You are on page 1of 202

‫صفحة ‪2100 :‬‬

‫وحال من دونها السلم والحـرج‬ ‫إن كانت الخمر قد عزت وقد منعت‬
‫ريا وأطرب أحـيانـا وأمـتـزج‬ ‫فقد أباكرها صرفـا وأمـزجـهـا‬
‫خود إذا رفعت في صوتها غنـج‬ ‫وقد تقوم على رأسـي مـنـعـمة‬
‫كما يطم ذباب الروضة الـهـزج يرد على امرأة ظنت أنه فر من المعركة‬ ‫ترفع الصوت أحيانا وتخـفـضـه‬
‫أخبرني الجوهري والمهلبي قال‪ :‬حدثنا عمر بن شبة وقال‪ :‬لما انصرف أبو محجن ليعود إلى محبسه رأته امرأة فظنته منهزما؛‬
‫‪:‬فأنشأت تعيره بفراره‬
‫رمحا إذا نزلوا بمن الصفـر فقال لها أبو محجن‬ ‫‪:‬من فارس كره الطعان يعيرني‬
‫فدعي الرماح لهلها وتعطري يرثي أبا عبيد بعد أن قتله الفيل‬ ‫إن الكرام على الجياد مبيتـهـم‬
‫وذكر السري‪ ،‬عن شعيب‪ ،‬عن سيف في خبره‪ ،‬ووافقته رواية ابن العرابي عن المفضل‪ :‬أن الناس لما التقوا مع العجم يوم‬
‫قس الناطف‪ ،‬كان مع العاجم فيل يكر عليهم؛ فل تقوم له الخيل؛ فقال أبو عبيد بن مسعود‪ :‬هل له مقتل? فقيل له‪ :‬نعم؛‬
‫خرطومه إل أنه ل يفلت منه من ضرب؛ قال‪ :‬فأنا أهب نفسي لله‪ ،‬وكمن له حتى إذا أقبل وثب إليه فضرب خرطومه بالسيف؛‬
‫‪:‬فرمى به‪ ،‬ثم شد عليه الفيل فقتله‪ ،‬ثم استدار فطحن العاجم وانهزموا‪ ،‬فقال أبو محجن الثقفي يرثي أبا عبيد‬
‫ومن دون مسراها فياف مجاهـل‬ ‫أنى تسـدت نـحـونـا أم يوسـف‬
‫وغودر أفراس لـهـم ورواحـل‬ ‫إلى فتية بالطف نيلت سـراتـهـم‬
‫وقد كان يغشاها الضعاف الرامل‬ ‫وأضحى أبو جبر خـلء بـيوتـه‬
‫إلى جانب البـيات جـود ونـائل‬ ‫وأضحى بنو عمرو لدى الجسر منهم‬
‫لها أجل لم يأتهـا وهـو عـاجـل‬ ‫وما لمت نفسي فيهم غـير أنـهـا‬
‫إهابي وجادت بالدمـاء البـاجـل‬ ‫وما رمت حتى خرقوا بسلحـهـم‬
‫من النبل يدمى نحرها والشواكـل‬ ‫وحتى رأيت مهـرتـي مـزوئرة‬
‫وصرع حولي الصالحون الماثـل‬ ‫وما رحت حتى كنـت آخـر رائح‬
‫فقلت‪ :‬أل هل منكم اليوم قـافـل‬ ‫?مررت على النصار وسط رحالهم‬
‫وغودر في ألـيس بـكـر ووائل‬ ‫وقربت رواحا وكورا ونـمـرقـا‬
‫رداي وما يدرون ما الله فـاعـل يقسم أن ل يشرب الخمر أبدا‬ ‫أل لعـن الـلـه الـذين يسـرهـم‬
‫‪:‬قال الخفش في روايته‪ ،‬عن الحول‪ ،‬عن ابن العرابي‪ ،‬عن المفضل‪ :‬قال أبو محجن في تركه الخمر‬
‫مناقب تهلك الرجل الحليما‬ ‫رأيت الخمر صالحة وفيها‬
‫ول أسقي باه أبدا نـديمـا معاوية وابن أبي محجن‬ ‫فل والله أشربها حـياتـي‬
‫أخبرني عمي قال‪ :‬حدثنا محمد بن سعد الكراني قال‪ :‬حدثنا العمري‪ ،‬عن لقيط‪ ،‬عن الهيثم بن عدي‪ .‬وأخبرني محمد بن‬
‫الحسن بن دريد قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن ابن أخي الصمعي عن عمه‪ ،‬وأخبرني إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة قالوا‪ :‬دخل ابن‬
‫‪:‬أبي محجن على معاوية‪ ،‬فقال له‪ :‬أليس أبوك الذي يقول‬
‫تروي عظامي بعد موتي عروقها‬ ‫إذا مت فادفني إلى أصل كـرمة‬
‫أخاف إذا ما مـت أل أذوقـهـا فقال ابن أبي محجن‪ :‬لو شئت لذكرت ما هو‬ ‫ول تدفنني بالـفـلة فـإنـنـي‬
‫‪:‬أحسن من هذا من شعره؛ قال‪ :‬وما ذاك? قال‪ :‬قوله‬
‫وسـائلـي الـنـاس مـا فـعـلـي ومـا خـلـقـــي‬ ‫ل تـسـألـي الـنـاس عـن مـالـي وكـثـــرتـــه‬
‫وعـامـل الـرمـح أرويه مــن الـــعـــلـــق‬ ‫أعـطـي الـسـنـان غـداة الـروع حــصـــتـــه‬
‫وأحـفـظ الـسـر فـيه ضــربة الـــعـــنـــق‬ ‫وأطـعـن الـطـعـنة الـنـجـلء عـــن عـــرض‬
‫عف المطالب عما لست نائلهوإن ظلرمت شديد الحق والحنق‬
‫وقـد أكـر وراء الـمـحـــجـــر الـــبـــرق‬ ‫وقد أجود وما لي بذي فنع‬
‫إذا سـمـا بـصـر الـرعــديدة الـــشـــفـــق‬ ‫والـقـوم أعـلـم أنـي مـــن ســـراتـــهـــم‬
‫وقـد يثـوب سـوام الـعـاجــز الـــحـــمـــق‬ ‫قد يعـسـر الـمـرء حـينـــا وهـــو ذو كـــرم‬
‫ويكـتـسـي الـعـود بـن الـيبــس بـــالـــورق‬ ‫سيكـثـر الـمـال يومـا بـعـــد قـــلـــتـــه‬

‫صفحة ‪2101 :‬‬

‫‪.‬فقال معاوية‪ :‬لئن كنا أسأنا لك القول لنخسنن لك الصفد ‪ ،‬ثم أجزل جائزته وقال‪ :‬إذا ولدت النساء فلتلد ملك‬
‫عمر بن الخطاب يحده وجماعة‬
‫من أصحابه في شربهم الخمر‬
‫أخبرني الحسن بن علي وعيسى بن الحسين الوراق‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني صالح بن عبد الرحمن الهاشمي‪ ،‬عن‬
‫العمري‪ ،‬عن العتبي‪ ،‬قال‪ :‬أيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه بجماعة فيهم أبو محجن الثقفي وقد شربوا الخمر‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫أشربتم الخمر بعد أن حرمها الله ورسوله‪ ،‬فقالوا‪ :‬ما حرمها الله ول رسوله؛ إن الله تعالى يقول‪( :‬ليس على الذين آمنوا‬
‫وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات) ؛ فقال عمر لصحابه‪ :‬ما ترون فيهم? فاختلفوا فيهم‬
‫فبعث إلى علي بن أبي طالب عليه السلم فشاوره؛ فقال علي‪ :‬إن كانت هذه الية كما يقولون فينبغي أن يستحلوا الميتة‬
‫والدم ولحم الخنزير؛ فسكتوا‪ ،‬فقال عمر لعلي‪ :‬ما ترى فيهم? قال‪ :‬أرى إن كانوا شربوها مستحلين لها أن يقتلوا‪ ،‬وإن كانوا‬
‫شربوها وهم يؤمنين أنها حرام أن يحدوا‪ ،‬فسألهم؛ فقال‪ :‬والله ما شككنا في أنها حرام‪ ،‬ولكنا قدرها أن لنا نجاة فيما قلناه‪،‬‬
‫‪:‬فجعل يحدهم رجل رجل‪ ،‬وهم يخرجون حتى انتهى إلى أبي محجن‪ ،‬فلما جلده أنشأ يقول‬
‫ول يستطيع المرء صرف المقادر‬ ‫ألم تر أن الدهر يعثر بالـفـتـى‬
‫لحادث دهر في الحكومة جـائر‬ ‫صبرت فلم أجزع ولم أك كـائعـا‬
‫ولست عن الصهباء يوما بصابـر‬ ‫وإني لذو صبر وقد مات إخوتـي‬
‫فخلنها يبكون حول المعـاصـر فلما سمع عمر قوله‬ ‫‪:‬رماها أمير المؤمنين بحتـفـهـا‬
‫ولست عن الصهباء يوما بصابر قال‪ :‬قد أبديت ما في نفسك ولزيدنك عقوبة لصرارك على شرب الخمر؛ فقال له علي عليه‬
‫السلم‪ :‬ما ذلك لك‪ ،‬وما يجوز أن تعاقب رجل قال‪ :‬لفعلن وهو لم يفعل‪ ،‬وقد قال الله في سورة الشعراء‪( :‬وأنهم يقولون ما ل‬
‫يفعلون) ‪ ،‬فقال عمر‪ :‬قد استثنى الله منهم قوما فقال‪( :‬إل الذين آمنوا وعملوا الصالحات) ‪ .‬فقال علي عليه السلم‪ :‬أفهؤلء‬
‫‪(.‬عندك منهم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪( :‬ل يشرب العبد الخمر حين يشربها وهو مؤمن‬
‫قبره في أذربيجان نبتت عليه كرمة‬
‫أخبرنا محمد بن خلف بن المرزبان‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن الهيثم بن فراس‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا العمري‪ ،‬عن الهيثم بن عدي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أخبرني من مر بقبر أبي محجن الثقفي في نواحي أذربيجان ‪-‬أو قال في نواحي جرجان‪ -‬فرأيت قبره وقد نبتت عليه ثلثة‬
‫أصول كرم قد طالت وأثمرت وهي معروشة‪ ،‬وعلى قبره مكتوب‪ :‬هذا قبر أبي محجن الثقفي‪ ،‬فوقفت طويل أتعجب مما اتفق‬
‫‪:‬له حتى صار كأمنية بلغها حيث يقول‬
‫تروي عظامي بعد موتي عروقها‬ ‫إذا مت فادفني إلى أصل كـرمة‬
‫صوت‬

‫ول الشمس إل حاجبي بيمينـي‬ ‫أل يا لقومي ل أرى النجم طالعا‬


‫فجل نكيري أن أقول ذرينـي‬ ‫معزيتي خلف القفا بعمـودهـا‬
‫أكون على السرار غير أمين‬ ‫أمين على أسرارهن وقـد أرى‬
‫مع الظعن ل يأتي المحل لحين عروضه من الطويل؛ والمعزية‪ :‬امرأة تكون مع‬ ‫فللموت خير من حداج موطـأ‬
‫‪.‬الشيخ الخرف تكلؤه‪ .‬وقوله‪ :‬أمين على أسرارهن‬
‫أي أن النساء صرن يتحدثن بين يدي بأسرارهن‪ ،‬ويفعلن ما كن قبل ذلك يرهبنني فيه؛ لني ل أضرهن‪ .‬والحداج والحذج‪ :‬مركب‬
‫‪.‬من مراكب النساء‬
‫الشعر لزهير بن جناب الكلبي‪ ،‬والغناء لهل مكة‪ ،‬ولحنه من خفيف الثقيل الول بالوسطى عن الهشامي وحبش‪ ،‬وفيه لحنين‬
‫‪.‬ثاني ثقيل بالوسطى‬

‫أخبار زهير بن جناب ونسبه‬


‫نسبه‬
‫زهير بن جناب بن هبل بن عبد الله بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللت بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن‬
‫‪.‬تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة‬
‫شاعر جاهلي‪،‬وهو أحد المعمرين‪ ،‬وكان سيد بني كلب وقائدهم في حروبهم‪ ،‬وكان شجاعا مظفرا ميمون النقيبة في غزواته‪،‬‬
‫‪.‬وهو أحد من مل عمره فشرب الخمر صرفا حتى قتلته‬
‫ولم يوجد شاعر في الجاهلية والسلم ولد من الشعراء أكثر ممن ولد زهير‪ ،‬وسأذكر أسماءهم وشيئا من شعرهم بعقب ذكر‬
‫‪.‬خبره إن شاء الله تعالى‬
‫سبب غزوه غطفان‬

‫صفحة ‪2102 :‬‬

‫قال ابن العرابي‪ :‬كان سبب غزوة زهير بن جناب غطفان أن بني بغيض حين خرجوا من تهامة ساروا بأجمعهم‪ ،‬فتعرضت لهم‬
‫صداء وهي قبيلة من مذحج‪ ،‬فقاتلوهم وبنو بغيض سائرون بأهليهم ونسائهم وأموالهم‪ ،‬فقاتلوا عن حريمهم فظهروا على صداء‬
‫فأوجعوا فيهم ونكأوا ‪ ،‬وعزت بنو بغيض بذلك وأثرت وأصابت غنائم؛ فلما رأوا ذلك قالوا‪ :‬أما والله لنتخذن حرما مثل حرم مكة‬
‫‪.‬ل يقتل صيده‪ ،‬ول يعضد شجره‪ ،‬ول يهاج عائذه ‪ ،‬فوليت ذلك بنو مرة بن عوف‬
‫ثم كان القائم على أمر الحرم وبناء حائطه رياح بن ظالم‪ ،‬ففعلوا ذلك وهم على ماء لهم يقال له بس وبلغ فعلهم وما أجمعوا‬
‫‪.‬عليه زهير بن جناب وهو يومئذ سيد بني كلب؛ فقال‪ :‬والله ليكون ذلك أبدا وأنا حي‪ ،‬ول أخلي غطفان تتخذ حرما أبدا‬
‫‪.‬قبل فارسهم السير ورد نساءهم وقال شعرا في ذلك‬
‫فنادى في قومه فاجتمعوا إليه فقام فيهم‪ ،‬فذكر حال غطفان وما بلغه عنها؛ وأن أكرم مأثرة يعتقدها هو وقومه أن يمنعوهم‬
‫من ذلك وحولوا بينهم‪ ،‬فأجابوه‪ ،‬واستمد بني القين من جشم فأبعوا أن يغزوا معه‪ ،‬فسار في قومه حتى غزا غطفان؛ فقاتلهم‬
‫فظفر بهم زهير وأصاب حاجته فيهم‪ ،‬وأخذ فارسا منهم أسيرا في حرمهم الذي بنوه‪ ،‬فقال لبعض أصحابه‪ :‬اضرب رقبته‪ ،‬فقال‪،‬‬
‫‪.‬إنه بسل فقال زهير‪ :‬وأبيك ما بسل علي بحرام‬
‫‪:‬ثم قام إليه فضرب عنقه وعطل ذلك الحرم؛ ثم من على غطفان ورد النساء واستاق الموال؛ وقال زهير في ذلك‬
‫تلقينا وأحـرزت الـنـسـاء‬ ‫ولم تصبر لنا غطفـان لـمـا‬
‫إلى عذراء شيمتهـا الـحـياة‬ ‫فلول الفضل منا ما رجعـتـم‬
‫لدى الهيجاء كان لـه غـنـاء‬ ‫وكم غادرتـم بـطـل كـمـيا‬
‫وأوتارا ودونـكـم الـلـقـاء‬ ‫فدونكم ديونا فـاطـلـبـوهـا‬
‫ليوث حين يحتضـر الـلـواء‬ ‫فإنا حيث لنخفـي عـلـيكـم‬
‫وما غطفان والرض الفضاء‬ ‫فخلى بعدها غطـفـان بـسـا‬
‫فضاء الرض والماء الـرواء‬ ‫فقد أضحى لحي بني جـنـاب‬
‫وعند الطعن يختبر الـلـقـاء‬ ‫ويصدق طعننـا فـي كـل يوم‬
‫بأرماح أسنـتـهـا ظـمـاء‬ ‫نفينا نـخـوة العـداء عـنـا‬
‫لقينا مثل ما لـقـيت صـداء‬ ‫ولول صبرنا يوم الـتـقـينـا‬
‫وصدق الطعن للنوكى شفـاء‬ ‫غداة تعرضوا لبنـي بـغـيض‬
‫على آثار من ذهب العـفـاء‬ ‫وقد هربت حذار الموت قـين‬
‫فأخلفنا من أخوتنـا الـرجـاء‬ ‫وقد كنـا رجـونـا أن يمـدوا‬
‫حلب النيب والمرعى الضراء طعنه ابن زيابة وظن أنه مات فحمل إلى قومه‬ ‫وألهى القين عن نصر الموالي‬
‫وعوفي وقال أبو عمرو الشيباني‪ :‬كان أبرهة حين طلع نجدا أتاه زهير بن جناب‪ ،‬فأكرمه أبرهة وفضله على من أتاه من العرب‪،‬‬
‫ثم أمره على ابني وائل‪ :‬تغلب وبكر‪ ،‬فوليهم حتى أصابتهم سنة شديدة‪ ،‬فاشتد عليهم ما يطلب منهم زهير‪ ،‬فأقام بهم زهير في‬
‫الجدب‪ ،‬ومنعهم من النجعة حتى يؤدوا ما عليهم‪ ،‬فكادت مواشيهم تهلك‪ .‬فلما رأى ذلك ابن زيابه‪-‬أحد بني تيم الله بن ثعلبة‪،‬‬
‫وكان رجل فاتكا‪-‬بيت زهيرا وكان نائما في قبة له من أدم‪ ،‬فدخل فألفى زهيرا نائما‪ ،‬وكان رجل عظيم البطن‪ ،‬فاعتمد التيمي‬
‫بالسيف على بطن زهير حتى أخرجه من ظهره مارقا بين الصفاق‪ ،‬ولمت أعفاج بطنه ‪ ،‬وظن التيمي أنه قد قتله‪ ،‬وعلم زهير‬
‫أنه قد سلم‪ ،‬فتخوف أن يتحرك فيجهز عليه‪ ،‬فسكت‪ .‬وانصرف ابن زيابة إلى قومه‪ ،‬فقال لهم‪ :‬قد‪-‬والله‪-‬قتلت زهيرا‬
‫وكفيتكموه‪ ،‬فسرهم ذلك‪ .‬ولما علم زهير أنه لم يقدم عليه إل عن ملمن قومه بكر وتغلب‪ -‬وإنما مع زهير نفر من قومه بمنزلة‬
‫الشرط‪-‬أمر زهير قومه فغيبوه بين عمودين في ثياب ثم أتوا القوم فقالوا لهم‪ :‬إنكم قد فعلتم بصاحبنا ما فعلتم‪ ،‬فأذنوا لنا في‬
‫‪.‬دفنه‪ ،‬ففعلوا‬
‫شعر ابن زيابة في نبو سيفه عنه فحملوا زهيرا ملفوفا في عمودين والثياب عليه‪ ،‬حتى إذا بعدوا عن القوم أخرجوه فلففوه‬
‫في ثيابه‪ ،‬ثم حفروا حفيرة وعمقوا‪ ،‬ودفنوا فيها العمودين‪ ،‬ثم ساروا ومعهم زهير‪ ،‬فلما بلغ زهير أرض قومه جمع لبكر وتغلب‬
‫‪:‬الجموع‪ ،‬وباغهم أن زهيرا حي‪ ،‬فقال ابن زيابة‬
‫ل زهيرا وقد توافى الخصوم‬ ‫طعنة ما طعنت في غبش اللي‬

‫صفحة ‪2103 :‬‬

‫أين بكر‪ ،‬وأين منها الحلـوم‬ ‫حين تجبي له المواسم بـكـر‬


‫وهو سيف مضلل مـشـؤوم غزا بكرا وتغلب وشعره في ذلك‬ ‫خانني السيف إذ طعنت زهيرا‬
‫قال‪ :‬وجمع زهير بني كلب ومن تجمع له من شذاذ العرب والقبائل ‪ ،‬ومن أطاعه من أهل اليمن‪ ،‬فغزا بكرا وتغلب ابني وائل‪،‬‬
‫وهم على ماء يقال له الحبي ‪ ،‬وقد كانوا نذروا به‪ ،‬فقاتلهم قتال شديدا‪ ،‬ثم انهزمت بكر وأسلمت بني تغلب‪ ،‬فقاتلت شيئا من‬
‫قتال ثم انهزمت‪ ،‬وأسر كليب ومهلهل ابنا ربيعة‪ ،‬واستيقت الموال‪ ،‬وقتلت كلب في تغلب قتلى كثيرة‪ ،‬وأسروا جماعة من‬
‫‪:‬فرسانهم ووجوههم‪ ،‬وقال زهير بن جناب في ذلك‬
‫سوق المـاء إلـى الـمـواسـم عــطـــل‬ ‫تبـا لـتـغـلـب أن تـسـاق نـســاؤهـــم‬
‫حتى أسـرن عـلـى الـحـبـي مـهـلـهـل‬ ‫لحـقـت أوائل خـيلـنـا سـرعـانـــهـــم‬
‫إنامهلهلما تطيش رماحناأيام تنقف في يديك الحنظل‬
‫وبـقـيت فـي حـلـق الـحـديد مـكـبــل‬ ‫ولت حماتك هاربين من الوغى‬
‫ولـئن قـتـلـت لـقـد تـكـون مـؤمـــل وقال أيضا يعير بني تغلب بهذه‬ ‫فلـئن قـهـرت لـقـد أسـرتـك عــنـــوة‬
‫‪:‬الواقعة في قصيدة أولها‬
‫اقفرت من كواعب أتراب يقول فيها‬ ‫‪:‬حي دارا تغيرت بالجنـاب‬
‫ت وإذ يتـقـون بـالسـلب‬ ‫أين أين الفرار من حذر الـمـو‬
‫وابن عمرو في القد وابن شهاب‬ ‫إذ أسرنا مـهـلـهـل وأخـاه‬
‫ء رقود الضحى برود الرضاب‬ ‫وسبينا من تغلب كـل بـيضـا‬
‫ها أهذي حفيظة الحـسـاب‬ ‫يوم يدعو مهلهـل بـالـبـكـر‬
‫يا بني تغلب أما من ضـراب‬ ‫ويحكم ويحكم أبيح حمـامـكـم‬
‫كشريد النعام فوق الـروابـي‬ ‫وهم هاربـون فـي كـل فـج‬
‫بليوث من عـامـر وجـنـاب‬ ‫واستدارت رحى المنايا علـيهـم‬
‫ذات ظـفـر حـديدة النـياب‬ ‫طحنتهم أرحاؤهـا بـطـحـون‬
‫وقتيل معفـر فـي الـتـراب‬ ‫فهم بـين هـارب لـيس يألـو‬
‫مثل فضل السماء فوق السحاب وفد مع أخيه حارثة أحد ملوك غسان‬ ‫فضل العز عزنا حين نسـمـو‬
‫أخبرني محمد بن الحسن بن دريد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عمي‪ ،‬عن ابن الكلبي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬وفد زهير بن جناب وأخوه حارثة على‬
‫بعض ملوك غسان‪ ،‬فلما دخل عليه حدثاه وأنشداه‪ ،‬فأعجب بهما ونادمهما‪ ،‬فقال يوما لهما‪ :‬إن أمي عليلة شديدة العلة‪ ،‬وقد‬
‫أعياني دواؤها‪ ،‬فهل تعرفان لها دواء? فقال حارثة‪ :‬كميرة حارة ‪-‬وكانت فيه لوثة‪ -‬فقال الملك‪ :‬أي شيء قلت? فقال له زهير‪:‬‬
‫كميئة حارة تطعمها‪ ،‬فوثب الملك ‪-‬وقد فهم الولى والخرة‪ -‬يريهما أنه يأمر بإصلح الكمأة لها‪ ،‬وحلم عن مقالة‪ .‬وقال حارثة‬
‫‪.‬لزهير‪ :‬يا زهير اقلب ما شئت ينقلب‪ ،‬فأرسلها مثل‬
‫ذهب عقله آخره عمره فكان يخرج فيرد‬
‫أخبرني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن أبي سعد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أحمد بن الغيث الباهلي عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬كان من حديث زهير بن‬
‫جناب الكلبي أنه كان قد بلغ عمرا طويل حتى ذهب عقله‪ ،‬وكان يخرج تائها ل يدري أين يذهب‪ ،‬فتلحقه المرأة من أهله والصبي‪،‬‬
‫فترده وتقول له‪ :‬إن أخاف عليك الذئب أن يأكلك‪ ،‬فأين تذهب? فذهب يوما من أيامه‪ ،‬ولحقته ابنة له فردته‪ ،‬فرجع معها وهو‬
‫يهدج كأنه رأل ‪ ،‬وراحت عليهم سماء في الصيف فعلتهم منها بغشة ثم أردفها غيث‪ ،‬فنظر وسمع له الشيخ زجل منكرا‪ .‬فقال‪:‬‬
‫ما هذا يا بنية? فقالت‪ :‬عارض هائل إن أصابنا دون أهلنا هلكنا‪ ،‬فقال‪ :‬انعتيه لي‪ ،‬فقالت‪ :‬أراه منبطحا مسلنطحا ‪ ،‬قد ضاق ذرعا‬
‫وركب ردعا ‪ ،‬ذا هيدب يطير‪ ،‬وهماهم وزفير‪ ،‬ينهض نهض الطير الكسير‪ ،‬عليه مثل شباريق الساج‪ ،‬في ظلمة الليل الداج‪،‬‬
‫‪.‬يتضاحك مثل شعل النيران‪ ،‬تهرب منه الطير‪ ،‬وتوائل منه الحشرة‪ .‬قال‪ :‬أي بنية‪ ،‬وائلي منه إلى عصر قبل أن ل عين ول أثر‬
‫كان يدعى الكاهن لصحة رأيه‬
‫أخبرني محمد بن القاسم النباري‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أحمد بن عبيد‪ ،‬عن ابن الكلبي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن مشيخة من‬
‫‪:‬الكلبيين قالوا‬

‫صفحة ‪2104 :‬‬

‫عاش زهير بن جناب بن هبل بن عبد الله ومائتي سنة أوقع فيها مائتي وقعة في العرب‪ ،‬ولم تجتمع قضاعة إل عليه وعلى حن‬
‫‪.‬بن زيد العذري‪ ،‬ولم يكن في اليمن أشجع ول أخطب ول أوجه عند الملوك من زهير‪ .‬وكان يدعى الكاهن‪ ،‬لصحة رأيه‬
‫عمر حتى مل عمره‪ ،‬وشعره في ذلك‬
‫قال هشام‪ :‬ذكر حماد الراوية أن زهيرا عاش أربعمائة وخمسين سنة‪ ،‬قال‪ :‬وقال الشرقي بن القطامي‪ :‬عاش زهير أربعمائة‬
‫‪:‬سنة‪ ،‬فرأته ابنة له فقالت لبن ابنها‪ :‬خذ بيد جدك‪ ،‬فقال له‪ :‬من أنت? فقال‪ :‬فلن بن فلن بن فلنة‪ ،‬فأنشأ يقول‬
‫أورثتكم مـجـدا بـنـيه‬ ‫أبنـي إن أهـلـك فـقـد‬
‫دات زنـادكـــم وريه‬ ‫وتركتـكـم أبـنـاء سـا‬
‫قد نلـتـه إل الـتـحـيه‬ ‫ولكل مـا نـال الـفـتـى‬
‫فليلكـهـن وبـه بـقـيه‬ ‫والموت خير لـلـفـتـى‬
‫ل وقد تهادى بالـعـشـيه‬ ‫من أن يرى الشيخ البـجـا‬
‫لف توقد فـي طـمـيه‬ ‫ولقد شهدت النـار لـلس‬
‫كوماء ليس لـهـا ولـيه‬ ‫ولقد رحلـت الـبـازل ال‬
‫غير الضعيف ول العـييه‬ ‫وخطبت خطـبة مـاجـد‬
‫قطرين لم يغمز شـظـيه‬ ‫ولقد غدوت بمـشـرف ال‬
‫ب ضحى ومن حمر القفيه‬ ‫فأصبت من بقر الـجـنـا‬
‫‪:‬قال ابن الكلبي‪ :‬وقال زهير في كبره أيضا‬

‫ول الشمس إل حاجبي بيمينـي‬ ‫أل يا لقومي ل أرى النجم طالعا‬


‫فأقصى نكيري أن أقول ذريني‬ ‫معزبتي عند القفا بعـمـودهـا‬
‫أكون على السرار غير أمـين‬ ‫أمين على أسرارهن وقـد أرى‬
‫على الظعن ل يأتي المحل لحين قال‪ :‬وقال زهير أيضا في كبره‬ ‫‪:‬فللموت خير من حداج مـوطـأ‬
‫أمت حين ل تأسى علي العوائد‬ ‫إن تنـسـنـي اليام إل جـللة‬
‫ويأمن كيدي الكاشحون الباعـد قال‪ :‬وقال زهير أيضا‬ ‫‪:‬فيأذى بي الدنى ويشمت بي العد‬
‫احتفي في صباحي أم مسائي‬ ‫لقد عمرت حتى ل أبـالـي‬
‫عليه أن يمل مـن الـثـواء‬ ‫وحق لمن أتت مائتان عامـا‬
‫وبالسلن جمعـا ذا زهـاء‬ ‫شهدت الموقدين على خزازى‬
‫وبعدهم بني ماء السـمـاء خالفه ابن أخيه فشرب الخمر‬ ‫ونادمت الملوك من آل عمرو‬
‫قال ابن الكلب‪ :‬وكان زهير إذا قال‪ :‬أل إن الحي طاعن‪ ،‬ظعنت قضاعة؛ وإذا قال‪ :‬أل أن الحي مقيم‪ ،‬نزلوا وأقاموا‪ .‬فلما أن‬
‫أسن نصب ابن أخيه عبد الله بن عليم للرياسة في كلب‪ ،‬وطمع أن يكون كعمه وتجتمع قضاعة كلها عليه‪ ،‬فقال زهير يوما‪ :‬أل‬
‫إن الحي ظاعن‪ ،‬فقال عبد الله‪ :‬أل إن الحي مقيم‪ ،‬فقال زهير‪ :‬أل إن الحي مقيم‪ ،‬فقال عبد الله‪ :‬أل إن الحي ظاعن‪ ،‬فقال‬
‫زهير‪ :‬من هذا المخالف علي منذ اليوم? فقالوا‪ :‬ابن أخيك عبد الله بن عليم‪ ،‬فقال‪ :‬أعدى الناس للمرء ابن أخيه إل أنه ل يدع‬
‫‪:‬قاتل عمه أو يقتله‪ .‬ثم أنشأ يقول‬
‫ومن هو إن لم تجمع الدار آلف‬ ‫وكيف بمن ل أستطيع فـراقـه‬
‫ويرحل‪ ،‬وإن أرحل يقم ويخالف ثم شرب الخمر صرفا حتى مات‬ ‫‪.‬أمير شقاق إن أقم ل يقم معـي‬
‫‪.‬قال‪ :‬وممن شرب الخمر صرفا حتى مات عمرو بن كلثون التغلبي‪ ،‬وأبو براء عامر بن مالك ملعب السنة‬
‫‪:‬قال هشام ‪ :‬عاش هبل بن عبد الله جد زهير بن جناب ستمائة سنة وسبعين‪ ،‬وهو القائل‬
‫له نـوال ودرور وجـــذل‬ ‫يا رب يوم قد غني فيه هبـل‬
‫‪.‬كأنه في العز عوف أو حجل قال‪ :‬عوف وحجل‪ :‬قبيلتان من كلب‬
‫كان نازل مع الجلح بن عوف‬
‫‪.‬فأنذرته فخالفه الجلح فرحل هو وقال شعرا‬
‫وقال أبو عمر الشيباني‪ :‬كان الجلح بن عوف السحمي قد وطأ لزهير بن جناب وأنزله معه‪ ،‬فلم يزل في جناحه حتى كثر ماله‬
‫وولده‪ ،‬وكانت أخت زهير متزوجة في بني القين بن جسر‪ ،‬فجاء رسولها إلى زهير ومعه برد فيه صرار رمل وشوكة قتاد‪ ،‬فقال‬
‫‪:‬زهير لصحابه‪ :‬أتتكم شوكة شديدة‪ ،‬وعدد كثير فاحتملوا‪ ،‬فقال له الجلح‪ :‬أنحتمل لقول امرأة والله ل نفعل‪ ،‬فقال زهير‬

‫صفحة ‪2105 :‬‬

‫ل عن قلى ولقد تشط بنا النوى‬ ‫أما الجلح فإنني فـارقـتـه‬


‫ولئن أقمت لظعنن على هوى قال‪ :‬فأقام الجلح‪ ،‬وظعن زهير‪ ،‬وصبحهم فقتل‬ ‫فلئن ظعنت لصبحن مخـيمـا‬
‫‪.‬عامة قوم الجلح وذهبوا بماله‬
‫‪.‬قال‪ :‬واسم الجلح عامر بن عوف بن بكر بن عامر بن عوف بن عذرة‬
‫اجتمع مع عشيرته فقصده الجيش‬
‫فهزمهم وقتل رئيسا منهم‬
‫ومضى زهير لوجهه حتى اجتمع مع عشيرته من بني جناب‪ ،‬وبلغ الجيش خبره فقصدوه‪ ،‬فحاربهم وثبت لهم فهزمهم وقتل‬
‫‪:‬رئيسا منهم‪ ،‬فانصرفوا عنه خائبين‪ ،‬فقال زهير‬
‫وقد يمق الطيف الغريب المشوق‬ ‫أمن آل سلمى ذا الخيال المـؤرق‬
‫وما دونها من مهمه الرض يخفق‬ ‫وأنى اهتدت سلمى لوجه محلـنـا‬
‫على ظهرها كور عتيق ونمـرق‬ ‫فلم تر إل هاجعـا عـنـد حـرة‬
‫كما انهل أعلى عارض يتـألـق‬ ‫ولما رأتني والطليح تـبـسـمـت‬
‫لعل بها العاني من الكبل يطـلـق‬ ‫فحـييت عـنـا زودينـا تـحـية‬
‫ونحن لعمري يابنة الخير أشـوق‬ ‫فردت سلما ثـم ولـت بـحـاجة‬
‫لهوت به لو أن رؤياك تـصـدق‬ ‫فيا طيب ما ريا ويا حسن منـظـر‬
‫فعجنا إليها والدمـوع تـرقـرق‬ ‫ويوم أثالى قد عرفت رسـومـهـا‬
‫وتخبرني لو كانت الدار تنـطـق‬ ‫وكادت تبين القول لما سألـتـهـا‬
‫فماء الهوى يرفض أو يترقـرق وقال زهير في هذه القصيدة يذكر خل الجلح‬ ‫فيا دار سلمى هجت للعين عبـرة‬
‫‪:‬عليه‬
‫وإل فأنياب من الحرب تـحـرق‬ ‫أيا قومنا إن تقبلـوا فـانـتـهـوا‬
‫يكاد المدير نحوها الطرف يصعق‬ ‫فجاءوا إلى رجراجة مكفـهـرة‬
‫وموضونة مما أفـاد مـحـرق‬ ‫سيوف وأرمـاح بـأيدي أعــزة‬
‫وقد مار فيه المضرحي المذلـق‬ ‫فما برحوا حتى تركنا رئيسـهـم‬
‫له طعنة نجلء للوجه يشـهـق وقال زهير في ذلك أيضا‬ ‫‪:‬وكائن ترى من ماجد وابن ماجـد‬
‫أم هل منعت من المخزاة جيرانا‬ ‫سائل أميمة عني هل وفيت لهـا‬
‫إن الكريم كريم أينـمـا كـانـا‬ ‫ل يمنع الضيف إل ماجد بطـل‬
‫تكسو الوجوه من المخزاة ألوانا‬ ‫لما أبى جيرتي إل مـصـمـمة‬
‫يفلقن بالبيض تحت النقع أبدانـا‬ ‫لمنا عليهم بورد ل كـفـاء لـه‬
‫كأنما نختلي بالهام خطـبـانـا‬ ‫إذا ارجحنوا علونا هامهم قدمـا‬
‫قد اكتسى ثوبه في النقع ألوانـا‬ ‫كم من كريم هوى للوجه منعفرا‬
‫تبدو ندامته للـقـوم خـزيانـا كل أولده شعراء وهذه نماذج من شعرهم‬ ‫ومن عميد تناهى بعد عثـرتـه‬
‫‪:‬وأما الشعراء من ولد زهير‪ :‬فمنهم مصاد بن أسعد بن جنادة بن صهبان بن امرئ القيس بن زهير بن جناب‪ ،‬وهو القائل‬
‫وقبلك شامتها العيون النـواظ‬ ‫تمنيت أن تلقى لقاح ابن محرز‬
‫وللضيف فيها والصديق معاقر‬ ‫ممنحة في القربين مـنـاخة‬
‫بحالة إذا سدت عليك المصادر ومنهم حريث بن عامر بن الحارث ابن امرئ‬ ‫فهل بني عيناء عاينت جمعهـم‬
‫‪:‬القيس بن زهير بن جناب‪ ،‬وهو القائل‬
‫بأل يتركـوا بـيدي مـال‬ ‫أرى قومي بني قطن أرادوا‬
‫وأوردهم على عجل شلل‬ ‫فإن لم أجزهم غيظاص بغيظ‬
‫ول أغنت بما ولدت قبـال ومنهم الحزنبل بن سلمة بن زهير بن صهبان بن امرئ‬ ‫فليت التغلبية لـم تـلـدنـي‬
‫‪:‬القيس بن زهير بن جناب‪ ،‬وهو القائل‬
‫وضح الهلل على الخمور معذل‬ ‫عبثت بمنخرق القميص كـأنـه‬
‫أزمعت أن تصلي سواء وتبخلي‬ ‫يا سلم ويحك والخليل مـعـاتـب‬
‫غير المشيب على الشباب المبدل‬ ‫لما رأيت بعارضـي ولـمـتـي‬
‫لو تطلبين نـداه لـم يتـعـلـل‬ ‫صرمت حبل فتى يهش إلى الندى‬
‫ونبذ مكرمة الكريم المفـضـل ومنهم غرير بن أبي جابر بن زهير بن جناب‪ ،‬وهو‬ ‫إنا لنصبر عند معترك الـوغـى‬
‫‪:‬القائل‬

‫صفحة ‪2106 :‬‬

‫ت علي ذو النعم الجزيله‬ ‫أبلغ أبـا عـمـرو وأن‬


‫بلدكم وبنـو جـديلـه‬ ‫أنا مـنـعـنـا أن تـذل‬
‫برهم بهم ومعي وصيله‬ ‫وطرقـتـهـم لـيل أخ‬
‫روا في بلدهم الطويله ومنهم عرفجة بن جنادة بن أبي النعمان بن زهير بن جناب‪،‬‬ ‫فصدقتهم خيري فـطـا‬
‫‪:‬وهو القائل‬
‫فمنعرج الوادي عفا فحفـير‬ ‫عفا أبرق العزاف من أم جابر‬
‫كأن لم تربعه أوانس حـور‬ ‫فروض ثوير عن يمين روية‬
‫ظباء الفل في لحظهن فتور ومنهم المسيب بن رفل بن حارثة بن جناب بن قيس‬ ‫رقاق الثنايا والوجوه‪ ،‬كأنهـا‬
‫‪:‬بن امرئ القيس بن أبي جابر بن زهير بن جناب‪ ،‬وهو القائل‬
‫تمنيتم أن يغلب الحق باطـلـه‬ ‫قتلنا يزيد بن المهلب بـعـدمـا‬
‫عن الدين إل من قضاعة قاتله‬ ‫وما كان منكم في العراق منافق‬
‫حسام جل عن شفرتيه صياقله يعني بالفحل ابن عياش بن شمر بن أبي سراحيل‬ ‫تجلله قحل بـأبـيض صـارم‬
‫‪.‬بن غرير بن أبي جابر بن زهير بن جناب‪ ،‬وهو الذي قتل يزيد بن المهلب‬
‫‪.‬ومن بني زهير شعراء كثير‪ ،‬ذكت منهم الفحول دون غيرهم‬

‫صوت‬

‫وتـجـنـى إذا دنـت‬ ‫تدعى الشـوق إن نـأت‬


‫ها فتجزى بما جـنـت‬ ‫سرني لو صبرت عـن‬
‫ربها فـي أنـجـزت‬ ‫إن سلمى لـو اتـقـت‬
‫وسقته حتـى نـبـت الشعر لمسلم بن الوليد‪ ،‬والغناء لعريب خفيف ثقيل‪ .‬وقيل‪ :‬إنه‬ ‫زرعت في الحشا الهوى‬
‫‪.‬لبي العبيس بن حمدون‪ .‬وذكر الهشامي أن لسحاق في‪ :‬إن سلمى‪ ...‬وما بعده من الثقيل الول بالبنصر‬

‫نسب مسلم بن الوليد وأخباره‬


‫نسبه‬
‫‪.‬وهو مسلم بن الوليد‪ ،‬أبوه الوليد مولى النصار ثم مولى أبي أمامة أسعد بن زرارة الخزرجي‬
‫كان يلقب صريع الغواني‬
‫‪.‬يلقب صريع الغواني‪ ،‬شاعر متقدم من شعراء الدولة العباسية‪ ،‬منشؤه ومولده الكوفة‬
‫وهو ‪-‬فيما زعموا‪ -‬أول من قال الشعر المعروف بالبديع‪ ،‬هو لقب هذا الجنس البديع واللطيف ‪ .‬وتبعه فيه جماعة‪ ،‬وأشهرهم‬
‫‪.‬فيه أبو تمام الطائي فإنه جعل شعره كله مذهبا واحدا فيه‪ .‬ومسلم كان متقننا متصرفا في شعره‬
‫أخبرني علي بن سليمان الخفش‪ ،‬قال‪ :‬قال أبو العباس محمد بن يزيد‪ :‬كان مسلم شاعرا حسن النمط‪ ،‬جيد القول في‬
‫‪.‬الشراب ‪ ،‬وكثير من الرواة يقرنه بأبي نواس في هذا المعنى‪ .‬وهو أول من عقد هذه المعاني الظريفة واستخرجها‬
‫اتهم بأنه أول من أفسد الشعر‬
‫حدثنا أحمد بن عبيد الله بن عمار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أبي‪ ،‬يقول‪ :‬أول من أفسد الشعر‬
‫‪ .‬مسلم بن الوليد‪ ،‬جاء بهذا الذي سماه الناس البديع‪ ،‬ثم جاء الطائي بعده فتفنن فيه‬
‫كان منقطعا إلى يزيد بن يزيد‬
‫أخبرني إبراهيم بن أيوب عن عبد الله بن مسلم الدينوري‪ ،‬قال‪ :‬كان مسلم بن الوليد وأخوه سليمان منقطعين إلى يزيد بن‬
‫‪.‬مزيد ومحمد بن منصور بن زياد‪ ،‬ثم الفضل بن سهل بعد ذلك‪ .‬وقلد الفضل مسلما المظالم بجرجان فمات بها‬
‫‪:‬أخبرني علي بن سليمان‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن يزيد قال‪ :‬كان السبب في قول مسلم‬
‫وتجنـى إذا دنـت غازل جارية منزلها في مهب الشمال‬ ‫تدعي الشوق إن نأت‬
‫من منزله‪ ،‬ولم يكن يهواها‬
‫أنه علق جارية ذات ذكر وشرف ‪ ،‬وكان منزلها في مهب الشمال من منزله‪ ،‬وفي ذلك يقول‪ :‬صوت‬
‫وأحسدها إذا هبت جنـوبـا‬ ‫أحب الريح ما هبت شمـال‬
‫وأفرق إن سألتك أن أخيبـا‬ ‫أهابك أن أبوح بذات نفسـي‬
‫عليه إذا تجنت الـذنـوبـا‬ ‫وأهجر صاحبي حب التجني‬
‫أخاف لكم على عيني رقيبا غنى عبد الله بن العباس الربيعي في هذه البيات‬ ‫كأني حين أغضي عن سواكم‬
‫‪.‬هزجا بالبنصر عن الهشامي‬
‫كان يحب جاريته محبة شديدة‬
‫قال‪ :‬وكانت له جارية يرسلها إليها ويبثها سره‪ ،‬وتعود إليه بأخبارها ورسائلها؛ فطال ذلك بينهما؛ حتى أحبتها الجارية التي علقها‬
‫‪.‬مسلم ومالت إليها‪ ،‬وكلتاهما في نهاية الحسن والكمال‬

‫صفحة ‪2107 :‬‬

‫وكان مسلم يحب جاريته هذه محبة شديدة‪ ،‬ولم يكن يهوى تلك‪ ،‬إنما كان يريد الغزل والمجون والمراسلة‪ ،‬وأن يشيع له‬
‫حديث بهواها‪ ،‬وكان يرى ذلك من الملحة والظرف والدب‪ ،‬فلما رأى مودة تلك لجاريته هجر جاريته مظهرا لذلك‪ ،‬وقطعها عن‬
‫‪:‬الذهاب إلى تلك‪ ،‬وذلك قوله‬
‫عليه إذا تجنيت الذنـوبـا وراسلها مع غير جاريته الولى‪ ،‬وذلك قوله‬ ‫‪:‬وأهجر صاحبي حب التجني‬
‫وتـجـنـى إذا دنـت‬ ‫تدعى الشـوق إن نـأت‬
‫ثم ساءت فأحـسـنـت‬ ‫واعدتنـا وأخـلـفـت‬
‫ها فتجزى بما جـنـت‬ ‫سرني لو صبرت عـن‬
‫ربها فـي أنـجـزت‬ ‫إن سلمى لـو اتـقـت‬
‫وسقته حتـى نـبـت أخبرني الحسين بن يحيى ومحمد بن يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا حماد بن‬ ‫زرعت في الحشا الهوى‬
‫إسحاق عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬لقي مسلم بن الوليد أبا نواس فقال له‪ :‬ما أعرف لك بيتا إل فيه سقط‪ ،‬قال‪ :‬فما تحفظ من ذلك? قال‪:‬‬
‫‪:‬قل أنت ما شئت حتى أريك سقطه فيه‪ ،‬فأنشده‬
‫وأمله ديك الصباح صياحـا فقال له مسلم‪ :‬فلم أمله وهو الذي أذكره وبه ارتاح?‬ ‫ذكر الصبوح سحيرة فارتاحا‬
‫‪:‬فقال أبو نواس‪ :‬فأنشدني شيئا من شعرك ليس فيه خلل‪ ،‬فأنشده مسلم‬
‫وأقام بين عزيمة وتـجـلـد فقال له أبو نوس‪ :‬قد جعلته رائحا مقيما في حال‬ ‫عاصى الشباب فراح غير مفند‬
‫‪.‬واحدة وبيت واحد‪ .‬فتشاغبا وتسابا ساعة‪ ،‬وكل البيتين صحيح المعنى‬
‫ذكر أمام المأمون شعره فأعجبه‬
‫أخبرني جعفر بن قدامة قال‪ :‬قال لي محمد بن عبد الله بن مسلم‪ :‬حدثني أبي‪ ،‬قال‪ :‬اجتمع أصحاب المأمون عنده يوما‪،‬‬
‫فأفاضوا في ذكر الشعر والشعراء‪ ،‬فقال له بعضهم‪ :‬أين أنت يا أمير المؤمنين عن مسلم بن الوليد? قال‪ :‬حيث يقول ماذا?‬
‫‪:‬قال‪ :‬حيث يقول وقد رثى رجل‬
‫فطيب تراب القبر دل على القبر وحيث مدح رجل بالشجاعة فقال‬ ‫‪:‬أرادوا ليخفوا قبره عـن عـدوه‬
‫والجود بالنفس أقصى غاية الجود وهجا رجل بقبح الوجه والخلق فقال‬ ‫‪:‬يجود بالنفس إذ ضن الجواد بهـا‬
‫حسنت مناظره لقبح المخبر وتغازل فقال‬ ‫‪:‬قبحت مناظره فحين خبرته‬
‫أنت لقى بينهما معذب فقال المأمون‪ :‬هذا أشعر من خضتم اليوم في ذكره‬ ‫‪.‬هوى يجد وحبيب يلعب‬
‫الرشيد ينبه يزيد من مزيد إلى ما قاله‬
‫فيه مسلم من مدح‬
‫أخبرني محمد بن عمران الصيرفي والحسن بن علي الخفاف‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الحسن بن عليل العنزي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني قعنب بن‬
‫المحرز‪ ،‬وابن النطاح‪ ،‬عن القحذمي‪ ،‬قال‪ :‬قال يزيد بن مزيد‪ :‬أرسل إلي الرشيد يوما في وقت ل يرسل فيه إلى مثلي فأتيته‬
‫‪:‬لبسا سلحي‪ ،‬مستعدا لمر إن إراده‪ ،‬فلما رآني ضحك إلي ثم قال‪ :‬يا يزيد خبرني من الذي يقول فيك‬
‫ل يأمن الدهر أن يدعى على عجل‬ ‫تراه في المن في درع مضاعـفة‬
‫فك العناة وأسر الفاتك الخـطـل‬ ‫صافي العيان طموح العين همتـه‬
‫وأنت وابنك ركنا ذلك الـجـبـل فقلت‪ :‬ل أعرفه يا أمير المؤمنين‪ .‬قال‪ :‬سوءة‬ ‫لله من هاشم في أرضـه جـبـل‬
‫لك من سيد قوم يمدح بمثل هذا الشعر ول تعرف قائله‪ ،‬وقد بلغ أمير المؤمنين فرواه ووصل قائله‪ ،‬وهو مسلم بن الوليد‪.‬‬
‫‪.‬فانصرفت به ووصلته ووليته‬
‫أخبرني محمد بن عمران الصيرفي‪ ،‬والحسن بن علي الخفاف‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الحسن بن عليل العنزي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو عبد الله‬
‫أحمد بن محمد بن سليمان الحنفي ذو الهدمين‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبي‪ ،‬قال‪ :‬دخل يزيد بن مزيد على الرشيد فقال له‪ :‬يا يزيد‪ ،‬من‬
‫‪:‬الذي يقول فيك‬
‫ول يمسح عينيه من الكحـل‬ ‫ل يعبق الطيب خديه ومفرقه‬
‫فهن يتبعنه في كل مرتحـل يزيد بن مزيد يسمع مدحه فيه‬ ‫قد عود الطير عادات وثقن بها‬
‫ويأمر له بجائزة‬

‫صفحة ‪2108 :‬‬

‫فقال‪ :‬ل أعرف قائله يا أمير المؤمنين‪ .‬فقال له هارون‪ :‬أيقال فيك مثل هذا الشعر ول تعرف قائله فخرج من عنده خجل‪ ،‬فلما‬
‫صار إلى منزله دعا حاجبه فقال له‪ :‬من بالباب من الشعراء? قال‪ :‬مسلم بن الوليد‪ ،‬فقال‪ :‬وكيف حجبته عني فلم تعلمني‬
‫بمكانه? قال‪ :‬أخبرته أنك مضيق ‪ ،‬وأنه ليس في يديك شيء تعطيه إياه‪ ،‬وسألته المساك والمقام أياما إلى أن تتسع‪ .‬قال‪:‬‬
‫‪:‬فأنكر ذلك عليه وقال‪ :‬أدخله إلي‪ .‬فأدخله إليه‪ ،‬فأنشده قوله‬
‫وشـمـرت هـمـم الـعـذال فـــي عـــذلـــي‬ ‫أجـررت حـبـل خـلـيع فـي الـصـبــا غـــزل‬
‫مفـــرق بـــين تـــوديع ومـــرتـــحـــل‬ ‫رد الـبـكـار عـلـى الـعـين الـطـمـوح هـــوى‬
‫حتـى رمـانـي بـلـحـظ العـين الـنـــجـــل‬ ‫أمـا كـفـى الـبـين أن أرمـى بـأســهـــمـــه‬
‫مما جنت لي وإن كانت منى صدقتصبابة خلس التسليم بالمقل فقال له‪ :‬قد أمرنا لك بخمسين ألف درهم‪ ،‬فاقبضها واعذر‪.‬‬
‫فخرج الحاجب فقال لمسلم‪ :‬قد أمرني أن أرهن ضيعة من ضياعه على مائة ألف درهم‪ ،‬خمسون ألفا لك وخمسون ألفا‬
‫لنفقته‪ .‬وأعطاه إياها‪ ،‬وكتب صاحب الخبر بذلك إلى الرشيد‪ ،‬فأمر ليزيد بمائتي ألف درهم وقال‪ :‬اقض الخمسين التي أخذها‬
‫‪.‬الشاعر وزده مثلها‪ .‬وخذ مائة ألف لنفقتك‪ .‬فافتك ضيعته‪ ،‬وأعطى مسلما خمسين ألفا أخرى‬
‫يزوره صديق فيبيع خفيه ليقدم له طعاما‬
‫أخبرني الحسن بن علي الخفاف‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني علي بن عبيد الكوفي‪ ،‬وعلي بن‬
‫الحسن كلهما‪ ،‬قال‪ :‬أخبرني علي بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثني مسلم بن الوليد المعروف بصريع الغواني قال‪ :‬كنت يوما جالسا في‬
‫دكان خياط بإزاء منزلي‪ ،‬إذ رأيت طارقا ببابي‪ ،‬فقمت إليه فإذا هو صديق لي من أهل الكوفة قد قدم من قم‪ ،‬فسررت به‪،‬‬
‫وكأن إنسانا لطم وجهي‪ ،‬لنه لم يكن عندي درهم واحد أنفقه عليه‪ ،‬فقمت فسلمت عليه‪ ،‬وأدخلته منزلي‪ ،‬وأخذت خفين كانا‬
‫لي أتجمل بهما‪ ،‬فدفعتهما إلى جاريتي‪ ،‬وكتبت معهما رقعة إلى بعض معارفي في السوق‪ ،‬أسأله أن يبيع الخفين ويشتري لي‬
‫لحما وخبزا بشيء سميته‪ .‬فمضت الجارية وعادت إلي وقد اشترى لها ما قد حددته له‪ ،‬وقد باع الخفين بتسعة دراهم‪ ،‬فكأنها‬
‫إنما جاءت بخفين جديدين‪ .‬فقعدت أنا وضيفي نطبخ‪ ،‬وسألت جارا لي أن يسقينا قارورة نبيذ‪ ،‬فوجه بها إلي‪ ،‬وأمرت الجارية بأن‬
‫‪.‬تغلق باب الدار مخافة طارق يجيء فيشركنا فيما نحن فيه‪ ،‬ليبقى لي وله ما نأكله إلى أن ينصرف‬
‫يصل إليه رسول يزيد بن مزيد ويدفع إليه عشرة آلف درهم فإنا لجاسان نطبخ حتى طرق الباب طارق‪ ،‬فقلت لجاريتي‪:‬‬
‫انظري من هذا‪ .‬فنظرت من شق الباب فإذا رجل عليه سواد وشاشية ومنطقة وعه شاكري‪ ،‬فخبرتني بموضعه فأنكرت أمره ‪،‬‬
‫ثم رجعت إلى نفسي فقلت‪ :‬لست بصاحب دعارة‪ ،‬ول للسلطان علي سبيل‪ .‬ففتحت الباب وخرجت إليه‪ ،‬فنزل عن دابته وقال‪:‬‬
‫أأنت مسلم بن الوليد? قلت‪ :‬نعم‪ .‬فقال‪ :‬كيف لي بمعرفتك? قلت‪ :‬الذي دلك على منزلي يصحح لك معرفتي‪ .‬فقال لغلمه‪:‬‬
‫امض إلى الخياط فسله عنه‪ .‬فمضى فسأله عني فقال‪ :‬نعم هو مسلم بن الوليد‪ .‬فأخرج إلي كتابا من خفه‪ ،‬وقال‪ :‬هذا كتاب‬
‫المير يزيد بن مزيد إلي‪ ،‬يأمرني أل أفضه إل عند لقائك‪ ،‬فإذا فيه‪ :‬إذا لقيت مسلم بن الوليد فادفع إليه هذه العشرة آلف‬
‫درهم‪ ،‬التي أنفذتها تكون له في منزله‪ ،‬وادفع ثلثة آلف درهم نفقة ليتحمل بها إلينا‪ .‬فأخذت الثلثة والعشرة‪ ،‬ودخلت إلى‬
‫منزلي والرجل معي‪ ،‬فأكلنا ذلك الطعام‪ ،‬وازددت فيه وفي الشراب‪ ،‬واشتريت فاكهة‪ ،‬واتسعت ووهبت لضيفي من الدراهم ما‬
‫‪.‬يهدي به هدية لعياله‬
‫يذهب إلى يزيد وينشده قصيدة في مدحه وأخذت في الجهاز‪ ،‬ثم ما زلت معه حتى صرنا إلى الرقة إلى باب يزيد‪ ،‬فدخل‬
‫الرجل وإذا هو أحد حجابه‪ ،‬فوجده في الحمام‪ ،‬فخرج إلي فجلس معي قليل‪ ،‬خبر الحاجب بأنه قد خرج من الحمام‪ ،‬فأدخلني‬
‫إليه‪ ،‬وإذا هو على كرسي جالس‪ ،‬وعلى رأسه وصيفة بيدها غلف مرآة‪ ،‬ومشط يسرح لحيته‪ ،‬فقال لي‪ :‬يا مسلم‪ ،‬ما الذي بطأ‬
‫‪:‬بك عنا? فقلت‪ :‬أيها المير‪ ،‬قلة ذات اليد‪ .‬قال‪ :‬فأنشدني‪ .‬فأنشدته قصيدتي التي مدحته فيها‬
‫وشمرت همم العذال في عذلـي فلما صرت إلى قولي‬ ‫‪:‬أجررت حبل خليع في الصبا غزل‬
‫ول يمسح عينيه من الكحل يقص عليه سبب دعوته له‬ ‫ل يعبق الطيب خديه ومفرقه‬

‫صفحة ‪2109 :‬‬

‫وضع المرآة في غلفها‪ ،‬وقال للجارية‪ :‬انصرفي‪ ،‬فقد حرم علينا مسلم الطيب‪ .‬فلما فرغت من القصيدة قال لي‪ :‬يا مسلم‪،‬‬
‫أتدري ما الذي حداني إلى أن وجهت إليك? فقلت‪ :‬ل والله ما أدري‪ .‬قال‪ :‬كنت عند الرشيد منذ ليال أغمز رجليه‪ ،‬إذ قال لي‪ :‬يا‬
‫‪:‬يزيد‪ ،‬من القائل فيك‬
‫يمضي فيخرتم الجساد والهاما‬ ‫سل الخليفة سيفا من بني مطر‬
‫قد أوسع الناس إنعاما وإرغاما فقلت‪ :‬ل والله ما أدري‪ .‬فقال الرشيد‪ :‬يا سبحان‬ ‫كالدهر ل ينثني عما يهـم بـه‬
‫الله أنت مقيم على أعرابيتك‪ ،‬يقال فيك مثل هذا الشعر ول تدري من قائله فسألت عن قائله‪ ،‬فأخبرت أنك أنت هو‪ ،‬فقم حتى‬
‫‪.‬أدخلك على أمير المؤمنين‬
‫يدخل على الرشيد ويمدحه فيأمر له بجائزة‬
‫ثم قام فدخل على الرشيد‪ ،‬فما علمت حتى خرج علي الذن فأذن لي‪ ،‬فدخلت على الرشيد‪ ،‬فأنشدته ما لي فيه من الشعر‪،‬‬
‫فأمر لي بمائتي ألف درهم‪ ،‬فلما انصرف إلى يزيد أمر لي بمائة وتسعين ألفا‪ ،‬وقال‪ :‬ل يجوز لي أن أعطيك مثل ما أعطاك‬
‫‪.‬أمير المؤمنين‪ .‬وأقطعني إقطاعات تبلغ غلتها مائتي ألف درهم‬
‫يهجو يزيد فيدعوه الرشيد ويحذره‬
‫قال مسلم‪ :‬ثم أفضت بي المور بعد ذلك إلى أن أغضبني فهجوته‪ ،‬فشكاني إلى الرشيد‪ ،‬فدعاني وقال‪ :‬أتبيعني عرض يزيد?‬
‫فقلت‪ :‬نعم يا أمير المؤمنين‪ .‬فقال لي‪ :‬فكم? فقلت‪ :‬برغيف خبز‪ .‬فغضب حتى خفته على نفسي‪ ،‬وقال‪ :‬قد كنت على أن‬
‫أشتريه منك بمال جسيم‪ ،‬ولست أفعل ول كرامة‪ ،‬فقد علمت إحسانه إليك‪ ،‬وأنا نفي من أبي‪ ،‬ووالله ثم والله لئن بلغني أنك‬
‫‪.‬هجوته لنزعن لسانك من بين فكيك‪ ،‬فأمسكت عنه بعد ذلك‪ ،‬وما ذكرته بخير ول شر‬
‫البيدق يصله بيزيد بن مزيد‬
‫ويسمعه شعره فيأمر له بجائزة‬
‫أخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم بن معرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن عبد الله اليعقوبي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني‬
‫البيدق الراوية ‪-‬وكان من أهل نصيبين‪ -‬قال‪ :‬دخلت دار يزيد بن مزيد يوما وفيها الخلق‪ ،‬وإذا فتى شاب جالس في أفناء الناس‪،‬‬
‫ولم يكن يزيد عرفه بعد‪ ،‬وإذا هو مسلم بن الوليد‪ ،‬فقال لي‪ :‬ما في نفسي أن أقول شعرا أبدا‪ ،‬فقلت‪ :‬ولم? قال‪ :‬لني قد‬
‫‪:‬مدحت هذا الرجل بشعر ما مدح بمثله قط‪ ،‬ولست أجد من يوصله‪ ،‬فقلت له‪ :‬أنشدني بعضه‪ ،‬فأنشدني منه‬
‫كأنـه أجـل يسـعـى إلـى أمـل‬ ‫موف على مهج فـي يوم ذي رهـج‬
‫ويجعل الروس تيجان القنا الـذبـل‬ ‫يقري السيوف نفوس الناكـثـين بـه‬
‫ول يمسح عينـيه مـن الـكـحـل‬ ‫ل يعبق الطيب خـديه ومـقـرفـه‬
‫مسالك الموت في الجسام والقـلـل‬ ‫إذا انتضى سيفه كانت مـسـالـكـه‬
‫عاش الرجاء ومات الخوف من وجل‬ ‫وإن خلت بحديث النفس فـكـرتـه‬
‫ل يسـتـريح إلـى اليام والـدول‬ ‫كالليث إن هجته فالمـوت راحـتـه‬
‫وأنت وابنك ركنا ذلـك الـجـبـل‬ ‫لله من هاشم فـي أرضـه جـبـل‬
‫وحط جودك عقد الرحل عن جملـي قال‪ :‬فأخذت منها بيتين‪ ،‬ثم قلت له‪:‬‬ ‫صدقت ظني وصدقت الظنـون بـه‬
‫‪:‬أنشدني أيضا ما لك فيه‪ ،‬فأنشدني قصدية أخرى ابتداؤها‬
‫داويت سقما وقد هيجت أسقاما يقول فيها‬ ‫‪:‬طيف الخيال حمدنا منك إلماما‬
‫قد أوسع الناس إنعاما وإرغاما قال‪ :‬فأنشدت هذه البيات يزيد بن مزيد‪ ،‬فأمر له‬ ‫كالدهر ل ينثني عما يهـم بـه‬
‫بخمسمائة درهم‪ .‬ثم ذكرته بالرقة فقلت له‪ :‬هذا الشاعر الذي قد مدحك فأحسن‪ ،‬تقتصر به على خمسمائة درهم فبعث إليه‬
‫‪.‬بخمسمائة درهم أخرى‪ ،‬قال‪ :‬فقال لي مسلم‪ :‬جاءتني وقد رهنت طيلساني على رؤوس الخوان ‪ ،‬فوقعت مني أحسن موقع‬
‫يزيد يغسل عنه الطيب لئل يكذب قوله أخبرني محمد بن عمران‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا العنزي‪ ،‬عن محمد بن بدر العجلي‪ ،‬عن إبراهيم‬
‫بن سالم‪ ،‬عن أبي فرعون مولى يزيد بن مزيد قال‪ :‬ركب يزيد يوما إلى الرشيد فتغلف بغالية ‪ ،‬ثم لم يلبث أن عاد فدعا‬
‫‪:‬بطست فغسل الغالية‪ ،‬وقال‪ :‬كرهت أن أكذب قول مسلم بن الوليد‬
‫ول يمسح عينيه من الحكل يشير على يزيد بإحراق كتاب وصله أخبرني جعفر‬ ‫ل يعبق الطيب خديه ومفرقه‬
‫‪:‬بن قدامة‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عبد الله بن أبي سعد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو توبة‪ ،‬قال‬

‫صفحة ‪2110 :‬‬

‫كان مسلم بن الوليد جالساص بين يدي يزيد بن مزيد فأتاه كتاب فيه مهم له‪ ،‬فقرأه سرا ووضعه‪ ،‬ثم أعاد قراءته ووضعه‪ ،‬ثم‬
‫‪:‬أراد القيام‪ ،‬فقال له مسلم بن الوليد‬
‫وإنما الحزم سوء الظن بالناس‬ ‫الحزم تحريقه إن كنت ذا حـذر‬
‫فاجعل صيانته في بطن أرماس قال‪ :‬فضحك يزيد وقال‪ :‬صدقت لعمري‪ .‬وخرق‬ ‫لقد أتاك وقـد أدى أمـانـتـه‬
‫‪.‬الكتاب‪ ،‬وأمر بإحراقه‬
‫انقطع إلى محمد بعد موت أبيه ثم هجره حدثني عمي وجحظة‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا علي بن الحسين بن عبد العلى‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو‬
‫محلم‪ ،‬وحدثني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عبد الله بن أبي سعد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو توبة‪ ،‬قال‪ :‬كان مسلم بن الوليد صديقا ليزيد بن مزيد‬
‫ومداحا له‪ ،‬فلما مات انقطع إلى ابنه محمد بن يزيد‪ ،‬ومدحه كما مدح أباه‪ ،‬فلم يصنع إليه خيرا‪ ،‬ولم يرضه ما فعله به‪ ،‬فهجره‬
‫‪:‬وانقطع عنه‪ ،‬فكتب إليه يستحفيه ويومه على انقطاعه عنه‪ ،‬ويذكره حقوق أبيه عليه‪ ،‬فكتب إليه مسلم‬
‫وأعرضت عنه منصفا وودودا‬ ‫لبست عزاء عن لقاء محـمـد‬
‫فعوضها حب اللقاء صـدودا‬ ‫وقلت لنفس قادها الشوق نحوه‬
‫فمات وإل فاحسـبـيه يزيدا‬ ‫هبيه امرأ قد كان أصفاك وده‬
‫وفاء لذي عهد يعد حـمـيدا مات يزيد ببرذعة فرثاه مسلم أخبرني محمد بن‬ ‫لعمري لقد ولى فلم الق بعـده‬
‫القاسم النباري‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أحمد بن محمد بن أبي سعد‪ ،‬قال‪ :‬أهديت إلى يزيد بن مزيد جارية وهو يأكل‪،‬‬
‫فلما رفع الطعام من بين يديه وطئها فلم ينزل عنها‪ ،‬إل ميتا‪ ،‬وهو ببرذعة ‪ ،‬فدفن في مقابر برذعة‪ ،‬وكان مسلم معه في‬
‫‪:‬صحابته فقال يرثيه‬
‫خطرا تقاصر دونه الخطـار‬ ‫قبر ببرذعة استسر ضـريحـه‬
‫حزنا كعمر الدهر ليس يعـار‬ ‫أبقى الزمان على ربعية بعـده‬
‫حتى إذا بلغوا المدى بك حاروا ويروى‬ ‫‪:‬سلكت بك العبر السبيل إلى العل‬
‫‪:‬حتى إذا سبق الردى بك حاروا ‪-‬هكذا أنشده الخفش‬
‫واسترجعت روادها المصـار‬ ‫نفضت بك الحلس نفض إقامة‬
‫أثنى عليها السهـل والوعـار قصة راويته الذي أرسله إلى المهلبي‬ ‫فاذهب كما ذهبت غوادي مزنة‬
‫نسخت من كتاب جدي يحيى بن محمد بن ثوابة‪ :‬حدثني الحسن بن سعيد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬كان داود بن يزيد بن حاتم المهلبي‬
‫يجلس للشعراء في السنة مجلسا واحدا فيقصدونه لذلك اليوم وينشدونه‪ ،‬فوجه إليه مسلم بن الوليد راويته بشعره الذي يقول‬
‫‪:‬فيه‬
‫وتحسد الطير فيه أضبع البيد فقدم عليه يوم جلوسه للشعراء‪ ،‬ولحقه بعقب‬ ‫جعلته حيث ترتاب الرياح به‬
‫خروجهم عنه‪ ،‬فتقدم إلى الحاجب وحسر لثامه عن وجهه ثم قال له‪ :‬استأذن لي على المير‪ .‬قال‪ :‬ومن أنت? قال‪ :‬شاعر‪ .‬قال‪:‬‬
‫قد انصرف وقتك‪ ،‬وانصرف الشعراء‪ ،‬وهو على القيام‪ .‬فقال له‪ :‬ويحك‪ ،‬قد وفدت على المير بشعر ما قالت العرب مثله‪ .‬قال‪:‬‬
‫وكان مع الحاجب أدب يفهم به ما يسمع‪ ،‬فقال‪ :‬هات حتى أسمع‪ ،‬فإن كان المر كما ذكرت أوصلتك إليه‪ .‬فأنشده بعض‬
‫القصيدة‪ ،‬فسمع شيئا يقصر الوصف عنه‪ ،‬فدخل على داود فقال له‪ :‬قد قدم على المير شاعر بشعر ما قيل فيه مثله‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫أدخل قائله‪ .‬فأدخله‪ ،‬فلما مثل بين يديه سلم وقال‪ :‬قدمت على المير ‪-‬أعزه الله‪ -‬بمدح يسمعه فيعلم به تقدمي على غيري‬
‫‪:‬ممن امتدحه‪ .‬فقال‪ :‬هات‪ .‬فلما افتتح القصيدة وقال‬
‫نهى النهى عن هوى البيض الرعاديد استوى جالسا وأطرق‪ ،‬حتى أتي‬ ‫ل تدع بي الشوق إني غير معـمـود‬
‫الرجل على آخر الشعر‪ ،‬ثم رفع رأسه إليه ثم قال‪ :‬أهذا شعرك? قال‪ :‬نعم أعز الله المير‪ ،‬قال‪ :‬في كم قلته يا فتى? قال‪ :‬في‬
‫أربعة أشهر‪ ،‬أبقاك الله‪ ،‬قال‪ :‬لو قلته في ثمانية أشهر لكنت محسنا‪ ،‬وقد اتهمتك لجودة شعرك وخمول ذكرك‪ ،‬فإن كنت قائل‬
‫هذا الشعر فقد أنظرتك أربعة أشهر في مثله‪ ،‬وأمرت بالجراء عليك‪ ،‬فإن جئتنا بمثل هذا الشعر وهبت لك مائة ألف درهم وإل‬
‫حرمتك‪ .‬فقال‪ :‬أو القالة‪ ،‬أعز الله المير‪ .‬قال‪ :‬أقلتك‪ ،‬قال‪ :‬الشعر لمسلم بن الوليد‪ ،‬وأنا راويته والوافد عليك بشعره‪ .‬فقال‪:‬‬
‫‪:‬أنا ابن حاتم ‪ ،‬إنك لما افتتحت شعره فقلت‬
‫ل تدع بي الشوق إني غير معمود‬

‫صفحة ‪2111 :‬‬

‫سمعت كلم مسلم يناديني فأجبت نداءه واستويت جالسا‪ .‬ثم قال‪ :‬يا غلم‪ ،‬أعطه عشرة آلف درهم‪ ،‬واحمل الساعة إلى‬
‫‪.‬مسلم مائة ألف درهم‬
‫أنشد الفضل شعرا فوله بريد جرجان‬
‫أخبرني الحسين بن القاسم الكوكبي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن أبي سعد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني مسعود بن عيسى العبدي‪ ،‬قال‪ :‬أخبرني‬
‫موسى بن عبد الله التميمي‪ ،‬قال‪ :‬دخل مسلم بن الوليد النصاري على الفضل بن سهل لينشده شعرا‪ ،‬فقال له‪ :‬أيها الكهل‪،‬‬
‫‪:‬إني أجلك عن الشعر فسل حاجتك‪ ،‬قال‪ :‬بل تستتم اليد عندي بأن تسمع‪ ،‬فأنشده‬
‫وقلبها مغرم من حرها يجب‬ ‫دموعها من حذار البين تنسكب‬
‫لبينه اللهو واللذات والطـرب‬ ‫جد الرحيل به عنها ففارقهـا‬
‫فراقها فهو ذو نفسين يرتقب فقال له الفضل‪ :‬إن لجلك عن الشعر‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫يهوى المسير إلى مرو ويحزنه‬
‫‪.‬فأغنني بما أحببت من عملك؛ فوله البريد بجرجان‬
‫قال بيتا من الشعر أخذ معناه من التوراة‬
‫أخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني الحسين بن أبي السري‪ .‬وأخبرني بهذه الخبار‬
‫محمد بن خلف بن المرزبان‪ ،‬قال‪ :‬حدثني إبراهيم بن محمد الوراق‪ ،‬عن الحسين بن أبي السري‪ ،‬قال‪ :‬قيل لمسلم بن الوليد‪:‬‬
‫‪:‬أي شعرك أحب إليك? قال‪ :‬إن في شعري لبيتا أخذت معناه من التوراة‪ ،‬وهو قولي‬
‫ما استرجع الدهر مما كان أعطاني قذف في البحر بدفتر فيه شعره فقل‬ ‫دلت علي عيبها الدنيا وصـدقـهـا‬
‫شعره‬
‫قال الحسين‪ :‬وحدثني جماعة من أهل جرجان أن راوية مسلم جاء إليه بعد أن تاب ليعرض عليه شعره‪ ،‬فتغافله مسلم‪ ،‬ثم‬
‫أخذ منه الدفتر الذي في يده‪ ،‬فقذف به في البحر‪ ،‬فلهذا قل شعره‪ ،‬فليس في أيدي الناس منه إل ما كان بالعراق‪ ،‬وما كان في‬
‫‪.‬أيدي الممدوحين من مدائحهم‬
‫كان يكره لقب صريع الغواني‬
‫‪:‬قال الحسين‪ :‬وحدثني الحسين بن دعبل‪ ،‬قال‪ :‬قال أبي لمسلم‪ :‬ما معنى ذلك‬
‫‪.‬ل تدع بي الشوق إني غير معمود قال‪ :‬ل تدعني صريع الغواني فلست كذلك؛ وكان يلقب هذا اللقب وكان له كارها‬
‫عتب عليه عيسى بن داود ثم رضي عنه أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا حماد بن إسحاق‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬عتب‬
‫‪:‬عيسى بن داود على مسلم بن الوليد فهجره‪ ،‬وكان غليه محسنا‪ ،‬فكتب إليه مسلم‬
‫بصدك تأديبا شكرتك في الـهـجـر‬ ‫شكرتك للنعمى فلـمـا رمـيتـنـي‬
‫وإن شئت كان العفو أدعى إلى الشكر‬ ‫فعندي للتـأديب شـكـر ولـلـنـدى‬
‫فعفوك خير من ملم عـلـى عـذر قال‪ :‬فرضي عنه وعاد له إلى حاله‬ ‫‪.‬إذا ما اتقاك المـسـتـلـيم بـعـذره‬
‫كان بخيل أخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني ابن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن الشعث‪ ،‬قال‪ :‬حدثني دعبل بن علي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫كان مسلم بن الوليد من أبخل الناس‪ ،‬فرأيته يوما وقد استقبل الرضا عن غلم له بعد موجدة‪ ،‬فقال له‪ :‬قد رضيت عنك وأمرت‬
‫‪.‬لك بدرهم‬
‫يذمه دعبل عند الفضل بن سهل فيهجوه أخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني ابن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن عمرو بن‬
‫سعيد قال‪ :‬خرج دعبل إلى خراسان لما بلغه حظوة مسلم بن الوليد عند الفضل بن سهل‪ .‬فصار إلى مرو‪ ،‬وكتب إلى الفصل‬
‫‪:‬بن سهل‬
‫يرميك بعد ثلثة بمـدل‬ ‫ل تعبأن بابن الوليد فإنـه‬
‫كانت مودته كفيء ظلل قال‪ :‬فدفع الفضل إلى مسلم الرقعة وقال له‪ :‬انظر يا‬ ‫إن الملول وإن تقادم عهده‬
‫أبا الوليد إلى رقعة دعبل فيك‪ ،‬فلما قرأها قال له‪ :‬هل عرفت لقب دعبل وهو غلم أمرد وهو يفسق به? قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬كان‬
‫‪:‬يلقب بمياس‪ ،‬ثم كتب له‬
‫ل أنت معلوم ول مـجـهـول‬ ‫مياس قل لي‪ :‬أين أنت من الورى‬
‫والمدح عنك كما علمت جلـيل‬ ‫أما الهجاء فدق عرضـك دونـه‬
‫عرض عززت به وأنت ذلـيل ما جرى بينه وبين دعبل بسبب جارية أخبرني‬ ‫فاذهب فأنت طليق عرضك إنـه‬
‫محمد بن الحسين الكندي الكوفي مؤدبي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أزهر بن محمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني الحسين بن دعبل‪ ،‬قال سمعت أبي يقول‪:‬‬
‫‪:‬بينا أنا بباب الكرخ إذ مرت بي جارية لم ار أحسن منها وجها ول قدا تتثنى في مشيها وتنظر في أعطافها‪ ،‬فقلت متعرضا لها‬

‫صفحة ‪2112 :‬‬

‫ونوم عيني به انقباض فأجابتني بسرعة فقالت‬ ‫‪:‬دموع عيني بها انبساط‬
‫وللذي في الحشا انقراض فأجابتني غير متوقفة فقالت‬ ‫‪:‬فهل لمولي عطف قلـب‬
‫فالود في ديننا قراض قال‪ :‬فما دخل أذني كلم قط أحلى من كلمها‪ ،‬ول رأيت أنضر‬ ‫إن كنت تعوى الوداد منا‬
‫‪:‬وجها منها‪ ،‬فعدلت بها عن ذلك الشعر وقلت‬
‫ويضم مشتاقا إلى مشتاق فأجابتني بسرعة فقالت‬ ‫‪:‬أترى الزمان يسرنا بتلق‬
‫أنت الزمان فسرنا بتلق قال‪ :‬فمضيت أمامها أؤم بها دار مسلم بن الوليد وهي‬ ‫ما للزمان وللتحكم بيننـا‬
‫تتبعني‪ ،‬فصرت إلى منزله‪ ،‬فصادفته على عسرة‪ ،‬فدفع إلي منديل وقال‪ :‬اذهب فبعه‪ ،‬وخذ لنا ما نحتاج إليه وعد؛ فمضيت‬
‫مسرعا‪ .‬فلما رجعت وجدت مسلما قد خل بها في سرداب‪ .‬فلما أحس بي وثب إلي وقال‪ :‬عرفك الله يا أبا علي جميل ما‬
‫فعلت‪ .‬ولقاك ثوابه‪ ،‬وجعله أحسن حسنة لك‪ ،‬فغاظني قوله وطنزه ‪ ،‬وجعلت أفكر أي شيء أعمل به‪ ،‬فقال‪ :‬بحياتي يا أبا علي‬
‫‪:‬أخبرني من الذي يقول‬
‫جنب القلب طاهر الطراف فقلت‬ ‫‪:‬بت في درعها وبات رفيقي‬
‫قد أنافت على علو منـاف وجعلت أشتمه وأثب عليه‪ ،‬فقال لي‪ :‬يا أحمق‪ ،‬منزلي‬ ‫من له في حر أمه ألف قرن‬
‫دخلت‪ ،‬ومنديلي بعت‪ ،‬ودراهمي أنفقت‪ ،‬على من تحرد أنت? واي شيء سبب حردك يا قواد? فقلت له‪ :‬مهما كذبت علي فيه‬
‫‪.‬من شيء فما كذبت في الحمق والقيادة‬
‫هجاؤه ثلثة كانوا يصلونه‬
‫أخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني ابن مهرويه والعنزي‪ ،‬عن محمد بن عبد الله العبدي‪ ،‬قال‪ :‬هجا مسلم بن الوليد سعيد بن‬
‫‪:‬سلم ويزيد بن مزيد وخزيمة بن خازم فقال‬
‫وبخلك بخل الباهلي سـعـيد‬ ‫ديونك ل يقضى الزمان غريمها‬
‫وما قومه من بخله بـبـعـيد‬ ‫سعيد بن سلم أبخل الناس كلهـم‬
‫تدارك فينا بـخـلـه بـيزيد‬ ‫يزيد له فضل ولـكـن مـزيدا‬
‫لمطبخه قفـل وبـاب حـديد هجاؤه سعيد بن سلم أخبرني هاشم بن محمد‬ ‫خزيمة ل عيب له غـير أنـه‬
‫الخزاعي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى بن إسماعيل تينة‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الصمعي‪ ،‬قال‪ :‬قال لي سعيد بن سل‪ :‬قدمت علي امرأة من باهلة‬
‫من اليمامة‪ ،‬فمدحتني بأبيات‪ ،‬ما تم سروري بها حتى نغصنيها مسلم بن الوليد بهجاء بلغني أنه هجاني به‪ ،‬فقلت‪ :‬ما البيات‬
‫‪:‬التي مدحت به? فأنشدني‬
‫فلما تولى ساد قيسا سعـيدهـا‬ ‫قتيبة قيس ساد قيسا وسلـمـهـا‬
‫وإن مات من رغم وذل حسودها‬ ‫وسيد قيس سيد الناس كـلـهـا‬
‫ومن يرفع البناء إل جدودهـا‬ ‫هم رفعوا كفيك بالمجد والعـل‬
‫ثنت كفه عنها أكفـا تـريدهـا قال الصمعي‪ :‬فقلت له‪ :‬فبأي شيء نغصها عليك‬ ‫إذا مد للعلـيا سـعـيد يمـينـه‬
‫‪:‬مسلم? فضحك وقال‪ :‬كلفتني شططا‪ ،‬ثم أنشد‬
‫حتى ومقت ابن سلم سعيدا‬ ‫وأحببت من حبها الباخلـين‬
‫ثيابا من النقع صفرا وسودا‬ ‫إذا سيل عرفا كسا وجهـه‬
‫د وتأبى خلئقه أن يجـودا يهجو بعض الكتاب لنه لم يعجبه شعره أخبرني عمي‪،‬‬ ‫يغار على المال فعل الجوا‬
‫قال‪ :‬حدثنا الكراني‪ ،‬قال‪ :‬حدثني النوشجاني الخليل بن أسد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني علي بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬وقف بعض الكتاب على مسلم‬
‫بن الوليد وهو ينشد شعرا له في محفل‪ ،‬فأطال ثم انصرف‪ ،‬وقال لرجل كان معه‪ :‬ما أدري أي شيء أعجب الخليفة والخاصة‬
‫‪:‬من شعر هذا? فوالله ما سمعت منه طائل‪ ،‬فقال مسلم‪ :‬ردوا علي الرجل‪ ،‬فرد إليه‪ ،‬فأقبل عليه ثم قال‬
‫والمدح عنك كما علمت جليل‬ ‫أما الهجاء فدق عرضك دونـه‬
‫عرض عززت به وأنت ذليل كان أستاذا لدعبل ثم تخاصما ولم يلتقيا أخبرني‬ ‫فاذهب فأنت طليق عرضك إنه‬
‫محمد بن خلف بن المرزبان‪ ،‬قال‪ :‬حدثني إبراهيم بن محمد الوراق‪ ،‬قال‪ :‬حدثني الحسين بن أبي السري‪ ،‬قال‪ :‬كان مسلم بن‬
‫الوليد أستاذ دعبل وعنه أخذ‪ ،‬ومن بحره استقى‪ .‬وحدثني دعبل أنه كان ل يزال يقول الشعر فيعرضه على مسلم‪ ،‬فيقول له‪:‬‬
‫إياك أن يكون أول ما يظهر لك ساقطا فتعرف به‪ ،‬ثم لو قلت كل شيء جيدا كان الول أشهر عنك‪ ،‬وكنت أبدا ل تزال تعير به‪،‬‬
‫‪:‬حتى قلت‬

‫صفحة ‪2113 :‬‬

‫‪.‬أين الشباب وأية سلكا فلما سمع هذه قال لي‪ :‬أظهر الن شعرك كيف شئت‬
‫قال الحسن‪ :‬وحدثني أبو تمام الطائي قال‪ :‬ما زال دعبل متعصبا لمسلم‪ ،‬مائل إليه‪ ،‬معترفا بأستاذيته حتى ورد عليه جرجان‪،‬‬
‫‪:‬فجفاه مسلم‪ ،‬وهجره دعبل‪ ،‬فكتب إليه‬
‫هوانا وقلبانا جميعا معـا مـعـا‬ ‫أبا مخلد كـنـا عـقـيدي مـودة‬
‫وأجزع إشفاعا بأن تـتـوجـعـا‬ ‫أحوطك بالغيب الذي أنت حائطي‬
‫لنفسي عليها أرهب الخلق أجمعا‬ ‫فصيرتني بعد انتكاثك متـهـمـا‬
‫بنا وابتذلت الوصل حتى تقطعـا‬ ‫غششت الهوى حتى تداعت أصوله‬
‫ذخيرة ود طال ما قد تمـنـعـا‬ ‫وأنزلت من بين الجوانح والحشـا‬
‫تخرقت حتى لم أجد لك مرقعـا‬ ‫فل تلحيني ليس لي فيك مطمـع‬
‫وجشمت قلبي صبره فتشجـعـا قال‪ :‬ثم تهاجرا بعد ذلك‪ ،‬فما التقيا حتى‬ ‫فهبك يميني استأكلت فقطعتـهـا‬
‫‪.‬ماتا‬
‫محمد بن أبي أمية يمزح معه أخبرني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن أبي طاهر‪ ،‬قال‪ :‬أخبرني أحمد بن أبي أمية‪ ،‬قال‪ :‬لقي أخي‬
‫محمد بن أبي أمية مسلم بن الوليد وهو يتثنى ‪ ،‬ورواته مع بعض أصحابه ‪ ،‬فسلم عليه‪ ،‬ثم قال له‪ :‬قد حضرني شيء‪ .‬فقال‪:‬‬
‫‪:‬هاته‪ ،‬قال‪ :‬على أنه مزاح ول تغضب‪ ،‬قال‪ :‬هاته ولو كان شتما‪ ،‬فأنشدته‬
‫من رأى فيما خل رجل تيهه أربى على جدته‬
‫يتمشى راجل وله شاكري في قلنسيته فسكت عنه مسلم ولم يجبه‪ ،‬وضحك ابن أبي أمية وافترقا لقي محمد بن أبي أمية بعد‬
‫موت برذونه فرد عليه مزاحه قال‪ :‬وكان لمحمد برذون يركبه فنفق‪ ،‬فلقيه مسلم وهو رجال‪ ،‬فقال‪ :‬ما فعل برذونك? قال‪:‬‬
‫‪:‬نفق‪ ،‬قال‪ :‬فنجازيك إذا على ما أسلفتناه‪ ،‬ثم أنشده‬
‫لن يرجع البرذون باللـيث‬ ‫قل لبن مي ل تكن جازعا‬
‫وكنت فيه عالي الصـوت‬ ‫طامن أحشاءك فـقـدانـه‬
‫ولو من الحش إلى البـيت‬ ‫وكنت ل تنزل عن ظهـره‬
‫مات من الشوق إلى الموت أبو تمام يحفظ شعره وشعر أبي نواس‬ ‫ما مات من سقم ولـكـنـه‬
‫أخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني ابن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أحمد بن سعيد الحريري أن أبا تمام حلف أل يصلي حتى يحفظ‬
‫شعر مسلم وأبي نواس‪ ،‬فمكث شهرين كذلك حتى حفظ شعرهما‪ .‬قال‪ :‬ودخلت عليه فرأيت شعرهما بين يديه‪ ،‬فقلت له‪ :‬ما‬
‫‪.‬هذا? فقال‪ :‬اللت والعزى وأنا أعبدهما من دون الله‬
‫اجتمع مع أبي نواس فتناشدا شعرهما أخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني سمعان بن عبد الصمد‪،‬‬
‫قال‪ :‬حدثني دعبل بن علي‪ ،‬قال‪ :‬كان أبو نواس يسألني أن أجمع بينه وبين مسلم بن الوليد؛ وكان مسلم يسألني أن أجمع بينه‬
‫‪:‬وبين أبي نواس‪ ،‬وكان أبو نواس إذا حضر تخلف مسلم‪ ،‬وإذا حضر مسلم تخلف أبو نواس‪ ،‬إلى أن اجتمعا‪ ،‬فأنشده أبو نواس‬
‫وميسور ما يرجى لديك عسير وأنشده مسلم‬ ‫‪:‬أجارة بيتـينـا أبـوك غـيرو‬
‫وأنت وابنك ركنا ذلك الجبل فقالت لبي نواس‪ :‬كيف رأيت مسلما? فقال‪ :‬هو‬ ‫لله من هاشم في أرضه جبل‬
‫‪.‬أشعر الناس بعدي‪ .‬وسألت مسلما وقلت‪ :‬كيف رأيت أبا نواس? فقال‪ :‬هو أشعر الناس وأنا بعده‬
‫أمر له ذو الرياستين بمال عظيم بعد أن أنشده شعرا شكا في حاله أخبرني الحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني‬
‫إبراهيم بن عبد الخالق النصاري من ولد النعمان بن بشير‪ ،‬قا‪ :‬حدثني مسلم بن الوليد‪ ،‬قال‪ :‬وجه إلي ذو الرياستين‪ ،‬فحملت‬
‫‪:‬إليه‪ ،‬فقال‪ :‬أنشدني قولك‬
‫مرت بها بعدك أحوال فأنشدته إياها حتى انتهيت إلى قولي‬ ‫‪:‬بالغمر من زينب أطلل‬
‫كل ولكن ليس لي مال‬ ‫وقائل ليست لـه هـمة‬
‫هم مع الدهر وأشغـال‬ ‫وهيمة المقتـر أمـنـية‬
‫والناس سؤال وبـخـال‬ ‫ل جدة أنهض عزمي بها‬
‫ترفع فيها حالك الحـال قال‪ :‬فلما أنشدته هذا البيت قال‪ :‬هذه والله الدولة التي‬ ‫فاقعد مع الدهر إلى دولة‬
‫‪ .‬ترفع حالك ‪ .‬وأمر لي بمال عظيم وقلدني ‪-‬أو قال قبلني‪ -‬جوز جرجان‬
‫‪:‬هجا معن بن زائدة ويزيد بن مزيد فهدده الرشيد حدثني جحظة‪ ،‬قال‪ :‬حدثني ميمون بن هارون‪ ،‬قال‬

‫صفحة ‪2114 :‬‬

‫كان مسلم بن الوليد قد انحرف عن معن بن زائدة بعد مدحه إياه‪ ،‬لشيء أوحشه منه‪ ،‬فسأله يزيد بن مزيد أن يهبه له‪،‬‬
‫فوعده ولم يفعل‪ ،‬فتركه يزيد خوفا منه‪ ،‬فهجاه هجاء كثيرا‪ ،‬حتى حلف له الرشيد إن عاود هجاءه قطع لسانه‪ ،‬فمن ذلك قوله‬
‫‪:‬فيه‬
‫حتى لففت أباك في الكفان‬ ‫يا معن إنك لم تزل في خزية‬
‫أودى بلؤم الحي من شيبـان قال‪ :‬وهجا أيضا يزيد بن مزيد بعد مدحه إياه فقال‬ ‫‪:‬فاشكر بلء الموت عندك إنه‬
‫ترجو الفلح وأنت نطفة مزيد‬ ‫أيزيد يا مغرور ألم من مشـى‬
‫يوم العروبة عند باب المسجـد‬ ‫إن كنت تنكر منطقي فاصرخ به‬
‫فلسا فهاك على مخاطـرة يدي هكذا روى جحظة في هذا الخبر‪ ،‬والشعران‬ ‫في من يزيد فإن أصبت بمـزيد‬
‫‪:‬جميعا في يزيد بن مزيد‪ ،‬فالول منهما أوله‬
‫‪.‬أيزيد إنك لم تزل في خزية وهكذا هو في شعر مسلم‪ .‬ولم يلق مسلم معن بن زائدة‪ ،‬ول له فيه مدح ول هجاء‬
‫رثاؤه يزيد بن مزيد‬
‫أخبرني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن أبي سعد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن عبد الله بن جشم‪ ،‬قال‪ :‬كان يزيد بن مزيد قد سأل‬
‫مسلم بن الوليد عما يكفيه ويكفي عياله‪ ،‬فأخبره فجعله جراية له‪ ،‬ثم قال‪ :‬ليس هذا مما تحاسب به بدل من جائزة أو ثواب‬
‫‪:‬مديح‪ .‬فكان يبعث به إليه في كل سنة‪ ،‬فلما مات رثاه مسلم فقال‬
‫تبين أيها الناعي الـمـشـيد‬ ‫أحـقــا أنـــه أودى يزيد‬
‫به شفتاك دار بها الصـعـيد‬ ‫أتدري من نعيت وكيف دارت‬
‫فما للرض ويحك ل تمـيد‬ ‫أحامي المجد والسـلم أودى‬
‫دعائمه وهل شـاب الـولـيد‬ ‫تأمل هل ترى السلم مالـت‬
‫وهل وضعت عن الخيل اللبود‬ ‫وهل شيمت سيوف بني نـزار‬
‫بدرتها وهل يخضـر عـود‬ ‫وهل تسقي البلد عشار مزن‬
‫بلى وتقوض المجد المـشـيد‬ ‫أما هدت لمصـرعـه نـزار‬
‫طريف المجد والحسب التلـيد‬ ‫وحل ضريحـه إذ حـل فـيه‬
‫عليك بدمعهـا أبـدا تـجـود‬ ‫أما والله ما تنـفـك عـينـي‬
‫فليس لدمع ذي حسب جمـود‬ ‫وإن تجمد دمـوع لـئيم قـوم‬
‫دموعا أو تصان لهـا خـدود‬ ‫أبعد يزيد تختزن الـبـواكـي‬
‫وهت أطنابها ووهى العمـود‬ ‫لتبكـك قـبة السـلم لـمـا‬
‫له نشبا وقد كسد الـقـصـيد‬ ‫ويبكك شاعر لـم يبـق دهـر‬
‫فريس للـمـنـية أو طـريد هكذا في الخبر‪ ،‬والقصيدة للتيمي‬ ‫‪.‬فإن يهلك يزيد فـكـل حـي‬
‫مدح الفضل بن سهل‬
‫أخبرني محمد بن يحيى الصولي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الهشامي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عبد الله بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثني موسى بن عبد الله‬
‫‪:‬التميمي‪ ،‬قال‪ :‬دخل مسلم بن الوليد على الفضل بن سهل‪ ،‬فأنشده قوله فيه‬
‫ونبهت عن معالي دهرك الكتب‬ ‫لو نطق الناس أو أنبوا بعلمهـم‬
‫إذا تفاخرت الملك وانتسبـوا فأمر له عن كبي بيت من هذه القصيدة بألف‬ ‫لم يبلغوا منك أدنى ما تمت بـه‬
‫‪.‬درهم‬
‫‪:‬رثاؤه الفضل بن سهل ثم قتل الفضل فقال يرثيه‬
‫وأكبرت أن ألقى بيومك نـاعـيا‬ ‫ذهلت فلم أنقع غلـيل بـعـبـرة‬
‫وأن ليس إل الدمع للحزن شافـيا‬ ‫فلما بدا لـي أنـه لعـج السـى‬
‫مآتم تندبن النـدى والـمـعـالـيا‬ ‫أقمت لك ال‪،‬واح ترتـد بـينـهـا‬
‫ولكن منعى الفضل كان منـاعـيا‬ ‫وما كان منعى الفضل منعاة واحد‬
‫من الملك يزحمن الجبال الرواسيا‬ ‫أللبأس أو للـجـود أم لـمـقـاوم‬
‫وكن كأعياد فـعـدن مـبـاكـيا‬ ‫عفت بعدك اليام ل بل تـبـدلـت‬
‫ولم أر إل بعـد يومـك بـاكـيا عابه ابن الحنف في مجلس فهجاه‬ ‫فلم أر إل قبل يومك ضـاحـكـا‬
‫أخبرني الحسين بن القاسم الكوكبي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن عجلن‪ ،‬قال‪ :‬حدثان يعقوب بن السكيت‪ ،‬قال‪ :‬أخبرني محمد بن‬
‫‪:‬المهنأ‪ ،‬قال‬

‫صفحة ‪2115 :‬‬

‫كان العباس بن الحنف مع إخوان له على شراب‪ ،‬فذكروا مسلم بن الوليد‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬صريع الغواني‪ ،‬فقال العباس‪ :‬ذاك‬
‫‪:‬ينبغي أن يسمى صريع الغيلن ل صريع الغواني‪ ،‬وبلغ ذلك مسلما فقال يهجوه‬
‫فاترك حنيفة واطلب غيرها نسبا‬ ‫بنو حنيفة ل يرضى الدعي بهـم‬
‫بسورة الجهل ما لم أملك الغضبا‬ ‫فاذهب فأنت طليق الحلم مرتهن‬
‫إني أرى لك خلقا يشبه العربـا‬ ‫اذهب إلى عرب ترضى بنسبتهم‬
‫بغاية منعتك الفوت والطـلـبـا ينصرف عن هجاء خزيمة بن خازم ويتمسك بهجاء‬ ‫منيت وقد جد الـجـراء بـنـا‬
‫سعيد بن سلم أخبرني محمد بن يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا حماد بن إسحاق‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده‪ ،‬قال‪ :‬قلت لمسلم بن الوليد‪ :‬ويحك أما‬
‫استحييت من الناس حين تهجو خزيمة بن خازم‪ ،‬ول استحييت منا ونحن إخوانك‪ ،‬وقد علمت أنا نتوله وهو من تعرف فضل‬
‫وجودا? فضحك‪ ،‬وقال لي‪ :‬يا أبا إسحاق‪ ،‬لغيرك الجهل‪ ،‬أما تعلم أن الهجاء آخذ بضبع الشاعر وأجدى عليه من المديح المضرع?‬
‫وما ظلمت مع ذلك منهم أحدا‪ ،‬ما مضى فل سبيل إلى رده‪ ،‬ولكن قد وهبت لك عرض خزيمة بعد هذا‪ .‬قال‪ :‬ثم أنشدني قوله‬
‫‪:‬في سعيد بن سلم‬
‫وبخلك بخل الباهلي سـعـيد‬ ‫ديونك ل يقضى الزمان غريمها‬
‫وما قومه من بخله بـبـعـيد فقلت له‪ :‬وسعيد بن سلم صديقي أيضا‪ ،‬فهبه‬ ‫سعيد بن سلم أبخل الناس كلهـم‬
‫‪.‬لي‪ ،‬فقال‪ :‬إن أقبلت على ما يعنيك‪ ،‬وإل رجعت فيما وهبت لك من خزيمة‪ ،‬فأمسكت عنه راضيا بالكفاف‬
‫مدح محمد بن يزيد بن مزيد ثم انصرف عنه أخبرني حبيب بن نصر المهلبي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن أبي سعد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني‬
‫عبد الله بن محمد بن موسى بن عمر بن حمزة بن بزيع‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عبد الله بن الحسن اللهبي‪ ،‬قال‪ :‬كان مسلم بن الوليد‬
‫مداحا ليزيد بن مزيد‪ ،‬وكان يؤثره ويقدمه ويجزل صلته‪ ،‬فلما مات وفد على ابنه محمد‪ ،‬فمدحه وعزاه عن أبيه‪ ،‬وأقام ببابه فلم‬
‫‪:‬ير منه ما يحب‪ ،‬فانصرف عنه وقال فيه‬
‫وأعرضت عنه منصفا وودودا‬ ‫لبست عزاء عن لقاء محـمـد‬
‫فعوضها منه اللقاء صـدودا‬ ‫وقلت لنفس قادها الشوق نحوه‬
‫ومات وإل فاحسـبـيه يزيدا‬ ‫هبيه امرأ قد كان أصفاك وده‬
‫وفاء لذي عهد يعد حـمـيدا مدح الفضل بن يحيى فأجزل له العطاء ووهبه‬ ‫لعمري لقد ولى فلم ألق بعـده‬
‫جارية أعجبته بعد أن قال فيها شعرا أخبرني حبيب بن نصر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن أبي سعد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أحمد بن إبراهيم بن‬
‫إسماعيل بن داود‪ ،‬قال‪ :‬دخل مسلم بن الوليد يوما على الفضل بن يحيى‪ ،‬وقد كان أتاه خبر مسيره‪ ،‬فجلس للشعراء فمدحوه‬
‫وأثابهم‪ ،‬ونظر في حوائج الناس فقضاها وتفرق الناس عنه‪ ،‬وجلس للشرب‪ ،‬ومسلم غير حاضر لذلك‪ ،‬وإنما بلغه حين انقضى‬
‫‪:‬المجلس‪ ،‬فجاءه فأدخل إليه فاستأذن في النشاد‪ ،‬فأذن له‪ ،‬فأنشده قوله فيه‬
‫عليها فتى كالنصل مؤنسه النصل يقول فيها‬ ‫‪:‬أتتك المطايا تهتـدي بـمـطـية‬
‫فحـط الـثـنـاء الـجـزل نـائلـــه الـــجـــزل‬ ‫وردت رواق الـفـضـل آمـــل فـــضـــلـــه‬
‫إذا كـان مـرعـاهـا المـانـي والـــمـــطـــل‬ ‫فتـى تـرتــعـــي المـــال مـــزنة جـــوده‬
‫تساقط يمناه الندى وشماله الردى وعيون القول منطقه الفصل‬
‫علـى مـنـهـج ألـفـى أبــاه بـــه قـــبـــل‬ ‫ألح على اليام يفري خطوبها‬
‫فلـيس لـه مـثـل ول لــهـــمـــا مـــثـــل‬ ‫أنـاف بـه الـعـــلـــياء يحـــيى وخـــالـــد‬
‫وأصـل فـطـابـت حـيث وجـهـهـــا الصـــل‬ ‫فروع أصـابـت مـغـرسـا مـتــمـــكـــنـــا‬
‫وتسـتـنـزل الـنـعـمـى ويسـتـرعـف الـنـصـل قال‪ :‬فطرب‬ ‫بكـف أبـي الـعـبـاس يسـتـمـطـر الـغــنـــى‬
‫الفضل طربا شديدا‪ ،‬وأمر بأن تعد البيات‪ ،‬فعد فكانت ثمانين بيتا فأمر له بثمانين ألف درهم‪ ،‬وقال‪ :‬لول أنها أكثر ما وصل به‬
‫الشعراء لزدتك‪ ،‬ولكن شأو ل يمكنني أن أتجاوزه‪ -‬يعني أن الرشيد رسمه لمروان بن أبي حفصة‪ -‬وأمره بالجلوس معه والمقام‬
‫عنده لمنادمته‪ ،‬فأقام عنده‪ ،‬وشرب معه‪ ،‬وكان على رأس الفضل وصيفة تسقيه كأنها لؤلؤة‪ ،‬فلمح الفضل مسلما ينظر إليها‪،‬‬
‫‪:‬فقال‪ :‬قد ‪-‬وحياتي يا أبا الوليد‪ -‬أعجبتك‪ ،‬فقل فيها أبياتا حتى أهبها لك‪ ،‬فقال‬

‫صفحة ‪2116 :‬‬

‫كأسا ألذ بها من فيك تشـفـينـي‬ ‫إن كنت تسقين غير الراح فاسقني‬
‫ولون حديك لون الوريد يكفينـي‬ ‫عيناك راحي‪ ،‬وريحاني حديثك لي‬
‫فخمر عينيك يغنيني ويجـزينـي‬ ‫إذا نهاني عن شرب الطل حـرج‬
‫لقد صحوت ولكن سوف تأتينـي‬ ‫لول علمات شيب لو أتت وعظت‬
‫وإن بقيت فإن الشيب يشقـينـي فقال له‪ :‬خذها بورك لك فهيا‪ ،‬وأمر‬ ‫أرضي الشباب فإن أهلك فعن قدر‬
‫‪.‬بتوجيهها مع بعض خدمها إليه‬
‫ماتت زوجته فجزع عليها وتنسك‬
‫أخبرني حبيب بن نصر المهلبي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن أبي سعد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أحمد ابن إبراهيم‪ ،‬قال‪ :‬كانت لمسلم بن الوليد‬
‫زوجة من أهله‪ ،‬كانت تكفيه أمره وتسره فيما تليه له منه‪ ،‬فماتت فجزع عليها جزعا شديدا‪ ،‬وتنسك مدة طويلة‪ ،‬وعزم على‬
‫‪:‬ملزمة ذلك‪ ،‬فأقسم عليه بعض إخوانه ذات يوم أن يزوره ففعل‪ ،‬فأكلوا وقدموا الشراب‪ ،‬فامتنع منه مسلم وأباه‪ ،‬وأنشأ يقول‬
‫سبيلهما في القلب مختلـفـان‬ ‫بكاء وكأس‪ ،‬كـيف يتـفـقـان?‬
‫أرى اليوم فيه غير مـا تـريان‬ ‫دعاني وإفراط البكاء فـإنـنـي‬
‫إلى منزل نـاء لـعـينـك دان‬ ‫غدت والثرى أولى بها من وليهـا‬
‫وتعترف الحشاء للخـفـقـان‬ ‫فل حزن حتى تذرف العين ماءها‬
‫وسهماهما في القلب يعتلجـان هاجاه ابن قنبر فأمسك عنه بعد أن بسط‬ ‫وكيف يدفع اليأس للوجد بعدهـا‬
‫لسانه فيه أخبرني حبيب بن نصر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن أبي سعد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني علي بن الصباح‪ ،‬قال‪ :‬حدثني مالك بن‬
‫إبراهيم‪ ،‬قال‪ :‬كان مسلم بن الوليد يهاجي الحكم بن قنبر المازني‪ ،‬فغلب عليه ابن قنبر مدة وأخرسه‪ ،‬ثم اثاب مسلم بعد أن‬
‫انخزل وأفحم‪ ،‬فهتك ابن قنبر حتى كف عن مناقضته‪ ،‬فكان يهرب منه‪ ،‬فإذا لقيه مسلم قبض عليه وهجاه وأنشده ما قال فيه‬
‫فيمسك عن إجابته؛ ثم جاءه ابن قنبر إلى منزله واعتذر إليه مما سلف‪ ،‬وتحمل عليه بأهله وسأله المساك فوعده بذلك‪ ،‬فقال‬
‫‪:‬فيه‬
‫هل كان يحلم شاعر عن شاعر‬ ‫?حلم ابن قنبر حين أقصر جهـلـه‬
‫غالتك حلمك هفوة من قـاهـر‬ ‫ما أنت بالحكم الـذي سـمـيتـه‬
‫مرح العباب يفوت طرف الناظر‬ ‫لول اعتذارك لرتمى بك زاخـر‬
‫إني أخاف عليك شفـرة جـازر‬ ‫ل ترتعن لحمي لسانك بـعـدهـا‬
‫ل تأمنن عـقـوبة مـن قـادر مسلم وابن قنبر يتهاجيان في مسجد الرصافة‬ ‫واستغنم العفـو الـذي أوتـيتـه‬
‫أخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن عبد الله بن أبو بكر العبدي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫رأيت مسلم بن الوليد وابن قنبر في مسجد الرصافة في يوم جمعة‪ ،‬وكل واحد منهما بإزاء صاحبه‪ ،‬وكانا يتهاجيان‪ ،‬فبدأ مسلم‬
‫‪:‬فقال‬
‫فغن كنت ممن يقدح النار فاقدح فأجابه ابن قنبر فقال‬ ‫‪:‬أنا النار في أحجارها مستـكـنة‬
‫فكيف ظنك بي والقوس في الوتر قال‪ :‬فوثب إليه مسلم وتواخزا وتواثبا‪،‬‬ ‫قد كنت تهوي وما قوسي بموتـرة‬
‫‪.‬وحجز الناس بينهما فتفرقا‬
‫لمه رجل من النصار على انخزاله أمام ابن قنبر فعاد إلى هجائه أخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن القاسم بن‬
‫مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني علي بن عبيد الكوفي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني علي بن عمروس النصاري‪ ،‬قال‪ :‬جاء رجل من النصار ثم من الخزرج‬
‫إلى مسلم بن الوليد فقال له‪ :‬ويلك ما لنا ولك‪ ،‬قد فضحتنا وأخزيتنا‪ ،‬تعرضت لبن قنبر فهاجيته‪ ،‬حتى إذا أمكنته من أعراضنا‬
‫انخزلت عنه وأرعيته لحومنا‪ ،‬فل أنت سكت ووسعك ما وسع غيرك‪ ،‬ول أنت لما انتصرت أنصفت‪ .‬فقال له مسلم‪ :‬فما أصنع?‬
‫فأنا أصبر عليه‪ ،‬فإن كف وإل تحملت عليه بإخوانه‪ ،‬فإن كف وإل وكلته إلى بغيه‪ ،‬ولنا شيخ يصوم الدهر ويقوم الليل‪ ،‬فإن أقام‬
‫على ما هو عليه سألته أن يسهر له ليلة يدعو عليه فيها فإنها تهلكه‪ ،‬فقال له النصاري‪ :‬سخنت عينك أو بهذا تنتصف ممن‬
‫‪:‬هجاك? ثم قال له‬
‫بدعاء والده مـع السـحـار‬ ‫قد لذ من خوف ابن قنبر مسلم‬
‫ما قد عراه إلى أخ أو جـار‬ ‫ورأيت شر وعيده أن يشتكـي‬

‫صفحة ‪2117 :‬‬

‫وفضحت أسرتنا بني النجار‬ ‫ثكلتك أمك قد هتكت حريمنـا‬


‫خزيا جنيت به على النصار‬ ‫عممت خزرجنا ومعشر أوسنا‬
‫وعشيرة غضب الله الباري قال‪ :‬فكاد مسلم أن يموت غما وبكاء وقال له‪:‬‬ ‫فعليك من مولى وناصر أسرة‬
‫‪.‬أنت شر علي من ابن قنبر‪ .‬ثم أثاب وحمي‪ ،‬فهتك ابن قنبر ومزقه حتى تركه‪ ،‬وتحمل عليه بابنه وأهله حتى أعفاه من المهاجاة‬
‫رجع الحديث عما وقع بين وبين ابن قنبر ونسخت هذا الخبر من كتاب جدي يحيى بن محمد بن ثوابة بخطه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني‬
‫الحسن بن سعيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني منصور بن جمهور قال‪ :‬لما هجا ابن قنبر مسلم بن الوليد أمسك بعد أن أشلى عليه لسانه قال‪:‬‬
‫فجاءه عم له فقال له‪ :‬يا هذا الرجل‪ ،‬إنك عند الناس فوق ابن قنبر في عمود الشعمر‪ ،‬وقد بعث عليك لسانه ثم أمسكت عنه‪،‬‬
‫فإما أن قارعته أو سالمته‪ .‬فقال له مسلم‪ :‬إن لنا شيخا وله مسجد يتهجد فيه‪ ،‬وله بين ذلك دعوات يدعو بهن‪ ،‬ونحن نسأله أن‬
‫‪:‬يجعله من بعض دعواته‪ ،‬فإنا نكفاه‪ ،‬فأطرق الرجل ساعة ثم قال‬
‫لما اتقيت هجاءه بـدعـاء‬ ‫غلب ابن قنبر واللئيم مغلب‬
‫حتى اتقوه بدعوة البـاء قال‪ :‬فقال له مسلم‪ :‬والله ما كان ابن قنبر يبلغ مني‬ ‫ما زال يقذف بالهجاء ولذعه‬
‫‪.‬هذا كله‪ ،‬فأمسك لسانك عني‪ ،‬وتعرف خبره بعد هذا‪ .‬قال‪ :‬فبعث ‪-‬والله‪ -‬عليه من لسان مسلم ما أسكته‪ ،‬هكذا جاء في الخبار‬
‫وقد حدثني بخبر مناقضته ابن قنبر جماعة ذكروا قصائدهما جميعا‪ ،‬فوجدت في الشعر الفضل لبن قنبر عليه‪ ،‬لن له عدة‬
‫قصائد ل نقائض لها‪ ،‬يذكر فيها تعريده عن الجواب‪ ،‬وقصائد يذكر فيها أن مسلما فخر على قريش وعلى النبي صلى الله عليه‬
‫‪.‬وسلم ورماه بأشيء تبيح دمه‪ ،‬فكف مسلم عن مناقضته خوفا منها‪ ،‬وجحد أشياء كان قالها فيه‬
‫فمن أخبرني بذلك هاشم بن محمد الخزاعي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عبد الله بن عمرو بن أبي سعد قال‪ :‬حدثني محمد بن عبد الله بن‬
‫الوليد مولى النصار‪ ،‬وكان عالما بشعر مسلم بن الوليد وأخباره‪ ،‬قال‪ :‬سبب المهاجاة بينه وبين ابن قنبر كان سبب المهاجاة‬
‫‪:‬بين مسلم بن الوليد والحكم بن قنبر أن الطرماح بن حكيم قد كان هجا بني تميم بقصيدته التي يقول فيها‬
‫على تميم يريد النصر مـن أحـد‬ ‫ل عز نصر امرئ أضحى له فرس‬
‫كما ينفر صوت الليث بالـنـقـد‬ ‫إذا دعا بشعـار الزد نـفـرهـم‬
‫حوض الرسول عليه الزد لم ترد‬ ‫لوحان ورد تميم ثـم قـيل لـهـم‪:‬‬
‫إن لم تعد لقتال الزد‪ ،‬لـم تـعـد وهي قصيدة طويلة‪ ،‬وكان الفرزدق أجاب‬ ‫أو أنزل الله وحـيا أن يعـذبـهـا‬
‫‪:‬الطرماح عنها‪ ،‬ثم إن ابن قنبر المازني قال بعد خبر طويل يرد على الطرماح‬
‫شثن البراثن ورد الـلـون ذا لـبـد‬ ‫يا عاويا هاج ليثـا بـالـعـواء لـه‬
‫بنو تميم عـلـى حـال فـلـم تـرد‬ ‫أي الموارد هابـت جـم غـمـرتـه‬
‫بالخيل تضبر نحـو الزد كـالسـد‬ ‫ألم ترد يوم قـنـدابـيل مـعـلـمة‬
‫بلؤمـهـا طـيء ثـديا ولـم تـلـد‬ ‫بفتية لم تنازعهـا فـتـطـبـعـهـا‬
‫سمر طوال وبحرا من قنـا قـصـد‬ ‫خاضت إلى الزد بحرا ذا غوارب من‬
‫ملس المضارب لم تفلل ولـم تـكـد وهي قصيدة طويلة‪ .‬وقد كان الطرماح قال‬ ‫فأوردتهـا مـنـاياهـا بـمـرهـفة‬
‫‪:‬أيضا‬
‫ولو سلكت طرق المكارم ضلت‬ ‫تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا‬
‫عظام المخازي عن تميم تجلت وقد كان الفرزدق أيضا أجابه عنها‪ ،‬وقال ابن‬ ‫أرى الليل يجلوه النهار ول أرى‬
‫‪:‬قنبر ينقضها‬
‫على إثر أشياخ عن المجد ضلت‬ ‫لعمرك ما ضلت تميم ول جرت‬
‫لها الزد أغماد السيوف وسلت‬ ‫ول جبنت بل أقدمت يوم كسرت‬
‫عليها بآجال لها قـد أظـلـت‬ ‫بغائط قندابيل والمـوت خـائض‬
‫إذا نهلت كروا عليها فعـلـت‬ ‫فما رحت تسقى كؤوس حمامها‬
‫أماني للشيطان عنها اضمحلـت‬ ‫إلى أنا أبدتهم تمـيم وأكـذبـت‬
‫مفارقة بعل به قـد تـمـلـت‬ ‫وحان فراق منهـم كـل خـدلة‬

‫صفحة ‪2118 :‬‬

‫وهي أيضا طويل قال‪ :‬فبلغ مسلم بن الوليد هجاء ابن قنبر للزد وطيء ورده على الطرماح بعد موته‪ .‬فغضب من ذلك‪ .‬وقال‪:‬‬
‫ما المعنى في مناقضة رجل ميت وإثارة الشر بذكر القبائل‪ ،‬ل سيما وقد أجابه الفرزدق عن قوله? فأبى ابن قنبر إل تماديا في‬
‫‪:‬مناقضته‪ ،‬فقال مسلم قصيدته التي أولها‬
‫هجن الصبابة إذا ذكرت معرسي‬ ‫آيات أطـلل بـــرامة درس‬
‫واستفهمتها غير أن لم تنـبـس يقو فيها يصف الخمر‬ ‫‪:‬أوحت إلى درر الدموع فأسبلـت‬
‫بيضاء من حلب الغيوم البجـس‬ ‫صفراء من حلب الكروم كسوتها‬
‫فكأن حليتها جني الـنـرجـس ويقول فيها يصف السيوف‬ ‫‪:‬طارت ولوذها الحباب فحاكهـا‬
‫حمـرا وتـخــفـــى تـــارة فـــي الرؤس‬ ‫وتـفـارق الغـــمـــاد تـــبـــدو تـــارة‬
‫لقـحـت عـلـى عـقـر ولـمـا تـنـــفـــس‬ ‫حرب يكـون وقـــودهـــا أبـــنـــاءهـــا‬
‫جثـمـت مـنـيتـه عـلـى الـمـتـنـــفـــس‬ ‫من هـارب ركـب الـنـجـاء ومــقـــعـــص‬
‫فثـــوى فـــريسة ولـــغ أو نـــهــــس‬ ‫غصـبـتـه أطـراف الســنة نـــفـــســـه‬
‫دار الـربـــاب وخـــزرجـــي أو أوســـي‬ ‫إن كـنـت نـازلة الـيفـاع فــنـــكـــبـــي‬
‫حدث وإن قـنـاتـهـــم لـــم تـــضـــرس‬ ‫وتـجـنـبـي الـجـعـراء إن ســـيوفـــهـــم‬
‫ذاد الـقـوافـي عـن حـمـــاهـــا مـــدرس‬ ‫عل طـيء الجـبــال شـــاكـــرة امـــرئ‬
‫أحمي أبا نفر عظام حفيرةدرست وباقي غرسها لم يدرس‬
‫ثم انـفـردت بـمـنــصـــب لـــم يدنـــس‬ ‫كافأت نعمتها بضعف بلئها‬
‫قصـرت عـلـى الغـضـاء طـرف الشـــوس‬ ‫وإذا افـتـخـرت عـددت سـعـــي مـــآثـــر‬
‫ثم انـفـردت فـأفـسـحـوا عـن مـجـلـســـي‬ ‫رفـعـت بـنـو الـنـجـار حـلـفـي فــيهـــم‬
‫ل يعـلـقـنـك خـــادر مـــن مـــأنـــس‬ ‫فاعـقـل لـسـانـك عـن شـتـائم قـومـــنـــا‬
‫بأب جـديد بـعــد طـــول تـــلـــمـــس‬ ‫أخـلـفـت فـخـرك مـن أبـيك وجـئتـــنـــي‬
‫فغـدا يهـاجـي أعـظـمـا فـي مـــرمـــس قال‪ :‬فلم يجبه ابن قنبر‬ ‫أخـذت عـلـيه الـمـحـكـمـات طـريقــهـــا‬
‫‪:‬عن هذه بشيء‪ ،‬ثم التقيا فتعاتبا‪ ،‬واعتذر كل واحد منهما إلى صاحبه‪ ،‬فقال مسلم يهجوه‬
‫هل كان يحلم شاعر عن شاعر يهجو قريشا ويفخر بالنصار‬ ‫حلم ابن قنبر حين قصر شعره‬
‫وقد مضت هذه البيات متقدما‪ .‬قال‪ :‬ومكث ابن قنبر حينا ل يجيبه عن هذا ول عن غيره بشيء طلبا للكفاف‪ ،‬ثم هجا مسلما‬
‫‪:‬قريشا وفخر بالنصار فقال‬
‫ليس بـالـتـــيه يفـــخـــر الحـــرار‬ ‫قل لـمـن تـاه إذ بـنـا عـــز جـــهـــل‬
‫رت عـن الـقـصـد فـيكـم النـــصـــار‬ ‫فتـنـاهـوا وأقـصـروا فـلـــقـــد جـــا‬
‫قبـل أن تـحـتـــويه مـــنـــا الـــدار‬ ‫أيكـــم حـــاط ذا جـــوار بـــعــــز‬
‫لم تـزل تـمـتـــطـــيهـــم الوتـــار‬ ‫أو رجـا أن يفـوت قـــومـــا بـــوتـــر‬
‫لم يكن ذاك فيكم فدعوا الفخر بما ل يسوغ فيه افتخار‬
‫ودعـوا مــن لـــه عـــبـــيدا نـــزار‬ ‫ونزارا ففاخروا تفضلوهم‬
‫هر عـــلـــيكـــم بـــريبة كــــرار‬ ‫فبـنـا عـز مـنـــكـــم الـــذل والـــد‬
‫إنـــه بـــين أهـــلـــه أطـــــوار‬ ‫حاذروا دولة الــزمـــان عـــلـــيكـــم‬
‫لى ولــلوحـــد الذل الـــصـــغـــار‬ ‫فتـردوا ونــحـــن لـــلـــحـــالة الو‬
‫فاخرتنا لما بسطنا لها الفخر قريش وفخرها مستعار‬
‫قبـل أن يسـتـجـيرنـا مـســتـــجـــار‬ ‫ذكرت عزها وما كان فيها‬
‫ترتـقـيهـا كـمـا تـرقـــى الـــوبـــار‬ ‫إنـمـا كـان عـزهــا فـــي جـــبـــال‬
‫أيها الفاخرون بالعز‪ ،‬والعز لقوم سواهم والفـخـار‬
‫صور حـتـى اعـتـلـى أم النـــصـــار‬ ‫?أخبرونا من العز أألمن‬
‫وقـريش تـلـك الــدهـــور تـــجـــار ابن قنبر يجيبه قال‪ :‬فانبرى له ابن‬ ‫فلـنـا الـعـز قــبـــل عـــز قـــريش‬
‫‪:‬قنبر يجيبه فقال‬
‫وأفلق به الحشاء من كل مجرم‬ ‫أل أمثل أمير المؤمنين بمسـلـم‬
‫فما هو عن شتم النبي بمحـرم‬ ‫ول ترجعن عن قتله باستـتـابة‬
‫قريش بأصداء لعاد وجـرهـم‬ ‫ول عن مساواة له ولـقـومـه‬
‫بنصرته فازوا بحظ ومـغـنـم‬ ‫ويفخر بالنصار جهل على الذي‬
‫أراد قريشا بالمقال الـمـذمـم‬ ‫وسموا به النصار ل عز قـائل‬

‫صفحة ‪2119 :‬‬

‫إلى نسـب زاك ومـجـد مـقـدم‬ ‫ومنهم رسول الله أزكى من انتمـى‬
‫بنصر قريش في المحل المعـظـم‬ ‫وما كانت النصار قبل اعتصامـهـا‬
‫صداء وخولن ولخـم وسـلـهـم‬ ‫ول باللى يعلون أقـدار قـومـهـم‬
‫قريشا ومن يستعصم اللـه يعـصـم‬ ‫ولكنهم باللـه عـاذوا ونـصـرهـم‬
‫من الذل في باب من العز مبـهـم‬ ‫فعزوا وقد كانوا وفطـيون فـيهـم‬
‫كريم ومن ل ينكر الظلـم يظـلـم‬ ‫يسومهم الفطـيون مـا ل يسـامـه‬
‫على الخلق طرا من فصيح وأعجم‬ ‫وإن قريشا بالـمـآثـر فـضـلـت‬
‫يمد إليهـم كـف أجـذم أعـسـم‬ ‫فما بال هذا العلج ضـل ضـللـه‬
‫بمولى بـمـانـي وبـيت مـهـدم‬ ‫يسامي قريشا مـسـلـم وهـم هـم‬
‫مقام بن من لؤم مبـنـى ومـدعـم‬ ‫إذا قام فيه غيرهـم لـم يكـن لـه‬
‫يباعون ما ابتيعوا جميعـا بـدرهـم‬ ‫جعاسيس أشبه القـرود لـو أنـهـم‬
‫ولكنه من نسل عـلـج مـلـكـم‬ ‫وما مسلـم مـن هـؤلء ول ألـى‬
‫إليهم فـلـم يكـرم ولـم يتـكـرم‬ ‫تولى زماناص غيرهم ثمت ادعـى‬
‫مواليه ل من يدعي بـالـتـزعـم‬ ‫فإن يك منهم بالنـضـير ولـفـهـم‬
‫بقافية تستكـره الـجـلـد بـالـدم‬ ‫وإنه تدعه النصار مولى أسمـهـم‬
‫لقلف منقـوش الـذراع مـوشـم‬ ‫عقابا لهم في إفكـهـم وادعـائهـم‬
‫بنفيكمـوه مـن مـقـام ومـأثـم‬ ‫فل تدعوه وانتفوا منه تـسـلـمـوا‬
‫إذا اختلفت فيكم صوادر أسهـمـي‬ ‫وإل فغضوا الطرف وانتظروا الردى‬
‫إذا ذلعت من كل فـج ومـعـلـم‬ ‫ولم تجدوا منها مجنـا بـجـنـكـم‬
‫ولستم بأبناء الـسـنـام الـمـقـدم‬ ‫وأنتم بنـو أذنـاب مـن أنـتـم لـه‬
‫فيسمو بكم مولى مسام وينـتـمـي‬ ‫ول ببني الرأس الرفـيع مـحـلـه‬
‫بيتكم الرث القـصـير الـمـهـدم‬ ‫فكيف رضيتم أن يسامـى نـبـيكـم‬
‫عليه وأكوي منتـمـاه بـمـيسـم‬ ‫سأحطم من سامى النبـي تـطـاول‬
‫ثوتها قريش في المكان المـحـرم‬ ‫أيعـدل بـيت يثـربـي بـكـعـبة‬
‫بذلك فاقعس أيها العـلـج وارغـم‬ ‫قريش خيار الله واللـه خـصـهـم‬
‫إذا قيل للجاري إلى المجـد أقـوم قال‪ :‬وكان مسلم قال هذه القصيدة في‬ ‫ومن يدعي منـه الـولء مـؤخـرا‬
‫قريش وكتمها‪ ،‬فوقعت إلى ابن قنبر‪ ،‬وأجابه عنها‪ ،‬واستعلى عليه وهتكه‪ ،‬وأغرى به السلطان‪ ،‬فلم يكن عند مسلم في هذا‬
‫جواب من النتفاء منها‪ ،‬ونسبتها إلى ابن قنبر‪ ،‬والدعاء عليه أنه ألصقها به ونسبها إليه‪ ،‬ليعرضه للسلطان‪ ،‬وخافه فقال ينتفي‬
‫من هذه القصيدة ويهجو تميما‪ :‬قصيدته في هجاء تميم‬

‫هنـاك‪ ،‬ولـكـن مـن يخـف يتــجـــســـم‬ ‫دعـوت أمـير الـمـؤمـنـين ولـم تـــكـــن‬
‫لكـالـمـتـرقـي فـي الـسـمـاء بـسـلـــم‬ ‫وإنـك إذ تـدعـو الـخـلـــيفة نـــاصـــرا‬
‫وإن تـتـوهـمـه تـمـت فـي الـتـــوهـــم‬ ‫كذاك الـصـدى تـدعـو مـن حــيث ل تـــرى‬
‫رويدك يظـهـر مـا تـقـول فـــيعـــلـــم‬ ‫هجـوب قـريشـا عـامـدا ونـحـلـتـــنـــي‬
‫علـى ابـنـي لـؤي قـصـرة غـير مـتـهـــم‬ ‫إذا كـان مـثـلـي فـي قـبـيلـتـي فــإنـــه‬
‫به فـتـأخــر عـــارفـــا أو تـــقـــدم‬ ‫سيكـشـفـك الـتـعـديل عـمـا قـرفـتـنـــي‬
‫ول يسـتـمـال عـهـدهـا بـالــتـــزعـــم‬ ‫فإن قـــريشـــا ل تـــغـــير ودهــــا‬
‫لنـا سـلـف فـي الول الــمـــتـــقـــدم‬ ‫مضى سـلـف مـنـهـم وصـلـى بـعـقـبـهـم‬
‫كمـا اتـبـعـت كـف نـواشـر مـعــصـــم‬ ‫جروا فـجـرينـا سـابـقـين بـسـبـقــهـــم‬
‫كمـلـتـمـس الـيربـوع فـي جـحـر أرقـــم‬ ‫وإن الـذي يسـعـى لـيقـطـع بـــينـــنـــا‬
‫فأصـبـحـت مـن عـمـيائهـا فـي تــهـــيم‬ ‫أضـلـك قـدع البـــدات طـــريقـــهـــا‬
‫وخانتك عند الجري لما اتبعتهاتميم فحاولت العل بالتقحم‬
‫يدي بـيدي‪ ،‬أصـلـيت نـــارك فـــاضـــرم ابن قنبر يهجوه‬ ‫فأصبحت ترميني بسهمي وتتقى‬

‫صفحة ‪2120 :‬‬

‫‪:‬قال‪ :‬ثم هجاه ابن قنبر بقصيدة أولها‬


‫قل لعبد النضير مسلم الوغد الدني اللئيم شيخ النصـاب‬
‫لسـت مـمـت يجـيب نـبــح الـــكـــلب‬ ‫اخس يا كلب إذ نبحث فإني‬
‫وبـــيتـــي فـــي ذروة الحـــســـاب‬ ‫أفـأرضـى ومـنـصـبـي مـنـصـب الـعـــز‬
‫بمـــهـــاجـــاة أوشـــب الوشــــاب‬ ‫أن أحـط الـرفـيع مـن سـمــك بـــيتـــي‬
‫من إذا سيل‪ :‬من أبوه? بدامنه حياء يحميه رجع الجواب‬
‫وإذا قيل حين يقبل‪ :‬من أنت ومن تعتزيه في النساب قلت‪ :‬هاجي ابن قنبر‪ ،‬فتسربلت بذكري فخرا لدى النساب ابن قنبر‬
‫‪:‬يتابع هجاءه وهي قصيدة طويلة‪ ،‬فلم يجبه مسلم عنها بشيء‪ ،‬فقال فيه ابن قنبر أيضا‬
‫عن أبيك الذي له منتماكـا‬ ‫لست أنفيك إن سواي نفاكـا‬
‫من أب إن ذكرته أخزاكـا‬ ‫ولما أنفـيك يا بـن ولـيد‬
‫لم أجده إن لم تكن أنت ذاكا‬ ‫ولو أني طلبت ألم مـنـه‬
‫ه إن الناس طاوعونا أباكـا‬ ‫لو سواه أباك كان جعلـنـا‬
‫وتحوك الشعار أنت كذاكا وهي طويلة‪ ،‬فلم يجبه مسلم عنها بشيء‪ ،‬فقال ابن قنبر‬ ‫حاك دهرا بغير حذق لبرد‬
‫‪:‬أيضا يهجوه‬
‫بضعيف من فـخـره مـردود‬ ‫فخر العبد عبـد قـن الـيهـود‬
‫ن خنازير من يثرب والقـرود‬ ‫فاخر الغر من قريش بـإخـوا‬
‫بهم الفخر من مكـان بـعـيد‬ ‫يتولى بني الـنـضـير ويدعـو‬
‫ل في سالف الزمان الـتـلـيد‬ ‫وبني الوس والخزرج أل الـذ‬
‫كل بكـر ريا الـروادف رود‬ ‫إذ رضوا بافتضاض فطيون منهم‬
‫عل فطيون قبحوا من شـهـود‬ ‫وبنو عمها شـهـود لـمـا يف‬
‫ل بـذي غـيره ول بـنـجـيد‬ ‫خلف باب الفطيون والبغل منهم‬
‫نحبه قنعـوا بـخـزي جـديد قال‪ :‬فلما أفحش في هذه القصيدة وفي عدة قصائد‬ ‫فإذا ما قضى اليهودي مـنـهـا‬
‫قالها‪ ،‬ومسلم ل يجيبيه‪ ،‬مشى إليه قوم من مشيخة النصار‪ ،‬واستعانوا بمشيخة من قراء تميم وذوي العلم والفضل منهم‪،‬‬
‫فمشوا معهم إليه وقالوا له‪ :‬أل تستحي من أن تهجو من ل يجيبك? أنت بدأت الرجل فأجابك‪ ،‬ثم عدت فكف‪ ،‬وتجاوزت ذلك‬
‫إلى ذكر أعراض النصار التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحميها ويذب عنها ويصونها‪ ،‬لغير حال أحلت لك ذلك منهم‪،‬‬
‫‪.‬فما زالوا يعظونه ويقولون له كل قول حتى أمسك عن المناقضة لمسلم‪ ،‬فانقطعت‬

‫صوت‬

‫شمس الضحى وأبو إسحاق والقمر‬ ‫ثلثة تشرق الدنيا ببـهـجـتـهـم‬


‫الغيث والليث والصمصامة الذكر الشعر لمحمد بن وهيب‪ ،‬والغناء لعلويه ثقيل‬ ‫يحكي أفاعيلـه فـي كـل نـائبة‬
‫‪.‬أولى بالوسطى‪ ،‬وفيه لبراهيم بن المهدي ثقيل أول آخر عن الهشامي‬

‫أخبار محمد بن وهيب‬


‫شعراء الدولة العباسية‬
‫محمد بن وهيب الحميري صليبة شاعر من أهل بغداد من شعراء الدولة العباسية‪ ،‬وأصله من البصرة ‪ ،‬وله أشعار كثيرة يذكرها‬
‫‪.‬فيها ويتشوقها‪ ،‬ويصف إبطانه إياها ومنشأه بها‬
‫مدح الحسن بن رجاء ثم المأمون‬
‫وكان يستمنح الناس بشعره‪ ،‬ويتكسب بالمديح‪ ،‬ثم توسل إلى الحسن بن سهل بالحسن بن رجاء بن أبي الضحاك ومدحه‪،‬‬
‫فأوصله إليه وسمع شعره فأعجب به واقتطعه إليه‪ ،‬وأوصله إلى المأمون حتى مدحه وشفع له فأسنى جائزته‪ ،‬ثم لم يزل‬
‫‪.‬منقطعا إليه حتى مات‪ .‬وكان يتشيع‪ ،‬وله مراث في أهل البيت‬
‫منزلته‬
‫‪ .‬هو متوسط من شعراء طبقته‪ ،‬وفي شعره أشياء نادرة فاضلة‪ ،‬وأشياء متكلفة‬
‫المعتصم يسمع مديحه ويجيزه دون غيره أخبرنا محمد خلف وكيع‪ ،‬قال‪ :‬زعم أبو محلم‪ ،‬وأخبرني عمي‪ ،‬عن علي بن الحسين‬
‫بن عبد العلى‪ ،‬عن أبي محلم‪ ،‬قال‪ :‬اجتمع الشعراء على باب المعتصم فبعث إليهم محمد بن عبد الملك الزيات أن أمير‬
‫‪:‬المؤمنين يقول لكم‪ :‬من كان منكم يحسن أن يقول مثل قول النمري في الرشيد‬
‫أحلك الله منها حيث تجتـمـع‬ ‫خليفة الـلـه إن الـجـود أودية‬
‫فليس بالصلوات الخمس ينتفـع‬ ‫من لم يكن بأمين الله معتصمـا‬
‫أو ضاق أمر ذكرناه فيتـسـع‬ ‫إن أخلف القطر لم تخلف مخايله‬

‫صفحة ‪2121 :‬‬

‫‪:‬فليدخل وإل فلينصرف‪ ،‬فقام محمد بن وهيب فقال‪ :‬فينا من يقول مثله‪ ،‬قال‪ :‬وأي شيء قلت? فقال‬
‫شمس الضحى وأبو إسحاق والقمر‬ ‫ثلثة تشرق الدنيا ببـهـجـتـهـم‬
‫الغيث والليث والصمصامة الذكر فأمر بإدخاله وأحسن جائزته‬ ‫‪.‬تحي أفاعـيلـه فـي كـل نـائبة‬
‫رجع الحديث عن صلته بالحسن بن رجاء‬
‫أخبرني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثان عبد الله بن أبي سعد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن محمد بن مروان بن موسى قال‪ :‬حدثني محمد بن‬
‫وهيب الشاعر قال‪ :‬لما تولى الحسن بن رجاء بن أبي الضحاك الجبل قلت فيه شعرا وأنشدته أصحابنا دعبل بن علي وأبا سعد‬
‫المخزومي‪ ،‬وأبا تمام الطائي‪ ،‬فاستحسنوا الشعر وقالوا‪ :‬هذا لعمري من الشعار التي تلقى بها الملوك‪ ،‬فخرجت إلى الجبل‬
‫‪:‬فلما صرت إلى همذان أخبره الحاجب بمكاني فأذن لي فأنشدته الشعر فاستحسن منه قولي‬
‫وصبرا على استدرار دنيا بإبساس‬ ‫أجارتنا إن التعـفـف بـالـياس‬
‫كريما وأل يحوجاه إلى الـنـاس‬ ‫حريان أل يقـذفـا بـمـــذلة‬
‫وأكثر أسباب النجاح مع الـياس فأمر حاجبه بإضافتي فأقمت بحضرته كلما دخلت‬ ‫أجارتنـا إن الـقـداح كـواذب‬
‫إليه لم أنصرف إل بحملن أو خلعة أو جائزة حتى انصرم الصيف فقال لي‪ :‬يا محمد إن الشتاء عندنا علج فأعد يوما للوداع‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬خدمة المير أحب غلي‪ ،‬فلما كاد الشتاء أن يشتد قال لي‪ :‬هذا أوان الوداع‪ ،‬فأنشدني الثلثة البيات فقد فهمت الشعر‬
‫‪:‬كله‪ ،‬فلما أنشدته‬
‫وأكثر أسباب النجاح مع الياس قال‪ :‬صدقت‪ ،‬ثم قال‪ :‬عدوا أبيات القصيدة‬ ‫أجارتنا إن الـقـداح كـواذب‬
‫فأعطوه لكل بيت ألف درهم‪ ،‬فعدت فكانت اثنين وسبعين بيتا‪ ،‬فأمر لي باثنين وسبعين ألف درهم‪ ،‬وكان فيما أنشدته في‬
‫مقامي واستحسنه قولي‪ :‬صوت‬
‫أما في الهوى حكم يعدل‬ ‫دماء المحبين ل تـعـقـل‬
‫ودان الشباب له الخطـل‬ ‫تعبدني حور الـغـانـيات‬
‫غرارا كما ينظر الحول‬ ‫ونظرة عين تعلـلـتـهـا‬
‫وطرف الرقيب متى يغفل في هذه البيات هزج طنبوري سمعته من جحظة فذكر‬ ‫مقسمة بين وجه الحبـيب‬
‫‪.‬أنه يراه للمسدود ولم يحقق صانعه‬
‫‪.‬قال الصبهاني‪ :‬وهذه البيات له في المطلب بن عبد الله بن مالك الخزاعي‬
‫‪:‬قال محمد بن وهيب‪ :‬وأهدي إلى الحسن بن رجاء غلم فأعجب به فكتب إليه‬
‫جرى به الطائر السعيد‬ ‫ليهنك الزائر الـجـديد‬
‫فذا ودود وذا ودود‬ ‫جاء مشوق إلى مشوق‬
‫خصصت فيه بما تريد‬ ‫يوم نعـيم ويوم لـهـو‬
‫فسمتفاد ومسـتـفـيد حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار بهذا الحديث‪ ،‬عن يعقوب بن‬ ‫إلف مشوق أتاه ألـف‬
‫‪:‬إسرائيلي قرقارة‪ ،‬عن محمد بن مروان بن موسى‪ ،‬عن محمد بن وهيب‪ ،‬فذكر مثل الذي قبله وزاد فيه‪ ،‬فلم يزل يستعيدني‬
‫وأكثر أسباب النجاح مع الياس وأنا أعيده عليه‪ ،‬فانصرفت من عنده بأكثر مما‬ ‫أجارتنا إن الـقـداح كـواذب‬
‫‪.‬كنت أؤمل‬
‫دخل على أبي دلف فأعظمه لعجابه بشعره حدثني علي بن صالح بن الهيثم النباري الكاتب‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو هفان‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدثني خالي‪ ،‬قال‪ :‬كنت عند أبي دلف القاسم بن عيسى‪ ،‬فدخل عليه محمد بن وعيب الشاعر فأعظمه جدا‪ ،‬فلما انصرف قال‬
‫له أخوه معقل‪ :‬يا أخي‪ ،‬قد فعلت بهذا ما لم يستحقه‪ ،‬ما هو في بيت من الشرف‪ ،‬ول في كمال من الدب‪ ،‬ول بموضع من‬
‫السلطان‪ ،‬فقال‪ :‬بلى يا أخي‪ ،‬إنه لحقيق بذلك‪ ،‬أو ل يستحقه وهو القائل‪ :‬صوت‬
‫من الدمع مستشهد ناطق‬ ‫يدل على أنني عـاشـق‬
‫مقر بأنـي لـه وامـق‬ ‫ولي مالك أنا عـبـد لـه‬
‫تعرض لي دونه عـائق‬ ‫إذا ما سموت إلى وصله‬
‫كأن الزمان له عاشـق في هذه البيات رمل طنبوري أظنه لجحظة‬ ‫‪.‬وحاربني فيه ريب الزمان‬
‫هنأ المطلب بعد عودته من الحج فوصله‬
‫بصلة كبيرة‬
‫‪:‬حدثني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن أبي سعد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن عبد الله بن مالك‪ ،‬قال‬

‫صفحة ‪2122 :‬‬

‫لما قدم المطلب بن عبد الله بن مالك من الحج لقيه محمد بن وهيب مستقبل مع من تلقاه‪ ،‬ودخل إليه مهنئا بالسلمة بعد‬
‫‪:‬استقراره‪ ،‬وعاد إليه في الثالثة فأنشده قصيدة طويلة مدحه بها‪ ،‬يقول فيها‬
‫وأظهر إشفاقا عـلـيك وأكـتـم‬ ‫وما زلت أسترعي لك الله غـائبـا‬
‫وأن الندى في حيث كنت مخـيم‬ ‫وأعلم أن الجود ما غبـت غـائب‬
‫وحم لقاء بالـسـعـود ومـقـدم‬ ‫إلى أن زجرت الطير سعدا سوانحا‬
‫وليلي ممدود الـرواقـين أدهـم‬ ‫وظل يناجيني بمدحـك خـاطـر‬
‫ول عيش حتى يستهل المـحـرم‬ ‫وقال‪ :‬طواه الحج فاخشع لفـقـده‬
‫بمطـلـب لـو أنـه يتـكـلـم‬ ‫سيفخر ما ضم الحطـيم وزمـزم‬
‫على أنها والبأس خـدنـان تـوأم‬ ‫وما خلقت إل من الجـود كـفـه‬
‫خزاعية كانت تجـل وتـعـظـم‬ ‫أعدت إلى أكناف محكم بـهـجة‬
‫خزاعة إذ خلت لها البيت جرهـم‬ ‫ليالي سمار الحجوان إلى الصفـا‬
‫وخيف مني والمأزمان وزمـزم‬ ‫ولو نطقت بطحاؤها وحجونـهـا‬
‫تنافس في أقسامه لـو تـحـكـم‬ ‫إذا لدعت أجزاء جسمك كـلـهـا‬
‫إذا كنت جسما بينهـن تـقـسـم‬ ‫ولو رد مخلوق إلى بدء خـلـقـه‬
‫نما بك منه الجوهر المـتـقـدم‬ ‫سما بك منها كل خـيف أبـطـح‬
‫وقد جئته خل علـيك مـسـلـم قال‪ :‬فوصله صلة سنية وأهدى إليه هدية حسنة‬ ‫وحن إليك الركن حـتـى كـأنـه‬
‫‪.‬من طرف ما قدم به وحمله‪ ،‬والله أعلم‬
‫مدح الحسن بن سهل فأطربه‬
‫ولم يقصد غيره إلى أن مات‬
‫أخبرني جعفر بن قدامة‪ ،‬قال‪ :‬حدثني الحسن بن الحسن بن رجاء‪ ،‬عن أبيه وأهله‪ ،‬قالوا‪ :‬كان محمد بن وهيب الحميري لما‬
‫قدم المأمون من خراسان مضاعا مطرحا‪ ،‬إنما يتصدى للعامة وأوساط الكتاب والقواد بالمديح ويسترفدهم فيحظى باليسير‪،‬‬
‫فلما هدأت المور واستقرت واستوسقت جلس أبو محمد الحسن بن سهل يوما منفردا بأهله وخاصته وذوي مودته ومن يقرب‬
‫من أنسه‪ ،‬فتوسل إليه محمد بن وهيب بأبي حتى أوصله مع الشعراء‪ ،‬فلما انتهى إليه القول استأذن في النشاد فأذن له‪،‬‬
‫‪:‬فأنشده قصيدته التي أولها‬
‫وباحت بمكتوماتهن النـواظـر‬ ‫ودائع أسرار طوتها الـسـرائر‬
‫شبا لوعة عضب الغرارين باتر‬ ‫ملكت بها طي الضمير وتحتـه‬
‫وأعربت العجم الجفون العواطر‬ ‫فأعجم عنها ناطق وهو معـرب‬
‫غريرا بما تجني علي الـدوائر‬ ‫ألم تغذني السراء في ريق الهوى‬
‫ويكلؤني طرف من الدهر ناظر حتى انتهى إلى قوله‬ ‫‪:‬تسالمني اليام في عنـفـوانـه‬
‫عوالي المنى حيث الحيا المتظاهـر‬ ‫إلى الحسن الباني العل يممـت بـنـا‬
‫بأعدائه تكبوا الجـدود الـعـواثـر‬ ‫إلى المل المبسـوط والجـل الـذي‬
‫يقوم مقام القطـر والـروض داثـر‬ ‫ومن أنبعت عين المـكـارم كـفـه‬
‫وأطت بع عصر الشباب المنـابـر‬ ‫تعصب تاج الملك في عـنـفـوانـه‬
‫ويصدر عنه الطرف والطرف حاسر‬ ‫تعظمـه الوهـام قـبـل عـيانـه‬
‫وتستكمل الحسنى وترعى الواصـر‬ ‫به تجتدى النعمى وتستدرك المـنـى‬
‫فجـوادك إل أنــه ل يحـــاور‬ ‫أصات بنا داعـي نـوالـك مـؤذنـا‬
‫فمالك مـوتـور وسـيفـك واتـر‬ ‫قسمت صروف الدهر بأسـا ونـائل‬
‫دعائمها والـلـه بـالمـر خـابـر‬ ‫ولما رأى الله الخـلفة قـد وهـت‬
‫فأنت لها دون الـحـوادث سـاتـر‬ ‫بنى بك أركانـا عـلـيك مـحـيطة‬
‫وسقف سماء أنشأتـه الـحـوافـر يعني أن على الدروع من الغبار ما قد غشيها‬ ‫وأرعـن فـيه لـلـسـوابـغ جـنة‬
‫‪.‬فصار كالجنة لها‬

‫ونقع المنايا مسـتـطـير وثـائر‬ ‫لها فلـك فـيه السـنة أنـجـم‬


‫ضحى فاستباحتها المنايا الغـوادر‬ ‫أجزت قضاء الموت في مهج العدا‬
‫بنعمى وبالبأساء وهـي شـوازر‬ ‫لك اللحظات الكالئات قـواصـدا‬
‫لما انتسبت إل إليك المـفـاخـر‬ ‫ولم لم تكن إل بنفسـك فـاخـرا‬

‫صفحة ‪2123 :‬‬

‫قال‪ :‬فطرب أبو محمد حتى نزل عن سريره إلى الرض وقال‪ :‬أحسنت والله وأجملت‪ ،‬ولو لم تقل قط ول تقول في باقي‬
‫دهرك غير هذا لما احتجت إلى القول‪ ،‬وأمر له بخمسة آلف دينار فأحضر واقتطعه إلى نفسه‪ ،‬فلم يزل في جنبته أيام وليته‬
‫‪.‬وبعد ذلك إلى أن مات ما تصدى لغيره‬
‫تردد على علي بن هشام فهجاه‬
‫هجاء موجعا‬
‫حدثني أحمد بن جعفر جحظة‪ ،‬قال‪ :‬حدثني ميمون بن هارون‪ ،‬قال‪ :‬كان محمد بن وهيب الحميري الشاعر قد مدح علي بن‬
‫هشام وتردد غليه وإلى بابه دفعات‪ ،‬فحجبه ولقيه يوما‪ ،‬فعرض له في طريقه وسلم عليه‪ ،‬فلم يرفع إليه طرفه‪ ،‬وكان فيه تيه‬
‫شديد‪ ،‬فكتب إليه رقعة يعاتبه فيها‪ ،‬فلما وصلت إليه خرقها وقال‪ :‬أي شيء يريد هذا الثقيل السيئ الدب? فقيل له ذلك‬
‫فانصرف مغضبا وقال‪ :‬والله ما أردت ماله وإنما أردت التوسل بجاهه سيغني الله عز وجل عنه‪ ،‬أما والله ليذمن مغبة فعله‪.‬‬
‫‪:‬وقال يهجوه‬
‫فصد منهزما عن شأو ذي الـهـمـم‬ ‫أزرت بجود عـلـي خـيفة الـعـدم‬
‫أو كان من ولد الملك في العـجـم‬ ‫لو كان من فارس في بيت مـكـرمة‬
‫كب الملبون إهـلل إلـى الـحـرم‬ ‫أو كان أوله أهل الـبـطـاح أو الـر‬
‫فل ترى عاكفا إل عـلـى صـنـم‬ ‫أيام تـتـخـذ الصـنــام آلـــهة‬
‫طبائع لم ترعـهـا خـيفة الـعـدم‬ ‫لشجعته على فعل الـمـلـوك لـهـم‬
‫لم يند سـيفـك مـذ قـلـدتـه بـدم‬ ‫لو تند كفاك من بذل الـنـوال كـمـا‬
‫أيامها غادرا بـالـعـهـد والـذمـم‬ ‫كنت امرأ رفعـتـه فـتـنة فـعـل‬
‫ورتب الناس بالحـسـاب والـقـدم‬ ‫حتى إذا انكشفت عنـا عـمـايتـهـا‬
‫طبـيعة نـذلة الخـلق والـشـيم‬ ‫مات التخلق وارتدتـك مـرتـجـعـا‬
‫كز اليدين حديث العهـد بـالـنـعـم‬ ‫كذاك من كـان ل رأسـا ول ذنـبـا‬
‫معطي الجزيل ول المرهوب ذي النقم قال‪ :‬فحدثني بني هاشم أن هذه‬ ‫هيهات ليس بـحـمـال الـديات ول‬
‫البيات لما بلغت علي بن هشام ندم على ما كان منه‪ ،‬وجزع لها وقال‪ :‬لعن الله اللجاج فإنه شر خلق تخلقه الناس‪ ،‬ثم أقبل‬
‫على أخيه الخليل بن هشام فقال‪ :‬الله يعلم أني ل أدخل على الخليفة وعلي السيف إل وأنا مستح منه‪ ،‬أذكر قول ابن وهيب‬
‫‪:‬في‬
‫لم يند سيفك مذ قلدتـه بـدم حدثني محمد بن يحيى الصولي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني‬ ‫لم تند كفاك من بذل النوال كما‬
‫‪:‬ميمون بن هارون‪ ،‬قال‪ :‬من سمع ابن العرابي‪ ،‬يقول‪ :‬أهجى بيت قاله المحدثون قول محمد بن وهيب‬
‫لم يند سيفك مذ قلدتـه بـدم تعرض لعرابية فأجابته جوابا مسكتا‬ ‫لم تند كفاك من بذل النوال كما‬
‫أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن مرزوق البصري‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن وهيب قال‪ :‬جلست‬
‫بالبصرة إلى عطار فإذا أعرابية سوداء قد جاءت فاشترت من العطار خلوقا فقلت له‪ :‬تجدها اشترت لبنتها وما ابنتها إل‬
‫خنفساء‪ ،‬فالتفتت إلي متضاحكة‪ ،‬ثم قالت‪ :‬ل والله‪ ،‬لكن مهاة جيداء ‪ ،‬إن قامت فقناة‪ ،‬وإن قعدت فحصاة‪ ،‬وإن مشت فقطاه‪،‬‬
‫‪:‬أسفلها كثيب‪ ،‬وأعلها قضيب‪ ،‬ل كفتياتكم اللواتي تسمونهن بالفتوت ‪ ،‬ثم انصرفت وهي تقول‬
‫يكربها في البطن حتى تثلطه فل أعلمني ذكرتها إل أضحكني ذكرها‬ ‫‪.‬إن الفتوت للفتاة مضـرطـه‬
‫تردد على مجلس يزيد بن هارون ثم تركه حدثني عيسى بن الحسين الوراق‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو هفان‪ ،‬قال‪ :‬كان محمد بن وهيب‬
‫يتردد إلى مجلس يزيد بن هارون‪ ،‬فلزمه عدة مجالس يملي فيها كلها فضائل أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم‪ ،‬ل يذكر‬
‫‪:‬شيئا من فضائل علي عليه السلم‪ ،‬فقال فيه ابن وهيب‬
‫في كل يوم ومالي وابن هارون‬ ‫آتي يزيد بن هـارون أدالـجـه‬
‫راحا وقصفا وندمانا يسلـينـي‬ ‫فليت لي بيزيد حـين أشـهـده‬
‫عن الهدى بين زنديق ومأفـون‬ ‫أغدو إلى عصبة صمت مسامعهم‬
‫ول بنيه بني البيض المـيامـين‬ ‫ل يذكرون عليا في مشاهـدهـم‬
‫كما هم بيقـين ل يحـبـونـي‬ ‫الله يعـلـم أنـي ل أحـبـهـم‬
‫وفضله قطعوني بالسكـاكـين‬ ‫ويستطيعون عن ذكرى أبا حسن‬

‫صفحة ‪2124 :‬‬

‫حتى الممات على رغم الملعين مذهبه من شعره‬ ‫ولست أترك تفضيلـي لـه أبـدا‬
‫أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان‪ ،‬قال‪ :‬حدثني إسحاق بن محمد الكوفي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن القاسم بن يوسف‪.‬‬
‫وأخبرني به الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثني إسحاق‪ ،‬عن محمد بن القاسم بن يوسف قال‪ :‬كان‬
‫محمد بن وهيب يأتي أبي فقال له أبي يوما‪ :‬إنك تأتينا وقد عرفت مذاهبنا فنحب أن تعرفنا مذهبك فنوافقك أو نخالفك‪ ،‬فقال‬
‫‪:‬له‪ :‬في غد أبين لك أمري ومذهبي‪ ،‬فلما كان من غد كتب إليه‬
‫أيها السائل قد بينت إن كنت ذكيا‬
‫بأياديه عــــلـــــــيا‬ ‫أحمد الله كثيرا‬
‫غيره مـا دمـــت حـــيا‬ ‫شاهـــدا أن ل إلــــــه‬
‫ق رســـول ونـــبـــيا‬ ‫وعـلـى أحـمـد بـالـصــد‬
‫ه ووالــيت الـــوصـــيا‬ ‫ومـنـحـت الـود قـربـــا‬
‫لم يك شـــــــــــيا‬ ‫وأتـانـي خـبـر مـطــرح‬
‫عقــدوا المـــر بـــديا‬ ‫أن عـلـى غـير اجـتـمـاع‬
‫وعــــديا وأمـــــــيا‬ ‫فوقـفـت الـقـوم تـيمـــا‬
‫تولـــيت عـــلـــــيا اعتزازه بشعره‬ ‫غير شـتـام ولـكـــنـــي‬
‫‪ :‬حدثني جحظة‪ ،‬قال‪ :‬حدثني علي بن يحيى المنجم‪ ،‬قال‪ :‬بلغ محمد بن وهيب أن دعبل بن علي قال‪ :‬أنا ابن قولي‬
‫ضحك المشيب برأسه فبكى وأن أبا تمام قال‪ :‬أنا ابن قولي‬ ‫‪ :‬ل تعجبي يا سلم من رجـل‬
‫ما الحب إل للـحـبـيب الول فقال محمد بن وهيب‪ :‬وأنا بن قولي‬ ‫‪ :‬نقل فؤادك حيث شئت من الهوى‬
‫أن يعادي طرف من رمقا‬ ‫ما لمن تمت محـاسـنـه‬
‫ولنا أن نعمل الـحـدقـا قال أبو الفرج الصبهاني ‪ :‬وهذا من جيد شعره ونادره‪ ،‬وأول‬ ‫لك أن تبدي لنا حـسـنـا‬
‫‪:‬هذه البيات قوله‬
‫لهيا تغري بمن عشـقـا‬ ‫نم فقد وكلت بـي الرقـا‬
‫شبحا غير الذي خـلـقـا‬ ‫إنما أبقيت مـن جـسـدي‬
‫ماحقا منه الذي اتسـقـا‬ ‫كنت كالنقصان في قمـر‬
‫أسعرت أحشاؤه حـرقـا‬ ‫وفتى ناداك مـن كـثـب‬
‫فدعا إنسانها الـغـرقـا‬ ‫غرقت في الدمع مقلـتـه‬
‫أن أعاد اللحظ مستـرقـا‬ ‫نما عـاقـبـت نـاظـره‬
‫أن يعادي طرف من رمقا‬ ‫ما لمن تمت محـاسـنـه‬
‫ولنا أن نعمل الـحـدقـا‬ ‫لك أن تبدي لنا حـسـنـا‬
‫في سواد القلب فاحترقـا وصف غلمان أحمد بن هشام فوهبه غلما فمدحه حدثني‬ ‫قدحت كفاك زنـد هـوى‬
‫‪:‬عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو عبد الله الهشامي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‬
‫دخل محمد بن وهيب على أحمد بن هشام يوما وقد مدحه‪ ،‬فرأى بين يديه غلمانا روقة مردا وخدما بيضا فرها في نهاية‬
‫الحسن والكمال والنظافة‪ ،‬فدهش لما رأى وبقي متبلدا ل ينطق حرفا‪ ،‬فضحك أحمد منه وقال له‪ :‬ما لك? ويحك تكلم بما تريد‪،‬‬
‫‪:‬فقال‬
‫كســـــــــــــــرت وجـــــــــــــــدعـــــــــــــــهـــــــــــــــن‬ ‫قد كانت الصنام وهي قديمة‬
‫إبــــــــــــــــــــــــراهـــــــــــــــــــــــــــــــيم‬
‫ولـــــــــــــــديك أصـــــــــــــــنـــــــــــــــام ســـــــــــــــلـــــــــــــــمـــــــــــــــن مــــــــــــــــــــــــن الذى‬
‫وصـــــــــفـــــــــــــــت لـــــــــــــــهـــــــــــــــن غـــــــــــــــضـــــــــــــــارة ونـــــــــــــــعـــــــــــــــيم‬
‫وبـــــــنـــــــا إلـــــــى صـــــــنـــــــــــــم نـــــــــــــــلـــــــــــــــوذ بـــــــــــــــركـــــــــــــــنـــــــــــــــه‬
‫فقـــــــــــــــــــــر وأنـــــــــــــــــــــــــــــــت إذا هـــــــــــــــــــــــــــــــززت كـــــــــــــــــــــــــــــــريم فقال له‪ :‬اختر‬
‫‪:‬من شئت‪ ،‬فاختار واحدا منهم‪ ،‬فأعطاه إياه‪ ،‬فقال يمدحه‬
‫وعل فحاز مكـارم اليام‬ ‫فضلت مكارمه على القوام‬
‫قمر بدا لك من خلل غمام‬ ‫وعلته أبهة الجلل كـأنـه‬
‫بعد الخليفة أحمد بن هشام الحسن بن سهل يصله بالمأمون‬ ‫إن المير على البرية كلها‬
‫وأخبرني جعفر بن قدامة في خبره الذي ذكرته آنفا عنه‪ ،‬عن الحسن بنالحسن رن رجاء‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬لما قدم المأمون‪ ،‬لقيه‬
‫‪:‬أبو محمد الحسن بن سهل‪ ،‬فدخل جميعا‪ ،‬فعارضهما ابن وهيب وقال‬
‫فالحمد لله حل العقدة الـزمـن‬ ‫اليوم جددت النعماء والـمـنـن‬
‫للناس لما التقى المأمون والحسن قال‪ :‬فلما جلسا سأله المأمون عنه فقال‪:‬‬ ‫اليوم أظهرت الدنيا محاسنـهـا‬
‫هذا رجل من حمير‪ ،‬شاعر مطبوع‪ ،‬اتصل بي متوسل إلى أمير المؤمنين وطالبا الوصول مع نظرائه‪ ،‬فأمر المأمون بإيصاله مع‬
‫‪:‬الشعراء‪ ،‬فلما وقف بين يديه‪ ،‬وأذن له في النشاد‪ ،‬أنشده قوله‬

‫صفحة ‪2125 :‬‬

‫دثرا فل علـم ول نـضـد‬ ‫طللن طال عليهمـا المـد‬


‫بعد الحبة مثـل مـا أجـد‬ ‫لبسا البلى فكأنـمـا وجـدا‬
‫بعد الحبة غير ما عهـدوا‬ ‫حييتما طللين‪ ،‬حـالـهـمـا‬
‫فهواك ل ملـل ول فـنـد‬ ‫إما طواك سـلـو غـانـية‬
‫في الحب منهلي الـذي أرد‬ ‫إن كنت صادقة الهوى فردي‬
‫أم ليس لي عقل ول قود‬ ‫? أدمي هرقت وأنـت آمـنة‬
‫فلربما يخطئ مجـتـهـد حتى انتهى إلى قوله في مدح المأمون‬ ‫‪:‬إن كنت فت وخانني سبـب‬
‫في المجد حيث تبحبح العدد‬ ‫يا خير منتسب لمـكـرمة‬
‫نوء يسح وعارض حشـد‬ ‫في كل أنملة لـراحـتـه‬
‫علقما وصم كعوبها قصـد‬ ‫وإذا القنا رعفت أسـنـتـه‬
‫وكأنه فـي صـولة أسـد‬ ‫فكأن ضوء جبينـه قـمـر‬
‫حركاته وكأنـنـا جـسـد المأمون يستشير فيه الحسن بن سهل ثم يلحقه بجوائز مروان‬ ‫وكـأنـه روح تـدبـرنـا‬
‫بن أبي حفصة فاستحسنها المأمون وقال لبي محمد‪ :‬احتكم له‪ ،‬فقال‪ :‬أمير المؤمنين أولى بالحكم‪ ،‬ولكن إن أذن لي في‬
‫المسألة سألت له‪ ،‬فأما الحكم فل‪ ،‬فقال‪ :‬سل‪ ،‬فقال‪ :‬يلحقه بجوائز مروان بن أبي حفصة‪ ،‬فقال‪ :‬ذلك والله أردت‪ ،‬وأمر بأن‬
‫‪.‬تعد أبيات قصيدته ويعطى لكل بيت ألف درهم‪ ،‬فعدت فكانت خمسين‪ ،‬فأعطي خمسين ألف درهم‬
‫من مدائحه للمأمون قال الصبهاني‪ :‬وله في المأمون والحسن بن سهل خاصة مدائح شريفة نادرة‪ ،‬من عيونها قوله في‬
‫‪:‬المأمون في قصيدة أولها‬
‫وشهيد حبك أدمع سـفـح‬ ‫العذر أن أنصفت متـضـح‬
‫إن الجفون نواطق فصـح‬ ‫فضحت ضميرك عن ودائعه‬
‫إعجامها فالسر مفتـضـح‬ ‫وإذا تكلمت العيون عـلـى‬
‫للحسن فيه مخايل تـضـح‬ ‫ربما أبيت معانقـي قـمـر‬
‫بدعا وأذهب همه الفـرح‬ ‫نشر الجمال على محاسنـه‬
‫مرح وداؤك أنـه مـرح‬ ‫يختال في حلل الشباب بـه‬
‫ويعلني البريق والـقـدح‬ ‫ما زال يلثمني مـراشـفـه‬
‫ونشا خلل سواده وضـح‬ ‫حتى استرد الليل خلعـتـه‬
‫وجه الخليفة حين يمـتـدح يقول فيها‬ ‫‪:‬وبدا الصباح كأن غـرتـه‬
‫وتزينت بصفاتك المـدح‬ ‫نشرت بك الدنيا محاسنهـا‬
‫بإزاء طرفك عارضا شبح‬ ‫وكأن ما قد غاب عنك لـه‬
‫جلل فل بؤس ول تـرح مدح المطلب بن عبد الله فوصله وأقام عنده مدة أخبرني‬ ‫وإذا سلمت فكـل حـادثة‬
‫هاشم بن محمد الخزاعي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أهلنا‪ :‬أن محمد بن وهيب قصد المطلب بن عبد الله بن مالك الخزاعي ‪-‬عم أبي‪ -‬وقد‬
‫ولي الموصل وكان له صديقا حفيا‪ ،‬وكان كثير الرفد له والثواب على مدائحه‪ ،‬فأنشده قوله فيه‪ :‬صوت‬
‫أمـا فـي الـهـوى حـــاكـــم يعـــدل‬ ‫دمـاء الـمـحـبـــين ل تـــعـــقـــل‬
‫ودان الـشـبـــاب لـــه الخـــطـــل‬ ‫تعـبـــدي حـــور الـــغـــانـــيات‬
‫غرارا كـمـــا ينـــظـــر الحـــول‬ ‫ونـظـرة عــين تـــلفـــيتـــهـــا‬
‫مقسمة بين وجه الحبيب وطرف الرقيب متى يغفل‬
‫إلـــيك الـــســـلـــو ول أذهــــل‬ ‫أذم على غربات النوى‬
‫إذا حـم مــكـــروهـــه أجـــمـــل‬ ‫وقـالـوا عـزاؤك بـعـــد الـــفـــراق‬
‫بإيمـاض كـحـــلء ل تـــكـــحـــل‬ ‫أقـيدي دمـا سـفـكـتـــه الـــعـــيون‬
‫وكـل مـواقـعـهـــا مـــقـــتـــل‬ ‫فكـل سـهـامـك لــي مـــقـــصـــد‬
‫وإن ضـن بـالـمـنـطـق الـمـــنـــزل‬ ‫سلم عـلـى الـمـنـزل الـمـسـتـحـــيل‬
‫بجـد عـن الـــدهـــر ل ينـــكـــل‬ ‫وعـضـب الـضـريبة يلـقـى الـخـطــوب‬
‫فلـمـا تـبـدت لــه الـــمـــوصـــل‬ ‫تغـلـغـل شـرقـا إلـــى مـــغـــرب‬
‫ول يؤلـف الــلـــقـــن الـــحـــول‬ ‫ثوى حـــيث ل يســـتـــمـــال الريب‬
‫وجـانـــبـــه النـــجـــم الفـــل‬ ‫لدى مـلـك قـابـلـتـه الـــســـعـــود‬
‫وإنـــعـــامـــه حـــين ل مـــوئل‬ ‫ليامـــه ســـطـــوات الـــزمـــان‬
‫وأوحــدك الـــمـــربـــأ الطـــول‬ ‫سمـا مـا لـك بـك لـلـــبـــاهـــرات‬
‫مذاهـــب آســـادهـــا الشـــبـــل‬ ‫ولـيس بـعـيدا بـــأن تـــحـــتـــذي‬

‫صفحة ‪2126 :‬‬

‫قال‪ :‬فوصله وأحسن جائزته وأقام عنده مدة‪ ،‬ثم استأذنه في النصراف فلم يأذن له‪ ،‬وزاد في ضيافته وجراياته وجدد له صلة‪،‬‬
‫‪:‬فأقام عنده برهة أخرى‪ ،‬ثم دخل عليه فأنشده‬
‫إلى قصر أوس فالحزير معاد‬ ‫?أل هل إلى ظل العقيق وأهلـه‬
‫إلى السور مغدى ناعم ومراد‬ ‫?وهل لي بأكناف المصلى فسفحه‬
‫ول عرصات المربدين بـعـاد‬ ‫فلم تنسني نـهـر البـلة نـية‬
‫ول تتهادى كلـثـم وسـعـاد‬ ‫هنالك ل تبني الكواعب خـيمة‬
‫ول يزدهيني مضجع ومـهـاد فقال له‪ :‬أبيت إل الوطن والنزاع إليه ثم أمر له‬ ‫أجدي ل ألقى النوى مطـمـئنة‬
‫‪.‬بعشرة آلف درهم‪ ،‬وأوقر له زورقا من طرف الموصل وأذن له‬
‫المأمون يتمثل من شعره‬
‫حدثني محمد بن يحيى الصولي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو عبد الله الماقطاني‪ ،‬عن علي بن الحسين بن عبد العلى‪ ،‬عن سعيد بن‬
‫‪:‬وهيب‪ ،‬قال‪ :‬كان المأمون كثيرا ما يتمثل إذا كربه المر‬
‫وأمكن من بين السنة مخرج قصيدته في ابن عباد وزير المأمون حين أبعده قال‬ ‫أل ربما ضاق الفضاء بأهلـه‬
‫الصبهاني‪ :‬وهذا الشعر لمحمد بن وهيب يقوله في ابن عباد وزير المأمون‪ ،‬وكان له صديقا‪ ،‬فلما ولي الوزارة اطرحه لنقطاعه‬
‫‪:‬إلى الحسن بن سهل فقال فيه قصيدة أولها‬
‫ولله شكوى معجم كـيف يعـرب‬ ‫?تكلم بالوحي البنـان الـمـخـضـب‬
‫أباتا له كيف الضمير الـمـغـيب‬ ‫?أإيماء أطراف البنـان ووجـهـهـا‬
‫فأحمد عقبى أمره الـمـتـعـقـب‬ ‫وقد كان حسن الظن أنـجـب مـرة‬
‫تقلب حالـيهـا إذا هـي تـكـذب‬ ‫فلما تدبرت الـظـنـون مـراقـبـا‬
‫تنكرت لي حتى كـأنـي مـذنـب‬ ‫بدأت بإحسان فـلـمـا شـكـرتـه‬
‫له مذهب عمن له عنـه مـذهـب‬ ‫وكل فتى يلقي الخطوب بـعـزمـه‬
‫عليم بمـا يأتـي ومـا يتـجـنـب‬ ‫وهل يصرع الحب الكريم وقـلـبـه‬
‫مع الدهر يوما مصعد ومـصـوب‬ ‫تأنيت حتى أوضح الـعـلـم أنـنـي‬
‫وقومها غمز القداح الـمـقـلـب‬ ‫وألحقت أعجاز المور صـدورهـا‬
‫وأن سوف أغضي للقذى حين أرغب‬ ‫وأيقنت أن اليأس للـعـرض صـائن‬
‫شواكل أمر بـينـهـن مـجـرب‬ ‫أغادرتني بين الـظـنـون مـمـيزا‬
‫بودي وتنـأى بـي فـل أتـقـرب‬ ‫يقربني من كنـت أصـفـيك دونـه‬
‫سلوك عنـي والمـور تـقـلـب‬ ‫فلله حظي منـك كـيف أضـاعـه‬
‫وإن جاد هطل من المـزن هـيدب‬ ‫أبعدك أستـسـقـي بـوارق مـزنة‬
‫وقلت إذا ما لح‪ :‬ذا البرق خـلـب‬ ‫إذا ما رأيت البرق أغضـيت دونـه‬
‫وأعرضت عنها خوف ما أتـرقـب‬ ‫وإن سنحت لي فرصة لم أسامـهـا‬
‫أعـود لـه إن الـزمـان مـؤدب وقال له أيضا‬ ‫‪:‬تأدبت عن حسن الرجاء فـلـن أرى‬
‫لها معقب تحـدى إلـيه وتـزعـج‬ ‫هل الـهـم إل كـربة تـتـفـرج‬
‫وما العيش إل جـدة ثـم تـنـهـج‬ ‫وما الدهر إل عائد مـثـل سـالـف‬
‫ويطمعني ريعانـه الـمـتـبـلـج‬ ‫وكيف أشيم البرق والبـرق خـلـب‬
‫ول الرزق مجظور ول أنا محرج‬ ‫?وكيف أديم الصبر ل بـي ضـراعة‬
‫وأدنى إلى الحال التي هي أسـمـج‬ ‫أل ربمـا كـان الـتـصـبـر ذلة‬
‫سرى الليل رحال العشيات مـدلـج‬ ‫وهل يحمل الهم الفتى وهو ضامـن‬
‫وأمكن إدلج وأصحـر مـنـهـج‬ ‫ول صبر ما أعدى على الدهر مطلب‬
‫وأمكن من بين السـنة مـخـرج‬ ‫أل ربما ضاق الفضـاء بـأهـلـه‬
‫إذا لم يكـن إل عـلـيه مـعـرج مدح الفشين فأجازه المعتصم حدثني بعض‬ ‫وقد يركب الخطب الذي هو قـاتـل‬
‫أصحابنا عن أحمد بن أبي كامل قال‪ :‬كان محمد بن وهيب تياها شديد الذهاب بنفسه‪ ،‬فمل قدم الفشين ‪-‬وقد قتل بابك‪ -‬مدحه‬
‫‪:‬بقصيدته التي أولها‬
‫تناجيها وتبكيها يقول فيها‬ ‫‪:‬طلول ومغانيها‬
‫عقيد في نواصيها وهي من جيد شعره‪ ،‬فأنشدناها ثم قال‪ :‬ما لها عيب سوى أنها ل أخت‬ ‫بعثت الخيل‪ ،‬والخير‬
‫‪.‬لها‬

‫صفحة ‪2127 :‬‬

‫قال‪ :‬وأمر المعتصم للشعراء الذين مدحوا الفشين بثلثمائة ألف درهم جرت تفرقتها على يد ابن أبي داود‪ ،‬فأعطى منها‬
‫محمد بن وهيب ثلثين ألفا‪ ،‬وأعطى أبا تمام عشرة آلف درهم‪ .‬قال ابن أبي كامل‪ :‬فقلت لعلي بن يحيى المنجم‪ :‬أل تعجب من‬
‫هذا الحظ? يعطى أبو تمام عشرة آلف وابن وهيب ثلثين ألفا‪ ،‬وبينهما كما بين السماء والرض‪ .‬فقال‪ :‬لذلك علة ل تعرفها؛ كان‬
‫‪.‬ابن وهيب مؤدب الفتح بن خاقان‪ ،‬فلذلك وصل إلى هذه الحال‬
‫يذكر الدنيا ويصل حاله وهو عليل‬
‫أخبرني محمد بن يحيى الصولي‪ .‬قال‪ :‬حدثني أبو زكوان‪ ،‬قال‪ :‬حدثني من دخل إلى محمد بن وهيب يعوده وهو عليل قال‪:‬‬
‫‪:‬فسألته عن خبره فتشكى ما به ثم قال‬
‫وكل له من مذهب الموت مذهب‬ ‫نفوس المنايا بالنفوس تـشـعـب‬
‫وتعترض الدنيا فنلهو ونلـعـب‬ ‫نراع لذكر الموت سـاعة ذكـره‬
‫إلينا على غراتـنـا تـتـقـرب‬ ‫وآجالـنـا فـي كـل يوم ولـيلة‬
‫مدر لخلف الخطيئة مـذنـب‬ ‫أأيقن أن الشيب ينعـى حـياتـه‬
‫عليه وعرفان إلى الجهل ينسـب‬ ‫يقين كأن الشك أغـلـب أمـره‬
‫وخاطبني إعجامها وهو معـرب‬ ‫وقد ذمت الدنيا إلي نـعـيمـهـا‬
‫وما كنت منه فهو عندي محبـب ابن أبي فنن وأبو يوسف يطعنان عليه فيرد‬ ‫ولكنني منها خلقـت لـغـيرهـا‬
‫عليهما من ينصفه أخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أحمد بن أبي كامل‪ ،‬قال‪ :‬كنا في مجلس ومعنا‬
‫أبو يوسف الكندي وأحمد بن أبي فنن‪ ،‬فتذاكرنا شعر محمد بن وهيب فطعن عليه ابن أبي فنن وقال‪ :‬هو متكلف حسود‪ ،‬إذا‬
‫أنشد شعرا لنفسه قرظه ووصفه في نصف يوم وشكا أنه مظلوم منحوس الحظ وأنه ل تقصر به عن مراتب القدماء حال‪ ،‬فإذا‬
‫أنشد شعر غيره حسده‪ ،‬وإن كان على نبيذ عربد عليه‪ ،‬وإن كان صاحيا عاداه واعتقد فيه كل مكروه‪ .‬فقلت له‪ :‬كلكما لي‬
‫‪:‬صديق‪ ،‬وما أمتنع من وصفكما جميعا بالتقدم وحسن الشعر‪ ،‬فأخبرني عما أسألك عنه إخبار منصف‪ ،‬أو يعد متكلفا من يقول‬
‫يقيني أن ل عسـر إل مـفـرج‬ ‫أبى لي إغضاء الجفون على القذى‬
‫وأمكن من بين السنة مخـرج? أو يعد متكلفا من يقول‬ ‫‪:‬أل ربما ضاق الفضاء بـأهـلـه‬
‫شريحين مـبـيض بـه وبـهـيم? فأمسك ابن أبي فنن‪ ،‬واندفع الكندي‬ ‫رأت وضحا من مفرق الرأس راعها‬
‫فقال‪ :‬كان ابن وهيب ثنويا‪ .‬فقلت له‪ :‬من أين علمت ذاك? أكلمك على مذهب الثنوية قط? قال‪ :‬ل‪ ،‬ولكني استدللت من شعره‬
‫‪:‬على مذهبه‪ ،‬فقلت‪ :‬حيث يقول ماذا? فقال‪ :‬حيث يقول‬
‫‪:‬طللن طال عليهما المد وحيث يقول‬
‫‪.‬تفتر عن سمطين من ذهب إلى غير ذلك مما يستعمله في شعره من ذكر الثنين‬
‫‪.‬فشغلني والله الضحك عن جوابه‪ .‬وقلت له‪ :‬يا أبا يوسف‪ ،‬مثلك ل ينبغي أن يتكلم فيما لم ينفذ فيه علمه‬
‫يستنجز محمد بن عبد الملك الزيات حاجته أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أحمد بن سليمان بن أبي شيخ‪،‬‬
‫‪:‬عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬سأل محمد بن وهيب محمد بن عبد الملك الزيات حاجة فأبطأ فيها‪ ،‬فوقف عليه ثم قال له‬
‫وعـلـى الـتـفـضـل فـي إخـــائه‬ ‫طبـع الـكـريم عــلـــى وفـــائه‬
‫تغني عنايته الصديق عن التعرض لقتضائه‬
‫فكـل الـكـــريم إلـــى حـــيائه فقال له‪ :‬حسبك فقد بلغت إلى ما أحببت ‪ ،‬والحاجة‬ ‫حسب الكريم حياؤه‬
‫‪.‬تسبقك إلى منزلك‪ .‬ووفى له بذلك‬

‫صوت‬

‫وغي الماني أن ما شئت يفـعـل‬ ‫وددت على ما كان من سرف الهوى‬


‫تولت‪ ،‬وهل يثنى من الدهـر أول الشعر لمزاحم العقيلي والغناء لمقاسة بن‬ ‫فتـرجـع أيام تـقـضـت ولـذة‬
‫‪.‬ناصح‪ ،‬خفيف رمل بالبنصر عن الهشامي‪ .‬قال الهشامي‪ :‬لحمد بن يحيى المكي رمل‬

‫أخبار مزاحم ونسبه‬


‫نسبه‬
‫هو مزاحم بن عمرو بن الحارث بن مصرف بن العلم بن خويلد بن عوف بن عامر بن عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن‬
‫‪.‬صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن‬
‫‪.‬وقيل‪ :‬مزاحم بن عمرو بن مرة بن الحارث بن مصرف بن العلم‪ ،‬وهذا القول عندي أقرب إلى الصواب‬
‫‪.‬بدوي شاعر فصيح إسلمي‪ ،‬صاحب قصيدة ورجز‪ ،‬كان في زمن جرير والفرزدق‪ .‬وكان جرير يصفه ويقرظه ويقدمه‬
‫بيتان له تمنى جرير أنهما له‬
‫صفحة ‪2128 :‬‬

‫أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان‪ ،‬قال‪ :‬حدثني الفضل بن محمد اليزيدي‪ ،‬عن إسحاق الموصلي‪ ،‬قال‪ :‬قال لي عمارة بن‬
‫‪:‬عقيل‪ :‬كان جرير يقول‪ :‬ما من بيتين كنت أحب أن أكون سبقت إليهما غير بيتين من قول مزاحم العقيلي‬
‫وغي الماني أن ما شئت يفـعـل‬ ‫وددت على ما كان من سرف الهوى‬
‫تولت وهل يثنى من العـيش أول قال المفضل‪ :‬قال إسحاق‪ :‬سرف الهوى‪:‬‬ ‫فتـرجـع أيام مـضـين ولــذة‬
‫‪:‬خطؤه‪ ،‬ومثله قول جرير‬
‫ما في عطائهم من ول سرف أراد أنهم يحفظون مواضع الصنائع‪ ،‬ل أنه وصفهم‬ ‫أعطوا هنيدة تحدوها ثمانـية‬
‫‪.‬بالقتصاد والتوسط في الجود‬
‫إسحاق يعجب بشعره‬
‫قال إسحاق‪ :‬وواعدني زياد العرابي موضعا من المسجد‪ ،‬فطلبته فيه فلم أجده‪ ،‬فقلت له بعد ذلك‪ :‬طلبتك لموعدك فلم‬
‫‪.‬أجدك‪ .‬فقال‪ :‬أين طلبتني? فقلت‪ :‬في موضع كذا وكذا‪ ،‬فقال‪ :‬هناك والله سرفتك‪ ،‬أي أخطأتك‬
‫‪-:‬أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الزهر‪ ،‬قال‪ :‬أنشدني حماد عن أبيه لمزاحم العقيلي قال ‪-‬وكان يستجيدها ويستحسنها‬
‫حمى لم تبحه الغانيات صـمـيم‬ ‫لصفراء في قلبي من الحب شعبة‬
‫فبانت بيوت الحي وهو مـقـيم‬ ‫بها حل بيت الحب ثم ابتنى بـهـا‬
‫دموعي فأي الجازعـين ألـوم‬ ‫بكت دارهم من نأيهم فتهـلـلـت‬
‫أم آخر يبكي شجـوه فـيهـيم‬ ‫?أمستعبرا يبكي من الحزن والجوى‬
‫سل هيضات الحب فهو كـلـيم‬ ‫تضمنه من حب صفراء بعـدمـا‬
‫يمت أو يعش ما عاش وهو سقيم‬ ‫ومن يتهيض حـبـهـن فـؤاده‬
‫وعن بللت الريق فهـو يحـوم منعه عمه من زواجه بابنته لفقره‬ ‫كحران صاد ذيد عن برد مشرب‬
‫أخبرني علي بن سليمان الخفش‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو سعيد السكري‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا محمد بن حبيب‪ ،‬عن ابن أبي الدنيا العقيلي ‪-‬قال‬
‫ابن حبيب‪ :‬وهو صاحب الكسائي وأصحابنا‪ -‬قال‪ :‬كان مزاحم العقيلي خطب ابنة عم له دنية فمنعه أهلها لملقه وقلة ماله‪،‬‬
‫وانتظروا بها رجل موسرا في قومها كان يذكرها ولم يحقق‪ ،‬وهو يومئذ غائب‪ .‬فبلغ ذلك مزاحما من فعلهم‪ ،‬فقال لعمه‪ :‬يا عم‪،‬‬
‫أتقطع رحمي وتختار علي غيري لفضل أباعر تحوزها وطفيف من الحظ تحظى به وقد علمت أني أقرب إليك من خاطبها الذي‬
‫تريده‪ ،‬وأفصح منه لسانا‪ ،‬وأجود كفا‪ ،‬وأمنع جانبا‪ ،‬وأغنى عن العشيرة فقال له‪ :‬ل عليك فإنها إليك صائرة‪ ،‬وإنما أعلل أمها بهذا‪،‬‬
‫‪.‬ثم يكون أمرها لك‪ ،‬فوثق به‬
‫تزوجت ابنة عمه في غيابه فقال وأقاموا مدة‪ ،‬ثم ارتحلوا ومزاحم غائب‪ ،‬وعاد الرجل الخاطب لها فذاكروه أمرها‪ ،‬فرغب فيها‪،‬‬
‫‪:‬فأنكحوه إياها‪ ،‬فبلغ ذلك مزاحما فأنشأ يقول‬
‫يسيل بأطراف المـخـارم آلـهـا‬ ‫نزلت بمفضى سيل حرسين والضحى‬
‫مقـاربة اللف ثـم زيالـهـــا‬ ‫بمسقية الجفان أنـفـد دمـعـهـا‬
‫حمى البئر جلى عبرة العين جالهـا‬ ‫فلما نهاها اليأس أن تؤنس الحـمـى‬
‫سوانا ويعيي النفس فيك احتيالـهـا‬ ‫أيا ليل إن تشحط بك الـدار غـربة‬
‫سريع على جيب القميص انهللهـا‬ ‫فكم ثم كم من عبرة قـد رددتـهـا‬
‫يقرب من ليلى إلينا احـتـيالـهـا‬ ‫خليلي هل من حيلة تعلـمـانـهـا‬
‫عدتني عنها الحرب دان ظللـهـا‬ ‫فإن بأعـلـى الخـشـبـين أراكة‬
‫جنى يجتنيه المجتني لـو ينـالـهـا‬ ‫وفي فرعها لو تستطاع جنـابـهـا‬
‫وتزويج ليلى حين حان ارتحالـهـا‬ ‫هنيئا لليلى مهجة ظـفـرت بـهـا‬
‫بها الربح أقوام تساخف مـالـهـا‬ ‫فقد حبسوها محبس البدن وابتـغـى‬
‫غمامة صيف زعزعتها شمالـهـا سجنه ثم هربه‬ ‫فإن مع الركب الذين تـحـمـلـوا‬
‫‪:‬وقال محمد بن حبيب في خبره‪ ،‬قال ابن العرابي‬

‫صفحة ‪2129 :‬‬

‫وقع بين مزاحم العقيلي وبين رجل من بني جعدة لحاء في ماء فتشاتما وتضاربا بعصيهما‪ ،‬فشجه مزاحم شجة أمته ‪،‬‬
‫فاستعدت بنو جعدة على مزاحم فحبس حبسا طويل‪ ،‬ثم هرب من السجن‪ ،‬فمكث في قومه مدة‪ ،‬وعزل ذلك الوالي وولى‬
‫غيره‪ ،‬فسأله ابن عم لمزاحم يقال له مغلس أن يكتب أمانا لمزاحم‪ ،‬فكتبه له‪ ،‬وجاء مغلس والمان معه‪ ،‬فنفر مزاحم وظنها‬
‫‪:‬خيلة من السلطان‪ ،‬فهرب وقال في ذلك‬
‫فأفزع قرطـاس المـير فـؤاديا‬ ‫أتاني بقرطاس المير مـغـلـس‬
‫إلي ول لي مـن أمـيرك داعـيا‬ ‫فقلت له‪ :‬ل مرحبا بك مـرسـل‬
‫وعروى وأجبال الوحاف كما هيا‬ ‫?أليست جبال القهر قعسا مكانـهـا‬
‫وما قد أزل الكاشحـون أمـامـيا‬ ‫أخاف ذنوبي أن تـعـد بـبـابـه‬
‫تورط في بهماء كعبي وسـاقـيا هوى امرأة من قومه وتزوجت غيره أخبرني‬ ‫ول أستريم عقبة المر بـعـدمـا‬
‫محمد بن مزيد‪ ،‬وأحمد بن جعفر جحظة‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا حماد بن إسحاق‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬كان مزاحم العقيلي يهوى امرأة من قومه‬
‫‪:‬يقال لها مية‪ ،‬فتزوجت رجل كان أقرب إليها من مزاحم‪ ،‬فمر عليها بعد أن دخل بها زوجها‪ ،‬فوقف عليها ثم قال‬
‫من الموت إل أنتما تـوردانـيا‬ ‫أيا شفتي مي أما مـن شـريعة‬
‫سبيل وهذا الموت قد حل دانيا‬ ‫ويا شفتي مي أمالي إلـيكـمـا‬
‫بشيء وإن أعطيت أهلي وماليا فقالت‪ :‬أعزز علي يا بن عم بأن تسأل ما ل‬ ‫ويا شفتي مي أما تبـذلن لـي‬
‫‪.‬سبيل إليه‪ ،‬وهذا أمر قد حيل دونه‪ ،‬فاله عنه‪ .‬فانصرف‬
‫جرير يتمنى أن يكون له بعض شعره‬
‫أخبرني علي بن سليمان الخفش‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن يزيد النحوي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عمارة بن عقيل قال‪ :‬قال لي أبي‪ :‬قال عبد‬
‫الملك بن مروان لجرير‪ :‬يا أبا حزرة‪ ،‬هل تحب أن يكون لك بشيء من شعر غيرك? قال‪ :‬ل‪ ،‬ما أحب ذلك‪ ،‬إل أن غلما ينزل‬
‫الروضات من بلد بني عقيل يقال له مزاحم العقيلي‪ ،‬يقول حسنا من الشعر ل يقدر أحد أن يقول مثله‪ ،‬كنت أحب أن يكون لي‬
‫‪.‬بعض شعره مقايضة ببعض شعري‬
‫هوى امرأة من قومه يقال لها ليلى وتزوجت من غيره أخبرني محمد بن الحسن بن دريد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عمي‪ ،‬عن العباس بن‬
‫هشام‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬كان مزاحم العقيلي يهوى امرأة من قومه يقال لها ليلى‪ ،‬فغاب غيبة عن بلده‪ ،‬ثم عاد وقد زوجت‪ ،‬فقال‬
‫‪:‬في ذلك‬
‫فظلت بي الرض الفضاء تدور‬ ‫أتاني بظهر الغيب أن قد تزوجت‬
‫وكاد جناني عـنـد ذاك يطـير‬ ‫وزايلني لبي وقد كان حاضـرا‬
‫تلق وعيني بالدموع تـمـور‬ ‫فقلت وقد أيقنت أن ليس بينـنـا‬
‫فهل يأتيني بالطـلق بـشـير‬ ‫أيا سرعة الخبار حين تزوجـت‬
‫من الناس إل أن أقول كـثـير صوت‬ ‫ولست بمحص حب ليلى لسـائل‬
‫وللناس طرا من هواي عشير قال ابن الكلبي‪ :‬ومن الناس من يزعم أن‬ ‫لها في سواد القلب تسعة أسهم‬
‫‪.‬ليلى هذه التي يهواها مزاحم العقيلي هي التي كان يهواها المجنون‪ ،‬وأنهما اجتمعا هو ومزاحم في حبها‬
‫هوى امرأة أخرى من قشير وتزوجت بغيره قال الصبهاني‪ :‬وقد أخبرني بشرح هذا الخبر الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الله‬
‫بن أبي سعدة‪ ،‬عن علي بن الصباح‪ ،‬عن ابن الكلبي‪ ،‬قال‪ :‬كان مزاحم بن مرة العقيلي يهوى امرأة من قشير يقال لها ليلى‬
‫بنت موازر‪ ،‬ويتحدث إليها مدة حتى شاع أمرهما‪ ،‬وتحدثت جواري الحي به‪ ،‬فنهاه أهلها عنها‪ ،‬وكانوا متجاورين‪ ،‬وشكوه إلى‬
‫الشياخ من قومه فنهوه واشتدوا علبه‪ ،‬فكان يتفلت إليها في أوقات الغفلت‪ ،‬فيتحدثان ويتشاكيان‪ ،‬ثم انتجعت بنو قشير في‬
‫ربيع لهم ناحية غير تلك قد نضرها غيث وأخصبها‪ ،‬فبعد عليه خبرها واشناقها‪ ،‬فكان يسأل عنها كل وارد‪ ،‬ويرسل إليها بالسلم‬
‫‪:‬مع كل صادر‪ ،‬حتى ورد عليه يوما راكب من قومها‪ ،‬فسأله عنها فأخبره أنها خطبت فزوجت‪ ،‬فوجم طويل ثم أجهش باكيا وقال‬
‫فظلت بي الرض الفضاء تدور وذكر البيات الماضية‬ ‫‪.‬أتاني بظهر الغيب أن قد تزوجت‬
‫‪:‬وقد أنشدني هذه القصيدة لمزاحم ابن أبي الزهر‪ ،‬عن حماد عن أبيه‪ ،‬فأتى بهذه البيات وزاد فيها‬

‫صفحة ‪2130 :‬‬

‫مرارا فموت مـرة ونـشـور‬ ‫وتنشر نفسي بعد موتي بذكرهـا‬


‫وربي بذي الشوق الحزين بصير‬ ‫عججت لربي عجة ما ملكتـهـا‬
‫له بالذي يسدي إلـي شـكـور‬ ‫ليرحم ما ألقى ويعـلـم أنـنـي‬
‫لحوج مني إننـي لـفـقـير الفرزدق وجرير وذو الرمة يفضلونه على أنفسهم‬ ‫لئن كان يهدى برد أنيابها العـل‬
‫حدثني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو أيوب المديني‪ ،‬قال‪ :‬قال أبو عدنان‪ :‬أخبرنا تميم بن رافع قال‪ :‬حدثت أن الفرزدق دخل على عبد‬
‫الملك بن مروان ‪-‬أو بعض بنيه‪ -‬فقال له‪ :‬يا فرزدق‪ ،‬أتعرف أحدا أشعر منك? قال‪ :‬ل‪ ،‬إل غلما من بني عقيل‪ ،‬يركب أعجاز‬
‫البل وينعت الفلوات فيجيد‪ ،‬ثم جاءه جرير فسأله عن مثل ما سأل عنه الفرزدق فأجابه بجوابه‪ ،‬فلم يلبث أن جاءه ذو الرمة‬
‫فقال له‪ :‬أنت أشعر الناس? قال‪ :‬ل‪ ،‬ولكن غلم من بني عقيل يقال له مزاحم يسكن الروضات‪ .‬يقول وحشيا من الشعر ل‬
‫‪:‬يقدر على مثله‪ ،‬فقال‪ :‬فأنشدني بعض ما تحفظ من ذلك‪ ،‬فأنشده قوله‬
‫متى عهدها بالظاعن المترحـل‬ ‫خليلي عوجا بي على الدار نسأل‬
‫بها الريح جولن التراب المنخل حتى أتى على آخرها ثم قال‪ :‬ما أعرف أحدا‬ ‫فعجت وعاجوا فوق بيداء مورت‬
‫‪.‬يقول قول يواصل هذا‬

‫صوت‬

‫وأسمع أذني منك ما ليس تسمـع‬ ‫أكذب طرفي عنك في كل ما أرى‬


‫ول عنك إقصار ول فيك مطمع‬ ‫فل كبدي تبلـى ول لـك رحـمة‬
‫وأعظم منها فـيك مـا أتـوقـع‬ ‫لقيت أمورا فيك لم ألق مثـلـهـا‬
‫فأيسره يجـزي وأدنـاه يقـنـع الشعر لبكر بن النطاح‪ ،‬والغناء لحسين بن محرز‬ ‫فل تسألينـي فـي هـواك زيادة‬
‫‪.‬ثقيل أول بالوسطى عن الهشامي‬

‫أخبار بكر بن النطاح ونسبه‬


‫اسمه ونسبه‬
‫بكر بن النطاح الحنفي ‪ .‬يكنى أبا وائل‪ ،‬هكذا أخبرنا وكيع عن عبد الله بن شبيب‪ ،‬وذكر غيره أن عجلي من بني سعد بن عجل‪،‬‬
‫‪:‬واحتج من ذكر أنه عجلي بقوله‬
‫فجدي عجل قرم بكر بن وائل وأنكر ذلك من زعم أنه حنفي وقال‪ :‬بل قال‬ ‫‪:‬فإن يك جد القوم فهر بن مالك‬
‫‪.‬فجدي لجيم قرم بكر بن وائل وعجل بن لجيم وحنيفة بن لجيم أخوان‬
‫وكان بكر بن النطاح صعلوكا يصيب الطريق‪ ،‬ثم أقصر عن ذلك‪ ،‬فجعله أبو دلف من الجند‪ ،‬وجعل له رزقا سلطانيا‪ ،‬وكان‬
‫‪.‬شجاعا بطل فارسا شاعرا حسن الشعر والتصرف فيه‪ ،‬كثير الوصف لنفسه بالشجاعة والقدام‬
‫قصته مع أبي دلف‬
‫فأخبرني الحسن بن علي ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبي‪ ،‬قال‪ :‬قال بكر بن النطاح الحنفي‬
‫‪:‬قصيدته التي يقول فيها‬
‫وعيدي بحلوان قراع الكتائب وأنشدها أبا دلف فقال له‪ :‬إنك لتكثر الوصف‬ ‫هنيئا لخواني ببغداد عيدهـم‬
‫لنفسك بالشجاعة‪ ،‬وما رأيت لذلك عندك أثرا قط‪ ،‬ول فيك‪ ،‬فقال له‪ :‬أيها المير وأي غناء يكون عند الرجل الحاسر العزل?‬
‫فقال‪ :‬أعطوه فرسا وسيفا وترسا ودرعا ورمحا‪ ،‬فأعطوه ذلك أجمع‪ ،‬فأخذه وركب الفرس وخرج على وجهه‪ ،‬فلقيه مال لبي‬
‫دلف يحمل من بعض ضياعه‪ ،‬فأخذه وخرج جماعة من غلمانه فمانعوه عنه‪ ،‬فجرحهم جميعا وقطعهم وانهزموا‪ .‬وسار بالمال‪،‬‬
‫فلم ينزل إل على عشرين فرسخا‪ ،‬فلما اتصل خبره بأبي دلف قال‪ :‬نحن جنينا على أنفسنا‪ ،‬وقد كنا أغنياء عن إهاجة أبي وائل‪،‬‬
‫ثم كتب إليه بالمان‪ ،‬وسوغه المال‪ ،‬وكتب إليه‪ :‬صر إلينا فل ذنب لك‪ ،‬لنا نحن كنا سبب فعلك بتحريكنا إياك وتحريضنا؛ فرجع‬
‫‪.‬ولم يزل معه يمتدحه‪ ،‬حتى مات‬
‫قصته مع الرشيد ويزيد بن مزيد‬
‫أخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن موسى‪ ،‬قال‪ :‬حدثني الحسن بن إسماعيل‪ ،‬عن ابن الحفصي‪ ،‬قال‪ :‬قال يزيد‬
‫‪:‬بن مزيد‪ :‬وجه إلي الرشيد في وقت يرتاب فيه البريء‪ ،‬فلما مثلت بين يديه قال‪ :‬يا يزيد‪ ،‬من الذي يقول‬
‫ومن يفتقر من سائر الناس يسأل فقلت له‪ :‬والذي شرفك وأكرمك بالخلفة‬ ‫ومن يفتقر منا يعش بحسـامـه‬
‫‪:‬ما أعرفه‪ ،‬قال‪ :‬فمن الذي يقول‬
‫فجدي لجيم قرم بكر بن وائل‬ ‫وإن يك جد القوم فهر بن مالك‬

‫صفحة ‪2131 :‬‬

‫قلت‪ :‬ل والذي أكرمك وشرفك يا أمير المؤمنين ما أعرفه‪ ،‬قال‪ :‬والذي كرمني وشرفني إنك لتعرفه‪ ،‬أتظن يا يزيد أني إذا‬
‫أوطأتك بساطي وشرفتك بصنيعتي أني أحتملك على هذا? أو تظن أني ل أراعي أمورك وأتقصاها‪ ،‬وتحسب أنه يخفى علي‬
‫شيء منها? والله إن عيوني لعليك في خلواتك ومشاهدك‪ ،‬هذا جلف من أجلف ربيعة عدا طوره وألحق قريشا بربيعة فأتني به‪.‬‬
‫فانصرفت وسألت عن قائل الشعر‪ ،‬فقيل لي‪ :‬هو بكر بن النطاح‪ ،‬وكان أحد أصحابي‪ ،‬فدعوته وأعلمته ما كان من الرشيد‪،‬‬
‫فأمرت له بألفي درهم‪ ،‬وأسقطت اسمه من الديوان‪ ،‬وأمرته أل يظهر ما دام الرشيد حيا‪ ،‬فما ظهر حتى مات الرشيد‪ ،‬فلما‬
‫‪ .‬مات ظهر‪ ،‬فألحق اسمه وزدت في عطائه‬
‫شعره في جارية تدعى رامشنة‬
‫أخبرني محمد بن خلف وكيع‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن حمزة العلوي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو غسان دماذ‪ ،‬قال‪ :‬حضرت بكر بن النطاح‬
‫‪:‬الحنفي في منزل بعض الحنفيين‪ ،‬وكانت للحنفي جارية يقال لها رامشنة‪ ،‬فقال فيها بكر بن النطاح‬
‫أحسن من رامشنة الس‬ ‫حيتك بالرامشن رامشـنة‬
‫ولم تبت في بيت نخـاس‬ ‫جارية لم يقتسم بعضـهـا‬
‫ل مفسد الناس على الناس وقال فيها‬ ‫‪:‬أفسدت إنسانا على أهلـه‬
‫وأسمع أذني منك ما ليس تسمـع‬ ‫أكذب طرفي عنك والطرف صادق‬
‫لكي ل يقولوا صابر ليس يجـزع‬ ‫ولم أسكن الرض التي تسكنينـهـا‬
‫ول عنك إقصار ول فيك مطمـع‬ ‫فل كبدي تبلـى ول لـك رحـمة‬
‫وأعظم منها منـك مـا أتـوقـع‬ ‫لقيت أمورا فيك لم الق مثـلـهـا‬
‫فأيسره يجـزي وأدنـاه يقـنـع المأمون يعجب بشعره وينقد سلوكه‬ ‫فال تسألينـي فـي هـواك زيادة‬
‫أخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه‪ ،‬عن علي بن الصباح ‪-‬وأظنه مرسل وأن بينه وبينه ابن أبي‬
‫سعد أو غيره‪ ،‬لنه لم يسمع من علي بن الصباح‪ -‬قال‪ :‬حدثني أبو الحسين الراوية‪ ،‬قال لي المأمون‪ :‬أنشدني أشجع بيت وأعفه‬
‫‪:‬وأكرمه من شعر المحدثين‪ ،‬فأنشدته‬
‫ومن يفتقر من سائر الناس يسأل‬ ‫ومن يفتقر منا يعش بحسـامـه‬
‫عروس بعقد أو سخاب قرنفـل فقال‪ :‬ويحك من يقول هذا? فقلت‪ :‬بكر بن‬ ‫وإنا لنلهو بالسيوف كما لـهـت‬
‫‪.‬النطاح‪ ،‬فقال‪ :‬أحسن والله‪ ،‬ولكنه قد كذب في قوله‪ ،‬فما باله يسأل أبا دلف ويمتدحه وينتجعه هل أكل خبزه بسيفه كما قال‬
‫مدح أبا دلف فأعطاه جائزة أخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو الحسن الكسكري ‪ ،‬قال‪ :‬بلغني‬
‫أنا أبا دلف لحق أكرادا قطعوا الطريق في عمله‪ ،‬وقد أردف منهم فارس رفيقا له خلفه‪ ،‬فطعنهما جميعا فأنفذهما‪ ،‬فتحدث‬
‫الناس بأنه نظم بطعنة واحدة فارسين على فرس‪ ،‬فلما قدم من وجهه دخل إليه بكر بن النطاح فأنشده‪ :‬صوت‬
‫يوم اللقاء ول يراه جلـيل‬ ‫قالوا‪ :‬وينظم فارسين بطعنة‬
‫ميل إذا نظم الفوارس ميل قال‪ :‬فأمر له أبو دلف بعشرة آلف درهم‪ ،‬فقال بكر‬ ‫ل تعجبوا فلو أن طول قناته‬
‫‪:‬فيه‬
‫على البر كان البر أندى من البحر‬ ‫له راحة لو أن معشار جـودهـا‬
‫وبارزه كان الخلي من العـمـر‬ ‫ولو أن خلق الله في جسم فـارس‬
‫كما بوركت في شهرها ليلة القدر عشق غلما نصرانيا وقال فيه شعرا أخبرني‬ ‫أبا دلف بوركت في كـل بـلـدة‬
‫أحمد بن عبيد الله بن عمار‪ ،‬وعيسى بن الحسين‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يعقوب بن إسرائيل‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو زائدة‪ ،‬قال‪ :‬كان بكر بن‬
‫‪:‬النطاح الحنفي يتعشق غلما نصرانيا ويجن به‪ ،‬وفيه يقول‬
‫قلب التقي عن القرآن منصرفا‬ ‫يا من إذا درس النجيل كان له‬
‫كما تعانق لم الكاتب اللـفـا رده أبو دلف فغضب عليه وانصرف عنه أخبرني‬ ‫إني رأيتك في نومي تعانقنـي‬
‫‪:‬محمد بن القاسم النباري‪ ،‬قال‪ :‬حدثني الحسن بن عبد الرحمن الربعي ‪ ،‬قال‬

‫صفحة ‪2132 :‬‬

‫كان بكر بن النطاح يأتي أبا دلف في كل سنة‪ ،‬فيقول له‪ :‬إلى جنب أرضي أرض تباع وليس يحضرني ثمنها‪ ،‬فيأمر له بخمسة‬
‫آلف درهم ويعطيه ألفا لنفقته ‪ ،‬فجاءه في بعض السنين فقال له مثل ذلك‪ ،‬فقال له أبو دلف‪ :‬ما تفنى هذه الرضون التي إليها‬
‫‪:‬جانب ضيعتك فغضب وانصرف عنه‪ ،‬وقال‬
‫فإن في الله أعظم الخلـف‬ ‫يا نفس ل تجزعي من التلف‬
‫ويغنك الله عن أبي دلـف رده قرة بن محرز فغضب عليه وانصرف عنه كذلك‬ ‫إن تقنعي باليسير تغتبطـي‬
‫قال‪ :‬وكان بكر بن النطاح يأتي قرة بن محرز الحنفي بكرمان فيعطيه عشرة آلف درهم‪ ،‬ويجري عليه في كل شهر يقيم عند‬
‫ألف درهم‪ ،‬فاجتاز به قرة يوما وهو ملزم في السوق وغرماؤه يطالبونه بدين‪ ،‬فقال له‪ :‬ويحك أما يكفيك ما أعطيك حتى‬
‫‪:‬تستدين وتلزم في السوق فغضب عليه وانصرف عنه وأنشأ يقول‬
‫فتترك من يزورك في جهـاد‬ ‫أل يا قـر ل تـك سـامـريا‬
‫وقد أودى الطريف مع التـلد‬ ‫أتعجب أن رأيت عـلـي دينـا‬
‫فما طمع العواذل في اقتصادي‬ ‫ملت يدي من الدنـيا مـرارا‬
‫وهل تجب الزكاة على جواد مدح أبا دلف ببيتين فأعطاه جائزة أخبرني محمد بن‬ ‫ول وجبت علـي زكـاة مـال‬
‫مزيد بن أبي الزهر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا حماد بن إسحاق‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬كنت يوما عند علي بن هشام‪ ،‬وعنده جماعة فيهم عمارة بن‬
‫عقيل‪ ،‬فحدثته أن بكر بن النطاح دخل إلى أبي دلف وأنا عنده‪ ،‬قال لي أبو دلف‪ :‬يا أبا محمد أنشدني مديحا فاخرا تستطرفه‪،‬‬
‫فبدر إليه بكر وقال‪ :‬أنا أنشدك أيها المير بيتين قلتهما فيك في طريقي هذا إليك وأحكمك‪ ،‬فقال‪ :‬هات‪ ،‬فإن شهد لك أبو محمد‬
‫‪:‬رضينا‪ ،‬فأنشده‬
‫وإن حضر المصيف فأنت ظل‬ ‫إذا كان الشتاء فأنت شـمـس‬
‫أتكثر في سماحـك أم تـقـل فقلت له‪ :‬أحسن والله ما شاء ووجبت مكافأته‪،‬‬ ‫وما تدري إذا أعطـيت مـال‬
‫فقال‪ :‬أما إذ رضيت فأعطوه عشرة آلف درهم‪ ،‬فحملت إليه‪ ،‬وانصرفت إلى منزلي‪ ،‬فإذا أنا بعشرين ألفا قد سبقت إلي‪ ،‬وجه‬
‫‪:‬بها أبو دلف‪ ،‬قال‪ :‬فقال عمارة لعلي بن هشام‪ :‬فقد قلت أنا في قريب من هذه القصة‬
‫لمـوالـهـم مـثـل الـسـنـين الـحـواطــم‬ ‫ول عـيب فـيهـم غـير أن أكـــفـــهـــم‬
‫وأنهم ل يورثون بذيهموإن ورثوا خيرا كنوز الدراهم رثى معقل بن عيسى أخبرني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عبد الله بن أبي سعد‪،‬‬
‫قال‪ :‬حدثني أبو توبة‪ ،‬قال‪ :‬كان معقل بن عيسى صديقا لبكر بن النطاح‪ ،‬وكان بكر فاتكا صعلوكا‪ ،‬فكان ل يزال قد أحدث حادثة‬
‫‪:‬في عمل أبي دلف‪ ،‬أو جنى جناية‪ ،‬فيهم به فيقوم دونه معقل حتى يتخلصه‪ ،‬فمات معقل فقال بكر بن النطاح يرثيه بقوله‬
‫رأت عينه فيما ترى عين حـالـم‬ ‫وحدث عنه بعض مـن قـال إنـه‬
‫ولم يره يبكي على قبـر حـاتـم‬ ‫كأن الذي يبكي على قبر معـقـل‬
‫ول قبر حلف الجود قيس بن عاصم‬ ‫ول قبر كعب إذ يجود بـنـفـسـه‬
‫على كل مذكور بفضل المـكـارم هجاه عباد بن الممزق لبخله أخبرني عمي‪،‬‬ ‫فأيقنت أن الله فـضـل مـعـقـل‬
‫قال‪ :‬حدثنا الكراني‪ ،‬قال‪ :‬حدثني العمري‪ ،‬قال‪ :‬كان بكر بن النطاح الحنفي أبو وائل بخيل‪ ،‬فدخل عليه عباد بن الممزق يوما‪،‬‬
‫‪:‬فقدم إليه خبزا يابسا قليل بل أدم‪ ،‬ورفعه من بين يديه قبل أن يشبع‪ ،‬فقال عباد يهجوه‬
‫بكر بن نطاح بفلسين‬ ‫?من يشتري مني أبا وائل‬
‫يأكله من شحمة العين قال‪ :‬وكان عباد هذا هجاء ملعونا‪ ،‬وهو القائل‬ ‫‪:‬كأنما الكل من خبـزه‬
‫كان الممزق أعراض اللئام أبي مدح مالك بن طوق ثم هجاه أخبرني عمي‪،‬‬ ‫أنا الممزق أعراض اللئام كمـا‬
‫‪:‬قال‪ :‬حدثنا أبو هفان‪ ،‬قال‪ :‬كان بكر بن النطاح قصد مالك بن طوق فمدحه‪ ،‬فلم يرض ثوابه‪ ،‬فخرج من عنده وقال يهجوه‬
‫وما يرتجى منه من مطلب‬ ‫فليت جدا مـالـك كـلـه‬
‫ولم أنتجعه ولـم أرغـب‬ ‫أصبت بأضعاف أضعافـه‬
‫لي الذنب جهل ولم تذنـب وكتبها في رقعة وبعث بها إليه‪ ،‬فلما قرأها وجه جماعة‬ ‫أسأت اختياري منك الثواب‬
‫‪.‬من أصحابه في طلبه‪ ،‬وقال لهم‪ :‬الويل لكم إن فاتكم بكر بن النطاح‬

‫صفحة ‪2133 :‬‬

‫اعتذر إليه وأعطاه فمدحه ول بد أن تنكفئوا على أثره ولو صار إلى الجبل‪ ،‬فلحقوه فردوه غليه‪ ،‬فلما دخل داره ونظر إليه قام‬
‫فتلقاه وقال‪ :‬يا أخي‪ ،‬عجلت علينا وما كنا نقتصر بك على ما سلف وإنما بعثنا إليك بنفقة‪ ،‬وعولنا بك على ما يتلوها‪ ،‬واعتذر كل‬
‫‪:‬واحد منهما إلى صاحبه‪ ،‬ثم أعطاه حتى أرضاه‪ ،‬فقال بكر بن النطاح يمدحه‬
‫كفى بذل هذا الخلق بعض عداته‬ ‫أقول لمرتاد ندى غـير مـالـك‬
‫وأنهبها فـي عـوده وبـداتـه‬ ‫فتى جاد بالموال في كل جانـب‬
‫لقاسم من يرجوه شطر حـياتـه‬ ‫فلو خذلت أموالـه بـذل كـفـه‬
‫وجاز له العطاء من حسناتـه‬ ‫ولو لم يجد في العمر قسمة ماله‬
‫وشاركهم في صومه وصلتـه فوصله صلة ثانية لهذه البيات‪ ،‬وانصرف عنه‬ ‫لجاد بها من غير كفـر بـربـه‬
‫‪.‬راضيا‬
‫هكذا ذكر أبو هفان في خبره وأحسبه غلطا‪ ،‬لن أكثر مدائح بكر بن النطاح في مالك بن علي الخزاعي ‪-‬وكان يتولى طريق‬
‫خراسان‪ -‬وصار إليه بكر بن النطاح بعد وفاة أبي دلف ومدحه‪ ،‬فأحسن تقبله وجعله في جنده‪ ،‬وأسنى له الرزق‪ ،‬فكان معه‪،‬‬
‫‪.‬إلى أن قتله الشراة بحلوان‪ ،‬فرثاه بكر بعدة قصائد هي من غرر شعره وعيونه‬
‫كان مع مالك الخزاعي يوم أن قتل فرثاه فحدثني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أحمد بن أبي طاهر‪ ،‬عن أبي وائلة السدوسي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫عاثت الشراة بالجبل عيثا شديدا‪ ،‬وقتلوا الرجال والنساء والصبيان‪ ،‬فخرج إليهم مالك بن علي الخزاعي وقد وردوا حلوان‪،‬‬
‫فقاتلهم قتال شديدا فهزمهم عنها‪ ،‬وما زال يتبعهم حتى بلغ بهم قرية يقال لها‪ :‬حدان ‪ ،‬فقاتلوه عندها قتال شديدا‪ ،‬وثبت‬
‫الفريقان إلى الليل حتى حجز بينهم‪ ،‬وأصابت مالكا ضربة على رأسه أثبتته ‪ ،‬وعلم أنه ميت‪ ،‬فأمر برده إلى حلوان‪ ،‬فما بلغها‬
‫حتى مات‪ ،‬فدفن على باب حلوان‪ ،‬وبنيت لقبره قبة على قارعة الطريق‪ ،‬وكان معه بكر بن النطاح يومئذ‪ ،‬أبلى بلء حسنا‪،‬‬
‫‪:‬وقال بكر يرثيه‬
‫على المير اليمني الـهـمـام‬ ‫يا عين جودي بالدموع السـجـام‬
‫وفارس الدين وسـيف المـام‬ ‫على فتى الدنـيا وصـنـديدهـا‬
‫أيتـم إذ أودى جـمـيع النـام‬ ‫ل تدخري الدمع على هـالـك‬
‫عظامه‪ ،‬سقيا لها من عـظـام‬ ‫طاب ثرى حلوان إذ ضمـنـت‬
‫وامتنعت بعدك يا بن الـكـرام‬ ‫أغلقت الـخـيرات أبـوابـهـا‬
‫والغزو تشكو منك طول الجمام‬ ‫وأصبحت خيلك بعـد الـوجـا‬
‫كيما نحيي قبـره بـالـسـلم‬ ‫ارحل بنا نقرب إلـى مـالـك‬
‫غنى عن البحر وصوب الغمام‬ ‫كان لهل الرض فـي كـفـه‬
‫وكان في الليل كبدر الـظـلم‬ ‫وكان في الصبح كشمس الضحى‬
‫وقد رآه وهو صعب الـمـرام‬ ‫وسائل يعـجـب مـن مـوتـه‬
‫يضربهم عند ارتفاع الـقـتـام‬ ‫قلت له عهدي به مـعـلـمـا‬
‫يفلت من وقع صقيل حـسـام‬ ‫والحرب من طاولهـا لـم يكـد‬
‫على ربيع الناس في كل عـام‬ ‫لم ينظر الدهـر لـنـا إذ عـدا‬
‫ما هيج الشجو دعاء الحـمـام قال‪ :‬وقال أيضا يرثيه‬ ‫‪:‬لن يستـقـيلـوا أبـدا فـقـده‬
‫بدم عشية راح مـن حـلـوان‬ ‫أي امرئ خضب الخوارج ثوبه‬
‫ما فيك من كرم ومن إحسـان‬ ‫يا حفرة ضمت محاسن مالـك‬
‫وجبينه لسـنة الـفـرسـان‬ ‫لهفي على البطل المعرض خده‬
‫والمرهفات عليه كالـنـيران‬ ‫خرق الكتيبة معلما متكـنـبـا‬
‫فالرض موحشة بل عمـران‬ ‫ذهب بشاشة كل شيء بـعـده‬
‫شرف العل ومكارم البـنـيان‬ ‫هدم الشراة غداة مصرع مالـك‬
‫تقوى على اللزبات في الزمان‬ ‫قتلوا فتى العرب الذي كانت به‬
‫عصبية في قلب كل يمـانـي‬ ‫حرموا معدا ما لديه وأوقـعـوا‬
‫أسد يصول بسـاعـد وبـنـان‬ ‫تركوه في رهج العجاج كأنـه‬
‫وتمسكت بالنحس والـدبـران‬ ‫هوت الجدود عن السعود لفقـده‬
‫مستشهدا في طاعة الرحمـن‬ ‫ل يبعدن أخو خـزاعة إذ ثـوى‬
‫صفحة ‪2134 :‬‬

‫محبـوة بـحـقـائق اليمـان‬ ‫عز الـغـواة بـه وذلـت أمة‬


‫والمسلمون ودولة السلـطـان‬ ‫وبكاء مصحفه وصدر قناتـنـه‬
‫أدراعـه وسـوابـغ البـدان‬ ‫وغدت تعقر خيله وتقـسـمـت‬
‫بمن كان المجير لنا من الحدثان تشوقه بغداد وهو بالجبل‬ ‫أفتحمد الـدنـيا وقـد ذهـبـت‬
‫‪:‬أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي‪ ،‬قال‪ :‬أنشدني أبو غسان دماذ لبكر بن النطاح يتشوق بغداد وهو بالجبل يومئذ‬
‫هما هيجا الشوق حتى ظهـر‬ ‫نسيم المدام وبرد الـسـحـر‬
‫وزرنا إذا غاب ضوء القمـر‬ ‫تقول‪ :‬اجتنب دارنا بالنـهـار‬
‫ندمت وأعطوا عليك الظفـر‬ ‫فإن لـنـا حـرسـا إن رأوك‬
‫عليهم وقد أمروا بـالـحـذر‬ ‫وكم صنع الـلـه مـن مـرة‬
‫وساكن بغداد صوب المطـر‬ ‫سقى الله بغـداد مـن بـلـدة‬
‫ر صيرن ذكري حديث السمر‬ ‫ونبئت أن جواري الـقـصـو‬
‫ق عني وأخرى تطيل الذكـر‬ ‫أل رب سـائلة بـالـعــرا‬
‫كظبي الفلة المليح الـحـور‬ ‫تقـول‪ :‬عـهـدنـا أبـا وائل‬
‫كأن ثيابي بهـار الـشـجـر هوى جارية من القيان وقال فيها شعرا حدثني جعفر بن‬ ‫ليالي كـنـت أزور الـقـيان‬
‫قدامة‪ ،‬قال‪ :‬حدثني ميمون بن هارون‪ ،‬قال‪ :‬كان بكر بن النطاح يهوى جارية من جواري القيان وتهواه‪ ،‬وكانت لبعض‬
‫الهاشميين‪ ،‬يقال لها درة‪ ،‬وهو يذكرها في شعره كثيرا‪ ،‬وكان يجتمع معها في منزل رجل من الجند من أصحاب أبي دلف يقال‬
‫له‪ :‬الفرز‪ ،‬فسعى به إلى مولها‪ ،‬وأعلمه أنه قد أفسدها وواطأها على أن تهرب معه إلى الجبل‪ ،‬فمنعه من لقائها وحجبه عنها‪،‬‬
‫‪:‬إلى أن خرج إلى الكرج مع أبي دلف‪ ،‬فقال بكر بن النطاح في ذلك‬
‫أهل دار بين الرصافة والجسر أطالوا غيظي بطول الصدود‬
‫عذبوني ببعدهم ابتلوا قلبي بحزنين ‪ :‬طارف وتليد‬
‫ما تهب الشمال إل تنفست وقال الفؤاد للعين‪ :‬جودي‬
‫فتـحــيرت كـــالـــطـــريد الـــشـــريد‬ ‫قل عنهم صبري ولم يرحموني‬
‫‪:‬وكلتني اليام فيك إلى نفسي فأعييت وانتهـى مـجـهـود وقال فيها أيضا وفيه غناء من الرمل الطنبوري‬
‫وتظهر البرام والنقضـا‬ ‫العين تبدي الحب والبغضـا‬
‫ول رحمت الجسد المنضى‬ ‫درة ما أنصفتني في الهوى‬
‫يعشق منها بعضها بعضـا‬ ‫مرت بنا في قرطق أخضر‬
‫ل أشرب البارد أو ترضى‬ ‫غضبى ول والله يا أهلهـا‬
‫جعلت خدي لها أرضـا وقال فيها أيضا وفيه رمل طنبوري‬ ‫‪:‬كيف أطاعتكم بهجري وقد‬
‫واستبدل الطرف بالدموع دمـا‬ ‫صدرت فأمسى لقاؤها حلـمـا‬
‫فأبدلتنـي بـصـحة سـقـمـا‬ ‫وسلطت حبها عـلـى كـبـدي‬
‫وأقرع السن بعـدهـا نـدمـا‬ ‫وصرت فردا أبكي لفرقـتـهـا‬
‫أصبحت في أمر ذا الفتى علما‬ ‫شق عليها قول الوشـاة لـهـا‪:‬‬
‫من هجرها ما استثرت ما اكتتما‬ ‫لول شقـائي ومـا بـلـيت بـه‬
‫أبكيت منها القرطاس والقلـمـا وقال فيها أيضا‪ ،‬وفيه رمل لبي الحسن‬ ‫كم من حاجة في الكتاب بحت بها‬
‫أحمد بن جعفر جحظة‬
‫وليس عندي لك تـغـيير‬ ‫بعدت عني فتغـيرت لـي‬
‫وكل ذنب لك مـغـفـور‬ ‫فجددي ما رث من وصلنـا‬
‫سارت به من غدرك العير‬ ‫أطيب النفس بكتمـان مـا‬
‫منك ومن يعشق مغـرور‬ ‫وعدك يا سيدتي غـرنـي‬
‫قال خليلي أنت مهجـور‬ ‫يحزنني علمي بنفسـي إذا‬
‫جارت لنا فيه المـقـادير‬ ‫يا ليت من زين هذا لـهـا‬
‫فإنني ويحـك مـعـذور‬ ‫ساقي الندامى سقها صاحبي‬
‫إني إذا بالهجر مسـرور وفيها يقول وقد خرج مع أبي دلف‬ ‫أأشرب الخمر على هجرها‬
‫‪:‬إلى أصبهان‬
‫ومنحتها لطفي ولين جناحـي‬ ‫يا ظبية السيب التي أحببتـهـا‬
‫أودعت قلبي من ندوب جراح‬ ‫عيناي باكيتان بعـدك لـلـذي‬

‫صفحة ‪2135 :‬‬

‫فقدا غدوي لهـيا ورواحـي‬ ‫سقيا لحمد من أخ ولـقـاسـم‬


‫من قرب كل مخالف وملحي‬ ‫وترددي من بيت فرز آمـنـا‬
‫أحدا له كتدللـي ومـراحـي‬ ‫أيام تغبطني الملـوك ول أرى‬
‫ويصفن للشرب الكرام سماحي ومما يغنى فيه من شعر بكر بن النطاح في‬ ‫تصف القيان إذا خلون مجانتي‬
‫هذه الجارية قوله‪ :‬صوت‬
‫أم ليس لي في العالمين ضـريب‬ ‫?هل يبتلي أحد بـمـثـل بـلـيتـي‬
‫يا بكر مالك قد علك شـحـوب‬ ‫?قالت عنان وأبصرتني شـاحـبـا‪:‬‬
‫لقـيت إل الـمـبـتـلـى أيوب‬ ‫فأجبتها‪ :‬يا أخـت لـم يلـق الـذي‬
‫شيئا يلـذ لهـلــه ويطـــيب‬ ‫قد كنت أسمع بالهـوى فـأظـنـه‬
‫فالحلو منه لـلـقـلـوب مـذيب‬ ‫حتى ابتلـيت بـحـلـوه وبـمـره‬
‫للمر وصف يا عـنـان عـجـيب‬ ‫والمر يعجز منطقي عن وصـفـه‬
‫وأنا المعنى الهـائم الـمـكـروب‬ ‫فأنا الشقـي بـحـلـوه وبـمـره‬
‫في وجه إنسان سـواك نـصـيب‬ ‫يا در حالفك الجـمـال فـمـا لـه‬
‫حسنا فوجهك في الوجوه غـريب‬ ‫كل الوجوه تشابهت وبـهـرتـهـا‬
‫عنا ويشرق وجهك المـحـجـوب ومما يغنى فيه من شعره فيها أيضا‬ ‫والشمس يغرب في الحجاب ضياؤها‬

‫نفسي الفداء لمذنب غضـبـان‬ ‫غضب الحبيب علي في حبي له‬


‫إن تم رأيك ذا خلعت عنانـي‬ ‫ما لي بما ذكر الرسول يدان بل‬
‫طاوعته فجزاك بالعـصـيان‬ ‫يا من يتوق إلى حبيب مـذنـب‬
‫إن لم تكن لك بالصـدور يدان‬ ‫هل انتحرت فكنت أول هالـك‬
‫فالكف مفردة بغـير بـنـان‬ ‫كنا وكنتم كالبنـان وكـفـهـا‬
‫وخلقت للعبـرات والحـزان‬ ‫خلق السرور لمعشر خلقوا لـه‬
‫صوت‬

‫أم زمـان مــن فـــتـــنة غـــير هـــرج‬ ‫ليت شـــعـــري أأول الـــهـــرج هـــذا‬
‫قد أتـانـا مـن عـيشـنــا مـــا نـــرجـــي‬ ‫إن يعـش مـصـعـب فـنـحـــن بـــخـــير‬
‫لبـن الـبـخـت فـي عـسـاس الـخـلـــنـــج‬ ‫ملـك يطـعـم الــطـــعـــام ويســـقـــي‬
‫بلـغـت خـــيلـــه قـــصـــور زرنـــج‬ ‫جلـب الـخـيل مـن تـــهـــامة حـــتـــى‬
‫حيث لم تأت قبله خيل ذي الكتاف يوجفن بين قف ومرج عروضه من الخفيف‪ .‬الشعر لعبيد الله بن قيس الرقيات‪ ،‬والغناء‬
‫‪.‬ليونس الكاتب ماخوري بالبنصر‪ ،‬وفيه لمالك ثاني ثقيل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق‬

‫مقتل مصعب بن الزبير‬


‫خرج لمحاربة عبد الملك بن مروان‬
‫‪.‬وهذا الشعر يقوله عبيد الله بن قيس لمصعب بن الزبير لما حشد للخروج عن الكوفة لمحاربة عبد الملك بن مروان‬
‫استشارة عبد الملك في المسير إلى العراق‬
‫وكان السبب في ذلك‪ ،‬فيما أجاز لنا الحرمي بن أبي العلء روايته عنه‪ ،‬عن الزبير بن بكار‪ ،‬عن المدائني‪ ،‬قال‪ :‬لما كانت سنة‬
‫اثنتين وسبعين‪ ،‬استشار عبد الملك بن مروان عبد الرحمن بن الحكم في المسير إلى العراق ومناجزة مصعب‪ ،‬فقال‪ :‬يا أمير‬
‫المؤمنين‪ ،‬قد واليت بين عامين تغزو فيهما وقد خسرت خيلك ورجالك‪ ،‬وعامك هذا عام حارد فأرح نفسك ورجلك ثم ترى رأيك‪.‬‬
‫فقال‪ :‬إني أبادر ثلثة أشياء‪ ،‬وهي أن الشام أرض بها المال قليل فأخاف أن ينفذ ما عندي‪ ،‬وأشراف أهل العراق قد كاتبوني‬
‫يدعونني إلى أنفسهم‪ ،‬وثلثة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كبروا ونفدت أعمارهم‪ ،‬وأنا أبادر بهم الموت‬
‫‪.‬أحب أن يحضروا معي‬
‫ثم دعا يحيى بن الحكم ‪-‬وكان يقول‪ :‬من أراد أمرا فليشاور يحيى بن الحكم فإذا أشار عليه بأمر فليعمل بخلفه‪ .‬فقال‪ :‬ما ترى‬
‫‪.‬في المسير إلى العراق? قال‪ :‬أرى أن ترضى بالشام وتقيم بها وتدع مصعبا بالعراق‪ ،‬فلعن الله العراق فضحك عبد الملك‬
‫ودعا عبد الله بن خالد بن أسيد فشاوره‪ ،‬فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين قد غزوت مرة فنصرك الله‪ ،‬ثم غزوت ثانية فزادك الله بها‬
‫‪.‬عزا‪ ،‬فأقام عامك هذا‬

‫صفحة ‪2136 :‬‬

‫فقال لمحمد بن مروان‪ :‬ما ترى? قال‪ :‬أرجو أن ينصرك الله أقمت أم غزوت‪ ،‬فشمر فإن الله ناصرك‪ .‬فأمر الناس فاستعدوا‬
‫للمسير‪ ،‬فلما أجمع عليه قالت عاتكة بنت يزيد بن معاوية زوجته‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬وجه الجنود وأقم‪ ،‬فليس الرأي أن يباشر‬
‫‪:‬الخليفة الحرب بنفسه‪ ،‬فقال‪ :‬لو وجهت أهل الشام كلهم فعلم مصعب أني لست معهم لهلك الجيش كله‪ ،‬ثم تمثل‬
‫ومستخبرات والعيون سواكب ثم قدم محمد بن مروان ومعه عبد الله بن خالد‬ ‫ومستخبر عنا يريد بنا الـردى‬
‫بن أسيد وبشر بن مروان‪ ،‬ونادى مناديه‪ :‬إن أمير المؤمنين قد استعمل عليكم سيد الناس محمد بن مروان‪ ،‬وبلغ مصعب بن‬
‫الزبير مسير عبد الملك‪ ،‬فأراد الخروج فأبى عليه أهل البصرة وقالوا‪ :‬عدونا مطل علينا ‪-‬يعنون الخوارج‪ -‬فأرسل إليهم بالمهلب‬
‫‪:‬وهو بالموصل‪ ،‬وكان عامله عليها‪ ،‬فوله قتال الخوارج‪ ،‬وخرج مصعب فقال بعض الشعراء‬
‫تغزو بنا ول تفيد خيرا القتال بينه وبين عبد الملك‬ ‫أكل عام لك باجمـيرا‬
‫قال‪ :‬وكان مصعب كثيرا ما يخرج إلى باجميرا يريد الشام ثم رجع‪ ،‬فأقبل عبد الملك حتى نزل الخنونية ونزل مصعب بمسكن‬
‫إلى جنب أوانا وخندق خندقا ثم تحول ونزل دير الجاثليق وهو بمسكن‪ ،‬وبين العسكرين ثلثة فراسخ ‪-‬ويقال فرسخان‪ -‬فقدم‬
‫عبد الملك محمدا وبشرا أخويه وكل واحد منهما على جيش والمير محمد‪ ،‬وقدم مصعب إبراهيم بن الشتر‪ ،‬ثم كتب عبد الملك‬
‫إلى أشراف أهل الكوفة والبصرة‪ ،‬يدعوهم إلى نفسه ويمينهم‪ ،‬فأجابوه وشرطوا عليه شروطا‪ ،‬وسألوه وليات‪ ،‬وسأله ولية‬
‫أصبهان أربعون رجل منهم‪ ،‬فقال عبد الملك لمن حضره‪ :‬ويحكم ما أصبهان هذه تعجبا ممن يطلبها ‪ ،‬وكتب إلى إبراهيم بن‬
‫الشتر‪ :‬لك ولية ما سقى الفرات إن تبعتني‪ ،‬فجاء إبراهيم بالكتاب إلى مصعب فقال‪ :‬هذا كتاب عبد الملك‪ ،‬ولم يخصصني بهذا‬
‫دون غيري من نظرائي‪ ،‬ثم قال‪ :‬فأطعني فيهم‪ ،‬قال‪ :‬أصنع ماذا? قال‪ :‬تدعوهم فتضرب أعناقهم‪ .‬قال‪ :‬أقتلهم على ظن ظننته‬
‫قال‪ :‬فأوقرهم حديدا وابعث بهم إلى أرض المدائن حتى تنقضي الحرب‪ ،‬قال‪ :‬إذا تفسد قلوب عشائرهم‪ ،‬ويقول الناس‪ :‬عبث‬
‫‪.‬مصعب بأصحابه‪ .‬قال‪ :‬فإن لم تفعل فل تمدني بهم فإنهم كالمومسة تريد كل يوم خليل‪ ،‬وهم يريدون كل يوم أميرا‬

‫صفحة ‪2137 :‬‬

‫أرسل عبد الملك إلى مصعب رجل يدعوه إلى أن يجعل المر شورى في الخلفة‪ ،‬فأبى مصعب‪ ،‬فقدم عبد الملك أخاه محمدا‬
‫ثم قال‪ :‬اللهم انصر محمدا ‪-‬ثلثا‪ -‬ثم قال‪ :‬اللهم انصر أصلحنا وخيرنا لهذه المة‪ .‬قال‪ :‬وقدم مصعب إبراهيم بن الشتر‪ ،‬فالتقت‬
‫المقدمتان وبين عسكر مصعب وعسكر بن الشتر فرسخ‪ ،‬ودنا عبد الملك حتى قرب من عسكر محمد‪ ،‬فتناوشوا‪ ،‬فقتل رجل‬
‫على مقدمة محمد يقال له فراس‪ ،‬وقتل صاحب لواء بشر وكان يقال له أسيد‪ ،‬فأرسل محمد إلى عبد الملك أن بشرا قد ضيع‬
‫لواءه‪ .‬فصرف عبد الملك المر كله إلى محمد‪ ،‬وكف الناس وتواقفوا‪ ،‬وجعل أصحاب ابن الشتر يهمون بالحرب ومحمد بن‬
‫مروان يكف أصحابه‪ ،‬فأرسل عبد الملك إلى محمد‪ :‬ناجزهم‪ ،‬فأبى‪ ،‬فأوفد إليه رسول آخر وشتمه‪ ،‬فأمر محمد رجل فقال له‪:‬‬
‫قف خلفي في ناس من أصحابك فل تدعن أحدا يأتيني من قبل عبد الملك‪ ،‬وكان قد دبر تدبيرا سديدا في تأخير المناجزة إلى‬
‫وقت رآه‪ ،‬فكره أن يفسد عبد الملك تدبيره عليه‪ ،‬فوجه إليه عبد الملك عبد الله بن خالد بن أسيد‪ ،‬فلما رأوه أرسلوه إلى‬
‫محمد بن مروان‪ :‬هذا عبد الله بن خالد بن أسيد‪ ،‬فقال‪ :‬ردوه بأشد مما رددتم من جاء قبله‪ ،‬فمل قرب المساء أمر محمد بن‬
‫مروان أصحابه بالحرب‪ ،‬وقال‪ :‬حركوهم قليل‪ ،‬فتايج الناس‪ ،‬ووجه مصعب عتاب بن ورقاء الرياحي يعجز إبراهيم‪ ،‬فقال له‪ :‬قد‬
‫قلت له‪ :‬ل تمدني بأحد من أهل العراق فلم يقبل‪ ،‬واقتتلوا‪ ،‬وأرسل إبراهيم بن الشتر إلى أصحابه ‪-‬بحضرة الرسول ليرى خلف‬
‫أهل العراق عليه في رأيه‪ -‬أل تنصرفوا عن الحرب عن ينصرف أهل الشام عنكم‪ ،‬فقالوا‪ :‬ولم ل ننصرف? فانصرفوا وانهزم‬
‫الناس حتى أتوا مصعبا‪ .‬وصبر إبراهيم بن الشتر فقاتل حتى قتل‪ ،‬فلما أصبحوا أمر محمد بن مروان رجل فقال‪ :‬انطلق إلى‬
‫عسكر مصعب فانظر كيف تراهم بعد قتل ابن الشتر‪ ،‬قال‪ :‬ل أعرف موضع عسكرهم‪ ،‬فقال له إبراهيم بن عدي الكناني‪:‬‬
‫انطلق فإذا رأيت النخل فاجعله منك موضع سيفك‪ ،‬فمضى الرجل حتى أتى عسكر مصعب‪ ،‬ثم رجع إلى محمد فقال‪ :‬رأيتهم‬
‫منكسرين‪ .‬وأصبح معصب فدنا منه‪ ،‬ودنا محمد بن مروان حتى التقوا‪ ،‬فترك قوم من أصحاب مصعب مصعبا وأتوا محمد بن‬
‫مروان‪ ،‬فدنا إلى مصعب ثم ناداه‪ :‬فداك أبي وأمي‪ ،‬إن القوم خاذلوك ولك المان‪ ،‬فأبى قبول ذلك‪ ،‬فدعا محمد بن مروان ابنه‬
‫عيسى بن مصعب‪ ،‬فقال له أبوه‪ :‬انظر ما يريد محمد‪ ،‬فدنا منه فقال له‪ :‬إني لكم ناصح؛ إن القوم خاذلوكم ولك ولبيك المان‪،‬‬
‫وناشده‪ .‬فرجع إلى بيته فأخبره‪ ،‬فقال‪ :‬إني أظن القوم سيفون‪ ،‬فإن أحببت أن تأتيهم فأتهم‪ ،‬فقال‪ :‬والله ل تتحدث نساء قريش‬
‫أني خذلتك ورغبت بنفسي عنك‪ ،‬قال‪ :‬فتقدم حتى أحتسبك‪ ،‬فتقدم وتقدم ناس معه فقتل وقتلوا‪ ،‬وترك أهل العراق مصعبا‬
‫حتى بقي في سبعة‪ .‬وجاء رجل من أهل الشام ليحتز رأس عيسى‪ ،‬فشد عليه مصعب فقتله‪ ،‬ثم شد على الناس فانفرجوا‪ ،‬ثم‬
‫رجع فقعد على مرفقة ديباج‪ ،‬ثم جعل يقوم عنها ويحمل على أهل الشام فيفرجون عنه‪ ،‬ثم يرجع فيقعد على المرفقة‪ ،‬حتى‬
‫فعل ذلك مرارا‪ ،‬وأتاه عبيد الله بن زياد بن ظبيان فدعاه إلى المبارزة‪ ،‬فقال له‪ :‬اعزب يا كلب‪ ،‬وشد عليه مصعب فضربه على‬
‫البيضة فهشمها وجرحه‪ ،‬فرجع عبيد الله فعصب رأسه‪ ،‬وجاء ابن أبي فروة كاتب مصعب فقال له‪ :‬جعلت فداك‪ ،‬قد تركك القوم‬
‫‪.‬وعندي خيل مضمرة فاركبها وانج بنفسك‪ ،‬فدفع في صدره وقال‪ :‬ليس أخوك بالعبد‬
‫مقتل مصعب‬
‫ورجع ابن ظبيان إلى مصعب‪ ،‬فحمل عليه‪ ،‬وزرق زائدة بن قدامة مصعبا ونادى‪ :‬يا لقارات المختار فصرعه‪ ،‬وقال عبيد الله‬
‫لغلم له ‪ :‬احتز رأسه‪ ،‬فحمله إلى عبد الملك‪ ،‬فيقال‪ :‬إنه لما وضعه بين يديه سجد‪ .‬قال ابن ظبيان‪ :‬فهمت والله أن أقتله فأكون‬
‫‪.‬أفتك العرب‪ ،‬قتلت ملكين من قريش في يوم واحد‪ ،‬ثم وجدت نفس تنازعني إلى الحياة فأمسكت‬
‫‪:‬قال‪ :‬وقال يزيد بن الرقاع العاملي أخو عدي بن الرقاع وكان شاعر أهل الشام‬
‫أخا أسد والمذحجي اليمانـيا يعني ابن الشتر‪ ،‬قال‬ ‫‪:‬نحن قتلنا ابن الحواري مصعبا‬
‫فأهوت له ظفرا فأصبح ثاويا قال الزبير‪ :‬ويروى هذا الشعر للبعيث‬ ‫ومرت عقاب الموت منا بمسلم‬
‫‪.‬اليشكري‪ ،‬ومسلم الذي عناه هو مسلم بن عمرو الباهلي‬
‫مقتل مسلم بن عمرو الباهلي‬

‫صفحة ‪2138 :‬‬

‫حدثنا محمد بن العباس اليزيدي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سليمان بن أبي شيخ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن الحكم‪ ،‬عن عوانة‪ ،‬قال‪ :‬كان مسلم‬
‫بن عمرو الباهلي على ميسرة إبراهيم بن الشتر‪ ،‬فطعن وسقط فارتث ‪ ،‬فلما قتل مصعب أرسل إلى خالد بن يزيد بن معاوية‬
‫أن يطلب له المان من عبد الملك‪ ،‬فأرسل غليه‪ :‬ما تصنع بالمان وأنت الموت? قال‪ :‬ليسلم لي مالي ويأمن ولدي‪ .‬قال‪:‬‬
‫فحمل على سرير فأدخل على عبد الملك بن مروان‪ ،‬فقال عبد الملك لهل الشام‪ :‬هذا أكفر الناس لمعروف‪ ،‬ويحك أكفرت‬
‫معروف يزيد بن معاوية عندك? فقال له خالد‪ :‬تؤمنه يا أمير المؤمنين‪ ،‬فأمنه‪ ،‬ثم حمل فلم يبرح الصحن حتى مات‪ ،‬فقال‬
‫‪:‬الشاعر‬
‫أخا أسد والمذحجي اليمانـيا حدثنا محمد بن العباس‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن‬ ‫نحن قتلنا ابن الحواري مصعبا‬
‫الحارث الخراز‪ ،‬عن المدائني‪ ،‬قال‪ :‬قال رجل لعبيد الله بن زياد بن ظبيان‪ :‬بماذا تحتج عند الله عز وجل من قتلك لمصعب?‬
‫‪.‬قال‪ :‬إن تركت أحتج رجوت أن أكون أخطب من صعصعة بن صوحان‬
‫مصعب وسكينة بنت الحسين‬
‫وقال مصعب الزبيري في خبره‪ :‬قال الماجشون‪ :‬فلما كان يوم قتل مصعب دخل على سكينة بنت الحسين عليهما السلم‬
‫فنزع عنه ثيابه‪ ،‬ولبس غللة وتوشح بثوب‪ ،‬وأخذ سيفه‪ ،‬فعلمت سيكنة أنل ل يريد أن يرجع فصاحت من خلفه‪ :‬واحزناه عليك يا‬
‫مصعب‪ ،‬فالتفت إليها وقد كانت تخفى ما في قلبها منه‪ ،‬أوكل هذا لي في قلبك فقالت‪ :‬إي والله‪ ،‬وما كنت أخفي أكثر‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫‪.‬لو كنت أعلم أن هذا كله لي عندك لكانت لي ولك حال‪ ،‬ثم خرج ولم يرجع‬
‫قال مصعب‪ :‬وحدثني مصعب بن عثمان‪ :‬أن مصعب بن الزبير لما قدمت عليه سكينة أعطى أخاها علي بن الحسين عليهم‬
‫‪.‬السلم ‪-‬وهو كان حملها إليه‪ -‬أربعين ألف دينار‬
‫قال مصعب‪ :‬وحدثني معاوية بن بكر الباهلي قال‪ :‬قالت سكينة‪ :‬دخلت على مصعب وأنا أحسن من النار الموقدة‪ .‬قال‪ :‬وكانت‬
‫‪.‬قد ولدت منه بنتا‪ ،‬فقال لها‪ :‬سميها زبراء‪ ،‬فقالت‪ :‬بل أسميها باسم بعض أمهاتي‪ ،‬فسمتها الرباب‬
‫قال‪ :‬فحدثني محمد بن سلم‪ ،‬عن شعيب بن صخر‪ ،‬عن أمه سعدة بنت عبد الله بن سالم‪ ،‬قالت‪ :‬لقيت سكينة بنت الحسين‬
‫بين مكة ومنى فقالت‪ :‬قفي يا بنت عبد الله‪ ،‬ثم كشفت عن ابنتها فإذا هي قد أثقلتها باللؤلؤ‪ .‬فقالت‪ :‬والله ما ألبستها إياه إل‬
‫لتفضحه‪ ،‬قال‪ :‬فلما قتل مصعب ولي أمر ماله عروة بن الزبير‪ ،‬فزوج ابنه عثمان بن عروة ابنة أخيه من سكينة وهي صغيرة‬
‫‪.‬فماتت قبل أن تبلغ‪ ،‬فورث عثمان بن عروة منها عشرة آلف دينار‬
‫قال‪ :‬ولما دخلت سكينة الكوفة بعد قتل مصعب خطبها عبد الملك فقالت‪ :‬والله ل يتزوجني بعده قاتله أبدا‪ .‬وتزوجت عبد الله‬
‫بن عثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام‪ ،‬ودخلت بينها وبينه رملة بنت الزبير أخت مصعب حتى تزوجها خوفا من أن تصير إلى‬
‫عبد الملك‪ ،‬فولدت منه ابنا فسمته عثمان ‪-‬وهو الذي يلقب بقرين‪ -‬وربيحة ابني عبد الله بن عثمان‪ ،‬فتزوج ربيحة العباس بن‬
‫‪.‬الوليد بن عبد الملك‬
‫عبيد الله بن قيس الرقيات يرثي مصعبا‬
‫ثم مات عبد الله بن عثمان عنها فتزوجها زيد بن عمر بن عثمان بن عفان‪ ،‬فقال عبيد الله بن قيس الرقيات يرثي مصعبا‪:‬‬
‫صوت‬
‫إن الزرية يوم مسكن والمصيبة والفجيعه‬
‫لم يعــده يوم الـــوقـــيعـــه‬ ‫يا بن الحواري الذي‬
‫ق وأمـكـنـت مـنـه ربــيعـــه‬ ‫غدرت بـه مـضــر الـــعـــرا‬
‫بالـدير يوم الـــدير شـــيعـــه‬ ‫تالـلـه لــو كـــانـــت لـــه‬
‫لج ل يعـرس بـالـمـضــيعـــه غناه يونس الكاتب من كتابه‪ ،‬ولحنه خفيف رمل‬ ‫لو وجـــدتـــمـــوه حـــين يد‬
‫‪.‬بالوسطى‪ ،‬وفيه لموسى شهوات خفيف رمل بالبنصر عن حبش‪ ،‬وقيل‪ :‬بل هو هذا اللحن‪ ،‬وغلط من نسبه إلى موسى‬
‫‪:‬وقال عدي بن الرفاع العاملي يذكر مقتله‬
‫بأكناف دجلة للمصعـب‬ ‫لعمري لقد أصحرت خلينا‬
‫ة معتدل النصل والثعلـب‬ ‫يهزون كل طويل القـنـا‬
‫وإن شئت زدت عليهم أبي‬ ‫فداؤك أمي وأبـنـاؤهـا‬
‫يحل العقاب على المذنب‬ ‫وما قلتها رهـبة إنـمـا‬
‫أزاحم كالجمل الجـرب‬ ‫إذا شئت دافعت مستقتـل‬
‫ومن يك من غيرنا يهرب غناه معبد من رواية إسحاق ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى‬ ‫فمن يك منا يبـت آمـنـا‬
‫‪.‬الوسطى‬

