You are on page 1of 19

‫منهج الدعوة�إلى اهلل‬

‫يف مدرسة حرضموت‬


‫�سل�سلة الر�سائل الدعوية‬
‫‪2‬‬

‫منهج الدعوة�إلى اهلل‬


‫يف مدرسة حرضموت‬

‫حمارضة مكتوبة للداعية إىل اهلل احلبيب‬ ‫مكتب النور‬


‫عمر بن حممد بن �سامل بن حفيظ‬ ‫‪www.alnoorpub.com‬‬
‫‪alnoorpublisher@gmail.com‬‬

‫الطبعة الثانية‬
‫‪1431‬هـ ‪2010 -‬م‬

‫جميع احلقوق حمفوظة باتفاق‪ ،‬ال ي�سمح ب�إعادة �إ�صدار هذا الكتاب �أو �أي جزء منه‬
‫�أوتخزينة يف �أي نظام ال�سرتجاع املعلومات �أو نقله ب�أي �شكل من الأ�شكال‪.‬‬
‫مكتب النور‬
‫المحتويات‬

‫‪7‬‬ ‫منهج الدعوة �إلى اهلل يف مدر�سة ح�ضرموت ‬


‫‪8‬‬ ‫عظمة منهج الدعوة �إلى اهلل ‬

‫‪11‬‬ ‫معنى االحتاد والوحدة يف دعوات الر�سل ‬

‫‪13‬‬ ‫�أ�س�س منهج الدعوة �إلى اهلل ‬


‫‪13‬‬ ‫الأ�سا�س الأول‪� :‬إميان عميق ب�أح ِّقية ما يدعو الداعي �إليه ‬

‫‪15‬‬ ‫الأ�سا�س الثاين‪ :‬العلم واالعتدال فيه ‬

‫‪21‬‬ ‫الأ�سا�س الثالث‪ :‬التحقق بالعمل مبا يدعو �إليه ‬

‫‪25‬‬ ‫الأ�سا�س الرابع‪ :‬تنزيه الق�صد عن الغر�ض‪ ،‬والإخال�ص لوجه اهلل ‬

‫‪33‬‬ ‫اخلامتة ‬
‫‪7‬‬ ‫منهج الدعوة �إلى اهلل يف مدر�سة ح�ضرموت‬

‫منهج الدعوة إلى اهلل في‬


‫مدرسة حضرموت‬
‫ص من بني اخللق جنس ًا‬ ‫خص َ‬
‫احلمد هلل خالق كل يشء‪ ،‬ولقد َّ‬
‫وتنـزل ليتوىل هلم تبيني املنهج يف‬ ‫َّ‬ ‫جعلهم املك َّلفني َّ‬
‫تعرف إليهم‬
‫َسريهم‪ ،‬و ُينعم عليهم بإرشاده لسبيل سعادهتم‪ ،‬لئال ُتسا َمى‬
‫مرجعي ُتهم وال ُيشا َبه مستَندهم بحال‪ ،‬فله احلمد عىل ما خلق‬ ‫َّ‬
‫الرسل ليب ِّلغوا عنه ثالث ًا‪،‬‬
‫َ‬ ‫ال‪ ،‬وهيأ للتكليف ثاني ًا‪ ،‬وأرسل‬ ‫أو ً‬
‫ورشعه العظيم‪ ،‬توا َلوا‬
‫َ‬ ‫ومنهجه القويم‪،‬‬
‫َ‬ ‫نوره املبني‪،‬‬
‫فحملوا إلينا َ‬
‫عىل األزمنة والفرتات حتى ُختِموا بخري الربيات‪ ،‬وأرشف أهلِ‬
‫األرض والساموات‪ ،‬اللهم أدم صلواتك عىل عبدك املصطفى‬
‫والدال بنورك عليك‪ ،‬وعىل‬ ‫ِّ‬ ‫سيدنا حممد‪ ،‬الداعي بإذنك إليك‪،‬‬
‫َ‬
‫استقبال‬ ‫آله األطهار وأصحابه األخيار‪ ،‬وعىل كل َمن أحسن‬
‫حمظيا بنورانية وروحانية التوجيه منك‬ ‫مدعوا ًّ‬‫ًّ‬ ‫هذه الدعوة فكان‬
‫كتبت هلم السعادة‪ ،‬وهيأت هلم احلسنى وزيادة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫فأصبح فيمن‬
‫وعلينا ومعهم وفيهم برمحتك يا أرحم الرامحني‪.‬‬
‫‪9‬‬ ‫منهج الدعوة �إلى اهلل يف مدر�سة ح�ضرموت‬ ‫�سل�سلة الر�سائل الدعوية‬ ‫‪8‬‬

‫اهلل إن كانت عىل وفق املنهج الذي ارتضاه اهلل‪ ،‬وإال فكم من‬ ‫�أما بعد‪:‬‬
‫دعوة قامت باسم اإلسالم والدين هي دعو ٌة إىل نفس‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫صورة‬
‫ففي تواصل اللقاءات يف هذه احللقة العلمية التي جاءت عىل‬
‫غرض‬‫ٍ‬ ‫أو إىل مجاعة أو إىل رأيٍ أو إىل حزب أو إىل دولة أو إىل‬
‫وحرك هلا أهل املنتديات وبعض‬ ‫َّ‬ ‫يد احلبيب أيب بكر املشهور‬
‫من األغراض وليست دعو ًة إىل اهلل‪ ،‬وإنام تكون الدعوة دعو ًة‬
‫الشباب ليؤدوا دور ًا من األدوار الواجبة واملهمة يف حياتنا نأيت‬
‫إىل اهلل إذا كانت عىل األسس التي ارتضاها اهلل باملنهج الذي‬
‫يف هذه احللقة العلمية إىل قضية منهج الدعوة إىل اهلل‪.‬‬
‫اختاره اهلل ورض َيه تعاىل يف عاله‪ .‬وإذا علمنا ذلك فإن حماسن‬
‫لسعتها وكثرهتا ووفرهتا‬ ‫َ‬ ‫هذا املنهج وخصائصه وعجائبه‬ ‫عظمة منهج الدعوة �إلى اهلل‬
‫كل َمن صدَ ق اإلتباع ملحمد‬ ‫وعمقها تعدَّ د بروزها وظهورها يف ِّ‬
‫ُ‬
‫منهج الدعوة إىل اهلل تبارك وتعاىل حيتل املنـزل َة األسمى‬
‫صىل اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬سيد الدعاة إىل امللك احلق صىل اهلل‬
‫يف هذا الوجود لكوهنا الدعوة إىل رب الوجود بمنهاج رب‬
‫عليه وآله وصحبه وسلم‪ ،‬فجميع من ُح ِظ َي باتباعه يرشق عليه‬
‫الوجود‪ ،‬عىل قدم سيد الوجود‪ ،‬فامذا يف الوجود يمكن أن‬
‫التبعية يف الدعوة‬
‫َّ‬ ‫فيام يستلهمه يف هذا اإلتباع ويقوم به يف دور‬
‫يقاربا يف املنزلة؟ لكل ذلك نفقه أن مهم ًة كانت هي‬
‫هَ‬ ‫يطاولهَ ا أو‬
‫نصيب من سناء هذا‬ ‫ٌ‬ ‫إىل اهلل عىل منهجه صىل اهلل عليه وسلم‬
‫ِ‬
‫املالئكة‬ ‫يصطفي من‬ ‫مهمة املرسلني صفوة اهلل من الربايا ﴿ ُ‬
‫اهلل َ‬ ‫ُ‬
‫املنهاج وحماسنه وخصائصه ومزاياه‪ ،‬وبذلك تعددت األساليب‬
‫متنوع الوسائل‬ ‫َّ‬
‫واستظل كل َّ‬ ‫والوسائل واحتد املقصود واملراد‪،‬‬ ‫ال ومن الناس ﴾‪ ،‬فيجب أن حتتل يف قلوبنا معرش الذين‬ ‫رس ً‬
‫واألساليب بظل لواء صاحب السيادة يف الدعوة صاحب اإلذن‬ ‫آمنا باهلل مكانهَ ا‪ ،‬وإذا احت َّلت مكانهَ ا من قلوبنا وعقولنا أحس َّنا‬
‫املطلق من احلق الداعي إىل اهلل بإذنه الرساج املنري البشري النذير‬ ‫وسهل لنا االهتداء إىل منهجها واستبيان معامل‬ ‫َ‬
‫التفاعل معها‪ُ ،‬‬
‫صىل اهلل عليه وآله وصحبه وسلم ‪ ،‬وكانوا بعد ذلكم يف هذه‬ ‫هذا املنهج‪ ،‬وخطواته وحقائقه‪ ،‬واالرتقاء يف س َّلمه‪.‬‬
‫املحاسن والسنا من هذا املنهاج عىل مراتب جليالت وبعضها‬ ‫َ‬
‫عظ َم ُة الدعوة إىل اهلل تبارك وتعاىل مربوطة ومقرونة بعظمة‬
‫أجل‪ ،‬رفيعات وبعضها أرفع‪ ،‬رشيفات وبعضها أرشف‪.‬‬
‫املدعو إليه‪ ،‬أال إنه اهلل‪ ،‬لكن إنام تكون الدعوة إىل اهلل دعو ًة إىل‬
‫ِّ‬
‫‪11‬‬ ‫منهج الدعوة �إلى اهلل يف مدر�سة ح�ضرموت‬

