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني يعقوب بن إسرائيل قال حدثنا محمد بن إدريس القيسي بواسط قال حدثنا‬
‫العتبي قال‪ :‬كان الحكم بن عبدل السدي أعرج ل تفارقه العصا‪ ،‬فترك الوقوف بأبواب الملوك‪ ،‬وكن يكتب على عصاه حاجته‬
‫‪:‬ويبعث بها مع رسله‪ ،‬فل يحبس له رسول ول تؤخر له حاجة؛ فقال في ذلك يحيى بن نوفل‬
‫ونحن على البواب نقصى ونحجب‬ ‫عصا حكم في الـدار أول داخـل‬
‫وهذي لعمر الله أدهى وأعـجـب‬ ‫وكانت عصا موسى لفرعـون آية‬
‫ويرغب في المرضاة منها وترهب قال‪ :‬فشاعت هذه البيات في الكوفة‬ ‫تطاع فل تعصى ويحذر سخطهـا‬
‫وضحك الناس منها؛ فكان ابن عبدل بعد ذلك يقول ليحيى‪ :‬يابن الزانية ما أردت من عصاي حتى صيرتها ضحكة? واجتنب أن‬
‫‪.‬يكتب عليها كما كان يفعل‪ ،‬وكاتب الناس بحوائجه في الرقاع‬
‫حبس هو وأبو علية صاحبه?‬
‫أخبرني عمي قال حدثنا الكراني‪ ،‬وأخبرني ابن عمار قال حدثني يعقوب بن نعيم قال حدثنا أبو جعفر القرشي قال‪ :‬كان للحكم‬
‫بن عبدل صديق أعمى يقال له أبو علية‪ ،‬وكان ابن عبدل قد أقعد‪ ،‬فخرجا ليلة من منزلهما إلى منزل بعض إخوانهما‪ ،‬والحكم‬
‫يحمل وأبو علية يقاد‪ ،‬فلقيهما صاحب العسس بالكوفة فأخذهما فحبسهما‪ ،‬فلما استقرا في الحبس نظر الحكم إلى عصا أبي‬
‫‪:‬علية موضوعة إلى جانب عصاه‪ ،‬فضحك وأنشأ يقول‬
‫ة من أعاجيب الـزمـان‬ ‫حبسي وحبس أبي عـلـي‬
‫ل الرجل منه ول الـيدان‬ ‫أعمـى يقـاد ومـقـعـد‬
‫ك وبي يخب الحامـلن‬ ‫هذا بـل بـصـر هـنـا‬
‫ة قرين حوت في مكـان‬ ‫يا من رأى ضب الـفـل‬
‫ة دهرنا مـتـوافـقـان‬ ‫طرفي وطلرف أبي علي‬
‫فجـيادنـا عـكـازتـان‬ ‫من يفـتـخـر بـجـواده‬
‫يشرى ول يتـصـاولن‬ ‫طرفان ل علـفـاهـمـا‬
‫ق أكان يسطع بالدخـان قال‪ :‬وكان اسم أبي علية يحيى‪ ،‬فقال فيه الحكم أيضا‬ ‫‪:‬هبـنـي وإياه الـحـري‬
‫ونومي به نوم السير الـمـقـيد‬ ‫أقول ليحيى ليلة الحبـس سـادرا‬
‫أعنك على تحبير شعر مقـصـد‬ ‫أعني على رعي النجوم ولحظهـا‬
‫وأعجب شيء حبس أعمى ومقعد‬ ‫ففي حالتينا عـبـرة وتـفـكـر‬
‫ينيخ صريعا أو على الوجه يسجد‬ ‫كلنا إذا العكـاز فـارق كـفـه‬
‫وأخرى مقام الرجل قامت مع اليد ?قوله وقد ولي الشرطة والمارة‬ ‫فعكازة تهدي إلى السبل أكمـهـا‬
‫أعرجان‬
‫ولقي سائل أعرج‬
‫أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا الحسن بن عليل قال حدثني أحمد بن بكير السدي قال حدثني محمد بن أنس‬
‫السلمي السدي عن محمد بن سهل راوية الكميت قال‪ :‬ولي الشرطة بالكوفة رجل أعرج‪ ،‬ثم ولي المارة آخر أعرج‪ ،‬وخرج‬
‫‪:‬ابن عبدل وكان أعرج‪ ،‬فلقي سائل أعرج وقد تعرض للمير يسأله‪ ،‬فقال ابن عبدل للسائل‬
‫عمل فهذي دولة العـرجـان‬ ‫ألق العصا ودع التخامع والتمس‬
‫يا قومنا لكلـيهـمـا رجـلن‬ ‫لميرنا وأمير شرطتنـا مـعـا‬
‫وأنا فإن الرابع الـشـيطـان فبلغت أبياته ذلك المير فبعث إليه بمائتي درهم وسأله‬ ‫فإذا يكون أمـيرنـا ووزيرنـا‬
‫أن يكف عنه‪ .‬وحدثنيه الخفش عن عبيد الله اليزيدي عن سليمان بن أبي شيخ عن محمد بن الحكم عن عوانة عن عمر بن عبد‬
‫العزيز قال‪ :‬ولي عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب الكوفة وضم إليه رجل من الشعريين يقال له سهل‪ ،‬وكانا‬
‫‪.‬جميعا أعرجين‪ .‬ثم ذكر باقي الحديث مثل حديث يعقوب بن نعيم‬
‫ابن عبدل وعبد الملك بن بشر?‬
‫أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني يعقوب بن إسرائيل عن قعنب بن المحرز الباهلي عن الهيثم الحمري قال‪:‬‬
‫كانت لبن عبدل السدي حاجة إلى عبد الملك بن بشر بن مروان‪ ،‬فجعل يدخل عليه ول يتهيأت له الكلم‪ ،‬حتى جاءه رجل‬
‫‪:‬فقال‪ :‬إني رأيت لك رؤيا‪ ،‬فقال‪ :‬هاتها‪ ،‬فقصها عليه؛ فقال ابن عبدل‪ :‬وأنا قد رأيت أيضا؛ قال‪ :‬هات ما رأيت؛ فقال‬

‫صفحة ‪238 :‬‬

‫في ساعة ما كنت قبل أنامها‬ ‫أغفيت قبل الصبح نوم مسهد‬
‫مغنوجة حسن علي قيامهـا‬ ‫مخبوتني فيما أرى بـولـيدة‬
‫شهباء ناجية يصل لجامهـا‬ ‫وببدرة حملت إلي وبـغـلة‬
‫ترقى وأنت خطيبها وإمامها فقال له ابن بشر‪ :‬إذا رأيت هذا في اليقظة‬ ‫ليت المنابر يابن بشر أصبحت‬
‫أتعرفه? قال‪ :‬نعم وإنما رأيته قبيل الصبح؛ قال‪ :‬يا غلم‪ ،‬ادع فلنا‪ ،‬فجاء بوكيله‪ ،‬فقال‪ :‬هات فلنة فجاءت‪ ،‬فقال‪ :‬أين هذه مما‬
‫رأيت? قال‪ :‬هي هي؛ وإل فعليه وعليه؛ ثم دعا له ببدرة‪ ،‬فقال‪ :‬مثل ذلك‪ ،‬وببغلة فركبها وخرج؛ فلقيه قهرمان عبد الملك‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أتبيعها? قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬بكم? قال‪ :‬بستمائة‪ ،‬قال‪ :‬هي لك؛ فأعطاه ستمائة‪ ،‬فقال له‪ :‬أما والله لو أبيت إل ألفا لعطيتك؛ قال‪:‬‬
‫‪.‬إياي تندم لو أبيت إل ستة لبعتك‬
‫هجاؤه ابن حسان وقد تزوج قيسية?‬
‫أخبرني عمي الحسن بن محمد قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن الهيثم عن ابن عياش عن لقيط قال‪ :‬تزوج محمد‬
‫بن حسان التيمي امرأة من ولد قيس بن عاصم وهي ابنة مقاتل بن طلبة بن قيس‪ ،‬زوجها إياه رجل منهم يقال له زياد‪ ،‬فقال‬
‫‪:‬ابن عبدل‬
‫عقيلة قـوم سـادة بـالـدراهـم‬ ‫أبـاع زياد سـود الـلـه وجـهـه‬
‫أبو المسك من أكفاء قيس بن عاصم‬ ‫وما كان حسان بن سعد ول ابـنـه‬
‫وضيع أمر المحصنات الـكـرائم‬ ‫ولكنه رد الزمان عـلـى اسـتـه‬
‫وجيئي إلى باب المير فخاصمـي‬ ‫خذي دية منـه تـكـن لـك عـدة‬
‫ولكنما ألقيت في سـجـن عـارم قال‪ :‬فلما بلغ أهلها شعره أنفوا من‬ ‫فلو كنت في روح لما قلت خاصمي‬
‫ذلك‪ ،‬فاجتمعوا على محمد بن حسان حتى فارقها‪ .‬قال‪ :‬وكان محمد بن حسان عامل على بعض كور السواد‪ ،‬فسأله ابن عبدل‬
‫‪.‬حاجة فرده عنها‪ ،‬فقال فيه هذا الشعر وغيره وهجاه هجاء كثيرا‬
‫أخبرني بهذا الخبر محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثنا أحمد بن بكير السدي عن محمد‬
‫بن بشر السلمي عن محمد بن سهل راوية الكميت‪ ،‬فذكر نحوا مما ذكره عمي وزاد فيه قال‪ :‬وكانت المرأة التي تزوجها معاذة‬
‫بنت مقاتل بن طلبة‪ ،‬فلما سمعت ما قال ابن عبدل فيها نشزت على زوجها وهربت إلى أهلها‪ ،‬فتوسطوا ما بينهما وافتديت منه‬
‫‪.‬بمال وفارقها‬
‫مسامرته امرأة تنشد شعره?‬
‫أخبرني عمي قال حدثني الكراني عن العمري عن عطاء عن يحيى بن نصر أبي زكريا قال‪ :‬سمع ابن عبدل السدي امرأة وهي‬
‫‪:‬تتمشى بالبلط تتمثل بقوله‬
‫وأدرك ميسور الغنى ومعي عرضي فقال لها ابن عبدل ‪ -‬وكان قريبا منها ‪:-‬‬ ‫وأعسر أحيانا فتشـتـد عـسـرتـي‬
‫يا أخيا‪ ،‬أتعرفين قائل هذا الشعر? قالت‪ :‬نعم‪ ،‬ابن عبدل السدي‪ ،‬قال‪ :‬أفتثبتينه معرفة? قالت‪ :‬ل؛ قال‪ :‬فأنا هو‪ ،‬وأنا الذي‬
‫‪:‬أقول‬
‫وأعذله جهدي فل ينفع العذل‬ ‫وأنعظ أحيانا فينـقـد جـلـده‬
‫فأوثقه كيما يثوب له عـقـل‬ ‫وأزداد نعظا حين أبصر جارتي‬
‫إذا هو آذاني وغر به الجهـل‬ ‫وربتما لم أدر ما حيلتـي لـه‬
‫مكابرة قدما وإن رغم البعـل فقالت له المرأة‪ :‬بئس والله الجار للمغيبة أنت‪،‬‬ ‫فآويته في بطن جاري وجارتي‬
‫‪.‬فقال‪ :‬إي والله‪ ،‬وللتي معها زوجها وأبوها وابنها وأخوها‬
‫خبر وفوده على ابن هبيرة?‬
‫أخبرني محمد بن زكريا الصحاف قال حدثنا قعنب بن المحرز الباهلي قال حدثنا الهيثم بن عدي وأخبرني به حبيب بن نصر‬
‫المهلبي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني علي بن الحسن قال حدثني أبو خالد الخزاعي السلمي عن الهيثم بن‬
‫عدي عن ابن عياش قال‪ :‬قدم الحكم بن عبدل الشاعر الكوفي واسطا على ابن هبيرة وكان بخيل‪ ،‬فأقبل حتى وقف بين يديه‬
‫‪:‬ثم قال‬
‫وأعيا المور المفظعات جسيمها‬ ‫أتيتك في أمر من أمر عشيرتي‬
‫فقد ثلجت نفسي وولت همومها‬ ‫فإن قلت لي في حاجتي أنا فاعل‬

‫صفحة ‪239 :‬‬

‫قال‪ :‬أنا فاعل إن اقتصدت‪ ،‬فما حاجتك? قال‪ :‬غرم لزمني في حمالة؛ قال‪ :‬وكم هي? قال‪ :‬أربعة آلف‪ ،‬قال‪ :‬نحن مناصفوكها‪،‬‬
‫قال‪ :‬أصلح الله المير‪ ،‬أتخاف علي التخمة إن أتممتها? قال‪ :‬أكره أن أعود الناس هذه العادة؛ قال‪ :‬فأعطني جميعها سرا‬
‫وامنعني جميعها ظاهرا حتى تعود الناس المنع وإل فالضرر عليك واقع إن عودتهم نصف ما يطلبون؛ فضحك ابن هبيرة وقال‪ :‬ما‬
‫عندنا غير ما بذلناه لك؛ فجثا بين يديه وقال‪ :‬امرأته طالق ل أخذت أقل من أربعة آلف أو أنصرف وأنا غضبان؛ قال‪ :‬أعطوه‬
‫‪.‬إياها قبحه الله فإنه ‪ -‬ما علمت ‪ -‬حلف مهين؛ فأخذها وانصرف‬
‫رثاؤه قوما من بني غاضرة?‬
‫أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا العنزي قال حدثني محمد بن معاوية السدي قال حدثني مشايخنا من بني أسد محمد‬
‫بن أنس وغيره قالوا‪ :‬لما وقع الطاعون بالكوفة أفنى بني غاضرة ومات فيه بنو زر بن حبيش الناضري صاحب علي بن أبي‬
‫‪:‬طالب‪ ،‬وكانوا ظرفاء‪ ،‬وبنو عم لهم‪ ،‬فقال الحكم بن عبدل الغاضري يرثيهم‬
‫وعمرو أرجي لذة العيش في خفض‬ ‫أبعد بني زر وبعـد ابـن جـنـدل‬
‫أل إن من يبقى علىإثر من يمضي‬ ‫مضوا وبقينا نأمل العيش بـعـدهـم‬
‫كهول مساعير وكل فـتـى بـض‬ ‫فقد كان حولي من جـياد وسـالـم‬
‫أغر كعود البانة الناعـم الـغـض ?هجاؤه ابن حسان لحاجة لم يقضها له‬ ‫يرى الشح عارا والسمـاحة رفـعة‬
‫قال أبو الفرج‪ :‬ونسخت من كتاب أبي محلم قال‪ :‬سأل الحكم بن عبدل أخو بني نصر بن قعين محمد بن حسان بن سعد حاجة‬
‫‪:‬لرجل سأله مسألته إياها؛ فرده ولم يقضها؛ فقال فيه ابن عبدل‬
‫وكنت أراه ذا ورع وقصـد‬ ‫رأيت محمدا شرها ظلومـا‬
‫أمات الله حسان بن سـعـد‬ ‫يقول أمانتي ربي خـداعـا‬
‫لئيم الكسب شأنك شأن عبـد‬ ‫فلول كسبه لوجدت فـسـل‬
‫كريم يبتغي المعروف عندي‬ ‫ركبت إليه في رجل أتانـي‬
‫ومنه ما أسر لـه وأبـدي‬ ‫فقلت له وبعض القول نصح‬
‫أخاف عليك عاقبة التعـدي‬ ‫توق دراهم البكـري إنـي‬
‫فما يزداد مني غير بـعـد‬ ‫أقرب كل آصـرة لـيدنـوا‬
‫أبا بخر لتتـخـمـن ردي أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا الحسن بن‬ ‫فأقسم غير مستثـن يمـينـا‬
‫عليل العنزي قال حدثني أحمد بن بكير السدي قال حدثني محمد بن أنس السلمي قال حدثني محمد بن سهل السدي راوية‬
‫الكميت‪ :‬أن الحكم بن عبدل السدي أتى محمد بن حسان بن سعد التميمي وكان على خراج الكوفة‪ ،‬فكلمه في رجل من‬
‫العرب أن يضع عنه ثلثين درهما من خراجه؛ فقال‪ :‬أماتني الله إن كنت أقدر أن أضع من خراج أمير المؤمنين شيئا؛ فانصرف‬
‫‪:‬ابن عبدل وهو يقول‬
‫ل بارك الله في تلك الثلثينـا‬ ‫دع الثلثين ل تعرض لصاحبها‬
‫كأشتفان يرى قوما يدوسونـا‬ ‫لما عل صوته في الدار مبتكرا‬
‫إمارة صرت فيها اليوم مفتونا‬ ‫أحسن فإنك قد أعطيت مملـكة‬
‫أقسمت بالله إل قلت آمـينـا قال‪ :‬فلم يضع له شيئا مما على الرجل؛ فقال فيه‬ ‫‪:‬ل يعطك الله خيرا مثلها أبـدا‬
‫وكنت أراه ذا ورع وقـصـد‬ ‫رأيت محمدا شرها ظلـومـا‬
‫أمات الله حسان بـن سـعـد‬ ‫يقول أماتني ربـي خـداعـا‬
‫ول صادفت مثلك في مـعـد‬ ‫فما صادفت في قحطان مثلـي‬
‫وألم عند مـسـئلة وحـمـد‬ ‫أقـل بـراعة وأشـد بـخـل‬
‫كريح الجعر فوق عطين جلد‬ ‫نحوت محمـدا ودخـان فـيه‬
‫أبا بخر لـتـتـخـمـن ردي‬ ‫فأقسم غير مستـثـن يمـينـا‬
‫لخفت ملمتي ورجوت حمدي‬ ‫فلو كنت المهذب مـن تـمـيم‬
‫شتيم أعـصـل النـياب ورد‬ ‫نكهت علي نـكـهة أخـدري‬
‫ولو طليت مشافره بـقـنـد‬ ‫فما يدنو إلـى فـمـه ذبـاب‬
‫فإني كالذي أهديت مـهـدي‬ ‫فإن أهديت لي من فيك حتفـا‬

‫صفحة ‪240 :‬‬

‫قال محمد بن سهل‪ :‬وما زال ابن عبدل يزيد في قصيدته هذه الدالية حتى مات وهي طويلة جدا‪ .‬قال‪ :‬واشتهرت حتى إن كان‬
‫المكاري ليسوق بغله أو حماره فيقول‪ :‬عد‬
‫‪.‬أمات الله حسان بن سعد فإذا سمع ذلك أبوه قال‪ :‬بل أمات الله ابني محمدا‪ ،‬فهو عرضني لهذا البلء في ثلثين درهما‬
‫ابن عبدل وأبو المهاجر?‬
‫أخبرني أحمد بن محمد زكريا الصحاف قال حدثنا قعنب بن محرز قال أخبرنا الهيثم بن عدي قال‪ :‬دعا أبو المهاجرالحكم بن‬
‫‪:‬عبدل ليشرب عنده وله جارية تغني فغنت؛ فقال ابن عبدل‬
‫فأهنتني وضررتني لو تعـلـم‬ ‫يا أبا المهاجر قد أردت كرامتي‬
‫يوما بقيت مخـلـدا ل أهـرم‬ ‫عند التي لو مس جلدي جلدهـا‬
‫فرأيتها بردت علي جـهـنـم قال‪ :‬فجعل أبو المهاجر يضحك ويقول له‪ :‬ويحك‬ ‫أو كنت في أحمى جهنم بقـعة‬
‫‪.‬والله لو كان إليها سبيل لوهبتها لك‪ ،‬ولكن لها مني ولد‬
‫ابن عبدل وعمر بن يزيد السدي?‬
‫أخبرنا الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخزاز عن المدائني قال‪ :‬كان عمر بن يزيد السدي مبخل‪ ،‬ووجده أبوه مع‬
‫أمة له فكان يعير بذلك‪ ،‬وجاءه الحكم بن عبدل السدي ومعه جماعة من قومه يسألونه حاجة‪ ،‬فدخلوا إليه وهو يأكل تمرا فلم‬
‫‪:‬يدعهم إليه‪ ،‬وذكروا له حاجتهم فلم يقضها؛ فقال فيه ابن عبدل‬
‫فما دعانا أبو حفص ول كـادا‬ ‫جئنا وبين يديه التمر في طبـق‬
‫لؤم وجبن ولـول أيره سـادا ?ابن عبدل يقتضي ديون امرأة من الكوفة‬ ‫عل على جسمه ثوبان من دنس‬
‫أخبرني علي بن سليمان الخفش قال أخبرنا محمد بن الحسن الحول عن أبي نصر عن الصمعي قال‪ :‬كانت امرأة موسرة‬
‫بالكوفة وكانت لها على الناس ديون بالسواد‪ ،‬فاستعانت بابن عبدل في دينها‪ ،‬وقالت‪ :‬إني امرأة ليس لي زوج‪ ،‬وجعلت تعرض‬
‫‪:‬بأنها تزوجه نفسها؛ فقام ابن عبدل في دينها حتى اقتضاه؛ فلما طالبها بالوفاء كتبت إليه‬
‫فقطع حبل وصلك من حبالي‬ ‫سيخطئك الذي حاولت منـي‬
‫وكنت تعد ذلـك رأس مـال قال‪ :‬وكان ابن عبدل أتى ابن بشر بالكوفة فسأله؛‬ ‫كما أخطأك معروف ابن بشر‬
‫فقال له‪ :‬أخمسمائة أحب إليك الن عاجلة أم ألف في قابل? قال‪ :‬ألف في قابل‪ .‬فلما أتاه قال له‪ :‬ألف أحب إليك أم ألفان‬
‫‪.‬في قابل? قال‪ :‬ألفان؛ فلم يزل ذلك دأبه حتى مات ابن بشر وما أعطاه شيئا‬
‫ابن عبدل وعبد الملك بن بشر?‬
‫أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن لقيط قال‪ :‬دخل ابن عبدل على عبد الملك بن بشر‪ ،‬فقال له‪ :‬ما‬
‫‪:‬أحدثت بعدي? قال‪ :‬خطبت امرأة من قومي مزقت علي جواب رسالتي ببيتي شعر؛ قال‪ :‬وما هما? قال‪ :‬قالت‬
‫فقطع حبل وصلك من حبالي‬ ‫سيخطئك الذي حاولت منـي‬
‫وكنت تعد ذلـك رأس مـال فضحك عبد الملك‪ ،‬ثم قال‪ :‬لجاد ما أذكرت بنفسك‬ ‫كما أخطأك معروف ابن بشر‬
‫‪.‬وأمر له بألفي درهم‬
‫ابن عبدل وبشر بن مروان?‬
‫أخبرني أبو الحسن السدي وحبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا الحسن بن عليل قال حدثنا محمد بن معاوية السدي قال حدثني‬
‫منجاب بن الحارث قال حدثني عبد الملك بن عفان قال‪ :‬كان الحكم بن عبدل السدي ثم الغاضري صديقا لبشر بن مروان‪،‬‬
‫‪:‬فرأى منه جفاء لشغل عرض له‪ ،‬فغبر عنه شهرا‪ ،‬ثم التقيا فقال‪ :‬يابن عبدل‪ ،‬مالك تركتنا وقد كنت لنا زوارا? فقال ابن عبدل‬
‫أضمر القلب من نوالك ياسـا‬ ‫كنت أثني عليك خيرا فلـمـا‬
‫لم أقل غير أن هجرتك باسـا‬ ‫كنت ذا منصب قنـيت حـيائي‬
‫ن ستلقـى إذا أردت أنـاسـا‬ ‫لم أطق ما أردت بي يابن مروا‬
‫ن ثناء مدخمسا دخـمـاسـا فقال له‪ :‬ل نسومك الخسيس ول نريد منك ثناء‬ ‫يقبلون الخسيس منك ويثـنـو‬
‫‪.‬مدخمسا‪ ،‬ووصله وحمله وكساه‬
‫ابن عبدل وقد طلبه بن هبيرة للغزو?‬
‫أخبرني السدي قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال وحدثني محمد بن معاوية قال حدثني منجاب بن الحارث عن عبد‬
‫‪:‬الملك بن عفان قال‬

‫صفحة ‪241 :‬‬

‫أراد عمر بن هبيرة أن يغزي الحكم بن عبدل الغاضري‪ ،‬فاعتل بالزمانة فحمل وألقي بين يديه فجرده فإذا هو أعرج مفلوج‪،‬‬
‫‪:‬فوضع عنه الغزو وضمه إليه وشخص به معه إلى أواسط؛ فقال الحكم بن عبدل‬
‫كثير العيوب سيىء المتجرد‬ ‫لعمري لقد جردتني فوجدتني‬
‫ووفقت مني للقضاء المسدد فلما صار عمر إلى واسط شكا إليه الحكم بن عبدل‬ ‫فأعفيتني لما رأيت زمانتـي‬
‫الضبعة‪ ،‬فوهب له جارية من جواريه‪ ،‬فواثبها ليلة صارت إليه فنكحها تسعا أو عشرا طلقا‪ ،‬فلما أصبحت قالت له‪ :‬جعلت فداك‬
‫‪.‬من أي الناس أنت? قال‪ :‬امرؤ من أهل الشام؛ فقالت‪ :‬بهذا العمل نصرتم‬
‫أعفاء الحجاج من الغزو?‬
‫أخبرني بهذا الخبر محمد بن عمران الصيرفي‪ ،‬قال حدثنا الحسن بن عليل قال حدثنا أحمد بن بكير السدي عن محمد بن أنس‬
‫السلمي عن محمد بن سهل راوية الكميت فقال فيه‪ :‬ضرب الحجاج البعث على المحتلمين ومن أنبت من الصبيان‪ ،‬فكانت‬
‫المرأة تجيء إلى ابنها وقد جرد فتضمه إليها وتقول له‪ :‬بأبي جزعا عليه‪ ،‬فسمي ذلك الجيش جيش بأبي‪ ،‬وأحضر ابن عبدل‬
‫‪:‬فجرد فوجد أعرج فأعفي؛ فقال في ذلك‬
‫‪:‬لعمري لقد جردتني فوجدتني البيتين‪ ،‬وزاد معهما ثالثا وهو‬
‫ولكن يتيم ساقط الرجل واليد ?تزوج همدانية ولما كرهها قال‬ ‫ولست بذي شيخين يلتزمانـه‬
‫فيها شعرا‬
‫أخبرني أبو الحسن السدي قال حدثنا العنزي قال حدثنا محمد بن معاوية عن منجاب عن عبد الملك بن عفان قال‪ :‬تزوج ابن‬
‫‪:‬عبدل امرأة من همدان فقالوا له‪ :‬على كم تزوجت? فقال‬
‫على نمط عـادية ووسـائد‬ ‫تزوجت همدانية ذات بهجة‬
‫كذاك يغالى بالنساء المواجد قال‪ :‬فلما دخل بها كرهها فقال‬ ‫‪:‬لعمري لقد غاليت بالمهر إنه‬
‫أقل اللوم إن لم تعـذرانـي‬ ‫أعاذلتي من لـوم دعـانـي‬
‫مبرقعة مخصبة الـبـنـان‬ ‫فإني قد دللت على عـجـوز‬
‫إذا ما ضرجت بالزعفـران‬ ‫تغضن جلدها واخـضـر إل‬
‫أظلتـنـي بـيوم أرونـان‬ ‫فلما أن دخلت وحادثـتـنـي‬
‫سمعت نداء حـر بـالذان‬ ‫تحدثني عن الزمان حـتـى‬
‫فلما صاحباني طلـقـانـي‬ ‫فقالت قد نكحت اثنين شتـى‬
‫فليت عريف حي قد نعانـي‬ ‫وأربعة نكحتهـم فـمـاتـوا‬
‫حمار ظالـع ومـزادتـان‬ ‫وقالت ما تلدك قلت مالـي‬
‫وثوبا مفلس متـخـرقـان‬ ‫وبـوري وأربــعة زيوف‬
‫ودنا عومة مـتـقـابـلن‬ ‫وقطعة جلة ل تمـر فـيهـا‬
‫ليسمع ما تقول الشـاهـدان‬ ‫فقالت قد رضيت فسم ألـفـا‬
‫ول تسع تعـد ول ثـمـان‬ ‫وما لك عندنا ألـف عـتـيد‬
‫لكم عندي الطويل من الهوان ?كان منقطعا إلى بشر بن مروان‬ ‫ول سبع ول سـت ولـكـن‬
‫فلما مات رثاه‬
‫أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثني عمي عن أبيه ابن الكلبي قال‪ :‬كان الحكم بن عبدل السدي منقطعا إلى بشر‬
‫‪:‬بن مروان‪ ،‬وكان يأنس به ويحبه ويستطيبه‪ ،‬وأخرجه معه إلى البصرة لما وليها‪ ،‬فلما مات بشر جزع عليه الحكم وقال يرثيه‬
‫متعجبا لتصرف الـدهـر‬ ‫أصبحت جم بلبل الصـدر‬
‫ليكون لي ذخرا من الذخر‬ ‫مازلت أطلب في البلد فتى‬
‫في كل نائبة مـن المـر‬ ‫ويكون يسعدني وأسـعـده‬
‫جاء القضاء بحينه يجـري‬ ‫حتى إذا ظفـرت يداي بـه‬
‫منه وهم طـارق يسـري‬ ‫إني لفي هم يبـاكـرنـي‬
‫للهم غير عزيمة الصبـر‬ ‫فلصبرن ومـا رأيت دوى‬
‫حتى أحاط بفضله خبـري ?خروجه مع عمال بني أمية إلى الشأم‬ ‫والله ما استعظمت فرقتـه‬
‫وكان يسمر عند عبد الملك فأنشده ليلة شعرا‬
‫أخبرني ابن دريد قال حدثني عمي عن أبيه عن ابن الكلبي قال‪ :‬لما ظفرابن الزبير بالعراق وأخرج عنها عمال بني أمية خرج‬
‫‪:‬ابن عبدل معهم إلى الشأم‪ ،‬وكان ممن يدخل إلى عبد الملك ويسمر عنده‪ ،‬فقال لعبد الملك ليلة‬

‫صفحة ‪242 :‬‬


‫هل ابصرن بني العوام قد شملوا‬ ‫يا ليت شعري وليت ربما نفعـت‬
‫على البرية حتف حيثما نزلـوا‬ ‫بالذل والسر والتشـريد إنـهـم‬
‫ذلت لعزك أقوام وقد نـكـلـوا فقال عبد الملك ‪ -‬ويروى أنه قائل هذا الشعر‬ ‫أم هل أراك بأكناف العراق وقد‬
‫‪-:‬‬
‫ومن جذام ويقتل صاحب الحرم‬ ‫إن يمكن الله من قيس ومن جدس‬
‫ضربا ينكل عنا سـائر المـم ?يزيد بن عمر بن هبيرة وبنت ابن عبدل‬ ‫نضرب جماجم أقوام على حنـق‬
‫أخبرني علي بن سليمان الخفش قال حدثني هارون بن علي بن يحيى المنجم عن أبيه قال حدثني محمد بن عمر الجرجاني‬
‫عن رجل من بني أسد قال‪ :‬خرج يزيد بن عمر بن هبيرة يسير بالكوفة فانتهى إلى مسجد بني غاضرة‪ ،‬وأقيمت الصلة‪ ،‬فنزل‬
‫يصلي‪ ،‬واجتمع الناس لمكانه في الطريق وأشرف النساء من السطوح‪ ،‬فلما قضى صلته قال‪ :‬لمن هذا المسجد? قالوا لبني‬
‫‪:‬غاضرة‪ ،‬فتمثل قول الشاعر‬
‫إل فصمن بساقهـا خـلـخـال فقالت له امرأة من المشرفات‬ ‫‪:‬ما إن تركن من الغواضر معصرا‬
‫كر المنيح وجلن ثم مـجـال فقال يزيد‪ :‬من هذه? فقالوا‪ :‬بنت الحكم بن‬ ‫ولقد عطفن على فزارة عطفة‬
‫‪.‬عبدل؛ فقال‪ :‬هل تلد الحية إل حية وقام خجل‬
‫ابن عبدل وصاحب العسس?‬
‫أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني أحمد بن الهيثم قال حدثنا العمري عن عطاء بن مصعب عن عاصم بن‬
‫الحدثان قال‪ :‬كان ابن عبدل السدي أعرج أحدب‪ ،‬وكان من أطيب الناس وأملحهم‪ ،‬فلقيه صاحب العسس ليلة وهو سكران‬
‫محمول في محفة؛ فقال له‪ :‬من أنت? فقال له‪ :‬يا بغيض‪ ،‬أنت أعرف بي من أن تسألني من أنا‪ ،‬فاذهب إلى شغلك‪ ،‬فإنك تعلم‬
‫‪.‬أن اللصوص ل يخرجون بالليل للسرقة محمولين في محفة؛ فضحك الرجل وانصرف عنه‬
‫ابن عبدل يعرض بابن هبيرة في شعره?‬
‫أخبرني‪ :‬هاشم بن محمد قال حدثنا العباس بن ميمون طائع قال حدثني أبو عدنان عن الهيثم بن عدي عن ابن عياش قال‪:‬‬
‫رأيت ابن عبدل السدي وقد دخل على ابن هبيرة‪ ،‬فقال له‪ :‬أنشدني شيئا فقال‪ :‬أنشدك مقولة أيها المير? قال‪ :‬هات؛ فأنشده‬
‫‪ -‬هذه البيات ‪ -‬وهي قديمة وقد تمثل بها ابن الشعث حين خرج‪ ،‬ويروى أنها لعشى همدان‬
‫وقد ملئوا من مالنا ذا الكـارع‬ ‫نجم ول نعطى وتعطى جيوشهم‬
‫فقد وأبي رعناكـم بـالـروائع‬ ‫وقد كلفـونـا عـدة وروائعـا‬
‫إليكم بمجمر من الموت ناقـع قال‪ :‬فغضب ابن هبيرة من تعريضه به‪،‬‬ ‫ونحن جلبنا الخيل من ألف فرسخ‬
‫‪.‬وقال به‪ :‬والله لول أني قد أمنتك واستنشدتك لضربت عنقك‬
‫وولدت له جارية سوداء ولدا?‬
‫فقال فيه شعرا‬
‫أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان أبو عبد الله قال حدثنا القاسم بن عبد الرحمن قال‪ :‬كانت للحكم بن عبدل جارية سوداء‪،‬‬
‫‪:‬وقد كان يميل إليها فولدت له ابنا أسود‪ ،‬فكان من أعرم الصبيان‪ ،‬فقال فيه‬
‫ل يشتكي من رجله مس الحفا‬ ‫يا رب خال لك مسود القـفـا‬
‫عينا غراب فوق نيق أشرفـا ?هجا عمر بن يزيد السدي لبخله‬ ‫كأن عـينـيه إذا تـشـوفـا‬
‫أخبرنا محمد بن خلف بن المرزبان أبو عبد الله قال حدثنا عبيد الله بن محمد قال حدثنا المدائني قال‪ :‬كان عمر بن يزيد‬
‫السدي بخيل على الطعام‪ ،‬فدخل عليه الحكم بن عبدل الشاعر وهو يأكل بطيخا‪ ،‬فسلم فلم يرد عليه السلم ولم يدعه إلى‬
‫‪.‬الطعام؛ فقال ابن عبدل يهجوه‬

‫بخل وجبن ولول أيره سـادا‬ ‫في عمر يزيد خلتـا دنـس‬
‫فما دعانا أبو حفص ول كادا قال وكان عمر على شرطة الحجاج وكان بخيل جدا‪،‬‬ ‫جئناه يأكل بطيخا على طبق‬
‫فأصابه قولنج فحقنه الطبيب بدهن كثير‪ ،‬فانحل ما في بطنه في الطست‪ ،‬فقال للغلم‪ :‬ما تصنع به? قال‪ :‬أصبه؛ قال‪ :‬ل ولكن‬
‫‪.‬ميز منه الدهن واستصبح به‬
‫ابن عبدل ومحمد ابن عمير?‬
‫كاتب عبد الملك بن بشر‬
‫‪:‬أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثنا أبو هفان قال‬

‫صفحة ‪243 :‬‬

‫كان لعبد الملك بن بشر بن مروان كاتب يقال له محمد بن عمير وكان كلما مدحه ابن عبدل بشيء وأمر له بجائزة دافعه بها‬
‫‪:‬وعارضه فيها‪ ،‬فدخل يوما إلى عبد الملك وكاتبه هذا يساره‪ ،‬فوقف وأنشأ يقول‬
‫وحصاد أنفك بالمناجل أهـون‬ ‫ألقيت نفسك في عروض مشقة‬
‫باللين واللطف الذي ل يخزن‬ ‫فبحق أمك وهي غير حقـيقة‬
‫حتى يداوي نتنه لـك أهـون‬ ‫ل تدن فاك إلى المير ونحـه‬
‫فلحجر أنفك يا محمد أنـتـن ?خطب امرأة فابت‬ ‫إن كان للظربان حجر منـتـن‬
‫فقال فيها شعرا يعيرها‬
‫أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا العنزي قال حدثني أحمد بن بكير السدي عن محمد بن أنس السلمي عن‬
‫محمد بن سهل راوية الكميت قال‪ :‬خطب ابن عبدل امرأة من همدان يقال لها‪ :‬أم رياح فلم تتزوجه‪ ،‬فقال‪ :‬أما والله لفضحنك‬
‫‪:‬ولعيرنك فقال‬
‫ول في الزواني بعـد أم رياح‬ ‫فل خير في الفتيان بعد ابن عبدل‬
‫وأم رياح عرضة لنـكـاحـي ?ولد له ولد سماه بشرا تيمنا ببشر‬ ‫فأيري بحمد الله ماض مجـرب‬
‫ابن مروان‬
‫قال‪ :‬فتحاماها الناس فما تزوجت حتى أسنت‪ .‬وبهذا السناد عن محمد بن سهل قال‪ :‬ولد للحكم بن عبدل ابن فسماه بشرا‪،‬‬
‫‪:‬ودخل على بشر بن مروان فأنشده‬
‫فل تفضحني بتصداقها‬ ‫سميت بشرا ببشر الندى‬
‫ح عند تجمع آفاقهـا‬ ‫إذا ما قريش البـطـا‬
‫تباري الرياح بأوراقها‬ ‫تسامت قرومهم للنـدى‬
‫وخلقك أكرم أخلقها فأمر له بألفي درهم‪ ،‬وقال‪ :‬استعن بهذه على أمرك‬ ‫‪.‬فمالك أنفع أموالـهـا‬
‫عبد الملك بن بشر يقضي دينه وبإسناده عن محمد بن سهل قال‪ :‬اقترض ابن عبدل مال من التجار وحلف لهم بالطلق ثلثا?‬
‫‪:‬أن يقضيهم المال عند طلوع الهلل‪ ،‬فلما بقي من الشهر يومان قال‬
‫كأنما مضجعي على حجـر‬ ‫قد بات همي قرنا أكـابـده‬
‫فإن رأوه فحق لي حـذري‬ ‫من رهبة أن يرى هلل غد‬
‫كأنها صورة من الـصـور‬ ‫من فقد بيضاء غادة كملـت‬
‫مالي على مثل ليلة الصـدر فبلغ خبره عبد الملك بن بشر فأعطاهم مالهم‬ ‫أصبحت من أهلي الغداة ومن‬
‫‪:‬عليه وأضعفه له؛ فقال فيه‬
‫وأنشدوه إياه فـي شـعـري‬ ‫لما أتاه الـذي أصـبـت بـه‬
‫عفوا فزالت حرارة الصـدر‬ ‫جاد بضعفي ما حل من غرمي‬
‫ما دمت حيا وطال لي عمري ?فضله الحجاج في الجائزة على الشعراء‬ ‫لشكرن الذي مـنـنـت بـه‬
‫وقال محمد بن سهل بهذا السناد‪ :‬اجتمع الشعراء إلى الحجاج وفيهم ابن عبدل‪ ،‬فقالوا للحجاج‪ :‬إنما شعر ابن عبدل كله هجاء‬
‫‪:‬وشعر سخيف؛ فقال له‪ :‬قد سمعت قولهم فاستمع مني؛ قال هات فأنشده قوله‬
‫وأعرض ميسوري لمن يبتغي قرضي‬ ‫وإني لستغني فما أبطـر الـغـنـى‬
‫فأدرك ميسور الغنى ومعي عرضي حتى انتهى إلى قوله‬ ‫‪:‬وأعسر أحيانا فتشـتـد عـسـرتـي‬
‫ول البخل فاعلم من سمائي ول أرضي فقال له الحجاج‪ :‬أحسنت وفضله‬ ‫ولست بذي وجهين فيمـن عـرفـتـه‬
‫‪.‬في الجائزة عليهم بألفي درهم‬

‫أحد الصوات المائة المختارة?‬


‫صوت من المائة المختارة?‬
‫فتهجر أم شأننا شـأنـهـا‬ ‫أجد بعمـرة غـنـيانـهـا‬
‫وباح لك اليوم هجرانـهـا‬ ‫فإن تمس شطت بها دارهـا‬
‫كأن المصابيح حوذانـهـا‬ ‫فما روضة من رياض القطا‬
‫دلوح تكشف إدجـانـهـا‬ ‫بأحسن منـهـا ول مـزنة‬
‫ء تنفح بالمسك أردانـهـا أجد‪ :‬أستمر‪ .‬وغنيانها‪ :‬استغناؤها‪ .‬أم شأننا شانها‪ :‬يقول‬ ‫وعمرة من سروات النسـا‬
‫أم هي على ما نحب‪ .‬وشطت‪ :‬بعدت‪ ،‬قال ابن العرابي‪ :‬يقال‪ :‬شطت وشطنت وشسعت وتشسعت وبعدت ونأت وتزحزحت‬
‫‪:‬وشطرت؛ قال الشاعر‬
‫‪:‬ل تتركني فيهم شطيرا ومنه سمي الشاطر‪ .‬وباح‪ :‬ظهر؛ ومنه باحة الدار وأنشد‬
‫‪:‬أتكتم حب سلمى أم تبوح والروضة‪ :‬موضع فيه نبت وماء مستدير‪ ،‬وكذلك الحديقة‪ .‬وقوله‬
‫كأن المصابيح حوذانها‬

‫صفحة ‪244 :‬‬

‫‪:‬أراد كأن حوذانها المصابيح فقلب‪ ،‬والعرب تفعل ذلك؛ قال العشى‬
‫كأن الجمر مثل ترابها أراد كأن ترابها مثل الجمر‪ .‬والمزنة‪ :‬السحابة‪ .‬والدلوح‪ :‬الثقيلة‪ ،‬يقال‪ :‬مر يدلح بحمله إذا مر به ‪...‬‬
‫مثقل‪ .‬والدجن‪ :‬إلباس الغيم السحاب برش وندى‪ ،‬يقال‪ :‬أدجنت السماء؛ وقوله‪ :‬تكشف إدجانها‪ ،‬إذا انكشف السواد عنها‪ ،‬وذلك‬
‫‪.‬أحسن لها‪ ،‬وأراد مزنة بيضاء‪ .‬والردان‪ :‬ما يلي الذراعين جميعا والبطين من الكمين‬
‫‪.‬الشعر لقيس بن الخطيم‪ ،‬والغناء لطويس خفيف ثقيل أول بإطلق الوتر في مجرى الوسطى‬

‫الجزء الثالث‬

‫ذكر قيس بن الخطيم وأخباره ونسبه‬


‫نسبه‬
‫‪.‬هو قيس بن الخطيم بن عدي بن عمرو بن سود بن ظفر‪ ،‬ويكنى قيس أبا يزيد‬
‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا محمد بن موسى بن حماد‪ ،‬قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال‪ :‬أنشد ابن أبي‬
‫‪:‬عتيق قول قيس بن الخطيم‬
‫حذوا فل جبلة ول قضف فقال‪ :‬لول أن أبا يزيد قال‪ :‬حذوا ما درى الناس كيف‬ ‫بين شكول النساء خلقتهـا‬
‫يخشون هذا الموضع أخذه بثأر أبيه وجده‬
‫واستعانته في ذلك بخداش بن زهير‬
‫وكان أبوه الخطيم قتل وهو صغير‪ ،‬قتله رجل من بني حارثة بن الحارث بن الخزرج‪ ،‬فلما بلغ قتل قاتل أبيه ونشبت لذلك‬
‫‪.‬حروب بين قومه وبين الخزرج وكان سببها‬
‫فأخبرني علي بن سليمان الخفش قال أخبرني أحمد بن يحيى ثعلب عن أبي العرابي عن المفضل قال‪ :‬كان سبب قتل‬
‫الخطيم أن رجل من بني حارثة بن الحارث بن الخزرج يقال له مالك اغتاله فقتله‪ ،‬وقيس يومئذ صغير‪ ،‬وكان عدي أبو الخطيم‬
‫أيضا قتل قبله‪ ،‬قتله رجل من عبد القيس‪ ،‬فلما بلغ قيس بن الخطيم وعرف أخبار قومه وموضع ثأره لم يزل يلتمس غرة من‬
‫قاتل أبيه وجده في المواسم حتى ظفر بقاتل أبيه بيثرب فقتله‪ ،‬وظفر بقاتل جده بذي المجاز‪ ،‬فلما أصابه وجده في ركب‬
‫عظيم من قومه‪ ،‬ولم يكن معه إل رهط من الوس‪ ،‬فخرج حتى أتى حذيفة بن بدار الفزاري‪ ،‬فاستنجده فلم ينجده‪ ،‬فأتى‬
‫خداش بن زهير فنهض معه ببني عامر حتى أتوا قاتل عدي‪ ،‬فإذا هو واقف على راحلته في السوق‪ ،‬فطعنه قيس بحرية فقتله‪،‬‬
‫‪:‬ثم استمر‪ .‬فأراده رهط الرجل‪ ،‬فحالت بنو عامر دونه؛ فقال في ذلك قيس بن الخطيم‬
‫ولية أشياخ جعـلـت إزاءهـا‬ ‫ثأرت عديا والخطيم فلـم أضـع‬
‫فأبت بنفس قد أصبت شفـاءهـا‬ ‫ضربت بذي الزجين ربقة مالـك‬
‫خداش فأدى نـعـمة وأفـاءهـا‬ ‫وسامحني فيها ابن عمرو بن عامر‬
‫لها نفذ لول الشعـاع أضـاءهـا‬ ‫طعنت ابن عبد القيس طعنة ثـائر‬
‫يرى قائم من دونها مـاوراءهـا هذه رواية ابن العرابي عن المفضل‪ .‬وأما ابن‬ ‫ملكت بها كفي فأنهرت فتقـهـا‬
‫‪:‬الكلبي فإنه ذكر أن رجل من قريش أخبره عن أبي عبيدة أن محمد بن عمار بن ياسر‪ ،‬وكان عالما بحديث النصار‪ ،‬قال‬

