Professional Documents
Culture Documents
من شعراء العرب لم يتغنى بالحب في أكثر وأشهر قصائده؟ وأي المعلقات لم تحوي من ِ
َ
..أبيات غزل وحب
:من معلقة امرؤ القيس
ُ
ل ...وإن كنت قد أزمعت صرمي فاجملي ض هذا التدل ّ ِ
م :مهلً ،بع َأفاط ُ
ب يفعل؟ك مهما تأمري القل َ
ك قاتلي ...وأن ِ ك مني أن حب ِ أغّر ِ
غير أن ذلك لم يقتصر على شعراء الجاهلية فحسب بل حتى بعد السلم تابع الشعراء
..ماكان عليه أسلفهم من استهلل قصائدهم بالغزل
:فهذا كعب بن زهير يستهل القصيدة التي مدح بها الرسول عليه الصلة والسلم
:ولم يكن الحب يوما ً وقفا ً على الشعراء والدباء بل حتى للمراء والخلفاء نصيب كبير منه
:فهذا هارون الرشيد يفوق الشعراء غزل ً حين يقول
ن
ملك الثلث النسات عناني ...وحللن من قبلي بكل مكا ِ
مالي تطاوعني البرية كلها ...وأطيعهن وهن في عصياني؟
!ما ذاك إل أن سلطان الهوى ...وهو الضعيف أعّز من سلطاني
***
فما يكون هذا المخلوق العجيب المسمى حباً ..وماهي أسبابه ومراحله ولماذا أسموه
بالحب؟
وثمرتها" الحب شجرة أصلها الفكر وعروقها الذكر وأغصانها السهر وأوراقها السقام
".المنية
ماد الراوية
ح ّ
لماذا أسموه "الحب" ولماذا اختاروا هذين الحرفين "الحاء" و"الباء" اللذين تتألف منهما
..كلمة حب للدللة على تلك العاطفة السحرية التي يقع في دوامتها العشاق؟
:يحاول السيوطي أن يعلل سر هذه التسمية بقوله
أما لماذا اختير حرف الحاء فلنه ينطق من أقصى الحلق ،وهو مبدأ الصوت ..ومخرجه"
.قريب من معدن الحب وقراره ..أعني القلب
وأما لماذا اختير حرف الباء فلن النطق به من الشفتين وهما آخر مخارج الصوت ،وهكذا
جمع الحرفان بداية الصوت ونهايته ..ويشتمل كلهما على معنى الحب وهو بداية العاطفة
.ونهايتها
أما لماذا نطقوا لفظ الحب بضم الحاء وعدلوا من قياس مصدره وهو الفتح ،فلن قوة
معنى العاطفة وتمكنها من النفس مما يقتضي اختيار أقوى الحركات فاختاروا الضمة لنها
أقواها ،حتى يتشاكل اللفظ والمعنى .وأن في الضم من الجمع ما يوازي ما في معنى
الحب من جمع الهمة والرادة ،وبذلك يستشعر الناطق بلفظ الحب والسامع له قوة
"..معناه
:مراحل الحب
أول مراحل الحب الهوى ..ثم بالنسبة لمراحل الحب المختلفة ..العلقة ..وهي الحب
اللزم للقلب .ثم الكلف ..وهو شدة الحب ..ثم العشق ..ثم الشغف ..وهو إحراق للقلب
مع لذة يجدها واللوعة واللعج ..فإن تلك حرفة الهوى وهذا هو الهوى المحرق ،والشغف..
هو أن يبلغ الحب شغاف القلب ،وهي جلدة رقيقة تحيط بالقلب .أما الجوى ..فهو الهوى
الباطني .ثم التيم ..وهو أن يستعبده الحب ،ويقول رجل متيم ..التبل وهو أن يسقمه
الهوى .ويقولون أيضا ً رجل متبول .أما التدليه فهو ذهاب العقل من الهوى ،فيقولون في
مثل هذا المحب رجل مدله .وآخر مراتب الحب الهيوم وهو أن يذهب المحب على وجهه،
..لغلبة الهوى عليه ،فيقولون عن هذا المحب رجل هائم
***
جيدا ً أيضاً " "عندما نعرف الحب جيدا ً فإننا نعرف المقاومة
ثيودراكيس
يتصرف" الحب هو المبدأ الذي جعل عامة الشباب أبطال ً صناديد .فالمحب يخجل أن
تصرف الجبناء في حضرة محبوبه ،فأمدوني بجيش من المحبين ،وأنا أستطيع أن أغزو به
"العالم
فيدروس
الحب هو شوق النفس النسانية الملح إلى الجمال اللهي .والمحب ل يشتاق إلى التماس
الجمال فحسب ،بل إلى إبداعه ونشره وزرع بذرة الخلود في الجسد الفاني .وهذا هو
".السر في حب كل جنس للجنس الخر
سقراط
الحب ل يسأم ول يمل ول يعرف الفتور ..ول بد أن تلح في حبك حتى تظفر بمن تحب أو
"تفنى دونه
طه حسين
وحين" إنك ل تختار حين تحب ..ول تحب حين تختار ..وإننا مع القضاء والقدر حين نولد
"نحب ..وحين نموت
العقاد
فاذا" الحب ..ينبغي أن يمل حياتنا ..إنه الروح الدافعة للنسان ..للعمل والخلق والبتكار..
".انعدمت هذه الروح فقدت الحياة أهميتها ،أصبحت بل معنى بل هدف ..بل غاية
***
***
هو" العشق محبوب يخطف الروح ،يأخذ القلب ،يقطع الرأس ،ويعلن السر ..والعشق
الماء الذي يشعل النار ،والنار التي تحرق الماء ..والمعزول عن العشق مثل الطائر
مته :أن يأكل الحب ،وقوته:
المنزلي ،ل يستطيع التحليق والرتفاع مع وجود جناحيه ..فه ّ
أن يطير حول المنزل ..والغرض ينافى العشق ..فالعاشق بريء من رغبته الخاصة ،وهو
"..ينهض متخلصا ً من الروح والجسم ول يتكلم
العشق هو القوة الخفية التي تدفع السالك إلى المضي قدما ً في الطريق ،آمل ً في
لقاء"
المحبوب الزلي ..والعشق نار ..أما العقل فدخان ..وما أن أقبل العشق حتى ولّى العقل
الفرار ..فالعاشق ليس وليد العقل ..والعشق يسمو بالعاشق حتى يجعله يفنى في ذات
"...المعشوق
وزعموا" قد بلغنا أن ببعض بلد الهند قوما ً ل يعشقون ،ويرونه ضربا ً من السحر والجنون..
