You are on page 1of 26

‫أهوى الحديث إذا ما كان يُذكر لي ‪ ...

‬فيه ويعبقُ لي عن عنبر أرج‬

‫من شعراء العرب لم يتغنى بالحب في أكثر وأشهر قصائده؟ وأي المعلقات لم تحوي‬ ‫من ِ‬
‫َ‬
‫‪..‬أبيات غزل وحب‬
‫‪:‬من معلقة امرؤ القيس‬
‫ُ‬
‫ل ‪ ...‬وإن كنت قد أزمعت صرمي فاجملي‬ ‫ض هذا التدل ّ ِ‬
‫م‪ :‬مهلً‪ ،‬بع َ‬‫أفاط ُ‬
‫ب يفعل؟‬‫ك مهما تأمري القل َ‬
‫ك قاتلي ‪ ...‬وأن ِ‬ ‫ك مني أن حب ِ‬ ‫أغّر ِ‬

‫‪:‬إلى معلّقة عنترة بن شداد‬

‫ض الهند تقطر من دمي‬ ‫ولقد ذكرتك والّرماح نواه ِ ٌ‬


‫ل ‪ ...‬مني وبي ُ‬
‫المتبسم‬
‫ِ‬ ‫فوددت تقبيل السيوف لنها لمعت كبارق ثغرك‬

‫‪:‬إلى النابغة الذبياني‬

‫ت وطال عليها سالف المد‬‫سند ِ ‪ ...‬أقو ْ‬


‫يا دار ميّة بالعلياء فال ّ‬
‫ُ‬
‫أضحت خلء وأضحى أهلها احتملوا ‪ ...‬أخنى عليها الذي أخنى على لبدِ‬

‫غير أن ذلك لم يقتصر على شعراء الجاهلية فحسب بل حتى بعد السلم تابع الشعراء‬
‫‪..‬ماكان عليه أسلفهم من استهلل قصائدهم بالغزل‬
‫‪:‬فهذا كعب بن زهير يستهل القصيدة التي مدح بها الرسول عليه الصلة والسلم‬

‫م إثرها لم يُلد مكبول‬


‫بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ‪ ...‬متي ٌ‬
‫ن غضيض الطرف مكحول‬ ‫وما سعاد غداة البين إذ حلوا ‪ ...‬إل أغ ُّ‬

‫‪:‬ولم يكن الحب يوما ً وقفا ً على الشعراء والدباء بل حتى للمراء والخلفاء نصيب كبير منه‬
‫‪:‬فهذا هارون الرشيد يفوق الشعراء غزل ً حين يقول‬

‫ن‬
‫ملك الثلث النسات عناني ‪ ...‬وحللن من قبلي بكل مكا ِ‬
‫مالي تطاوعني البرية كلها ‪ ...‬وأطيعهن وهن في عصياني؟‬
‫!ما ذاك إل أن سلطان الهوى ‪ ...‬وهو الضعيف أعّز من سلطاني‬

‫***‬

‫فما يكون هذا المخلوق العجيب المسمى حباً‪ ..‬وماهي أسبابه ومراحله ولماذا أسموه‬
‫بالحب؟‬

‫جد"‬ ‫أوله هزل وآخره‬


‫دقت معانيه لجلتها عن أن توصف‬
‫فل تدرك حقيقتها إل بالمعاناة‬
‫وليس بمنكر في الديانة ول بمحظور في الشريعة‬
‫"إذ القلوب بيد الله عز وجل‬
‫ابن حزم‬

‫وثمرتها"‬ ‫الحب شجرة أصلها الفكر وعروقها الذكر وأغصانها السهر وأوراقها السقام‬
‫‪".‬المنية‬
‫ماد الراوية‬
‫ح ّ‬

‫ما"‬ ‫ي‪ ،‬وأوجع‬


‫شرب‪ ،‬وأقطع ما لقي‪ ،‬وأحلى ما اشتُه َ‬‫ب‪ ،‬وأسكر ما ُ‬
‫الحب أصعب ما ُرك ِ َ‬
‫"بطن‪ ،‬وأشهى ما علن‬
‫معاذ بن سهل‬

‫ت لها غُرٌر صفر‬


‫للحب آفات اذا هي صّرحت ‪ ...‬تبدّت علما ٌ‬
‫م وظاهره جوى ‪ ...‬وأوله ذكٌر وآخره ُ فسكُر‬
‫فباطنه سق ٌ‬

‫‪:‬معنى لفظ الحب‬

‫لماذا أسموه "الحب" ولماذا اختاروا هذين الحرفين "الحاء" و"الباء" اللذين تتألف منهما‬
‫‪..‬كلمة حب للدللة على تلك العاطفة السحرية التي يقع في دوامتها العشاق؟‬
‫‪:‬يحاول السيوطي أن يعلل سر هذه التسمية بقوله‬
‫أما لماذا اختير حرف الحاء فلنه ينطق من أقصى الحلق‪ ،‬وهو مبدأ الصوت‪ ..‬ومخرجه"‬
‫‪.‬قريب من معدن الحب وقراره‪ ..‬أعني القلب‬
‫وأما لماذا اختير حرف الباء فلن النطق به من الشفتين وهما آخر مخارج الصوت‪ ،‬وهكذا‬
‫جمع الحرفان بداية الصوت ونهايته‪ ..‬ويشتمل كلهما على معنى الحب وهو بداية العاطفة‬
‫‪.‬ونهايتها‬
‫أما لماذا نطقوا لفظ الحب بضم الحاء وعدلوا من قياس مصدره وهو الفتح‪ ،‬فلن قوة‬
‫معنى العاطفة وتمكنها من النفس مما يقتضي اختيار أقوى الحركات فاختاروا الضمة لنها‬
‫أقواها‪ ،‬حتى يتشاكل اللفظ والمعنى‪ .‬وأن في الضم من الجمع ما يوازي ما في معنى‬
‫الحب من جمع الهمة والرادة‪ ،‬وبذلك يستشعر الناطق بلفظ الحب والسامع له قوة‬
‫"‪..‬معناه‬

‫‪:‬مراحل الحب‬

‫أول مراحل الحب الهوى‪ ..‬ثم بالنسبة لمراحل الحب المختلفة ‪ ..‬العلقة‪ ..‬وهي الحب‬
‫اللزم للقلب‪ .‬ثم الكلف‪ ..‬وهو شدة الحب‪ ..‬ثم العشق‪ ..‬ثم الشغف‪ ..‬وهو إحراق للقلب‬
‫مع لذة يجدها واللوعة واللعج‪ ..‬فإن تلك حرفة الهوى وهذا هو الهوى المحرق‪ ،‬والشغف‪..‬‬
‫هو أن يبلغ الحب شغاف القلب‪ ،‬وهي جلدة رقيقة تحيط بالقلب‪ .‬أما الجوى ‪ ..‬فهو الهوى‬
‫الباطني‪ .‬ثم التيم‪ ..‬وهو أن يستعبده الحب‪ ،‬ويقول رجل متيم‪ ..‬التبل وهو أن يسقمه‬
‫الهوى‪ .‬ويقولون أيضا ً رجل متبول‪ .‬أما التدليه فهو ذهاب العقل من الهوى‪ ،‬فيقولون في‬
‫مثل هذا المحب رجل مدله‪ .‬وآخر مراتب الحب الهيوم وهو أن يذهب المحب على وجهه‪،‬‬
‫‪..‬لغلبة الهوى عليه‪ ،‬فيقولون عن هذا المحب رجل هائم‬

‫***‬

‫والنجوم"‬ ‫"الحب يحرك الشمس‬


‫دانتي‬

‫جيدا ً أيضاً "‬ ‫"عندما نعرف الحب جيدا ً فإننا نعرف المقاومة‬
‫ثيودراكيس‬

‫يتصرف"‬ ‫الحب هو المبدأ الذي جعل عامة الشباب أبطال ً صناديد‪ .‬فالمحب يخجل أن‬
‫تصرف الجبناء في حضرة محبوبه‪ ،‬فأمدوني بجيش من المحبين‪ ،‬وأنا أستطيع أن أغزو به‬
‫"العالم‬
‫فيدروس‬

‫الحب هو شوق النفس النسانية الملح إلى الجمال اللهي‪ .‬والمحب ل يشتاق إلى التماس‬
‫الجمال فحسب‪ ،‬بل إلى إبداعه ونشره وزرع بذرة الخلود في الجسد الفاني‪ .‬وهذا هو‬
‫‪".‬السر في حب كل جنس للجنس الخر‬
‫سقراط‬

‫الحب ل يسأم ول يمل ول يعرف الفتور‪ ..‬ول بد أن تلح في حبك حتى تظفر بمن تحب أو‬
‫"تفنى دونه‬
‫طه حسين‬

‫وحين"‬ ‫إنك ل تختار حين تحب‪ ..‬ول تحب حين تختار‪ ..‬وإننا مع القضاء والقدر حين نولد‬
‫"نحب‪ ..‬وحين نموت‬
‫العقاد‬

‫تحب"‬ ‫"الحب أن تتعذب بمن تحب وأن يعذبك من‬


‫كامل الشناوي‬

‫فاذا"‬ ‫الحب‪ ..‬ينبغي أن يمل حياتنا‪ ..‬إنه الروح الدافعة للنسان‪ ..‬للعمل والخلق والبتكار‪..‬‬
‫‪".‬انعدمت هذه الروح فقدت الحياة أهميتها‪ ،‬أصبحت بل معنى بل هدف‪ ..‬بل غاية‬
‫***‬