‫صفحة ‪245 :‬‬


‫كان من حديث قيس بن الخطيم أن جده عدي بن عمرو قتله رجل من بني عمرو بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة‬
‫يقال له مالك‪ ،‬وقتل أباه الخطيم بن عدي رجل من عبد القيس ممن يسكن هجر؛ وكان قيس يوم قتل أبوه صبيا صغيرا‪ ،‬وقتل‬
‫الخطيم قبل أن يثأر بأبيه عدي؛ فخشيت أم قيس على ابنها أن يخرج فيطلب بثأر أبيه وجدك‪ ،‬فكان قيس ليشك أن ذلك على‬
‫ذلك‪ .‬ونشأ أيدا شديد الساعدين‪ ،‬فنازع يوما فتى من فتيان بني ظفر‪ ،‬فقال له‪ :‬ومن قاتل أبي وجدي? قال‪ :‬سل أمك تخبرك?‬
‫فأخذ السيف ووضع قائمة على الرض وذبابة بين ثدييه وقال لمه‪ :‬أخبريني من قتل أبي وجدي? قالت‪ :‬ماتا كما يموت الناس‬
‫وهذان قبراهما بالفناء؛ فقال‪ :‬والله لتخبرينني من قتلهما أو لتحاملن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري؛ فقالت‪ :‬أما جدك‬
‫فقتله رجل من بني عمرو بن عامر بن ربيعة يقال له مالك‪ ،‬وأما أبوك فقتله رجل من عبد القيس ممن يسكن هجر؛ فقال‪:‬‬
‫والله لنتهي حتى أقتل قاتل أبي وجدي؛ فقالت‪ :‬يا بني إن مالكا قاتل جدك من قوم خداش بن زهير‪ ،‬ولبيك عن خداش نعمة‬
‫هو لها شاكر‪ ،‬فأته فاستشره في أمرك واستعنه يعنك؛ فخرج قيس من ساعته حتى أتى ناصحه وهو يسقي نخله‪ ،‬فضرب‬
‫الجرير بالسيف فقطعه‪ ،‬فسقطت الدلو في البئر‪ ،‬وأخذ برأس الجمل فحمل على غرارتين من تمر‪ ،‬وقال‪ :‬من يكفيني أمر هذه‬
‫العجوز? (يعني أمه) فإن مت أنفق عليها من هذا الحائط حتى تموت ثم هو له‪ ،‬وإن عشت فمالي عائد إلي وله منه ما شاء أن‬
‫يأكل من تمره؛ فقال رجل من قومه‪ :‬أنا له‪ ،‬فأعطاه الحائط ثم خرج يسأل عن خداش بن زهير حتى دل عليه بمر الظهران‪،‬‬
‫فصار إلى خبائه فيم يده‪ ،‬فنزل تحت شجرة يكون تحتها أضيافه‪ ،‬ثم نادى امرأة خداش‪ :‬هل من طعام? فأطلعت إليه فأعجبها‬
‫جماله‪ ،‬وكان من أحسن الناس وجها؛ فقالت‪ :‬والله ما عندنا من نزل نرضاه لك إل تمرا؛ فقال‪ :‬ل أبالي‪ ،‬فأخرجي ما كان عندك؛‬
‫فأرسلت إليه بقباع فيه تمر‪ ،‬فأخذ منه تمرة فأكل شقها ورد شقها الباقي في القباع‪ ،‬ثم أمر بالقباع فأدخل على امرأة خداش‬
‫بن زهير‪ ،‬ثم ذهب لبعض حاجاته‪ .‬ورجع خداش فأخبرته امرأته خبر قيس‪ ،‬فقال‪ :‬هذا رجل متحرم‪ .‬وأقبل قيس راجعا وهو مع‬
‫امرأته يأكل رطبا؛ فلما رأى خداش رجله وهو على بعيره قال لمرأته‪ :‬هذا ضيفك? قالت‪ :‬نعم؛ قال‪ :‬كأن قدمه قدم الخطيم‬
‫صديقي اليثربي؛ فلما منه قرع طنب البيت بسنان رمحه واستأذن‪ ،‬فأذن له خداش فدخل إليه‪ ،‬فنسبه فانتسب وأخبره بالذي‬
‫جاء له‪ ،‬وسأله أن يعينه وأن يشير عليه في أمره؛ فرحب به خداش وذكر نعمة أبيه عنده‪ ،‬وقال‪ :‬إن هذا المر مازلت أتوقعه‬
‫منك منذ حين‪ .‬فأما قاتل جدك فهو ابن عم لي وأنا أعينك عليه‪ ،‬فإذا اجتمعا في نادينا جلست إلى جنبه وتحدثت معه‪ ،‬فإذا‬
‫ضربت فخذه فثب إليه فاقتله‪ .‬فقال قيس‪ :‬فأقبلت معه نحوه حتى قمت على رأسه لما جالسه خداش‪ ،‬فحين ضرب فخذه‬
‫فثب إليه فاقتله‪ .‬فقال قيس‪ :‬فأقبلت معه نحوه حتى قمت على رأسه لما جالسه خداش‪ ،‬فحين ضرب فخذه ضربت رأسه‬
‫بسيف يقال له‪ :‬ذو الخرصين‪ ،‬فثار إلي القوم ليقتلوني‪ ،‬فحال خداش بينهم وبيني وقال‪ :‬دعوه فإنه والله ما قتل إل قاتل جده‪.‬‬
‫ثم دعا خداش بجمل من إبله فركبه‪ ،‬وانطلق مع قيس إلى العبدي الذي قتل أباه‪ ،‬حتى إذا كانا قريبا من هجر أشار عليه خداش‬
‫أن ينطلق حتى يسأل عن قاتل أبيه‪ ،‬فإذا دل عليه قال له‪ :‬إن لصا من لصوص قومك عارضني فأخذ متاعا لي‪ ،‬فسألت من سيد‬
‫قومه فدللت عليك‪ ،‬فانطلق معي حتى تأخذ متاعي منه؛ فإن اتبعك وحده فستنال ما تريد منه‪ ،‬وإن أخرج معه غيره فاضحك‪،‬‬
‫فإن سألك مم ضحكت فقل‪ :‬إن الشريف عندنا ليصنع كما صنعت إذا دعي إلى اللص من قومه‪ ،‬إنما يخرج وحده بسوطه دون‬
‫سيفه‪ ،‬فإذا رآه اللص أعطى كل شيء أخذ هيبة له‪ ،‬فإن أمر أصحابه بالرجوع فسبيل ذلك‪ ،‬وإن أبى إل أن يمضوا معه فأتني‬
‫به‪ ،‬فإني أرجو أن تقتله وتقتل أصحابه‪ .‬ونزل خداش تحت ظل شجرة‪ ،‬وخرج قيس حتى أتى العبدي فقال له ما أمره خداش‬
‫فاحفظه‪ ،‬فأمر أصحابه فرجعوا ومضى مع قيس‪ ،‬فلما طلع على خداش‪ ،‬قال له‪ :‬اختر يا قيس إما أن أعينك وإما أن أكفيك؛‬
‫قال‪ :‬ل أريد واحدة منهما‪ ،‬ولكن إن قتلني فل يفلتنك؛ ثم ثار إليه فطعنه قيس بالحربة في خاصرته فأنفذها من الجانب الخر‬
‫فمات مكانه‪ ،‬فلما فرغ منه قال له خداش‪ :‬إنا إن قررنا الن طلبنا قومه‪ ،‬ولكن ادخل بنا مكانا قريبا من مقتله‪ ،‬فإن‬

‫صفحة ‪246 :‬‬

‫قومه ل يظنون أنك قتلته وأقمت قريبا منه‪ ،‬ولكنهم إذا افتقدوه اقتفوا أثره‪ ،‬فإذا وجدوه قتيل‪ ،‬فخرجوا يطلبونهما في كل وجه‬
‫ثم رجعوا‪ ،‬فكان من أمرهم ما قال خداش‪ .‬وأقاما مكانهما أياما ثم خرجا‪ ،‬فلم يتكلما حتى لتيا منزل خداش‪ ،‬ففارقه عنده‬
‫قيس بن الخطيم ورجع الى أهله‪ .‬ففي ذلك يقول قيس‪:‬ه ل يظنون أنك قتلته وأقمت قريبا منه‪ ،‬ولكنهم إذا افتقدوه اقتفوا أثره‪،‬‬
‫فإذا وجدوه قتيل‪ ،‬فخرجوا يطلبونهما في كل وجه ثم رجعوا‪ ،‬فكان من أمرهم ما قال خداش‪ .‬وأقاما مكانهما أياما ثم خرجا‪ ،‬فلم‬
‫‪:‬يتكلما حتى لتيا منزل خداش‪ ،‬ففارقه عنده قيس بن الخطيم ورجع الى أهله‪ .‬ففي ذلك يقول قيس‬
‫وبانت فما إن يستطيع لـقـاءهـا‬ ‫تذكر ليلى حسنهـا وصـفـاءهـا‬
‫ولجارة أفضت إلي خـبـاءهـا‬ ‫ومثلك قد أصبيت ليسـت بـكـنة‬
‫وأتبعت دلوي في السماح رشاءها‬ ‫إذا ما اصطبحت أربعا خط مئزري‬
‫وصية أشياخ جعـلـت إزاءهـا وهي قصيدة طويلة‬ ‫‪.‬ثأرت عديا والخطيم فـلـم أضـع‬
‫استنشد رسول الله شعره وأعجب بشجاعته‬
‫أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني يعقوب بن اسرائيل قال حدثنا زكريا بن يحيى المنقري قال حدثنا زياد بن بيان‬
‫العقيلي قال حدثنا أبو خولة النصاري عن أنس بن مالك قال‪ :‬جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس ليس فيه إل‬
‫‪:‬خزرجي ثم استنشدهم قصيدة قيس بن الخطيم‪ ،‬يعني قوله‬
‫لعمرة وحشا غير موقف راكب فأنشده بعضهم إياها‪ ،‬فلما بلغ إلى قوله‬ ‫‪:‬أتعرف رسما كاطراد المذاهب‬
‫كأن يدي بالسيف مخراق لعب فالتفت إليهم رسول الله صلى الله عليه‬ ‫أجالدهم يوم الحديقة حـاسـرا‬
‫وسلم فقال‪ :‬هل كان كما ذكر ؛ فشهد له ثابت بن قيس بن شماس وقال له‪ :‬والذي بعثك بالحق يا رسول الله‪ ،‬لقد خرج إلينا‬
‫‪.‬يوم سابع عرسه عليه غللة وملحفة مورسة فجالدنا كما ذكر‪ .‬هكذا في هذه الرواية‬
‫وقد أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي مصعب قال‪ :‬لم تكن بينهم في هذه اليام حروب إل‬
‫‪.‬في يوم بعاث فإنه كان عظيما‪ ،‬وإنما كانوا يخرجون فيترامون بالحجارة ويتضاربون بالخشب‬
‫‪:‬قال الزبير وأنشدت محمد بن فضالة قول قيس بن الخطيم‬
‫كأن يدي بالسيف مخراق لعب فضحك وقال‪ :‬ما اقتتلوا يومئذ إل بالرطائب‬ ‫أجالدهم يوم الحديقة حـاسـرا‬
‫والسعف قال أبو الفرج‪ :‬وهذه القصيدة التي استنشدهم إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم من جيد شعر قيس بن الخطيم‪،‬‬
‫‪.‬ومما أنشده نابغة بني دبيان فاستحسنه وفضله وقدمه من أجله‬
‫أنشد النابغة من شعره فاستجاده أخبرنا الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا الزبير بن بكار قال قال أبو غزية‬
‫قال حسان بن ثابت‪ :‬قدم النابغة المدينة فدخل السوق فنزل عن راحلته‪ ،‬ثم جثا على ركبتيه‪ ،‬ثم اعتمد على عصاه‪ ،‬ثم أنشأ‬
‫‪:‬يقول‬
‫فأعلى الجزع للحي المبن فقلت‪ :‬هلك الشيخ ورأيته قد تبع قافية منكرة‪ .‬قال ويقال‪:‬‬ ‫عرفت منازل بعريتنـات‬
‫إنه قالها في موضعه‪ ،‬فما زال ينشد حتى أتى على آخرها‪ ،‬ثم قال‪ :‬أل رجل ينشد? فتقدم قيس بن الخطيم فجلس بين يديه‬
‫وأنشده‪ :‬أتعرف رسما كاطراد المذاهب حتى فرغ منه؛ فقال‪ :‬أنت أشعر الناس يابن أخي‪ .‬قال حسان‪ :‬فدخلني منه‪ ،‬وإني في‬
‫ذلك لجد القوة في نفسي عليهما‪ ،‬ثم تقدمت فجلست بين يديه؛ فقال‪ :‬أنشد فو الله إنك لشاعر قبل أن تتكلم‪ ،‬قال‪ :‬وكان‬
‫يعرفني قبل ذلك‪ ،‬فأنشدته؛ فقال أنت أشعر الناس‪ .‬قال الحسن بن موسى‪ :‬وقالت الوس‪ :‬لم يزد قيس بن الخطيم النابغة‬
‫على‪ :‬أتعرف رسما كاطراد المذاهب ‪-‬نصف البيت‪-‬حتى قال أنت أشعر الناس صفاته الجثمانية‬
‫أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا الزبير قال قال سليمان بن داود‬
‫المجمعي‪ :‬كان قيس بن الخطيم مقرون الحاجبين أدعج العينين أحمر الشفتين براق الثنايا كأن بينهما برقا‪ ،‬ما رأته حليلة رجل‬
‫‪.‬قط إل ذهب عقلها‬
‫أمر حسان الخنساء بهجوه فأبت‬

‫صفحة ‪247 :‬‬

‫أخبرني الحسن قال حدثنا محمد قال حدثنا الزبير قال حدثني حسن بن موسى عن سليمان بن داود المجمعي قال‪ :‬قال‬
‫حسان بن ثابت للخنساء‪ :‬أهجي قيس بن الخطيم؛ فقالت‪ :‬ل أهجو أحدا أبدا حتى أراه‪ .‬قال‪ :‬فجاءته يوما فوجدته في مشرقة‬
‫ملتفا في كساء له‪ ،‬فنخسته برجلها وقالت‪ :‬قم‪ ،‬فقام؛ فقالت‪ :‬أدبر‪ ،‬فأدبر؛ ثم قالت‪ :‬أقبل‪ ،‬فأقبل‪ .‬قال‪ :‬والله لكأنها تعترض‬
‫‪.‬عبدا تشتريه‪ ،‬ثم عاد إلى حاله نائما؛ فقالت‪ :‬والله ل أهجو هذا أبدا‬
‫عرض عليه رسول الله‬
‫‪:‬صلى الله عليه وسلم السلم فاستنظره حتى يقدم المدينة‬
‫قال الزبير وحدثني عمي مصعب قال‪ :‬كانت عند قيس بن الخطيم حواء بنت يزيد بن سنان بن كريز بن زعوراء فأسلمت‪،‬‬
‫وكانت تكتم قيس بن الخطيم إسلمها‪ ،‬فلما قدم قيس مكة عرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم السلم‪ ،‬فاستنظره‬
‫قيس حتى يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة؛ فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم السلم‪ ،‬فاستنظره قيس‬
‫حتى يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة؛ فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجتنب زوجته حواء بنت يزيد‪،‬‬
‫وأوصاه بها خيرا‪ ،‬وقال له‪ :‬إنها قد أسلمت؛ ففعل قيس وحفظ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فبلغ رسول صلى الله‬
‫عليه وسلم؛ فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقال‪ :‬وفي الديعج قال أبو الفرج وأحسب هذا غلطا من مصعب‪ ،‬وأن‬
‫‪.‬صاحب هذه القصة قيس بن شماس‪ ،‬وأما قيس بن الخطيم فقتل قبل الهجرة‬
‫قتله الخزرج بعد هدأة الحرب بينهم وبين الوس‪ :‬أخبرني علي بن سليمان الخفش النحوي عن أبي سعيد السكري عن محمد‬
‫بن حبيب عن ابن العرابي عن المفضل‪ :‬أن حرب الوس والخزرج لما هدأت‪ ،‬تذكرت الخزرج قيس بن الخطيم ونكايته فيهم‪،‬‬
‫فتوامروا وتواعدو قتله؛ فخرج عشية من منزله في ملءتين يريد مال له بالشوط حتى مر بأطم بني حارثة‪ ،‬فرمي من الطم‬
‫بثلثة أسهم‪ ،‬فوقع أحدها في صدره‪ ،‬فصاح صيحة سمعها رهطه‪ ،‬فجاؤوا فحملوه الى منزله‪ ،‬فلم يروا له كفئا إل أبا صعصعة‬
‫يزيد بن عوف بن مدرك النجاري‪ ،‬فاندس إليه رجل حتى اغتاله في منزله‪ ،‬فضرب عنقه واشتمل على رأسه‪ ،‬فأتى به قسا وهو‬
‫بآخر رمق‪ ،‬فألقاه بين يديه وقال‪ :‬يا قيس قد أدركت بثأرك؛ فقال‪ :‬عضعضت بأير أبيك إن كان غير أبي صعصعة فقال‪ :‬هو أبو‬
‫‪.‬صعصعة‪ ،‬وأراه الرأس فلم يلبث قيس بعد ذلك أن مات‬
‫مهاجاته حسان بن ثابت‬
‫وهذا الشعر أعني‪( :‬أجد بعمرة غنيانها) فيما قيل يقوله قيس بن عمرة بنت رواحة‪ ،‬وقيل‪ :‬بل قاله في عمرة‪ :‬امرأة كانت‬
‫لحسان بن ثابت‪ ،‬وهي عمرة بنت صامد بن خالد‪ .‬وكان حسان ذكر ليلى بنت الخطيم في شعره‪ ،‬فكافأه قيس بذلك‪ ،‬وكان هذا‬
‫‪.‬في حربهم التي يقال لها يوم الربيع‬
‫فأخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن زهير قال أخبرنا الزبير قال حدثني مصعب قال‪ :‬مر حسان بن ثابت بليلى بنت‬
‫الخطيم‪-‬وقيس بن الخطيم أخوها بمكة حين خرجوا يطلبون الحلف في قريش‪ -‬فقال لها حسان‪ :‬اظعني فالحقي بالحي فقد‬
‫ظعنوا‪ ،‬وليت شعري ما خلفك وما شأنك‪ :‬أقل ناصرك أم راث رافدك? فلم تكلمه وشتمه نساؤها؛ فذكرها في شعره في يوم‬
‫‪:‬الربيع الذي يقول فيه‬
‫وعاودها اليوم أديانـهـا‬ ‫لقد هاج نفسك أشجانهـا‬
‫إذا قطعت منك أقرانهـا‬ ‫تذكرت ليلى وأني بـهـا‬
‫وخف من الدار سكانهـا‬ ‫وحجل في الدار غربانهـا‬
‫وسح الجنوب وتهتانـهـا‬ ‫وغيرها معصرات الرياح‬
‫وتتبعها ثم غـزلنـهـا‬ ‫مهاة من العين تمشي بها‬
‫وقد ظعن الحي‪ :‬ما شأنها‬ ‫وقفت عليها فساءلتـهـا‬
‫بما راع قلبي أعوانـهـا وهي طويلة‪ .‬فأجابه قيس بن الخطيم بهذه القصيدة التي‬ ‫فعيت وجاوبني دونـهـا‬
‫‪:‬أولها‪( :‬أجد بعمرة غنيانها)‪ ،‬وفخر فيها بيوم الربيع وكان لهم فقال‬
‫ع قد علموا كيف فرسانها‬ ‫ونحن الفوارس يوم الربي‬
‫ف يبتدر المجد شبانـهـا وهي أيضا طويلة‬ ‫‪.‬حسان الوجوه حداد السـيو‬
‫غنت عزة الميلء النعمان بن بشير بشعره‬

‫صفحة ‪248 :‬‬

‫أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال أخبرنا الصمعي قال حدثني عمر بن شبة قال حدثنا أبو غسان عن‬
‫أبي السائب المخزومي‪ ،‬وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال ذكر لي عن جعفر بن محرز السدوسي‪ ،‬قالوا‪ :‬دخل‬
‫النعمان بن بشير النصاري المدينة أيام يزيد بن معاوية وابن الزبير‪ ،‬فقال‪ :‬والله لقد أخفقت أذناي من الغناء فأسمعوني؛ فقيل‬
‫له‪ :‬لو وجهت إلى عزة فإنها من قد عرفت قال‪ :‬إي ولرب البيت‪ ،‬إنها لمن يزيد النفس طيبا والعقل شحذا ابعثوا إليها عن‬
‫رسالتي‪ ،‬فإن أبت صرنا إليها؛ فقال له بعض القوم‪ :‬إن النقلة تشتد عليها لثقل بدنها وما بالمدينة دابة تحملها؛ فقال النعمان‪:‬‬
‫وأين النجائب عليها الهوادج فوجه إليها بنجيب فذكرت علة‪ ،‬فلما عاد الرسول الى النعمان قال لجليسه أنت كنت أخبر بها‪،‬‬
‫‪:‬قوموا بنا؛ فقام هو مع خواص أصحابه حتى طرقوها‪ ،‬فأذنت وأكرمت واعتذرت‪ ،‬فقبل النعمان عذرها وقال‪ :‬غنيني فغنته‬
‫فتهجر أم شأننا شأنها فأشير إليها أنها أمة فسكتت؛ فقال‪ :‬غنيني فو الله ما ذكرت إل‬ ‫أجد بعمرة غنيانهـا‬
‫‪.‬كرما وطيبا ل تغنيني سائر اليوم غير؛ فلم تزل تغنيه هذا اللحن فقط حتى انصرف‬
‫وتذاكروا هذا الحديث عند الهيثم بن عدي‪ ،‬فقال‪ :‬أل أزيدكم فيه طريفة قلنا بلى يا أبا الرحمن؛ قال قال لقيط‪ :‬كنت عند‬
‫سعيد الزبيري قال سمعت عامرا الشعبي يقول‪ :‬اشتاق النعمان بن بشير إلى الغناء فصار إلى منزل عزة‪ ،‬فلما انصرف إذا‬
‫امرأة بالباب منتظرة له‪ ،‬فلما خرج شكت إليه كثرة غشيان زوجها إياها‪ ،‬فقال لها النعمان بن بشير‪ :‬لقضين بينكما بقضية لترد‬
‫علي‪ ،‬قد أحل الله له من النساء مثنى وثلث ورباع‪ ،‬فله امرأتان بالنهار وامرأتان بالليل‪ .‬فهذا يدل على أن المعنية بهذا الشعر‬
‫عمرة بنت رواحة وأما ما ذكر أنه عني عمرة امرأة حسان بن ثابت‪ ،‬فأخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن زهير قال‬
‫حدثنا الزبير بن بكار عن عمه‪ :‬أن قيس بن الخطيم لما ذكر حسان أخته ليلى في شعره ذكر امرأته عمرة‪ ،‬وهي التي يقول‬
‫فيها حسان‪ :‬أزمعت عمرة صرما فابتكر حسان بن ثابت وزوجة عمرة بنت الصامت وما قاله فيها من الشعر بعد طلقها‪:‬‬
‫أخبرني الحسن قال حدثنا أحمد قال حدثنا الزبير قال حدثني عمي مصعب قال‪ :‬تزوج حسان عمرة بنت الصامت بن خالد بن‬
‫عطية الوسية ثم إحدى بني عمرو بن عوف‬
‫‪:‬فكان كل واحد منهما معجبا بصاحبه‪ ،‬وإن الوس أجاروا مخلد بن الصامت الساعدي فقال في ذلك أبو قيس بن السلت‬
‫وعند الله صالح ما أتيت فتكلم حسان في أمره بكلم أغضب عمرة‪ ،‬فعيرته بأخواله‬ ‫أجرت مخلدا ودفعت عنه‬
‫وفخرت عليه بالوس؛ فغضب لهم فطلقها‪ ،‬فأصابها من ذلك ندم وشدة؛ وندم هو بعد فقال‪ :‬صوت‬
‫إنما يدهن للقلب الحصـر‬ ‫أزمعت عمرة صرما فابتكر‬
‫ليس هذا منك يا عمر بسر‬ ‫ل يكن حبك حبا ظـاهـرا‬
‫إنما يسأل بالشيء الغمـر‬ ‫سألت حسان من أخـوالـه‬
‫أسلم البطال عورات الدبر يريد يدهن القلب‪ ،‬فأدخل اللم زائدة للضرورة‪ .‬عمر‪:‬‬ ‫قلت أخوالي بنوكـعـب إذا‬
‫‪.‬ترخيم عمرة‪ .‬والسر‪ :‬الخالص الحسن‪ .‬غنت في هذه البيات عزة الميلء ثاني ثقيل بالبنصر من رواية حبش‬
‫‪:‬وتمام القصيدة‬
‫سبط المشية في اليوم الخصـر‬ ‫رب خال لي لـو أبـصـرتـه‬
‫كل وجه حسن النـقـبة حـر‬ ‫عند هذا البـاب إذ سـاكـنـه‬
‫يعمل القدر بأثبـاج الـجـزر‬ ‫يوقد النـار إذا مـا أطـفـئت‬
‫من قبيل بعد عمرو وحـجـر‬ ‫من يغر الـدهـر أو يأمـنـه‬
‫جانبي أيلة من عـبـد وحـر‬ ‫ملكا من جبل الـثـلـج إلـى‬
‫سبقا الناس بـإقـسـاط وبـر‬ ‫ثم كانا خير من نـال الـنـدى‬
‫ربة الخدر بأطراف السـتـر‬ ‫فارسي خيل إذا ما أمسـكـت‬
‫فتناهوا بعد إعـصـار بـقـر‬ ‫أتـيا فـارس فـي دارهــم‬
‫إنه يوم مصـالـيت صـبـر‬ ‫ثم نادوا يالغـسـان اصـبـروا‬
‫بالصفيح المصطفى غير الفطر‬ ‫اجعلوا معقلـهـا أيمـانـكـم‬
‫وطعان مثل أفـواه الـفـقـر‬ ‫بضـراب تـأذن الـجـن لـه‬

‫صفحة ‪249 :‬‬

‫أننا ننفع قـدمـا ونـضـر‬ ‫ولقد يعلـم مـن حـاربـنـا‬


‫صادقوا البأس غطاريف فخر‬ ‫صبر للموت إن حـل بـنـا‬
‫فلنا فيه على الناس الكـبـر‬ ‫وأقام العز فينـا والـغـنـى‬
‫يعرف الناس بفخر المفتخـر‬ ‫منهم أصلي فمن يفخـر بـه‬
‫غير أنكاس ول ميل عسـر‬ ‫نحن أهل العز والمجد مـعـا‬
‫كل قوم عندهم علم الخـبـر قال الزبير فحدثني عمي قال‪ :‬ثم إن حسان بن ثابت‬ ‫فاسألوا عنا وعن أفعـالـنـا‬
‫مر يوما بنسوة فيهن عمرة بعد ما طلقها‪ ،‬فأعرضت عنه وقالت لمرأة منهن‪ :‬إذا حاذاك هذا الرجل فاسأليه من هو وانسبيه‬
‫وانسبي أخواله وهي متعرضة له‪ ،‬فلما حاذاهن سألته من هو ونسبته فانتسب لها‪ ،‬فقالت‪ :‬فمن أخوالك? فأخبرها‪ ،‬فبصقت عن‬
‫شمالها وأعرضت عنه؛ فحدد النظر إليها وعجب من فعلها وجعل ينظر إليها‪ ،‬فبصر بامرأته وهي تضحك فعرفها المر وعلم أن‬
‫‪:‬المر من قبلها أتى‪ ،‬فقال في ذلك‬
‫ريا الروادف غادة الصلـب‬ ‫قالت له يوما تـخـاطـبـه‬
‫حشم الرجال فقد بدا‪ ،‬حسبي‬ ‫أما المروءة والـوسـامة أو‬
‫من والداك ومنصب الشعـب‬ ‫فوددت أنك لو تـخـبـرنـا‬
‫صوتي كرفع المنطق الشغب‬ ‫فضحكت ثم رفعت متصـل‬
‫عمرو وأخوالي بنو كـعـب‬ ‫جدي أبـو لـيلـى ووالــده‬
‫أزم الشتاء بحلقة الـجـدب‬ ‫وأنا مـن الـقـوم الـذين إذا‬
‫والضاربين بموطن الرعـب قال مصعب‪ :‬وأبو ليلى الذي عناه حسان‪ :‬حرام بن‬ ‫أعطى ذوو الموال معسرهم‬
‫عمرو بن زيد مناة‬
‫ومما فيه صنعة من المائة المختارة‬
‫‪:‬من شعر قيس بن الخطيم‬
‫صوت‬

‫كأنما شف وجهها نـزف‬ ‫حوراء ممكورة منـعـمة‬


‫قامت رويدا تكاد تنقصف‬ ‫تنام عن كبر شأنهـا فـإذا‬
‫فالمنحنى فالعقيق فالجرف‬ ‫أوحش من بعد خلة سرف‬
‫‪.‬الشعر لقيس بن الخطيم سوى البيت الثالث‬
‫والغناء لقفا النجار‬
‫ولحنه المختار ثاني ثقيل‪ ،‬هكذا ذكر يحيى بن علي في الختيار الواثقي‪ .‬وهو في كتاب إسحاق لقفا النجار ثقيل أول بإطلق‬
‫‪.‬الوتر في مجرى البنصر ولعله غير هذا اللحن المختار‬
‫الحرب بين مالك بن العجلن وبني عمر بن عوف وسبب ذلك‪ :‬سبب قول قيس لهذا الشعر‬

‫صفحة ‪250 :‬‬


‫وهذا الشعر يقوله قيس بن الخطيم في حرب كانت بينهم وبين بني جحجبى وبني خطمة‪ ،‬ولم يشهدها قيس ول كانت في‬
‫عصره‪ ،‬وإنما أجاب عن ذكرها شاعرا منهم يقال له‪ :‬درهم بن يزيد‪ .‬قال أبو المنهال عتيبة بن المنهال‪ :‬بعث رجل من غطفان‬
‫من بني ثعلبة بن سعد بن ذبيان إلى يثرب بفرس وحلة مع رجل من غطفان وقال‪ :‬ادفعهما إلى أعز أهل يثرب‪-‬قال وقيل‪ :‬إن‬
‫الباعث بهما عبد يا ليل بن عمرو الثقفي‪ .‬قال وقيل‪ :‬بل الباعث بهما علقمة بن علثة ‪ -‬فجاء الرسول بهما حتى ورد سوق بني‬
‫قنيقاع فقال ما أمر به‪ ،‬فوثب إليه رجل من غطفان كان جارا لمالك بن العجلن الخزرجي يقال له كعب الثعلبي‪ ،‬فقال‪ :‬مالك‬
‫بن العجلن أعز أهل يثرب؛ وقام رجل آخر فقال‪ :‬بل أحيحة بن الجلح أعز أهل يثرب‪ ،‬وكثر الكلم؛ فقيل لرسول الغطفاني‬
‫قول الثعلبي الذي كان جارا لمالك بن العجلن ودفعهما إلى مالك؛ فقال كعب الثعلبي‪ :‬ألم أقل لكم‪ :‬إن حليفي أعزكم‬
‫وأفضلكم ? فغضب رجل من بني عمرو بن عوف يقال له سمير فرصد الثعلبي حتى قتله‪ ،‬فأخبر مالك بذلك‪ ،‬فأرسل إلى بني‬
‫عوف بن عمرو بن مالك بن الوس‪ :‬إنكم قتلته بنو جحجبى‪ :‬إنما قتلته بنو زيد؛ ثم أرسلوا إلى مالك‪ :‬إنه قد كان في السوق‬
‫التي قتل فيها صاحبكم ناس كثير‪ ،‬ول يدري أيهم قتله؛ وأمر مالك أهل تلك السوق أن يتفرقوا‪ ،‬فلم يبق فيها غير سمير وكعب‪،‬‬
‫فأرسل مالك إلى بني عمرو بن عوف بالذي بلغه من ذلك وقال‪ :‬إنما قتله سمير‪ ،‬فأرسلوا به إلي أقتله؛ فأرسلوا إليه‪ :‬إنه ليس‬
‫لك أن تقتل سميرا بغير بينة؛ وكثرت الرسل بينهم في ذلك‪ :‬يسألهم مالك أن يعطوه سميرا ويأبون أن يعطوه إياه‪ .‬ثم إن بني‬
‫عمرو بن عوف كرهوا أن ينسبوا بينهم وبين مالك حربا‪ ،‬فأرسلوا إليه يعرضون عليه الدية فقبلها؛ فأرسلوا إليه‪ :‬إن صاحبكم‬
‫حليف وليس لكم فيه إل نصف الدية‪ ،‬فغضب مالك وأبى أن يأخذ فيه إل الدية كاملة أو يقتل سميرا؛ فأبت بنو عمرو بن عوف‬
‫أن يعطوه إل دية الحليف وهي نصف الدية‪ ،‬ثم يأخذ فيه إل الدية كاملة أو يقتل سميرا؛ فأبت بنو عمرو بن عوف أن يعطوه إل‬
‫دية الحليف وهي نصف الدية‪ ،‬ثم دهوه أن يحكم بينهم وبينه عمرو بن امرئ القيس أحد بني الحارث بن الخزرج وهو جد عبد‬
‫الله بن رواحة ففعل؛ فانطلقوا حتى جاءوه في بني الحارث بن الخزرج‪ ،‬فقضى على مالك بن العجلن أنه ليس له في حليفة إل‬
‫دية الحليف‪ ،‬وأبى مالك أن يرضى بذلك وآذن بني عمرو بن عوف بالحرب‪ ،‬واستنصر قبائل الخزرج‪ ،‬فأبت بنو الحارث بن‬
‫الخزرج أن تنصره غضبا حين رد قضاء عمرو بن امرئ القيس؛ فقال مالك بن العجلن يذكر خذلن بني الحارث بن الخزرج له‬
‫‪:‬وحدب يني عمرو بن عوف على سمير‪ ،‬ويحرض بني النجار على نصرته‬
‫قد حدبوا دونه وقد أنـفـوا‬ ‫إن سميرا أرى عـشـيرتـه‬
‫جار ل يطعموا الذي علفـوا‬ ‫إن يكن الظن صادقا ببني الن‬
‫مادام منا ببطنـهـا شـرف‬ ‫ل يسلمونا لمـعـشـر أبـدا‬
‫رأي سوى ما لدي أو ضعفوا يقال‪ :‬علفوا الضيم إذ أقروا به‪ ،‬أي ظني أنهم ل‬ ‫لكن موالي قـد بـدا لـهـم‬
‫يقبلون الضيم صوت‬

‫زيد فأنى لجـاري الـتـلـف‬ ‫بين بني جحجبى وبـين بـنـي‬


‫تمشي جمال مصاعب قطـف‬ ‫يمشون في البيض والدروع كما‬
‫موت إليه وكلـهـم لـهـف غنى في هذه البيات معبد خفيف ثقيل عن إسحاق‪،‬‬ ‫كما تمشي السود في رهج ال‬
‫‪:‬وذكر الهشامي أن فيه لحنا من الثقيل الول للغريض وقال درهم بن يزيد بن ضبيعة أخو سمير في ذلك‬
‫ن القتل فيه البوار والسـف‬ ‫يقوم ل تقتلوا سـمـيرا فـإ‬
‫على كريم ويفزع السـلـف‬ ‫إن تقتلوه ترن نـسـوتـكـم‬
‫اس ومن دون بيتـه سـرف‬ ‫إني لعمر الذي يحج له الـن‬
‫يحلف إن كان ينفع الحلـف‬ ‫يمين بر باللـه مـجـتـهـد‬
‫مادام منا ببطنـهـا شـرف‬ ‫ل نرفع العبد فوق سـنـتـه‬
‫عمي فانظر ما أنت مزدهف‬ ‫إنك لق غدا غـواة بـنـي‬
‫يبدون سيماهم فتـعـتـرف‬ ‫فأبدأ سيماك يعرفوك كـمـا‬

‫صفحة ‪251 :‬‬

‫معنى قوله فأبد سيماك ‪ :‬أن مالك بن العجلن كان إذا شهد الحرب يغير لباسه ويتنكر لئل يعرف فيقصد وقال درهم بن يزيد‬
‫‪:‬في ذلك‬
‫يامال إنا معـاشـر أنـف‬ ‫يا مال ل تبغين ظلمتـنـا‬
‫فيه وفينا لمرنا نـصـف‬ ‫يا مال والحق إن قنعت بـه‬
‫فالحق يوفى به ويعتـرف‬ ‫إن بجيرا عبد فخذ ثـمـنـا‬
‫زيد فإني ومن له الحلـف‬ ‫ثم اعلمن إن أردت ضيم بني‬
‫جون له من أمامه عـزف‬ ‫لصبحن داركم بذي لجـب‬
‫وسابغات كأنها النـطـف‬ ‫البيض حصن لهم إذا فزعوا‬
‫بها نفوس الكماة تختطـف‬ ‫والبيض قد ثلمت مضاربها‬
‫وميض برق يبدر وينكسف وقال قيس بن الخطيم الظفري أحد بني النبيت في‬ ‫كأنها في الكف إذ لمعـت‬
‫‪:‬ذلك‪ ،‬ولم يدركه وإنما قاله بعد هذه الحرب بزمان‪ ،‬ونم هذه القصيدة الصوت المذكور‬
‫ماذا عليهم لو أنهم وقـفـوا‬ ‫رد الخليط الجمال فانصرفوا‬
‫ريث يضحي جماله السلف‬ ‫لو وقفوا ساعة نسـائلـهـم‬
‫دل عروب يسوءها الخلـف‬ ‫فيهم لعوب العشاء آنـسة ال‬
‫قصد فل جبلة ولقـضـف‬ ‫بين شكول النساء خلقتـهـا‬
‫قامت رويدا تكاد تنـغـرف‬ ‫تنام عن كبر شأنـهـا فـإذا‬
‫كأنما شف وجههـا نـزف‬ ‫تغترف الطرف وهي لهية‬
‫كأنها خوط بـانة قـصـف‬ ‫حوراء جيداء يستضاء بـهـا‬
‫خالق أن ل يكنهـا سـدف‬ ‫قضى لها الله حين صورهاال‬
‫وهو بفيها ذو لـذة طـرف‬ ‫خوذ يغث الحديث ماصمتـت‬
‫وهو إذا ما تكلمـت أنـف وهي طويلة يقول فيها‬ ‫‪:‬تخزنه وهو مشتهى حـسـن‬
‫زيدا بأنـا وراءهـم أنـف‬ ‫أبلغ بني جحجبى وإخوتهـم‬
‫أكبادنا من ورائهم تـجـف‬ ‫إنا وإن قل نصرنـا لـهـم‬
‫حنت إلينا الرحام والصحف‬ ‫لما بدت نحونا جبـاهـهـم‬
‫وفلينا هامهم بهـا جـنـف‬ ‫نفلي بحد الصفيح هامـهـم‬
‫سخن عبيط عروقه تكـف‬ ‫يتبع آثارها إذا اختـلـجـت‬
‫ولج منهم في قومهم سرف فرد عليه حسان بن ثابت ولم يدرك ذلك‬ ‫إن بني عمنا طغوا وبـغـوا‬
‫من ذكر خود شطت بها قذف‬ ‫ما بال عينيك دمعـهـا يكـف‬
‫أرضا سوانا والشكل مختلـف‬ ‫بانت بها غـربة تـؤم بـهـا‬
‫حتى رأيت الحدوج تنـقـذف‬ ‫ما كنت أدري بوشك بـينـهـم‬
‫يرجون مدحي ومدحي الشرف‬ ‫دع ذا وعد القريض في نفـر‬
‫أهل فعال يبدو إذا وصـفـوا‬ ‫إن تدع قومي للمجد تلـفـهـم‬
‫ساعده أعبد لـهـم نـطـف اليهود والوس والخزرج قال‪ :‬ثم أرسل مالك بن‬ ‫إن سميرا عبد طغى سـفـهـا‬
‫العجلن إلى بني عمرو بن عوف يؤذنهم بالحرب‪ ،‬ويعدهم يوما يلتقون فيه‪ ،‬وأمر قومه فتهيؤا للحرب‪ ،‬وتحاشد الحيان وجمع‬
‫بعضهم لبعض‪ .‬وكانت يهود قد حالفت قبائل الوس والخزرج‪ ،‬إل بني قريظة وبني النضير فإنهم لم يحالفوا أحدا منهم‪ ،‬حتى كان‬
‫هذا الجمع‪ ،‬فأرسلت إليهم الوس والخزرج‪ ،‬كل يدعوهم إلى نفسه‪ ،‬فأجابوا الوس وحالفوهم‪ ،‬والتي حالفت قريظة والنضير‬
‫من الوس أوس الله وهي خطمة وواقف وأمية ووائل‪ ،‬فهذه قبائل أوس الله‪ .‬ثم زحف مالك بمن معه من الخزرج‪ ،‬وزحفت‬
‫الوس بمن معها من حلفائها من قريظة و النضير‪ ،‬فالتقوا بفضاء كان بين بئر سالم وقباء‪ ،‬وكان أول يوم التقوا فيه‪ ،‬فاقتتلوا‬
‫قتال شديدا‪ ،‬ثم انصرفوا وهم منتصفون جميعا‪ ،‬ثم التقوا مرة أخرى عند أطم بني قنيقاع‪ ،‬فاقتتلوا حتى حجز الليل بينهم‪ ،‬وكان‬
‫‪:‬الظفر يومئذ للوس على الخزرج‪ ،‬فقال أبو قيس بن السلت في ذلك‬
‫عند اللقاء وما هموا بتـكـذيب‬ ‫لقد رأيت بني عمرو فما وهنـوا‬
‫غداة بمشون إرقال المصاعـيب‬ ‫أل فدى لهم أمـي ومـا ولـدت‬
‫وكل أبيض ماضي الحد مخشوب‬ ‫بكل سلهـبة كـاليم مـاضـية‬

‫صفحة ‪252 :‬‬

‫أصل المخشوب‪ :‬الحديث الطبع‪ ،‬ثم صار كل مصقول مخشوبا؛ فشبهها الحية في انسللها قال‪ :‬فلبث الوس والخزرج‬
‫متحاربين عشرين سنة في أمر سمير يتعاودون القتال في تلك السنين‪ ،‬وكانت لهم فيها أيام ومواطن لم تحفظ‪ ،‬فلما رأت‬
‫الوس طول الشر وأن مالكا لينوع‪ ،‬قال لهم سويد بن صامت الوسي‪ -‬وكان يقال له الكامل في الجاهلية‪ ،‬وكان الرجل عند‬
‫العرب إذا كان شاعرا شجاعا كاتبا سابحا راميا سموه الكامل‪ ،‬وكان سويد أحد الكملة‪ :‬يا قوم‪ ،‬أرضوا هذا الرجل من حليفه‪ ،‬ول‬
‫تقيموا على حرب إخوتكم فيقتل بعضكم بعضا ويطمع فيكم غيركم‪ ،‬وإن حملتم على أنفسكم بعض الحمل‪ .‬فأرسلت الوس إلى‬
‫مالك بن العجلن يدعونه إلى أن بحكم بينه وبينهم ثابت بن المنذر بن حرام أبو حسان بن ثابت‪ ،‬فأجابهم إلى ذلك‪ ،‬فخرجوا‬
‫حتى أتوا ثابت بن المنذر‪ ،‬وهو في البئر التي يقال لها سميحة‪ ،‬فقالوا‪ :‬إنا قد حكمناك بيننا؛ فقال‪ :‬ل حاجة لي في ذلك؛ قالوا‪:‬‬
‫ولم? قال‪ :‬أخاف أن تردوا حكمي كما رددت حكم عمرو بن امرئ القيس؛ قالوا‪ :‬فإنا لنرد حكمك فاحكم بيننا؛ قال‪ :‬ل أحكم‬
‫بينكم حتى تعطوني موثقا وعهدا لترضون بحكمي وما قضيت به ولتسلمن له؛ فأعطوه على ذلك عهودهم ومواثيقهم‪ ،‬فحكم بأن‬
‫يودى حليف مالك دية الصريح ثم تكون السنة فيهم بعده على ما كانت عليه؛ الصريح على ديته والحليف على ديته‪ ،‬وأن تعد‬
‫القتلى الذين أصاب بعضهم من بعض في حربهم ثم يكون بعض ببعض ثم يعطوا الدية جار مالك معونة لخوتهم‪ ،‬و على بني‬
‫عمرو بن عوف نصفها؛ فرأت بنو عمرو بن عوف أنهم لم يخرجوا إل الذي كان عليهم‪ ،‬ورأى مالك أنه قد أدرك ما كان يطلب‪،‬‬
‫‪.‬وودي جاره دية الصريح‪ .‬ويقال‪ :‬بل الحاكم المنذر أبو ثابت‬

‫ذكر طويس وأخباره‬


‫اسمه وكنيته‬
‫طويس لقب غلب عليه‪ ،‬واسمه عيسى بن عبد الله‪ ،‬وكنيته أبو عبد المنعم وغيرها المخنثون فجعلوها أبا عبد النعيم‪ ،‬وهو مولى‬
‫بني مخزوم‪ .‬وقد حدثني جحظة عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن الواقدي عن ابن أبي الزناد‪ :‬قال سعد بن أبي وقاص‪ :‬كني‬
‫‪.‬طويس أبا عبد المنعم‬
‫أول من غنى بالعربية في المدينة‬
‫‪:‬وألقى الخنث بها‬
‫أخبرنا الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن المسيبي ومحمد بن سلم الجمحي‪ ،‬وعن الواقدي ابن أبي الزناد؛ وعن‬
‫‪.‬المدائني عن زيد بن أسلم عن أبيه‪ ،‬وعن ابن الكلبي عن أبيه وعن أبي مسكين‬
‫قالوا‪ :‬أول من غنى بالعربي بالمدينة طويس‪ ،‬وهو أول من ألقى الخنث بها‪ ،‬وكان طويل أحول يكنى أبا المنعم‪ ،‬مولى بني‬
‫‪.‬مخزوم‪ ،‬وكان ل يضرب بالعود‪ .‬إنما كان ينقر بالدف‪ ،‬وكان ظريفا عالما بأمر المدينة وأنساب أهلها‪ ،‬وكان يتقى للسانه‬
‫شؤمه‬
‫قالوا‪ :‬وسئل عن مولده فذكر أنه ولد يوم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وفطم يوم مات أبو بكر‪ ،‬وخثن يوم قتل‬
‫عمر‪ ،‬وزوج يوم قتل عثمان‪ ،‬وولد له ولد يوم قتل علي رضوان الله عليهم أجمعين‪ .‬قال وقيل‪ :‬إنه ولد له ولد يوم مات الحسن‬
‫بن علي عليه السلم‪ .‬قال‪ :‬وكانت أمي تمشي بين نساء النصار بالنميمة‪ .‬قالوا‪ :‬وأول غناء غناه وهزج به‪ :‬صوت‬

‫وهو يخفيه القـريب‬ ‫كيف يأتي من بـعـيد‬


‫وهو مكسال هـيوب‬ ‫نازح بالشـأم عـنـا‬
‫كدت من وجدي أذوب الغناء لطويس هزج بالبنصر‬ ‫‪.‬قد يراني الحب حتـى‬
‫بعض ما روي عن شؤمه قال إسحاق‪ :‬أخبرني الهيثم بن عدي قال قال صالح بن حسان النصاري أنبأني أبي قال‪ :‬اجتمع‬
‫يوماجماعة بالمدينة يتذاكرون أمر المدينة إلى أن ذكروا طويسا‪ ،‬فقالوا‪ :‬كان وكان؛ فقال رجل منا‪ :‬أما لو شاهدتموه لرأيتم ما‬
‫تسرون به علما وظرفا وحسن غناء وجودة نقر الدف‪ ،‬ويضحك كل ثكلى حرى؛ فقال بعض القوم‪ :‬والله إنه على ذلك كان‬
‫مشؤوما؛ وذكر خبر ميلده كما قال الواقدي‪ ،‬إل أنه قال‪ :‬ولد يوم مات نبينا صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وفطم يوم مات صديقنا‪،‬‬
‫وختن يوم قتل فاروقنا‪ ،‬وزوج يوم قتل نورنا‪ ،‬وولد له يوم قتل أخو نبينا؛ وكان مع ذلك مخنثا يكيدنا ويطلب عثراتنا؛ وكان مفرطا‬
‫في طوله مضطربا في خلقه أحول‪ .‬فقال رجل من جلة أهل المجلس‪ :‬لئن كان كما قلت لقد كان ممتعا فهما يحسن رعاية من‬
‫‪.‬حفظ له حق المجالسة‪ ،‬ورعاية حرمة الخدمة‪ ،‬وكان ل يحمل قول من ل يرعى له بعض ما يرعاه له‬
‫‪:‬كان يحب قريشا ويحبونه‬