‫معنى االتحاد والوحدة في‬


‫دعوات الرسل‬
‫هبذا نعلم أن َّ‬
‫كل دعوة إىل اهلل تبارك وتعاىل قامت عىل حقيقة‬
‫الدعوة إىل اهلل عىل ظهر األرض يف خمتلف مدارس املسلمني‬
‫واستقاء‬
‫ٌ‬ ‫وطرقهم وأساليبهم هلا استظالل بظل اللواء الواحد‬
‫من املعني الواحد‪ ،‬وهبذا نعلم معنى قول قائلهم‪:‬‬
‫ِ‬
‫الذات‬ ‫طريقهم واحدة يف‬ ‫ِ‬
‫عالت‬ ‫فهم كذا الرسل بنو‬
‫ِ‬
‫انفصال‬ ‫يف كل تفصيل بال‬ ‫ِ‬
‫واهليئات‬ ‫تعددت يف الرسم‬
‫وافرتقوا يف ظاهر األحكا ِم‬ ‫انشعبوا يف شعب اإلسال ِم‬
‫ِ‬
‫اجلالل‬ ‫وقصد وجه اهلل ذي‬ ‫واتفقوا يف القصد وا َملرا ِم‬
‫ٍ‬
‫حقيقة من احلقائق قبل أن‬ ‫إذا علمنا ذلك فإنا ُنرشف عىل‬
‫نأخذ يف تفصيل املنهج‪ ،‬وهي معنى االحتاد والوحدة يف دعوات‬
‫الرسل‪ ،‬مع اختالف رشائعهم‪ ،‬بل الرشيعة الواحدة يأيت فيها‬
‫حلكمة‪ ،‬وقد يتكرر النسخ حتى يستقر األمر‬ ‫حكم ثم ُينسخ ِ‬
‫ٌ‬
‫‪13‬‬ ‫منهج الدعوة �إلى اهلل يف مدر�سة ح�ضرموت‬ ‫�سل�سلة الر�سائل الدعوية‬ ‫‪12‬‬

‫عىل ما أراد اهلل أن ترسخ عليه تلك الرشيعة وذلك املنهاج‬


‫ومتيز من بني الكل منهاج نبينا أنه املنهاج الذي‬
‫لتلك األمة‪َّ .‬‬
‫لزمن خمصوص‪ ( ،‬وكان‬ ‫ٍ‬ ‫جاء للجميع‪ ،‬ال لقو ٍم خمصوصني وال‬
‫أسس منهج الدعوة إلى اهلل‬ ‫النبي ُيبعث �إلى قومه خا�صة‪ ،‬و ُبعثت �إلى اخللق كافة)‪،‬‬
‫صفو الفهم يف وحدة األنبياء أن هذا يبيح ما حرم‬ ‫َ‬ ‫وال يعكر‬
‫هبذه النظرة تأيت مناهج الدعوة إىل اهلل تبارك وتعاىل يف هذه‬
‫هذا‪ ،‬وهذا حيرم ما أباح هذا‪ ،‬فال حيكم أحد منهم هبواه‪ ،‬بل‬
‫احدَ ًة َو َأ َنا َر ُّب ُك ْم‬
‫وأن َه ِذ ِه ُأ َّم ُت ُك ْم ُأ َّم ًة َو ِ‬
‫األمة الواحدة ﴿ َّ‬ ‫كلهم من عند اهلل بأمر اهلل تبارك وتعاىل يف عاله‪ ،‬فرشيعة سيدنا‬
‫ون ﴾‪ ،‬قامت الدعوة يف األمة الواحدة عىل أسس‪ ،‬فمنها‬ ‫اع ُبدُ ِ‬
‫َف ْ‬ ‫موسى التي أباحت زواج الرجل ممن شاء من النساء‪ ،‬ثم رشيعة‬
‫ما يلزم الكل وجيتمع عليه الكل من الرضوريات املعلومة‪،‬‬ ‫عيسى التي حرمت الزيادة عىل الواحدة من النساء‪ ،‬ثم الرشيعة‬
‫ومنها ما يتعلق بمدرسة حرضموت وما كان فيها الرتكيز عليه‬ ‫اخلامتة الكاملة ملحمد صىل اهلل عليه وسلم التي أباحت األربع‬
‫واالعتناء به قد يكون أظهر من كثري من األساليب غريها يف‬ ‫وحرمت ما زاد عىل ذلك‪ ،‬وجعلت يف ذلك واجبات ومهامت‬
‫الدعوة إىل اهلل‪ ،‬فلنبدأ بذكر أسس هذا املنهج الذي تقوم عليه‬ ‫تتعلق بالعدل أو باإلحسان أو بإقامة احلقوق أو باستقامة األمر‬
‫ٍ‬
‫واحد‬ ‫عىل ما ينبغي‪ ،‬كل هذه الرشائع واحدة‪ ،‬وكلها من منبع‬
‫الدعوة إىل اهلل تبارك وتعاىل‪:‬‬
‫ومعدن واحد‪ ،‬وهبذه النظرة نعرف معنى قول الرسل كام حكى‬
‫الأ�سا�س الأول‪� :‬إميان عميق ب�أح ِّقية ما يدعو الداعي �إليه‬
‫﴿ونحن له ُمسلمون ﴾ فالكل منهم مسلم من‬ ‫ُ‬ ‫القرآن عنهم‬
‫أساس هذا املنهج إيامن عميق بأح ِّقية ما يدعو الداعي إليه‬ ‫عهد آدم إىل أن ُبعث النبي اخلاتم صىل اهلل عليه وعىل آله وصحبه‬
‫وبعظمته وبأنه احلق الواضح الرصيح‪ ،‬ومن غري شك أنه إذا‬ ‫وسلم‪ ،‬رزقنا اهلل حقيقة اإلسالم‪.‬‬
‫مل يتعمق هذا اإليامن يف القلب فلن تقوى النتائج للداعي مهام‬
‫دعا‪ ،‬ولن تأيت الثمرات املطلوبة؛ هذه هي القاعدة الغالبة‪ ،‬وإن‬
‫‪15‬‬ ‫منهج الدعوة �إلى اهلل يف مدر�سة ح�ضرموت‬ ‫�سل�سلة الر�سائل الدعوية‬ ‫‪14‬‬

