Professional Documents
Culture Documents
الطبعة الثانية
1431هـ 2010 -م
جميع احلقوق حمفوظة باتفاق ،ال ي�سمح ب�إعادة �إ�صدار هذا الكتاب �أو �أي جزء منه
�أوتخزينة يف �أي نظام ال�سرتجاع املعلومات �أو نقله ب�أي �شكل من الأ�شكال.
مكتب النور
المحتويات
33 اخلامتة
7 منهج الدعوة �إلى اهلل يف مدر�سة ح�ضرموت
اهلل إن كانت عىل وفق املنهج الذي ارتضاه اهلل ،وإال فكم من �أما بعد:
دعوة قامت باسم اإلسالم والدين هي دعو ٌة إىل نفس ٍ ِ
صورة
ففي تواصل اللقاءات يف هذه احللقة العلمية التي جاءت عىل
غرضٍ أو إىل مجاعة أو إىل رأيٍ أو إىل حزب أو إىل دولة أو إىل
وحرك هلا أهل املنتديات وبعض َّ يد احلبيب أيب بكر املشهور
من األغراض وليست دعو ًة إىل اهلل ،وإنام تكون الدعوة دعو ًة
الشباب ليؤدوا دور ًا من األدوار الواجبة واملهمة يف حياتنا نأيت
إىل اهلل إذا كانت عىل األسس التي ارتضاها اهلل باملنهج الذي
يف هذه احللقة العلمية إىل قضية منهج الدعوة إىل اهلل.
اختاره اهلل ورض َيه تعاىل يف عاله .وإذا علمنا ذلك فإن حماسن
لسعتها وكثرهتا ووفرهتا َ هذا املنهج وخصائصه وعجائبه عظمة منهج الدعوة �إلى اهلل
كل َمن صدَ ق اإلتباع ملحمد وعمقها تعدَّ د بروزها وظهورها يف ِّ
ُ
منهج الدعوة إىل اهلل تبارك وتعاىل حيتل املنـزل َة األسمى
صىل اهلل عليه وآله وسلم ،سيد الدعاة إىل امللك احلق صىل اهلل
يف هذا الوجود لكوهنا الدعوة إىل رب الوجود بمنهاج رب
عليه وآله وصحبه وسلم ،فجميع من ُح ِظ َي باتباعه يرشق عليه
الوجود ،عىل قدم سيد الوجود ،فامذا يف الوجود يمكن أن
التبعية يف الدعوة
َّ فيام يستلهمه يف هذا اإلتباع ويقوم به يف دور
يقاربا يف املنزلة؟ لكل ذلك نفقه أن مهم ًة كانت هي
هَ يطاولهَ ا أو
نصيب من سناء هذا ٌ إىل اهلل عىل منهجه صىل اهلل عليه وسلم
ِ
املالئكة يصطفي من مهمة املرسلني صفوة اهلل من الربايا ﴿ ُ
اهلل َ ُ
املنهاج وحماسنه وخصائصه ومزاياه ،وبذلك تعددت األساليب
متنوع الوسائل َّ
واستظل كل َّ والوسائل واحتد املقصود واملراد، ال ومن الناس ﴾ ،فيجب أن حتتل يف قلوبنا معرش الذين رس ً
واألساليب بظل لواء صاحب السيادة يف الدعوة صاحب اإلذن آمنا باهلل مكانهَ ا ،وإذا احت َّلت مكانهَ ا من قلوبنا وعقولنا أحس َّنا
املطلق من احلق الداعي إىل اهلل بإذنه الرساج املنري البشري النذير وسهل لنا االهتداء إىل منهجها واستبيان معامل َ
التفاعل معهاُ ،
صىل اهلل عليه وآله وصحبه وسلم ،وكانوا بعد ذلكم يف هذه هذا املنهج ،وخطواته وحقائقه ،واالرتقاء يف س َّلمه.
املحاسن والسنا من هذا املنهاج عىل مراتب جليالت وبعضها َ
عظ َم ُة الدعوة إىل اهلل تبارك وتعاىل مربوطة ومقرونة بعظمة
أجل ،رفيعات وبعضها أرفع ،رشيفات وبعضها أرشف.