‫صفحة ‪2139 :‬‬

‫ابن قيس يرثي مصعبا‬


‫‪:‬وقال ابن قيس يرثي مصعبا‬
‫قتيل بدير الجاثلـيق مـقـيم‬ ‫لقد أورث المصرين خزيا وذلة‬
‫ول صبرت عند اللقاء تمـيم‬ ‫فما قاتلت في الله بكر بن وائل‬
‫لها مضـري يوم ذاك كـريم مصعب يسأل عن قتل الحسين‬ ‫ولكنه رام القـيام ولـم يكـن‬
‫قال الزبير‪ :‬وكان مصعب لما قدم الكوفة يسأل عن الحسين بن علي عليهما السلم وعن قتله‪ ،‬فجعل عروة بن المغيرة يحدثه‬
‫‪:‬عن ذلك‪ ،‬فقال متمثل بقول سليمان بن قتة‬
‫تأسوا فسنوا للكرام التـأسـيا قال عروة‪ :‬فعلمت أن مصعبا ل يفر أبدا‬ ‫‪.‬فإن اللى بالطف من آل هاشم‬
‫الحجاج يتأسى بموقف مصعب‬
‫قال الزبير‪ :‬وقال أبو الحكم بن خلد بن قرة السدوسي‪ :‬حدثني أبي‪ ،‬قال‪ :‬لما كان يوم السبخة حين عسكر الحجاج بإزاء‬
‫شبيب الشاري قال له الناس‪ :‬لو تنحيت أيها المير عن هذه السبخة? فقال لهم‪ :‬ما تنحوني ‪-‬والله‪ -‬إله أنتن‪ ،‬وهل ترك مصعب‬
‫‪:‬لكريم مفرا? ثم تمثل قول الكلحبة‬
‫حبال الهوينى بالفتى أن تقطعـا خطبة عبد الله بعد مقتل مصعب‬ ‫إذا المرء لم يغش المكارة أوشكت‬
‫قال الزبير‪ :‬وحدثني المدائني‪ ،‬عن عوانة والشرقي بن القطامي‪ ،‬عن أبي جناب‪ ،‬قال‪ :‬حدثني شيخ من أهل مكة‪ ،‬قال‪ :‬لما أتى‬
‫عبد الله بن الزبير قتل مصعب أضرب عن ذكره أياما حتى تحدثت به إماء مكة في الطريق‪ ،‬ثم صعد المنبر فجلس عليه مليا ل‬
‫يتكلم‪ ،‬فنظرت إليه والكآبة على وجهه‪ ،‬وجبينه يرشح عرقا‪ ،‬فقلت لخر إلى جنبي‪ :‬ما له ل يتكلم? أتراه يهاب المنطق? فوالله‬
‫إنه لخطيب‪ ،‬فما تراه يهاب? قال‪ :‬أراه يريد أن يذكر قتل مصعب سيد العرب فهو يفظع لذكره‪ ،‬وغير ملوم فقال‪ :‬الحمد لله‬
‫الذي له الخلق والمر ومالك الدنيا والخرة‪ ،‬يعز من يشاء ويذل من يشاء‪ ،‬أل إنه لم يذل والله من كان الحق معه وإن كان‬
‫مفردا ضعيفا‪ ،‬ولم يعز من كان الباطل معه‪ ،‬وإن كان في العدة والعدد والكثرة‪ ،‬ثم قال‪ :‬إنه قد أتانا خبر من العراق بلد الغدر‬
‫والشقاق فساءنا وسرنا‪ ،‬أتانا أن مصعبا قتل رحمة الله عليه ومغفرته‪ ،‬فأما الذي أحزننا من ذلك فإن لفراق الحميم لذعة يجدها‬
‫حميمه عند المصيبة‪ ،‬ثم يرعوي من بعد ذو الرأي والدين إلى جميل الصبر‪ .‬وأما الذي سرنا منه فإنا قد علمنا أن قتله شهادة له‬
‫وأن الله عز وجل جاعل لنا وله ذلك خيرة إن شاء الله تعالى‪ .‬إن أهل العراق أسلموه وباعوه بأقل ثمن كانوا يأخذونه منه‬
‫وأخسره‪ ،‬أسلموه إسلم النعم المخطم فقتل‪ ،‬ولئن قتل أبوه وعمه وأخوه وكانوا الخيار الصالحين‪ ،‬إنا والله ما نموت حتف‬
‫أنوفنا‪ ،‬ما نموت إل قتل‪ ،‬قعصا بين قصد الرماح وتحت ظلل السيوف وليس كما يموت بنو مروان‪ ،‬والله ما قتل رجل منهم في‬
‫جاهلية ول إسلم قط‪ ،‬وإنما الدنيا عارية من الملك القهار‪ ،‬الذي ل يزول سلطانه‪ ،‬ول يبيد ملكه‪ ،‬فإن تقبل الدنيا علي ل آخذها‬
‫‪.‬أخذ الشر البطر‪ ،‬وإن تدبر عني ل أبك عليها بكاء الخرف المهتر‪ .‬ثم نزل‬
‫رجل من بني أسد يرثي مصعبا‬
‫‪:‬وقال رجل من بني أسد بن عبد العزى يرثي مصعبا‬
‫بكل فتى رحب الـذراع أريب‬ ‫لعمرك إن الموت منا لمـولـع‬
‫لقد كان صلب العود غير هيوب‬ ‫فإن يك أمسى مصعب نال حتفه‬
‫وإن عضه دهر فغير رهـوب‬ ‫جميل المحيا يوهن القرن غربه‬
‫فطاروا شلل واستقى بذنـوب‬ ‫أتاه حمام الموت وسط جـنـوده‬
‫ولكنهم ولو بـغـير قـلـوب كان مصعب أشجع الناس‬ ‫ولو صبروا نالوا حبـا وكـرامة‬
‫قال‪ :‬وقال عبد الملك يوما لجلسائه‪ :‬من أشجع الناس? فأكثروا في هذا المعنى‪ ،‬فقال‪ :‬أشجع الناس مصعب بن الزبير‪ ،‬جمع‬
‫بين عائشة بنت طلحة وسكينة بنت الحسين وأمة الحميد بنت عبد الله بن عاصم‪ ،‬وولي العراقين‪ ،‬ثم زحف إلى الحرب‪ ،‬فبذلت‬
‫له المان والحباء والولية والعفو عما خلص في يده‪ ،‬فأبى قبول ذلك‪ ،‬وطرح كل ما كان مشغوفا به وأهله وراء ظهره‪ ،‬وأقبل‬
‫‪.‬بسيفه قرما يقاتل وما بقي معه إل سبعة نفر حتى قتل كريما‬
‫‪:‬ابن قيس الرقيات يمدح مصعبا أخبرني أحمد بن عبد العزيز‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عمر بن شبة‪ ،‬قال‬

‫صفحة ‪2140 :‬‬

‫‪:‬لما ولي مصعب بن الزبير العراق أقر عبد العزيز بن عبد الله بن عامر على سجستان وأمده بخيل‪ ،‬فقال ابن قيس الرقيات‬
‫أم زمـان مـن فــتـــنة غـــير هـــرج‬ ‫?ليت شـــعـــري أأول الـــهـــرج هـــذا‬
‫قد أتـانـا مـن عـيشـنـا مـــا نـــرجـــي‬ ‫إن يعـش مـصـعـب فـنـحـــن بـــخـــير‬
‫أعطي النصر والمهابة في العداء حتى أتوه من كل فج‬
‫حيث لم تأت قبله خيل ذي الكتاف يوجفن بين قف ومرج‬
‫لبـن الـبـخـت فـي عـسـاس الـخـلــنـــج قال الزبير‪ :‬حدثني عمي مصعب‪ :‬أن‬ ‫ملك يطعم الطعام ويسقى‬
‫عبيد الله بن قيس كان عند عبد الملك‪ ،‬فأقبل غلمان له معهم عساس خلنج فيها لبن البخت‪ ،‬فقال عبد الملك‪ :‬يا بن قيس‪ ،‬أين‬
‫‪:‬هذا من عساس مصعب التي تقول فيها‬
‫لبن البخت في عساس الخلنج? فقال‪ :‬ل أين يا أمير المؤمنين‪ ،‬لو طرحت‬ ‫ملك يطعم الطعـام ويسـقـي‬
‫عساسك هذه في عس من عساس مصعب لوسعها وتغلغلت في جوفه‪ ،‬فضحك عبد الملك ثم قال‪ :‬قاتلك الله يا بن قيس‪،‬‬
‫‪.‬فإنك تأبى إل كرما ووفاء‬
‫قصة يونس الكاتب والوليد بن يزيد حدثني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أحمد بن الطيب‪ ،‬قال‪ :‬قال لي أحمد ابن إبراهيم بن إسماعيل‬
‫بن داود‪ :‬خرج يونس الكاتب من المدينة يريد الشام بتجارة‪ ،‬فبلغ الوليد بن يزيد مكانه فأتته رسله وهو في الخان‪ ،‬وذلك في‬
‫خلفة هشام‪ ،‬والوليد يومئذ أمير‪ ،‬فقالوا له‪ :‬أجب المير‪ ،‬قال‪ :‬فذهبت معهم‪ ،‬فأدخلوني عليه ول أدري من هو إل أنه حسن‬
‫الوجه نبيل‪ ،‬فسلمت عليه‪ ،‬فأمرني بالجلوس فجلست‪ ،‬ودعا بالشراب والجواري‪ ،‬فكنا يومنا وليلتنا في أمر عجيب‪ ،‬وغنيته‬
‫‪:‬فأعجبه غنائي‪ ،‬وكان مما أعجبه‬
‫أم زمان من فتنة غير هرج? فلم يزل يستعيده إلى الصبح‪ ،‬ثم اصطبح عليه ثلثة‬ ‫ليت شعري أأول الهرج هـذا‬
‫أيام‪ ،‬فقلت‪ :‬أيها المير‪ ،‬أنا رجل تاجر قدمت هذا البلد في تجارة لي‪ ،‬وقد ضاعت‪ ،‬فقال‪ :‬تخرج غدا غدوة وقد ربحت أكثر من‬
‫تجارتك‪ .‬وتمم شربه‪ ،‬فلما أردت النصراف لحقني غلم من غلمانه بثلثة آلف دينار‪ ،‬فأخذتها ومضيت‪ ،‬فلما أفضت الخلفة إليه‬
‫‪.‬أتيته‪ ،‬فلم أزل مقيما عنده حتى قتل‬
‫قال أحمد بن الطيب ‪-‬وذكر مصعب الزبيري‪ -‬أن يونس قال‪ :‬كنت أشرب مع أصحاب لي فأردت أن أبول‪ ،‬فقمت وجلست أبول‬
‫‪:‬على كثيب رمل‪ ،‬فخطر ببالي قول ابن قيس‬
‫ليت شعري أأول الهرج هذا فغنيت فيه لحنا استحسنته وجاء عجبا من العجب‪ ،‬فألقيته على جاريتي عاتكة‪ ،‬ورددته حتى أخذته‪،‬‬
‫وشاع لي في الناس ‪ ،‬فكان أول صوت شاع لي وارتفع به قدري وقرنت بالفحول من المغنين‪ ،‬وعاشرت الخلفاء من أجله‪،‬‬
‫‪.‬وأكسبني مال جليل‬

‫صوت‬

‫فنقضى اللبانة أو نعهد‬ ‫أل ناد جيراننا يقصـدوا‬


‫حذارا من البين ما تبرد الشعر لكثير‪ ،‬والغناء لشعب المعروف بالطمع ‪ ،‬ثاني ثقيل‬ ‫كأن على كبدي جمـرة‬
‫‪.‬بالوسطى‪ ،‬وفي البيت الثاني لبن جامع لحن من الثقيل الول بالبنصر عن حبش‬

‫ذكر أشعب وأخباره‬


‫نسبه‬
‫هو أشعب بن جبير‪ ،‬واسمه شعيب‪ ،‬وكنيته أبو العلء‪ ،‬كان يقال لمه‪ :‬أم الخلندج‪ ،‬وقيل‪ :‬بل أم جميل‪ ،‬وهي مولة أسماء بنت‬
‫أبي بكر واسمها حميدة ‪ .‬وكان أبوه خرج مع المختار بن أبي عبيدة ‪ ،‬وأسره مصعب فضرب عنقه صبرا‪ ،‬وقال‪ :‬تخرج علي وأنت‬
‫‪.‬مولي? ونشأ أشعب بالمدينة في دور آل أبي طالب‪ ،‬وتولت تربيته وكفلته عائشة بنت عثمان بن عفان‬
‫وحكي عنه أنه حكى عن أمه أنها كانت تغري بين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وأنها زنت فحلقت وطيف بها‪ ،‬وكانت‬
‫تنادي على نفسها‪ :‬من رآني فل يزنين ‪ ،‬فقالت لها امرأة كانت تطلع عليها‪ :‬يا فاعلة‪ ،‬نهانا الله عز وجل عنه فعصيناه‪ ،‬أو نطيعك‬
‫‪.‬وأنت مجلودة محلوقة راكبة على جمل‬
‫أمه كانت مستظرفة من زوجات النبي‬
‫وذكر رضوان بن أحمد الصيدلني فيما أجاز لي روايته عنه‪ ،‬عن يوسف بن الداية‪ ،‬عن إبراهيم بن المهدي‪ :‬أن عبيدة بن أشعث‬
‫أخبره ‪-‬وقد سأله عن أولهم وأصلهم‪ -‬أن أباه وجده كانا موليي عثمان‪ ،‬وأن أمه كانت مولة لبي سفيان بن حرب‪ ،‬وأن ميمونة‬
‫أم المؤمنين أخذتها معها لما تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فكانت تدخل إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫فيستظرفنها‪ ،‬ثم إنها فارقت ذلك وصارت تنقل أحاديث بعضهن إلى بعض وتغري بينهن‪ ،‬فدعا النبي صلى الله عليه وسلم عليها‬
‫‪.‬فماتت‬

‫صفحة ‪2141 :‬‬

‫وذكروا أنه كان مع عثمان ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬في الدار‪ ،‬فلما حصر جرد مماليكه السيوف ليقاتلوا‪ ،‬فقال لهم عثمان‪ :‬من أغمد‬
‫‪.‬سيفه فهو حر‪ ،‬قال أشعب‪ :‬فلما وقعت والله في أذني كنت أول من أغمد سيفه‪ ،‬فأعتقت‬
‫سن أشعب‬
‫أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عمر بن شبة‪ ،‬قال‪ :‬حدثني إسحاق الموصلي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني الفضل بن الربيع‪،‬‬
‫قال‪ :‬كان أشعب عند أبي سنة أربع وخمسين ومائة‪ ،‬ثم خرج إلى المدينة فلم يلبث أن جاء نعيه‪ .‬وهو أشعب بن جبير‪ ،‬وكان‬
‫‪.‬أبوه مولى لل الزبير‪ ،‬فخرج مع المختار‪ ،‬فقتله مصعب صبرا مع من قتل‬
‫أخبرني الجوهري‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن إسماعيل اليزيدي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني التوزي‪ ،‬عن الصمعي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫‪.‬قال أشعث‪ :‬نشأت أنا وأبو الزناد في حجر عائشة بنت عثمان‪ ،‬فلم يزل يعلو وأسفل حتى بلغنا هذه المنزلة‬
‫أخبرني أحمد بن عبد العزيز‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الزبير بن بكار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبيد الله بن‬
‫الحسن والي المأمون على المدينة‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن عثمان بن عفان قال‪ :‬قلت لشعب‪ :‬لي إليك حاجة‪ ،‬فحلف بالطلق‬
‫لبنة وردان ‪ :‬ل سألته حاجة إل قضاها‪ ،‬فقلت له‪ :‬أخبرني عن سنك‪ ،‬فاشتد ذلك عليه حتى ظننت أنه سيطلق‪ ،‬فقلت له‪ :‬على‬
‫رسلك‪ ،‬وحلفت له إني ل أذكر سنه ما دام حيا‪ ،‬فقال لي‪ :‬أما إذ فعلت فقد هونت علي‪ ،‬أنا والله حيث حصر جدك عثمان بن‬
‫‪.‬عفان‪ ،‬أسعى في الدار ألتقط السهام‪ ،‬قال الزبير ‪ :‬وأدركه أبي‬
‫أخبرني أحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن عبد الله اليعقوبي‪ ،‬عن الهيثم بن عدي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫‪.‬قال أشعب‪ :‬كنت ألتقط السهام من دار عثمان يوم حوصر‪ ،‬وكنت في شبيبتي ألحق الحمر الوحشية عدوا‬
‫أمه يطاف بها بعد أن بغت‬
‫أخبرني أحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن الجهم أبو مسلم وأحمد بن إسماعيل‪،‬‬
‫قال‪ :‬أخبرنا المدائني‪ ،‬قال‪ :‬كان أشعب الطامع ‪-‬واسمه شعيب‪ -‬مولى لل الزبير من قبل أبيه‪ ،‬وكانت أمه مولة لعائشة بنت‬
‫عثمان بن عفان؛ وكانت بغت فضربت وحلقت وطيف بها وهي تنادي‪ :‬من رآني فل يزنين‪ ،‬فأشرفت عليها امرأة فقالت‪ :‬يا‬
‫‪.‬فاعلة‪ ،‬نهانا الله عز وجل عن الزنا فعصيناه‪ ،‬ولسنا ندعه لقولك وأنت محلوقة مضروبة يطاف بك‬
‫أخبرني أحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬كتب إلي ابن أبي خيثمة يخبرني أن مصعب بن عبد الله أخبره‪ ،‬قال‪ :‬اسم‬
‫أشعب شعيب‪ ،‬ويكنى أبا العلء‪ ،‬ولكن الناس قالوا أشعب فبقيت عليه‪ ،‬وهو شعيب بن جبير مولى آل الزبير‪ ،‬وهم يزعمون‬
‫اليوم أنهم من العرب‪ ،‬فزعم أشعب أن أمه كانت تغري بين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ورحمهم‪ ،‬وامرأة أشعب بنت‬
‫‪.‬وردان‪ ،‬ووردان الذي بنى قبر النبي صلى الله عليه وسلم حين بنى عمر بن عبد العزيز المسجد‬
‫كان أشعب حسن الصوت بالقرآن‬
‫أخبرني أحمد قال‪ :‬حدثني محمد بن القاسم‪ ،‬قال‪ :‬وكتب إلي ابن أبي خيثمة يخبرني أن مصعب بن عبد الله أخبره‪ ،‬قال‪ :‬كان‬
‫‪.‬أشعب من القراء للقرآن‪ ،‬وكان قد نسك وغزا‪ ،‬وكان حسن الصوت بالقرآن‪ ،‬وربما صلى بهم القيام‬
‫أخبرني أحمد بن عبد العزيز‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أحمد بن يحيى‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا إسحاق بن إبراهيم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫كان أشعب مع ملحته ونوادره يغني أصواتا فيجيدها‪ ،‬وفيه يقول عبد الله بن مصعب الزبيري‪ :‬صوت‬
‫كمثل ريح المسك أو أطيب‬ ‫إذا تمـززت صـراحـية‬
‫زيد أخو النصار أو أشعب‬ ‫ثم تغنى لي بـأهـزاجـه‬
‫حفت به الملك والموكب‬ ‫حسبت أني ملك جـالـس‬
‫أشرق العالم أم غـربـوا غنى في هذه البيات زيد النصاري خفيف رمل بالبنصر‬ ‫‪.‬وما أبالـي وإلـه الـورى‬
‫وقد روى أشعب الحديث عن جماعة من الصحابة‪ :‬أخبرني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عبد الله بن أبي سعد أن الربيع بن ثعلب حدثهم‪،‬‬
‫قال‪ :‬حدثني أبو البحتري‪ :‬حدثني أشعب‪ ،‬عن عبد الله بن جعفر‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو دعيت إلى‬
‫‪(.‬ذراع لجبت‪ ،‬ولو أهدي إلي كراع لقبلت‬
‫أشعب وسالم بن عبد الله‬

‫صفحة ‪2142 :‬‬

‫قال ابن أبي سعد‪ ،‬وروي عن محمد بن عباد بن موسى‪ ،‬عن عتاب بن إبراهيم ‪ ،‬عن أشعب الطامع ‪-‬قال عتاب‪ :‬وإنما حملت‬
‫هذا الحديث عنه لنه عليه‪ -‬قال‪ :‬دخلت إلى سالم بن عبد الله بستانا له فأشرف علي وقال‪ :‬يا أشعب‪ ،‬ويلك ل تسأل‪ ،‬فإني‬
‫سمعت أبي يقول‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪( :‬ليأتين أقوام يوم القيامة ما في وجوههم مزعة لحم ‪ ،‬قد‬
‫‪(.‬أخلقوها بالمسألة‬
‫ويروى عن يزيد بن موهب الرملي ‪ ،‬عن عثمان بن محمد‪ ،‬عن أشعب‪ ،‬عن عبد الله بن جعفر‪ :‬أن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫‪.‬تختم في يمينه‬
‫أخبرني أحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عمر بن شبة‪ ،‬قال‪ :‬حدثني الصمعي‪ ،‬عن أشعب‪ ،‬قال‪ :‬استنشدني ابن لسالم بن عبد الله بن عمر‬
‫‪.‬غناء الركبان بحضرة أبيه سالم فأنشدته‪ ،‬ورأس أبيه سالم في بت فلم ينكر ذلك‬
‫أخبرني أحمد بن عبد العزيز‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو مسلم‪ ،‬عن عبد الرحمن بن الحكم ‪،‬‬
‫عن المدائني‪ ،‬قال‪ :‬دفعت عائشة بنت عثمان في البزازين فقالت له بعد حول‪ :‬أوجهت لشيء? قال‪ :‬نعم‪ ،‬تعلمت نصف العمل‬
‫‪.‬وبقي نصفه‪ ،‬قالت‪ :‬وما تعلمت? قال‪ :‬تعلمت النشر وبقي الطي‬
‫أشعب يدعو الله أن يذهب عنه الحرص‬
‫ثم يستقيل ربه‬
‫قال المدائني‪ :‬وقال أشعب‪ :‬تعلقت بأستار الكعبة فقلت‪ :‬اللهم أذهب عني الحرص والطلب إلى الناس‪ ،‬فمررت بالقرشيين‬
‫وغيرهم فلم يعطني أحد شيئا‪ ،‬فجئت إلى أمي فقال‪ :‬ما لك قد جئت خائبا? فأخبرتها‪ ،‬فقالت‪ :‬ل والله ل تدخل حتى ترجع‬
‫فتستقيل ربك‪ ،‬فرجعت فقلت‪ :‬يا رب أقلني‪ ،‬ثم رجعت‪ ،‬فلم أمر بمجلس لقريش وغيرهم إل أعطوني ووهب لي غلم‪ ،‬فجئت‬
‫إلى أمي بحمار موقر من كل شيء‪ ،‬فقالت‪ :‬ما هذا الغلم? فخفت أن أخبرها بالقصة فتموت فرحا‪ ،‬فقلت‪ :‬وهبوا لي‪ ،‬قالت‪ :‬أي‬
‫شيء? قلت‪ :‬غين‪ ،‬قالت‪ :‬أي شيء غين? قلت‪ :‬لم‪ ،‬قالت‪ :‬وأي شيء لم? قلت‪ :‬ألف‪ ،‬قالت‪ :‬وأي شيء ألف? قلت‪ :‬ميم‪،‬‬
‫‪.‬قالت‪ :‬وأي شيء ميم? قلت‪ :‬غلم‪ .‬فغشي عليها‪ .‬ولو لم أقطع الحروف لماتت الفاسقة فرحا‬
‫أخبرني أحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثني العباس بن ميمون‪ ،‬قال‪ :‬سمعت الصمعي‪ ،‬يقول‪ :‬سمعت أشعب‬
‫‪.‬يقول ‪ :‬سمعت الناس يموجون في أمر عثمان‪ .‬قال الصمعي‪ :‬ثم أدرك المهدي‬
‫صفته‬
‫أخبرني أحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثني يحيى بن الحسن بن عبد الخالق بن سعيد الربيع ‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عند‬
‫‪ .‬بن حمدان الرقمي المخزومي‪ ،‬قال‪ :‬أخبرني أبي‪ ،‬قال‪ :‬كان أشعب أزرق أحول أكشف أقرع‬
‫‪.‬قال‪ :‬وسمعت الرقمي يقول‪ :‬كان أشعب يقول‪ :‬كنت أسقي الماء في فتنة عثمان بن عفان‪ .‬والله أعلم‬
‫أشعب والدينار‬
‫أخبرني أحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى بن موسى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الصمعي‪ ،‬قال‪ :‬أصاب أشعب دينارا‬
‫‪.‬بالمدينة‪ ،‬فاشترى به قطيفة‪ ،‬ثم خرج إلى قباء يعرفها‪ ،‬ثم أقبل علي فيما أحسب ‪-‬شك أبو يحيى‪ -‬فقال‪ :‬أتراها تعرف‬
‫قال أحمد‪ :‬وحدثناه أبو محمد بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أحمد بن معاوية بن بكر‪ ،‬قال‪ :‬حدثني الواقدي‪ ،‬قال‪ :‬كنت مع أشعب نريد‬
‫المصلى‪ ،‬فوجد دينارا‪ ،‬فقال لي‪ :‬يا بن واقد‪ ،‬قلت‪ :‬ما تشاء? قال‪ :‬وجدت دينارا فما أصنع به? قال‪ :‬قلت‪ :‬عرفه‪ ،‬قال‪ :‬أم العلء‬
‫‪.‬إذا طالق‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬فما تصنع به إذا? قال‪ :‬أشتري به قطيفة أعرفها‬
‫قال‪ :‬وحدثني محمد بن القاسم‪ ،‬قال‪ :‬وحدثنيه محمد بن عثمان الكريزي‪ ،‬عن الصمعي‪ :‬أن أشعب وجد دينارا فتخرج من أخذه‬
‫دون أن يعرفه‪ ،‬فاشترى به قطيفة‪ ،‬ثم قام على باب المسجد الجامع فقال‪ :‬من يتعرف الوبدة ? أخبرني أحمد الجوهري‪ ،‬قال‪:‬‬
‫‪.‬حدثني محمد بن القاسم‪ ،‬قال‪ :‬سألت العنزي‪ ،‬فقال‪ :‬الوبد من كل شيء‪ :‬الخلق؛ وبد الثوب وومد إذا أخلق‬
‫أشعب يطرب الناس بغنائه‬
‫أخبرنا أحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى بن موسى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الصمعي‪ ،‬قال‪ :‬رأيت أشعب يغني وكأنه‬
‫‪.‬صوته صوت بلبل‬
‫أخبرنا أحمد بن عبد العزيز‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم بن عبد الله في رفقة فيها ألف محمل‪ ،‬وكان ثم قاص يقص عليهم‪،‬‬
‫فجئت فأخذت في أغنية من الرقيق‪ ،‬فتركوه وأقبلوا إلي‪ ،‬فجاء يشكوني إلى سالم فقال‪ :‬إن هذا صرف وجوه الناس عني‪،‬‬
‫قال‪ :‬وأتيت سالما ‪-‬وأحسبه قال‪ -‬والقاسم‪ ،‬فسألتهما بوجه الله العظيم‪ ،‬فأعطياني‪ ،‬وكانا يبغضانني أو أجدهما يبغضني في الله‪،‬‬
‫‪.‬قال‪ :‬قلنا‪ :‬ل تجعل هذا في الحديث‪ ،‬قال‪ :‬بلى‬

‫صفحة ‪2143 :‬‬

‫حدثنا أحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم‪ ،‬قال‪ :‬وحدثناه قعنب بن محرز الباهلي‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا الصمعي‪ ،‬عن أشعب‪ ،‬قال‪:‬‬
‫قدم علينا قاص كوفي يقص في رفقته‪ ،‬وفيها ألف بعير‪ ،‬فخرجنا وأحرمنا من الشجرة بالتلبية‪ ،‬فأقبل الناس إلي وتركوه‪ .‬قال‪:‬‬
‫‪.‬ابن أم حميد‪ ،‬فجاء إلي عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان‪ ،‬فقال‪ :‬إن مولك هذا قد ضيق علي معيشتي‬
‫أشعب وزياد بن عبد الله الحارثي‬
‫أخبرنا أحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا أبو مسلم عبد الرحمن بن الجهم‪ ،‬عن المدائني‪ ،‬قال‪ :‬تغدى أشعب مع‬
‫زياد بن عبد الله الحارثي‪ ،‬فجاءوا بمضيرة ‪ ،‬فقال أشعب لخباز‪ :‬ضعها بين يدي‪ ،‬فوضعها بين يديه‪ ،‬فقال زياد‪ :‬من يصلي بأهل‬
‫السجن? قال‪ :‬ليس لهم إمام‪ ،‬قال‪ :‬أدخلوا أشعب يصلي بهم‪ ،‬قال أشعب‪ :‬أو غير ذلك أصلح الله المير? قال‪ :‬وما هو? قال‪:‬‬
‫‪.‬أحلف أل آكل مضيرة أبدا‬
‫أخبرنا أحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم‪ ،‬قال‪ :‬قعنب بن المحرز‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الصمعي‪ ،‬قال‪ :‬ولى المنصور زياد بن عبد الله‬
‫الحارثي مكة والمدينة‪ ،‬قال أشعب‪ :‬فلقيته بالجحفة فسلمت عليه‪ ،‬قال‪ :‬فحضر الغداء‪ ،‬وأهدي إليه جدي فطبخه مضيرة‪،‬‬
‫وحشيت القبة قال‪ :‬فأكلت أكل أتملح به‪ ،‬وأنا أعرف صاحبي‪ ،‬ثم أتي بالقبة‪ ،‬فشققتها‪ ،‬فصاح الطباخ‪ :‬إنا لله شق القبة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فانقطعت‪ ،‬فلما فرغت قال‪ :‬يا أشعب هذا رمضان قد حضر‪ ،‬ول بد أن تصلي بأهل السجن‪ ،‬قلت‪ :‬والله ما أحفظ من كتاب الله‬
‫إل ما أقيم به صلتي‪ ،‬قال‪ :‬ل بد منه‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬أو ل آكل جديا مضيرة? قال‪ :‬وما أصنع به وهو في بطنك? قال‪ :‬قلت‪ :‬الطريق‬
‫بعيد أريد أن أرجع إلى المدينة‪ ،‬قال‪ :‬يا غلم‪ ،‬هات ريشة ذنب ديك ‪-‬قال أشعب‪ :‬والجحفة أطول بلد الله ريشة ذنب ديك‪ -‬قال‪:‬‬
‫فأدخلت في حلقي فتقيأت ما أكلت‪ ،‬ثم قال لي‪ :‬ما رأيك? قال‪ :‬قلت‪ :‬ل أقيم ببلدة يصاح فيها‪ :‬شق القبة‪ ،‬قال‪ :‬لك وظيفة‬
‫على السلطان وأكره أن أكسرها عليك‪ ،‬فقل ول تشطط قال‪ :‬قلت‪ :‬نصف درهم كراء حمار يبلغني المدينة‪ ،‬قال‪ :‬أنصفت‬
‫‪.‬وأعطانيه‬
‫من طرائف أشعب‬
‫أخبرنا أحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم‪ ،‬قال‪ :‬أخبرني أبو مسلم‪ ،‬عن المدائني‪ ،‬قال‪ :‬أتي أشعب بفالوذجة عند بعض الولدة‪،‬‬
‫‪.‬فأكل منها‪ ،‬فقيل له‪ :‬كيف تراها يا أشعب? قال‪ :‬امرأته طالق إن لم تكن عملت قبل أن يوحي الله عز وجل إلى النحل‬
‫أخبرنا أحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن شعيب الزبيري ‪ ،‬عن عمه‪ .‬قال أبو بكر‪ :‬وحدثني ابن أبي‬
‫سعد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عبد الله بن شعيب وهو أتم من هذا وأكثر كلما‪ ،‬قال‪ :‬جاء أشعب إلى أبي بكر بن يحيى من آل الزبير‪ ،‬فشكا‬
‫إليه‪ ،‬فأمر له بصاع من تمر‪ ،‬وكانت حال أشعب رثة‪ ،‬فقال له أبو بكر بن يحيى‪ :‬ويحك يا أشعب أنت في سنك وشهرتك تجيء‬
‫في هذه الحال فتضع نفسك فتعطى مثل هذا? اذهب فادخل الحمام فاخضب لحيتك‪ ،‬قال أشعب‪ :‬ففعلت‪ ،‬ثم جئته فألبسني‬
‫ثياب صوف له وقال‪ :‬اذهب الن فاطلب‪ ،‬قال‪ :‬فذهبت إلى هشام بن الوليد صاحب البغلة من آل أبي ربيعة‪ ،‬وكان رجل شريفا‬
‫موسرا‪ ،‬فشكا إليه فأمر له بعشرين دينارا‪ ،‬فقبضها أشعب وخرج إلى المسجد‪ ،‬وطفق كلما جلس في حلقة يقول‪ :‬أبو بكر بن‬
‫يحيى‪ ،‬جزاه الله عني خيرا‪ ،‬أعرف الناس بمسألة‪ ،‬فعل بي وفعل‪ ،‬فيقص قصته‪ ،‬فبلغ ذلك أبا بكر فقال‪ :‬يا عدو نفسه فضحتني‬
‫‪.‬في الناس‪ ،‬أفكان هذا جزائي‬
‫أخبرنا أحمد‪ ،‬قال‪ :‬قال‪ :‬حدثني محمد بن القاسم‪ ،‬قال‪ :‬أخبرني محمد بن الحسين بن عبد الحميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني شيخ أنه نظر‬
‫إلى أشعب بموضع يقال له الفرع يبكي وقد خضب بالحناء‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا شيخ ما يبكيك? قال‪ :‬لغربة هذا الجناح‪ ،‬وكان على دار‬
‫‪.‬واحدة ليس بالفرع غيره‬
‫أخبرنا أحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬أخبرني محمد بن الحسين‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبي‪ ،‬قال‪ :‬نظرت إلى‬
‫أشعب يسلم على رسول الله (صلى الله عليه وسلم قال‪ :‬وهو يدعو ويتضرع‪ ،‬قال‪ :‬فأدمت نظري إليه‪ ،‬فكلما أدمت النظر إليه‬
‫‪.‬كلح وبث أصابعه في يده بحذائي حتى هربت فسألت عنه فقالوا‪ :‬هذا أشعب‬
‫أخبرني أحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن الحسين‪ ،‬قال‪ :‬حدثني إسحاق بن إبراهيم بن عجلن‬
‫الفهري‪ ،‬قال‪ :‬إن أشعب مر برش قد رش من الليل في بعض نواحي المدينة فقال‪ :‬كأن هذا الرش كساء برنكاني فلما توسطه‬
‫‪.‬قال‪ :‬أظنني والله قد صدقت‪ ،‬وجلس يلمس الرض‬

‫صفحة ‪2144 :‬‬

‫أخبرنا أحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن الحسين‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا بعض المدنيين‪ ،‬قال‪ :‬كان لشعب خرق‬
‫‪.‬في بابه‪ ،‬فينام ويخرج يده من الخرق ويطمع أن يجيء إنسان فيطرح في يده شيئا؛ من الطمع‬
‫أخبرني أحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الزبير‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عبد الرحمن بن عبد الله الزهري‪ ،‬قال‪ :‬صلى‬
‫أشعب يوما إلى جانب مروان بن أبان بن عثمان‪ ،‬وكان مروان عظيم الخلق والعجيزة‪ ،‬فأفلتت منه ريح عند نهوضه‪ ،‬لها صوت‪،‬‬
‫فانصرف أشعب من الصلة‪ ،‬فوهم الناس أنه هو الذي خرجت منه الريح‪ ،‬فلما انصرف مروان إلى منزله جاءه أشعب فقال له‪:‬‬
‫‪.‬الدية‪ ،‬فقال‪ :‬دية ماذا? فقال‪ :‬دية الضرطة التي تحملتها عنك‪ ،‬والله وإل شهرتك‪ ،‬فلم يدعه حتى أخذ منه شيئا صالحا‬
‫أخبرنا أحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثني إبراهيم بن الجنيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني سوار بن عبد الله ‪ ،‬قال‪ :‬حدثني مهدي‬
‫بن سليمان المنقري مولى لهم‪ ،‬عن أشعب‪ ،‬قال‪ :‬دخلت على القاسم بن محمد وكان يبغضني في الله وأحبه فيه‪ ،‬فقال‪ :‬ما‬
‫أدخلك علي? اخرج عني‪ ،‬فقلت‪ :‬أسألك بالله لما جددت عذقا‪ ،‬قال‪ :‬يا غلم‪ ،‬جد له عذقا‪ ،‬فإنه سأل بمسألة ل يفلح من ردها‬
‫‪.‬أبدا‬
‫أخبرنا أحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الرياشي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو سلمة أيوب بن عمر‪ ،‬عن المحرزي‪ ،‬وهو‬
‫أيوب بن عباية أبو سليمان‪ ،‬قال‪ :‬كان لشعب علي في كل سنة دينار‪ ،‬قال‪ :‬فأتاني يوما ببطحان فقال‪ :‬عجل لي ذلك الدينار‪ ،‬ثم‬
‫‪.‬قال‪ :‬لقد رأيتني أخرج من بيتي فل أرجع شهرا مما آخذ من هذا وهذا وهذا‬
‫بين أشعب وابنه‬
‫أخبرنا أحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثني علي بن محمد النوفلي‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أبي يحكي عن بعض المدنيين‪،‬‬
‫قال‪ :‬كبر أشعب فمله الناس وبرد عندهم‪ ،‬ونشأ ابنه فتغنى وبكى وأندر ‪ ،‬فاشتهى الناس ذلك‪ ،‬فأخصب وأجدب أبوه‪ ،‬فدعاه‬
‫يوما وجلس هو وعجوزه‪ ،‬وجاء ابنه وامرأته فقال له‪ :‬بلغني أنك قد تغنيت وأندرت وحظيت ‪ ،‬وأن الناس قد مالوا إليك فهلم‬
‫حتى أخايرك ‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬فتغنى أشعب فإذا هو قد انقطع وأرعد‪ ،‬وتغنى ابنه فإذا هو حسن الصوت مطرب‪ ،‬وانكسر أشعب ثم‬
‫أندر فكان المر كذلك‪ ،‬ثم خطبا فكان المر كذلك‪ ،‬فاحترق أشعب فقام فألقي ثيابه‪ ،‬ثم قال‪ :‬نعم‪ ،‬فمن أين لك مثل خلقي?‬
‫‪.‬من لك بمثل حديثي? قال‪ :‬وانكسر الفتى‪ ،‬فنعرت العجوز ومن معها‬
‫حديثه عن وفاة بنت الحسين بن علي‬
‫أخبرني أحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عبد الله بن عمرو بن أبي سعد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني علي بن الحسين بن هارون‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن‬
‫عباد بن موسى‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن عبد الله بن جعفر بن سليمان وكان جارنا هنا‪ ،‬قال‪ :‬دخلت على جعفر بن سليمان وعند‬
‫‪:‬أشعب يحدثه قال‬

‫صفحة ‪2145 :‬‬


‫كانت بنت حسين بن علي عند عائشة بنت عثمان تربيها حتى صارت امرأة‪ ،‬وحج الخليفة فلم يبق في المدينة خلق من قريش‬
‫إل وافى الخليفة إل من ل يصلح لشيء‪ ،‬فماتت بنت حسين بن علي‪ ،‬فأرسلت عائشة إلى محمد بن عمرو بن حزم وهو والي‬
‫المدينة‪ ،‬وكان عفيفا حديدا عظيم اللحية‪ ،‬له جارية موكلة بلحيته إذا ائتزر ل يأتزر عليها‪ ،‬وكان إذا جلس للناس جمعها ثم أدخلها‬
‫تحت فخذه‪ .‬فأرسلت عائشة‪ :‬يا أخي قد ترى ما دخل علي من الصيبة بابنتي‪ ،‬وغيبة أهلي وأهلها‪ ،‬وأنت الوالي‪ ،‬فأما ما يكفي‬
‫النساء من النساء فأنا أكفيكه بيدي وعيني‪ ،‬وأما ما يكفي الرجال من الرجال فاكفنيه‪ ،‬مر بالسواق أن ترفع‪ ،‬وأمر بتجويد عمل‬
‫نعشها‪ ،‬ول يحملها إل الفقهاء اللباء من قريش بالوقار والسكينة‪ ،‬وقم على قبرها ول يدخله إل قرابتها من ذوي الحجا والفضل‪،‬‬
‫فأتى ابن حزم رسولها حين تغدى ودخل ليقيل‪ ،‬فدخل عليه فأبلغه رسالتها‪ ،‬فقال ابن حزم لرسولها‪ :‬أقرئ ابنة المظلوم السلم‬
‫وأخبرها أني قد سمعت الواعية وأردت الركوب إليها فأمسكت عن الركوب حتى أبرد‪ ،‬ثم أصلي‪ ،‬ثم أنفذ كل ما أمرت به‪ .‬وأمر‬
‫حاجبه وصاحب شرطته برفع السواق‪ ،‬ودعا الحرس وقال‪ :‬خذوا السياط حتى تحولوا بين الناس وبين النعش إل ذوي قرابتها‬
‫بالسكينة والوقار‪ ،‬ثم نام وانتبه وأسرج له‪ ،‬واجتمع كل من كان بالمدينة‪ ،‬وأتى باب عائشة حين أخرج النعش‪ ،‬فلما رأى الناس‬
‫النعش التقفوه‪ ،‬فلم يملك ابن حزم ول الحرس منه شيئا‪ ،‬وجعل ابن حزم يركض خلف النعش ويصيح بالناس من السفلة‬
‫والغوغاء‪ :‬اربعوا أي ارفقوا فلم يسمعوا‪ ،‬حتى بلغ بالنعش القبر‪ ،‬فصلى عليها‪ ،‬ثم وقف على القبر فنادى‪ :‬من ها هنا من‬
‫قريش? فلم يحضره إل مروان بن أبان بن عثمان‪ ،‬وكان رجل عظيم البطن بادنا ل يستطيع أن ينثني من بطنه‪ ،‬سخيف العقل‪،‬‬
‫فطلع وعليه سبعة قمص‪ ،‬كأنها درج‪ ،‬بعضها اقصر من بعض ورداء عدني يثمن ألف درهم‪ ،‬فسلم وقال له ابن حزم‪ :‬أنت لعمري‬
‫قريبها‪ ،‬ولكن القبر ضيق ل يسعك‪ ،‬فقال‪ :‬أصلح الله المير إنما تضيق الخلق‪ .‬قال ابن حزم‪ :‬إنا لله‪ ،‬ما ظننت أن هذا هكذا كما‬
‫أرى‪ ،‬فأمر أربعة فأخذوا بضبعه حتى أدخلوه في القبر‪ ،‬ثم أتى خراء الزنج‪ ،‬وهو عثمان بن عمرو بن عثمان فقال‪ :‬السلم عليك‬
‫أيها المير ورحمة الله‪ ،‬ثم قال‪ :‬واسيدتاه وابنت أختاه فقال ابن حزم‪ :‬تالله لقد كان يبلغني عن هذا أنه مخنث‪ ،‬فلم أكن أرى أنه‬
‫بلغ هذا كله‪ ،‬دلوه فإنه عورة هو والله أحق بالدفن منها‪ ،‬فلما أدخل قال مروان لخراء الزنج‪ :‬تنح إليك شيئا فقال له خراء الزنج‪:‬‬
‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬جاء الكلب النسي يطرد الكلب الوحشي‪ ،‬فقال لهما ابن حزم‪ :‬اسكتا قبحكما الله وعليكما اللعنة‪،‬‬
‫أيكما النسي من الوحشي‪ ،‬والله لئن لم تسكتا لمرن بكما تدفنان‪ ،‬ثم جاء خال للجارية من الحاطبيين وهو ناقة من مرض لو‬
‫أخذ بعوضة لم يضبطها فقال‪ :‬أنا خالها وأمي سودة وأمها حفصة‪ ،‬ثم رمى بنفسه في القبر‪ ،‬فأصاب ترقوة خراء الزنج فصاح‪:‬‬
‫أوه ألح الله المير دق والله عرقوبي‪ ،‬فقال ابن حزم‪ :‬دق الله عرقوبك‪ ،‬وترقوتك اسكت ويلك‪ ،‬ثم أقبل على أصحابه فقال‪:‬‬
‫ويحكم إني خبرت أن الجارية بادن‪ ،‬ومروان ل يقدر أن ينثني من بطنه‪ ،‬وخراء الزنج مخنث ل يعقل سنة ول دفنا‪ ،‬وهذا الحاطبي‬
‫لو أخذ عصفورا لم يضبطه لضعفه‪ ،‬فمن يدفن هذه الجارية? والله ما أمرتني بهذا بنت المظلوم‪ ،‬فقال له جلساؤه‪ :‬ل والله ما‬
‫بالمدينة خلق من قريش‪ ،‬ولو كان في هؤلء خير لما بقوا‪ ،‬فقال‪ :‬من هاهنا من مواليهم? فإذا أبو هانئ العمى وهو ظئر لها‪،‬‬
‫فقال ابن حزم‪ :‬من أنت رحمك الله? فادفن هؤلء الحياء‪ ،‬حتى يدلى عليك الموتى ثم أقبل على أصحابه فقال‪ :‬إنا لله ‪-‬وهذا‬
‫أيضا أعمى ل يبصر‪ ،‬فنادوا‪ :‬من ها هنا من مواليهم فإذا برجل يزيدي يقال له أبو موسى قد جاء‪ ،‬فقال له ابن حزم‪ :‬من أنت‬
‫أيضا? قال‪ :‬أنا أبو موسى صالمين‪ ،‬وأنا بن السميط سميطين والسعيد سعيدين‪ ،‬والحمد لله رب العالمين‪ ،‬فقال ابن حزم‪ :‬والله‬
‫العظيم لتكونن لهم خامسا‪ ،‬رحمك الله يا بنت رسول الله‪ ،‬فما اجتمع على جيفة خنزير ول كلب ما اجتمع على جثتك فإنا لله‬
‫‪ .‬وإنا إليه راجعون‪ ،‬وأظنه سقط رجل آخر‬

‫صفحة ‪2146 :‬‬

‫أخبرني أحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثني اليعقوبي محمد بن عبد الله‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو بكر الزلل الزبيري‪،‬‬
‫‪.‬قال‪ :‬حدثني من رأى أشعب وقد علق رأس كلبه وهو يضربه ويقول له‪ :‬تنبح الهدية وتبصبص للضيف‬
‫أرضع أشعب جديا لبن زوجته‬
‫أخبرنا أحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عبد الله بن عمرو بن أبي سعد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن محمد الزبيري أبو الطاهر‪ ،‬قال‪ :‬حدثني يحيى‬
‫بن محمد بن أبي قتيلة‪ ،‬قال‪ :‬إذا أشعب جديا بلبن زوجته وغيرها حتى بلغ الغاية‪ ،‬قال‪ :‬ومن مبالغته في ذلك أن قال لزوجته‪ :‬أي‬
‫ابنة وردان‪ ،‬إن أحب أن ترضعيه لبنك‪ .‬قال‪ :‬ففعلت‪ ،‬قال‪ :‬ثم جاء به إلى إسماعيل بن جعفر بن محمد فقال‪ :‬بالله إنه لبني‪ ،‬قد‬
‫رضع بلبن زوجتي وقد حبوتك به‪ ،‬ولم أر أحدا يستأهله سواك‪ ،‬قال‪ :‬فنظر إسماعيل إلى فتنة من الفتن فأمر به فذبح وسمط‪،‬‬
‫فأقبل عليه أشعب‪ ،‬فقال‪ :‬المكافأة‪ ،‬فقال‪ :‬ما عندي والله اليوم شيء‪ ،‬ونحن من تعرف‪ ،‬وذلك غير فائت لك‪ ،‬فلما يئس منه‬
‫قام من عنده فدخل على أبيه جعفر بن محمد‪ ،‬ثم اندفع يشهق حتى التقت أضلعه‪ ،‬ثم قال‪ :‬أخلني‪ ،‬قال‪ :‬ما معنا أحد يسمع ل‬
‫عين عليك‪ ،‬قال‪ :‬وثب ابنك إسماعيل على ابني فذبحه وأنا أنظر إليه‪ ،‬قال‪ :‬فارتاع جعفر وصاح‪ :‬ويلك وفيم? وتريد ماذا? قال‪:‬‬
‫أما ما أريد فوالله ما لي إسماعيل حيلة ول يسمع هذا سامع أبدا بعدك‪ .‬فجزاه خيرا وأدخله منزله‪ ،‬وأخرج إليته مائتي دينار‬
‫وقال له‪ :‬خذ هذه ولك عندما ما تحب‪ ،‬قال‪ :‬وخرج إلى إسماعيل ل يبصر ما يطأ عليه‪ ،‬فإذا به مترسل في مجلسه‪ ،‬فلما رأى‬
‫وجه أبيه نكره‪ ،‬وقام إليه‪ ،‬فقال‪ :‬يا إسماعيل أو فعلتها بأشعب? قتلت ولده‪ ،‬قال‪ :‬فاستضحك وقال‪ :‬جاءني بجدي من صفته‬
‫كذا‪ ،‬وخبره الخبر‪ ،‬فأخبره أبوه ما كان منه وصار إليه‪ .‬قال‪ :‬فكان جعفر يقول لشعب‪ :‬رعبتني رعبك الله فيقول‪ :‬روعة ابنك‬
‫‪.‬والله إياي في الجدي أكبر من روعتك أنت في المائتي دينار‬
‫حزن أشعب لوفاة خالد بن عبد الله‬
‫أخبرنا أحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن عمرو بن أبي سعد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن إسحاق المسيبي ‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عمير بن عبد‬
‫الله بن أبي بكر بن سليمان بن أبي خيثمة ‪-‬قال‪ :‬وعمير لقب واسمه عبد الرحمن‪ -‬عن أشعب‪ ،‬قال‪ :‬أتيت خالد بن عبد الله بن‬
‫عمرو بن عثمان بن عفان ليلة أسأله‪ ،‬فقال لي‪ :‬أنت على طريقة ل أعطي على مثلها‪ ،‬قلت‪ :‬بلى جعلت فداءك‪ ،‬فقال‪ :‬قم فإن‬
‫قدر شيء فسيكون‪ ،‬قال‪ :‬فقمت‪ ،‬فإني لفي بعض سكك المدينة‪ ،‬قال‪ :‬كم عيالك? فأخبرته قال‪ :‬قد أمرت أن أجري عليك‬
‫وعلى عيالك ما كنت حيا‪ ،‬قال‪ :‬من أمرك? قال‪ :‬ل أخبرك ما كانت هذه فوق هذه‪ ،‬يريد السماء‪ ،‬وأشار إليها قال‪ :‬قلت‪ :‬إن هذا‬
‫معروف يشكر‪ ،‬قال‪ :‬الذي أمرني لم يرد شكرك‪ ،‬وهو يتمنى أل يصل مثلك‪ .‬قال‪ :‬فمكثت آخذ ذلك إلى أن توفي خالد بن عبد‬
‫الله بن عمرو بن عثمان‪ ،‬قال‪ :‬فشهدته قريش وحفل له الناس قال‪ :‬فشهدته فلقيني ذلك الرجل فقال‪ :‬يا أشعب انتف رأسك‬
‫ولحيتك‪ ،‬هذا والله صاحبك الذي كان يجري عليك ما كنت أعطيك‪ ،‬وكان والله يتنمى مباعدة مثلك‪ ،‬قال‪ :‬فحمله والله الكرم إذ‬
‫‪.‬سألته أن فعل بك ما فعل‪ ،‬قال عمير‪ :‬قال أشعب‪ :‬فعملت بنفسي والله حينئذ ما حل وحرم‬
‫أشعب في المسجد‬
‫أخبرني أحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الزبير بن بكار‪ ،‬قال‪ :‬كان أشعب يوما في المسجد يدعو‬
‫وقد قبض وجهه فصيره كالصبرة المجموعة‪ ،‬فرآه عامر بن عبد الله بن الزبير فحصبه وناداه‪ :‬يا أشعب‪ ،‬إذا تناجى ربك فناجه‬
‫‪.‬بوجه طلق‪ ،‬قال‪ :‬فأرخى لحيه حتى وقع على زوره‪ ،‬قال‪ :‬فأعرض عنه عامر وقال‪ :‬ول كل هذا‬
‫جزء أشعب لحيته‬
‫أخبرني أحمد بن عبد العزيز‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثني الزبير‪ ،‬قال‪ :‬حدثني مصعب‪ ،‬قال‪ :‬جز أشعب لحيته‬
‫‪.‬فبعث إليه نافع بن ثابت بن عبد الله بن الزبير‪ :‬ألم أقل لك إن البطال أملح ما يكون إذا طالت لحيته فل تجزز لحيتك‬
‫طرائف من طمعه وبخله‬
‫أخبرني أحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو الحسن أحمد بن يحيى‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا أبو الحسن المدائني‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وقف أشعب على امرأة تعمل طبق خوص فقال‪ :‬لتكبريه فقالت‪ :‬لم? أتريد أن تشتريه? قال‪ :‬ل‪ ،‬ولكن عسى أن يشتريه إنسان‬
‫‪.‬فيهدي إلي فيه ‪ ،‬فيكون كبيرا خير من أن يكون صغيرا‬

‫صفحة ‪2147 :‬‬

‫أخبرني أحمد بن عبد العزيز‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن القاسم‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا أحمد بن يحيى قال‪ :‬أخبرنا المدائني‪ ،‬قال‪ :‬قالت‬
‫‪.‬صديقة أشعب لشعب‪ :‬هب لي خاتمك أذكرك به‪ ،‬قال‪ :‬اذكريني أني منعتك إياه؛ فهو أحب إلي‬
‫أخبرني أحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا أبو مسلم قال‪ :‬أخبرنا المدائني‪ ،‬قال‪ :‬قال أشعب مرة‬
‫‪.‬للصبيان‪ :‬هذا عمرو بن عثمان يقسم مال‪ ،‬فمضوا‪ ،‬فلما أبطؤوا عنه اتبعهم؛ يحسب أن المر قد صار حقا كما قال‬
‫أخبرنا أحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا أحمد بن يحيى‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا المدائني‪ ،‬قال‪ :‬دعا زياد بن عبد الله أشعب‬
‫فتغدى معه‪ ،‬فضرب بيده إلى جدي بين يديه‪ ،‬وكان زياد أحد البخلء بالطعام‪ ،‬فغاظه ذلك‪ ،‬فقال لخدمه‪ :‬أخبروني عن أهل‬
‫السجن ألهم إمام يصلي بهم? وكان أشعب من القراء لكتاب الله تعالى‪ ،‬قالوا‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فأدخلوا أشعب فصيروه إماما لهم‪ ،‬قال‬
‫‪.‬أشعب‪ :‬أو غير ذلك? قال‪ :‬وما هو? قال‪ :‬أحلف لك ‪-‬أصلحك الله‪ -‬أل أذوق جديا أبدا‪ ،‬فخله‬
‫أخبرنا أحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا أبو مسلم‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا المدائني‪ ،‬قال‪ :‬رأيت أشعب بالمدينة يقلب مال‬
‫كثيرا فقلت له‪ :‬ويحك ما هذا الحرص ولعلك أن تكون أيسر ممن تطلب من ‪ ،‬قال‪ :‬إن قد مهرب في هذه المسألة‪ ،‬فأنا أكره‬
‫‪.‬أن أدعها فتنفلت مني‬
‫أخبرنا أحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا أبو مسلم‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا المدائني‪ ،‬قال‪ :‬قيل لشعب‪ :‬ما بلغ من طمعك?‬
‫‪.‬قال‪ :‬ما رأيت اثنين يتساران قط إل كنت أراهما يأمران لي بشيء‬
‫أخبرنا أحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو مسلم‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا المدائني‪ ،‬قال‪ :‬قال أشعب لمه‪ :‬رأيتك في النوم‬
‫مطلية بعسل وأنا مطلي بعذرة‪ ،‬فقالت‪ :‬يا فاسق هذا عملك الخبيث كساكه الله عز وجل‪ ،‬قال‪ :‬إن في الرؤيا شيئا آخر‪ ،‬قالت‪:‬‬
‫‪.‬ما هو? قال‪ :‬رأيتني ألطعك وأنت تلطعيني ‪ ،‬قالت‪ :‬لعنك الله يا فاسق‬
‫أخبرنا أحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن القاسم‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا أبو مسلم‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا المدائني‪ ،‬قال‪ :‬كان أشعب يتحدث إلى امرأة‬
‫بالمدينة حتى عرف ذلك‪ ،‬فقالت لها جاراتها يوما‪ :‬لو سألته شيئا فإنه موسر‪ ،‬فلما جاء قالت‪ :‬إن جاراتي ليقلن لي‪ :‬ما يصلك‬
‫بشيء‪ ،‬فخرج نافرا من منزلها‪ ،‬فلم يقربها شهرين‪ ،‬ثم إنه جاء ذات يوم فجلس على الباب‪ ،‬فأخرجت إليه قدحا ملن ماء‪،‬‬
‫‪.‬فقالت‪ :‬اشرب هذا من الفزع‪ ،‬فقال‪ :‬اشربيه أنت من الطمع‬
‫أخبرنا أحمد بن عبد العزيز‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن القاسم‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا أبو مسلم وأحمد بن يحيى ‪-‬واللفظ لحمد‪ -‬قال‪ :‬أخبرنا‬
‫المدائني عن جهم بن خلف‪ ،‬قال‪ :‬حدثني رجل قال‪ :‬قلت لشعب‪ :‬لو تحدثت عندي العشية? فقال‪ :‬أكره أن يجيء ثقيل‪ ،‬قال‪:‬‬
‫قلت‪ :‬ليس غيرك وغيري‪ ،‬قال‪ :‬فإذا صليت الظهر فأنا عندك‪ ،‬فضلى وجاء‪ ،‬فلما وضعت الجارية الطعام إذا بصديق لي يدق‬
‫الباب‪ ،‬فقال‪ :‬أل ترى قد صرت إلى ما أكره? قال‪ :‬قلت‪ :‬إن عندي فيه عشر خصال‪ ،‬قال‪ :‬فما هي? قال‪ :‬أولها أنه ل يأكل ول‬
‫‪.‬يشرب‪ ،‬قال‪ :‬التسع الخصال لك‪ ،‬أدخله‪ .‬قال أبو مسلم ‪:‬إن كرهت واحدة منها لم أدخله‬
‫أخبرنا أحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا أبو مسلم‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا المدائني‪ ،‬قال‪ :‬دخل أشعب يوما‬
‫على الحسين بن علي وعند أعرابي قبيح المنظر مختلف الخلقة‪ ،‬فسبح أشعب حين رآه‪ ،‬وقال للحسين عليه السلم‪ :‬بأبي أنت‬
‫وأمي‪ ،‬أتأذن لي أن أسلح عليه? فقال العرابي‪ :‬ما شئت‪ ،‬ومع العرابي قوس وكنانة‪ ،‬ففوق له سهما وقال‪ :‬والله لئن فعلت‬
‫‪ .‬لتكونن آخر سلحة سلحتها‪ ،‬قال أشعب للحسين‪ :‬جعلت فداءك‪ ،‬قد أخذني القولنج‬
‫أخبرنا أحمد بن عبد العزيز‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن القاسم‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا أبو مسلم‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا المدائني‪ ،‬قال‪ :‬ذكر أشعب‬
‫‪.‬بالمدينة رجل قبيح السم‪ ،‬فقيل له‪ :‬يا أبا العلء‪ ،‬أتعرف فلنا? قال‪ :‬ليس هذا من السماء التي عرضت على آدم‬
‫وجدت في بعض الكتب‪ ،‬عن أحمد بن الحارث الخراز ‪ ،‬عن المدائني‪ ،‬قال‪ :‬توضأ أشعب فغسل رجله اليسرى وترك اليمنى‬
‫فقيل له‪ :‬لم تركت غسل اليمنى? قال‪ :‬لن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪( :‬أمتي غر محجلون من آثار الوضوء‪ ،‬وأنا أحب أن‬
‫‪(.‬أكون أغر محل مطلق اليمنى‬
‫‪:‬وأخبرت بهذا السناد قال‬

‫صفحة ‪2148 :‬‬

‫سمع أشعب حبي المدينية تقول‪ :‬اللهم ل تمتني حتى تغفر لي ذنوبي‪ ،‬فقال لها‪ :‬يا فاسقة أنت لم تسألي الله المغفرة إنما‬
‫‪.‬سألته عمر البد‪ ،‬يريد أنه ل يغفر لها أبدا‬
‫أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن القاسم‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا المدائني‪ ،‬عن فليح بن سليمان‪ ،‬قال‪ :‬ساوم‬
‫أشعب رجل بقوس عربية فقال الرجل‪ :‬ل أنقصها عن دينار‪ ،‬قال أشعب‪ :‬أعتق ما أملك لو أنها إذا رمي بها طائر في جو السماء‬
‫‪.‬وقع مشويا بين رغيفين ما أخذتها بدينار‬
‫أخبرنا أحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا مسلم‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا المدائني‪ ،‬قال‪ :‬أهدى رجل من بني عامر بن لؤي‬
‫إلى إسماعيل العرج بن جعفر بن محمد فالوذجة‪ ،‬وأشعب حاضر‪ ،‬قال‪ :‬كل يا أشعب‪ ،‬فلما أكل منها قال‪ :‬كيف تجدها يا‬
‫أشعب? قال‪ :‬أنا بريء من الله ورسوله إن لم تكن عملت قبل أن يوحي الله عز وجل إلى النحل‪ ،‬أي ليس فيها من الحلوة‬
‫‪.‬شيء‬
‫أخبرنا أحمد قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا أبو مسلم‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا المدائني‪ ،‬قال‪ :‬سأل سالم بن عبد الله أشعب‬
‫عن طعمه‪ ،‬قال‪ :‬قلت لصبياني مرة‪ :‬هذا سالم قد فتح باب صدقة عمر ‪ ،‬فانطلقوا يعطكم تمرا‪ ،‬فمضوا‪ ،‬فلما أبطؤوا ظننت أن‬
‫‪.‬المر كما قلت فاتبعتهم‬
‫أخبرني أحمد بن عبد العزيز‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن القاسم‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا أبو مسلم‪ ،‬قال‪ :‬أخبرني المدائني‪ ،‬قال‪ :‬بينا أشعب‬
‫يوما يتغدى إذ دخلت جارة له‪ ،‬ومع أشهب امرأته تأكل‪ ،‬فدعاها لتتغدى‪ ،‬فجاءت الجارة فأخذت العرقوب بما عليه ‪-‬قال‪ :‬وأهل‬
‫المدينة يسمونه عرقوب رب البيت‪ -‬قال‪ :‬فقام أشعب فخرج ثم عاد فدق الباب‪ ،‬فقالت له امرأته‪ :‬يا سخين العين ما لك قال‪:‬‬
‫‪.‬أدخل? قالت‪ :‬أتستأذن أنت‪ ،‬وأنت رب البيت? قال‪ :‬لو كنت رب البيت ما كانت العرقوب بين يدي هذه‬
‫أشعب يبكي نفسه‬
‫أخبرني بعض أصحابنا‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن سعيد الدمشقي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الزبير‪ ،‬قال‪ :‬حدثني مصعب‪ ،‬قال‪ :‬قال لي ابن كليب‪:‬‬
‫حدثت مرة أشعب بملحة فبكى‪ ،‬فقلت‪ :‬ما يبكيك? قال‪ :‬أنا بمنزلة شجرة الموز إذا نشأت ابنتها قطعت‪ ،‬وقد نشأت أنت في‬
‫‪.‬موالي وأنا الن أموت‪ ،‬فإنما أبكي على نفسي‬
‫أخبرني أحمد بن عبد العزيز‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الزبير بن بكار‪ ،‬قال‪ :‬كان أشعب الطمع يغني وله أصوات قد‬
‫‪:‬حكيت عنه‪ ،‬وكان ابنه عبيدة يغنيها‪ ،‬فمن أصواته هذه‬
‫إذا ما المر جل عن الخطاب‬ ‫أروني من يقوم لكم مقامـي‬
‫بأيديكم علي مـن الـتـراب أشعب وسكينة بنت الحسين أخبرني الحسن بن علي‬ ‫إلى من تفزعون إذا حثـوتـم‬
‫الخفاف‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن سعيد الدمشقي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الزبير بن بكار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا شعيب بن عبيدة بن أشعب‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫‪:‬جده‪ ،‬قال‬

‫صفحة ‪2149 :‬‬

‫كانت سكينة بنت الحسين بن علي عليهم السلم عند زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان قال‪ :‬وقد كانت أحلفته أل يمنعها‬
‫سفرا ول مدخل ول مخرجا فقالت‪ :‬اخرج بنا إلى حمران من ناحية عسفان‪ ،‬فخرج بها فأقامت‪ ،‬ثم قالت له‪ :‬اذهب بنا نعتمر‪،‬‬
‫فدخل بها مكة‪ ،‬فأتاني آت‪ ،‬فقال‪ :‬تقول لك ديباجة الحرم ‪-‬وهي امرأة من ولد عتاب بن أسيد‪ :-‬لك عشرون دينارا إن جئتني‬
‫بزيد بن عمرو الليلة في البطح‪ ،‬قال أشعب‪ :‬وأنا أعرف سكينة وأعلم ما هي‪ ،‬ثم غلب علي طباع السوء والشره‪ ،‬فقلت لزيد‬
‫فيما بيني وبينه‪ :‬إن ديباجة الحرم أرسلت إلي بكيت وكيت‪ ،‬فقال‪ :‬عدها الله بالبطح ‪ ،‬فأرسلت إليها فواعدتها البطح وإذا‬
‫الديباجة قد افترشت بساطا في البطح وطرحت النمارق‪ ،‬ووضعت حشايا وعليها أنماط‪ ،‬فجلست عليها‪ ،‬فلما طلع زيد قامت‬
‫إليه‪ ،‬فتلقته وسلمت عليه‪ ،‬ثم رجعت إلى مجلسها‪ ،‬فلم ننشب أن سمعنا شحيج بلغة سكينة‪ ،‬فلما استبانها زيد قام فأخذ‬
‫بركابها‪ ،‬واختبأت ناحية‪ ،‬فقامت الديباجة إلى سكينة فتلقتها وقبلت بين عينيها‪ ،‬وأجلستها على الفراش‪ ،‬وجلست هي على بعض‬
‫النمارق‪ ،‬فقالت سكينة‪ :‬أشعب والله صاحب هذا المر‪ ،‬ولست لبي إن لم يأت يصيح صياح الهرة لن يقوم لي بشيء أبدا‪،‬‬
‫فطلعت على أربع أصيح صياح الهرة ‪ ،‬ثم دعت جارية معه مجمر كبير فحفنت منه وأكثرت‪ ،‬وصبت في حجر الديباجة‪ ،‬وحفنت‬
‫لمن معها فصبته في حجورهن وركبت وركب زيد وأنا معهم‪ ،‬فلما صارت إلى منزلها قالت لي‪ :‬يا أشعب أفعلتها? قلت‪ :‬جعلت‬
‫فداءك‪ ،‬إنما جعلت لي عشرين دينارا‪ ،‬وقد عرفت طمعي وشرهي‪ ،‬والله لو جعلت لي العشرين دينارا على قتل أبوي لقتلتهما‪،‬‬
‫قال‪ :‬فأمرت بالرحيل إلى الطائف‪ ،‬فأقامت بالطائف وحوطت من ورائها بحيطان ومنعت زيدا أن يدخل عليها‪ .‬قال‪ :‬ثم قالت‬
‫‪.‬لي يوما‪ :‬قد أثمنا في زيد وفعلنا ما ل يحل لنا‪ ،‬ثم أمرت بالرحيل إلى المدينة‪ ،‬وأذنت لزيد فجاءها‬
‫قال الزبير‪ :‬وحدثني عبد الله بن محمد بن أبي سلمة قال‪ :‬جاء أشعب إلى مجلس أصحابنا فجلس فيه‪ ،‬فمرت جارية لحدهم‬
‫بحزمة عراجين من صدقة عمر‪ ،‬فقال له أشعب‪ :‬فديتك‪ ،‬أنا محتاج إلى حطب فمر لي بهذه الحزمة‪ ،‬قال‪ :‬ل‪ ،‬ولكن أعطيك‬
‫نصفها على أن تحدثني بحديث ديباجة الحرم‪ ،‬فكشف أشعب ثوبه عن استه واستوفز وجعل يخنس ويقول‪ :‬إن لهذا زمانا ‪،‬‬
‫وجعلت خصيتاه تخطان الرض‪ ،‬ثم قال‪ :‬أعطاني والله فلن في حديث ديباجة الحرم عشرين دينارا‪ ،‬وأعطاني فلن كذا ‪،‬‬
‫‪.‬وأعطاني فلن كذا‪ ،‬حتى عد أموال‪ ،‬وأنت الن تطلبها مني بنصف حزمة عراجين ثم قام فانصرف‬
‫وفي ديباجة الحرم يقول عمر بن أبي ربيعة‪ :‬صوت‬
‫وقد كنت منها في عناء وفي سقم‬ ‫ذهبت ولم تلمم بديباجة الـحـرم‬
‫وقد كنت مجنونا بجاراتها القـدم‬ ‫جننت بها لما سمعت بـذكـرهـا‬
‫فكن حجرا بالحزن من حرة أصم غناه مالك بن أبي السمح من رواية‬ ‫إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما لهوي‬
‫‪ .‬يونس عن حبيش‬
‫قال الزبير‪ :‬وحدثني شعيب بن عبيدة‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬دخل رجل من قريش على سكينة بنت الحسين عليهما السلم‪ ،‬قال‪ :‬فإذا‬
‫أنا بأشعب متفحج جالس تحت السرير‪ ،‬فلما رآني جعل يقرقر مثل الدجاجة فجعلت أنظر إليه وأعجب‪ ،‬فقالت‪ :‬ما لك تنظر إلى‬
‫هذا? قلت‪ :‬إنه لعجب‪ ،‬قالت‪ :‬إنه لخبيث‪ ،‬قد أفسد علينا أمورنا بغباوته‪ ،‬فحضنته بيض دجاج‪ ،‬ثم أقسمت أنه ل يقوم عنه حتى‬
‫ينفق ‪ .‬وهذا الخبر عندنا مشروح‪ ،‬ولكن هذا ما سمعناه‪ ،‬ونسخته على الشرح من أخبار إبراهيم بن المهدي التي رواها عنه‬
‫‪.‬يوسف بن إبراهيم‪ ،‬وقد ذكر في أخبار سكينة‬
‫وروى عن أحمد بن الحسن البزاز‪ :‬وجدت بخط ابن الوشاء‪ ،‬عن أبي الوشاء‪ ،‬عن الكديمي‪ ،‬عن أبي عاضم قال‪ :‬قيل لشعب‬
‫‪ .‬الطامع‪ :‬أرأيت أحدا قط أطمع منك‪ ،‬قال‪ :‬نعم كلبا يتبعني أربعة أميال على مضغ العلك‬
‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء‪ ،‬وعمي عبد العزيز بن أحمد ‪ ،‬وحبيب بن نصر المهلبي‪ ،‬قالوا‪ :‬حدثنا الزبير بن بكار‪ ،‬قال‪ :‬حدثني‬
‫مصعب‪ ،‬عن عثمان بن المنذر‪ ،‬عن عبد الله بن أبي بشر بن عثمان بن المغيرة‪ ،‬قال‪ :‬سمعت جلبة شديدة مقبلة من البلط‪،‬‬
‫وأسرعت فإذا جماعة مقبلة‪ ،‬وإذا امرأة قد فرعتهم طول‪ ،‬وإذا أشعب بين أيديهم بكفه دف وهو يغني به ويرقص ويحرف استه‬
‫‪:‬ويحركها ويقول‬
‫قبيل الصبح فاختمرت‬ ‫أل حي التي خجـرت‬

‫صفحة ‪2150 :‬‬

‫ول والله ما رمدت فإذا تجاوز في الرقص الجماعة رجع إليهم حتى يخالطهم ويستقبل‬ ‫يقال بعينهـا رمـد‬
‫المرأة فيغني في وجهها وهي تبسم وتقول‪ :‬حسبك الن‪ ،‬فسألت عنها‪ ،‬فقالوا‪ :‬هذه جارية صريم المغنية استلحقها صريم عند‬
‫موته‪ ،‬واعترف بأنها بنته‪ ،‬فحاكمت ورثته إلى السطان‪ ،‬فقامت لها البينة فألحقها به وأعطاها الميراث منه‪ ،‬وكانت أحسن خلق‬
‫‪.‬الله غناء‪ ،‬كان يضرب بها المثل في الحجاز فيقال‪ :‬أحسن من غناء الصريمية‬
‫أخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الدمشقي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الزبير بن بكار‪ ،‬قال‪ :‬وحدثني أبي‪ ،‬قال‪ :‬اجتازت جنازة الصريمية‬
‫بأشعب وهو جالس في قوم من قريش فبكى عليها ثم قال‪ :‬ذهب اليوم الغناء كله‪ ،‬وعلى أنها الزانية كانت ‪-‬ل رحمها الله‪ -‬شر‬
‫خلق الله‪ ،‬فقيل‪ :‬يا أشعب ليس بين بكائك عليها ولعنك إياها فصل في كلمك‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬كنا نجيئها الفاجرة بكبش‪ ،‬فيطبخ لنا‬
‫‪.‬في دارها ثم ل تعشينا ‪-‬يشهد الله‪ -‬إل بسلق‬
‫أشعب والغاضري‬
‫أخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن زهير‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مصعب‪ :‬بلغ أشعب أن الغاضري قد أخذ في مثل مذهبه‬
‫ونوادره‪ ،‬وأن جماعة قد استطابوه‪ ،‬فرقبه حتى علم أنه في مجلس من مجالس قريش يحادثهم ويضحكهم فصار إليه‪ ،‬ثم قال‬
‫له‪ :‬قد بلغني أنك قد نحوت نحوي وشغلت عني من كان يألفني فإن كنت مثلي فافعل كما أفعل‪ ،‬ثم غضن وجهه وعرضه‬
‫وشنجه حتى صار عرضه أكثر من كوله‪ ،‬وصار في هيئة لم يعرفه أحد بها‪ ،‬ثم أرسل وجهه وقال له‪ :‬افعل هكذا وطول وجهه‬
‫حتى كاد ذقنه يجوز صدره‪ ،‬وصار كأنه وجه الناظر في سيفه‪ ،‬ثم نزع ثيابه وتحادب فصار في ظهره حدبة كسنام البعير‪ ،‬وصار‬
‫طوله مقدار شبر أو أكثر‪ ،‬ثم نزع سراويله وجعل يمد جلد خصييه حتى حك بهما الرض‪ ،‬ثم خلهما من يده ومشى وجعل‬
‫يخنس وهما يخطان الرض‪ ،‬ثم قام فتطاول وتمدد وتمطى حتى صار أطول ما يكون من الرجال‪ ،‬فضحك والله القوم حتى‬
‫أغمي عليهم وقطع الغاضري فما تلكم بنادرة‪ ،‬ول زاد على أن يقول‪ :‬يا أبا العلء ل أعاود ما تكره‪ ،‬إنما أنا تلميذك وخريجك‪ ،‬ثم‬
‫‪.‬انصرف أشعب وتركه‬
‫من أخلق أمه‬
‫أخبرني رضوان بن أحمد الصيدلني‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يوسف بن إبراهيم‪ ،‬عن إبراهيم بن المهدي‪ ،‬عن عبيدة بن أشعب‪ ،‬عن أبيه‪ :‬أنه‬
‫كان مولده في سنة تسع من الهجرة‪ ،‬وأنا أباه كان من مماليك عثمان‪ ،‬وأن أمه كانت تنقل كلم أزواج النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم بعضهن إلى بعض‪ ،‬فتلقي بينهن الشر‪ ،‬فتأذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك‪ ،‬فدعا الله عز وجل عليها فأماتها‪،‬‬
‫‪.‬وعمر ابنها أشعب حتى هلك في أيام المهدي‬
‫كان من المعتزلة‬
‫وكان في أشعب خلل‪ ،‬منها أنه كان أطيب أهل زمانه عشرة وأكثرهم نادرة‪ ،‬ومنها‪ :‬أنه كان أحسن الناس أداء لغناء سمعه‪،‬‬
‫‪.‬ومنها‪ :‬أنه أقوم أهل دهره بحجج المعتزلة وكان امرأ منهم‬
‫أشعب وعبد الله بن عمر‬

‫صفحة ‪2151 :‬‬

‫قال إبراهيم بن المهدي فحدثني عبيدة بن أشعب‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬بلغني أن عبد الله بن عمر كان في مال له يتصدق بثمرته‪،‬‬
‫فركبت ناضحا ووافيته في ماله‪ ،‬فقلت‪ :‬يا بن أمير المؤمنين ويا بن الفارق أوقر لي بعيري هذا تمرا‪ ،‬فقال لي‪ :‬أمن المهاجرين‬
‫أنت? قلت‪ :‬اللهم ل‪ ،‬قال‪ :‬فمن النصار أنت? فقلت‪ :‬اللهم ل‪ ،‬قال‪ :‬أفمن التابعين بإحسان? فقلت‪ :‬أرجو‪ ،‬فقال‪ :‬إلى أن يحقق‬
‫رجاؤك‪ ،‬قال‪ :‬أفمن أبناء السبيل أنت? قلت‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فعلم أوقر لك بعيرك تمرا? قلت‪ :‬لني سائل‪ ،‬وقد قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪( :‬إن أتاك سائل على فرس فل ترده)‪ ،‬فقال‪ :‬لو شئنا أن نقول لك‪ :‬إنه قال‪ :‬لو أتاك على فرس‪ ،‬ولم يقل أتاك‬
‫على ناضح بعير لقلنا‪ ،‬ولكني أمسك عن ذلك لستغنائي عنه؛ لني قلت لبي عمر بن الخطاب‪ :‬إذا أتاني سائل على فرس‬
‫يسألني أعطيته? فقال‪ :‬إني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما سألتني عنه‪ ،‬فقال لي‪ :‬نعم إذا لم تصب راجل ونحن‬
‫أيها الرجل نصيب رجال فعلم أعطيك وأنت على بعير? فقلت له‪ :‬بحق أبيك الفاروق‪ ،‬وبحق الله عز وجل‪ ،‬وبحق رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم لما أوقرته لي تمرا‪ ،‬فقال لي عبد الله‪ :‬أنا موقره لك تمرا‪ ،‬ووحق الله ووحق رسوله لئن عاودت‬
‫استحلفي ل أبررت لك قسمك‪ ،‬ولو أنك اقتصرت على استحلفي بحق أبي علي في تمرة أعطيكها لما أنفدت قسمك‪ ،‬لني‬
‫سمعت أبي يقول‪ :‬إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪ :‬ل تشد الرحال إلى مسجد لرجاء الثواب إل إلى المسجد الحرام‬
‫ومسجدي بيثرب‪ ،‬ول يبر امرؤ قسم مستحلفه إل أن يستحلفه بحق الله وحق رسوله‪ ،‬ثم قال للسودان في تلك الحال ‪ :‬أوقروا‬
‫له بعيره تمرا‪ ،‬قال‪ :‬ولما أخذ السودان في حشو الغرائر قلت‪ :‬إن السودان أهل الطرب‪ ،‬وإن أطربتهم أجادوا حشو غرائري‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬يا بن الفاروق‪ ،‬أتأذن لي في الغناء فأغنيك? فقال لي‪ :‬أنت وذلك ‪ ،‬فاندفعت في النصب ‪ ،‬فقال لي‪ :‬هذا الغناء الذي لم‬
‫‪:‬نزل نعرفه‪ .‬ثم غنيته صوتا آخر لطويس المغني وهو‬
‫ودمعي بما قلت الغداة شهـيد فقال لي عبد الله‪ :‬يا هناه‪ ،‬لقد حدث في هذا‬ ‫خليلي ما أخفي من الحب ناطق‬
‫‪:‬المعنى ما لم نكن نعرفه‪ ،‬قال‪ :‬ثم غنيته لبن سريج‬
‫وابكي على قتلى قريش البطاح فقال‪ :‬يا أشعب‪ ،‬ويحك‪ ،‬هذا يحيق الفؤاد‬ ‫يا عين جودي بالدموع السفـاح‬
‫‪-.‬أراد‪ :‬يحرق الفؤاد‪ ،‬لنه كان ألثغ ل يبين بالراء ول باللم‪ .‬قال أشعب‪ :‬وكان بعد ذلك ل يرائي إل استعادني هذا الصوت‬
‫من نوادره‬
‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الزبير بن بكار‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عمي‪ ،‬قال‪ :‬لقي أشعب صديق لبيه فقال له‪ :‬ويحك يا‬
‫‪.‬أشعب‪ ،‬كان أبوك ألحى وأنت أنط فإلى من خرجت? قال‪ :‬إلى أمي‬
‫من حيله‬
‫‪:‬أخبرني الحسن بن علي‪ :‬قال‪ :‬أخبرنا أحمد بن أبي خيثمة‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مصعب بن عبد الله‪ ،‬عن مصعب بن عثمان‪ ،‬قال‬

‫صفحة ‪2152 :‬‬

‫لقي أشعب سالم بن عبد الله بن عمر فقال‪ :‬يا أشعب‪ ،‬هل لك في هريس قد أعد لنا? قال‪ :‬نعم‪ ،‬بأبي أنت وأمي‪ .‬قال‪ :‬فصر‬
‫إلي‪ ،‬فمضى إلى منزله‪ ،‬فقالت له امرأته‪ :‬قد وجه إليك عبد الله بن عمرو بن عثمان يدعوك‪ .‬قال‪ :‬ويحك‪ ،‬إن لسالم بن عبد‬
‫الله هريسة قد دعاني إليها‪ ،‬وعبد الله بن عمرو في يدي متى شئت‪ ،‬وسالم إنما دعوته للناس فلتة‪ ،‬وليس لي بد من المضي‬
‫إليه‪ .‬قالت‪ :‬إذا يغضب عبد الله‪ ،‬قال‪ :‬آكل عنده‪ ،‬ثم أصير إلى عبد الله‪ .‬فجاء إلى سالم وجعل يأكل أكل متعالل فقال له‪ :‬كل يا‬
‫أشعب وابعث ما فضل عنك إلى منزلك‪ ،‬قال‪ :‬ذاك أردت بأبي أنت وأمي‪ ،‬فقال‪ :‬يا غلم‪ ،‬احمل هذا إلى منزله‪ ،‬فحمله ومضى‬
‫معه فجاء به امرأته فقالت له‪ :‬ثكلتك أمك‪ ،‬قد حلف عبد الله أن ل يكلمك شهرا‪ ،‬قال‪ :‬دعيني وإياه‪ ،‬هاتي شيئا من الزعفران‪،‬‬
‫فأعطته ودخل الحمام يمسح وجهه ويديه وجلس في الحمام حتى صفره‪ ،‬ثم خرج متكئا على عصا يرعد‪ ،‬حتى أتى دار عبد الله‬
‫بن عمرو‪ ،‬فلما رآه حاجبه قال‪ :‬ويحك‪ ،‬بلغت بك العلة ما أرى? ودخل وأعلم صاحبه فأذن له‪ ،‬فلما دخل عليه إذا سالم بن عبد‬
‫الله عنده‪ ،‬فجعل يزيد في الرعدة ويقارب الخطو‪ ،‬فجلس وما يقدر أن يستقل‪ ،‬فقال عبد الله‪ :‬ظلمناك يا أشعب في غضبنا‬
‫عليك‪ ،‬فقال له سالم‪ :‬ما لك ويلك ألم تكن عندي آنفا وأكلت هريسة? فقال له‪ :‬وأي أكل ترى بي? قال‪ :‬ويلك ألم أقل لك كيت‬
‫وكيت وتقل لي كيت وكيت? قال له‪ :‬شبه لك‪ ،‬قال‪ :‬ل حول ول قوة إل بالله‪ ،‬والله إني لظن الشيطان يتشبه بك‪ .‬ويلك أجاد‬
‫أنت? قال‪ :‬علي وعلي إن كنت خرجت منذ شهر ‪ .‬فقال له عبد الله‪ :‬اعزب ويحك أتبهته‪ ،‬ل أم لك قال‪ :‬ما قلت إل حقا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫‪.‬بحياتي اصدقني وأنت آمن من غضبي‪ ،‬قال‪ :‬ل وحياتك ل صدق‪ .‬ثم حدثه بالقصة فضحك حتى استلقى على قفاه‬
‫ابنه يذكر بعض طرائف أبيه‬
‫أخبرني رضوان بن أحمد بن يوسف بن إبراهيم‪ ،‬عن إبراهيم بن المهدي‪ :‬أن الرشيد لما وله دمشق بعث إليه عبد الله بن‬
‫‪.‬أشعب‪ ،‬وكان يقدم عليه من الحجاز إذا أراد أن يطرب‬
‫قال إبراهيم‪ :‬وكان يحدثني من حديث أبيه بالطرائف‪ :‬عادلته يوما وأنا خارج من دمشق في قبة على بغل للهو بحديثه‪ ،‬فأصابنا‬
‫في الطريق برد شديد فدعوت بدواج سمور للبسه‪ ،‬فأتيت به فلما لبسته أقبلت على ابن أشعب فقلت‪ :‬حدثني بشيء من‬
‫طمع أبيك‪ .‬فقال لي‪ :‬ما لك ولبي‪ ،‬ها أنا إذا دعوت بالدواج فما شككت والله في أنك إنما جئت به لي‪ ،‬فضحكت من قوله‪،‬‬
‫ودعوت بغيره فلبسته وأعطيته إياه‪ ،‬ثم قلت له‪ :‬ألبيك ولد غيرك? فقال‪ :‬كثير‪ ،‬فقلت‪ :‬عشرة? قال‪ :‬أكثر‪ ،‬قلت‪ :‬فخمسون?‬
‫قال‪ :‬أكثر كثير‪ ،‬قلت‪ :‬مائة? قال‪ :‬دع المئين وخذ اللوف‪ ،‬فقلت‪ :‬ويلك أي شيء تقول? أشعب أبوك ليس بينك وبينه أب‪ ،‬فكيف‬
‫يكون له ألوف من الولد? فضحك ثم قال‪ :‬لي في هذا خبر ظريف‪ ،‬فقلت له‪ :‬حدثني به‪ ،‬فقال‪ :‬كان أبي منقطعا إلى سكينة‬
‫بنت الحسين‪ ،‬وكانت متزوجة بزيد بن عمرو بن عثمان بن عفان وكانت محبة له‪ ،‬فكان ل يستقر معها‪ ،‬تقول له‪ :‬أريد الحج‬
‫فيخرج معها‪ ،‬فإذا أفضوا إلى مكة تقول‪ :‬أريد الرجوع إلى المدينة‪ ،‬فإذا عاد إلى المدينة‪ ،‬قالت‪ :‬أريد العمرة‪ ،‬فهو معها في سفر‬
‫‪:‬ل ينقضي‪ .‬قال عبد الله‪ :‬فحدثني أبي قال‬

‫صفحة ‪2153 :‬‬

‫كانت قد حلفته بما ل كفارة له أل يتزوج عليها ول يتسرى ول يلم بنسائه وجواريه إل بإذنها‪ ،‬وحج الخليفة في سنة من السنين‬
‫فقال لها‪ :‬قد حج الخليفة ول بد لي من لقائه‪ ،‬قالت‪ :‬فاحلف بأنك ل تدخل الطائف‪ ،‬ول تلم بجواريك على وجه ول سبب‪ ،‬فحلف‬
‫لها بما رضيت به من اليمان على ذلك‪ ،‬ثم قالت له‪ :‬احلف بالطلق‪ ،‬فقال‪ :‬ل أفعل‪ ،‬ولكن ابعثي معي بثقتك‪ ،‬فدعتني وأعطتني‬
‫ثلثين دينارا وقالت لي‪ :‬اخرج معه‪ ،‬وحلفتني بطلق بنت وردان زوجتي أل أطلق له الخروج إلى الطائف بوجه ول سبب‪ ،‬لحلفت‬
‫لها بما أثلج صدرها‪ ،‬فأذنت له فخرج وخرجت معه‪ .‬فلما حاذينا الطائف قال لي‪ :‬يا أشعب‪ ،‬أنت تعرفني وتعرف صنائعي عندك‪،‬‬
‫وهذه ثلثمائة دينار‪ ،‬خذها بارك الله لك فيها وأذن لي ألم بجواري‪ ،‬فلما سمعتها ذهب عقلي ثم قلت‪ :‬يا سيدي‪ ،‬هي سكينة‪،‬‬
‫فالله الله في‪ .‬فقال‪ :‬أو تعلم سكينة الغيب فلم يزل بي حتى أخذتها وأذنت له‪ ،‬فمضى وبات عند جواريه‪ .‬فلما أصبحنا رأيت‬
‫أبيات قوم من العرب قريبة منا‪ ،‬فلبست حلة وشيء كانت لزيد قيمتها ألف دينار‪ ،‬وركبت فرسه وجئت إلى النساء فسلمت‬
‫فرددن‪ ،‬ونسبنني نسب زيد‪ ،‬فحادثنني وأنسن بي‪ .‬وأقبل رجال الحي‪ ،‬وكلما جاء رجل سأل عن نسبي فخبر به هابني وسلم‬
‫علي وعظمني وانصرف‪ ،‬إلى أن أقبل شيخ كبير منكر مبطون‪ ،‬فلما خبر بي وبنسبي شال حاجبيه عن عينيه‪ ،‬ثم نظر إلي وقال‪:‬‬
‫وأبي ما هذه خلقة قرشي ول شمائله‪ ،‬وما هو إل عبد لهم ناد‪ ،‬وعلمت أنه يريد شرا‪ ،‬فركبت الفرس ثم مضيت‪ ،‬ولحقني‬
‫فرماني بسهم فما أخطأ قربوس السرج‪ ،‬وما شككت أنه يلحقني بآخر يتقلني فسلحت ‪-‬يعلم الله‪ -‬في ثيابي فلوثها ونفذ إلى‬
‫الحلة فصيرها شهرة ‪ ،‬وأتيت رحل زيد بن عمرو فجلست أغسل الحلة وأجففها‪ ،‬وأقبل زيد بن عمرو‪ ،‬فرأى ما لحق الحلة‬
‫والسرج‪ ،‬فقال لي‪ :‬ما القصة? ويلك فقلت‪ :‬يا سيدي الصدق أنجى‪ ،‬وحدثته الحديث فاغتاظ ثم قال لي‪ :‬ألم يكفك أن تلبس‬
‫حلتي وتصنع بها ما صنعت وتركب فرسي وتجلس إلى النساء حتى انتسبت بنسبي وفضحتني‪ ،‬وجعلتني عند العرب ولجا جماشا‬
‫‪ ،.‬وجرى عليك ذل نسب إلي‪ ،‬أنا نفي من أبي ومنسوب إلى أبيك إن لم أسؤك وأبلغ في ذلك‬
‫ثم لقي الخليفة وعاد ودخلنا إلى سكينة‪ ،‬فسألته عن خبره كله فخبرها حتى انتهى إلى ذكر جواريه‪ ،‬فقالت‪ :‬إيه وما كان من‬
‫خبرك في طريقك? هل مضيت إلى جواريك بالطائف? فقال لها‪ :‬ل أدري‪ ،‬سلي ثقتك‪ .‬فدعتني فسألتني‪ ،‬وبدأت فحلفت لها‬
‫بكل يمين محرجة أنه ما مر بالطائف ول دخلها ول فارقني‪ ،‬فقال لها‪ :‬اليمين التي حلف بها لزمة لي إن لم أكن دخلت الطائف‬
‫وبت عند جواري وغسلتهن جميعا‪ ،‬وأخذ مني ثلثمائة دينار‪ ،‬وفعل كذا وكذا‪ ،‬وحدثها الحديث كله وأراها الحلة والسرج‪ ،‬فقالت‬
‫لي‪ :‬أفعلها يا أشعب أنا نفية من أبي إن أنفقتها إل فيما يسوءك‪ ،‬ثم أمرت بكبس منزلي وإحضارها الدنانير فأحضرت‪ ،‬فاشترت‬
‫بها خشبا وبيضا وسرجينا‪ ،‬وعملت من الخشب بيتا فحبستني فيه وحلف أل أخرج منه ول أفارقه حتى أحضن البيض كله إلى أن‬
‫ينقب‪ ،‬فمكثت أربعين يوما أحضن لها البيض حتى نقب‪ ،‬وخرج منه فراريج كثيرة فربتهن وتناسلن فكن بالمدينة يسمين بنات‬
‫‪.‬أشعب ونسل أشعب‪ ،‬فهؤلء إلى الن بالمدينة نسل يزيد على اللوف‪ ،‬كلهن أهلي وأقاربي‬
‫قال إبراهيم‪ :‬فضحكت والله من قوله ضحكا ما أذكر أني ضحكت مثله قط ووصلته‪ ،‬ولم يزل عندي زمانا حتى خرج إلى‬
‫‪ .‬المدينة وبلغني أنه مات هناك‬
‫يتسور البستان طلبا للطعام أخبرني أحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مصعب بن عبد الله بن عثمان‪ ،‬قال‪ :‬قال رجل لشعب‪ :‬إن سالم بن‬
‫عبد الله قد مضى إلى بستان فلن و معه طعام كثير‪ ،‬فبادر حتى لحقه فأعلق الغلم الباب دونه‪ ،‬فتسور عليه‪ ،‬فصاح به سالم‪:‬‬
‫بناتي ويلك بناتي‪ ،‬فناداه أشعب‪( :‬لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد) ‪ ،‬فأمر بالطعام فأخرج إليه منه ما‬
‫‪.‬كفاه‬
‫يقوقئ مثل الدجاجة‬

‫صفحة ‪2154 :‬‬

‫أخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن سعيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الزبير بن بكار‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عمي‪ ،‬قال‪ :‬بعثت سكينة إلى أبي‬
‫الزناد فجاءها تستفتيه في شيء‪ ،‬فاطلع أشعب عليه من بيت وجعل يقوقئ مثل ما تقوقئ الدجاجة‪ ،‬قال‪ :‬فسبح أبو الزناد‬
‫وقال‪ :‬ما هذا? فضحكت وقالت ‪ :‬إن هذا الخبيث أفسد علينا بعض أمرنا‪ ،‬فحلفت أن يحضن بيضا في هذا البيت و ل يفارقه حتى‬
‫‪.‬ينقب‪ ،‬فجعل أبو الزناد يعجب من فعلها‬
‫وقد أخبرني محمد بن جعفر النحوي بخبر سكينة الطويل على غير هذه الرواية‪،‬وهو قريب منها‪ ،‬وقد ذكرته في أخبار سكينة‬
‫‪.‬بنت الحسين مفردا عن أخبار أشعب هذه في أخبارها مع زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان‬
‫عبد يسلح في يده أخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن أبي خيثمة‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مصعب‪ ،‬قال‪ :‬حدثني بعض المدنيين‪،‬‬
‫قال‪ :‬كان لشعب حرق في بابه‪ ،‬فكان ينام ثم يخرج يده من الخرق يطمع في أن يجيء إنسان يطرح في يده شيئا من شدة‬
‫‪.‬الطمع‪ ،‬فبعث إليه بعض من كان يعبث به من مجان آل الزبير بعبد له فسلح في يده‪ ،‬فلم يعد بعدها إلى أن يخرج يده‬
‫وأخبرني به الجوهري‪ ،‬عن ابن مهرويه‪ ،‬عن محمد بن الحسن‪ ،‬عن مصعب‪ ،‬عن بعض المدنيين فذكر نحوه ولم يذكر ما فعل به‬
‫‪.‬الماجن‬
‫أشعب وسالم بن عبد الله بن عمر أخبرني أحمد بن بد العزيز الجوهري‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن أبي سعد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد‬
‫بن محمد الزبيري أبو طاهر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن محمد بن أبي قتيلة‪ ،‬قال‪ :‬حدثني إسماعيل بن جعفر بن محمد العرج أن‬
‫أشعب حدثه‪ ،‬قال‪ :‬جاءني فتية من قريش فقالوا‪ :‬إنا نحب أن تسمع سالم بن عبد الله بن عمر صوتا من الغناء وتعلمنا ما يقول‬
‫لك‪ ،‬وجعلوا لي على ذلك جعل فتنني ‪ ،‬فدخلت على سالم فقلت‪ :‬يا أبا عمر‪ ،‬إن لي مجالسة وحرمة ومودة وسنا‪ ،‬وأنا مولع‬
‫بالترنم‪ ،‬قال‪ :‬وما الترنم? قلت‪ :‬الغناء‪ ،‬قال‪ :‬في أي وقت? قلت‪ :‬في الخلوة ومع الخوان في المنزه‪ ،‬فأحب أن أسمعك‪ ،‬فإن‬
‫‪:‬كرهته أمسكت عنه‪ ،‬وغنيته فقال‪ :‬ما أرى بأسا‪ ،‬فخرجت فأعلمتهم‪ ،‬قالوا‪ :‬وأي شيء غنيته? قلت‪ :‬غنيته‬
‫لقحت حرب وائل عن حيالي فقالوا‪ :‬هذا بارد ول حركة فيه‪ ،‬ولسنا نرضى‪ ،‬فلما‬ ‫قربا مربط النعـامة مـنـي‬
‫رأيت دفعهم إياي وخفت ذهاب ما جعلوه لي رجعت فقلت‪ :‬يا أبا عمر‪ ،‬آخر‪ ،‬فقال‪ :‬ما لي ولك? فلم أملكه كلمه حتى غنيت‪،‬‬
‫‪:‬فقال‪ :‬ما أرى بأسا‪ ،‬فخرجت إليهم فأعلمتهم فقالوا‪ :‬وأي شيء غنيته? فقلت غنيته قوله‬
‫وأخو الحرب من أطاق النزال فقالوا‪ :‬ليس هذا بشيء‪ ،‬فرجعت إليه فقال‪ :‬مه‪،‬‬ ‫لم يطيقوا أن ينزلوا ونزلـنـا‬
‫‪:‬قلت‪ :‬وآخر‪ ،‬فلم أملكه أمره حتى غنيت‬
‫ماذا لقيت من الهوى ولقينـا فقال‪ :‬نهل نهل ‪ ،‬فقلت‪ :‬ل والله إل بذاك السداك‪،‬‬ ‫غيضن من عبراتهن وقلن لي‪:‬‬
‫‪:‬وفيه تمر عجوة من صدقة عمر فقال‪ :‬هو لك‪ ،‬فخرجت به عليهم وأنا أخطر فقالوا‪ :‬مه‪ ،‬فقلت‪ :‬غنيت الشيخ‬
‫‪ ......‬فطرب وفرض لي فأعطاني هذا‪ ،‬وكذبتهم‪ ،‬والله ما أعطانيه إل استكفافا‬ ‫غيضن من عبراتهن وقلن لي‬
‫‪.‬حتى صمت‪ ،‬قال ابن أبي سعد‪ :‬السداك‪ :‬الزبيل الكبير‪ .‬وفرض لي أي نقطني‪ ،‬يعني ما يهبه الناس للمغني ويسمونه النقط‬
‫كانت له ألحان مطربة وشهد له معبد حدثني الجوهري‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثني قعنب بن المحرز‪ ،‬عن‬
‫الصمعي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني جعفر بن سليمان‪ ،‬قال‪ :‬قدم أشعب أيام أبي جعفر‪ ،‬فأطاف به فتيان بني هاشم وسألوه أن يغنيهم‬
‫‪:‬فغنى فإذا ألحانه مطربة وحلقه على حاله‪ ،‬فقال له جعفر بن المنصور‪ :‬لمن هذا الشعر والغناء‬
‫لمن طلل بذات الجيش أمسى دارسا خلقا? فقال له‪ :‬أخذت الغناء عن معبد‪ ،‬وهو للدلل‪ ،‬ولقد كنت آخذ اللحن عن معبد فإذا‬
‫‪.‬سئل عنه قال‪ :‬عليكم بأشعب فإنه أحسن تأدية له مني‬
‫أشعب يلزم جريرا ويغنيه في شعره أخبرني محمد بن مزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا حماد بن إسحاق‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن عبد الله بن مصعب‪،‬‬
‫‪:‬قال‬

‫صفحة ‪2155 :‬‬

‫قدم جرير المدينة‪ ،‬فاجتمع إليه الناس يستنشدونه ويسألونه عن شعره‪ ،‬فينشدهم ويأخذون عنه وينصرفون‪ ،‬ولزمه أشعب من‬
‫بينهم فلم يفارقه‪ ،‬فقال له جرير‪ :‬أراك أطولهم جلوسا وأكثرهم سؤال‪ ،‬وإني لظنك ألمهم حسبا‪ ،‬فقال له‪ :‬يا أبا حزرة‪ ،‬أنا‬
‫والله أنفعهم لك‪ ،‬قال‪ :‬وكيف ذلك?قال‪ :‬أنا آخذ شعرك فأحسنه وأجوده‪ ،‬قال‪ :‬كيف تحسنه وتجوده? قال‪ :‬فاندفع فغناه في‬
‫شعره والغناء لبن سريج‪ :‬صوت‬
‫قبل الرحيل وقبل لوم العدل‬ ‫يا أخت ناجية السلم عليكـم‬
‫يوم الرحيل فعلت ما لم أفعل قال‪ :‬فطرب جرير حتى بكى وجعل يزحف إليه‬ ‫لو كنت أعلم أن آخر عهدكم‬
‫‪.‬حتى لصقت ركبته بركبته وقال‪ :‬أشهد أنك تحسنه وتجوده‪ ،‬فأعطاه من شعره ما أراد‪ ،‬ووصله بدنانير وكسوة‬
‫حدثني أحمد بن عبد العزيز‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبي‪ ،‬قال‪ :‬قال الهيثم بن عدي‪ :‬لقيت أشعب فقلت له‪:‬‬
‫‪.‬كيف ترى أهل زمانك هذا? قال‪ :‬يسألون عن أحاديث الملوك ويعطون إعطاء العبيد‬
‫أشعب وأم عمر بنت مروان‬
‫حدثني أحم‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن يحيى‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا مصعب‪ ،‬قال‪ :‬حجت أم عمر بنت مروان‬
‫فاستحجبت أشعب وقالت له‪ :‬أنت أعرف الناس بأهل المدينة‪ ،‬فأذن لهم على مراتبهم‪ ،‬وجلست لهم مليا‪ ،‬ثم قامت فدخلت‬
‫القائلة‪ ،‬فجاء طويس فقال لشعب‪ :‬استأذن لي على أم عمر‪ ،‬فقال‪ :‬ما زالت جالسة وقد دخلت‪ ،‬فقال له‪ :‬يا أشعب ملكت‬
‫يومين فلم تفت بعرتين ولم تقطع شعرتين‪ ،‬فدق أشعب الباب ودخل إليها‪ ،‬فقال لها‪ :‬أنشدك الله يا بنة مروان‪ ،‬هذا طويس‬
‫بالباب فل ا تتعرضي للسانه ول تعرضيني‪ ،‬فأذنت له‪ ،‬فلما دخل إليها قال لها‪ :‬والله لئن كان بابك غلقا لقد كان باب أبيك فلقا ‪،‬‬
‫‪:‬ثم أخرج دفه ونقر به وغنى‬
‫في النوم غير مصر محسوب‬ ‫ما تمنعني يقظي فقد تؤتـينـه‬
‫فلهوت من لهو امرئ مكذوب قالت‪ :‬أيهما أحب إليك العاجل أم الجل? فقال‪:‬‬ ‫كان المنى بلقائها فلقـيتـهـا‬
‫‪.‬عاجل وآجل‪ ،‬فأمرت له بكسوة‬
‫أخبرني الجوهري‪ ،‬قال‪ :‬حدثني ابن مهرويه‪ ،‬عن أبي مسلم‪ ،‬عن المدائني‪ ،‬قال‪ :‬حدث رجل من أهل المدينة أشعب بحديث‬
‫‪.‬أعجبه فقال له‪ :‬في حديثك هذا شيء‪ ،‬قال‪ :‬وما هو? قال‪ :‬تقليبه على الرأس‬
‫أشعب والوليد بن يزيد‬
‫أخبرني الجوهري‪ ،‬قال‪ :‬حدثني ابن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا أبو مسلم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا المدائني‪ ،‬قال‪ :‬بعث الوليد بن يزيد إلى أشعب‬
‫بعدما طلق امرأته سعدة فقال له‪ :‬يا أشعب‪ ،‬لك عندي عشرة آلف درهم على أن تبلغ رسالتي سعدة‪ ،‬فقال له‪ :‬أحضر المال‬
‫‪:‬حتى أنظر إليه‪ ،‬فأحضر الوليد بدرة فوضعها أشعب على عنقه‪ ،‬ثم قال‪ :‬هات رسالتك يا أمير المؤمنين‪ ،‬قال‪ :‬قل لها‪ :‬يقول لك‬
‫وهل حتى القيامة من تلقي‬ ‫?أسعدة هل إليك لـنـا سـبـيل‬
‫بموت من حليلـك أو طـلق‬ ‫بلى‪ ،‬ولعل دهـرا أن يواتـي‬
‫ويجمع شملنا بعـد افـتـراق قال‪ :‬فأتى أشعب الباب‪ ،‬فأخبرت بمكانه‪ ،‬فأمرت‬ ‫فأصبح شامتا وتقـر عـينـي‬
‫ففرشت لها فرش وجلست فأذنت له‪ ،‬فدخل وأنشدها ما أمره‪ ،‬فقالت لخدمها‪ :‬خذوا الفاسق‪ ،‬فقال‪ :‬يا سيدتي إنها بعشرة‬
‫آلف درهم‪ ،‬قالت‪ :‬والله لقتلنك أو تبلغه كما بلغتني‪ ،‬قال‪ :‬وما تهبين لي? قالت‪ :‬بساطي الذي تحتي‪ ،‬قال‪ :‬قومي عنه‪ ،‬فقالت‬
‫‪:‬فطواه ثم قال‪ :‬هاتي رسالتك جعلت فداءك‪ ،‬قالت‪ :‬قل له‬
‫فقد ذهبت لنبى فما أنت صانع? فأقبل أشعب فدخل على الوليد فأنشده‬ ‫أتبكي على لبنى وأنت تركتـهـا‬
‫البيت‪ ،‬فقال‪ :‬أوه قتلتني والله‪ ،‬ما تراني صانعا بك يا بن الزانية? اختر إما أن أدليك منكسا في بئر‪ ،‬أو أرمي بك من فوق القصر‬
‫منكسا‪ ،‬أو أضرب رأسك عمودي هذا ضربة‪ ،‬فقال‪ :‬ما كنت فاعل بي شيئا من ذلك‪ ،‬قال‪ :‬ولم? قال‪ :‬لنك لم تكن لتعذب رأسا‬
‫‪.‬فيه عينان قد نظرتا إلى سعدة فقال‪ :‬صدقت يا بن الزانية‪ ،‬اخرج عني‬
‫‪:‬وقد أخبرني بهذا الخبر محمد بن مزيد‪ ،‬عن حماد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن الهيثم بن عدي‪ ،‬أن سعدة لما أنشدها أشعب قوله‬
‫وهل حتى القيامة من تلقي? قالت‪ :‬ل والله ل يكون ذلك أبدا‪ ،‬فلما أنشدها‬ ‫‪:‬أسعدة هل إليك لـنـا سـبـيل‬
‫بموت من حليلك أو طلق قالت‪ :‬كل إن شاء الله‪ ،‬بل يفعل الله ذلك به‪ ،‬فلما‬ ‫بلى ولعل دهرا أن يواتـي‬
‫‪:‬أنشدها‬

‫صفحة ‪2156 :‬‬

‫ويجمع شملنا بعد افتراق قالت‪ :‬بل تكون الشماتة به‪ ،‬وذكر باقي الخبر مثل حديث‬ ‫فأصبح شامتا وتقر عيني‬
‫‪.‬الجوهري‪ ،‬عن ابن مهرويه‬
‫أخبرني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن سعيد الكراني‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا العمري‪ ،‬عن الهيثم بن عدي‪ ،‬قال‪ :‬كتب الوليد بن يزيد في‬
‫إشخاص أشعب من الحجاز إليه وجمله على البريد‪ ،‬فحمل إليه‪ ،‬فلما دخل أمر بأن يلبس تبانا ويجعل فيه ذنب قرد‪ ،‬ويشد في‬
‫رجليه أجراس‪ ،‬وفي عنقه جلجل‪ ،‬ففعل به ذلك‪ ،‬فدخل وهو عجب من العجب‪ ،‬فلما رآه ضحك منه وكشف عن أيره‪ ،‬قال‬
‫أشعب‪ :‬فنظرت إليه كأنه ناي مدهون‪ ،‬فقال لي‪ :‬أسجد للصم ويلك‪ ،‬يعني أيره‪ ،‬فسجدت‪ ،‬ثم رفعت رأسي وسجدت أخرى‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ما هذا? فقلت‪ :‬الولى للصم‪ ،‬والثانية لخصيتيك‪ ،‬فضحك وأمر بنزع ما كان ألبسنيه ووصلني‪ ،‬ولم أزل من ندمائه حتى‬
‫‪.‬قتل‬
‫أخبرني محمد بن مزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا حماد بن إسحاق‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬قال رجل لشعب إنه أهدي إلى زياد بن عبد الله الحارثي‬
‫قبة أدم قيمتها عشرة آلف درهم فقال‪ :‬امرأته الطلق لو أنها قبة السلم ما ساوت ألف درهم‪ .‬فقيل له‪ :‬إن معها جبة وشي‬
‫‪.‬حشوها قز قيمتها عشرون ألف دينار‪ ،‬فقال‪ :‬أمه زانية لو أن حشوها زغب أجنحة الملئكة ما ساورت عشرين دينارا‬
‫أشعب ورجل من ولد عامر بن لؤي أخبرني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو أيوب المدائني‪ ،‬قال‪ :‬حدثني مصعب بن عبد الله الزبيري‪،‬‬
‫عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أشعب‪ ،‬قال‪ :‬ولي المدينة رجل من ولد عامر بن لؤي‪ ،‬وكان أبخل الناس وأنكدهم ‪ ،‬وأغراه الله بي‬
‫يطلبني في ليه ونهاره‪ ،‬فإن هربت منه هجم على منزلي بالشرط‪ ،‬وإن كنت في موضع بعث إلى من أكون معه أو عنده يطلبني‬
‫منه‪ ،‬فيطالبني بأن أحدثه وأضحكه‪ ،‬ثم ل أسكت ول ينام ‪ ،‬ول يطعمني ول يعطيني شيئا‪ ،‬فلقيت منه جهدا عظيما وبلء شديدا‪،‬‬
‫وحضر الحج‪ ،‬فقال لي‪ :‬يا أشعب‪ ،‬كن معي‪ ،‬فقلت‪ :‬بأبي أنت وأمي‪ ،‬أنا عليل‪ ،‬وليست لي نية في الحج‪ .‬فقال‪ :‬عليه وعليه‪،‬‬
‫وقال‪ :‬إن الكعبة بيت النار‪ ،‬لئن لم تخرج معي لودعنك الحبس حتى أقدم‪ ،‬فخرجت معه مكرها‪ ،‬فلما نزلنا المنزل أظهر أنه‬
‫صائم ونام حتى تشاغلت‪ ،‬ثم أكل ما سفرته‪ ،‬وأمر غلمه أن يطعمني رغيفين بملح‪ ،‬فجئت وعندي أنه صائم‪ ،‬ولم أزل أنتظر‬
‫المغرب أتوقع إفطاره‪ ،‬فلما صليت المغرب قلت لغلمه‪ :‬ما ينتظر بالكل? قال‪ :‬قد أكل منذ زمان‪ ،‬قلت‪ :‬أو لم يكن صائما?‬
‫قال‪ :‬ل‪ ،‬قلت‪ :‬أفأطوي أنا? قال‪ :‬قد أعد لك ما تأكله فكل‪ ،‬وأخرج إلي الرغيفين والملح فأكلتهما وبت ميتا جوعا‪ ،‬وأصبحت‬
‫فسرنا حتى نزلنا المنزل‪ ،‬فقال لغلمه‪ :‬ابتع لنا لحما بدرهم‪ ،‬فابتاعه‪ ،‬فقال‪ :‬كبب لي قطعا‪ ،‬ففعل‪ ،‬فأكله ونصب القدر‪ ،‬فلما‬
‫اغبرت قال‪ :‬اغرف لي منها قطعا‪ ،‬ففعل‪ ،‬فأكلها‪ ،‬ثم قال‪ :‬اطرح فيها دقة وأطعمني منها‪ ،‬ففعل‪ ،‬ثم قال‪ :‬ألق توابلها وأطعمني‬
‫منها‪ ،‬ففعل؛ وأنا جالس أنظر إليه ل يدعوني‪ ،‬فلما استوفى اللحم كله قال‪ :‬يا غلم‪ ،‬أطعم أشعب‪ ،‬ورمي إلى برغيفين‪ ،‬فجئت‬
‫إلى القدر وإذا ليس فيها غل مرق وعظام‪ ،‬فأكلت الرغيفين‪ ،‬وأخرج له جرابا فيه فاكهة يابسة‪ ،‬فأخذ منها حفنة فأكلها‪ ،‬وبقي‬
‫في كفه كف لوز بقشره‪ ،‬ولم يكن له فيه حيلة‪ ،‬فرمى به إلي وقال‪ :‬كل هذا يا أشعب‪ ،‬فذهبت أكسر واحدة منها فإذا بضرسي‬
‫قد انكسرت منه قطعة فسقطت بين يدي‪ ،‬وتباعدت أطلب حجرا أكسره به‪ ،‬فوجدته‪ ،‬فضربت له لوزة فطفرت ‪-‬يعلم الله‪-‬‬
‫مقدار رمية حجر‪ ،‬وعدوت في طلبها‪ ،‬فبينما أنا في ذلك إذ أقبل بنو مصعب ‪-‬يعني ابن ثابت وإخوانه‪ -‬يلبون بتلك الحلوق‬
‫الجهورية‪ ،‬فصحت بهم‪ :‬الغوث الغوث العياذ بالله وبكم يا آل الزبير‪ ،‬الحقوني أدركوني‪ ،‬فركضوا إلي‪ ،‬فلما رأوني قالوا‪ :‬أشعب‪،‬‬
‫ما لك ويلك قلت‪ :‬خذوني معكم تخلصوني من الموت‪ ،‬فحملوني معهم‪ ،‬فجعلت أرفرف بيدي كما يفعل الفرخ إذا طلب الزق‬
‫من أبويه‪ ،‬فقالوا‪ :‬ما لك ويلك قلت‪ :‬ليس هذا وقت الحديث‪ ،‬زقوني مما معكم‪ ،‬فقد مت ضرا وجوعا منذ ثلث‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فأطعموني حتى تراجعت نفسي‪ ،‬وحملوني معهم في محمل‪ ،‬ثم قالوا‪ :‬أخبرنا بقصتك‪ ،‬فحدثتهم وأريتهم ضرسي المكسورة‪،‬‬
‫فجعلوا يضحكون ويصفقون وقالوا‪ :‬ويلك من أين وقعت على هذا? هذا من أبخل خلق الله وأدنئهم نفسا‪ ،‬فحلفت بالطلق أني‬
‫‪.‬ل أدخل المدينة ما دام بها سلطان‪ ،‬فلم أدخلها حتى عزل‬
‫أشعب يسقط الغاضري‬

‫صفحة ‪2157 :‬‬

‫أخبرني رضوان بن أحمد الصيدلني‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يوسف بن إبراهيم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا إبراهيم بن المهدي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عبيدة بن‬
‫أشعب‪ ،‬قال‪ :‬كان الغاضري مندر أهل المدينة ومضحكهم قبل أبي‪ ،‬فأسقطه أبي واطرح‪ ،‬وكان الغاضري حسن الوجه ماد‬
‫القامة غبل فخما‪ ،‬وكان أبي قصيرا دميما قليل اللحم؛ إل أنه كان يتضرم ويتوقد ذكاء وحدة وخفة روح‪ ،‬وكان الغاضري يحسده‬
‫إل أنهما متساويان‪ ،‬وكان الغاضري لقيطا منبوذا ل يعرف له أب‪ ،‬فمر يوما ‪-‬ومعه فتية من قريش‪ -‬بأبي في المسجد وقد تأذى‬
‫بثيابه فنزعها‪ ،‬وتجرد وجلس عريانا‪ ،‬فقال لهم الغاضري‪ :‬أنشدتكم الله هل رأيتم أعجب من هذه الخلقة يريد خلقة أبي‪ ،‬فقال‬
‫له أبي‪ :‬إن خلقتي لعجيبة‪ ،‬وأعجب منها أنه زقني اثنان فصرا نضوا ‪ ،‬وزقك واحد فصرت بختيا ‪ ،‬قال‪ :‬وأهل المدينة يسمون‬
‫المهلوس من الفراخ النضو والمسرول البختي‪ ،‬فغضب الغاضري عند ذلك وشتمه‪ ،‬فسقط واستبرد‪ ،‬وترك النوادر بعد ذلك‪،‬‬
‫‪.‬وغلب أبي على أهل المدينة واستطابوه‪ ،‬وكان هذا سببه‬
‫أشعب وزياد بن عبد الله الحارثي أخبرني جعفر بن قدامة‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا حماد بن إسحاق‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬كان زياد بن عبد الله‬
‫الحارثي أبخل خلق الله‪ ،‬فأولم وليمة لطهر بعض أولده‪ ،‬وكان الناس يحضرون ويقدم الطعام فل يأكلون منه إل تعلل وتشعثا‬
‫لعلمهم به‪ ،‬فقدم فيما قدم جدي مشوي فلم يعرض له أحد‪ ،‬وجعل يردده على المائدة ثلثة أيام والناس يجتنبونه إلى أن‬
‫انقضت الوليمة‪ ،‬فأصغى أشعب إلى بعض من كان هناك فقال‪ :‬امرأته الطلق إن لم يكن هذا الجدي بعد أن ذبح وشوي أطوال‬
‫‪.‬عمرا وأمد حياة منه قبل أن يذبح‪ ،‬فضحك الرجل‪ ،‬وسمعها زياد فتغافل‬
‫غضبت سكينة عليه فأمرت بحلق لحيته أخبرني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن أبي سعد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن عبد الله بن‬
‫مالك‪ ،‬عن إسحاق‪ ،‬قال‪ :‬حدثني إبراهيم بن المهدي‪ ،‬عن عبيدة بن أشعب‪ ،‬قال‪ :‬غضبت سكينة على أبي في شيء خالفها فيه‬
‫فحلفت لتحلقن لحيته‪ ،‬ودعت بالحجام فقالت له‪ :‬احلق لحيته‪ ،‬فقال له الحجام‪ :‬انفخ شدقيك حتى أتمكن منك‪ ،‬فقال له‪ :‬يا بن‬
‫البطراء‪ ،‬أمرتك أن تحلق لحيتي أو تعلمني الزمر خبرني عن امرأتك إذا أردت أن تحلق حرها تنفخ أشداقه فغضب الحجام‬
‫‪.‬وحلف أل يحلق لحيته وانصرف‪ ،‬وبلغ سكينة الخبر وما جرى بينهما فضحكت وعفت عنه‬
‫بين زياد بن عبد الله الحارثي وكاتبه أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو العيناء‪ ،‬عن الصمعي‪ ،‬قال‪ :‬أهدى‬
‫كاتب لزياد بن عبد الله الحارثي إليه طعاما‪ ،‬فأتي به وقد تغدى فغضب وقال‪ :‬ما أصنع به وقد أكلت? ادعوا أهل الصفة يأكلونه‪،‬‬
‫فبعث إليهم وسأل كاتبه‪ :‬فيم دعا أهل الصفة? فعرف‪ ،‬فقال الكاتب‪ :‬عرفوه أن في السلل أخبصة وحلواء ودجاجاص وفراخا‪،‬‬
‫فأخبر بذلك‪ ،‬فأمر بكشفها‪ ،‬فلما رآها أمر برفعها فرفعت‪ ،‬وجاء أهل الصفة فأعلم‪ ،‬فقال‪ :‬اضربوهم عشرين عشرين درة‪،‬‬
‫واحبسوهم فإنهم يفسون في مسجد رسول الله صلى الله عليهم وسلم ويؤذون المصلين‪ ،‬فكلم فيهم‪ ،‬فقال‪ :‬حلفوهم أل‬
‫‪.‬يعاودوا وأطلقوهم‬
‫أشعب وأبان بن عثمان والعرابي أخبرني محمد بن مزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عمر بن شبة‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن زبالة‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن زبنج‬
‫‪:‬راوية بن هرمة‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‬

‫صفحة ‪2158 :‬‬

‫كان أبان بن عثمان من أهزل الناس وأعبثهم ‪ ،‬وبلغ من عبثه أنه كان يجيء بالليل إلى منزل رجل في أعلى المدينة له لقب‬
‫يغضب منه فيقول له‪ :‬أنا فلن فلن‪ ،‬ثم يهتف بلقبه‪ ،‬فيشتمه اقبح شتم وأبان يضحك‪ .‬فبينما نحن ذات يوم عنده وعنده أشعب‬
‫إذ أقبل أعرابي ومعه جمل له‪ ،‬والعرابي أشق أزرق أزعر غضوب يتلظى كأنه أفعى‪ ،‬ويتبين الشر في وجهه ما يدنو منه أحد إل‬
‫شتمه ونهره‪ ،‬فقال أشعب لبان‪ :‬هذا والله من البادية ادعوه‪ ،‬فدعي وقيل له‪ :‬إن المير أبان بن عثمان يدعوك‪ ،‬فأتاه فسلم‬
‫عليه‪ ،‬فسأله أبان عن نسبه فانتسب له‪ ،‬فقال‪ :‬حياك الله يا خالي‪ ،‬حبيب ازداد حبا‪ ،‬فجلس‪ ،‬فقال له‪ :‬إني في طلب جمل مثل‬
‫جملك هذا منذ زمان فلم أجده كما أشتهي بهذه الصفة‪ ،‬وهذه القامة‪ ،‬واللون‪ ،‬والصدر‪ ،‬والورك‪ ،‬والخفاف‪ ،‬فالحم لله الذي‬
‫جعل ظفري به من عند من أحبه‪ ،‬أتبيعه? فقال‪ :‬نعم أيها المير‪ ،‬فقال‪ :‬فإني قد بذلت لك به مائة دينار ‪-‬وكان الجمل يساوي‬
‫عشرة دنانير‪ -‬فطمع العرابي وسر وانتفخ‪ ،‬وبان السرور والطمع في وجهه‪ ،‬فأقبل أبان على أشعب ثم قال له‪ :‬ويلك يا أشعب‬
‫إن خالي هذا من أهلك وأقاربك ‪-‬يعني في الطمع‪ -‬فأوسع له مما عندك‪ .‬فقال له‪ :‬نعم بأبي أنت وزيادة‪ ،‬فقال له أبان‪ :‬يا خالي‪،‬‬
‫إنما زدتك في الثمن على بصيرة وإنما الجمل يساوي ستين دينارا‪ ،‬ولكن بذلت لك مائة لقلة النفذ عندنا‪ ،‬وإني أعطيك به‬
‫عروضا تساوي مائة‪ ،‬فزاد طمع العرابي وقال‪ :‬قد قبلت ذلك أيها المير‪ ،‬فأسر إلي أشعب‪ ،‬فأخرج شيئا مغطى فقال له‪ :‬أخرج‬
‫ما جئت به‪ ،‬فأخرج جرد عمامة خز خلق تساوي أربعة دراهم‪ ،‬فقال له‪ :‬قومها يا أشعب‪ ،‬فقال له‪ :‬عمامة المير تعرف به‪،‬‬
‫ويشهد فيها العياد والجمع ويلقى فيها الخلفاء؛ خمسون دينارا‪ .‬فقال‪ :‬ضعها بين يديه‪ :‬وقال لبن زبنج‪ ،‬أثبت قيمتها‪ .‬فكتب ذلك‪،‬‬
‫ووضعت العمامة بين يدي العرابي‪ ،‬فكاد يدخل بعضه في بعض غيظا‪ ،‬ولم يقدر على الكلم‪ ،‬ثم قال‪ :‬هات قلنسوتي‪ ،‬فأخرج‬
‫قلنسوة طويلة خلقة قد علها الوسخ والدهن وتخرقت‪ ،‬تساوي نصف درهم‪ ،‬فقال‪ :‬قوم‪ ،‬فقال‪ :‬قلنسوة المر تعلو هامته‬
‫ويصلي فيها الصلوات الخمس‪ ،‬ويجلس للحكم؛ ثلثون دينارا‪ .‬قال‪ :‬أثبت‪ ،‬فأثبت ذلك‪ ،‬ووضعت القلنسوة بين يدي العرابي‪،‬‬
‫‪.‬فتربد وجهه وجحظت عيناه وهم بالوثوب‪ ،‬ثم تماسك وهو متقليل‬
‫ثم قال لشعب‪ :‬هات ما عندك‪ ،‬فأخرج خفين خلقين قد نقبا وتقشرا وتفتقا‪ ،‬فقال له‪ :‬قوم‪ ،‬فقال‪ :‬خفا المير‪ ،‬يطأ بهما‬
‫الروضة‪ ،‬ويعلو بهما منبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ أربعون دينارا‪ .‬فقال‪ :‬ضعها بين يديه فوضعهما‪ .‬ثم قال للعرابي‪ :‬اضمم‬
‫إليك متاعك‪ ،‬وقال لبعض العوان‪ :‬اذهب فخذ الجمل‪ ،‬وقال لخر‪ :‬امض مع العرابي فاقبض منه ما بقي لنا عليه من ثمن‬
‫المتاع وهو عشرون دينارا‪ ،‬فوثب العرابي فأخذ القماش فرب به وجوه القوم ل يألو في شدة الرمي به‪ ،‬ثم قال له‪ :‬أتدري‬
‫أصلحك الله من أي شيء أموت? قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬لم أدرك أباك عثمان فأشترك والله في دمه إذ ولد مثلك‪ ،‬ثم نهض مثل‬
‫المجنون حتى أخذ برأس بعيره‪ ،‬وضحك أبان حتى سقط وضحك كل من كان معه‪ .‬وكان العرابي بعد ذلك إذا لقي أشعب يقول‬
‫‪.‬له‪ :‬هلم إلي بابن الخبيثة حتى أكافئك على تقويمك المتاع يوم قوم‪ ،‬فيهرب أشعب منه‬
‫يخشى أن تحسده العجوز على خفة موته أخبرني جعفر بن قدامة‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن الحارث‪ ،‬عن المدائني‪ ،‬قال‪ :‬حدثني‬
‫شيخ من أهل المدينة قال‪ :‬كانت بالمدينة عجوز شديدة العين‪ ،‬ل تنظر إلى شيء تستحسنه إل عانته ‪ ،‬فدخلت على أشعب وهو‬
‫في الموت‪ ،‬وهو يقول لبنته‪ :‬يا بنية‪ ،‬إذا مت فل تندبيني والناس يسمعونك‪ ،‬فتقولين‪ :‬وا أبتاه أندبك للصوم والصلوات‪ ،‬وا أبتاه‬
‫أندبك للفقه والقراءة‪ ،‬فيكذبك الناس ويلعنوني‪ .‬والتفت أشعب فرأى المرأة‪ ،‬فغطى وجهه بكمه وقال لها‪ :‬يا فلنة بالله إن كنت‬
‫استحسنت شيئا مما أنا فيه فصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ل تهلكيني‪ .‬فغضبت المرأة وقالت‪ :‬سخنت عينك ‪ ،‬في أي‬
‫شيء أنت مما يستحسن أنت في آخر رمق قال‪ :‬قد علمت ولكن قلت لئل تكون قد استحسنت خفة الموت علي وسهولة‬
‫‪.‬النزع‪ ،‬فيشتد ما أنا فيه‪ .‬وخرجت من عنده وهي تشتمه‪ ،‬وضحك كل من كان حوله من كلمه‪ ،‬ثم مات‬
‫أمثلة من طرائف وطمعه أخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن أبي طاهر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو أيوب المديني‪ ،‬عن مصعب‪،‬‬
‫‪:‬قال‬

‫صفحة ‪2159 :‬‬

‫ل عب أشعب رجل بالنرد‪ ،‬فأشرف على أن يقمره إل بضرب دويكين‪ ،‬ووقع الفصان في يد ملعبه‪ ،‬فأصابه زمع وجزع‪ ،‬فضرب‬
‫يكين وضرط مع الضربة فقال له أشعب‪ :‬امرأته طالق إن لم أحسب لك الضرطة بنقطة حتى يصير لك اليكان دوويك وتقمر ‪.‬‬
‫‪.‬وسلم له القمر بسبب الضرطة‬
‫أخبرني الحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو أيوب‪ ،‬عن حماد‪ ،‬عن ابن إسحاق‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬قال رجل لشعب‪ :‬كان‬
‫‪.‬أبوك ألحى وأنت أثط فإلى من خرجت? قال‪ :‬إلى أمي‪ ،‬فمر الرجل وهو يعجب من جوابه‪ ،‬وكان رجل صالحا‬
‫أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني الرياشي‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أبا عاصم النبيل يقول‪ :‬رأيت أشعب وسأله رجل‪ :‬ما بلغ‬
‫‪.‬من طمعك? قال‪ :‬ما زفت عروس بالمدينة إلى زوجها قط إل فتحت بابي‪ ،‬رجاء أن تهدى إلي‬
‫أخبرني حبيب بن نصر المهلبي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الزبير بن بكار‪ ،‬عن عمه‪ ،‬قال‪ :‬تظلمت امرأة أشعب منه إلى أبي بكر محمد بن‬
‫‪.‬عمرو بن حزم وقالت‪ :‬ل يدعني أهدأ من كثرة الجماع‪ ،‬فقال له أشعب‪ ،‬أتراني أعلف ول أركب‪ ،‬لتكف ضرسها لكف أيري‬
‫قال‪ :‬وشكا خال لشعب غليه امرأته وأنها تخونه في ماله‪ ،‬فقال له‪ :‬فديتك ل تأمنن قحبة‪ ،‬ولو أنها أمك‪ ،‬فانصرف عنه وهو‬
‫‪.‬يشتمه‬
‫أخبرني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عبد الله بن أبي سعد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني قعنب بن المحرز‪ ،‬عن الصمعي‪ ،‬عن جعفر بن سليمان‪ ،‬قال‪:‬‬
‫قدم علينا أشعب أيام جعفر‪ ،‬فأطاف به فتيان بني هاشم‪ ،‬وسألوه أن يغني فغناهم فإذا ألحانه مطربة وحلقه على حاله‪،‬‬
‫‪:‬فسألوه‪ :‬لمن هذا اللحن‬
‫لمن طلل بذات الجيش أمسى دارسا خلقا? فقال‪ :‬للدلل‪ ،‬وأخذته عن معبد‪ ،‬ولقد كنت آخذ عنه الصوت‪ ،‬فإذا سئل عنه قال‪:‬‬
‫‪.‬عليكم بأشعب فإنه أحسن أداء له مني‬
‫الحسن بن الحسن بن علي يعبث به أخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬ذكر الزبير بن‬
‫بكار‪ ،‬عن شعيب بن عبيد بن أشعب‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬كان الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلم يعبث بأبي‬
‫أشد عبث‪ ،‬وربما أراه في عبثه أنه قد ثمل وأنه يعربد عليه‪ ،‬ثم يخرج إليه بسيف مسلول ويريه أنه يريد قتله‪ ،‬فيجري بينهما في‬
‫ذلك كل مستمع‪ ،‬فهجره أبي مدة طويلة‪ ،‬ثم لقيه يوما فقال له‪ :‬يا أشعب‪ ،‬هجرتني وقطعتني ونسيت عهدي‪ ،‬فقال له‪ :‬بأبي‬
‫أنت وأمي‪ ،‬لو كنت تعربد بغير السيف ما هجرتك‪ ،‬ولكن ليس مع السيف لعب‪ ،‬فقال له‪ :‬فأنا أعفيك من هذا فل تراه مني أبدا‪،‬‬
‫وهذه عشرة دنانير‪ ،‬ولك حماري الذي تحت أحملك عليه‪ ،‬وصر إلى ولك الشرط أل ترى في داري سيفا‪ ،‬قال‪ :‬ل والله أو تخرج‬
‫كل سيف في دارك قبل أن نأكل قال‪ :‬ذلك لك‪ ،‬قال‪ :‬فجاءه أبي‪ ،‬ووفى له بما قال من الهبة وإخراج السيوف‪ ،‬وخلف عنده‬
‫سيفا في الدار‪ ،‬فلما توسط المر قام إلى البيت فأخرج السيف مشهورا‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا أشعب إنما أخرجت هذا السيف لخير أريده‬
‫بك‪ ،‬قال‪ :‬بأبي أنت وأمي‪ ،‬وأي خير يكون مع السيف? ألست تذكر الشرط بيننا? قال له‪ :‬فاسمع ما أقول لك‪ ،‬لست أضربك به‪،‬‬
‫ول يلحقك منه شيء تكرهه‪ ،‬وإنما أريد أن أضجعك وأجلس على صدرك‪ ،‬ثم آخذ جلدة حلقك بإصبعي من غير أن أقبض على‬
‫عصب ول ودج ول مقتل‪ ،‬فأحزها بالسيف‪ ،‬ثم أقوم عن صدرك وأعطيك عشرين دينارا‪ ،‬فقال‪ :‬نشدتك الله يا بن رسول الله أل‬
‫تفعل بي هذا وجعل يصرخ ويبكي ويستغيث‪ ،‬والحسن ل يزيده على الحلف له أنه ل يقتله‪ ،‬ول يتجاوز به أن يحز جلده فقط‪،‬‬
‫ويتوعده مع ذلك بأنه إن لم يفعله طائعا فعله كارها‪ ،‬حتى إذا طال الخطب بينهما‪ ،‬واكتفى الحسن من المزح معه‪ ،‬أراه أنه‬
‫يتغافل عنه‪ ،‬وقال له‪ :‬أنت ل تفعل هذا طائعا‪ ،‬ولكن أجيء بحبل فأكتفك به‪ ،‬ومضى كأنه يجيء بحبل‪ ،‬فهرب أشعب وتسور‬
‫حائطا بينه وبين عبد الله بن حسن أخيه فسقط إلى داره‪ ،‬فانفكت رجله وأغمي عليه‪ ،‬فخرج عبد الله فزعا‪ ،‬فسأله عن قصته‪،‬‬
‫فأخبره‪ ،‬فضحك منه وأمر له بعشرين دينارا‪ ،‬وأقام في منزله يعالجه ويعوله إلى أن صلحت حال‪ .‬قال‪ :‬وما رآه الحسن بن‬
‫‪.‬الحسن بعدها‬
‫‪:‬وأخبرني الحرمي بن أبي العلء‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الزبير بن بكار‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عمي‪ ،‬قال‬

‫صفحة ‪2160 :‬‬

‫دعا حسن بن حسن بن علي عليهم السلم أشعب‪ ،‬فأقام عنده‪ ،‬فقال لشعب يوما‪ :‬أنا أشتهي كبد هذه الشاة ‪-‬لشاة عند‬
‫عزيزة عليه فارهة‪ -‬فقال له أشعب‪ :‬بأبي أنت وأمي أعطنيها وأنا أذبح لك أسمن شاة بالمدينة‪ ،‬فقال‪ :‬أخبرك أني أشتهي كبد‬
‫هذه وتقول لي‪ :‬أسمن شاة بالمدينة‪ ،‬اذبح يا غلم‪ ،‬فذبحها وشوى له من كبدها وأطايبها‪ ،‬فأكل‪ .‬ثم قال لشعب من الغد‪ :‬يا‬
‫أشعب أنا أشتهي كبد نجيبي هذا ‪-‬لنجيب كان عند ثمنه ألوف الدراهم‪ -‬فقال له أشعب‪ :‬يا سيدي في ثمن هذا والله غناي‪،‬‬
‫فأعطنيه وأنا والله أطعمك من كبد كل جزور بالمدينة‪ ،‬فقال‪ :‬أخبرك أني أشتهي من كبد هذا وتطعمني من غيره يا غلم انحر‪،‬‬
‫فنحر النجيب وشوى كبده فأكل‪ ،‬فلما كان اليوم الثالث قال له‪ :‬يا أشعب‪ ،‬أنا والله أشتهى أن آكل من كبدك‪ ،‬فقال له‪ :‬سبحان‬
‫الله أتأكل من أكباد الناس قال‪ :‬قد أخبرتك‪ ،‬فوثب أشعب فرمى بنفسه من درجة عالية فاكسرت رجله‪ ،‬فقيل له‪ :‬ويلك أظننت‬
‫أنه يذبحك? فقال‪ :‬والله لو أن كبدي وجميع أكباد العالمين جميعا اشتهاها لكلها‪ .‬وإنما فعل حسن بالشاة والنجيب ما فعل‬
‫‪.‬توطئة للعبث بأشعب‬
‫تمت أخباره‬
‫صوت‬

‫أحاديث نفس وأحلمهـا‬ ‫ألمت خناس وإلمامـهـا‬


‫تطاول في المجد أعمامها الشعر لعويف القوافي الفزاري والغناء للهذلي رمل‬ ‫يمانية من بنـي مـالـك‬
‫بالوسطى‪ ،‬عن عمرو‪ ،‬وذكر حماد بن إسحاق‪ ،‬عن أبيه أن فيه لحنا لجميلة ولم يذكر طريقته‪ ،‬وفيه لبي العبيس بن حمدون‬
‫‪.‬خفيف ثقيل مطلق في مجرى الوسطى‬

‫أخبار عويف ونسبه‬


‫نسبه‬
‫هو عويف بن معاوية بن عقبة بن حصن‪ ،‬وقيل‪ :‬ابن عقبة بن عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو بن جؤية بن لودان بن‬
‫‪.‬ثعلبة بن عدي بن فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلن بن مضر بن نزار‬
‫بيوتات العرب المشهورة بالشرف ثلثة‬
‫قال أبو عبيدة‪ :‬حدثني أبو عمرو بن العلء أن العرب كانت تعد البيوتات المشهورة بالكبر والشرف من القبائل بعد بيت هاشم‬
‫بن عبد مناف في قريش ثلثة بيوت‪ ،‬ومنهم من يقول أربعة‪ ،‬أولها بيت آل حذيفة بن بدر الفزاري بيت قيس‪ ،‬وبيت آل زرارة بن‬
‫عدس الدارميين بيت تميم‪ ،‬وبيت آل ذي الجدين بن عبد الله بن همام بيت شيبان‪ ،‬وبيت بني الديان من بني الحارث بن كعب‬
‫‪.‬بيت اليمن‬
‫‪.‬وأما كندة فل يعدو من أهل البيوتات‪ ،‬إنما كانوا ملوكا‬
‫كسرى يسأل النعمان عن شرف القبيلة‬
‫وقال ابن الكلبي‪ :‬قال كسرى للنعمان‪ :‬هل في العرب قبيلة تشرف على قبيلة? قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬بأي شيء? قال‪ :‬من كانت له‬
‫ثلثة آباء متوالية رؤساء‪ ،‬ثم اتصل ذلك بكمال الرابع‪ ،‬والبيت من قبيلته فيه‪ ،‬قال‪ :‬فاطلب لي ذلك‪ ،‬فطلبه فلم يصبه إل في آل‬
‫حذيفة بن بدر بيت قيس بن عيلن‪ ،‬وآل حاجب بن زارة بيت تميم‪ ،‬وآل ذي الجدين بيت شيبان‪ ،‬وآل الشعث بن قيس بيت‬
‫كندة‪ .‬قال‪ :‬فجمع هؤلء الرهط ومن تبعهم من عشائرهم‪ ،‬فأقعد لهم الحكام العدول‪ ،‬فأقبل من كل قوم منهم شاعرهم‪ ،‬وقال‬
‫لهم‪ :‬ليتكلم كل رجل منكم بمآثر قومه وفعالهم‪ ،‬وليقل شاعرهم فيصدق‪ ،‬فقام حذيفة بن بدر ‪-‬وكان أسن القوم وأجرأهم‬
‫مقدما‪ -‬فقال‪ :‬لقد علمت معد أن منا الشرف القدم‪ ،‬والعز العظم‪ ،‬ومأثرة الصنيع الكرم‪ ،‬فقال من حوله‪ :‬ولم ذاك يا أخا‬
‫‪:‬فزارة? فقال‪ :‬ألسنا الدعائم التي ل ترام‪ ،‬والعز الذي ل يضام قيل له‪ :‬صدقت‪ ،‬ثم قام شاعرهم فقال‬
‫فزارة قيس حسب قيس نضالـهـا‬ ‫فزارة بيت العـز والـعـز فـيهـم‬
‫بناه لقيس في الـقـديم رجـالـهـا‬ ‫ل العزة القعساء والحـسـب الـذي‬
‫يمد بأخرى مثلـهـا فـينـالـهـا‬ ‫فمن ذا إذا مد الكف إلـى الـعـل‬
‫مآثر قيس مجدهـا وفـعـالـهـا‬ ‫فهيهات قد أعيا القرون التي مضـت‬
‫إلى الشمس في مجرى النجوم ينالها‬ ‫وهل أحد إن مـد يومـا بـكـفـه‬
‫وإن يفسدوا يفسد على الناس حالهـا‬ ‫وإن يصلحوا يصلح لذاك جمـيعـنـا‬

‫صفحة ‪2161 :‬‬

‫ثم قام الشعث بن قيس ‪-‬وإنما أذن له أن يقوم قبل ربيعة وتميم لقرابته بالنعمان‪ -‬فقال‪ :‬لقد علمت العرب أنا نقاتل عديدها‬
‫الكثر‪ ،‬وقديم زحفها الكبر‪ ،‬وأنا غياث للزبات ‪ .‬فقالوا‪ :‬لم يا أخا كندة? قال‪ :‬لنا ورثنا ملك كندة فاستظللنا بأفيائه‪ ،‬وتقلدنا‬
‫‪:‬منكبه العظم‪ ،‬وتوسطنا بحبوحة الكرم‪ ،‬ثم قام شاعرهم فقال‬
‫وجدت له فضل على من يفاخر‬ ‫إذا قست أبيات الرجال ببيتـنـا‬
‫ينافرنا يوما فنحن نـخـاطـر‬ ‫فمن قال‪ :‬كل أو أتانا بـخـطة‬
‫له الفضل فيما أورثته الكابـر ثم قام بسطام بن قيس فقال‪ :‬لقد علمت ربيعة‬ ‫تعالوا فعدوا يعلم الـنـاس أينـا‬
‫أنا بناة بيتها الذي ل يزول‪ ،‬ومغرس عزها الذي ل ينقل‪ ،‬قالوا‪ :‬ولم يا أخا شيبان? قال‪ :‬لنا أدركهم للثأر‪ ،‬وأقتلهم للملك الجبار‪،‬‬
‫‪:‬وأقولهم للحق‪ ،‬وألدهم للخصم‪ ،‬ثم قام شاعرهم فقال‬
‫وأولـى بـبـيت الـعـز عــز الـــقـــبـــائل‬ ‫لعـمـري لـبـسـطـام أحـق بـفـضــلـــهـــا‬
‫فسائل أبيت اللعن عن عز قومناإذا جد يوم الفخر كل مناضل‬
‫وأضـربـهـم لـلـكـبـش بـين الـــقـــبـــائل‬ ‫ألسنا أعز الناس قوما وأسرة‬
‫وقـائع لـيسـت نـهــزة لـــلـــقـــبـــائل‬ ‫فيخـبـرك القـوام عـنــهـــا فـــإنـــهـــا‬
‫تذل لـهـم فـيهـا رقـاب الـــمـــحـــافـــل‬ ‫وقــائع عـــز كـــلـــهـــا ربـــعـــية‬
‫وعـاذ بـهـا مـن شـــرهـــا كـــل قـــائل‬ ‫إذا ذكـرت لـم ينـكـر الـنـاس فـضــلـــهـــا‬
‫إذا نـزلـت بـالـــنـــاس إحـــدى الـــزلزل ثم قام حاجب بن زرارة‬ ‫وإنـا مـلـوك الـنـاس فـــي كـــل بـــلـــدة‬
‫فقال‪ :‬لقد علمت معد أنا فرع دعامتها‪ ،‬وقادة زحفها‪ ،‬فقالوا له‪ :‬بم ذاك يا أخا بني تميم? قال‪ :‬لنا أكثر الناس إذا نسبنا عددا ‪،‬‬
‫‪:‬وأنجبهم ولدا‪ ،‬وأنا أعطاهم للجزيل‪ ،‬وأحملهم للثقيل‪ ،‬ثم قام شاعرهم فقال‬
‫لنا الـعـز قـدمـا فـي الـخـطـوب الوائل‬ ‫لقـد عـلـمـت أبـنـاء خـنـدف أنــنـــا‬
‫وعـز قـديم لـيس بـالـمــتـــضـــائل‬ ‫وأنـا هـجـان أهـل مــجـــد وثـــروة‬
‫أغـر نـجـيب ذي فـــعـــال ونـــائل‬ ‫فكـم فـيهـم مـن ســـيد وابـــن ســـيد‬
‫فسائلبيت اللعنعنا فإننادعائم هذا الناس عند الجلئل ثم قام قيس بن عاصم فقال‪ :‬لقد علم هؤلء أنا أرفعهم في المكرمات‬
‫دعائم‪ ،‬وأثبتهم في النائبات مقاوم‪ ،‬قالوا‪ :‬ولم ذاك يا أخا بني سعد? قال‪ :‬لنا أمنعهم للجار‪ ،‬وأدركهم للثأر‪ ،‬وأنا ل ننكل إذا‬
‫‪:‬حملنا‪ ،‬ول نرام إذا حللنا‪ ،‬ثم قام شاعرهم فقال‬
‫وجل تميم والجموع الـتـي تـرى‬ ‫لقد علمت قيس وخنـدف كـلـهـا‬
‫لنا الشرف الضخم المركب في الندى‬ ‫بأنا عـمـاد فـي المـور وأنـنـا‬
‫إذا اجتز بالبيض الجماجم والطـلـى‬ ‫وأنا ليوث الناس فـي كـل مـأزق‬
‫أجبنا سراعا في العل ثم مـن دعـا‬ ‫وأنـا إذا داع دعـانـا لـنـجــدة‬
‫وقيسا إذا مد الكف إلـى الـعـل‬ ‫فمن ذا ليوم الفخر يعدل عـاصـمـا‬
‫وفاتوا بيوم الفخر مسعاة من سعـى فلما سمع كسرى ذلك منهم قال ‪:‬‬ ‫فهيهات قد أعيا الجميع فـعـالـهـم‬
‫‪.‬ليس منهم إل سيد يصلح لموضعه‪ ،‬فأثنى حباءهم‬
‫سبب تسميته عويف القوافي‬
‫وإنما قيل لعويف‪ :‬عويف القوافي لبيت قاله‪ ،‬نسخت خبره في ذلك من كتاب محمد بن الحسن بن دريد ولم أسمعه منه‪ .‬قال‪:‬‬
‫أخبرنا السكن بن سعيد‪ ،‬عن محمد بن عباد‪ ،‬عن ابن الكلبي‪ ،‬قال‪ :‬أقبل عويف القوافي‪-‬وهو عويف بن معاوية بن عقبة بن‬
‫‪:‬حصن بن حذيفة الفزاري‪ ،‬وإنما قيل له عويف القوافي‪ ،‬كما حدثني عمار بن أبان بن سعيد بن عيينة‪ ،‬ببيت قاله‬
‫إذا قلت قول ل أجيد القوافيا قال‪ :‬فوقف على جرير بن عبد الله البجلي وهو‬ ‫سأكذب من قد كان يزعم أنني‬
‫‪:‬في مجلسه فقال‬
‫هجائي حين أدركني المشيب فقال له جرير‪ :‬أل أشتري منك أعراض بجيلة? قال‪:‬‬ ‫أصب على بجيلة من شقاها‬
‫‪:‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬بكم? قال‪ :‬بألف درهم وبرذون‪ ،‬فأمر له بما طلب فقال‬
‫نعم الفتى وبئست القبيلة‬ ‫لول جرير هلكت بجيلة‬

‫صفحة ‪2162 :‬‬

‫نسخت من كتاب أبي سعيد السكري في كتاب ((من قال بيتا فلقب به)) قال‪ :‬أخبرني محمد بن حبيب قال‪ :‬وإنما قيل لعويف‪:‬‬
‫‪:‬عويف القوافي لقوله‪ ،‬وقد كان بعض الشعراء عيره بأنه ل يجيد الشعر‪ ،‬فقال أبياتا منها‬
‫إذا قلت شعرا ل أجيد القوافيا فسمي عويف القوافي‬ ‫‪.‬سأكذب من قد كان يزعم أنني‬
‫قصته مع عبد الملك بن مروان‬
‫أخبرنا محمد بن خلف وكيع‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أحمد بن إسحاق‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عزيز بن طلحة بن عبد الله بن عثمان بن‬
‫الرقم المخزومي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني غير واحد من مشيخة قريش‪ ،‬قالوا‪ :‬لم يكن رجل من ولة أولد عبد الملك بن مروان كان‬
‫أنفس على قومه‪ ،‬ول أحسد لهم من الوليد بن عبد الملك‪ .‬فأذن يوما للناس فدخلوا عليه؛ وأذن للشعراء‪ ،‬فكان أول من بدر‬
‫بين يديه عويف القوافي الفزاري‪ ،‬فاستأذنه في النشاد فقال‪ :‬ما بقيت لي بعدما قلت لخي بني زهرةقال‪ :‬وما قلت له مع ما‬
‫‪:‬قلت لمير المؤمنين?قال‪ :‬ألست الذي تقول‬
‫إن الندى من بعد طلحة ماتا‬ ‫يا طلح أنت أخو الندى وحليفه‬
‫فبحيث بت من المنازل باتـا أو لست الذي تقول‬ ‫‪:‬إن الفعال إليك أطلق رحلـه‬
‫فل مطرت على الرض السماء‬ ‫إذا ما جاء يومك يا بـن عـوف‬
‫ول حملت على الطهر النسـاء‬ ‫ول سار البشير بـغـنـم جـيش‬
‫ذريع الموت ليس لـه شـفـاء ألم تقم علينا الساعة يوم قامت عليه? ل والله‬ ‫تساقى الناس بعدك يا بن عـوف‬
‫‪.‬ل أسمع منك شيئا‪ ،‬ول أنفعك بنافعة أبدا‪ ،‬أخرجوه عني‬
‫قصته مع طلحة أخي بني زهرة فلما أخرج قال له القرشيون والشاميون‪ :‬وما الذي أعطاك طلحة حين استخرج هذا منك?‬
‫قال‪ :‬أما والله لقد أعطاني غيره أكثر من عطيته‪ ،‬ولكن ل والله ما أعطاني أحد قط أحلى في قلبي ول أبقى شكرا ول أجدر أل‬
‫أنساها ما عرفت الصلت من عطيته‪ ،‬قالوا‪ :‬وما أعطاك? قال‪ :‬قدمت المدينة ومعي بضيعة لي ل تبلغ عشرة دنانير‪ ،‬أريد أن‬
‫أبتاع قعودا من قعدان الصدقة‪ ،‬فإذا برجل في صحن السوق على طنفسة قد طرحت له‪ ،‬وإذا الناس حوله‪ ،‬وإذا بين يديه إبل‬
‫معلوفة له‪ ،‬فظننت أنه عامل السوق‪ ،‬فسلمت عليه‪ ،‬فأثبتني وجهلته‪ ،‬فقلت‪ :‬أي رحمك الله‪ ،‬هل أنت معيني ببصرك على قعود‬
‫من هذه القعدان تبتاعه لي? فقال‪ :‬نعم‪ ،‬أو معك ثمنه? فقلت‪ :‬نعم‪ ،‬فأهوى بيده إلي فأعطيته بضيعتي‪ ،‬فرفع طنفسته وألقاها‬
‫تحتها‪ ،‬ومكث طويل‪ ،‬ثم قمت إليه فقلت‪ :‬أي رحمك الله‪ ،‬انظر في حاجتي فقال‪ :‬ما منعني منك إل النسيان‪ ،‬أمعك حبل? قلت‪:‬‬
‫نعم قال‪ :‬هكذا أفرجوا‪ ،‬فأفرجوا عنه حتى استقبل البل التي بين يديه‪ ،‬فقال‪ :‬اقرن هذه وهذه وهذه‪ ،‬فما برحت حتى أمر لي‬
‫بثلثين بكرة أدنى بكرة منها‪-‬ول دنية فيها‪-‬خير من بضاعتي‪ .‬ثم رفع طنفسته فقال‪ :‬وشأنك ببضاعتك فاستعن بها على من ترجع‬
‫إليه‪ ،‬فقلت‪ :‬أي رحمك الله‪ ،‬أتدري ما تقول فما بقي عنده إل من نهرني وشتمني‪ ،‬ثم بعث معي نفرا فأطردوها حتى أطلعوها‬
‫‪.‬من رأس الثنية‪ ،‬فوالله ل أنساه ما دمت حيا أبدا‬
‫‪.‬وهذا الصوت المذكور تمثل به إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن حسن علي يوم مقتله‬
‫حدثني ابن عبيد الله بن عمار‪ ،‬قال‪ :‬حدثني ميسرة بن سيار أبو محمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني إبراهيم بن علي الرافقي‪ ،‬عن المفضل‬
‫الضبي‪ ،‬وحدثنا يحيى بن علي بن يحيى المنجم‪ ،‬وأحمد بن عبد العزيز الجوهري قال‪ :‬حدثنا عمر بن شبة‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عبد الملك‬
‫‪ .‬بن سليمان‪ ،‬عن علي بن الحسن‪ ،‬عن المفضل الضبي؛ورواية ابن عمار أتم من هذه الرواية‬
‫ونسخت هذا الخبر أيضا من بعض الكتب عن أبي حاتم السجستاني‪ ،‬عن أبي عثمان اليقطري ‪ ،‬عن أبيه عن المفضل‪ ،‬وهو أتم‬
‫الروايات‪ ،‬وأكثر اللفظ له قال‪ :‬قال المفضل‪ :‬خرجت مع إبراهيم بن عبد الله بن حسن بح حسن‪ ،‬فلما صار بالمربد‪ ،‬وقف على‬
‫رأس سليمان بن علي فأخرج إليه صبيان من ولده‪ ،‬فضمهم إليه وقال‪ :‬هؤلء والله منا ونحن منهم‪ ،‬إل أن آباءهم فعلوا بنا‬
‫‪:‬وصنعوا‪ ،‬وذكر كلما يعتد عليهم فيه بالساءة‪ ،‬ثم توجه لوجهه وتمثل‬
‫إن بنا سورة من القلـق‬ ‫مهل بني عمنا ظلمتنـا‬
‫تغمز أحسابنا من الدقـق‬ ‫لمثلكم نحمل السيوف ول‬
‫عز عزيز ومعشر صدق‬ ‫إني لنمي إذا انتميت إلى‬

‫صفحة ‪2163 :‬‬

‫تكحل يوم الهياج بالعلق فقلت‪ :‬ما أفحل هذه البيات‪ ،‬فلمن هي? قال‪ :‬لضرار بن‬ ‫بيض سباط كأن أعينهم‬
‫الخطاب الفهري‪ ،‬قالها يوم الخندق‪ ،‬وتمثل بها علي بن أبي طالب عليه السلم يوم صفين‪ ،‬والحسين بن علي يوم قتل‪ ،‬وزيد بن‬
‫‪:‬علي عليهم السلم‪ ،‬ولحق القوم‪ ،‬ثم مضى إلى باخمرى ‪ ،‬فلما قرب منها أتاه نعي أخيه محمد‪ ،‬فتمثل‬
‫أمرا خللهم لتـقـبـل خـالـدا‬ ‫نبئت أن بني ربيعة أجـمـعـوا‬
‫ثأري ويسعى القوم سعيا جاهـدا‬ ‫إن يقتلوني ل تصب أرماحـهـم‬
‫وأنازل البطل الكمي الجـاحـدا فقلت‪ :‬لمن هذه البيات? فقال‪ :‬للحوص بن‬ ‫أرمي الطريق وإن صددت بضيقة‬
‫جعفر بن كلب‪ ،‬تمثل بها يوم شعب جبلة‪ ،‬وهو اليوم الذي لقيت فيه قيس تميما‪ ،‬قال‪ :‬وأقبلت عساكر أبي جعفر‪ ،‬فقتل من‬
‫‪ .‬أصحابه وقتل من القوم‪ ،‬وكاد أن يكون الظفر له‬
‫‪:‬قال ابن عمار في حديثه‪ :‬قال المفضل‪ :‬فقال لي‪ :‬حركني بشيء‪ ،‬فأنشدته هذه البيات‬
‫أجدت بسير إنما أنـت حـالـم‬ ‫أل أيها الناهي فزارة بـعـدمـا‬
‫ويمنع منه النوم إذا أنـت نـائم‬ ‫أبى كل حر أن يبـيت بـوتـره‬
‫على الجرد في أفواههن الشكائم‬ ‫أقول لفتيان العشي‪ :‬تـروحـوا‬
‫ومن يخترم ل تتبعـه الـلـوائم‬ ‫قفوا وقفة من يحي ل يخز بعدها‬
‫لتسلم فيما بعـد ذلـك سـالـم فقال لي‪ :‬أعد‪ ،‬فتنبهت‪ ،‬وندمت‪ ،‬فقلت‪ :‬أو‬ ‫وهل أنت إن باعدت نفسك منهم‬
‫‪.‬غير ذلك? فقال‪ :‬ل‪ ،‬أعدها‪ ،‬فأعدتها‪ ،‬فتمطى في ركابيه حتى خلته قد قطعهما‪ ،‬ثم خمل فكان آخر العهد به‬
‫هذه رواية ابن عمار‪ ،‬وفي الرواية الخرى ‪ :‬فحمل فطعن رجل‪ ،‬وطعنه آخر‪ ،‬فقلت‪ :‬أتباشر الحرب بنفسك والعسكر منوط‬
‫‪:‬بك? فقال‪ :‬إليك يا أخا بني ضبة‪ ،‬كأن عويفا أخا بني فزارة نظر في يومنا هذا حيث يقول‬
‫أحاديث نفس وأحلمهـا‬ ‫ألمت خناس وإلمامـهـا‬
‫تطاول في المجد أعمامها‬ ‫يمانية من بنـي مـالـك‬
‫ترد الحـوادث أيامـهـا‬ ‫وإن لنا أصل جـرثـومة‬
‫بها أفنها وبهـا آمـهـا قال‪ :‬وجاءه السهم العائر فشغله عني‬ ‫‪.‬ترد الكتـيبة مـغـلـولة‬
‫اعترض عمر بن عبد العزيز وأسمعه شعرا أخبرني محمد بن عمران الصيرفي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الحسن بن عليل العنزي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدثني محمد بن معاوية السدي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أصحابنا السديون‪ ،‬عن أبي بردة بن أبي موسى الشعري‪ ،‬قال‪ :‬حضرت مع عمر‬
‫بن عبد العزيز جنازة‪ ،‬فلما انصرف انصرفت معه‪ ،‬وعليه عمامة قد سدلها من خلفه‪ ،‬فما علمت به حتى اعترضه رجل على بعير‬
‫‪:‬فصاح به‬
‫على حوضه مستبشرا وراكا فقال له عمر‪ :‬لبيك‪ ،‬ووقف الناس معه‪ ،‬ثم قال له‪:‬‬ ‫أجبني أبا حفص لقيت محمدا‬
‫‪:‬فمه‪ ،‬فقال‬
‫شمالك خير من يمين سواكا قال‪ :‬ثم مه‪ ،‬فقال‬ ‫‪:‬فأنت امرؤ كلتا يديك مفـيدة‬
‫ولم يبلغ المجرون بعد مـداكـا‬ ‫بلغت مدى المجرين قبلك إذ جروا‬
‫هناك تناهى المجد ثم هـنـاكـا فقال له عمر‪ :‬أل أرك شاعرا ما لك عندي من‬ ‫فجداك ل جدين أكرم منـهـمـا‬
‫حق‪ ،‬قال‪ :‬ل‪ ،‬ولكني سائل وابن سبيل وذو سهمة فالتفت عمر إلى قهرمانه فقال‪ :‬أعطه فضل نفقتي‪ ،‬قال‪ :‬وإذا هو عويف‬
‫‪.‬القوافي الفزاري‬
‫هجا بني مرة‬
‫أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو غسان دماذ‪ ،‬عن أبي عبيدة‪ ،‬قال‪ :‬لما كان يوم ابن جرح‪ ،‬وافتتلت بنو مرة‬
‫‪:‬وبنو حن بن عذرة‪ ،‬قال عويف القوافي لبني مرة يهجوهم ويوبخهم بتركهم نصرهم‬
‫وكنتم لنا يا مر بوا مجلـدا‬ ‫كنا لكم يا مر أمـا حـفـية‬
‫إذا نحن خفنا أن يكل فيغمدا عقيل بن علفة يجيبه بقصيدة فأجابه عقيل بن علفة‬ ‫وكنتم لنا سيفا وكنا وعـاءه‬
‫‪:‬بقصيدته التي أولها‬
‫وحق ثوي نـازل أن يزودا يقول فيها يخاطب عويفا‬ ‫‪:‬أماوي إن الركب مرتحل غدا‬
‫أبى النسب الداني وكفرهـم الـيدا‬ ‫إذا قلت‪ :‬قد سامحت سهما ومازنـا‬
‫قضاعية يدعـون حـنـا وأصـيدا‬ ‫وقد أسلموا أستاهـهـم لـقـبـيلة‬
‫وقد كنت في الناس الطريد المشردا‬ ‫فما كنت أما بل جعلتـك لـي أخـا‬

‫صفحة ‪2164 :‬‬

‫قديما فلم تعد الحمار المـقـيدا‬ ‫عويف استها قد رمت ويلك مجدنا‬
‫لجردت في العداء عضبا مهندا وأبيات عويف هذه يقولها يوم مرج راهط؛‬ ‫ولو أنني يوم ابن جرح لقيتـهـم‬
‫وهي الحرب التي كانت بين قيس وكلب‪ 0 .‬يوم مرج راهط أخبرني بالسبب فيه أحمد بن عبد العزيز الجوهري‪ ،‬قال‪ :‬أخبرني‬
‫سليمان بن أيوب بن أعين أبو أيوب المديني ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا المدائني‪ ،‬قال‪ :‬كان بدء حرب قيس وكلب في فتنة ابن الزبير ما كان‬
‫من وقعة مرج راهط‪ ،‬وكان من قصة المرج أن مروان بن الحكم بن أبي العاص قدم بعد هلك يزيد بن معاوية والناس يموجون‪،‬‬
‫وكان سعيد بن بحدل الكلبي على قنرسين‪ ،‬فوثب عليه زفر بن الحارث فأخرجه منها وبايع لبن الزبير‪ ،‬فلما قعد زفرعلى‬
‫المنبر‪ ،‬قال‪ :‬الحمد لله الذي أقعدني مقعد الغادر الفاجر‪ ،‬وحصر‪ ،‬فضحك الناس من قوله‪ ،‬وكان النعمان بن بشير على حمص‪،‬‬
‫فبايع لبن الزبير‪ .‬وكان حسان بن بحدل على فلسطين والردن‪ ،‬فاستعمل على فلسطين روح بن زنباع الجذامي‪ ،‬ونزل هو‬
‫‪.‬الردن فوثب نابل بن قيس الجذامي على روح بن زنباع‪ ،‬فأخرجه من فلسطين وبايع لبن الزبير‬
‫موقف الضحاك بن قيس القهري وكان الضحاك بن قيس القهري عامل ليزيد بن معاوية على دمشق حتى هلك‪ ،‬فجعل يقدم‬
‫رجل ويؤخر أخرى‪ ،‬إذ جاءته اليمانية وشيعة بني أمية أخبرهم أنه أموي‪ ،‬وإذا جاءته القيسية أخبرهم أنه يدعو إلى ابن الزبير‪،‬‬
‫فلما قدم مروان قال له الضحاك‪ :‬هل لك أن تقدم على ابن الزبير ببيعة أهل الشام? قال‪ :‬نعم‪ ،‬وخرج من عنده‪ ،‬فلقيه عمرو‬
‫بن سعيد بن العاص‪ ،‬ومالك بن هبيرة‪ ،‬وحصين بن نمير الكنديان‪ ،‬وعبيد الله بن زياد‪ ،‬فسألوه عما أخبره به الضحاك‪ ،‬فأخبرهم‪،‬‬
‫فقالوا له‪ :‬أنت شيخ بني أمية‪ ،‬وأنت عم الخليفة‪ ،‬هلم نبايعك‪ .‬فلما فشا ذلك أرسل الضحاك إلى بني أمية يعتذر إليهم‪ ،‬ويذكر‬
‫حسن بلئهم عنده‪ ،‬وأنه لم يرد شيئا يكرهونه‪ ،‬فاجتمع مروان بن الحكم‪ ،‬وعمرو بن سعيد بن العاص‪ ،‬وخالد وعبد الله ابنا يزيد‬
‫بن معاوية وقال لهم‪ :‬اكتبوا إلى حسان بن بحدل فليسر من الردن حتى ينزل الجابية‪ ،‬ونسير من ها هنا حتى نلقاه‪ ،‬فيستخلف‬
‫رجل ترضونه‪ ،‬فكتبوا إلى حسان‪ ،‬فأقبل في أهل الردن‪ ،‬وسار الضحاك بن قيس وبنو أمية في أهل دمشق‪ ،‬فلما استقلت‬
‫الرايات من جهة دمشق‪ ،‬قالت القيسية للضحاك‪ :‬دعوتنا لبيعة ابن الزبير‪ ،‬وهو رجل هذه المة‪ ،‬فلما تابعناك خرجت تابعا لهذا‬
‫العرابي من كلب تبايع لبن أخته تابعا له‪ ،‬قال‪ :‬فتقولون ماذا? قالوا‪ :‬نقول‪ :‬أن تنصرف وتظهر بيعة ابن الزبير ونظهرها معك‪،‬‬
‫فأجابهم إلى ذلك‪ ،‬وسار حتى نزل مرج راهط‪ ،‬وأقبل حسان حتى لقي مروان بن الحكم‪ ،‬فسار حتى دخل دمشق‪ ،‬فأتته اليمانية‬
‫تشكر بلء بني أمية‪ ،‬فساروا مع مروان حتى نزلوا المرج على الضحاك‪ ،‬وهم نحو سبعة آلف‪ ،‬والضحاك في نحو من ثلثين ألفا‪،‬‬
‫فلقوا الضحاك‪ ،‬فقتل الضحاك‪ ،‬وقتل معه أشراف من قيس‪ ،‬فأقبل زفر هاربا من وجهه ذاك حتى دخل قرقيسيا‪ ،‬وأقام عمير‬
‫بن الحباب شيئا على طاعة بني مروان‪ ،‬ثم أقبل حتى دخل قرقيسيا على زفر فأقام معه‪ ،‬وذلك بعد يوم خازر حين قتل عبيد‬
‫‪.‬الله بن زياد‬
‫‪:‬ما قيل في يوم المرج وأقبل زفر يبكي قتلى المرج يقول‬
‫لمروان صدعا بيننـا مـتـنـائيا‬ ‫لعمري لقد أبقت وقـيعة راهـط‬
‫ويترك قتلى راهط هي ما هـيا‬ ‫أتذهب كلب لم تنلها رمـاحـنـا‬
‫وتبقى حزازات النفوس كما هيا‬ ‫فقد ينبت المرعى على دمن الثرى‬
‫ومصرع همام أمنى المـانـيا فقال ابن المخلة الكلبي يجيبه‬ ‫‪:‬أبعد ابن صقر وابن عمرو تتابعـا‬
‫على زفر داء من الداء باقـيا‬ ‫لعمري لقد أبقت وقيعة راهط‬
‫وذبيان مغرورا وتبكى البواكيا وقال ابن المخلة في يوم المرج‬ ‫‪:‬تبكي على قتلى سليم وعامـر‬
‫حوائم طير مستـدير وواقـع‬ ‫ويوم ترى الرايات فيه كأنهـا‬
‫وبالمرج باق من دم القوم ناقع‬ ‫مضى أربع بعد اللقاء وأربـع‬
‫وثور أصابته السيوف القواطع‬ ‫طعنا زيادا في استه وهو مدبر‬
‫وقد جذ من يمنى يديه الصابع‬ ‫ونجى حبيشا ملهب ذو عـللة‬

‫صفحة ‪2165 :‬‬

‫فضاق عليه المرج والمرج واسع وقال رجل من بني عذرة‬ ‫‪:‬وقد شهد الصفين عمرو بن محرز‬
‫رهط النبي وولة الـحـج‬ ‫سائل بني مروان أهل العـج‬
‫إذ يثقفون ثـقـفـا بـنـج‬ ‫عنا وعن قيس غداة المـرج‬
‫إذا أخلف الضحاك ما يرجي‬ ‫تسديس أطراف القنا المعوج‬
‫لحم ابن قيس للضباع العرج وقال جواس بن القعطل الكلبي في يوم المرج‬ ‫‪:‬مذ تركوا من بعد طول هرج‬
‫سليما والقبائل مـن كـلب‬ ‫هم قتلوا براهط جـد قـيس‬
‫وألصق حر وجهك بالتراب‬ ‫وهم قتلوا بني بدر وعبـسـا‬
‫ذحولك أو تساق إلى الحساب‬ ‫تذكرت الذحول فلن تقصـى‬
‫وعوف أشحنوا شم الهضاب‬ ‫إذا سارت قبائل من جـنـاب‬
‫تغصك حين تشرب بالشراب فأقبل عمير يخطر‪ ،‬فخرج من قرقيسيا يتطرف‬ ‫وقد حاربتنا فوجدت حـربـا‬
‫بوادي كلب‪ ،‬فيغير عليها وعلى من أصاب من قضاعة وأهل اليمن‪ ،‬ويخص كلبا ومعشر تغلب ‪ ،‬قبل أن تقع الحرب بين قيس‬
‫وتغلب‪ ،‬فعل أهل البادية ينتصفون من أهل القرار كلهم‪ .‬فلما رأت كلب ما لقي أصحابهم‪ ،‬وأنهم ل يمتنعون من خيل الحاضرة‪،‬‬
‫اجتمعوا إلى حميد بن حريث بن بحدل‪ ،‬فسار بهم حتى نزل تدمر‪ ،‬وبه بنو نمير‪ ،‬وقد كان بين النميريين خاصة وبين الكلبيين‬
‫الذي بتدمر عقد مع ابن بخدل بن بعاج الكلبي‪ ،‬فأرسلت بنو نمير رسل إلى حميد يناشدونه الحرمة‪ ،‬فوثب عليهم ابن بعاج‬
‫الكلبي فذبحهم‪ ،‬وأرسلوا إليهم‪ :‬إنا قد قطعنا الذي بينا وبينكم‪ ،‬فالحقوا بما يسعكم من الرض‪ ،‬فالتقوا فقتل ابن بعاج وظفر‬
‫‪:‬بالنميريين فقتلوا قتل ذريعا وأسروا ‪ ،‬فقال راعي البل في قتل ابن بعاج ولم يذكر غيره من الكلبيين‬
‫مجالس تبغي بيعة عند تاجـر‬ ‫تجيء ابن بعاج نسور كأنـهـا‬
‫طويل القرا يقذفنه في الحناجر‬ ‫تطيف بكلبـي عـلـيه جـدية‬
‫كذاك انتقام الله من كل فاجـر وقد كان زفر بن الحارث لما أغار عمير بن‬ ‫يقول له من كان يعلم علـمـه‬
‫‪:‬الحباب على الكلبيين قال يعيرهم بقوله‬
‫وأصابكم مني عذاب مرسل‬ ‫يا كلب قد كلب الزمان عليكم‬
‫بمنابت الزيتون وابنيبحـدل‬ ‫إن السماوة ل سماوة فالحقي‬
‫أرض تذوب باللقاح وتهزل حميد بن بحدل يغير على بوادي قيس‬ ‫وبأرض عك والسواحل إنها‬

‫صفحة ‪2166 :‬‬

‫فجمع لهم حميد بن الحريث بن بحدل‪ ،‬ثم خرج يريد الغارة على بوادي قيس‪ ،‬فانتهى إلى ماء لبني تغلب‪ ،‬فإذا النساء‬
‫والصبيان يبكون‪ ،‬فقالت لهم النساء ‪-‬وهن يحسبنهم قيسا‪ :-‬ويحكم‪ ،‬ما ردكم إلينا‪ ،‬فقد فعلتم بنا بالمس ما فعلتم فقالت لهم‬
‫كلب‪ :‬وما لكم? قالوا‪ :‬أغار علينا بالمس عمير بن الحباب‪ ،‬فقتل رجالنا‪ ،‬واستاق أموالنا‪ ،‬ولم يشككن أن الخيل خيل قيس وأن‬
‫عميرا عاد إليهن‪ ،‬فقال بعض كلب لحميد‪ :‬ما تريد من نسوة قد أغير عليهن وحربن‪ ،‬وصبية يتامى‪ ،‬وتدع عميرا‪ .‬فاتبعوه‪ ،‬فبينا‬
‫هم يسيرون إذ أخذوا رجل ربيئة للقوم‪ .‬فسألوه فقال لهم‪ :‬هذا الجيش ها هنا والموال‪ ،‬وقد خرج عمير في فوارس يريد الغارة‬
‫على أهل بيت من بني زهير بن جناب‪ ،‬أخبر عنهم مخبر‪ ،‬فأقام حميد حتى جن عليه الليل‪ ،‬ثم بيت القوم بياتا‪ .‬وقال حميد‬
‫لصحابه‪ :‬شعاركم‪ :‬نحن عباد الله حقا‪ .‬فأصابوا عامة ذلك العسكر‪ ،‬ونجا فيمن نجا رجل عريان قذف ثوبه وجلس على فرس‬
‫عري‪ ،‬فلما انتهى إلى عمير‪ ،‬قال عمير‪ :‬قد كنت أسمع بالنذير العريان فلم أره‪ ،‬فهو هذا‪ ،‬ويلك ما لك قال‪ :‬ل أدري غير أنه لقينا‬
‫قوم فقتلوا من قتلوا وأخذوا العسكر‪ ،‬فقال‪ :‬أفتعرفهم? قال‪ :‬ل‪ ،‬فقصد عمير القوم وقال لصحابه‪ :‬إن كانت العاريب‬
‫فسيسارعون إلينا إذا رأونا‪ ،‬وإن كانت خيول أهل الشام فستقف‪ .‬وأقبل عمير‪ ،‬فقال حميد لصحابه‪ :‬ل يتحركن منكم أحد‪،‬‬
‫وانصبوا القنا‪ ،‬فحمل عمير حملة لم تحركهم‪ ،‬ثم حمل فلم يتحركوا‪ ،‬فنادى مرارا‪ :‬ويحكم من أنتم? فلم يتكلموا‪ ،‬فنادى عمير‬
‫أصحابه‪ :‬ويلكم خيل بني بحدل والمانة‪ ،‬وانصرف على حاميته‪ ،‬فحمل عليه فوارس من كلب يطلبونه‪ ،‬ولحقه مولى لكلب يقال‬
‫له شقرون‪ ،‬فاطعنا‪ ،‬فجرح عمير وهرب حتى دخل قرقيسيا إلى زفر‪ ،‬ورجع حميد إلى من ظفر به من السرى والقتلى‪ ،‬فقطع‬
‫سبالهم وأنفهم‪ ،‬فجعلها في خيط‪ ،‬ثم ذهب بها إلى الشام‪ ،‬وقال قائل‪ :‬بل بعث بها إلى عمير وقال‪ :‬كيف ترى? أوقعي أم‬
‫‪:‬وقعك? فقال في ذلك سنان بن جابر الجهني‬
‫حمـيدا شـفـى كـلـبـا فـقـرت عــيونـــهـــا‬ ‫لقـد طـار فـي الفـــاق أن ابـــن بـــحـــدل‬
‫لتـنـزع إل عــنـــد أمـــر يهـــينـــهـــا‬ ‫وعـرف قـيسـا بـالـهـــوان ولـــم تـــكـــن‬
‫فقلت له‪ :‬قيس بن عيلن إنهسريع إذا ما عضت الحرب لبنها‬
‫وتـدمـر ينـوي بـذلـهـــا ل يصـــونـــهـــا‬ ‫سما بالعتاق الجرد من مرج راهط‬
‫سواء عـلـيهـا سـهـلـهــا وحـــزونـــهـــا‬ ‫فكـان لـهـا عــرض الـــســـمـــاوة لـــيلة‬
‫علـينـا إذا مـا حـان فـي الـحـرب حـينـــهـــا‬ ‫فمـن يحـتـمـل فـي شـأن كـلــب ضـــغـــينة‬
‫شمـالـك فـي شـيء تـعـنـهـا يمــينـــهـــا‬ ‫فإنـا وكـلـبـا كـالـيدين مــتـــى تـــضـــع‬
‫كثـيرا ضـواحـيهـا قـلـــيل دفـــينـــهـــا‬ ‫لقـد تـركـت قـتـلـى حـمـيد بــن بـــحـــدل‬
‫تلـفـت كـالـصـيداء أودى جـــنـــينـــهـــا وقال سنان أيضا في هذا‬ ‫وقـيسـية قـد طـلـقـتـهـــا رمـــاحـــنـــا‬
‫‪:‬المر بعدما أوقع ببني فزارة‬
‫كي تخبري من بيان العلم تبيانا‬ ‫يا أخت قيس سلي عنا علنـية‬
‫يوم الفخار وخير الناس فرسانا‬ ‫إنا ذوو حسب مال ومـكـرمة‬
‫غيث الرامل ل يردين ما كانا‬ ‫منا ابن مرة عمرو قد سمعت به‬
‫قيسا غداة اللوى من رمل عدنانا‬ ‫والبحدلي الذي أردت فوارسـه‬
‫والجعد منعرفا لم يكس أكفانـا‬ ‫فغادرت حلبسا منها بمعـتـرك‬
‫للطير منهم ومن ثكلى وثكلنـا‬ ‫كائن تركنا غداة العاه من جزر‬
‫بالعاه تدعو بني عم وإخـوانـا فلما انتهى الخبر إلى عبد الملك بن مروان‪ ،‬وعبد‬ ‫ومن غوان تبكي ل حميم لـهـا‬
‫الله ومصعب يومئذ حيان‪ ،‬وعند عبد الملك حسان بن مالك بن بحدل وعبد الله بن مسعدة بن حكم الفزاري‪ ،‬وجيء بالطعام‪،‬‬
‫فقال عبد الملك لبن مسعدة‪ :‬ادن‪ ،‬فقال ابن مسعدة‪ :‬ل والله‪ ،‬لقد أوقع حميد بسليم وعامر وقعة ل ينفعني بعدها طعام حتى‬
‫يكون لها غير‪ ،‬فقال له حسان‪ :‬أجزعت أن كان بيني وبينكم في الحاضرة على الطاعة والمعصية‪ ،‬فأصبنا منكم يوم المرج‪،‬‬
‫وأغار أهل قرقيسيا بالحاضرة على البادية بغير ذنب? فلما رأى حميد ذلك طلب بثأر قومه‪ ،‬فأصاب بعض ما أصابهم‪ ،‬فجزعت‬
‫‪.‬من ذلك‪ ،‬وبلغ حميدا قول ابن مسعدة فقال‪ :‬والله لشغلنه بمن هو أقرب إليه من سليم وعامر‬

‫صفحة ‪2167 :‬‬

‫ذكر في شعره إيقاع حميد ببني فزارة فخرج حميد في نحو من مائتي فارس‪ ،‬ومعه رجلن من كلب ودليلن‪ ،‬حتى انتهى إلى‬
‫بني فزارة أهل العمود لخمس عشرة مضت من شهر رمضان‪ ،‬فقال‪ :‬بعثني عبد الملك بن مروان مصدقا‪ :‬فابعثوا إلى كل من‬
‫‪:‬يطيق أن يلقانا‪ ،‬ففعلوا‪ ،‬فقتلهم أو من استطاع منهم‪ ،‬وأخذ أموالهم‪ ،‬فبلغ قتلهم نحوا من مائة ونيف‪ ،‬فقال عويف القوافي‬
‫بمنزلة فيها إلى النصف معلمـا‬ ‫منا الله أن ألقى حميد بن بحـدل‬
‫سريجية يعجمن في الهام معجما‬ ‫لكيما نعاطيه ونبـلـو بـينـنـا‬
‫ولم أر قتلى العام يا أم أسلـمـا‬ ‫أل ليت أني صادفتني مـنـيتـي‬
‫يدين فما أرجوا من العيش أجذما‬ ‫ولم أر قتلى لم تدع لي بعـدهـا‬
‫بأشجع من جعد جنانا ومقـدمـا يعني الجعد بن عمران بن عيينة وقتل يومئذ‬ ‫‪.‬وأقسم ما ليث بخـفـان خـادر‬
‫أسماء بن خارجة يشكو حميدا إلى عبد الملك فلما رجع عبد الملك من الكوفة وقتل مصعب‪ ،‬لحقه أسماء بن خارجة بالنخيلة‪،‬‬
‫فكلمه فيما أتى حميد به إلى أهل العمود من فزارة‪ ،‬وقال‪ :‬حدثنا أنه مصدقك وعاملك‪ ،‬فأجبناك وبك عذنا‪ ،‬فعليك وفي ذمتك ما‬
‫على الحر في ذمته‪ ،‬فأقدنا من قضاعي سكير‪ ،‬فأبى عبد الملك وقال‪ :‬انظر في ذلك وأستشير وحميد يجحد وليست لهم بينة‪،‬‬
‫‪.‬فوداهم الف وألف ومائتي ألف‪ ،‬وقال‪ :‬إني حاسبها في أعطيات قضاعة‪ ،‬فقال في ذلك عمرو بن مخلة الكلبي‬
‫صوت‬
‫على الجياد واعتقدوا الخداما‬ ‫خذوها يا بني ذبيان عـقـل‬
‫ينجمها لكم عاما فـعـامـا‬ ‫دراهم من بني مروان بيضـا‬
‫على قيس يذيقهم السمـامـا‬ ‫وأيقـن أنـه يوم طـــويل‬
‫كسرحان التنوفة حين سامـا‬ ‫ومختب أمام القوم يسـعـى‬
‫فكبر حين أبصره وقـامـا‬ ‫رأى شخصا على بلد بـعـيد‬
‫فقال‪ :‬رأيت إنسا أو نعامـا‬ ‫وأقبل يسأل البشـرى إلـينـا‬
‫فإن لكل ذي أجل حمـامـا‬ ‫وقال لخيله سـيري حـمـيد‬
‫ومرة فاتركي حطبا حطاما‬ ‫فما لقيت من سجـح وبـدر‬
‫يدق بوقع نابيه اللـجـامـا‬ ‫بكل مقلص عـبـل شـواه‬
‫إذا ما شد فارسها الحزامـا‬ ‫وكل طمرة مرطى سبـوح‬
‫وقد بلت مدامعها اللثـامـا‬ ‫وقائلة على دهـش وحـزن‬
‫ولم يرعوا بأرضهم الثمامـا‬ ‫كأن بني فزارة لم يكـونـوا‬
‫ول من يملك النعم الركامـا فزارة تنتقم من قيس قال‪ :‬فلما أخذوا الدية انطلقت‬ ‫ولم أر حاضرا منهم بـشـاء‬
‫فزارة فاشترت خيل وسلحا‪ ،‬ثم استتبعت سائر قبائل قيس‪ ،‬ثم أغارت على ماء يدعى بانت قين‪ ،‬يجمع بطونا كلب كثيرة وأكثر‬
‫من عليه بنو عبد ود وبنو عليم بن جناب‪ ،‬وعلى قيس يومئذ سعيد بن عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر‪ ،‬وحلحلة بن قيس بن‬
‫الشيم بن يسار أحد بني العشراء ‪ ،‬فلما أغاروا نادوا بني عليم‪ :‬إنا ل نطلبكم بشيء‪ ،‬وإنما نطلب بني عبد ود بما صنع الدليلن‬
‫اللذان حمل حميدا‪ ،‬وهما المأمور ورجل آخر اسمه أبو أيوب‪ ،‬فقتل من العبديين تسعة عشر رجل‪ ،‬ثم مالوا على العليميين‬
‫‪.‬فقتلوا منهم خمسين رجل‪ ،‬وساقوا أموال‬
‫موقف عبد الملك بن مروان وعرضه الدية‬
‫فبلغ الخبر عبد الملك‪ ،‬فأمهل حتى إذا ولي الحجاج العراق كتب إليه يبعث إليه سعيد بن عيينة وحلحلة بن قيس ومعهما نفر‬
‫من الحرس‪ ،‬فلما قدم بهما عليه قذفهما في السجن وقال لكلب‪ :‬والله لئن قتلتم رجل لهريقين داماءكم‪ ،‬فقدم عليه من بني‬
‫عبد ود عياض ومعاوية ابنا ورد‪ ،‬ونعمان بن سويد أبوه ابن مالك يومئذ أشرف من قتل يوم بنات قين‪ ،‬وكان شيخ بني عبد ود‪،‬‬
‫فقال له النعمان‪ :‬دماءنا يا أمير المؤمنين‪ ،‬فقال له عبد الملك‪ :‬إنما قتل منكم الصبي الصغير والشيخ الفاني‪ ،‬فقال النعمان‪:‬‬
‫قتل منا والله من لو كان أخل لبيك لختير عليك في الخلفة‪ ،‬فغضب عبد الملك غضبا شديدا‪ ،‬فقال له معاوية وعياض‪ :‬يا أمير‬
‫‪.‬المؤمنين‪ ،‬شيخ كبير موتوتر‬

‫صفحة ‪2168 :‬‬

‫فأعرض عنه عبد الملك وعرض الدية‪ ،‬وجعل خالد بن يزيد بن معاوية ومن ولدته كلب يقولون‪ :‬القتل‪ ،‬ومن كانت أمه قيسية‬
‫من بني أمية يقولون‪ :‬ل‪ ،‬بل الدية كما فعل بالقوم‪ ،‬حتى ارتفع الكلم بينهم بالمقصورة‪ ،‬فأخرجهم عبد الملك ودفع حلحلة إلى‬
‫بعض بني عبد ود‪ ،‬ودفع سعيد بن عيينة إلى بعض بني عليم‪ ،‬وأقبل عليهما عبد الملك فقال‪ :‬ألم تأتياني تستعدياني فأعديتكما‬
‫وأعطيتكما الدية‪ ،‬ثم انطلقتما فأخفرتما ذمتي وصنعتما ما صنعتما‪ ،‬فكلمه سعيد بكلم يستعطفه به ويرققه‪ ،‬فضرب حلحلة‬
‫صدره وقال‪ :‬أترى خضوعك لبن الزرقاء نافعك عنده‪ ،‬فغضب عبد الملك وقال‪ :‬اصبر حلحلة‪ ،‬فقال له‪ :‬أصبر من عود بجنبيه‬
‫‪:‬جلب فقتل وشق ذلك على قيس‪ ،‬وأعظمه أهل البادية منهم والحاضرة‪ ،‬فقال في ذلك علي بن الغدير الغنوي‬
‫وأهل دمشق أنجبة تبـين‬ ‫لحلحلة القتيل ولبن بـدر‬
‫وبعد خمود فتنتكم فتـون‬ ‫فبعـد الـيوم أيام طـوال‬
‫تحل به لصاحبها الزبون‬ ‫وكل صنيعة رصد لـيوم‬
‫تخمط واستخف بمن يدين‬ ‫خليفة أمة قسرت علـيه‬
‫وكل فتى ستشعبه المنون وقال رجل من بني عبد ود‬ ‫‪:‬فقد أتيا حميد ابن المنـايا‬
‫سويد فما كانا وفاء به دما وقال حلحلة وهو السجن‬ ‫نحن قتلنا سيديهم بشيخنـا‬
‫لقد خزيت قيس وما ظفرت كلب وقال أرطاة بن سهية يحرض قيسا‬ ‫‪:‬لعمري لئن شيخا فزارة أسلـمـا‬
‫رخي البال منتشيا خمـورا‬ ‫أيقتل شيخنـا ويرى حـمـيد‬
‫بنا وبكم ولم نسمع نـكـيرا‬ ‫فإن دمنا بذاك وطال عـمـر‬
‫وعضت بعدها مضر اليوار وقال عميرة بنت حسان الكلبية تفخر بفعل حميد في‬ ‫فناكت أمها قـيس جـهـارا‬
‫‪:‬قيس‬
‫يهد مناكب الكم الصعـاب‬ ‫سمت كلب إلى قيس بجمـع‬
‫تضايق من دعا بهل وهاب‬ ‫بذي لجب يدق الرض حتى‬
‫إلى بق بهـا وإلـى ذنـاب‬ ‫نفين إلى الجزيرة فل قـيس‬
‫يفدي المهر من حب الياب‬ ‫وألفينا هجين بـنـي سـلـيم‬
‫لبت وأنت منخرق الهاب‬ ‫فلول عدوة المهر المـفـدى‬
‫أصيلنا ولون الوجه كابـي‬ ‫ونجاه حثيث الركض مـنـا‬
‫ودق هوي كاسرة عـقـاب‬ ‫وآض كأنه يطلـى بـورس‬
‫على دهمان صقر بني جناب‬ ‫حمدت الله إذ لقى سـلـيمـا‬
‫أيامى قد يئسن من الخضاب‬ ‫تركن الروق من فتيات قيس‬
‫نعقن برنة بعد انـتـحـاب‬ ‫فهن إذا ذكرن حميد كـلـب‬
‫تر القيسي يشرق بالشـراب مدح عيينة بن أسماء رغم تطليقه أخته‬ ‫متى تذكر فتى كلب حمـيدا‬
‫أخبرني محمد بن الحسن بن دريد‪ ،‬قال‪ :‬أخبرني عبد الرحمن بن أخي الصمعي‪ ،‬عن عمه‪ ،‬قال‪ :‬أنشدني رجل من بني فزارة‬
‫لعويف القوافي ‪-‬وهو عويف بن معاوية بن عقبة بن حصن بن حذيفة الفزاري‪ -‬وكانت أخته عند عيينة بن أسماء بن خارجة‬
‫‪:‬فطقلها‪ ،‬فكان عويف مراغما لعيينة وقال‪ :‬الحرة ل تطلق بغير ما بأس‪ ،‬فلما حبس الحجاج عيينة وقيده قال عويف‬
‫منع الرقاد فما يحس رقادخبر أتاك ونامت العواد‬
‫ولـمـثـلـه تـتـصــدع الكـــبـــاد‬ ‫خبر أتاني عن عيينة موجع‬
‫موتـى وفـينـا الــروح والجـــســـاد‬ ‫بلـغ الـنـفـوس بـلؤهـا فـكـأنــنـــا‬
‫بهـجـين قـد سـروا بـه الـحـــســـاد‬ ‫ساء القـارب يوم ذاك فـأصـبـــحـــوا‬
‫ل يدفـعـون بـنـا الـمـكــاره بـــادوا‬ ‫يرجـون عـثـرة جـدنـا ولـو أنــهـــم‬
‫عان تـظـاهـر فـــوقـــه القـــياد‬ ‫لمـا أتـانـــي عـــن عـــيينة أنـــه‬
‫عنـد الـشـدائد تـذهــب الحـــقـــاد‬ ‫نخـلـت لـه نـفـسـي الـنـصـيحة إنــه‬
‫بالـرفـد حـين تـقـاصـــر الرفـــاد‬ ‫وذكـت أي فـتـى يسـد مــكـــانـــه‬
‫ولـنـا إذا عـدنــا إلـــيه مـــعـــاد‬ ‫أم مـن يعـين لـنـا كــرائم مـــالـــه‬
‫أو مــــن نـــــــضـــــــاد مدح عبد الرحمن ابن مروان وهو صغير‬ ‫لو كـان مـن حـضـن تـضـاءل ركـنــه‬
‫‪:‬أخبرني حبيب بن نصر المهلبي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عمر بن شبة‪ ،‬قال‪ :‬قال العتبي‬

‫صفحة ‪2169 :‬‬

‫سأل عويف القوافي في حمالة‪ ،‬فمر به عبد الرحمن بن محمد بن مروان وهو حديث السن‪ ،‬فقال له‪ :‬ل تسأل أحدا وصر إلي‬
‫‪:‬أكفك‪ ،‬فأتاه فاحتملها جمعاء له‪ ،‬فقال عويف يمدحه‬
‫له سيمياء ل تشق على البـصـر‬ ‫غلم رماه الله بالـخـير يافـعـا‬
‫وفي حده الشعرى وفي جيده القمر‬ ‫كأن الثريا علقت فـي جـبـينـه‬
‫تردى رداء واسع الـذيل واتـزر‬ ‫ولما رأى المجد استعيرت ثـيابـه‬
‫ذليل بل ذل ولو شاء لنـتـصـر‬ ‫إذا قيلت العوراء أغضـى كـأنـه‬
‫على حين ل باد يرجى ول حضر قال أبو زيد‪ :‬هذه البيات لبن عنقاء الفزاري‪،‬‬ ‫رآني فآساني ولـو صـد لـم ألـم‬
‫يقولها في ابن أخ له‪ ،‬كان قوم من العرب أغاروا على نعم ابن عنقاء‪ ،‬فاستقوها‪ ،‬حتى لم يبق لها منها شيء‪ ،‬فأتى ابن أخيه‬
‫فقال له‪ :‬يا بن أخي‪ ،‬إنه قد نزل بعمك ما ترى‪ ،‬فهل من حلوبة? قال‪ :‬نعم يا عم‪ ،‬يروح المال وأبلغ مرادك‪ ،‬فلما راح ماله‬
‫‪:‬قاسمه إياه وأعطاه شطره‪ ،‬فقال ابن عنقاء‬
‫إلى ماله حالي أسر كما جهر وذكر بعد هذا البيت باقي البيات‪ .‬قال أبو زيد‪:‬‬ ‫رآني على ما بي عميلة فاشتكى‬
‫‪.‬وإنما تمثلها عويف‬
‫رثى سليمان بن عبد الملك ومدح عمر بن عبد العزيز أخبرني محمد بن خلف وكيع‪ ،‬والحسن بن علي قال‪ :‬حدثنا الغلبي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن عبيد الله‪ ،‬عن عطاء بن مصعب‪ ،‬عن عاصم بن الحدثان‪ ،‬قال‪ :‬لما مات سليمان بن عبد الملك وولي عمر بن‬
‫‪:‬عبد العزيز الخلفة‪ ،‬وفد إليه عويف القوافي وقال شعرا رثى به سليمان ومدح عمر فيه‪ ،‬فلما دخل إليه أنشده‬
‫ثم تدانى فسمعنا صـعـقـه‬ ‫لح سحاب فرأينـا بـرقـه‬
‫ودهمه ثم تـزجـي ورقـه‬ ‫وراحت الريح تزجي بلـقـه‬
‫قبر امرئ عظم ربي حقـه‬ ‫ذاك سقى قبرا فروى ودقـه‬
‫وجحد الخير الذي قد بـقـه‬ ‫قبر سليمان الذي من عـقـه‬
‫فارق في الجحود منه صدقه‬ ‫في المسلمين جـلـه ودقـه‬
‫ألقى إلى خير قريش وسقـه‬ ‫قد ابتلى الله بخير خـلـقـه‬
‫سميت بالفاروق فافرق فرقه‬ ‫يا عمر الخير الملقى وفقـه‬
‫واقصد إلى الجود ول توقـه‬ ‫وارزق عيال المسلمين رزقه‬
‫ريك فالمحروم من لم يسقـه فقال له عمر‪ :‬لسنا من الشعر في شيء‪ ،‬ومالك‬ ‫بحرك عذب الماء ما أعقـه‬
‫في بيت المال حق‪ ،‬فألح عويف يسأله فقال‪ :‬يا مزاحم‪ ،‬انظر فيما بقي من أرزاقنا فشاطره إياه‪ ،‬ولنصبر على الضيق إلى وقت‬
‫العطاء‪ ،‬فقال له عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الملك‪ :‬بل توفر يا أمير المؤمنين وعلي رضا الرجل‪ ،‬فقال‪ :‬ما أولك بذلك‪،‬‬
‫‪.‬فأخذ بيده وانصرف به إلى منزله‪ ،‬وأعطاه حتى رضى‬

‫صوت‬

‫طي الحمالة لين مثـنـاهـا‬ ‫صفرا يطويها الضجيع لصلبها‬


‫بالغور أولها على أخراهـا‬ ‫نعم الضجيع إذا النجوم تغورت‬
‫عبل شواها طيب مجنـاهـا‬ ‫عذب مقبلها وثـير ردفـهـا‬
‫عن حبها أبدا ول أنـسـاهـا الشعر لعبد الله بن جحش الصعاليك‪ ،‬والغناء فيه لعلي‬ ‫يا دار صهباء التي ل أنتهـي‬
‫‪.‬بن هشام ثقيل أول بالوسطى من كتاب أحمد بن المكي‬

‫أخبار عبد الله بن جحش‬


‫طلق صهباء من ابن عمها‬
‫أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عمر بن شبة‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن يحيى أبو غسان‪ ،‬عن غسان بن عبد الحميد‬
‫قال‪ :‬كان بالمدينة امرأة يقال لها‪ :‬صهباء من أحسن الناس وجها‪ ،‬وكانت من هذيل‪ ،‬فتزوجها ابن عم لها‪ ،‬فمكث حينا معها ل‬
‫يقدر عليها من شدة ارتتاقها‪ ،‬فأبضغته وطالبته بالطلق‪ ،‬فطلقها‪ .‬ثم أصاب الناس مطر شديد في الخريف‪ ،‬فسال العقيق سيل‬
‫‪.‬عظيما‪ ،‬وخرج أهل المدينة‪ ،‬وخرجت صهباء معهم‪ ،‬فصادفت عبد الله بن جحش وأصحابه في نزهة‪ ،‬فرآها وافترقا‬
‫يهيم بصهباء ويتقدم لخطبتها‬

‫صفحة ‪2170 :‬‬

‫ثم مضت إلى أقصى الوادي فاستنقعت في الماء وقد تفرق الناس وخفوا‪ ،‬فاجتاز بها ابن جحش فرآها فتهالك عليها وهام بها‪،‬‬
‫وكان بالمدينة امرأة تدل على النساء يقال لها‪ :‬قطنة‪ ،‬كانت تداخل القرشيات وغيرهن‪ ،‬فلقيها ابن جحش فقال لها‪ :‬اخطبي‬
‫علي صهباء‪ ،‬فقالت‪ :‬قد خطبها عيسى بن طلحة بن عبيد الله وأجابوه‪ ،‬ول اراهم يخارونك عليه‪ ،‬فشتمها ابن جحش وقال لها‪:‬‬
‫كل مملوك له فهو حر‪ ،‬لئن لم تحتالي فيها حتى أتزوجها لضربنك ضرب بالسيف ‪-‬وكان مقداما جسورا‪ -‬فرقت منه فدخلت‬
‫على صهباء وأهلها‪ ،‬فتحدثت معهم‪ ،‬ثم ذكرت ابن عمها‪ ،‬فقالت لعمة صهباء‪ :‬ما باله فارقها‪ ،‬فأخبرتها خبرها‪ ،‬وقالت‪ :‬لم يقدر‬
‫عليها وعجز عنها‪ .‬فقالت لها‪ :‬وأسمعت صهباء‪ :-‬إن هذا ليعتري كثيرا من الرجال فل ينبغي أن تتقدموا في أمرها إل على من‬
‫‪.‬تختبرونه‪ ،‬وأما والله لو كان ابن جحش لصهباء لثقبها ثقب اللؤلؤ ولو رنقت بحجر‪ ،‬ثم خرجت من عندهم‬
‫زواجه بصهباء فأرسلت إليها صهباء‪ :‬مري ابن جحش فليخطبني‪ ،‬فلقيته قطنة فأخبرته الخبر‪ ،‬فمضى فخطبها‪ ،‬فأنعمت له وأبى‬
‫‪:‬أهلها إل عيسى بن طلحة‪ ،‬وأبت هي إل ابن جحش‪ ،‬فتزوجته ودخل بها وافتضها‪ ،‬وأحب كل واحد منهما صاحبه فقال فيها‬
‫بالغور أولها على أخـراهـا‬ ‫نعم الضجيع إذا النجوم تغورت‬
‫عبل شواها طيب مجـنـاهـا‬ ‫عذب مقبلهـا وثـير ردفـهـا‬
‫طي الحمالة لين مـتـنـاهـا‬ ‫صراء يطويها الضجيع لجنبهـا‬
‫في الجوب حب نسيمها ونشاها‬ ‫لو يستطيع ضجيعها لجنـهـا‬
‫عن ذكرها أبدا ول أنسـاهـا كان عبد الملك بن مروان معجبا بشعره‬ ‫يا دار صهباء التي ل أنتـهـي‬
‫أخبرني حبيب بن نصر المهلبي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن أبي سعد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عبد الرحيم بن أحمد بن زيد بن الفرج‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدثني محمد بن عبد الله‪ ،‬قال‪ :‬كان عبد الملك بن مروان معجبا بشعر عبد الله بن جحش‪ ،‬فكتب إليه يأمره بالقدوم عليه‪،‬‬
‫فورد كتابه وقد توفي‪ ،‬فقال إخوانه لبنه‪ :‬طرده عبد الملك لتضييعه أدب أبيه لو شخصت إلى أمير المؤمنين عن إذنه لبيك لعله‬
‫كان ينفعك‪ ،‬ففعل‪ ،‬فبينا هو في طريقه إذ ضاع منه كتاب الذن‪ ،‬فهم بالرجوع‪ ،‬ثم مضى لوجهه‪ ،‬فلما قدم على عبد الملك سأله‬
‫عن أبيه فأخبره بوفاته‪ ،‬ثم سأله عن كتابه فأخبره بضياعه‪ ،‬فقال له‪ :‬أنشدي قول أبيك‪ :‬صوت‬
‫منـي وإن يفـعـلـوا فـقـد نـفــعـــوا‬ ‫هل يبـلـغـنـهـا الـــســـلم أربـــعة‬
‫وعـنـتـريسـين فـيهـمــا ســـطـــع‬ ‫علـى مـصـكـين مـن جـمـالـــهـــم‬
‫صبحا فـأضـحـوا بـهـا قـد انـتـجـعـوا‬ ‫قرب جـيرانـنـا جـــمـــالـــهـــم‬
‫حتـى رأيت الـحـداة قـد طـلـــعـــوا‬ ‫ما كـنـت أدري بـوشـك بـــينـــهـــم‬
‫قد كاد قلبي والعين تبصرهملما تولى بالقومينصدع‬
‫ألـيس بـالـلـه بـئس مـا صـنــعـــوا قال‪ :‬ل والله يا أمير المؤمنين ما أرويه‪ ،‬قال‪ :‬ل‬ ‫ساروا وخلفت بعدهم دنفا‬
‫عليك‪ ،‬فأنشدني قول أبيك‪ :‬صوت‬
‫رواحا أم أرادوه ابتـكـارا‬ ‫أجد اليوم جيرتك الـغـيارا‬
‫يزدك البين صدعا مستطارا‬ ‫بعينك كان ذاك وإن يبينـوا‬
‫أناسا ما أوافقهـم كـثـارا‬ ‫بلى أبقت من الجيران عندي‬
‫إذا ما بان من أهوى فسارا قال‪ :‬ل والله ما أرويه يا أمير المؤمنين‪ ،‬قال‪ :‬ول عليك‪،‬‬ ‫وماذا كثرة الجيران تغنـي‬
‫‪:‬فأنشدني قول أبيك‬
‫عن ذكرها قلبي ول أنساهـا‬ ‫دار لصهباء التي ل ينـثـنـي‬
‫طي الحمالة لين مـتـنـاهـا‬ ‫صفراء يطويها الضجيع لصلبها‬
‫في القلب شهوة ريحها ونشاها قال‪ :‬ل والله يا أمير المؤمنين‪ ،‬ما أرويه‪ ،‬وإن‬ ‫لو يستطيع ضجيعها لجنـهـا‬
‫صهباء هذه لمي‪ ،‬قال‪ :‬ول عليك‪ ،‬قد يبغض الرجل أن يشبب بأمه‪ ،‬ولكن إذا نسب بها غير أبيه‪ ،‬فأف لك ورحم الله أباك‪ ،‬فقد‬
‫‪.‬ضيعت أدبه وعققته؛ إذ لم ترو شعره‪ .‬اخرج فل شيء عندنا‬

‫صوت‬

‫وأدنت على الخدين بردا مهلهـل‬ ‫أماطت كساء الخز عن حر وجهها‬


‫ولكن يقتلن البرء الـمـغـفـل‬ ‫من اللء لم يحججن يبغين حسـبة‬

‫صفحة ‪2171 :‬‬


‫وقد عهدتني أسود الرأس مسـبـل‬ ‫رأتني خضيب الرأس شمرت مئزري‬
‫كإجرارك الحبل الجواد المحـجـل‬ ‫خطوا إلى اللذات أجررت مـئزري‬
‫بشر فلم أعدل عن الشـر مـعـدل‬ ‫صريع الهوى ل يبرح الحب قـائدي‬
‫ومن ريع في حج من الناس هلـل الشعر للعرجي‪ ،‬والغناء لعبد الله بن‬ ‫لدى الجمرة القصوى فريعت وهللت‬
‫العباس الربيعي ثقيل أول في الول والثاني والخامس والسادس من هذه البيات‪ ،‬وهو من جيد الغناء وفاخر الصنعة‪ ،‬ويقال‪ :‬أنه‬
‫أول شعر صنعه‪ ،‬ولعزاز المكي في الثالث وما بعده ثاني ثقيل‪ ،‬عن يحيى المكي وغيره‪ ،‬وفيه خفيف ثقيل ينسب إلى معبد وإلى‬
‫ابن سريج وإلى الغريض‪ ،‬وفيه لبراهيم لحن من كتابه غير مجنس‪ ،‬وأنا ذاكر ها هنا أخبارا لهذا الشعر من أخبار العرجي؛ إذ كان‬
‫‪.‬أكثر أخباره قد مضى سوى هذه‬

‫بعض أخبار للعرجي‬


‫امرأة تتمثل بشعره‬
‫أخبرني محمد بن خلف وكيع‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا إسماعيل بن مجمع‪ ،‬عن المدائني‪ ،‬عن عبد الله بن سليم‪ ،‬قال‪ :‬قال عبد الله بن عمر‬
‫العمري‪ :‬خرجت حاجا فرأيت امرأة جميلة تتكلم بكلم رفثت فيه‪ ،‬فأدنيت ناقتي منها‪ ،‬ثم قلت لها‪ :‬يا أمة الله‪ ،‬ألست حاجة أما‬
‫‪:‬تخافين الله فسفرت عن وجه يبهر الشمس حسنا‪ ،‬ثم قالت‪ :‬تأمل يا عمي‪ ،‬فإني ممن عنى العرجي بقوله‬
‫ولكن ليقتلن البريء المغفـل قال‪ :‬فقلت لها‪ :‬فإني أسأل الله أل يعذب هذا‬ ‫من اللء لم يحججن يبغين حسبة‬
‫الوجه بالنار‪ .‬قال‪ :‬وبلغ ذلك سعيد بن المسيب فقال‪ :‬أما والله لو كان من بعض بغضاء أهل العراق لقال لها‪ :‬اعزبي قبحك الله‪،‬‬
‫‪.‬ولكنه ظرف عباد الحجاز‬
‫‪.‬وقد رويت هذه الحكاية عن أبي حازم بن دينار‬
‫أخبرني به وكيع‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن زهير‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مصعب الزبيري‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عبد الرحمن بن أبي الحسن وقد روى‬
‫عنه ابن أبي ذئب‪ ،‬قال‪ :‬بينا أبو حازم يرمي الجمار إذ هو بامرأة متشعبذة ‪-‬يعني حاسرة‪-‬فقال لها‪ :‬أيتها المرأة استتري‪ ،‬فقالت‪:‬‬
‫‪:‬إني والله من اللواتي قال فيهن الشاعر قوله‬
‫ولكن ليقتلن البريء المغفـل‬ ‫من اللء لم يحججن يبغين حسبة‬
‫لها رمية لم تصم منهن مقتـل فقال أبو حازم لصحابه‪ :‬ادعوا الله لهذه الصورة‬ ‫وترمي بعينيها القلوب ول ترى‬
‫‪.‬الحسنة أل يعذبها بالنار‬
‫وأبو حازم هذا هو أبو حازم بن دينار من وجوه التابعين‪ ،‬قد روى عن سهل بن سعد وأبي هريرة‪ ،‬وروى عنه مالك وابن ذئب‬
‫‪.‬ونظراؤهما‬
‫حدثني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني الكراني‪ ،‬قال‪ :‬حدثني العمري‪ ،‬عن العتبي‪ ،‬عن الحكم بن صخر‪ ،‬قال‪ :‬انصرف من منى فسمعت‬
‫‪:‬زفنا من بعض المحامل‪ ،‬ثم ترنمت جارية فتغنت‬
‫ولكن ليقتلن البريء المغفـل فقلت لها‪ :‬أهذا مكان هذا يرحمك الله فقالت‪:‬‬ ‫من اللء لم يحججن يبغين حسبة‬
‫‪.‬نعم وإياك أن تكونه‬

‫أخبار عبد الله بن العباس الربيعي‬


‫نسبه‬
‫عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع‪ ،‬والربيع ‪-‬على ما يدعيه أهله‪ -‬ابن يونس بن أبي فروة‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه ليس ابنه‪ ،‬وآل أبي‬
‫فروة يدفعون ذلك ويزعمون أنه لقيط‪ ،‬وجد منبوذا‪ ،‬فكفله يونس بن أبي فروة ورباه‪ ،‬فلما خدم المنصور ادعى عليه ‪ ،‬وأخباره‬
‫‪:‬مذكورة مع أخبار ابنه الفضل في شعر يغنى به من شعر الفضل وهو‬
‫‪.‬كنت صبا وقلبي اليوم سالي ويكنى عبد الله بن العباس أبا العباس‬
‫كان شاعرا مطبوعا ومغنيا جيد الصنعة‬
‫وكان شاعرا مطبوعا‪ ،‬ومغنيا محسنا جيد الصنعة نادرها‪ ،‬حسن الرواية‪ ،‬حلو الشعر ظريفه‪ ،‬ليس من الشعر الجيد الجزل ول‬
‫‪.‬من المرذول‪ ،‬ولكنه شعر مطبوع ظريف مليح المذهب‪ ،‬من أشعار المترفين وأولد النعم‬
‫حدثني أبو القاسم الشيربابكي ‪-‬وكان نديما لجدي يحيى بن محمد‪ -‬عن يحيى بن حازم‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عبد الله بن العباس‬
‫‪:‬الربيعي‪ ،‬قال‬

‫صفحة ‪2172 :‬‬

‫دخل محمد بن عبد الملك الزيات على الواثق وأنا بين يديه أغنيه‪ ،‬وقد استعادني صوتا فاستحسنته‪ ،‬فقال له محمد بن عبد‬
‫الملك‪ :‬هذا والله يا أمير المؤمنين أولى الناس بإقبالك عليه واستحسانك له واصطناعك إياه‪ ،‬فقال‪ :‬أجل‪ ،‬هذا مولي وابن‬
‫مولي وابن موالي ل يعرفون غير ذلك‪ ،‬فقال له‪ :‬ليس كل مولى ‪-‬يا أمير المؤمنين‪ -‬بولي لمواليه‪ ،‬ول كل مولى متجمل بولئه‪،‬‬
‫يجمع ما جمع عبد الله من ظرف وأدب وصحة عقل وجودة شعر‪ ،‬فقال الحسن له‪ :‬صدقت يا محمد‪ .‬فلما كان من الغد جئت‬
‫محمد بن عبد الملك شاكرا لمحضره ‪ ،‬فقلت له في أضعاف كلمي‪ :‬وأفرط الوزير ‪-‬أعزه الله‪ -‬في وصفي وتقريظي بكل شيء‬
‫حتى وصفني بجودة الشعر وليس ذلك عندي‪ ،‬وإنما أعبث بالبيتين والثلثة‪ ،‬ولو كان عندي أيضا شيء بعد ذلك لصغر عن أن‬
‫‪:‬يصفه الوزير‪ ،‬ومحله في هذا الباب المحل الرفيع المشهور‪ ،‬فقال‪ :‬والله يا أخي‪ ،‬لو عرفت مقدار شعرك وقولك‬
‫يا شادنا رام إذ مر في السعانين قتلي‬
‫يقول لي‪ :‬كيف أصبحت كيف يصبح مثلي لما قلت هذا القول‪ ،‬والله لو لم يكن لك شعر في عمرك كله إل قولك‪( :‬كيف يصبح‬
‫‪.‬مثلي) لكنت شاعرا مجيدا‬
‫حدثني جحظة‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أحمد بن الطيب‪ ،‬قال‪ :‬حدثني حماد بن إسحاق‪ ،‬قال‪ :‬سمعت عبد الله بن العباس الربيعي يقول‪:‬‬
‫‪:‬أنا أول من غنى بالكنكلة في السلم ووضعت هذا الصوت عليها‬
‫ح ليل فقلت له‪ :‬غادها سبب تعلمه الغناء‬ ‫أتاني يؤامرني في الصبو‬
‫حدثني جعفر بن قدامة‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا علي بن يحيى المنجم‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عبد الله بن العباس الربيعي‪ ،‬قال‪ :‬كان سبب دخولي‬
‫في الغناء وتعلمي إياه أني كنت أهوى جارية لعمتي رقية بنت الفضل بن الربيع‪ ،‬فكنت ل أقدر على ملزمتها والجلوس معها‬
‫خوفا من أن يظهر ما لها عندي فيكون ذلك سبب منعي منها‪ ،‬فأظهرت لعمتي أنني أشتهي أن أتعلم الغناء ويكون ذلك في ستر‬
‫عن جدي‪ ،‬وكان جدي وعمتي في حال من الرقة علي والمحبة لي ل نهاية وراءها‪ ،‬لن أبي توفي في حياة جدي الفضل‪ ،‬فقالت‪:‬‬
‫يا بني‪ ،‬وما دعاك إلى ذلك? فقلت‪ :‬شهوة غلبت على قلبي إن منعت منها مت غما‪ ،‬وكان لي في الغناء طبع قوي‪ ،‬فقالت لي‪:‬‬
‫أنت أعلم وما تختاره‪ ،‬والله ما أحب منعك من شيء‪ ،‬وإني لكارهة أن تحذق ذلك وتشهر به فتسقط ويفتضح أبوك وجدك‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬ل تخافي ذلك‪ ،‬فإنما آخذ منه مقدار ما ألهو به‪ ،‬ولزمت الجارية لمحبتي إياها بعلة الغناء‪ ،‬فكنت آخذ عنها وعن صواحباتها‬
‫حتى تقدمت الجماعة حذقا‪ ،‬وأقررن لي بذلك‪ ،‬وبلغت ما كنت أريد من أمر الجارية‪ ،‬وصرت ألزم مجلس جدي فكان يسر بذلك‬
‫ويظنه تقربا مني إليه‪ ،‬وإنما كان وكدي فيه أخذ الغناء‪ ،‬فلم يكن يمر لسحاق ول لبن جامع ول للزبير بين دحمان ول لغيرهم‬
‫صوت إل أخذته‪ ،‬فكنت سريع الخذ‪ ،‬وإنما كنت أسمعه مرتين أو ثلثا‪ ،‬وقد صح لي وأحسست من نفسي قوة في الصناعة‪،‬‬
‫‪:‬فصنعت أول صوت صنعته في شعر العرجي‬
‫وأدنت على الخدين بردا مهلهـل ثم صنعت في‬ ‫‪:‬أماطت كساء الخز عن حر وجهها‬
‫فالمنحنى فالعقيق فالجرف وعرضتها على الجارية التي كنت أهواها وسألتها عما‬ ‫أقفر من بعد خلة سـرف‬
‫عندها فيهما‪ ،‬فقالت‪ :‬ل يجوز أن يكون في الصنعة شيء فوق هذا‪ ،‬وكان جواري الحارث بن بسخنر وجواري ابنه محمد يدخلن‬
‫إلى دارنا فيطرحن على جواري عمتي وجواري جدي ويأخذن أيضا مني ما ليس عندهن من غناء دارنا‪ ،‬فسمعنني ألقي هذين‬
‫الصوتين على الجارية‪ ،‬فأخذنهما مني وسألن الجارية عنهما‪ ،‬فأخبرتهن أنهما من صنعتي‪ ،‬فسألنها أن تصححهما لهن‪ ،‬ففعلت‬
‫فأخذنهما عنها‪ ،‬ثم اشتهر حتى غني الرشيد بهما يوما‪ ،‬فاستظرفهما وسأل إسحاق‪ :‬هل تعرفهما? فقال‪ :‬ل‪ ،‬وإنهما لمن حسن‬
‫الصنعة وجيدها ومتقنها‪ ،‬ثم سأل الجارية عنهما فتوقفت خوفا من عمتي وحذرا أن يبلغ جدي أنها ذكرتني‪ ،‬فانتهرها الرشيد‪،‬‬
‫‪.‬فأخبرته بالقصة‬
‫جده ينفي معرفته بأنه يغني‬

‫صفحة ‪2173 :‬‬

‫فوجه من وقته فدعا بجدي‪ ،‬فلما أحضره قال له‪ :‬يا فضل‪ ،‬يكون لك ابن يغني ثم يبلغ في الغناء المبلغ الذي يمكنه معه أن‬
‫يصنع صوتين يستحسنهما إسحاق وسائر المغنين ويتداولهما جواري القيان ول تعلمني بذلك? كأنك رفعت قدره عن خدمتي في‬
‫هذا الشأن فقال له جدي‪ :‬وحق ولئك يا أمير المؤمنين ونعمتك‪ ،‬وإل فأنا نفي منهما بري من بيعتك وعلي العهد والميثاق والعتق‬
‫والطلق‪ ،‬إن كنت علمت بشيء م هذا قط إل منك الساعة‪ ،‬فمن هذا من ولدي? قال‪ :‬عبد الله بن العباس هو‪ ،‬فأحضرنيه‬
‫الساعة‪ .‬فجاء جدي وهو يكاد أن ينشق غيظا‪ ،‬فدعاني‪ ،‬فلما خرجت إليه شتمني وقال‪ :‬يا كلب‪ ،‬بلغ من أمرك ومقدارك أن‬
‫تجسر على أن تتعلم الغناء بغير إذني‪ ،‬ثم زاد ذلك حتى صنعت‪ ،‬ولم تقنع بهذا حتى ألقيت صنعتك على الجواري في داري‪ ،‬ثم‬
‫تجاوزتهن إلى جواري الحارث بن بسخنر‪ ،‬فاشتهرت وبلغ أمرك أمير المؤمنين‪ ،‬فتنكر لي ولمني وفضحت آبائك في قبورهم‪،‬‬
‫وسقطت البد إل من المغنين وطبقة الخنياكرين ‪ .‬فبكيت غما بما جرى‪ ،‬وعلمت أنه قد صدق‪ ،‬فرحمني وضمني إليه وقال‪ :‬قد‬
‫صارت الن مصيبتي في أبيك مصيبتين‪ :‬إحداهما به وقد مضى وفات‪ ،‬والخرى بك وهي موصولة بحياتي‪ ،‬ومصيبة باقية العار‬
‫علي وعلى أهلي بعدي‪ ،‬وبكى وقال‪ :‬عز علي يا بني أن أراك أبدا ما بقيت على غير ما أحب‪ ،‬وليست لي في هذا المر حيلة‪،‬‬
‫لنه أمر قد خرج عن يدي‪ ،‬ثم قال‪ :‬جئني بعود حتى أسمعك وأنظر كيف أنت‪ ،‬فإن كنت تصلح للخدمة في هذه الفضيحة‪ ،‬وإل‬
‫جئته بك منفردا وعرفته خبرك واستعفيته لك‪ ،‬فأتيته بعود وغنيته غناء قديما‪ ،‬فقال‪ :‬ل‪ ،‬بل غني صوتيك اللذين صنعتهما‪ ،‬فغنيته‬
‫إياهما فاستحسنهما وبكى‪ ،‬ثم قال‪ :‬بطلت والله يا بني وخاب أملي فيك‪ ،‬فواحزني عليك وعلى أبيك فقلت له‪ :‬يا سيدي‪ ،‬ليتني‬
‫مت من قبل ما أنكرته أو خرست‪ ،‬وما لي حيلة ولكني وحياتك يا سيدي‪ ،‬وإل فعلي عهد الله وميثاقه والعتق والطلق وكل يمين‬
‫‪.‬يحلف بها حالف لزمة لي‪ ،‬ل غنيت أبدا إل لخليفة أو ولي عهد‪ ،‬فقال‪ :‬قد أحسنت فيما نبهت عليه من هذا‬
‫غنى أمام الرشيد فطرب وكافأه‬
‫ثم ركب وأمرني‪ ،‬فأحضرت فوقفت بين يدي الرشيد وأنا أرعد فاستدناني حتى صرت أقرب الجماعة إليه ومازحني وأقبل علي‬
‫وسكن مني‪ ،‬وأمر جدي بالنصراف وأمر الجماعة فحدثوني ‪ ،‬وسقيت أقداحا وغنى المغنون جميعا‪ ،‬فأومأ إلي إسحاق الموصلي‬
‫بعينه أن أبدأ فغن إذا بلغت النوبة إليك قبل أن تؤمر بذلك‪ ،‬ليكون ذلك أصلح وأجود بك‪ ،‬فلما جاءت النوبة إلي أخذت عودا ممن‬
‫كان إلى جنبي وقمت قائما واستأذنت في الغناء‪ ،‬فضحك الرشيد وقال‪ :‬عن جالسا‪ ،‬فجلست وغنيت لحني الول فطرب‬
‫واستعاده ثلث مرات‪ ،‬وشرب عليه ثلثة أنصاف‪ ،‬ثم غنيت الثاني‪ ،‬فكانت هذه حاله‪ ،‬وسكر‪ ،‬فدعا بمسرور فقال له‪ :‬احمل‬
‫‪.‬الساعة مع عبد الله عشرة آلف دينار وثلثين ثوبا من فاخر ثيابي‪ ،‬وعيبة مملوءة طيبا‪ ،‬فحمل ذلك أجمع معي‬
‫المعتصم يأمره بالتكفير عن يمينه‬
‫والغناء لصحابه جميعا‬
‫قال عبد الله‪ :‬ولم أزل كلما أراد ولي عهد أن يعلم من الخليفة بعد الخليفة الوالي أهو أم غيره دعاني فأمرني بأن أغني‪،‬‬
‫فأعرفه بيميني‪ ،‬فيستأذن الخليفة في ذلك‪ ،‬فإن أذن لي في الغناء عنده عرف أنه ولي عهد‪ ،‬وإل عرف أنه غير حتى كان آخرهم‬
‫الواثق‪ ،‬فدعاني في أيام المعتصم وسأله أن يأذن لي في الغناء‪ ،‬فأذن لي‪ ،‬ثم دعاني من الغد فقال‪ :‬ما كان غناؤك إل سببا‬
‫لظهور سري وسر الخلفاء قبلي‪ ،‬ولقد هممت أن آمر بضرب رقبتك‪ .‬ل يبلغني أنك امتنعت من الغناء عند أحد‪ ،‬فوالله لئن بلغني‬
‫لقتلنك‪ ،‬فأعتق من كنت تملكه يوم حلفت‪ ،‬وطلق من كان يوجد عندك من الحرائر‪ ،‬واستبدل بهن وعلي العوض من ذلك‪،‬‬
‫وأرحنا من يمينك هذه المشؤومة‪ ،‬فقمت وأنا ل أعقل خوفا منه‪ ،‬فأعتقت جميع من كان بقي عندي من مماليكي‪ ،‬الذي حلفت‬
‫يومئذ وهم في ملكي‪ ،‬وتصدقت بجملة‪ ،‬واستفتيت في يميني أبا يوسف القاضي حتى خرجت منها‪ ،‬وغنيت بعد ذلك إخواني‬
‫جميعا حتى اشتهر أمري‪ ،‬وبلغ المعتصم خبري‪ ،‬فتخلصت منه‪ ،‬ثم غضب علي الواثق لشيء أنكره‪ ،‬وولي الخلفة وهو ساخط‬
‫‪:‬علي فكتبت إليه‬
‫أيام أرهب سطوة السيف‬ ‫اذكر أمير المؤمنين وسائلي‬
‫بين المقام ومسجد الخيف فدعاني ورضي عني‬ ‫‪.‬أدعو إلهي أن أراك خليفة‬
‫‪:‬حدثني سليمان بن أبي شيخ قال‬

‫صفحة ‪2174 :‬‬

‫دخلت على العباس بن الفضل بن الربيع ذات يوم وهو مختلط مغتاظ وابنه عبد الله عنده‪ ،‬فقلت له‪ :‬ما لك أمتع الله بك?‬
‫قال‪ :‬ل يفلح والله ابني عبد الله أبدا‪ .‬فظننته قد جنى جناية‪ ،‬وجعلت أعتذر إليه له‪ ،‬فقال‪ :‬ذنبه أعظم من ذلك وأشنع‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫وما ذنبه? قال‪ :‬جاءني بعض غلماني فحدثني أنه رآه بقطربل يشرب نبيذ الداذي بغير غناء‪ ،‬فهل هذا فعل من يفلح? فقلت له‬
‫وأنا أضحك‪ :‬سهلت علي القصة‪ ،‬قال‪ :‬ل تقل ذاك فإن هذا من ضعة النفس وسقوط الهمة‪ ،‬فكنت إذا رأيت عبد الله بعد ذلك‬
‫‪.‬في جملة المغنين‪ ،‬وشاهدت تبذله في هذه الحال وانخفاضه عن مراتب أهله تذكرت قول أبيه فيه‬
‫صنع غناء في شعر لبي العتاهية‬
‫‪:‬قال‪ :‬وسمعته يوما يغني بصنعته في شعر أبي العتاهية‬
‫أنا عبد لها مقر وما يملك غيرها من الناس رقا‬
‫زق مـنـهـا والـحـمـد لـلـه عـتـقـا‬ ‫ناصح مشفق وإن كنت ما أر‬
‫أبـدا مـا حـييت مـنـهـا مـلــقـــى لحن عبد الله بن العباس في هذا الشعر‬ ‫ليتـنـي مـت فـاسـتـرحـت فـإنـــي‬
‫‪.‬رمل‬
‫إسحاق الموصلي يصنع له لحنا من شعره أخبرني جعفر بن قدامة‪ ،‬قال‪ :‬حدثني علي بن يحيى وأحمد بن حمدون‪ ،‬عن أبيه‪.‬‬
‫وأخبرني جحظة‪ ،‬عن أبي عبد الله الهاشمي‪ ،‬إن إسحاق الموصلي دخل يوما إلى الفضل بن الربيع وابن ابنه عبد الله بن‬
‫‪:‬العباس في حجره قد أخرج إليه وله نحو السنتين‪ ،‬وأبوه العباس واقف بين يديه‪ ،‬فقال إسحاق للوقت‬
‫حتى يكون ابنك هذا جدا‬ ‫مد لك الله الحـياة مـدا‬
‫ثم يفدى مثل ما تفـدى‬ ‫مؤزرا بمجـده مـردى‬
‫وشيما محمودا ومجـدا‬ ‫أشبه منك سـنة وخـدا‬
‫كأنه أنت إذا تـبـدى قال‪ :‬فاستحسن الفضل البيات وصنع فيها إسحاق لحنه المشهور‪ ،‬وقال جحظة في خبره عن الهاشمي‪،‬‬
‫‪.‬وهو رمل ظريف من حسن الرمال ومختارها‪ ،‬فأمر له الفضل بثلثين ألف درهم‬
‫أصبح العباس بن الفضل مهموما فنشطه الشعر والشراب أخبرني جعفر بن قدامة‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عبد الله بن عمر‪ ،‬قال‪ :‬حدثني‬
‫محمد بن عبد الله بن مالك‪ ،‬قال‪ :‬حدثني بعض ندماء الفضل بن الربيع قال‪ :‬كنا عند الفضل بن الربيع في يوم دجن‪ ،‬والسماء‬
‫ترش وهو أحسن يوم وأطيبه‪ ،‬وكان العباس يومئذ قد أصبح مهموما‪ ،‬فجهدنا أن ينشط‪ ،‬فلم تكن لنا في ذلك حيلة‪ ،‬فبينا نحن‬
‫‪:‬كذلك إذ دخل عليه بعض الشعراء‪ ،‬إما الرقاشي وإما غيره من طبقته‪ ،‬فسلم وأخذ بعضادتي الباب ثم قال‬
‫على مربع القطربلي المشعشـع‬ ‫أل أنعم صباحا يا أبا الفضل واربع‬
‫لها مصرع في القوم غير مروع‬ ‫وعلل نداماك العطاش بـقـهـوة‬
‫ويوما يغصان الجفون بـأدمـع قال‪ :‬فبكى العباس وقال‪ :‬صدقت والله‪ ،‬إن‬ ‫فإنك لق كـلـمـا شـئت لـيلة‬
‫‪.‬النسان ليلقى ذلك متى يشاء‪ ،‬ثم دعا بالطعام فأكل‪ ،‬ثم دعا بالشراب فشرب ونشط‪ ،‬ومر لنا يوم حسن طيب‬
‫وسط أحمد بن المرزبان المنتصر حدثني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أحمد بن المرزبان‪ ،‬قال‪ :‬جاءني عبد الله بن العباس في خلفة‬
‫المنتصر وقد سألني عرض رقعة عليه‪ ،‬فأعلم أني نائم‪ ،‬وقد كنت شربت بالليل شربا كثيرا‪ ،‬فصليت الغداة ونمت‪ ،‬فلما انتبهت‬
‫‪:‬إذا رقعة عند رأسي وفيها مكتوب‬
‫أنا بالباب واقف منذ أصبحت على السرج ممسك بعناني‬
‫ويرانـــي كـــأنــــه ل يرانـــــــي فأمرت بإدخاله‪ ،‬فدخل‪ ،‬فعرفته خبري واعتذرت‬ ‫وبعين البواب كل الذي بي‬
‫‪.‬إليه وعرضت رقعته على المنتصر وكلمته حتى قضى حاجته‬
‫غناؤه مع إسحاق اخبرني محمد بن مزيد بن أبي الزهر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا حماد بن إسحاق‪ ،‬قال‪ :‬دعا عبد الله بن العباس الربيعي‬
‫‪:‬يوما أبي‪ ،‬وسأله أن يبكر إليه ففعل ‪ ،‬فلما دخل بادر إليه عبد الله بن العباس ملتقيا وفي يده العود وغناه‬
‫عاب الصبوح لحبه للـمـال‬ ‫قم نصطبح يفديك كل مبخـل‬
‫قد عتقت في الدن مذ أحوال قال‪ :‬وقدم الطعام فأكلنا واصطبحنا‪ ،‬واقترح أبي‬ ‫من قهوة صفراء صرف مزة‬
‫‪.‬هذا الصوت عليه بقية يومه‬
‫يناشد الشعر مع إسحاق بعد أن غنى قال‪ :‬وأتيته في داره بالمطيرة عائدا‪ ،‬فوجدته في عافية‪ ،‬فجلسنا نتحدث فأنشدته لذي‬
‫‪:‬الرمة‬
‫بل إحنة بين النفوس ول ذحل‬ ‫إذا ما امرؤ حاولن أن يقتتلنـه‬

‫صفحة ‪2175 :‬‬

‫وفترن عن أبصار مكحولة نجل‬ ‫تبسمن عن نور القاحي في الثرى‬


‫هجان فكان القتل أو شبهة القتل‬ ‫وكشفن عن أجياد غزلن رمـلة‬
‫إليهن حاجات النفوس بـل بـذل‬ ‫وإنا لنرضى حين نشكو بخـلـوة‬
‫ولكن جرت أخلقهن على البخل قال‪ :‬فأنشدني هو‬ ‫‪:‬وما الفقر أزرى عندهن بوصلنـا‬
‫ومن الكرى لعيوننا كحل‬ ‫أنى اهتدت لمناخنا جمـل‬
‫خرقاء عرفني بها الرحل‬ ‫طرقت أخا سفر وناجـية‬
‫وتعللت بصريفها البـزل‬ ‫في مهمه هجع الدليل به‬
‫درجت على آثاره النمل قال إسحاق‪ :‬فقال لي عبد الله بن العباس‪ :‬كل ما يملك في‬ ‫فكأن أحدث من ألـم بـه‬
‫‪.‬سبيل الله إن فارقتك ولم نصطبح على هذين الشعرين‪ ،‬وأنشدك وتنشدني‪ ،‬ففعلنا ذلك وما غنينا ول غنينا‬
‫اصطبح مع خادم صالح بن عجيف على زنا بنت الخس أخبرني محمد بن مزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا حماد بن إسحاق‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫لقيت عبد الله بن العباس يوما في الطريق فقلت له‪ :‬ما كان خبرك أمس? فقال‪ :‬اصطبحت‪ ،‬فقلت‪ :‬على ماذا ومع من? فقال‪:‬‬
‫مع خادم صالح بن عجيف‪ ،‬وأنت به عارف‪ ،‬وبخبري معه ومحبتي له عالم‪ ،‬فاصطبحنا على زنا بنت الخس لما حملت من زنا‪،‬‬
‫‪:‬وقد سئلت‪ :‬ممن حملت? فقالت‬
‫شغفت به لو كان شيئا مدانـيا‬ ‫أشم كغصن البان جعد مرجـل‬
‫سلفا ول عذبا من الماء صافيا‬ ‫ثكلت أبي إن كنت ذقت كريقه‬
‫وبين ابي لخترت أن ل أبا ليا‬ ‫وأقسم لو خيرت بين فـراقـه‬
‫غلما هلليا فشلت بـنـانـيا فقلت له‪ :‬أقمت على لواط وشربت على زنا‪،‬‬ ‫فإن لم أوسد ساعدي بعد هجعة‬
‫‪.‬والله ما سبقك إلى هذا أحد‬
‫طلب من فائز غلم محمد بن راشد الغناء وهم يشربون أخبرني محمد بن العباس اليزيدي‪ ،‬قال‪ :‬أخبرني ميمون بن هارون‪،‬‬
‫قال‪ :‬كان محمد بن راشد الخناق عند عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع على القاطول في أيام المعتصم‪ ،‬وكان لمحمد‬
‫‪:‬بن راشد غلم يقال له‪ :‬فائز‪ ،‬يغني غناء حسنا‪ ،‬فأظلتهم سحابة وهم يشربون‪ ،‬فقال عبد الله بن العباس‬
‫سحابة مزن برقهـا يتـهـلـل‬ ‫محمد قد جادت علينا بـمـائهـا‬
‫ومنزلنا فيه المنابـت مـبـقـل‬ ‫ونحن من القاطول في متـربـع‬
‫أعن ظعن الحي اللى كنت تسأل‬ ‫فمر فائزا يشدو إذا ما سقيتـنـي‬
‫أعاف من الشياء ما ل يحـلـل قال‪ :‬فأمر محمد بن راشد غلمه فائزا‪ ،‬فغناه بهذا‬ ‫ول تسقني إل حـلل فـإنـنـي‬
‫‪.‬الصوت‪ ،‬وشرب عليه حتى سكر‬
‫قال‪ :‬وكان أبو أحمد بن الرشيد قد عشق فائزا‪ ،‬فاشتراه من محمد بن راشد بثلثمائة ألف درهم‪ ،‬فبلغ ذلك المأمون‪ ،‬فأمر بأن‬
‫يضرب محمد بن راشد ألف سوط‪ ،‬ثم سئل فيه فكف عنه‪ ،‬وارتجع منه نصف المال‪ ،‬وطالبه بأكثر فوجده قد أنفقته وقضى‬
‫‪.‬دينه‪ ،‬ثم حجر على أبي أحمد بن الرشيد‪ ،‬فلم يزل محجورا عليه طوال أيام المأمون؛ وكان أمر بماله مردودا إلى مخلد بن أبان‬
‫شرب الخمر في رمضان إلى الفجر‬
‫أخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬أخبرني ابن الجرجاني ‪ ،‬قال‪ :‬اتفق يوم النيروز في‬
‫‪:‬شهر رمضان‪ ،‬فشرب عبد الله بن العباس بن الفضل في تلك الليلة إلى أن بدا الفجر أن يطلع‪ ،‬وقال في ذلك وغنى فيه قوله‬
‫ليلة النـيروز والحـد‬ ‫اسقني صفراء صافـية‬
‫فتزود شربهـا لـغـد صنع لحنا للواثق وغناه في يوم نيروز فلم يستعد غيره أخبرني‬ ‫حرم الصوم اصطباحكما‬
‫عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني غبراهيم بن المدبر‪ ،‬قال‪ :‬قال لي محمد بن الفضل الجرجاني‪:‬‬
‫‪:‬أنشدت عبد الله بن العباس الربيعي للمعلى الطائي‬
‫واشرب بكأس مترع وبكوز‬ ‫باكر صبوحك صبحة النيروز‬
‫آس ونسرين ومر ماحـوز فاستعادنيهما فأعدتهما عليه‪ ،‬وسألني أن أمليهما‪،‬‬ ‫ضحك الربيع إليك عن نواره‬
‫‪.‬وصنع فيهما لحنا غنى به الواثق في يوم نيروز‪ ،‬فلم يستعد غيره يومئذ‪ ،‬وأمر له بثلثين ألف درهم‬
‫‪:‬تأثر من شعر لجميل إلى أن بكى أخبرني جعفر بن قدامة‪ ،‬قال‪ :‬حدثني علي بن يحيى‪ ،‬قال‬

‫صفحة ‪2176 :‬‬

‫‪.‬أنشدني عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع لجميل‪ ،‬وأنشدنيه وهو يبكي ودموعه تنحدر على لحيته‬
‫صوت‬
‫غدرت بظهر الغيب لم تسليني‬ ‫فما لك لما خبر الناس أنـنـي‬
‫من الناس عدل إنهم ظلموني قال‪ :‬وله فيه صنعة من خفيف الثقيل وخفيف‬ ‫فأحلف بتا أو أجيء بشـاهـد‬
‫‪.‬الرمل‬
‫كان مصطبحا دهره‬
‫ويقول الشعر في الصبوح‬
‫أخبرني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عبيد الله بن محمد بن عبد الملك الزيات‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا نافذ مولنا‪ ،‬قال‪ :‬كان عبد الله بن العباس‬
‫صديقا لبيك‪ ،‬وكان يعاشره‪ ،‬كثيرا وكان عبد الله بن العباس مصطبحا دهره يفوته ذلك إل في يوم جمعة أصوم شعر رمضان‪،‬‬
‫وكان يكثر المدح للصبوح ويقول الشعر فيه‪ ،‬ويغني فيما يقوله‪ ،‬قال عبيد الله‪ :‬فأنشدني نافذ مولنا وغيره من اصحابنا في ذلك‪،‬‬
‫منهم حماد بن إسحاق‪ :‬صوت‬
‫في فتية باصطباح الراح حذاق‬ ‫ومستطيل على الصهباء باكرها‬
‫وكل شخص رآه خاله الساقي قال‪ :‬ولحنه فيه خفيف رمل ثقيل‪ .‬قال حماد‪:‬‬ ‫فكل شيء رآه خالـه قـدحـا‬
‫‪:‬وكان أبي يستجيد هذا الصوت من صنعته ‪ ،‬ويستحسن شعره ويعجب من قوله‬
‫وكل شخص رآه خاله الساقي ويعجب من قوله‬ ‫‪:‬فكل شيء رآه خاله قـدحـا‬
‫‪.‬ومستطيل على الصهباء باكرها ويقول‪ :‬وأي شيء تحته من المعاني الظريفة‬
‫قال‪ :‬وسمعه أبي يغنيه فقال له‪ :‬كأنك والله يا عبد الله خطيب يخطب على المنبر‪ ،‬قال عبد الله بن محمد‪ :‬فأنشدني حماد له‬
‫‪:‬في الصبوح‬
‫فالعيش شرب الصبوح‬ ‫ل تعذلن في صبوحـي‬
‫ط غير وغد شـحـيح قال عمي‪ :‬قال عبيد الله‪ :‬دخل يوما عبد الله بن العباس الربيعي‬ ‫ما عاب مصطبحـا ق‬
‫على أبي مسلما‪ ،‬فلما استقر به المجلس وتحادثا ساعة قال له‪ :‬أنشدني شيئا من شعرك‪ ،‬فقال‪ :‬إنما أعبث ولست ممن يقدم‬
‫‪:‬عليك بإنشاد شعره‪ ،‬فقال‪ :‬أتقول هذا وأنت القائل‬
‫يا شادنا رام إذ مر في الشعانين قتلي‬
‫تقول لي‪ :‬كيف أصبحت? كيف يصبح مثلي أنت والله أعزك الله أغزل الناس وأرقهم شعرا‪ ،‬ولو لم تقل غير هذا البيت الواحد‬
‫‪.‬لكفاك ولكنت شاعرا‬
‫كتب شعرا في ليلة مقمرة‬
‫وصنع فيه لحنا‬
‫أخبرني عمي والحسين بن القاسم الكوكبي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن أبي الطاهر‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أحمد بن الحسين الهشامي أبو عبد‬
‫الله‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع قال‪ :‬كنت جالسا على دجلة في ليلة من الليالي‪ ،‬وأخذت دواة‬
‫وقرطاسا وكتبت شعرا حضرني وقلته في ذلك الوقت‪ :‬صوت‬
‫فاصبر فذا جل أمر ذا القدر‬ ‫أخلفك الدهر ما تـنـظـره‬
‫فرقنا والزمـان ذو غـير قال‪ :‬ثم أرتج علي فلمأدر ما أقول حتى يئتس من أن‬ ‫لعلنا أن نـديل مـن زمـن‬
‫‪:‬يجيئني شيء‪ ،‬فالتفت فرأيت القمر وكانت ليلة تتمته فقلت‬
‫إن كان قد ضن عنك بالنظر ثم صنعت فيه لحنا من الثقيل الثاني‪ .‬قال أبو عبد‬ ‫فانظر إلى البدر فهو يشبهه‬
‫‪.‬الله الهشامي‪ :‬وهو والله صوت حسن‬
‫وصف البرق وصنع فيه لحنا غناه للواثق أخبرني جحظة عن ابن حمدون‪ ،‬وأخبرني الكوكبي‪ ،‬عن علي بن محمد بن نصر‪ ،‬عن‬
‫خالد بن حمدون‪ ،‬قال‪ :‬كنا عند الواثق في يوم دجن‪ ،‬فلح برق واستطار‪ ،‬فقال‪ :‬لو في هذا شيء ‪ ،‬فبدرهم عبد الله بن العباس‬
‫‪:‬بن الفضل بن الربيع‪ ،‬فقال هذين البيتين‬
‫خفي كلمحك بالحاجب‬ ‫أعني على لمع بارق‬
‫يدا كاتب أو يدا حاسب وصنع فيه لحنا شرب فيه الواثق بقية يومه‪ ،‬واستحسن شعره‬ ‫كأن تألقه في السمـاء‬
‫‪.‬ومعناه وصنعته‪ ،‬ووصل عبد الله بصلة سنية‬
‫صنع لحنا في شعر الحسين بن الضحاك وغناه حدثني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن أبي سعد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن محمد بن‬
‫مروان‪ ،‬قال‪ :‬حدثني الحسين بن الضحاك‪ ،‬قال‪ :‬كنت عند عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع‪ ،‬وهو مصطبح‪ ،‬وخادم له‬
‫‪:‬قائم يسقيه فقال لي‪ :‬يا أبا علي‪ ،‬قد استحسنت سقي هذا الخادم‪ ،‬فإن حضرك شيء في قصتنا هذه فقل‪ ،‬فقلت‬
‫وطاب يومي بقرب أشباهي‬ ‫أحيت صبوحي فكاهة اللهي‬
‫من قبل يوم منغص ناهـي‬ ‫فاستثر اللهو من مكـامـنـه‬