‫األخشبني‪ ،‬فقال له ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪ :‬بل �أرجو‬ ‫كان من عجائب هذه الدعوة أن حيصل التأثري أحيان ًا يف نرصهتا‬
‫�أن يخرج اهلل من �أ�صال ِبهم من يعبد اهلل وحده‪ ،‬ال ي�شرك به‬ ‫أو إحيائها عىل ِ‬
‫يد من مل يكن متحقق ًا باإليامن‪( ،‬و�إن اهلل لي�ؤ ِّيد‬
‫خرق احلجب إىل األصالب فتأ َّثر الذين‬‫َ‬ ‫�شيئا ) فتأثري دعوته‬ ‫خالق لهم)‪ ،‬هذا‬ ‫َ‬ ‫هذا الدين بالرجل الفاجر وب�أقوام ال‬
‫يف أصالهبم من دعوة هذا الصادق صىل اهلل عليه وآله وصحبه‬ ‫مواقف معينة نادرة يف أحوال خمصصة يكون فيها انتشار‬ ‫َ‬ ‫يبني‬
‫نبعت الدعوة من أعامق هذا اإلنسان موقن ًا‬
‫وسلم‪ ،‬كذلك مهام َ‬ ‫بسببية من مل يكن متح ِّقق ًا‬
‫َّ‬ ‫النور وحصول التأثر اإلجيايب احلسن‬
‫مصدِّ ق ًا ُ‬
‫فأثرها الطيب حمتوم‪ ،‬سواء برز يف احلارض أو سيربز‬ ‫املطردة يف‬ ‫بحقائق اإليامن واليقني؛ لكن القاعدة الغالبة والسنة َّ‬
‫مستقب ً‬
‫ال ‪ ..‬إذن هلذه الدعوة عجائب حينام تنبثق من اإليامن‬ ‫هذا الكون إنام يكون تأثري الدعوة إذا قامت عىل أساس إيامن‬
‫العميق‪ ،‬من التصديق القوي‪ ،‬من اليقني الذي يمأل جوانح‬ ‫شك وال ريب‪ ،‬فبذلك‬ ‫عميق وثقة تامة ويقني صادق ال ينتابه ٌّ‬
‫القلب‪.‬‬ ‫حتسن معاجلات املواقف املختلفة‪ ،‬وحيصل الثبات‪ ،‬وحتسن‬
‫التأثريات قريب ًا أو بعيد ًا إىل حدود غريبة جد ًا‪ ،‬فقد تصل أحيان ًا‬
‫الأ�سا�س الثاين‪ :‬العلم واالعتدال فيه‬
‫إىل التأثري عىل من سيأيت من ِقبل دا ٍع خياطب حارض ًا عنده‪ ،‬يبني‬
‫عند ذلك يتبعه األساس املتصل به‪ ،‬وهو أساس العلم هبذا‬ ‫ذلك رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم الذي قال عند رجعته من‬
‫اإليامن‪ ،‬نجد يف هذه املدرسة التي نحن بصدد احلديث عنها‬ ‫ردا قبيح ًا ورموه باحلجارة‪ ،‬فجاءه‬ ‫رد عليه القوم َّ‬
‫الطائف وقد َّ‬
‫مقابلة املهاجر إىل اهلل أمحد بن عيسى ملن حيمل يف ذهنه وعقله‬ ‫جربيل ومعه ملك اجلبال‪.‬‬
‫أفكار ًا خرجت عن مسلك السواد األعظم من األمة ومسلك‬
‫فقال له جربيل‪ :‬إن اهلل عز وجل قد سمع قول قومك لك‬
‫أهل السنة واجلامعة‪ ،‬فكانت هلم نظرات حول الصحابة‪،‬‬
‫وما ردوا عليك‪ ،‬وقد بعث إليك ملك اجلبال لتأمره بام شئت‬
‫وحول قضايا من أصول هذا الدين‪ ،‬فجاء وأنصاره قلة قليلة‬
‫فيهم‪ ،‬قال‪ :‬فناداين ملك اجلبال وسلم عيل‪ .‬ثم قال‪ :‬يا حممد‬
‫جدا من أهل الوادي‪ ،‬ففي ذلك العرص الذي جاء فيه املهاجر‬
‫إن اهلل قد سمع قول قومك لك‪ ،‬وأنا ملك اجلبال‪ .‬وقد بعثني‬
‫يف الوادي أهل السنة موجودون بال شك غري منقطعني ‪ ،‬لكن‬
‫ربك إليك لتأمرين بأمرك‪ .‬فام شئت؟ إن شئت أن أطبق عليهم‬
‫الشوكة والغلبة فيه كانت لطائفة من غري أهل السنة؛ باإليامن‬
‫‪17‬‬ ‫منهج الدعوة �إلى اهلل يف مدر�سة ح�ضرموت‬ ‫�سل�سلة الر�سائل الدعوية‬ ‫‪16‬‬

‫املسلك يف اإليامن العميق يف اإلمام مقرون ًا بأخذ النصيب من‬ ‫العميق مل يقلق ومل يتزعزع وخرج من حمل اإلمداد باألموال‬
‫العلم عىل نظرة اعتدال‪.‬‬ ‫وكثرة اخلراج‪ ،‬إىل حمل االستهالك للامل‪ ،‬ومل يتزعزع‪ ،‬ويف فرتة‬
‫قصرية حتولت ِوجهة الناس وأفكارهم واجتمع أهل السنة‪،‬‬
‫العلم بالأمور املج َمع عليها والواجبات‬
‫ُ‬ ‫العلم‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ف�أقل‬
‫وأ َّثروا عىل من حواليهم‪ ،‬واقتنع املقتنعون‪ ،‬ووقف الذين غلبت‬
‫الوا�ضحة والأمر املتفق عليه من كرمي الأخالق فهذا �أ�سا�سي‬
‫ٍ‬
‫عميق‬ ‫عليهم األهواء‪ ،‬فام استطاعوا أن يقولوا شيئ ًا أمام ٍ‬
‫إيامن‬
‫تقيد الدعوة إىل‬
‫و�ضروري لكل داعي‪ ،‬ولكن نظرة االعتدال أال َّ‬ ‫أفاض حج ًة قوية‪ ،‬يف ثقة عظيمة‪ ،‬وأدب وافر‪ ،‬وهذا من أندر‬
‫اهلل بامل َّتسع يف العلم‪ ،‬ولكن للم َّت ِسع يف العلم جمال اإلفتاء وجمال‬
‫ملنهج يف الفهم‬
‫ٍ‬ ‫ما يكون يف التاريخ‪ ،‬أن تكون شوكة وغلبة‬
‫املرجعية يف بيان األحكام الرشعية‪ ،‬فال حق لداعية مل يبلغ هذه‬ ‫هبمة ٍ‬
‫ٌ‬
‫فرد يأيت إىل املنطقة‬ ‫واالعتقاد سائد ًا يف منطقة‪ ،‬فيتحول َّ‬
‫ففرق كبري‬ ‫الرتبة وهذه املنزلة أن يتجارس وال أن يتجرأ عليها‪،‬‬
‫ويتغري األمر كله‪ ،‬وهو مع ندرته يف التاريخ ‪ ،‬إال أن له أمثله‬
‫بني نرش الدعوة إىل اهلل وبني الفتوى يف أحكام اهلل‪ ،‬ومساحة‬
‫ونامذج متعددة‪ ،‬وكان الرسل صلوات اهلل عليهم إنام يأتون إىل‬
‫باملجمع عليه قاسم مشرتك بني فئات املسلمني‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الدعوة إىل اهلل‬
‫جمتمعات كلها ضد ما يقولون وعىل خالف ما يدعون‪ ،‬وهبم‬
‫وعند النزول إىل األحكام جيب الرجوع إىل أهل التخصص‬
‫حيول اهلل األحوال‪ ،‬ويف هذا املسلك جاءت سنة رسول اهلل صىل‬ ‫ِّ‬
‫وإىل َمن يوكل إليه األمر‪ ،‬وإال صارت الدعوة فوىض وعبث‬
‫اهلل عليه وسلم وهو يقول لعمه‪( :‬يا عمي واهلل لو و�ضعوا‬
‫وعرضت الناس ملشاكل كثرية‪ ،‬هلذا نجد أن بعض مجاعات‬ ‫َّ‬
‫ال�شم�س يف مييني‪ ،‬والقمر يف ي�ساري‪ ،‬على �أن �أترك هذا الأمر‬
‫الدعوة إىل اهلل من غري أهل هذه املدرسة يقررون أننا ندعو إىل‬
‫ما تركته حتى يظهره اهلل �أو �أه ِلك دونه) ويف اإليامن العميق‬
‫الفضائل وال نقرر املسائل‪ ،‬وأن املسائل هلا أهلها‪ ،‬ونجد مجاعات‬
‫واألدب اجلم قال صىل اهلل عليه سلم‪( :‬حتى يظهره اهلل) ومل‬
‫أيض ًا مسلمة قامت بتجارس يف خلط الدعوة بمسائل األحكام‬
‫يعرب بقوله‪ :‬حتى أظهره وحتى أنرصه وحتى أنرشه وحتى ُأقيمه‬
‫والفتوى‪ ،‬فيأيت فيهم من يتدارك ويقول دعاة ال قضاة‪ ،‬ونجد من‬
‫يتدارك من ِّ‬ ‫ولكن قال‪( :‬حتى يظهره اهلل) جل جالله وتعاىل يف عاله‪ ،‬فام‬
‫مفك ِرهيم بعد صدور كتب بستني سنة ليقول ال جيوز‬
‫ُ‬ ‫يعدُّ نفسه يف جهاده الطويل العريض إال عبد ًا هلل تعاىل متس ِّبب ًا‬
‫أخذ احلكم من كتبنا هذه وكتب قادتنا‪ ،‬فقد كتبوها يف ظروف‬
‫يف اهلداية؛ واإلظهار واهلداية من اهلل لرباياه وخللقه‪ ،‬كان هذا‬
‫‪19‬‬ ‫منهج الدعوة �إلى اهلل يف مدر�سة ح�ضرموت‬ ‫�سل�سلة الر�سائل الدعوية‬ ‫‪18‬‬