املدعو إليه ،أال إنه اهلل ،لكن إنام تكون الدعوة إىل اهلل دعو ًة إىل
ِّ
11 منهج الدعوة �إلى اهلل يف مدر�سة ح�ضرموت
األخشبني ،فقال له ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم :بل �أرجو كان من عجائب هذه الدعوة أن حيصل التأثري أحيان ًا يف نرصهتا
�أن يخرج اهلل من �أ�صال ِبهم من يعبد اهلل وحده ،ال ي�شرك به أو إحيائها عىل ِ
يد من مل يكن متحقق ًا باإليامن( ،و�إن اهلل لي�ؤ ِّيد
خرق احلجب إىل األصالب فتأ َّثر الذينَ �شيئا ) فتأثري دعوته خالق لهم) ،هذا َ هذا الدين بالرجل الفاجر وب�أقوام ال
يف أصالهبم من دعوة هذا الصادق صىل اهلل عليه وآله وصحبه مواقف معينة نادرة يف أحوال خمصصة يكون فيها انتشار َ يبني
نبعت الدعوة من أعامق هذا اإلنسان موقن ًا
وسلم ،كذلك مهام َ بسببية من مل يكن متح ِّقق ًا
َّ النور وحصول التأثر اإلجيايب احلسن
مصدِّ ق ًا ُ
فأثرها الطيب حمتوم ،سواء برز يف احلارض أو سيربز املطردة يف بحقائق اإليامن واليقني؛ لكن القاعدة الغالبة والسنة َّ
مستقب ً
ال ..إذن هلذه الدعوة عجائب حينام تنبثق من اإليامن هذا الكون إنام يكون تأثري الدعوة إذا قامت عىل أساس إيامن
العميق ،من التصديق القوي ،من اليقني الذي يمأل جوانح شك وال ريب ،فبذلك عميق وثقة تامة ويقني صادق ال ينتابه ٌّ
القلب. حتسن معاجلات املواقف املختلفة ،وحيصل الثبات ،وحتسن
التأثريات قريب ًا أو بعيد ًا إىل حدود غريبة جد ًا ،فقد تصل أحيان ًا
الأ�سا�س الثاين :العلم واالعتدال فيه
إىل التأثري عىل من سيأيت من ِقبل دا ٍع خياطب حارض ًا عنده ،يبني
عند ذلك يتبعه األساس املتصل به ،وهو أساس العلم هبذا ذلك رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم الذي قال عند رجعته من
اإليامن ،نجد يف هذه املدرسة التي نحن بصدد احلديث عنها ردا قبيح ًا ورموه باحلجارة ،فجاءه رد عليه القوم َّ
الطائف وقد َّ
مقابلة املهاجر إىل اهلل أمحد بن عيسى ملن حيمل يف ذهنه وعقله جربيل ومعه ملك اجلبال.
أفكار ًا خرجت عن مسلك السواد األعظم من األمة ومسلك
فقال له جربيل :إن اهلل عز وجل قد سمع قول قومك لك
أهل السنة واجلامعة ،فكانت هلم نظرات حول الصحابة،
وما ردوا عليك ،وقد بعث إليك ملك اجلبال لتأمره بام شئت
وحول قضايا من أصول هذا الدين ،فجاء وأنصاره قلة قليلة
فيهم ،قال :فناداين ملك اجلبال وسلم عيل .ثم قال :يا حممد
جدا من أهل الوادي ،ففي ذلك العرص الذي جاء فيه املهاجر
إن اهلل قد سمع قول قومك لك ،وأنا ملك اجلبال .وقد بعثني
يف الوادي أهل السنة موجودون بال شك غري منقطعني ،لكن
ربك إليك لتأمرين بأمرك .فام شئت؟ إن شئت أن أطبق عليهم
الشوكة والغلبة فيه كانت لطائفة من غري أهل السنة؛ باإليامن
17 منهج الدعوة �إلى اهلل يف مدر�سة ح�ضرموت �سل�سلة الر�سائل الدعوية 16
املسلك يف اإليامن العميق يف اإلمام مقرون ًا بأخذ النصيب من العميق مل يقلق ومل يتزعزع وخرج من حمل اإلمداد باألموال
العلم عىل نظرة اعتدال. وكثرة اخلراج ،إىل حمل االستهالك للامل ،ومل يتزعزع ،ويف فرتة
قصرية حتولت ِوجهة الناس وأفكارهم واجتمع أهل السنة،
العلم بالأمور املج َمع عليها والواجبات
ُ العلم:
ِ ف�أقل
وأ َّثروا عىل من حواليهم ،واقتنع املقتنعون ،ووقف الذين غلبت
الوا�ضحة والأمر املتفق عليه من كرمي الأخالق فهذا �أ�سا�سي
ٍ
عميق عليهم األهواء ،فام استطاعوا أن يقولوا شيئ ًا أمام ٍ
إيامن
تقيد الدعوة إىل
و�ضروري لكل داعي ،ولكن نظرة االعتدال أال َّ أفاض حج ًة قوية ،يف ثقة عظيمة ،وأدب وافر ،وهذا من أندر
اهلل بامل َّتسع يف العلم ،ولكن للم َّت ِسع يف العلم جمال اإلفتاء وجمال
ملنهج يف الفهم
ٍ ما يكون يف التاريخ ،أن تكون شوكة وغلبة
املرجعية يف بيان األحكام الرشعية ،فال حق لداعية مل يبلغ هذه هبمة ٍ
ٌ
فرد يأيت إىل املنطقة واالعتقاد سائد ًا يف منطقة ،فيتحول َّ
ففرق كبري الرتبة وهذه املنزلة أن يتجارس وال أن يتجرأ عليها،
ويتغري األمر كله ،وهو مع ندرته يف التاريخ ،إال أن له أمثله
بني نرش الدعوة إىل اهلل وبني الفتوى يف أحكام اهلل ،ومساحة
ونامذج متعددة ،وكان الرسل صلوات اهلل عليهم إنام يأتون إىل
باملجمع عليه قاسم مشرتك بني فئات املسلمني، َ الدعوة إىل اهلل
جمتمعات كلها ضد ما يقولون وعىل خالف ما يدعون ،وهبم
وعند النزول إىل األحكام جيب الرجوع إىل أهل التخصص