‫صفحة ‪2177 :‬‬


‫مؤتزر بالـمـجـون تـياه‬ ‫بابنة كرم من كف منتطـق‬
‫سقي لطيف مجرب داهي‬ ‫يسقيك من طرفه ومـن يده‬
‫حيران بين الذكور والساهي فاستحسنه عبد الله‪ ،‬وغنى فيه لحنا مليحا‪ ،‬وشربنا‬ ‫طاسا وكاسا كأن شاربـهـا‬
‫‪.‬عليه بقية يومنا‬
‫قصته مع جارية نصرانية أحبها أخبرني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عبد الله أحمد بن المرزبان بن الفيرزن ‪ ،‬قال‪ :‬حدثني شيبة بن‬
‫هشام‪ ،‬قال‪ :‬كان عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع قد علق جارية نصرانية قد رآها في بعض أعياد النصارى‪ ،‬فكان ل‬
‫يفارق البيع في أعيادهم شغفا بها‪ ،‬فخرج في عيد ماسرجيس فظفر بها في بستان إلى جانب البيعة‪ ،‬وقد كان قبل ذلك يراسلها‬
‫ويعرفها حبه لها‪ ،‬فل تقدر على مواصلته ول على لقائه إل على الطريق‪ ،‬فلما ظفر بها التوت عليه وأبت بعض الباء‪ ،‬ثم ظهرت‬
‫له وجلست معه‪ ،‬وأكلوا وشربوا‪ ،‬وأقام معها ومع نسوة كن معها أسبوعا‪ ،‬ثم انصرفت في يوم خميس‪ ،‬فقال عبد الله بن‬
‫‪:‬العباس في ذلك وغنى فيه‬
‫قهوة بـابـلـية خـنـدريس‬ ‫رب صهباء من شراب المجوس‬
‫قبل ضرب الشماس بالناقـوس‬ ‫قد تجليتـهـا بـنـاي وعـود‬
‫ساحر الطرف سامري عروس‬ ‫وغـزال مـكـحـل ذي دلل‬
‫يوم سبت إلى صباح خـمـيس‬ ‫قد خلونا بطيبـه نـجـتـلـيه‬
‫وصليت مفضض آبـنـوسـي‬ ‫يتثنى بـحـسـن جـيد غـزال‬
‫كهلل مكـلـل بـشـمـوس تطير من الغراب واستبشر بالهدهد أخبرني عمي‪،‬‬ ‫كم لثمت الصليب في الجيد منها‬
‫قال‪ :‬حدثني أحمد بن المرزبان‪ ،‬عن شيبة بن هشام‪ ،‬قال‪ :‬كان عبد الله بن العباس يوما جالسا ينتظر هذه النصرانية التي كان‬
‫يهواها‪ ،‬وقد وعدته بالزيارة‪ ،‬فهو جالس ينتظرها ويتفقدها إذ سقط غراب على برادة داره فنعب مرة واحدة ثم طار‪ ،‬فتطير عبد‬
‫الله من ذلك ولم يزل ينتظرها يومه فلم يراها‪ ،‬فأرسل رسوله عشاء يسأل عنها‪ ،‬فعرف أنها قد انحدرت مع أبيها إلى بغداد‪،‬‬
‫فتنغص عليه يومه‪ ،‬وتفرق من كان عنده‪ ،‬ومكث مدة ل يعرف لها خبرا‪ .‬فبينا هو جالس ذات يوم مع أصحابه‪ ،‬إذ سقط هدهد‬
‫على برادته‪ ،‬فصاح ثلثة أصوات وطار‪ ،‬فقال عبد الله بن العباس‪ :‬وأي شيء أبقى الغراب للهدهد علينا? وهل ترك لنا أحد‬
‫يؤذينا بفراقه? وتطير من ذلك‪ ،‬فما فرغ من كلمه حتى دخل رسولها يعلمه أنها قد قدمت منذ ثلثة أيام‪ ،‬وأنها قد جاءته زائرة‬
‫‪:‬على إثر رسولها‪ ،‬فقال في ذلك من وقته‬
‫سقاك الله يا هدهد وسميا من القطـر‬
‫ومـا أنـذرت بـالـهـــجـــر‬ ‫كما بشرت بالوصل‬
‫أتـتـنـي مـنـك فـي سـتـــر‬ ‫فكـم ذا لـك مـن بـــشـــرى‬
‫فأوفـت مـنـه بــالـــنـــذر‬ ‫كمـا جـاءت ســـلـــيمـــان‬
‫ول زال غراب البين في قفاعة السر‬
‫ومـا كـــنـــت بـــه أدري ولحنه في هذا الشعر هزج‬ ‫‪.‬كما صرح بالبين‬
‫غني للمتوكل لحنا لم يعجبه فذكره بألحان له سابقة حدثني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني ميمون بن هارون‪ ،‬قال‪ :‬قال إسحاق بن إبراهيم‬
‫‪:‬بن مصعب‪ :‬قال لي عبد الله بن العباس الربيعي‪ :‬لما صنعت لحني في شعري‬
‫من قهوة عتقت بكـركـين‬ ‫أل أصبحاني يوم السعانـين‬
‫وإن تولوا دينا سوى دينـي‬ ‫عند أناس قلبي بهم كـلـف‬
‫جود أبيه وبـأس هـارون‬ ‫قد زين الملك جعفر وحكى‬
‫أخاف أهل اللحاد في الدين دعاني المتوكل فلما جلست في مجلس المنادمة‬ ‫وأمن الخائف البريء كمـا‬
‫‪:‬غنيت هذا الصوت فقال لي‪ :‬يا عبد الله‪ ،‬إين غناؤك في هذا الشعر في أيامي هذه من غنائك في‬
‫وأدنت على الخدين بردا مهلهـل ومن غنائك في‬ ‫‪:‬أماطت كساء الخز عن حر وجهها‬
‫فالمنحنى فالعقيق فالجرف ومن سائر صنعتك المتقدمة التي استفرغت محاسنك‬ ‫أفقر من بعد حلة سـرف‬
‫فيها‪ ،‬فقلت له‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬إني كنت أتغنى في هذه الصوات ولي شبابا وطرب وعشق‪ ،‬ولو رد علي لغنيت مثل ذلك‬
‫‪.‬الغناء‪ ،‬فأمر بجائزة واستحسن قولي‬
‫‪:‬غنى للمنتصر بشعر لم يطلبه منه فلم يصله بشيء حدثني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن المرزبان‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبي‪ ،‬قال‬

‫صفحة ‪2178 :‬‬

‫ذكر المنتصر يوما عبد الله بن العباس وهو في قراح النرجس مصطبح‪ ،‬فأحضره وقال له‪ :‬يا عبد الله‪ ،‬اصنع لحنا في شعري‬
‫‪:‬الفلني‪ ،‬وغنني به‪ ،‬وكان عبد الله حلف ل يغني في شعره‪ ،‬فأطرق مليا‪ ،‬ثم غنى في شعر قاله للوقت وهو‬
‫في مجلس ما مثله من مجلس‬ ‫يا طيب يومي في قراح النرجس‬
‫نار تشب لبائس مسـتـقـبـس قال‪ :‬فجهد أبي بالمنتصر يوما واحتال عليه بكل‬ ‫تسقى مشعشعة كأن شعاعـهـا‬
‫‪.‬حيلة أن يصله بشيء فلم يفعل‬
‫غنى للمتوكل فأطربه وأمر له بجائزة حدثني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أحمد بن المرزبان‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبي‪ ،‬قال‪ :‬غضبت قبيحة على‬
‫المتوكل وهاجرته‪ ،‬فجلس ودخل الجلساء والمغنون‪ ،‬وكان فيهم عبد الله بن العباس الربيعي‪ ،‬وكان قد عرف الخبر‪ ،‬فقال هذا‬
‫‪:‬الشعر وغنى فيه‬
‫وامـض عـنـي مـصـاحـبـا بـســـلم‬ ‫لسـت مـنـي ولـسـت مـنـك فـدعـنــي‬
‫لم تجد علة تجنى بها الذنب فصارت تعتل بالحلم‬
‫قد رأينـا خـلف ذا فـي الــمـــنـــام قال‪ :‬فطرب المتوكل وأمر له بعشرين ألف‬ ‫فإذا ما شكوت ما بي قالت‪:‬‬
‫‪.‬درهم وقال له‪ :‬إن في حياتك يا عبد الله لنسا وجمال وبقاء للمروءة والظرف‬
‫غني بشعر للسليك أخبرني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أحمد بن المرزبان‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عبد الله بن العباس الربيعي‪،‬‬
‫قال‪ :‬كنت في بعض العساكر فأصابتنا السماء حتى تأذينا‪ ،‬فضربت لي قبة تركية‪ ،‬وطرح لي فيها سريران‪ ،‬فخطر بقلبي قول‬
‫السليك‪ :‬صوت‬
‫واطرح السرج عليه واللجام‬ ‫قرب النخام واعجل يا غـلم‬
‫غمرة الضرب فمن شاء أقام فغنيت فيه لحني المعروف‪ ،‬وغدونا فدخلت مدينة‪،‬‬ ‫أبلغ الفتـيان أنـى خـائض‬
‫فإذا أنا برجل يغني به والله ما سبقني إليه أحد ول سمعه مني أحد‪ ،‬فما أدري من الرجل‪ ،‬ول من أين كان له‪ ،‬وما أرى إل أن‬
‫‪.‬الجن أوقعته في لسانه‬
‫غنى لمحمد بن الجهم فاحتمل خراجه في سنة حدثني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أحمد بن المرزبان‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني‬
‫عبد الله بن العباس الربيعي‪ ،‬قال‪ :‬كنت عند محمد بن الجهم البرمكي بالهواز‪ ،‬وكانت ضيعتي في يده‪ ،‬فغنيته في يوم مهرجان‬
‫وقد دعانا للشرب‪ :‬صوت‬
‫يوم سرور قد حف بـالـزين‬ ‫المهـرجـان ويوم الثـنـين‬
‫برد شتاء ما بين فـصـلـين‬ ‫ينقل من وغرة المصيف إلـى‬
‫للمجد بيتا من خـير بـيتـين‬ ‫محمد يا بن الجهم ومن بـنـى‬
‫في طيب عيش وقرة العـين قال‪ :‬فسر بذلك واحتمل خراجي في تلك السنة‪،‬‬ ‫عش ألف نيروز ومهرج فرحا‬
‫‪.‬وكان مبلغه ثلثين ألف درهم‬
‫عشق جارية عند أبي عيسى بن الرشيد‬
‫فوجه بها معه إلى منزله‬
‫أخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني ابن أبي سعد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو توبة القطراني‪،‬‬
‫عن محمد بن حسين ‪ ،‬قال‪ :‬كنا عند أبي عيسى بن الرشيد في زمن الربيع ومعنا مخارق‪ ،‬وعلوية‪ ،‬وعبد الله بن العباس‬
‫الربيعي‪ ،‬ومحمد بن الحارث بن بسخنر ‪ ،‬ونحن مصطحبون في طارمة مضروبة على بستانه‪ ،‬وقد تفتح فيه ورد وياسمين‬
‫وشقائق‪ ،‬والسماء متغيمة غيما مطبقا‪ ،‬وقد بدأت ترش رشا ساكبا ‪ ،‬فنحن في أكمل نشاط وأحسن يوم إذ خرجت قيمة دار‬
‫أبي عيسى فقالت‪ :‬يا سيدي‪ ،‬قد جاءت عساليج‪ ،‬فقال‪ :‬لتخرج إلينا‪ ،‬فليس بحضرتنا من تحتشمه‪ ،‬فخرجت إلينا جارية شكلة‬
‫حلوة‪ ،‬حسنة العقل والهيئة والدب‪ ،‬في يدها عود‪ .‬فسلمت‪ ،‬فأمرها أبو عيسى بالجلوس فجلست‪ ،‬وغنى القوم حتى انتهى الدور‬
‫إليها‪ ،‬وظننا أنها ل تصنع شيئا وخفنا أن تهابنا فتحصر‪ ،‬فغنت غناء حسنا مطربا متقنا‪ ،‬ولم تدع أحدا ممن حضر إل غنت صوتا من‬
‫صنعته وأدته على غاية الحكام‪ ،‬فطربنا واستحسنا غناءها وخاطبناها بالستحسان‪ ،‬وألح عبد الله بن العباس من بيننا بالقتراح‬
‫عليها والمزاح معها والنظر إليها‪ ،‬فقال له أبو عيسى‪ :‬عشقتها وحياتي يا عبد الله‪ ،‬قال‪ :‬ل والله يا سيدي وحياتك مع عشقتها‪،‬‬
‫ولكني استحسنت كل ما شاهدت منها من منظر وشكل وعقل وعشرة وغناء‪ ،‬فقال له أبو عيسى‪ :‬فهذا والله هو العشق‬
‫وسببه‪ ،‬ورب جد جره اللعب‪ .‬وشربنا‪ ،‬فلما غلب النبيذ على عبد الله غنى أهزاجا قديمة وحديثة‪ ،‬وغنى فيما غنى بينهما هزجا‬
‫في شعر قاله فيها لوقته‪ ،‬فما فطن له إل أبو عيسى وهو‪ :‬صوت‬

‫صفحة ‪2179 :‬‬

‫كم يرى المكتوم يخفى ل يضح‬ ‫نطق السكر بـسـري فـبـدا‬


‫لم يدع ذا صبوة أو يفتـضـح‬ ‫سحر عينـيك إذا مـا رنـتـا‬
‫عندها صبا بها لـم يسـتـرح‬ ‫ملكت قلبا فأمسـى غـلـقـا‬
‫جل عن أين ينتقيه المقـتـرح‬ ‫بجـمـال وغـنـاء حـسـن‬
‫كنت مسرورا بمـرآه فـرح‬ ‫أورث القلب همومـا ولـقـد‬
‫بكر اللهو بكور المصطـبـح ‪-‬الغناء لعبد الله بن العباس هزج‪ -‬فقال له أبو عيسى‪:‬‬ ‫ولكم مغتـبـق هـمـا وقـد‬
‫فعلتها والله يا عبد الله‪ ،‬وطار طربا ‪ ،‬وشرب على الصوت وقال له‪ :‬صح والله قولي لك في عساليج‪ .‬وأنت تكابرني حتى‬
‫فضحك السكر‪ .‬فجحد‪ ،‬وقال‪ :‬هذا غناء كنت أرويه‪ ،‬فحلف أبو عيسى أنه ما قاله ول غناه إل في يومه‪ ،‬وقال له‪ :‬احلف بحياتي‬
‫أن المير ليس هو كذلك‪ ،‬فلم يفعل‪ ،‬فقال له أبو عيسى‪ :‬والله لو كانت لي لوهبتها لك‪ ،‬ولكنها لل يحيى بن معاذ‪ ،‬والله لئن‬
‫باعوها لملكنك إياها ولو بكل ما أملك‪ ،‬وحياتي لتنصرفن قبلك إلى منزلك‪ ،‬ثم دعا بحافظتها وخادم من خحدمه‪ ،‬فوجه بها معهما‬
‫‪.‬إلى منزله‪ .‬والتوى عبد الله قليل وتجلد‪ ،‬وجاحدنا أمره ثم انصرف‬
‫اشترت عمته عساليج ثم وهبتها له واتصل المر بينهما بعد ذلك‪ ،‬فاشترتها عمته رقية بنت الفضل بن الربيع من آل يحيى بن‬
‫‪.‬معاذ‪ ،‬وكانت عندهم حتى ماتت‬
‫فحدثني جعفر بن قدامة بن زياد عن بعض شيوخه ‪-‬سقط عني اسمه‪ -‬قال‪ :‬قالت بذل الكبيرة لعبد الله بن العباس‪ :‬قد بلغني‬
‫أنك عشقت جارية يقال لها عساليج فاعرضها علي‪ ،‬فإما أن عذرتك وإما أن عذلتك‪ ،‬فوجه إليها فحضرت‪ ،‬وقال لبذل‪ :‬هذه هي‬
‫يا ستي فانظري واسمعي‪ ،‬ثم مريني بما شئت أطعك‪ ،‬فأقبلت عليه عساليج وقالت‪ :‬يا عبد الله أتشاور في? فوالله ما شاروت‬
‫لما صاحبتك‪ ،‬فنعرت بذل وصاحت‪ :‬إيه‪ ،‬أحسنت والله يا صبية‪ ،‬ولو لم تحسني شيئا ول كانت فيك خصلة تحمد لوجب أن‬
‫‪.‬تعشقي لهذه الكلمة‪ ،‬أحسنت والله‪ ،‬ثم قالت لعبد الله‪ :‬ما ضيعت ‪ ،‬احتفظ بصاحبتك‬
‫غني الواثق في يوم نيروز فأمر له بجائزة حدثني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن المرزبان‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن عبد الله بن العباس‪،‬‬
‫‪:‬قال‪ :‬دعانا الواثق في يوم نوروز‪ ،‬فلم دخلت عليه غنيته في شعر قلته وصنعت فيه لحنا وهو‬
‫ومدامـا ونـدامـى‬ ‫هي للنيروز جـامـا‬
‫ثق هـارون المـام‬ ‫يحمدون اللـه والـوا‬
‫وإن مثل العام عامـا‬ ‫ما رأى كسرى أنوشر‬
‫وبهارا وخـزامـى قال‪ :‬فطرب واستحسن الغناء‪ ،‬وشرب عليه حتى سكر‪ ،‬وأمر بثلثين‬ ‫نرجسا غضـا ووردا‬
‫‪.‬ألف درهم‬
‫حدثني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أحمد بن المرزبان‪ ،‬قال‪ :‬حدثني شيبة بن هشام قال‪ :‬ألقت متيم على جوارينا هذا اللحن وزعمت‬
‫أنها أخذته من عبد الله بن العباس والصنعة له‪ :‬صوت‬
‫فسقى الله عدوتي‬ ‫اخـذت عـــدوة‬
‫وبأسرتي وبجيرتي‬ ‫وفديتها بـأقـاربـي‬
‫ن وثنيت فتثـنـت‬ ‫جدلت كجدل الخيزرا‬
‫د يحبهـا فـأدلـت عشق مصابيح وقال فيها شعرا قال‪ :‬ثم حدثتنا متيم أن عبد الله بن‬ ‫واستيقنت أن الفـؤا‬
‫العباس كان يتعشق مصابيح جارية الحدب المقين ‪ ،‬وأنه قال هذا الشعر فيها‪ ،‬وغنى فيه هذا اللحن بحضرتها‪ ،‬فأخذته عنه‪ .‬هكذا‬
‫ذكر شيبة بن هشام من أمر مصابيح‪ ،‬وهي مشهورة من جواري آل يحيى بن معاذ‪ ،‬ولعلها كانت لهذا المقين قبل أن يملكها آل‬
‫‪.‬يحيى‪ ،‬وقبل أن تصل إلى رقية بنت الفضل بن الربيع‬
‫وحدثنا أيضا عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن المرزبان‪ ،‬عن شيبة ابن هشام‪ ،‬قال‪ :‬كان عبد الله بن العباس يتعشق جارية الحدب‬
‫المقين ‪-‬ولم يسمها في هذا الخبر‪ -‬فغاضبها في شيء بلغه عنها‪ ،‬ثم رام بعد ذلك أن يترضاها فأبت‪ ،‬وكتب إليها رقعة يحلف لها‬
‫على بطلن ما أنكرته‪ ،‬ويدعو الله على من ظلم‪ ،‬فلم تجبه عن شيء مما كتب به‪ ،‬ووقعت تحت دعائه‪ :‬آمين‪ ،‬ولم تجب عن‬
‫‪:‬شيء مما تضمنته الرقعة بغير ذلك‪ ،‬فكتب إليها‬
‫ب فليس يفنى ما بقينا‬ ‫أما سروري بالكـتـا‬
‫آمين رب العالمينـا‬ ‫وأتى الكتاب وفيه لي‬
‫صفحة ‪2180 :‬‬

‫قال‪ :‬وزارته في ليلة من ليالي شهر رمضان وأقامت عنده ساعة‪ ،‬ثم انصرفت وأبت أن تبيت وتقيم ليلتها عنده‪ ،‬فقال هذا‬
‫الشعر وغنى فيه هزجا وهو مشهور من أغانيه وهو‪ :‬صوت‬
‫حتى مضى شطر ليلة الجهني‬ ‫ما ين لهم أمسـى يؤرقـنـي‬
‫كذاك من كان حزنه حزنـي‬ ‫عني ولم أدر أنها حـضـرت‬
‫أسقمني حسن وجهك الحسـن‬ ‫إني سـقـيم مـولـه دنـف‬
‫ل تهجري هائما عليك ضني قال‪ :‬وليلة الجهني ليلة تسع عشرة من شهر رمضان‪،‬‬ ‫جودي له بالشفـاء مـنـيتـه‬
‫‪.‬قال رجل من جهينة‪ :‬إنه رأى فيها ليلة القدر فيما يرى النائم فسميت ليلة الجهني‬
‫غني في دار محمد بن حماد أخبرني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن المرزبان‪ ،‬قال‪ :‬حدثني شيبة بن هشام‪ ،‬قال‪ :‬دعانا محمد بن‬
‫‪:‬حماد بن دنقش وكان له ستارة في نهاية الوصف‪ ،‬وحضر معنا عبد الله بن العباس‪ ،‬فقال عبد الله وغنى فيه‬
‫إلى الملم وإن أحببت إرشـادي‬ ‫دع عنك لومي فإني غير منقـاد‬
‫كمثل يومي في دار ابن حمـاد غنى الواثق بشعر ذكرت فيه أعياد النصارى‬ ‫فلست أعرف لي يوما سررت به‬
‫فخشي أن يتنصر أخبرني يحيى بن علي بن يحيى‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو أيوب المديني‪ ،‬قال‪ :‬حدثني ابن المكي‪ ،‬عن عبد الله بن‬
‫‪:‬العباس‪ ،‬قال‪ :‬لما صنعت لحني في شعري‬
‫وموعدا لـيس لـه نـجـح‬ ‫يا ليلة ليس لـهـا صـبـح‬
‫لد والـسـلق والـذبــح ‪-‬هذه أعياد النصارى‪ -‬غنيته الواثق فقال‪ :‬ويلكم‪ ،‬أدركوا‬ ‫من شادن مر على وعده المي‬
‫‪:‬هذا ل يتنصر‪ ،‬وتمام هذا الشعر‬
‫وكان أقصى الموعد الفصح‬ ‫وفي السعانين لو أنـي بـه‬
‫لم يغن عنه الجود والشـح نسخت من كتاب أبي سعيد السكري‪ :‬قال أبو‬ ‫فالله أستعدي علـى ظـالـم‬
‫‪:‬العتاهية‪ :‬وفيه لعبد الله بن العباس غناء حسن‬
‫أنا عبد لها مقر وما يملك لي غيرها من الناس رقا‬
‫زق مـنـهـا والـحـمـد الـلـه عـتـقـــا‬ ‫ناصح مشفق وإن كنت ما أر‬
‫ومن الحين والشقاء تعلقت مليكا مستكبرا حين يلقى‬
‫صدعـنـي وقـال‪ :‬بـعـدا وسـحـــقـــا حكى حاله في غناء بحضرة حمدون بن‬ ‫إن شكوت الذي لقيت إليه‬
‫إسماعيل أخبرني عمي‪ ،‬حدثني علي بن محمد بن نصر‪ ،‬عن جده حمدون بن إسماعيل‪ ،‬قال‪ :‬دخلت يوما إلى عبد الله بن‬
‫‪:‬العباس الربيعي‪ ،‬وخادم له يسقيه‪ ،‬وبيده عوده‪ ،‬وهو يغني هذا الصوت‬
‫وكان عودي نديمـي‬ ‫إذا اصطبحت ثلثـا‬
‫من كف ظبي رخيم‬ ‫والكأس تغرب ضحكا‬
‫لطارقات الهـمـوم قال‪ :‬فما رأيت أحسن مما حكى حاله في غنائه‪ ،‬ول سمعت أحسن مما‬ ‫فما عـلـي طـريق‬
‫‪.‬غنى‬
‫عشق غلم حزام خادم المعتصم أخبرني الحسين بن القاسم الكوكبي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن أبي سعد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني دوسر‬
‫الخراساني قال‪ :‬اشترى حزام خادم المعتصر خادما نظيفا‪ ،‬كان عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع يتعشقه‪ ،‬فسأله هبته‬
‫‪:‬له أو بيعه منه فأبى‪ ،‬فقال عبد الله أبياتا وصنع فهيا غناء‪ ،‬وهي قوله‬
‫واسقياني لعلني أنا أنـامـا‬ ‫يوم سبت فصرفا لي المداما‬
‫ما أراه يرى الحرام حراما‬ ‫شرد النوم حب ظبي غـرير‬
‫أصبحت عنده الدواب صياما فاتصلت البيات وخبرها بحزام‪ ،‬فخشي أن تشتهر‬ ‫اشتراه يوما بـعـلـفة يوم‬
‫‪.‬ويسمعها المعتصم فيأتي عليه؛ فبعث بالغلم إلى عبد الله‪ ،‬وسألن عن يمسك عن البيات‪ ،‬ففعل‬
‫إبراهيم الموصلي يغني أمام الرشيد لحنا من صنعته فيرسل إليه ويلزمه حدثني الصولي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني الحسين بن يحيى‪ ،‬قال‪:‬‬
‫‪:‬قلت لعبد الله بن العباس‪ :‬إنه بلغني لك خبر مع الرشيد أو ما شهرت بالغناء‪ ،‬فحدثني به‪ ،‬قال‪ :‬نعم أول صوت صنعته‬
‫ح ليل فقلت له‪ :‬غادها‬ ‫أتاني يؤامرني في الصبو‬

‫صفحة ‪2181 :‬‬

‫فلما تأتى لي وضربت عليه بالكنكلة؛ عرضته على جارية لنا يقال لها راحة‪ ،‬فاستحسنته وأخذته عني‪ ،‬وكانت تختلف إلى‬
‫إبراهيم الموصلي‪ ،‬فسمعها يوما تغنيه وتناغي به جارية من جواريه‪ ،‬فاستعادها إياه وأعادته عليه‪ ،‬فقال لها‪ :‬فمن هذا? فقالت‪:‬‬
‫صوت قديم‪ ،‬فقال لها‪ :‬كذبت‪ ،‬لو كان قديما لعرفته‪ ،‬وما زال يداريها ويتغاضب عليها حتى اعترفت له بأنه من صنعتي‪ ،‬فعجب‬
‫من ذلك‪ ،‬ثم غناه يوما بحضرة الرشيد‪ ،‬فقال له‪ :‬لمن هذا اللحن يا إبراهيم? فأمسك على الجواب وخشي أن يكذبه فينمي‬
‫الخبر إليه من غيره‪ ،‬وخاف من جدي أن يصدقه‪ ،‬فقال له‪ :‬ما لك ل تجيبني? فقال‪ :‬ل يمكنني يا أمير المؤمنين‪ ،‬فاستراب‬
‫بالقصة‪ ،‬ثم قال‪ :‬والله‪ ،‬وتربة المهدي لئن لم تصدقني لعاقبنك عقوبة موجعة‪ ،‬وتوهم أنه لعلية أو لبعض حرمه فاستطير غضبا‪،‬‬
‫فلما رأى إبراهيم الجد منه صدقه فيما بينه وبينه سرا‪ ،‬فدعا لوقته الفضل بن الربيع ثم قال له‪ :‬أيصنع ولدك غناء ويرويه الناس‬
‫ول تعرفني? فجزع وحلف بحياته وبيعته أنه ما عرف ذلك قط‪ ،‬ول سمع به إل في وقته ذلك‪ ،‬فقال له‪ :‬ابن ابنك عبد الله بن‬
‫العباس أحضرنيه الساعة‪ ،‬فقال‪ :‬أنا أمضي وأمتحنه‪ ،‬فإن كان يصلح للخدمة أحضرته‪ ،‬وإل كان أمير المؤمنين أولى من ستر‬
‫عورتنا‪ ،‬فقال‪ :‬ل بد من إحضاره‪ .‬فجاء جدي فأحضرني وتغيظ علي‪ ،‬فاعتذرت وحلفت له أن هذا شيء ما تعمدته‪ ،‬وإنما غنيت‬
‫لنفسي‪ ،‬وما أدري من أين خرج‪ ،‬فأمر بإحضار عود فأحضر‪ ،‬وأمرني فغنيته الصوت‪ ،‬فقال‪ :‬قد عظمت مصيبتي فيك يا بني‪،‬‬
‫فحلفت له بالطلق والعتاق أل أقبل على الغناء رفدا أبدا‪ ،‬ول أغني إل خليفة أو ولي عهد‪ ،‬ومن لعله أن يكون حاضرا مجالسهم‪،‬‬
‫فطابت نفسه‪ .‬فأحضرني ‪ ،‬فغنيت الرشيد الصوت فطرب وشرب عليه أقداحا‪ ،‬وأمرني بالملزمة مع الجلساء‪ ،‬وجعل لي نوبة‪،‬‬
‫وأمر بحمل عشرة آلف دينار إلى جدي‪ ،‬وأمره أن يبتاع ضيعة لي بها‪ ،‬فابتاع لي ضيعتي بالهواز‪ ،‬ولم أزل ملزما للرشيد حتى‬
‫‪.‬خرج إلى خراسان‪ ،‬وتأخرت عنه وفرق الموت بيننا‬
‫اقترض الواثق مال ليعطيه له‬
‫قال ابن المرزبان‪ :‬فكان عبد الله بن العباس سببا لمعرفة أولياء العهود برأي الخلفاء فيهم‪ ،‬فكان منهم الواثق‪ ،‬فإنه أحب أن‬
‫يعرف‪ :‬هل يوليه المعتصم العهد بعده أم ل‪ ،‬فقال له عبد الله‪ :‬أنا أدلك على وجه تعرف به ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬ما هو? فقال‪ :‬تسأل‬
‫أمير المؤمنين أن يأذن للجلساء والمغنين أن يصيروا إليك‪ ،‬فإذا فعل ذلك فاخلع عليهم وعلي معهم‪ ،‬فإني ل أقبل خلعتك لليمين‬
‫التي علي؛ أل أقبل رفدا إل من خليفة أو ولي عهد‪ .‬فقعد الواثق ذات يوم وبعث إلى المعتصم وسأله الذن إلى الجلساء ‪ ،‬فأذن‬
‫لهم‪ ،‬فقال عبد الله بن العباس‪ :‬قد علم أمير المؤمنين يميني‪ ،‬فقال له‪ :‬امض إليه فإنك ل تحنث‪ ،‬فمضى إليه وأخبره الخبر فلم‬
‫يصدقه‪ ،‬وظن أنه يطيب نفسه‪ ،‬فخلع عليه وعلى الجماعة‪ ،‬فلم يقبل عبد الله خلعته‪ ،‬وكتب إلى المعتصم يشكوه‪ ،‬فبعث إليه‪:‬‬
‫‪.‬اقبل الخلعة‪ ،‬فإنه ولي عهدي‪ ،‬ونمى إليه الخبر أن هذا كان حيلة من عبد الله‪ ،‬فنذر دمه‪ ،‬ثم عفا عنه‬
‫وسر الواثق بما جرى‪ ،‬وأمر إبراهيم بن رياح‪ ،‬فاقترض له ثلثمائة ألف درهم‪ ،‬ففرقها على الجلساء‪ ،‬ثم عرف غضب المعتصم‬
‫‪:‬على عبد الله بن العباس واطراحه إياه‪ ،‬فاطرحه هو أيضا‪ .‬فلما ولي الخلفة استمر على جفائه‪ ،‬فقال عبد الله‬
‫أيام أرهب سطوة السـيف‬ ‫ما لي جفيت وكنت ل أجفى‬
‫بين المقام ومسجد الخـيف ودس من غناه الواثق‪ ،‬فلما سمعه سأل عنه‪ ،‬فعرف‬ ‫أدعو إلهي أن أراك خلـيفة‬
‫‪.‬قائله‪ ،‬فتذمم ودعا عبد الله فبسطه ونادمه إلى أن مات‬
‫‪:‬وذكر العتابي عن ابن الكلبي أن الواثق كان يشتهي على عبد الله بن العباس‬
‫قبل أن ينجاب عنه الصريم وأنه غناه يوما فأمر بأن يخلع عليه خلعة‪ ،‬فلم يقبلها‬ ‫أيها العاذل جهـل تـلـوم‬
‫ليمينه‪ ،‬فشكاه إلى المعتصم‪ ،‬فكاتبه في الوقت‪ ،‬فكتب إليهمع مسرور سمانة‪ :‬اقبل خلع هارون فإنك ل تحنث‪ ،‬فقبلها وعرف‬
‫‪.‬الواثق أنه ولي عهد‬
‫‪:‬خرج يوم الشعانين ليرى محبوبته النصرانية حدثني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أحمد بن المرزبان‪ ،‬قال‪ :‬حدثني شيبة بن هشام‪ ،‬قال‬

‫صفحة ‪2182 :‬‬

‫كان عبد الله بن العباس يهوى جارية نصرانية لم يكن يصل إليها ول يراها إل إذا خرجت إلى البيعة‪ ،‬فخرجنا يوما معه إلى‬
‫‪:‬السعانين‪ ،‬فوقف حتى إذا جاءت فرآها‪ ،‬ثم أنشدنا لنفسه‪ ،‬وغنى فيه بعد ذلك‬
‫ول تلم فاللوم يغـرينـي‬ ‫إن كنت ذا طب فداويني‬
‫من شادن يوم السعانـين‬ ‫يا نظرة أبقت جوى قائل‬
‫خرجن في أحسن تزيين‬ ‫ونظرة من ربرب عـين‬
‫عواتقا بين البـسـاتـين‬ ‫خرجن يمشين إلى نزهة‬
‫والعيش ما تحت الهمايين لحن عبد الله بن العباس في هذا الشعر هزج‬ ‫‪.‬مزنرات بهـمـايينـهـا‬
‫شرب ليلة الشك في رمضان في نيروز‬
‫أخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن عمر الجرجاني‪ ،‬ومحمد بن حماد كاتب‬
‫راشد‪ ،‬قال‪ :‬كتب عبد الله بن العباس الربيعي في يوم نيروز ‪-‬واتفق في يوم الشك بين شهري رمضان وشعبان‪ -‬إلى محمد بن‬
‫‪:‬الحارث بن بسخنر يقول‬
‫ليلة النـيروز والحـد‬ ‫اسقني صفراء صافـية‬
‫فتزود شربهـا لـغـد‬ ‫حرم الصوم اصطباحكما‬
‫نشترك في عيشة رغد قال‪ :‬فجاءه محمد بن الحارث بن بسخنر فشربا ليلتهما‬ ‫‪.‬وأتنا أو فادعنا عـجـل‬
‫صنع لحنا من شعره للواثق فأمر بجائزة‬
‫أخبرني يحيى بن علي بن يحيى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو أيوب المديني‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن المي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن العباس‬
‫الربيعي‪ ،‬قال‪ :‬جمع الواثق يوما المغنين ليصطبح‪ ،‬فقال‪ :‬بحياتي إل صنعت لي هزجا حتى أدخل وأخرج إليكم الساعة‪ ،‬ودخل إلى‬
‫جواريه‪ ،‬فقلت هذه البيات وغنيت فيها هزجا قبل أن يخرج‪ ،‬وهي‪ :‬صوت‬
‫قمت إجلل له حتى جـلـس‬ ‫بأبي زور أتاني بـالـغـلـس‬
‫كادت الرواح فيها تختـلـس‬ ‫فتعانـقـا جـمـيعـا سـاعة‬
‫في ظلم الليل ما خفت العس‬ ‫قلت‪ :‬يا سؤلي ويا بدر الدجـى‬
‫آخذ بالروح مني والـنـفـس‬ ‫قال‪ :‬قد خفت ولكن الـهـوى‬
‫حوله من نور خـديه قـبـس قال‪ :‬فلما خرج من دار الحرم قال لي‪ :‬يا عبد الله‪ ،‬ما‬ ‫زارني يخطر في مـشـيتـه‬
‫‪.‬صنعت? فغنيته‪ ،‬فشرب حتى سكر‪ ،‬وأمر لي بخمسة آلف درهم‪ ،‬وأمرني بطرحه على الجواري‪ ،‬فطرحته عليهن‬
‫صنع لحنا جميل من شعر يوسف بن الصقيل أخبرني يحيى بن علي بن يحيى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو أيوب المديني‪ ،‬عن حماد‪ ،‬قال‪:‬‬
‫من مليح صنعة عبد الله بن العباس الربيعي‪ ،‬والشعر ليوسف بن الصيقل‪ ،‬ولحنه هزج‪ :‬صوت‬
‫وبعد السؤال الحفـي‬ ‫أبعد المـواثـيق لـي‬
‫حلفت على المصحف‬ ‫وبعد اليمـين الـتـي‬
‫كضوء سراج طفـي‬ ‫تركت الهوى بينـنـا‬
‫بوعدك لم تخلـفـي غنى للواثق لحنا من شعر الحوص فأعطاه ألف دينار حدثني‬ ‫فليتك إذا لـم تـفـي‬
‫الصولي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني يزيد بن محمد المهلبي‪ ،‬قال‪ :‬كان الواثق قد غضبت على فريدة لكلم أخفته إياه فأغضبته‪ ،‬وعرفنا ذلك‬
‫وجلس في تلك اليام للصبوح‪ ،‬فغناه عبد الله بن العباس‪ :‬صوت‬
‫وإن مضى لصفاء الـود أعـصـار‬ ‫ل تأمني الصرم مني أن تري كلـفـي‬
‫والرأي يصـرف والهـواء أطـوار‬ ‫ما سمي القلـب إل مـن تـقـلـبـه‬
‫خانوا فأضحوا إلى الهجران قد صاروا فاستعاده الواثق مرارا‪ ،‬وشرب عليه‬ ‫كم من ذي مقة قبـلـي وقـبـلـكـم‬
‫‪.‬وأعجب به‪ ،‬وأمر لعبد الله بألف دينار وخلع عليه‬
‫‪.‬الشعر للحوص‪ ،‬والغناء لعبد الله بن العباس هزج بالوسطى عن عمرو‬
‫فضله المتوكل على سائر المغنين‬
‫وأخبرني جعفر بن قدامة‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا حماد بن إسحاق‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع‪ ،‬قال‪ :‬غنيت‬
‫‪:‬المتوكل ذات يوم‬
‫له عند فعلي من ثواب ول أجر فطرب وقال‪ :‬أحسنت والله يا عبد الله‪ ،‬أما والله‬ ‫أحب إلينا منـك دل ومـا يرى‬
‫‪.‬لو رآك الناس كلهم كما أراك لما ذكروا مغنيا سواك أبدا‬
‫أشار بذكره ابن الزيات عند المعتصم‬
‫‪:‬نسخت من كتاب لبي العباس بن ثوابة بخطه‪ :‬حدثني أحمد بن إسماعيل بن حاتم‪ ،‬قال‪ :‬قال لي عبد الله بن العباس الربيعي‬

‫صفحة ‪2183 :‬‬

‫دخلت على المعتصم أودعه وأنا أريد الحج‪ ،‬فقبلت يده وودعته‪ ،‬فقال‪ :‬يا عبد الله إن فيك لخصال تعجبني كثر الله في موالي‬
‫مثلك‪ ،‬فقبلت رجله والرض بين يديه‪ ،‬وأحسن محمد بن عبد الملك الزيات محضري وقال له‪ :‬إن له يا أمير المؤمنين‪ ،‬أدبا حسنا‬
‫وشعرا جيدا‪ ،‬فلما خرجت قلت له‪ :‬أيها الوزير‪ ،‬ما شعري أنا في الشعر تستحسنه وتشيد بذكره بي يدي الخليفة فقال‪ :‬دعنا‬
‫‪:‬منك‪ ،‬تنتفي من الشعر وأنت الذي تقول‬
‫م في السعانين قتلـي‬ ‫يا شـادنـا مـر إذ را‬
‫ت‪ ،‬كيف يصبح مثلي أحسنت والله في هذا‪ ،‬ولو لم تقل غير هذا لكنت شاعرا‬ ‫‪.‬يقول لي‪ :‬كيف أصبح‬
‫طلب من سوار بن عبد الله القاضي أن يصنع له لحنا من شعر قاله أخبرني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن المرزبان‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫أبي‪ :‬قال عبد الله بن العباس الربيعي‪ :‬لقيني سوار بن عبد الله القاضي ‪-‬وهو سوار الصغر‪ -‬فأصغى إلي وقال‪ :‬إن لي إليك‬
‫حاجة فأتني في خفي‪ ،‬فجئته‪ ،‬فقال‪ :‬لي إليك حاجة قد أنست بك فيها‪ ،‬لنك لي كالولد‪ ،‬فإن شرطت لي كتمانها أفضيت بها‬
‫إليك‪ ،‬فقلت‪ :‬ذلك للقاضي علي شرط واجب‪ ،‬فقال‪ :‬إني قلت أبياتا في جارية لي أميل إليها وقد قلتني وهجرتني‪ :‬وأحببت أن‬
‫تصنع فيها لحنا وتسمعنيه‪ ،‬وإن أظهرته وغنيته بعد أل يعلم أحد أنه شعري‪ ،‬فلست أبالي‪ ،‬أتفعل ذلك? قلت‪ :‬نعم حبا وكرامة‪،‬‬
‫فأنشدني‪ :‬صوت‬
‫عواري في أجلدها تـتـكـسـر‬ ‫سلبت عظامي لحمها فتركـتـهـا‬
‫أنابيب في أجوافها الريح تصفـر‬ ‫وأخليت منها محهـا فـكـأنـهـا‬
‫مفاصلها من هول ما تـتـحـذر‬ ‫إذا سمعت باسم الفراق تـرعـدت‬
‫بلى جسدي لكنـنـي أتـسـتـر‬ ‫خذي بيدي ثم اكشفي الثوب فانظري‬
‫ولكنها روح تذوب فـتـقـطـر ‪-‬اللحن الذي صنعه عبد الله بن العباس في‬ ‫وليس الذي يجري من العين ماؤها‬
‫هذا الشعر ثقيل أول‪ -‬قال عبد الله‪ :‬فصنعت فيه لحنا‪ ،‬ثم عرفته خبره في رقعة كتبتها إليه‪ ،‬وسألته وعدا يعدني به للمصير إليه‪،‬‬
‫فكتب إلي‪ :‬نظرت في القصة فوجدت هذا ل يصلح ول ينكتم علي حضورك وسماعي إياك‪ ،‬وأسأل الله أن يسرك ويبقيك‪.‬‬
‫فغنيت الصوت ظهر حتى تغنى به الناس‪ ،‬فلقيني سوار يوما فقال لي‪ :‬يا بن أخلي‪ ،‬قد شاع أمرك في ذلك الباب حتى سمعناه‬
‫‪.‬من بعد كأنا لم نعرف القصة فيه‪ ،‬وجعلنا جميعا نضحك‬
‫صنع لحنا جيدا في شفاء بشر‬
‫خادم بن عجيف‬
‫كان بشر خادم صالح بن عجيف عليل ثم برئ‪ ،‬فدخل إلى عبد الله بن العباس‪ ،‬فلما رآه قام فتلقاه وأجلسه إلى جانبه‪ ،‬وشرب‬
‫سرورا بعافيته‪ ،‬وصنع لحنا من الثقيل الول وهو من جيد صنعته‪ :‬صوت‬
‫قدر ول قيمة عندي ول ثـمـن‬ ‫مولي ليس لعيش لست حاضره‬
‫شيئا إذا كان عندي وجهك الحسن غنى الواثق بعد شفائه لحنا فأجازه‬ ‫ول فقدت من الدنـيا ولـذتـهـا‬
‫حدثني محمد بن مزيد بن أبي الزهر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا حماد بن إسحاق‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن العباس الربيعي‪ ،‬قال‪ :‬جمعنا الواثق‬
‫يوما بعقب علة غليظة كان فيها‪ ،‬فعوفي وصح جسمه‪ ،‬فدخلت إليه مع المغنين وعودي في يدي‪ ،‬فلما وقعت عيني عليه من‬
‫بعيد‪ ،‬وصرت بحيث يسمع صوتي‪ ،‬ضرب وغنيت في شعر قلته في طريقي إليه‪ ،‬وصنعت فيه لحنا وهو‪ :‬صوت‬
‫بك أصبحت قهرت ذوي اللحاد‬ ‫اسلـم وعـمـرك اللـه لمة‬
‫بالنـفـس والمـوال والولد فضحك وسر وقال‪ :‬أحسنت يا عبد الله وسررتني‪،‬‬ ‫لو تستطيع وقـتـك كـل أذية‬
‫وتيمنت بابتدائك‪ ،‬ادن مني‪ ،‬فدنوت منه حتى كنت أقرب المغنين إليه‪ ،‬ثم استعادني الصوت‪ ،‬فأعدته ثلث مرات‪ ،‬وشرب عليه‬
‫‪.‬ثلث أقداح‪ ،‬وأمر لي بعشرة آلف درهم وخلعة من ثيابه‬
‫فاجأته محبوبته النصرانية بالوداع فقال‬
‫حدثني الصولي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عون بن محمد الكندي‪ ،‬قال‪ :‬كان عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع يهوى جارية نصرانية‪،‬‬
‫فجاءته يوما تودعه‪ ،‬فأعلمته أن أباها يردي النحدار إلى بغداد والمضي بها معه‪ ،‬فقال في ذلك وغنى فيه‪ :‬صوت‬
‫والـبـين مـنـا قــد دنـــا‬ ‫‪:‬أفـدي الـتـي قـلـت لـهــا‬
‫فقدك قد أنحل جسمي وأذاب البدنا‬
‫كذاك قــد ذبـــت أنـــا‬ ‫قالت‪ :‬فماذا حيلتي‬

‫صفحة ‪2184 :‬‬

‫قلت‪ :‬إذا قل الغنا طلب من علي بن عيسى تأجيل الصوم‬ ‫باليأس بعدي فاقتنع‬
‫ومباشرة الشرب فأجابه‬
‫حدثني الصولي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عون بن محمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني علي بن عيسى بن جعفر الهاشمي‪ ،‬قال‪ :‬دخل علي عبد الله بن‬
‫‪:‬العباس في يوم النصف من شعبان‪ ،‬وهو يوم سبت‪ ،‬وقد عزمت على الصوم‪ ،‬فأخذ بعضادتي باب مجلسي‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا أميري‬
‫وقد مضى عنك نصف شعبان فقلت‪ :‬قد عزمت على الصوم‪ ،‬فقال‪ :‬أفعليك‬ ‫تصبح في السبت غير نشـوان‬
‫وزر إن أفطرت اليوم ‪-‬لمكاني وسررتني بمساعدتك لي‪ -‬وصمت غدا‪ ،‬وتصدقت مكان إفطارك? فقلت‪ :‬أفعل‪ ،‬فدعوت بالطعام‬
‫فأكلت‪ ،‬وبالنبيذ فشربنا‪ ،‬وأصبح من غد عندي‪ ،‬فاصطبح وساعدته‪ ،‬فلما كان اليوم الثالث انتبهت سحرا وقد قال هذا الشعر‬
‫‪:‬وغنى فيه‬
‫إل ثـــلث وعـــشـــــر‬ ‫شعـبـان لـم يبــق مـــنـــه‬
‫ل يسـبـقـنــك فـــجـــر‬ ‫فبـاكـر الــراح صـــرفـــا‬
‫فل يفـوتـنـــك ســـكـــر‬ ‫فإن يفـتـك صــطـــبـــاح‬
‫ول تناد فتى وقت شربه الدهر عصر قال‪ :‬فأطربني واصطبحت معه في اليوم الثالث‪ ،‬فلما كان من آخر النهار سكر وانصرف‪،‬‬
‫‪.‬وما شربنا يومنا كله إل على هذا الصوت‬
‫دخل على المتوكل آخر شعبان وطلب الشراب‬
‫فأجابه‬
‫‪:‬حدثن عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني ابن دهقانة النديم‪ ،‬قال‪ :‬دخل عبد الله بن العباس إلى المتوكل في آخر شعبان فأنشده‬
‫واسـقـيانـي مـن قـبـل شـهـر الـصـيام‬ ‫علـلنـي نـعـمـتــمـــا بـــمـــدام‬
‫فتـركــنـــاه طـــاعة لـــلمـــام‬ ‫حرم الـلـه فـي الـصـيام الـتـصـابـــي‬
‫أظهر العدل فاستنار به الدين وأحيا شرائع السلم فأمر المتوكل بالطعام فأحضر‪ ،‬وبالنديم وبالجلساء فأتي بذلك‪ ،‬فاصطبح‬
‫‪.‬وغناه عبد الله في هذه البيات‪ ،‬فأمر له بعشرة آلف درهم‬
‫حرم المرابين من مائة ألف دينار‬
‫أخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن محمد المهلبي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عبد الله بن العباس قال‪ :‬كنت مقيما بسر من رأى‬
‫‪:‬وقد ركبني دين ثقيل أكثره عينة وربا‪ ،‬فقلت في المتوكل‬
‫ما قضى الله ففيه الخيره‬ ‫اسقياني سحرا بالكـبـره‬
‫وأطال الله فينا عـمـره‬ ‫أكرم الله المام المرتضى‬
‫قدر الله رضنـا قـدره‬ ‫إن أكن أقعدت عنه هكذا‬
‫ألف عام وكفانا الفجـره وبعثت بالبيات إليه‪ ،‬وكنت مسرورا من الغرماء‪ ،‬فقال لعبيد‬ ‫سره الله وأبـقـاه لـنـا‬
‫الله بن يحيى‪ :‬وقع إليه‪ :‬من هؤلء الفجرة الذين استكفيت الله شرهم? فقلت‪ :‬المعينون الذين قد ركبني إليهم أكثر مما أخذت‬
‫منهم من الدين بالربا‪ ،‬فأمر عبيد الله أن يقضي ديني‪ ،‬وأن يحتسب لهم رؤوس أموالهم‪ ،‬ويسقط الفضل‪ ،‬وينادي بذلك في سر‬
‫‪.‬من رأى حتى ل يقضي أحد أحدا إل رأس ماله‪ ،‬وسقط عن وعن الناس من الرباح زهاء مائة ألف دينار كانت أبياتي هذه سببها‬
‫عتب على إخوانه لنهم لم يعودوه في مرضه فجاءوه معتذرين حدثني الصولي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني غون بن محمد الكندي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫‪:‬حدثني أبي‪ ،‬قال‪ :‬مرض عبد الله بن العباس بسر من رأى في قدمة قدمها غليها‪ ،‬فتأخر عنه من كان يثق به‪ ،‬فكتب إليهم‬
‫مريض عداني عن زيارتهم ما بـي‬ ‫أل قل لمن بالجـانـبـين بـأنـنـي‬
‫وحاش لهم من طول سقمي وأوصابي‬ ‫فلو بهم بعض الذي لـي لـزرتـهـم‬
‫تطاول عتبي إن تأخـر إعـتـابـي قال‪ :‬فما بقي أحد من إخوانه إل جاءه‬ ‫وإن أقشعت عني سحـابة عـلـتـي‬
‫‪.‬عائدا معتذرا‬
‫غنى عند علوية بشعر في النصرانية‬
‫التي كان يهواها‬
‫أخبرني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عبد الله بن أبي سعد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن محمد بن موسى‪ ،‬قال‪ :‬سمعت عبد الله بن العباس‬
‫يغني ونحن مجتمعون عند علوية بشعر في النصرانية التي كان يهواها والصنعة له‪ :‬صوت‬
‫فدع اللوم فإن الـلـوم لـوم‬ ‫إن في القلب من الظبي كلوم‬
‫نلت فيه من نعـيم لـو يدوم‬ ‫حبذا يوم السـعـانـين ومـا‬
‫فالذي تركب من عذلي عظيم‬ ‫إن يكن أعظمت أن همت به‬
‫فدع اللـوم فـذا داء قـديم الغناء لعبد الله هزج بالوسطى‬ ‫‪.‬لم أكن أول من سن الهـوى‬
‫علم وصيفته هيلنة الغناء‬

‫صفحة ‪2185 :‬‬

‫حدثني أبو بكر الربيعي‪ ،‬قال‪ :‬حدثتني عمتي ‪-‬وكانت ربيت في دار عمها عبد الله بن العباس‪ -‬قالت‪ :‬كان عبد الله ل يفارق‬
‫الصبوح أبدا إل في يوم جمعة‪ ،‬أو شهر رمضان‪ ،‬وإذا حج‪ .‬وكانت له وصيفة يقال لها‪ :‬هيلنة قد رباها وعلمها الغناء‪ ،‬فأذكره يوما‬
‫‪:‬وقد اصطبح‪ ،‬وأنا في حجره جالسة والقدح في يده اليمنى‪ ،‬وهو يلقي على الصبية صوتا أوله‬
‫إذ به الصائح نادي فهو يردده‪ ،‬ويومئ بجميع أعضائه إليها يفهمها نغمه‪ ،‬ويوقع بيده على‬ ‫صدع البين الفؤادا‬
‫كتفي مرة وعلى فخذي أخرى‪ ،‬وهو ل يدري حتى أوجعني‪ ،‬فبكيت وقلت‪ :‬قد أوجعتني مما تضربني وهيلنة ل تأخذ الصوت‬
‫وتضربني أنا‪ ،‬فضحك حتى استلقى واستملح قولي‪ ،‬فوهب لي ثوب قصب أصفر‪ ،‬وثلثة دنانير جددا‪ ،‬فما أنسى فرحي بذلك‬
‫‪.‬وقيامي به إلى أمي‪ ،‬وأنا أعدوا إليها وأضحك فرحا به‬
‫نسبة هذا الصوت صوت‬
‫إذ به الصـائح نـادى‬ ‫صدع البـين الـفـؤادا‬
‫عون إذ صاروا فرادى‬ ‫بينما الحباب مجـمـو‬
‫وأتى بـعـض بـلدا‬ ‫فأتى بـعـض بـلدا‬
‫حدثان الدهـر عـادا‬ ‫كلما قلت‪ :‬تـنـاهـى‬
‫صوت‬

‫وغدا بهن مشمر مـزعـاج‬ ‫حضر الرحيل وشدت الحداج‬


‫حتى استمر به الهوى المجاج‬ ‫للسوق نيران قدحن بقـلـبـه‬
‫إن المحب يسوقه الزعـاج‬ ‫أزعج هواك إلى الذين تحبهم‬
‫إل السرى والبازل الهجهاج الشعر لسلم الخاسر‪ ،‬والغناء لهاشم بن سليمان ثقيل‬ ‫لن يدنينك للحبيب ووصـلـه‬
‫‪.‬أول بالوسطى‬

‫أخبار سلم الخاسر ونسبه‬


‫نسبه‪ ،‬ومقدرته الشعرية‬
‫سلم بن عمرو مولى بني تيم بن مرة‪ ،‬ثم مولى أبي بكر الصديق‪ ،‬رضوان الله عليه‪ ،‬بصري‪ ،‬شاعر مطبوع متصرف في فنون‬
‫الشعر‪ ،‬من شعراء الدولة العباسية‪ .‬وهو راوية بشار بن برد وتلميذه‪ ،‬وعنه أخذ‪ ،‬ومن بحره اغترف‪ ،‬وعلى مذهبه ونمطه قال‬
‫‪.‬الشعر‬
‫سبب تلقيبه سلم الخاسر‬
‫ولقب سلم بالخاسر ‪-‬فيما يقال‪ -‬لنه ورث من أبيه مصحفا‪ ،‬فباعه واشترى بثمنه طنبورا‪ .‬وقيل‪ :‬بل خلف له أبوه مال‪ ،‬فأنفقه‬
‫‪.‬على الدب والشعر‪ ،‬فقال له بعض أهله‪ :‬إنك لخاسر الصفقة‪ ،‬فلقب بذلك‬
‫صداقته للموصلي وأبي العتاهية‬
‫وانقطاعه للبرامكة‬
‫وكان صديقا لبراهيم الموصلي‪ ،‬ولبي العتاهية خاصة من الشعراء والمغنين‪ ،‬ثم فسد ما بينه وبين أبي العتاهية‪ .‬وكان سلم‬
‫‪:‬منقطعا إلى البرامكة‪ ،‬وإلى الفضل بن يحيى خصوصا من بينهم‪ .‬وفيه يقول أبو العتاهية‬
‫ليس فيه لسوى سلم درك من قول أبي العتاهية له‬ ‫إنما الفضل لسلم وحـده‬
‫‪ :‬وكان هذا أحد السباب في فساد ما بينه وبين أبي العتاهية‪ .‬ولسلم يقول أبو العتاهية وقد حج مع عتبة‬
‫ما مـت يا سـلـم بـعــد ذا الـــســـفـــر‬ ‫والـلـه والـلـه مـا أبـــالـــي مـــتـــى‬
‫‪:‬أليس قد طفت حيث طافت وقبلت الذي قبلت من الحجر وله يقول أبو العتاهية وقد حبس إبراهيم الموصلي‬
‫حبـس الـمـوصـلـي فــالـــعـــيش مـــر‬ ‫سلــم يا ســـلـــم لـــيس دونـــك ســـر‬
‫ما استطاب اللذات مذ سكن المطبق رأس اللذات والله‪ ،‬حر‬
‫ه جـمـيعـا وعـيشـهـم مــقـــشـــعـــر يرد مصحفا ويأخذ مكانه دفاتر شعر‬ ‫ترك الموصل من خلق الل‬
‫أخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني علي بن الحسن الواسطي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو‬
‫عمرو سعيد بن الحسن الباهلي الشاعر‪ ،‬قال‪ :‬لما مات عمرو أبو سلم الخاسر اقتسموا ميراثه‪ ،‬فوقع في قسط سلم مصحف‪،‬‬
‫‪.‬فرده وأخذ مكانه دفاتر شعر كانت عند أبيه‪ ،‬فلقب الخاسر بذلك‬
‫أجازه المهدي أو الرشيد بمائة ألف‬
‫درهم ليكذب تلقيبه بالخاسر‬
‫أخبرني الحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن عمر الجرجاني‪ ،‬قال‪ :‬ورث سلم الخاسر أباه‬
‫مأئة ألف درهم‪ ،‬فأنفقها على الدب‪ ،‬وبقي لشيء عنده‪ ،‬فلقبه الجيران ومن يعرفه بسلم الخاسر‪ ،‬وقالوا‪ :‬أنفق ماله على ما ل‬
‫يتفعه‪ .‬ثم مدح المهدي‪ ،‬أو الرشيد ‪-‬وقد كان بلغه اللقب الذي لقب به‪ -‬فأمر له بمائة ألف درهم‪ ،‬وقال له‪ :‬كذب بهذا المال‬
‫‪.‬جيرانك‪ ،‬فجاءهم بها‪ ،‬وقال لهم‪ :‬هذه المائة اللف التي أنقفتها وربحت الدب‪ ،‬فأنا سلم الرابح‪ ،‬ل سلم الخاسر‬

‫صفحة ‪2186 :‬‬

‫ورث مصحفا فباعه واشبرى طنبورا‬


‫فلقب الخاسر‬
‫أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار‪ ،‬قال‪ :‬حدثني علي بن محمد النوفلي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬إنما لقب الخاسر لنه ورث عن أبيه‬
‫‪.‬مصحفا فباعه‪ ،‬واشترى بثمنه طنبورا‬
‫أخبرني محمد بن العباس اليزيدي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عمر الفضل‪ ،‬قال‪ :‬قال لي الجماز‪ :‬سلم الخاسر خالي لحا ‪ ،‬فسألته‪ :‬لم لقب‬
‫الخاسر? فضحك‪ ،‬ثم قال‪ :‬إنه قد كان نسك مدة يسيرة‪ ،‬ثم رجع إلى أقبح ما كان عليه‪ ،‬وباع مصحفا له ورثه عن أبيه‪-‬وكان‬
‫لجده قبله‪-‬واشترى بثمنه طنبورا‪.‬فشاع خبره وافتضح‪ ،‬فكان يقال له‪ :‬ويلك هل فعل أحد ما فعلت? فقال‪ :‬لم أجد شيئا أتوسل‬
‫‪.‬به إلى إبليس هو أقر لعينه من هذا‬
‫أخبرني عمي‪ ،‬قال‪ :‬أنبأنا عبد الله بن أبي سعد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أحمد بن صالح المؤدب‪ ،‬وأخبرنا يحيى بن علي بن يحيى إجازة‪،‬‬
‫قال‪ :‬حدثني أبي‪ ،‬عن أحمد بن صالح‪ ،‬قال‪ :‬قال بشار بن برد‪ :‬صوت‬
‫ل نلتقي وسبيل الملتقـى نـهـج‬ ‫ل خير في العيش إن دمنا كذا أبدا‬
‫ما في التلقي ول في غيره حرج‬ ‫قالوا حرام تلقينا فقـلـت لـهـم‬
‫وقاز بالطيبات الفاتك الـلـهـج قال‪ :‬فقال سلم الخاسر أبياتا‪ ،‬ثم أخذ معنى‬ ‫من راقب الناس لم يظفر بحاجتـه‬
‫‪:‬هذا البيت‪ ،‬فسلخه‪ ،‬وجعله في قوله‬
‫وفاز باللذة الـجـسـور سبب غضب بشار عليه ثم رضاه عنه‬ ‫من راقب الناس مات غما‬
‫فبلغ بيته بشارا‪ ،‬فغضب واستشاط‪ ،‬وحلف أل يدخل إليه‪ ،‬ول يفيده ول ينفعه ما دام حيا‪ .‬قاسبشفع إليه بكل صديق له‪ ،‬وكل‬
‫‪:‬من يثقل عليه رده‪ ،‬فكلموه فيه‪ ،‬فقال‪ :‬أدخلوه إلي‪ ،‬فأدخلوه إليه فاستدناه‪ ،‬ثم قال‪ :‬إيه يا سلم‪ ،‬من الذي يقول‬
‫وفاز بالطيبات الفاتك اللـهـج قال‪ :‬أنت يا أبا معاذ‪ ،‬قد جعلني الله فداءك‬ ‫من راقب الناس لم يظفر بحاجته‬
‫‪:‬قال‪ :‬فمن الذي يقول‬
‫وفاز باللذة الجـسـور? قال‪ :‬تلميذك‪ ،‬وخريجك‪ ،‬وعبدك يا أبا معاذ‪ ،‬فاجتذبه إليه‪،‬‬ ‫من راقب الناس مات غما‬
‫وقنعه بمخصرة كانت في يده ثلثا‪ ،‬وهو يقول‪ :‬ل أعود يا أبا معاذ إلى ما تنكره‪ ،‬ول آتي شيئا تذمه‪ ،‬إنما أنا عبدك‪ ،‬وتلميذك‪،‬‬
‫وصنيعتك‪ ،‬وهو يقول له‪ :‬يا فاسق???? أتجيء إلى معنى قد سهرت له عيني‪ ،‬وتعب فيه فكري وسبقت الناس إليه‪ ،‬فتسرقه‪،‬‬
‫ثم تختصره لفظا تقربه به‪ ،‬لتزري علي‪ ،‬وتذهب ببيتي? وهو يحلف له أل يعود‪ ،‬والجماعة يسألونه‪ .‬فبعد لي وجهد ما شفعهم‬
‫‪.‬فيه‪ ،‬وكف عن ضربه‪ ،‬ثم رجع له‪ ،‬ورضي عنه‬
‫أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار ‪ ،‬قال‪ :‬أخبرني يعقوب بن إسرائيل مولى المنصور‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عبد الوهاب بن مرار‪ ،‬قال‪:‬‬
‫‪:‬حدثني أبو معاذ النميري رواية بشار‪ ،‬قال‪ :‬قد كان بشار قال قصيدة فيها هذا البيت‬
‫وفاز بالطيبات الفاتك اللـهـج قال‪ :‬فقلت له يا أبا معاذ قد سلم الخاسر‬ ‫من راقب الناس لم يظفر بحاجته‬
‫‪:‬بيتا‪ ،‬هو أحسن وأخف على اللسن من بيتك هذا‪ ،‬قال‪ :‬وما هو? فقلت‬
‫وفاز باللذة الـجـسـور فقال بشار‪ :‬ذهب والله بيتنا‪ ،‬أما والله لوددت أنه ينتمي في‬ ‫من راقب الناس مات غما‬
‫غير ولء أبي بكر‪-‬رضي الله عنه‪-‬وأني مغرم ألف دينار محبة مني لهتك عرضه وأعراض مواليه قال‪ :‬فقلت له‪ :‬ما أخرج هذا‬
‫‪.‬القول منك إل عم‪ .‬قال‪ :‬أجل‪ ،‬فو الله ل طعمت اليوم طعاما‪ ،‬ول صمت‬
‫أخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن إسحاق بن محمد النخعي ‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫‪:‬أبو معاذ النميري‪ :‬قال بشار قصيدة‪ ،‬وقال فيها‬
‫وفاز بالطيبات الفاتك اللـهـج فعرفته أن سلما قد قال‬ ‫‪:‬من راقب الناس لم يظفر بحاجته‬
‫وفاز باللذة الـجـسـور فلما سمع بشار هذا البيت قال‪ :‬سار والله بيت سلم‪ ،‬وخمل‬ ‫من راقب الناس مات غما‬
‫‪.‬بيتنا قال‪ :‬وكان كذلك‪ ،‬لهج الناس ببيت سلم‪ ،‬ولم ينشد بيت بشار أحد‬
‫شعره في قصر صالح بن المنصور‬
‫أخبرني محمد بن عمران الصيرفي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني الحسن بن عليل العنزي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو مالك محمد بن موسى اليماني‪،‬‬
‫‪:‬قال‪ :‬لما بنى صالح بن المنصور قصره بدجلة قال فيه سلم الخاسر‬
‫أفسد مجد الناس بالجـود‬ ‫يا صالح الجود الذي مجده‬
‫بطائري سعد ومسعـود‬ ‫بنيت قصرا مشرفا عاليا‬

‫صفحة ‪2187 :‬‬

‫جن سـلـيمـان بـن داود‬ ‫كأنـمـا يرفـع بـنـيانـه‬


‫على اختلف البيض والسود يعني اليام والليالي‪ ،-‬فأمر له صالح بألف درهم‬ ‫‪.‬ل زلت مسرورا به سالمـا‬
‫‪،‬ينشد عمر بن العلء قصيدة لبشار فيه‬
‫ثم ينشده لنفسه‬
‫أخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني بعض آل ولد حمدون بن إسماعيل ‪-‬وكان‬
‫ينادم المتوكل‪-‬عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬كان سلم الخاسر من غلمان بشار‪ ،‬فلما قال بشار قصيدته الميمية في عمر بن العلء ‪-‬وهي التي‬
‫‪:‬يقول فيها‬
‫فنبه لها عمرا ثـم نـم‬ ‫إذا نبهتك صعاب المور‬
‫وليشرب الماء إل بدم بعث بها مع سلم الخاسر إلى عمر بن العلء‪ ،‬فوافاه فأنشده‬ ‫فتى ل يبيت على دمـنة‬
‫إياها‪ ،‬فأمر لبشار بمائة ألف درهم‪ .‬فقال له سلم‪ :‬إن خادمك‪-‬يعني نفسه‪ -‬قد قال في طريقه فيك قصيدة‪ ،‬قال‪ :‬فإنك لهناك ?‬
‫قال‪ :‬تسمع‪ ،‬ثم تحكم‪ ،‬ثم قال‪ :‬هات‪ ،‬فأنشده‪ :‬صوت‬
‫مم ألقي من حسان النسـاء‬ ‫قد عزني الداء فما لـي دواء‬
‫أصبح من سلمى بداء عـياء‬ ‫قلب صحيح كنت أسطو بـه‬
‫سحر ومالي غيرها من دواء‬ ‫أنفاسها مسك وفي طرفـهـا‬
‫هل تصلح الخمرة إل بماء? ويقول فيها‬ ‫‪:‬وعدتني وعدا فـأوفـي بـه‬
‫ناديت فيها عمر بن العلء قال‪ :‬فأمر له بعشرة آلف درهم‪ ،‬فكانت أول عطية سنية‬ ‫كم كربة قد مسني ضرها‬
‫‪.‬وصلت إليه‬
‫صداقته لعاصم بن عتبة ومدحه إياه‬
‫أخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني ابن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬وجدت في كتاب بخط الفضل بن مروان‪ :‬وكان عاصم بن عتبة‬
‫‪:‬الغساني جد أبي السمراء الذي كان مع عبد الله بن طاهر صديقا لسلم الخاسر‪ ،‬كثير البر به‪ ،‬والملطفة له‪ ،‬وفيه يقول سلم‬
‫ما بقيت غسـان‬ ‫الجود في قحطان‬
‫ما فعل الخوان‬ ‫اسلم ول أبالـي‬
‫ما فعل الزمان‬ ‫ما ضر مرتجيه‬
‫فعاصـم أمـان وكانت سبعين بيتا‪ ،‬فأعطاه عاصم سبعين ألف درهم‪ ،‬وكان مبلغ ما وصل إلى‬ ‫من غاله مخوف‬
‫سلم من عاصم خمسمائة ألف درهم‪ ،‬فلما حضرته الوفاة دعا عاصما فقال له‪ :‬إني ميت ول ورثة لي‪ ،‬وإن مالي مأخوذ‪ ،‬فأنت‬
‫‪.‬أحق به‪ ،‬فدفع إليه خمسمائة ألف درهم‪ ،‬ولم يكن لسلم وارث‪ .‬قال‪ :‬وكان عاصم هذا جوادا‬
‫ابن مزيد يحسد عاصما على شعره فيه‬
‫أخبرني محمد بن خلف وكيع‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن أبي سعد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن طهمان‪ ،‬قال‪ :‬أخبرني القاسم بن‬
‫‪.‬موسى بن مزيد‬
‫أن يزيد بن مزيد قال‪ :‬ما حسدت أحدا قط على شعر مدح به إل عاصم بن عتبة الغساني‪ ،‬فإني حسدته على قول سلم‬
‫‪:‬الخاسر فيه‬
‫عارضها تهتان‬ ‫لعاصم سـمـاء‬
‫والدر والعقـيان‬ ‫أمطارها اللجين‬
‫إذ خبت النيران‬ ‫ونـاره تـنـادي‬
‫ما بقيت غسـان‬ ‫الجود في قحطان‬
‫ما فعل الخوان‬ ‫اسلم ول أبالـي‬
‫والسيف والسنان كان يقدم أبا العتاهية على بشار‬ ‫صلت له المعالي‬
‫ثم فسد ما بينهما‬
‫أخبرني أحمد بن علي‪ ،‬عن ابن مهرويه‪ ،‬عن الغريبي‪ ،‬عن محمد بن عمر الجرجاني‪ ،‬قال‪ :‬كان سلم تلميذ بشار‪ ،‬إل أنه كان‬
‫‪:‬تباعد ما بينهما‪ ،‬فكان سلم يقدم أبا العتاهية‪ ،‬ويقول‪ :‬هو أشعر الجن والنس‪ ،‬إلى أن قال أبو العتاهية يخاطب سلما‬
‫أذل الحرص أعناق الرجال‬ ‫تعالى الله يا سلم بن عمـرو‬
‫أليس مصير ذاك إلى زوال قال‪ :‬وبلغ الرشيد هذا الشعر فاستحسنه‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫هب الدنيا تصير إليك عفوا‬
‫لعمري إن الحرص لمفسدة لمر الدين والدنيا‪ ،‬وما فتشت عن حريص قط مغيبه إل انكشف لي عما أذمه‪ .‬وبلغ ذلك سلما‪،‬‬
‫فغضب على أبي العتاهية‪ ،‬وقال‪ :‬ويلي على الجرار ابن الفاعلة الزنديق زعم أني حريص‪ ،‬وقد كنز البدور وهو يطلب وأنا في‬
‫‪.‬ثوبي هذين‪ ،‬ل أملك غيرهما‪ .‬وانحرف عن أبي العتاهية بعد ذلك‬
‫رده على أبي العتاهية حين اتهمه بالحرص في شعر له‬

‫صفحة ‪2188 :‬‬

‫أخبرني محمد بن يحيى الصولي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن موسى‪ ،‬قال‪ :‬أخبرني محمد بن أسماعيل السدوسي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني‬
‫جعفر العاصمي‪ ،‬وأخبرني عمي‪ ،‬عن أحمد بن أبي طاهر‪ ،‬عن القاسم بن الحسن‪ ،‬عن زكريا بن يحيى المدائني‪ ،‬عن علي بن‬
‫‪.‬المبارك القضاعي‪ ،‬عن سلم الخاسر‬
‫‪:‬أن أبا العتاهية لما قال هذا الشعر فيه كتب إليه‬
‫يزهد الـنـاس ول يزهـد‬ ‫ما أقبح التزهيد من واعـظ‬
‫أضحى وأمسى بيته المسجد‬ ‫لو كان في تزهيده صـادقـا‬
‫ولم يكن يسعى ويستـرفـد‬ ‫ورفض الدنيا ولم يلـقـهـا‬
‫والرزق عند الله ل ينـفـد‬ ‫يخاف أن تـنـفـذ أرزاقـه‬
‫ينالـه البـيض والسـود‬ ‫الرزق مقسوم على من ترى‬
‫من كف عن جهد ومن يجهد ابن أخته ينتصر له من أبي العتاهية أخبرني الحسن بن‬ ‫كل يوفى رزقـه كـامـل‬
‫علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو العسكر المسمعي‪ ،‬وهو محمد بن سليمان‪ ،‬قال‪ :‬حدثني العباس بن عبد الله بن‬
‫سنان بن عبد الملك بن مسمع‪ ،‬قال‪ :‬كنا عند قثم بن جعفر بن سليمان‪ ،‬وهو يومئذ أمير البصرة‪ ،‬وعنده أبو العتاهية ينشده‬
‫شعره في الزهد‪ ،‬فقال لي‪ :‬قثم‪ :‬يا عباس اطلب لي الجماز الساعة حيث كان فجئني به‪ ،‬ولك سبق ‪ ،‬فطلبته؛ فوجدته جالسا‬
‫ناحية عند ركن دار جعفر بن سليمان‪ ،‬فقلت له‪ :‬أجب المير‪ ،‬فقام معي حتى أتى قثم فجلس في ناحية مجلسه وأبو العتاهية‬
‫‪:‬ينشده‪ ،‬ثم قام إليه الجماز فواجهه‪ ،‬وأنشد قول سلم الخاسر فيه‬
‫يزهد الـنـاس ول يزهـد‬ ‫ما أقبح التزهيد من واعـظ‬
‫أضحى وأمسى بيته المسجد وذكر البيات كلها‪ ،‬فقال أبو العتاهية‪ :‬من هذا أعز الله‬ ‫لو كان في تزهيده صادقـا‬
‫‪:‬المير? قال‪ :‬هذا الجمازا‪ ،‬وهو ابن أخت سلم الخاسر‪ ،‬انتصر لخاله منك حيث قلت له‬
‫إذل الحرص أعتاق الرجال قال‪ :‬فقال أبو العتاهية للجماز‪ :‬يا بن أخي‪ ،‬إني لم‬ ‫تعالى الله يا سلم بن عمـرو‬
‫أذهب في شعري الول حيث ذلك خالك؛ ول أردت أن أهتف به‪ ،‬ول ذهبت أيضا في حضوري وإنشادي حيث ذهبت من الحرص‬
‫‪.‬على الرزق‪ ،‬والله يغفر لكما ثم قام فانصرف‬
‫مبلغ ما وصل إليه من الرشيد والبرامكة‬
‫أخبرني عمي‪ ،‬عن أحمد بن أبي طاهر‪ ،‬عن أبي هفان‪ ،‬قال‪ :‬وصل إلى سلم الخاسر من آل برمك خاصة سوى ما وصل إليه‬
‫‪.‬من غيرهم عشرون ألف دينار‪ ،‬ووصل إليه من الرشيد مثلها‬
‫يطلب إلى أبي محمد اليزيدي أن يهجوه فيفعل فيندم أخبرني محمد بن العباس اليزيدي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عماي عبيد الله‬
‫والفضل؛ عن أبيهما‪ ،‬عن أبي محمد اليزيدي‪ :‬أنه حضر مجلس عيسى بن عمر‪ ،‬وحضر سلم الخاسر‪ ،‬فقال له‪ :‬يا أبا محمد‪،‬‬
‫‪:‬اهجني على روي قصيدة امرئ القيس‬
‫مخرج كفيه في ستره قال‪ :‬فقلت له‪ :‬ما دعاك إلى هذا? قال‪ :‬كذا أريد‪ .‬فقلت له‪ :‬يا‬ ‫رب رام من بني ثعل‬
‫هذا أنا وأنت أغنى الناس عما تستدعيه من الشر فلتسعك العافية‪ ،‬فقال‪ :‬إنك لتحتجز مني نهاية الحتجاز‪ ،‬وأراد أن يوهم عيسى‬
‫‪:‬أني مفحم عيي ل أقدر على ذلك‪ ،‬فقال لي عيسى‪ :‬أسألك يا أبا محمد بحقي عليك إل فعلت‪ .‬فقلت‬
‫غمط النعمة من أشـره‬ ‫رب مغمـوم بـعـاقـبة‬
‫فرماه الدهر من غـيره‬ ‫وامرئ طالبت سلمتـه‬
‫نقصت منه قوى مـرره‬ ‫بسهـام غـير مـشـوية‬
‫بالفتى حالين من عصره‬ ‫وكذاك الدهر منـقـلـب‬
‫ويسار المرء في عسره‬ ‫يخلط العسر بـمـيسـرة‬
‫وأبا سلم علـى كـبـره‬ ‫عق سلم أمـه صـغـرا‬
‫رامح يسعى على أثـره‬ ‫كلي يوم خلـفـه رجـل‬
‫كولوج الضب في جحره قال‪ :‬فاغتم سلم وندم‪ ،‬وقال‪ :‬هكذا تكون عاقبة البغي‬ ‫يولج الغرمول سـبـتـه‬
‫‪.‬والتعرض للشر‪ ،‬فضحك عيسى‪ ،‬وقال له‪ :‬قد جهد الرجل أن تدعه‪ ،‬وصيانته ودينه فأبيت إل أن يدخلك في حر أمك‬
‫ترفهه وتخشن مروان بن أبي حفصة أخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني علي بن‬
‫‪:‬محمد النوفلي‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أبي يقول‬

‫صفحة ‪2189 :‬‬

‫كان المهدي يعطي مروان وسلما الخاسر عطية واحدة‪ ،‬فكان سلم يأتي باب المهدي على البرذون الفاره‪ ،‬قيمته عشرة آلف‬
‫درهم‪ ،‬بسرج ولجام مفضضين‪ ،‬ولباسه الخز والوشي‪ ،‬وما أشبه ذلك من الثياب الغالية الثمان ورائحة المسك والطيب والغالية‬
‫تفوح منه‪ ،‬ويجيء مروان بن أبي حفصة عليه فرو كبل وقميص كرابيس وعمامة كرابيس وخفا كبل وكساء غليظ‪ ،‬وهو منتن‬
‫الرائحة‪ .‬وكان ل يأكل اللحم حتى يقرم إليه بخل‪ ،‬فإذا قرم أرسل غلمه‪ ،‬فاشترى له رأسا فأكله‪ .‬فقال له قائل‪ :‬أراك ل تأكل إل‬
‫الرأس قال‪ :‬نعم‪ ،‬أعرف سعره‪ ،‬فآمن خيانة الغلم‪ ،‬ول أشتري لحما فيطبخه فيأكل منه‪ ،‬والرأس آكل منه ألوانا‪ :‬آكل منه عينيه‬
‫‪.‬لونا‪ ،‬ومن غلصمته لونا‪ ،‬ومن دماغه لونا‬
‫ابتلؤه بالكيمياء ثم انصرافه عنها‬
‫أخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن الحسن الربيعي‪ ،‬قال‪ :‬أخبرني أبي‪،‬‬
‫قال‪ :‬كان سلم الخاسر قد بلي بالكيمياء فكان يذهب بكل شيء له باطل‪ ،‬فلما أراد الله ‪-‬عز وجل‪ -‬أن يصنع له عرف أن بباب‬
‫‪.‬الشام صاحب كيمياء عجيبا‪ ،‬وأنه ل يصل إليه أحد إل ليل‪ ،‬فسأل عنه فدلوه عليه‬
‫قال‪ :‬فدخلت إليه إلى موضع معور ‪ ،‬فدققت الباب فخرج إلي‪ ،‬فقال‪ :‬من أنت عافاك الله? فقلت‪ :‬رجل معجب بهذا العلم‪.‬‬
‫قال‪ :‬فل تشهرني‪ ،‬فإني رجل مستور‪ ،‬إنما أعمل للقوت‪ .‬قال‪ :‬قلت‪ :‬لني ل أشهرك‪ ،‬إنما أقتبس منك‪ ،‬قال‪ :‬فاكتم ذلك‪ .‬قال‪:‬‬
‫وبين يديه كوز شبه صغير‪ .‬فقال لي‪ :‬اقلع عروته‪ ،‬فقلعتها‪ .‬فقال‪ :‬اسبكها في البوطقة‪ ،‬فسبكتها‪ ،‬فأخرج شيئا من تحت مصله‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ذره عليه‪ ،‬ففعلت‪ .‬فقال‪ :‬أفرغه‪ ،‬فأفرغته‪ .‬فقال‪ :‬دعه معك‪ ،‬فإذا أصبحت فاخرج‪ ،‬فبعه وعد إلي‪ ،‬فأخرجته إلى باب‬
‫الشام‪ ،‬فبعت المثقال بأحد وعشرين درهما‪ ،‬ورجعت إليه فأخبرته‪ .‬فقال‪ :‬اطلب الن ما شئت‪ .‬قلت‪ :‬تفيدني‪ .‬قال‪ :‬بخمسمائة‬
‫درهم على أن ل تعلمه أحدا‪ ،‬فأعطيته‪ ،‬وكتب لي صفة‪ ،‬فامتحنتها‪ ،‬فإذا هي باطلة‪ .‬فعدت إليه‪ ،‬فقيل لي‪ :‬قد تحول‪ ،‬وإذا عروة‬
‫الكوز المشبه من ذهب مركبة عليه‪ ،‬والكوز شبه‪ .‬ولذلك كان يدخل إليه من يطلبه ليل‪ ،‬ليخفى عليه‪ ،‬فانصرفت‪ ،‬وعلمت أن الله‬
‫‪-.‬عز وجل‪ -‬أراد بي خيرا‪ ،‬وأن هذا كله باطل‬
‫يرثي البانوكة بنت المهدي أخبرني محمد بن عمران الصيرفي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا العنزي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو مالك اليماني‪ ،‬قال‪ :‬حدثني‬
‫‪:‬أبو كعب‪ ،‬قال‪ :‬لما ماتت البانوكة بنت المهدي رثاها سلم الخاسر بقوله‬
‫مؤنسة المهدي والخـيزران‬ ‫أودى ببانوكة ريب الـزمـان‬
‫مولودن حن لها الـوالـدان‬ ‫لم تنطو الرض على مثلهـا‬
‫أصبحت من زينة أهل الجنان‬ ‫بانوك يا بنت إمـام الـهـدى‬
‫في كل أفق بين إنس وجـان كان يهاجي والبة بن الحباب أخبرني الحسن بن علي‪،‬‬ ‫بكت لك الرض وسكانـهـا‬
‫قال‪ :‬حدثني ابن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني علي بن الحسن الشيباني‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو المستهل السدي‪ ،‬وهو عبد الله بن تميم بن‬
‫‪:‬حمزة‪ ،‬قال‪ :‬كان سلم الخاسر يهاجي والبة بن الحباب‪ ،‬فأرسلني إليه وقال‪ :‬قل له‬
‫لست من أهل الزناء فانطلق‬ ‫يا والب بن الحباب يا حلقـي‬
‫مثل ولوج المفتاح في الغلق قال‪ :‬فأتيت والبة فقلت له ذلك‪ ،‬فقال لي‪ :‬قل له‪ :‬يا‬ ‫دخل فيه الغرسول تولـجـه‬
‫‪.‬بن الزانية‪ ،‬سل عنك ريعان التميمي ‪-‬يعني أنه ناكه‪ -‬قال‪ :‬وكان ريعان لوطيا آفة من الفات‪ ،‬وكان علمة ظريفا‬
‫قال‪ :‬فحدثني جعفر بن قدامة عن محمد العجلي‪ ،‬عن أحمد بن معاوية الباهلي‪ ،‬قال‪ :‬سمعت ريعان يقول‪ :‬نكت الهيثم بن‬
‫عدي‪ ،‬فمن ترونه يفلت مني بعده? يعتذر إلى المهدي من مدحه لبعض العلويين وأخبرني أحمد بن العباس العسكري‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدثنا العنزي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو مالك محمد بن موسى اليماني‪ ،‬قال‪ :‬كان سلم الخاسر مدح بعض العلويين‪ ،‬فبلغ ذلك المهدي‪،‬‬
‫‪:‬فتوعده وهم به‪ ،‬فقال سلم فيه‬
‫تكاد من خوفها الخشاء تضطرب‬ ‫إني أتتني على المهدي مـعـتـبة‬
‫وقد يجور برأس الكاذب الكـذب‬ ‫اسمع فداك بنو حـواء كـلـهـم‬
‫يوم المغيبة لم يقطع لها سـبـب‬ ‫فقد حلفت يمـينـا غـير كـاذبة‬
‫ولو تلقى علي الغرض والحقب‬ ‫أل يحالف مدحي غـيركـم أبـدا‬

‫صفحة ‪2190 :‬‬

‫في كل ناحية ما فاتها الطلب‬ ‫ولو ملكت عنان الريح أصرفها‬


‫فما وراءك لي ذكر ول نسب فعفا عنه‬ ‫‪.‬مولك ل تـشـمـت أعـاديه‬
‫كان ل يحسن المدح ويحسن الرثاء وأخبرني أحمد بن العباس ‪ ،‬وأحمد بن عبيد الله بن عمار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا العنزي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني‬
‫العباس بن عبد الواحد بن جعفر بن سليمان‪ ،‬قال‪ :‬حدثني موسى بن عبد الله بن شهاب المسمعي‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أبا عبيدة‬
‫‪.‬معمر بن المثنى يقول‪ :‬كان سلم الخاسر ل يحسن أن يمدح‪ ،‬ولكنه كان يحسن أن يرثي ويسأل‬
‫يعد الرثاء في حياة من يعنيه رثاؤهم أخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد القاسم بن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني علي بن‬
‫الحسن الشيباني‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو المستهل‪ ،‬قال‪ :‬دخلت يوما على سلم الخاسر‪ ،‬وإذا بين يديه قراطيس فيها أشعار يرثي‬
‫ببعضها أم جعفر‪ ،‬وببعضها جارية غير مسماة‪ ،‬وببعضها أقواما لم يموتوا‪ ،‬وأم جعفر يومئذ باقية‪ .‬فقلت له‪ :‬ويحك ما هذا? فقال‪:‬‬
‫تحدث الحوادث فيطالبوننا بأن نقول فيها‪ ،‬ويستعجلوننا ‪ ،‬ول يحمل بنا أن نقول غير الجيد‪ ،‬فنعد لهم هذا قبل كونه‪ ،‬فمتى حدث‬
‫‪.‬حادث أظهرنا ما قلناه فيه قديما‪ ،‬على أنه قيل في الوقت‬
‫إعجاب المأمون ببيت‪ :‬تعالى الله يا سلم أخبرني محمد بن مزيد وعيسى بن الحسين‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الزبير بن بكار‪ ،‬قال‪ :‬قال عبد‬
‫‪:‬الله بن الحسن الكاتب‪ :‬أنشد المأمون قول أبي العتاهية‬
‫أذل الحرص أعناق الرجال فقال المأمون‪ :‬صدق لعمر الله‪ ،‬إن الحرص لمفسدة‬ ‫تعالى الله يا سلم بن عمـرو‬
‫للدين والمروءة‪ ،‬والله ما رأيت من رجل قط حرصا ول شرها‪ ،‬فرأيت فيه مصطنعا‪ .‬فبلغ ذلك سلما الخاسر‪ ،‬فقال‪ :‬ويلي على‬
‫ابن الفاعلة بياع الخزف‪ ،‬كنز البدور بمثل ذلك الشعر المفكك الغث‪ ،‬ثم تزهد بعد أن استغنى‪ ،‬وهو دائبا يهتف بي‪ ،‬ينسبني إلى‬
‫‪.‬الحرص‪ ،‬وأنا ل أملك إل ثوبي هذين‬
‫يسكت أبا الشمقمق عن هجائه بخمسة دنانير‬
‫أخبرني عمي والحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا زكريا بن مهران قال‪ :‬طالب أبو‬
‫‪:‬الشمقمق سلما الخاسر بأن يهب له شيئا‪ ،‬وقد خرجت لسلم جائزة‪ ،‬فلم يفعل‪ ،‬فقال أبو الشمقمق يهجوه‬
‫كيما ننيكك فردا أو تنيكـينـا‬ ‫يا أم سلم هداك اللـه زورينـا‬
‫ومثل ذكراك أم السلم يشجينا قال‪ :‬فجاءه سلم فأعطاه خمسة دنانير‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫ما إن ذكرتك إل هاج لي شبق‬
‫‪.‬أحب أن تعفيني من استزارتك أمي وتأخذ هذه الدنانير فقتنفقها‬
‫من شعره حين ولى يعقوب بن داود بعد أبي عبيد الله أخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني يحيى بن‬
‫الحسن بن عبد الخالق‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن القاسم بن الربيع عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬دخل الربيع على المدهي وأبو عبيد الله جالس‬
‫يعرض كتبا‪ ،‬فقال له أبو عبيد الله‪ :‬مر هذا أن يتنحى ‪-‬يعني الربيع‪ -‬فقال له المهدي‪ :‬تنح‪ ،‬فقال‪ :‬ل أفعل‪ .‬فقال‪ :‬كأنك تراني‬
‫بالعين الولى فقال‪ :‬ل‪ ،‬بل أراك بالعين التي أنت بها‪ .‬قال‪ :‬فلم ل تتنحى إذ أمرتك? فقال له‪ :‬أنت ركن السلم‪ ،‬وقد قتلت ابن‬
‫هذا‪ ،‬فل آمن أن يكون معه حديدة يغتالك بها‪ ،‬فقام المهدي مذعورا‪ ،‬وأمر بتفتيشه‪ ،‬فوجدوا بين جوربه وخفه سكينا‪ ،‬فردت‬
‫‪:‬المور كلها إلى الربيع‪ ،‬وعزل أبو عبيد الله‪ ،‬وولي يعقوب بن داود‪ ،‬فقال سلم الخاسر فيه‬
‫ر وأنـت تـنـظـر نــاحـــيه‬ ‫يعـقـوب ينـظـر فـي المـــو‬
‫أدخلته فعل عليك كذاك شؤم الناصيه قال‪ :‬وكان بلغ المهدي من جهة الربيع أن أبي عبيد الله زنديق‪ ،‬فقال له المهدي‪ :‬هذا‬
‫حسد منك‪ .‬فقال‪ :‬افحص عن هذا‪ ،‬فإن كنت مبطل بلغت مني الذي يلزم من كذلك‪ .‬فأتى بابن عبيد الله‪ ،‬فقرره تقريرا خفيا‪،‬‬
‫‪.‬فأقر بذلك‪ ،‬فاستتابه‪ ،‬فأبى أن يتوب‪ ،‬فقال لبيه‪ :‬اقتله‪ ،‬فقال‪ :‬ل تطيب نفسي بذلك‪ .‬فقتله وصلبه على باب أبي عبيد الله‬
‫قال‪ :‬وكان أبي عبيد الله هذا من أحمق الناس‪ :‬وهب له المهدي وصيفة‪ ،‬ثم سأله بعد ذلك عنها‪ ،‬فقال‪ :‬ما وضعت بيني وبين‬
‫‪.‬الرض حشية قط أوطأ منها حاشا سامع ‪ ،‬فقال المهدي لبيه‪ :‬أتراه يعنيني‪ ،‬أو يعنيك? قال‪ :‬بل يعني أمه الزانية‪ ،‬ل يكنى‬
‫شعره في الفضل حين أخذ البيعة للمهدي‬
‫‪:‬أخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني يحيى بن الحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبي‪ ،‬قال‬

‫صفحة ‪2191 :‬‬

‫كنت أنا والربيع نسير قريبا من محمل المنصور حين قال للربيع‪ :‬رأيت كأن الكعبة تصدعت‪ ،‬وكأن رجل جاء بحبل أسود‬
‫فشددها‪ ،‬فقال له الربيع‪ :‬من الرجل? فلم يجبه‪ ،‬حتى إذا اعتل قال للربيع‪ :‬أنت الرجل الذي رأيته في نومي شدد الكعبة فأي‬
‫شيء تعمل بعدي? قال‪ :‬ما كنت أعمل في حياتك‪ ،‬فكان من أمره في أخذ البيعة للمهدي ما كان‪ ،‬فقال سلم الخاسر في‬
‫‪:‬الفضل بن الربيع‬
‫واستنفذ الناس من عمياء صيخود‬ ‫يا بن الذي جبر السلم يوم وهي‬
‫أين الربيع وأعطوا بالمقـالـيد‬ ‫قالت قريش غداة أنهاض ملكهم‪:‬‬
‫ماضي العزيمة ضراب القماحيد‬ ‫فقام بالمر مئنـاس بـوحـدتـه‬
‫حلت يد الفضل منها كل معقود‬ ‫إن المور إذا ضاقت مسالكهـا‬
‫رواق مجد على العباس ممدود قال‪ :‬فوهب له الفضل خمسة آلف دينار‬ ‫‪.‬إن الربيع وإن الفضل قد بـنـيا‬
‫شعره حين عقدت البيعة للمين‬
‫أخبرني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو هفان‪ ،‬قال‪ :‬حدثني سعيد أبو هريم وأبو دعامة‪ ،‬قال‪ :‬لما قال سلم الخاسر في الرشيد حين عقد‬
‫‪:‬البيعة لبنه محمد المين‬
‫لمحمد بن زبيدة ابنـه جـفـر‬ ‫قد بايع الثقلن في مهد الهـدى‬
‫فدمغت بالمعروف رأس المنكر أعطته زبيدة مائة ألف درهم‬ ‫‪.‬وليته عهـد النـام وأمـرهـم‬
‫المهدي يأمر له بخمسمائة ألف درهم لقصيدته فيه أخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدثنا عبد الله بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أحمد بن محمد بن علي الخراساني ‪ ،‬عن يحيى بن الحسن بن عبد الخالق‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫‪:‬قال سلم الخاسر في المهدي قصديته التي يقول فيها‬
‫ء ل يعرف الناس مقدارها‬ ‫له شيمة عند بذل العـطـا‬
‫حماها وأدرك أوتـارهـا فأمر له المهدي بخمسمائة ألف درهم‬ ‫‪.‬ومهدي أمـتـنـا والـذي‬
‫طلب إلى الرشيد أن يفضله في الجائزة على مروان بن أبي حفصة فأجابه أخبرنا وكيع‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن سليمان‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدثنا منصور بن أبي مزاحم‪ ،‬قال‪ :‬شهدت المهدي وقد أمر لمروان بن أبي حفصة بأربعين ألف درهم‪ ،‬وفرض على اهل بيته‬
‫وجلسائه ثلثين ألف درهم‪ .‬وأمر الرشيد بعد ذلك لما ولى الخلفة لسلم الخاسر ‪ -‬وقد مدحه‪ -‬بسبعين ألف درهم‪ ،‬فقال له‪ :‬يا‬
‫أمير المؤمنين‪ ،‬إن أكثر ما أعطى المهدي مروان سبعون ألف درهم‪ ،‬فزدني وفضلني عليه‪ ،‬ففعل ذلك‪ ،‬وأعطاه تتمة ثمانين‬
‫ألف درهم‪ ،‬فقال سلم‪ :‬فخره على مروان بجائزته ورد مروان عليه‬
‫لها نبأ ل ينثني عن لـقـائكـا‬ ‫أل قل لمروان أتتـك رسـالة‬
‫مشهرة قد طأطأت من حبائكا‬ ‫حباني أمير المؤمنين بنـفـحة‬
‫ولم يك قسما من أولى وأولئكا فأجابه مروان فقال‬ ‫‪:‬ثمانين الفا حزت من صلب ماله‬
‫تقصر عنها بعد طول عنائكـا‬ ‫أسلم بن عمرو قد تعاطيت غاية‬
‫لما ابتلت الدلو التي في رشائكا‬ ‫فأقسم لول ابن الربيع ورفـده‬
‫تقوم بها مصرورة في ردائكا مات عن غير وارث فوهب الرشيد تركته‬ ‫وما نلت مذ صورت إل عطية‬
‫حدثني وسواسة بن الموصلي‪ ،‬وهو محمد بن أحمد بن غسماعيل بن إبراهيم‪ ،‬قال‪ :‬حدثني حماد‪ ،‬عن أبيه قال‪ :‬استوهب أبي‬
‫من الرشيد تركة سلم الخاسر‪ ،‬وكان قد مات عن غير وارث‪ ،‬فوهبها له قبل أن يتسلمها صاحب المواريث‪ ،‬فحصل منها خمسين‬
‫‪.‬ألف دينار‬
‫أخبرني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو هفان‪ ،‬عن سعيد بن هريم وأبي دعامة أنه رفع إلى الرشيد أن سلما الخاسر قد توفي‪ ،‬وخلف‬
‫مما أخذه منه خاصة ومن زبيدة ألف ألف وخمسمائة ألف درهم سوى ما خلفه من عقار وغيره مما اعتقده قديما‪ ،‬فقبضه‬
‫الرشيد‪ .‬وتظلم إليه مواليه من آل أبي بكر الصديق‪ ،‬رضوان الله عليهم‪ ،‬فقال‪ :‬هذا خادمي ونديمي‪ ،‬والذي خلفه من مالي‪ ،‬فأنا‬
‫‪.‬أحق به‪ ،‬فلم يعطهم إل شيئا يسيرا من قديم أملكه‬
‫رثاؤه معن بن زائدة ومالكا وشهابا ابني عبد الملك بن مسمع‬

‫صفحة ‪2192 :‬‬

‫أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى بن إسماعيل‪ ،‬عن القحذمي‪ ،‬قال‪ :‬كان مالك وشهاب ابنا عبد الملك بن‬
‫مسمع ومعن بن زائدة متواخين‪ ،‬ل كادون يفترقون‪ .‬وكان سلم الخاسر ينادمهم ويمدحهم‪ ،‬ويفضلون عليه ول يحوجونه إلى‬
‫‪:‬غيرهم‪ ،‬فتوفي مالك ثم أخوه ثم معن في مدة متقاربة‪ ،‬فقال سلم يرثيهم‬
‫وانـذبـي مــن أصـــاب ريب الـــزمـــان‬ ‫عين جـودي بـعـــبـــرة تـــهـــتـــان‬
‫فعـلـى مـــالـــك أبـــي غـــســـان‬ ‫وإذا مـا بـكــيت قـــومـــا كـــرامـــا‬
‫ن غـياثـا لـلــهـــالـــك الـــحـــيران‬ ‫أين مـعـن أبــو الـــولـــيد ومـــن كـــا‬
‫طرقتك المنون ل واهي الحبل ول عاقدا بحلـف يمـان‬
‫عنـد بـذل الـنـدى وحــر الـــطـــعـــان‬ ‫وشهاب وأين مثل شهاب‬
‫رب خرق رزئته من بني قيس وخرق رزئت من شيبان‬
‫منـهـم فـي لـفـــائف الـــكـــتـــان‬ ‫در در اليام ماذا أجنت‬
‫وشـهــاب ثـــوى بـــأرض عـــمـــان‬ ‫ذاك مـعـن ثـوى بـبــســـت رهـــينـــا‬
‫ولـــلـــف القـــران بـــالقـــــران‬ ‫وهـمـا مـا هـمـا لـبـذل الـــعـــطـــايا‬
‫ويفــكـــان كـــل كـــبـــل وعـــان أمر له الرشيد بمائة ألف درهم‬ ‫يسـبـقـان الـمـنـون طـعـنـا وضـــربـــا‬
‫في قصيدة أنشده إياها أخبرني وكيع‪ ،‬قال‪ :‬حدثني يزيد بن محمد المهلبي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عبد الصمد بن المعذل‪ ،‬قال‪ :‬لما أنشد‬
‫‪:‬سلم الخاسر الرشيد قصيدته فيه‬
‫‪.‬حضر الرحيل وشدت الحداج أمر له بمائة ألف درهم‬
‫من شعره في الفضل بن يحيى وجائزته عليه حدثني جحظة قال‪ :‬حدثني ميمون بن هارون قال‪ :‬دخل سلم الخاسر على‬
‫‪:‬الفضل بن يحيى في يوم نيروز والهدايا بين يديه‪ ،‬فأنشده‬
‫وقـد أقــوت مـــنـــازلـــه‬ ‫أمـن ربـــع تـــســـائلـــه‬
‫ل حـــب مـــا يزايلــــــه‬ ‫بقـلـبـي مـن هــوى الطـــل‬
‫ف إن الـحـب قـــاتـــلـــه‬ ‫رويدكـم عـن الـمــشـــغـــو‬
‫وقـد نــامـــت عـــواذلـــه‬ ‫بلبــل صـــدره تـــســـري‬
‫أحق الناس بالتفصيل من ترجى فواضله‬
‫ق مـا ضـمـت حـمـــائلـــه‬ ‫رأيت مكارم الخل‬
‫س إل الـفـضـل فـاضـــلـــه‬ ‫فلـسـت أرى فـتـي فـي الـنـــا‬
‫فتـفـعـلــه أنـــامـــلـــه‬ ‫يقـول لــســـانـــه خـــيرا‬
‫فإن الـفـضـل فــاعـــلـــه وكان إبراهيم الموصلي وابنه إسحاق حاضرين‪ ،‬فقال‬ ‫ومـهـمــا يرج مـــن خـــير‬
‫لبراهيم‪ :‬كيف ترى وتسمع? قال‪ :‬أحسن مرئي ومسموع‪ ،‬وفضل المير أكثر منه‪ .‬فقال‪ :‬خذوا جميع ما أهدي إلي اليوم‬
‫فاقتسمواه بينكم أثلثا إل ذلك التمثال‪ ،‬فإني أريد أن أهديه اليوم إلى دنانير‪ ،‬ثم قال‪ :‬ل‪ ،‬والله‪ ،‬ما هكذا تفعل الحرار‪ ،‬يقوم‬
‫‪.‬وندفع إليهم ثمنه‪ ،‬ثم نهديه‪ .‬فقوم بألف دينار‪ ،‬فحملها إلى القوم من بيت ماله‪ ،‬واقتسموا جميع الهدايا بينهم‬
‫شعر له يعده معن بن زائدة أحسن ما مدح به أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عيسى بن إسماعيل تينة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫‪:‬حدثني القحذمي‪ ،‬قال‪ :‬قيل لمعن بن زائدة‪ :‬ما أحسن ما مدحت به من الشعر عندك? قال‪ :‬قول سلم الخاسر‬
‫أن خير الود ما نفعـا‬ ‫أبلغ الفتـيان مـألـكة‬
‫أتلفت كفاه ما جمعـا‬ ‫أن قرما من بني مطر‬
‫عاد في معروفه جذعا شعر له في الفضل بن يحيى وقد أشار برأي أخذ به أخبرني عمي‪،‬‬ ‫كلما عدنـا لـنـائلـه‬
‫قال‪ :‬حدثني عبد الله بن أبي سعد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو توبة‪ ،‬وأخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه‪،‬‬
‫عن أبي توبة‪ ،‬قال‪ :‬حدث في أيام الرشيد أمر فاحتاج فيه إلى الرأي‪ ،‬فأشكل‪ ،‬وكان الفضل بن يحيى غائبا‪ ،‬فورد في ذلك‬
‫الوقت‪ ،‬فأخبروه بالقصة‪ ،‬فأشار بالرأي في وقته‪ ،‬وأنفذ المر على مشورته‪ ،‬فحمد ما جرى فيه‪ ،‬فدخل عليه سلم الخاسر‬
‫‪:‬فأنشده‬
‫إذا ما نابه الخطب الكبير‬ ‫بديهته وفكـرتـه سـواء‬
‫إذا عي المشاور والمشير فأمر له بعشرة آلف درهم‬ ‫‪.‬وأحزم ما يكون الدهر رأيا‬
‫اشترى سكوت أبي الشمقمق عن هجائه أخبرني جعفر بن قدامة‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو العيناء‪ ،‬قال‪ :‬حدثني الجماز أن أبا الشمقمق‬
‫‪:‬جاء إلى سلم الخاسر يستميحه فمنعه‪ ،‬فقال له‪ :‬اسمع إذا ما قلته‪ ،‬وأنشده‬
‫يشتـكـي جـارة أيره‬ ‫حدثونـي أن سـلـمـا‬
‫غير أير في است غيره‬ ‫فهو ل يحـسـد شـيئا‬

‫صفحة ‪2193 :‬‬

‫يا خـلـيلـــي نـــيل خـــيره‬ ‫وإذا ســــــرك يومـــــــا‬


‫قم فمر راهبك الصلع يقرع باب ديره فضحك سلم‪ ،‬وأعطاه خمسة دنانير‪ ،‬وقال له‪ :‬أحب ‪-‬جعلت فداءك‪ -‬أن تصرف راهبك‬
‫‪.‬الصلع عن باب ديرنا‬
‫أنشد الرشيد فتطير وأمر بإخراجه أخبرنا الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أحمد بن أبي كامل‪ ،‬قال‪:‬‬
‫‪:‬حدثني أبو دعامة‪ ،‬قال‪ :‬دخل سلم الخاسر على الرشيد‪ ،‬فأنشده‬
‫‪:‬حي الحبة بالسلم فقال الرشيد‬
‫‪:‬حياهم الله بالسلم فقال‬
‫‪:‬على وداع أم مقام فقال الرشيد‪ :‬حياهم الله على أي ذلك كان‪ ،‬فأنشده‬
‫غير الجلود على العظام فقال له الرشيد‪ :‬بل منك‪ ،‬وأمر بإخراجه‪ ،‬وتطير منه‪ ،‬ومن‬ ‫لم يبق منك ومـنـهـم‬
‫‪.‬قوله‪ ،‬فلم يسمع منه باقي الشعر ول أثابه بشيء‬
‫شعره في الهادي حين بويع له أخبرني محمد بن مزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا حماد بن إسحاق‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬أتت وفاة المهدي إلى‬
‫‪:‬موسى الهادي‪ ،‬وهو بجرجان‪ ،‬فبويع له هناك‪ ،‬فدخل عليه سلم الخاسر مع المهنئين‪ ،‬فنأه بخلفة الله‪ ،‬ثم أنشده‬
‫خلفة الله بـجـرجـان‬ ‫لما أتت خير بني هـاشـم‬
‫برأي ل غـمـر ول وان‬ ‫شمر للحزم سـرابـيلـه‬
‫والحزم ل يمضـيه رأيان‬ ‫لم يدخل الشورى على رأيه‬
‫يقر بأستاذية بشـار لـه أخبرني الحسن بن علي وعمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني صالح بن عبد‬
‫‪:‬الرحمن‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬دخل سلم الخاسر على الرشيد‪ ،‬وعنده العباس بن محمد وجعفر بن يحيى‪ ،‬فأنشده قوله فيه‬
‫‪:‬حضر الرحل وشدت الحداج فلما انتهى إلى قوله‬
‫حتـــى يهـــيجـــهـــــــا فـــــــتـــــــى هـــــــياج‬ ‫إن الـــمـــنـــايا فـــي الـــســـــيوف كـــــــوامـــــــن‬
‫‪:‬فقال الرشيد‪ :‬كان ذلك معن بن زائدة‪ ،‬فقال‪ :‬صدق أمير المؤمنين‪ ،‬ثم أنشد حتى انتهى إلى قوله‬
‫حتـــى يكـــــون بـــــــســـــــيفـــــــه الفـــــــراج فقال الرشيد‪ :‬ذلك يزيد‬ ‫ومدحج يغشى المضيق بسيفه‬
‫بن مزيد‪ ،‬فقال‪ :‬صدق أمير المؤمنين‪ ،‬فاغتاظ جعفر بن يحيى‪ ،‬وكان يزيد بن مزيد عدوا للبرامكة‪ ،‬مصافيا للفضل بن الربيع‪،‬‬
‫‪:‬فلما انتهى إلى قوله‬
‫ولكل قوم كـوكـب وهـاج قال له جعفر بن يحيى‪ :‬من قلة الشعر حتى تمدح‬ ‫نزلت نجوم الليل فوق رؤوسهم‬
‫أمير المؤمنين بشعر قيل في غيره هذا لبشار في فلن التميمي‪ ،‬فقال الرشيد‪ :‬ما تقول يا سلم? قال‪ :‬صدق يا سيدي‪ ،‬وهل أنا‬
‫إل جزء من محاسن بشار‪ ،‬وهل أنطلق إل بفضل منطقه وحياتك يا سيدي إني لروي له تسعة آلف بيت ما يعرف أحد غيري‬
‫منها شيئا‪ ،‬فضحك الرشيد‪ ،‬وقال‪ :‬ما أحسن الصدق امض في شعرك‪ ،‬وأمر له بمائة ألف درهم‪ ،‬ثم قال للفضل بن الربيع‪ :‬هل‬
‫‪.‬قال أحد غير سلم في طينا المنازل شيئا? ‪-‬وكان الرشيد قد انصرف من الحج‪ ،‬وطوى المنازل‬
‫وصفه هو والنمري على الرشيد للمنازل فوصف ذلك سلم ‪ -‬فقال الفضل‪ :‬نعم يا أمير المؤمنين‪ ،‬النمري‪ ،‬فأمر سلما أن يثبت‬
‫‪:‬قائما حتى يفرغ النمري من إنشاده‪ ،‬فأنشده النميري‪ ،‬قوله‬
‫وحالت لنا أم الوليد عن العهد فقال الرشيد للعباس بن محمد‪ :‬أيهما أشعر‬ ‫تخرق سربال الشباب مع البرد‬
‫عندك يا عم? قال‪ :‬كلهما شاعر‪ ،‬ولو كان الكلم يستفحل لجودته حتى يؤخذ منه نسل لستفحلت كلم النمري‪ ،‬فأمر له بمائة‬
‫‪.‬الف درهم أخرى‬
‫‪:‬رثاه أشجع السلمي أخبرني عمي‪ ،‬قال‪ :‬أنشدني أحمد بن أبي طاهر لشجع السلمي يرثي سلما الخاسر ومات سلم قبله‬
‫موسدا تربـا وأحـجـارا‬ ‫يا سلم إن أصبحت في حفرة‬
‫خلفته في الـنـاس تـيارا‬ ‫فرب بيت حسـن قـلـتـه‬
‫فكان فخرا منك أو عـارا‬ ‫قلـدتـه ربـا وسـيرتـه‬
‫عليه إعـلنـا وإسـرارا‬ ‫لو نطق الشعر بكى بعـده‬
‫صوت‬

‫فأماته من قبل حين مماتـه‬ ‫يا ويح من لعب الهوى بحياته‬


‫هاروت بين لسانه ولهاتـه‬ ‫من ذا كذا كان الشقي بشادن‬
‫يوما لحلف كاذبا بحـياتـه‬ ‫وحياة من أهوى فإني لم أكن‬
‫ولسعدن أخي على لذاتـه الشعر لبعض شعراء الحجازيين ولم يقع إلينا اسمه‪،‬‬ ‫لخالفن عواذلي في لـذتـي‬
‫‪ .‬والغناء لبي صدقة رمل بالبنصر‬

‫أخبار أبي صدقة‬

‫صفحة ‪2194 :‬‬

‫اسمه وولؤه‬
‫اسمه مسكين بن صدقة من أهل المدينة‪ ،‬مولى لقريش‪ .‬وكان مليح الغناء‪ ،‬طيب الصوت‪ ،‬كثير الرواية‪ ،‬صالح الصنعة؛ من أكثر‬
‫الناس نادرة‪ ،‬وأخفهم روحا‪ ،‬وأشدهم طمعا‪ ،‬وألحهم في مسألة‪ .‬وكان له ابن يقال له‪ :‬صدقة يغني‪ ،‬وليس من المعدودين‪ ،‬وابن‬
‫ابنه أحمد بن صدقة الطنبوري ‪-‬أحد المحسنين من الطنبوريين‪ ،‬وله صنعة جيدة‪ ،‬وكان أشبه الناس بجده في المزح والنوادر‪.‬‬
‫‪.‬وأخباره تذكر بعد أخبار جده‪ .‬وأبو صدقة من المغنين الذين أقدمهم هارون الرشيد من الحجاز في أيامه‬
‫يذكر أسباب كثرة سؤاله‬
‫أخبرني علي بن عبد العزيز‪ ،‬عن عبيد الله بن عبد الله‪ ،‬قال‪ :‬قيل لبي صدقة ما اكثر سؤالك‪ ،‬وأشد إلحاحك فقال‪ :‬وما يمنعني‬
‫‪.‬من ذلك‪ ،‬واسمي مسكين‪ ،‬وكنيتي أبو صدقة‪ ،‬وامرأتي فاقة‪ ،‬وابني صدقة‬
‫يتغنى مع مغني الرشيد‬
‫فيشتد طرب الرشيد لغنائه‬
‫أخبرني رضوان بن أحمد الصيدلني‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يوسف بن إبراهيم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن المهدي أن الرشيد قال‬
‫للحارث بن بسخنر‪ :‬قد اشتهيت أن أرى ندمائي ومن يحضر مجلسي من المغنين جميعا في مجلس واحد‪ ،‬يأكلون ويشربون‪،‬‬
‫ويبتذلون منبسطين على غير هيبة ول حتشام‪ ،‬بل يفعلون ما يفعلون في منازلهم وعند نظرائهم‪ ،‬وهذا ل يتم إل بأن أكون بحيث‬
‫ل يرونني‪ ،‬عن غير علم منهم برؤيتي إياهم‪ .‬فأعد لي مكانا أجلس فيه أنا وعمي سليمان وأخوتي‪ :‬إبراهيم بن المهدي‪ ،‬وعيسى‬
‫بن جعفر ‪ ،‬وجعفر بن يحيى‪ .‬فإنا مغلسون عليك غداة غد‪ ،‬واستزر أنت محمد بن خالد بن برمك‪ ،‬وخالدا أخا مهرويه‪ ،‬والخضر‬
‫بن جبريل‪ ،‬وجميع المغنين‪ ،‬وأجلسهم بحيث ل نراهم ول يروننا‪ ،‬وابسط الجميع‪ ،‬وأظهر برهم‪ ،‬واخلع عليهم‪ ،‬ول تدع من الكرام‬
‫شيئا إل فعلته بهم‪ .‬ففعل ذلك الحارث‪ ،‬وقدم إليهم الطعام فأكلوا‪ ،‬والرشيد ينظر إليهم‪ ،‬ثم دعا لهم بالنبيذ‪ ،‬فشربوا‪ ،‬وأحضرت‬
‫الخلع‪ ،‬وكان ذلك اليوم شديد البرد‪ ،‬فخلع على ابن جامع جبة خز طاروني مبطنة بسمور صيني‪ ،‬وخلع على إبراهيم الموصلي‬
‫جبة وشي كوفي مرتفع مبطنه بفنك ‪ ،‬وخلع على أبي دراعة ملحم خراساني محشوة بقز‪ ،‬ثم تغنى ابن جامع‪ ،‬وتغنى بهذه‬
‫‪:‬إبراهيم‪ ،‬وتلهما أبو صدقة فغنى لبن سريج‬
‫أكلفها سير الكلل مع الظـلـع فأجاده‪ ،‬واستعاده الحارث ثلثا وهو يعيده‪.‬‬ ‫ومن أجل ذات الخال أعملت ناقتي‬
‫فقال له الحارث‪ :‬أحسنت والله يا أبا صدقة قال له‪ :‬هذا غنائي وقد قرصني البرد‪ ،‬فكيف تراه ‪-‬فديتك‪ -‬كان يكون لو كان تحت‬
‫دراعتي هذه شعيرات? يعني الوبر‪ ،‬والرشيد يسمع ذلك فضحك‪ ،‬فامر بأن يخلع عليه دراعة ملحم مبطنة بفنك‪ ،‬ففعلوا‪ ،‬ثم تغنى‬
‫‪:‬الجماعة‪ ،‬وغنى أبو صدقة لمعبد‬
‫هدل المشافر أدنى سيرها الرمل ثم تغنى بعده لمعبد أيضا‬ ‫‪:‬بأن الخليط على بزل مـخـيسة‬
‫وقطعو من حبال الوصل أقرانا فأقام فيهما جميعا القيامة‪ ،‬فطرب الرشيد‬ ‫بان الخليط ولو طووعت ما بانا‬
‫حتى كاد أن يخرج إلى المجلس طربا فقال له الحارث‪ :‬أحسنت والله يا أبا صدقة ‪-‬فديتك‪ -‬وأجملت‪ ،‬فقال أبو صدقة‪ :‬فكيف‬
‫ترى ‪-‬فديتك‪ -‬الحال تكون لو كانت على هذه الدراعة نقيطات? يعني الوشم‪ ،‬فحضك الرشيد حتى ظهر ضحكه‪ ،‬وعلموا‬
‫‪.‬بموضعه‪ ،‬وعرف علمهم بذلك فأمر بإدخالهم غليه‪ ،‬وأمر بأن يخلع على أبي صدقة دراعة أخرى مبطنة‪ ،‬فخلعت عليه‬
‫صادره الحسن بن سليمان على جعل‬
‫يأخذه ويكف عن السؤال فلم يف له‬
‫أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الزهر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا حماد بن إسحاق‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬سأل الحسن بن سليمان أخو عبيد الله بن‬
‫سليمان الطفيلي الفضل وجعفرا ابني يحيى أن يقيما عند يوما‪ ،‬فأجاباه ‪ ،‬فواعد عدة من المغنين‪ ،‬فيهم أبو صدقة المدني‪،‬‬
‫فقال لبي صدقة‪ :‬إنك تبرم بكثرة السؤال‪ :‬فصادرني على شيء أدفعه إليك ول تسأل شيئا غيره‪ ،‬فصادره على شيء أعطاه‬
‫إياه‪ .‬فلما جلسوا وغنوا أعجبوا بغناء أبي صدقة‪ ،‬واقترحوا عليه أصواتا من غناء ابن سريج ومعبد وابن محرز وغيرهم‪ ،‬فغناهم‪،‬‬
‫‪:‬ثم غنى ‪-‬والصنعة له رمل‬
‫فأماته من قبل حين مماتـه‬ ‫يا ويح من لعب الهوى بحياته‬
‫هارون بين لسانه ولهـاتـه‬ ‫من ذا كذا كان الشقي بشهادن‬

‫صفحة ‪2195 :‬‬

‫وذكر البيات الربعة المتقدم ذكرها‪ ،‬قال‪ :‬فأجاد وأحسن ما شاء‪ ،‬وطرب جعفر‪ ،‬فقال له‪ :‬أحسنت وحياتي‪ ،‬وكان عليه دواج‬
‫خز مبطن بسمور جيد‪ ،‬فلما قال له ذلك شرهت نفسه وعاد إلى طبعه‪ ،‬فقال‪ :‬لو أحسنت ما كان هذا الدواج عليك‪ ،‬ولتخلعنه‬
‫‪:‬علي‪ ،‬فألقاه عليه‪ ،‬ثم غنى أصواتا من القديم والحديث‪ ،‬وغنى بعدها من صناعته في الرمل‬
‫ولم أغب عنك فتناعـنـي‬ ‫لم يطل العهد فتنـسـانـي‬
‫ولم تكن صاحب بهـتـان‬ ‫بدلت بي غيري وباهتنـي‬
‫بعدك في سـر وإعـلن‬ ‫ل وثقت نفسي بـإنـسـان‬
‫منك ومن عهـد وأيمـان فقال له الفضل‪ :‬أحسنت وحياتي فقال‪ :‬لو أحسنت‬ ‫أعطيتني ما شئت من موثق‬
‫لخلعت علي جبة تكون شكل لهذا الدواج‪ ،‬فنزع جبته وخلعها عليه‪ ،‬وسكروا وانصرفوا‪ .‬فوثب الحسن بن سليمان‪ ،‬فقال له‪ :‬قد‬
‫وافقتك على ما أرضاك‪ ،‬ودفعته إليك على أل تسأل أحدا شيئا‪ ،‬فلم تف‪ ،‬وقد أخذت مالك والله ل تركت عليك شيئا مما أخذته‪،‬‬
‫ثم انتزعه منه كرها وصرفه‪ ،‬فشكاه أبو صدقة إلى الفضل وجعفر‪ ،‬فضحكا منه‪ ،‬وأخلفا عليه ما ارتجعه الطفيلي منه من‬
‫‪.‬خلعهما‬
‫نسبة ما مضى في هذه الخبار من الغناء صوت‬
‫هدل المشافر أدنى سيرها الرمل‬ ‫بان الخليط على بزل مـخـيسة‬
‫ينفي الزمام إذا ما حنت البـل الغناء لبن عائشة‪ ،‬خفيف ثقيل أول‬ ‫من كل أعيس نضاح القفا قطـم‬
‫بالوسطى عن عمرو الهشامي‪ ،‬وقال الهشامي خاصة‪ :‬فيه لبن محرز هزج‪ ،‬ولسحاق ثقيل أول‪ ،‬ووافقه ابن المكي‪ .‬وما وجدت‬
‫‪.‬لمعبد فيه صنعة في شيء من الروايات‪ ،‬إل في المذكور‬
‫‪:‬وأما‬
‫‪.‬بان الخليط ولو طووعت ما بانا فقد مضى في المائة المختارة‪ ،‬ونسب هناك وذكرت أخباره‬
‫يذكر للرشيد أسباب إلحاحه في المسألة‬
‫أخبرني رضوان بن أحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يوسف بن إبراهيم‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو إسحاق إبراهيم بن المهدي‪ ،‬قال‪ :‬كان أبو صدقة‬
‫أسأل خلق الله وألحهم‪ ،‬فقال له الرشيد‪ :‬ويلك ما أكثر سؤالك فقال‪ :‬وما يمنعني من ذلك‪ ،‬واسمي مسكين‪ ،‬وكنيتي أبو صدقة‪،‬‬
‫واسم ابني صدقة‪ ،‬وكانت أمي تلقب فاقة‪ ،‬واسم أبي صدقة‪ ،‬فمن أحق مني بهذا? كثرة عبث الرشيد معه وكان الرشيد يعبث‬
‫به عبثا شديدا‪ ،‬فقال ذات يوم لمسرور‪ :‬قل لبن جامع وإبراهيم الموصلي وزبير بن دحمان وزلزل وبرصوصا وبن ابي مريم‬
‫المديني‪ :‬إذا رأيتموني قد طابت نفسي‪ ،‬فليسألني كل واحد منهم حاجة‪ ،‬مقدارها مقدار صلته‪ .‬وذكر لكل واحد منهم مقدار‬
‫ذلك‪ ،‬وأمرهم أن يكتموا أمرهم عن أبي صدقة‪ ،‬فقال لهم مسرور ما أمره به‪ ،‬ثم أذن لبي صدقة قبل إذنه لهم‪ ،‬فلما جلس قال‬
‫له‪ :‬يا أبا صدقة‪ ،‬قد أضجرتني بكثرة مسألتك‪ ،‬وأنا في هذا اليوم ضجر‪ ،‬وقد أحببت أن أتفرج وأفرح‪ ،‬ولست آمن أن تنغص علي‬
‫مجلس بمسألتك‪ ،‬فإما أن أعفيتني من أن تسألني اليوم حاجة وإل فانصرف‪ .‬فقال له‪ :‬يا سيدي لست أسألك في هذا اليوم‪ ،‬ول‬
‫إلى شهر حاجة‪ ،‬فقال له الرشيد‪ :‬أما إذا شرطت لي هذا على نفسك‪ ،‬فقد اشتريت منك حوائجك بخمسمائة دينار‪ ،‬وها هي ذو‬
‫فخذها هنيئا معجلة‪ ،‬فإن سألتني شيئا فعدها في هذا اليوم‪ ،‬فل لوم علي إن لم أصلك سنة بشيء‪ .‬فقال له‪ :‬نعم‪ ،‬وسنتين‪ .‬فقال‬
‫له الرشيد‪ :‬زدني في الوثيقة‪ ،‬فقال‪ :‬قد جعلت أمر أم صدقة في يدك‪ ،‬فطلقها متى شئت‪ ،‬إن شئت واحدة‪ ،‬وإن شئت ألفا إن‬
‫سألتك في يومي هذا حاجة‪ .‬وأشهد الله ومن حضر على ذلك‪ ،‬فدفع إليه المال‪ ،‬ثم أذن للجلساء والمغنين فحضروا‪ ،‬وشرب‬
‫‪.‬القوم‬

‫صفحة ‪2196 :‬‬

‫فلما طابت نفس الرشيد قال له ابن جامع‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬قد نلت منك ما لم تبلغه أمنيتي‪ ،‬وكثر إحسانك إلي حتى كبت‬
‫أعدائي وقتلتهم‪ .‬وليست لي بمكة دار تشبه حالي‪ ،‬فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر لي بمال أبني به دارا‪ ،‬وأفرشها بباقيه لفقأ‬
‫عيون أعدائي وأزهق نفوسهم‪ -‬فعل‪ ،‬فقال‪ :‬وكم قدرت لذلك? قال‪ :‬أربعة آلف دينار‪ ،‬فأمر له بها‪ .‬ثم قام إبراهيم الموصلي‬
‫فقال له‪ :‬قد ظهرت نعمتك علي وعلى أكابر ولدي‪ ،‬وفي أصاغرهم من قد بلغ‪ ،‬وأريد تزويجه‪ ،‬ومن أصاغرهم من أحتاج إلى أن‬
‫أطهره‪ ،‬ومنهم صغار أحتاج إلى أن أتخذ لهم خدما‪ ،‬فإن رأى أمير المؤمنين أن يحسن معونتي على ذلك فعل‪ ،‬فأمر له بمثل ما‬
‫أمر لبن جامع‪ ،‬وجعل كل واحد منهم يقوم فيقول من الثناء ما يحضره‪ ،‬ويسأل حاجة على قدر جائزته‪ ،‬وأبو صدقة ينظر إليهم‬
‫وإلى الموال تفرق يمينا وشمال‪ ،‬فوثب على رجليه قائما‪ ،‬وقال للرشيد‪ :‬يا سيدي‪ ،‬أقلني‪ ،‬أقال الله عثرتك فقال له الرشيد‪ :‬ل‬
‫‪.‬أفعل‪ ،‬فجعل يستحلفه ويضطرب‪ 4‬ويلح‪ ،‬والرشيد يضحك ويقول‪ :‬ما إلى ذلك سبيل‪ ،‬الشرط أملك‬
‫فلما عيل صبره أخذ الدنانير فرمى بها بين يدي الرشيد‪ ،‬وقال له‪ :‬هاكها قد رددتها عليك وزدتك فرج أم صدقة فطلقها إن‬
‫شئت واحدة‪ ،‬وإن شئت ألفا‪ .‬وإن لم تلحقني بجوائز القوم فألحقني بجائزة هذا البارد بن الباردة عمرو الغزل ‪ ،‬وكانت صلته‬
‫ألف دينار‪ .‬فضحك الرشيد حتى استلقى‪ ،‬ثم رد عليه الخمسمائة الدينار‪ ،‬وأمر له بألف دينار معها‪ .‬وكان ذلك أكثر ما أخذه منه‬
‫‪.‬مذ يوم خدمه إلى أن مات‪ ،‬فانصرف يومئذ بألف وخمسمائة دينار‬
‫عبث جعفر بن يحيى والرشيد به أخبرني رضوان بن أحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني يوسف بن إبراهيم‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو إسحاق‪ ،‬قال‪:‬‬
‫مطرنا ونحن مع الرشيد بالرقة مطرا مع الفجر‪ ،‬واتصل إلى غد ذلك اليوم‪ ،‬وعرفنا خبر الرشيد‪ ،‬وأنه مقيم عند أم ولده‬
‫المسماة بسحر‪ ،‬فتشاغلنا في منازلنا‪ .‬فلما كان من غد جاءنا رسول الرشيد‪ ،‬فحضرنا جميعا‪ ،‬وأقبل يسأل واحدا واحدا عن‬
‫يومه الماضي‪ :‬ما صنع فيه فيخبره‪ ،‬إلى أن انتهى إلى جعفر بن يحيى‪ ،‬فسأله عن خبره‪ ،‬فقال‪ :‬كان عندي أبو زكار العمى وأبو‬
‫صدقة‪ ،‬فكان أبو زكار كلما غنى صوتا لم يفرغ منه حتى يأخذه أبو صدقة‪ ،‬فإذا انتهى الدور إليه أعاده‪ ،‬وحكى أبا زكار فيه وفي‬
‫شمائله وحركاته‪ ،‬ويفطن أبو زكار لذلك فيجن ويموت غيظا‪ ،‬ويشتم أبا صدقة كل شتم حتى يضجر‪ ،‬وهو ل يجيبه ول يدع العبث‬
‫به‪ ،‬وأنا أضحك من ذلك إلى أن توسطنا الشراب وسئمنا من العبث به‪ ،‬فقلت له‪ :‬دع هذا وغن غناءك‪ ،‬فغنى رمل ذكر أنه من‬
‫صنعته‪ ،‬طربت له ‪-‬والله يا أمير المؤمنين‪ -‬طربا ما أذكر أني طربت مثله منذ حين‪ ،‬وهو‪ :‬صوت‬
‫وبثغـر كـأنـه نـظـم در‬ ‫فتنتني بقاحم الـلـون جـعـد‬
‫ر وعين في طرفها نفث سحر فقلت له‪ :‬أحسنت والله يا أبا صدقة‪ ،‬فلم أسكت‬ ‫وبوجه كأنـه طـلـعة الـبـد‬
‫عن هذه الكلمة حتى قال لي‪ :‬إني قد بنيت دارا حتى أنفقت عليها حريبتي ‪ ،‬وما أعددت لها فرشا‪ ،‬فافرشها لي‪ ،‬نجد الله لك‬
‫في الجنة ألف قصر‪ .‬فتغافلت عنه‪ ،‬وعاود الغناء‪ ،‬فتعمدت أن قلت له‪ :‬أحسنت‪ ،‬ليعاود مسألتي وأتغافل عنه‪ ،‬فسألني وتغافلت‪،‬‬
‫فقال لي‪ :‬يا سيدي هذا التغافل متى حدث لك? سألتك بالله‪ ،‬وبحق أبيك عليك إل أجبتني عن كلمي ولو بشتم فأقبلت عليه‬
‫وقلت له‪ :‬أنت والله بغيض‪ ،‬اسكت يا بغيض‪ ،‬واكفف عن هذه المسألة الملحة‪ ،‬فوثب بين يدي‪ ،‬وظننت أنه خرج لحاجة‪ ،‬وإذا هو‬
‫قد نزع ثيابه وتجرد منها خوفا من أن تبتل‪ ،‬ووقف تحت السماء‪ ،‬ل يواريه منها شيء والمطر يأخذه‪ ،‬ورفع رأسه‪ ،‬وقال‪ :‬يا رب‬
‫أنت تعلم أني مله‪ ،‬ولست نائحا‪ ،‬وعبدك هذا الذي رفعته وأحوجتني إلى خدمته يقول لي‪ :‬أحسنت‪ ،‬ل يقول لي‪ :‬أسأت‪ ،‬وأنا منذ‬
‫‪.‬جلست أقول له‪ :‬بنيت‪ ،‬لم أقل‪ :‬هدمت‪ ،‬فيحلف بك جرأة عليك أني بغيض‪ ،‬فاحكم بيني وبينه يا سيدي‪ ،‬فأنت خير الحاكمين‬

‫صفحة ‪2197 :‬‬

‫فغلبني الضحك‪ ،‬وأمرت به فتنحى‪ ،‬وجهدت به أن يغني‪ ،‬فامتنع حتى حلفت له بحياتك يا أمير المؤمنين أني أفرش له داره‪،‬‬
‫وخدعته فلم أسم له ما أفرشها به‪ ،‬فقال الرشيد‪ :‬طيب والله الن تم لنا به اللهو‪ ،‬وهو ذا أدعو به‪ ،‬فإذا رآك فسوف يقتضيك‬
‫الفرش‪ ،‬لنك حلفت له بحياتي‪ ،‬فهو يتنجز ذلك بحضرتي ليكون أوثق له‪ ،‬فقل له‪ :‬أنا أفرشها لك بالبواري ‪ ،‬وحاكمه إلي‪ .‬ثم دعا‬
‫به فأحضر‪ ،‬فما استقر في مجلسه حتى قال لجعفر بن يحيى‪ :‬الفرش الذي حلفت لي بحياة أمير المؤمنين أنك تفرش به داري‪،‬‬
‫‪.‬تقدم فيه‪ ،‬فقال له جعفر‪ :‬اختر‪ ،‬إن شئت فرشتها لك بالبواري‪ ،‬وإن شئت بالبردي من الحصر‪ ،‬فضج واضطرب‬
‫فقال له الرشيد‪ :‬وكيف كانت القصة? فأخبره‪ ،‬فقال له‪ :‬أخطأت يا أبا صدقة‪ ،‬إذ لم تسم النوع ول حددت القيمة‪ ،‬فإذا فرشها‬
‫لك بالبواري أو بالبردي أو بما دون ذلك فقد وفى يمينه‪ ،‬وإنما خدعك‪ ،‬ولم تفطن له أنت‪ ،‬ول توثقت‪ ،‬وضيعت حقك‪ .‬فسكت‪،‬‬
‫وقال‪ :‬نوفر البردي والبواري عليه أيضا‪ ،‬أعزه الله‪ .‬وغنى المغنين حتى انتهى إليه الدور‪ ،‬فأخذ يغني غناء الملحين والبنائين‬
‫والسقائين وما جرى مجراه من الغناء‪ ،‬فقال له الرشيد‪ :‬أيش هذا الغناء ويلك قال‪ :‬من فرشت داره بالبواري والبرى فهذا‬
‫الغناء كثير منه‪ ،‬وكثير أيضا لمن هذه صلته‪ ،‬فضحك الرشيد وطرب وصفق‪ ،‬ثم له بألف دينار من ماله وقال له‪ :‬افرش دارك من‬
‫هذه‪ ،‬فقال‪ :‬وحياتك ل آخذها يا سيدي أو تحكم لي على جعفر بما وعدني‪ ،‬وإل مت والله أسفا لفوات ما حصل في طمعي‬
‫‪.‬ووعدت به‪ ،‬فحكم له على جعفر بخمسمائة دينار‪ ،‬فقبلها جعفر‪ ،‬وأمر له بها‬
‫قصة وصوله إلى السلطان‬
‫أخبرني محمد بن مزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا حماد بن إسحاق‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬كان سبب وصول أبي صدقة إلى السلطان أن أبي لما حج‬
‫مر بالمدينة‪ ،‬فاحتاج إلى قطع ثياب‪ ،‬فالتمس خياطا حاذقا‪ ،‬فدل على أبي صدقة‪ ،‬ووصف به بالحذق في الخياطة والحذق في‬
‫الغناء‪ ،‬وخفة الروح‪ ،‬فأحضره فقطع له ما أراد وخاطه‪ ،‬وسمع غناءه فأعجبه؛ وسأله عن حاله‪ ،‬فشكا إليه الفقر‪ ،‬فخلف لعياله‬
‫‪.‬نفقة سابغة لسنة‪ ،‬ثم أخذه معه وخلطه بالسلطان‬
‫قال حماد‪ :‬فقال أبو صدقة يوما لبي‪ :‬قد اقتصرت بي على صنعة أبي إسحاق أبيك‪ ،‬رحمه الله عندي‪ ،‬وأنت ل‪ ،‬رب ذلك‬
‫بشيء‪ ،‬فقال له‪ :‬هذه الصينية الفضة التي بين يدي لك إذا انصرفت‪ ،‬فشكره وسر بذلك‪ ،‬ولم يزل يغنيه بقية يومه‪ ،‬فلما أخذ‬
‫النبيذ فيه قام قومة ليبول‪ ،‬فدعا أبي بصينية رصاص فحول قنينته وقدحه فيها‪ ،‬ورفع الصينية الفضة‪ ،‬فلما أراد أبو صدقة‬
‫النصراف شد أبي الصينية في منديل‪ ،‬ودفعها إلى غلمه‪ ،‬وقال له‪ :‬بت الليلة عندي واصطبح غدا‪ ،‬واردد دابتك‪ .‬فقال‪ :‬إني إذا‬
‫لحمق‪ ،‬أدفع إلى غلمي صينية فضة‪ ،‬فيأخذها ويطمع فيها أو يبيعها‪ ،‬ويركب الدابة ويهرب‪ ،‬ولكني أبيت عندك‪ ،‬فإذا انصرفت غدا‬
‫أخذتها معي‪ ،‬وبات وأصبح عندنا مصطبحا‪ ،‬فلما كان وقت انصرافه أخذها ومضى‪ ،‬فلم يلبث من غد أن جاءنا والصينية معه‪ ،‬فإذا‬
‫هو قد وجه بها لتباع‪ ،‬فعرفوه أنها رصاص‪ ،‬فلما رآه أبي من بعيد ضحك‪ ،‬وعرف القصة‪ ،‬وتماسك‪ ،‬فقالله أبو صدقة‪ :‬نعم الخلفة‬
‫خلفت أباك‪ ،‬وما أحسن ما فعلت بي قال‪ :‬وأي شيء فعلت بك? قال‪ :‬أعطيتني صينية رصاص‪ ،‬فقال له أبي‪ :‬سخنت عينك‬
‫سخرت امرأتك بك‪ ،‬وأنا من أين لي صينية رصاص? فتشكك ساعة‪ ،‬ثم قال‪ :‬أظم والله أن ذلك كذلك‪ ،‬فقام‪ .‬فقال له أبي‪ :‬إلى‬
‫أين? قال‪ :‬أضع والله عليها السوط فأضربها به حتى ترد الصينية‪ ،‬فلما رأى أبي الجد منه قال له‪ :‬اجلس يا أبا صدقة‪ ،‬فإنما‬
‫‪.‬مزحت معك‪ ،‬وأمر له بوزنها دراهم‬

‫صوت‬

‫مالك دق الرقـاب‬ ‫إن من يملك رقـي‬


‫لم هذا في حسابي الشعر لفضل الشاعرة‪ ،‬والغناء لعريب خفيف ثقيل بالوسطى‪ ،‬عن‬ ‫لم يكن يا أحسن العا‬
‫‪ .‬ابن المعتز‬

‫أخبار فضل الشاعرة‬


‫نشأتها وصفاتها‬
‫صفحة ‪2198 :‬‬

‫كانت فضل جارية مولدة من مولدات البصرة‪ ،‬وكانت أمها من مولدات اليمامة‪ .‬بها ولدت‪ ،‬ونشأت في دار رجل من عبد‬
‫القيس‪ ،‬وباعها بعد أن أدبها وخرجها‪ ،‬فاشتريت وأهديت إلى المتوكل‪ .‬وكانت هي تزعم أن الذي باعها أخوها‪ ،‬وأنا أباها وطئ‬
‫أمها فولدتها منه‪ ،‬فأدبها وخرجها معترفا بها‪ ،‬وأن بنيه من غير أمها تواطئوا على بيعها وجحدها‪ ،‬ولم تكن تعرف بعد أن أعتقت إل‬
‫بفضل العبدية‪ .‬وكانت حسنة الوجه والجسم والقوام‪ ،‬أديبة فصيحة سريعة البديهة‪ ،‬مطبوعة في قول الشعر‪ .‬ولم يكن في نساء‬
‫‪.‬زمانها أشعر منها‬
‫كانت تجلس لرجال ويجيبها الشعراء‬
‫أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أحمد بن أبي طاهر‪ ،‬قال‪ :‬كانت فضل الشاعرة لرجل من النخاسين‪ ،‬بالكرخ‬
‫يقال له‪ :‬حسنويه‪ ،‬فاشتراها محمد بن الفرج أخو عمر بن الفرج الرخجي‪ ،‬وأهداها إلى المتوكل‪ ،‬فكانت تجلس للرجال‪ ،‬ويأتيها‬
‫‪:‬الشعراء‪ ،‬فألقى عليها أبو دلف القاسم بن عيسى‬
‫أشهى المطي إلي ما لم يركب‬ ‫قالوا عشقت صغيرة فأجبتهـم‬
‫نظمت وحبة لؤلؤ لم تثـقـب فقالت فضل مجيبة له‬ ‫‪:‬كم بين حبة لؤلـؤ مـثـقـوبة‬
‫ما لم تذلل بالزمام وتركب‬ ‫إن المطية ل يلد ركوبهـا‬
‫حتى يؤلف للنظام بمثقب شعرها في المتوكل حين دخلت عليه‬ ‫والدري ليس بنافع أصحابه‬
‫حدثني عمي ومحمد بن خلف‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو العيناء‪ ،‬قال‪ :‬لما دخلت فضل الشاعرة على المتوكل يوم أهديت إليه قال لها‪:‬‬
‫‪:‬أشاعرة أنت? قالت‪ :‬كذا زعم من باعني واشتراني‪ ،‬فضحك وقال‪ :‬أنشدينا شيئا من شعرك فأنشدته‬
‫عام ثلث وثـلثـينـا ‪-‬تعني سنة ثلث وثلثين من سني الهجرة‬ ‫‪-:‬استقبل الملك إمام الهدى‬
‫وهو ابن سبع بعد عشرينا‬ ‫خلفة أفضت إلى جعفر‬
‫أن تملك الناس ثمانـينـا‬ ‫إنا لنرجو يا إمام الهـدى‬
‫عند دعائي لك‪ :‬آمـينـا شعرها على لسان المعتمد في جارية‬ ‫ل قدس الله امرأ لم يقـل‬
‫حدثني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو عبد الله أحمد بن حمدون‪ ،‬قال‪ :‬عرضت على المعتمد جارية تباع في خلفة المتوكل‪ ،‬وهو يومئذ‬
‫حديث السن‪ ،‬فاشتط مولها في السوم‪ ،‬فلم يشترها‪ ،‬وخرج بها إلى ابن الغلب‪ ،‬فبيعت هناك‪ .‬فلما ولي المعتمد الخلفة سأل‬
‫‪:‬عن خبرها‪ ،‬وقد ذكرها فأعلم أنها بيعت وأولدها مولها‪ ،‬فقال لفضل الشاعرة‪ :‬قولي فيها شيئا‪ ،‬فقالت‬
‫في الـحـب أشـهـر مـن عـــلـــم‬ ‫علـم الـجـمـال تـركـــتـــنـــي‬
‫غرض الـمـظـنة والـــتـــهـــم‬ ‫ونـصـبـتـنــي يا مـــنـــيتـــي‬
‫فارقتني بعد الدنو فصرت عندي كالـحـلـم‬
‫جسـمـي لـفـقـدك لــم تـــلـــم‬ ‫فو أن نفسي فارقت‬
‫ما كان ضرك لو وصلت فخف عن قلبي اللم‬
‫أو زورة تـحـــت الـــظـــلـــم‬ ‫برسالة تهدينها‬
‫م فـل اقـل مـــن الـــلـــمـــم‬ ‫أو ل فـطـيفـي فـي الـــمـــنـــا‬
‫الـلـــه يعـــلـــمـــه كـــرم شعر لها تجيب به‬ ‫صلة الـمـحـــب حـــبـــيبـــه‬
‫عن شعر في الشوق إليها‬
‫‪:‬حدثني محمد بن العباس اليزيدي‪ ،‬قال‪ :‬كتب بعض أهلنا إلى فضل الشاعرة‬
‫إلى غزال حسن الشـكـل‬ ‫أصبحت فردا هائم العـقـل‬
‫وبعده مني ومن وصـلـي‬ ‫أضنى فؤادي طول عهدي به‬
‫أن يجمع الله بها شمـلـي‬ ‫منية نفسي في هوى فضـل‬
‫فما لقلبي عنك من شـغـل قال‪ :‬فأجابته‪ :‬صوت‬ ‫أهواك يا فضل هوى خالصا‬
‫والدار دانـية وأنـت بـعـيد‬ ‫الصبر ينقص والـسـقـام يزيد‬
‫ل يستطيع سواهما المجـهـود‬ ‫أشكوك أم أشكو إلـيك فـإنـه‬
‫من أن يطاع لديك في حسـود في هذه البيات رمل طنبوري‪ .‬وأظنه‬ ‫إني أعوذ بحرمتي بك في الهوى‬
‫‪.‬لجحظة‬
‫شعر آخر تبادل فيه شوقا بشوق‬
‫أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان‪ ،‬قال‪ :‬حدثني الحسن بن عيسى الكوفي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو دهمان‪ ،‬وأخبرني أيضا به عبد الله‬
‫بن نصر المروزي‪ ،‬قال‪ :‬كانت فضل الشاعرة من أحسن الناس وجها وخلقا وخلقا وأرقهم شعرا‪ ،‬فكتب إليها بعض من كان‬
‫‪:‬يجمعه وإياها مجلس الخليفة‪ ،‬ول تطلعه على حبها له‬
‫فذكراك في الدنيا إلي حـبـيب‬ ‫أل ليت شعري فيك هل تذكريني‬

‫صفحة ‪2199 :‬‬

‫كما لك في الفـؤاد نـصـيب‬ ‫وهل لي نصيب في فؤادك ثابت‬


‫ول النفس عند اليأس عنك تطيب قال‪ :‬فكتبت إليه‬ ‫‪:‬ولست بموصول فأحـيا بـزورة‬
‫فهل أنت يا من ل عدمت مثيب‬ ‫?نعم وإلهـي إنـنـي بـك صـبة‬
‫وفي العين نصب العين حين تغيب‬ ‫لمن أنت منه في الفؤاد مـصـور‬
‫على أن بي سقما وأنت طـبـيب‬ ‫فثق بوداد أنت مظهـر مـثـلـه‬
‫تجيز بيتا أنشده المتوكل‬
‫أخبرني جعفر بن قدامة‪ ،‬قال‪ :‬حدثني يحيى بن علي بن يحيى المنجم‪ ،‬قال‪ :‬حدثني الفضل بن العباس الهاشمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثتني‬
‫‪:‬بنان الشاعرة‪ ،‬قالت ‪ :‬اتكأ المتوكل على يدي ويد فضل الشاعرة‪ ،‬وجعل يمشي بيننا‪ ،‬ثم قال‪ :‬أجيزا لي قول الشاعر‬
‫وعلمها حبي لها كيف تغضـب فقالت له فضل‬ ‫‪:‬تعلمت أسباب الرضا خوف عتبها‬
‫وتبعد عني بالوصال وأقرب فقلت أنا‬ ‫‪:‬تصد وأدنو بالمودة جـاهـدا‬
‫فما منه لي بد ول عنه مذهب تجيب ببيت عن بيت ألقي عليها‬ ‫وعندي لها العتبى على كل حالة‬
‫‪:‬أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أحمد بن أبي طاهر‪ ،‬قال‪ :‬ألقى بعض أصحابنا على فضل الشاعرة‬
‫تزود منها قلبه حسرة الدهر فقالت‬ ‫‪:‬ومستفتح باب البلء بنظـرة‬
‫على قلبه أو أهلكته وما تدري? ارتجالها شعرا تجيز به بيتا‬ ‫فوالله ما يدري أتدري بما جنـت‬
‫‪:‬أخبرني محمد بن خلف ‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أحمد بن أبي طاهر‪ ،‬قال‪ :‬ألقيت أنا على فضل الشاعرة‬
‫بهواك أشهر من علم فقالت على اليديهية‬ ‫‪:‬علم الجمال تركتنـي‬
‫سقـمـا يجـل عـن الـسـقـــم‬ ‫وأبـحـتـــنـــي يا ســـيدي‬
‫وتركتني غرضا فديتك للعواذل والتهم‬
‫الـلـه يعـلـــمـــه كـــرم أخبرني محمد بن خلف‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن الوليد‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫صلة المحب حبيبه‬
‫‪:‬سمعت علي بن الجهم يقول‪ :‬كنت يوما عند فضل الشاعرة‪ ،‬فلحظتها لحظة استرابت بها‪ ،‬فقالت‬
‫يرمي ول يشعر أني غرضه فقلت‬ ‫‪:‬يا رب رام حسن تعـرضـه‬
‫وأي عقد محكم ل ينقضه فضحكت‪ ،‬وقالت‪ :‬خذ في غير هذا الحديث‬ ‫‪.‬أي فتى لحظك ليس يمرضه‬
‫تتشوق إلى حبيب‬
‫حدثني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني إبراهيم بن المدبر‪ ،‬قال‪ :‬كتبت فضل الشاعرة إلى سعيد‬
‫‪:‬بن حميد أيام كانت بينهما محبة وتواصل‬
‫لقصرت عن أشياء في الهزل والجد‬ ‫وعيشك لو صرحت باسمك في الهوى‬
‫وذاك‪ ،‬وأخلو فيك بالبـث والـوجـد‬ ‫ولكنـنـي أبـدي لـهـذا مـودتـي‬
‫عدوا فيسعى بالوصال إلى الـصـد فكتب إليها سعيد‬ ‫‪:‬مخافة أن يغري بنا قـول كـاشـح‬
‫وأنهى جفوني أن تبثك ما عنـدي‬ ‫تنامين عن ليل وأسهـره وحـدي‬
‫بنا فانظري ماذا على قاتل العمد? قال عمي‪ :‬هكذا ذكر ابن مهرويه‬ ‫‪.‬فإن كنت ل تدرين ما قد فعلـتـه‬
‫وحدثني به علي بن الحسين بن عبد العلى‪ ،‬فذكر أن بيتي سعيد كانا البتداء‪ ،‬وأن أبيات فضل كانت الجواب‪ .‬وذكر لهما خبرا‬
‫في عتاب عاتبها به‪ ،‬ولم أحفظه‪ ،‬وإنما سمعته يذكره‪ ،‬ثم أخرج إلي كتابا بعد ذلك فيه أخبار عن علي بن الحسين‪ ،‬فوجدت هذا‬
‫‪.‬الخبر فيه‪ ،‬فقرأته عليه‬
‫قال علي بن الحسين بن عبد العلى‪ :‬حضر سعيد بن حميد مجلسا حضرته فضل الشاعرة وبنان‪ ،‬وكان سعيد يهواها‪ ،‬وتظهر له‬
‫هوى‪ ،‬ويتهمها مع ذلك ببنان‪ ،‬فرأى فيها إقبال شديدا على بنان‪ ،‬فغضب وانصرف‪ ،‬فكتبت إليه فضل بالبيات الول‪ ،‬وأجابها‬
‫‪.‬بالبيتين الخرين‪ ،‬فاتفقت رواية ابن مهرويه وعلي بن الحسين في هذا الخبر‬
‫تعتذر من حجب زائرين عنها دون علمها‬
‫أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو يوسف بن الدقاق الضرير‪ ،‬قال‪ :‬صرت أنا وأبو منصور الباخرزي إلى‬
‫‪:‬منزل فضل الشاعرة فحجبنا عنها وانصرفنا‪ ،‬وما علمت بنا‪ ،‬ثم بلغها مجيئنا وانصرافنا فكرهت ذلك وغمها‪ ،‬فكتبت إلينا تعتذر‬
‫ولكن أمر الله ما عنه مذهـب‬ ‫وما كنت أخشى أن تروا لي زلة‬
‫بصفح وعفو ما تعوذ مـذنـب فكتب إليها أبو منصور الباخرزي‬ ‫‪:‬أعوذ بحسن الصفح منكم وقبلنـا‬

‫صفحة ‪2200 :‬‬

‫فمثلك يا فضل الفضائل يعتـب‬ ‫لئن أهديت عتباك لي ولخوتـي‬


‫وكل امرئ ل يقبل العذر مذنب شعراه للمتوكل وقد يئست من إيقاظه‬ ‫إذا اعتذر الجاني محا العذر ذنبه‬
‫لموعد بينهما حدثني علي بن هارون بن علي بن يحيى المنجم‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عمي عن جدي‪ ،‬قال‪ :‬قال لي المتوكل يوما ‪-‬وفضل‬
‫واقفة بين يديه‪ :‬يا علي‪ ،‬كان بيني وبين فضل موعد‪ ،‬فشربت شربا فيه فضل‪ ،‬فسكرت ونمت‪ ،‬وجاءتني للموعد‪ ،‬فحركتني بكل‬
‫ما ينتبه به النائم من قرص وتحريك وغمز وكلم‪ ،‬فلم أنتبه‪ .‬فلما علمت أنه ل حيلة لها في كتبت رقعة ووضعتها على مخدتي‪،‬‬
‫‪:‬فانتبهت فقرأتها‪ ،‬فإذا فيها‬
‫لي يحدو بالظلم‬ ‫قد بدا شبهك يا مو‬
‫ت التزام والتثـام‬ ‫قم بنا نقض لبانـا‬
‫دة أرواح النـيام تهاجي جارية هشام المكفوف أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫قبل أن تفضحنا عو‬
‫حدثني أحمد بن أبي طاهر‪ ،‬قال‪ :‬كانت فضل الشاعرة تهاجي خنساء جارية هشام المكفوف‪ ،‬وكانت شاعرة‪ ،‬وكان أبو شبل‬
‫عاصم بن وهب يعاون فضل عليها‪ ،‬ويهجوها مع فضل‪ .‬وكان القصيدي والحفصي يعينان خنساء على فضل وأبي شبل‪ ،‬فقال أبو‬
‫‪:‬شبل على لسان فضل‬
‫أصـبـحـت مـعــشـــوقة نـــذلـــين‬ ‫خنـسـاء طــيري بـــجـــنـــاحـــين‬
‫فأنـت تـــهـــوين عـــشـــيقـــين‬ ‫من كـان يهـوى عــاشـــقـــا واحـــدا‬
‫هذا القصيدي وهذا الفتى الحفصي قد زاراك فردين‬
‫ينـعـم خـــنـــزير بـــحـــشـــين فقالت خنساء تجيبها‬ ‫‪:‬نعمت من هذا وهذا كما‬
‫مقال خنـزيرين فـردين‬ ‫ماذا مقال لك يا فضل بـل‬
‫عيناه شبـل راث كـرين وقالت فضل في خنساء‬ ‫‪:‬يكنى أبا الشبل ولو أبصرت‬
‫اشـتـراهـا الـكـسـار مـن مـولهــا‬ ‫إن خـنـسـاء ل جـعـلـت فــداهـــا‬
‫‪:‬ولها نكهة يقول محاذيها أهذا حديثها أم فساها وقالت خنساء في فضل وأبي شبل‬
‫ركوب قبيح الذل في طلب الوصل‬ ‫تقول له فضل إذا ما تـخـوفـت‬
‫فقلت لها ل بل حر أم أبي الشبـل وقالت خنساء تهجو أبا شبل‬ ‫‪:‬حر أم فتى لم يلق في الحـب ذلة‬
‫من نعجة تكنى أبا الـشـبـل‬ ‫ما ينقضي فكري وطول تعجبي‬
‫فتمردت كتمـرد الـفـحـل‬ ‫لعب الفحول بسفلها وعجانهـا‬
‫وتسمت النقصان بالـفـضـل‬ ‫لما اكتنيت بما اكتـنـيت بـه‬
‫ونرى السماء تذوب كالمهـل قال‪ :‬فغضب أبو شبل لذلك‪ ،‬ولم يجبها‪ ،‬وقال يهجو‬ ‫كادت بنا الدنيا تمـيد ضـحـى‬
‫‪:‬مولها هشاما‬
‫حين يرمـي الـلـثـام بـاغـي الـلـثــام‬ ‫نعـم مـأوى الـعـزاب بـيت هــشـــام‬
‫لينـال الـسـرور تـحـت الـــظـــلم‬ ‫من أراد الـسـرور عـنــد حـــبـــيب‬
‫فهشام نهاره ودجى الليل سواء نفسي فداء هشام‬
‫أبـدا مـــن تـــخـــرق القـــلم زارت سعيد بن حميد فأعجلها طلب الخليفة حدثني‬ ‫ذاك حر دواته ليس تخلو‬
‫عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني ميمون بن هارون‪ ،‬قال‪ :‬زارت فضل الشاعرة سعيد بن حميد ليلة على موعد مسبق بينهما‪ ،‬فلما حصلت‬
‫‪:‬عنده جاءتها جاريتها مبادرة تعلمها أن رسول الخليفة قد جاء يطلبها‪ ،‬فقامت مبادرة فمضت‪ ،‬فلما كان من غد كتب إليها سعيد‬
‫ورد الفراق فكان أقبح وارد‬ ‫ضن الزمان بها فلما نلتـهـا‬
‫قول المقر مكذبا للجـاحـد ترثي المنتصر وتبكيه‬ ‫والدمع ينطق للضمير مصدقا‬
‫حدثني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبي الدنيا‪ ،‬قال‪ :‬حدثني ميسرة بن محمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عبيد بن محمد‪ ،‬قال‪ :‬قلت‬
‫‪:‬لفضل الشاعرة‪ :‬ماذا نزل بكم البارحة? ‪-‬قال‪ :‬وذلك في صبيحة قتل المنتصر المتوكل ‪ -‬فقالت وهي تكبي‬
‫ما كان أغفلنا عنه وأسهانـا‬ ‫إن الزمان بذحل كان يطلبـنـا‬
‫مالي وللدهر ما للدهر ل كانا شعرها في حضرة المتوكل يوم نيروز‬ ‫مالي وللدهر قد أصبحت همته‬
‫أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن الفضل‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو هفان‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أحمد بن أبي فنن‪،‬‬
‫‪:‬قال‬

‫صفحة ‪2201 :‬‬

‫خرجت قبيحة إلى المتوكل يوم نيروز وبيدها كأس بلور بشراب صاف‪ ،‬فقال لها‪ :‬ما هذا فديتك? قالت‪ :‬هديتي لك في هذا‬
‫اليوم‪ ،‬عرفك الله بركته فأخذه من يدها‪ ،‬وإذا على خدها‪ :‬جعفر‪ ،‬مكتوبا بالمسك‪ ،‬فشرب الكأس وقبل خدها‪ ،‬وكانت فضل‬
‫الشاعرة واقفة على رأسه فقالت‪ :‬صوت‬
‫بنفسي سواد المسك من حيث أثرا‬ ‫وكاتبة بالمسك في الخد جعـفـرا‬
‫لقد أودعت قلبي من الحزن أسطرا‬ ‫لئن أثرت بالمسك سطرا بخـدهـا‬
‫سقى الله من سقيا ثناياك جعـفـرا الغناء لعريب‪ ،‬خفيف رمل‪ .‬قال‪ :‬وأمر‬ ‫فيا من مناها في السريرة جعـفـر‬
‫‪:‬عريب فغنت فيه‪ .‬وقالت فضل في ذلك أيضا‬
‫في قدح كالكوكب الزاهر‬ ‫سلفة كالقمر الـبـاهـر‬
‫فوق قضيب أهيف ناضر‬ ‫يديرها خشف كبدر الدجى‬
‫مثل الحسام المرهف الباتر وقد رويت البيات الول لمحبوبة شاعرة المتوكل‪،‬‬ ‫على فتى أروع من هاشـم‬
‫‪.‬ولها أخبار وأشعار كثيرة قد ذكرت بعضها في موضع آخر من هذا الكتاب‬
‫تتشوق إلى سعيد بن حميد‬
‫‪:‬أخبرني محمد بن خلف‪ ،‬قال‪ :‬أخبرني أبو الفضل المروروذي‪ ،‬قال‪ :‬كتبت فضل الشاعر إلى سعيد بن حميد‬
‫فألف فيهما طمـعـا بـياس‬ ‫بثثت هواك في بدني وروحي‬
‫‪:‬فأجابها سعيد في رقعتهـا‬
‫لبغض اليأس أبغض كل آسي بين بنان وسعيد بن حميد حدثني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني‬ ‫كفانا الله شر اليأس إني‬
‫ابن أبي المدور الوراق‪ ،‬قال‪ :‬كنت عند سعيد بن حميد‪ ،‬وكان قد ابتدأ ما بينه وبين فضل الشاعرة يتشعب‪ ،‬وقد بلغه ميلها إلى‬
‫بنان وهو بين المصدق والمكذب بذلك‪ ،‬فأقبل على صديق له فقال‪ :‬أصبحت والله من أمر فضل في غرور‪ ،‬أخادع نفسي‬
‫بتكذيب العيان‪ ،‬وأمنيها ما قد حيل دونه‪ .‬والله إن إرسالي إليها بعدما قد لح من تغيرها لذل‪ ،‬وإن عدولي عنها وفي أمرها شبه‬
‫‪:‬لعجز‪ ،‬وإن تبصري عنها لمن دواعي التلف‪ ،‬ولله در محمد بن أمية حيث يقول‬
‫أما الرسول فقد مضى بكتابـي‬ ‫يا ليت شعري ما يكون جوابـي‬
‫طمع الحريص وخيفة المرتاب‬ ‫وتعجلت نفسي الظنون وأشعرت‬
‫والباب يقرعه وليس ببـابـي‬ ‫وتروعني حركات كل محـرك‬
‫أرجو الرسول بمطمع كـذاب‬ ‫كم نحو باب الدار لي من وثـبة‬
‫إن كان ما أخشاه رد جوابـي تعتذر إلى بنان فل يقبل عذرها حدثن جحظة‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫والويل لي من بعد هذا كـلـه‬
‫حدثني علي بن يحيى المنجم‪ ،‬قال‪ :‬غضب بنان على فضل الشاعرة في أمر أنكره عليها‪ ،‬فاعتذرت إليه‪ ،‬فلم يقبل معذرتها‪،‬‬
‫‪:‬فأنشدتني لنفسها في ذلك‬
‫يجرعها الكاذب والصادق‬ ‫يا فضل صبرا إنها مـيتة‬
‫روحي إذا من بدني طالق تجيز بيتا لعلي بن الجهم طلب إجازته‬ ‫ظن بنان أننـي خـنـتـه‬
‫أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو العباس المروزي‪ ،‬قال‪ :‬قال المتوكل لعلي ابن الجهم‪ :‬قل بيتا‪ ،‬وطالب‬
‫‪:‬فضل الشاعر بأن تجيزه‪ ،‬فقال علي‪ :‬أجيزي يا فضل‬
‫فلم يجد عندها ملذا قال‪ :‬فأطرقت هنيهة ثم قالت‬ ‫‪:‬لذ بها يشتكي إليهـا‬
‫تهطل أجفـانـه رذاذا‬ ‫فلم يزل ضارعا إليهـا‬
‫فمات وجدا فكان ماذا? فطرب المتوكل‪ ،‬وقال‪ :‬أحسنت وحياتي يا فضل‪ ،‬وأمر لها‬ ‫فعاتبوه فزاد عـشـقـا‬
‫‪.‬بمائتي دينار‪ ،‬وأمر عريب فغنت في البيات‬
‫قال مؤلف هذا الكتاب ‪ :‬أعرف في هذه البيات هزجا ل أدري أهو هذا اللحن‪ ،‬أم غيره? ولم أره في أغاني عريب‪ ،‬ولعله شذ‬
‫‪.‬عنها‬

‫صوت‬

‫ه ذل معـيشة أبـدا‬ ‫أمامة ل أراك الـل‬


‫وقاك السوء قد فسدا‬ ‫أل تستصلحين فتـى‬
‫ة يدعـونـه ولـدا الشعر لعبد الله بن محمد بن سالم الخياط‪ ،‬والغناء للرطاب الجدي‪ ،‬ثاني‬ ‫غلم كان أهلك مر‬
‫‪.‬ثقيل‪ ،‬بالوسطى عن عمرو‪ ،‬وفيه ليحيى المكي ثاني ثقيل بالخنصر في مجرى عن إسحاق وأحمد بن المكي‬
‫وذكر عبد الله بن موسى بن محمد بن إبراهيم المام عن قلم الصالحية أنها أخذت اللحن المنسوب إلى الرطاب عن تينة‪،‬‬
‫‪.‬وسألته عن صانعه فأخبرها أنه له‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫الجزء العشرون‬
‫صفحة ‪2202 :‬‬

‫نسب ابن الخياط وأخباره‬


‫نسبه وولؤه‬
‫‪.‬هو عبد الله بن محمد بن سالم بن يونس بن سالم‪ .‬ذكر الزبير بن بكار أنه مولى لقريش‪ ،‬وذكر غيره أنه مولى لهذيل‬
‫أوصافه‬
‫وهو شاعر ظريف‪ ،‬ماجن خليع‪ ،‬هجاء خبيث‪ ،‬مخضرم من شعراء الدولة الموية والعباسية‪ .‬وكان منقطعا إلى آل زبير بن‬
‫‪.‬العوام مداحا لهم‪ ،‬وقدم على المهدي مع عبد الله بن مصعب فأوصله إليه‪ ،‬وتوصل له إلى أن سمع شعره وأحسن صلته‬
‫يمدح المهدي فيجيزه‬
‫‪:‬ثم يمدحه فيضعف جائزته‬
‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال‪ :‬حدثنا الزبير بن بكار قال‪ :‬حدثني يونس بن عبد الله بن سالم الخياط قال‪ :‬دخل أبي على‬
‫‪:‬المهدي فمدحه‪ ،‬فأمر له بخمسين ألف درهم‪ ،‬فقال يمدحه‬
‫ولم أدر أن الجود من كفه يعدى‬ ‫أخذت بكفي كفه أبتغي الغنـى‬
‫أدت وأعداني فأتلفت ما عنـدي قال‪ :‬فبلغ المهدي خبره‪ ،‬فأضعف جائزته‪ ،‬وأمر‬ ‫فل أنا منه ما أفاد ذوو الغـنـى‬
‫‪.‬بحملها إليه إلى منزله‬
‫‪.‬قال الزبير بن بكار‪ :‬سرق ابن الخياط هذا المعنى من ابن هرمة‬
‫كان من الهجائين‬
‫أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال‪ :‬حدثنا أحمد بن أبي خيثمة‪ ،‬قال‪ :‬حدثني مصعب بن عبد الله قال‪ :‬سمعت أبي يقول‪ :‬لم‬
‫يبرح هذه الثنية قط أحد يقذف أعراض الناس ويهجوهم‪ ،‬قلت‪ :‬مثل من? قال‪ :‬الحزين الكناني‪ ،‬والحكم بن عكرمة الدؤلي‪،‬‬
‫‪.‬وعبد الله بن يونس الخياط‪ ،‬وابنه يونس‪ ،‬وأبو الشدائد‬
‫عقوق ابنه يونس له‬
‫‪:‬أخبرني محمد بن مزيد قال‪ :‬حدثنا الزبير بن بكار قال‪ :‬كان يونس بن الخياط عاقا لبيه‪ ،‬فقال أبوه فيه‬
‫والعين عبرى دموعها تكف‬ ‫يونس قلبي عليك يلتـهـف‬
‫برحت منها ما عشت تلتحف‬ ‫تلحفني كسوة العقـوق فـل‬
‫فق فأمسى يعوقك النـف‬ ‫أمرت بالخفض للجناح وبالر‬
‫إن سلطوا في عذابهم عنفوا فأجابه ابنه يونس‪ ،‬فقال‬ ‫‪:‬وتلك واللـه مـن زبـانـية‬
‫ما إن له حرمة ول نصـف‬ ‫أصبح شيخي يزري به الخرف‬
‫ما خلتنا في العقوق نختلـف‬ ‫صفاتنا في العـقـوق واحـدة‬
‫أصبحت مني كذاك تلتحـف يهجو رجل شيد دارا وكان يعرفه بالضعة‬ ‫لحفته سالـفـا أبـاك فـقـد‬
‫أخبرني محمد بن خلف وكيع قال‪ :‬حدثني طلحة بن عبد الله قال‪ :‬حدثني أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن داود قال‪ :‬مر ابن‬
‫‪:‬الخياط بدار رجل كان يعرفه قبل ذلك بالضعة وخساسة الحال‪ ،‬وقد شيد بابها وطرمح بناءها‪ ،‬فقال‬
‫إذا كان فرع الوالدين قصيرا يهجو موسى بن طلحة فل يكترث لهجائه فيناشده‬ ‫أطله فما طول البناء بنافـع‬
‫أن يكتم عليه‪ :‬أخبرني وكيع قال‪ :‬أخبرني إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم بن صالح قال‪ :‬أخبرني العامري قال‪ :‬هجا ابن الخياط‬
‫‪:‬موسى بن طلحة بن بلل التيمي‪ ،‬فقال‬
‫حاض موسى بن طلحة بن بلل‬ ‫عجب الناس للعجيب المـحـال‬
‫ويرى صفـرة لـكـل هـلل قال‪ :‬فلقيه موسى‪ ،‬فقال‪ :‬يا هذا‪ ،‬وأي شيء عليك?‬ ‫زعموه يحيض في كل شـهـر‬
‫نعم حضت‪ ،‬وحملت‪ ،‬وولدت وأرضعت‪ .‬فقال له ابن الخياط‪ :‬أنشدك الله أل يسمع هذا منك أحد فيجترئ على شعري الناس‪،‬‬
‫‪.‬فل يكون شيئا‪ ،‬ولن يبلغك عني ما تكره بعد هذا‪ ،‬فتكافا‬
‫شعره في جارية القتيلي‬
‫أخبرني الحرمي قال‪ :‬حدثني الزبير قال‪ :‬حدثني مصعب بن عثمان قال‪ :‬ما رأيت بريق صلع الشراف في سوق الرقيق أكثر‬
‫منها يوم رحب القتيلة جارية إبراهيم بن أبي قتيلة‪ ،‬وكان يعشقها‪ ،‬وبيعت في دين عليه‪ ،‬فبلغت خمسمائة دينار فقال المغيرة بن‬
‫عبد الله لبن أبي قتيلة‪ :‬ويحك اعتقها فتقوم عليك‪ ،‬فتتزوجها‪ ،‬ففعل‪ .‬فرفع ذلك إلى أبي عمران ‪ -‬وهو القاضي يومئذ‪ -‬فقال‪:‬‬
‫أخطأ الذي أشار عليه في الحكومة‪ .‬أما نحن في الحكومة فقد عرفنا أن قد بلغت خمسمائة دينار‪ ،‬فاذهبوا فقوموها‪ ،‬فإن بلغت‬
‫القيمة أكثر من هذا ألزمناه‪ ،‬وإل فخذوا منه خمسمائة دينار‪ ،‬فاستحسن هذا الرأي‪ ،‬وليس عليه الناس قبلنا‪ ،‬فقال ابن الخياط‬
‫‪:‬يذكر ذلك من أمر ابن قتيلة وما كان من أمر جاريته‬
‫مثل القتيلـي فـل يعـشـق‬ ‫يا معشر العشاق من لم يكـن‬
‫وصيح في المغرب والمشرق‬ ‫لما رأى السوام قد أحـدقـوا‬

‫صفحة ‪2203 :‬‬

‫نظيرها في الخلق لم يخلق‬ ‫واجتمع الناس عـلـى درة‬


‫وطاحت العسرة للمملـق‬ ‫وأبدت الموال أعناقـهـا‬
‫يدير ما يأتي وما يتـقـي‬ ‫قلب فيه الرأي في نفسـه‬
‫للمعتق المن على المعتق‬ ‫أعتقها والنفس في شدقهـا‬
‫إن افترقنا فمتى نلتقـي? وأخبرني بهذا الخبر وكيع قال‪ :‬قال الزبير بن بكار‪ ،‬وذكر‬ ‫وقال للحاكم في أمـرهـا‬
‫مثل ما ذكره الحرمي‪ ،‬وزاد فيه‪ :‬فكان فيهم ‪-‬يعني فيمن حضر‪ -‬لبتياعها موسى بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي‪ ،‬والقاسم‬
‫‪.‬بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر‪ ،‬وغيرهم‪ .‬قال‪ :‬فرأيتهم قياما في الشمس يتزايدون فيها‪ .‬وقال في خبره‪ :‬ابن أبي قتيلة بالتاء‬
‫يسأل سائل عنه ابنه يونس فيمضي به إليه فيستنشده شعره في العصبية‪ :‬أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال‪ :‬حدثنا الزبير بن‬
‫بكار قال‪ :‬حدثني يونس بن عبد الله بن سالم الخياط قال‪ :‬كنت ذات عشية في مسجد رسول الله( وقت العصر في أيام الحاج‪،‬‬
‫فإذا أنا برجل جميل عليه مقطعات خز‪ ،‬وإذا معه جماعة‪ .‬فوقف إلى جانبي فصلى ركعتين‪ ،‬ثم أقبل علي ‪-‬وكان ذلك من أسباب‬
‫الرزق‪ -‬فقال‪ :‬يا فتى‪ ،‬أتعرف عبد الله ابن سالم الخياط? فقلت‪ :‬نعم‪ .‬فلما صلينا قال‪ :‬امض بنا إليه‪ ،‬فمضيت به ‪ ،‬فاستخرجت‬
‫له أبي من منزله‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬بلغني أنك قلت شعرا في أمر العصبية‪ ،‬فقال له أبي‪ :‬ومن أنت بأبي أنت وأمي? فقال‪ :‬أنا‬
‫‪:‬خزيم بن أبي الهيذام‪ ،‬فقال له أبي‪ :‬نعم قد قلته‪ ،‬وأنشده‬
‫ودعـانـي وأقـصـر مــن مـــلمـــي‬ ‫اسـقـيانـي مـن صـرف هـذي الــمـــدام‬
‫قد عـل عـــزهـــا فـــروع النـــام‬ ‫واشـربـا حـيث شـئتـمــا إن قـــيســـا‬
‫فيه روح ول بـــغـــير الـــشـــــآم‬ ‫ليس والـلـــه بـــالـــشـــآم يمـــان‬
‫يطعم النوم حين تكتحل العين بالنوم عند وقت المنام‬
‫د عـلـى الـهـول بـاســـل مـــقـــدام‬ ‫حذرا من سيوف ضرغامة عا‬
‫عنـد دسـر الـرمــاح بـــالـــهـــيذام ابنه يونس ينافسه ليحرمه جائزة‬ ‫من بـنـي مــرة الطـــايب يكـــنـــى‬
‫قال‪ :‬فأشرع الفتى يده إليه بشيء وجزاه خيرا‪ .‬قال يونس‪ :‬فبادرت فأخذت بيد المري وقلت له‪ :‬ل تعجل فإني قد قلت شعرا‬
‫أجود من شعره‪ .‬قال أبي‪ :‬ويلك يا يونس يا عاض بظر أمه تحرمني? فقلت‪ :‬دع هذا عنك‪ ،‬فوالله ل تجوع امرأتي وتشبع امرأتك‪،‬‬
‫‪:‬فقلت ليونس‪ :‬ومن كانت امرأة أبيك يومئذ? فقال‪ :‬أمي‪ ،‬وجمعت والله عقوقهما ‪ .‬فقال لي المري أنشد فأنشدته‬
‫ودعاني من الملم دعانـي‬ ‫اسقياني يا صاحبي اسقيانـي‬
‫بننت عشر مشمولة أسقياني‬ ‫اسقياني هديتما من كـمـيت‬
‫واضح الخد من بني عدنـان‬ ‫فض عنها ختامها إذ سباهـا‬
‫ور هذان نـاعـمـان وذان‬ ‫نتحايا بالكأس أربعة في الـد‬
‫ك لهذا من طيب الريحـان‬ ‫ذا لهذا ريحانة مـثـل هـذا‬
‫إذ سمعنا تجارب البكـمـان‬ ‫فنهضنا لموعد كـان مـنـا‬
‫بين دف ومسـمـع ودنـان‬ ‫فنعمنا حولين بهرا وعشـنـا‬
‫ب ففزنا فيها بسبق الرهان‬ ‫ثم هجنا للحرب إذ شبت الحر‬
‫خارج سهمها على السهمان‬ ‫إن قيسا في كل شرق وغرب‬
‫ذام حلف السماح والحسان‬ ‫منع الله ضيمنا بأبي الـهـي‬
‫رون أن النبي غـير يمـان قال‪ :‬فقال الفتى لبي‪ :‬قد وجب علينا من حقه ما وجب‬ ‫واليمانون يفخـرون أمـا يد‬
‫‪.‬علينا من حقك يا شيخ؛ واستظرف ما جرى بيني وبين أبي‪ ،‬وقسم الدنانير بيننا‪ ،‬وكانت خمسين دينارا‬
‫ابنه يعصر حلقه‬
‫‪:‬فيعترف لمنقذه بأن عق أباه من قبله‬
‫أخبرني الحسن بن علي قال‪ :‬حدثنا محمد بن موسى بن حماد قال‪ :‬حدثني الزبير قال‪ :‬مر رجل بيونس بن عبد الله بن الخياط‬
‫‪-‬وهو يعصر حلق أبيه وكان عاقا به‪ -‬فقال له‪ :‬ويلك أتفعل هذا بأبيك? وخلصه من يده‪ ،‬ثم أقبل على الب يعزيه ويسكن منه‪،‬‬
‫فقال له الب‪ :‬يا أخي ل تلمه‪ ،‬واعلم أنه ابني حقا‪ .‬والله لقد خنقت أبي في هذا الموضع الذي خنقني فيه‪ .‬فانصرف عنه الرجل‬
‫‪.‬وهو يضحك‬
‫يشكو حاله إلى محمد بن سعيد‬
‫‪:‬فيأمر له بمعونة فيمدحه‬

‫صفحة ‪2204 :‬‬

‫أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال‪ :‬حدثني علي بن محمد بن سليمان النوفلي عن عمه عيسى قال‪ :‬شكا عبد الله بن‬
‫يونس الخياط إلى محمد بن سعيد بن المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب حاله وضيقا قد ناله‪ ،‬فأمر له بدنانير‬
‫‪:‬وكسوة وتمر‪ ،‬فقال يمدحه‬
‫يا بارع الفضل على المفضل‬ ‫يا بن سعيد يا عقـيد الـنـدى‬
‫وفي يفاع من بني نـوفـل‬ ‫حللت في الذروة من هاشـم‬
‫ما اعتم من منصبك الطوال‬ ‫فطاب في الفرعين هـذا وذا‬
‫بالناب والمخلب والكلـكـل‬ ‫قد قلت للدهر وقد نـالـنـي‬
‫بها شمي ماجـد نـوفـلـي‬ ‫قد عذت من ضرك مستعصما‬
‫فزت ولم يمنع ولم يبـخـل‬ ‫فقال لي أهل وسهل مـعـا‬
‫لين وشق خشن الـمـنـزل‬ ‫الدهر شقـان فـشـق لـه‬
‫وشقه اللين ما عـاش لـي‬ ‫وأخشن الشقين عني نـفـي‬
‫تبق ول ترع ول تـأتـلـي يأخذه والى الحجاز بالصلة فيحاول أن يعفيه منها‬ ‫‪:‬فقل لهذا الدهر ما عـاش ل‬
‫أخبرني محمد بن مزيد قال‪ :‬حدثنا الزبير بن بكار قال‪ :‬أخذ أبي ‪-‬لما ولي الحجاز عبد الله بن يونس الخياط‪ -‬بأن يصلي‬
‫الصلوات الخمس مع الجماعة في مسجد رسول الله (‪ ،‬فجاءني هو ومحمد بن الضحاك وجعفر بن الحسين اللهبي‪ ،‬فوقف بين‬
‫‪:‬يدي‪ ،‬ثم أنشدني‬
‫يا خير من بالغور أو بالجلس‬ ‫قل للمير يا كريم الجـنـس‬
‫شغلتني بالصلوات الخمـس فقلت له‪ :‬ويلك أتريد أن أستعفيه لك من الصلة? والله‬ ‫وعدتي لولـدي ونـفـسـي‬
‫‪.‬ما يعفيك‪ ،‬وإن ذلك ليبعثه على اللجاج في أمرك‪ ،‬ثم يضرك عنده‪ .‬فمضى وقال‪ :‬نصبر إذن حتى يفرج الله تعالى‬
‫شعره في صديق كان يدعوه للشرب‬
‫أخبرني محمد قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا يونس بن الخياط قال‪ :‬كان لبي صديق‪ ،‬وكان يدعوه ليشرب معه‪ ،‬فإذا‬
‫‪:‬سكر خلع عليه قميصه‪ ،‬فإذا صحا من غد بعث إليه فأخذه منه فقال أبي فيه‬
‫وينزعه مني إذا كـان صـاحـيا‬ ‫كاني قميصا مرتين إذا انـتـشـى‬
‫وروعاته في الصحو حصت شواتيا‬ ‫فلي فرحة في سكره بقـمـيصـه‬
‫تكون كفافـا ل عـلـي ول لـيا ابنه يعقه‪ ،‬وابن ابنه يعق أباه‪ :‬أخبرنا وكيع‬ ‫فياليت حظي من سروري وروعتي‬
‫‪:‬قال حدثنا محمد بن الحسن بن مسعود الزرفي قال‪ :‬قال يونس بن عبد الله الخياط لبيه‪ ،‬وكان عاقا به‬
‫طعن أبي في النسب‬ ‫ما زال بي ما زال بي‬
‫ى ساء ظني بـأبـي قال‪ :‬ونشأ ليونس ابن يقال له‪ :‬دحيم‪ ،‬فكان أعق الناس به‪ ،‬فقال‬ ‫حتى تريبـت وحـت‬
‫‪:‬يونس فيه‬
‫والشك مني والطعن في النسب‬ ‫جل دحـيم عـمـاية الـريب‬
‫ى عقني مثل ما عققت أبـي ابنه ينشد سعيد ابن عمرو نسيبا فيقر بعجزه‬ ‫ما زال بي الظن والتشكك حت‬
‫عن مثله‪ :‬أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال‪ :‬حدثنا الزبير بن بكار قال‪ :‬حدثني يونس بن الخياط قال‪ :‬أنشدت سعيد بن عمرو‬
‫‪:‬الزبيري‬
‫فاحت رياح حبيبتي من ريحي قال‪ :‬فقال لي سعيد بن عمرو‪ :‬والله إني لقول‬ ‫لو فاح ريح حبيبة من حبـهـا‬
‫النسيب‪ ،‬فل أقدر على مثل هذا فقلت له‪ :‬ومن أين تقدر على مثل هذا يا أبا عثمان? ل تقدر والله على مثله حتى يسوء الثناء‬
‫‪.‬عليك‬
‫يؤثر ابنه بالفريضة‪ :‬أخبرني الحرمي قال‪ :‬حدثنا الزبير قال حدثني يونس بن الخياط قال‪ :‬لما أعطى المهدي المغيرة بن حبيب‬
‫‪:‬ألف فريضة يضعها حيث شاء جاءه أبي عبد الله ابن سالم‪ ،‬وقال له‬
‫ما سوق مادحه لديه بـكـاسـد‬ ‫ألف تدور علـى يد لـمـمـدح‬
‫في العجمين خصصتني بالواحد‬ ‫الظن مني لو فرضت لـواحـد‬

‫صفحة ‪2205 :‬‬

‫قال‪ :‬فقال له المغيرة‪ :‬أيهما أحب إليك‪ :‬أأفرض لك أم لبنك يونس? فقال له‪ :‬أنا شيخ كبير‪ ،‬هامة اليوم أو غد‪ ،‬افرض لبني‬
‫يونس‪ ،‬ففرض لي في خمسين دينارا‪ ،‬فلما خرجت العطية الثلثة في زمن الرشيد على يدي بكار بن عبد الله قال لي خليفته‬
‫أيوب بن أبي سمير ‪-‬وهما يعرضان أهل ديوان العطاء‪ :-‬أنت من هذيل ونراك قد صرت من آل الزبير فنردك إلى فرائض هذيل‬
‫‪.‬خمسة دينارا‪ .‬فقال لهما بكار‪ :‬إنما جعلتما لتتبعا ول تبتدعا‪ ،‬أمضياه‪ ،‬فأعطياني مائة وخمسين دينارا‬
‫ابنه يهجو هشام بن عبد الله حين ولي القضاء ليغض عنه‪ :‬أخبرني محمد لن خلف وكيع قال‪ :‬حدثني محمد بن الحسن بن‬
‫مسعود الزرفي قال‪ :‬حدثني ابن أبي قباحة الزهري قال‪ :‬لما عزل ابن عمران ‪-‬وهو عبد الله بن محمد بن عمران التيمي‪ -‬عن‬
‫القضاء‪ ،‬واستعمل هشام بن عبد الله بن عكرمة المخزومي‪ ،‬جزع ابن عمران من ذلك‪ ،‬فقال بعض أصحابه ليونس بن عبد الله‬
‫‪:‬الخياط‪ :‬اهج هشاما بما يغض منه‪ ،‬فقال‬
‫ذلك الجلف الطـويل‬ ‫كم تغنى لي هـشـام‬
‫لس سكـران يمـيل‬ ‫بعد وهن وهو في المج‬
‫آخر الدهـر سـبـيل‬ ‫هل إلى نار بـسـلـع‬
‫دارت الراح الشمول‬ ‫قلت للنـدمـان لـمـا‬
‫فكما مال فـمـيلـوا قال‪ :‬وشهرها في الناس‪ ،‬وبلغ ذلك هشاما‪ :‬لعنه الله؛ إن كان لكاذبا‬ ‫بأبـي مـال هـشـام‬
‫‪.‬فقال ابن أبي قباحة‪ :‬فقلت لبن الخياط كذبت‪ ،‬وأما والله إنه لمر من ذلك‬
‫ابنه يطعن في نسبه بحضرة أبيه وأصحاب له‪ :‬أخبرنا وكيع قال‪ :‬حدثنا محمد بن الحسن بن مسعود قال‪ :‬قال يونس بن عبد‬
‫الله بن الخياط‪ :‬جئت يوما إلى أبي وهو جالس وعنده أصحاب له؛ فوقفت عليهم لغيظه‪ ،‬وقلت‪ :‬أل أنشدكم شعرا قلته‬
‫‪:‬بالمس? قالوا‪ :‬بلى‪ ،‬فأنشدتهم‬
‫أنا الذي ماله أصل ول نـسـب‬ ‫يا سائلي من أنا أو من يناسبنـي‬
‫والكلب أكرم مني حين ينتسـب‬ ‫الكلب يختال فخرا حين يبصرني‬
‫ما وهم الناس في ذاكم ول كذبوا قال‪ :‬فوثب إلي ليضربني‪ ،‬وعدوت من‬ ‫لو قال لي الناس طرا أنت المنا‬
‫‪.‬بين يديه‪ ،‬فجعل يشتمني وأصحابه يضحكون‬
‫شعر ابنه وقد جلد في الشراب‪ :‬أخبرني وكيع قال‪ :‬حدثنا محمد بن الحسن بن مسعود‪ :‬أن مالك بن أنس جلد يونس بن عبد‬
‫‪:‬الله بن سالم الخياط حدا في الشراب‪ .‬قال‪ :‬وولي ابن سعيد القضاء بالمدينة‪ ،‬فقال يونس فيه‬
‫جلـدت وسـط الـرحــبـــه‬ ‫بكـتـنـــي الـــنـــاس لن‬
‫غنـيت فـي الـمـجـتـسـبــه‬ ‫وأنــنـــي أزنـــي وقـــد‬
‫مالـك الـمـقـتـضـــبـــه‬ ‫أعـزف فـيهـم بـعـــصـــا‬
‫علـي فـيم الـجـلـــبـــه‬ ‫?فقـلـت لـمــا أكـــثـــروا‬
‫وحـالـنـا مـقـتـــربـــه‬ ‫ذا ابـن سـعـيد قـد قـضـــى‬
‫ل بل له التفضيل فيما لم أنل والغلبه‬
‫وزوجة مـغـتــصـــبـــه ابن الخياط يستزير الزبير ابن بكار‬ ‫بحسن صوت مطرب‬
‫‪:‬في مرض موته ليجدد له عهدا‬
‫أخبرني الحرمي ابن أبي العلء ووكيع‪ ،‬قال الحرمي قال الزبير‪ ،‬وقال وكيع قال الزبير بن بكار‪ :‬أرسل إلي ابن الخياط يقول‪:‬‬
‫إني عليل منذ كذا وكذا‪ ،‬ومنزلي على طريقك إذا صدرت إلى الثنية ‪ ،‬وأنا أحب أن أجدد بك عهدا‪ ،‬قال‪ :‬فجعلته على طريقي‪،‬‬
‫فوجدته على فرش مضربة ‪ ،‬وحوله وسائد‪ ،‬وهو مسجى فكشف ابنه الثوب عن وجهه‪ ،‬وقال له‪ :‬فديتك‪ ،‬هذا أبو عبد الله‪ .‬فقال‬
‫له‪ :‬أجلسني‪ ،‬فأجلسه وأسنده إلى صدره‪ ،‬فجعل يقول بنفس منقطع‪ :‬بأبي أنت وأمي أموت منذ بضع عشرة ليلة ما دخل علي‬
‫قرشي غيرك وغير الزبير بن هشام وإبراهيم بن المنذر ومحمد بن عبد الله البكري‪ ،‬ول والله ما أعلم أحدا أحب قريشا كحبي‪.‬‬
‫‪:‬قال زبير‪ :‬وذكر رجل كان بيني وبينه خلف فقال‪ :‬لو كنت شابا لفعلت بأمه كذا وكذا‪ ،‬ل يكنى‪ .‬ثم قال‬
‫حليلتي قلت لها‪ :‬بـينـي‬ ‫والله لو عادت بني مصعب‬
‫ضغطتهم بالرغم والهون‬ ‫أو ولدي عن حبهم قصروا‬
‫فقأتها عمدا بـسـكـين ثم أقبل على ابنه‪ ،‬فقال‪ :‬يا بني أقول لك في أبي عبد الله‬ ‫أو نظرت عيني خلفا لهم‬
‫‪:‬ما قال ابن هرمة لبنه في الحسن بن يزيد‬
‫من الزمان وشر القرب الوالي‬ ‫الله جار عتي دعـوة شـفـقـا‬

‫صفحة ‪2206 :‬‬

‫وسط النجي ول في المجلس الخالي يمون في غد اليوم الذي زاره فيه الزبير‪:‬‬ ‫من كل أحـيد عـنـه ل يقـربـه‬
‫قال الزبير‪ :‬حدثني محمد بن عبد الله البكري‪ :‬أنه دخل إليه بعدي في اليوم الذي مات فيه‪ ،‬قال‪ :‬فقال لي‪ :‬يا أبا عبد الله‪ ،‬أنا‬
‫أجود بنفسي منذ كذا وكذا ول تخرج‪ ،‬ما هكذا كانت نفس عبيد ول لبيد ول الحطيئة‪ ،‬ما هي إل نفس كلب؛ قال‪ :‬فخرجت فما‬
‫‪.‬أبعدت حتى سمعت الواعية عليه‬

‫صوت‬

‫مائل الطرف كليل‬ ‫بأبي مالك عـنـي‬


‫وتحفـيك قـلـيل‬ ‫وأرى بـرك نـزرا‬
‫وأسمـيك خـلـيل‬ ‫وتسمـينـي عـدوا‬
‫أم تبدلـت بـديل‬ ‫?أتعلـمـت سـلـوا‬
‫نى الرجا فيك فتيل الشعر لعلي بن جبلة‪ ،‬والغناء لزرزور غلم المارقي‪ ،‬خفيف رمل‬ ‫أحمد الله فـمـا أغ‬
‫بالبنصر من روايتي الهشامي وعبد الله بن موسى‪ .‬وفيه لعريب هزج‪ ،‬وفيه ثقيل أول من جيد الغناء‪ .‬ينسب إليها وإلى علويه‪،‬‬
‫‪.‬وهو بغنائها أشبه منه بغناء علويه‬

‫أخبار علي بن جبلة‬


‫نسبه ولقبه‬
‫هو علي بن جبلة بن عبد الله البناوي ‪ ،‬ويكنى أبا الحسن‪ ،‬ويلقب بالعكوك‪ ،‬من أبناء الشيعة الخراسانية من أهل بغداد‪ ،‬وبها‬
‫نشأ‪ ،‬وولد بالحربية من الجانب الغربي‪ ،‬وكان ضريرا‪ ،‬فذكر عطاء الملط أنه كان أكمه‪ ،‬وهو الذي يولد ضريرا‪ ،‬وزعم أنه عمي‬
‫‪.‬بعد أن نشأ‬
‫استنفذ شعره في مدح أبي دلف وحميد‬
‫وهو شاعر مطبوع‪ ،‬عذب اللفظ جزله‪ ،‬لطيف العاني‪ ،‬مداح حسن التصرف‪ .‬واستنفذ شعره في مدح أبي دلف القاسم بن‬
‫عيسى العجلي‪ ،‬وأبى غانم حميد بن عبد الحميد الطوسي‪ ،‬وزاد في تفضيلهما وتفضيل أبي دلف خاصة حتى فضل من أجله‬
‫ربيعة على مضر‪ ،‬وجاوز الحد في ذلك‪ .‬فيقال‪ :‬إن المأمون طلبه حتى ظفر به‪ ،‬فسل لسانه من قفاه‪ ،‬ويقال‪ :‬بل هرب‪ ،‬ولم‬
‫‪.‬يزل متواريا منه حتى مات ولم يقدر عليه؛ وهذا هو الصحيح من القولين‪ ،‬والخر شاذ‬
‫نشأته وتربيته‬
‫أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار الثقفي قال‪ :‬حدثني الحسين بن عبد الله بن جبلة بن علي بن جبلة قال‪ :‬كان لجدي أولد‪،‬‬
‫وكان علي أصغرهم‪ ،‬وكان الشيخ يرق عليه‪ ،‬فجدر‪ ،‬فذهبت إحدى عينه في الجدري‪ ،‬ثم نشأ فأسلم في الكتاب‪ ،‬فحذق بعض ما‬
‫يحذقه الصبيان‪ ،‬فحمل على دابة ونثر عليه اللوز‪ ،‬فوقعت على عينيه الصحيحة لوزة فذهبت‪ ،‬فقال الشيخ لولده‪ :‬أنتم لكم‬
‫أرزاق من السلطان‪ ،‬فإن أعنتموني على هذا الصبي‪ ،‬وإل صرفت بعض أرزاقكم إليه‪ .‬فقلنا‪ :‬وما تريد? قال‪ :‬تختلفون به إلى‬
‫‪.‬مجالس الدب‬
‫يقصد أبا دلف فيتهم بانتحال القصيدة‬
‫‪:‬فيطلب أن يمتحن‬
‫قال‪ :‬فكنا نأتي به مجالس العلم ونتشاغل نحن بما يلعب به الصبيان‪ ،‬فما أتى عليه الحول حتى برع‪ ،‬وحتى كان العالم إذا رآه‬
‫قال لمن حوله‪ :‬أوسعوا للبغوي وكان ذكيا مطبوعا‪ ،‬فقال الشعر‪ ،‬وبلغه أن الناس يقصدون أبا دلف لجوده وما كان يعطي‬
‫‪:‬الشعراء‪ ،‬فقصده ‪-‬وكان يسمى العكوك‪ -‬فامتدحه بقصيدته التي أولها‬
‫وارعوى واللهو من وطره يقول فيه في مدحه‬ ‫‪:‬ذاد ورد الغي عن صـدره‬
‫ومديل اليسر مـن عـسـره‬ ‫يا دواء الرض أن فـسـدت‬
‫بين بـاديه إلـى حـضـره‬ ‫كل من في الرض من عرب‬
‫يكتسبهـا يوم مـفـتـخـره‬ ‫مستعـير مـنـك مـكـرمة‬
‫بين مبداه ومـحـتـضـره‬ ‫إنـمـا الـدنـيا أبـو دلـف‬
‫ولت الدنـيا عـلـى أثـره فلما وصل إلى أبي دلف ‪-‬وعنده من الشعراء وهم ل يعرفونه‪-‬‬ ‫فإذا ولـى أبــو دلـــف‬
‫استرابوه بها‪ ،‬فقال له قائده‪ :‬إنهم قد اتهموك وظنوا أن الشعر لغيرك‪ ،‬فقال‪ :‬أيها المير‪ ،‬إن المحنة تزيل هذا‪ ،‬قال‪ :‬صدقت‬
‫‪.‬فامتحنوه‬
‫القصيدة التي امتحن بها في وصف فرس أبي دلف‪ :‬فقالوا له‪ :‬صف فرس المير‪ ،‬وقد أجلناك ثلثا‪ ،‬قال‪ :‬فاجعلوا معي رجل‬
‫‪:‬تثقون به يكتب ما أقول‪ ،‬فجعلوا معه رجل‪ ،‬فقال هذه القصيدة في ليلته‪ ،‬وهي‬
‫ذم لها عهد الصبا حين انتسب‬ ‫ريعت لمنشور على مفرقـه‬
‫مكروهة الجدة أنضاء العقب‬ ‫أهداب شيب جدد في رأسـه‬
‫كان دجاه لهوى البيض سبب‬ ‫أشرقن في أسود أزريني بـه‬

‫صفحة ‪2207 :‬‬

‫عن ميت مطلـبـه حـي الدب‬ ‫واعتقن أيام الغواني والـصـبـا‬


‫لكن يد لم تتصـل بـمـطـلـب‬ ‫لم يزدجر مرعويا حين ارعـوى‬
‫وكالشباب الغض ظل يستـلـب‬ ‫لم أر كالشيب وقـارا يجـتـوى‬
‫وذاهب أبقى جوى حـين ذهـب‬ ‫فنازل لـم يبـتـهـج بـقـربـه‬
‫وصاحبا حرا عزيز المطـحـب‬ ‫كان الشباب لـمة أزهـى بـهـا‬
‫ل أعتب الـدهـر إذا الـدهـر‬ ‫إذ أنا أجري سـادرا فـي غـيه‬
‫وأقصد الخود وراء المحتـجـب‬ ‫أبعد شأو اللـهـو فـي إجـرائه‬
‫بأعوجي دلفي الـمـنـتـسـب‬ ‫وأذعر الربرب عـن أطـفـالـه‬
‫مستنفرا بروعة أو مـلـتـهـب‬ ‫تحسبه مـن مـرح الـعـز بـه‬
‫كالماء جالت فيه ريح فاضطرب‬ ‫مرتهـج يرتـج مـن اقـطـاره‬
‫حتى إذا استدبرته قـلـت أكـب‬ ‫تحسبه أقعد في اسـتـقـبـالـه‬
‫يقصر عنه المحزمان واللـبـب‬ ‫وهو عـلـى إرهـاقـه وطـيه‬
‫وهو كمتن القدح ما فيه حـنـب‬ ‫تقول فيه حـنـب إذا انـثـنـى‬
‫لم يتواكل عن شظى ول عصـب‬ ‫يخطو على عوج تناهبن الـثـرى‬
‫كأنها واطئة عـلـى الـركـب‬ ‫تحسبـهـا نـاتـئة إذا خـطـب‬
‫لم يؤت من بـر بـه ول حـدب‬ ‫شتا وقاظ بـرهـتـيه عـنـدنـا‬
‫وتقصر الخور عليه بالـحـلـب‬ ‫يصان عـصـري حـره وقـره‬
‫لم تنحبس واحدة علـى عـتـب‬ ‫حتى إذا تمـت لـه أعـضـاؤه‬
‫أوابد الوحش فأجدى واكتـسـب‬ ‫رمنا به الـصـيد فـرادينـا بـه‬
‫ويعرق الحقب في شوط الخبب‬ ‫مجذم الـجـري يبـارى ظـلـه‬
‫وإن تظنى فوته الـعـير كـذب‬ ‫إذا تـظـنـينـا بـه صـدقـنـا‬
‫ويبلغ الريح به حـيث طـلـب‬ ‫ل يبلغ الـجـهـد بـه راكـبـه‬
‫وكل بقيا فـإلـى يوم عـطـب‬ ‫ثم انقضى ذاك كـأن لـم يعـنـه‬
‫بالقدح فيهم وارتجاع مـا وهـب‬ ‫وخلف الدهـر عـلـى أبـنـائه‬
‫ينهض به أبلج فراج الـكـرب‬ ‫فحمل الدهر ابن عيسى قاسـمـا‬
‫وكغراريه علـى أهـل الـريب‬ ‫كرونق السيف انبلجا بـالـنـدى‬
‫فاستيقظت بنوبة مـن الـنـوب‬ ‫ما وسنت عين رأت طـلـعـتـه‬
‫لو يؤتثل مجد ولم يرع حـسـب‬ ‫لول ابن عيسى القرم كنا هـمـل‬
‫ول تلقى سبـب إلـى سـبـب‬ ‫ولم يقـم فـي يوم بـأس ونـدى‬
‫إذا تداعت خيلـه هـل وهـب‬ ‫تكاد تبدى الرض ما تضـمـره‬
‫جانبها إذا استـهـل أو قـطـب‬ ‫ويسـتـهـل أمـل وخـــيفة‬
‫فبمساعيه يوافى في الـحـسـب‬ ‫وهو وإن كان ابن فـرعـي وائل‬
‫تحوى غداة السبق أخطار القصب‬ ‫وبـعـله وعـــل آبـــائه‬
‫وما مجير الرعب من يوم الرهب‬ ‫يا زهر الدنيا ويا بـاب الـنـدى‬
‫ول قريش عرفت ول الـعـرب‬ ‫لولك ما كـان سـدى ول نـدى‬
‫لكنه غير مـلـئ بـالـنـشـب‬ ‫خذها إليك من ملـئ بـالـثـنـا‬
‫أنت عليها الرأس والناس الذنـب ?شهادة الشعراء بأنه صاحب مدح أبي دلف‬ ‫فاثو في الرض أو استفزز بهـا‬
‫قال‪ :‬فلما غدا عليه بالقصيدة وأنشده إياها استحسنها من حضر‪ ،‬وقالوا‪ :‬نشهد أن قائل هذه قائل تلك‪ ،‬فأعطاه ثلثين ألف‬
‫‪.‬درهم‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن أبا دلف أعطاه مائة ألف درهم‪ ،‬ولكن أراها في دفعات؛ لنه قصده مرارا كثيرة‪ ،‬ومدحه بعدة قصائد‬
‫المأمون يستنشد بعض جلسائه قصيدته في أبي دلف أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال‪ :‬حدثني محمد بن موسى بن حماد?‬
‫‪:‬قال‪ :‬حدثني أحمد بن أبي فنن قال‪ :‬قال عبد الله بن مالك‬

‫صفحة ‪2208 :‬‬

‫قال المأمون يوما لبعض جلسائه‪ :‬أقسم على منضر حضر ممن يحفظ قصيدة علي بن جبلة العمى في القاسم بن عيسى إل‬
‫أنشدنيها‪ ،‬فقال له بعض جلسائه‪ :‬قد أقسم أمير المؤمنين‪ ،‬ول بد من إبرار قسمه‪ ،‬وما أحفظها‪ ،‬ولكنها مكتوبة عندي‪ .‬قال‪ :‬قم‬
‫‪:‬فجئني بها‪ ،‬فمضى وأتاه بها‪ ،‬فأنشده إياها وهي‬
‫وارعوى واللهو من وطـره‬ ‫ذاد ورد الغي عـن صـدره‬
‫ضحكات الشيب في شعـره‬ ‫وأبـت إل الـبـكـاء لــه‬
‫لم أبـلـغـه مـدى أشـره‬ ‫ندمي أن الشبـاب مـضـى‬
‫لم أجد حول عـلـى غـيره‬ ‫وانقضـت أيامـه سـلـمـا‬
‫وذودي المحمود من ثـمـره‬ ‫حسرت عنـي بـشـاشـتـه‬
‫لم يرد عقل عـلـى هـدره‬ ‫ودم أهـدرت مـن رشــا‬
‫فليت فوقي عـلـى وتـره‬ ‫فأتت دون الـصـبـا هـنة‬
‫راح محنيا عـلـى كـبـره‬ ‫جارتا ليس الشبـاب لـمـن‬
‫صارها حلمي إلى صـوره‬ ‫ذهبت أشياء كـنـت لـهـا‬
‫في يمانيه وفـي مـضـره‬ ‫دع جدا قحطان أو مـضـر‬
‫عصر الفاق في عـصـره‬ ‫وامتـدح مـن وائل رجـل‬
‫والعطايا فـي ذرا حـجـره‬ ‫المـنـايا فـي مـنـاقـبـه‬
‫كانبلج النوء من مـطـره‬ ‫ملـك تـنـدى أنـامـلــه‬
‫كابتسام الروض عن زهـره‬ ‫مستهـل عـن مـواهـبـه‬
‫أمنت عدنـان فـي ثـغـره‬ ‫جبـل عـزت مـنـاكـبـه‬
‫بين مبداه ومـحـتـضـره‬ ‫إنـمـا الـدنـيا أبـو دلـف‬
‫ولت الدنـيا عـلـى أثـره‬ ‫فإذا ولـى أبــو دلـــف‬
‫غير أن الرض في خفـره‬ ‫لست أدري مـا أقـول لـه‬
‫بي بـاديه إلـى حـضـره‬ ‫كل من في الرض من عرب‬
‫يكتسيهـا يوم مـفـتـخـره يقول فيها‬ ‫‪:‬مستعـير مـنـك مـكـرمة‬
‫كصياح الحشر في أثره‬ ‫وزخرف في صواهلـه‬
‫في مذاكيه ومشتـجـره‬ ‫قدته والموت مكـتـمـن‬
‫طوت المنشور من نظره‬ ‫فرمت جيلويه مـنـه يد‬
‫تحمل البؤس على عقره‬ ‫زرته والخـيل عـابـسة‬
‫كخروج الطير من وكره‬ ‫خارجات تحت رايتـهـا‬
‫عوجة ذادته عن صدره‬ ‫وعلى النعمان عجت بـه‬
‫فرددت الصفو في كدره‬ ‫غمط النعمان صفوتـهـا‬
‫لم تكن ترتد في فكـره‬ ‫ولقرقـور أدرت رحـا‬
‫فأبى المحترم من قـدره‬ ‫قد تأنيت الـبـقـاء لـه‬
‫خطة شنعاء من ذكـره قال‪ :‬فغضب المأمون واغتاظ‪ ،‬وقال‪ :‬لست لبي إن لم أقطع‬ ‫وطغى حتى رفعت لـه‬
‫‪.‬لسانه أو أسفك دمه‬
‫أنشد أبا دلف مدحته بعد أن قتل قرقورا قال ابن أبي فنن‪ :‬وهذه القصيدة قالها علي بن جبلة وقصد بها أبا دلف بعد قتله?‬
‫الصعلوك المعروف بقرقور‪ ،‬وكان من أشد الناس بأسا وأعظمهم‪ .‬فكان يقطع هو وغلمانه على القوافل وعلى القرى‪ ،‬وأبو‬
‫دلف يجتهد في أمره فل يقدر عليه‪ .‬فبينا أبو دلف خرج ذات يوم يتصيد وقد أمعن في طلب الصيد وحده إذا بقرقور قد طلع‬
‫عليه وهو راكب فرسا يشق الرض بجريه‪ ،‬فأيقن أبو دلف بالهلك‪ ،‬وخاف أن يولي عنه فيهلك‪ ،‬فحمل عليه وصاح‪ :‬يا فتيان يمنة‬
‫يمنة ‪-‬يوهمه أن معه خيل قد كمنها له‪ -‬فخافه قرقور وعطف على يساره هاربا‪ ،‬ولحقه أبو دلف فوضع رمحه بين كتفيه فأخرجه‬
‫‪.‬من صدره‪ ،‬ونزل فاحتز رأسه‪ ،‬وحمله على رمحه حتى أدخله الكرج‬
‫قال‪ :‬فحدثني من رأى رمح قرقور وقد أدخل بين يديه يحمله أربعة نفر‪ .‬فلما أنشده علي بن جبلة هذه القصيدة استحسنها‬
‫‪.‬وسر بها وأمر له بمائة ألف درهم‬
‫اتساع شهرة قصيدته فيه‬
‫أخبرني علي بن سليمان الخفش قال‪ :‬حدثنا محمد بن يزيد الزدي قال‪ :‬أخبرني إبراهيم بن خلف قال‪ :‬بينا أبو دلف يسير مع‬
‫أخيه معقل ‪-‬وهما إذا ذاك بالعراق‪ -‬إذ مر بامرأتين تتماشيان‪ ،‬فقالت إحداهما لصاحبتها‪ :‬هذا أبو دلف‪ ،‬قالت‪ :‬ومن أبو دلف?‬
‫‪:‬قالت‪ :‬الذي يقول فيه الشاعر‬
‫بين باديه ومحتضره‬ ‫إنما الدنيا أبو دلـف‬
‫ولت الدنيا على أثره‬ ‫فإذا ولى أبو دلـف‬

‫صفحة ‪2209 :‬‬

‫‪.‬قال‪ :‬فاستعبر أبو دلف حتى جرى دمعه‪ .‬قال له مقعل‪ :‬مالك يا أخي تبكي? قال‪ :‬لني لم أقض حق علي بن جبلة‬
‫قال‪ :‬أو لم تعطه مائة ألف درهم لهذه القصيدة? قال‪ :‬والله يا أخي ما في قلبي حسرة تقارب حسرتي على اني أكن أعطيته‬
‫‪.‬مائة ألف دينار‪ .‬والله لو فعلت لما كنت قاضيا حقه‬
‫شدة إعجاب أبي تمام ببيت من بائيته‬
‫حدثني الحسن بن علي قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال‪ :‬حدثني عبد الله ابن محمد بن جرير قال‪ :‬أنشدت أبا‬
‫‪:‬تمام قصيدة علي بن جبلة البائية‪ ،‬فلما بلغت إلى قوله‬
‫إلى الغماد والحجب اهتز أبو تمام من فرقه إلى قدمه‪ ،‬ثم قال‪ :‬أحسن‪ ،‬والله لوددت أن‬ ‫ورد البيض والبيض‬
‫‪.‬لي هذا البيت بثلث قصائد من شعري يتخيرها وينتخبها مكانه‬
‫طلب أن ينشد المأمون مدحا فيه ثم يختار القالة فرارا من شروط المأمون أخبرني عمي قال‪ :‬حدثني أحمد بن أبي طاهر‬
‫قال‪ :‬حدثني أبو نزار الضبي الشاعر قال‪ :‬قال لي علي بن جبلة قلت لحميد بن عبد الحميد الطوسي‪ :‬يا أبا غانم‪ ،‬إني قد مدحت‬
‫أمير المؤمنين بمدح ل يحسن مثله أحد من أهل الرض‪ ،‬فاذكرني له‪ .‬قال‪ :‬فأنشدني‪ ،‬فأنشدته‪ .‬قال‪ :‬أشهد أنك صادق‪ ،‬ما‬
‫يحسن أحد أن يقول هكذا‪ .‬وأخذ المديح فأدخله إلى المأمون‪ ،‬فقال له‪ :‬يا حميد‪ ،‬الجواب في هذا واضح‪ ،‬إن شاء عفونا عنه‬
‫وجعلنا ذلك ثوابا لمديحه‪ ،‬وإن شاء جمعنا بين شعره فيك وفي أبي دلف وبين شعره فينا‪ ،‬فإن كان الذي قاله فيكما أجود ضربنا‬
‫ظهره‪ ،‬وأطلنا حبسه‪ ،‬وإن كان الذي قاله أجود أعطيناه لكل بيت ألف درهم‪ ،‬وإن شاء أقلناه فقلت له‪ :‬يا سيدي ومن أنا ومن‬
‫أبو دلف حتى يمدحنا بأجود مديحك فقال‪ :‬ليس هذا الكلم من الجواب في شيء‪ ،‬فاعرض ما قلت لك على الرجل‪ .‬فقال‪:‬‬
‫أفعل‪ .‬قال علي بن جبلة‪ :‬فقال لي حميد‪ :‬ما ترى? فقلت‪ :‬القالة أحب إلي‪ ،‬فأخبر المأمون بذلك‪ .‬فقال‪ :‬هو أعلم‪ ،‬ثم قال لي‬
‫‪:‬حميد‪ :‬يا أبا الحسن أي شيء يعني من مدائحك لي ولبي دلف? فقلت‪ :‬قولي فيك‬
‫حســب يعـــد ول نـــســـب‬ ‫لول حـــمـــيد لـــم يكــــن‬
‫‪:‬يا واحد العرب الذي عزت بعزته العرب وقولي في أبي دلف‬
‫بين باديه ومحتضره‬ ‫إنما الدنيا أبو دلـف‬
‫ولت الدنيا على أثره قال‪ :‬فأطرق حميد ثم قال‪ :‬لقد انتقد عليك أمير المؤمنين فأجاد‪،‬‬ ‫فإذا ولى أبو دلـف‬
‫وأمر لي بعشرة آلف درهم وخلعة وفرس وخادم‪ .‬وبلغ ذلك أبا دلف فأضعف لي العطية‪ ،‬وكان ذلك في ستر منهما‪ ،‬ما علم به‬
‫‪.‬أحد خوفا من المأمون حتى حدثتك به يا أبا نزرا‬
‫يمسك عن زيارة أبي دلف حياء‬
‫لكثرة بره به‬
‫أخبرني علي بن سليمان قال‪ :‬حدثني محمد بن يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني علي بن القاسم قال‪ :‬قال لي علي بن جبلة‪ :‬زرت أبا دلف‪،‬‬
‫فكنت ل أدخل إليه إل تلقاني ببره وأفرط‪ ،‬فلما أكثر قعدت عنه حياء منه‪ ،‬فبعث إلي بمعقل أخيه‪ ،‬فأتاني فقال لي‪ :‬يقول لك‬
‫المير‪ :‬لم هجرتنا? لعلك استبطأت بعض ما كان مني‪ ،‬فإن كان المر كذلك فإني زائد فيما كنت أفعله حتى ترضى‪ ،‬فدعوت من‬
‫‪:‬كبت لي‪ ،‬وأمللت عليه هذه البيات‪ ،‬ثم دفعتها إلى معقل‪ ،‬وسألته أن يوصلها‪ ،‬وهي‬
‫وهل يرتجى نيل الزيادة بالـكـفـر‬ ‫هجرتك لم أهجرك من كفر نـعـمة‬
‫فأفرطت في بري عجزت عن الشكر‬ ‫ولـكـنـنـي لـمـا أتـيتـك زائرا‬
‫أزورك في الشهرين يوما وفي الشهر‬ ‫فهـأنـا ل آتـيك إل مـسـلـمــا‬
‫ولم تلقني طول الحياة إلى الحـشـر قال‪ :‬فلما سمعها معقل استحسنها‬ ‫فإن زدتنـي بـرا تـزايدت جـفـوة‬
‫جدا‪ ،‬وقال‪ :‬جودت والله‪ ،‬أما أن المير ليعجب بمثل هذه البيات‪ ،‬فلما أوصلها إلى أبي دلف قال‪ :‬ولله دره ما أشعره‪ ،‬وما أرق‬
‫‪:‬معانيه ثم دعا بدواة فكتب إلي‬
‫وآنستة قبل الضيافة بـالـبـشـر‬ ‫أل رب ضيف طارق قد بسطتـه‬
‫ودون القرى من نائلي عنده ستري‬ ‫أتاني يرجيني فـمـا حـال دونـه‬
‫إلي وبرا يستحق بـه شـكـري‬ ‫وجدت له فضل علي بـقـصـده‬
‫ببشر وإكرام وبـر عـلـى بـر‬ ‫فلم أعد أن أدنـيتـه وابـتـدأتـه‬
‫وزودني مدحا يدوم على الدهـر ثم وجه بهذه البيات مع وصيف يحمل كيسا فيه‬ ‫وزودتـه مـال قـلـيل بـقـاؤه‬
‫‪:‬ألف دينار‪ ،‬فذلك حيث قلت له‬

‫صفحة ‪2210 :‬‬

‫بين باديه ومحتضره يقصد عبد الله بن طاهر ليمدحه‪ ،‬فيرده‬ ‫إنما الدنيا أبو دلـف‬
‫‪:‬لغلوه في مدح أبي دلف‬
‫أخبرني عمي قال‪ :‬حدثني أحمد بن أبي طاهر قال‪ :‬حدثني أحمد بن القاسم قال‪ :‬حدثني نادر مولنا‪ :‬أن علي بن جبلة خرج إلى‬
‫عبد الله بن طاهر وإلى خراسان‪ ،‬وقد امتدحه‪ ،‬فلما وصل إليه قال له‪ :‬ألست القائل‬
‫بين باديه ومحتضره‬ ‫إنما الدنيا أبو دلـف‬
‫ولت الدنيا على أثره قال‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬فما الذي جاء بك إلينا‪ ،‬وعدل بك عن الدنيا التي‬ ‫فإذا ولى أبو دلـف‬
‫زعمت? ارجع من حيث جئت‪ ،‬فارتحل‪ ،‬ومر بأبي دلف وأعلمه الخبر‪ ،‬فأعطاه حتى أرضاه‪ .‬قال نادر فرأيته عند مولي القاسم‬
‫‪:‬بن يوسف‪ ،‬وقد سأله عن خبره فقال‬
‫جوادا كريما راجح الحلم سـيدا‬ ‫أبو دلف إن تلقه تلـق مـاجـدا‬
‫وأبسط معروفا وأكرم محـتـدا‬ ‫أبو دلف الخـيرات أنـداهـم يدا‬
‫وكل امرئ يجري على ما تعودا‬ ‫تراث أبـيه عـن أبـيه وجـده‬
‫ولكنما الممدوح من كان أمجـدا يصف قصر حميد الطوسي ويمدحه‬ ‫ولست بشاك غيره لـنـقـيصة‬
‫قال ومؤلف هذا الكتاب ‪ :‬والبيات التي فيها الغناء المذكورة بذكرها أخبار أبي الحسن علي بن جبلة من قصيدة له مدح بها‬
‫‪:‬حميد الطوسي‪ ،‬ووصف قصره على دجلة وقال فيها بعد البيات التي فيها الغناء‬
‫ي أسميك خـلـيل‬ ‫ليس لي ذنب سوى أن‬
‫وتـنـادينـي ذلـيل‬ ‫وأنـاديك عــزيزا‬
‫ك صروما ووصول‬ ‫أنا أهواك وحـالـي‬
‫وبعهد لـن يحـول‬ ‫ثق بود ليس يفـنـى‬
‫لبني الدنيا كـفـيل‬ ‫جعل اللـه حـمـيدا‬
‫له فـيهـم عـديل‬ ‫ملك لم يجعل الـلـه‬
‫مطمئنـين حـلـول‬ ‫فأقـامـوا فـي ذراه‬
‫يسأل المثرى فضول‬ ‫ل ترى فيهم مـقـل‬
‫علم الجود البـخـيل‬ ‫جاد بالموال حـتـى‬
‫ر بناء مستـطـيل‬ ‫وبنى الفخر على الفخ‬
‫وعلى الجود دلـيل يرثي حميدا الطوسي ولما مات حميد الطوسي رثاه بقصيدته العينية‬ ‫صار للخائف أمـنـا‬
‫المشهورة‪ ،‬وهي من نادر الشعر وبديعه‪ ،‬وفي أولها غناء من الثقيل الول‪ ،‬يقال‪ :‬إنه لبي العبيس‪ ،‬ويقال‪ :‬إنه للقاسم ابن‬
‫‪:‬زرزور‬
‫وما صـاحـب اليام إل مـفـجـع‬ ‫أللدهر تبكي أم على الدهر تجـزع?‬
‫عزاء معز لـلـبـيب ومـقـنـع‬ ‫ولو سهلت عنك السا كان في السـا‬
‫سهام المـنـايا حـائمـات ووقـع‬ ‫تعز بـمـا عـزيت غـيرك إنـهـا‬
‫أصاب عروش الدهر ظلت تضعضع‬ ‫أصبنا بـيوم فـي حـمـيد لـو أنـه‬
‫ولكنه لم يبق للصـبـر مـوضـع‬ ‫وأدبنا مـا أدب الـنـاس قـبـلـنـا‬
‫به وبـه كـانـت تـذاد وتـدفــع‬ ‫ألم تر لـليام كـيف تـصـرمـت‬
‫على جبل كانت به الرض تمـنـع‬ ‫وكيف التقى مثوى من الرض ضيق‬
‫وأضحى به أنف الندى وهو أجـدع‬ ‫ولما انقضت أيامه انقضـت الـعـل‬
‫أماني كانت في حشـاه تـقـطـع‬ ‫وراح عدو الدين جـذلن ينـتـحـي‬
‫قواعد ما كانت على الضيم تـركـع‬ ‫وكان حميد معـقـل ركـعـت بـه‬
‫ولم أدر أن الخلق يبـكـيه أجـمـع‬ ‫وكنـت أراه كـالـرزايا رزئثـهـا‬
‫حمام كذاك الخطب بالخطـب يقـدع‬ ‫حمام رماه مـن مـواضـع أمـنـه‬
‫حمى أختها أو أن يذل الـمـمـنـع‬ ‫وليس بغـرو أن تـصـيب مـنـية‬
‫وحلت بخطب وهـيه لـيس يرقـع‬ ‫لقد أدركت فينا المـنـايا بـثـارهـا‬
‫تذاد بأطـراف الـرمـاح وتـوزع‬ ‫نعاء حمـيد لـلـسـرايا إذا عـدت‬
‫فلم يدر في حوماتها كيف يصنـع‬ ‫?وللمرهق المكروب ضاقت بـأمـره‬
‫لها غيره داعى الصباح الـمـفـزع‬ ‫وللبيض خلتها الـبـعـول ولـم يدع‬
‫إلى عسـكـر أشـياعـه ل تـروع‬ ‫كأن حميدا لم يقد جـيش عـسـكـر‬

‫صفحة ‪2211 :‬‬

‫مراحا ولي يرجع بها وهي ظلـع‬ ‫ولم يبعث الخيل المغيرة بالضـحـا‬
‫كتائبه إل على النـهـب تـرجـع‬ ‫رواجع يحملن النهاب ولـم تـكـن‬
‫المريع وحاميها الكمي الـمـشـيع‬ ‫هوى جبل الدنيا المنيع وغـيثـهـا‬
‫ومفتاح باب الخطب والخطب أفظع‬ ‫وسيف أمير المؤمنـين ورمـحـه‬
‫ونائله قفر مـن الرض بـلـقـع‬ ‫فأقنعه مـن مـلـكـه وربـاعـه‬
‫إلى شجوه أو يذخر الدمع مـدمـع‬ ‫على أي شجو تشتكي النفس بـعـده‬
‫عليه وأضحى لونها وهو أسـفـع‬ ‫ألم تر أن الشمس حـال ضـياؤهـا‬
‫وأجدب مرعاها الذي كـان يمـرع‬ ‫وأوحشت الدنـيا وأودى بـهـاؤهـا‬
‫فقد جعلت أوتـادهـا تـتـقـلـع‬ ‫وقد كانت الدنـيا بـه مـطـمـئنة‬
‫نداه الندى وابن السبيل الـمـدفـع‬ ‫بكى فقده روح الحياة كمـا بـكـى‬
‫عواطل حسرى بعـده ل تـقـنـع‬ ‫وفارقت البيض الخـدور وأبـرزت‬
‫ونامت عيون لم تكن قبل تهـجـع‬ ‫وأيقظ أجفانا وكان لـهـا الـكـرى‬
‫لكل امرئ منه نهـال ومـشـرع‬ ‫ولكـنـه مـقـدار يوم ثـوى بـه‬
‫وبالصل ينمي فرعه المـتـفـرع‬ ‫وقد رأب الله المـل بـمـحـمـد‬
‫تقسم أنفال الخمـيس وتـجـمـع‬ ‫أغر علـى أسـيافـه ورمـاحـه‬
‫وطعن الكلى والزاعـبـية شـرع وإنما ذكرت هذه القصيدة على طولها‬ ‫حوى عن أبيه بذل راحتـه الـنـدى‬
‫‪:‬لجودتها وكثرة نادرتها‪ ،‬وقد أخذ البحتري أكثر معانيها فسلخه‪ ،‬وجعله في قصيدته اللتين رثى بهما أبا سعيد الثغري‬
‫‪:‬انظر إلى العلياء كيف تضام و‬
‫بأي أسى تثنى الدموع الهوامل وقد أخذ الطائي أيضا بعض معانيها‪ ،‬ولول كراهية الطالة لشرحت المواضع المأخوذة‪ .‬وإذا‬
‫‪.‬تأمل ذلك منتقد بصير عرفه‬
‫بلغ في مدح حميد الطوسي ما لم يبلغه في مدح غيره أخبرني عمي قال‪ :‬حدثنا أحمد بن أبي طاهر قال‪ :‬حدثني أبو وائلة قال‪:‬‬
‫قال رجل لعلي بن جبلة‪ :‬ما بلغت في مديح أحد ما بلغته في مديحك حميدا الطوسي‪ .‬فقال‪ :‬وكيف ل أفعل وأدنى ما وصل إلي‬
‫منه أني أهديت له قصيدة في يوم نيروز فسر بها‪ ،‬وأمر أن يحمل إلي كل ما أهدى له‪ ،‬فحمل إلي ما قيمته مائتا ألف درهم‪،‬‬
‫‪.‬وأهديت له قصيدة في يوم عيد فبعث إلي بمثل ذلك‬
‫يصف جيشا ركب فيه حميد قال أبو وائلة‪ .‬وقد كان حميد ركب يوم عيد في جيش عظيم لم ير مثله‪ ،‬فقال علي بن جبلة يصف‬
‫‪:‬ذلك‬
‫أبو غانم غدو النـدى والـسـحـائب‬ ‫غدا بأمير الـمـؤمـنـين ويمـنـه‬
‫أحاط به مستعـلـيا لـلـمـواكـب‬ ‫وضاقت فجاج الرض عن كل موكب‬
‫سماوة ليل فرنـت بـالـكـواكـب‬ ‫كأن سمو النقع والبـيض فـوقـهـم‬
‫وكان حميد عيدهم بـالـمـواهـب‬ ‫فكان لهل العيد عيد بـنـسـكـهـم‬
‫يمين ولم يدرك غنى كسب كـاسـب‬ ‫ولول حميد لم تبـلـج عـن الـنـدى‬
‫ول اعتام فيها صاحب فضل صاحب‬ ‫ولو ملك الدنـيا لـمـا كـان سـائل‬
‫على عبسة تشجى القنا بـالـتـرائب‬ ‫له ضحكة تستغرق المال بـالـنـدى‬
‫وصرمت عن مسعاك شأو المطالـب‬ ‫ذهبت بـأيام الـعـل فـاردا بـهـا‬
‫فلم ينأ منها جانـب فـوق جـانـب‬ ‫وعدلت ميل الرض حتى تـعـدلـت‬
‫كأنك منهـا شـاهـد كـل غـائب قصيدة أهادها إليه يوم نيروز قال‪ :‬والتي‬ ‫بلغت بأدنى الحزم أبعـد قـطـرهـا‬
‫‪:‬أهداها له يوم النيروز قصيدته التي فيها‬
‫وسيفه بين أهل النكـث والـدين‬ ‫حميد يا قاسم الـدنـيا بـنـائلـه‬
‫على النام بتـشـديد وتـلـيين‬ ‫أنت الزمان الذي يجري تصرفه‬
‫والمكرمات ومات المجد مذ حين‬ ‫لو لم تكن كانت اليام قد فـنـيت‬
‫وصور الناس من ماء ومن طين نسخت من كتاب بخط محمد بن العباس‬ ‫صورك الله من مجد ومن كـرم‬
‫اليزيدي‪ :‬يدخل على أبي دلف فيستنشده‬

‫صفحة ‪2212 :‬‬

‫قال أحمد بن إسماعيل الخصيب الكاتب‪ :‬دخل علي بن جبلة يوما إلى أبي دلف فقال له‪ :‬هات يا علي ما معك‪ .‬فقال‪ :‬إنه‬
‫‪:‬قليل‪ .‬فقال هاته‪ ،‬فكم من قليل أجود من كثير فأنشده‬
‫على يديك فشكرا يا أبا دلـف‬ ‫الله أجرى من الرزاق أكثرها‬
‫حتى إذا وقفت أعطى ولم يقف يستنشده أبو دلف فيتطير مما أنشده قال‪:‬‬ ‫أعطى أبو دلف والريح عاصفة‬
‫‪:‬فأمر له بعشرة آلف درهم‪ ،‬فلما كان بعد مدة دخل إليه‪ ،‬فقال له‪ :‬هات ما معك فأنشده‬
‫رسالة في بطن قرطـاس‬ ‫من ملك الموت إلى قاسـم‬
‫مرني بمن شئت من الناس قال‪ :‬فأمر له بألفي درهم‪ ،‬وكان قد تطير من‬ ‫يا فارس الفرسان يوم الوغى‬
‫ابتدائه في هذا الشعر‪ ،‬فقال‪ :‬ليست هذه من عطاياك أيها المير‪ ،‬فقال‪ :‬بلغ بها هذا المقدار ارتياعنا من تحملك رسالة ملك‬
‫‪.‬الموت إلينا‬
‫يهجو الهيثم بن عدي إجابة لطلب الخزيمي‬
‫أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال‪ :‬حدثنا الحسن عليل العنزي قال‪ :‬حدثني محمد بن عبد الله قال‪ :‬حدثني علي بن جبلة‬
‫العكوك المروزي قال‪ :‬جاءني أبو يعقوب الخزيمي فقال لي‪ :‬إن لي إليك حاجة‪ .‬قلت‪ :‬وما هي? قال‪ :‬تهجو لي الهيثم بن عدي‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬وما لك أنت ل تهجوه وأنت شاعر? فقال‪ :‬قد فعلت‪ ،‬فما جاءني شيء كما أريد‪ .‬فقلت له‪ :‬فقلت له‪ :‬كيف أهجو رجل لم‬
‫يتقدم إلي منه إساءة‪ ،‬ول له إلي جرم يحفظني? فقال‪ :‬تقرضني‪ ،‬فإني ملي بالقضاء‪ ،‬قلت‪ :‬نعم‪ ،‬فأمهلني اليوم فمضى‪،‬‬
‫‪:‬وغدوت عليه فأنشدته‬
‫آباءه فأراحتنـا مـن الـعـدد‬ ‫للهيثم بن عدي نسبة جـمـعـت‬
‫ما عمر الناس لم ينقص ولم يزد‬ ‫أعدد عديا فلو مد البـقـاء لـه‬
‫تلوه للوجه واستعلوه بالعـمـد‬ ‫نفسي نداء بني عبد المدان وقـد‬
‫وعرفوه بدل أين أصل عـدي‬ ‫?حتى أزالوه كرها عن كريمتهـم‬
‫إذا هجوت وما تنمى إلى أحد? هجاؤه الهيثم مزق بينه وبين زوجه قال‪ :‬وكان‬ ‫يا بن الخبيثة من أهجو فأفضحه‬
‫الهيثم قد تزوج إلى بني الحارث بن كعب‪ ،‬فركب محمد بن زياد بن عبيد الله بن عبد المدان الحارثي‪ ،‬أخو يحيى بن زياد‪ ،‬ومعه‬
‫‪:‬جماعة من أصحابه الحارثيين إلى الرشيد‪ ،‬فسألوه أن يفرق بينهما‪ .‬فقال الرشيد‪ :‬أليس هو الذي يقول فيه الشاعر‬
‫فقدم الدال قبل العين في النسب قالوا‪ :‬بلى يا أمير المؤمنين‪ .‬قال فهذا‬ ‫إذا نسبت عديا في بني ثـعـل‬
‫الشعر من قاله? قالوا‪ :‬هو لرجل من أهل الكوفة من بني شيبان يقال له‪ :‬ذهل بن ثعلبة فأمر الرشيد داود بن يزيد أن يفرق‬
‫‪.‬بينهما‪ ،‬فأخذوه دارا وضربوه بالعصي حتى طلقها‬
‫يشخص إلى عبد الله بن طاهر ويمدحه‪ :‬أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال‪ :‬حدثني محمد‬
‫بن الحسن بن الخصيب قال‪ :‬شخص علي بن جبلة إلى عبد الله بن طاهر والي خراسان ‪-‬وقد مدحه فأجزل صلته‪ -‬واستأذنه في‬
‫الرجوع‪ ،‬فسأله أن يقيم عنده‪ ،‬وكان بره يتصل عنده‪ ،‬فلما طال مقامه اشتاق إلى أهله‪ ،‬فدخل إليه فأنشده‪ :‬ينشد عبد الله بن‬
‫‪:‬طاهر شعرا يطلب به أن يأذن له في الرحيل‬
‫وكـفـاه مــن الـــعـــذل‬ ‫راعـه الـشـــيب إذ نـــزل‬
‫فانقـضـى الـلـهـو والـغـزل‬ ‫وانـقـضـت مـدة الـصـبــا‬
‫بخـضـاب فـمـا أنـدمـــل‬ ‫قد لـعـمـري دمـلـــتـــه‬
‫ل عـلـى الـربـع والـطــل‬ ‫فابـك لـلـشـــيب إذ بـــدا‬
‫وصل الله للمير عر الملك فاتصل‬
‫ن وأفـعـــالـــه الـــدول‬ ‫ملك عزمه الزما‬
‫يضـرب الـضـارب الـمـثـل‬ ‫كســروي بـــمـــجـــده‬
‫يلـجـأ الـخـائف الـوجـــل‬ ‫وإلـــى ظـــل عـــــزه‬
‫م لنـعـــامـــه خـــول‬ ‫كل خـلـق ســـوى المـــا‬
‫بالـغـنـى جـاد بـالـقـفــل قال‪ :‬فضحك وقال‪ :‬أبيت إل أن توحشنا‪ .‬وأجزل صلته‪،‬‬ ‫ليتـه حـــين جـــاد لـــي‬
‫‪.‬وأذن له‬
‫ينشد حميدا الطوسي شعرا في أول رمضان‪ :‬أخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أحمد بن أبي طاهر‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو وائلة‬
‫‪:‬السدوسي‪ ،‬قال‪ :‬دخل علي بن جبلة العكوك على حميد الطوسي في أول يوم من شهر رمضان‪ ،‬فأنشده‬
‫لحميد ومتعه في البـقـاء‬ ‫جعل الله مدخل الصوم فوزا‬

‫صفحة ‪2213 :‬‬


‫وفراق الندمان والصـهـبـاء‬ ‫فهو شهر الربـيع لـلـقـراء‬
‫قرها مفطرا بطول الظـمـاء‬ ‫وأنا الضامن الملي لـمـن عـا‬
‫يرجون صبحهم بـالـمـسـاء‬ ‫وكأني أرى الندامى على الخسف‬
‫واستعاضوا مصاحفا بالغـنـاء يقول فيها‬ ‫‪:‬قد طوى بعضهم زيارة بعـض‬
‫فخرت طيء علـى الحـياء‬ ‫بحمـيد وأين مـثـل حـمـيد‬
‫ض وأغنى المقوي عن القواء‬ ‫جوده أظهر السماحة فـي الر‬
‫مثل ما يأملون قطر السـمـاء‬ ‫ملـك يأمـل الـعـبـاد نـداه‬
‫ض وصاغ الحساب للسقـاء ينشد حميدا الطوسي شعرا ثاني شوال‪ :‬قال‪:‬‬ ‫صاغه الله مطعم الناس في الر‬
‫‪:‬فأمر له بخمسة آلف درهم‪ ،‬وقال‪ :‬استعن بهذه على نفقة صومك‪ .‬ثم دخل إليه ثاني شوال‪ ،‬فأنشده‬
‫واتـركـا مـا بـقــولـــه الـــعـــاذلن‬ ‫علـلنـي بـصـفـو مـا فـــي الـــدنـــن‬
‫واسبقا فاجع المنيه بالعيش فكل على الجديدين فـإنـي‬
‫عللني بشربة تذهب الهم وتنفي طوارق الحزان‬
‫م رقـى الـمـوصــلـــي أو دحـــمـــان‬ ‫وانفثا في مسامع سدها الصو‬
‫قد أتانا شوال فاقتبل العيش وأعدى قسرا على رمضان‬
‫سمـــاع الـــقـــيان والـــعــــــيان‬ ‫نعم عون الفتى على نوب الدهر‬
‫ومـطـي الـــكـــئوس أيدي الـــقـــيان‬ ‫وكـئوس تــجـــري بـــمـــاء كـــروم‬
‫وتـسـر الـنـدمـان بـــالـــنـــدمـــان‬ ‫من عـقـار تـمـيت كــل احـــتـــشـــام‬
‫إنـهـا نـعـــم عـــدة الـــفـــتـــيان‬ ‫فاشـرب ألـراح واعـص مــن لم فـــيهـــا‬
‫ل تـخـف مـا يجـــره الـــحـــادثـــان‬ ‫واصـطـحـب الـدهـر بـارتـحــال وحـــل‬
‫بحـمـــيد ردءا مـــن الـــحـــدثـــان‬ ‫حسـب مـسـتـظـهـر عـلـى الـدهـر ركـنـا‬
‫وتـراه مـــن أكـــرم الـــفـــتـــيان‬ ‫ملـك يقـتـنـي الـمــكـــارم كـــنـــزا‬
‫س وأمـوالـه لـشـكــر الـــلـــســـان‬ ‫خلـقـت راحـتـاه لـلــجـــود وألـــبـــا‬
‫وأقـرت لـه بـــنـــو قـــحـــطـــان‬ ‫ملـكـتـه عـلـى الـعــبـــاد مـــعـــد‬
‫يداه والـسـمـــاح مـــعـــتـــقـــدان‬ ‫أريحـي الـنـدى جـمــيل الـــمـــحـــيا‬
‫ويداه بـالـغـــيث تـــنـــفـــجـــران‬ ‫وجـهـه مـشـرق إلـى مـعـــتـــفـــيه‬
‫جعل الدهر بين يوميه قسمين بعرف جزل وحر طعان‬
‫كل عـن نـص جـريه الـخـــافـــقـــان‬ ‫فإذا سار بالخميس لحرب‬
‫ضاق عـن رحــب صـــدر الفـــقـــان‬ ‫وإذا مـــا هـــززتـــه لـــنــــــوال‬
‫يتـغـشـى بـالـسـيب كـــل مـــكـــان‬ ‫غيث جـــدب إذا أقــــــام ربـــــــيع‬
‫وخـلـدت مـا جــرى الـــعـــصـــران‬ ‫يا أبـا غـانـم بـقـيت عـلــى الـــدهـــر‬
‫من أصـابـت بـكـــلـــكـــل وجـــران‬ ‫ما نـبـالــي إذا عـــدت الـــمـــنـــايا‬
‫هربـا مـن زمــانـــنـــا الـــخـــوان‬ ‫قد جـعـلـنـا إلـيك بـعـث الــمـــطـــايا‬
‫ضامـنـــات حـــوائج الـــركـــبـــان‬ ‫وحـمـلـنـا الـحـاجـات فـوق عـــتـــاق‬
‫ب ول يعـتـفـي لــغـــيرك عـــانـــي فأمر له بعشرة آلف درهم‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫ليس جـــود وراء جـــودك ينـــتــــــا‬
‫‪.‬تلك كانت للصوم‪ ،‬فخففت وخففنا‪ ،‬وهذه للفطر‪ ،‬فقد زدتنا وزدناك‬
‫أحب جارية وأحبته على قبح وجهه‬
‫أخبرني عمي قال‪ :‬حدثنا أحمد بن الطيب السرخسي قال‪ :‬حدثنا ابن أخي علي بن جبلة العكوك ‪-‬قال أحمد‪ :‬وكان علي جارنا‬
‫بالربض هو وأهله‪ ،‬وكان أعمى وبه وضح‪ .‬وكان يهوى جارية أديبة ظريفة شاعرة وكانت تحبه هي أيضا على قبح وجهه وما به‬
‫‪.‬من الوضح‪ ،‬حدثني بذلك عمرو بن بحر الجاحظ‬
‫‪:‬قال عمرو‪ :‬وحدثني العكوك أن هذه الجارية زارته يوما وأمكنته من نفسها حتى افتضها‪ .‬قال‪ ،‬وذلك عنيت في قولي‬
‫لم يرد عقل على هدره وهي القصيدة التي مدح بها أبا دلف‪ ،‬يعني بالدم‪ :‬دم البضع‬ ‫‪ .‬ودم أهدرت من رشـا‬
‫يستأذن على حميد الطوسي فيمتنع‪ ،‬ثم يأذن له فيمدحه‪ :‬قال‪ :‬ثم قصدت حميدا بقصيدتي التي مدحته بها‪ ،‬فلما استؤذن لي‬
‫‪:‬عليه أبى أن يأذن لي‪ ،‬وقال‪ :‬قولوا له‪ :‬أي شيء أبقيت لي بعد قولك في أبي دلف‬
‫بين مبداه ومحتضره‬ ‫إنما الدنيا أبو دلـف‬
‫ولت الدنيا على أثره‬ ‫فإذا ولى أبو دلـف‬

‫صفحة ‪2214 :‬‬

‫‪:‬فقلت للحاجب‪ :‬قل لله‪ :‬الذي قلت فيك أحسن من هذا‪ ،‬فإن وصلتني سمعته‪ ،‬فأمر بإيصالي‪ ،‬فأنشدت قولي فيه‬
‫وأياديه الجسـام‬ ‫إنما الدنيا حـمـيد‬
‫فعلى الدنيا السلم فأمر بمائتي دينار‪ ،‬فنثرتها في حجر عشيقتي‪ ،‬ثم جئته بقصيدتي التي‬ ‫فإذا ولى حـمـيد‬
‫‪:‬أقول فيها‬
‫يطعم من تسقي من الناس فأمر لي بمائتي دينار‬ ‫‪.‬دجلة تسقي وأبو غـانـم‬
‫شعره حين غضبت عليه التي أحبها حدثني عمي قال‪ :‬حدثني أحمد بن الطيب قال‪ :‬حدثني ابن أخي علي بن جبلة أيضا‪ :‬أن‬
‫‪:‬عمه عليا كان يهوى جارية‪ ،‬وهي هذه القينة‪ ،‬وكانت له مساعدة‪ ،‬ثم غضبت عليه‪ ،‬وأعرضت عنه‪ ،‬فقال فيها‬
‫تدل بما تتلوه عنـدي وتـعـرف‬ ‫تسيء ول تستنكر السـوء إنـهـا‬
‫ومن أين ما جربت صبري يضعف ينشد لنفسه أقبح ما قيل في ترك‬ ‫فمن أين ما استعطفتها لم ترق لـي‬
‫الضيافة‬
‫أخبرني حبيب بن نصر قال‪ :‬حدثنا عمر بن شبة قال‪ :‬تذاكرنا يوما أقبح ما هجي به الناس في ترك الضيافة وإضاعة الضيف‪،‬‬
‫‪:‬فأنشدنا علي بن جبلة لنفسه‬
‫وقالوا ل تنـم لـلـديدبـان‬ ‫أقاموا الديدبان علـى يفـاع‬
‫فصفق بالبنان على البنـان‬ ‫فإن آنست شخصا من بعـيد‬
‫ويأتون الصـلة بـل أذان يمدح حميدا الطوسي فيعطيه ألف دينار كان أمر‬ ‫تراهم خشية الضياف خرسا‬
‫بالتصدق بها‪ :‬أخبرني الحسن بن علي قال‪ :‬حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال‪ :‬حدثني أبي قال‪ :‬حدثني وهب بن سعيد‬
‫المروزي‪ ،‬كاتب حميد الطوسي‪ ،‬قال‪ :‬جئت حميدا في أول يوم من شهر رمضان‪ ،‬فدفع إلي كيسا فيه ألف دينار‪ ،‬وقال‪ :‬تصدقوا‬
‫بهذه‪ .‬وجاءه ابنه أصرم فسلم عليه ودعا له‪ ،‬ثم قال له‪ :‬خادمك علي بن جبلة بالباب‪ ،‬فقال‪ :‬وما أصنع به? جئتني به يا بني‬
‫‪:‬تقابلني بوجهه في أول يوم من هذا الشهر‪ .‬فقال‪ :‬إنه يجيد فيك القول‪ .‬قال‪ :‬فأنشدني بيتا مما تستجيد له‪ :‬فأنشده قوله‬
‫ضمنت لجائلة السباع عيالها فقال‪ :‬أحسن‪ .‬ائذنوا له‪ ،‬فدخل فسلم‪ ،‬ثم أنشد‬ ‫حيدي حياد فإن غزوة جيشه‬
‫‪:‬قوله‬
‫غيث على المعتفين هامي‬ ‫إن أبـا غـانـم حـمـيدا‬
‫وباب رزق علـى النـام‬ ‫صوره الله سيف حـتـف‬
‫والنعم الجمة الـعـظـام‬ ‫يا مانع الرض بالعوالـي‬
‫من لم يكن منك في ذمـام‬ ‫ليس من السوء في معـاذ‬
‫إل تقـدمـتـه أمـامـي‬ ‫وما تعمدت فيك وصـفـا‬
‫وانقطعت مـدة الـكـلم‬ ‫فقد تناهت بك المعـالـي‬
‫واسلم على الدهر ألف عام قال‪ :‬فالتفت إلي حميد‪ ،‬وقال‪ :‬أعطه ذلك اللف الدينار‬ ‫أجد شهرا وأبـل شـهـرا‬
‫‪.‬حتى يخرج للصدقة غيره‬
‫يستشفع بحميد الطوسي إلى أبي دلف وكان غضب عليه‪ :‬حدثني عمي قال‪ :‬حدثني يعقوب بن إسرائيل قال‪ :‬حدثني أبو سهيل‬
‫عن سالم مولى حميد الطوسي قال‪ :‬جاء علي بن جبلة إلى حميد الطوسي مستشفعا به إلى أبي دلف ‪-‬وقد كان غضب عليه‬
‫وجفاه‪ -‬فكرب معه إلى أبي دلف شافعا‪ ،‬وسأله في أمره‪ ،‬فأجابه واتصل الحديث بينهما وعلي بن جبلة محجوب‪ ،‬فأقبل على‬
‫‪:‬رجل إلى جانبه وقال‪ :‬اكتب ما أقول لك‪ ،‬فكتب‬
‫فالحر ليس عن الحرار يحتجب‬ ‫ل تتركي بباب الدار مطـرحـا‬
‫ألست أنت إلى معروفك السبب? قال‪ :‬فأمر بإيصاله إليه‪ ،‬ورضي عنه ووصله‬ ‫‪.‬هبنا بل شافع جئنـا ول سـبـب‬
‫يخشاه المخزومي أن ينشد شعرا‬
‫‪:‬في حضرته‬
‫أخبرني الحسن بن علي قال‪ :‬حدثنا ابن مهرويه قال‪ :‬حدثني أحمد بن مروان قال‪ :‬حدثني أبو سعيد المخزومي قال‪ :‬دخلت‬
‫على حميد الطوسي‪ ،‬فأنشدته قصيدة مدحته بها وبين يديه رجل ضرير‪ ،‬فجعل ل يمر ببيت إل قال‪ :‬أحسن قاتله الله أحسن‬
‫ويحه أحسن لله أبوه أحسن أيها المير‪ .‬فأمر لي حميد ببدرة‪ ،‬فلما خرجت قام غلي البوابون‪ ،‬فقلت‪ :‬كم أنتم? عرفوني أول من‬
‫هذا المكفوف الذي رأيته بين يدي المير? فقالوا‪ :‬علي بن جبلة العكوك فارفضضت عرقا‪ .‬ولو علمت أنه علي بن جبلة لما‬
‫‪.‬جسرت على النشاد بين يديه‬
‫‪:‬ل يأذن له المأمون في مدحه إل بشرط‪ ،‬فيختار القالة‬

‫صفحة ‪2215 :‬‬

‫أخبرني الحسن بن علي قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال‪ :‬حدثنا أحمد بن عبيد بن ناصح قال‪ :‬كلم حميد الطوسي‬
‫‪:‬المأمون في أن يدخل عليه علي بن جبلة‪ ،‬فيسمع منه مديحا مدحه به‪ ،‬فقال‪ :‬وأي شيء يقوله في بعد قوله في أبي دلف‬
‫بين مغزاه ومحتضره‬ ‫إنما الدنيا أبـو دلـف‬
‫ولت الدنيا على أثره وبعد قوله فيك‬ ‫‪:‬فإذا ولى أبـو دلـف‬
‫عزت بعزته العرب أحسن أحواله أن يقول في مثل ما قاله في أبي دلف‪ ،‬فيجعلني‬ ‫يا واحد العرب الذي‬
‫نظيرا له‪ .‬هذا إن قدر على ذلك ولم يقصر عنه‪ ،‬فخيروه بين أن أسمع منه‪ ،‬فإن كان مدحه إياي أفضل من مدحه أبا دلف‬
‫‪.‬وصلته‪ ،‬وإل ضربت عنقه أو قطعت لسانه‪ ،‬وبين أن أقيله وأعفيه من هذا وذا‪ .‬فخيروه بذلك‪ ،‬فاختار القالة‬
‫يمدح حميد الطوسي بخير من مدحه أبا دلف‪ :‬ثم مدح حميدا الطوسي‪ ،‬فقال له‪ :‬وما عساك أن تقول في بعد ما قلته في أبي‬
‫‪:‬دلف‪ ،‬فقال‪ :‬قد قلت فيك خيرا من ذلك‪ .‬قال‪ :‬هات‪ ،‬فأنشده‬
‫يطعم من تسقي من النـاس‬ ‫دجلة تسقـي وأبـو غـانـم‬
‫رأس وأنت العين في الراس فقال له حميد‪ :‬قد أجدت‪ ،‬ولكن ليس هذا مثل‬ ‫الناس جسم وإمـام الـهـدى‬
‫‪.‬ذلك‪ ،‬ووصله‬
‫يرثي حميدا الطوسي‪ :‬قال أحمد بن عبيد‪ ،‬ثم مات حميد الطوسي‪ ،‬فرثاه علي بن جبلة‪ ،‬فلقيته‪ ،‬فقلت له‪ :‬أنشدني مرثيتك‬
‫‪:‬حميدا‪ ،‬فأنشدني‬
‫تذاد بأطراف الرماح وتوزع حتى أتى على آخرها‬ ‫‪.‬نعاء حميدا للسرايا إذا غـدت‬
‫ل يبلغ شأو الخزيمي في رثاه أبي الهيذام‪ :‬فقلت له‪ :‬ما ذهب على النحو الذي نحوته يا أبا الحسن‪ ،‬وقد قاربته وما بلغته‪ .‬فقال‪:‬‬
‫‪:‬وما هو? فقلت‪ :‬أردت قول الخزيمي في مرثيته أبا الهيذام‬
‫وسهم المنايا بالذخائر مولع فقال‪ :‬صدقت والله‪ ،‬أما والله لقد نحوته وأنا ل أطمع‬ ‫وأعددته ذخرا لكل ملـمة‬
‫‪.‬في اللحاق به‪ ،‬ل والله ول امرؤ القيس لو طلبه وأراده ما كان يطمع أن يقاربه في هذه القصيدة‬
‫هربه من المأمون‬
‫‪:‬وقد طلبه لتفضيله أبا دلف عليه وعلى آله‬
‫أخبرني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن أبي طاهر‪ ،‬قال‪ :‬حدثني ابن أبي حرب الزعفراني‪ ،‬قال‪ :‬لما بلغ المأمون قول علي بن جبلة‬
‫‪:‬لبي دلف‬
‫بين بـاديه إلـى حـضـره‬ ‫كل من في الرض من عرب‬
‫يكتسيهـا يوم مـفـتـخـره غضب من ذلك‪ ،‬وقال‪ :‬اطلبوه حيث كان‪ ،‬فطلب فلم يقدر‬ ‫مستعـير مـنـك مـكـرمة‬
‫عليه‪ ،‬وذلك أنه كان بالجبل‪ ،‬فلما اتصل به الخبر هرب إلى الجزيرة‪ ،‬وقد كانوا كتبوا إلى الفاق في طلبه‪ ،‬فهرب من الجزيرة‬
‫أيضا‪ ،‬وتوسط الشام فظفروا به‪ ،‬فأخذوه‪ ،‬وحملوه إلى المأمون‪ ،‬فلما صار إليه قال له‪ :‬يا بن اللخناء ‪ ،‬أنت القائل للقاسم بن‬
‫‪:‬عيسى‬
‫بين بـاديه إلـى حـضـره‬ ‫كل من في الرض من عرب‬
‫يكتسيهـا يوم مـفـتـخـره جعلتنا ممن يستعير المكارم منه فقال له‪ :‬يا أمير‬ ‫مستعـير مـنـك مـكـرمة‬
‫المؤمنين‪ ،‬أنتم أهل بيت ل يقاس بكم أحد‪ ،‬لن الله جل وعز فضلكم على خلقه‪ ،‬واختاركم لنفسه‪ .‬وإنما عنيت بقولي في‬
‫‪.‬القاسم أشكال القاسم وأقرانه‪ ،‬فقال‪ :‬والله ما استثنيت أحدا عن الكل‪ ،‬سلوا لسانه من قفاه‬
‫أمر المأمون أن يسل لسانه لكفره‬
‫أخبرني الحسن بن علي قال‪ :‬حدثنا محمد بن موسى قال‪ :‬وحدثني أحمد بن أبي فنن‪ :‬أن المأمون لما أدخل عليه علي بن‬
‫جبلة قال له‪ :‬إني لست أستحل دمك لتفضيلك أبا دلف على العرب كلها وإدخالك في ذلك قريشا‪ -‬وهم آل رسول الله صلى‬
‫‪:‬الله عليه وسلم وعترته‪ -‬ولكني أستحله بقولك في شعرك وكفرك حيث تقول القول الذي أشركت فيه‬
‫وتنقل الدهر من حال إلى حال‬ ‫أنت الذي تنزل اليام منزلهـا‬
‫إل قضيت بـأرزاق وآجـال كذبت يا ماص بظر أمه‪ ،‬ما يقدر على ذلك أحد إل‬ ‫وما مددت مدى طرف إلى أحد‬
‫‪.‬الله ‪-‬عز وجل‪ -‬الملك الواحد القهار‪ .‬سلوا لسانه من قفاه‬