‫الناس‪ :‬ال أعلم‪ ،‬ال أعلم هذه املسألة‪ ،‬فمن اخلطأ الفاحش أن‬ ‫معينة‪ ..‬والكاتب ليس املتخصص يف إصدار احلكم‪ ،‬وخصوص ًا‬
‫ٌ‬
‫مكان‬ ‫َجرأ يف مسألة الدعوة إىل اهلل عىل إصدار األحكام‪ ،‬وهو‬
‫ُيت َّ‬ ‫يف قضية هامة تتعلق بتكفري املجتمعات وتكفري الدول وتكفري‬
‫معظم له قدره يف الرشيعة‪ ،‬واالستهانة به استهانة بالرشيعة‬ ‫العامة من املسلمني‪ ،‬اضطروا إىل هذا ألهنم عند انطالقهم يف‬
‫نفسها‪ ،‬حتى أصبح الكثري من الناس حيرتم التخصص يف مجيع‬ ‫ال غابت عنهم أمهية العلم باألحكام وظنوا أنه يمكن‬ ‫الدعوة أو ً‬
‫طب األبدان‪،‬‬‫ما يتعلق باجلسد واملادة من هندسة األجهزة إىل ِّ‬ ‫بمجرد إعامل العقل واستعامل الوسائل االستغناء عن فهم كثري‬
‫إىل اإلدارة يف املؤسسات وأماكن األعامل والرشكات فعندهم‬ ‫من تفاريع األحكام الرشعية‪ ،‬وما علموا امليز َة يف هذه األحكام‬
‫احرتام قوي للتخصص وإرجاع األمور إىل أهلها‪ ،‬حتى إذا‬ ‫والعظمة واجلاللة التي أضفتها عليها إرادة اهلل‪ ،‬إذ هي املتفرعة‬
‫جاء إىل عند دين اهلل أباحه لكل متطاول ولكل متحدث وربام‬ ‫من نصوصه ومن نصوص رسوله صىل اهلل عليه وآله وصحبه‬
‫نفسه مفتي ًا بعد أن يتعلق بالدين بشهرين أو بثالثة‬
‫نصب الواحد َ‬
‫َ‬ ‫وسلم‪ ،‬فكان من الرضوري االعتناء هبذه املسألة وأن يجُ عل‬
‫أشهر‪ ،‬يف الوقت الذي يكون فيه من أجهل الناس بتفاريع‬ ‫العلم يف مكانته‪ ،‬وأن ُت َر َّد املسائل إىل املتخصصني فيها وأن ال‬
‫أحكام عامد الدين الذي هو الصالة أو الطهارة أو ما يتعلق هبا‪،‬‬ ‫ُيمنع املسلمون بكل مستوياهتم يف العلم أن يدعوا إىل اهلل تبارك‬
‫وكل ذلك من تضييع العلم املسند‪ ،‬فإذا ُأضيع العلم املسند َّ‬
‫حل‬ ‫يتجرؤوا عىل احلكم يف املسائل‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫وتعاىل لكن بضوابط أن ال‬
‫حمله التجري وأحد أمرين‪ :‬القول بغري علم أو التحديث بلسان‬ ‫وبضوابط أن ال يقولوا ما ال يعلمون‪ ،‬وبضوابط أن يقولوا ما‬
‫اجلهل املركب الذي هو إدعاء العلم بغري علم ‪ ،‬وهذا الذي وقع‬ ‫تيقنوه ويلزموا حدَّ هم ويعلموا أن املتخصص يف هذا اجلانب‬
‫يف األمة وعانت منه كثري ًا ‪.‬‬ ‫حيتاج أن يتوقف يف مسائل كثرية فكيف من مل يتخصص‪ ،‬وأن‬
‫الباذل عمره يف هذا التخصص يقول يف مسائل كثرية ُتعرض‬
‫فاألسس التي نالحظ فيها نجاح املنهج الذي دخل بواسطته‬
‫عليه‪( :‬اهلل أعلم)‪ ،‬حتى شوهد إمام دار اهلجرة اإلمام مالك بن‬
‫األلوف ثم املاليني إىل دين اإلسالم بغري سيف‪ ،‬بغري قتال‪ ،‬بغري‬
‫أنس عليه رضوان اهلل يف جملس واحد ُيسأل عن اثنتني وثالثني‬
‫شدائد‪ ،‬بغري إشكاالت وصعوبات كان من مجلة األسباب فيه‬
‫مسألة فيجيب عن اثنتني ويقول يف باقي الثالثني اهلل أعلم ال‬
‫�أنه يقوم على العلم �أي�ض ًا يف الأحكام‪ ،‬وال ُيتجاوز فيه احلد‬
‫أدري‪ ،‬فإمام دار اهلجرة مل يستنكف أن يقول أمام املأل من‬
‫‪21‬‬ ‫منهج الدعوة �إلى اهلل يف مدر�سة ح�ضرموت‬ ‫�سل�سلة الر�سائل الدعوية‬ ‫‪20‬‬

‫سن الرتبية من رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم‬ ‫ذلك ُ‬
‫حل ِ‬ ‫عند إصدارها‪ ،‬فالدعوة إىل اهلل مرتبطة بالعلم بأحكام اهلل عىل‬
‫وصياغة تلك العقول واملدارك التي أدركت عظمة تلك الرسالة‬ ‫االعتدال الذي ذكرناه‪.‬‬
‫ومعنى الصلة باهلل تبارك وتعاىل‪.‬‬
‫متبحر يف علم‬
‫فأما نظرية أنه ال يفوه بالدعوة إىل اهلل إال ِّ‬
‫فهذا جانب العلم واالعتدال فيه‪ ،‬ال منع الناس من الدعوة‬ ‫الرشيعة فهذا بحد ذاته إضعاف ملنهج اهلل يف األرض‪ ،‬وللصلة‬
‫ٌ‬
‫إمهال لشأن الرجوع إىل العلامء من كل‬ ‫بتبحر يف العلم‪ ،‬وال‬
‫إال ُّ‬ ‫باب لنسيان األحكام‪ ،‬ولوقوع الناس يف‬ ‫به بني الناس‪ ،‬وفتح ٍ‬
‫دا ٍع ومن كل مدعو ومن كل صغري وكبري‪ ،‬وإعطاء القوس‬ ‫املخالفات‪ ،‬ولذهاب األصول من اإليامن واليقني‪ ،‬واملحبة هلل‬
‫بارهيا يف جمال هذه التخصصات‪.‬‬ ‫ورسوله‪ ،‬والتعظيم هلل ولرشعه ولدينه‪ ،‬بل قال صىل اهلل عليه‬
‫وسلم ملختلف مستويات األمة أمامه‪ ،‬وفيهم الذي كان مصاحب ًا‬
‫الأ�سا�س الثالث‪ :‬التحقق بالعمل مبا يدعو �إليه‬
‫له من أول أيام نزول الوحي إىل السنة العارشة يف آخر عمره‬
‫وهو حتقق العمل بام ُيدعى إليه يف حال الداعي وذات ذلك‬ ‫عند حجة الوداع‪ ،‬وفيهم الذي جاء بعد سنوات‪ ،‬وفيهم الذي‬
‫الداعي‪ ،‬بأن يكون قدو ًة يف عمله ومعاملته‪ ،‬هذا األساس هو‬ ‫أسلم قبل سنة واحدة‪ ،‬وفيهم الذي أسلم قبل أشهر‪ ،‬وفيهم‬
‫األبرز فيام كان من دعوة أهل هذه املدرسة يف رشق آسيا ويف‬ ‫الذي أسلم يف ذاك الشهر‪ ،‬وهو يقول هلم‪( :‬ليبلغ ال�شاهد‬
‫رشق أفريقيا إىل املتأخرين منهم‪ ..‬يف العرص القريب تويف بعض‬ ‫منكم الغائب) فك َّلف اجلميع بالدعوة علامؤهم وقدماؤهم‪،‬‬
‫الذين كانوا حيملون الدعوة من أهل هذه املدرسة يف أفريقيا‪،‬‬ ‫والذين قضوا عمر ًا يف فقه األحكام والذين أسلموا قريب ًا‪،‬‬
‫ليعف نفسه عن املسألة‪ ،‬وكان وسط‬ ‫َّ‬ ‫وكان يشتغل بالتجارة‬ ‫التقول يف احلكم؛ ومن هنا‬
‫يتجرأ أحد منهم عىل ُّ‬‫َّ‬ ‫لكن دون أن‬
‫التجارة يف جتارة أبدية رسمدية يف خدمة الدعوة املحمدية‪ ،‬يقول‬ ‫جاءنا يف تاريخ الصحابة أهنم كلهم دعاة‪ ،‬ومل يكن َمن يتوىل‬
‫يل بعض املوجودين اآلن وهو احلاج مخيس ‪ -‬شائب أصله من‬ ‫الفتوى منهم إال َمن ُيعدُّ بأصابع اليدين‪ ،‬وكلهم يف شأن الدعوة‬
‫فارس مقيم بكينيا قال ‪ :‬طلب مني ذلك الداعية وأنا يف قرية من‬ ‫إىل اهلل متسابقون وراغبون‪ ،‬ولكنهم يف شأن الفتوى زاهدون‬
‫قرى أفريقيا ليس فيها مسلم أن أنظر له دكان ًا ليفتح دكان ًا له يف‬ ‫الفتيا بينهم) ‪ ،‬كل‬
‫ومتأخرون ومتدافعون هلا‪ ( ،‬يتدافعون ُ‬
‫‪23‬‬ ‫منهج الدعوة �إلى اهلل يف مدر�سة ح�ضرموت‬ ‫�سل�سلة الر�سائل الدعوية‬ ‫‪22‬‬

