You are on page 1of 22

‫�أدب احلوار‬

‫بني اجلماعات والفرق‬


‫الإ�سالمية‬
‫�سل�سلة الر�سائل الدعوية‬
‫‪1‬‬

‫�أدب احلوار‬
‫بني اجلماعات والفرق الإ�سالمية‬

‫بحث قدمه الداعية إىل اهلل احلبيب‬ ‫مكتب النور‬


‫‪www.alnoorpub.com‬‬
‫عمر بن حممد بن �سامل بن حفيظ‬ ‫‪alnoorpublisher@gmail.com‬‬

‫يف احللقة العلمية السابعة‬


‫يف ذكرى دخول اإلمام املهاجر إىل حرضموت‬
‫الطبعة الثانية‬
‫‪1431‬هـ ‪2010 -‬م‬

‫جميع احلقوق حمفوظة باتفاق‪ ،‬ال ي�سمح ب�إعادة �إ�صدار هذا الكتاب �أو �أي جزء منه‬
‫�أوتخزينة يف �أي نظام ال�سرتجاع املعلومات �أو نقله ب�أي �شكل من الأ�شكال‪.‬‬
‫مكتب النور‬
‫المحتويات‬

‫‪11‬‬ ‫االختالف �سنة اهلل يف احلياة ‬

‫‪15‬‬ ‫االختالف ال مينع من االتفاق على القوا�سم امل�شرتكة ‬

‫‪21‬‬ ‫�أهمية الرجوع �إلى �أهل العلم ‬

‫‪25‬‬ ‫ح�سن التعامل مع وجود اخلالف ‬

‫‪29‬‬ ‫خلل التع�صب للر�أي ‬

‫‪35‬‬ ‫الرتابط بني �أئمة املذاهب الإ�سالمية ‬

‫‪39‬‬ ‫امل�سلك ال�صحيح لأتباع املذاهب ‬


‫‪7‬‬ ‫�أدب احلوار بني اجلماعات والفرق الإ�سالمية‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫احلمد هلل عىل ما هيأ من بساط النظر لالعتبار واإلدكار‬


‫ٍ‬
‫حلياة ال غاية هلا وال هناية‪.‬‬ ‫لتحصل الفائدة يف احلياة القصرية‬
‫ونحن يف هذا النظر الطويل البعيد املدى‪ ،‬والفكر املستطيل‬
‫العميق نعيش ميز َتنا باإليامن وباإلسالم عن مستوى َمن يف‬
‫توجهاهتم‬
‫ساحة التفكري ممن عىل وجه األرض بمختلف ُّ‬
‫وخمتلف أهدافهم ومقاصدهم وأعامهلم‪.‬‬

‫املؤهالت ما‬
‫فاحلمد هلل الذي هيأ السبيل‪ ،‬وآتانا سبحانه من ِّ‬
‫وتأمل‬ ‫قدرة ٍ‬
‫تامة عىل االستفادة من ُحسن النظر‪ُّ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫جيعلنا عىل‬
‫توجيهات العيل‬
‫ُ‬ ‫وجه مستنري‪ ،‬مستند ُه‬ ‫ِ‬
‫العرب‪ ،‬وإقامة التفكري عىل ٍ‬
‫الكبري‪ ،‬ودالالت البشري النذير والرساج املنري صىل اهلل عليه‬
‫وعىل آله وصحبه وسلم‪.‬‬

‫احلمد هلل كثريا‪ ،‬وسبحان اهلل بكرة وأصيال‪ ،‬وصىل اهلل وسلم‬
‫عىل مفتاح اخلريات ألهل اخلري‪ ،‬اهلادي إىل احلق تبارك وتعاىل‬
‫‪9‬‬ ‫�أدب احلوار بني اجلماعات والفرق الإ�سالمية‬ ‫�سل�سلة الر�سائل الدعوية‬ ‫‪8‬‬

‫ٍ‬
‫نتيجة تتعلق‬ ‫والوجهات وطاقات الوعي والتأمل‪ ،‬للوصول إىل‬ ‫صل اللهم وس ِّلم وبارك‬
‫موضح معامل السري‪ِّ ،‬‬
‫ِ‬ ‫بأحسن الداللة‬
‫شأن عظيم فيام يتعلق‬ ‫ِ‬
‫ومستقبلها القريب والبعيد‪ٌ ،‬‬ ‫بحارض األمة‬ ‫عىل عبدك سيدنا حممد املصطفى‪ ،‬وعىل آله وأصحابه أهل‬
‫بوجود الطوائف‪ ،‬ووجود املذاهب وكيف يتم التعايش‪ ،‬وكيف‬ ‫الصدق والوفاء ومن اتبعهم واقتفى وعلينا ومعهم وفيهم‬
‫يقوم احلوار بينهم‪.‬‬ ‫برمحتك يا أرحم الرامحني‪.‬‬

‫جزى اهلل تعاىل احلبيب أبابكر املشهور خري اجلزاء ومن انضم‬
‫إىل هذا املركز وهذه املنتديات وتلك األربطة املباركة عىل ما‬
‫رص هذه اللقاءات والتفكريات واستكتاب أهل‬ ‫هيئوا من ُف ِ‬
‫ودعمت بغري‬ ‫ُ‬ ‫وهم‬
‫ٍ‬ ‫البحث‪ ،‬وإبعاد حواجزَ ربام قامت من‬
‫فعالة وحتسين ًا‬ ‫ٍ‬
‫وقدرات‬
‫َّ‬ ‫وتقى‬
‫ً‬ ‫بصرية فأفقدت املجتمع قو ًة‬
‫وفوتت كثري ًا من‬
‫للوضع والواقع‪ ،‬وقرب ًة إىل اهلل تبارك وتعاىل‪َّ ،‬‬
‫اخلري الذي يعود عىل أهل املجتمع وعىل أهل الزمن واألمة من‬
‫ٍ‬
‫بمعان من‬ ‫أرسار ما َر َبط اخلالق الواحد بني خمتلف املخلوقات‬
‫ٍ‬
‫معان‬ ‫الربط‪ ،‬حتى ما ُيتحدَّ ث عنه من قاعدة الوالء والرباء فيها‬
‫أيض ًا دقيقة عميقة من الربط تشري إىل أن خالق الكل واحد جل‬
‫جالله وتعاىل يف عاله‪.‬‬

‫ومن خالل هذه احلقيقة التي أرشنا إليها ندخل إىل هذا‬
‫عظيم األثر يف واقع األمة‪ ،‬أراه من أخطر‬
‫َ‬ ‫املوضوع الذي أراه‬
‫ما يمكن أن ُت َ‬
‫رصف إليه األنظار واألبصار والبصائر واألفكار‬
‫‪11‬‬ ‫�أدب احلوار بني اجلماعات والفرق الإ�سالمية‬