‫‪..‬وحديثنا هذا سيكون عن العشاق‬


‫عن أخبارهم التي تناقلتها الكتب والزمان‪..‬وقصص عشقهم التي عاشت حتى بعد موتهم‬
‫‪..‬وخلدت ذكراهم‬
‫سأحاول أن أجمع هنا كل العشاق سواء الشعراء أم الدباء أم القادة أم الخلفاء من عرب‬
‫‪..‬وغير عرب‬
‫لتكون أشبه بموسوعة تجمع اسمي كل عاشقين مرا بذاكرة التاريخ والدب لنحاول أن‬
‫‪..‬نصل لقلوبهم ونتساءل من منهم أحب لجل الدب ومن منهم كتب الدب لنه أحب‬
‫لنعرف هل كان الحب أعمى في معظم تجاربهم أم أن الحب يجعل من جميع حواسهم‬
‫‪..‬عيونا ً ترى المحبوب‬
‫لنعرف هل كان العقل يمثل خطرا ً يهدد بقاء الحب أم أن الحب هو الخطر المحدق بسلمة‬
‫‪..‬العقل‬
‫وهل هو عبودية وقيد يكبل حرية العاشق أم هو الذي يحرره من كل قيود العالم ليصبح‬
‫‪..‬أرحب وأوسع‬
‫‪..‬ولنتساءل هل البتعاد عنه وتجنبه أدعى للحكمة أم أن الحياة ل تصفو ول تحلو بدونه‬

‫***‬

‫هو"‬ ‫العشق محبوب يخطف الروح‪ ،‬يأخذ القلب‪ ،‬يقطع الرأس‪ ،‬ويعلن السر‪ ..‬والعشق‬
‫الماء الذي يشعل النار‪ ،‬والنار التي تحرق الماء‪ ..‬والمعزول عن العشق مثل الطائر‬
‫مته ‪ :‬أن يأكل الحب‪ ،‬وقوته‪:‬‬
‫المنزلي‪ ،‬ل يستطيع التحليق والرتفاع مع وجود جناحيه‪ ..‬فه ّ‬
‫أن يطير حول المنزل‪ ..‬والغرض ينافى العشق‪ ..‬فالعاشق بريء من رغبته الخاصة‪ ،‬وهو‬
‫‪"..‬ينهض متخلصا ً من الروح والجسم ول يتكلم‬

‫العشق هو القوة الخفية التي تدفع السالك إلى المضي قدما ً في الطريق‪ ،‬آمل ً في‬
‫لقاء"‬
‫المحبوب الزلي‪ ..‬والعشق نار‪ ..‬أما العقل فدخان‪ ..‬وما أن أقبل العشق حتى ولّى العقل‬
‫الفرار‪ ..‬فالعاشق ليس وليد العقل‪ ..‬والعشق يسمو بالعاشق حتى يجعله يفنى في ذات‬
‫‪"...‬المعشوق‬

‫وزعموا"‬ ‫قد بلغنا أن ببعض بلد الهند قوما ً ل يعشقون ‪ ،‬ويرونه ضربا ً من السحر والجنون‪..‬‬
‫‪"..‬أن العشق سبب النوى‪ ،‬وفيه المذلة‪ ،‬والعناء‪ ،‬ومنه يكون السقم والضنى‬

‫لولئك"‬ ‫إن الرجل العاشق يجول في العالم مثل الماشي في نومه بأعين تبدو أنها مفتوحة‬
‫‪"...‬الذين يلحظونه‪ ..‬إل أن الحقيقة هي أنهم ل ينظرون غير أوهامهم الداخلية‬
‫*******‬

‫‪..‬عندما نحب‬

‫حب؟‬‫حب‪ ..‬وت ُ َ‬
‫قالت‪ :‬أيهما أفضل أن ت ُ ِ‬
‫قلت‪ :‬شيء جميل أن يشعر النسان أنه محبوب من الناس‪ ..‬أن يجد حوله قلوباً‬
‫ترعاه‪ ..‬أن يستريح إلى نفوس يطمئن إليها‪ ..‬فالنسان بطبعه وتكوينه يحب أن يجد‬
‫‪.‬الناس حوله‪ ..‬وما أجمل أن يجد الناس بمشاعرهم وليس بأجسادهم فقط‬

‫والنسان أيضا ً يشعر بقيمة أن يحب‪ ..‬أن يجد نفسه في إنسان آخر‪ ..‬أن يستكمل‬
‫دائرة مشاعره فيلوح في الفق ضوء خافت يتسلل إلى نفوسنا ونتعلم منه‬
‫الشواق والحنين والفتقاد واللم‪ ..‬شيء عظيم أن يعرف النسان طعم الحب‪..‬‬
‫حيث النتماء والعطاء والصدق والكتفاء‪ ..‬إنسان أحبه يمل حولي كل هذا الكون‪..‬‬
‫‪.‬وأراه الناس جميعاً‬

‫وإذا كان من المهم أن يجد النسان حوله قلوبا ً تحبه‪ ..‬وأن يشعر أنه يحب‪ ..‬فل بد‬
‫حب في وقت واحد‪ ..‬أكره الشياء عندي هو ما نسميه بالحب من‬ ‫حب وي َ‬
‫أن ي ِ‬
‫طرف واحد‪ ..‬لن الصل في الحب أن يكون بين اثنين‪ ..‬بين سالب وموجب لكي‬
‫تكون هناك شرارة‪ ..‬بين قلب وقلب لكي تكون هناك مشاعر‪ ..‬أما ما يسمى‬
‫بالحب من طرف واحد فهو يعني ان يعطي النسان بل مقابل‪ ..‬أن يضيء للخرين‬
‫ويبقى وحيدا ً في ظلمة أيامه‪ ..‬أن يعطي العمر والقلب بينما هناك طرف آخر‬
‫‪.‬يعطي قلبه لشخص ثالث‬

‫وقد يرى بعض الناس أن الحب من طرف واحد من أرقى أنواع المشاعر لن‬
‫النسان يعطي بل مقابل‪ ..‬وأنا أرى أن العطاء الذي يقابله صمت وجحود يترك في‬
‫‪..‬العماق مرارة‬

‫ولذلك فأنا أرى أن الحب يجب أن يكون بين قلبين يشعر كل منهما باحتياج شديد‬
‫للخر‪ ..‬شخصان يذوبان في شخص واحد‪ ..‬إرادتان تتحدان في لحظة توحد كونية ل‬
‫يعرف النسان حدودا ً لها‪ ..‬يتجاوزان بها حدود الشياء ويشعر كل منهما أنه خلق‬
‫‪..‬للخر‪ ..‬وأنهما إنسان واحد شاءت القدار أن ينشطر إلى جزءين‬

‫فكيف بالله يكون النسان سعيدا ً وهو يحب إنسانا ً آخر ل يعرف عنه شيئا ً وربما‬
‫‪.‬كان قلبه مشغول ً بمن يحب‬

‫‪..‬الحب نوع من التكامل‪ ..‬والتكامل يقوم على شخصين وليس على شخص واحد‬
‫قالت‪ :‬وهل معنى ذلك أن يلغي الحب إرادة المحبين؟‬

‫قلت‪ :‬من قال هذا؟ في اتحاد إرادة المحبين ينبت شيء جديد يخرج منه فهم‬
‫متبادل بل حوارات‪ ..‬وإحساس متواصل بل كلم‪ ..‬وتدفق في المشاعر بل‬
‫حسابات‪ ..‬يشعر كل منهما أنه يتحدث بلسان الخر ويفهمه دون أن ينطق‪ ..‬ويراه‬
‫‪..‬وبينهما آلف الميال‬

‫الحب تأكيد لفردية النسان وليس إلغاء لها‪ ..‬حينما أجد نفسي في شخص آخر‬
‫وأتوحد معه يزداد يقيني بالشياء‪ ..‬وتصبح إرادتي أكثر صلبة‪ ،‬وإحساس أكثر‬
‫‪..‬عمقاً‬

‫ما أجمل أن تتوحد المشاعر وتتفاعل لتصنع عالما ً جديدا ً يتجاوز حدود الفرد إلى‬
‫‪.‬آفاق أبعد وأوسع وأشمل‪ ..‬وهذا هو الحب‬

‫‪..‬قالت‪ :‬ولكن الحب أعمى‬

‫قلت‪ :‬هذا مثل ساذج‪ ..‬لن النسان ل يرى من يحب بعينه فقط‪ ..‬حينما يحب‬
‫النسان يشعر أن كل شيء فيه أصبح عيونا ً ترى هذا الحبيب‪ .‬فأي العيون يكذب‪..‬‬
‫القلب‪ ..‬أم العيون‪ ..‬أم الكلم‪ ..‬أم اللهفة أو الشواق‪ ..‬أم اللم؟‪ ..‬كل جزء في‬
‫كيان النسان يرى من يحب‪ ..‬فنحن ل نرى أحبابنا بعيوننا فقط‪ ..‬كل جزء فينا يرى‬
‫‪.‬حينما نحب‬

‫‪..‬قالت‪ :‬وهل يمكن أن تخدعنا مشاعرنا فيمن نحب؟‬

‫قلت‪ :‬عادة نترك هذه الشياء للزمن‪ ..‬إن الزمن هو الختبار الحقيقي لمشاعر‬
‫الناس‪ ..‬هو الميزان الحساس الذي نعرف منه قيمة الشياء بين أيدينا‪ ..‬قد تخدعنا‬
‫مشاعر طارئة أو لهفة زائفة أو لحظة جنون عابرة‪ ..‬ولكن هذه المشاعر سرعان‬
‫ما تنزوي وترحل مثل الضباب في فصل الصيف‪ ..‬تظهر الشمس في السماء‬
‫ويتساقط الضباب أمام حرارتها مثل أوراق الخريف‪ ..‬أما الحب الحقيقي فهو أكبر‬
‫من متغيرات الزمن‪ ،‬ولذلك تمضي اليام تحملها حقائب الزمن ويبقى الحب رغم‬
‫أنف اليام يحملنا في كل الماكن ويشاركنا كل الزمنة‪ ..‬قد تعبر على النسان‬
‫نزوة عابرة وهذا ليس حباً‪ ..‬ولكن الحب إحساس متكامل يصعب علينا أن نطبق‬
‫عليه قواعد التشريح‪ ..‬الحب حالة تحتوي النسان تماما ً فل يرى في الكون شيئاً‬
‫‪.‬أكبر ممن يحب‬