‫ال يوجد هبا مسلمون ‪ ،‬وهكذا فهو يتاجر ويتاجر‪ ،‬وهو حامل‬ ‫ذاك املكان‪ ،‬فرتبت له مكان ًا فجاء وفتح الدكان‪ ،‬فكان بأسلوب‬
‫هذا اهلم‪ ..‬ملا انتهت مهمته يف هذه القرية ذهب ليفتح له دكانا يف‬ ‫أدبه وأخالقه ملفت ًا للنظر‪ ،‬ومن مجلة ذلك أنه لو اشرتى أحدهم‬
‫قرية ثانية من أجل أن يدخل الناس أيض ًا يف اإلسالم‪ ،‬بمثل هذا‬ ‫ال من دكانه‪ ،‬يزن له ما طلبه من الشاي ويضيف إليه‬ ‫الشاي مث ً‬
‫األسلوب وهذه الطريقة طريقة التحقق بخلق اإلسالم‪ ،‬ولذا‬ ‫قليال من السكر‪ ،‬يقول‪ :‬عجيب أنا ما اشرتيت منك هذا‪،‬‬
‫جتد من السهل الكالم عىل القيم وعن ا ُمل ُثل وعن الشامئل وعن‬ ‫يقول‪ :‬وأنا ما أخذت منك الفلوس إال حق هذا الشاي‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫األخالق عن املكارم عن احللم عن الصرب عن احلياء‪ ،‬ولكن‬ ‫مل أعطيتني السكر؟‪ ،‬قال‪ :‬ليساعدك عىل رشب الشاي ‪ ،‬فيقول‬
‫الشأن بعد ذلك وقت املعاملة ‪.‬‬ ‫متعجبا منه‪ :‬ألست تقصد الربح يف جتارتك ‪ ،‬فلم تترصف‬
‫هكذا؟ قال‪ :‬ديني يأمرين هبذا وحي ِّببه إيل ‪ ،‬فيسأله عن دينه ؟‬
‫وكثري من شبابنا املعارص اصطدموا اصطدامات من ِقبل‬
‫أناس كانوا رأوا فيهم مث ً‬ ‫فيحدثه عن اإلسالم ويرشحه له‪ ،‬ثم يأيت آخر ليشرتي منه رزا‪،‬‬
‫ال يف الدعوة إىل الدين واإلسالم فلام‬
‫فيضع معه قليال من السمن دون أن يأخذ منه قيمته‪ ،‬فيقول‪ :‬مل‬
‫عارشوهم رأوا أخالق ًا غري األخالق ومعامالت ال ُّ‬
‫يقرها‬
‫الرشع‪ ،‬فاصطدموا اصطدام ًا شديد ًا عنيف ًا‪ ،‬وحصل عند ٍ‬ ‫وضعت السمن؟‪ ،‬يقول‪ :‬ليساعدك يف الطبخ‪ ،‬يقول‪ :‬ومل تترصف‬
‫بعض‬
‫هكذا؟ قال‪ :‬ألن ديني حي ِّببني إىل هذا‪ ،‬فيسأله عن دينه‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫ارتداد عن اإلسالم بسب سوء العمل من الذين يلبسون قميص‬
‫اإلسالم‪ ،‬ثم يسأله عن اإلسالم‪ ،‬فيرشح هلم اإلسالم‪ ..‬وهكذا‪،‬‬
‫الدعوة إىل اهلل غري صادقني مع اهلل تعاىل يف عملهم وقيامهم‬
‫ثم تشاور أهل القرية يف شأنه‪ ،‬قالوا‪ :‬تعال يا هذا الشيخ واهلل‬
‫باألمر‪.‬‬
‫دينك عجيب لكن نحن كبار يف السن‪ ،‬ومن العيب أن نتبعك‪،‬‬
‫�إذن تخ ُّلق الداعي بخلق الإ�سالم �أ�سا�س يف جناح دعوته‬ ‫فامذا نعمل‪ ،‬قال‪ :‬هاتوا أوالدكم‪ ،‬فأحرضوا له األوالد‪ ،‬ودخلوا‬
‫وقبوله عند اهلل تبارك وتعالى‪ ،‬وهذا الذي نزل به القرآن‪:‬‬ ‫اإلسالم‪ ،‬ثم أثروا يف البيوت‪ ،‬فجاء اآلباء ليعلنوا له إسالمهم‪،‬‬
‫وهكذا انترش اإلسالم بينهم فبنى هلم مسجد ًَا يف القرية‪ ،‬وأقبلوا‬
‫نس ْو َن َأ ُنف َس ُك ْم َو َأن ُت ْم َت ْت ُل َ‬
‫ون‬ ‫اس بِا ْلبرِ ِّ َو َت َ‬
‫ون ال َّن َ‬ ‫َ‬
‫﴿أ َت ْأ ُم ُر َ‬
‫عىل الصالة وصار أكثر أهل القرية مسلمني‪ .‬ثم طلب ذلك‬
‫ون َما ال‬ ‫ون﴾ ﴿ َيا َأيهُّ َ ا ا َّل ِذ َ‬
‫ين َآ َمنُوا لمِ َ َت ُقو ُل َ‬ ‫اب َأ َف َ‬
‫ال َت ْع ِق ُل َ‬ ‫ا ْل ِك َت َ‬ ‫الداعية من احلاج مخيس أن خيتار له دكانا آخر يف قرية أخرى‬
‫‪25‬‬ ‫منهج الدعوة �إلى اهلل يف مدر�سة ح�ضرموت‬ ‫�سل�سلة الر�سائل الدعوية‬ ‫‪24‬‬