"..أن العشق سبب النوى ،وفيه المذلة ،والعناء ،ومنه يكون السقم والضنى
لولئك" إن الرجل العاشق يجول في العالم مثل الماشي في نومه بأعين تبدو أنها مفتوحة
"...الذين يلحظونه ..إل أن الحقيقة هي أنهم ل ينظرون غير أوهامهم الداخلية
*******
..عندما نحب
حب؟حب ..وت ُ َ
قالت :أيهما أفضل أن ت ُ ِ
قلت :شيء جميل أن يشعر النسان أنه محبوب من الناس ..أن يجد حوله قلوباً
ترعاه ..أن يستريح إلى نفوس يطمئن إليها ..فالنسان بطبعه وتكوينه يحب أن يجد
.الناس حوله ..وما أجمل أن يجد الناس بمشاعرهم وليس بأجسادهم فقط
والنسان أيضا ً يشعر بقيمة أن يحب ..أن يجد نفسه في إنسان آخر ..أن يستكمل
دائرة مشاعره فيلوح في الفق ضوء خافت يتسلل إلى نفوسنا ونتعلم منه
الشواق والحنين والفتقاد واللم ..شيء عظيم أن يعرف النسان طعم الحب..
حيث النتماء والعطاء والصدق والكتفاء ..إنسان أحبه يمل حولي كل هذا الكون..
.وأراه الناس جميعاً
وإذا كان من المهم أن يجد النسان حوله قلوبا ً تحبه ..وأن يشعر أنه يحب ..فل بد
حب في وقت واحد ..أكره الشياء عندي هو ما نسميه بالحب من حب وي َ
أن ي ِ
طرف واحد ..لن الصل في الحب أن يكون بين اثنين ..بين سالب وموجب لكي
تكون هناك شرارة ..بين قلب وقلب لكي تكون هناك مشاعر ..أما ما يسمى
بالحب من طرف واحد فهو يعني ان يعطي النسان بل مقابل ..أن يضيء للخرين
ويبقى وحيدا ً في ظلمة أيامه ..أن يعطي العمر والقلب بينما هناك طرف آخر
.يعطي قلبه لشخص ثالث
وقد يرى بعض الناس أن الحب من طرف واحد من أرقى أنواع المشاعر لن
النسان يعطي بل مقابل ..وأنا أرى أن العطاء الذي يقابله صمت وجحود يترك في
..العماق مرارة
ولذلك فأنا أرى أن الحب يجب أن يكون بين قلبين يشعر كل منهما باحتياج شديد
للخر ..شخصان يذوبان في شخص واحد ..إرادتان تتحدان في لحظة توحد كونية ل
يعرف النسان حدودا ً لها ..يتجاوزان بها حدود الشياء ويشعر كل منهما أنه خلق
..للخر ..وأنهما إنسان واحد شاءت القدار أن ينشطر إلى جزءين
فكيف بالله يكون النسان سعيدا ً وهو يحب إنسانا ً آخر ل يعرف عنه شيئا ً وربما
.كان قلبه مشغول ً بمن يحب
..الحب نوع من التكامل ..والتكامل يقوم على شخصين وليس على شخص واحد
قالت :وهل معنى ذلك أن يلغي الحب إرادة المحبين؟
قلت :من قال هذا؟ في اتحاد إرادة المحبين ينبت شيء جديد يخرج منه فهم
متبادل بل حوارات ..وإحساس متواصل بل كلم ..وتدفق في المشاعر بل
حسابات ..يشعر كل منهما أنه يتحدث بلسان الخر ويفهمه دون أن ينطق ..ويراه
..وبينهما آلف الميال
الحب تأكيد لفردية النسان وليس إلغاء لها ..حينما أجد نفسي في شخص آخر
وأتوحد معه يزداد يقيني بالشياء ..وتصبح إرادتي أكثر صلبة ،وإحساس أكثر
..عمقاً
ما أجمل أن تتوحد المشاعر وتتفاعل لتصنع عالما ً جديدا ً يتجاوز حدود الفرد إلى
.آفاق أبعد وأوسع وأشمل ..وهذا هو الحب
قلت :هذا مثل ساذج ..لن النسان ل يرى من يحب بعينه فقط ..حينما يحب
النسان يشعر أن كل شيء فيه أصبح عيونا ً ترى هذا الحبيب .فأي العيون يكذب..