‫صفحة ‪253 :‬‬


‫ولقد كان معظما لمواليه بني مخزوم‬
‫ومن والهم من سائر قريش‪ ،‬ومسالما لمن عاداهم دون التحكيك به؛ وما يلم من قال بعلم وتكلم على فهم‪ ،‬والظالم الملوم‪،‬‬
‫والبادئ أظلم‪ .‬فقال رجل آخر‪ :‬لئن كان ما قلت لقد رأيت قريشا يكتنفونه ويحدقون به ويحبون مجالسته وينصتون إلى حديثه‬
‫‪.‬ويتمنون غناءه‪ ،‬وما وضعه شيء إل خنثه ولول ذلك ما بقي رجل من قريش والنصار وغيرهم إل أدناه‬
‫أخبرني رضوان بن أحمد الصيدلني قال حدثنا يوسف بن إبراهيم قال حدثني أبو إسحاق إبراهيم بن المهدي قال حدثني‬
‫إسماعيل بن جامع عن سياط قال‪ :‬كان أول من تغنى بالمدينة غناء يدخل في اليقاع طويس‪ ،‬وكان مولده يوم مات رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وفطامه في اليوم الذي نوفي فيه أبو بكر‪ ،‬وختانه في اليوم الذي قتل فيه عمر‪ ،‬وبناؤه بأهله في‬
‫‪.‬اليوم الذي قتل فيه عثمان‪ ،‬وولد له يوم قتل علي رضوان الله عليهم أجمعين‪ ،‬وولد وهو ذاهب العين اليمنى‬
‫كان يلقب بالذائب وسبب ذلك‬
‫‪:‬وكان يلقب بالذائب‪ ،‬وإنما لقب بذلك لنه غنى‬
‫كدت من وجدي أذوب أخبرني الحسين عن حماد عن أبيه قال أخبرني ابن الكلبي عن‬ ‫قد يراني الحب حتـى‬
‫‪:‬أبي مسكين قال‬
‫مروان بن الحكم والنغاشي المخنث‪ :‬كان بالمدينة مخنث يقال له النغاشي‪ ،‬فقيل لمروان بن الحكم‪ :‬إنه ل يقرأ من كتاب الله‬
‫شيئا‪ ،‬فبعث إليه يومئذ‪ ،‬وهو على المدينة‪ ،‬فاستقرأه أم الكتاب؛ فقال‪ :‬والله ما معي بناتها‪ ،‬أو ما أقرأ البنات فكيف أقرأ أمهن‬
‫‪.‬فقال‪ :‬أتهزأ ل أم لك فأمر به فقتل في موضع يقال له بطحان‪ ،‬وقال‪ :‬من جاءني بمخنث فله عشرة دنانير‬
‫طلبه مروان في المخنثين‬
‫‪:‬ففر منه حتى مات‬
‫‪:‬فأتي طويس وهو في بني الحارث بن الخزرج من المدينة‪ ،‬وهو يغني بشعر حسان بن ثابت‬
‫وعاودها اليوم أديانـهـا‬ ‫لقد هاج نفسك أشجانهـا‬
‫وقد قطعت منك أقرانها‬ ‫تذكرت هندا وماذكرهـا‬
‫وقد ظعن الحي ما شأنها‬ ‫وقفت عليها فساءلتـهـا‬
‫بما أوجع القلب أعوانها فأخبر بمقالة مروان فيهم؛ فقال‪ :‬أما فضلني المير عليهم‬ ‫فصدت وجاوب من دونها‬
‫بفضل حتى جعل في وفيهم أمرا واحدا ثم خرج حتى نزل السويداء‪ -‬على ليلتين من المدينة في طريق الشأم‪-‬فلم يزل بها‬
‫‪.‬عمره‪ ،‬وعمر حتى مات في ولية بن الوليد بن عبد الملك‬
‫هيت المخنث وبادية بنت غيلن‬
‫قال إسحاق وأخبرني ابن الكلبي قال أخبرني خالد بن سعيد عن أبيه وعوانة قال‪ :‬قال هيت المخنث لعبد الله بن أبي أمية‪ :‬إن‬
‫فتح الله عليكم الطائف فسل النبي صلى الله عليه وسلم بادية بنت غيلن بن سلمة بن معتب‪ ،‬فإنها هيفاء شموع نجلء‪ ،‬إن‬
‫تكلمت تغنت‪ ،‬وإن قامت تثنت‪ ،‬تقبل بأربع وتدبر بثمان‪ ،‬مع ثغر كأنه القحوان‪ ،‬وبين رجليها كالناء المكفوء‪ ،‬كما قال قيس بن‬
‫‪:‬الخطيم‬
‫كأنما شف وجهها نـزف‬ ‫تغترق الطرف وهي لهية‬
‫قصد فل جبلة ولقضـف فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬لقد غلغلت النظر‬ ‫بين شكول النساء خلقتهـا‬
‫ياعدو الله ‪ ،‬ثم جله عن المدينة إلى الحمى‪ .‬قال هشام‪ :‬وأول ما اتخذت النعوش من أجلها‪ .‬قال‪ :‬فلما فتحت الطائف تزوجها‬
‫عبد الرحمن بن عوف فولدت له بريهة‪ .‬فلم يزل هيت بذلك المكان حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلما ولي أبو بكر‬
‫رضي الله عنه كلم فيه فأبى أن يرده؛ فلما ولي عمر رضي الله عنه كلم فيه فأبى أن يرده وقال‪ :‬إن رأيته لضربن عنقه؛ فلما‬
‫ولي عثمان رضي الله عنه كلم فيه فأبى أن يرده؛ فقيل له‪ :‬قد كبر وضعف واحتاج؛ فأذن له أن يدخل كل جمعة فيسأل ويرجع‬
‫‪.‬إلى مكانه‪ .‬وكان هيت مولى لعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي‪ ،‬وكان طويس له؛ فمن ثم قيل الخنث‬
‫‪:‬وجلس يوما فغنى في مجلس فيه ولد لعبد الله بن أبي أمية‬
‫تغترق الطرف وهي لهية إلى أخر البيتين؛ فأشير إلى طويس أن اسكت؛ فقال‪ :‬والله ما قيل هذان البيتان في ابنة غيلن بن‬
‫سلمة وإنما هذا مثل ضربة هيت في أم بريهة؛ ثم التفت إلى ابن عبد الله فقال‪ :‬يابن الطاهر‪ ،‬أوجدت علي في نفسك? أقسم‬
‫‪.‬بالله قسما حقا لأغني بهذا الشعر أبدا‬
‫ضافه عبد الله بن جعفر فأكرمه وغناه‬

‫صفحة ‪254 :‬‬

‫قال إسحاق وحدثنا أبو الحسن الباهلي الراوية عن بعض أهل المدينة‪ ،‬وحدثنا الهيثم بن عدي والمدائني‪ ،‬قالوا‪ :‬كان عبد الله‬
‫بن جعفر معه إخوان له في عشية من عشايا الربيع‪ ،‬فراحت عليهم المساء بمطر جود فأسأل كل شيء؛ فقال عبد الله‪ :‬هل‬
‫لكم في العقيق?‪-‬وهو منتزه أهل المدينة في أيام الربيع والمطر‪-‬فركبوا دوابهم ثم انتهوا إليه فوقفوا على شاطئه وهو يرمي‬
‫بالزبد مثل مد الفرات‪ ،‬فإنهم لينظرون إذ هاجت السماء‪ ،‬فقال عبد الله لصحابه ليس معنا جنة نستجن بها وهذه سماء خليقة‬
‫أن تبل ثيابنا‪ ،‬فهل لكم في منزل طويس فإنه قريب منا فنستكن فيه ويحدثنا ويضحكنا? وطويس في النظارة يسمع كلم عبد‬
‫الله بن جعفر؛ فقال له عبد الرحمن بن حسان بن ثابت‪ :‬جعلت فداءك وما تريد من طويس عليه غضب الله‪ :‬مخنث شائن لمن‬
‫عرفه؛ فقال له عبد الله‪ :‬ل تقل ذلك‪ ،‬فإنه مليح خفيف لنا فيه أنس؛ فلما استوفى طويس كلمهم تعجل إلى منزله فقال‬
‫لمرأته‪ :‬ويحك قد جاءنا عبد الله بن جعفر سيد الناس‪ ،‬فما عندك? قالت‪ :‬نذبح هذه العناق‪ ،‬وكانت عندها عنيقة قد ربتها باللبن‪،‬‬
‫واختبز خبزا رقاقا؛ فبادر فذبحها وعجنت هي‪ .‬ثم خرج فتلقاه مقبل إليه؛ فقال له طويس‪ :‬بأبي أنت وأمي؛ هذا المط‪ ،‬فهل لك‬
‫في المنزل فتستكن فيه إلى أن تكف السماء? قال‪ :‬إياك أريد؛ قال‪ :‬فامض ياسيدي على بركة الله‪ ،‬وجاء يمشي بين يديه حتى‬
‫نزلوا‪ ،‬فتحدثوا حتى أدرك الطعام‪ ،‬فقال‪ :‬بأبي أنت وأمي‪ ،‬تكرمني إذ دخلت منزلي بأن تتعشى عندي؛ قال‪ :‬هات ما عندك؛‬
‫فجاءه بعناق سمينة ورقاق‪ ،‬فأكل وأكل القوم حتى تملئوا‪ ،‬فأعجبه طيب طعامه‪ ،‬فلما غسلوا أيديهم قال‪ :‬بأبي أنت وأمي‪،‬‬
‫‪:‬أتمشى معك وأغنيك? قال‪ :‬افعل ياطويس؛ فأخذ ملحفة فأتزر بها وأرخى بها ذنبين‪ ،‬ثم أخذ المربع فتمشى وأنشأ يغني‬
‫لم تنم عيني ولم تـكـد‬ ‫يا خليلي نابني سهـدي‬
‫آنس تلـتـذه كـبـدي‬ ‫كيف تلحوني على رجل‬
‫ليس بالزميلة النـكـد فطرب القوم وقالوا أحسنت والله ياطويس‪ .‬ثم قال‪ :‬يا سيدي‪،‬‬ ‫مثل ضوء البدر طلعته‬
‫أتدري لمن هذا الشعر? قال‪ :‬ل والله‪ ،‬ما أدري لمن هو‪ ،‬إل أن سمعت شعرا حسنا؛ قال‪ :‬هو لفارعة بنت ثابت أخت حسان بن‬
‫ثابت وهي تتعشق عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي وتقول فيه هذا الشعر؛ فنكس القوم رؤوسهم‪ ،‬وضرب عبد‬
‫‪.‬الرحمن برأسه على صدره‪ ،‬فلو شقت الرض له لدخل فيها‬
‫خبره مع سعيد بن عبد الرحمن قال وحدثني ابن الكلبي والمدائني عن جعفر بن محرز قال‪ :‬خرج عمر بن عبد العزيز‪ ،‬وهو‬
‫على المدينة‪ ،‬إلى السويداء وخرج الناس معه‪ ،‬وقد أخذت المنازل‪ ،‬فلحق بهم يزيد بن بكر بن دأب الليثي وسعيد بن عبد‬
‫الرحمن بن حسان بن ثابت النصاري‪ ،‬فلقيهما طويس فقال لهما‪ :‬بأبي أنتما وأمي عرجا إلى منزلي؛ فقال يزيد لسعيد‪ :‬مل بنا‬
‫مع أبي عبد النعيم؛ فقال سعيد‪ :‬أين تذهب مع هذا المخنث فقال يزيد‪ :‬إنما هو منزل ساعة فمال‪ ،‬واحتمل طويس الكلم على‬
‫سعيد‪ ،‬فأتيا منزله فإذا هو قد نصحه ونصعه‪ ،‬فأتاهما بفاكهة من فاكهة الماء؛ ثم قال سعيد‪ :‬لو أسمعتنا يا أبا عبد النعيم فتناول‬
‫‪:‬خريطة فاستخرج منها دفا ثم نقره وقال‬
‫لم تنم عيني ولم تـكـد‬ ‫يا خليلي نابني سهـدي‬
‫أشتكي ما بي إلى أحد‬ ‫فشاربي ماأسـيغ ومـا‬
‫آنس تلـتـذه كـبـدي‬ ‫كيف تلحوني على رجل‬
‫ليس بالزميلة النـكـد‬ ‫مثل ضوء البدر صورته‬
‫خامل نكس ولجـحـد‬ ‫من نبي آل المغـيرة ل‬
‫بعده عيني إلـى أحـد ثم ضرب بالدف الرض‪ ،‬فقال سعيد‪ :‬ما رأيت كاليوم قط‬ ‫نظرت يوما فل نظرت‬
‫شعرا أجود ولغناء أحسن كمه؛ فقال له طويس‪ :‬يا بن الحسام‪ ،‬أتدري من يقوله? قال‪ :‬ل؛ قال‪ :‬قالته عمتك خولة بنت تشبب‬
‫بعمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي؛ فخرج سعيد وهو يقول‪ :‬ما رأيت كاليوم قط مثل ما استقبلني به هذا المخنث والله‬
‫ليفلتني فقال يزيد‪ :‬دع هذا وأمته ول ترفع به رأسا‪ .‬قال أبو الفرج الصبهاني‪ :‬هذه البيات‪ ،‬فيما ذكر الحرمي بن أبي العلء عن‬
‫الزبير بن بكار‪ ،‬لبن زهير المخنث مدح ابن سريج غناءه‬
‫‪:‬قال إسحاق وحدثني الهيثم بن عدي عن ابن عياش‪ ،‬وابن الكلبي عن أبي مسكين‪ ،‬قال‬

‫صفحة ‪255 :‬‬

‫قدم ابن سريج المدينة فغناهم‪ ،‬فاستظرف الناس غناءه وآثروه على كل غنى؛ وطلع عليهم طويس فسمعهم وهم يقولون‬
‫‪:‬ذلك‪ ،‬فاستخرج دفا من حضنه ثم نقر به وغناهم بشعر عمارة بن الوليد المخزومي في خولة بنت ثابت‪ ،‬عارضها بقصيدتها فيه‬
‫وصدع حبكم كـبـدي‬ ‫يا خليلي فيكـم وجـدي‬
‫بذات الخال في الخـد‬ ‫فقلبي مسعـر حـزنـا‬
‫عشير العشر من جهدي فأقبل عليهم ابن سريج فقال‪ :‬والله هذا أحسن الناس غناء‬ ‫فما لقى أخو عـشـق‬
‫أخبرني وكيع محمد بن خلف قال حدثنا إسماعيل بن مجمع قال حدثني المدائني قال‪ :‬قدم ابن سريج المدينة فجلس يوما في‬
‫جماعة وهم يقولون‪ :‬أنت والله أحسن الناس غناء‪ ،‬إذ مر بهم طويس فسمعهم وما يقولون‪ :‬فاستل دفه من حضنه ونقره‬
‫‪:‬وتغنى‬
‫مرت بنا قبل الصباح‬ ‫إن المجنـبة الـتـي‬
‫مكية غرثى الوشـاح‬ ‫في حـلة مـوشـية‬
‫وتزينهم يوم الضاحي ‪-‬الشعر لبن زهير المخنث‪ .‬والغناء لطويس هزج‪ ،‬أخبرنا بذلك‬ ‫زين لمشهد قطرهـم‬
‫‪.‬الحرمي بن أبي العلء عن الزبير بن بكار‪-‬فقال ابن سريج‪ :‬هذا والله أحسن الناس غناء ل أنا‬
‫تبع جارية فزجرته ثم تغنى بشعر‬
‫قال إسحاق حدثني المدائني قال‪ :‬حدثت أن طويسا تبع جارية فراوغته فلم ينقطع عنها‪ ،‬فخبت في المشي فلم ينقطع عنها؛‬
‫فلما جازت بمجلس وقفت ثم قالت‪ :‬يا هؤلء‪ ،‬لي صديق ولي زوج ومولى ينكحني‪ ،‬فسلوا هذا ما يريد مني فقال أضيق ما قد‬
‫‪:‬وسعوه‪ .‬ثم جعل يتغنى‬
‫وجمل قطعت حبـلـي‬ ‫أفق يا قلب عن جمـل‬
‫ت حول في هوى جمل‬ ‫أفق عنها فقـد عـنـي‬
‫بجمل هائم الـعـقـل‬ ‫وكيف يفيق مـحـزون‬
‫فحسبي الحب من ثقـل‬ ‫براه الحب في جـمـل‬
‫من التفنـيد والـعـذل‬ ‫وحسبي فيك ما ألـقـى‬
‫فلم أحفل بهم أهـلـي حديث طويس والرجل المسحور‬ ‫وقدما لمـنـي فـيهـا‬
‫قال إسحاق وقال المدائني قال مسلمة بن محارب حدثني رجل من أصحابنا قال‪ :‬خرجنا في سفرة ومعنا رجل‪ ،‬فانتهينا إلى‬
‫واد فدعونا بالغداء‪ ،‬فمد الرجل يده إلى الطعام فلم يقدر عليه‪ ،‬وهو قبل ذلك يأكل معنا في كل منزل‪ ،‬فخرجنا نسأل عن حاله‬
‫فلقينا رجل طويل أحول الخلق في زي العراب‪ ،‬فقال لنا‪ :‬مالكم? فأنكرنا سؤاله لنا‪ ،‬فأخبرنا خبر الرجل؛ فقال‪ :‬ما اسم‬
‫صاحبكم? فقلنا‪ :‬أسيد؛ فقال‪ :‬هذا واد قد أخذت سباعه فارحلوا‪ ،‬فلو قد جاوزتم الوادي استمر صاحبكم وأكل‪ .‬قلنا في أنفسنا‪:‬‬
‫هذا من الجن‪ ،‬ودخلتنا فزعة؛ ففهم ذلك وقال‪ :‬ليفرخ روعكم فأنا طويس‪ .‬قال له بعض من معنا من بني غفار أو من بني‬
‫عبس‪ :‬مرحبا بك يا أبا عبد النعيم‪ ،‬ما هذا الزي فقال‪ :‬دعاني بعض أودائي من العراب فخرجت إليهم وأحببت أن أتخطى الحياء‬
‫فل ينكروني‪ .‬فسألت الرجل أن يغنينا؛ فاندفع ونقر بدف كان معه مربع‪ ،‬فلقد تخيل لي أن الوادي ينطق معه حسنا‪ ،‬وتعجبنا من‬
‫‪.‬علمه وما أخبرنا به من أمر صاحبنا‬
‫‪:‬وكان الذي غنى به شعر عروة بن الورد في سلمى امرأته الغفارية حيث رهنها على الشراب‬
‫عداة اللـه مـن كـذب وزور‬ ‫سقوني الخمر ثم تكنـفـونـي‬
‫بمفن مـا لـديك ول فـقـير‬ ‫وقالوا لست بعد فداء سلـمـى‬
‫ومن لي بالتدبر فـي المـور‬ ‫فل والله لو مـلـكـت أمـري‬
‫على ما كان من حسك الصدور‬ ‫إذا لعصيتهم في حب سلـمـى‬
‫على شيء ويكرهه ضمـيري قصة عروة وامرأته سلمى الغفارية‬ ‫فيا للناس كيف غلبـت أمـري‬
‫‪:‬قال إسحاق وحدثني الواقدي قال حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال‬

‫صفحة ‪256 :‬‬

‫لما غزا النبي صلى الله عليه وسلم بني النضير وأجلهم عن المدينة خرجوا يريدون خيبر يضربون بدفوف ويزمرون بالمزامير‬
‫وعلى النساء المعصفرات وحلي الذهب مظهرين لذلك تجلدا‪ ،‬ومرت في الظعن يومئذ سلمى امرأة عروة بن الورد العبسي ‪،‬‬
‫وكان عروة حليفا في بني عمرو بن عوف‪ ،‬وكانت سلمى من بني غفار‪ ،‬فسباها عروة من قومها وكانت ذات جمال فولدت له‬
‫أولدا وكان شديد الحب لها وكان ولده يعيرون بأمهم ويسمون بني الخيذة‪ -‬أي السبية ‪ -‬فقالت‪ :‬أل ترى ولدك يعيرون? قال‪:‬‬
‫فماذا ترين? قالت‪ :‬أرى أن تردني إلى قومي حتى يكونوا هم الذين يزوجونك فأنعم لها‪ ،‬فأرسلت إلى قومها أن ألقوه بالخمر‬
‫ثم اتركوه حتى يسكر ويثمل فإنه ل يسأل حينئذ شيئا إل أعطاه؛ فلقوه وقد نزل في بني النضير فسقوه الخمر‪ ،‬فلما سكر‬
‫سألوه سلمى فردها عليهم ثم أنكحوه بعد‪ .‬إل أعطاه؛ فلقوه وقد نزل في بني النضير فسقوه الخمر‪ ،‬فلما انتشى منعوه‬
‫ولشيء معه إل هي فرهنها‪ ،‬ولم يزل يشرب حتى غلقت؛ فلمنا قال لها‪ :‬انطلقي قالت‪ :‬ل سبيل إلى ذلك‪ ،‬قد أغلقتني‪ .‬فبهذا‬
‫‪:‬صارت عند بني النضير‪ .‬فقال في ذلك‬
‫عداة الله من كذب وزور هذه البيات مشهورة بأن لطويس فيها غناء ‪ ،‬وما‬ ‫سقوني الخمر ثم تكنفوني‬
‫‪.‬وجدته في شيء من الكتب مجنسا فتذكر طريقته‬
‫كان يغري بين الوس والخزرج‬
‫‪:‬ويتغنى بالشعر الذي قيل في حروبهم‬
‫قال إسحاق وحدثني المدائني قال‪ :‬كان طويس ولعا بالشعر الذي قالته الوس والخزرج في حروبهم‪ ،‬وكان يريد بذلك الغراء‬
‫فقل مجلس اجتمع فيه هذان الحيان فغنى فيه طويس إل وقع فيه شيء؛ فنهي عن ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬والله ل تركت الغناء بشعر‬
‫النصار حتى يوسدوني التراب؛ وذلك لكثرة تولع القوم به‪ ،‬فكان يبدي السرائر ويخرج وكان يستحسن غناؤه ول يصبر عن‬
‫‪:‬حديثه ويستشهد على معرفته‪ ،‬فغنى يوما بشعر قيس بن الخطيم في حرب الوس والخزرج وهو‬
‫ماذا عليهم لو أنهم وقفـوا‬ ‫رد الخليط الجمال فانصرفوا‬
‫ريث يضحي جماله السلف‬ ‫لو وقفوا ساعة نسائلـهـم‬
‫دار قريب من حيث نختلف فلما بلغ إلى آخر بيت غنى فيه طويس من هذه‬ ‫فليت أهلي وأهل أثلة في ال‬
‫‪:‬القصيدة وهو‬
‫خطمة أنا وراءهم أنف تكلموا وانصرفوا وجرت بينهم دماء‪ ،‬وانصرف طويس من‬ ‫أبلغ بني جحجبى وقومهم‬
‫عندهم سليما لم يكلم ولم يقل شيء سبب الحرب بين الوس والخزرج قال إسحاق فحدثني الواقدي وأبو البختري‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫قيس بن الخطيم هذه القصيدة لشغب أثاره القوم بعد دهر طويل‪ .‬ونذكر سبب أول ما جرى بين الوس والخزرج من الحرب‪:‬‬
‫قال إسحاق قال أبو عبد الله اليزيدي وأبو البختري‪ ،‬قال‪ :‬قال قيس بن الخطيم هذه القصيدة لشغب أثاره القوم بعد دهر طويل‬
‫‪:‬ونذكر سبب أول ما جرى بين الوس والخزرج من الحرب‬

‫صفحة ‪257 :‬‬

‫قال إسحاق قال أبو عبد الله اليزيدي وأبو البختري ‪ ،‬وحدثني مشايخ لنا قالوا‪ :‬كانت الوس والخزرج أهل عز ومنعة وهما‬
‫أخوان لب وأم وهما ابنا حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر‪ ،‬وأمهما قيلة بنت جفنة بن عتبة بن عمرو؛ وقضاعة تذكر أنها قيلة‬
‫بنت كاهل بن عذرة بن سعد بن زيد بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة‪ .‬وكانت أول حرب جرت بينهم في مولى كان‬
‫لمالك بن العجلن قتله سمير بن يزيد بن مالك‪ ،‬وسمير رجل من الوس ثم أحد بني عمرو بن عوف‪ ،‬وكان مالك سيد الحيين‬
‫في زمانه‪ ،‬وهو الذي ساق تبعا إلى المدينة وقتل الفطيون صاحب زهرة وأذل اليهود للحيين جميعا‪ ،‬فكان له بذلك الذكر‬
‫والشرف عليهم‪ ،‬وكانت دية المولى فيهم‪-‬وهو الحليف‪ -‬خمسا من البل‪ ،‬ودية الصريح عشرا‪ ،‬فبعث مالك إلى عمرو بن عوف‪:‬‬
‫ابعثوا إلي سميرا حتى أقتله بمولي فإنا نكره أن تنشب بيننا وبينكم حرب‪ ،‬فأرسلوا إليه‪ :‬إنا نعطيك الرضا من مولك فخذ منا‬
‫عقلة‪ ،‬فإنك قد عرفت أن الصريح ل يقتل بالمولى؛ قال‪ :‬ل آخذ في مولي دون دية الصريح‪ ،‬فأبوا إل دية المولى‪ .‬فلما رأى ذلك‬
‫مالك بن العجلن جمع قومه من الخزرج‪ ،‬وكان فيهم مطاعا‪ ،‬وأمرهم بالتهيؤ للحرب‪ .‬فلما بلغ الوس استعدوا لهم وتهيئوا‬
‫للحرب واختاروا الموت على الذل؛ ثم خرج بعض القوم إلى بعض فالتقوا بالصفينة بين بئر سالم وبين قباء (قرية لنبي عمرو‬
‫بن عوف) فاقتتلوا قتال شديدا حتى نال بعض القوم من بعض‪ .‬ثم إن رجل من الوس استعدوا لهم وتهيئوا للحرب واختاروا‬
‫الموت على الذل؛ ثم خرج بعض القوم إلى بعض فالتقوا بالصفينة بين بئر سالم وبين قباء (قرية لبني عمرو بن عوف) فاقتتلوا‬
‫قتال شديدا حتى نال بعض القوم من بعض‪ .‬ثم إن رجل من الوس نادى‪ :‬يا مالك‪ ،‬ننشدك الله والرحم ‪ -‬وكانت أم مالك إحدى‬
‫نساء بني عمرو بن عوف‪-‬فاجعل بيننا وبينك عدل من قومك فما حكم علينا سلمنا لك؛ فارعوى مالك عند ذلك‪ ،‬وقال نعم؛‬
‫فاختاروا عمرو بن امرئ القيس أحد بني الحارث بن الخزرج فرضي القوم به‪ ،‬واستوثق منهم‪ ،‬ثم قال‪ :‬فإني أقضي بينكم‪ :‬إن‬
‫كان سمير قتل صريحا من القوم فهو به قود‪ ،‬وإن قبلوا العقل فلهم دية الصريح‪ ،‬وإن كان مولى فلهم دية المولى بل نقص‪،‬‬
‫وليعطى فوق نصف الدية‪ ،‬وما أصبتم منا في هذه الحرب ففيه الدية مسلمة إلينا‪ ،‬وما أصبنا منكم فيها علينا فيه دية مسلمة‬
‫إليكم‪ .‬فلما قضى بذلك عمرو بن امرئ القيس غضب مالك بن العجلن ورأى أن يرد عليه رأيه‪ ،‬وقال‪ :‬ل أقبل هذا القضاء؛ وأمر‬
‫قومه بالقتال‪ ،‬فجمع القوم بعضهم لبعض ثم التقوا بالفضاء عند آطام بني قنيقاع‪ ،‬فاقتتلوا قتال شديدا‪ ،‬ثم تداعوا إلى الصلح‬
‫فحكموا ثابت بن حرام بن المنذر أبا حسان بن ثابت النجاري‪ ،‬فقضى بينهم أن يدوا مولى مالك بن العجلن بدية الصريح ثم‬
‫تكون السنة فيهم بعده على مالك وعليهم كما كانت أول مرة‪ :‬المولى على ديته؛ والصريح على ديته؛ فرضي مالك وسلم‬
‫الخرون‪ .‬وكان ثابت إذ حكموه أراد إطفاء النائرة فيما بين القوم ولم شعثهم‪ ،‬فأخرج خمسا من البل من قبيلته حين أبت عليه‬
‫الوس أن تؤدي إلى مالك أكثر من خمس وأبي مالك أن يأخذ دون عشر‪ .‬فلما أخرج ثابت الخمس أرضى مالكا بذلك ورضيت‬
‫الوس‪ ،‬واصطلحوا بعهد وميثاق أل يقتل رجل في داره ول معقله‪ -‬والمعاقل‪ :‬النخل‪-‬فإذا خرج رجل من داره أو معقله فل دية له‬
‫ول عقل‪ .‬ثم انظروا في القتلى فأي الفريقين فضل على صاحبه ودى له صاحبه‪ .‬فأفضلت الوس على الخزرج بثلثة نفر‬
‫‪:‬فودتهم الوس واصطلحوا‪ .‬ففي ذلك يقول حسان بن ثابت لما كان أبوه أصلح بينهم ورضاهم بقضائه في ذلك‬
‫صل حين التفت عليه الخصوم وفي ذلك يقول قيس بن الخطيم قصيدته وهي‬ ‫وأبي في سميحة القائل الـفـا‬
‫‪:‬طويلة‬
‫ماذا عليهم لو أنهم وقفـوا رأي عمر بن عبد العزيز في شعره‬ ‫رد الخليط الجمال فانصرفوا‬
‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال‪ :‬كان عمر بن عبد‬
‫‪:‬العزيز ينشد قول قيس بن الخطيم‬
‫قصد فل جبلة ولقضـف‬ ‫بين شكول النساء خلقتهـا‬
‫قامت رويدا تكاد تنقصف‬ ‫تنام على كبر شأنهـا فـإذا‬
‫كأنما شف وجهها نـزف‬ ‫تغترق الطرف وهي لهية‬

‫صفحة ‪258 :‬‬

‫‪.‬ثم يقول‪ :‬قائل هذا الشعر أنسب الناس‬

‫ومما في المائة المختارة من أغاني طويس‬


‫صوت‬
‫ففؤادي مما يجن سـقـيم‬ ‫يا لقومي قد أرقتني الهموم‬
‫لو تراءى للناظرين كلوم يجن‪ :‬يخفى‪ ،‬والجنة من ذلك‪ ،‬والجن أيضا مأخوذ منه‪.‬‬ ‫أندب الحب في فؤادي ففيه‬
‫‪:‬وأندب‪ :‬أبقى فيه ندبا وهو أثر الجرح؛ قال ذو الرمة‬
‫ملساء ليس بها خال ولندب الشعر لبن قيس الرقيات فيما قيل‪ .‬والغناء‬ ‫تريك سنة وجه غير مقرفة‬
‫لطويس‪ ،‬ولحنه المختار خفيف رمل مطلق في مجرى الوسطى‪ ،‬قال إسحاق‪ :‬وهو أجود لحن غناه طويس‪ ،‬ووجدته في كتاب‬
‫الهشامي خفيف رمل بالوسطى منسوبا إلى ابن طنبورة‪ .‬قال وقال ابن المكي‪ :‬إنه لحكم‪ ،‬وقال عمرو بن بانة‪ :‬إنه لبن عائشة‬
‫‪:‬أوله هذان البيتان‪ ،‬وبعدهما‬
‫مثل ما يلزم الغريم الغريم‬ ‫ما لذا الهم ليريم فـؤادي‬
‫بعد خفض ونعمة لذمـيم انقضت أخبار طويس‬ ‫إن من فرق الجماعة منـا‬
‫صوت من المائة المختارة‬

‫من صنعة قفا النجار‬

‫ياليت أن حجابهـم لـم يقـدر‬ ‫حجب اللى كنا نسر بقربـهـم‬


‫ولنا إليهم صبوة لم تقـصـر‬ ‫حجبوا ولم نقض اللبانة منهـم‬
‫رابى المجسة كالكثيب العفر‬ ‫ويحيط مئزرها بردف كامـل‬
‫وحل كمشي المرجحن الموقر لم يقع إلينا قائل الشعر‪ .‬والغناء لقفا النجار‪،‬‬ ‫وإذا مشت خلت الطريق لمشيها‬
‫ولحنه المختار من النقيل الثاني بإطلق الوتر في مجرى الوسطى‪ .‬ويقال‪ :‬إن فيه لحنا لبن سريج‪ .‬وذكر يحيى بن علي ابن‬
‫يحيى في الختبار الواثقي أن لحن قفا النجار المختار من الثقيل الول‬
‫صوت من المائة المختارة‬

‫وإنك سوف توشك أن تموتا‬ ‫أفق يادرامي فقد بـلـيتـا‬


‫إذا ما قلت إنك قد بـريتـا الشعر والغناء جميعا لسعيد الدرامي‪ ،‬ولحنه المختار من‬ ‫أراك تزيد عشقـا كـل يوم‬
‫‪.‬خفيف الثقيل الول بإطلق الوتر في مجرى الوسطى‬

‫ذكر الدرامي وخبره ونسبه‬


‫نسبه وكان من الشعراء وأرباب النوادر‬
‫أخبرني الحسن بن علي قال حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال حدثني أبو أيوب المديني قال حدثني عبد‬
‫الرحمن ابن أخي الصمعي عن عمه قال‪ :‬الدارمي من ولد سويد بن زيد الذي كان جده قتل أسعد بن عمرو بن هند‪ ،‬ثم هربوا‬
‫‪.‬إلى مكة فحالفوا بني نوفل بن عبد مناف‬
‫وكان الدرامي في أيام عمر بن عبد العزيز‬
‫‪:‬وكانت له أشعار ونوادر‪ ،‬وكان من ظرفاء أهل مكة‪ ،‬وله أصوات يسيرة‪ .‬وهو الذي يقول‬

‫قبيح وأبعدت عني الجمـيل‬ ‫لمـا رأيتـك أولـيتـنـي ال‬


‫وصادفت في الناس خل بديل شبب بذات خمار اسود‬ ‫تركت وصالك في جـانـب‬
‫‪:‬فنفقت الخمر السود ولم تبق فتاة إل لبسته‬
‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني إسحاق بن إبراهيم عن الصمعي‪ ،‬وأخبرني عمي قال حدثنا‬
‫فضل اليزيدي عن إسحاق بن إبراهيم عن الصمعي‪ ،‬وأخبرني عمي قال حدثنا أبو الفضل الرياشي عن الصمعي‪ ،‬قال وحدثني‬
‫به النوشجاني عن شيخ له من البصريين عن الصمعي عن ابن أبي الزناد‪ ،‬ولم يقل عن ابن أبي الزناد غيره ‪ :‬أن تاجرا من‬
‫أهل الكوفة قدم المدينة بخمر فباعها كلها وبقيت السود منها فلم تنفق‪ ،‬وكان صديقا للدرامي‪ ،‬فشكا ذاك إليه‪ ،‬وقد كان نسك‬
‫وترك الغناء وقول الشعر؛ فقال له‪ :‬لتهتم بذلك فإني سأنفقها لك حتى تبيعها أجمع؛ ثم قال‪ :‬صوت‬

‫ماذا صنعت براهب متعبـد‬ ‫قل للمليحة في الخمار السود‬


‫حتى وقفت له بباب المسجد وغنى فيه‪ ،‬وغنى فيه أيضا سنان الكاتب‪ ،‬وشاع في‬ ‫قد كان شمر للصلة ثـيابـه‬
‫الناس وقالوا‪ :‬قد فتك الدارمي ورجع عن نسكه؛ فلم تبق في المدينة ظريفة إل ابتاعت خمارا أسود حتى نفذ ما كان مع‬
‫‪.‬العراقي منها؛ فلما علم بذلك الدارمي رجع إلى نسكه ولزم المسجد‬
‫فأما نسبة هذا الصوت فإن الشعر فيه للدارمي والغناء أيضا‪ ،‬وهو خفيف ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق‪.‬‬
‫‪.‬وفيه لسنان الكاتب رمل بالوسطى عن حبش‪ .‬وذكر حبش أن فيه لبن سريج هزجا بالبنصر‬

‫صفحة ‪259 :‬‬

‫أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثني أبو هفان قال‪ :‬حضرت يوما مجلس بعض قواد التراك وكانت له ستارة فنصبت‪ ،‬فقال‬
‫لها‪ :‬غني صوت الخمار السود المليح‪ ،‬فلم ندر ما أراد حتى غنت‪ :‬قل للمليحة في الخمار السود ثم أمسك ساعة ثم قال لها‬
‫غني‪ :‬إني خريت وجئت أنتقله فضحكت ثم قالت‪ :‬هذا يشبهك فلم ندر أيضا ما أراد حتى غنت‪ :‬إن الخليط أجد منتقله بخله‬
‫وظرفه‬
‫أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا هارون بن محمد قال حدثني محمد بن أخي سلم الخزاعي قال حدثني الحرمازي قال زعم‬
‫لي ابن مودود قال‪ :‬كان الدارمي المكي شاعرا ظريفا وكانت متفتيات أهل مكة ل يطيب لهن متنزه إل بالدارمي‪ ،‬فاجتمع‬
‫جماعة منهن في منتزه لهن‪ ،‬وفيهن صديقة له‪ ،‬وكل واحدة منهن قد واعدت هواها‪ ،‬فخرجن حتى أتين الجحفة وهو معهن؛ فقال‬
‫بعضهن لبعض‪ :‬كيف لنا أن نخلو مع هؤلء الرجال من الدارمي? فإنا إن فعلنا قطعنا في الرض قالت لهن صاحبته‪ :‬أنا أكفيكنه؛‬
‫قلن‪ :‬أنا نريد إل يلومنا؛ قالت‪ :‬علي أن ينصرف حامدا‪ ،‬وكان أبخل الناس‪ ،‬فأتته فقالت‪ :‬يادارمي‪ ،‬إنا قد تفلنا فاجلب لنا طيبا؛‬
‫‪:‬قال نعم هو ذا‪ ،‬آتي سوق الجحفة آتيكن منها بطيب؛ فأتى المكارين فاكترى حمارا فصار عليه إلى مكة وهو يقول‬
‫وبالركن وبالـصـخـرة‬ ‫أنا بـالـلـه ذي الـعـز‬
‫ب في اليسر وفي العسرة‬ ‫من اللئي يردن الـطـي‬
‫ولو كنت على البصـره فمكث النسوة ماشئن‪ .‬ثم قدم من مكة فلقيته صاحبته ليلة في‬ ‫وما أقـوى عـلـى هـذا‬
‫الطواف‪ ،‬فأخرجته إلى ناحية المسجد وجعلت تعاتبه على ذهابه ويعاتبها‪ ،‬إلى أن قالت له‪ :‬يادارمي‪ ،‬بحق هذه البنية أتحبني?‬
‫‪.‬فقال نعم‪ ،‬فبريها أتحبني? قالت نعم؛ قال‪ :‬فيا لك الخير فأنت تحبيني وأنا أحبك‪ ،‬فما مدخل الدراهم بيننا‬
‫الدارمي وعبد الصمد بن علي‬
‫أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي قال‪ :‬كان الدارمي عند عبد الصمد بن علي يحدثه‪،‬‬
‫فأغفى عبد الصمد فعطس الدارمي عطسة هائلة‪ ،‬ففزع عبد الصمد فزعا شديدا وغضب غضبا شديدا‪ ،‬ثم استوى جالسا وقال‪:‬‬
‫يا عاض كذا من أمه أتفزعني قال‪ :‬ل والله ولكن هكذا عطاسي قال‪ :‬والله لنقعنك في دمك أو تأتيني ببينة على ذلك؛ قال‪:‬‬
‫فخرج ومعه حرسي ل يدري أين يذهب به‪ ،‬فلقيه ابن الريان المكي فسأله؛ فقال‪ :‬أنا أشهد لك؛ فمضى حتى دخل على عبد‬
‫‪.‬الصمد؛ فقال له‪ :‬بم تشهد لهذا? قال‪ :‬أشهد أني رأيته مرة عطس عطسة فسقط ضرسه؛ فضحك عبد الصمد وخلى سبيله‬
‫أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا هارون بن محمد قال حدثنا الزبير قال‪ :‬قال محمد بن إبراهيم المام للدارمي‪ :‬لو صلحت‬
‫‪.‬عليك ثيابي لكسوتك؛ قال‪ :‬فديتك إن لم تصلح علي ثيابك صلحت علي دنانيرك‬
‫الدارمي مع نسوة من العراب‬
‫أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا الزبير‪ ،‬ونسخت من كتاب هارون بن محمد‪ :‬حدثنا الزبير‬
‫قال حدثني يونس بن عبد الله الخياط قال‪ :‬خرج الدارمي مع السعاة‪ ،‬فصادف جماعة منهم قد نزلوا على الماء فسألهم‬
‫فأعطوه دراهم‪ ،‬فأتى بها في ثوبه‪ ،‬وأحاط به أعرابيات فجعلن يسألنه وألححن عليه وهو يردهن؛ فعرفته صبية منهن فقالت‪ :‬يا‬
‫‪:‬أخواتي‪ ،‬أتدرين من تسألن منذ اليوم? هذا الدارمي السأل‪ .‬ثم أنشدت‬
‫فدع عنك من كان يستطعم فولى الدارمي هاربا منهن وهن يتضاحكن به الدارمي‬ ‫إذا كنت لبد مستطعـمـا‬
‫والوقص القاضي‬
‫أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال أخبرني أحمد بن أبي خيثمة قال حدثنا مصعب الزبيري قال‪ :‬أتى الدارمي الوقص القاضي‬
‫بمكة في شيء فأبطأ عليه فيه‪ ،‬وحاكمه إليه خصم له في حق‪ ،‬فحبسه به حتى أداه إليه‪ .‬فينا الوقص يوما في المسجد الحرام‬
‫يصلي ويدعو ويقول‪ :‬يارب أعتق رقبتي من النار‪ ،‬إذ قال له الدارمي والناس يسمعون‪ :‬أولك رقبة تعتق? ل والله ما جعل الله‪،‬‬
‫وله الحمد‪ ،‬لك من عتق ولرقبة? فقال له الوقص‪ :‬ويلك? من أنت? قال‪ :‬أنا الدارمي‪ ،‬حسبتني وقتلتني؛ قال‪ :‬ل تقل ذلك‬
‫‪.‬وأتني فإني أعوضك فأتاه ففعل ذلك به‬
‫نادرة له مع عبد الصمد بن علي‬
‫‪:‬أخبرني الحرمي أحمد بن محمد بن إسحاق قال حدثني الزبير بن بكار قال حدثني عمي قال‬

‫صفحة ‪260 :‬‬

‫مدح الدارمي عبد الصمد بن علي بقصيدة واستأذنه في النشاد فأذن له؛ فلما فرغ أدخل إليه رجل من الشراة؛ فقال لغلمه‪:‬‬
‫أعط هذا مائة دينار واضرب عنق هذا؛ فوثب الدارمي فقال‪ :‬بأبي أنت وأمي? برك وعقوبتك جميعا نقد? فإن رأيت أن تبدأ بقتل‬
‫هذا‪ ،‬فإذا فرغ منه أمرته فأعطاني? فإني لن أريم من حضرتك حتى يفعل ذلك؛ قال‪ :‬لوم ويلك? قال‪ :‬أخشى أن يغلط فيما‬
‫‪.‬بيننا‪ ،‬والغلط في هذا ليستقال؛ فضحك وأجابه إلى ما سأل‬
‫نادرة له في مرضه‬
‫أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عمي قال‪ :‬أصابت الدارمي قرحة في صدره‪ ،‬فدخل إليه بعض أصدقائه يعوده‪.‬‬
‫فرآه قد نفث من فيه نفثا أخضر‪ ،‬فقال له‪ :‬أبشر‪ ،‬قد اخضرت القرحة وعوفيت؛ فقال‪ :‬هيهات? والله لو نفثت كل زمردة في‬
‫‪.‬الدنيا ما أفلت منها‬

‫صوت من المائة المختارة‬

‫زدت الفؤاد على علته وصبـا‬ ‫يا ربع سلمى لقد هيجت لي طربا‬
‫عفر الظباء وظلمانا به عصبـا الشعر لهلل بن الشعر المازني‪ ،‬أخبرني بذلك‬ ‫ربع تبدل ممن كـان يسـكـنـه‬
‫وكيع عن حماد بن إسحاق عن أبيه‪ .‬وهكذا هو في رواية عمرو بن أبي عمرو الشيباني‪ .‬ومن ليعلم ينسبه إلى عمر ابن أبي‬
‫ربيعة وإلى الحارث بن خالد ونصيب‪ ،‬وليس كذلك‪ .‬والغناء في اللحن المختار لعزور الكوفي‪ ،‬ومن الناس من يقول عزون‬
‫بالنون وتشديد الزاي‪ ،‬وهو رجل من أهل الكوفة غير مشهور ولكثير الصنعة‪ ،‬ول أعلم أني سمعت له بخبر ولصنعة غير هذا‬
‫الصوت‪ .‬ولحن هذا المختار ثقيل أول بالبنصر في مجراها عن إسحاق‪ ،‬وهكذا في الختيار الواثقي‪ .‬وذكر عمرو بن بانة أن فيه‬
‫لبن عائشة لحنا من الثقيل الول بالبنصر‪ .‬وفي أخبار الغريض عن حماد أن له فيه ثقيل أول‪ .‬وقال الهشامي‪ :‬فيه لعبد الله بن‬
‫‪.‬العباس لحن من الثقيل الثاني‪ .‬وذكر حبش أن فيه لحسين بن محرز خفيف رمل بالبنصر‬

‫أخبار هلل ونسبه‬


‫نسبه وهو شاعر أموي شجاع أكول‬
‫هو‪ ،‬فيما ذكر خالد بن كلثوم‪ ،‬هلل بن السعر بن خالد بن الرقم بن قسيم بن ناشرة بن رزام بن مازن بن مالك بن عمرو بن‬
‫تميم‪ .‬شاعر إسلمي من شعراء الدولة الموية‪ ،‬وأظنه قد أدرك الدولة العابشية‪ ،‬وكان رجل شديدا عظيم الخلق أكول معدودا‬
‫من الكلة‪ .‬قال أبو عمرو‪ :‬وكان هلل فارسا شجاعا شديد البأس والبطش أكثر الناس أكل وأعظمهم في حرب غناء ‪ .‬هذا لفظ‬
‫أبو عمرو‪ .‬وقال أبو عمرو‪ :‬وعمر بن هلل بن أسعر عمرا طويل ومات بعد بليا عظام مرت على رأسه‪ .‬قال‪ :‬زكان رجل من‬
‫قومه من بني رزام بن مالك يقال له المغيرة بن قنبر يعوله ويفضل عليه ويحتمل ثقله وثقل عياله فهلك‪ ،‬فقال هلل يرثيه‪ :‬كان‬
‫‪:‬المغيرة بن قنبر يعوله فلما مات رثاه‬
‫وأفنى قبله الناس الفـنـاء‬ ‫أل ليت المغيرة كـان حـيا‬
‫إذا أفنى عرائكها اللـقـاء‬ ‫لبيك على المغيرة كل خيل‬
‫فقير كان ينعشه العـطـاء‬ ‫ويبك على المغيرة كل كـل‬
‫تمور لدى معاركه الدمـاء‬ ‫ويبك على المغيرة كل جيش‬
‫إذا شالت وقد رفع اللـواء‬ ‫فتى الفتيان فارس كل حرب‬
‫خصال عقد عصمتها الوفاء‬ ‫لقد وارى جديد الرض منه‬
‫إذا ماضاق بالحدث الفضاء‬ ‫فصبرا للنوائب إن ألـمـت‬
‫نقي العرض همته العلء‬ ‫هزبر تنجلي الغمرات عنه‬
‫بحورا لتكدرهـا الـدلء‬ ‫إذا شهد الكريهة خاض منها‬
‫وليثني عزيمتـه أتـقـاء‬ ‫جسور ليروع عـنـد روع‬
‫حبا الحلماء أطلقها المراء‬ ‫حليم في مشاهـده إذا مـا‬
‫يطيب عليه في المل الثناء‬ ‫حميد في عشيرتـه فـقـيد‬
‫وحم عليه بالتلف القضـاء‬ ‫فإن تكن المنية أقصـدتـه‬
‫وعود بالفضائل وابـتـداء‬ ‫فقد أودى به كـرم وخـير‬
‫مراهنه إذا جد الـجـراء كان عادي الخلق صبورا على الجوع‬ ‫‪:‬وجود ليضـم إلـيه جـودا‬