‫إليه ليكون املستو َدع هلا صىل اهلل عليه وسلم لثقتهم به ولعلمهم‬ ‫ون * َكبرُ َ َم ْق ًتا ِعندَ اللهَّ ِ َأن َت ُقو ُلوا َما ال َت ْف َع ُل َ‬
‫ون﴾‪ ،‬ويقول‬ ‫َت ْف َع ُل َ‬
‫كيف حال هذا الرجل وكيف حال هذا اإلنسان صىل اهلل عليه‬ ‫سيدنا شعيب لقومه‪َ ﴿ :‬و َما ُأ ِريدُ َأ ْن ُأ َخالِ َف ُك ْم إِلىَ َما َأنهْ َ ُاك ْم‬
‫أساس يف منهج الدعوة‬
‫ٌ‬ ‫وآله وصحبه وسلم‪ ،‬فباتباعه هذا قام‬
‫إىل اهلل تبارك وتعاىل‪.‬‬
‫﴿و َما‬
‫َع ْن ُه﴾ ال أهناكم عن يشء ثم أذهب ألعمله يف الرس‪َ ،‬‬
‫إل ْص َ‬
‫ال َح َما‬ ‫ال ا ِ‬ ‫ُأ ِريدُ َأ ْن ُأ َخالِ َف ُك ْم إِلىَ َما َأنهْ َ ُاك ْم َع ْن ُه إِ ْن ُأ ِريدُ إِ َّ‬
‫الأ�سا�س الرابع‪ :‬تنزيه الق�صد عن الغر�ض‪ ،‬والإخال�ص‬
‫يب﴾ ‪.‬‬‫ال بِاللهَّ ِ َع َل ْي ِه َت َو َّك ْل ُت َوإِ َل ْي ِه ُأنِ ُ‬ ‫اس َت َط ْع ُت َو َما َت ْو ِف ِ‬
‫يقي إِ َّ‬ ‫ْ‬
‫لوجه اهلل‬
‫فكان بسبب هذه الصفة وبروزها إسالم كثري من الناس يف‬
‫يتصل هبذا األساس أساس تنـزيه ال َقصد عن الغرض وعن‬ ‫رشق آسيا‪ ،‬ففي إندونيسيا تسعة كلهم من حرضموت سبعة من‬
‫إرادة غري وجه اهلل‪ ،‬وذلكم هو عنرص اإلخالص الذي ال ُيقبل‬ ‫ذرية صاحب الذكرى اإلمام املهاجر‪ ،‬واثنان من قبائل أخر من‬
‫العمل إال به‪ ،‬ومهام انترشت دعوة بني الناس وهذا العنرص‬ ‫حرضموت‪ ،‬هؤالء التسعة كان بداية دخول اإلسالم يف القرن‬
‫فيها ضعيف فال توصل إىل اهلل ‪ ،‬وال بد أن تكون هناياهتا فشل‬ ‫السادس يف جزر جاوة وأندونيسيا عىل يدهم‪ ،‬وابتدأ اإلسالم‬
‫وإشكاالت كثريات‪ ،‬عنرص اإلخالص وهو تنـزيه القصد عن‬ ‫هناك حتى رغب فيه امللوك‪ ،‬وأسلمت امللوك والشعوب‪،‬‬
‫إرادة غري وجه اهلل‪ ،‬وعن أن تكون األغراض واألطامع هي‬ ‫وانترش اإلسالم انتشار ًا عجيب ًا من دون يشء من اإلشكاالت‬
‫الداعية للداعي أن يدعو يف صورة الدعوة إىل اهلل‪ ،‬وهو دا ٍع‬ ‫وال من احلروب وال القتال وال غري ذلك‪ ،‬أبرز ما كان فيهم‬
‫لتحقيق ذلك الغرض أو ذلك املقصد‪ ،‬من هنا نقف عند منهج‬ ‫قرأ يف أفعاهلم ويف أقواهلم ويف معامالهتم‪ ،‬فصاروا‬
‫أن اإلسالم ُي َ‬
‫الدعوة يف هذه املدرسة إىل أن الفرعية يف املذهب والفرعية يف‬ ‫مأمونني عند الناس‪ ،‬مأمونني عىل األموال‪ ،‬مأمونني عىل‬
‫االتصال بالسند جاءت فرع ًا عن دعوهتم إىل اإلسالم ليست‬ ‫األعراض‪ ،‬مأمونني عىل األرسار‪ ،‬حتى أمائن الناس صارت‬
‫ا ُملرتكز وال األصل الذي دعوا الناس إليه‪.‬‬ ‫إليهم كحال نبيكم صىل اهلل عليه وسلم يف مكة من ِقبل املرشكني‬
‫يكذبونه ويؤذونه‪ ،‬وعند احلاجة لألمانة يأتون بودائعهم‬ ‫الذين ِّ‬
‫‪27‬‬ ‫منهج الدعوة �إلى اهلل يف مدر�سة ح�ضرموت‬ ‫�سل�سلة الر�سائل الدعوية‬ ‫‪26‬‬

‫ال‬ ‫قضايا فرعية ليجعلها أصو ً‬


‫ال ويركز الدعو َة عليها أحدثت فش ً‬ ‫ولتو�ضيح ذلك نقول‪:‬‬
‫وإشكاالت وأتعاب‪ ،‬انتهت يف عرصنا احلارض إىل أن تسمى‬
‫يأيت خلط كبري بني ال َّتمذهب بمذهب صحيح من مذاهب‬
‫كثري من مظاهر الدعوة إرهاب ًا‪ ،‬كام تسمعون‪..‬‬
‫احلق‪ ،‬وبني أخذ طريقة صحيحة يف الرتبية‪ ،‬وبني الدعوة إىل اهلل‪،‬‬
‫لقيت يف �أفريقيا رجال من �أهل العلم من ال�سودان وكان قد‬ ‫يأيت اخللط بأن تتحول الدعوة إىل دعوة إىل فرع و ُينسى األصل‪،‬‬
‫خرج مع رابطة العامل اإلسالمي إىل عدة دول فقال‪ :‬كنت موظف ًا‬ ‫ُيدعى إىل الطريقة‪ ،‬أو ُيدعى إىل املذهب فيتحول الفرع أص ً‬
‫ال‪،‬‬
‫مع الرابطة يف الدعوة يف ماليزيا‪ ،‬فكتبت يف التقرير لرؤساء‬ ‫ويراد لألصل أن يكون فرع ًا‪ ،‬وذلك ال يستقيم‪ ،‬وإذا استحكم‬
‫ال كثرية ونقيض أوقات ًا طويلة وال تظهر‬ ‫الرابطة‪ :‬إننا ننفق أموا ً‬ ‫كل دا ٍع إىل مذهبه‪ٌّ ،‬‬
‫كل دا ٍع إىل‬ ‫هذا يف الناس حتول املسلمون ٌّ‬
‫آثار دعوتنا يف الناس‪ ،‬وقد شاهدت يف ماليزيا عادات فرعية‬ ‫وعدم الداعي إىل اهلل‪ ،‬فال نجد الداعي‬ ‫رأيه‪ ،‬كل دا ٍع إىل طريقته‪ُ ،‬‬
‫بسيطة من حرضموت متأصلة عند الناس‪ ،‬كأهنا مغروسة فيهم‬ ‫إىل اهلل‪ ،‬وما نجد إال دا ٍع إىل يشء من الفرعيات التي أسقطت‬
‫بث‬ ‫وكأهنم ُغرسوا فيها ‪ ،‬فنصيحتي أن تبحثوا عن الطريقة التي َّ‬ ‫األصل‪ .‬فالقوم يف منهجهم يف الدعوة إىل اهلل مل يكونوا دعا ًة إىل‬
‫هبا هؤالء دعوهتم وترجعوا إليها‪ ،‬ألهنم مل يبذلوا ولو ُعشرُ ما‬ ‫خصوص طريقتهم‪ ،‬وما كان انتهاج من حواليهم يف طريقتهم إال‬
‫تبذلونه أنتم‪ ،‬لكن أثرهم قوي‪ ،‬والذين يتأثرون بدعوهتم يتعمق‬ ‫ثمر ًة ونتيجة لصدقهم يف الدعوة إىل اهلل وإىل اإلسالم‪ ،‬ثم تل َّفت‬
‫فيهم حتى فرعيات القوم‪ ..‬وذلك ألدب القوم مع األصل فلام‬ ‫الذين ُدعوا وآمنوا فاستجابوا وقيل هلم أمامكم مناهج وطرق‬
‫تأدبوا مع األصل عظم الفرع منهم بعظمة ذلك األصل‪ ،‬فام‬ ‫ونحن نتمذهب بواحد من املذاهب هو كذا‪ ،‬فلام رأى الناس‬
‫كانوا يدعون ألنفسهم‪ ،‬وال يدعون لنيل املنـزلة بني الناس ‪..‬‬ ‫قي ًام وأخالق ًا تبعوا يف الفرعيات هؤالء القوم ال عىل أساس أنه‬
‫دعوهتم إليها‪ ،‬ولكن عىل أساس أهنا جزء من األجزاء التي البد‬
‫زوجه أحد امللوك يف اندونيسيا‬
‫حتى أن أحد هؤالء التسعة َّ‬
‫واحد منها‪ ،‬هبذا األسلوب صارت‬ ‫ٍ‬ ‫ملن مسك األصل من ِ‬
‫أخذ‬
‫بابنته وبقي عنده‪ ،‬ومل يكن عند امللك أبناء‪ ،‬فلام كرب سنه أوىص‬
‫معرفة الناس سواء بتارخيهم أو بعاداهتم الفرعية ملا كانت فرعية‬
‫بامللك لزوج ابنته فأبى ورفض‪ ،‬قال‪ :‬أنت أحق به وليس من‬
‫صلبي أبناء وآل اململكة كلهم يعظمونك وحيبونك‪ ،‬وأنت‬
‫حول بعض الناس‬ ‫كانت ثابتة ثبات ًا عجيب ًا‪ ،‬وانظر يف عرصنا ملا َّ‬
‫‪29‬‬ ‫منهج الدعوة �إلى اهلل يف مدر�سة ح�ضرموت‬ ‫�سل�سلة الر�سائل الدعوية‬ ‫‪28‬‬