‫__________________‬

‫***************‬
‫عمر ونُعم‬

‫‪..‬نبدأ مع أول حبّيب ومغازلجي في تاريخ العشق العربي‬


‫فتى غني وسيم وحيد أمه ومدلل قريش‪ ..‬ملول متقلب عاشق لكل النساء ولنفسه قبل‬
‫كل شيء‬
‫والشاعر الجريء الذي جعل من الحب الموضوع الساسي والوحيد للقصيدة دون لف‬
‫ودوران وتمرير لبعض البيات الغزلية الخجولة في قصيدة هجاء مثل ً كما كان يفعل من‬
‫‪..‬سبقه من الشعراء‬

‫إنه عمر ابن أبي ربيعة‬

‫فتى قريش المدلل‪ ،‬وأول شاعر ينبغ من بينها ويطير ذكره في القبائل‪ ،‬وإذا بلغة الضاد‬
‫على شفتيه تكتسي رداءها القرشي‪ ،‬وطابعها العربي الصيل‪ ،‬في رقة تفتن القلوب‬
‫وتستهوي اللباب‪ ،‬وديباجة جزلة ولكنها ناعمة‪ ،‬متينة السبك غير أنها تفيض سلسة‬
‫‪..‬وليونة‬

‫للمرة الولى في تاريخ الشعر العربي يفاجئنا شاعر بأن يدور شعره كله حول موضوع‬
‫واحد هو الغزل‪ ،‬شاعر ل يمدح ول يهجو شأن غيره من الشعراء‪ ،‬إنه فقط يحب‪ ،‬ويعلن‬
‫عن هذا الحب في شعره‪ ،‬ديوان شعره كله ديوان حب‪ ،‬والقصيدة الواحدة من قصائده‬
‫قصيدة حب كاملة‪ .‬كان الغزل في شعر الشعراء قبل عمر شيئا ً يتخفى أو يبين داخل غيره‬
‫من أغراض القصيد‪ ،‬وهو في الكثر العم مدخل يفضي إلى الغرض الرئيسي من‬
‫القصيدة‪ ،‬او هو حسن استهلل يصل من خلله الشاعر إلى موضوعه الجوهري مدحا ً او‬
‫‪.‬فخرا ً أو هجاء و تأملً‬

‫ولد ومات بالحجاز وعاش بمكة‪ ،‬وكان يتردد على المدينة واليمن والشام والعراق‪ ،‬قد أتيح‬
‫له من شبابه وجماله وفتوته وشاعريته وعراقة أصله وثرائه فضل ً عن كونه وحيد أمه ما‬
‫يسر أمامه سبيل العيش اللهي العابث‪ ،‬وهيأ له أفانين المتعة واللهو ينتقل من غاية إلى‬
‫غاية ومن التشبب بحسناء إلى الولع بأخرى‪ ،‬ومن تتبع خطا قرشية إلى التغزل بأخرى غير‬
‫قرشية‪ ،‬وما أكثر ما كانت مواسم الحج‪ ،‬بالنسبة له‪ ،‬مواسم للحب واللذة والدوران وراء‬
‫اللتي قدمن للحج‪ ،‬من بقاع الوطن السلمي‪ ،‬يتعرض لهن‪ ،‬ويتشبب بهن‪ ،‬وينسج حولهن‬
‫القاصيص في شعره ويحاورهن ويترقب خروجهن للطواف محرمات فيقعن من فؤاده‬
‫موقعا ً يملك عليه لبه‪ ،‬وما يلبث شعره أن يسير ويروى ويتناقله الركبان والسمار‪ .‬وبعض‬
‫هؤلء اللتي قدمن للحج قد بلغتهن قصص عمر وأفاعيله وأشعاره‪ ،‬ووددن لو كان لهن‬
‫حظ من شهرة ينلنها بفضل أبيات قليلة منه‪ .‬إن التفات عمر إليهن حظوة وتكريم وذكرهن‬
‫‪.‬في شعره مجد وأي مجد يتهن به على الصواحب والتراب‬

‫يقصد الناس للطواف احتسابا ً ‪ ...‬وذنوبي مجموعة في الطواف‬


‫وفتى هذا شأنه ل يمكن أن يعلق فؤاده بواحدة من النساء يصدق لها الحب والعهد ‪ ،‬كل‪،‬‬
‫‪..‬وإنما هو فؤاد قلق طائر متنقل سريع الزهد والعزوف دائم البحث والتنقيب والتجول‬

‫ينفرد عمر بقدرة على النفاذ إلى خوالج نفس المرأة وتصوير عواطفها وأهوائها ونزوعاتها‬
‫‪..‬وتقلبها وإحاطة بحركاتها وإشاراتها ولفتاتها وأساليب حديثها وطرق تعبيرها‬

‫وفي شعره تطالعنا لول مرة في شعرنا العربي‪ ،‬القدرة على القص وكتابة شعر الغزل‬
‫القصصي فالكثير من قصائده تجارب عاطفية في إطار من القصة يتخللها غالبا ً حوار بين‬
‫شخوصها وأبطالها وهو مستوى من التعبير الشعري القصصي تفوق به عمر كثيرا ً على‬
‫أستاذه الول في هذا الفن امرئ القيس كما تفوق بقدرته على فهم نفسية المرأة وتمثل‬
‫‪.‬حالتها المختلفة‪ ،‬والقدرة على خلق الحوار الطبيعي النابض بالحياة والجمال والطرافة‬

‫وهو أيضا ً شاعر معجب بنفسه كل العجاب‪ ،‬شاعر نرجسي يمتلئ شعره بذكر تهافت‬
‫!!الحسان عليه ‪,‬وإعجابهن به وبشعره فنجد في قصائده لونا ً من التشبب بنفسه‬

‫عمر ونعم‬

‫وهي واحدة من محبوباته يكتب فيها قصيدة يستهلها بالحديث عن شمل غير مكتمل وحبل‬
‫غير موصول وحنين إليها حالت الحوائل بينه وبينها كأقاربها الذين يقطعون الطريق عليه‬
‫‪.‬ويتنمرون له‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫جُر‬ ‫مهَ ِّ‬ ‫ح فَ ُ‬‫مبكُِر = غَداة َ غَد ٍ أم رائ ِ ٌ‬ ‫ت غاد ٍ فَ ُ‬ ‫ل نُعم ٍ أن َ‬ ‫من آ ِ‬ ‫أ ِ‬
‫ة تُعذُِر‬ ‫مقال َ ُ‬‫جوابِها = فَتُبلِغَ عُذرا ً وَال َ‬ ‫س لَم تَقُل في َ‬ ‫جةِ نَف ٍ‬ ‫لِحا َ‬
‫صُر‬‫مق ِ‬ ‫ُ‬ ‫ب‬ ‫ُ‬ ‫َل‬ ‫ق‬ ‫ال‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ٌ‬
‫ل‬ ‫موصو‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫حب‬‫َ‬ ‫ال‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫=‬ ‫ٌ‬ ‫ع‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫جا‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫شم‬ ‫َ‬ ‫ال‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ٍ‬ ‫عم‬‫ُ‬ ‫ن‬ ‫م إِلى‬
‫تَهي ُ‬
‫ت تَصبُِر‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ب نُعم ٍ إِن دَنَت = وَل نَأيُها يُسلي وَل أن َ‬ ‫وَل قر ُ‬
‫مثلُها = نَهى ذا النُهى لَو تَرع َوي أَو تُفَكُِّر‬ ‫ن نُعم ٍ وَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫دو‬ ‫من‬ ‫َ‬
‫وَأخرى أتَت ِ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫ت نُعما ً لَم يََزل ذو قَرابَةٍ = لَها كُل ّما لقَيتُها يَتَن َ َّ‬
‫مُر‬ ‫إِذا ُزر ُ‬
‫مظهَُر‬ ‫ض‬ ‫غ‬ ‫ب‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫ء‬
‫َ‬ ‫شحنا‬ ‫َ‬ ‫ال‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ُ‬
‫ر‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫=‬ ‫ها‬ ‫يت‬ ‫ب‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ل‬ ‫َزيز عَلَيه أَن أ ُ‬
‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ع ٌ‬
‫ش َهَر إلمامي َ بها وينك ّرَ‬ ‫ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ ََُ ُ‬ ‫ه = يُ َ ّ ُ ِ‬ ‫سلم ِ فإِن ّ ُ‬ ‫ألِكني إِليها بِال َ‬

‫ثم يصف في القصيدة ليلة أخذ يترقب فيها نوم المحيطين بنعم حتى إذا هجعوا وأطفئت‬
‫المصابيح ونام السمار فاجأها بالزيارة ‪ ،‬ثم هو يصف وقع المفاجأة عليها ومادار بينهما من‬
‫‪..‬حوار وهي متوجسة خائفة من الفضيحة‬