‫صفحة ‪261 :‬‬

‫وقال خالد بن كلثوم‪ :‬كان هلل بن السعر‪ ،‬فيما ذكروا‪ ،‬مع البل فيأكل ماوجد عند أهله ثم يرجع إليها وليتزود طعاما ولشرابا‬
‫‪.‬حتى يرجع يوم ورودها‪ ،‬ليذوق فيما بين ذلك طعاما ولشرابا‪ ،‬وكان عادي الخلق لتوصف صفته‬
‫حكايات عن قوته‬
‫قال خالد بن كلثوم فحدثنا عنه من أدركه‪ :‬أنه كان يوما في إبل له‪ ،‬وذلم عند الظهيرة قي يوم شديد وقع الشمس محتدم‬
‫الهاجرة وقد عمد إلى عصاه فطرح عليها كساءه ثم أدخل رأسه تحت كسائه من الشمس‪ ،‬فبينا هو كذلك إذ مر به رجلن‬
‫أحدهما من بني نهشل والخر من بني فقيم‪ ،‬كانا أشد تميميين في ذلك الزمان بطشا‪ ،‬يقال لحدهما الهياج‪ ،‬وقد أقبل من‬
‫البحرين ومعهما أنواط من تمر هجر‪ ،‬وكان هلل بناحية الصعاب؛ فلما انتهيا إلى البل‪ ،‬وليعرفان هلل بوحهه وليعرفان أن البل‬
‫له‪ ،‬ناديا‪ :‬ياراعي‪ ،‬أعندك شراب تسقينا? وهما يظنانه عبدا لبعضهم؛ فناداهما هلل ورأسه تحت كسائه‪ :‬عليكما الناقة التي‬
‫صفتها كذا في موضع كذا فأنيخاها فإن عليها وطبين من لبن‪ ،‬فاشربا منهما مابدا لكما‪ .‬قال فقال له أحدهما‪ :‬ويحك? انهض‬
‫ياغلم فأت بذلك اللبن? فقال لهما‪ :‬إن تك لكما حاجة فستأتيانها فتجدان الوطبين فتشربان؛ قال فقال أحدهما‪ :‬إنك يابن‬
‫اللخناء لغليظ الكلم‪ ،‬قم فاسقنا‪ ،‬ثم دنا من هلل وهو على تلك الحال‪ .‬وقال لهما‪ ،‬حيث قال له أحدهما‪(( :‬إنك يابن اللخناء‬
‫لغليظ الكلم‪ ،‬قم فاسقنا‪ ،‬ثم دنا من هلل وهو على تلك الحال‪ .‬وقال لهما‪ ،‬حيث قال له أحدهما‪( :‬إنك يا ابن اللخناء لغليظ‬
‫الكلم)‪ ،‬أراكما والله ستلقيان هوانا وصغارا؛ وسمعا ذلك منه‪ ،‬فدنا أحدهما فأهوى له ضربا بالسوط على عجزه وهو مضطجع‪،‬‬
‫فتناول هلل يده فاجتذبه إليه ورماه تحت فخذه ثم ضغطه ضغطة ‪ ،‬فنادى صاحبه‪ :‬ويحك أغثني قد قتلني فدنا صاحبه منه‪،‬‬
‫فتناوله هلل أيضا فاجتذبه فرمى به تحت فخذه الخرى‪ ،‬ثم أخذ برقابهما فجعل يضك برؤوسهما بعضا ببعض ليستطيعان أن‬
‫يمتنعا منه؛ فقال أحدهما‪ :‬كن هلل ول نبالي ماصنعت؛ فقال لهما‪ :‬أنا والله هلل‪ ،‬ول والله لتفلتان مني حتى تعطياني عهدا‬
‫وميثاقا لتخيسان به‪ :‬به‪ :‬لتأتيان المربد إذا قدمتما البصرة‪ ،‬ثم لتناديان بأعلى أصواتكما بما كان مني ومنكما؛ فعاهداه وأعطياه‬
‫‪.‬نوطا من التمر الذي معهما‪ ،‬وقدما البصرة فأتيا المربد فناديا بما كان منه ومنهما‬
‫وحدث خالد عن كنيف بن عبد الله المازني قال‪ :‬كنت يوما مع هلل ونحن نبغي لبل لنا‪ ،‬فدفعنا إلى قوم من بكر بن وائل وقد‬
‫لغبنا وعطشنا‪ ،‬وإذا نحن بفتية شباب عند ركية لهم وقد وردت إبلهم‪ ،‬فلما رأوا هلل استهولوا خلقه وقامته‪ ،‬فقام رجلن منهم‬
‫إليه فقال له أحدهما‪ :‬ياعبد الله‪ ،‬هل لك في الصراع? فقال له هلل‪ :‬أنا إلى غير ذلك أحوج؛ قال‪ :‬وماهو? قال‪ :‬إلى لبن و ماء‬
‫فإنني لغب ظمآن؛ قال‪ :‬ماأنت بذائق من ذلك شيئا حتى تعطينا عهدا لتجنيبننا إلى الصراع أذا أرحت ورويت؛ فقال لهما هلل‪:‬‬
‫إنني لكم ضيف‪ ،‬والضيف ليصارع آهله و رب منزله‪ ،‬وأنتم مكتفون من ذلك بما أقول لكم‪ :‬اعمدوا إلى أشد فحل في إبلكم‬
‫وأهيبه صولة وإلى أشد رجل منكم ذراعا‪ ،‬فإن لم أقبض على هامة البعير وعلى يد صاحبكم فل يمتنع الرجل ول البعير حتى‬
‫أدخل يد الرجل في فم البعير‪ ،‬فإن لم أفعل ذلك فقد صرعتموني‪ ،‬وإن فعلته علمتم أن صراع أحدكم أيسر من ذلك‪ .‬قال‪:‬‬
‫فعجبوا من مقالته تلك‪ ،‬وأومئوا إلى فحل في إبلهم هائج صائل قطم؛ فأتاه هلل ومعه نفر من أولئك القوم وشيخ لهم‪ ،‬فأخذ‬
‫بهامة الفحل مما فوق مشفره فضغطها ضغطة جرجر الفحل منها واستخذى ورغا‪ ،‬وقال‪ :‬ليعطني من أحببتم يده أولجها في فم‬
‫هذا الفحل‪ .‬قال فقال الشيخ‪ :‬ياقوم تنكبوا هذا الشيطان‪ ،‬فوالله ماسمعت فلنا ‪ -‬يعني الفحل ‪ -‬جرجر منذ بزل قبل اليوم‪ ،‬فل‬
‫‪.‬تعرضوا لهذا الشيطان‪ .‬وجعلوا يتبعونه وينظرون إلى خطوه ويعجبون من طول أعضائه حتى جازهم‬
‫صارع في المدينة عبدا بأمر أميرها‪ :‬قال وحدثنا من سمع هلل يقول‬

‫صفحة ‪262 :‬‬

‫قدمت المدينة وعليها رجل من آل مروان‪ ،‬فلم أزل أضع عن إبلي وعليها أحمال للتجار حتى أخذ بيدي وقيل لي‪ :‬أجب المير‪.‬‬
‫قال‪ :‬قلت لهم‪ :‬ويلكم إبلي وأحمالي فقيل‪ :‬لبأس على إبلك وأحمالك‪ .‬قال‪ :‬فانطلق بي حتى أدخلت على المير‪ ،‬فسلمت عليه‬
‫ثم قلت‪ :‬جعلت فداك ?? إبلي وأمانتي‪ .‬قال فقال‪ :‬نحن ضامنون لبلك وأمانتك حتى نؤديها إليك‪ .‬قال فقلت عند ذلك‪ :‬فمل‬
‫حاجة المير إلي جعلني الله فداه? قال فقال لي‪ -‬وإلى جنبه رجل أصفر‪ ،‬ل والله مارأيت رجل قط أشد خلقا منه ولأغلظ عنقا‪،‬‬
‫ماأدري أطوله أكثر أم عرضه ‪ :-‬إن هذا العبد الذي ترى لوالله ماترك بالمدينة عربيا يصارع إل صرعه‪ ،‬وبلغني عنك قوة‪ ،‬فأردت‬
‫أن يجري الله صرع هذا العبد على يديك فتدرك ماعنده من أوتار العرب‪ .‬قال فقلت‪ :‬جعلني الله فداء المير‪ ،‬إني لغب نصب‬
‫جائع‪ ،‬فإن رأى المير أن يدعني اليوم حتى أضع عن إبلي وأؤدي أمانتي وأريح يومي هذا وأجيئه غدا فليفعل‪ .‬قال فقال لعوانه‪:‬‬
‫انطلقوا معه فأعينوه على الوضع عن إبله وأداء أمانته وانطلقوا به إلى المطبخ فأشبعوه؛ ففعلوا جميع ماأمرهم به‪ .‬قال‪:‬‬
‫فظللت بقية يومي وبت ليلتي تل‪ :‬بأحسن حال شبعا وراحة وصلح أمر‪ ،‬فلما كان من الغد غدوت عليه وعلي جبة لي صوف‬
‫وبت وليس علي إزار إل أني قد شددت بعمامتي وسطي‪ ،‬فلما كان من الغد غدوت عليه وعلي جبة لي صوف وبت وليس علي‬
‫إزار إل أني قد شددت بعمامتي وسطي‪ ،‬فسلمت عليه فرد علي السلم‪ ،‬وقال للصفر‪ :‬قم إليه‪ ،‬فقد أرى أنه أتاك الله بما‬
‫يخزيك؛ فقال العبد‪ :‬اتزر باأعرابي؛ فأخذت بتي فاتزرت به على جبتي؛ فقال‪ :‬هيهات ‪-‬هذا ليثبت‪ ،‬إذا قبضت عليه جاء في يدي؛‬
‫قال فقلت‪ :‬والله مالي من إزار؛ قال‪ :‬فدعا المير بملحفة مارأيت قبلها ولعل جلدي مثلها‪ ،‬فشددت بها على حقوي وخلعت‬
‫الجبة؛ قال‪ :‬وجعل العبد يدور حولي ويريد ختلي وأنا منه وجل ولأدري كيف أصنع به‪ ،‬ثم دنا مني دنوة فنقد جبهتي نقدة حتى‬
‫ظننت أنه قد شجني وأوجعني‪ ،‬فغاظني ذلك‪ ،‬فجعلت أنظر في خلقه بم أقبض منه‪ ،‬فما وجدت في خلقه شيئا أصغر من رأسه‪،‬‬
‫فوضعت إبهامي في صدغيه وأصابعي الخر في أصل أذنيه‪ ،‬ثم غمزته غمزة صاح منها‪ :‬قتلتني‪ :‬قتلتني‪ :‬فقال المير‪ :‬اغمس‬
‫رأس العبد في التراب؛ قال فقلتله‪ :‬ذلك لك علي؛ قال‪ :‬فغمست والله رأسه في التراب ووقع شبيها بالمغشي عليه‪ ،‬فضحك‬
‫‪.‬المير حتى استلقى وأمر لي بجائزة وكسوة وانصرفت‬
‫قتل رجل من بني جلن استجار بمعاذ فقبض عليه للثأر منه‪ ،‬ثم فر إلى اليمين وشعره في ذلك‪ :‬قال أبو الفرج‪ :‬ولهلل أحاديث‬
‫كثيرة من أعاجيب شدته‪ .‬وقد ذكره حاجب بن ذبيان فقال لقوم من بني رباب من بني حنيفة في سيء كان بينهم فيه أربع‬
‫‪:‬ضربات بالسيف‪ ،‬فقال حاجب‬
‫لبئس سيف بني ربـاب‬ ‫وقائلة وباكية بـشـجـو‬
‫لعجله إلى يوم الحسـاب‬ ‫ولو لقى هلل بني رزام‬
‫صفحة ‪263 :‬‬

‫وكان هلل بن السعر هضربه رجل من بني عنزة ثم من بني جلن يقال له عبيد بن جري في شيء كان بينهما‪ ،‬فشجه‬
‫وخمشه خماشة ‪ ،‬فأتى هلل بن جلن فقال‪ :‬إن صاحبكم قد فعل بي ماترون فخذوا لي بحقي‪ ،‬فأوعدوه وزجروه؛ فخرج من‬
‫عندهم وهو يقول‪ :‬عسى أن يكون لهذا جزاء حتى أتى بلد قومه؛ فمضى لذلك هلل وما كان بينه وبينه فتخوفه؛ فسأل عن أعز‬
‫أهل الماء‪ ،‬فقيل له‪ :‬معاذ بن جعدة بن ثابت بن زرارة بن ربيعة بن سيار بن رزام بن مازن؛ فأتاه فوجده غائبا عن الماء‪ ،‬فعقد‬
‫عبيد بن جري طرف ثيابه إلى جانب طنب بيت معاذ‪ -‬وكانت العرب إذا فعلت ذلك وجب على المعقود بطنب بيته للمستجير به‬
‫أن يجبره وأن يطلب له بظلمته ‪ -‬وكان يوم فعل ذلك غائبا عن الماء‪ ،‬فقيل‪ :‬رجل استجار بآل معاذ بن جعدة‪ .‬ثم خرج عبيد بن‬
‫جري ليستقي‪ ،‬فوافق قدوم هلل بإبله يوم وروده‪ ،‬وكان إنما يقدمها في اليام‪ ،‬فلما نظر هلل إلى ابن جري ذكر ما كان بينه‬
‫وبينه‪ ،‬ولم يعلم باستجارته بمعاذ بن جعدة‪ ،‬فطلب شيئا يضربه به فلم يجده‪ ،‬فانتزع المحور من السانية فعله به ضربة على‬
‫رأسه فصرع وقيذا‪ ،‬وقيل‪ :‬قتل هلل بن السعر جار معذ بن جعدة ? فلما سمع ذلك هلل تخوف بني جعدة فصرع وقيذا‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫قتل هلل بن السعر جار معاذ بن حعدة فلما سمع ذلك هلل تخوف بني جعدة الرزاميين‪ ،‬وهم بنو عمهظن فأتى راحلته‬
‫ليركبها‪ .‬قال هلل‪ :‬فأتتني خولة بنت يزيد بن ثابت أخي بني جعدة بن ثابت‪ ،‬وهي جدة أبي السفاح زهيد بن عبد الله بن مالك‬
‫أم أبيه‪ ،‬فتعلقت بثوب هلل‪ ،‬ثم قالت‪ :‬أي عدو الله قتلت جارنا والله لتفارقني حتى يأتيك رجالنا قال هلل‪ :‬والمحور في يدي‬
‫لم أضعه؛ قال‪ :‬فهممت أن أعلو به رأس خولة‪ ،‬ثم قلت في نفسي‪ :‬عجوز لها سن وقرابة قال‪ :‬فضربتها برجلي ضربة رميت‬
‫بها من بعيد‪ ،‬ثم أتيت ناقتي فأركبها ثم أضربها هاربا‪ .‬وجاء معاذ بن جعدة وإخوته ‪ -‬وهم يومئذ تسعة إخوة ‪-‬وعبد الله بن مالك‬
‫زوج لبنت معاذ و يقال لها جبيلة‪ ،‬وهو مع ذلك ابن عمتهم خولة بنت يزيد بن ثابت‪ ،‬فهو معهم كأنه معضهم؛ فجاؤوا من آخر‬
‫النهار فسمعوا الواعية على الجلني وهو دنف لم يمت‪ ،‬فسألوا عن تلك الواعية فأخبروا بما كان من استجارة الجلني بمعاذ بن‬
‫جعدة وضرب هلل له من بعد ذلك؛ فركب الخوة التسعة وعبد الله بن مالك عاشرهم‪ ،‬وكانوا أمثال الجبال في شدة خلقهم مع‬
‫نجدتهم‪ ،‬وركبوا معهم بعشرة غلمة لهم أشد منهم خلقا ليقع لحد منهم سهم في غير موضع يريده من رميته‪ ،‬حتى تبعوا هلل؛‬
‫وقد نسل هلل من الهرب يومه ذلك كله وليلته‪ ،‬فلما أصبح أمنهم وظن أن قد أبعد في الرض ونجا منهم؛ وتبعوه‪ ،‬فلما أصبحوا‬
‫من تلك الليلة قصوا أثرهظن وكان ليخفى أثره على أحد لعظم قدمه‪ ،‬فلحقوه من بعد الغد‪ ،‬فلما أدركوه وهو عشرون ومعهم‬
‫النبل والقسي والسيوف والترسة‪ ،‬ناداهم‪ :‬يابني جعدة‪ ،‬إني أنشدكم الله ? أن أكون قتلت رجل غريبا طلبته بترة تقتلوني وأنا‬
‫ابن عمكم وظن أن الجلني قد مات‪ ،‬ولك يكن مات إلى أن تبعوه وأخذوه؛ فقال معاذ‪ :‬والله لو أيقنا أنه قد مات ماناظرنا بك‬
‫القتل من ساعتنا ولكنا تركناه ولم يمت‪ ،‬ولسنا نحب قتلك إل أن تمتنع منا‪ ،‬ولنقدم عليك حتى نعلم مايصنع جارنا؛ فقاتلهم‬
‫وامتنع منهم‪ ،‬فجعل معاذ يقول لصحابه وغلمانه‪ :‬لترموه بالنبل ولتضربوه بالسيوف‪ ،‬ولكن ارموه بالحجارة واضربوه بالعصي‬
‫حتى تأخذوه؛ ففعلوا ذلك‪ ،‬فما قدروا على أخذه حتى كسروا من إحدى يديه ثلث أصابع ومن الخرى إصبعين‪ ،‬ودقوا ضلعين من‬
‫أضلعه وأكثروا الشجاج في رأسه‪ ،‬ثم أخذوه وما كادوا يقدرون على أخذه‪ ،‬فوضعوا في رجله أدهم‪ ،‬ثم جاءوا به وهومعروض‬
‫على بعير حتى انتهوا به إلى الوقبى فدفعوه إلى الجلني ولم يمت بعد‪ ،‬فقالوا‪ :‬انطلقوا به معكم إلى بلدكم ولتحدثوا في أمره‬
‫شيئا حتى تنظروا مايصنع بصاحبكم‪ ،‬فإن مات فاقتلوه وإن حيي فأعلمونا حتى نحمل لكم أرش الجناية‪ .‬فقال الجلنيون‪ :‬وفت‬
‫ذمتكم يابني جعدة‪ ،‬وجزاكم الله أفضل مايجزي به خيار الجيران‪ ،‬إنا نتخوف أن ينزعه منا قومكم إن خليتم عنا وعنهم وهو في‬
‫أيدينا؛ فقال اهم معاذ‪ :‬فإني أحمله معكم وأشيعكم حتى تردوا بلدكم‪ ،‬ففعلوا ذلك‪ ،‬فحمل معروضا على بعير وركبت أخته جماء‬
‫بنت السعر معه‪ ،‬وجعل يقول‪ :‬قتلتني بنو جعدة وتأتيه أخته بمغرة فيشربها فيقال‪ :‬يمشي بالدم‪ ،‬لن بين جعدة فرثوا كبده‬

‫صفحة ‪264 :‬‬

‫في جوفه‪ .‬فلما بلغوا أدنى لبلد بكر بن وائل قال الجلنيون لمعاذ وأصحابه‪ :‬أدام الله عزكم‪ ،‬وقد وفيتم فانصرفوا‪ .‬وجعل هلل‬
‫يريهم أنه يمشي في الليلة عشرين مرة‪ .‬فلما ثقل الجلني وتخوف هلل أن يموت من ليلته أو يصبح ميتا‪ ،‬تبرز هلل كما كان‬
‫يصنع وفي رجله الدهم كأنه يقضي حاجة‪ ،‬ووضع كساءه على عصاه في ليلة ظلماء‪ ،‬ثم اعتمد على الدهم فحطمه‪ ،‬ثم طار‬
‫تحت ليلته على رجليه‪ ،‬وكان أدل الناس فتنكب الطريق التي تعرف ويطلب فيها وجعل يسلك المسالك التي ل يطمع فيها‪ .‬حتى‬
‫انتهى إلى رجل من بني أثاثه بن مازن يقال له السعر بن يزيد ين طلق بن جبيلة بن أثاثة بن مازن‪ ،‬فحمله السعر على ناقه له‬
‫يقال لها ملوة‪ ،‬فركبها ثم تجنب بها الطريق فأخذ نحوبلد قيس بن عيلن‪ ،‬تخوفا من بني مازن أن يتبعوه أيضا فيأخذوه‪ ،‬فسار‬
‫ثلث ليال وأيامها حتى نزل اليوم الرابع‪ ،‬فنحر الناقة فأكل لحمها كله إل فضلة فضلت منها فاحتملها‪ ،‬ثم أتى بلد اليمن فوقع‬
‫بها‪ ،‬فلبث زمانا وذلك عند مقام الحجاج بالعراق‪ ،‬فبلغ إفلته من بالبصرة من بكر بن وائل‪ ،‬فانطلقوا إلى الحجاج فاستعدوه‬
‫وأخبروه بقتله صاحبهم؛ فيعث الحجاج إلى عبد الله بن شعبة بن العلقم‪ ،‬وهو يومئذ عريف بني مازن حاضرتهم وباديتهم‪ ،‬فقال‬
‫له‪ :‬لتأتيني بهلل أو لفعلن بك ولفعلن؛ فقال له عبد الله بن شعبة‪ :‬إن أصحاب هلل وبني عمه قد صنعوا كذا وكذا‪ :‬فاقتص‬
‫عليه ماصنعوا في طلبه وأخذه ودفعه إلى الجلنيين وتشييعهم إياه حتى وردزا بلد بكر بن وائل؛ فقال له الحجاج‪ :‬ويلك ماتقول?‬
‫قال فقال بعض البكريين‪ :‬صدق‪ ،‬أصلح الله المير؛ قال فقال الحجاج‪ :‬فل يرغم الله أنوفكم‪ ،‬اشهدوا أني قد آمنت كل قريب‬
‫لهلل وحميم وعريف ومنعت من أخذ أحد به ومن طلبه حتى يظفر به البكريون أو يموت قبل ذلك‪ .‬فلما وقع هلل إلى بلد‬
‫اليمن بعث إلى بني رزام بن مازن بشعر يعاتبهم فيه ويعظم عليهم حقه ويذكر قرابته‪ ،‬وذلك أن سائر بني مازن قاموا ليحملوا‬
‫ذلك الدم‪ ،‬فقال معاذ‪ :‬ل أرضى والله أن يحمل لجاري دم واحد حتى يحمل له دم ولجواري دم آخر‪ ،‬وإن أراج هلل المان‬
‫وسطنا حمل له دم ثالث؛ فقال هلل في ذلك‪:‬ي جوفه‪ .‬فلما بلغوا أدنى لبلد بكر بن وائل قال الجلنيون لمعاذ وأصحابه‪ :‬أدام‬
‫الله عزكم‪ ،‬وقد وفيتم فانصرفوا‪ .‬وجعل هلل يريهم أنه يمشي في الليلة عشرين مرة‪ .‬فلما ثقل الجلني وتخوف هلل أن‬
‫يموت من ليلته أو يصبح ميتا‪ ،‬تبرز هلل كما كان يصنع وفي رجله الدهم كأنه يقضي حاجة‪ ،‬ووضع كساءه على عصاه في ليلة‬
‫ظلماء‪ ،‬ثم اعتمد على الدهم فحطمه‪ ،‬ثم طار تحت ليلته على رجليه‪ ،‬وكان أدل الناس فتنكب الطريق التي تعرف ويطلب فيها‬
‫وجعل يسلك المسالك التي ل يطمع فيها‪ .‬حتى انتهى إلى رجل من بني أثاثه بن مازن يقال له السعر بن يزيد ين طلق بن جبيلة‬
‫بن أثاثة بن مازن‪ ،‬فحمله السعر على ناقه له يقال لها ملوة‪ ،‬فركبها ثم تجنب بها الطريق فأخذ نحوبلد قيس بن عيلن‪ ،‬تخوفا‬
‫من بني مازن أن يتبعوه أيضا فيأخذوه‪ ،‬فسار ثلث ليال وأيامها حتى نزل اليوم الرابع‪ ،‬فنحر الناقة فأكل لحمها كله إل فضلة‬
‫فضلت منها فاحتملها‪ ،‬ثم أتى بلد اليمن فوقع بها‪ ،‬فلبث زمانا وذلك عند مقام الحجاج بالعراق‪ ،‬فبلغ إفلته من بالبصرة من بكر‬
‫بن وائل‪ ،‬فانطلقوا إلى الحجاج فاستعدوه وأخبروه بقتله صاحبهم؛ فيعث الحجاج إلى عبد الله بن شعبة بن العلقم‪ ،‬وهو يومئذ‬
‫عريف بني مازن حاضرتهم وباديتهم‪ ،‬فقال له‪ :‬لتأتيني بهلل أو لفعلن بك ولفعلن؛ فقال له عبد الله بن شعبة‪ :‬إن أصحاب‬
‫هلل وبني عمه قد صنعوا كذا وكذا‪ :‬فاقتص عليه ماصنعوا في طلبه وأخذه ودفعه إلى الجلنيين وتشييعهم إياه حتى وردزا بلد‬
‫بكر بن وائل؛ فقال له الحجاج‪ :‬ويلك ماتقول? قال فقال بعض البكريين‪ :‬صدق‪ ،‬أصلح الله المير؛ قال فقال الحجاج‪ :‬فل يرغم‬
‫الله أنوفكم‪ ،‬اشهدوا أني قد آمنت كل قريب لهلل وحميم وعريف ومنعت من أخذ أحد به ومن طلبه حتى يظفر به البكريون أو‬
‫يموت قبل ذلك‪ .‬فلما وقع هلل إلى بلد اليمن بعث إلى بني رزام بن مازن بشعر يعاتبهم فيه ويعظم عليهم حقه ويذكر قرابته‪،‬‬
‫وذلك أن سائر بني مازن قاموا ليحملوا ذلك الدم‪ ،‬فقال معاذ‪ :‬ل أرضى والله أن يحمل لجاري دم واحد حتى يحمل له دم‬
‫‪:‬ولجواري دم آخر‪ ،‬وإن أراج هلل المان وسطنا حمل له دم ثالث؛ فقال هلل في ذلك‬

‫صفحة ‪265 :‬‬

‫أخوكم وإن جزت جرائرهـا يدي‬ ‫بني مازن لتطردوني فـإنـنـي‬


‫يترك أخيكم كالخليع الـمـطـرد‬ ‫ولتثلجوا أكباد بـكـر بـن وائل‬
‫بعيدا ببغضـاء يروح ويغـتـدي‬ ‫ولتجعلوا حفظي بظهر وتحفظـا‬
‫وكيف بقطع الكف من سائر اليد‬ ‫فإن القريب حيث كان قـريبـكـم‬
‫وإن شط عنكم فهو أبعـد أبـعـد‬ ‫وإن البعيد إن دنا فهـو جـاركـم‬
‫لكم حفظ راض عنكم غير موجد‬ ‫وإني وإن أوجدتموني لـحـافـظ‬
‫أغـر إذا مـاريع لـم يتـبـلـد‬ ‫سيحمي حماكم بي وإن كنت غائبا‬
‫وكنت من الرض الغريبة محتدي‬ ‫وتعلم بكر أنكـم حـيث كـنـتـم‬
‫وأني وإن اوحدت لست بـأوحـد‬ ‫وأني ثقيل حيث كنت على العـدا‬
‫منوا بجمبع القلب عضب مهنـد‬ ‫وأنهم لما أرادوا هـضـيمـتـي‬
‫ولم يتوقف للعواقـب فـي غـد‬ ‫حسام متى يعزم على المر بأتـه‬
‫بأفعالهم قالوا لـجـازيهـم قـد‬ ‫وهم بدءوا بالبغي حتى إذا جـزوا‬
‫ولم يك فيهم في العواقب مهتـدي‬ ‫فلم يك منهم في البديهة منصـف‬
‫ولم يفعلوا فعل العزيز الـمـؤيد‬ ‫ولم يفعلوا فعل الحليم فيجمـلـوا‬
‫منعت الكرى بالغيظ من متوعـد‬ ‫فإن يسر لي إيعاد بكر فـربـمـا‬
‫وردت بفتيان الصبـاح ومـورد‬ ‫ورب حمى قوم أبحـت ومـورد‬
‫رفعت بعجلي الرجل موارة الـيد‬ ‫وسجف دجوجي من الليل حالـك‬
‫فيلي التياث العزم عند الـتـردد‬ ‫سفينة خواض بحور هـمـومـه‬
‫أخو الفتك ركاب قرى المتـهـدد وقال وهو بأرض اليمن‬ ‫‪:‬جسور على المر المهيب إذا ونى‬
‫تحن إلى جنبي فليج مع الفـجـر‬ ‫أقول وقد جاوزت نعمي وناقـتـي‬
‫هواك‪ ،‬وإن عنا نأت‪ ،‬سبل القطـر‬ ‫سقى الله ياناق البلد التـي بـهـا‬
‫بنا على مراعيها وكـثـبـانـهـا‬ ‫فما عن قلى منا لها خفت الـنـوى‬
‫وبين الداني‪ ،‬والفتى غرض الدهر‬ ‫ولكن صرف الدهر فرق بـينـنـا‬
‫وللوقبى من منزل دمث مـثـري‬ ‫فسقيا لصحراء الهالة مـربـعـا‬
‫وأيامها الغر المحجـلة الـزهـر قال خالد بن كلثوم‪ :‬ولما دفع هلل إلى أولياء‬ ‫وسقيا ورعيا حيث حلت لـمـازن‬
‫الجلني ليقتلوه بصاحبهم جاء رجل يقال له‪ :‬حفيد كان هلل قد وتره فقال‪ :‬والله لونبنه ولصغرن إليه نفسي وهو في القيود‬
‫مصبور للقتل‪ ،‬فأتاه فلم يدع له شيئا مما يكره إل عدة عليه‪ .‬قال‪ :‬وإلى جنب هلل حجر يمل الكف‪ ،‬فأخذه هلل به للرجل‬
‫‪:‬فأصاب جبينه فاجتلف جلفة من وجهه ورأسه‪ ،‬ثم رمى بها وقال‪ :‬خذ القصاص مني الن‪ ،‬وأنشأ يقول‬
‫وثابتا مشيتـهـم رويدا‬ ‫أنا ضربت كربا وزيدا‬
‫وقد ضربت بعده حفيدا قال‪ :‬وهؤلء كلهم من بني رزام بن مازن‪ ،‬وكلهم كان هلل قد‬ ‫كما أفدت حينه عبـيدا‬
‫نكأ فيهم أدى عنه ديسم الدية لبني جلن فمدحه‬
‫قال خالد بن كلثوم‪ :‬ولما طال مقام هلل باليمن نهضت بنو مازن بأجمعهم إلى بني رزام بن مازن رهط هلل ورهط معاذ بن‬
‫كعدة جار الجلني المقتول‪ ،‬فقالوا‪ :‬إنكم قد أسأتم بابن عمكم وجزتم الحد في الطلب بدم جاركم‪ ،‬فنحن نحمل لكم ماأردتم‪،‬‬
‫فحمل ديسم بن المنهال بن خزيمة بن شهاب بن أثاثة بن ضباب بن حجية بن كابية بن حرقوص بن مازن الذي طلب معاذ بن‬
‫‪:‬جعدة أن يحمل لجاره‪ ،‬لفضل عزه وموضعه في عشيرته‪ ،‬وكان الذي طلب ثلثمائة بعير؛ فقال هلل في ذلك‬
‫وارى الزناد بعيد ضوء النار‬ ‫ان ابن كابية المرزأ ديسـمـا‬
‫من حائل فنـق وأم حـوار‬ ‫من كان يحمل ماتحمل ديسـم‬
‫فيها العشار ملبىء البكـار‬ ‫عيت بنو عمرو بحمل هنـائد‬
‫بالخير حل منـازل الخـيار‬ ‫حتى تلفاها كـريم سـابـق‬
‫جلن بعد تشمـس ونـفـار‬ ‫حتى إذا وردت جميعا أرزمت‬
‫والعنظوان منابت الجرجـار‬ ‫ترعى بصحراء الهالة روبة‬

‫صفحة ‪266 :‬‬

‫أعان قمير بن سعد علي بكر بن وائل وقال في ذلك شعرا‪ :‬وقال خالد بن كلثوم‪ :‬كان قمير بن سعد مصدقا على بكر بن‬
‫وائل‪ ،‬فوجد منهم رجل قد سرق صدقته‪ ،‬فأخذه قمير ليحبسه‪ ،‬فوثب قومه وأرادوا أن يحولوا بين قمير وبينه وهلل حاضر‪ ،‬فلما‬
‫رأى ذلك هلل وثب على البكريين فجعل يأخذ الرجلين منهم فيكنفهما ويناطح بين رؤوسهما‪ ،‬فانتهى إلى قمير أعوانه فقهروا‬
‫‪:‬البكريين؛ فقال هلل في ذلك‬
‫فأي امرىء في الحرب حين دعاني‬ ‫دعاني قمـير دعـوة فـأجـبـتـه‬
‫يخفض عند الروع روع جنـانـي‬ ‫معي مخذم قد أخلص القـين حـده‬
‫أحارب أو في ظل حرب ترانـي أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال‬ ‫ومازلت مذ شدت يميني حجـزتـي‬
‫حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثنا حكيم بن سعد عن زفر بن هبيرة قال‪ :‬حبسه بلل بن أبي بردة وأفنكه فيسم‬
‫تقاوم هلل بن أسعر المازني‪ ،‬وهو أحد بني رزام بن مازن‪ ،‬ونهيس الجلني من عنزة وهما يسقيان إبلهما‪ ،‬فخذف هلل نهيسا‬
‫بمحور في يده فأصابه فمات‪ ،‬فاستعدى ولده بلل بن أبي بردة على هلل فحبسه فأسلمه قومه بنو رزام وعمل في أمره‬
‫‪:‬ديسم بن المنهال أحد بين كابية بن حرقوص فافتكه بثلث ديات‪ ،‬فقال هلل يمدحه‬
‫رزاما بعدما انشقت عصاها‬ ‫تدارك ديسم حسبا ومـجـدا‬
‫بأهليها فكان لهم سنـاهـا‬ ‫همو حملوا المئين فألحقوها‬
‫بأستاه معقصة لحـاسـهـا‬ ‫وماكانت لتحمـلـهـا رزام‬
‫كريم لفتى إل فـتـاهـا الحديث عن هلل في نهمه وكثرة أكله‬ ‫بكابية بن حرقـوص وجـد‬
‫أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار وأحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدثني نصر‬
‫بن علي الجهضمي قال حدثنا الصمعي‪ ،‬وأخبرني أبو عبيد محمد بن أحمد بن المؤمل الصيرفي قال حدثنا فضل بن الحسن قال‬
‫حدثنا نصر بن علي عن الصمعي قال حدثنا المعتمر بن سليمان قال‪ :‬قلت لهلل بن أسعر‪ :‬مأكلة أكلتها بلغتني عنك? قال‪:‬‬
‫جعت مرة ومعي بعيري فنحرته وأكلته إل ماحملت منه على ظهري‪ ،‬قال أبو عبيد في حديثه عن فضل‪ :‬ثم أردت امرأتي فم‬
‫أقدر على جماعها؛ فقالت لي‪ :‬ويحك كيف تصل إلي وبيني وبينك بعير قال المعتمر‪ :‬فقلت له‪ :‬كم تكفيك هذه الكلة? قال‪:‬‬
‫أربعة أيام‪ .‬وحدجثني به أبن عمار قال حدثني عبد الله بن أبي سعد قال حدثني أحمد بن معاوية عن الصمعي عن معتمر بن‬
‫سليمان عن أبيه قال‪ :‬قلت لهلل بن السعر ‪ -‬هكذا قال ابن أبي سعد‪ :‬معتمر عن أبيه وقال في خبره‪ :‬فقلت له؛ كم تكفيك‬
‫هذه الكلة? فقال‪ :‬خمسا أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدثنا نصر بن علي قال‬
‫حدثني الصمعي قال حدثني شيخ من بني مازن قال‪ :‬أتانا هلل بن أسعر المازني فأكل جميع مابيتنا‪ ،‬فبعثنا إلى الجيران نقترض‬
‫الخبز فلما رأى الخبز قد اختلف عليه قال‪ :‬كأنكم أرسلتم إلى الجيران‪ ،‬أعندكم سويق? قلنا‪ :‬نعم‪ ،‬فجئته بجراب طويل فيه‬
‫‪.‬سويق وببرنية نبيذ‪ ،‬فصب السويق كله وصب عليه النبيذ حتى أتى على السويق والنبيذ كله‬
‫أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن موسى قال حدثنا أحمد بن الحارث عن المدائني‪ :‬أن هلل بن أسعر مر على رجل‬
‫نمن بني مازن بالبصرة وقد حمل من بستانه رطبا في زواريق‪ ،‬فجلس على زورق صغير منها وقد كثب الرطب فيه وغطي‬
‫بالبواري؛ قال له‪ :‬يابن عم آكل من رطبك هذا? قال‪ :‬نعم؛ قال‪ :‬مايكفيني? قال‪ :‬مايكفيك؛ فجلس على صدر الزورق وجعل‬
‫‪.‬يأكل إلى أن اكتفى‪ ،‬ثم قام فانصرف‪ ،‬فكشف الزورق فإذا هو مملوء نوى قد أكل رطبه وألقى النوى فيه‬
‫‪.‬قال المدائني وحدثني من سأله عن أعجب شيء أكله‪ ،‬فقال‪ :‬مائتي رغيف مع مكوك ملح‬
‫أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني الحسن ين علي بن منصور الهوازي‪ ،‬وكان‬
‫كهل سريا معدل‪ ،‬قال حدثني شبان النيلي عن صدقة بن عبيد المازني قال‪ :‬أولم علي أبي لما تزوجت فعملنا عشر جفان ثريدا‬
‫من جزور‪ .‬فكان أول من جاءنا هلل بن أسعر المازني‪ ،‬فقدمنا إليه جفنة فأكلها ثم أخرى ثم أخرى حتى أتى على العشر‪ ،‬ثم‬
‫‪.‬استسقى فأتي بقربة من نبيذ فوضع طرفها في شدقه ففرغها في جوفه‪ ،‬ثم قام فخرج؛ فاستأنفنا عمل الطعام‬

‫صفحة ‪267 :‬‬

‫حدث أبو عمرو بن العلء أنه لم ير أطول منه‬


‫أخبرني الجوهري قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا نصر بن علي عن الصمعي قال‪ :‬حدثني أبو عمرو بن العلء قال‪:‬‬
‫‪.‬رأيت هلل بن أسعر ميتا ولم أره حيا‪ ،‬فما رأيت أحدا على سرير أطول منه‬

‫غنى مخارق الرشيد فأعتقه‬


‫أخبرني علي بن سليمان الخفش قال حدثني محمد بن يزيد قال حدثني بعض حاشية السلطان قال‪ :‬غنى إبراهيم الموصلي‬
‫‪:‬الرشيد يوما‬
‫زدت الفؤاد على علته وصبـا ‪-‬قال‪ :‬والصنعة فيه لرجل من أهل الكوفة‬ ‫ياريع سلمى لقد هيجت لي طربا‬
‫يقال له عزون ‪-‬فأعجب به الرشيد وطرب له واستعاده مرارا؛ فقال له الموصلي‪ :‬يا أمير المؤمنين فكيف لو سمعته من عبدك‬
‫‪:‬مخارق‪ ،‬فإن أخذه عني وهو يفضل فيه الخلق جميعا ويفضلني‪ ،‬فأمر بإحضار مخارق‪ ،‬فأحضر فقال له غنني‬
‫زدت الفؤاد على علته وصبـا فغناه إياه؛ فبكى وقال‪ :‬سل حاجتك قال‬ ‫ياريع سلمى لقد هيجت لي طربا‬
‫مخارق‪ :‬فقلت‪ :‬تعتقني ياأمير المؤمنينمن الرق وتشرفني بولئك‪ ،‬أعتقك الله من النار‪ ،‬قال‪ :‬أنت حر لوجه الله‪ ،‬أعد الصوت؛‬
‫قال‪ :‬فأعدته‪ ،‬فبكى وقال‪ :‬سل حاجتك‪ ،‬فقلت‪ :‬يأمر لي أمير المؤمنين بمنزل وفرشه ومايصلحه وخادم فيه؛ قال‪ :‬ذلك لك‪،‬‬
‫أعده؛ فأعدته فيكى وقال‪ :‬سل حاجتك؛ قلت‪ :‬حاجتي ياأمير المؤمنين أن يطيل الله بقاءك ويديم عزك زيجعلني من كل سوء‬
‫فداءك؛ قال‪ :‬فكان إبراهيم الموصلي سبب عتقه بهذا الصوت أخبرني بهذا الخبر محمد بن خلف وكيع قال حدثني هارون بن‬
‫‪:‬مخارق‪ ،‬وحدثني به الصولي أيضا عن وكيع عن هارون بن مخارق قال‪ :‬كان أبي إذا غنى هذا الصوت‬
‫زدت الفؤاد على علته وصبـا يقول‪ :‬أنا مولى هذا الصوت؛ فقلت له يوما‪:‬‬ ‫ياريع سلمى لقد هيجت لي طربا‬
‫ياأبت‪ ،‬وكيف ذلك? فقال‪ :‬غنيته مولي الرشيد فبكى وقال‪ :‬أحسنت‪ ،‬أعد فأعدت؛ فبكى وقال‪ :‬أحسنت أنت حر لوجه الله وأمر‬
‫‪.‬لي بخمسة آلف دينار‪ ،‬فأنا مولى هذا الصوت بعد مولي‪ ،‬وذكر قريبا مما ذكره المبرد من باقي الخبر‬
‫حدثني الحسن بن علي قال حدثنا ابن أبي الدنيا قال حدثني إسحاق النجعي عن حسين بن الضحاك عن مخارق‪ :‬أن الرشيد‬
‫‪:‬أقبل يوما على المغنين وهو مضطجع‪ ،‬فقال‪ :‬من منكم يغني‬
‫زدت الفؤاد على علته وصبـا قال‪ :‬فقمت فقلت‪ :‬أنا‪ ،‬فقال‪ :‬هاته؛ فغنيته‬ ‫ياريع سلمى لقد هيجت لي طربا‬
‫فطرب وشرب‪ ،‬ثم قال‪ :‬علي بهرثمة‪ ،‬فقلت في نفسي‪ :‬ماتراه يريد منه فجاءوا بهرثمة فأدخل إليه وهو يجر سيفه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ياهرثمة‪ ،‬مخارق الشاري الذي قتلناه بناحية الموصل ما كانت كنيته? فقال‪ :‬أبو المهنا؛ فقال‪ :‬انصرف فانصرف؛ ثم أقبل علي‬
‫‪.‬فقال‪ :‬قد كنيتك أبا المهنا لحسانك‪ ،‬وأمر لي بمائة ألف درهم‪ ،‬فانصرفت بها وبالكنية‬

‫صوت من المائة المختارة‬

‫من رواية جحظة عن أصحابه‬

‫إذا نظرت ومستمعا سميعا‬ ‫وخل كنت عين الرشد منه‬


‫وقلت له أرى أمرا فظيعا الشعر لعروة بن الورد‪ ،‬والغناء في اللحن المختار لسياط‬ ‫أطاف بغيه فعدلت عـنـه‬
‫‪.‬ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو بن بانة‪ .‬وفيه لبراهيم ماخوري بالوسطى عن عمرو أيضا‬

‫أخبار عروة بن الورد ونسبه‬


‫نسبه‪ ،‬شاعر جاهلي فارس جواد مشهور‬
‫عروة بن الورد بن زيد‪ ،‬وقيل‪ :‬ابن عمرو بن زيد بن عبد الله بن ناشب بن هريم بن لديم بن عوذ بن غالب بن قطيعة بن عبس‬
‫بن بغيض بن الريث بن غطفان بن سعد ين قيس بن عيلن بن مضر بن نزار‪ ،‬شاعر من شعراء الجاهلية وفارس من فرسانها‬
‫‪.‬وصعلوك من صعاليكها المعدودين المقدمين الجواد‬
‫كان يلقب بعروة الصعاليك وسبب ذلك‬
‫وكان يلقب عروة الصعاليك لجمعه إياهم وقيامه بأمرهم إذا أخفقوا في غزواتهم ولم يكن لهم معاش ول مغزى‪ ،‬وقيل‪ :‬بل‬
‫‪:‬لقب عروة الصعاليك لقوله‬
‫مصافي المشاش آلفا كل مجزر‬ ‫لحي الله صعلوكا إذا جن ليلـه‬
‫أصاب قراها من صديق ميسر‬ ‫يعد الغنى من دهره كـل لـيلة‬
‫كضوء شهاب القابس المتنـور شرف نسبه وتمنى الخلفاء أن يصاهروه‬ ‫ولله صعلوك صفيحة وجـهـه‬
‫‪:‬أو ينتسبوا إليه‬
‫‪:‬أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال بلغني أن معاوية قال‬

‫صفحة ‪268 :‬‬

‫‪.‬لو كان لعروة بن الورد ولد لحببت أن أتزوج إليهم‬


‫أخبرني محمد بن خلف قال حدثنا أحمد بن الهيثم بن فراس قال حدثني العمري عن الهيثم بن عدي‪ ،‬وحدثنا إبراهيم بن أيوب‬
‫عن عبد الله بن مسلم قل جميعا‪ :‬قال عبد الملك بن مروان‪ :‬ما يسرني أن أحدا من العرب ولدني ممن لم يلدني إل عروة بن‬
‫‪:‬الورد لقوله‬
‫وأنت امرؤ عافي إنائك واحـد‬ ‫إني امرؤ عافي إنـائي شـركة‬
‫بجسمي مس الحق والحق جاهد‬ ‫أتهزأ مني أن سمنت وأن تـرى‬
‫وأحسوا قراح الماء والماء بارد قال الحطيئة لعمر بن الخطاب‬ ‫أفرق جسمي في جسوم كثـيرة‬
‫‪:‬كنا نأتم في الحرب بشعره‬
‫أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثني عمر بن شبة قال‪ :‬بلغني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال للحطيئة‪ :‬كيف كنتم‬
‫في حربكم? قال‪ :‬كيف كنتم في حربكم? قال‪ :‬كنا ألف حازم‪ ،‬قال‪ :‬وكيف? قال‪ :‬كان فينا قيس بن زهير وكان حازما وكنا ل‬
‫‪.‬نعصيه‪ ،‬وكنا نقدم إقدام عنترة‪ ،‬ونأتم بشعر عروة بن الورد‪ ،‬وننقاد لمر الربيع بن زياد‬
‫قال عبد الملك إنه أجود من حاتم‬
‫أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال ويقال‪ :‬إن عبد الملك قال‪ :‬من زعم أن حاتما أسمح الناس فقد ظلم‬
‫‪.‬عروة بن الورد‬
‫منع عبد الله بن جعفر معلم ولده من أن يرويهم قصيدة له يحث فيها على الغتراب‪ :‬أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا‬
‫عمر بن شبة قال أخبرنا إبراهيم بن المنذر قال حدثنا معن بن عيسى قال‪ :‬سمعت أن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال‬
‫‪:‬لمعلم ولده‪ :‬ل تروهم قصيدة عروة بن الورد التي يقول فيها‬
‫رأيت الناس شرهم الفقير ويقول‪ :‬إن هذا يدعوهم إلى الغتراب عن أوطانهم خبر‬ ‫دعيني للغنى أسعى فإنـي‬
‫عروة مع سلمى‬
‫‪:‬سببته وفداء أهلها بها‬
‫أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني محمد بن يحيى قال حدثني عبد العزيز بن عمران‬
‫‪:‬الزهري عن عامر بن جابر قال‪ :‬أغار عروة بن الورد على مزينة فأصاب منهم امرأة من كنانة ناكحا‪ ،‬فاستاقها ورجع وهو يقول‬
‫وأبناء عوف في القرون الوائل‬ ‫تبغ عديا حيث حـلـت ديارهـا‬
‫بمنبطح الدغال من ذي السلئل ثم أقبل سائرا حتى نزل ببني النضير‪ ،‬فلما‬ ‫فإل أنل أوسا فإني حسـبـهـا‬
‫‪:‬رأوها أعجبتهم فسقوه الخمر‪ ،‬ثم استوهبوها منه قوهبها لهم‪ ،‬وكان ل يمس النساء‪ ،‬فلما أصبح وصحا ندم فقال‬
‫سقوني الخمر ثم تكنفوني البيات‪ :‬قال‪ :‬وجلها النبي صلى الله عليه وسلم مع من جل من بني النصير‬

