Professional Documents
Culture Documents
نبي الرحمة
والحكمة
بين عيون المعتدلين وفتون
المعتدين
إعداد
أ.د /حكمت بن بشير بن ياسين
المقدمة
الحمد لله الذي أنزل الحكمة على نبيه المين ،وأكمل
الدين بخاتم المرسلين ،والصلة والسلم على المبعوث
رحمة للعالمين ،وعلى من اهتدى بحكمته إلى يوم الدين،
أما بعد:
فإن من رحمة الله الرحمن الرحيم بالبشرية إرسال
نبي الرحمة مؤيدا ً بالقرآن والحكمة) ،(1فبدأ دعوته
بالقربين من مكة المكرمة بالحكمة والرحمة ،وقابله
أغلبهم بالغلظة والنقمة ،وقد صبر على ذلك مما أدى إلى
خلقه ،وجميل صبره ،وعظمة ازدياد المعرفة بعظمة ُ
حكمته ،وسعة رحمته ،فأسلم ثلة من الولين ،وانتشر
صيته بالفاق بما أوتي من مكارم الخلق ،ولما أمره الله
تعالى أن ُيبّلغ هذه الدعوة استجاب فورا ً وبدأ بأهل مكة
ثم أخذ يتنقل خارج مكة ،فقصد الطائف وسوق عكاظ
ومنى وذي المجاز.
وكانت نتيجة هذه الجولت معرفة هذا الدين ،مما
أدى إلى انتشار دعوته في المدن والبلدان المجاورة،
صاده يأتون إلى مكة المكرمة للدخول في وبدأ ق ّ
السلم ،فاغتاظ كفار قريش ،وعمدوا إلى المواجهة
بتدبير المكائد في النبي ومن معه من المؤمنين،
فهاجر جمع منهم إلى الحبشة في دفعتين ،ثم تل ذلك
سخ فيهاهجرة النبي إلى المدينة والستقرار بها ،فر ّ
حياة المحبة والرحمة ،إذ آخى بين المهاجرين والنصار،
فكانت بمثابة نواة دولة متراحمة بالخوة اليمانية
والعلقة الربانية ،تحقق فيها حقوق النسان الحقيقية
التي ل تعرف الدجل والخيانة بل الصدق وأداء المانة
التي حث عليها بقوله" :أد المانة إلى من ائتمنك ول
تخن من خانك").(2
2
ومن هذا المنطلق بزغ نور العدل ساطعا ً بالمساواة
والحرية وإلغاء التفرقة العنصرية التي كانت في
الجاهلية ،وقد ترسخت هذه المعالم العظيمة والمعاني
الحكيمة في المجتمع المدني الحقيقي ،فطابت النفوس
وارتقت القلوب ،وأبرمت العهود مع النصارى واليهود،
ولما رأى هذا التوفيق والسعادة في المدينة ،وجد أن
كفار قريش ومن وافقهم يهددون الدولة المسلمة
الجديدة ،فطفق بإرسال وفود الدعوة إليهم ،وعقد
م هذا الخير أنحاء المعاهدات مع بعضهم ،ثم أراد أن يع ّ
الجزيرة العربية ،فأرسل سراياه إلى أنحائها ،وإذا
بالستجابة لهذه الدعوة تتصاعد ،وعقد المعاهدات مع
نصارى نجران ،ومع مجوس هجر ،وغدت الجزيرة العربية
دولة موحدة قوية لها هيبتها بين الفرس والروم.
إن هذه الدعوة ل تقتصر على قوم دون آخر فهي
دعوة عالمينية ،فنبي الرحمة عالميني أرسله الله رب
العالمين رحمة للعالمين ،كما أخبر الله تعالى بذلك ﴿وما
أرسلناك إل رحمة للعالمين﴾ ]النبياء ،[107/وكذلك
القرآن الذي ُأنزل إليه ﴿إن هو إل ذكر للعالمين﴾ ]يوسف/
،[104وكذلك قبلته ﴿إن أول بيت وضع للناس الذي ببكة
مباركا ً وهدى ورحمة للعالمين﴾ ]آل عمران.[96/
من أجل ذلك بعث رسول الله برسائله الحكيمة،
وهدايته العظيمة ،ومواعظه الكريمة إلى ملوك الدول
المجاورة لينالوا رحمة الله تعالى في الدارين.