حيول اهلل األحوال ،ويف هذا املسلك جاءت سنة رسول اهلل صىل ِّ
وإىل َمن يوكل إليه األمر ،وإال صارت الدعوة فوىض وعبث
اهلل عليه وسلم وهو يقول لعمه( :يا عمي واهلل لو و�ضعوا
وعرضت الناس ملشاكل كثرية ،هلذا نجد أن بعض مجاعات َّ
ال�شم�س يف مييني ،والقمر يف ي�ساري ،على �أن �أترك هذا الأمر
الدعوة إىل اهلل من غري أهل هذه املدرسة يقررون أننا ندعو إىل
ما تركته حتى يظهره اهلل �أو �أه ِلك دونه) ويف اإليامن العميق
الفضائل وال نقرر املسائل ،وأن املسائل هلا أهلها ،ونجد مجاعات
واألدب اجلم قال صىل اهلل عليه سلم( :حتى يظهره اهلل) ومل
أيض ًا مسلمة قامت بتجارس يف خلط الدعوة بمسائل األحكام
يعرب بقوله :حتى أظهره وحتى أنرصه وحتى أنرشه وحتى ُأقيمه
والفتوى ،فيأيت فيهم من يتدارك ويقول دعاة ال قضاة ،ونجد من
يتدارك من ِّ ولكن قال( :حتى يظهره اهلل) جل جالله وتعاىل يف عاله ،فام
مفك ِرهيم بعد صدور كتب بستني سنة ليقول ال جيوز
ُ يعدُّ نفسه يف جهاده الطويل العريض إال عبد ًا هلل تعاىل متس ِّبب ًا
أخذ احلكم من كتبنا هذه وكتب قادتنا ،فقد كتبوها يف ظروف
يف اهلداية؛ واإلظهار واهلداية من اهلل لرباياه وخللقه ،كان هذا
19 منهج الدعوة �إلى اهلل يف مدر�سة ح�ضرموت �سل�سلة الر�سائل الدعوية 18
الناس :ال أعلم ،ال أعلم هذه املسألة ،فمن اخلطأ الفاحش أن معينة ..والكاتب ليس املتخصص يف إصدار احلكم ،وخصوص ًا
ٌ
مكان َجرأ يف مسألة الدعوة إىل اهلل عىل إصدار األحكام ،وهو
ُيت َّ يف قضية هامة تتعلق بتكفري املجتمعات وتكفري الدول وتكفري
معظم له قدره يف الرشيعة ،واالستهانة به استهانة بالرشيعة العامة من املسلمني ،اضطروا إىل هذا ألهنم عند انطالقهم يف
نفسها ،حتى أصبح الكثري من الناس حيرتم التخصص يف مجيع ال غابت عنهم أمهية العلم باألحكام وظنوا أنه يمكن الدعوة أو ً
طب األبدان،ما يتعلق باجلسد واملادة من هندسة األجهزة إىل ِّ بمجرد إعامل العقل واستعامل الوسائل االستغناء عن فهم كثري
إىل اإلدارة يف املؤسسات وأماكن األعامل والرشكات فعندهم من تفاريع األحكام الرشعية ،وما علموا امليز َة يف هذه األحكام
احرتام قوي للتخصص وإرجاع األمور إىل أهلها ،حتى إذا والعظمة واجلاللة التي أضفتها عليها إرادة اهلل ،إذ هي املتفرعة
جاء إىل عند دين اهلل أباحه لكل متطاول ولكل متحدث وربام من نصوصه ومن نصوص رسوله صىل اهلل عليه وآله وصحبه
نفسه مفتي ًا بعد أن يتعلق بالدين بشهرين أو بثالثة
نصب الواحد َ
َ وسلم ،فكان من الرضوري االعتناء هبذه املسألة وأن يجُ عل
أشهر ،يف الوقت الذي يكون فيه من أجهل الناس بتفاريع العلم يف مكانته ،وأن ُت َر َّد املسائل إىل املتخصصني فيها وأن ال
أحكام عامد الدين الذي هو الصالة أو الطهارة أو ما يتعلق هبا، ُيمنع املسلمون بكل مستوياهتم يف العلم أن يدعوا إىل اهلل تبارك
وكل ذلك من تضييع العلم املسند ،فإذا ُأضيع العلم املسند َّ
حل يتجرؤوا عىل احلكم يف املسائل، َّ وتعاىل لكن بضوابط أن ال
حمله التجري وأحد أمرين :القول بغري علم أو التحديث بلسان وبضوابط أن ال يقولوا ما ال يعلمون ،وبضوابط أن يقولوا ما
اجلهل املركب الذي هو إدعاء العلم بغري علم ،وهذا الذي وقع تيقنوه ويلزموا حدَّ هم ويعلموا أن املتخصص يف هذا اجلانب
يف األمة وعانت منه كثري ًا . حيتاج أن يتوقف يف مسائل كثرية فكيف من مل يتخصص ،وأن
الباذل عمره يف هذا التخصص يقول يف مسائل كثرية ُتعرض
فاألسس التي نالحظ فيها نجاح املنهج الذي دخل بواسطته
عليه( :اهلل أعلم) ،حتى شوهد إمام دار اهلجرة اإلمام مالك بن
األلوف ثم املاليني إىل دين اإلسالم بغري سيف ،بغري قتال ،بغري
أنس عليه رضوان اهلل يف جملس واحد ُيسأل عن اثنتني وثالثني
شدائد ،بغري إشكاالت وصعوبات كان من مجلة األسباب فيه
مسألة فيجيب عن اثنتني ويقول يف باقي الثالثني اهلل أعلم ال
�أنه يقوم على العلم �أي�ض ًا يف الأحكام ،وال ُيتجاوز فيه احلد
أدري ،فإمام دار اهلجرة مل يستنكف أن يقول أمام املأل من
21 منهج الدعوة �إلى اهلل يف مدر�سة ح�ضرموت �سل�سلة الر�سائل الدعوية 20
سن الرتبية من رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم ذلك ُ
حل ِ عند إصدارها ،فالدعوة إىل اهلل مرتبطة بالعلم بأحكام اهلل عىل
وصياغة تلك العقول واملدارك التي أدركت عظمة تلك الرسالة االعتدال الذي ذكرناه.