‫سُر‬ ‫ضت بالبنان فَضحتني = وأَنت اِمرؤ ٌ ميسور أَمر َ َ‬ ‫وَقالَت َوع َ َّ‬
‫ك أع َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ِ َ ِ‬
‫َ‬
‫ضُر‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أََريت َ َ‬
‫ح ّ‬ ‫من عَدُوِّك ُ‬ ‫حولي ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫خف = وُقي َ‬ ‫ك إِذ هُنّا ع َليك ألم ت َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فَوَ اللَهِ ما أدري أتَعجي ُ‬
‫ت تَحذَُر‬ ‫من كُن َ‬ ‫م َ‬ ‫ك أم قَد نا َ‬ ‫سَرت ب ِ َ‬ ‫جةٍ = َ‬ ‫ل حا َ‬
‫س تَنظُرُ‬ ‫َ‬ ‫ت لَها بَل قادَني ال َ‬ ‫فَقُل ُ‬
‫ن النا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ك وَما ع َي ٌ‬ ‫شوقُ وَالهَوى = إِلي ِ‬
‫َ‬
‫متَكَبُِّر‬
‫ُ‬ ‫ال‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫رب‬ ‫ظ‬
‫ِ ِ ٍ َ ّ‬‫حف‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫=‬ ‫ُها‬ ‫ع‬ ‫رو‬ ‫خ‬‫َ‬
‫َ َ َ‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫د‬‫َ‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫قال‬ ‫َ‬ ‫ف‬
‫ويمضيان الليل سوية ويلذ لهما الوصال حتى يروعهما صوت المنادي يؤذن للرحيل وقد‬
‫أوشك الليل على النقضاء‪ .‬وهنا تبلغ القصة قمتها وتستحكم عقدتها ‪ ،‬لقد استيقظ القوم‬
‫وتنبهوا فكيف لعمر أن يغادر الحي دون أن يحسوا به‪ ،‬وتدبر له صاحبته المخرج تفضي‬
‫لختيها بالمر لعلهما تعينان عليه‪ ،‬وتعطيه الصغرى رداءها فيرتديه ويمشي بينهن حتى‬
‫‪..‬يغادر فل السر يفشو ول الفضيحة تقع‬

‫قصيدة "نعم" شاهد على مغامرة شاعر فاتك‪ ،‬معجب بنفسه‪ ،‬مفتون بذاته‪ ،‬وبحظوته لدى‬
‫النساء‪ ،‬واقتداره على الوصول إليهن‪ ،‬شاعر استطاع أن يخط في مسيرة الشعر العربي‬
‫عامة وشعر الغزل والحب خاصة أثرا ً فريدا ً غير متكرر تنتمي جذوره البعيدة إلى امرئ‬
‫‪.‬القيس وتنتهي فروعه القريبة إلى نزار قباني‬

‫لقرأة القصيدة كاملة‬


‫‪http://www.adab.com/modules.php?name=Sh3er&doWhat=shqas&qid=776‬‬
‫‪00‬‬

‫*****************‬
‫حكاية‬

‫كان في بغداد رجل فقد قلبه بسبب العشق‪ .‬كان الرجل صادقا ً في طريق العشق‪،‬‬
‫‪.‬حين صار فجأة عاشقا ً لمرأة‬
‫وكان مسكن الرجل على نهر المعلى‪ ،‬والمرأة بالكوخ‪ ،‬يقوم بينهما ماء دجلة‬
‫‪.‬حاجزاً‬
‫وفي كل ليلة كان الرجل بدافع من نار قلبه يسلك لتخاذ طريق دجلة‪ ،‬كان يعبره‬
‫‪.‬ويصل إلى بيت المرأة غافل ً عن الروح والجسم‬

‫كانت كأس العشق قد أثملته‪ ،‬وجرأته الشديدة جعلته يجيد السباحة‪ ..‬ولما مضت‬
‫على هذا الحال مدة‪ ..‬هدأت نار عشقه قليلً‪ ..‬فصار يرى نفسه في هذا المر‪..‬‬
‫‪.‬وصار يحوم حول السباب والدوافع لحبه‬
‫وكان هناك خال على خد المرأة الذي يشبه القمر‪ ،‬نظر إليه الرجل وقال‪ :‬ما هذا‬
‫!الخال يا ذات الوجه القمري؟ حدثيني عن أخوال خالك‬

‫قالت له المرأة‪ :‬ل تنزل إلى الماء هذه الليلة‪ ،‬حافظ على روحك‪ .‬إن الخال على‬
‫خدي مذ ولدتني أمي‪ ،‬ولكن نار عشقك خبا أوارها ومادمت رأيت الخال على‬
‫‪..‬وجهي‪ ،‬فقد وصلت إلى درجة الشبع من حسني‬

‫ولم يستمع الرجل‪ ،‬ونزل إلى نهر دجلة‪ ،‬وأضاع بالتهور حياته‪ ،‬غرق وأسلم الروح‬
‫‪.‬في الماء ‪ ،‬هلك وباد منه الجسم في الماء‬

‫‪:‬فكرة الحكاية‬

‫أن العاشق الثمل بالعشق يغفل عن العراض المادية التي تحيط به ول يشعر بها فاذا‬
‫صحا من سكره اطلع على حاصل الطين وحينئذ يأتيه الخطر من عقله‬

‫!أليس الحب أعمى وأهوج أيضاً؟‬

‫***************‬
‫العشق في الدب الفارسي‬

‫)دروس في العشق للمير عنصر المعالي في كتابه (النصيحة) المعروف بـ (قابوسنامه‬

‫‪-‬‬‫اعلم يا بني أن النسان ما لم يكن لطيف الطبع ل يعشق؛ لن العشق ينشأ من لطافة‬
‫الطبع‪ ،‬وكل ما ينشأ من لطافة الطبع فهو لطيف‪ ،‬ولما كان لطيفا ً فإنه يتعلق بالطبع‬
‫اللطيف‪ ،‬أل ترى أن الشباب أكثر عشقا ً من الشيوخ؛ لن طبع الشباب ألطف من طبع‬
‫‪.‬الشيوخ؟‬

‫‪-‬‬ ‫اجتهد أل تعشق وتجنب العشق‪ ،‬لن أمر العشق أمر ذو بلء‪ ،‬وخاصة إبان الفلس‪ ،‬إذ كل‬
‫عاشق مفلس ل يبلغ المراد‪ ،‬وخاصة إذا كان شيخاً‪ ،‬لن الغرض ل يتحقق بغير المال‪،‬‬
‫‪..‬فيكون قد سعى في سفح دمه‬

‫‪-‬‬ ‫سنة من راحة الوصل‪ ،‬ل تساوي يوما ً من ألم الفراق‪ ،‬إذ أن رأس مال العشق‪ :‬العناء‬
‫‪!..‬وألم القلب والمحنة‬

‫‪-‬‬ ‫‪.‬اذا كان ثمة وصال يعقبه فراق‪ ،‬فذاك الوصال أسوأ من الفراق‬

‫احفظ نفسك ما استطعت وجانب العشق‪ ،‬اذ ل يستطيع الحتراز من العشق سوى ‪-‬‬
‫العقلء لنه ل يمكن أن يصير شخص عاشقا ً بنظرة واحدة‪ .‬فالعين ترى أولً‪ ..‬ثم القلب‪.‬‬
‫‪.‬فإذا أعجب القلب‪ ،‬مال إليه الطبع‪ ،‬وعندئذ يطلب اللقاء‬

‫‪-‬‬ ‫‪.‬ل مفر للدمي من أربعة أشياء‪ :‬خبز وخرقة وخربة وحبيب‬

‫اجتهد أل تكون عاشقا ً ‪ ،‬فإذا أحببت إنسانا ً فأحبب شخصا ً يستاهل الحب‪ ،‬ولو أن‬
‫‪-‬‬
‫المعشوق ل يكون أفلطون ولكن يجب أن يكون على شيء من الحكمة‪ .‬واعرف كذلك‬
‫أنه ل يكون يوسف بن يعقوب‪ ،‬عليهما السلم‪ ،‬ولكن يجب أن تكون فيه ملحة لتنعقل‬
‫ألسنة بعض الناس ويقبلوا عذرك‪ ،‬فإن الخلق ل يفرغون من أن يعيبوا ويتلمسوا عيوب‬
‫‪..‬الناس‬
‫*********************‬

‫قمر في بغداد‬

‫هذا شاعر قتله طموحه‪ ،‬يعرفه دارسو الدب ومحبوه‪ ،‬لكنهم ل يعرفون له غير هذا الثر‬
‫الشعري الفريد يتناقله الرواة‪ ،‬وتعنى به دواوين الشعر العربي‪ .‬فإذا ما تساءلنا عن‬
‫الشاعر‪ ،‬وعن سائر شعره فلن نظفر من بين ثنايا الصفحات بغير بضعة سطور تحكي لنا‬
‫مأساة الشاعر العباسي ابن زريق البغدادي الذي ارتحل عن موطنه الصلي في بغداد‬
‫قاصدا ً بلد الندلس‪ ،‬علّه يجد فيها من لين العيش وسعة الرزق ما يعوضه عن فقره‪،‬‬
‫ويترك الشاعر في بغداد زوجة يحبها وتحبه كل الحب‪ ،‬ويخلص لها وتخلص له كل الخلص‪،‬‬
‫‪.‬من أجلها يهاجر ويسافر ويغترب‬

‫وفي الندلس يجاهد الشاعر ويكافح من أجل تحقيق الحلم‪ ،‬لكن التوفيق ل يصاحبه‪،‬‬
‫‪.‬والحظ ل يبتسم له‪ ،‬فهناك يمرض‪ ،‬ويشتد به المرض‪ ،‬ثم تكون نهايته في الغربة‬