‫صوت‬

‫لعل روحا يدال من كرب ‪-‬ويروى‬ ‫‪:‬ل بد من سكرة على طرب‬


‫‪:‬لعل روحا يديل من كرب ‪-‬وهو أصوب‬
‫تضحك من لؤلؤ على ذهب‬ ‫فعاطنيها صهباء صـافـية‬
‫لخير أم من هـاشـم وأب‬ ‫خليفة الله أنت منـتـخـب‬

‫صفحة ‪2216 :‬‬

‫من المام المنصور في النسب الشعر للتيمي‪ ،‬والغناء لسليم بن سلم‪ ،‬خفيف‬ ‫اكرم بأصلين أنت فرعهـمـا‬
‫‪.‬ثقيل أول بالبنصر عن عمرو‪ ،‬وفيها لنظم العمياء خفيف رمل بالبنصر عن الهشامي‬

‫أخبار التيمي ونسبه‬


‫اسمه وولؤه وصفته‬
‫هو عبد الله بن أيوب‪ ،‬ويكنى أبا محمد مولى بني تميم ثم مولى بني سليم‪ .‬ذكر ذلك ابن النطاح‪ ،‬وكان له أخ يقال له أبو‬
‫التيحان‪ ،‬وكلهما كان شاعرا‪ ،‬وهما من أهل الكوفة‪ ،‬وهما من شعراء الدولة العباسية‪ .‬أحد الخلعاء المجان الوصافين للخمر‪،‬‬
‫وكان صديقا لبراهيم الموصلي وابنه إسحاق‪ ،‬ونديما لهما‪ ،‬ثم اتصل بالبرامكة ومدحهم‪ ،‬واتصل بيزيد بن مزيد فلم يزل منقطعا‬
‫‪.‬إليه حتى مات يزيد‬
‫أكثر شعره في وصف الخمر‬
‫‪:‬واستنفد شعره أو أكثره في وصفه الخمر‪ ،‬وهو الذي يقول‬
‫بالكاس والطاس والقنـقـل‬ ‫شربت من الخمر يوم الخميس‬
‫وتـذهـب بــالول الول‬ ‫فما زالت الكأس تغتـالـنـا‬
‫ونحن من السكر لم نعـقـل‬ ‫إلى أن توافت صلة العشـا‬
‫وحق المدام فـل يجـهـل‬ ‫فمن كان يعرف حق الخميس‬
‫تهيج مراء على السلـسـل وهو القائل‬ ‫‪:‬وما إن جرت بيننـا مـزحة‬
‫بوادي عظامي في ضريحي لحد‬ ‫ولن أنتهي عن طيب الراح أو يرى‬
‫وكنت امرأ غير الشباب أكـابـد رواية أخرى في ولئه‪ :‬أخبرني محمد بن‬ ‫أضعت شبابي في الشراب تـلـذذا‬
‫‪.‬يحيى الصولي قال‪ :‬حدثني أبو العيناء عن محمد بن عمر‪ ،‬قال‪ :‬أبو محمد التيمي اسمه عبد الله بن أيوب مولى بني تميم‬
‫يرثى ابنا له‪ :‬حبان‪ :‬أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار عن محمد بن الجراح قال‪ :‬قال دعبل‪ :‬كان للتيمي أبي محمد ابن يقال‬
‫له حبان‪ ،‬ومات وهو حديث السن‪ ،‬فجزع عليه‪ ،‬وقال يرثيه‪ :‬صوت‬
‫فامنح فؤادك من أحبابك الياسا‬ ‫أودى بجبان ما لم يترك النـاس‬
‫أصبن مني سواد القلب والراسا‬ ‫لما رمته المنايا إذ قصـدن لـه‬
‫ل تأس أبشر أبا حبان ل تاسى‬ ‫وإذ يقول لي العواد إذ حضروا‬
‫إخال سنته في الليل قرطاسـا غنى في الول والرابع من هذه البيات حكم‬ ‫فبت أرعى نجوم الليل مكتئبـا‬
‫‪:‬الوادي‪ ،‬ولحنه رمل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق‪ .‬وأول هذه القصيدة‬
‫وما عهدتك لي يا دير مئناسـا وهي مشهورة من شعره‬ ‫‪.‬يا دير هند لقد أصبحت لي أنسا‬
‫يجيز بيتا لسحاق عجز عن إتمامه‪ :‬أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال‪ :‬حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال‪:‬‬
‫‪:‬حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه قال‪ :‬قلت‬
‫وصف الصد لمن أهوى فصد ثم أجبلت ‪ ،‬فمكثت عدة ليال ل يستوى لي تمامه‪ .‬فدخل علي التيمي فرآني مفكرا‪ ،‬فقال لي‪ :‬ما‬
‫‪:‬قصتك? فأخبرته‪ ،‬فقال‬
‫‪:‬وبدا يمزح بالهجر فجد ثم أتممتها‪ ،‬فقلت‬
‫وهو ل يعدله عندي أحد? وخرجت إلى مدح الفضل بن الربيع‪ ،‬فقلت‬ ‫‪:‬ما له يعدل عني وجهـه‬
‫تطلب الغرة في خيس السد‬ ‫وقد أرادوا غيرة الفضل وهل‬
‫وبه يصلح منا مـا فـسـد‬ ‫ملك ندفع ما نخـشـى بـه‬
‫وإذا ما فعل الفضـل وعـد ‪-‬لسحاق في هذا الشعر صنعة‪ ،‬ونسبتها‪ :‬صوت‬ ‫يفعل الناس إذا مـا وعـدوا‬
‫وبدا يمزح بالهجر فـجـد‬ ‫وصف الصد لمن نهوى فصد‬
‫وهو ل يعد له عندي أحـد? الشعر والغناء لسحاق‪ ،‬خفيف رمل بالبنصر‪ ،‬وله فيه‬ ‫ما له يعدل عنـي وجـهـه‬
‫أيضا ثقيل أول‪ ،‬وفيه لزكريا بن يحيى بن معاذ هزج بالبنصر عن الهشامي وغيره‪ .‬قال الهشامي‪ :‬وقيل إن الهزج لسحاق‪،‬‬
‫‪.‬وخفيف الرمل لزكريا‬
‫اشترك هو وإسحاق في البيتين السابقين‪ :‬أخبرني جحظة عن علي بن يحيى المنجم عن إسحاق قال‪ :‬اشتركت أنا وأبو محمد‬
‫‪:‬التيمي في هذا الشعر‬
‫‪.‬وصف الصد لمن نهوى فصد‪ .‬وذكر البيتين‬
‫يطلب الرشيد إنشاد مرثيته في يزيد بن مزيد‪ :‬أخبرني عمي قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال‪ :‬حدثني محمد بن عبد الله‬
‫‪:‬بن طهمان قال‪ :‬حدثني محمد الراوية الذي يقال له البيذق وكان يقرأ شعر المحدثين على الرشيد ‪-‬قال‬

‫صفحة ‪2217 :‬‬

‫‪:‬قال لي الرشيد يوما‪ :‬أنشدني مرثية مروان بن أبي حفصة في معن بن زائدة التي يقول فيها‬
‫من الظلم ملبسة جـلل‬ ‫كأن الشمس يوم أصيب معن‬
‫تهد من العدو به الجـبـال‬ ‫هو الجبل الذي كانت معـد‬
‫مقامـا ل نـريد بـه زيال‬ ‫أقمنا باليمامة بعـد مـعـن‬
‫وقد ذهب النوال فل نـوال قال‪ :‬فأنشدته إياها‪ ،‬ثم قال لي‪ ،‬أنشدني قصيدة أبي‬ ‫وقلنا أين نذهب بعد مـعـن‬
‫‪:‬موسى التيمي في مرثية يزيد بن مزيد‪ ،‬فهي والله أحب إلي من هذه‪ ،‬فأنشدته‬
‫تبين أيها الناعـي الـمـشـيد‬ ‫أحـــق أنــــه أودى يزيد‬
‫به شفتاك‪ ،‬كان بك الصـعـيد‬ ‫أتدري من نعيت وكيف فاهـت‬
‫فما للرض ويحك ل تـمـيد‬ ‫أحامي المجـد والسـلم أودى‬
‫دعائمه وهل شـاب الـولـيد‬ ‫تأمل هل ترى السلم مـالـت‬
‫وهل وضعت على الخيل اللبود‬ ‫وهل شيمت سيوف بنـي نـزار‬
‫بدرتها وهل يخـضـر عـود‬ ‫وهل تسقي البلد عشار مـزن‬
‫بلى وتقوض المجد الـمـشـيد‬ ‫أما هدت لمـصـرعـه نـزار‬
‫طريف المجد والحسب التـلـيد‬ ‫وحل ضـريحـه إذ حـل فـيه‬
‫عليك بدمعـهـا أبـدا تـجـود‬ ‫أما والله ما تـنـفـك عـينـي‬
‫فليس لدمع ذي حسب جـمـود‬ ‫فإن تجمـد دمـوع لـئيم قـوم‬
‫دموعا أو تصان لهـا خـدود‬ ‫?أبعد يزيد تختـزن الـبـواكـي‬
‫وهت أطنابها ووهي العـمـو‬ ‫لتبكـيك قـبة السـلم لـمـا‬
‫له نشبا وقد كسـد الـقـصـيد‬ ‫ويبكيك شاعر لـم يبـق دهـر‬
‫ينوب وكل معـضـلة تـئود‬ ‫?فمن يدعو المام لكل خـطـب‬
‫بحيلة نفسه البطل الـنـجـيد‬ ‫?ومن يحمي الخميس إذا تـعـايا‬
‫فريس لـلـمـنـية أو طـريد‬ ‫فإن يهلـك يزيد فـكـل حـي‬
‫فتكن به وهـن لـه جـنـود‬ ‫?ألم تعجـب لـه أن الـمـنـايا‬
‫إذا ما الحرب شب لهـا وقـود‬ ‫قصدن له وهن يحـدن عـنـه‬
‫عليها مـثـل يومـك ل يعـود قال‪ :‬فبكى هارون الرشيد بكاء اتسع فيه حتى لو كانت‬ ‫لقـد عـوى ربـيعة أن يومـا‬
‫‪.‬بين يديه سكرجة لملها من دموعه‬
‫يجيز شعرا للمين‪ :‬أخبرني محمد بن يحيى قال حدثنا أبو العيناء قال حدثنا محمد بن عمر قال‪ :‬خرج كوثر خادم محمد المين‬
‫‪:‬ليرى الحرب‪ ،‬فأصابته رجمة في وجهه‪ ،‬فجلس يبكي‪ ،‬فوجه محمد من جاءه به‪ ،‬وجعل يمسح الدم عن وجهه‪ ،‬وقال‬
‫ومن أجلي ضربوه‬ ‫ضربوا قرة عينـي‬
‫من أناس أحرقوه قال‪ :‬وأراد زيادة في البيات فلم يواته‪ ،‬فقال للفضل بن الربيع‪ :‬من ها‬ ‫أخذ الله لقـلـبـي‬
‫هنا من الشعراء‪ ،‬فاقل‪ :‬الساعة رأيت عبد الله بن أيوب التيمي‪ ،‬فقال‪ :‬علي به‪ .‬فلما أدخل أنشده محمد هذين البيتين‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫‪:‬أجزهما‪ ،‬فقال‬
‫فبـه الـدنـيا تـتـيه‬ ‫ما لمن أهـوى شـبـيه‬
‫هجـره مـر كـريه‬ ‫وصله حـلـو ولـكـن‬
‫ل علـيهـم حـسـدوه‬ ‫من رأى الناس له الفض‬
‫ئم بالـمـلـك أخـوه فقال محمد‪ :‬أحسنت‪ ،‬هذا والله خير مما أوردناه‪ ،‬بحياتي عليك يا‬ ‫مثل ما قد حسد الـقـا‬
‫‪.‬عباسي إل نظرت‪ ،‬إن جاء على الظهر ملت أحمال ظهره دراهم‪ ،‬وإن كان جاء في زورق ملته‪ .‬فأوقرت له ثلثة أبغل دراهم‬
‫يلجأ إلى الفضل بن سهل ليوصله إلى المأمون‪ ،‬فيمدحه‪ ،‬ويعفو المأمون عنه‪ :‬قال محمد بن يحيى‪ :‬فحدثني الحسن بن عليل‬
‫العنزي قال‪ :‬حدثني محمد بن إدريس قال‪ :‬لما قتل محمد المين خرج إلى أبو محمد التيمي إلى المأمون وامتدحه‪ ،‬فلم يأذن‬
‫‪:‬له‪ ،‬فصار إلى الفضل بن سهل ولجأ إليه وامتدحه‪ ،‬فأوصله إلى المأمون‪ .‬فلما سلم عليه قال له المأمون‪ :‬إيه يا تيمي‬
‫ئم بالملك أخـوه فقال التيمي‪ :‬بل أنا الذي أقول يا أمير المؤمنين‬ ‫‪:‬مثل ما قد حسد القا‬
‫ه لمـا ظـلـمـوه‬ ‫نصر المأمون عبد الل‬
‫نوا قـديمـا أكـدوه‬ ‫نقضوا العهد الذي كا‬
‫بالذي أوصى أبـوه‬ ‫لم يعامـلـه أخـوه‬

‫صفحة ‪2218 :‬‬

‫‪:‬ثم أنشده قصيدة له امتدحه بها أولها‬


‫وبان الشباب والشباب حبيب قال‪ :‬فلما أنشده إياها وفرغ منها قال‪ :‬قد‬ ‫جزعت ابن تيم أن أتاك مشيب‬
‫‪.‬وهبتك لله ‪-‬عز وجل‪ -‬ولخي العباسي‪ -‬يعني الفضل بن سهل‪ -‬وأمرت لك بعشرة آلف درهم‬
‫ينشد المين أبياتا فيأمر له بمائتي ألف درهم‪ :‬أخبرني محمد بن يحيى قال‪ :‬حدثني عون بن محمد الكندي قال‪ :‬حدثني عباد ابن‬
‫‪:‬محمد الكاتب عن أبي محمد التيمي الشاعر قال‪ :‬أنشدت المين محمد أول ما ولي الخلفة قولي‬
‫لعل روحا يديل من كرب البيات المذكورة في الغناء‪ .‬قال‪ :‬فأمر لي بمائتي ألف‬ ‫ل بد من سكرة على طرب‬
‫‪.‬درهم‪ ،‬صالحوني منها على مائة ألف درهم‬
‫يدخل على المين فيتمنى أنه يكون له مثل مدح أنشده إياه‪ ،‬فيمدحه بقصيدة‪ :‬وأخبرني جعفر بن قدامة قال‪ :‬حدثني محمد بن‬
‫يحيى المنجم قال‪ :‬وحدثني حسين بن الضحاك قال‪ :‬قال لي أبو محمد التيمي‪ :‬دخلت على محمد المين أول ما ولي الخلفة‪،‬‬
‫‪:‬فقال‪ :‬يا تيمي‪ ،‬وددت أنه قيل في مثل قول طريح بن إسماعيل في الوليد بن يزيد‬
‫طوبي لعراقك التي تشج فإني والله أحق بذلك منه‪ ،‬فقلت‪ :‬أنا أقول ذلك يا أمير‬ ‫طوبى لفرعيك من هنا وهنا‬
‫‪:‬المؤمنين‪ ،‬ثم دخلت إليه من غد فأنشدته قصيدتي‬
‫لعل روحا يديل من كرب حتى انتهيت إلى قولي‬ ‫‪:‬ل بد من سكرة على طرب‬
‫إلى المام المنصور في النسب فتبسم‪ ،‬ثم قال لي‪ :‬يا تيمي قد أحسنت‪ ،‬ولكنه‬ ‫أكرم بفرعـين يجـريان بـه‬
‫كما قيل‪ :‬مرعى ول كالسعدان‪ ،‬ثم التفت إلى الفضل بن الربيع فقال‪ :‬بحياتي أو قر له زورقه مال‪ ،‬فقال‪ :‬نعم يا سيدي‪ .‬فلما‬
‫‪.‬خرجت طالبت الفضل بذلك‪ ،‬فقال‪ :‬أنت مجنون? من أين لنا ما يمل زورقك? ثم صالحني على مائة ألف درهم‬
‫يمدح الفضل بن يحيى فيأمر له بخمسة آلف درهم‪ :‬أخبرني وكيع قال‪ :‬حدثني ابن إسحاق قال‪ :‬حدثني أبي قال‪ :‬كنت على‬
‫باب الفضل بن يحيى‪ ،‬فأتاني التيمي الشاعر بقصيدة في قرطاس‪ ،‬وسألني أن أوصلها إلى الفضل‪ ،‬فنظرت فيها ثم خرقت‬
‫القرطاس‪ ،‬فغضب أبو محمد وقال لي‪ :‬أما كفاك أن استخففت بحاجتي? منعتني أن أدفعها إلى غيرك‪ .‬فقلت له‪ :‬أنا خير لك من‬
‫القرطاس‪ ،‬ثم دخلت إلى الفضل‪ ،‬فلما تحدثنا قلت له‪ :‬معي هدية وصاحبها بالباب؛ وأنشدته‪ ،‬فقال‪ :‬كيف حفظتها? قلت‪:‬‬
‫الساعة دفعها إلي على الباب‪ ،‬فحظفتها‪ .‬فقال‪ :‬دع ذا الن‪ .‬فقلت له‪ :‬فأدخله‪ ،‬فأدخل‪ ،‬فسأله عن القصة فأخبره‪ .‬فقال‪:‬‬
‫أنشدني شيئا من شعرك ففعل‪ ،‬وجعلت أردد أبياته‪ ،‬وجعلت أشيعها بالستحسان‪ ،‬ثم خرج التيمي فقلت‪ :‬خذ في حاجة الرجل‪،‬‬
‫فقال‪ :‬أما إذ عنيت به فقد أمرت له بخمسة آلف درهم‪ .‬فقلت له‪ :‬أما غذ أقللتها فعجلها‪ ،‬فأمر بها فأحضرت‪ .‬فقلت له‪ :‬أليس‬
‫لعناتك إياي ثمن? قال‪ :‬نعم‪ .‬قلت فهاته‪ .‬قال‪ :‬ل أبلغ بك في العنات ما بلغت بالشاعر في المديح‪ .‬فقلت‪ :‬فهات ما شئت‪،‬‬
‫‪.‬فأمر بثلثة آلف درهم‪ ،‬فضممتها إلى الخمسة اللف‪ ،‬ووجهت بها غليه‬
‫يسكر هو وأخوه وابن عم له‪ ،‬وينظم في ذلك شعرا بعد انصرافهم‪ :‬وذكر أحمد بن طاهر عن أبي هفان عن إسحاق قال‪ :‬كان‬
‫التيمي وأخوه أبو التيحان وابن عم له يقال له‪ :‬قبيصة يشرون في حانة حتى سكروا وانصرفوا من غد‪ ،‬فقال التيمي يذكر ذلك‬
‫ويتشوق مثله‪ :‬صوت‬
‫يرة شـنـعـاء يا قـبـيص ســـبـــيل‬ ‫هل إلـى سـكـرة بـنـاحـــية الـــح‬
‫رعة والـرأس فـوقـــه إكـــلـــيل‬ ‫وأبـو الـتـيحـان فـي كـفـه الـقـــر‬
‫‪.‬وعرار كأنه بيذق الشطرنج يفتن فيه قال وقيل الشعر للتيمي والغناء لمحمد بن الشعث‪ ،‬رمل بالوسطى‬
‫يشتري ضيعة بجائزة له من المين‪ :‬أخبرني الحسن بن علي قال‪ :‬حدثنا أبو العيناء عن أبي العالية‪ ،‬قال‪ :‬أمر محمد المين لعبد‬
‫‪:‬الله بن أيوب بجائزة عشرة آلف دينار ثوابا عن بعض مدائحه‪ ،‬فاشترى بها ضيعة بالبصرة‪ ،‬وقال عبد ابتياعه إياها‬
‫أرضا أمون بها قرابـتـيه‬ ‫إن اشتريت بما وهبت لـيه‬
‫يا بن الربيع احمل إليه ميه فغني بها المين‪ ،‬فقال للفضل‪ :‬بحياتي يا عباسي‪،‬‬ ‫فبحسن وجهك حين أسأل قل‬
‫‪.‬احمل إليه مائة ألف‪ ،‬فدعا به فأعطاه خمسين ألفا‪ ،‬وقال له‪ :‬الخمسون الخر علي إذا اتسعت أيدينا‬
‫‪:‬يعشق جارية‪ ،‬ويسأل ثمنها فيعطيه المأمون إياه فيشتريها‬

‫صفحة ‪2219 :‬‬

‫أخبرني الحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو العيناء‪ ،‬عن أبي العالية قال‪ :‬عشق التيمي جارية لبعض الخاسين‪ ،‬فشكا وجده بها إلى أبي‬
‫عيسى بن الرشيد‪ ،‬فقال أبو عيسى للمأمون‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬إن التيمي يجد بجارية لبعض النخاسين‪ ،‬وقد كتب إلي بيتين‬
‫‪:‬يسألني فيهما ثمنها‪ ،‬فقال‪ :‬وهما هما? فقال‬
‫وأخو الصبر إذا عيل شكا‬ ‫يا أبا عيسى إليك المشتكى‬
‫وأعاف المشرب المشتركا قال‪ :‬فأمر له بثلثين ألف درهم فاشتراها بها‬ ‫‪ .‬ليس لي صبر على فقدانها‬
‫يمدح الفضل بن الربيع يوم عيد فيعطيه عشرة آلف درهم‪ :‬أخبرني الحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو العيناء عن أبي العالية قال‪ :‬دخل‬
‫‪:‬التيمي إلى الفضل بن الربيع في يوم عيد فأنشده‬
‫وغيث حيا للمرملين مريع‬ ‫أل إنما آل الربـيع ربـيع‬
‫لهم درج فوق العباد رفيع فأمر به بعشرة آلف درهم‬ ‫‪.‬إذا ما بدا آل الربيع رأيتهم‬
‫يمدح الفضل بن يحيى بثلثة ابيات فيعطيه ثلثة آلف درهم‪ :‬أخبرني عيسى بن الحسن قال‪ :‬حدثنا أحمد بن أبي خيثمة قال‪:‬‬
‫حدثنا الزبير بن بكار قال‪ :‬مدح أبو محمد التيمي بن يحيى بثلثة أبيات ودفعها إلى إسحاق الموصلي‪ ،‬فعرضها على الفضل بن‬
‫‪:‬يحيى‪ ،‬فأمر له بثلثة آلف درهم‪ ،‬والبيات‬
‫وإن عظموا للفضل إل صنائع‬ ‫لعمرك ما الشراف في كل بلدة‬
‫إذا ما بدا والفضل لله خـاشـع‬ ‫ترى عظماء الناس للفضل خشعا‬
‫وكل جليل عنده مـتـواضـع يسمع كتابا للحجاج إلى قتيبة بن مسلم فينظم شعرا‬ ‫تواضع لما زاده الـلـه رفـعة‬
‫يضمنه معناه‪ :‬أخبرني جحظة قال‪ :‬حدثني علي بن يحيى المنجم قال‪ :‬حدثني إسحاق الموصلي عن محمد بن سلم قال‪ :‬كتب‬
‫الحجاج إلى قتيبة بن مسلم‪ :‬إني قد نظرت في سني‪ ،‬فإذا أنا ابن ثلث وخمسين سنة‪ ،‬وأنا وأنت لدة عام‪ .‬وإن امرأ قد سار‬
‫‪.‬إلى منهل خمسين سنة لقريب أن يرده‪ ،‬والسلم‬
‫‪:‬فسمع هذا أبو محمد التيمي مني فقال‬
‫وخلفت في قرن فأنت غريب‬ ‫إذا ذهب القرن الذي أنت فيهم‬
‫إلى منل من ورده لـقـريب يجيزه المأمون على مدح له في المين يذكر فيه‬ ‫وإن امرأ قد سار خمسين حجة‬
‫الخمر‪ :‬حدثني عمي قال‪ :‬حدثني أحمد بن أبي طاهر‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو دعامة علي بن يزيد قال‪ :‬حدثني التيمي أبو محمد قال‪:‬‬
‫دخلت على الحسن بن سهل‪ ،‬فأنشدته مديحا في المأمون ومديحا فيه‪ ،‬وعنده طاهر بن الحسين‪ ،‬فقال له طاهر‪ :‬هذا والله أيها‬
‫‪:‬المير الذي يقول في محمد المخلوع‬
‫لعل روحـا يديل مـن كـرب‬ ‫ل بد من سكرة علـى طـرب‬
‫لخـير أم مـن هـاشـم وأب‬ ‫خليفة الله خـير مـنـتـخـب‬
‫آباؤه في سوالـف الـكـتـب‬ ‫خلفة الـلـه قـد تـوارثـهـا‬
‫عن خاتم النبياء في الحـقـب‬ ‫فهـي لـه دونـكـم مــورنة‬
‫أقدم أنـتـم دعـائم الـعـرب فقال الحسن‪ :‬عرض والله ابن اللخناء بأمير‬ ‫يا بن الذرا من ذوائب الشرف ال‬
‫المؤمنين‪ ،‬والله لعلمنه‪ .‬وقام إلى المأمون فأخبره‪ ،‬فقال المأمون‪ :‬وما عليه من ذلك‪ ،‬رجل أمل رجل فمدحه‪ ،‬والله لقد أحسن‬
‫‪.‬بنا‪ ،‬وأساء إليه إذ لم يتقرب إليه إل بشرب الخمر‪ ،‬ثم دعاني فخلع علي وحملني‪ ،‬وأمر لي بخمسة آلف درهم‬
‫ينشد أول شعر عرف به ووصل به إلى الخليفة‪ :‬أخبرني الحسن بن علي قال‪ :‬حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال‪:‬‬
‫حدثني أبو الشبل البرجمي عن أبيه قال‪ :‬قال لي أبو محمد التيمي‪ :‬أول شعر عرفت به فشاع فيه ذكري ووصلت به إلى‬
‫الخليفة قولي‪ :‬صوت‬
‫بمحب مسـتـهـام‬ ‫طاف طيف في المنام‬
‫وشفت بعض السقام‬ ‫زورة أبقت سقـامـا‬
‫من حرام بـحـرام‬ ‫لم يكن ما كان فيهـا‬
‫وهي في ليل التمام‬ ‫لم تكـن إل فـواقـا‬

‫صفحة ‪2220 :‬‬

‫الغناء لسحاق فقال‪ :‬فصنع فيها إسحاق لحنا وغنى به الرشيد‪ ،‬فسأله عن قائل الشعر‪ ،‬فقال له‪ :‬صديق لي شاعر ظريف‪،‬‬
‫يعرف بالتيمي‪ ،‬فطلبت وأمرت بالحضور‪ ،‬فسألت عن السبب الذي دعيت له فعرفته‪ ،‬فأتممت الشعر وجعلته قصيدة مدحت بها‬
‫‪.‬هارون‪ .‬ودخلت إليه فأنشدته إياها‪ ،‬فأمر لي بثلثين ألف درهم‪ ،‬وصرت في جملة من يدخل إليه بنوبة وأمر أن يدون شعري‬
‫يجتاز بإسحاق الموصلي فيدعوه إلى طعام وشراب‪ :‬أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الزهر قال‪ :‬حدثنا حماد بن إسحاق قال‪:‬‬
‫حدثني عمي طياب بن إبراهيم الموصلي قال‪ :‬حدثني أبو محمد التيمي الشاعر قال‪ :‬اجتزت يوما باخيك إسحاق فقال‪ :‬ادخل‬
‫حتى أطعمك طعاما صرفا‪ ،‬وأسقيك شرابا صرفا وأغنيك غناء صرفا‪ ،‬فدخلت إليه‪ ،‬فأطعمني لحما مكببا‪ ،‬وشواء حارا وباردا‬
‫‪:‬مبزرا‪ ،‬وأسقاني شرابا عتيقا صرفا‪ ،‬وغناني وحده مرتجل‬
‫حديدا إذا كـان الـحـديد يذوب‬ ‫ولو أن أنفاسي أصابت بحرهـا‬
‫لما كان في عام الجدوب جدوب‬ ‫ولو أن عيني أطلق من وكائهـا‬
‫وأمسي وراء الشمس حين تغيب‬ ‫ولو أن سلمى تطلع الشمس دونها‬
‫وقلت لقلبي إنـهـا لـقـريب فلم تزل تلك حالي حتى حملت من بيته سكران‬ ‫‪ .‬لحدثت نسي أن تريع بها النـوى‬
‫يستأذن عمرو بن مسعدة في النشاد فيجعل الذن لسحاق الموصلي فيأذن‪ :‬أخبرني جحظة قال حدثنا حماد بن إسحاق عن‬
‫أبيه قال‪ :‬دخلت يوما على مروة بن مسعدة‪ ،‬فإذا أبو محمد التيمي واقف بين يديه يستأذنه في النشاد‪ ،‬فقال‪ :‬ذاك إلى أبي‬
‫محمد ‪-‬يعنيني‪ -‬وكان على التيمي عاتبا‪ ،‬فكره أن يمنعه لعلمه بما بيننا من المودة‪ ،‬فقلت له‪ :‬أنشد إذ جعل المر لي‪ ،‬فأرجو أن‬
‫‪:‬يجعل أمر الجائزة أيضا إلي‪ .‬فتبسم عمرو‪ ،‬وأنشده التيمي‬
‫أم تـخـلـى عـنـد الـشـدائد مــنـــي‬ ‫?يا أبـا الـفـضـل كـيف تـغـفـل عـنــي‬
‫أنسيت الخاء والعهد والود حديثا ما كان ذلك ظني‬
‫أنا من قد بلوت في سالف الدهر مضت ضرتي ولم تفن سني‬
‫فاصطنعني لما ينوب به الدهر فإني أجوز في كل فن‬
‫أنا ليث على عدوك سلم لك في الحرب فابتذلني وصلني‬
‫ومـجـن إن لـم تـثـق بـــمـــجـــن‬ ‫أنا سيف يوم الوغى وسنان‬
‫ي مـعـين عـلـى الـخـصـيم الـمـعــن‬ ‫أنـا طـب فـي الـرأي فـي مـوضـع الـرأ‬
‫وأمين على الودائع والسر إذا ما هويت أن تأتمني قال‪ :‬فأقبل علي عمرو وهو يضحك‪ ،‬وقال‪ :‬أتعلم هذا الغناء منك أم كان‬
‫يعلمه قديما? فقلت له‪ :‬لم يكذب‪ ،‬أعزك الله‪ .‬فقال‪ :‬أفي هذا وحده أو في الجميع? فقلت‪ :‬أما في هذا فأنا أحق كذبة‪ ،‬والله‬
‫‪:‬أعلم بالباقي‪ .‬ثم أنشده‬
‫ل دليل إن نام كل ضفن فقال له‪ :‬إذا عزمنا على الحج امتحناك في هذا‪ ،‬فإني أراك‬ ‫وإذا ما أردت حجا فرحا‬
‫‪:‬تصلح له‪ ،‬ثم أنشده‬
‫اس إني أرى به مس جن فقال‪ :‬ما أراه أبعد‪ ،‬فقال‬ ‫‪:‬ولبيب على مقال أبي العب‬
‫خاف هيج الزمان فازور عنـي‬ ‫وهو الناصح الشـفـيق ولـكـن‬
‫في الملهي وفي الصبا متـثـن‬ ‫وظريف عند المـزاح خـفـيف‬
‫ل ملـول‪ ،‬ل ل ول مـتـجـن‬ ‫كيف باعدت أو جفوت صـديقـا‬
‫منك بالترهات ما لـم تـهـنـي‬ ‫صرت بعد الكرام والنس أرضى‬
‫ه ربي ل خنت من لـم يخـنـي‬ ‫لم تخني ولم أخـنـك ول والـل‬
‫وسلفـا يجـنـهـا بـطـن دن‬ ‫إن أكن تبت أو هجرت الملهـي‬
‫قوت يجري في جيد ظبي أغـن فأمر له بخمسة آلف درهم‪ ،‬فقال له‪ :‬هذا شيء‬ ‫فحديثي كالـدر فـصـل بـالـيا‬
‫‪.‬تطوعت به‪ ،‬فأين موضع حكمي? فقال‪ :‬مثلها‪ ،‬فانصرف بعشرة آلف درهم‬
‫يمر بخمار بالحيرة وقد أسن‪ ،‬فينشد شعرا في شربه عنده‪ :‬أخبرني عمي قال‪ :‬حدثني محمد بن الحسن بن مسعود قال‪:‬‬
‫حدثني علي بن عمرو قال‪ :‬مر التيمي بالحيرة على خمار كان يألفه‪ ،‬وقد أسن التيمي وأرعش‪ ،‬وترك النبيذ‪ .‬فقال له الخمار‪:‬‬
‫ويحك أبلغ بك المر إلى ما أرى? فقال‪ :‬نعم والله‪ ،‬لول ذلك لكثرت عندك‪ .‬ثم أنشأ يقول‪ :‬صوت‬
‫?هل إلى سكرة بناحية الحيرة يوما قبل الممات سيبل‬
‫عة والـــرأس فـــوق الكـــلـــــيل‬ ‫وأبو التيحان في كفه القر‬

‫صفحة ‪2221 :‬‬

‫رنج يفتن فيه قال وقيل في هذه البيات لمحمد بن الشعث رمل بالوسطى عن‬ ‫وعرار كأنه بيذق الشط‬
‫‪.‬الهشامي‬
‫يهوى غلما ويشغل الغلم عنه بهوى جارية فينظم في هذا شعرا‪ :‬أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال‪ :‬حدثنا عيسى بن‬
‫إسماعيل قال‪ :‬كان أبو محمد التيمي يهوى غلما‪ ،‬وكان الغلم يهوى جارية من جواري القيان‪ ،‬فكان بها مشغول عنه‪ ،‬وكانت‬
‫‪:‬القينة تهوى الغلم أيضا فل تفارقه‪ ،‬فقال التيمي‬
‫وساحر ليس بمسحرو‬ ‫ويلي على أغيد ممكور‬
‫نؤثره نحن على الحور‬ ‫تؤثره الحور علينا كمـا‬
‫منتظم اللفة مغمـور‬ ‫علق من علق فيه هوى‬
‫مقلب صفقة مقمـور يمدح المين فيأمر بملئ زورقه دراهم‪ :‬أخبرني الحسن بن‬ ‫وكل من تهواه في أمره‬
‫علي قال‪ :‬حدثنا ابن أبي سعد قال‪ :‬حدثني أحمد بن محمد الفارسي قال‪ :‬حدثنا غسان بن عبد الله عن أبي محمد التيمي قال‪:‬‬
‫‪:‬لما أنشدت المين قولي فيه‬
‫لخـير أم مـن هـاشـم وأب‬ ‫خليفة الله خـير مـنـتـخـب‬
‫إلى المام المنصور في النسب طرب‪ ،‬ثم قال للفضل بن الربيع‪ :‬بحياتي أوقر له‬ ‫أكرم بعـرقـين يجـريان بـه‬
‫زورقه دراهم‪ ،‬فقال‪ :‬نعم يا سيدي‪ :‬فلما خرجنا طالبته بذلك‪ ،‬فقال‪ :‬أمجنون أنت? من أين لنا ما يمل زورقك? ثم صالحني على‬
‫‪.‬مائة ألف درهم‪ ،‬فقبضتها‬
‫يقول شعرا ينهي فيه عن الخضوع لغير الله‪ :‬أخبرني حبيب بن نصر المهلبي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن عبد الله المدني قال‪:‬‬
‫‪:‬حدثني عبد الله بن أحمد التيمي ابن أخت أبي محمد التيمي الشاعر‪ ،‬قال‪ :‬أنشدني خالي لنفسه قوله‬
‫فإن ذاك مضر منك بـالـدين‬ ‫ل تخضعن لمخلوق على طمع‬
‫فإنما هو بين الكاف والـنـون‬ ‫وارغب إلى الله مما في خزائنه‬
‫من الخلئق مسكين ابن مسكين‬ ‫أما ترى كل من ترجو وتأملـه‬
‫صوت‬
‫بمطلبها ومطلبها عسـير‬ ‫?ألم تر أنني أفنيت عـمـري‬
‫يقربني وأعيتنـي المـور‬ ‫فلما لم أجد سبـبـا إلـيهـا‬
‫فجيمعني وإياها المـسـير الشعر لبي نواس‪ ،‬والغناء للزبير بن دحمان‪ ،‬رمل‬ ‫حججت وقلت قد حجت جنان‬
‫بالوسطى من رواية أحمد بن المكي وبذل‪ ،‬وغناني محمد بن إبراهيم قريض الجرحي ‪-‬رحمه الله‪ -‬فيه لحنا من خفيف الثقيل‪،‬‬
‫‪.‬فسألته عن صانعه فلم يعرف‬

‫أخبار أبي نواس وجنان خاصة‬


‫إذ كانت أخباره قد أفردت خاصة صفات جنان وصدق أبي نواس في حبها‪ :‬كانت جنان هذه جارية آل عبد الوهاب بن عبد‬
‫‪.‬المجيد الثقفي المحدث الذي كان ابن مناذر يصحب ابنه عبد المجيد‪ ،‬ورثاه بعد وفاته‪ ،‬وقد مضت أخبارهما‬
‫‪.‬وكانت حلوة جميلة المنظر أديبة‪ ،‬ويقال‪ :‬إن أبا نواس لم يصدق ي حبه امرأة غيرها‬
‫حجت جنان فحج معها أبو نواس‪ :‬أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال‪ :‬حدثني إسحاق بن محمد عن أبي هفان عن‬
‫أصحاب أبي نواس قالوا‪ :‬كانت جنان جارية حسناء أديبة عاقلة ظريفة‪ ،‬تعرف الخبار‪ ،‬وتروي الشعار قال اليؤيؤ‪ :‬خاصة‪ ،‬وكانت‬
‫لبعض الثقفيين بالبصرة‪ ،‬فرآها أبو نواس فاستحلها‪ ،‬وقال فيها أشعارا كثيرة‪ ،‬فقلت له يوما‪ :‬إن جنان قد عزمت على الحج‪،‬‬
‫فكان هذا سبب حجه‪ ،‬وقال‪ :‬أما والله ‪-‬ل يفوتني المسير معها والحج عامي هذا إن أقامت على عزيمتها‪ ،‬فظننته عابثا مازحا‪،‬‬
‫‪:‬فسبقها والله إلى الخروج بعد أن علم أنها خارجة‪ ،‬وما كان نوع الحج‪ ،‬ول أحدث عزمه له إل خروجها‪ ،‬وقال وقد حج وعاد‬
‫بمطلبها ومطلبها عسـير‬ ‫?ألم تر أنني أفنيت عـمـري‬
‫يقربني وأعيتنـي المـور‬ ‫فلما لم أجد سبـبـا إلـيهـا‬
‫فيجمعني وإياها المـسـير قال اليؤيؤ‪ :‬فحدثني من شهده لما حج مع جنان وقد‬ ‫حججت وقلت قد حجت جنان‬
‫‪:‬أحرم‪ ،‬فلما جنه الليل جعل يلبي بشعر ويحدو ويطرب‪ ،‬فغنى به كل من سمعه‪ ،‬وهو قوله‬
‫مليك كل من ملـك‬ ‫إلهنا مـا أعـدلـك‬
‫لبيك إن الحمـد لـك‬ ‫لبيك قد لـبـيت لـك‬
‫والليل لما أن حلـك‬ ‫والملك ل شريك لـك‬
‫على مجاري المنسلك‬ ‫والسابحات في الفلـك‬
‫أنت له حيث سلـك‬ ‫ما خاب عبد أمـلـك‬

‫صفحة ‪2222 :‬‬

‫كل نبي ومـلـك‬ ‫لولك يا رب هلك‬


‫سبح أو لبى فلـك‬ ‫وكل من أهل لـك‬
‫عجل وبادر أجلك‬ ‫يا مخطئا ما أغفلك‬
‫لبيك إن الملك لك‬ ‫واختم بخير عملـك‬
‫والعز ل شريك لك من شعره فيها‪ :‬أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار وأحمد بن عبد‬ ‫والحمد والنعمة لك‬
‫العزيز الجوهري قال‪ :‬حدثنا عمر بن شبة قال‪ :‬كانت جنان التي يذكرها أبو نواس جارية لل عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي‪،‬‬
‫‪:‬وفيها يقول‬
‫جفن عيني قد كاد يقط من طول ما اختلج‬
‫وفؤادي من حر حبك والهجر قد نضج‬
‫سي وأهـلـي‪ :‬مـتـى الـفـــرج‬ ‫?خبريني فدتك نف‬
‫ج زياد فـــقـــد خــــــرج‬ ‫كان مـــيعـــادنـــا خــــرو‬
‫بك فـي أضـــيق الـــحـــرج تشهد عرسا فيراها فيرتجل فيها شعرا‪ :‬أخبرني أحمد‬ ‫أنـت مـــن قـــتـــل عـــائذ‬
‫بن عبيد الله بن عمار قال‪ :‬حدثن إسحاق بن محمد النخعي قال‪ :‬حدثني الجماز قال ابن عمار‪ :‬وحدثني به قليب بن عيسى‬
‫‪:‬قال‪ :‬كانت جنان قد شهدت عرسا في جوار أبو نواس‪ ،‬فانصرفت منه وهو جالس معنا‪ ،‬فرآها فأنشدنا بديها قوله‬
‫فاستمالت بحسنها النظـارة‬ ‫شهدت جلوة العروس جنـان‬
‫فإليها دون العروس الشارة‬ ‫حسبوها العروس حين رأوها‬
‫ما دهانا بها سواك عمـارة قال‪ :‬وعمارة زوج عبد الرحمن الثقفي‪ ،‬وهي مولة‬ ‫قال أهل العروس حين رأوها‬
‫‪.‬جنان‬
‫تغضب من كلم له فيرسل معتذرا فل تحسن الرد فينظم شعرا‪ :‬أخبرني محمد بن يحيى الصولي ومحمد بن خلف قال‪ :‬حدثنا‬
‫يزيد بن محمد المهلبي عن محمد بن عمر قال‪ :‬غضبت جنان من كلم كلمها به أبو نواس‪ ،‬فأرسل يعتذر إليها‪ ،‬فقالت للرسول‪:‬‬
‫‪:‬قل له‪ :‬ل برح الهجران ربعك‪ ،‬ول بلغت أملك من أحبتك‪ ،‬فرجع إليه‪ ،‬فسأله عن جوابها‪ ،‬فلم يخبره فقال‬
‫نطقت به على وجه جميل‬ ‫?فديتك فيم عتبك مـن كـلم‬
‫فليس إلى التواصل من سبيل‬ ‫وقولك للرسول عليك غيري‬
‫وحال ما عليها من قـبـول‬ ‫فقد جاء الرسول له انكسـار‬
‫تبين ذاك في وجه الرسـول يعاتبها حتى يستميلها‪ :‬قال أبو خالد يزيد بن محمد‪:‬‬ ‫ولو ردت جنان مـرد خـير‬
‫وكان أبو نواس صادقا في محبة جنان من بين من كان ينسب به من النساء ويداعبه‪ ،‬ورأيت أصحابنا جميعا يصححون ذاك عنه‪،‬‬
‫‪:‬وكان لها محبا‪ ،‬ولم تكن تبحه‪ ،‬فمما عابتها به حتى استمالها بصحة حبة لها فصارت تحبه بعد نبوها عنه قوله‬
‫آمـل لـم تـقـطـر الـسـمـــاء دمـــا‬ ‫جنـان إن جـدت يا مـنـــاي بـــمـــا‬
‫وإن تمادي ول تماديت فيمنعك أصبح بقفرة رمما‬
‫علقت من لو أتى على أنفس الماضين والغابرين ما ندما‬
‫ولـد فـيه فـتـورهـا ســـقـــمـــا يسأل امرأة عنها فتخبره أنها رحمته فيقول في ذلك‬ ‫لو نظرت عينه إلى حجر‬
‫شعرا‪ :‬أخبرني محمد بن جعفر النحوي صهر المبرد قال‪ :‬حدثني محمد بن القاسم عن أبي هفان عن الجماز‪ ،‬وأخبرني محمد بن‬
‫يحيى الصولي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عون بن محمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني الجماز قال‪ :‬كنت عند أبي نواس جالسا إذ مرت بنا امرأة ممن يداخل‬
‫الثقفيين‪ ،‬فسألها عن جنان وألحف في المسألة واستقصى‪ ،‬فأخبرته خبرها وقالت ‪ :‬قد سمعتها تقول لصاحبة لها من غير أن‬
‫تعلم أن أسمع‪ :‬ويحك قد آذانى هذا الفتى‪ ،‬وأبرمني‪ ،‬وأحرج صدري‪ ،‬وضيق علي الطرق بحدة نظره وتهتكه؛ فقد لهج قلبي‬
‫بذكره والفكر فيه من كثرة فعله لذلك حتى رحمته‪ ،‬ثم التفتت فأمسكت عن الكلم؛ فسر أبو نواس بذلك‪ ،‬فلما قامت المرأة‬
‫‪:‬أنشأ يقول‬
‫بالله قـل وأعـد يا طـيب الـخـبـر‬ ‫يا ذا الذي عن جنان ظـل يخـبـرنـا‬
‫أراه من حيثما أقبـلـت فـي أثـري‬ ‫قال اشتكتك وقالت ما ابـتـلـيت بـه‬
‫حتى ليخجلني مـن حـدة الـنـظـر‬ ‫ويعمل الطرف نحوي إن مـررت بـه‬
‫في الموضع الخلو لم ينطق من الحصر‬ ‫وإن وقفت لـه كـيمـا يكـلـمـنـي‬
‫حتى لقد صار من همي ومن وطـري يمر به القاضي وهو يكلم امرأة‬ ‫ما زال يفـعـل بـي هـذا ويدمـنـه‬
‫‪:‬فينصحه فيقول في ذلك شعرا‬

‫صفحة ‪2223 :‬‬

‫أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال‪ :‬حدثني علي بن محمد النوفلي وأحمد بن سليمان بن أبي شيخ قال‪ :‬قال ابن عائشة‪:‬‬
‫وأخبرني الحسن بن علي وابن عمار عن الغلبي عن ابن عائشة‪ :‬قال ابن عمار‪ :‬وحدثت به عن الجما‪ ،‬وذكره لي محمد بن داود‬
‫الجراح عن إسحاق النخعي عن أحمد بن عمير‪ :‬أن محمد بن حفص بن عمر التميمي ‪-‬وهو أبو ابن عائشة‪ -‬انصرف من المسجد‬
‫وهو يتولى القضاء‪ ،‬فرأى أبا نواس قد خل بامرأة يكلمها‪ .‬وقال أحمد بن عمير في خبره‪ :‬وكانت المرأة قد جاءته برسالة جنان‬
‫جارية عمارة امرأة عبد الوهاب بن عبد المجيد‪ ،‬فمر به عمر بن عثمان التيمي وهو قاضي البصرة‪ -‬هكذا ذكر أحمد بن عمير‬
‫‪.‬وحده‪ -‬وذكر الباقون جميعا أنه محمد بن حفص‬
‫قال الجماز‪ :‬وكانت عليه ثياب بياض‪ ،‬وعلى رأسه قلنسوة مضربة فقال له‪ :‬اتق الله‪ ،‬قال‪ :‬إنها حرمتي‪ ،‬قال‪ :‬فصنها عن هذا‬
‫الموضع‪ .‬وانصرف عنه‪ ،‬فكتب إليه أبو نواس‪ :‬صوت‬
‫بكـرا أكـلـمـــهـــا رســـول‬ ‫إن الـتـي أبـــصـــرتـــهـــا‬
‫كادت لـهـا نـفـسـي تـــســـيل‬ ‫أدت إلـــــــي رســـــــالة‬
‫من ساحر العينين يجذب خصره ردف ثقيل‬
‫يرمــي ولـــيس لـــه رســـيل‬ ‫متقلد قوس الصبا‬
‫حتـى تـسـمـع مــا تـــقـــول‬ ‫فلــو أن أذنـــك بـــينـــنـــا‬
‫أمـري هـو المـر الـجـــمـــيل في هذه البيات لجنان من الرمل وخفيفه‪،‬‬ ‫لرأيت مـا اسـتـقـبـحـــت مـــن‬
‫‪.‬كلهما لبي العبيس بن حمدون‬
‫‪.‬قال بن عمير‪ :‬ثم وجه بها فألقيت في الرقاع بين يدي القاضي فلما رآها ضحك وقال إن كانت رسول فل بأس‬
‫قال ابن عائشة في خبره‪ :‬برقعة فيها هذه البيات‪ ،‬وقال لي‪ :‬ادفعها إلى أبيك‪ ،‬فأوصلتها إليه‪ ،‬ووضعتها بين يديه‪ ،‬فلما قرأها‬
‫‪.‬ضحك‪ ،‬وقال‪ :‬قل له‪ :‬إني ل أتعرض للشعراء‬
‫من شعره يسأل عنها وهي في حكمان‪ :‬حدثني علي بن سليمان الخفش قال‪ :‬حدثنا محمد بن يزيد قال‪ :‬كان أبو عثمان أخا‬
‫مولى جنان‪ ،‬وكان مولها أبو مية زوج عمارة وهي مولتها‪ ،‬وكانت له بحكمان ضيعة كان ينزلها هو وابن عم له يقال له‪ :‬أبو مية‪،‬‬
‫‪:‬فقال أبو نواس فيه قوله‬
‫كيف خـلـفـتـمـا أبــا عـــثـــمـــان‬ ‫أسـأل الـقـادمـين مــن حـــكـــمـــان‬
‫جد والـمـرتـجـى لــريب الـــزمـــان‬ ‫?وأبـا مـية الـــمـــهـــذب والـــمـــا‬
‫فيقولن لي‪ :‬جنان كما سرك في حالها فسل عن جنان‬
‫كيف لـم يغـن عـنـدهـم كـتـمـــانـــي? لم يكن يعشق ول كانت جنان موضع عشق‬ ‫ما لهم ل يبارك الله فيهم‬
‫ولكنه العبث‪ :‬فأخبرني ابن عمار قال‪ :‬حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن عبد الملك بن مروان الكاتب‬
‫‪:‬قال‪ :‬كنت جالسا بسر من رأى في شارع أبي أحمد‪ ،‬فأنشدني قول أبي نواس‬
‫كيف خلفتما أبا عثمان? وإلى جانبي شيخ جالس فضحك‪ ،‬فقلت له‪ :‬لقد ضحكت‬ ‫أسأل المقبلين من حكمان‬
‫من أمر‪ ،‬فقال‪ :‬أجل‪ ،‬أنا أبو عثمان الذي قال أبو نواس فيه شعرا‪ ،‬وأبو مية ابن عمي‪ ،‬وجنان جارية أخي‪ ،‬ولم تكن في موضع‬
‫‪.‬عشق‪ ،‬ول كان مذهب أبي نواس النساء‪ ،‬ولكنه عبث خرج منه‬
‫سبقه النابغة الجعدي إلى التكنية في شعره بغير اسم صاحبته‪ :‬أخبرني علي بن سليمان قال‪ :‬قال لي أبو العباس محمد ين‬
‫‪:‬يزيد‪ :‬قال النابغة الجعدي‬
‫أكني بغير اسمها وقد علم الله خفيات كل مكتتم وهو سبق الناس إلى هذا المعنى‪ ،‬وأخذوه جميعا منه‪ ،‬وأحسن من أخذه أبو‬
‫‪:‬نواس حيث يقول‬
‫كيف خلفتما أبا عثـمـان‬ ‫?أسأل القادمين من حكـمـان‬
‫ك في حالها فسل عن جنان‬ ‫فيقولن لي‪ :‬جنان كما سـر‬
‫كيف لم يغن عندهم كتماني شعره وقد حضرت مأتما في البصرة‪ :‬أخبرني أحمد‬ ‫ما لهم ل يبارك الله فـيهـم‬
‫‪:‬بن عبيد الله بن عمار‪ ،‬قال‪ :‬أنشدني أحمد بن محمد بن صدقة النباري لبي نواس يذكر مأتما بالبصرة‪ ،‬وحضرته جنان‬
‫لما أتاهم في الـمـعـزينـا‬ ‫يا منسي المأتـم أشـجـانـه‬
‫ألبسها الله الـتـحـاسـينـا‬ ‫سرت قناع الوشي عن صورة‬
‫فهن للتكـلـيف يبـكـينـا‬ ‫فاستفتنتهن بـتـمـثـالـهـا‬
‫عن حزنه من كان محزونـا شعره وقد اشرف عليها فرآها تلط في مأتم‪ :‬أخبرني‬ ‫حق لذاك الوجه أن يزدهـي‬
‫‪:‬عمي قال‪ :‬حدثني إسحاق بن محمد النخعي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الملك بن عمر ابن أبان النخعي‪ ،‬وكان صديقا لبي نواس‬

‫صفحة ‪2224 :‬‬

‫أن أبا نواس أشرف من دار على منزل عبد الوهاب الثقفي‪ ،‬وقد مات بعض أهله وعندهم مأتم‪ ،‬وجنان واقفة مع النساء تلطم‬
‫‪:‬وجهها وفي يدها خضاب‪ ،‬فقال‬
‫يندب شجوا بين أتـراب‬ ‫يا قمـرا أبـرزه مـأتـم‬
‫ويلطم الورد بـعـنـاب‬ ‫يبكي فيذري الدر من عينه‬
‫وابك قتيل لك بالـبـاب‬ ‫ل تبك ميتا حل في حفرة‬
‫برغم دايات وحـجـاب‬ ‫أبرزه المأتم لي كـارهـا‬
‫ول تزل رؤيتـه دابـي استحسان ابن عيينة لشعره ذاك‪ :‬فحدثني أحمد بن عبيد الله بن‬ ‫ل زال موتا دأب أحبابـه‬
‫عمار‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن القاسم‪ ،‬حدثني محمد ابن عائشة قال‪ :‬قال لي سفيان بن عيينة‪ :‬لقد أحسن بصريكم هذا أبو‬
‫‪:‬نواس حيث يقول ‪ -‬وشدد الواو وفتح النون‬
‫يندب شجوا بين أتـراب‬ ‫يا قمرا أبصرت في مأتم‬
‫ويلطم الورد بـعـنـاب قال‪ :‬وجعل يعجب من قوله‪ :‬ويلطم الورد بعناب‬ ‫‪.‬يبكي فيذري الدر من عينه‬
‫ابن أبي عيينة ينشد بيتا من شعره ذاك ويكرر إعجابه ببراعته‪ :‬وأخبرني الحسن بن علي قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال‪:‬‬
‫‪:‬حدثني محمد بن محمد قال‪ :‬حدثني حسين ابن الضحاك قال‪ :‬أنشد ابن عيينة قول أبي نواس‬
‫ويلطم الورد بـعـنـاب فعجبت منه‪ ،‬وقال‪ :‬آمنت بالذي خلقه‬ ‫‪.‬يبكي فيذري الدر من عينه‬
‫‪.‬روي أن شعره ذاك كان في غير جنان‪ :‬وقد قيل‪ :‬إن أبا نواس قال هذا الشعر في غير جنان‬
‫أخبرني بذلك الحسن بن علي قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني بعض الصيارف بالكرخ‪ ،‬وسماه‪ ،‬قال‪ :‬كان‬
‫حارس درب عو يقال له‪ :‬المبارك‪ ،‬وكان يلبس ثيابا نظيفة سرية‪ ،‬ويركب حمارا‪ ،‬فيطوف عليه السوق بالليل ويكربه بالنهار‪،‬‬
‫فإذا رآه من ل يعرفه ظن أنه من بعض التجار‪ ،‬وكان يصل إليه في كل شهر من السوق ما يسعه ويفضل عنه‪ ،‬وكانت له بنت‬
‫‪:‬من أجمل النساء‪ ،‬فمات مبارك وحضره الناس‪ ،‬فلما أخرجت خرجت بنته هذه حاسرة بين يديه‪ ،‬فقال أبو نواس فيها‬
‫يندب شجوا بين أتراب وذكر البيات كلها‬ ‫‪.‬يا قمرا أبرزه مـأتـم‬
‫طلبت قطع صلته بها أياما ففعل‪ :‬أخبرني محمد بن جعفر قال‪ :‬حدثني أحمد بن القاسم عن أبي هفان عن الجماز واليؤيؤ‬
‫‪:‬وأصحاب أبي نواس أن جنان وجهت إليه‪ :‬فاقطع زيارتك عني أياما لينقطع بعض القالة‪ ،‬ففعل وكتب إليها‬
‫وبيننا حين نلتقـي حـسـن‬ ‫إنا اهتجرنا للناس إذ فطنـوا‬
‫فشب حتى عليه قد مرنـوا‬ ‫ندافع المر وهو مقـتـبـل‬
‫له ومـا إن تـمـجـه أذن‬ ‫فليس يقذي عينـا مـعـاينة‬
‫أن كان لي في ديارهم سكن‬ ‫ويح ثقيف مـاذا يضـرهـم‬
‫زدنا فزيدوا وما لذا ثـمـن يكتب إليها من بغداد شعرا‪ :‬أخبرني الحسن بن علي‬ ‫أريب ما بيننا الحـديث فـإن‬
‫‪:‬قال‪ :‬حدثنا ابن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني ابن أبي سعد قال‪ :‬بلغني أن أبا نواس كتاب إلى جنان من بغداد‬
‫أزور بـهـا الحـبـاب فــي حـــكـــمـــان‬ ‫كفـــى حـــزنـــا أل أرى وجـــه حــــيلة‬
‫جنـانـا بـمـا ل أشـتـهـــى لـــجـــنـــان‬ ‫وأقـسـم لـول أن تـــنـــال مـــعـــاشـــر‬
‫لصبحت منها داني الدار لصقاولكن ما أخشى فديت عداني‬
‫فأصـبـح مـأثـــورا بـــكـــل لـــســـان‬ ‫فواحزنا حزنا يؤدي إلى الردى‬
‫وآذن فـــيكـــم بـــالـــوداع زمـــانـــي شعره وقد شتمته وتنقصته‬ ‫أرانـي انـقـضـت أيام وصـلـي مـــنـــكـــم‬
‫حين ذكر عشقه لها‪ :‬أخبرني الحسن قال‪ :‬حدثنا ابن مهرويه عن يحيى بن محمد عن الخريمي قال‪ :‬بلغ أبو نواس أن امرأة‬
‫‪:‬ذكرت لجنان عشقه لها‪ ،‬فشتمته جنان وتنقصته وذكرته أقبح الذكر‪ ،‬فقال‬
‫وطول وجدي به تنقصـنـي‬ ‫وا بأبي مـن إذا ذكـرت لـه‬
‫في سبه لي لقال‪ :‬يعشقـنـي‬ ‫لو سألوه عن وجه حـجـتـه‬
‫أعشقه أو ألف في كفـنـي‬ ‫نعم إلى الحشر والتناد نـعـم‬
‫عنفني فيه من يعنـفـنـي‬ ‫‪:‬أصيح جهرا ل أستـسـر بـه‬
‫أن جنانا صديقة الـحـسـن شعره إليها وقد رآها في المنام بعد أن هجرته‬ ‫‪:‬يا معشر الناس فاسمعوه وعوا‪:‬‬

‫صفحة ‪2225 :‬‬

‫‪:‬فبلغها ذلك‪ ،‬فهجرته‪ ،‬وأطالت هجره‪ ،‬فرآها ليلة في منامه وأنها قد صالحته‪ ،‬فكتب إليها‬
‫عاد لنا الوصل كـمـا كـانـا‬ ‫إذا التقى في النـوم طـيفـانـا‬
‫نشـقـى ويلـتـذ خـيالنــا‬ ‫يا قرة العـين فـيمـا بـالـنـا‬
‫أتممت إحسـانـك يقـظـانـا‬ ‫لو شئت إذ أحسنت لي في الكرى‬
‫وأصبحا‪ :‬غضبى وغضـبـانـا‬ ‫يا عاشقين اصطلحا في الكـرى‬
‫وربـمـا تـصـدق أحـيانـا الغناء في هذه البيات لبن جامع‪ ،‬ثقيل أول بالوسطى عن‬ ‫كذلـك الحــلم غـــدارة‬
‫‪.‬عمرو‬
‫يهجرها حين جبهته بما يكره‪ ،‬ويراها في المنام تصالحه‪ ،‬فينظم شعرا‪ :‬وقال الخريمي‪ :‬ورآها يوما في ديار ثقيف فجبهته بما‬
‫‪:‬كره‪ ،‬فغضب وهجرها مدة‪ ،‬فأرسلت إليه رسول تصالحه فرده‪ ،‬ولم يصالحها‪ ،‬ورآها في النوم تطلب صلحه‪ ،‬فقال‬
‫في النوم حين تأبى الصلح يقظانا‬ ‫دست له طيفها كيما تصالـحـه‬
‫ول رثى لتـشـكـيه ول لنـا‬ ‫فلم يجد عند طيفي طيفها فرجـا‬
‫أكون من أجله غضبان غضبانا‬ ‫حسبت أن خيالي ل يكون لـمـا‬
‫فلم يكن هينا منك الذي كـانـا من شعره فيها‪ :‬وأنشدني علي بن سليمان‬ ‫جنان ل تسأليني الصلح سرعة ذا‬
‫‪:‬الخفش لبي نواس في جنان‬
‫ول تبقي على هذا اللسـان‬ ‫أما يفنى حديثك عن جـنـان‬
‫فكم هذا أما هـذا بـقـان‬ ‫أكل الدهر قلت لها وقـالـت‬
‫إذا حدثت عنها في الـبـيان‬ ‫جعلت الناس كلـهـم سـواء‬
‫سواء‪ ،‬والباعد كـالدانـي‬ ‫عدوك كالصديق وذا كـهـذا‬
‫عجائبه أتـيتـهـم بـشـان‬ ‫إذا حدثت عن شأن تـوالـت‬
‫علمنا إذ كنيت من أنت حان? شعره وقد بيعت وسافر بها مولها‪ :‬أخبرني‬ ‫فلو موهت عنها باسم أخـرى‬
‫الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني يحيى بن محمد السلمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو عكرمة الضبي‪ :‬أن رجل قدم البصرة فاشترى جنان من‬
‫‪:‬مواليها‪ ،‬ورحل بها‪ ،‬فقال أبو نواس في ذلك‬
‫بين استياق العيس والركـبـان‬ ‫أما الديار فقلما لبـثـوا بـهـا‬
‫حتى اطلعن بهم على الوطان أخبرني عيسى بن الحسين قال‪ :‬حدثني‬ ‫وضعوا سياط السوق في أعناقها‬
‫‪:‬محمد بن سعد الكراني قال‪ :‬حدثني أبو عثمان الشنانداني قال‪ :‬كتب أبو نواس إلى جنان‬
‫أكثري المحو في كتابك وامحيه إذا ما محوته باللسان‬
‫ك الـعـذاب الـمـفـلـجـات الـحــســـان‬ ‫وأمري بالمحاء بين ثنايا‬
‫فيه مـحـو لـطـعـتـه بـلــســـانـــي‬ ‫إنـنـي كـلـمـا مـررت بـــســـطـــر‬
‫أهـديت لـي ومـا بـرحـت مـكـــانـــي‬ ‫تلـك تـقـبـيلة لـكــم مـــن بـــعـــيد‬
‫صوت‬

‫وكانوا لنا سلما فأضحوا لنا حربا‬ ‫تجني علينا آل مكتوبة الـذنـبـا‬
‫فقلت أل طوباي لو أن لي قلبـا عروضه من الطويل‪ .‬الشعر لبن أبي عيينة‪،‬‬ ‫يقولون عز القلب بعد ذهـابـه‬
‫‪.‬والغناء لسليمان أخي جحظة‪ ،‬رمل بالوسطى عن عمر بن بانة‬

‫ابن أبي عيينة وأخباره‬


‫اسمه وكنيته ونسبه‪ :‬أبو عيينة ‪-‬فيما أخبرنا به علي بن سليمان الخفش عن محمد بن يزيد‪ -‬اسمه وكنيته أبو المنهال‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وكل من يدعى أبا عيينة من آل المهلب فأبو عيينة اسمه وكنيته أبو المنهال‪ ،‬وكل من يدعى أبا رهم من بني سدوس فكنيته أبو‬
‫‪.‬محمد‬
‫وابن أبي عيينة هو محمد بن أبي عيينة بن المهلب بن أبي صفرة‪ .‬وقال أبو خالد السلمي‪ :‬هو أبو عيينة المنجاب بن أبي عيينة‪،‬‬
‫‪.‬وهو الذي كان يهجو ابن عمه خالدا‬
‫واسم أبي صفرة ظالم بن سراق‪ ،‬وقيل‪ :‬غالب بن إسراق بن صبح بن كندي بن عمرو بن عدي بن وائل بن الحارث بن العتيك‬
‫بن السد بن عمران بن الوضاح بن عمرو بن مزيقياء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس البطريق بن ثعلبة البهلول بن مازن‬
‫‪.‬الراكب بن الزد‬
‫هذا النسب الذي عليه آل المهلب‪ ،‬وذكر غيرهم أن أصلهم من عجم عمان وأنهم تولوا الزد‪ ،‬فلما سار المهلب وشرف وعل‬
‫ذكره استلحقوه‪ .‬وممن ذكر ذلك الهيثم بن عدي وأبو عبيدة وابن مزروع وابن الكلبي وسائر من جمع كتابا في المثالب وهجتهم‬
‫‪.‬به الشعراء فأكثرت‬
‫‪:‬أبو صفرة ليس عربيا‬

‫صفحة ‪2226 :‬‬

‫أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال‪ :‬أخبرني الحسن بن عليل العنزي قال‪ :‬حدثني أبو عدب الله أحمد بن محمد بن حميد‬
‫بن سليمان العدوي قال‪ :‬أخبرني الهيثم بن عدي‪ ،‬عن عبد الله بن عياش الهمداني قال‪ :‬وفد ابن الجلندي في الزد‪ ،‬أزد عمان‬
‫ومواليهم وأحلفهم‪ ،‬فكان فيمن وفد منهم أبو صفرة‪ ،‬وكان يلقب بذلك‪ ،‬لنه كان يصفر لحيته‪ ،‬فدخل على عمر مع ابن الجلندي‬
‫ولحيته مخضوبة مصفرة‪ ،‬فقال عمر لبن الجلندي‪ :‬أكل من معك عربي? قال‪ :‬ل‪ ،‬فينا العربي وفينا غير ذلك‪ ،‬فالتفت عمر‬
‫‪-.‬رحمه الله‪ -‬إلى أبي صفرة‪ ،‬فقال له‪ :‬أعربي أنت? قال‪ :‬ل‪ ،‬أنا ممن من الله عليه بالسلم‬
‫أبو صفرة يختن وهو شيخ أشمط‪ :‬قال‪ :‬وقدم الحكم بن أبي العاصي الثقفي أخو عثمان بأعلج من شهرك في خلفة عمر قد‬
‫أسلموا‪ ،‬فأمر عمر عثمان بن أبي العاصي أن يختنهم‪ ،‬وقد كان أبو صفرة حاضرا فقال‪ :‬ما لهؤلء يطهرون ليصلوا قال‪ :‬إنهم‬
‫‪.‬يختنون‬
‫قال‪ :‬إنا والله هكذا مثلهم‪ ،‬قال‪ :‬فسمع ذلك عثمان بن أبي العاصي‪ ،‬فأمر بأي صفرة فأجلس على جفنة فختن وإنه لشيخ‬
‫أشمط فكان بها من قال‪ :‬لسنا نشك في أن زوجته كذلك‪ ،‬فأحضرت وهي عجوز أدماء‪ ،‬فأمر بها القابلة فنظرت إليها وكشفتها‪،‬‬
‫‪.‬وإذا هي غير مختونة‪ ،‬وذلك منها قد أحشف ‪ ،‬فأمر بها فخفضت‬
‫‪:‬وقال في ذلك زياد العجم‪ ،‬وقد غضب على المهلب‬
‫قلفته كي يدخل البصـره‬ ‫نحن قطعنا من أبي صفرة‬
‫أتن على قلفته الشفـره من عمل كتاب المثالب‪ :‬وليس هذا من القوال المعول‬ ‫لما رأى عثمان غرمـولة‬
‫عليها‪ ،‬لن أصل المثالب زياد لعنه الله‪ ،‬فإنه لما ادعي إلى أبي سفيان‪ ،‬وعلم أن العرب ل تقر له بذلك مع علمها بنسبه ومع‬
‫سوء آثاره فيهم‪ ،‬عمل كتاب المثالب‪ ،‬فألصق بالعرب كلها كل عيب وعار‪ ،‬وحق باطل‪ ،‬ثم بنى على الهيثم بن عدي ‪-‬وكان دعيا‪-‬‬
‫فأراد أن يعر أهل البيوتات تشفيا منهم‪ ،‬وفعل ذلك أبو عبيدة معمر بن المثنى‪ ،‬وكان أصله يهوديا‪ ،‬أسلم جده على يدي بعض آل‬
‫أبي بكر الصديق رضي الله عنه‪ ،‬فانتمى إلى ولء بني تميم فجدد كتاب زياد وزاد فيه‪ ،‬ثم نشأ غيلن الشعوبي لعنه الله‪ ،‬وكان‬
‫زنديقا ثنويا ل يشك فيه‪ ،‬عرف في حياته بعض مذهبه‪ ،‬وكان يوري عنه في عوراته للسلم بالتشعب والعصبية‪ ،‬ثم انكشف أمره‬
‫بعد وفاته‪ ،‬فأبدع كتابا عمله لطاهر بن الحسين‪ ،‬وكان شديد التشعب والعصبية‪ ،‬خارجا عن السلم بأفاعيله‪ ،‬فبدأ فيه بمثالب‬
‫بني هاشم وذكر مناكحهم وأمهاتهم وصنائعهم‪ ،‬وبدأ منهم بالطيب الطاهر‪ ،‬رسول الله صلى الله عليه وسلم فغمصه وذكره‪ ،‬ثم‬
‫والى بين أهل بيته الذكياء النجباء عليهم السلم‪ ،‬ثم ببطون قريش على الولء‪ ،‬ثم بسائر العرب‪ ،‬فألصق بهم كل كذب وزور‪،‬‬
‫‪.‬ووضع عليهم كل خبر باطل‪ ،‬وأعطاه على ذلك مائتي ألف درهم فيما بلغني‬
‫وإنما جر هذا القول‪ ،‬ذكر المهلب وما قيل فيه‪ ،‬وأني ذكرته فلم أجد بدا من ذكر ما روي فيه؛ وفيما مر عن أهل النسب‪ ،‬ثم‬
‫‪.‬قلت ما عندي‬
‫يقرأ كتاب المثالب على عبد الملك‪ ،‬فيأمر بإحراقه‪ :‬أخبرني حبيب بن نصر قال‪ :‬أخبرني عمر بن شبة قال‪ :‬حدثني محمد بن‬
‫يحيى أبو عثمان عن أبيه قال‪ :‬دخل بعض الناس على عبد الملك بن مروان فقال له‪ :‬هل عندك كتاب زياد في المثالب? فتلكأ‪،‬‬
‫فقال له‪ :‬ل بأس عليك‪ ،‬وبحقي إل جئتني به‪ .‬فمضى فجاء به‪ ،‬فقال له‪ :‬اقرأ علي‪ ،‬فقرأه وجعل عبد الملك يتغيظ ويعجب مما‬
‫‪:‬فيه من الباطيل‪ ،‬ثم تمثل قول الشاعر‬
‫على عيب الرجال أولو العيوب ثم أمر بالكتاب فأحرق‬ ‫‪ .‬وأجرأ من رأيت يظهر غـيب‬
‫‪.‬رجع الخبر إلى سياقه أخبار ابن أبي عيينة‬
‫أنفد أكثر شعره في هجاء ابن عمه خالد ‪ :‬وهو شاعر مطبوع ظريف غزل هجاء‪ .‬وأنفد أكثر أشعاره في هجاء ابن عمه خالد‪.‬‬
‫‪.‬وأخبارهما تذكر على أثر هذا الكلم وما يصلح تصدير أخباره به‪ .‬وكان من شعراء الدولة العباسية من ساكني البصرة‬
‫حدثني عمي والصولي قال‪ :‬حدثنا أحمد بن يزيد المهلبي قال‪ :‬حدثني أبي قال‪ :‬أبو عيينة اسمه كنيته‪ ،‬وهو ابن محمد بن أبي‬
‫‪.‬عيينة بن المهلب بن أبي صفرة‬
‫‪:‬كان أبوه يتولى الري للمنصور‪ :‬وأخبرني محمد بن عرمان الصيرفي قال‪ :‬حدثني العنزي قال‪ :‬حدثني أبو خالد السلمي قال‬

‫صفحة ‪2227 :‬‬

‫أبو عيينة الشاعر هو أبو عيينة بن النمجاب بن أبي عيينة بن المهلب‪ ،‬وكان محمد بن أبي عيينة أبو أبي عيينة الشاعر يتولى‬
‫‪.‬الري لبي جعفر المنصور‪ ،‬ثم قبض عليه وحبسه وغرمه‬
‫حبس المنصور أباه‪ :‬وأخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال‪ :‬حدثني يزيد بن محمد المهلبي قال‪ :‬قال وهب بن جرير‪ :‬رأيت‬
‫‪:‬في منامي كأن قائل يقول لي‬
‫تعالى الله من كرب فلم ألبث أن أخذ المنصور أما حرب محمد بن أبي عيينة المهلبي‬ ‫ما يلقى أبو حـرب‬
‫‪.‬فحبسه‪ ،‬وكان وله الري فأقام بها سنين‬
‫كان يحب امرأة نبيلة ويكنى عنها خوف أهلها‪ :‬أخبرني عيسى بن الحسين الوراق ومحمد بن يحيى الصولي وعمي قالوا‪ :‬حدثنا‬
‫الحزنبل الصبهاني قال‪ :‬حدثني الفيض بن مخلد مولى أبي عيينة بن المهلب قال‪ :‬كان أبو عيينة بن محمد بن أبي عيينة يهوى‬
‫فاطمة بنت عمر بن حفص الملقب هزار مرد‪ ،‬وكانت امرأة نبيلة شريفة‪ ،‬وكان يخاف أهلها أن يذكرها تصريحا‪ ،‬ويرهب زوجها‬
‫عيسى بن سليمان‪ ،‬فكان يقول الشعر في جارية لها يقال لها‪ :‬دنيا‪ ،‬وكانت قيمة دارها‪ ،‬ووالية أمورها كلها‪ .‬وأنشدنا لبن أبي‬
‫‪:‬عيينة فيها‪ ،‬ويكنى باسم دنيا هذه‬
‫ولحبي أشد مـن كـل حـب‬ ‫ما لقلبي أرق من كـل قـلـب‬
‫أشتهي قربها وتكره قـربـي‬ ‫ولدنيا على جـنـونـي بـدنـيا‬
‫والبليا تكون من كل ضـرب‬ ‫نزلت بي بلـية مـن هـواهـا‬
‫رطبة من دموع من عينى كتبي‬ ‫قل لدنيا إن لم تجبك لـمـا بـي‬
‫وتهددتم بـحـبـس وضـرب‬ ‫فعلم انتهرت باللـه رسـلـي‬
‫كان هـذا جـزاءه أي ذنـب? أخبرني علي بن سليمان قال حدثني محمد بن يزيد‬ ‫أي ذنب أذنبته لـيت شـعـري‬
‫قال‪ :‬كان أبو عيينة من أطبع الناس وأقربهم مأخذا‪ ،‬من غير أدب موصوف ول رواية كثيرة‪ ،‬وكان يقرب البعيد‪ ،‬ويحذف‬
‫‪.‬الفضول‪ ،‬ويقل التكلف‪ .‬وكان أصغر من أخيه عبد الله ومات قبله‬
‫وقيل لعبد الله‪ :‬أنت أشعر أم أخوك? فقال‪ :‬لو كان له علمي لكان أشعر مني‪ ،‬وكان يتعشق فاطمة بنت عمر بن حفص هزار‬
‫مرد التي تزوجها علي بن سليمان‪ ،‬ويسر عشقها‪ ،‬ويلقبها بدنيا كتمانا لمرها ‪ .‬وكانت امرأة جليلة نبيلة سرية من النساء‪ ،‬وكان‬
‫أبوها من أشد الفرسان وشجعانهم‪ ،‬فذكر عيسى بن جعفر أن عيسى بن موسى قال للمهلب بن المغيرة بن المهلب‪ :‬أكان يزيد‬
‫بن خالد أشجع أم عمر بن حفص هزار مرد? فقال المهلب‪ :‬لم أشهد من يزيد ما شهدته من عمر بن حفص‪ ،‬وذلك أني رأيته‬
‫يركب في طلب حمار وحشي حتى إذا حازاه جمع جراميزه وقفز‪ ،‬فصار على ظهره‪ ،‬فقمص الحمار‪ ،‬وجعل عمر بن حفص يحز‬
‫‪.‬معرفته إما بسيف وإما بسكين معه حتى قتله‬
‫كان جنديا‪ ،‬ولم يكن يهوى فاطمة بل جارية لها‪ :‬قال محمد بن يزيد‪ :‬وحدثت عن محمد بن المهلب أنه أنكر أن يكون أبو عيينة‬
‫يهوى فاطمة‪ ،‬وقال‪ :‬إنما كان جنديا في عداد الشطار ‪ ،‬وكانت فاطمة من أنبل النساء وأسراهن‪ ،‬وإنما كان يتعشق جارية لها‪،‬‬
‫وهذه البيات التي فيها الغناء من قصيدة له جيدة مشهورة من شعره‪ ،‬يقولها في فاطمة هذه أو جاريتها‪ ،‬ويكنى عنها بدنيا‪،‬‬
‫‪:‬فمما اختير منها قوله‬
‫غلبتم على قلبي بسلطانكم غصبا‬ ‫وقالوا تجنبنا فقـلـت أبـعـد مـا‬
‫ولكن دنيا ل ملول ول غضـبـى‬ ‫غضاب وقد ملوا وقوفي ببابـهـم‬
‫ولم تر لي فيما ترى منهم ذنـبـا‬ ‫وقد أرسلت في السر أنـي بـرية‬
‫وما إن لهم عندي رضاء ول عتبى‬ ‫وقالت لك العتبى وعندي لك الرضا‬
‫بشعري كما تلهي المغنية الشربـا‬ ‫ونبئتها تلهوا إذا اشتـد شـوقـهـا‬
‫وحبي إذا أحببت ل يشبه الحـبـا‬ ‫فأحببتها حبـا يقـر بـعـينـهـا‬
‫فل زلفة منها أرجى ول قـربـا‬ ‫فيا حسرتا نغصت قـرب ديارهـا‬
‫وبيني أل للشامتين بنا العـقـبـى ومما قاله فيها وغني فيه‪ :‬صوت‬ ‫لقد شمت العداء أن حيل بينـهـا‬
‫في حفظه عجب وفي تضييعك‬ ‫ضيعت عهد فتى لعهدك حافـظ‬
‫إل الوقوف إلى أوان رجوعك‬ ‫ونأيت عنه فما لـه مـن حـيلة‬
‫أسفا ويعجب من جمود دموعك‬ ‫متخشعا يذري عليك دمـوعـه‬
‫فبحسن وجهك ل بحسن صنيعك‬ ‫إن تقتليه وتـذهـب بـفـؤاده‬

‫صفحة ‪2228 :‬‬

‫عروضه من الكامل‪ ،‬الغناء في هذه البيات من الثقيل الول بالوسطى‪ .‬ذكر عمرو بن بانة أنه له‪ ،‬وذكر الهشامي أنه لمحمد‬
‫‪.‬بن الحارث بن بسخنر‪ ،‬وذكر عبد الله بن موسى بن محمد بن إبراهيم المام أنه لبراهيم الموصلي‬
‫فذكر العتابي ومحمد بن الحسن جميعا‪ ،‬أن محمد بن أحمد بن يحيى المكي حدثهما قال‪ :‬حدثني عمرو بن بانة قال‪ :‬ركبت يوما‬
‫إلى دار صالح بن الرشيد‪ ،‬فاجتزت بمحمد بن جعفر بن موسى الهادي ‪-‬وكان معاقرا للصبوح‪ -‬فألفيته في ذلك اليوم خاليا منه‪،‬‬
‫فسألته عن السبب في تعطيله إياه‪ ،‬فقال‪ :‬نيران علي غضبي ‪-‬يعني جارية لبعض النخاسين ببغداد‪ -‬وكانت إحدى المحسنات‪،‬‬
‫وكانت بارعة الجمال ظريفة اللسان‪ ،‬وكان قد أفرط في حبها حتى عرف به‪ ،‬فقلت له‪ :‬فما تحب? قال‪ :‬تجعل طريقك على‬
‫‪:‬مولها فإنه يستخرجها إليك‪ ،‬فإذا فعل دفعت رقعتي هذه إليها‪ -‬ودفع إلي رقعة فيها‬
‫في حفظه عجب وفي تضييعك‬ ‫ضيعت عهد فتى لعهدك حافـظ‬
‫فبحسن وجهك ل بحسن صنيعك فقلت له‪ :‬نعم‪ ،‬أنا أتحمل هذه الرسالة وكرامة‪،‬‬ ‫إن سمته أن تذهبـي بـفـؤاده‬
‫على ما فيها‪ ،‬حفظا لروحك عليك‪ ،‬فإني ل آمن أن يتمادى بك هذا المر‪ .‬فأخذت الرقعة وجعلت طريقي على منزل النخاس‪،‬‬
‫فبعثت إلى الجارية‪ :‬اخرجي‪ ،‬فخرجت‪ ،‬فدفعت إليها الرقعة‪ ،‬وأخبرتها بخبري فضحكت‪ ،‬ورجعت إلى الموضع الذي أقبلت منه‬
‫فجلست جلسة خفيفة‪ ،‬ثم إذا بها قد وافتني ومعها الرقعة‪ ،‬فيها‪ :‬صوت‬
‫وتهجرني حتى مرنت على الـهـجـر‬ ‫وما زلت تعصيني وتغري بـي الـردى‬
‫فكيف ترى يا مالكي في الهوى صبري‬ ‫وتقطع أسبابـي وتـنـسـى مـودتـي‬
‫على الهجر أم جد البـصـيرة ل أدري غنى في هذه البيات عمر بن بانة‪،‬‬ ‫فأصبحت ل أدري أيأسـا تـصـبـري‬
‫‪.‬ولحنه ثقيل أول بالبنصر‪ ،‬ولمقاسة بن ناصح فيها ثقيل آخر بالوسطى‬
‫‪.‬لحن عمرو في الول والثالث بغير نشيد‬
‫قال‪ :‬فأخذت الرقعة منها وأوصلتها إليه‪ ،‬وصرت إلى منزلي‪ ،‬فصنعت في بيتي محمد بن جعفر لحنا وفي أبياتها لحنا‪ ،‬ثم صرت‬
‫إلى المير صالح بن الرشيد‪ ،‬فعرفته ما كان من خبري‪ ،‬وغنيته الصوتين‪ ،‬فأمر بإسراج دوابه فأسرجت‪ ،‬وركب فركبت معه إلى‬
‫النخاس مولى نيران‪ ،‬فما برحنا حتى اشتراها منه بثلثة آلف دينار‪ ،‬وحملها إلى دار محمد بن جعفر فوهبها له‪ ،‬فأقمنا يومنا‬
‫‪.‬عنده‬
‫أخبرنا محمد بن يحيى الصولي قال‪ :‬حدثني يزيد بن محمد المهلبي قال‪ :‬دخلت على الواثق يوما وهو خليفة ورباب في حجره‬
‫‪:‬جالسة‪ ،‬وهي صبية‪ ،‬وهو يقلي عليها قوله‬
‫في حفظه عجب وفي وتضييعك وهي تغنيه ويردده عليها‪ ،‬فما سمعت غناء‬ ‫ضيعت عهد فتى لعهدك حافـظ‬
‫‪.‬قط أحسن من غنائهما جميعا‪ ،‬وما زال يردده عليها حتى حفظته‬
‫رجع الخبر إلى حديث أبي عيينة شعر لخيه في فاطمة محبوبته‪ :‬أخبرني علي بن سليمان قال‪ :‬حدثنا محمد بن يزيد قال‪ :‬قال‬
‫عبد الله بن محمد بن أبي عيينة أخو أبي عيينة في فاطمة ‪-‬بنت عمر بن حفص لما تزوجها عيسى بن سليمان بن علي‪ ،‬وكان‬
‫عيسى مبخل ‪ ،‬وكانت له محابس يحبس فيها البياح ويبيعه‪ ،‬وكانت له ضيعة تعرف بدالية عيسى يبيع منها البقول والرياحين‪،‬‬
‫‪:‬وكان أول من جمع السماد بالبصرة وباعه‪ ،‬فقال فيه أبو الشمقمق‬
‫له رزق من استاه العباد فلما تزوج عيسى فاطمة بنت عمر بن حفص قال عبد‬ ‫إذا رزق العباد فإن عيسى‬
‫‪:‬الله بن محمد بن أبي عيينة في ذلك‬
‫لديه بـذل عـاجـل غـير آجـل‬ ‫أفاطم قد زوجت عيسى فأبـشـري‬
‫فتى من بني العباس ليس بعـاقـل‬ ‫فإنك قد زوجت عن غير خـبـرة‬
‫وإن كان حر الصل عبد الشمـائل‬ ‫فإن قلت من رهط النبـي فـإنـه‬
‫أقاويل حتى قالـهـا كـل قـائل‬ ‫وقد قال فيه جعـفـر ومـحـمـد‬
‫وفي البيت منا والذرا والكـواهـل‬ ‫وما قلت ما قـال لنـك أخـتـنـا‬
‫بأن صرت منه في محل الحـلئل‬ ‫لعمري لقد أثبته فـي نـصـابـه‬
‫عرا المجد واختاروا كرام الخصائل‬ ‫إذا ما بنو العباس يوما تـنـازعـوا‬
‫إلى بيع بياحاتـه والـمـبـاقـل‬ ‫رأيت أبا العباس يسمو بـنـفـسـه‬

‫صفحة ‪2229 :‬‬

‫قال مؤلف هذا الكتاب‪ :‬وكان عبد الله‪ ،‬أخو أبي عيينة شاعرا‪ ،‬وكان يقدم على أخيه‪ ،‬فأخبرني جحظة قال‪ :‬حدثني علي بن‬
‫يحيى المنجم‪ ،‬قال‪ :‬قال إسحاق الموصلي‪ :‬شعر عبد الله بن أبي عيينة أحب إلي من شعر أبيه وأخيه‪ .‬قال‪ :‬وكان عبد الله‬
‫‪.‬صديقا لسحاق‬
‫يصرح أخوه بذكر فاطمة وأنه يعنيها‪ :‬قال محمد بن يزيد‪ :‬ومما قاله في فاطمة وصرح بذكر القرابة بينهما‪ ،‬وحقق على نفسه‬
‫‪:‬أنه يعنيها قوله‬
‫دعاء مصرح بادي السـرار‬ ‫دعوتك بالقـرابة والـجـوار‬
‫ومحترق عليك بـغـير نـار‬ ‫لني عنك مشغول بنـفـسـي‬
‫على نار الصبابة مـن وقـار‬ ‫وأنت توقرين وليس عـنـدي‬
‫تدارين الـعــدو ول أداري‬ ‫فأنت لن ما بك دون مـا بـي‬
‫جمحت إلى مخالعة الـعـذار‬ ‫ولو والله تشتـاقـين شـوقـي‬
‫وبحت بسرها بين الجـواري‬ ‫أل يا وهب فيم فضحـت دنـيا‬
‫غواد نحو مـكة أو سـواري‬ ‫أما والراقصـات بـكـل واد‬
‫كفضل يدي اليمين على اليسار‬ ‫لقد فضلتك دنيا فـي فـؤادي‬
‫فإني ل ألومك أن تـضـاري من ظريف شعره فيها‪ :‬قال وقال فيها‪ ،‬وهو من‬ ‫فقولي ما بدا لك أن تقـولـي‬
‫‪:‬ظريف أشعاره‬
‫وأبى قلبـك لـي أن يرقـا‬ ‫رق قلبي لك يا نور عـينـي‬
‫لست أرضى أن تموتي وأبقى‬ ‫فأراك الله مـوتـى فـإنـي‬
‫ومن العذال فيها مـلـقـى صوت‬ ‫أنا من وجد بدنـياي مـنـهـا‬
‫ليت ذا الباطل قد صار حقا في هذا البيت ثم الذي قبله‪ ،‬ثم الول لبراهيم لحن‬ ‫زعموا أني صديق لـدنـيا‬
‫‪.‬ماخوري بالوسطى عن الهشامي‬
‫‪:‬قال‪ :‬وقال فيها أيضا في هذا الوزن‪ ،‬وفيه غناء محدث رمل طنبوري‬
‫ليس مـــســــــرور كـــــــمـــــــن ل يســـــــر‬ ‫عيشـــهـــا حـــلـــو وعــــــيشـــــــك مـــــــر‬
‫عينـــه أكـــثـــر مــــمـــــــا تـــــــقـــــــر‬ ‫كمـــد فـــي الـــحـــب تـــســـخــــــن فـــــــيه‬
‫ل يقـــع بـــينـــــي وبـــــــينـــــــك شـــــــر‬ ‫قلـــت لـــلئم فـــيهـــا الـــه عـــنـــــــهـــــــا‬
‫كل مــــمـــــــلـــــــوك إذا لـــــــي حـــــــر‬ ‫أتـــرانـــي مـــقـــصـــرا عـــن هـــــواهـــــــا‬
‫‪:‬وقال فيها أيضا‪ ،‬وأنشدناه الخفش عن المبرد‪ ،‬وأنشدناه محمد بن العباس اليزيدي قال‪ :‬أنشدني عمي عبيد الله لبي عيينة‬
‫زرت? هل انتظرت وقت المساء‬ ‫حين قالـت دنـيا عـلم نـهـارا‬
‫رق فاستحي يا قـلـيل الـحـياء‬ ‫إن تكن معجـبـا بـرأيك ل تـف‬
‫ن كأصفى خمر بـأعـذب مـاء معنى له يأخذه البحتري‪ :‬قال محمد بن يزيد‪:‬‬ ‫ذاك إذ روحها وروحـي مـزاجـا‬
‫وقد أخذ هذا المعنى غيره منه ولم يسمه‪ ،‬وهو البحتري‪ ،‬فقال‪ :‬صوت‬
‫هي المصافاة بين الماء والراح‬ ‫جعلت حبك من قلبي بمـنـزلة‬
‫مرور غيث من الوسمي سحاح الغناء في هذين البيتين لرذاذ ثقيل أول مطلق‬ ‫تهتز مثل اهتزاز الغصن حركه‬
‫‪.‬في مجرى البنصر‬
‫من شعره الذي يكنى فيه عن فاطمة‪ :‬ومما قاله أبو عيينة في فاطمة هذه‪ ،‬وكنى فيه بدنيا قوله‪ :‬صوت‬
‫ومالك والعشق لول الشقا‬ ‫ألم تنه قلبك أن يعـشـقـا‬
‫وشمك ريحان أهل التقـى‬ ‫أمن بعد شربك كأس النهى‬
‫ين أشهر من فرس أبلقـا‬ ‫عشقت فأصبحت في العالم‬
‫خذي بيدي قبل أن أغرقـا‬ ‫أدنياي من غمر بحر الهوى‬
‫لو أن إلى الخلد لي مرتقى غنى فيه أبو العبيس بن حمدون‪ ،‬ولحنه ثاني ثقيل‬ ‫أنا ابن المهلب ما مثـلـه‬
‫‪.‬مطلق‪ ،‬وفيه لعريب ثقيل أول‪ ،‬رواه أبو العبيس عنها‬
‫قصيدة يذكر فيها دنيا ويفخر بمآثر المهلب‪ :‬وهذه قصيدة طويلة يذكر فيها دنيا ويفخر بعقب النسيب بأبيه‪ ،‬ويذكر مآثر المهلب‬
‫‪:‬بالعراق‪ ،‬ولكن مما قاله في دنيا منها قوله‬
‫خذي بيدي قبل أن أغرقـا‬ ‫أدنياي من غمر بحر الهوى‬
‫إذا سره عبده أعـتـقـا‬ ‫أنا لك عبد فكوني كـمـن‬
‫وقد يخدع العاقل الحمقـا‬ ‫ألم أخدع الناس عن وصلها‬
‫أحب إلى الخير أن أسبقـا‬ ‫بلى فسبقـتـهـم إنـنـي‬
‫على رقعة أن جز الخندقا‬ ‫ويوم الجنازة إذ أرسـلـت‬

‫صفحة ‪2230 :‬‬


‫برفـــق وإياك أن تـــخـــرقــــــا‬ ‫وعـج ثـم فـانـظـر لـنـا مـجـلــســـا‬
‫قرينـــي خـــدنـــين قـــد أورقـــا‬ ‫فجـئنـا كـغـصــنـــين مـــن بـــانة‬
‫فقالت لخت لها استنشديه من شعره المحكم المنتقى‬
‫وحـــذرت إن شـــاع أن يســـرقــــا‬ ‫فقلت أمرت بكتمانه‬
‫تمـنـع لـعـلـك أن تـــنـــفـــقـــا من شعره في دنيا وقد أفحش فيه‪ :‬ومن‬ ‫فقـالـت بـعـيشــك قـــولـــي لـــه‬
‫‪:‬مشهور قوله في دنيا وهو مما تهتك فيه وصرح وأفحش وهي من جيد قوله قصيدته التي يقول فيها‬
‫فل تسألوني عن فارغي وعن شغلي‬ ‫أنا الفارغ المشغول والشوق آفـتـي‬
‫وإعراضه عنها وإقبالـه قـبـلـي‬ ‫عجبت لترك الحـب دنـيا خـلـية‬
‫بكتبي وقد أرسلت فانتهزت رسلـي‬ ‫وما بالها لما كتـبـت تـهـاونـت‬
‫إلى قابل خطا غلي ول تـمـلـي‬ ‫وقد جلفت أل تـخـط بـكـفـهـا‬
‫قضيت لدينا بالقطـيعة والـبـخـل‬ ‫أبخل علـيهـا كـل ذا وقـطـيعة‬
‫فقد كان في غل وثيق وفي كـبـل‬ ‫سلوا قلب دنيا كيف أطلقه الـهـوى‬
‫بمنصف ما بين البلة والـحـبـل‬ ‫فإن جحدت فاذكر لها قصر معـبـد‬
‫قرينين كالغصنين فرعين في أصل‬ ‫وملعبنا في النهر والـمـاء زاخـر‬
‫ظلل من الكرم المعرش والنخـل‬ ‫ومن حولنا الريحان غضا وفوقـنـا‬
‫إلى غصن بان دعصين من رمـل‬ ‫إذا شئت مالت بي إليهـا كـأنـنـي‬
‫فكانت ثناياها بل حشـمة نـزلـي‬ ‫ليالي ألقاني الهوى فاستضفـتـهـا‬
‫وركضي إليها راكبا وعلى رجـل‬ ‫وكم لذة لي في هواهـا وشـهـوة‬
‫بركني وقد وطنت نفسي على القتل‬ ‫وفي مأتم المهدي زاحمت ركنـهـا‬
‫بيسراي واليمنى على قائم النصـل‬ ‫وبتنا على خوف أسكن قـلـبـهـا‬
‫وإذ نفسها وإذ أهـلـهـا أهـلـي‬ ‫فيا طيب طعم العيش إذ هي جـارة‬
‫ول خوف عين من وشاة ول بعـل‬ ‫وإذ هي ل تعتـل عـنـي بـرقـبة‬
‫وقد أوحشت مني إلى دارها سبلـي‬ ‫فقد عفت الثار بـينـي وبـينـهـا‬
‫قضيت على أم المحبين بالـثـكـل‬ ‫ولما بلوت الحب بعـد فـراقـهـا‬
‫وشتان ما بين الـولية والـعـزل من شعره فيها‪ ،‬وقد وصف فيه قصرا‪:‬‬ ‫وأصبحت معزول وقد كنـت والـيا‬
‫‪:‬صوت ومما قاله فيها وفيه غناء‬
‫وصبرك عني حين ل صبر لي عنك‬ ‫أل في سبيل الله ما جل بي مـنـك‬
‫ضئيل كان من قـبـل ذا تـركـي‬ ‫وتركك جسمي بعد أخذك مهجـتـي‬
‫فيأخذ لي حقي وينصفنـي مـنـك لسليم في هذه البيات هزج مطلق في‬ ‫فهل حاكم في الحب يحكم بـينـنـا‬
‫‪:‬مجرى الوسطى‪ ،‬وفي هذه القصيدة يقول يصف قصرا كانوا فيه‪ ،‬وهي من عجيب شعره‬
‫بريئا كما أن بريء من الـشـرك‬ ‫لقد كنت يوم القصر مما ظننت بي‬
‫وطورا يواتيني إلى القصف والفتك‬ ‫يذكرني الفردوس طورا فأرعـوي‬
‫كأن ثراها ماء ورد على مـسـك‬ ‫بغرس كأبكار الـجـواري وتـربة‬
‫كما استل منظوم من الدر من سلك‬ ‫وسرب من الغزلن يرتعن حولـه‬
‫بتغريدها أحبب بها وبمن تحـكـي‬ ‫وورقاء تحكى الموصلي إذا غـدت‬
‫بأفيح سهل غير وعر ول ضنـك‬ ‫فيا طيب ذاك القصر قصرا ومنزل‬
‫إلى ملك موف على منبر الملـك‬ ‫كأن قصور القوم ينظرن حـولـه‬
‫فيضحك منها وهي مطرقة تبكـي يعده الفضل بن الربيع أشعر زمانه‪ :‬أخبرني‬ ‫يدل عليها مستـطـيل بـظـلـه‬
‫أحمد بن عبيد الله بن عمار قال‪ :‬حدثني علي بن عمرو النصاري‪ ،‬قال‪ :‬سمعت الصمعي يذكر أن الفضل بن الربيع قال‬
‫لجلسائه‪ :‬من أشعر أهل عصرنا? فقالوا فأكثروا‪ ،‬فقال الفضل بن الربيع‪ :‬أشعر أهل زماننا الذي يقول في قصر عيسى بن‬
‫‪:‬جعفر بالخريبة ‪-‬يعني أبا عيينة‬
‫وحبذا أهله مـن حـاضـر بـادي‬ ‫زر وادي القصر نعم القصر والوادي‬
‫والضب والنون والملح والحـادي يحذر سعيد بن عباد عاقبة زواج له‬ ‫‪:‬ترفا قـراقـيره والـعـيس واقـفة‬

‫صفحة ‪2231 :‬‬

‫أخبرني الحسن بن علي قال‪ :‬حدثنا محمد بن مجمع قال‪ :‬تزوج سعيد بن عباد بن حبيب بن المهلب بنت سفيان بن معاوية بن‬
‫‪:‬المهلب ‪-‬وقد كان تزوجها قبله رجلن فدفنتهما‪ ،‬فكتب إليه أبو عيينة‬
‫وكم نصب لغيرك بالثاث‬ ‫رأيت أثاثها فرغبت فـيه‬
‫تحثهم بأربـعة حـثـاث‬ ‫إلى دار المنون فجزتهـم‬
‫وعيشك من حبالك بالثلث‬ ‫فصير أمرها بيدي أبيهـا‬
‫سأبدأ من غد لك بالمراثي يعاتب إسحاق لتأخره عن دعوة إلى مجلس‪ :‬أخبرني‬ ‫وإل فالسلم عليك مـنـي‬
‫محمد بن مزيد الصولي قال‪ :‬حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬كان علي بن هشام قد دعاني وداعا أبا عيينة وتأخرت عنه‬
‫حتى اصطبحنا شديدا‪ ،‬وتشاغلت برجل كان عندي من العراب‪ ،‬وكان فصيحا لكتب عنه‪ ،‬وكان عنده ? بعض من يعاديني ‪-‬قال‬
‫‪:‬حماد‪ :‬كأنه يومئ بهذا القول إلى إبراهيم بن المهدي‪ -‬فسأل أبا عيينة أن يعاتبني بشعر ينسبني فيه إلى الخلف فكتب إلي‬
‫ل بطيئا عن دعوة الصحـاب‬ ‫يا مليئا بالوعد والخلف والمـط‬
‫بعض من تشتهي من العراب‬ ‫لهجا بـالعـراب إن لـدنـيا‬
‫وإن كان غير ما في الكتـاب قال‪ :‬فكتبت إلى الذي حمل أبا عيينة على هذا‬ ‫قد عرفنا الذي شغلت به عنـا‬
‫‪-:‬يعني إبراهيم بن المهدي‬
‫قد فهمت الكتاب أصلحك الله وعندي إليك رد الجواب‬
‫ن الـذي جـاء مـنـكـم فـي حـســابـــي‬ ‫ولعمري ما تنصفون ول كا‬
‫فيك حـظ مـن بـعـد هـذا الــكـــتـــاب ينسب إليه شعر وجد منقوشا‬ ‫لسـت آتـيك فـاعـــلـــمـــن ول لـــي‬
‫على حجر‪ :‬أخبرني عيسى بن الحسين الوراقي قال حدثني عبد الله بن أبي سعد قال‪ :‬حدثني إبراهيم بن إسحاق العمري قال‪:‬‬
‫‪:‬حدثنا أبو هاشم السكندراني‪ ،‬عن ابن لهيعة قال‪ :‬حفر حفر في بعض أفنية مكة‪ ،‬فوجد فيه حجر عليه منقوش‬
‫أبدا وما هو كائن فـيكـون‬ ‫ما ل يكون فل يكون بحـيلة‬
‫وأخو الجهالة متعب محزون‬ ‫سيكون هو كائن في وقـتـه‬
‫حظا ويحظى عاجز ومهين قال ابن أبي سعد‪ :‬هكذا في الحديث‪ ،‬وقد أنشدني‬ ‫يسعى القوي فل ينال بسعيه‬
‫‪.‬هذه البيات جماعة لبي عيينة‬
‫هو عند الفضل بن الربيع أشعر من أبي النواس‪ :‬حدثني عمي قال‪ ،‬حدثني عمر بن محمد بن عبد الملك‪ ،‬قال‪ :‬حدثني علي بن‬
‫عمروس النصاري عن الصمعي قال‪ :‬قال لي الفضل بن الربيع‪ :‬يا أصمعي‪ ،‬من أشعر أهل زمانك? فقلت‪ :‬أبو نواس قال‪ :‬حيث‬
‫‪:‬يقول ماذا? قلت‪ :‬حيث يقول‬
‫وقام وزن الزمان فاعتـدل فقال‪ :‬والله إنه لذهن فطن‪ ،‬وأشعر عندي منه أبو‬ ‫أما ترى الشمس حلت الحمل‬
‫‪ .‬عيينة‬
‫شعره في دنيا حين زوجت‪ :‬حدثني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني فضل اليزيدي‪ :‬عن إسحاق أنه أنشده لبي عيينة في دنيا التي كان‬
‫‪:‬يشبب بها‪ ،‬وقد زوجت وبلغه أنها تهدى إلى زوجها‪ ،‬وكان إسحاق يستحسن هذا الشعر ويستجيده‬
‫ول خير فيمن ل يدوم لـه عـهـد‬ ‫أرى عهدها كالـورد لـيس بـدائم‬
‫له نضرة تبقى إذا ما انقضى الورد‬ ‫وعهدي لها كالس حسنا وبـهـجة‬
‫بعفراء حتى سل مهجته الـوجـد‬ ‫فما وجد العـذري إذ طـال وجـده‬
‫وقد شف عنها دون أترابها البـرد‬ ‫كوجدي غداة البين عند التفـاتـهـا‬
‫قريب ولكن في تناولـهـا بـعـد‬ ‫فقلت لصحابي هي الشمس ضوءها‬
‫جرى طائري نحسا وطائره سعـد أخوه يهجو عيسى بن سليمان وقد تزوج‬ ‫وإني لمن تهـدي إلـيه لـحـاسـد‬
‫فاطمة محبوبته‪ :‬أخبرني عمي قال حدثني أحمد بن يزيد الملبي قال‪ :‬سألت أبي عن دنيا التي ذكرها أبو عيينة بن محمد بن أبي‬
‫عيينة في شعره‪ ،‬وقلت‪ :‬إن قوما يقولون‪ :‬إنها كانت أمة لبعض مغني البصرة‪ ،‬فقال‪ :‬ل يا بني‪ ،‬هي فاطمة بنت عمر بن حفص‬
‫هزار مرد بن عثمان بن قبيصة أخي المهلب‪ ،‬وكان عيسى بن سليمان بن علي أخو جعفر ابن سليمان تزوجها‪ ،‬وهجاه عبد الله‬
‫‪:‬بن محمد بن أبي عيينة‪ ،‬أخو أبي عيينة فقال‬
‫لديه بذل عاجـل غـير آجـل‬ ‫أفاطم قد زوجت عيسى فأبشري‬
‫فتى من بني العباس ليس بعاقل‬ ‫فإنك قد زوجت عن غير خبرة‬

‫صفحة ‪2232 :‬‬

‫‪.‬وذكر باقي البيات‪ ،‬وقد مضت متقدما‬


‫‪:‬يصرح بنسبه الجامع له ولفاطمة‪ :‬قال أحمد بن يزيد‪ :‬ثم أنشدني أبي لبي عيينة يصرح بنسبه الجامع له ولفاطمة من أبيات له‬
‫فتجنبني قتلي بـل وتـر‬ ‫ولنت إن مت المصابة بي‬
‫خديك قائمة على قبـري من شعره الذي يكنى فيه بدنيا‪ :‬قال أحمد‪ :‬وأنشدني أبي‬ ‫فلئن هلكت لتلطمن جزعا‬
‫‪:‬أيضا في تصديق ذلك‪ ،‬وأنه كان يكنى بدنيا عن غيرها‬
‫إن هذا منها لـخـب ومـكـر‬ ‫ما لدنيا تجفوك والذنب مـنـهـا‬
‫ابدءوا القوم بالـصـياح يفـروا‬ ‫عرفت ذنبهـا إلـي فـقـالـت‬
‫غير أن ليس مع الحـب أمـر‬ ‫قد أمرت الفؤاد بالصبر عنـهـا‬
‫س ومن شرهم وفي الناس شر‬ ‫وكتمت اسمها حذارا من الـنـا‬
‫واسم دنيا سر على الناس ذخـر‬ ‫ويقولون بح لـنـا بـاسـم دنـيا‬
‫أعوان دنـياك أم هـي بـكـر‬ ‫ثم قالوا ليعلموا ذات نـفـسـي‬
‫شب يا أخوتي عن الطوق عمرو شعر له ينصح فيه بترك اللحاح‪ :‬أخبرني جعفر‬ ‫فتنفسـت ثـم قـلـت أبـكـر‬
‫بن قدامة قال‪ :‬حدثي هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال‪ :‬حدثني أبو خالد السلمي قال‪ :‬كان ابن أبي عيينة المهلبي‬
‫صديقي‪ ،‬وهو أبو عيينة بن المنجاب بن أبي عيينة‪ ،‬فجاءه رجل من جيرانه كان يستثقله‪ ،‬فسأله حاجة فقضاها‪ ،‬ثم سأله أخرى‬
‫‪:‬فوعده بها‪ ،‬ثم سأله ثالثة فقال‬
‫إن شئت أن تبقى لهم سكنا‬ ‫خفف على إخوانك المؤنـا‬
‫إلحاف إجحاف بهم وعنـا فقال الرجل وانصرف‬ ‫‪.‬ل تلحقن إذا سألت ففي ال‬
‫يطلب عزل أمير البصرة فل يجاب ويمنح صلة عوضا‪ :‬أخبرني أبو دلف هاشم بن محمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني المبرد قال‪ :‬وفد ابن أبي‬
‫عيينة إلى طاهر بن الحسين يسأله أن يعزل أمير البصرة‪ ،‬وكان من قبله فدافعه‪ ،‬وعرض عليه عوضا خطيرا من حاجته‪ ،‬ووعده‬
‫‪:‬أن يستصلح له ذلك المير ويزيله عما كرهه‪ ،‬فأبى عزله وأجزل صلته‪ ،‬فقال ابن أبي عيينة فيه‬
‫تترى هي الغاية القصوى من المنن‬ ‫يا ذا اليمينين قد أوقرتنـي مـنـنـا‬
‫إل استطاعة ذي روح وذي بـدن‬ ‫ولست أستطيع من شكر أجيء بـه‬
‫أوفى من الشكر عند الله في الثمن‬ ‫لو كنت أعرف فوق الكشر منـزل‬
‫حذوا على مثل ما أوليت من حسن أسا والي البصرة جواره فطلب عزله‬ ‫أخلصتها لك من قلـبـي مـهـذبة‬
‫فأجيب إلى طلبه‪ :‬أخبرني محمد بن القاسم النباري قال‪ :‬حدثني أبي عنه أبي عكرمة عامر بن عمران‪ ،‬وأخبرني به عمي عن‬
‫أحمد بن يزيد المهلبي عن أبيه قال‪ :‬كان إسماعيل بن سليمان واليا على البصرة خليفة لطاهر بن الحسين‪ ،‬فأساء مجاورة ابن‬
‫أبي عيينة حتى تباعد بينهما وقبح‪ ،‬وأظهر إسماعيل تنقصه وعيبه‪ ،‬فخرج إلى طاهر ليشكو إسماعيل‪ ،‬ويسعى في عزله عن‬
‫البصرة‪ ،‬فبعد ذلك عليه بعض البعد‪ ،‬وسافر طاهر بن الحسين إلى وجه أمر بالخروج إليه‪ ،‬فصحبه ابن أبي عيينة في سفره‪،‬‬
‫‪:‬فتذمم من ذلك‪ ،‬وأمر بإيصاله إليه‪ ،‬فلما دخل ابن أبي عيينة إليه سأله عن حوائجه وأدناه‪ ،‬وأمره برفعها فأنشده‬
‫فيهـا ومـــن آنـــســـتـــه لـــم يرم‬ ‫من أوحـشـتـه الـــبـــلد لـــم يقـــم‬
‫في صـدره بــالـــزنـــاد لـــم ينـــم‬ ‫ومـن يبــت والـــهـــمـــوم قـــادحة‬
‫يزل عـن الـنـقـص مـوطـئ الـــقـــدم‬ ‫ومـن ير الـنـقـص مـــن مـــواطـــئه‬
‫صدع عـلـى الـشـعـب غـير مـلــتـــئم‬ ‫والـقـرب مـمـن ينـأى بـجـــانـــبـــه‬
‫يظـل مـنـه فـي حـيرة الـــظـــلـــم‬ ‫ورب أمـر يعــيا الـــلـــبـــيب بـــه‬
‫وتـركـه مــن مـــواقـــع الـــنـــدم‬ ‫صبـر عـلـيه كـظـم عـلـى مــضـــض‬
‫آتـــك مـــن خـــلة ومـــن عــــدم‬ ‫يا ذا الــيمـــينـــين لـــم أزرك ولـــم‬
‫ومـغـتـدى واســـع وفـــي نـــعـــم‬ ‫إنـي مـن الـلـه فـي مـــراح غـــنـــى‬
‫إلـى الـعـل مـن كـرائم الـــهـــمـــم‬ ‫زارتـــك بـــي هـــمة مـــنـــازعة‬
‫في الـقـدر مـن مـنـصـبـي ومـن شـيمـي‬ ‫وإنـنـي لـلـجـمـيل مــحـــتـــمـــل‬
‫وقد تعلقت منك بالذمم الكبرى التي ل تخيب في الذمم‬
‫في الـحـق حـق الـرجــاء والـــرحـــم‬ ‫فإن أنل بغيتي فأنت لها‬
‫جمـيل رأي عـنـدي بـــمـــتـــهـــم‬ ‫وإن يعـق عـائق فـلــســـت عـــلـــى‬

‫صفحة ‪2233 :‬‬

‫تعـويق امـرئ فـي الـلـوح والــقـــلـــم‬ ‫في قـدر الــلـــه مـــا أحـــمـــلـــه‬
‫حر كـريم بـالـصـبـر مـعـــتـــصـــم‬ ‫لم يضـق الـصـبـر والـفـجــاج عـــلـــى‬
‫ماض كحد السنان في طرف العامل أو حد مصلت خذم‬
‫عن ثـــوب حـــرية وعـــن كــــــرم‬ ‫إذا ابتله الزمان كشفه‬
‫في الـصـدر مـحـصـورة عـن الـكــلـــم‬ ‫ما ســـاء ظـــنـــي إل بـــواحـــــدة‬
‫ولـم تـقـصـر فـيهـــم ولـــم تـــلـــم‬ ‫ليهـن قـوم جـزت الـــمـــدى بـــهـــم‬
‫بالـنـصـف مـن مـلـئهــا إلـــى الـــوذم‬ ‫ولـــيس كـــل الــــدلء راجـــــــعة‬
‫ترجع بالحماة القليلة أحيانا ورنق الـصـبـابة المـم‬
‫ول تـعــم الـــســـمـــاء بـــالـــديم‬ ‫ما تنبت الرض كل زهرتها‬
‫شريفة والمـــور بـــالـــقـــســـــم فأجابه طاهر‬ ‫‪:‬ما فـي نـقـص عـــن كـــل مـــنـــزلة‬
‫إل كنوم المريض ذي السـقـم‬ ‫من تستضفه الهمـوم لـم ينـم‬
‫تولد فيه الهـمـوم مـن ألـم‬ ‫ول يزال قلـبـه يكـابـد مـا‬
‫وما بأذني عنك مـن صـمـم‬ ‫وقد سمعت الذي هتـفـت بـه‬
‫لفـاقة فـيك ل ول عـــدم‬ ‫وقد علمنا أن لست تصحـبـنـا‬
‫مثلك رعي الحقوق والـحـرم‬ ‫إل لحـق وحـرمة وعـلـى‬
‫إل إلى مثلـه مـن الـكـرم‬ ‫أنت امرء ل تزول عـن كـرم‬
‫فازوا بحسن الفعال والـشـيم‬ ‫وأنت من أسرة جـحـاجـحة‬
‫فالحكم فيه إليك فـاحـتـكـم‬ ‫فما ترم من جـسـيم مـنـزلة‬
‫منا تـجـدك الـيدان بـالـديم‬ ‫إن كنت مستسقيا سماحـتـنـا‬
‫في العرب معروفة وفي العجم‬ ‫إنا أناس لـنـا صـنـائعـنـا‬
‫والكسب للحمد غير مغـتـنـم فاحتكم عليه أبو عيينة في عزل إسماعيل بن‬ ‫مغتنمو كسب كـل مـحـمـدة‬
‫‪.‬جعفر عن البصرة‪ ،‬فعزله عنها وأمر له بمائة ألف درهم‬
‫‪:‬شعره في والي البصرة بعد عزله‪ :‬فقال أبو عيينة في عزله إسماعيل بن جعفر عن إمارة البصرة‬
‫ول هزال في دولة السمـن‬ ‫ل تعدم العزل يا أبا الحسـن‬
‫إلى ديار البلء والمـحـن‬ ‫ول انتقال من دار عـافـية‬
‫أذاب ما في جنبيك من عكن يهجو نزارا‪ ،‬فيرد عليه ابن زعبل‪ :‬حدثني عيسى بن‬ ‫أنا الذي إن كفرت نعمـتـه‬
‫الحسين قال‪ :‬حدثني محمد بن عبد الله الحزنبل الصبهاني قال‪ :‬كان ابن أبي عيينة قد هجا نزارا بقصيدة له مضهورة‪ ،‬وفضل‬
‫‪:‬عليها قحطان‪ ،‬فقال ابن زعبل يهجوه ويرد عليه‪ ،‬واسمه عمرو بن زعبل‬
‫نطقت به من اللـغـط‬ ‫?بنـي أبـي عـيينة مــا‬
‫من الوجاع في الوسـط‬ ‫على ما أنت ملـتـحـف‬
‫وما في العرض من سقط‬ ‫لما في الدبر مـن نـغـل‬
‫ن بالنعمـاء والـغـبـط‬ ‫أتتنا الخمـس والـمـائتـا‬
‫تطيل الباع مـنـبـسـط‬ ‫أمير مـن هـلل مـس‬
‫ل في عرض ول رهـط‬ ‫شريف ليس بالـمـدخـو‬
‫قعا ل شـك فـي ورط‬ ‫أظـنـك مـــن يديه وا‬
‫يدين بـنـائل سـبــط‬ ‫ووالى الخرج فـياض ال‬
‫فلم تحفـظ لـم تـحـط‬ ‫له نعـم حـبـاك بـهـا‬
‫منين يقوم بـالـقـسـط‬ ‫وقاض من أمـير الـمـؤ‬
‫ل قحطان على شـحـط‬ ‫يســـرك أن مـــن آ‬
‫ل شيخ فاسق الشـمـط‬ ‫وأنـك إن ذكـرت يقــا‬
‫ن عاب مناقب السـبـط‬ ‫أعبد من عـبـيد عـمـا‬
‫كفى هذا من الشـطـط‬ ‫وتهجو الغر من مـضـر‬
‫مسيرا غير مـغـتـبـط‬ ‫تيمـم فـي مـقـــيرة‬
‫بودع لح كـالـرقــط‬ ‫مجـــوفة مـــزينة‬
‫س مؤتـزرين بـالـفـو‬ ‫بنوك تجرهـا بـالـقـل‬
‫لجد السير تـحـتـلـط‬ ‫متى غمسـوا مـراديهـم‬
‫ن يمسكـه بـل غـلـط‬ ‫وأنت بموضع الـسـكـا‬
‫كة بالشوك لـم تـخـط‬ ‫عليك عبـاءة مـشـكـو‬
‫فرارك خيفة الـشـرط‬ ‫فطـيب ريح بـلـدتـنـا‬
‫رة التخليط والـغـلـط‬ ‫وأنك قد عرفـت بـكـث‬
‫ن فـي يوم ولـم تـلـط طلبه المأمون لهجائه نزارا ففر إلى عمان‬ ‫‪:‬ترى الخسران إن لم تـز‬

‫صفحة ‪2234 :‬‬

‫قال‪ :‬وكان ابن أبي عيينة لما هجا نزارا بلغ شعره المأمون‪ ،‬فنذر دمه‪ ،‬فهرب من البصرة وركب البحر إلى عمان‪ ،‬فلم يزل بها‬
‫‪.‬متواريا في نواحي الزد حتى مات المأمون‬
‫‪.‬أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال‪ :‬حدثني ابن مهرويه عن أبيه بقصة ابن أبي زعبل‪ ،‬فذكر نحو الخبر المتقدم‬
‫يشبب بوهبة ثم يعدل دنيا‪ :‬حدثني عمي قال‪ :‬حدثني أحمد بن يزيد المهلبي؛ قال‪ :‬حدثني أبي قال‪ :‬كان ابن أبي عيينة يشبب‬
‫‪:‬بوهبة جارية القروي‪ ،‬وهي التي يقول فيها فروج الزنى قوله‬
‫إل الجلوس فتسقيني وأسقـيك ثم عدل عن التشبيب بها إلى دنيا‪ ،‬وذكرهما‬ ‫يا وهب لم يبق لي شيء أسر به‬
‫‪:‬جميعا في شعره فقال‬
‫بعد سقم من هواها مفيقا‬ ‫‪:‬أرسلت وهبة لما رأتنـي‬
‫قبل أن تعرف دنيا صديقا‬ ‫أتغيرت كأن لم تكن لـي‬
‫قطعت دنيا عليك الطريقا شعر له يدل على أنه كان يكنى بدنيا عن فاطمة‪:‬‬ ‫قد لعمري كان ذاك ولكن‬
‫أخبرني عمي قال‪ :‬حدثني أحمد بن يزيد عن أبيه قال‪ :‬لما ولي عمر بن حفص هزار مرد بالبصرة ‪-‬قال ابن أبي عيينة في ذلك‬
‫‪:‬وفي دنيا يكنى بها عن فاطمة بنت عمر بن حفص صاحبته‬
‫قدوم أبيها على البصره‬ ‫هنيئا لدنيا هنـيئا لـهـا‬
‫وقالت لي الملك والقدره‬ ‫على أنها أظهرت نخـوة‬
‫علي تطاولت بالمـره قال‪ :‬وهذا دليل على أنه كان يكنى عن فاطمة بدنيا‪ ،‬ل أنه كان‬ ‫فيا نور عيني كذا عاجل‬
‫‪.‬يهوى جاريتها دنيا‬
‫‪:‬قال أحمد بن يزيد‪ :‬وفيها يقول أيضا‬
‫ل تنس ما قلت‪ ،‬من فيها إلى أذني‬ ‫يا حسنها يوم قالـت لـي مـودعة‬
‫ولم أزر أهل دنيا زورة الخـتـن‬ ‫كأنني لـم أصـل دنـيا عـلنـية‬
‫فالروح في وطن والجسم في وطن‬ ‫جسمي معي غير أن الروح عندكم‬
‫ل روح فيه ولي روح بـل بـدن وفي هذه البيات هزج طنبوري محدث‬ ‫‪.‬فليعجب الناس مني أن لي جـسـدا‬
‫يرثي أخاه داود وقد مات في طريقه إليه‪ :‬أخبرني عمي قال‪ :‬حدثني أحمد بن يزيد عن أبيه قال‪ :‬ورد على ابن أبي عيينة كتاب‬
‫‪:‬من بعض أهله بأن أخاه داود خرج إليه ببريد ‪ ،‬فمات بهمذان‪ ،‬فقال ابن أبي عيينة عند ذلك يرثيه‬
‫على داود رهنا فـي ضـريح‬ ‫أنائحة الحمام قفي فـنـوحـي‬
‫به اليام للـمـوت الـمـريح‬ ‫لدى الجيال من همذان راحـت‬
‫فتبكيه بـمـنـهـل سـفـوح‬ ‫ولم يشهد جنازته الـبـواكـي‬
‫جوادا بالغبوق وبالـصـبـوح‬ ‫وكوني مثـلـه إذ كـان حـيا‬
‫عليه فليس بالرجل الشـحـيح‬ ‫أنائحة الحمام فـل تـشـحـي‬
‫ول فيها بمغـمـار طـمـوح‬ ‫ول بمـثـمـر مـال لـدنـيا‬
‫ثمين من عـواقـبـه ربـيح‬ ‫يبيع كثير مـا فـيهـا بـبـاق‬
‫لباب الخالص المحض الصريح‬ ‫ومن آل المهلب فـي لـبـاب‬
‫وأهداف المراثـي والـمـديح يقدم إلى الكوفة فيحب قينة فيها‪ :‬أخبرني عمي‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫همـو أبـنـاء آخـرة ودنـيا‬
‫حدثنا أحمد بن يزيد عن أبيه قال‪ :‬قدم أبو عيينة إلى الكوفة في بعض حوائجه‪ ،‬فعاشره جماعة من وجوه أهلها‪ ،‬وأقام بها مدة‪،‬‬
‫‪:‬وألف فيها قينة كان يعاشرها وأحبها حبا شديدا‪ ،‬فقال فيها‬
‫وفوق المنى بالغانيات النـواعـم‬ ‫لعمري لقد أعطيت بالكوفة المنى‬
‫هواي ومثلي مثلهـا فـلـينـادم‬ ‫ونادمت أخت الشمس حسنا فوافقت‬
‫وقال‪ :‬ملول عـهـده غـير دائم‬ ‫وأنشدتها شعري بدنيا فعـربـدت‬
‫فقد تبت مما قلـت تـوبة نـادم‬ ‫فقلت لها يا ظبية الكوفة اغفـري‬
‫ولكن سنرعى فيك روح ابن حاتم شعره في بستان له وضيعة‪ :‬قال أحمد‬ ‫فقالت قد استوجبت منا عـقـوبة‬
‫بن يزيد‪ ،‬قال لي أبي‪ :‬كان لبن أبي عيينة بستان وضيعة في بعض قطائع المهلب بالبصرة‪ ،‬فأوطنها وصيرها منزله‪ ،‬وأقام بها‪،‬‬
‫‪:‬وفيها يقول‬
‫تبلغها قيمة ول ثـمـن‬ ‫يا جنة فاقت الجنان فما‬
‫إن فؤادي لهلها وطن‬ ‫ألفتها فاتخذتها وطـنـا‬
‫فهذه كـنة وذا خـتـن‬ ‫زوج حيتانها الضباب بها‬

‫صفحة ‪2235 :‬‬

‫إن الريب المفكر الفطن‬ ‫فانظر وفكر فيما نطقت به‬


‫ومن نعام كأنهـا سـفـن ينشد الموصلي من شعره‪ :‬أخبرني عيسى بن الحسين‬ ‫من سفن كالنعام مقـبـلة‬
‫قال‪ :‬حدثنا الزبير بن بكار وقال‪ :‬حدثنا إسحاق بن إبراهيم الموصلي‪ ،‬أن أبا عيينة أنشده لنفسه‪ :‬صوت‬
‫ك من اللحظ حيلة واختداعـا‬ ‫ل يكن منك ما بدا لي بعينـي‬
‫فدعيني ل تقتليني ضـياعـا‬ ‫إن يكن في الفؤاد شـيء وإل‬
‫ت وأظهرت جفوة وامتناعـا‬ ‫فلعلي إذا قربـت تـبـاعـد‬
‫وقعت فيه من هواها ارتجاعا في هذه البيات رمل مطلق محدث‬ ‫‪.‬حين نفسي ل تستطيع لما قـد‬
‫كان أخوه عبد الله شاعرا وله شعر في عتاب خالد البرمكي‪ :‬أخبرني عمي قال‪ :‬حدثني أحمد بن يزيد قال‪ :‬حدثني أبي قال‪:‬‬
‫كان عبد الله بن محمد بن أبي عيينة أخو أبي عيينة شاعرا‪ ،‬وهو القائل يعاتب محمد بن يحيى بن خالد البرمكي بأبيات رائية‬
‫‪:‬أولها‬
‫قبض لـكـفـيك وازورار‬ ‫اسلم وإن كان فيك عـنـي‬
‫كأنـمـا بـي إلـيك ثـار‬ ‫تلحظني عابسـا قـطـوبـا‬
‫يجوز منه لـي اعـتـذار‬ ‫لو كان أمر عتـبـت فـيه‬
‫لحان مني لـك الـفـرار‬ ‫أو كنـت سـآلة حـريصـا‬
‫ل منصب لي ول نـجـار‬ ‫أو كنت نذل عـديم عـقـل‬
‫ما تحمل النفس الكـبـار‬ ‫أولم أكن حامل بنـفـسـي‬
‫وكل أهلي فـتـى خـيار‬ ‫وأنني من خـيار قـومـي‬
‫منك وإن نالـنـي ضـرار‬ ‫عذرت إن نالنـي جـفـاء‬
‫قحطان لي الجـد ل نـزار‬ ‫لكـن ذنـبـي إلـيك أنـي‬
‫أوان ينأى بـي الـمـزار‬ ‫عليك مني الـسـلم‪ ،‬هـذا‬
‫دعا إلى أكله اضـطـرار‬ ‫ما كنت إل كلـحـم مـيت‬
‫محـمـد ديمة غـــزار‬ ‫راحت على الناس لبن يحيى‬
‫بقدر ما ينجلي الـغـبـار‬ ‫ولم يكن ما أنـلـت مـنـه‬
‫أعلمه السفـلة الـشـرار‬ ‫قد أصبح الناس في زمـان‬
‫فيه ويستقـدم الـحـمـار‬ ‫يستأخر السابق الـمـذكـى‬
‫يوما وما إن لـه اخـتـيار‬ ‫وليس للمرء مـا تـمـنـى‬
‫وفي مـقـاديره الـخـيار يهجو قبيصة بن روح المهلبي‪ ،‬ويمدح داود بن عمه‪ :‬أخبرني‬ ‫ما قـدر الـلـه فـهـو آت‬
‫عمي قال‪ :‬حدثنا أبو هفان‪ ،‬قال‪ :‬كان ابن أبي عيينة قد قصد ربيعة بين قبيصة بن روح بن حاتم المعلبي واستماحه‪ ،‬فلم يجد‬
‫عنده ما قدر فيه‪ ،‬فانصرف مغاضبا‪ ،‬فوجه إليه داود ابن مزيد بن حاتم بن قبيصة‪ ،‬وبلغ ما أحبه ورضيه من بره‪ ،‬ومعونته‪ ،‬فقال‬
‫‪:‬يمدحه ويهجو قبيصة‬
‫سعي ابن عمك ذي العـل داود‬ ‫أقبيص لست وإن جهدت بمدرك‬
‫إن المذمم ليس كالمـحـمـود‬ ‫شتان بينك يا قـبـيص وبـينـه‬
‫واخترت أكل شبـارق وثـريد‬ ‫أختار داود بـنـاء مـحـامـد‬
‫روح أبى خلف كمـجـد يزيد‬ ‫قد كان مجد أبيك لو أحبـبـتـه‬
‫فحوى المدى وجريت جري بليد‬ ‫لكن جرى داود جري مـبـرز‬
‫عجبا لذاك وأنتمـا مـن عـود‬ ‫داود محمـود وأنـت مـذمـم‬
‫نصفا وسائره لـحـش يهـود‬ ‫ولرب عود قد يشق لمـسـجـد‬
‫كم بين موضع مسلح وسجـود‬ ‫فالحش أنت له وذاك لمسـجـد‬
‫جادت يداه وأنت قفـل حـديد يدعوه حذيفة مولى جعفر بن سليمان إلى مجلس‬ ‫هذا جزاؤك يا قـبـيص لنـه‬
‫فيقول في ذلك شعرا‪ :‬حدثني جعفر بن قدامة قال‪ :‬حدثنا حماد بن إسحاق قال‪ :‬حدثني أبي قال‪ :‬كانت لبي حذيفة مولى جعفر‬
‫بن سليمان جارية مغنية يقال لها‪ :‬بستان‪ ،‬فبلغه أن أبا عيينة بن محمد بن عيينة ذكر لبعض إخوانه محبته لها ولستماع غنائها‬
‫‪:‬فدعاه‪ ،‬وسأله أن يطرح الحشمة بينه وبينه‪ ،‬فأجابه إلى ذلك‪ ،‬وقال لما سكر وانصرف من عنده في ذلك‬
‫أجبت أبا حذيفة إذ دعانـي‬ ‫ألم ترني على كسلي وفتري‬
‫أجبت ولم يكن مني تواني‬ ‫وكنت إذا دعيت إلى سماع‬
‫بيوم ليس من هذا الزمـان‬ ‫كأنا من بشاشتنا ظلـلـنـا‬

‫صفحة ‪2236 :‬‬

‫يهجو عيسى بن موسى لنه لم يعطه سمادا لضيعته‪ :‬أخبرني الحسن بن علي قال‪ :‬حدثنا محمد بالقاسم بن مهرويه قال‪:‬‬
‫حدثني محمد بن عمثان قال‪ :‬كانت لعيسى بن موسى ضيعة إلى جانب ضيعة ابن أبي عيينة بالبصرة‪ ،‬وكان له إلى جانب ضيعته‬
‫‪:‬سماد كثير‪ ،‬فسأله أن يعطيه بعضه ليعمر ابن أبي عيينة به ضيعته‪ ،‬فلم يفعل فقال فيه‬
‫وعيسى همه جمع السـمـاد‬ ‫رأيت الناس همه المعـالـي‬
‫وعيسى رزقه في است العباد هكذا ذكره ابن مهرويه‪ ،‬وهذا بيت فاسد‪ ،‬وإنما هو‬ ‫‪:‬ورزق العالمين بكـف ربـي‬
‫له رزق من استاه العباد أخباره مع ابن عمه خالد وسبب هجائه إياه‪ :‬ولبن أبي‬ ‫إذا رزق العباد فإن عيسى‬
‫عيينة مع ابن عمه خالد أخبار جمة أذكرها هاهنا والسبب الذي حمله على هجائه‪ :‬أخبرني علي بن سليمان الخفش ببعضها‪ ،‬عن‬
‫محمد بن يزيد المبرد‪ ،‬وببعضها عن أحمد بن يزيد المهلبي عن أبيه‪ ،‬وقد جمعت روايتهما فيما اتفقا عليه‪ ،‬ونسبت كل ما انفرد‬
‫به أحدهما أو خالف فيه غليه‪ ،‬وذكرت في فصول ذلك وخلله ما لم يأتيا به مما كتبته عن الرواة‪ ،‬قال جميعا‪ :‬ولي خالد بن يزيد‬
‫بن حاتم بن قبيصة بن المهلب جرحان‪ ،‬فسأل يزيد بن حاتم أبا عيينة أن يصحبه ويخرج معه‪ ،‬ووعده الحسان والولية‪ ،‬وأوسع‬
‫له المواعيد‪ .‬وكان أبو عيينة جنديا‪ ،‬فجرد اسمه في جريدته‪ ،‬وأخرج رزقه معه‪ ،‬فلما حصل لجرجان أعطاه رزقه لشهر واحد‪،‬‬
‫واقتصر على ذلك‪ ،‬وتشاغل عنه وجفاه‪ ،‬فبلغه أنه قد هجاه وطعن عليه‪ ،‬وبسط لسانه فيه‪ ،‬وذكره بكل قبيح عند أهل عمله‬
‫ووجوه رعيته‪ ،‬فلم يقدر على معاقبته‪ ،‬لموضع أبيه وسنه ومحله في أهله‪ ،‬فدعا به‪ ،‬وقال له‪ :‬إنه قد بلغني أنك تريد أن تهرب‬
‫فإما أن أقمت لي كفيل برزقك أو رددته‪ ،‬فأتاه بكفيل فأعنته‪ ،‬ولم يقبله‪ ،‬ولم يزل يردده حتى ضجر‪ ،‬فجاءه بما قبض من الرزق‬
‫‪.‬فأخذه‬
‫‪:‬من هجائه لبن عمه‪ :‬ولج أبو عيينة في هجائه وأكثر فيه حتى فضحه‪ ،‬فقال في هذا عن أحمد بن يزيد المهلبي‬
‫وبما اصطفيتك في الهوى فأثيبـي‬ ‫دنيا دعوتك مسرعـا فـأجـيبـي‬
‫إني بعهدك واثق فـثـقـي بـي‬ ‫دومي أدم لك بالصفاء على النـوى‬
‫ومشيب رأسي قبل حين مشيبـي‬ ‫ومن الدليل على اشتياقي عبرتـي‬
‫يا حسن ذاك إلي مـن تـطـريب‬ ‫أبكي إليك إذا الحمـامة طـربـت‬
‫حزن الحبيبة من فراق حـبـيب‬ ‫تبكي على فنن الغصـون حـزينة‬
‫إن البكا حسـن بـكـل غـريب‬ ‫وأنا الغريب فل ألم على البـكـا‬
‫تشفى جوى من أنفس وقـلـوب‬ ‫أفل ينادى للـقـفـول بـرحـلة‬
‫والله ما أنـا بـعـدهـا بـأريب‬ ‫ما لي اصطفيت على التعسف خالدا‬
‫ولخالد بن يزيد من مـصـحـوب‬ ‫تبا لصحبة خالـد مـن صـحـبة‬
‫حربا فدونك فاصطبر لحـروبـي‬ ‫يا خالد بن قبيصة هـيجـت بـي‬
‫وأبيت غير تجـهـم وقـطـوب‬ ‫لما رأيت ضمير غشـك قـد بـدا‬
‫ظهرت فضائحها على التجـريب‬ ‫وعرفت منك خلئقا جـربـتـهـا‬
‫ووهبت للشيطان منك نصـيبـي‬ ‫خليت عنك مفارقا لك عن قـلـى‬
‫نظرا يفرج كربة الـمـكـروب‬ ‫فلئن نظرت إلى الرصـافة مـرة‬
‫ولروين علـيك كـل عـجـيب‬ ‫لمزقـنـك قـائمـا أو قـاعـدا‬
‫حبرتها بتـشـكـر مـقـلـوب‬ ‫ولتـأتـين أبـاك فـيك قـصـائد‬
‫ولتشتمن وأنـت غـير مـهـيب‬ ‫ولينشدن بـهـا المـام قـصـيدة‬
‫ولشلين على نـعـاجـك ذيبـي يهجو ابن عمه وقد كتب إليه أخوه بسلمته وسلمة‬ ‫ولوذينـك مـثـلـمـا آذيتـنـي‬
‫أهل بتيه‪ :‬قال أحمد بن يزيد في خبره‪ :‬حدثني أبي قال‪ :‬أعرس داود بن محمد بن أبي عيينة أخو أبي عيينة بالبصرة‪ ،‬وأخوه‬
‫غائب يومئذ مع ابن عمه خالد بجرجان‪ ،‬فكتب داود إلى أخيه يخبره بسلمته وسلمة أهل بيته‪ ،‬وبخبر نقله أهله إليه‪ ،‬فقال أبو‬
‫‪:‬عيينة في ذلك‬
‫ومنا لدموعك منهله‬ ‫أل ما لعينك متعـلة‬
‫صفحة ‪2237 :‬‬

‫وحيد بها غـير ذي خـلـه‬ ‫وكيف بجرجان صبر امـرئ‬


‫إذا عسكر القوم بـالثـلـه‬ ‫وأطول بليلـك أطـول بـه‬
‫من القوم ليست له قـبـلـه‬ ‫وراعك من خـيلـه حـائر‬
‫وداود بالمصر في غفـلـه‬ ‫يسوقك نحوهـم مـكـرهـا‬
‫ينادي وفي سمعه ثـقـلـه‬ ‫وما مـدنـف بـين عـواده‬
‫تأهب إلى الري بالرحـلـه‬ ‫بأوجع منـي إذا قـيل لـي‪:‬‬
‫ء إن كنت عنها فلي عزلـه‬ ‫ومالي وللري لول الـشـقـا‬
‫على فرس أو على بغـلـه‬ ‫أكلف أجبـالـهـا شـاتـيا‬
‫ركوب القراقير في دجلـه‬ ‫وأهون من ذاك لو سهـلـوه‬
‫رواح الندامـى إلـى دلـه‬ ‫تروح إلينـا بـهـا طـربة‬
‫تغيظ من قدمـي ركـلـه‬ ‫أخالد خذ مـن يدي لـطـمة‬
‫وبعت خصال الندى جملـه‬ ‫جمعت خصال الردى جمـلة‬
‫وكم لك في الشر من خلـه‬ ‫فمالك في الخير مـن خـلة‬
‫نضلت فأذعنت للنـضـلـه‬ ‫ولما تناضل أهـل الـعـل‬
‫مقرطسة ل ول خصـلـه‬ ‫فما لك في المجد يا خـالـد‬
‫أبوك وأشـياخـه قـبـلـه‬ ‫وأسرعت في هدم ما قد بنى‬
‫نضارا وعودك من أثـلـه‬ ‫وكانت من النبع عـيدانـهـم‬
‫خلفا وريحـانة بـقـلـه‬ ‫فيا عجبا نـبـعة أنـبـتـت‬
‫وعرضك للشم والـبـذلـه‬ ‫ثيابك لـلـعـبـد مـطـوية‬
‫ولم تؤت في ذاك من قلـه‬ ‫أجعت بنـيك وأعـريتـهـم‬
‫وهيأت كيسك لـلـغـلـه‬ ‫إذا ما دعينا لقبض العـطـاء‬
‫فتأتي على آخر الـجـلـه‬ ‫وجلة تمر تـغـادي بـهـا‬
‫ء نزلهم الملـح والـمـلـه‬ ‫وتقصي بنيك وهم بالـعـرا‬
‫لما طمعوا منك في فضلـه‬ ‫ولو كان خبز وتمـر لـديك‬
‫كأن جشاءك عن فـجـلـه‬ ‫وتصبح تقلس عـن تـخـمة‬
‫فأوهن من غادة طـفـلـه‬ ‫إذا الـحـي راعـهـم رائع‬
‫إذا ما دعيت إلـى أكـلـه‬ ‫وليث يصول علـى قـرنـه‬
‫ن من فارس صادق الحمله‬ ‫فللـه درك عـنـد الـخـوا‬
‫تفكرت يومين في العـلـه‬ ‫وإن جاءك الناس في حـاجة‬
‫كأن قد عضضت على بصله‬ ‫وتلقـاهـم أبـدا كـالـحـا‬
‫لكـم هـنة بـتة بـتـلـه‬ ‫فهذا نصيبـي مـن خـالـد‬
‫ول خير في صحبة السفلـه ينشد مسلم بن الوليد من هجائه في ابن عمه‪ :‬حدثني‬ ‫وإني لصحبتـه مـبـغـض‬
‫أحمد بن عبيد الله بن عمار الثقفي قال‪ :‬حدثني أبو الحسن بن المنجم قال‪ :‬رأيت مسلم بن الوليد النصاري يوما عند أبي‪ ،‬ثم‬
‫خرج من عنده‪ ،‬فلقيه ابن أبي عيينة‪ ،‬فسلم عليه وتحفى به‪ ،‬ثم قال له‪ :‬ما خبرك مع خالد? قال‪ :‬الخبر الذي تعرفه‪ ،‬ثم أنشده‬
‫‪:‬قوله فيه‬
‫كأسا تهيج من نشـاطـه قال‪ :‬ومسلم يتبسم من هجائه إياه حتى مر فيها كلها‪ ،‬ثم‬ ‫يا حفص عاط أخاط عاطه‬
‫‪:‬ختمها بقوله‬
‫وس فغط رأسك ثم طاطه فقال مسلم‪ :‬مه‪ ،‬إن لله هتكته والله وأخزيته‪ ،‬وإنما كنت‬ ‫وإذا تطاولت ولـت الـرؤ‬
‫أظن أنك تمزح وتهزل إلى آخر قولك حتى ختمته بالجد القبيح‪ ،‬وأفرطت فيما خرجت به إليه‪ ،‬ثم مضى وهو يقول‪ :‬فضحته‬
‫‪.‬والله‪ ،‬هتكته والله‬
‫يستنشده دعبل من هجائه لبن عمه فينشده‪ :‬أخبرني عمي قال‪ :‬حدثني أحمد بن يزيد قال‪ :‬حدثني أبي قال‪ :‬لقي دعبل أبا‬
‫‪:‬عيينة فقال له‪ :‬أنشدني قولك في ابن عمك فأنشده‬
‫كأسا تهيج من نشـاطـه‬ ‫يا حفص عاط أخاك عاطه‬
‫كالظبي أطلق من رباطه‬ ‫صرفا يعود لـوقـعـهـا‬
‫م نعيمه بعد انبـسـاطـه‬ ‫صبا طرت عنه الهـمـو‬
‫لشقائه بعد اغتـبـاطـه‬ ‫فبكى وحق لـه الـبـكـا‬
‫لما وقعت على قماطـه‬ ‫جزع المخـنـث خـالـد‬
‫من منطقي وإلى اختلطه‬ ‫فانظـر إلـى نـزواتـه‬
‫فلقطعن عرى نـياطـه‬ ‫دعـنـي وإيا خـالـــد‬

‫صفحة ‪2238 :‬‬

‫فبه مشابه من ضـراطـه‬ ‫إنـي وجـدت كـلمــه‬


‫د إذا وطئت على بساطـه‬ ‫رجل يعـد لـك الـوعـي‬
‫فخف البوادر من سياطـه‬ ‫وإذا انـتـظـرت غـداءه‬
‫ك فلن تجوز على صراطه‬ ‫يا خال صد المـجـد عـن‬
‫عري اليتيم ومـن رياطـه‬ ‫وعريت من حلل الـنـدى‬
‫س فغط رأسك ثم طاطـه قال له دعبل‪ :‬أغرقت والله في النزع وأسرفت‪ ،‬وهتكت‬ ‫فإذا تـطـاولـت الـرؤو‬
‫ابن عمك وقتلته وغضضت منه‪ ،‬وإنما استنشدتك وأنا أظن أنك قلت كما يقول الناس قول متوسطا‪ ،‬ولو علمت أنك بلغت به‬
‫‪ .‬هذا كله لما استنشدتك‬
‫أخبرني بهذا الخبر الحسن بن علي وعمي قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني الحسين بن السري قال‪ :‬لقي‬
‫دعبل أبا عيينة فقال له‪ :‬أنشدني بعض ما قلت في ابن عمك‪ ،‬ثم ذكر الخبر مثل ما ذكره أحمد بن يزيد‪ ،‬وقال فيه‪ :‬إنما ظننت‬
‫أنك قلت فيه قول أبقيت معه عليه بعض البقاء‪ ،‬ولو علمت أنك بلغت به هذا كله وأغرقت هذا الغراق ما استنشدتك‪ ،‬وجعل‬
‫يعيد فغط رأسك ثم طاطه ‪ ،‬ويقول‪ :‬قتله الله من مختار هجائه في خالد‪ :‬أخبرني علي بن سليمان الخفش قال‪ :‬حدثني‬
‫‪:‬محمد بن يزيد قال‪ :‬ومن مختار ما قاله في خالد قوله‬
‫واذكـرينـا فـي بـعـض مـا تـذكـــرينـــا‬ ‫قل لـدنـيا بـالـلـه ل تـقــطـــعـــينـــا‬
‫لم تـخــافـــيه ســـاعة أن يخـــونـــا‬ ‫ل تـخـونـي بـالـغـيب عــهـــد صـــديق‬
‫واذكري عيشنا وإذ نفض الريح علينا الخيري والياسمينا‬
‫من أذى الرض والـظـلل غـــصـــونـــا‬ ‫إذ جعلنا الشاهسفرام فراشا‬
‫من بـلد ســارين أم مـــدلـــجـــينـــا‬ ‫حفـظ الـلـه إخـوتـي حـــيث كـــانـــوا‬
‫وهـم فـي الـمـــكـــارم الولـــونـــا‬ ‫فتـية نــازحـــون عـــن كـــل عـــيب‬
‫وهم الكثرون يعلم ذاك الناس‪ ،‬والطيبون للطيبـينـا‬
‫أزعجتني القدار عنهم وقد كنت بقربي منهم شحيحا ضنينا‬
‫وتبدلت خالدا لعنة الله عليه ولعنة اللعنينا‬
‫تى زكـاة وينـهـر الـمـــســـكـــينـــا‬ ‫رجل يقهر اليتيم ول يؤ‬
‫ويرائي ويمـنـــع الـــمـــاعـــونـــا‬ ‫ويصـون الـثـــياب والـــعـــرض بـــال‬
‫نزع الله منه صالح ما أعطاه آمين عـاجـل آمـنـا‬
‫فلعمر المبادرين إلى مكة وفدا غادين أو رائحينا‬
‫ليجـوعـون فـوق مـا يشــبـــعـــونـــا‬ ‫إن أضياف خالد وبنيه‬
‫ن ومـن غـير عـلة يحـــتـــمـــونـــا‬ ‫وتـراهـم مـن غـير نـســك يصـــومـــو‬
‫كم عـلـى الـجـوع ويحـكـم تـصـبـرونـــا من مشهور هجائه في خالد‪ :‬قال‬ ‫يا بـنـــي خـــالـــد دعـــوه وفـــروا‬
‫‪:‬محمد بن يزيد‪ :‬ومن مشهور شعره في قصيدته التي أولها‬
‫أنقفل أن نثوي على الهم والضجر‬ ‫?أل خبروا إن كان عندكـم خـبـر‬
‫بها الهم واستولى بها بعده السهـر‬ ‫نفى النوم عن عيني تعرض رحـلة‬
‫لقد كنت أشكو فيه بالبصرة القصر‬ ‫فإن أشك من ليلي يجرجان طولـه‬
‫ويا حسـن واديه إذا مـاؤه زخـر‬ ‫فيا حبذا بطن الخـرير وظـهـره‬
‫إذا مد في إبانه النهـر أو جـزر‬ ‫ويا حبذا نهـر البـلة مـنـظـرا‬
‫وسيماهم التحجيل في الجد والغرر‬ ‫وفتيان صدق همهم طلب الـعـل‬
‫ول طيب نفسا بـذاك ول مـقـر‬ ‫لعمري لقد فارقتهـم غـير طـائع‬
‫فقلت لها ل علم لي فسلي القـدر‬ ‫وقائلة مـاذا نـأى بـك عـنـهـم‬
‫ونغصني عيشي عدمتك من سفـر‬ ‫فيا سفرا أودي بلـهـوى ولـذتـي‬
‫سيحمله شعري على البلق الغر‬ ‫دعوني وإيا خـالـد بـعـد سـاعة‬
‫وأعلمته ما فيه ألقمته الـحـجـر‬ ‫كأني بصدق القول لمـا لـقـيتـه‬
‫لكل قبيح عن ذراعيه قد حـسـر‬ ‫دنيء به عـن كـل خـير بـلدة‬
‫وإن يختبر يوما فيا سوء مختـبـر‬ ‫له منظر يعمي العـيون سـمـاجة‬
‫وأنت جراد لبس يبـقـي ول يذر‬ ‫أبوك لنا غـيث يعـاش بـوبـلـه‬
‫وأنت تعفـي دائمـا ذلـك الثـر‬ ‫له اثر في المكـرمـات يسـرنـا‬

‫صفحة ‪2239 :‬‬

‫فهل لك فيه يخزك الله يا مضر قول الرشيد وقد أنشد بيتا في هجاء خالد‪:‬‬ ‫لقد قنعت قحطان خزيا بخـالـد‬
‫‪:‬أخبرني عيسى بن الحسين قال‪ :‬حدثني الزبير بن بكار قال‪ :‬حدثني عمي قال‪ :‬أنشد الرشيد قول بن أبي عيينة‬
‫فهل لك فيه يخزك الله يا مضر فقال الرشيد‪ :‬بل يوقرون ويشكرون‬ ‫‪.‬لقد قنعت قطحان خزيا بخـالـد‬
‫يجمع هجاء رجل ومدح أبيه في بيت‪ :‬أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال‪ :‬قال لنا أبو العباس محمد بن يزيد‪ :‬لم يجتمع لحد‬
‫‪:‬من الحدثين في بيت واحد هجاء رجل ومديح أبيه كما اجتمع لبن عيينة في قوله‬
‫وأنت جراد ليس يبقى ول يذر من جيد هجائه في خالد أيضا‬ ‫‪:‬أبوك لنا غيث نعيش بوبـلـه‬
‫تحية مثـن بـالخـوة حـامـد‬ ‫على إخوتي مني السلم تـحـية‬
‫بنفسي ومالي من طريف وتالـد‬ ‫وقل لهم بعد الـتـحـية أنـتـم‬
‫أخا سقم فيها قـلـيل الـعـوائد‬ ‫وعز عليهـم أن أقـيم بـبـلـدة‬
‫لقد سرهم ما قد فعلت بخـالـد‬ ‫لئن ساءهم ما كان من فعل خالد‬
‫ول يومه المسكين مني بواحـد‬ ‫وقد علموا أن ليس مني بمفلـت‬
‫عليك وإن كنت ابن عمي وقائدي‬ ‫أخالد ل زالت من اللـه لـعـنة‬
‫عصيت بها ربي وخالفت والدي‬ ‫أخالد كانت صحبـتـيك ضـللة‬
‫عوارض جنبيه سياط القصـائد‬ ‫وأرسل يبقي الصلح لما تكنفـت‬
‫إلى غير ما ل تشتهي غير عائد هو أهجى المحدثين في عصره‪ :‬أخبرني عمي‬ ‫فأرسلت بعد الشر أني مسـالـم‬
‫قال‪ :‬حدثنا الكراني قال‪ :‬زعم القحذمي أن الرشيد قال للفضل بن الربيع‪ :‬من أهجى المحدثين عندك يا فضل في عصرنا هذا?‬
‫‪:‬قال‪ :‬الذي يقول في ابن عمه‬
‫د إذا نال السمـاء‬ ‫لو كان ينقص يزدا‬
‫كان والكلب سواء‬ ‫خالد لـول أبـوه‬
‫أسوأ الناس ثنـاء‬ ‫أنا ما عشت عليه‬
‫لحقيق أن يسـاء فقال الرشيد‪ :‬هذا ابن أبي عيينة‪ ،‬ولعمري لقد صدقت‬ ‫‪.‬إن من كان مسيئا‬
‫يقرأ الهادي قصيدة أرسلها إليه فيرده من جيش خالد‪ :‬أخبرني الحسن بن علي قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال‪:‬‬
‫حدثني أبي قال‪ :‬كان ابن أبي عيينة مع ابن عمه خالد بجرجان‪ ،‬فأساء به وجفاه‪ ،‬وكان لبن أبي عيينة صديقان من جند خالد من‬
‫أهل البصرة‪ ،‬أحدهما مهلبي والخر مولي للزد‪ ،‬وكلهم شاعر ظريف‪ ،‬فكانوا يمدحون السراة من أهل جرجان فيصيبون منهم ما‬
‫‪:‬يقوتهم‪ .‬وولى موسى الهادي الخلفة فكتب ابن عيينة إلى من كان في خدمة الخلفاء من أهله بهذه القصيدة‬
‫والـــعـــراق الـــبـــلد والوطـــان‬ ‫?كيف صـبـري ومـنــزلـــي جـــرجـــان‬
‫ونـدامـى عـلـــى الـــهـــوى إخـــوان‬ ‫نحـن فــيهـــا ثـــلثة حـــلـــفـــاء‬
‫نتساقى الهوى ونطرب للذكر كما تطرب النشاوي القيان‬
‫لبــكـــاه كـــأنـــنـــا صـــبـــيان‬ ‫وإذا ما بكى الحمام بكينا‬
‫طالـمـا قـد ســـررتـــنـــي يا زمـــان‬ ‫يا زمـانـي الـمـاضـي بـبـغـداد عــد لـــي‬
‫كان عـنـدي مـن فـعـلـــك الحـــســـان‬ ‫يا زمـانـي الـمـسـيء أحـسـن فـقـــدمـــا‬
‫?ما يريد العذال مني أما يترك أيضا بغمـه النـسـان‬
‫قلـت مـالـي عـلـى الـهـوى سـلــطـــان‬ ‫ويقولون أملك هواك وأقصر‬
‫ل بـه المـر وانـتـهـى الـكـــتـــمـــان‬ ‫أيهـا الـكـاتـم الـــحـــديث وقـــد طـــا‬
‫ليس بـعـد الـتــعـــريض إل الـــبـــيان‬ ‫قد لـعـمـري عـرضـت حـينــا فـــبـــين‬
‫ما تـعـادى النـســـان والـــشـــيطـــان‬ ‫واتـخـذ خـالـــدا عـــدوا مـــبـــينـــا‬
‫عض كـلـب لـيســـت لـــه أســـنـــان‬ ‫والـه عـنـه فـمـــا يضـــرك مـــنـــه‬
‫ولعمري لول أبوه لنالته بـسـوء مـنـي يد ولـسـان‬
‫ب ثـقـوا الـــنـــجـــاح يا فـــتـــيان‬ ‫قل لفتياننا المقيمين بالبا‬
‫فلـكــم مـــن ردى الـــزمـــان أمـــان‬ ‫ل تـخـافـوا الـزمـان قـد قـام مـــوســـى‬
‫طاعة لـيس بــعـــدهـــا عـــصـــيان‬ ‫?أولـم تـأتـــه الـــخـــلفة طـــوعـــا‬
‫عن ســـواء تـــقـــاعـــس وحــــران‬ ‫فهـي مـنـقـادة لـمــوســـى وفـــيهـــا‬
‫بقـــياد وفـــي يديك الـــعـــنـــــان‬ ‫قل لـمـوسـى يا مـلـك الـمـلـك طــوعـــا‬

‫صفحة ‪2240 :‬‬

‫خير رأي لـنـا سـلـطـان‬ ‫أنت بحر لـنـا ورأيك فـينـا‬


‫رماه لحتـفـه الـرحـمـن‬ ‫فاكفنا خالدا فقد سامنا الخسـف‬
‫وإلى كم يكون هذا الـهـوان? قال‪ :‬فلما قرأ هذه القصيدة موسى الهادي‬ ‫كم إلى كم يغضى على الذل منه‬
‫‪.‬أمر له بصلة‪ ،‬وأعطاه ما فات من رزقه‪ ،‬وأقفله من جيش خالد إليه‬

‫صوت‬

‫خبر سقاك الرائح الغادي‬ ‫أين محل الحـي يا وادي?‬


‫مثل عقاب السرحة العادي‬ ‫مستصحب للحرب خيفـانة‬
‫حدا بقلبي معها الحـادي‬ ‫بين خدور الظعن محجوبة‬
‫مثل لسان الحية الصـادي الشعر لدعبل بن علي الخزاعي‪ ،‬والغناء لحمد بن يحيى‬ ‫وأسمرا في رأسـه أزرق‬
‫‪.‬المكي‪ ،‬خفيف ثقيل مطلق في مجرى الوسطى عن أبي عبد الله الهشامي‬

‫أخبار دعبل بن علي ونسبه‬


‫نسبه وكنيته‪ :‬هو دعبل بن علي بن رزين بن سليمان بن تميم بن نهشل بن خداش بن عبد بن دعبل بن أنس بن خزيمة بن‬
‫‪.‬سلمان بن أسلم بن أفصى بن حارثة بن عمر بن عامر بن مزيقيا ‪ ،‬ويكنى أبا علي‬
‫شاعريته‪ :‬شاعر متقدم مطبوع هجاء خبيث اللسان‪ ،‬لم يسلم عليه أحد من الخلفاء ول من وزرائهم ول أولدهم ول ذو نباهة‪،‬‬
‫‪.‬أحسن إليه أو لم يحسن‪ ،‬ول أفلت منه كبير أحد‬
‫يناقض الكميت في مذهبته فيناقضه المخزومي‪ :‬وكان شديد التعصب على النزارية للقحطانية‪ ،‬وقال قصيدة يرد فيها على‬
‫‪.‬الكميت بن زيد‪ ،‬ويناقضه في قصيدته المذهبة التي هجا بها قبائل اليمن‬

‫أل حييت عنا يا مرينا‬


‫فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم‪ ،‬فنهاه عن ذكر الكميت بسوء‪ .‬وناقضه أبو سعد المخزومي في قصيدته وهجاه‪،‬‬
‫وتطاول الشر بينهما‪ ،‬فخافت بنو مخزوم لسان دعبل وأن يعمهم بالهجاء‪ ،‬فنفوا أبا سعد عن نسبهم‪ ،‬وأشهدوا بذلك على‬
‫‪.‬أنفسهم‬
‫‪:‬تيشعه ومكافأة علي بن موسى الرضا له‪ :‬وكان دعبل من الشيعة المشهورين بالميل إلى علي صلوات الله عليه‪ ،‬وقصديته‬
‫مدارس آيات خلت من تلوة من أحسن الشعر وفاخر المدائح المقولة في أهل البيت‪ ،‬عليهم السلم‪ ،‬وقصد بها أبا الحسن‬
‫علي بن موسى الرضا‪ ،‬عليه السلم‪ ،‬بخراسان‪ ،‬فأعطاه عشرة آلف درهم من الدراهم المضروبة باسمه‪ ،‬وخلع عليه خلعة من‬
‫ثيابه‪ ،‬فأعطاه بها أهل قم ثلثين ألف درهم‪ ،‬لم يبعها‪ ،‬فقطعوا عليه الطريق فأخذوها‪ ،‬فقال لهم‪ :‬إنها إنما تراد الله عز وجل‪،‬‬
‫وهي محرمة عليكم‪ ،‬فدفعوا إليه ثلثين ألف درهم‪ ،‬فحلف أل يبيعها أو يعطوه بعضها ليكون في كفنه‪ ،‬فأعطوه فردكم‪ ،‬فكان‬
‫‪.‬في أكفانه‬
‫وكتبت قصيدته‪ :‬مدارس آيات فيما يقال على ثوب‪ ،‬وأحرم فيه‪ ،‬وأمر أن يكون في أكفانه‪ .‬ولم يزل مرهوب اللسان وخائفا‬
‫‪.‬من هجائه للخلفاء‪ ،‬فهو دهره كله هارب متوار‬
‫‪:‬حدثني إبراهيم بن أيوب قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن مسلم بن قتيبة قال‬
‫رأيت دعبل بن علي وسمعته يقول‪ :‬أنا أحمل خشبتي على كتفي منذ خمسين سنة‪ ،‬لست أجد أحدا يصلبني عليها‪ .‬إبراهيم بن‬
‫المهدي يحرض المأمون عليه‪ :‬حدثني عمي قال‪ :‬حدثنا ميمون بن هارون قال‪ :‬قال إبراهيم بن المهدي للمأمون قول في دعبل‬
‫‪:‬يحرضه عليه‪ ،‬فضحك المأمون‪ ،‬وقال‪ :‬إنما تحرضني عليه لقوله فيك‬
‫وارضوا بما كان ول تسخطوا‬ ‫يا معشر الجناد ل تقطـنـوا‬
‫يلتذها المـرد والشـمـط‬ ‫فسوف تعطـون حـنـينـية‬
‫ل تدخل الكيس ول تـربـط‬ ‫والمـعـبـديات لـقـوادكـم‬
‫خليفة مصحفـه الـبـربـط فقال له إبراهيم‪ :‬فقد والله هجاك أنت يا أمير المؤمنين‪،‬‬ ‫وهـكـذا يرزق قـــواده‬
‫فقال‪ :‬دع هذا عنك فقد عفوت عنه في هجائه إياي لقوله هذا‪ ،‬وضحك‪ .‬ثم دخل أبو عباد‪ ،‬فلما رآه المأمون من بعد قال‬
‫لبراهيم‪ :‬دعبل يجسر على أبي عباد بالهجاء ويحجم عن أحد? فقال له‪ :‬وكأن أبا عباد أبسط يدا منك يا أمير المؤمنين? قال ل‪،‬‬
‫‪:‬ولكنه حديد جاهل ل يؤمن‪ ،‬وأنا أحلم وأصفح‪ .‬والله ما رأيت أبا عباد مقبل إل أضحكني قول دعبل فيه‬
‫أمر يدبره أبـو عـبـاد‬ ‫أولى المور بضيعة وفساد‬
‫حرد يجر سلسل القـياد ما قاله أبوه من الشعر‬ ‫‪:‬وكأنه من دير هزقل مفلت‬

‫صفحة ‪2241 :‬‬

‫أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال‪ :‬حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال‪ :‬حدثني أبي قال‪ :‬أخبرني دعبل بن علي قال‪:‬‬
‫‪:‬قال لي أبي علي بن رزين‪ :‬ما قلت شيئا من الشعر قط إل هذه البيات‬
‫طوى الكشح عني اليوم وهو مكين‬ ‫خليلي ماذا أرتجي من غد امـرئ‬
‫يسد به فقر امـرئ لـضـنـين وبيتين آخرين وهما‬ ‫‪:‬وإن امرأ قد ضن منه بمـنـطـق‬
‫يا ليتني درهم في كيس مياح‬ ‫أقول لما رأيت الموت يطلبني‬
‫ل هالك ضيعة يوما ول ضاح اسمه واشتقاق دعبل‪ :‬أخبرني علي بن صالح بن‬ ‫فيا له درها طالت صيانـتـه‬
‫الهيثم الكاتب قال‪ :‬حدثني أبو هفان قال‪ :‬قال لي دعبل قال لي أبو زيد النصاري‪ :‬مم اشتق دعبل? قلت‪ :‬ل أدري‪ ،‬قال‪:‬‬
‫‪.‬الدعبل‪ :‬الناقة التي معها ولدها‬
‫أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال‪ :‬حدثني العنزي قال‪ :‬حدثني محمد بن أيوب قال‪ :‬دعبل اسمه محمد وكنيته أبو جعفر‪،‬‬
‫‪.‬ودعبل‪ :‬لقب لقب به‬
‫‪.‬وحدثني بعض شيوخنا عن أبي عمرو الشيباني قال‪ :‬الدعبل‪ :‬البعير المسن‬
‫أحد اثنين ختم بهما الشعر‪ :‬أخبرني الحسن بن علي قال‪ :‬حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال‪ :‬سمعت حذيفة بن الطائي‬
‫يقول‪ :‬الدعبل‪ :‬الشيء القديم‪ .‬قال ابن مهرويه‪ :‬سمعت أبي يقول‪ :‬ختم الشعر بدعبل‪ ،‬قال‪ :‬وقال أبي‪ :‬كان أبو محلم يقول‪:‬‬
‫‪.‬ختم الشعر بعمارة بن عقيل‬
‫رده الكميت وضع قدره‪ :‬أخبرني الحسن بن علي قال‪ :‬حدثنا ابن مهرويه قال‪ :‬سمعت أبي يقول‪ :‬لم يزل دعبل عند الناس‬
‫‪:‬جليل القدر حتى رد على الكميت بن زيد‬
‫‪:‬أل حييت عنا يا مرينا فكان ذلك مما وضعه‪ .‬قال‪ :‬وقال‪ :‬فيه أبو سعد المخزومي‬
‫هجاء قـالـه حـي لـمـيت‬ ‫وأعجب ما سمعـنـا أو رأينـا‬
‫بتسطير الهاجي في الكمـيت‬ ‫وهذا دعبل كلـف مـعـنـى‬
‫دى إل ابـن زانـية بــزيت من ظن أن كلمة دعبل شتم‪ :‬أخبرني علي بن‬ ‫وما يهجو الكميت وقد طواه الر‬
‫سليمان الخفش قال‪ :‬حدثني محمد بن زيد قال‪ :‬حدثني دعبل قال‪ :‬كنت جالسا مع بعض أصحابنا ذات يوم‪ ،‬فلما قمت سأل‬
‫‪.‬رجل لم يعرفني ‪-‬أصحابنا عني‪ ،‬فقالوا‪ :‬هذا دعبل‪ ،‬فقال‪ :‬قولوا في جليسكم خيرا‪ ،‬كأنه ظن اللقب شتما‬
‫يصيح في أذن مصرع‪ :‬دعبل‪ ،‬فيفيق‪ :‬أخبرني علي بن سليمان قال‪ :‬حدثني محمد بن يزيد قال‪ :‬حدثني دعبل قال‪ :‬صرع مجنون‬
‫‪.‬مرة فصحت في أذنه‪ :‬دعبل‪ ،‬ثلث مرات‪ ،‬فأفاق‬
‫وأخبرني بهذين الخبرين الحسن بن علي عن ابن مهرويه عن محمد بن يزيد عن دعبل ‪-‬وزاد فيه‪ :‬قال دعبل‪ :‬وصرع مرة‬
‫‪.‬مجنون بحضرتي فصحت به‪ :‬دعبل‪ ،‬ثلث مرات فأفاق من جنونه‬
‫سبب خروجه من الكوفة‪ :‬أخبرني محمد بن عمران الصيرفي أبو أحمد قال‪ :‬حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال‪ :‬حدثني علي‬
‫بن عمرو بن شيبان قال‪ :‬حدثني أبو خالد الخزاعي السلمي‪ ،‬قال العنزي‪ :‬وقد كتبت عن أبي خالد أشياء كثيرة ولم أكتب عنه‬
‫هذا الخبر‪ ،‬قال‪ :‬كان سبب خروج دعبل بن علي من الكوفة أنه كان يتشطر ويصحب الشطار‪ ،‬فخرج هو ورجل من أشجع فيما‬
‫بين العشاء والعتمة‪ ،‬فجلسا على طريق رجل من الصيارفة‪ ،‬وكان يروح كل ليلة بكيسه إلى منزله‪ ،‬فلما طلع مقبل إليهما وثبا‬
‫إليه فجرحاه‪ ،‬وأخذا ما في كمه‪ ،‬فإذا هي ثلث رمانات في خرقة‪ ،‬ولم يكن كيسه ليلتئذ معه‪ ،‬ومات الرجل مكانه‪ ،‬واستتر دعبل‬
‫وصاحبه‪ ،‬وجد أوليا الرجل في طلبهما‪ ،‬وجد السلطان في ذلك‪ ،‬فطال على دعبل الستتار‪ ،‬فاضطر إلى أن هرب من الكوفة‪.‬‬
‫‪.‬قال أبو خالد‪ :‬فما دخلها حتى كتبت إليه أعلمه أنه لم يبق من أولياء الرجل أحد‬
‫‪:‬يشرح أسباب هجائه الناس‪ :‬أخبرني محمد بن عمران قال‪ :‬حدثني أبو خالد الخزاعي السلمي قال‬

‫صفحة ‪2242 :‬‬

‫قلت لدعبل‪ :‬ويحك قد هجوت الخلفاء والوزراء والقواد ووترت الناس جميعا‪ ،‬فأنت دهرك كله شريد طريد هارب خائف‪ ،‬فلو‬
‫كففت عن هذا وصرفت هذا الشر عن نفسك فقال‪ :‬ويحك? إن تأملت ما تقول‪ ،‬فوجدت أكثر الناس ل ينتفع بهم إل على‬
‫الرهبة‪ ،‬ول يبالي بالشاعر وإن كان مجيدا إذا لم يخف شره‪ ،‬ولمن يتقيك على عرضه أكثر ممن يرغب إليك في تشريفه‪.‬‬
‫وعيوب الناس أكثر من محاسنهم‪ ،‬وليس كل من شرفته شرف‪ ،‬ول كل من وصفته بالجود والمجد والشجاعة ولم يكن ذلك فيه‬
‫انتفع بقول‪ ،‬فإذا رآك قد اوجعت عرض غيره وفضحته ‪-‬اتقاك على نفسه وخاف من مثل ما جرى على الخر‪ .‬ويحك‪ ،‬يا أبا خالد‬
‫‪.‬إن الهجاء المقذع آخذ بضبع الشاعر من المديح المضرع‪ .‬فضحكت من قوله‪ ،‬وقلت‪ :‬هذا والله مقال من ل يموت حتف أنفه‬
‫البيت الذي عرف به‪ :‬أخبرني الحسن بن علي قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال‪ :‬حدثني الحمدوي الشاعر قال‪:‬‬
‫‪:‬سمعت دعبل بن علي يقول‪ :‬أنا ابن قولي‬
‫ضحك المشيب برأسه فبكى وسمعت أبا تمام يقول‪ :‬أنا ابن قولي‬ ‫‪:‬ل تعجبي يا سلم من رجـل‬
‫ما الحب إل للـحـبـيب الول قال الحمدوي‪ :‬وأنا ابن قولي في الطيلسان‬ ‫‪:‬نقل فؤادك حيث شئت من الهوى‬
‫لو بعثناه وحده لتـهـدي قال الحمدوي‪ :‬معنى قولنا‪ :‬أنا ابن قولي‪ ،‬أي أني به‬ ‫طال ترداده إلى الرقو حتى‬
‫‪.‬عرفت‬
‫‪:‬يسرق بيتا ويتفوق فيه على صاحبه‪ :‬أخبرني علي بن صالح قال‪ :‬حدثني أبو هفان قال‪ :‬قال مسلم بن الوليد‬
‫ورأسه يضحك فيه المشيب فسرقه دعبل‪ ،‬فقال‬ ‫‪:‬مستعير يبكي علـى دمـنة‬
‫ضحك المشيب برأسه فبكرى فجاء به أجود من قول مسلم‪ ،‬فصار أحق به منه‬ ‫‪.‬ل تعجبي يا سلم مـن رجـل‬
‫‪:‬قال أبو هفان‪ :‬فأنشدت يوما بعض البصريين الحمقى قول دعبل‬
‫ضحك المشيب برأسه فبكى فجاءني بعد أيام‪ ،‬فقال‪ :‬قد قلت أحسن من البيت الذي قاله دعبل‪ :‬فقلت له‪ :‬وأي شيئ قلت?‬
‫‪:‬فتمنع ساعة‪ ،‬ثم قال‪ :‬قلت‬
‫قهقه في رأسك القتير أخبرني بهذه الحكاية الحسن بن علي عن ابن مهرويه عن أبي هفان‪ ،‬قال‪ :‬ذكر نحوه‪ ،‬وزاد فيه ابن‬
‫‪:‬مهرويه وحدثني الحمدوي قال‪ :‬سمع رجل قول المأمون‬
‫فاعتل من شفتيه فقال‬ ‫‪:‬قبلته من بـعـيد‬
‫إذ توهمت أن أقبل فاه يرتاح له غنت جارية به‪ :‬أخبرني علي بن الحسن قال‪ :‬حدثني‬ ‫رق حتى تورمت شفتاه‬
‫ابن مهرويه‪ :‬حدثني أبو ناجية ‪-‬وزعم أنه من ولد زهير بن أبي سلمى‪ -‬قال‪ :‬كنت مع دعبل بن شهرزور ‪ ،‬فدعاه رجل إلى منزله‬
‫‪:‬وعنده قينة محسنة فعنت الجارية بشعر دعبل‬
‫ل‪ ،‬أين يطلب? ضل‪ ،‬بل هلكا قال‪ :‬فارتاح دعبل لهذا الشعر قال‪ :‬قد قلت هذا‬ ‫أين الشبـاب وأية سـلـكـا?‬
‫‪.‬الشعر منذ سبعين سنة‬
‫نسبة هذا الصوت صوت‬
‫ل‪ ،‬أين يطلب‪ ،‬ضل‪ ،‬بل هلكا‬ ‫أين الشبـاب وأية سـلـكـا?‬
‫ضحك المشيب برأسه فبكـى‬ ‫ل تعجبي يا سلم مـن رجـل‬
‫يا صاحبي إذا دمي سـقـكـا‬ ‫يا ليت شعري كيف تومكـمـا‬
‫قلبي وطرفي في دمي اشتركا قال‪ :‬والغناء لحمد بن المكي‪ ،‬ثقيل أول بالوسطى‬ ‫ل تأخذوا بظـلمـتـي أحـدا‬
‫‪.‬مطلق‬
‫يسرق من شعر الحسين بن مطير‪ :‬أخبرني الحسن بن علي قال‪ :‬حدثنا ابن مهرويه قال‪ :‬حدثني أبو المثنى أحمد بن يعقوب‬
‫‪:‬بن أخت أبي بكر الصم قال‪ :‬كنا في مجلس الصمعي‪ ،‬فأنشده رجل لدعبل قوله‬
‫ضحك المشيب برأسه فبكى فاستحسناه‪ ،‬فقال الصمعي‪ :‬إنما سرقه من قول‬ ‫ل تعجبي يا سلم من رجـل‬
‫‪:‬الحسين بن مطير السدي‬
‫أين جيراننا علـى الحـسـاء‬ ‫أين أهل القباب بـالـدهـنـاء?‬
‫ر القاحي تـجـاد بـالنـواء‬ ‫فارقونا والرض ملـبـسة نـو‬
‫تضحك الرض من بكاء السماء يهجو جماعة أكلوا ديكا له وقع عليهم‪ :‬أخبرني‬ ‫كل يوم بـأقـحـوان جـــديد‬
‫‪:‬أحمد بن العباس العسكري قال‪ :‬حدثني الحسن بن عليل العنزي قال‪ :‬حدثني أحمد بن خالد قال‬

‫صفحة ‪2243 :‬‬

‫كنا يوما بدار صالح بن علي من عبد القيس ببغداد‪ ،‬ومعنا جماعة من أصحابنا‪ ،‬فسقط على كنينة في سطحه ‪ -‬ديك طار من‬
‫دار دعبل‪ ،‬فلما رأيناه قلنا هذا صيدنا‪ ،‬فقال صالح‪ :‬ما نصنع به? قلنا‪ :‬نذبحه‪ ،‬فذبحناه‪ ،‬وشويناه‪ .‬وخرج دعبل فسأل عن الديك‬
‫فعرف أنه سقط في دار صالح‪ ،‬فطلبه منا‪ ،‬فجحدناه‪ ،‬وشربنا يومنا‪ .‬فلما كان من الغد خرج دعبل فصلى الغداة‪ ،‬ثم جلس على‬
‫‪:‬المسجد‪ ،‬وكان ذلك المسجد مجمع الناس‪ ،‬يجتمع فيه جماعة من العلماء‪ ،‬وينتابهم الناس‪ ،‬فجلس دعبل على المسجد وقال‬
‫أسر الكمي هفا خلل الماقط‬ ‫أسر المؤذن صالح وضيوفـه‬
‫من بين ناتفة وآخر سامـط‬ ‫بعثوا عليه بنيهم وبنـاتـهـم‬
‫خاقان أو هزموا كتائب ناعط‬ ‫يتنازعون كأنهم قد أوثـقـوا‬
‫وتهشمت أقفاؤهم بالـحـائط قال‪ :‬فكتبها الناس عنه ومضوا‪ ،‬فقال لي أبي وقد‬ ‫نهشوه فانتزعت له أسنانهـم‬
‫رجع إلى البيت‪ :‬ويحكم‪ ،‬ضاقت عليكم المآكل‪ ،‬فلم تجدوا شيئا تأكلونه سوى ديك دعبل? ثم أنشدنا الشعر‪ ،‬وقال لي‪ :‬ل تدع‬
‫ديكا ول دجاجة تقدر عليه إل اشتريته‪ ،‬وبعثت به إلى دعبل‪ ،‬وإل وقعنا في لسانه‪ ،‬ففعلت ذلك‪ .‬قال وناعط قبيلة من همدان‬
‫‪.‬ومجالد بن سعيد ناعطي قال‪ :‬وأصله جبل نزلوا به‪ ،‬فنسبوا إليه‬
‫يهجو غير معين‪ ،‬ثم يذكر فيه اسم من يغضب عليه‪ :‬إخبرني الحسن بن علي قال‪ :‬حدثني ابن مهرويه قال‪ :‬حدثني أحمد بن أبي‬
‫كامل قال‪ :‬كان دعبل ينشدني كثيرا هجاء قاله‪ ،‬فأقول له‪ :‬فيمن هذا? فيقول ما استحقه أحد بعينه بعد‪ ،‬وليس له صاحب‪ ،‬فإذا‬
‫‪.‬وجد على رجل جعل ذلك الشعر فيه‪ ،‬وذكر اسمه في الشعر‬
‫وقد أخبرني الحسن بن علي عن ابن مهرويه عن أحمد بن أبي كامل بهذا الخبر بعينه‪ ،‬وزاد فيه‪-‬فيما ذكر ابن أبي كامل‪-‬أنه كان‬
‫‪.‬عند صالح هذا في يوم أخذه ديك دعبل‪ ،‬قال‪ :‬وهو صالح بن بشر بن صالح بن الجارود العبدي‬
‫يهجو أبا نضير الطوسي لنه لم يرضه في مدحه‪ :‬أخبرني محمد بن عمران قال حدثني العنزي قال حدثني أحمد بن محمد ابن‬
‫‪:‬أبي أيوب قال‪ :‬مدح دعبل أبا نضير بن حميد الطوسي‪ ،‬فقصر في أمره ولم يرضه من نفسه‪ ،‬فقال عند ذلك دعبل فيه يهجوه‬
‫فإن فيك لمن جاراك منتقـصـا‬ ‫أبا نضير تحلحل عن مجالـسـنـا‬
‫وإن قصدت إلى معروفه قمصـا‬ ‫أنت الحمار حرونا إن وقعت بـه‬
‫لو كنت سيفا ولكني هززت عصا أبو تمام يهجوه ويتوعده‪ :‬قال‪ :‬فشكاه أبو‬ ‫إني هززتك ل آلوك مجـتـهـدا‬
‫نضير إلى أبي تمام الطائي‪ ،‬واستعان به عليه‪ ،‬فقال أبو تمام يجيب دعبل عن قوله‪ ،‬ويهجوه‬
‫عليك فإن شعري سـم سـاعة‬ ‫أدعبل إن تطاولت الـلـيالـي‬
‫بأخلق الدناءة والـضـراعة‬ ‫وما وفد الـشـيب عـلـيك إل‬
‫فأنت نسيج وحدك في الرقاعه‬ ‫ووجهك إن رضيت به نـديمـا‬
‫لما صليت يوما في جمـاعـه‬ ‫ولو بدلتـه وجـهـا بـوجـه‬
‫لو استعصيت ما أعطيت طاعه‬ ‫ولكن قد رزقت بـه سـلحـا‬
‫فليست مثل نسبتك المشـاعـه‬ ‫مناسب طيىء قسمت فدعـهـا‬
‫حطاما من زحامك في خزاعه قال العنزي‪ :‬يقول إنك تزاحم خزاعة‪ ،‬تدعي أنك‬ ‫وروح منكبـيك فـقـد أعـيدا‬
‫‪.‬منهم ول يقبلونك‬
‫يهجو الخاركي لنه هجاه‪ :‬أخبرني محمد بن عمران قال حدثني العنزي قال‪ :‬حدثني محمد بن أحمد بن أيوب قال‪ :‬تعرض‬
‫‪:‬الخاركي النصري‪-‬وهو رجل من الزد‪-‬لدعبل بن علي فهجاه‪ ،‬وسبه فقال فيه دعبل‬
‫لخـارك آبـاؤه تـنـمـي‬ ‫وشاعر عرض لي نفـسـه‬
‫أمسى ول أصبح من همي‬ ‫يشتم عرضي عند ذكري وما‬
‫خيرة طاهـرة عـلـمـي‬ ‫فقلـت ل بـل حـبـذا أمة‬
‫ككذبه كان عـلـى أمـي يعده ابن المدبر أجسر الناس لهجائه المأمون‪ :‬أخبرني‬ ‫أكذب واللـه عـلـى أمـه‬
‫الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني إبراهيم بن المدبر قال‪ :‬لقيت دعبل بن علي‪ ،‬فقلت له‪ :‬أنت أجسر الناس‬
‫‪:‬عندي وأقدمهم حيث تقول‬
‫قتلت أخاك وشرفتك بمـقـعـد‬ ‫إني من القوم الذين سـيوفـهـم‬
‫واستنقذوك من الخضيض الوهد‬ ‫رفعوا محلك بعد طول خمولـه‬

‫صفحة ‪2244 :‬‬


‫‪.‬فقال‪ :‬يا أبا إسحاق‪ ،‬أنا أحمل خشبتي منذ أربعين سنة‪ ،‬فل أجد من يصلبني عليها‬
‫يرثي ابن عم له‪ :‬أخبرني علي بن سليمان الخفش قال‪ :‬حدثنا محمد بن يزيد قال‪ :‬قال دعبل بن علي يرثي ابن عم له من‬
‫‪:‬خزاعة نعي إليه‪ ،‬قال محمد بن يزيد‪ :‬ولقد أحسن فيها ما شاء‬
‫فقص مر الليالي من حـواشـيهـا‬ ‫كانت خزاعة ملء الرض ما اتسعت‬
‫تسقي الرياح عليه من سـواقـيهـا‬ ‫هذا أبو القاسم الثـاوي بـبـلـقـعة‬
‫وقد تكـون حـسـيرا إذ يبـاريهـا‬ ‫هبت وقد علمت أن ل هبـوب بـه‬
‫وكان في سالـف اليام يقـربـهـا حدثني الحسن بن مهرويه عن أبيه‪ ،‬فذكر‬ ‫أضحة قرى للمنـايا إذ نـزلـن بـه‬
‫‪.‬أن المنعي إلى دعبل أبو القاسم المطلب بن عبد الله بن مالك‪ ،‬وأنه نعي إلى دعبل‪ ،‬وكان هو بالجبل‪ ،‬فرثاه بهذه البيات‬
‫يتوعده إسماعيل بن جعفر‪ ،‬فيعيره بالهرب من زيد بن موسى‪ :‬أخبرني الخفش قال‪ :‬حدثنا محمد بن يزيد‪ ،‬قال‪ :‬بلغ إسماعيل‬
‫بن جعفر بن سليمان أن دعبل هجاه‪ ،‬فتوعده بالمكروه وشتمه‪ ،‬وكان إسماعيل بن جعفر على الهواز‪ ،‬فهرب من زيد بن‬
‫‪:‬موسى بن جعفر بن محمد لما ظهر وبيض في أيام أبي السرايا‪ ،‬فقال دعبل بن علي يعير إسماعيل بذلك‬
‫يريد وراء الزاب من أرض كسكر‬ ‫لقد خلف الهواز من خلف ظهـره‬
‫وقد فر من زيد بن موسى بن جعفر‬ ‫يهول إسماعيل بالبـيض والـقـنـا‬
‫فيا قبحها منه ويا حسن مـنـظـر كان يتشاطر بالكوفة وهرب منها معد ما قتل‬ ‫وعاينته في يوم خـلـى حـريمـه‬
‫صيرفيا‪ :‬أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني ابن العرابي عن أبي خالد السلمي قال‪ :‬كان دعبل بن‬
‫علي الخزاعي بالكوفة يتشطر وهو شاب‪ ،‬وكانت له شعرة جعدة‪ ،‬وكان يدهنها ويرجلها حتى تكاد تقطر دهنا‪ ،‬وكان يصلت على‬
‫الناس بالليل فقتل رجل صيرفيا‪ ،‬وظن أن كيسه معه‪ ،‬فوجد في كمه رمانا فهرب من الكوفة‪ ،‬وكنت إذا رأيت دعبل يمشي رأيت‬
‫‪.‬الشطارة في مشيته وتبختره‬
‫يتطير من عمير الكاتب فيهجوه‪ :‬أخبرني الحسن قال‪ :‬حدثنا ابن مهرويه قال‪ :‬حدثني الحسن بن أبي السري قال‪ :‬كان عمير‬
‫‪:‬الكاتب أقبح الناس وجها‪ ،‬فلقي دعبل يوما بكرة وقد خرج لحاجة له‪ ،‬فلما رآه دعبل تطير من لقائه‪ ،‬فقال فيه‬
‫أبادر حاجة فـإذا عـمـير‬ ‫خرجت مبكرا من سر من را‬
‫فوجهك يا عمير خزا وخير ?يهدد عبد الرحمن بن خاقان لنه بعث إليه برذونا‬ ‫فلك أثن العنان وقلت أمضي‬
‫يظلع‪ :‬أخبرني الحسن قال حدثنا ابن مهرويه قال‪ :‬حدثني الحسن بن أبي السرمي قال حدثني دعبل قال‪:‬مدحت عبد الرحمن‬
‫‪:‬بن خاقان‪ ،‬وطلتب منه برذونا‪ ،‬فبعث إلى ببرذون غامز‪ ،‬فكتبت إليه‬
‫فل للركوب ول للثمـن‬ ‫حملت على قارح غامز‬
‫فسوف تكافا بشكر زمن فبعث إلي ببرذون غيره فاره بسرجه ولجامه‪ ،‬وألفي درهم‬ ‫‪.‬حملت على زمن ظالـع‬
‫‪.‬قال ابن مهرويه وحدثني إسحاق بن إبراهيم العكبري عن دعبل أنه مدح يحيى بن خاقان‪ ،‬فبعث إليه بهذا البرذون‬
‫يهجو خريجه الفضل بن العباس لنه عابه‪ :‬أخبرني الحسن قال‪ :‬حدثنا ابن مهرويه قال‪ :‬قال الحسين بن دعبل‪ :‬كان أبي?‬
‫يختلف إلى الفضل بن العباس بن جعفر بن محمد بن الشعث‪ ،‬وهو خرجه وفهمه وأدبه‪ ،‬فظهر له منه جفاء‪ ،‬وبلغه أنه يعيبه‬
‫‪:‬ويذكره‪ ،‬وينال منه‪ ،‬فقال يهجوه‬
‫يستفرغ السم من صماء قرضابه‬ ‫يا بؤس للفضل لو لم يأت ما عابه‬
‫جهل لعراض أهل المجد عيابه‬ ‫ما إن يزال وفيه العيب يجمعـه‬
‫ونفسه عاب لمـا عـاب أدابـه‬ ‫إن عابني لم يعـب إل مـؤدبـه‬
‫لصيده فعدا فاصطـاد كـلبـه ?يهجو ابن أبي دواد لنه كان يطعن عليه‪ :‬أخبرني‬ ‫فكان كاكلب ضراه مـكـلـبـه‬
‫الحسن قال‪ :‬حدثنا ابن مهرويه قال‪ :‬حدثني أبو جعفر العجلي قال‪ :‬كان أحمد بن دواد يطعن على دعبل بحضرة المأمون‬
‫والمعتصم‪ ،‬ويسبه تقربا إليهما لهجاء دعبل إياهما‪ ،‬وتزوج أبي ابن دواد امرأتين من بني عجل في سنة واحدة‪ ،‬فلما بلغ ذلك‬
‫‪:‬دعبل قال يهجوه‬
‫أفسدتهم ثم ما أصلحت من نسبـك‬ ‫غصبت عجل على فرجين في سنة‬

‫صفحة ‪2245 :‬‬

‫فزوجوك لما زادوك في حسـبـك‬ ‫ولو خطبت إلى طـوق وأسـرتـه‬


‫أنت ابن زرياب منسوبا إلى نشبـك‬ ‫نك من هويت ونل ما شئت من نشب‬
‫فزوجوك ارتغابا منك في ذهـبـك‬ ‫إن كان قوم أراد الـلـه خـزيهـم‬
‫إلى خلفك في العيدان أو غربـك‬ ‫فذاك يوجب أن النبع تـجـمـعـه‬
‫لما نبشت الذي تطويه من سبـبـك‬ ‫ولو سكت ولم تخطب إلـى عـرب‬
‫تجد فزارة العكلي مـن عـربـك قال‪ :‬فلقيه فزارة العكلي‪ ،‬فقال له‪ :‬يا أبا‬ ‫عد البيوت التي ترضى بخطبتـهـا‬
‫علي‪ ،‬ما حملك على ذكرى حتى فضحتني‪ ،‬وأنا صديقك? قال‪ :‬يا أخي والله ما اعتمدتك بمكروه‪ ،‬ولكن كذا جاءني الشعر لبلء‬
‫‪.‬صبه الله عز وجل عليك لم أعتمدك به‬
‫يهجو جارية عبثت به في مجلس‪ :‬أخبرني جعفر بن قدامة قال‪ :‬حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال‪ :‬حدثني???‬
‫أبو خالد السلمي الكوفي قال‪ :‬أجتمعت مع دعبل في منزل بعض أصحابنا‪ ،‬وكانت عنده جارية مغنية صفراء مليحة حسنة‬
‫الغناء‪ ،‬فوقع لها العبث بدعبل والتعنت والذى له‪ ،‬ونهيناها عنه‪ ،‬فما انتهت‪ ،‬فأقبل علينا فقال‪ :‬اسمعوا ما قلت في هذه الفاجرة‪،‬‬
‫‪:‬فقلنا‪ :‬هات‪ ،‬فقد نهيناها عنك‪ ،‬فلم تنته‪ ،‬فقال‬
‫فتخضب الحناء من مسودها‬ ‫تخضب كفا قطعت من زندها‬
‫تكحل عينيها ببعض جلدهـا‬ ‫كأنها والحل في مـرودهـا‬
‫‪.‬أشبه شيء أستها بخـدهـا قال‪ :‬فجلست الجارية تبكي‪ ،‬وصارت فضيحة‪ ،‬واشتهرت بالبيات‪ ،‬فما انتفعت بنفسها بعد ذلك‬
‫يحبسه العلء بن منظور ويضربه في جناية بالكوفة فيخرج منها‪ :‬أخبرني جعفر بن قدامة قال‪ :‬حدثني هارون قال‪ :‬حدثني أبي‬
‫وخالد قال‪ :‬كان دعبل قد جنى جناية بالكوفة وهو غلم‪ ،‬فأخذه العلء بن منظور السدي‪ ،‬وكان على شرطة الكوفة من قبل‬
‫موسى بن عيسى‪ ،‬فحبسه‪ ،‬فكلمه في عمه سليمان بن رزين‪ ،‬فقال‪ :‬أضربه أنا خير من أن يأخذه غريب فيقطع يده‪ ،‬فلعله أن‬
‫‪.‬يتأدب بضربي إياه‪ ،‬ثم ضربه ثلثمائة سوط‪ ،‬فخرج من الكوفة‪ ،‬فلم يدخلها بعد ذلك إل عزيزا‬
‫كان يضرب في الرض فل يؤذيه الشراة ول الصعاليك‪ :‬أخبرني الحسن بن علي قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال‪:‬‬
‫حدثني أحمد ابن أبي كامل قال‪ :‬كان دعبل يخرج فيغيب سنين‪ ،‬يدور الدنيا كلها‪ ،‬ويرجع وقد أفاد وأثري‪ .‬وكانت الشراة‬
‫والصعاليك يلقونه فل يؤذونه‪ ،‬ويؤاكلونه ويشاربونه ويبرونه‪ ،‬وكان إذ لقيهم وضع طعامه وشرابه‪ ،‬ودعاهم إليه‪ ،‬ودعا بغلميه‬
‫ثقيف وشعف‪ ،‬وكانا مغنيين‪ ،‬فأقعدهما يغنيان‪ ،‬وسقاهم وشرب معهم‪ ،‬وأنشدهم‪ ،‬فكانوا قد عرفوه‪ ،‬وألفوه لكثرة أسفاره‪،‬‬
‫‪:‬وكانوا يواصلونه ويصلونه‪ .‬وأنشدني دعبل بن علي لنفسه في بعذ أسفاره‬
‫ويعجز عنه الطيف أن يتجشما يعده البحتري أشعر من مسلم بن الوليد‪:‬‬ ‫حللت محل يقصر البرق دونه‬
‫أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال‪ :‬قال لي البحتري‪ :‬دعبل بن علي أشعر عندي من مسلم‬
‫بن الوليد‪ ،‬فقلت له‪ :‬وكيف ذلك? قال‪ :‬لن كلم دعبل أدخل في كلم العرب من كلم مسلم‪ ،‬ومذهبه أشبه بمذاهبهم‪ .‬وكان‬
‫‪.‬يتعصب له‬
‫يهجو صاحب بيت دب إلى رجل بات عنده‪ :‬أخبرني الحسن قال‪ :‬حدثنا ابن مهرويه قال‪ :‬حدثنا الفضل بن الحسن بن موسى‬
‫البصري قال‪ :‬بات دعبل ليلة عند صديق له من أهل الشأم‪ ،‬وبات عندهم رجل من أهل بيت لهياني يقال له حوي بن عمرو‬
‫‪:‬السككي جميل الوجه‪ ،‬فدب إليه صاحب البيت‪ ،‬وكان شيخا كبيرا فانيا قد أتى عليه حين‪ ،‬فقال فيه دعبل‬
‫ما قام أير العزب الفاني‬ ‫لول حوى لبيت لهيانـي‬
‫يليقها النازح والدانـي قال‪ :‬وشاع هذان البيتان‪ ،‬فهرب حوي من ذلك البلد‪ ،‬وكان‬ ‫له دواة في سـراويلـه‬
‫‪.‬الشيخ إذا رأى دعبل سبه‪ ،‬وقال‪ :‬فضحتني أخزاك الله‬
‫يتمنى موت من تكون له منة عنده‪ :‬أخبرني الحسن بن علي قال‪ :‬حدثني ابن مهرويه قال‪ :‬حدثني محمد بنالشعث قال‪:‬‬
‫‪.‬سمعت دعبل يقول‪ :‬ما كانت لحد قط عندي منة إل تمنيت موته‬
‫‪:‬يهجو شاعر بالري وهو هناك فيرتحل‬

‫صفحة ‪2246 :‬‬

‫أخبرني الحسن قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثنا محمد بن عمر الجرجاني قال‪ :‬دخل دعبل بن علي الري في أيام الربيع‪،‬‬
‫‪:‬فجاءهم ثلج لم يروا مثله في الشتاء‪ ،‬فجاء شاعر من شعرائهم فقال شعرا‪ ،‬وكتبه في رقعة هو‬
‫جاءنا دعبل بثلج من الشعر فجادت سماؤنا بالثلوج‬
‫د وقـد أينـعـــت رياض الـــمـــروج‬ ‫نزل الري بعدما سكن البر‬
‫‪.‬فكسانا ببرده ل كساه الله ثوبا من كرسف ملحوج قال‪ :‬فألقي الرقعة في دهليز دعبل‪ ،‬فلما قرأها ارتحل عن الري‬
‫هجاؤه لصالح الضجم لنه قصر عن حاجته‪ :‬أخبرني محمد بن عمران قال‪ :‬حدثنا العنزي قال‪ :‬حدثنا أبو خالد السلمي قال‪:‬‬
‫‪:‬عرضت لدعبل حاجة إلى صالح بن عطية الضجم‪ ،‬فقصر عنها‪ ،‬ولم يبلغ ما أحبه دعبل فيها‪ ،‬فقال يهجوه‬
‫فقس على الغائب بالشاهد‬ ‫أحسن ما في صالح وجهه‬
‫تدعو إلى تزنية الـوالـد فتحمل عليه صالح بي وبجماعة من إخوانه حتى كف عنه‪،‬‬ ‫تأملت عيني له خـلـقـه‬
‫‪.‬وعرض عليه قضاء الحاجة‪ ،‬فأباها‬
‫يهجو بني مكلم الذئب من خزاعة لنهم فخروا عليه‪ :‬أخبرني الحسن بن علي قال حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال‬
‫حدثني أبي قال‪ :‬فخر قوم من خزاعة على دعبل بن علي يقال لهم‪ :‬بنو مكلم الذئب‪ ،‬وكان جدهم جاء إلى النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فحدثه أن الذئب أخذ من غنمه شاة فتبعه‪ ،‬فلما غشيه بالسيف قال له‪ :‬ما لي ولك تمنعني رزق الله? قال فقلت‪ :‬يا عجبا‬
‫لذئب يتكلم فقال‪ :‬أعجب منه أن محمدا نبي قد بعث بين أظهركم وأنتم ل تتبعونه‪ ،‬فبنوه يفخرون بتكليم الذئب جدهم‪ ،‬فقال‬
‫‪:‬دعبل بن علي يهجوهم‬
‫فقد لعمري أبوكم كلم الـذيبـا‬ ‫تهتم علينا بأن الذئب كلمـكـم‬
‫أفنيتم الناس مأكول ومشروبـا‬ ‫فكيف لو كلم الليث الهصور إذا‬
‫يكلم الفيل تصعيدا وتصـويبـا يهجو محمد بن عبد الملك الزيات لنه مدحه فلم‬ ‫هذا السنيدي ل أصل ول طرف‬
‫يرضه‪ :‬حدثني الحسن بن علي قال حدثني ابن مهرويه قال حدثني أبي قال‪ :‬كان دعبل قد مدح محمد بن عبد الملك الزيات‪،‬‬
‫فأنشده ما قاله فيه‪ ،‬وفي يده طومار قد جعله على فمه كالمتكئ عليه وهو جالس‪ ،‬فلما فرغ أمر له بشيء لم يرضه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫‪:‬يهجوه‬
‫ماذا بقلبك من حب الطوامير‬ ‫يا من يقلب طومارا ويلثمـه‬
‫طول بطول وتدويرا بتـدوير‬ ‫فيه مشابه من شيء تسربـه‬
‫إذا جمعت بيوتا من دنـانـير ينزل بحمص فلم يبره رجلن من أهلها فيهجوهما‪:‬‬ ‫لو كنت تجمع أموال كجمعكها‬
‫أخبرني الحسن بن علي قال‪ :‬حدثنا ابن مهرويه قال‪ :‬حدثني أبي قال‪ :‬نزل دعبل بحمص على قوم من أهلها‪ ،‬فبروه ووصلوه‬
‫‪:‬سوى رجلين منهم يقال لحدهما‪ :‬أشعث وللخر أبو الصناع ‪ ،‬فارتحل من وقته من حمص وقال فيهما يهجوهما‬
‫رأيت عليه عز المـتـنـاع‬ ‫إذا نزل الغريب بأرض حمص‬
‫أحلهم على شرف الـتـلع‬ ‫سمو المكركات بآل عـيسـى‬
‫وعيسى منهم سقط المـتـاع‬ ‫هناك الخز يلبسه المـغـالـي‬
‫وآخر في حر أم أبي الصناع‬ ‫فسدد لست أشعث أير بـغـل‬
‫أضاع المجد فهو أبو الضياع شعره في الفضل بن مروان‪ :‬أخبرني الحسن قال‪:‬‬ ‫فليس بصانع مجـدا ولـكـن‬
‫‪:‬حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه عن الحسين بن دعبل قال‪ :‬قال أبي في الفضل بن مروان‬
‫وقلت فسيرت المقالة في الـفـضـل‬ ‫نصحت فأخلصت النصيحة للـفـضـل‬
‫إن اعتبر الفضل بن مروان بالفـضـل‬ ‫أل إن في الفضل بن سهـل لـعـبـرة‬
‫إذا فكر الفضل بن مروان في الفضـل‬ ‫وللفضل في الفضل بن يحيى مـواعـظ‬
‫ول تدع الحسان والخذ بـالـفـضـل‬ ‫فأبق جمـيل مـن حـديث تـفـز بـه‬
‫وصرت مكان الفضل والفضل والفضل‬ ‫فإنك قد أصبحـت لـلـمـلـك قـيمـا‬
‫جميع قوافيها على الفضل والفـضـل‬ ‫ولم أر أبياتا من الشـعـر قـبـلـهـا‬
‫سوى أن نصحي الفضل كان من الفضل فبعث إليه الفضل بن مروان‬ ‫وليس لهـا عـيب إذا هـي أنـشـدت‬
‫‪.‬بدنانير‪ ،‬وقال له‪ :‬قد قبلت نصحك‪ ،‬فاكفني خيرك وشرك‬
‫‪:‬ينقد شعر شاعر احتكم إليه في شعره‬

‫صفحة ‪2247 :‬‬

‫حدثني عمي قال‪ :‬حدثني ميمون بن هارون قال‪ :‬حدثني أبو الطيب الحراني قال‪ :‬أنشد رجل دعبل بن علي شعرا له‪ ،‬فجعل‬
‫يعيبه وينبهه على خطئه فيه بيتا بيتا‪ ،‬ويقول‪ :‬أي شيء صنعت بنفسك ولم تقوم الشعر إذا لم تقدر إل على مثل هذا منه? إلى‬
‫أن مر له بيت جيد‪ ،‬فقال دعبل‪ :‬أحسنت‪ ،‬أحسنت ما شئت‪ .‬فقال له يا أبا علي‪ :‬أتقول لي هذا بعد ما مضى? فقال له‪ :‬يا حبيبي‬
‫‪.‬لو أن رجل ضرط سبعين ضرطة ما كان بمنكر أن يكون فيها دستنبوية واحدة‬
‫ل يرى المأمون عجبا أن يهجوه‪ :‬أخبرني الحسن بن علي قال‪ :‬حدثنا ابن مهرويه قال حدثني محمد بن حاتم المؤدب قال‪ :‬قيل‬
‫للمأمون‪ :‬إن دعبل بن علي قد هجاك‪ ،‬فقال‪ :‬وأي عجب في ذاك? هو يهجو أبا عباد ول يهجوني أنا ومن أقدم على جنون أبي‬
‫‪:‬عباد أقدم على حلمي‪ ،‬ثم قال للجلساء‪ :‬من كان منكم يحفظ شعره في أبي عبارة فلينشدنيه‪ ،‬فأنشده بعضهم‬
‫أمر يدبـره أبـو عـبـاد‬ ‫أولى المور بضيعة وفساد‬
‫حضروا لملحمة ويوم جلد‬ ‫خرق على جلسائه فكأنهـم‬
‫فمضمخ بدم ونضح مـداد‬ ‫يسطو على كتابه بـدواتـه‬
‫حرد يجر سلسل القـياد‬ ‫وكأنه من دير هزقل مفلت‬
‫فأصح منه بقية الـحـداد قال‪ :‬وكان بقية هذا مجنونا في المارستان‪ ،‬فضحك‬ ‫فاشدد أمير المؤمنين وثاقـه‬
‫‪.‬المأمون‪ .‬وكان إذا نظر إلى أبي عباد يضحك‪ ،‬ويقول لمن يقرب منه‪ :‬والله ما كذب دعبل في قوله‬
‫‪.‬حدثني جحظة عن ميمون بن هارون فذكر مثله أو قريبا منه‬
‫يزعم أن رجل من الجن استنشده قصيدة مدارس آيات خلت‪ :‬أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار ومحمد بن أحمد الحكيم‬
‫قال‪ :‬حدثنا أنس ابن عبد الله النبهاني قال‪ :‬حدثني علي بن المنذر قال‪ :‬حدثني عبد الله بن سعيد الشقري قال‪ :‬حدثني دعبل‬
‫بن علي قال‪ :‬لما هربت من الخليفة بت ليلة بنيسابور وحدي‪ ،‬وعزمت على أن أعمل قصيدة في عبد الله بن طاهر في تلك‬
‫الليلة‪ ،‬فإني لفي ذلك إذ سمعت والباب مردود علي‪ :‬السلم عليكم ورحمة الله‪ ،‬انج يرحمك الله‪ ،‬فاقشعر بدني من ذلك‪،‬‬
‫ونالني أمر عظيم‪ ،‬فقال لي‪ :‬ل ترع عافاك الله؛ فإني رجل من إخوانك من الجن من ساكني اليمن طرأ إلينا طارئ من أهل‬
‫‪:‬العراق فأنشدنا قصيدتك‬
‫ومنزل وحي مقفر العرصات فأحببت أن أسمعها منك‪ ،‬قال فأنشدته إياها‪،‬‬ ‫مدارس آيات خلت من تـلوة‬
‫فبكى حتى خر‪ ،‬ثم قال‪ :‬رحمك الله أل أحدثك حديثا يزيد في نيتك ويعينك على التمسك بمذهبك? قلت‪ :‬بلى قال‪ :‬مكثت حينا‬
‫أسمع بذكر جعفر بن محمد عليه السلم‪ ،‬فصرت إلى المدينة فسمعته يقول‪ :‬حدثني أبي عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم قال‪ :‬علي وشيعته هم الفائزون‪ ،‬ثم ودعني لينصرف‪ ،‬فقلت له‪ :‬يرحمك الله‪ ،‬إن رأيت أن تخبرني باسمك‬
‫‪.‬ففعل‪ ،‬قال‪ :‬أنا ظبيان بن عامر‬
‫يدعو إليه أعرابيا من كلب فينشده في كلبي هجاه له‪ :‬أخبرني الحسن بن القاسم الكوكبي قال‪ :‬حدثني إسحاق بن محمد‬
‫النخعي وأخبرني به الحليمي عن يعقوب بن إسرائيل عن إسحاق النخعي قال‪ :‬كنت جالساص مع دعبل بالبصرة وعلى رأسه‬
‫غلمه ثقيف‪ ،‬فمر به أعرابي يرفل في ثياب خز‪ ،‬فقال لغلمه‪ :‬ادع لي هذا العرابي‪ ،‬فأومأ الغلم إليه‪ ،‬فجاء‪ ،‬فقال له دعبل‪:‬‬
‫‪:‬ممن الرجل? قال‪ :‬من بني كلب‪ .‬قال‪ :‬ومن أي ولد كلب أنت? قال‪ :‬من ولد أبي بكر‪ ،‬فقال دعبل‪ :‬أتعرف القائل‬
‫ومحض كلب يقطع الصلوات‬ ‫ونبئت كلبا من كلب يسبـنـي‬
‫كلب وأني باسل النقـمـات‬ ‫فإن أنا لم أعلم كلبا بـأنـهـا‬
‫وكانت إذا أمي من الحبطـات قال‪ :‬وهذا الشعر لدعبل يقوله في عمر بن‬ ‫فكان إذا من قيس عيلن والدي‬
‫عاصم الكلبي‪ ،‬فقال العرابي‪ :‬ممن أنت? فكره أن يقول له من خزاعة فيهجوهم‪ ،‬فقال‪ :‬أنا أنتمي إلى القوم الذي يقول فيهم‬
‫‪:‬الشاعر‬
‫وحمزة والسجاد ذو الثفنـات‬ ‫أناس علي الخير منهم وجعفر‬
‫وجبريل والفرقان والسورات فوثب العرابي وهو يقول‪ :‬مالي إلى محمد وجبريل‬ ‫إذا فخروا يوما أتوا بمحمـد‬
‫‪.‬والفرقان والسورات مرتقى‬
‫‪:‬يهجو بني بسام لن رجل منهم لم يقبض حاجة له‪ :‬أخبرني الكوكبي قال حدثني ابن عبدوس قال‬

‫صفحة ‪2248 :‬‬

‫‪:‬سأل دعبل نصر بن منصور بسام حاجة‪ ،‬فلم يقضها لشغل عرض له دونها‪ ،‬فقال يهجو بني بسام‬
‫إلى عثانين كالمخـالـي‬ ‫حواجب كالجبال الـسـود‬
‫عطل من الحسن والجمال يهجو أحمد بن خالد حين ولى الوزارة للمأمون‪ :‬أخبرني‬ ‫وأوجه جـهـمة غـلظ‬
‫‪:‬الكوكبي قال حدثني ميمون بن هارون قال‪ :‬لما ولى أحمد بن أبي خالد الوزارة في أيام المأمون قال دعبل بن علي يهجوه‬
‫إذا بات متخما عـاقـدا‬ ‫وكان أبو خـالـد مـرة‬
‫فيخراهم واحـدا واحـدا‬ ‫يضيق بأولده بـطـنـه‬
‫خنافس ل تشبه الـوالـدا يهرب من المعتصم ويهجوه‪ :‬أخبرني الحسن بن علي قال‪:‬‬ ‫فقد مل الرض من سلحه‬
‫حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثنا أبو ناجية قال‪ :‬كان المعتصم يبغض دعبل لطول لسانه‪ ،‬وبلغ دعبل أنه يريد اغتياله‬
‫‪:‬وقتله‪ ،‬فهرب إلى الجبل‪ ،‬وقال يهجوه‬
‫وفاض بفرط الدمع من عينه غـرب‬ ‫بكى لشتات الدين مـكـتـئب صـب‬
‫فلـيس لـه دين ولـيس لـه لـب‬ ‫وقـام إمـام لـم يكـن ذا هــداية‬
‫بملك يوما أو تـدين لـه الـعـرب‬ ‫وما كانت الباء تـأتـي بـمـثـلـه‬
‫من السلف الماضين إذ عظم الخطب‬ ‫‪:‬ولكن كما قـال الـذين تـتـابـعـوا‬
‫ولم تأتنا عن ثامـن لـهـم كـتـب‬ ‫ملوك بني العباس في الكتب سـبـعة‬
‫خيار إذا عدوا وثامـنـهـم كـلـب‬ ‫كذلك أهل الكف في الكهف سـبـعة‬
‫لنـك ذو ذنـب ولـيس لـه ذنـب‬ ‫وإني لهلي كلبهـم عـنـك رفـعة‬
‫وصيف وأشناس وقد عظم الكـرب‬ ‫لقد ضاع ملك الناس إذ ساس ملكهـم‬
‫يظل لها السلم ليس لـه شـعـب يعارض محمد بن عبد الملك الزيات في‬ ‫وفضل بن مـروان يثـلـم ثـلـمة‬
‫‪:‬رثائه للمعتصم‪ :‬أخبرني عمي قال حدثني ميمون بن هارون قال‪ :‬لما مات المعتصم قال محمد بن عبد الملك الزيات يرثيه‬
‫في خير قبر لخير مدفون‬ ‫قد قلت إذ غيبوه وانصرفوا‬
‫مثلك إل بمثـل هـارون فقال دعبل يعارضه‬ ‫‪:‬لن يجبر الله أمة فـقـدت‬
‫في شر قبر لشر مـدفـون‬ ‫قد قلت إذ غيبوه وانصرفـوا‬
‫خلتك إل من الـشـياطـين‬ ‫اذهب إلى النار والعذاب فما‬
‫أضر بالمسلمـين والـدين يكتم نسبة رثاء محمد بن عبد الملك الزيات للمعتصم‪:‬‬ ‫ما زلت حتى عقدت بيعة من‬
‫‪:‬قال عمي حدثنا ابن مهرويه قال حدثني محمد بن عمر الجرجاني قال‪ :‬أنشد دعبل بن علي يوما قول بعض الشعراء‬
‫‪.‬قد قلت إذ غيبوه وانصرفوا وذكر البيتين والجواب ولم يسم قائل المرثية ول نسبة إلى محمد بن عبد الملك الزيات ول غيره‬
‫ينكر نسبة شعر إليه فيه هجاء بني العباس‪ :‬أخبرني علي بن سليمان الخفش قال حدثنا محمد بن يزيد قال‪ :‬سألت دعبل عن‬
‫‪:‬هذه البيات‬
‫ملوك بني العباس في الكتب سبعة فأنكر أن تكون له‪ ،‬فقلت‪ :‬فمن قالها? قال‪ :‬من حشا الله قبره نارا‪ ،‬إبراهيم بن المهدي‪،‬‬
‫‪.‬أراد أن يغري بي المعتصم فيقتلني لهجائي إياه‬
‫يستعيد ابن المدبر أبياتا له في هجاء بن أبي داود‪ :‬أخبرني عمي والحسن بن علي جميعا قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم بن‬
‫‪:‬مهرويه قال‪ :‬حدثني أبي قال‪ :‬كنت عند أحمد بن المدبر ليلة من الليالي‪ ،‬فأنشدته لدعبل في أحمد بن أبي داود قوله‬
‫وإياد قـــد أكـــثـــر النـــبــــاء‬ ‫إن هـــذا الـــــذي داود أبـــــــوه‬
‫ليت شـعـري عـنـه فـمــن أين جـــاء‬ ‫ساحـــقـــت أمـــه ولط أبــــــوه‬
‫جاء من بين صخرتين صلودين عقامين ينبتان الهباء‬
‫يوجـــب المـــهـــات والبـــــاء قال‪ :‬فاستعادها أربع مرات‪ ،‬فظننت أنه يردي أن‬ ‫ل سفاح ول نكاح ول ما‬
‫يحفظها‪ ،‬ثم قال لي‪ :‬جئني بدعبل حتى أوصله إلى المتوكل‪ ،‬فقلت له‪ :‬دعبل موسوم بهجاء الخلفاء والتشيع‪ ،‬وإنما غايته أن‬
‫يخمل ذكره‪ ،‬فأمسك عني‪ ،‬ثم لقيت دعبل فحدثته بالحديث‪ ،‬فقال‪ :‬لو حضرت أنا أحمد بن المدبر لما قدرت أن أقول أكثر مما‬
‫‪.‬قلت‬
‫‪:‬يروي له بيت في هجاء المتوكل‪ :‬أخبرني الحسن قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني محمد بن جرير قال‬

‫صفحة ‪2249 :‬‬

‫‪:‬أنشدني عبيد الله بن يعقوب هذا البيت وحده لدعبل يهجو به المتوكل‪ ،‬وما سمعت له غيره فيه‬
‫لمر ما تعبدك العبيد قال‪ :‬يرميه في هذا البيت بالبنة‬ ‫‪.‬ولست بقائل قذعا ولكن‬
‫يهجو المعتصم والواثق حين علم نعي المعتصم‪ :‬أخبرني الحسن قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال‪ :‬كنت مع دعبل‬
‫بالصيمرة وقد جاء نعي المعتصم وقيام الواثق‪ ،‬فقال لي دعبل‪ :‬أمعك شيء تكتب فيه? فقلت‪ :‬نعم‪ ،‬وأخرجت قرطاسا‪ ،‬فأملي‬
‫‪:‬علي بديها‬
‫ول عزاء إذا أهل البل رقدوا‬ ‫الحمد لله ل صبر ول جـلـد‬
‫وآخر قام لم يفرح بـه أحـد يمزق قصيدة أعدها في مدح الحسن بن وهب‪:‬‬ ‫خليفة مات لم يحزن له أحـد‬
‫حدثني عمي قال‪ :‬حدثنا أحمد بن عبيد الله بن ناصح قال‪ :‬قلت لدعبل‪ ،‬وقدعرض علي قصيدة له يمدح بها الحسن بن وهب‪،‬‬
‫‪:‬أولها‬
‫‪:‬أعاذلتي ليس الهوى من هوائيا فقلت له ‪ :‬ويحك‪ ،‬أتقول فيه هذا بعد قولك‬
‫خبر سقاك الرائح الغادي وبعد قولك‬ ‫‪:‬أين محل الحي يا حـادي‬
‫المال ويحك لقي الحمد فاصطحبا وبعد قولك‬ ‫‪:‬قالت سلمة أين المال قلت لـهـا‬
‫وعلى أسيافنا تجري المهج والله إني أراك لو أنشدته إياها لمر بصفع قفاك‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫فعلى أيماننا يجري النـدى‬
‫‪.‬صدقت والله‪ ،‬ولقد نبهتني وحذرتني‪ ،‬ثم مزقها‬
‫يغضب على خريج له فيهجو أباه‪ :‬أخبرني عمي قال‪ :‬حدثني العنزي قال حدثني الحسين بن أبي السري قال‪ :‬غضب دعبل على‬
‫‪:‬أبي نصر بن جعفر بن محمد بن الشعث ‪-‬وكان دعبل مؤدبه قديما‪ -‬لشيء بلغه عنه‪ ،‬فقال يهجو أباه‬
‫عندي بخير أبوة من عثعـث‬ ‫ما جعفر بن محمد بن الشعث‬
‫سوارة إن هجتها لم تلـبـث‬ ‫عبثا تمارس بي تمارس حـية‬
‫خزي لوالده إذا لم يعـبـث قال‪ :‬فلقيه عثعث‪ ،‬فقال له‪ :‬عليك لعنة الله‪ ،‬أي‬ ‫لم يعلم المغرور ماذا حاز من‬
‫شيء كان بيني وبينك حتى ضربت بي المثل في خسة الباء‪ ،‬فضحك‪ ،‬وقال‪ :‬ل شيء والله‪ ،‬اتفاق اسمك واسم ابن الشعث في‬
‫‪.‬القافية‪ .‬أو ل ترضى أجعل ‪-‬أباك وهو أسود‪ -‬خيرا من آباء الشعث بن قيس‬
‫يصف العيش الذي يرتضيه‪ :‬أخبرني الحسن بن علي قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال‪ :‬حدثني إبراهيم بن سهل‬
‫‪:‬القاري‪ ،‬وكان يلقب أرزة قال‪ :‬حدثني دعبل بن علي الخزاعي قال‪ :‬كتبت إلى أبي تهشل بن حميد الطوسي قوله‬
‫وان ل فـي الـجـلـوس عـنـد الـكـعــاب‬ ‫إنـمـا الـعـيش فـــي مـــنـــادمة الخ‬
‫ق إذا اسـتـعـرضـت رقـيق الـسـحــاب‬ ‫ويصـرف كـأنـه ألــســـن الـــبـــر‬
‫إن تكونوا تركتم لذة العيش حذار العقار يوم العقاب‬
‫وادفـعـوا بـي فـي صـدر يوم الـحـســاب ينشد علي بن موسى الرضا‪ :‬مدارس آيات‬ ‫فدعوني وما ألذ وأهوى‬
‫خلت‪ :‬أخبرني الحسن بن علي قال‪ :‬حدثنا ابن مهرويه قال‪ :‬حدثني موسى بن عيسى المروزي ‪-‬وكان منزله بالكوفة في رحبة‬
‫طيء‪ -‬قال‪ :‬سمعت دعبل بن علي وأنا صبي يتحدث في مسجد المروزية قال‪ :‬دخلت على علي بن موسى الرضا ‪-‬عليهما‬
‫‪:‬السلم‪ -‬فقال لي‪ :‬أنشدني شيئا مما أحدثت‪ ،‬فأنشدته‬
‫ومنزل وحي مقفر العرصات حتى انتهيت إلى قولي‬ ‫‪:‬مدارس آيات خلت من تـلوة‬
‫أكفا عن الوتار منقبضات قال‪ :‬فبكى حتى أغمي عليه‪ ،‬وأومأ إلي خادم كان على‬ ‫إذا وتروا مدوا إلى واتريهم‬
‫رأسه‪ :‬أن أسكت‪ ،‬فسكت ساعة‪ ،‬ثم قال لي‪ :‬أعد‪ ،‬فأعدت حتى انتهيت إلى هذا البيت أيضا‪ ،‬فأصابه مثل الذي أصابه في المرة‬
‫الولى‪ ،‬وأومأ الخادم إلي‪ :‬أن اسكت‪ ،‬فسكت‪ ،‬فمكث ساعة أخرى ثم قال لي‪ :‬أعد‪ ،‬فأعدت حتى انتهيت إلى آخرها‪ ،‬فقال لي‪:‬‬
‫أحسنت‪ ،‬ثلث مرات‪ ،‬ثم أمر لي بعشرة آلف درهم مما ضرب باسمه‪ ،‬ولم تكن دفعت إلى أحد بعد‪ ،‬وأمر لي من في منزله‬
‫بحلى كثير أخرجه إلي الخادم‪ ،‬فقدمت العراق‪ ،‬فبعت كل درهم منها بعشرة دراهم‪ ،‬اشتراها مني الشيعة‪ ،‬فحصل لي مائة ألف‬
‫‪ .‬درهم‪ ،‬فكان أول مال اعتقدته‬
‫‪:‬يستوهب الرضا ثوبا لبسه ليجعله في أكفانه‪ :‬قال ابن مهرويه وحدثني حذيفة بن محمد‬

‫صفحة ‪2250 :‬‬

‫أن دعبل قال له‪ :‬إنه استوهب من الرضا عليه السلم ثوبا قد لبسه في أكفانه فخلع جبة كانت عليه‪ ،‬فأعطاه إياها وبلغ أهل‬
‫قم خبرها فسألوه أن يبيعهم إياها بثلثين ألف درهم‪ ،‬فلم يفعل‪ ،‬فخرجوا عليه في طريقه‪ ،‬فأخذوها منه غصبا‪ ،‬وقالوا له‪ :‬إن‬
‫شئت أن تأخذ المال فافعل‪ ،‬وإل فأنت أعلم‪ .‬فقال لهم‪ :‬إني والله ل أعطيكم إياها طوعا‪ ،‬ول تنفعكم غصبا‪ ،‬وأشكوكم إلى‬
‫‪.‬الرضا عليه السلم‪ .‬فصالحوه على أن أعطوه الثلثين اللف الدرهم وفردكم من بطانتها فرضي بذلك‬
‫يهجو إبراهيم بن المهدي حين خرج ببغداد‪ :‬أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال‪ :‬بويع إبراهيم بن‬
‫المهدي ببغداد‪ ،‬وقد قل المال عنده‪ ،‬وكان قد لجأ إليه أعراب من أعراب السواد وغيرهم من أوغاد الناس‪ ،‬فاحتبس عنهم‬
‫العطاء‪ ،‬فجعل إبراهيم يسوفهم ول يرون له حقيقة إلى أن خرج إليهم رسوله يوما وقد اجتمعوا وضجوا فصرح لهم بأنه ل مال‬
‫عنده‪ ،‬فقال قوم من غوغاء أهل بغداد‪ :‬أخرجوا إلينا خليفتنا ليغنى لهل هذا الجانب ثلثة أصوات‪ ،‬ولهل هذا الجانب ثلثة‬
‫‪:‬أصوات‪ ،‬فتكون عطاء لهم‪ ،‬فأنشدني دعبل بعد ذلك بأيام قوله‬
‫وارضوا بما كان ول تسخطوا‬ ‫يا معشر الجناد ل تقطـنـوا‬
‫يلتذها المـرد والشـمـط‬ ‫فسوف تـعـطـون حـنـينة‬
‫ل تدخل الكيس ول تـربـط‬ ‫والمـعـبـديات لـقـوادكـم‬
‫خليفة مصفحـه الـبـربـط وزادني فيها جعفر بن قدامة‬ ‫‪:‬وهـكـذا يرزق قـــواده‬
‫وصحح العزم فل تسخطوا‬ ‫قد ختم الصك بأرزاقـكـم‬
‫يقتل فيها الخلق أو يقحـط يقص قصة صديق له متخلف يقول شعرا‪ :‬أخبرني الحسن‬ ‫بيعة إبراهـيم مـشـئومة‬
‫بن علي قال‪ :‬حدثنا ابن مهرويه قال‪ :‬حدثني أبو علي يحيى بن محمد بن ثوابة الكاتب قال‪ :‬حدثني دعبل قال‪ :‬كان لي صديق‬
‫‪:‬متخلف يقول شعرا فاسدا مرذول وأنا أنهاه عنه إذا أنشدني‪ ،‬فأنشدني يوما‬
‫ليس ينجيه الـفـرار‬ ‫إن ذا الحـب شـديد‬
‫من ذل المـخـازي فقلت له‪ :‬هذا ل يجوز‪ ،‬البيت الول على الراء‪ ،‬والبيت الثاني على‬ ‫ونجا من كان ل يعشق‬
‫‪.‬الزاي‪ .‬فقال‪ :‬ل تنقطه‪ ،‬فقلت له‪ :‬فالول مرفوع‪ ،‬والثاني مخفوض‪ .‬فقال‪ :‬أنا أقول له ل تنقطه وهو يشكله‬
‫يستشهده لكلمة أنكرت عليه‪ :‬أخبرني الحسن قال‪ :‬حدثنا ابن مهرويه قال‪ :‬حدثنا محمد بن زكريا بن ميمون الفرغاني قال‪:‬‬
‫سمعت دعبل بن علي يقول في كلم جرى‪ :‬ليسك‪ ،‬فأنكرته عليه‪ .‬فقال‪ :‬دخل زيد الخيل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال‬
‫‪.‬له‪ :‬يا زيد ما وصف لي رجل إل رأيته دون وصفه ليسك‪ -‬يريد غيرك‬
‫يحسد شاعرا على معنى أعجبه‪ :‬أخبرني الحسن قال‪ :‬حدثنا ابن مهرويه قال‪ :‬حدثنا علي بن عبد الله بن سعد قال‪ :‬قال لي‬
‫‪:‬دعبل‪ ،‬وقد أنشدته قصيدة بكر بن خارجة في عيسى بن البراء النصراني الحربي‬
‫كأنه من كبدي مقـدود يقول شعرا كل يوم خلل ستين سنة‪ :‬أخبرني هاشم بن محمد‬ ‫زناره في خصره معقود‬
‫الخزاعي قال‪ :‬سمعت الجاحظ يقول‪ :‬سمعت دعبل بن علي يقول‪ :‬مكثت نحو ستين سنة ليس من يوم ذر شارقه إل وأنا أقول‬
‫‪.‬فيه شعرا‬
‫يعود مفلوجا ويعجب لخفة روحه وهو على تلك الحال‪ :‬أخبرني الحسن بن علي قال‪ :‬حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال‪:‬‬
‫حدثني أبي قال‪ :‬سمعت دعبل بن علي يقول‪ :‬دخلت على أبي الحارث جميز ‪-‬وقد فلج‪ -‬لعوده‪ ،‬وكان صديقي‪ ،‬فقلت‪ :‬ما هذا يا‬
‫أبا الحرث? فقال‪ :‬أخذت من شعري ودخلت الحمام‪ ،‬فغلط بي الفالج‪ ،‬وظن أني قد احتجمت‪ .‬فقلت له‪ :‬لو تركت خفة الروح‬
‫‪.‬والمجون في موضع لتركتهما في هذا الموضع وعلى هذه الحال‬
‫يسأل المأمون جلساءه أن ينشدوا من شعره‪ :‬أخبرني الحسن بن القاسم الكوكبي قال‪ :‬حدثنا أحمد بن صدقة قال‪ :‬حدثني أبي‬
‫‪:‬قال‪ :‬حدثني عمرو بن مسعدة قال‬

‫صفحة ‪2251 :‬‬

‫حضرت أبا دلف عند المأمون‪ ،‬وقد قال له المأمون‪ :‬أي شيء تروي لخي خزاعة يا قاسم? فقال وأي أخي خزاعة يا أمير‬
‫المؤمنين? قال‪ :‬ومن تعرف فيهم شاعرا? فقال‪ :‬أما من أنفسهم فأبوا الشيص ودعبل وابن أبي الشيص وأما من مواليهم‬
‫فطاهر وابنه عبد الله‪ .‬فقال‪ :‬ومن عسى من هؤلء أن يسأل عن شعره سوى دعبل هات أي شيء عندك فيه‪ .‬فقال وأي شيء‬
‫أقول في رجل لم يسلم عليه أهل بيته حتى هجاهم‪ ،‬فقرن إحسانهم بالساءة‪ ،‬وبذلهم بالمنع‪ ،‬وجودهم بالبخل‪ ،‬حتى جعل كل‬
‫حسنة منهم بإزاء سيئة قال‪ :‬حين يقول ماذا? قال حين يقول في المطلب بن عبد الله بن مالك‪ ،‬وهو أصدق الناس له‪ ،‬وأقربهم‬
‫‪:‬منه‪ ،‬وقد وفد إليه إلى مصر فأعطاه العطايا الجزيلة‪ ،‬ووله ولم يمنعه ذلك من أن قال فيه‬
‫بلوم مطلب فينا وكن حـكـمـا‬ ‫اضرب ندى طلحة الطلحات متئدا‬
‫فل تحس لها لؤما ول كـرمـا قال‪ :‬فقال المأمون‪ :‬قاتله الله ما أغوصه‬ ‫تخرج خزاعة من لؤم ومن كرم‬
‫وألطفه وأدهاه وجعل يضحك‪ ،‬ثم دخل عبد الله بن طاهر‪ ،‬فقال له‪ :‬أي شيء تحفظ يا عبد الله لدعبل? فقال‪ :‬أحفظ أبياتا له‬
‫‪:‬في أهل بيت أمير المؤمنين‪ ،‬قال‪ :‬هاتها ويحك‪ ،‬فأنشده عبد الله قول دعبل‬
‫أيام أرفل في أثـواب لـذاتـي‬ ‫سقيا ورعيا ليام الـصـبـابـات‬
‫أصبوا إلى غير جارات وكنـات‬ ‫أيام غصني رطيب من لـيانـتـه‬
‫واقذف برجلك عن متن الجهالت‬ ‫دع عنك ذكر زمان فات مطلبـه‬
‫نحو الهداة بني بيت الكـرامـات وصفه لسفر طويل يعجب المأمون‪ :‬فقال‬ ‫واقصد بكل مديح أنـت قـائلـه‬
‫المأمون‪ :‬إنه قد وجد مقال فقال‪ ،‬ونال ببعيد ذكرهم مال يناله في وصف غيرهم‪ ،‬ثم قال المأمون‪ :‬لقد أحسن في وصف سفر‬
‫‪:‬سافره‪ ،‬فطال ذلك السفر عليه‪ ،‬فقال فيه‬
‫إلى وطن قبل الممات رجوع‬ ‫ألم يأن للسفر الذين تحمـلـوا‬
‫نطقن بما ضمت عليه ضلوع‬ ‫فقلت ولم أملك سوابق عبـرة‬
‫وشمل شتيت عاد وهو جميع‬ ‫تبين فكم دار تفرق شملـهـا‬
‫لكـل أنـاس جـدبة وربـيع ثم قال‪ :‬ما سافرت قط إل كانت هذه البيات نصب‬ ‫كذاك الليالي صرفهن كما ترى‬
‫‪.‬عيني وفي سفري‪ ،‬وهجيري ومسليتي حتى أعود‬
‫يقص قصة مكار أساء جوابه‪ :‬أخبرني علي بن سليمان الخفش قال‪ :‬حدثني المبرد ومحمد بن الحسن بن الحرون قال‪ :‬قال‬
‫دعبل‪ :‬خرجت إلى الجبل هاربا من المعتصم‪ ،‬فكنت أسير في بعض طريقي والمكاري يسوق بي بغل تحتي‪ ،‬وقد أتعبني تعبا‬
‫‪:‬شديدا‪ ،‬فتغنى المكاري في قولي‬
‫ضحك المشيب برأسه فبكى فقلت له‪ ،‬وأنا أريد أن أتقرب إليه وأكف ما يستعمله‬ ‫ل تعجبي يا سلم من رجـل‬
‫من الحث للبغل لئل يتعبني‪ :‬تعرف لمن هذا الشعر يا فتى? فقال‪ :‬لمن ناك أمه وغرم درهمين‪ ،‬فما أدري أي أموره أعجب‪ :‬من‬
‫هذا الجواب أم من قلة العرم على عظم الجناية تغنت بشعره جارية‪ :‬حدثني عمي قال‪ :‬حدثني أحمد بن الطيب السرخسي‬
‫‪:‬قال‪ :‬حضرت مجلس محمد بن علي بن طاهر وحضرته مغنية يقال لها‪ :‬شنين مشهورة‪ ،‬فغنت‬
‫ضحك المشيب برأسه فبكى ثم غنت بعده‬ ‫‪:‬ل تعجبي يا سلم من رجـل‬
‫لقد عجبت سلمى وذاك عجيب فقلت لها‪ :‬ما أكثر تعجب سلمى هذه فعلمت أني أعبث بها لسمع جوابها‪ ،‬فقالت متمثلة غير‬
‫‪:‬متوقفة ول متفكرة‬
‫وأل يرى شيئا عجيبا فيعجبا فعجبت والله من جوابها وحدته وسرعته‪ ،‬وقلت‬ ‫فهلك الفتى أل يراح إلى ندى‬
‫‪.‬لمن حضر‪ :‬والله لو أجاب الجاحظ هذا الجواب لكان كثيرا منه مستظرفا‬
‫نسبة هذا الصوت صوت‬
‫رأت بي شيبا عجلته خطوب‬ ‫لقد عجبت سلمى وذاك عجيب‬
‫بدهر به رأس الفطيم يشيب الغناء ليحيى المكي‪ ،‬ثقيل أول بالوسطى من كتاب‬ ‫وما شيبتني كبرة غير أننـي‬
‫‪.‬أبيه أحمد‬
‫صديق له يصنع كل غناء بشعره‪ :‬حدثني جعفر بن قدامة قال‪ :‬حدثني محمد المرتجل بن أحمد بن يحيى المكي قال‪ :‬كان أبي‬
‫صديقا لدعبل‪ ،‬كثير العشرة له‪ ،‬حافظا لغيبه‪ ،‬وكل شعر يغنى فيه لدعبل فهو من صنعة أبي‪ ،‬وغنائي من صنعة أبيه في شعر‬
‫‪:‬دعبل‪ ،‬والطريقة فيه خفيف ثقيل في مجرى البنصر‬
‫وقضيت شوقا حين كـاد يذوب‬ ‫سرى طيف ليلى حين آن هبوب‬

‫صفحة ‪2252 :‬‬

‫ول طارقا يقرى المنى ويثيب وأنشدني عمي هذين البيتين عن أحمد بن يحيى بن‬ ‫فلم أر مطروقا يحل برحلـه‬
‫‪.‬أبي طاهر وابن مهرويه جميعا لدعبل‬
‫ينفي أنه صاحب أبيات في هجاء بني العباس‪ :‬حدثني حبيب بن نصر المهلبي قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال‪ :‬سألت‬
‫‪:‬دعبل من الذي يقول‬
‫ملوك بني العباس في الكتب سبعة فقال‪ :‬من أضرم الله قبره نارا‪ ،‬إبراهيم بن المهدي‪ ،‬قال ابن أبي سعد‪ :‬وحدثني عبد‬
‫‪.‬العزيز بن سهل أنه سأله عنها فاعترف بها‬
‫يهجو طاهر بن الحسين‪ :‬حدثني عمي قال‪ :‬أنشدني ابن أخي دعبل لعمه في طاهر بن الحسين‪ ،‬وكان قد نقم عليه أمرا أنكره‬
‫‪:‬منه‬
‫نقصان عين ويمين زائده‬ ‫وذي يمينين وعين واحده‬
‫أعضه الله ببظر الوالده يهجو أخوين لم يرض ما فعل‪ :‬حدثني جحظة قال‪ :‬حدثني‬ ‫نزر العطيات قليل الفائده‬
‫‪:‬ميمون بن هارون قال‪ :‬كان دعبل قد مدح دينار بن عبد الله وأخاه يحيى‪ ،‬فلم يرض ما فعله‪ ،‬فقال يهجوهما‬
‫حتى دفـعـنـا إلـى يحـيى ودينـار‬ ‫ما زال عـصـيانـنـا لـلـه يرذلـنـا‬
‫قد طال ما سجدا للشـمـس والـنـار‬ ‫وغدين علجين لم تقطع ثـمـارهـمـا‬
‫يهجو الخوين والحسن بن سهل معهما‪ :‬قال‪ :‬وفيهما وفي الحسن بن سهل يقول أيضا دعبل يهجوهم‪ ،‬والحسن بن رجاء وأبيه‬
‫‪:‬أيضا‬
‫أبع جسنا وابني رجاء بدرهم‬ ‫أل فاشتروا مني ملوك المخزم‬
‫وأسمح بدينار بغـير تـنـدم‬ ‫وأعط رجاء فـوق ذاك زيادة‬
‫فليس يرد العيب يحي بن أكثم انحرافه عن الطاهرية وهجاؤه فيهم‪ :‬أخبرني‬ ‫فإن رد من عيب علي جميعهم‬
‫الحسن بن علي قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال‪ :‬حدثني أبو الطيب الحراني قال‪ :‬كان دعبل منحرفا عن الطاهرية‬
‫‪:‬مع ميلهم إليه وأياديهم عنده‪ ،‬فأنشدني لنفسه فيهم‬
‫عجائب تستخف لها الحلوم‬ ‫وأبقى طاهر فينا ثـلثـا‬
‫تميز عن ثلثتـهـم أروم‬ ‫ثلثة أعـبـــد لب وأم‬
‫ول غير ومجهول قـديم‬ ‫فبعض في قريش منتمـاه‬
‫ويزعم أنه عـلـج لـئيم‬ ‫وبعضهم يهش لل كسرى‬
‫وكلهم على حـال زنـيم يهجو رجل لقبح وجهه‪ :‬أخبرني الحسن بن علي قال‪ :‬حدثنا‬ ‫فقد كثرت مناسبهم علينـا‬
‫ابن مهرويه قال‪ :‬حدثني أبي قال‪ :‬كان صالح بن عطية الضجم من أبناء الدعوة‪ ،‬وكان من أقبح الناس وجها‪ ،‬وكان ينزل‬
‫‪:‬واسطا‪ ،‬فقال فيه دعبل‬
‫فقس على الغائب بالشاهد‬ ‫أحسن ما في صالح وجهه‬
‫تدعو إلى تزنية الـوالـد قال وقال فيه أيضا‪ ،‬وخطاب فيها المعتصم‬ ‫‪:‬تأملت عيني لـه خـلـقة‬
‫قول امرئ حدب عليك محام‬ ‫قل للمام إما آل مـحـمـد‬
‫في صالح بن عطية الحجـام‬ ‫أنكرت أن تفتر عنك صنـيعة‬
‫لكنـهـن طـوائل السـلم‬ ‫ليس الصنائع عنده بصـنـائع‬
‫جيش من الطاعون والبرسام يعرض شعره على مسلم بن الوليد أو يكتمه‬ ‫اضرب به جيش العدو فوجهه‬
‫حتى أذن له في إظهاره‪ :‬أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال‪ :‬أخبرني إبراهيم بن محمد الوراق قال‪ :‬حدثني الحسين بن‬
‫‪:‬أبي السري قال‪ :‬قال لي دعبل‪ :‬ما زلت أقول شعر وأعرضه على مسلم‪ ،‬فيقول لي‪ :‬أكتم هذا حتى قلت‬
‫ل‪ ،‬أين يطلب ضل? بل هلكا فلما أنشدته هذه القصيدة قال‪ :‬اذهب الن فأظهر‬ ‫أين الشبـاب وأية سـلـكـا‬
‫‪ .‬شعرك كيف شئت لمن شئت‬
‫ينسبه أبو تمام إلى قصيدة من شعره‪ :‬قال إبراهيم‪ :‬وحدثني الفتح غلم أبي تمام الطائي‪ ،‬وكان أبو سعيد الثغري اشتراه له‬
‫بثلثمائة دينار لينشد شعره‪ ،‬وكان غلما أديبا فصيحا‪ ،‬وكان إنشاد أبي تمام قبيحا‪ ،‬فكان ينشد شعره عنه‪ ،‬فقال‪ :‬سألت مولي أبا‬
‫‪:‬تمام عن نسب دعبل فقال‪ :‬هو دعبل بن علي الذي يقول‬
‫ضحك المشيب برأسه فبكى يهجر مسلم بن الوليد حين وفد عليه فجفاه‪ :‬قال الفتح‪ :‬وحدثني مولي أبو تمام قال‪ :‬ما زال‬
‫‪:‬دعبل مائل إلى مسلم بن الوليد مقرا بأستاذيته حتى ورد عليه جرجان فجفاه مسلم‪ ،‬وكان فيه بخل‪ ،‬فهجره دعبل وكتب إليه‬

‫صفحة ‪2253 :‬‬

‫هوانا وقلبانا جميعا معـا مـعـا‬ ‫أبا مخلد كـنـا عـقـيدي مـودة‬
‫وأيجع إشفاقا لن تـتـوجـعـا‬ ‫أحوطك بالغيب الذي أنت حائطي‬
‫لنفسي‪ ،‬عليها أرهب الخلق أجمعا‬ ‫فصيرتني بعد انتكاسك متـهـمـا‬
‫بنا وابتذلت الوصل حتى تقطعـا‬ ‫غششت الهوى حتى تداعت أصوله‬
‫ذخيرة ود طالـمـا تـمـنـعـا‬ ‫وأنزلت من بين الجوانح والحشـا‬
‫تخرقت حتى لم أجد لك مرقعـا‬ ‫فل تعذلني ليس لي فيك مطمـع‬
‫وجشمت قلبي صبره متشجـعـا ويروى‪ :‬وحملت قلبي فقدها‪ .‬قال ثم‬ ‫فهبك يميني استأكلت فقطعتـهـا‬
‫‪.‬تهاجرا‪ ،‬فما التقيا بعد ذلك‬
‫استمساك خزاعة بانتمائه إليهم‪ :‬أخبرني محمد بن خلف قال‪ :‬حدثني إبراهيم بن محمد قال‪ :‬حدثنا الحسين بن علي قال‪ :‬قلت‬
‫لبن الكلبي‪ :‬إن دعبل قطعي ‪ ،‬فلو أخبرت الناس أنه ليس من خزاعة‪ ،‬فقال لي‪ :‬يا فاعل‪ ،‬مثل دعبل تنفيه خزاعة والله لو كان‬
‫‪.‬من غيرها لرغب فيه حتى تدعيه‪ .‬دعبل والله يا أخي خزاعة كلها‬
‫يقص خبر رحلته إلى مصر يقصد المطلب في وليته‪ :‬أخبرني محمد بن المرزبان قال‪ :‬حدثني إبراهيم بن محمد الوراق عن‬
‫الحسين بن أبي السري عن عبد الله بن أبي الشيص قال‪ :‬حدثني دعبل قال‪ :‬حججت أنا وأخي رزين وأخذنا كتبا إلى المطلب‬
‫بن عبد الله بن مالك وهو بمصر يتولها‪ ،‬فصرنا من مكة إلى مصر‪ ،‬فصحبنا رجل يعرف بأحمد بن فلن السراج‪ ،‬نسي عبد الله‬
‫بن أبي الشيص اسم أبيه‪ ،‬فما زال يحدثنا ويؤانسنا طول طريقنا‪ ،‬ويتولى خدمتنا كما يتولها الرفقاء والتباع‪ .‬ورأيناه حسن‬
‫الدب‪ ،‬وكان شاعرا‪ ،‬ولم نعلم‪ ،‬وكتمنا نفسه‪ ،‬وقد علم ما قصدنا له فعرضنا عليه أن يقول في المطلب قصيدة‪ ،‬ننحله إياها‪.‬‬
‫فقال‪ :‬إن شئتم‪ ،‬وأرانا بذلك سرورا وتقبل له‪ ،‬فعملنا قصيدة‪ ،‬وقلنا له‪ :‬تنشدها المطلب فإنك تنتفع بها‪ .‬فقال‪ :‬نعم‪ .‬ووردنا‬
‫مصربه‪ ،‬فدخلنا إلى المطلب‪ ،‬وأوصلنا إليه كتبا كانت معنا‪ ،‬وأنشدناه‪ .‬فسر بموضعنا‪ ،‬ووصفنا له أحمد السراج هذا‪ ،‬وذكرنا له‬
‫‪:‬أمره‪ ،‬فأذن له‪ ،‬فدخل عليه ونحن نظن أنه سينشد القصيدة التي نحلناه إياها‪ ،‬فلما مثل بين يديه عدل عنها وأنشده‬
‫وهمة بلغة بي غاية الرتـب‬ ‫لم آت مطلبا إل بمـطـلـب‬
‫في الوسائل أو ألقاه في الكتب قال‪ :‬وأشار إلى كتبي التي أوصلتها إليه وهي بين‬ ‫أفردته برجاء أن تـشـاركـه‬
‫‪:‬يديه‪ ،‬فكان ذلك أشد من كل شيء مر بي منه علي‪ ،‬ثم أنشده‬
‫ما كان من وصب فيها ومن نصب‬ ‫رحلت عنسى إلى البيت الحرام على‬
‫تكاد تقدح بين الجلد والـعـصـب‬ ‫ألقى بها وبوجهي كـل هـاجـرة‬
‫عطف الزمام فأمت سيد العـرب‬ ‫حتى إذا ما قضت نسكي ثنيت لهـا‬
‫من طول ما تعب لقت ومن نقب‬ ‫فيممتك وقد ذابت مـفـاصـلـهـا‬
‫ركنين‪ :‬مطلبا والبيت ذا الحـجـب‬ ‫إني استجرت بإستارين مستـلـمـا‬
‫وأنت للعاجل المرجو والطـلـب‬ ‫فذاك للجل المأمـول ألـمـسـه‬
‫وأنت أنت وقد ناديت من كـثـب قال‪ :‬فصاح مطلب‪ :‬لبيك لبيك‪ :‬ثم قام إليه‬ ‫هذا ثنائي وهذي مصـر سـانـحة‬
‫فأخذ بيده‪ ،‬وأجلسه معه‪ ،‬وقال‪ :‬يا غلمان‪ ،‬البدر‪ ،‬فأحضرت‪ ،‬ثم قال‪ :‬الخلع‪ :‬فنشرت‪ ،‬ثم قال‪ :‬الدواب‪ ،‬فقيدت‪ ،‬فأمر له من ذلك‬
‫بما مل عينه وأعيننا وصدورنا وحسدناه عليه‪ ،‬وكان حسدنا له بما اتفق له من القبول وجودة الشعر‪ ،‬وغيظنا بكتمه إيانا نفسه‬
‫‪.‬واحتياله علينا أكثر وأعظم‪ ،‬فخرج بما أمر له به‪ ،‬وخرجنا صفرا‬
‫‪:‬يوليه المطلب أسوان‪ :‬فمكثنا أياما‪ ،‬ثم ولي دعبل بن علي أسوان‪ ،‬وكان دعبل قد هجا المطلب غيظا منه فقال‬
‫وتبصق في وجهك الموصل‬ ‫تعلق مصر بك المخـزيات‬
‫وشرفت قوما فلم ينبـلـوا‬ ‫وعاديت قوما فما ضـرهـم‬
‫وصاحبك الخور الفشـل‬ ‫شعارك عند الحروب النجاء‬
‫وأنت إذا انـهـزمـوا أول وقال فيه‬ ‫‪:‬فأنت إذا ما التـقـوا آخـر‬
‫بلؤم مطلب فينا وكن حـكـمـا‬ ‫اضرب ندى طلحة الطلحات متئدا‬
‫فل تعد لها لؤمـا ول كـرمـا من قصيدته في مدح المطلب‬ ‫‪:‬تخرج خزاعة من لؤم ومن كرم‬