‫صفحة ‪269 :‬‬

‫وذكر أبو عمرو الشيباني من خبر عروة بن الورد وسلمى هذه أنه أصاب امرأة من بني كنانة بكرا يقال لها أنها أرغب الناس‬
‫فيه‪ ،‬وهب تقول له‪ :‬لو حججت بي فأمر على أهلي وأراهم فحج بها‪ ،‬فأتى مكة ثم أتى المدينة‪ ،‬وكان يخالط من أهل يثرب بني‬
‫النضير فيقرضونه إن احتاج ويبايعهم إذا غنم‪ ،‬وكان قومها يخالطون بني النضير‪ ،‬فأتوهم وهو عندهم؛ فقالت لهم سلمى‪ :‬إنه‬
‫خارج بي قبل أن يخرج الشهر الحرام‪ ،‬فتعالوا إليه وأخبروه أنكم تستحيون أن نكون امرأة منكم معروفة النسب صحيحته سبية‬
‫‪ ،‬وافتدوني منه فإنه ل يرى أني أفارقه ول أختار عليه أحدا‪ ،‬فأتوه فسقوه الشراب‪ ،‬فلما ثمل قالوا له‪ :‬فادنا بصاحبتنا فإنها‬
‫وسيطة النسب فينا معروفة‪ ،‬وإن علينا سبة أن تكون سبية‪ ،‬فإذا صارت إلينا وأردت معاودتها فاخطبها إلينا فإننا ننكحك؛ فقال‬
‫لهم‪ :‬ذاك لكم‪ ،‬ولكن لي الشرط فيها أن تخيروها‪ ،‬فإن اختارتني انطلقت معي إلى ولدها وإن اختارتكم انطلقتم بها؛ قالوا‪ :‬ذاك‬
‫لك؛ قال‪ :‬دعوني أله بها الليلة وأفادها غدا‪ ،‬فلما كان الغد جاءوه فامتنع من فدائها؛ فقالوا له‪ :‬قد فاديتنا بها منذ البارحة‪ ،‬وشهد‬
‫عليه بذلك جماعة ممن حضر‪ ،‬فلم يقدر على المتناع وفاداها‪ ،‬فلما فادوه بها خيروها فاختارت أهلها‪ ،‬ثم أقبلت عليه فقالت‪:‬‬
‫ياعروة أما إني أقول فيك وإن فارقتك الحق‪ :‬والله ماأعلم امرأة من العرب ألقت سترها على بعل خير منك وأغض طرفا وأقل‬
‫فحشا وأجود يدا وأحمى لحقيقة؛ وما مر علي يوم منذ كنت عندك إل والموت فيه أحب إلي من الحياة بين قومك‪ ،‬لني لم أكن‬
‫أشاء أن أسمع امرأة من قومك تقول‪ :‬قالت أمة عروة كذا وكذا إل سمعته؛ ووالله ل أنظر في وجه غطفانية أبدا‪ ،‬فارجع راشدا‬
‫‪:‬إلى ولدك وأحسن إليهم‪ .‬فقال عروة في ذلك‬
‫‪:‬سقوني الخمر ثم كنفوني وأولها‬
‫لبرق من تهامة مستـطـير‬ ‫أرقت وصحبتي بمضيق عميق‬
‫إذا كانت مجاورة الـسـرير‬ ‫سقى سلمى وأين ديار سلمـى‬
‫وأهلي بـين إمـرة وكـير‬ ‫إذا حلت بأرض بني عـلـي‬
‫محل الحي أسفل من نـقـير‬ ‫ذكرت منازل مـن أم وهـب‬
‫معرسنا بدار نبي بني النضير‬ ‫وأحدث معهد مـن أم وهـب‬
‫إلى الصباح آثـر ذي أثـير‬ ‫وقالوا ما تشاء فقلت ألـهـو‬
‫بعيد النوم كالعنب العـصـير وأخبرني علي بن سليمان الخفش عن ثعلب عن‬ ‫بآنسة الحديث رضاب فـيهـا‬
‫ابن العرابي بهذه الحكاية كما ذكر أبو عمرو‪ ،‬وقال فيها‪ :‬إن قومها أغلوا بها الفداء‪ ،‬وكان معه طلق وجبار أخوه وابن عمه‪،‬‬
‫فقال له‪ :‬والله لئن قبلت ما أعطوك ل تفتقر أبدا‪ ،‬وأنت على النساء قادر متى شئت‪ ،‬وكان قد سكر فأجاب إلى فدائها‪ ،‬فلما‬
‫صحا ندم فشهدوا عليه بالفداء فلم يقدر على المتناع‪ .‬وجاءت سلمى تثني عليه فقالت‪ :‬والله إنك ما علمت لضحوك مقبل‬
‫كسوب مدبرا خفيف على متن الفرس ثقيل على العدو طويل العماد كثير الرماد راضي الهل والجانب‪ ،‬فاستوص ببنيك خيرا‪،‬‬
‫ثم فارقته‪ .‬فتزوجها رجل من بني عمها‪ ،‬فقال لها يوما من اليام‪ :‬يا سلمى‪ ،‬أثني علي كما أثنيت على عروة ‪-‬وقد كان قولها فيه‬
‫شهر‪-‬فقالت له‪ :‬ل تكلفني ذلك فإني إن قلت الحق غضبت ول واللت والعزى ل أكذب؛ فقال‪ :‬عزمت عليك لتأتيني في مجلس‬
‫قومي فلتثنين علي بما تعلمين‪ ،‬وخرج فجلس في ندي القوم‪ ،‬وأقبلت فرماها القوم والله إن شملتك للتحاف‪ ،‬وإن شربك‬
‫لستفاف‪ ،‬وإنك لتنام ليلة تخاف‪ ،‬وتشبع ليلة تضاف‪ ،‬وما ترضي الهل ول الجانب‪ ،‬ثم انصرفت‪ .‬فلمه قومه وقالوا‪ :‬ما كان‬
‫‪.‬أغناك عن هذا القول منها‬
‫كان يجمع الصعاليك ويكرمهم ويغير بهم‬
‫‪:‬أخبرني الخفش عن ثعلب عن ابن العرابي قال حدثني أبو فقعس قال‬

‫صفحة ‪270 :‬‬

‫كان عروة بن الورد إذا أصابت الناس سني شديدة تركوا في دارهم المريض والكبير والضعيف‪ ،‬وكان عروة بن الورد يجمع‬
‫أشباه هؤلء من دون الناس من عشيرته في الشدة ثم يحفر لهم السراب ويكنف عليهم الكنف ويكسبهم‪ ،‬ومن قوي منهم‪-‬إما‬
‫مريض يبرأ من مرضه‪ ،‬أو ضعيف تثوب قوته‪-‬خرج به معه فأغار‪ ،‬وجعل لصحابه الباقين في ذلك نصيبا‪ ،‬حتى إذا أخصب الناس‬
‫وألبنوا وذهبت السنة ألحق كل إنسان بأهله وقسم له نصيبه من غنيمة إن كانوا غنموها‪ ،‬فربما أتى النسان منهم أهله وقد‬
‫‪:‬استغنى‪ ،‬فلذلك سمي عروة الصعاليك‪ ،‬فقال في ذلك بعض السنين وقد ضاقت حاله‬
‫وشدي حيازيم المطية بالرحل‬ ‫لعل ارتيادي في البلد وبغيتي‬
‫يدافع عنها بالعقوق وبالبخل أغار مع جماعة من قومه على رجل‬ ‫سيدفعني يوما إلى رب هجمة‬
‫‪:‬فأخذ إبله وامرأته ثم اختلف معهم فهجاهم‬
‫فزعموا أن الله عز وجل قيض له وهو مع قوم من هلك عشيرته في شتاء شديد ناقتين دهماوين‪ ،‬فنحر لهم إحداهما وحمل‬
‫متاعهم وضعفاءهم على الخرى‪ ،‬وجعل ينتقل بهم من مكان إلى مكان‪ ،‬وكان بين النقرة والربذة فنزل بهم مابينهما بموضع‬
‫يقال له‪ :‬ماوان‪ .‬ثم إن الله عز وج قيض له رجل صاحب مائة من البل قد فر بها من حقوق قومه‪ -‬وذلك أول ما ألبن الناس‪-‬‬
‫فقتله وأخذ إبله وامرأته‪ ،‬وكانت من أحسن النساء‪ ،‬فأتى بالبل أصحاب الكنيف فحلبها لهم وحملهم عليها‪ ،‬حتى إذا دنوا من‬
‫عشيرتهم أقبل يقسمها بينهم وأخذ مثل نصيب أحدهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬ل واللت والعزى ل نرضى حتى نجعل المرأة نصيبا فمن شاء‬
‫أخذها‪ ،‬فجعل يهم بأن يحمل عليهم فيقتلهم وينتزع البل منهم‪ ،‬ثم يذكر أنهم صنيعته وأنه إن فعل ذلك أفسد ما كان يصنع‪،‬‬
‫فأفكر طويل ثم أجابهم إلى أن يرد عليهم البل إل راحلة يحمل عليها المرأة حتى يلحق بأهله‪ ،‬فأبوا ذلك عليه‪ ،‬حتى انتدب رجل‬
‫‪:‬منهم فجعل له راحلة من نصيبه؛ فقال عروة في ذلك قصيدته التي أولها‬
‫كما الناس لما أمرعوا وتمولوا‬ ‫أل إن أصحاب الكنيف وجدتهم‬
‫بماوان إذ نمشي وإذ نتملمـل‬ ‫وإني لمدفـوع إلـي ولؤهـم‬
‫له ماء عينيها تفدي وتحمـل‬ ‫وإني وإياهم كذي الم أرهنت‬
‫توحوح مما نالها وتـولـول‬ ‫فباتت بحد المرفقين كليهـمـا‬
‫هو الثكل إل أنها قد تجـمـل سبي ليلى بنت شعواء ثم اختارت أهلها فقال شعرا‪:‬‬ ‫تخير من أمرين ليسا بغبـطة‬
‫وقال ابن العرابي في هذه الرواية أيضا‪ :‬كان عروة قد سبى امرأة من بني هلل بن عامر بن صعصعة يقال لها‪ :‬ليلى بنت‬
‫شعواء‪ ،‬فمكثت عنده زمانا وهي معجبة له تريه أنها تحبه‪ ،‬ثم استزارته أهلها فحملها حتى أتاهم بها‪ ،‬فلما أراد الرجوع أبت أن‬
‫ترجع معه‪ ،‬وتوعده قومها بالقتل فانصرف عنهم‪ ،‬وأقبل عليها فقال لها‪ :‬يا ليلى‪ ،‬خبري صواحبك عني كيف أنا؛ فقالت‪ :‬ما أرى‬
‫‪:‬لك عقل أتراني قد اخترت عليك وتقول‪ :‬خبري عني فقال في ذلك‬
‫وأنت عليها بالمل كنت أقـدر‬ ‫تحن إلى ليلى بجـو بـلدهـا‬
‫وقد جاوزت حيا بتيماء منكرا‬ ‫وكيف ترجيها وقد حيل دونهـا‬
‫علي بما جشمتني يوم غضورا وهي طويلة‪ .‬قال‪ :‬ثم إن بني عامر أخذوا امرأة‬ ‫لعلك يوما أن تسـري نـدامة‬
‫من بني عبس ثم من بني سكين يقال لها أسماء‪ ،‬فما لبثت عندهم إل يوما حتى استنقذها قومها؛ فبلغ عروة أن عامر بن‬
‫‪:‬الطفيل فخر بذلك وذكر أخذه إياها‪ ،‬فقال عروة يعيرهم بأخذه ليلى بنت شعواء الهللية‬
‫فمأخذ ليلى وهي عذراء أعجب‬ ‫إن تأخذوا أسماء موقـف سـاعة‬
‫وردت إلى شعواء والرأس أشيب‬ ‫لبسنا زمانا حسنها وشـبـابـهـا‬
‫غداة اللوي معصوية يتصـبـب خرج ليغير فمنعته امرأته فعصاها وقال في ذلك‬ ‫كمأخذنا حسناء كرها ودمعـهـا‬
‫‪:‬شعرا‪ :‬إغاثته لعبس في مجاعتهم وقال ابن العرابي‬

‫صفحة ‪271 :‬‬

‫أجدب ناس من بين عبس في سنة أصابتهم فأهلكت أموالهم وأصابهم جوع شديد وبؤس‪ ،‬فأتوا عروة بن الورد فجلسوا أمام‬
‫بيته‪ ،‬فلما بصروا به صرخوا وقالوا‪ :‬يا أبا الصعاليك‪ ،‬أغثنا؛ فرق لهم وخرج ليغزو بهم ويصيب معاشا‪ ،‬فنهته امرأته عن ذلك لما‬
‫تخوفت عليه من الهلك‪ ،‬فعصاها وخرج غازيا‪ ،‬فمر بمالك بن حمار الفزاري ثم الشمخي؛ فسأله‪ :‬أين يريد? فأخبره‪ ،‬فأمر له‬
‫بجزور فنحرها فأكلوا منها؛ وأشار عليه مالك أن يرجع‪ ،‬فعصاه ومضى حتى انتهى إلى بلد بين القين‪ ،‬فأغار عليهم فأصاب هجمة‬
‫‪:‬عاد بها على نفسه وأصحابه؛ وقال في ذلك‬
‫تخوفني العداء والنفس أخوف‬ ‫أرى أم حسان الغداة تلومـنـي‬
‫ولم تدر أنى للمقـام أطـوف‬ ‫تقول سليمى لو أقمت لسـرنـا‬
‫يصادفه في أهله المتخـلـف وهي طويلة‪ :‬وقال في ذلك أيضا‬ ‫‪:‬لعل الذي خوفتنا من أمامـنـا‬
‫فيشمت أعدائي ويسأمني أهلي‬ ‫أليس ورائي أن أدب على العصا‬
‫يطيف بي الولدان أهدح كالرأل‬ ‫رهينة قعر البيت كل عـشـية‬
‫فكل منايا النفس خير من الهزل‬ ‫أقيموا بين لبني صدور ركابكـم‬
‫ولأربى حتى تروا منبت الثل‬ ‫فإنكم لن تبلغوا كل هـمـتـي‬
‫وشدي حيازيم المطية بالرحـل‬ ‫لعل ارتيادي في البلد وحيلتـي‬
‫يدافع عنها بالعقوق وبالبـخـل قصته مع هزلي أغار على فرسه‬ ‫سيدفعني يوما إلى رب هجـمة‬

‫صفحة ‪272 :‬‬

‫نسخت من كتاب أحمد بن القاسم بن يوسف قال حدثني حر بن قطن أن ثمامة بن الوليد دخل على المنصور؛ فقال‪ :‬يا‬
‫ثمامة‪ ،‬أتحفظ حديث ابن عمك عروة الصعاليك بن الورد العبسي? فقال‪ :‬أي حديثه يا أمير المؤمنين? فقد كان كثير الحديث‬
‫حسنه؛ قال‪ :‬حديثه مع الهذلي الذي أخذ فرسه؛ قال‪ :‬ما يحضرني ذلك فأرويه يا أمير المؤمنين؛ فقال المنصور‪ :‬خرج عروة حتى‬
‫دنا من منازل هذيل فكان منها على نحو ميلين وقد جاع فإذا هو بأرنب فرماها ثم أورى نارا فشواها وأكلها ودفن النار على‬
‫مقدار ثلث أذرع وقد ذهب الليل وغارت النجوم‪ ،‬ثم أتى سرحة فصعدها وتخوف الطلب‪ ،‬فلما تغيب فيها إذ الخيل قد جاءت‬
‫وتخوفوا البيات‪ .‬قال‪ :‬فجاءت جماعة منهم ومعهم رجل على فرس فجاء حتى ركز رمحه في موضع النار وقال‪ :‬لقد رأيت النار‬
‫هاهنا؛ فنزل رجل فحفر قدر ذراع فلم يجد شيئا‪ ،‬فأكب القوم على الرجل يعذلونه ويعيبون أمره ويقولون‪ :‬عنيتنا في مثل هذه‬
‫الليلة القرة وزعمت لنا شيئا كذبت فيه؛ فقال‪ :‬ما كذبت‪ ،‬ولقد رأيت النار في موضع رمحي؛ فقالوا‪ :‬ما رأيت شيئا ولكن‬
‫تحذلقك وتدهيك هو الذي حملك على هذا‪ ،‬وما نعجب إل لنفسنا حين أطعنا أمرك واتبعناك؛ ولم يزالوا بالرجل حتى رجع عن‬
‫قوله لهم‪ .‬واتبعهم عروة‪ ،‬حتى إذا وردوا منازلهم جاء عروة فتمكن في كسر بيت؛ وجاء الرجل إلى امرأته وقد خالفه إليها عبد‬
‫أسود‪ ،‬وعرة ينظر‪ ،‬فأتاها العبد بعلبة فيها لبن فقال‪ :‬اشربي؛ فقالت ل‪ ،‬أو تبدأ‪ ،‬فبدأ السود فشرب؛ فقالت للرجل حين جاء‪:‬‬
‫لعن الله صلفك عنيت قومك منذ الليلة؛ قال‪ :‬لقد رأيت نارا‪ ،‬ثم دعا بالعلبة ليشرب‪ ،‬فقال حين ذهب ليكرع‪ :‬ريح رجل ورب‬
‫الكعبة فقالت امرأته‪ :‬وهذه أخرى‪ ،‬أي ريح رجل تجده في إنائك غير ريحك ثم صاحت‪ ،‬فجاء قومها فأخبرتهم خبره‪ ،‬فقالت‪:‬‬
‫يتهمني ويظن بي الظنون فأقبلوا عليه باللوم حتى رجع عن قوله؛ فقال عروة‪ :‬هذه ثانية‪ .‬قال ثم أوى الرجل إلى فراشه‪،‬‬
‫فوثب عروة إلى الفرس وهو يريد أن يذهب به‪ ،‬فضرب الفرس بيده وتحرك‪ ،‬فرجع عروة إلى موضعه‪ ،‬ووثب الرجل فقال‪ :‬ما‬
‫كنت لتكذبيني فمالك? فأقبلت عليه امرأته لوما وعدل‪ .‬قال‪ :‬فصنع عروة ذلك ثلثا وصنعه الرجل‪ ،‬ثم أوى الرجل إلى فراشه‬
‫وضجر من كثرة ما يقوم‪ ،‬فقال‪ :‬ل أقوم إليك الليلة؛ وأتاه عروة فحال في متنه وخرج ركضا‪ ،‬وركب الرجل فرسا عنده أنثى‪.‬‬
‫قال عروة‪ :‬فجعلت أسمعه خلفي يقول‪ :‬الحقي فإنك من نسله‪ .‬فلما انقطع عن البيوت‪ ،‬قال له عروة قال له عروة بن الورد‪:‬‬
‫أيها الرجل قف‪ ،‬فإنك لو عرفتني لم تقدم علي‪ ،‬أنا عروة بن الورد‪ ،‬وقد رأيت الليلة منك عجبا‪ ،‬فأخبرني به وأرد إليك فرسك؛‬
‫قال‪ :‬وما هو? قال‪ :‬جئت مع قومك حتى ركزت رمحك في موضع نار قد كنت أوقدتها فثنوك عن ذلك فانثنيت وقد صدقت‪ ،‬ثم‬
‫اتبعتك حتى أتيت منزلك وبينك وبين النار ميلن فأبصرتها منهما‪ ،‬ثم شممت رائحة رجل في إنائك‪ ،‬وقد رأيت الرجل حين آثرته‬
‫زوجتك بالناء‪ ،‬وهو عبدك السود وأظن أن بينهما مال تحب‪ ،‬فقلت‪ :‬ريح رجل؛ فلم تزل تثنيك عن ذلك حتى انثنيت‪ ،‬ثم خرجت‬
‫إلى فرسك فأردته فاضطرب وتحرك فخرجت إليه‪ ،‬ثم خرجت وخرجت‪ ،‬ثم أضربت عنه‪ ،‬فرأيتك في هذه الخصال أكمل الناس‬
‫ولكنك تنثني وترجع؛ فضحك وقال‪ :‬ذلك لخوال السوء‪ ،‬والذي رأيت من صرامتي فمن قبل أعمامي وهم هذيل‪ ،‬وما رأيت من‬
‫كعاعتي فمن قبل أخوالي وهم بطن من خزاعة والمرأة التي رأيت عندي امرأة منهم وأنا نازل فيهم‪ ،‬فذلك التي رأيت عندي‬
‫امرأة منهم وأنا نازل فيهم‪ ،‬فذلك الذي يثنيني عن أشياء كثيرة‪ ،‬وأنا لحق بقومي وخارج عن أخوالي هؤلء ومخل سبيل المرأة‪،‬‬
‫ولول ما رأيت من كعاعتي لم يقو على مناوأة قومي أحد من العرب‪ .‬فقال عروة‪ :‬خذ فرسك راشدا؛ قال‪ :‬ما كنت لخذه منك‬
‫وعندي من نسله جماعة مثله‪ ،‬فخذه مباركا لك فيه‪ .‬قال ثمامة‪ :‬إن له عندنا أحاديث كثيرة ما سمعنا له بحديث هو أظرف من‬
‫‪.‬هذا‬
‫قصة غزوان لماوان وحديثه مع غلم تبين بعد أنه ابنه‪ :‬قال المنصور‪ :‬أفل أحدثك له بحديث هو أظرف من هذا? قال‪ :‬بلى يا‬
‫أمير المؤمنين‪ ،‬فإن الحديث إذا جاء منك كان له فضل على غيره؛ قال‪ :‬خرج عروة وأصحابه حتى أتى ماوان فنزل أصحابه‬
‫‪:‬وكنف عليهم كنيفا من الشجر‪ ،‬وهم أصحاب الكنيف الذي سمعته قال فيهم‬
‫كما الناس لما أمرعوا وتمولوا‬ ‫أل إن أصحاب الكنيف وجدتهم‬

‫صفحة ‪273 :‬‬

‫‪:‬وفي هذه الغزاة يقول عروة‬


‫عشية قلنا حول ماوان رزح وفي هذه القصيدة يقول‬ ‫‪:‬أقول لقوم في الكنيف تروحوا‬
‫وملغ نفس عذرها مثل منجح ثم مضى يبتغي لهم شيئا وقد جهدوا‪ ،‬فإذا هو‬ ‫ليبلغ عذرا أو يصيب غنـيمة‬
‫بأبيات شعر وبامرأة قد خل من سنها وشيخ كبير كالحقاء الملقى‪ ،‬فكمن في كسر بيت منها‪ ،‬وقد أجدب الناس وهلكت الماشية‪،‬‬
‫فإذا هو في البيت بسحور ثلثة مشوية ‪ -‬فقال ثمامة‪ :‬ومالسحور? قال‪ :‬الحلقوم بما فيه‪ -‬والبيت خال فأكلها‪ ،‬وقد مكث قبل‬
‫ذلك يومين ل يأكل شيئا فأشبعته وقوي‪ ،‬فقال‪ :‬ل أبالي من لقيت بعد هذا‪ .‬ونظرت المرأة فظنت أن الكلب أكلها فقالت للكلب‪:‬‬
‫أفعلتها ياخبيث وطردته‪ .‬فإنه لكذلك إذا هو عند المساء بإبل قد ملت الفق وإذا هي تلتفت فرقا‪ ،‬فعلم أن راعيها جلد شديد‬
‫الضرب لها‪ ،‬فلما أتت المناخ بركت‪ ،‬ومكث الراعي قليل ثم أتى ناقة منها فمرى أخلقها‪ ،‬ثم وضع العلبة على ركبتيه وحلب‬
‫حتى ملها‪ ،‬ثم أتى الشيخ فسقاه‪ ،‬ثم أتى ناقة أخرى ففعل بها ذلك وسقى العجوز‪ ،‬ثم أتى أخرى ففعل بها كذلك فشرب هو‪،‬‬
‫ثم التفع بثوب واضطجع ناحية‪ ،‬فقال الشيخ للمرأة وأعجبه ذلك‪ :‬كيف ترين ابني? فقالت‪ :‬ليس بابنك قال‪ :‬فابن من ويلك?‬
‫قالت‪ :‬ابن عروة بن الورد‪ ،‬قال‪ :‬ومن أين? قالت‪ :‬أتذكر يوم مر بنا يريد سوق ذي المجاز فقلت‪ :‬هذا عروة بن الورد‪ ،‬ووصفته‬
‫لي بجلد فإني استطرفته‪ .‬قال‪ :‬فسكت‪ ،‬حتى إذا نوم وثب عروة وصاح بالبل فاقتطع منها نحوا من النصف ومضى ورجا أل‬
‫يتبعه الغلم‪ -‬وهو غلم حين بدا شاربه‪-‬فاتبعه‪ .‬قال‪ :‬فاتخذا وعالجه‪ ،‬قال‪ :‬فضرب به الرض فيقع قائما‪ ،‬فتخوفه على نفسه‪ ،‬ثم‬
‫واثبه فضرب به وبادره‪ ،‬فقال‪ :‬إني عروة بن الورد‪ ،‬وهو يريد أن يعجزه عن نفسه‪ .‬قال‪ :‬فارتدع‪ ،‬ثم قال مالك ويلك لست ينهاك‬
‫عن شيء‪ ،‬قال‪ :‬الذي بقي من عمر الشيخ قليل‪ ،‬وأنا مقيم معه مابقي‪ ،‬فإن له حقا وذماما‪ ،‬فإذا هلك فما أسرعني إليك‪ ،‬وخذ‬
‫من هذا البل بعيرا؛ قلت‪ :‬ل يكفيني‪ ،‬إن معي أصحابي قد خلفتهم؛ قال‪ :‬فثانيا‪ ،‬قلت ل؛ قال‪ :‬فثالثا‪ ،‬والله لزدتك على ذلك‪.‬‬
‫فأخذها ومضى إلى أصحابه‪ ،‬ثم إن الغلم لحق به بعد هلك الشيخ‪ .‬قال‪ :‬والله يا أمير المؤمنين لقد زينته عندنا وعظمته في‬
‫قلوبنا؛ قال‪ :‬فهل أعقب عنكم? قال ل‪ ،‬ولقد كنا نتشاءم بأبيه‪ ،‬لنه هو الذي وقع الحرب بين عبس وفزاره بمراهنته حذيفة‪ ،‬ولقد‬
‫بلغني أنه كان له ابن أسن من عروة فكان يؤثره على عروة فيما يعطيه ويقربه‪ ،‬فقيل له‪ :‬أتؤثر الكبر مع غناه عنك على‬
‫‪.‬الصغر مع ضعفه قال‪ :‬أترون هذا الصغر لئن بقي مع ما رأى من شدة نفسه ليصبرن الكير عيال عليه‬

‫صوت من المائة المختارة‬

‫فخالني دونه بل خلته دوني‬ ‫أزرى بنا أننا شالت نعامتنـا‬


‫لم أبك منك على دنيا ولدين الشعر لذي الصبع العدواني‪ ،‬والغناء لفيل مولى‬ ‫فإن تصبك من اليام جائحة‬
‫العبلت هزج خفيف بإطلق الوتر في مجرى البنصر‪ .‬معنى قوله أزرى بنا‪ :‬قصر بنا‪ ،‬يقال‪ :‬زريت عليه إذا عبت عليه فعله‪،‬‬
‫وأزريت به إذا قصرت به في شيء‪ .‬وشالت نعامتهم إذا انتقلوا بكليتهم‪ ،‬يقال‪ :‬شالت نعامتهم‪ ،‬وزف رألهم‪ ،‬إذا انتقلوا عن‬
‫لموضع فلم يبق فيه منهم أحد ولم يبق لهم فيه شيء‪ .‬وخالني‪ :‬ظنني‪ ،‬يقال‪ :‬خلت كذا وكذا فأنا أخاله إذ ظننته‪ .‬والجائحة‪:‬‬
‫‪.‬النازلة التي تحتاج ولتبقى على ما نزلت به‬
‫ذكر ذي الصبع العدواني ونسبه وخبره‬
‫نسبه وهو شاعر فارس جاهلي‬
‫هو حرثان بن الحارث بن محرث بن ثعلبة بن سيار بن ربيعة بن هبيرة بن ثعلبة بن ظرب بن عمرو بن عباد بن يشكر بن‬
‫عدوان بن عمرو بن سعد بن قيس بن عيلن بن مضر بن نزار‪ ،‬أحد بني عدوان وهم بظن من جديلة‪ .‬شارع فارس من قدماء‬
‫الشعراء في الجاهلية وله غارات كثيرة على العرب ووقائع مشهورة فنيت عدوان فرثاها‬
‫أخبرنا محمد بن خلف وكيع وابن عمار والسدي‪ ،‬قالوا حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثنا أبو عثمان المازني عن‬
‫الصمعي قال‪ :‬نزلت عدوان على ماء فأحصوا فيهم سبعين ألف غلم أغرل سوى من كان مختونا لكثرة عددهم‪ ،‬ثم وقع بأسهم‬
‫بينهم فتفانوا فقال ذو الصبع‪ :‬صوت‬

‫ن كانوا حية الرض‬ ‫عذير الحي من عدوا‬

‫صفحة ‪274 :‬‬

‫فلم يبقوا على بعـض‬ ‫بغى بعضهم بعـضـا‬


‫برفع القول والخفض‬ ‫فقد صـاروا أحـاديث‬
‫ت والموفون بالقرض‬ ‫ومنهم كانت الـسـادا‬
‫س بالسنة والفـرض‬ ‫ومنهم من يجيز الـنـا‬
‫فل ينقض ما يقضي وأما قول ذي الصبع‬ ‫ومنهم حكم يقـضـي‬
‫‪.‬ومنهم حكم يقضي فإنه يعني عامر بن الظرب العدواني‪ ،‬كان حكما للعرب تحتكم إليه‬
‫من قرعت له العصا‪ :‬حدثنا محمد بن العباس اليزيدي عن محمد بن حبيب قال‪ :‬قيس تدعى هذه الحكومة وتقول‪ :‬إن عامر بن‬
‫الظرب العدواني هو الحكم وهو الذي كانت العصا تقرع له‪ ،‬وكان قد كبر فقال له الثاني من ولده‪ :‬إنك ربما أخطأت في الحكم‬
‫فيحمل عنك؛ قال‪ :‬فاجعلوا لي أمارة أعرفها فإذا زغت فسمعتها رجعت إلى الحكم والصواب‪ ،‬فكان يجلس قدام بيته ويقعد ابنه‬
‫‪:‬في البيت ومعه العصا‪ ،‬فإذا زاغ أو هفا قرع له الجفنة فرجع إلى الصواب‪ .‬وفي ذلك يقول المتلمس‬
‫وماعلم النسان إل لـيعـلـمـا قال ابن حبيب‪ :‬وربيعه تدعيه لعبد الله بن‬ ‫لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا‬
‫عمرو بن الحارث بن همام‪ .‬واليمن تدعيه لربيعة بن مخاشن‪ ،‬وهو ذو العواد‪ ،‬وهو أول من جلس على منبر أو سرير وتكلم‪،‬؛‬
‫‪:‬وفيه يقول السود بن يعفر‬
‫أن السبيل سبيل ذي العواد أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي أبو دلف قال‬ ‫ولقد علمت لوأن علمي نافعي‬
‫أهبرنا الرياشي قال حدثنا الصمعي قال‪ :‬زعم أبو عمر بن العلء أنه ارتحلت عدوان من منزل‪ ،‬فعد فيهم أربعون ألف غلم‬
‫‪.‬أقلف‪ .‬قال الرياشي وأخبرني رجل عن هشام بن الكلبي قال‪ :‬وقع على إياد البق فأصاب كل رجل منهم بقتان‬
‫استعراض عبد الملك أحياء العرب‬
‫‪:‬وسؤاله عن ذي الصبع‬
‫أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني يعقوب بن نعيم قال حدثنا أحمد بن عبيد أبو عصيدة قال أخبرني محمد بن زياد‬
‫الزيادي‪ ،‬وأخبرني به أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثني عمر بن شبة ولم يسنده إلى أحد وروايته أتم‪ :‬أن عبد الملك بن‬
‫مروان لما قدم الكوفة بعد قتله مصعب بن الزبير جلس لعرض أحياء العرب‪-‬وقال عمر بن شبة‪ :‬إن مصعب بن الزبير كان‬
‫صاحب هذه القصة‪ -‬فقام إليه معبد بن خالد الجدلي‪ ،‬وكان قصيرا دميما‪ ،‬فتقدمه إليه رجل منا حسن الهيئة؛ قال معبد‪ :‬فنظر‬
‫عبد الملك إلى الرجل وقال‪ :‬ممن أنت? فسكت ولم يقل شيئا وكان منا‪ ،‬فقلت من خلف‪ :‬نحن يا أمير المؤمنين من جديلة؛‬
‫فأقبل على الرجل وتركني? فسكت ولم يقل شيئا وكان منا‪ ،‬فقلت من خلفه‪ :‬نحن يا أمير المؤمنين منجديلة؛ فأقبل على‬
‫الرجل وتركني‪ ،‬فقال‪ :‬من أيكم ذو الصبع? قال الرجل‪ :‬ل أدري؛ فقلت‪ :‬نهشته حية في إصبعه فيبست؛ فأقبل على الرجل‬
‫وتركني‪ ،‬فقال‪ :‬وبم كان يسمى قبل ذلك? قال الرجل‪ :‬ل أدري؛ قلت‪ :‬كان يسمى حرثان؛ فأقبل على الرجل وتركني‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫‪:‬من أي عدوان كان? فقلت من خلفه‪ :‬من بني ناج الذين يقول فيهم الشاعر‬
‫ولتتبعن عينيك ما كان هالكا‬ ‫وأما بنو ناج فل تذكرنـهـم‬
‫يقول وهيب ل أسالم ذلكـا وروى عمر بن شبة‪ :‬لأسلم‬ ‫إذا قلت معروفا لصلح بينهم‬
‫يدب إلى العداء أحدب باركـا فأقبل على الرجل وتركني وقال أنشدني‬ ‫فأضحى كظهر الفحل جب سنامه‬
‫‪:‬قوله‬
‫عذير الحي من عدوان قال الرجل‪ :‬لست أرويها؛ قلت يا أمير المؤمنين إن شئت أنشدتك؛ قال‪ :‬ادن مني‪ ،‬فإني أراك بقومك‬
‫‪:‬عالما؛ فأنشدته‬
‫من البرام والنقـص‬ ‫وليس المرء في شيء‬
‫له يقضي وما يقضي‬ ‫إذا أبـرم أمـرا خـا‬
‫ول يملك ما يمضـي‬ ‫يقول اليوم أمـضـيه‬
‫ن كانوا حية الرض‬ ‫عذير الحي من عـدوا‬
‫فلم يبقوا على بعـض‬ ‫بغى بعضهم بعـضـا‬
‫برفع القول والخفض‬ ‫فقد صـاروا أحـاديث‬
‫ت والموفون بالقرض‬ ‫ومنهم كانت الـسـادا‬
‫فل ينقض ما يقضي‬ ‫ومنهم حكم يقـضـي‬
‫س بالسنة والفـرض‬ ‫ومنهم من يجيز الـنـا‬
‫بسر الحسب المحض‬ ‫وهم من ولدوا أشبـوا‬

‫صفحة ‪275 :‬‬

‫ر ذو الطول وذو العرض‬ ‫ومـمـن ولـدوا عــام‬


‫ر لذل ولخـفـــض فأقبل على الرجل وتركني وقال‪ :‬كم عطاؤك? فقال‪ :‬ألفان‪ ،‬فأقبل‬ ‫وهـم بـووا ثـقـيفـا دا‬
‫‪.‬علي فقال‪ :‬كم عطاؤك? فقلت‪ :‬خمسمائة؛ فأقبل على كاتبه وقال‪ :‬اجعل اللفين لهذا والخمسمائة لهذا؛ فانصرفت بها‬
‫وقوله‪ :‬ومنهم من يجيز الناس فإن إجازة الحج كانت لخزاعة فأخذتها منهم عدوان فصارت إلى رجل منهم يقال له أبو سيارة‬
‫‪:‬أحد بني وابش بن يزيد بن عدوان وله يقول الراجز‬
‫وعن مواليه بن فـزاره‬ ‫خلوا السبيل عن أبي سيارة‬
‫مستقبل الكعبة يدعو جاره قال‪ :‬وكان أبو سيارة يجيز الناس في الحج بأن يتقدمهم‬ ‫حتى يجيز سالما حمـاره‬
‫على حمار‪ ،‬ثم يخطبهم فيقول‪ :‬اللهم أصلح بين نسائنا‪ ،‬وعاد بين رعائنا‪ ،‬واجعل المال في سمحائنا‪ ،‬أوفوا بعهدكم‪ ،‬وأكرموا‬
‫جاركم‪ ،‬واقروا ضيفكم‪ ،‬ثم يقول‪ :‬أشرق ثبير كما نغير‪ ،‬وكانت هذه إجازته‪ ،‬ثم ينفر ويتبعه الناس‪ .‬ذكر ذلك أبو عمرو الشيباني‬
‫‪.‬والكلبي وغيرهما‬
‫قصته مع بناته الربع وقد أردن الزواج‬
‫أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو بكر العليمي قال حدثنا محمد بن داود الهشامي‬
‫قال‪ :‬كان لذي الصبع أربع بنات وكن يخطبن إليه فيعرض ذلك عليهن فيستحين ول يزوجهن‪ ،‬وكانت أمهن تقول‪ :‬لو زوجتهن فل‬
‫‪:‬يفعل‪ .‬قال‪ :‬فخرج ليلة إلى متحدث لهن فاستمع عليهن وهن ل يعلمن فقلن‪ :‬تعالين نتمنى ولنصدق‪ ،‬فقالت الكبرى‬
‫حديث الشباب طيب الريح والعطر‬ ‫أل ليت زوجي من أناس ذوي غنى‬
‫خليفة جان لينـام عـلـى وتـر فقلن لها‪ :‬أنت تحبين رجل ليس من قومك‪ .‬فقالت‬ ‫طبيب بأدواء الـنـسـاء كـأنـه‬
‫‪:‬الثانية‬
‫أشم كنصل السيف غير مـبـلـد‬ ‫أل هل أراها ليلة وضـجـيعـهـا‬
‫إذا ما انتمى من سر أهلي ومحتدي فقلن لها‪ :‬أنت تحبين رجل من قومك‪.‬‬ ‫لصوق بأكباد النـسـاء وأصـلـه‬
‫‪:‬فقالت الثالثة‬
‫له جفنة يشقى بها النيب والجـزر‬ ‫أل ليته يمل الجفـان لـضـيفـه‬
‫تشين ول الفاني ول الضرع الغمر فقلن لها‪ :‬أنت تحبين رجل شريفا‪ .‬وقلن‬ ‫له حكمات الدهر من غير كبـرة‬
‫للصغرى‪ :‬تمني؛ فقالت‪ :‬ماأريد شيئا؛ قلن‪ :‬والله لتبرجين حتى نعلم ما في نفسك؛ قالت‪ :‬زوج من عود خير من قعود‪ .‬فلما‬
‫سمع ذلك أبوهن زوجهن أربعتهن‪ .‬فمكثن برهة ثم اجتمعن إليه‪ ،‬فقال للكبرى‪ :‬يا بنية‪ ،‬ما مالكم? قالت‪ :‬البل؛ قال‪ :‬فكيف‬
‫تجدونها? قالت‪ :‬خير مال‪ ،‬نأكل لحومها مزعا‪ ،‬ونشرب ألبانها جرعا‪ ،‬وتحملنا وضيفنا معا؛ قال‪ :‬فكيف تجدين زوجك? قالت‪ :‬خير‬
‫زوج يكرم الحليلة‪ ،‬ويعطي الوسيلة؛ قال‪ :‬فكيف تجدين زوجك? قالت‪ :‬خير زوج يكرم الحليلة‪ ،‬ويعطي الوسيلة؛ قال‪ :‬مال عميم‬
‫وزوج كريم‪ .‬ثم قال للثانية‪ :‬يا بنية ما مالكم? قالت‪ :‬البقر؛ قال‪ :‬فكيف تجدونها؛ قالت‪ :‬خير مال‪ ،‬تألف الفناء‪ ،‬وتودك السقاء‪،‬‬
‫وتمل الناء‪ ،‬ونساء في نساء؛ قال‪ :‬فكيف تجدين زوجك? قالت‪ :‬خير زوج يكرم أهله وينسى فضله؛ قال‪ :‬حظيت ورضيت‪ .‬ثم‬
‫قال للثالثة‪ :‬ما مالكم? قالت‪ :‬المغزى؛ قال‪ :‬فكيف تجدونها? قالت‪ :‬لبأس بها نولدها فطما‪ ،‬ونسلخها أدما؛ قال‪ :‬فكيف تجدين‬
‫زوجك? قالت‪ :‬لبأس به ليس بالبخيل الحكر ول بالسمح البذر‪ ،‬قال‪ :‬جدوى مغنية‪ .‬ثم قال للرابعة‪ :‬يا بنية‪ ،‬مالكم? قالت‪:‬‬
‫الضأن؛ قال‪ :‬وكيف تجدونها? قالت‪ :‬شر مال‪ ،‬جوف ل يشبعن‪ ،‬وهيم لينقعن‪ ،‬وصم ليسمعن‪ ،‬وأمر مغويتهن يتبعن؛ قال‪ :‬فكيف‬
‫‪ .‬تجدين زوجك? قالت‪ :‬شر زوج‪ ،‬يكرم نفسه ويهين عرسه؛ قال‪ :‬أشبه أمرأ بعض بزه‬
‫وذكر الحسن بن عليل العنزي في خبر عدوان الذي رواه عن أبي عمرو بن العلء أنه ل يصح من أبيات ذي الصبع الضادية إل‬
‫‪.‬البيات التي أنشدها وأن سائرها منحول‬
‫خرف واهترأ وقال في ذلك شعرا‬
‫أخبرني عمي قال حدثني محمد بن عبد الله الحزنبل قال حدثني عمرو بن أبي عمرو الشيباني عن أبيه قال‪ :‬عمر ذو الصبع‬
‫‪:‬العدواني عمرا طويل حتى خرف وأهتر وكان يفرق ماله‪ ،‬فعذله أصهاره ولموه وأخذوا على يده؛ فقال في ذلك‬
‫والدهر يعدو مصمما جذعا‬ ‫أهلكنا الليل والنهار مـعـا‬

‫صفحة ‪276 :‬‬

‫إن كنت شيبا أنكرت أو صلعا‬ ‫فليس فيما أصابني عـجـب‬


‫ماء شبابي تخالـه شـرعـا‬ ‫وكنت إذ رونق الشبـاب بـه‬
‫حتى مضى شأو ذاك فانقشعا‬ ‫والحي فيه الفتاة ترمـقـنـي‬
‫صوت‬

‫لومي ومهما أضق فلن تسعا‬ ‫إنكما صاحبـي لـم تـدعـا‬


‫أشتم صديقا ولم أنل طبعـا‬ ‫لم تعقل جفوة علـي ولـم‬
‫أملك أن تكذبا وأن تـلـعـا لبن سريح في هذه البيات لحنان‪ :‬أحدهما ثاني ثقيل‬ ‫إل بأن تكذبـا عـلـي ومـا‬
‫‪.‬بالسبابة والبنصر عن يحيى المكي‪ ،‬والخر ثقيل أول عن الهشامي‬

‫ياصاحبي الغداة فآستـمـعـا‬ ‫وإنني سوف أبتـدي بـنـدى‬


‫هل كنت فيمن أراب أو خدعا‬ ‫ثم سل جارتي وكـنـتـهـا‬
‫تأمن من حليلتي الفـجـعـا‬ ‫أو دعتاني فلم أجب‪ ،‬ولـقـد‬
‫ماربه بعد هـدأة هـجـعـا‬ ‫آبى فل أقرب الـخـبـاء إذا‬
‫إن نام عنها الحليل أو شسعـا‬ ‫ول أروم الفـتـاة زورتـهـا‬
‫والدهر ياي على الفتى لمعـا‬ ‫وذاك في حقبة خلت ومضت‬
‫أفل ثقيل نكـسـا ولورعـا‬ ‫إن تزعما أنني كبرت فـلـم‬
‫سعد فقد أحمل السلح معـا أبو سعد‪ :‬ابنه‪ ،‬ورميح‪ :‬عصا كانت لبنه يلعب بها مع‬ ‫إما ترى شكتي رمـيح أبـي‬
‫‪:‬الصبيان يطاعنهم بها كالرمح‪ ،‬فصار يتوكأ هو عليها ويقوده ابنه هذا بها‬
‫أكملت فيها معابل صنـعـا‬ ‫السيف والرمح والكنـانة قـد‬
‫يطير عنه عفـاؤه قـزعـا‬ ‫والمهر صافي الديم أصنعـه‬
‫حتى إذا السرب ريع أو فزعا‬ ‫أقصر مـن قـيده وأردعـه‬
‫يهز لدنا وجؤجـؤا تـلـعـا‬ ‫كان أمام الجـياد يقـدمـهـا‬
‫أو رد نهبا لي ذاك سـعـى وصيته لبنه عند موته‬ ‫فغامس الموت أو حمى ظعنا‬
‫قال أبو عمرو‪ :‬ولما احتضر ذو الصبع دعا ابنه سيدا فقال له‪ :‬يا بني‪ ،‬إن أباك قد فني وهو حي وعاش حتى سشم العيش‪،‬‬
‫وإني موصيك بما إن حفظته بلغت في قومك ما بلغته‪ ،‬فاحفظ عني‪ :‬ألن جانبك لقومك يحبوك‪ ،‬وتواضع لهم يرفعوك‪ ،‬وابسط‬
‫لهم وجهك يطيعوك‪ ،‬ول تستأثر عليهم بشيء يسودوك؛ وأكرم صغارهم كما تكرم كبارهم يكرمك كبارهم ويكبر على مودتك‬
‫صغارهم‪ ،‬واسمح بمالك‪ ،‬واحم حريمك‪ ،‬وأعزز جارك‪ ،‬وأعن من استعان بك‪ ،‬وأكرم ضيفك‪ ،‬وأسرع النهضة في الصريخ‪ ،‬فإن لك‬
‫‪:‬أجل ل يعدوك‪ ،‬وصن وجهك عن مسألة أحد شيئا‪ ،‬فبذلك يتم سوددك؛ ثم أنشأ يقول‬
‫ت فسر به سيرا جمـيل‬ ‫أأسـيد إن مـال مـلـك‬
‫ت إلى إخائهم جمل ذلول‬ ‫آخ الكرام إن استـطـع‬
‫شربوا به السم الثـمـيل‬ ‫وأشرب بكـأسـهـم وإن‬
‫لخائهم جـمـل ذلـول‬ ‫أهن الـلـئام ولتـكـن‬
‫خيهم وجدت لهم فضول‬ ‫إن الـكـرام إذا تـــوا‬
‫رة أن يسيل ولن يسـيل‬ ‫ودع الذي يعد العـشـي‬
‫يبكي إذا فقد الـبـخـيل صوت‬ ‫ابـنـي إن الـمــال ل‬

‫بلد إلى بـلـد رحـيل‬ ‫أأسيد إن أزمعـت مـن‬


‫ر أخـيك أو الـزمـيل‬ ‫فاحفظ وإن شحط المـزا‬
‫ت بها الحزونة والسهول‬ ‫واركب بنفسك إن همـم‬
‫ترجو مودتـه وصـول الغناء للهذلي خفيف ثقيل أول بالوسطى عن عمرو‬ ‫‪.‬وصل الكرام وكن لمـن‬

‫ر وكن لها سلسـا ذلـول‬ ‫ودع التوانـي فـي المـو‬


‫وامدد بها بـاعـا طـويل‬ ‫وابسط يمينـك بـالـنـدى‬
‫ت وشيد الحسـب الثـيل‬ ‫وابسط يديك بمـا مـلـك‬
‫را يفرج الهـم الـدخـيل‬ ‫واعـزم إذا حـاولــت أم‬
‫لك مكرما حـتـى يزول‬ ‫وابذل لضـيفـك ذات رح‬
‫عافين واجتنب المـسـيل‬ ‫واحلل علـى اليفـاع لـل‬
‫يوما وارعدت الخـصـيل‬ ‫وإذا القـوم تـخـاطـرت‬
‫ب من فريسته الـتـلـيل‬ ‫فاهصر كهصر الليث خض‬
‫أبطالها كرهوا الـنـزول‬ ‫وانزل إلى الـهـيجـا إذا‬