القلب ..أم العيون ..أم الكلم ..أم اللهفة أو الشواق ..أم اللم؟ ..كل جزء في
كيان النسان يرى من يحب ..فنحن ل نرى أحبابنا بعيوننا فقط ..كل جزء فينا يرى
.حينما نحب
قلت :عادة نترك هذه الشياء للزمن ..إن الزمن هو الختبار الحقيقي لمشاعر
الناس ..هو الميزان الحساس الذي نعرف منه قيمة الشياء بين أيدينا ..قد تخدعنا
مشاعر طارئة أو لهفة زائفة أو لحظة جنون عابرة ..ولكن هذه المشاعر سرعان
ما تنزوي وترحل مثل الضباب في فصل الصيف ..تظهر الشمس في السماء
ويتساقط الضباب أمام حرارتها مثل أوراق الخريف ..أما الحب الحقيقي فهو أكبر
من متغيرات الزمن ،ولذلك تمضي اليام تحملها حقائب الزمن ويبقى الحب رغم
أنف اليام يحملنا في كل الماكن ويشاركنا كل الزمنة ..قد تعبر على النسان
نزوة عابرة وهذا ليس حباً ..ولكن الحب إحساس متكامل يصعب علينا أن نطبق
عليه قواعد التشريح ..الحب حالة تحتوي النسان تماما ً فل يرى في الكون شيئاً
.أكبر ممن يحب
__________________
***************
عمر ونُعم
فتى قريش المدلل ،وأول شاعر ينبغ من بينها ويطير ذكره في القبائل ،وإذا بلغة الضاد
على شفتيه تكتسي رداءها القرشي ،وطابعها العربي الصيل ،في رقة تفتن القلوب
وتستهوي اللباب ،وديباجة جزلة ولكنها ناعمة ،متينة السبك غير أنها تفيض سلسة
..وليونة
للمرة الولى في تاريخ الشعر العربي يفاجئنا شاعر بأن يدور شعره كله حول موضوع
واحد هو الغزل ،شاعر ل يمدح ول يهجو شأن غيره من الشعراء ،إنه فقط يحب ،ويعلن
عن هذا الحب في شعره ،ديوان شعره كله ديوان حب ،والقصيدة الواحدة من قصائده
قصيدة حب كاملة .كان الغزل في شعر الشعراء قبل عمر شيئا ً يتخفى أو يبين داخل غيره
من أغراض القصيد ،وهو في الكثر العم مدخل يفضي إلى الغرض الرئيسي من
القصيدة ،او هو حسن استهلل يصل من خلله الشاعر إلى موضوعه الجوهري مدحا ً او
.فخرا ً أو هجاء و تأملً
ولد ومات بالحجاز وعاش بمكة ،وكان يتردد على المدينة واليمن والشام والعراق ،قد أتيح
له من شبابه وجماله وفتوته وشاعريته وعراقة أصله وثرائه فضل ً عن كونه وحيد أمه ما
يسر أمامه سبيل العيش اللهي العابث ،وهيأ له أفانين المتعة واللهو ينتقل من غاية إلى
غاية ومن التشبب بحسناء إلى الولع بأخرى ،ومن تتبع خطا قرشية إلى التغزل بأخرى غير
قرشية ،وما أكثر ما كانت مواسم الحج ،بالنسبة له ،مواسم للحب واللذة والدوران وراء
اللتي قدمن للحج ،من بقاع الوطن السلمي ،يتعرض لهن ،ويتشبب بهن ،وينسج حولهن
القاصيص في شعره ويحاورهن ويترقب خروجهن للطواف محرمات فيقعن من فؤاده
موقعا ً يملك عليه لبه ،وما يلبث شعره أن يسير ويروى ويتناقله الركبان والسمار .وبعض
هؤلء اللتي قدمن للحج قد بلغتهن قصص عمر وأفاعيله وأشعاره ،ووددن لو كان لهن
حظ من شهرة ينلنها بفضل أبيات قليلة منه .إن التفات عمر إليهن حظوة وتكريم وذكرهن
.في شعره مجد وأي مجد يتهن به على الصواحب والتراب
ينفرد عمر بقدرة على النفاذ إلى خوالج نفس المرأة وتصوير عواطفها وأهوائها ونزوعاتها
..وتقلبها وإحاطة بحركاتها وإشاراتها ولفتاتها وأساليب حديثها وطرق تعبيرها
وفي شعره تطالعنا لول مرة في شعرنا العربي ،القدرة على القص وكتابة شعر الغزل
القصصي فالكثير من قصائده تجارب عاطفية في إطار من القصة يتخللها غالبا ً حوار بين
شخوصها وأبطالها وهو مستوى من التعبير الشعري القصصي تفوق به عمر كثيرا ً على
أستاذه الول في هذا الفن امرئ القيس كما تفوق بقدرته على فهم نفسية المرأة وتمثل
.حالتها المختلفة ،والقدرة على خلق الحوار الطبيعي النابض بالحياة والجمال والطرافة
وهو أيضا ً شاعر معجب بنفسه كل العجاب ،شاعر نرجسي يمتلئ شعره بذكر تهافت
!!الحسان عليه ,وإعجابهن به وبشعره فنجد في قصائده لونا ً من التشبب بنفسه
عمر ونعم
وهي واحدة من محبوباته يكتب فيها قصيدة يستهلها بالحديث عن شمل غير مكتمل وحبل
غير موصول وحنين إليها حالت الحوائل بينه وبينها كأقاربها الذين يقطعون الطريق عليه
.ويتنمرون له
ثم يصف في القصيدة ليلة أخذ يترقب فيها نوم المحيطين بنعم حتى إذا هجعوا وأطفئت
المصابيح ونام السمار فاجأها بالزيارة ،ثم هو يصف وقع المفاجأة عليها ومادار بينهما من
..حوار وهي متوجسة خائفة من الفضيحة
سُر ضت بالبنان فَضحتني = وأَنت اِمرؤ ٌ ميسور أَمر َ َ وَقالَت َوع َ َّ
ك أع َ ِ ُ ُ َ َ َ َ َ ِ َ ِ
َ
ضُر َ َ َ َ َ أََريت َ َ
ح ّ من عَدُوِّك ُ حولي ِ ت وَ َ خف = وُقي َ ك إِذ هُنّا ع َليك ألم ت َ َ
َ َ َ
فَوَ اللَهِ ما أدري أتَعجي ُ
ت تَحذَُر من كُن َ م َ ك أم قَد نا َ سَرت ب ِ َ جةٍ = َ ل حا َ
س تَنظُرُ َ ت لَها بَل قادَني ال َ فَقُل ُ
ن النا ِ م َ ن ِ ك وَما ع َي ٌ شوقُ وَالهَوى = إِلي ِ
َ
متَكَبُِّر
ُ ال كَ ُ رب ظ
ِ ِ ٍ َ ّحف ب َ
ك ل َ ك = ُها ع رو خَ
َ َ َ ر ف أ و ت َ ن ل دَ قَ و ت َ قال َ ف
ويمضيان الليل سوية ويلذ لهما الوصال حتى يروعهما صوت المنادي يؤذن للرحيل وقد
أوشك الليل على النقضاء .وهنا تبلغ القصة قمتها وتستحكم عقدتها ،لقد استيقظ القوم
وتنبهوا فكيف لعمر أن يغادر الحي دون أن يحسوا به ،وتدبر له صاحبته المخرج تفضي
لختيها بالمر لعلهما تعينان عليه ،وتعطيه الصغرى رداءها فيرتديه ويمشي بينهن حتى
..يغادر فل السر يفشو ول الفضيحة تقع
قصيدة "نعم" شاهد على مغامرة شاعر فاتك ،معجب بنفسه ،مفتون بذاته ،وبحظوته لدى
النساء ،واقتداره على الوصول إليهن ،شاعر استطاع أن يخط في مسيرة الشعر العربي
عامة وشعر الغزل والحب خاصة أثرا ً فريدا ً غير متكرر تنتمي جذوره البعيدة إلى امرئ
.القيس وتنتهي فروعه القريبة إلى نزار قباني
*****************
حكاية
كان في بغداد رجل فقد قلبه بسبب العشق .كان الرجل صادقا ً في طريق العشق،
.حين صار فجأة عاشقا ً لمرأة
وكان مسكن الرجل على نهر المعلى ،والمرأة بالكوخ ،يقوم بينهما ماء دجلة
.حاجزاً
وفي كل ليلة كان الرجل بدافع من نار قلبه يسلك لتخاذ طريق دجلة ،كان يعبره
.ويصل إلى بيت المرأة غافل ً عن الروح والجسم
كانت كأس العشق قد أثملته ،وجرأته الشديدة جعلته يجيد السباحة ..ولما مضت
على هذا الحال مدة ..هدأت نار عشقه قليلً ..فصار يرى نفسه في هذا المر..