ُ
مة بل البشرية أصول الرحمة وأسباب لقد عّلم ال ّ
نزولها فتركت آثارا ً زاهرة ،وثمارا ً وافرة ،فعرفوا هذا
النور وعملوا به ،وانتشر هذا النور حّتى شمل أرجاء
الجزيرة العربية فأخذوه بقوة ،فطابت به القلوب ،وقاموا
جميعا ً بحق الله تعالى ثم بحقوق العباد حتى غدت
نموذجا ً حضاريا ً فريدا ً بين المم بما تميزت به من رعاية
الحقوق ،ابتداًء بحق الله تعالى ثم بحق العباد في المن
والعدل على اختلف أديانهم وألوانهم وجنسهم،
وإعطائهم حرياتهم وحقوقهم كاملة بروح الود والتسامح،
والعفو والتناصح كما يرضى الله تعالى في حق المسلم
وغير المسلم من داخل بلد المسلمين وخارجها ،وحق
3
الراعي ورعيته في السراء والضراء ،وحق الرجل
والمرأة ،والصغير والكبير ،والغني والفقير ،والساعي
والجير ،وحق الدار والجوار كل ذلك تحت لواء ﴿إن
أكرمكم عند الله أتقاكم﴾ ]الحجرات ،[13/مما أّدى إلى
مزيد من التقوى والمحبة والترابط ،وقد ساعد ذلك على
قوة الواصر داخل الجزيرة العربية وانبثاق النور منها إلى
الدول المجاورة والحضارات المعاصرة لها وقد تألقت
حضارتها بين تلك الحضارات ،إذ سطعت منها أنوار
الهداية وامتد ذلك النور إلى بقية الحضارات حّتى انضوت
تحت لوائها حيث انبهرت بصفاء أحكامها وطيب تعاملها،
ون َُعمت ببركات أمنها ،وارتشفت من رحيق إيمانها،
ّ
فارتقت مراقي عليائها ،وانسجمت مع علمائها وحكامها،
فإذا بدولة الخلفة تبسط أياديها العادلة البيضاء وبركاتها
الكاملة الخضراء إلى أوربا شمال ً وأفريقيا غربًا ،والصين
شرقا ً ترفرف على ربوعها راية القرآن الكريم الذي هو
محور الهداية ﴿إن هذا القرآن يهدي للتي هي
أقوم﴾ ]السراء.[9/
قال المستشرق الفرنسي ألدو ميلي:
التسامح العظيم الذي تحلى به الخلفاء المويون،
وملوك الطوائف ..لم يمتد لواؤه على ما حكموه من
شعوب ،أو على المسلمين القادمين من أفريقية
والمشرق فحسب ،بل انبسط ظله أيضا ً على العلماء
المسيحيين الذين أقبلوا مهطعين من أبعد القطار لتلقي
العلوم في المدن المزدهرة التي ل تحصى ،في ذلك
)(1
القطر الساحر – الندلس -الخذ بمجامع اللباب.
إنها حقيقة عرفها التاريخ ،وعرفها النسان الذي
عايش تلك الحقوق أو عرفها من خلل القراءة أو
السماع أو المعايشة.
ومع هذا الخير العظيم ،والنفع العميم ،فإن بعض
سّنمار ،إذ تطاولت ألسنتهم على الناس قد تعاملوا بجزاء َ
ّ
مقام نبي الرحمة والحكمة ،ولطخت أقلمهم الصحف
البيضاء بالعتداء والفتراء على سيد ولد آدم وحواء منذ
4
بعثته حتى هذا المساء) ،(2كل ذلك لثارة الفتن أو حسدا ً
أو جهل ً بحقيقة سيد النبياء ،وهذا العتداء جحود لتلك
اللء وظلم للبشرية ومخالفة لرب السماء ،إذ أن أية
كلمة تمس مقام النبي لهي هجمة على البشرية
قاطبة وظلم لها ،وفتنة تفتك بالتفاهم والحوار ،لن
البشرية تنقسم إلى ثلثة أقسام تجاه نبي الرحمة
والحكمة:
القسم الول :مصدقون يتأثرون من أذى نبيهم
ويغضبون له.
القسم الثاني :ل يعرفون النبي ،فإذا بلغهم
التشويش في مقام النبي فهو يؤثر على سعادتهم في
الهداية إلى الحق ورضا الرب سبحانه.