‫صفحة ‪277 :‬‬

‫م فكن لفادحه حمول استنشد معاوية قيسيا وزراد في عطائه‪ :‬أخبرني عمي قال حدثنا‬ ‫وإذا دعيت إلى المه‬
‫الكراني قال حدثنا العمري عن العتبي قال‪ :‬جرى بين عبد الله بن الزبير وعتبة بن أبي سفيان لحاء بين يدي معاوية‪ ،‬فجعل ابن‬
‫‪:‬الزبير يعدل بكلمه عن عتبة ويعرض بمعاوية‪ ،‬حتى أطال وأكثر من ذلك ‪ ،‬فالتفت إليه معاوية متمثل وقال‬
‫نوافر صبح نفرتها الـمـراتـع‬ ‫ورام بعوران الكـلم كـأنـهـا‬
‫وقد تدرك المرء الكريم المصانع ثم قال لبن الزبير‪ :‬من يقول هذا? فقال‪:‬‬ ‫وقد يدحض المرء الموراب بالخنا‬
‫ذو الصبع؛ فقال‪ :‬أترويه? قال ل؛ فقال‪ :‬من هاهنا يروي هذه البيات? فقام رجل من قيس فقال‪ :‬أنا أرويها يا أمير المؤمنين؛‬
‫‪:‬فقال‪ :‬أنشدني؛ فأنشده حتى أتى على قوله‬
‫ومعـط كـريم ذو يسـار ومـانـع‬ ‫وسـاع بـرجـلـيه لخـر قـاعـد‬
‫وخافض موله سـفـاهـا ورافـع‬ ‫وبان لحـسـاب الـكـرام وهـادم‬
‫له عورة من ذي القرابة ضـاجـع‬ ‫ومغض على بعض الخطوب وقد بدت‬
‫سوى الحق لتخفى عليه الـشـرائع فقال له معاوية‪ :‬كم عطاءك? قال‪:‬‬ ‫وطالب حوب باللـسـان وقـلـبـه‬
‫‪.‬سبعمائة؛ قال‪ :‬اجعلوها ألفا‪ ،‬وقطع الكلم بين عبد الله وعتبة‬
‫شعره في ابن عمه وقد عاداه‬
‫قال أبو عمرو‪ :‬وكان لذي الصبع ابن عم يعاديه فكان يتدسس إلى مكارهه ويمشي به إلى أعدائه ويولب عليه ويسعى بينه‬
‫‪:‬وبين عمه ويبغيه عندهم شرا؛ فقال فيه‪ -‬وقد أنشدنا الحفش هذا البيات ايضا عن ثعلب والحول السكري‬
‫وتخبرا عني لمـيسـا‬ ‫ياصاحبي قفـا قـلـيل‬
‫في مرها غدا نكيسـا‬ ‫عمن أصابت قـلـبـه‬
‫ل إلي منكره دسيسـا‬ ‫ولـي ابـن عـم ليزا‬
‫د البرء من سقم وسيسا‬ ‫دبت له فـأحـس بـع‬
‫ا مخمرا أكل وهيسـا‬ ‫إمـا عـلنـــية وإم‬
‫ك يحمجون إلي شوسا‬ ‫إني رأيت بنـي أبـي‬
‫لي فيهم أثرا بـئيسـا‬ ‫حنقا علي ولـن تـرى‬
‫ه بحد مئشار ضروسا‬ ‫أنحوا على حر الوجـو‬
‫عذب المذاق ولمسوسا‬ ‫لو كنت ماء لم تـكـن‬
‫فلت حجارته الفؤوسـا‬ ‫ملحا بعيد القعـر قـد‬
‫ك وسائل لهم نحوسـا وأنشدنا الخفش عن هؤلء الرواة بعقب هذه البيات‪ -‬وليس من‬ ‫مناع ما مـلـكـت يدا‬
‫‪-:‬شعر ذي الصبع ولكنه معناه‬
‫أو كنت سيفا كنت غير عضب‬ ‫لو كنت ماء كنت غير عـذب‬
‫أو كنت لحما كنت لحم كلـب‬ ‫أو كنت طرفا كنت غير نـدب‬
‫أو كنت بردا كنت زمهـريرا‬ ‫لو كنت مخا كنت مـخـاريرا‬
‫أو كنت ريحا كانت الدبـورا سبب تفرق عدوان وتقاتلهم‬
‫قال أبو عمرو‪ ،‬وكان السبب في تفرق عدوان وقتال بعضهم بعضا حتى تفانوا‪ :‬أن بني ناج بن يشكر بن عدوان أغاروا على بني‬
‫عوف بن سعد بن ظرب بن عمرو بن عباد بن يشكر بن عدوان‪ ،‬ونذرت بهم بنو عوف فاققتلوا‪ ،‬فقتل بنو ناج ثمانية نفر‪ ،‬فيهم‬
‫عمير بن مالك سيد بني عوف‪ ،‬وقتلت بنو عوف رجل منعم يقال له سنان بن جابر‪ ،‬وتفرقوا على حرب‪ .‬وكان الذي أصابوه من‬
‫بني واثلة بن عمرو بن عباد وكان سيدا‪ ،‬فاصطلح سائر الناس على الديات أن يتعاطوها ورضوا بذلك‪ ،‬وأبى مرير بن جابر أن‬
‫يقبل بسنان بن جابر دية ‪ ،‬واعتزل هو وبنو أبيه ومن أطاعهم ومن والهم‪ ،‬وتبعه علىذلك كرب بن خالد أحد بني عبس بن ناج‪،‬‬
‫فمشى إليهما ذو الصبع وسألهما قبول الدية وقال‪ :‬قد قتل منا ثمانية نفر فقبلنا الدية وقتل منكم رجل فاقبلوا ديته؛ فأبيا ذلك‬
‫‪:‬وأقاما الحرب‪ ،‬فكان ذلك مبدأ حرب بعضهم بعضا حتى تفانوا وتقطعوا‪ .‬فقال ذو الصبع في ذلك‬
‫وصرف الليالي يختلفن كذلكـا‬ ‫ويابؤس لليام والدهر هالـكـا‬
‫فلتتبعن عينيك ما كان هالكـا‬ ‫أبعد بني ناج وسعـيك فـيهـم‬
‫يقول مرير لأحـاول ذلـكـا‬ ‫إذا قلت معروفا لصلح بينـهـم‬
‫تحوم عليه الطير أحدب باركـا‬ ‫فأضحوا كظهر العود جب سنامه‬

‫صفحة ‪278 :‬‬

‫فقد غنيت دهرا ملوكا هنالكـا قصيدته النونية وقال أبو عمرو‪ :‬وفي مرير بن‬ ‫فإن تك عدوان بن عمرو تفرقت‬
‫‪:‬جابر يقول ذو الصبع ‪ -‬وهذه القصيدة هي التي منها الغناء المذكور ‪-‬وأولها‬
‫أمـسـى تـذكـر ريا أم هـارون‬ ‫يامن لقلب شديد الـهـم مـحـزون‬
‫والدهر ذو غلظ حـينـا وذو لـين‬ ‫أمسى تذكرها من بعد ما شحـطـت‬
‫وأصبح الولي منـهـا ليوايتـينـي‬ ‫فإن يكن حبها أمسى لنـا شـجـنـا‬
‫أطـيع ريا وريا لتـعـاصـينـي‬ ‫فقد غنينا وشمل الدار يجـمـعـنـا‬
‫بخالص من صفاء الود مـكـنـون‬ ‫نرمي الوشاة فل نخطي مقاتلـهـم‬
‫مختلفـان فـأقـلـيه ويقـلـينـي‬ ‫ولي ابن عم علي ما كان من خلـق‬
‫فخالني دونه بل خـلـتـه دونـي‬ ‫أزرى بنا أننا شالت تـعـامـتـنـا‬
‫شيئا ولأنت دياني فـتـحـزونـي‬ ‫له ابن عمك لأفضلت من حـسـب‬
‫ولبنفسك في العزاء تـكـفـينـي‬ ‫ولتقوت عـيالـي يوم مـسـغـبة‬
‫فإن ذلك ممـا لـيس يشـجـينـي‬ ‫فإن ترد عرض الدنيا بمنقـصـتـي‬
‫وماسواه فـإن الـلـه يكـفـينـي‬ ‫ولترى في غير الصبر منـقـصة‬
‫ورهبة الله في مولـى يعـادينـي‬ ‫لول أواصرقربى لست تحفـظـهـا‬
‫إني رأيتك لتـنـفـك تـبـرينـي‬ ‫إذا بريتك بـريا ل أنـجـبـار لـه‬
‫إن كان أغناك عني سوف يغنينـي‬ ‫إن الذي تقبض الدنيا ويبـسـطـهـا‬
‫والله يجزيكم عـنـي ويجـزينـي‬ ‫الله يعلمكـم والـلـه يعـلـمـنـي‬
‫أل أحبكـم إن لـم تـحـبـونـي‬ ‫ماذا علي وإن كنتـم ذوي رحـمـي‬
‫ولدماؤكـم جـمـعـا تـروينـي‬ ‫لو تشربون دمي لم يرو شـاربـكـم‬
‫لظل محتجزا بالنـبـل يرمـينـي‬ ‫ولي ابن عم لو أن الناس في كبـدي‬
‫ظاضربك حتى تقول الهامة اسقوني‬ ‫ياعمرو إن ل تدع شتمي ومنقصتـي‬
‫ظغن تخلق أخـلقـا إلـى حـين‬ ‫كل امرىء صائر يوما لشـيمـتـه‬
‫عن الصديق ولخيري بمـمـنـون‬ ‫إني لعمرك مابابـي بـذي غـلـق‬
‫بالمنكرات ولفتكـي بـمـأمـون‬ ‫ول لساني على الدنى بمنـطـلـق‬
‫ولألين لمـن ليبـتـغـي لـينـي‬ ‫ليخرج القسر مني غير مغـضـبة‬
‫فأجمعوا أمركم شتى فـكـيدونـي‬ ‫وأنتم معـشـر زيد عـلـى مـائة‬
‫ظغن غبيتم طريق الرشد فأتـونـي‬ ‫فإن علمتم سبيل الرشد فانطـلـقـوا‬
‫لعيب في الثوب من حسن ومن لين‬ ‫يارب ثوب حواشـيه كـأوسـطـه‬
‫يوما من الدهر تارات تـمـارينـي‬ ‫يوما شددت على فرغـاء فـاهـقة‬
‫أل أجـيبـكـم إذ لتـجـيبـونـي‬ ‫ماذا علي إذا تدعـونـنـي فـزعـا‬
‫ودي على مثبت في الصدر مكنون‬ ‫وكنت أعطيكم مالي وأمـنـحـكـم‬
‫ذعرت من راهنمنهم ومـرهـون‬ ‫يارب حي شديد الشغب ذي لـجـب‬
‫حتى يظلوا خصـومـا ذا أفـانـين‬ ‫رددت باطلهم في رأس قـائلـهـم‬
‫سمحا كريما أجازي من يجازينـي قصيدته في رثاء قومه‬ ‫ياعمرو لو كنت لي ألفيتينـي يسـرا‬
‫‪:‬قال ابو عمرو‪ :‬وقالذو الصبع يرثي قومه‬
‫من البـــــرام والـــــــنـــــــقـــــــض‬ ‫ولـــيس الـــمـــــرء قـــــــي شـــــــيء‬
‫له يقـــضـــي ومـــــا يقـــــــضـــــــي‬ ‫لذا يفــــــعـــــــل شـــــــيئا خـــــــا‬
‫وقــــد يوشـــــــك أن ينـــــــضـــــــي‬ ‫جديد الـــعـــيش مــــــلـــــــبـــــــوس‬
‫‪:‬وقد مضى بعض هذه القصيدة متقدما في صدر هذه الخبار‪ ،‬وتمامها‬
‫ولتـــعـــرض لـــمـــا يمــــــضـــــــي‬ ‫وأمر اليوم أصلحه‬
‫له مـــــن عـــــــيشة خـــــــفـــــــض‬ ‫فبـــينـــا الـــمـــكـــرء فـــي عـــــــيش‬
‫علـــــى مـــــــزلـــــــقة دحـــــــض‬ ‫أتـــــــاه طـــــــبـــــــق يومــــــــا‬
‫ذوي الـــقـــوة والــــــنـــــــهـــــــض‬ ‫وهـــم كـــانـــوا فـــل تـــــــكـــــــذب‬
‫بســـر الـــحـــســـب الـــمـــحـــــــض‬ ‫وهـــــم إن ولـــــــدوا أشـــــــبـــــــوا‬
‫ض فـــالـــســـران فـــالـــــعـــــــرض‬ ‫لهـــم كـــانــــــت أعـــــــالـــــــي الر‬

‫صفحة ‪279 :‬‬

‫فما أسهل للـحـمـض‬ ‫إلى ما حـازه الـحـزن‬


‫ة فالداءة فـالـمـرض‬ ‫إلى الكفرين من نـخـل‬
‫ء ول المزجى ولالبرص‬ ‫لهـم كـان الــمـــا‬
‫بيسر خاشع مـغـضـي‬ ‫فكان النـاس إذا هـمـوا‬
‫رئيس لهـم مـرضـي‬ ‫تنـادوا ثـم ســاروا ب‬
‫ففي الخيبة والـخـفـش‬ ‫فمن ساجلـهـم حـربـا‬
‫ن والشحناء والبـغـض‬ ‫وهم نالوا على الـشـنـآ‬
‫س في بسط ولقـبـض شعر أمامة في رثاء قومها قال أبو عمرو‪ :‬قالت أمامة بنت ذي‬ ‫معالي لم ينلـهـا الـنـا‬
‫‪:‬الصبع وكانت شاعرة ترثي قومها‬
‫أبلج مثل القمر الـزاهـر‬ ‫كم من فتى كانت له مـيعة‬
‫كمر غيث لجب مـاطـر‬ ‫قد مرت الخيل بحـافـاتـه‬
‫قتل وهلكا آخر الـغـابـر‬ ‫قد لقيت فهم وعـدوانـهـا‬
‫دهرا لها الفخر على الفاخر‬ ‫كانوا ملوكا سادة في الذرى‬
‫بغيا فيا للشارب الخـاسـر‬ ‫حتى تساقوا كأسهم بينـهـم‬
‫يحلل برسم مـقـفـر دائر شعره في الكبر‬ ‫بادوا فمن يحلل بأوطانـهـم‬
‫‪:‬قال أبو عمرو‪ :‬ولمامة ابنته هذه يقول ذو الصبع ورأته قد نهض فسقط وتوكأ على العصا فبكت فقال‬
‫وتذكرت إذ نـحـن م الـفـتـيان‬ ‫جزعت أمامة أن مشيت على العصا‬
‫إرما وهذا الـحـي مـن عـدوان‬ ‫فلـقـبـل مـارام اللـه بـكـيده‬
‫طاف الزمـان عـلـيهـم بـأوان‬ ‫بعد الحكومة والفضيلة والـنـهـي‬
‫وتبددوا فـرقـا بـكـل مـكـان‬ ‫وتفرقوا وتقطـعـت أشـلؤهـم‬
‫والدهر غيرهم مـع الـحـدثـان‬ ‫جدب البلد فأعقمت أرحـامـهـم‬
‫صرعى بكل نـقـيرة ومـكـان‬ ‫حتى أبادهـم عـلـى أخـراهـم‬
‫فالدهر غـيرنـا مـع الزمـان‬ ‫لتعجبن أمـام مـن حـدث عـرا‬
‫ذكر قيل مولى العبلت‬
‫ولؤه وغناؤه‬
‫قال هارون بن محمد بن عبد الملك‪ :‬أخبرني حماد بن إسحاق عن أبيه قال‪ :‬كان يحيى قيل عبدا للثريا ورضيا وأخواتهما بنات‬
‫علي بن عبد الله بن الحارث بن أمية الصغر بن عبد شمس مخهنو قال وحدثني حماد قال حدثني أبي قال حدثني ابن جناح‬
‫قال حدثنا مقاحف بن ناصح مولى عبد الله بن عباس قال قال حدثني هشام بن المرية‪ -‬وهي أمة‪ ،‬وهومولى بني مخزوك ‪-‬‬
‫قال‪ :‬كان يحيى قيل عبدا لمرأة من العبلت‪ ،‬وله من الغناء‪ :‬صوت‬

‫أصات المنادي للصلة وأعتما‬ ‫وأخرجها من بطن مكة بعد ما‬


‫تبادر بالصباح نهبا مقسمـا والشعر لبي دهبل الجمحي‪ .‬وأول هذه القصيدة‪:‬‬ ‫فمرت ببطن الليث تهوي كأنما‬
‫أل علق القلب المتيم كلثما‬
‫أبو دهبل الجمحي‬
‫وأخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثني الزبير بن بكار قال حدثني بحيى بن المقداد الزمعي قال حدثني عمي موسى بن‬
‫‪:‬يعقوب الزمعي قال أنشدني أبو دهبل الجمحي لنفسه‬
‫لجوجا ولم يلزم من الحب ملزمـا‬ ‫أل علق القلب المتيم كـلـثـمـا‬
‫أصات المنادي للصلة وأعتـمـا‬ ‫خرجت بها من بطن مكة بعدمـا‬
‫من الحي حتى جاوزت بي يلملما‬ ‫فما نام من راع ولارتد سـامـر‬
‫تبادر بالدلج نهبا مـقـسـمـا‬ ‫ومرت ببطن الليث تهوي كأنـهـا‬
‫جناحين بالبزواء وردا وأدهـمـا‬ ‫أجازت على البزواء والليل كاسر‬
‫بعليب نخل مشرفا ومـخـيمـا‬ ‫فما ذر قرن الشمس حتى تبينـت‬
‫فما خرزت للماء عينا ولفـمـا‬ ‫ومرت على أشطان دومة بالضحى‬
‫وخفت عليها أن تحز وتكـلـمـا‬ ‫وما شربت حتى ثنيت زمامـهـا‬
‫وأصبح وادي البزك غيثا مديمـا قال فقلت له ‪ :‬ياعم ما كنت إل على الريح‬ ‫فقلت لها قد تعـت غـير ذمـيمة‬
‫‪:‬فقال‪ :‬يابن أخي إن عمك كان إذا هم فعل‪ ،‬وهي العجاجة‪ ،‬أما سمعت قول أخي ببني مرة‬
‫أقلت لها الريح قلعا جفول‬ ‫إذا أقبلت قلت مشـحـونة‬

‫صفحة ‪280 :‬‬

‫من الرمد تتبع هيقـا ذمـول‬ ‫وإن أدبرت قلـت مـذعـورة‬


‫رمـاليكـلـفـه أن يفـيل‬ ‫وإن أغرضت خال فيها البصي‬
‫تسوم وتقدم رجـل زجـول‬ ‫يدا سرحا ماثرا ضـبـعـهـا‬
‫ومرت فـويق أريك أصـيل‬ ‫فمرت على كـشـب غـدوة‬
‫كخبط القوي العزيز الذلـيل أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني ابن‬ ‫تخبـط بـالـلـيل حـزانـه‬
‫أصبغ السملي قال‪ :‬جاء إنسان يغني إلى عياش المنقري بالعقيق فجعل يغنيه قول أبي دهبل‪( :‬أل علق القلب المتيم‬
‫كلثما) وجعل يعيده فلما أكثر قال له عياش‪ :‬كم تنذر بالعجوز عافاك الله اسم أمي كلثم‪ ،‬قال‪ :‬وتسمع العجوز‪ ،‬فقالت‪ :‬ل والله‬
‫‪:‬ما كان بيني وبينه شيء‪ .‬قال‪ :‬ومن غنائه‬
‫فخالني دونه بل خلته دوني‬ ‫أزرى بنا أننا شالت نعامتنا‬
‫لنبك منك على دنيا ولدين وأول هذه البيات فيما أنشدناه علي بن سليمان‬ ‫فإن تصبك من اليام جائحة‬
‫الخفش عن ثعلب‬
‫صوت من المائة المختارة‬

‫مختلفان فاقـلـيه ويقـلـينـي‬ ‫لي ابن عم على ما كان من خلق‬


‫عني ولأنت دياني فتخـزونـي غنى هذين البيتين الهذلي ثاني ثقيل‬ ‫له ابن عمك لأفضلت في حسب‬
‫بالوسطى‬
‫يد تشج وأخرى منك تـأسـونـي‬ ‫وقد عجبت ومافي الدهر من عجب‬
‫صوت من المائة المختارة‬

‫يوما فتدركه العواقب قد نمـا‬ ‫ارفع ضعيفك ليحر بك ضعفه‬


‫أثنى عليك بما فعلت فقد جزى عروضه من الكامل ‪ .‬الشعر لغريض اليهودي‬ ‫يجزيك أو يثنى عليك وإن مـن‬
‫وهو السموءل بن عادياء‪ ،‬وقيل إنه لبنه صعية بن غريض‪ ،‬وقيل إنه لزيد بن عمرو بن نفيل‪ ،‬وقيل إنه لورقة بن نوفل‪ ،‬وقيل إنه‬
‫‪.‬لزهير بن جناب‪ ،‬وقيل إنه لعامر بن المجنون الجرمي الذي يقال له‪ :‬مدرج الريح‪ ،‬والصحيح أنه لغريض أو لبنه‬

‫خبر غريض اليهودي‬


‫نسبه وأصل قومه‬
‫وغريض هذا من اليهود من ولد الكاهن بن هارون بن عمران صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وكان موسى عليه الصلة والسلم وجه‬
‫جيشا إلى العماليق وكانوا قد طغوا ولغت غاراتهم إلى الشام وأمرهم إن ظفروا بهم أن يقتلوهم أجمعين‪ ،‬فظفروا بهم‬
‫فقتلوهم أجمعين سوى ابن لملكهم كان غلما جميل فرحموه واستبقوه‪ ،‬وقدموا الشأم بعد وفاة موسى عليه السلم فأخبروا‬
‫بني اسرائيل بما فعلوه؛ فقالوا‪ :‬أنتم عصاة لتدخلون الشأم علينا أبدا‪ ،‬فأخرجوهم عنها‪ .‬فقال بعضهم لبعض‪ :‬مالنا بلد غير البلد‬
‫الذي ظفرنا به وقتلنا أهله؛ فرجعوا إلى يثرب فأقاموا بها وذلك قبل ورود الوس والخزرج لياها عند وقوع سيل العرم باليمن‪،‬‬
‫فمن هؤلء اليهود قريظة والنضير وبنو قنيقاع وغيرهم ولم أجد لهم نسبا فأذمكره لنهم ليسوا من العرب فتدون العرب‬
‫‪.‬أنسابهم إنما حلفاؤهم‪ ،‬وقد شرحت أخبارهم ومايغنى به من أشعارهم في موضع آخر من هذا الكتاب‬
‫والغناء في اللحن المختار لبن صاحب الوضوء واسمه محمد وكنيته أبو عبد الله‪ ،‬وكان أبوه على الميضأة بالمدينة فعرف‬
‫بذلك‪ ،‬وهو يسير الصناعة ليس ممن خدم الخلفاء ولشهر عندهم شهرة غيره‪ .‬وهذا الغناء ماخوري بالبنصر وفيه ليونس ثاني‬
‫ثقيل بالبنصر نسب له شعر هو لورقة بن نوفل‬
‫أخبرني محمد بن العباس اليزيد قال حدثنا الرياشي وعبد الرحمن ابن أخي الصمعي عن الصمعيعن ابن أبي الزناد عن هشام‬
‫‪:‬بن عروة قال‬
‫لغـريض الــيهـــودي تمثلت عائشة أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫ارفع ضعيفك ليحر بك ضعفه‬
‫بشعر نزل بمعناه الوحي‪ :‬وأخبرنا أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أحمد بن عيسى قال حدثنا مؤمل بن‬
‫عبد الرحمن الثقفي قال حدثنا سهل بن المغيرة عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت‪ :‬دخل علي رسول الله صلى الله عليه‬
‫‪:‬وسلم وأنا أتمثل بهذين البيتين‬
‫يوما فتدركه العواقب قد نمـا‬ ‫ارفع ضعيفك ليحر بك ضعفه‬
‫أثنى عليك بما فعلت فقد جزى‬ ‫يجزيك أو يثني عليك وإن مـن‬

‫صفحة ‪281 :‬‬

‫فقال صلى الله عليه وسلم ردي على قول اليهودي قاتله الله? لقد أتاني جبريل برسالة من ربي‪ :‬أيما رجل صنع إلى أخيه‬
‫صنيعة فلم يجد له جزاء إل الثناء عليه والدعاء له فقد كافأه قال أبو زيد‪ :‬وقد حدثني أبو عثمان محمد بن يحيى أن هذا الشعر‬
‫‪:‬لورقة بن نوفل‪ ،‬وقد ذكر الزبير بن بكارأيضا أن هذا الشرعر لورقة بن نوفل وذكر هذين البيتين في قصيدة أولها‬
‫وأخال أن شحطت بجارتك النـوى‬ ‫رحلت قتيلة عيرها قبل الصـحـى‬
‫وغدت مفارقة لرضهـم بـكـى‬ ‫أو كلما رحـلـت قـتـيلة غـدوة‬
‫أذر الصديق وأنتحي دار الـعـدا‬ ‫ولقد ركبن على السفين ملـجـجـا‬
‫بعد الهدوء وبعدما سقـط الـنـدى‬ ‫ولقد دخلت البيت يخشـى أهـلـه‬
‫بالحلي تحسبه بها جمر الغـضـا‬ ‫فوجـدت فـيه حـرة قـد زينـت‬
‫وسقطت منها حين جئت على هوى‬ ‫فنعمت بال إذ أتـيت فـراشـهـا‬
‫عني فسائل بعضهم ماذا قـضـى‬ ‫فلتلك لذات الشبـاب قـضـيتـهـا‬
‫لحاجة قضـى ولمـاء بـغـى‬ ‫فرج الرباب فليس يؤدي فـرجـه‬
‫يوما فتدركه العواقب قـد نـمـا‬ ‫فارفع ضعيفك ليحر بك ضعـفـه‬
‫أثنى عليك بما فعلت فقـد جـزى‬ ‫يجزيك أو يثني عـلـيك وإن مـن‬
‫ذكر ورقة بن نوفل ونسبه?‬
‫نسبه وهو جاهلي اعتزل عبادة الوثان‬
‫هو ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزي بن قصي‪ ،‬وأمه هند بنت أبي كثير بن عبد بن قصي‪ .‬وهو أحد من اعتزل عبادة الوثان‬
‫‪.‬في الجاهلية وطلب الدين وقرأ الكتب وامتنع من أكل ذبائح الوثان‬
‫نسبة مافي هذا الشعر من الغناء‬
‫غير ارفع ضعيفك صوت‬

‫بعد الهدوء وبعدما سقط الندى‬ ‫ولقد طرقت البيت يخشى أهله‬
‫بالحلي تحسبه بها جمر الغضا الشعر لورقة بن نوفل‪ .‬والغناء لبن محرز من‬ ‫فوجدت فيه حرة قـد زينـت‬
‫‪.‬القدر الوسط من الثقيل الول بالخنصر في مجرى الوسطى عن إسحاق‬
‫أخبرنا الطوسي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا عبد الله بن معاذ عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير قال‪ :‬سئل‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وزرقة بن نوفل كما بلغنا فقال‪ :‬قد رأيته في المنام كان عليه ثيابا بيضا فقد أظن أن بو‬
‫كان من أهل النار لم أر عليه البياض قال الزبير وحدثنا عبد الله بن معاذ عن معمر عن الزهري عن عائشة‪ :‬أن خديجة بنت‬
‫خةيل انطلقت بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزي وهو ابن عم خديجة أخي أبيها‪،‬‬
‫وكان امرأ تنصر في الجاهلية‪ ،‬وكان يكتب الكتاب العبارني فيكتب بالعبرانية من النجيل ما شاء أن يكتب‪ ،‬وكان شيخا كبيرا قد‬
‫عمي‪ ،‬فقالت خديجة‪ :‬أي ابن عم‪ ،‬اسمع من ابن أخيك؛ قال ورقة‪ :‬يابن أخي ماذا ترى? فأخبره رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم خبر مارأى فقال ورقة‪ :‬ههذ الناموس الذي أنزله الله تبارك وتعالى على موسى؛ ياليتني فيها جذع‪ ،‬ليتني أكون حيا إذ‬
‫يخرجك قومك؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬أو مخرجي هم قال ورقة‪ :‬نعم‪ ،‬لم يأت رجل قط بمثل كاجئت به إل‬
‫‪.‬عودي‪ ،‬وإن يدركنب يومك لنصرنك نصرا مؤزرا‪ ،‬ثم لم ينشب ورقة أن توفي‬
‫رأى بلل يعذب لسلمه فقال شعرا قال الزبير حدثني عثمان بن الضحاك بن عثمان بن عبد الرحمن بن أبي الزناد قال قال‬
‫عروة‪ :‬كان بلب لجارية من بين جمح بن عمرو‪ ،‬وكان يعذبونه برمضاء مكة‪ ،‬يلصقون ظهره بالرمضاء ليشرك بالله؛ فيقول‪ :‬احد‬
‫أحد‪ ،‬فيمر عليه ورقة بن نوفل وهو على ذلك يقول‪ :‬أحد أحد‪ ،‬فيقول ورقة بن نوفل‪ :‬أحد أحد والله يابلب? والله لئن قتلتموه‬
‫‪:‬لتخذته حنانا كأنه يقول‪ :‬لتمسحن به‪ .‬وقال ورقة بن نوفل في ذلك‬
‫أنا النذير فل يغـرركـم أحـد‬ ‫لقد نصحت لقوام وقلت لـهـم‬
‫فإن دعوكم فقولوا بينـنـا حـدد‬ ‫لتعبدن إلها غـير خـالـقـكـم‬
‫وقبل قد سبح الجودي والجـمـد‬ ‫سبحان ذي العرش سبحانا نعوذ به‬
‫لينبغي أن يناوي ملـكـه أحـد‬ ‫مسخر كل ماتحت السمـاء لـه‬
‫يبقى الله ويودي المال والولـد‬ ‫لشيءمما ترى تبقى بشاشـتـه‬

‫صفحة ‪282 :‬‬

‫والخلد قد حاولت عاد فما خلدوا‬ ‫لم تغن عن هرمز يوما خزائنـه‬
‫والجن والنس تجري بينها البرد مدح النبي صلى الله عليه وسلم له‬ ‫ولسليمان إذ دان الشعـوب لـه‬
‫‪:‬والنهي عن سبه‬
‫قال الزبير حدثني عمي قال حدثنا الضحاك بن عثمان بن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة‪ :‬أن رسول الله صلى‬
‫‪.‬الله عليه وسلم قال لخي ورقة بن نوفل أو لبن أخيه‪ :‬شعرت أني رأيت لورقة جنة ‪ ،‬أو جنتين ‪ .‬بشك هشام‬
‫‪.‬قال عروة‪ :‬ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سب ورقة‬
‫وقال الزبير وحدثني عمي قال حدثني الضحاك عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه‪ :‬أن خديجة كانت‬
‫تأتي ورقة بما يخبرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيه‪ ،‬فيقول ورقة‪ :‬لئن كان مايقول حقا إنه ليأتيه الناموس الكبر‬
‫‪.‬ناموس عيسى ابن مريم الذي ليجيزه أهل الكتاب إل بثمن‪ ،‬ولئن نطق وأنا حي لبلين فيه الله بلء حسنا‬

‫خبر زيد بن عمرو ونسبه‬


‫نسبه من قبل أبويه‬
‫هو زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزي بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب‪ .‬وأمه‬
‫جيداء بن جابر بن أبي حبيب بن فهم‪ .‬وكانت جيداء عند نفيل بن عبد العزي فولدت له الخطاب أبا عمر بن الخطاب و عبدنهم‪،‬‬
‫‪.‬ثم مات عنها نفيل فتزوجها ابنه عمرو فولدت له زيدا‪ ،‬وكان هذا نكاحا ينكحه أهل الجاهلية‬
‫اعتزل عبادة الوثان وكان يعيب قريشا‪ :‬وكان أحد من اعتزل عبادة الوثان‬
‫وامتنع من أكل ذبائحهم‪ ،‬وكان يقول‪ :‬يامعشر قريش‪ ،‬أيرسل الله قطر السماء وينبت بقل الرض ويخلق السائمة فترعى فيه‬
‫‪.‬وتذبحوها لغيره ? والله ماأعلم على ظهر الرض أحدا على دين إبراهيم غيري‬
‫أخرجه عن مكة خطاب بن نفيل وقريش لمخالفته دينهم‪ :‬أخبرنا الطوسي قالحدثنا الزبير قال حدثني عمي مصعب بن عبد الله‬
‫ومحمد بن الضحاك عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬كان الخطاب بن نفيل قد أخرج زيد بن عمرو من مكة وجماعة من قريش ومنعوه أن يدخلها‬
‫حين فارق أهل الوثان‪ ،‬وكان أشدهم عليه الخطاب بن نفيل‪ .‬وكان زيد بن عمرو إذا خلص إلى البيت استقبله ثم قال‪ :‬لبيك حقا‬
‫‪ :‬حقا؛ تعبدا ورقا؛ البر أرجو ل الخال‪ ،‬وهل مهجر كمن قال ثم يقول‬
‫مستقبل الكعبة وهو قائم‬ ‫عدت بما عاذ به إبراهـيم‬
‫مهما تجشمني فإني جاشم ثم يسجد‪ .‬قال محمد بن الضحاك عن أبيه‪ :‬و هو الذي‬ ‫يقول أنفي لك عان راغم‬
‫‪:‬يقول‬
‫وإن داري أوسط المحلة عند الصفا ليست بها مضلة شعره في ترك عبادة الوثان‬ ‫لهم إني حرم لحـلـه‬
‫قال الزبير وحدثني مصعب بن عبد الله عن الضحاك بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي الزناد قال قال هشام بن عروة عن‬
‫‪:‬أبيه عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت‪ :‬قال زيد بن عمرو بن نفيل‬
‫كذلك يفعل الجلد الصـبـور‬ ‫عزلت الجن والجنان عـنـي‬
‫ولصنمي بني غـنـم أزور‬ ‫فل العزى أدين ولأبنيتـهـا‬
‫لنا في الدهر إذ حلمي صغير‬ ‫ولهـبـل أدين وكـان ربـا‬
‫أدين إذا تقسـمـت المـور‬ ‫أربـا واحـدا أم ألـف رب‬
‫رجال كان شأنهم الفـجـور‬ ‫ألم تعلم بـأن الـلـه أفـنـى‬
‫فيربو منهم الطفل الصغـير‬ ‫وأبقى آخـرين بـبـر قـوم‬
‫كما يتروح الغصن النضـير فقال ورقة بن نوفل بزيدج بن عمرو بن نفيل‬ ‫‪:‬وبينا المرء يعثر ثـاب يومـا‬
‫تجنبت تنورا من النار حامـيا‬ ‫رشدت وأنعمت ابن عمرو وإنما‬
‫وتركك جنان الجبال كما هـيا‬ ‫بدينك ربا ليس رب كمـثـلـه‬
‫حنانيك لتظهر على العـاديا‬ ‫أقول إذا مازرت أرضا مخوفة‬
‫وأنت إلهي ربـنـا ورجـائيا‬ ‫حنانيك إن الجن كانت رجاءهم‬
‫أدين لمن ليسمع الدهر داعـيا‬ ‫أدين لرب يستـجـيب ولأرى‬
‫تباركت قد أكثرت باسمك داعيا يقول‪ :‬خلقت خلقا كثيرا يدعون ياسمك‬ ‫أقول إذا صليت في كل بـيعة‬

‫صفحة ‪283 :‬‬

‫قال الزبير وحدثني مصعب بن عبد الله قال حدثني الضحاك بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن موسى بن عقبة‬
‫قال سمعت من أرضي يحدث‪ :‬امتناعه عن ذبائح قريش‬
‫‪:‬وقصته مع النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك‬
‫أن زيد بن عمرو كان يعيب على قريش ذبائحهم ويقول‪ :‬الشاة خلقها الله وأنزل من السماء ماء وأنبت لها من الرض نباتا ثم‬
‫‪.‬تذبحونها على غير اسم الله إنكارا لذلك وإعظاما له‬
‫قال الزبي‪ :‬وحدثني مصعب بن عبد الله عن الضحاك بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن موسى بن عقبة عن سالم‬
‫بن عبد الله أنه سمع عبد الله بن عمر يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬أنه لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل‬
‫بلدح‪ ،‬وكان قبل أن ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي‪ ،‬فقدم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرة فيها‬
‫‪.‬لحم‪ ،‬فأبى أن يأكل‪ ،‬وقال‪ :‬إني لآكل إل ماذكر اسم الله عليه‬
‫اجتمع بالشأم مع يهودي ونصراني فسألهما عن الدين واعتنق دين ابراهيم‪ :‬قال الزبير وحدثني مصعب بن عبد الله الضحاك بن‬
‫عثمان عن عبد الرحمن بن أبي الزناد على موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله قال ‪ -‬قال موسى‪ :‬لأراه إل حدثه عن عبد‬
‫الله بن عمر‪ :-‬إن زيد بن عمرو خرج إلى الشأم يسأل عن الدين ويتبعه‪ ،‬فلقي عالما فسأله اليهود عن دينهم فقال‪ :‬لعلي أدين‬
‫بدينكم فأخبرني بدينكم؛ فقال اليهودي‪ :‬إنك لتكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله؛ فقال زيد بن عمرو‪ :‬لأفر إل‬
‫من غضب الله وماأحمل من غضب الله شيئا أبدا وأنا أستطيع‪ ،‬فهل تدلني على دين ليس فيه هذا? قال‪ :‬ماأعلمه إل أن يكون‬
‫حنيفا؛ قال‪ :‬وماالحنيف? قال‪ :‬دين إبراهيم؛ فخرج من عنده وتركه‪ .‬فأتى عالما من علماء النصارى فقال له نحوا مما قال‬
‫لليهودي‪ ،‬فقال له النصراني‪ :‬إنك لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من لعنة الله؛ فقال‪ :‬إني لأمل من لعنة الله ول من‬
‫غضبه شيئا أبدا وأنا أستطيع‪ ،‬فهل تدلين على دين ليس فيه هذا? فقال له نحوا مما قال اليهودي‪ :‬لأعلمه إل أن يكون حنيفا؛‬
‫فخرج من عندهما وقد رضي بما أخبراه واتفقا عليه من دين إبراهيم‪ ،‬فلما برز رفع يديه وقال؛ اللهم إني على دين إبراهيم‬
‫بلغته البعثة فخرج من الشام فقتله أهل ميفعة‪ :‬قال الزبير وحدثني مصعب بن عبد الله عن الضحاك بن عثمان عن عبد‬
‫الرحمن بن أبي الزناد قال قال هشام بن عروة عن أبيه عن سعيد بن زيد بن عمرو قال‪ :‬سألت أنا وعمر بن الخطاب رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم عن زيد فقال‪ :‬يأتي يوم القيامة أمة واحدة وأنشد محمد بن الضحاك عن الحزامي عن أبيه لزيد بن‬
‫‪:‬عمرو‬
‫له المزن تحمل عذبـا زلل‬ ‫أسلمت وجهي لمن أسلـمـت‬
‫له الرض تحمل صخرا ثقال‬ ‫وأسلمت وجهي لمن أسلمـت‬
‫سواء وأرسى عليها الجبـال‬ ‫دحاها فلما استـوت شـدهـا‬
‫زهير بن جناب وشعره في الكبر‬
‫وأما زهير بن جناب الكلبي فإنه أحد المعمرين‪ ،‬يقال‪ :‬إنه عمر مائة وخمسين سنة وهو‪-‬فيما ذكر‪-‬أحد الذين شربوا الخمر في‬
‫الجاهلية حتى قتلتهم؛ وكان قد بلغ من السن الغاية التي ذكرناها‪ ،‬فقال ذات يوم‪ :‬إن الحي ظاعن‪ ،‬فقال‪ :‬من هذا الذي يخالفني‬
‫منذ اليوم قيل‪ :‬ابن أخيك عبد اللع بن عليم؛ فقال‪ :‬أو هاهنا أحد ينهاه عن ذلك قالوا‪ :‬ل‪ ،‬فغضب وقال‪ :‬لأراني قد خولفت‪ ،‬ثم‬
‫‪:‬دعا بالخمر فشربها صرفا بغير مزاج وعلى غير طعام حتى قتلته‪ .‬وهو الذي يقول في ذم لكبر وطول الحياة‬
‫فليهلكن وبـه بـقـية‬ ‫الموت خير للـفـتـى‬
‫ل إذ تهادى بالعشـية‬ ‫من أن يرى الشيخ البجا‬
‫أورثتكم مجدا بـنـية‬ ‫ابني إن أهلـك فـقـد‬
‫دات زنـادكـم ورية‬ ‫وتركتكم أبـنـاء سـا‬
‫قد نلته إل الـتـحـية‬ ‫بل كل مانال الفـتـى‬
‫مدرج الريح وسبب التسمية‬
‫وأما مدرج الريح فاسمه عامر بن المجنون الجرمي‪ ،‬وإنما سمي مدرج الريح بشعر قاله في امرأة كان يزعم أنه يهواها من‬
‫الجن وأنها تسكن الهواء وتتراءى له‪ ،‬وكان محمقا؛ وشعره هذا‪ :‬صوت‬

‫دارس اليات عاف كالخلل‬ ‫لبنة الجني في الجو طـل‬

‫صفحة ‪284 :‬‬

‫وجنوب درجت حينا وطل الغناء فيه لحنين ثقل أول بالوسطى عن الهشامي وابن‬ ‫درسته الريح من بين صبا‬
‫المكي‪ ،‬وذكر حبش أنه لمعبد‪ ،‬وذكر عمرو بانة أن لحن حنين من خفيف الثقل الول بالبنصر‪ .‬وأخبار عامر بن المجنون تذكر في‬
‫‪.‬موضع آخر إن شاء الله تعالى‬

‫سعية بن غريض وشعره وهو يحتضر‬


‫وأما سعية بن غريض فقد كان ذكر خبر جده السموءل بن غريض بن عاديا في موضع غير هذا‪ .‬وكان سعية بن غريض شاعرا‪،‬‬
‫وهو الذي يقول لما حضرته الوفاء يرثي نفسه‪ :‬صوت‬
‫ماذا تؤنبنـي بـه أنـواحـي‬ ‫ياليت شعري حين يذكر صالحي‬
‫فرجتها ببـشـارة وسـمـاح‬ ‫أيقلن لتبعـد‪ ،‬فـري كـريهة‬
‫أدعى بأفلح تـارية ونـجـاح ‪-‬غناه ابن سريج ثاني ثقيل بالبنصر على مذهب‬ ‫وإذا دعيت لصعبة سهلـتـهـا‬
‫إسحاق من رواية عمر ‪-‬وأسلم سعية وعمر عمرا طويل‪ ،‬ويقال‪ :‬إنه مات في آخر خلفة معاوية سعية بن غريض ومعاوية بن‬
‫أبي سفيان‬
‫فأخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أحمد بن معاوية عن الهيثم بن عدي قال‪ :‬حج‬
‫معاوية حجتين في خلفته‪ ،‬وكانت له ثلثون بغلة يحج عليه نساؤه وجواريه‪ .‬قال‪ :‬فحج في إحداهما فرأى شيخا يصلي في‬
‫المسجد الحرام عليه ثوبان أبيضان‪ ،‬فقال‪ :‬من هذا? قالوا‪ :‬سعية بن غريض حج معاوية حجتين في خلفته‪ ،‬وكانت له ثلثون بغلة‬
‫يحج عليها نساؤه وجواريه‪ .‬قال‪ :‬فحج في إحداهما فرأى شيخا يصلي في المسجد الحرام عليه ثوبان أبيضان‪ ،‬فقال‪ :‬من هذا?‬
‫قالوا‪ :‬سعية بن غري‪ ،‬وكان من اليهود‪ ،‬فأرسل إليه يدعوه‪ ،‬فأتاه رسوله فقال‪ :‬أجب أمير المؤمنين؛ قال‪ :‬أوليس قد مات أمير‬
‫المؤمنين قيل‪ :‬فأجب معاوية؛ فأتاه رسوله فقال‪ :‬أجب أمير المؤمنين؛ قال‪ :‬أو ليس قد مات أمي رالمؤمنين قيل‪ :‬فأجب‬
‫معاوية؛ فأتاه فيم يسلم عليه الخلفة؛ فقال له معاوية‪ :‬مافعلت أرضك التي بتيماء? قال‪ :‬يكسى منها العري ويرد فضلها على‬
‫الجار؛ قال‪ :‬أفتبيعها? قال‪ :‬نعم؛ قال‪ :‬بكم? قال‪ :‬بستين ألف دينار‪ ،‬ولول خلة أصابت الحي لم أبعها؛ قال‪ :‬لقد أغليت قال‪ :‬أما لو‬
‫كانت لبعض أصحابك لخذتها بستمائة ألف دينار ثم دينار ثم لم تبل قال‪ :‬أجل‪ ،‬وإذا بخلت بأرضك فأنشدني شعر أبيك يرثي به‬
‫‪:‬نفسه؛ فقال‪ :‬قال أبي‬
‫ماذا تؤنبنـي بـه أنـواحـي‬ ‫ياليت شعري حين أندب هالكا‬
‫فرجتها بشجـاعة وسـمـاح‬ ‫أيقلن لتبعد‪ ،‬فـرب كـريهة‬
‫ولقد رددت الحق غير ملحي‬ ‫ولقد أخذت الحق غير مخاصم‬
‫أدعى بأفلح مـرة ونـجـاح فقال‪ :‬أنا كنت بهذا الشهر أولى من أبيك؛ قال‪ :‬كذبت‬ ‫وإذا دعيت لصعبة سهلتـهـا‬
‫ولؤمت؛ قال‪ :‬أما كذبت فنعم‪ ،‬وأما لؤمت فلم‪ ،‬قال‪ :‬لنك كنت ميت الحق في الجاهلية وميته في السلم‪ ،‬أما في الجاهلية‬
‫فقاتلت النبي صلى الله عليه وسلم والوحي حتى جعل الله عز وجل كيدك المردود‪ ،‬وأما في السلم فمنعت ولد رسول الله‬
‫‪.‬صلى الله عليه وسلم الخلفة‪ ،‬وماأنت وهي وأنت طليق ابن طليق فقال معاوية‪ :‬قد خرف الشيخ فأقيموه‪ ،‬فأخذ بيده فأقيم‬
‫وسعية هذا هو الذي يقول‪ :‬صوت‬
‫حييت دارا على القواء والقـدم‬ ‫يادار سعدى بأقصى تلعة النـعـم‬
‫وهامد من رماد القدر والحمـم‬ ‫ومابجزعك إل الوحش سـاكـنة‬
‫ومابها عن جواب خلت من صمم الشعر لسعية بن غريض‪ ،‬والغناء لبن‬ ‫عجنا فما كلمتنا الدار إذ سـئلـت‬
‫‪.‬محرز ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر‬

‫أخبار ابن صاحب الوضوء ونسبه‬


‫نسبه وولؤه وسبب تسمية أيه‬
‫اسمه محمد بن عبد الله‪ ،‬ويكنى أبا عبد الله‪ ،‬مولى بني أمية‪ ،‬وهو من أهل المدينة؛ وكان أبوه على ميضأة المدينة فسمي‬
‫‪.‬صاحب الوضوء‬
‫وهو قليل الصنعة لم يذكر له إسحاق إل صوتين كلهما خفيف الثقيل الثاني المعروف باالماخوري ولذكر له غير إسحاق‬
‫سواهما إل ماهو مرسوم في الكتاب الباطل المنسوب إلى إسحاق فإن له فيه شيئا لأصل له‪ ،‬وفي كتاب حبش الصيني ‪ .‬وهو‬
‫‪.‬رجل ليحصل مايقوله ويرويه‬
‫مدح يونس الكاتب غناءه‬

‫صفحة ‪285 :‬‬

‫أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بت إسحاق عن أبيه عن جده عن سياط عن يونس الكاتب قال‪ :‬غني ابن صاحب‬
‫‪:‬الوضوء في شعر النابغة‬
‫تمد بـهـا إيد إلـيك نـوازع وفي شعر بعض اليهود‬ ‫‪:‬خطاطيف حجن في حبال متينة‬
‫يوما فتدركه العواقب قد نمـا فأجاد فيهما ماشاء وأحسن غاية الحسان؛ فقيل‬ ‫إرفع ضعيفك ليحر بك ضعفه‬
‫‪.‬له‪ :‬أل تزيد وتصنع شيئا آخر ? فقال‪ :‬ل والله حتى أرى غيري قد صنع مثل ماصنعت وأزيد‪ ،‬وإل فحسبي هذا‬
‫نقل له صوت فغناه في المحراب‬
‫أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار وأحمد بن عبد العزيز الجوهري وإسماعيل بن يونس الشيعي‪ ،‬قالوا حدثنا عمر بن شبة‬
‫قال حدثنا عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي‪-‬قال ابن عمار في خبره‪ :‬وكان يسمى المبارك ‪ -‬قال حدثنا أبو مسلمة‬
‫‪:‬المصبحي قال‪ :‬قدم علينا أسود من أهل الكوفة فغنى‬
‫يوما فتدركه العواقب قد نمـا قال‪ :‬فممرت بعبد الله بن عامر السلمي‪ ،‬وكان‬ ‫ارفع ضعيفك ليحر بك ضعفه‬
‫يؤمنا وهو قائم يصلي الظهر‪ ،‬فقلت له ‪ :‬قدم علينا أسود من الكوفة يغني كذا وكذا فأجاده ؛ فأشار إلي بيده أن اجلس؛ فلما‬
‫قضى صلته قال‪ :‬أخذته عنه? قلت‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فأمره علي‪ ،‬ففعلت؛ قال‪ :‬فلما كان بالليل صلى بنا فأداه في المجراب‬
‫صوت من المائة المختارة‬

‫التي رواها علي بن يحيى‬

‫من حب من أحببت بكرا‬ ‫ياليلتـي تـزداد نـكـرا‬


‫ك سقتك بالعينين خمرا الشعر لبشار‪ ،‬والغناء في اللحن والغناء ليزيد حوراء رمل‬ ‫حوراء إن نظرت إلـي‬
‫‪.‬بالبنصر عن عمرو ويحيى المكي وإسحاق‪ .‬وفيه لسياط خفيف رمل بالوسطى عن عمرو وإبراهيم الموصلي‬