.وصار يحوم حول السباب والدوافع لحبه
وكان هناك خال على خد المرأة الذي يشبه القمر ،نظر إليه الرجل وقال :ما هذا
!الخال يا ذات الوجه القمري؟ حدثيني عن أخوال خالك
قالت له المرأة :ل تنزل إلى الماء هذه الليلة ،حافظ على روحك .إن الخال على
خدي مذ ولدتني أمي ،ولكن نار عشقك خبا أوارها ومادمت رأيت الخال على
..وجهي ،فقد وصلت إلى درجة الشبع من حسني
ولم يستمع الرجل ،ونزل إلى نهر دجلة ،وأضاع بالتهور حياته ،غرق وأسلم الروح
.في الماء ،هلك وباد منه الجسم في الماء
:فكرة الحكاية
أن العاشق الثمل بالعشق يغفل عن العراض المادية التي تحيط به ول يشعر بها فاذا
صحا من سكره اطلع على حاصل الطين وحينئذ يأتيه الخطر من عقله
***************
العشق في الدب الفارسي
-اعلم يا بني أن النسان ما لم يكن لطيف الطبع ل يعشق؛ لن العشق ينشأ من لطافة
الطبع ،وكل ما ينشأ من لطافة الطبع فهو لطيف ،ولما كان لطيفا ً فإنه يتعلق بالطبع
اللطيف ،أل ترى أن الشباب أكثر عشقا ً من الشيوخ؛ لن طبع الشباب ألطف من طبع
.الشيوخ؟
- اجتهد أل تعشق وتجنب العشق ،لن أمر العشق أمر ذو بلء ،وخاصة إبان الفلس ،إذ كل
عاشق مفلس ل يبلغ المراد ،وخاصة إذا كان شيخاً ،لن الغرض ل يتحقق بغير المال،
..فيكون قد سعى في سفح دمه
- سنة من راحة الوصل ،ل تساوي يوما ً من ألم الفراق ،إذ أن رأس مال العشق :العناء
!..وألم القلب والمحنة
- .اذا كان ثمة وصال يعقبه فراق ،فذاك الوصال أسوأ من الفراق
احفظ نفسك ما استطعت وجانب العشق ،اذ ل يستطيع الحتراز من العشق سوى -
العقلء لنه ل يمكن أن يصير شخص عاشقا ً بنظرة واحدة .فالعين ترى أولً ..ثم القلب.
.فإذا أعجب القلب ،مال إليه الطبع ،وعندئذ يطلب اللقاء
- .ل مفر للدمي من أربعة أشياء :خبز وخرقة وخربة وحبيب
اجتهد أل تكون عاشقا ً ،فإذا أحببت إنسانا ً فأحبب شخصا ً يستاهل الحب ،ولو أن
-
المعشوق ل يكون أفلطون ولكن يجب أن يكون على شيء من الحكمة .واعرف كذلك
أنه ل يكون يوسف بن يعقوب ،عليهما السلم ،ولكن يجب أن تكون فيه ملحة لتنعقل
ألسنة بعض الناس ويقبلوا عذرك ،فإن الخلق ل يفرغون من أن يعيبوا ويتلمسوا عيوب
..الناس
*********************
قمر في بغداد
هذا شاعر قتله طموحه ،يعرفه دارسو الدب ومحبوه ،لكنهم ل يعرفون له غير هذا الثر
الشعري الفريد يتناقله الرواة ،وتعنى به دواوين الشعر العربي .فإذا ما تساءلنا عن
الشاعر ،وعن سائر شعره فلن نظفر من بين ثنايا الصفحات بغير بضعة سطور تحكي لنا
مأساة الشاعر العباسي ابن زريق البغدادي الذي ارتحل عن موطنه الصلي في بغداد
قاصدا ً بلد الندلس ،علّه يجد فيها من لين العيش وسعة الرزق ما يعوضه عن فقره،
ويترك الشاعر في بغداد زوجة يحبها وتحبه كل الحب ،ويخلص لها وتخلص له كل الخلص،
.من أجلها يهاجر ويسافر ويغترب
وفي الندلس يجاهد الشاعر ويكافح من أجل تحقيق الحلم ،لكن التوفيق ل يصاحبه،
.والحظ ل يبتسم له ،فهناك يمرض ،ويشتد به المرض ،ثم تكون نهايته في الغربة
ويضيف الرواة بعدا ً جديدا ً للمأساة ،فيقولون إن هذه القصيدة التي ل يعرف له شعر
سواها وجدت معه عند وفاته سنة أربعمائة وعشرين من الهجرة ،يخاطب فيها زوجته،
ة أمينة
ويؤكد لها حبه حتى الرمق الخير من حياته ،ويترك لنا نحن قراءه من بعده ،خلص ً
لتجربته مع الغربة والرحيل ،من أجل الرزق ،وفي سبيل زوجته التي نصحته بعدم الرحيل
فلم يستمع إليها ،ثم هو في ختام قصيدته نادم حيث لم يعد ينفع الندم أو يجدي ،متصدع
.القلب من لوعة وأسى ،حيث ل أنيس ول رفيق ول معين
يستهل ابن زريق قصيدته بمخاطبة زوجته ،يناشدها أل تعذله أو تلومه ،فقد أثر فيه اللوم
وآذاه ،وأضر به بدل ً من أن ينفعه ،إنه هنا يبسط بين يديها أسباب رحيله عنها وتركه لها