‫االختالف سنة اهلل في الحياة‬


‫ٍ‬
‫برسالة من اهلل تعاىل فأسدل‬ ‫نبيا من األنبياء جاء‬
‫ما نجد ًّ‬
‫ٍ‬
‫طائفة يف أمته وقومه‪ ،‬وال بني أي أهل مستوى‬ ‫الستار َة بينه وبني‬
‫يف التفكري والعقل من صغارهم وكبارهم‪ ،‬إىل حدِّ أنه ما ُبعث‬
‫جمتمعه وقومه بمستهزئني وكذابني‬‫ِ‬ ‫نبي إال وقوبل من أهل‬
‫ٌّ‬
‫ومدَّ عني‪ُ ،‬‬
‫وذكر ذلك يف القرآن الكريم ليعرف ارتباط األمور‬
‫ورسا من أرسار التواصل يغيب عن األذهان‬
‫ببعضها البعض‪ًّ ،‬‬
‫فيورث جتهي ً‬
‫ال كبري ًا حلقائقنا ولواقعنا‪ ،‬قد يكون يف صورة‬
‫اإلدراك للواقع‪ ،‬وهذا من أغرب ما يكون يف حياة اإلنسان أن‬
‫يكون التحدث باسم الثقافة أو صورة اإلدراك للواقع حاجب ًا‬
‫بني اإلنسان وعقله وإدراك حقيقة الواقع بام جهله من حقيقة‬
‫املايض‪.‬‬

‫فهي قضية واضحة غامضة‪ ،‬أما وضوحها فلوضوح‬


‫الدالالت عليها يف اآليات‪ ،‬ويف واقع أهل الرساالت صلوات‬
‫‪13‬‬ ‫�أدب احلوار بني اجلماعات والفرق الإ�سالمية‬ ‫�سل�سلة الر�سائل الدعوية‬ ‫‪12‬‬

‫األمر‪ .‬ومل ينفك هذا عن حال املستجيبني لدعوة نب ِّينا حتى يف‬ ‫جتمعت عىل‬
‫اهلل وسالمه عليهم؛ وأما غموضها فللعوامل التي َّ‬
‫حال حياته وأيام نزول الوحي عليه صىل اهلل عليه وعىل آله‬ ‫العقليات املسلمة‪ ،‬وعىل قوى الوعي يف هذه األمة التي حالت‬
‫التنوع يف‬
‫التنوع يف الفهم‪ ،‬وجاء ُّ‬ ‫وصحبه وسلم‪ ،‬فقد جاء ُّ‬ ‫بينها وبني رؤية هذه الداللة الواضحة يف الكتاب ومنهج رسول‬
‫التنوع يف كيفية التنفيذ والتطبيق‪.‬‬
‫إدراك املغزى واهلدف‪ ،‬وجاء ُّ‬ ‫اهلل صىل اهلل عليه وعىل آله وصحبه وسلم‪ ،‬فنحتاج إىل جد َّي ٍة يف‬
‫وأقر هذا‪..‬‬ ‫جتاوز هذه العوائق واخلروج من هذا احلرص أو القرص أو َ‬
‫وأقر هذا َّ‬
‫أقر هذا َّ‬
‫والعجب أنه وهو صاحب الرسالة َّ‬ ‫األرس‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫وأسس حتفظ‬ ‫ليقر سن َة اهلل يف الوجود من التنوع لكن بضوابط‬
‫َّ‬ ‫الذي وقع الناس فيه‪ ،‬وخصوص ًا أهل هذه امللة الذين نحن جزء‬
‫التنوع يف الواقع‪ ،‬وال‬
‫انعدام ُّ‬
‫ُ‬ ‫عىل األمة وحد ًة ال يكون معناها‬ ‫منهم‪ ،‬ورابط ُتنا هبم تتميز عن رابطتِنا ببقية أجناس الوجود‪.‬‬
‫رؤية أخرى‪ .‬فليس هذا معنى‬‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫لصاحب‬ ‫ٍ‬
‫رؤية‬ ‫ِ‬
‫صاحب‬ ‫ُ‬
‫رفض‬
‫منهج حقٍّ وهدى‪ ،‬وفكرة حقٍّ وهدى إال وكان يف‬ ‫ِ‬ ‫ما من‬
‫الوحدة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫تنوع وتعدُّ د؛ وما من فكرة‬
‫تفعيلها والقيام هبا وتطبيقها ُّ‬ ‫مظاهر‬
‫باطل‪ ،‬ومنهج ضالل وزيغ إال وكان أيض ًا يف كيفية تطبيقه‬
‫وتنوع وصور‬‫والتفاعل معه وإخراجه إىل ح ِّيز الواقع تعدُّ د ُّ‬
‫كثرية‪ .‬جيب أن نفقه ذلك وهي سنة من سنن اهلل يف هذه احلياة‪.‬‬

‫ين ِعندَ‬
‫وملا كان دين احلق دين اهلل الذي ارتضاه ﴿ إِ َّن الدِّ َ‬
‫اهلل اإلس َ‬
‫ال ُم ﴾ [آل عمران‪ ]19:‬عىل مثل ذلك املنوال جاءت‬
‫التنوع والتعدُّ د يف صلب الرشيعة املطهرة لتكون يف صورة‬
‫معاين ُّ‬
‫وفتح‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫وأصول رواسخ‬ ‫ٍ‬
‫أسس ثوابت‬ ‫ٍ‬
‫وتوحيد عىل‬ ‫مجع‬ ‫ٍ‬
‫كامل‪ ،‬يف ٍ‬
‫ِ‬
‫كيفيات التطبيق والعمل به والتنفيذ لذلك‬ ‫ٍ‬
‫نطاق واسع يف تعدُّ د‬
‫‪15‬‬ ‫�أدب احلوار بني اجلماعات والفرق الإ�سالمية‬

‫االختالف ال يمنع من االتفاق على‬


‫القواسم المشتركة‬
‫ووسط الوحدة وضمن الوحدة يمكن أن تكون رؤى‬
‫متعددة ومتنوعة‪ ،‬وذلك أنه جيمع اإلنسان واإلنسان إما‬
‫مصلحة وإما هدف معني وإما قواسم مشرتكة‪ ،‬والقواسم‬
‫املشرتكة يمتد العمل هبا يف نفع األمة والبرشية حتى مع غري أهل‬
‫امللة بالضوابط‪ ،‬يقول صىل اهلل عليه وسلم عن حلف الفضول‪:‬‬
‫�شهدت يف دار عبد اهلل بن جدعان حلف ًا ما �أحب �أن‬
‫ُ‬ ‫(لقد‬
‫حمر النعم‪ ،‬ولو ُدعيت �إليه يف الإ�سالم لأجبت)‬
‫يل به ُ‬
‫[رواه البيهقي يف السنن] قال لو أن تلك الطوائف دعتني للقيام‬
‫عىل ذاك األمر الذي هيدف إىل العدل وإنصاف املظلوم ألجبتهم‬
‫جتمعهم ذاك عىل ما اجتمعوا عليه‪ ،‬يف‬
‫وأنا رسول اهلل‪ ،‬وهم يف ُّ‬
‫ٌ‬
‫مشرتك يف إنصاف املظلوم‬ ‫قاسم‬
‫ٌ‬ ‫هذه احليثية وهذه النقطة قام‬
‫مجيع الرسل صلوات‬
‫القاسم ُ‬
‫َ‬ ‫عىل ظهر األرض‪ .‬وقد َ‬
‫محل هذا‬
‫اهلل وسالمه عليهم‪.‬‬
‫‪17‬‬ ‫�أدب احلوار بني اجلماعات والفرق الإ�سالمية‬ ‫�سل�سلة الر�سائل الدعوية‬ ‫‪16‬‬