‫أخبار بشار بن برد ونسبه‬


‫نسبه وكنيته وطبقته في الشعراء‬
‫هو‪ ،‬فيما ذكره الحسن بن علي عن محمد بن القاسم بن مهروية عن غيلن الشعوبي‪ ،‬بشار بن برد بن يرجوخ بن أزدكرد بن‬
‫شروستان بن بهمن بن دارا بن فيروز بن كرديه بن ماهفيدان بن دادان بن بهمن بن بن أزدكرد بن حسيس بن مهران بن‬
‫خسروان بن أخشين بن شهر داد بن نبوذ بن ماخرشيدا نماذ بن شهريار بن بنداد سيحان بن مكر بن أدريوس بن يستاسب بن‬
‫لهراسف ‪ .‬قال‪ :‬وكان يرجوخ من طخارستان من سبى المهلب بن أبي صفرة‪ .‬ويكنى بشار أبا معاذ‪ .‬ومحله في الشعر وتقدمه‬
‫طبقات المحدثين فيه بإجماع الرواة ورياسته عليهم من غير اختلف في ذلك يغني عن وصفه وإطالة ذكر محله‪ .‬وهو من‬
‫‪.‬مخضرمي شعراء الدولتين العباسية والموية‪ ،‬قد شهر فيهما ومدح وهجا وأخذ سني الجوائز مع الشعراء‬
‫‪.‬أخبرنا يحيى بن علي بن يحيى المنجم قال قال حميد بن سعيد‬
‫كان بشار من شعب أدريوس بن يستاسب الملك بن لهراسف الملك‪ .‬قال‪ :‬وهو بشار بن برد بن بهمن بن أزدكرد بن‬
‫‪.‬شروستان بن بهمن بن دارا بن فيروز‪ .‬قال‪ :‬وكان يكنى أبا معاذ‬
‫ولؤه لبني عقيل‪ :‬وأخبرني يحيى بن علي ومحمد بن عمران الصيرفي وغيرهما عن الحسن بن عليل العنزي عن خالد بن يزيد‬
‫بن وهب بن جرير بن حازم عن أبيه قال‪ :‬كان بشار بن برد بن يرجوخ وأبوه برد من قن خيرة القشيرية امرأة المهلب بن أبي‬
‫صفرة‪ ،‬وكان مقيما لها في ضيعتها بالبصرة المعروفة بخيرتان مع عبيد لها وإماء‪ ،‬فوهبت برادا بعد أن زوجته لمرأة من بني‬
‫عقيل كانت متصلة بها‪ ،‬فولدت له امرأته وهو في ملكها بشارا فأعتقته العقيلية وأخبرني محمد بن مزيد بن أبي الزهر قال‬
‫حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال‪ :‬كان برد أبو بشار مولى أم الظباء العقيلية السدوسية‪ ،‬فادعى بشار أنه مولى بني عقيل‬
‫‪.‬لنزوله فيهم‬
‫وأخبرني امد بن العباس العسكري قال حدثنا العنزي قال حدثني رجل من ولد بشار يقال له حمدان كان قصارا بالبصرة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ولؤنا لبني عقيل؛ فقلت ليهم? فقال‪ :‬لبني ربيعة بن عقيل وأخبرني وكيع قال حدثني سليمان المدني قال قال أحمد بن معاوية‬
‫الباهلي‪ :‬كان بشار وأمه لرجل من الزد‪ ،‬فتزوج امراة من بني عقيل‪ ،‬فساق إليها بشارا وأمه في صداقها‪ ،‬وكان بشار ولد‬
‫‪.‬مكفوفا فأعتقته العقيلية‬
‫أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثني الحسن بن عليل العنزي قال حدثنا قعنب بن المحرز الباهلي قال حدثني محمد‬
‫‪:‬بن الحجاج قال‬

‫صفحة ‪286 :‬‬

‫باعت أم بشار بشارا على أم الظباء السدوسية بدينارين فأعتقته‪ .‬وأم الظباء امراة أوس بن ثعلبة أحد بن تيم اللت بن ثعلبة‪،‬‬
‫وهو صاحب قصر أوس بالبصرة؛ وكان أوس أحد فرسان بكر بن وائل بن بخراسان كان أبوه طسانا‬
‫وقد هجاه بذلك حماد عجرد‪ :‬أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثنا العنزي قال حدثنا محمد بن زيد العجلي قال أخبرني‬
‫بدر بن مزاحم‪ :‬أن بردا أبا بشار كان طيانا يضرب اللبن‪ ،‬وأراني أبي بيتين لنا فقال لي‪ :‬لبن هذين البيتين من ضرب برد أبي‬
‫‪:‬بشار‪ .‬فسمع هذه الحكاية حماد عجرد فهجاه فقال‬
‫كلب في الناس أنت ل النسان‬ ‫يابن برد إخسأ إليك فمثـل ال‬
‫ب وأولى منه بكـل هـوان‬ ‫بل لعمري لنت شر من الكل‬
‫حك يابن الطيان ذي التـبـان أنشد للمهدي شعرا في أنه عجمي‬ ‫ولريح الخنزير أهون من ري‬
‫‪:‬بحضور أبي دلمة‬
‫أخبرني يحيى بن علي قال حدثنا أبو أيوب المديني عن أبي الصلت البصري عن أبي عدنان قال حدثني يحيى بن الجون العبدي‬
‫رواية بشار قال‪ :‬قال‪ :‬لما دخلت على المهدي قال لي‪ :‬فيمن تعتذ يابشار? فقلت‪ :‬اما اللسان والزي فعربيان‪ ،‬وأما الصل‬
‫‪:‬فعجمي‪ ،‬كما قلت في شعري ياأمير المؤمنين‬
‫يقولون من ذا وكنت العـلـم‬ ‫ونبئت قـومـا بـهـم جـنة‬
‫ليعرفني أنا أنـف الـكـرم‬ ‫أل أيها السـائلـي جـاهـدا‬
‫فروعي وأصلي قريش العجم‬ ‫نمت في الكرام بني عـامـر‬
‫وأصبي الفتاة فما تعتـصـم قال‪ :‬وكان أبو دلمة حاضرا فقال‪ :‬كل لوجهك أقبح من‬ ‫فإني لغني مقـام الـفـتـى‬
‫ذلك ووجهي مع وجهك؛ فقلت‪ :‬كل والله مارأيت رجل أصدق على نفسه وأكذب على جليسه منك‪ ،‬والله إني لطويل القامة‬
‫عظيم الهامة تام اللواح أسحج الخدين‪ ،‬ولرب مسترخي المذورين للعين فيه مراد قد جلس من الفتاة حجرة وجلست منها‬
‫حيث أريد‪ ،‬فأنت مثلي يامرضعان قال ‪ :‬فسكت عني‪ ،‬ثم قال لي المهدي‪ :‬فمن أي العجم أصلك? فقلت‪ :‬من أكثرها في‬
‫الفرسان‪ ،‬وأشدها على القران‪ ،‬أهل طخازستان؛ فقال بعض القوم‪ :‬أولئك الصغد؛ فقلت‪ :‬ل‪ ،‬الصغد تجار؛ فقال بعض القوم‪:‬‬
‫اولئك الصغد؛ فقلت‪ :‬ل الصغد تجار؛ فلم يردد ذلك المهدي كان كثير التلون في ولئه‬
‫‪:‬للعرب مرة وللعجم أخرى‬
‫‪:‬وكان بشار كثير التلون في ولئه‪ ،‬شديد الشغب والتعصب للعجم‪ ،‬مرة يقول يفتخر بولئه في قيس‬
‫أرى قيسا تضر ولتـضـار‬ ‫أمنت مضرة الفحشـاء أنـى‬
‫نبات الرض أخطأه القطـار‬ ‫كأن الناس حين تغيب عنـهـم‬
‫فكان لتدمـر فـيهـا دمـار‬ ‫وقد كانت بتذمر خـيل قـيس‬
‫يسير الموت حيث يقال ساروا‬ ‫بحي من بني عـيلن شـوس‬
‫بري منـهـم وهـم حـرار ورمة يتبرأ من ولء العرب فيقول‬ ‫ومانلـقـاهـم إل صـدرنـا‬
‫مولى العريب فخذ بفضلك فافخر‬ ‫أصبحت مولى ذي الجلل وبعضهم‬
‫أهل الفعال ومن قريش المشعـر‬ ‫مولك أكرم من تمـيم كـلـهـا‬
‫سبحان مولك الجـل الكـبـر وقال يفتخر بولء بني عقيل‬ ‫‪:‬فارجع إلى مولك غير مـدافـع‬
‫موضع السيف من طلى العناق كان يلقب بالمرعث وسبب ذلك‬ ‫إنني من بني عقيل بن كـعـب‬
‫‪.‬ويكنى أبا بشار أبا معاذ‪ ،‬ويلقب بالمرعث‬
‫أخبرني عمي ويحيى بن علي قال حدثنا أبو أيوب المديني قال حدثني محم بن سلم قال‪ :‬بشار المرعث هو بشار بن برد‪ ،‬وإما‬
‫‪:‬سمي المرعث بقوله‬
‫ساحر الطرف والنظر‬ ‫قال ريم مـرعــث‬
‫قلت أو يغلب القـدر‬ ‫لست والـلـه نـائلـي‬
‫فانج‪ ،‬هل تدرك القمر قال أبو أيوب‪ :‬وقال لنا ابن سلم مرة أخرى‪ :‬إنما سمي بشار‬ ‫أنت إن رمت وصلنـا‬
‫المرعث‪ ،‬لنهه كان لقميصه جيبان‪ :‬جيب عن يمينه وجيب عن شماله‪ ،‬فإذا أراد لبسه ضمه عليه من غير أن يدخل رأسه فيه‪،‬‬
‫‪.‬وإذا أراد نزعه حل أزاره وخرج منه‪ ،‬فشبهت تلك الجيوب بالرعاث لسترسالها وتدليلها‪ ،‬وسمي من أجلها المرعث‬
‫‪:‬أخبرنا يحيى بن علي قال حدثنا علي بن مهدي قال حدثني أبو حانم قال قال لي أبو عبيدة‬

‫صفحة ‪287 :‬‬

‫لقب بشار بالمرعث لنه كان في أذنه وهو صغير رعاث‪ .‬والرعاث‪ :‬القرطة‪ ،‬واحدتها رعثة وجمعها رعاث‪ ،‬ورعثات ‪ .‬ورعثات‬
‫‪:‬الديك‪ :‬اللحم المتدلي تحت حنكه؛ قال الشاعر‬
‫وذو الرعثات منتصب يصيح‬ ‫سقيت أب المصرع إذ أتأني‬
‫ويلثغ حين يشربه الفصـيح قال‪ :‬والرعث‪ :‬السترسال والتساقط‪ .‬فكان اسم‬ ‫شرابا يهرب الئبـان مـنـه‬
‫‪.‬القرطة اشتق منه‬
‫كان أشد الناس تبرما بالناس‬
‫أخبرني محمد بن عمران قال حدثني العنزي قال حدثنا محمد بن بدر العجلي قال‪ :‬سمعت الصمعي يذكر أن بشارا كان من‬
‫أشد الناس تبرما بالناس‪ ،‬وكان يقول‪ :‬الحمد لله الذي دهب ببصري؛ فقيل له‪ :‬ولم يا أبا معاذ? قال‪ :‬لئل ارى من أبغض‪ .‬وكان‬
‫يلبس قميصا له لبنتان‪ ،‬فإذا أراد أن ينزعه نزعه من أسفله‪ ،‬فبذلك سمي المرعث صفاته‬
‫أخبرني هاشم بن محمد أبو دلف الخزاعي قال حدثنا قعنب بن محز عن الصمعي قال‪ :‬كان بشار ضخما‪ ،‬عظيم الخلق‬
‫والوجه‪ ،‬مجدورا‪ ،‬طويل‪ ،‬جاحظ المقلتين قد تغشاهما لحم أحمر‪ ،‬فكان أقبح الناس عمى وأفظعه منظرا وكان إذا أراد أن ينشد‬
‫صفق بيديه وتنحنح وبصق عن يمينه وشماله ثم ينشد فيأتي بالعجب ولد أعمى وهجى بذلك وشعره في العمى أخبرنا يحيى بن‬
‫علي عن أبي أيوب المديني عن محمد بن سلم قال‪ :‬ولد بشار أعمى‪ ،‬وهو الكمه‪ .‬وقال في تصداق ذلك أبو هشام الباهلي‬
‫‪:‬يهجوه‬
‫فجشت ولم تعلم لعينيك فـاقـيا‬ ‫وعبدي فقا عينيك في الرحم أيره‬
‫علي إذا مشي إلى البيت حافـيا قال‪ :‬ولم يزل بشار منذ قال فيه هذين البيتين‬ ‫أأمك يابشار كانـت عـفـيفة?‬
‫منكرسا‪ :‬أخبرنا هاشم بن محمد قال حدثنا الرياشي عن الصمعي قل‪ :‬ولد بشار أعمى فما نظر إلى الدنيا قط‪ ،‬وكان يشبه‬
‫‪:‬الشياء بعضها ببعض في شعره فيأتي بما ليقدر البصراء أن يأتوا بمثله؛ فقيل له يوما وقد أنشد قوله‬
‫وأسافنا ليل تهاوى كواكبـه ماقال أحد أحسن من هذا التشبيه‪ ،‬فمن أين لك هذا‬ ‫كأن مثار النقع فوق رؤوسنا‬
‫ولم تر الدنيا قط ولشيئا فيها? فقال‪ :‬إن عدم النظر يقوي ذكاء القلب ويقطع عنه الشغل بما ينظر إليه من الشياء فيتوفر‬
‫‪:‬حسه وتذكو قريحته؛ ثم أنشدهم قوله‬
‫فجئت عجيب الظن للعلم موثل‬ ‫عميت جنينا والذكاء من العمـى‬
‫لقلب إذا ماضيع الناس حصـل‬ ‫وغاض ضياء العين للعلم رافـدا‬
‫بقول إذا ما أحزن الشعر أسهل أخبرنا هاشم قال حدثنا العنزي عن قعنب بن‬ ‫وشعر كنور الروض لءمت بينه‬
‫‪.‬وحرز عن أبي عبد الله الشرادني قال‪ :‬كان أبو بشار أعمى طويل ضخما آدم مجدورا‬
‫وأخبرني يحيى بن علي عن أبي أيوب المديني قال قال الحمراني قالت لي عمتي‪ :‬زرت قرابة لي في بني عقيل فإذا أنا‬
‫‪:‬بشيخ أعمى ضخم ينشد‬
‫إلى شيبان كهلـهـم ومـرد‬ ‫من المفتون بشـار بـن بـرد‬
‫فنصف عندها والنصف عندي فسألت عنه فقيل لي‪ :‬هذا بشار كان يقول أزري‬ ‫بأن فتاتكم سـلـبـت فـؤادي‬
‫بشعر الذان‬
‫أخبرني محمد بن يحيى الصيرفي قال حدثنا العنزي قال حدثنا أبو زيد قال سمعت أبا محمد التوزي يقول‪ :‬قال بشار‪ :‬أزري‬
‫بشعري الذان‪ .‬يقول‪ :‬إنه إسلمي قال الشعر وهو ابن عشر سنين‬
‫وأخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عمر بن شية قال قال أبو عبيدة‪ :‬قال بشار الشعر ولم يبلغ عشر سنين‪ ،‬ثم بلغ‬
‫الحلم وهو مخشي معرة لسانه هجا جريرا فأعرض عنه استصغارا له‪ :‬قال‪ :‬وكان بشار يقول‪ :‬هجوت جريرا فأعرض عني‬
‫‪.‬واستصغرني‪ ،‬ولو أجابني لكنت أشعر الناس‬
‫كان الصمعي يقول هو خاتمة الشعراء‬
‫وأخبرنا يحيى بن علي بن يحيى وأحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال‪ :‬كان الصمعي يقول‪ :‬بشار خاتمة‬
‫‪.‬الشعراء‪ ،‬والله لول أيامه تأخرت لفضلته على كثير منهم‬
‫قال أبو زيد‪ :‬كتن راجزا مفصدا جودة نقده للشعر‬
‫أخبرني أبو الحسن السدي قال حدثنا محمد بن صالح بن النطاح قال حدثني أبو عبيدة‪ :‬قال سمعت بشارا يقول وقد أنشد في‬
‫‪:‬شعر العشى‬
‫من الحوادث إل الشيب والصلعا‬ ‫وأنكرتني وما كان الذي نكـرت‬

‫صفحة ‪288 :‬‬

‫فأنكره‪ ،‬وقال‪ :‬هذا بيت مصنوع مايشبه كلم العشى؛ فعجبت لذلك‪ .‬فلما كان بعد هذا بعشر سنين كنت جالسا عند يونس‪،‬‬
‫‪:‬فقال‪ :‬حدثني أبو عمرو بن العلء أنه صنع هذا البيت وأدخله في شعر العشى‬
‫من الحوادث إل الشيب والصلعا فجعلت حينئذ أزداد عجبا من فطنة بشار‬ ‫وأنكرتني وما كان الذي نكـرت‬
‫وصحة قريحته وجودة نقده للشعر أخبرني عمي قال حدثني الكراني قال حدثني أبو حاتم عن أبي عبيدة‪ .‬قال‪ :‬له اثنا عشر ألف‬
‫قصيدة‪ :‬قال بشار‪ :‬لي اثنا عشر ألف بيت عين؛ فقيل له‪ :‬هذا مالم يكن يدعيه أحد قط سواك؛ فقال‪ :‬لي اثنتا عشرة ألف‬
‫قصيدة‪ ،‬لعنها الله ولعن قائلها إن لم يكن في كل واحدة منها بيت عين وأخبرنا يحيى بن علي قال حدثنا علي بن مهدي عن أبي‬
‫حاتم قال‪ :‬رأي أبي عبيدة فيه وفي ابن أبي حفصة‬
‫قلت لبي عبيدة‪ :‬أمروان عندك أشعر أم بشار? فقال‪ :‬حكم بشار لنفسه بالستظهار أنه قال ثلثة عشر ألف بيت جيد‪،‬‬
‫‪.‬وليكون عدد الجيد من شعر شعراء الجاهلية والسلم هذا العدد‪ ،‬وماأحسبهم برزوا في مثلها‪ ،‬ومروان أمدح للملوك‬
‫أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا الصمعي قال‪ :‬قال بشار الشعر وله عشر سنين‪ ،‬فما بلغ الحلم‬
‫إل وهو مخشي معرة اللسان بالبصرة‪ .‬قال‪ :‬وكان يقول‪ :‬هجوت جريرا فاستصغرني وأعرض عني‪ ،‬ولو أجابني لكنت أشعر أهل‬
‫زماني أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال حدثنا أبو العوناذل زكريا بن هارون قال‪ :‬قال بشار‪:‬‬
‫لي اثنا عشر ألف بيت جيد؛ فقيل به‪ :‬كيف? قال‪ :‬لي اثنتا عشرة ألف قصيدة‪ ،‬أما في كل قصيدة منها بيت جيد كلم الجاحظ‬
‫عنه‬
‫وقال الجاحظ في كتاب البيان والتبيين وقد ذكره‪ :‬كان بشار شاعرا خطيبا صاحب منثور ومزدوج وسجع ورسائل‪ ،‬وهو من‬
‫المطبوعين أصحاب البداع والختراع المتفنينين في الشعر القائلين في أكثر أجناسه وضروبه؛ قال الشعر في حياة جرير‬
‫‪.‬وتعرض له‪ ،‬وحكي عنه أنه قال‪ :‬هجوت جريرا فأعرض عني‪ ،‬ولو هاجاني لكنت أشعر الناس‬
‫كان يدين بالرجعة ويكفر جميع المة‪ :‬قال الجاحظ‪ :‬زكان بشار يدين بالرجعة‪ ،‬ويكفر جميع المة‪ ،‬ويصوزب رأي إبليس في‬
‫‪:‬تقديم الناء على الطين‪ ،‬وذكر ذلك في شعره فقال‬
‫والنار معبودة مذ كانت النار هجاء واصل بن عطاء فخطب الناس بالحادة وكان‬ ‫الرض مظلمة والنار مشرقة‬
‫‪:‬يتجنب في خطبه الراء قال‪ :‬وبلغه عن أبي حذيفة واصل بن عطاء إنكار لقوله وهتف به‪ ،‬فقال يهجوه‬
‫كنقنق الدو إن ولى وإن مثل‬ ‫مالي أشايع غزال له عنـق‬
‫تكفرون رجال كفروا رجل قال‪ :‬فلما تتابع على واصل منه مايشهد على إلحاده‬ ‫عنق الزرافة مابالي وبالكـم‬
‫خطب به واصل‪ ،‬وكان ألثغ على الراء فكان يجتنبها في كلمه‪ ،‬فقال‪ :‬أما لهذا العمى الملحد‪ ،‬أما لهذا المشنف المكني بأبي‬
‫معاذ من يقتله? أما والله لول أن الغيلة سجية من سجايا الغالية لدسست إليه من يبعج بطنه في جوف منزله أو في حفله‪ ،‬ثم‬
‫كان ليتولى ذلك إل عقيلي أو سدوسي فقل أبا معاذ ولم يقل بشارا‪ ،‬وقال المشنف ولم يقل المرعث‪ ،‬وقال‪ :‬من سجايا الغالية‬
‫‪.‬وبم يقل الرافضة‪ ،‬وقال‪ :‬في منزله ولم يقل في داره‪ ،‬وقال‪ :‬يبعج بطنه ولم يقل يبقر‪ ،‬للثغة التي كانت به في الراء‬
‫قال‪ :‬وكان واصل قد بلغ من اقتداره على الكلم وتمكنه من العبارة أن حذف الراء من جميع كلمه وخطبه وجعل مكانها‬
‫‪.‬مايقوم مقامها‬
‫هو أحد أصحاب الكلم الستة‪ :‬أخبرني يحيى بن علي قال حدثني أبي عن عافية بن شبيب قال حدثني أبو سهيل قال حدثني‬
‫‪:‬سعيد ين سلم قال‬

‫صفحة ‪289 :‬‬

‫كان بالبصرة ستة من أصحاب الكلم‪ :‬عمرو بن عبيد‪ ،‬وواصل بن عطاء‪ ،‬وبشار العمى‪ ،‬وصالح بت عبد القدوس‪ ،‬وعبد الكريم‬
‫بن أبي العوجاء‪ ،‬ورجل من الزد ‪-‬قال أبو أحمد‪ :‬يعني جرير بن حازم ‪-‬فكانوا يجتمعون في منزل الزدي ويختصمون عنده‪ .‬فأما‬
‫عمرو وواصل فصارا إلى العتزال‪ .‬وأما عبد الكريم وصالح فصححا التوبة‪ .‬وأمابشار فبقي متحيرا مخلطا‪ .‬وأما الزدي فمال‬
‫إلى قول السمينة‪ ،‬وهو مذهب من مذاهب الهند‪ ،‬وبقي ظاهره على ما كان عليه‪ .‬قال‪ :‬فكان عبد الكريم بفسد الحداث؛ فقال‬
‫له عمرو بن عبيد‪ :‬قد بلغني إنك تخلو بالحدث من أحداثنا فتفسده وتستزله وتدخله في دينك‪ ،‬فإن خرجت من مصرنا وإل‬
‫‪:‬قمت فيك مقاما آتي فيه على نفسك؛ فلحق بالكوفة‪ ،‬فدل عليه محمد بن سليمان فقتله وصلبه بها‪ .‬وله يقول بشار‬
‫جاء بعت السلم بالكفر موقـا‬ ‫قل لعبد الكريم يابـن أبـي الـو‬
‫ت فبعض النهار صوما رقيقـا‬ ‫لتصلي ولتصـوم فـإن صـم‬
‫ر عتيقا أل تنكـون عـتـيقـا‬ ‫لتبالي إذا أصبت مـن الـخـم‬
‫د حنيفا حـلـيت أم زنـديقـا‬ ‫ليت شعري غذاة حليت في الجي‬
‫ه صديق لمن ينيك الصـديقـا رأي الصمعي فيه وفي ابن أبي حفصة‬ ‫أنت ممن يدور في لعـنة الـل‬
‫أخبرني هاشم بن محمد قال حدثني الرياشي قال‪ :‬سئل الصمعي عن بشار ومروان أيهما أشعر? فقال‪ :‬بشار؛ فسئل عن‬
‫السبب في ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬لن مروان سلك طريقا كثر من يسلكه فلم يلحق من تقدمه‪ ،‬وشركه فيه من كان في عصره‪ ،‬ويشار‬
‫سلك طريقا لم يسلك وأحسن فيه وتفرد به‪ ،‬وهو أكثر تصرفا وفنون شعر وأغزر وأوسع بديعا‪ ،‬ومروان لم يتجاوز مذاهب‬
‫الوائل أخبرني هاشم بن محمد قال حدثني العنزي عن أبي حاتم قال سمعت الصمعي وقد عاد إلى البصرة من بغداد فسأله‬
‫رجل عن مروان بن أبي حفصة‪ ،‬فقال‪ :‬وجد أهل بغداد قد ختموا به الشعراء وبشار أحق بأن يختموهم به من مروان؛ فقيل له‪:‬‬
‫ولم? فقال‪ :‬وكيف ليكون كذلك وملكان مروان في حياة بشار يقول شعراحتى يصلحه له بشار ويقومه وهذا سلم الخاسر من‬
‫‪.‬طبقة مروان يزاحمه بين أيدي الخلفاء بالشعر ةيساويه في الجوائز‪ ،‬وسلم معتوف بأنه تبع لبشار‬
‫مقارنته بامرىء القيس والقطامي‬
‫أخبرني جحظة قال سمعت علي بن يحيى المنجم يقول‪ :‬سمعت من لأحصي من الواة يقولون‪ :‬أحسن الناس ابتداء في‬
‫‪:‬الجاهلية امرؤ القيس حيث يقول‬
‫‪:‬أل أنعم صباحا أيها الطلل البالي وحيث يقول‬
‫‪:‬قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل وفي السلم القطامي حيث يقول‬
‫إنا محيوك فاسلم أيها الطلل ومن المحدثين بشار حيث يقول‪ :‬صوت‬

‫وماذا عليه لو أجاب متيما‬ ‫أبى طلل بالجزع أن يتكلما‬


‫ملعب ليعرفن إل توهما وفي هذين البيتين لبن المكي ثاني ثقيل بالخنصر في‬ ‫وبالفرع آثار بقين وباللوى‬
‫‪.‬مجرى الوسطى من كتابه‪ .‬وفيهما لبن جؤذر رمل‬
‫مقارنة بينه وبين مروان بن أبي حفصة‬
‫أخبرني عمي عن الكرني عن أبي حاتم قال‪ :‬كان الصمعي يعجب بشعر بشار لكثرة فنونه وسعة تصرفه‪ ،‬ويقول‪ :‬كان مطبوعا‬
‫ليكلف طبعه شيئا متعذرا لكمن يقول البيت ويحككه أياما‪ .‬زكان يشبه بشارا بالعشى والنابغة الذبياني‪ ،‬ويشبه مروان بزهير‬
‫والحطيئة‪ ،‬ويقول‪ :‬هو متكلف قال الكراني‪ :‬قال أبو حاتم‪ :‬وقلت لبي زيد‪ :‬أيما أشعر بشار أم مروان? فقال‪ :‬بشار أشعر‪،‬‬
‫ومروان أكفر‪ .‬قال أبو حاتم‪ :‬وسألت أبا زيد مرة أخرى عنهما فقال‪ :‬مروان أجد وبشار أهزل؛ فحدثت الصمعي بذلك؛ فقال‪:‬‬
‫‪.‬بشار يصلح للجد والهزل‪ ،‬ومروان ليصلح إل لحدهما‬
‫كان شعره سيارا يتناشده الناس‬
‫نسخت من كتاب هارون بن علي بن يحيى قال حدثنا نجم بن النطاح قال‪ :‬عهدي بالبصرة وليس فيها غزل ولغزلة إل يروي‬
‫‪.‬من شعر بشار‪ ،‬ولنائحة ولمغنية إل لتكسب به‪ ،‬ول ذو شرف إل وهو يهابه ويخاف معرة لسانه‬
‫لم يأت في شعره بلفظ مستنكر‪ :‬أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال حدثني أحمد بن‬
‫‪:‬المبارك قال حدثني أبي قال‬

‫صفحة ‪290 :‬‬

‫قلت لبشار‪ :‬ليس لحد من شعراء العرب شعر إل وقد قال فيه شيئا استنكرته العرب من ألفاظهم وشك فيه‪ ،‬وإنه ليس في‬
‫شعرك مايشك؛ قال‪ :‬ومن أين يأتيني الخطأ ولدت هاهنا ونشأت في حجورثمانين شيخا من فصحاء بني عقيل مافيهم احد‬
‫يعرف كلمة من الخطأ‪ ،‬وإن دخلت إلى نسائهم فنساؤهم أفصح منهم‪ ،‬وأيفعت فأبديت إلى أن أدركت‪ ،‬فمن أين يأتيني الخطأ‬
‫أخبرني حبيب بن نصر المهلبي وأحمد بن عبد العزيز ويحيى بن علي قالوا حدثنا عمر بن شبة قال‪ :‬كان الصمعي يقول‪ :‬إن‬
‫‪.‬بشارا خاتمة الشعراء‪ ،‬والله لول ظأن أيامه تأخرت لفضلته على كثير منهم‬
‫هو أول الشعراء في جملة من اغراض الشعر‬
‫أخبرنا يحيى بن علي قال حدثني أبو الفضل المروزي قال حدثني بن المحرز الباهلي قال قال الصمعي‪ :‬لقي أبو عمرو بن‬
‫‪:‬العلء بعض الرواة فقال له‪ :‬يا أبا عمرو‪ ،‬من أبدع الناسبيتا? قال‪ :‬الذي يقول‬
‫ونفى عني الكرى طيف ألم‬ ‫لم يطل ليلي ولكن لـم أنـم‬
‫أنني ياعبد من لـحـم ودم قال‪ :‬فمن أمح الناس? قال‪ :‬الذي يقول‬ ‫‪:‬روحي عني قليل واعلمـي‬
‫ولم أدر أن الجود من كفه يعدي‬ ‫لمست بكفي كفه أبتغي الغنـى‬
‫أفدت وأعداني فأتلفت ماعنـدي قال‪ :‬فمن أهجى الناس? قال‪ :‬الذي يقول‬ ‫‪:‬فل أنا منه ماأفاد ذوو الغـنـى‬
‫على بعد ذا من ذاك في حكم حاكم‬ ‫رأيت السهيلين استوى الجود فيهما‬
‫كما جاد بالوجعا سهيل بن سـالـم قال‪ :‬وهذه البيات كلها لبشار نسبة مافي‬ ‫سهيلبن عثمـان يجـود بـمـابـه‬
‫هذا الخبر من الشعار التي يغني فيها صوت‬

‫ونفى عني الكرى طيف ألم‬ ‫لم يطل ليلي ولكن بـم أنـم‬
‫خرجت بالصمت عن لونعم‬ ‫وإذا قلت لها جـودي لـنـا‬
‫أنني ياعبد من لـحـم ودم‬ ‫نفسي ياعبد عني واعلـمـي‬
‫لو تركأت علـيه لنـهـدم‬ ‫إن في بردى جسما نـاحـل‬
‫موضع الخاتم من أهل الذمم غناه إبراهيم هزجا بالسبابة في مجرى الوسطى عن‬ ‫حتم الحب لها في عنـقـي‬
‫‪:‬ابن المكي والهشامي‪ .‬وفيه لقعنب السود خفيف ثقيل‪ .‬فأما البيات التي ذكر أبو عمرو أنه فيها أمدح الناس وأولها‬
‫لمست بكفي كفه أبتغي الغنى فإنه ذكر لبشار‪ .‬وذكر الزبير بن بكار أنها لبن الخياط في المهدي‪ ،‬وذكر له فيها معه خبرا‬
‫‪.‬طويل قد ذكرته في أخبار ابن الخياط في هذا الكتاب‬
‫هجا صديقه ديسما لنه يروي هجاءه‬
‫أخبرنا يحيى بن علي قال حدثنا علي بن مهدي الكسروي قال حدثنا أبو حاتم قال‪ :‬كان شار كثير الولوع بديسم العنزي وكان‬
‫صديقا له وهو مع ذلك يكثر هجاءه‪ ،‬وكان ديسم ليزال يحفظ شيئا من شعر حماد وأبي هشام الباهلي في بشار؛ فبلغه ذلك‬
‫‪:‬فقال فيه‬
‫أتروي هجائي سادرا غير مقصر قال أبو حاتم‪ :‬فأنشدت أبا زيد هذا البيت‬ ‫أديسم يابن الذئب من نحـل زارع‬
‫وسألته مايقول فيه‪ ،‬فقال‪ :‬لمن هذا الشعر? فقلت‪ :‬لبشار يقوله في ديسم العنزي؛ فقال‪ :‬قاتله الله ماأعلمه بكلم العرب ثم‬
‫قال‪ :‬الديسم‪ :‬ولد الذئب من الكلبة‪ ،‬ويقال للكلب‪ :‬أولد زارع‪ .‬والعسبار‪ :‬ولد الضبع من الذئب‪ .‬والسمع‪ :‬ولد الذئب من الضبع‪.‬‬
‫‪.‬وتزعم العرب أ‪ ،‬السمع ليموت حتف أنفه‪ ،‬وأنه أسرع من الريح وإنما هلكه بعرض من أعراض الدنيا‬
‫مزاحه مع حمدان الخراط‬
‫أخبرنا حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عمر بن شبة قال‪ :‬كان بالبصرة رجل يقال له‪ :‬حمدان الخراط‪ ،‬فاتخذ جاما لنسان‬
‫كان بشار عنده‪ ،‬فسأله بشار أن يتخذ له لجاما فيه صور طير تطير‪ ،‬فاتخذه له وجاءه به‪ ،‬فقال له‪ :‬مافي هذا اللجام? فقال‪:‬‬
‫صور طير تطير؛ فقاتل له‪ :‬قد كان ينبغي أن تتخذ فوق هذه الطير طائرا من الجوارح كأن يريد صيدها‪ ،‬فإنه كان أحسن؛ قال‪:‬‬
‫لم أعلم؛ قال‪ :‬بلى قد علمت‪ ،‬ولكن علمت أني أعمى لأبصر شيئا وتهدده بالهجاء‪ ،‬فقال له حمدان‪ :‬لتفعل فإنك تندم؛ قال‪ :‬أو‬
‫تهددني أيضا قال‪ :‬نعم؛ قال‪ :‬فأي شيء تستطيع أن تصنع بي إن هجوتك قال‪ :‬أصورك على باب داري بصورتك هذه وأجعل من‬
‫خلفك قردا ينكحك حتى يراك الصادر والوارد؛ قال بشار‪ :‬اللهم أخزه‪ ،‬أنا أمازحه وهو يأبى إل الجد مفاخرة جرير بن علي‬

‫صفحة ‪291 :‬‬

‫ابن يحيى والحسن بن علي ومحمد بن عمران الصيرفي قالوا‪ :‬حدثنا العنزي قال حدثني جعفر بن محمد العدوي عن محمد‬
‫‪:‬بن سلم قال حدثني مخلد أبو سفيان قال‪ :‬كان جرير بن المنذر السدوسي يفاخر بشارا؛ فقال فيه بشار‬
‫فقدتك من فاخر ماأجن‬ ‫أمثل بني مـصـر وائل‬
‫فخيرا رأيت وخيرا يكن‬ ‫افي النوم هذا أبا منـذر‬
‫كعاجنة غير ماتطحـن وقال يحيى في خبره‪ :‬فحدثني محمد بن القاسم قال حدثني‬ ‫رأيتك والفخر في مثلها‬
‫عاصم بن وهب أبو شبل الشاعر البرجمي قال حدثني محمد بن الحجاج الساداني قال‪ :‬كنا عند بشار وعنده رجل ينازعه في‬
‫اليمانية والمضرية إذ أذن المؤذن‪ ،‬فقال له بشار‪ :‬رويدا‪ ،‬تفهم هذا الكلم؛ فلما قال‪ :‬أشهد أن محمدا رسول الله‪ ،‬قال له بشار‪:‬‬
‫أهذا الذي نودي باسمه مع اسم الله عز وجل من مضر هو أم من صدأ وعك وحمير? فسكت الرجل نقده للشرع‪ :‬أخبرني‬
‫‪:‬هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا الرياشي قال أنشد بشار قول الشاعر‬
‫وقد جعل العداء ينتقصوننا ونطمع فينا ألسن وعيون‬
‫إذا غـمـزوهـا بــالكـــف تـــلـــين فقال‪ :‬والله لو زعم أنها عصا مخ أو عصا زبد‪،‬‬ ‫أل إنما ليلى عصا خيرزانة‬
‫‪:‬لقد كان جهعلها جافية خشنة بعد أن جعلها عصا أل قال كما قلت‬
‫كأن حديثها ثمر الجنـان‬ ‫ودعجاء المحاجر من معد‬
‫كأن عظامها من خيرزان اعتداده بنفسه‬ ‫إذا قامت لمشيتها تثـنـت‬
‫أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عمر بن شبة قال أخبرني محمد بن صالح بن الحجاج قال‪ :‬قلت لبشار‪ :‬إني أنشدت‬
‫‪:‬فلنا قولك‬
‫ظمئت وأي الناس تصفو مشاربـه فقال لي‪ :‬ما كنت أظنه إل لرجل‬ ‫إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى‬
‫كبير؛ فقال لي بشار‪ :‬ويلك أفل قلت له‪ :‬هو الله لكبر الجن والنس وعدته امرأة واعتذرت فعاتبها بشعر‬
‫أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال حدثني أبو الشبل عن محمد بن الحجاج قال‪ :‬كان بشار‬
‫يهوى امرأة من أهل البصرة فراسلها يسألها زيارته‪ ،‬فوعدته بذلك ثم أخلفته‪ ،‬وجعل ينتظرها ليلته حتى أصبح‪ ،‬فلما لم تأته‬
‫‪:‬أرسل إليها يعاتبها فاعتذرت بمرض أصابها؛ فكتب إليها بهذه البيات‬
‫من حب من أحببت بكـرا‬ ‫ياليلـتـي تـزداد نـكـرا‬
‫ك سقتك بالعينين خـمـرا‬ ‫حوراء إن نظـرت إلـي‬
‫قطع الرياض كسين زهرا‬ ‫وكأن رجـع حـديثـهـا‬
‫هاروت ينفث فيه سحـرا‬ ‫وكأن تحـت لـسـانـهـا‬
‫ه ثيابها ذهبـا وعـطـرا‬ ‫وتخال ماجمعـت عـلـي‬
‫ب صفا ووافق منك فطرا‬ ‫وكأنـهـا بـرد الـشـرا‬
‫أو بين ذاك من أجل أمرا‬ ‫جنــية إنـــســـية‬
‫بشكاة من أحببت خـبـرا‬ ‫وكفـاك أنـي لـم أحـط‬
‫نثرت لي الحزان نـثـرا‬ ‫إل مـــقـــالة زائر‬
‫عشرا وتحت الموت عشرا كان إسحاق الموصلي ليعتد به ويفضل عليه مروان‪:‬‬ ‫متخشعا تحـت الـهـوى‬
‫حدثني جحظة قال حدثني علي بن يحيى قال‪ :‬كان إسحاق الموصلي ليعتد ببشار‬
‫‪:‬ويقول‪ :‬هو كثير التخليط في شعره‪ ،‬وأشعاره مختلفة‪ ،‬ليشبه بعضها بعضا؛ أليس هو القائل‬
‫قصب السكر لعظم الجمـل‬ ‫إنما عظم سليمـى حـبـتـي‬
‫غلب المسك على ريح البصل لو قال كل شيء جيد ثم أضيف إلى هذا لزيفه‪ .‬قال‪:‬‬ ‫وإذا أدنيت منـهـا بـصـل‬
‫وكان يقدم عليه مروان ويقول‪ :‬هذا هو أشد استواء شعر منه‪ ،‬وكلمه ومذهبه اشبه بكلم العرب ومذاهبها‪ ،‬وكان ليعد أبا نواس‬
‫البتة وليرى فيه خبرا أنشد إبراهيم بن عبد الله هجوه للمنصور‬
‫‪:‬ولما قتل غيرها وجعلها في هجو أبي مسلم‬
‫حدثنا محمد بن علي بن يحيى قال حدثنا محمد بن زكريا قال حدثنا محمد بن عبد الرحمن التيمي قال‪ :‬دخل بشار إلى إبراهيم‬
‫بن عبد الله بن حسن‪ ،‬فأنشده قصيدة يهجو فيها المنصور ويشير عليه برأي يستعمله في أمره‪ ،‬فلما قتل إبراهيم خاف بشار‪،‬‬
‫‪:‬فقلب الكنية‪ ،‬وأظهر أنه كان قالها في أبي مسلم وحذف منها أبياتا وأولها‬

‫صفحة ‪292 :‬‬

‫ولسالم عما قليل بسـالـم قلب هذا البيت فقال‪ :‬أبا مسلم‬ ‫أبا جعفر ما كول عيش بدائم‬
‫ويصرعه في المأزق المتلحم‬ ‫على الملك الجبار يقتحم الردى‬
‫عظيم ولم تسمع بفتك العاجم‬ ‫كأنك لم تسمع بقتـل مـتـوج‬
‫وأمسى أبو العباس أحلم نائم يعني الوليد بن يزيد‬ ‫‪:‬تقسم كسرى رهطه بسيوفهـم‬
‫عليه ولجري النـحـوس الشـائم‬ ‫وقد كان ليخشى انقـلب مـكـيدة‬
‫وجوه المنايا حاسرات الـعـمـائم‬ ‫مقيما على اللذات حتـى بـدت لـه‬
‫وردن كلوحـا بـاديات اشـكـائم‬ ‫وقـد تـرد اليام غـرا وربـمــا‬
‫وكان لما أجرمت نزر الـجـرائم‬ ‫ومروان قد دارت على رأسه الرحى‬
‫ولتتقي أشبـاه تـلـك الـنـقـائم‬ ‫فأصبحت تجري سادرا في طريقهم‬
‫وتعري مطاه ببيوث الـضـراغـم‬ ‫تجردت للسلم تغـفـو سـبـيلـه‬
‫عليك فعاذزا بالسيوف الـصـوارم‬ ‫فمازلت حتى استنصر الدينـأهـلـه‬
‫فلست بناج من مـضـيم وضـائم جعل موضع يابن سلمة يابن وشيكة وهي‬ ‫فرم وزرا ينـجـيك يابـن سـلمة‬
‫‪:‬أم أبي مسلم‬
‫ومازلت مرؤوسا خبيث المطاعم‬ ‫لحا الله قوما رأسوك عـلـيهـم‬
‫غدا أريحيا عاشقا للـمـكـارم‬ ‫أقول لبـسـام عـلـيه جـللة‬
‫جهارا ومن يهديك مثل ابن فاطم هذا البيت الذي خافه و حذفه بشار من‬ ‫من الفاطميين الدعاة إلى الهـدى‬
‫‪:‬البيات‬
‫يكون ظلما للعدو الـمـزاحـم‬ ‫سراج لعين المستضـيء وتـارة‬
‫برأي نصيح أو نصـيحة حـازم‬ ‫إذا بلغ الرأي المشورة فاستـعـن‬
‫فإن الخوافي قـوة لـلـقـوادم‬ ‫ولتجعل الشورى عليه غضـاضة‬
‫وماخير سـيف لـم يؤيد بـقـائم‬ ‫وماخير كف أمسك الغل أختـهـا‬
‫نؤوما فإن الحزم لـيس بـنـائم‬ ‫وخل الهوينا للضعيف ولتـكـن‬
‫شبا الحرب خير من قبول المظالم قال محمد بن يحيى‪ :‬فحدثني الفضل بن‬ ‫وحارب إذا لم تعـط إل ظـلمة‬
‫‪.‬الحباب قال سمعت أبا عثمان المازني يقول سمعت أبا عبيدة يقول‪ :‬ميمية بشار هذه أحب إلي من ميميتي جرير والفرزدق‬
‫قال محمد‪ :‬وحدثني ابن الرياشي قال حدثني أبي قال‪ :‬حديث بشار في المشورة‬
‫قال الصمعي قلت لبشار‪ :‬يا أبا معاذ‪ ،‬إن الناس يعجبون من أبيتك في المشورة؛ فقال لي‪ :‬يا أبا سعيد‪ ،‬إن المشاور بين‬
‫‪.‬صواب يفوز بثمرته أو خطأ يشارك في مكروهه؛ فقلت له‪ :‬أنت والله في قولك هذا أشعر منك في شعرك‬
‫بشار والمعلي بن طريف‬
‫حدثني الحسن بن علي قال حدثنا الفضل بن محمد اليزيدي عن إسحاق وحدثني به محمد بن مزيد بن أبي الزهر عن حماد‬
‫عن أبيه قال‪ :‬كان بشار جالسا في دار المهدي والناس ينتظرون الذن‪ ،‬فقال بعض موالي المهدي لمن حضر‪ :‬ماعندكم في‬
‫قول الله عز وجل‪ :‬وأوحى ربك إلى النحل أن أتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر فقال له بشار‪ :‬النحل التي يعرفها الناس؛‬
‫قال هيهات يا أبا معاذ‪ ،‬النحل‪ :‬بنو هاشم‪ ،‬وقوله‪ :‬يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس يعني العلم؛ فقال له‬
‫بشار‪ :‬أراني الله طعامك وشرابك وشفاءك فيما يخرج من بطون بني هاشم‪ ،‬فقد أوسعتنا غثاثة ؛ فغضب وشتم بشارا؛ وبلغ‬
‫المهدي الخبر فدعا بهما فسألهما عن القصة‪ ،‬فحدثه بشار بها؛ فضحك حتى أمسك بطنه‪ ،‬ثم قال للرجل‪ :‬أجل فجعل طعامك‬
‫وشرابك مما يخرج من بطون بني هاشم‪ ،‬فإنك بارد غث‪ .‬وقال محمد بن مزيد في خبره‪ :‬إن الذي خاطب بشارا بهذه الحكاية‬
‫‪.‬وأجابه عنها من موالي المهدي المعلى بن طريف‬
‫بشار ويزيد بن منصور الحميري‬
‫‪:‬أخبرنا الحسين بن يحيى عن حماد بنإسحاق عن أبيه قال‬

‫صفحة ‪293 :‬‬

‫دخل يزيد بن منصور الحميري على المهدي وبشار بين يديه ينشده قصيدة امتدحه بها؛ فلما فرغ منها أقبل عليه يزيد بن‬
‫منصور الحميري‪ ،‬وكانت فيه غفلة‪ ،‬فقال له‪ :‬ياشيخ‪ ،‬ماصناعتك? فقال‪ :‬فقال‪ :‬أثقب اللؤلؤ؛ فضحك المهدي ثم قال لبشار‪:‬‬
‫أعزب ويلك؛ أتتنادر على خالي فقال له‪ :‬وماأصنع به يرى شيخا أعمى ينشد الخليفة شعرا ويسأله عن صناعته ترك جواب رجل‬
‫عاب شعره للؤمه‬
‫أخبرني الحسين عن حماد عن أبيه قال‪ :‬وقف على بشار بعض المجان وهو ينشد شعرا؛ قال له‪ :‬استر شعرك كما تستر‬
‫عورتك؛ فصفق بشار بيديه وغضب وقال له‪ :‬قال‪ :‬أنا أعزك الله رجل من باهلة‪ ،‬وأخوالي من سلول‪ ،‬وأصهاري عكل‪ ،‬واسمي‬
‫كلب‪ ،‬ومولدي بأضاخ‪ ،‬ومنزلي بنهر بلل‪ ،‬فضحك بشار ثم قال‪ :‬اذهب ويلك فأنت عتيق لؤمك‪ ،‬قد علم الله أنك استترت مني‬
‫بحصون من حديد وصف قاص قصرا كبيرا في الجنة فعاب‬
‫أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال حدثني الفضل بن سعيد قال حدثني أبي قال‪ :‬مر بشار‬
‫بقاص بالبصرة فسمعه يقول في قصصه‪ :‬من صام رجبا وشعبان ورمضان بنى الله له قصرا في الجنة صحنه ألف فرسخ في‬
‫مثلها وعله ألف فرسخ وكل باب من أبواب بيوته ومقاصره عشرة فراسخ في مثلها‪ ،‬قال‪ :‬فالتفت بشار إلى قائده‪ .‬فقال‪:‬‬
‫‪.‬بئست والله الدار هذه في كانون الثاني‬
‫سمع صخبا في الجيران فقال‬
‫‪:‬كأن القيامة قامت‬
‫قال الفصل بن سعيد وحدثني رجل من أهل البصرة ممن كان يتزوج بالنهاريات قال‪ :‬تزوجت امرأة منهن فاجتمعت معها في‬
‫علو بيت وبشار تحتنا‪ ،‬أو كنا في أسفل البيت وبشار في علوه مع امرأة‪ ،‬فنهق حمار في الطريق فأجابه حمار في الجيران‬
‫وحمار في الدار فارتجت الناحية بنهيقها‪ ،‬وضرب الحمار الذي في الددار الرض برجله وجعل يدقها بها دقا شديدا فسمعت‬
‫بشارا يقول للمرأة‪ :‬نفخ ‪-‬يعلم الله‪-‬في الصور وقامت القيامة أماتسمعين كيف يدق أهل القبور حتى يخرجوا منها قال‪ :‬ولم‬
‫يلبث أن فزعت شاة كانت في السطح فقطعت حبلها وعدت فألقت طبقا وغضارة إلى الدار فانكسرا‪ ،‬وتطاير حمام ودجاج كن‬
‫في الدار لصوت الغضارة وبكى صبي في الدار؛ فقال بشار‪ :‬صح والله الخبر ونشر أهل القبور من قبورهم أزفت‪-‬يشهد الله‪-‬‬
‫الزفة وزلزلت الرض زلزالها؛ فعجبت من كلمه وغاظني؛ فسألت من المتكلم? فقيل لي‪ :‬بشار‪ ،‬فقلت‪ :‬قد علمت أنه ليتكلم‬
‫‪.‬بمثل هذا غيربشار‬
‫نكتة له مع رجل رمحته بغلة فشكرالله‬
‫أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن محمد جدار قال حدثني قدامة بن نوح قال‪ :‬مربشار برجل قد رمحته بغلة وهو‬
‫يقولك الحمد لله شكرا‪ ،‬فقال له بشار‪ :‬استزده يزدك‪ .‬قال‪ :‬ومر به قوم يحملون جنازة وهم يشرعون المشي بها‪ ،‬فقال‪ :‬مالهم‬
‫‪.‬مسرعين أتراهم سرقوه فهم يخافون أن يلحقوا فيؤخذ منهم‬
‫مات ابن له فرثاه‬
‫أخبرني يحيى بن علي بن يحيى عن أبيه عن عافية بن شبيب‪ ،‬وأخبرني به وكيع عن محمد بن عمر بن محمد بن عبد الملك عن‬
‫الحسن بن جمهور‪ ،‬قال‪ :‬توفي ابن لبشار فجزع عليه؛ فقيل له‪ :‬أجر قدمته‪ ،‬وفرط افترطته‪ ،‬وذخر أحرزته‪ ،‬فقال‪ :‬ولد دفنته‪،‬‬
‫‪:‬وثكل تعجلته‪ ،‬وغيب وعدته فانتظرته؛ والله لئن لم أجزع للنقص لأفرح للزيادة‪ .‬وقال يرثيه‬
‫أتاني من الموت المطل نصيبي‬ ‫أجارتنا لتجـزعـي وأنـيبـي‬
‫وبدل أحجـار وجـال قـلـيب‬ ‫بني على رغمي وسخطي رزئته‬
‫ذوي بعد إشارق يسر وطـيب‬ ‫وكان كريحان الغصون تخـالـه‬
‫وألقى علي الهم كـل قـريب‬ ‫أصيب بني حين أورق غصنـه‬
‫وماكان لومليتـه بـعـجـيب نوادره‬ ‫عجبت إسراع المنـية نـحـوه‬
‫أخبرني يحيى بن علي قالذكر عافية بن شبيب عن أبي عثمان الليثي‪ ،‬وحدثني به الحسن بن علي عن ابن مهروية عن أبي‬
‫مسلم‪ ،‬قل‪ :‬رفع غلم بشار إليه في حساب نفقته جلء مرآة عشرة دراهم‪ ،‬فصاح به بشار وقال‪ :‬والله مافي الدنيا أعجب من‬
‫جلء مرآة أعمى بعشرة دراهم‪ ،‬والله لو صدئت عين الشمس حتى يبقى العالم في ظلمة مابلغت أجره من يجلوها عشرة‬
‫‪.‬دراهم‬