ومعنى الصلة باهلل تبارك وتعاىل.
متبحر يف علم
فأما نظرية أنه ال يفوه بالدعوة إىل اهلل إال ِّ
فهذا جانب العلم واالعتدال فيه ،ال منع الناس من الدعوة الرشيعة فهذا بحد ذاته إضعاف ملنهج اهلل يف األرض ،وللصلة
ٌ
إمهال لشأن الرجوع إىل العلامء من كل بتبحر يف العلم ،وال
إال ُّ باب لنسيان األحكام ،ولوقوع الناس يف به بني الناس ،وفتح ٍ
دا ٍع ومن كل مدعو ومن كل صغري وكبري ،وإعطاء القوس املخالفات ،ولذهاب األصول من اإليامن واليقني ،واملحبة هلل
بارهيا يف جمال هذه التخصصات. ورسوله ،والتعظيم هلل ولرشعه ولدينه ،بل قال صىل اهلل عليه
وسلم ملختلف مستويات األمة أمامه ،وفيهم الذي كان مصاحب ًا
الأ�سا�س الثالث :التحقق بالعمل مبا يدعو �إليه
له من أول أيام نزول الوحي إىل السنة العارشة يف آخر عمره
وهو حتقق العمل بام ُيدعى إليه يف حال الداعي وذات ذلك عند حجة الوداع ،وفيهم الذي جاء بعد سنوات ،وفيهم الذي
الداعي ،بأن يكون قدو ًة يف عمله ومعاملته ،هذا األساس هو أسلم قبل سنة واحدة ،وفيهم الذي أسلم قبل أشهر ،وفيهم
األبرز فيام كان من دعوة أهل هذه املدرسة يف رشق آسيا ويف الذي أسلم يف ذاك الشهر ،وهو يقول هلم( :ليبلغ ال�شاهد
رشق أفريقيا إىل املتأخرين منهم ..يف العرص القريب تويف بعض منكم الغائب) فك َّلف اجلميع بالدعوة علامؤهم وقدماؤهم،
الذين كانوا حيملون الدعوة من أهل هذه املدرسة يف أفريقيا، والذين قضوا عمر ًا يف فقه األحكام والذين أسلموا قريب ًا،
ليعف نفسه عن املسألة ،وكان وسط َّ وكان يشتغل بالتجارة التقول يف احلكم؛ ومن هنا
يتجرأ أحد منهم عىل َُّّ لكن دون أن
التجارة يف جتارة أبدية رسمدية يف خدمة الدعوة املحمدية ،يقول جاءنا يف تاريخ الصحابة أهنم كلهم دعاة ،ومل يكن َمن يتوىل
يل بعض املوجودين اآلن وهو احلاج مخيس -شائب أصله من الفتوى منهم إال َمن ُيعدُّ بأصابع اليدين ،وكلهم يف شأن الدعوة
فارس مقيم بكينيا قال :طلب مني ذلك الداعية وأنا يف قرية من إىل اهلل متسابقون وراغبون ،ولكنهم يف شأن الفتوى زاهدون
قرى أفريقيا ليس فيها مسلم أن أنظر له دكان ًا ليفتح دكان ًا له يف الفتيا بينهم) ،كل
ومتأخرون ومتدافعون هلا ( ،يتدافعون ُ
23 منهج الدعوة �إلى اهلل يف مدر�سة ح�ضرموت �سل�سلة الر�سائل الدعوية 22
ال يوجد هبا مسلمون ،وهكذا فهو يتاجر ويتاجر ،وهو حامل ذاك املكان ،فرتبت له مكان ًا فجاء وفتح الدكان ،فكان بأسلوب
هذا اهلم ..ملا انتهت مهمته يف هذه القرية ذهب ليفتح له دكانا يف أدبه وأخالقه ملفت ًا للنظر ،ومن مجلة ذلك أنه لو اشرتى أحدهم
قرية ثانية من أجل أن يدخل الناس أيض ًا يف اإلسالم ،بمثل هذا ال من دكانه ،يزن له ما طلبه من الشاي ويضيف إليه الشاي مث ً