القسم الثالث :قد سمع بعض الكلم الذي يشوه
شخص النبي فهؤلء حينما سمعوا هذا الكلم يزداد
التشويه في عقولهم فيستمرون على غّيهم وجهلهم.
وفي ذلك ظلم كبير وشره مستطير ،ل شك أنه
يغضب الله تعالى ،لنه غيور على أنبيائه فما بالكم بالنيل
من سيد النبياء؟! حقا ً إن هذا الظلم ل يقبله العقلء،
ولهذا فقد انبرى له ثلة من المسلمين وغير المسلمين
على مّر العصور بالرد ّ والتفنيد لذلك الهراء والفتراء ،إل
أن النيل من نبي الرحمة والحكمة في هذا العصر
دخل في طور جديد من العتداء المنسق والمنظم
بتخطيط دقيق يستهدف النبي الحكيم والقرآن الكريم
الذي جاء به من الله العظيم.
من أجل ذلك عزمت أن أقوم بهذا الجهد المتواضع
لبيان هذه المخططات الخطيرة ،ومعرفة جذورها
وفروعها وآثارها المثيرة ،واستعراض الجهود المبذولة
تجاه هذا العتداء ،لعداد خطاب معاصر يتناسب مع
البشرية بأديانها وثقافاتها ،يجمع بين الصالة والمعاصرة،
من الرواية المحررة المختصرة للسيرة المدبجة
بالشمائل العظيمة والمعاملة الكريمة ،واستنباط المنهاج
-كتبت هذه المقدمة يوم الربعاء مساءً في 20شعبان 2
5
النبوي في علج المشكلت المعاصرة وطريقة تعامله مع
الخر ،لمعرفة المعالم التي اّتسم بها رسول الله
ولتوضيح المكارم التي أتى بها لجميع البشرية ،ولرصد
القلم التي سطرت شهادات بتلك المكارم من شتى
بقاع الدنيا على اختلف لغاتهم وأديانهم ومذاهبهم ،هذه
الشهادات صدرت متوافقة ومتناسقة من أساطين
التاريخ والتربية ،ودهاقنة السياسة ،وأرباب القانون،
وعباقرة القتصاد ،وأساتذة اللهوت والفلسفة من
المنصفين المثقفين) (1الذين انبهروا بسيرة المصطفى
ومنهاجه المجتبى الذي يقطر رحمة وحكمة في تعامله
ل مشاكلها ،بل إن كثيرا ً من المسلمينمع البشرية وح ّ
بحاجة للتعرف على هذا الخطاب ليعلموا حجم المعركة
بين الحق والباطل ،وليرى المعتدون الردود من أهل
مّلتهم وبني جلدتهم ومن أهل بلدانهم) ،(2وقد حاولت تتبع
تلك القوال لعلها تؤثر في تصحيح المسار ،وتؤخذ في
نظر العتبار لعلج المشكلت التي تعاني منها البشرية،
كما استعرضت أهم الشبهات التي يشيعها أرباب الفتن
والجهلة بالسلم وبنبيه المختار وحاولت الجابة عليها
بالنقل والعقل ،لعطاء حق الحوار والبيان الذي ينشده
الساسة الغربيون المعتدلون كقول الستاذ جيم ميران
عضو لجنة الشؤون الخارجية بالكونجرس المريكي:
الذي دعا قومه إلى وجوب التعرف على السلم دين
السلم والمسامحة ،الدين الذي يحث على الكد ّ
والجتهاد ،ويحب النظام واللتزام ،ويفيض بالحب
1
-1وما انتقيته من الشهادات الغربية ل يعني العتماد على كل
ما يقوله أصحابها في مؤلفاتهم وإنما هو من باب ﴿وشهد
شاهد من أهلها﴾ ]يوسف.[26/
2
-من الكتب الجنبية التي رصدت الصور والمفاهيم المشوهة
عن السلم ما يلي -1) :العرب وأوربا القرون الوسطى( )-2
السلم والغرب ،وكلهما لنورمان دانيال( ) -3مفاهيم الغرب
عن السلم في القرون الوسطى ،للمؤرخ ساوثرن( )-4
المستشرقون الناطقون باللغة النكليزية ،لعبد اللطيف
الطيباوي – مترجم( .ينظر الستشراق بين الموضوعية
والفتعالية ص .70
6
واللطف ،وهو يعتبر الرسول محمدا ً أعظم إنسان
عرفه التاريخ ،ويجب التعرف على جوانب عظمته التي
كان يتمتع بها ،وكذلك عدد كبير من أصحابه .وكل شعوب
العالم يجب أن تتعرف على التعاليم التي جاء بها محمد
،ولكن للسف لم يحدث ذلك لسببين:
الول :هو اتخاذ غير المسلمين موقفا ً من هذه
التعاليم منطلقه التعصب والتحيز والجهل.