‫نعني أحد ًا عليهم وال يعينون أحد ًا علينا‪ ،‬ومن جاء منهم إلينا‬ ‫متتد النظرة ومتتد السعة يف شأن هذه القواسم التي ما ُيعدم‬
‫نرده ومن ذهب منا إليهم ال يردونه!؟ قال‪� ( :‬إين ر�سول اهلل‪،‬‬ ‫أديان باطلة كفر َّي ٍة‬
‫ٍ‬ ‫أن متتد حتى بني أهل ملة احلق وبني أهل‬
‫ول�ست �أع�صيه‪ ،‬وهو نا�صري ) [رواه البخاري يف صحيحه]‬ ‫ٍ‬
‫ضالة‪ ،‬وعىل ضوئها جاء يف الرشيعة باب الصلح واملعاهدة‬
‫فدار احلوار بني فرد من أفراد اجليش وبني صاحب القيادة العليا‬ ‫وإقامة العهود‪ ،‬وجاء متثيل ذلك يف واقع سرية املصطفى‬
‫بمثل هذه ال َّلطافة‪ ،‬ومثل هذا التقرير وتبيني احلقيقة‪ ،‬فام كان‬ ‫ِ‬
‫بعقد الصلح بينه وبني قريش يف وقت استفزاز‪ ،‬ووقت إثارة‬
‫ٌ‬
‫اشمئزاز من النبي من هذه األسئلة‪ ،‬وما كان يف سيدنا عمر‬ ‫للمشاعر‪ ،‬حيث ُي َر ُّد صىل اهلل عليه وسلم وهو محُ رم من حتت‬
‫تردد يف أنه رسول اهلل صاحب الصدق‬
‫شك وال ٌ‬‫بن اخلطاب ٌّ‬ ‫مكة‪ ،‬و ُيمنع من دخول الكعبة وأداء العمرة‪ ،‬ثم ي ِ‬
‫ربم االتفاقية‬
‫واحلق‪ ..‬لكن انفعاالت النفس البرشية يف مثل هذه املواقف‬ ‫يف هذه الظروف‪ ..‬حتى بحكم البرشية والنظرة العادية حتركت‬
‫جيب أن ال تعدَّ خارج ًة عن الوحدة‪ ،‬وجيب أن ال تكون معدودة‬ ‫نفوس بعض الصحابة‪ ،‬فكان منها ما قام يف املحاورة عىل تلك‬
‫سبب ًا للتعادي أو للتباعد‪.‬‬ ‫القضية وإذا بصاحب النظرة سيدنا عمر بن اخلطاب الذي يرى‬
‫فتح ٍ‬
‫باب إلذالل‬ ‫أنه ربام يكون يف هذه الصورة من التعامل ُ‬
‫هذا الفقه غاب عن األذهان‪ ،‬فبمجرد أدنى اختالف يف مسألة‬
‫بني طرفني يكون يف نفس أحدمها عىل اآلخر يشء‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫جهل‬ ‫املسلمني والستطالة الكافرين‪ ،‬فجاء إىل رسول اهلل‪ ،‬يا رسول‬

‫وتلون وتعدُّ د‬ ‫اهلل‪ :‬ألسنا عىل احلق وهم عىل الباطل؟ قال‪ ( :‬بىل)‪ .‬أليس قتالنا‬
‫تنوع ُّ‬
‫بسنة اهلل يف الوجود‪ ،‬سنة اهلل يف الوجود ُّ‬
‫َ‬
‫رسول اهلل حقا‪،‬‬ ‫ألست‬
‫َ‬ ‫يف اجلنة وقتالهم يف النار؟ قال‪( :‬بىل)‪.‬‬
‫وأصناف‪ ،‬قال تبارك وتعاىل‪َ ﴿ :‬و َل ْو َشاء اهلل لجَ َ َع َل ُك ْم ُأ َّم ًة‬
‫قال‪ ( :‬بىل )‪ .‬قال‪ :‬فعالم نعطي الدنية يف ديننا!؟ ملاذا نرىض هبذه‬
‫الف‬‫اختِ ُ‬ ‫احدَ ًة ﴾ [املائدة‪ ]48:‬وجعل من آياته الكبرية‪َ ﴿ :‬و ْ‬ ‫َو ِ‬
‫الرشوط الصعبة املتعبة ا ُملجحفة‪ ،‬التي توجب علينا أن نرجع‬
‫َأ ْل ِسنَتِ ُك ْم َو َأ ْل َوانِ ُكم ﴾ [الروم‪ ]22:‬فهل هذا االختالف حلكمة‬ ‫هذه السنة‪ ،‬وال نأيت مكة إال السنة القادمة والسيوف مغمدة‪ ،‬وال‬
‫أو لغري حكمة؟ ولمِ مل جيعل اهلل اخللقَ ك َّلهم يف صورة واحدة‪،‬‬ ‫نجلس إال ثالثة أيام‪ ،‬وعرشة أعوام الصلح تقف احلرب‪ ،‬وال‬
‫‪19‬‬ ‫�أدب احلوار بني اجلماعات والفرق الإ�سالمية‬ ‫�سل�سلة الر�سائل الدعوية‬ ‫‪18‬‬

‫قائمة عىل البغضاء أو عىل الشحناء أو عىل االزدراء‪ ،‬وخصوص ًا‬ ‫وطول واحد!؟ لو كانوا كذلك لبطلت ِح ٌ‬
‫كم كبرية يف الوجود‪.‬‬
‫ونحن يف هذه امللة التي محلت معاين الرمحة العظمى‪ ..‬فالبد لنا‬ ‫فمثال الذي يتصور أن معنى الوحدة اإلسالمية أو غريها من‬
‫من فقه هذه احلقائق‪.‬‬ ‫الوحدات أن تذوب مجيع االختالفات الفرعية مثال الذي يقول‬
‫إن الوحدة بني البرش بأن يكونوا عىل صورة واحدة‪ ،‬وعىل طول‬
‫واحد‪ ،‬وعىل عرض واحد‪ ..‬هذا ما ال يكون‪ ،‬وليس هذا هو‬
‫احتاد‪ ،‬وليست هذه وحدة‪ ،‬إذا تكلم عن احتاد ال يتعلق بالصورة‬
‫فلم مل تدرك أن يف األعامل ويف الترصفات أيض ًا‬‫وبالشكل‪ِ ،‬‬
‫صورة وشكل وأن فيها روح وحقيقة‪.‬‬

‫مكون من جسد ومن روح‪،‬‬


‫فام اختلف أحد يف أن كل إنسان َّ‬
‫ومر عرب مراحل يف التنويع والتطوير‪ ،‬من نطفة إىل مضغة إىل‬
‫علقة‪ ،‬كلنا كذلك‪ ،‬لكن أن تذوب الفوارق أص ً‬
‫ال ليكون الشكل‬
‫واحد ًا والوزن واحد ًا والطريقة واحدة والصحة واحدة‪ ..‬هذا‬
‫ما يتناىف مع حكمة اخلالق املوجد‪ ،‬الذي جعل اختالف األلوان‪،‬‬
‫جعل اختالف األلسن‪ ،‬جعل اختالف الوجهات ﴿ َك َذلِ َك َما‬
‫اح ٌر َأ ْو مجَ ْ ن ٌ‬
‫ُون‬ ‫ول إِال َقا ُلوا َس ِ‬ ‫َأ َتى ا َّل ِذ َ‬
‫ين ِمن َق ْب ِل ِهم ِّمن َّر ُس ٍ‬
‫﴾ [الذاريات‪ ]52:‬وجود االستهزاء وظيفة يف الكون البد أن‬
‫تكون معمورة‪ ،‬ال تقلق هلا‪ ،‬ال تكن سبب ًا دافع ًا ألن تقيم عالئق‬
‫‪21‬‬ ‫�أدب احلوار بني اجلماعات والفرق الإ�سالمية‬