األسلوب وهذه الطريقة طريقة التحقق بخلق اإلسالم ،ولذا قليال من السكر ،يقول :عجيب أنا ما اشرتيت منك هذا،
جتد من السهل الكالم عىل القيم وعن ا ُمل ُثل وعن الشامئل وعن يقول :وأنا ما أخذت منك الفلوس إال حق هذا الشاي ،يقول:
األخالق عن املكارم عن احللم عن الصرب عن احلياء ،ولكن مل أعطيتني السكر؟ ،قال :ليساعدك عىل رشب الشاي ،فيقول
الشأن بعد ذلك وقت املعاملة . متعجبا منه :ألست تقصد الربح يف جتارتك ،فلم تترصف
هكذا؟ قال :ديني يأمرين هبذا وحي ِّببه إيل ،فيسأله عن دينه ؟
وكثري من شبابنا املعارص اصطدموا اصطدامات من ِقبل
أناس كانوا رأوا فيهم مث ً فيحدثه عن اإلسالم ويرشحه له ،ثم يأيت آخر ليشرتي منه رزا،
ال يف الدعوة إىل الدين واإلسالم فلام
فيضع معه قليال من السمن دون أن يأخذ منه قيمته ،فيقول :مل
عارشوهم رأوا أخالق ًا غري األخالق ومعامالت ال ُّ
يقرها
الرشع ،فاصطدموا اصطدام ًا شديد ًا عنيف ًا ،وحصل عند ٍ وضعت السمن؟ ،يقول :ليساعدك يف الطبخ ،يقول :ومل تترصف
بعض
هكذا؟ قال :ألن ديني حي ِّببني إىل هذا ،فيسأله عن دينه ،فيقول:
ارتداد عن اإلسالم بسب سوء العمل من الذين يلبسون قميص
اإلسالم ،ثم يسأله عن اإلسالم ،فيرشح هلم اإلسالم ..وهكذا،
الدعوة إىل اهلل غري صادقني مع اهلل تعاىل يف عملهم وقيامهم
ثم تشاور أهل القرية يف شأنه ،قالوا :تعال يا هذا الشيخ واهلل
باألمر.
دينك عجيب لكن نحن كبار يف السن ،ومن العيب أن نتبعك،
�إذن تخ ُّلق الداعي بخلق الإ�سالم �أ�سا�س يف جناح دعوته فامذا نعمل ،قال :هاتوا أوالدكم ،فأحرضوا له األوالد ،ودخلوا
وقبوله عند اهلل تبارك وتعالى ،وهذا الذي نزل به القرآن: اإلسالم ،ثم أثروا يف البيوت ،فجاء اآلباء ليعلنوا له إسالمهم،
وهكذا انترش اإلسالم بينهم فبنى هلم مسجد ًَا يف القرية ،وأقبلوا
نس ْو َن َأ ُنف َس ُك ْم َو َأن ُت ْم َت ْت ُل َ
ون اس بِا ْلبرِ ِّ َو َت َ
ون ال َّن َ َ
﴿أ َت ْأ ُم ُر َ
عىل الصالة وصار أكثر أهل القرية مسلمني .ثم طلب ذلك
ون َما ال ون﴾ ﴿ َيا َأيهُّ َ ا ا َّل ِذ َ
ين َآ َمنُوا لمِ َ َت ُقو ُل َ اب َأ َف َ
ال َت ْع ِق ُل َ ا ْل ِك َت َ الداعية من احلاج مخيس أن خيتار له دكانا آخر يف قرية أخرى
25 منهج الدعوة �إلى اهلل يف مدر�سة ح�ضرموت �سل�سلة الر�سائل الدعوية 24
إليه ليكون املستو َدع هلا صىل اهلل عليه وسلم لثقتهم به ولعلمهم ون * َكبرُ َ َم ْق ًتا ِعندَ اللهَّ ِ َأن َت ُقو ُلوا َما ال َت ْف َع ُل َ
ون﴾ ،ويقول َت ْف َع ُل َ
كيف حال هذا الرجل وكيف حال هذا اإلنسان صىل اهلل عليه سيدنا شعيب لقومهَ ﴿ :و َما ُأ ِريدُ َأ ْن ُأ َخالِ َف ُك ْم إِلىَ َما َأنهْ َ ُاك ْم
أساس يف منهج الدعوة
ٌ وآله وصحبه وسلم ،فباتباعه هذا قام
إىل اهلل تبارك وتعاىل.