الثاني :هو عدم سعي المسلمين حثيثا لطلع غيرهم
على عظمة دينهم .وقال:
أنا أعتقد أن القرن القادم هو قرن السلم ،وقرن
الثقافة السلمية ،وستكون هذه فرصة لحلل مزيد من
)(1
السلم والرفاهية في كل بقاع العالم .
وقد نظمت خطة البحث في مقدمة وثلثة
أبواب كما يلي:
المقدمة :وفيها أهمية الموضوع ،وسبب الكتابة والخطة
والمنهج.
الباب الول :شذرات من سيرته مدبجة بقبسات
من رحمته ،وفيه فصلن:
الفصل الول :العهد المكي ،وفيه المباحث
التالية:
المبحث الول :ولدته ونسبه ونشأته.
المبحث الثاني :مبعثه .
المبحث الثالث :الهجرة إلى الحبشة.
المبحث الرابع :مقاطعة قريش لبني هاشم وبني
المطلب.
المبحث الخامس :خروجه إلى الطائف.
المبحث السادس :السراء والمعراج.
المبحث السابع :بيعة العقبة الولى والثانية.
المبحث الثامن :هجرة رسول الله .
1
-1انظر قطوف دانية من مآثر المسلمين ص .91-90
7
الفصل الثاني :العهد المدني وفيه المباحث
التالية:
المبحث الول :أهم أعمال وحوادث السنة الولى
للهجرة.
المبحث الثاني :أهم أعمال وحوادث السنة الثانية
للهجرة.
المبحث الثالث :أهم أعمال وحوادث السنة الثالثة
للهجرة.
المبحث الرابع :أهم أعمال وحوادث السنة الرابعة
للهجرة.
المبحث الخامس :أهم أعمال وحوادث السنة
الخامسة للهجرة.
المبحث السادس :أهم أعمال وحوادث السنة
السادسة للهجرة.
المبحث السابع :أهم أعمال وحوادث السنة السابعة
للهجرة.
المبحث الثامن :أهم أعمال وحوادث السنة الثامنة
للهجرة.
المبحث التاسع :أهم أعمال وحوادث السنة التاسعة
للهجرة.
المبحث العاشر :أهم أعمال وحوادث السنة العاشرة
للهجرة.
الباب الثاني :المستفاد من حكمته الباهرة في
تحقيق حاجات البشرية وعلج أهم المشكلت
المعاصرة ،وفيه الفصول التالية:
الفصل الول :المشكلت السياسية ،وفيه
المباحث التالية:
المبحث الول :مشكلة التفرقة العنصرية والدينية
والقليمية.
المبحث الثاني :مشكلة نظام الدقرطة.
المبحث الثالث :مشكلة الحرية.
المبحث الرابع :مشكلة العتداء فيما بين الدول.
8
المبحث الخامس :مشكلة التخوف والتحسس من
الخر.
9
-2استنباط المعاملة الكريمة من السيرة المختصرة،
واقتناص الفوائد العلمية التي تهم النسان في هذا
العصر.
-3جمع الحاديث الواردة في تعامله مع غير
المسلمين في السلم والحرب مقتصرا ً على الحاديث
الثابتة.
ً
-4تخريج الحاديث والثار والحكم عليها معتمدا على
أقوال النقاد المعتبرين من المتقدمين والمتأخرين.
-5الستشهاد بالتوراة والنجيل ،وبأقوال المنصفين
من غير المسلمين ومن الذين دخلوا في السلم الذين
شهدوا على بيان عظمة نبي الرحمة .
-6تتبع المشكلت الكبرى التي تعتري العالم وبيان
معالجتها بسنة نبي الحكمة .
-7جمع أقوال العلماء الجانب من الشرق والغرب
الذين كتبوا شهادات على نبي الرحمة والحكمة التي
اتسم بها نبينا محمد .