‫أهمية الرجوع إلى أهل العلم‬


‫من غري شك أنه من الصعب أن َترد أمثال هذه احلقائق و ُتبرص‬
‫بالقوى اإلعالمية املوجودة اليوم عندنا‪ ،‬ومثال الغوص عليها‬
‫كمن يغوص يف البحر‪ ..‬الناس يتكلمون عن البحر‪ ،‬والكل‬
‫يعرف بعض خصائص البحر‪ ..‬لكن الغوص فيه والدخول فيه‬
‫شأنه آخر‪ ،‬والتحصيل من هذا الغوص شأنه خيتلف متام ًا‪.‬‬

‫يتهيب دخول البحر عليه أقل يشء أن ال يدَّ عي‬ ‫والذي َّ‬
‫َ‬
‫وأخذها بيده؛ فإن ُوجدت عنده‬ ‫وم َ‬
‫لكه هلا‬ ‫احتواءه عىل اجلواهر‪ُ ،‬‬
‫غواص‪،‬‬
‫جوهرة فعليه أقل يشء أن يعرتف أهنا جاءت عىل يد َّ‬
‫توصل إليها بوسيلة من ماله أو من‬
‫وليست عىل يده هو‪ ،‬إنام َّ‬
‫ِ‬
‫هبة ذاك له أو غري ذلك‪ ،‬كذلك شأن بحور األفكار والعلوم‬
‫واالهتداء إىل حقائق الدالالت يف الكتاب والسنة‪ ،‬أقام اهلل‬
‫ول َوإِلىَ ُأ ْو يِل‬ ‫غواصني‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬و َل ْو َر ُّدو ُه إِلىَ َّ‬
‫الر ُس ِ‬ ‫عليها َّ‬
‫ين َي ْس َتنبِ ُطو َن ُه ِم ْن ُه ْم ﴾ [النساء‪]83:‬‬ ‫َ‬
‫األ ْم ِر ِم ْن ُه ْم َل َع ِل َم ُه ا َّل ِذ َ‬
‫‪23‬‬ ‫�أدب احلوار بني اجلماعات والفرق الإ�سالمية‬ ‫�سل�سلة الر�سائل الدعوية‬ ‫‪22‬‬

‫فإذا أخرجوا اجلواهر فخذها فليست حمرم ًة عليك‪ ،‬وإن أنت‬


‫ج ُبنت أو عجزت‪ ،‬وليست عندك اإلمكانية والقدرة عىل أن‬
‫تغوص يف البحر فس ِّلم للغواص واستلم اجلوهرة منه حني يأيت‬
‫حسن التعامل مع وجود الخالف‬ ‫لك هبا بعد غوصه‪.‬‬

‫ضقت ذرع ًا بمن حويل ُعدمت‬


‫ُ‬ ‫أنا يف جلستي الواحدة إذا‬ ‫ولذلك كان الذين تو َّلوا الفتيا يف شئون الفقه يف الدين يف‬
‫فوائد كثرية يمكن أن أستفيدها من اجللوس عندهم‪ ،‬يف تأميل‪،‬‬ ‫خاصة منهم‪ ،‬وعددهم قليل جد ًا‪ ،‬مع اشرتاك‬ ‫ٌ‬ ‫حياة الصحابة‬
‫الكل يف البناء عىل ما ُبعث به رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬يف‬
‫يف فكري‪ ،‬يف نظري إىل املستقبل‪ ،‬يف مقايستي لألمور‪ ،‬يف‬
‫رش الفضائل‪ ،‬الكل‬ ‫نرش األخالق‪ ،‬يف ن ِ‬‫اجلهاد يف سبيل اهلل‪ ،‬يف ِ‬
‫أخذ الرأي منهم‪ ..‬لكن بمجرد أن يطغى ع َّ‬
‫يل يف‬ ‫حمادثتي‪ ،‬يف ِ‬
‫مشرتكون يف ذلك‪ ..‬وعندما تعرض املسألة ال جييب الكل‪،‬‬
‫نفيس التضايق واالشمئزاز ُأعدَ م كل هذه الفضائل‪ُ ،‬أعدَ م كل‬ ‫حتى كان يقول احلسن البرصي‪ :‬إن أحدكم ُيسأل عن مسألة يف‬
‫هذه الفوائد‪ ،‬كذلك يف شأنك مع خمتلف الكائنات إنام تتوصل‬ ‫الدين يقول عنها ويفتي فيها وهو يميش يف الطريق لو سئل عنها‬
‫إىل الفائدة احلقيقية منها بيشء من الرابطة بينك وبينها‪ُّ ،‬‬
‫فأقل‬ ‫ليعرف قدر احرتام النظر‬
‫عمر بن اخلطاب جلمع هلا أهل بدر‪ِّ .‬‬
‫تقول‬
‫تقول عىل اهلل وال عىل رسوله وال ُي َّ‬
‫وتسليمه ألهله‪ ،‬ولئال ُي َّ‬
‫احدَ ٍة َأن َت ُق ُ‬
‫وموا للِهَّ ِ َم ْثنَى‬ ‫تلك الروابط‪ُ ﴿ :‬ق ْل إِ َّنماَ َأ ِع ُظ ُكم بِ َو ِ‬
‫يف الدين بغري علم‪.‬‬
‫َو ُف َرا َدى ُث َّم َت َت َف َّك ُروا َما بِ َص ِ‬
‫احبِ ُكم ِّمن ِج َّن ٍة﴾ [سبأ‪]46:‬‬
‫فام حصل بني الصحابة يف حياة رسول اهلل ثم بعد وفاته من‬
‫ما هي ا ِ‬
‫جل َّنة التي يقولون عليها يف رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫اهلدي الذي‬
‫ُ‬ ‫اختالف الرؤى واألنظار يف فرعيات املسائل هو‬
‫﴿وإِ َّنا َأ ْو إِ َّي ُاك ْم َل َعلىَ‬ ‫وتفككت‪ ،‬وإال تباغضت‬ ‫جيب أن تسري عليه األمة وإال تفرقت َّ‬
‫وعىل آله وصحبه وسلم!؟‪ ،‬وقال تعاىل َ‬
‫وتباعدت‪ ،‬وإال جنَت غري احلكمة وغري الفائدة‪ ،‬فاخلطوة األوىل‬
‫ال ُت ْس َأ ُل َ‬
‫ون َعماَّ‬ ‫ُهدً ى َأ ْو فيِ َضلاَ ٍل ُّمبِ ٍ‬
‫ني ﴾ آداب احلوار ﴿ ُقل َّ‬ ‫ِ‬
‫احلكمة اإلهلية يف معاين هذا التعدد‪.‬‬ ‫أرسار‬
‫َ‬ ‫أن نفقه‬
‫‪25‬‬ ‫�أدب احلوار بني اجلماعات والفرق الإ�سالمية‬ ‫�سل�سلة الر�سائل الدعوية‬ ‫‪24‬‬