﴿و َما
َع ْن ُه﴾ ال أهناكم عن يشء ثم أذهب ألعمله يف الرسَ ،
إل ْص َ
ال َح َما ال ا ِ ُأ ِريدُ َأ ْن ُأ َخالِ َف ُك ْم إِلىَ َما َأنهْ َ ُاك ْم َع ْن ُه إِ ْن ُأ ِريدُ إِ َّ
الأ�سا�س الرابع :تنزيه الق�صد عن الغر�ض ،والإخال�ص
يب﴾ .ال بِاللهَّ ِ َع َل ْي ِه َت َو َّك ْل ُت َوإِ َل ْي ِه ُأنِ ُ اس َت َط ْع ُت َو َما َت ْو ِف ِ
يقي إِ َّ ْ
لوجه اهلل
فكان بسبب هذه الصفة وبروزها إسالم كثري من الناس يف
يتصل هبذا األساس أساس تنـزيه ال َقصد عن الغرض وعن رشق آسيا ،ففي إندونيسيا تسعة كلهم من حرضموت سبعة من
إرادة غري وجه اهلل ،وذلكم هو عنرص اإلخالص الذي ال ُيقبل ذرية صاحب الذكرى اإلمام املهاجر ،واثنان من قبائل أخر من
العمل إال به ،ومهام انترشت دعوة بني الناس وهذا العنرص حرضموت ،هؤالء التسعة كان بداية دخول اإلسالم يف القرن
فيها ضعيف فال توصل إىل اهلل ،وال بد أن تكون هناياهتا فشل السادس يف جزر جاوة وأندونيسيا عىل يدهم ،وابتدأ اإلسالم
وإشكاالت كثريات ،عنرص اإلخالص وهو تنـزيه القصد عن هناك حتى رغب فيه امللوك ،وأسلمت امللوك والشعوب،
إرادة غري وجه اهلل ،وعن أن تكون األغراض واألطامع هي وانترش اإلسالم انتشار ًا عجيب ًا من دون يشء من اإلشكاالت
الداعية للداعي أن يدعو يف صورة الدعوة إىل اهلل ،وهو دا ٍع وال من احلروب وال القتال وال غري ذلك ،أبرز ما كان فيهم
لتحقيق ذلك الغرض أو ذلك املقصد ،من هنا نقف عند منهج قرأ يف أفعاهلم ويف أقواهلم ويف معامالهتم ،فصاروا
أن اإلسالم ُي َ
الدعوة يف هذه املدرسة إىل أن الفرعية يف املذهب والفرعية يف مأمونني عند الناس ،مأمونني عىل األموال ،مأمونني عىل
االتصال بالسند جاءت فرع ًا عن دعوهتم إىل اإلسالم ليست األعراض ،مأمونني عىل األرسار ،حتى أمائن الناس صارت
ا ُملرتكز وال األصل الذي دعوا الناس إليه. إليهم كحال نبيكم صىل اهلل عليه وسلم يف مكة من ِقبل املرشكني
يكذبونه ويؤذونه ،وعند احلاجة لألمانة يأتون بودائعهم الذين ِّ
27 منهج الدعوة �إلى اهلل يف مدر�سة ح�ضرموت �سل�سلة الر�سائل الدعوية 26
احلزبياتُ ،
وأصبغ عليها الدعوة إىل اهلل ونقول استحيوا ،فإن أنقذتنا من الكفر إىل اإلسالم ،فأنت أحق هبذا املنصب ،قال:
َّ
املدعو إليه عظيم ،وإذا أردت أن تدعو إليه فكن عىل قلب
َّ واهلل ال أتواله بنفيس قط ،حتى قام مع امللك الرعية والشعب
يرضاه هذا العظيم ﴿ تِ ْل َك الدَّ ُار حياولون الشيخ أن يتوىل ا ُمللك بعد املَلك ،فأبى ورفض ،حتى
اآلخ َر ُة َن ْج َع ُل َها لِ َّل ِذ َ
ين ِ
انتهى الصلح بينهم إىل تولية ابنه شئون امللك ؛ فكان ذلك
اق َب ُة لِ ْل ُم َّت ِقنيَ ﴾
ض َوال َف َسا ًدا َوا ْل َع ِ ون ُع ُلوا فيِ َ
األ ْر ِ ال ُي ِريدُ َ ًّ الداعية من أزهد الناس يف أن يتواله وما رضيه البنه إال حتت
لوهم عند رب السامء فع ُّ
علوا يف األرض ،إذن ُ
ال يريدون ًّ تلك الضغوط يف دائرة أدب علم فهم وعي قول رسول اهلل صىل
واألرض ،أعالهم جل جالله ،ويف هذا جاء املنهج النبوي.