-8تتبع أهم الشاعات التي ُتثار في هذا العصر،
ومعرفة جذورها وتطورها ودراسة انتشارها وخطورتها،
والرد عليها بالعقل والنقل.
10
الباب الول
شذرات من سيرته مدبجة بقبسات من رحمته
الفصل الول :العهد المكي
لقد استغرق هذا العهد فترة طويلة من حياة نبي
الرحمة إذ بلغ ) (53سنة ،أما في المدينة النبوية فقد
عاش ) (10سنوات ،من أجل ذلك فإن الحديث عن
العهد المكي حافل بالحوادث والخبار ،وجدير بالستنباط
والعتبار ،وقد حظي هذا العهد هذا العهد بتنـزيل قرآني
غزير يشكل أكثر من ثلثة أضعاف التنـزيل المدني ،فقد
بلغ عدد السور المكية ) (86سورة بينما بلغ عدد السور
المدنية ) (28سورة ،إضافة إلى ذلك أن بعض السور
المدنية فيها آيات مكية ،وهذا التنـزيل العظيم يضفي إلى
وقائع السيرة كثيرا ً من المشاهد الموثوقة والخبار
المؤكدة ،وذلك من خلل فحوى التنـزيل المكي وما فيه
من المقاصد ،فإن هذه المقاصد قائمة بكل جزئياتها في
حياة نبي الرحمة ومن معه من الصحابة ،فقد كان
خلقه القرآن ،يرضى لرضاه ،ويسخط لسخطه ،ويترجم
آياته بأقواله وأفعاله ،والصحابة يقتدون به ،ويتشوقون
إلى تنـزيل القرآن ومعرفة معانيه ،فتكون هذه المقاصد
ضمن منظومة السيرة النبوية فحينما نتتبع خصائص
التنـزيل المكي فكأننا نرى معالم جديدة من السيرة
العطرة ،ومن خصائص التنـزيل المكي:
-1تقرير أسس العقيدة والدعوة إلى توحيد العبودية
والربوبية.
-2الدعوة إلى أصول الخلق كالصدقة والبر وصلة
الرحام وبّر الوالدين وإكرام الجار والعدل والحسان
بالضعيف واليتيم.
-3العناية بقصص النبياء والعتبار بها.
ً
وكل هذه الخصائص تضفي إلى السيرة مزيدا من
المشاهد من القصص والداب والحكام والخبار بل
وتحدد لنا أوقاتها من خلل معرفة أول ما نزل ،والمتقدم
والمتأخر ،والناسخ والمنسوخ ،وأسباب النـزول ،وكذلك
11
معرفة التنـزيل الحضري والسفري ،ومعرفة النهاري
والليلي ،والصيفي والشتائي ،فإنه يعطي مزيدا ً من
المعلومات الدقيقة والموثوقة ،فيتجلى المزيد من
مظاهر ومشاهد السيرة النبوية بوضوح.
فعلى سبيل المثال لو استعرضنا مقاصد سورة العلق
وسورة المزمل وهما أول ما نزل ،لوجدنا الحث على
العلم بالقراءة ،وبيان توحيد الربوبية بأن الله هو الذي
خلق النسان وعلمه البيان وما لم يعلم ،وبيان المعركة
بين اليمان والكفر ،واعتداء المشركين على المؤمنين،
وتهديد المشركين الذين يعتدون على المؤمنين ،وبشرى
المؤمنين ،وكذلك نجد سورة المزمل تتناول جانبا ً مهما ً
من عبادة نبي الرحمة في طاعته وقيامه الليل
وتلوته لكتاب الله تعالى ،وفيها المر بالصبر على أذى
المشركين ،ثم توعد الله المشركين ،وذكر الصحابة أنهم
غب المؤمنين بأعمال البر كانوا يقيمون الليل معه ،ثم ر ّ
والستغفار ،وأن لهم الثواب من عند الله تعالى على
ذلك.
ويستنبط من ذلك تسابقهم بأعمال البر ،وكثرة
استغفارهم لن هذا التنـزيل من أوائل ما نزل ،وفي تلك
الفترة قد دخل السلم الوائل من الصحابة الذين
يستجيبون لهذا القرآن بقوة ،فيعطي تصورا ً واضحا عن
ً
أحوالهم وأعمالهم من خلل تلك الوامر والنواهي
القرآنية.