‫احلزبيات‪ُ ،‬‬
‫وأصبغ عليها الدعوة إىل اهلل ونقول استحيوا‪ ،‬فإن‬ ‫أنقذتنا من الكفر إىل اإلسالم‪ ،‬فأنت أحق هبذا املنصب‪ ،‬قال‪:‬‬
‫َّ‬
‫املدعو إليه عظيم ‪ ،‬وإذا أردت أن تدعو إليه فكن عىل قلب‬
‫َّ‬ ‫واهلل ال أتواله بنفيس قط‪ ،‬حتى قام مع امللك الرعية والشعب‬
‫يرضاه هذا العظيم ﴿ تِ ْل َك الدَّ ُار‬ ‫حياولون الشيخ أن يتوىل ا ُمللك بعد املَلك‪ ،‬فأبى ورفض‪ ،‬حتى‬
‫اآلخ َر ُة َن ْج َع ُل َها لِ َّل ِذ َ‬
‫ين‬ ‫ِ‬
‫انتهى الصلح بينهم إىل تولية ابنه شئون امللك ؛ فكان ذلك‬
‫اق َب ُة لِ ْل ُم َّت ِقنيَ ﴾‬
‫ض َوال َف َسا ًدا َوا ْل َع ِ‬ ‫ون ُع ُلوا فيِ َ‬
‫األ ْر ِ‬ ‫ال ُي ِريدُ َ ًّ‬ ‫الداعية من أزهد الناس يف أن يتواله وما رضيه البنه إال حتت‬
‫لوهم عند رب السامء‬ ‫فع ُّ‬
‫علوا يف األرض‪ ،‬إذن ُ‬
‫ال يريدون ًّ‬ ‫تلك الضغوط يف دائرة أدب علم فهم وعي قول رسول اهلل صىل‬
‫واألرض‪ ،‬أعالهم جل جالله ‪ ،‬ويف هذا جاء املنهج النبوي‪.‬‬
‫اهلل عليه وآله وسلم ( �إنك �إن ُطلبتها �أوكلت �إليها و�إن ُط ِلبت‬
‫فقد ورد �أن بع�ض �أقارب النبي وهو عمه العبا�س ‪ -‬العزيز‬ ‫لها �أُعنتَ عليها) (و�إنا ال نعطيها من �س�ألها) ومع ذلك فقد‬
‫عليه يقول سيدنا عمر كان النبي يرى للعباس ما يرى االبن‬ ‫يرض هو لنفسه قط حتى جاء‬ ‫فطلب هلا فلم َ‬ ‫جتاوز هذا احلد ُ‬
‫لوالده ‪ -‬يطلب منه بعض اإلمارات يقول‪( :‬ال يا عم إنا ال‬ ‫اإلحلاح والطلب البنه فتسامح يف ذلك مر ِّبي ًا هلذا االبن ِّ‬
‫حمذر ًا له‬
‫نعطيها من سأهلا) يريد أن جيمع رشف احلجابة يف البيت مع‬ ‫من االغرتار بمسألة هذا ا ُمللك ملقي ًا عىل عاتقه األمانة يف القيام‬
‫السقيا والرفادة‪ ،‬يقول امجعها لنا يا رسول اهلل قال‪( :‬ال‬ ‫رشف ُّ‬ ‫باملسؤولية‪ ،‬موصي ًا له أن ال جيعلها متوارث ًة يف أبنائه‪ِّ ،‬‬
‫مذكر ًا له‬
‫يا عم إنام أعطيكم ما ُت ْر َزؤُ ون به‪ ،‬ال ما َت ْأ ِر ُزون إليه)‪ ،‬قال الذي‬ ‫بقول عمر بن اخلطاب‪( :‬يكفي �أن ُي�س�أل عنها من �آل عمر فرد)‪،‬‬
‫تتشوف إليه النفوس ما أعطيه أهل بيتي أنا أعطيهم الذي يشق‪،‬‬ ‫وأمر ابنه عبداهلل أن حيرض مع أهل الشورى فقط‪ ،‬وليس له حق‬
‫الثقيل الذي النفوس تنفر منه أكلفهم به وأسلمه هلم صىل اهلل‬ ‫رشح للخالفة ‪ ،‬فكان عبداهلل بن عمر حيرض مع الستة أهل‬ ‫أن ُي َّ‬
‫عليه وآله وسلم‪ ،‬لذا وجدنا يف سريته هذا األمر‪ ،‬تأيت إليه‬ ‫الشورى ال حقَّ له يف األمر قط‪ ،‬حتى أقاموا سيدنا عثامن بن‬
‫بنته فاطمة‪ ،‬فال جتده يف البيت‪ ،‬فيأيت متأخر ًا إىل بيته فتخربه‬ ‫عفان ريض اهلل تبارك وتعاىل عنهم أمجعني‪.‬‬
‫يقر له قرار أن جيلس حتى‬ ‫أم املؤمنني أن فاطمة جاءت‪ ،‬فال َّ‬ ‫ِ‬
‫لفقد هذه النقطة حتولت الدعوة إىل اهلل إىل الدعوة إىل األنفس‪،‬‬
‫يعلم لمِ َ جاءت فاطمة إىل البيت وما حاجتها‪ ،‬فيخرج بالليل‬
‫إىل الدعوة إىل املذاهب إىل الدعوة إىل التنظيامت‪ ،‬إىل الدعوة إىل‬
‫يف الساعة املتأخرة بنفسه إىل بيت فاطمة‪ ،‬يدق الباب فدخل‬
‫‪31‬‬ ‫منهج الدعوة �إلى اهلل يف مدر�سة ح�ضرموت‬ ‫�سل�سلة الر�سائل الدعوية‬ ‫‪30‬‬

‫وال يريد احلكم باإلسالم من غريه‪ ،‬فهذا طالب حكم ال طالب‬ ‫عليهم ‪ ،‬وقال‪ ( :‬يا ابنتي بلغني أنك جئت إ ّيل تسألني عني فام‬
‫إسالم‪ ،‬أما الثاين فرييد أن يحُ كم باإلسالم ممن كان‪ ،‬القصد أن‬ ‫وخجلت وسكتت‪ ،‬قال سيدنا عيل يا‬ ‫ْ‬ ‫جاء بك؟ )‪ ،‬فاستح َي ْت‬
‫أحكام اهلل ورشيعته تبارك وتعاىل‪ ،‬فيكون الفارق كبري ًا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫تن َّفذ‬ ‫رسول اهلل إنام أرسلتها أنا قلت إن أباك قد جاءه عدد من اخلدَّ ام‬
‫جترحت‬ ‫يوزعهم عىل املسلمني‪ ،‬وقد أعياك الطحن واخلبز حتى َّ‬
‫ولذا عندما تفقد حقائق الصدق مع اهلل واإلخالص لوجهه‬
‫ذهبت إىل ِ‬
‫أبيك فسألتيه خادم ًا‪ ،‬قال‬ ‫ِ‬ ‫يداك من عمل البيت‪ ،‬فلو‬
‫الكريم تأيت بعد ذلك بعض املظاهر‪ ،‬فكم من قوم اجتمعوا‬
‫لغرض الدعوة إىل اهلل‪ ،‬فكاد وقت الصالة أن خيرج فيقوموا‬ ‫النبي‪� ( :‬أال �أد ُّلكما على ما هو خري لكما من ذلك ؟ �إذا �أويتما‬
‫�إلى فرا�شكما ف�س ِّبحا َ‬
‫اهلل ثالث ًا وثالثني‪ ،‬واحمداه ثالث ًا‬
‫مستعجلني ليؤدوا الصالة برسعة كاملتربمني هبا ثم يرجعون‬
‫إىل املجلس‪ ،‬يطيب هلم اجللوس يف ختطيطهم‪ ،‬ويصعب عليهم‬ ‫وثالثني‪ ،‬وكبرِّ ا �أرب ًعا وثالثني‪ ،‬فذالكما خري لكما من خادم )‬
‫الوقوف بني يدي اهلل بخضوع وخشوع فال حيسون له بطعم وال‬ ‫قسم اخلدام عىل فقراء املسلمني وترك أهل بيته وريض‬ ‫وهكذا َّ‬
‫حيسون له بذوق‪ ،‬أهؤالء دعاة إىل اهلل أم دعاة إىل تنظيمهم؟‬ ‫هلم بالتسبيح‪ ،‬ال هلوان فاطمة عليه‪ ،‬بل هي أعز َمن عىل األرض‬
‫أهؤالء دعاة إىل اهلل أم إىل حزهبم وأغراضهم التي يريدون أخذها‬ ‫عليه‪ ،‬وأكرمهم عىل قلبه‪ ،‬وهي بضعة منه‪ ،‬ولكن لكرامتها عليه‬
‫يف هذه احلياة؟ ألجل كل ذلك سمعنا احلديث الرشيف‪� ( :‬إنكم‬ ‫زهدها يف الفاين‪ ،‬ورغب هلا فيام هو أبقى وأعظم ‪ ،‬كذلك ر َّبى‬ ‫َّ‬
‫�ستحر�صون على الإمارة و�إنها �ستكون ندامة يوم القيامة)‪.‬‬ ‫رسول اهلل أهل بيته خاصة‪ ،‬كام نرش الرتبية لألمة عامة‪ ،‬جزاه اهلل‬
‫نبيا عن أمته‪.‬‬
‫عنا خري ما جزى ًّ‬
‫ي�أتي هذا الأ�سا�س يف تنقية القلب عن �إرادة غري اهلل‬
‫عندما تتحول الدعوة �إلى �أغرا�ض‪ ،‬و�إلى �أحزاب‪ ،‬ت�أتي‬
‫تبارك وتعالى‪.‬‬
‫الإ�شكاالت الكثرية الكبرية‪.‬‬
‫وورد أن شاب ًا استأذن من سيدنا عمر بن اخلطاب أن يتكلم‬
‫يذكر بعد صالة الصبح يف املسجد‪ ،‬فنظر‬ ‫عىل الناس بحيث ِّ‬ ‫يرحم اهلل الشيخ الشعراوي كان يقول‪ :‬فرق بني من يريد أن‬
‫إليه سيدنا عمر قال‪ :‬ال‪ ،‬لمِ مل يأذن له؟ هل يمنع عمر الدعوة!؟‬ ‫يحُ َكم باإلسالم‪ - ،‬أي أن مراده أن يحُ كم برشع اهلل‪ -‬وبني من‬
‫يريد أن يحَ ُكم باإلسالم‪ ،‬ال يريد أن يحُ كم بل يريد أن يحَ كم هو‪،‬‬
‫‪33‬‬ ‫منهج الدعوة �إلى اهلل يف مدر�سة ح�ضرموت‬ ‫�سل�سلة الر�سائل الدعوية‬ ‫‪32‬‬