‫عليه وسلم يقيم لنا األمور هكذا فلامذا ِ‬


‫نضيق ذرع ًا من بعضنا‬ ‫َأ ْج َر ْمنَا ﴾ ما أجرم صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬ولكن خصومه يرونه‬
‫البعض‪ ،‬ونحن أهل اتباعه وأهل ملته‪ ،‬علمنا كيف نتعامل مع‬ ‫ال ُن ْس َأ ُل َعماَّ‬ ‫ال ُت ْس َأ ُل َ‬
‫ون َعماَّ َأ ْج َر ْمنَا َو َ‬ ‫كذلك‪ ..‬قال‪ُ ﴿ :‬قل َّ‬
‫من ال يؤمن به ومع من ال يصدقه صىل اهلل عليه وآله وصحبه‬
‫ون ﴾ حتى مل يقل (عام جترمون) بل قال‪َ ﴿ :‬عماَّ َت ْع َم ُل َ‬
‫ون‬ ‫َت ْع َم ُل َ‬
‫وسلم ونفتح املجال للتحاور التام‪.‬‬
‫وجهها إليهم‪ ،‬هكذا ع َّلمه‬
‫﴾ [سبأ‪ ]25 ،24:‬خ َّفف الكلمة ملا َّ‬
‫وملا وجدنا فق َه الصحابة لذلك وجدنا أدبهَ م اجلم يف تعظيم‬ ‫اهلل تعاىل ذلك األدب‪.‬‬
‫بعضهم البعض‪ ،‬فيام اختلفوا فيه من آراء‪ ،‬ورجعنا بعد ذلك‬
‫ولذا رأينا أنه صىل اهلل عليه وسلم مل ُيغلق با َبه دون‬
‫إىل عرص التابعني وتابعي التابعني فوجدنا قم ًام خرجت من‬
‫املرشكني وال دون اليهود وال دون النصارى‪ ،‬بل هذه األصناف‬
‫تربية النبي حممد صىل اهلل وسلم وبارك عليه وعىل آله‪ .‬ما عدَّ ت‬
‫املشتهرة يف عرصه‪ ،‬كان مقر احلوار معها وسط مسجده‬
‫شؤون وجود املذاهب اإلسالمية خاصة‪ ،‬ووجو َد الطوائف‬
‫الرشيف‪ ..‬فاليهود حاوروه وسط مسجده‪ ،‬والنصارى صلوا‬
‫واالجتاهات إال مظهر ًا من مظاهر سنة اهلل يف احلياة ليست‬
‫وسط مسجده‪ ،‬واملرشكون دخلوا وسط مسجده يف حياته صىل‬
‫املشكلة يف وجودها‪ ،‬بل املشكلة كيف يتم التعامل معها؟ كيف‬
‫َّ‬
‫الكل منهم‪،‬‬ ‫اهلل وسلم وبارك عليه وعىل آله‪ ،‬وكان يستقبل‬
‫يتم التقابل بينها البني؟‬
‫وكان حياور الكل منهم‪ ،‬حتى ملا جاء وفد نصارى نجران وقد‬
‫فلهذا نجد أنه عندما حيصل اخللل يف فقه كيف يتم‬ ‫حانت صالة العرص فقاموا يصلون إىل املرشق فقال رسول اهلل‪:‬‬
‫التعامل؟ كيف يتم التقابل؟ يطغى اهلوى‪ ،‬وتطغى العصبية عىل‬ ‫دعوهم‪[ .‬ذكره ابن كثري يف البداية والنهاية عن ابن إسحاق]‬
‫غري وجهها فيحدث الشرَّ خ الكبري‪ ،‬وحيدث الرضر‪.‬‬
‫ما هذه النف�سية التي انفتحت؟ من مثله يوقن أن ما عدا‬
‫ال يف عهد الصحابة كان كبعض‬ ‫ملَّا جاء ُ‬
‫فكر اخلوارج مث ً‬
‫دينه هو الباطل وأن هؤالء عىل ضالل‪ ،‬وأن الواجب عليهم‬
‫األفكار التي اختلف فيها الصحابة بينهم البني‪ ،‬بل بعض‬ ‫اإليامن به واتباعه‪ ..‬هذا ال مرية فيه وال ريب‪ ،‬فإذا كان صىل اهلل‬
‫‪27‬‬ ‫�أدب احلوار بني اجلماعات والفرق الإ�سالمية‬ ‫�سل�سلة الر�سائل الدعوية‬ ‫‪26‬‬

‫األفكار اخلاطئة التي تب َّناها بعض الناس فتل َّقفه املجتمع وخ َّلصه‬
‫منها بأسلوبه الطيب وانتهت‪ ،‬ملا جاءت فكرة اخلوارج ما كانت‬
‫معاجلة ال باملجتمع وال بالعلامء وال بكبار الصحابة مع أهنم َّأدوا‬
‫خلل التعصب للرأي‬ ‫الدور‪ ،‬حتى أرسل ابن عباس إىل مجاعة من الذين خرجوا عىل‬
‫سيدنا عيل ليناقشهم‪ ،‬رجع ثالثة ألف من عرشين ألف ملا عرض‬
‫جتاوز احلد يف اعتبار أن‬
‫من أين جاء اخللل!!؟ جاء اخللل من ُ‬
‫عليهم النقاش وعرض عليهم احلوار عىل وجهه‪ ..‬خاطبهم‪:‬‬
‫اخلضوع له وأن ما سواه‬
‫َ‬ ‫الرأي والفهم هو النص وأنه يلزم الكل‬
‫ماذا تنقمون!؟ وكيف تفكرون!؟ وأتى هلم بالدليل من كتاب‬
‫باطل ال حق فيه‪ ،‬وأنه جيب أن يحُ ارب أهله‪ ،‬هذا هو اخللل يف‬
‫مرصون‬
‫اهلل تبارك وتعاىل؛ فرجع اآلالف هؤالء وبقي اآلخرون ُّ‬
‫ٍ‬
‫مذهب كان‪ ،‬أي مذهب تقوم فكرته عىل أساس أن ال جمال‬ ‫أي‬
‫عىل ما هم عليه‪.‬‬
‫لغريه قط يف معرفة حق وال هدى وال صواب من قريب وال من‬
‫بعيد‪ ،‬وأنه جيب عىل الكل أن يتبعه‪ ،‬وأنه جيب أن ُي ِ‬
‫لغي اآلخر‬
‫ولو بحدِّ السنان‪ ..‬يأيت اخللل‪ ،‬ويأيت الرضر‪ ،‬وتنتفي احلكمة من‬
‫وجود التعدد والتنوع واملذهبية‪.‬‬
‫وحيصل ٌ‬
‫قتال بني السابقني األولني من املهاجرين واألنصار‬
‫وبني طائفة حدثت من بعد تدعي اخلري واإلسالم‪ ،‬وأحدهم‬
‫صاحب صالة طويلة وصاحب قراءة طويلة‪ ..‬فلم تنفعه‬
‫القراءة ومل تنفعه الصالة‪ .‬حتى صار كبار الصحابة يتخ َّلصون‬
‫ٍ‬
‫بإبرازات عجيبة ملا‬ ‫من غبش أفكارهم إذا وقعوا يف يد أحدهم‬
‫‪29‬‬ ‫�أدب احلوار بني اجلماعات والفرق الإ�سالمية‬ ‫�سل�سلة الر�سائل الدعوية‬ ‫‪28‬‬