وهكذا كلما نظرنا في مزيد من السور المكية
سنجد مزيدا ً من المشاهد والمظاهر للعهد المكي الذي
عاش فيه نبي الرحمة مع أصحابه.
ويشتمل هذا الفصل على المباحث التالية:
المبحث الول :ولدته ونسبه ونشأته
كانت ولدته مبشرة بالنور والنصر والرحمة ،وكانت
نشأته مؤيدة بالهداية والمانة والحكمة ،ومنذ أن كان
جنينا ً في بطن أمه فقد أشرقت الرض بنور ربها
وسطع نوره من مكة المكرمة إلى بلد الشام المباركة،
12
كما صرحت بذلك أمه آمنة بنت وهب فقد رأت أنه خرج
منها نور أضاءت له قصور الشام (1)،وفي ذلك بشرى
كريمة ورحمة عظيمة.
ولما ُولد نبي الرحمة عام الفيل ،فإنه في ذلك
)(2
الحرام.
ويصل نسبه إلى إسماعيل بن إبراهيم عليهم الصلة
والسلم فهو نسب زكي) (4كما قال ابن هشام :محمد بن
عبد الله بن عبد المطلب ،واسم عبد المطلب :شيبة بن
- 1أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي )المستدرك (2/600
وأخرجه الذهبي بسند حسنه عن العرباض بن سارية )السيرة
النبوية ص (16وأخرجه ابن إسحاق بسند جيد قوي كما قال
الحافظ ابن كثير )البداية والنهاية (2/275وصححه اللباني
في السلسلة الصحيحة ح .1545
- 2أخرجه الذهبي بسنده عن ابن عباس وصححه الذهبي
)السيرة النبوية ص (5وذكر إبراهيم بن المنذر الحزامي ت
236هـ الجماع على ذلك ،وكذا المؤرخ خليفة بن خياط ت
240هـ )ينظر المصدر السابق ص ،6والفصول في اختصار
سيرة الرسول ص .(80
- 3عقد المام البخاري في صحيحه بابا ً بعنوان )باب مناقب
قريش( وسرد عدة أحاديث من 3500إلى 3505في كتاب
المناقب.
-هكذا وصف ابن هشام نسب النبي وقد ت ّ
وج كتابه السيرة 4
13
عمرو بن عبد ُ مناف ،واسم عبد ُ هاشم ،واسم هاشمَ :
مناف :المغيرة بن ُقصي) ،واسم قصي :زيد( بن كلب
بن مّرة بن كعب بن لؤي ابن غالب بن فهر بن مالك بن
مدركة: مدركة ،واسم ُ النضر بن كنانة بن خزيمة بن ُ
)(1
معد بن عدنان. مضر بن نزار بن َ عامر بن إلياس بن ُ
)(2
وكذا ذكره البخاري في صحيحه.
قال المؤرخ ابن دحية :أجمع العلماء والجماع حجة،
)(3
على أن النبي كان إذا انتسب ل يجاوز عدنان.
أما النسب من عدنان إلى إسماعيل فمختلف فيه ،
)(4
14
وفي هذه الرحلة المباركة بدأت إرهاصات النبوة
ح عن أنس تتجلى بالعداد لهذه المهمة الكبرى ،فقد ص ّ
بن مالك أن رسول الله أتاه جبريل وهو يلعب
مع الغلمان .فأخذه فصرعه فشقّ عن قلبه ،فاستخرج
ظ الشيطان القلب ،فاستخرج منه ع ََلقة ،فقال :هذا ح ّ
منك ،ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ،ثم
لمه ،ثم أعاده في مكانه .وجاء الغلمان يسعون إلى أمه َ
)يعني ظئره( فقالوا :إن محمدا ً قد قتل ،فاستقبلوه وهو
منتقع اللون .قال أنس :وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط
)(1
في صدره.
ثم رّدته حليمة السعدية إلى أمه في المدينة تزور
أخواله بني النجار بالمدينة ،فتوفيت ُأمه بالبواء) ،(2وهي
)(3
راجعة إلى مكة وله من العمر ست سنين.
إن هذه النشأة من الُيتم أعطته القدرة في العتماد
على النفس وعدم التكال على الغير وتحمل الصعاب
والمسؤولية ،كما عرفته على حال اليتيم وما يحتاج من
الرحمة.