اهلل عليه وآله وسلم ( �إنك �إن ُطلبتها �أوكلت �إليها و�إن ُط ِلبت
فقد ورد �أن بع�ض �أقارب النبي وهو عمه العبا�س -العزيز لها �أُعنتَ عليها) (و�إنا ال نعطيها من �س�ألها) ومع ذلك فقد
عليه يقول سيدنا عمر كان النبي يرى للعباس ما يرى االبن يرض هو لنفسه قط حتى جاء فطلب هلا فلم َ جتاوز هذا احلد ُ
لوالده -يطلب منه بعض اإلمارات يقول( :ال يا عم إنا ال اإلحلاح والطلب البنه فتسامح يف ذلك مر ِّبي ًا هلذا االبن ِّ
حمذر ًا له
نعطيها من سأهلا) يريد أن جيمع رشف احلجابة يف البيت مع من االغرتار بمسألة هذا ا ُمللك ملقي ًا عىل عاتقه األمانة يف القيام
السقيا والرفادة ،يقول امجعها لنا يا رسول اهلل قال( :ال رشف ُّ باملسؤولية ،موصي ًا له أن ال جيعلها متوارث ًة يف أبنائهِّ ،
مذكر ًا له
يا عم إنام أعطيكم ما ُت ْر َزؤُ ون به ،ال ما َت ْأ ِر ُزون إليه) ،قال الذي بقول عمر بن اخلطاب( :يكفي �أن ُي�س�أل عنها من �آل عمر فرد)،
تتشوف إليه النفوس ما أعطيه أهل بيتي أنا أعطيهم الذي يشق، وأمر ابنه عبداهلل أن حيرض مع أهل الشورى فقط ،وليس له حق
الثقيل الذي النفوس تنفر منه أكلفهم به وأسلمه هلم صىل اهلل رشح للخالفة ،فكان عبداهلل بن عمر حيرض مع الستة أهل أن ُي َّ
عليه وآله وسلم ،لذا وجدنا يف سريته هذا األمر ،تأيت إليه الشورى ال حقَّ له يف األمر قط ،حتى أقاموا سيدنا عثامن بن
بنته فاطمة ،فال جتده يف البيت ،فيأيت متأخر ًا إىل بيته فتخربه عفان ريض اهلل تبارك وتعاىل عنهم أمجعني.
يقر له قرار أن جيلس حتى أم املؤمنني أن فاطمة جاءت ،فال َّ ِ
لفقد هذه النقطة حتولت الدعوة إىل اهلل إىل الدعوة إىل األنفس،
يعلم لمِ َ جاءت فاطمة إىل البيت وما حاجتها ،فيخرج بالليل
إىل الدعوة إىل املذاهب إىل الدعوة إىل التنظيامت ،إىل الدعوة إىل
يف الساعة املتأخرة بنفسه إىل بيت فاطمة ،يدق الباب فدخل
31 منهج الدعوة �إلى اهلل يف مدر�سة ح�ضرموت �سل�سلة الر�سائل الدعوية 30
وال يريد احلكم باإلسالم من غريه ،فهذا طالب حكم ال طالب عليهم ،وقال ( :يا ابنتي بلغني أنك جئت إ ّيل تسألني عني فام
إسالم ،أما الثاين فرييد أن يحُ كم باإلسالم ممن كان ،القصد أن وخجلت وسكتت ،قال سيدنا عيل يا ْ جاء بك؟ ) ،فاستح َي ْت
أحكام اهلل ورشيعته تبارك وتعاىل ،فيكون الفارق كبري ًا.
ُ تن َّفذ رسول اهلل إنام أرسلتها أنا قلت إن أباك قد جاءه عدد من اخلدَّ ام
جترحت يوزعهم عىل املسلمني ،وقد أعياك الطحن واخلبز حتى َّ
ولذا عندما تفقد حقائق الصدق مع اهلل واإلخالص لوجهه
ذهبت إىل ِ
أبيك فسألتيه خادم ًا ،قال ِ يداك من عمل البيت ،فلو
الكريم تأيت بعد ذلك بعض املظاهر ،فكم من قوم اجتمعوا
لغرض الدعوة إىل اهلل ،فكاد وقت الصالة أن خيرج فيقوموا النبي� ( :أال �أد ُّلكما على ما هو خري لكما من ذلك ؟ �إذا �أويتما
�إلى فرا�شكما ف�س ِّبحا َ
اهلل ثالث ًا وثالثني ،واحمداه ثالث ًا
مستعجلني ليؤدوا الصالة برسعة كاملتربمني هبا ثم يرجعون
إىل املجلس ،يطيب هلم اجللوس يف ختطيطهم ،ويصعب عليهم وثالثني ،وكبرِّ ا �أرب ًعا وثالثني ،فذالكما خري لكما من خادم )
الوقوف بني يدي اهلل بخضوع وخشوع فال حيسون له بطعم وال قسم اخلدام عىل فقراء املسلمني وترك أهل بيته وريض وهكذا َّ
حيسون له بذوق ،أهؤالء دعاة إىل اهلل أم دعاة إىل تنظيمهم؟ هلم بالتسبيح ،ال هلوان فاطمة عليه ،بل هي أعز َمن عىل األرض
أهؤالء دعاة إىل اهلل أم إىل حزهبم وأغراضهم التي يريدون أخذها عليه ،وأكرمهم عىل قلبه ،وهي بضعة منه ،ولكن لكرامتها عليه
يف هذه احلياة؟ ألجل كل ذلك سمعنا احلديث الرشيف� ( :إنكم زهدها يف الفاين ،ورغب هلا فيام هو أبقى وأعظم ،كذلك ر َّبى َّ
�ستحر�صون على الإمارة و�إنها �ستكون ندامة يوم القيامة). رسول اهلل أهل بيته خاصة ،كام نرش الرتبية لألمة عامة ،جزاه اهلل
نبيا عن أمته.
عنا خري ما جزى ًّ
ي�أتي هذا الأ�سا�س يف تنقية القلب عن �إرادة غري اهلل
عندما تتحول الدعوة �إلى �أغرا�ض ،و�إلى �أحزاب ،ت�أتي
تبارك وتعالى.
الإ�شكاالت الكثرية الكبرية.