طمعا ً في الرزق الفسيح والعيش الهانئ الوثير ،وسرعان ما يعلن عن ندمه لن ما أمله لم
..يتحقق ،وما رجاه من رزق وفير لم يتح له
ثم يلتفت ابن زريق التفاتة محب عاشق إلى بغداد حيث زوجته التي تركها دون أن يستمع
..إلى نصحها ،إنها مملكته التي أضاعها ولم يحسن تدبيرها وعرشه الذي خلع عنه
وفي ختام القصيدة يصف ابن زريق في تعبير صاف مؤثر ونسيج شعري محكم ،واقع حاله
في الغربة ،بين السى واللوعة ،واللم والندم ،وهنا ينفسح المجال التأمل،وينطلق اللسان
.بالحكمة التي أنضجتها التجربة ،ويَشَرق القلب بالدموع
ل تعذليه ،فإن العذل يولعه ..قد قلت حقا ً ولكن ليس يسمعه
جاوزت في لومه حدا ً أضر به ..من حيث قدر ِ
ت أن اللوم ينفعه
فاستعملي الرفق في تأنيبه بدلً ..من عذله فهو مضنى القلب موجعه
المتأمل في قصيدة ابن زريق البغدادي ل بد له أن يكتشف على الفور رقة التعبير فيها،
وصدق العاطفة ،وحرارة التجربة .فهي تنم عن أصالة شاعر مطبوع له لغته الشعرية
المتفردة ،وخياله الشعري الوثاب ،وصياغته البليغة المرهفة ،ونفسه الشعري الممتد.
والغريب أل يكون لبن زريق غير هذه القصيدة ،مثله كمثل دوقة المنبجي الذي لم تحفظ
له كتب تراثنا الشعري غير قصيدته "اليتيمة" وهكذا استحق الشاعر أن فضل البقاء والذكر
..في ذاكرة الشعر العربي كله بقصيدة واحدة لكل منهما
http://www.adab.com/modules.php?name=Sh3er&doWhat=shqas&qid=67171
..هذا عن يتيمة ابن زريق فماذا عن يتيمة دوقلة المنبجي
اليتيمة
تعتبر القصيدة من عيون تراثنا الشعري ولما أدرك القدماء جمالها وروعتها وأصالتها
..وتفردها أطلقوا عليها اسم اليتيمة أي التي ل شبيه لها ول نظير
.والطريف أن اليتيمة ظلت عصورا ً طويلة مجهولة النسب ل يعرف اسم شاعرها الحقيقي
ً شيئا تنطق اليتيمة بشاعرية شاعر أصيل مقتدر تفنن في وصف محبوبته دعد فلم يترك
منها إل وقد وصفه أدق وصف وأجمله ،وكأنه يقدر صورة للجمال كما تعشقه العربي
.القديم ،وحتى ليخيل لقارئ القصيدة أنه يتأمل لوحة فاتنة أبدعتها ريشة رسام مبدع
رسم الشاعر في لوحته الفاتنة جسم محبوبته ،ووجها وشعرها وجبينها وجيدها وزندها
ومعصمها وغدائرها وكل نبضة من نبضاتها ولم يفته أن يصف ذهوله وإطراقه أمام هذا
المشهد الرائع من مشاهد الحب والجمال وأن يتحدث عن أنفته وعزته وكبريائه حين يعّز
عليه الوصال وكأنه بذلك يقدم لنا مثل الفارس العربي النبيل يذوب في هواه صبابة ووجداً
.ولكنه يترفع عزة وإباء وشموخا ً ويجل نفسه عن ارتكاب الدنايا والصغائر
والقصيدة رغم التزامها في بنائها العام للمنهج التقليدي للقصيدة العربية بدءا ً بالوقوف
على الطلل ثم الحديث عن موضوع الحب وصفا ً وشكوى ووجداً ،ثم انتهاء بالفحر
بالنفس وتأكيد معنى العزة والنخوة ،إل أن ما ينسكب عليها من ماء الشعر يجعلها بالغة
الرقة والعذوبة ،ويجعل لها مذاقا ً خاصا ً في وجدان المتلقي ينأى به عن تصورها حبيسة
هذا البناء التقليدي ،بما تتكشف عنه القصيدة من تصورات رحبة للخيال والحس العربي
.العاشق
اليتيمة
http://www.adab.com/modules.php?name=Sh3er&doWhat=shq
as&qid=65148
**************
عشق شخص يتسم بالهمة والكمال ،فتاة غاية في الجمال ،وقضاء وقدرا ً دهم المرض
قلب المعشوقة ،فأصبحت نحيلة كعود الزعفران ،مصفرة الوجه ،وأصبح النهار المشرق
.مظلما ً على قلبها ،وجاءها الموت من بعيد ،واقترب منها
خبّر العاشق بذلك ،فهرول مسرعا ً وبيده سكين ،وقال :أريد الحبيبة ،حتى ل تموت
ُ
.المعشوقة بفعل الموت نفسه
فقال لها الخلق :إنك غاية في الضطراب ،وأي حكمة تراها في هذا القتل؟ ل تسفك دمها،
وكف يدك عن هذا التقل؛ لنها ستموت ميتة طبيعة هذه الساعة ،فإن لم تمت ،فليكن
!.القتل،ول يقطع رأس الميت إل جاهل
قال :إن أقدم على قتل المعشوقة بيدي ،فسأقتل قصاصا ً لها ،وعندما تقوم الساعة،