‫صفحة ‪2254 :‬‬

‫‪:‬قال‪ :‬وكانت القصيدة التي مدح بها دعبل المطلب قصيدته المشهورة التي يقول فيها‬
‫ترجو الغنى إن ذا من العجب‬ ‫أبعد مصر وبعد مـطـلـب‬
‫أو واحدونا جئنا بمـطـلـب يعزله المطلب عن أسوان حين بلغه هجاؤه له‪ :‬قال وبلغ‬ ‫إن كاثرونا جئنا بـأسـرتـه‬
‫المطلب هجاؤه إياه بعد أن وله‪ ،‬فعزله عن أسوان‪ ،‬فأنفذ إليه كتاب العزل مع مولى له‪ ،‬وقال‪ :‬انتظره حتى يصعد المنبر يوم‬
‫الجمعة‪ ،‬فإذا عله فأوصل الكتاب إليه‪ ،‬وامنعه من الخطبة‪ ،‬وأنزله عن المنبر‪ ،‬واصعد مكانه‪ .‬فلما أن عل المنبر وتنحنح ليخطب‬
‫ناوله الكتاب‪ ،‬فقال له دعبل‪ :‬دعني أخطب‪ ،‬فإذا نزلت قرأته‪ .‬قال‪ :‬ل‪ ،‬قد أمرني أن أمنعك الخطبة حتى تقرأه‪ ،‬فقرأه وأنزله‬
‫‪.‬عن المنبر معزول‬
‫‪:‬قال‪ :‬فحدثني عبد الله بن أبي الشيص قال‪ :‬قال لي دعبل قال لي المطلب‪ :‬ما تفكرت في قولك قط‬
‫أو واحدونا جئنا بمطلب إل كنت أحب الناس إلي‪ ،‬ول تفكرت والله في قولك لي‬ ‫‪:‬إن كاثرونا جئنا بأسرته‬
‫وقدمت قوما فلم ينبلـوا إل كنت أبغض الناس إلي‬ ‫‪.‬وعاديت قوما فما ضرهم‬
‫معنى إستارين في شعره‪ :‬قال ابن المرزبان حدثني من سأل الرياشي عن قوله‪ :‬إستارين‪ ،‬قال‪ :‬يجوز على معنى إستار كذا‪،‬‬
‫‪:‬وإستار كذا‪ .‬وأنشدنا الرياشي‬
‫فكيف لو قد سعى عمرو عقالين‬ ‫سعى عقال فلم يترك لنا سـبـدا‬
‫يوم الترحل والهيجا حمـالـين‬ ‫لصبح القوم أوفاضا فلم يجـدوا‬
‫هجـاؤه الـمـطـلـــب‪ :‬أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال‪ :‬حدثني عبد العزيز بن سهل قال‪:‬‬
‫‪:‬لما قصد دعبل عبد المطلب بن عبد الله بن مالك إلى مصر ولم يرض ما كان منه إليه قال فيه‬
‫حميا الفاعي ومستـقـبـل‬ ‫أمطلب أنت مـسـتـعـذب‬
‫وإن أعف عنك فما تعـقـل‬ ‫فإن اشف منك تـكـن سـبة‬
‫صحائف يأثـرهـا دعـبـل‬ ‫ستأتيك إما وردت الـعـراق‬
‫مخاز تحـط فـل تـرحـل‬ ‫منـمـقة بـين أثـنـائهــا‬
‫وشرفت قوما فلم ينـبـلـوا‬ ‫وضعت رجال فما ضـرهـم‬
‫عطية أم صالـح الحـول‬ ‫?فأيهم الـزين وسـط الـمـل‬
‫أمين الحمام التـي تـزجـل‬ ‫أم البـاذجـانـي أم عـامـر‬
‫وتبصق في وجهك الموصل‬ ‫تنوط مصر بك المـخـزيات‬
‫يطيب لدى مثلها الحنـظـل‬ ‫ويوم السراة تـحـسـيتـهـا‬
‫صدور القنا فيهم تـعـمـل‬ ‫توليت ركضـا وفـتـيانـنـا‬
‫فحظهم منـك أن يقـتـلـوا‬ ‫إذا الحرب كنت أميرا لـهـا‬
‫وممن يحاربك المـنـصـل‬ ‫فمنك الرؤوس غداة اللـقـاء‬
‫إذا انهزموا‪ :‬عجلوا عجلـوا‬ ‫شعارك في الحرب يوم الوغى‬
‫يقرطس فيهن من ينـضـل‬ ‫هزائمك الغـر مـشـهـورة‬
‫وأنـت لخـرهـــم أول ومن هجائه المطلب‪ :‬أخبرني عمي قال أنشدنا المبرد لدعبل‬ ‫فأنـت لولـهــم آخـــر‬
‫‪:‬يهجو المطلب بن عبد الله ويعيره بغلمين‪ :‬علي وعمرو‪ ،‬وكان يتهم بهما‬
‫وفقحة عمرو له ربه‬ ‫فأير عـلـي لـه آلة‬
‫وطورا تصادفه حربه ومن مدحه إياه‪ :‬وأنشدني ابن عمار عن أحمد بن سليمان بن أبي‬ ‫فطورا تصادفه جعبة‬
‫‪.‬شيخ لدعبل يمدح المطلب بن عبد الله بن مالك‪ ،‬وفيه غناء‬
‫صوت‬
‫ما كنت إل روضة وجنانـا‬ ‫زمني بمطلب سقيت زمانـا‬
‫لم أرض بعدك كائنا من كانا‬ ‫كل الندى إل نداك تكـلـف‬
‫فتركتني أتسخط الحسانـا سبب سخطه على المطلب‪ :‬وقد أخبرني بخبره‬ ‫أصلحتني بالبر بل أفسدتنـي‬
‫الول الطويل مع المطلب الحسن بن علي عن أحمد بن محمد حدان عن أحمد بن يحيى العدوي أن سبب سخطه على‬
‫المطلب أن رجل من العلويين كان قد تحرك بطنجة ‪ ،‬فكان يبث دعاته إلى مصر‪ ،‬وخافه المطلب‪ ،‬فوكل بالبواب من يمنع‬
‫‪.‬الغرباء دخولها‬

‫صفحة ‪2255 :‬‬

‫فلما جاء دعبل منع فأغلظ للذي منعه‪ ،‬فقنعه بالسوط وحبسه‪ ،‬مضى رزين فأخبر المطلب‪ ،‬فأمر بإطلقه‪ ،‬ودعا به فخلع عليه‪.‬‬
‫فقال له‪ :‬ل أرضى أو تقتل الموكل بالباب فقال له‪ :‬هذا ل يمكن لنه قائد من قواد السلطان‪ ،‬فغضب ثم أنشده الرجل البيات‬
‫‪.‬المذكورة‪ ،‬فأجازه‪ ،‬وحكى أن اسمه محمد بن الحجاج‪ ،‬ل أحمد بن السراج‪ .‬وسائر الخبر مثله‬
‫سبب مناقضته أبا سعد المخزومي‪ :‬وكان سبب مناقضته أبا سعد المخزومي وما خرج إليه المر بينهما قول دعبل قصيدته التي‬
‫‪.‬هجا فهيا قبائل نزار‪ ،‬فحمي لذلك أبو سعد‪ ،‬فهجاهم‪ ،‬فأجابه أبو سعد‪ ،‬ولج الهجاء بينهما‬
‫‪.‬وروي أنه نزل بقوم بن بني مخزوم‪ ،‬فلم يضيفوه‪ ،‬فهجاهم‪ ،‬فأجابه أبو سعد ولج الهجاء بينهما‬
‫أخبرني عمي والحسن بن علي الخفاف قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال‪ :‬حدثني محمد بن الشعث قال‪ :‬حدثني‬
‫‪:‬دعبل أنه ورزينا العروضي نزل بقوم من بني مخزوم‪ ،‬فلم يقروهما‪ ،‬ول أحسنوا ضيافتهما فقال دعبل‪ :‬فقلت فيهم‬
‫بحيث ل تطمع المسحاة في الطين ثم قلت لرزين‪ :‬أجز فقال‬ ‫‪:‬عصابة من بني مخزوم بت بهـم‬
‫بني النفـاق وأبـنـاء الـمـلعـين قال ابن الشعث‪ :‬فكان هذا أول‬ ‫في مضغ أعراضهم من خبزهم عوض‬
‫‪.‬السباب في مهاجاته لبي سعد‬
‫أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال‪ :‬حدثني العنزي قال‪ :‬حدثني علي بن عمر الشيباني أن الذي هاج الهجاء بين أبي سعد‬
‫‪.‬ودعبل قصيدته القحطانية التي هجا فيها نزارا‪ ،‬فأجابه عنها أبو سعد‪ ،‬ولج الهجاء بينهما‬
‫أخبرني الحسن بن علي قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم قال‪ :‬حدثني أحمد بن أبي كامل قال‪ :‬كان سبب وقوع الهجاء بين دعبل‬
‫‪:‬وأبي سعد قول دعبل في قصيدة يفخر فيها بخزاعة‪ ،‬ويهجو نزارا‪ ،‬وهي التي يقول فيها‬
‫فأعقبناه بالوعر‬ ‫أتانا طالبا وعرا‬
‫فأعقبناه بالوتر فغضب أبو سعد‪ ،‬وقال قصيدته التي يقول فيها لدعبل‪ ،‬وهي مشهورة‬ ‫‪:‬وترناه فلم يرض‬
‫على الدهر من الدهر‬ ‫وبالكرخ هوى أبقـى‬
‫كفاني كلفة الـعـذر قال‪ :‬ثم التحم الهجاء بينهما بعد ذلك‬ ‫‪.‬هوى والحمـد لـلـه‬
‫من هجاء أبي سعد المخزومي له‪ :‬أخبرني الحسن بن علي قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال‪ :‬حدثني أحمد بن‬
‫هارون قال‪ :‬دخلت على أبي سعد المخزومي يوما وهو يقول‪ :‬وأي شيء ينفعني? أجود الشعر فل يروى‪ ،‬ويرذل فيروى‪،‬‬
‫ويفضحني برديئته‪ ،‬ول أفضحه بجيدي‪ ،‬فقلت‪ :‬من تعني يا أبا سعد? فقال‪ :‬من تراني أعني إل من عليه لعنة الله دعبل فقلت‬
‫‪:‬فيه‬
‫من لـبــاس الـــفـــوارس‬ ‫ليس لـبـس الـطـــيالـــس‬
‫كصـدور الـمـجـــالـــس‬ ‫ل ول حـــومة الـــوغـــى‬
‫غير ضـرب الـقـــوانـــس‬ ‫ضرب أوتـار نــفـــنـــف‬
‫وظهور الجياد غير ظهور الطنافس‬
‫ب كـمـن لـــم يضـــارس‬ ‫ليس من ضارس الحرو‬
‫من كـرام الــمـــغـــارس‬ ‫بأبــي غـــرس فـــتـــية‬
‫فتية من بني المغيرة شم المعاطس‬
‫كل شـهـــبـــاء دامـــس‬ ‫يطعمون السديف في‬
‫من جـفــان الـــعـــرائس‬ ‫في جـفـان كـــأنـــهـــا‬
‫ر مـشـي الـعـنـــابـــس‬ ‫ثم يمـشـون فـي الـســنـــو‬
‫ء دمـــاء البـــالـــــس‬ ‫ويخـوضـون بــالـــلـــوا‬
‫‪:‬نحن خير النام عند قياس المقـايس فو الله ما التفت إليها في مصرنا هذا إل علماء الشعر‪ :‬وقال هو في‬
‫زانى الخت والمره‬ ‫يا أبا سعد قـوصـره‬
‫خلته عقد قنـطـره‬ ‫لو تراه مـحـنـبـا‬
‫قلت ساق بمقطـره قال‪ :‬فوالله لقد رواه صبيان الكتاب ومارة الطريق والسفل‪ ،‬فما‬ ‫أو ترى الير في استه‬
‫أجتاز بموضع إل سمعته من سفلة يهدرون به ‪ ،‬فمنهم من يعرفني فيعيبني به‪ ،‬ومنهم من ل يعرفني‪ ،‬فأسمعه منه لسهولته على‬
‫‪.‬لسانه‬
‫يذكر أن المخزومي دس في شعره ما لم يقله‪ :‬أخبرني محمد بن عمران الصيرفي ومحمد بن يحيى الصولي وعمي قالوا‪:‬‬
‫حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال‪ :‬حدثني علي بن أبي عمرو الشيباني قال‪ :‬جاءني إسماعيل بن إبراهيم بن ضمرة الخزاعي‪،‬‬
‫‪:‬فقال لي‪ :‬إني سألت دعبل أن أقرأ عليه قصيدته التي يناقض بها الكميت‬
‫كفاك اللوم مر الربعينا‬ ‫أفيقي من ملمك يا ظعينا‬

‫صفحة ‪2256 :‬‬

‫فقال لي إسماعيل‪ :‬قال لي دعبل‪ :‬يا أبا الحسن فيها أخبار وغريب‪ ،‬فليكن معك رجل يقرؤها علي وأنت معه‪ ،‬فيكون أهون‬
‫علي منك‪ ،‬فقلت له‪ :‬لقد اخترت صديقا لي يقال له‪ :‬علي‪ ،‬فقال‪ :‬أمن العرب هو? قلت‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬من أي العرب? قلت‪ :‬من‬
‫بني شيبان‪ .‬قال‪ :‬شيبان كندة? فقلت‪ :‬بل شيبان ربيعة‪ .‬فقال لي‪ :‬ويحك أتأتيني برجل أسمعه ما يكره في قومه? فقلت له‪ :‬إنه‬
‫رجل يحتمل‪ ،‬ويجب أن يسمع ما له وعليه‪ .‬فقال‪ :‬في مثل هذا رغبة ‪ ،‬فأتني به‪ ،‬فصرنا إليه‪ ،‬فلما لقيه قال‪ :‬قد أخبرني عنك أبو‬
‫الحسن بما سررت به؛ أن كنت رجل من العرب تحب أن تسمع ما لك وعليك لكيل تغبن‪ ،‬فقرأنا عليه الشعر حتى انتهينا في‬
‫‪:‬القصيدة إلى قوله‬
‫وكانوا معشرا متنبطينـا فقال دعبل‪ :‬معاذ الله أن يكون هذا البيت لي‪ ،‬ثم قال‪:‬‬ ‫من أي ثنية طلعت قريش‬
‫لعنه الله وانتقم منه ‪-‬يعني أبا سعد المخزومي‪ -‬دسه والله في هذا الشعر وضرب بيده إلى سكين كانت معه فجرد البيت بحدها‬
‫ثم قال لنا‪ :‬أحدثكم عنه بحديث طريف‪ :‬يزوره المخزومي ويجالسه‪ ،‬ويرسل إليه حين انصرف هجاء فيه‪ :‬جاءني يوما ببغداد أشد‬
‫ما كان بيني وبينه من الهجاء‪ ،‬وبين يدي صحيفة ودواة‪ ،‬وأنا أهجوه فيها‪ ،‬إذ دخل علي غلم لي فقال‪ :‬أبو سعد المخزومي‬
‫بالباب‪ .‬فقلت له‪ :‬كذبت‪ .‬فقال‪ ،‬وهو عارف بأبي سعد‪ :‬بلى والله يا مولي‪ ،‬فأمرته برفع الدواة والجلد الذي كان بين يدي‪،‬‬
‫وأذنت له في الدخول‪ ،‬وجعلت أحمد الله في نفسي‪ ،‬فأقول‪ :‬الحمد لله الذي أصلح بيني وبينه من هتك العراض وذكر القبيح‪،‬‬
‫وكان البتداء منه‪ .‬فقمت إليه وسلمت عليه وهو ضاحك مسرور‪ ،‬فأبديت له مثل ذلك من السرور به‪ ،‬ثم قلت‪ :‬أصبحت والله‬
‫‪.‬حاسدا لك‪ .‬قال‪ :‬على ماذا يا أبا علي? فقلت‪ :‬بسبقك إياي إلى الفضل‬
‫فقال لي‪ :‬أنا اليوم في دعوى عندك‪ ،‬فقلت‪ :‬قل ما أحببت‪ .‬فقال‪ :‬إن كان عندك ما نأكله‪ ،‬وإل ففي منزلي شيء معد‪ .‬فسألت‬
‫الغلمان فقالوا‪ :‬عندنا‪ :‬قدر أمسية ‪ .‬فقال‪ :‬غاية واتفاق جيد‪ .‬فهل عندك شيء نشربه‪ ،‬وإل وجهت إلى منزلي ففيه شراب معد?‬
‫فقلت له‪ :‬عندما ما نشرب‪ ،‬فطرح ثيابه ورد دابته وقال‪ :‬أحب أل يكون معنا غيرنا‪ ،‬فتغدينا وشربنا‪ ،‬فلما أن أخذ الشراب منا‬
‫قال‪ :‬مر غلميك يغنياني‪ ،‬فأمرت الغلمين فغنياه‪ ،‬فطرب وفرح‪ ،‬واستحسن الغناء حتى سرني وأطربني معه‪ ،‬ثم قال‪ :‬حاجتي‬
‫إليك يا أبا علي أن تأمرهما بأن يغنياني في هجائك لي ‪-‬وكان الغلمان لكثرة ما يسمعانه مني في هجائي قد حفظا منه أشياء‬
‫ولحناها‪ -‬فقلت له‪ :‬سبحان الله يا أبا سعد قد طفئت النائرة ‪ ،‬وذهبت العداوة بيننا‪ ،‬وانقطع الشر‪ .‬فما حاجتك إلى هذا? فقال‬
‫لي‪ :‬سألتك بالله إل فعلت‪ ،‬فليس يشق ذلك علي‪ .‬ولو كرهته لما سألته‪ .‬فقلت في نفسي‪ :‬أترى أبا سعد يتماجن علي? يا‬
‫‪:‬غلمان فغنوه بما يريد‪ ،‬فقال غنوه‬
‫زاني الخت والمره فغنوه‪ ،‬وهو يحرك رأسه وكتفيه‪ ،‬ويطرب ويصفق‪ ،‬فما زلنا يومنا‬ ‫يا أبا سعد قوصـره‬
‫مسرورين‪ .‬فلما ثمل ودعني وقام فانصرف وأمرت غلماني فخرجوا معه إلى الباب‪ ،‬فإذا غلم منهم قد انصرف إلي بقطعة‬
‫‪:‬قرطاس‪ ،‬وقال‪ :‬دفعها إلي أبو سعد المخزومي‪ ،‬وأمرني أن أدفعها إليك‪ .‬قال‪ :‬فقرأتها‪ ،‬فإذا فيها‬
‫فلست حتى الممات أنساها‬ ‫لدعبل مـنة يمـن بـهـا‬
‫ودس بامرأته فنكنـاهـا فقال‪ :‬ويلي على ابن الفاعلة‪ ،‬هاتوا جلدا ودواة‪ ،‬قال فردوهما‬ ‫أدخلنا بيته فـأكـرمـنـا‬
‫‪.‬علي‪ ،‬فعدت إلى هجائه‪ ،‬ولقيته بعد يومين أو ثلثة‪ ،‬فما سلم علي‪ ،‬ول سلمت عليه‬
‫أخبرني الحسن بن علي قال‪ :‬حدثنا ابن مهرويه قال‪ :‬حدثنا علي بن عبد الله بن سعد‪ ،‬أنه سمع دعبل يحدث بخبره هذا مع أبي‬
‫‪.‬سعد‪ ،‬فذكر نحو ما ذكره العنزي‬
‫يشد على المخزومي فيقنعه بسيفه‪ :‬أخبرني الحسن بن علي قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم قال‪ :‬حدثني أحمد بن أبي كامل‬
‫قال‪ :‬رأيت دعبل قد لقي أبا سعد في الرصافة‪ ،‬وعليهما السواد وسيفاهما على أكتافهما‪ ،‬فشد دعبل على أبي سعد فقنعه‪،‬‬
‫‪.‬فركض أبو سعد بين يديه هاربا‪ ،‬وركض دعبل في أثره وهو يهرب منه حتى غاب‬
‫‪:‬يهجو المخزومي حين انتفى منه بنو مخزوم‬

‫صفحة ‪2257 :‬‬

‫قال‪ :‬وكنت أرى أبا سعد يجلس مع بني مخزوم في دار المأمون‪ ،‬فتظلموا منه إلى المأمون‪ ،‬وذكروا أنهم ل يعرفون له فيهم‬
‫‪:‬نسبا‪ ،‬فأمرهم المأمون بنفيه‪ ،‬فانتفوا منه‪ ،‬وكتبوا بذلك كتابا‪ .‬فقال دعبل فيه يذكر ذلك من قصيدة طويلة‬
‫قنعوه بـخـزايه‬ ‫غير أن الصيد منهم‬
‫فهو بين الناس آيه‬ ‫كتبوا الصك علـيه‬
‫قيل قد جاء النفايه وقال فيه أيضا‬ ‫‪:‬فإذا أقـبـل يومـا‬
‫عليك وشنوا فوق هامتك القفدا قال‪ :‬وكان إذا قيل له ذلك شيء في نسبه‬ ‫هم كتبوا الصك الذي قد علمته‬
‫‪.‬قال‪ :‬أنا عبد ابن عبد‪ .‬قال‪ :‬ونظر دعبل فرأى على أبي سعد قباء مرويا مصبوغا بسواد‪ ،‬فقال‪ :‬هذا دعي على دعي‬
‫يرى دفتر شعر المخزومي فيملي هجاء له على حامله‪ :‬أخبرني الحسن بن علي قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال‪:‬‬
‫حدثني أحمد بن مروان مولى الهادي قال‪ :‬لقيني أبو سعد المخزومي على ظهر الطريق فقال لي‪ :‬يا أحمد أنا أدرس شكايتك‬
‫إلى أبيك‪ ،‬قال فقلت‪ :‬ولم أبقاك الله? قال‪ :‬فما فعل دفتر البزاريات ? قلت‪ :‬هو ذا أجيئك به‪ ،‬فلما صليت الظهر جئت بالدفتر‬
‫أريده‪ ،‬فمررت بدعبل فدققت بابه‪ ،‬فسمعته يقول لجارية له‪ :‬يا دراهم‪ ،‬انظري من بالباب‪ .‬فقال له‪ :‬أحمد بن مروان‪ .‬فقال‪:‬‬
‫افتحي له‪ ،‬فلما دخلت قلت له‪ :‬أيش هو دراهم من السماء? قال‪ :‬سميتم جواريكم دنانير‪ ،‬فسمينا جوارينا بدراهم‪ .‬ثم قال‪ :‬ما‬
‫هذا معك? قلت‪ :‬دفتر فيه شعر أبي سعد في البزاريات‪ ،‬فأخذه فنظر فيه وابنه علي بن دعبل بن علي معه‪ ،‬فلما بلغ من نظرة‬
‫‪:‬إلى شعره الذي يقول فيه‬
‫فهو مجم الهم خزانه قال له ابنه علي‪ :‬فما كان عليه با أبت لو قال في شعره‬ ‫‪:‬مالت إلى قلبك أحزانه‬
‫‪:‬عادت إلى قلبك أحزانه? فقال دعبل‪ :‬صدقت والله يا بني‪ ،‬أنت والله أشعر منه‪ ،‬قال‪ :‬ثم إنه أملي علي دعبل إملء‬
‫حتى أرى أحدا يهجوه ل أحـد‬ ‫ما كنت أحسب أن الدهر يمهلني‬
‫من المني بحور كيف ل يلـد‬ ‫?إني أعجب ممن في حقيبـتـه‬
‫فقد أراد قنا ليست لـه عـقـد ثم صرت إلى أبي سعد‪ ،‬فلما رآني من بعيد‬ ‫فإن سمعت به بعت القنا عبثـا‬
‫قال‪ :‬يا أحمد‪ ،‬من أين أقبلت? قلت‪ :‬من عند دعبل‪ .‬قال‪ :‬وما دعبلت عنده? فأنشدته شعر دعبل فيه‪ ،‬وأخبرته بما قال ابنه في‬
‫‪:‬شعره‪ ،‬فقال‪ :‬صدق والله‪ ،‬في أي سن هو? قلت‪ :‬قد بلغ‪ ،‬فدعا بدواة وقرطاس وقال‪ :‬اكتب فكتبت‬
‫والماء من فضة ل ساد من بخل‬ ‫ل والذي خلق الصهباء من ذهب‬
‫ولو أصاب ثيابي دعبل حـبـل‬ ‫يقول لي دعبل في بطنه حـبـل‬
‫لو كان أسفله من خلفه رجـل قال‪ :‬ثم هجاني أبو سعد‪ ،‬فقال‬ ‫‪:‬ودعبل رجل ما شئت من رجـل‬
‫شريك في الصبوح وفي الغبوق‬ ‫عدو راح في ثـوبـي صـديق‬
‫وباطنه ابـن زانـية عـتـيق‬ ‫له وجهان ظاهـره ابـن عـم‬
‫كذاك يكون أبنـاء الـطـريق يخاف بنو مخزوم هجاءه فينفون المخزومي عنهم‪:‬‬ ‫يسرك معلـنـا ويسـوء سـرا‬
‫أخبرني عمي والحسن بن علي قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال‪ :‬حدثنا أبو ناجية ‪-‬شيخ من ولد زهير بن أبي‬
‫سلمى‪ -‬قال‪ :‬حضرت بني مخزوم وهم ببغداد‪ ،‬وقد اجتمعوا على أبي سعد لما لج الهجاء بينه وبين دعبل‪ ،‬وقد خافوا لسان‬
‫دعبل‪ ،‬وأن يقطعهم ويهجوهم هجاء يعمهم جميعا‪ ،‬فكتبوا عليه كتابا‪ ،‬وأشهدوا أنه ليس منهم‪ .‬فحدثني غير واحد أنه أتى حينئذ‬
‫‪.‬بخاتمة النقاش‪ ،‬فنقش عليه‪ :‬أبو سعد العبد ابن العبد بري من بني مخزوم تهاونا بما فعلوه‬
‫المخزومي يحرض المأمون عليه فل يستجيب له‪ :‬أخبرني علي بن سليمان الخفش قال‪ :‬حدثني محمد بن يزيد قال‪ :‬كان أبو‬
‫سعد المخزومي قد كان يستعلي على دعبل في أول أمره‪ ،‬وكان يدخل إلى المأمون فينشده هجاء دعبل له وللخلفاء‪ ،‬ويحرضه‬
‫‪.‬عليه وينشده جوابه ‪ ،‬فلم يجد عند المأمون ما أراده فيه‬
‫يعترض ابن أبي الشيص بينهما‪ ،‬ويهجو المخزومي‪ :‬وكان يقول‪ :‬الحق في يدك والباطل في يد غيرك‪ ،‬والقول لك ممكن‪ ،‬فقل‬
‫ما يكذبه ‪ ،‬فأما القتل فإني لست أستعمله فيمن أعظم ذنبه‪ ،‬أفأستعمله في شاعر فاعترض بينهما ابن أبي الشيص‪ ،‬فقال‬
‫‪:‬يهجو أبا سعد‬
‫أنا بشرت أبا سعد فأعطاني البشاره‬

‫صفحة ‪2258 :‬‬

‫أمــس فـــي دار المـــاره‬ ‫بأب صـــيد لـــه بـــــال‬


‫وهـــو يوم مـــن فـــزاره‬ ‫فهـو يومـا مـــن تـــمـــيم‬
‫كل يوم لبي سعد على النساب غاره‬
‫فادعــاهـــا بـــالشـــاره قال‪ :‬وقال فيه ابن أبي الشيص أيضا‬ ‫‪:‬خزمت مخزوم فاه‬
‫س والـمـفـروض مـن صـومــك‬ ‫أبـا سـعـد بـحـــق الـــخـــم‬
‫?أقلت الحق في النسبة أم تحلم في نومك‬
‫ر مـمـن أنـت فـي قــومـــك‬ ‫?ابن لي أيها المعرور‬
‫فولى قائل لو شئت قد أقصرت من لومك‬
‫إذا لــم أك مـــن قـــومـــك من هجائه في المخزومي‪ :‬وقال فيه دعبل‬ ‫‪:‬ودعني أك من شئت‬
‫يعرف بالكنية ل الوالـد‬ ‫إن أبا سعد فتى شـاعـر‬
‫ضل عن المنشود والناشد‬ ‫ينشد في حي معـد أبـا‬
‫أرشد مفقودا إلى فاقـد يغري الصبان أن يصيحوا بهجائه في المخزومي‪ :‬أخبرني‬ ‫فرحمة الله على مسـلـم‬
‫الحسن بن علي قال‪ :‬حدثنا ابن مهرويه قال‪ :‬حدثني أحمد بن عثمان الطبري قال‪ :‬سمعت دعبل بن علي يقول‪ :‬لما هاجيت أبا‬
‫‪:‬سعد أخذت معي جوزا ودعوت الصبيان فأعطيتهم منه‪ ،‬وقلت لهم‪ :‬صيحوا به قائلين‬
‫زاني الخت والمره فصاحوا به‪ ،‬فغلبته‬ ‫‪.‬يا أبا سعد قوصـره‬
‫تحريض آخر للمأمون عليه‪ :‬أخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال حدثني ابن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أحمد بن مروان قال‪ :‬حدثني أبو‬
‫‪:‬سعد المخزومي واسمه عيسى بن خالد بن الوليد قال‪ :‬أنشدت المأمون قصيدتي الدالية التي رددت فيها على دعبل قوله‬
‫أو ما أرى بالمس رأس محمد وأول قصيدتي‬ ‫‪:‬ويسومني المأمون خطة عاجـز‬
‫والنائبات من النام بمرصـد ثم قلت‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬ائذن لي أن أجيئك‬ ‫أخذ المشيب من الشباب الغيد‬
‫‪.‬برأسه‪ .‬قال‪ :‬ل‪ ،‬هذا رجل فخر علينا فافخر عليه كما فخر علينا‪ ،‬فأما قتله بل حجة فل‬
‫يذكر هجائه للمخزومي فيه وقد رأي وجهه في المرآة‪ :‬أخبرني عمي والحسن بن علي عن أحمد بن أبي طاهر قال‪ :‬حدثني أبو‬
‫السري عمرو الشيباني قال‪ :‬نظر دعبل يوما في المرآة‪ ،‬فجعل يضحك‪ ،‬وكانت في عنفقته سلعة ‪ ،‬فقلت له‪ :‬من أي شيء‬
‫‪:‬تضحك? قال‪ :‬نظرت إلى وجهي في المرآة‪ ،‬ورأيت هذه السلعة التي في عنفقتي‪ ،‬فذكرت قول الفاجر أبي سعد‬
‫ظلمت أباه فلم ينتصر ينشده منشد قصيدة للمخزومي فيه‪ :‬أخبرني محمد بن عمران‬ ‫وسلعة سوء به سلعة‬
‫الصيرفي قال‪ :‬حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال‪ :‬قال عبد الله بن الحسن بن أحمد مولى عمر بن عبد العزيز قال‪ :‬حدثنا‬
‫محمد بن علي الطالبي قال‪ :‬لقيت دعبل بن علي‪ ،‬فحدثني أن أبا عمرو الشيباني سأله‪ :‬ما هو دعبل? فقلت له‪ :‬ل أدري‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫إنها الناقة المسنة‪ .‬قال محمد بن علي الطالبي‪ :‬ثم تحدثنا ساعة‪ ،‬فقلت‪ :‬أما ترى لبي سعد يا أبا علي وانهماكه في هجائك?‬
‫‪:‬فقال دعبل‪ :‬لكني لم أقل فيه إل أبياتا سخيفة يلعب بها الصبان والماء‪ ،‬وأنشدني قوله فيه‬
‫زاني الخت والمره‬ ‫يا أبا سعد قـوصـره‬
‫خلته عقد قنـطـره‬ ‫لو تراه مـحـنـبـا‬
‫قلت ساق بمقطـره قال محمد‪ ،‬فقلت لدعبل‪ :‬دع عنك ذا‪ ،‬فقد والله أوجعك الرجل‪،‬‬ ‫أو ترى الير في استه‬
‫فإذا أجبته بجواب مثله انتصفت‪ ،‬وإل فإن هذا اللو الذي فخرت به يسقط وتفضح آخر الدهر‪ ،‬قال‪ :‬ثم أنشدته قول أبي سعد فيه‬
‫‪:‬‬
‫ول المنازل من خيف ول سنـد‬ ‫لم يبق لي لذة مـن طـية بـدد‬
‫يا ليت ما عاد منها اليوم لم يعد‬ ‫أبعد خمسين عادت جاهـلـيتـه‬
‫كر الجديدان في أيامه الـجـدد‬ ‫وما تريد عيون العين من رجـل‬
‫ولو أطاع مشيب الرأس لم يجد‬ ‫أبدى سرائره وجـدا بـغـانـية‬
‫لم يبق منها سوى الري والوتد‬ ‫واستمطرت عبرات العين منزلة‬
‫إل الخواضب من خيطانها الربد‬ ‫وما بكاؤك دارا ل أنيس بـهـا‬
‫لو باد لؤم بني قحطا لـم يبـد‬ ‫لدعبل وطر في كل فـاحـشة‬
‫طارت بهن شياطيني إلى بلـد‬ ‫ولي قواف إذا أنزلتهـا بـلـدا‬
‫فاحذر شأبيبها إن كنت من أحد‬ ‫لم ينج من خيرها أو شرها أحد‬

‫صفحة ‪2259 :‬‬

‫في ظلمة القبر بين الهام والصرد‬ ‫إن الطرماح نالته صواعـقـهـا‬
‫فابعد وجهدك أن تنجو على البعد‬ ‫وأنت أولى بها إذ كنـت وارثـه‬
‫وتنتمي في أناس حاكة الـبـرد‬ ‫تهجو نزارا وترعى في أرومتهـا‬
‫سقيته سم حـياتـي فـلـم يعـد‬ ‫إني إذا رجل دبـت عـقـاربـه‬
‫ومن يزيد إذا ما نحن لـم نـزد‬ ‫?زدني أزدك هوانا أنت موضعـه‬
‫لكان حظك منـه حـظ مـتـئد‬ ‫لو كنت متئدا فيمـا تـلـفـقـه‬
‫من المكارم قلنا‪ :‬طول معتـمـد‬ ‫أو كنت معتمدا منه عـلـى ثـقة‬
‫بل ولي ول مولى ول عـضـد‬ ‫لقد تقلت أمـرا لـسـت نـائلـه‬
‫بياض بطنك من لؤم ومن نـكـد‬ ‫وقد رميت بياض الشمس تحسبـه‬
‫واقعد فإنك نومان من الـقـعـد‬ ‫ل توعدني بقوم أنت ناصـرهـم‬
‫قضية من قضايا الواحد الصمـد قال‪ ،‬فلما أنشدتها دعبل‪ ،‬قال‪ :‬أنا أشتمه وهو‬ ‫لله معتصم بالـلـه‪ ،‬طـاعـتـه‬
‫‪:‬يشتمني‪ ،‬فما إدخال المعتصم بيننا? وشق ذلك عليه وخافه‪ ،‬ثم قال نقيض هذه القصيدة‬
‫‪.‬منازل الحي من غمدان فالنضد وهي طويلة مشهورة في شعره‪ ،‬هكذا قال العنزي في الخبر‪ ،‬ولم يأت بها‬
‫يمر بأبي سعيد على جسر ببغداد فيشتمه‪ :‬حدثنا محمد قال‪ :‬حدثنا العنزي قال‪ :‬حدثني عبد الله بن الحسين عن محمد بن علي‬
‫الطالبي قال‪ :‬عبر دعبل الجسر ببغداد‪ ،‬وأو سعد واقف على دابته عند الجسر‪ ،‬وعليه ثوب صوف مشبه بالخز مصبوغ‪ ،‬فضرب‬
‫‪.‬دعبل بيده على فخذه‪ ،‬وقال‪ :‬دعي على دعي‬
‫حديث بين عبد الله بن طاهر والضبي عن نسبه‪ :‬أخبرني محمد بن جعفر الصيدلني صهر المبرد قال‪ :‬حدثني محمد بن موسى‬
‫الضبي راوية العتابي‪ ،‬وكان نديما لعبد الله بن طاهر قال‪ :‬بينما هو ذات ليلة يذاكرنا بالدب وأهله وشعراء الجاهلية والسلم إذ‬
‫بلغ إلى ذكر المحدثين حتى انتهى إلى ذكر دعبل‪ ،‬فقال‪ :‬ويحك يا ضبي‪ ،‬إني أريد أن أحدثك بشيء على أن تستره طول حياتي‪،‬‬
‫فقلت له‪ :‬أصلحك الله أنا عندك في موضع ظنة? قال‪ :‬ل‪ ،‬ولكن أطيب لنفسي أن توثق لي باليمان لركن إليها‪ ،‬ويسكن قلبي‬
‫‪.‬عندها‪ ،‬فأحدثك حينئذ‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬إن كنت عند المير في هذه الحال فل حاجة به إلى إفشاء سره إلي‪ ،‬واستعفيته مرارا فلم يعفني‪ ،‬فاستحييت من‬
‫مراجعته‪ ،‬وقلت‪ :‬فلير المير رأيه‪ .‬فقال لي‪ :‬يا ضبي‪ ،‬قل‪ :‬والله‪ .‬قلت‪ :‬والله‪ ،‬فأمرها علي غموسا مؤكدة بالبيعة والطلق وكل‬
‫ما يحلف به مسلم‪ .‬ثم قال‪ :‬أشعرت أن دعبل مدخول النسب? وأمسك‪ ،‬فقلت‪ :‬أعز الله المير‪ ،‬أفي هذا أخذت العهود‬
‫والمواثيق وملغظ اليمان? قال‪ :‬إي والله‪ ،‬فقلت‪ :‬ولم? قال‪ :‬لني رجل لي في نفسي حاجة‪ ،‬ودعبل رجل قد حمل نفسه على‬
‫المهالك‪ ،‬وحمل جذعه على عنقه‪ ،‬فليس يجد من يصلبه عليه‪ ،‬وأخاف إن بلغه أن يقول في ما يبقى علي عاره على الدهر‪،‬‬
‫وقصاراي إن ظفرت به وأسلمته اليمن ‪-‬وما أراها تفعل؛ لنه اليوم لسانها وشاعرها والذاب عنها والمحامي لها والمرامي دونها‪-‬‬
‫‪.‬فأضربه مائة سوط‪ ،‬وأثقله حديدا‪ ،‬وأصيره في مطبق باب الشام‬
‫وليس في ذلك عوض مما سار في من الهجاء وفي عقبي من بعدي‪ .‬فقلت‪ :‬ما أراه يفعل ويقدم عليك‪ .‬فقال لي‪ :‬يا عاجز‪،‬‬
‫أهون عليه مما لم يكن‪ .‬أتراه أقدم على الرشيد والمين والمأمون وعلى أبي ول يقدم علي? فقلت‪ :‬فإذا كان المر كذا فقد‬
‫‪.‬وفق المير فيما أخذه علي‬
‫قال‪ :‬وكان دعبل صديقا لي‪ ،‬فقلت‪ :‬هذا شيء قد عرفته‪ ،‬فمن أين? قال المير‪ :‬إنه مدخول النسب وهو في البيت الرفيع من‬
‫خزاعة‪ ،‬ل يتقدمهم غير بني أهبان مكلم الذئب‪ .‬فقال‪ :‬أسمع أنه كان أيام ترعرع خامل ل يؤبه له‪ ،‬وكان ينام هو ومسلم بن‬
‫‪:‬الوليد في إزار واحد‪ ،‬ل يملكان غيره‪ .‬ومسلم أستاذه وهو غلم أمرد يخدمه‪ ،‬ودعبل حينئذ ل يقول شعرا يفكر فيه حتى قال‬
‫ضحك المشيب برأسه فبكى بداية اشتهاره وطلب الرشيد أن يلزمه‬ ‫‪:‬ل تعجبني يا سلم من رجـل‬

‫صفحة ‪2260 :‬‬

‫وغنى فيه بعض المغنين وشاع‪ ،‬فغني به بين يدي الرشيد‪ ،‬إما ابن جامع أو ابن المكي‪ ،‬فطرب الرشيد‪ ،‬وسأل عن قائل‬
‫الشعر‪ ،‬فقيل له‪ :‬دعبل بن علي‪ ،‬وهو غلم نشأ من خزاعة‪ .‬فأمر بإحضار عشرة آلف درهم وخلعة من ثيابه‪ ،‬فأحضر ذلك‪،‬‬
‫فدفعه مع مركب من مراكبه إلى خادم من خاصيته‪ ،‬وقال له‪ :‬اذهب بهذا إلى خزاعة فاسأل عن دعبل بن علي‪ ،‬فإذا دللت عليه‬
‫فأعطه هذا‪ ،‬وقل له‪ :‬ليحضر إن شاء‪ ،‬وإن لم يجب ذلك فدعه‪ .‬وأمر للمغني بجائزة‪ ،‬فسار الغلم إلى دعبل‪ ،‬وأعطاه الجائزة‪،‬‬
‫‪.‬وأشار عليه بالمسير إليه‬
‫فلما دخل عليه وسلم أمره بالجلوس فجلس‪ ،‬واستنشده الشعر فأنشده إياه‪ ،‬فاستحسنه وأمره بملزمته وأجرى عليه رزقا‬
‫‪.‬سنيا‪ ،‬فكان أول من حرضه على قول الشعر‬
‫يبلغه موت الرشيد فيهجوه‪ :‬فوالله ما بلغه أن الرشيد مات حتى كافأه على ما فعله‪ :‬من العطاء السني‪ ،‬والغنى بعد الفقر‪،‬‬
‫‪:‬والرفعة بعد الخمول بأقبح مكافأة‪ .‬وقال فيه من قصيدة مدح بها أهل البيت عليهم السلم‪ ،‬وهجا الرشيد‬
‫من ذي يمان ومن بكر ومن مضـر‬ ‫وليس حي من الحـياء نـعـلـمـه‬
‫كما تشارك أيسـار عـلـى جـزر‬ ‫إل وهـم شـركـاء فـي دمـائهـم‬
‫فعل الغزاة بأرض الروم والـخـزر‬ ‫قتل وأسـر وتـحـريق ومـنـهـبة‬
‫ول أرى لبني العبـاس مـن عـذر‬ ‫أرى أمية مـعـذورين إن قـتـلـوا‬
‫ما كنت تربع من دين علـى وطـر‬ ‫أربع بطوس على القبر الـزكـي إذا‬
‫وقبر شرهم هـذا مـن الـعـبـر‬ ‫قبران في طوس خير الناس كلـهـم‬
‫على الزكي بقرب الرجس من ضرر‬ ‫ما ينفع الرجس من قرب الزكـي ول‬
‫له يداه فـخـذ مـا شـئت أو فـذر ‪-‬يعني قبر الرشيد وقبر الرضا عليه‬ ‫هيهات كل امرئ رهن بما كسـبـت‬
‫‪.‬السلم‪ ،‬فهذه واحدة‬
‫يدس إلى المأمون شعر له فيصفح عنه ويستقدمه‪ :‬وأما الثانية فإن المأمون لم يزل يطلبه وهو طائر على وجهه حتى دس إليه‬
‫‪:‬قوله‬
‫طمسن ريعان الشباب الرائق‬ ‫علم وتحكيم وشيب مـفـارق‬
‫كانت اللذات أشغـب عـائق‬ ‫وإمارة فـي دولة مـيمـونة‬
‫يرث الخلفة فاسق عن فاسق‬ ‫أنى يكون وليس ذاك بـكـائن‬
‫فلتصلحن من بعده لمخـارق فلما قرأها المأمون ضحك‪ ،‬وقال‪ :‬قد صفحت عن‬ ‫إن كان إبراهيم مضطلعا بهـا‬
‫‪.‬كل ما هجانا به إذا قرن إبراهيم بمخارق في الخلفة‪ ،‬ووله عهده‬
‫وكتب إلى أبي أن يكاتبه بالمان‪ ،‬ويحمل إليه مال‪ .‬وإن شاء أن يقيم عنده أو يصير إلى حيث شاء فليفعل‪ .‬فكتب إليه أبي‬
‫بذلك‪ ،‬وكان واثقا به‪ ،‬فصار إليه‪ ،‬فحمله وخلع عليه‪ ،‬وأجازه وأعطاه المال‪ ،‬وأشار عليه بقصد المأمون ففعل‪ .‬فلما دخل وسلم‬
‫‪:‬عليه تبسم في وجهه‪ ،‬ثم قال أنشدني‬
‫ومنزل وحي مقفر العرصات فجزع‪ ،‬فقال له‪ :‬لك المان ل خف‪ ،‬وقد رويتها‬ ‫مدارس آيات خلت من تـلوة‬
‫ولكني أحب سماعها من فيك‪ ،‬فأنشده إياها إلى آخرها والمأمون يبكي حتى أخضل لحيته بدمعه‪ ،‬فوالله ما شعرنا به إل وقد‬
‫‪.‬شاعت له أبيات يهجو بها المأمون بعد إحسانه إليه وأنسه به حتى كان أول داخل‪ ،‬وآخر خارج من عنده‬
‫يستدعيه بعض بني هاشم ثم ل يرضيه فيهجوه‪ :‬أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال‪ :‬حدثني أبو بكر العامري‪ ،‬قال‪?:‬‬
‫استدعى بعض بني هاشم دعبل وهو يتولى للمعتصم ناحية من نواحي الشام‪ ،‬فقصده إليها‪ ،‬فلم يقع منه بحيث ظن وجفاه‪،‬‬
‫‪:‬فكتب إليه دعبل‬
‫متلطم من حومة الغرق‬ ‫دليتني بغرور وعدك فـي‬
‫شهر انتقاصك شهرة البلق‬ ‫حتى إذا شمت العدو وقـد‬
‫صاف وحبلك غير منحذق‬ ‫أنشأت تحلف أن ودك لـي‬
‫فوظئتني وطئا على حنق‬ ‫وحسبتني فقعا بقـرقـرة‬
‫ترميني العداء بالحـدق‬ ‫ونصبتني علما على غرض‬
‫عني وأرض الله لم تضق‬ ‫وظننت أرض الله ضـيقة‬
‫مني بوعدك حين قلت‪ :‬ثق‬ ‫من غير ما جرم سوى ثقة‬
‫نفسي بل من ول مـلـق‬ ‫ومودة تحنو علـيك بـهـا‬
‫فاشدد بها قفل على غلق‬ ‫فمتى سألتك حـاجة أبـدا‬

‫صفحة ‪2261 :‬‬

‫هار فبعه بـيعة الـخـلـق‬ ‫وقف الخاء على شفى جرف‬


‫فاشدد يدي بها إلى عنـقـي‬ ‫وأعدلي قـفـل وجـامـعة‬
‫واسدد علي مذاهب الفـق‬ ‫أعفيك مما ل تحـب بـهـا‬
‫وأدلني بمسالـك الـطـرق ?يتهم بشتم بنت عبد المطلب فيهرب وينكر التهمة‪:‬‬ ‫ما أطول الدنيا وأعرضـهـا‬
‫أخبرني الحسن بن علي قال‪ :‬حدثنا ابن مهرويه قال‪ :‬حدثني أبي قال‪ :‬قدم دعبل الدينور ‪ ،‬فجرى بينه وبين رجل من ولد الزبير‬
‫بن العوام كلم وعربدة على النبيذ‪ ،‬فاستعدى علي عمرو بن حميد القاضي‪ ،‬وقال‪ :‬شتم بنت عبد المطلب‪ ،‬واجتمع عليه‬
‫الغوغاء‪ ،‬فهرب دعبل‪ ،‬وبعث القاضي إلى دار دعبل فوكل بها وختم بابه‪ ،‬فوجه إليه برقعة فيها‪ :‬ما رأيت قط أجهل منك إل من‬
‫ولك‪ ،‬فأنه أجهل‪ ،‬يقضي في العربدة على النبيذ‪ ،‬ويحكم على خصم غائب‪ ،‬ويقبل عقلك أني رافضي شتم صفية بنت عبد‬
‫المطلب‪ .‬سخنت عينك‪ ،‬أفمن دين الرافضة شتم صفية??? قال أبي‪ :‬فسألني الزبيري القاضي عن هذا الحديث فحدثته‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫‪.‬صدق والله دعبل في قوله‪ ،‬لو كنت مكانه لوصلته وبررته‬
‫يغري متنسكا فيعود إلى الندماء يسمع الغناء ول يشرب النبيذ‪ :‬أخبرني الحسن بن علي قال‪ :‬حدثنا ابن مهرويه قال‪ :‬حدثني‬
‫إبراهيم بن سهل القارئ قال حدثني دعبل قال‪ :‬كتبت إلى أبي نهشل بن حميد‪ ،‬وقد كان نسك وترك شرب النبيذ‪ ،‬ولزم دار‬
‫‪:‬الحرم‬
‫إنما العيش في منادمة الخوان ل في الجلوس عند الكعاب‬
‫ق إذا اسـتـعـرضـت رقـيق الــســـحـــاب‬ ‫وبصرف كأنها ألسن البر‬
‫إن تكونوا تركتم لذة العيش حذار العقاب يوم الـعـقـاب‬
‫وادفـعـوا بـي فـي نـحـر يوم الـحـــســـاب قال‪ :‬فكان بعد ذلك يدعوني وسائر‬ ‫فدعوني وما ألذ وأهوى‬
‫‪.‬ندمائي‪ ،‬فنشرب بين يديه‪ ،‬ويستمع الغناء‪ ،‬ويقتصر على النس والحديث‬
‫يشترك في نظم قصيدة نصفها له ونصفها الخر لبراهيم بن العباس‪ :‬أخبرني الحسن قال‪ :‬حدثنا ابن مهرويه قال‪ :‬حدثنا‬
‫إبراهيم بن المدبر قال‪ :‬كنت أنا وإبراهيم بن العباس رفيقين نتكسب بالشعر قال‪ :‬وأنشدني قصيدة دعبل في المطلب بن عبد‬
‫‪:‬الله‬
‫سمام الفاعلي ومستقبل قال‪ ،‬وقال لي دعبل‪ :‬نصفها لبراهيم بن العباس‪ ،‬كنت‬ ‫أمطلب أنت مستعـذب‬
‫‪.‬أقول مصراعا فيجيزه‪ ،‬ويقول هو مصراعا فأجيزه‬
‫يهجو مالك بن طوق لنه لم يرص ثوابه‪ :‬قال ابن مهرويه‪ :‬وحدثني إبراهيم بن المدبر أن دعبل قصد مالك بن طوق ومدحه‪،‬‬
‫‪:‬فلم يرض ثوابه‪ ،‬فخرج عنه وقال فيه‬
‫لو قتلوا أو جرحوا قصره‬ ‫إن ابن طوق وبني تغلـب‬
‫يوما ول من أرشهم بعره‬ ‫لم يأخذوا من دية درهمـا‬
‫مطلولة مثل دم العـذره‬ ‫دماؤهم ليس لها طـالـب‬
‫سود وفي آذانهم صفـرة يمدح عبد الله بن طاهر فيجيزه‪ :‬حدثنا محمد بن عمران‬ ‫وجوههم بيض وأحسابهـم‬
‫الصيرفي قال‪ :‬حدثني العنزي قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن الحسن قال‪ :‬حدثني عمر بن عبد الله أبو حفص النحوي مؤدب آل طاهر‬
‫‪:‬قال‪ :‬دخل دعبل بن علي على عبد الله بن طاهر‪ ،‬فأنشده وهو ببغداد‬
‫إليك إل بـحـرمة الدب‬ ‫جئت بل حرمة ول سبـب‬
‫غير ملح عليك في الطلب قال فانتعل عبد الله‪ ،‬ودخل إلى الحرم‪ ،‬ووجه إلى بصرة‬ ‫فاقض ذمامي فإنني رجل‬
‫‪:‬فيها الف درهم‪ ،‬وكتب إليه‬
‫ولو انتظرت كثيرة لم يقلل‬ ‫أعجلتنا فأتاك عاجل بـرنـا‬
‫ونكون نحن كأننا لم نفعـل يهجو مالك بن طوق فيطلبه فيهرب إلى البصرة‪:‬‬ ‫فخذ القليل وكن كأنك لم تسل‬
‫أخبرني أحمد بن عاصم الحلواني قال‪ :‬حدثنا أبو بكر المدائني قال‪ :‬حدثنا أبو طالب الجعفري ومحمد بن أمية الشاعر جميعا‬
‫‪:‬قال‪ :‬هجا دعبل بن علي مالك بن طوق قال‬
‫في نازح الرضين والدانيه‬ ‫سألت عنكم يا بني مـالـك‬
‫حتى إذا قلت بني الزانـية‬ ‫طرا فلم تعرف لكن نسـبة‬
‫وتلك ها دارهـم ثـانـيه‬ ‫قالوا فدع دارا على يمـنة‬
‫من قـال أمـك زانــيه وقال أيضا فيه‬ ‫‪:‬ل حـد أخـشـاه عـلـى‬
‫يا زاني ابن الزان ابن الزان ابن الزانية‬
‫ء عـلـى الـسـنـين الـخـالــية‬ ‫أنت المردد في الزنا‬

‫صفحة ‪2262 :‬‬

‫كر السنين الباقية وبلغت البيات مالكا‪ ،‬فطلبه‪ ،‬فعرب فأتي البصرة وعليها إسحاق بن‬ ‫ومردد فيه علـى‬
‫‪.‬العباس بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب‪ ،‬وكان بلغه هجاء دعبل وابن أبي عيينة نزارا‬
‫‪.‬فأما ابن أبي عيينة فإنه هرب منه فلم يظهر بالبصرة طوال أيامه‬
‫يقبض عليه والي البصرة فيعفيه من القتل ويشهره‪ :‬وأما دعبل فإنه حين دخل البصرة بعث فقبض عليه‪ ،‬ودعا بالنطع والسيف‬
‫ليصرب عنقه‪ ،‬فجحد القصيدة وحلف بالطلق على جحدها وبكل يمين تبرئ من الدم أنه لم يقلها وأن عدوا له قالها‪ ،‬إما أبو‬
‫سعد المخزومي أو غيره ونسبها غليه ليغري بدمه‪ ،‬وجعل يتضرع إليه ويقبل الرض ويبكي بين يديه‪ ،‬فرق له‪ ،‬فقال‪ :‬أما إذا‬
‫أعفيتك من القتل فل بد من أن أشهرك‪ ،‬ثم دعا بالعصا فضربه حتى سلح‪ ،‬وأمر به فألقي على قفاه‪ ،‬وفتح فمه فرد سلحه فيه‬
‫والمقارع تأخذ رجليه‪ ،‬وهو يحلف أل يكف عنه حتى يستوفيه ويبلعه أو يقتله‪ .‬فما رفعت عنه حتى بلع سلحه كله‪ ،‬ثم خله‪،‬‬
‫‪.‬فهرب إلى الهواز‬
‫بعث مالك بن طوق رجل فاغتاله بأرض السوس‪ :‬وبعث مالك بن طوق رجل حصيفا مقداما‪ ،‬وأعطاه سما وأمره أن يغتاله كيف‬
‫شاء‪ ،‬وأعطاه على ذلك عشرة آلف درهم‪ ،‬لم يزل يطلبه حتى وجده في قرية من نواحي السوس‪ ،‬فاغتاله في وقت من‬
‫‪.‬الوقات بعد صلة العتمة‪ ،‬فضرب ظهر قدمه بعكاز له زج مسموم فمات من غد‪ ،‬ودفن بتلك القرية‬
‫‪.‬وقيل بل حمل إلى السوس‪ ،‬فدفن فيها‬
‫طلب والي البصرة أن ينقض شاعر هجاءه هو وابن أبي عيينة لنزار‪ :‬وأمر إسحاق بن العباس شاعرا يقال له‪ :‬الحسن بن زيد‬
‫‪:‬ويكنى أبا الدلفاء‪ ،‬فنقض قصيدتي دعبل وابن أبي عيينة بقصيدة أولها‬
‫تحب البيض تعصي العاذلينا يهجو بها قبائل اليمن‪ ،‬ويذكر مثالبهم‪ ،‬وأمره بتفسير ما‬ ‫أما تنفك متبـول حـزينـا‬
‫‪.‬نظمه‪ ،‬وذكر اليام والحوال‪ ،‬ففعل ذلك وسماها الدامغة‪ ،‬وهي إلى اليوم موجودة‬

‫صوت‬

‫أسأت إذا وأنت له ظلوم‬ ‫أتهجر من تحب بغير جرم‬


‫لعمرك ما تؤرقك الهموم الشعر لجعيفران الموسوس‪ ،‬أنشدنيه عمي عن عبد الله‬ ‫تؤرقني الهموم وأنت خلو‬
‫عثمان الكاتب عن أبيه عن جده ‪ ،‬وأنشد فيه جحظة عن خالد الكاتب له‪ ،‬وأنشدنيه ابن الوشاء عن بعض شيوخه عن سلمة‬
‫النحوي له‪ .‬ووجدته في بعض الكتب منسوبا إلى أم الضحاك المحاربية‪ ،‬والقول الول أصح‪ .‬والغناء لبن أبي قباحة‪ ،‬ثاني ثقيل‬
‫بالوسطى في مجرى البنصر‪ .‬وفي أبيات أخر من شعر جعيفران غناء‪ ،‬فإن لم يصح هذا له فالغناء له في أشعاره الخر صحيح‪،‬‬
‫‪:‬منها‬
‫كل امرئ يشبهه فعلـه‬ ‫ما يفعل المرء فهو أهله‬
‫سكتنا عن ذمـه بـذلـه الشعر لجعيفران‪ ،‬والغناء لمتيم‪ ،‬ومما وجدته من الشعر‬ ‫ول ترى أعجز من عاجز‬
‫‪:‬المنسوب إليه في جامعة وفيه له غناء‬
‫وتفر صاحبة الشنوف وألحق‬ ‫قلبي بصاحبة الشنوف معلق‬
‫أخبار جعيفران ونسبه‬
‫نسبه ونشأته‪ :‬هو جعيفران بن علي بن أصفر بن السري بن عبد الرحمن البناوي‪ ،‬من ساكني سر من رأى‪ ،‬ومولده ومنشؤه‬
‫‪.‬ببغداد‪ .‬وكان من أبناء الجند الخراسانية‪ ،‬وكان يتشيع‪ ،‬ويكثر لقاء أبي الحسن علي بن موسى بن جعفر‬
‫‪.‬كان شاعرا مطبوعا ثم اختلط‪ :‬أخبرني بذلك أبو الحسن علي بن العباس بن أبي طلحة الكاتب عن أبيه وأهله‬
‫وكان جعيفران أديبا شاعرا مطبوعا‪ ،‬وغلبت عليه المرة السوداء‪ ،‬فاختلط وبطل في أكثر أوقاته ومعظم أحواله‪ ،‬ثم كان إذا‬
‫‪.‬أفاق ثاب إليه عقله وطبعه‪ ،‬فقال الشعر الجيد‪ .‬وكان أهله يزعمون أنه من العجم ولد أذين‬
‫خالف أباه إلى جارية له فطرده‪ :‬فأخبرني الحسن بن علي الخفاف قال‪ :‬حدثني محمد بن مهرية قال‪ :‬حدثني علي بن سليمان‬
‫النوفلي قال‪ :‬حدثني صالح بن عطية قال‪ :‬كان لجعيفران الموسوس قبل أن يختلط عقله أب يقال له‪ :‬علي بن أصفر‪ ،‬وكان‬
‫‪.‬دهقان الكرخ ببغداد‪ ،‬وكان يتشيع‪ ،‬فظهر على ابنه جعيفران أنه خالفه إلى جارية له سرية‪ ،‬فطرده عن داره‬
‫يشكوه أبوه إلى موسى بن جعفر فيأمره بإخراجه من ميراثه‪ :‬وحج فشكا ذلك إلى موسى بن جعفر‪ ،‬فقال له موسى‪ :‬إن كنت‬
‫صادقا عليه فليس يموت حتى يفقد عقله‪ ،‬وإن كنت قد تحققت ذلك عليه فل تساكنه في منزلك‪ ،‬ول تطعمه شيئا من مالك في‬
‫‪.‬حياتك‪ ،‬وأخرجه عن ميراثك بعد وفاتك‬

‫صفحة ‪2263 :‬‬

‫فقدم فطرده‪ ،‬وأخرجه من منزله‪ ،‬وسأل الفقهاء عن حيلة يشهد بها في ماله حتى يخرجه عن ميراثه‪ ،‬فدلوه على السبيل إلى‬
‫ذلك‪ ،‬فأشهد به‪ ،‬وأوصى إلى رجل‪ .‬فلما مات الرجل حاز ميراثه ومنع منه جعيفران‪ ،‬فاستعدى عليه أبا يوسف القاضي‪ ،‬فأحضر‬
‫‪.‬الوصي‬
‫وسأل جعيفران البينة على نسبه وتركة أبيه‪ ،‬فأقام على ذلك بينة عدة‪ ،‬وأحضر الوصي بينة عدول على الوصية يشهدون على‬
‫‪.‬أبيه ما كان احتال به عليه‬
‫فلم ير أبو يوسف ذلك شيئا‪ ،‬وعزم على أن يورثه‪ ،‬فدفعه الوصي عن ذلك مرات بعلل‪ .‬ثم عزم أبو يوسف على أن يسجل‬
‫لجعيفران بالمال‪ ،‬فقال له الوصي‪ :‬أيها القاضي‪ ،‬أنا أدفع هذا بحجة واحدة بقيت عندي‪ ،‬فأبى أبو يوسف أن يقبل منه‪ ،‬وجعل‬
‫جعيفران يحرج عليه‪ ،‬ويقول له‪ :‬قد ثبت عندك أمري‪ ،‬فبأي شيء تدافعني? وجعل الوصي يسأل أن يسمع منه منفردا‪ ،‬فيأبى‪،‬‬
‫ويقول‪ :‬ل أسمع منك إل بحضرة خصمك‪ .‬فقال له أجلني إلى غد‪ ،‬فأجله إلى منزله وكتب رقعة خبره فيها بحقيقة ما أفتى به‬
‫موسى بن جعفر‪ ،‬ودفعها إلى صديق لبي يوسف‪ ،‬فدفعها إليه‪ ،‬فلما قرأها دعا الوصي واستحلفه أنه قد صدق في ذلك‪ .‬فحلف‬
‫باليمين الغموس‪ .‬فقال له‪ :‬اغد على غدا مع صاحبك‪ ،‬فحضر وحضر جعيفران معه‪ ،‬فحكم عليه أبو يوسف للوصي‪ .‬فلما أمضى‬
‫‪.‬الحكم عليه وسوس جعيفران واختلط منذ يومئذ‬
‫وأخبرني بجمل أخباره المذكورة في هذا الكتاب علي بن العباس بن أبي طلحة الكاتب‪ ،‬عن شيوخ له أخذها عنهم وإجازات‬
‫‪.‬وجدتها في الكتب‪ ،‬ولم أر أخباره عند أحد أكثر مما وجدتها عنده إل ما أذكره عن غيره فأنسبه إليه‬
‫يقف بالرصافة على رجل وينشده شعرا‪ :‬قال علي بن العباس‪ :‬وذكر عبد الله بن عثمان الكاتب أن أباه عثمان بن محمد حدثه‬
‫‪:‬قال‪ :‬كنت يوما برصافة مدينة السلم جالسا إذ جاءني جعيفران وهو مغضب‪ ،‬فوقف علي وقال‬
‫‪:‬استوجب العالم مني القتل فقلت‪ :‬ولم يا أبا الفضل? فنظر إلي نظرة منكرة خفت منها‪ ،‬وقال‬
‫‪:‬لما شعرت فرأوني فحل ثم سكت هنيهة‪ ،‬وقال‬
‫إني مجنون فقدت العقل‬ ‫قالوا علي كذبا وبـطـل‬
‫أقبح بهذا الفعل منهم فعل ثم ذهب لينصرف‪ ،‬فخفت أن يؤذيه الصبيان‪ ،‬فقلت‪:‬‬ ‫قالوا المحال كذبا وجهـل‬
‫اصبر فديتك حتى أقوم معك؛ فإنك مغضب‪ ،‬وأكره أن تخرج على هذه الحال‪ .‬فرجع إلي‪ ،‬وقال‪ :‬سبحان الله‪ ،‬أتراني أنسبهم إلى‬
‫‪:‬الكذب والجهل‪ ،‬وأستقبح فعلهم‪ ،‬وتتخوف مني مكافأتهم ثم إنه ولى وهو يقول‬
‫ول مجازيه بفعـل فـعـل‬ ‫لست براض من جهول جهل‬
‫من يرد الخير يجده سـهـل ثم مضى‬ ‫‪.‬لكن أرى الصفح لنفسي فضل‬
‫رئي وحده يدور في دار طول ليلته وهو ينشده رجزا‪ :‬وقال علي بن العباس‪ ،‬وقال عثمان بن محمد ‪ :‬قال أبي‪ :‬كنت أشرف‬
‫‪:‬مرة من سطح لي على جعيفران وهو في دار وحده وقد اعتل‪ ،‬وتحركت عليه السوداء‪ ،‬فهو يدور في الدار طول ليلته‪ ،‬ويقول‬
‫نقر عنه لـذة الـنـعـاس‬ ‫طاف به طيف من الوسواس‬
‫ول يلذ عشرة الـجـلس‬ ‫فما يرى يأنـس بـالنـاس‬
‫‪.‬فهو غريب بين هذا الناس حتى أصبح وهو يرددها‪ ،‬ثم سقط كأنه بقلة ذابلة‬
‫يستجيب لنظم بيت بنصف درهم‪ :‬قال علي‪ :‬وحدثني علي بن رستم النحوي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني سلمة بن محارب قال‪ :‬مررت‬
‫ببغداد‪ ،‬فرأيت قوما مجتمعين على رجل‪ ،‬فقلت‪ :‬ما هذا? فقالوا‪ :‬جعيفران المجنون‪ ،‬فقلت‪ :‬قل بيتا بنصف درهم‪ .‬قال‪ :‬هاته‪،‬‬
‫‪:‬فأعطيته‪ ،‬فقال‬
‫كل هم إلى فرج ثم قال‪ :‬زد إن شئت حتى أزيدك‬ ‫‪.‬لج ذا الهم واعتلج‬
‫يصيح الصبيان خلفه وهو عريان‪ ،‬وينشد شعرا في جناية الفقر عليه‪ :‬قال علي‪ :‬وحدثني عبد الله بن عثمان‪ ،‬عن أبيه قال‪ :‬غاب‬
‫عنا جعيفران أياما ثم جاءنا والصبيان يشدون خلفه وهو عريان وهم يصيحون به‪ :‬يا جعيفران يا خرا في الدار‪ .‬فلما بلغ إلي‬
‫‪:‬وقف‪ ،‬وتفرقوا عنه فقال‪ :‬يا أبا عبد الله‬
‫بمجنون على حالي‬ ‫رأيت الناس يدعونني‬
‫ول وسواس بلبـال‬ ‫وما بي اليوم من جن‬
‫لفلسي وإقللـي‬ ‫ولكن قولهـم هـذا‬
‫رخيا ناعم الـبـال‬ ‫ولو كنت أخا وفـر‬
‫أحل المنزل العالي‬ ‫رأوني حسن العقـل‬

‫صفحة ‪2264 :‬‬

‫ولكن هيبة المال يدخله سيد داره فيطعمه ويسقيه‪ :‬قال‪ :‬فأدخلته منزلي‪ ،‬فأكل‪ ،‬وسقيته‬ ‫وما ذاك على خبر‬
‫‪:‬أقداحا‪ ،‬ثم قلت له‪ :‬تقدر على أن تغير تلك القافية? فقال‪ :‬نعم‪ ،‬ثم قال بديهة غير مفكر ول متوقف‬
‫ي أحـيانــا بـــوســـواس‬ ‫رأيت الــنـــاس يرمـــون‬
‫مقـال الـنـاس فـي الـنـاس‬ ‫?ومـن يضـبـــط يا صـــاح‬
‫ونـازع صـفـوة الـكـــاس‬ ‫فدع مـا قـالـه الـــنـــاس‬
‫فتى حرا صحيح الود ذا بر وإيناس‬
‫بأمـثـالـي وأجـنــاســـي‬ ‫فإن الخلق مغرور‬
‫أتـونـي بـين جـــلســـي‬ ‫ولـو كـنـت أخـــا مـــال‬
‫علـى الـعـينـين والـــراس‬ ‫يحـبـونـي ويحـبـــونـــي‬
‫ر أن الــذل إفـــلســـي يضيق به بعض مجالسيه ويفطن لذلك فيقول شعرا‪ :‬ثم‬ ‫ويدعـونـي عـــزيزا غـــي‬
‫قام يبول‪ ،‬فقال بعض من حضر‪ :‬أي شيء معنى عشرتنا هذا المجنون العريان? والله ما نأمنه وهو صاح‪ ،‬فكيف إذا سكر?‬
‫‪:‬وفطن جعيفران للمعنى‪ ،‬فخرج إلينا وهو يقول‬
‫إذ تـغـيبـت قــلـــيل‬ ‫ونـدامـي أكـلــونـــي‬
‫ن أرى الـعـرى جـمــيل‬ ‫زعـمـوا أنـي مـجـنــو‬
‫صر في الـنـاس مـثـيل‬ ‫?كيف ل أعـرى ومـــا أب‬
‫بي فـخـلـوا لـي سـبـيل‬ ‫إن يكـن قـد سـاءكـم قـر‬
‫وأتموا يومكم سركم الله طويل قال‪ :‬فرققنا له‪ ،‬واعتذرنا إليه‪ ،‬وقلنا له‪ :‬والله ما نلتذ إل بقربك‪ ،‬وأتيناه بثوب‪ ،‬فلبسه‪ ،‬وأتممنا‬
‫‪.‬يومنا ذلك معه‬
‫يحتكم إلى القاضي فيدفعه عن دعواه فيدعو عليه‪ :‬أخبرني جحظة قال‪ :‬حدثني ميمون بن هارون قال‪ :‬تقدم جعيفران إلى أبي‬
‫يوسف العور القاضي بسر من رأى في حكومة في شيء كان في يده من وقف له‪ ،‬فدفعه عنه‪ ،‬وقضى عليه‪ .‬فقال له‪ :‬أراني‬
‫‪.‬الله أيها القاضي عينيك سواء‪ ،‬فأمسك عنه‪ ،‬وأمر برده إلى داره‬
‫فلما رجع أطعمه ووهب له دراهم‪ ،‬ثم دعا به فقال له‪ :‬ماذا أردت بدعائك? أردت أن يرد الله على بصري ما ذهب? فقال له‪:‬‬
‫والله لئن كنت وهبت لي هذه الدراهم لسخر منك؛ لنت المجنون ل أنا‪ .‬أخبرني كم من أعور رأيته عمي? قال‪ :‬كثيرا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫‪.‬فهل رأيت أعور صح قط? قال‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬فكيف توهمت علي الغلط فضحك وصرفه‬
‫يمدح أبا دلف فيجزل له العطاء‪ :‬أخبرني محمد بن جعفر النحوي صهر المبرد قال‪ :‬حدثني أحمد بن القاسم البرتي قال‪ :‬حدثني‬
‫علي بن يوسف قال‪ :‬كنت عند أبي دلف القاسم بن عيسى العجلي فاستأذن عليه حاجبه لجعيفران الموسوس‪ ،‬فقال له‪ :‬أي‬
‫شيء أصنع بموسوس قد قضينا حقوق العقلء‪ ،‬وبقي علينا حقوق المجانين فقلت له‪ :‬جعلت فداء المير موسوس أفضل من‬
‫كثير من العقلء‪ ،‬وإن له لسانا يتقى وقول مأثورا يبقى‪ ،‬فالله الله أن تحجبه‪ ،‬فليس عليك منه أذى ول ثقل‪ ،‬فأذن له‪ ،‬فلما مثل‬
‫‪:‬بين يديه قال‬
‫ويا أعز الناس مـفـقـودا‬ ‫يا أكرم العـالـم مـوجـودا‬
‫أصبح في المة محـمـودا‬ ‫لما سألت الناس عـن واحـد‬
‫أشـبـه آبـاء لـه صـيدا‬ ‫قالوا جميعـا إنـه قـاسـم‬
‫أصبحت في المة معبـودا‬ ‫لو عبدوا شيئا سوى ربـهـم‬
‫مكرما في الناس مـعـدودا قال‪ ،‬فأمر له بكسوة وبألف درهم‪ ،‬فلما جاء‬ ‫ل زلت في نعمى وفي غبطة‬
‫بالدراهم أخذ منها عشرة‪ ،‬وقال‪ :‬تأمر القهرمان أن يعطيني الباقي مفرقا كلما جئت؛ لئل يضيع مني‪ ،‬فقال للقهرمان‪ :‬أعطه‬
‫‪:‬المال‪ ،‬وكلما جاءك فأعطه ما شاء حتى يفرق الموت بيننا‪ ،‬فبكى عند ذلك جعيفران‪ ،‬وتنفس الصعداء‪ ،‬وقال‬
‫وكـل شـيء لـه نـفـاذ‬ ‫يمـوت هـذا الــذي أراه‬
‫لدام ذا المفضل الـجـواد ثم خرج‪ ،‬فقال أبو دلف‪ :‬أنت كنت أعلم به مني‬ ‫‪.‬لو غير ذي العرش دام شيء‬
‫‪:‬يسأل عن أبي دلف ويرتجل في مدحه شعرا‬

‫صفحة ‪2265 :‬‬

‫قال‪ :‬وغبر عني مدة‪ ،‬ثم لقيني وقال‪ :‬يا أبا الحسن‪ ،‬ما فعل أميرنا وسيدنا وكيف حاله? فقلت‪ :‬بخير وعلى غاية الشوق إليك‪.‬‬
‫فقال‪:‬أنا والله يا أخي أشوق‪ ،‬ولكني أعرف أهل العسكر وشرههم وإلحاحهم والله ما أراهم يتركونه من المسألة ول يتركهم‪ ،‬ول‬
‫يتركه كرمه أن يخليهم من العطية حتى يخرج فقيرا‪ .‬فقلت‪ :‬دع هذا عنك وزره‪ ،‬فإن كثرة السؤال ل تضر بماله‪ ،‬فقال‪ :‬وكيف?‬
‫أهو أيسر من الخليفة? قلت‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬والله لو تبذل لهم الخليفة كما يبذل أبو دلف وأطمعهم في ماله كما يطمعهم لفقروه في‬
‫‪:‬يومين‪ ،‬ولكن اسمع ما قلته في وقتي هذا‪ ،‬فقلت‪ :‬هاته يا أبا الفضل فأنشأ يقول‬
‫بأني لم أجفه عـن قـلـى‬ ‫أبا حسن بلغـن قـاسـمـا‬
‫ول عن صدود ول عن غنى‬ ‫ول عـن مـلل لتـيانـه‬
‫وأصفيته مدحتي والـثـنـا‬ ‫ولكن تعففت عـن مـالـه‬
‫سني العطية رحب الفـنـا‬ ‫أبـو دلـف سـيد مـاجـد‬
‫ن عمهم بجزيل الـحـبـا يلقى أبا دلف فينشده ما حاله‪ :‬قال‪ :‬فأبلغتها أبا دلف‪،‬‬ ‫كريم إذا انتابه المعـتـفـو‬
‫وحدثته بالحديث الذي جرى‪ ،‬فقال لي‪ :‬قد لقيته منذ أيام؛ فلما رأيته وقفت له‪ ،‬وسلمت عليه‪ ،‬وتحفيت به‪ ،‬فقال لي‪ :‬سر أيها‬
‫‪:‬المير على بركة الله‪ ،‬ثم قال لي‬
‫ويا كريم النفس في الفعال‬ ‫يا معدي الجود على الموال‬
‫بجودك الموفي على المال‬ ‫قد صنتني عن ذلة السـؤال‬
‫من غير اليام واللـيالـي قال‪ :‬ولم يزل يختلف إلى أبي دلف ويبره حتى افترقا‬ ‫‪.‬صانك ذو العزة والجـلل‬
‫يرى وجهه في حب فيهجو نفسه‪ :‬سمعت عبد الله بن أحمد‪ ،‬عم أبي رحمه الله يحدث فحفظت الخبر‪ ،‬ول أدري أذكر له إسنادا‬
‫فلم أحفظه أم ذكره بغير إسناد‪ ،‬قال‪ :‬كان جعيفران خبيث اللسان هجاء‪ ،‬ل يسلم عليه أحد‪ ،‬فاطلع يوما في الحب ‪ ،‬فرأى وجهه‬
‫‪:‬قد تغير‪ ،‬وعفا شعره فقال‬
‫ول له بشـبـيه‬ ‫ما جعفـر لبـيه‬
‫فكلهـم يدعـيه‬ ‫أصحى لقوم كثير‬
‫وذا يخاصم فـيه‬ ‫هذا يقول بـنـي‬
‫لعلمهـا بـأبـيه يسأل طعاما فيجاب له‪ :‬حدثني محمد بن الحسن الكندي خطيب القادسية‬ ‫والم تضحك منهم‬
‫قال‪ :‬حدثني رجل من كتاب الكوفة قال‪ :‬اجتاز بي جعيفران مرة فقال‪ :‬أنا جائع‪ ،‬فأي شيء عندك تطعمني? فقلت سلق‬
‫‪.‬بخردل‬
‫يهجو جارية مضيفة لتأخرها في شراء بطيخ له‪ :‬فقال‪ :‬إشتر لي معه بطيخا‪ ،‬فقلت‪ :‬أفعل‪ ،‬فادخل‪ ،‬وبعثت بالجارية تجيئه به‪،‬‬
‫‪:‬وقدمت إليه الخبز والخردل والسلق‪ ،‬فأكل منه حتى ضجر‪ ،‬وأبطأت الجارية‪ ،‬فأقبل علي وقد غضب فقال‬
‫ثم ولت فأدبـرت‬ ‫سلقتنا وخـردلـت‬
‫وافر الير قد خلت قال فخرجت ‪-‬يشهد الله‪ -‬أطلبها‪ ،‬فوجدتها خالية في الدهليز بسائس لي‬ ‫وأراهـا بـواحـد‬
‫‪.‬على ما وصف‬

‫صوت‬

‫ومصيف بالقصر قصر قبـاء‬ ‫ولها مـربـع بـبـرقة خـاخ‬


‫واجعلوا لي من بئر عروة مائي‬ ‫كفنوني إن مت في درع أروى‬
‫ف سراج في الليلة الظلـمـاء الشعر للسري بن عبد الرحمن‪ ،‬والغناء لمعبد‪،‬‬ ‫سخنة في الشتاء باردة الصـي‬
‫‪.‬ثقيل بالوسطى عن الهشامي‪ :‬قال‪ :‬وفيهما ‪-‬يعني الثالث والول‪ -‬رمل مطلق في مجرى الوسطى‬

‫أخبار السري ونسبه‬


‫‪ ).‬نسبه السري بن عبد الرحمن بن عتبة بن عويم بن ساعدة النصاري‪ ،‬لوجده عويم بن ساعدة صحبة بالنبي‬
‫شعره وشخصه‪ :‬والسري شاعر من شعراء أهل المدينة‪ ،‬وليس بمكثر ول فحل‪ ،‬إل أنه كان أحد الغزلين والفتيان والمنادمين‬
‫على الشراب‪ .‬كان هو وعتير بن سهل بن عبد الرحمن بن عوف‪ ،‬وجبير بن أيمن‪ ،‬وخالد بن أبي أيوب النصاري يتنادمون‪ .‬قال‪:‬‬
‫‪:‬وفيهم يقول‬
‫جبيرا ونازعت الزجاجة خالـدا‬ ‫إذا أنت نادمت العتير وذا النـدى‬
‫وأن ينبهوا من نومة السكر راقدا غناه الغريض ثقيل‬ ‫‪.‬أمنت بإذن الله أن تقرع العصـا‬
‫‪.‬وكان السري هذا هجا الحوص‪ ،‬وهجا نصيبا؛ فلم يجيباه‬
‫‪:‬يهجو النصيب فيهبه لقومه‪ ،‬ولله ورسوله‬

‫صفحة ‪2266 :‬‬

‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال‪ :‬حدثني الزبير بن بكار قال‪ :‬حدثني عمي‪ ،‬وأخبرني الحسين بن يحيى المرداسي قال حدثنا‬
‫حماد بن إسحاق عن أبيه عن ابن الكلبي قال‪ :‬حبس النصيب في مسجد النبي ‪ (-‬فأنشد‪ ،‬وكان إذا أنشد لوى حاجبيه‪ ،‬وأشار‬
‫‪:‬بيده‪ ،‬فرآه السري بن عبد الرحمن النصاري‪ ،‬فجاءه حتى وقف بإزائه ثم قال‬
‫ألم تستحي من مقت الـكـرام‬ ‫فقدت الشعر حين أتى نصـيبـا‬
‫حسبت الكلب يضرب في الكعام قال‪ :‬فقال نصيب‪ :‬من هذا فقالوا‪ :‬هذا ابن عويم‬ ‫إذا رفع ابن ثـوبة حـاجـبـيه‬
‫‪.‬النصاري‪ ،‬قال‪ :‬قد وهبته لله عز وجل ولرسوله ‪ -(-‬ولعويم بن ساعدة‪ .‬قال‪ :‬وكان لعويم صحبة ونصرة‬
‫يحب امرأة يقال لها زينب ويشبب بها‪ :‬أخبرني الحرمي قال‪ :‬حدثنا الزبير قال‪ :‬حدثني عمي عن عبد الرحمن بن عبد الله‬
‫العمري قال‪ :‬كان السري قصيرا دميما أزرق‪ ،‬وكان يهوى امرأة يقال لها زينب ويشبب بها‪ ،‬فخرج إلى البادية‪ ،‬فرآها في نسوة‬
‫فصار إلى راع هناك وأعطاه ثيابه‪ ،‬وأخذ منه جبته وعصاه‪ ،‬وأقبل يسوق الغنم حتى صار إلى النسوة فلم يحفلن به‪ ،‬وظنن أنه‬
‫أعرابي‪ ،‬فأقبل يقلب بعصاه الرض وينظر إليهم فقلن له‪ :‬أذهب منك يا راعي الغنم شيء فأنت تطلبه? فقال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪:‬‬
‫فضربت زينب بكمها على وجهها وقالت‪ :‬السري والله أخزاه الله فأنشأ يقل‪ :‬صوت‬
‫من ريح زينب فينا ليلة الحد‬ ‫ما زال فينا سقيم يستطب لـه‬
‫فما تسمين إل مسكة البـلـد‬ ‫حزت الجمال ونشرا طيبا أرجا‬
‫فما يضرك أل تحربي جسدي يستحسن المهدي شعرا له في الغزل‪ :‬أخبرني‬ ‫أما فؤادي فشيء قد ذهبت بـه‬
‫الحسين بن علي قال‪ :‬حدثنا أحمد بن أبي خيثمة قال‪ :‬حدثنا مصعب الزبيري قال‪ ،‬قال أبي‪ :‬قال لي المهدي‪ :‬أنشدني شعرا‬
‫‪:‬غزل‪ ،‬فأنشدته قول السري بن عبد الرحمن‬
‫من ريح زينب فينا ليلة الحد فأعجبته‪ ،‬وما زال يستعيدها مرارا حتى حفظها‬ ‫‪.‬ما زال فينا سقيم يستطب لـه‬
‫كان وندماءه تقبل شهادتهم مع شربهم النبيذ‪ :‬أخبرني الحسن قال‪ :‬حدثني أحمد قال‪ :‬حدثني محمد بن سلم الجمحي قال‪:‬‬
‫كان السري بن عبد الرحمن ينادم عتير بن سهل بن عبد الرحمن بن عوف وجبير بن أيمن بن أم أيمن مولى النبي ‪ -(-‬وخالد بن‬
‫‪:‬أبي أيوب النصاري‪ ،‬وكانوا يشربون النبيذ‪ ،‬وكلهم كان على ذلك مقبول الشهادة جليل القدر مستورا‪ ،‬فقال السري‬
‫جبيرا ونازعت الزجاجة خالـدا‬ ‫إذا أنت نادمت العتير وذا النـدى‬
‫وأن ينبهوا من نومة السكر راقدا فقالوا‪ :‬قبحك الله ماذا أردت إلى التنبيه‬ ‫أمنت بإذن الله أن تقرع العصـا‬
‫علينا والذاعة لسرنا? إنك لحقيق أل ننادمك‪ .‬قال‪ :‬والله ما أردت بكم سوءا‪ ،‬ولكنه شعر طفح فنفثته عن صدري‪ ،‬قال‪ :‬وخالد‬
‫بن أبي أيوب النصاري الذي يقول‪ :‬صوت‬
‫ورو عظاما قصرهن إلى بلـى‬ ‫أل سقني كأسي ودع قول من لحى‬
‫وإن دراك الكأس عندي هو الحيا الغناء في هذين البيتين هة لعبد الله بن‬ ‫فإن بطوء الكأس موت وحبسهـا‬
‫‪.‬العباس الربيعي‪ ،‬خفيف رمل بالبنصر عن عمرو بن بانة‬
‫التمثل بشعره في طلب الشراب‪ :‬أخبرني أبو الحسن السدي قال‪ :‬حدثني سليمان بن أبي شيخ قال‪ :‬حدثني مصعب بن عبد‬
‫الله الزبيري قال‪ :‬حدثني مصعب بن عثمان قال‪ :‬حدثني عبيد الله بن عروة بن الزبير قال‪ :‬خرجت وأنا غلم أدور في السكك‬
‫بالمدينة فانتهيت إلى فناء مرشوش وشاب جميل الوجه جالس‪ ،‬فلما رآني دعاني‪ ،‬ثم قال لي‪ :‬من أنت يا غلم? فقلت عبيد‬
‫الله بن عروة بن الزبير‪ .‬فقال‪ :‬اجلس‪ ،‬فجلست‪ ،‬فدعا بالغداء فتغدينا جميعا‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا جارية؛ فأقبلت جارية تتهادى كأنها‬
‫مهاة‪ ،‬وفي يدها قنينية فيها شراب صاف وقلة ماء وكأس‪ ،‬فقال لها‪ :‬استقني؛ فصبت في الكأس وسكبت عليه ماء وناولته‪،‬‬
‫فشرب ثم قال‪ :‬اسقيه‪ ،‬فصبت الكأس وسكبت عليه ماء وناولتني‪ .‬فلما وجدت رائحته بكيت‪ ،‬فقال‪ :‬ما يبكيك يا بن أخي?‬
‫‪:‬فقلت‪ :‬إن أهلي إن وجدوا رائحة هذا مني ضربونب‪ ،‬فأقبل على الجارية بوجهه‪ ،‬وقال لها يخاطبها‬
‫ورو عظاما قصرهن إلى بلـى‬ ‫أل سقني كأسي ودع عنك من أبى‬

‫صفحة ‪2267 :‬‬

‫فأخذته من يدي وأعطته؛ فشربه‪ ،‬وقمت فلما جاوزته سألت عنه فقيل لي‪ :‬هذا خالد بن أبي أيوب النصاري الذي يقول فيه‬
‫‪:‬الشاعر‬
‫جبيرا ونازعت الزجاجة خـالـدا‬ ‫إذا أنت نادمت العتير وذا الـنـدى‬
‫وأن يوقظوا من سكرة النوم راقدا‬ ‫أمنت بإذن الله أن تقرع العـصـا‬
‫حسان الندامى ل تخاف العرابـدا يأبى ابن الماجشون دخول مجلس حتى‬ ‫وصرت بحمد الله في خير عصبة‬
‫يخرجه أصحابه فيخرجوه‪ :‬أخبرنا وكيع قال‪ :‬حدثنا محمد بن علي بن حمزة قال‪ :‬حدثني أبو غسان عن محمد بن يحيى بن عبد‬
‫الحميد قال‪ :‬كان السري بن عبد الرحمن يختلف إلى فتية‪ ،‬فجاء ابن الماجشون فقال‪ :‬ل أدخل حتى يخرج السري؛ فأخرجته‬
‫‪:‬فقال السري‬
‫أخرجوني وأدخلوا الماجشونا‬ ‫قبح الله أهل بيت بـسـلـع‬
‫ما نراهم يرون ما يصنعونا شعر له في أمة وبنتها‪ :‬أخبرني الحسن قال‪ :‬حدثنا أحمد‬ ‫أدخلوا هرة تلعـب قـردا‬
‫بن زهير قال حدثني مصعب قال‪ :‬أنشدني أبي للسري بن عبد الرحمن في أمة الحميد بنت عبد الله بن عباس وفي ابنتها أمة‬
‫‪:‬الواحد‬
‫ظبيان فـي ظـل الراك‬ ‫أمة الحمـيد وبـنـتـهـا‬
‫وظلله فهـمـا كـذاك‬ ‫يتـتـبـعـان بـــريره‬
‫حذو الشراك على الشراك يتمنى أن يكون مؤذنا ليرى ما في السطوح‪ :‬أخبرني محمد‬ ‫حذي الجمال علـيهـمـا‬
‫بن العباس اليزيدي قال‪ :‬حدثني محمد بن الحسن بن مسعود الزرقي قال‪ :‬حدثني يحيى بن عثمان بن أبي قباحة الزهري قال‪:‬‬
‫‪:‬أنشدني أبو غسان صالح بن العباس بن محمد ‪-‬وهو إذ ذاك على المدينة‪ -‬للسري بن عبد الرحمن‬
‫إنهم يبصرون من في السطوح‬ ‫ليتني في المـؤذنـين نـهـارا‬
‫حبذا كـل ذات جـيد مـلـيح قال‪ :‬فأمر صالح بسد المنابر‪ ،‬فلم يقدر أحد على أن‬ ‫فيشـيرون أو يشـار إلـيهـم‬
‫‪.‬يطلع رأسه حتى عزل صالح‬
‫يعمره عمر بن عمرو بن عثمان أرضا بقباء‪ :‬أخبرني حبيب بن نصر المهلبي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن شبيب قال‪ :‬حدثني زبير‬
‫بن بكار عن عمه‪ :‬أن السري بن عبد الرحمن وقف على عمر بن عمرو بن عثمان‪ ،‬وهو جالس على بابه والناس حوله‪ ،‬فأنشأ‬
‫‪:‬يقول‬
‫أبغني ما يكفنـي بـقـبـاء‬ ‫يا بن عثمان يا بن خير قريش‬
‫عن جبيني عجاجة الغرماء فأعمره أرضا بقباء‪ ،‬وجعلها طعمة له أيام حياته‪ ،‬فلم تزل‬ ‫ربما بلنـي نـداك وجـلـى‬
‫‪.‬في يده حتى مات‬
‫مثل من الولوع بالتغني بشعره‪ :‬أخبرني وسواسة بن الموصلي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه‪ ،‬عن عزيز بن طلحة‪،‬‬
‫قال‪ :‬قال معبد‪ :‬خرجت من مكة أريد المدينة‪ ،‬فلما كنت قريبا من المنزل أريت بيتا فعدلت إليه‪ ،‬فإذا فيه أسود عنده حبان من‬
‫ماء وقد جهدني العطش‪ ،‬فسلمت عليه واستسقيت‪ ،‬فقال‪ :‬تأخر عافاك الله‪ ،‬فقلت‪ :‬يا هذا‪ ،‬اسقني بسرعة من الماء فقد كدت‬
‫أموت عطشا‪ ،‬فقال‪ :‬والله ل تذوق منه جرعة ولو مت‪ ،‬فرجعت القهقري‪ ،‬وأنخت راحلتي واستظللت بظلها من الشمس‪ ،‬ثم‬
‫‪:‬اندفعت أغني ليبتل لساني‬
‫واستقوا لي من بئر عروة مائي فإذا أنا بالسود قد خرج إلي ومعه قدح‬ ‫كفنوني إن مت في درع أروى‬
‫خيشاني فيه سويق ملت بماء بارد‪ ،‬فقال‪ :‬هل لك في هذا أرب? قلت‪ :‬قد منعتني ما هو أقل منه‪ :‬الماء‪ .‬فقال‪ :‬اشرب ‪-‬عافاك‬
‫الله‪ -‬ودع عنك ما مضى‪ ،‬فشربت ثم قال‪ :‬أعد ‪-‬فديتك‪ -‬الصوت‪ ،‬فأعدته‪ ،‬فقال‪ :‬هل لك ‪-‬بأبي وأمي‪ -‬أن أحمل لك قربة من ماء‪،‬‬
‫وأمشي بها معك إلى المنزل وتعيد على هذا الصوت حتى أتزود منه‪ ،‬وكلما عطشت سقيتك? قلت‪ :‬افعل‪ ،‬ففعل وسار معي‪،‬‬
‫‪ .‬فما زلت أغنيه إياه‪ ،‬وكلما عطشت استقيته حتى بلغت المنزل عشاء‬

‫صوت‬

‫عنـي ويتـــبـــعـــه إزاره‬ ‫سلـب الـــشـــبـــاب رداءه‬


‫ولقد تحل علي حلته ويعجبني افتخاره‬
‫ت بــســـوءة أو ذل جـــاره‬ ‫سائل شبابي هل مسك‬
‫كان لـــي ولـــه خــــياره ويروي‪ :‬هل أسأت مساكه‬ ‫‪.‬ما إن مـلـكـت الـــمـــال إل‬
‫‪.‬الشعر لمسكن الدرامي‪ ،‬والغناء لمقاسة بن ناصح‪ ،‬خفيف رمل بالبنصر عن عمرو‬

‫أخبار مسكين ونسبه‬


‫‪:‬اسمه ونسبه‬
‫صفحة ‪2268 :‬‬

‫مسكين لقب غلب عليه‪ ،‬واسمه ربيعة بن عامر بن أنيف بن شريح بن عمرو بن زيد بن عبد الله بن عدس بن دارم بن مالك‬
‫بن زيد مناة بن تميم‪ .‬وقال أبو عمرو الشيباني‪ :‬مسكين بن أنيف بن شريح بن عمرو بن عدس زيد بن عبد الله بن دارم بن‬
‫‪.‬مالك بن حنظلة بن زيد مناة بن تميم‬
‫‪:‬لماذا لقب مسكينا?‪ :‬قال أبو عمرو‪ :‬وإنما لقب مسكينا لقوله‬
‫ولمن يعرفني جد نـطـق‬ ‫أنا مسكين لمن أنـكـرنـي‬
‫لو أبيع الناس عرضي لنفق وقال أيضا‬ ‫‪:‬ل أبيع الناس عرضي إنني‬
‫وإني لمسكين إلى الله راغب وقال أيضا‬ ‫‪:‬سميت مسكينا وكانت لجاجة‬
‫وهل ينكرن الشمس ذر شعاعها‬ ‫إن أدع فلـسـت بـمـنـكـر‬
‫منار ومن خير المنار ارتفاعها شاعر شريف من سادات قومه‪ ،‬هاجي الفرزدق‬ ‫لعمرك ما السماء إل عـلمة‬
‫‪.‬ثم كافه‪ ،‬فكان الفرزدق بعد ذلك في الشدائد التي أفلت منها‬
‫مهاجاته الفرزدق لنه نقض رثاءه لزياد‪ :‬حدثني حبيب بن أوس بن نصر المهلبي قال‪ :‬حدثنا عمر بن شبة عن أبي عبيدة قال‪:‬‬
‫كان زياد قد أرعى مسكينا الدارمي حمى له بناحية العذيب في عام قحط حتى أخصب الناس وأحيوا‪ ،‬ثم كتب له ببر وتمر‬
‫‪:‬وكساه‪ ،‬قال‪ :‬فلما مات زياد رثاه مسكين‪ ،‬فقال‬
‫جهارا حين ودعنا زياد فعارضه الفرزدق‪ ،‬وكان منحرفا عن زياد لطلبه إياه وإخافته‬ ‫رأيت زيادة السلم ولت‬
‫‪:‬له‪ ،‬فقال‬
‫جرى في ضلل دمعها فتحدرا‬ ‫أمسكين أبكى الله عينك إنـمـا‬
‫ككسرى على عدانه أو كقيصرا‬ ‫بكيت على علج بميسان كـافـر‬
‫ل بظبي بالصـريمة أعـفـرا فقال مسكين يجيبه‬ ‫‪:‬أقول له لما أتاني نـعـيه‪ :‬بـه‬
‫ول قائما في القوم إل نـبـرى لـيا‬ ‫أل أيها المرء الذي لسـت قـاعـدا‬
‫كمثل أبي أو خال صدق كـخـالـيا‬ ‫فجئتني بعم مـثـل عـمـي أو أب‬
‫أو البشر من كل فرعت الـروابـيا قال‪ :‬فأمسك الفرزدق عنه‪ ،‬فلم يجبه‪،‬‬ ‫كعمرو بن عمرو أو زرارة ذي الندى‬
‫‪.‬وتكافأ‬
‫أخبرني ببعض هذا الخبر أبو خليفة عن محمد بن سلم‪ ،‬فذكر نحوا مما ذكره أبو عبيدة وزاد فيه‪ ،‬قال‪ :‬والبشر خال لمسكين‬
‫‪:‬من النمر بن قاسط‪ ،‬وقد فخر به‪ ،‬فقال‬
‫وخالي البشر بشر بني هلل‬ ‫شريح فارس النعمان عمـي‬
‫سماعة لم يبع حسبا بـمـال اتقى الفرزدق هجاءه واتقى هو هجاء الفرزدق‪ :‬وأخبرني‬ ‫وقاتل خالـه بـأبـيه مـنـا‬
‫عمي قال‪ :‬حدثنا الحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو‪ ،‬عن أبيه بمثل هذه الحكاية‪ ،‬وزاد فيها‪ ،‬قال‪ :‬فتكافأ واتقاه الفرزدق أن يعين‬
‫‪.‬عليه جريرا‪ ،‬واتقاه مسكين أن يعين عليه عبد الرحمن بن حسان بن ثابت‪ .‬ودخل شيوخ بني عبد الله وبني نجاشع‪ ،‬فتكافا‬
‫مهاجاته الفرزدق من المحن التي أفلت منها الفرزدق‪ :‬وأخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال‪ :‬حدثنا أبو غسان دماذ عن أبي‬
‫‪.‬عبيدة عن أبي عمرو قال‪ :‬قال الفرزدق‬
‫نجوت من ثلثة أشياء ل أخاف بعدها شيئا‪ :‬نجوت من زياد حين طلبني‪ ،‬ونجوت من ابني رميلة وقد نذرا دمي وما فلتهما أحد‬
‫طلباه قط‪ ،‬ونجوت من مهاجاة مسكين الدارمي؛ لنه لو هجاني اضطرني أن أهدم شطر حسبي وفخري‪ ،‬لنه من بحبوحة‬
‫‪.‬نسبي وأشراف عشيرتي‪ ،‬فكان جرير حينئذ ينتصف مني بيدي ولساني‬
‫شعره في الغيرة أشعر ما قيل فيها‪ :‬أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال‪ :‬حدثني محمود بن داود عن أبي عكرمة عامر بن‬
‫‪:‬عمران عن مسعود بن بشر عن أبي عبيدة أنه سمعه يقول‪ :‬أشعر ما قيل في الغيرة قول مسكين الدارمي‬
‫?أل أيها الغائر المستشيط فيم تغار إذا لم تغر‬
‫ومـا خـير عـرس إذا لـــم تـــزر‬ ‫?فما خير عرس إذا خفتها‬
‫وهل يفتـن الـصـالـحـات الـنـظـر‬ ‫?تغـار عـلـى الـنـاس أن ينـظـــروا‬
‫فتـحـفـظ لـي نـفـسـهـا أو تـــذر‬ ‫وإنـي سـأخـلـي لـهـا بـيتـــهـــا‬
‫فلـن يعـطـي الـحـب سـوط مـمــر يأبى معاوية أن يفرض له‪ :‬ثم يعود‬ ‫إذا الـلـه لـم يعـطـنـي حـبــهـــا‬
‫فيجيبه إلى طلبه‪ :‬أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال‪ :‬حدثني عبد الله بن عمرو بن أبي سعد قال‪ :‬حدثني عبد الله بن مالك‬
‫‪:‬الخزاعي قال‪ :‬حدثني عبد الله بن بشير قال‪ :‬أخبرني أيوب بن أبي أيوب السعدي قال‬

‫صفحة ‪2269 :‬‬

‫لما قدم مسكين الدارمي على معاوية فسأله أن يفرض له فأبى عليه‪ ،‬وكان ل يفرض إل لليمن‪ ،‬فخرج من عنده مسكين وهو‬
‫‪:‬يقول‬
‫كساع إلى الهيجا بغـير سـلح‬ ‫أخاك أخاك إن من ل أخـا لـه‬
‫وهل ينهض البازي بغير جناح‬ ‫?وإن ابن عم المرء فأعلم جناحـه‬
‫وما نال شيئا طالب كـنـجـاح قال السعدي‪ :‬فلم يزل معاوية كذلك حتى غزت‬ ‫وما طالب الحاجات إل مغـرر‬
‫اليمن وكثرت‪ ،‬وضعضعت عدنان‪ ،‬فبلغ معاوية أن رجل من أهل اليمن قال يوما‪ :‬لهممت أل أدع بالشأم أحدا من مضر‪ ،‬بل‬
‫هممت أل أحل حبوتي حتى أخرج كل نزاري بالشأم‪ ،‬فبلغت معاوية‪ ،‬ففرض من وقته لربعة آلف رجل من قيس سوى خندق‪،‬‬
‫وقدم على تفئية ذلك عطارد بن حاجب على معاوية‪ ،‬فقال له‪ :‬ما فعل الفتى الدارمي الصبيح الوجه الفصيح اللسان? يعني‬
‫مسكينا‪ ،‬فقال‪ :‬صالح‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬فقال‪ :‬أعلمه أني فرضت له من شرف العطاء وهو في بلده؛ فإن شاء أن يقيم بها أو‬
‫عندنا فليفعل‪ ،‬فإن عطاءه سيأتيه‪ ،‬وبشره أني فرضت لربعة آلف من قومه من خندق؛ قال‪ :‬وكان معاوية بعد ذلك يغزي اليمن‬
‫‪:‬في البحر‪ ،‬ويغزي قيسا في البر‪ ،‬فقال شاعر اليمن‬
‫بعكا أنـاس أنـتـم أم أبـاعـر‬ ‫?أل أيها القوم الـذين تـجـمـعـوا‬
‫ونركب ظهر البحر والبحر زاخر‬ ‫?أتتـرك قـيس آمـنـين بـدارهـم‬
‫أهمدان يحمى ضيمها أم يحابـر‬ ‫?فواللـه مـا أدري وإنـي لـسـائل‬
‫بنو مالك إذ تستـمـر الـمـرائر‬ ‫أم الشرف العلى من أولد حمـير‬
‫وأوصى أبوكم بينكم أن تـدابـروا قال‪ ،‬ويقال‪ :‬إن النجاشي قال هذه البيات‬ ‫‪.‬أأوصى أبوهم بينهم أن تواصـلـوا‬
‫أخبرني بذلك عبد الله بن أحمد بن الحارث العدوي عن محمد بن عائد عن الوليد بن مسلم عن إسماعيل بن عياش وغيره‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬فلما بلغت هذه البيات معاوية بعث إلى اليمن فاعتذر إليهم‪ ،‬وقال‪ :‬ما أغزيتكم البحر إل لني أتيمن بكم‪ ،‬وأن في قيس‬
‫نكدا وأخلقا ل يحتملها الثغر‪ ،‬وأنا عارف بطاعتكم‪ .‬ونصحكم‪ .‬فأما إذ قد ظننتم غير ذلك فأنا أجمع فيه بينكم وبين قيس‬
‫‪.‬فتكونون جميعا فيه وأجعل الغزو فيه عقبا بينكم‪ ،‬فرضوا فعل ذلك فيما بعد‬
‫بشر بن مروان يتمثل بشعر له‪ :‬حدثني الحسن بن علي قال‪ :‬حدثنا أحمد بن زهير بن حرب قال‪ :‬حدثني مصعب بن عبد الله‬
‫قال‪ :‬وحدثنيه زبير عن عمه قال‪ :‬كان أصاغر ولد مروان في حجر ابنه عبد العزيز بن مروان‪ ،‬فكتب عبد العزيز إلى بشر كتابا‪،‬‬
‫وهو يومئذ على العراق‪ ،‬فورد عليه وهو ثمل‪ ،‬وكان فيه كلم أحفظه‪ ،‬فأمر بشر كاتبه فأجاب عبد العزيز جوابا قبيحا‪ ،‬فلما ورد‬
‫عليه علم أنه كتبه وهو سكران‪ ،‬فجفاه وقطع مكاتبته زمانا‪ .‬وبلغ بشرا عتبه عليه‪ ،‬فكتب إليه‪ :‬لول الهفوة لم أحتج إلى العذر‪،‬‬
‫ولم يكن لك في قبوله مني الفضل‪ .‬ولو احتمل الكتاب أكثر مما ضمنته لزدت فيه‪ ،‬وبقية الكابر على الصاغر من شيم الكارم‪.‬‬
‫‪:‬ولقد أحسن مسكين الدارمي حين يقول‬
‫كساع إلى الهيجا بغير سـلح‬ ‫أخاك أخاك إن من ل أخـا لـه‬
‫وهل ينهض البازي بغير جناح قال‪ :‬فلما وصل كتابه إلى عبد العزيز دمعت‬ ‫وإن ابن عم المرء فأعلم جناحه‬
‫عينه‪ ،‬وقال‪ :‬إن أخي كان منتشيا ولول ذلك لما جرى منه ما جرى‪ ،‬فسلوا عمن شهد ذلك المجلس؛ فسئل عنهم‪ ،‬فأخبر بهم‪،‬‬
‫‪.‬فقبل عذره‪ ،‬وأقسم عليه أل يعاشر أحدا من ندمانه الذين حضروا ذلك المجلس‪ ،‬وأن يعزل كاتبه عن كتابته‪ ،‬ففعل‬
‫مهاجاته الفرزدق من المحن التي نجا الفرزدق منها‪ :‬أخبرني محمد بن الحسين الكندي خطيب القادسية قال‪ :‬حدثنا عمر بن‬
‫شبة عن أبي عبيدة عن أبي عمرو قال‪ :‬كان الفرزدق يقول‪ :‬نجوت من ثلث أرجو أل يصيبني بعدهن شر‪ :‬نجوت من زياد حين‬
‫طلبني وما فاته مطلوب قط‪ ،‬ونجوت من ضربة رئاب بن رميلة أبي البذال فلم يقع في رأسي‪ ،‬ونجوت من مهاجاة مسكين‬
‫‪.‬الدارمي‪ .‬ولو هاجيته لحال بيني وبين بين بني عمي‪ ،‬وقطع لساني عن الشعراء‬
‫يخطب فتاة فتأباه‪ ،‬ويمر بها وهي مع روجها‪ ،‬فيقول في ذلك شعرا‪ :‬أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال‪ :‬حدثنا أبو العيناء‬
‫‪:‬عن الصمعي قال‬

‫صفحة ‪2270 :‬‬

‫خطب مسكين بن خلف فتاة من قومه فكرهته لسواد لونه وقلة ماله‪ ،‬وتزوجت بعده رجل من قومه ذا يسار ليس له مثل‬
‫‪:‬نسب مسكين‪ ،‬فمر بهما مسكين ذات يوم‪ ،‬وتلك المرأة جالسة مع زوجها‪ ،‬فقال‬
‫لوني السمرة ألوان العـرب‬ ‫أنا مسكين لمن يعـرفـنـي‬
‫واضح الخدين مقرونا بضب‬ ‫من رأى ظبيا علـيه لـؤلـؤ‬
‫ولقد كان ومـا يدعـى لب‬ ‫أكسبته الورق الـبـيض أبـا‬
‫وسمين البيت مهزول النسب‬ ‫رب مهزول سمـين بـيتـه‬
‫وتخال اللؤم درا ينـتـهـب‬ ‫أصبحت ترزق من شحم الذرا‬
‫صخبات ملحها فوق الركب‬ ‫ل تلمها إنهـا مـن نـسـوة‬
‫كلما قيل لها هـال وهـب يأمره يزيد أن يرشحه للخلفة في أبيات وينشدها في‬ ‫كشموس الخيل يبدو شغبـهـا‬
‫مجلس أبيه‪ :‬أخبرني محمد بن مزيد قال‪ :‬حدثني حماد بن إسحاق الموصلي قال‪ :‬حدثني أبي عن الهيثم بن عدي عن عبد الله‬
‫بن عياش قال‪ :‬كان يزيد بن معاوية يؤثر مسكينا الدارمي‪ ،‬ويصله ويقوم بحوائجه عند أبيه‪ ،‬فلما أراد معاوية البيعة ليزيد تهيب‬
‫ذلك وخاف أل يمالئه عليه الناس‪ ،‬لحسن البقية فيهم‪ ،‬وكثرة من يرشح للخلفة‪ ،‬وبلغه في ذلك ذرء وكلم كرهه من سعيد بن‬
‫العاص ومروان بن الحكم وعبد الله بن عامر‪ ،‬فأمر يزيد مسكينا أن يقول أبياتا وينشدها معاوية في مجلسه إذا كان حافل‬
‫وحضره وجوه بني أمية‪ ،‬فلما اتفق ذلك دخل مسكين إليه‪ ،‬وهو جالس وابنه يزيد عن يمينه وبنو أمية حواليه وأشراف الناس‬
‫‪:‬في مجلسه‪ ،‬فمثل بين يديه وأنشأ يقول‬
‫من الناس أحمي عنهم وأذود‬ ‫إن أدع مسكينا فإني ابن معشر‬
‫تثير القطا ليل وهن هجـود‬ ‫إليك أمير المؤمنين رحلتـهـا‬
‫إذا ما اتقتها بالقرون سجـود صوت‬ ‫وهاجرة ظلت كأن ظباءهـا‬
‫ومروان أم ماذا يقول سـعـيد‬ ‫?أل ليت شعري ما يقول ابن عامر‬
‫يبوئها الـرحـمـن حـيث يريد‬ ‫بني خلفاء الله مهـل فـإنـمـا‬
‫فإن أمير الـمـؤمـنـين يزيد ‪-‬الغناء لمعبد ثقيل أول بالبنصر‪ ،‬عن عمرو بن بانة‬ ‫‪:‬إذا المنبر الغربـي خـله ربـه‬
‫لكـل أنـاس طـائر وجــدود‬ ‫على الطائر الميمون والجد صاعد‬
‫وفود تسـامـيهـا إلـيك وفـود‬ ‫فل زلت أعلى الناس كعبا ول تزل‬
‫تشـيد أطـنـاب لـه وعـمـود‬ ‫ول زال بيت الملك فوقك عـالـيا‬
‫أثاف كأمـثـال الـرئال ركـود فقال له معاوية‪ :‬ننظر فيما قلت يا مسكين‪،‬‬ ‫قدور ابن حرب كالجوابي وتحتهـا‬
‫ونستخير الله‪ .‬قال‪ :‬ولم يتكلم أحد من بني أمية في ذلك إل بالقرار والموافقة‪ ،‬وذلك الذي أراده يزيد ليعلم ما عندهم‪ ،‬ثم‬
‫‪.‬وصله يزيد ووصله معاوية فأجزل صلته‬
‫يغير مغن للرشيد شطر بيت له‪ ،‬فيعجب الرشيد تغييره‪ :‬أخبرني محمد بن خلف قال‪ :‬حدثنا العنزي قال‪ :‬حدثنا أبو معاوية بن‬
‫‪:‬سعيد بن سالم قال‪ :‬قال لي عقيد‪ :‬غنيت الرشيد‬
‫‪:‬إذا المنبر الغربي خله ربه ثم فطنت لخطابي‪ ،‬ورأيت وجه الرشيد قد تغير‪ ،‬قال‪ :‬فتداركتها وقلت‬
‫‪:‬فإن أمير المحسنين عقيد فطرب‪ ،‬وقال‪ :‬أحسنت والله‪ ،‬بحياتي قل‬
‫فإن أمير المؤمنين عقيد فوالله لنت أحق بها من يزيد بن معاوية‪ ،‬فتعاظمت ذلك‪ ،‬فحلف ل أغنيه إل كما أمر‪ ،‬ففعلت‪ ،‬وشرب‬
‫‪.‬عليه ثلثة أرطال‪ ،‬ووصلني صلة سنية‬
‫تمر به امرأة له وهو ينشد من شعره‪ ،‬فتعقب عليه‪ ،‬فيضربها‪ :‬أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن‬
‫أخي الصمعي قال‪ :‬حدثني عمي قال‪ :‬كانت لمسكين الدارمي امرأة من منقر‪ ،‬وكانت فاركا كثيرة الخصومة والمماظة ‪،‬‬
‫‪:‬فجازت به يوما وهو ينشد قوله في نادي قومه‬
‫قدري بيوت الحي والجدر فوقفت عليه تسمع حتى إذا بلغ قوله‬ ‫‪:‬إن أدع مسكينا فما قصرت‬
‫وإليه قبلي تنزل القدر فقالت له‪ :‬صدقت والله‪ ،‬يجلس جارك فيطبخ قدره‪ ،‬فتصطلى‬ ‫ناري ونار الجار واحدة‬
‫بناره‪ ،‬ثم ينزلها فيجلس يأكل وأنت بحذائه كالكلب‪ ،‬فإذا شبع أطعمك‪ ،‬أجل ولله‪ ،‬إن القدر لتنزل إليه قبلك‪ ،‬فأعرض عنها‪ ،‬ومر‬
‫‪:‬في قصيدته حتى بلغ قوله‬

‫صفحة ‪2271 :‬‬


‫أل يكون لبيته سـتـر فقلت له‪ :‬أجل‪ ،‬إن كان له ستر هتكته‪ ،‬فوثب إليها يضربها‪ ،‬وجعل‬ ‫ما ضر جارا لي أجاوره‬
‫‪ .‬قومه يضحكون منهما وهذه القصيدة من جيد شعره‬

‫صوت‬

‫نحو الحبة بالزعاج والعجل‬ ‫يا فرحتا إذ صرفنا أوجه البل‬


‫لكن للشوق حثا ليس للبـل الشعر لبي محمد اليزيدي‪ ،‬والغناء لسليمان‪ ،‬ثقيل‬ ‫نحثهن وما يؤتـين مـن دأب‬
‫‪.‬أول بالبنصر عن عمرو‪ ،‬والهشامي‬

‫أخبار أبي محمد ونسبه‬


‫‪.‬نسبه‪ :‬أبو محمد بن يحيى المبارك‪ ،‬أحد بني عدي بن عبد شمس بن زيد مناة بن تميم‬
‫‪.‬سمعت أبا عبد الله محمد بن العباس بن محمد بن أبي اليزيدي يذكر ذلك‪ ،‬ويقول‪ :‬نحن من رهط ذي الرمة‬
‫لم يقال له اليزيدي?‪ :‬وقيل‪ :‬إنهم موالي بني عدي‪ ،‬وقيل لبي محمد‪ :‬اليزيدي لنه كان فيمن خرج مع إبراهيم بن عبد الله بن‬
‫الحسن بالبصرة‪ ،‬ثم توارى زمانا حتى استتر أمره‪ ،‬ثم اتصل بعد ذلك بيزيد بن منصور خال المهدي‪ ،‬فوصله بالرشيد‪ ،‬فلم يزل‬
‫‪.‬معه‪ .‬وأدب المأمون خاصة من ولده‪ ،‬ولم يزل أبو محمد وأولده منقطعين إليه وإلى ولده‪ ،‬ولهم فيهم مدائح كثيرة جياد‬
‫مكانته العلمية والدبية وشيوخه‪ :‬وكان أبو محمد عالما باللغة والنحو‪ ،‬راوية للشعر‪ ،‬متصرفا في علوم العرب‪ .‬أخذ عن أبي‬
‫عمرو بن العلء ويونس بن حبيب النحوي وأكابر البصريين‪ ،‬وقرأ القرآن على أبي عمرو بن العلء‪ ،‬وجود قراءته ورواها عن‪،.‬‬
‫وهي المعول عليها في هذا الوقت‪ .‬وكان بنوه جميعا في مثل منزلته من العلم والمعرفة باللغة‪ ،‬وحسن التصرف في علوم‬
‫‪ .‬العرب‪ .‬ولسائرهم علم جيد‬
‫من له شعر يتغنى به من أولده‪ :‬ونحن نذكر بعد انقضاء أخباره أخبار من كان له شعر وفيه غناء من ولده‪ ،‬إذ كنا قد شرطنا‬
‫‪.‬ذكر ما فيه صنعة دون غيره‬
‫‪.‬فمنهم محمد بن أبي محمد‪ ،‬وإبراهيم بن أبي محمد‪ ،‬وإسماعيل بن أبي محمد‪ .‬كل هؤلء ولده لصلبه‪ ،‬ولكلهم شعر جيد‬
‫‪.‬ومن ولد ولده أحمد بن محمد بن أبي محمد‪ ،‬وهو أكبرهم‪ ،‬وكان شاعرا راوية عالما‬
‫ومنهم عبيد الله والفضل ابنا محمد بن محمد‪ ،‬وقد رويا عن أكابر أهل اللغة‪ ،‬وحمل عنهما علم كثير‪ .‬وآخر من كان بقي من‬
‫علماء أهل هذا البيت أبو عبد الله محمد بن العباس بن محمد بن أبي محمد‪ ،‬وكان فاضل عالما ثقة فيما يرويه‪ ،‬منقطع القرين‬
‫‪.‬في الصدق وشدة التوقي فيما ينقله‬
‫وقد حملنا نحن عنه وكثير من طلبة العلم ورواته علما كثيرا‪ ،‬فسمعنا منه سماعا جما‪ .‬فأما ما أذكر ها هنا من أخبارهم فإني‬
‫أخذته عن أبي عبد الله عن عميه عبيد الله والفضل‪ ،‬وأضفت إليه أشياء أخر يسيرة أخذتها من غيره‪ ،‬فذكرت ذلك في مواضعه‪،‬‬
‫‪.‬ورويته عن أهله‬
‫يقول في المأمون شعرا وقد ضرب عنق أسيرين فأبان رأسيهما‪ :‬أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال‪ :‬حدثني عمي عبيد‬
‫الله عن عمه إسماعيل بن أبي محمد قال‪ :‬حدثني أبي قال‪ :‬كان الرشيد جالسا في مجلسه فأتي بأسير من الروم‪ ،‬فقال‬
‫لدفافة العبسي‪ :‬قم فاضرب عنقه‪ ،‬فضربه فنبا سيفه‪ ،‬فقال لبن فليح لندني‪ :‬قم فاضرب عنقه‪ ،‬فضربه فنبا سيفه أيضا‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫أصلح الله أمير المؤمنين تقدمتني ضربة عبسية‪ ،‬فقال الرشيد للمأمون‪ ،‬وهو يومئذ غلم‪ :‬قم ‪-‬فداك أبوك‪ -‬فاضرب عنقه‪ ،‬فقام‬
‫‪:‬فضرب العلج‪ ،‬فأبان رأسه‪ ،‬ثم دعا بآخر فأمره بضرب عنقه‪ ،‬فضربه فأبان رأسه‪ ،‬ونظر إلي المأمون نظر مستنطق‪ ،‬فقلت‬
‫عند المام لعبس آخـر البـد‬ ‫أبقي دفافة عارا بعد ضربـتـه‬
‫كسيف ورقاء لم يقطع ولم يكد‬ ‫كذاك أسرته تنبـو سـيوفـهـم‬
‫وقد ضربت بسيف غير ذي أود‬ ‫ما بال سيفك قد خانتك ضربتـه‬
‫ففرقت بين رأس العلج والجسد يحتكم في فضله اثنان فيفضله الحكم على‬ ‫هل كضربة عبد الله إذ وقعـت‬
‫الكسائي فيقول في ذلك شعرا‪ :‬قال إسماعيل ابن أخت الحسن الحاجب وسعيد والجوهري واقفين‪ ،‬فذكرا أبا محمد ‪-‬يعني أباه‬
‫‪.‬والكسائي‪ -‬ففضل حمويه الكسائي على أبي محمد‪ ،‬وفضل سعيد الجوهري أبا محمد على الكسائي‬

‫صفحة ‪2272 :‬‬

‫وطال الكلم بينهما إلى أن تراضيا برجل يحكم بينهما‪ ،‬فتراهنا على أن من غلب أخذ برذون صاحبه‪ ،‬فجعل الحكم بينهما أبا‬
‫صفوان الحوزي‪ ،‬فلما دخل سأله فقال لهما‪ :‬لو ناصح الكسائي نفسه لصار إلى أبي محمد‪ ،‬وتعلم منه كلم العرب‪ ،‬فما رأيت‬
‫‪:‬أحدا أعلم منه به‪ ،‬فأخذ الجوهري دابة حمويه‪ .‬وبلغ أبا محمد اليزيدي هذا الخبر فقال‬
‫فيك وما الصادق كالكـاذب‬ ‫يا حمويه اسمع ثنا صادقـا‬
‫بعدا وسحقا لك من جالـب‬ ‫يا جالب الخزي على نفسـه‬
‫آتيتهم بالعجب الـعـاجـب‬ ‫إن فخر النـاس بـآبـائهـم‬
‫أنا ابن أخت الحسن الحاجب يهجو سلم الخاسر‪ :‬قال إسماعيل‪ :‬وحدثني أبي قال‪:‬‬ ‫قلت وأدغمت أبا خـامـل‬
‫‪:‬كنت ذات يوم جالسا أكتب كتابا‪ ،‬فنظر فيه سلم الخاسر طويل‪ ،‬ثم قال‬
‫إن يحيى بأيره لخـطـوط فقال أبو محمد يحيى‬ ‫‪:‬أير يحيى أخط من كف يحيى‬
‫إنها تـحـت أيره لـضـروط‬ ‫أم سلـم بـذاك أعـلـم شـيء‬
‫أزمل مـن وداقـهـا وأطـيط‬ ‫ولهـا تـارة إذا مـا عـلهـا‬
‫حبذا شعر أمك الـمـنـقـوط‬ ‫أم سلم تعلم الشـعـر سـلـمـا‬
‫كاسف البال حين يذكـر لـوط‬ ‫ليت شعري ما بال سلم بن عمرو‬
‫بل له عنـد ذكـره تـثـبـيط فقال له سلم‪ :‬ويحك ما لك خبثت? أي شيء دعاك‬ ‫ل يصلي عليه فيمـن يصـلـي‬
‫‪.‬إلى هذا كله? فقال أبو محمد‪ :‬بدأت‪ ،‬فانتصرت‪ ،‬والبادي أظلم‬
‫يطلب سلم الخاسر أن يهجوه على روي سماه‪ ،‬فيفعل‪ ،‬فيغضب سلم‪ :‬قال أبو عبد الله محمد بن العباس اليزيدي حدثني عبيد‬
‫الله وعمي أبو القاسم عن أبي علي إسماعيل قال‪ :‬قال لي أبي‪ :‬قال سلم الخاسر يوما‪ :‬يا أبا محمد‪ ،‬قل أبياتا على قول امرئ‬
‫‪:‬القيس‬
‫‪:‬رب رام من بني ثعل ول أبالي أن تهجوني فيها‪ ،‬فقلت‬
‫غمط النعماء من أشـره‬ ‫رب مغمـوم بـعـافـية‬
‫فرأى المكروه في صدره‬ ‫مورد أمـرا يسـر بــه‬
‫فرماه الدهر من غـيره‬ ‫وامرئ طالت سلمـتـه‬
‫نقضت منه عرا مـرره‬ ‫بسهـام غـير مـشـوية‬
‫بالفتى حالين من عصره‬ ‫وكذاك الدهر مختـلـف‬
‫ويسار المرء في عسـره‬ ‫يخلط العسرى بمـيسـرة‬
‫وأبا سلم علـى كـبـره‬ ‫عق سلـم أمة سـفـهـا‬
‫رامح يسعى على أثـره‬ ‫كل يوم خـلـفـه رجـل‬
‫كولوج الضب في حجره فانصرف سلم وهو يشتمه ويقول‪ :‬ما يحل لحد أن يكلمك‬ ‫يولج الغرمول سـبـتـه‬
‫يطلب شاعر أن ينظم على قافية معينة فيهجوه فيما نظم‪ :‬قال‪ :‬وقال لي يوما أبو حنش الشاعر‪ :‬يا أبا محمد‪ ،‬قل أبياتا قافيتها‬
‫‪:‬على هاءين‪ ،‬فقلت له‪ :‬على أن أهجوك فيها‪ ،‬فقال نعم‪ ،‬فقلت‬
‫تصبو إلى إلفها وأندههـا‬ ‫قلت ونفسي جم تأوهـهـا‬
‫أوطنه الموطنون يشبههـا‬ ‫سقيا لصنعاء ل أرى بلـدا‬
‫أعذى بلد عذا وأنزههـا‬ ‫حصنا ول كبهـجـتـهـا‬
‫أرغد أرض عيشا وأرفهها‬ ‫يعرف صنعاء من أقام بها‬
‫عائرة نجوه أوجـهـهـا‬ ‫أبلغ حضيرا عني أبا حنش‬
‫عليه مشهورة أدهدهـهـا‬ ‫تأتيه مثل السهام عـامـدة‬
‫إذا تهجيتها ستفقـهـهـا يريد إسقاط النون من أب حنش حتى يكون أبا حس‬ ‫‪ .‬كنيته طرح نون كـنـيتـه‬
‫يقول شعرا في يونس بن الربيع وكان وسيما‪ :‬قال أبو عبد الله‪ :‬وحدثني عمي قال‪ :‬حدثني الطلحي ‪-‬وكان له علم وأدب‪ -‬قال‪:‬‬
‫اجتمعت مع أبي محمد عند يونس بن الربيع‪ ،‬وكان قد دعانا‪ ،‬فأقمنا عنده‪ ،‬فاتفق مجلسي إلى جنب مجلس أبي محمد‪ ،‬فقام‬
‫‪:‬يونس لحاجته‪ ،‬وكان جميل وسيما‪ ،‬فالتفت إلى اليزيدي فقال‬
‫إن تأملت طرفه استرخـاء‬ ‫وفتى كالقناة في الطرف منه‬
‫وضع الرمح منه حيث يشاء يهجو قتيبة الخراساني لنه كان يسأله كالمتعنت‪ :‬قال‪:‬‬ ‫فإذا الرامح المشـيح تـله‬
‫وحدثني عمي عن عمه إسماعيل عن أبي محمد قال‪ :‬كان قتيبة الخراساني عيسى بن عمر يأتيني‪ ،‬فيسألني عن مسائل‬
‫‪:‬كالمتعنت‪ ،‬فإذا أجبته عنها انصرف منكسرا‪ ،‬وكان أفطس‪ ،‬فقلت له يوما‬

‫صفحة ‪2273 :‬‬

‫أنفك أم أنت كـاتـم خـبـره‬ ‫?أمخبري أنـت يا قـتـيبة عـن‬


‫سوت بخديك أنفك الـبـقـره‬ ‫بأي جـرم وأي ذنـب تــرى‬
‫في وجه قرد مفضوضة الكمره‬ ‫فصيرتـه كـفـيشة نـبـتـت‬
‫تفتيش باب العرفان والنـكـره وقلت فيه أيضا‬ ‫‪:‬قد كان في ذاك شاغل لك عـن‬
‫فل عافاك ربك يا قـتـيبة‬ ‫إذا عافى مليك الناس عـبـدا‬
‫إلى أن جللتك قبحت شيبـه‬ ‫طلبت النحو مذ أن كنت طفل‬
‫وأنت لدى الياب بشر أو به‬ ‫فما تزداد إل النقـص فـيه‬
‫فطال مقامه وأتى بخـيبـه يلقن قتيبة غريبا فيه فحش‪ ،‬فيعابي به عيسى بن عمر‪:‬‬ ‫وكنت كغائب قد غاب حينـا‬
‫قال أبو محمد‪ :‬كان عيسى بن عمر أعلم الناس بالغريب‪ ،‬فأتاني قتيبة الخراساني هذا‪ ،‬فقال لي‪ :‬أفدني شيئا من الغريب أعايي‬
‫به عيسى بن عمر‪ ،‬فقلت له‪ :‬أجود المساويك عند العرب الراك‪ ،‬وأجود الراك عندهم ما كان متمئرا عجارما جيدا‪ ،‬وقد قال‬
‫‪:‬الشاعر‬
‫سواك إل المتمئر العجـارمـا يعني الير‪ .‬قال‪ :‬فكتب قتيبة ما قلت له‪ ،‬وكتب‬ ‫إذا استكت يوما بالراك فل يكن‬
‫البيت‪ ،‬ثم أتى عيسى بن عمر في مجلسه‪ ،‬قال‪ :‬يا أبا عمر‪ ،‬ما أجود المساويك عند العرب? فقال‪ :‬الراك‪ ،‬يرحمك الله‪ .‬فقال‬
‫له قتيبة‪ :‬أفل أهدي إليك منه شيئا متمئرا عجارما? فقال‪ :‬أهده إلى نفسك‪ .‬وغضب‪ ،‬وضحك كل من كان في مجلسه‪ ،‬وبقي‬
‫قتيبة متحيرا‪ ،‬فعلم عيسى أنه قد وقع عليه بلء‪ ،‬فقال له‪ :‬ويلك من فضحك وسخر منك بهذه المسألة? ومن أهلك ودمر عليك?‬
‫قال‪ :‬أبو محمد اليزيدي‪ ،‬فضحك عيسى حتى فحص برجله‪ ،‬وقال‪ :‬هذه والله من مزحاته وبلياه‪ .‬أراه عنك منحرفا‪ ،‬فقد فضحك‪.‬‬
‫‪.‬فقال قتيبة‪ :‬ل أعاود مسألته عن شيء‬
‫الخليل يحبه ويجله‪ :‬حدثني عمي قال‪ :‬حدثني عبيد الله بن محمد اليزيدي قال‪ :‬حدثني أخي أبو جعفر قال‪ :‬سمعت جدي أبا‬
‫محمد يقول‪ :‬صرت يوما إلى الخليل بن أحمد‪ ،‬والمجلس غاص بأهله‪ ،‬فقال لي‪ :‬ها هنا عندي‪ ،‬فقلت أضيق عليك‪ ،‬فقال‪ :‬إن‬
‫‪.‬الدنيا بحذافيرها تضيق عن متباغضين‪ ،‬وإن شبرا في شبر ل يضيق عن متحابين‪ .‬قال‪ :‬وكان الخليل لبي محمد صافي الود‬
‫يجمع بين الخليل وابن المقفع‪ :‬حدثنا اليزيدي قال‪ :‬حدثني عمي عبيد الله قال‪ :‬حدثني أخي أحمد قال‪ :‬سمعت جدي أبا محمد‬
‫يقول‪ :‬كنت ألقي الخليل بن أحمد‪ ،‬فيقول لي‪ :‬أحب أن يجمع بيني وبين عبد الله بن المقفع‪ ،‬وألقى ابن المقفع فيقول‪ :‬أحب أن‬
‫يجمع بيني وبين الخليل بن أحمد‪ .‬فجمعت بينهما‪ ،‬فمر لنا أحسن مجلس وأكثره علما‪ ،‬ثم افترقنا‪ ،‬فلقيت الخليل فقلت له‪ :‬يا أبا‬
‫عبد الرحمن‪ ،‬كيف رأيت صاحبك? قال‪ :‬ما شئت من علم وأدب‪ ،‬إل أني رأيت كلمه أكثر من علمه‪ ،‬ثم لقيت ابن المقفع فقلت‪:‬‬
‫‪ .‬كيف رأيت صاحبك? فقال‪ :‬ما شئت من علم وأدب‪ ،‬إل أن عقله أكثر من علمه‬
‫يناظر الكسائي في مجلس المهدي فيغلبه‪ :‬حدثنا اليزيدي قال حدثني عمي عبيد الله قال‪ :‬حدثني أخي أحمد بن محمد قال‪:‬‬
‫حدثني أبي محمد بن أبي محمد قال‪ :‬قال لي أبو محمد‪ :‬كنا مع المهدي ببلد في شهر رمضان قبل أن يستخلف بأربعة أشهر‪،‬‬
‫وكان الكسائي معنا‪ ،‬فذكر المهدي العربية وعنده شيبة بن الوليد العبسي عم دفافة‪ ،‬فقال المهدي‪ :‬نبعث إلى اليزيدي‬
‫والكسائي‪ ،‬وأنا يومئذ مع يزيد بن المنصور خال المهدي‪ ،‬والكسائي مع الحسن الحاجب‪ ،‬فجاءنا الرسول‪ ،‬فجئت أنا‪ ،‬فإذا‬
‫‪.‬الكسائي على الباب قد سبقني‪ .‬فقال‪ :‬يا أبا محمد‪ ،‬أعوذ بالله من شرك‪ ،‬فقلت‪ :‬والله ل تؤتى من قبلي حتى أوتى من قبلك‬
‫فلما دخلنا عليه أقبل علي‪ ،‬وقال‪ :‬كيف نسبوا إلى البحرين فقالوا‪ :‬بحراني‪ ،‬ونسبوا إلى الحصنين فقالوا‪ :‬حصني ولم يقولوا‬
‫حصناني‪ .‬كما قالوا بحراني? فقلت‪ :‬أصلح الله المير لو أنهم نسبوا إلى البحرين فقالوا‪ :‬بحري لم يعرف أإلي البحرين نسبوا أم‬
‫‪.‬إلى البحر? فلما جاءوا إلى الحصنين لم يكن موضع آخر يقال له‪ :‬الحصن ينسب إليه غيرهما فقالوا‪ :‬حصني‬

‫صفحة ‪2274 :‬‬

‫قال أبو محمد‪ ،‬سمعت الكسائي يقول لعمر بن بزيع ‪-‬وكان حاضرا‪ -‬لو سألني المير لخبرته فيها بعلة هي أحسن من هذه‪.‬‬
‫قال أبو محمد‪ :‬قلت‪ :‬أصلح الله المير‪ ،‬إن هذا يزعم أنك لو سألته لجاب بأحسن مما أجبت به‪ .‬قال‪ :‬فقد سألته‪ :‬فقال‬
‫الكسائي‪ :‬لما نسبوا إلى الحصنين كانت فيه نونان‪ ،‬فقالوا‪ :‬حصني اجتزاء بإحدى النونين عن الخرى‪ ،‬ولم يكن في البحرين إل‬
‫نون واحدة‪ ،‬فقالوا‪ :‬بحراني‪ .‬فقلت‪ :‬أصلح الله المير فيكف تنسب رجل من بني جنان فإنه يلزمه على قياسه أن يقول‪ :‬جني إن‬
‫‪.‬في جنان نونين‪ ،‬فإن قال ذلك فقد سوى بينه وبين المنسوب إلى الجن‬
‫قال‪ :‬فقال المهدي وله‪ :‬تناظرا في غير هذا حتى نسمع‪ ،‬فتناظرا في مسائل حفظ فيها قولي وقوله إلى أن قلت له‪ :‬كيف‬
‫تقول‪ :‬إن من خير القوم أو خيرهم نية زيد? قال‪ :‬فأطال الفكر ل يجيب‪ .‬فقلت‪ :‬لن تجيب فتخطئ فتتعلم أحسن من هذه‬
‫الطالة‪ .‬فقال‪ :‬إن من خير القوم أو خيرهم نية زيدا‪ .‬قال‪ :‬فقلت‪ :‬أصلح الله المير‪ ،‬ما رضي أن يلحن حتى لحن وأحال‪ .‬قال‪:‬‬
‫‪.‬وكيف? قلت‪ :‬لرفعه قبل أن يأتي باسم إن‪ ،‬ونصبه بعد رفعه‬
‫فقال شيبة بن الوليد‪ :‬أراد بأو ‪-‬بل‪ ،‬فرفع هذا معنى‪ .‬فقال الكسائي‪ :‬ما أردت غير ذلك فقلت‪ :‬فقد أخطأ جميعا أيها المير‪ .‬لو‬
‫أراد بأو ‪-‬بل رفع زيدا؛ لنه ل يكون بل خيرهم زيدا‪ ،‬فقال المهدي‪ :‬يا كسائي‪ ،‬لقد دخلت علي مع مسلمة النحوي وغيره‪ ،‬فما‬
‫رأيت كما أصابك اليوم‪ .‬قال‪ :‬ثم قال‪ :‬هذان عالمان‪ ،‬ول يقضي بينهما إل أعرابي فصيح يلقى عليه المسائل التي اختلفا فيها‬
‫فيجيب‪ .‬قال‪ :‬فبعث إلى فصيح من فصحاء العراب‪ .‬قال أبو محمد‪ ،‬وأطرقت إلى أن يأتي العرابي‪ ،‬وكان المهدي محبا‬
‫‪:‬لخواله‪ ،‬ومنصور بن يزيد بن منصور حاضر‪ ،‬فقلت‪ :‬أصلح الله المير كيف ينشد هذا البيت الذي جاء في هذه البيات‬
‫عمن بصنعاء من ذوي الحسب‬ ‫يا أيها الـسـائلـي لخـبـره‬
‫بالفضل طرا جحاجح العرب‬ ‫حمير ساداتهـا تـقـر لـهـا‬
‫أو خيرهم نـية أبـو كـرب قال‪ :‬فقال لي المهدي‪ :‬كيف تنشده أنت? فقلت‪ :‬أو‬ ‫وإن من خيرهم وأكـرمـهـم‬
‫خيرهم نية أبو كرب على إعادة إن‪ ،‬كأنه قال‪ :‬أو إن خيرهم نية أبو كرب‪ .‬فقال الكسائي‪ :‬هو والله قالها الساعة‪ .‬قال‪ :‬فتبسم‬
‫المهدي‪ ،‬وقال‪ :‬إنك لتشهد له وما تدري‪ .‬قال‪ :‬ثم طلع العرابي الذي بعث إليه فألقيت عليه المسائل‪ ،‬فأجاب فيها كلها بقولي‪،‬‬
‫فاستفزني السرور حتى ضربت بقلنسيتي الرض‪ ،‬وقلت‪ :‬أنا أبو محمد‪ .‬قال لي شيبة‪ :‬أتتكني باسم المير? فقال المهدي‪ :‬والله‬
‫ما أراد بذلك مكروها‪ ،‬ولكنه فعل ما فعل للظفر‪ ،‬وقد ‪-‬لعمري‪ -‬ظفر‪ .‬فقلت‪ :‬إن الله ‪-‬عز وجل‪ -‬أنطقك أيها المير بما أنت أهله‪،‬‬
‫‪.‬وأنطق غيرك بما هو أهله‬
‫يتهدده شيبة بن الوليد فيهجوه في رقاع دسها في الدواوين‪ :‬قال‪ :‬فلما خرجنا قال لي شيبة‪ :‬أتخطئني بين يدي المير? أما‬
‫لتعلمن قلت‪ :‬قد سمعت ما قلت‪ ،‬وأرجو أن تجد غبها‪ ،‬ثم لم أصبح حتى كتبت رقاعا عدة‪ ،‬فلم أدع ديوانا إل دسست إليه رقعة‬
‫‪:‬فيها أبيات قلتها فيه‪ ،‬فأصبح الناس يتناشدونها‪ ،‬وهي‬
‫إنـمـا عـيش مـن تـرى بـالـــجـــدود‬ ‫عش بـــجـــد ول يضـــرك نــــوك‬
‫عش بجد وكن هبنقه القيسي نوكا أو شيبة بن الوليد‬
‫شيب يا شيب يا جدي بني القعقاع ما أنت بالحليم الرشيد‬
‫ل ول فيك خلة من خلل الخير أحرزتها لحزم وجود‬
‫غير ما أنك المجيد لتقطيع غناء وضرب دف وعود‬
‫فعلى ذا وذاك يحتمل الدهر مجيدا له وغير مجيد يهجو خلفا الحمر‪ :‬قال‪ :‬وقال أبو محمد اليزيدي يهجو خلفا الحمر أستاذ‬
‫‪:‬الكسائي‪ ،‬أنشدنيه عمي الفضل‬
‫والذي أمه تقر بمقـتـه‬ ‫زعم الحمر المقيت علي‬
‫فلئن كان ذا كذاك فباسته يأمر له الرشيد بمال‪ ،‬ويستعين الغساني على تعجيله فل‬ ‫أنه علم الكسائي نـحـوا‬
‫يعينه‪ :‬وبهذا السناد عن أبي محمد قال‪ :‬أمر لي الرشيد بمال وحضر شخوصه إلى السن ‪ ،‬فأتيت عاصما الغساني ‪-‬وكان أثيرا‬
‫عند يحيى بن خالد‪ -‬فقلت له‪ :‬إن أمير المؤمنين قد أمر لي بمال‪ ،‬وقد حضر من شخوصه ما قد علمت‪ ،‬فأحب أن تذكر أبا علي‬
‫يحيى بن خالد أمره ليعجله إلي‪ .‬فقال‪ :‬نعم‪ ،‬ثم عدت بعد ذلك بيومين‪ ،‬فقال لي يتفخم في لفظه‪ :‬ما أصبت بحاجتك موضعا‪.‬‬
‫‪.‬قال‪ :‬قلت فاجعلها منك ‪-‬أكرمك الله‪ -‬ببال‬

‫صفحة ‪2275 :‬‬

‫فلما خرجت لحقني بعض من كان في المجلس‪ ،‬فقال لي‪ :‬يا أبا محمد‪ ،‬إني لربأ بك أن تأتي هذا الكلب أو تسأله حاجة‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫وكيف? قال‪ :‬سمعته يقول ‪-‬وقد وليت‪ -‬لو أن بيدي دجلة والفرات ما سقيت هذا منهما شربة‪ ،‬فقيل له‪ :‬ولم ذاك ‪-‬أصلحك الله‪-‬‬
‫‪.‬فإن له قدرا وعلما? قال‪ :‬لنه من مضر‪ ،‬وما رأيت مضريا قط يحب اليمانية‬
‫قال‪ :‬فأحببت أل أعجل‪ ،‬فعدت إليه من غد فقلت‪ :‬هل كان منك ‪-‬أكرمك الله‪ -‬في الحاجة شيء? فقال‪ :‬والله لكأنك تطلبنا‬
‫بدين فتحقق عندي ما بلغني عنه‪ ،‬فقلت له‪ :‬ل قضى الله هذه الحاجة على يدك‪ ،‬ول قضى لي حاجة أبدا إن سألتكها‪ ،‬والله ل‬
‫‪.‬سلمت عليك مبتدئا أبدا‪ ،‬ول رددت عليك السلم إن بدأتني به‪ .‬ونفضت ثوبي وخرجت‬
‫يستعين بجعفر بن يحيى على تعجيل المال فيعينه‪ :‬فإني لسير وأفكر في الحيلة لحاجتي إذا براكب يركض حتى لحقني‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫بعثني إليك أبو علي يحيى بن خالد لتقف حتى يلحقك‪ ،‬فرجعت مع رسوله إليه فلقيته‪ ،‬وكان قريبا‪ ،‬فسلمت عليه ثم سايرته‪،‬‬
‫فقال لي‪ :‬إن أمير المؤمنين أمرني أن آمرك بطلب مؤدب لبنه صالح‪ ،‬فإني أحدثك حديثا حدثني به أبي خالد بن برمك‪ :‬أن‬
‫الحجاج بن يوسف أراد مؤدبا لولده‪ ،‬فقيل له‪ :‬ها هنا رجل نصراني عالم‪ ،‬ها هنا مسلم ليس علمه كعلم النصراني‪ ،‬قال‪ :‬ادعوا‬
‫‪.‬لي المسلم‬
‫فلما أتاه قال‪ :‬أل ترى يا هذا أنا قد دللنا على نصراني قد ذكروا أنه أعلم منك‪ ،‬غير أني كرهت أن أضم إلى ولدي من ل ينبههم‬
‫للصلة عند وقتها‪ ،‬ول يدلهم على شرائع السلم ومعالمه? وأنت ‪-‬إن كان لك عقل‪ -‬قادر على أن تتعلم في اليوم ما يعلمه‬
‫أولدي في جمعه‪ ،‬وفي الجمعة ما يعلمهم في الشهر‪ ،‬وفي الشهر ما يعلمهم في سنة‪ .‬ثم قال لي يحيى‪ :‬فينبغي يا أبا محمد أن‬
‫نؤثر الدين على ما سواه‪ ،‬فقلت له‪ :‬قد أصبت من أرضاه‪ ،‬وذكرت له الحسن بن المسور‪ ،‬فضمه إليه ثم سألني‪ :‬من أين‬
‫أقبلت? فأخبرته بخبر عاصم وما كان منه‪ ،‬فقلت له‪ :‬قد حضر هذا المسير‪ ،‬ولست أدري من أي وجه أتقاضاه? فضحك وقال‪:‬‬
‫ولم ل تدري? الق صديقك جعفرا‪ ،‬يعني ابنه‪ ،‬حتى يكلم أمير المؤمنين أو يذكرني حاجتك‪ ،‬فقد تركته على المضي الساعة‪،‬‬
‫‪:‬فانثنيت إلى جعفر وقلت له في طريقي‬
‫عن جعفر كرما وعن شيمه‬ ‫يا سائلي عـمـا أخـبـره‬
‫سيط السماح بلحمه ودمـه‬ ‫إن ابن يحيى جعفرا رجـل‬
‫وكلمه وقف على نعمـه‬ ‫فعليه ل أبـدا مـحـرمة‬
‫بمكان حذو النعل من قدمه فلما دخلت إليه أخبرته الخبر‪ ،‬وأنشدته البيات‪ ،‬وأعلمته‬ ‫وترى مسابقـه لـيدركـه‬
‫ما أمرني به أبوه‪ ،‬فقال لي‪ :‬قل بيتين تذكره فيهما إلى أن أجدد طهرا واكتبهما حتى يكونا معي‪ ،‬فأذكر بهما حاجتك‪ ،‬فقلت‪ :‬نعم‬
‫‪:‬يا سيدي‪ ،‬وأخذت الدواة وكتبت‬
‫خليفة الله على خـلـقـه‬ ‫أحق من أنجـز مـوعـوده‬
‫بالحق ل يدفع عن حـقـه‬ ‫ومن له إرث نبي الـهـدى‬
‫برا وفي الصدق إلى صدقه‬ ‫ينسب في الهدي إلى هـديه‬
‫لئحة بالوحي فـي رقـه‬ ‫ومن له الطاعة مفـروضة‬
‫ل يقدر الناس على رتقـه يهجو الغساني لنه لم يعنه على تعجيل المال‪ :‬قال‪:‬‬ ‫والراتق الفتق العظيم الـذي‬
‫فأخذ الشعر‪ ،‬ومضى إلى الرشيد في حاجتي وأقرأه إياه‪ ،‬فصك إلي بالمال عليه‪ ،‬وقبضته بعد ذلك بيوم‪ ،‬وأنشأت أقول في‬
‫‪:‬الغساني‬
‫فأهل بطيف زار والليل عاتـم‬ ‫أل طرقت أسماء أم أنت حالم?‬
‫وألم قيل الجرمقاني عـاصـم‬ ‫إذا قيل أي الناس أعظم جفـوة‬
‫ومغرس سوء لؤمه متـقـادم‬ ‫دعي أجاءته إلى اللـؤم دعـوة‬
‫صفيحة وجه ابن استها واللهازم‬ ‫شهيدي على أن ليس حرا صليبة‬
‫وجداه سمـاك لـئيم وحـاجـم‬ ‫صفيحة دقاق أبـوه شـبـيهـه‬
‫وأغض على لؤم ووجهك سالم‬ ‫أعاصم خل المكرمات لهلهـا‬
‫وفي كل يوم كوكب لك ناجم‬ ‫?فكيف تنال الدهر مجدا وسـوددا‬
‫وعجبك مهموز وعردك عارم‬ ‫وأصلك مدخول وفسقك ظاهـر‬
‫ورب دعي ألحقته الـدراهـم‬ ‫تصانع غسانا لتلـحـق فـيهـم‬

‫صفحة ‪2276 :‬‬

‫رجعت إلى شلتى وأنفك راغم ‪-‬قال‪ :‬وكان اسم ابنه شلثي‪ ،‬فصيره صلتا‬ ‫‪ -‬فإن راب ريب أو أصابتك شدة‬
‫فل تلـقـه إل وأيرك قـائم‬ ‫إذا عاصما يوما أتيت لحـاجة‬
‫وضيء وسيم أثقلته المـآكـم‬ ‫وعرض له من قبل ذاك بأمرد‬
‫ول تبكه إن أعولته المـآتـم يستعينه الغساني على رد ضيعة له قبضت فيعينه‪:‬‬ ‫وإل فل تسأله ما عشت حاجة‬
‫قال‪ :‬فلما حدث بيني وبين برمك ما حدث قبضت ضيعته في المقبوض من ضياع أسبابهم‪ ،‬فصار إلي وكلمني في أمرها‪،‬‬
‫وسألني كلم الجوهري في ذلك‪ ،‬فقمت له حتى ردت الضيعة عليه‪ ،‬فجاءني يشكرني‪ ،‬ويعتذر مما جرى من فعله المتقدم‪،‬‬
‫‪.‬فقلت له‪ :‬تناس ما مضى‪ ،‬فلست ممن يكافئ على سوء أحدا‬
‫يتهمه أبو عبيدة بذكر مساوئ الناس في المسجد فيهجوه‪ :‬قال أبو محمد‪ :‬كان أبو عبيدة يجلس في مسجد البصرة إلى سارية‪،‬‬
‫وكنت أنا وخلف الحمر نجلس جميعا إلى أخرى‪ ،‬وكان أبو عبيدة من أعضه الناس للناس وأذكرهم لمثالبهم‪ ،‬فقال لصحابه‪:‬‬
‫أترون الحمر واليزيدي إنما يجتمعان على الوقيعة للناس وذكر مساويهم? وبلغني ذلك وأنه قد رمانا بمذهبه‪ ،‬فقلت لخلف‪:‬‬
‫دعه‪ ،‬فأنا أكفيكه‪ .‬فلما كان من الذان جئت أنا وخلف إلى المسجد‪ ،‬فكتبت على الجص في الموضع الذي كان يجلس فيه أبو‬
‫‪:‬عبيدة‬
‫أبا عبيدة قل باللـه آمـينـا قال‪ :‬وأصبح الناس‪ ،‬وجاء أبو عبيدة‪ ،‬فجلس وهو ل‬ ‫صلى الله على لوط وشيعته‬
‫يعلم ما فوق رأسه مكتوبا وأقبل الناس ينظرون إلى البيت ويضحكون‪ ،‬ورفع أبو عبيدة رأسه ونظر إليه‪ ،‬فخجل‪ ،‬ولم يزل‬
‫منكسا رأسه حتى انصرف الناس وأنا وخلف ناحية ننظر إلى ما به‪ ،‬ثم قمنا حتى وقفنا عليه‪ ،‬فقلنا له‪ :‬ما قال صاحب هذا البيت‬
‫إل حقا‪ ،‬نعم فصلى الله على لوط‪ ،‬فأقبل علي وقال‪ :‬قد علمت من أين أتيت‪ ،‬ولن أعاود التعرض لتلك الجهة‪ ،‬ولم يعد لذكرنا‬
‫‪.‬بعد ذلك‬
‫يجفوه يزيد بن المنصور فيعاتبه فيعتبه‪ :‬وقال أبو محمد‪ :‬اعتللت علة من حمى ربع طالت علي أشهرا‪ ،‬فجفاني يزيد بن منصور‪،‬‬
‫‪:‬ولم يمر بي في علتي‪ ،‬ولم يتفقدني كما ينبغي؛ فكتبت رقعة إليه ضمنتها هذه البيات‬
‫من جاء طالبا للخير منـتـابـا‬ ‫قل للمير الذي يرجو نوافـلـه‬
‫من دون خيرك حجابا وأبوابـا‬ ‫إني صحبتك دهرا كل ذاك أرى‬
‫إليك إذا أنشبت ضراؤها نـابـا‬ ‫وكم ضريك أجاءته شـقـاوتـه‬
‫ول سددت له من فـاقة بـابـا‬ ‫فما فتحت له بابـا لـمـيسـرة‬
‫من غاب عنك فوافى حظه غابا فلما قرأها قال‪ :‬جفونا أبا محمد؛ وأحوجناه‬ ‫كغائب شاهد يخفى عليك كمـا‬
‫‪.‬إلى استبطائنا‪ .‬والله المستعان‪ ،‬وبعث إليه بصلة‬
‫يعبث به خلف الحمر في قصيدة نسبه فيها إلى اللواط‪ :‬أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي أبو دلف قال‪ :‬حدثني محمد بن عبد‬
‫الرحمن بن الفهم‪ ،‬وكان من أصحاب الصمعي‪ ،‬قال‪ :‬كان خلف الحمر يعبث بأبي محمد اليزيدي عبثا شديدا‪ ،‬وربما جد فيه‬
‫‪:‬وأخرجه مخرج المزح‪ ،‬فقال فيه ينسبه إلى اللواط‬
‫حدب الذرى أذاقهـا رجـف‬ ‫إني ومن وسج المـطـي لـه‬
‫حث النجاء الركب وازدهفوا‬ ‫يطرحن بالبيد الـسـحـال إذا‬
‫بفناء كعبتـه إذا هـتـفـوا‬ ‫والمحرمين لصوتهـم زجـل‬
‫قذف تعرض دونهـا شـرف‬ ‫وإذا قطعن مساف مهـمـهة‬
‫مثل القسي ضوامر شسـف‬ ‫وافت بهم خوص مـحـزمة‬
‫ما إن رأى قوم ول عرفـوا‬ ‫منـي إلـيه غـير ذي كـذب‬
‫والفرط الماضين إذ سلـفـوا‬ ‫في غابر الناس الذين بـقـوا‬
‫ترش القنا وتضعضع الحجف‬ ‫أحدا كيحيى في الطعان إذا اف‬
‫للوجه منبطحـا وينـحـرف‬ ‫في معرك يلقى الكمـي بـه‬
‫طعنا دوين صله ينخـسـف‬ ‫وإذا أكب القـرن ينـبـعـه‬
‫في الحرب إذ هموا وإذ وقفوا‬ ‫للــه درك أي ذي نـــزل‬
‫ول تصد إذا هـم زحـفـوا‬ ‫ل تخطئ الوجـعـاء ألـتـه‬
‫إحلل والمضمار والعـلـف‬ ‫وله جـياد ل يفـرطـهـا ال‬

‫صفحة ‪2277 :‬‬


‫بان اللقـاح كـأنـهـا نـزف‬ ‫جرد يهان لهـا الـسـويق وأل‬
‫درا تطابق فوقـه الـصـدف‬ ‫مرد وأطـفـال تـخـالـهـم‬
‫والمرء منه اللين واللـطـف‬ ‫فهـم لـديه يعـكـفـون بـه‬
‫نهد أسيل الخـد مـشـتـرف‬ ‫ومتى يشا يجـنـب لـه جـذع‬
‫عبل الشوى في متنه قـطـف‬ ‫يمشي العرضنة تحت فارسـه‬
‫ذهب السكون وأقبل العـنـف‬ ‫ربذ إذا عرقـت مـغـابـنـه‬
‫في كل غادية لـهـا عـرف‬ ‫فأعـد ذاك لـسـرجـه ولـه‬
‫صلعاء في خرطومها قـلـف‬ ‫في حقـوه عـرد تـقـدمـه‬
‫دعيت نزال وهب مـرتـدف‬ ‫جرداء تشحـذ بـالـبـزاق إذا‬
‫د الجلز في يافوخـه جـوف‬ ‫أوفى على قيد الـذراع شـدي‬
‫ل خانه خـور ول قـضـف‬ ‫خاظ ممـر مـتـنـه ضـرم‬
‫في جذره عن فخـذه جـنـف‬ ‫عرد المجس بمتـنـه عـجـر‬
‫نادى بجهد الـويل يلـتـهـف‬ ‫فلـو أن فـياضـا تـأمـلـه‬
‫ودنا بجهد الطعان فمدعس ثقف‬ ‫وإذا تـمـسـحـه لـعـادتـه‬
‫حتى يكـاد لـعـابـه يكـف‬ ‫وإذا رأى نفـقـا ربـا ونـزا‬
‫فندا وهـذا قـلـبـه كـلـف‬ ‫ل ناشـئا يبـقـى ول رجـل‬
‫وجناء ناجـية بـهـا شـدف‬ ‫يا ليتنـي أدري أمـنـجـيتـي‬
‫أو أن يواري هامتي لـجـف‬ ‫من أن تعلـقـنـي حـبـائلـه‬
‫إيها إلـيك تـوق يا خـلـف‬ ‫ولقد أقول حـذار سـطـوتـه‬
‫من دون قلة رأسـه شـعـف‬ ‫ولو أن بيتـك فـي ذرا عـلـم‬
‫وعر التنائف بـيتـهـا قـذف‬ ‫زلـق أعـالـيه وأسـفـلـه‬
‫أن لم يكن لي عنه منصـرف أعرابي يعلق على بيت من هذه الفائية‪ :‬قال‬ ‫لخشيت عـردك أن يبـيتـنـي‬
‫الصمعي‪ :‬فحدثني شيخ من آل أبي سفيان بن العلء أخي أبي عمرو بن العلء قال‪ :‬أنشدت قصيدة خلف الفائية هذه و أعرابي‬
‫‪:‬جالس يسمع‪ ،‬فلما سمع قوله‬
‫طعنا دوين صله ينخسف قال العرابي‪ :‬وأبيك لقد أحب أن يضعه في حاق مقيل‬ ‫فإذا أكب القرن أتبـعـه‬
‫‪.‬ضرطته‬
‫يشغب في مجلس ضم خلفا الحمر‪ ،‬ليهجوه خلف فيغضب‪ :‬أخبرني هاشم بن محمد قال‪ :‬حدثني ابن الفهم قال‪ :‬حدثني‬
‫الصمعي قال‪ :‬كنت مع خلف جالسا‪ ،‬فجرى كلم في شيء من اللغة‪ ،‬وتكلم فيه أبو محمد اليزيدي وجعل يشغب‪ ،‬فقال لي‬
‫‪:‬خلف‪ :‬دعني من هذا يا أبا محمد‪ ،‬وأخبرني من الذي يقول‬
‫رب الحريبة والرميح‬ ‫فإذا انتشأت فإنـنـي‬
‫رب الدوية واللـويح يعرض به أنه معلم‪ ،‬وأنه يلوط‪ ،‬فغضب اليزيدي‪ ،‬وقام فانصرف‬ ‫‪.‬وإذا صحوت فإننـي‬
‫يهجو مواليه بني عدي لقعودهم عنه وقد استنهضهم‪ :‬أخبرني الحسن بن علي قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال‪:‬‬
‫حدثني طلحة الخزاعي قال‪ :‬حدثني أبو سعيد عثمان بن يوسف الحنفي قال‪ :‬غاضب أبو محمد اليزيدي مواليه بني عدي رهط‬
‫‪:‬ذي الرمة من بني تميم لمر استنهضهم فيه‪ ،‬فقعدوا عنه‪ ،‬فقال يهجوهم‬
‫لما رأى بزة أحبـارهـم‬ ‫يأيها السائل عن قـومـنـا‬
‫إعلنهم ليس كإسرارهـم‬ ‫وحسن سمت منهم ظاهـرا‬
‫ينبيك عن قومي وأخبارهم‬ ‫سائل بهم أحمـر أو غـيره‬
‫صولتهم منهم على جيرانهم‬ ‫قوم كرام ما عـدا أنـهـم‬
‫آمنة تخطر فـي دارهـم‬ ‫أسد على الجيران أعداؤهم‬
‫ما قبسوه الدهر من نارهم‬ ‫لو جاءهم مقتبسا جـارهـم‬
‫ينهض في سيره أو ثارهم‬ ‫وقد وترناهم فلم نخش مـن‬
‫إن أيسروا يوما ليسارهـم‬ ‫أحسن قوم لـمـوالـيهـم‬
‫حقا بها قيمة أخبـارهـم‬ ‫شهادة الزور لـهـم عـادة‬
‫به تعدوا فوق أطوارهـم‬ ‫وما لهم مجد سوى مسجـد‬
‫يوما ولم يسمع بأخبارهـم يهنئ الرشيد ويمدح المأمون لتوقفه في أول خطبة له‬ ‫‪:‬لو هدم المسجد لم يعرفـوا‬

‫صفحة ‪2278 :‬‬

‫أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال‪ :‬أخبرني عمي عبيد الله قال‪ :‬حدثني عمي إسماعيل وأخي أحمد قال‪ :‬لما بلغ المأمون‬
‫وصار في حد الرجال أمرنا الرشيد أن نعمل له خطبة يقوم بها يوم الجمعة‪ ،‬فعملنا له خطبته المشهورة‪ .‬وكان جهير الصوت‬
‫‪:‬حسن اللهجة‪ ،‬فلما خطب بها رقت قلوب الناس‪ ،‬وأبكى من سمعه‪ ،‬فقال أبو محمد اليزيدي‬
‫عليه بها شكـر اللـه وجـوب‬ ‫لتهن أمير المؤمـنـين كـرامة‬
‫بدا فضله إذ قام وهو خـطـيب‬ ‫بأن ولي العهد مأمـون هـاشـم‬
‫بأبصارهم والعود منه صـلـيب‬ ‫ولما رماه الناس من كل جانـب‬
‫وفي دونه للسامعـين عـجـيب‬ ‫رماهم بقول أنصتوا عجبـا لـه‬
‫أنابت ورقت عند ذاك قـلـوب‬ ‫ولما وعت آذانهم مـا أتـى بـه‬
‫أغر بطاحي النجـار نـجـيب‬ ‫فأبكى عيون الناس أبلـغ واعـظ‬
‫جريء جنـان ل أكـع هـيوب‬ ‫مهيب عليه للـوقـار سـكـينة‬
‫إذا ما اعترى قلب النجيب وجيب‬ ‫ول واجب فوق المنابر قـلـبـه‬
‫فليس له في العالمين ضـريب‬ ‫إذا ما عل المأمون أعواد منبـر‬
‫تحدث عـنـه نـازح وقـريب‬ ‫تصدع عنه الناس وهو حديثـهـم‬
‫إذا وردت يوما عليه خـطـوب‬ ‫شبيه أمير المؤمـنـين حـزامة‬
‫فأغصانه من طيبه سـتـطـيب‬ ‫إذا طاب أصل في عروق مشاجه‬
‫يقدم عبـد الـلـه فـهـو أديب‬ ‫فقل لمير المؤمنـين الـذي بـه‬
‫عليها ول التدبير منـك يغـيب‬ ‫كأن لم تغب عن بلدة كان والـيا‬
‫فسيرته شخص إلـيك حـبـيب‬ ‫تتبع ما يرضيك في كـل أمـره‬
‫فليس لحي في التراث نصـيب ‪،‬‬ ‫ورثتم بني العباس إرث محمـد‬
‫عطاياك والراجيك ليس يخـيب‬ ‫وإني لرجو يا بن عم مـحـمـد‬
‫نوال فـإياه بـذاك تـثـــيب‬ ‫أثبني على المأمون وابني محمدا‬
‫لنا ولكل المؤمنـين خـصـيب‬ ‫جناب أمير المؤمنـين مـبـارك‬
‫له في الذي حازت يداه نصـيب صوت فلما وصلت هذه البيات إلى الرشيد‬ ‫لقد عمهم جود المام فكـلـهـم‬
‫‪.‬أمر لبي محمد بخمسين ألف درهم‪ ،‬ولبنه محمد بن أبي محمد بمثله‬
‫أخبرني عمي قال‪ :‬حدثنا الفضل بن محمد اليزيدي قال‪ :‬حدثني أخي أحمد عن أبيه قال‪ :‬أستأذن أبو محمد الرشيد وهو بالرقة‬
‫‪:‬في الحج‪ ،‬فأذن له‪ ،‬فلما عاد أنشدنا لنفسه‬
‫إلى الحبة بالزعاج والـعـجـل‬ ‫يا فرحتا إذ صرفنـا أوجـه البـل‬
‫لكن للشوق حثـا لـيس لـلبـل‬ ‫نحـثـهـن ول يؤتـين مـن دأب‬
‫أمسى قرين الهوى والشوق والوجل‬ ‫يا نائيا قربـت مـنـه وسـاوسـه‬
‫فإن عهدك بالتسـهـيد لـم يطـل‬ ‫إن طال عهدك بالحباب مغتـربـا‬
‫صب الفؤاد إلى حران مخـتـبـل‬ ‫أما اشتفى الدهر من حران مختبـل‬
‫لعل نفسك أن تبقـى مـع المـل أخبار من له شعر فيه صنعة من ولد أبي‬ ‫عش بالرجاء وأمل قـرب دارهـم‬
‫محمد اليزيدي وولد ولده شعر له غنى فيه‪ :‬فمنهم محمد بن أبي محمد‪ ،‬ومما يغنى فيه من شعره قوله‪ :‬صوت‬
‫أتيتك عائذا بك منك لما ضاقت الحيل‬
‫لحـينـنـي يضـرب الـمـثــل‬ ‫وصيرني هواك وبي‬
‫فمـا لقـيتـــه جـــلـــل‬ ‫فإن سـلـمـت لـكـم نـفـســي‬
‫فإنـي ذلـــك الـــرجـــل الشعر لمحمد بن أبي محمد اليزيدي‪ ،‬يكنى أبا عبد الله‪،‬‬ ‫وإن قـتـل الـهــوى رجـــل‬
‫‪.‬والغناء لسليم بن سلم‪ ،‬ثقيل أول بالبنصر‪ ،‬وله أيضا فيه ماخوري‬
‫يمدح سليم بن سلم المغني‪ :‬وكان سليم صديق محمد بن أبي محمد اليزيدي‪ ،‬كثير العشرة له‪ ،‬وليس في شيء من شعره‬
‫صنعة إل له‪ .‬وله يقول محمد بن أبي محمد اليزيدي‪ :‬صوت‬
‫ضقـت ذرعـا بـهـجـر مـن ل أسـمـــي‬ ‫بأبـــي أنـــت يا ســـلـــيم وأمـــي‬
‫صد عني أقر من خلق الله لعيني فاشتد غمي وهمي‬
‫بق لـلـحـين أن أمـوت بـسـقـــمـــي? الغناء لسليم‪ ،‬خفيف رمل‬ ‫ما احتيالي إن كان في القدر السا‬
‫‪.‬بالوسطى عن عمرو‬
‫‪:‬ينظر إليه أبو ظبية العكلي فيعجب له‬

‫صفحة ‪2279 :‬‬

‫أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال‪ :‬حدثني عبيد الله عن أخيه أبي جعفر عن أبيه محمد بن أبي محمد قال‪ :‬قال لي أبي‪:‬‬
‫‪:‬نظر إليك أبو ظبية العكلي ‪-‬وقد جاءني‪ -‬فقال لي‪ ،‬وقد أقبلت‬
‫وولدت أنت أبا من الولد يجيب أبا طبية شعرا وقد كتب إليه شعرا‪ :‬قال أبو‬ ‫يلد الرجال بنيهم أولدهـم‬
‫‪:‬محمد‪ :‬وكتب أبو ظبية يوما‬
‫وأنت امرؤ يرجى جـداه ونـائلـه‬ ‫أيحيى لقد زرناك نلتمـس الـجـدا‬
‫فيحمد إل أنت بالخـير فـاضـلـه‬ ‫وما صنع المعروف في الناس صانع‬
‫وأحكمت منه كل أمـر يحـاولـه‬ ‫تخيرك الناس الـخـلـيفة لبـنـه‬
‫كعلمك إل مخطيء الظن فـائلـه‬ ‫فما ظن ذو ظن من الناس علـمـه‬
‫إذا اشتبهت عند البصير مسـائلـه قال أبو محمد‪ :‬فكتب إليه‬ ‫‪:‬إليك تناهت غاية النـاس كـلـهـم‬
‫يقال إذا ما قيل صدق قـائلـه‬ ‫أبا ظبية اسمع ما أقول فخير ما‬
‫وأملت جدواه فإني منـازلـه‬ ‫إذا شئت فانهد بي إلى من أردته‬
‫بحقك فاعذله فتكثر عـواذلـه يتمنى العباس بن الحنف أن يكون سبقه إلى‬ ‫فإن يك تقصير ول يك عارفـا‬
‫بيتين له‪ :‬حدثني أبو عبد الله محمد بن العباس اليزيدي قال‪ :‬حدثني عمي عبيد الله قال‪ :‬حدثني أخي أحمد عن أبي قال‪ :‬صرت‬
‫إلى العباس بن الحنف‪ ،‬فقال لي ما حاجتك? قلت‪ :‬أمرني أخوك وأبي أن أصير إليك وأستفيد منك‪ ،‬فقال لي‪ :‬أتصير إلي?‬
‫وددت أني سبقتك إلى بيتين قلتهما وأني لم أقل من الشعر شيئا غيرهما‪ ،‬فدخلني من السرور ما الله به عليم‪ ،‬فقلت وما هما?‬
‫‪:‬فقال‪ :‬قولك‬
‫ل بقلبي ولسانـي‬ ‫يا بعيد الدار موصو‬
‫ر وأدنتك الماني لم يسرق من الشعر إل معنيين لمسلم بن الوليد‪ :‬حدثني أحمد بن عبيد‬ ‫ربما باعدك الـده‬
‫الله بن عمار قال‪ :‬حدثني بن داود الجراح قال‪ :‬حدثني أبو القاسم عبيد الله بن محمد اليزيدي قال‪ :‬حدثني أحمد بن محمد قال‪:‬‬
‫‪:‬سمعت أبي يقول‪ :‬ما سرقت من الشعر شيئا إل معنيين‪ :‬قال مسلم بن الوليد‬
‫كان منه وحل كـل مـكـان‬ ‫ذاك ظبي تحير الحسن في الر‬
‫قاك إل في النوم أو في الماني فقلت‬ ‫‪:‬عرضت دونه الحجال فمـا يل‬
‫ل بقلبي ولسانـي‬ ‫يا بعيد الدار موصو‬
‫ر وأدنتك الماني وقال مسلم أيضا‬ ‫‪:‬ربما باعدك الـده‬
‫أصيب فإنني ذاك القتيل فقلت أنا‬ ‫‪:‬متى ما تسمعي بقتيل حب‬
‫ك لما ضاقت الحيل‬ ‫أتيتك عائذا بك مـن‬
‫لحيني يضرب المثل‬ ‫وصيرني هواك وبي‬
‫فما لقيتـه جـلـل‬ ‫فإن سلمت لكم نفسي‬
‫فإني ذلك الـرجـل يعتب على صديق له فيجيبه‪ :‬أخبرني محمد بن العباس قال‪ :‬حدثني‬ ‫وإن قتل الهوى رجل‬
‫‪:‬عمي عبيد الله عن اخيه أبي جعفر قال‪ :‬عتب أبي ‪ -‬يعني محمد بن أبي محمد‪ -‬على يونس بن الربيع‪ ،‬وكان صديقه فكتب إليه‬
‫بأربعة تجري علـيك هـمـول‬ ‫سأبكيك حيا ل بكـيتـك مـيتـا‬
‫أرى اليوم ل ألقاك فيه طـويل‬ ‫وأعفيك من طول اللقاء وإنـنـي‬
‫حللت محل في الفؤاد جـلـيل قال‪ ،‬وكتب إليه يونس‬ ‫‪:‬فكيف بصبري عنك ل كيف بعدما‬
‫عتاب منك لي أبدا طويل‬ ‫?إلى كم قد بليت وليس يبلى‬
‫ولم تذنب فقد ظلم الخلـيل يقول في قنفذ شعرا اقترح عليه‪ :‬أخبرني عمي قال‪:‬‬ ‫إذا كثر التجني من خلـيل‬
‫حدثني الحسن بن الفهم قال‪ :‬قال لي أبو سمير عبد الله بن أيوب مولى بني أمية‪ :‬بات عندي ليلة محمد بن أبي محمد‬
‫‪:‬اليزيدي‪ ،‬فظهر لنا قنفذ‪ ،‬فقلت له‪ :‬قل فيه شيئا‪ ،‬فأنشأ يقول‬
‫من الليل إل ما تحدث سـامـر‬ ‫وطارق ليل زارنا بعد هـجـعة‬
‫فقال امرؤ سبقت إليه المقـادر‬ ‫فقلت لعبد الله ما طـارق أتـى?‬
‫وقد جاء خفاق الحشا وهو سادر‬ ‫قريناه صفو الزاد حـين رأيتـه‬
‫حمته من الضيم الرماح الشواجر‬ ‫جميل المحيا والرضا فـإذا أبـى‬

‫صفحة ‪2280 :‬‬

‫مدى الدهر موتورا ول هو واتر يحجب عن المأمون‪ ،‬فيرسل إليه شعرا‪ ،‬فيأذن‬ ‫ولست تراه واضعا لـسـلحـه‬
‫له ويجيزه‪ :‬حدثنا اليزيدي قال‪ :‬حدثني عمي الفضل قال‪ :‬حدثني أبو صالح بن يزداد قال‪ :‬حدثني أبي قال‪ :‬جاء محمد بن أبي‬
‫محمد اليزيدي إلى باب المأمون وأنا حاضر‪ ،‬فاستأذن‪ ،‬فقال الحاجب‪ :‬قد أخذ دواء وأمرني أل آذن لحد‪ .‬قال‪ :‬فأمرك أل توصل‬
‫‪ :‬إليه رقعة? قال‪ :‬ل‪ ،‬فدفع إليه رقعة فيها‬
‫إمام العدل والملك الهمام‬ ‫هديتي التحـية لـلمـام‬
‫وما أهوى لقل للمـام‬ ‫لني لو بذلت له حياتـي‬
‫وعافية تكون إلى تمـام‬ ‫أراك من الدواء الله نفعا‬
‫يريك سلمة في كل عام‬ ‫وأعقبك السلمة منه رب‬
‫سوى تقبيل كفك والسلم قال‪ :‬فأوصلها‪ ،‬وخرج فأذن له‪ ،‬فدخل وسلم وحملت معه‬ ‫أتأذن في السلم بل كلم‬
‫‪.‬ألفا دينار‬
‫يستحسن المعتصم شعرا اقترحه ليه‪ :‬حدثني عمي قال‪ :‬حدثني الفضل اليزيدي قال‪ :‬حدثني أخي أحمد عن أبي‪ :‬قال‪ :‬دخلت‬
‫إلى المعتصم وهو ولي عهد وقد طلع القمر‪ ،‬فتنفس ثم قال‪ :‬يا محمد‪ ،‬قل أبياتا في معنى طلوع القمر‪ ،‬فإنه غاب مدة كما غاب‬
‫محبوب عن حبيبه ثم طلع‪ ،‬فإن كان كما أحب فلك بيت مائة دينار‪ ،‬فقلت‪ :‬صوت‬
‫غاب كما غاب ثم قد لمعا‬ ‫هذا شبيه الحبيب قد طلعـا‬
‫فأسأله بالله عنه ما صنعا‬ ‫?وما أرى غيره يشاكـلـه‬
‫وهو الذي كان بيننا جمعا‬ ‫فرق بيني وبـينـه قـدر‬
‫كما رأينا شبهه رجـعـا فقال‪ :‬أحسنت وحياتي‪ ،‬ثم قال لعلويه‪ :‬عن هذه البيات ‪-‬وكان‬ ‫فهل له عودة فأرقـبـهـا‬
‫‪.‬حاضرا‪ -‬فغنى فيها‪ ،‬وشرب عليها ليلته‪ ،‬وأمر لي بأربعمائة دينار ولعلويه بمثلها‬
‫‪.‬لحن علويه في هذه البيات رمل‬
‫المأمون يحكم له بثلثة آلف دينار من مال عبد الله بن طاهر‪ :‬حدثني عمي قال‪ :‬حدثنا الفضل بن محمد قال‪ :‬حدثني أخي عن‬
‫أبي قال‪ :‬شكوت إلى المأمون دينا علي‪ ،‬فقال‪ :‬إن عبد الله بن طاهر اليوم عندي‪ ،‬وأريد الخلوة معه‪ ،‬فإذا علمت فاستدع أن‬
‫يكون دخولك أو إخراجه إليك‪ ،‬فإني سأحكم لك عليه بمال‪ ،‬فلما علمت أنهم قد جلسوا للشرب صرت إلى الدار‪ ،‬وكتب بهذين‬
‫‪:‬البيتين‬
‫هذا الطفيلي علـى الـبـاب‬ ‫يا خير سـادات وأصـحـاب‬
‫أو أخرجوا لي بعض أصحابي وبعثت بهما إليه‪ ،‬فلما قرأهما قال‪ :‬صدق اكتبوا إليه‬ ‫فصيروا لي معكم مجـلـسـا‬
‫وسلوه أن يختار‪ ،‬فكتب إلي‪ :‬أما وصولك فل سبيل إليه‪ ،‬ولكن من تختار لنخرجه إليك فتمضي معه‪ .‬فكتبت‪ :‬ما كنت لختار على‬
‫أبي العباس أحدا‪ .‬فقل له المأمون‪ :‬قم إلى صديقك‪ .‬فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين إن رأيت أن تعفيني من ذلك‪ .‬أتخرجني عما‬
‫شرفتني به من منادمتك وتبدلني بها منادمة ابن اليزيدي قال‪ :‬ل بد من ذلك أو ترضيه‪ .‬قال‪ :‬فليحتكم‪ .‬قال‪ :‬أخاف أن يشتط أو‬
‫تقصر أنت‪ ،‬ولكني أحكم فأعدل‪ .‬قال‪ :‬قد رضيت‪ .‬قال‪ :‬تحمل إليه ثلثة آلف دينار معجلة‪ .‬قال‪ :‬قد فعلت‪ ،‬فأمر صاحب بيت‬
‫‪.‬المال أن يحملها معي‪ ،‬وأمر عبد الله بردها إلى بيت المال‬
‫يعشق جارية ويحرمها فيعوضه المأمون‪ :‬حدثني الصولي قال‪ :‬حدثني عون بن محمد قال‪ :‬كان محمد بن أبي اليزيدي يعشق‬
‫جارية لسحاب يقال لها عليا ‪ ،‬وكانت من أظرف النساء لسانا وأحسنهن وجها وغناء‪ ،‬فأعطي بها ثلثة آلف دينار فلم تبع‪،‬‬
‫واشتراها المعتصم بخمسة آلف دينار‪ ،‬وذلك في خلفة المأمون‪ ،‬وكان علي بن الهيثم جونقا صديقا لمحمد بن أبي أحمد‬
‫اليزيدي‪ ،‬فبلغ المأمون الخبر‪ ،‬فدعا محمدا‪ ،‬وقال‪ :‬ما قصتك مع عليا? قال‪ :‬قد قلت في ذلك أبياتا‪ ،‬فإن أذن أمير المؤمنين‬
‫‪:‬أنشدتها قال‪ :‬هاتها فأنشده‬
‫وأنني فيهم ألقـى المـرينـا‬ ‫أشكو إلى الله حبي للعـلـيينـا‬
‫أصبحت حقا أرى حبي له دينا‬ ‫حسبي عليا أمير المؤمنين فقـد‬
‫أعني عليا قريع التغلـبـيينـا‬ ‫وحب خلي وخلصاني أبي حسن‬
‫وجدي به فوق وجد الدميينـا‬ ‫ورقتي لبني لي أصـبـت بـه‬
‫فجزت في حبه حد المحبينـا‬ ‫ورابع قد رمى قلبي بأسهمـه‬
‫فرحت عنه بما أعيا المداوينـا‬ ‫وبعض من ل أسمي قد تملكـه‬

‫صفحة ‪2281 :‬‬

‫فلم يدع لي ل دنيا ول دنيا قال‪ :‬فقال المأمون‪ :‬لول أنه أبو إسحاق لنتزعتها منه‪،‬‬ ‫أتاه بالدين والدنيا تمكـنـه‬
‫ولكن هذا ألف دينار فخذه عوضا‪ ،‬ولقيني المعتصم في الدار فقال لي‪ :‬يا محمد‪ ،‬قد علمت ما آل أمر فلنة‪ ،‬فل تذكرنها‪ .‬فقلت‬
‫‪.‬السمع والطاعة لمرك‬
‫ينظم شعرا اقترحه المأمون عليه‪ :‬أخبرني علي بن سليمان الخفش قال‪ :‬حدثنا أبو العباس محمد بن الحسن بن دينار مولى‬
‫بني هاشم قال‪ :‬حدثني جعفر بن محمد اليزيدي عن أبيه محمد بن أبي محمد قال‪ :‬كنت عند المأمون فقال لي‪ :‬يا محمد‪ ،‬قل‬
‫‪:‬شعرا في نحو هذين البيتين‬
‫وإن لم تعده عاد عنها رسولهـا‬ ‫صحيح يود السقم كيما تـعـوده‬
‫كما قد يروع المشفقات خليلها? قال فقلت‬ ‫‪:‬ليعلم عل ترتاع عند شـكـاتـه‬
‫لتكتب أو يرى منكم رسـول‬ ‫صحيح ود لو أمسى عـلـيل‬
‫إذا ما اعتل كنت له وصول‬ ‫رآك تسومه الهجران حتـى‬
‫يكون على هواك له دلـيل‬ ‫فودضنا الحياة بـوصـل يوم‬
‫وموت الهجر شرهما سبيل قال‪ :‬فأمر لي بعشرة آلف درهم‬ ‫‪.‬هما موتان موت هوى وهجر‬
‫أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال‪ :‬حدثني أبو جعفر بن محمد بن أبي محمد اليزيدي‪ .‬عن أبيه قال‪ :‬دخلت على المأمون‬
‫وهو يشرب‪ ،‬وعنده عريب ومحمد بن الحارث بن بسخنر يغنيانه‪ ،‬فقال‪ :‬أطعموا محمدا شيئا‪ ،‬فقلت‪ :‬قد بدأت بذلك في دار أمير‬
‫المؤمنين‪ ،‬فقال‪ :‬أما ترى كيف عتق هذا الشراب حتى لم يبق إل أقله‪ ،‬ما أحسن ما قيل في قديم الشراب? فقلت‪ :‬قول‬
‫‪:‬الحكمي‬
‫بلسان ناطـق وفـم‬ ‫عتقت حتى لو اتصلت‬
‫ثم قصت قصة المم فقال‪ :‬هذا كان في نفسي‪ ،‬ثم قال‪ :‬اسقوا محمدا رطلين‪،‬‬ ‫لحتبت في القوم ماثلة‬
‫‪:‬وأعطوه عشرين ألف درهم‪ ،‬ثم نكت في الرض ورفع رأسه ثم قال‪ :‬يا محمد‬
‫عنى العيان ودقت عن مدى الفهم‬ ‫إني وأنت رضيعا قهوة لطـفـت‬
‫والكأس حرمتها أولى من الرحم قال‪ :‬والشعر له قاله في ذلك الوقت‬ ‫‪.‬لم نرتضع غير كأس درها ذهب‬
‫ومما فيه غناء من شعر محمد بن أبي محمد‪ ،‬أنشدناه محمد بن العباس عن عمه عبيد الله عن أخيه أحمد‪ :‬صوت‬
‫ولست بالغضـبـان‬ ‫أنت امرؤ متـجـن‬
‫فيما أرى غير شاني‬ ‫أنت امرؤ لك شـأن‬
‫أكف عنك لسانـي‬ ‫صرح بما عنه أكني‬
‫مننت بالغـفـران صوت‬ ‫حسبي أسأت فهـل‬
‫عينـي أمـا تـرحـمـنــي‬ ‫يا أحــســـن المة فـــي‬
‫موكـل بــالـــحـــزن‬ ‫أمـا تـرانـي كـــامـــدا‬
‫راتـي لهـل الـظــنـــن‬ ‫أمـا تــرى فـــيك مـــدا‬
‫فا مـنـه أن يفـضـحـنــي‬ ‫أصرف طـرفـي عـنـك خـو‬
‫‪:‬يراني الله وما ألغى وإن لم ترني وممن له شعر فيه صنعة من ولد أبي محمد اليزيدي لصلبه إبراهيم‬
‫صوت‬

‫من كان للعشق مستحقا‬ ‫ل تلحني إن منحت عشقا‬


‫ولم أقدم عليه خلـقـا‬ ‫ولم يقدم علي خـلـقـا‬
‫من ملكه ما حييت عتقا‬ ‫يملك رقي ولست أبغي‬
‫أعطف منه ول أرقـا الشعر لبراهيم بن محمد اليزيدي‪ ،‬والغناء لبي العبيس بن‬ ‫لم أر فيمن هويت خلقـا‬
‫‪.‬حمدون‪ ،‬خفيف ثقيل مطلق‪ .‬وفيه لعريب رمل مزموم‬

‫أخبار إبراهيم‬
‫خبر له مع عريب وقد نظم شعرا اقترحه عليه‪ :‬أخبرني عمي قال‪ :‬حدثني الفضل بن محمد اليزيدي قال‪ :‬حدثنا أحمد عن عمه‬
‫إبراهيم قال‪ :‬كنت مع المأمون في بلد الروم‪ ،‬فبينا أنا في ليلة مظلمة شاتية ذات غيم وريح وإلى جانبي قبة‪ ،‬فبرقت برقة وإذا‬
‫‪:‬في القبة عريب‪ .‬قالت‪ :‬إبراهيم بن اليزيدي? فقلت‪ :‬لبيك فقالت‪ :‬قل في هذا البرق أبياتا ملحا لغني فيها‪ ،‬فقلت‬
‫إذا رأيت لمعان الـبـرق‬ ‫ماا بقلبي من أليم الخـفـق‬
‫لن من أهوى بذاك الفق‬ ‫من قبل الردن أو دمشـق‬
‫علي والزور خلف الحق‬ ‫فارقته وهو أعز الخـلـق‬
‫ولست أبغي ما حييت عتقي‬ ‫ذاك الذي يملك مني رقـي‬

‫صفحة ‪2282 :‬‬

‫قال‪ :‬فتنفست نفسا ظننته قد قطع حيازيمها‪ ،‬فقلت‪ :‬ويحك على من هذا? فضحكت ثم قالت‪ :‬على الوطن‪ .‬فقلت‪ :‬هيهات‬
‫ليس هذا كله للوطن‪ ،‬فقالت‪ :‬ويلك أفتراك ظننت أنك تستفزني? والله لقد نظرت نظرة مريبة في مجلس‪ ،‬فادعاها أكثر من‬
‫‪ .‬ثلثين رئيسا‪ ،‬والله ما علم أحد منهم لمن كانت إلى هذا اليوم‬
‫يقيم أياما بسيحان مع صديق‪ ،‬ويقول هناك شعرا‪ :‬أخبرني الحسن بن علي فقال‪ :‬حدثني الفضل بن محمد اليزيدي قال‪ :‬حدثني‬
‫أخي عن عمي إبراهيم بن أبي محمد‪ :‬أنه كان مع المعتصم لما خرج إلى الغزو‪ ،‬قال فكتب في رفقه فيها فتى من أهل البصرة‪،‬‬
‫ظريف أديب شاعر راوية‪ ،‬فكان لي فيه أنس‪ ،‬وكنا ل تفترق حتى غزونا وعدنا‪ ،‬فعاد إلى البصرة‪ ،‬وكان له بستان حسن‬
‫بسيحان‪ ،‬فكان أكثر مقامه به‪ ،‬وعزم لي على الشخوص إلى البصرة لحاجة عرضت لي‪ ،‬فكان أكثر نشاطي لها من أجله‪،‬‬
‫فوردتها‪ ،‬ونظرت فيما وردت له‪ ،‬ثم سألت عنه‪ ،‬ومضيت إليه‪ ،‬فكاد أن يستطار بي فرحا‪ ،‬وأقمت بسيحان معه أياما‪ ،‬وقلت في‬
‫‪:‬بعضها وقد اصطحبنا في بستانه‬
‫حثا المدامة في أكناف سيحانـا‬ ‫يا مسعدي بسيحان فديتـكـمـا‬
‫بذاك خبرنا من كان أنـبـانـا‬ ‫نهر كريم من الفردوس مخرجه‬
‫طيب المسير على سيحان أحيانا‬ ‫ل تحسداني رواحا أو مباكـرة‬
‫نفسي تقي ذلك النسان إنسانـا‬ ‫بشط سيحان إنسان كلفـت بـه‬
‫ل شيء أطيب من رياه ريحانا‬ ‫رياه ريحاننا والكأس معـمـلة‬
‫سكرا فإني قد أمسيت سكرانـا‬ ‫حثا شرابكما حتى أرى بكـمـا‬
‫يهيجان لنفس الصب أشجـانـا‬ ‫ريا الحبيب وكأس من معتـقـه‬
‫وساكنيه من السكان من كانـا‬ ‫سقيا لسيحان من نهر ومن وطن‬
‫وبيننا وهم فـي دير مـرانـا يدعو ابن أخيه محمدا سعرا إلى مجلس شراب‪:‬‬ ‫هم الذين عقدنا الـود بـينـهـم‬
‫أخبرني محمد بن العباس قال‪ :‬حدثني عمي عبيد الله عن جماعة من أهلنا‪ :‬أن إبراهيم بن أبي محمد اليزيدي كان يعاشر أبا‬
‫غسان‪ ،‬مولى منيرة؛ وكانت له جارية مغنية؛ فقال لها جاني؛ فدعاه يوما أبو غسان وجلسنا للشرب‪ ،‬فقال له‪ :‬لو دعوت ابن‬
‫‪:‬أخيك ‪-‬يعني محمد بن أبي محمد‪ -‬لنأنس به فكتب إليه إبراهيم‬
‫وأكـرم الـفـتـيان‬ ‫يا أكرم الناس طـرا‬
‫تسقى سلف الدنـان‬ ‫بادر إلينـا لـكـيمـا‬
‫مهفـهـف فـتـان‬ ‫على غنـاء غـزال‬
‫شرابك الخسروانـي‬ ‫اشرب على وجه جان‬
‫وما لها مـن مـدان‬ ‫فما لجـان نـظـير‬
‫وما لـه مـن ثـان‬ ‫إل الذي هـو فـرد‬
‫في شهره وثـمـان‬ ‫أعني الهلل لـسـت‬
‫يرى بكـل مـكـان‬ ‫للناس بـدر مـنـير‬
‫لدى أبـي غـسـان‬ ‫وما لنـا غـير بـدر‬
‫موصولة بلسـانـي‬ ‫ذكراه في كل وقـت‬
‫فحبه قـد بـرانـي‬ ‫سبيتـه وسـبـانـي‬
‫أصبو إلى إنـسـان يستصلحه بعض إخوانه بعد جفوة فيقول في ذلك شعرا‪ :‬أنشدنا أبو‬ ‫من ثم لست تـرانـي‬
‫عبيد الله اليزيدي عن عمه الفضل لبراهيم بن أبي محمد اليزيدي في بعض إخوانه‪ ،‬وقد رأى منه جفوة‪ ،‬ثم عاد واستصلحع‪،‬‬
‫‪:‬فكتب إليه‬
‫كي ل يجوز بنفسه القدرا‬ ‫من تاه واحدة فته عشـرا‬
‫أزهى عليه ول تكن غمرا‬ ‫وإذا زها أحد عليك فكـن‬
‫منه ولم تحذر لـه ضـرا‬ ‫أرأيت من لم ترج منفـعة‬
‫بل كن أشد إذا زها كبـرا يعربد في مجلس شراب مع المأمون‪ ،‬ثم يعتذر إليه‪:‬‬ ‫لم يستذل وتـسـتـذل لـه‬
‫حدثني عمي والحسن بن علي قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال‪ :‬حدثني أبي عن جعفر بن المأمون قال‪ :‬دخل‬
‫إبراهيم بن أبي محمد اليزيدي على أبي وهو يشرب‪ ،‬فأمره بالجلوس فجلس‪ ،‬وأمر له بشراب فشرب‪ .‬وزاد في الشراب‬
‫‪:‬فسكر وعربد‪ ،‬فأخذ علي بن صالح المصلى بيده‪ ،‬فأخرجه‪ ،‬فلما أصبح كتب إلى أبي‬
‫ولو لم يكن ذنب لما عرف الـعـفـو‬ ‫أنا المذنب الخطاء والـعـفـو واسـع‬
‫كرهت وما إن يستوي السكر والصحو‬ ‫ثملت فأبدت مني الكأس بـعـض مـا‬

‫صفحة ‪2283 :‬‬

‫بدهت به ل شك فيه هو السـرو‬ ‫ولول حميا الكأس كان احتمال مـا‬


‫وفي مجلس ما إن يجرز به اللغو‬ ‫ول سيما إذ كنت عنـد خـلـيفة‬
‫إلى من لديه يغفر العمد والسهـو‬ ‫تنصلت من ذنبي تنصـل ضـارع‬
‫وإل يكن عفو فقد قصر الخطـو يحجب عن هارون بن المأمون‪ ،‬فينظم‬ ‫فإن تعف عني تليف خطوي واسعا‬
‫في ذلك شعرا‪ :‬حدثني عمي قال‪ :‬حدثنا الفضل بن محمد الزيدي قال‪ :‬جاء إبراهيم إلى هارون بن المأمون‪ ،‬فصادفه قد خل هو‬
‫‪:‬وجماعة من المعتزلة‪ .‬فلم يصل إليه وحجب عنه‪ ،‬فكتب إليه‬
‫فعليكم مني السلم تحيه‬ ‫غلبت عليكم هذه القدريه‬
‫وهم لديكم بكرة وعشيه‬ ‫آتيكم شوقا فل ألقـاكـم‬
‫أشياعه وكفى بتلك بليه‬ ‫هرون قائدهم وقد حفت‬
‫ما قد رآه فنحن مأمونيه يكتب شعرا إلى ابن له أحب غلما وأحب الغلم غيره‪:‬‬ ‫لكن قائدنا المام ورأينـا‬
‫أخبرني عمي قال‪ :‬حدثني الفضل قال‪ :‬كان لعمي إبراهيم ابن يقال له‪ :‬إسحاق‪ ،‬وكان يألف غلما من أولد الموالي‪ .‬فلما خرج‬
‫المعتصم إلى الشام خرج إبراهيم معه‪ ،‬وخرج الغلم الذي يألفه في المعسكر‪ ،‬وعرف إبراهيم أنه قد صحب فتى من فتيان‬
‫‪:‬العسكر غير ابنه‪ ،‬فكتب عمي إبراهيم إلى ابنه‬
‫يعرفه قد فعل الـحـوبـا‬ ‫قل لبي يعقوب إن الـذي‬
‫فالن قد صادف محبوبـا‬ ‫كان محبا لك فيما مضـى‬
‫ينفك تصعيدا وتصـوبـيا‬ ‫يركب هذا ذا وذا ذا فـمـا‬
‫أظهر شيئا كان محجوبـا‬ ‫فرأس إسحاق فدينـاه قـد‬
‫منصوبة شعبن تشعـبـيا‬ ‫أرى قرونا قد تجلـلـنـه‬
‫إذ ركبت في الرأس تركيبا‬ ‫أطنه يعجز عن حملـهـا‬
‫يحمل منهن أعـاجـيبـا يسأله ابن أخ له مزيدا من العناية به فيجيبه شعرا‪ :‬حدثني‬ ‫يا رحمتا لبني على ضعفه‬
‫عمي قال‪ :‬حدثني الفضل اليزيدي قال‪ :‬كتبت إلي عمي إبراهيم أستعين به في حاجة لي‪ ،‬وأستزيده من عنايته بأموري‪ ،‬وأطالبه‬
‫‪:‬أن يتوفر نصيبي لديه وفيما أبتغيه منه‪ ،‬فكتب إلي‬
‫وكـنـت امـرأ أجـنـبـيا غــريبـــا‬ ‫فديتـك لـو لـم تـكـن لـي قــريبـــا‬
‫به مـسـتـخـفـا إلـيك الـلـبـيبـــا‬ ‫مع الـبـر مـنـك ومـا يسـتــجـــر‬
‫ك مـثـل نـصـيبـك مـنـي نـصـيبـا‬ ‫لمـا إن جـعـلـت لـخـلــق ســـوا‬
‫وازداد حـقـك عـنـدي وجـــوبـــا‬ ‫وكـنـت الـمـقــدم مـــمـــن أود‬
‫فما زلت في الحـاج شـهـمـا نـجـيبـا‬ ‫تلـطـف لـمـا قـد تـكـلـمـت فــيه‬
‫ت واحـتـل بـرفـقـك حـتـى يجـيبـا‬ ‫وراوض أبـــا حـــســــن إن رأي‬
‫وإل اسـتـعـنـت عـلـيه الـحـبـيبــا‬ ‫فإن هـو صـار إلــى مـــا تـــريد‬
‫لتـلـفـيه غـير شـك مـجـــيبـــا‬ ‫ومـا ل يخـالـف مـا تـشـتــهـــيه‬
‫كذاك الديب يحـــب الديبـــــــا‬ ‫يودك خـاقــان ودا عـــجـــيبـــا‬
‫علـيه وتـجـمـع فـيه ضـــروبـــا‬ ‫وأنـت تـكـافـيه بــل قـــد تـــزيد‬
‫وذو الـلـب يأنـــف أل يثـــيبـــا‬ ‫تثـيب أخـاك عـلـى الـود مـــنـــه‬
‫ول سيما إذ براه الله كالبدر يدعو إليه القلوبا‬
‫كثـيبـا وأعـله يحـكـي الـقـضـيبـا‬ ‫يرى المتمني له ردفه‬
‫كمـا تـم مـلـحـا وحـسـنـا وطـيبـا‬ ‫وقد فاق فـي الـعـلـم والـفـهـم مـنـه‬
‫يعـاف إذا نـاولـوه الـقـضـــيبـــا‬ ‫ويبـلـغ فـيمـا يقــولـــون لـــيس‬
‫فخـاب وقـد ظـن أن لـن يخــيبـــا‬ ‫ولـكـنــه وافـــق الـــزاهـــدين‬
‫ه عـاث فـتـطـهـيره أن يثــوبـــا‬ ‫وإن ركـب الـمــرء فـــيه هـــوا‬
‫فل تـأمـنـن عـلـى الـشــاة ذيبـــا‬ ‫إذا زارت الـشـاة ذئبـا طــبـــيبـــا‬
‫إذا اعـتـل يومـا وجـاء الـطـيبـبـــا‬ ‫وعـنـد الـطـبـيب شـفـاء الـسـقــيم‬
‫م إل وثـوبـا بـجـيد الـركـــوبـــا شعره وقد زامل المأمون في سفر يحيى‬ ‫ولـسـت تـرى فـارسـا فــي النـــا‬
‫بن أكثم ومخنثا‪ :‬أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال‪ :‬حدثني عمي عبيد الله قال‪ :‬وحدثني أخي أحمد قال‪ :‬زامل المأمون في‬
‫‪:‬بعض أسفاره بين يحيى بن أكثم وعبادة المخنث‪ ،‬فقال عمي إبراهيم في ذلك‬

‫صفحة ‪2284 :‬‬

‫ولم يزل تلـك لـه عـاده‬ ‫وحاكـم زامـل عـبـاده‬


‫يحكم في قـيمة لـبـاده‬ ‫لو جاز لي حكم لما جاز أن‬
‫وافت قفاه منه سـجـاده يرمي يحيى بن أكثم باللواط‪ :‬وقال في يحيى أيضا‬ ‫‪:‬كم من غلم عز في أهلـه‬
‫فأعقبنا بعد الـرجـاء قـنـوط‬ ‫وكنا نرجي أن نرى العدل ظاهرا‬
‫وقاضي قضاة المسلمين يلـوط يتمثل المأمون ببيت من هجائه ليحيى بن‬ ‫متى تصلح الدنيا ويصلح أهلهـا‬
‫أكثم‪ :‬وأخبرني عمي حدثنا أبو العيناء قال‪ :‬نظر المأمون إلى يحيى بن أكثم يلحظ خادما له‪ ،‬فقال للخادم‪ :‬تعرض له إذا قمت؛‬
‫فإني سأقوم للوضوء ‪-‬وأمره أل يبرح‪ -‬وعد إلي بما يقول لك‪ ،‬وقام المأمون‪ ،‬وأمر يحيى بالجلوس‪ .‬فلما غمزه الخادم بعينه‪،‬‬
‫قال يحيى‪ :‬لول أنتم لكنا مؤمنين فمضى الخادم إلى المأمون فأخبره‪ ،‬فقال له‪ :‬عد إليه فقل له‪ :‬أنحن صددناكم عن الهدى‬
‫بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين فخرج الخادم إليه‪ ،‬فقال له ما أمره به المأمون‪ ،‬فأطرق يحيى وكاد يموت جزعا‪ ،‬وخرج‬
‫‪:‬المأمون وهو يقول‬
‫وقاضي قضاة المسلمين يلوط قم وانصرف‪ ،‬واتق الله وأصلح نيتك‬ ‫‪ .‬متى تصلح الدنيا ويصلح أهلها‬
‫يرتجل في مجلس المأمون بيت ويزيد المأمون بيتأ عليه‪ :‬حدثنا اليزيدي قال‪ :‬حدثني ابن عمي إسحاق بن إبراهيم بن أبي‬
‫محمد اليزيدي عن أبيه إبراهيم قال‪ :‬كنت عند المأمون يوما وبحضرته عريب‪ ،‬فقالت لي على سبيل الولع بي‪ :‬يا سلعوس‪،‬‬
‫‪:‬وكان جواري المأمون يلقبنني بذلك عبثا‪ ،‬فقلت لها‬
‫وكوني كتزيف وكوني كمونسه فقال المأمون‬ ‫‪:‬قل لعريب ل تكوني مسلعسـه‬
‫هنالك شك أن ذا منك وسوسة قال‪ :‬فقلت‪ :‬كذا والله يا أمير المؤمنين أردت‬ ‫فإن كثرت منك القاويل لم يكن‬
‫‪.‬أن أقول‪ ،‬وعجبت من ذهن المأمون‬
‫وممن غني في شعره من ولد أبي محمد اليزيدي أبو جعفر أحمد بن محمد بن أبي محمد فمن ذلك‪ :‬صوت‬
‫والقلب مذ غبت للحزان معتـاد‬ ‫شوقي إلـيك عـلـى اليام يزداد‬
‫كأن أيامه في الحـسـن أعـياد الشعر لحمد بن محمد بن أبي محمد‪،‬‬ ‫يا لهف نفسي على دهر فجعت به‬
‫والغناء لبحر هزج‪ ،‬وفيه ثاني ثقيل مطلق‪ .‬ذكر الهشامي أنه لسحاق‪ ،‬وما أراه أصاب‪ ،‬ول هو في جامع إسحاق‪ ،‬ول يشبه‬
‫‪.‬صنعته‬
‫طريف من أخباره‪ :‬وكان أحمد راوية لعلم أهله‪ ،‬فاضل أديبا‪ ،‬وكان أسن ولد محمد بن أبي محمد‪ ،‬وكان أخوته جميعا يأثرون‬
‫علوم جدهم وعمومتهم عنه‪ ،‬وقد أدرك أبا محمد‪ ،‬وأظن أنه قد روى عنه أيضا‪ ،‬إل أني لم أذكر شيئا من ذلك وقت ذكرى إياه‬
‫‪.‬فأحكيه عنه‬
‫يبيت عند ابن المأمون فيكتب إليه عمه شعرا‪ :‬أخبرني الحسن بن علي قال‪ :‬حدثنا الفضل بن محمد اليزيدي قال‪ :‬حدثني أخي‬
‫أبو جعفر قال‪ :‬كنت عند جعفر بن المأمون مقيما‪ ،‬فلما أردت النصراف منعني‪ ،‬فبت عنده‪ ،‬وزارته لما أصبحنا عريب في‬
‫‪:‬جواريها؛ وبت فاحتبسها من غد؛ فاستطبت المقام أيضا فأقمت‪ ،‬فكتب إلي عمي إبراهيم بن محمد اليزيدي‬
‫وطالت الغيبة عنـد المـير‬ ‫شردت يا هذا شرود البـعـير‬
‫وثالثا تحبـى بـبـر كـثـير‬ ‫أقمت يومـين ولـيلـيهـمـا‬
‫إن طالت اليام يوم قـصـير‬ ‫يوم عريب مع إحـسـانـهـا‬
‫منها ول تخلق عند الكـرور‬ ‫لها أغـان غـير مـمـلـولة‬
‫أن تؤثر اللهو ويوم السـرور‬ ‫غير ملوم يا أبـا جـعـفـر‬
‫إن كنت عن مجلسنا بالنفـور‬ ‫فاجعل لنا منك نصيبـا فـمـا‬
‫أصارك الرحمن خير المصير‬ ‫وصر إلينا غير ما صـاغـر‬
‫عود فعندي القمر بالنردشـير‬ ‫إن لم يكن عندي غـنـاء ول‬
‫بأهله حادث صرف الدهـور‬ ‫والذكر بالعلم الذي قد مضـى‬
‫أعلمه تحويه منا الصـدور‬ ‫وهو جديد عندنـا نـهـجـه‬
‫أولى وأبلى ولربي الشكـور يقترح عليه المعتصم شعرا في غلم وسيم‪ :‬حدثنا بن‬ ‫فالحمد لله عـلـى كـل مـا‬
‫‪:‬العباس اليزيدي قال‪ :‬حدثني عمي الفضل قال‪ :‬سمعت أخي أبا جعفر أحمد بن محمد يقول‬

‫صفحة ‪2285 :‬‬

‫دخلت إلى المعتصم يوما وبين يديه خادم وضيء جميل وسيم‪ ،‬فطلعت عليه الشمس‪ ،‬فما رأيت أحسن منها على وجهه‪ ،‬فقال‬
‫‪:‬لي‪ :‬يا أحمد‪ ،‬قل في هذا الخادم شيئا‪ ،‬وصف طلوع الشمس عليه وحسنها‪ ،‬فقلت‬
‫وطاب لي الهوى مع النـس‬ ‫قد طلعت شمس على شمـس‬
‫فصرت أشتاق إلى الشمـس من شعره في الرد على اعتذار‪ :‬حدثني‬ ‫وكنت أقلي الشمس فيما مضى‬
‫اليزيدي قال‪ :‬حدثني عمي الفضل قال‪ :‬كتب إلى أخي بعض إخوانه ممن كان يألفه ويديم زيارته‪ ،‬ثم انقطع عنه ‪-‬يعتذر إليه من‬
‫‪:‬تأخره عنه‪ ،‬فكتب إليه‬
‫في تركهم بري وإتيانـي‬ ‫إني امرؤ أعذر إخوانـي‬
‫لي اليوم جاه عند سلطان‬ ‫لنه ل لهو عـنـدي ول‬
‫أصحاب تمييز ورجحـان‬ ‫وأكثر الخوان في دهرنا‬
‫فشكره عندي شـكـران‬ ‫فمن أتاني منعما مفضـل‬
‫عندي ول تعنيفه شانـي‬ ‫ومن جفاني لم يكن لومـه‬
‫وأتبع الحسنى بإحـسـان‬ ‫أعفو عن السيء من فعلهم‬
‫مني بإسراري وإعلنـي ينشد المأمون شعرا وهو ل يزال غلما‪ :‬حدثني اليزيدي قال‪:‬‬ ‫حسب صديقي أنه واثـق‬
‫حدثني أبي عن عمي من أبي جعفر أحمد بن محمد قال‪ :‬دخلت على المأمون وهو في مجلس غاص بأهله ‪-‬وأنا يومئذ غلم‪-‬‬
‫فاستأذنت في النشاد‪ ،‬فأذن‪ ،‬فأنشدته مديحا لي مدحته به‪ ،‬وكان يستمع للشاعر ما دام في تشبيب أو وصف ضرب من‬
‫‪:‬الضروب‪ ،‬حتى بلغ إلى مديحه لم يسمع منه إل بيتين أو ثلثة‪ ،‬ثم يقول للمنشد‪ :‬حسبك ترفعا‪ ،‬فأنشدته‬
‫وبذلت من وجدي له أقصـاه‬ ‫يا من شكوت إليه مـا ألـقـاه‬
‫ولربما منع الحريص مـنـاه‬ ‫فأجابني بخلف ما أمـلـتـه‬
‫فهجرته وغضبت من شكـواه‬ ‫أترى جميل أن شكا ذو صبوة‬
‫إن كنت تكره وصله وهـواه‬ ‫يكفيك صمت أو جواب مؤيس‬
‫يهواه يزعـم أن ذاك رضـاه فلما صرت إلى المديح قلت‬ ‫‪:‬موت المحب سعادة إن كان من‬
‫عزا إلى العز الذي أعطاه‬ ‫أبقى لنا الله المـام وزاده‬
‫عتقاء من نعم العباد سواه فسر بذلك وضحك‪ ،‬وقال‪ :‬جعلنا الله وإياكم ممن يشكر‬ ‫فالله مكرمنا بأنا معـشـر‬
‫‪.‬النعمة‪ ،‬ويحسن العمل‬
‫ينشد المأمون شعرا وهو يريد الغزو‪ :‬أخبرنا محمد بن العباس قال‪ :‬حدثني أبي عن أخيه أبي جعفر قال‪ :‬دخلت يوما على‬
‫‪:‬المأمون بقارا ‪ ،‬وهو يريد الغزو فأنشدته شعرا مدحته فيه؛ أوله‬
‫إني حللت إليك من قـارا‬ ‫يا قصر ذا النخلت من بارا‬
‫فذكرت أشجارا وأنهـارا‬ ‫أبصرت أشجارا على نهـر‬
‫بالقفص أحيانا وفي بـارا‬ ‫لله أيام نـعـمـت بـهـا‬
‫ألهو بها وأزور خـمـارا‬ ‫إذ ل أزال أزور غـانـية‬
‫وأجيب شطـارا ودعـارا‬ ‫ل أستجيب لمن دعا لهـدى‬
‫وأطيع أوتارا ومـزمـارا قال‪ :‬فغضب المأمون‪ ،‬وقال‪ :‬أنا في وجه عدو‪ ،‬وأحض‬ ‫أعصي النصيح وكل عاذلة‬
‫‪:‬الناس على الغزو‪ ،‬وأنت تذكرهم نزهة بغداد? فقلت‪ :‬الشيء بتمامه‪ ،‬ثم قلت‬
‫ورأيت خير المر ما اختارا‬ ‫فصحوت بالمأمون عن سكري‬
‫للفرض إعلنـا وإسـرارا‬ ‫ورأيت طـاعـتـه مـؤدية‬
‫ورضيت دار الجد لـي دارا‬ ‫فخلعت ثوب الهزل عن عنقي‬
‫وجواره وكفـى بـه جـارا‬ ‫وظللت معتصما بطـاعـتـه‬
‫وأسير عنها حيثـمـا سـارا فقال له يحيى بن أكثم‪ :‬ما أحسن ما قال يا أمير‬ ‫إن حل أرضا فهي لي وطـن‬
‫‪.‬المؤمنين أخبر أنه كان في سكر وخسار‪ ،‬فترك ذلك وارعوى‪ ،‬وآثر طاعة خليفته‪ ،‬وعلم أن الرشد فيها؛ فسكن وأمسك‬
‫يجيز بيتا للمأمون في غلم المعتصم‪ :‬حدثني الصولي قال‪ :‬حدثني محمد بن يحيى بن أبي عبادة قال‪ :‬حدثني هارون بن محمد‬
‫‪:‬بن عبد الملك الزيات عن أبيه قال‬

‫صفحة ‪2286 :‬‬

‫دعا المعتصم ذات يوم المأمون فجاءه‪ ،‬فأجلسه في بيت على سقفه جامات‪ ،‬فوقع ضوء الشمس من وراء تلك الجامات على‬
‫وجه سيما التركي غلم المعتصم‪ ،‬وكان المعتصم أوجد الناس به‪ ،‬ولم يكن في عصره مثله‪ ،‬فصاح المأمون يا أحمد بن محمد‬
‫‪:‬اليزيدي ‪-‬وكان حاضرا‪ -‬فقال‪ :‬انظر إلى ضوء الشمس على وجه سيما التركي‪ ،‬أرأيت أحسن من هذا قط? وقد قلت‬
‫وزالت الوحشة بـالنـس أجز يا أحمد‪ ،‬فقلت‬ ‫‪:‬قد طلعت شمس على شمس‬
‫فصرت أشتاق إلى الشـمـس قال‪ :‬وفطن المعتصم‪ ،‬فعض على شفته‬ ‫قد كنت أشنا الشمس فيما مضى‬
‫لحمد ‪ ،‬فقال أحمد للمأمون‪ :‬والله لئن لم يعلم الحقيقة من أمير المؤمنين لقعن معه فيما أكره‪ ،‬فدعاه المأمون فأخبره الخبر‪،‬‬
‫‪.‬فضحك المعتصم‪ .‬فقال له المأمون‪ :‬كثر الله في غلمانك مثله‪ ،‬إنما استحسنت شيئا فجرى ما سمعت ل غيره‬
‫يعدد المأمون الحقوق التي توجب عليه مراعاته له‪ :‬حدثني الصولي قال‪ :‬حدثني عون بن محمد قال‪ :‬حدثني أحمد بن محمد‬
‫اليزيدي قال‪ :‬كنا بين يدي المأمون‪ ،‬فأنشدته مدحا‪ ،‬فقال‪ :‬لئن كانت حقوق أصحابي تجب علي لطاعتهم بأنفسهم فإن أحمد‬
‫ممن تجب له المراعاة لنفسه وصحبته‪ ،‬ولبيه وخدمته‪ ،‬ولجده وقديم خدمته وحرمته‪ ،‬وإنه للعريق في خدمتنا‪ ،‬فقلت‪ :‬قد‬
‫‪:‬علمتني يا أمير المؤمنين كيف أقول‪ ،‬ثم تنحيت ورجعت إليه‪ ،‬فأنشدته‬
‫فبه أمنت بواثق العـطـب‬ ‫لي بالخليفة أعظم السـبـب‬
‫قبلي وجدي كان قبل أبـي‬ ‫ملك غذتني كـفـه وأبـي‬
‫أسمو به في العجم والعرب فضحك‪ ،‬وقال‪ :‬قد نظمت يا أحمد ما نثرناه‬ ‫‪.‬قد خصني الرحمن منه بما‬
‫‪.‬هذا آخر أخبار اليزيديين وأشعارهم التي فيها صنعة‬

‫صوت‬

‫إلى الشم من أعلم ميلء ناظر‬ ‫أفي كل يوم أنت من غبر الهوى‬
‫بها خزر أو طرفها متخـازر عروضه من الطويل‪ ،‬والغبر‪ :‬البقية من الشيء‪،‬‬ ‫بعمشاء من طول البكاء كأنمـا‬
‫‪:‬يقال‪ :‬فلن في غبر من علته‪ ،‬وأكثر ما يستعمل في هذا ونحوه‪ ،‬والشم‪ :‬الطوال‪ ،‬والعلم جمع علم وهو الجبل‪ ،‬قالت الخنساء‬
‫كأنه علم في رأسه نار والخزر‪ :‬ضيق العين وصغرها‪ ،‬ومنه الخزر بذلك لصغر‬ ‫وإن صخرا لتأثم الهداة به‬
‫‪:‬أعينهم‪ ،‬قال الراجز‬
‫ثم كسرت الطرف من غير عور والشعر لرجل من قيس يقال‪ :‬كعب‪ ،‬ويلقب‬ ‫إذا تخازرت وما بي مـن خـزر‬
‫بالمخبل‪ .‬والغناء لبراهيم‪ ،‬ثقيل أول بالوسطى‪ .‬ومن الناس من يروي الشعر لغير هذا الرجل وينسبه إلى ذي الرمة‪ ،‬ويجعل فيه‬
‫‪.‬مية مكان ميلء‪ ،‬ويقال‪ :‬إن اللحن لبن المكي‪ ،‬وقد نسب إلى غيرهما‪ ،‬والصحيح ما ذكرناه أول‬

‫أخبار المخبل القيسي ونسبه‬


‫حبة بنتي عن له‪ :‬قال عبد الله بن أبي سعد الوراق ‪-‬فيما أخبرني به حبيب بن نصر المهلبي‪ ،‬إجازة عنه‪ :-‬حدثني علي بن‬
‫الصباح بن الفرات‪ ،‬قال‪ :‬أخبرني علي بن الحسن بن أيوب النبيل‪ ،‬عن رباح بن قطيب بن زيد السدي‪ ،‬قال‪ :‬كانت عند رجل من‬
‫قيس يقال له‪ :‬كعب ‪-‬بنت عم له‪ ،‬وكانت أحب الناس إليه فخل بها ذات يوم فنظر إليها وهي واضعة ثيابها‪ ،‬فقال‪ :‬يا أم عمرو‪،‬‬
‫‪.‬هل ترين أن الله خلق أحسن منك? قالت‪ :‬نعم‪ ،‬أختى ميلء‪ ،‬هي أحسن مني‬
‫ينكشف حبه فيرحل ول يدري مكانه‪ :‬قال‪ :‬فإني أحب أن أنظر إليها‪ ،‬فقالت‪ :‬إن علمت بك لم تخرج إليك‪ ،‬ولكن كن من وراء‬
‫الستر‪ ،‬ففعل‪ ،‬وأرسلت إليها فجاءتها فلما نظر إليها عشقها وانتظرها حتى راحت إلى أهلها‪ ،‬فاعترضها فشكا إليها حبها‪ ،‬فقالت‪:‬‬
‫والله يا بن عم‪ ،‬ما وجدت من شيء إل وقد وقع لك في قلبي أكثر منه‪ .‬وواعدته مرة أخرى‪ ،‬فأتتهما أم عمرو وهما ل يعلمان‪،‬‬
‫فرأتهما جالسين‪ ،‬فمضت إلى إخوتها ‪-‬وكانوا سبعة‪ -‬فقالت‪ :‬إما أن تزوجوا ميلء كعبا‪ ،‬وإما أن تكفوني أمرها‪ .‬وبلغهما الخبر‪،‬‬
‫ووقف إخوتها على ذلك‪ ،‬فرمى بنفسه نحو الشام حياء منهم‪ ،‬وكان منزله ومنزل أهله الحجاز‪ ،‬فلم يدر أهله ول بنو عمه أين‬
‫‪:‬ذهب‪ ،‬فقال كعب‪ :‬شعره في أرض الغربة‬
‫إلى الشم من أعلم ميلء ناظر‬ ‫أفي كل يوم أنت من لعج الهوى‬
‫بها خزر أو طرفها متـخـازر‬ ‫بعمشاء من طول البكاء كأنـمـا‬
‫جرى واكف من دمعها متبـادر‬ ‫تمنى المنى حتى إا ملت المنـى‬

‫صفحة ‪2287 :‬‬

‫بخيط الفتيل اللؤلؤ الـتـنـاثـر تدل رواية شعره على مكانه‪ :‬قال‪ :‬فرواه عنه‬ ‫كما ارفض عنها بعدما ضم ضمة‬
‫رجل من أهل الشام‪ ،‬ثم خرج بعد ذلك الشامي يريد مكة‪ ،‬فاجتاز بأم عمرو وأختها ميلء‪ ،‬وقد ضل الطريق‪ ،‬فسلم عليهما ثم‬
‫سألهما عن الطريق‪ ،‬فقالت أم عمرو‪ :‬يا ميلء ‪ ،‬صفي له الطريق‪ ،‬فذكر ‪-‬لما نادت‪ :‬يا ميلء‪ -‬شعر كعب هذا‪ ،‬فتمثل به‪ ،‬فعرفت‬
‫أم عمرو الشعر‪ ،‬فقالت‪ :‬يا عبد الله‪ ،‬من أين أنت? قال‪ :‬رجل من أهل الشام‪ .‬قالت‪ :‬من أين رويت هذا الشعر? قال‪ :‬رويته عن‬
‫أعرابي بالشام‪ ،‬قالت‪ :‬أو تدري ما اسمه? فقال‪ :‬سمعت أنه كعب‪ ،‬فأقسمت عليه‪ :‬ل تبرح حتى تعرف إخواتنا بذلك فنحسن‬
‫إليك نحن وهم‪ ،‬وقد أنعمت علينا‪ .‬قال‪ :‬أفعل‪ ،‬وإني لروي له شعرا آخر‪ ،‬فما أدري أتعرفانه أم ل? فقالت‪ :‬نسألك بالله أسمعتنا‪،‬‬
‫‪:‬قال‪ :‬سمعته يقول‪ :‬شعر آخر له في أرض الغربة‬
‫بنفسي وبالـفـتـيان كـل زمـان‬ ‫خليلي قد قست المور ورمـتـهـا‬
‫خلـيا ول ذا الـبـث يسـتــويان‬ ‫فلم أخف سوءا للصـديق ولـم أجـد‬
‫مليئان لو شاءا لـقـد قـضـيانـي‬ ‫من الناس إنسانان ديني عـلـيهـمـا‬
‫وأما عن الخرى فـل تـسـلنـي‬ ‫خليلي أما أم عمرو فـمـنـهـمـا‬
‫من الناس إنسـانـيت يهـتـجـران‬ ‫بلينا بهجـران ولـم أر مـثـلـنـا‬
‫وأعصى لواش حـين يكـتـقـيان‬ ‫أشد مصافاة وأبـعـد مـن قـلـى‬
‫إذا استعجمت بالمنطق الشـفـتـان‬ ‫تحدث طرفانا بمـا فـي صـدورنـا‬
‫على ما بنا أو نحن مـبـتـلـيان‬ ‫?فوالله ما أدري أكـل ذوي الـهـوى‬
‫فبي كـل يوم مـثـل مـا تـريان‬ ‫فل تعجبا مما بي اليوم مـن هـوى‬
‫من الوصل أم ماضي الهوى تسلن‬ ‫?خلليلي عن أي الذي كـان بـينـنـا‬
‫هوى فحفظناه بـحـسـن صـيان‬ ‫وكنا كريمي معشـر حـم بـينـنـا‬
‫به سـقـم جـم وطـول ضـمـان‬ ‫سله بأم العمرو مـن هـي إذ بـدا‬
‫ول رجعا من عـلـمـنـا بـبـيان‬ ‫فما زادنا بعد المدى نـقـض مـرة‬
‫تريدان من هجـر الـحـبـيب يدان‬ ‫خليلي ل والـلـه مـا لـي بـالـذي‬
‫كما أنتما بـالـبـين مـعـتـلـيان يعود به ابن عمه من الشام ويموت غما‪ :‬قال‪:‬‬ ‫ول لي بالـبـين اعـتـلء إذا نـأت‬
‫ونزل الرجل ووضع رحلة حتى جاء إخواتهما‪ ،‬فأخبراهم الخبر‪ ،‬وكانوا مهتمين بكعب‪ ،‬وكان كعب أظرفهم وأشعرهم‪ ،‬فأكرموا‬
‫الرجل وحملوه على راحلة ودلوه على الطريق‪ ،‬وطلبوا طعبا فوجدوه بالشام‪ ،‬فأقبلوا به‪ ،‬حتى إذا كانوا في ناحية ماء أهلهم إذا‬
‫الناس قد اجتمعوا عند البيوت‪ ،‬وكان كعب ترك بنيا له صغيرا‪ ،‬فزحمه غلم منهم في ناحية الماء‪ ،‬فقال له كعب‪ :‬ويحك يا غلم‬
‫من أبوك? فقال‪ :‬رجل يقال له‪ :‬كعب‪ ،‬قال‪ :‬وعلى أي شيء قد اجتمع الناس? وأحس قلبه بالشر‪ .‬قال‪ :‬اجتمعوا على خالتي‬
‫‪.‬ميلء‪ .‬قال‪ :‬وما قصتها? قال‪ :‬ماتت‪ .‬فزفر زفرة مات منها مكانه‪ ،‬فدفن حذاء قبرها‬
‫‪:‬من شعره في الشام‪ :‬قال‪ :‬وقال كعب وهو بالشام‬
‫بمرحاب حتى يحشر الثـقـلن‬ ‫أحقا عباد الله أن لسـت مـاشـيا‬
‫ببيض لطيفات الخصور رواني‬ ‫? ول لهيا يوما إلى اللـيل كـلـه‬
‫ويخلطن مطل ظاهـرا بـلـيان‬ ‫يمنيننا حتـى تـريع قـلـوبـنـا‬
‫بهجران أم العمرو تختلـجـان‬ ‫?فعيني يا عيني حـتـام أنـتـمـا‬
‫على قرب أعدائي كمـا تـريان‬ ‫أما أنتمـا إل عـلـي طـلـيعة‬
‫بمصر وجثماني بشحر عـمـان‬ ‫فلو أن أم العمرو أضحت مقـيمة‬
‫فإنا على ما كـان مـلـتـقـيان نسبة ما في هذا الخبر من الغناء صوت اختلف‬ ‫إذا لرجوت الله يجمع شمـلـنـا‬
‫‪:‬الرواة في نسبة صوت من شعره‬
‫مليئان لو شاءا لقد قضيانـي‬ ‫من الناس إنسانان ديني عليهما‬
‫وأما عن الخرى فل تسلني‬ ‫خليلي أما أم عمرو فمنهمـا‬

‫صفحة ‪2288 :‬‬

‫عروضه من الطويل‪ ،‬الشعر ‪-‬على ما في هذا الخبر‪ -‬لكعب المذكور قصته‪ ،‬وروى المفضل بن سلمة وأبو طالب بن أبي طاهر‬
‫هذين البيتين مع غيرهما لبن الدمينة الخثعمي‪ .‬والغناء لبراهيم الموصلي‪ ،‬خفيف رمل بالوسطى‪ ،‬ذكره أبو العبيس عنه‪ ،‬وذكر‬
‫ابن المكي أنه لعلويه‪ .‬والبيات التي ذكرنا أن المفضل بن سلمة وابن أبي طاهر روياها لبن الدمينة مع البيتين اللذين فيهما‬
‫‪:‬الغناء هي‬
‫مليئان لو شاءا لقد قـضـيانـي‬ ‫من الناس إنسانان ديني عليهـمـا‬
‫وأما عن الخرى فل تسـلنـي‬ ‫خليلي أما أم عمرو فمنـهـمـا‬
‫بدليهما والحسن قد خلـبـانـي‬ ‫منوعان ظلمان ما ينصفانـنـي‬
‫نعيم وعيش ضـارب بـجـران‬ ‫من البيض نجلء العيون غذاهما‬
‫بعينين إنسانا همـا غـرقـان‬ ‫?أفي كل يوم أنـت رام بـلدهـا‬
‫لقد أولعت عيناك بالـهـمـلن وقد روي أيضا أن هذا البيت‬ ‫‪:‬إذا اغرورقت عيناي قال صحابتي‬
‫‪:‬أفي كل يوم أنت رام بلدها لعروة بن حزام‬
‫إلى حاضر الروحاء ثم ذراني أخبرني محمد بن خلف وكيع‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو‬ ‫أل فاحملني بارك الله فيكمـا‬
‫سعيد القيسي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني سليمان بن عبد العزيز‪ ،‬قال‪ :‬حدثني خارجة المالي قال‪ :‬حدثني من رأى عروة بن حزام يطاف به‬
‫‪:‬حول البيت‪ ،‬قال‪ :‬فقلت له‪ :‬من أنت? قال‪ :‬أنا الذي أقول‬
‫بعينين إنسانا هما غـرقـان‬ ‫?أفي كل يوم أنت رام بلدهـا‬
‫إلى حاضر الروحاء ثم ذراني فقلت‪ :‬زدني‪ ،‬قال‪ :‬ل‪ ،‬ول حرف‬ ‫‪.‬أل فاحملني بارك الله فيكمـا‬
‫التغني بالصوت المنسوب إليه يهيج الواثق لليقاع بشخصين‪ :‬ويقال‪ :‬إن الذي هاج الواثق على القبض على أحمد بن الخصيب‬
‫‪:‬وسليمان بن وهب أنه غنى ‪-‬هذا الصوت‪ -‬أعني‬
‫من الناس إنسانان ديني عليهما فدعا خادما كان للمعتصم‪ ،‬ثم قال له‪ :‬أصدقني وإل ضربت عنقك‪ .‬قال‪ :‬سل يا أمير المؤمنين‬
‫عما شئت‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أبي وقد نظر إليك يتمثل بهذين البيتين‪ ،‬ويومئ إليك إيماء تعرفه‪ ،‬فمن اللذان عني? قال‪ ،‬قال لي‪ :‬إنه‬
‫وقف على إقطاع أحمد بن الخصيب وسليمان بن وهب ألفي دينار‪ ،‬وأنه يريد اليقاع بهما‪ .‬فكان كلما رآني يتمثل بهذين البيتين‪.‬‬
‫‪.‬قال‪ :‬صدقني والله‪ ،‬والله ل سبقاني بهما كما سبقاه‪ ،‬ثم أرقع بهما‬
‫‪:‬وأخبرني محمد بن يحيى الصولي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني ميمون بن هارون‪ ،‬قال‪ :‬نظر الواثق إلى أحمد بن الخصيب يمشي فتمثل‬
‫‪:‬من الناس إنسانان ديني عليهما وذكر البيتين‪ ،‬وأشار بقوله‬
‫خليلي أما أم عمرو فمنهما إلى أحمد بن الخصيب‪ .‬فلما بلغ هذا سليمان بن وهب‪ ،‬قال‪ :‬إنا لله أحمد بن الخصيب والله أم‬
‫‪.‬عمرو‪ ،‬وأنا الخرى‪ .‬قال‪ :‬ونكبهما بعد أيام‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن محمد بن عبد الملك الزيات كان السبب في نكبتهما‬
‫رواية أخرى لسبب إيقاع الواثق بصاحبيه‪ :‬أخبرنا محمد بن يحيى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عون بن محمد الكندي‪ ،‬قال‪ :‬كانت الخلفة أيام‬
‫الواثق تدور على إيتاخ‪ ،‬وعلى كاتبه سليمان بن وهب‪ ،‬وعلى أشناس وكاتبه أحمد بن الخصيب‪ ،‬فعمل الوزير محمد بن عبد‬
‫‪:‬الملك الزيات قصيدة‪ ،‬وأوصلها إلى الواثق على أنها لبعض أهل العسكر‪ ،‬وهي‬
‫حزت الخلفة عـن آبـائك الول‬ ‫يا بن الخلئف والملك إن نسبـوا‬
‫فيه البرية من خوف ومـن وهـل‬ ‫أجرت أم رقدت عيناك عن عجـب‬
‫وكلهم خاطب في حبل محـتـبـل‬ ‫وليت أربعة أمر الـعـبـاد مـعـا‬
‫مشارق الرض من سهل ومن جبل‬ ‫هذا سليمان قد ملـكـت راحـتـه‬
‫إلى الجزيرة فالطراف من ملـل‬ ‫ملكته السند فالشحـرين مـن عـدن‬
‫أحكامه في دماء القوم والـنـفـل‬ ‫خلفة قد حواها وحده فـمـضـت‬
‫خلفة الشأم والغازين والـقـفـل‬ ‫وابن الخصيب الذي ملكت راحـتـه‬
‫بما أراد من المـوال والـحـلـل‬ ‫فنيل مصر فبحر الشـأم قـد جـريا‬
‫بنو الرشيد زمان القسـم لـلـدول‬ ‫كأنهم في الذي قسـمـت بـينـهـم‬
‫من الخلفة والتـبـلـيغ لـلمـل‬ ‫حوى سليمان ما كان المين حـوى‬
‫كالقاسم بن الرشيد الجامع السـبـل‬ ‫وأحمد بن خصـيب فـي إمـارتـه‬

‫صفحة ‪2289 :‬‬

‫ول علنية خوفا مـن الـحـيل‬ ‫أصبحت ل ناصح يأتيك مستتـرا‬


‫وسل خراجك عن أموالك الجمل‬ ‫سل بيت مالك أين المال تعرفـه‬
‫أسرى التكذب في القياد والكبل‬ ‫كم في حبوسك ممن ل ذنوب لهم‬
‫قس المور التي تنجي من الزلل‬ ‫سميت باسم الرشيد المرتضى فبه‬
‫على البرامك بالتهديم للـقـلـل فلما قرأ الواثق غاظه وبلغ منه‪ ،‬ونكب سليمان‬ ‫عث فيهم ما عاثـت يداه مـعـا‬
‫‪:‬بن وهب وأحمد بن الخصيب‪ ،‬وأخذ منهما ومن أسبابهما ألف ألف دينار‪ ،‬فجعلها في بيت المال‪ ،‬فقال أحمد بن أبي فنن‬
‫سنة للناس ممتحـنـه‬ ‫نزلت بالخائنين سـنـه‬
‫وأزالت دولة الخونـه‬ ‫سوغت ذا النصح بغيته‬
‫وهم في دولة حسنـه‬ ‫فترى أهل العفاف بهـا‬
‫أن يؤدي كل ما احتجنه وقال إبراهيم بن العباس لبن الزيات‬ ‫‪:‬وترى من جار همتـه‬
‫رات وعما يريب متسـع‬ ‫إيها أبا جعفر وللدهر كـر‬
‫وأنت منها فانظر متى تقع‬ ‫أرسلت ليثا على فرائسـه‬
‫وقد تقضت أقواته شبـع وهي أبيات‪ ،‬وقد كان أحمد بن أبي داود حمل الواثق على‬ ‫لكنه قـوتـه وفـيك لـه‬
‫‪:‬اليقاع بابن الزيات وأمر علي بن الجهم فقال فيه‬
‫مصبحـات ومـهـجـرات‬ ‫لعـائن الـلـه مـوفــرات‬
‫عرض شمل الملك للشتـات‬ ‫على ابن عبد الملـك الـزيات‬
‫معقدات غير مفـتـوحـات‬ ‫يرمي الدواوين بتـوقـيعـات‬
‫كأنها بالزيت مـدهـونـات‬ ‫أشبه شيء برقـي الـحـيات‬
‫وبعد بيع الزيت بالـحـبـات‬ ‫بعد ركوب الطوف في الفرات‬
‫هارون يا بن سيد الـسـادات‬ ‫سبحان من جل عن الصفـات‬
‫تشكو إليك عـدم الـكـفـاة وهي أبيات‪ ،‬فهم الواثق بالقبض على ابن الزيات‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫أما ترى المور مـهـمـلت‬
‫لقد صدق‪ ،‬قائل هذا الشعر‪ ،‬ما بقي لنا كاتب‪ .‬فطرح نفسه على إسحاق بن إبراهيم‪ ،‬وكانا مجتمعين على عداوة بن أبي داود‪،‬‬
‫فقال للواثق‪ :‬أمثل ابن الزيات ‪-‬مع خدمته وكفايته‪ -‬يفعل به هذا‪ ،‬وما جنى عليك وما خانك‪ ،‬وإنما دلك على خونة أخذت ما‬
‫‪.‬اختانوه‪ ،‬فهذا ذنبه‬
‫وبعد‪ ،‬فل ينبغي لك أن تعزل أحدا أو تعد مكانه جماعة يقومون مقامه‪ ،‬فمن لك بمن يقوم مقامه? فمحا ما كان في نفسه عليه‬
‫‪.‬ورجه له‬
‫وكان إيتاخ صديقا لبن أبي داود‪ ،‬فكان يغشاه كثيرا‪ ،‬فقال له بعض كتابه‪ :‬إن هذا بينه وبين الوزير ما تعلم‪ ،‬وهو يجيئك دائما‪ ،‬ول‬
‫تأمن أن يظن الوزير بك ممالة عليه؛ فعرفه ذلك‪ ،‬فلما دخل ابن أبي داود إليه خاطبه في هذا المعنى‪ ،‬فقال‪ :‬إني والله ما‬
‫أجيئك متعززا بك من ذلة‪ ،‬ول متكثرا من قلة‪ ،‬ولكن أمير المؤمنين رتبك رتبة أوجبت لقاءك‪ ،‬فإن لقيناك فله‪ ،‬وإن تأخرنا عنه‬
‫‪.‬فلنفسك‪ ،‬ثم خرج من عنده فلم يعد إليه‬
‫‪.‬وفي هذه القصة أخبار كثيرة يطول ذكرها‪ ،‬ليس هذا موضعها‪ ،‬وإنما ذكرنا ها هنا هذا القدر منها كما يذكر الشيء بقرائنه‬

‫صوت‬

‫والضنى إن لم تصلني واصلي‬ ‫عش فحبيك سريعا قـاتـلـي‬


‫فيك والسقم بجسـم نـاحـل‬ ‫ظفر الشوق بـقـلـب دنـف‬
‫تركاني كالقضـيب الـذابـل الشعر لخالد الكاتب‪ ،‬والغناء للمسدود‪ ،‬رمل مطلق في‬ ‫فهما بين اكتـئاب وضـنـى‬
‫‪.‬مجرى الوسطى‪ ،‬وذكر جحظة أن هذا الرمل أخذ عنه‪ ،‬وأنه صوت سمعه فكتبه‬

‫أخبار خالد الكاتب‬


‫وطنه وأصله وسبب إصابته باوسواس‪ :‬هو خالد بن يزيد‪ ،‬ويكنى أبا الهيثم‪ ،‬من أهل بغداد‪ ،‬وأصله من خراسان‪ ،‬وكان أحد كتاب‬
‫الجيش‪ .‬ووسوس في آخر عمره‪ ،‬قيل إن السوداء غلبت عليه‪ ،‬وقال قوم‪ :‬كان يهوى جارية لبعض الوجوه ببغداد فلم يقدر‬
‫‪:‬عليها‪ ،‬ووله محمد بن عبد الملك العطاء في الثغور‪ ،‬فخرج فسمع في طريقه منشدا ينشد‪ ،‬ومغنية تغني‬
‫ففي سوى الشام أمسى الهل والشجن فبكى حتى سقط على وجهه‬ ‫من كان ذا شجن بالشـام يطـلـبـه‬
‫‪.‬مغشيا عليه‪ ،‬ثم أفاق مختلطا‪ .‬واتصل ذلك حتى وسوس وبطل‬
‫‪?:‬كيف اتصل بعلي بن هشام وإبراهيم بن المهدي‬

‫صفحة ‪2290 :‬‬

‫وكان اتصل بعلي بن هشام وإبراهيم بن المهدي وكان سبب اتصاله بعلي بن هشام أنه صحبه في وقت خروجه إلى قم‪ ،‬في‬
‫‪:‬جملة كتاب العطاء‪ ،‬فبلغه وهو في طريقه أن خالدا يقول الشعر‪ ،‬فأنس به وسر به‪ ،‬وأحضره فأنشده قوله‬
‫إن كنت أهواك فما ذنبي‬ ‫?يا تارك الجسم بل قـلـب‬
‫منك بطول الهجر والعتب‬ ‫يا مفردا بالحسن أفردتنـي‬
‫فهل على قلبي من عتب‬ ‫إن تك عيني أبصرت فتنة‬
‫أنك في فعلك بي حسبـي للمسدود في هذه البيات رمل طنبوري مطلق من رواية‬ ‫حسيبك الله لما بي كـمـا‬
‫‪.‬الهشامي‪ ،‬قال‪ :‬فجعله علي بن هشام في ندمائه إلى أن قتل‬
‫‪:‬كيف اتصل بالمعتصم?‪ :‬ثم صحب الفضل بن مروان‪ ،‬فذكره للمعتصم وهو بالماحوزة قبل أن يبني سر من رأى‪ ،‬فقال خالد‬
‫م بسر من را لـلمـام‬ ‫عزم السرور على المقا‬
‫ح المستنيرات العظـام‬ ‫بلد المسـرة والـفـتـو‬
‫في الرض بالبلد الحرام‬ ‫وتراه أشـبـه مـنـزل‬
‫أضحى به عـز النـام فاستحسنها الفضل بن مروان وأوصلها إلى المعتصم قبل أن يقال‬ ‫فاللـه يعـمـره بـمـن‬
‫‪.‬في بناء سر من رأى شيء‪ ،‬فكانت أول ما أنشد في هذا المعنى من الشعر‪ ،‬فتبرك بها وأمر لخالد بخمسة آلف درهم‬
‫‪:‬وذكر ذلك كله إسماعيل بن يحيى الكاتب‪ ،‬وذكر اليوسفي صاحب الرسائل أن خالدا قال أيضا في ذلك‬
‫في ضحكات الربيع عن زهره‬ ‫بين صفو الزمان عـن كـدره‬
‫بورك في نبته وفي شـجـره‬ ‫يا سر من رابوركت من بـلـد‬
‫بابك والمازيار مـن ثـمـره‬ ‫غرس جدود المـام ينـبـتـه‬
‫والخصب في تربه وفي شجره فغنى مخارق في هذه البيات‪ ،‬فسأله المعتصم‪:‬‬ ‫فالفتح والنصـر ينـزلن بـه‬
‫‪:‬لمن هذا الشعر? فقال‪ :‬لخالد يا أمير المؤمنين‪ ،‬قال‪ :‬الذي يقول‬
‫لمريض من العيون المراض فقال محمد بن عبد الملك‪ :‬نعم يا أمير المؤمنين‪،‬‬ ‫كيف ترجى لذاذة الغتمـاض‬
‫هو له‪ ،‬ولكن بضاعته ل تزيد على أربعة أبيات‪ ،‬فأمر له المعتصم بأربعة آلف درهم‪ ،‬وبلغ خالدا الخبر‪ ،‬فقال لحمد بن عبد‬
‫‪.‬الوهاب صاحب محمد بن عبد الملك ‪-‬وقيل لبي جعفر‪ -‬أعزه الله‪ :‬إذا بلغت المراد في أربعة أبيات فالزيادة فضل‬
‫يداخل الشعراء في القصائد‪ .‬وكان أول صاحب مقطعات‪ :‬قال اليوسفي‪ :‬ولما قال خالد في صفة سر من رأى قصيدته التي‬
‫‪:‬يقول فيها‬
‫لتلقي السرور يوم الـتـلق‬ ‫اسقني فـي جـرائر وزقـاق‬
‫عبرات من مقلتي مـشـتـاق‬ ‫من سلف كأن في الكأس منـه‬
‫خ ودعني من سـائر الفـاق‬ ‫في رياض بسر من را إلى الكر‬
‫لمام الهـدى أبـي إسـحـاق وهي قصيدة ‪ ،‬لقيه دعبل فقال‪ :‬يا أبا الهيثم‪ ،‬كنت‬ ‫باد كارات كل فـتـح عـظـيم‬
‫صاحب مقطعات فداخلت الشعراء في القصائد الطوال وأنت ل تدوم على ذلك‪ ،‬ويوشك أن تتعب بما تقول وتغلب عليه‪ .‬فقال‬
‫‪.‬له خالد‪ :‬لو عرفت النصح منك لغيري لطعتك في نفسي‬
‫خلفة مع الحلبي الشاعر وهجاؤه إياه‪ :‬قال اليوسفي‪ :‬وحدثني أبو الحسن الشهرزاني‪ :‬أن خالدا وقع بينه وبين الحلبي الشاعر‬
‫‪:‬الذي يقول فيه البحتري‬
‫سل الحلبي عن حلب خلف في معنى شعر‪ ،‬فقال له الحلبي‪ :‬ل تعد طورك فأخرسك فقال له خالد‪ :‬لست هناك‪ ،‬ول فيك‬
‫موضع للهجاء‪ ،‬ولكن ستعلم أني أجعلك ضحكة سر من رأى‪ .‬وكان الحلبي من أوسخ الناس‪ ،‬فجعل يهجو جبته وثيابه وطيلسانه‪،‬‬
‫‪:‬فمن ذلك قوله‬
‫في جبة كالعارض البارق‬ ‫وشاعر ذي منطـق رائق‬
‫دهرية مرقوعة العاتـق‬ ‫قطعاء شـلء رقـاعـية‬
‫لفضلها في القدر السابق وقوله‬ ‫‪:‬قدمها العري على نفسـه‬
‫ليس عليهم في نصره لوم‬ ‫وشاعر مقـدم لـه قـوم‬
‫فقرى فكل غداؤه الصوم‬ ‫قد ساعدوه في الجوع كلهم‬
‫أطول أعمار مثلهـا يوم‬ ‫يأتيك في جبة مـرقـعة‬
‫على قميص كأنـه غـيم‬ ‫وطيلسان كالل يلبـسـه‬
‫غناه فقر وعـزه ضـيم قال‪ :‬وقال فيه‬ ‫‪:‬من حلب في صميم سفلتها‬
‫حتى رآه الغنى فأنكره‬ ‫تاه على ربه فأفقـره‬