وورد أن شاب ًا استأذن من سيدنا عمر بن اخلطاب أن يتكلم
يذكر بعد صالة الصبح يف املسجد ،فنظر عىل الناس بحيث ِّ يرحم اهلل الشيخ الشعراوي كان يقول :فرق بني من يريد أن
إليه سيدنا عمر قال :ال ،لمِ مل يأذن له؟ هل يمنع عمر الدعوة!؟ يحُ َكم باإلسالم - ،أي أن مراده أن يحُ كم برشع اهلل -وبني من
يريد أن يحَ ُكم باإلسالم ،ال يريد أن يحُ كم بل يريد أن يحَ كم هو،
33 منهج الدعوة �إلى اهلل يف مدر�سة ح�ضرموت �سل�سلة الر�سائل الدعوية 32
كان حيب الدعوة ريض اهلل عنه ،فهو يتكلم مع الناس ويأمر
غريه أن ِّ
يذكرهم ،فلم قال :ال؟ قال :إين أخشى أن تنتفخ حتى
تبلغ الثريا ،فليس جمالك هنا ،أخلص لربك وانظر املحتاجني
الخاتمة لتعليمك لتعلمهم ،وأخلص نيتك يف التعليم لوجه هلل تبارك
وتعاىل.
هلذا كله كان منهج الدعوة إىل اهلل تبارك وتعاىل منهج عميق
خالصته تنتهي إىل علم وعمل وحال ،يتفرع عن العلم ما ذكرناه
يف شأن األحكام ومعرفتها واالعتدال فيها وتعلقها بالدعوة،
ويتفرع يف شأن العمل ما ذكرنا من أن تكون األخالق قائمة
ال يف شخص الداعي إىل اهلل تبارك وتعاىل ،ويأيتواإلسالم متمث ً
يف شأن احلال ما أرشنا إليه من املقاصد واألغراض وما حيمله
اإلنسان من الوجدان ،وما يتعلق بذلك من وجوب الرمحة يف
القلب التي منها ينطلق الداعي يف دعوته فال ينطلق متعالي ًا عىل
ال أن يكون أحد املدعوين شفيع ًا له يوممن يدعوهم ،بل حمتم ً
القيامة ،وال ينطلق يف دعوته حني يدعو الناس عىل أنه أفضل
منهم وال أنه فوقهم ،وال يلمح مطمع ًا من أمواهلم وال من
ال َعلىَ اللهَّ ِ﴾ ﴿ َأال للِهَّ ِ
ثنائهم وال من إحساهنم ﴿إِ ْن َأ ْج ِر َي إِ َّ
ص﴾.ين الخْ َ الِ ُ
الدِّ ُ
ولذلك كان شغل الدعاة األوائل الذين أدخلوا اإلسالم إىل
35 منهج الدعوة �إلى اهلل يف مدر�سة ح�ضرموت �سل�سلة الر�سائل الدعوية 34
لكل ذي كبد رطبة ،لكل �إن�سان ،لكل م�سلم ،لكل م�ؤمن، ليعفوا أنفسهم ،ولينفقوا ال ل ُين َفق
املناطق التي ذكرناها التجارة ُّ
و�إ�شاعة الألفة والأخوة واملحبة ومعرفة عظمة الوحدة عطوا ال ليأخذوا ،فهم عليهم ،وليتصدقوا ال ل ُيتصدَّ ق عليهم ،ل ُي ُ
بني امل�سلمني. يعطون العلم والدين ويعطون املال فوق ذلك أيض ًا ،فبذلك
نجحت دعوهتم وأثمرت وعظمت كام هو احلال يف املهاجر
ثبتنا اهلل وإياكم عىل االستقامة ،وتفصيل ذلك يطول ،ويف
ال من الدنانري الذهب جاء هبا معه الذي بلغت ثروته بالعراق أمحا ً
هذا اإلملاح إىل ُ
األسس واملهامت كفاية إن شاء اهلل ،واملتبصرِّ
وأنفقها يف نفع الناس ودعوة الناس وإصالح أمر الناس والرفق
تفتح له األبواب ،ليفهم من خطاب اهلل ما يتسع له به املجال،
يذكر بأخالق جده املصطفى صىل باملساكني والضعفاء ،فكان ِّ
ويقوم به يف دوره بدوه يف حياته.
اهلل عليه وسلم ،فكان يملك وادي ًا فسيح ًا فيعطيه ألحد أعوانه
يمكننا وإياكم من حسن أداء الدور املحمود نسأل اهلل أن ِّ يف اخلدمة يف الدعوة إىل اهلل ،يا شويه خذ هذا املكان ،يا خمتار
لديه ،وجيعل سعينا مشكور ًا عنده ،ويثيبنا ويوفقنا وينظمنا يف وشعب خذ هذا املكان ،وادي كامل فيه قطع كبرية يعطيها هلذاِ ،
سلك املتواصني باحلق والصرب واحلمد هلل رب العاملني. كامل يملكه يعطيه للثاين من الذين كانوا يقومون معه باخلدمة
يف الدعوة إىل اهلل تبارك وتعاىل ،فكان يعطي يف احلس ويعطي يف
املعنى ،ريض اهلل تبارك وتعاىل عنه وأرضاه.