‫ويضيف الرواة بعدا ً جديدا ً للمأساة‪ ،‬فيقولون إن هذه القصيدة التي ل يعرف له شعر‬
‫سواها وجدت معه عند وفاته سنة أربعمائة وعشرين من الهجرة‪ ،‬يخاطب فيها زوجته‪،‬‬
‫ة أمينة‬
‫ويؤكد لها حبه حتى الرمق الخير من حياته‪ ،‬ويترك لنا نحن قراءه من بعده‪ ،‬خلص ً‬
‫لتجربته مع الغربة والرحيل‪ ،‬من أجل الرزق‪ ،‬وفي سبيل زوجته التي نصحته بعدم الرحيل‬
‫فلم يستمع إليها‪ ،‬ثم هو في ختام قصيدته نادم حيث لم يعد ينفع الندم أو يجدي ‪ ،‬متصدع‬
‫‪.‬القلب من لوعة وأسى‪ ،‬حيث ل أنيس ول رفيق ول معين‬

‫يستهل ابن زريق قصيدته بمخاطبة زوجته‪ ،‬يناشدها أل تعذله أو تلومه‪ ،‬فقد أثر فيه اللوم‬
‫وآذاه‪ ،‬وأضر به بدل ً من أن ينفعه‪ ،‬إنه هنا يبسط بين يديها أسباب رحيله عنها وتركه لها‬
‫طمعا ً في الرزق الفسيح والعيش الهانئ الوثير‪ ،‬وسرعان ما يعلن عن ندمه لن ما أمله لم‬
‫‪..‬يتحقق‪ ،‬وما رجاه من رزق وفير لم يتح له‬

‫ثم يلتفت ابن زريق التفاتة محب عاشق إلى بغداد حيث زوجته التي تركها دون أن يستمع‬
‫‪..‬إلى نصحها‪ ،‬إنها مملكته التي أضاعها ولم يحسن تدبيرها وعرشه الذي خلع عنه‬

‫وفي ختام القصيدة يصف ابن زريق في تعبير صاف مؤثر ونسيج شعري محكم‪ ،‬واقع حاله‬
‫في الغربة‪ ،‬بين السى واللوعة‪ ،‬واللم والندم‪ ،‬وهنا ينفسح المجال التأمل‪،‬وينطلق اللسان‬
‫‪.‬بالحكمة التي أنضجتها التجربة‪ ،‬ويَشَرق القلب بالدموع‬

‫ل تعذليه‪ ،‬فإن العذل يولعه ‪ ..‬قد قلت حقا ً ولكن ليس يسمعه‬
‫جاوزت في لومه حدا ً أضر به‪ ..‬من حيث قدر ِ‬
‫ت أن اللوم ينفعه‬
‫فاستعملي الرفق في تأنيبه بدلً‪ ..‬من عذله فهو مضنى القلب موجعه‬

‫ودعته وبودي لو يودعني صفو الحياة‪ ،‬وأني ل أودعه‬


‫ى وأدمعي مستهلت وأدمعه‬ ‫وكم تشبث بي يوم الرحيل ضح ً‬
‫ل أكذب الله‪ ،‬ثوب الصبر منخرق عني بفرقته‪ ،‬لكن أرقّعه‬

‫ت منزله ‪ ..‬وجاد غيث على مغناك يمرعه‬‫في ذمة الله من أصبح َ‬


‫من عنده لي عهد ل يضيعه ‪ ..‬كما له عهد صدق ل أضيعه‬
‫ومن يصدع قلبي ذكره‪ ،‬وإذا ‪ ..‬جرى على قلبه ذكري يصدّعه‬

‫المتأمل في قصيدة ابن زريق البغدادي ل بد له أن يكتشف على الفور رقة التعبير فيها‪،‬‬
‫وصدق العاطفة‪ ،‬وحرارة التجربة‪ .‬فهي تنم عن أصالة شاعر مطبوع له لغته الشعرية‬
‫المتفردة‪ ،‬وخياله الشعري الوثاب‪ ،‬وصياغته البليغة المرهفة‪ ،‬ونفسه الشعري الممتد‪.‬‬
‫والغريب أل يكون لبن زريق غير هذه القصيدة‪ ،‬مثله كمثل دوقة المنبجي الذي لم تحفظ‬
‫له كتب تراثنا الشعري غير قصيدته "اليتيمة" وهكذا استحق الشاعر أن فضل البقاء والذكر‬
‫‪..‬في ذاكرة الشعر العربي كله بقصيدة واحدة لكل منهما‬

‫قصيدة أبن زريق‬

‫‪http://www.adab.com/modules.php?name=Sh3er&doWhat=shqas&qid=67171‬‬
‫‪..‬هذا عن يتيمة ابن زريق فماذا عن يتيمة دوقلة المنبجي‬

‫اليتيمة‬

‫تعتبر القصيدة من عيون تراثنا الشعري ولما أدرك القدماء جمالها وروعتها وأصالتها‬
‫‪..‬وتفردها أطلقوا عليها اسم اليتيمة أي التي ل شبيه لها ول نظير‬
‫‪.‬والطريف أن اليتيمة ظلت عصورا ً طويلة مجهولة النسب ل يعرف اسم شاعرها الحقيقي‬

‫ً‬ ‫شيئا‬ ‫تنطق اليتيمة بشاعرية شاعر أصيل مقتدر تفنن في وصف محبوبته دعد فلم يترك‬
‫منها إل وقد وصفه أدق وصف وأجمله‪ ،‬وكأنه يقدر صورة للجمال كما تعشقه العربي‬
‫‪.‬القديم‪ ،‬وحتى ليخيل لقارئ القصيدة أنه يتأمل لوحة فاتنة أبدعتها ريشة رسام مبدع‬

‫رسم الشاعر في لوحته الفاتنة جسم محبوبته‪ ،‬ووجها وشعرها وجبينها وجيدها وزندها‬
‫ومعصمها وغدائرها وكل نبضة من نبضاتها ولم يفته أن يصف ذهوله وإطراقه أمام هذا‬
‫المشهد الرائع من مشاهد الحب والجمال وأن يتحدث عن أنفته وعزته وكبريائه حين يعّز‬
‫عليه الوصال وكأنه بذلك يقدم لنا مثل الفارس العربي النبيل يذوب في هواه صبابة ووجداً‬
‫‪.‬ولكنه يترفع عزة وإباء وشموخا ً ويجل نفسه عن ارتكاب الدنايا والصغائر‬

‫والقصيدة رغم التزامها في بنائها العام للمنهج التقليدي للقصيدة العربية بدءا ً بالوقوف‬
‫على الطلل ثم الحديث عن موضوع الحب وصفا ً وشكوى ووجداً‪ ،‬ثم انتهاء بالفحر‬
‫بالنفس وتأكيد معنى العزة والنخوة‪ ،‬إل أن ما ينسكب عليها من ماء الشعر يجعلها بالغة‬
‫الرقة والعذوبة‪ ،‬ويجعل لها مذاقا ً خاصا ً في وجدان المتلقي ينأى به عن تصورها حبيسة‬
‫هذا البناء التقليدي‪ ،‬بما تتكشف عنه القصيدة من تصورات رحبة للخيال والحس العربي‬
‫‪.‬العاشق‬

‫إن لم يكن وصل لديك لنا ‪ ..‬يشفي الصبابة‪ ،‬فليكن وعد‬


‫قد كان أورق وصلكم زمنا ً ‪ ..‬فذوى الوصال وأورق الصد‬
‫لله أشواقي إذا نزحت‪ ..‬دار بنا‪ ،‬وطواكمو البعد‬

‫وإذا المحب شكا الصدود ولم ‪ ..‬يعطف عليه فقتله عمد‬


‫!نختصها بالود‪ ،‬وهي على ‪ ..‬ما ل نحب‪ ،‬فهكذا الوجد‬

‫اليتيمة‬
‫‪http://www.adab.com/modules.php?name=Sh3er&doWhat=shq‬‬
‫‪as&qid=65148‬‬
‫**************‬

‫يقتل حبيبته‪ ..‬خوفا ً عليها من الموت‬

‫عشق شخص يتسم بالهمة والكمال‪ ،‬فتاة غاية في الجمال‪ ،‬وقضاء وقدرا ً دهم المرض‬
‫قلب المعشوقة‪ ،‬فأصبحت نحيلة كعود الزعفران‪ ،‬مصفرة الوجه‪ ،‬وأصبح النهار المشرق‬
‫‪.‬مظلما ً على قلبها‪ ،‬وجاءها الموت من بعيد‪ ،‬واقترب منها‬

‫خبّر العاشق بذلك‪ ،‬فهرول مسرعا ً وبيده سكين‪ ،‬وقال‪ :‬أريد الحبيبة‪ ،‬حتى ل تموت‬
‫ُ‬
‫‪.‬المعشوقة بفعل الموت نفسه‬

‫فقال لها الخلق‪ :‬إنك غاية في الضطراب‪ ،‬وأي حكمة تراها في هذا القتل؟ ل تسفك دمها‪،‬‬
‫وكف يدك عن هذا التقل؛ لنها ستموت ميتة طبيعة هذه الساعة‪ ،‬فإن لم تمت‪ ،‬فليكن‬
‫‪!.‬القتل‪،‬ول يقطع رأس الميت إل جاهل‬

‫قال‪ :‬إن أقدم على قتل المعشوقة بيدي‪ ،‬فسأقتل قصاصا ً لها‪ ،‬وعندما تقوم الساعة‪،‬‬
‫فأمام الجميع يحرقونني كالشمع‪ ،‬فإما أن أقتل اليوم بسبب تعلقي بها‪ ،‬وإما أن أحرق غداً‬
‫‪.‬بسببها‪ ،‬فكل رغبتي هنا أو هناك أن يكون اسمي المحروق‪ ،‬أو المقتول بسببها‬
‫حين بأرواحهم‪ ،‬يتقدمون وقد قصروا أيديهم عن العالم‪،‬‬ ‫ض ّ‬
‫يتقدم العشاق إلى الطريق م َ‬
‫وتحملوا وسط ذلك آلم الروح‪ ،‬كما خلّصوا القلب من الدنيا كلية‪ ،‬وما أن خلصوا أرواحهم‬
‫‪.‬من الكل‪ ،‬حتى أصبحوا في خلوة مع الحبيب‬