‫صفحة ‪2291 :‬‬

‫يقذفه الرزق حيث أبصره‬ ‫فصار من طول حرفة علما‬


‫بالتيه والفقر حين صـوره‬ ‫يا حلبيا قضـى اللـه لـه‬
‫أو طرحوه في البحر كدره يستنشده إبراهيم بن المهدي شعرا فيجيزه‪ :‬حدثني‬ ‫لو خلطوه بالمسك وسخـه‬
‫جحظة‪ ،‬قال‪ :‬حدثني خالد الكاتب‪ ،‬قال‪ :‬دخلت على إبراهيم بن المهدي فاستنشدني‪ ،‬فقلت‪ :‬أيها المير‪ ،‬أنا غلم أقول في‬
‫شجون نفسي‪ ،‬ل أكاد أمدح ول أهجو‪ ،‬فقال‪ :‬ذلك أشد لدواعي البلء‪ ،‬فأنشدته‪ :‬صوت‬
‫كفـلـم أجـدهـا تـقـــبـــل‬ ‫عاتـبـت نـفـسـي فـي هـــوا‬
‫وأطعت داعيا إليك ولم أطع من يعذل‬
‫ه لـحـسـن وجـهـك تـمـثــل‬ ‫ل والذي جعل الوجو‬
‫ك مـن الـتـصـابـي أجـمــل لجحظة في هذه البيات رمل مطلق بالوسطى‬ ‫‪.‬ل قـلـت إن الـصـبـر عـــن‬
‫‪:‬قال‪ :‬فبكى إبراهيم وصاح‪ :‬وأي عليك بإبراهيم‪ ،‬ثم أنشدته أبياتي التي أقول فيها‬
‫فبكائي لبكـا الـعـاذل وقال إبراهيم‪ :‬يا رشيق‪ ،‬كم معك من العين? قال‪ :‬ستمائة‬ ‫وبكى العاذل من رحمتي‬
‫وخمسون دينارا‪ .‬قال‪ :‬اقسمها بيني وبين الفتى‪ ،‬واجعل الكسر له صحيحا‪ ،‬فأعطاني ثلثمائة وخمسين دينارا‪ ،‬فاشتريت بها‬
‫‪.‬منزلي بساباط الحسن والحسين‪ ،‬فواراني إلى يومي هذا‬
‫يستوهبه علي بن الجهم بيتا من شعره‪ :‬حدثني جحظة‪ ،‬قال‪ :‬حدثني خالد الكاتب قال‪ :‬قال لي علي بن الجهم‪ :‬هب لي بيتك‬
‫‪:‬الذي تقول فيه‬
‫ة خديك بقـلـبـك فقلت‪ :‬يا جاهل‪ ،‬هل رأيت أحدا يهب ولده‬ ‫‪.‬ليت ما أصبح من رق‬
‫يتعاطي الهجاء‪ :‬وقال أحمد بن إسماعيل الكاتب‪ :‬لقيت خالدا الكاتب ذات يوم فسألته عن صديق له‪ ،‬وكان قد باعده ولم أعلم‪،‬‬
‫‪:‬فأنشأ يقول‬
‫حتى المخافة نأتي البلـد‬ ‫ظعن الغريب لغيبة البـد‬
‫يوم توعده بـشـر غـد‬ ‫حيران يؤنسـه ويكـلـؤه‬
‫تغدو النحوس به على أحد‬ ‫سنح الغراب له بأنكر مـا‬
‫الجد العثور لـه يدا بـيد‬ ‫وابتاع أشأمـه بـأيمـنـه‬
‫في حيث لم يولد ولم يلـد‬ ‫حتى ينيخ بأرض مهلـكة‬
‫تخلو من الزفرات والكمد‬ ‫جزعت حليلته عليه فمـا‬
‫منه وأهدى اليتم للـولـد‬ ‫نزل الزمان بها فأهلكهـا‬
‫عنه بناقرة ولـم تـكـد‬ ‫ظفرت به اليام فانحسرت‬
‫مثل الذي أبقين من لبـد قال‪ ،‬فقلت له‪ :‬يا أبا الهيثم مذ كم دخلت في قول الهجاء?‬ ‫فتركن منه بعـد طـيتـه‬
‫‪.‬قال‪ :‬مذ سالمت فحوربت‪ ،‬وصافيت فتوقفت‬
‫شعره في غلم نافس أبا تمام في حبه‪ :‬وقال الرياشي‪ .‬كان خالد مغرما بالغلمان المرد‪ ،‬ينفق عليهم كل ما يفيد‪ ،‬فهوي غلما‬
‫‪:‬يقال له‪ :‬عبد الله‪ ،‬وكان أبو تمام الطائي يهواه‪ ،‬فقال فيه خالد‬
‫تحملـه وجـنة وخـد‬ ‫قضيب بان جنـاه ورد‬
‫مات عراء وعاش وجد‬ ‫لم أثن طرفي إلـيه إل‬
‫علمه الزهو حين يبدو‬ ‫ملك طوع النفوس حتى‬
‫ليس لخلق سواه صـد فبلغ أبا تمام ذلك فقال فيه أبياتا منها‬ ‫‪:‬واجتمع الصد فيه حتى‬
‫في برده يا خالد البارد فعلمها الصبيان‪ ،‬فلم يزالوا يصيحون به‪ :‬يا خالد يا بارد حتى‬ ‫شعرك هذا كله مفرط‬
‫‪.‬وسوس‪ ،‬قال‪ :‬ومن الناس من يزعم أن هذا السبب كان بينه وبين رجل غير أبي تمام‪ ،‬وليس المر كذلك‬
‫‪:‬هجاؤه أبا تمام‪ :‬وكان خالدا قد هجا أبا تمام في هذه القصة فقال فيه‬
‫والمرء في القول بين الصدق والكذب‬ ‫يا معشر المرد إني نـاصـح لـكـم‬
‫فإن وجعاءه أعدى مـن الـجـرب‬ ‫ل ينكحن حـبـيبـا مـنـكـم أحـد‬
‫فتركبوا عمدا ليست من الـخـشـب يستنشده إبراهيم بن المهدي حين بويع‬ ‫ل تأمنوا أن تحركـوا بـعـد ثـالـثة‬
‫‪:‬ويستمع شعره‬

‫صفحة ‪2292 :‬‬

‫حدثني محمد بن يحيى الصولي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني الحسن بن إسحاق قال‪ :‬حدثني خالد الكاتب‪ ،‬قال‪ :‬لما بويع إبراهيم بن المهدي‬
‫بالخلفة طلبني ‪-‬وقد كان يعرفني‪ -‬وكنت متصل ببعض أسبابه‪ ،‬فأدخلت إليه فقال‪ :‬أنشدني يا خالد شيئا من شعرك‪ ،‬فقلت‪ :‬يا‬
‫أمير المؤمنين‪ ،‬ليس شعري من الشعر الذي قال فيه رسول الله (‪ :‬إن من الشعر لحكما ‪ ،‬وإنما أمزح وأهزل‪ ،‬فقال‪ :‬ل تقل‬
‫‪:‬هذا‪ ،‬فإن جد الدب وهزله جد‪ ،‬هات أنشدني‪ ،‬فأنشدته‬
‫والضنى إن لم تصلني واصلي‬ ‫عش فحبيك سريعا قـاتـلـي‬
‫فيك والسقم بجسـم نـاحـل‬ ‫ظفر الشوق بـقـلـب دنـف‬
‫تركاني كالقضـيب الـذابـل قال‪ :‬فاستملح ذلك ووصلني‬ ‫‪.‬فهما بين اكتـئاب وضـنـى‬
‫رثى راكبا قصبة الصبيان يصيحون به‪ :‬حدثني حمزة لن أبي سللة الشاعر الكوفي‪ ،‬قال دخلت بغداد في بعض السنين فبينا أنا‬
‫مار بجنينة إذا أنا برجل عليه مبطنة نظيفة‪ ،‬وعلى رأسه قلنسية سوداء‪ ،‬وهو راكب قصبة‪ ،‬والصبيان خلفه يصيحون به‪ :‬يا خالد يا‬
‫بارد‪ ،‬فإذا آذوه حمل عليهم بالقصبة‪ ،‬فلم أزل أطردهم عنه حتى تفرقوا‪ ،‬وأدخلته بستانا هناك‪ ،‬فجلس واستراح‪ ،‬واشتريت له‬
‫‪:‬رطبا فأكل‪ ،‬واستنشدته فأنشدني‬
‫فكيف أسلو وكيف أتـركـه‬ ‫قد حاز قلبي فصار يمـلـكـه‬
‫يخطر في القلب منه مسلكـه‬ ‫رطيب جسم كالماء تحبـسـه‬
‫عمة لول القميص يمسـكـه فاستزدته‪ ،‬فقال‪ :‬ل‪ ،‬ول حرف‬ ‫‪ .‬يكاد يجري من القميص من الن‬
‫يخلع ثيابا أعطيها على غلم يحبه‪ ،‬ويقول فيه شعرا‪ :‬وذكر علي بن الحسين بن أبي طلحة عن أبي الفضل الكاتب ‪-‬أنه دعا‬
‫خالدا ذات يوم فأقام عنده‪ .‬وخلع عليه‪ ،‬فما استقر به المجلس حتى خرج‪ ،‬قال‪ :‬فأتبعته رسول ليعرف خبره‪ ،‬فإذا هو قد جاء‬
‫إلى غلم كان يحبه‪ ،‬فسأل عنه فوجده في دار القمار‪ ،‬فمضى إليه حتى خلع عليه تلك الثياب وقبله وعانقه وعاد إلينا‪ ،‬فلما جاء‬
‫خالد أعطيت الغلم الذي وجهنا به دنانير ودعاه فجاء به إلينا‪ ،‬وأخفيناه وسألنا خالدا عن خبره فكتمه وجمجم ‪ ،‬فغمزنا الرسول‬
‫فأخرجه علينا‪ ،‬فلما رآه خالد بكى ودهش‪ ،‬فقلنا له‪ :‬ل ترع‪ ،‬فإن من القصة كيت وكيت‪ ،‬وإنما أردنا أن نعرف خبرك ل أن‬
‫‪:‬نسوءك‪ ،‬فطابت نفسه وأجلسه إلى جنبه‪ ،‬وقال‪ :‬قد بليت بحبه وبالخوف عليه مما قد بلي به من القمار‪ ،‬ثم أنشد لنفسه فيه‬
‫وخـامـر جـسـمـه سـقـمــه‬ ‫محـب شـفـــه ألـــمـــه‬
‫من الـسـرار مـكـتـتـمـــه‬ ‫وبـاح بـمـا يجـمـجــمـــه‬
‫يحـبـك لـحـمـــه ودمـــه‬ ‫أمـا تـرثـي لـمـكـــتـــئب‬
‫يغار على قميصك حين تلبسه ويتهمه من شعره في الشوق‪ :‬وذكر علي بن الحسين أيضا أن محمد بن السري حدثه أنه أطال‬
‫الغيبة عن بغداد وقد وسوس خالد‪ ،‬فمر به في الرصافة والصبيان يصيحون به‪ :‬يا غلم الشريطي يا خالد البارد‪ ،‬ويرجع إليهم‬
‫فيضربهم ويزيد ويرميهم‪ ،‬قال‪ :‬فقلت اه‪ :‬كيف أنت يا أبا الهيثم? قال‪ :‬كما ترى فقلت له‪ :‬فمن تعاشر اليوم? قال‪ :‬من أحذره‪،‬‬
‫‪:‬فعجبت من جوابه مع اختلله‪ ،‬فقلت له‪ :‬ما قلت بعدي من الشعر? قال‪ :‬ما حفظه الناس وأنسيته‪ ،‬وعلى ذلك قولي‬
‫بين عتب وسـخـطة وعـذاب‬ ‫كبد شفها غلـيل الـتـصـابـي‬
‫ق ونوع مجـدد مـن عـذاب‬ ‫كل يوم تدمى بجرح من الـشـو‬
‫فاشفني كيف شئت‪ ،‬ل بك ما بي‬ ‫يا سقيم الجفون أسقمت جسمـي‬
‫و أو اجعل سوى الصدود عقابي ثم قال‪ :‬يا أبا جعفر‪ ،‬جننت بعدك‪ ،‬فقلت‪ :‬ما‬ ‫إن أكن مذنبا فكن حسن العـف‬
‫‪.‬جعلك الله مجنونا؛ وهذا كلمك لي ونظمك‬
‫حدثني محمد بن الطلس أبو الطيب‪ ،‬قال‪ :‬حضرت جنازة بعض جيراني‪ ،‬فلقيت خالدا في المقبرة فقبضت عليه‪ ،‬وقلت‪:‬‬
‫‪:‬أنشدني‪ ،‬فذهب ليهرب مني‪ ،‬فغمزت على يده غمزة أوجعته‪ ،‬فقال‪ :‬خل عني أنشدك‪ ،‬فأرخيت يدي عن يده‪ ،‬فأنشدني‬
‫أحـسـن مـن مـنـــظـــره‬ ‫لم تــر عـــين نـــظـــرت‬
‫عمة فــي مـــخـــبـــره‬ ‫الـنـور والـنـعـــمة والـــن‬
‫ل تصل اللسن بالوصف إلى أكثـره‬
‫‪:‬كيف بمن تنتسب الشمس إلى جوهره ينشد شعرا لبي تمام‪ ،‬ثم ينشد شعرا عارضه به‬

‫صفحة ‪2293 :‬‬

‫حدثني عمي ‪-‬رحمه الله‪ -‬قال‪ :‬مر بنا خالد الكاتب ها هنا والصبيان خلفه يصيحون به‪ ،‬فجلس إلي فقال‪ :‬فرق هؤلء عني‪،‬‬
‫فقلت‪ ،‬وألحت عليه جارية تصيح‪ :‬يا خالد يا بارد‪ ،‬فقال لها‪ :‬مري يا منتنة الكس‪ ،‬ويا من كسها دس ‪ .‬فقلت له‪ :‬يا أبا الهيثم‪ ،‬أي‬
‫شيء معنى دس ها هنا? قال‪ :‬تشتهي الير الصغير والكبير والوسط‪ ،‬ول تكره منها شيئا وأقبل الصبيان يصيحون بتلك الجارية‬
‫‪:‬بمثل ما قال لها خالد‪ ،‬وهي ترميهم وتهرب منهم حتى غابوا معها عنا‪ ،‬فأقبل علي خالد متمثل فقال‬
‫بمهتضم حقي ول قـارع سـنـي فاحتبسته عندي يومي ذلك‪ .‬فلما شرب‬ ‫وما أنا في أمري ول في خصومتي‬
‫‪:‬وطابت نفسه‪ ،‬أنشده لبي تمام‬
‫ما ليس يفعله بـه أعـداؤه‬ ‫?أحبابه لم تفعلون بـقـلـبـه‬
‫حتى الصباح ومقلتاي سماؤه‬ ‫مطر من العبرات خدي أرضه‬
‫وكذبت‪ ،‬ما في العالمين فداؤه‬ ‫نفسي فداء محـمـد ووقـاؤه‬
‫والغصن حين يميد فيه ماؤه‬ ‫?أزعمت أن البدر يحكي وجهه‬
‫وجماله وحـياؤه وضـياؤه‬ ‫?أسكت فأين بهاؤه وكـمـالـه‬
‫فيمن سواه فإنهـا أسـمـاؤه ثم قال‪ :‬وقد عارضه أبو الهيثم ‪-‬يعني خالدا نفسه‪-‬‬ ‫ل تقر أسماء الملحة باطـل‬
‫‪:‬فقال‬
‫يحاذر في رواح أو غـدو‬ ‫فديت محمدا من كل سـوء‬
‫كأنك قد ضجرت من العلو‬ ‫أيا قمر السماء سلفت حتـى‬
‫وممن ل يحـبـك ذا دنـو‬ ‫رأيتك من حبيبك ذا بـعـاد‬
‫رأيت زمامه بـيدي عـدو هكذا أخبرني عمي عن خالد‪ ،‬وهذه البيات أيضا تروي‬ ‫وحسبك حسرة لك من حبيب‬
‫‪.‬لبي تمام‬
‫يبعث بشعر إلى صديق له عليل‪ :‬وقال ابن أبي طلحة‪ :‬حدثني الهللي‪ ،‬قال‪ :‬مررت بخالد وحوله جماعة ينشدهم فقلت له‪ :‬يا‬
‫‪:‬أبا الهيثم‪ ،‬سلوت عن صديقك ‪ ،‬فقال‪ :‬ل والله‪ .‬قلت‪ :‬فإنه عليل وما عدته‪ ،‬فسكت ساعة ثم رفع رأسه إلي‪ ،‬وقال‬
‫أشهد اللـه أنـنـي لـن أمـل‬ ‫زعموا أنني صـحـوت وكـل‬
‫أبدا زدته خـضـوعـا وذل? ثم قال‪ :‬احفظه وأبلغه عني‬ ‫‪:‬كيف صبري يا من إذا ازداد تيها‬
‫ويكفيني من اللم الـقـلـيل‬ ‫بجسمي ل بجسمك يا عـلـيل‬
‫على ما بي لعاديه حـمـول‬ ‫تعداك الـسـقـام إلـي إنـي‬
‫فحالفني وسالمك الـنـحـول‬ ‫إذا ما كنت يا أملي صحـيحـا‬
‫على أني لعلتـك الـعـلـيل من شعره في غلم يحبه‪ :‬قال‪ :‬وحدثني العباس بن‬ ‫ألست شقيق ما ضمت ضلوعي‬
‫يحيى أنهم كانوا عند علي بن المعتصم‪ ،‬فغني في شعر لخالد‪ ،‬فأمر باحضاره وطلب فلم يوجد‪ ،‬فوجه إلي غلم كان يتعشقه‬
‫فأحضر‪ ،‬وسأله عنه فدل عليه‪ ،‬وقال‪ :‬كنا نشرب إلى السحر‪ ،‬وقد مضى إلى حمام فلن‪ ،‬وهو يخرج ويجلس عند فلن الفقاعي‪،‬‬
‫ودكانه مألف للغلمان المرد والمغنين‪ ،‬فبعث إليه فأحضر‪ ،‬فلما جلس أخرج علي بن المعتصم الغلم؛ وقال‪ :‬هذا دلنا عليك؛ وهو‬
‫يزعم أنك تعشقه‪ ،‬فقال له الغلم‪ :‬نعم أيها المير‪ ،‬لو لم يكن من فضيحته إياي إل أنه لم يوجد أحضرت وسئلت عنه‪ ،‬فأقبل‬
‫‪:‬عليه خالد وقال‬
‫إن كنت أهواك فما ذنبي‬ ‫?يا تارك الجسم بل قـلـب‬
‫منك بطول الشوق والحب‬ ‫يا مفردا بالحسن أفردتنـي‬
‫فهل على قلبي من عتب‬ ‫?إن تك عيني أبصرت فتنة‬
‫أنك في فعلك بي حسبـي لجحظة فيه رمل‪ ،‬فاستحسن علي الشعر‪ ،‬وأمر له‬ ‫حسيبك الله لما بي كـمـا‬
‫‪.‬بخمسين دينارا‬
‫يعتذر إلى غلم أعرض عنه‪ :‬قال‪ :‬حدثني ابن أبي المدور أنه شهد خالدا عند عبد الرحيم بن الزهر الكاتب‪ ،‬وأنه دخل عليهم‬
‫غلم من أولد الكاتب‪ ،‬فلما رأى خالدا أعرض عنه‪ ،‬فقلت له‪ :‬لم أعرضت عن أبي الهيثم? فقال‪ :‬والله لو علمت أنه ها هنا ما‬
‫دخلت إليكم‪ ،‬ما يبالي إذا شرب هذين القدحين ما قال ول من هتك‪ ،‬فقال لي خالد‪ :‬أل تعينني على ظالمي? فقلت‪ :‬بلى والله‬
‫أعينك‪ ،‬فأقبل على الفتى وقال‪ :‬صوت‬
‫هبني أسأت فكان ذنبي مثل ذنب أبي لهب‬
‫ت وكـم أسـأت ولــم تـــتـــب فما زلنا مع ذلك الفتى نداريه ونستعطفه له حتى أقبل‬ ‫فأنا أتوب وكم أسأ‬
‫‪.‬عليه وكلمه وحادثه‪ ،‬فطابت نفسه‪ ،‬وسر بقية يومه‬

‫صفحة ‪2294 :‬‬

‫‪.‬في هذين البيتين لبي العبيس خفيف رمل بالسبابة في مجرى الوسطى‪ ،‬ولرذاذ خفيف رمل مطلق‬
‫شعره في تفاحة معضوضة‪ :‬وحدثني عبد الله بن صالح الطوسي أن علي بن المعتصم دعا خالدا يوما وهو يشرب‪ ،‬وقد أخرجت‬
‫‪:‬إليه وصيفة من وصفاء حظيته تفاحة معضوضة مغلفة بعثت بها إليه ستها‪ ،‬فقال‬
‫أشهى إلي من الدنيا وما فـيهـا‬ ‫تفاحة خرجت بالدر مـن فـيهـا‬
‫كأنما قطفت من خد مـهـديهـا‬ ‫بيضاء في حمرة علت بـغـالـية‬
‫روحي من السوء والمكروه تفديها‬ ‫جاءت بها قينة من عنـد غـانـية‬
‫إذا لسرعت من لحدي ألبـيهـا فاستحسن علي بن المعتصم البيات‪ ،‬وغني‬ ‫لو كنت ميتا ونادتني بنغمـتـهـا‬
‫‪.‬فيها‪ ،‬وأمر بتخت ثياب وخمسين دينارا‬

‫أخبار المسدود‬
‫اسمه وكنيته وموطنه المسدود من أهل بغداد‪ ،‬وكان منزله في ناحية درب المفضل‪ ،‬في الموضع المعروف بخراب المسدود‪،‬‬
‫‪.‬منسوب إليه‬
‫وأخبرني جحظة أن اسمه الحسن‪ ،‬وكنيته أبو علي‪ ،‬وأن أباه كان قصابا‪ ،‬وأنه كان مسدود فرد منخر ومفتوح الخر‪ ،‬وكان يقول‪:‬‬
‫‪.‬لو كان منخري الخر مفتوحا لذهلت بغنائي أهل الحلوم وذوي اللباب‪ ،‬وشغلت من سمعه عن أمر دينه ودنياه ومعاشه ومعاده‬
‫أشجى الناس صوتا وأحضرهم بديهة‪ :‬قال جحظة‪ :‬وكان أشجى الناس صوتا وأحضرهم نادرة‪ ،‬ولم يكتسب أحد من المعنين‬
‫بطنبور ما كسبه‪ ،‬وكان مع يساره وقلة نفقته يقرض بالعينة وكانت له صنعة عجيبة‪ ،‬أكثرها الهزاج‪ .‬قال جحظة‪ :‬قال لي مخارق‬
‫غلمه‪ :‬قال لي‪ ،‬وقد صنع هذين البيتين وهما جميعا هزج‪ :‬صوت‬
‫إضم قصد لهـا أم أثـال‬ ‫? من رأى العيس عليها الرحال‬
‫حيثما حلوا فثم الـجـمـال والخر‬ ‫‪:‬لست أدري حيث حلوا ولكن‬
‫عج بنا نجن بطرف العين تفاح الخدود‬
‫حظـنـا مـنــه الـــكـــدود ثم قال‪ :‬والله ل تركت بعدي من يهزج‪ .‬قال جحظة‪ :‬والله ما‬ ‫ونسل القلب عمن‬
‫كذب ينفيه الواثق إلى عمان‪ :‬أخبرني جحظة‪ ،‬قال‪ :‬كان الواثق قد أذن لجلسائه أل يرد أحد نادرة عن أحد يلعبه ‪ ،‬فغنى الواثق‬
‫‪:‬يوما‬
‫إلى الدار من ماء الصبابة انظر وقد كان النبيذ عمل فيه وفي الجلساء فانبعث‬ ‫نظرت كأني من وراء زجـاجة‬
‫إليه المسدود فقال‪ :‬أنت تنظر أبدا من وراء زجاجة‪ ،‬إن كان في عينيك ماء صبابة أو لم يكن‪ ،‬فغضب الواثق من ذلك وكان في‬
‫عينيه بياض‪ ،‬ثم قال‪ :‬خذوا برجل العاض بظر أمه‪ ،‬فسحب من بين يديه‪ .‬ثم قال‪ :‬ينفى إلى عمان الساعة‪ ،‬فنفي من وقته وحدر‬
‫‪.‬ومعه الموكلون ‪ .‬فلما سلموه إلى صاحب البصرة‪ ،‬سأله أن يقيم عنده يوما ويغنيه‪ ،‬ففعل‬
‫يأبى الغناء لمير البصرة فيرسله إلى عمان‪ :‬فلما جلسوا للشراب ابتدأ فقال‪ :‬احذروني يا أهل البصرة على حرمكم‪ ،‬فقد‬
‫دخلت إلى بلدكم وأنا أزنى خلق الله‪ .‬قال‪ :‬فقال له الجماز‪ :‬أما يعني أنه أزنى خلق الله أما‪ ،‬فغضب المسدود‪ ،‬وضرب بطنبوره‬
‫‪.‬الرض وحلف أل يغني‪ ،‬فسأله المير أن يقيم عنده وأمر بإخراج الجماز وكل من حضر‪ ،‬فأبى ولج فأحدره إلى عمان‬
‫يشتاقه الواثق فيكتب في إحضاره‪ :‬ومكث الواثق ل يسأل عنه سنة‪ ،‬ثم اشتاقه فكتب في إحضاره‪ ،‬فلما جاءه الرسول ووصل‬
‫إلى الواثق قبل الرض بين يديه‪ ،‬فاعتذر من هفوته وشكر التفضل عليه‪ .‬فأمره بالجلوس ثم قال له‪ :‬حدثني بما رأيت بعدي‪.‬‬
‫فقال‪ :‬لي حديث ليس في الرض أظرف منه‪ ،‬وأعاد عليه حديثه بالبصرة‪ .‬فقال له الواثق‪ :‬قبحك الله ما أجهلك ويلك فأنت‬
‫سوقة وأنا ملك‪ ،‬وكنت صاحيا وكنت منتشيا وبدأت القوم فأجابوك‪ ،‬فبلغ بك الغضب ما ذكرته وما بدأتك فتجيبني‪ ،‬وبدأتني ‪-‬من‬
‫المزح‪ -‬بما ل يحتمله النظير لنظيره‪ ،‬ويلك ل تعاود ممازحة خليفة وإن أذن لك في ذلك‪ ،‬فليس كل أحد يحضره حلمه كما‬
‫‪.‬حضرني فيك‬
‫يهجو الواثق في رقعة ويقدمها إليه خطأ‪ :‬أخبرني محمد بن يحيى الصولي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عون بن محمد‪ ،‬قال‪ :‬سمعت حمدون‬
‫‪:‬بن إسماعيل يقول‬

‫صفحة ‪2295 :‬‬

‫لم يكن في الخلفاء أحد أحلم من الواثق‪ ،‬ول أصبر على أذى وخلف‪ .‬وكان يعجبه غناء أبي حشيشة الطنبوري‪ ،‬فوجد المسدود‬
‫من ذلك‪ ،‬فكان يبلغه عنه ما يكره ويتجاوز عنه ‪ .‬وكان المسدود قد هجاه بيتين‪ ،‬فكانا معه في رقعة‪ ،‬وفي رقعة أخرى حاجة له‬
‫‪:‬يريد أن يرفعها إليه‪ ،‬فغلط بين الرقعتين‪ ،‬فناوله رقعة الشعر وهو يرى أنها رقعة الحاجة‪ ،‬فقرأها وفيها‬
‫إلى المسدود في العين‬ ‫من المسدود في النف‬
‫فيا طبل بـشـقـين فلما قرأ الرقعة علم أنها فيه‪ ،‬فقال للمسدود‪ :‬خلطت في الرقعتين‪،‬‬ ‫أنا طـبـل لـه شـق‬
‫‪.‬فهات الخرى وخذ هذه واحترز من مثل هذا‪ ،‬والله ما زاده على هذا القول‬
‫من أجوبته الموجعة‪ :‬أخبرني جحظة‪ ،‬قال‪ :‬تحدث المسدود في مجلس المنتصر بحديث‪ ،‬فقال له المنتصر‪ :‬متى كان ذلك?‬
‫‪.‬قال‪ :‬ليلة ل ناه ول زاجر‪ ،‬يعرض له بليلة قتل فيها المتوكل ‪ ،‬فأغضى المنتصر واحتمله‬
‫قال‪ :‬وقالت الذكورية يوما بين يدي المعتمد‪ :‬إن يا مسدود‪ ،‬قال‪ :‬نعم يا مفتوحة وقالت له امرأة‪ :‬كيف أخذ إلى شجرة بابك?‬
‫‪.‬قال‪ :‬قدامك‪ ،‬أطعمك الله من ثمرها‬
‫قال‪ :‬وغنى بين يدي المتوكل‪ ،‬فسكته وقل لبكران الشيري ‪ :‬تغن أنت‪ ،‬فقال المسدود‪ :‬أنا أحتاج إلى مستمع‪ ،‬فلم يفهم‬
‫‪.‬المتوكل ما قال‬
‫وقدم إليه طباخ المتوكل طبقا وعليه رغيفان‪ ،‬ثم قال له‪ :‬أي شيء تشتهي حتى أجيئك به? قال‪ :‬خبزا‪ ،‬فبلغ ذلك المتوكل‪ ،‬فأمر‬
‫‪.‬بالطباخ فضرب مائتي مقرعة‬
‫قال جحظة‪ :‬وحدثني بعض الجلساء أنه لما وضع الطباخ الرغيفين بين يديه قال له المسدود‪ :‬هذا حرز فأين النير? قال ودعاه‬
‫بعض الرؤساء فأهدى له برذونا أشهب ‪ ،‬فارتبطه ليلته‪ ،‬فلما كان من غد نفق‪ ،‬وبعث إليه يدعوه بعد ذلك‪ ،‬فكتب‪ :‬أنا ل أمضى‬
‫‪.‬إلى من يعرف آجال الدواب‪ ،‬فيهب ما قرب أجله منها‬
‫‪ .‬قال‪ :‬واستوهب من بعض الرؤساء وبرا‪ ،‬فأعطاه سمورا قد قرع بعضه‪ ،‬فرده وقال‪ :‬ليس هذا سمورا‪ ،‬هذا أشكر‬

‫صوت‬

‫على صاحب إل فجعت بصاحب‬ ‫أجدك ما تغفو كلـوم مـصـيبة‬


‫وتنهل عيني بالدموع السواكـب عروضه من الطويل‪ ،‬الشعر لسلمة بن عياش‪،‬‬ ‫تقطع أحشائي إذا ما ذكرتـهـم‬
‫‪ .‬والغناء لحكم‪ ،‬وله فيه لحنان‪ :‬رمل بالبنصر‪ ،‬وهزج بالوسطى‬
‫أخبار سلمة بن عياش‬
‫ولؤه وعصره ومن انقطع لمدحه‪ :‬سلمة بن عياش مولى بني حسل بن عامر بن لؤي‪ .‬شاعر بصري من مخضرمي الدولتين‪،‬‬
‫‪.‬وكان يتدين ويتصون ‪ ،‬وانقطع إلى جعفر ومحمد ابني سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس‪ ،‬ومدحهما فأكثر وأجاد‬
‫من مدحه‪ :‬ومما مدحهما به وفيه غناه قوله‪ :‬صوت‬
‫لبرق سرى بعد الهدوء يمان‬ ‫أرقت وطالت ليلتي بـأبـان‬
‫إلى أمج فالطلح طلح قنـان غنى في هذين البيتين دحمان‪ ،‬ولحنه ثقيل أول‬ ‫يضيء بأعلم المدينة همـدا‬
‫‪:‬بالوسطى عن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬وفيه لحن لعطرد يقول فيها‬
‫وكل بديء من نداه سـقـانـي‬ ‫وردت خليجي جعفر ومحـمـد‬
‫لفضل ما يرجى له ملـكـان‬ ‫وإني لرجو جعفرا ومحـمـدا‬
‫فقد كرم الـجـدان والبـوان شعر يعزى إليه‪ :‬ومنها ما ذكره محمد بن داود‬ ‫هما ابنا رسول الله وابنا ابن عمه‬
‫بن الجراح قوله‪ :‬صوت‬
‫ببغداد أم سار من البرق مومض‬ ‫?أنار بدت وهنا لعينـك تـرمـض‬
‫حناتم سود أو عشار تـمـخـض غنى فيهما عطرد ثقيل أول؛ بإطلق الوتر في‬ ‫يضيء سناه مكـفـهـرا كـأنـه‬
‫‪:‬مجرى الوسطى عن إسحاق يقول فيها‬
‫لما كان في بغداد ما أتبرض وقد وجدت هذا الشعر لبن المولى في جامع شعره‬ ‫ولول انتظاري جعفرا ونواله‬
‫‪.‬من قصيدة له‪ ،‬وأظن ذلك الصحيح‪ ،‬ل ما ذكر محمد بن داود من أنها لسلمة بن عياش‬
‫يرفد الفرزدق ببيت من الشعر حين أجبل في قصيدة‪ :‬أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عمر بن شبة وغيره‪،‬‬
‫قال‪ :‬قال سلمة بن عياش ‪-‬وذكر محمد بن داود‪ ،‬عن عسل بن ذكوان‪ ،‬عن أبي حاتم‪ ،‬عن الصمعي‪ ،‬عن سلمة بن عياش مولى‬
‫‪:‬بني عامر بن لؤي‪ -‬قال‪ :‬دخلت على الفرزدق السجن‪ ،‬وهو محبوس‪ ،‬وقد قال قصيدته‬
‫بيتا دعائمه أعـز وأطـول‬ ‫إن الذي سمك السماء بنى لنا‬

‫صفحة ‪2296 :‬‬

‫‪:‬وقد أفحم وأجبل ‪ ،‬فقلت له‪ :‬أل أرفدك ? فقلت‪ :‬وهل ذاك عندك? فقلت‪ :‬نعم‪ ،‬ثم قلت‬
‫ومجاشع وأب الفوارس نهشل فاستجاد البيت وغاظه قولي له‪ ،‬فقال لي‪ :‬ممن‬ ‫بيت زرارة محتب بـفـنـائه‬
‫أنت? فقلت‪ :‬من قريش‪ ،‬فقال‪ :‬كل أير حمار من قريش فمن أيها أنت? قلت‪ :‬من بني عامر بن لؤي‪ ،‬قال‪ :‬لئام والله رضعة ‪،‬‬
‫جاورتهم بالمدينة فما أحمدتهم ‪ ،‬فقلت‪ :‬ألم والله منهم قومك وأرضع‪ .‬جاء رسول مالك بن المنذر وأنت سيدهم وشاعرهم‪،‬‬
‫‪.‬فأخذ بأذنك يقودك حتى احتبسك فما اعترضه أحد‪ ،‬ول نصرك‪ ،‬فقال‪ :‬قاتلك الله ما أكرمك وأخذ البيت‪ ،‬فأدخله في قصيدته‬
‫يتغزل في بربر المغنية‪ ،‬فتوهب له‪ :‬أخبرنا وكيع‪ ،‬قال‪ :‬أخبرني محمد بن سعد الكراني‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سهل بن محمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني‬
‫العتبي‪ ،‬قال كان سلمة بن عياش وأبو سفيان بن العلء عند محمد بن سليمان‪ ،‬وجارية تغنيهم وتسقيهم يقال لها‪ :‬بربر‪ ،‬فقال‬
‫‪:‬سلمة‬
‫لهلي وما لقيت من حب بربر‬ ‫إلى الله أشكو ما ألقي من القلـى‬
‫وفارقت أخداني وشمرت مئزري‬ ‫على حين ودعت الصبابة والصبا‬
‫وأنت لنا في النائبات كجعـفـر قال‪ :‬فقال محمد بن سليمان لسلمة‪ :‬خذها‪ ،‬هي‬ ‫نأى جعفر عنا وكان لمـثـلـهـا‬
‫لك‪ ،‬فاستحيا وارتدع‪ ،‬وقال‪ :‬ل أريدها فألح عليه في أخذها‪ ،‬فقال‪ :‬أعتق ما أملك إن أخذتها‪ ،‬فقال له أبو سفيان‪ :‬يا سخين العين‪،‬‬
‫‪:‬أعتق ما تملك وخذها‪ ،‬فهي خير من كل ما تملك‪ ،‬فلما مات أبو سفيان رثاه سلمة فقال‪ :‬يرثي صديقه أبا سفيان‬
‫على صاحب إل فجعت بصاحب‬ ‫لعمرك ل تعفو كلوم مـصـيبة‬
‫وتنهل عيني بالدموع السواكـب‬ ‫تقطع أحشائي إذا ما ذكـرتـك‬
‫ومعترفا بالصبر عند المصـائب‬ ‫وكنت امرأ جلدا على ما ينوبنـي‬
‫جزوعا ول مستنكر للـنـوائب‬ ‫فهد أبو سفيان ركني ولـم أكـن‬
‫خليلي صفاء ودنا غـير كـاذب‬ ‫غنينا معا بضعا وستـين حـجة‬
‫على قربه مني كمن لم أصاحب وذكر محمد بن داود عن عسل بن ذكوان أن‬ ‫فأصبحت لما حالت الرض دونه‬
‫‪.‬محمد بن سليمان قال له‪ :‬اختر ما شئت غيرها‪ ،‬لن أبا أيوب قد وطئها‬
‫يهزأ بأبي حية النميري فيخرسه‪ :‬أخبرني علي بن سليمان الخفش قال‪ :‬حدثني محمد بن يزيد النحوي‪ ،‬قال‪ :‬حدثت من غير‬
‫وجه عن سلمة بن عياش أنه قال‪ :‬قلت لبي حية النميري أهزأ به‪ :‬ويحك يا أبا حية أتدري ما يقول الناس? قال‪ :‬ل‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫‪.‬يزعمون أني أشعر منك‪ ،‬قال‪ :‬إنا لله هلك والله الناس‬
‫من شعره في بربر‪ :‬وفي بربر هذه يقول سلمة بن عياش‪ ،‬وفيه غناء‪ ،‬وذكر عمر بن شبة أنه لمطيع ابن إياس‪ :‬صوت‬
‫سيقتلني على بربـر‬ ‫أظن الحب من وجدي‬
‫ص من يملكها يحبر‬ ‫وبربر درة الـغـوا‬
‫فقد أفتنت ذا العسكر‬ ‫فخافي الله يا بربـر‬
‫وريح المسك والعنبر‬ ‫بحسن الدل والشكـل‬
‫وعيني جؤذر أحور فيه لحكم ثلثة ألحان‪ :‬رمل مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق‪،‬‬ ‫ووجه يثبـه الـبـدر‬
‫‪.‬وخفيف رمل عن هارون بن الزيات‪ ،‬وهزيج عن أبي أيوب المدني‬
‫شعر مطيع بن إياس في جارية لبربر بعد ما أعتقت‪ :‬أخبرني إسماعيل بن يونس‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عمر بن شبة‪ ،‬قال بربر جارية آل‬
‫سليمان أعتقت‪ ،‬وكان لها جوار مغنيات‪ ،‬فيهن جارية اسمها جوهر‪ ،‬وكان في البصرة فتى يعرف بالصحاف‪ ،‬حسن الوجه‪ ،‬فبلغ‬
‫‪:‬مطيع بن إياس أنه بات مع جوهر جارية بربر‪ ،‬فغاظه ذلك‪ ،‬فقال‬
‫وعليها قميصها الفـواف‬ ‫ناك والله جوهر الصحـاف‬
‫لم يخنه نقص ول إخطاف‬ ‫شام فيها أيرا له ذا صـلع‬
‫قائما في قيامه استحصاف‬ ‫زعموها قالت وقد غاب فيها‬
‫وبها شهوة له والتـهـاف‬ ‫وهو في جارة استها يتلظى‬
‫ما كذا يا فتى تناك الظراف قال‪ :‬وقال فيها‪ ،‬وقد وجهت بجواريها إلى عسكر‬ ‫بعض هذا مهل ترفق قليل‬
‫‪:‬المهدي‬
‫فقد أفسدت ذا العسكر‬ ‫خافي اللـه يا بـربـر‬
‫فصار الفسق ل ينكـر‬ ‫أفضت الفسق في الناس‬
‫إذا ما أقبلت بـربـر‬ ‫?ومن ذا يملك الـنـاس‬
‫صفحة ‪2297 :‬‬

‫كريح الـمـسـك والـعـنــبـــر‬ ‫وأعـــطـــاف جـــواريهـــا‬


‫ص مـن يمـلـكـهـا يحــبـــر‬ ‫وجـــوهـــر درة الـــغـــوا‬
‫لقـد زدت عـلـى الـجــوهـــر‬ ‫أل يا جـوهــر الـــقـــلـــب‬
‫بحـسـن الـدل والـمـنــظـــر‬ ‫وقـد أكـمـــلـــك الـــلـــه‬
‫إذا غنيت يا أحسن خلق الله بالمـزهـر‬
‫وهـذا طــربـــا يكـــفـــر‬ ‫فهذا حزنا يبكي‬
‫وذا فـــرح ينـــعـــــــر‬ ‫وهــذا يشـــرب الـــكـــأس‬
‫أولـى مـنـك بـالـمـنـــبـــر‬ ‫ول والـلـه مـا الــمـــهـــدي‬
‫فما عشت ففي كفيك خلع ابن أبي جعفر قال‪ :‬فبلغ ذلك المهدي‪ ،‬فضحك وأمر لمطيع بصلة‪ ،‬وقال‪ :‬أنفق هذا عليها‪ ،‬وسلها أل‬
‫‪.‬تخلعنا ما عاشت‬
‫‪:‬قال‪ :‬وفي جوهر يقول مطيع‬
‫وفيه فضل الدر والجوهر‬ ‫جارية أحسن من حلـيهـا‬
‫والطيب فيه المسك والعنبر‬ ‫وجرمها أطيب من طيبهـا‬
‫يا حبذا ما جلبت بـربـر قال‪ :‬وقال فيها‬ ‫‪:‬جاءت بها بربر ممكـورة‬
‫في بياض الدرة المشتهره‬ ‫أنت يا جوهر عندي جوهره‬
‫قدحت في كل قلب شرره‬ ‫وإذا غنت فنار أضـرمـت‬
‫صوت‬

‫والذي صيغ من حياء وجود‬ ‫يا عمود السلم خير عمود‬


‫طلعت شمسه بسعد السعود الشعر لبي العتاهية يمدح محمد المين‪ ،‬والغناء‬ ‫إن يومـا أراك فـيه لـيوم‬
‫‪.‬لسحاق‪ ،‬ثقيل أول بالبنصر عن عمرو بن بانة وإسحاق‬

‫أخبار لم جعفر‬
‫تستنشد أبا العتاهية مدحه للمين‪ :‬أخبرني محمد بن يحيى الصولي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا العلئي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن أبي العتاهية‪،‬‬
‫‪:‬قال‪ :‬لما جلس المين في الخلفة أنشده أبو العتاهية‬
‫إنما أنت رحمة للـرعـية‬ ‫يا بن عم النبي خير البـرية‬
‫بلباب الخلفة الهاشـمـيه‬ ‫يا إمام الهدى المين المصفى‬
‫ر وكف بالمكرمات نـديه‬ ‫لك نفس أمارة لك بالـخـي‬
‫لت للمسلمين نفـس قـوية قال‪ :‬ثم خرج إلى دار أم جعفر‪ ،‬فقالت له‪ :‬أنشدني‬ ‫إن نفسا تحملت منك ما حـم‬
‫‪.‬ما أنشدت أمير المؤمنين‪ ،‬فأنشدها‬
‫‪:‬فقالت‪ :‬أين هذا من مدائحك في المهدي والرشيد? فغضب وقال‪ :‬إنما أنشدت أمير المؤمنين ما يستملح‪ ،‬وأنا القائل فيه‬
‫والذي صيغ من حياء وجود‬ ‫يا عمود السلم خير عمـود‬
‫زان عن كل هالك مفقـود‬ ‫والذي فيه ما يسلي ذوي الح‬
‫طلعت شمسه بسعد السعود فقالت له‪ :‬الن وفيت المديح حقه‪ ،‬وأمرت له بعشرة‬ ‫إن يومـا أراك فـيه لـيوم‬
‫‪.‬آلف درهم‬
‫يستنجز أبو العتاهية ما كانت تجريه عليه‪ :‬أخبرني محمد بن يحيى‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن موسى اليزيدي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد‬
‫بن الفضل‪ ،‬قال‪ :‬كان المأمون يوجه إلى أم جعفر زبيدة في كل سنة بمائة ألف دينار جدد وألف ألف درهم‪ ،‬فكانت تعطي أبا‬
‫‪:‬العتاهية منها مائة دينار وألف درهم‪ ،‬فأغفلته سنة‪ ،‬فدفع إلي رقعة وقال‪ :‬ضعها بين يديها فوضعتها‪ ،‬وكان فيها‬
‫جددا بيضا وصفرا حسنـه‬ ‫خبروني أن في ضرب السنة‬
‫مثل ما كنت أرى كل سنـه فقالت‪ :‬إنا لله أغفلناه‪ .‬فوجهت إليه بوظيفة على يدي‬ ‫‪.‬سككا قد أحدثت لـم أرهـا‬
‫تطلب أن ينظم أبو العتاهية أبياتا تعطف عليها المأمون حدثني محمد بن موسى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا جعفر بن الفضل الكاتب‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أحست زبيدة من المأمون بجفاء‪ ،‬فوجهت إلى أبي العتاهية تعلمه بذلك‪ ،‬وتأمره أن يعمل فيه أبياتا تعطفه عليها‪ ،‬فقال‪ :‬صوت‬
‫ويؤنس باللف طورا ويفـقـد‬ ‫أل إن ريب الدهر يدني ويبـعـد‬
‫فسلمت للقدار واللـه أحـمـد‬ ‫أصابت لريب الدهر مني يدي يدي‬
‫فقد بقيت والحمد لـلـه لـي يد‬ ‫وقلت لريب الدهر إن ذهبـت يد‬
‫ولي جعفر لم يفقدا ومـحـمـد الغناء لعلويه‬ ‫‪.‬إذا بقي المأمون فالـرشـيد لـي‬
‫‪.‬قال‪ :‬فحسن موقع البيات منه‪ ،‬وعاد لها المأمون إلى أكثر مما كان لها عليه‬
‫‪.‬وجدت في كتاب محمد بن الحسن الكاتب‬

‫صفحة ‪2298 :‬‬

‫حدثني هارون بن مخارق‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبي‪ ،‬قال‪ :‬ظهرت لم جعفر جفوة من المأمون‪ ،‬فبعثت إلي بأبيات وأمرتني أن أغني‬
‫فيها المأمون إذا رأيته نشيطا وأسنت لي الجائزة‪ ،‬وكان كاتبها قال البيات‪ ،‬ففعلت فسألني المأمون عن الخبر فعرفته‪ ،‬فبكى‬
‫ورق لها‪ ،‬وقام من وقته فدخل إليها فأكب عليها‪ ،‬وقبلت يديه‪ ،‬وقال لها‪ :‬يا أمه‪ ،‬ما جفوتك تعمدا‪ ،‬ولكن شغلت عنك بما ل يمكن‬
‫‪:‬إغفاله‪ ،‬فقالت‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬إذا حسن رأيك لم يوحشني شغلك‪ ،‬وأتم يومه عندها‪ ،‬والبيات‬
‫ويؤنس باللف طورا ويفقد وذكر باقي البيات مثل ما في الخبر الول‪ :‬ينظم‬ ‫أل إن ريب الدهر يدني ويبعد‬
‫أبو العتاهية شعرا على لسانها للمأمون‪ :‬أخبرني محمد بن يحيى‪ ،‬قال‪ :‬حدثني الحسن بن علي الرازي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو سهل‬
‫‪:‬الرازقي عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬عمل أبو العتاهية شعرا على لسان زبيدة بأمرها لما قدم المأمون بغداد‪ ،‬أوله‬
‫وأفضل راق فوق أعواد منبر فذكر محمد بن أحمد بن المرزبان عن بعض كتاب‬ ‫لخير إمام قام من خير عنصر‬
‫السلطان‪ :‬أن المأمون لما قدم مدينة السلم واستقرت به الدار‪ ،‬وانتظمت له المور‪ ،‬أمرت أم جعفر كاتبا لها فقال هذه‬
‫البيات‪ ،‬وبعثت بها إلى علويه‪ ،‬وسألته أن يصنع فيها لحنا‪ ،‬ويغني فيه المأمون ففعل‪ ،‬وكان ذلك مما عطفه عليها‪ ،‬وأمرت لعلويه‬
‫‪:‬بعشرين ألف درهم‪ .‬وقد روي أن البيات التي أولها‬
‫‪.‬يا عمود السلم خير عمود لعيسى بن زينب المراكبي‬
‫أخبرني محمد بن يحيى‪ ،‬قال‪ :‬حدثني الحسين بن يحيى الكاتب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا علي بن نجيح‪ ،‬قال‪ :‬حدثني صالح بن الرشيد‪ ،‬قال‪:‬‬
‫كنا عند المأمون يوما وعقيد المغني وعمرو بن بانة يغنيان‪ ،‬وعيسى بن زينب المراكبي حاضر‪ ،‬وكان مشهورا بالبنة‪ ،‬فتغنى‬
‫‪:‬عقيد بشعر عيسى‬
‫والذي صيغ من حياء وجود‬ ‫يا عمود السلم خير عمود‬
‫طرفة تستفاد يا بن الرشيد فقال المأمون لعقيد‪ :‬أنشد باقي هذا الشعر‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫لك عندي في كل يوم جـديد‬
‫‪:‬أصون سمع أمير المؤمنين عنه‪ ،‬فقال‪ :‬هاته ويحك فقال‬
‫ن وراح ومسمعات وعـود‬ ‫كنت في مجلس أنيق وريحان‬
‫ك وهو ممسك بأير عقـيد‬ ‫فتغنى عمرو بن بـانة إذا ذا‬
‫والذي صيغ من حياء وجود‬ ‫يا عمود السلم خير عمـود‬
‫محب صب الفؤاد عـمـيد فقال المأمون لعيسى بن زينب‪ :‬والله ل فارقتك حتى‬ ‫فتنفست ثم قلـت كـذا كـل‬
‫تخبرني عن تنفسك عند قبض عمرو على أير عقيد‪ :‬لي شيء هو? ل بد من أن يكون ذلك إشفاقا عليه‪ ،‬أو على أن تكون مثله‪،‬‬
‫لعن الله تنفسك هذا يا مريب قال‪ :‬وإنما سمي المراكبي لتوليه مراكب المنصور‪ ،‬وأمه زينب بنت بشر صاحب طاقات بشر‬
‫‪.‬بباب الشام‬

‫صوت‬

‫لو أدرك مني العذارى الشبابا‬ ‫لقيت من الغنيات العـجـابـا‬


‫ويحدثن بعد الخضاب الخضابا‬ ‫غلم يكحلن حور الـعـيون‬
‫فل تمنعن النساء الضـرابـا الشعر ليمن بن خزيم بن فاتك السدي‪ ،‬والغناء لبراهيم‬ ‫ويبرقن إل لما تـعـلـمـون‬
‫‪.‬الموصلي‪ ،‬ولحنه من الثقيل الول بالسبابة في مجرى الوسطى من رواية الهشامي‬

‫أخبار أيمن بن خريم‬


‫نسبه وتشيعه وأيمن بن خريم بن فاتك السدي لبيه صحبة برسول الله ‪ -(-‬ورواية عنه‪ ،‬وينسب إلى فاتك‪ ،‬وهو جد أبيه‪ .‬وهو‬
‫أيمن بن خريم بن الخرم بن عمرو بن فاتك بن القليب بن عمرو بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار‪.‬‬
‫‪.‬وكان أيمن يتشيع‪ ،‬وكان أبوه أحد من اعتزل حرب الجمل وصفين وما بعدهما من الحداث‪ ،‬فلم يحضرها‬
‫‪:‬يصف قوته لعبد الملك بن مروان‪ ،‬فيحسده ويتغير عليه‬

‫صفحة ‪2299 :‬‬

‫أخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم بن مهروية‪ ،‬قال‪ :‬حدثني النوشجاني عن العمري عن الهيثم بن عدي‪،‬‬
‫عن عبد الله بن عياش‪ ،‬عن مجالد‪ ،‬قال كان عبد الملك شديد الشغف بالنساء‪ ،‬فلما أسن ضعف عن الجماع وازداد غرامه بهن‪،‬‬
‫فدخل إليه يوما أيمن بن خريم قال له‪ :‬كيف أنت? فقال‪ :‬بخير يا أمير المؤمنين‪ .‬قال‪ :‬فكيف قوتك? قال‪ :‬كما أحب‪ ،‬ولله‬
‫الحمد‪ ،‬إني لكل الجذعة من الضأن بالصاع من البر‪ ،‬وأشرب العس المملوء ‪ ،‬وأرتحل البعير الصعب وأنصبه ‪ ،‬وأركب المهر‬
‫الرن فأذلله‪ ،‬وأفترع العذراء‪ ،‬ول يقعدني عنها الكبر‪ ،‬ول يمنعني منها الحصر ‪ ،‬ول يرويني منها الغمر ول ينقضي مني الوطر‪.‬‬
‫فغاظ عبد الملك قوله وحسده‪ ،‬فمنعه العطاء وحجبه‪ ،‬وقصده بما كره حتى أثر ذلك في حاله‪ ،‬فقالت له امرأته‪ :‬ويحك أصدقني‬
‫عن حالك? هل لك جرم? قال‪ :‬ل والله‪ ،‬قالت‪ :‬فأي شيء دار بينك وبين أمير المؤمنين آخر ما لقيته? فأخبرها‪ ،‬فقالت‪ :‬إنا لله?‬
‫‪.‬من ها هنا أتيت‬
‫تحتال له امرأته فيعود عبد الملك إلى بره‪ :‬أنا أحتال لك في ذلك حتى أزيل ما جرى عليك‪ ،‬فقد حسدك الرجل على وصفت به‬
‫نفسك‪ ،‬فتهيأت ولبست ثيابها ودخلت على عاتكة زوجته‪ ،‬فقالت‪ :‬أسألك أن تستعدي لي أمير المؤمنين على زوجي‪ ،‬قالت‪:‬‬
‫وماله? قالت‪ :‬والله ما أدري أنا مع رجل أو حائط? وإن له لسنين ما يعرف فراشي‪ ،‬فسليه أن يفرق بيني وبينه‪ ،‬فخرجت عاتكة‬
‫إلى عبد الملك فذكرت ذلك له‪ ،‬وسألته في أمرها‪ ،‬فوجه إلى أيمن بن خريم فحضر‪ ،‬فسأله عما شكت منه فاعترف به‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫أو لم أسألك عاما أول عن حالك فوصفت كيت وكيت? فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬إن الرجل ليتجمل عن سلطانه‪ ،‬ويتجلد عند‬
‫‪:‬أعدائه بأكثر مما وصفت نفسي به‪ ،‬وأنا القائل‬
‫لو أدرك مني الغواني الشبابـا‬ ‫لقيت من الغانيات العـجـابـا‬
‫عناء شديد إذا المـرء شـابـا‬ ‫ولكن جمع النساء الـحـسـان‬
‫وضاعفت فوق الثياب الثيابـا‬ ‫ولو كلت بالمد لـلـغـانـيات‬
‫جحدنك عند المير الكتـابـا‬ ‫إذا لم تنلـهـن مـن ذاك ذاك‬
‫ويصبحن كل غداة صعـابـا‬ ‫يذدن بـكـل عـصـــا ذائد‬
‫ط أصبحن مخرنظمات غضابا‬ ‫إذا لم يخالطـن كـل الـخـل‬
‫ويحدثن بعد الخضابا الخضابـا‬ ‫علم يكحلن حـور الـعـيون‬
‫ويدنين عند الحجال العـيابـا‬ ‫ويعركن بالمسـك أجـيادهـن‬
‫فل تحرموا الغانيات الضرابا قال‪ :‬فجعل عبد الملك يضحك من قوله‪ ،‬ثم قال‪ :‬أولى‬ ‫ويبرقن إل لما تـعـلـمـون‬
‫لك يا بن خريم لقد لقيت منهن ترحا ‪ ،‬فما ترى أن نصنع بينك وبين زوجتك? قال‪ :‬تستأجلها إلى أجل العنين‪ ،‬وأداريها لعلي‬
‫‪.‬أستطيع إمساكها‪ ،‬قال‪ :‬أفعل ذلك‪ ،‬وردها إليه‪ ،‬وأمر له بما فات من عطائه‪ ،‬وعاد إلى بره وتقريبه‬
‫يعتزل عمرو بن سعيد وعبد العزيز بن مروان في منازعة بينهم ويقول في ذلك شعرا‪ :‬أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي أو‬
‫دلف‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الرياشي‪ ،‬قال‪ :‬ذكر العتبي أن منازعة وقعت بين عمرو بن سعيد وعبد العزيز بن مروان‪ ،‬فتعصب لكل واحد‬
‫منهما أخواله‪ ،‬وتداعوا بالسلح واقتتلوا‪ ،‬وكان أيمن بن خريم حاضر للمنازعة فاعتزلهم هو ورجل من قومه‪ ،‬يقال له‪ :‬ابن كوز‪،‬‬
‫‪:‬فعاتبه عبد العزيز وعمرو جميعا على ذلك‪ ،‬فقال‬
‫وبين خصيمه عبد الـعـزيز‬ ‫أأقتل بين حجاج بن عـمـرو‬
‫ويبقى بعدنا أهل الكـنـوز‬ ‫أنقتل ضلة في غـير شـيء‬
‫ول وفقت للحرز الـحـريز‬ ‫لعمر أبيك ما أتـيت رشـدي‬
‫ومعتزل كما اعتزل ابن كوز يهجو يحيى بن الحكم‪ :‬أخبرني عمي قال‪ :‬حدثني‬ ‫فإني تارك لهمـا جـمـيعـا‬
‫الكراني‪ ،‬عن العمري عن الهيثم بن عدي‪ ،‬قال‪ :‬أصاب يحيى بن الحكم جارية في غزاة الصائفة ‪ ،‬بها وضح ‪ ،‬فقال‪ :‬أعطوها‬
‫‪:‬أيمن بن خريم‪ ،‬وكان موضحا‪ ،‬فغضب وأنشأ يقول‬
‫وصاحبت يحيى ضلة من ضلليا‬ ‫تركت بني مروان تندى أكفـهـم‬
‫لقومي هجرا أن أتوك ول لـيا وانصرف عنه‪ ،‬فأتى عبد العزيز بن مروان‪،‬‬ ‫فإنك لو أشبهت مروان لم تـقـل‬
‫‪.‬وكان يحيى محمقا‬
‫‪:‬يرى عبد الملك مدحه لبني هاشم مثل يحتذى‬

‫صفحة ‪2300 :‬‬

‫حدثني محمد بن العباس اليزيدي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عمي الفضل‪ ،‬قال‪ :‬حدثني الزبيري عن أشياخه أن عبد الملك بن مروان قال‪:‬‬
‫يا معشر الشعراء تشبهوننا مرة بالسد البخر‪ ،‬ومرة بالجبل الوعر‪ ،‬ومرة بالبحر الجاج‪ ،‬أل قلتم فينا كما قال أيمن بن خريم‬
‫‪:‬في بني هاشم‬
‫وليلكم صلة واقـتـراء‬ ‫نهاركم مكابـدة وصـوم‬
‫فأسرع فيكم ذاك البـلء‬ ‫وليتم بالقران وبالتزكـي‬
‫ومكة والمدينة والجـواء‬ ‫بكى نجد غداة غد عليكـم‬
‫عليكم ل أبالكم البـكـاء‬ ‫وحق لكل أرض فارقوها‬
‫وبينكم وبينهم الـهـواء‬ ‫أأجعلكم وأقوامـا سـواء‬
‫لرؤسهم وأعينهم سماء شعره وقد أدى عبد الملك عنه دية قتل خطأ‪ :‬أخبرني‬ ‫وهم أرض لرجلكم وأنتم‬
‫الحسن بن علي‪ ،‬عن أحمد بن زهير‪ ،‬عن أبي همام الوليد بن شجاع‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن إدريس‪ ،‬قال‪ :‬أصاب أيمن بن خريم‬
‫امرأة له خطأ ‪-‬يعني قتلها‪ -‬فوداها عبد الملك بن مروان‪ :‬أعطى ورثتها ديتها‪ ،‬وكفر عنه كفارة القتل‪ ،‬وأعطاه عدة جوار‪ ،‬ووهب‬
‫‪:‬له مال‪ ،‬فقال أيمن‬
‫لو أنس مني الغواني الشبابـا‬ ‫رأيت الغواني شيئا عجـابـا‬
‫عناء شديد إذا المرء شـابـا‬ ‫ولكن جمع العذارى الحسـان‬
‫وضاعفت فوق الثياب ثيابـا‬ ‫ولو كلت بالمد للـغـانـيات‬
‫بغينك عند المير الـكـذابـا‬ ‫إذا لم تنلـهـن مـن ذاك ذاك‬
‫ويصبحن كل غداة صعـابـا‬ ‫يذدن بـكـل عـصــا ذائد‬
‫تراهن مخرنظمات غضابـا‬ ‫إذا لم يخالطن كل الـخـلط‬
‫ويحدثن بعد الخضاب الخضابا‬ ‫علم يكحلن حور الـعـيون‬
‫ويدنين عند الحجال العـيابـا‬ ‫ويعركن بالمسك أجـيادهـن‬
‫فل تحرموا الغانيات الضرابا قال‪ :‬فبلغني أن عبد الملك أنشد هذا الشعر‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫ويغمزن إل لما تعـلـمـون‬
‫‪.‬نعم الشفيع أيمن لهن‬
‫يستجيد عبد الملك وصفه للنساء‪ :‬وأخبرني أحمد بن عبد العزيز عن عمر بن شبة وإبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫له عبد الملك لما أنشده هذا الشعر‪ :‬ما وصف النساء أحد مثل صفتك‪ ،‬ول عرفهن أحد معرفتك‪ .‬قال‪ :‬فقال له‪ :‬لئن كنت‬
‫صدقت في ذلك لقد صدق الذي يقول‪ :‬صوت‬
‫خير بأدواء النسـاء طـبـيب‬ ‫فإن تسألوني بالنساء فـإنـنـي‬
‫فليس له في ودهن نـصـيب‬ ‫إذا شاب رأس المرء أو قل ماله‬
‫وشرخ الشباب عندهن عجـيب فقال له عبد الملك‪ :‬قد لعمري صدقتما‬ ‫يردن ثراء المال حيث علمنـه‬
‫وأحسنتما‪ ،‬الشعر لعلقمة بن عبدة‪ ،‬والغناء لبسباسة‪ ،‬ولحنه خفيف ثقيل أول بالوسطى عن حبش‪ .‬وهذه البيات يقولها علقمة‬
‫‪.‬بن عبدة يمدح بها الحارث ويسأله إطلق ابنه شأس ‪ .‬وخبره يذكر وخبر الحارث بعد انقضاء أخبار أيمن بن خريم‬
‫رجع الحديث إلى أخبار أيمن يفضل عبد العزيز بن مروان شعر نصيب على شعره‪ ،‬فيلحق ببشر بن مروان‪ :‬أخبرني أحمد بن‬
‫عبد العزيز الجوهري‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عمر بن شبة‪ ،‬قال‪ :‬حدثني المدائني عن أبي بكر الهذلي‪ ،‬قال‪ :‬دخل نصيب يوما إلى عبد‬
‫العزيز بن مروان‪ ،‬فأنشده قصيدة له امتدحه بها فأعجبته‪ ،‬وأقبل على أيمن بن خريم فقال‪ :‬كيف ترى شعر مولي هذا? قال‪:‬‬
‫‪?.‬هو أشعر أهل جلدته ‪ .‬فقال‪ :‬هو أشعر والله منك‪ .‬قال أمني أيها المير‬
‫فقال‪ :‬إي والله‪ ،‬قال‪ :‬ل والله‪ ،‬ولكنك طرف ملول‪ ،‬فقال له‪ :‬لو كنت كذلك ما صبرت على مؤاكلتك منذ سنة وبك من البرص‬
‫‪:‬ما بك ‪ ،‬فقال‪ :‬ائذن لي أيها المير في النصراف‪ ،‬قال‪ :‬ذلك إليك‪ ،‬فمضى لوجهه حتى لحق ببشر بن مروان‪ ،‬وقال فيه‬
‫إلى بشر بن مروان البـريدا‬ ‫ركبت من المقطم في جمادى‬
‫رأى حقا عـلـيه أن يزيدا‬ ‫ولو أعطاك بشر ألف ألـف‬
‫عمود الدين إن له عـمـودا‬ ‫أمير المؤمنين أقم بـبـشـر‬
‫لهل الزيغ إسلما جـديدا‬ ‫ودع بشرا يقومهـم ويحـدث‬
‫كأم السد مذكـارا ولـودا‬ ‫وإنا قد وجـدنـا أم بـشـر‬
‫جلوه لعظـم اليام عـيدا‬ ‫كأن التاج تاج أبي هـرقـل‬

‫صفحة ‪2301 :‬‬

‫إذا اللوان حالفت الخدودا ‪-‬يعرض بنمش كان بوجه عبد العزيز‪ -‬فقبله بشر بن‬ ‫يحالف لونه ديباج بـشـر‬
‫‪.‬مروان ووصله‪ ،‬ولم يزل أثيرا عنده‬
‫من مدحه في بشر بن مروان‪ :‬أخبرني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني الكراني‪ ،‬وأبو العيناء عن العتبي‪ ،‬قال‪ :‬لما أتى أيمن بن خريم بشر‬
‫بن مروان نظر الناس يدخلون عليه أفواجا‪ ،‬فقال من يؤذن لنا المير أو يستأذن لنا عليه? قيل له‪ :‬ليس على المير حجاب ول‬
‫‪:‬ستر‪ ،‬فدخل وهو يقول‬
‫إذا لح في أثوابه قمـر بـدر‬ ‫يرى بارزا للناس بشـر كـأنـه‬
‫طماطم سود أو صقالبة شقـر‬ ‫ولو شاء بشر أغلق الباب دونـه‬
‫يكون له في غبها الحمد والشكر فضحك إليه بشر‪ ،‬وقال‪ :‬إنا قوم نحجب‬ ‫أبى ذا ولكن سهل الذن للـتـي‬
‫‪.‬الحرم‪ ،‬وأما الموال والطعام فل‪ ،‬وأمر له بعشرة آلف درهم‬
‫يعير أهل العراق بقلة غنائهم في حرب غزالة‪ :‬أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي أبو دلف‪ ،‬قال‪ :‬حدثني الرياشي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا‪2‬‬
‫‪:‬الصمعي عن المعتمد بن سليمان‪ ،‬قال‪ :‬لما طالت الحرب بين غزالة وبين أهل العراق وهم ل يغنون شيئا ‪-‬قال أيمن بن خريم‬
‫من السافكين الحرام العبيطـا‬ ‫أتينا بـهـم مـائتـي فـارس‬
‫ء يسحبن للمنديات المروطـا‬ ‫وخمسون من مارقات النـسـا‬
‫يئط العراقان منهم أطـيطـا‬ ‫وهم مائتا ألـف ذي قـونـس‬
‫بمكة هودجها والـغـبـيطـا‬ ‫رأيت غـزالة إن طـرحـت‬
‫فلقى العراقان منها بطيطـا‬ ‫سمت للعراقين في جمعـهـا‬
‫ق إن قلدوا الغانيات السموطا‬ ‫?أل يستحي الله أهـل الـعـرا‬
‫وتحوي النهاب وتحوي النبيطا‬ ‫وخيل غزالة تسبي الـنـسـاء‬
‫لسلمتم في الملمات لـوطـا‬ ‫ولو أن لـوطـا أمـير لـكـم‬
‫صوت‬

‫وكيف تصابي المرء والرأس أشيب‬ ‫تصابيت أم هاجت لك الشوق زينـب‬


‫وإن جانبت لم يسل عنها التجـنـب‬ ‫إذا قربت زادتك شوقا بـقـربـهـا‬
‫ول أنت مردود بما جئت تطـلـب‬ ‫فل اليأس إن ألممت يبدو فترعـوي‬
‫وفي الرض عمن ل يؤاتيك مذهب الشعر لحجية بن المضرب الكندي‪،‬‬ ‫وفي اليأس لو يبدو لك الـيأس راحة‬
‫فيما ذكره إسحاق والكوفيون‪ .‬وذكر الزبير بن بكار أنه لسماعيل بن يسار‪ ،‬وذكر غيره أنه لخيه أحمد بن يسار‪ .‬والغناء ليونس‬
‫الكاتب‪ ،‬ولحنه من الثقيل الثاني بإطلق الوتر في مجرى البنصر‪ ،‬وفيه ثقيل أول بالبنصر‪ .‬ذكر حبش أنه لمالك‪ ،‬وذكر غيره أنه‬
‫‪.‬لمعبد‬

‫أخبار حجية بن المضرب‬


‫تجعله عائشة مثل في بر صبية لخيه مات عنهم‪ :‬حدثني ابن عمار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد بن يحيى الموي‪ ،‬وأخبرنا به وكيع عن‬
‫إسماعيل بن إسحاق‪ ،‬عن سعيد بن يحيى الموي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني المحبر بن قحذم‪ ،‬عن هشام بن عروة‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬لما قدم‬
‫القاسم بن محمد بن أبي بكر وأخته من مصر ‪-‬وأخبرني بهذا الخبر محمد بن أبي الزهر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه‪،‬‬
‫عن الهيثم بن عدي‪ ،‬عن عوانة‪ ،‬قال‪ :‬كان القاسم بن محمد بن أبي بكر يحدث‪ ،‬قال‪ :‬لما قتل معاوية بن حديج الكندي وعمرو‬
‫بن العاص أبي ‪-‬يعني محمد بن أبي بكر بمصر‪ -‬جاء عمي عبد الرحمن بن أبي بكر فاحتملني وأختا لي من مصر‪ .‬وقد جمعت‬
‫‪.‬الروايتين واللفظ لبن أبي الزهر‪ ،‬وخبره أتم قال‬
‫فقدم بنا المدينة‪ ،‬فبعثت إلينا عائشة‪ ،‬فاحتملتنا من منزل عبد الرحمن إليها‪ ،‬فما رأيت والدة قط‪ ،‬ول والدا أبر منها‪ ،‬فلم نزل‬
‫في حجرها حتى إذا كان ذات يوم وقد ترعرعنا ألبستنا ثيابا بيضاء‪ ،‬ثم أجلست كل واحد منا على فخذها‪ ،‬ثم بعثت إلى عمي عبد‬
‫الرحمن‪ ،‬فلما دخل عليها تكلمت فحمدت الله ‪-‬عز وجل‪ -‬وأثنت عليه‪ .‬فما رأيت متكلما ول متكلمة قبلها ول بعدها أبلغ منها‪ ،‬ثم‬
‫‪:‬قالت‬

‫صفحة ‪2302 :‬‬

‫يا أخي إني لم أزل أراك معرضا عني منذ قبضت هذين الصبيين منك‪ ،‬ووالله ما قبضتهما تطاول عليك‪ ،‬ول تهمة لك فيهما‪ ،‬ول‬
‫لشيء تكرهه‪ ،‬ولكنك كنت رجل ذا نساء‪ ،‬وكانا صبيين ل يكفيان من أنفسهما شيئا‪ ،‬فخشيت أن يرى نساؤك منهما ما يتقذرون‬
‫به من قبيح أمر الصبيان فكنت ألطف لذلك وأحق بوليته‪ ،‬فقد قويا على أنفسهما وشبا‪ ،‬وعرفا ما يأتيان‪ ،‬فها هما هذان‬
‫فضمهما إليك‪ ،‬وكن لهما كحجية بن المضرب أخي كندة‪ ،‬فإنه كان له أخ يقال له‪ :‬معدان‪ ،‬فمات وترك أصيبية صغارا في حجر‬
‫أخيه‪ ،‬فكان أبر الناس بهم وأعطفهم عليهم‪ ،‬وكان يؤثرهم على صبيانه‪ ،‬فمكث بذلك ما شاء الله‪ .‬ثم إنه عرض له سفر لم يجد‬
‫بدا من الخروج فيه‪ ،‬فخرج وأوصى بهم امرأته‪ ،‬وكانت إحدى بنات عمه‪ ،‬وكان يقال لها‪ :‬زينب‪ ،‬فقال‪ :‬اصنعي ببني أخي ما كنت‬
‫أصنع بهم‪ ،‬ثم مضى لوجهه أشهرا‪ ،‬ثم رجع وقد ساءت حال الصبيان وتغيرت‪ ،‬فقال لمرأته‪ :‬ويلك مالي أرى بني معدان مهازيل‪،‬‬
‫وأرى بني سمانا? قالت‪ :‬قد كنت أواسي بينهم‪ ،‬ولكنهم كانوا يعبثون ويلعبون‪ ،‬فخل بالصبيان فقال‪ :‬كيف كانت زينب لكم?‬
‫قالوا‪ :‬سيئة‪ ،‬ما كانت تعطينا من القوت إل ملء هذا القدح من لبن ‪-‬وأروه قدحا صغيرا‪ -‬فغضب على امرأته غضبا شديدا‬
‫وتركها‪ ،‬حتى إذا أراح عليه راعيا إبله قال لهما‪ :‬اذهبا‪ ،‬فأنتما وإبلكما لبني معدان‪ .‬فغضبت من ذلك زينب وهجرته‪ ،‬وضربت بينه‬
‫وبينها حجابا‪ ،‬فقال‪ :‬والله ل تذوقين منها صبوحا ول غبوقا أبدا‪ ،‬وقال في ذلك ‪ :‬شعره في امرأته حين عرف سوء معاملتها‬
‫‪:‬لصغار أخيه‬
‫ولط الحجاب بينـنـا الـتـجـنـب‬ ‫لججنا ولجت هذه في الـتـغـضـب‬
‫لتقتلـنـي وشـد مـا حـب زينـب‬ ‫وخطت بفردي إثمد جفـن عـينـهـا‬
‫فلومي حياتي ما بدا لك واغضـبـي‬ ‫تلوم على مال شـفـانـي مـكـانـه‬
‫وحق لهم مني ورب المـحـصـب‬ ‫رحمت بني معدان أن قـل مـالـهـم‬
‫هدايا لهم في كل قعـب مـشـعـب‬ ‫وكان اليتامى ل يسـد اخـتـللـهـم‬
‫سأجعل بيتي بـيت آخـر مـعـزب‬ ‫فقلت لعـبـدينـا‪ :‬أريحـا عـلـيهـم‬
‫هو اليوم أولى منكم بـالـتـكـسـب‬ ‫وقلت خذوها واعلمـوا أن عـمـكـم‬
‫وأن يشربوا رنقا إلى حين مكسـبـي‬ ‫عيالي أحق أن ينـالـوا خـصـاصة‬
‫حريبا لساني علـى كـل مـوكـب‬ ‫أحابي بها من لو قصـدت لـمـالـه‬
‫يجبني وإن اغضب إلى السيف يغضب إلى ها هنا رواية ابن عمار‬ ‫‪.‬أخي والـذي إن أدعـه لـعـظـيمة‬
‫تركته زوجته إلى المدينة وأسلمت فراح يطلبها‪ :‬وفي خبر إسحاق قال‪ :‬فلما بلغ زينب هذا الشعر وما وهب زوجها خرجت حتى‬
‫أتت المدينة فأسلمت‪ ،‬وذلك في ولية عمر بن الخطاب‪ ،‬فقدم حجية المدينة فطلب زينب أن ترد عليه‪ ،‬وكان نصرانيا‪ ،‬فنزل‬
‫‪.‬بالزبير بن العوام فأخبره بقصته‪ ،‬فقال له‪ :‬إياك وأن يبلغ هذا عنك عمر فتلقى منه أذى‬
‫يمدح الزبير بن العوام ويرحل كئيبا يائسا‪ :‬وانتشر خبر حجية وفشا بالمدينة وعلم فيم كان مقدمه‪ ،‬فبلغ ذلك عمر‪ ،‬فقال‬
‫للزبير‪ :‬قد بلغني قصة ضيفك‪ ،‬ولقد هممت به لول تحرمه بالنزول عليك‪ ،‬فرجع الزبير إلى حجية فأعلمه قول عمر‪ ،‬قال حجية‬
‫‪.‬في ذلك‬

‫منه بسيب كريم سيبه عـصـم‬ ‫إن الزبير بن عوام تـداركـنـي‬


‫إذ شاط لحمي وإذ زلت بي القدم‬ ‫نفسي فداؤك مأخوذا بحجزتـهـا‬
‫عاري الشاجع في عرنينه شمم ثم انصرف من عنده متوجها إلى بلده‪ ،‬آيسا من‬ ‫إذ ل يقوم بها إل فـتـى أنـف‬
‫‪:‬زينب كئيبا حزينا‪ ،‬فقال في ذلك‬
‫‪.‬تصابيت أم هاجت لك الشوق زينب البيات المذكورة فيها الغناء‬

‫صوت‬

‫ونرو قلوبا هامهـن صـواد‬ ‫خليلي هبا نصطبـح بـسـواد‬


‫فقد هز بعض القوم سقي زياد الشعر والغناء لسحاق‪ ،‬ولحنه من الثقيل الول‬ ‫وقول لساقينـا زياد يرقـهـا‬
‫‪.‬بالبنصر‬

‫خبر إسحاق مع غلمه زياد‬


‫وصف زياد غلم إسحاق‪ :‬هذا الشعر يقوله إسحاق في غلمه له مملوك خلسي ‪ ،‬يقال له‪ :‬زياد‪ .‬كان مولدا من مولدي المدينة‪،‬‬
‫‪:‬فصيحا ظريفا‪ ،‬فجعله ساقيه‪ ،‬وذكره هو وغيره في شعره‪ .‬فممن ذكره من الشعراء دعبل‪ ،‬وله يقول‬

‫صفحة ‪2303 :‬‬

‫أخبرني بذلك علي بن سليمان الخفش‪ ،‬عن أبي سعيد السكري قال‪ :‬كان زياد الذي يذكره إسحاق في عدة مواضع‪ ،‬منها‬
‫‪:‬قوله‬
‫‪:‬وقول لساقينا زياد يرقها ‪-‬وكان نظيف السقي لبقا‪ ،‬فقال فيه دعبل‬
‫على الربع‪ ،‬مالي والوقوف على الربع صوت‬ ‫يقول زياد قـف بـصـحـبـك مـرة‬
‫شربت على نأى الحبة والفجـع‬ ‫أدرها على فقد الحبيب فـربـمـا‬
‫وإل سقيت الرض كأسا من الدمع غنى في البيت الثاني والثالث من هذه‬ ‫فما بلغتني الكأس إل شربـتـهـا‬
‫‪.‬البيات محمد بن العباس بن عبد الله بن طاهر لحنا من خفيف الثقيل الول بالبنصر‬
‫‪:‬نسبة الصوت إلى غير إسحاق‪ :‬قال أبو الحسن‪ :‬وقد قيل‪ :‬إن هذين البيتين‪-‬يعني‬
‫‪.‬خليلي هبا نصطبح بسواد ‪-‬للخطل‬
‫زياد يراجع إسحاق وهو يغني‪ :‬أخبرني علي بن سليمان‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبي‪ ،‬قال‪ :‬قال لي جعفر بن معروف الكاتب ‪-‬وكان قد‬
‫‪:‬جاوز مائة سنة‪ :‬لقد شهدت إسحاق يوما في مجلس أنس وهو يتغنى هذا الصوت‬
‫خليلي هبا نصطبح بسواد وغلمه زياد جالس على مسورة يسقي‪ ،‬وهو يومئذ غلم أمرد أصفر‪ ،‬رقيق البدن حلو الوجه‪ .‬ثم أخذ‬
‫‪.‬يراجعه ول أحد يستطيع يقول له‪ :‬زدني ول انقصني‬
‫يعتقه إسحاق ويزوجه‪ :‬أخبرني علي بن صالح بن الهيثم النباري‪ ،‬قال حدثني أحمد بن الهيثم‪ ،‬يعني جد أبي ‪-‬رحمه الله‪ -‬قال‪:‬‬
‫كنت ذات يوم جالسا في منزلي بسر من رأى وعندي إخوان لي‪ ،‬وكان طريق إسحاق في مضيه إلى دار الخليفة ورجوعه منها‬
‫على منزلي‪ ،‬فجاءني الغلم يوما وعندي أصدقاء لي فقال لي‪ :‬إسحاق بن إبراهيم الموصلي بالباب‪ ،‬فقلت له‪ :‬قل له‪ ،‬ويلك‬
‫يدخل‪ ،‬أوفى الخلق أحد يستأذن عليه لسحاق فذهب الغلم وبادرت أسعى في أثره حتى تلقيته‪ ،‬فدخل وجلس منبسطا آنسا‪،‬‬
‫فعرضنا عليه ما عندنا‪ ،‬فأجاب إلى الشرب‪ ،‬فأحضرناه نبيذا مشمسا فشرب منه‪ ،‬ثم قال‪ :‬أتحبون أن أغنيكم? قلنا‪ :‬إي والله‬
‫أطال الله بقاءك‪ ،‬إنا نحب ذلك‪ .‬قال‪ :‬فلم لم تسألوني? قلنا‪ :‬هبناك والله‪ ،‬قال‪ :‬فل تفعلوا‪ ،‬ثم دعا بعود فأحضرناه‪ ،‬فاندفع‬
‫فغنانا‪ ،‬فشربنا وطربنا‪ .‬فلما فرغ قال‪ :‬أحسنت أم ل? فقلنا‪ :‬بلى والله‪ ،‬جعلنا الله فداءك لقد أحسنت‪ .‬قال‪ :‬فما منعكم أن‬
‫‪.‬تقولوا لي‪ :‬أحسنت‬
‫قلنا‪ :‬الهيبة والله لك‪ ،‬قال‪ :‬فل تفعلوا هذا فيما تستأنفون‪ ،‬فإن المغني يحب أن يقال له‪ :‬غن‪ ،‬ويحب أن يقال له إذا غنى‪:‬‬
‫‪:‬أحسنت‪ ،‬ثم غنانا صوته‬
‫خليلي هبا نصطبح بسواد فقلنا له‪ :‬يا أبا محمد‪ ،‬من هو زياد الذي غنيته? قال‪ :‬هو غلمي الواقف بالباب‪ ،‬أدعوه يا غلمان‪،‬‬
‫فأدخل إلينا‪ ،‬فإذا غلم خلسي‪ ،‬قيمته عشرون دينارا أو نحوها‪ .‬فأمسكنا عنه‪ ،‬فقال‪ :‬أتسألوني عنه فأعرفكم إياه ويخرج كما‬
‫دخل‪ ،‬وقد سمعتم شعري فيه وغنائي? أشهدكم أنه حر لوجه الله‪ ،‬وأني زوجته أمتي فلنة‪ ،‬فأعينوه على أمره‪ .‬قال‪ :‬فلم يخرج‬
‫‪.‬حتى أوصلنا إليه عشرين ألف درهم‪ ،‬أخرجناها له من أموالنا‬
‫‪:‬إسحاق يرثيه‪ :‬أخبرني يحيى بن علي قال‪ :‬حدثني أبي‪ ،‬قال‪ :‬توفي زياد غلم إسحاق الذي يقول فيه‬
‫‪:‬وقول لساقينا زياد يرقها فقال إسحاق يرثيه‬
‫فل زال يسقي الغيث قبر زياد‬ ‫فقدنا زيادا بعد طول صحـابة‬
‫وظمآن يستبطي الزجاجة صاد يطلب المين إسحاق فيغنيه‪ :‬أخبرني عمي‪،‬‬ ‫ستبكيك كأس لم تجد من يديرها‬
‫قال‪ :‬حدثني ابن المكي عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬اصطبح محمد المين ذات يوم‪ ،‬وأمر بالتوجيه إلى إسحاق‪ ،‬فوجه إليه عدة رسل‪ ،‬كلهم ل‬
‫يصادفه‪ ،‬حتى جاء أحدهم به‪ ،‬فدخل منتشيا ومحمد مغضب‪ .‬فقال له‪ :‬أين كنت ويلك قال‪ :‬أصبحت يا أمير المؤمنين نشيطا‪،‬‬
‫فركبت إلى بعض المتنزهات‪ ،‬فاستطبت الموضع وأقمت فيه وسقاني زياد‪ ،‬فذكرت أبياتا للخطل وهو يسقيني‪ ،‬فدار لي فيها‬
‫لحن حسن فصنعته فيها‪ ،‬وقد جئتك به‪ .‬فتبسم‪ ،‬ثم قال‪ :‬هات‪ ،‬فما تزال تأتي بما يرضي عنك عند السخط‪ ،‬فغناه‪ :‬صوت‬
‫ثلث زجاجات لهـن هـدير‬ ‫إذا ما زياد علني ثم علـنـي‬
‫عليك أمير المؤمنـين أمـير قال‪ :‬بل على أبيك‪ ،‬قبح الله فعلك‪ ،‬فما يزال‬ ‫خرجت أجر الذيل زهوا كأنني‬
‫‪.‬إحسانك في غنائك يمحو إساءتك في فعلك‪ ،‬وأمر له بألف دينار‬
‫‪:‬الشعر في هذين البيتين للخطل‪ ،‬والغناء لسحاق‪ ،‬رمل بالبنصر‪ .‬ورواية شعر الخطل‬

‫صفحة ‪2304 :‬‬

‫‪ .‬إذا ما نديمي علني ثم علني وإنما غيره إسحاق فقال‪ :‬إذا ما زياد‬
‫أخبرني علي بن سليمان عن محمد بن يزيد النحوي‪ :‬أن عبد الملك بن مروان قال للخطل‪ :‬ما يدعوك إلى الخمر? فوالله إن‬
‫‪:‬أولها لمر‪ ،‬وإن آخرها لسكر قال‪ :‬أجل‪ ،‬ولكن بينهما حالة‪ ،‬ما ملكك عندها بشيء‪ ،‬وقد قلت في ذلك‬
‫ثلث زجاجات لهـن هـدير‬ ‫إذا ما نديمي علني ثم علـنـي‬
‫عليك أمير المؤمنـين أمـير قال‪ :‬فجعل عبد الملك يضحك‬ ‫‪.‬خرجت أجر الذيل زهوا كأنني‬
‫صوت‬
‫إشارة مخـرون ولـم تـتـكـلـم‬ ‫أشارت بطرف العين خيفة أهلـهـا‬
‫وأهل وسهل بالحبيب الـمـسـلـم‬ ‫فأيقنت أن الطرف قد قال مرحـبـا‬
‫فقد سيط من لحمي هواك ومن دمي الشعر لعمر بن أبي ربيعة‪ ،‬والغناء لبن‬ ‫هنيئا لكم حبي وصـفـو مـودتـي‬
‫عائشة ثاني ثقيل بالبنصر‪ ،‬وفيه لدحمان ثقيل أول بالبنصر‪ .‬ويقال‪ :‬إنه لبن سريج‪ ،‬وقيل‪ :‬إن الثقيل الول لبن عائشة‪ ،‬والثقيل‬
‫‪.‬الثاني لبن سريج‪ ،‬وفيه خفيف ثقيل أول‪ ،‬ينسب إلى ابن سريج وإلى علي بن الجواري‬
‫خبر لحبابة مع ابن عائشة تشتاق حبابة إلى ابن عائشة فتحتال لتسمع غناءه‪ :‬أخبرني الحسن بن يحيى وابن أبي الزهر‪ ،‬عن‬
‫حماد بن إسحاق‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن المدائني‪ ،‬قال‪ :‬كانت حبابة جارية يزيد بن عبد الملك معجبة بغناء ابن عائشة‪ ،‬وكان ابن عائشة‬
‫حديث السن‪ ،‬فلما طال عهدها به اشتاقت إلى أن تسمع غناءه‪ ،‬فلم تدر كيف تصنع‪ ،‬فاختلفت هي وسلمة في صوت لمعبد‪،‬‬
‫فأمر يزيد بإحضاره ووجه في ذلك رسول‪ ،‬فبعثت حبابة إلى الرسول سرا فأمرته أن يأتي ابن عائشة وأمير المدينة في خفاء‪،‬‬
‫‪.‬ويبلغهما رسالتها بالخروج مع معبد سرا‪ ،‬وقالت‪ :‬قل لهما يستران ذلك عن أمير المؤمنين‬
‫فلما قدم الرسول إلى عامل المدينة أبلغه ما قالت حبابة‪ ،‬فأمر ابن عائشة بالرحلة مع معبد‪ ،‬وقال لمعبد‪ :‬انظر ما تأمرك به‬
‫حبابة فانتبه إليه‪ ،‬فقال‪ :‬نعم‪ ،‬فخرجا حتى قدما على يزيد‪ ،‬وبلغ الخبر حبابة فلم تدر كيف تصنع في أمر ابن عائشة‪ .‬فلما حضر‬
‫‪:‬معبد حاكمت سلمة إليه‪ ،‬فحكم لها‪ ،‬فاندفعت فغنت صوتا لبن عائشة‪ ،‬وفيه لبن سريج لحن‪ ،‬ولحن ابن عائشة أشهرهما‪ ،‬وهو‬
‫أشارت بطرف العين خيفة أهلها فقال يزيد‪ :‬يا حبيبتي؛ أني لك هذا ولم أسمعه منك‪ ،‬وهو على غاية الحسن? إن لهذا لشأنا‪،‬‬
‫فقالت‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬هذا لحن كنت أخذته عن ابن عائشة‪ ،‬قال‪ :‬ذلك الصبي قالت‪ :‬نعم‪ ،‬وهذا أستاذه ‪-‬وأشارت بيدها إلى‬
‫معبد‪ -‬فقال لمعبد‪ :‬أهذا لحن ابن عائشة أو انتحله? فقال معبد‪ :‬هذا ‪-‬أصلح الله المير‪ -‬له‪ ،‬فقال يزيد‪ :‬لو كان حاضرا ما كرهنا‬
‫أن نسمع منه‪ ،‬فقال معبد‪ :‬هو والله معي ل يفارقني‪ ،‬فقال يزيد‪ :‬ويلك يا معبد احتملنا الساعة أمرك‪ ،‬فزدتنا ما كرهنا‪ ،‬ثم قال‬
‫لحبابة‪ :‬هذا والله عملك‪ ،‬قالت‪ :‬أجل يا سيدي‪ ،‬قال لها‪ :‬هذه الشام‪ ،‬ول تحتمل لنا ما تحتمله المدينة‪ .‬قالت‪ :‬يا سيدي أنا والله‬
‫‪:‬أحب أن أسمع من ابن عائشة‪ ،‬فأحضر‪ ،‬فلما دخل قال له‪ :‬هات صوتا غنته حبابة‬
‫أشارت بطرف العين خيفة أهلها فغناه‪ ،‬فقال‪ :‬هو والله يا حبابة منه أحسن منك‪ ،‬قالت‪ :‬أجل يا سيدي‪ ،‬ثم قال يزيد‪ :‬هات يا‬
‫محمد ما عندك‪ ،‬فغنى‪ :‬صوت‬
‫واستنطق الربع المحيل المخلقا‬ ‫قف بالمنازل قبل أن نتفـرقـا‬
‫بجواب رجع حديثهم أن ينطقا‬ ‫عن علم ما فعل الخليط لعلـه‬
‫أمسى وأصبح بالرسول معلقا‬ ‫فيبين من أخبارهـم لـمـتـيم‬
‫وسط الديار مسائل مستنطقـا‬ ‫كلفا بها أبدا تسـح دمـوعـه‬
‫في لجة من مائها مغرورقـا‬ ‫ذرفت له عين يرى إنسانـهـا‬
‫در وهي من سلكه مستوسقـا الغناء لبن عائشة‪ ،‬ولحنه من الثقيل الول‬ ‫تقري محاجرها الدموع كأنهـا‬
‫بالوسطى‪ ،‬وفيه لشاربة خفيف رمل مطلق في مجرى الوسطى‪ ،‬ويقال‪ :‬إن فيه لبن جندب وحنين لحنين‪ ،‬قال‪ :‬فقال له يزيد‪:‬‬
‫‪.‬أهل وسهل بك يا بن عائشة‪ ،‬فأنت والله الحسن الوجه‪ ،‬الحسن الغناء‪ .‬وأحسن إليه ووصله‬
‫‪.‬ثم لم يره يزيد بعد هذا المجلس‪ ،‬وبعثت إليه حبابة ببر وألطاف واتبعتها سلمة في ذلك‬

‫صوت‬

‫وتوسط النسران بطن العقرب‬ ‫لما سمعت الديك صاح بسحرة‬

‫صفحة ‪2305 :‬‬

‫نور وعارضه هجان الربـرب‬ ‫وبدا سهيل في السمـاء كـأنـه‬


‫يا بن الكرام من الشراب الطيب‬ ‫نبهت ندماني وقلت له اصطبـح‬
‫حدق الجرادة أو لعاب الجندب الشعر لبي الهندي‪ ،‬والغناء لبراهيم الموصلي‪،‬‬ ‫صفراء تبرق في الزجاج كأنها‬
‫‪.‬ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو‬

‫أخبار أبي الهندي ونسبه‬


‫اسمه ونسبه وشعره‪ :‬اسمه غالب بن عبد القدوس‪ ،‬بن شبث بن ربعي‪ .‬وكان شاعرا مطبوعا‪ ،‬وقد أدرك الدولتين‪ :‬دولة بني‬
‫أمية‪ ،‬وأول دولة ولد العباس‪ .‬وكان جزل الشعر‪ ،‬حسن اللفاظ‪ ،‬لطيف المعاني‪ .‬وإنما أخمله وأمات ذكره بعده من بلد العرب‪،‬‬
‫‪.‬ومقامه بسجستان وبخراسان‪ ،‬وشغفه بالشراب ومعاقرته إياه‪ ،‬وفسقه وما كان يتهم به من فساد الدين‬
‫هو أول من وصف الخمر من شعراء السلم‪ :‬واستفرغ شعره بصفة الخمر‪ ،‬وهو أول من وصفها من شعراء السلم‪ ،‬فجعل‬
‫‪:‬وصفها وكده وقصده‪ ،‬ومن مشهور قوله فيها ومختاره‬
‫وذو الرعثات منتصب يصيح‬ ‫سقيت أبا المطرح إذ أتانـي‬
‫ويلثغ حين يشربه الفصـيح أبو نواس يأخذ من معانيه في الخمر‪ :‬أخبرني علي بن‬ ‫شرابا يهرب الذبـان مـنـه‬
‫سليمان الخفش‪ ،‬قال‪ :‬حدثني فضل اليزيدي أنه سمع إسحاق الموصلي يوما يقول‪ ،‬وأنشد شعرا لبي الهندي في صفة الخمر‪،‬‬
‫فاستحسنه وقرظه‪ ،‬فذكر عنده أبو نواس‪ ،‬فقال‪ :‬ومن أين أخذ أبو نواس معانيه إل من هذه الطبقة? وأنا أوجدكم سلخه هذه‬
‫المعاني كلها في شعره‪ ،‬فجعل ينشد بيتا من شعر أبي الهندي‪ ،‬ثم يستخرج المعنى والموضع الذي سرقه الحسن فيه حين أتى‬
‫‪.‬على البيات كلها واستخرجها من شعره‬
‫شعر مأخوذ من شعره‪ :‬أخبرني الحسن بن علي؛ قال‪ :‬حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال‪ :‬حدثني عبد الله بن أبي سعد‪.‬‬
‫قال‪ :‬حدثني شيخ من أهل البصرة‪ ،‬قال‪ :‬كنا عند أبي عبيدة‪ ،‬فأنشد منشد شعرا في صفة الخمر ‪-‬أنسيه الشيخ‪ -‬فضحك ثم قال‪:‬‬
‫‪:‬هذا أخذه من قول أبي الهندي‬
‫أباريق لم يعلق بها وضر الزبـد‬ ‫سيغني أبا الهندي عن وطب سالم‬
‫رقاب بنات الماء تفزع للـرعـد‬ ‫مفـدمة قـز كـأن رقـابـهـا‬
‫وطيبتها بالمسك والعنبر والـورد‬ ‫جلتها الجوالي حين طاب مزاجها‬
‫وفي كل كأس من مها حسن القد‬ ‫تمج سلفا في الباريق خالـصـا‬
‫صريع من السودان ذو شعر جعد نسخت من كتاب ابن النطاح‬ ‫‪.‬تضمـنـهـا زق أزب كـأنـه‬
‫ثلثة أيام يسكر فيها كلما أفاق‪ :‬حدثني بعض أصحابنا‪ :‬أن أبا الهندي اشتهى الصبوح في الحانة ذات يوم‪ ،‬فأتى خمارا بسجستان‬
‫في محلة يقال لها‪ :‬كوه زيان ‪-‬وتفسيره‪ :‬جبل الخسران‪ -‬يباع فيها الخمر والفاحشة‪ ،‬ويأوي إليها كل خارب وزان ومغنية ‪ ،‬فدخل‬
‫إلى الخمار فقال له‪ :‬اسقني‪ ،‬وأعطاه دينارا‪ ،‬فكال له‪ ،‬وجعل يشرب حتى سكر‪ ،‬وجاء قوم يسألون عنه فصادفوه على تلك‬
‫الحال‪ .‬فقالوا للخمار‪ :‬ألحقنا به؛ فسقاهم حتى سكروا‪ ،‬فانتبه فسأل عنهم‪ ،‬فعرفه الخمار خبرهم‪ ،‬فقال له‪ :‬هذا الن وقت‬
‫السكر‪ ،‬الن طاب‪ ،‬ألحقني بهم‪ ،‬فجعل يشرب حتى سكر‪ ،‬وانتبهوا فقالوا للخمار‪ :‬ويحك هذا نائم بعد فقال‪ :‬ل‪ ،‬ولقد انتبه‪ ،‬فلما‬
‫عرف خبركم شرب حتى سكر‪ ،‬فقالوا‪ :‬ألحقنا به فسقاهم حتى سكروا‪ ،‬وانتبه فسأل عن خبرهم‪ ،‬فعرفه فقال‪ :‬والله للحقن‬
‫بهم‪ ،‬فشرب حتى سكر‪ ،‬ولم يزل ذلك دأبه ودأبهم ثلثة أيام لم يلتقوا وهم في موضع واحد‪ ،‬ثم تركوا الشرب عمدا حتى أفاق‪،‬‬
‫‪.‬فلقوه‬
‫‪:‬وهذا الخبر بعينه يحكي لواليه بن الحباب مع أبي نواس‪ ،‬وقد ذكر في أخبار والبة‪ ،‬والصحيح أنه لبي الهندي‪ ،‬وفي ذلك يقول‬
‫يضمهم بـكـوه زيان راح‬ ‫ندامى بعد ثالـثة تـلقـوا‬
‫قتيل ما أصابتنـي جـراح‬ ‫وقد باكرتها فتركت منـهـا‬
‫فقال أخ تخونه اصطبـاح‬ ‫وقالوا أيها الخمار مـن ذا?‬
‫به وتعللوا ثم استـراحـوا‬ ‫فقالوا هات راحك ألحقـنـا‬
‫بحد سلحها ولهـا سـلح‬ ‫فما إن لبثتهم أن رمـتـهـم‬
‫فقال أتاحهم قـدر مـتـاح‬ ‫وحان تنبهي فسألت عنـهـم‬
‫فحركهم إلى الشرب ارتياح‬ ‫رأوك مجدل فاستخبرونـي‬

‫صفحة ‪2306 :‬‬

‫فقالوا هل تنبه حين راحوا‬ ‫?فقلت بهم فألحقني فهـبـوا‬


‫به قد لح للرائي صبـاح‬ ‫فقال نعم فقالوا ألحـقـنـا‬
‫ثلثا يستغب ويسـتـبـاح‬ ‫فما إن زال الـدأب مـنـا‬
‫ببيت ما لنـا فـيه بـراح يموت مختنقا‪ :‬أخبرني عمي الحسن بن أحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني‬ ‫نبيت معا وليس لنـا لـقـاء‬
‫الحسن بن عليل العنزي‪ ،‬قال‪ :‬قال صدقة بن إبراهيم البكري‪ :‬كان أبو الهندي يشرب معنا بمرو‪ ،‬وكان إذا سكر يتقلب تقلبا‬
‫قبيحا في نومه‪ ،‬فكنا كثيرا ما نشد رجله لئل يسقط من السطح‪ ،‬فسكر ليلة وشددنا رجله بحبل‪ ،‬وطولنا فيه ليقدر على القيام‬
‫إلى البول وغير ذلك من حوائجه‪ ،‬فتقلب وسقط من السطح‪ ،‬وأمسكه الحبل فبقي منكسا وتخنق بما في جوفه من الشراب‪،‬‬
‫‪:‬فأصبحنا فوجدناه ميتا‪ .‬قال صدقة‪ :‬فمررت بقبره بعد ذلك فوجدت عليه مكتوبا‬
‫ورق الكرم وقبري معصـره‬ ‫اجعلوا إن مت يوما كـفـنـي‬
‫بعد شرب الراح حسن المغفره قال‪ :‬فكان الفتيان بعد ذلك يجيئون إلى قبره‪،‬‬ ‫إنني أرجو مـن الـلـه غـدا‬
‫‪.‬ويشربون ويصبون القدح إذا انتهى إليه على قبره‬
‫قال حماد بن إسحاق عن أبيه في وفاة أبي الهندي‪ :‬إنه خرج وهو سكران في ليلة باردة من حانة خمار وهو ريان‪ ،‬فأصابه ثلج‬
‫‪.‬فقتله‪ ،‬فوجد من غد ميتا على الطريق‬
‫شعره وقد كف عن الشراب مدة‪ :‬وروى حماد بن إسحاق عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬حج نصير بن سيار وأخرج معه أبا الهندي‪ ،‬فلما‬
‫حضرت أيام الموسم قال له‪ :‬يا أبا الهندي‪ ،‬إنا بحيث ترى‪ ،‬وفد الله وزوار بيته‪ ،‬فهب لي النبيذ في هذه اليام واحتكم علي‪،‬‬
‫فلول ما ترى‪ ،‬ما منعتك‪ ،‬فضمن له ذلك وغلظ عليه الحتكام‪ ،‬ووكل به نصر بن سيار‪ ،‬فلما انقضى الجل مضى في السحر قبل‬
‫أن يلقي نصرا‪ ،‬فجلس في أكمة يشرف منها على فضاء واسع‪ ،‬فجلس عليها ووضع بين يديه إداوة‪ ،‬وأقبل يشرب ويبكي‪،‬‬
‫‪:‬ويقول‬
‫كما فقد المفطوم در المراضع‬ ‫أديرا علي الكأس إني فقدتهـا‬
‫فظل عليها مستهل المدامـع قال‪ :‬وعاتب قوم أبا الهندي على فسقه ومعاقرته‬ ‫حليف مدام فارق الراح روحه‬
‫‪:‬الشراب‪ ،‬فقال‬
‫فإن الله يغفر لي فسوقي‬ ‫إذا صليت خمسا كـل يوم‬
‫فقد أمسكت بالدين الوثيق‬ ‫ولم أشرك برب الناس شيئا‬
‫يبلغني إلى البيت العتـيق‬ ‫وجاهدت العدو ونلت مال‬
‫دعوني من بنيات الطريق شعره وقد امتنع من أجر فسقه‪ :‬قال إسحاق‪ :‬وشرب‬ ‫فهذا الدين ليس به خفـاء‬
‫يوما أبو الهندي بكوه زيان عند خمارة هناك‪ ،‬وكان عندها نسوة عواهر‪ ،‬ففجر بهن ولم يعطهن شيئا‪ ،‬فجعلن يطالبنه بجعل فلم‬
‫‪:‬ينفعهن‪ ،‬فقال في ذلك‬
‫ليعطين زواني لست ماشينـا‬ ‫آلي يمينا أبو الهنـدي كـاذبة‬
‫قال ارتحلن فأخزى الله ذادينا يخطب امرأة فيرد أهلها خطبته‪ :‬أخبرني عمي عن‬ ‫وغرهن فلما أن قضى وطرا‬
‫هبيد بن عبد الله بن طاهر‪ ،‬عن أبي محلم‪ ،‬قال‪ :‬خطب أبو الهندي غالب بن عبد القدوس بن شبث بن ربعي إلى رجل من بني‬
‫‪.‬تميم‪ ،‬فقال‪ :‬لو كنت مثل أبيك لزوجتك‪ ،‬فقال له غالب‪ :‬لكنك لو كنت مثل أبيك ما خطبت إليك‬
‫أمثلة من سرعة جوابه‪ :‬قال أبو محلم‪ :‬ومر نصر بن سيار بأبي الهندي‪ ،‬وهو سكران يتمايل‪ ،‬فوقف عليه فعذله وسبه‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ضيعت شرفك‪ ،‬وفضحت أسلفك‪ .‬فلما طال عتابه التفت إليه فقال‪ :‬لول أني ضيعت شرفي لم تكن أنت على خراسان‪،‬‬
‫‪.‬فانصرف نصر خجل‬
‫قال أبو محلم‪ :‬وكان بسجستان رجل يقال له‪ :‬برزين ناسكا‪ ،‬وكان أبوه صلب في خرابة فجلس إليه أبو الهندي ‪-‬فطفق‬
‫‪.‬ويعرض له بالشراب‪ .‬فقال له أبو الهندي‪ :‬أحدكم يرى القذاة في عين أخيه‪ ،‬ول يرى الخشبة في أست أبيه فأخجله‬
‫‪.‬قال أبو محلم‪ :‬وكان أسرع الناس جوابا‬

‫صوت‬

‫بت العيس يا نوار‬ ‫لقد قلت حين قـر‬


‫فلم يربعوا وساروا‬ ‫قفوا فاربعوا قليل‬
‫وقلبي له انكسـار‬ ‫فنفسي لها حنـين‬
‫ودمعي له انحدار الشعر لسعيد بن وهب‪ ،‬والغناء لسليم رمل بالوسطى عن الهشامي‪،‬‬ ‫وصدري به غلـيل‬
‫‪.‬ومن جامع سليم ونسخة عمرو الثانية‬
‫أخبار سعيد بن وهب‬
‫‪:‬نسبه ومنشؤه‬

‫صفحة ‪2307 :‬‬

‫سعيد بن وهب أبو عثمان مولى بني سلمة بن لؤي بن نصر‪ ،‬مولده ومنشؤه بالبصرة‪ ،‬ثم سار إلى بغداد فأقام بها‪ ،‬وكانت‬
‫‪.‬الكتابة صناعته‪ ،‬فتصرف مع البرامكة فاصطنعوه‪ ،‬وتقدم عندهم‬
‫أكثر شعره في الغزل‪ :‬وكان شاعرا مطبوعا‪ ،‬ومات في أيام المأمون‪ ،‬وأكثر شعره في الغزل والتشبيب بالمذكر‪ ،‬وكان‬
‫‪.‬مشغوفا بالغلمان والشراب‬
‫‪.‬ثم تنسك وتاب‪ ،‬وحج راجل على قدميه‪ ،‬ومات على توبة وإقلع ومذهب جميل‬
‫‪.‬أبو العتاهية يرثيه‪ :‬ومات وأبو العتاهية حي‪ ،‬وكان صديقه فرثاه‬
‫فأخبرني علي بن سليمان الخفش‪ .‬عن محمد بن مزيد‪ .‬قال‪ :‬حدثت عن بعض أصحاب أبي العتاهية‪ .‬قال‪ :‬جاء رجل إلى أبي‬
‫العتاهية ‪-‬ونحن عنده‪ -‬فساره في شيء فبكى أبو العتاهية‪ ،‬فقلنا له‪ :‬ما قال لك هذا الرجل يا أبا إسحاق فأبكاك? فقال‪ ،‬وهو‬
‫‪:‬يحدثنا ل يريد أن يقول شعرا‬
‫رحم الله سعيد بن وهـب‬ ‫قال لي مات سعيد بن وهب‬
‫يا أبا عثمان أوجعت قلبي قال‪ :‬فعجبنا من طبعه وأنه تحدث‪ ،‬فكان حديثه شعرا‬ ‫يا أبا عثمان أبكيت عينـي‬
‫‪.‬موزونا‬
‫يتوب ويتزهد‪ :‬وأخبرني الحسن بن علي الخفاف‪ .‬قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال‪ :‬حدثني سيبويه أبو محمد‪ ،‬قال‪ :‬كان‬
‫سعيد بن وهب الشاعر البصري مولى بني سامة قد تاب وتزهد‪ ،‬وترك قول الشعر‪ .‬وكان له عشرة من البنين وعشر من‬
‫‪.‬البنات‪ ،‬فكان إذا وجد شيئا من شعره خرقه وأحرقه‬
‫‪.‬وكان امرأ صدق‪ ،‬كثير الصلة‪ ،‬يزكي في كل سنة عن جميع ما عنده حتى إنه ليزكي عن فضة كانت على امرأته‬
‫شعره وقد توعده غلم كان يعشقه‪ :‬أخبرني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني علي بن الحسين بن عبد العلى‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو عثمان‬
‫‪:‬الليثي‪ ،‬قال‪ :‬كان سعيد بن وهب يتعشق غلما يتشطر ‪ ،‬يقال له‪ :‬سعيد‪ ،‬فبلغه أنه توعده أن يجرحه‪ ،‬فقال فيه‬
‫من عذيري من سعيد‬ ‫?من عذيري من سميي‬
‫ويجـائي بـالـحـديد شعره حين رأى كتابا في أحوال جميلة‪ :‬حدثني جحظة‪ ،‬قال‪ :‬حدثني‬ ‫أنا بـالـلـحـم أجـاه‬
‫‪:‬ميمون بن هارون‪ ،‬قال‪ :‬نظر سعيد بن وهب إلى قوم من كتاب السلطان في أحوال جميلة‪ ،‬فأنشأ يقول‬
‫فنحن من نظارة الـدنـيا‬ ‫من كان في الدنيا له شارة‬
‫كأننا لفظ بل مـعـنـى‬ ‫نرمقها من كثب حـسـرة‬
‫تذهب في الرذل وتلدنى شعره في غلم وسيم حين رآه‪ :‬أخبرني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني‬ ‫يعلوا بها الناس وأيامـنـا‬
‫عبد الله بن أبي سعد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن عبد الله بن يعقوب بن داود‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عبد الله بن أبي العلء المغني‪ ،‬قال‪:‬‬
‫نظر إلي سعيد بن وهب‪ ،‬وأنا على باب ميمون بن إسماعيل‪ ،‬حين اخضر شاربي‪ ،‬ومعه إسحاق بن إبراهيم الموصلي‪ ،‬فسلمت‬
‫‪:‬على إسحاق فأقبل عليه سعيد‪ ،‬وقال‪ :‬من هذا الغلم? فتبسم‪ ،‬وقال‪ :‬هذا ابن صديق لي‪ ،‬فأقبل علي وقال‬
‫إن الغزي يراك أفضل مغـنـم‬ ‫ل تخرجن مع الغزي لمغـنـم‬
‫والدين والعلماء كـل مـحـرم‬ ‫في مثل وجهك يستحل ذوو التقى‬
‫لول شواربك المطلة بـالـفـم يستميل غلما بالشعر‪ :‬أخبرني محمد بن خلف‬ ‫ما أنت إل غـادة مـمـكـورة‬
‫المرزبان‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أحمد بن أبي طاهر‪ ،‬عن أبي دعامة‪ ،‬قال‪ :‬مر سعيد بن وهب والكسائي‪ ،‬فلقيا غلما جميل الوجه‪،‬‬
‫فاستحسنه الكسائي وأراد أن يستميله ‪ ،‬فأخذ يذاكره بالنحو ويتكلم به‪ ،‬فلم يمل إليه‪ ،‬وأخذ سعيد بن وهب في العشر ينشده‪،‬‬
‫فمال إليه الغلم‪ ،‬فبعث به إلى منزله‪ ،‬وبعث معه بالكسائي‪ ،‬وقال له‪ :‬حدثه وآنسه إلى أن أجيء وتشاغل بحاجة له‪ ،‬فمضى به‬
‫الكسائي‪ ،‬فما زال يداريه حتى قضى حاجته وأربه‪ ،‬ثم قال له‪ :‬انصرف‪ ،‬وجاء سعيد فلم يره‪ ،‬فقال‪ :‬شعره وقد نال الكسائي من‬
‫‪:‬الغلم الذي استماله‬
‫فمن ذا يفي بعده‬ ‫?أبو حسن ل يفـي‬
‫فصـايده وجـده‬ ‫أثرت له شـادنـا‬
‫وأخلفنـي وعـده‬ ‫وأظهر لي غـدرة‬
‫كما ساءني جهده يرثي ابنا له‬ ‫‪:‬سأطلب ما سـاءه‬

‫صفحة ‪2308 :‬‬

‫أخبرني جعفر بن قدامة‪ ،‬قال‪ :‬حدثني حماد بن إسحاق‪ ،‬عن أبيه قال‪ :‬كان سعيد بن وهب لي صديقا‪ ،‬وكان له ابن يكنى أبا‬
‫الخطاب‪ ،‬من أكيس الصبيان وأحسنهم وجها وأدبا‪ ،‬فكان ل يكاد يفارقه في كل حال‪ ،‬لشدة شغفه به‪ ،‬ورقته عليه‪ .‬فمات وله‬
‫عشر سنين‪ ،‬فجزع عليه جزعا شديدا‪ ،‬وانقطع عن لذاته‪ .‬فدخلت إليه يوما لعاتبه على ذلك‪ ،‬وأستعطفه‪ ،‬فحين رأى ذلك في‬
‫‪:‬وجهي فاضت دموعه‪ ،‬ثم انتحب حتى رحمته‪ ،‬وأنشدني‬
‫إذ تولى غضا بماء الشبـاب‬ ‫عين جودي على أبي الخطاب‬
‫ث مرجى مطهـر الثـواب‬ ‫لم يقارف ذنبا ولم يبلغ الحـن‬
‫رابه من جمـاعة التـراب‬ ‫فقدته عيني إذا ما سعـى أت‬
‫بح أنس الثرى وزين التراب‬ ‫إن غدا موحشا لداري فقد أص‬
‫بك راج منه عظيم الثـواب ثم ناشدني أل أذكره بشيء مما جئت إليه‪ ،‬فقمت ولم‬ ‫أحمد الله يا حبـيبـي فـأنـي‬
‫‪.‬أخاطبه بحرف‬
‫وقد رأيت هذه البيات بعينها بخط إسحاق في بعض دفاتره‪ ،‬يقول فيه‪ :‬أنشدني سعيد بن وهب لنفسه يرثي ابنا له صغيرا‪،‬‬
‫‪.‬وهي على ما ذكره جعفر بن قدامة عن حماد سواء‬
‫كان مألفة للغلمان والظرفاء والقيان‪ :‬أخبرني عيسى بن الحسين الوراق‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو هفان‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو دعامة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫كان سعيد بن وهب مألفة لكل غلم أمرد‪ ،‬وفتى ظريف‪ ،‬وقينة محسنة‪ ،‬فحدثني رجل كان يعاشره‪ ،‬قال‪ :‬دخل إليه يوما وأنا‬
‫عنده غلمان أمردان‪ ،‬فقال له‪ :‬قد تحاكمنا إليك‪ :‬أينا أجمل وجها‪ ،‬وأحسن جسما? وجعلنا لك أجر حكمك أن تختار أينا حكمت له‪،‬‬
‫فتقضي حاجتك منه‪ .‬فحكم لحدهما‪ ،‬وقام فقضى حاجته واحتبسهما فشربا عنده نبيذا‪ ،‬ثم مال على الخر أيضا‪ ،‬وقمت معه‪.‬‬
‫فداخلتهما حتى فعلت كفعله‪ ،‬فقال لي سعيد‪ :‬هذا يوم الغارات في الحارات ‪ ،‬ثم قال‪ :‬شعره في غلمين احتكما إليه أيهما‬
‫‪:‬أجمل‬
‫ل حكم قاض ول أمـير‬ ‫رئمان جاءا فحكمـانـي‬
‫وذا كبدر الدجى المنـير‬ ‫هذا كشمس الضحى جمال‬
‫فضل خميس على عشير‬ ‫وفضل هذا كذا علـى ذا‬
‫ونجعل الفضل للمشـير‬ ‫قال أشر بينـنـا بـرأي‬
‫أخذت فضلي من الكبير‬ ‫تباذل ثم قـمـت حـتـى‬
‫أحرم حظي من الصغير‬ ‫وكان عيبـا بـأن أرانـي‬
‫إليهما وثبة الـمـغـير‬ ‫فكان مني ومن قـرينـي‬
‫أعظم جورا بل نكـير وقال‪ :‬وشاعت البيات حتى بلغت الرشيد‪ ،‬فدعا به فاستنشده‬ ‫فمن رأى حاكما كحكمي‬
‫إياها‪ ،‬فتلكأ‪ ،‬فقال له‪ :‬أنشد ول بأس عليك‪ ،‬فأنشد‪ ،‬فقال له‪ :‬ويلك اخترت الكبير سنا أو قدرا? قال‪ :‬بل الكبير قدرا‪ .‬قال‪ :‬لو‬
‫‪.‬قلت غير هذا سقطت عندي واستخففت بك‪ .‬ووصله‬
‫يمدح الفضل بن يحيى ببيتين فيطرب لهما‪ :‬أخبرني جعفر بن قدامة‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو العيناء‪ ،‬قال‪ :‬دخل سعيد بن وهب على‬
‫الفضل بن يحيى في يوم قد جلس فيه للشعراء‪ ،‬فجعلوا ينشدونه ويأمر لهم بالجوائز حتى لم يبق منهم أحد‪ ،‬فالتفت إلى سعيد‬
‫بن وهب كالمستنطق‪ ،‬فقال له‪ :‬أيها الوزير‪ ،‬إني ما كنت استعددت لهذه الحال‪ ،‬ول تقدمت لها‪ ،‬عندي مقدمة فأعرفها‪ ،‬ولكن قد‬
‫‪:‬حضرني بيتان أرجو أن ينوبا عن قصيدة‪ ،‬فقال‪ :‬هاتهما فرب قليل أبلغ من الكثير‪ ،‬فقال سعيد‬
‫فعل عن مديحنا بالـمـقـال‬ ‫مدح الفضل نفسه بالفـعـال‬
‫كبر الفضل عن مديح الرجال قال‪ :‬فطرب الفضل‪ ،‬وقال له‪ :‬أحسنت والله وأجدت‬ ‫أمروني بمدحه قـلـت كـل‬
‫‪.‬ولئن قل القول ونزر لقد اتسع المعنى وكثر‬
‫ثم أمر له بمثل ما أعطاه كل من أنشده مديحا يومئذ‪ ،‬وقال‪ :‬ل خير فيما يجيء بعد بيتيك ؛ وقام من المجلس وخرج الناس‬
‫‪.‬يومئذ بالبيتين ل يتناشدون سواهما‬
‫كان نديم الفضل بن يحيى وأنيسه‪ :‬حدثني عمي قال‪ :‬حدثني ميمون بن هارون‪ ،‬قال‪ :‬حدثت عن الخريمي‪ ،‬قال‪ :‬كان الفضل‬
‫بن يحيى ينافس أخاه جعفرا‪ ،‬وينافسه جعفر‪ ،‬وكان أنس بن أبي شيخ خاصا بجعفر‪ ،‬ينادمه ويأنس به في خلواته‪ ،‬وكان سعيد بن‬
‫‪.‬وهب بهذه المنزلة للفضل‬
‫فدخلت يوما إلى جعفر‪ ،‬ودخل إليه سعيد بن وهب‪ ،‬فحدثه وأنشده وتنادر له‪ ،‬وحكي عن المتنادرين‪ ،‬وأتى بكل ما يسر ويطرب‬
‫‪.‬ويضحك‪ ،‬وجعفر ساكت ينظر إليه ل يزيد على ذلك‬

‫صفحة ‪2309 :‬‬

‫فلما خرج سعيد من عنده تجاهلت عليه‪ ،‬وقلت له‪ :‬من هذا الرجل الكثير الهذيان? قال‪ :‬أو ما تعرفه? قلت‪ :‬ل؛ قال‪ :‬هذا سعيد‬
‫‪.‬بن وهب صديق أخي أبي العباس وخلصانه وعشيقه‪ ،‬قلت‪ :‬وأي شيء رأى فيه? قال‪ :‬ل شيء والله إل القذر والبرد والغثاثة‬
‫ثم دخلت بعد ذلك إلى الفضل‪ ،‬ودخل أنس بن أبي شيخ فحدث وندر وحكى عن المضحكين وأتى بكل طريفة‪ ،‬فكانت قصة‬
‫الفضل معه قصة جعفر مع سعيد‪ ،‬فقلت له بعد أن خرج من حضرته‪ :‬من هذا المبرد? قال‪ :‬أو ل تعرفه? قلت‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬هذا‬
‫أنس بن أبي شيخ صديق أخي أبي الفضل وعشيقه وخاصته‪ .‬قلت‪ :‬وأي شيء أعجبه فيه? قال‪ :‬ل أدري والله‪ ،‬إل القذر والبرد‬
‫‪.‬وسوء الحتيار‬
‫‪.‬قال‪ :‬وأنا والله أعرف بسعيد وأنس من الناس جميعا‪ ،‬ولكني تجاهلت عليهما وساعدتهما على هواهما‬
‫يفي للفضل بن الربيع في نكبته فيعظم قدره‪ :‬حدثني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني ميمون بن هارون‪ ،‬قال‪ :‬قال إبراهيم بن العباس‪ :‬قال‬
‫لي الفضل بن الربيع ذات يوم‪ :‬عرفتنا أيام النكبة من كنا نجهله من الناس‪ ،‬وذلك أنا احتجنا إلى أن نودع أموالنا‪ ،‬وكان أمرها‬
‫كثيرا مفرطا‪ ،‬فكنا نلقيها على الناس إلقاء‪ ،‬ونودعها الثقة وغير الثقة‪ ،‬فكان ممن أودعته سعيد بن وهب‪ ،‬وكان رجل صعلوكا ل‬
‫‪.‬مال له‪ ،‬إنما صحبنا على البطالة ‪ :‬فظننت أن ما أودعته ذاهب‪ ،‬ثم طلبته منه بعد حين‪ ،‬فجاءني والله بخواتيمه‬
‫وأودعت علي بن الهيثم كاتبنا جملة عظيمة‪ ،‬وكان عندي أوثق من أودعته‪ ،‬فلما أمنت طالبته بالوديعة‪ ،‬فجحدنيها وبهتني وحلف‬
‫‪.‬على ذلك‪ ،‬فصار سعيد عندي في السماء‪ ،‬وبلغت به كل مبلغ‪ ،‬وسقط علي بن الهيثم‪ ،‬فما يصل إلي ول يلقاني‬
‫يحاجي جارية رجل من البرامكة‪ :‬أخبرني جعفر بن قدامة‪ ،‬قال‪ :‬حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه‪ ،‬حدثني عمرو بن بانة‪ .‬قال‪:‬‬
‫كان في جواري رجل من البرامكة‪ ،‬وكانت له جارية شاعرة ظريفة‪ ،‬يقال لها حسناء‪ ،‬يدخل إليها الشعراء ويسألونها عن‬
‫‪:‬المعاني‪ ،‬فتأتي بكل مستحسن من الجواب‪ ،‬فدخل إليها سعيد بن وهب يوما‪ ،‬وجلس إليها فحادئها طويل‪ ،‬ثم قال لها بعد ذلك‬
‫ء في جنس من الشعر‬ ‫حاجيتـك يا حـسـنـا‬
‫وقد يوفى على الشبر‬ ‫وفيما طولـه شـبـر‬
‫مطوف بالندى يجري‬ ‫له فـي رأسـه شـق‬
‫لدى بـر ول بـحـر‬ ‫إذا ما جف لـم يجـر‬
‫جب العاجب والسحر‬ ‫وإن بل أتـى بـالـع‬
‫ورب الشفع والوتـر‬ ‫أجيبي لم أرد فحـشـا‬
‫لها حظ من الزجـر قال‪ :‬فغضب مولها وتغير لونه‪ ،‬وقال أتفحش على جاريتي وتخاطبها‬ ‫ولكن صغـت أبـياتـا‬
‫بالخنا فقالت له‪ :‬خفض عليك‪ ،‬فما ذهب إلى ما ظننت‪ ،‬وإنما يعني القلم‪ ،‬فسري عنه‪ ،‬وضحك سعيد وقال‪ :‬هي أعلم منك بما‬
‫‪.‬سمعت‬

‫صوت‬

‫فمطلت بعضا وأدت بعـضـا‬ ‫داينت أروى والديون تقـضـى‬


‫جادت بقرض فشكرت القرضا الشعر لرؤبة بن العجاج‪ ،‬والغناء لعمرو بن بانة‪،‬‬ ‫يا ليت أروى إذ لوتك القرضـا‬
‫‪.‬رمل بالوسطى‬

‫أخبار رؤبة ونسبه‬


‫نسبه والحتجاج بشعره‪ :‬هو رؤبة بن العجاج‪ ،‬واسم العجاج عبد الله بن رؤبة بن حنيفة‪ ،‬وهو أبو جذيم بن مالك بن قدامة بن‬
‫‪.‬أسامة بن الحارث بن عوف بن مالك بن سعد بن زيد مناة بن تميم‬
‫عصره والحتجاج بشعره‪ :‬من رجاز السلم وفصائحهم‪ ،‬والمذكورين المقدمين منهم‪ ،‬بدوي نزل البصرة‪ ،‬وهو من مخضرمي‬
‫‪.‬الدولتين‬
‫مدح بني أمية وبني العباس‪ ،‬ومات في أيام المنصور وقد أخذ عنه وجوه أهل اللغة‪ ،‬وكانوا يقتدون به‪ ،‬ويحتجون بشعره‪،‬‬
‫‪.‬ويجعلونه إماما؛ ويكنى أبا الجحاف وأبا العجاج‬
‫يراه يونس بن حبيب أفصح من معد بن عدنان‪ :‬أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وأحمد بن عمار ‪-‬واللفظ له‪ -‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫عمر بن شبة‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا خلد بن يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني يونس بن حبيب‪ ،‬قال‪ :‬كنت جالسا مع أبي عمرو بن العلء إذ مر بنا شبيل‬
‫بن عزرة الضبعي ‪-‬قال أبو يزيد‪ :‬وكان علمة‪ -‬فقال‪ :‬يا أبا عمرو‪ ،‬أشعرت أني سألت رأبة عن اسمه فلم يدر ما هو وما معناه?‬
‫قال يونس‪ :‬فقلت له‪ :‬والله لرؤبة أفصح من معد بن عدنان‪ ،‬وأنا غلم رؤبة‪ ،‬أفتعرف أنت روبة وروبة وروبة وروبة ورؤبة? قال‪:‬‬
‫‪.‬فضرب بغلته وذهب‪ ،‬فما تكلم بشيء‪ :‬قال يونس‪ :‬فقال لي أبو عمرو‪ :‬ما يسرني أنك نقصتني منها‬

‫صفحة ‪2310 :‬‬

‫قال ابن عمار في خبره‪ :‬والروبة‪ :‬اللبن الخاثر‪ ،‬والروبة‪ :‬ماء الفحل‪ ،‬والروبة‪ :‬الساعة تمضي من الليل‪ ،‬والروبة‪ :‬الحاجة‪،‬‬
‫‪.‬والرؤبة‪ :‬شعب القدح‪ ،‬قال‪ :‬وأنشدني بعد ذلك‬

‫فألفاهم القوم روبى نياما حدثني ابن عمار‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عبد الله بن أبي سعد‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫فأما تميم تميم بـن مـر‬
‫‪.‬حدثني يحيى بن محمد بن أعين المروزي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو عبيدة؛ قال‪ :‬شهدت شبيل الضبعي وأبا عمرو‪ ،‬فذكر نحوه‬
‫أخبرني أبو خليفة في كتابه إلي عن محمد بن سلم‪ ،‬قال‪ :‬قلت ليونس‪ :‬هل رأيت عربيا قط أفصح من رؤبة? قال‪ :‬ل‪ ،‬ما كان‬
‫‪.‬معد بن عدنان أفصح منه‬
‫قال يونس‪ :‬قال لي رؤبة‪ :‬حتى متى أزخرف لك كلم الشيطان? أما ترى الشيب قد بلغ في لحيتك يروي هو وأبوه الحديث‪:‬‬
‫‪.‬وقد روى رؤبة بن العجاج الحديث المسند عن رسول الله (‪ ،‬ورواه أبوه أيضا‬
‫ينشد أبا هريرة فيشهد له باليمان‪ :‬أخبرني عبد الله بن أبي داود السجستاني‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن محمد بن خلد‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدثنا يعقوب بن محمد الزهري‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن إبراهيم‪ ،‬عن يونس بن حبيب‪ ،‬عن رؤبة بن العجاج‪ ،‬عن أبيه قال‪ :‬أنشدت‬
‫‪:‬أبا هريرة‬
‫بأمره السماء واستقـلـت‬ ‫الحمد لله الـذي تـعـلـت‬
‫أرسى عليها بالجبال الثبت‬ ‫بإذنه الرض وما تـغـيت‬
‫‪.‬الباعث الناس ليوم الموقت قال أبو هريرة‪ :‬أشهد أنك تؤمن بيوم الحساب‬
‫أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري‪ ،‬عن ابن شبة‪ ،‬عن أبي حرب البابي ‪-‬من آل الحجاج بن باب‪ -‬قال‪ :‬حدثنا يونس بن‬
‫‪:‬حبيب‪ ،‬عن رؤبة بن العجاج‪ ،‬عن أبي الشعثاء‪ ،‬عن أبي هريرة قال‪ :‬كنا مع النبي ( في سفر وحاد يحدو‬
‫خيال لبنى وخيال تكتـمـا‬ ‫طاف الخيالن فهاجا سقمـا‬
‫ساقا بخنداة وكعبـا أدرمـا والنبي ( يسمع ول ينكر‬ ‫‪.‬قامت تريك خشية أن تصرما‬
‫أخبرني محمد بن خلف وكيع‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن عمرو‪ ،‬عن محمد بن إسحاق السهمي‪ ،‬عن أبي عبيدة الحداد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫رؤبة بن العجاج عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أبا عبيدة يقول‪ :‬السواك يذهب وضر الطعام ينشد أبا مسلم الخراساني فيجيزه‪ :‬أخبرني‬
‫عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن سعد الكراني‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو حاتم والشنانداني أبو عثمان‪ ،‬عن أبي عبيدة‪ ،‬عن رؤبة بن العجاج‪،‬‬
‫قال‪ :‬بعث إلي أبو مسلم لما أفضت الخلفة إلى بني هاشم‪ ،‬فلما دخلت عليه رأى مني جزعا‪ ،‬فقال اسكن فل بأس عليك‪ ،‬ما‬
‫هذا الجزع الذي ظهر منك? قلت أخافك‪ ،‬قال‪ :‬ولم? قلت‪ :‬لنه بلغني أنك تقتل الناس‪ ،‬قال‪ :‬إنما أقتل من يقاتلني ويريد قتلي‪،‬‬
‫أفأنت منهم? قلت‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فهل ترى بأسا? ل‪ ،‬فأقبل على جلسائه ضاحكا‪ ،‬ثم قال‪ :‬أما ابن العجاج فقد رخص لنا‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫‪:‬أنشدني قولك‬
‫‪:‬وقاتم العماق خاوي المخترق فقلت‪ :‬أو أشندك ‪-‬أصلحك الله أحسن منه? قال‪ :‬هات‪ ،‬فأنشدته‬
‫لبيك إذ دعوتني لبيكـا‬ ‫قلت وقولي مستجد حوكا‬
‫‪:‬أحمد ربا ساقني إليكـا قال‪ :‬هات كلمتك الولى‪ ،‬قلت‪ :‬أو أنشدك أحسن منها? قال‪ :‬هات‪ ،‬فأنشدته‬
‫ويستجيش عسكرا ويهزمه‬ ‫ما زال يبني خندقا ويهدمـه‬
‫مروان لما أن تهاوت أنجمه‬ ‫ومغنما يجمعه ويقـسـمـه‬
‫‪:‬وخانه في حكمه منجمـه قال‪ :‬دع هذا وأنشدني‪ :‬وقاتم العماق‪ ،‬قلت‪ :‬أو أحسن منه? قال‪ :‬هات‪ ،‬فأنشدته‬
‫وشدت ركن الدين إذ بنـيتـا‬ ‫رفعت بيتا وخفضـت بـيتـا‬
‫‪:‬في الكرمين من قريش بيتا قال‪ :‬هات ما سألتك عنه‪ ،‬فأنشدته‬
‫على اليمين وعلـى يسـاره‬ ‫ما زال يأتي المر من أقطاره‬
‫حتى أقر الملك في قـراره‬ ‫مشمرا ل يصطلـى بـنـاره‬
‫‪:‬وفر مروان على حـمـاره قال‪ :‬ويحك هات ما دعوتك له وأمرت بإنشاده‪ ،‬ول تنشد شيئا غيره‪ ،‬فأنشدته‬
‫‪:‬وقاتم العماق خاوي المخترق فلما صرت إلى قولي‬
‫‪.‬يرمي الجلميد بجلمود مدق قال‪ :‬قاتلك الله لشد ما استصلبت الحافر ثم قال‪ :‬حسبك‪ ،‬أنا ذلك الجلمود المدق‬
‫قال‪ :‬وجيء بمنديل فيه مال فوضع بين يدي‪ ،‬فقال أبو مسلم‪ :‬يا رؤبة‪ ،‬إنك أتيتنا والموال مشفوهة ‪ ،‬وإن لك لعودة إلينا وعلينا‬
‫‪ .‬معول‪ ،‬والدهر أطرق مستتب‪ ،‬فل تجعل بجنبيك السدة‬

‫صفحة ‪2311 :‬‬

‫‪.‬قال رؤبة‪ :‬فأخذت المنديل منه‪ ،‬وتالله ما رأيت أعجميا أفصح منه‪ ،‬وما ظننت أحدا يعرف هذا الكلم غيري‪ ،‬وغير أبي‬
‫‪:‬قال الكراني‪ :‬قال أبو عثمان الشنانداني خاصة‪ :‬يقال‪ :‬اشتف ما في الناء‪ ،‬وشفهه‪ :‬إذا أتى عليه‪ ،‬وأنشد‬
‫وما ذو عيلتي من ل أعول يأكل الفأر ويفضله على الدواجن‪ :‬أخبرني علي بن‬ ‫وكاد المال يشفهه عيالـي‬
‫سليمان الخفش‪ ،‬قال‪ :‬حدثني‪ :‬محمد بن يزيد‪ ،‬وأخبرني إبراهيم بن أيوب‪ ،‬قال‪ :‬حدثني ابن قتيبة‪ ،‬قال‪ :‬كان رؤبة يأكل الفأر‪،‬‬
‫فقيل له في ذلك وعوتب‪ ،‬فقال‪ :‬هو والله أنظف من دواجنكم ودجاجكم اللواتي يأكلن القذر ‪ ،‬وهل يأكل الفأر إل نقي البر‬
‫ولباب الطعام? يرحل هو وأبوه ليلقيا الوليد بن عبد الملك‪ :‬أخبرني محمد بن الحسن بن دريد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو حاتم‪ ،‬عن أبي‬
‫عبيدة‪ ،‬عن رؤبة‪ ،‬قال‪ :‬لما ولي الوليد بن عبد الملك الخلفة بعث بي الحجاج مع أبي لنلقاه‪ ،‬فاستقبلنا الشمال حتى صرنا بباب‬
‫‪ .‬الفراديس‬
‫قال‪ :‬وكان خروجنا في عام مخصب‪ ،‬وكنت أصلي الغداة‪ ،‬وأجتني من الكمأة ما شئت‪ ،‬ثم ل أجاوز إل قليل حتى أرى خيرا منها‪،‬‬
‫فأرمي بها وآخذ الخر‪ ،‬حتى نزلنا بعض المياه‪ ،‬فأهدي لنا حمل محرفج ووطب لبن غليظ وزبدة كأنها رأس نعجة حوشية ‪،‬‬
‫‪.‬فقطعنا الحمل آرابا ‪ ،‬وكررنا عليه اللبن والزبدة‪ ،‬حتى إذا بلغ إناه انتشلنا اللحم بغير خبز‬
‫‪ .‬ثم شربت من مرقه لم تزل لها ذفرياي ترشحان؛ حتى رجعنا إلى حجر‬
‫فكان أول من لقينا من الشعراء جريرا‪ ،‬فاستعهدنا أل نعين عليه‪ .‬فكان أول من أذن له من الشعراء أبى ثم أنا‪ ،‬فأقبل الوليد‬
‫‪ .‬على جرير فقال له‪ :‬ويلك أل تكون مثل هذين? عقدا الشفاه عن أعراض الناس‪ ،‬فقال‪ :‬إني أظلم فل أصبر‬
‫ثم لقينا بعد ذلك جرير فقال‪ :‬يا بني أم العجاج‪ ،‬والله لئن وضعت كلكلي عليكما ما أغنت عنكما مقطعاتكما‪ ،‬فقلنا‪ :‬ل والله ما‬
‫‪.‬بلغه عنا شيء‪ ،‬ولكنه حسدنا لما أذن لنا قبله‪ ،‬واستنشدنا قبله‬
‫يتوعد جرير أباه فيعتذر إليه‪ :‬وقد أخبرني ببعض هذا الخبر الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال‪:‬‬
‫حدثني أحمد ابن الحارث الخراز عن المدائني‪ ،‬قال‪ :‬قال روح بن فلن الكلبي‪ :‬كنت عند عبد الملك بن بشر بن مروان فدخل‬
‫جرير‪ ،‬فلما رأى العجاج أقبل عليه ثم قال له‪ :‬والله لئن سهرت لك ليلة ليقلن عنك نفع مقطعاتك هذه‪ ،‬فقال العجاج‪ :‬يا أبا‬
‫حزرة‪ ،‬والله ما فعلت ما بلغك‪ ،‬وجعل يعتذر ويحلف ويخضع؛ فلما خرج قال له رجل‪ :‬لشد ما اعتذرت إلى جرير‪ ،‬قال‪ :‬والله لو‬
‫‪.‬علمت أنه ل ينفعني إل السلح لسلحت‬
‫ليس في شعره ول شعر أبيه حرف مدغم‪ :‬أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عمر بن شبة‪ ،‬عن أحمد بن‬
‫معاوية عن الصمعي‪ ،‬عن سليمان بن أخضر‪ ،‬عن ابن عون‪ ،‬قال‪ :‬ما شبهت لهجة الحسن البصري إل بلهجة رؤبة‪ ،‬ولم يوجد له‬
‫‪.‬ول لبيه في شعرهما حرف مدغم قط‬
‫هو وأبوه أشعر الناس عند يونس بن حبيب‪ :‬أخبرني محمد بن الحسن بن دريد‪ ،‬قال‪ :‬أخبرني عبد الرحمن بن أخي الصمعي‬
‫عن عمه‪ ،‬قال‪ :‬قيل ليونس‪ :‬من أشعر الناس‪ ،‬قال‪ :‬العجاج ورؤبة‪ ،‬فقيل له لم ولم نعن الرجاز? فقال‪ :‬هما أشعر من أهل‬
‫‪:‬القصيد ‪ ،‬إنما الشعر كلم‪ :‬فأجوده أشعره‪ ،‬قد قال العجاج‬
‫قد جبر الدين الله فجبر وهي نحو من مائتي بيت موقوفة القوافي ولو أطلقت قوافيها كانت كلها منصوبة‪ ،‬وكذلك عامة‬
‫‪.‬أراجيزهما‬
‫يقعد اللغويون إليه يوم الجمعة‪ :‬أخبرني أبو خليفة في كتابه إلي عن محمد بن سلم‪ :‬عن أبي زيد النصاري والحكم بن قنبر‪:‬‬
‫قال‪ :‬كنا نقعد إلى رؤبة يوم الجمعة في رحبة بني تميم‪ :‬فاجتمعنا يوما فقطعنا الطريق‪ ،‬ومرت بنا عجوز فلم تقدر على أن تجوز‬
‫‪:‬في طريقها‪ ،‬فقال رؤبة بن العجاج‬
‫إذا أقبلت رائحة من سوقهـا‬ ‫تنح للعجوز عن طـريقـهـا‬
‫دعها فما النحوي من صديقها يعبث به الصبيان فيستعين الوالي عليهم‪ :‬أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وأحمد بن عبيد‬
‫‪:‬الله بن عمار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عمر بن شبة‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو زيد سعيد بن أوس النصاري النحوي‪ ،‬قال‬

‫صفحة ‪2312 :‬‬

‫دخل رؤبة العجاج السوق وعليه برنكان أخضر‪ ،‬فجعل الصبيان يعبثون به‪ ،‬ويغرزون شوك النخل في برنكانه ويصيحون به‪ ،‬يا‬
‫مرذوم يا مرذوم فجاء إلى الوالي فقال‪ :‬أرسل معي الوزعة ‪ ،‬فإن الصبيان قد حالوا بيني وبين دخول السوق‪ ،‬فأرسل معه‬
‫‪:‬أعوانا فشد على الصبيان‪ ،‬وهو يقول‬
‫أعور جعد من بني تميم‬ ‫أنحى على أمك بالمرذوم‬
‫شراب ألبان خليا الكوم ففروا من بين يديه فدخلوا دارا في الصيارفة‪ ،‬فقال له الشرط‪ :‬أين هم? قال‪ :‬دخلوا دار الظالمين‪،‬‬
‫‪.‬فسميت دار الظالمين إلى الن لقول رؤبة‪ ،‬وهي في صيارفة سوق البصرة‬
‫بينه وبين راجز من أهل المدينة‪ :‬وذكر أحمد بن الحارث الخراز عن المدائني‪ ،‬قال‪ :‬قدم البصرة راجز من أهل المدينة‪ ،‬فجلس‬
‫‪:‬إلى حلقة فيها الشعراء‪ ،‬فقال‪ :‬أنا أرجز العرب‪ ،‬أنا الذي أقول‬
‫مروان نبع وسعيد خروع وودت أني راميت من أحب في الرجز يدا بيد‪ ،‬والله لنا‬ ‫مروان يعطي وسعيد يمنع‬
‫أرجز من العجاج‪ ،‬فليت البصرة جمعت بيني وبينه‪ ،‬قال‪ :‬والعجاج حاضر وابنه رؤبة معه‪ ،‬فأقبل رؤبة على أبيه فقال‪ :‬قد أنصفك‬
‫الرجل‪ ،‬فأقبل عليه العجاج وقال‪ :‬هأنذا العجاج‪ ،‬فهلم وزحف إليه‪ ،‬فقال‪ :‬وأي العجاجين أنت? قال‪ :‬ما خلتك تعني غيري‪ ،‬أنا عبد‬
‫الله الطويل ‪0‬وكان يكنى بذلك‪ -‬فقال له المدني‪ :‬ما عنيتك ول أردتك‪ ،‬فقال‪ :‬وكيف وقد هتفت بي? قال‪ :‬وما في الدنيا عجاج‬
‫سواك? قال‪ :‬ما علمت‪ ،‬قال‪ :‬لكني أعلم‪ ،‬وإياه عنيت‪ .‬قال‪ :‬فهذا ابني رؤبة‪ ،‬فقال‪ :‬اللهم غفرا‪ ،‬ما بيني وبينكما عمل‪ :‬وإنما‬
‫‪.‬مرادي غيركما‪ ،‬فضحك أهل الحلقة منه‪ ،‬وكفا عنه‬
‫بينه وبين زائرين‪ :‬أخبرني أبو خليفة في كتابه‪ ،‬عن محمد بن سلم‪ :‬عن يونس‪ ،‬قال‪ :‬غدوت يوما أنا وإبراهيم بن محمد‬
‫‪:‬العطاردي على رؤبة‪ :‬فخرج إلينا كأنه نسر‪ ،‬فقال له ابن نوح‪ :‬أصبحت والله كقولك‬
‫ساقط عنه الريش كر البراد فقال له رؤبة‪ :‬والله يا بن نوح ما زلت لك ماقتا‪،‬‬ ‫كالكرز المشدود بين الوتـاد‬
‫‪:‬فقلت‪ :‬بل أصبحت يا أبا الجحاف كما قال الخر‬
‫د خميصا وصلبا سمينا فضحك‪ :‬وقال‪ :‬هات حاجتك‬ ‫‪.‬فأيقن منه وأبقى الطرا‬
‫من رجزه وقد استأذن فلم يؤذن له‪ :‬قال ابن سلم‪ :‬ووقف رؤبة على باب سليمان بن علي يستأذن‪ :‬فقيل له‪ :‬قد أخذ‬
‫‪:‬الذريطوس فقال رؤبة‬
‫ومنزل اللعن على إبـلـيس‬ ‫يا منزل الوحي علـى إدريس‬
‫بارك له في شرب إذريطوس يخطئه سلم بن قتيبة‪ :‬أخبرني الحسن بن يحيى‬ ‫وخالق الثنين والـخـمـيس‬
‫‪:‬قال‪ :‬قال حماد‪ :‬أخبرني أبي عن الصمعي قال‪ :‬أنشد رؤبة سلم بن قتيبة في صفة خيل‬
‫‪.‬يهوين شتى ويقعن وقفا فقال له‪ :‬أخطأت يا أبا الجحاف‪ :‬جعلته مقيدا فقال‪ :‬أدنني أيها المير ذنب البعير أصفه لك كما يجب‬
‫‪.‬من رجزه وقد قدم الطعام وهو يلعب بالنرد‪ :‬أخبرني أبو خليفة في كتابه إلي‪ ،‬عن محمد بن سلم‪ ،‬عن عبد الرحمن بن محمد‬
‫أخبرني أبو خليفة في كتابه إلي‪ ،‬عن محمد بن سلم‪ ،‬عن عبد الرحمن بن محمد‪ ،‬عن علقمة الضبي‪ ،‬قال‪ :‬خرج شاهين بن عبد‬
‫‪:‬الله الثقفي برؤبة إلى أرضه‪ ،‬فقعدوا يلعبون بالنرد فلما أتوا بالخوان قال رؤبة‬
‫حنانة كعابهـا تـقـعـقـع‬ ‫يا إخوتي جاء الخوان فارفعوا‬
‫‪.‬لم أدر ما ثلثها والربـع قال‪ :‬فضحكنا ورفعناه‪ ،‬وقدم الطعام‬
‫يشيد الخليل بفضله وقد عاد من جنازته‪ :‬أخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد‬
‫الله بن أبي سعد‪ ،‬عن محمد بن عبد الله بن مالك عن أبيه عن يعقوب بن داود‪ ،‬قال‪ :‬لقيت الخليل بن أحمد يوما بالبصرة فقال‬
‫‪.‬لي‪ :‬يا أبا عبد الله دفنا الشعر واللغة والفصاحة اليوم‪ ،‬فقلت‪ :‬وكيف ذاك? قال‪ :‬هذا حين انصرفت من جنازة رؤبة‬

‫صوت‬
‫فأوجع قلبي بالحديث الذي يبدي‬ ‫لعمري لقد صاح الغراب ببينهـم‬
‫بريش فهل للبين ويحك من رد? الشعر لقيس بن ذريح‪ ،‬وقد تقدمت أخباره‬ ‫فقلت له أفصحت ل طرت بعدها‬
‫‪.‬والغناء لعمر بن أبي الكنات‪ ،‬ثقيل أول بإطلق الوتر في مجرى الوسطى‬

‫أخبار عمرو بن أبي الكنات‬


‫‪:‬اسمه وولئه وكنيته‬

‫صفحة ‪2313 :‬‬

‫هو عمرو بن عثمان بن أبي الكنات‪ ،‬مولى بني جمح‪ ،‬مكي مغن ‪ ،‬محسن موصوف بطيب الصوت من طبقة ابن جامع‬
‫‪:‬وأصحابه‪ ،‬وفيه يقول الشاعر‬
‫رجل من بني أبي الكنات وله في هذا الشعر غناء مع أبيات قبله لحن ابتداؤه‪:‬‬ ‫أحسن الناس فاعلموه غناء‬
‫صوت‬
‫بسوار ؛ فملتقى عرفـات‬ ‫عفت الدار بالهضاب اللواتي‬
‫فديار بالربع ذي السلمـات‬ ‫فالحريان أوحشا بعد أنـس‬
‫فإلى محضرين ؛ فالنخلت وبعده البيت الول المذكور‬ ‫‪.‬إن بالبين مربعا من سليمـى‬
‫‪.‬الغناء في هذا الشعر لعمرو بن أبي الكنات‪ ،‬وطريقته من الرمل بالوسطى‬
‫‪.‬وقيل‪ :‬إنه لبن سريج‪ ،‬وقيل‪ :‬بل لحن ابن سريج غير هذا اللحن‪ ،‬وليس فيه البيت الرابع الذي فيه ابن أبي الكنات‬
‫ويكنى عمرو بن أبي الكنات أبا عثمان‪ ،‬وذكر بن خرداذبه أنه كان يكنى أبا معاذ؛ وكان له ابن يغني أيضا يقال له‪ :‬دراج؛ ليس‬
‫‪.‬بمشهور ول كثير الغناء‬
‫يؤثره الرشيد على جمع من المغنين‪ :‬فذكر هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات في الخبر الذي حكاه عنه من أخباره أن‬
‫محمد بن عبد الله المخزومي حدثه قال‪ :‬حدثني محمد بن عبد الله بن فزوة قال‪ :‬قلت لبن جامع يوما‪ :‬هل غلبك أحد من‬
‫المغنين قط؛ قال‪ :‬نعم؛ كنت ليلة ببغداد إذ جاءني رسول الرشيد ؛ يأمرني بالركوب؛ فركبت حتى إذا صرت إلى الدار‪ ،‬فإذا أنا‬
‫بفضل بن الربيع معه زلزل العواد وبرصوما‪ :‬فسلمت وجلست قليل‪ ،‬ثم طلع خادم فقال للفضل‪ :‬هل جاء? فقال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪:‬‬
‫‪.‬فابعث إليه؛ ولم يزل المغنون يدخلون واحدا بعد واحد حتى كنا ستة أو سبعة‬
‫ثم طلع الخادم فقال‪ :‬هل جاء? فقال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬قم ؛ فابعث في طلبه؛ فقام فغاب غير طويل؛ فإذا هو قد جاء بعمرو بن أبي‬
‫الكنات؛ فسلم؛ وجلس إلى جنبي فقال لي‪ :‬من هؤلء? قلت مغنون؛ وهذا زلزل‪ ،‬وهذا برصوما‪ .‬فقال‪ :‬والله لغنينك غناء يخرق‬
‫هذا السقف وتجيبه الحيطان ول يفهمون منه شيئا‪ .‬قال‪ :‬ثم طلع الخصي فدعا بكراسي؛ وخرجت الجواري‪ .‬فلما جلسن قام‬
‫الخادم للمغنين‪ :‬شدوا‪ ،‬فشدوا عيدانهم ‪ ،‬ثم قال‪ :‬نعم يا بن جامع؛ فغنيت سبعة أو ثمانية أصوات‪ .‬ثم قال‪ :‬اسكت وليغن‬
‫‪.‬إبراهيم الموصلي؛ فغنى مثل ذلك أو دونه‪ .‬ثم سكت؛ فلم يزل يمر القوم واحدا واحدا حتى فرغوا‬
‫ثم قال‪ :‬لبن أبي الكنات‪ :‬عن‪ ،‬فقال لزلزل‪ :‬شد طبقتك ‪ ،‬فشد ثم أخذ العود من يده فحبسه حتى وقف على الموضع الذي‬
‫يريده‪ ،‬ثم قال‪ :‬على هذا وابتدأ بصوت أوله‪ :‬ألل‪ :‬فوالله لقد خيل لي أن الحيطان تجاوبه‪ .‬ثم رجع النغم فيه‪ .‬فطلع الخصي‬
‫‪.‬فقال له‪ :‬اسكت‪ .‬ل تتم الصوت‪ ،‬فسكت‬
‫ثم قال‪ :‬يحبس عمرو بن أبي الكنات‪ ،‬وينصرف باقي المغنين‪ ،‬فقمنا بأكسف حال وأسوأ بال‪ ،‬ل والله ما زال كل واحد منا‬
‫يسأل صاحبه عن كل شعر يرويه من الغناء الذي أوله‪ :‬ألل‪ ،‬طمعا في أن يعرفه أو يوافق غناءه‪ .‬فما عرفه منا أحد وبات عمرو‬
‫‪.‬ليلته عند الرشيد‪ ،‬وانصرف من عنده بجوائز وصلت وطرف سنيه‬
‫يغني وقد دفع من عرفة فيزحم الناس الطريق‪ :‬قال هارون‪ :‬وأخبرني محمد بن عبد الله عن موسى بن أبي المهاجر قال‪:‬‬
‫خرج ابن جامع وابن أبي الكنات حين دفعا من عرفة حتى إذا كان بين المأزمين جلس عمرو على طرف الجبل‪ ،‬ثم اندفع يغني‪،‬‬
‫فوقف القطارات‪ ،‬وركب الناس بعضهم بعضا حتى صاحوا واستغاثوا‪ :‬يا هذا‪ ،‬الله الله‪ .‬اسكت عنا يجز الناس‪ ،‬فضبط إسماعيل‬
‫‪.‬بن جامع بيده على فيه حتى مضى الناس إلى مزدلفة‬
‫يغني على جسر بغداد فتمتلئ الجسور بالناس‪ :‬قال هارون‪ .‬وحدثني عبد الرحمن بن سليمان عن علي بن أبي الجهم قال‪:‬‬
‫‪.‬حدثني من أثق به قال‬
‫واقفت ابن أبي الكنات المديني على جسر بغداد أيام الرشيد‪ .‬فحدثته بحديث اتصل بي عن ابن عائشة أنه فعله أيام هشام‪،‬‬
‫وهو أن بعض أصحابنا حدثني قال‪ :‬وقف ابن عائشة في الموسم فمر به بعض أصحابه‪ ،‬فقال له‪ :‬ما تعمل? فقال‪ :‬إني لعرف‬
‫رجل لو تكلم لحبس الناس‪ ،‬فلم يذهب أحد ولم يجيء‪ .‬فقلت له‪ :‬ومن هذا الرجل? قال‪ :‬أنا‪ ،‬ثم اندفع يغني‪ :‬صوت‬
‫نوى مشمولة فمتى اللقـاء‬ ‫جرت سنحا فقلت لها أجيزي‬
‫أعالجه ومطلبـه عـنـاء‬ ‫بنفسي من تذكـره سـقـام‬

‫صفحة ‪2314 :‬‬

‫قال‪ :‬فحبس الناس‪ ،‬واضطربت المحامل ‪ ،‬ومدت البل أعناقها‪ ،‬وكادت الفتنة تقع‪ ،‬فأتي به هشام فقال‪ :‬يا عدو الله أردت أن‬
‫تفتن الناس? فأمسك عنه وكان تياها‪ ،‬فقال له هشام‪ :‬أرفق بتيهك ‪ .‬فقال ابن عائشة‪ :‬حق لمن كانت هذه قدرته على القلوب‬
‫أن يكون تياها‪ ،‬فضحك وأطلقه قال فبرق ابن أبي الكنات‪ ،‬وكان معجبا بنفسه‪ ،‬وقال‪ :‬أنا أفعل كما فعل‪ ،‬وقدرتي على القلوب‬
‫‪.‬أكثر من قدرته كانت‪ ،‬ثم اندفع فغنى في هذا الصوت ونحن على جسر بغداد‬
‫وكان إذ ذاك على دجلة ثلثة جسور معقودة‪ ،‬فانقطعت الطرق‪ ،‬وامتلت الجسور بالناس‪ ،‬وازدحموا عليها‪ ،‬واضطربت حتى‬
‫خيف عليها أن تتقطع لثقل من عليها من الناس‪ .‬فأخذ فأتي به الرشيد‪ ،‬فقال‪ :‬يا عدو الله أردت أن تفتن الناس? فقال‪ :‬ل والله‬
‫يا أمير المؤمنين‪ ،‬ولكنه بلغني أن ابن عائشة فعل مثل هذا في أيام هشام‪ ،‬فأحببت أن يكون في أيامك مثله فأعجب من قوله‬
‫ذلك‪ ،‬وأمر له بمال‪ ،‬وأمره أن يغني‪ ،‬فسمع شيئا لم يسمع مثله فاحتبسه عنده شهرا يستزيده في كل يوم استأذنه فيع في‬
‫النصراف ‪-‬يوما آخر حتى تم له شهر فقال هذا المخبر عنه‪ :‬وكان ابن أبي الكنات كثير الغشيان لي‪ :‬فلما أبطأ توهمته قد قتل‬
‫‪.‬فصار إلي بعد شهر بأموال جسيمة‪ ،‬وحدثني بما جرى بينه وبين الرشيد‬
‫يسمع غناؤه على ثلثة أميال‪ :‬قال هارون‪ :‬وأخبرني محمد بن عبد الله المخزومي عن عثمان بن موسى مولنا قال‪ :‬كنا يوما‬
‫باللحجة ومعنا عمرو بن أبي الكنات‪ ،‬ونحن على شرابنا إذ قال لنا قبل طلوع الشمس‪ :‬من تحبون أن يجيئكم? قلنا‪ :‬منصور‬
‫‪:‬الحجبي‪ .‬فقال‪ :‬أمهلوا حتى يكون الوقت الذي ينحدر فيه إلى سوق البقر‪ ،‬فمكثنا ساعة ثم اندفع يغني‬
‫رجل من بني أبي الكنـات‬ ‫أحسن الناس فاعلموه غنـاء‬
‫بسوار فملتقى عـرفـات فلم نلبث أن رأينا منصورا من بعد قد أقبل يركض دابته‬ ‫عفت الدار بالهضاب اللواتي‬
‫نحونا‪ ،‬فلما جلس إلينا قلنا له‪ :‬من أين علمت بنا? قال‪ :‬سمعت صوت عمرو يغني كذا وكذا وأنا في سوق البقر‪ ،‬فخرجت‬
‫‪.‬أركض دابتي حتى صرت إليكم‪ ،‬قال‪ :‬وبيننا وبين ذلك الموضع ثلثة أميال‬
‫قال هارون‪ ،‬وأخبرني محمد بن عبد الله‪ ،‬قال أخبرني يحيى بن يعلى بن سعيد قال‪ :‬بينا أنا ليلة في منزلي في الرمضة أسفل‬
‫مكة إذ سمعت صوت عمرو بن أبي الكنات كأنه معي‪ ،‬فأمرت الغلم فأسرج لي دابتي‪ ،‬وخرجت أريده‪ ،‬فلم أزل أتبع الصوت‬
‫‪:‬حتى وجدته جالسا على الكثيب العارض ببطن عرنة يغني‬
‫صوت‬

‫ول تنطقي في سورتي حين أغضب‬ ‫خذي العفو مني تستديمي مـودتـي‬
‫فإنك ل تدرين كـيف الـمـغـيب‬ ‫ول تنقريني نـقـرة الـدف مـرة‬
‫إذا اجتمعا لم يلبث الحـب يذهـب عروضه من الطويل‪ ،‬ولحنه من‬ ‫فإني وجدت الحب في الصدر والذى‬
‫الثقيل الثاني بالوسطى من رواية إسحاق‪ .‬والشعر لسماء بن خارجة الفزاري‪ ،‬وقد قيل‪ :‬إنه لبي السود الدؤلي‪ ،‬وليس ذلك‬
‫‪.‬بصحيح‪ .‬والغناء لبراهيم الموصلي‪ ،‬وفيه لحن قديم للغريض من رواية حماد عن أبيه‬

‫أسماء بن خارجة وابنته هند‬


‫وصيته لبنته ليلة زفافها‪ :‬أخبرني اليزيدي عن أحمد بن زهير عن الزبير بن بكر قال‪ :‬زوج أسماء بن خارجة الفزاري بنته هند من‬
‫الحجاج بن يوسف‪ ،‬فلما كانت ليلة أراد البناء بها قال لها أسماء بن خارجة‪ :‬يا بنية‪ ،‬إن المهات يؤدبن البنات‪ ،‬وإن أمك هلكت‬
‫وأنت صغيرة‪ ،‬فعليك بأطيب الطيب الماء‪ ،‬وأحسن الحسن الكحل‪ .‬وإياك وكثرة المعاتبة‪ ،‬فإنها قطيعة للود‪ ،‬وإياك والغيرة فإنها‬
‫‪:‬مفتاح الطلق‪ .‬وكوني لزوجك أمة يكن لك عبدا‪ ،‬واعلمي أني القائل لمك‬
‫خذي العفو مني تستديمي مودتي شعر لبعض الشعراء فيها‪ :‬قال‪ :‬وكانت هند امرأة مجربة قد تزوجها جماعة من أمراء‬
‫‪:‬العراق‪ ،‬فقبلت من أبيها وصيته‪ .‬وكان الحجاج يصفها في مجلسه بكل خبر‪ ،‬وفيها يقول بعض الشعراء يخاطب أباها‬
‫كما أرضيت فيشلة المـير‬ ‫جزاك الله يا أسمـاء خـيرا‬
‫عليه مثل كركرة البـعـير‬ ‫بصدغ قد يفوح المسك منـه‬
‫سمعت لها أزيزا كالصرير‬ ‫إذا أخذ المير بمشعـبـيهـا‬
‫تجيد الرهز من فوق السرير قال مؤلف هذا الكتاب‪ :‬الشعر لعقيبة السدي‬ ‫‪.‬إذا لقحت بـأرواح تـراهـا‬

‫صفحة ‪2315 :‬‬

‫يعير معير بتزويج الحجاج فيحتال حتى يزوجه المعير أيضا‪ :‬أخبرني الجوهري وحبيب المهلبي عن ابن شبة قال‪ :‬لما قدم‬
‫الحجاج الكوفة أشار عليه محمد بن عمير بن عطارد أن يخطب إلى أسماء ابنته هند‪ ،‬فخطبها فزوجه أسماء ابنته‪ ،‬فأقبل محمد‬
‫‪:‬متمثل يقول‬
‫فصهر العبد أدنى للهزال فاحتملها عليه أسماء وسكت عن جوابه‪ ،‬ثم أقبل على‬ ‫أمن حذر الهزال نكحت عبدا‬
‫الحجاج يوما وهند جالسة‪ ،‬فقال‪ :‬ما يمنعك من الخطبة إلى محمد بن عمير ابنته فإن من شأنها كيت وكيت‪ .‬فقال‪ :‬أتقول هذا‬
‫وهند تسمع? فقال‪ :‬موافقتك أحب إلي من رضا هند‪ ،‬فخطبها إلى محمد بن عمير‪ ،‬فزوجه إياها‪ ،‬فقال أسماء لمحمد بن عمير‪،‬‬
‫‪:‬وضرب بيده على منكبه‬
‫سواء كعين الديك أو قذة الـنـسـر‬ ‫دونك ما أسديتـه يا بـن حـاجـب‬
‫فل تعد هندا من نساء بـنـي بـدر‬ ‫بقولك للحجاج إن كنـت نـاكـحـا‬
‫كفاء له إل المتـوج مـن فـهـر‬ ‫فإن أبـاهـا ل يرى أن خـاطـبـا‬
‫ول راغبا عنه ونعم أخو الصـهـر‬ ‫فزوجتها الحجـاج لمـتـكـارهـا‬
‫وقد يحسن النسان من حيث ل يدري‬ ‫أردت ضراري فاعتمدت مسـرتـي‬
‫وإن ترها فخرا فهل لك من شكـر أحبت هند عبد الله بن زياد حبا شديدا‪:‬‬ ‫فإن ترها عارا فقد جئت مثـلـهـا‬
‫قال المدائني حدثني الحرمازي عن الوليد بن هشام القحذمي وكان كاتب خالدا القسري ويوسف بن عمر أن هندا بنت أسماء‬
‫كانت تحت عبيد الله بن زياد‪ ،‬وكان أبا عذرها‪ ،‬فلما قتل ‪-‬وكانت معه‪ -‬لبست قباء‪ ،‬وتقلدت سيفا‪ ،‬وركبت فرسا لعبيد الله كان‬
‫يقال لها‪ :‬الكامل‪ ،‬وخرجت حتى دخلت الكوفة ليس معها دليل‪ ،‬ثم كانت بعد ذلك أشد خلق الله جزعا عليه‪ ،‬ولقد قالت يوما‪:‬‬
‫‪.‬إني لشتاق إلى القيامة لرى وجه عبيد الله بن زياد‬
‫بشر بن مروان يتزوجها‪ :‬فلما قدم بشر بن مروان الكوفة دل عليها‪ ،‬فخطبها‪ ،‬فزوجها‪ ،‬فولدت له عبد الملك بن بشر‪ ،‬وكان‬
‫ينال من الشراب ويكتم ذلك‪ ،‬وكان إذا صلى العصر خل في ناحية من داره ليس معه أحد إل أعين موله صاحب حمام أعين‬
‫بالكوفة‪ ،‬وأخذ في شأنه‪ .‬فلم تزل هند تتجسس خبره حتى عرفته‪ ،‬فبعثت مولى لها‪ ،‬فأحضرها أطيب شراب وأحده وأشده‬
‫وأرقه وأصفاه‪ ،‬وأحضرت له طعاما علمت أنه يشتهيه‪ ،‬وأرسلت إلى أخويها‪ :‬مالك وعيينة‪ ،‬فأتياها وبعثت إلى بشر واعتلت عليه‬
‫بعلة‪ ،‬فجاءها فوضعت بين يديه ما أعدته‪ ،‬فأكل وشرب‪ ،‬وجعل مالك يسقيه‪ ،‬وعيينه يحدثه‪ ،‬وهند تريه وجهها‪ .‬فلم يزل في ذلك‬
‫حتى أمسى‪ ،‬فقال‪ :‬هل عندكم من هذا شيء نعود عليه غدا? فقالت‪ :‬هذا دائم لك ما أردته‪ ،‬فلزمها وبقي أعين يتبع الديار‬
‫بوجهه ول يرى بشرا‪ ،‬إل أن يبحث عن أمره فعرفه‪ ،‬وعلم أنه ليس فيه حظ بعدها‪ .‬قال ومات عنها بشر تجزع عليه‪ ،‬فقال‬
‫‪:‬الفرزدق في ذلك‬
‫عليه الثريا في كواكبها الزهر الحجاج يخلف بشرا في تزوجها‪ :‬ثم خلف عليها‬ ‫فإن تك ل هند بكته فقد بكـت‬
‫الحجاج‪ ،‬وكان السبب في ذلك فيما ذكره المدائني عن الحرمازي عن القحذمي‪ ،‬وأخبرني به من هاهنا أحمد بن عبد العزيز عن‬
‫ابن شبة عن عثمان بن عبد الوهاب عن عبد الحميد الثقفي قال‪ :‬كان السبب في ذلك أنه بعث أبا بردة بن أبي موسى الشعري‬
‫‪-‬وهو قاضيه‪ -‬إلى أسماء يقول له‪ :‬إن قبيحا بي مع بلء أمير المؤمنين عندي أن أقيم بموضع فيه ابنا أخيه بشر ل أضمهما إلي‪،‬‬
‫‪.‬وأتولى منهما مثل ما أتولى من ولدي‪ .‬فاسأل هندا أن تطيب نفسا عنهما‬
‫وقال عمر بن شبة في خبره‪ :‬وأعلمها أنه ل بد من التفرقة بينها وبينهما حتى أؤدبهما‪ ،‬قال أبو بردة‪ :‬فاستأذنت فأذن لي وهو‬
‫‪.‬يأكل وهند معه‪ ،‬فما رأيت وجها ول كفا ول ذراعا أحسن من وجهها وكفها وذراعها‪ ،‬وجعلت تتحفني وتضع بين يدي‬
‫قال أبو زيد في خبره‪ :‬فدعاني إلى الطعام‪ ،‬فلم أفعل‪ ،‬وجعلت تعبث بي وتضحك‪ ،‬فقلت‪ :‬أما والله لو علمت ما جئت له‬
‫لبكيت‪ ،‬فأمسكت يدها عن الطعام فقال‪ :‬أسماء‪ :‬قد منعتها الكل‪ :‬فقل‪ :‬ما جئت له‪ .‬فلما بلغت أسماء ما أرسلت به بكت‪ ،‬فلم‬
‫أر والله دموعا قط سائلة من محاجر أحسن من دموعها على محاجرها‪ .‬ثم قالت‪ :‬نعم أرسل بهما إليه‪ ،‬فل أحد أحق بتأديبهما‬
‫‪.‬منه‬
‫صفحة ‪2316 :‬‬

‫وقال أسماء‪ :‬إنما عبد الملك ثمرة قلوبنا ‪-‬يعني عبد الملك بن بشر‪ -‬وقد أنسنا به‪ ،‬ولكن أمر المير طاعة‪ ،‬فأتيت الحجاج‪،‬‬
‫فأعلمته جوابها وهيئتها‪ .‬فقال‪ :‬ارجع فاخطبها علي فرجعت وهما على حالهما‪ .‬فلما دخلت قلت‪ :‬إني جئتك بغير الرسالة الولى‬
‫قال‪ :‬اذكر ما أحببت‪ .‬قلت‪ :‬قد جئت خاطبا‪ .‬قال‪ :‬أعلى نفسك فما بنا عنك رغبة? قلت‪ :‬ل‪ ،‬على من هو خير لها مني‪ ،‬وأعلمته‬
‫‪.‬ما أمرني به الحجاج‪ ،‬فقال‪ :‬ها هي تسمع ما أديت‪ ،‬فسكتت‪ ،‬فقال أسماء‪ :‬قد رضيت‪ ،‬وقد زوجتها إياه‬
‫فقال أبو زيد في حديثه‪ :‬فلما زوجها أبوها قامت مبادرة وعليها مطرف ‪ ،‬ولم تستقل قائمة من ثقل عجيزتها حتى انثنت ومالت‬
‫لحد شقيها من شحمها‪ ،‬فانصرفت بذلك إلى الحجاج‪ ،‬فبعث إليها بمائة ألف درهم وعشرين تختا من ثياب وقال‪ :‬يا أبا بردة‪ ،‬إني‬
‫أحب أن تسلمها إليها‪ ،‬ففعلت ذلك‪ ،‬وأرسلت إلي من المال بعشرين ألفا‪ ،‬ومن الثياب تختين‪ .‬فقلت‪ :‬ما أقبل شيئا حتى أستطلع‬
‫‪ .‬رأي المير‪ .‬ثم انصرفت إليه فأعلمته‪ ،‬فأمرني بقبضة ووصلني بمثله‬
‫وقال‪ :‬أبو زيد في حديثه‪ :‬فأرسل إليها بثلثين غلما مع كل غلم عشرة آلف درهم‪ ،‬وثلثين جارية مع كل جارية تخت من ثياب‪،‬‬
‫وأمر لي بثلثين ألفا وثيابا لم يذكر عددها‪ .‬فلما وصل ذلك إلى هند أمرت بمثل ما أمر لي به الحجاج‪ ،‬فأبيت قبوله‪ ،‬وقلت‪ :‬ليس‬
‫الحجاج ممن يتعرض له بمثل هذا‪ .‬وأتيت الحجاج فأخبرته‪ .‬فقال‪ :‬قد أحسنت وأضعف الله لك ذلك‪ ،‬وأمر له بستين ألفا‪،‬‬
‫وبضعف تلك الثياب‪ ،‬وكان أول ما أصبته مع الحجاج‪ .‬وأرسل إليها‪ :‬إني أكره أن أبيت خلوا ‪ ،‬ولي زوجة‪ .‬فقالت‪ :‬وما احتباس‬
‫‪.‬امرأة عن زوجها وقد ملكها وآتاها كرامته وصداقها‪ ،‬فأصلحت من شأنها‪ ،‬وأتته ليل‬
‫قال‪ :‬المدائني‪ :‬فسمعت أن ابن كناسة ذكر أن رجل من أهل العلم حدثه عن امرأة من أهله قالت‪ :‬كنت فيمن زفها‪ .‬فدخلنا‬
‫عليه وهو في بيت عظيم في أقصاره ستارة‪ ،‬وهو دون الستارة على فرشه‪ ،‬فلما أن دخلت سلمت‪ ،‬فأوما إليها بقضيب كان في‬
‫يده‪ .‬فجلست عند رجليه‪ ،‬ومكثت ساعة وهو ل يتكلم ونحن وقوف‪ ،‬فضربت بيدها على فخذه‪ ،‬ثم قالت‪ :‬ألم تبعد من سوء‬
‫‪.‬الخلق? قال‪ :‬فتبسم‪ ،‬وأقبل عليها‪ ،‬واستوى جالسا‪ .‬فدعونا له وخرجنا وأرخيت الستور‬
‫سبب تطليق الحجاج لها‪ :‬قال‪ :‬ثم قدم الحجاج البصرة‪ ،‬فحملها معه‪ .‬فلما بنى قصره الذي دون المحدثة الذي يقال له‪ :‬قصر‬
‫الحجاج اليوم قال لها‪ :‬هل رأيت قط أحسن من هذا القصر? قالت ‪ :‬ما أحسنه قال‪ :‬أصدقيني‪ ،‬قالت‪ :‬أما إذ أبيت فوالله ما‬
‫رأيت أحسن من القصر الحمر‪ .‬وكان فيه عبيد الله بن زياد‪ ،‬وكان دار المارة بالبصرة‪ ،‬وكان ابن زياد بناه بطين أحمر‪ .‬فطلق‬
‫هندا غضبا بما قالته‪ ،‬وبعث إلى القصر فهدمه‪ ،‬وبناه بلبن‪ .‬ثم تعهده صالح بن عبد الرحمن في خلفة سليمان بن عبد الملك‪،‬‬
‫‪.‬فبناه بالجر‪ ،‬ثم هدم بعد ذلك فأدخل في المسجد الجامع‬
‫حنين الحجاج إلى مراجعتها‪ :‬قال‪ :‬القحذمي عن محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي‪ :‬فخرجنا يوما نعود عبد‬
‫الملك بن بشر‪ ،‬فسلمنا عليه وعدناه معه‪ .‬ثم خرجنا وتخلف الحجاج‪ ،‬فوقفنا ننتظره‪ ،‬فلما خرج التفت فرآني‪ ،‬فقال‪ :‬يا محمد‬
‫ويحك رأيت هندا الساعة فما رأيتها ‪ ،‬قط أجمل ول أشب منها حين رأيتها‪ ،‬وما أنا بممس حتى أراجعها‪ :‬فقلت‪ :‬أصلح الله المير‪،‬‬
‫‪.‬امرأة طلقتها على عتب يرى الناس أن نفسك تتبعها‪ ،‬وتكون لها الحجة عليك‪ .‬قال‪ :‬صدقت‪ ،‬الصبر أحجى‬
‫‪.‬قال‪ :‬محمد‪ :‬والله ما كان منى ما كان نظرا ول نصيحة‪ ،‬ولكني أنفت لرجل من قريش أن تداس أمه في كل وقت‬
‫خبر طريف يروى عن أسماء‪ :‬أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن المدائني عن جويرية بن أسماء عن عمه قال‪:‬‬
‫حججت فإني لفي رفقة من قومي إذ نزلنا ومعنا امرأة‪ ،‬فنامت وانتبهت وحية مطوية عليها‪ ،‬قد جمعت رأسها وذنبها بين ثدييها‪.‬‬
‫‪ .‬فهالنا ذلك وارتحلنا‬

‫صفحة ‪2317 :‬‬

‫فلم تزل منطوية عليها ل تضيرها حتى دخلنا الحرم فانسابت‪ ،‬فدخلنا مكة وقضينا نسكنا‪ ،‬فرآها الغريض فقال‪ :‬أي شقية‪ ،‬ما‬
‫فعلت حيتك? فقالت‪ :‬في النار‪ ،‬قال‪ :‬ستعلمين من أهل النار? ولم أفهم ما أراد‪ ،‬وظننت أنه مازحها‪ ،‬واشتقت إلى غنائه‪ ،‬ولم‬
‫يكن بيني وبينه ما يوجب ذلك‪ ،‬فأتيت بعض أهله‪ ،‬فسألته ذلك‪ ،‬فقال نعم‪ ،‬فوجه إليه أن اخرج بنا إلى موضع كذا‪ ،‬وقال لي‪:‬‬
‫اركب بنا‪ ،‬فركبنا حتى سرنا قدر ميل‪ ،‬فإذا الغريض هناك‪ ،‬فنزلنا‪ ،‬فإهذا طعام معد‪ ،‬وموضع حسن‪ .‬فأكلنا وشربنا‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا أبا‬
‫‪:‬يزيد‪ ،‬هات بعض طرائفك فاندفع يغني‪ ،‬ويوقع بقضيب‬
‫وأدنفت والممشى إلي قريب‬ ‫مرضت فلم تحفل علي جنوب‬
‫إذا ما صبونا صبوة سنتـوب فلقد سمعت شيئا ظننت أن الجبال التي حولي‬ ‫فل يبعد الله الشباب وقولـنـا‬
‫تنطق معه‪ :‬شجا صوت‪ ،‬وحسن غناء‪ .‬وقال لي‪ :‬أتحب أن يزيدك ? فقلت‪ :‬إي والله‪ .‬فقال‪ :‬هذا ضيفك وضيفنا‪ ،‬وقد رغب إليك‬
‫‪:‬وإلينا‪ ،‬فأسعفه بما يريد‪ .‬فاندفع يغني بشعر مجنون بني عامر‬
‫إذا وليت حكما علي تجور‬ ‫عفا الله ليلى الغداة فإنـهـا‬
‫سوى ليلة? إني إذا لصبور فما عقلت لما غنى من حسنه إل بقول صاحبي‪ :‬نجور‬ ‫أأترك ليلى ليس بيني وبينها‬
‫عليك يا أبا يزيد‪ .‬فقلت‪ :‬وما معناك في ذلك? فقال‪ :‬إن أبا يزيد عرض بأني لما وليت الحكم عليه جرت في سؤالي إياه أكثر من‬
‫صوت واحد‪ .‬فقلت له ‪-‬بعد ساعة‪ -‬سرا‪ :‬جعلت فداءك‪ ،‬إني أريد المضي وأصحابي يريدون الرحلة‪ ،‬وقد أبطأت عليهم‪ ،‬فإن‬
‫رأيت أن تسأله ‪-‬حاطه الله من السوء والمكروه‪ -‬أن يزودني لحنا واحدا‪ .‬فقال لي‪ :‬يا أبا يزيد‪ ،‬أتعلم ما أنهى إلينا ضيفنا? قال‪:‬‬
‫‪:‬نعم‪ ،‬أرادك أن تكلمني في أن أغنيه قلت‪ :‬هو والله ذلك‪ ،‬فاندفع يغني‬
‫ول تنطقي في سورتي حين أغضب‬ ‫خذي العفو مني تستديمي مـودتـي‬
‫إذا اجتمعا لم يلبث الحـب يذهـب فقال‪ :‬قد أخذنا العفو منك‪ ،‬واستدمنا‬ ‫فإني رأيت الحب في الصدر والذى‬
‫مودتك‪ ،‬ثم أقبل علينا فقال‪ :‬أل أحدثكم بحديث حسن? فقلنا‪ :‬بلى‪ .‬قال‪ :‬قال شيخ العلم وفقيه الناس وصاحب علي ‪-‬صلوات‬
‫الله عليه‪ -‬وخليفة عبد الله بن العباس على البصرة أبو السود الدؤلي لبنته ليلة البناء ‪ :‬أي بنية‪ ،‬النساء كن بوصيتك وتأديبك‬
‫أحق مني‪ ،‬ولكن ل بد مما ل بد منه‪ .‬يا بنية‪ ،‬إن أطيب الطيب الماء‪ ،‬وأحسن الحسن الدهن‪ ،‬وأحلى الحلوة الكحل‪ .‬يا بنية‪ ،‬ل‬
‫‪:‬تكثري مباشرة زوجك فيملك‪ ،‬ول تباعدي عنه فيجفوك ويعتل عليك‪ ،‬وكوني كما قلت لمك‬
‫ول تنطقي في سورتي حين أغضب فقلت‪ :‬له فدتك نفسي‪ ،‬ما أدري أيهما‬ ‫خذي العفو مني تستديمي مـودتـي‬
‫أحسن‪ :‬أحديثك أم غناؤك? والسلم عليكم‪ .‬ونهضت فركبت وتخلف الغريض وصاحبه في موضعهما‪ ،‬وأتيت أصحابي وقد أبطأت‪،‬‬
‫فرحلنا منصرفين حتى إذا كنا في المكان الذي رأيت فيه الحية منطوية على صدر المرأة ونحن ذاهبون ‪-‬رأيت المرأة والحية‬
‫منطوية عليها‪ ،‬فلم ألبث أن صفرت الحية‪ ،‬فإذا الوادي يسيل علينا حيات فنهشنها حتى بقيت عظاما‪ .‬فطال تعجبنا من ذلك‪،‬‬
‫ورأينا ما لم تر مثله قط‪ .‬فقلت لجارية كانت معها‪ :‬ويحك أخبرينا عن هذه المرأة‪ ،‬قالت‪ :‬نعم أثكلت ثلث مرات‪ ،‬كل مرة تلد‬
‫ولدا‪ :‬فإذا وضعته سجرت التنور ثم ألقته‪ :‬فذكرت قول الغريض حين سألها عن الحية‪ ،‬فقالت‪ :‬في النار‪ .‬فقال‪ :‬ستعلمين من‬
‫‪ .‬في النار‬
‫نسبة ما في هذه الصوات من الغناء فمنها‪ :‬صوت‬
‫وأدنفت والممشى إلي قريب‬ ‫مرضت فلم تحفل علي جنوب‬
‫إذا ما صبونا صبوة سنتـوب عروضه من الطويل‪ .‬الشعر لحميد بن ثور الهللي‪،‬‬ ‫فل يبعد الله الشباب وقولـنـا‬
‫والغناء للغريض من رواية حماد عن أبيه‪ ،‬وفيه لعلويه ثقيل أول بالوسطى على مذهب إسحاق من رواية عمرو بن بانة ومنها‪:‬‬
‫صوت‬
‫إذا وليت حكما علي تجور‬ ‫عفا الله ليلى الغداة فإنهـا‬
‫سوى ليلة إني إذا لصبور عروضه من الطويل‪ ،‬والشعر ‪-‬لبي دهبل الجمحي‪،‬‬ ‫أأترك ليلى ليس بيني وبينها‬
‫ويقال‪ :‬إنه لمجنون بني عامر‪ ،‬ويقال‪ :‬إنه لعمر بن أبي ربيعة‪ .‬والغناء لبن سريج‪ ،‬خفيف رمل بالوسطى‪ ،‬عن عمرو بن بانة‪،‬‬
‫‪.‬وفيه للغريض ثاني ثقيل بالوسطى‪ ،‬وفي الثاني والول خفيف ثقيل أول بالبنصر مجهول‬

‫صفحة ‪2318 :‬‬

‫‪:‬أخبرني الحرمي عن الزبير عن محمد بن الضحاك عن أبيه قال‪ :‬قال أبو دهبل‬
‫سوى ليلة إني إذا لصـبـور‬ ‫أأترك ليلى ليس بيني وبينـهـا‬
‫له ذمة إن الـذمـام كـبــير‬ ‫هبوني امرأ منكم أضل بعـيره‬
‫على صاحب من أن يضل بعير قال الزبير وقال عمي‪ :‬هذه البيات لمجنون‬ ‫وللصاحب المتروك أعظم حرمة‬
‫‪.‬بني عامر‬
‫قال أحمد بن الحارث الخزار عن المدائني عن أبي محمد الشيباني قال‪ :‬قال عبد الملك بن مروان لعمر بن أبي ربيعة‪ :‬أنت‬
‫‪:‬القائل‬
‫سوى ليلة إني إذا لصبور قال‪ :‬نعم‪ .‬قال فبئس المحب أنت‪ :‬تركتها وبينها وبينك‬ ‫أأترك ليلى ليس بيني وبينها‬
‫‪.‬غدوة‪ .‬قال‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬إنها من غدوات سليمان‪ ،‬غدوها شهر‪ ،‬ورواحها شهر‬
‫أخبرني اليزيدي عن أحمد بن يحيى وابن زهير قال حدثني عمر بن القاسم بن المعتمر الزهري قال‪ :‬قلت لبي السائب‬
‫‪:‬المخزومي‪ :‬أما أحسن الذي يقول‬
‫سوى ليلة إني إذا لـصـبـور‬ ‫أأترك ليلى ليس بيني وبـينـهـا‬
‫له ذمة إن الـزمـام كـبــير‬ ‫هبوني امرأ منكم أضل بـعـيره‬
‫على صاحب من أن يضل بعير? فقال‪ :‬بأبي أنت‪ ،‬كنت والله أجنبك وتثقل‬ ‫وللصاحب المتروك أعظم حرمة‬
‫‪.‬علي‪ ،‬فأنا الن أحبك وتخف علي‪ ،‬حيث تعرف هذا‬

‫صوت‬

‫ولم ترفع لوالدها شـنـارا‬ ‫من الخفرات لم تفضح أخاها‬


‫نقا درجت عليه الريح هارا‬ ‫كأن مجامع الرداف منهـا‬
‫ويتبع الممنـعة الـنـوارا الخفرة‪ :‬الحييه‪ ،‬والخفر‪ :‬الحياء‪ .‬والشنار‪ :‬العار‪ .‬والنقا‪:‬‬ ‫يعاف وصال ذات البذل قلبي‬
‫الكثيب من الرمل‪ .‬درجت عليه الريح‪ :‬مرت‪ .‬هار‪ :‬تهافت وتداعى‪ .‬قال الله تبارك وتعالى‪ :‬على شفا جرف هار ويعاف‪ :‬يكره‪.‬‬
‫‪ .‬والنوار‪ :‬الصعبة الممتنعة الشديدة الباء‬
‫عروضه من الوافر‪ .‬الشعر للسليك بن السلكة‪ ،‬والغناء لبن سريج‪ ،‬رمل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق‪ .‬وفيه لبن‬
‫‪.‬الهربذ لحن من رواية بذل‪ ،‬ولم يذكر طريقته وفيه لبن طنبورة لحن ذكره إبراهيم في كتابه ولم يجنسه‬

‫أخبار السليك بن السلكة ونسبه‬


‫نسبه‪ :‬هو السليك بن عمرو‪ ،‬وقيل‪ :‬بن عمير بن يثربي‪ .‬أحد بني مقاعس‪ ،‬وهو الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة‬
‫‪.‬بن تميم‪ .‬والسلكة‪ :‬أمة‪ ،‬وهي أمة سوداء‬
‫من صعاليك العرب العدائين‪ :‬وهو أحد صعاليك العرب العدائين الذين كانوا ل يلحقون‪ ،‬ول تعلق بهم الخيل إذا عدوا‪ .‬وهم‪:‬‬
‫السليك بن السلكة‪ ،‬والشنفري‪ ،‬وتأبط شرا‪ ،‬وعمرو بن براق‪ ،‬ونفيل بن براقة‪ .‬وأخبارهم تذكر على تواليها ها هنا إن شاء الله‬
‫‪.‬تعالى في أشعار لهم يغنى فيها؛ لتتصل أحاديثهم‬
‫فأما السليك فأخبرني بخبره الخفش عن السكري عن ابن حبيب عن ابن العرابي‪ ،‬قال‪ :‬وفرئ لي خبره وشعره على محمد‬
‫بن الحسن الحوال عن الثرم عن أبي عبيدة‪ .‬أخبرني ببعضه اليزيدي عن عمه عن ابن حبيب عن ابن العرابي عن المفضل‪،‬‬
‫‪.‬وقد جمعت رواياتهم‪ ،‬فإذا اختلفت نسبت كل مروي إلى روايه‬
‫يستودع بيض النعام ماء في الشتاء ليشربه في الصيف‪ :‬قال أبو عبيدة‪ :‬حدثني المنتجع بن نبهان قال‪ :‬كان السليك بن عمير‬
‫السعدي إذا كان الشتاء استودع ببيض النعام ماء السماء ثم دفنه‪ ،‬فإذا كان الصيف وانقطعت إغارة الخيل وأغار‪ .‬وكان أدل من‬
‫‪.‬قطاة ‪-‬يجيء حتى يقف على البيضة‪ .‬وكان ل يغير على مضر‪ ،‬وإنما بغير على اليمن‪ ،‬فإذا لم يمكنه ذلك أغار على ربيعة‬
‫صفاته‪ :‬وقال المفضل في روايته‪ :‬وكان السليك من أشد رجال العرب وأنكرهم وأشعرهم‪ .‬وكانت العرب تدعوه سليك‬
‫المقانب وكان أدل الناس بالرض‪ ،‬وأعلمهم بمسالكها‪ ،‬وأشدهم عدوا على رجليه ل تعلق به الخيل‪ .‬وكان يقول‪ :‬اللهم إنك تهيئ‬
‫ما شئت لما شئت إذا شئت‪ .‬اللهم إني لو كنت ضعيفا كنت عبدا‪ ،‬ولو كنت امرأة أمة‪ .‬اللهم إني أعوذ بك من الخيبة‪ ،‬فأما الهيبة‬
‫‪.‬فل هيبة‬
‫‪:‬من إنهاء غاراته‬

‫صفحة ‪2319 :‬‬

‫فذكروا أنه أملق حتى لم يبق له شيء فخرج على رجليه رجاء أن يصيب غرة من بعض من يمر به فيذهب بإبله‪ ،‬حتى أمسى‬
‫في ليلة من ليالي الشتاء باردة مقمرة فاشتمل الصماء ثم نام ‪-‬واشتمال الصماء‪ :‬أن يرد فضلة ثوبه على عضده اليمنى‪ ،‬ثم‬
‫ينام عليها‪-‬فبينا هو نائم إذ جثم رجل فقعد على جنبه فقال‪ :‬استأسر‪ .‬فرفع السليك إليه رأسه‪ ،‬وقال‪ :‬الليل طويل وأنت مقمر‪.‬‬
‫فأرسلها مثل‪ ،‬فجعل الرجل يلهزه ويقول‪ :‬يا خبيث استأسر‪ .‬فلما آذاه بذلك أخرج السليك بعده‪ ،‬فضم الرجل إليه ضمة ضرط‬
‫منها وهو فوقه‪ ،‬فقال السليك‪ :‬أضرطا وأنت العلى? فأرسلها مثل‪ ،‬ثم قال‪ :‬من أنت? فقال‪ :‬أنا رجل افتقرت‪ ،‬فقلت‪ :‬لخرجن‬
‫فل أرجع إلى أهلي حتى أستغني فآتيتهم وأنا غني قال‪ .‬انطلق معي‪ .‬فانطلقا‪ ،‬فوجدا رجل قصته مثل قصتهما‪ .‬فاصطحبوا جميعا‬
‫‪.‬حتى أتوا الجوف‪ :‬جوف مراد‬
‫فلما أشرفوا عليه إذا فيه نعم قد مل كل شيء من كثرته‪ .‬فهابوا أن يغيروا فيطردوا بعضها‪ ،‬فيلحقهم الطلب‪ .‬فقال لهما‬
‫سليك‪ .‬كونا قريبا مني حتى آتي الرعاء فأعلم لكما علم الحي‪ ،‬أقريب أم بعيد‪ .‬فإن كانوا قريبا رجعت إليكما‪ ،‬وإن كانوا بعيدا‬
‫قلت لكما قول أومئ إليكما به فأغيرا‪ .‬فأنطلق حتى أتى الرعاء‪ ،‬فلم يزن يستنطقهم حتى أخبروه بمكان الحي‪ ،‬فإذا هم بعيد‪.‬‬
‫‪:‬إن طلبوا لم يدركوا‪ .‬فقال السليك للرعاء‪ :‬أل أغنيكم? فقالوا‪ :‬بلى غننا‪ ،‬فرفع صوته وغنى‬
‫سوى عبـيد وآم بـين أذواد‬ ‫يا صاحبي أل ل حي بالوادي‬
‫أم تغدوان فإن الريح للغادي? فلما سمعا ذلك أتيا السليك‪ ،‬فأطردوا البل فذهبوا‬ ‫أتنظران قريبا ريث غفلتهـم‬
‫‪.‬بها ولم يبلغ الصريخ الحي حتى فاتوهم بالبل‬
‫نبأ آخر من أنباء المراتع‪ :‬قال المفضل‪ :‬وزعموا أن سليكا خرج ومعه رجلن من بني الحارث بن امرئ القيس بن زيد مناة بن‬
‫تميم يقال لهما‪ :‬عمرو وعاصم وهو يريد الغارة‪ ،‬فمر على حي بني شيبان في ربيع والناس مخصبون في عشية فيها ضباب‬
‫ومطر‪ ،‬فإذا هو ببيت قد انفرد من البيوت وقد أمسى‪ .‬فقال لصحابه‪ :‬كونوا بمكان كذا حتى آتي أهل هذا البيت‪ ،‬فلعلي أن‬
‫أصيب لكم خيرا‪ ،‬أو آتيكم بطعام قالوا‪ :‬افعل‪ ،‬فانطلق وقد أمسى وجن عليه الليل‪ ،‬فإذا البيت بيت رويم‪ ،‬وهو جد حوشب بن‬
‫‪.‬يزيد بن رويم‪ ،‬وإذا الشيخ وامرأته بفناء البيت‬
‫فأتى سليك البيت من مؤخره فدخله‪ ،‬فلم يلبث أن راح ابنه بإبله‪ .‬فلما أراحها غضب الشيخ‪ ،‬فقال لبنه‪ :‬هل عشيتها ساعة من‬
‫الليل‪ .‬فقال له ابنه‪ :‬إنها أبت العشاء فقال‪ :‬العاشية تهيج البية‪ ،‬فأرسلها مثل‪ .‬ثم غضب الشيخ‪ ،‬ونفض ثوبه في وجهها‪ ،‬فرجعت‬
‫إلى مراتعها ومعها الشيخ حتى مالت بأدنى روضة‪ .‬فرتعت‪ .‬وحبس الشيخ عندها لتتعشى‪ ،‬وغطى وجهه بثوبه من البرد‪ ،‬وتبعه‬
‫‪.‬سليك‬
‫فلما وجد الشيخ مغترا ختله من ورائه‪ ،‬فضربه فأطار رأسه‪ ،‬وصاح بالبل فطردها‪ ،‬فلم يشعر صاحباه ‪-‬وقد ساء ظنهما وتخوفا‬
‫‪:‬عليه‪ -‬حتى إذا هما بالسليك يطردها فطرداها معه‪ ،‬وقال سليك في ذلك‬
‫بسوط قتيل وسطـهـا يتـسـيف‬ ‫وعاشية راحت بطانا ذعـرتـهـا‬
‫إذا ما أتـاه صـارخ يتـلـهـف‬ ‫كأن عليه لـون بـرد مـحـبـر‬
‫ومرت بهم طير فلـم يتـعـيفـوا‬ ‫فبات لها أهل خـلء فـنـاؤهـم‬
‫إذا ما علوا نشزا أهلوا وأوجفـوا‬ ‫وباتوا يظنون الظنون وصحبـتـي‬
‫وكدت لسباب المـنـية أعـرف‬ ‫وما نلتها حتى تصعلكـت حـقـبة‬
‫إذا قمت تغشاني ظلل فـأسـدف من حيله للغارة‪ :‬وقال الثرم في روايته‬ ‫وحتى رأيت الجوع بالصيف ضرني‬
‫عن أبي عبيدة‪ :‬خرج سليك في الشهر الحرام حتى أتى عكاظ‪ ،‬فلما اجتمع الناس ألقى ثيابه‪ ،‬ثم خرج متفضل مترجل‪ ،‬فجعل‬
‫يطوف الناس ويقول‪ :‬من يصف لي منازل قومه‪ ،‬وأصف له منازل قومي? فلقيه قيس بن مكشوح المرادي‪ ،‬فقال‪ :‬أنا أصف لم‬
‫‪.‬منازل قومي‪ ،‬وصف لي منازل قومك‪ ،‬فتوافقا‪ ،‬وتعاهدا أل يتكاذبا‬
‫فقال قيس بن المكشوح‪ :‬خذ بين مهب الجنوب والصبا‪ ،‬ثم سر حتى ل تدري أين ظل الشجرة? فإذا انقطعت المياه فسر أربعا‬
‫‪.‬حتى تبدو لك رملة وقف بينها الطريق‪ ،‬فإنك ترد على قومي مراد وخثعم‬

‫صفحة ‪2320 :‬‬

‫‪.‬فقال السليك‪ :‬خذ بين مطلع سهيل ويد الجوزاء اليسرى العاقد لها من أفق السماء‪ ،‬فثم منازل قومي بني سعد بن زيد مناة‬
‫فانطلق قيس إلى قومه فأخبرهم الخبر‪ ،‬فقال أبوه المكشوح‪ :‬ثكلتك أمك‪ .‬هل تدري من لقيت? قال‪ :‬لقيت رجل فضل كأنما‬
‫‪.‬خرج من أهله‪ ،‬فقال‪ :‬هو والله سليك بن سعد‬
‫فاستعلق واستعوى السليك قومه فخرج أحماس بني سعد وبني عبد شمس ‪-‬وكان في الربيع يعمد إلى بيض النعام فيملؤه من‬
‫الماء ويدفنه في طريق اليمن في المفاوز‪ .‬قال‪ :‬فإذا غزا في الصيف مر به فاستثاره ‪ -‬فمر بأصحابه حتى إذا انقطعت عنهم‬
‫المياه قالوا‪ :‬يا سليك أهلكتنا ويحك قال‪ :‬قد بلغتم الماء‪ ،‬ما أقربكم منه حتى إذا انتهى إلى قريب من المكان الذي خبأ فيه طلبه‬
‫فلم يجده‪ ،‬وجعل يتردد في طلبه‪ .‬فقال بعض أصحابه لبعض‪ :‬أين يقودكم هذا العبد? قد والله هلكتم‪ ،‬وسمع ذلك‪ .‬ثم أصاب‬
‫‪.‬الماء بعد ما ساء ظنهم‪ ،‬فهم السليك بقتل بعضهم‪ ،‬ثم أمسك‬
‫فانصرفت عنه بنو عبد شمس في طوائف من بني سعد‪ .‬قال‪ :‬ومضى السليك في بني مقاعس ومعه رجل من بني حرام يقال‬
‫له‪ :‬صرد‪ .‬فلما رأى أصحابه قد انصرفوا بكى ومضى به السليك‪ ،‬حتى إذا دنوا من بلد خثعم ضلت ناقة صرد في جوف الليل‪،‬‬
‫‪.‬فخرج في طلبها‪ ،‬فأصابه أناس حين أصبح‪ ،‬فإذا هم مراد وخثعم‪ ،‬فأسروه‪ ،‬ولحقه السليك فاقتتلوا قتال شديدا‬
‫وكان أول من لقيه قيس بن مكشوح‪ ،‬فأسره السليك بعد أن ضربه ضربة أشرفت على نفسه‪ ،‬وأصاب من نعمهم ما عجز عنه‬
‫هو وأصحابه‪ ،‬وأصاب أم الحارث بنت عوف بن يربوع الخثعمية يومئذ‪ ،‬واستنقذ صرد من أيدي خثعم‪ ،‬ثم انصرف مسرعا‪ ،‬فلحق‬
‫بأصحابه الذين انصرفوا عنه قبل أن يصلوا إلى الحي‪ ،‬وهم أكثر من الذين شهدوا معه‪ ،‬فقسمها بينهم على سهام الذين شهدوا‪.‬‬
‫‪:‬وقال السليك في ذلك‬
‫مهامه رمل دونهـم وسـهـوب‬ ‫بكى صرد لما رأى الحي أعرضت‬
‫بلد عـدو حـاضـر وجـدوب‬ ‫وخوفه ريب الـزمـان وفـقـره‬
‫وأن مخـاريق المـور تـريب‬ ‫ونأي بعيد عن بـلد مـقـاعـس‬
‫وماء قدور في الجفان مـشـوب‬ ‫سيكفيك فقد الحي لحم مـغـرض‬
‫وطوران بشـر مـرة وكـذوب‬ ‫ألم ترأن الدهر لـونـان لـونـه‬
‫ويخشى علـيه مـرية وحـروب‬ ‫فما خير من ل يرتجى خـير أوبة‬
‫تلقى عليه منـسـر وسـروب‬ ‫رددت عليه نفسـه فـكـأنـمـا‬
‫قصار المنايا والـغـبـار يثـوب‬ ‫فما ذر قرن الشمس حتـى أريتـه‬
‫يصعد فـي آثـارهـم ويصـوب‬ ‫وضاربت عنه القوم حتى كأنـمـا‬
‫وأهل ول يبعد عـلـيك شـروب‬ ‫وقلت له خذ هـجـمة حـمـيرية‬
‫على ساعة فيها الياب حـبـيب‬ ‫وليلة جابـان كـررت عـلـيهـم‬
‫بحي هل تدعى بـه فـتـجـيب‬ ‫عشية كرت بالـحـرامـي نـاقة‬
‫أميل عـلـيهـا أيدع وصـبـيب اليدع‪ :‬دم الخوين‪ ،‬والصبيب‪ :‬الحناء‬ ‫‪.‬فضاربت أولي الخيل حتى كأنمـا‬
‫من أنباء قدرته على الحتمال‪ :‬قال أبو عبيدة‪ :‬وبلغني أن السليك بن السلكة رأته طلئع جيش لبكر بن وائل‪ ،‬وكانوا جازوا‬
‫منحدرين ليغيروا على بني تميم ول يعلم بهم أحد‪ ،‬فقالوا‪ :‬إن علم السليك بنا أنذر قومه‪ ،‬فبعثوا إليه فارسين على جوادين‪ ،‬فلما‬
‫‪.‬هايجاه خرج يمحص كأنه ظبي‪ ، ،‬وطارداه سحابة يومه‪ ،‬ثم قال‪ :‬إذا كان الليل أعيا‪ ،‬ثم سقط أو قصر عن العدو‪ ،‬فنأخذه‬
‫فلما أصبحا وجدا أثره قد عثر بأصل شجرة فنزعها ‪ ،‬فندرت قوسه فانحطمت‪ ،‬فوجدا قصدة منها قد ارتزت بالرض‪ ،‬فقال‪ :‬ما‬
‫له‪ ،‬أخزاه الله? ما أشده وهما بالرجوع‪ ،‬ثم قال‪ :‬لعل هذا كان من أول الليل ثم فتر‪ ،‬فتبعاه‪ ،‬فإذا أثره متفاج قد بال فرغا في‬
‫الرض وخدها فقال‪ :‬ما له قاتله الله? ما أشد متنه والله ل نتبعه أبدا‪ ،‬فانصرفا‪ .‬ونمى إلى قومه وأنذرهم‪ ،‬فكذبوه لبعد الغاية‪،‬‬
‫‪:‬فأنشأ يقول‬
‫وعمرو بن سعد والمكذب أكـذب‬ ‫يكذبني العمران عمرو بن جنـدب‬
‫ول أنا بالواني فـفـيم أكـذب‬ ‫? لعمرك ما ساعيت من سعى عاجز‬
‫كراديس يهديها إلى الحي موكب‬ ‫ثكلتكما إن لم أكن قـد رأيتـهـا‬
‫فوارس همام متى يدع يركـبـوا ‪-‬يعني الحوفزان بن شريك الشيباني‬ ‫‪-.‬كراديس فيها الحوفزان وقـومـه‬

‫صفحة ‪2321 :‬‬

‫مع الصبح يهديهن أشقر مغرب ? تفاقدتم‪ :‬يدعو عليهم بالتفاقد‬ ‫‪ .‬تفاقدتم هـل أنـكـرن مـغـيرة‬
‫‪.‬قال‪ ،‬وجاء الجيش فأغاروا على جمعهم‬
‫كان يقال له‪ :‬سليك المقانب‪ :‬قال‪ :‬وكان يقال للسليك سليك المقانب‪ ،‬وقد قال في ذلك فرار السدي ‪-‬وكان قد وجد قوما‬
‫‪:‬يتحدثون إلى امرأته من بني عمها فعقرها بالسيف‪ ،‬فطلبه بنو عمها فهرب ولم يقدروا عليه‪ -‬فقال في ذلك‬
‫على الهول أمضي من سليك المقانب‬ ‫لزوار ليلـى مـنـكـم آل بـرثـن‬
‫ألهفى لولد المـاء الـحـواطـب يلجأ إلى امرأة فتنقذه فيقول فيها شعرا‪ :‬وقال‬ ‫يزورونـهـا ول أزور نـسـاءهـم‬
‫‪.‬أبو عبيدة‪ :‬أغار السليك على بني عوار بطن من بني مالك بن ضبيعة‪ ،‬فلم يظفر منهم بفائدة‪ ،‬وأرادوا مساورته‬
‫فقال شيخ منهم‪ :‬إنه إذا عدا لم يتعلق به‪ ،‬فدعوه حتى يرد الماء‪ ،‬فإذا شرب وثقل لم يستطع العدو‪ ،‬وظفرتم به‪ ،‬فأمهلوه حتى‬
‫ورد الماء وشرب‪ ،‬ثم بادروه‪ ،‬فلما علم أنه مأخوذ خاتلهم وقصد لدنى بيوتهم حتى ولج على امرأة منهم يقال لها‪ :‬فكيهة‪،‬‬
‫فاستجار بها‪ ،‬فمنعته‪ ،‬وجعلته تحت درعها‪ ،‬واخترطت السيف‪ ،‬وقامت دونه‪ ،‬فكاثروها فكشفت خمارها عن شعرها‪ ،‬وصاحت‬
‫‪:‬بإخوتها فجاءوا‪ ،‬ودفعوا عنه حتى نجا من القتل‪ ،‬فقال السليك في ذلك‬
‫لنعم الجار أخت بني عـوارا‬ ‫لعمر أبيك والنباء تـنـمـى‬
‫ولم ترفع لخوتهـا شـنـارا‬ ‫من الخفرات لم تفضح أباهـا‬
‫نقا درجت عليه الريح هـارا‬ ‫كأن مجامع الرداف منـهـا‬
‫ويتبع الممـنـعة الـنـوارا‬ ‫يعاف وصال ذات البذل قلبـي‬
‫بنصل السيف واستلبوا الخمارا يأخذ رجل من كنانة ثم يطلقه فيجزلون له‬ ‫وما عجزت فكيهة يوم قامـت‬
‫العطاء‪ :‬أخبرني الخفش عن السكري عن أبي حاتم عن الصمعي أن السليك أخذ رجل من بني كنانة بن تيم بن أسامة بن‬
‫‪:‬مالك بن بكر بن حبيب بن غنم بن تغلب يقال له‪ :‬النعمان بن عقفان‪ ،‬ثم أطلقه وقال‬
‫بنعمان بن عقفان بن عمـرو‬ ‫سمعت بجمعهم فرضخت فيهم‬
‫وإن تشكر فإني لسـت أدري قال‪ :‬ثم قدم بعد ذلك على بني كنانة وهو شيخ كبير‪،‬‬ ‫فإن تكفر فإنـي ل أبـالـي‬
‫وهم بماء لهم يقال له‪ :‬قباقب‪ ،‬خلف البشر‪ ،‬فأتاه نعمان بابنيه الحكم وعثمان ‪-‬وهما سيدا بني كنانة‪ -‬ونائلة ابنته‪ ،‬فقال‪ :‬هذان‬
‫‪.‬وهذه لك‪ ،‬وما أملك غيرهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬صدق‪ ،‬فقال‪ :‬قد شكرت لك وقد رددتهم عليك‬
‫يسبق في العدو جمعا من الشباب وهو شيخ‪ :‬فجمعت له بنو كنانة إبل عظيمة فدفعوها إليه‪ ،‬ثم قالوا له‪ :‬إن رأيت أن ترينا‬
‫بعض ما بقي من إحضارك ‪ .‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬وأبغوني أربعين شابا‪ ،‬وأبغوني درعا ثقيلة‪ ،‬فأتوه بذلك‪ ،‬فلبس الدرع‪ ،‬وقال للشبان‪:‬‬
‫الحقوا بي إن شئتم‪ .‬وعد‪ ،‬فلث العدو لوثا‪ ،‬وعدوا جنبته فلم يلحقوه إل قليل‪ ،‬ثم غاب عنهم وكر حتى عاد إلى الحي هو وحده‬
‫‪.‬يحضر والدرع في عنقه تضرب كأنها خرقة من شدة إحضاره‬
‫‪ .‬أخبر به هاشم بن محمد الخزاعي عن عبد الرحمن بن أخي الصمعي‪ ،‬عن عمه فذكر فيه نحو ما تقدم‬
‫خبر مقتله‪ :‬وقال السكري في خبر مقتله‪ :‬إنه لقي رجل من خثعم في أرض يقال لها‪ :‬فخة‪ ،‬بين أرض عقيل وسعد تميم‪ ،‬وكان‬
‫يقال للرجل‪ :‬مالك بن عمير بن أبي ذراع بن جشم بن عوف‪ ،‬فأخذه ومعه امرأة له من خفاجة يقال لها‪:‬النوار‪ ،‬فقال له‬
‫الخثمعي‪ :‬أنا أفدي نفسي منك‪ ،‬فقال له‪ :‬السليك‪ :‬ذلك لك‪ ،‬على أل تخيس بي‪ ،‬ول تطلع علي أحدا من خثعم‪ ،‬فحالفه على‬
‫‪:‬ذلك‪ ،‬ورجع إلى قومه‪ ،‬وخلف امرأته رهينة معه‪ ،‬فنكحها السليك‪ ،‬وجعلت تقول‪ :‬احذر خثعم؛ فإني أخافهم عليك‪ ،‬فأنشأ يقول‬
‫وقد علمت أني امرؤ غير مسلم‬ ‫تحذرني كي أحذر العام خثعمـا‬
‫إلى الذل والسحاق تنمي وتنتمي قال‪ :‬وبلغ ذلك شبل بن قلدة بن عمر بن سعد‪،‬‬ ‫ومـا خـثـعـم إل لــئام أذلة‬
‫‪:‬وأنس بن مدرك الخثعميين‪ ،‬فخالفا إلى السليك‪ ،‬فلم يشعر إل وقد طرقاه في الخيل‪ ،‬فأنشأ يقول‬
‫?من مبلغ جذمي بأبني مقتول‬
‫يا رب نهب قد حويت عثكول‬
‫ورب قرن قد تركت مجدول‬
‫ورب زوج قد نكحت عطبول‬
‫ورب عان قد فككت مكبـول‬
‫ورب واد قد قطعت مسبـول‬

‫صفحة ‪2322 :‬‬

‫قال أنس للشبل‪ :‬إن شئت كفيتك القوم واكفني الرجل‪ ،‬وإن شئت أكفني القوم أكفك الرجل‪ .‬قال‪ :‬بل أكفيك القوم‪ ،‬فشد‬
‫‪.‬أنس على السليك فقتله‪ ،‬وقتل شبل وأصحابه من كان معه‬
‫‪:‬وكاد الشر يتفاقم بين أنس وبين عبد الملك ‪ ،‬لنه كان أجاره حتى وداه أنس لما خاف أن يخرج المر من يده‪ ،‬وقال‬
‫ثم بقيت كأنـي بـعـده حـجـر‬ ‫كم من أخ لي كريم قد فجعت بـه‬
‫أغضي على المر يأتي دونه القدر‬ ‫ل أستكين على ريب الـزمـان ول‬
‫إذ بعضهم لمور تعتـري جـزر‬ ‫مردى حروب أدير المر حابـلـه‬
‫طرفا شديدا إذا ما يشخص البصر‬ ‫قد أطعن الطعنة النجلء أتبعـهـا‬
‫بذات ودقين لما يعفها الـمـطـر وذكر باقي البيات التي تتلو هذه‬ ‫‪:‬ويوم حمضة مطلوب دلـفـت لـه‬
‫‪.‬إني وقتلى سليكا ثم أعقله كما ذكره من روينا عنه ذلك‬
‫‪.‬أخبرني هاشم بن محمد عن عبد الرحمن بن أخي الصمعي عن عمه فذكر ما تقدم‬
‫يجعل لعبد الملك بن مويلك إتاوة ليجيره‪ :‬قال أبو عبيدة وحدثني المنتجع بن نبهان قال‪ :‬كان السليك يعطي عبد الملك بن‬
‫مويلك الخثمعي إتاوة من غنائمه على أن يجيره فيتجاوز بلد خثعم إلى من وراءهم من أهل اليمن‪ ،‬فيغير عليهم‪ .‬فمر قافل من‬
‫غزوة فإذا بيت من خثعم أهله خلوف وفيه امرأة شابة بضة‪ ،‬فسألها عن الحي فأخبرته‪ ،‬فتسنمها‪ ،‬أي علها‪ ،‬ثم جلس حجرة ‪،‬‬
‫ثم التقم المحجة‪ ،‬فبادرت إلىالماء فأخبرت القوم‪ ،‬فركب أنس بن مدرك الخثعمي في طلبه فلحقه‪ ،‬فقتله‪ .‬فقال عبد الملك‪:‬‬
‫‪:‬والله لقتلن قاتله أو ليدينه‪ ،‬فقال أنس‪ :‬والله ل أدبه ول كرامة‪ ،‬ولو طلب في ديته عقال لما أعطيته‪ .‬وقال في ذلك‬
‫كالثور يخضرب لما عافت البقر‬ ‫إني وقتلي سليكا ثـم أعـقـلـه‬
‫وإذ يشد على وجعائها الـثـفـر‬ ‫عضبت للمرء إذ نيكت حليلـتـه‬
‫ل يزدهيني سواد الليل والقـمـر‬ ‫إني لتارك هامـات بـمـجـزرة‬
‫نغشى البنان وسيفي صارم ذكـر الغناء بشعره أفسد مجلس لهو‪ :‬أخبرني‬ ‫أغشى الحروب وسربالي مضاعفة‬
‫ابن أبي الزهر عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن فليح بن أبي العوراء قال‪ :‬كان لي صديق بمكة‪ ،‬وكنا ل نفترق ول يكتم أحد‬
‫صاحبه سرا‪ ،‬فقال لي ذات يوم‪ :‬يا فليح‪ ،‬إني أهوى ابنة عم لي ولم أقدر عليها قط‪ ،‬وقد زارتني اليوم فأحب أن تسرني‬
‫بنفسك‪ ،‬فإني ل أحتشمك‪ .‬فقلت‪ :‬أفعل‪ ،‬وصرت إليهما‪ ،‬وأحضر الطعام فأكلنا‪ ،‬ووضع النبيذ فشربنا أقداحنا‪ ،‬فسألني أن أغنيهما‪،‬‬
‫‪:‬فكأن الله ‪-‬عز وجل‪ -‬أنساني الغناء كله إل هذا الصوت‬
‫ولم تلحق بإخوتها شنـارا فلما سمعته الجارية قالت أحسنت يا أخي‪ ،‬أعد‪،‬‬ ‫من الخفرات لم تفصح أباها‬
‫فأعدته‪ .‬فوثبت وقالت‪ :‬أنا إلى الله تائبة‪ ،‬والله ما كنت لفضح أبي ول لرفع لخوتي شنارا‪ .‬فجهد الفتى في رجوعها فأبت‬
‫وخرجت‪ ،‬فقال لي‪ :‬ويحك ما حملك على ما صنعت? فقلت‪ :‬والله ما هو شيء اعتمدته‪ ،‬ولكنه ألقي على لساني لمر أريد بك‬
‫‪.‬وبها‪ .‬هكذا في الخبر المذكور‬
‫وقد رواه غير من ذكرته عن فليح بن أبي العوراء‪ ،‬فأخبرني اليزيدي عن عمه عبيد الله قال‪ :‬كان غبراهيم بن سعدان يؤدب ولد‬
‫علي بن هشام‪ ،‬وكان يغني بالعود تأدبا ولعبا‪ ،‬قال‪ :‬فوجه إلي يوما علي بن هشام يدعوني‪ ،‬فدخلت فإذا بين يديه امرأة مكشوفة‬
‫الرأس تلعبه بالنرد‪ ،‬فرجعت عجل‪ ،‬فصاح بي‪ :‬ادخل‪ ،‬فدخلت‪ ،‬فإذا بين أيديهما نبيذ يشربان منه‪ ،‬فقال‪ :‬خذ عودا وغن لنا‪،‬‬
‫‪:‬ففعلت‪ ،‬ثم غنيت في وسط غنائي‬
‫ولم ترفع لخوتها شنـارا فوثبت من بين يديه‪ ،‬وغطت رأسها‪ ،‬وقالت‪ :‬إني أشهد‬ ‫من الخفرات لم تفضح أباها‬
‫الله أني تائبة إليه‪ ،‬ول أفضح أبي ول أرفع لخوتي شنارا‪ .‬ففتر علي بن هشام ولم ينطق وخرجت من حضرته‪ ،‬فقال لي‪ :‬ويلك‪،‬‬
‫من أين صبك الله علي? هذه مغنية بغداد‪ ،‬وأنا في طلبها منذ سنة لم أقدر عليها إل اليوم‪ ،‬فجئتني بهذا الصوت حتى هربت‪.‬‬
‫‪.‬فقلت‪ :‬والله ما اعتمدت مساءتك‪ ،‬ولكنه شيء خطر على غير تعمد‬

‫صوت‬

‫ويا جبل الدنيا ويا ملك الرض‬ ‫أمسلم إني يا بن كـل خـلـيفة‬
‫وما كل من أوليته نعمة يقضي‬ ‫شكرتك إن الشكر حظ من التقى‬

‫صفحة ‪2323 :‬‬

‫‪.‬الشعر لبي مخيلة الحماني‪ ،‬والغناء ل بن سريج‪ ،‬ثقيل بالوسطى عن يحيى المكي‬

‫أخبار أبي نخيلة ونسبه‬


‫اسمه وكنيته ونسبه‪ :‬أبو نخيلة اسمه ل كنيته‪ ،‬ويكنى أبا الجنيد‪ ،‬ذكر الصمعي ذلك وأبو عمرو الشيباني وابن حبيب‪ ،‬ل يعرف له‬
‫اسم غيره‪ ،‬وله كنيتان‪ :‬أبو الجنيد وأبو العرماس‪ ،‬وهو ابن حزن بن زائدة بن لقيط بن هرم بن يثري‪ ،‬وقيل‪ :‬بن أثربي بن ظالم‬
‫‪.‬بن مجاسر بن حماد بن عبد العزى بن كعب بن لؤي بن سعد بن زيد مناة بن تميم‬
‫نفاه أبوه عن نفسه لعقوقه‪ :‬وكان عاقا بأبيه‪ ،‬فنفاه أبوه عن نفسه‪ ،‬فخرج إلى الشام وأقام هناك إلى أن مات أبوه‪ ،‬ثم عاد‬
‫‪ .‬وبقي مشكوكا في نسبه‪ ،‬مطعونا عليه‪ .‬وكان الغلب عليه الرجز‪ ،‬وله قصيد ليس بالكبير‬
‫مسلمة بن عبد الملك يصطنعه‪ :‬ولما خرج إلى الشام اتصل بمسلمة بن عبد الملك‪ ،‬فاصطنعه وأحسن إليه وأوصله إلى‬
‫الخلفاء واحدا بعد واحد‪ ،‬واستماحهم له فأغنوه‪ ،‬وكان بعد ذلك قليل الوفاء لهم‪ .‬انقطع إلى بني هاشم‪ ،‬ولقب نفسه شاعر بني‬
‫‪.‬هاشم‪ ،‬فمدح الخلفاء من بني العباس‪ ،‬وهجا بني أمية فأكثر‬
‫يغزي المنصور بعيسى بن موسى فيبعث من يقتله‪ :‬وكان طمعه ‪ ،‬فحمله ذلك على أن قال في المنصور أرجوزة يغريه فيها‬
‫بخلع عيسى بن موسى وبعقد العهد لبنه محمد المهدي‪ ،‬فوصله المنصور بألفي درهم‪ ،‬وأمره أن ينشدها بحضرة عيسى بن‬
‫‪ .‬موسى ففعل‪ .‬فطلبه عيسى فهرب منه؛ وبعث في طلبه مولى له‪ ،‬فأدركه في طريق خراسان‪ ،‬فذبحه وسلخ جلده‬
‫سأل فمطل فهجا ثم أجيب فمدح‪ :‬أخبرني هاشم الخزاعي عن عبد الرحمن ابن أخي الصمعي عن عمه قال‪ :‬رأى أبو نخيلة‬
‫‪:‬على شبيب حلة فأعجبته‪ ،‬فسأله إياها‪ ،‬فوعده ومطله‪ ،‬فقال فيه‬
‫الخائن بن الخائن الكذوبا‬ ‫يا قوم ل تسودوا شبيبـا‬
‫‪:‬هل تلد الذيبة إل الذيبا? قال‪ :‬فبلغه ذلك‪ ،‬فبعث إليه بها فقال‬
‫على فتاها وعلى خطيبهـا‬ ‫إذا غدت سعد على شبيبهـا‬
‫عجبت من كثرتها وطيبهـا ل يهجو خالد بن صفوان خشية لسانه‪ :‬حدثني حبيب‬ ‫من مطلع الشمس إلى مغيبها‬
‫بن نصر المهلبي عن عمر بن شبة‪ ،‬قال‪ :‬حدثني الرعل بن الخطاب قال‪ :‬بنى أبو نخيلة داره‪ ،‬فمر به خالد بن صفوان وكان‬
‫‪ .‬بينهما مداعبة قديمة‪ ،‬ومودة وكيدة‪ ،‬فوقف عليه‬
‫فقال أبو نخيلة‪ :‬يا بن صفوان‪ ،‬كيف ترى داري? قال‪ :‬رأيتك سألت فيها إلحافا‪ ،‬وأنفقت ما جمعت إسرافا‪ .‬جعلت إحدى يديك‬
‫‪.‬سطحا‪ ،‬وملت الخرى سلحا‪ ،‬فقلت‪ :‬من وضع في سطحي وإل ملته بسلحي‪ ،‬ثم ولى وتركه‬
‫فقيل له‪ :‬أل تهجوه? فقال‪ :‬إذن والله يركب بغلته‪ ،‬ويطوف في مجالس البصرة‪ ،‬ويصف أبنيتي بما يعيبها‪ .‬وما عسى أن يضر‬
‫‪.‬النسان صفة أبنيته بما يعيبها سنة ثم ل يعيد فيها كلمة‬
‫تأديب في البادية حتى شعر‪ :‬أخبرني الحسن بن علي الخفاف عن ابن مهروية عن أبي مسلم المستملي عن الحرمازي عن‬
‫يحيى بن نجيم قال‪ :‬لما انتفى أو نخيلة من أبيه خرج يطلب الرزق لنفسه‪ ،‬فتأدب بالبادية حتى شعر وقال رجزا كثيرا وقصيدا‬
‫‪.‬صالحا وشهر بهما‪ ،‬وسار شعره في البدو والحضر‪ ،‬ورواه الناس‬
‫مده مسلمة بن عبد الملك‪ :‬ثم وفد إلى مسلمة بن عبد الملك فرفع منه‪ ،‬وأعطاه‪ ،‬وشفع له‪ ،‬وأوصله إلى الوليد بن عبد‬
‫الملك ‪ ،‬فمدحه‪ ،‬ولم يزل به حتى أغناه‪ ،‬قال لحيى بن نجيم‪ :‬فحدثني أبو نخيلة قال‪ :‬وردت على مسلمة بن عبد الملك فمدحته‪،‬‬
‫‪:‬وقلت له‬
‫ويا فارس الهيجا ويا جبل الرض‬ ‫أمسلم إني يا بـن كـل خـلـيفة‬
‫وما كل من أوليته نعمة يقضـي‬ ‫شكرتك إن الشكر حبل من التقـى‬
‫علي لحافا سابغ الطول والعرض‬ ‫وألقيت لـمـا أن أتـيتـك زائرا‬
‫ولكن بعض الذكر أنبه من بعض يستنشده مسلمة فينتحل أرجوزة لرؤبة‬ ‫‪:‬وأحييت لي ذكرى وما كان خامل‬

‫صفحة ‪2324 :‬‬

‫قال‪ :‬فقال لي مسلمة‪ :‬ممن أنت? فقلت‪ :‬من بني سعد‪ .‬فقال‪ :‬مالكم يا بني سعد والقصيد وإنما حظكم في الرجز? قال‪:‬‬
‫فقلت له‪ :‬أنا والله أرجز العرب‪ ،‬قال‪ :‬فأنشدني من رجزك‪ ،‬فكأني والله لما قال ذلك لم أقل رجزا قط‪ ،‬أنسانيه الله كله‪ ،‬فما‬
‫ذكرت منه ول من غيره شيئا إل أرجوزة لرؤبة كان قالها في تلك السنة‪ ،‬فظننت أنها لم تبلغ مسلمة‪ ،‬فأنشده إياها‪ ،‬فنكس‬
‫رأسه وتتعتعت‪ ،‬فرفع رأسه إلي وقال‪ :‬ل تتعب نفسك‪ ،‬فأنا أروى لها منك‪ ،‬قال‪ :‬فانصرفت وأنا أكذب الناس عنده وأخزاهم عند‬
‫نفسي حتى تلطفت بعد ذلك ومدحته برجز كثير‪ ،‬فعرفني وقربني‪ .‬وما رأيت ذلك أثر فيه‪ ،‬يرحمه الله ول قر عني به حتى‬
‫‪.‬افترقنا‬
‫‪:‬من مدحه لمسلمة‪ :‬وحدثني أبو نخيله قال‪ :‬لما انصرف مسلمة من حرب يزيد بن المهلب تلقيته‪ ،‬فلما عاينته صحت به‬
‫أنت المصفى من أذى العيوب‬ ‫مسلم يا مسلـمة الـحـروب‬
‫لول ثقاف ليس بالـتـدبـيب‬ ‫مصاصة من كـرم وطـيب‬
‫لمست المة شـاء الـذيب فضحك وضمني إليه‪ ،‬وأجزل صلتي‬ ‫‪.‬تفري به عن حجب القلـوب‬
‫يسأل رجل من عشيرته أن يوصله إلى الخليفة هشام فيفعل‪ :‬حدثني هاشم بن محمد الخزاعي قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن‬
‫أخي الصمعي عن عمه‪ ،‬وأخبرني بهذا الخبر أحمد بن عبيد الله بن عمار قال‪ :‬حدثني علي بن محمد النوفلي عن أبيه ‪-‬وقد‬
‫جمعت روايتهما وأكثر اللفظ للصمعي‪ ،‬قال‪ :‬قال أبو نخيلة‪ :‬وفدت على هشام بن عبد الملك فصادفت مسلمة قد مات‪ ،‬وكنت‬
‫بأخلق هشام غرا وأنا غريب‪ ،‬فسألت عن أخص الناس به‪ ،‬فذكر لي رجلن‪ :‬أحدهما من قيس‪ ،‬والخر من اليمن‪ ،‬فعدلت إلى‬
‫القيسي بالتؤدة فقلت‪ :‬هو أقربهما إلي‪ ،‬وأجدرهما بما أحب‪ ،‬فجلست إليه‪ ،‬ثم وضعت يدي على ذراعه وقلت له‪ :‬إني مسستك‬
‫‪ .‬لتمسني رحمك‬
‫أنا رجل غريب شاعر من عشيرتك‪ ،‬وأنا غير عارف بأخلق هذا الخليفة‪ ،‬وأحببت أن ترشدني إلى ما أعمل فينفعني عنده‪،‬‬
‫وعلى أن تشفع لي وتوصلني إليه‪ ،‬فقال‪ :‬ذلك كله لك علي‪ .‬وفي الرجل شدة ليس كمن عهدت من أهله‪ ،‬وإذا سئل وخلط‬
‫مدحه بطلب حرم الطالب‪ ،‬فأخلص له المدح‪ ،‬فإنه أجدر أن ينفعك‪ ،‬واغد إليه غدا فإني منتظرك بالباب حتى أوصلك‪ ،‬والله‬
‫‪:‬يعينك‪ .‬فصرت من غد إلى باب هشام‪ ،‬فإذا بالرجل منتظر لي‪ ،‬فأدخلني معه‪ ،‬وإذا بأبي النجم قد سبقني فبدأ فأنشده قوله‬
‫بيتان ما مثلهـمـا بـيتـان‬ ‫إلى هشـام وإلـى مـروان‬
‫كما تبارى فرسـا رهـان‬ ‫كفاك بالـجـود تـبـاريان‬
‫وبيع ما يغلو من الغلمـان‬ ‫مال علي حـدث الـزمـان‬
‫والمهر بعد المهر والحصان يمدح هشاما فيجيزه‪ :‬قال‪ :‬فأطال فيها وأكثر‬ ‫بالثمن الوكس من الثـمـان‬
‫‪:‬المسألة حتى ضجر هشام‪ ،‬وتبينت الكراهة في وجهه‪ ،‬ثم استأذنت فأذن لي‪ ،‬فأنشدته‬
‫والعسل الممزوج بعد الرقـد‬ ‫لما أتتني بغـية كـالـشـهـد‬
‫رفعت من أطمار مسـتـعـد‬ ‫يا بردها لمشتـف بـالـبـرد‬
‫فهي تخدى أبرح الـتـخـدي‬ ‫وقلت للعيس إعتلـي وجـدي‬
‫ومجرهد بعـد مـجـرهـد‬ ‫كم قد تعسفت بها مـن نـجـد‬
‫ليل كلون الطيلسان الـجـرد‬ ‫قد ادرعن في مسـير سـمـد‬
‫رب مـعـد وسـوى مـعـد‬ ‫إلى أمير المؤمنين المـجـدي‬
‫ذي المجد والتشريف بعد المجد‬ ‫ممن دعا من أصـيد وعـبـد‬
‫أنت الهمام القرم عند الـجـد‬ ‫في وجهه بدر بدا بالـسـعـد‬
‫فانهل لما قمت صوب الرعـد قال‪ :‬حتى أتيت عليها وهممت أن اسأله‪ ،‬ثم عزفت‬ ‫طوقتها مـجـتـمـع الشـد‬
‫نفسي وقلت‪ :‬قد استنصحت رجل‪ ،‬وأخشى أن أخالفه فأخطئ‪ ،‬وحانت مني التفاتة فرأيت وجه هشام منطلقا‪ .‬فلما فرغت أقبل‬
‫على جلسائه فقال‪ :‬الغلم السعدي أشعر من الشيخ العجلي‪ ،‬وخرجت‪ .‬فلما كان بعد أيام أتتني جائزته‪ ،‬ثم دخلت عليه بعد ذلك‪،‬‬
‫وقد مدحته بقصيدة فأنشدته إياها فألقى علي جبة خز من جبابه مبطنة بسمور‪ ،‬ثم دخلت عليه يوما آخر‪ ،‬فكساني دواجا كان‬
‫‪:‬عليه من خز أحمر مبطن بسمور‪ ،‬ثم دخلت عليه يوما ثالثا فلم يأمر لي بشيء‪ ،‬فحملتني نفسي على أن قلت له‬
‫من خزك المصونة الكثاف‬ ‫كسوتنيها فهي كالتجفـاف‬

‫صفحة ‪2325 :‬‬

‫من عبد شمس أو بني مناف‬ ‫كأنني فيها وفي اللـحـاف‬


‫والخز مشتاق إلى الفواف قال‪ ،‬فضحك ‪-‬وكانت عليه جبة أفواف‪ -‬وأدخل يده فيها ونزعها ورمى بها إلي‪ ،‬وقال‪ :‬خذها‪ ،‬فل‬
‫‪.‬بارك الله لك فيها‬
‫يغير داليته ويجعلها في السفاح‪ :‬قال محمد بن هشام في خبره خاصة‪ :‬فلما أفضت الخلفة إلى السفاح نقلها إليه وغيرها‬
‫‪.‬وجعلها فيه ‪-‬يعني الرجوزة الدالية‪ -‬فهي الن تنسب في شعره إلى السفاح‬
‫يشفع للفرزدق عند ان هبيرة‪ :‬أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال‪ :‬حدثني أحمد بن الهيثم بن فراس قال‪ :‬حدثني أبو‬
‫عمر الخصاف عن العتبي قال‪ :‬لما حبس عمر بن هبيرة الفرزدق وهو أمير العراق أبى أن يشفع فيه أحدا‪ ،‬فدخل عليه أبو نخيلة‬
‫‪:‬في يوم فطر‪ ،‬فوقف بين يديه وأنشأ يقول‬
‫فهل‪ ،‬فداك نـفـري ووفـري‬ ‫أطلقت بالمـس أسـير بـكـر‬
‫ينجي التميمي القليل الشـكـر‬ ‫من سبـب أو حـجة أو عـذر‬
‫ما زال مجنونا على أست الدهر‬ ‫من حلق القيد الثقال الـسـمـر‬
‫هبه لخوالـك يوم الـفـطـر يعود الفرزدق إلى السجن حين علم أن شفيعه أبو‬ ‫ذا حسب ينمو وعـقـل يحـري‬
‫نخيلة‪ :‬قال‪ :‬فأمر بإطلقه‪ ،‬وكان قد أطلق رجل من عجل جيء به من عين التمر قد أفسد‪ ،‬فشفعت فيه بكر بن وائل فأطلقه‪.‬‬
‫وإياه عني أبو نخيلة‪ .‬فلما أخرج الفرزدق سأل عمن شفع له فأخبر‪ ،‬فرجع إلى الحبس وقال‪ :‬ل أريمه ولو مت‪ .‬انطلق قبلي‬
‫بكري وأخرجت بشفاعة دعي‪ ،‬والله ل أخرج هكذا ولو من النار‪ .‬فأخبر ابن هبيرة بذلك فضحك ودعا به فأطلقه‪ ،‬وقال‪ :‬وهبتك‬
‫لنفسي‪ .‬وكان هجاه فحبسه لذلك‪ ،‬فلما عزل ابن هبيرة وحبس مدحه الفرزدق‪ ،‬فقال‪ :‬ما رأيت أكرم منه‪ ،‬هجاني أميرا ومدحني‬
‫‪.‬أسيرا‬
‫رواية أخرى لخبر هذه الشفاعة‪ :‬وجدت هذا الخبر بخط القاسم بن يوسف‪ ،‬فذكر أن أبا القاسم الحضرمي حدثه أن هذه القصة‬
‫كانت لبي نخيلة مع يزيد بن عمر بن هبيرة‪ ،‬وأنه أتي بأسيرين من الشراه أخذا بعين التمر‪ :‬أحدهما أبو القاسم بن بسطام بن‬
‫ضرار بن القعقاع بن معبد بن زرارة‪ ،‬والخر رجل من بكر بن وائل‪ .‬فتكلم في البكري قومه فأطلقه‪ ،‬ولم يتكلم في التميمي‬
‫‪:‬أحد‪ ،‬فدخل عليه أبو نخيلة فقال‬
‫هو الذي أخرج كـل غـمـر‬ ‫الحـمـد لـلـه ولـي المـر‬
‫من كل ذي قلب نقي الصـدر‬ ‫وكـل عـوار وكـل وغــر‬
‫ست أثاف‪ ،‬ل أثافـي الـقـدر‬ ‫لما أتت من نحو عين التـمـر‬
‫هبرا هو الهبر وفوق الهـبـر‬ ‫فظلت القضبان فيهم تـجـري‬
‫شعري ونصح الحب بعد الشعر ثم ذكر باقي البيات كما ذكرت في الخبر المتقدم‬ ‫‪.‬إني لمهد لـلمـام الـغـمـر‬
‫عندما نزل به ضيف هجاه‪ :‬أخبرني أبو الحسن السدي أحمد بن محمد قال‪ :‬حدثني محمد بن صالح بن النطاح قال‪ :‬ذكر عن‬
‫العتبي أن أبا نخيلة حج ومعه جريب من سويق قد حله بقند ‪ ،‬فنزل منزل في طريقه‪ ،‬فأتاه أعرابي من بني تميم وهو يقلب‬
‫‪:‬ذلك السويق‪ ،‬واستحيا منه فعرض عليه‪ ،‬فتناول ما أعطاه فأتي عليه‪ ،‬ثم قال‪ :‬زدني يا بن أخ‪ ،‬فقال أبو نخيلة‬
‫نريد أن نرحل أو نبيتـا‬ ‫لما نزلنا منزل ممقـوتـا‬
‫إذا سقيت المزبد السحتيتا‬ ‫جئت ولم ندر من أين جيتا‬
‫‪.‬قلت أل زدني وقد رويتا فقام العرابي وهو يسبه‬
‫وحدثني بهذا الخبر هاشم بن محمد أبو دلف الخزاعي قال‪ :‬حدثنا أبو غسان دماذ عن أبي عبيدة قال‪ :‬كان أبو نخيلة إذا نزل به‬
‫ضيف هجاه‪ ،‬فنزل به يوما رجل من عشيرته‪ ،‬فسقاه سويقا قد حله‪ ،‬فقال له‪ :‬زدني‪ ،‬فزاده‪ .‬فلما رحل هجاه وذكر البيات‬
‫‪.‬بعينها‪ ،‬وقال في الخبر قال أبو عبيدة‪ :‬السحتيت‪ :‬السويق الدقاق‬
‫يعتذر إلى السفاح من مدحه بني مروان‪ :‬أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال‪ :‬حدثنا محمد بن زكريا الغلبي قال‪ :‬حدثني ابن‬
‫عائشة قال‪ :‬دخل أبو نخيلة على أبي العباس السفاح فسلم‪ ،‬واستأذن في النشاد‪ ،‬فقال له أبو العباس‪ :‬ل حاجة لنا في شعرك‪،‬‬
‫‪:‬إنما تنشدنا فضلت بني مروان‪ ،‬فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين‬
‫إذ ركبوا العناق والوراكا‬ ‫كنا أناسا نرهب المـلكـا‬
‫ثم ارتجينا بعـده أخـاكـا‬ ‫قد ارتجينا زمـنـا أبـاكـا‬

‫صفحة ‪2326 :‬‬

‫وكان ما قلت لمن سواكا‬ ‫ثم ارتجينـا بـعـده إياك‬


‫‪.‬زورا فقد كفر هذا ذاكا فضحك أبو العباس‪ ،‬وأجازه جائزة سنية‪ ،‬وقال‪ :‬أجل‪ ،‬إن التوبة لتكفر ما قبلها‪ ،‬وقد كفر هذا ذاك‬
‫وأخبرنا أبو الفياض سوار بن أبي شراعة قال‪ :‬حدثني أبي عن عبد الصمد بن المعذل عن أبيه قال‪ :‬دخل أبو نخيلة على أبي‬
‫العباس‪ ،‬قال وكان ل يجترئ عليه مع ما يعرفه به من اصطناع مسلمة إياه‪ ،‬وكثرة مديحه لبني مروان حتى علم أنه قد عفا‬
‫عمن هو أكبر محل من القوم وأعظم جرما منه‪ ،‬فلما وقف بين يديه سلم عليه‪ ،‬ودعا له وأثنى‪ ،‬ثم استأذنه في النشاد‪ ،‬فقال‬
‫له‪ :‬ومن أنت? قال‪ :‬عبدك يا أمير المؤمنين أبو نخيلة الحماني‪ .‬فقال‪ :‬ل حياك الله‪ ،‬ول قرب دارك يا نضو السوء‪ .‬ألست القائل‬
‫‪:‬في مسلمة بن عبد الملك بالمس‬
‫ويا فارس الهيجا ويا قمر الرض? والله لول أني قد أمنت نظراءك لما ارتد‬ ‫أمسلم يا مـن سـاد كـل خـلـيفة‬
‫‪:‬إليك طرفك حتى أخضبك بدمك‪ .‬فقال أبو نخيلة‬
‫كنا أناسا نرهب الملكا يعفو السفاح عنه ويخوله اختيار جارية فل يحمدها‪ :‬وذكر البيات المتقدمة كلها مثل ما مضى من‬
‫ذكرها‪ ،‬فتبسم أبو العباس‪ ،‬ثم قال له‪ :‬أنت شاعر وطالب خير ‪ .‬وما زال الناس يمدحون الملوك في دولهم‪ ،‬والتوبة تكفر‬
‫الخطيئة‪ ،‬والظفر يزيل الحقد‪ .‬وقد عفونا عنك‪ ،‬واستأنفنا الصنيعة لك‪ .‬وأنت الن شاعرنا فاتسم بذلك فيزول عنك ميسم بني‬
‫مروان‪ ،‬فقد كفر هذا ذاك‪ .‬كما قلت‪ .‬ثم التفت إلى أبي الخصيب فقال‪ :‬يا مرزوق‪ ،‬أدخله دار الرقيق فخيره جارية يأخذها‬
‫لنفسه‪ ،‬ففعل واختار جارية وطفاء كثيرة اللحم فلم يحمدها‪ ،‬فلما كان من غد دخل على أبي العباس وعلى رأسه وصيفة حسناء‬
‫‪:‬تذب عنه‪ ،‬فقال له‪ :‬قد عرفت خبر الجارية التي أخذتها بالمس وهي كذنا كونه فاحتفظ بها‪ ،‬فأنشأ يقول‬
‫غير منيك فابغني منيكا‬ ‫إني وجدت الكذنا ذنوكا‬
‫‪.‬حتى إذا حركته تحركا فضحك أبو العباس‪ ،‬وقال‪ :‬خذ هذه الوصيفة‪ ،‬فإنك إذا خلوت بها تحرك من غير أن تحركه‬
‫رجزه وقد هرب من دين طولب به‪ :‬أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال‪ :‬حدثنا أبو غسان دماذ عن أبي عبيدة قال‪ :‬أدان أبو‬
‫نخيلة من بقال له يقال له‪ :‬ماعز الكلبي باليمامة‪ ،‬وكان يأخذ منه أول أول حتى كثر ما عليه وثقل‪ ،‬فطالبه ماعز فمطله‪ ،‬ثم بلغه‬
‫أنه قد استعدى عليه عامل اليمامة‪ ،‬فارتحل يريد الموصل‪ ،‬وخرج عن اليمامة ليل‪ ،‬فلم يعلم به ماعز إل بعد ثلث‪ .‬وقد نجا أبو‬
‫‪:‬نخيلة وقال في ذلك‬
‫لقد خدعت ولقد هـجـيتـا‬ ‫يا ماعز الكراث قد خزيتنـا‬
‫وكنت ذا حظ فقد محـيتـا‬ ‫كدت تخصينا فقد خصـيتـا‬
‫ول بأي حـجـر رمـيتـا‬ ‫ويحك لم تعلم بمن صلـيتـا‬
‫يركب شدقا شدقما هريتـا‬ ‫إذا رأيت المزبد الهـبـوتـا‬
‫حران حران فهيتا هـيتـا‬ ‫طر بجناحيك فقـد أتـيتـا‬
‫حيث تبيع النبط الـبـيوتـا‬ ‫والموصل الموصل أو تكريتا‬
‫‪:‬ويأكلون العدس المـريتـا وقال أيضا لماعر هذا‬
‫بتناوبات البغل في الصطبـل‬ ‫يا ماعز القمـل وبـيت الـذل‬
‫على امرئ فحل وغير فحـل‬ ‫وبات شيطان القوافي يمـلـي‬
‫لو كان أودى ماعز بنخـلـي‬ ‫ل خير في علمي ول في جهلي‬
‫حتى إذا العيم رمى بالجـفـل‬ ‫ما زال يقليني وعيمي يغـلـي‬
‫‪.‬طبقت تطبيق الجراز النصل نسخت من كتاب اليوسفي‬
‫يقرن مدح الممدوح بمدح سائسه‪ :‬حدثني المنمق بن جماع عن أبيه قال‪ :‬كان أبو نخيلة نذل يرضيه القليل‪ ،‬ويسخطه‪ ،‬وكان‬
‫‪:‬الربيع ينزله عنده‪ ،‬ويأمر سائسا يتفقد فرسه‪ ،‬فمدح الربيع بأرجوزة‪ ،‬ومدح فيها معه سائسه فقال‬
‫ما اسطيع باب ل يسني قفله‬ ‫لول أبو الفضل ولول فضله‬
‫نعم الفتى وخير فعل فعلـه‬ ‫ومن صلح راشد إصطبلـه‬
‫يسمن منه طرفه وبغـلـه فضحك الربيع‪ ،‬وقال‪ :‬يا أبا نخيلة أترضى أن تقرن بي السائس في مديح كأنك لو لم تمدحه معي‬
‫‪.‬كان يضيع فرسك‬
‫يمدح خباز مضيفه‪ :‬قال‪ :‬ونزل أبو نخيلة بسليمان بن صعصعة‪ ،‬فأمر غلمه بتعهده‪ ،‬وكان يغاديه ويراوحه في كل يوم بالخبز‬
‫‪:‬واللحم‪ ،‬فقال أبو نخيلة يمدح خباز سليمان بن صعصعة‬

‫صفحة ‪2327 :‬‬

‫ما زلت إذ كنت على أوفاز‬ ‫بارك ربي فيك من خـبـاز‬


‫تنصب باللحم انصباب الباز شعره وقد رأى اجتهاد العمال في أرض له‪ :‬أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال‪ :‬حدثنا عيسى‬
‫بن إسماعيل تينة قال‪ :‬حدثنا أحمد بن المعذل عن علي بن أبي نخيلة الحماني قال‪ :‬دخلت مع أبي إلى أرض له وقد قدم من‬
‫مكة‪ ،‬فرآها وقد أضر بها جفاء القيم عليها وتهاونه بها‪ ،‬وكلما رآه الذين يسقونها زادوا في العمل والعمارة حتى سمعت نقيض‬
‫‪:‬الليف‪ ،‬فقلت‪ :‬الساعة يقول في هذا شعرا‪ ،‬فلم ألبث أن التفت إلي وقال‬
‫سياسة شهم حـازم وابـن حـازم‬ ‫شاهد مـال رب مـال فـسـاسـه‬
‫كمن ضن عن عمرانها بالدراهـم‬ ‫أقام بها العصرين حينـا ولـم يكـن‬
‫نقيض رحال الميس فوق العياهـم‬ ‫كأن نقيض الليف عن سعـفـاتـه‬
‫على متن شيخ من شيوخ العاجـم‬ ‫وأضحت تغالي بالنبـات كـأنـهـا‬
‫من الماء عن إصلح فرع بـنـائم أخبرني بهذا الخبر محمد بن مزيد عن أبي‬ ‫وما الصل ما رويت مضرب عرقه‬
‫الزهر البوشنجي قال‪ :‬حدثنا حماد بن إسحاق الموصلي عن النضر بن حديد عن أبي محضة عن الزرق بن الخميس بن أرطاة‬
‫‪-.‬وهو ابن أخت أبي نخيلة‪ -‬فذكر قريبا مما ذكر في الخبر الذي قبله‬
‫يسأل فل يعطى فيهجو ثم يعطى فيمدح‪ :‬وأخبرني عيسى بن الحسن الوراق المروزي قال‪ :‬حدثنا علي بن محمد النوفلي قال‪:‬‬
‫حدثني أبي قال‪ :‬ابتاع أبو نخيلة دارا في بني حمان ليصحح بها نسبه‪ ،‬وسأل في بنائها‪ ،‬فأعطاه الناس اتقاء للسانه وشره‪،‬‬
‫‪:‬فسأل شبيب بن شيبة فلم يعطه شيئا واعتذر إليه‪ ،‬فقال‬
‫الملذان الخائن الكذوبا‬ ‫يا قوم ل تسودوا شبيبـا‬
‫هل تلد الذيبة إل الذيبا فقال شبيب‪ :‬ما كنت لعطيه على هذا القول شيئا‪ ،‬فإنه قد جعل إحدى يديه سطحا‪ ،‬ومل الخرى‬
‫سلحا‪ ،‬وقال‪ :‬من وضع شيئا في سطحي وإل ملته بسلحي‪ ،‬من أجل دار يريد أن يصحح نسبه بها‪ ،‬فسفر بينهما مشايخ الحي‬
‫يعطيه‪ ،‬فأبى شبيب أن يعطيه شيئا‪ ،‬وحلف أبو نخيلة أل يكف عن عرضه أو يأخذ منه شيئا يستعين به‪ .‬فلما رأى شبيب ذلك‬
‫‪:‬خافه‪ ،‬فبعث إليه بما سأل‪ ،‬وغدا أبو نخيلة عليه وهو جالس في مجلسه مع قومه‪ ،‬فوقف عليهم‪ ،‬ثم أنشأ يقول‬
‫على فتاها وعلى خطيبهـا‬ ‫إذا غدت سعد على شبيبهـا‬
‫عجبت من كثرتها وطيبهـا ينتحل أرجوزة لرؤبة وينشدها فيفجؤه رؤبة من‬ ‫من مطلع الشمس إلى مغيبها‬
‫مرقده فيعتذر‪ :‬أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال‪ :‬حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال‪ :‬دخل أبو نخيلة على عمر بن هبيرة‪،‬‬
‫وعنده رؤبة قد قام من مجلسه فاضطجع خلف ستر‪ ،‬فأنشد أبو نخيلة مديحه له‪ ،‬ثم قال ابن هبيرة‪ :‬يا أبا نخيلة‪ ،‬أي‬
‫شيءأحدثت بعدنا? فاندفع ينشده أرجوزة لرؤبة‪ ،‬فلما توسطها كشف رؤبة الستر‪ ،‬وأخرج رأسه من تحته‪ ،‬فقال له‪ :‬كيف أنت يا‬
‫أبا نخيلة? فقطع إنشاده وقال‪ :‬بخير أبا العجاج‪ ،‬فمعذرة إليك ما علمت بمكانك‪ ،‬فقال له رؤبة‪ :‬ألم ننهك أن تعرض لشعري إذا‬
‫كنت حاضرا‪ ،‬فإذا ما رغبت فشأنك به فضحك أبو نخيلة‪ ،‬وقال‪ :‬هل أنا إل حسنة من حسناتك‪ ،‬وتابع لك‪ ،‬وحامل عنك? فعاد رؤبة‬
‫‪.‬إلى موضعه فاضطجع‪ ،‬ولم يراجعه حرفا‪ .‬والله أعلم‬
‫يمدح ثم ل يرضى الجائزة فيهجو‪ ،‬ثم يزاد فيمدح‪ :‬أخبرني هاشم بن محمد قال‪ :‬حدثنا دماذ عن أبي عبيدة‪ :‬أن أبا نخيلة قدم‬
‫على المهاجر بن عبد الله الكلبي ‪-‬وكان أبو نخيلة أشبه خلق الله بو وجها وجسما وقامة‪ ،‬ل يكاد الناظر إلى أحدهما أن يفرق‬
‫‪:‬بينه وبين الخر‪ -‬فدخل عليه فأنشده قوله فيه‬
‫على التنائي من مقام وانعمـي‬ ‫يا دار أم مالك أل اسـلـمـي‬
‫بالوحي أو كيف بأن تجمجمي‬ ‫كيف أنا إن أنت لم تكـلـمـي‬
‫يا أبتا إنك يومـا مـؤتـمـي‬ ‫تقول لي بنتي مـلم الـلـوم‬
‫أني لميقات كتاب مـحـكـم‬ ‫فقلت كل فاعلمي ثم اعلـمـي‬
‫أو في السماء أرتقي بسـلـم‬ ‫لو كنت في ظلمة شعب مظلم‬
‫إني ورب الراقصات الرسـم‬ ‫ل نصب مقداري إلى مجرنثمي‬
‫لستبين الخير عند مقـدمـي‬ ‫ورب حوض زمـزم وزمـزم‬