‫فصيلة فكرهم الضيق‪ ،‬فقالوا‪ :‬ال عليك السالم‪ ،‬ما جاء بك يا‬ ‫خيلصهم منهم يف ضمن نطاق تفكريهم‪ ..‬فيقول هذا الصحايب‬
‫عدو اهلل؟ قال‪ :‬وما أنتم إخواين!؟ قالوا أنت أخو الشيطان‪،‬‬ ‫اجلليل الذي لقيه مجاعة منهم فأخذوه يريدون قتله‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫لنقتل َّنك‪ ،‬قال أما ترضون مني بام ريض به رسول اهلل صىل اهلل‬ ‫أنت من املرشكني الذين يقولون‪ ..‬يفعلون‪ ،‬فحاورهم قائال‪:‬‬
‫عليه وسلم؟ قالوا‪ :‬وأي يشء ريض به منك؟ قال أتيته وأنا كافر‬ ‫نعم كام تقولون إين مرشك إال أين سمعت أنكم تقرؤون القرآن‬
‫فشهدت أن ال إله إال اهلل وأنه رسول اهلل فخلىَّ عني‪ .‬فأنا أشهد‬
‫ُ‬ ‫وحتسنونه‪ ،‬وسمعت أنه يف القرآن عندكم آية تأمركم إذا جاءكم‬
‫أن ال إله إال اهلل وأشهد أن حممد ًا رسول اهلل‪ ..‬فقتلوه‪.‬‬
‫مرشك يريد أن يسمع أن تسمعوه وأن تجُ ريوه وتوصلوه إىل‬
‫ٍ‬
‫ضيق‬ ‫مل يرضوا هبذه اخلصلة‪ ،‬تب َّلد الفكر ووصل إىل ٍ‬
‫أفق‬
‫ار َك َف َأ ِج ْر ُه‬ ‫﴿وإِ ْن َأ َحدٌ ِّم َن المْ ُشرْ ِ ِكنيَ ْ‬
‫اس َت َج َ‬ ‫بالده‪ ،‬اهلل يقول‪َ :‬‬
‫جد ًا‪ ،‬ما صار يستفيد من األطروحات عليه‪ ،‬ما صار يستفيد من‬
‫النقاش‪ ،‬ما صار يستفيد من احلوار الطيب‪ ،‬ما صار يستفيد من‬ ‫اللِ ُث َّم َأ ْب ِلغْ ُه َم ْأ َمن َُه﴾ [التوبة‪ ]6:‬قال أريد‬ ‫ال َم هّ‬
‫َح َّتى َي ْس َم َع َك َ‬
‫حي عن النبي نفسه ما يناسب‬ ‫القدوة برسول اهلل‪ُ ،‬ينقل هلم ٌ‬ ‫أسمع منكم القرآن‪ ،‬فأخذوا ُيقرؤونه القرآن وهو أعلم منهم‬
‫مثل ٌّ‬
‫الفكر الذي تب ُّنوه فلم يقبلوه‪ ،‬بنفيس جئت للرسول وقد كنت‬ ‫بالقرآن‪ ،‬وأجاروه وأوصلوه إىل مكانه‪..‬‬
‫مرشك ًا فريض مني بالشهادتني وانتهت املسألة‪ ،‬وأنتم جئتم بعد‬ ‫فبام رباهم عليه رسول اهلل كيف جتاوزوا العقبات حتى يف‬
‫النبي أال ترضون بام ريض به رسول اهلل!؟ فام أقنعهم ذلك كيف‬ ‫مقابلة مثل هذا الفكر املتعب‪ ،‬الفكر الضيق املورث للمشاكل‬
‫ال يقنعهم فمن رسوهلم إذ ًا؟! يقف اإلنسان عند غرابة إذا جتاوز‬ ‫والباليا يف الوقت الذي يستطيعون فيه التخ ُّلص منه‪.‬‬
‫األمر حدَّ ه يف مسألة التمذهب عىل هذا األسلوب‪.‬‬
‫واآلخر من الصحابة وهو عامرة بن قرض الليثي عرض‬
‫نحن يف اليمن كم قرون مرت وعندنا الشافعية والزيدية‬ ‫عليهم أسلوبه وأ َبوا أن يتقبلوه‪ ،‬فقد كان غائبا يف الغزو واجلهاد‪،‬‬
‫وعدد قليل من احلنفية كم قرون مرت!؟ متى تقاتلوا عىل‬ ‫وملا عاد سمع األذان ففرح وقال‪ :‬يل أيام يف بالد الكفار ال أسمع‬
‫أساس مذهبي!؟ قد حيصل تقاتل بينهم عىل السلطات‪ ،‬أو عىل‬ ‫األذان‪ ،‬فقال هؤالء املسلمون أذهب وأصيل معهم‪ ،‬فأقبل‬
‫التجارات‪ ،‬أو عىل أرايض‪ ،‬أو عىل مغاضبات‪ ..‬لكن مل حيصل‬ ‫عليهم قائال‪ :‬السالم عليكم ‪ ..‬التفتوا إليه فعرفوا أنه ليس من‬
‫‪31‬‬ ‫�أدب احلوار بني اجلماعات والفرق الإ�سالمية‬ ‫�سل�سلة الر�سائل الدعوية‬ ‫‪30‬‬

‫تقاتل عىل أساس ديني بني الشافعي أو الزيدي أو احلنفي! مل‬


‫حيصل مثل هذا بني األفراد وال اجلامعات‪ ،‬ألن األصل الذي‬
‫بنى عليه رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم وحد َة األمة عميق‬
‫الترابط بين أئمة المذاهب‬ ‫وقوي وراسخ‪.‬‬
‫اإلسالمية‬
‫ظهر أقوام اليوم بحثوا عن قواسم مشرتكة وليس هلم دين‬
‫وقد وجدنا عجيب اآلداب بني املشايخ وتالمذهتم يف‬ ‫جيمعهم وال ثقافة وأقاموا عىل أساسها احتاد‪ ..‬كيف يكون‬
‫العصور األوىل‪ ،‬ومن أين نشأت املذاهب األربعة التي اشتهرت‬ ‫هذا!؟ وأوىل بذلك أهل هذه امللة الذين جيمعهم قاسم مشرتك‬
‫بني عامة املسلمني يف الرشق والغرب؟ من أين جاءت؟ جاءت‬ ‫هو أصل الدين الذي ال يمكن الدخول يف الدين إال به‪ ،‬كام قال‬
‫من تلمذة ومشيخة‪ ،‬من اتصال عميق وثيق‪ .‬فلإلمام مالك‬ ‫ذلك الصحايب‪ :‬أال ترضون مني بام ريض به رسول اهلل يوم جئته‬
‫اتصال باإلمام أيب حنيفة‪ ،‬ولإلمام الشافعي تلمذة كاملة عىل‬ ‫وقد كنت كافر ًا‪ .‬هذا قاسم شهادة أن ال إله إال اهلل وأن حممد ًا‬
‫اإلمام مالك‪ ،‬ولإلمام أمحد تلمذة تامة عىل اإلمام الشافعي‪،‬‬ ‫رسول اهلل‪ ،‬جيب أن ال ُت َّ‬
‫غيب عظم ُتها عنا إن كنا مؤمنني‪ ،‬ألن‬
‫وهبا نشأت املذاهب‪.‬‬ ‫معناها إذا استه َّنا بقوهلا وباإلعالن هبا استهانة باهلل وبرسوله‪،‬‬
‫جيب أن يتميز عندنا من قاهلا عمن مل يقلها‪ ،‬جيب أن نعلم أن‬
‫متزق‪ ،‬أو من تش ُّتت‪ ،‬أو من‬
‫تفرق‪ ،‬أو من ُّ‬
‫فهل جاءت من ُّ‬ ‫من الرابطة بيننا وبني من يصدق هبا ما ال يكون بيننا وبني من‬
‫ٍ‬
‫وأخذ‬ ‫ٍ‬
‫تعاون عىل الفقه‪،‬‬ ‫تعادي‪ ،‬أو من تباغض؟ إنام جاءت ِمن‬
‫يكذب هبا‪ ،‬ومع ذلك كله فنحن هبا نقابل الذي ال يؤمن هبا عىل‬
‫من األصول الثابتة الراسخة بتلك السعة التي أخذوا هبا هذا‬
‫وفق دالالهتا يف الرشيعة التي خ َّلفها رسول اهلل صىل اهلل وسلم‬
‫األمر‪ .‬وملا سمع من يقول من املالكية‪ :‬من أراد املذهب النفيس‬
‫وبارك عليه وعىل آله‪.‬‬
‫فعليه بمذهب ابن إدريس‪ ،‬يعنون الشافعي قال‪ :‬كيف ال يكون‬
‫‪33‬‬ ‫�أدب احلوار بني اجلماعات والفرق الإ�سالمية‬ ‫�سل�سلة الر�سائل الدعوية‬ ‫‪32‬‬