‫كان حيب الدعوة ريض اهلل عنه‪ ،‬فهو يتكلم مع الناس ويأمر‬
‫غريه أن ِّ‬
‫يذكرهم‪ ،‬فلم قال‪ :‬ال؟ قال‪ :‬إين أخشى أن تنتفخ حتى‬
‫تبلغ الثريا‪ ،‬فليس جمالك هنا‪ ،‬أخلص لربك وانظر املحتاجني‬
‫الخاتمة‬ ‫لتعليمك لتعلمهم‪ ،‬وأخلص نيتك يف التعليم لوجه هلل تبارك‬
‫وتعاىل‪.‬‬
‫هلذا كله كان منهج الدعوة إىل اهلل تبارك وتعاىل منهج عميق‬
‫خالصته تنتهي إىل علم وعمل وحال‪ ،‬يتفرع عن العلم ما ذكرناه‬
‫يف شأن األحكام ومعرفتها واالعتدال فيها وتعلقها بالدعوة‪،‬‬
‫ويتفرع يف شأن العمل ما ذكرنا من أن تكون األخالق قائمة‬
‫ال يف شخص الداعي إىل اهلل تبارك وتعاىل‪ ،‬ويأيت‬‫واإلسالم متمث ً‬
‫يف شأن احلال ما أرشنا إليه من املقاصد واألغراض وما حيمله‬
‫اإلنسان من الوجدان‪ ،‬وما يتعلق بذلك من وجوب الرمحة يف‬
‫القلب التي منها ينطلق الداعي يف دعوته فال ينطلق متعالي ًا عىل‬
‫ال أن يكون أحد املدعوين شفيع ًا له يوم‬‫من يدعوهم‪ ،‬بل حمتم ً‬
‫القيامة ‪ ،‬وال ينطلق يف دعوته حني يدعو الناس عىل أنه أفضل‬
‫منهم وال أنه فوقهم‪ ،‬وال يلمح مطمع ًا من أمواهلم وال من‬
‫ال َعلىَ اللهَّ ِ﴾ ﴿ َأال للِهَّ ِ‬
‫ثنائهم وال من إحساهنم ﴿إِ ْن َأ ْج ِر َي إِ َّ‬
‫ص﴾‪.‬‬‫ين الخْ َ الِ ُ‬
‫الدِّ ُ‬
‫ولذلك كان شغل الدعاة األوائل الذين أدخلوا اإلسالم إىل‬
‫‪35‬‬ ‫منهج الدعوة �إلى اهلل يف مدر�سة ح�ضرموت‬ ‫�سل�سلة الر�سائل الدعوية‬ ‫‪34‬‬

‫لكل ذي كبد رطبة‪ ،‬لكل �إن�سان‪ ،‬لكل م�سلم‪ ،‬لكل م�ؤمن‪،‬‬ ‫ليعفوا أنفسهم‪ ،‬ولينفقوا ال ل ُين َفق‬
‫املناطق التي ذكرناها التجارة ُّ‬
‫و�إ�شاعة الألفة والأخوة واملحبة ومعرفة عظمة الوحدة‬ ‫عطوا ال ليأخذوا‪ ،‬فهم‬ ‫عليهم‪ ،‬وليتصدقوا ال ل ُيتصدَّ ق عليهم‪ ،‬ل ُي ُ‬
‫بني امل�سلمني‪.‬‬ ‫يعطون العلم والدين ويعطون املال فوق ذلك أيض ًا‪ ،‬فبذلك‬
‫نجحت دعوهتم وأثمرت وعظمت كام هو احلال يف املهاجر‬
‫ثبتنا اهلل وإياكم عىل االستقامة‪ ،‬وتفصيل ذلك يطول‪ ،‬ويف‬
‫ال من الدنانري الذهب جاء هبا معه‬ ‫الذي بلغت ثروته بالعراق أمحا ً‬
‫هذا اإلملاح إىل ُ‬
‫األسس واملهامت كفاية إن شاء اهلل‪ ،‬واملتبصرِّ‬
‫وأنفقها يف نفع الناس ودعوة الناس وإصالح أمر الناس والرفق‬
‫تفتح له األبواب‪ ،‬ليفهم من خطاب اهلل ما يتسع له به املجال‪،‬‬
‫يذكر بأخالق جده املصطفى صىل‬ ‫باملساكني والضعفاء‪ ،‬فكان ِّ‬
‫ويقوم به يف دوره بدوه يف حياته‪.‬‬
‫اهلل عليه وسلم‪ ،‬فكان يملك وادي ًا فسيح ًا فيعطيه ألحد أعوانه‬
‫يمكننا وإياكم من حسن أداء الدور املحمود‬ ‫نسأل اهلل أن ِّ‬ ‫يف اخلدمة يف الدعوة إىل اهلل ‪ ،‬يا شويه خذ هذا املكان‪ ،‬يا خمتار‬
‫لديه‪ ،‬وجيعل سعينا مشكور ًا عنده‪ ،‬ويثيبنا ويوفقنا وينظمنا يف‬ ‫وشعب‬ ‫خذ هذا املكان‪ ،‬وادي كامل فيه قطع كبرية يعطيها هلذا‪ِ ،‬‬
‫سلك املتواصني باحلق والصرب واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬ ‫كامل يملكه يعطيه للثاين من الذين كانوا يقومون معه باخلدمة‬
‫يف الدعوة إىل اهلل تبارك وتعاىل‪ ،‬فكان يعطي يف احلس ويعطي يف‬
‫املعنى‪ ،‬ريض اهلل تبارك وتعاىل عنه وأرضاه‪.‬‬

‫هذه مالمح منهج الدعوة �إلى اهلل تبارك وتعالى يف ِ�سيرَ ِ‬


‫ركزت عليه هذه‬ ‫ملمح �إلى ما َ‬
‫املختار وورثته الأبرار‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫املدر�سة يف منهج الدعوة �إلى اهلل من الأو�صاف التي بها مت‬
‫النجاح‪ ،‬ون�س�أل اهلل �أن يحييها فينا لننجح �آخر ًا كما جنحوا‬
‫�أو ًال يف واقعنا وع�صرنا الذي نعي�ش فيه‪ ،‬فنُقبل على النا�س‬
‫بتلك الرحمة وتلك الآداب وذلك العطف وذلك االحرتام‬
‫�سل�سلة الر�سائل الدعوية‬ ‫‪36‬‬

You might also like