‫صفحة ‪2328 :‬‬

‫على ابن عبد الله قرم القـرم‬ ‫وعند ترحالي عن مـخـيمـي‬


‫لم أدر ما مهاجر الـتـكـرم‬ ‫فإنني بالـعـلـم ذو تـرسـم‬
‫مهاجر يا ذا النوال الخضـرم‬ ‫حتى تبينت قضـايا الـغـشـم‬
‫مشترك النائل جـم النـعـم‬ ‫أنت إذا انتجعت خير مغـنـم‬
‫إذا التقوا شتى معا كالـهـيم‬ ‫ولتميم منك خـير مـقـسـم‬
‫أنك تحلو لي كحلو المعـجـم‬ ‫قد علم الشأم وكـل مـوسـم‬
‫‪:‬طورا وطورا أنت مثل العلقم قال‪ :‬فأمر له المهاجر بناقة‪ ،‬فتركها ومضى مغضبا‪ ،‬وقال يهجوه‬
‫أعطى على المدحة نابا عرزما‬ ‫إن الكلبي اللـئيم الثـر مـا‬
‫ما جبر العظم ولكن تمـمـا فبلغ ذلك المهاجر‪ ،‬فبعث فترضاه‪ ،‬وقام في أمره بما يحب‪ ،‬ووصله‪ ،‬فقال له أبو نخيلة‪ :‬هذه صلة‬
‫المديح‪ ،‬فأين صلة الشبه? فإن التشابه في الناس نسب‪ ،‬فوصله حتى أرضاه‪ ،‬فلم يزل يمدحه بعد ذلك حتى مات‪ ،‬ورثاه بعد‬
‫‪:‬وفاته فقال‬
‫ول قرة للعين بـعـد الـمـهـاجـر‬ ‫خليلي مالـي بـالـيمـامة مـقـعـد‬
‫على ابن سبيل مزمع البـين عـابـر‬ ‫مضى ما مضى من صالح العيش فاربعا‬
‫فقد كنت زين الوفد زين الـمـنـابـر‬ ‫فإن تك فـي مـلـحـودة يا بـن وائل‬
‫مقيم ولم تأمن سـبـيل الـمـسـافـر‬ ‫وقد كنت لول سلك الـسـيف لـم ينـم‬
‫تبكـي عـلـي والـولـيد وجـابـر‬ ‫لعز على الـحـيين قـيس وخـنـدق‬
‫هوى البدر من بين النجوم الـزواهـر يهجو أخته لنها خاصمته في مال لها‪:‬‬ ‫هوى قمر من بـينـهـم فـكـأنـمـا‬
‫أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال‪ :‬حدثنا دماذ عن أبي عبيدة قالك تزوجت أخت أبي نخيلة برجل يقال له ميار ‪ ،‬وكان أبو‬
‫نخيلة يقوم بمالها مع ماله‪ ،‬ويرعى سوامها مع سوامه‪ ،‬ويستبد عليها بأكثر منافعها‪ ،‬فخاصمته يوما من وراء خدرها في ذلك‪،‬‬
‫‪:‬فأنشأ يقول‬
‫ململما ترى له غـصـونـا‬ ‫أظل أرعى وتـرا هـزينـا‬
‫يطعن طعنا يقضيب الوتينـا‬ ‫ذا أبن مقومـا عـثـنـونـا‬
‫يذهب مـيار وتـقـعـدينـا‬ ‫ويهتك العفـاج والـربـينـا‬
‫وتمنحين اسـتـك آخـرينـا‬ ‫وتـفـسـدين أو تـبـذرينـا‬
‫أير الحمار في است هذا دينا يطلق امرأته لنها ولدت بنتا‪ ،‬ثم يراجعها ويرق للبنت‪ :‬أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال‪:‬‬
‫حدثنا دماذ عن أبي عبيدة قال‪ :‬تزوج أبو نخيلة امرأة من عشيرته‪ ،‬فولدت له بنتا‪ ،‬فغمه ذلك‪ ،‬فطلقها تطليقة ثم ندم‪ ،‬وعاتبه‬
‫قومه فراجعها‪ .‬فبينما هو في بيته يوما إذ سمع صوت ابنته وأمها تلعبها‪ ،‬فحركه ذلك ورق لها‪ ،‬فقام إليها فأخذها‪ ،‬وجعل ينزيها‬
‫‪:‬ويقول‬
‫ما كنت إل خمسة أو ستـا‬ ‫يا بنت من لم يك يهوى بنتـا‬
‫فتت قلبي من جوى فانفتـا‬ ‫حتى حللت في الحشى وحتى‬
‫يصبح مخمورا ويمسي سبتا يسأل المهدي زائرا أي النساء أحب إليه فيفضل التي‬ ‫لنت خير من غـلم أنـتـا‬
‫وصفها أبو نخيلة‪ :‬أخبرني جعفر بن قدامة قال‪ :‬حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال‪ :‬حدثنا أبو هفان قال‪ :‬حدثني‬
‫أصحابنا الهتميون قالوا‪ :‬دخل عقال بن شبة المجاشعي على المهدي فقال له‪ :‬أيا أبا الشيظم‪ ،‬ما بقي من حبك بنات آدم? وما‬
‫يعجبك منهن ? التي عصبت عصب الجان ‪ ،‬وجدلت جدل العنان‪ ،‬واهتزت اهتزاز البان‪ ،‬أم التي بدنت فعظمت وكملت فتمت?‬
‫فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين أحبهما إلي التي وصفها أبو نخيلة‪ ،‬فإنه كانت له جارية صغيرة وهبها له عمك أبو العباس السفاح‪ ،‬فكان‬
‫‪:‬إذا غشيها صغرت عنه‪ ،‬وقلت تحته‪ ،‬فقال‬
‫غير منيك فابغني منيكا‬ ‫إني وجدت الكذنا ذنوكا‬
‫شيئا إذا حركته تحركا قال‪ ،‬فوهب له المهدي جارية كاملة فائقة متأدبلة ربعة ‪ ،‬فلما أصبح عقال غدا على المهدي متشكرا‪،‬‬
‫فخرج المهدي وفي يده مشط يسرح به لحيته وهو يضحك‪ ،‬فدعا له عقال وقال له‪ :‬يا أمير المؤمنين مم تضحك? أدام الله‬
‫‪.‬سرورك‪ .‬قال‪ :‬يا أبا الشيظم‪ ،‬إني اغتسلت آنفا من شيء إذا حركته تحرك‪ ،‬وذكرت قولك الن لما رآيتك‪ ،‬فضحكت‬
‫‪:‬يرثي ممدوحا له كان يكثره بره‬

‫صفحة ‪2329 :‬‬

‫أخبرني محمد بن جعفر النحوي صهر المبرد قال‪ :‬حدثني أحمد بن القاسم العجلي البرتي قال‪ :‬حدثني أبو هفان قال‪ :‬حدثتني‬
‫رقية بنت حمل عن أبيها قال‪ :‬كان أبو نخيلة مداحا للجنيد بن عبد الرحمن المري‪ ،‬وكان الجنيد له محبا‪ ،‬يكثر رفده ويقرب‬
‫‪:‬مجلسه‪ ،‬ويحسن ‪ ،‬إليه فلما مات الجنيد قال أبو نخيلة يرثيه‬
‫إلى الشأم من مر وراحت ركائبـه‬ ‫لعمري لئن ركب الجنيد تحمـلـوا‬
‫فتى غطفانيا يعـلـل جـانـبـه‬ ‫لقد غادر الركب الشآمون خلفـهـم‬
‫سروب القطا في كل يوم كتائبـه‬ ‫فتى كان يسرى للعـدو كـأنـمـا‬
‫إذا راح في جيش وراحت عصائبه تلومه امرأة له على شدة حبه لبنه فيمدحها‬ ‫وكان كأن البـدر تـحـت لـوائه‬
‫فتسكت عنه‪ :‬أخبرنا محمد بن جعفر قال‪ :‬حدثني أحمد بن القاسم قال‪ :‬حدثني أبو هفان عن عبد الله بن داود عن علي بن أبي‬
‫نخيلة ‪ ،‬قال‪ :‬كان أبي شديد الرقة علي معجبا بي‪ ،‬فكان إذا أكل خصني بأطيب الطعام‪ ،‬وإذا نام أضجعني إلى جنبه‪ ،‬فغاظ ذلك‬
‫امرأته أم حماد الحنفية‪ ،‬فجعلت تعذله وتؤنبه‪ ،‬وتقول‪ :‬قد أقمت في منزلك‪ ،‬وعكفت على هذا الصبي‪ ،‬وتركت الطلب لولدك‬
‫‪:‬وعيالك‪ .‬فقال أبي في ذلك‬
‫ربعت على الصحابة والركاب‬ ‫ولول شهوتي شفتـي عـلـي‬
‫خلصن إلى الفؤاد من الحجاب قال‪ ،‬فازدادت غضبا‪ ،‬فقال لها‬ ‫‪:‬ولكن الوسـائل مـن عـلـي‬
‫إذا ما المر جل عن الخطاب‬ ‫وليس كأم حـمـاد خـلـيل‬
‫وتكفيني خلئقها عـتـابـي فرضيت وأمسكت عنا‬ ‫‪.‬منعمة أرى فتقـر عـينـي‬
‫يمدح ببيت على مثال بيت تمناه الممدوح‪ :‬حدثني عمي قال‪ :‬حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك قال حدثني سهل بن زكريا‬
‫قال‪ :‬حدثني عبد الله بن أحمد الباهلي قال‪ :‬قال أبان بن عبد الله النميري يوما لجلسائه ‪-‬وفيهم أبو نخيلة‪ :-‬والله لوددت أنه‬
‫‪:‬قيل في ما قيل في جرير بن عبد الله‬
‫نعم الفتى وبئست القبيله وأنني أثبت على ذلك مالي كله‪ ،‬فقال له أبو نخيلة‪ :‬هلم‬ ‫لول جرير هلكت بجيله‬
‫‪:‬الثواب‪ ،‬فقد حضرني من ذلك ما تريد‪ ،‬فأمر له بدراهم‪ ،‬فقال‪ :‬اسمع يا طالب ما يجزيه‬
‫نعم الفتى وليس فيهم خير يستأذن على أبي جعفر فل يصل‪ ،‬ويقول في ذلك شعرا‪:‬‬ ‫لول أبان هلكت نـمـير‬
‫أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال‪ :‬حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال‪ :‬حدثنا سلمة بن خالد المازني عن أبي عبيدة قال‪:‬‬
‫وقف أبو نخيلة على باب أبي جعفر واستأذن‪ ،‬فلم يصل‪ ،‬وجعلت الخراسانية تدخل وتخرج‪ ،‬فتهزأ به‪ ،‬فيرون شيخا أعرابيا جلفا‬
‫‪:‬فيبعثون به‪ ،‬فقال له رجل عرفه‪ :‬كيف أنت أبا نخيلة? فأنشأ يقول‬
‫أشكو العروق البضات أبضا‬ ‫أصبحت ل يملك بعضي بعضا‬
‫كأنما كان شبابـي قـرضـا فقال له الرجل‪ :‬وكيف ترى ما أنت فيه في هذه‬ ‫كما تشكي الرحبي الغرضـا‬
‫‪:‬الدولة? فقال‬
‫من أي خلق الله حين يلقى‬ ‫أكثر خلق الله مـن ل يدرى‬
‫وطيلسان يشترى فيغـلـى‬ ‫وحلة تنشـر ثـم تـطـوى‬
‫يا ويح بيت المال ماذا يلقى يسأل عن ممدوح له فيعدد هباته له‪ :‬وبهذا السناد عن‬ ‫لعبد عبد أو لمولى مـولـى‬
‫أبي عبيدة أن أبا نخيلة قدم على أبان بن الوليد فامتدحه‪ ،‬فكساه ووهب له جارية جميلة‪ ،‬فخرج يوما من عنده‪ ،‬فلقيه رجل من‬
‫‪:‬قومه‪ ،‬فقيل له‪ :‬كيف وجدت أبان بن الوليد يا أبا نخيلة? فقال‬
‫ومن أبان الخير كل خيري‬ ‫أكثر واللـه أبـان مـيري‬
‫ثوب لجلدي وحر ليري نسخت من كتاب اليوسفي يصاب بتخمة‪ :‬حدثني خالد بن حميد عن أبي عمرو الشيباني قال‪ :‬أقحمت‬
‫السنة أبا نخيلة فأتى القعقاع بن ضرار ‪-‬وهو يومئذ على شرطة الكوفة‪ -‬فمدحه‪ ،‬وأنزله القعقاع بن ضرار وابنيه وعبديه وركابهم‬
‫‪.‬في دار‪ ،‬وأقام لهم النزال‪ ،‬ولركابهم العلوفة‬
‫وكان طباخ القعقاع يجيئهم في كل يوم بأربع قصاع‪ ،‬فيها ألوان مطبوخة من لحوم الغنم‪ ،‬ويأتيهم بتمر وزبد‪ ،‬فقال له يوما‬
‫‪:‬القعقاع‪ :‬كيف منزلك أبا نخيلة? فقال‬
‫شهرين دأبا ذود ورجـع‬ ‫ما زال عنا قصعات أربع‬
‫كما يقوم الجمل المطبع‬ ‫عبداي وابناي وشيخ يرفع‬

‫صفحة ‪2330 :‬‬

‫قال‪ :‬وكان أبو نخيلة يكثر الكل فأصابته تخمة‪ ،‬فدخل على القعقاع فسأله‪ :‬كيف أصبحت أبا نخيلة? فقال‪ :‬أصبحت والله بشما‬
‫أمرت خبازك فأتاني بهذا الرقاق الذي كأنه الثياب المبلولة‪ ،‬قد غمسه في الشحم غمسا‪ ،‬وأتبعه بزيد ‪ ،‬كرأس النعجة الخرسية ‪،‬‬
‫وتمر كأنه عنز رابضة‪ .‬إذا أخذت التمرة من موضعها تبعها من الرب كالسلوك الممدودة‪ ،‬فأمنعت في ذلك‪ ،‬وأعجبني حتى‬
‫بشمت‪ ،‬فهل من أقداح جياد? وبين يدي القعقاع حجام واقف وسفرة موضوعة فيها المواسي‪ ،‬فإذا أتي بشراب النبيذ حلق‬
‫‪:‬رؤوسهم ولحاهم‪ .‬فقال له القعقاع‪ :‬أتطلب مني النبيذ وأنت ترى ما أصنع بشرابه? عليك بالعسل والماء البارد‪ ،‬فوثب ثم قال‬
‫أني من القعقاع فيما شـيت‬ ‫قد علم المظل والـمـبـيت‬
‫ببدع لسـت بـهـا غـذيت‬ ‫إذا أتـت مــائدة أتـــيت‬
‫كأنني كنـت الـذي ولـيت‬ ‫وليت فاستشفعت واستعـديت‬
‫ما ازددت شيئا فوق ما لقيت‬ ‫ولو تمنيت الـذي أعـطـيت‬
‫أقصر فقد فوق القرى قريت‬ ‫أيا بن بيت دونـه الـبـيوت‬
‫ول فـرات صـرد بـيوت‬ ‫ما بين شرابي عسل منعـوت‬
‫رطل نبيذ مخفس سـقـيت‬ ‫لكني في الـنـوم قـد أريت‬
‫صلبا إذا جـاذبـتـه رويت فغمزه على إسماعيل ابن أخيه‪ ،‬وأومأ إلى إسماعيل‪ ،‬فأخذ بيده ومضى به إلى منزله‪ ،‬فسقاه حتى‬
‫‪.‬صلح‬
‫يمدح السفاح ويغضب في مدحه بعض أهل المجلس فيحرض عليه السفاح‪ :‬أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال‪ :‬حدثنا‬
‫قعنب بن المحرز وأبو عمرو الباهلي قال‪ :‬حدثنا الصمعي قال‪ :‬دخل أبو نخيلة على أبي العباس السفاح‪ ،‬وعنده أبو صفوان‬
‫‪:‬إسحاب بن مسلم العقيلي‪ ،‬فأنشده قوله‬
‫وقد يصيد القانص المزعفر‬ ‫صادتك يوم الرملتين شعفر‬
‫للريم منها جيدها والمحجر يقول فيها في مدح أبي العباس‬ ‫‪:‬يا صورة حسنها المصـور‬
‫وقام من تبر النببي الجوهـر‬ ‫حتى إذا ما الوصياء عسكروا‬
‫ينميه فرع طيب وعنـصـر‬ ‫ومن بني العباس نبع أصفـر‬
‫وصاح في الليل نهار أنـور‬ ‫أقبل بالناس الهوى المستبهـر‬
‫جلي الضباب الرجز المخبر‬ ‫أنا الذي لو قيل إني أشـعـر‬
‫قلت لنفس تزدهى فتصبـر‬ ‫لما مضت لي أشهر وأشهـر‬
‫ل منجد يمضي ول مغـور‬ ‫ل يستخفنك ركـب يصـدر‬
‫أو يسمع الخليفة المطـهـر‬ ‫وخالفي النباء فهي المحشـر‬
‫وإن بالنبار غيثـا يهـمـر‬ ‫مني فإني كل جنح أحـضـر‬
‫ما كان إل أن أتاها العسكـر‬ ‫والغيث يرجى والديار تنضر‬
‫لم يبق من مروان عين تنظر‬ ‫حتى زهاما مسجد ومنـبـر‬
‫هيهات أودى المنعم المعقـر‬ ‫ل غائب ول أناس حـضـر‬
‫وخربت مـن الـشـآم ادور‬ ‫وأمست النبار دارا تعـمـر‬
‫ودمرت بعد امتناع تـدمـر‬ ‫حمص وباب التبن والموقـر‬
‫منها وإل الدير بان الخضر (ومنها‬ ‫(وواسط لم يبق إل القـرقـر‬
‫‪ .‬أين أبو الورد وأين الكوثر أبو الورد بن هذيل بن زفر‪ ،‬وكوثر بن السود صاحب شرطة مروان‬

‫وأين فل لم يفت محـير‬ ‫وأين مروان وأين الشقر‬


‫وعامر وعامر وأعصر? ‪-‬قال‪ :‬يعني عامر بن صعصعة‪ ،‬وعامر بن ربيعة‪ ،‬وأعصر باهلة‬ ‫وأين عاديكم المجمـهـر‬
‫وغنى‪ -‬قال‪ :‬فغضب إسحاق بن مسلم‪ ،‬وقال‪ :‬هؤلء كلهم في حر أمك أبا نخيلة‪ ،‬فأنكر الخليفة عليه ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬إني والله يا‬
‫أمير المؤمنين قد سمعت منه فيكم شرا من هذا في مجالس بني مروان‪ .‬وما له عهد‪ ،‬وما هو بوفي ول كريم‪ .‬فبان ذلك في‬
‫وجه أبي العباس‪ ،‬وقال له قول ضعيفا‪ :‬إن التوبة تغسل الحوبة‪ ،‬والحسنات يذهبن السيئات‪ ،‬وهذا شاعر بني هاشم‪ .‬وقام‬
‫‪.‬فدخل‪ ،‬وانصرف الناس‪ ،‬ولم يعط أبا نخيلة شيئا‬
‫يدعو في رجز له إلى تولية المهدي العهد فيجيزه المنصور‪ :‬وأخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار الثقفي حدثنا علي بن محمد‬
‫‪:‬بن سليمان النوفلي قال‪ :‬حدثني أبي عن عبد الله بن أبي سليم مولى عبد الله بن الحارث قال‬

‫صفحة ‪2331 :‬‬

‫بينا أنا أسير مع أبي الفضل يعني ‪-‬سليمان بن عبد الله‪ -‬وحدي بين الحيرة والكوفة ‪ -‬وهو يريد المنصور‪ ،‬وقد هم بتولية‬
‫المهدي العهد وخلع عيسى بن موسى‪ ،‬وهو يروض ذلك‪ -‬إذا هو يأبى نخيلة الشاعر‪ ،‬ومعه ابنان له وعبد‪ ،‬وهم يحملون متاعه‪.‬‬
‫فقال له‪ :‬يا أبا نخيلة‪ ،‬ما هذا الذي أرى? قال‪ :‬كنت نازل على القعقاع بن معبد أحد ولد معبد زرارة‪ ،‬فقلت شعرا فيما عزم عليه‬
‫أمير المؤمنين من تولية المهدي العهد ونزع عيسى بن موسى‪ ،‬فسألني التحول عنه‪ ،‬لئل يناله مكروه من عيسى إذ كان‬
‫صنيعته‪ ،‬فقال سليمان‪ :‬يا عبد الله‪ ،‬اذهب بأب نخيلة فأنزله منزل وأحسن نزله وبره ‪ ،‬ففعلت‪ .‬ودخل سليمان إلى المنصور‬
‫فأخبره الخبر‪ ،‬فلما كان يوم البيعة جاء بأبي نخيلة فأدخله على المنصور‪ ،‬فقام فأنشد الشعر على رؤوس الناس‪ ،‬وهي قصيدته‬
‫‪:‬التي يقول فيها‬
‫إن الذي ولك رب المسجـد‬ ‫بل يا أمين الواحد الـمـوحـد‬
‫عيسى فزحلفها إلى محـمـد‬ ‫ليس ولي عهدنـا بـالسـعـد‬
‫حتى تـؤدى مـن يد إلـى يد قال‪ :‬فأعطاه المنصور عشرة آلف درهم‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫من عند عيسى معهدا عن معهد‬
‫وبايع لمحمد بالعهد‪ ،‬فانصرف عيسى بن موسى إلى منزله‪ ،‬قال‪ :‬فحدثني داود بن عيسى بن موسى قال‪ :‬جمعنا أبي فقال‪ :‬يا‬
‫بني‪ ،‬قد رأيتم ما جرى‪ ،‬فأيما أحب إليكم‪ :‬أن يقال لكم‪ :‬ابني المخلوع‪ ،‬أو يقال لكم‪ :‬يا بني المفقود? فقلنا‪ :‬ل‪ ،‬بل يا بني‬
‫‪:‬المخلوع‪ .‬فقال‪ :‬وفقتم بني‪ .‬وأول هذه الرجوزة التي هذه البيات منها‬
‫ذكراك تكرار الليالي الـعـود‬ ‫لم ينسني يا بـنة آل مـعـبـد‬
‫ولو طلبـن الـود بـالـتـودد‬ ‫ول ذوات العصـب الـمـورد‬
‫هيهات منهن وإن لم تعـهـدي‬ ‫ورحن في الدر وفي الزبرجـد‬
‫كأن رياها بعـيد الـمـرقـد‬ ‫نجدية ذات مـعـان مـنـجـد‬
‫كيف التصابي فعل من لم يهتد‬ ‫ريا الخزامى في ثرى جعد ندى‬
‫ورثية تنهض فـي تـشـددي‬ ‫وقد علتـنـي درة بـادي بـدي‬
‫‪:‬بعد انتهاضي في الشباب الملد يقول فيها‬
‫إلى الذي يندى ول يندى ندي‬ ‫إلى أمير المؤمنين فاعـمـد‬
‫إلى الذي إن نفدت لم ينفـد‬ ‫سيري إلى بحر البحار المزبد‬
‫‪:‬أو ثمدت أشراعها لم يثمـد ويقول في ذكر البيعة لمحمد بعد البيات التي مضت في صدر الخبر‬
‫وقد فرغنا غير أن لم نشهـد‬ ‫فقد رضينا بالغـلم المـرد‬
‫فلو سمعنا قولك امدد امـدد‬ ‫وغير أن العـقـد لـم يؤكـد‬
‫فناد للبيعة جمعا نـحـشـد‬ ‫كانت لنا كزعقة الورد الصدى‬
‫واصنع كما شـئت ورد يردد‬ ‫في يومنا الحاضر هذا أو غد‬
‫فهو رداء الساق المـقـلـد‬ ‫ورده مـنـك رداء يرتــد‬
‫عادت ولو قد نقلت لم تـردد‬ ‫وكان يروي أنهـا كـأن قـد‬
‫لله دري من أخ ومـنـشـد‬ ‫أقول في كرى أحاديث الغـد‬
‫‪.‬لو نلت حظ الحبشي السود ‪-‬يعني أبا دلمة‬
‫خبر آخر من أرجوزة العهد للمهدي‪ :‬فأخبرني عبد الله بن محمد الرازي قال‪ :‬حدثنا أحمد بن الحارث قال‪ :‬حدثنا المدائني ‪-‬أن‬
‫أبا نخيلة أظهر هذه القصيدة التي رواها الخدم والخاصة‪ ،‬وتناشدها العامة‪ ،‬فبلغت المنصور فدعا به‪ ،‬وعيسى بن منصور عنده‬
‫جالس عن يمينه‪ ،‬فأنشده إياها‪ ،‬وأنصت له حتى سمعها إلى آخرها‪ .‬قال‪ :‬أبو نخيلة‪ :‬فجعلت أرى فيه السرور‪ ،‬ثم قال لعيسى بن‬
‫موسى‪ :‬ولئن كان هذا عن رأيك لقد سررت عمك ‪ ،‬وبلغت من مرضاته أقصى ما يبلغه الولد البار السار‪ .‬فقال عيسى‪ :‬لقد‬
‫ضللت إذا وما أنا من المهتدين‪ .‬قال‪ :‬أبو نخيلة‪ :‬فلما خرجت لحقني عقال لن شبة فقال‪ :‬أما أنت فقد سررت أمير المؤمنين‪،‬‬
‫‪:‬ولئن تم المر فلعمري لتصبين خيرا‪ ،‬ولئن لم يتم فابتغ نفقا في الرض‪ ،‬أو سلما في السماء‪ .‬فقلت له‬
‫علقت معالقها وصر الجندب خبر ثالث عن هذه الرجوزة‪ :‬قال المدائني‪ :‬وحدثني بعض موالي المنصور قال‪ :‬لما أراد المنصور‬
‫‪:‬أن يعقد للمهدي أحب أن تقول الشعراء في ذلك‪ ،‬فحدثني عبد الجبار بن عبيد الله الحماني قال‬

‫صفحة ‪2332 :‬‬

‫حدثني أبو نخيلة قال‪ :‬قدمت على أبي جعفر‪ ،‬فأقمت ببابه شهرا ل أصل إليه‪ ،‬فقال لي عبد الله بن الربيع الحارثي‪ :‬يا أبا‬
‫‪:‬نخيلة‪ ،‬إن أمير المؤمنين يريد أن يقدم المهدي بين يدي عيسى بن موسى‪ ،‬فلو قلت شيئا على ما يريد‪ ،‬فقلت‬
‫أم ما مرى دمعك من ذكراكا‬ ‫?ماذا على شحط النوى عنـاكـا‬
‫‪:‬وقد تبكيت فمـا أبـكـاكـا وذكر أرجوزة طويلة يقول فيها‬
‫أسند إلى محمد عـصـاكـا‬ ‫خلـيفة الـلـه وأنـا ذاكـا‬
‫وابنك ما استكفيته كفـاكـا‬ ‫فأحفظ الناس لهـا أدنـاكـا‬
‫لو قلت هاتوا قلت هاك هاكا المنصور يحذره عيسى بن موسى وعيسى يوكل به من‬ ‫وكلنا مـنـتـظـر لـذاكـا‬
‫يقتله‪ :‬قال‪ :‬فأنشدته إياها‪ ،‬فوصلني بألفي درهم‪ ،‬وقال لي‪ :‬احذر عيسى بن موسى‪ ،‬فإني أخافه عليك أن يغتالك‪ .‬قال المدائني‪:‬‬
‫وخلع أبو جعفر عيسى بن موسى‪ ،‬فبعث عيسى في طلب أبي نخيلة‪ ،‬فهرب منه‪ ،‬وخرج يريد خراسان‪ ،‬فبلغ عيسى خبره‪ ،‬فجرد‬
‫خلفه مولى له يقال له‪ :‬قطري‪ ،‬معه عدة من مواليه‪ ،‬وقال له‪ :‬نفسك نفسك أن يفوتك أبو نخيلة‪ ،‬فخرج في طلبه مغذا للسير‪،‬‬
‫‪.‬فلحقه في طريقه إلى خراسان‪ ،‬فقتله وسلخ وجهه‬
‫ونسخت من كتاب القاسم بن يوسف عن خالد بن حمل أن علي بن أبي نخيلة حدثه أن المنصور أمر أبا نخيلة أن يهرب إلى‬
‫‪:‬خراسان‪ ،‬فأخذه قطري وكتفه فأضجعه‪ ،‬فلما وضع السكين على أوداجه قال‪ :‬إيه يا بن اللخناء‪ ،‬ألست القائل‬
‫علقت معالقها وصر الجندب الن صر جندبك‪ .‬فقال‪ :‬لعن الله ذاك جندبا‪ ،‬ما كان أشأم ذكره ثم ذبحه‪ ،‬قطري‪ ،‬وسلخ وجهه‪،‬‬
‫وألقى جسمه إلى النسور‪ ،‬وأقسم ل يريم مكانه حتى تمزق السباع والطيور لحمه‪ ،‬فأقام حتى لم يبق منه إل عظامه‪ ،‬ثم‬
‫‪.‬انصرف‬
‫أبو البرش يشمت به لمهاجات كانت بينهما‪ :‬أخبرنا جعفر بن قدامة قال‪ :‬حدثنا أبو حاتم السجستاني قال‪ :‬حدثني الصمعي عن‬
‫سعيد بن سلم عن أبيه قال‪ :‬قلت لبي البرش‪ :‬مات أبو نخيلة‪ ،‬قال‪ :‬حتف أنفه? قلت‪ :‬ل‪ ،‬بل اغتيل فقتل‪ .‬فقال‪ :‬الحمد لله‬
‫‪.‬الذي قطع قلبه‪ ،‬وقبض روحه‪ ،‬وسفك دمه‪ ،‬وأراخى منه‪ ،‬وأحياني بعده‬
‫‪.‬وكان أبو نخيلة يهاجي البرش‪ ،‬فغلبه أبو نخيلة‬

‫صوت‬

‫ة الخدر في اليوم المطير‬ ‫ولقد دخلت على الفـتـا‬


‫مشي القطاة على الغدير‬ ‫فدفعنهـا فـتـدافـعـت‬
‫كتنفس الظبي البـهـير الشعر للمنخل اليشكري‪ ،‬والغناء لبراهيم‪ ،‬ثاني ثقيل بالوسطى‬ ‫فلثمتها فـتـنـفـسـت‬
‫‪.‬عن عمرو وأحمد المكي‬

‫الجزء الحادي والعشرون‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬


‫أخبار المنخل ونسبه‬
‫هو المنخل بن عمرو ‪ -‬ويقال‪ :‬المنخل بن مسعود ‪ -‬بن أفلت بن عمرو بن كعب بن سواءة بن غنم بن حبيب بن يشكر بن بكر‬
‫بن وائل‪ .‬وذكر أبو محلم النسابة‪ :‬أنه المدخل بن مسعود بن أفلت بن قط بن سوءة بن مالك بن ثعلبة بن حبيب بن غنم بن‬
‫حبيب بن كعب بن يشكر‪ .‬وقال ابن العرابي‪ :‬هو المنخل بن الحارث بن قيس بن عمرو بن ثعلبة بن عدي بن جشم بن حبيب‬
‫‪.‬بن كعب بن يشكر‬
‫يتهمه النعمان بالمتجردة فيقتله‪ :‬شاعر مقل من شعراء الجاهلية‪ ،‬وكان النعمان بن المنذر قد اتهمه بامرأته المتجردة ت وقيل‪:‬‬
‫بل وجده معها‪ ،‬وقيل‪ :‬بل سعي به إليه في أمرها فقتله‪ ،‬وقيل‪ :‬بل حبسه‪ ،‬ثم غمض خبره‪ ،‬فلم تعلم له حقيقة إلى اليوم‪.‬‬
‫فيقال‪ :‬إنه دفنه حيا‪ ،‬ويقال‪ :‬إنه غرقه‪ .‬والعرب تضرب به المثل كما تضربه بالقارظ العنزي وأشباهه ممن هلك ولم يعلم له‬
‫‪:‬خبر‪ .‬وقال ذو الرمة‬
‫وليست بأدنى من إياب المنخل وقال النمر بن تولب‬ ‫‪:‬تقارب حتى تطمع التابع الصبا‬
‫تلقونه حتى يئوب المنـخـل تفضيل سبب قتله‪ :‬أخبرني محمد بن خلف بن‬ ‫وقولي إذا ما أطلقوا عن بعيرهم‬
‫‪:‬المرزبان‪ ،‬قال أخبرني أحمد بن زهير قال‪ :‬أخبرني عبد الله بن كريم قال‪ :‬أخبرني أبو عمرو الشيباني قال‬

‫صفحة ‪2333 :‬‬

‫كان سبب قتل المنخل أن المتجردة ‪ -‬واسمها ماوية وقيل‪ :‬هند بنت المنذر بن السود الكلبية ‪ -‬كانت عند ابن عم لها يقال له‪:‬‬
‫حلم‪ ،‬وهو السود ب المنذر بن حارثة الكلبي‪ ،‬وكانت أجمل أهل زمانها‪ ،‬فرآها المنذر بن المنذر الملك اللخمي فعشقها‪ ،‬فجلس‬
‫ذات يوم على شرابه ومعه حلم وامرأته المتجردة‪ ،‬فقال المنذر لحلم‪ :‬إنه لقبيح بالرجل أن يقيم على المرأة زمانا طويل حتى ل‬
‫يبقى في رأسه ول لحيته شعرة بيضاء إل عرفتها‪ ،‬فهل لك أن تطلق امرأتك المتجردة وأطلق امرأتي سلمى? قال‪ :‬نعم‪ ،‬فأخذ‬
‫كل واحد منهما على صاحبه عهدا‪ .‬قال‪ :‬فطلق المنذر امرأته سلمى‪ ،‬وطلق حلم امرأته المتجردة‪ ،‬فتزوجها المنذر ولم يطلق‬
‫‪:‬لسلمى أن تتزوج حلما‪ ،‬وحجبها ‪ -‬وهي أم ابنه النعمان بن المنذر ‪ -‬فقال النابغة الذيباني يذكر ذلك‬
‫حتى تبطنها الخداع ذو الحلم قال‪ :‬ثم مات المنذر بن المنذر‪ ،‬فتزوجها بعده‬ ‫قد خادعوا حلما عن حرة خرد‬
‫النعمان بن المنذر ابه‪ ،‬وكان قصيرا دميما أبرش‪ ،‬وكان ممن يجالسه ويشرب معه النابغة الذبياني ‪ -‬وكان جميل عفيفا ‪-‬‬
‫‪:‬والمنخل اليشكري ‪ -‬وكان جميل ‪ -‬وكان يتهم بالمتجردة‪ .‬فأما النابغة فإن النعمان أمره بوصفها فقال قصيدته التي أولها‬
‫عجلن ذا زاد وغير مزود ووصفها فأفحش فقال‬ ‫‪:‬من آل مية رائح أو مغتدي‬
‫رابي المجسة بالعبير مـقـرمـد‬ ‫وإذا طعنت طعنت في مشتهـدف‬
‫نزع الحزور بالرشاء المحـصـد فغار المنخل من ذلك‪ ،‬وقال‪ :‬هذه صفة‬ ‫وإذا نزعت نزعت معن مستحصف‬
‫معاين‪ ،‬فهم النعمان بقتل النابغة حتى هرب منه‪ ،‬وخل المنخل بمجالسته‪ ،‬وكان يهوي المتجردة وتهواه‪ ،‬وقد ولدت للنعمان‬
‫غلمين جميلين يشبهان المنخل‪ ،‬وكانت العرب تقول‪ :‬إنهما منه‪ .‬فخرج النعمان لبعض غزواته ‪ -‬قال ابن العرابي‪ :‬بل خرج‬
‫متصيدا ‪ -‬فبعثت المتجردة إلى المنخل فأدخلته قبتها‪ ،‬وجعل يشربان‪ ،‬فأخذت خلخالها وجعلته في رجله‪ ،‬وأسدلت شعرها‬
‫فشدت خلخالها إلى خلخاله الذي في رجله من شدة إعجابها به‪ .‬ودخل النعمان بعقب ذلك فرآها على تلك الحال‪ ،‬فأخذه فدفعه‬
‫‪.‬إلى رجل من حرسه من تغلب يقال له‪ :‬عكب‪ ،‬وأمره بقتله‪ ،‬فعذبه حتى قتله‬
‫‪:‬يحرض على عكب قاتله‪ :‬فقال المنخل يحرض قومه عليه‬
‫بأن القوم قد قتلـوا أبـيا‬ ‫أل من مبلغ الحيين عنـي‬
‫فل رويتم أبـدا صـديا وقال أيضا‬ ‫‪:‬فإن لم تأروا لي من عكب‬
‫م وقومي ينتجون السخـال من شعره في المتجردة‪ :‬وقال في المتجردة‬ ‫‪:‬ظل وشط الندي قتلى بل جر‬
‫بل سيف يعد ول نبـال‬ ‫ديار للتي قتلتك غصـبـا‬
‫له خبل يزيد على الخبال وقال أيضا‬ ‫‪:‬بطرف ميت في عين حي‬
‫ة الخـدر فـي الـيوم الـمـطـير‬ ‫ولـقـد دخـلـت عـلـى الـفـتـا‬
‫فل في الدمـقـس وفـي الـحـرير‬ ‫الـكـاعـب الـخـنـسـاء تـــر‬
‫مشـى الـقـطـاة إلـى الـغـدير‬ ‫دافـعـتـهـا فـتـدافـــعـــت‬
‫كتـنـفـس الـظـبـي الـبـهـير‬ ‫ولـثـمـتـهـا فـتـنـفـســـت‬
‫ل هل بجـسـمـك مـن فـتـور‬ ‫?ورنـت وقـالــت يامـــنـــخ‬
‫ك فـاهـدئي عـنـي وســـيري‬ ‫ما مـس جـسـمـي غـير حــب‬
‫يا هـنـد لـلـعـانـي الســير‬ ‫?يا هـنـد هــل مـــن نـــائل‬
‫ويحـب نـاقـتـهـا بـعـــيري‬ ‫وأحـبـهـا وتـحــبـــنـــي‬
‫مة بـالـكـبـير وبـالـصـغــير‬ ‫ولـقـد شـربـت مـن الـمـــدا‬
‫رب الـخـورنـق والـســـرير‬ ‫فإذا سـكـرت فـــإنـــنـــي‬
‫رب الـشـويهة والـبـــعـــير‬ ‫وإذا صـحـوت فــإنـــنـــي‬
‫يا رب يوم للمنخل قد لها فيه قصير رواية أخرى لخبر المنخل مع المتجردة‪ :‬وأخبرني بخبر المنخل مع المتجردة أيضا علي بن‬
‫‪:‬سليمان الخفش قال‪ :‬أخبرني أبو سعيد السكري عن محمد بن حبيب عن ابن العرابي قال‬

‫صفحة ‪2334 :‬‬

‫كانت المتجردة امرأة النعمان فاجرة‪ ،‬وكانت تتهم بالمنخل‪ ،‬وقد ولدت للنعمان غلمين جميلين يشبهان المنخل‪ ،‬فكان يقال‪:‬‬
‫إنهما منه‪ ،‬وكان جميل وسيما‪ ،‬وكان النعمان أحمر أبرش قصيرا دميما‪ .‬وكان للنعمان يوم يركب فيه يطليل المكث‪ ،‬وكان‬
‫المنخل من ندمائه ل يفارقه‪ ،‬وكان يأتي المتجردة في ذلك اليوم الذي يركب فيه النعمان فيطيل عندها‪ ،‬حتى إذا جاء النعمان‬
‫‪.‬آذنتها بمجيئه وليدة لها موكلة بذلك فتخرجه‬
‫فركب النعمان ذات يوم وأتاها المنخل كما كان يأتيها فلعبته‪ ،‬وأخذت قيدا‪ ،‬فجعلت إحدى حلقتيه في رجله والخرى في رجلها‪،‬‬
‫وغفلت الوليدة عن ترقب النعمان؛ لن القوت الذي يجيء فيه لم يكن قرب بعد‪ ،‬وأقبل النعمان حينئذ ولم يطل في مكثه كما‬
‫كان يفعل‪ ،‬فدخل إلى المتجردة‪ ،‬فوجدها مع المنخل قد قيدت رجلها‪ ،‬ورجله بالقيد‪ ،‬فأخذه النعمان فدفعه إلى عكب صاحب‬
‫‪:‬سجنه ليعذبه ‪ -‬وعكب رجل من لخم ‪ -‬فعذبه حتى قتله‪ .‬وقال المنخل قبل أن يموت هذه البيات‪ ،‬وبعث بها إلى ابنيه‬
‫بأن القوم قد قتلـوا أبـيا‬ ‫أل من مبلغ الحرين عنـي‬
‫فل أرويتما أبـدا صـديا‬ ‫وإن لم تثأروا لي من عكب‬
‫ويطعن بالملة في قـفـيا الصح أن قاتله هو النعمان ل عمرو بن هند‪ :‬قال ابن‬ ‫يطوف بي عكب في معد‬
‫‪.‬حبيب‪ :‬وزعم ابن الجصاص أن عمرو بن هند هو قاتل المنخل‪ ،‬والقول الول أصح‬
‫‪:‬قصيدته في المتجردة‪ :‬وهذه القصيدة التي منها الغناء يقولها في المتجردة‪ ،‬وأولها قوله‬
‫نحو العراق ول تحـوري‬ ‫إن كنت عاذلتي فـسـيري‬
‫لي واذكري كرمي وخيري‬ ‫ل تسألـي عـن جـل مـا‬
‫بجوانب البيت الـكـسـير‬ ‫وإذا الـرياح تـنـاوحـت‬
‫بمر قدحي أو شـجـيري الشجير‪ :‬القدح الذي لم يصلح حسنا‪ ،‬ويقال‪ :‬بل هو القدح‬ ‫ألفيتـنـي هـش الـنـدي‬
‫‪ - .‬العارية‬

‫دنـي أبـو أفـعـــى جـــريري‬ ‫ونـهـى أبـو أفـعـى فـــقـــل‬


‫هوجـاء جـائلة الـضـــفـــور‬ ‫وجـــللة خـــطـــــــارة‬
‫سربـالـه بـاقـي الـمــســـير‬ ‫تعـدو بـأشـعـث قـــد وهـــى‬
‫ق إلـيك عـلـقـمة بــن صـــير‬ ‫فضـل عـلـى ظـهـر الـطــري‬
‫يا والوانـس فــي الـــخـــدور‬ ‫الـواهـب الـكـوم الـصـــفـــا‬
‫بالـعـصـب والـحـلـي الـكـثـير‬ ‫يصـفــيك حـــين تـــجـــيئه‬
‫الـنـار أحــلس الـــذكـــور‬ ‫وفـــوارس كـــأوار حـــــر‬
‫في كـل مـحـكـمة الـقــتـــير‬ ‫شدوا دوابـــر بـــيضـــهـــم‬
‫إن الـتـلـبـب لـلـمـــغـــير‬ ‫فاسـتـلمـوا وتـلـــبـــبـــوا‬
‫ت فـوارس مـثـل الـصـقـــور‬ ‫وعـلـى الـجـياد الـمـضـمـــرا‬
‫ر يجـفـن بـالـنـعـم الـكـثــير‬ ‫يخـرجـن مـن خـلـل الـغـبـــا‬
‫ئك والـفـوائح بـالــعـــبـــير‬ ‫فشـفـيت نـفـســـي مـــن أول‬
‫وصـائك كـدم الـــنـــحـــير‬ ‫يرفـلـن فـي الـمـسـك الـذكــي‬
‫نوم لـم تـعـــكـــف لـــزور‬ ‫يعـكـفـن مـثـل أســاود الـــت‬
‫ة الـخـدر فـي الـيوم الـمـطــير‬ ‫ولـقـد دخـلـت عـلـى الـفـتــا‬
‫فل في الـدمـقـس وفـي الـحـرير‬ ‫الـكـاعـب الـخـنـســاء تـــر‬
‫مشـي الـقـطـاة إلـى الـغـــدير‬ ‫فدفـعـتـهـا فـتــدافـــعـــت‬
‫كتـنـفـس الـظـبـي الـبـهــير‬ ‫ولـثـمـتـهـا فـتـنـفــســـت‬
‫ل مـا بـجـسـمـك مـن حـرور‬ ‫?فدنـت وقـالـــت يا مـــنـــخ‬
‫ك فـاهـدئي عـنــي وســـيري‬ ‫ما شـف جـسـمـي غـير حـــب‬
‫مة بـالـصـغـير وبـالـكـبـــير‬ ‫ولـقـد شـربـت مـن الــمـــدا‬
‫عبـد الـصـحـيح وبــالســـير‬ ‫ولـقـد شـربـت الـخـمـر بـــال‬
‫رب الـخـورنـق والـــســـدير‬ ‫فإذا سـكــرت فـــإنـــنـــي‬
‫وإذا صحوت فإنني رب الشويهة والبعير‬
‫ل قـد لـهـا فــيه قـــصـــير‬ ‫يا رب يوم للمنخ‬
‫يا هـنـد لـلـعـانــي الســـير ومن الناس من يزيد في هذه القصيدة‬ ‫‪:‬يا هـنـد هـــل مـــن نـــائل‬
‫ويحب ناقتها بعيري ولم أجده في رواية صحيحة‬ ‫‪.‬وأحبها وتحـبـنـي‬

‫صوت‬

‫كتاب الله لو قبل الكتابـا‬ ‫لمن شيخان قد نشدا كلبا‬


‫فل وأبي كلب ما أصابا‬ ‫أناشده فعرض في إبـاء‬

‫صفحة ‪2335 :‬‬

‫الشعر لمية بن السكر الليثي‪ ،‬والغناء لعبد الله بن طاهر‪ ،‬رمل بالوسطى‪ .‬صنعه ونسبه إلى لميس جاريته‪ ،‬وذكر الهشامي أن‬
‫اللحن لها‪ ،‬وذكره عبيد الله بن عبد الله بن طاهر في جامع أغانيهم ووقع إلي‪ ،‬فقال‪ :‬الغناء فيه للدار الكبيرة‪ ،‬وكذلك كان يكنى‬
‫عن أبيه‪ ،‬وعن إسحاق بن إبراهيم بن مصعب وجواريهم‪ ،‬ويكنى عن نفسه وجاريته شاجي وما يصنع في دور إخوته بالدار‬
‫‪.‬الصغيرة‬

‫أخبار أمية بن السكر ونسبه‬


‫نسبه‬
‫هو أمية بن حرثان بن السكر بن عبد الله بن سرابيل الموت بن زهرة بن زبينة بن جندع بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة‬
‫‪.‬بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار‬
‫‪.‬شاعر فارس مخضرم أدرك الجاهلية والسلم‪ ،‬وكان من سادات قومه وفرسانهم‪ ،‬وله أيام مأثورة مذكورة‬
‫عمر يستعمل ابنه كلبا على البلة‪ :‬وكان له أخ يقال له‪ :‬أبو لعق الدم‪ ،‬وكان من فرسان قومه وشعرائهم‪ ،‬وابنه كلب بن أمية‬
‫أيضا أدرك النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم مع أبيه‪ ،‬ثم هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبوه فيه شعرا‪ ،‬ذكر أبو‬
‫عمرو الشيباني أنه هذا الشعر‪ ،‬وهو خطأ‪ ،‬إنما خاطبه بهذا الشعر لما غزا مع أهل العراق لقتال الفرس‪ ،‬وخبره في ذلك يذكر‬
‫‪.‬بعد هذا‬
‫‪.‬قال أبو عمرو في خبره‪ :‬فأمره صلى الله عليه وسلم بصلة أبيه وملزمته طاعته‬
‫وكان عمر بن الخطاب استعمل كلبا على البلة‪ ،‬فكان أبواه ينتابانه‪ ،‬يأتيه أحدهما في كل سنة‪ ،‬ثم أبطأ عليه وكبرا فضعفا عن‬
‫لقائه‪ ،‬فقال أبياتا وأنشدها عمر‪ ،‬فرق له ورده إليهما‪ ،‬فلم يلبث معهما إل مدة حتى نهشته أفعى؛ فمات وهذا أيضا وهم من أبي‬
‫عمرو‪ ،‬وقد عاش كلب حتى ولي لزياد البلة‪ ،‬ثم استعفى‪ ،‬أعفاه‪ .‬وسأذكر خبره في ذلك وغيره ها هنا إن شاء الله تعالى‪:‬‬
‫شعره لبنه كلب لما أغزاه عمر وطالت غيبته عنه‪ :‬فأما خبره مع عمر فإن الحسن بن علي أخبرني به‪ ،‬قال‪ :‬حدثني اعلحارث‬
‫بن محمد قال‪ :‬حدثني المدائني عن أبي بكر الهذلي عن الزبيري عن عروة بن الزبير قال‪ :‬هاجر كلب بن أمية بن السكر إلى‬
‫المدينة في خلفة عمر بن الخطاب‪ ،‬فأقام بها مدة‪ ،‬ثم لقي ذات يوم طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام‪ ،‬فسألهما‪ :‬أي‬
‫العمال أفضل في السلم? فقال‪ :‬الجهاد‪ ،‬فسأل عمر فأغزاه في جيش‪ ،‬وكان أبوه قد كبر وضعف‪ ،‬فلما طالت غيبة كلب عنه‬
‫‪:‬قال‬
‫كتاب الله إن قبل الكتابـا‬ ‫لمن شيخان قد نشدا كلبـا‬
‫فل وأبي كلب ما أصابا‬ ‫أناديه فيعرض فـي إبـاء‬
‫إلى بيضاتها دعرا كلبـا‬ ‫إذا شجعت حمامة بطن واد‬
‫ففارق شيخه خطئا وخابا‬ ‫أتاه مهاجران تكـنـفـاه‬
‫وأمك ما تسيغ لها شرابـا‬ ‫تركت أباك مرعـشة يداه‬
‫وتجنبه أباعرها الصعابـا قال‪ :‬تجنبه وتجنبه واحد‪ ،‬من قول الله عز وجل‪( :‬واجنبني‬ ‫تمسح مهره شفقا عـلـيه‬
‫‪:‬وبني أن نعبد الصنام)‪ .‬قال‬
‫يطارق أينقا شزبا طرابا‬ ‫فإنك قد تركت أباك شيخا‬
‫كباغي الماء يتبع السرابا ينشد عمر شعرا ليرد له كلبا فيبكي عمر رحمة له ويرده‬ ‫فإنك والتماس الجر بعدي‬
‫عليه‪ :‬فبلغت أبياته عمر‪ ،‬فلم يردد كلبا وطال مقامه فأهتر أمية وخلط جزعا عليه‪ ،‬ثم أتاه يوما وهو في مسجد رسول الله‬
‫‪:‬صلى الله عليه وسلم وحوله المهاجرون والنصار‪ ،‬فوقف عليه ثم أنشأ يقول‬
‫ول تدرين عاذل ما ألقـي‬ ‫أعاذل قد عذلت بغير قـدر‬
‫كلبا إذ توجه لـلـعـراق‬ ‫فإما كنت عاذلتـي فـردي‬
‫غداة غدوأذن بـالـفـراق‬ ‫ولم أقض اللبانة من كـلب‬
‫شديد الركن في يوم التلقي‬ ‫فتى الفتيان في عسر ويسـر‬
‫ول شفقي عليك ول اشتياقي‬ ‫فل وا ما بـالـيت وجـدي‬
‫وضمك تحت نحر واعتناقي‬ ‫وإبقائي عليك إذا شـتـونـا‬
‫لهم سواد قلبي بـانـفـلق‬ ‫فلو فلق الفؤاد شـديد وجـد‬
‫له دفع الحجيج إلى بسـاق‬ ‫سأستعدي على الفاروق ربا‬
‫ببطن الخشبين إلى دفـاق‬ ‫وأدعو الله مجتهـدا عـلـيه‬
‫إلى شيخين هامهمـا زواق عمر يسأل كلبا عن مبلغ بره بأبيه فيصفه له‬ ‫‪:‬إن الفاروق لم يردد كـلبـا‬

‫صفحة ‪2336 :‬‬

‫قال‪ :‬فبكى عمر بكاء شديدا‪ ،‬وكتب برد كلب إلى المدينة‪ ،‬فلما قدم دخل إليه‪ ،‬فقال‪ :‬ما بلغ من برك بأبيك? قال‪ :‬كنت أوثره‬
‫وأكفيه أمره‪ ،‬وكنت أعتمد إذا أردت أن أحلب له لبنا أغزر ناقة في إبله وأسمنها فأريحها وأتركها حتى تستقر‪ ،‬ثم أغسل أخلفها‬
‫‪.‬حتى تبرد ثم أحتلب له فأسقيه‬
‫عمر يرد كلبا عليه ويأمره أن يلزم أبويه‪ :‬فبعث عمر إلى أمية من جاء به إليه‪ ،‬فأدخله يتهادى وقد ضعف بصره وانحنى‪ .‬فقال‬
‫له‪ :‬كيف أنت يا أبا كلب? قال‪ :‬كما تراني يا أمير المؤمنين‪ .‬قال‪ :‬فهل لك من حاجة? قال‪ :‬نعم‪ ،‬أشتهي أن أرى كلبا فأشمه‬
‫شمة‪ ،‬وأضمه ضمة قبل أن أموت‪ .‬فبكى عمر‪ ،‬ثم قال‪ :‬ستبلغ من هذا ما تحب إن شاء الله تعالى‪ .‬ثم أمر كلبا أن يحتلب لبيه‬
‫‪.‬ناقة كما كان يفعل‪ ،‬ويبعث إليه‪ ،‬بلبنها‪ ،‬ففعل فناوله عمر الناء‪ ،‬وقال‪ :‬دونك هذا يا أبا كلب‬
‫فلما أخذه وأدناه إلى فمه قال‪ :‬لعمر‪ :‬والله يا أمير المؤمنين‪ ،‬إني لشم رائحة يدي كلب من هذا الناء‪ ،‬فبكى عمر‪ ،‬وقال‪ :‬هذا‬
‫كلب عندك حاضرا قد جئناك به‪ ،‬فوثب إلى ابنه وضمه إليه وقبله‪ ،‬وجعل عمر يبكي ومن حضره‪ ،‬وقال لكلب‪ :‬الزم أبويك‬
‫‪.‬فجاهد فيهما ما بقيا‪ ،‬ثم شأنك بنفسك بعدهما‪ ،‬وأمر له بعطائه‪ ،‬وصرفه مع أبيه‪ ،‬فلم يزل معه مقيما حتى مات أبوه‬
‫يخرجه قومه لن إبله أصيبت بالهيام‪ :‬ونسخت من كتاب أبي سعيد السكري أن أمية كانت له إبل هائمة ‪ -‬أي أصابها الهيام وهو‬
‫داء يصيب البل من العطش ‪ -‬فأخرجته بنو بكر مخافة أن يصيب إبلهم‪ ،‬فقال لهم‪ :‬يا بن بكر‪ ،‬إنما هي ثلث ليال‪ :‬ليلة بالبقعاء‬
‫وليلة بالفرع‪ ،‬وليلة بلقف في سامر من بكر‪ ،‬فلم ينفعه ذلك وأخرجوه‪ ،‬فأتى مزينة فأجاروه‪ ،‬وأقام عندهم إلى أن صحت إبله‪،‬‬
‫‪:‬وسكنت‪ ،‬فقال يمدح مزينة‬
‫فما تأوي إلى إبل صحـاح‬ ‫تكنفها الهيام وأخرجـوهـا‬
‫على ما كان فيها من جناح‬ ‫فكان إلى مزينة منتهـاهـا‬
‫خلئق ينتمين إلى صـلح‬ ‫وما يكن الجناح فإن فـيهـا‬
‫تراعى تحت قعقعة الرماح‬ ‫ويوما في بني ليث بن بكـر‬
‫وراء الدار يثقلني سلحي‬ ‫فإما أصبحن شيخا كـبـيرا‬
‫على ذي منعة عتد وقـاح‬ ‫فقد آتي الصريخ إذا دعاني‬
‫على ما كان مؤتكـل ولح شعره حين ضحك راع منه وقد عمر حتى خرف‪ :‬أخبرني‬ ‫وشر أخي مؤامرة خـذول‬
‫عمي قال‪ :‬حدثنا محمد بن عبد الله الحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو والشيباني عن أبيه‪ ،‬وأخبرني به محمد بن خلف بن‬
‫المرزبان قال‪ :‬حدثنا أبو توبة عن أبي عمرو قال‪ :‬عمر أمية بن السكر عمرا طويل حتى خرف‪ ،‬فكان ذات يوم جالسا في نادي‬
‫قومه وهو يحدث نفسه‪ ،‬إذ نظر إلى راعي شأن لبعض قومه يتعجب منه‪ ،‬فقام لينهض فسقط على وجهه‪ ،‬فضحك الراعي منه‪،‬‬
‫‪:‬وأقبل ابناه إليه‪ ،‬فلما رآهما أنشأ يقول‬
‫وما الغنى غير أني مرعش فان‬ ‫يا بني أمية إني عنكـمـا غـان‬
‫فإنما أنتما والـثـكـل سـيان‬ ‫يا بني أمية إل تحفظا كـبـري‬
‫إن التراث لهـيان بـن بـيان يقال‪ :‬هيان بن بيان‪ ،‬وهي ترى للقريب والبعيد‬ ‫‪ .‬هل لكما في تراث تذهبان بـه‬

‫ماذا يريبك منـي راعـي الـضـأن‬ ‫أصبحت هزءا لراعي الضأن يسخر بي‬
‫أعمام مجـد وأجـدادي وإخـوانـي‬ ‫أعجب لغيري إني تـابـع سـلـفـي‬
‫بين الساف وأنتـجـهـا بـجـلـذان جلذان‪ :‬موضع بالطائف‬ ‫وانعق بضأنك في أرض تطيف بـهـا‬
‫ول يقر بها أصحاب ألوان المام علي يتمثل بشعر له‪ :‬وهذه البيات تمثل بها أمير‬ ‫ببلدة ل ينام الكالئان بـهـا‬
‫‪.‬المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه في خطبة له على المنبر بالكوفة‬
‫حدثنا بها أحمد بن عبيد الله بن عمار وأحمد بن عبد العزيز الجوهري‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عمر بن شبة قال‪ :‬حدثنا محمد بن أبي رجاء‪،‬‬
‫‪:‬قال‪ :‬حدثنا إبراهيم بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬قال عبد الله بن عدي بن الخيار‬

‫صفحة ‪2337 :‬‬


‫شهدت الحكمين‪ ،‬ثم أتيت الكوفة وكانت لي إلى علي رضي الله عنه حاجة‪ ،‬فدخلت عليه‪ ،‬فلما رآني قال‪ :‬مرحبا بك يا بن أم‬
‫قتال‪ ،‬أزائرا جئتنا أم لحاجة? فقلت‪ :‬كل جاء بي‪ ،‬جئت لحاجة‪ ،‬وأحببت أن أجدد بك عهدا‪ ،‬وسألته عن حديث فحدثني على أل‬
‫أحدث به واحدا‪ ،‬فبينا أنا يوما بالمسجد في الكوفة إذا علي صلوات الله عليه متنكب قرنا له‪ .‬فجعل يقول‪ :‬الصلة جامعة‪.‬‬
‫وجلس على المنبر‪ ،‬فاجتمع الناس‪ ،‬وجاء الشعث بن قيس فجللس إلى جانب المنبر‪ .‬فلما اجتمع الناس‪ ،‬ورضي منهم قام‬
‫فحمد الله وأثنى عليه‪ ،‬ثم قال‪ :‬أيها الناس‪ ،‬إنكم تزعمون أن عندي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عند الناس‪،‬‬
‫أل وإنه ليس عندي إل ما في قرني هذا‪ ،‬ثم نكت كنانته‪ ،‬فأخرج منها صحيفة فيها‪ :‬المسلمون تتكافأ دماؤهم‪ ،‬وهم يد على من‬
‫سواهم‪ .‬من أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملئكة والناس أجمعين ‪ .‬فقال له الشعث بن قيس‪ :‬هذه والله عليك‬
‫ل لك‪ ،‬دعها تترحل‪ ،‬فخفض علي ‪ -‬صلوات الله عليه ‪ -‬إليه بصره‪ ،‬وقال‪ :‬ما يدريك ما علي مما لي عليك لعنة الله ولعنة‬
‫اللعنين‪ ،‬حائك ابن حائك‪ ،‬منافق ابن منافق‪ ،‬كافر ابن كافر‪ .‬والله لقد أسرك السلم مرة والكفر مرة‪ ،‬فما فداك من واحد‬
‫‪:‬منهما حسبك ول مالك‪ ،‬ثم رفع إلي بصره فقال‪ :‬يا عبيد الله‬
‫ماذا يريبك مني راعي الـضـان فقلت‪ :‬بأبي أنت وأمي‪ ،‬قد كنت والله‬ ‫أصبحت قنا لراعي الضأن يلعب بي‬
‫‪:‬أحب أن أسمع هذا منك‪ .‬قال‪ :‬هو والله ذلك‪ ،‬قال‬
‫ول علقت مني جديدا ول درسا يعود كلب إلى البصرة بعد موت أبيه ويولي‬ ‫فما قيل من بعدها من مـقـالة‬
‫البلة ثم يستعفي منها‪ :‬أخبرني الحسن بن علي قال‪ :‬ححدثنا الحارث‪ ،‬عن المدائني قال‪ :‬لما مات أمية بن السكر عاد ابنه‬
‫كلب إلى البصرة‪ ،‬فكان يغزو مع المسلمين‪ ،‬منها مغازيهم‪ ،‬وشهد فتوحات كثيرة‪ ،‬وبقي إلى أيام زياد‪ ،‬فوله البلة‪ ،‬فسمع كلب‬
‫يوما عثمان بن أبي العاص يحدث أن داود نبي الله ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬كان يجمع أهله في السحر فيقول‪ :‬ادعوا ربكم فإن في‬
‫‪.‬السحر ساعة ل يدعو فيها عبد مؤمن إل غفر له‪ ،‬إل أن يكون عشارا أو عريفا‬
‫‪.‬فلما سمع ذلك كلب كتب إلى زياد‪ ،‬فاستعفاه من عمله فأعفاه‬
‫‪.‬قال المدائني‪ :‬ولم يزل كلب بالبصرة حتى مات‪ ،‬والمربعة المعروفة بمربعة كلب بالبصرة منسوبة إليه‬
‫شعر أمية وقد ظفر بنو ليث بقومه‪ :‬وقال أبو عمرو الشيباني‪ :‬كان بين بني غفار قومه و بني ليث حرب‪ ،‬فظفرت بنو ليث‬
‫بغفار‪ ،‬فحالف رحضة بن خزيمة بن خلف بن حارثة بن غفار وقومه جميعا بني أسلم بن أفصى بن خزاعة‪ ،‬فقال أمية بن‬
‫‪:‬السكر في ذلك‪ ،‬وكان سيد بني جندع بن ليث وفارسهم‬
‫آثرت أذناب الشوائل والحمـضـا‬ ‫لقد طبت نفسا عن مواليك يا رحضا‬
‫وكل ربيع أنت رافضنا رفـضـا‬ ‫تعللنا بالنصر فـي كـل شـتـوة‬
‫لقد جر قوم لحمنا تربـا قـضـا القض والقضيض‪ :‬الحصا الصغار عبد الله بن‬ ‫فلول تأسـينـا وحـد رمـاحـنـا‬
‫الزبير يتمثل بشعره‪ :‬أخبرني الحسن بن علي قال‪ :‬حدثني أحمد بن زهير قال‪ :‬حدثنا مصعب بن عبد الله عن أبيه قال‪ :‬افتعل‬
‫عمرو بن الزبير كتابا عن معاوية إلى مروان بن الحكم بأن يدفع إليه مال‪ ،‬فدفعه إليه‪ ،‬فلما عرف معاوية خبره كتب إلى مروان‬
‫بأن يحبس عمرا حتى يؤدي المال‪ ،‬فحبسه مروان‪ ،‬وبلغ الخبر عبد الله بن الزبير‪ ،‬فجاء إلى مروان وسأله عن الخبر‪ ،‬فحدثه به‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ما لكم في ذمتي‪ ،‬فأطلق عمرا‪ ،‬وأدى عبد الله المال عنه‪ ،‬وقال‪ :‬والله إني لؤديه عنه وإني لعلم أنه غير شاكر‪ ،‬ثم‬
‫‪:‬تمثل قول أمية بن السكر الليثي‬
‫لقد جر قوم لحمنا تربا قضا سيدان يخطبان بنتا له ويتفاخران في الظفر بها‪ :‬وقال‬ ‫فلول تأسينا وحد رماحـنـا‬
‫ابن الكلبي‪ :‬حدثنا بعض بني الحارث بن كعب قال‪ :‬اجتمع يزيد بن عبد المدان وعامر بن الطفيل بموسم عكاظ‪ ،‬فقدم أمية بن‬
‫السكر‪ ،‬ومعه بنت له من أجمل أهل زمانها‪ ،‬فخطبها يزيد وعامر‪ ،‬فقالت أم كلب امرأة أمية‪ :‬من هذان الرجلن? قال‪ :‬هذا ابن‬
‫الديان‪ ،‬وهذا عامر بن الطفيل‪ .‬قالت‪ :‬أعرف ابن الديان‪ ،‬ول أعررف عامرا‪ .‬قال‪ :‬هل سمعت بملعب السنة? قالت‪ :‬نعم والله‪.‬‬
‫‪.‬قال‪ :‬فهذا ابن أخيه‬

‫صفحة ‪2338 :‬‬

‫وأقبل يزيد فقال‪ :‬يا أمية أنا ابن الديان‪ ،‬صاحب الكثيب‪ ،‬ورئيس مذحج‪ ،‬ومكلم العقاب‪ ،‬ومن كان يصوب أصابعه فتنطف دما‪،‬‬
‫‪.‬ويدلك راحتيه فتخرجان ذهبا‪ .‬قال أمية‪ :‬بخ بخ‬
‫فقال عامر‪ :‬جدي الحزم‪ ،‬وعمي أبو الصبع‪ ،‬وعمي ملعب السنة‪ ،‬وجدي الرحال‪ ،‬وأبي فارس قرزل‪ .‬قال أمية‪ :‬بخ بخ‪ ،‬مرعى‬
‫‪.‬ول كالسعدان‪ ،‬فأرسلها‪ .‬مثل‬
‫فقال يزيد‪ :‬يا عامر‪ ،‬هل تعلم شاعرا من قومي رحل بمدحه إلى رجل من قومك? قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فهل تعلم أن شعراء قومك‬
‫يرحلون بمدحهم إلى قومي? قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬فهل لك نجم يمان أو برد يمان أو سيف يمان أو ركن يمان? فقال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فهل‬
‫‪:‬ملكناكم ولم تلمكونا? قال‪ :‬نعم‪ ،‬فنهض يزيد قوقام‪ ،‬ثم قال‬
‫ل تجعلن هوازنا كـمـذحـج‬ ‫أمي يا بن السكر بـن مـدلـج‬
‫ما النبع في مغرسه كالعوسـج‬ ‫إنك إن تلهج بـأمـر تـلـجـج‬
‫‪:‬ول الصريح المحض كالممزج وقال مرة بن دودان العقيلي‪ ،‬وكان عدوا لعامر بن الطفيل‬
‫ماذا الذي من عامر تريد‬ ‫?يا ليت شعري عنك يا يزيد‬
‫أمطلقون نحن أم عبـيد‬ ‫?لكل قوم فخرهـم عـتـيد‬
‫‪:‬ل بل عبيد زادنا الهبـيد فزوج أمية يزيد فقال يزيد في ذلك‬
‫ولعامر بن طفيل الوسـنـان‬ ‫يا للرجال لطـارق الحـزان‬
‫زمنا وصارت بعد للنعـمـان‬ ‫كانت إتاوة قومه لـمـحـرق‬
‫كثفا علي وجـئت بـالـديان‬ ‫عد الفوارس من هوازن كلهـا‬
‫ضم الدسيعة أزأنـي ويمـان‬ ‫فإذا لي الفضل المبين بـوالـد‬
‫غض الشباب أخو ندي وقـيان‬ ‫يا عام إنك فارس مـتـهـور‬
‫دون الذي تسمو له وتـدانـي‬ ‫واعلم بأنك يا بن فارس قرزل‬
‫لك بالفضيلة في بني عـيلن‬ ‫ليست فوارس عامر بمـقـرة‬
‫وبني الضباب وحي آل قنـان‬ ‫فإذا لقيت بني الخميس ومالكـا‬
‫والدافع العدجاء عن نجران‬ ‫?فاسأل من المرء المنوه باسمـه‬
‫كرما لعمرك والكـريم يمـان فقال عامر بن الطفيل مجيبا له‬ ‫‪:‬يعطى المقادة في فوارس قومه‬
‫ولما يجـيء بـه بـنـو الـديان‬ ‫يا للرجـال لـطـارق الحـزان‬
‫وإتاوة سلفت من الـنـعـمـان‬ ‫فخروا علي بحبـوة لـمـحـرق‬
‫وإتاوة اللخمـي فـي عـيلن‬ ‫?ما أنت وابن محـرق وقـبـيلـه‬
‫ودع القبائل من بني قـحـطـان‬ ‫فاقصد بذررعك قصد أمرك قصده‬
‫أولى ففخرك فخـر كـل يمـان‬ ‫إذ كان سالفـنـا التـاوة فـيهـم‬
‫وابن الضباب وزعـبـل وقـيان‬ ‫وافخر برهط بني الحماس ومالك‬
‫وأبو نزار زانـنـي ونـمـانـي‬ ‫وأنا المنخل وابن فـارس فـرزل‬
‫كنت المنوه باسمـه والـثـانـي فلما رجع القوم إلى بني عامر وثبوا على مرة بن‬ ‫وإذا تعاظمت المـور مـوازنـا‬
‫‪:‬دودان‪ ،‬وقالوا‪ :‬أنت شاعر بني عامر ولم تهج بني الديان‪ ،‬فقال‬
‫يقـولـون النـام لـنـــا عـــبـــيد‬ ‫تكـلـفـنـي هـوازن فـخـــر قـــوم‬
‫أبوهم مذحج وأبو أبيهمإذا ما عدت الباء هود‬
‫مقـال والنــام لـــه شـــهـــود‬ ‫?وهل لي إن فخرت بغير فخر‬
‫تجـئ إلـيهـم مـنـــا الـــوفـــود‬ ‫فإنـا لـم نـزل لـهـم قــطـــينـــا‬
‫عن الـعـلـياء أو مـن ذا بـــكـــيد‬ ‫?فإنـا نـضـرب الحـلم صـفــحـــا‬
‫لكـم قـنـا ومـا عـنـكـم مــحـــيد وهذا الخبر مصنوع من مصنوعات ابن‬ ‫فقـولـوا يا بـنـي عــيلن كـــنـــا‬
‫‪.‬الكلبي‪ ،‬والتوليد فيه بين‪ ،‬وشعره شعر ركيك غث‪ ،‬ل يشبه أشعار القوم‪ ،‬وإنما ذكرته لئل يخلو الكتاب من شيء قد روي‬
‫شعره حين أصيب رهط من قومه يوم المريسيع‪ :‬وقال محمد بن حبيب فيما روى عنه أبو سعيد السكري‪ ،‬ونسخته من كتابه‪،‬‬
‫‪:‬قال أبو عمرو الشيباني‬

‫صفحة ‪2339 :‬‬

‫أصيب قوم من بني جندع بن ليث بن بكر بن هوازن رهط أمية بن السكر يقال لهم‪ :‬بنو زبينة‪ ،‬أصابهم أصحاب النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم يوم المريسيع في غزوته بني المصطلق‪ ،‬وكانوا جيرانه يومئذ ‪ -‬ومعهم ناس من بني لحيان من هذيل‪ ،‬ومع بني‬
‫جندع رجل من خزاعة يقال له‪ :‬طارق‪ ،‬فاتهمه بنو ليث بهم‪ ،‬وأنه دل عليهم‪ .‬وكانت خزاعة مسلمها ومشركها يميلون إلى النبي‬
‫‪:‬صلى الله عليه وسلم على قريش‪ .‬فقال أمية بن السكر لطارق الخزاعي‬
‫كنعجة عاد حتفها تـتـحـفـر‬ ‫لعمرك إني والخزاعي طـارقـا‬
‫فظلت بها من آخر الليل تجـزر‬ ‫أثارت عليها شفرة بكـراعـهـا‬
‫أصابهم يوم من الدهر أعـسـر‬ ‫شمت بقوم هم صديقك أهلـكـوا‬
‫ويوم الرجيع إذ تنحر حـبـتـر‬ ‫كأنـك لـم تـنـبـأ بـيوم ذؤالة‬
‫ثأرتم وهم أعدى قلوبـا وأوتـر‬ ‫فهل أباكم في هذيل وعـمـكـم‬
‫صميم سراة الديل عبد ويعـمـر‬ ‫ويوم الراك يوم أردف سبـيكـم‬
‫وكلب بن عوف نحروكم وعقروا‬ ‫وسعد بن ليث إذ تسل نسـاؤكـم‬
‫أمر له يوم من الدهر منـكـر شعر طارق الخزاعي يجيبه فيه‪ :‬فأجابه طارق‬ ‫عجبت لشيخ من ربيعة مهـتـر‬
‫‪:‬الخزاعي فقال‬
‫إلى أي من يظنني أتعذر‬ ‫?لعمرك ما أدري وإني لقائل‬
‫ونال بني لحيان شر ونفروا ابن عباس ومعاوية يتمثلن بشعره وشعر صاحبه‪:‬‬ ‫أعنف أن كانت زبينة أهلكت‬
‫‪.‬وهذه البيات‪ :‬البتداء‪ ،‬والجواب تمثل بابتدائها ابن عباس في رسالة إلى معاوية‪ ،‬وتمثل بجوابها معاوية في رسالة أجابه بها‬
‫حدثني بذلك أحمد بن عيسى بن أبي موسى العجلي العطار بالكوفة‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الحسين بن نصر بن مزاحم المنقري قال‪:‬‬
‫حدثنا زيد بن المعذل النمري‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن شعيب الخراز‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو مخنف‪ ،‬قال‪ :‬لما بلغ معاوية مصاب أمير‬
‫المؤمنين علي ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬دس رجل من بني القين إلى البصرة يتجسس الخبار ويكتب بها إليه‪ ،‬فدل على القيني‬
‫‪.‬بالبصرة في بني سليم‪ ،‬فأخذ وقتل‬
‫وكتب ابن عباس من البصرة إلى معاوية‪ :‬أما بعد‪ ،‬فإنك ودسك أخا بني القين إلى البصرة تلتمس من غفلت قريش مثل الذي‬
‫‪:‬ظفرت به من يمانيتك لكما قال الشاعر‬
‫كنعجة عاد حتفها تتـحـفـر‬ ‫لعمرك إني والخزاعي طارقـا‬
‫فظلت بها من آخر الليل تجزر‬ ‫أثارت عليها شفرة بكراعـهـا‬
‫أصابهم يوم من الدهر أمعـر فأجابه معاوية‪ :‬أما بعد‪ ،‬فإن الحسن قد كتب‬ ‫شمت بقوم هم صديقك أهلكـوا‬
‫‪:‬إلي بنحو مما كتبت به وأنبني بما لم أجن ظنا وسوء رأي‪ ،‬وإنك لم تصب مثلنا‪ ،‬ولكن مثلنا ومثلكم كما قال طارق الخزاعي‬
‫إلى أي من يظنني أتعذر‬ ‫?فوالله ما أدري وإني لصادق‬
‫ونال بني لحيان شر ونفروا‬ ‫أعنف أن كانت زبينة أهلكت‬
‫صوت‬

‫بصري وفي لمصلح مستمتع‬ ‫أبني إني قد كبرت ورابـنـي‬


‫وحلت لكم مني خلئق أربع عروضه من الكامل‪ ،‬والشعر لعبدة بن الطبيب‪،‬‬ ‫فلئن كبرت نقد دنوت من البلى‬
‫والغناء لبن محرز‪ ،‬ولحنه من القدر الوسط من الثيقيل الول بالبنصر في مجراها عن إسحاق‪ ،‬وفيه لمعبد خفيف ثقيل أول‬
‫‪.‬بالبنصر في مجراها عنه أيضا‬

‫نسب عبدة بن الطبيب وأخباره‬


‫نسبه واسم الطبيب أبيه‬
‫هو فيما ذكر ابن حبيب عن ابن العرابي‪ ،‬وأبو نصر أحمد بن حاتم عن الصمعي وأبي عمرو الشيباني وأبي فروة العكلي‪ :‬عبدة‬
‫بن الطبيب‪ ،‬والطبيب اسمه يزيد بن عمبو بن وعلة بن أنس بن عبد الله بن عبد تيم بن جشم بن عبد شمس‪ .‬ويقال‪ :‬عبشمس‬
‫‪.‬بن سعد بن زيد مناة بن تميم‬
‫وقال ابن حبيب خاصة‪ :‬وقد أخبرني أبو عبيدة قال‪ :‬تميم كلها كانت في الجاهلية يقال لها‪ :‬عبد تيم‪ ،‬وتيم‪ :‬صنم كان لهم‬
‫‪.‬يعبدونه‬
‫كان شاعرا مجيدا ليس بالمكثر‪ :‬وعبدة شاعر مجيد ليس بالمكثر‪ ،‬وهو مخضرم‪ ،‬أدرك السلم فأسلم‪ ،‬وكان في جيش النعمان‬
‫‪:‬بن المقرن الذين حاربوا معه الفرس بالمدائن‪ .‬وقد ذكر ذلك في قصيدته التي أولها‬
‫أم أنـت عـنـهـا بـعـيد الـدار مـشــغـــول‬ ‫?هل حـبـل خـولة بـعـد الـهـجـر مـوصـــول‬
‫حلت خويلة في دار مجاورةأهل المدينة فيها الديك والفيل‬
‫صفحة ‪2340 :‬‬

‫منهم فوارس ل عزل ول ميل أرثى بيت قالته العرب من شعره‪ :‬أخبرني‬ ‫يقارعون رؤوس العجم ضاحية‬
‫محمد بن العباس اليزيدي قال‪ :‬حدثني عبد الرحمن ابن أخي الصمعي عن عمه قال‪ :‬أرثى بيت قالته العرب قول عبدة بن‬
‫‪:‬الطيب‬
‫ولكنه بنيان قـوم تـهـدمـا وتمام هذه البيات‪ :‬أنشدناه علي بن سليمان‬ ‫فما كان قيس هلكه هلك واحد‬
‫‪:‬الخفش عن السكري والمبرد والحول لعبدة يرثي قيسا‬
‫ورحمته ما شاء أن يترحمـا‬ ‫عليك سلم الله قيس بن عاصم‬
‫إذا زار عن شحط بلدك سلما‬ ‫تحية من أوليته منك نـعـمة‬
‫ولكنه بنيان قـوم تـهـدمـا يترفع عن الهجاء‪ :‬أخبرني محمد بن الحسن بن دريد‬ ‫وما كان قيس هلكة هلك واحد‬
‫قال‪ :‬حدثنا أبو عثمان الشنانداني عن التوزي عن أبي عبيدة عن يونس قال‪ :‬قال رجل لخالد بن صفوان‪ :‬كان عبدة بن الطبيب‬
‫ل يحسن أن يهجو‪ ،‬فقال‪ :‬ل تقل ذاك‪ ،‬فوالله ما أبى من عي‪ ،‬ولكنه كان يترفع عن الهجاء ويراه ضعة‪ ،‬كما يرى تركه مروءة‬
‫‪:‬وشرفا‪ ،‬قال‬
‫على عيب الرجال أولو العيبو عبد الملك بن مروان يروي أفضل ما ذكره في‬ ‫وأجرأ من رأيت بظهر غيب‬
‫شعر له‪ :‬أخبرني محمد بن القاسم النباري قال‪ :‬حدثنا أحمد بن يحيى ثعلب‪ ،‬عن ابن العرابي‪ :‬أن عبد الملك بن مروان قال‬
‫يوما لجلسائه‪ :‬أي المناديل أشرف? فقال قائل منهم‪ :‬مناديل مصر‪ ،‬كأنها غرقئ البيض‪ .‬وقال آخرون‪ :‬مناديل اليمن‪ ،‬كأنها نور‬
‫‪:‬الربيع‪ .‬فقال عبد الملك‪ :‬مناديل أخي بني سعد عبدة بن الطبيب‪ ،‬قال‬
‫وفار للقوم باللحم المراجـيل‬ ‫لما نزلنا نصبنا ظل أخـبـية‬
‫ما غير الغلي منه فهو مأكول‬ ‫ورد وأشقر ما يؤنيه طابخـه‬
‫أعرافهن ليدينـا مـنـاديل يعني بالمراجيل‪ :‬المراجل‪ ،‬فزاد فيها الياء ضرورة‬ ‫‪.‬ثمت قمنا إلى جرد مـسـومة‬

‫صوت‬

‫أخذن بعضي وتركن بعضي‬ ‫إن الليالي أسرعت في نقضي‬


‫أقعدنني من بعد طول نهض عروضه من الرجز‪ ،‬الشعر للغلب العجلي‪ ،‬والغناء‬ ‫حنين طولي وطوين عرضي‬
‫‪.‬لعمرو بن بانة‪ ،‬هزج بالبنصر‬

‫أخبار الغلب ونسبه‬


‫نسبه‬
‫‪.‬هو ‪ -‬فيما ذكر ابن قتيبة ‪ -‬الغلب بن جشم بن سعد بن عجل بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل‬
‫إسلمه واستشهاده‪ :‬وهو أحد المعمرين‪ ،‬عمر في الجاهلية عمرا طويل‪ ،‬وأدرك السلم فأسلم‪ ،‬وحسن إسلمه وهاجر‪ ،‬ثم كان‬
‫‪.‬فيمن توجه إلى الكوفة مع سعد بن أبي وقاص‪ ،‬فنزلها‪ ،‬واستشهد في وقعة بنهاوند‪ ،‬فقبره هناك في قبور الشهداء‬
‫‪:‬هو أول من رجز الراجيز الطوال‪ :‬ويقال‪ :‬إنه أول من رجز الرايجز الطوال من العرب‪ ،‬وإياه عنى الحجاج بقوله مفتخرا‬
‫إني أنا الغلب أمسى قد نشد قال ابن حبيب‪ :‬كانت العرب تقول الرجز في الحرب والحداء والمفاخرة وما جرى هذا المجرى‪،‬‬
‫‪.‬فتأتي منه بأبيات يسيرة‪ ،‬فكان الغلب أول من قصد الرجز‪ ،‬ثم سلك الناس بعده طريقته‬
‫كانت له سرحة يصعد عليها ويرتجز‪ :‬أخبرنا الفضل بن الحباب الجمحي أو خليفة في كتابه إلينا‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا محمد بن سلم‪،‬‬
‫‪.‬قال‪ :‬حدثنا الصمعي‬
‫وأخبرنا أحمد بن محمد أبو الحسن السدي قال حدثنا الرياشي‪ ،‬قال حدثنا معمر بن عبد الوارث عن أبي عمرو بن العلء‪ ،‬قال‪:‬‬
‫‪:‬كانت للغلب سرحة يصعد عليها‪ ،‬ثم يرتجز‬
‫وقد شمطت بعدها واشمطت فاعترضه رجل من بني سعد‪ ،‬ثم أحد بني الحارث‬ ‫قد عرفتني سرحتي فأطـت‬
‫‪:‬بن عمرو بن كعب بن سعد‪ ،‬فقال له‬
‫عبد إذا ما رسب القـوم طـفـا‬ ‫قبحت من سـالـفة ومـن قـفـا‬
‫كما شرار الرعي أطراف السفى ينقص عمر عطاءه لقبوله النشاد من شعر في الجاهلية‪ :‬أخبرني أحمد بن عبد العزيز‬
‫الجوهري‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عمر بن شبة‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن عباد بن حبيب المهلبي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني نصر بن ناب عن داود بن أبي‬
‫هند عن الشعبي‪ ،‬قال‪ :‬كتب عمر بن الخطاب إلى المغيرة بن شعبة وهو على الكوفة‪ :‬أن أستنشد من قبلك من شعراء قومك‬
‫‪:‬ما قالوا في السلم‪ ،‬فأرسل إلى الغلب العجلي فاستنشده فقال‬
‫?لقد سألت هينا موجودا أجرزا تريد أم قصيدا‬

‫صفحة ‪2341 :‬‬

‫ثم أرسل إلى لبيد فقال له‪ :‬إن شئت مما عفا الله عنه ‪ -‬يعني الجاهلية ‪ -‬فعلت‪ .‬قال‪ :‬ل‪ ،‬أنشدني ما قلت في السلم‪.‬‬
‫‪.‬فانطلق لبيد فكتب سورة البقرة في صحيفة‪ ،‬وقال‪ :‬أبدلني الله عز وجل بهذه في السلم مكان الشعر‬
‫فكتب المغيرة بذلك إلى عمر‪ ،‬فنقص عمر من عطاء الغلب خمسمائة‪ ،‬وجعلها في عطاء لبيد؛ فكتب إلى عمر‪ :‬يا أمير‬
‫‪.‬المؤمنين‪ ،‬أتنقص عطائي أن أطعتك فرد عليه خمسمائة وأقر عطاء لبيد على ألفين وخمسمائة‬
‫أخبرني محمد بن عبد العزيز‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عمر بن شبة‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن حاتم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا علي بن القاسم‪ ،‬عن الشعبي‬
‫‪:‬قال‪ :‬دخل الغلب على عمر‪ ،‬فلما رآه قال‪ :‬هيه‪ ،‬أنت القائل‬
‫لقد سألت هينا موجودا فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين إنما أطعتك‪ ،‬فكتب عمر إلى المغيرة‪:‬‬ ‫أرجزا تريد أم قصيدا?‬
‫‪.‬أن أردد عليه الخمس المائة وأقر الخمس المائة للبيد‬
‫شعر في سجاح حين تزوجت مسيلمة‪ :‬أخبرنا أبو خليفة عن مححمد بن سلم قال‪ :‬قال الغلب العجلي في سجاج لما تزوجت‬
‫‪:‬مسيلمة الكذاب‬
‫ملوحا في العين مجلود الـقـرا‬ ‫لقد لقيت سجاح من بعد العـمـى‬
‫من اللجميميين أصحاب القـرى‬ ‫مثل العتيق في شبـاب قـد أتـى‬
‫نشأ بلحم وبخبز مـا اشـتـرى‬ ‫ليس بـذي واهـنة ول نـســا‬
‫خاظى البضيع لحمه خظابـظـا‬ ‫حتى شتا ينتـح ذفـراه الـنـدى‬
‫إذا تمطى بـين بـرديه صـأى‬ ‫كأنما جمع من لحم الـخـصـى‬
‫حبل عجوز ضفرت سبع قـوى‬ ‫كأن عـــــرق أيره إذا ودى‬
‫يرفع وسطاهن من برد الـنـدى‬ ‫يمشي على قوائم خـمـس زكـا‬
‫قال حديثا لم يغيرنـي الـبـلـى‬ ‫قالت‪ :‬متى كنت أبا الخير متـى?‬
‫فانتسفت فيشتـه ذات الـشـوى‬ ‫ولم أفارق خلة لي عـن قـلـى‬
‫مازال عنها بالحديث والمـنـى‬ ‫كأن في أجلدها سـبـع كـلـى‬
‫قال‪ :‬أل ترينـه قـالـت‪ :‬أرى‬ ‫والخلق السفساف يردى في الردى‬
‫فشام فيها مثل محراث الغضـى‬ ‫قال‪ :‬أل أدخله? قالـت‪ :‬بـلـى‬
‫لمثلها كنت أحسـيك الـحـسـا من أخبار سجاح‪ :‬وكان من خبر سجاح وادعائها‬ ‫يقول لما غاب فيهـا واسـتـوى‬
‫النبوة وتزويج مسيلمة الكذاب إياها ما أخبرنا به إبراهيم بن النسوي يحيى‪ ،‬عن أبيه عن شعيب عن سيف‪ :‬إن سجاح التميمية‬
‫ادعت النوبة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬واجتمعت عليها بنو تميم‪ ،‬فكان فيما ادعت أنه أنزل عليها‪ :‬يأيها‬
‫‪.‬المؤمنون المتقون‪ ،‬لنا نصف الرض‪ ،‬ولقريش نصفها‪ ،‬ولكن قريشا قوم يبغون‬
‫‪.‬واجتمعت بنو تميم كلها إليها لتنصرها‪ .‬وكان فيهم الحنف ين قيس‪ ،‬وحارثة بن بدر‪ ،‬ووجوه تميم كلها‬
‫وكان مؤذنها شبيب بن ربعي الرياحي‪ ،‬فعمدت في جيشها إلى مسيلمة الكذاب وهو باليمامة‪ ،‬وقالت‪ :‬يا معشر تميم‪ ،‬اقصدوا‬
‫‪.‬اليمامة‪ ،‬فاضربوا فيها كل هامة‪ ،‬وأضرموا فيها نارا ملهامة‪ ،‬حتى تتركوها سوداء كالحمامة‬
‫وقالت لبني تميم‪ :‬إن الله لم يجعل هذا المر في ربيعة‪ ،‬وإنما جعله في مضر‪ ،‬فاقصدوا هذا الجمع‪ ،‬فإذا فضضتموه كررتم على‬
‫قريش‪ .‬فسارت في قومها وهم الدهم الداهم‪ .‬وبلغ مسيلمة خبرها‪ ،‬فضاق بها ذرعا‪ ،‬وتحصن في حجر حصن اليمامة‪ .‬وجاءت‬
‫في جيوشها فأحاطت به‪ ،‬فأرسل إلى وجوه قومه وقال‪ :‬ما ترون? قالوا‪ :‬نرى أن نسلم هذا المر إليها وتدعنا‪ ،‬فإن لم نفعل‬
‫‪.‬فهو البوار‬
‫وكان مسيلمة ذا دهاء‪ ،‬فقال‪ :‬سأنظر في هذا المر‪ .‬ثم بعث إليها‪ :‬إن الله ‪ -‬تبارك وتعالى ‪ -‬أنزل عليك وحيا‪ ،‬وأنزل علي‪.‬‬
‫‪.‬فهلمي نجتمع‪ ،‬فنتدارس ما أنزل الله علينا‪ ،‬فمن عرف الحق تبعه‪ ،‬واجتمعنا فأكلنا العرب أكل بقومي وقومك‬
‫فبعثت إليه‪ :‬أفعل‪ ،‬فأمر بقبة أدم فضربت‪ ،‬وأمر بالعود المندلي فسجر فيها‪ ،‬وقال‪ :‬أكثروا من الطيب والمجمر‪ ،‬فإن المرأة إذا‬
‫‪.‬شمت رائحة الطيب ذكرت الباه‪ ،‬ففعلوا ذلك‬

‫صفحة ‪2342 :‬‬

‫وجاءها رسوله يخبرها بأمقر القبة المضروبة للجتماع‪ ،‬فأتته فقالت‪ :‬هات ما أنزل عليك‪ .‬فقال‪ :‬ألم تر كيف فعل ربك بالحبلى‪،‬‬
‫أخرج منها نطفة تسعى‪ ،‬بين صفاق وحشا‪ ،‬من بين ذكر وأنثى‪ ،‬وأموات وأحيا‪ ،‬ثم إلى ربهم يكون المنتهى‪ .‬قالت‪ :‬وماذا? قال‪:‬‬
‫ألم تر أن الله خلقنا أفواجا‪ ،‬وجعل النساء لنا أزواجا‪ ،‬فنولج فيهن الغراميل إيلجا‪ ،‬ونخرجها منهن إذا شئن إخراجا‪ .‬قالت‪ :‬فبأي‬
‫‪:‬شيء أمرك? قال‬
‫فقـد هـبـي لـك الـمـضــجـــع‬ ‫أل قـومـــي إلـــى الـــنـــيك‬
‫فإن شئتي ففي البيت وإن شئتي ففي المخدع‬
‫وإن شـئتــي عـــلـــى أربـــع‬ ‫وإن شئتي سلقناك‬
‫وإن شـئتـــي بـــه أجـــمـــع قال‪ :‬فقالت‪ :‬ل‪ ،‬إل به أجمع‪ .‬قال‪ :‬فقال‪ :‬كذا أوحى‬ ‫وإن شـئتــي بـــثـــلـــثـــيه‬
‫الله إلي‪ ،‬فواقعها‪ .‬فلما قام عنها قالت‪ :‬إن مثلي ل يجري أمرها هكذا‪ ،‬فيكون وصمة على قومي وعلي‪ ،‬وليكن مسلمة النبوة‬
‫‪.‬إليك‪ ،‬فاخطبني إلى أوليائي يزوجوك‪ ،‬ثم أقود تميما معك‬
‫فخرج وخرجت معه‪ ،‬فاجتمع الحيان من حنيفة وتميم‪ ،‬فقالت لهم سجاح‪ :‬إنه قرأ علي ما أنزل عليه‪ ،‬فوجدته حقا‪ ،‬فاتبعته‪ ،‬ثم‬
‫خطبها‪ ،‬فزوجوه إياها‪ ،‬وسألوه عن المهر‪ ،‬فقال‪ :‬قد وضعت عنكم صلة العصر‪ ،‬فبنو تميم إلى الن بالرمل ل يصلونها‪ ،‬ويقولون‪:‬‬
‫‪:‬هذا حق لنا‪ ،‬ومهر كريمة منا ل نرده‪ .‬قال‪ :‬وقال شاعر من بني تميم يذكر أمر سجاح في كلمة له‬
‫وأصبحت أنبياء الله ذكرانا قال‪ :‬وسمع الزبرقان بن بدر لحنف يومئذ‪ ،‬وقد ذكر‬ ‫أضحت نبيتنا أنثى نطيف بها‬
‫مسيلمة وما تله عليهم‪ ،‬فقال الحنف‪ :‬والله ما رأيت أحمق من هذا النبي قط‪ .‬فقال الزبرقان‪ :‬والله لخبرن بذلك مسيلمة‪.‬‬
‫‪.‬قال‪ :‬إذا والله أحلف أنك كذبت فيصدقني ويكذبك‪ .‬قال‪ :‬فأمسك الزبرقان‪ ،‬وعلم أنه قد صدق‬
‫قال‪ :‬وحدث الحسن البصري بهذا الحديث‪ ،‬فقال‪ :‬أمن والله أبو بحر من نزول الوحي‪ .‬قال‪ :‬فأسلمت سجاح بعد ذلك وبعد قتل‬
‫‪.‬مسيلمة‪ ،‬وحسن إسلمها‬

‫صوت‬

‫ولوعة من هواك أضمرهـا‬ ‫كم ليلة فيك بت أسهـرهـا‬


‫ثم يعود الجوى فيسعـرهـا‬ ‫وحرقة والدموع تطـفـئهـا‬
‫في خجل دائب يعصفرهـا‬ ‫بيضاء رود الشباب قد غمست‬
‫عيناي إل من حيث أبصرها الشعر للبحتري‪ ،‬والغناء لعريب‪ ،‬رمل مطلق من مجموع‬ ‫الله جار لها فمـا امـتـلت‬
‫‪.‬أغانيها‪ ،‬وهو لحن مشهور في أيدي الناس‪ ،‬والله أعلم‬

‫أخبار البحتري ونسبه‬


‫نسبه وكنيته‬
‫هو الوليد بن عبيد الله بن يحيى بن عبيد بن شملل بن جابر بن سلمة بن مسهر بن الحارث بن خيثم ابن أبي حارثة بن جدي‬
‫بن تدول بن بحتر بن عتود بن عثمة بن سلمان بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن جلهمة وهو طيئ بن أدد بن زيد بن كهلن بن‬
‫‪.‬سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان‬
‫شاعريته وندرة هجائه‪ :‬ويكنى أبا عبادة‪ ،‬شاعر فاضل فصيح حسن المذهب‪ ،‬نقي الكلم‪ ،‬مطبوع‪ ،‬كان مشايخنا رحمة الله‬
‫عليهم يختمون به الشعراء‪ ،‬وله تصرف حسن فاضل نقي في ضروف الشعر‪ ،‬سوى الهجاء‪ ،‬فإن بضاعته فيه نزرة‪ ،‬وجيده منه‬
‫قليل‪ .‬وكان ابنه أبو الغوث يزعم أن السبب في قلة بضاعته في هذا الفن أنه لما حضره الموت دعابه‪ ،‬وقال له‪ :‬اجمع كل‬
‫شيء قلته في الهجاء‪ .‬ففعل‪ ،‬فأمره بإحراقه‪ ،‬ثم قال له‪ :‬يا بني‪ ،‬هذا شيء قلته في وقت‪ ،‬فشفيت به غيظي‪ ،‬وكافأت به قبيحا‬
‫فعل بي‪ ،‬وقد انقضى أربي في ذلك‪ ،‬وإن بقي روي‪ ،‬وللناس أعقاب يورثونهم العداء والمودة‪ ،‬وأخشى أن يعود عليك من هذا‬
‫‪.‬شيء في نفسك أو معاشك ل فائدة لك ولي فه‪ ،‬قال‪ :‬فعلمت أنه قد نصحني وأشفق علي‪ ،‬فأحرقته‬
‫‪.‬أخبرني بذلك علي بن سليمان الخفش عن أبي الغوث‬
‫وهذا ‪ -‬كما قال أبو الغوث ‪ -‬ل فائدة لك ول لي فيه‪ ،‬لن الذي وجدناه وبقي في أيدي الناس من هجائه أكثره ساقط‪ ،‬مثل قوله‬
‫‪:‬في ابن شيرزاد‬
‫وبان ضراطك عنا فمر ومثل قوله في علي بن الجهم‬ ‫‪:‬نفقت نفوق الحمار الذكر‬
‫لزادك منه في غلظ اليور‬ ‫ولو أعطاك ربك ما تمنـى‬
‫بما لفقت من كذب وزور وأشباه لهذه البيات‪ ،‬ومثلها ل يشاكل طبعه‪ ،‬ول تليق‬ ‫علم طفقت تهجوني ملـيا‬
‫بمذهبه‪ ،‬وتنبئ بركاكتها وغثاثة ألفاظها عن قلة حظه في الهجاء‪ ،‬وما يعرف له هجاء جيد إل قصيدتان إحداهما قوله في ابن أبي‬
‫‪:‬قماش‬

‫صفحة ‪2343 :‬‬

‫مبدية للشنان والـشـنـف يقول فيها لبن أبي قماش‬ ‫‪:‬مرت على عزمها ولم تقف‬
‫تعرف ما في ضميرها النطف‬ ‫قد كان في الواجب المحقق أن‬
‫أوتيت من حكمة ومن لطـف‬ ‫بما تعاطيت في العـيوب ومـا‬
‫هرة في الجد منه والشـرف‬ ‫أما رأيت المريخ قد مازج الز‬
‫في حالتي ثابت ومنـصـرف‬ ‫وأخبرتك النحـوس أنـكـمـا‬
‫التقويم والزيج جد منعـكـف‬ ‫من أين أعملت ذا وأنت علـى‬
‫فت المها أو نظرت في الكتف‬ ‫أما زجرت الطير العل أو تعي‬
‫أكديت أو رمتها على الخرف‬ ‫رذلت في هذه الصـنـاعة أو‬
‫إل وخلخالها مع الـشـنـف وهي طويلة‪ ،‬ولم يكن مذهبي ذكرها إل للخبار عن‬ ‫لم تخط باب الدهليز منصرفـا‬
‫مذهبه في هذا الجنس‪ ،‬وقصيدته في يعقوب بن الفرج النصراني‪ ،‬فإنها ‪ -‬وإن لم تكن في أسلوب هذه وطريقتها ‪ -‬تجري مجرى‬
‫‪:‬التهكم باللفظ الطيب الخبيث المعاني‪ ،‬وهي‬
‫وقد خلج البين من قد خلج وكان البحتري يتشبه بأبي تمام من شعره‪ ،‬ويحذو مذهبه‪،‬‬ ‫تظن شجوني لم تعتـلـج‬
‫وينحو نحوه في البديع الذي كان أبو تمام يستعمله‪ ،‬ويراه صاحبا وإماما‪ ،‬ويقدمه على نفسه‪ ،‬ويقول في الفرق بينه وبينه قول‬
‫‪.‬منصف‪ :‬إن جيد أبي تمام خير من جيده‪ ،‬ووسطه ورديئه خير من وسط أبي تمام ورديئه‪ ،‬وكذا حكم هو على نفسه‬
‫هو وأبو تمام‪ :‬أخبرني محمد بن يحيى الصولي‪ :‬قال‪ :‬حدثني الحسين بن علي الياقظاني‪ :‬قال‪ :‬قلت للبحتري‪ :‬أيما أشعر أنت أو‬
‫‪.‬أبو تمام? فقال‪ :‬جيده خير من جيدي‪ ،‬ورديئي خير من رديئه‬
‫حدثني محمد بن يحيى قال‪ :‬حدثني أبو الغوث يحيى بن البحتري‪ :‬قال‪ :‬كان أبي يكنى أبا الحسن‪ ،‬وأبا عبادة‪ ،‬فأشير علي في‬
‫‪.‬أيام المتوكل بأن أقتصر على أبي عبادة‪ ،‬فإنها أشهر‪ ،‬فاقتصرت عليها‬
‫حدثني محمد قال‪ :‬سمعت عبد الله بن الحسين بن سعد يقول للبحتري ‪ -‬وقد اجتمعنا في دار عبد الله بالخلد‪ ،‬وعنده المبرد‬
‫في سنة ست وسبعين ومائتين‪ ،‬وقد أنشد البحتري شعرا لنفسه قد كان أبو تمام قال في مثله ‪ : -‬أنت والله أشعر من أبي‬
‫تمام في هذا الشعر‪ ،‬قال‪ :‬كل والله‪ ،‬إن أبا تمام للرئيس والستاذ‪ ،‬والله ما أكلت الخبر إل به‪ ،‬فقال له المبرد‪ :‬لله درك يا أبا‬
‫‪.‬الحسن‪ ،‬فإنك تأبى إل شرفا من جميع جوانبك‬
‫حدثني محمد‪ :‬قال‪ :‬حدثني الحسين بن إسحاق‪ :‬قال‪ :‬قلت للبحتري‪ :‬إن الناس يزعمون أنك أشعر من أبي تمام‪ ،‬فقال‪ :‬والله‬
‫ما ينفعني هذا القول‪ ،‬ول يضر أبا تمام‪ ،‬والله ما أكلت الخبز إل به‪ ،‬ولوددت أن المر كان كما قالوا‪ ،‬ولكني اوالله تابع له آخذ‬
‫‪.‬منه لئذ به‪ ،‬نسيمي يركد عند هوائه‪ ،‬وأرضي تنخفض عند سمائه‬
‫حدثني محمد بن يحيى‪ :‬قال‪ :‬حدثني سوار بن أبي شراعة‪ ،‬عن البحتري‪ :‬قال‪ :‬وحدثني أبو عبد الله اللوسي‪ ،‬عن علي بن‬
‫يوسف‪ ،‬عن البحتري‪ :‬قال‪ :‬كان أول أمري في الشعر ونباهتي أني صرت إلى أبي تمام‪ ،‬وهو بحمص‪ ،‬فعرضت عليه شعري‪،‬‬
‫وكان الشعراء يعرضون عليه أشعارهم‪ ،‬فأقبل علي‪ ،‬وترك سائر من حضر‪ ،‬فلما تفرقوا قال لي‪ :‬أنت أشعر من أنشدني‪ ،‬فكيف‬
‫بالله حالك? فشكوت خلة فكتب إلى أهل معرة النعمان‪ ،‬وشهد لي بالحذق بالشعر‪ ،‬وشفع لي إليهم وقال‪ :‬امتدحهم‪ ،‬فصرت‬
‫إليهم‪ ،‬فأكرموني بكتابه‪ ،‬ووظفوا لي أربعة آلف درهم‪ ،‬فكانت أول مال أصبته‪ .‬وقال علي بن يوسف في خبره‪ :‬فكانت نسخة‬
‫‪ .‬كتابه‪ :‬يصل كتابي هذا على يد الوليد أبي عبادة الطائي‪ ،‬وهو ‪ -‬على بذاذته ‪ -‬شاعر‪ ،‬فأكرموه‬
‫يعشق غلما فيلتحي‪ :‬حدثني جحظة‪ :‬قال‪ :‬سمعت البحتري يقول‪ :‬كنت أتعشق غلما من أهل منبج يقال له شقران‪ ،‬واتفق لي‬
‫‪:‬سفر‪ ،‬فخرجت فيه‪ ،‬فأطلت الغيبة‪ ،‬ثم عدت‪ ،‬وقد التحى‪ ،‬فقلت فيه‪ ،‬وكان أول شعر قلته‬
‫ن شـقـيق الـنـفـس بـعـــدي‬ ‫نبـتـت لـحـــية شـــقـــرا‬
‫‪.‬حلقت‪ ،‬كيف أتته قبل أن ينجز وعدي وقد روى في غير هذه الحكاية أن اسم الغلم شندان‬
‫بدء التعارف بينه وبين أبي تمام‪ :‬حدثني علي بن سليمان‪ :‬قال‪ :‬حدثني أبو الغوث بن البحتري عن أبيه‪ ،‬وحدثني عمي‪ :‬قال‪:‬‬
‫حدثني علي بن العباس النوبختي‪ ،‬عن البحتري‪ ،‬وقد جمعت الحكايتين‪ ،‬وهما قريبتان‪ :‬قال‪ :‬أول ما رأيت أبا تمام أني دخلت‬
‫‪:‬على أبي سعيد محمد بن يوسف‪ ،‬وقد مدحته بقصيدتي‬

‫صفحة ‪2344 :‬‬

‫أو خان عهدا أو أطاع شفيقا? فسر بها أبو سعيد‪ ،‬وقال‪ :‬أحسنت والله يا فتى‬ ‫أأفاق صب من هوى فأفيقـا‬
‫وأجدت‪ ،‬قال‪ :‬وكان في مجلسه رجل نبيل رفيع المجلس منه‪ ،‬فوق كل من حضر عنده‪ ،‬تكاد تمس ركبته ركبته‪ ،‬فأقبل علي ثم‬
‫قال‪ :‬يا فتى‪ ،‬أما تستحي مني هذا شعر لي تنتحله‪ ،‬وتنشده بحضرتي فقال له أبو سعيد‪ :‬أحقا تقول قال‪ :‬نعم‪ ،‬وإنما علقه مني‪،‬‬
‫فسبققني به إليك‪ ،‬وزاد فيه‪ ،‬ثم اندفع فأنشد أكثر هذه القصيدة‪ ،‬حتى شككني ‪ -‬علم الله ‪ -‬في نفسي‪ ،‬وبقيت متحيرا‪ ،‬فأقبل‬
‫علي أبو سعيد‪ ،‬فقال‪ :‬يا فتى‪ ،‬قد كان في قرابتك منا وودك لنا ما يغنيك عن هذا‪ ،‬فجعلت أحلف له بكل محرجة من اليمان أن‬
‫الشعر لي ما سبقني إليه أحد‪ ،‬ول سمعته منه‪ ،‬ول انتحلته‪ ،‬فلم ينفع ذلك شيئا‪ ،‬وأطرق أبو سعيد‪ ،‬وقطع بي‪ ،‬حتى تمنيت أن‬
‫سخت في الرض‪ ،‬فقمت منكسر البال أجر رجلي‪ ،‬فخرجت‪ ،‬فما هو إل أن بلغت باب الدار حتى خرج الغلمان فردوني‪ ،‬فأقبل‬
‫علي الرجل‪ ،‬فقال‪ :‬الشعر لك يا بني‪ ،‬والله ما قلته قط‪ ،‬ول سمعته إل منك‪ ،‬ولكنني ظننت أنك تهاونت بموضعي‪ ،‬فأقدمت على‬
‫النشاد بحضرتي من غير معرفة كانت بيننا‪ ،‬تريد بذلك مضاهاتي ومكاثرتي‪ ،‬حتى عرفني المير نسبك وموضعك‪ ،‬ولوددت أل تلد‬
‫أبدا طائية إل مثلك‪ ،‬وجعل أبو سعيد يضحك‪ ،‬ودعاني أبو تمام‪ ،‬وضمني إليه‪ ،‬وعانقني‪ ،‬وأقبل يقرظني‪ ،‬ولزمته بعد ذلك‪ ،‬وأخذت‬
‫‪.‬عنه‪ ،‬واقتديت به‪ ،‬هذه رواية من ذكرت‬
‫إشاد له بأبي سعيد محمد بن يوسف الثغري‪ :‬وقد حدثني علي بن سليمان الخفش أيضا قال‪ :‬حدثني عبد الله بن الحسين بن‬
‫سند القطربلي‪ :‬أن البحتري حدثه أنه دخل على أبي سعيد محمد بن يوسف الثغري‪ ،‬وقد مدحه بقصيدة‪ ،‬وقصده بها‪ ،‬فألقى‬
‫عنده أبا تمام وقد أنشده قصيدة له فيه‪ ،‬فاستأذنه البحتري في النشاد وهو يومئذ حديث السن‪ ،‬فقال له‪ :‬يا غلم أنشدني‬
‫بحضرة أبي تمام? فقال‪ :‬تأذن ويستمع‪ ،‬فقام‪ ،‬فأنشده إياها‪ ،‬وأبو تمام يسمع ويهتز من قرنه إلى قدمه استحسانا فلما فرغ منها‬
‫قال‪ :‬أحسنت والله يا غلم‪ ،‬فممن أنت? قال‪ :‬من طيئ‪ ،‬فطرب أبو تمام وقال‪ :‬من طيئ‪ ،‬الحمد لله على ذلك‪ ،‬لوددت أن كل‬
‫طائية تلد مثلك‪ ،‬وقبل بين عينيه‪ ،‬وضمه إليه وقال لمحمد بن يوسف‪ :‬قد جعلت له جائزتي‪ ،‬فأمر محمد بها‪ ،‬فضمت إلى مثلها‪،‬‬
‫ودفعت إلى البحتري‪ ،‬وأعطى أبا تمام مثلها‪ ،‬وخص به‪ ،‬وكان مداحا له طول أيامه ولبنه بعده‪ ،‬ورثاهما بعد مقتليهما‪ ،‬فأجاد‪،‬‬
‫ومراثيه فيهما أجود من مدائحه‪ ،‬وروى أنه قيل له في ذلك فقال‪ :‬من تمام الوفاء أن تفضل المراثي المدائح ل كما قال الخر ‪-‬‬
‫‪.‬وقد سئل عن ضعف مراثيه فقال ‪ : -‬كنا نعمل للرجاء‪ ،‬نحن نعمل اليوم للوفاء‪ .‬وبينهما بعد‬
‫كان بخيل زري الهيئة‪ :‬حدثني حكم بن يحيى الكنتحي قال‪ :‬كان البحتري من أوسخ خلق الله ثوبا وآلة وأبخلهم على كل شيء‪،‬‬
‫وكان له أخ وغلم معه في داره‪ ،‬فكان يقتلهما جوعا‪ ،‬فإذا بلغ منها الجوع أتياه يبكيان‪ ،‬فيرمي إليهما بثمن أقواتهما مضيقا‬
‫‪.‬مقترا‪ ،‬ويقول‪ :‬كل‪ ،‬أجاع الله أكبادكما وأعرى أجلدكما وأطال إجهادكما‬
‫قال حكم بن يحيى‪ :‬وأنشدته يوما من شعر أبي سهل بن نوبخت‪ ،‬فجعل يحرك رأسه‪ ،‬فقلت له‪ :‬ما تقول فيه? فقال‪ :‬هو يشبه‬
‫‪.‬مضغ الماء ليس له طعم ول معنى‬
‫وحدثني أبو مسلم محمد بن بحر الصبهاني الكاتب‪ ،‬قال‪ :‬دخلت على البحتري يوما فاحتبسني عنده‪ ،‬ودعا بطعام له‪ ،‬ودعاني‬
‫إليه‪ ،‬فامتنعت من أكله‪ ،‬وعنده شيخ شامي ل أعرفه‪ ،‬فدعاهخ إلى الطعام‪ ،‬فتقدم‪ ،‬وأكل معه أكل عنيفا‪ ،‬فغاظه ذلك‪ ،‬والتفت‬
‫‪:‬إلي‪ ،‬فقال لي‪ :‬أتعرف هذا الشيخ? فقلت‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬هذا شيخ من بني الهجيم الذي يقول فيهم الشاعر‬
‫حص اللحى متشابهو اللوان‬ ‫وبنو الهجيم قبيلة ملـعـونة‬
‫بعمان أصبح جمعهم بعمان قال‪ :‬فجعل الشيخ يشتمه‪ ،‬ونحن نضحك‬ ‫‪.‬لو يسمعون بأكلة أو شـربة‬
‫ماء من يد حسناء‪ :‬وحدثني جحظة‪ :‬قال‪ :‬حدثني علي بن يحيى المنجم‪ :‬قال‪ :‬اجتازت جارية بالمتوكل معها كوز ماء‪ ،‬وهي‬
‫أحسن من القمر‪ ،‬فقال لها‪ :‬ما اسمك? قالت‪ :‬برهان‪ ،‬قال‪ :‬ولمن هذا الماء? قالت‪ :‬لستي قبيحة‪ ،‬قال‪ :‬صبيه في حلقي‪ ،‬فشربه‬
‫‪:‬عن آخره‪ ،‬ثم قال للبحتري‪ :‬قل في هذا شيئا‪ ،‬فقال البحتري‬
‫جاءت بها الحور من جنات رضوان‬ ‫ما شربة من رحيق كأسهـا ذهـب‬

‫صفحة ‪2345 :‬‬

‫شربته عبثا من كف برهـان أخبرني علي بن سليمان الخفش‪ ،‬وأحمد بن‬ ‫يوما بأطيب من ماء بل عطش‬
‫جعفر جحظة‪ :‬قال‪ :‬حدثنا أبو الغوث بن البحتري‪ :‬قال‪ :‬كتبت إلى أبي يوما أطلب منه نبيذا‪ ،‬فبعث إلي بنصف قنينة دردي‪ ،‬وكتب‬
‫‪.‬إلي‪ :‬دونكها يا بني‪ ،‬فإنها تكشف القحط‪ ،‬وتضبط الرهط‪ .‬قال الخفش‪ ،‬وتقيت الرهط‬
‫قصته مع أحمد بن علي السكافي‪ :‬حدثني أبو الفضل عباس بن أحمد بن ثوابة قال‪ :‬قدم البحتري النيل على أحمد بن علي‬
‫‪:‬السكافي مادحا له‪ ،‬فلم يثبه ثوابا يرضاه بعد أن طالت مدته عنده‪ ،‬فهجاه بقصيدته التي يقول فيها‬
‫ومن النيل غير حمى النيل وهجاه بقصيدة أخرى أولها‬ ‫‪:‬ما كسبنا من أحمد بن علي‬
‫قصة النيل فاسمعوها عجابه فجمع إلى هجائه إياه هجاء أبي ثوابة‪ ،‬وبلغ ذلك أبي‪ ،‬فبعث إليه بألف درهم وثياب ودابة بسرجها‬
‫ولجامها‪ ،‬فرده إليه‪ ،‬وقال‪ :‬قد أسلفتكم إساءة ل يجوز معها قبول رفدكم‪ ،‬فكتب إليه أبي‪ :‬أما الساءة فمغفورة وأما المعذرة‬
‫فمشكورة‪ ،‬والحسنات يذهبن السيئات‪ ،‬وما يأسو جراحك مثل يدك‪ .‬وقد رددت إليك ما رددته علي‪ ،‬وأضعفته‪ ،‬فإن تلفيت ما‬
‫فرط منك أثبنا وشكرنا‪ ،‬وإن لم تفعل احتملنا وصبرنا‪ .‬فقبل ما بعث به‪ ،‬وكتب إليه‪ :‬كلمك والله أحسن من شعري‪ ،‬وقد‬
‫‪:‬أسلفتني ما أخجلني‪ ،‬وحملتني ما أثقلني‪ ،‬وسيأتيك ثنائي‪ .‬ثم غدا إليه بقصيدة أولها‬
‫‪:‬ضلل لها ماذا أرادت إلى الصد وقال فيه بعد ذلك‬
‫‪:‬برق أضاء العقيق من ضرمه وقال فيه أيضا‬
‫‪.‬دان دعا داعي الصبا فأجابه قال‪ :‬ولم يزل أبي يصله بعد ذلك‪ ،‬ويتابع بره لديه حتى افترقا‬
‫‪:‬شعره في نسيم غلمه‪ :‬أخبرني جحظة قال‪ :‬كان نسيم غلم البحتري الذي يقول فيه‬
‫أظن نسيما قارف الهم من بـعـدي‬ ‫دعا عبرتي تجري على الجور والقصد‬
‫فيا عجبا للدهر فقد عـلـى فـقـد غلما روميا ليس بحسن الوجه‪ ،‬وكان قد‬ ‫خل ناظري من طيفه بعد شخـصـه‬
‫جعله بابا من أبواب الحيل على الناس‪ ،‬فكان يبيعه ويعتمد أن يصيره إلى ملك بعض أهل المروءات ومن ينفق عنده الدب‪ ،‬فإذا‬
‫‪.‬حصل في ملكه شبب به‪ ،‬وتشوقه‪ ،‬ومدح موله‪ ،‬حتى يهبه له‪ ،‬فلم يزل ذلك دأبه حتى مات نسيم‪ ،‬فكفي الناس أمره‬
‫خبره مع محمد بن علي القمي وغلمه‪ :‬أخبرني علي بن سليمان الخفش قال‪ :‬كتب البحتري إلى أبي محمد بن علي القمي‬
‫يستهديه نبيذا‪ ،‬فبعث إليه نبيذا مع غلم له أمرد‪ ،‬فجمشه البحتري‪ ،‬فغضب الغلم غضبا شديدا‪ ،‬دل البحتري على أنه سيخبر‬
‫‪:‬موله بما جرى‪ ،‬فكتب إليه‬
‫غلمك إحدى الهنات الدنية‬ ‫ابا جعفر كان تجمـيشـنـا‬
‫تضيء لنا مع شمس البرية‬ ‫بعثت إلينا بشمس الـمـدام‬
‫وليت الرسول إلينا الهـدية فبعث إليه محمد بن علي الغلم هدية‪ ،‬فانقطع البحتري‬ ‫فليت الهدية كان الرسـول‬
‫‪:‬عنه بعد ذلك مدة‪ ،‬خجل مما جرى‪ ،‬فكتب إليه مححمد بن علي‬
‫ولم أر وصل قبل ذا أعقب الهجرا فقال فيه قصيدته التي أولها‬ ‫‪:‬هجرت كأن البر أعقب حـشـمة‬
‫‪:‬فتى مذحج عفوا فتى مذحج غفرا وهي طويلة‪ .‬وقال فيه أيضا‬
‫هطل وأخـذ ذاك أم إعـطـاء‬ ‫أمواهـب هـاتـيك أم أنـواء‬
‫ذهب السخاء فل يعد سـخـاء‬ ‫إن دام ذا أو بعض ذا من فعل ذا‬
‫دهناء‪ ،‬لكن صدرك الـدهـاء‬ ‫ليس الذي حلت تميم وشطـه ال‬
‫كفاه بحر سمـاحة وسـمـاء‬ ‫ملك أغر لل طلـحة مـجـده‬
‫جرب القبائل أحسنوا وأسـاءوا‬ ‫وشريف أشراف إذا احتكت بهم‬
‫فيها شفاء لـلـمـسـيء وداء‬ ‫أمحمد بن علي أسمـع عـذرة‬
‫مالي مع النفر الكرام وفـاء‬ ‫?مالي إذ ذكر الكـرام رأتـنـي‬
‫ويضيق عني العذر وهو فضاء‬ ‫يضفو علي العذل وهو مقـارب‬
‫ل العود يذهبـهـا ول البـداء‬ ‫إني هجرتك إذ هجرتك حشـمة‬
‫ما بيننا تلك الـيد الـبـيضـاء‬ ‫أخجلتني بندى يديك فـسـودت‬
‫متوهـم أن ل يكـون لـقـاء‬ ‫وقطعتني بالبر حـتـى إنـنـي‬

‫صفحة ‪2346 :‬‬

‫عجبا وبر راعح وهـو جـفـاء‬ ‫صلة غدت في الناس وهي قطيعة‬
‫تهدى به في مـدحـك العـداء‬ ‫ليواصلنك ركب شعـري سـائرا‬
‫أبدا كما دامت لك الـنـعـمـاء‬ ‫حتى يتم لك الثـنـاء مـخـلـدا‬
‫وأظل يحسدني بك الـشـعـراء كان موته بالسكتة‪ :‬أخبرني علي بن سليمان‬ ‫فتظل تحسدك الملوك الصيد بـي‬
‫الخفش‪ :‬قال‪ :‬سألني القاسم بن عبيد الله عن خبر البحتري‪ ،‬وقد كان أسكت‪ ،‬ومات من تلك العلة‪ ،‬فأخبرته بوفاته‪ ،‬وأنه مات‬
‫‪.‬في تلك السكتة‪ ،‬فقال‪ :‬ويحه رمي في أحسنه‬
‫أبو تمام يلقن البحتري درسا في الستطراد‪ :‬أخبرني محمد بن يحيى‪ :‬قال‪ :‬حدثني محمد بن علي النباري‪ :‬قال‪ :‬سمعت‬
‫‪:‬البحتري يقول‪ :‬أنشدني أبو تمام ويما لنفسه‬
‫على الجراء أمـين غـير خـوان‬ ‫وسابح هطل الـتـعـداء هـتـان‬
‫فخل عينيك فـي ظـمـآن ريان‬ ‫أظمي الفصوص ولم تظمأ قوائمـه‬
‫بين السنابك من مثنـى ووحـدان‬ ‫فلو تراه مشيحا والـحـصـى زيم‬
‫من صخر تدمر أو من وجه عثمان ثم قال لي‪ :‬ما هذا الشعر? قلت‪ :‬ل أدري‪،‬‬ ‫أيقنت إن لم تثـبـت أن حـافـره‬
‫قال‪ :‬هذا هو المتسطرد‪ ،‬أو قال الستطراد‪ .‬قلت‪ :‬وما معنى ذلك? قال‪ :‬يريك أنه يريد وصف الفرس وهو يريد هجاء عثمان‪،‬‬
‫‪:‬وقد فعل البحتري ذلك‪ ،‬فقال في صفة الفرس‬
‫يوما خلئق حمدويه الحول وكان حمدويه الحول عدوا لمحمد بن علي القمي‬ ‫ما إن يعاف قذى ولو أوردته‬
‫‪.‬الممتدح بهذه القصيدة فهجاه في عرض مدحه محمدا‪ .‬والله أعلم‬
‫أبو تمام يشيد به‪ :‬حدثني علي بن سليمان الخفش‪ :‬قال‪ :‬حدثني أبو الغوث بن البحتري‪ :‬قال‪ :‬حدثني أبي‪ :‬قال‪ :‬قال لي أبو‬
‫تمام‪ :‬بلغني أن بني حميد أعطوك مال جليل فيما مدحتهم به‪ ،‬فأنشدني شيئا منه‪ ،‬فأنشدته بعض ما قلته فيهم‪ ،‬فقال لي‪ :‬كم‬
‫أعطوك? فقلت‪ :‬كذا وكذا‪ ،‬فقال‪ :‬ظلموك‪ ،‬والله ما وفوك حقك‪ ،‬فلم استكثرت ما دفعوه إليك? والله لبيت منها خير مما أخذت‪،‬‬
‫ثم أطرق قليل‪ ،‬ثم قال‪ :‬لعمري لقد استكثرت ذلك‪ ،‬واستكثر ذلك‪ ،‬واستكثر لك لما مات الناس وذهب الكرام‪ ،‬وغاضت‬
‫المكارم‪ ،‬فكسدت سوق الدب‪ ،‬أنت والله يا بني أمير الشعراء غدا بعدي‪ ،‬فقمت فقبلت رأسه ويديه ورجليه‪ ،‬وقلت له‪ :‬والله‬
‫‪.‬لهذا القول أسر إلى قلبي وأقوى لنفسي مما وصل إلي من القوم‬
‫أبو تمام ينعي نفسه‪ :‬حدثني محمد بن يحيى عن الحسن بن علي الكاتب‪ :‬قال‪ :‬قال لي البحتري‪ :‬أنشدت أبا تمام يوما شيئا‬
‫‪:‬من شعري‪ ،‬فتمثل ببيت أوس بن حجر‬
‫تخمط فينا ناب آخر مقرم ثم قال لي‪ :‬نعيت والله إلي نفسي‪ ،‬فقلت‪ :‬أعيذك بالله‬ ‫إذا مقرم منا درا حد نابـه‬
‫من هذا القول‪ ،‬فقال‪ :‬إن عمري لن يطول‪ ،‬وقد نشأ في طيء مثلك‪ ،‬أما علمت أن خالد بن صفوان رأى شبيب بن شيبة‪ ،‬وهو‬
‫من رهطة يتكلم‪ ،‬فقال‪ :‬يا بني‪ ،‬لقد نعى إلي نفسي إحسانك في كلمك‪ ،‬لنا أهل بيت ما نشأ فينا خطيب قط إل مات من قبله‪،‬‬
‫‪.‬فقلت له‪ :‬بل يبقيك الله‪ ،‬ويجعلني فداءك‪ .‬قال‪ :‬ومات أبو تمام بعد سنة‬
‫يشمخ بأنفه فيغري به المتوكل الصيمري‪ :‬حدثني أحمد بن جعفر جحظة‪ :‬قال‪ :‬حدثني أبو العنبس الصيمري قال‪ :‬كنت عند‬
‫‪:‬المتوكل والبحتري ينشده‬
‫وبأي طرف تحتكم? حتى بلغ إلى قوله‬ ‫‪:‬عن أي ثغر تبتسـم‬
‫متوكل بن المعتصم‬ ‫قل للخليفة جعفر ال‬
‫والمنعم بن المنتقـم‬ ‫المبتدي للمجـتـدي‬
‫فإذا سلمت فقد سلم قال‪ :‬وكان البحتري من أبغض الناس إنشادا‪ ،‬يتشادق ويتزاور في‬ ‫أسلم لدين محـمـد‬
‫مشيه مرة جانبا‪ ،‬ومرة القهقري‪ ،‬ويهز رأسه مرة‪ ،‬ومنكبيه أخرى‪ ،‬ويشير بكمه‪ ،‬ويقف عند كل بيت‪ ،‬ويقول‪ :‬أحسنت والله‪ ،‬ثم‬
‫يقبل على المستمعين‪ ،‬فيقول‪ :‬ما لكم ل تقولون أحسنت? هذا والله ما ل يحسن أحد أن يقول مثله‪ :‬فضجر المتوكل من ذلك‬
‫وأقبل علي‪ ،‬وقال‪ :‬أما تسمع يا صيمري ما يقول? فقلت‪ :‬بلى يا سيدي‪ ،‬فمرني فيه بما أحببت‪ ،‬فقال‪ :‬بحياتي أهجه على هذا‬
‫‪:‬الروي الذي أنشدنيه‪ ،‬فقلت‪ :‬تأمر ابن حمدون أن يكتب ما أقول‪ ،‬فدعا بداوة وقرطاس‪ ،‬وحضرني على البديهة أن قلت‬
‫وعلمت أنك تنـهـزم‬ ‫أدخلت رأسك في الرحم‬

‫صفحة ‪2347 :‬‬

‫ك من قضاقضة ضغم‬ ‫يا بحتـري حـذار ويح‬


‫ك من الهجا سيل العرم‬ ‫فلقد أسـلـت بـواديي‬
‫وبهتكه جف القـلـم‬ ‫?فبأي عرض تعتـصـم‬
‫وبقبر أحمد والـحـرم‬ ‫والله حـلـفة صـادق‬
‫م ابن المام المعتصـم‬ ‫وبحق جعـفـر المـا‬
‫بين المسيل إلى العلـم‬ ‫لصـيرنـك شـهـرة‬
‫حيث الراكة والخـيم‬ ‫حي الطلول بذي سـلـم‬
‫لى قلوب ذوي النـعـم‬ ‫يا بن الثقيلة والثقـيل ع‬
‫ر من الموالي والحشم‬ ‫وعلى الصغير مع الكبي‬
‫وبأي كف تلـتـقـم‬ ‫?في أي سلح تـرتـطـم‬
‫أمن العفاف أم التـهـم‬ ‫يا بن المباحة لـلـورى‬
‫وفراش أمك في الظلم‬ ‫إذ رحل أختك للعـجـم‬
‫في بيته يؤتى الحـكـم قال‪ :‬فغضب‪ ،‬وخرج يعدو‪ ،‬وجعلت أصيح به‬ ‫‪:‬وبـبـاب دارك حـانة‬
‫وعلمت أنك تنـهـزم والمتوكل يضحك‪ ،‬ويصفق حتى غاب عن عينه‬ ‫‪.‬أدخلت رأسك في الرحم‬
‫‪.‬هكذا حدثني جحظة عن أبي العنبس‬
‫ووجدت هذه الحكاية بعينها بخط الشاهيني حكاية عن أبي العنبس‪ ،‬فرأيتها قريبة اللفظ‪ ،‬موافقة المعنى لما ذكره جحظة‪،‬‬
‫‪:‬والذي يتعارفه الناس أن أبا العنبس قال هذه البيات ارتجال‪ ،‬وكان واقفا خلف البحتري‪ ،‬فلما ابتدأ وأنشد قصيدته‬
‫وبأي طرف تحتكم صاح به أبو العنبس من خلفه‬ ‫‪:‬عن أي ثغر تبتسـم‬
‫وبأي كف تـلـتـقـم‬ ‫في أي سلح ترتـطـم‬
‫وعلمت أنك تنـهـزم فغضب البحتري‪ ،‬وخرج‪ ،‬فضحك المتوكل حتى أكثر‪ ،‬وأمر لبي‬ ‫أدخلت رأسك في الرحم‬
‫‪.‬العنبس بعشرة آلف درهم والله أعلم‬
‫وأخبرني بهذا الخبر محمد بن يحيى الصولي‪ ،‬وحدثني عبد الله بن أحمد بن حمدون عن أبيه‪ :‬قال‪ :‬وحدثني يحيى بن علي عن‬
‫‪:‬أبيه‪ :‬إن البحتري أنشد المتوكل ‪ -‬وأبو العنبس الصيمري حاضر ‪ -‬قصيدته‬
‫وبأي طرف تحتكم? إلى آخرها‪ ،‬وكان إذا أنشد يختال‪ ،‬ويعجب بما يأتي به‪ ،‬فإذا فرغ من‬ ‫عن أي ثغر تبتسـم‬
‫‪:‬القصيدة رد البيت الول‪ ،‬فلما رده بعد فراغه منها‪ .‬وقال‬
‫وبأي طرف تحتكم قال أبو العنبس وقد غمزه المتوكل أن يولع به‬ ‫‪:‬عن أي ثغر تبتسـم‬
‫وبأي كف تـلـتـقـم‬ ‫في أي سلح ترتـطـم‬
‫وعلمت أنك تنـهـزم فقال نصف البيت الثاني‪ ،‬فلما سمع البحتري قوله ولى مغضبا‪،‬‬ ‫أدخلت رأسك في الرحم‬
‫‪:‬فجعل أبو العنبس يصيح به‬
‫‪.‬وعلمت أنك تنهزم فضحك المتوكل من ذلك حتى غلب‪ ،‬وأمر لبي العنبس بالصلة التي أعدت لللبحتري‬
‫قال أحمد بن زياد‪ :‬فحدثني أبي قال‪ :‬جاءني البحتري‪ ،‬فقال لي‪ :‬يا أبا خالد أنت عشيرتي وابن عمي وصديقي‪ ،‬وقد رأيت ما‬
‫جرى علي‪ ،‬أفتأذن لي أن أخرج إلى منبج بغير إذن‪ ،‬فقد ضاع العلم‪ ،‬وهلك الدب? فقلت‪ :‬ل تفعل من هذا شيئا‪ ،‬فإن الملوك‬
‫‪.‬تمزح بأعظم مما جرى‪ ،‬ومضيت معه إلى الفتح‪ ،‬فشكا إليه ذلك‪ ،‬فقال له نحوا من قولي‪ ،‬ووصله‪ ،‬وخلع عليه‪ ،‬فسكن إلى ذلك‬
‫الصيمري يسترسل في سخريته به بعد موت المتوكل‪ :‬حدثني جحظة عن علي بن يحيى المنجم‪ :‬قال‪ :‬لما قتل المتوكل قال‬
‫‪:‬أبو العنبس الصيمري‬
‫على الهمام الـمـلـك الزهـر‬ ‫يا وحشة الدنيا علـى جـعـفـر‬
‫بين سرير الملك والـمـنـبـر‬ ‫على قتيل مـن بـنـي هـاشـم‬
‫والله أن لو قتـل الـبـحـتـري‬ ‫والله رب البـيت والـمـشـعـر‬
‫في ألف نغل من بني عض خرى‬ ‫لثـار بـالـشـام لـه ثـــائر‬
‫علـى حـمـار دابـر أعـور فشاعت البيات حتى بلغت البحتري‪ ،‬فضحك‪ ،‬ثم قال‪:‬‬ ‫يقـدمـهـم كـل أخـــي ذلة‬
‫‪?.‬هذا الحمق يرى أني أجيبه على مثل هذا‪ ،‬فلو عاش امرؤ القيس‪ .‬فقال‪ ،‬من كان يجيبه‬

‫ذكر نتف من أخبار عريب مستحسنة‬


‫منزلتها في الغناء والدب‬

‫صفحة ‪2348 :‬‬

‫كانت عريب مغنية محسنة‪ ،‬وشاعرة صالحة الشعر‪ ،‬وكانت مليحة الخط والمذهب في الكلم‪ ،‬ونهاية في الحسن والجمال‬
‫والظرف‪ ،‬وحسن الصورة وجودة الضرب‪ ،‬وإتقان الصنعة والمعرفة بالنغم والوتار‪ ،‬والرواية للشعر والدب‪ ،‬لم يتعلق بها أحد‬
‫من نظرائها‪ ،‬ول روئي في النساء بعد القيان الحجازيات القديمات‪ ،‬مثل جميلة وعزة الميلء وسلمة الزرقاء ومن جرى مجراهن‬
‫‪ -‬على قلة عددهن ‪ -‬نظير لها‪ ،‬وكانت فيها من الفضائل التي وصفناها ما ليس لهن مما يكون لمثلها من جواري الخلفاء‪ ،‬ومن‬
‫نشأ في قصور الخلفة وغذي برقيق العيش‪ ،‬الذي ل يدانيه عيش الحجاز‪ ،‬والنش بين العامة والعرب الجفاة‪ ،‬ومن غلظ طبعه‪،‬‬
‫‪.‬وقد شهد لها بذلك من ل يحتاج مع شهادته إلى غيره‬
‫أخبرني محمد بن خلف وكيع‪ ،‬عن حماد بن إسحاق‪ :‬قال‪ :‬قال لي أبي‪ :‬ما رأيت امرأة أضرب من عريب‪ ،‬ول أحسن صنعة ول‬
‫أحسن وجها‪ ،‬ول أخف روحا‪ ،‬ول أحسن خطابا‪ ،‬ول أسرع جوابا‪ ،‬ول ألعب بالشطرنج والنرد‪ ،‬ول أجمع لخصلة حسنة لم أر مثلها‬
‫في امرأة غيرها‪ .‬قال حماد‪ :‬فذكرت ذلك ليحيى بن أكثم في حياة أبي‪ ،‬فقال‪ :‬صدق أبو محمد‪ ،‬هي كذلك‪ ،‬قلت‪ :‬أفسمعتها?‬
‫قال‪ :‬نعم هناك‪ ،‬يعني في دار المأمون‪ ،‬قلت‪ :‬أفكانت كما ذكر أبو محمد في الحذق? فقال يحيى‪ :‬هذه مسألة الجواب فيها على‬
‫‪.‬أبيك‪ ،‬فهو أعلم مني بها‪ ،‬فأخبرت بذلك أبي‪ ،‬فضحك‪ ،‬ثم قال‪ :‬ما استحييت من قاضي القضاة أن تسأله عن مثل هذا‬
‫هي وإسحاق والخليفة المعتصم‪ :‬أخبرنا يحيى بن علي بن يحيى‪ :‬قال‪ :‬حدثني أبي‪ ،‬قال‪ :‬قال لي إسحاق‪ :‬كانت عندي صناجة‬
‫كنت بها معجبا‪ ،‬واشتهاها أبو إسحاق المعتصم في خلفة المأمون‪ ،‬فبينا أنا ذات يوم في منزلي‪ ،‬إذ أتاني إنسان يدق الباب دقا‬
‫شديدا فقلت‪ :‬انظروا من هذا? فقالوا‪ :‬رسول أمير المؤمنين‪ ،‬فقلت‪ :‬ذهبت صناجتي‪ ،‬تجده ذكرها له ذاكر‪ ،‬فبعث إلي فيها‪ .‬فلما‬
‫مضى بي الرسول انتهيت إلى الباب‪ ،‬وأنا مثخن‪ ،‬فدخلت‪ ،‬فسلمت‪ ،‬فرد علي السلم‪ ،‬ونظر إلى تغير وجهي‪ ،‬فقال لي‪ :‬أسكن‪،‬‬
‫فسكنت‪ ،‬فقال لي‪ :‬إن صوتا وقال لي‪ :‬أتدري لمن هو? فقلت‪ :‬أسمعه‪ ،‬ثم أخبر أمير المؤمنين إن شاء الله ذلك‪ ،‬فأمر جارية‬
‫من وراء الستارة‪ ،‬فغنته وضربت‪ ،‬فإذا هي قد شبهته بالغناء القديم‪ ،‬فقلت‪ :‬زدني معها عودا آخر‪ ،‬فإنه أثبت لي‪ ،‬فزادني عودا‬
‫آخر‪ ،‬فقلت‪ :‬هذا الصوت محدث لمرأة ضاربة‪ ،‬قال‪ :‬من أين قلت ذاك? قلت‪ :‬لما سمعت لينه عرفت أنه محدث من غناء‬
‫النساء‪ ،‬ولما رأيت جودة مقاطعه علمت أن صاحبته ضاربة‪ ،‬وقد حفظت مقاطعه وأجزاءه‪ ،‬ثم طلبت عودا آخر‪ ،‬فلم أشك‪،‬‬
‫‪.‬فقال‪ :‬صدقت‪ ،‬الغناء لعريب‬
‫قال ابن المعتز‪ :‬وقال يحيى بن علي‪ :‬أمرني المعتمد على الله أن أجمع غناءها الذي صنعته‪ ،‬فأخذت منها دفاترها وصحفها التي‬
‫‪.‬كانت قد جمعت فيها غناءها فكتبته فكان ألف صوت‬
‫أصواتها كما وكيفا‪ :‬وأخبرني علي بن عبد العزيز‪ ،‬عن ابن خرداذبه‪ :‬أنه سأل عريب عن صنعتها‪ ،‬فقالت‪ :‬قد بلغت إلى هذا‬
‫‪.‬الوقت ألف صوت‬
‫وحدثني محمد بن إبراهيم قريض أنه جمع غناءها من ديواني ابن المعتز‪ ،‬وأبي العبيس بن حمدون‪ ،‬وما أخذه عن بدعة جاريتها‬
‫‪.‬التي أعطاها إياها بنو هاشم‪ ،‬فقابل بعضه ببعض‪ ،‬فكان ألفا ومائة وخمسة وعشرين صوتا‬
‫وذكر العتابي أن أحمد بن يحيى حدثه‪ :‬قال‪ :‬سمعت أبا عبد الله الهشامي يقول ‪ -‬وقد ذكرت صنعة عريب ‪ : -‬صنعتها مثل قول‬
‫‪:‬أبي دلف في خالد بن يزيد حيث يقول‬
‫ألفا ويدعى واحدا يريد أن غناءها ألف صوت في معنى واحد‪ ،‬فهي بمنزلة صوت واحد‬ ‫‪.‬يا عين بكي خالدا‬
‫‪.‬وحكى عنه أيضا هذه الحكاية ابن المعتز‬
‫وهذا تحامل ل يحل‪ ،‬ولعمري إن في صنعتها لشياء مرذولة لينة‪ ،‬وليس ذلك مما يضعها‪ ،‬ول عري كبير أحد من المغنين القدماء‬
‫والمتأخرين من أن يكون صنعته النادر والمتوسط سوى قوم معدودين مثل ابن محرز ومعبد في القدماء‪ ،‬ومثل إسحاق وحده‬
‫في المتأخرين‪ ،‬وقد عيب بمثل هذا ابن سريج في محله‪ ،‬فبلغه أن المغنين في القدماء‪ ،‬ومثل إسحاق وحده في المتأخرين‪ ،‬وقد‬
‫عيب بمثل هذا ابن سريج في محله‪ ،‬فبلغه أن المغنين يقولون‪ :‬إنما يغني ابن سريج الرمال والخفاف‪ ،‬وغناؤه يصلح للعراس‬
‫‪:‬والولئم‪ ،‬فبلغه ذلك فتغنى بقوله‬
‫مساكن ما بين الوتائر فالنقع‬ ‫لقد حببت نعم إلينا بوجههـا‬

‫صفحة ‪2349 :‬‬

‫ثم توفي بعدها‪ ،‬وغناؤه يجري مجرى المعيب عليه‪ ،‬وهذا إسحاق يقول في أبيه‪ - :‬على عظيم محله في هذه الصناعة وما كان‬
‫إسحاق يشيد به من ذكره وتفضيله على ابن جامع وغيره ‪ -‬ولبي ستمائة صوت‪ ،‬منها مائتان تشبه فيها بالقديم‪ ،‬وأتى بها في‬
‫نهاية من الجودة‪ ،‬ومائتان غناء وسط مثل أغاني سائر الناس‪ ،‬ومائتان فلسية وددت أنه لم يظهرها وينسبها لنفسه‪ ،‬فأسترها‬
‫عليه‪ ،‬فإذا كان هذا قول إسحاق في أبيه فمن يعتذر بعده من أن يكون له جيد ورديء‪ ،‬وما عري أحد في صناعة من الصناعة‬
‫من حال ينقصه عن الغاية‪ ،‬لن الكمال شيء تفرد الله العظيم به‪ ،‬والنقصان جبلة طبع بني آدم عليها‪ ،‬وليس ذلك إذا وجد في‬
‫بعض أغاني عريب مما يدعو إلى إسقاط سائرها‪ ،‬ويلزمه اسم الضعف واللين‪ ،‬وحسب المحتج لها شهادة إسحاق بتفضيلها‪،‬‬
‫وقلما شهد لحد‪ ،‬أو سلم خلق ‪ -‬وإن تقدم وأجمع على فضله ‪ -‬من شينه إياه وطعنه عليه‪ ،‬لنفاسته في هذه الصناعة‪،‬‬
‫واستصغاره أهلها‪ ،‬فقد تقدم في أخباره مع علوية‪ ،‬ومخارق‪ ،‬وعمرو بن بانة‪ ،‬وسليم بن سلم‪ ،‬وحسين بن محرز‪ ،‬ومن قبلهم‬
‫ومن فوقهم مثل ابن جامع وإبراهيم بن المهدي وتهجينه إياهم‪ ،‬وموافقته لهم على خطئهم فيما غنوه وصنعوه مما يستغنى به‬
‫عن العادة في هذا الموضع‪ ،‬فإذا انضاف فعله هذا بهم‪ .‬وتفضيله إياها‪ ،‬كان ذلك أدل على التحامل ممن طعن عليها‪ ،‬وإبطاله‬
‫فيما ذكرها به‪ ،‬ولقائل ذلك ‪ -‬وهو أبو عبد الله الهشامي ‪ -‬سبب كان يصطنعه عليها‪ ،‬فدعاه إلى ما قال‪ ،‬نذكره بعد هذا إن شاء‬
‫‪.‬الله تعالى‬
‫ومما يدل على إبطاله أن المأمون أراد أن يمتحن إسحاق في المعرفة بالغناء القديم والحديث‪ ،‬فامتحنه بصوت من غنائها من‬
‫صنعتها‪ ،‬فكاد يجوز عليه‪ ،‬لول أنه أطال الفكر والتلوم واستثبت‪ ،‬مع علمه بالمذاهب في الصنعة‪ ،‬وتقدمه في معرفة النغم‬
‫‪.‬وعللها‪ ،‬واليقاعات ومجاريها‬
‫وأخبرنا بذلك يحيى بن علي بن يحيى‪ :‬قال‪ :‬حدثني أبي عن إسحاق‪ :‬فأما السبب الذي كان من أجله يعاديها الهشامي‪ ،‬فأخبرني‬
‫به يحيى بن محمد بن عبد الله بن طاهر قال‪ :‬ذكر لبي أحمد عبيد الله بن عبد الله بن طاهر عمي أن الهشامي زعم أن أحسن‬
‫‪:‬صوت صنعته عريب‬
‫‪:‬صاح قد لمت ظالما وإن غناءها بمنزلة قول أبي دلف في خالد‬
‫ألفا ويدعى واحدا فقال‪ :‬ليس المر كما ذكر‪ ،‬ولعريب صنعة فاضلة متقدمة‪ ،‬وإنما قال هذا‬ ‫يا عين بكي خالدا‬
‫فيها ظلما وحسدا‪ ،‬وغمطها ما تستحقه من التفضيل‪ ،‬بخبر لها معه طريف‪ ،‬فسألناه عنه‪ ،‬فقال‪ :‬أخرجت الهشامي معي إلى سر‬
‫من رأى‪ ،‬بعد وفاة أخي‪ ،‬يعني أبا محمد بن عبد الله بن طاهر‪ ،‬فأدخلته على المعتز‪ ،‬وهو يشرب‪ ،‬وعريب تغني‪ ،‬فقال له‪ :‬يا بن‬
‫هشام‪ ،‬غن‪ ،‬فقال‪ :‬تبت من الغناء قتل سيدي المتوكل‪ ،‬فقالت له عريب‪ :‬قد والله أحسنت حيث تبت‪ ،‬فإن غناءك كان قليل‬
‫المعنى‪ ،‬ل متقن ول صحيح ول مطرب‪ ،‬فأضحكت أهل المجلس جميعا منه‪ ،‬فخجل؛ فكان بعد ذلك يبسط لسانه فيها‪ ،‬ويعيب‬
‫‪.‬صنعتها‪ ،‬ويقول‪ :‬هي ألف صوت في العدد‪ ،‬وصوت واحد في المعنى‬
‫‪:‬وليس المر كما قاله‪ ،‬إن لها لصنعة تشبهت فيها بصنعة الوائل‪ ،‬وجودت‪ ،‬وبرزت فيها‪ ،‬منها‬
‫‪:‬أئن سكنت نفسي وقل عويلها ومنها‬
‫‪:‬تقول همي يوم ودعتها ومنها‬
‫‪:‬إذا أردت انتصافا كان ناصركم ومنها‬
‫‪:‬بأبي من هو دائي ومنها‬
‫‪:‬أسلموها في دمشق كما ومنها‬
‫‪:‬فل تتعنتي ظلما وزورا ومنها‬
‫لقد لم ذا الشوق الخلي من الهوى ونسخت ما أذكره من أخبارها‪ ،‬فأنسبه إلى ابن المعتز من كتاب دفعه إلي محمد بن‬
‫إبراهيم الجراحي المعروف بقريض‪ ،‬وأخبرني أن عبد الله بن المعتز دفعه إليه‪ ،‬من جمعه وتأليفه‪ ،‬فذكرت منها ما استحسنته‬
‫من أحاديثها‪ ،‬إذا كان فيها حشو كثير‪ ،‬وأضفت إليه ما سمعته ووقع إلي غير مسموع مجموعا ومتفرقا‪ ،‬ونسبت كل رواية إلى‬
‫‪.‬راويها‬
‫برمكية النسب‪ :‬قال ابن المعتز‪ :‬حدثني الهشامي أبو عبد الله وأخبرني علي بن عبد العزيز‪ ،‬عن ابن خرداذبة قال‪ :‬كانت عريب‬
‫‪.‬لعبد الله بن إسماعيل صاحب مراكب الرشيد‪ ،‬وهو الذي رباها‪ ،‬وأدبها‪ ،‬وعلمها الغناء‬
‫قال ابن المعتز‪ :‬وحدثني غير الهشامي‪ ،‬عن إسماعيل بن الحسين خال المعتصم‪ :‬أنها بنت جعفر بن يحيى‪ ،‬وأن البرامكة لما‬
‫‪.‬انتهبوا سرقت وهي صغيرة‬
‫‪:‬قال‪ :‬فحدثني عبد الواحد بن إبراهيم بن محمد بن الخصيب‪ :‬قال‬

‫صفحة ‪2350 :‬‬

‫حدثني من أثق به‪ ،‬عن أحمد بن عبد الله بن إسماعيل المراكبي‪ :‬أن أم عريب كانت تسمى فاطمة‪ ،‬وكانت قيمة لم عبد الله‬
‫بن يحيى بن خالد‪ ،‬وكانت صبية نظيفة‪ ،‬فرآها جعفر بن يحيى‪ ،‬فهويها‪ ،‬وسأل أم عبد الله أن تزوجه إياها‪ ،‬ففعلت‪ ،‬وبلغ الخبر‬
‫يحيى بن خالد‪ ،‬فأنكره؛ وقال له‪ :‬أتتزوج من ل تعرف لها أم ول أب? اشتر مكانها مائة جارية وأخرجها‪ ،‬فأخرجها‪ ،‬وأسكنها دارا‬
‫في ناحية باب النبار سرا من أبيه‪ .‬ووكل بها من يحفظها‪ ،‬وكان يتردد إليها‪ ،‬فولدت عريب في سنة إحدى وثمانين ومائة‪ ،‬فكانت‬
‫سنوها إلى أن ماتت ستا وتسعين سنة‪ ،‬قال‪ :‬وماتت أم عريب في حياة جعفر‪ ،‬فدفعها إلى امرأة نصرانية‪ ،‬وجعلهها داية لها‪،‬‬
‫‪.‬فلما حدثت الحادثة بالبرامكة باعتهامن سنبس النخاس‪ ،‬فباعها من المراكبي‬
‫قال ابن المعتز‪ :‬وأخبرني يوسف بن يعقوب‪ :‬إنه سمع الفضل بن مروان يقول‪ :‬كنت إذا نظرت إلى قدمي عريب شبهتهما‬
‫بقدمي جعفر بن يحيى‪ ،‬قال‪ :‬وسمعت من يحكي أن بلغتها في كتبها ذكرت لبعض الكتاب فقال‪ :‬فما يمنعها من ذلك وهي بنت‬
‫‪?.‬جعفر بن يحيى‬
‫وأخبرني جحظة قال‪ :‬دخلت إلى عريب مع شروين المغني وأبي العبيس بن حمدون‪ ،‬وأنا يومئذ غلم علي قباء ومنطقة‪،‬‬
‫فأنكرتني وسألت عني‪ ،‬فأخبرها شروين‪ ،‬وقال‪ :‬هذا فتى من أهلك‪ ،‬هذا ابن جعفر بن موسى بن يحيى بن خالد‪ ،‬وهو يغني‬
‫بالطنبور‪ ،‬فأدنتني‪ ،‬وقربت مجلسي‪ ،‬ودعت بطنبور‪ ،‬وأمرتني بأن أغني فغنيت أصواتا‪ ،‬فقالت‪ :‬قد أحسنت يا بني ولتكونن مغنيا‪،‬‬
‫‪.‬ولكن إذا حضرت بين هذين السدين ضعت أنت وطنبورك بين عوديهما‪ ،‬وأمرت لي بخمسين دينارا‬
‫قال ابن المعتز‪ :‬وحدثني ميمون بن هارون‪ :‬قال‪ :‬حدثتني عريب قالت‪ :‬بعث الرشيد إلى أهلها ‪ -‬تعني البرامكة ‪ -‬رسول يسألهم‬
‫عن حالهم‪ ،‬وأمره أل يعلمهم أنه من قبله‪ ،‬قالت‪ :‬فصار إلى عمي الفضل‪ ،‬فسأله‪ ،‬فأنشأ عمي يقول‪ :‬صوت‬
‫من هوى نجمه فكيف يكون‬ ‫?سألونا عن حالنا كيف أنـتـم‬
‫ر فظلنا لريبه نـسـتـكـين ذكرت عريب أن هذا الشعر للفضل بن يحيى‪ ،‬ولها فيه‬ ‫نحن قوم أصابنا عـنـد الـده‬
‫لحنان‪ :‬ثاني ثقيل وخفيف ثقيل‪ ،‬كلهما بالوسطى‪ ،‬وهذا غلط من عريب‪ ،‬ولعله بلغها أن الفضل تمثل بشعر غير هذا‪ ،‬فأنسيته‬
‫‪.‬وجعلت هذا مكانه‬
‫‪:‬فأما هذا الشعر فللحسين بن الضحاك‪ ،‬ل يشك فيه‪ ،‬يرثي به محمدا المين بعد قوله‬
‫دث الدهر فظلنا لريبه نستكين‬ ‫نحـن قـوم أصـابـنـا حـا‬
‫كل يوم وأين منـا المـين? وهي قصيدة‬ ‫‪.‬نتمـنـى مـن المـين إيابـا‬
‫تعشق‪ ،‬وتهرب إلى معشوقها‪ :‬قال ابن المعتز‪ :‬وحدثني الهشامي‪ :‬إن مولها خرج إلى البصرة‪ ،‬وأدبها وخرجها وعلمها الخط‬
‫والنحو والشعر والغناء‪ ،‬فبرعت في ذلك كله‪ ،‬وتزايدت حتى قالت الشعر‪ ،‬وكان لمولها صديق يقال له حاتم بن عدي من قواد‬
‫خراسان‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه كان يكتب لعجيف على ديوان الفرض‪ ،‬فكان مولها يدعوه كثيرا‪ ،‬ويخالطه‪ ،‬ثم ركبه دين فاستتر عنه‪ ،‬فمد‬
‫عينه إلى عريب‪ ،‬فكاتبها‪ ،‬فأجابته‪ ،‬وكانت المواصلة بينهما‪ ،‬وعشقته عريب‪ ،‬فلم تزل تحتال حتى اتخذت سلما من عقب‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫من خيوط غلظ‪ ،‬وسترته‪ ،‬حتى إذا همت بالهرب إليه بعد انتقاله عن منزل مولها بمدة ‪ -‬وقد أعد لها موضعا ‪ -‬لفت ثيابها‬
‫وجعلتها في فراشها بالليل‪ ،‬ودثرتها بدثارها‪ ،‬ثم تسورت من الحائط‪ ،‬حتى هربت‪ ،‬فمضت إليه‪ ،‬فمكثت عنده زمانا‪ ،‬قال‪ :‬وبلغني‬
‫أنها لما صارت عنده بعث إلى مولها يستعير منه عودا تغنيه به‪ ،‬فأعاره عودها‪ ،‬وهو ل يعلم أنها عنده‪ ،‬ول يتهمه بشيء من‬
‫‪:‬أمرها‪ ،‬فقال عيسى بن عبد الله بن إسماعيل المراكبي‪ ،‬وهو عيسى ابن زينب يهو أباه ويعيره بها‪ ،‬وكان كثيرا ما يهجوه‬
‫فعلت فعـل عـجـيبـا‬ ‫قاتـل الـلـه عـريبــا‬
‫مركبا صعبـا مـهـوبـا‬ ‫ركـبـت والـلــيل داج‬
‫أو مـنـه قــريبـــا‬ ‫فارتقت متصل بالـنـجـم‬
‫أقصد النـوم الـرقـيبـا‬ ‫صبـرت حـتـى إذا مـا‬
‫هالكـيل تـسـتـريبـا‬ ‫مثـلـت بـين حـشــايا‬
‫دي لم يلـف مـجـيبـا‬ ‫خلـفـا مـنـهـا إذا نـو‬
‫ف قضـيبـا وكـثـيبـا‬ ‫ومضت يحملهـا الـخـو‬
‫ليهـا أن تـــذوبـــا‬ ‫محة لو حركت خفـت ع‬
‫فتدلت لمحب فتلقاها حبيبا‬

‫صفحة ‪2351 :‬‬

‫ا من الدنـيا نـصـيبـا‬ ‫جذل ق دنال في الدنـي‬


‫ناه الـقـلــوبـــا‬ ‫أيها الضبي الذي تسحر ع‬
‫بعضه حسنـا وطـيبـا‬ ‫والذي يأكـل بـعـضـا‬
‫فلقد أطـعـمـت ذيبـا‬ ‫كنـت نـهـبـا لـذئاب‬
‫يك راعـيهـا لـبـيبـا‬ ‫وكـذا الـشـاة إذا لـم‬
‫عى إذا كان خصـيبـا‬ ‫ل يبالـي وبـأ الـمـر‬
‫كشـخـان حـريبــا‬ ‫فلقد أصبح عبد الـلـه م‬
‫وقد شـق الـجـيوبـا‬ ‫قد لعمري لطم الـوجـه‬
‫بكت الشعر الخضـيبـا وقال ابن المعتز‪ :‬حدثنا محمد بن موسى بن يونس‪ :‬أنها ملته بعد‬ ‫وجـرت مـنـه دمـوع‬
‫ذلك‪ ،‬فهربت منه‪ ،‬كانت تغني عند أقوام عرفتهم ببغداد‪ ،‬وهي متسترة متخفية‪ ،‬فلما كان يوم من اليام اجتاز ابن أخ للمراكبي‬
‫ببستان كانت فيه مع قوم تغني‪ ،‬فسمع غناءها‪ ،‬فعرفه‪ ،‬فبعث إلى عمه من وقته‪ ،‬وأقام هو بمكانه‪ ،‬فلم يبرح حتى جاء عمه‪،‬‬
‫فلببها وأخذها‪ ،‬فضربها مائة مقرعة‪ ،‬وهي تصيح‪ :‬يا هذا لم تقتلني أنا لست أصبر عليك‪ ،‬أنا امرأة حرة إن كنت مملوكة فبعني‪،‬‬
‫لست أصبر على الضيقة‪ ،‬فلما كان من غد ندم على فعله‪ ،‬وصار إليها فقبل رأسها ورجلها‪ ،‬ووهب لها عشرة آلف درهم‪ ،‬ثم بلغ‬
‫محمدا المين خبرها‪ ،‬فأخذها منه‪ ،‬قال‪ :‬وكان خبرها سقط إلى محمد في حياة أبيه‪ ،‬فطلبها منه‪ ،‬فلم يجبه إلى ما سأل‪ ،‬وقبل‬
‫ذلك ما كان طلب منه خادما عنده‪ ،‬فاضطغن لذلك عليه‪ ،‬فلما ولي الخلفة جاء المراكبي‪ ،‬ومحمد راكب‪ ،‬ليقبل يده‪ ،‬فأمر بمنعه‬
‫ودفعه‪ ،‬ففعل ذلك الشاكري‪ ،‬فضربه المراكبي وقال له‪ :‬أتمنعني من يد سيدي أن أقبلها? فجاء الشاكري لما نزل محمد‬
‫فشكاه‪ ،‬فدعا محمد بالمراكبي‪ ،‬وأمر بضر عنقه‪ ،‬فسئل في أمره‪ ،‬فأعفاه‪ ،‬وحبسه‪ ،‬وطالبه بخمسمائة ألف درهم مما اقتطعه‬
‫من نفقات الكراع‪ ،‬وبعث‪ ،‬فأخذ عريب من منزله مع خدم كانوا له‪ ،‬فلما قتل محمد هربت إلى المراكبي‪ ،‬فكانت عنده ‪ ،‬قال‪:‬‬
‫‪:‬وأنشدني بعض أصحابنا لحاتم بن عدي الذي كانت عنده لما هربت إليه‪ ،‬ثم ملته فهربت منه‪ ،‬وهي أبيات عدة‪ ،‬هذان منها‬
‫قتيل عـريب ل قـتـيل حـروب‬ ‫ورشوا على وجهي من الماء واندبوا‬
‫تكونين من بعد الممات نصـيبـي قال ابن المعتز‪ :‬وأما رواية إسماعيل بن‬ ‫فليتك إن عجلتني فـقـتـلـتـنـي‬
‫الحسين‪ ،‬خال المعتصم فإنها تخالف هذا‪ ،‬وذكر أنها إنما هربت من دار مولها المراكبي إلى محمد بن حامد الخاقاني المعروف‬
‫بالخشن‪ ،‬أحد قواد خراسان قال‪ :‬وكان أشقر أصهب الشعر أزرق‪ ،‬وفيه تقول عريب ‪ -‬ولها فيه هزج ورمل من روايتي الهشامي‬
‫‪ :‬وأبي العباس‬
‫أصهب اللون أشقر‬ ‫بأبـي كـل أزرق‬
‫يس جنوني بمنكر تذكر ناسيا‪ :‬قال ابن المعتز‪ :‬وحدثني ابن المدبر قال‪ :‬خرجت مع‬ ‫جن قلبـي بـه ول‬
‫المأمون إلى أرض الروم‪ ،‬أطلب ما يطلبه الحداث من الرزق‪ ،‬فكنا نسير مع العسكر‪ ،‬فلما خرجنا من الرقة رأينا جماعة من‬
‫الحرم في العماريات على الجمازات وكنا رفقة‪ ،‬وكنا أترابا‪ ،‬فقال لي أحدهم‪ :‬على بعض هذه الجمازات عريب‪ ،‬فقلت‪ :‬من‬
‫‪?.‬يراهنني أمر في جنبات هذه العماريات‪ ،‬وأنشد أبيات عيسى ابن زينب‬

‫فعلت فعل عجيبا فراهنني بعضهم وعدل الرهنان وسرت إلى جانبها فأنشدت البيات رافعا‬ ‫قاتل الله عـريبـا‬
‫‪:‬صوتي بها‪ ،‬حتى أتممتها‪ ،‬فإذا أنا بامرأة قد أخرجت رأسها فقالت‪ :‬يا فتى أنسيت أجود الشعر وأطيبه? أنسيت قوله‬
‫رين قد نيكت ضروبا اذهب فخذ ما بايعت فيه‪ ،‬ثم ألقت السجف‪ ،‬فعلمت أنها عريب‪،‬‬ ‫وعريب رطبة الشف‬
‫‪.‬وبادرت إلى أصحابي خوفا من مكروه يلحقني من الخدم‬
‫رقيب يحتاج إلى رقيب‪ :‬أخبرني إسماعيل بن يونس قال‪ :‬قال لنا عمر بن شبة‪ :‬كانت للمراكبي جارية يقال لها مظلومة‪ ،‬جميلة‬
‫الوجه‪ ،‬بارعة الحسن‪ ،‬فكان يبعث بها مع عريب إلى الحمام‪ ،‬أو إلى من تزوره من أهله ومعارفه‪ ،‬فكانت ربما دخلت معها إلى‬
‫‪:‬ابن حامد الذي كانت تميل إليه‪ ،‬فقال فيها بعض الشعراء وقد رآها عنده‬
‫أقاموك الرقيب على عريب‬ ‫لقد ظلموك يا مظلوم لـمـا‬
‫لما أخلوك أنت من الرقيب‬ ‫ولو أولوك إنصافـا وعـدل‬

‫صفحة ‪2352 :‬‬

‫فكيف وأنت من شأن المريب‬ ‫أتنهين المريب عن المعاصي‬


‫لديك وأنت داعية الـذنـوب‬ ‫وكيف يجانب الجاني ذنـوبـا‬
‫فما رقبوك من غيب القلوب وفي هذا المعنى‪ ،‬وإن لم يكن من جنس ما ذكرته‬ ‫فإن يسترقبوك على عـريب‬
‫‪:‬ما أنشدنيه علي بن سليمان الخفش في رقيبة مغنية استحسنت وأظنه للناشئ‬
‫لقد منعوا العين عن ناظـريك‬ ‫فديتك لو أنـهـم أنـصـفـوا‬
‫ن من وحي طرفك في مقلتيك‬ ‫ألم يقرءوا ويحـهـم مـا يرو‬
‫فمن ذا يكون رقيبـا عـلـيك‬ ‫وقد بعـثـوك رقـيبـا لـنـا‬
‫وهل تنظر العـين إل إلـيك من بلط المين إلى بلط المأمون‪ :‬قال ابن المعتز‪:‬‬ ‫تصدين أعينـنـا عـن سـواك‬
‫وحدثني عبد الواحد بن إبراهيم‪ ،‬عن حماد بن إسحاق‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬وعن محمد بن إسحاق البغوي‪ ،‬عن إسحاق بن إبراهيم‪ :‬أن خبر‬
‫‪:‬عريب لما نمي إلى محمد المين بعث في إحضارها وإحضار مولها‪ ،‬فأحضرا‪ ،‬وغنت بحضرة إبراهيم بن المهدي تقول‬
‫وأنت طراز النسات الملئح فطرب محمد‪ ،‬واستعاد الصوت مرارا‪ ،‬وقال‬ ‫لكل أناس جوهر متنـافـس‬
‫لبراهيم‪ :‬يا عم كيف سمعت? قال‪ :‬يا سيدي‪ ،‬سمعت حسنا‪ ،‬وإن تطاولت بها اليام‪ ،‬وسكن روعها ازداد غناؤها حسنا‪ ،‬فقال‬
‫للفضل بن الربيع‪ :‬خذها إليك‪ ،‬وساوم بها‪ ،‬ففعل‪ ،‬فاشتط مولها في السوم‪ ،‬ثم أوجبها له بمائة ألف دينار‪ ،‬وانتقض أمر محمد‪،‬‬
‫وشغل عنها‪ ،‬وشغلت عنه‪ ،‬فلم يأمر لمولها بثمنها حتى قتل بعد أن أفتضها‪ ،‬فرجعت إلى مولها‪ ،‬ثم هربت منه إلى حاتم بن‬
‫‪.‬عدي‪ ،‬وذكر باقي الخبر كما ذكره من تقدم‬
‫وقال في خبره‪ :‬إنها هربت من مولها إلى ابن حامد‪ ،‬فلم تزل عنده حتى قدم المأمون بغداد‪ ،‬فتظلم إليه المراكبي من محمد‬
‫بن حامد‪ ،‬فأمر بإحضاره فأحضر‪ ،‬فسأله عنها فأنكر‪ ،‬فقال له المأمون‪ :‬كذبت قد سقط إلي خبرها‪ .‬وأمر صاحب الشرطة أن‬
‫يجرده في مجلس الشرطة‪ ،‬ويضع عليه السياط حتى يردها‪ ،‬فأخذه‪ ،‬وبلغها الخبر فركبت حمار مكار‪ ،‬وجاءت وقد جرد ليضرب‪،‬‬
‫وهي مكشوفة الوجه‪ ،‬وهي تصيح‪ :‬أنا عريب‪ ،‬إن كنت مملوكة فليبعني‪ ،‬وإن كنت حرة فل سبيل له علي‪ ،‬فرفع خبرها إلى‬
‫المأمون‪ ،‬فأمر بتعديلها عند قتيبة بن زياد القاضي‪ ،‬فعدلت عنده‪ ،‬وتقدم إليه المراكبي مطالبا بها‪ ،‬فسأله البينة على ملكه إياها‪،‬‬
‫‪.‬فعاد متظلما إلى المأمون‪ ،‬وقال‪ :‬قد طولبت بما لم يطالب به أحد في رقيق‪ ،‬ول يوجد مثله في بد من ابتاع عبدا أو أمة‬
‫وتظلمت إليه زبيدة‪ ،‬وقالت‪ :‬من أغلظ ما جرى علي بعد قتل محمد ابني هجوم المراكبي على داري وأخذه عريبا منها‪ .‬فقال‬
‫المراكبي‪ :‬إنما أخذت ملكي‪ ،‬لنه لم ينقدني الثمن‪ ،‬فأمر المأمون بدفعها إلى محمد بن عمر الواقدي ‪ -‬وكان قد وله القضاء‬
‫بالجانب الشرقي ‪ -‬فأخذها من قتيبة بن زياد‪ ،‬فأمر ببيعها ساذجة‪ ،‬فاشتراها المأمون بخمسين ألف درهم‪ ،‬فذهبت به كل مذهب‬
‫‪.‬ميل إليها ومحبة لها‬
‫قال ابن المعتز‪ :‬ولقد حدثني علي بن يحيى المنجم أن المأمون قبل في بعض اليام رجلها‪ ،‬قال‪ :‬فلما مات المأمون بيعت في‬
‫‪.‬ميراثه‪ ،‬ولم يبع له عبد ول أمة غيرها‪ ،‬فاشتراها المعتصم بمائة ألف درهم‪ ،‬وأعتقها‪ ،‬فهي مولته‬
‫وذكر حماد بن إسحاق عن أبيه أنها لما هربت من دار محمد حين قتل تدلت من قصر الخلد بحبل إلى الطريق‪ ،‬وهربت إلى‬
‫‪.‬حاتم بن عدي‬
‫وأخبرني جحظة‪ ،‬عن ميمون بن هارون‪ :‬أن المأمون اشتراها بخمسة آلف دينار‪ ،‬ودعا بعبد الله بن إسماعيل‪ ،‬فدفعها إليه‬
‫وقال‪ :‬لول أني حلفت أل أشتري مملوكا بأكثر من هذا لزدتك‪ ،‬ولكني سأوليك عمل تكسب فيه أضعافا لهذا الثمن مضاعفة‪،‬‬
‫ورمى إليه بخاتمين من ياقوت أحمر‪ ،‬قيمتهما ألف دينار‪ ،‬وخلع خلعا سنية‪ ،‬فقال‪ :‬يا سيدي‪ ،‬إنما ينتفع الحياء بمثل هذا‪ ،‬وأما أنا‬
‫‪.‬فإني ميت ل محالة‪ ،‬لن هذه الجارية كانت حياتي‪ ،‬وخرج عن حضرته‪ ،‬فاختلط وتغير عقله‪ ،‬ومات بعد أربعين يوما‬
‫‪:‬قال ابن المعتز‪ :‬فحدثني علي بن يحيى قال‪ :‬حدثني كاتب الفضل بن مروان‪ :‬قال‪ :‬حدثني إبراهيم بن رباح قال‬

‫صفحة ‪2353 :‬‬

‫كنت أولى نفقات المأمون‪ ،‬فوصف له إسحاق بن إبراهيم الموصلي عريب‪ ،‬فأمره أن يشتريها‪ ،‬فاشتراها بمائة ألف درهم‪،‬‬
‫فأمرني المأمون بحملها‪ ،‬وأن أحمل إلى إلى إسحاق مائة ألف درهم أخرى‪ .‬ففعلت ذلك‪ ،‬ولم أدر لصائغها ودللها‪ ،‬فجاء الفضل‬
‫بن مروان إلى المأمون‪ ،‬وقد رأى ذلك‪ ،‬فأنكره‪ ،‬وسألني عنه‪ ،‬فقلت‪ :‬نعم هو ما رأيت‪ ،‬فسأل المأمون‪ ،‬فدعاني‪ ،‬ودنوت إليه‪،‬‬
‫وأخبرته أنه المال الذي خرج في ثمن عريب وصلة إسحاق‪ ،‬وقلت‪ :‬أيما أصوب يا أمير المؤمنين‪ :‬ما فعلت أو أثبت في الديوان‬
‫أنها خرجت في صلة مغن وثمن مغنية? فضحك المأمون وقال‪ :‬الذي فعلت أصوب‪ ،‬ثم قال للفضل بن مروان‪ :‬يا نبطي‪ ،‬ل‬
‫‪.‬تعترض على كاتبي هذا في شيء‬
‫وقال ابن المكي‪ :‬حدثني أبي عن تحرير الخادم‪ :‬قال‪ :‬دخلت يوما قصر الحرم‪ ،‬فلمحت عريب جالسة على كرسي ناشرة‬
‫‪.‬شعرها تغتسل‪ ،‬فسألت عنها‪ ،‬فقيل‪ :‬هذه عريب دعا بها سيدها اليوم‪ ،‬فافتضها‬
‫قال ابن المعتز‪ :‬فأخبرني ابن عبد الملك البصري‪ :‬أنها لما صارت في دار المأمون احتالت حتى وصلت إلى محمد بن حامد‪،‬‬
‫وكانت قد عشقته وكاتبته بصوت قالته‪ ،‬ثم احتالت في الخروج إليه‪ ،‬وكانت تلقاه في الوقت بعد الوقت‪ ،‬حتى حبلت منه وولدت‬
‫‪.‬بنتا‪ ،‬وبلغ ذلك المأمون فزوجه إياها‬
‫وأخبرنا إبراهيم بن القاسم بن زرزور‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬وحدثني به المظفر بن كيغلغ عن القاسم بن زرزور‪ ،‬قال‪ :‬لما وقف المأمون‬
‫على خبرها مع محمد بن حامد أمر بإلباسها جبة صوف وختم زيقها وحبسها في كنيف مظلم شهرا ل ترى الضوء‪ ،‬يدخل إليها‬
‫خبز وملح وماء من تحت الباب في كل يوم‪ ،‬ثم ذكرها‪ ،‬فرق لها‪ ،‬وأمر بإخراجها‪ ،‬فلم فتح الباب عنها‪ ،‬وأخرجت لم تتكلم بكلمة‬
‫‪:‬حتى اندفعت تغني‬
‫في القلب فهو محجب ل يحجب فبلغ ذلك المأمون‪ ،‬فعجب منها‪ ،‬وقال‪ :‬لن‬ ‫جبوه عن بصري فمثل شخصـه‬
‫‪.‬تصلح هذه أبدا‪ ،‬فزوجها إياه‬
‫نسبة هذا الصوت صوت‬
‫لرأيت أحسن عاتب يتـعـتـب‬ ‫لو كان يقدر أن يبثـك مـا بـه‬
‫في القلب فهو محجب ل يحجب الغناء لعريب ثقيل أول بالوسطى‬ ‫‪.‬حجبوه عن بصري فمثل شخصه‬
‫رقعة منها في تركه‪ :‬قال ابن المعتز‪ :‬وحدثني لؤلؤ صديق علي بن يحيى المنجم‪ :‬قال‪ :‬حدثني أحمد بن جعفر بن حامد‪ :‬قال‪:‬‬
‫لما توفي عمي محمد بن حامد صار جدي إلى منزله‪ ،‬فنظر إلى تركته‪ ،‬وجعل يقلب ما خلف‪ ،‬ويخرج إليه منها الشيء بعد‬
‫الشيء إلى أن أخرج إليه سفط مختوم‪ ،‬ففض الخاتم‪ ،‬وجعل يفتحه‪ ،‬فإذا فيه رقاع عريب إليه‪ ،‬فجعل يتصفحها ويبتسم‪ ،‬فوقعت‬
‫في يده رقعة‪ ،‬فقرأها‪ ،‬ووضعها من يده وقام لحاجة‪ ،‬فقرأتها فإذا فيها قوله‪ :‬صوت‬
‫أوقعت في الحق شكا‬ ‫ويلي عليك ومنـكـا‬
‫جورا علي وإفـكـا‬ ‫زعمت أنـي خـئون‬
‫أو كنت أزمعت تركا‬ ‫إن كان ما قلت حقـا‬
‫من ذلة الحب نسكـا لعريب في هذه البيات رمل وخزج‪ ،‬عن الهشامي والشعر لها‬ ‫‪.‬فأبدل اللـه مـا بـي‬
‫تجيب على قبلة بطعنة‪ :‬قال ابن المعتز‪ :‬وحدثني عبد الوهاب بن عيسى الخراساني‪ ،‬عن يعقوب الرخامي‪ :‬قال‪ :‬كنا مع العباس‬
‫بن المأمون بالرقة وعلى شرطته هاشم ‪ -‬رجل من أهل خراسان ‪ -‬فخرج إلي‪ ،‬وقال‪ :‬يا أبا يوسف‪ ،‬ألقي إليك سرا لثقتي بك‪،‬‬
‫وهو عندك أمانة‪ ،‬قلت‪ :‬هاته‪ ،‬قال‪ :‬كنت واقفا على رأس المين وبي حر شديد‪ ،‬فخرجت عريب‪ ،‬فوقفت معي‪ ،‬وهي تنظر في‬
‫‪.‬كتاب فما ملكت نفسي أن أومأت بقبلة‪ ،‬فقالت‪ :‬كحاشية البرد‪ .‬فوالله ما أدري ما أرادت‪ ،‬فقلت‪ :‬قالت لك‪ :‬طعنة‬
‫‪:‬قال‪ :‬وكيف ذاك? قلت‪ :‬أرادت قول الشاعر‬
‫كحاشية البرد اليماني المسهـم وحكى هذه القصة أحمد بن أبي طاهر‪ ،‬عن‬ ‫رمى ضرع ناب فاستمر بطعنة‬
‫‪:‬بشر بن زيد‪ ،‬عن عبد الله بن أيوب بن أبي شمر‪ ،‬أنهم كانوا عند المأمون ومعهم محمد بن حامد‪ ،‬وعريب تغنيهم‪ ،‬فغنت تقول‬
‫كحاشية البرد اليماني المسهـم فقال لها المأمون‪ :‬من أشار إليك بقبلة‪ ،‬فقلت‬ ‫رمى ضرع ناب فاستمر بطعنة‬
‫‪.‬له طعنة? فقالت له‪ :‬يا سيدي‪ ،‬من يشير إلي بقبلة من مجلسك? فقال‪ :‬بحياتي عليك قالت‪ :‬محمد بن حامد‪ ،‬فسكت‬
‫‪:‬تحب أميرا وتتزوج خادما‪ :‬قال ابن المعتز‪ :‬وحدثني محمد بن موسى‪ :‬قال‬

‫صفحة ‪2354 :‬‬

‫اصطبح المأمون يوما ومعه ندماؤه‪ ،‬وفيهم محمد بن حامد وجماعة من المغنين‪ ،‬وعريب معه على مصله‪ ،‬فأومأ محمد بن‬
‫‪:‬حامد إليها بقبلة‪ ،‬فاندفعت تغني ابتداء‬
‫كحاشية البرد اليماني المسهـم تريد بغنائها جواب محمد بن حامد بأن تقول‬ ‫رمى ضرع ناب فاستمر بطعنة‬
‫له‪ :‬طعنة‪ ،‬فقال لها المأمون‪ :‬أمسكي‪ ،‬فأمسكت‪ ،‬ثم أقبل على الندماء فقال‪ :‬من فيكم أومأ إلى عريب بقبلة? والله لئن لم‬
‫‪.‬يصدقني لضربن عنقه‪ ،‬فقام محمد‪ ،‬فقال‪ :‬أنا يا أمير المؤمنين أومأت إليها‪ ،‬والعفو أقرب للتقوى‪ ،‬فقال‪ :‬قد عفوت‬
‫فقال‪ :‬كيف استدل أمير المؤمنين على ذلك? قال‪ :‬ابتدأت صوتا‪ ،‬وهي ل تغني ابتداء إل لمعنى‪ ،‬فعلمت أنها لم تبتدئ بهذا‬
‫‪.‬الصوت إل لشيء أومئ به إليها‪ ،‬ولم يكن من شرط هذا الموضع إل إيماء بقبلة‪ ،‬فعلمت أنها أجابت بطعنة‬
‫قال ابن المعتز‪ :‬وحدثني علي بن الحسين‪ :‬أن عريب كانت تتعشق أبا عيسى بن الرشيد وروى غيره أنها كانت ل تضرب‬
‫المصل إل بحسن وجه أبي عيسى وحسن غنائه‪ ،‬وكانت تزعم أنها ما عشقت أحدا من بني هاشم وأصفته المحبة من الخلفاء‬
‫‪.‬وأولدهم سواه‬
‫قال ابن المعتز‪ :‬وحدثني بعض جوارينا‪ :‬إن عريب كانت تتعشق صالحا المنذري الخادم‪ ،‬وتزوجته سرا‪ ،‬فوجه به المتوكل إلى‬
‫ممكان بعيد في حاجة له‪ ،‬فقالت فيه شعرا‪ ،‬وصاغت لحنه في خفيف الثقيل وهو‪ :‬صوت‬
‫بالرغم مني ل الرضا‬ ‫أما الحبيب فقد مضى‬
‫لم ألق منه معوضـا قال‪ :‬فغنته يوما بين يدي المتوكل‪ ،‬فاستعاده‪ ،‬وجعل جواريه‬ ‫أخطأت في تركي لمن‬
‫‪.‬يتغامزن ويضحكن‪ ،‬فأصغت إليهن سرا من المتوكل‪ ،‬فقالت‪ :‬يا سحاقات‪ ،‬هذا خير من عملكن‬
‫قبلي سالفتي تجدي ريح الجنة‪ :‬قال‪ :‬وحدثت عن بعض جواري المتوكل‪ ،‬أنها دخلت يوما على عريب‪ ،‬فقالت لها‪ :‬تعالي ويحك‬
‫إلي‪ ،‬فجاءت‪ .‬قال‪ :‬فقالت‪ :‬قبلي هذا الموضع مني فإنك تجدين ريح الجنة فأومأت إلى سالفتها‪ ،‬ففعلت‪ ،‬ثم قالت لها‪ :‬ما السبب‬
‫‪.‬في هذا? قالت‪ :‬قبلني صالح المنذري في ذلك الموضع‬
‫وقت انسجام ل وقت ملم‪ :‬قال ابن المعتز‪ :‬وأخبرني أبو عبد الله الهشامي قال‪ :‬حدثني محمد بن يحيى الواثقي‪ ،‬قال‪ :‬قال لي‬
‫محمد بن حامد ليلة‪ :‬أحب أن تفرغ لي مضربك‪ ،‬فإني أريد أن أجيئك‪ ،‬فأقيم عندك‪ ،‬ففعلت‪ ،‬ووافاني‪ ،‬فلما جلس جاءت عريب‪،‬‬
‫‪.‬فدخلت‬
‫وقد حدثني به جحظة‪ :‬قال‪ :‬حدثني أبو عبد الله بن حمدون‪ :‬أن عريب زارت محمد بن حامد‪ ،‬وجلسا جميعا‪ ،‬فجعل يعاتبها‪،‬‬
‫ويقول‪ :‬فعلت كذا‪ ،‬وفعلت كذا‪ ،‬فقالت لي‪ :‬يا محمد‪ ،‬هذا عندك رأي? ثم أقبلت عليه‪ ،‬فقالت‪ :‬يا عاجز خذ بنا فيما نحن فيه‬
‫‪.‬وفيما جئنا إليه‬
‫وقال جحظة في خبره‪ :‬اجعل سراويلي مخنقتي‪ ،‬وألصق خلخالي بقرطي‪ ،‬فإذا كان غد فاكتب إلي بعتابك في طومار حتى‬
‫أكتب إليك بعذري في ثلثة‪ ،‬ودع هذا الفضول‪ ،‬فقد قال الشاعر‪ :‬صوت‬
‫تعالي ل أعد ول تعـدي وتمام هذا قوله‬ ‫‪:‬دعي عد الذنوب إذا التقينا‬
‫إلى نار الجحيم لقلت مدي الشعر للمؤمل‪ :‬والغناء لعريب‪ ،‬خفيف رمل‪ ،‬وفيه‬ ‫فأقسم لو هممت بمد شعري‬
‫لعلوية رمل بالبنصر من رواية عمرو بن بانة‪ :‬مع ثمانية من الخلفاء‪ :‬أخبرني أبو يعقوب إسحاق بن الضحاك بن الخصيب‪ :‬قال‪:‬‬
‫حدثني أبو الحسن علي بن محمد بن الفرات قال‪ :‬كنت يوما عند أخي أبي العباس‪ ،‬وعنده عريب جالسة على دست مفرد لها‪،‬‬
‫وجواريها يغنين بين يدينا وخلف ستارتنا‪ ،‬فقلت لخي ‪ -‬وقد جرى ذكر الخلفاء ‪ :‬قالت لي عريب‪ :‬ناكني منهم ثمانية ما اشتهيت‬
‫منهم أحدا إل المعتز‪ ،‬فإنه كان يشبه أبا عيسى بن الرشيد‪ .‬قال ابن الفرات‪ :‬فأصغيت إلى بعض بني أخي‪ ،‬فقلت له‪ :‬فكيف‬
‫ترى شهوتها الساعة فضحك ولمحته‪ ،‬فقالت‪ :‬أي شيء قلتم? فجحدتها‪ .‬فقالت لجواريها‪ :‬أمسكن‪ ،‬ففعلن‪ ،‬فقالت‪ :‬هن حرائر‬
‫لئن لم تخبراني بما قلتما لينصرفن جميعا‪ ،‬وهن حرائر‪ .‬إن حردت من شيء جرى‪ ،‬ولو أنها تسفيل‪ ،‬فصدقتها‪ .‬فقالت‪ :‬وأي‬
‫‪.‬شيء في هذا? أما الشهوة فبحالها‪ ،‬ولكن اللة قد بطلت أو قالت‪ :‬قد كلت‪ ،‬عودوا إلى ما كنتم فيه‬
‫‪:‬شرطان فاحشان‪ :‬وحدثني الحسن بن علي بن مودة قال‪ :‬حدثني إبراهيم بن أبي العبيس‪ :‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ :‬قال‬

‫صفحة ‪2355 :‬‬

‫دخلنا على عريب يوما مسلمين‪ ،‬فقالت‪ :‬أقيموا اليوم عندي حتى أطعمكم لوزنيجة صنعتها بدعة بيدها من لوز رطب‪ ،‬وما‬
‫حضر من الوظيفة‪ ،‬وأغنيكم أنا وهي‪ ،‬قال‪ :‬فقلت لها على شريطة‪ ،‬قالت‪ :‬وما هي? قلت‪ :‬شيء أريد أن أسألك عنه منذ سنين‪،‬‬
‫وأنا أهابك? قالت‪ :‬ذاك لك‪ ،‬وأنا أقدم الجواب قبل أن تسأل‪ ،‬فقد علمت ما هو‪ ،‬فعجبت لها‪ ،‬وقلت‪ :‬فقولي‪ ،‬فقالت‪ :‬تريد أن‬
‫تسألني عن شرطي أي شرط هو? فقلت‪ :‬إي والله ذاك الذي أردت‪ .‬قالت‪ :‬شرطي أير صلب‪ ،‬ونكهة طيبة‪ ،‬فإن انضاف إلى‬
‫‪.‬ذلك حسن يوصف‪ ،‬وجمال يحمد فقد زاد قدره عندي‪ ،‬وإل فهذان ما ل بد لي منهما‬
‫تلقن حبيبها درسا في كيف تكون الهدية‪ :‬وحدثني الحسن بن علي‪ ،‬عن محمد بن ذي السيفين إسحاق بن كنداجيق‪ .‬عن أبيه‪:‬‬
‫قال‪ :‬كانت عريب تولع بي وأنا حديث السن‪ ،‬فقالت لي يوما‪ :‬يا إسحاق قد بلغني أن عندك دعوة فابعث إلي نصيبي منها‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فاستأنفت طعاما كثيرا‪ .‬وبعثت إليها منه شيئا كثيرا؛ فأقبل رسولي من عندها مسرعا‪ .‬فقال لي‪ :‬لما بلغت إلى بابها‪ ،‬وعرفت‬
‫خبري أمرت بالطعام فأنهب وقد وجهت إليك برسول‪ .‬وهو معي‪ ،‬فتحيرت وظننت أنها قد استقصرت فعلي‪ ،‬فدخل الخادم ومعه‬
‫شيء مشدود في منديل ورقعة‪ ،‬فقرأتها‪ ،‬فإذا فيها‪ :‬بسم الله الرحمن الرحيم‪ ،‬يا عجمي يا غبي‪ ،‬ظننت أني من التراك ووخش‬
‫الجند‪ ،‬فبعثت إلي بخبز ولحم وحلواء‪ ،‬الله المستعان عليك‪ ،‬يا فدتك نفسي‪ ،‬قد وجهت إليك زلة من حضرتي‪ ،‬فتعلم ذلك من‬
‫الخلق ونحوه من الفعال‪ ،‬ول تستعمل أخلق العامة‪ ،‬في رد الظرف‪ .‬فيزداد العيب والعتب عليك إن شاء الله‪ ،‬فكشفت‬
‫المنديل‪ ،‬فإذا طبق ومكبه من ذهب منسوج على عمل الخلف‪ ،‬وفيه زبدية فيها لقمتان من رقاق‪ ،‬وقد عصبت طرفيهما وفيها‬
‫‪.‬قطعتان من صدر دراج مشوي ونقل وطلع وملح‪ .‬وانصرف رسولها‬
‫أيهما أغلى‪ :‬الخلفة أم الخل الوفي? قال ابن المعتز‪ :‬حدثني الهشامي أبو عبد الله‪ .‬عن رجل ذكره‪ ،‬عن علوية قال‪ :‬أمرين‬
‫المأمون وسائر المغنين في ليلة من الليالي أن نصير إليه بكرة ليصطبح‪ ،‬فغدونا ولقيني المراكبي موىل عريب‪ ،‬وهي يومئذ‬
‫عنده‪ ،‬فقال لي‪ :‬يأيها الرجل الظالم المعتدي‪ ،‬أما ترق ول ترحم ول تستحي? عريب هائمة تحلم بك في النوم ثلث مرات في‬
‫كل ليلة‪ ،‬قال علوية‪ :‬فقلت‪ :‬أم الخلفة زانية‪ .‬ومضيت معه‪ ،‬فحين دخلت قلت‪ :‬استوثق من الباب‪ ،‬فإني أعرف خلق الله‬
‫بفضول البوابين والحجاب‪ ،‬وإذا عريب جالسة على كرسي تطبخ‪ ،‬وبين يديها ثلث قدور من دجاج‪ ،‬فلما رأتين قامت تعانقني‬
‫وتقبلني‪ ،‬ثم قالت‪ :‬أيما أحب إليك أن تأكل من هذه القدور‪ ،‬أو تشتهي شيئا يطبخ لك‪ ،‬فقلت‪ :‬بل قدر من هذه تكفينا‪ ،‬فغرفت‬
‫قدرا منها‪ ،‬وجعلتها بيني وبينها‪ ،‬فأكلنا ودعونا بالنبيذ‪ ،‬فجلسنا نشرب حتى سكرنا‪ ،‬ثم قالت‪ :‬يا أبا الحسن‪ ،‬صنعت البارحة صوتا‬
‫‪:‬في شعر لبي العتاهية‪ ،‬فقلت‪ :‬وما هو? فقالت هو‬
‫صفا لي ول إن كنت طوع يديه وقالت لي‪ :‬قد بقي فيه شيء‪ ،‬فلم نزل‬ ‫عذيري من النسان ل إن جفوته‬
‫نردده أنا وهي حتى استوى‪ ،‬ثم جاء الحجاب فكسروا باب المراكبي واستخرجوني‪ ،‬فدخلت على المأمون‪ ،‬فلما رأيته أقبلت‬
‫أمشي إليه برقص وتصفيق‪ ،‬وأنا أغني الصوت‪ ،‬فسمع وسمع من عنده ما لم يعرفوه واستظرفوه‪ ،‬وسألني المأمون عن خبره‪،‬‬
‫‪.‬فشرحته له‪ .‬فقال لي‪ :‬ادن وردده‪ ،‬فرددته عليه سبع مرات‪ .‬فقال في آخر مرة‪ :‬يا علوية‪ .‬خذ الخلفة واعطني هذا الصاحب‬
‫نسبة هذا الصوت صوت‬
‫صفا لي ول إن كنت طوع يديه‬ ‫عذيري من النسان ل إن جفوته‬
‫يروق ويصفو إن كدرت عليه الشعر من الطويل وهو لبي العتاهية‪ ،‬والغناء‬ ‫وإني لمشتاق إلى قرب صاحب‬
‫‪.‬لعريب‪ ،‬خفيف ثقيل أول بالوسطى‪ ،‬ونسبه عمرو بن بانة في هذه الطريقة والصبغ إلى علوية‬
‫لماذا غضب الواثق والمعتصم عليها‪ :‬قال ابن المعتز‪ :‬وحدثني القاسم بن زرزور‪ :‬قال‪ :‬حدثتني عريب قالت‪ :‬كنت في أيام‬
‫‪.‬محمد ابنة أربع عشرة سنة‪ ،‬وأنا حينئذ أصوغ الغناء‬
‫‪:‬قال القاسم‪ :‬وكانت عريب تكايد الواثق فيما يصوغه من اللحان وتصوغ في ذلك الشعر بعينه لحنا أجود من لحنه‪ ،‬فمن ذلك‬
‫أقر بالذنب فاعف اليوم عن زللي لحنها فيه حفيف ثقيل‪ ،‬ولحن الواثق رمل‪،‬‬ ‫لم آت عامدة ذنبـا إلـيك بـلـى‬
‫‪:‬ولحنها أجود من لحنه‪ ،‬ومنها‬

‫صفحة ‪2356 :‬‬

‫حسبي بربي ول أشكو إلى أحد لحنها ولحن الواثق جميعا من الثقيل الول‪،‬‬ ‫أشكو إلى الله ما ألقى من الكمد‬
‫‪.‬ولحنها أجود من لحنه‬
‫نسبة هذين الصوتين صوت‬
‫أقر بالذنب فاعف اليوم عن زللي‬ ‫لم آت عامدة ذنبـا إلـيك بـلـى‬
‫وقاك ربك يوم الخوف والوجـل الغناء للواثق رمل‪ ،‬ولعريب خفيف ثقيل‬ ‫فالصفح من سيد أولى لمعـتـذر‬
‫‪.‬وذكر ذكاء وجه الرزة أن لطالب بن يزداد فيه هزجا مطلقا‬
‫صوت‬
‫حسبي بربي ول أشكو إلى أحد‬ ‫أشكو إلى الله ما ألقى من الكمد‬
‫في ظله بدنوي منك يا سنـدي‬ ‫أين الزمان الذي قد كنت ناعمة‬
‫فقد كحلت جفون العين بالسهد‬ ‫وأسأل الله يوما منك يفرحـنـي‬
‫نفسي عليك وما بالقلب من كمد الغناء لعريب ثقيل أول بالوسطى‪ ،‬وللواثق‬ ‫شوقا إليك وما تدري بما لقـيت‬
‫‪.‬ثقيل أول بالبنصر‬
‫قال ابن المعتز‪ :‬وكان سبب انحراف الواثق عنها‪ .‬وكيادها آياه‪ ،‬وانحراف المعتصم عنها أنه وجد لها كتابا إلى العباس بن‬
‫المأمون ببلد الروم‪ :‬اقتل أنت العلج ثم‪ ،‬حتى أقلت أنا العور الليلي هاهنا‪ .‬تعني الواثق‪ ،‬وكان يسهر بالليل‪ ،‬وكان المعتصم‬
‫‪.‬استخلفه ببغداد‬
‫تغضب على جارية مبتذلة‪ :‬قال‪ :‬وحدثني أو العبيس بن حمدون قال‪ :‬غضبت عريب على بعض جواريها المذكورات ‪ -‬وسماها‬
‫لي ‪ -‬فجئت إليها يوما‪ .‬وسألتها أن تعفو عنها‪ .‬فقالت في بعض ما تقوله‪ ،‬مما تعتد به عليها من ذنوبها‪ :‬يا أبا العبيس إن كنت‬
‫‪.‬تشتهي أن ترى زناي وصفاقة وجهي وجراءتي على كل عظيمة أيام شبابي فانظر إليها واعرف أخبارها‬
‫كانت تجيد ركوب الخيل‪ :‬قال ابن المعتز‪ :‬وحدثني القاسم بن زرزور قال‪ :‬حدثني المعتمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثتني عريب أنها كانت في‬
‫‪.‬شبابها يقدم إليها برذون‪ .‬فتطفر عليه بل ركاب‬
‫تندمج في الصوت فل تحس لدغ العقرب‪ :‬قال‪ :‬وحدثني السدي‪ :‬قال‪ :‬حدثني صالح بن علي بن الرشيد المعروف بزعفرانة‪:‬‬
‫قال‪ :‬تمارى خالي أبو علي مع المأمون في صوت‪ ،‬فقال المأمون‪ :‬أين عريب? فجاءت وهي محمومة‪ ،‬فسألها عن الصوت‬
‫فقالت فيه بعلمها‪ ،‬فقال لها‪ :‬غنية‪ ،‬فولت لتجيء بعود‪ ،‬فقال لها‪ :‬غنية بغير عود‪ ،‬فاعتمدت على الحائط للحمي وغنت‪ ،‬فأقبلت‬
‫‪.‬عقرب‪ ،‬فرأيتها قد لسعت يدها مرتين أو ثلثا‪ ،‬فما نحت يدها‪ ،‬ول سكتت‪ .‬حتى فرغت من الصوت‪ ،‬ثم سقطت وقد غشي عليها‬
‫غسالة رأسها تتقسمها جواريها‪ :‬قال ابن المعتز‪ :‬وحدثني أبو العباس بن الفرات‪ :‬قال‪ :‬قالت لي تحفة جارية عريب‪ :‬كانت‬
‫عريب تجد في رأسها بردا‪ ،‬فكانت تغلف شعرها مكان العلة بستين مثقال مسكا وعنبرا‪ ،‬وتغسله من جمعة إلى جمعة‪ ،‬فإذا‬
‫‪.‬غسلته أعادته‪ ،‬وتتقسم الجواري غسالة رأسها بالقوارير وما تسرحه منه بالميزان‬
‫ترتجل معارضة لصوت‪ :‬حدثني أحمد بن جعفر جحظة‪ ،‬عن علي بن يحيى المنجم‪ :‬قال‪ :‬دخلت يوما على عريب مسلما عليها‪،‬‬
‫فلما اطمأننت جالسا هطلت السماء بمطر عظيم‪ ،‬فقالت‪ :‬أقم عندي اليوم حتى أغنيك أنا وجواري‪ ،‬وابعث إلى من أحببت من‬
‫إخوانك‪ ،‬فأمرت بدوابي فردت‪ ،‬وجلسنا نتحدث‪ ،‬فسألتني عن خبرنا بالمس في مجلس الخليفة‪ ،‬ومن كان يغنينا‪ ،‬وأي شيء‬
‫استحسنا من الغناء‪ ،‬فأخبرتها أن صوت الخليفة كان لحنا صنعه بنان من الماخوري‪ ،‬فقالت‪ :‬وما هو? فأخبرتها أنه‪ :‬صوت‬
‫جفون حشوها الرق‬ ‫تجافي ثم تنـطـبـق‬
‫وسفر القوم منطلق‬ ‫وذي كلف بكى جزعا‬
‫وكان وما به قلـق‬ ‫به قلق يمـلـمـلـه‬
‫بنار الشوق تحتـرق فوجهت رسول إلى بنان‪ ،‬فحضر من وقته‪ ،‬وقد بلته السماء‪ ،‬فأمرت‬ ‫جوانحه على خطـر‬
‫بخلع فاخرة‪ ،‬فخلعت عليه‪ ،‬وقدم له طعام فاخر‪ ،‬فأكل وجلس يشرب معنا‪ ،‬وسألته عن الصوت‪ ،‬فغناها إياه فأخذت دواة ورقعة‬
‫‪:‬وكتبت فيها‬
‫وصـاح الـنـرجـس الـغـــرق‬ ‫أجـاب الـوابـــل الـــغـــدق‬
‫وقد غنى بنان لنا‪ :‬جفون حشوها الرق‬
‫كأن حـبــابـــهـــا حـــدق قال علي بن يحيى‪ :‬فما شربنا بقية يومنا إل على هذه البيات‬ ‫‪.‬فهات الكأس مترعة‬
‫‪:‬ررموز برموز‪ :‬حدثني محمد بن خلف بن المرزبان‪ ،‬عن عبد الله بن محمد المروزي‪ :‬قال‬

‫صفحة ‪2357 :‬‬

‫قال لي الفضل بن العباس بن المأمون‪ :‬زارتني عريب يوما ومعها عدة من جواريها‪ ،‬فوافتنا ونحن على شرابنا‪ ،‬فتحادثنا‬
‫ساعة‪ .‬وسألتها أن تقيم عندي‪ ،‬فأبت وقالت‪ :‬دعاني جماعة من إخواني من أهل الدب والظرف‪ ،‬وهم مجتمعون في جزيرة‬
‫المؤيد‪ ،‬فيهم إبراهيم بن المدبر وسعيد بن حميد ويحيى بن عيسى بن منارة‪ ،‬وقد عزمت على المسير إليهم‪ ،‬فحلفت عليها‪.‬‬
‫فأقامت عندنا‪ ،‬ودعت بدواة وقرطاس فكتبت‪ :‬بسم الله الرحمن الرحيم وكتبت بعد ذلك في سطر واحد ثلثة أحرف متفرقة‬
‫‪.‬لم تزد عليها‪ ،‬وهي‪ :‬أردت‪ ،‬ولول‪ ،‬ولعلي‬
‫ووجهت به إليهم‪ ،‬فلما وصلت الرقعة عيوا بجوابها‪ ،‬فأخذ إبراهيم بن المدبر الرقعة‪ ،‬فكتب تحت أردت‪ :‬ليت‪ ،‬وتحت لول‪ :‬ماذا‪،‬‬
‫وتحت لعلي‪ :‬أرجو‪ .‬ووجهوا بالرقعة فصفقت ونعرت وشربت رطل وقالت لنا‪ :‬أأترك هؤلء وأقعد عندكم? إذا تركني الله من‬
‫يديه‪ ،‬ولكني أخلف عندكم من جواري من يكفيكم‪ ،‬وأقوم إليهم‪ ،‬ففعلت ذلك وخلفت عندنا بعض جواريها‪ ،‬وأخذت معها بعضهن‪،‬‬
‫‪.‬وانصرفت‬
‫لها حكم النظام‪ :‬أخبرنا محمد بن خلف‪ ،‬عن سعيد بن عثمان بن أبي العلء‪ ،‬عن أبيه قال‪ :‬عتب المأمون على عريب‪ ،‬فهجرها‬
‫أياما‪ ،‬ثم اعتلت فعادها‪ ،‬فقال لها‪ :‬كيف وجدت طعم الهجر? فقالت‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬لول مرارة الهجر ما عرفت حلوة‬
‫الوصل‪ ،‬ومن ذم بدء الغضب أحمد عاقبة الرضا‪ ،‬قال‪ :‬فخرج المأمون إلى جلسائه‪ ،‬فحدثهم بالقصة‪ ،‬ثم قال‪ :‬أترى هذا لو كان‬
‫‪?.‬من كلم النظام ألم يكن كبيرا‬
‫ل تريد دخيل بينها‪ ،‬وبين المأمون‪ :‬حدثني محمد بن خلف‪ ،‬عن أبي العيناء‪ ،‬عن أحمد بن أبي داود‪ :‬قال‪ :‬جرى بين عريب وبين‬
‫المأمون كلم‪ ،‬فكلمها المأمون بشيء غضبت منه‪ ،‬فهجرته أياما‪ ،‬قال أحمد بن أبي دواد‪ :‬فدخلت على المأمون‪ .‬فقال لي‪ :‬يا‬
‫‪:‬أحمد‪ ،‬اقض بيننا‪ ،‬فقالت عريب‪ :‬ل حاجة لي في قضائه ودخوله فيما بيننا‪ ،‬وأنشأت تقول‬
‫يدخل في الصلح بيننا أحد ماذا كانت تفعل في خلوتها مع محمد بن حامد‪ :‬حدثني‬ ‫وتخلط الهجر بالوصال ل‬
‫محمد بن خلف قال‪ :‬حدثني محمد بن عبد الرحمن‪ ،‬عن أحمد بن حمدون‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬كنت حاضرا مجلس المأمون ببلد‬
‫الروم بعد صلة العشاء الخرة في ليلة ظلماء ذات رعود وبروق‪ ،‬فقال لي المأمون‪ :‬اركب الساعة فرس النوبة وسر إلى‬
‫عسكر أبي إسحاق ‪ -‬يعني المعتصم ‪ -‬فأد إليه رسالتي في كيت وكيت‪ ،‬قال‪ :‬فركبت ولم تثبت مع شمعة‪ ،‬وسمعت وقع حافر‬
‫دابة‪ ،‬فرهبت ذلك‪ ،‬وجعلت أتوقاه‪ ،‬حتى صك ركابي ركاب تلك الدابة‪ ،‬وبرقت بارقة فأضاءت وجه الراكب‪ ،‬فإذا عريب‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫عريب? قالت‪ :‬نعم‪ ،‬حمدون‪ ،‬قلت‪ :‬نعم‪ .‬ثم قتل‪ :‬من أين أقبلت في هذا الوقت? قالت‪ :‬من عند محمد بن حامد‪ ،‬قلت‪ :‬وما‬
‫صنعت عنده? قالت عريب‪ :‬ياتكش‪ ،‬عريب تجيء من عند محمد بن حامد في هذا الوقت خارجة من مضرب الخليفة وراجعة‬
‫إليه‪ ،‬تقول لها‪ :‬أي شيء عملت عنده? صليت مع التراويح? أو قرأت عليه أجزاء من القرآن‪ ،‬أو دارسته شيئا من الفقه‪ ،‬يا أحمق‬
‫تعاتبنا‪ ،‬وتحادثنا‪ ،‬واصطلحنا‪ ،‬ولعبنا‪ ،‬وشربنا‪ ،‬وغنينا‪ ،‬وتنايكنا‪ ،‬وانصرفنا‪ ،‬فأخجلتني وغاظتني‪ ،‬وافترقنا‪ ،‬ومضيت فأديت الرسالة‪،‬‬
‫ثم عدت إلى المأمون وأخذنا في الحديث وتناشد الشعار‪ ،‬وهممت والله أن أحدثه حديثها‪ ،‬ثم هبته فقلت‪ :‬أقدم قبل ذلك‬
‫‪:‬تعريضا بشيء من الشعر‪ ،‬فأنشدته‬
‫ألوف تسوى صالح القوم بالـرذل‬ ‫أل حي أطلل لواسعة الـحـبـل‬
‫إلى جبلي طي فساقطة الحـبـل‬ ‫فلو أن من أمسى بجانـب تـلـعة‬
‫لراحوا وكل القوم منها على وصل فقال لي المأمون‪ :‬اخفض صوتك ل‬ ‫جلوس إلى أن يقصر الظل عندهـا‬
‫‪.‬تسمعك عريب فتغضب‪ ،‬وتظن أنا في حديثها‪ ،‬فأمسكت عما أردت أخبره‪ ،‬وخار الله لي في ذلك‬
‫تعشق ول تعشق‪ :‬حدثني محمد بن أحمد الحكيمي‪ :‬قال‪ :‬أخبرني ميمون بن هارون‪ ،‬قال‪ :‬قال لي ابن اليزيدي‪ :‬حدثني أبي‬
‫قال‪ :‬خرجنا مع المأمون في خروجه إلى بلد الروم‪ ،‬فرأيت عريب في هودج‪ ،‬فلما رأتني قالت لي‪ :‬يا يزيدي‪ ،‬أنشدني شعرا‬
‫‪:‬قلته حتى أصنع فيه لحناص فأنشدتها‬
‫إذا رأيت لمعان الـبـرق‬ ‫ماذا بقلبي من دوام الخفق‬
‫لن من أهوى بذاك الفق‬ ‫من قبل الردن أو دمشـق‬
‫علي والزور خلف الحق‬ ‫فإن فيه وهو أعز الخلـق‬

‫صفحة ‪2358 :‬‬

‫ولست أبغي ما حييت عتقي قال‪ :‬فتنفست تنفسا ظننت أن ضلوعها قد تقصفت‬ ‫ذاك الذي يملك مني رقـي‬
‫منه‪ ،‬فقلت‪ :‬هذا والله تنفس عاشق‪ ،‬فقالت‪ :‬اسكت يا عاجز أنا أعشق‪ ،‬والله لقد نظرت نظرة مريبة في مجلس‪ ،‬فادعاها من‬
‫‪.‬أهل المجلس عشرون رئيسا طريقا‬
‫بيتا عباس بن الحنف يصلحان بينها وبين حبيبها‪ :‬حدثني محمد بن خلف‪ :‬قال‪ :‬حدثني أحمد بن أبي طاهر‪ :‬قال‪ :‬حدثني أحمد بن‬
‫حمدون‪ :‬قال‪ :‬وقع بين عريب وبين محمد بن حامد شر‪ ،‬وكان يجد بها الوجد كله‪ ،‬فكادا يخرجان من شرهما إلى القطيعة‪ ،‬وكان‬
‫في قلبها منه أكثر مما في قلبه منها‪ ،‬فلقيته يوما‪ ،‬فقالت له‪ :‬كيف قلبك يا محمد? قال‪ :‬أشقى والله ما كان وأقرحه‪ ،‬فقالت له‪:‬‬
‫استبدل تسل‪ ،‬فقل لها‪ :‬لو كانت البلوى باختيار لفعلت‪ :‬فقالت‪ :‬لقد طال إذا تعبك‪ ،‬فقال‪ :‬وما يكون? أصبر مكرها‪ ،‬أما سمعت‬
‫‪.‬قول العباس بن الحنف‬

‫خير له من راحة فـي الـيأس‬ ‫تعب يطول مع الرجاء بذي الهوى‬


‫ولكنتم عندي كبعـض الـنـاس قال‪ :‬فذرفت عينناها‪ ،‬واعتذرت إليه وأعتبته‪،‬‬ ‫لول كرامتكم لما عـاتـبـتـكـم‬
‫‪.‬واصطلحا‪ ،‬وعادا إلى أفضل ما كانا عليه‬
‫اختلف في فن عريب‪ :‬حدثني أحمد بن جعفر جحظة‪ :‬قال‪ :‬قال لي أبو العباس بن حمدون ‪ -‬وقد تجاذبنا غناء عريب ‪ -‬ليس‬
‫غناؤها مما يعتد بكثرته‪ ،‬لن سقطه كثير‪ ،‬وصنعتها ساذجة‪ ،‬فقلت له‪ :‬ومن يعرف في الناس كلهم من مغني الدولة العباسية‬
‫سلمت صنعته كلها حتى تكون مثله ثم جعلت أعد ما أعرفه من جيد صنعتها ومتقدمها وهو يعترف بذلك‪ ،‬حتى عددت نحوا من‬
‫‪:‬مائة صوت مثل لحنها في‬
‫يا عز هل لك في شيخ فتى أبدا‬
‫وسيسليك عما فات دولة مفضل‬
‫وصاح قد لمت ظالما‬
‫وضحك الزمان وأشرقت ونحو هذا‪ ،‬ثم قال لي‪ :‬ما خلفت عريب بعدها امرأة مثلها في الغناء والرواية والصنعة‪ ،‬فقلت له‪ :‬ل‪،‬‬
‫‪.‬ول كثيرا من الرجال أيضا‬
‫‪:‬قصة لحن في بيت يتيم‪ :‬ولعريب في صنعتها‬
‫‪.‬يا عز هل لك في شيخ فتى أبدا خبر أخبرني ببعضه أحمد بن عبيد الله بن عمار‪ ،‬عن ميمون بن هارون‬
‫وذكر ابن المعتز أن عبد الواحد بن إبراهيم بن الخصيب حدثه عمن يثق به‪ ،‬عن أحمد بن عبد الله بن إسماعيل المراكبي‪ :‬قال‪:‬‬
‫قالت لي عريب‪ :‬حج بي أبوك وكان مضعوفا‪ ،‬فكان عديلي‪ ،‬وكنت في طريق أطلب العراب فأستنشدهم الشعار‪ ،‬وأكتب عنهم‬
‫‪:‬النوادر وسائر ما أسمعه منهم‪ ،‬فوقف شيخ من العراب علينا يسأل‪ ،‬فاستنشدته‪ ،‬فأنشدني‬
‫وقد يكون شباب غير فـتـيان فاستحسنته‪ ،‬ولم أكن سمعته قبل ذلك‪ ،‬قلت‪:‬‬ ‫يا عز هل لك في شيخ فتى أبدا‬
‫فأنشدني باقي الشعر‪ ،‬فقال لي‪ :‬هو يتيم‪ ،‬فاستحسنت قوله وبررته‪ ،‬وحفظت البيت وغنيت فيه صوتا من الثقيل الول‪ ،‬ومولي‬
‫ل يعلم بذلك لضعفه‪ ،‬فلما كان في ذلك اليوم عشيا قال لي‪ :‬ما كان أحسن ذلك البيت الذي أنشدك إياه العرابي‪ ،‬وقال لك‪:‬‬
‫إنه يتيم‪ .‬أنشدينيه إن كنت خفظته‪ ،‬فأنشدته‪ ،‬إياه‪ ،‬وأعلمته أني قد غنيت فيه‪ ،‬ثم غنيته له‪ ،‬فوهب لي ألف درهم بهبذا السبب‪،‬‬
‫‪.‬وفرح بالصوت فرحا شديدا‬
‫قال ابن المعتز‪ :‬قال ابن الخصيب‪ :‬فحدثني هذا المحدث أنه قد حضر بعد ذلك بمجلس أبي عيسى بن المتوكل ‪ -‬ومن هاهنا‬
‫تتصل رواية ابن عمار‪ ،‬عن ميمون‪ ،‬وقد جمعت الروايتين إل أن ميمون بن هارون ذكر أنهم كانوا عند جعفر بن المأمون‪،‬‬
‫وعندهم أبو عيسى‪ ،‬وكان عندهم علي بن يحيى‪ ،‬وبدعة جارية عريب تغنيهم ‪ -‬فذكر علي بن يحيى أن الصنعة فيه لغير عريب‪،‬‬
‫وذكر أنها ل تدعى هذا وكابر فيه‪ ،‬فقام جعفر بن المأمون‪ ،‬فكتب رقعة إلى عريب ‪ -‬ونحن ل نعلم ‪ -‬يسألها عن أمر الصوت وأن‬
‫‪.‬تكتب إليه بالقصة‪ ،‬ففعلت‪ ،‬فكتبت إليها بخطها‪ :‬بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫وللعزب المسكين ما يتلمس‬ ‫هنيا لرباب البيوت بيوتهـم‬

‫صفحة ‪2359 :‬‬

‫أنا المسكينة‪ ،‬وحيدة فريدة بغير مؤنس‪ ،‬وأنتم فيما أنتم فيه‪ ،‬وقد أخذتم أنسي ومن كان يلهيني‪ ،‬تعني جاريتها‪ :‬بدعة وتحفة ‪-‬‬
‫فأنتم في القصف والعزف‪ ،‬وأنا في خلف ذلك‪ ،‬هناكم الله وأبقاكم‪ ،‬وسألت ‪ -‬مد الله في عمرك ‪ -‬عما اعترض فيه فلن‪،‬‬
‫والقصة في هذا الصوت كذا وكذا‪ ،‬وقصت قصتها مع العرابي كما حدثت به‪ ،‬ولم تخرم حرفا منها‪ ،‬فجاء الجواب إلى جعفر بن‬
‫المأمون فقرأه وضحك‪ .‬ثم رمى به إلى أبي عيسى‪ ،‬ورمى به أبو عيسى إلي‪ ،‬وقال‪ :‬اقرأه‪ ،‬وكان علي بن يحيى جالسا إلى‬
‫جنبي‪ ،‬فأراد أن يستلب الرقعة‪ ،‬فمنعته‪ ،‬وقمت ناحية‪ ،‬فقرأتها‪ :‬فأنكر ذلك‪ ،‬وقال‪ :‬ما هذا? فورينا المر عنه لئل تقع عربدة‪ ،‬وكان‬
‫‪ -.‬عفا الله عنا وعنه ‪ -‬مبغضا لها‬
‫تروي قصة غرامية عن أبي محلم‪ :‬قال ابن المعتز‪ :‬وحدثني أبو الخطاب العباس بن أحمد بن الفرات‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫‪:‬كنا يوما عند جعفر بن المأمون نشرب وعريب حاضرة إذا غنى بعض من كان هناك‬
‫من وجه ذاك المستنير الـلئح‬ ‫يا بدر إنك قد كسيت مشابـهـا‬
‫باق على اليام ليس بـبـارح فضحكت عريب وصفقت وقالت‪ :‬ما على وجه‬ ‫وأراك تمصح بالمحاق‪ ،‬وحسنها‬
‫الرض أحد يعرف خبر هذا الصوت غيري‪ ،‬فلم يقدم أحد منا على مسألتها عنه غيري‪ ،‬فسألتها‪ ،‬فقالت‪ :‬أنا أخبركم بقصته‪ ،‬ولول‬
‫أن صاحب القصة قد مات لما أخبرتكم‪ ،‬إن أبا محلم قدم بغداد‪ ،‬فنزل بقرب دار صالح المسكين في خان هناك‪ ،‬فاطلعت أم‬
‫محمد ابنة صالح يوما‪ ،‬فرأته يبول‪ ،‬فأعجبها متاعه‪ .‬وأحبت مواصلته‪ ،‬فجعلت لذلك علة بأن وجهت إليه تقترض منه مال‪ ،‬وتعلمه‬
‫أنها في ضيقة وأنها ترده إليه بعد جمعة‪ ،‬فبعث إليها عشرة آلف درهم‪ ،‬وحلف أنه لو ملك غيرها لبعث به‪ ،‬فاستحسنت ذلك‬
‫وواصلته‪ ،‬وجعلت القرض سببا للوصلة‪ ،‬فكانت تدخله إليها ليل‪ ،‬وكنت أنا أغني لهم‪ ،‬فشربنا ليلة في القمر‪ ،‬وجعل أبو محلم‬
‫‪:‬ينظر إليه‪ ،‬ثم دعا بدواة ورقعة‪ ،‬وكتب فيها قوله‬
‫من وجه أم محمد ابنة صالح والبيت الخر‪ ،‬وقال لي‪ :‬غني فيه‪ ،‬ففعلت‬ ‫يا بدر إنك قد كسيت مشابهـا‬
‫واستحسناه وشربنا عليه‪ ،‬فقلت لي أم محمد في آخر المجلس‪ :‬يا أختي‪ ،‬قد تنبلت في هذا الشعر إل أنه سيبقى علي فضيحة‬
‫آخر الدهر‪ ،‬فقال أبو محلم‪ :‬وأنا أغيره‪ ،‬فجعل مكان أم محمد ابنة صالح‪ ،‬ذاك المستنير اللئح ‪ .‬وغنيته كما غيره‪ ،‬وأخذه الناس‬
‫‪.‬عني‪ ،‬ولو كانت أم محمد حية لما أخبرتكم بالخبر‬
‫فأما نسبة هذا الصوت فإن الشعر لبي محلم النسابة‪ ،‬والغناء لعريب ثقيل أول مطلق في مجرى الوسطى من رواية الهشامي‬
‫‪.‬وغيره‪ ،‬وأبو محلم اسمه عوف بن محلم‬
‫تستزير حبيبها فيخشى على نفسه‪ :‬أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي‪ ،‬عن ميمون بن هارون‪ :‬قال‪ :‬كتبت عريب إلى محمد بن‬
‫‪.‬حامد ‪ -‬الذي كانت تهواه ‪ -‬تستزيره‪ ،‬فكتب إليها‪ :‬إني أخاف على نفسي‪ ،‬فكتبت إليه‬
‫صوت‬
‫وتزعم أنك ل تجسـر‬ ‫إذا كنت تحذر ماتحـذر‬
‫ويوم لقـائك ل يقـدر فصار إليها من وقته‬ ‫‪.‬فمالي أقيم على صبوتي‬
‫لعريب في هذين البيتين وبيتين آخرين بعدهما لم يذكرا في الخبر رمل‪ ،‬ولشاريه خفيف رمل‪ ،‬جمعا من رواية ابن المعتز‪،‬‬
‫‪:‬والبيتان الخران‬
‫وأبليت جسمي وما تشعر‬ ‫تبينت عذري وما تعـذر‬
‫ودمعي من العين ما يفتر وذكر ميمون في هذا الخبر أن محمد بن حامد كتب إليها‬ ‫ألفت السرور وخليتـنـي‬
‫‪.‬يعاتبها في شيء كرهه‪ ،‬فكتبت إليه تعتذر‪ ،‬فلم يقبل‪ ،‬فكتبت إليه بهذين البيتين الخرين اللذين ذكرتهما بعد نسبة هذا الصوت‬
‫صوت‬
‫بيتا‪ ،‬كلفت به من شعر بشـار‬ ‫أحببت من شعر بشار لحبـكـم‬
‫وجاورينا فدتك النفس من جـار‬ ‫يا رحمة الله حلي في منازلـنـا‬
‫كنيت عنك وما يعدوك إضماري الشعر لبي نواس منه البيت الول‪ ،‬والثاني‬ ‫إذا ابتهلت سألت الله رحمـتـه‬
‫‪.‬لبشار ضمنه أبو نواس‪ ،‬والغناء لعريب ثقيل أول بالبنصر‪ ،‬ولعمرو بن بانة في الثاني والثالث رمل‬
‫‪.‬وهذا الشعر يقوله أبو نواس في رحمة بن نجاح عم نجاح بن سلمة الكاتب‬
‫‪:‬رحمة حبيبة بشار ورحمة حبيب أبي نواس‪ :‬أخبرني بخبره علي بن سليمان الخفش‪ ،‬عن محمد بن يزيد النحوي‪ :‬قال‬

‫صفحة ‪2360 :‬‬

‫كان بشار يشبب بامرأة يقال لها رحمة‪ ،‬وكان أبو نواس يتعشق غلما اسمه رحمة بن نجاح‪ ،‬عم نجاح بن سلمة الكاتب‪،‬‬
‫وكانت متقدما في جماله‪ ،‬وكان أبوه قد ألزمه وأخاه رجل مدنيا‪ ،‬وكان معهم كأحدهم‪ ،‬وأكثر أبو نواس التشبيب برحمة في‬
‫‪.‬إقامته ببغداد وشخوصه عنها‪ ،‬وكان بشار قد قال في رحمة المرأة التي يهواها‬

‫حسبي برائحة الفردوس من فيك‬ ‫يا رحمة الله حلي في منازلـنـا‬


‫إل شهادة أطراف المـسـاويك فقال أبو نواس‪ ،‬وضمن بيت بشار‬ ‫‪.‬يا أ يب الناس ريقا غير مختبـر‬

‫بيتا كلفت به من شعر بشار البيات الثلثة‬ ‫‪....‬أحببت من شعر بشار لحبكم‬
‫‪:‬وقال فيه‬
‫متـيمــمـــا بـــغـــداد غـــير مـــلح‬ ‫يا مـن تـأهـــب مـــزمـــعـــا لـــرواح‬
‫رمـل وكــل ســـبـــاحة الـــســـبـــاح‬ ‫في بـطـن جـارية كـفـتــك بـــســـيرهـــا‬
‫صنــفـــان مـــن قـــار ومـــن ألـــواح‬ ‫بنـيت عــلـــى قـــدر ولءم بـــينـــهـــا‬
‫وكأنها والماء ينضح صدرهاوالخيزرانة في يد الـمـلح‬
‫يهـوي بـصـوت واصـطــفـــاق جـــنـــاح‬ ‫جون من الغربان يبتدر الدجى‬
‫واخـصـص هـنــاك مـــدينة الـــوضـــاح‬ ‫سلـم عـلـى شـاطـي الـصـراة وأهــلـــهـــا‬
‫واقصد هذيت ول تكن متحيرا فيمقصد عن ظبي آل نجاح‬
‫سيمـــاه ســـيمـــا شـــارب لـــلـــراح‬ ‫عن رحمة الرحمن واسأل من ترى‬
‫ومـــنـــعـــم ومـــكـــحــــل ورداح‬ ‫فإذا دفـــعـــت إلـــى أغـــن وألـــثـــغ‬
‫سمـيتـهـا مـنــه بـــنـــور أقـــاحـــي‬ ‫وكـشـمـسـنـا وكـبـدرنـا حـاشـى الـــتـــي‬
‫لتـبـوح عـنـــي ثـــم كـــل مـــبـــاح‬ ‫فاقـصـد لـوقـت لـقـــائه فـــي خـــلـــوة‬
‫ممـسـاي فـيهـا واحـــد وصـــبـــاحـــي قال‪ :‬فافتدى أبو رحمة من‬ ‫واخـبـر بـمـا أحـبـبـت عـن حـالـي الـتـــي‬
‫أبي نواس ذكر ابنه بأن عقد بينه وبينه حرمة‪ ،‬ودعاه إلى منزله‪ ،‬فجاءه أبو نواس والمديني ل يعرفه‪ ،‬فمازحه مزاحا أسرف عليه‬
‫فيه‪ ،‬فقام إليه رحمة‪ ،‬فعرفه أنه أبو نواس‪ ،‬فأشفق المديني من ذلك‪ ،‬وخاف أن يهجوه ويشهر اسمه‪ ،‬فسأل رحمة أن يكلمه‬
‫‪:‬في الصفح له والغضاء عن النتقام‪ ،‬فأجابه أبو نواس وقال‬
‫وأما ولثغة رحمة بن نجـاح‬ ‫اذهب سلمت من الهجاء ولذعه‬
‫وترفقي لك بعد واستملحـي‬ ‫لول فتور في كلمك يشتهـى‬
‫عطف الفؤاد عليك بعد جماح‬ ‫وتكسر في مقتليك هو الـذي‬
‫في ساعة ليست بحين مـزاح مدخل إلى ترجمة معقل بن عيسى‪ :‬صوت‬ ‫لعلمت أنك ل تمازح شاعـرا‬
‫وما أنت والطلل المحول‬ ‫?أأبكاك بالعرف المـنـزل‬
‫وسنك قد قاربت تكمـل? عروضه من المتقارب‪ ،‬والشعر للكميت بن زيد السدي‪،‬‬ ‫وما أنت ويك ورسم الديار‬
‫والغناء لمعقل بن عيسى أخي أبي دلف العجلي‪ ،‬ولحنه من الثقيل الول بالبنصر‪ ،‬وهذا البتان من قصيدة مدح الكميت بهما عبد‬
‫‪.‬الرحمن بن عنبسة بن سعيد بن العاصي بن أمية‬
‫أخبرني الحين بن علي قال‪ :‬حدثني الحسن بن عليل العنزي‪ ،‬عن علي بن هشام‪ ،‬عن محمد بن عبد العلى بن كناسة‪ :‬قال‪:‬‬
‫كان بين بني أسد وبين طيء بالحص ‪ -‬وهي قريبة من قادسية الكوفة ‪ -‬حرب‪ ،‬فاصطلحوا وبقي لطيء دماء رجلين‪ ،‬فاحتمل‬
‫‪:‬ذلك رجل من بني أسد‪ ،‬فمات قبل أن يؤديه‪ ،‬فاحتمله الكميت بن زيد‪ ،‬فأعانه فيه عبد الرحمن بن عنبسة‪ ،‬فمدحه بقوله‬
‫وما أنت والطلل المحول فأعانه الحكم بن الصلت الثقفي‪ ،‬فمدحه بقصيدته التي‬ ‫أأبكاك بالعرف المنـزل‬
‫‪:‬أولها‬
‫‪:‬رأيت الغواني وحشا نفورا وأعانه زياد بن المغفل السدي‪ ،‬فمدحه بقصيدته التي أولها‬
‫هل للشباب الذي قد فات من طلب? ثم جلس الكميت وقد خرج العطاء‪ ،‬فأقبل الرجل يعطي الكميت المائتين‪ ،‬والثلث‬
‫المائة‪ ،‬وأكثر وأقل‪ ،‬قال‪ :‬وكانت دية العرابي حينئذ ألف بعير ودية الحضري عشرة آلف درهم‪ ،‬وكانت قيمة الجمل عشرة‬
‫‪.‬دراهم‪ ،‬فأدى الكميت عشرين ألفا عن قيمة ألفي بعير‬
‫نسبة ما في أشعار الكميت هذه من الغاني‬
‫صوت‬
‫‪:‬منها‬
‫أم ليس غابره الماضي بمنقلـب‬ ‫هل للشباب الذي قد فات من طلب‬
‫فالدهر يأتي بألوان من العجـب غناه إبراهيم الموصلي خفيف رمل بالسبابة‬ ‫دع البكاء على ما فات من طلـب‬
‫‪.‬في مجرى الوسطى من رواية إسحاق‬

‫صفحة ‪2361 :‬‬

‫ذكر معقل بن عيسى‬


‫شاعر مغن‬
‫كان معقل بن عيسى فارسا شاعرا جوادا‪ ،‬مغنيا فهما بالنغم والوتر‪ ،‬وذكره الجاحظ مع ذكر أخيه أبي دلف وتقريظه في‬
‫المعرفة بالنغم‪ ،‬وقال‪ :‬إنه من أحسن أهل زمانه وأجود طبقته صنعة؛ إذ سلم ذلك له أخوه معقل‪ ،‬وإنما أخمل ذكره ارتفاع شأن‬
‫‪:‬أخيه‪ ،‬وهو القائل لبي دلف في عتب عتبه عليه‬
‫وإن رميتك سهما لم يجز كبدي‬ ‫أخي مالك ترميني فتقصدنـي‬
‫كأن أجسادنا لم تغذ من جسـد وهو القائل لمخارق‪ ،‬وقد كان زار أبا دلف إلى‬ ‫أخي مالك مجبول على ترتـي‬
‫الجبل‪ ،‬ثم رجع إلى العراق‪ ،‬أخبرني بذلك علي بن سليمان الخفش عن أبي سعيد السكري‪ :‬صوت‬
‫لقد سخنت بالبين منك عـيون‬ ‫لعمري لئن قرت بقربك أعين‬
‫مكانك من قلبي عليك مصون‬ ‫فسر أو أقم وقف عليك محبتي‬
‫وما أحسن الدنيا بحيث تكـون عروضه من الطويل‪ ،‬والشعر لمعقل بن‬ ‫فما أوحش الدنيا إذا كنت نازحا‬
‫عيسى‪ ،‬والغناء لمخارق‪ ،‬ولحنه من الثقيل الول بالوسطى‪ ،‬وفيه لحن لمعقل بن عيسى خفيف رمل‪ ،‬وفيه ثاني ثقيل يقال‪ :‬إنه‬
‫‪.‬لمخارق‪ ،‬ويقال‪ :‬إنه لمعقل‬
‫ومن شعر معقل قوله يمتدح المعتصم‪ ،‬وفيه غناء للزبير بن دحمان من الثقيل الول بالبنصر‪ :‬صوت‬
‫أم بين سعدى يوم جد رحيلهـا‬ ‫الدار هاجك رسمها وطلولهـا‬
‫إن كان يغني في الديار عويلها‬ ‫كل شجاك فقل لعينك أعولـي‬
‫سن المكارم فاستبان سبيلـهـا صوت‬ ‫ومحمد زين الخلئف والـذي‬
‫لوى الرمل يوما للنفوس معاد‬ ‫?أليس إلى أجبال شمخ إلى اللوى‬
‫إذ الناس ناس والـبـلد بـلد الشعر لرجل من عاد فيما ذكروا‪ ،‬والغناء لبن محرز‪،‬‬ ‫بلد بها كنا‪ ،‬وكنا من أهلـهـا‬
‫‪.‬ولححنه من الثقيل الول بالبنصر عن ابن المكي‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه من منحوله إليه‬
‫خبر رجل من عاد‪ :‬أخبرني ابن عمار عن أبي سعد‪ ،‬عن محمد بن الصباح‪ :‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن سلمة بن أبي الشهب التيمي‬
‫عن الهيثم بن عدي‪ :‬قال‪ :‬أخبرني حماد الرواية‪ :‬قال‪ :‬حدثني ابن أخت لنا من مراد‪ :‬قال‪ :‬وليت صدقات قوم من العرب‪ ،‬فبينا‬
‫أنا أقسمها في أهلها إذ قال لي رجل منهم‪ :‬أل أريك عجبا? قلت‪ :‬بلى‪ ،‬فأدخلني في شعب من جبل‪ ،‬فإذا أنا بسهم من سهام‬
‫‪:‬عاد‪ ،‬فتى قد نشب في ذروة الشعب وإذا على الجبل تجاهي مكتوب‬
‫لوى الرمل يوما للنفوس معاد‬ ‫?أل هل إلى أبيات شمخ إلى اللوى‬
‫إذ الناس ناس والـبـلد بـلد ثم أخرجني إلى ساحل البحر‪ ،‬وإذا أنا بحجر يعلوه‬ ‫بلد بها كنا وكنا من أهـلـهـا‬
‫الماء طورا‪ ،‬ويظهر تارة‪ ،‬وإذا عليه مكتوب‪ :‬يا بن آدم يا بن عبد ربه‪ ،‬اتق الله‪ ،‬ول تعجل في أمرك‪ ،‬فإنك لن تسبق رزقك‪ ،‬ولن‬
‫ترزق ما ليس لك‪ ،‬ومن البصرة إلى الديل ستمائة فرسخ‪ ،‬فمن لم يصدق بذلك فليمش الطريق على الساحل حتى يتحققه‪،‬‬
‫‪.‬فإن لم يقدر على ذلك فلينطح برأسه هذا الحجر‬

‫صوت‬

‫حذر العدا وبه الفؤاد موكـل‬ ‫يا بيت عاتكة الذي أتـعـزل‬
‫قسما إليك مع الصدود لميل أتعزله‪ :‬أتجنبه وأكون بمعزل عنه‪ .‬العدا‪ :‬جمع عدو‪،‬‬ ‫إني لمنحك الصدود وإنـنـي‬
‫ويقال عدا بالضم وعدا بالكسر‪ ،‬وأمنحك‪ :‬أعطيك‪ .‬والمنيحة‪ :‬العطية‪ .‬وفي الحديث أن رجل منح بعض ولده شيئا من ماله‪ ،‬فقال‬
‫‪.‬له النبي‪ :‬أكل ولدك منحت مثل هذا? قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فارجعه‬
‫الشعر للحوص بن محمد النصاري‪ ،‬من قصيدة يمدح بها عمر بن عبد العزيز الغناء لمعبد ثاني ثقيل بالخنصر في مجرى‬
‫‪.‬البنصر‪ ،‬عن إسحاق ويونس وغيرهما‪ ،‬وفيه لبن سريج خفيف ثقيل الول بالبنصر عن الهشامي وابن المكي وعلي بن يحيى‬

‫الحوص وبعض أخباره‬


‫الحوص يعارض ابن أبي دباكل أو يسرقه‪ :‬أخبرني بخبر الحوص في هذا الشعر الحرمي عن الزبير قال‪ :‬حدثني عمر بن أبي‬
‫بكر المؤملي‪ ،‬وأخبرنا به الحسين بن يحيى‪ ،‬عن حماد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن مصعب الزبيري‪ ،‬عن المؤملي‪ ،‬عن عمر بن أبي بكر‬
‫‪:‬الموصلي‪ ،‬عن عبد الله بن أبي عبيدة بن عمار بن ياسر‪ :‬قال‬

‫صفحة ‪2362 :‬‬

‫خرجت أنا والحوص بن محمد مع عبد الله بن الحسن بن الحسن إلى الحج‪ ،‬فلما كنا بقديد قلنا لعبد الله بن الحسن‪ :‬لو‬
‫‪:‬أرسلت إلى سليمان بن أبي دباكل‪ ،‬فأنشدنا شيئا من شعره‪ ،‬فأرسل إليه فأتانا‪ ،‬فاستنشدناه‪ ،‬فأنشدنا قصيدته التي يقول فيها‬
‫ذهـب الـشـبـاب وحـبـــهـــا ليذهـــب‬ ‫يا بـيت خـنـسـاء الـــذي أتـــجـــنـــب‬
‫قسـمـا إلـيك مـع الـصــدود لجـــنـــب‬ ‫أصـبـحـت أمـنـحـك الـصـدود وإنـــنـــي‬
‫وأصـد عـنـك وأنــت مـــنـــي أقـــرب‬ ‫ما لـي أحـن إلـى جـمـالـــك قـــربـــت‬
‫لمـتـيم أم هـل لـــودك مـــطـــلـــب‬ ‫?للـــه درك هـــل لـــديك مـــعـــــول‬
‫لمـوكـل بــهـــواك أو مـــتـــقـــرب‬ ‫فلـقـد رأيتــك قـــبـــل ذاك وإنـــنـــي‬
‫متـجــاورون كـــلمـــكـــم ليرقـــب‬ ‫إذ نـحـن فـي الـزمـن الـرخـي وأنـــتـــم‬
‫ويروح عـازب هـمـــي الـــمـــتـــأوب‬ ‫تبـكـي الـحـمـامة شـجـوهـا فـتـهـيجـنـي‬
‫فأرى الـبـلد لـهـا تـطـل وتـخـــصـــب‬ ‫وتـهـب جـارية الـرياح مــن أرضـــكـــم‬
‫شوقـا إلـيك رجـاؤك الـمــتـــنـــســـب‬ ‫وأرى الـسـمـية بـاسـمـكــم فـــيزيدنـــي‬
‫إن كـان ينـسـب مـنـــك أو ل ينـــســـب‬ ‫وأرى الـــعـــدو يودكــــم فـــــــأوده‬
‫وأخالف الواشين فيك تجمل وهم علي ذوو ضغائن دؤب‬
‫حتـى غـضـبـت ومـثـل ذلـك يغــضـــب قال‪ :‬فلما كان من قابل حج أبو بكر بن عبد‬ ‫ثم اتخذتهم علي وليجة‬
‫العزيز بن مروان‪ ،‬فقدم المدينة‪ ،‬فدخل عليه الحوص‪ ،‬واستصحبه فأصحبه‪ ،‬فلما خرج الحوص قال له بعض من عنده‪ :‬ماذا‬
‫تريد بنفسك? تقدم بالحوص الشام‪ ،‬وبها من ينافسك من بني أبيك‪ ،‬وهو من الفن والسفه على ما قد علمت فيعيبونك به‪ .‬فلما‬
‫رجع أبو بكر من الحج دخل عليه الحوص متنجزا لما وعده من الصحابة فدعا له بمائة ديناء وأثواب وقال‪ :‬يا خال‪ ،‬إني نظرت‬
‫فيما سألتني من الصحابة فكرهت أن أهجم بك على أمير المؤمنين من غير إذنه‪ ،‬فيجبهك فيشمت بك عدوي من أهل بيتي‪،‬‬
‫ولكن خذ هذه الثياب والدنانير‪ ،‬وأنا مستأذن لك أمير المؤمنين‪ ،‬فإذا أذن لك كتبت إليك‪ ،‬فقدمت علي‪ ،‬فقال له الحوص‪ :‬ل‬
‫ولكن قد سبعت عندك‪ ،‬ول حاجة لي بعطيتك‪ ،‬ثم خرج من عنده‪ ،‬فبلغ ذلك عمر بن عبد العزيز‪ ،‬فأرسل إلى الحوص وهو يومئذ‬
‫أمير المدينة‪ ،‬فلما دخل عليه أعغطاه مائة دينار‪ ،‬وكساه ثيابا فأخذ ذلك‪ ،‬ثم قال له‪ :‬يا أخي هب لي عرض أبي بكر‪ ،‬قال‪ :‬هو‬
‫‪.‬لك‪ ،‬ثم خرج الحوص‪ ،‬فقال في عروض قصيدة سليمان بن أبي دباكل قصيدة مدح بها عمر بن عبد العزيز‬
‫‪:‬وقال حماد‪ :‬قال أبي‪ :‬سرق أبيات سليمان بأعيانها‪ ،‬فأدخلها في شعره‪ ،‬وغير قوافيها فقط‪ ،‬فقال‬
‫حذر العدا وبه الفـؤاد مـوكـل‬ ‫يا بيت عـاتـكة الـذي أتـعـزل‬
‫قسما إليك مع الـصـدود لمـيل‬ ‫أصبحت أمنحك الصدود وإنـنـي‬
‫أخشى مقالة كاشـح ل يعـقـل‬ ‫فصددت عنك وما صددت لبغـضة‬
‫فلقد تفاحش بعدك المتـعـلـل‬ ‫?هل عيشنا بك في زمانـك راجـع‬
‫حلف كما نظر الخلف القـبـل‬ ‫إني إذا قلت اسـتـقـام يحـطـه‬
‫فأبى يلن به لـلن الـجـنـدل‬ ‫لو بالذي عالـجـت لـين فـؤاده‬
‫أرضي البغيض به‪ ،‬حديث معضل‬ ‫وتجنبـي بـيت الـحـبـيب أوده‬
‫أهوى من الـلئي أزور وأدخـل‬ ‫ولئن صددت لنت لول رقبـتـي‬
‫كنا به زمنـا نـسـر ونـجـذل‬ ‫إن الشباب وعيشنـا الـلـذ الـذي‬
‫حزنا يعل به الـفـؤاد وينـهـل‬ ‫ذهبت بشابتـه وأصـبـح ذكـره‬
‫منيت لقـلـب مـتـيم ل يذهـل‬ ‫إل تذكر ما مـضـى وصـبـابة‬
‫وأنا الحزين على الشباب المعـول‬ ‫أودى الشباب وأخلـقـت لـذاتـه‬
‫خلقا وليس على الزمان مـعـول‬ ‫يبكي لما قلـب الـزمـان جـديده‬
‫بعد السواد به الثغام المـحـجـل‬ ‫والرأس شامله الـبـياض كـأنـه‬
‫جهل تلوم على الثـواء وتـعـذل‬ ‫وسفيهة هبت علـي بـسـحـرة‬
‫فذري تنصحك الـذي ل يقـبـل‬ ‫فأجبتها أن قلت لسـت مـطـاعة‬
‫عمر ونبوة من يضـن ويبـخـل‬ ‫إني كفانـي أن أعـالـج رحـلة‬
‫عمما إذا نزل الزمان الممـحـل‬ ‫بنوال ذي فجر تكـون سـجـالـه‬

‫صفحة ‪2363 :‬‬

‫ذو رونق‪ 1‬عضب جله الصيقل‬ ‫ماض على حدث المور كأنـه‬
‫حذر البغاث هوى لهن الجـدل‬ ‫تبدي الرجال إذا بدا إعظـامـه‬
‫وفضيلة سبقت له ل تـجـهـل‬ ‫فيرون أن له علـيهـم سـورة‬
‫سبق المكارم سابق متـمـهـل‬ ‫متحمل ثقل المور حـوى لـه‬
‫مجد الرومة والفعال الفضـل‬ ‫وله إذا نسبت قـريش مـنـهـم‬
‫إرث إذا عد الـقـديم مـؤثـل‬ ‫وله بمـكة إذ أمـية أهـلـهـا‬
‫أمرا أبان رشاده مـن يعـقـل‬ ‫أعيت قرابته وكـان لـزومـه‬
‫لنداك إن الحازم المـتـحـول‬ ‫وسموت عن أخلقهم فتركتهـم‬
‫وعدوا مواعد أخلفت إن حصلوا‬ ‫ولقد بدأت أريد ود مـعـاشـر‬
‫بأسا وأخلفـنـي الـذين أؤمـل‬ ‫حتى إذا رجع اليقين مطامعـي‬
‫عجلي وعندك عنهم متـحـول‬ ‫زايلت ما صنعوا إليك بـرحـلة‬
‫ووفيت إذ كذبوا الحديث وبدلـوا‬ ‫ووعدتني في حاجة فصدقتـنـي‬
‫عني وأنت لمثله مـتـحـمـل‬ ‫وشكوت غرما فادحا فحملـتـه‬
‫شكرا تحل به المطي وترحـل‬ ‫فلشكرن لك الذي أولـيتـنـي‬
‫مبذولة ولغـيركـم ل تـبـذل‬ ‫مدحا تكون لكم غرائب شعرهـا‬
‫لكم يكون خيار مـا أتـنـحـل‬ ‫فإذا تنحلت الـقـريض فـإنـه‬
‫تهوي به قلص المطس الذمـل‬ ‫ولعمر من حج الحجيج لبـيتـه‬
‫يبغي منافع غيرها لمـضـلـل‬ ‫إن امرأ قد نال مـنـك قـرابة‬
‫وتنيل إن طلبوا النوال فتجـزل‬ ‫تغفوا إذا جهلوا بحلمك عنـهـم‬
‫من شر ما يخشون إل المعقـل‬ ‫وتكون معقلهم إذا لم ينـجـهـم‬
‫من أشد بيئة خادر متـبـسـل‬ ‫حتى كأنك يتفنى بـك دونـهـم‬
‫أمن البرىء بها ونـام العـزل فقال عمر‪ :‬ما أراك أعفيتني مما استعفيت‬ ‫وأرى المدينة حين صرت أميرها‬
‫‪.‬منه‪ ،‬قال‪ :‬لنه مدح عمر وعرض بأخيه أبي بكر‬
‫نسبة ما مضى في هذه الخبار من الغاني صوت‬
‫وأصد عنك وأنت مني أقرب‬ ‫?ما لي أحن إذا جمالك قـربـت‬
‫وحشا وإن كانت تظل وتخصب‬ ‫وأرى البلد إذا حللت بغيرهـا‬
‫ذهب الشباب وحبها ل يذهـب‬ ‫يا بيت خنساء الذي أتـجـنـب‬
‫ويروح عازب همي المتـأوب الشعر لسليمان بن أبي دباكل‪ ،‬والغناء لمعبد‬ ‫تبكي الحمامة شجوها فتهيجني‬
‫‪.‬خفيف ثقيل أول بالبنصر‪ ،‬عن عمرو‬
‫‪:‬وقال ابن المكي‪ :‬فيه خفيف ثقيل آخر لبن محرز‪ ،‬وأوله‬
‫تبكي الحمامة شجوها فتهيجني من هي عاتكة? أخبرني الحسين بن يحيى قال‪ :‬قال حماد‪ :‬قرأت على أبي‪ ،‬وقال محمد بن‬
‫‪:‬كناسة‪ :‬حدثني أبو دكين بن زكريا بن محمد بن عمار بن ياسر‪ :‬قال‪ :‬رأيت عاتكة التي يقول فيها الحوص‬
‫‪.‬يا بيت عاتكة الذي أتعزل وهي عجوز كبيرة وقد جعلت بين عينيها هلل من نيلج تتملح به‬
‫أخبرني الحرمي عن الزبير‪ ،‬عن محمد بن محمد العمري‪ :‬قال‪ :‬عاتكة التي يشبب بها الحوص عاتكة بنت عبد الله بن يزيد بن‬
‫معاوية أخبرني الحرمي‪ ،‬عن الزبير‪ ،‬عن إسحاق بن عبد الملك‪ :‬إن الحوص كان لينا‪ ،‬وأن عاتكة التي ينسب بها ليست عاتكة‬
‫‪.‬بنت عبد الله بن يزيد بن معاوية‪ ،‬وإنما هو رجل كان ينزل قرى كانت بين الشراف كنى عنه بعاتكة‬
‫أخبرني الحرمي عن الزبيري عن يعقوب بن حكيم‪ :‬قال‪ :‬كان الحوص لينا‪ ،‬وكان يلزم نازل بالشراف‪ ،‬فنهاه أخوه عن ذلك‪،‬‬
‫‪:‬فتركه فرقا من أخيه‪ ،‬وكان يمر قريبا من خيمة النازل بالشراف ويقول‬
‫حذر العذاوية الفؤاد موكل يكنى عنه بعاتكة ول يقدر أن يدخل عليه‬ ‫‪.‬يا بيت عاتكة الذي أتعـزل‬
‫الفرزدق وكثير بزوران الحوص‪ :‬أخبرني الحرمي‪ ،‬عن الزبيري‪ ،‬عن محمد بن إسماعيل بن جعفر بن إبراهيم‪ :‬قال‪ :‬حدثني عبد‬
‫‪:‬العزيز بن عمران‪ :‬قال‬