فأمام الجميع يحرقونني كالشمع ،فإما أن أقتل اليوم بسبب تعلقي بها ،وإما أن أحرق غداً
.بسببها ،فكل رغبتي هنا أو هناك أن يكون اسمي المحروق ،أو المقتول بسببها
حين بأرواحهم ،يتقدمون وقد قصروا أيديهم عن العالم، ض ّ
يتقدم العشاق إلى الطريق م َ
وتحملوا وسط ذلك آلم الروح ،كما خلّصوا القلب من الدنيا كلية ،وما أن خلصوا أرواحهم
.من الكل ،حتى أصبحوا في خلوة مع الحبيب
*****************
وماتوا من العشق
قالت :كل الشياء تطاردنا ..أخاف حينما نلتقي ..أشعر بالرعب حينما تتلمس
أيدينا ..أصرخ في داخلي وأنا أحدق في عيون الناس وهي تلتهم مشاعرنا ..كل ما
.حولنا يشعرنا أننا على خطأ
أجيء إليك وكلي شوق ..أجلس معك وكلي خوف ..أفارقك وكلي حزن ..كيف
..أواجه كل هذا التناقض في مشاعري
قلت :أوافقك أننا نعيش زمان الخوف ..كل ما حولنا يرصدنا ويفسد علينا كل
لحظة سعيدة يمكن أن نعيشها ..المشكلة أننا محاصرون رغم أن الرض واسعة..
.العالم ضيق حولنا ..رغم أن هناك مساحات شاسعة من الرض
..تقيدنا عادات وتقاليد واستمارات وأوراق رسمية وغير رسمية
نقيد أنفسنا بعشرات القيود ..وإذا حاولنا أن نحطم قيدا ً فإن الحب هو القيد الوحيد
.الذي نسعى لتكسيره
قد نجد أشياء كثيرة في الوقت المناسب ..قد نجد المال ..والشهرة ..والمجد..
والنجاح في الوقت المناسب ..ولكن الحب ل أدري لماذا ل يجيء في الوقت
المناسب ..من أجل هذا أشعر أننا قد نفترق الن ولكنني واثق أنني لن أحب أحداً
..كما أحببتك
***************
بدء الحب
كان عروة بن حزام من بني عذرة ،مات أبوه وعمره أربع سنوات ،فكفله عمه عقال بن
مهاصر ،فنشأ في حجره مع ابنته عفراء يلعبان ويكونان معاً ،حتى ألف كل منهما صاحبه
إلفا ً شديداً ،وكان عقال يقول لعروة لما يرى من إلفه لبنته :أبشر ،فإن عفراء زوجتك إن
شاء الله .فكانا كذلك حتى لحقت عفراء بالنساء ولحق عروة بالرجال فأتى عمة لها يقال
لها هند ،وقال لها في بعض ما قال :ياعمة إني لمكلمك وإني لمستح منك ،ولكني لم أفعل
هذا حتى ضقت ذرعا ً بما أنا فيه ،فاذهبي إلى عمي عقال واخطبي لي عفراء منه .فذهبت
العمة إلى أخيها فقالت له :يا أخي قد أتيتك في حاجة أحب أن تحسن فيها الرد ،فإن الله
يأجرك لصلة رحمك بي على ما أسألك ،فقال لها :قولي فلن تسألي حاجة إل وفيتها لك.
فقالت :تزوج عروة ابن أخيك بابنتك عفراء ،فقال :ما بي عنه مذهب ،ول هو شخص يرغب
عنه ،ول بي عنه رغبة ،ولكنه ليس بذي مال ،وليس هناك وجه للسرعة ،فلنترك المر حتى
.يصيب بعض المال
وكانت أم عفراء سيئة الرأي في عروة وكانت تريد لبنتها رجل ً موسرا ً ذا مال وكان
يطمعها في أمنيتها أن ابنتها على حظ وافر من الحسن والجمال .وبلغ عروة أشده ،وعرف
أن شابا ً موسرا ً من ذوي قرباه يريد أن يخطبها لنفسه ،فأتى عمه وقال له :ياعم قد
عرفت حقي وقرابتي وأني ولدك وربيت في حجرك وقد بلغني أن شخصا ً جاءك يخطب
عفراء فإن أسعفته برغبته قتلتني ،فأنشدك الله ورحمي وحقي ،فّرق له ،وقال له :يا بني
أنت معدم وحالنا قريبة من حالك ،ولست مخرجها إلى سواك ،إل أن أمها تأبى أن تزوجها
إل بمهر غال فاسع في الرض واسترزق الله تعالى ،لعلك تصيب ما تحقق به أمنيتك .فجاء
إلى أمها وتلطف لها فأبت أن تجيبه إل بما تريده من المهر الغالي على أن يسوق إليها هي
.شطرا كبيرا منه ،فوعدها ذلك وانصرف
عرف عروة إنه ل تنفعه قرابة عند عمه وزوجته ،وأنه ل سبيل له إلى عفراء إل أن يحصل
على مال وفير ،ففكر في قصد ابن عم له ثري كان مقيما ً في بلدة الري بإيران وعرض
فكرته على عمه عقال وزوجته فوافقاه على عزمه ووعداه أن ل يزوجا عفراء غيره حتى
.يعود
وكان له رفيقان يألفهما ،فصحباه في رحلته الطويلة وشد كل منهم على راحلته ،وكان