‫صفحة ‪294 :‬‬

‫أخبرنا محمد بن يحيى الصولي قال حدثني المغيرة بن محمد المهلبي قال حدثنا أبو معاذ النميري قال‪ :‬قلت لبشار‪ :‬لم مدحت‬
‫يزيد ين حاتم ثم هجوته? قال‪ :‬سألني أن أنيكه فلم أفعل؛ فضحكت ثم قلت‪ :‬فهو كان ينبغي له أن يغضب‪ ،‬فما موضغ الهجاء‬
‫فقال‪ :‬أظنك تحب أن تكون شريكه؛ فقلت‪ :‬أعوذ بالله من ذلك ويلك سئل عن شعره الغث فأجاب‬
‫حدثني الحسن بن علي قالحدثنا ابن مهروية قال حدثنا أحمد بن خلد‪ ،‬وأخبرنا يحيى بن علي ومحمد بن عمران الصيرفي‪ ،‬قل‬
‫حدثنا العنزي قال حدثنا أحمد بن خلد قال حدثني أبي قالت قلت لبشار‪ :‬إنك لتجيء بالشي الهجين المتفاوت‪ ،‬قال‪ :‬وماذاك?‬
‫‪:‬قال قلت‪ :‬بينما تقول شعرا تثير به النقع وتخلع به القلوب‪ ،‬مثل قولك‬
‫هتكنا حجاب الشمي أو تمطر الدما‬ ‫إذا ماغضبنا غـضـبة مـضـرية‬
‫ذرى منبر صلى علينا وسـلـمـا تقول‬ ‫‪:‬إذا ماأعرنـا سـيدا مـن قـبـيلة‬
‫تصب الخل في الزيت‬ ‫ربـابة ربة الـبـيت‬
‫وديك حسن الصـوت فقال‪ :‬لكل وجه وموضع‪ ،‬فالقول الول جد‪ ،‬وهذا قلته في ربابة‬ ‫لها عشر دجـاجـات‬
‫جارتي‪ ،‬وأنا لآكل البيض من السوق‪ ،‬وربابة هذه لها عشر دجاجات وديك فهي تجمع لي البيض وتحفظه عندها‪ ،‬فهذا عندها‬
‫‪:‬من قولي أحسن من‬
‫‪.‬قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل عندك‬

‫غنني للغريض يابن قنان فقيل له‪ :‬من ابن قنان هذا‪ ،‬لسنا نعرفه من مغني البصرة? قال‪ :‬وماعليكم منه ألكم قبلة دين‬
‫فتطالبوه به‪ ،‬أو ثأر تريدون أن تدركوه‪ ،‬أو كفلت لكم به فإذا غاب طالبتموني بإحضاره? قالوا‪ :‬ليس بيننا وبينه شيء من هذا‪،‬‬
‫وإنما أردنا أن نعرفه‪ ،‬فقال‪ :‬هو رجل يغني لي وليخرج من بيتي؛ فقالوا له‪ :‬إلى متى? قال‪ :‬مذ يوم ود إلى يوم يموت‪ .‬قال‪:‬‬
‫‪:‬وأنشدنا أيضا في هذه القصيدة‬
‫ني هلل السماء في البردان فقلنا‪ :‬يا أبا معاذ‪ .‬أين البردان هذا? لسنا نعرفه بالبصرة‪........ ،‬‬ ‫ووافـــــــا‬
‫فقال‪ :‬هو بيت في بيتي سميته البردان‪ ،‬أفعليكم من تسميتي داري وبيوتها شيء فتسألوني عنه حدثني هاشم بن محمد‬
‫الخزاعي قال حدثني أبو غسان دماذ‪-‬واسمه رفيع بن سلمة ‪ -‬قال حدثني يحيى بن الجون العبدي راوية بشار قال‪ :‬كنا عند بشار‬
‫‪:‬يوما فأنشدنا قوله‬
‫كأن النساء لديهـا خـدم‬ ‫وجارية خلقت وحـدهـا‬
‫أطفن بحوراء مثل الصنم‬ ‫دوار العذارى إذا زرنهـا‬
‫بري ولم تشفني من سقـم‬ ‫ظمئت إليها فلنم تسقـنـي‬
‫كما مات عروة غما بغـم‬ ‫وقالت هويت فمت راشدا‬
‫ولست بجارولبابـن عـم‬ ‫فلما رأيت الهوى قاتـلـي‬
‫وأي فتى إن أصاب اعتزم‬ ‫دسست إليها أبا مـجـلـز‬
‫فراح وحل لنا مـاحـرم فقال له رجل‪ :‬ومن أبو مجلز هذا يا أبا معاذ? قال‪ :‬وماحاجتك‬ ‫فمازال حتى أنابـت لـه‬
‫‪.‬إليه لك عليه دين أو تطالبه بطائله هو رجل يتردد بيني وبين نعارفي في رسائل‪ .‬قال‪ :‬وكان كثيرا مايحشو شعره بمثل هذا‬
‫شعره في قينة‬
‫أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال‪ :‬كانت بالبصرة قينة لبعض ولد سليمان بن علي‬
‫وكانت محسنة بارعة الظرف‪ ،‬وكان بشار صديقا لسيدها وداحا له‪ ،‬فحضر مجلسه يوما والجارية تغني؛ فسر بحضوره وشرب‬
‫حتى سكر ونام‪ ،‬ونهض بشار؛ فقالت‪ :‬يا أبا معاذ‪ ،‬أحب أن أتذكر يومنا هذا في قصيدة ولتذكر فيها اسمي ول اسم سيدي‬
‫‪:‬وتكتب بها إليه؛ فانصرف وكتب إليه‬
‫باتت تغني عميد القلب سكـرانـا‬ ‫‪:‬وذات دل كأن البدر صـورتـهـا‬
‫قتلننا ثـم لـم يحـيين قـتـلنـا‬ ‫إن العيون التي في طرفهـا حـور‬
‫فأسمعيني جزاك الله إحـسـانـا‬ ‫‪:‬فقلت أحسنت يا سؤلي ويا أمـلـي‬
‫وحبذا ساكن الـريان مـن كـانـا‬ ‫يا حبذا جبل الـريان مـن جـبـل‬
‫هذا لمن كان صب العين أحـيانـا‬ ‫قالت فهل‪ ،‬فدتك النفس‪ ،‬أحسن من‬
‫أضرمت في القلب والحشاء نيرانا‬ ‫فقلت أحسنت أنت الشمس طالـعة‬
‫يزيد صبا محبا فـيك أشـجـانـا‬ ‫فأسمعيني صوتا مطربـا هـزجـا‬

‫صفحة ‪295 :‬‬

‫أو كنت من قضب الريحان ريحانا‬ ‫ياليتني كنت تفـاحـا مـفـلـجة‬


‫ونحن في خلوه مثلث إنـسـتـا‬ ‫حتى إذا وجدت ريحي فأعجبـهـا‬
‫تشدو به ثم لتخفيه كـتـمـانـا‬ ‫‪:‬فحركت عودها ثم انثنت طـربـا‬
‫لكثر الخلق لي في الحب عصيانا‬ ‫أصبحت أطوع خلق الله كـلـهـم‬
‫فهات إنك بـالحـسـان أولنـا‬ ‫فقلت أطربتنا يازين مجـلـسـنـا‬
‫أعددت لي قبل أن ألقاك أكفـانـا‬ ‫لو كانت أعلم أن الحب يقتلـنـي‬
‫يذكي السرور ويبكي العين ألوانا‬ ‫‪:‬فغنت الشرب صوتا مؤنقا رمـل‬
‫والله يقتل أهل الغـدر أحـيانـا ووجه بالبيات إليها‪ ،‬فبعث إليه سيدها بألفي‬ ‫ل يقتل الله من دامـت مـودتـه‬
‫دينار وسر بها سرورا شديدا أغضبه أعرابي عند مجزأة فهجاه‬
‫أخبرني أحمد بن العباس العسكري قال حدثني الحسن بن عليل قال حدثني علي بن منصور أبو الحسن الباهلي قال حدثني‬
‫أبو عبد الله المقرىء الجحدري الذي كان يقرأ في المسجد الجامع بالبصرة‪ ،‬قال‪ :‬دخل أعرابي على مجزأة بن ثور السدوسي‬
‫وبشار عنده وعليه بزة الشعراء‪ ،‬فقال العرابي‪ :‬من الرجل? فقالوا‪ :‬رجل شاعر؛ فقال‪ :‬أمولى هو أم عربي? قالوا‪ :‬بل مولى؛‬
‫فقال العرابي‪ :‬وما للموالي وللشعر? فغضب بشار وسكت هنيهة‪ ،‬ثم قال‪ :‬أتأذن لي أبا ثور? قال‪ :‬قل ما شئت يا أبامعاذ؛‬
‫‪:‬فأنشأ بشار يقول‬
‫ولآبى على مولـى وجـار‬ ‫خليلي لأنام على اقـتـسـار‬
‫وعنه حين تأذن بالـفـخـار‬ ‫سأخبر فاخر العراب عنـي‬
‫ونادمت الكرام على العقـار‬ ‫أحيس كسيت بعد العري خـزا‬
‫بني الحرار حسبك منخسـار‬ ‫تفاخـر ياابـن راعـية وراع‬
‫شركت الكلب في ولغ الطار‬ ‫وكنت إذا طمئت إلـى قـراح‬
‫وينسيك المكارم صـيد فـار‬ ‫تريغ بخطبة كسر المـوانـي‬
‫ولم تعـقـل بـدراج الـديار‬ ‫وتغدو للقـنـافـذ تـدريهـا‬
‫وترعى الضأن بالبلد القفـار‬ ‫وتتشح الشمال لـلبـسـيهـا‬
‫فليتك غائب فـي حـر نـار‬ ‫مقامك بيننا دنـس عـلـينـا‬
‫على مثلي من الحدث الكبـار فقال مجزأة للعرابي‪ :‬قبحك الله? فأنت كسبت هذا‬ ‫وفخرك بين خنزير وكـلـب‬
‫‪?.‬الشر لنفسك ولمثالك‬
‫خشي لسانه حاجب محمد بن سليمان‬
‫‪:‬فأذن له بالدخول‬
‫أخبرني أحمد بن العباس العسكري قال حدثني العنزي عن الرياشي قال‪ :‬حضر بشار باب محمد بن سليمان‪ ،‬فقال له‬
‫الحاجب‪ :‬اصبر؛ فقال‪ :‬إن الصبر ليكون إل علي بلية؛ فقال له الحاجب‪ :‬إني أظن أن وراء قولك هذا شرا ولن أتعرض له‪ ،‬فقم‬
‫فادخل‬
‫بشار وهلل الرأي‬
‫أخبرني وكيع قال حدثنا أبو أيوب المديني عن محمد بن سلم قال‪ :‬قال هلل الرأي ‪-‬وهوهلل بن عطية‪-‬لبشار وكان صديقا‬
‫يمازحه‪ :‬إن الله لم يذهب بصر أحد إل عوضه بشيء‪ ،‬فماعوضك? قالل‪ :‬الطويل العريض؛ قال‪ :‬وماهذا? قال‪ :‬أل أراك ولأمثالك‬
‫من الثقلء‪ .‬ثم قال له‪ :‬ياهلل أتطيعني في نصيحة أخصك بها? قال نعم؛ قال‪ :‬إنك كنت تسرق الحمير زمانا ثم تبت وصرت‬
‫‪:‬رافضيا‪ ،‬فعد إلى سرقة الحمير‪ ،‬فهي والله خير لك من الرفض قال محمد بن سلم‪ :‬وكان هلل يستثقل‪ ،‬وفيه يقول لبشار‬
‫وحولي عسكران من الثـقـال‬ ‫وكيف يخف لي بصري وسمعي‬
‫كأن لهم على فـضـول مـال‬ ‫قعودا حول دسكرتي وعـنـدي‬
‫وأي الناس أثقل مـن هـلل وأخبرني أبو دلف الخزاعي بهذا الخبر عن يسى بن‬ ‫إذا ماشئت صبحـنـي هـلل‬
‫اسماعيل عن ابن عائشة‪ ،‬فذكر أن الذي خاطب بشارا بهذه المخاطبة ابن سيابة‪ ،‬فلما أجابه بشار بالجواب المذكور‪ ،‬قال له‪:‬‬
‫من أنت? قال‪ :‬ابن سيابة؛ فقال له‪ :‬ياابن سيابة‪ ،‬لو نكح السد ماالفترس؛ قال‪ :‬وكان يتهم بالبنة ذم أناسا كانوا مع ابن أخيه‪:‬‬
‫قال أيوب وحدثني محمد بن سلم وغيره قالوا‪ :‬مر ابن أخي بشار به ومعه قوم؛ فقال لرجل معه‪ :‬من هذا? فقال‪ :‬ابن أخيك؛‬
‫قال‪ :‬أشهد أن أصحابه أنذال؛ قال‪ :‬وكيف علمت? قال‪ :‬ليست لهم نعال‬

‫صفحة ‪296 :‬‬

‫كان دقيق الحسك أخبرنا محمد بن علي قال حدثني عافية بن شبيب عن أبي دهمان الغلبي‪ ،‬قال‪ :‬مررت ببشار يوما وهو‬
‫جالس على بابه وحده وليس معه خلق وبيده مخصرة يلعب بها وقدامه طبق فيه تفاح وأترج‪ ،‬فلما رأيته وليس عنده أحد تاقت‬
‫نفسي إلى أن أسرق ما بين يديه‪ ،‬فجئت قليل قليل وهو كاف يده حتى مددت يدي لتناول منه‪ ،‬فرفع القضيب وضرب به يدي‬
‫‪.‬ضربة حتى كاد يكسرها‪ ،‬فقلت له قطع الله يدك يا ابن الفاعلة‪ ،‬أنت الن أعمى? فقال‪ :‬يا أحمق‪ ،‬فأين الحدس‬
‫حديثه مع نسوة أخذن شعره لينحن به‬
‫أخبرني يحيى بن علي قال حدثني العنزي قال حدثني خالد بن يزيد بن وهب بن جرير عن أبيه قال‪ :‬كان لبشار في داره‬
‫مجلسان‪ :‬مجلي يجلس فيه بالغداة يسميه البردان ومجلس يجلس فيه بالعشي اسمه الرقيق فأصبح ذات يوم فاحتجم وقال‬
‫لغلمه‪ :‬أمسك على بابي واطبخ لي من طيب طعامي وصف نبيذي‪ .‬قال‪ :‬فإنه لكذلك إذ قرع لباب قرعا عنيفا؛ فقال‪ :‬ويحك‬
‫ياغلم؛ انظر من يدق الباب دق الشرط؛ قال‪ :‬فنظر الغلم‪ ،‬فقال له‪ :‬نسوة خمس بالباب يسألن أن تقول لهن سعرا ينحن به؛‬
‫فقال‪ :‬أدخلهن‪ ،‬فلما دخلن نظرن إلى النبيذ مصفى في قنانيه في جانب بيته؛ قال‪ :‬فقالت واحدة منهن‪ :‬هو خمر‪ ،‬وقالت‬
‫الخرى‪ :‬هو زبيب وعسل؛ وقالت الثالثة‪ :‬نقيع زبيب؛ فقال‪ :‬لست بقائل لكن حرفا أو تطعمن من طعامي وتشربن من شرابي؛‬
‫قال‪ :‬فتماسكن ساعة‪ ،‬ثم قالت واحدة منهن‪ :‬ماعليكن? هو أعمى فكلن من طعامه واشربن من شرابه وخذن شرعه؛ فبلغ‬
‫‪:‬ذلك الحسن البصري فعابه وهتف بشار؛ فبلغه ذلك ‪-‬وكان بشار يسمى الحسن البصري القس‪-‬فقال‬
‫ق علي بالبردان خمسـا‬ ‫لما طلعن مـن الـرقـي‬
‫تحت الثياب زففن شمسا‬ ‫وكـأنـهــن أهـــلة‬
‫وغمسن في الجادي غمسا صوت‬ ‫باكرن عطـر لـطـيمة‬

‫وأصخن مايهمسن همسـا‬ ‫لما طلعن حـفـفـنـهـا‬


‫ت فقلت مايؤوين إنـسـا‬ ‫فسألتني من فـي الـبـيو‬
‫ت طمسن عنا اليوم طمسا‬ ‫ليت العـيون الـطـارف‬
‫ث لذاذة وخرجن ملـسـا‬ ‫فأصبن من طرف الحـدي‬
‫ياقس كنت كأنت قـسـا غنى في هذه البيات يحيى المكي‪ ،‬ولحنه رمل بالبنصر عن‬ ‫لول تعـرضـهـن لـي‬
‫عمرو نهاه مالك بن دينار عن التشبب بالنساء‬
‫‪:‬فقال شعرا‬
‫أخبرنا يحيى قال حدثني العنزي قال حدثنا علي بن محمد قال حدثني جعفر بن محمد النوفلي‪-‬وكان يروي شعر بشار بن برد‬
‫‪-‬قال‪ :‬جئت بشارا ذات يوم فحدثني‪ ،‬قال‪ :‬ماشعرت منذ أيام إل بقارع يقرع بابي مع الصبح‪ ،‬فقلت‪ :‬ياجارية انظري من هذا‪،‬‬
‫فرجعت إلي وقالت‪ :‬هذا مالك بن دينار؛ فقلت‪ :‬ماهو من أشكالي ولأضرابي‪ ،‬ثم قلت‪ :‬ائذني له‪ ،‬فدخل فقال‪ :‬يا أبا معاذ‪،‬‬
‫‪:‬أتشتم أعراض الناس وتشبب بنسائهم? فلم يكن عندي إل أن دفعت عن نفسي وقلت‪ :‬لأعود‪ ،‬فخرج عني‪ ،‬وقلت في أثره‬
‫علي ومابات من بـالـية‬ ‫غدا مالك بـمـلمـاتـه‬
‫من الحور محظوظة عالية‬ ‫تناول خودا هضيم الحشـي‬
‫فقبلك أعـييت عـذالـية‬ ‫فقلت دع اللوم في حبـهـا‬
‫غداة تقول لها الجـالـية‬ ‫وإني لكتمـهـم سـرهـا‬
‫وكنت معطـرة حـالـيه‬ ‫عبيدة مالـك مـسـلـوبة‬
‫رهنت المرعث خلخالـيه‬ ‫فقلت على رقبة‪ :‬إنـنـي‬
‫ولو أجلب الناس أحوالـيه شعره في محبوبته فاطمة‬ ‫بمجلس يوم سـأوفـي بـه‬
‫أخبرنا يحيى بن علي قال حدثنا العنزي قال حدثني السميدع بن محمد الزدي قال حدثني عبد الرحمن بن لجهم عن هشام‬
‫الكلبي قال‪ :‬كان أول بدء بشار أنه عشق جارية يقال لها فاطمة ‪ ،‬وكان قد كف وذهب بصره‪ ،‬فسمعها تغني فهويها وأنشأ‬
‫‪:‬يقول‬
‫مازها الناجر من بين الـدرر‬ ‫درة بـحـرية مـكـنــونة‬
‫هل يجيد النعت مكفوف البصر‬ ‫عجبت فطمة من نعتي لـهـا‬
‫ووشاحي حله مكفوف البصر‬ ‫أمـتـا بـدد هـذا لـعـبـي‬
‫علنا في خلوة نقضي الوطـر‬ ‫فدعـينـي مـعـه ياأمــت‬
‫واعتراها كجنون مسـتـعـر‬ ‫أقبلت مغضبة تـضـربـهـا‬

‫صفحة ‪297 :‬‬

‫دمع عين يغسل الكحل قطر‬ ‫بأبي والـلـه مـاأحـسـنـه‬


‫واسألوني اليوم ما طعم السهر عبث به رجل من آل سوار فلم يجبه‬ ‫أيها النوام هـبـوا ويحـكـم‬
‫أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا العنزي قال حدثني خالد بن يويد بن وهب بن جرير قال حدثني أبي عن الحكم‬
‫بن مخلد بن حازم قال‪ :‬مررت أنا ورجل من عكل من أبناء سوار بن عبد الله بقصر أوس‪ ،‬فإذا نحن ببشار في ظل القصر‬
‫وحده‪ ،‬فقال له العكلي‪ :‬لبد لي من أن أعبث ببشار؛ فقلت‪ :‬ويحك‪ ،‬مه لتعرض بنفسك وعرضك؛ فقال‪ :‬إني لأجده في وقت‬
‫أخلي منه في هذا الوقت؛ قال فوقفت ناحية ودنا منه فقال‪ :‬يابشار؛ فقال‪ :‬من هذا الذي ليكنيني ويدعوني باسمي? قال‪:‬‬
‫سأخبرك من أنا‪ ،‬فأخبرني أنت عن أمل‪ :‬أولدتك أعمى أم عميت بعدما ولدتك? قال‪ :‬وماتريد إلى ذلك? قال‪ :‬وددت أنه فسح‬
‫لك في بصرك ساعة لتنظر إلى وجهك في المرآة‪ ،‬فعسى أن تمسك عتن هجاء الناس وتعرف قدرك؛ فقال‪ :‬ويحكم ? من هذا?‬
‫أما أحد يخبرني من هذا? فقال له‪ :‬على رسلك‪ ،‬أنا رجل من عكل وخالي يبيع الفحم بالعبلء فما تقدر أن تقول لي? قال‪:‬‬
‫‪.‬لشيء اذهب‪ ،‬بأبي أنت‪ ،‬في حفظ الله‬
‫مدح خالد البرمكي‬
‫أخبرني علي بن سليمان الخفش قال حدثني هارون علي بن يحيى المنجم قال حدثني علي بن مهدي قال حدثني العباس بن‬
‫خالد البرمكي قال‪ :‬كان الزوار يسمون في قديم الدهر إلى أيام خالد بن برمك السؤال؛ فقال خالد‪ :‬هذا والله اسم استثقله‬
‫لطلب الخير‪ ،‬وأرقع قدر الكريم عن أن يسمي به أمثال هؤلء المؤملين‪ ،‬لن فيهم الشراف والحرار وأبناء النعيم ومن لعله‬
‫‪:‬خير ممن يقصد وأفضل أدبا‪ ،‬ولكنا نسميهم الزوار؛ فقال بشار يمدحه بذلك‬
‫فمجد له مستطرف وأصـيل‬ ‫حذا خالد في فعله حذو برمك‬
‫بلفظ على العدام فيه دلـيل‬ ‫وكان ذوو المال يدعون قبله‬
‫وإن كان فيهم نابة وجـلـيل‬ ‫يسمون بالسؤال في كل موطن‬
‫فأستاره في المجتدين سـدول قال‪ :‬وقال بشار هذا الشعر في مجلس خالد في‬ ‫فسماهم الزوار سترا عليهـم‬
‫‪.‬الساعة التي تكلم خالد بهذا الكلم في أمر الزوار‪ ،‬فأعطاه لكل بيت ألف درهم‬
‫بشار وصديقه تسنيم بن الحواري‬
‫أخبرني عمي قال حدثني محمد بن القاسم بن مهروية قال حدثني أبو شبل عاصم بن وهب قال‪ :‬نهق حمار ذات يوم بقرب‬
‫‪:‬بشار‪ ،‬فخطر بباله فقال‬
‫إل تحرك عرق في است تسنيم قال‪ :‬ولم يرد تسنيما بالهجاء؛ ولكنه لما بلغ إلى‬ ‫ماقام أير حمار فامتل شبـقـا‬
‫قولهك إل تحرق عرق قال‪ :‬في است من? ومر به تسنيم بن الحواري وكان صديقه‪ ،‬فسلم عليه وضحك‪ ،‬فقال‪ :‬في است‬
‫تسنيم علم الله؛ فقال له‪ :‬أيش ويحك?? فأنشده البيت؛ فقال له‪ :‬عليك لعنة الله? فما عندك فرق بين صديقك وعدزك‪ ،‬أي‬
‫شيء حملك على هذا? أل قلت‪ :‬في است حماد الذي هجاك وفضحك وأعياك‪ ،‬ووليست قافيتك على الميم فأعذرك? قال‪:‬‬
‫صدقت والله في هذا كله‪ ،‬ولكن مازلت أقول‪ :‬في است من? في است من? وليخطر ببالبي أحد حتى مررت وسلمت فرزقته؛‬
‫فقال له تسنيم‪ :‬إذا كان هذا جواب السلم عليك فل سلم الله عليك ولعلي حين سلمت عليك؛ وجعل بشار يضحك ويصفق‬
‫‪.‬بيديه وتسنيم يشتمه‬
‫أخبرنا عيسى بن الحسين قال حدثنا علي بن محمد النوفلي عن عمه قال‪ :‬قالت امرأة لشار‪ :‬ماأدري لم يهابك الناس مع قبح‬
‫الله وجهك? فقال لها بشار‪ :‬ليس من حسنه يهاب السد الملحاة بينه وبين عقبة بن رؤية في حضرة عقبة بن سلم‪ :‬أخبرني‬
‫حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنتا عمر بن شبة قالحدثنا محمد بن الحجاج قال‪ :‬دخل بشار على عقبة بن سلم‪ ،‬فأنشده بعض‬
‫مدائحه فيه زعنده عقبة بن رؤبة ينشده رجزا يمدحه به‪ ،‬فسمعه بشار وجعل يستحسن ماقال إلى أن فرغ؛ ثم أقبل على بشار‬
‫فقال‪ :‬هذا طراز لتحسنه أنت يا أبا معاذ؛ فقال له بشار‪ :‬ألي يقال هذا? أنا والله أرجز منك ومن أبيك وجدك؛ ارحمهم رحمك‬
‫الله ? فقال عقبة‪ :‬أتستخف بي يا أبا معاذ وأنا شاعر ابن شاعر? فقال له بشار‪ :‬فأنت إذا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم‬
‫الرجس وطهرهم تطهيرا؛ ثم خرج من عنده عقبة مغضبا‪ .‬فلما كان من غد غدا على عقبة بن سلم وعنده عقبة بن رؤية‪،‬‬
‫‪:‬فأنشده أرجوزته التي مدحه فيها‬

‫صفحة ‪298 :‬‬

‫بالله خبر كيف كنت بعـدي‬ ‫ياطل الحي بذات الـصـمـد‬


‫سقيا لسمـاء ابـنة الشـد‬ ‫أوحشت من دعد وترب دعـد‬
‫كالشمس تحت الزبرج المنقذ‬ ‫قامت تراءى إذ رأتني وحدي‬
‫ثم انثنت كالنفس الـمـرتـد‬ ‫صدت بخد وجلت عـن خـد‬
‫وزاهر من سبـط وجـعـد‬ ‫فنحن من جهد الهوى في جهد‬
‫أفواف نور الحبر المـجـد‬ ‫أهدى له الدهر ولم ستـهـد‬
‫بدلت من ذاك بمى ليجـدي‬ ‫يلقى الضحى ريحانه بسجـد‬
‫ماضر أهل النو ضعف الجد‬ ‫وافق حظا من سعى بـجـد‬
‫وليس للملحف مثـل الـرد‬ ‫الحر يلحى والعصا للعـبـد‬
‫وصاحب كالدمل الـمـمـد‬ ‫والنصف يكفيك من التعـدي‬
‫أرقب منه مثـل يوم الـورد‬ ‫حملته في رقعة من جلـدي‬
‫ومادرى مارغبتي من زهدي‬ ‫حتى مضر غير فقيد الفـقـد‬
‫مفتاح باب الحدث المنـسـد‬ ‫اسلم وحـييت أبـا الـمـلـد‬
‫أغر لباس ثياب الـحـمـد‬ ‫مشترك النيل وري الـزنـد‬
‫ثم ثناه مـثـل ريح الـورد‬ ‫ماكان مني لـك غـير الـود‬
‫فالبس طرازي غير مستـرد‬ ‫نسجته في محكمـات الـنـد‬
‫وفي بني قحطان غير عـد‬ ‫للـه أيامـك فـي مـعــد‬
‫ومثله أودعت أرض الهنـد‬ ‫يوما بذي طخفة عند الـحـد‬
‫والمقربات المبعدات الجـرد‬ ‫بالمرهفات والحديد الـسـرد‬
‫تلحم أمرا وأمورا تـسـدي‬ ‫إذا الحيا أكدى بها لتـكـدي‬
‫أصم ليسمع صوت الرعـد‬ ‫وابن حكـيم إن أتـاك يردي‬
‫فانهد مثل الجبل المـنـهـد‬ ‫حييته بـتـحـفة الـمـعـد‬
‫ورب ذي تاج كريم الـجـد‬ ‫كل امرىء رهن بمـا يؤدي‬
‫أنكب جاف عن سبيل القصد‬ ‫كآل كـسـرى وكـآل بـرد‬
‫فصلته عن ماله والـولـد فطرب عقبة بن سلم وأجزل صلته‪ ،‬وقام عقبة بن رؤبة فخرج عن المجلس بخزي‪ ،‬وهرب من تحت‬
‫‪.‬ليلته فلم يعد إليه‬
‫وذكر لي أبو دلف هاشم بن محمد الخزاعي هذا الخبر عن الجاحظ‪ ،‬وزاد فيه الجاحظ قال‪ :‬فانظر إلى سوء أدب عقبة بن رؤية‬
‫وقد أجمل بشار محضره وعشرته‪ ،‬فقابله بهذه المقابلة القبيحة‪ ،‬وكان أبوه أعلم خلق الله به‪ ،‬لنه قال له وقد فاخره بشعره‪:‬‬
‫أنت يابني ذهبان الشعر إذا مت مات شعرك معك‪ ،‬فلم يوجد من يرويه بعدك؛ فكان كما قال له‪ ،‬مايعرف به بين واحد ولخبر‬
‫‪.‬غير هذا الخبر القبيح الخبار عنه الدال على سخفه وسقوطه وسوء أدبه‬
‫كان يهوى امرأة من البصرة‬
‫‪:‬وقال فيها الشعر لما رحلت‬
‫أخبرني هاشم بن محمد قال حدثنا أبو غسان دماذ قال حدثنا أبو عبيدة قال‪ :‬كان بشار يهوى امرأة من أهل البصرة ثقال‬
‫لهاعبيدة‪ ،‬فخرجت عن البصرة إلى عمان مع زوجها‪ ،‬فقال بشار فيها‪ :‬صوت‬

‫وأشفى لقلبي أن تهب جنوب‬ ‫هوى صاحبي ريح الشمـال‬


‫تناهى وفبها من عبيدة طيب‬ ‫وماذاك إل أنها حين تنتـهـي‬
‫سفاها وما في العاذلين لبيب صوت‬ ‫عذيري من العذال إذ يعذلونني‬

‫فقلت وهل للعاشقين قـلـوب‬ ‫يقولون لو عزيت قلبك لرعوى‬


‫مكب كأني في الجميع غريب بشار زأبو الشمقمق‪ :‬أخبرني هاشم قال حدثني‬ ‫إذا نطق القوم الجلوس فإننـي‬
‫دماذ حدثني رجل من النصار قال‪ :‬جاء أبو الشمقمق إلى بشار يشكو إليه الضيقة ويحلف له أنه ماعنده شيء؛ فقال له بشار‪:‬‬
‫والله ماعندي شيء يغنيك ولكن قم معي إلى عقبة بن سلم‪ ،‬فقام معه فذكر له أبا الشمقمق وقال‪ :‬هو شاعر وله شكر وثناء‪،‬‬
‫‪:‬فأمر له بخمسمائة درهم؛ فقال له بشار‬
‫أمسى وليس له نظير‬ ‫ياواحد العرب الـذي‬
‫ماكان في الدنيا فقير فأمر للبشار بألفي درهم‪ ،‬فقال له أبو الشمقمق‪ :‬نفعتنا ونفعناك يا‬ ‫لوكان مثلـك آخـر‬
‫‪.‬أبا معاذ‪ ،‬فجعل بشار يضحك‬
‫بشار وأبو جعفر المنصور‬
‫أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال دحثنا زكريا بن يحيى أبو السكين الطائي قال حدثني زحر‬
‫‪:‬بن حصن قال‬

‫صفحة ‪299 :‬‬

‫حج المنصور فاستقبلناه بالرضم الذي بين زبالة والشقوق‪ ،‬فلما رحل من الشقوق رحل أبو السكين فلم يركب القبة وركب‬
‫نجيبا فسار بيننا‪ ،‬فجعلت الشمس تضحك بين عينيه‪ ،‬فقال‪ :‬إني قائل بيتا فمن أجازه وهبت له جبتي هذه؛ فقلنا‪ :‬يقول أمير‬
‫‪:‬المؤمنين‪ ،‬فقال‬
‫يقطع ظهرها ظهر العظاية فبدر بشار العمىفقال‬ ‫‪:‬وهاجرة نصبت لها جبينـي‬
‫على خدي وأقصر واعظـاية فنزع الجبة وهو راكب فدفعها إليه‪ .‬فقلت لبشار‬ ‫وقفت بها القلوص ففاض دمعي‬
‫بعد ذلك‪ :‬مافعلت بالجبة? فقال بشار‪ :‬بعتها والله بأربعمائة دينار كان له شعر غث يعير به‬
‫أخبرني أحمد بن العباس العسكري قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني علي بن محمد النوفلي قالحدثني عبد‬
‫الرحمن بن العباس بن الفضل بن عبد الرحمن بن عياش بن أبي ربيعة عن أبيه قال‪ :‬كان بشار منقطعا إلي وإلى إخوتي فكان‬
‫يغشانا كثيرا‪ ،‬ثم خرج إبارهيم بن عبد الله فخرج معه عدة منا‪ ،‬فلما قتل إبرايهم توارينا‪ ،‬وحبس المنصور منا عدة من إخوتي‪،‬‬
‫فلما ولي المهدي أمن الناس جميعا وأطلق المحبوسين‪ ،‬فقدمت بغداد أناوإخوتي نلتمس أمانا من المهدي‪ ،‬وكان الشعراء‬
‫يجلسون بالليل في مسجد الرصافة ينشدون ويتحدثون‪ ،‬فلم أطلع بشارا على نفسي إل بعد أن أظهر لنا المهدي المان‪ ،‬وكتب‬
‫‪:‬أخي إلى خليفته بالليل‪ ،‬فصحت به‪ :‬يا أبا معاذ من الذي يقول‬
‫ر من حب مواليه فأعرض عني وأخذ في بعض إنشاده شعره‪ ،‬ثم صحتك يا أبا معاذ من‬ ‫أحب الخاتم الحم‬
‫‪:‬الذي يقول‬
‫قصب السكر لعظيم الجمل‬ ‫إن سلمى خلقت من قصـب‬
‫غلب المسك على ريح البص فغضب وصاح‪ :‬من الذي يقرعنا بأشياء كنا نعبث بها في‬ ‫وإذا أدنيت منـهـا بـصـل‬
‫‪:‬الحداثة فهو يعيرنما بها? فتركته ساعة ثم صحت به‪ :‬يا أبا معاذ من الذي يقول‬
‫وأن الذي بيني وبينك ينهج فقال‪ :‬ويحك ? عن مثل هذا فسل‪ ،‬ثم أنشدها حتى‬ ‫أخشاب حقا أن دارك تزعج‬
‫أتى على آخرها‪ ،‬وهي من جيد شعره‪ ،‬وفيه غناء‪ :‬صوت‬

‫ونصف على نار الصبابة ينضج‬ ‫فواكيدا قد أنضج الشوق نصفهـا‬


‫وفي الهودج المحفوف بدر متوج‬ ‫وواحزنا منهن يخففـن هـودجـا‬
‫عليك سلم مـات مـن يتـزوج‬ ‫فإن جئتها بين النساء فقـل لـهـا‬
‫ولكن أحزاني علـيك تـوهـج الغناءلسليم بن سلم رمل بالوسطى‪ .‬ووجدت‬ ‫بكيت ومافي الدمع منك خـلـيفة‬
‫هذا الخبر بخط ابن مهروية فذكر أنه قالهذه القصيدة في امرأة كانت تغشى مجلسه وكان إليها مائل يقال لهاخشابة‪ ،‬فارسية‪،‬‬
‫فزوجت وأخرجت عن البصرة أنشده أبو النضير شعره فاستحسنه‬
‫أخبرني عمي قال حدثني الكراني قال حدثني أبو حاتم‪ :‬قال أبو النضير الشاعر‪ :‬أنشدت بشارا قصيدة لي‪ ،‬فقاللي‪ :‬أيجيئك‬
‫شعرك هذا كلما شئت أم هذا شيء يجيئك في الفينة بعد الفينة إذا تعملت له? فقلت‪ :‬بل هذا شعر يجيئني كلما أردته؛ فقال‬
‫‪.‬لي‪ :‬قل فإنك شارع؛ فقلت له‪ :‬لعلك حابيتني أبا معاذ وتحملت لي؛ فقال‪ :‬أنت أبقاك الله أهون علي من ذلك‬
‫حاول تقبيل جارية لصديق له‬
‫وقال شعرا يعتذر فيه عن ذلك‪ :‬أخبرني عمي قال حدثنا الكراني عن العمري عن عباس بن عباس الزنادي عن رجل من باهلة‬
‫قال‪ :‬كنت عند بشار العمى فأتاه رجل فسلم عليه‪ ،‬فسأله عن خبر جارية عنده وقال‪ :‬كيف ابنتي? قال‪ :‬في عافية تدعوك‬
‫اليوم؛ فقال بشار‪ :‬ياباهلي انهض بنا‪ ،‬فجئنا إلى منزل نظيف وفرش سري‪ ،‬فأكلنا‪ ،‬ثم جيء بالنبيذ فشربنا مع الجارية‪ ،‬فلما أراد‬
‫النصراف قامت فأخذت بيد بشار‪ ،‬فلما صارا في الصحن أومأ إليها ليقبلها‪ ،‬فأرسلت يدها من يده‪ ،‬فجعل يجول في العرصة؛‬
‫‪:‬وخرج المولى فقال‪ :‬مالك يا أبا معاذ? فقال‪ :‬أذنبت ذنبا ولأبرح أو أقول شعرا‪ ،‬فقال‬
‫واستغفر الله من فعـلـتـي‬ ‫أتوب إلـيك مـن الـسـيئات‬
‫على جهل أمري وفي سكرتي‬ ‫تناولـت مـالـم أرد نـيلـه‬
‫لعمد ولكان من هـمـتـي‬ ‫ووالـلـه مـاجـــئتـــه‬
‫وعذبني الله فـي مـيتـتـي‬ ‫وإل فـمـت إذا ضـائعــا‬
‫فل بارك الله في قبـلـتـي كتب شعرا على باب عقبة يستنجزه وعده‬ ‫فما نال خيرا عـلـى قـبـلة‬

‫صفحة ‪300 :‬‬

‫‪:‬اخبرنا هاشم بن محمد الزاعي قال حدثنا الرياشي عن الصمعي قال‪ :‬لما أنشد بشار أرجوزته‬
‫ياطلل الحي بذات الصمد أبا الملد عقبة بن سلم أمر له بخمسين ألف درهم‪ ،‬فأخرها عنه وكيله ثلثة أيام‪ ،‬فأمر غلمه بشار‬
‫‪:‬أن يكتب علي باب عقبة بن نافع عن يمين الباب‬
‫والوعد غم فأزح من غمـي‬ ‫مازال مامنيتني مـن هـمـي‬
‫إن لم ترد حمدي فراقب ذمي فلما خرج عقبة رأى ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬هذه من فعلت بشار‪ ،‬ثم دعا بالقهرمان‪ ،‬فقال‪ :‬هل حملت‬
‫إلى بشار ماأمرت له به‪ ?.‬فقال‪ :‬أيها المير نحن مضيقون وغدا أحملها إليه؛ فقال‪ :‬زد فيها عشرة آلف درهم واحملها إليه‬
‫‪.‬الساعة؛ فحملها من وقته‬
‫نهي المهدي له عن التشبيب بالنساء‬
‫‪:‬وسبب ذلك‬
‫أخبرني هاشم قال حدثنا أبو غسان دماذ قال‪ :‬سألت أبا عبيدة عن السبب الذي من أجله نهى المهدي بشارا عن ذكر النساء‬
‫قال‪ :‬كان أول ذلك استهتارا نساء البصرة وسبانها بشعره‪ ،‬حتى قال سةار بن عبد الله الكبر ومالك بن دينار؛ ماشيء أدعى‬
‫لهل هذه المدينة إلى الفسق من أشعار هذا العمى؛ ومازال يعظانه؛ وكان واصل بن عطاء يقول‪ :‬إن من أخدع حبائل‬
‫الشيطان وأغواها لكلمات هذا العمى الملحد‪ .‬فلما كثر ذلك وانتهى خبره من وجوه كثيرة إلى المهدي‪ ،‬وأنشد المهدي مالمدحه‬
‫به‪ ،‬نهاه عن ذكر النساء وقول التشبيب‪ ،‬وكان المهدي من أشد الناس غيرة؛ قال‪ :‬فقلت له‪ :‬ماأحسب شعر هذاأبلغ في هذه‬
‫المعاني من شعر كثير وجميل وعروة بن جزام وقيس ين ذريح وتلك الطبقة؛ فقال‪ :‬ليس كل من يسمع تلك الشعار يعرف‬
‫المراد منها‪ ،‬وبشار يقارب النساء حتى ليخفى عليهن مايقول ومايري‪ ،‬وأي حرة حصان تسمع قول بشار فل يؤثر في قلبها‪،‬‬
‫‪:‬فكيف بالمرأة الغزلة والفتاة التي لهم لها إل الرجال ثم أنشد قوله‬
‫والـنـوم فـي غـير كـنـهـن صـــجـــر‬ ‫قد لمـنـي فـي خـلـيلـتـــي عـــمـــر‬
‫قد شـاع فـي الـنـاس مـنـكـمـا الـخـبــر‬ ‫قال أفـق قـلـت ل فـــقـــال بـــلـــى‬
‫قلت وإذ شاع مااعتذارك مما ليس لي فيه عندهم عذر‬
‫لوأنـهـم فـي عـيوبــهـــم نـــظـــروا‬ ‫ماذا عليهم ومالهم خرسوا‬
‫كالـتـرك تـغـزو فـتـؤخـذ الـــحـــزر‬ ‫أعــشـــق وحـــدي ويؤخـــذون بـــه‬
‫بفـي الـذي لم فـي الـهـوى الـحــجـــر‬ ‫ياعـجـبـا لـلـخـــلف ياعـــجـــبـــا‬
‫منـي ومـنـه الـحـديث والـــنـــظـــر‬ ‫حسـبـي وحـسـب الـي كـلــفـــت بـــه‬
‫بأس إذا لـــم تـــحـــل لـــــس الزر‬ ‫أو قــبـــلة فـــي خـــلل ذاك ومـــا‬
‫فوق ذراعـي مـن عــضـــهـــا أثـــر‬ ‫أو عـضة فــي ذراعـــهـــا ولـــهـــا‬
‫والـبـاب قـد حـال دونـه الـــســـتـــر‬ ‫أو لـمـسة دون مـــرطـــهـــا بـــيدي‬
‫أو مـص ريق وقـد عــل الـــبـــهـــر‬ ‫والـسـاق بـراقة مـخـلــخـــلـــهـــا‬
‫لت إيه عـنـي والـدمـع مـــنـــحـــدر‬ ‫واسـتـرخـت الـكـف لــلـــعـــراك وق‬
‫أنـــت وربـــي مـــغـــازل أشـــر‬ ‫انـهـض فـمـا أنـت كـالـذي زعـــمـــوا‬
‫والـلـه لـي مـنـك فـيك ينـــتـــصـــر‬ ‫قد غـابـت الـيوم عـنـك حـاضـنـــتـــي‬
‫من فـاسـق جـاء مـــابـــه ســـكـــر‬ ‫يارب خـذ لـي فـقـد تــرى ضـــرعـــي‬
‫ذو قـوة مـــايطـــاق مـــقـــتـــدر‬ ‫أهـوى إلـى مـعـضـدي فــرضـــضـــه‬
‫ذات ســـواد كـــأنـــهـــا البــــر‬ ‫ألـثـق بـي لـحـية لــه خـــشـــنـــت‬
‫ويلـي عـلـيهـم لـوأنـهــم حـــضـــروا‬ ‫حتـى عـلنـــي وأســـرتـــي غـــيب‬
‫فاذهـب فـأنـت الـمـسـاور الـظـــفـــر‬ ‫أقـسـم بـالـلـه لنـــجـــوت بـــهـــا‬
‫أم كـيف إن شـاع مـنـك ذا الــخـــبـــر‬ ‫كيف بـــأمـــي إذا رأت شـــفـــتـــي‬
‫منـك فـــمـــاذا أقـــول ياعـــبـــر‬ ‫قد كـنـت أخـشـى الـذي ابـتـلـــيت بـــه‬
‫لبـأس إنــي مـــجـــرب خـــبـــر‬ ‫قلـت لـهـا عـنــد ذاك ياســـكـــنـــي‬
‫إن كـان فـي الـبـق مـالـــه ظـــفـــر ثم قال له‪ :‬بمثل هذا الشرع تميل‬ ‫قولـي لـهـا بـقة لـــهـــا ظـــفـــر‬
‫القلوب ويلين الصعب قال دماذ قال لي أبو عبيدة‪ :‬قال رجل يوما لبشار في المسجد الجامع يعابثه‪ :‬يا أبا معاذ‪ ،‬أيعجبك الغلم‬
‫‪.‬الجادل? فقال غير محتشم ولمكترث‪ :‬ل‪ ،‬ولكن تعجبني أمه‬
‫ورد على خالد البرمكي بفارس وامتدحه‬
‫‪:‬أخبرني عمي قال حدثنا العنزي قال حدثنا محمد بن سهل عن محمد بن الحجاج قال‬

You might also like