‫صفحة ‪2364 :‬‬

‫قدم الفرزدق المدينة‪ ،‬فقال لكثير? هل لك بنا في الحوص نأتيه ونتحدث عنده? فقال له‪ :‬وما نصنع به? إذا والله نجد عنده‬
‫عبدا حالكا أسود حلوكا يؤثره علينا‪ ،‬ويبيت مضاجعه ليلته حتى يصبح‪ ،‬قال الرزدق‪ :‬فقلت‪ :‬إن هذا من عداوة الشعراء بعضهم‬
‫لبعض‪ ،‬قال‪ :‬فانهض بنا إليه إذا ‪ -‬ل أب لغيرك ‪ -‬قال الفرزدق‪ :‬فأردفت كثيرا ورائي على بغلتي‪ ،‬وقلت‪ :‬تلفف يا أبا صخر‪،‬‬
‫فمثلك ل يكون رديفا‪ ،‬فخمر رأسه وألصق في وجهه‪ ،‬فجعلت ل أجتاز بمجلس قوم إل قالوا‪ :‬من هذا وراءك يا أبا فراس?‬
‫فأقول‪ :‬جارية وهبها لي المير‪ ،‬فلما أكثرت عليه من ذلك‪ ،‬واجتاز على بني زريق‪ ،‬وكان يبغضهم‪ ،‬فقلت لهم ما كنت أقول قبل‬
‫ذلك‪ ،‬كشف عن رأسه وأومض وقال‪ :‬كذب‪ ،‬ولكني كرهت أن أكون له رديفا وكان حديثه لي معجبا‪ ،‬فركبت وراءه‪ ،‬ولم تكن لي‬
‫دابة أركبها إل دابته‪ ،‬فقالوا‪ :‬ل تعجل يا أبا صخر‪ ،‬ههنا دواب كثيرة تركب منها ما أردت‪ ،‬فقال‪ :‬دوابكم والله أبغض إلى من ردفه‪،‬‬
‫فسكتوا عنه‪ .‬وجعل يتغشم عليهم‪ ،‬حتى جاوز أبصارهم‪ ،‬فقلت‪ :‬والله ما قالوا لك بأسا‪ ،‬فما الذي أغضبك عليهم? فقال‪ :‬والله ما‬
‫أعلم نفرا أشد تعصبا للقرشيين من نفر اجتزت بهم‪ ،‬قال‪ :‬فقلت له‪ :‬وما أنت ‪ -‬ل أم لك ولقريش ‪ -‬قال‪ :‬أنا والله أحدهم‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫إن كنت أحدهم فأنت والله دعيهم‪ ،‬قال‪ :‬دعيهم خير من صحيح نسب العرب‪ ،‬وإل فأنا والله من أكرم بيوتهم‪ ،‬أنا أحد بني‬
‫الصلت بن النضر‪ ،‬قلت‪ :‬إنما قريش ولد فهر بن مالك‪ ،‬فقال‪ :‬كذبت‪ .‬فقال‪ :‬ما علمك يا بن الجعراء بقريش? هم بنو النضر بن‬
‫كنانة‪ ،‬ألم تر إلى النبي انتسب إلى النضر بن كنانة‪ ،‬ولم يكن ليجاوز أكرم نسبه‪ ،‬قال‪ :‬فخرجنا حتى أتينا الحوص‪ ،‬فوجدناه في‬
‫مشربة له‪ ،‬فقلنا له‪ :‬أنرقى إليك أم تنزل إلينا? قال‪ :‬ل أقدر على ذلك‪ ،‬عندي أم جعفر‪ ،‬ولم أرها منذ ايام‪ ،‬ولي فيها شغل‪،‬‬
‫‪:‬فقال كثير‪ :‬أم جعفر والله بعض عبيد الزرانيق فقلنا له‪ :‬فأنشدنا بعض ما أحدثت به‪ ،‬فأنشدنا قوله‬
‫حذر العدا وبه الفؤاد موكل حتى أتى على آخرها‪ ،‬فقلت لكثير‪ :‬قاتله الله‪ ،‬ما‬ ‫يا بيت عاتكة الذي أتعـزل‬
‫أشعره‪ ،‬لول ما أفسد به نفسه‪ ،‬قال‪ :‬ليس هذا إفسادا‪ ،‬هذا خسف إلى التخوم‪ ،‬فقلت‪ :‬صدقت‪ ،‬وانصرفنا من عنده‪ ،‬فقال‪ :‬أين‬
‫تريد? فقلت‪ :‬إن شئت فمنزلي‪ ،‬وأحملك على البغلة‪ ،‬وأهب لك المطرف‪ ،‬وإن شئت فمنزلك ول أرزؤك شيئا‪ ،‬فقال‪ :‬بل منزلي‪،‬‬
‫وأبذل لك ما قدرت عليه‪ ،‬وانصرفنا إلى منزله‪ ،‬فجعل يحدثني وينشدني حتى جاءت الظهر‪ ،‬فدعا لي بعشرين دينارا وقال‪:‬‬
‫استعن بهذه يا أبا فرس على مقدمك‪ ،‬قلت‪ :‬هذا أشد من حملن بني زريق‪ ،‬قال‪ :‬والله إنك ما تأنف من أخذ هذا من أحد‪ ،‬غير‬
‫الخليفة‪ ،‬قال الفرزدق‪ :‬فجعلت أقول في نفسي‪ :‬تالله إنه لمن قريش‪ ،‬وهممت أل أقبل منه‪ .‬فدعتني نفسي ‪ -‬وهي طمعة ‪-‬‬
‫‪.‬إلى أخذها منه‪ ،‬فأخذتها‬
‫من هي الجعراء? معنى قول كثير للفرزدق‪ :‬يا بن الجعراء‪ :‬يعيره بدغة‪ ،‬وهي أم عمرو بن تميم‪ ،‬وبها يضرب المثل في‬
‫الحماقة‪ ،‬فيقال‪ :‬هي أحمق من دغة‪ ،‬وكانت حامل‪ ،‬فدخلت الخلء‪ ،‬فولدت‪ ،‬وهي ل تعلم ما الولد‪ ،‬وخرجت وسلها بين رجليها‪،‬‬
‫وقد استهل ولدها‪ ،‬فقالت‪ :‬يا جارتا‪ ،‬أيفتح الجعرفاه فقالت جارتها‪ :‬نعم يا حمقاء‪ ،‬ويدعو أباه‪ ،‬فبنو تميم يعيرون بذلك‪ ،‬ويقال‬
‫‪.‬للمنسوب منهم‪ :‬يا بن الجعراء‬
‫ملحاة بينه وبين السري‪ :‬أخبرني الحرمي‪ ،‬عن الزبير قال‪ :‬حدثني سليمان بن داود المجمعي‪ :‬قال‪ :‬اجتاز السري بن عبد‬
‫‪:‬الرحمن بن عتبة بن عويمر بن ساعدة النصاري بالحوص وهو ينشد قوله‬
‫‪:‬يا بيت عاتكة الذي أتعزل فقال السري‬
‫اقعد على من تحت سقفك واعجل فواثبةه الحوص‪ ،‬وقال في ذلك‬ ‫‪:‬يا بيتعاتكة المـنـوة بـاسـمـه‬
‫وسبي به كالكلب إذ ينبح النجمـا‬ ‫فأنت وشتمي في أكاريس مـالـك‬
‫تحـق أبـا إل الـولء ول أمـا‬ ‫تداعى إلى زيد وما أنت مـنـهـم‬
‫وأيامها فيها ولم تنطق الرجـمـا‬ ‫وإنك لو عددت أحسـاب مـالـك‬
‫تلمس في حي سوى مالك جذمـا‬ ‫أعادتك عبدا أو تنقـلـت كـاذبـا‬
‫ول بالمسمى ثم يلتزم إل سـمـا‬ ‫وما أنا بالمحسوس في جذم مالـك‬
‫توسط منها العز والحسب الضخما فأجابه السري فقال‬ ‫‪:‬ولكن أبي لو قد سألـت وجـدتـه‬

‫صفحة ‪2365 :‬‬

‫متى كان الحيوص من رجالي وهي أبيات ليست بجيدة ول مختارة‪ ،‬فألغيت‬ ‫سألت جميع هذا الخلـق طـرا‬
‫‪.‬ذكرها‬
‫شعره يسعف دليل المنصور‪ :‬أخبرني محمد بن أحمد بن الطلس أبو الطيب‪ ،‬عن أحمد بن الحارث الخراز‪ ،‬عن المدائني‪،‬‬
‫‪ - .‬وأخبرني به الحرمي‪ ،‬عن الزبير‪ :‬قال‪ :‬حدثني عمي ‪ -‬وقد جمعت روايتيهما‬
‫أن المنصور أمر الربيع لما حج أن يسايره برجل يعرف المدينة وأهلها وطرقها ودورها وحيطانها‪ ،‬فكان رجل من أهلها قد‬
‫انقطع إلى الربيع زمانا‪ ،‬وهو رجل من النصار‪ ،‬فقال له‪ :‬تهيأ فإني أظن جدك قد تحرك‪ ،‬إن أمير المؤمنين قد أمرني أن أسايره‬
‫برجل يعرف المدينة وأهلها وطرقها وحيطانها ودورها فتحسن موافقته ول تبتدئه بشيء حتى يسألك‪ ،‬ول تكتمه شيئا‪ ،‬ول تسأله‬
‫حاجة‪ ،‬فغدا عليه بالرجل‪ ،‬وصلى المنصور‪ ،‬فقال‪ :‬يا ربيع‪ ،‬الرجل‪ ،‬فقال‪ :‬ها هو ذا‪ ،‬فسار معه يخبره عما سأل حتى ندر من‬
‫أبيات المدينة‪ ،‬فأقبل عليه المنصور‪ ،‬فقال‪ :‬من أنت أول? فقال‪ :‬من ل تبلغه معرفتك ‪ -‬هكذا ذكر الخراز وليس في رواية الزبير‬
‫‪ -‬فقال‪ :‬ما لك من الهل والولد? فقال‪ :‬والله ما تزوجت‪ ،‬ول لي خادم‪ ،‬قال‪ :‬فأين منزلك? قال‪ :‬ليس لي منزل‪ ،‬قال‪ :‬فإن أمير‬
‫المؤمنين قد أمر لك بأربعة آلف درهم‪ ،‬فرمى بنفسه فقبل رجله‪ ،‬فقال له‪ :‬اركب‪ ،‬فركب‪ ،‬فلما أراد النصراف قال للربيع‪ :‬يا‬
‫أبا الفضل‪ ،‬قد أمر لي أمير المؤمنين بصلة‪ ،‬قال‪ :‬إيه‪ ،‬قال‪ :‬إن رأيت أن تنجزها لي‪ ،‬قال‪ :‬هيهات‪ ،‬قال‪ :‬فأصنع ماذا? قال‪ :‬ل‬
‫أدري والله ‪ -‬وفي رواية الخراز أنه قال‪ :‬ما أمر لك بشيء‪ ،‬ولو أمر به لدعاني‪ ،‬فقال‪ :‬أعطه أو وقع إلي ‪ -‬فقال الفتى‪ :‬هذا هم‬
‫لم يكن في الحساب‪ ،‬فلبثت أياما‪ ،‬ثم قال المنصور للربيع‪ :‬ما فعل الرجل? قال‪ :‬حاضر‪ ،‬قال‪ :‬سايرنا به الغداة‪ ،‬ففعل‪ ،‬وقال له‬
‫الربيع‪ :‬إنه خارج بعد غد‪ ،‬فاحتل لنفسك‪ ،‬فإنه والله إن فاتك فإنه آخر العهد به‪ ،‬فسار معه‪ ،‬فجعل ل يمكنه شيء حتى انتهى إلى‬
‫مسيره‪ ،‬ثم رجع وهو كالمعرض عنه‪ ،‬فلما خاف فوته أقبل عليه فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬هذا بيت عاتكة‪ ،‬قال‪ :‬وما بيت عاتكة?‬
‫‪.‬قال‪ :‬الذي يقول فيه الحوص‬

‫‪:‬يا بيت عاتكة الذي أتعزل قال‪ :‬فمه‪ ،‬قال‪ :‬إنه يقول فيها‬
‫يرجو منافع غيرها لمضلـل‬ ‫إن أمرأ قد نال منـك وسـيلة‬
‫مذق الحديث يقول ما ل يفعل فقال الزبير في خبره‪ :‬فقال له‪ :‬لقد رأيتك‬ ‫وأراك تفعل ما تقول وبعضهم‬
‫أذكرت بنفسك‪ ،‬يا سليمان بن مخلد‪ ،‬أعطه أربعة آلف درهم‪ ،‬فأعطاه إياها‪ ،‬وقال الخراز في خبره‪ :‬فضحك المنصور‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫قاتلك الله‪ ،‬ما أظرفك‪ ،‬يا ربيع أعطه ألف درهم‪ ،‬فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين إنها كانت أربعة آلف درهم‪ ،‬فقال‪ :‬ألف يحصل خير من‬
‫‪.‬أربعة آلف ل تحصل‬
‫ابن المقفع يتمثل بمطلع لميته‪ :‬وقال الخراز في خبره‪ :‬حدثني المدائني‪ :‬قال‪ :‬أخذ قوم من الزنادقة‪ ،‬وفيهم ابن لبن المقفع‪،‬‬
‫‪:‬فمر بهم على أصحاب المدائن‪ ،‬فلما رآهم ابن المقفع خشي أن يسلم عليهم فيؤخذ‪ ،‬فتمثل‬
‫حذر العدا وبه الفؤاد مركل البيات‪ ،‬ففطنوا لما أراد‪ ،‬فلم يسلموا عليه‪ ،‬ومضى‬ ‫‪.‬يا بيت عاتكة الذي أتعـزل‬
‫هو ومعبد يردان اعتبار جارية‪ :‬أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري عن ابن شبة‪ :‬قال‪ :‬بلغني أن يزيد بن عبد الملك كتب إلى‬
‫‪.‬عامله أن يجهز إليه الحوص الشاعر ومعبدا المغني‬
‫فأخبرنا محمد بن خلف وكيع‪ :‬قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن شبيب‪ :‬قال‪ :‬حدثني إسماعيل بن أبي أويس‪ :‬قال‪ :‬حدثني أبي‪ :‬قال‪:‬‬
‫حدثنا سلمة بن صفوان الزرقي‪ ،‬عن الحوص الشاعر ‪ -‬وذكر إسماعيل بن سعيد الدمشقي ‪ : -‬أن الزبير بن بكار حدثه عن ابن‬
‫أبي أويس‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن مسلمة بن صفوان‪ ،‬عن الحوص‪ ،‬وأخبرني به الحرمي‪ ،‬عن الزبير‪ ،‬عن عمه‪ ،‬عن جرير المديني‬
‫المغني‪ ،‬وأبو مسكين‪ :‬قالوا جميعا‪ :‬كتب يزيد بن عبد الملك في خلفته إلى أمير المدينة ‪ -‬وهو عبد الواحد بن عبد الله النصري‬
‫‪ -‬أن يحمل إليه الحوص الشاعر ومعبدا المغني مولى ابن قطن قال‪ :‬فجهزنا وحملنا إليه‪ ،‬فلما نزلنا عمان أبصرنا غديرا‬
‫وقصورا‪ ،‬فقعدنا على الغدير وتحدثنا وذكرنا المدينة‪ ،‬فخرجت جارية من بعض تلك القصور‪ ،‬ومعها جرة تريد أن تستقي فيها ماء‪،‬‬
‫‪:‬قال الحوص‪ :‬فتغنت بمدحي في عمر بن عبد العزيز‬
‫يا بيت عاتكة الذي أتعزل‬

‫صفحة ‪2366 :‬‬

‫فتغنت بأحسن صوت ما سمعته قط‪ ،‬ثم طربت‪ ،‬فألقت الجرة فكسرتها‪ ،‬فقال معبد‪ :‬غنائي والله‪ ،‬وقلت‪ :‬شعري والله‪ ،‬فوثبنا‬
‫إليها‪ ،‬وقلنا لها‪ :‬لمن أنت يا جارية? قالت‪ :‬لل سعيد بن العاص ‪ -‬وفي خبر جرير المغني‪ :‬لل الوليد بن عقبة ‪ -‬ثم اشتراني رجل‬
‫من آل الوحيد بخمسين ألف درهم‪ ،‬وشغف بي‪ ،‬فغلبته بنت عم له طرأت عليه‪ ،‬فتزوجها على أمري‪ ،‬فعاقبت منزلتها منزلتي‪،‬‬
‫ثم عل مكانها مكاني‪ ،‬فلم تزدها اليام إل ارتفاعا‪ ،‬ولم تزدني إل اتضاعا‪ ،‬فلم ترض منه إل بأن أخدمها‪ ،‬فوكلتني باستقاء الماء‪،‬‬
‫فأنا على ما تريان‪ ،‬أخرج أستقي الماء‪ ،‬فإذاا رأيت هذه القصور والغدران ذكرت المدينة‪ ،‬فطربت إليها‪ ،‬فكسرت جرتي‪،‬‬
‫فيعذلني أهلي‪ ،‬ويلومونني‪ ،‬قال‪ :‬فقلت لها‪ :‬أنا الحوص‪ ،‬والشعر لي‪ ،‬وهذا معبد‪ ،‬والغناء له‪ ،‬ونحن ماضيان إلى أمير المؤمنين‪،‬‬
‫‪:‬وسنذكرك له أحسن ذكر‪ .‬وقال جرير في خبره ووافقه وكيع‪ ،‬ورواية عمر بن شبة‪ :‬قالوا‪ :‬فأنشأت الجارية تقول‬
‫أستقي الماء نحو هذا الغـدير‬ ‫تإن تروني الغداة أسعى بجـر‬
‫ش وفي كل نعـمة وسـرور‬ ‫فلقد كنت في رخاء من العـي‬
‫ت وماذا إليه صار مصـيري‬ ‫ثم قد تبصران ما فيه أمـسـي‬
‫من هوان وما يجن ضمـيري‬ ‫فإلى الله أشتكـي مـا ألقـي‬
‫رف صدق الحديث غير الخبير‬ ‫أبلغا عـنـي المـام ومـا يع‬
‫د وأحـكـاهـم بـبـم وزير‬ ‫أنني أضرب الخلئق بالـعـو‬
‫أنا فيه فـإنـنـي كـالسـير‬ ‫فلعـل اللـه ينـقـذ مـمـا‬
‫وبلدي فزرت أهل القـبـور‬ ‫ليتني مت يوم فارقت أهـلـي‬
‫الله نجاحا في أحسن التيسـير فقال الحوص من وقته‪ :‬صوت‬ ‫فاسمعا ما أقـول لـقـاكـمـا‬
‫ر وغنى غناء فحل مـجـيد‬ ‫إن زين الغدير من كسر الجر‬
‫كنت فيما مضى لل الولـيد وفي رواية الدمشقي‬ ‫‪:‬قلت‪ :‬من أنت يا ظعين فقالت‪:‬‬
‫كنت فيما مضى لل سعـيد‬ ‫قلت‪ :‬من أين يا خلوب فقالت‪:‬‬
‫في بني خالد لل الـوحـيد‬ ‫ثم أصبحت بعد حي قـريش‬
‫لفتى الناس الحوص الصنديد‬ ‫فغنائي لمعـبـد ونـشـيدي‬
‫وص والشيخ معبد فأعـيدي‬ ‫فتباكيت ثم قلـت‪ :‬أنـا الح‬
‫يترك الشيخ في الصبا كالوليد وفي رواية أبي زيد‬ ‫‪:‬فأعادت لنا بصوت شـجـي‬
‫تتهادى فقلت قـول عـمـيد‬ ‫فأعادت فأحسنـت ثـم ولـت‬
‫أنت في ذمة الهـمـام يزيد‬ ‫يعجز المال عن شراك ولكـن‬
‫وعلى ذاك من عظام العهود‬ ‫ولك اليوم ذمـتـي بـوفـاء‬
‫معبدي يرد حـبـل الـوريد‬ ‫أن سيجري لك الحديث بصوت‬
‫كل خير بنا هـنـاك وزيدي‬ ‫يفعل الله ما يشاء فـظـنـي‬
‫له أموري وأرتجي تـسـديد غناه معبد ثاني ثقيل بالبنصر من رواية حبش‬ ‫قالت القينة الكعاب‪ :‬إلـى ال‬
‫‪.‬والهشامي وغيرهما‪ ،‬وهي طريقة هذا الصوت‪ ،‬وأهل العلم بالغناء ل يصححونه لمعبد‬
‫‪:‬قال الحوص‪ :‬وضع فيه معبد لحنا فأجاده‪ ،‬فلما قدمنا على يزيد قال‪ :‬يا معبد أسمعني أحدث غناء غنيت وأطراه‪ ،‬فغناه معبد‬
‫إن زين الغدير من كسر الجر وغنى غناء فحل مجيد فقال يزيد‪ :‬إن لهذا لقصة فأخبراني بها‪ ،‬فأخبراه‪ ،‬فكتب لعامله بتلك‬
‫الناحية‪ :‬إن لل فلن جارية‪ ،‬من حالها ذيت وذيت ‪ ،‬فاشترها بما بلغت‪ ،‬فاشتراها بمائة ألف درهم‪ ،‬وبعث بها هدية‪ ،‬وبعث معها‬
‫بألطاف كثيرة‪ ،‬فلما قدمت على يزيد رأى فضل باررعا فأعجب بها‪ ،‬وأجازها‪ ،‬وأخدمها‪ ،‬وأقطعها‪ ،‬وأفرد لها قصرا‪ ،‬قال‪ :‬فوالله‬
‫‪.‬ما برحنا حتى جاءتنا منها جوائز وكسا وطرف‬
‫يزيد بن عمر بن هبيرة يتمثل بشعره عند النكسة‪ :‬وقال الزبير في خبره عن عمه‪ :‬قال‪ :‬أظن القصة كلها مصنوعة‪ ،‬وليس‬
‫‪.‬يشبه الشعر شعر الحوص‪ ،‬ول هو من طرازه‪ ،‬وكذلك ذكر عمر بن شبة في خبره‬
‫‪:‬أخبرني الحرمي‪ ،‬عن الزبير قال‬

‫صفحة ‪2367 :‬‬

‫سمعت هشام بن عبد الله بن عكرمة يحدث عن عتبة بن عمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام‪ :‬قال‪ :‬كنت مع يزيد بن‬
‫‪:‬عمر بن هبيرة ليلة الفرات‪ ،‬فلما انهزم الناس التفت إلي فقال‪ :‬يا أبا الحارث‪ ،‬أمسينا والله وهم كما قال الحوص‬
‫خلقا وليس على الزمان معول بيتان من شعره يؤذنان بزوال الدولة الموية‪:‬‬ ‫أبكي لما قلب الزمان جـديده‬
‫أخبرني الحرمي عن الزبير عن محمد بن محمد العمري‪ :‬أن عاتكة بنت عبد الله بن يزيد بن معاوية رئيت في النوم قبل ظهور‬
‫‪:‬دولة بني العباس على بني أمية كأنها عريانة ناشرة شعرها تقول‬
‫كنا به زمنا نسر ونجـذل‬ ‫أين الشباب وعيشنا اللد الذي‬
‫حزنا يعل به الفراد وينهل فتأول الناس ذلك بزوال دنيا بني أمية‪ ،‬فكان كما قالوا‪:‬‬ ‫ذهبت بشاشته وأصبح ذكره‬
‫أخبرني بهذا الخبر الحسن بن يحيى‪ ،‬عن حماد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن الجمحي‪ ،‬عن شيخ من قريش‪ :‬أنه رأى في النوم امرأة من ولد‬
‫‪:‬عثمان بن عفان على منايم على دار عثمان المقبلة على المسجد‪ ،‬وهي حاسرة في يديها عود وهي تضرب به وتغني‬
‫كنا به يوما نسر ونجـذل‬ ‫أين الشباب وعيشنا اللذ الذي‬
‫حزنا يعل به الفؤاد وينهل قال‪ :‬فما لبثنا إل يسيرا حتى خرج المر عن أيديهم‪،‬‬ ‫ذهبت بشاشته وأصبح ذكره‬
‫‪.‬وقتل مروان‬
‫‪.‬قال إسحاق‪ :‬المنامة‪ :‬الدكان وجمعها منايم‬
‫صوت‬

‫ت بعاذلين تتـابـعـا‬ ‫يا هند إنك لو عـلـم‬


‫قال وقلت بل اسمعـا‬ ‫قال فلم أسمع لـمـا‬
‫مالي وروحي فارجعا‬ ‫هند أحب إلـي مـن‬
‫وأطغت قلبا موجعـا الشعر لعبد الله بن الحسن بن الحسن عليهم السلم‪ ،‬والغناء لبن‬ ‫ولقد عصيت عواذلـي‬
‫سريح‪ ،‬ولحنه فيه لحنان أحدهما من القدر الوسط من الثقيل‪ ،‬الول بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق والخر رمل‬
‫بالوسطى عن عمرو‪ ،‬وفيه خفيف ثقيل‪ ،‬ذكر أبو العبيس أنه لبن سريح وذكر الهشامي وابن المكي أنه للغريض‪ ،‬وذكر حبش أن‬
‫لبراهيم فيه رمل آخر بالبنصر‪ ،‬وقال أحمد بن عبيد‪ :‬الذي صح فيه ثقيل الول وخفيفه ورمله‪ ،‬وذكر إبراهيم أن فيه لحنا لبن‬
‫‪.‬عباد‬

‫ذكر عبد الله بن الحسن بن الحسن‬


‫عليهم السلم ونسبه وأخباره وخبر هذا الشعر نسبه‬
‫عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ‪ -‬عليهم السلم ‪ -‬وقد مضى نسبه في أخبار عمه الحسين صلوات الله‬
‫‪:‬عليه في شعره الذي يقول فيه‬
‫تحل بها سكينة والرباب ويكنى عبد اللله بن الحسن أبا محمد‪ ،‬وأم عبد الله بن‬ ‫لعمرك إنني لحب دارا‬
‫الحسن فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلم‪ ،‬وأمها أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله‪ ،‬وأمها الجرباء بنت‬
‫‪.‬قسامة بن رومان عن طيء‬
‫سميت جدته الجرباء لحسنها‪ :‬أخبرني أحمد بن سعيد‪ :‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن الحسن‪ :‬قال‪ :‬إنما سميت الجرباء لحسنها‪ ،‬كانت ل‬
‫تقف إلى جنبها امرأة‪ ،‬وإن كانت جميلة إل استقبح منظرها لجمالها‪ ،‬وكان النساء يتحامين أن يقفن إلى جنبها‪ ،‬فشبهت بالناقة‬
‫‪.‬الجرباء التي تتوقاها البل مخافة أن تعديها‬
‫وكانت أم إسحاق من أجمل نساء قريش وأسوئهن خلقا‪ ،‬ويقال‪ :‬إن نساء بني تيم كانت لهن حظوة عند أزواجهت على سوء‬
‫‪.‬أخلقهن‪ ،‬ويروى أن أم إسحاق كانت ربما حملت وولدت وهي ل تكلم زوجها‬
‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء عن الزبير بن بكار عن عمه بذلك‪ :‬قال‪ :‬وقد كانت أم إسحاق عند الحسن بن علي بن أبي‬
‫طالب صلوات الله عليه قبل أخيه الحسين رضي الله عنه‪ ،‬فلما حضرته الوفاة دعا بالحسين صلوات الله عليه فقال له‪ :‬يا أخي‬
‫إني أرضى هذه المرأة لك‪ ،‬فل تخرجن من بيوتكم‪ ،‬فإذا انقضت عدتها فتزوجها‪ .‬فلما توفي الحسن عنها تزوجها الحسين رضي‬
‫الله عنه‪ ،‬وقد كانت ولدت من الحسن رضي الله عنه ابنه طلحة بن الحسن‪ ،‬فهو أخو فاطمة لمها وابن عمها‪ ،‬وقد درج طلحة‬
‫‪.‬ول عقب له‬
‫جمال وسوء خلق‪ :‬ومن طرائف أخبار التيميات من نساء قريش في حظوتهن وسوء أخلقهن ما أخبرنا به الحرمي بن أبي‬
‫‪:‬العلء عن الزبير بن بكار عن محمد بن عبد الله‪ .‬قال‬

‫صفحة ‪2368 :‬‬

‫كانت أم سلمة بنت محمد بن طلحة عند عبد الله بن الحسن وكانت تقسو عليه قسوة عظيمة وتغلظ‪ ،‬له‪ ،‬ويفرق منها ول‬
‫يخالفها‪ ،‬فرأى يوما منها طيب نفس‪ ،‬فأراد أن يشكو إليها قسوتها‪ ،‬فقال لها‪ :‬يا بنت محمد‪ ،‬قد أحرق والله قلبي‪ ...‬فحددت له‬
‫النظر‪ ،‬وجمعت وجهها وقالت له‪ :‬أحرق قلبك ماذا? فخافها فلم يقدر على أن يقول لها‪ :‬سوء خلقك‪ ،‬فقال لها‪ :‬حب أبي بكر‬
‫‪.‬الصديق‪ ،‬فأمسكت عنه‬
‫‪.‬وتزوج الحسن بن الحسن فاطمة بنت الحسين في حياة عمه‪ ،‬وهو ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬زوجه إياها‬
‫زواجه فاطمة بنت الحسين‪ :‬أخبرني الطوسي والحرمي‪ ،‬عن الزبير‪ ،‬عن عمه بذلك‪ ،‬وحدثني أحمد بن محمد بن سعيد عن‬
‫يحيى بن الحسن عن إسماعيل بن يعقوب قال‪ :‬حدثني جدي عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثني جدي عبد‬
‫الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن‪ ،‬قال‪ :‬خطب الحسن بن الحسن إلى عمه الحسين ‪ -‬صلوات الله عليه ‪ -‬وسأله أن‬
‫يزوجه إحدى ابنتيه‪ ،‬فقال له الحسن رضي الله عنه‪ :‬اختر يا بني أحبهما إليك‪ ،‬فاستحيا الحسن‪ ،‬ولم يحر جوابا‪ ،‬فقال له الحسين‬
‫‪.‬رضي الله عنه‪ :‬فإني اخترت منهما لك ابنتي فاطمة‪ ،‬فهي أكثر شبها بأمي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫أخبرني الطوسي والحرمي عن الزبير عن عمه مصعب‪ :‬إن الحسن لما خيره عمه اختار فاطمة‪ ،‬وكانوا يقولون‪ :‬إن امرأة‪،‬‬
‫‪.‬سكينة مردودتها‪ ،‬لمنقطعة القرين في الجمال‬
‫أخبرني الطوسي والحرمي بن أبي العلء‪ ،‬عن الزبير بن بكار‪ ،‬وأخبرني محمد بن العباس اليزيدي‪ ،‬عن أحمد بن يحيى وأحمد‬
‫بن زهير‪ ،‬عن الزبير‪ ،‬وأخبرني أحمد بن سعيد‪ ،‬عن يحيى بن الحسن‪ ،‬عن الزبير بن بكار واللفظ للحسن بن علي‪ ،‬وخبره أتم‪:‬‬
‫‪.‬قال‪ :‬قال الزبير‪ :‬حدثني عمي مصعب ولم يذكر أحدا‬
‫ليس لمخضوب البنان يمين‪ :‬وأخبرني محمد بن يحيى عن أيوب‪ ،‬عن عمر بن أبي الموالي قال الزبير‪ :‬وحدثني عبد الملك بن‬
‫عبد العزيز بن يوسف بن الماجشون‪ ،‬وقد دخل حديث بعضهم في بعض حديث الخرين‪ :‬أن الحسن بن الحسن لما حضرته‬
‫الوفاة جزع‪ ،‬وجعل يقول‪ :‬إني لجد كربا ليس إل هو كرب الموت‪ ،‬وأعاد ذلك دفعات‪ ،‬فقال له بعض أهله‪ :‬ما هذا الجزع‪ ،‬تقدم‬
‫على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جدك وعلى علي والحسن والحسين ‪ -‬صلوات الله عليهم ‪ -‬وهم آباؤك? فقال‪:‬‬
‫لعمري إن المر لكذلك‪ ،‬ولكن كأني بعبد الله بن عمرو بن عثمان حين أموت وقد جاء في مضرجتين أو ممصرتين وهو يرجل‬
‫جمته يقول‪ :‬أنا من بني عبد مناف جئت لشهد ابن عمي‪ ،‬وما به إل أن يخطب فاطمة بنت الحسين‪ ،‬فإذا جاء فل يدخل علي‪،‬‬
‫فصاحت فاطمة‪ :‬أتسمع? قال‪ :‬نعم‪ ،‬قالت‪ :‬أعتقت كل مملوك لي‪ ،‬وتصدقت بكل ملك لي إن أنا تزوجت بعدك أحدا أبدا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فسكن الحسن وما تنفس ول تحرك حتى قضى‪ ،‬فلما ارتفع الصياح أقبل عبد الله على الصفة التي ذكرها الحسن‪ ،‬فقال بعض‬
‫القوم‪ :‬ندخله‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬ل يدخل‪ ،‬وقال قوم‪ :‬ل يضر دخوله‪ ،‬فدخل وفاطمة تصك وجهها‪ ،‬فأرسل إليها وصيفا كان معه‪،‬‬
‫فجاء يتخطى الناس حتى دنا منها فقال لها‪ :‬يقول لك مولي أبقي على وجهك فإن لنا فيه أربا‪ ،‬قال‪ :‬فأرسلت يدها في كمها‬
‫واختمرت وعرف ذلك منها‪ ،‬فما لطمت وجهها حتى دفن صلوات الله عليه‪ .‬فلما انقضت عدتها خطبها فقالت‪ :‬فكيف لي بنذري‬
‫‪.‬ويميني? فقال‪ :‬نخلف عليك بكل عبد عبدين‪ ،‬وبكل شيء شيئين‪ ،‬ففعل وتزوجته‪ ،‬وقد قيل في تزويجه إيها غير هذا‬
‫أخبرني به أحمد بن محمد بن إسماعيل الهمداني‪ ،‬عن يحيى بن الحسن العلوي عن أخيه أبي جعفر‪ ،‬عن إسماعيل بن يعقوب‪،‬‬
‫عن محمد بن عبد الله البكري‪ :‬أن فاطمة لما خطبها عبد الله أبت أن تتزوجه‪ ،‬فحلفت عليها أمها لتتزوجنه‪ ،‬وقامت في‬
‫‪.‬الشمس‪ ،‬وآلت ل تبرح حتى تتزوجه‪ ،‬فكرهت فاطمة أن تحرج‪ ،‬فتزوجته‬
‫وكان عبد الله بن الحسن بن الحسن شيخ أهله وسيدا من ساداتهم ومقدما فيهم فضل وعلما وكرما‪ ،‬وحبسه أبو جعفر‬
‫‪.‬المنصور في الهاشمية بالكوفة لما خرج عليه ابناه محمد وإبراهيم فمات في الحبس‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه سقط عليه وقيل غير ذلك‬
‫كان من أجمل الناس وأفضلهم‪ :‬أخبرني أحمد بن محمد بن سعيد‪ ،‬عن يحيى بن الحسن عن علي بن أحمد الباهلي‪ :‬قال‪:‬‬
‫سمعت مصعبا الزبيري يقول‪ :‬انتهى كل حسن إلى عبد الله بن حسن‪ ،‬وكان يقال‪ :‬من أحسن الناس? فيقال‪ :‬عبد الله بن‬
‫‪.‬الحسن‪ ،‬ويقال‪ :‬من أفضل الناس? فيقال عبد الله بن الحسن‬

‫صفحة ‪2369 :‬‬

‫حدثني محمد بن الحسن الخثعمي الشاني والحسن بن علي السلولي قال‪ :‬حدثنا عباد بن يعقوب قال‪ :‬حدثنا تلميذ بن‬
‫سليمان‪ ،‬قال‪ :‬رأيت عبد الله بن الحسن‪ ،‬وسمعته يقول‪ :‬أنا أقرب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ولدتني بنت‬
‫‪.‬رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين‬
‫حدثني أحمد بن محمد بن سعيد عن يحيى بن الحسن‪ ،‬عن إسماعيل بن يعقوب‪ ،‬عن عبد الله بن موسى‪ ،‬قال‪ :‬أول من‬
‫اجتمعت له ولدة الحسن رضي الله عنه والحسين ‪ -‬صلوات الله عليهما ‪ -‬عبد الله بن الحسن رضي الله عنه‪ :‬حدثني محمد بن‬
‫الحسن الشناني‪ ،‬عن عبد الله بن يعقوب‪ ،‬عن بندقة بن محمد بن حجازة الدهان قال‪ :‬رأيت عبد الله بن الحسن‪ ،‬فقلت‪ :‬هذا‬
‫‪.‬والله سيد الناس‪ ،‬كان مكسوا نورا من قرنه إلى قدمه‬
‫قال علي بن الحسين‪ :‬وقد روي ذلك في أخبار أبي جعفر محمد بن علي رضي الله عنه‪ ،‬وأمه أم عبد الله بنت الحسن بن علي‬
‫‪.‬رضي الله عنه‬
‫حدثني أحمد بن محمد بن سعيد‪ ،‬عن يحيى بن الحسن‪ ،‬عن القاسم بن عبد الرزاق‪ :‬قال‪ :‬جاء منظور بن زيان الفزاري إلى‬
‫حسن بن حسن ‪ -‬وهو جده أبو أمه ‪ -‬فقال له‪ :‬لعلك أحدثت بعدي أهل‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬تزوجت بنت عمي الحسين بن علي ‪ -‬رضي‬
‫الله عنهما ‪ -‬قال‪ :‬بئسما صنعت‪ ،‬أما علمت أن الرحام إذا التقت أضوت‪ ،‬كان ينبغي أن تتزوج في الغرب‪ ،‬قال‪ :‬فإن الله جل‬
‫وعز قد رزقني منها ولدا‪ ،‬قال‪ :‬أرنيه‪ ،‬فأخرج إليه عبد الله بن الحسن فسر به‪ ،‬وقال‪ :‬أنجبت‪ ،‬هذا والله ليث غاب ومعدو عليه‪،‬‬
‫قال‪ :‬فإن الله تعالى قد رزقني منها ولدا ثانيا‪ ،‬قال‪ :‬فأرنيه‪ ،‬فأخرج إليه حسن بن حسن بن حسن‪ ،‬فسر به‪ ،‬وقال‪ :‬أنجبت‪ ،‬وهذا‬
‫‪.‬دون الول‪ ،‬قال‪ :‬فإن الله قد رزقني منها ولدا ثالثا‪ ،‬قال‪ :‬فأرنيه‪ .‬فأراه إبراهيم بن الحسن‬
‫غمزة ترحى بها شفاعة‪ :‬حدثني أبو عبيد محمد بن أحمد الصيرفي‪ :‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن علي بن خلف قال‪ :‬حدثنا عمر بن عبد‬
‫الغفار قال‪ :‬حدثنا سعيد بن أبان القرشي قال‪ :‬كنت عند عمر بن عبد العزيز‪ ،‬فدخل عبد الله بن الحسن عليه‪ ،‬وهو يومئذ شاب‬
‫في إزار ورداء‪ ،‬فرحب به وأدناه وحياه‪ ،‬وأجلسه إلى جنبه وضاحكه‪ ،‬ثم غمز عكنة من بطنه‪ ،‬وليس في البيت حينئذ إل أموي‪،‬‬
‫‪.‬فقيل له‪ :‬ما حملك على غمز بطن هذا الفتى? قال‪ :‬إني لرجو بها شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫يعطي جائزة‪ :‬حدثني عمر بن عبد الله بن جميل العتكي‪ ،‬عن عمر بن شبة‪ ،‬عن إسماعيل بن جعفر الجعفري‪ :‬قال‪ :‬حدثني‬
‫سعيد بن عقبة الجهني‪ :‬قال‪ :‬إني لعند عبد الله بن الحسن إذ أتاني آت‪ ،‬فقال‪ :‬هذا رجل يدعوك‪ ،‬فخرجت‪ ،‬فإذا أنا بأبي عدي‬
‫الشاعر الموي‪ ،‬فقال‪ :‬أعلم أبا محمد‪ ،‬فخرج إليه عبد الله‪ ،‬وهم خائفون‪ ،‬فأمر له بأربعمائة دينار‪ ،‬وهند بمائتي دينار‪ ،‬فخرج‬
‫‪.‬بستمائة دينار‪ .‬وقد روى مالك بن أنس عن عبد الله بن الحسن الحديث‬
‫كان يسدل شعره‪ :‬حدثني أحمد بن محمد بن سعيد عن يحيى بن الحسن قال‪ :‬حدثنا علي بن أحمد الباهلي عن مصعب بن عبد‬
‫الله قال‪ :‬سئل مالك عن السدل قال‪ :‬رأيت من يرضى بفعله؛ عبد الله بن الحسن يفعله‪ ،‬والسبب في حبس عبد الله بن‬
‫الحسن وخروج ابنيه وقتلهما يطول ذكره‪ .‬وقد أتى عمر بن شبة منه بما ل يزيد عليه أحد إل اليسير‪ ،‬ولكن من أخباره ما يحسن‬
‫‪.‬ذكره ها هنا فنذكره‬
‫السبب في حبسه وقتل ابنيه‪ :‬أخبرني عمر بن عبد الله العتكي عن عمر بن شبة‪ ،‬قال‪ :‬حدثني موسى بن سعيد بن عبد‬
‫الرحمن وأيوب بن عمر عن إسماعيل بن أبي عمرو قالوا‪ :‬لما بنى أبو العباس بناءه بالنبار الذي يدعى الرصافة‪ :‬رصافة أبي‬
‫‪:‬العباس قال لعبد الله بن الحسن‪ :‬ادخل فانظر ودخل معه‪ ،‬فلما رآه تمثل‬
‫بناء نفعه لبني نـفـيلة‬ ‫ألم تر حوشبا أمسى يبني‬
‫وأمر الله يحدث كل يلية فاحتمله أبو العباس ولم يبكته بها‬ ‫‪.‬يؤمل أن يعمر عمر نوح‬
‫أخبرني عمي عن ابن شبة عن يعقوب بن القاسم عن عمرو بن شهاب‪ ،‬وحدثني أحمد بن محمد بن سعيد عن يحيى بن‬
‫‪:‬الحسن عن الزبير عن محمد بن الضحاك عن أبيه قالوا‪ :‬إن أبا العباس كتب إلى عبد الله بن الحسن في تغيب ابنيه‬
‫عذيرك من خليلك من مراد قال عمر بن شبة‪ :‬وإنما كتب بها إلى محمد‪ ،‬قال عمر‬ ‫أريد حياته ويريد قـتـلـي‬
‫‪:‬بن شبة‪ :‬فبعثوا إلى عبد الرحمن بن مسعود مولى أبي حنين‪ ،‬فأجابه‬
‫بمنزلة النياط من الفـؤاد‬ ‫وكيف يريد ذاك وأنت منه‬

‫صفحة ‪2370 :‬‬

‫وزندك حين تقدح من زناد‬ ‫وكيف يريد ذاك وأنت منه‬


‫وأنت لهاشم رأس وهـاد أخبرني عمر بن عبد الله بن شبة عن عيسى بن عبد الله‬ ‫وكيف يريد ذاك وأنت منه‬
‫بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عليهم السلم عن الحسن بن زيد عن عبد الله بن الحسن قال‪ :‬بينا أنا في سمر أبي‬
‫العباس‪ ،‬وكان إذا تثاءب أو ألقى المروحة من يده قمنا‪ ،‬فألقاها ليلة فقمنا‪ ،‬فأمسكني فلم يبق غيري‪ ،‬فأدخل يده تحت فراشه‪،‬‬
‫وأخرج إضبارة كتب وقال‪ :‬اقرأ يا أبا محمد‪ ،‬فقرأت فإذا كتاب من محمد بن هشام بن عمرو التغلبي يدعوه إلى نفسه‪ ،‬فلما‬
‫‪.‬قرأته قلت له‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬لك عهد الله وميثاقه أل ترى منهما شيئا تكرهه ما كانا في الدنيا‬
‫أخبرنا العتكي عن ابن شبة عن محمد بن إسماعيل عن عبد العزيز بن عمر‪ ،‬عن عبد الله بن عبدة بن محمد بن عمار بن ياسر‬
‫قال‪ :‬لما استخلف أبو جعفر ألح في طلب محمد والمسألة عنه‪ ،‬وعمن يؤويه‪ ،‬فدعا بني هاشم رجل رجل‪ ،‬فسألهم عنه‪ ،‬فكلهم‬
‫يقول‪ :‬قد عليم أمير المؤمنين أنك قد عرفته بطلب هذا الشأن قبل اليوم‪ ،‬فهو يخافك على نفسه‪ ،‬ول يريد لك خلفا‪ ،‬ول يحب‬
‫لك معصية‪ ،‬إل الحسن بن زيد فإنه أخبره خبره‪ ،‬فقال‪ :‬والله ما آمن وثوبه عليك‪ ،‬وأنه ل ينام فيه فر رأيك فيه قال ابن أبي‬
‫‪.‬عبيدة‪ :‬فأيقظ من ل ينام‬
‫أخبرني عمر بن عبد الله بن شبة عن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن محمد‬
‫بن عمران عن عقبة بن سلم‪ :‬إن أبا جعفر دعاه فسأله عن اسمه ونسبه‪ ،‬فقال‪ :‬أنا عقبة بن سلم بن نافع بن الزدهاني‪ ،‬قال‪:‬‬
‫إني أرى لك هيئة وموضعا‪ ،‬وإني لريدك لمر أنا به معني‪ ،‬قال‪ :‬أرجو أن أصدق ظن أمير المؤمنين‪ ،‬قال‪ :‬فأخف شخصك‪،‬‬
‫وائتني في يوم كذا وكذا‪ ،‬فأتيته‪ ،‬فقال‪ :‬إن بني عمنا هؤلء قد أبوا إل كيدا بملكنا‪ ،‬ولهم شيعة بخراسان بقرية كذا وكذا‪،‬‬
‫يكاتبونهم‪ ،‬ويرسلون إليهم بصدقات وألطاف‪ ،‬فاذهب حتى تأتيهم متنكرا بكتاب تكتبه عن أهل تلك القرية‪ ،‬ثم تسير ناحيتهم‪،‬‬
‫فإن كانوا نزعوا عن رأيهم علمت ذلك‪ ،‬وكنت على حذر منهم حتى تلقى عبد الله بن الحسن متخشعا‪ ،‬وإن جبهك ‪ -‬وهو فاعل ‪-‬‬
‫فاصبر وعاوده أبدا حتى يأنس بك‪ ،‬فإذا ظهر لك ما في قلبه فاعجل إلي‪ ،‬ففعلذلك‪ ،‬وفعل به حتى أنس عبد الله بناحيته‪ ،‬فقاله‬
‫له عقبة‪ :‬الجواب‪ ،‬فقال له‪ :‬أما الكتاب فإني ل أكتب إلى أحد‪ ،‬ولكن أنت كتابي إليهم‪ ،‬فأقرئهم السلم‪ ،‬وأخبرهم أن ابني خارج‬
‫‪.‬لوقت كذا وكذا‪ ،‬فشخص عقبة حتى قدم على أبي جعفر‪ ،‬فأخبره الخبر‬
‫أخبرني العتكي عن عمر بن محمد بن يحيى بن الحارث بن إسحاق‪ ،‬قال‪ :‬سأل أبو جعفر عبد الله بن الحسن عن ابنيه لما حج‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ل أعلم بهما حتى تغالظا‪ ،‬فأمضه‪ ،‬أبو جعفر‪ ،‬فقال له‪ :‬يا أبا جعفر‪ ،‬بأي أمهاتي تمضني? أبخديجة بنت خويلد أم بفاطمة‬
‫بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بفاطمة بنت الحسين ‪ -‬عليهم السلم ‪ -‬أم بأم إسحاق بنت طلحة? قال‪ :‬ل ول بواحدة‬
‫منهن‪ ،‬ولكن بالجرباء بنت قسامة فوثب المسيب بن زهير‪ ،‬فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬دعني أضرب عنق ابن الفاعلة‪ ،‬فقام زياد‬
‫‪.‬بن عبد الله‪ ،‬فألقى عليه رداءه‪ ،‬وقال‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬هبه لي‪ ،‬فأنا المستخرج لك ابنيه‪ ،‬فتخلصه منه‬
‫قال ابن شبة‪ :‬وحدثني بكر بن عبد الله مولى أبي بكر‪ ،‬عن علي بن رباح أخي إبراهيم بن رباح‪ ،‬عن صاحب المصلى‪ :‬قال‪ :‬إني‬
‫لواقف على رأس أبي جعفر وهو يتغذى بأوطاس‪ ،‬وهو متوجه إلى مكة‪ ،‬ومعه على مائدته عبد الله بن الحسن وأبو الكرام‬
‫الجعفري وجماعة من بني العباس‪ ،‬فأقبل على عبد الله بن الحسن‪ ،‬فقال‪ :‬يا أبا محمد؛ محمد وإبراهيم أراهما قد استوحشا من‬
‫ناحيتي‪ ،‬وإني لحب أن يأنسا بي ويأتياني فأصلهما وأزوجهما‪ ،‬وأخلطهما بنفسي‪ ،‬قال‪ :‬وعبد الله يطرق طويل‪ ،‬ثم يرفع رأسه‬
‫ويقول‪ :‬وحقك يا أمير المؤمنين مالي بهما ول بموضعهما من البلد علم‪ ،‬ولقد خرجا عن يدي‪ ،‬فيقول‪ :‬ل تفعل يا أبا محمد‪ ،‬اكتب‬
‫إليهما وإلى من يوصل كتابك إليهما‪ ،‬قال‪ :‬وامتنع أبو جعفر عن عامة غداته ذلك اليوم إقبال على عبد الله‪ ،‬وعبد الله يحلف أنه ل‬
‫‪.‬يعرف موضعهما‪ ،‬وأبو جعفر يكرر عليه‪ :‬ل تفعل يا أبا محمد‬
‫‪:‬قال ابن شبة‪ :‬فحدثني محمد بن عباد عن السندي بن شاهك‬

‫صفحة ‪2371 :‬‬

‫أن أبا جعفر قال لعقبة بن سلم‪ :‬إذا فرغنا من الطعام فلحظتك فامثل بين يدي عبد الله‪ ،‬فإنه سيصرف بصره عنك‪ ،‬فدر حتى‬
‫تغمز ظهره بإبهام رجلك‪ ،‬حتى يمل عينيه منك‪ ،‬ثم حسبك وإياك أن يراك ما دام يأكل‪ ،‬ففعل ذلك عقبة‪ ،‬فلما رآه عبد الله وثب‬
‫‪.‬حتى جثا بين يدي أبي جعفر‪ ،‬وقال‪ :‬يا أمير المؤمنين أقلني أقالك الله‪ ،‬قال‪ :‬ل أقالني الله إن أقلتك‪ ،‬ثم أمر بحبسه‬
‫قال ابن شبة‪ ،‬فحدثني أيوب بن عمر‪ ،‬عن محمد بن خلف المخزومي قال‪ :‬أخبرني العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن‬
‫عباس قال‪ :‬لما حج أبو جعفر في سنة أربعين ومائة أتاه عبد الله وحسن ابنا حسن‪ ،‬فإنهما وإياي لعنده‪ ،‬وهو مشغول بكتاب‬
‫ينظر فيه إذ تكلم المهدي فلحن فقال عبد الله‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬أل تأمر بهذا من يعدل لسانه‪ ،‬فإنه يفعل فعل المة‪ ،‬فلم‬
‫يفهم‪ ،‬وغمزت عبد الله فلم ينتبه‪ ،‬وعاد لبي جعفر فأحفظ من ذلك‪ ،‬وقال له‪ :‬أين ابنك? قال‪ :‬ل أدري‪ ،‬قال‪ :‬لتأتيني به‪ ،‬قال‪ :‬لو‬
‫‪.‬كان تحت قدمي ما رفعتهما عنه‪ ،‬قال‪ :‬يا ربيع فمر به إلى الحبس‬
‫زوجته هند بنت أبي عبيدة‪ :‬أخبرني أحمد بن محمد بن سعيد‪ ،‬عن يحيى بن الحسن قال‪ :‬توفي عبد الله في محبسه بالهاشمية‬
‫وهو ابن خمس وسبعين سنة في سنة خمس وأربعين ومائة وهند التي عناها عبد الله في شعره الذي فيه الغناء زوجته هند بنت‬
‫‪.‬أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة بن السود بن المطلب‬
‫‪.‬وكان أبو عبيدة جوادا وممدحا‪ ،‬وكانت هند قبل عبد الله بن الحسن تحت عبد الله بن عبد الملك بن مروان‪ ،‬فمات عنها‬
‫فأخبرني الحرمي عن الزبير عن سليمان بن عياش السعدي قال‪ :‬لما توفي أبو عبيدة وجدت ابنته هند وجدا شديدا‪ ،‬فكلم عبد‬
‫الله بن الحسن محمد بن بشير الخارجي أن يدخل على هند بنت أبي عبيدة‪ ،‬فيعزيها ويؤسيها عن أبيها‪ ،‬فدخل معه عليها‪ ،‬فلما‬
‫‪.‬نظر إليها صاح بأبعد صوته‬

‫أبا مثله تسمو إليه الـمـفـاخـر‬ ‫قومي اضربي عينيك يا هند لن تري‬
‫تزيني كما زان الـيدين السـاور فصكت وجهها‪ ،‬وصاحت بحربها وجهدها‪،‬‬ ‫وكنت إذا أسبلـت فـوقـك والـدا‬
‫‪.‬فقال له عبد الله بن الحسن‪ :‬ألهذا دخلت? فقال الخارجي‪ :‬وكيف أعزي عن أبي عبيدة وأنا أعزى به‬
‫أخبرني العتكي‪ ،‬عن شبة‪ :‬قال‪ :‬حدثني عبد الرحمن بن جعفر بن سليمان‪ ،‬عن علي بن صالح‪ ،‬قال‪ :‬زوج عبد الملك بن مروان‬
‫ابنه عبد الله هند بنت أبي عبيدة وريطة بنت عبد الله بن عبد المدان لما كان يقال إنه كائن في أولدهما‪ ،‬فمات عنهما عبد الله‬
‫‪.‬أو طلقهما‪ ،‬فتزوج هندا عبد الله بن الحسن‪ ،‬وتزوج ريطة محمد بن علي‪ ،‬فجاءت بأبي العباس السفاح‬
‫أخبرني العتكي عن عمر بن شبة عن ابن داجة عن أبيه قال‪ :‬لما مات عبد الله بن عبد الملك رجعت هند بميراثها منه‪ ،‬فقال‬
‫عبد الله بن حسن لمه فاطمة‪ :‬اخطبي علي هندا‪ ،‬فقالت‪ :‬إذا تردك‪ ،‬أتطمع في هند وقد ورثت ما ورثته‪ ،‬وأنت ترب ل مال لك?‬
‫فتركها ومضى إلى أبي عبيدة أبي هند‪ ،‬فخطبها إليه‪ ،‬فقال‪ :‬في الرحب والسعة‪ ،‬أما مني فقد زوجتك‪ ،‬مكانك ل تبرح‪ ،‬ودخل‬
‫على هند‪ ،‬فقال‪ :‬يا بنية‪ ،‬هذا عبد الله بن حسن‪ ،‬أتاك خاطبا‪ ،‬قالت‪ :‬فما قلت له? قال‪ :‬زوجته‪ .‬قالت‪ :‬أحسنت‪ .‬قد أجزت ما‬
‫صنعت‪ ،‬وأرسلت إلى عبد الله‪ :‬ل تبرح حتى تدخل على أهلك‪ .‬قال‪ :‬فتزينت له فبات بها معرسا من ليلته‪ ،‬ول تشعر أمه‪ ،‬فأقام‬
‫سبعا‪ ،‬ثم أصبح يوم سابعه غاديا على أمه وعليه ردع الطيب‪ ،‬وفي غير ثيابه التي تعرف‪ ،‬فقالت له‪ :‬يا بني‪ ،‬من أين لك هذا?‬
‫‪.‬قال‪ :‬من عند التي زعمت أنها ل تريدني‬
‫أخبرني حبيب بن نصر المهلبي وعمي عبد العزيز بن أحمد بن بكار‪ :‬قال‪ :‬حدثنا الزبير‪ :‬قال‪ :‬حدثتني ظبية مولة فاطمة‪ :‬قالت‪:‬‬
‫‪:‬كان جدك عبد الله بن مصعب يستنشدني كثيرا أبيات عبد الله بن حسن ويعجب بها‬
‫جمعت كفها مع الرفق لينا‬ ‫إن عيني تعودت كحل هند‬
‫صوت‬

‫ومر طيف على الهوال طراق‬ ‫يا عيد مالك من شـوق وإيراق‬
‫نفسي فداؤك من سار على ساق عروضه من البسيط‪ :‬العيد‪ :‬ما اعتاد‬ ‫يسري على الين والحيات محتفيا‬
‫‪:‬النسان من هم أو شوق أو مرض أو ذكر‪ .‬والين واليم‪ :‬ضرب من الحيات‪ .‬والين‪ :‬العياء أيضا‪ ،‬وروى أبو عمرو‬
‫يا عيد قلبك من شوق وإيراق‬

‫صفحة ‪2372 :‬‬

‫الشعر لتأبط شرا‪ ،‬والغناء لبن محرز ثقيل أول بالوسطى من رواية يحيى المكي وحبش وذكر الهشامي أنه من منحول يحيى‬
‫‪.‬إلى ابن محرز‬

‫أخبار تأبط شرا ونسبه‬


‫نسبه ولقبه‬
‫هو ثابت بن جابر بن سفيان بن عميثل بن عدي بن كعب بن حزن‪ .‬وقيل‪ :‬حرب بن تميم بن سعد بن فهم بن عمرو بن قيس‬
‫‪.‬عيلن بن مضر بن نزار‬
‫وأمه امرأة يقال لها‪ :‬أميمة‪ ،‬يقال‪ :‬إنها من بني القين بطن من‪ ،‬فهم ولدت خمسة نفر‪ :‬تأبط شرا‪ ،‬وريش بلغب‪ ،‬وريش نسر‪،‬‬
‫‪.‬وكعب جدر‪ ،‬ول بواكي له‪ ،‬وقيل‪ :‬إنها ولدت سادسا اسمه عمرو‬
‫وتبأبط شرا لقب لقب به‪ ،‬ذكر الرواة أنه كان رأى كبشا في الصحراء‪ ،‬فاحتمله تحت إبطه‪ ،‬فجعل يبول عليه طول طريقه‪،‬‬
‫فلما قرب من الحي ثقل عليه الكبش‪ ،‬فلم يقله فرمى به فإذا هو الغول‪ ،‬فقال له قومه‪ :‬ما تأبطت يا ثابت? قال‪ :‬الغول‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫‪.‬لقد تأبطت شرا فسمي بذلك‬
‫وقيل‪ :‬بل قالت له أمه‪ :‬كل إخوتك يأتيني بشيء إذا راح غيرك‪ ،‬فقال لها‪ :‬سآتيك الليلة بشيء‪ ،‬ومضى فصاد أفاعي كثيرة من‬
‫أكبر ما قدر عليه‪ ،‬فلما راح أتى بهن في جراب متأبطا له‪ ،‬فألقاه بين يديها‪ ،‬ففتحته‪ ،‬فتساعين في بيتها‪ ،‬فوثبت‪ ،‬وخرجت‪ ،‬فقال‬
‫لها نساء الحي‪ :‬ماذا أتاك به ثابت? فقالت‪ :‬أتاني بأفاع في جراب‪ ،‬قلن‪ :‬وكيف حملها? قالت‪ :‬تأبطها‪ ،‬قلن‪ :‬لقد تأبط شرا‪،‬‬
‫‪.‬فلزمه تأبط شرا‬
‫حدثني عمي قال حدثني علي بن الحسن بن عبد العلى عن أبي محلم بمثل هذه الحكاية وزاد فيها‪ :‬أن أمه قالت له في زمن‬
‫الكمأة‪ :‬أل ترى غلمان الحي يجتنون لهليهم الكمأة‪ ،‬فيروحون بها? فقال أعطيني جرابك‪ ،‬حتى أجتني لك فيه‪ ،‬فأعطته‪ ،‬فمله‬
‫‪.‬لها أفاعي‪ ،‬وذكر باقي الخبر مثل ما تقدم‬
‫‪:‬ومن ذكر أنه إنما جاءها بالغول يحتج بكثرة أشعاره في هذا المعنى‪ ،‬فإنه يصف لقاءه إياها في شعره كثيرا‪ ،‬فمن ذلك قوله‬
‫فيا جارتا لك ما أهـول‬ ‫فأصبحت الغول لي جارة‬
‫علي وحاولت أن أفعـل‬ ‫فطالبتها بضعها فالتـوت‬
‫فإن لها باللوى مـنـزل كان أحد العدائين المعدودين‪ :‬أخبرني عمي عن الحزنبل‬ ‫فمن كان يسأل عن جارتي‬
‫عن عمرو بن أبي عمرو الشيباني قال‪ :‬نزلت على حي من فهم إخوة بني عدوان من قيس‪ ،‬فسألتهم عن خبر تأبط شرا‪ ،‬فقال‬
‫لي بعضهم‪ :‬وما سؤالك عنه‪ ،‬أتريد أن تكون لصا? قلت‪ :‬ل‪ ،‬ولكن أريد أن أعرف أخبار هؤلء العدائين‪ ،‬فأتحدث بها‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫نحدثك بخبره‪ :‬إن تأبط شرا كان أعدى ذي رجلين وذي ساقين وذي عينين‪ ،‬وكان إذا جاع لم تقم له قائمة‪ ،‬فكان ينظر إلى‬
‫‪.‬الظباء فينتقي على نظره أسمنها‪ ،‬ثم يجري خلفه فل يفوته‪ ،‬حتى يأخذه‪ ،‬فيذبحه بسيفه‪ ،‬ثم يشويه فيأكله‬
‫يصف غول افترسها‪ :‬وإنما سمي تأبط شرا لنه ‪ -‬فيما حكي لنا ‪ -‬لقي الغول في ليلة ظلماء في موضع يقال له رحى بطسان‬
‫في بلد هذيل‪ ،‬فأخذت عليه الطريق فلم يزل بها‪ ،‬حتى قتلها‪ ،‬وبات عليها فلما أصبح حملها تحت إبطه وجاء بها إلى أصحابه‪،‬‬
‫‪:‬فقالوا له‪ :‬لقد تأبطت شرا‪ ،‬فقال في ذلك‬
‫يوائم غنما أو يشيف على ذحل يوائم‪ :‬يوافق‪ ،‬ويشيف‪ :‬يقتدر‪ .‬وقال أيضا في‬ ‫تأبط شرا ثم راح أو اغـتـدى‬
‫‪:‬ذلك‬
‫بما لقيت عند رحى بطـان‬ ‫أل من مبلغ فـتـيان فـهـم‬
‫بسهب كالصحيفة صحصحان‬ ‫وأني قد لقيت الغول تهـوي‬
‫أخو سفر فخلي لي مكانـي‬ ‫فقلت لها‪ :‬كلنـا نـضـوأين‬
‫لها كفي بمصقول يمـانـي‬ ‫فشدت شدة نحوي فـأهـوى‬
‫صريعا لليدين ولـلـجـران‬ ‫فأضربها بل دهش فخـرت‬
‫مكانك إنني ثبت الـجـنـان‬ ‫فقالت‪ :‬عد‪ ،‬فقلت لها‪ :‬رويدا‬
‫لنظر مصبحا ماذا أتـانـي‬ ‫فلم أنفك متـكـئا عـلـيهـا‬
‫كرأس الهر مشقوق اللسـان‬ ‫إذا عينان فـي رأس قـبـيح‬
‫وثوب من عباء أو شـنـان لم ل تنهشه الحيات? أخبرنا الحسين بن يحيى‪ :‬قال‪:‬‬ ‫وساقا مخدج وشواة كـلـب‬
‫قرأت على حماد‪ :‬وحدثك أبوك عن حمزة بن عتبة اللهبي‪ :‬قال‪ :‬قيل لتأبط شرا‪ :‬هذه الرجال غلبتها‪ ،‬فكيف ل تنهشك الحيات‬
‫‪.‬في سراك? فقال‪ :‬إني لسرى البردين‪ .‬يعني أول الليل‪ ،‬لنها تمور خارجة من حجرتها‪ ،‬وآخر الليل تمور مقبلة إليها‬
‫‪:‬يبيع ثقفيا أحمق اسمه بطيلسانة‬

‫صفحة ‪2373 :‬‬

‫قال حمزة‪ :‬ولقي تأبط شرا ذات يوم رجل من ثقيف يقال له أبو وهب‪ ،‬كان جبانا أهوج‪ ،‬وعليه حلة جيدة‪ ،‬فقال أبو وهب لتأبط‬
‫شرا‪ :‬بم تغلب الرجال يا ثابت‪ ،‬وأنت كما أرى دميم ضئيل? قال‪ :‬باسمي‪ ،‬إنما أقول ساعة ما ألقى الرجل‪ :‬أنا تأبط شرا‪ ،‬فينخلع‬
‫قلبه حتى أنال منه ما أردت‪ ،‬فقال له الثقفي‪ :‬أقط قال‪ :‬قط‪ ،‬قال‪ :‬فهل لك أن تبيعني اسمك? قال‪ :‬نعم‪ ،‬فبم تبتاعه? قال‪:‬‬
‫بهذه الحلة وبكنيتك قال له‪ :‬أفعل‪ ،‬ففعل‪ ،‬وقال له تأبط شرا لك اسمي ولي كنيتك?‪ ،‬وأخذ حلته وأعطاه طمرية‪ ،‬ثم انصرف‪،‬‬
‫‪:‬وقال في ذلك يخاطب زوجة الثقفي‬
‫تأبط شرا واكـتـنـيت أبـا وهـب‬ ‫أل هل أتى الحسناء أن حـلـيلـهـا‬
‫فأين له صبري على معظم الخطب‬ ‫?فهبه تسمى اسمي وسميت باسـمـه‬
‫وأين له في كل فـادحة قـلـبـي? يخونه نشاطه أمام الحسان‪ :‬قال حمزة‪:‬‬ ‫وأين له بأس كبـأسـي وسـورتـي‬
‫وأحب تأبط شرا جارية من قومه‪ ،‬فطلبها زمانا ل يقدر عليها‪ ،‬ثم لقيته ذات ليلة فأجابته وأرادها‪ ،‬فعجز عنها‪ ،‬فلما رأت جزعه‬
‫‪:‬من ذلك تناومت عليه فآنسته وهدأ‪ ،‬ثم جعل يقول‬
‫عجزت عن جارية رفله‬ ‫مالك من أير سلبت الخله‬
‫كمشية الرخ تريد العله الرخ‪ :‬النثى من البقر التي لم تنتج‪ .‬العلة تريد أن تعل بعد‬ ‫تمشي إليك مشية خوزله‬
‫‪.‬النهل‪ ،‬أي أنها قد رويت فمشيتها ثقيلة‪ .‬والعل‪ :‬الشرب الثاني‬

‫تحمل قلعين لها قبـلـه‬ ‫لو أنها راعية في ثـلـه‬


‫لصرت كالهراوة العتله قصته مع بجيلة‪ :‬أخبرني الحسن بن علي عن عبد الله بن أبي سعد عن أحمد بن عمر عن أبي بركة‬
‫الشجعي قال‪ :‬أغار تأبط شرا ‪ -‬وهو ثابت بن العميثل الفهمي‪ ،‬ومعه ابن براق الفهمي على بجيلة ‪ -‬فأطردا لهم نعما‪ ،‬ونذرت‬
‫بهما بجيلة‪ ،‬فخرجت في آثارهما ومضيا هاربين في جبال السراة‪ ،‬وركبا الحزن‪ ،‬وعارضتهما بجيلة في السهل فسبقوهما إلى‬
‫الوهط ‪ -‬وهو ماء لعمرو بن العاص بالطائف ‪ -‬فدخلوا لهما في قصبة العين‪ ،‬وجاءا‪ ،‬وقد بلغ العطش منهما‪ ،‬إلى العين‪ ،‬فلما‬
‫وقفا عليها قال تأبط شرا لبن براق‪ :‬أقل من الشراب فإنها ليلة طرد‪ ،‬قال‪ :‬وما يدريك? قال‪ :‬والذي أعدو بطيره‪ ،‬إني لسمع‬
‫وجيب قلوب الرجال تحت قدمي‪ .‬وكان من أسمع العرب وأكيدهم‪ .‬فقال له ابن براق‪ :‬ذلك وجيب قلبك‪ .‬فقال له تأبط شرا‪:‬‬
‫والله ما وجب قط‪ ،‬ول كان وجابا‪ ،‬وضرب بيده عليه‪ ،‬وأصاخ نحو الرض يستمع فقال‪ :‬والذي أعدو بطيره‪ ،‬إني لسمع وجيب‬
‫قلوب الرجال‪ ،‬فقال له ابن براق‪ :‬فأنا أنزل قبلك‪ ،‬فنزل فبرك وشرب وكان أكل القوم عند بجيلة شوكة‪ ،‬فتركوه وهم في‬
‫الظلمة‪ ،‬ونزل ثابت‪ ،‬فلما توسط الماء وثبوا عليه‪ ،‬فأخذوه وأخرجوه من العين مكتوفا‪ ،‬وابن براق قريب منهم ل يطمعون فيه‬
‫لما يعلمون من عدوه‪ ،‬فقال لهم ثابت‪ :‬إنه من أصلف الناس وأشدهم عجبا بعدوه‪ ،‬وسأقول له‪ :‬أستأسر معي‪ ،‬فسيدعوه عجبه‬
‫بعدوه إلى أن يعدو من بين أيديكم‪ ،‬وله ثلثة أطلق‪ :‬أولها كالريح الهابة‪ ،‬والثاني كالفرس الجواد‪ ،‬والثالث يكبو فيه ويعثر‪ ،‬فإذا‬
‫رأيتم منه ذلك فخذوه فإني أحب أن يصير في أيديكم كما صرت إذ خالفني ولم يقبل رأيي ونصحي له‪ ،‬قالوا‪ :‬فافعل‪ ،‬فصاح به‬
‫تأبط شرا‪ :‬أنت أخي في الشدة والرخاء‪ ،‬وقد وعدني القوم أن يمنوا عليك وعلي‪ ،‬فاستأسر‪ ،‬وواسني بنفسك في الشدة‪ ،‬كما‬
‫كنت أخي في الرخاء‪ ،‬فضحك ابن براق‪ ،‬وعلم أنه قد كادهم‪ ،‬وقال‪ :‬مهل يا ثابت‪ ،‬أيستأسر من عنده هذا العدو? ثم عدا فعدا‬
‫أول طلق مثل الريح الهابة كما وصف لهم‪ ،‬والثاني كالفرس الجواد‪ ،‬والثالث جعل يكبو ويعثر ويقع على وجهه‪ .‬فقال ثابت‪:‬‬
‫خذوه‪ ،‬فعدوا بأجمعهم‪ ،‬فلما أن نفسهم عنه شيشئا عدا تأبط شرا في كتافه‪ ،‬وعارضه ابن براق‪ ،‬فقطع كتافه‪ ،‬وأفلتا جميعا‪،‬‬
‫‪:‬فقال تأبط شرا قصيدته القافية في ذلك‬
‫ومر طيف على الهوال طراق‬ ‫يا عيد مالك من شوق وإبـراق‬
‫نفسي فداؤك من سار على ساق‬ ‫يسري على الين والحيات محتفيا‬
‫ثم اجتنبت بها من بعد تـفـراق‬ ‫طيف ابنة الحر إذ كنا نواصلهـا‬
‫إذا تذكرت يوما بعض أخلقي‬ ‫لتقر عن علي السـن مـن نـدم‬
‫أسماء بالله من عهد ومـيثـاق‬ ‫تالله آمن أنثى بعدما حـلـفـت‬

‫صفحة ‪2374 :‬‬

‫الول اللذ مضى والخر الباقـي‬ ‫ممزوجة الود بينا واصلت صرمت‬
‫واللذ منها هذاء غـير إحـقـاق‬ ‫فالول اللذ مضى قال مودتـهـا‬
‫كالقطر مر على صخبآن بـراق‬ ‫تعطيك وعد أمانـي تـغـر بـه‬
‫وأمسكت بضعيف الحبل أحـذاق‬ ‫إني إذا خلة ضنـت بـنـائلـهـا‬
‫ألقيت للقوم يوم الروع أرواقـي وذكرها ابن أبي سعيد في الخبر إلى آخرها‬ ‫‪.‬نجوت منها نجائي في بـجـيلة إذ‬
‫وأما المفضل الضبي فذكر أن تأبط شرا وعمرو بن براق والشنفري ‪ -‬وغيره يجعل مكان الشنفري السليك بن السلكة ‪ -‬غزوا‬
‫بجيلة فلم يظفروا منهم بغرة‪ ،‬وثاروا إليهم فأسروا عمرا‪ ،‬وكتفوه‪ ،‬وأفلتهم الخران عدوا‪ ،‬فلم يقدروا عليهما‪ ،‬فلما علما أن ابن‬
‫براق قد أسر قال تأبط شرا لصاحبه‪ :‬امض فكن قريبا من عمرو‪ ،‬فإني سأتراءى لهم وأطمعهم في نفسي حتى يتباعدوا عنه‪،‬‬
‫فإذا فعلوا ذلك فحل كتافه‪ ،‬وانجوا‪ ،‬ففعل ما أمره به‪ ،‬وأقبل تأبط شرا‪ ،‬حتى تراءى لبجيلة‪ ،‬فلما رأوه طمعوا فيه‪ ،‬فطلبوه‪،‬‬
‫وجعل يطمعهم في نفسه‪ ،‬ويعدو عدوا خفيفا يقرب فيه‪ ،‬ويسألهم تخفيف الفدية وإعطاءه المان‪ ،‬حتى يستأسر لهم‪ ،‬وهم‬
‫يجيبونه إلى ذلك‪ ،‬ويطلبونه وهو يحضر إحضارا خفيفا‪ ،‬ول يتباعد‪ ،‬حتى عل تلعة أشرف منها على صاحبيه‪ ،‬فإذا هما قد نجوا‪،‬‬
‫ففطنت لهما بجيلة‪ ،‬فألحقتهما طلبا ففاتاهم‪ ،‬فقال‪ :‬يا معشر بجيلة أأعجبكم عدو ابن براق اليوم‪ ،‬والله لعدون لكم عدوا‬
‫‪:‬أنسيكم به عدوه‪ ،‬ثم عدا عدوا شديدا‪ ،‬ومضى وذلك قوله‬
‫يا عيد مالك في شوق وإبراق وأما المصعي فإنه ذكر فيما أخبرني به ابن أبي الزهر عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن عمه‪:‬‬
‫أن بجيلة أمهلتهم حتى وردوا الماء وشربوا وناموا‪ ،‬ثم شدوا عليهم‪ ،‬فأخذوا تأبط شرا‪ ،‬فقال لهم‪ :‬إن ابن براق دلني في هذا‪،‬‬
‫وإنه ل يقدر على العدو لعقر في رجليه‪ ،‬فإن تبعتموه أخذتموه‪ ،‬فكتفوا تأبط شرا‪ ،‬ومضوا في أثر ابن براق‪ ،‬فلما بعدوا عنه عدا‬
‫‪.‬في كتافه ففاتهم‪ ،‬ورجعوا‬
‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو سعيد السكري قال‪ :‬حدثنا ابن الثرم‪ ،‬عن أبيه‪ .‬وحدثنا محمد بن حبيب‪ ،‬عن أبي‬
‫عمرو‪ ،‬قال‪ :‬كان تأبط شرا يعدو على رجليه‪ ،‬وكان فاتكا شديدا‪ ،‬فبات ليلة ذات ظلمة وبرق ورعد في قاع يقال له رحى بطان‪،‬‬
‫فلقيته الغول فمازال يقاتلها ليلته إلى أن أصبح وهي تطلبه‪ ،‬قال‪ :‬والغول‪ :‬سبع من سباع الجن‪ ،‬وجعل يراوغها‪ ،‬وهي تطلبه‪،‬‬
‫‪:‬وتلتمس غرة منه‪ ،‬فل تقدر عليه‪ ،‬إلى أن أصبح‪ ،‬فقال تأبط شرا‬
‫بما لقيت عند رحى بطـان‬ ‫أل من مبلغ فـتـيان فـهـم‬
‫بسهب كالصحيفة صحصحان‬ ‫بأني قد لقيت الغول تـهـوي‬
‫أخوه سفر فخلي لي مكانـي‬ ‫فقلت لها‪ :‬كلنـا نـضـوأين‬
‫لها كفي بمصقول يمـانـي‬ ‫فشدت شدة نحوي فـأهـوى‬
‫صريعا لليدين ولـلـجـران‬ ‫فأضربها بل دهش فخـرت‬
‫مكانك إنني ثبت الـجـنـان‬ ‫فقالت عد‪ ،‬فقلت لهـا‪ :‬رويدا‬
‫لنظر مصبحا ماذا أتـانـي‬ ‫فلم أنفك متـكـئا عـلـيهـا‬
‫كرأس الهر مشقوق اللسـان‬ ‫إذا عينان فـي رأس قـبـيح‬
‫وثوب من عباء أو شـنـان يفر ويدع من معه‪ :‬قالوا‪ :‬وكان من حديثه أنه خرج غازيا‬ ‫وساقا مخدج وشواة كـلـب‬
‫يريد بجيلة هو ورجل معه‪ ،‬وهو يريد أن يغترهم‪ ،‬فيصيب حاجته‪ ،‬فأتى ناحية منهم‪ ،‬فقتل رجل‪ ،‬ثم استاق غنما كثيرة‪ ،‬فنذروا به‪،‬‬
‫فتبعه بعضهم على خيل‪ ،‬وبعضهم رجالة‪ ،‬وهم كثير‪ ،‬فلما رآهم‪ ،‬وكان من أبصر الناس عرف وجوههم‪ ،‬فقال لصاحبه‪ :‬هؤلء قوم‬
‫قد عرفتهم‪ ،‬ولن يفارقونا اليوم حتى يقاتلونا أو يظفروا بحاجتهم‪ ،‬فجعل صاحبه ينظر‪ ،‬فيقول‪ :‬ما أتبين أحدا‪ ،‬حتى إذا دهموهما‬
‫قال لصاحبه‪ :‬اشتد فإني سأمنعك مادام في يدي سهم‪ ،‬فاشتد الرجل‪ ،‬ولقيهم تأبط شرا‪ ،‬وجعل يرميهم حتى نفدت نبله‪ ،‬ثم إنه‬
‫اشتد فمر بصاحبه فلم يطق شده‪ ،‬فقتل صاحبه‪ ،‬وهو ابن عم لزوجته‪ ،‬فلما رجع تأبط شرا وليس صاحبه معه عرفوا أنه قد‬
‫‪:‬قتل‪ ،‬فقالت له امرأته‪ :‬تركت صاحبك وجئت متباطئا‪ ،‬فقال تأبط شرا في ذلك‬
‫من الله إثما مستسا وعالـنـا‬ ‫أل تلكما عرسي منيعة ضمنت‬

‫صفحة ‪2375 :‬‬

‫وجئت إلينا فارقـا مـتـبـاطـئا‬ ‫تقول‪ :‬تركت صاحبا لك ضـائعـا‬


‫أو اثنتين مثلينا فـل أبـت آمـنـا‬ ‫إذا ما تركت صاحـبـي لـثـلثة‬
‫ول المرء يدعوني ممرا مداهنـا‬ ‫وما كنت أباء على الخـل إذا دعـا‬
‫وأرضا يكون العوض فيها عجانهنا‬ ‫وكري إذا أكرهت رهطا وأهلـه‬
‫عصافير رأسي من غواة فراتنـا‬ ‫ولما سمعت العوص تدعو تنفـرت‬
‫ورائي نحل في الخلـية واكـنـا‬ ‫ولم أنتظر أن يدهموني كـأنـهـم‬
‫ولم أك بالشد الـذلـيق مـداينـا‬ ‫ول أن تصيب النافذات مقـاتـلـي‬
‫وقلت تزحزح ل تكونـن حـائنـا‬ ‫فأرسلت مثنيا عن الشـد واهـنـا‬
‫هجف رأى قصرا سمال وداجنـا‬ ‫وحثحثت مشعوف النجـاء كـأنـه‬
‫إذا استدرج الفيفا ومد المغابـنـا‬ ‫من الحص هرروف يطير عفـاؤه‬
‫هزف يبد الناجيات الصـوافـنـا‬ ‫أزج زلوج هـزرفـي زفـازف‬
‫بغبراء أو عرفاء تفري الدفـائنـا‬ ‫فزحزحت عنهم أو تجئني منـيتـي‬
‫إذا أمكنت أنيابهـا والـبـراثـنـا‬ ‫كأني أراها المـوت ل در درهـا‬
‫حتوف تنقي مخ من كان واهـنـا‬ ‫وقالت لخرى خلفها وبـنـاتـهـا‬
‫إذا نزعوا مدوا الدل والشواطـنـا وقال غيره‪ :‬بل خرج تأبط شرا هو وصاحبان‬ ‫أخاليج وراد علي ذي مـحـافـل‬
‫له‪ ،‬حتى أغاروا على العوص من بجيلة‪ ،‬فأخذوا نعما لهم‪ ،‬واتبعتهم العوص‪ ،‬فأدركوهم‪ ،‬وقد كانوا استأجروا لهم رجال كثيرة‪ ،‬فلما‬
‫رأى تأبط شرا أل طاقة لهم بهم شمر وتركهما‪ ،‬فقتل صاحباه‪ ،‬وأخذت النعم‪ ،‬وأفلت‪ ،‬حتى أتى بني القين من فهم‪ ،‬فبات عند‬
‫امرأة منهم يتحدث إليها‪ ،‬فلما أراد أن يأتي قومه دهنته ورجلته‪ ،‬فجاء إليهم وهم يبكون‪ ،‬فقالت له امرأته‪ :‬لعنك الله تركت‬
‫‪:‬صاحبيك وجئت مدهنا‪ ،‬وإنه إنما قال هذه القصيدة في هذا الشأن‪ ،‬وقال تأبط شرا يرثيهما وكان اسم أحدهما عمرا‬
‫وصاحبه أو يأمل الزاد طـارق‬ ‫?أبعد قتيل العوص آسى على فتـى‬
‫عللة يوم أن تعـوق الـعـوائق‬ ‫أأطرد فهما آخر الليل أبـتـغـي‬
‫على سرحة من سرح دومة سامق‬ ‫لعمر فتـى نـلـتـم كـأن رداءه‬
‫بأيمانهم سمر القنـا والـعـقـائق‬ ‫لطرد نهبـا أو نـرود بـفـتـية‬
‫حريق الغضا تلفى عليها الشقـائق‬ ‫مساعرة شعث كـأن عـيونـهـم‬
‫قتيل أناس أو فـتـاة تـعـانـق محاولة قتله هو وأصحابه بالسم‪ :‬قال الثرم‪:‬‬ ‫فعدوا شهور الحرم ثم تـعـرفـوا‬
‫قال أبو عمرو في هذه الرواية‪ :‬وخرج تأبط شرا يريد أن يغزو هذيل في رهط‪ ،‬فنزل على الحل بن قنصل ‪ -‬رجل من بجيلة ‪-‬‬
‫وكان بينهما حلف‪ ،‬فأنزلهم ورحب بهم‪ ،‬ثم إنه ابتغى لهم الذراريح ليسقيهم فيستريح منهم‪ ،‬ففطن له تأبط شرا‪ ،‬فقام إلى‬
‫أصحابه‪ ،‬فقال‪ :‬إني أحب أل يعلم أنا قد فطنا له‪ ،‬ولكن سابوه حتى نحلف أل نأكل من طعامه‪ ،‬ثم أغتره فأقتله لنه إن علم‬
‫حذرني ‪ -‬وقد كان مال ابن قنصل رجل منهم يقال له لكيز قتلت فهم أخاه ‪ -‬فاعتل عليه وعلى أصحابه فسبوه وحلفوا أل يذوقوا‬
‫من طعامه ول من شرابه‪ ،‬ثم خرج في وجهه‪ ،‬وأخذ في بططن واد فيه النمور‪ ،‬وهي ل يكاد يسلم منها أحد‪ ،‬والعرب تسمي‬
‫النمر ذا اللونين‪ ،‬وبعضهم يسميه السبنتي‪ ،‬فنزل في بطنه وقال لصحابه‪ :‬انطلقوا جميعا فتصيدوا‪ ،‬فهذا الوادي كثير الروى‪،‬‬
‫فخرجوا وصادوا‪ ،‬وتركوه في بطن الوادي فجاءوا فوجدوه قد قتل نمرا وحده‪ ،‬وغزا هذيل فغنم وأصاب‪ ،‬فقال تأبط شرا في‬
‫‪:‬ذلك‬
‫صنيع لكيز والحل بن قنصـل‬ ‫أقسمت ل أنسى وإن طال عيشنا‬
‫فإنك عمري قد ترى أي منزل‬ ‫نزلنا به يوما فساء صبـاحـنـا‬
‫وكيف بكاء ذي القليل المعـيل‬ ‫بكى إذ رآنا نازلـين بـبـابـه‬
‫ول عامر ول الرئيس ابن قوقل عامر بن مالك أبو براء ملعب السنة‪ ،‬وعامر بن‬ ‫فل وأبيك ما نزلنـا بـعـامـر‬
‫‪ - .‬الطفيل‪ ،‬وابن قوقل‪ :‬مالك بن ثعلبة أحد بني عوف بن الخزرج‬

‫صفحة ‪2376 :‬‬

‫بأحسن عيش والنفاثي نوفل رب مروان‪ :‬جرير بن عبد الله البجلي‪ .‬ونوفل بن‬ ‫ول بالشليل رب مروان قاعدا‬
‫‪ - .‬معاوية بن عروة بن صخر بن يعمر أحد بني الديل بن بكر‬

‫ول ابن ضبيع وسط آل المخبـل‬ ‫ول ابن وهيب كاسب الحمد والعل‬
‫ول ابن جري وسط آل المغفـل‬ ‫ول ابن حليس قاعدا في لقـاحـه‬
‫رياح بن سعد ل رياح بن معقـل‬ ‫ول ابن رياح بالـزلـيفـات داره‬
‫وأدعى إلى شحم السديف المرعبل يتخذ من العسل مزلقا على الجبل فينجو‬ ‫أولئك أعطى لـلـولئد خـلـفة‬
‫من موت محقق‪ :‬وقال أيضا في هذه الرواية‪ :‬كان تأبط شرا يشتار عسل في غار من بلد هذيل‪ ،‬يأتيه كل عام‪ ،‬وأن هذيل‬
‫ذكرته‪ ،‬فرصدوه لبان ذلك‪ ،‬حتى إذا جاء هو وأصحابه تدلى‪ ،‬فدخل الغار‪ ،‬وقد أغاروا عليهم فأنفروهم‪ ،‬فسبقوهم ووقفوا على‬
‫الغار‪ ،‬فحركوا الحبل‪ ،‬فأطلع تأبط شرا رأسه‪ ،‬فقالوا‪ :‬أصعد‪ ،‬فقال‪ :‬أل أراكم‪ ،‬قالوا‪ :‬بلى قد رأيتنا‪ .‬فقال‪ :‬فعلم أصعد‪ ،‬أعلى‬
‫الطلقة أم الفداء? قالوا‪ :‬ل شرط لك‪ ،‬قال‪ :‬فأراكم قاتلي وآكلي جناي‪ ،‬ل والله ل أفعل‪ ،‬قال‪ :‬وكان قبل ذلك نقب في الغار‬
‫نقبا أعده للهرب‪ ،‬فجعل يسيل العسل من الغار ويثريقه‪ ،‬ثم عمد إلى الزق فشده على صدره ثم لصق بالعسل فلم يبرح ينزلق‬
‫‪:‬عليه حتى خرج سليما وفاتهم‪ ،‬وبين موضعه الذي وقع فيه وبين القوم مسيرة ثلث‪ ،‬فقال تأبط شرا في ذلك‬
‫وطابي ويومي ضيق الحجر معور‬ ‫أقول للحيان وقد صفـرت لـهـم‬
‫وإما دم والقتل بـالـحـر أجـدر‬ ‫هما خطـتـا إمـا إسـار ومـنة‬
‫لمورد حزم إن ظفرت ومصـدر‬ ‫وأخرى أصادي النفس عنها وإنهـا‬
‫به جؤجؤ صلب ومتن مخـصـر‬ ‫فرشت لها صدري فزل عن الصفا‬
‫به كدحه والموت خزيان ينـظـر‬ ‫فخالط سهل الرض لم يكدح الصفا‬
‫وكم مثلها فارقتها وهي تصـفـر‬ ‫فأبت إلى فهم ومـا كـنـت آئبـا‬
‫أضاع وقاسى أمره وهو مـدبـر‬ ‫إذا المرء لم يحتل وقد جـد جـده‬
‫به المر إل وهو للحزم مبصـر‬ ‫ولكن أخو الحزم الذي ليس نـازل‬
‫إذا سد منه منخر جاش منـخـر‬ ‫فذاك قريع الدهر ما كـان حـول‬
‫بلقمان لم يقصر بي الدهر مقصر غارة ينتصر فيها على العوص‪ :‬وقال أيضا‬ ‫فإنك لو قايست باللصب حيلـتـي‬
‫في حديث تأبط شرا‪ :‬إنه خرج من عدة من فهم‪ ،‬فيهم عامر بن الخنس‪ ،‬والشنفري‪ ،‬والمسيب‪ ،‬وعمرو بن براق‪ ،‬ومرة بن‬
‫خليف‪ ،‬حتى بيتوا العوص وهم حي من بجيلة‪ ،‬فقتلوا منهم نفرا‪ ،‬وأخذوا لهم إبل‪ ،‬فساقوها حتى كانوا من بلدهم على يوم وليلة‪،‬‬
‫فاعترضت لهم خثعم وفيهم ابن حاجز‪ ،‬وهو رئيس القوم‪ ،‬وهم يومئذ نحو من أربعين رجل‪ ،‬فلما نظرت إليهم صعاليك فهم قالوا‬
‫لعامر بن الخنس‪ :‬ماذا ترى? قال‪ :‬ل أرى لكم إل صدق الضراب‪ ،‬فإن ظفرتم فذاك‪ ،‬وإن قتلتم كنتم قد أخذتم ثأركم‪ ،‬قال تأبط‬
‫شرا‪ :‬بأبي أنت وأمي‪ ،‬فنعم رئيس القوم أنت إذا جد الجد‪ ،‬وإذا كان قد أجمع رأيكم على هذا فإني أرى لكم أن تحملوا على‬
‫القوم حملة واحدة فإنكم قليل والقوم كثير‪ ،‬ومتى افترقتم كثركم القوم‪ ،‬فحملوا عليهم فقتلوا منهم في حملتهم‪ ،‬فحملوا ثانية‬
‫‪:‬فانهزمت خثعم وتفرقت‪ ،‬وأقبل ابن حاجز فأسند في الجبل فأعجز‪ ،‬فقال تأبط شرا في ذلك‬
‫سماؤهم تحت العـجـاجة بـالـدم‬ ‫جزى الله فتيانا على العوص أمطرت‬
‫بلمحـتـه إقـراب أبـلـق أدهـم‬ ‫وقد لح ضوء الفجر عرضا كأنـه‬
‫صباحا على آثار حـوم عـرمـرم‬ ‫فإن شـفـاء الـداء إدراك ذحــلة‬
‫قبائل من أبناء قـسـر وخـثـعـم‬ ‫وضاربتهم بالسفح إذ عارضـتـهـم‬
‫ذرا الصخر في جوف الوجين المديم وقال الشنفري في ذلك‬ ‫‪:‬ضرابا عدا منه ابن حاجز هـاربـا‬
‫سيغدي بنعشي مـرة فـأغـيب‬ ‫دعيني وقولي بعد ما شئت إننـي‬
‫ثمانية ما بعدهـا مـتـعـتـب‬ ‫خرجنا فلم نعهد وقلت وصاتـنـا‬
‫مصابيح أو لون من الماء مذهب‬ ‫سراحين فتيان كأن وجوهـهـم‬

‫صفحة ‪2377 :‬‬

‫ثمـائلـنـا والـزاد ظـن مـغـيب‬ ‫نمر برهو الماء صفحـا وقـد طـوت‬
‫على العوص شعشاع من القوم محرب‬ ‫ثلثا على القدام حتـى سـمـا بـنـا‬
‫وصوت فينا بالصـبـاح الـمـثـوب‬ ‫فثاروا إلينا في السواد فهـجـهـجـوا‬
‫وصمم فيهم بالحـسـام الـمـسـيب‬ ‫فشن عليهم هـزة الـسـيف ثـابـت‬
‫بهن قـلـيل سـاعة ثـم جـنـبـوا‬ ‫وظلت بفـتـيان مـعـي أتـقـيهـم‬
‫كمي صرعنـاه وحـوم مـسـلـب‬ ‫وقد خر منـهـم راجـلن وفـارس‬
‫ثمانية والـقـوم رجـل ومـقـنـب‬ ‫يشـق إلـيه كـل ربـع وقـلــعة‬
‫فقلنا‪ :‬اسألـوا عـن قـائل ليكـذب وقال تأبط شرا في ذلك‬ ‫‪:‬فلما رآنا قـومـنـا قـيل أفـلـحـوا‬
‫كتحليل الظليم حدا رئاله‬ ‫أرى قدمي وقعهما خفيف‬
‫بخثعم أو بجيلة أو ثماله ففرق تأبط شرا أصحابه‪ ،‬ولم يزالوا يقاتلونهم حتى انهزمت‬ ‫أرى بهما عذابا كـل يوم‬
‫‪.‬خثعم‪ ،‬وساق تأبط شرا وأصحابه البل حتى قدم بها عليا مكة‬
‫‪:‬عود إلى سبب تسميته‪ :‬وقال غيره‪ :‬إنما سمي تأبط شرا ببيت قاله‪ :‬وهو‬
‫يوائم غنما أو يشيف على ذحل غارته على مراد‪ :‬قال‪ :‬وخرج تأبط شرا يوما يريد‬ ‫تأبط شرا ثم راح أو اغـتـدى‬
‫‪:‬الغارة‪ ،‬فلقي سرحا لمراد فأطرده‪ ،‬ونذرت به مراد‪ ،‬فخرجوا في طلبه‪ ،‬فسبقهم إلى قومه‪ ،‬وقال في ذلك‬
‫عليه ول يهمـك يوم سـو‬ ‫إذا لقيت يوم الصدق فاربع‬
‫شجوتهم سباقا أي شـجـو‬ ‫على أني بسرح بني مـراد‬
‫بصرت به ليوم غـير زو‬ ‫وآخر مثله ل عـيب فـيه‬
‫أباريق الكرامة يوم لهـو مع غلم من خثعم‪ :‬أغار تأبط شرا وحده على خثعم‪ ،‬فبينا‬ ‫خفضت بساحة تجري علينا‬
‫هو يطوف إذ مر بغلم يتصيد الرانب‪ ،‬معه قوسه ونبله‪ ،‬فلما رآه تأبط شرا أهوى ليأخذه‪ ،‬فرماه الغلم فأصاب يده اليسرى‪،‬‬
‫‪:‬وضربه تأبط شرا فقتله‪ ،‬وقال في ذلك‬
‫تقوض عن ليلى وتبكي النوائح‬ ‫وكادت وبيت الله أطناب ثابـت‬
‫غلم نمته المحصنات الصرائح‬ ‫تمنى فتى منا يلقي ولـم يكـد‬
‫ودون الذي قد ترتجيه النواكح‬ ‫غلم نمى فوق الخماسي قدره‬
‫بأبيض قصال نمى وهو فادح‬ ‫فإن تك نالته خطاطيف كـفـه‬
‫يداوى لها في أسود القلب قادح هذه البيات أن تكون لقوم المقتول أشبه‬ ‫فقد شد في إحدى يديه كنـانـه‬
‫‪ - .‬منها بتأبط شرا‬
‫قالوا لها ل تنكحيه‪ :‬قال‪ :‬وخطب تأبط شرا امرأة من هذيل من بني سهم فقال لها قائل‪ :‬ل تنكحيه‪ ،‬فإنه لول نصل غدا يفقد‬
‫‪:‬فقال تأبط شرا‬
‫لول نـصـل أن يلقـي مـــجـــمـــعـــا‬ ‫وقـالـوا لـهـا‪ :‬ل تـنـكــحـــيه فـــإنـــه‬
‫تأيمـهـا مـن لبـــس الـــلـــيل أروعـــا‬ ‫فلـم تـر مـــن رأي فـــتـــيل وحـــاذرت‬
‫دم الـثـأر أو يلـقـى كـمـيا مـقـــنـــعـــا‬ ‫قلـيل غـرار الـنـوم أكـــبـــر هـــمـــه‬
‫وقد نـشـز الـشـر سـوف والـتـصـق الـمـعـي‬ ‫قلـــيل ادخـــار الـــزاد إل تـــعـــــلة‬
‫ومـا طـبـه فـي طـرقـه أن يشــجـــعـــا‬ ‫تنـاضـلـه كـل يشــجـــع نـــفـــســـه‬
‫ويصـبـح ل يحـمـى لـهـا الـدهـر مـرتـعــا‬ ‫يبـيت بـمـغـنـى الـوحـش حـتـى ألـفـنـــه‬
‫فلـو صـافـحـت إنـسـا لـصـافـحـنـه مـعـا‬ ‫رأين فـتــى ل صـــيد وحـــش يهـــمـــه‬
‫إذا افـتـــقـــدوه أو رأوه مـــشـــيعـــا‬ ‫ولـكـن أربـاب الـمـخـاض يشـــقـــهـــم‬
‫وإني ول علم لعلم أننيسألقى سنان الموت يرشق أضلعا‬
‫أطـال نـزال الـمـوت حـتـى تـسـعـسـعـــا تسعسع‪ :‬فني وذهب‪ .‬يقال‪ :‬قد‬ ‫على غرة أو جهرة من مكاثر‬
‫تسعسع الشهر‪ ،‬ومنه حديث عمر رضي الله عنه حين ذكر شهر رمضان فقال‪ :‬إن هذا الشهر قد تسعسع‬
‫ألذ وأكـرى أو أمـوت مـقـنـعـا‬ ‫وكنت أظن الموت في الحـي أو أرى‬
‫أسلبه أو أذعر الـسـرب أجـمـعـا‬ ‫ولست أبيت الدهر إل عـلـى فـتـى‬
‫سيلقى بهم من مصرع الموت مصرعا عود إلى فراره وترك صاحبيه‬ ‫‪:‬ومن يضـرب البـطـال لبـد أنـه‬

‫صفحة ‪2378 :‬‬

‫قال‪ :‬وخرج تأبط شرا ومعه صاحبان له‪ :‬عمرو بن كلب أخو المسيب‪ ،‬وسعد بن الشرس وهم يريدون العارة على بجيلة‬
‫فنذروا بهم‪ ،‬وهم في جبل ليس لهم طريق عليهم فأحاطوا بهم وأخذوا عليهم الطريق‪ ،‬فقاتلوهم فقتل صاحبا تأبط شرا ونجا‪،‬‬
‫ولم يكد حتى أنى قومه‪ .‬فقالت له امرأته وهي أخت عمرو بن كلب إحدى نساء كعب بن علي بن إبراهيم بن رياح‪ :‬هربت عن‬
‫‪:‬أخي وتركته وغررته‪ ،‬أما والله لو كنت كريما لما أسلمته‪ ،‬فقال تأبط شرا في ذلك‬
‫من الله خزيا مستسرا وعاهنا وذكر باقي البيات‬ ‫‪.‬أل تلكما عرشي منيعة ضمنت‬
‫وإنما دعا امرأته إلى أن عيرته أنه لما رجع بعد مقتل صاحبيه انطلق إلى امرأة كان يتحدث عندها‪ ،‬وهي من بني القين بن‬
‫‪.‬فهم‪ ،‬فبات عندها‪ ،‬فلما أصبح غدا إلى امرأته وهو مدهن مترجل‪ ،‬فلما رأته في تلك الحال علمت أين بات‪ ،‬فغارت عليه فعيرته‬
‫يغير على خثعم‪ :‬وذكروا أن تأبط شرا أغار على خثعم‪ ،‬فقال كاهن لهم‪ :‬أروني أثره حتى آخذه لكم فل يبرح حتى تأخذوه‪،‬‬
‫‪:‬فكفئوا على أثره قال‪ :‬هذا ما ل يجوز في صاحبه الخذ‪ ،‬فقال تأبط شرا‬
‫على طول التنائي والمقالة‬ ‫أل أبلغ بني فهم بن عمرو‬
‫رأى أثري وقد أنهبت ماله‬ ‫مقال الكاهن الجامي لمـا‬
‫كتحليل الظليم دعا رئالـه‬ ‫رأى قدمي وقعهما حثـيث‬
‫لخثعم أو بجيلة أو ثمـالة‬ ‫أرى بهما عذابا كـل عـام‬
‫إذا علقت حبالهم حبـالـه‬ ‫وشر كان صب على هذيل‬
‫إذا بعدوا فقد صدقت قاله فزعموا أن ناسا من الزد ربئوا لتأبط شرا ربيئة وقالوا‪:‬‬ ‫ويوم الزد منهم شـر يوم‬
‫هذا مضيق ليس له سبيل إليكم من غيره‪ ،‬فأقيموا فيه حتى يأتيكم‪ ،‬فلما دنا من القوم توجس‪ ،‬ثم انصرف‪ ،‬ثم عاد فنهضوا في‬
‫أثره حين رأوه ل يجوز‪ ،‬ومر قريبا فطمعوا فيه‪ ،‬وفيهم رجل يقال له حاجز؛ ليث من ليوثهم سريع‪ ،‬فأغروه به فلم يلحقه‪ ،‬فقال‬
‫‪:‬تأبط شرا في ذلك‬
‫وقد نبذوا خلقانهـم وتـشـنـعـوا‬ ‫تتعتعت حضني حاجز وصـحـابـه‬
‫بي السهل أو متن من الرض مهيع‬ ‫أظن وأن صادفت وعثـا وأن جـرى‬
‫ولو صدقوا قالوا لـه هـو أسـرع‬ ‫أجاري ظلل الطير لو فـات واحـد‬
‫أطاف به القناص من حيث أفزعـوا‬ ‫فلو كان من فتيان قـيس وخـنـدف‬
‫لب إلـيهـم وهـو أشـوس أروع‬ ‫وجـاب بـلدا نـصـف يوم ولـيلة‬
‫وما ارتجعوا لو كان في القوم مطمع‬ ‫فلو كان منكـم واحـد لـكـفـيتـه‬
‫‪:‬فأجــابـــه حـــاجـــز‬
‫سبقت ويوم القرن عـريان أسـنـع‬ ‫فإن تك جاريت الظلل فربما‬
‫ذبائح عنـز أو فـحـيل مـصـرع‬ ‫وخليت إخوان الصـفـاء كـأنـهـم‬
‫أرحت ولم ترفع لهم منك إصـبـع‬ ‫تبكيهم شجو الـحـمـامة بـعـدمـا‬
‫وإن تنج أخرى فهي عنـدك أربـع خير أيامه‪ :‬أخبرني عمي قال‪ :‬حدثنا عبد الله‬ ‫فهذي ثلث قد حـويت نـجـاتـهـا‬
‫بن أبي سعد قال ذكر علي بن محمد المدائني‪ ،‬عن ابن دأب قال‪ :‬سئل تأبط شرا‪ :‬أي يوم مر بك خير? قال‪ :‬خرجت حتى كنت‬
‫في بلد بجيلة‪ ،‬أضاءت لي النار رجل جالسا إلى امرأة‪ .‬فعمدت إلى سيفي فدفنته قريبا‪ ،‬ثم أقبلت حتى استأنست‪ ،‬فنبحني‬
‫الكلب‪ ،‬فقال‪ :‬ما هذا? فقلت‪ :‬بائس‪ .‬فقال‪ :‬ادنه فدنوت‪ ،‬فإذا رجل جلحاب آدم‪ ،‬وإذا أضوى الناس إلى جانبه‪ ،‬فشكوت إليه‬
‫الجوع والحاجة‪ ،‬فقال‪ :‬اكشف تلك القصعة‪ ،‬فأتيت قصعة إلى جنب إبله‪ ،‬فإذا فيها تمر ولبن‪ ،‬فأكلت منه حتى شعبت‪ ،‬ثم خررت‬
‫‪:‬متناوما‪ ،‬فوالله ما شئت أن أضطجع حتى اضطجع هو ورفع رجله على رجله‪ ،‬ثم اندفع يغني وهو يقول‬
‫ليل بخيمة بين بيش وعـثـر‬ ‫خير الليالي إن سألت بـلـيلة‬
‫شهد يشاب بمزجة من عنبـر‬ ‫لضجيع آنسة كأن حـديثـهـا‬
‫بيضاء واضحة كظيظ المئزر‬ ‫وضجيع لهية ألعب مثلهـا‬
‫بعد الرقاد وقبل أن لم تسحري‬ ‫ولنت مثلهما وخير منهـمـا‬

‫صفحة ‪2379 :‬‬

‫قال‪ :‬ثم انحرف فنام‪ ،‬ومالت فنامت‪ :‬فقلت‪ :‬ما رأيت كالليلة في الغرة‪ ،‬فإذا عشر عشراوات بين أثلث فيها عبد واحد وأمة‪،‬‬
‫فوثبت فانتضيت سيفي‪ ،‬وانتحيت للعبد فقتلته وهو نائم‪ ،‬ثم انحرفت إلى الرجل فوضعت سيفي على كبده حتى أخرجته من‬
‫صلبه‪ ،‬ثم ضربت فخذ المرأة فجلست‪ ،‬فلما رأته مقتول جزعت‪ ،‬فقلت‪ :‬ل تخافي‪ ،‬أنا خير لك منه‪ .‬قال‪ :‬وقمت إلى جل متاعها‬
‫فرحلته على بعض البل أنا والمة فما حللت عقده حتى نزلت بصعدة بني عوف بن فهر‪ .‬وأعرست بالمرأة هناك وحين‬
‫‪:‬اضطجعت فتحت عقيرتي وغنيت‬
‫بين الزار وكشحها ثم الصق‬ ‫بحليةل البجلي بت من ليلهـا‬
‫طي الحمالة أو كطي المنطق‬ ‫بأنيسة طويت على مطـويهـا‬
‫لبدت بريق ديمة لم تـغـدق‬ ‫فإذا تقوم فصعدة فـي رمـلة‬
‫كاليم أصعد في كثيب يرتقي‬ ‫وإذا تجيء تجيء شحب خلفها‬
‫أن ل وفاء لعاجز ل يتعقـي قال‪ :‬فهذا خير يوم لقيته‬ ‫‪.‬كذب الكواهن والسواحر والهنا‬
‫شر أيامه‪ :‬وشر يوم لقيت أني خرجت‪ ،‬حتى إذا كنت في بلد ثمالة أطوف‪ ،‬حتى إذا كنت من القفير عشيا إذا أنا بسبع خلفات‬
‫فيهن عبد‪ ،‬فأقبلت نحوه‪ ،‬وكأني ل أريده وحذرني فجعل يلوذ بناقة فيها حمراء‪ ،‬فقلت في نفسي‪ :‬والله إنه ليثق بها‪ .‬فأفوق له‪،‬‬
‫ووضع رجله في أرجلها وجعل يدور معها‪ ،‬فإذا هو على عجزها‪ .‬وأرميه حين أشرف فوضعت سهمي في قلبه فخر‪ ،‬وندت الناقة‬
‫شيئا وأتبعتها فرجعت فسقتهن شيئا ثم قلت‪ :‬والله لو ركبت الناقة وطردتهن‪ ،‬وأخذت بعثنون الحمراء فوثبت‪ ،‬فساعة استويت‬
‫عليها كرت نحو الحي تريع وتبعتها الخلفات‪ ،‬وجعلت أسكنها وذهبت‪ ،‬فلما خشيت أن تطرحني في أيدي القوم رميت بنفسي‬
‫عنها‪ ،‬فانكسرت رجلي‪ ،‬وانطلقت والذود معها‪ .‬فخرجت أعرج‪ ،‬حتى انخنست في طرف كثيب وجازني الطلب‪ ،‬ونويرة صغيرة‪،‬‬
‫فهويت للصغرى‪ ،‬وأنا أجمر‪ ،‬فلما نبحني الكلب نادى رجل فقال‪ :‬من هذا? فقلت‪ :‬بائس‪ ،‬فقال‪ :‬ادنه‪ ،‬فدنوت وجلست وجعل‬
‫يسائلني‪ ،‬إلى أن قال‪ :‬والله إني لجد منك ريح دم‪ .‬فقلت‪ :‬ل والله‪ ،‬ما بي دم‪ .‬فوثب إلي فنفضني‪ ،‬ثم نظر في جعبتي فإذا‬
‫السهم‪ ،‬فقلت‪ :‬رميت العشية أرنبا فقال كذبت‪ ،‬هذا ريح دم إنسان‪ ،‬ثم وثب إلي ول أدفع الشر عن نفسي فأوثقني كتافا‪ ،‬ثم‬
‫علق جعبتي وقوسي‪ ،‬وطرحني في كسر البيت ونام‪ ،‬فلما أسحرت حركت رجلي‪ ،‬فإذا هي صالحة وانفتل الرباط فحللته‪ ،‬ثم‬
‫وثبت إلى قوسي وجعبتي فأخذتهما ثم هممت بقتله فقلت‪ :‬أنا ضمن الرجل‪ ،‬وأنا أخشى أن أطلب فأدرك ولم أقتل أحدا أحب‬
‫إلي‪ ،‬فوليت ومضيت‪ .‬فوالله إني لفي الصحراء أحدث نفسي إذا أنا به على ناقة يتبعني‪ ،‬فلما رأيته قد دنا مني جلست على‬
‫قوسي وجعبتي وأمنته‪ ،‬وأقبل فأناخ راحلته ثم عقلها‪ ،‬ثم أقبل إلي‪ ،‬وعهده بي عهده‪ ،‬فقلت له‪ :‬ويلك‪ ،‬ما تريد مني? فأقبل‬
‫يشتمني‪ ،‬حتى إذا أمكنني‪ ،‬وثبت عليه فما ألبثته أن ضربت به الرض‪ ،‬وبركت عليه أربطه‪ ،‬فجعل يصيح‪ :‬يا لثمالة‪ ،‬لم أر كاليوم‪.‬‬
‫‪:‬فجنبته إلى ناقته وركبتها‪ ،‬فما نزعت حتى أحللته في الحي‪ ،‬وقلت‬
‫عشـــية أن رابـــت عـــلـــي روائبــــي‬ ‫أغـرك مـنـي يا بـن فـعــلة عـــلـــتـــي‬
‫وألمـهـا إذا قــدتـــهـــا غـــير عـــازب‬ ‫ومـوقـد نـــيران ثـــلث فـــشـــرهـــا‬
‫سلبت سلحي بائسا وشتمتني فيا خير مسلوب ويا شر سالب‬
‫نيوب أســـاويد وشـــول عـــقـــــــارب‬ ‫فإن أك لم أخضبك فيها فإنها‬
‫وكـادت تـكـون شـــر بـــكـــبة راكـــب مخاتلة يظفر فيها‬ ‫‪:‬ويا ركـبة الـــحـــمـــراء شـــرة ركـــبة‬

‫صفحة ‪2380 :‬‬

‫قال‪ :‬وخرج تأبط غازيا يريد الغارة على الزد في بعض ما كان يغير عليهم وحده‪ ،‬فنذرت به الزد‪ ،‬فأهملوا له إبل‪ ،‬وأمروا ثلثة‬
‫من ذوي بأسهم‪ :‬حاجز بن أبي‪ ،‬وسواد بن عمرو بن مالك‪ ،‬وعوف بن عبد الله‪ ،‬أن يتبعوه حتى ينام فيأخذوه أخذا‪ ،‬فكمنوا له‬
‫مكمنا‪ ،‬وأقبل تأبط شرا فبصر بالبل‪ ،‬فطردها بعض يومه‪ .‬ثم تركها ونهض في شعب لينظر‪ :‬هل يطلبه أحد? فكمن القوم حين‬
‫رأوه ولم يرهم‪ ،‬فلما لم ير أحدا في أثره عاود البل فشلها يومه وليلته والغد حتى أمسى‪ ،‬ثم عقلها‪ ،‬وصنع طعاما فأكله‪،‬‬
‫والقوم ينظرون إليه في ظله‪ ،‬ثم هيأ مضطجعا على النار‪ ،‬ثم أخمدها وزحف على بطنه ومعه قوسه‪ ،‬حتى دخل بين البل‪،‬‬
‫وخشي أن يكون رآه أحد وهو ل يعلم‪ ،‬ويأبى إل الحذر والخذ بالحزم‪ ،‬فمكث ساعة وقد هيأ سهما على كبد قوسه‪ ،‬فلما أحسو‬
‫نومه أقبلوا ثلثتهم يؤمون المهاد الذي رأوه هيأه‪ ،‬فإذا هو يرمي أحدهم فيقتله‪ ،‬وجال الخران‪ ،‬ورمى آخر فقتله‪ ،‬وأفلت حاجز‬
‫‪:‬هاربا‪ ،‬وأخذ سلب الرجلين‪ ،‬وأطلق عقل البل وشلها حتى جاء بها قومه‪ ،‬وقال تأبط في ذلك‬
‫أسيرا ولم يدرين كيف حويلـي‬ ‫ترجي نساء الزد طلعة ثـابـت‬
‫طريد ومسفوح الدماء قـتـيل‬ ‫فإن الللى أوصيتم بـين هـارب‬
‫وراب عليهم مضجعي ومقيلـي‬ ‫وخدت بهم حتى إذا طال وخدهم‬
‫إلى المهد خاتلت الضيا بختـيل‬ ‫مهدت لهم حتى إذا طاب روعهم‬
‫سباع أصابت هجمة بـسـلـيل‬ ‫فلما أحسوا النوم جاءوا كأنـهـم‬
‫بأسمر جسر القدتـين طـمـيل‬ ‫فقلدت سوار بن عمرو بن مالك‬
‫عليه بـريان الـقـواء أسـيل‬ ‫فخر كأن الفيل ألقـى جـرانـه‬
‫يخر ولونهنهت غـير قـلـيل‬ ‫وظل رعاع المتن من وقع حاجز‬
‫لجئت وما مالكت طول ذميلـي‬ ‫لبت كما آبا ولو كنـت قـارنـا‬
‫وأنك لم ترجع بعوص قـتـيل‬ ‫فسرك ندمانك لمـا تـتـابـعـا‬
‫وفي الزد نوح ويلة بـعـويل فقال حاجز بن أبي الزدي يجيبه‬ ‫‪:‬ستأتي إلى فهم غنـيمة خـسـلة‬
‫‪.‬سألت فلم تكلمني الرسوم وهي في أشعار الزد‬
‫‪:‬فأجابه تأبط شرا‬
‫بظهر الليل شد به العكـوم‬ ‫لقد قال الخلي وقال خلـسـا‬
‫مراعاة النجوم ومـن يهـيم‬ ‫لطيف من سعاد عناك منهـا‬
‫من النسوان منطقها رخـيم‬ ‫وتلك لئن عنيت بـهـا رداح‬
‫وريداء الشباب ونعـم خـيم‬ ‫نياق القرط غراء الـثـنـايا‬
‫وصاحبه فأنت بـه زعـيم‬ ‫ولكن فات صاحب بطن وهو‬
‫أبيت وليل واترهـا نـؤوم‬ ‫أؤاخذ خطة فـيهـا سـواء‬
‫فظل لها بنـا يوم غـشـوم‬ ‫ثأرت به وما اقترفـت يداه‬
‫وأنف الموت منخره رمـيم‬ ‫تحز رقابهم حتى نـزعـنـا‬
‫فلحم المعتفي لحـم كـريم‬ ‫وإن تقع النسور علي يومـا‬
‫فليس له لذي رحـم حـريم‬ ‫وذي رحم أحال الدهر عنـه‬
‫فألقاه المصاحب والحمـيم‬ ‫أصاب الدهر آمن مروتـيه‬
‫لها وفر وكـافـية رحـوم‬ ‫مددت له يمينا من جناحـي‬
‫إذا قعدت به اللؤمـا ألـوم موت أخيه عمرو‪ :‬ذكروا أنه لما انصرف الناس عن‬ ‫أواسيه عـلـى اليام إنـي‬
‫المستغل؛ وهي سوق كانت العرب تجتمع بها‪ ،‬قال عمرو بن جابر بن سفيان أخو تأبط شرا لمن حضر من قومه‪ :‬ل واللت‬
‫والعزى ل أرجع حتى أغير على بني عتير من هذيل‪ ،‬ومعه رجلن من قومه هو ثالثهما‪ ،‬فأطردوا إبل لنبي عتير فأتبعهم أرباب‬
‫البل‪ ،‬فقال عمرو‪ :‬أنا كار على القوم ومنهنهم عنكما‪ ،‬فامضيا بالبل‪ .‬فكر عليهم فنهنهم طويل‪ ،‬فجرح في القوم رئيسا‪ ،‬ورماه‬
‫رجل من بني عتير بسهم فقتله‪ ،‬فقالت بنو عتير‪ :‬هذا عمرو بن جابر‪ ،‬ما تصنعون أن تلحقوا بأصحابه? أبعدها الله من إبل‪ ،‬فإنا‬
‫نخشى أن نلحقهم فيقتل القوم منا‪ ،‬فيكونوا قد أخذوا الثأر‪ ،‬فرجعوا ولم يجاوزوه‪ .‬وكانوا يظنون أن معه أناسا كثيرا‪ ،‬فقال تأبط‬
‫‪:‬لما بلغه قتل أخيه‬
‫بشور أو بمزج أو لصاب‬ ‫وحرمت النساء وإن أحلت‬
‫وكاهلها بجمع ذي ضباب‬ ‫حياتي أو أزور بني عتير‬

‫صفحة ‪2381 :‬‬

‫وسيار يسوغ لها شرابي‬ ‫إذا وقعت لكعب أو خثـيم‬


‫أطالع طلعة أهل الكراب‬ ‫أظني ميتا كمـدا ولـمـا‬
‫أؤم سواد طود ذي نقاب فأجابه أنس بن حذيفة الهذلي‬ ‫‪:‬ودمت مسيرا أهدي رعيل‬
‫تساق لفتية منـا غـضـاب‬ ‫لعلك أن تجيء بك المـنـايا‬
‫وتنزل طرقة الضبع السغاب‬ ‫فتنزل في مكرهم صـريعـا‬
‫لعلك أن تكون من المصاب أخوه السمع يثأر لخيه عمرو‪ :‬ثم أن السمع بن جابر‬ ‫تأبط سوأة وحمـلـت شـرا‬
‫أخا تأبط شرا خرج في صعاليك من قومه يريد الغارة على بني عتير ليثأر بأخيه عمرو بن جابر‪ ،‬حتى إذا كان ببلد هذيل لقي‬
‫راعيا لهم‪ ،‬فسأله عنهم‪ ،‬فأخبره بأهل بيت من عتير كثير مالهم‪ ،‬فبيتهم‪ ،‬فلم يفلت منهم مخبر‪ ،‬واستاقوا أموالهم‪ ،‬فقال في‬
‫‪:‬ذلك السمع بن جابر‬
‫إذا ظعنت عشيرتهم أقاموا‬ ‫بأعلى ذي جماجم أهل دار‬
‫مساعير إذا حمي المقـام‬ ‫طرقتهم بفـتـيان كـرام‬
‫وعدوان الحماة لهم نظـام إصابته في غارة على الزد‪ :‬ذكروا أن تأبط شرا خرج‬ ‫متى ما أدع من فهم تجبني‬
‫ومعه مرة بن خليف يريدان الغارة على الزد‪ ،‬وقد جعل الهداية بينهما‪ ،‬فلما كانت هداية مرة نعس‪ ،‬فجار عن الطريق‪ ،‬ومضيا‬
‫حتى وقعا بين جبال ليس فيها جبل متقارب‪ ،‬وإذا فيها مياه يصيح الطير عليها؛ وإذا البيض والفراخ بظهور الكم‪ ،‬فقال تأبط‬
‫شرا‪ :‬هلكنا واللت يا مرة‪ ،‬ما وطئ هذا المكان إنس قبلنا‪ ،‬ولو وطئته إنس ما باضت الطير بالرض‪ ،‬فاختر أية هاتيت القنتين‬
‫شئت‪ ،‬وهما أطول شيء يريان من الجبال‪ ،‬فأصعد إحداهما وتصعد أنت الخرى‪ ،‬فإن رأيت الحياة فألح بالثوب‪ ،‬وإن رأيت‬
‫والموت فألح بالسيف‪ ،‬فإني فاعل مثل ذلك‪ ،‬فأقاما يومين‪ .‬ثم إن تأبط شرا ألح بالثوب‪ ،‬وانحدرا حتى التقيا في سفح الجبل‪،‬‬
‫فقال مرة‪ :‬ما رأيت يا ثابت? قال‪ :‬دخانا أو جرادا‪ .‬قال مرة‪ :‬إنك إن جزعت منه هلكنا‪ ،‬فقال تأبط شرا‪ :‬أما أنا فإني سأخرم بك‬
‫من حيث تهتدي الريح‪ ،‬فمكثا بذلك يومين وليلتين‪ ،‬ثم تبعا الصوت‪ ،‬فقال تأبط شرا‪ :‬النعم والناس‪ .‬أما والله لئن عرفنا لنقتلن‪،‬‬
‫ولئن أغرنا لندركن‪ ،‬فأت الحي من طرف وأنا من الخر‪ ،‬ثم كن ضيفا ثلثا‪ ،‬فإن لم يرجع إليك قلبك فل رجع‪ ،‬ثم أغر على ما‬
‫قبلك إذا تدلت الشمس فكانت قدر قامة‪ ،‬وموعدك الطريق‪ .‬ففعل‪ ،‬حتى إذا كان اليوم الثالث أغار كل واحد منهما على ما يليه‪،‬‬
‫فاستاقا النعم والغنم‪ ،‬وطردا يوما وليلة طردا عنيفا حتى أمسيا الليلة الثانية دخل شعبا‪ ،‬فنحرا قلوصا‪ ،‬فبينا هما يشويان إذا‬
‫سمعا حسا على باب الشعب‪ ،‬فقال تأبط‪ :‬الطلب يا مرة‪ ،‬إن ثبت فلم يدخل فهم مجيزون‪ ،‬وإن دخل فهو الطلب‪ ،‬فلم يلبث أن‬
‫سمع الحس يدخل‪ ،‬فقال مرة‪ :‬هلكنا‪ ،‬ووضع تأبط شرا يده على عضد مرة‪ ،‬فإذا هي ترعد‪ ،‬فقال‪ :‬ما أرعدت عضدك إل من قبل‬
‫أمك الوابشية من هذيل‪ ،‬خذ بظهري‪ ،‬فإن نجوت نجوت‪ ،‬وإن قتلت وقيتك‪ .‬فلما دنا القوم أخذ مرة بظهر تأبط‪ ،‬وحمل تأبط‬
‫فقتل رجل‪ ،‬ورموه بسهم فأعلقوه فيه؛ وأفلتا جميعا بأنفسهما‪ ،‬فلما أمنا وكان من آخر الليل‪ ،‬قال مرة‪ :‬ما رأيت كاليوم غنيمة‬
‫أخذت على حين أشرفنا على أهلنا‪ ،‬وعض مرة عضده‪ ،‬وكان الحي الذين أغاروا عليهم بجيلة‪ ،‬وأتى تأبط امرأته‪ ،‬فلما رأيت‬
‫‪:‬جراحته ولولت‪ ،‬فقال تأبط في ذلك‬
‫ومن خلفه هضب صغار وجامـل‬ ‫وبالشعب إذ سدت بجـيلة فـجـه‬
‫وقد نصب دون النجاء الحـبـائل‬ ‫شددت لنفس المرء مرة حـزمـه‬
‫سأفديك وانظر بعد ما أنت فاعـل‬ ‫وقلت له‪ :‬كن خلف ظهري فإننـي‬
‫وخلوا عن الشيء الذي لم يحاولوا‬ ‫فعاذ بحد السيف صاحب أمـرهـم‬
‫على الليل لم تؤخذ عليه المخاتـل‬ ‫وأخطأهم قتلي ورفعت صاحـبـي‬
‫حوته إلـيه كـفـه والنـامـل‬ ‫واخطأ غنم الحي مـرة بـعـدمـا‬
‫ودون المل سهل من الرض مائل‬ ‫بعض على أطرافه كـيف زولـه‬
‫لها ثمنا من نـفـسـه مـا يزاول‬ ‫فقلت له‪ :‬هذي بتـلـك وقـد يرى‬
‫إليها وقد منت علي الـمـقـاتـل‬ ‫تولول سعدى أن أتيت مـجـرحـا‬

‫صفحة ‪2382 :‬‬

‫ومن غانم فأين منك الولول يثبث مع قلة من أصحابه فيظفرون‪ :‬فلما انقضت‬ ‫وكائن أتاها هاربا قبل هـذه‬
‫الشهر الحرم خرج تأبط والمسيت بن كلب في ستة نفر يريدون الغارة على بجيلة‪ ،‬والخذ بثأر صاحبيهم عمرو بن كلب وسعد‬
‫بن الشرس‪ .‬فخرج تأبط والمسيب بن كلب وعامر بن الخنس وعمرو بن براق ومرة بن خليف والشنفري بن مالك‪ ،‬والسمع‬
‫وكعب حدا رابنا جابر أخوا تأبط‪ .‬فمضوا حتى أغاروا على العوص‪ ،‬فقتلوا منهم ثلثة نفر‪ :‬فارسين وراجل‪ ،‬وأطردوا لهم إبل‪،‬‬
‫وأخذوا منهم امرأتين‪ ،‬فمضوا بما غنموا‪ ،‬حتى إذا كانوا على يوم وليلة من قومهم عرضت لهم خثعم في نحو من أربعين رجل‪،‬‬
‫فيهم أبي بن جابر الخثعمي‪ ،‬وهو رئيس القوم‪ ،‬فقال تأبط‪ :‬يا قوم‪ ،‬ل تسلموا لهم ما في أيديكم حتى تبلوا عذرا‪ ،‬وقال عامر بن‬
‫الخنس‪ :‬عليكم بصدق الضراب وقد أدركتم بثأركم‪ ،‬وقال المسيب‪ :‬اصدقوا القوم الحملة‪ ،‬وإياكم والفشل‪ ،‬وقال عمرو بن‬
‫‪:‬براق‪ :‬ابذلوا مهجكم ساعة‪ ،‬فإن النصر عند الصبر‪ .‬وقال الشنفري‬
‫إذا لقينا ل نرى نـهـلـل وقال مرة بن خليف‬ ‫‪:‬نحن الصعاليك الحماة البزل‬
‫ويا بن براق الكـريم الشـوس‬ ‫يا ثابت الخير ويا بـن الخـنـس‬
‫أنا ابن حامي السرب في المغمس‬ ‫والشنفري عند حـيود النـفـس‬
‫‪:‬نحن مساعير الحروب الضرس وقال كعب حدار أخو تأبط‬
‫ول تخيموا جزعا فتدبروا وقال السمع أخو تأبط‬ ‫‪:‬يا قوم أما إذ لقيتم فاصبروا‬
‫ل تسلموا العون ول البكارا‬ ‫يا قوم كونوا عندها أحرارا‬
‫لخثعم وقد دعـوا غـرارا‬ ‫ول القناعيس ول العشـارا‬
‫وافتخروا الدهر بها افتخارا فلما سمع تأبط مقالتهم قال‪ :‬بأبي أنتم وأمي‪ ،‬نعم‬ ‫ساقوهم الموت معا أحرارا‬
‫الحماة إذا جد الجد‪ ،‬أما إذا أجمع رأييكم على قتال القوم فاحملوا ول تتفرقوا‪ ،‬فإن القوم أكثر منكم‪ ،‬فحملوا عليهم فقتلوا‬
‫منهم‪ ،‬ثم كروا الثانية فقتلوا‪ ،‬ثم كروا الثالثة فقتلوا فانهزمت خثعم وتفرقت في رؤوس الجبال‪ ،‬ومضى تأبط وأصحابه بما غنموا‬
‫‪:‬وأسلب من قتلوا‪ ،‬فقال تأبط من ذلك‬
‫سيوفهم تحت العـجـاجة بـالـدم البيات‬ ‫‪...‬جزى الله فتيانا على العوص أشرقت‬
‫‪:‬وقال الشنفري في ذلك‬
‫سيفدي بنفسي مرة فـأغـيب البيات‬ ‫‪...‬دعيني وقولي بعد ما شئت إنني‬
‫‪:‬وقال الشنفري أيضا‬
‫مهامه بيد تعتلي بالصعالـيك‬ ‫أل هل أتى عنا سعاد ودونهـا‬
‫حمام المنايا بالسيوف البواتـك‬ ‫بأنا صبحنا القوم في حر دارهم‬
‫يزيد وسعدا‪ ،‬وابن عوف بمالك‬ ‫قتلنا بعمرو منهم خير فـارس‬
‫ونرشقهم بالنبل بين الدكـادك ينهزم أمام النساء‬ ‫‪:‬ظللنا نفري بالسيوف رؤوسهم‬

‫صفحة ‪2383 :‬‬

‫قال‪ :‬وخرج تأبط في سرية من قومه‪ ،‬فيهم عمرو بن براق‪ ،‬ومرة بن خليف‪ ،‬والمسيب بن كلب‪ ،‬وعامر بن الخنس‪ ،‬وهو‬
‫رأس القوم‪ ،‬وكعب حدار‪ ،‬وريش كعب‪ ،‬والسمع وشريس بنو جابر إخوة تأبط شرا‪ ،‬وسعد ومالك ابنا القرع‪ ،‬حتى مروا ببني‬
‫نفاثة بن الديل وهم يريدون الغارة عليهم‪ ،‬فباتوا في جبل مطل عليهم‪ ،‬فلما كان في وجه السحر أخذ عامر بن الخنس قوسه‪،‬‬
‫فوجد وترها مسترخيا‪ ،‬فجعل يوترها ويقول له تأبط‪ :‬بعض حطيط وترك يا عامر‪ ،‬وسمعه شيخ من بني نفاثة‪ ،‬فقال لبنات له‪:‬‬
‫أنصتن فهذه والله غارة لبني ليث ‪ -‬وكان الذي بينهم يومئذ متفاقما في قتل حميصة بن قيس أخي بلعاء‪ ،‬وكانوا أصابوه خطأ ‪-‬‬
‫وكانت بنو نفاثة في غموة والحي خلوف وليس عندهم غير أشياخ وغلمان ل طباخ بهم‪ ،‬فقالت امراة منهم‪ :‬اجهروا الكلم‪،‬‬
‫والبسوا السلح‪ ،‬فإن لنا عدة فواللت ما هم إل تأبط وأصحابه‪ .‬فبرزن مع نوفق وأصحابه‪ ،‬فلما بصر بهم قال‪ :‬انصرفوا فإن‬
‫القوم قد نذروا بكم‪ ،‬فأبوا عليه إل الغارة فسل تأبط سيفه وقال‪ :‬لئن أغرتم عليهم لتكئن على سيفي حتى أنفذه من ظهري‪،‬‬
‫فانصرفوا ول يحسبون إل أن النساء رجال‪ ،‬حتى مروا بإبل البلعاء بن قيس بقرب المنازل فأطردوها‪ ،‬فلحقهم غلم من بني‬
‫جندع بن ليث? فقال‪ :‬يا عامر بن الخنس‪ ،‬أتهاب نساء بني نفاثة وتغير على رجال بني ليث? هذه والله إبل لبلعاء بن قيس‪.‬‬
‫فقال له عامر‪ :‬أو كان رجالهم خلوفا? قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬أقرئ بلعاء مني السلم‪ ،‬وأخبره بردي إبله‪ ،‬وأعلمه أني قد حبست منها‬
‫بكرا لصحابي‪ ،‬فإنا قد أرملنا‪ ،‬فقال الغلم‪ :‬لئن حبست منها هلبة لعلمنه‪ ،‬ول أطرد منها بعيرا أبدا‪ .‬فحمل عليه تأبط فقتله‪،‬‬
‫‪:‬ومضوا بالبل إلى قومهم؛ فقال في ذلك تأبط‬
‫تقول‪ :‬أراك اليوم أشـعـث أغـبـرا‬ ‫أل عجب الفـتـيان مـن أم مـالـك‬
‫رأيتك بـراق الـمـفـارق أيسـرا‬ ‫تبوعـا لثـار الـسـرية بـعـدمـا‬
‫أهز به غصنا من البـان أخـضـرا‬ ‫فقـلـت لـهـا‪ :‬يومـان يوم إقـامة‬
‫له نسوة لم تلـق مـثـلـي أنـكـرا‬ ‫ويوم أهز السـيف فـي جـيد أغـيد‬
‫لقد كنت أبـاء الـظـلمة قـسـورا‬ ‫يخفن علـيه وهـو ينـزع نـفـسـه‬
‫عذارى عقيل أو بـكـارة حـمـيرا‬ ‫وقد صحت في آثار حـوم كـأنـهـا‬
‫وآسى علـى شـيء إذا هـو أدبـرا‬ ‫أبـعـد الـنـفـاثـيين آمـل طـرقة‬
‫من الذل يعرا بـالـتـلعة أعـفـرا‬ ‫أكفكف عنهم صحبـتـي وإخـالـهـم‬
‫بمهمهة من بطن ظرء فـعـرعـرا‬ ‫فلو نالت الكفان أصـحـاب نـوفـل‬
‫بعرضي وكان العرض عرضي أوفرا‬ ‫ولما أبى الـلـيثـي إل تـهـكـمـا‬
‫سأذهب حتى لـم أجـد مـتـأخـرا‬ ‫فقلت له‪ :‬حـق الـثـنـاء فـإنـنـي‬
‫يقـول فـل يألـوك أن تـتـشـورا‬ ‫ولما رأيت الـجـهـل زاد لـجـاجة‬
‫تشرب من نضح الخادع عصـفـرا‬ ‫دنوت له حـتـى كـأن قـمـيصـه‬
‫تركنا أخاهـم يوم قـرن مـعـفـرا قال‪ :‬غزا تأبط بني نفاثة بن الديل بن بكر بن‬ ‫فمن مبلغ ليث بـن بـكـر بـأنـنـا‬
‫عبد مناة بن كنانة وهم خلوف‪ ،‬ليس في دارهم رجل‪ ،‬وكان الخبر قد أتى تأبط‪ ،‬فأشرف فوق جبل ينظر إلى الحي وهم أسفل‬
‫منه‪ ،‬فرأته امرأة فطرح نفسه‪ ،‬فعلمت المرأة أنه تأبط‪ ،‬وكانت عاقلة‪ ،‬فأمرت النساء فلبسن لبسة الرجال‪ ،‬ثم خرجن كأنهن‬
‫يطلبن الضالة‪ ،‬وكان أصحابه يتفلتون ويقولون‪ :‬أغز‪ ،‬وإنما كان في سرية من بين الستة إلى السبعة‪ ،‬فأبى أن يدعهم‪ ،‬وخرج‬
‫يريد هذيل‪ ،‬وانصرف عن النفاثيين‪ ،‬فبينا هو يتردد في تلك الجبال إذ لقي حليفا له من هذيل‪ ،‬فقال له‪ :‬العجب لك يا تأبط‪ ،‬قال‪:‬‬
‫‪.‬وما هو? قال‪ :‬إن رجال بني نفاثة كانوا خلوفا فمكرت بك امرأة‪ ،‬وأنهم قد رجعوا‬
‫‪:‬ففي ذلك يقول‬
‫تقول‪ :‬لقد أصبحت اشعث أغبرا وذكر باقي البيات المتقدمة‬ ‫‪.‬أل عجب الفتيان من أم مـالـك‬

‫صفحة ‪2384 :‬‬

‫وقال غيره‪ :‬ل بل قال هذه القصيدة في عامر بن الخنس الفهمي‪ ،‬وكان من حديث عامر بن الخنس أنه غزا في نفر‪ ،‬بضعة‬
‫وعشرين رجل‪ ،‬فيهم عامر بن الخنس‪ ،‬وكان سيدا فيهم‪ ،‬وكان إذا خرج في غزو رأسهم‪ ،‬وكان يقال له سيد الصعاليك‪ ،‬فخرج‬
‫بهم حتى باتوا على بني نفاثة بن عدي بن الديل ممسين‪ ،‬ينتظرون أن ينام الحي‪ ،‬حتى إذا كان في سواد الليل مر بهم راع من‬
‫الحي قد أغدر‪ ،‬فمعه غديرته يسوقها فبصر بهم وبمكانهم‪ ،‬فخلى الغديرة وتبع الضراء ضراء الوادي‪ ،‬حتى جاء الحي فأخبرهم‬
‫بمكان القوم وحيث رآهم‪ ،‬فقاموا فاختاروا‪ :‬فتيان الحي فسلحوهم‪ ،‬وأقبلوا نحوهم‪ ،‬حتى إذا دنوا منهم قال رجل من النفاثيين‪:‬‬
‫والله ما قوسي بموترة‪ .‬فقالوا‪ :‬فأوتر قوسك‪ ،‬فوضع قوسه فأوترها‪ ،‬فقال تأبط لصحابه‪ :‬اسكتوا‪ ،‬واستمع فقال‪ :‬أتيتم والله‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬وما ذلك? قال‪ :‬أنا والله أسمع حطيط وتر قوس‪ .‬قالوا‪ :‬والله ما نسمع شيئا‪ ،‬قال‪ :‬بلى والله إني لسمعه‪ ،‬يا قوم النجاء‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬ل والله ما سمعت شيئا‪ ،‬فوثب فانطلق وتركهم‪ ،‬ووثب معه نفر‪ ،‬وبيتهم بنو نفاثة فلم يفلت منهم إنسان‪ ،‬وخرج هو‬
‫‪.‬وأصحابه الذين انطلقوا معه‪ ،‬وقتل تلك الليلة عامر بن الخنس‬
‫‪.‬قال ابن عمير‪ :‬وسألت أهل الحجاز عن عامر بن الخنس‪ ،‬فزعموا أنه مات على فراشه‬
‫‪:‬فلما رجع تأبط قالت له امرأته‪ :‬تركت أصحابك‪ ،‬فقال حينئذ‬
‫تقول‪ :‬لقد أصبحت أشعث أغبرا مصرعه على يد غلم دون المحتلم‪ :‬فلما رجع‬ ‫أل عجب الفتيان من أم مـالـك‬
‫تأبط وبلغه ما لقي أصحابه قال‪ :‬والله ما يمس رأسي غسل ول دهن حتى أثأر بهم‪ .‬فخرج في نفر من قومه‪ ،‬حتى عرض لهم‬
‫بيتع من هذيل بين صوى جبل‪ ،‬فقال‪ :‬اغنموا هذا البيت أول‪ ،‬قالوا‪ :‬ل والله‪ ،‬ما لنا فيه أرب‪ ،‬ولئن كانت فيه غنيمة ما نستطيع أن‬
‫نسوقها‪ .‬فقال‪ :‬إني أتفاءل أن أنزل‪ ،‬ووقف‪ ،‬وأتت به ضبع من يساره‪ ،‬فكرهها‪ ،‬وعاف على غير الذي رأى‪ ،‬فقال‪ :‬أبشري‬
‫أشبعك من القوم غدا‪ .‬فقال له أصحابه‪ :‬ويحك‪ ،‬انطلق‪ ،‬فوالله ما نرى أن نقيم عليها‪ .‬قال‪ :‬ل والله ل أريم حتى أصبح‪ .‬وأتت به‬
‫ضبع عن يساره فقال‪ :‬أشبعك من القوم غدا‪ .‬فقال أحد القوم‪ :‬والله إني أرى هاتين غدا بك‪ ،‬فقال‪ :‬ل والله ل أريم حتى أصبح‪.‬‬
‫فبات‪ ،‬حتى إذا كان في وجه الصبح‪ ،‬وقد رأى أهل البيت وعدهم على النار‪ ،‬وأبصر سواد غلم من القوم دون المحتلم‪ ،‬وغدوا‬
‫على القوم‪ ،‬فقتلوا شيخا وعجوزا‪ ،‬وحازوا جاريتين وإبل‪ .‬ثم قال تأبط‪ :‬إني قد رأيت معهم غلما؛ فأين الغلم الذي كان معهم?‬
‫فأبصر أثره فاتبعه‪ ،‬فقال له أصحابه‪ :‬ويلك دعه فإنك ل تريد منه شيئا‪ ،‬فاتبعه‪ ،‬واستتر الغلم بقتادة إلى جنب صخرة‪ ،‬وأقبل‬
‫تأبط يقصه وفوق الغلم سهما حين رأى أنه ل ينجيه شيء‪ ،‬وأمهله حتى إذا دنا منه قفز قفزة‪ ،‬فوثب على الصخرة‪ ،‬وأرسل‬
‫السهم‪ ،‬فلم يسمع تأبط إل الحبضة فرفع رأسه‪ ،‬فانتظم السهم قلبه‪ ،‬وأقبل نحوه وهو يقول‪ :‬ل بأس‪ ،‬فقال الغلم‪ :‬ل بأس‪،‬‬
‫والله لقد وضعته حيث تكره‪ ،‬وغشية تأبط بالسيف وجعل الغلم يلوذ بالقتادة‪ ،‬ويضربها تأبط بحشاشته‪ ،‬فيأخذ ما أصابت الضربة‬
‫منها‪ ،‬حتى خلص إليه‪ ،‬فقتله‪ ،‬ثم نزل إلى أصحابه يجر رجله‪ ،‬فلما رأوه وثبوا‪ ،‬ولم يدروا ما أصابه‪ ،‬فقالوا‪ :‬مالك? فلم ينطق‪،‬‬
‫ومات في أيديهم‪ ،‬فانطلقوا وتركوه‪ ،‬فجعل ل يأكل منه سبع ول طائر إل مات‪ ،‬فاحتملته هذيل‪ ،‬فألقته في غار يقال له غار‬
‫‪:‬رخمان‪ ،‬فقالت ريطة أخته وهي يومئذ متزوجة في بني الديل‬
‫ثابت بن جابر بن سفيان وقال مرة بن خليف يرثيه‬ ‫‪:‬نعم الفتى غادرتم برخمان‬
‫أكفان ميت غدا في غار رخمـان‬ ‫إن العزيمة والـعـزاء قـد ثـويا‬
‫ول يكن كفن من ثـوب كـتـان‬ ‫إل يكن كرسف كـفـنـت جـيده‬
‫ريش الندى‪ ،‬والندى من خير أكفان‬ ‫فإن حرا من النسـاب ألـبـسـه‬
‫ويوم أور من الـجـوزاء رنـان‬ ‫وليلة رأس أفعاها إلـى حـجـر‬
‫في إثر عـادية أو إثـر فـتـيان وقالت أم تأبط ترثيه‬ ‫‪:‬أمضيت أول رهط عـنـد آخـره‬
‫‪:‬وابناه وابن الليل مقته‬

‫صفحة ‪2385 :‬‬


‫قال أبو عمر الشيباني‪ :‬ل بل كان من شأن تأبط وهو ثابت بن جابر بن سفيان‪ ،‬وكان جريئا شاعرا فاتكا أنه خرج من أهله‬
‫بغارة من قومه‪ ،‬يريدون بني صاهلة بن كاهل بن الحارث بن سعيد بن هذيل‪ ،‬وذلك في عقب شهر حرام مما كان يحرم أهل‬
‫الجاهلية‪ ،‬حتى هبط صدر أدم‪ ،‬وخفض عن جماعة بني صاهلة‪ ،‬فاستقبل التلعة‪ ،‬فوجد بها دارا من بني نفاثة بن عدي‪ ،‬ليس فيها‬
‫إل النساء‪ ،‬غير رجل واحد‪ ،‬فبصر الرجل بتأبط وخشية‪ ،‬وذلك في الضحى‪ ،‬فقام الرجل إىل النساء‪ ،‬فأمرهن فجعلن رؤوسهن‬
‫جمما وجعلن دروعهن أردية‪ ،‬وأخذن من بيوتهن عمدا كهيئة السيوف فجعلن لها حمائل‪ ،‬ثم تأبطنها ثم نهض ونهضن معه يغريهن‬
‫كما يغري القوم‪ ،‬وأرمهن أن ل يبرزن خدا‪ ،‬وجعل هو يبرز للقوم ليروه‪ ،‬وطفق يغري ويصيح على القوم‪ ،‬حتى أفزع تأبط شرا‬
‫واصحابه وهو على ذلك يغري‪ .‬في بقية ليلة أو ليلتين من الشهر الحرام‪ ،‬فنهضوا في شعب يقال له شعب وشل‪ ،‬وتأبط ينهض‬
‫في الشعب مع أصحابه‪ ،‬ثم يقف في آخرهم‪ ،‬ثم يقول‪ :‬يا قوم لكأنما يطردكم النساء‪ ،‬فيصيح عليه أصحابه فيقولون‪ :‬انج أدركك‬
‫‪:‬القوم‪ ،‬وتأبى نفسه‪ ،‬فلم يزل به أصحابه حتى مضى معهم فقال تأبط في ذلك‬
‫أبعد النفاثيين أزجر طائرا وآسى على شيء إذا هو أدبرا‬
‫من الـذل يعـرا بـالــتـــلعة أعـــفـــرا‬ ‫أنهنه رجلي عنهم وإخالهم‬
‫بمـهـمـهة مـن بـين ظــرء وعـــرعـــرا قال‪ :‬ثم طلعوا الصدر حين‬ ‫ولـو نـالـت الـكـفـان أصـحـاب نـــوفـــل‬
‫أصبحوا فوجدوا أهل بيت شاذ من بني قريم ذنب نمار فظل يراقبهم حتى أمسوا‪ ،‬وذلك البيت لساعدة بن سفيان أحد بني‬
‫حارثة بن قريم‪ ،‬فحصرهم تأبط وأصحابه حتى أمسوا‪ .‬قال‪ :‬وقد كانت قالت وليدة لساعدة‪ :‬إني قد رأيت اليوم القوم أو النفر‬
‫بهذا الجبل‪ ،‬فبات الشيخ حذرا قائما بسيفه بساحة أهله‪ .‬وانتظر تأبط وأصحابه أن يغفل الشيخ‪ ،‬وذلك آخر ليلة من الشهر‬
‫الحرام فلما خشوا أن يفضحهم الصبح‪ ،‬ولم يقدروا على غرة مشوا إليه وغروه ببقية الشهر الحرام‪ ،‬وأعطوه من مواثيقهم ما‬
‫أقنعه‪ ،‬وشكوا إليه الجوع‪ ،‬فلما اطمأن إليهم وثبوا عليه فقتلوه وابنا له صغيرا حين مشى‪ .‬قال‪ :‬ومضى تأبط شرا إلى ابن له‬
‫ذي ذؤابة‪ ،‬كان أبوه قد أمره فارتبأ من وراء ماله‪ ،‬يقال له‪ :‬سفيان بن ساعدة‪ .‬فأقبل إليه تأبط شرا مستترا بمجنة‪ ،‬فلما خشي‬
‫الغلم أن يناله تأبط بسيفه وليس مع الغلم سيف‪ ،‬وهو مفوق سهما‪ ،‬رمى مجن تأبط بحجر‪ ،‬فظن تأبط أنه قد أرسل سهمه‪،‬‬
‫فرمى مجنه عن يده‪ ،‬ومشى إليه فأرسل الغلم سهمه فلم يخط لبته حتى خرج منه السهم‪ ،‬ووقع في البطحاء حذو القوم‪،‬‬
‫وأبوه ممسك‪ ،‬فقال أبو الغلم حين وقع السهم‪ :‬أخاطئه سفيان? فحرد القوم‪ ،‬فذلك حين قتلوا الشيخ وابنه الصغير‪ ،‬ومات‬
‫‪.‬تأبط‬
‫‪:‬فقالت أمه ‪ -‬وكانت امرأة من بني القين بن جسر بن قضاعة ‪ -‬ترثيه‬
‫إذا ضنت جمادى بالقطار‬ ‫قتيل ما قتيل بنـي قـريم‬
‫مقيما بالحريضة من نمار وقالت أمه ترثيه أيضا‬ ‫‪:‬فتى فهم جميعا غـادروه‬
‫بثابت بن جابر بن سـفـيان‬ ‫ويل أم طرف غادروا برخمان‬
‫ذو مأقط يحمي وراء الخوان وقالت ترثيه أيضا‪ :‬وابناه وابن الليل‪ ،‬ليس بزميل‪،‬‬ ‫يجدل القرن ويروي الندمـان‬
‫‪.‬شروب للقيل‪ ،‬رقود بالليل‪ ،‬وواد ذي هول‪ ،‬أجزت بالليل‪ ،‬تضرب بالذيل‪ ،‬برجل كالثول‬
‫‪:‬قال‪ :‬وكان تأبط شرا يقول قبل ذلك‬
‫م علي شتم كالحساكـل‬ ‫ولقد علمت لـتـعـدون‬
‫ما كالشكاعي غير جاذل‬ ‫يأكلـن أوصـال ولـح‬
‫سم لكـن وذو دغـاول وقال قبل موته‬ ‫‪:‬يا طير كلن فـإنـنـي‬
‫أطـالـع أهـل ضـيم فـــالـــكـــراب‬ ‫لعـلـي مــيت كـــمـــدا ولـــمـــا‬
‫وإن لم آت جمع بني خثيم وكاهلها برجل كالضباب‬
‫وســيار فـــيا ســـوغ الـــشـــراب فأجابه شاعر من بني قريم‬ ‫‪:‬إذا وقعت بكعب أو قريم‬
‫لعلك أن تكون من المصـاب‬ ‫تأبط سوأة وحمـلـت شـرا‬
‫تساق لفتية منـا غـضـاب‬ ‫لعلك أن تجيء بك الـمـنـايا‬
‫وتصبح طرفة الضبع السغاب‬ ‫فتصبح في مكرهم صـريعـا‬
‫تسوقون الحرائم بالـنـقـاب‬ ‫فزلتم تهربون لو كـرهـتـم‬
‫طليعة فتية غلب الـرقـاب‬ ‫وزال بأرضكم مـنـا غـلم‬

‫صفحة ‪2386 :‬‬

‫‪.‬ونذكر ها هنا بعد أخبار تأبط شرا أخبار صاحبيه عمرو بن براق والشنفري ونبدأ بما يغني فيه من شعريهما‪ ،‬ونتبعه بالخبار‬
‫‪:‬فأما عمرو بن براق فمعا يغنى فيه من شعره قوله‬
‫صوت‬

‫وأنفا حميا تجتنبك الـمـظـالـم‬ ‫متى تجمع القلب الذكي وصارما‬


‫فهل أنا في ذا يا لهمدان ظالـم‬ ‫وكنت إذا قوم غزوني غزوتهـم‬
‫مراغمة مادام للـسـيف قـائم‬ ‫كذبتم وبيت الله ل تـأخـذونـهـا‬
‫وتضرب بالبيض الرقاق الجماجم عروضه من الطويل‪ ،‬الشعر لبن براق وقيل‬ ‫ول صلح حتى تعثر الخيل بالقنـا‬
‫‪.‬ابن براقة‪ .‬والغناء لمحمد بن إسحاق بن عمرو بن بزيع ثقيل أول مطلق في مجرى الوسطى عن الهشامي‬

‫عمرو بن براق‬
‫يسلبه حريم ماله فيسترده منه‪ :‬أخبرني علي بن سليمان الخفش قال‪ :‬حدثنا السكري عن ابن حبيب قال‪ :‬وأخبرنا الهمداني‬
‫ثعلب‪ ،‬عن ابن العرابي‪ ،‬عن المفضل‪ ،‬قال‪ :‬أغار رجل من همدان يقال له حريم على إبل لعمرو بن براق وخيل‪ ،‬فذهب بها‪،‬‬
‫فأتى عمرو امرأة كان يتحدث إليها ويزورها فأخبرها أن حريما أغار على إبله وخيله فذهب بها‪ ،‬وأنه يريد الغارة عليه‪ ،‬فقالت له‬
‫المرأة ويحك ل تعرض لتلفات حريم فإني أخافه عليك‪ ،‬قال‪ :‬فخالفها‪ ،‬وأغار عليه‪ ،‬فاستاق كل شيء كان له‪ ،‬فأتاه حريم بعد‬
‫‪:‬ذلك يطلب إليه أن يرد عليه ما أخذه منه‪ ،‬فقال‪ :‬ل أفعل‪ ،‬وأبى عليه‪ ،‬فانصرف‪ ،‬فقال عمرو في ذلك‬
‫وليلك عن ليل الصعالـيك نـائم‬ ‫تقول سليمى ل تعرض لـتـلـفة‬
‫حسام كلون الملح أبيض صـارم‬ ‫وكيف ينام الليل من جـل مـالـه‬
‫لها طمعا طوع اليمـين مـلزم‬ ‫صموت إذا عض الكريهة لم يدع‬
‫على النقد إذ ل تستطاع الدراهـم‬ ‫نقدت به ألفا وسامـحـت دونـه‬
‫قليل إذا نام الدثور الـمـسـالـم‬ ‫ألم تعلم أن الصعاليك نـومـهـم‬
‫وصاح من الراط هام جـواثـم‬ ‫إذا الليل أدجى واكفهرت نجومـه‬
‫فإني على أمر الغـواية حـازم‬ ‫ومال بأصحاب الكرى غالبـاتـه‬
‫مراغمة مادام لـلـسـيف قـائم‬ ‫كذبتم وبيت الله ل تـأخـذونـهـا‬
‫وجروا علي الحرب إذا أنا سالـم‬ ‫تحالف أقوام علي لـيسـمـنـوا‬
‫أجيل على الحي المذاكي الصلدم‬ ‫أفالن أدعى للهـوادة بـعـدمـا‬
‫ويذهب مالي يا بنة القوم حـالـم‬ ‫كأن حريما إذا رجا أن يضمـهـا‬
‫وأنفا حميا تجتنبك الـمـظـالـم‬ ‫متى تجمع القلب الذكي وصارمـا‬
‫يعش ذا غنى أو تخترمه المخارم‬ ‫ومن يطلب المال الممنع بالقـنـا‬
‫فهل أنا في ذا يالهمدان ظـالـم‬ ‫وكنت إذا قوم غزوني غزوتـهـم‬
‫وتضرب بالبيض الرقاق الجماجم وأما الشنفري فإنه رجل من الزد ثم من‬ ‫فل صلح حتى تعثر الخيل بالقنـا‬
‫‪:‬الواس بن الحجر بن الهنو بن الزد‪ .‬ومما يغنى فيه من شعره قوله‬
‫صوت‬

‫وما ودعت جيرانها إذ تولـت‬ ‫أل أم عمرو أزمعت فاستقلـت‬


‫طمعت فهبها نعمة قد تولـت‬ ‫فواندما بانت أمامة بـعـدمـا‬
‫إذا ما مشت ول بذات تلفـت غنى في هذه البيات إبراهيم ثاني ثقيل بالبنصر‬ ‫وقد أعجبتني ل سقوطا خمارها‬
‫‪.‬عن عمرو بن بانة‬

‫أخبار الشنفري ونسبه‬


‫نسبه ونشأته في غير قومه‪ :‬وأخبرني بخبره الحرمي بن أبي العلء قال‪ :‬حدثنا أبو يحيى المؤدب وأحمد بن أبي المنهال‬
‫‪:‬المهلبي‪ ،‬عن مؤرج عن أبي هشام محمد بن هشام النميري‬

‫صفحة ‪2387 :‬‬

‫أن الشنفري كان من الواس بن الحجر بن الهنو بن الزد بن الغوث‪ ،‬أسرته بنو شبابة بن فهم بن عمرو بن قيس بن عيلن‪،‬‬
‫فلم يزل فيهم حتى أسرت بنو سلمان بن مفرج بن عوف بن ميدعان بن مالك بن الزد رجل من فهم‪ ،‬أحد بني شبابة ففدته بنو‬
‫شبابة بالشنفري قال‪ :‬فكان الشنفري في بني سلمان بن مفرج ل تسبح إل أحدهم حتى نازعته بنت الرجل الذي كان في‬
‫حجره‪ ،‬وكان السلمي اتخذه ولدا وأحسن إليه وأعطاه‪ ،‬فقال لها الشنفري‪ :‬اغسلي رأسي يا أخية وهو ل يشك في أنها أخته‪،‬‬
‫فأنكرت أن يكون أخاها ولطمته‪ ،‬فذهب مغاضبا حتى أتى الذي اشتراه من فهم‪ ،‬فقال له الشنفري‪ :‬اصدقني ممن أنا? قال‪:‬‬
‫أنت من الواس بن الحجر‪ ،‬فقال‪ :‬أما إني لن أدعكم حتى أقتل منكم مائة بما استعبدتموني‪ ،‬ثم إنه مازال يقتلهم حتى قتل‬
‫‪:‬تسعة وتسعين رجل‪ ،‬وقال الشنفري للجارية السلمية التي لطمته وقالت‪ :‬لست بأخي‬
‫بما ضربت كف الفتاة هجينها‬ ‫?أل ليت شعري والتلهف ضـلة‬
‫ووالدها ظلت تقاصر دونـهـا‬ ‫ولو علمت قعسوس أنساب والدي‬
‫وأمي ابنة الحرار لو تعرفينها غارته على من نشأ فم‪ :‬قال‪ :‬ثم لزم الشنفري‬ ‫أنا ابن خيار الحجر بيتا ومنصذبا‬
‫‪:‬دار فهم فكان يغير على الزد على رجليه فيمن تبعه من فهم‪ ،‬وكان يغير وحده أكثر من ذلك‪ ،‬وقال الشنفري لبني سلمان‬
‫على ذي كساء من سلمان أو برد‬ ‫وإني لهوى أن ألف عجاجـتـي‬
‫وأسلك خل بين أرباع والـسـرد فكان يقتل بني سلمان بن مفرج حتى قعد له‬ ‫وأصبح بالعضداء أبغي سراتـهـم‬
‫رهط من الغامديين من بني الرمداء فأعجزهم فأشلوا عليه كلبا لهم يقال له حبيش ولم يضعوا له شيئا‪ ،‬ومر وهو هارب بقرية‬
‫‪:‬يقال لها دحيس برجلين من بني سلمان بن مفرج فأرادهما ثم خشي الطلب فقال‬
‫بجوف دحيس أو تبالة يا اسمعا يريد‪ :‬يا هذان اسمعا‪ ،‬وقال فيما كان يطالب به‬ ‫قتيلي فجار أنتما إن قتلـتـمـا‬
‫‪:‬بني سلمان‬
‫أمش بدهر أو عـذاف فـنـورا‬ ‫فإل تزرني حتفتي أو تـلقـنـي‬
‫تنفض رجلي بسبطا فعصنصـرا‬ ‫أمشي بأطراف الحمـاط وتـارة‬
‫وسوف ألقيهم إن الـلـه يسـرا‬ ‫وأبغي بني صعب بن مرب بلدهم‬
‫هنالك تلقى القاصي المتـغـورا يقتلونه بعد أن يسملوا عينه‪ :‬قال‪ :‬ثم قعد‬ ‫ويوما بذات الرأس أو بطن منجل‬
‫له بعد ذلك أسيد بن جابر السلماني وخازم الفهمي بالناصف من أبيدة ومع أسيد ابن أخيه‪ ،‬فمر عليهم الشنفري‪ ،‬فأبصر‬
‫السواد بالليل فرماه‪ ،‬وكان ل يرى سوادا إل رماه كائنا ما كان‪ ،‬فشك ذراع ابن أخي أسيد إلى عضده‪ ،‬فلم يتكلم‪ ،‬فقال‬
‫الشنفري‪ :‬إن كنت شيئا فقد أصبتك وإن لم تكن شيئا فقد أمنتك‪ ،‬وكان خازم باطحا‪ :‬يعني منبطحا بالطريق يرصده‪ ،‬فنادى‬
‫أسيد‪ :‬يا خازم أصلت‪ ،‬يعني اسلل سيفك‪ .‬فقال الشنفري‪ :‬لكل أصلت‪ ،‬فأصلت الشنفري‪ .‬فقطع إصبعين من أصابع خازم‬
‫الخنصر والبنصر‪ ،‬وضبطه خازم حتى لحقه أسيد وابن أخيه نجدة‪ ،‬فأخذ أسيد سلح الشنفري وقد صرع الشنفري خازما وابن‬
‫أخي أسيد‪ ،‬فضبطاه وهما تحته‪ ،‬وأخذ أسيد برجل ابن أخيه‪ ،‬فقال أسيد‪ :‬رجل من هذه? فقال الشنفري‪ :‬رجلي‪ ،‬فقال ابن أخي‬
‫أسيد‪ :‬بل هي رجلي يا عم فأسروا الشنفري‪ ،‬وأدوه إلى أهلهم‪ ،‬وقالوا له‪ :‬أنشدنا‪ ،‬فقال‪ :‬إنما النشيد على المسرة‪ ،‬فذهبت‬
‫‪:‬مثل‪ ،‬ثم ضربوا يده فتعرضت‪ ،‬أي اضطربت فقال الشنفري في ذلك‬
‫فرب واد نفرت حمـامـه‬ ‫ل تبعدي إما ذهبت شامـه‬
‫ورب قرن فصلت عظامه ثم قال له السلمي‪ :‬أأطرفك? ثم رماه في عينه فقال الشنفري له‪ :‬كأن كنا نفعل أي كذلك كنا‬
‫‪:‬نفعل‪ ،‬وكان الشنفري إذا رمى رجل منهم قال له‪ :‬أأطرفك? ثم يرمي عينه‪ .‬ثم قالوا له حين أرادوا قتله‪ :‬أين نقبرك? فقال‬
‫عليكم ولكن أبـشـري أم عـامـر‬ ‫ل تقبرونـي إن قـبـري مـحـرم‬
‫وغودر عند الملتقـى ثـم سـائري‬ ‫إذا احتملت رأسي وفي الرأس أكثري‬
‫سمير الليالي مبسـل بـالـجـرائر تأبط شرا يرثي الشنفري‬ ‫‪:‬هنالك ل أرجوا حـياة تـسـرنـي‬
‫غزير الكلي‪ ،‬وصيب الماء باكر‬ ‫على الشنفري سارى الغمام ورائح‬

‫صفحة ‪2388 :‬‬

‫وقد أرعفت منك السيوف البواتـر‬ ‫عليك جزاء مثل يومك بـالـجـبـا‬
‫عطفت وقد مس القلوب الحناجـر‬ ‫ويومك يوم العيكـتـين وعـطـفة‬
‫بشوكتك الحـدى ضـئين نـوافـر‬ ‫تجول ببز الموت فيهـم كـأنـهـم‬
‫وهل يلقين من غيبته الـمـقـابـر‬ ‫فإنك لو لقيتني بـعـد مـا تـرى‬
‫إلـيك وإمـا راجـعـا أنـا ثـائر‬ ‫للفيتني في غارة أنتـمـي بـهـا‬
‫وأبليت حتـى مـا يكـيدك واتـر‬ ‫وإن تك مأسورا وظلت مـخـيمـا‬
‫وخيرك مبسوط وزادك حـاضـر‬ ‫وحتى رماك الشيب في الرأس عانسا‬
‫ولبد يوما موتـه وهـو صـابـر‬ ‫وأجمل موت المرء إذ كـان مـيتـا‬
‫حديد وشـد خـطـوه مـتـواتـر‬ ‫فل يبعدن الشنفـري وسـلحـه ال‬
‫حمى معه حر كـريم مـصـابـر رواية أخرى في مقتله‪ :‬قال‪ :‬وقال غيره‪ :‬ل‬ ‫إذا راع روع الموت راع وإن حمى‬
‫بل كان من أمر الشنفري وسبب أسره ومقتله أن الزد قتلت الحارث بن السائب الفهمي‪ ،‬فأبوا أن يبوءوا بقتله‪ ،‬فباء بقتله‬
‫رجل منهم يقال له حزام بن جابر قبل ذلك‪ ،‬فمات أخو الشنفري‪ ،‬فأنشأت أمه تبكيه‪ ،‬فقال الشنفري‪ ،‬وكان أول ما قاله من‬
‫‪:‬الشعر‬
‫ول قولها لبنها دعـدع‬ ‫ليس لوالـدة هـوءهـا‬
‫وغيرك أملك بالمصرع قال‪ :‬فلما ترعرع الشنفري جعل يغير على الزد مع فهم‪ :‬فيقتل‬ ‫تطيف وتحدث أحوالـه‬
‫‪:‬من أدرك منهم‪ ،‬ثم قدم منى وبها حزام بن جابر‪ ،‬فقيل له‪ :‬هذا قاتل أبيك‪ ،‬فشد عليه فقتله‪ ،‬ثم سبق الناس على رجليه فقال‬
‫ببطن منى وشط الحجيج المصوت قال‪ :‬ثم إن رجل من الزد أتى أسيد بن جابر‪،‬‬ ‫قتلت حزاما مـهـديا بـمـلـبـد‬
‫وهو أخو حزام المقتول فقال‪ :‬تركت الشنفري بسوق حباشة‪ ،‬فقال أسيد بن جابر‪ :‬والله لئن كنت صادقا ل نرجع حتى نأكل من‬
‫جنى أليف أبيدة‪ ،‬فقعد له على الطريق هو وابنا حزام‪ ،‬فأحسوه في جوف الليل وقد نزع نعل ولبس نعل ليخفى وطأه‪ ،‬فلما‬
‫سمع الغلمان وطأه قال‪ :‬هذه الضبع‪ ،‬فقال أسيد‪ :‬ليست الضبع‪ ،‬ولكنه الشنفري‪ ،‬ليضع كل واحد منكما نعله على مقتله‪ ،‬حتى‬
‫إذا رأى سوادهم نكص مليا لينظر هل يتبعه أحد‪ ،‬ثم رجع حتى دنا منهم‪ ،‬فقال الغلمان‪ :‬أبصرنا‪ ،‬فقال عمهما‪ :‬ل والله ما‬
‫أبصركما‪ ،‬ولكنه أطرد؛ ليكما تتبعاه‪ ،‬فليضع كل واحد منكما نعله على مقتله‪ .‬فرماهم الشنفري فخسق في النعل ولم يتحرك‬
‫المرمي‪ ،‬ثم رمى فانتظم ساقي أسيد‪ ،‬فلما رأى ذلك أقبل حتى كان بينهم‪ ،‬فوثبوا عليه‪ ،‬فأخذوه فشدوه وثاقا‪ ،‬ثم إنهم انطلقوا‬
‫به إلى قومهم‪ ،‬فطرحوه وسطهم‪ ،‬فتماروا بينهم في قتله‪ ،‬فبعضهم يقول‪ :‬أخوكم وابنكم‪ ،‬فلما رأى ذلك أحد بني حزام ضربه‬
‫‪:‬ضربة فقطع يده من الكوع‪ ،‬وكانت بها شامة سوداء‪ ،‬فقال الشنفري حين قطعت يده‬
‫فرب خرق قطعت قتامـه‬ ‫ل تبعدي إما هلكت شامـه‬
‫‪:‬ورب قرن فصلت عظامه وقال تأبط شرا يرثيه‬
‫حديد وشد خـطـوه مـتـواتـر‬ ‫ل يبعدن الشنفـري وسـلحـه ال‬
‫حمى معه حر كريم مـصـابـر قال‪ :‬وذرع خطو الشنفري ليلة قتل فوجد‬ ‫إذا راع روع الموت راع وإن حمى‬
‫‪.‬أول نزوة نزاها إحدى وعشرين خطوة‪ ،‬ثم الثانية سبع عشرة خطوة‬
‫‪:‬قال‪ :‬وقال ظالم العامري في الشنفري وغاراته على الزد وعجزهم عنه‪ ،‬ويحمد أسيد بن جابر في قتله الشنفري‬
‫وأنتم خفاف مثل أجنحة الغرب‬ ‫فما لكم لم تدركوا رجل شنفري‬
‫تباطأ عنكم طالب وأبو سقـب‬ ‫تاديتم حتى إذا ما لـحـقـتـم‬
‫أحق بها منكم بني عقب الكلب قال‪ :‬لوما قتل الشنفري وطرح رأسه مر به‬ ‫لعمرك للساعي أسيد بن جابـر‬
‫‪.‬رجل منهم فضرب جمجمة الشنفري بقدمه‪ ،‬فعقرت قدمه فمات منها‪ ،‬فتمت به المائة‬
‫من شعر الشنفري‪ :‬وكان مما قاله الشنفري فيهم من الشعر وفي لطمه المرأة التي أنكرته الذي ذكرته واستغنى عن إعادته‬
‫‪:‬مما تقدم ذكره من شعر الشنفري‪ ،‬وقال الشنفري في قتله حزاما قاتل أبيه‬
‫وما ودعت جيرانها إذ تولـت‬ ‫أرى أم عمرو أجمعت فاستقلت‬
‫وقد كان أعناق المطي أظلت‬ ‫فقد سبقتنا أم عمرو بأمـرهـا‬

‫صفحة ‪2389 :‬‬

‫طمعت فهيبها نعمة العيش ولت‬ ‫فواند ما على أميمة بـعـد مـا‬
‫إذا ذكر النسوان عفت وجلـت‬ ‫أميمة ل يخزي نثاها حليلـهـا‬
‫إذا ما بيوت بالملمة حـلـت‬ ‫يحل بمنجاة من اللوم بـيتـهـا‬
‫إذا ما مشت ول بذات تلـفـت‬ ‫فقد أعجبتني‪ ،‬ل سقوط قناعهـا‬
‫إذا ما مشت وإن تحدثك تبلـت النسي‪ :‬الذي يسقط من النسان وهو ل يدري‬ ‫كأن لها في الرض نسيا تقصه‬
‫‪:‬أين هو؛ يصفها بالحياء‪ ،‬وأنها ل تلتفت يمينا ول شمال ول تبرج‪ .‬ويروى‬
‫تقصه على أمها وإن تكلمـك‬
‫فلو جن إنسان من الحسن جنت‬ ‫فدقت وجلت واسبكرت وأكملت‬
‫لجاراتها إذا الهـدية قـلـت الغبوب‪ :‬ما غب عندها من الطعام أي بات ويروى‪:‬‬ ‫تبيت بعيد النوم تهدي غبوبـهـا‬
‫غبوقها‬
‫بريحانة راحت عـشـاء وطـلـت‬ ‫فبتنا كأن البيت حـجـر حـولـنـا‬
‫لها أرج من حولها غير مسـنـت‬ ‫بريحانة من بطن حلـية أمـرعـت‬
‫وبين الجباهيهات أنسأت سربـتـي‬ ‫غدوت من الوادي الذي بين مشعـل‬
‫لكسب مال أو ألقـي حـمـتـي‬ ‫أمشي على الرض التي لن تضيرني‬
‫ولم تذر خالتي الدموع وعمـتـي‬ ‫إذا ما أتتني حتفتـي لـم أبـالـهـا‬
‫وأصبحت في قوم وليسوا بمنبـتـي‬ ‫وهنئ بي قوم وما إن هـنـأتـهـم‬
‫إذا أطعمتهم أو تـحـت وأقـلـت‬ ‫وأم عيال قد شهـدت تـقـوتـهـم‬
‫ونحـن جـياع‪ ،‬أي ألـي تـألـت‬ ‫تخاف علينا الجوع إن هي أكثـرت‬
‫ول ترتجى للبـيت إن لـم تـبـيت‬ ‫عفاهية ل يقصر السـتـر دونـهـا‬
‫إذا ما رأت أولى العدي اقشعـرت‬ ‫لها وفضة فيها ثلثون سـلـجـمـا‬
‫كعدو حمار العانة الـمـتـفـلـت‬ ‫وتأتي العدي بارزا نصف ساقـهـا‬
‫وراحت بما في جفرها ثم سـلـت‬ ‫إذا فزعت طارت بأبـيض صـارم‬
‫جراز من أقطار الحديد المنـعـت‬ ‫حسام كلون الملـح صـاف حـديده‬
‫وقد نهلت من الـدمـاء وعـلـت‬ ‫تراها كأذناب المـطـي صـوادرا‬
‫بمـا قـدمـت أيديهـم وأزلــت‬ ‫سنجزي سلمان بن مفرج قرضهـم‬
‫وعوف لدى المعدى أوان استهلـت‬ ‫شفينا بعبد الله بعـض غـلـيلـنـا‬
‫محلهما بين الحجيج الـمـصـوت‬ ‫قتلنا حزامـا مـهـديا بـمـلـبـد‬
‫وإن تدبروا فأم مـن نـيل فـتـت‬ ‫فإن تقبلوا تقبل بمن نـيل مـنـهـم‬
‫كفاني بأعلى ذي الحميرة عدوتـي‬ ‫أل ل تزرني إن تشكيت خـلـتـي‬
‫ومر إذا النفس الصدوف استمـرت‬ ‫وإني لحـلـو إن أريدت حـلوتـي‬
‫إلى كل نفس تنتحـي بـمـودتـي وقال الشنفري أيضا‬ ‫‪:‬أبي لمـا آبـى وشـيك مـفـيئتـي‬
‫أخو الضروة الرجل الخفي المخفف‬ ‫ومرقبة عنقـاء يقـصـر دونـهـا‬
‫من الليل ملتف الـحـديقة أسـدف‬ ‫نميت إلى أعلى ذراهـا وقـد دنـا‬
‫كما يتطوى الرقم المتـعـطـف‬ ‫فبت على حد الـذراعـين أحـدبـا‬
‫صدورهما مخصورة ل تخصـف‬ ‫قليل جهازي غير نعلين أسحـقـت‬
‫إذا أنهجت من جانب ل تـكـفـف‬ ‫ومـلـحـفة درس وجـرد مـلءة‬
‫مجد لطراف السواعد مقـطـف‬ ‫وأبيض من ماء الحـديد مـهـنـد‬
‫ترن كإرنان الجشـي وتـهـتـف‬ ‫وصفراء من نبـع أبـي ظـهـيرة‬
‫وترمي بذرويها بهـن فـتـقـذف‬ ‫إذا طال فيها النزع تأتي بعجسـهـا‬
‫عوازب نحل أخطأ الغار مطنـف‬ ‫كأن حفيف النبل من فوق عجسهـا‬
‫وتحذر أن ينأى بها المـتـصـيف‬ ‫نأت أم قيس المربعين كـلـيهـمـا‬
‫مخوف كداء البطن أو هو أخـوف‬ ‫وإنك لو تـدرين أن رب مـشـرب‬
‫تخيرتها مـمـا أريش وأرصـف‬ ‫وردت بمـأثـور ونـبـل وضـالة‬
‫وأقذف منهن الذي هـو مـقـرف‬ ‫أركبها في كـل أحـمـر عـاتـر‬

‫صفحة ‪2390 :‬‬

‫يزف إذا أنـفـذتـه ويزفــزف‬ ‫وتابعت فيه البري حتى تـركـتـه‬


‫إذا بعت خل مالـه مـتـخـوف‬ ‫بكفي منها للـبـغـيض عـراضة‬
‫بواطنه للجـن والسـد مـألـف‬ ‫وواد بعيد العمق ضنك جـمـاعـه‬
‫غماليل يخشى غيلها المتعـسـف‬ ‫تعسفت منه بعد ما سقـط الـنـدى‬
‫فلي حيث يخشى أن يجاوز مخسف‬ ‫وإني إذا خام الجبان عـن الـردى‬
‫علي وأثواب القيصـر يعـنـف وقال الشنفري أيضا‬ ‫‪:‬وإن امرأ أجار سعد بـن مـالـك‬
‫بأزرق ل نكس ول متـعـوج‬ ‫ومستبسل ضافى القميص ضغته‬
‫وفوق كعرقوب القطاة مخدرج‬ ‫عليه نساري على خوط نـبـعة‬
‫بنزع إذا ما استكره النزع مخلج‬ ‫وقاربت من كفي ثم فرجتـهـا‬
‫أنين الميم ذي الجراح المشجج وقد روى‪ :‬فناحت بكفي نوحة‬ ‫‪.‬فصاحت بكفي صيحة ثم رجعت‬
‫رواية ثالثة في مقتله‪ :‬وقال غيره‪ :‬ل بل كان من أمر الشنفري أنه سبت بنو سلمان بن مفرج بن مالك بن هوازن بن كعب بن‬
‫عبد الله بن مالك بن نصر بن الزد الشنفري ‪ -‬وهو أحد بني ربيعة بن الحجر بن عمران بن عمرو بن حارثة بن ثعلبة بن امرىء‬
‫القيس بن مازن بن الزد ‪ -‬وهو غلم‪ ،‬فجعله الذي سباه في بهمة يرعاها مع ابنة له‪ ،‬فلما خل بها الشنفري أهوى ليقبلها‪،‬‬
‫‪:‬فصكت وجهه‪ ،‬ثم سعت إلى أبيها فأخبرته‪ ،‬فخرج إليه ليقتله‪ ،‬فوجده وهو يقول‬
‫بما لطمت كف الفتاة هجينها‬ ‫?أل هل أتى فتيان قومي جماعة‬
‫ونسبتها ظلت تقاصر دونهـا‬ ‫ولو علمت تلك الفتاة مناسبـي‬
‫وأمي ابنة الخيرين لو تعلمينها‬ ‫أليس أبي خير الواس وغيرها‬
‫يؤم بياض الوجه مني يمينهـا قال‪ :‬فلما سمع قوله سأله‪ :‬ممن هو‪ ،‬فقال‪ :‬أنا‬ ‫إذا ما أروم الود بيني وبينـهـا‬
‫الشنفري‪ ،‬أخو بني الحارث بن ربيعة‪ ،‬وكان من أقبح الناس وجها‪ ،‬فقال له‪ :‬لول أني أخاف أن يقتلني بنو سلمان لنكحتك ابنتي‪.‬‬
‫فقال‪ :‬علي إن قتلوك أن أقتل بك مائة رجل منهم‪ ،‬فأنكحه ابنته‪ ،‬وخلى سبله‪ ،‬فسار بها إلى قومه‪ ،‬فشدت بنو سلمان خلفه‬
‫على الرجل فقتلوه‪ ،‬فلما بلغه ذلك سكت ولم يظهر جزعا عليه‪ ،‬وطفق يصنع النبل‪ ،‬ويجعل أفواقها من القرون والعظام‪ ،‬ثم إن‬
‫‪:‬امرأته بنت السلماني قالت له ذات يوم‪ :‬لقد خست بميثاق أبي عليك‪ ،‬فقال‬
‫كأن قد فل يغررك مني تمكثيسلكت طريقا بين يربغ فالسرد‬
‫علـى ذي كـسـاء مــن ســـلمـــان أو بـــرد‬ ‫وإني زعيم أن تثور عجاجتي‬
‫أمـشـي خـلل الـدار كـالـــفـــرس الـــورد‬ ‫هم عـرفــونـــي نـــاشـــئا ذا مـــخـــيلة‬
‫بتـيهـاء ل أهـدى الـــســـبـــيل ول أهـــدي قال‪ :‬ثم غزاهم‬ ‫كأنـي إذا لـم يمـس فـي الــحـــي مـــالـــك‬
‫فجعل يقتلهم‪ ،‬ويعرفون نبله بأفواقها في قتلهم‪ ،‬حتى قتل منهم تسعة وتسعين رجل‪ ،‬ثم غزاهم غزوة‪ ،‬فنذروا به‪ ،‬فخرج هاربا‪،‬‬
‫وخرجوا في إثره‪ ،‬فمر بامرأة منهم يلتمس الماء فعرفته‪ ،‬فأطعمته أقطا ليزيد عطشا‪ ،‬ثم استسقى فسقته رائبا‪ ،‬ثم غيبت عنه‬
‫الماء‪ ،‬ثم خرج من عندها‪ ،‬وجاءها القوم فأخبرتهم خبره‪ ،‬ووصفت صفته وصفة نبله‪ ،‬فعرفوه‪ ،‬فرصدوه على ركي لهم‪ ،‬وهو‬
‫ركي ليس لهم ماء غيرله‪ ،‬فلما جن عليه الليل أقبل إلى الماء‪ ،‬فلما دنا منه قال‪ :‬إني أراكم‪ ،‬وليس يرى أحدا إنما يريد بذلك أن‬
‫يخرج رصدا إن كان ثم‪ ،‬فأصاخ القوم وسكتوا‪ .‬ورأى سوادا‪ ،‬وقد كانوا أجمعوا قبل إن قتل منهم قتيل أن يمسكه الذي إلى جنبه‬
‫لئل تكون حركة‪ ،‬قال‪ :‬فرمى لما أبصر السواد‪ ،‬فأصاب رجل فقتله‪ ،‬فلم يتحرك أحد‪ ،‬فلما رأى ذلك أمن في نفسه وأقبل إلى‬
‫الركي‪ ،‬فوضع سلحه‪ ،‬ثم انحدر فيه‪ ،‬فلم يرعه إل بهم على رأسه قد أخذوا سلحه فنزا ليخرج‪ .‬فضرب بعضهم شماله‬
‫‪:‬فسقطت‪ ،‬فأخذها فرمى بها كبد الرجل‪ ،‬فخر عنده في القليب‪ ،‬فوطئ على رقبته فدقها‪ .‬وقال في قطع شماله‬
‫فرب واد نفرت حمامـه‬ ‫ل تبعدي إما ذهبت شامه‬
‫ورب حي فرقت سوامه‬ ‫ورب قرن فصلت عظامه‬

‫صفحة ‪2391 :‬‬

‫قال‪ :‬ثم خرج إليهم‪ ،‬فقتلوه وصلبوه‪ ،‬فلبث عاما أو عامين مصلوبا وعليه من ذنره رجل‪ ،‬قال‪ :‬فجاء رجل منهم كان غائبا‪ ،‬فمر‬
‫‪.‬به وقد سقط فركض رأسه برجله‪ ،‬فدخل فيها عظم من رأسه فعلت عليه فمات منها‪ ،‬فكان ذلك الرجل هو تمام المائة‬
‫صوت‬

‫وأحـبـب بـزينـــب إذ تـــطـــرق‬ ‫أل طـرقـت فـي الــدجـــى زينـــب‬


‫عجبت لزينب أنى سرت وزينب من ظلها تفرق عروضه من المتقارب‪ ،‬الشعر لبن رهيمة‪ ،‬والغناء لخليل المعلم رمل بالبنصر‪،‬‬
‫‪.‬عن الهشامي وأبي أيوب المدني‬

‫أخبار الخليل ونسبه‬


‫نسبه‬
‫‪.‬هو الخليل بن عمرو‪ ،‬مكي‪ ،‬مولى بني عامر بن لؤي‪ ،‬مقل ل تعرف له صنعة غير هذا الصوت‬
‫يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله‪ :‬أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال‪ :‬حدثنا عبد الله‬
‫بن أبي سعد قال‪ :‬حدثني القطراني المغني‪ ،‬عن محمد بن حسين‪ ،‬قال‪ :‬كان خليل المعلم يلقب خليلن‪ ،‬وكان يؤدب الصبيان‬
‫ويلقنهم القرآن والخط‪ ،‬ويعلم الجواري الغناء في موضع واحد‪ ،‬فحدثني من حضره قال‪ :‬كنت يوما عنده وهو يردد على صبي‬
‫‪:‬يقرأ بين يديه (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم) ثم يلتفت إلى صبية بين يديه فيردد عليها‬
‫أن قربت للبين أجماله فضحكت ضحكا مفرطا لما فعله‪ ،‬فالتفت إلي فقال‪ :‬ويلك‬ ‫اعتاد هذا القللب بلباله‬
‫مالك? فقلت‪ :‬أتنكر ضحكي مما تفعل? والله ما سبقك إلى هذا أحد ثم قلت‪ :‬انظر شأي شيء أخذت على الصبي من القرآن‪،‬‬
‫وأي شيء هو ذا تلقي على الصبية‪ ،‬والله إني لظنك ممن يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله‪ ،‬فقال‪ :‬أرجو أل أكون كذلك‬
‫‪.‬إن شاء الله‬
‫يسيء الزدي فهم غنائه‪ :‬أخبرني علي بن سليمان الخفش قال‪ :‬حدثنا محمد بن يزيد المبرد قال‪ :‬حدثني عبد الصمد بن‬
‫المعذل قال‪ :‬كان خليلن المعلم أحسن الناس غناء‪ ،‬وأفتاهم وأفصحهم‪ ،‬فدخل يوما على عقبة بن سلم الزدي الهنائي فاحتبسه‬
‫‪:‬عنده‪ ،‬فأكل معه ثم شرب‪ ،‬وحانت منه التفاتة‪ ،‬فرأىى عودا معلقا‪ ،‬فعلم أنه عرض له به‪ ،‬فدعا به وأخذه فغناهم‬
‫مستهام عندها ما ينيب وحانت من التفاتة فرأى وجه عقبة بن سلم متغيرا‪ ،‬وقد ظن‬ ‫يا بنة الزدي قلبي كئيب‬
‫‪:‬أنه عرض به‪ ،‬ففطن لما أراد فغنى‬
‫ية يهتتز موكبهـا فسري عن عقبة وشرب‪ ،‬فلما فرغ وضع العود من حجره‪ ،‬وحلف بالطلق‬ ‫أل هزئت بنا قرش‬
‫‪.‬ثلثا أنه ل يغني بعد يومه ذلك إل لمن يجوز حكمه عليه‬
‫نسبة هذين الصوتين‬
‫مستهام عندها ما ينـيب‬ ‫يا بنة الزدي قلبي كـئيب‬
‫إن من تنهون عنه حبيب‬ ‫ولقد لموا فقلت‪ :‬دعوني‬
‫حبها والحب شيء عجيب‬ ‫إنما أبلى عظامي وجسمي‬
‫أنت تفدي من أراك تعيب عروضه من المديد‪ ،‬والشعر لعبد الرحمن بن أبي بكر‬ ‫أيها العائب عندي هواهـا‬
‫الصديق ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬والغناء لمعبد ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق‪ ،‬وفيه لمالك خفيف ثقيل أول‬
‫بالخنصر في مجرى البنصر عنه‪ ،‬وفيه خفيف رمل بالسبابة في مجرى الوسطى لم ينسبه إسحاق إلى أحد‪ ،‬ووجدته في روايات‬
‫ل أثق بها منسوبا إلى حنين‪ ،‬وقد ذكر يونس أن فيه لحنين ولمالك كلهما‪ ،‬ولعل هذا أحدهما‪ ،‬وذكر حبش أن خفيف الرمل لبن‬
‫سريج‪ ،‬وذكر الهشامي وعلي بن يحيى أن لحن مالك الخر ثاني ثقيل‪ ،‬وذكر الهشامي أن فيه لطويس هزجا مطلقا في مجرى‬
‫البنصر‪ ،‬وذكر عمرو بن بانة أن لمالك فيه ثقيل أول وخفيفه‪ ،‬ولمعبد خفيف ثقيل آخر‪ :‬صوت‬
‫يهتـز مـوكـبـهـا‬ ‫أل هزئت بنا قـرشـية‬
‫س مني ما أغيبـهـا‬ ‫رأت بي شيبة في الرأ‬
‫وبعض الشيب يعجبها‬ ‫فقالت لي‪ :‬ابن قيس ذا?‬
‫يحصرها ويحجبـهـا‬ ‫لها بعل خبيث النفـس‬
‫فيوعدها ويضربـهـا عروضه من الوافر‪ ،‬الشعر لبن قيس الرقيات‪ ،‬والغناء لمعبد خفيف‬ ‫يراني هكـذا أمـشـي‬
‫‪.‬ثقيل بالخنصر في مجرى الوسطى وفيه ليونس ثقيل أول عن إسحاق بن إبراهيم والهشامي‬

‫صوت‬

‫أم حبلها إذ نأتك اليوم مـصـروم‬ ‫هل ما علمت وما استودعت مكتوم‬
‫إثر الحبة يوم البين مـشـكـوم‬ ‫أم هل كئيب بكى لم يقض عبرته‬

‫صفحة ‪2392 :‬‬

‫كأن تطيابها في النف مشـمـوم‬ ‫يحملن أترجة‪ ،‬نضخ العبير بـهـا‬


‫للباسط المتعاطي وهو مـزكـوم‬ ‫كأن فأرة مسك في مفـارقـهـا‬
‫مفدم بسبا الـكـتـان مـلـثـوم‬ ‫كأن إبريقهم ظبي علـى شـرف‬
‫والقوم تصرعهم صهباء خرطوم الشعر لعلقمة بن عبدة‪ ،‬والغناء لبن‬ ‫قد أشهد الشرب فيهم مزهر صدح‬
‫سريج‪ ،‬وله فيه لحنان أحدهما في الول والثاني خفيف ثقيل أول بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق‪ ،‬والخر رمل بالخنصر‬
‫في مجرى البنصر في الخامس والسادس من البيات‪ ،‬وذكر عمرو بن بانة أن في الربعة البيات الول المتوالية لمالك خفيف‬
‫ثقيل بالوسطى‪ ،‬وفيها ثقيل أول نسبه الهشامي إلى الغريض‪ ،‬وذكر حبش أن لحن الغريض ثاني ثقيل بالبنصر‪ ،‬وذكر حبش أن‬
‫‪.‬في الخامس والسادس خفيف رمل بالبنصر لبن سريج‬

‫أخبار علقمة ونسبه‬


‫هو علقمة بن عبدة بن النعمان بن ناشرة بن قيس بن عبيد بن ربيعة بن مالك بن زيد مناة بن تميم بن مر بن أد بن طابخة بن‬
‫‪.‬إلياس بن مضر بن نزار‬
‫واش يلقى جزاءه‪ :‬وكان زيد مناة بن تميم وفد هو وبكر بن وائل ‪ -‬وكانا لدة عصر واحد ‪ -‬على بعض المولك‪ ،‬وكان زيد ماة‬
‫حسودا شرها طعانا‪ ،‬وكان بكر بن وائل خبيثا منكرا داهيا فخاف زيد مناة أن يحظى من الملك بفائدة‪ ،‬ويقل معها حظه‪ ،‬فقال‬
‫له‪ :‬يا بكر ل تلق الملك بثياب سفرك‪ ،‬ولكن تأهب للقائه وادخل عليه في أحسن زينة‪ ،‬ففعل بكر ذلك‪ ،‬وسبقه زيد مناة إلى‬
‫الملك‪ ،‬فسأله عن بكر‪ ،‬فقال‪ :‬ذلك مشغول بمغازلة النساء والتصدي لهن‪ ،‬وقد حدث نفسه بالتعرض لبنت الملك‪ ،‬فغاظه ذلك‪،‬‬
‫وأمسك عنه‪ ،‬ونمى الخبر إلى بكر بن وائل‪ ،‬فدخل إلى الملك فأخبره بما دار بينه وبين زيد مناة‪ ،‬وصدقه عن‪ ،‬واعتذر إليه مما‬
‫قاله فيه عذرا قبله‪ ،‬فلما كان من غد اجتمعا عند الملك‪ ،‬فقال الملك لزيد مناة‪ :‬ما تحب أن أفعل بك‪ ،‬فقال‪ :‬ل تفعل ببكر شيئا‬
‫إل فعلت بي مثليه‪ ،‬وكان بكر أعور العين اليمنى‪ ،‬قد أصابها ماء فذهب بها‪ ،‬فكان ل يعلم من رآه أنه أعور‪ ،‬فأقبل الملك على‬
‫بكر بن وائل فقال له‪ :‬ما تحب أن أفعل بك يا بكر‪ ،‬قال‪ :‬تفقأ عيني اليمنى‪ ،‬وتضعف لزيد مناة‪ ،‬فأمر بعينه العوراء ففقئت‪ ،‬وأمر‬
‫‪.‬بعيني زيد مناة ففقئتا‪ ،‬فخرج بكر وهو أعور بحاله‪ ،‬وخرج زيد مناة وهو أعمى‬
‫‪.‬سبب تسميته بعلقمة الفحل‪ :‬وأخبرني بذلك محمد بن الحسن بن دريد‪ ،‬عن أبي حاتم‪ ،‬عن أبي عبيدة‬
‫ويقال لعلقمة بن عبدة علقمة الفحل‪ ،‬سمي بذلك لنه خلف على امرأة امرئ القيس لما حكمت له على امرئ القيس بأنه‬
‫‪:‬أشعر منه في صفة فرسة‪ ،‬فطلقها‪ ،‬فخالفه عليها‪ ،‬ومازالت العرب تسمية بذلك‪ ،‬وقال الفرزدق‬
‫حلل الملوك كلمه يتنحـل قصيدتاه سمطا الدهر‪ :‬أخبرني عمي قال‪ :‬حدثني‬ ‫والفحل علقمة الذي كانت له‬
‫النضر بن عمرو قال‪ :‬حدثني أبو السوار‪ ،‬عن أبي عبيد الله موىل إسحاق بن عيسى‪ ،‬عن حماد الرواية قال‪ :‬كانت العرب تعرض‬
‫أشعارها على قريش‪ ،‬فما قبلوه منها كان مقبول‪ ،‬وما ردوه منها كان مردودا‪ ،‬فقدم عليهم علقمة بن عبدة‪ ،‬فأنشدهم قصيدته‬
‫‪:‬التي يقول فيها‬
‫أم حبلها أن نأتك اليوم مصـروم فقالوا‪ :‬هذه سمط الدهر‪ ،‬ثم عاد إليهم‬ ‫هل ما علمت وما استودعت مكتوم‬
‫‪:‬العام المقبل فأنشدهم‬
‫بعيد الشباب عصر حان مشيب فقالوا‪ :‬هاتان سمطا الدهر‬ ‫‪.‬طحابك قلب في الحسان طروب‬
‫يسرقون شعره‪ :‬أخبرني الحسن بن علي قال‪ :‬حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك‪ ،‬عن حماد بن إسحاق قال‪ :‬سمعت أبي‬
‫‪:‬يقول‪ :‬سرق ذو الرمة قوله‬
‫‪:‬يطفو إذا ما تلقته الجراثيم من قول العجاج‬
‫‪:‬إذا تلقته العقاقيل طفا وسرقه العجاج من علقمة بن عبده في قوله‬
‫يطفو إذا ما تلقته العقاقيل أيهما أوصف للفرس هو أم امرئ القيس‪ :‬أخبرني عمي قال‪ :‬حدثنا الكراني قال‪ :‬حدثنا العمري‬
‫عن لقيط‪ ،‬وأخبرني أحمد بن عبد العزيز قال‪ :‬حدثنا عمر بن شبة قال‪ :‬حدثني أبو عبيدة قال‪ :‬كانت تحت امرئ القيس امرأة‬
‫من طيء تزوجها حين جاور فيهم‪ ،‬فنزل به علقمة الفحل بن عبدة التميمي‪ ،‬فقال كل واحد منهما لصاحبه‪ :‬أنا أشعر منك‪،‬‬
‫‪:‬فتحاكما إليها‪ ،‬فأنشد امرؤ القيس قوله‬
‫‪:‬خليلي مرا بي على أم جندب حتى مر بقوله‬

‫صفحة ‪2393 :‬‬

‫وللزجر منه وقع أخرج مهذب ويروى‪ :‬أهوج منعب فأنشدها علقمة قوله‬ ‫‪:‬فللسوط ألهوب وللـسـاق درة‬
‫‪:‬ذهبت من الهجران في غير مذهب حتى انتهى إلى قوله‬
‫يمر كغيث رائح متحلـب فقالت له‪ :‬علقمة أشعر منك‪ ،‬قال‪ :‬وكيف? قالت‪ :‬لنك‬ ‫فأدركه حتى ثنى من عنانه‬
‫زجرت فرسك‪ ،‬وحركته بساقك‪ ،‬وضربته بسوطك‪ .‬وأنه جاء هذا الصيد‪ ،‬ثم أدركه ثانيا من عنانه‪ ،‬فغضب امرؤ القيس وقال‪:‬‬
‫‪.‬ليس كما قلت‪ ،‬ولكنك هويته‪ ،‬فطلقها‪ ،‬فتزوجها علقمة بعد ذلك ‪ ،‬وبهذا لقب علقمة الفحل‬
‫ربيعة بن حذار يحكم له‪ :‬أخبرني عمي قال‪ :‬حدثنا الكراني قال‪ :‬حدثنا العمري‪ ،‬عن لقيط قال‪ :‬تحاكم علقمة بن عبدة التميمي‪.‬‬
‫والزبرقان بن بدر السعدي‪ ،‬والمخبل‪ ،‬وعمرو بن الهتم‪ ،‬إلى ربيعة بن حذار السدي‪ ،‬فقال‪ :‬أما أنت يا زبرقان فإن شعرك كلحم‬
‫ل أنضج فيؤكل‪ ،‬ول ترك نيئا فينتفع به‪ ،‬وأما أنت يا عمرو فإن شعرك كبرد حبرة يتلل في البصر‪ ،‬فكلما أعدته فيه نقص‪ ،‬وأما‬
‫أنت يا مخبل فإنك قصرت عن الجاهلية ولم تدرك السلم‪ ،‬وأما أ‪،‬ت يا علقمة فإن شعرك كمزادة قد أحكم خرها فليس يقطر‬
‫‪.‬منها شيء‬
‫بيت من أبياته يضرب المتمثل به عشرين سوطا‪ :‬أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال‪ :‬حدثني عمي‪ ،‬عن العباس بن هشام‪،‬‬
‫‪:‬عن أبيه قال‪ :‬مر رجل من مزينة على باب رجل من النصار‪ ،‬وكان يتهم بامرأته‪ ،‬فلما حاذى بابه تنفس ثم تمثل‬
‫أم حبلها إذ نأتك اليوم مصـروم? قال‪ :‬فتعلق به الرجل‪ :‬فرفعه إلى عمر‬ ‫هل ما علمت وما استودعت مكتوم‬
‫رضوان الله عليه‪ ،‬فاستعداء عليه‪ ،‬فقال له المتمثل‪ :‬وما علي في أن أنشدت بيت شعر‪ ،‬فقال له عمر رضي الله عنه عنه‪:‬‬
‫‪.‬مالك لم تنشده قبل أن تبلغ بابه? ولكنك عرضت به مع ما تعلم من القالة فيه‪ ،‬ثم أمر به فضرب عشرين سوطا‬

‫صوت‬

‫بجانب قوسي ما حييت على الرض‬ ‫فوالله ل أنـسـى قـتـيل رزيتـه‬


‫توكل بالدنى وإن جل ما يمـضـي‬ ‫بلى إنها تغفـو الـكـلـوم وإنـمـا‬
‫ولكنه قد بز عن ماجـد مـحـض الشعر لبي خراش الهذلي‪ ،‬والغناء لبن‬ ‫ولم أدر من ألـقـى عـلـيه رداءه‬
‫محرز خفيف ثقيل أول بالوسطى من رواية عمرو بن بانة وذكر يحيى بن المكي أنه لبن مسجح وذكر الهشامي أنه ليحيى‬
‫‪.‬المكي‪ ،‬نحله بن مسجح‪ ،‬وفي أخبار معبد أن له فيه لحنا‬

‫ذكر أبي خراش الهذلي وأخباره‬


‫أبو خراش اسمه خويلد بن مرة‪ ،‬أحد بني قرد‪ ،‬واسم قرد عمرو بن معاوية بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن‬
‫‪.‬نزار‬
‫شاعر فحل من شعراء المذكورين الفصحاء‪ ،‬مخضرم‪ ،‬أدرك الجاهلية والسلم فأسلم وعاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫مدة‪ ،‬ومات في خلفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه‪ ،‬نهشته أفعى فمات‪ ،‬وكان ممن يعدو فيسبق الخيل في غارات قومه‬
‫‪.‬وحروبهم‬
‫يتربصون به فيفلت منهم‪ :‬أخبرني حبيب بن نصر المهلبي وعمي والحسن بن علي قالوا‪ :‬حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال‪:‬‬
‫حدثنا أحمد بن عمير بن إسماعيل بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف قال‪ :‬حدثني أبو بركة الشجعي من أنفسهم‬
‫قال‪ :‬خرج أبو خراش الهذلي من أرض هذيل يريد مكة‪ ،‬فقال لزوجته أم خراش‪ :‬ويحك إني أريد مكة لبعض الحاجة‪ ،‬وإنك من‬
‫أفك النساء‪ ،‬وإن بني الديل يطلبونني بتراث فإياك وأن تذكريني لحد من أهل مكة حتى نصدر منها قالت‪ :‬معاذ الله أن أذكرك‬
‫‪.‬لهل مكة وأنا أعرف السبب‬

‫صفحة ‪2394 :‬‬

‫قال‪ :‬فخرج بأم خراش وكمن لحاجته وخرجت إلى السوق لتشتري عطرا أو بعض ما تشتريه النساء من حوائجهن‪ ،‬فجلست‬
‫إلى عطار فمر بها فتيان من بني الديل‪ ،‬فقال أحدهما لصاحبه‪ :‬أم خراش ورب الكعبة وإنها لمن إفك النساء وإن كان أبو‬
‫خراش معها فستدلنا عليه‪ ،‬قال‪ :‬فوقفا عليها فسلما وأحفيا المسألة والسلم‪ ،‬فقالت‪ :‬من أنتما بأبي أنتما? فقال‪ :‬رجلن من‬
‫أهلك من هذيل‪ ،‬قالت‪ :‬بأبي أننتما‪ .‬فإن أبا خراش معي ول تذكراه لحد‪ ،‬ونحن رائحون العشية‪ ،‬فخرج الرجلن فجمعا جماعة‬
‫من فتيانهم وأخذوا مولى لهم يقال له مخلد وكان من أجود الرجال عدوا‪ ،‬فكمنوا في عقبة على طريقه‪ ،‬فلما رآهم قد لقوه‬
‫في عين الشمس قال لها‪ :‬قتلتني ورب الكعبة لمن ذكرتني? فقالت‪ :‬والله ما ذكرتك لحد إل لفتيين من هذيل‪ ،‬فقال لها‪ :‬والله‬
‫ما هما من هذيل ولكنهما من بني الديل وقد جلسا لي وجمعا علي جماعة من قومهم فاذهبي أنت فإذا جزت عليهم فإنهم لن‬
‫‪.‬يعرضوا لك لئل أستوحش فأفوتهم‪ ،‬فاركضي بعيرك‪ ،‬وضعي عليه العصا‪ ،‬والنجاتء النجاء‬
‫قال‪ :‬فانطلقت وهي على قعود عقيلي يسابق الريح‪ ،‬فلما دنا منهم وقد تلثموا ووضعوا تمرا على طريقه على كساء‪ ،‬فوقف‬
‫قليل كأنه يصلح شيئا‪ ،‬وجازت بهم أم خراش فلم يعرضوا لها لئل ينفر منهم‪ ،‬ووضعت العصا على قعودها‪ ،‬وتواثبوا إليه ووثب‬
‫‪.‬يعدو‬
‫‪.‬قال‪ :‬فزاحمه على المحجة التي يسلك فيها على العقبة ظبي‪ ،‬فسبقه أبو خراش‪ ،‬وتصايح القوم‪ :‬يا مخلد أخذا أخذا‬
‫قال‪ :‬ففات الخذ‪ .‬فقالوا‪ :‬ضربا ضربا‪ ،‬فسبق الضرب‪ ،‬فصاحوا‪ :‬رميا رميا فسبق الرمي‪ ،‬وسبقت أم خراش إلى الحي فنادت‪:‬‬
‫أل إن أبا خراش قد قتل‪ ،‬فقام أهل الحي إليها‪ ،‬وقام أبوه وقال‪ :‬ويحك ما كانت قصته‪ ،‬فقالت‪ :‬إن بني الديل عرضوا له الساعة‬
‫في العقبة‪ ،‬قال‪ :‬فما رأيت‪ ،‬أو ما سمعت‪ ?،‬قالت‪ :‬سمعتهم يقولون‪ :‬يا مخلد أخذا أخذا‪ ،‬قال‪ :‬ثم سمعت ماذا? قالت‪ :‬ثم‬
‫سمعتهم يقولون‪ :‬ضربا ضربا‪ ،‬قال‪ :‬ثم سمعت ماذا? قالت‪ :‬سمعتهم يقولون‪ :‬رميا رميا‪ ،‬قال‪ :‬فإن كنت سمعت رميا رميا فقد‬
‫أفلت‪ ،‬وهو منا قريب‪ ،‬ثم صاح‪ :‬يا أبا خراش‪ ،‬فقال أبو خراش‪ :‬يا لبيك‪ ،‬وإذا هو قد وافاهم على أثرها‪ .‬وقال أبو خراش في‬
‫‪:‬ذلك‬
‫فقلت وأنكرت الوجوه هم هم رفوني بالفاء‪ :‬سكنوني وقالوا‪ :‬ل بأس عليك‬ ‫‪.‬رفوني وقالوا يا خويلد لم ترع‬

‫يزعزعه وعك من الموم مردم غاررت‪ :‬تلبثت‪ .‬والدريس‪ :‬الخلق من الثياب‪،‬‬ ‫فغاررت شيئا والدريس كأنمـا‬
‫‪.‬ومثله الجرد والسحق والحشيف‪ .‬ومردم‪ :‬لزم‬

‫بحبل الذي ينجي من الموت معصم‬ ‫تذكرت ما أين المـفـر وإنـنـي‬


‫أقب وما إن تيس رمل مصـمـم‬ ‫فوالله ما ربـداء أو عـلـج عـانة‬
‫كأني لولهم من القـرب تـوأم‬ ‫بأسرع مني إذ عرفـت عـديهـم‬
‫وأخطأني خلف الثـنـية أسـهـم‬ ‫وأجود مني حين وافـيت سـاعـيا‬
‫لدى المتن مشبوح الذراعين خلجم‬ ‫أوائل بالشد الـذلـيق وحـثـنـي‬
‫من القوم يعروه اجتراء ومـأثـم‬ ‫تذكر ذحل عندنـا وهـو فـاتـك‬
‫سلمت وما إن كدت بالمس تسلـم‬ ‫تقول ابنتي لمـا رأتـين عـشـية‪:‬‬
‫أجاوزت أولى القوم أم أنا أحـلـم‬ ‫فقلت وقد جاوزت صارى عشـية‪:‬‬
‫تخير في خطـابـهـا وهـي أيم‬ ‫فلول دراك الشد آضت حليلـتـي‬
‫وكاد خراش عـنـد ذلـك ييتـم يسابق الخيل فيسبقها‪ :‬أخبرني هاشم بن‬ ‫فتسخط أو ترضى مكاني خـلـيفة‬
‫محمد الخراعي ومحمد بن الحسين الكندي خطيب المسجد الجامع بالقادسية قال‪ :‬حدثنا الرياشي قال‪ :‬حدثنا الصمعي قال‪:‬‬
‫حدثني رجل من هذيل قال‪ :‬دخل أبو خراش الهذلي مكة وللوليد بن المغيرة المخزومي فرسان يريد أن يرسلهما في الحلبة‪،‬‬
‫‪.‬فقال للوليد‪ :‬ما تجعل لي إن سبقتهما? قال‪ :‬إن فعلت‪ ،‬فهما لك‪ ،‬فأرسل‪ ،‬وعدا بينهما فسبقهما فأخذهما‬
‫‪.‬قال الصمعي‪ :‬إذا فاتك الهذلي أن يكون شاعرا أو ساعيا أو راميا فل خير فيه‬
‫وأخبرني بما أذكره من مجموع أخبار أبي خراش علي بن سليمان الخفش‪ ،‬عن أبي سعيد السكري‪ ،‬وأخبرني بما أذكره من‬
‫مجموع أشعارهم وأخبارهم فذكره أبو سعيد‪ ،‬عن محمد بن حبيب‪ ،‬عن ابن العرابي‪ ،‬عن أبي حاتم‪ ،‬عن أبي عبيدة‪ ،‬وعن ابن‬
‫‪.‬حبيب عن أبي عمرو‬

‫صفحة ‪2395 :‬‬

‫يمدح دببة حيا ويرثيه ميتا‪ :‬وأخبرني ببعضه محمد بن العباس اليزيدي قال‪ :‬حدثنا الرياشي‪ ،‬عن الصمعي‪ ،‬وقد ذكرت ما رواه‬
‫في أشعار هذيل وأخبارها كل واحد منهم عن أصحابه في مواضعه‪ ،‬قال السكري‪ :‬فيما رواه عن ابن حبيب عن أبي عمرو قال‪:‬‬
‫نزل أبو خراش الهذلي على دبية السلمي ‪ -‬وكان صاحب العزى التي في غطفان وكان يسدنها‪ ،‬وهي التي هدمها خالد بن الوليد‬
‫لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها فهدمها وكسرها وقتل دببة السلمي ‪ -‬قال‪ :‬فلما نزل عليه أبو خراش أحسن‬
‫‪:‬ضيافته‪ .‬ورأى في رجله نعلين قد أخلقتا‪ ،‬فأعطاه نعلين من حذاء السبت فقال أبو خراش يمدحه‬
‫دبية إنـه نـعـم الـخـلـيل‬ ‫حذاني بعد ما خذمت نعـالـي‬
‫من الثيران وصلهما جـمـيل‬ ‫مقابلتين من صلـوي مـشـب‬
‫ويقضي الهم ذو الرب الرجيل‬ ‫بمثلهما يروح المـرء لـهـوا‬
‫رحالـهـم شـآمـية بـلـيل‬ ‫فنعم معرس الضياف تذحـي‬
‫من الفرني يرعبها الجـمـيل قال أبو عمرو‪ :‬الجميل‪ :‬إل هالة‪ ،‬ول يقال لها جميل‬ ‫يقاتل جوعهـم بـمـكـلـلت‬
‫حتى تذاب إهالة كانت أو شحما‪ ،‬وقال أبو عمرو‪ :‬ولما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فهدم عزى‬
‫‪:‬غطفان‪ ،‬وكانت ببطن نخلة‪ ،‬نصبها ظالم بن أسعد بن عامر بن مرة وقتل دبية فقال أبو خراش الهذلي يرثيه‬
‫وسط الشروب ولم يلمم ولـم يطـف‬ ‫ما لـدبـية مـنـذ الـيوم لــم أره‬
‫فيها الرواويق من شيزى بني الهطف بنو الهطف‪ :‬قوم من بني أسد يعملون‬ ‫لو كان حيا لغـاداهـم بـمـتـرعة‬
‫‪.‬الجفان‬
‫حين الشتاء كحوض المنهل اللقف المنهل‪ :‬الذي إبله عطاش‪ .‬واللقف‪ :‬الذي‬ ‫كابي الرماد عظيم القدر جفنـتـه‬
‫يضرب الماء أسفله فيتساقط وهو ملن‬
‫إل السباع ومر الريح بالغرف يرثي زهير بن العجوة‪ :‬وقال الصمعي وأبو عمرو‬ ‫أمسى سقام خلء ل أنيس بـه‬
‫في روايتهما جميعا‪ :‬أخذ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم حنين أسارى‪ ،‬وكان فيهم زهير بن العجوة أخو بني‬
‫عمرو بن الحارث‪ ،‬فمر به جميل بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح‪ ،‬وهو مربوط في السرى‪ ،‬وكانت بينهما إحنة‬
‫‪:‬في الجاهلية‪ ،‬فضرب عنقه‪ ،‬فقال أبو خراش يرثيه‬
‫بذي فجر تأوي إلـيه الرامـل‬ ‫فجع أصحابي جميل بن معـمـر‬
‫إذا قام واستنت عليه الحـمـائل‬ ‫طويل نجاد السيف ليس بـحـيدر‬
‫ومهتلك بالي الدريسـين عـائل‬ ‫إلى بيته يأوي الغريب إذا شـتـا‬
‫لها حدب تـحـتـثـه فـيوائل‬ ‫تروح مقرورا وراحت عـشـية‬
‫من القر لما استقبلته الشـمـائل‬ ‫تكـاد يداه تـسـلـمــان رداءه‬
‫وقد خف منها الموذعي الحلحل‬ ‫فما بال أهل الدار لم يتصـدعـوا‬
‫لبك بالجزع الضباع النـواهـل‬ ‫فأقسم لو لقتـيه غـير مـوثـق‬
‫ولكن ظهر القرن للمرء شاغـل‬ ‫لظل جميل أسـوأ الـقـوم تـلة‬
‫ولكن أحاطت بالرقاب السلسـل‬ ‫فليس كعهد الـدار يا أم مـالـك‬
‫سوى الحق شيئا فاستراح العواذل‬ ‫وعاد الفتى كالكهل ليس بـقـائل‬
‫بحلية إذ نلقى بها مـا نـحـاول وقال أيضا يرثيه‬ ‫‪:‬ولم أنـس أيامـا لـنـا ولـيالـيا‬
‫من الدهر ل يبعد قتيل جمـيل‬ ‫أفي كل ممسى ليلة أنـا قـائل‬
‫قريش ولما يقتلـوا بـقـتـيل‬ ‫فما كنت أخشى أن تصيب دماءنا‬
‫مدى الدهر حتى تقتلوا بغلـيل يستنقذ أسرى بني ليث‬ ‫‪:‬فأبرح ما أمرتـم وعـمـرتـم‬

‫صفحة ‪2396 :‬‬

‫وقال أبو عمرو في خبره خاصة‪ :‬أقبل أبو خراش وأخوه عروة وصهيب القردي في بضعة عشر رجل من بني قرد يطلبون‬
‫الصيد فبينا هم بالمجمعة من نخلة لم يرعهم إل قوم قريب من عدتهم فظنهم القرديون قوما من بني ذؤيبة أحد بني سعد بن‬
‫بكر بن هوازن أو من بني حبيب أحد بني نصر‪ ،‬فعدا الهذليون إليهم يطلبونهم وطمعوا فيهم حتى خالطوهم وأسروهم جميعا‪،‬‬
‫وإذا هم قوم من بني ليث بن بكر‪ ،‬فيهم ابنا شعوب أسرهما صهيب القردي‪ ،‬فهم بقتلهما‪ ،‬وعرفهم أبو خراش فاستنقذهم جميعا‬
‫‪:‬من أصحابه وأطلقهم‪ ،‬فقال أبو خراش في ذلك يمن على ابني شعوب أحد بني شجع بن عامر بن ليث فعله بهما‬
‫وخلناهم ذؤيبة أو حـبـيبـا‬ ‫عدونا عدوة ل شـك فـيهـا‬
‫شفاء النفس أن بعثوا الحروبا‬ ‫فنغري الثائرين بهم وقـلـنـا‬
‫صحاب مضرس وابني شعوبا‬ ‫منعنا من عدي بني حـنـيف‬
‫وحق ابني شعوب أن يثـيبـا‬ ‫فأثنوا يا بني شجع عـلـينـا‬
‫غداة نخالهم نجوا جـنـيبـا‬ ‫وسائل سبرة الشجعي عـنـا‬
‫عليه الثوب إذ ولـى دبـيبـا‬ ‫بأن السابق القـردي ألـقـى‬
‫حسام الحد مطرورا خشيبـا يزهد زهد الهنود‪ :‬أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي‬ ‫ولول ذاك أرهقه صـهـيب‬
‫قال‪ :‬حدثنا الرياشي‪ :‬قال‪ :‬حدثنا الصمعي قال‪ :‬أقفز أبو خراش الهذلي من الزاد أياما‪ ،‬ثم مر بامرأة من هذيل جزلة شريفة‪،‬‬
‫فأمرت له بشاة فذبحت وشويت‪ ،‬فلما وجد بطنه ريح الطعام قرقر‪ ،‬فضرب بيده على بطنه وقال‪ :‬إنك لتقرقر لرائحة الطعام‪،‬‬
‫والله لطعمت منه شيئا ثم قال‪ :‬يا ربة البيت‪ ،‬هل عندك شيء من صبر أو مر? قالت‪ :‬تصنع به ماذا? قال‪ :‬أريده‪ ،‬فأتته منه‬
‫بشيء فاقتمحه‪ ،‬ثم أهوى إلى بعيره فركبه‪ ،‬فناشدته المرأة فأبى‪ ،‬فقالت له‪ :‬يا هذا‪ ،‬هل رأيت بأسا أو أنكرت شيئا? قال‪ :‬ل‬
‫‪:‬والله‪ ،‬ثم مضى وأنشأ يقول‬
‫فأحيا ولم تدنس ثيابي ول جرمي‬ ‫وإني لثوي الجوع حتى يملنـي‬
‫إذا الزاد أضحى للمزلج ذا طعم‬ ‫وأصطبح الماء القراح فأكتفـي‬
‫وأوثر غيري من عيالك بالطعم‬ ‫أرد شجاع البطن قد تعلمـينـه‬
‫فللموت خير من حياة على رغم يفتدي أخاه عروة فيلطمه‪ :‬وأخبرني عمي عن‬ ‫مخافة أن أحـيا بـرغـم وذلة‬
‫‪.‬هارون بن محمد الزيات‪ ،‬عن أحمد بن الحارث‪ ،‬عن المدائني بنحو مما رواه الصمعي‬
‫وقال أبو عمرو‪ :‬أسرت فهم عروة بن مرة أخا أبي خراش ‪ -‬وقال غيره‪ :‬بل بنو كنانة أسرته ‪ -‬فلما دخلت الشهر الحرم‪ ،‬مضى‬
‫أبو خراش إليهم ومعه ابنه خراش‪ ،‬فنزل بسيد من ساداتهم ولم يعرفه نفسه ولكنه استضافه فأنزله وأحسن قراه‪ ،‬فلما تحرم‬
‫به انتسب له‪ ،‬وأخبره خبر أخيه‪ ،‬وسأله معاونته حتى يشتريه منهم‪ ،‬فوعده بذلك‪ ،‬وغدا على القوم مع ذلك الرجل‪ ،‬فسألهم في‬
‫السير أن يهبوه له‪ ،‬فما فعلوا‪ ،‬فقال لهم‪ :‬فبيعونيه‪ ،‬فقالوا‪ :‬أما هذا فنعم‪ ،‬فلم يزل يساومهم حتى رضوا بما بذله لهم‪ ،‬فدفع أبو‬
‫خراش إليهم ابنه خراشا رهينة‪ ،‬وأطلق أخاه عروة ومضيا‪ ،‬حتى أخذ أبو خراش فكاك أخيه‪ ،‬وعاد به إلى القوم حتى أعطاهم‬
‫إياه وأخذ ابنه‪ .‬فبينما أبو خراش ذات يوم في بيته إذ جاءه عبد له فقال‪ :‬إن أخاك عروة جاءني وأخذ شاة من غنمك‪ ،‬فذبحها‪،‬‬
‫ولطمني لما منعته منها‪ ،‬فقال له‪ :‬دعه‪ ،‬فلما كان بعد أيام عاد‪ ،‬فقال له‪ :‬قد أخذ أخرى‪ ،‬فذبحها‪ ،‬فقال‪ :‬دعه‪ ،‬فلما أمسى قال‬
‫لهه‪ :‬إن أخاك اجتمع مع شرب من قومه‪ ،‬فلما انتشى جاء إلينا وأخذ ناقة من إبلك‪ ،‬لينحرها لهم فعاجله‪ ،‬فوثب أبو خراش إليه‪،‬‬
‫فوجده قد أخذ الناقة‪ ،‬لينحرها‪ ،‬فطردها أبو خراش‪ ،‬فوثب أخوه عروة إليه فلطم وجهه‪ ،‬وأخذ الناقة‪ ،‬فعقرها‪ ،‬وانصرف أبو‬
‫خراش‪ ،‬فلما كان من غد لمه قومه‪ ،‬وقالوا له‪ :‬بئست لعمر الله المكافأة‪ ،‬كانت منك لخيك؛ رهن ابنه فيك‪ ،‬وفداك بماله‪،‬‬
‫‪:‬فففعلت به ما فعلت‪ ،‬فجاء عروة يعتذر إليه‪ ،‬فقال أبو خراش‬
‫إذا جاورت من تحت القبور‬ ‫لعلك نافعي يا عـرو يومـا‬
‫وكيف تثيب بالمن الكـبـير‬ ‫أخذت خفارتي ولطمت عيني‬
‫لدى الشهاد مرتدي الحرور‬ ‫ويوم قد صبرت عليك نفسي‬
‫وجالت مقلتا الرجل البصير‬ ‫إذا ما كان كس القوم روقـا‬

‫صفحة ‪2397 :‬‬

‫وما أطعمت من لحم الجزور قال معنى قوله بكري أي بكر ولدي أي أولهم‬ ‫‪.‬بما ييممته وتركت بـكـري‬
‫خبر أخويه السود وأبي جندب‪ :‬وقال الصمعي وأبو عبيدة وأبو عمرو وابن العرابي‪ :‬كان بنو مرة عشرة‪ :‬أبو خراش‪ ،‬وأبو‬
‫جندب‪ ،‬وعروة‪ ،‬والبح‪ ،‬والسود‪ ،‬وأبو السود‪ ،‬وعمرو‪ ،‬وزهير‪ ،‬وجناد‪ ،‬وسفيان‪ ،‬وكانوا جميعا شعراء دهاة سراعا ل يدركون عدوا‪،‬‬
‫فأما السود بن مرة فإنه كان على ماء من داءة وهو غلم شاب‪ ،‬فوردت عليه إبل رئاب بن ناضرة بن المؤمل من بني لحيان‪،‬‬
‫ورئاب شيخ كبير‪ ،‬فرمى السود ضرع ناقة من البل فعقرها‪ ،‬فغضب رئاب‪ ،‬فضربه بالسيف‪ ،‬فقتله‪ ،‬وكان أشدهم أبو جندب‪،‬‬
‫فعرف خبر أخيه‪ ،‬فغضب غضبا شديدا‪ ،‬وأسف‪ ،‬فاجتمعت رجال هذيل إليه يكلمونه وقالوا‪ :‬خذ عقل أخيك‪ ،‬واستبق ابن عملك‪،‬‬
‫فلم يزالوا به حتى قال‪ :‬نعم‪ ،‬أجمعوا العقل‪ ،‬فجاءوه به في مرة واحدة‪ ،‬فلما أراحوه عليه صمت فقطال صمته فقالوا له‪:‬‬
‫أرحنا‪ :‬اقبضه منا‪ ،‬فقال‪ :‬إني أريد أن أعتمر فاحبسوه حتى أرجع‪ ،‬فإن هلكت فلم ما أنتم هذه لغة هذيل يقولون‪ :‬إم بالكسر‪ ،‬ول‬
‫يستعملون الضم وإن عشت فسوف ترون أمري‪ ،‬وولى ذاهبا نحو الحرم‪ ،‬فدعا عليه رجال من هذيل‪ ،‬وقالوا‪ :‬اللهم ل ترده‪،‬‬
‫فخرج فقدم مكة فواعد كل خليع وفاتك في الحرم أن يأتوه يوم كذا وكذا‪ ،‬فيصيب بهم قومه‪ ،‬فخرج صادرا‪ ،‬حتى أخذته الذبحة‬
‫‪.‬في جانب الحرم‪ ،‬فمات قبل أن يرجع‪ ،‬فكان ذلك خبره‬
‫خبر أخيه زهير‪ :‬قالوا‪ :‬وأما زهير بن مرة فخرج معتمرا قد جعل على جسده من لحاء الحرم‪ ،‬حتى ورد ذات القير من نعمان‪،‬‬
‫فبينا هو يسقي إبل له إذ ورد عليه قوم من ثمالة‪ ،‬فقتلوه‪ ،‬فله يقول أبو خراش‪ ،‬وقد انبعث يغزو ثمالة ويغير عليهم‪ ،‬حتى قتل‬
‫‪.‬منهم بأخيه أهل دارين‪ ،‬أي حلتين من ثمالة‬

‫قتلتم زهيرا وهو مهد ومهمل مهد أي أهدى هديا للكعبة‪ .‬ومهمل‪ :‬قد أهمل إبله‬ ‫خذوا ذلك بالصلح إني رأيتكم‬
‫‪.‬في مراعيها‬

‫ول يجتويه جاره عام يمحل‬ ‫قتلتم فتى ل يفجر الله عامدا‬
‫‪:‬وجدتهم ثمالة بن أسلـمـا وكان أبو خراش إذا لقيهم في حروبه أوقع بهم ويقول‬
‫ما ذاك مـن حـلـب الـضـان‬ ‫إلــــيك أم ذبـــــــان‬
‫لكن مصاع الفتيان بكل لين حران خبر أخيه عروة وابنه خراش‪ :‬قال‪ :‬وأما عروة بن مرة وخراش بن أبي خراش فأخذهما‬
‫بطنان من ثمالة يقال لهما بنو رزام وبنو بلل‪ ،‬وكانوا متجاورين‪ ،‬فخرج عروة بن مرة وابن أبي خراش أخيه مغيرين عليهم‬
‫طمعا في أن يظفروا من أموالهم بشيء‪ ،‬فظفر بهما الثماليون‪ ،‬فأما بنو رزام فنهوا عن قتلهما وأبت بنو بلل إل قتلهما‪ ،‬حتى‬
‫كاد يكون بينهم شر‪ ،‬فألقى رجل من القوم ثوبه على خراش حين شغل القوم بقتل عروة‪ ،‬ثم قال له‪ :‬انج‪ ،‬وانحرف القوم بعد‬
‫قتلهم عروة إلى الرجل‪ ،‬وكانوا أسلموه إليه‪ ،‬فقالوا‪ :‬أين خراش? فقال‪ :‬أفلت مني‪ ،‬فذهب‪ ،‬فسعى القوم في أثره‪ ،‬فأعجزهم‪،‬‬
‫‪:‬فقال أبو خراش في ذلك يرثي أخاه رعروة‪ ،‬ويذكر خلص ابنه‬
‫خراش وبـعـض الـشـر أهـون مــن بـــعـــض‬ ‫حمـدت إلـهـي بـــعـــد عـــروة إذ نـــجـــا‬
‫فوالله ل أنسى قتيل رزيته بجانب قوسي ما حييت على الرض‬
‫نوكـل بـالدنــى وإن جـــل مـــا يمـــضـــي‬ ‫بلى إنها تعفو الكلوم وإنما‬
‫سوى أنـه قـد سـل عـن مــاجـــد مـــحـــض‬ ‫ولـــم أدر مـــن ألـــقـــى عـــلـــيه رداءه‬
‫أضـاع الـشـبـاب فـي الـربـيلة والـخـــفـــض‬ ‫ولـم يك مـثـلـوج الـــفـــؤاد مـــهـــبـــل‬
‫علـى أنـه ذو مــرة صـــادق الـــنـــهـــض قال‪ :‬ثم إن أبا خراش وأخاه‬ ‫ولـكـنـه قــد نـــازعـــتـــه مـــجـــاوع‬
‫عروة استنفرا حيا من هذيل يقال لهم بنو زليفة بن صبيح ليغزوا ثمالة بهم طالبين بثأر أخيهما‪ ،‬فلما دنوا من ثمالة أصاب عروة‬
‫‪:‬ورد حمى‪ ،‬وكانت به حمى الربع فجعل عروة يقول‬
‫إلى سواد الحي يدفنـونـي‬ ‫أصبحت مورودا فقربـونـي‬
‫رب المخاض واللقاح الجون‬ ‫إن زهيرا وسطهم يدعونـي‬

‫صفحة ‪2398 :‬‬

‫فلبثوا إلى أن سكنت الحمى‪ ،‬ثم بيتوا ثمالة‪ ،‬فوجدوهم خلوفا ليس فيهم رجال‪ ،‬فقتلوا من وجدوا من الرجال‪ ،‬وساقوا النساء‬
‫والذراري والموال‪ ،‬وجاء الصائح إلى ثمالة عشاء‪ ،‬فلحقوهم‪ ،‬وانهزم أبو خراش وأصحابه‪ ،‬وانقطعت بنو زليفة‪ ،‬فنظر الكنع‬
‫الثمالي ‪ -‬وكان مقطوع الصبع ‪ -‬إلى عروة فقال‪ :‬يا قوم‪ ،‬ذلك والله عروة‪ ،‬وأنا والله رام بنفسي عليه‪ ،‬حتى يموت أحدنا‪،‬‬
‫وخرج يمعج نحو عروة‪ ،‬فصاح عروة بأبي خراش أخيه‪ :‬أي أبا خراش‪ ،‬هذا والله الكنع وهو قاتلي‪ ،‬فقال أبو خراش‪ :‬أمشه‪ ،‬وقعد‬
‫له على طريقه‪ ،‬ومر به الكنع مصمما على عروة‪ ،‬وهو ل يعلم بموضع أبي خراش‪ ،‬فوثب عليه أبو خراش‪ ،‬فضربه على حبل‬
‫عاتقه حتى بلغت الضربة سحره‪ ،‬وانهزمت ثمالة‪ ،‬ونجا أبو خراش وعروة‪ .‬وقال أبو خراش يرثي أخاه ومن قتلته ثمالة وكنانة‬
‫‪:‬من أهله‪ ،‬وكان الصمعي يفضلها‬
‫صبرت فلم أقطع عليهم أباجلي البجل‪ :‬عرق في الرجل‬ ‫‪.‬فقدت بني لبنى فلما فقدتـهـم‬

‫حداد أعاليها شـداد السـافـل‬ ‫رماح من الخطي زرق نصالهـا‬


‫ولهفي على ميت بقوسي المعاقل‬ ‫فلهفي على عمرو بن مرة لهـفة‬
‫كريم نثاهم غير لف مـعـازل‬ ‫حسان الوجوه طيب حجزاتـهـم‬
‫ول سبة لزلت أسفـل سـافـل‬ ‫قتلت قتيل ل يحـالـف غـدرة‬
‫ولم يعلموا كل الذي هو داخلـي‬ ‫وقد أمنوني واطمأنت نفوسـهـم‬
‫كأحمر عاد أو كلـيب بـن وائل‬ ‫فمن كان يوجو الصلح مني فإنـه‬
‫أنوفهم باللوذعـي الـحـلحـل‬ ‫أصيبت هذيل بابن لبنى وجدعـت‬
‫يحوزون سهمي دونهم بالشمـائل أخبار أخوته‪ :‬قالوا‪ :‬وأما أبو السود فقتلته‬ ‫رأيت بني العلت لما تضافـروا‬
‫فهم بياتا تحت الليل‪ ،‬وأما البح فكان شاعرا‪ ،‬فأمسى بدار بعرعر من ضيم‪ ،‬فذكر لسارية بن زنيم العبدي أحد بني عبد بن عدي‬
‫بن الديل‪ ،‬فخرج بقوم من عشيرته يريده ومن معه‪ ،‬فوجدوهم قد ظعنوا‪ .‬وكان بين بني عبد بن عدي بن الديل وبينهم حرب‪،‬‬
‫‪:‬فقال البح في ذلك‬
‫لنت بعرعر الثأر المنـيم‬ ‫لعمرك ساري بن أبي زنيم‬
‫وأنت بمربع وهم بـضـيم‬ ‫تركت بني معاوية بن صخر‬
‫كدابغة وقد ححـلـم الديم رصف وظر‪ :‬ماءان‪ ،‬ومربع وضيم‪ :‬موضعان‬ ‫‪.‬تساقيهم على رصف وظـر‬

‫فرقت من المصالت كالنجوم‬ ‫فلم نتركهم قصـدا ولـكـن‬


‫إذا شرق المقاتل بالكـلـوم فأجابه سارية‪ ،‬فقال‬ ‫‪:‬رأيتهم فوارس غـير عـزل‬
‫قتلت السود الحسن الكريمـا‬ ‫لعلك يا أبح حسـبـت أنـي‬
‫يسوق الظمي وسط بني تميما عيرهم بأخذ دية السود بن مرة أخيهم‪ ،‬وأنهم لم‬ ‫أخذتم عقله وتـركـتـمـوه‬
‫‪.‬يدركوا بثأره‪ ،‬وبنو تميم من هذيل‬
‫قالوا‪ :‬وأما جنادة وسفيان فماتا‪ ،‬وقتل عمرو‪ ،‬ولم يسم قاتله‪ .‬قالوا‪ :‬وأمهم جميعا لبنى إل سفيان بن مرة‪ ،‬فإن أمه أم عمرو‬
‫‪.‬القردية‪ ،‬وكان أيسر القوم وأكثرهم مال‬
‫وقال أبو عمرو‪ :‬وغزا أبو خراش فهما‪ ،‬فأصاب منهم عجوزا‪ ،‬وأتى بها منزل قومه‪ ،‬فدفعها إلى شيخ منهم‪ ،‬وقال‪ :‬احتفظ بها‬
‫‪:‬حتى آتيك‪ ،‬وانطلق لحاجته‪ ،‬فأدخلته بيتا صغيرا‪ ،‬وأغلقت عليه‪ ،‬وانطلقت‪ ،‬فجاء أبو خراش‪ ،‬وقد ذهبت‪ ،‬قال‬
‫بني فالج بالليث أهل الخزائم الدولج‪ :‬بيت صغير يكون للبهم‪ ،‬والليث‪ :‬ماء لهم‪،‬‬ ‫سدت عليه دولجا يمـمـت‬
‫‪.‬والخزائم البقر واحدتها خزومة‬

‫سألقاك إن وافيت أهل المواسم يقال‪ :‬دنخ الرجل ودمخ إذا أكب على وجهه‬ ‫وقالت له‪ :‬دنخ مكانك إنـنـي‬
‫‪.‬ويديه‬
‫وقال أبو عمرو‪ :‬دخلت أميمة امرأة عروة بن مرة على أبي خراش وهو يلعب ابنه فقالت له‪ :‬يا أبا خراش تناسيت عروة‪،‬‬
‫وتركت الطلب بثأرة‪ ،‬ولهوت مع ابنك‪ ،‬أما والله لو كنت المقتول ما غفل عنك‪ ،‬ولطلب قاتلك حتى يقتله‪ ،‬فبكى أبو خراش‪،‬‬
‫‪:‬وأنشأ يقول‬
‫وإن ثوائي عندهـا لـقـلـيل‬ ‫لعمري لقد راعت أميمة طلعتي‬
‫وذلك رزء لو علمت جـلـيل‬ ‫وقالت‪ :‬أراه بعد عروة لهـيا‬
‫ولكن صبري يا أميم جـمـيل‬ ‫فل تحسبي أني تناسيت فـقـده‬
‫نديما صفاء مالـك وعـقـيل‬ ‫ألم تعلمي أن قد تفرق قبلـنـا‬

‫صفحة ‪2399 :‬‬

‫مبيت لنا فيما خـل ومـقـيل‬ ‫أبى الصبر أني ل يزال يهيجني‬
‫يعاودني قطع علـي ثـقـيل قال أبو عمرو‪ :‬فأما أبو جندب أخو أبي خراش‬ ‫وأني إذا ما الصبح آنست ضوءه‬
‫فإنه كان جاور بني نفاثة بن عدي بن الديل حينا من الدهر‪ ،‬ثم إنهم هموا بأن يغدروا به‪ ،‬وكانت له إبل كثيرة فيها أخوه جنادة‪،‬‬
‫فراح عليه أخوه جنادة ذات ليلة‪ ،‬وإذا به كلوم‪ ،‬فقال له أبو جندب‪ :‬مالك? فقال‪ :‬ضربني رجل من جيرانك‪ ،‬فأقبل أبو جندب‪،‬‬
‫حتى أتى جيرانه من بني نفاثة‪ ،‬فقال لهم‪ :‬يا قوم‪ ،‬ما هذا الجوار? لقد كنت أرجو من جواركم خيرا من هذا‪ ،‬أيتجاور أهل‬
‫‪?.‬العراض بمثل هذا‬
‫فقالوا‪ :‬أولم يكن بنو لحيان‪ ،‬يقتلوننا‪ ،‬فوالله ما قرت دماؤنا‪ ،‬ومازالت تغلي‪ ،‬والله إنك للثار المنيم‪ ،‬فقال‪ :‬أما إنه لم يصب أخي‬
‫إل خير‪ ،‬ولكنما هذه معاتبة لكم‪ ،‬وفطن للذي يريد القوم من الغدر به‪ ،‬وكان بأسفل دفاق‪ ،‬فأصبحوا ظاعنين‪ ،‬وتواعدوا ماء ظر‪،‬‬
‫فنفذ الرجال إلى الماء‪ ،‬وأخروا النساء لن يتبعنهم إذا نزلوا‪ ،‬واتخذوا الحياض للبل‪ ،‬فأمر أبو جندب أخاه جنادة وقال له‪ :‬اسرح‬
‫‪.‬مع نعم القوم‬
‫ثم توقف‪ ،‬وتأخر‪ ،‬حتى تمر عليك النعم كلها‪ ،‬وأنت في آخرها سراح بإبلك‪ ،‬واتركها متفرقة في المرعى‪ ،‬فإذا غابوا عنك فاجمع‬
‫إبلك‪ ،‬واطردها نحو أرضنا‪ ،‬وموعدك نجد ألو ذثنية‪ ،‬في طريق بلده‪ ،‬وقال لمرأته أم زنباع وهي من بني كلب بن عوف‪ :‬اظعني‬
‫‪.‬وتمكثي‪ ،‬حتى تخرج آخر ظعينة من النساء‬
‫ثم توجهي‪ ،‬فموعدك ثنية يدعان من جانب النخلة‪ ،‬وأخذ أبو جندب دلوه‪ ،‬وورد مع الرجال‪ ،‬فاتخذ القوم الحياض‪ ،‬واتخذ أبو‬
‫جندب حوضا‪ ،‬فمله ماء‪ ،‬ثم قعد عنده‪ ،‬فمرت به إبل ثم إبل‪ ،‬فكلما وردت إبل سأل عن إبله فيقولون‪ :‬قد بلغت‪ ،‬تركناها‬
‫‪.‬بالضجن‬
‫ثم قدمت النساء كلما قدمت ظعينة سألها عن أهله‪ ،‬فيقولون‪ :‬بلغتك‪ ،‬تركناها تظعن‪ ،‬حتى إذا ورد آخر النعم وآخر الظعن قال‪:‬‬
‫‪.‬والله لقد حبس أهلي حابس‪ ،‬أبصر يا فلن‪ ،‬حتى أستأنس أهلي وإبلي‪ ،‬وطرح دلوه على الحوض‬
‫‪:‬ثم ولى‪ ،‬حتى أدرك القوم بحيث وعدهم‪ ،‬فقال أبو جندب في ذلك‬
‫أقول لم زنباع أقيمي صدور العينس شطر بني تميم‬
‫أنـــاس بـــــين مـــــــر وذي يدوم غربت الدعاء‪ :‬دعوت من بعيد‬ ‫‪.‬وغربت الدعاء وأين مني‬

‫لدى قران حتى بطن ضـيم‬ ‫وحي بالمناقب قد حمـوهـا‬


‫بأملح فـظـاهـرة الديم‬ ‫وأحياء لدى سعد بن بـكـر‬
‫وبعض القوم ليس بذي أروم‬ ‫أولئك معشري وهم أرومي‬
‫رجال مثل أرمية الحـمـيم الرمية‪ :‬السحاب الشديد الوقع‪ ،‬واحدها رمي‪،‬‬ ‫هنالك لو دعوت أتاك منهـم‬
‫‪.‬والحميم‪ :‬مطر القيظ‬

‫يدعهم بعض شرهم القديم‬ ‫أقل الله خـيرهـم ألـمـا‬


‫وقد سال الفجاج من الغميم‬ ‫ألما يسلم الجيران منـهـم‬
‫به نضخ العبير من الكلوم‬ ‫غداة كأن جناد بن لبـنـى‬
‫لعلك لست بالثأر المـنـيم المنيم‪ :‬الذي إذا أدرك استراح أهله وناموا‬ ‫‪.‬دعا حولي نفاثة ثم قالـوا‪:‬‬

‫ومن يغتر بالحرب القروم قالوا جميعا‪ :‬وكان أبو جندب ذا شر وبأس‪ ،‬وكان قومه‬ ‫نعوا من قتلت لحيان منهم‬
‫يسمونه المشئوم‪ ،‬فاشتكى شكوى شديدة‪ ،‬وكان له جار من خزاعة يقال له حاطم‪ ،‬فوقعت به بنو لحيان‪ ،‬فقتلوه قبل أن‬
‫يستنبل أبو جندب من مرضه‪ ،‬واستاقوا أمواله‪ ،‬وقتلوا امرأته‪ ،‬وقد كان أبو جندب كلم قومه‪ ،‬فجمعوا لجاره غنما‪ ،‬فلما أفاق أبو‬
‫جندب من مرضه خرج من أهله‪ ،‬حتى قدم مكة‪ ،‬ثم جاء يمشي‪ ،‬حتى استلم الركن‪ ،‬وقد شق ثوبه عن استه‪ ،‬فعرف الناس أنه‬
‫‪:‬يريد شرا‪ ،‬فجعل يصيح ويقول‬
‫أبكي على الكعبي والكعبية‬ ‫إني امرؤ أبكي على جارية‬
‫كانا مكان الثوب من حقويه فلما فرغ من طوافه‪ ،‬وقضى حاجته من مكة خرج في‬ ‫ولو هلكت بـكـيا عـلـيه‬
‫‪:‬الخلعاء من بكر وخزاعة‪ ،‬فاستجاشهم على بني لحيان‪ ،‬فقتل منهم قتلى‪ ،‬وسبى من نسائهم وذراريهم سبايا‪ ،‬وقال في ذلك‬
‫بحمد الله في خزي مبـين‬ ‫لقد أمسى بنو لحيان مـنـي‬
‫يشيبون الذوائب بـالنـين يشكو إلى عمر فراق ابنه‬ ‫‪:‬تركتهم على الركبات صعرا‬

‫صفحة ‪2400 :‬‬

‫أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عبد الرحمن ابن أخي الصمعي قال‪ :‬حدثني عمي قال‪ :‬هاجر خراش بن أبي‬
‫خراش الهذلي في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه‪ ،‬وغزا مع المسلمين‪ ،‬فأوغل في أرض العدو‪ ،‬فقدم أبو خراش المدينة‪،‬‬
‫فجلس بين يدي عمر‪ ،‬وشكا إليه شوقه إلى ابنه‪ ،‬وأنه رجل قد انقرض أهله‪ ،‬وقتل إخوته‪ ،‬ولم يبق له ناصر ول معين غير ابنه‬
‫‪:‬خراش‪ ،‬وقد غزا وتركه‪ ،‬وأنشأ يقول‬
‫وقد يأتيك بالنبأ البعـيد‬ ‫أل من مبلغ عني خراشا‬
‫تجهز بالحذاء ول تزيد تزيد وتزود واحد‪ ،‬من الزاد‬ ‫وقد يأتيك بالخبار من ل‬
‫ول يأتي‪ ،‬لقد سفه الـولـيد‬ ‫يناديه لـيغـبـقـه كـلـيب‬
‫كأن دموع عينـيه الـفـريد‬ ‫فرد إنـاءه ل شـيء فــيه‬
‫جبال من حرار الشام سـود‬ ‫وأصبح دون عابقه وأمسـى‬
‫اجر بعد هجـرتـه زهـيد‬ ‫أل فاعلم خراش بأن خبر المه‬
‫كمحصور اللبان ول يصـيد قال‪ :‬فكتب عمر رضي الله عنه بأن يقبل خراش إلى‬ ‫رأيتك وابتغاء الـبـر دونـي‬
‫‪.‬أبيه‪ ،‬وأل يغزو من كان له أب شيخ إل بعد أن يأذن له‬
‫مصرعه‪ :‬أخبرني حبيب بن نصر المهلبي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عمر بن شبة‪ :‬قال‪ :‬حدثنا الصمعي‪ .‬وأخبرني حبيب بن نصر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫‪.‬عبد الله بن أبي سعد قال‪ :‬حدثنا علي بن الصباح‪ ،‬عن ابن الكلبي‪ ،‬عن أبيه‬
‫وأخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال‪ :‬حدثنا أبو غسان دماذ‪ :‬قال أبو عبيدة‪ :‬وأخبرني أيضا هاشم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‬
‫ابن أخي الصمعي‪ ،‬عن عمه‪ ،‬وذكره أبو سعيد السكري في رواية الخفش عنه عن أصحابه‪ ،‬قالوا جميعا‪ :‬أسلم أبو خراش‬
‫فحسن إسلمه‪ ،‬ثم أتاه نفر من أهل اليمن قدموا حجاجا‪ ،‬فنزلوا بأبي خراش والماء منهم غير بعيد‪ ،‬فقال‪ :‬يا بني عمي‪ ،‬ما‬
‫أمسى عندنا ماء‪ ،‬ولكن هذه شاة وبرمة وقربة‪ ،‬فردوا الماء‪ ،‬وكلوا شاتكم‪ ،‬ثم دعوا برمتنا وقربتنا على الماء‪ ،‬حتى نأخذها‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬والله ما نحن بسائرين في ليلتنا هذه‪ ،‬وما نحن ببارحين حيث أمسينا‪ ،‬فلما رأى ذلك أبو خراش أخذ قربته‪ ،‬وسعى نحو‬
‫الماء تحت الليل حتى استقى‪ ،‬ثم أقبل صادرا‪ ،‬فنهشته حية قبل أن يصل إليهم‪ ،‬فأقبل مسرعا حتى أعطاهم الماء‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ابطخوا شاتكم وكلوا ولم يعلمهم بما أصابه‪ ،‬فباتوا على شاتهم يأكلون حتى أصبحوا‪ ،‬وأصبح أبو خراش في الموت‪ ،‬فلم يبرحوا‬
‫‪:‬حتى دفنوه‪ ،‬وقال وهو يعالج الموت‬
‫على النسان تطلع كل نجـد‬ ‫لعمرك والمنايا غـالـبـات‬
‫على الصحاب ساقا ذات فقد وقال أيضا‬ ‫‪:‬لقد أهلكت حية بطـن أنـف‬
‫على الصحاب ساقا ذات فضل‬ ‫لقد أهلكت حية بـطـن أنـف‬
‫إلى صنعاء يطلـبـه بـذحـل قال‪ :‬فبلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه خبره‪،‬‬ ‫فما تركت عدوا بين بـصـرى‬
‫فغضب غضبا شديدا‪ ،‬وقال‪ :‬لول أن تكون سبة لمرت أل يضاف يمان أبدا‪ ،‬ولكتبت بذلك إلى الفاق‪ .‬إن الرجل ليضيف أحدهم‪،‬‬
‫فيبذل مجهوده فيسخطه ول يقبله منه‪ ،‬ويطالبه بما ل يقدر عليه‪ ،‬كأنه يطالبه بدين‪ ،‬أو يتعنته ليفضحه‪ ،‬فهو يكلفه التكاليف‪ ،‬حتى‬
‫أهلك ذلك من فعلهم رجل مسلما‪ ،‬وقتله‪ ،‬ثم كتب إلى عامله باليمن بأن يأخذ النفر الذين نزلوا بأبي خراش فيغرمهم ديته‪،‬‬
‫‪.‬ويؤدبهم بعد ذلك بعقوبة تمسهم جزاء لعمالهم‬

‫صوت‬

‫سواها ول ينسيك نأي ول شغل‬ ‫تهيم بها ل الدهر فان ول المنى‬


‫يحففها جون بجؤجؤة صعـل الشعر لعبد الرحمن بن مسافع بن دارة‪ ،‬والغناء لبن‬ ‫كبيضة أدحي بمـيث خـمـيلة‬
‫‪.‬محرز ثقيل أول بالوسطى‪ ،‬عن ابن المكي‬

‫أخبار ابن دارة ونسبه‬


‫نسبه‬

You might also like