‫*****************‬

‫وماتوا من العشق‬

‫قالت‪ :‬كل الشياء تطاردنا‪ ..‬أخاف حينما نلتقي‪ ..‬أشعر بالرعب حينما تتلمس‬
‫أيدينا‪ ..‬أصرخ في داخلي وأنا أحدق في عيون الناس وهي تلتهم مشاعرنا‪ ..‬كل ما‬
‫‪.‬حولنا يشعرنا أننا على خطأ‬

‫أجيء إليك وكلي شوق‪ ..‬أجلس معك وكلي خوف‪ ..‬أفارقك وكلي حزن‪ ..‬كيف‬
‫‪..‬أواجه كل هذا التناقض في مشاعري‬
‫قلت‪ :‬أوافقك أننا نعيش زمان الخوف‪ ..‬كل ما حولنا يرصدنا ويفسد علينا كل‬
‫لحظة سعيدة يمكن أن نعيشها‪ ..‬المشكلة أننا محاصرون رغم أن الرض واسعة‪..‬‬
‫‪.‬العالم ضيق حولنا‪ ..‬رغم أن هناك مساحات شاسعة من الرض‬
‫‪..‬تقيدنا عادات وتقاليد واستمارات وأوراق رسمية وغير رسمية‬
‫نقيد أنفسنا بعشرات القيود‪ ..‬وإذا حاولنا أن نحطم قيدا ً فإن الحب هو القيد الوحيد‬
‫‪.‬الذي نسعى لتكسيره‬

‫‪..‬قالت‪:‬ل نملك غير ذلك‬


‫قلت‪ :‬المشكلة في رأيك الن أننا نحب بعضنا بعضاً‪ ..‬ليست المشكلة أن هناك‬
‫‪..‬قيودا ً تحاصرنا‪ ..‬السبب عندك هو الحب‪ ..‬وليست القيود‬
‫‪.‬قالت‪ :‬القيود لم تظهر إل مع الحب‪ ..‬فلم تكن عندي مشاعر خوف قبلك‬
‫‪..‬قلت‪ :‬إنك تخافين من الناس‪ ..‬وأنا أخاف عليك‪ ..‬تخافين القيود‪ ..‬وأنت قيدي‬
‫‪.‬لقد أحببت كل القيود في عينيك‪ ..‬إن الحب هو القيد الوحيد الذي نختاره‬
‫‪.‬قالت‪ :‬ل بد أن نفترق‪ ..‬لم أعد أستطيع أن أتحمل مشاعر الخوف أكثر من هذا‬
‫‪..‬قلت‪ :‬قد أوافقك على أن نفترق لكنك بذلك تدمرين أجمل ما في حياتك وحياتي‬

‫قد نجد أشياء كثيرة في الوقت المناسب‪ ..‬قد نجد المال‪ ..‬والشهرة‪ ..‬والمجد‪..‬‬
‫والنجاح في الوقت المناسب‪ ..‬ولكن الحب ل أدري لماذا ل يجيء في الوقت‬
‫المناسب‪ ..‬من أجل هذا أشعر أننا قد نفترق الن ولكنني واثق أنني لن أحب أحداً‬
‫‪..‬كما أحببتك‬

‫‪..‬قالت‪ :‬أنت شاعر والمرأة عندك قصيدة‪ ..‬مجرد قصيدة‬


‫قلت‪ :‬والله هذا ظلم للشعر وللشعراء‪ ،‬حينما يبكي الشعراء ل يذرفون دموعاً‬
‫‪..‬ولكنهم ينذفون دما‪ ..‬وحينما يحزن الشعراء ل تبكي عيونهم ولكن تبكي قلوبهم‬
‫‪..‬وحينما يحب الشعراء تصبح الدنيا كلها في عيون من أحبوا‬
‫إنهم ل يحبون كثيرا ً كما يتصور الناس‪ ..‬ولكنهم يشعرون بأشياء ربما ل يشعر بها‬
‫‪..‬الناس‬
‫‪..‬قالت‪ :‬ما الفرق بينهم وبين الناس‬
‫قلت‪ :‬هو الفرق بين شعوري وشعورك الن‪ ..‬تريدين أن نفترق قد يكون ذلك مجرد‬
‫لحظة حزن قصيرة يعيشها قلبك‪ .‬ولكنني أشعر أن قلبي ينزف داخلي لمجرد فكرة‬
‫طرأت عليك‪ ..‬أجلس أمامك الن وأنا أتخيل غدا ً من غيرك أشعر أنه شيء مظلم‬
‫ي بدون بريق عينيك‪ ..‬أتخيل شعري بل صوتك‪ ..‬أتخيل أيامي‬ ‫كئيب‪ ..‬أتخيل عين ّ‬
‫بعيدا ً عنك‪ ..‬كل هذا يدور في رأسي كأنك بعدت عني‪ ..‬أشعر أن العالم ينتهي‪..‬‬
‫‪.‬وأن الكرة الرضية قد تغيرت مكوناتها وملمحها‪ ..‬هناك بركان يتفجر داخلي الن‬

‫‪..‬قالت‪ :‬أنت تبالغ في كلمك‪ ..‬كما تبالغ في شعرك‬


‫‪ ..‬قلت‪ :‬أشعر أنني بالغت في شيء واحد‪ ..‬لقد بالغت في حبي‬
‫‪..‬قالت‪ :‬وأنا أحببتك‬
‫قلت‪ :‬كل العشاق قالوا أحببنا‪ ..‬ولكن هناك فرق بين عاشق مات بحبه وآخر نسيه‬
‫‪.‬في أول محطة قطار‬
‫‪..‬قلت‪ :‬أنت تتحدث عن أشياء ل وجود لها‪ ..‬سوف تنساني غداً‬
‫‪.‬قلت‪ :‬ما قيمة أن أقول لك أنني سوف أذكرك إذا كنا سنفترق الن‬
‫‪..‬قالت‪ :‬لن أنسى أنني أحببتك يوماً‬
‫‪..‬قلت‪ :‬ولن أنسى أنني كرهتك يوماً‬
‫قالت‪ :‬متى كرهتني‪..‬؟‬
‫‪...‬قلت‪ :‬الن‬
‫فاروق جويدا‬

‫***************‬

‫عروة بن حزام وعفراء‬

‫بدء الحب‬

‫كان عروة بن حزام من بني عذرة‪ ،‬مات أبوه وعمره أربع سنوات‪ ،‬فكفله عمه عقال بن‬
‫مهاصر‪ ،‬فنشأ في حجره مع ابنته عفراء يلعبان ويكونان معاً‪ ،‬حتى ألف كل منهما صاحبه‬
‫إلفا ً شديداً‪ ،‬وكان عقال يقول لعروة لما يرى من إلفه لبنته‪ :‬أبشر‪ ،‬فإن عفراء زوجتك إن‬
‫شاء الله‪ .‬فكانا كذلك حتى لحقت عفراء بالنساء ولحق عروة بالرجال فأتى عمة لها يقال‬
‫لها هند‪ ،‬وقال لها في بعض ما قال‪ :‬ياعمة إني لمكلمك وإني لمستح منك‪ ،‬ولكني لم أفعل‬
‫هذا حتى ضقت ذرعا ً بما أنا فيه‪ ،‬فاذهبي إلى عمي عقال واخطبي لي عفراء منه‪ .‬فذهبت‬
‫العمة إلى أخيها فقالت له‪ :‬يا أخي قد أتيتك في حاجة أحب أن تحسن فيها الرد‪ ،‬فإن الله‬
‫يأجرك لصلة رحمك بي على ما أسألك‪ ،‬فقال لها‪ :‬قولي فلن تسألي حاجة إل وفيتها لك‪.‬‬
‫فقالت‪ :‬تزوج عروة ابن أخيك بابنتك عفراء‪ ،‬فقال‪ :‬ما بي عنه مذهب‪ ،‬ول هو شخص يرغب‬
‫عنه‪ ،‬ول بي عنه رغبة‪ ،‬ولكنه ليس بذي مال‪ ،‬وليس هناك وجه للسرعة‪ ،‬فلنترك المر حتى‬
‫‪.‬يصيب بعض المال‬

‫وكانت أم عفراء سيئة الرأي في عروة وكانت تريد لبنتها رجل ً موسرا ً ذا مال وكان‬
‫يطمعها في أمنيتها أن ابنتها على حظ وافر من الحسن والجمال‪ .‬وبلغ عروة أشده‪ ،‬وعرف‬
‫أن شابا ً موسرا ً من ذوي قرباه يريد أن يخطبها لنفسه‪ ،‬فأتى عمه وقال له‪ :‬ياعم قد‬
‫عرفت حقي وقرابتي وأني ولدك وربيت في حجرك وقد بلغني أن شخصا ً جاءك يخطب‬
‫عفراء فإن أسعفته برغبته قتلتني‪ ،‬فأنشدك الله ورحمي وحقي‪ ،‬فّرق له‪ ،‬وقال له‪ :‬يا بني‬
‫أنت معدم وحالنا قريبة من حالك‪ ،‬ولست مخرجها إلى سواك‪ ،‬إل أن أمها تأبى أن تزوجها‬
‫إل بمهر غال فاسع في الرض واسترزق الله تعالى‪ ،‬لعلك تصيب ما تحقق به أمنيتك‪ .‬فجاء‬
‫إلى أمها وتلطف لها فأبت أن تجيبه إل بما تريده من المهر الغالي على أن يسوق إليها هي‬
‫‪.‬شطرا كبيرا منه‪ ،‬فوعدها ذلك وانصرف‬