‫ٍ‬
‫مذهب من املذاهب اإلسالمية يقول ال صلة له بالكتاب‬ ‫أي‬ ‫ذلك وشيخه اإلمام مالك‪.‬‬
‫والسنة!؟ فإذا كان األمر كذلك‪ ،‬فالكتاب والسنة إن محلت‬
‫وهبذا وجدنا كيف كان األدب والتعظيم بني هؤالء القوم‪،‬‬
‫ٍ‬
‫مدلوالت متعددة فأي حرج يف األخذ بأي‬ ‫يف اللفظ والنص‬
‫وكيف يربون أبناءهم وتالمذهتم وجمالسيهم عىل تعظيم بعضهم‬
‫مدلول قائم عىل نظ ٍر صحيح!؟ ولذلك ال نجد اختالف ًا قط فيام‬
‫البعض‪ .‬يقول اإلمام الشافعي‪:‬‬
‫كان قطعي الثبوت أي من املتواتر من احلديث أو كان يف القرآن‬
‫قطعي الداللة أي ال حيتمل إال معنى واحدا‪ ،‬ال نجد خالف ًا بني‬ ‫‍‬
‫وتـــزوره‬ ‫يــزورك أمحـد‬ ‫قـالـوا‬
‫أحد من أهل هذه املذاهب كلها‪.‬‬ ‫إن زرت��ه فلفضله أو زارين فبفضلـه‬
‫ق��ل��ت ال��ف��ض��ائ��ل ال ت��ف��ارق منز َلـه‬
‫فـالفضــل فــي احلــالني لـه‬
‫ملا بلغ الإمام �أحمد ُ‬
‫عظمت عنده الكلمة‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ٍ‬
‫فبـفضـل منـك متنحنا‬ ‫إن زرت��ن��ا‬
‫أو نحن زرن��ا فللفضــل الـذي فيكا‬
‫ِ‬
‫عـدمنا كال احلــالني منك وال‬ ‫فــال‬
‫ن��ال الـذي قـد متنى فيـك شانيكا‬
‫فعلموا بذلك كيف يكون التواصل‪ ،‬أو كيف يكون االرتباط‪،‬‬
‫َ‬
‫أو كيف يكون التعامل باملذاهب‪ ،‬إذا سلمت من داء احتكار‬
‫وجه احلق والصواب‪.‬‬
‫‪35‬‬ ‫�أدب احلوار بني اجلماعات والفرق الإ�سالمية‬

‫المسلك الصحيح ألتباع المذاهب‬


‫املسلك الصحيح للمتمذهب بأي مذهب من مذاهب احلق‬
‫مظهر صحة يف الرشيعة‬
‫ُ‬ ‫أن يعلم أن وجود املذاهب األخرى‬
‫ٍ‬
‫وبيان عن سعتها وعظمتها‪ ،‬ال حيمل ذلك عىل التخالف وال‬
‫عىل التباعد وال عىل التباغض وال عىل التشدُّ د وال عىل انتهاك‬
‫ٍ‬
‫أحد حلرمة اآلخر‪.‬‬

‫مع ذلك كله‪ ،‬ما أعظم وأكثر القواسم املشرتكة التي جيب‬
‫نة وعىل بصرية‪ ،‬ومع هذا كله‬‫أن يكون االشرتاك فيها عىل ب ِّي ٍ‬
‫فالطريقة الصحيحة يف التعامل بني املذاهب لتوثيق معاين‬
‫الوحدة‪ ،‬بل ولذوبان الفوارق حتى ربام أنه إذا قام ميزان هذا‬
‫التعامل عىل وجهه فاملكان الذي كان فيه مذاهب متعددة‬
‫يتضاءل التعدد حتى تصري إىل معنى من الوحدة حتى يف قلة‬
‫عدد املذاهب‪ ،‬كام هو احلال يف حرضموت بعد خروج املهاجر‪.‬‬

‫واملهاجر واقع من الواقع الذي مر بتاريخ هذه البلدة‪،‬‬


‫‪37‬‬ ‫�أدب احلوار بني اجلماعات والفرق الإ�سالمية‬ ‫�سل�سلة الر�سائل الدعوية‬ ‫‪36‬‬