في طول سفره ساهيا ً يكلمانه فل يفهم حتى يرد عليه القول مرارا إذ كان فكره دائما ً في
:عفراء وكان كثيرا ً ما ينشد
وكانا يعزيانه ويقولن له إن أمنيتك منها ستتحقق ،فل يكف عن ذكرها وترداد اسمها ،وما
:أصابه من حبها ،وبراه من عشقها ،ويقول
ومازال في هيامه وذكره لصاحبته حتى قدم على ابن عمه ،فلقيه وعرفه حاله وما قدم له،
.فوصله وكساه وأعطاه مائة من البل ،فانصرف بها إلى أهله وقومه
نقض العهد
تصادف أن رجل ً من أهل الشام من بني أمية نزل في حي عفراء فنحر بعيرا ً للناس ووهب
وأطعم ،وكان ظاهر الثراء ،وبينما هو في بعض مجالسه إذ رأى عفراء حاسرة عن وجهها
ومعصميها تحمل إناء سمن وعليها إزار حرير أخضر ،فلما رآها وقعت من قلبه بمكانة
عظيمة ،فسأل عنها فعرف انها ابنة عقال فخطبها منه فاعتذر إليه وقال :لقد سبقك إليها
ابن أخ لي يعدلها عندي ،وما لغيره إليها سبيل ،فقال له :إني أرغبك في المهر ،فقال
عقال :ل حاجة لي بذلك .فعدل الموي إلى أمها فوجد عندها قبول ً لماله وبذله وكرمه،
فوعدته أن تكون من نصيبه وجاءت إلى زوجها فتلطّفت له ثم قالت في أثناء حديثها معه:
أي خير في عروة حتى تحبس ابنتي عليه ،وقد جاءها الغنى والثراء يطرقان عليها بابها،
ووالله ما ندري أعروة حي أم ميت ،وهل ينقلب إلينا بمال أو ل ،فتكون قد حرمت ابنتك
خيرا ً حاضرا ً ورزقا ً سنيا .ولم تزل به حتى قال هل :إن عاد الموي لي خاطبا ً أجبته،
فوجهت إلى الرجل من ساعتها أن عُد ْ إلى عقال خاطباً .فلما كان من غد نحر عدة من
البل وأطعم الناس وفرق عليهم الموال ،وكان قد دعا الحي جميعه وفيهم عقال ،فلما
أكلوا أعاد القول في الخطبة ،فأجابه عقال وساق الرجل مهرا ً كبيرا ً قرت له عين الم ،أما
:عفراء فكانت تنشد
ولما كان الليل دخل بها زوجها ،وأقام في بني عذرة ثلثة أيام ،ثم ارتحل إلى الشام مع
.صاحبته
:عودة عروة
فكر عقال كيف يلقى عروة ،وهداه تفكيره إلى أن يحتال عليه ،فعمد إلى قبر عتيق،
فجدده وسواه ،وسأل الحي كتمان أمرها .وقدم عروة بعد أيام ،فنعاها أبوها إليه ،وذهب
به إلى ذلك القبر ،فمكث يختلف إليه وهو يئن ويتفجع ،وكان يأتي دارها فيلصق صدره بها،
:وينتحب أحر انتحاب فعذله بعض الناس وقالوا له إنك تشرف على التلف ،فأنشد
ورقت لحاله بعض فتيات الحي فأخبرته بحقيقة ما كان من عمه وأنه غدر بوعده ولم يوف
:بعهده ولما صح عنده ما أنبأته به الفتيات أنشأ يقول
ن
م ٍ لزم ٍ وهَوا ِ مبْتلّي حليفا ً لِهَ ّ ت ُ .. م يا ذا الغَدْرِ ل زِل ْ َ فيا ع َ ٌ
ْ َ َ َ
ن
ِ الخفقا م
َ دائ قلبي تْ َ م ز
َ ل أ َ ف .. ة
ً ّ جي
َ ِ س ك ْ ن م
ِ ر
ُ ْ د َ غ ال ن
َ وكا تغَدَْر َ
َ ً َ ً َ َ َ
ن
مل ِم الهَ َ ت عيني دائ َ سَرة ً ..وأوَْرث ْ َ ح ْ ما وكْربا و َ وَأوَْرثْتَني غ ّ
ن ل مكا ِ م بِك ُ ِّ ك مقسو ٌ ه ..وقلب ُ َ ن هَويت َ ُ م ْ ق إلى َ ت ذا شو ٍ فل ِزل ْ َ
ولم يلبث عروة أن عزم على الرحلة إلى الشام ،لعله يرى عفراء ويشفي غليله بنظرة
منها ،فركب بعض إبله وأخذ معه زادا ونفقة واتجه إلى الشام فقدمها ،وسأل عن الرجل
فأخبره الناس به ودلوه عليه ،فقصده ،فأكرمه دون أن يعرفه وأحسن ضيافته ،ومكث
عنده أياما حتى أنس به .ثم عزم على أن يكشف عن نفسه لصاحبته فقال لجارية لها
كانت تقدم إليه اللبن حين يصبح:هل لك في يد تولينيها؟ قال :نعم ،قال :تدفعين خاتمي
هذا إلى مولتك ،فقالت :سوءة لك ،أما تستحي من هذا القول؟ فأمسك عنها ثم أعاد
عليها ،وقال لها :ويحك هي والله بنت عمي وما أحد منا إل وهو أعز على صاحبه من
الناس فاطرحي هذا الخاتم في قدحها ،فإن أنكرت عليك ،قولي لها :اصطبح ضيف عندنا
قبلك ،ولعله سقط منه .فرقت له الجارية وفعلت ما أمرها به .فلما شربت عفراء اللبن
رأت الخاتم في القدح ،فعرفته فشهقت ثم قالت لجاريتها :اصدقيني عن الخبر فصدقتها.