‫السفر إلى إيران‬

‫عرف عروة إنه ل تنفعه قرابة عند عمه وزوجته‪ ،‬وأنه ل سبيل له إلى عفراء إل أن يحصل‬
‫على مال وفير‪ ،‬ففكر في قصد ابن عم له ثري كان مقيما ً في بلدة الري بإيران وعرض‬
‫فكرته على عمه عقال وزوجته فوافقاه على عزمه ووعداه أن ل يزوجا عفراء غيره حتى‬
‫‪.‬يعود‬
‫وكان له رفيقان يألفهما‪ ،‬فصحباه في رحلته الطويلة وشد كل منهم على راحلته ‪ ،‬وكان‬
‫في طول سفره ساهيا ً يكلمانه فل يفهم حتى يرد عليه القول مرارا إذ كان فكره دائما ً في‬
‫‪:‬عفراء وكان كثيرا ً ما ينشد‬

‫تحملت من عفراء ما ليس لي به ‪ ..‬ول للجبال الراسيات يدان‬


‫فيا رب أنت المستعان على الذي ‪ ..‬تحملت من عفراء منذ زمان‬

‫وكانا يعزيانه ويقولن له إن أمنيتك منها ستتحقق‪ ،‬فل يكف عن ذكرها وترداد اسمها‪ ،‬وما‬
‫‪:‬أصابه من حبها‪ ،‬وبراه من عشقها‪ ،‬ويقول‬

‫متى تكشفا عني القميص تبينا ‪ ..‬بي الضّر من عفراء يا فتيان‬


‫إذا ً تريا لحما ً قليل ً وأعظما ً ‪ ..‬بلين وقلبا ً دائم الخفقان‬
‫ث ‪ ..‬حديثا ً وإن ناجيته ونجاني‬ ‫وقد تركتني ما أعي لمحد ّ ٍ‬

‫ومازال في هيامه وذكره لصاحبته حتى قدم على ابن عمه‪ ،‬فلقيه وعرفه حاله وما قدم له‪،‬‬
‫‪.‬فوصله وكساه وأعطاه مائة من البل‪ ،‬فانصرف بها إلى أهله وقومه‬

‫نقض العهد‬

‫تصادف أن رجل ً من أهل الشام من بني أمية نزل في حي عفراء فنحر بعيرا ً للناس ووهب‬
‫وأطعم‪ ،‬وكان ظاهر الثراء‪ ،‬وبينما هو في بعض مجالسه إذ رأى عفراء حاسرة عن وجهها‬
‫ومعصميها تحمل إناء سمن وعليها إزار حرير أخضر‪ ،‬فلما رآها وقعت من قلبه بمكانة‬
‫عظيمة‪ ،‬فسأل عنها فعرف انها ابنة عقال فخطبها منه فاعتذر إليه وقال‪ :‬لقد سبقك إليها‬
‫ابن أخ لي يعدلها عندي‪ ،‬وما لغيره إليها سبيل‪ ،‬فقال له‪ :‬إني أرغبك في المهر‪ ،‬فقال‬
‫عقال‪ :‬ل حاجة لي بذلك‪ .‬فعدل الموي إلى أمها فوجد عندها قبول ً لماله وبذله وكرمه‪،‬‬
‫فوعدته أن تكون من نصيبه وجاءت إلى زوجها فتلطّفت له ثم قالت في أثناء حديثها معه‪:‬‬
‫أي خير في عروة حتى تحبس ابنتي عليه‪ ،‬وقد جاءها الغنى والثراء يطرقان عليها بابها‪،‬‬
‫ووالله ما ندري أعروة حي أم ميت‪ ،‬وهل ينقلب إلينا بمال أو ل‪ ،‬فتكون قد حرمت ابنتك‬
‫خيرا ً حاضرا ً ورزقا ً سنيا‪ .‬ولم تزل به حتى قال هل‪ :‬إن عاد الموي لي خاطبا ً أجبته‪،‬‬
‫فوجهت إلى الرجل من ساعتها أن عُد ْ إلى عقال خاطباً‪ .‬فلما كان من غد نحر عدة من‬
‫البل وأطعم الناس وفرق عليهم الموال‪ ،‬وكان قد دعا الحي جميعه وفيهم عقال‪ ،‬فلما‬
‫أكلوا أعاد القول في الخطبة‪ ،‬فأجابه عقال وساق الرجل مهرا ً كبيرا ً قرت له عين الم‪ ،‬أما‬
‫‪:‬عفراء فكانت تنشد‬

‫يا عروَ إن الحي قد نقضوا ‪ ..‬عهد الله وحاولوا الغدرا‬

‫ولما كان الليل دخل بها زوجها‪ ،‬وأقام في بني عذرة ثلثة أيام‪ ،‬ثم ارتحل إلى الشام مع‬
‫‪.‬صاحبته‬

‫‪:‬عودة عروة‬

‫فكر عقال كيف يلقى عروة‪ ،‬وهداه تفكيره إلى أن يحتال عليه‪ ،‬فعمد إلى قبر عتيق‪،‬‬
‫فجدده وسواه‪ ،‬وسأل الحي كتمان أمرها‪ .‬وقدم عروة بعد أيام‪ ،‬فنعاها أبوها إليه‪ ،‬وذهب‬
‫به إلى ذلك القبر‪ ،‬فمكث يختلف إليه وهو يئن ويتفجع‪ ،‬وكان يأتي دارها فيلصق صدره بها‪،‬‬
‫‪:‬وينتحب أحر انتحاب فعذله بعض الناس وقالوا له إنك تشرف على التلف‪ ،‬فأنشد‬

‫سقيته ‪ ...‬فإياك عني ل يكن بك ما بيا‬


‫بي اليأس والداء الهيام ُ‬

‫ورقت لحاله بعض فتيات الحي فأخبرته بحقيقة ما كان من عمه وأنه غدر بوعده ولم يوف‬
‫‪:‬بعهده ولما صح عنده ما أنبأته به الفتيات أنشأ يقول‬

‫ن‬
‫م ٍ لزم ٍ وهَوا ِ‬ ‫مبْتلّي حليفا ً لِهَ ّ‬ ‫ت ‪ُ ..‬‬ ‫م يا ذا الغَدْرِ ل زِل ْ َ‬ ‫فيا ع َ ٌ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ِ‬ ‫الخفقا‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫دائ‬ ‫قلبي‬ ‫ت‬‫ْ َ‬ ‫م‬ ‫ز‬
‫َ‬ ‫ل‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫‪..‬‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫جي‬
‫َ ِ‬ ‫س‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫وكا‬ ‫ت‬‫غَدَْر َ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مل ِ‬‫م الهَ َ‬ ‫ت عيني دائ َ‬ ‫سَرة ً ‪ ..‬وأوَْرث ْ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ما وكْربا و َ‬ ‫وَأوَْرثْتَني غ ّ‬
‫ن‬ ‫ل مكا ِ‬ ‫م بِك ُ ِّ‬ ‫ك مقسو ٌ‬ ‫ه ‪ ..‬وقلب ُ َ‬ ‫ن هَويت َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ق إلى َ‬ ‫ت ذا شو ٍ‬ ‫فل ِزل ْ َ‬

‫إلى عفراء بالشام‬

‫ولم يلبث عروة أن عزم على الرحلة إلى الشام‪ ،‬لعله يرى عفراء ويشفي غليله بنظرة‬
‫منها‪ ،‬فركب بعض إبله وأخذ معه زادا ونفقة واتجه إلى الشام فقدمها‪ ،‬وسأل عن الرجل‬
‫فأخبره الناس به ودلوه عليه‪ ،‬فقصده‪ ،‬فأكرمه دون أن يعرفه وأحسن ضيافته ‪ ،‬ومكث‬
‫عنده أياما حتى أنس به‪ .‬ثم عزم على أن يكشف عن نفسه لصاحبته فقال لجارية لها‬
‫كانت تقدم إليه اللبن حين يصبح‪:‬هل لك في يد تولينيها؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬تدفعين خاتمي‬
‫هذا إلى مولتك ‪ ،‬فقالت‪ :‬سوءة لك‪ ،‬أما تستحي من هذا القول؟ فأمسك عنها ثم أعاد‬
‫عليها‪ ،‬وقال لها‪ :‬ويحك هي والله بنت عمي وما أحد منا إل وهو أعز على صاحبه من‬
‫الناس فاطرحي هذا الخاتم في قدحها‪ ،‬فإن أنكرت عليك‪ ،‬قولي لها ‪ :‬اصطبح ضيف عندنا‬
‫قبلك‪ ،‬ولعله سقط منه‪ .‬فرقت له الجارية وفعلت ما أمرها به ‪ .‬فلما شربت عفراء اللبن‬
‫رأت الخاتم في القدح‪ ،‬فعرفته فشهقت ثم قالت لجاريتها‪ :‬اصدقيني عن الخبر فصدقتها‪.‬‬
‫فلما جاء زوجها قالت له‪ :‬أتدري من ضيفك هذا؟ فقال‪ :‬إني ل أعرفه‪ ،‬فقالت‪ :‬إنه عروة‬
‫بن حزام ابن عمي وقد كتمك نفسه حياء منه‪ .‬فبعث إليه فدعاه وعاتبه على كتمانه نفسه‬
‫إياه‪ ،‬وقال له‪ :‬بالرحب والسعة‪ ،‬نشدتك الله ل تترك هذا المكان أبدا‪ .‬وخرج وتركه مع‬
‫عفراء يتحدثان‪ ،‬فلما خلوا تشاكيا ما وجدا بعد الفراق وطالت الشكوى وهو يبكي أحر‬
‫بكاء‪ .‬ثم ثاب إلى رشد فقال لها‪ :‬هذا آخر لقائنا‪ ،‬فقد أجمل هذا الرجل الكريم وأحسن إلي‬
‫وأنا خجلن منه‪ ،‬ووالله ل أقيم بعد علمه مكاني ‪ ،‬وإني عالم أني راحل إلى منيتي‪ ،‬فبكت‬
‫‪.‬وبكى وانصرف‬