‫يل اللهَّ ِ إِ َّن‬


‫اس بِالحْ َ قِّ َولاَ َت َّتبِ ِع الهْ َ َوى َف ُي ِض َّل َك َعن َسبِ ِ‬
‫َبينْ َ ال َّن ِ‬ ‫وهي جزء من العامل اإلسالمي الذي وصله اإلسالم من عهد‬
‫اب َش ِديدٌ بِماَ َن ُسوا َي ْو َم‬
‫يل اللهَّ ِ لهَ ُ ْم َع َذ ٌ‬
‫ون َعن َسبِ ِ‬ ‫ين َي ِض ُّل َ‬‫ا َّل ِذ َ‬ ‫النبوة‪ ،‬ملا جاء وكان هنا أيض ًا طوائف وكانت أيض ًا أفكار‪ ،‬مل‬
‫تكن حرضموت منقطعة عن وجود أهل السنة مع وجود‬
‫الحْ ِ َساب﴾ [ص‪]26:‬‬
‫طوائف أخرى‪ ،‬لكن من عهد الصحابة إىل جميء املهاجر ما‬
‫ووجدنا فيام يعرض الفقهاء من تقابل بعضهم لبعض أن‬ ‫كانت خالية من أهل السنة‪ ،‬كان موجود منهم عدد‪ ،‬قد يكون‬
‫يتقابل اثنان يف مسألة يتناظران فيها فإذا تناظرا حتول هذا إىل‬ ‫الربوز والظهور والشوكة لغريهم‪ ..‬ولكن مع ذلك كيف تعامل‬
‫قول هذا والثاين إىل قول األول‪ ،‬فيخرجون وقد تبنى كل منهم‬ ‫معها؟ وكيف قابلها؟ وكيف هبذه املقابلة ونوعية هذا التعامل‬
‫مذهب اآلخر‪ ،‬حصل يف األمة املحمدية أمثال ذلك‪ ،‬مل!؟ مل‬ ‫ٍ‬
‫تقارب يف الرؤى‪،‬‬ ‫تضاءلت الفوارق حتى حتول الناس إىل قوة‬
‫يكن هناك أهواء مستحكمة وال عصبية وال أغراض‪.‬‬ ‫جتاوز عذ ِر بعضهم لبعض وهم عاذرون بعضهم البعض إىل‬
‫كان ال�شافعي يقول‪( :‬ما ناظرت أحد ًا إال وددت أن يكون‬ ‫ٍ‬
‫تعاون وثيق بني بعضهم البعض‪ ،‬بل ذابت العوامل النفسية‬ ‫حدِّ‬
‫عليه من اهلل رعاية وحفظ ووددت أن ُيظهر اهلل احلق عىل يده)‬ ‫وعوامل املصالح الذاتية والشخصية بسبب نصاعة هذا التعامل‬
‫قصدي ظهور احلق‪ ،‬فأحب إيل أن يظهر عىل يد صاحبي الذي‬ ‫تعامل املتجرد عن إرادة املصلحة‪ ،‬عن‬‫وقوته وطيب شذاه‪ُ ،‬‬
‫يناظرين‪ ،‬فبذلك ما ناظره أحد من األكياس العلامء إال رجع إىل‬ ‫إرادة الغرض الشخيص‪ ،‬ملا يتعامل وينطلق من هذا املنطلق عىل‬
‫قوله‪ ،‬ألنه كان خملص ًا وكان صادق ًا وكان هيدف إىل رضا اهلل‬ ‫رس حكمة اهلل يف األمر‪ ،‬وعىل أساس الرمحة والشفقة‬ ‫أساس فقه ِّ‬
‫تبارك وتعاىل يف شأن هذه املحاورة أو هذه املناظرة وما يتعامل‬ ‫َ‬
‫سلطان‬ ‫والرأفة‪ ،‬هو الطريق الذي ُيبعد اإلثارات النفسية‪ ،‬و ُيبعد‬
‫به أيض ًا مع اآلخرين‪ ،‬واألمور مرتبطة ببعضها البعض يف‬ ‫ُ‬
‫وترشذم ًا وتآذيا‪.‬‬ ‫وتفرق ًا‬
‫اهلوى الذي إذا ُوجد مل يثمر إال تباعد ًا ُّ‬
‫مسائل النظر والرؤى يف هذا اجلانب‪ ،‬وتارخينا احلرضمي عىل‬ ‫ولذا نجد التحذير من احلق تعاىل ملعصو ٍم من األنبياء‬
‫وجه اخلصوص مآلن بكثري من العرب‪ ،‬وتاريخ األمة اإلسالمية‬
‫اح ُكم‬
‫ض َف ْ‬
‫األر ِ‬
‫ْ‬ ‫َاك َخ ِلي َف ًة فيِ‬
‫ود إِ َّنا َج َع ْلن َ‬
‫يقول‪َ ﴿ :‬يا َد ُاو ُ‬
‫‪39‬‬ ‫�أدب احلوار بني اجلماعات والفرق الإ�سالمية‬ ‫�سل�سلة الر�سائل الدعوية‬ ‫‪38‬‬

‫عىل جتاوز هذه العوائق التي أ َّ‬


‫حلت‪ ،‬ونكون من اجلزء القائم يف‬ ‫مآلن بكثري من العرب واألمثلة التي بسبب التعامل الصحيح عىل‬
‫نرش ما فيه مصلحة األمة خملص ًا‬
‫األمة عىل خدمة األمة وعىل ِ‬ ‫النظر الذي كان يقول عنه اإلمام الشافعي‪( :‬ما وصلت إليه‬
‫لوجه اهلل الكريم‪.‬‬ ‫باجتهادي أعتقد فيه أنه صواب حيتمل اخلطأ‪ ،‬وما توصل إليه‬
‫غريي مما خيالف هذا االجتهاد أعتقد أنه خطأ حيتمل الصواب)‪.‬‬
‫بارك اهلل لنا ولكم يف هذه اللقاءات واالجتامعات‪ ،‬وجعلنا‬
‫وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه‪ ،‬وأعاننا عىل‬ ‫واخلطأ يف النظر ال يقتيض إث ًام وال حرج ًا عىل الذي أخطأ‬
‫كل ٍ‬
‫سوء أحاط به‬ ‫ما حيب منا يف القول والنية والعمل‪ ،‬ودفع عنا َّ‬ ‫وهو مؤهل للنظر‪ ،‬مل يقم باألمر هبوى وال بعصبية‪ ،‬انظر إىل‬
‫علمه‪ ،‬وجعل العام مباركا علينا وعليكم وعىل أهل هذه امللة يف‬
‫ُ‬ ‫هذه النظرة العميقة‪ :‬قال ما توصلت إليه باالجتهاد فأعتقد أنه‬
‫وفرج الكروب ودفع اخلطوب‪ ،‬ودفع عنا‬
‫املشارق واملغارب‪َّ .‬‬ ‫صواب حيتمل اخلطأ‪ ،‬وما كان عند غريي من مسائل االجتهاد‬
‫رشرها يظهر يف ساحة األمة اليوم‪ ،‬غلواء‬
‫هذه الغلواء التي بدأ ُ‬ ‫أرى أهنا خطأ حيتمل الصواب‪ .‬أما ما جاء بالنص الرصيح فال‬
‫إثارة الطائفية التي يقوم هبا حتارب األمة مع بعضها البعض‬ ‫حجة ال لصحايب وال لتابعي ولتابعي التابعي أن خيالفه وال أن‬
‫َّ‬
‫ولتحل هبا امل ُثالت وليتمكن‬ ‫لتتمزق خرياتهُ ا وليذهب ر ُحيها‪،‬‬ ‫يقوم بعكسه يف يشء من األحوال‪.‬‬
‫منها العدو ويفعل فيها ما يشاء‪ ،‬اللهم اكفنا رش هذا البالء وكل‬
‫هناك أمثلة كثرية يف ما مىض يف تاريخ هذه األمة ويف تاريخ‬
‫بالء‪ ،‬وتو َّلنا بام أنت أهله و ِزد بالد املسلمني أمن ًا واستقرار ًا‬
‫شعوبنا يف مثل هذه البلدة‪ ،‬ولكن هذا التجهيل بالنفس الذي‬
‫وطمأنينة‪ ،‬وادفع األسواء عنا يا حي يا قيوم يا قوي يا متني‪.‬‬ ‫َ‬
‫ونقومه‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫حارضنا‬ ‫وقع علينا اليوم جعلنا نجهل كيف نقيم‬
‫واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬
‫وكيف نتجاوز هذه العوائق‪.‬‬

‫فنسأل احلقَّ سبحانه وتعاىل أن يبعث من البواطن والقلوب‬


‫ِ‬
‫صدق الوجهة إليه فنتعاون‬ ‫صدق معه ُ‬
‫توقفنا عىل حقائق‬ ‫ٍ‬ ‫أنوار‬
‫َ‬

You might also like