فلما جاء زوجها قالت له :أتدري من ضيفك هذا؟ فقال :إني ل أعرفه ،فقالت :إنه عروة
بن حزام ابن عمي وقد كتمك نفسه حياء منه .فبعث إليه فدعاه وعاتبه على كتمانه نفسه
إياه ،وقال له :بالرحب والسعة ،نشدتك الله ل تترك هذا المكان أبدا .وخرج وتركه مع
عفراء يتحدثان ،فلما خلوا تشاكيا ما وجدا بعد الفراق وطالت الشكوى وهو يبكي أحر
بكاء .ثم ثاب إلى رشد فقال لها :هذا آخر لقائنا ،فقد أجمل هذا الرجل الكريم وأحسن إلي
وأنا خجلن منه ،ووالله ل أقيم بعد علمه مكاني ،وإني عالم أني راحل إلى منيتي ،فبكت
.وبكى وانصرف
فلما جاء زوجها وعرف أن عروة راحل قال لها :يا عفراء امنعي ابن عمك من الرحيل،
فقالت :هو والله ل يمتنع ،إنه أكرم وأشد حياء من أن يقيم بعد ما جرى بينكما .فدعاه
وقال له :يا أخي اتق الله في نفسك فقد عرفت خبرك ،وإنك إن رحلت تلفت ،ووالله ل
امنعك من الجتماع معها أبدا ،ولئن شئت لفارقنها من أجلك ،فجزاه خيرا ً وأنثى عليه
وقال :إنما كان الطمع فيها آفتي .والن قد يئست وحملت نفسي على الصبر فإن اليأس
يسلي ،ولي أمور ول بد من رجوعي إليها ،فإن وجدت بي قوة عدت إليكم وزرتكم ،حتى
.يقضي الله من أمري ما يشاء ،فزودوه وأكرموه وشيعوه ،ومضى راجعا ً إلى قومه
يأس وخبل
وكان عروة يتماسك في أول طريقه إلى قومه ،ثم لم يلبث أن أصابه خفقان وغشيان،
:فكان يلقى على وجهه خمارا ً لعفراء زودته به فيفيق وينشد
ب
ق تَذو ُ
شفي ِ
س ال َّ صدر ..لَوْع ٌ
ة تَكاد ُ لها نَفْ ُ ن في ال ّ جوى ال َ ْ
حزا ِ بِنا من َ
ب
ن عجي ُ ن بقاءُ العاشقي َ ن في الهوى ..ولك ْ حبِّي َ
م ِ
ت ال ُ
موْ ُ جبي َ
وما ع َ َ
وانتهى إلى أهله وقد سلب عقله ومسه الخبل ،ولم يعد يعي شيئا ً مما حوله وأقام أياما ً ل
يتناول طعاما ،فخرجوا به ليلة إلى فضاء ليتنزه ،فسمع رجل يقول لبنه :على أي ناقة
حملت قرب الماء؟ فقال على العفراء (ناقة) ولم يكد عروة يسمع ذلك حتى أغمى عليه،
:فلما أفاق أنشأ يقول
بك رِعْدَة ٌ ..لها بين جسمي والعِظام ِ دَبي ُ وإِنّي لَتَعْروني لِذِكْرا ِ
َ
ب
جنو ُ َ
صبا ..وما عَقَبَتْها في الّرياِح َ ك ما هَب َّ ِ
ت ال ّ فَوَاللهِ ل أنْسا ِ
التداوي من الحب
واشتد الخبل والهذيان بعروة كما اشتد به الضنا والنحول حتى لم يكد يبقى منه شيء
فقال قوم :إنه مسحور وقال قوم :بل به جنة وقال آخرون :بل هو موسوس ،ثم قالوا
لهله :إن في اليمامة عرافا ً طبيبا ً حاذقا ً يداوي من الجن ،وهو أطب الناس ،فلو أتيتموه،
فلعل الله يشفيه ،فساروا إليه من أرض بني عذرة في شمالي الحجاز فجعل يسقيه
السلوان وهو ل يزداد إل سقما ،فقال له عروة :هل عندك للحب دواء أو رقية ،فقال :ل
:والله ،فانصرف عنه مع أهله ،وهو يقول
كإ َ ْ
ن أبَْرأتَني لَطبي ُ
ب مةِ دوانِي ..فَإِن َّ َ ِ ْ ف اليَما َ وَقُل ْ ُ
ت لِعَّرِا ِ
ب َ
يّ كذو ُ
ميَر ِ
ح ْ
مي ال ِن ع َ ِّ َ
جن ّةٍ ..ولك َّ ف ِ َ
سقْم ٍ ول طي ْ ِ ي من ُ فما ب ِ َ
َ َ
بموْقِدات طبي ُ ت ُرفاتا ً كَأنَّما ..يُلَذِّع ُها بال َ س ْ
م َفَوَا كَبِدا ً أ ْ
ب
ك قري ُمن ْ َ
ن ضراُرها ..فَتُرجى ول عفراءُ ِ ة ل عفراءُ دا ٍ شي َّ َ
عَ ِ
وسمع أهله بعراف آخر في الحج بالقرب من ديارهم فقصدوه به فعالجه وصنع به مثل
صنيع عراف اليمامة فلم يزد إل ضنى وسقماً .وقال له عروة :والله ما دائي ودوائي إل
شخص مقيم بالشام ،فهو دائي وعنده دوائي وهو الذي أمرضن وأضناني ،فيئس العراف
:من شفائه ،ومضى به أهله إلى ديارهم يائسين وهو ينشد في الحين بعد الحين
موت العاشقين
وما زال عروة يعاني من حبه ،وأهله يعنون به ،حتى أصبح خيال ً والناس ينظرون إليه
ويتعجبون من أمره ،والموت يروح ويغدو بين عينيه .وظل على ذلك الحال حتى فاضت
:نفسه وهو يقول
من كان من أخواتي باكيا ً أبدا ..فاليوم إني أراني اليوم مقبوضا
وبرزت أخواته فشققن ثيابهن وضربن خدودهن فأبكين كل من حضر ،ومات من يومه.
ولما بلغ موته عفراء قالت لزوجها :قد كان من أمر عروة ما بلغك ووالله ما كان ذلك إل
على الحسن الجميل وقد مات بسبي ول بد لي أن أقيم مأتما ً عليه وأندبه ،فأذن لها في
:ذلك .فشدت الرحال إلى قبره وظلت تندبه ثلثة أيام وهي تنشد
***********************