‫فلما جاء زوجها وعرف أن عروة راحل قال لها‪ :‬يا عفراء امنعي ابن عمك من الرحيل‪،‬‬
‫فقالت‪ :‬هو والله ل يمتنع‪ ،‬إنه أكرم وأشد حياء من أن يقيم بعد ما جرى بينكما‪ .‬فدعاه‬
‫وقال له‪ :‬يا أخي اتق الله في نفسك فقد عرفت خبرك‪ ،‬وإنك إن رحلت تلفت‪ ،‬ووالله ل‬
‫امنعك من الجتماع معها أبدا‪ ،‬ولئن شئت لفارقنها من أجلك‪ ،‬فجزاه خيرا ً وأنثى عليه‬
‫وقال‪ :‬إنما كان الطمع فيها آفتي‪ .‬والن قد يئست وحملت نفسي على الصبر فإن اليأس‬
‫يسلي‪ ،‬ولي أمور ول بد من رجوعي إليها‪ ،‬فإن وجدت بي قوة عدت إليكم وزرتكم‪ ،‬حتى‬
‫‪.‬يقضي الله من أمري ما يشاء‪ ،‬فزودوه وأكرموه وشيعوه‪ ،‬ومضى راجعا ً إلى قومه‬

‫يأس وخبل‬

‫وكان عروة يتماسك في أول طريقه إلى قومه‪ ،‬ثم لم يلبث أن أصابه خفقان وغشيان‪،‬‬
‫‪:‬فكان يلقى على وجهه خمارا ً لعفراء زودته به فيفيق وينشد‬

‫ب‬
‫ق تَذو ُ‬
‫شفي ِ‬
‫س ال َّ‬ ‫صدر ‪ ..‬لَوْع ٌ‬
‫ة تَكاد ُ لها نَفْ ُ‬ ‫ن في ال ّ‬ ‫جوى ال َ ْ‬
‫حزا ِ‬ ‫بِنا من َ‬
‫ب‬
‫ن عجي ُ‬ ‫ن بقاءُ العاشقي َ‬ ‫ن في الهوى‪ ..‬ولك ْ‬ ‫حبِّي َ‬
‫م ِ‬
‫ت ال ُ‬
‫موْ ُ‬ ‫جبي َ‬
‫وما ع َ َ‬

‫وانتهى إلى أهله وقد سلب عقله ومسه الخبل‪ ،‬ولم يعد يعي شيئا ً مما حوله وأقام أياما ً ل‬
‫يتناول طعاما‪ ،‬فخرجوا به ليلة إلى فضاء ليتنزه‪ ،‬فسمع رجل يقول لبنه‪ :‬على أي ناقة‬
‫حملت قرب الماء؟ فقال على العفراء (ناقة) ولم يكد عروة يسمع ذلك حتى أغمى عليه‪،‬‬
‫‪:‬فلما أفاق أنشأ يقول‬

‫ب‬‫ك رِعْدَة ٌ ‪..‬لها بين جسمي والعِظام ِ دَبي ُ‬ ‫وإِنّي لَتَعْروني لِذِكْرا ِ‬
‫َ‬
‫ب‬
‫جنو ُ‬ ‫َ‬
‫صبا ‪ ..‬وما عَقَبَتْها في الّرياِح َ‬ ‫ك ما هَب َّ ِ‬
‫ت ال ّ‬ ‫فَوَاللهِ ل أنْسا ِ‬

‫التداوي من الحب‬
‫واشتد الخبل والهذيان بعروة كما اشتد به الضنا والنحول حتى لم يكد يبقى منه شيء‬
‫فقال قوم‪ :‬إنه مسحور وقال قوم‪ :‬بل به جنة وقال آخرون‪ :‬بل هو موسوس‪ ،‬ثم قالوا‬
‫لهله‪ :‬إن في اليمامة عرافا ً طبيبا ً حاذقا ً يداوي من الجن‪ ،‬وهو أطب الناس‪ ،‬فلو أتيتموه‪،‬‬
‫فلعل الله يشفيه‪ ،‬فساروا إليه من أرض بني عذرة في شمالي الحجاز فجعل يسقيه‬
‫السلوان وهو ل يزداد إل سقما‪ ،‬فقال له عروة‪ :‬هل عندك للحب دواء أو رقية‪ ،‬فقال‪ :‬ل‬
‫‪:‬والله‪ ،‬فانصرف عنه مع أهله‪ ،‬وهو يقول‬

‫كإ َ ْ‬
‫ن أبَْرأتَني لَطبي ُ‬
‫ب‬ ‫مةِ دوانِي‪ ..‬فَإِن َّ َ ِ ْ‬ ‫ف اليَما َ‬ ‫وَقُل ْ ُ‬
‫ت لِعَّرِا ِ‬
‫ب‬ ‫َ‬
‫يّ كذو ُ‬
‫ميَر ِ‬
‫ح ْ‬
‫مي ال ِ‬‫ن ع َ ِّ‬ ‫َ‬
‫جن ّةٍ ‪..‬ولك َّ‬ ‫ف ِ‬ ‫َ‬
‫سقْم ٍ ول طي ْ ِ‬ ‫ي من ُ‬ ‫فما ب ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬‫موْقِدات طبي ُ‬ ‫ت ُرفاتا ً كَأنَّما‪ ..‬يُلَذِّع ُها بال َ‬ ‫س ْ‬
‫م َ‬‫فَوَا كَبِدا ً أ ْ‬
‫ب‬
‫ك قري ُ‬‫من ْ َ‬
‫ن ضراُرها‪ ..‬فَتُرجى ول عفراءُ ِ‬ ‫ة ل عفراءُ دا ٍ‬ ‫شي َّ َ‬
‫عَ ِ‬

‫وسمع أهله بعراف آخر في الحج بالقرب من ديارهم فقصدوه به فعالجه وصنع به مثل‬
‫صنيع عراف اليمامة فلم يزد إل ضنى وسقماً‪ .‬وقال له عروة‪ :‬والله ما دائي ودوائي إل‬
‫شخص مقيم بالشام‪ ،‬فهو دائي وعنده دوائي وهو الذي أمرضن وأضناني‪ ،‬فيئس العراف‬
‫‪:‬من شفائه‪ ،‬ومضى به أهله إلى ديارهم يائسين وهو ينشد في الحين بعد الحين‬

‫شفياني‬ ‫ن هما َ‬ ‫جرٍ إ ِ ْ‬


‫ح ْ‬‫ف َ‬ ‫ه ‪..‬وعَّرا ِ‬ ‫حك ْ َ‬
‫م ُ‬ ‫ف اليَمامةِ ُ‬ ‫ت لِعَّرا ِ‬‫جعَل ْ ُ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ن الدّاءِ كلِهِ‪ ..‬وقاما مع العُوّاد ِ يَبتَدِرا ِ‬ ‫م َ‬
‫شفي ِ‬ ‫م نَ ْ‬
‫فقال نَعَ ْ‬
‫سقَياني‬ ‫شْربَةٍ إِل ّ وقد َ‬ ‫فما تركا من ُرقْيَةٍ يَعْلَمانِها‪ ..‬ول ُ‬
‫ن‬
‫ضلوع ُ يَدا ِ‬ ‫َ‬
‫ت منك ال ّ‬ ‫ض ِّ‬
‫من َ ْ‬ ‫ه واللهِ ما لَنا بِما‪ُ ..‬‬ ‫ك الل ُ‬‫فقال شفا َ‬

‫موت العاشقين‬

‫وما زال عروة يعاني من حبه‪ ،‬وأهله يعنون به‪ ،‬حتى أصبح خيال ً والناس ينظرون إليه‬
‫ويتعجبون من أمره‪ ،‬والموت يروح ويغدو بين عينيه‪ .‬وظل على ذلك الحال حتى فاضت‬
‫‪:‬نفسه وهو يقول‬

‫من كان من أخواتي باكيا ً أبدا‪ ..‬فاليوم إني أراني اليوم مقبوضا‬

‫وبرزت أخواته فشققن ثيابهن وضربن خدودهن فأبكين كل من حضر‪ ،‬ومات من يومه‪.‬‬
‫ولما بلغ موته عفراء قالت لزوجها‪ :‬قد كان من أمر عروة ما بلغك ووالله ما كان ذلك إل‬
‫على الحسن الجميل وقد مات بسبي ول بد لي أن أقيم مأتما ً عليه وأندبه‪ ،‬فأذن لها في‬
‫‪:‬ذلك‪ .‬فشدت الرحال إلى قبره وظلت تندبه ثلثة أيام وهي تنشد‬

‫ة ‪ ..‬ول رجعوا من غيبةٍ بسلمِ‬


‫ك راح ً‬ ‫ن بعد َ‬
‫ي الفتيا ُ‬
‫فل لق َ‬
‫ت من بعدهِ بغلم‬ ‫ً‬
‫ت أنثى تماما بمثله ‪ ..‬ول فرح ْ‬ ‫ول وضع ْ‬
‫ولم تزل تردد هذه البيات وتبكي حتى ماتت فدفنت إلى جانبه‪ ،‬فنبتت من القبرين‬
‫‪.‬شجرتان‪ ،‬حتى إذا طالتا التفتا‪ ،‬فكان الناس يعجبون من ذلك‬

‫***********************‬

You might also like