ول شك أن هذا المر قد أحزنه إل أن رحمة الله
تعالى واسعة ،فقد هيأ الله تعالى له امرأة حنون تدعى
ُأم أيمن وهي مولته ،ورثها من أبيه ،وكفله جده عبد
المطلب ،فلما بلغ رسول الله من العمر ثماني سنين
مه أبي طالب ،لنه كان توفي جده ،وأوصى به إلى ع ّ
شقيق عبد الله فكفله ،وحاطه أتم حياطة ،ونصره حين
)(4
بعثه الله أعّز نصر.
وض حفيده حدب لم تطل رعاية الجد وعطفه الذي ع ّ
الب وحنان الم ،إذ ما لبث أن توفي ،ومحمد لم
يجاوز الثامنة من عمره فتولى أمره عمه أبو طالب ،لنه
لم واحدة ،ولم يكن أبو وعبد الله والد الرسول كانا ُ
-صحيح مسلم – اليمان – باب السراء برسول الله ح .261 1
.231
-ينظر الفصول ص ،82-81وخلصة سير سيد البشر ص .231 4
15
طالب بالرجل الموفور المال ،وكان ُيعيل عددا ً من البناء
المر الذي اضطر محمدا ً أن يعينه في كسب قوته
)(1
حسب طاقته ،فكان يرعى له الغنام.
إن عمله في الرعي المبكر يدل على تحمل
المسؤولية ،وقدرته على الرعاية ،وخصوصا ً أن الرعي
يحتاج إلى صبر واجتهاد ومتابعة ومراقبة وعناية وإحصاء،
وهنا تبرز رحمته لنه يرعى بهائم ضعيفة ،والراعي إذا لم
يكن رحيما ً فإنه ل يقدر على هذه المهمة.
وخرج به عمه إلى الشام في تجارة وهو ابن ثنتي
عشرة سنة ،وذلك من تمام لطفه به ،لعدم من يقوم به
إذا تركه بمكة ،فرأى هو وأصحابه ممن خرج معه إلى
مه في الوصاة به الشام من اليات فيه ما زاد ع ّ
والحرص عليه ..ثم خرج ثانيا ً إلى الشام في تجارة
)(2
لخديجة بنت خويلد رضي الله عنها.
إن رحلة نبي الرحمة إلى بلد الشام مرتين أعطته
خبرة اقتصادية ،وتربية على التراحم بين القربين ،ودراية
اجتماعية بأهل الشام ،وإتقان الطريق إلى بلد الشام
والتعرف على المدن التي مّر بها ومنها تبوك ،ول شك
أن مسيرته إلى غزوة تبوك فيما بعد كانت عن خبرة
ودراية لمشقة الطريق ،فإن حال الذي يتوجه إلى غزو
وهو حديث عهد في مكان الغزوة وطريقها ،غير حال
الذي يعرف الطريق ومسالكه ومشاكله.
ولما كانت الرحلة الثانية إلى الشام مع ميسرة –
قراض ،فرأى غلم خديجة رضي الله عنها -على سبيل ال ِ
ميسرة ما أبهره من شأنه ،فرجع فأخبر سيدته بما رأى،
فرغبت إليه أن يتزوجها ،لما رجت في ذلك من الخير
الذي جمعه الله لها ،فتزوجها رسول الله وله )(25
)(3
سنة.
.231
-ينظر المصدر السابق. 3
16
فبدأ الستقرار في بيت الزوجية ،مع الزوجة الكريمة
مه أبي طالب إلى بيت الحكيمة ،والنتقال من بيت ع ّ
سيدة قريش حسبا ً ونسبًا ،وفي هذا الستقرار مؤازرة
من زوجته ومن أهلها المقربين لها ،فتكون مرحلة جديدة
من حياة نبي الرحمة وتطور في العلئق الجتماعية
المبنية على التراحم ،واستمرت العشرة الزوجية
برحماتها مع خديجة رضي الله عنها ) (24سنة إذ بقيت
عنده قبل الوحي خمس عشرة سنة ،وبعده إلى ما قبل
الهجرة بثلث سنين .فماتت ولرسول الله تسع
وأربعون سنة ،وثمانية أشهر ،وكانت له وزير صدق .بل
)(1
-صحيح البخاري – كتاب مناقب النصار – باب تزوج النبي 2
والفصول ص .215
17
ومنذ أن كان نبي الرحمة عمره ) (25سنة فقد كان
يسكن في بيت خديجة رضي الله عنها ،وبقي فيه إلى أن
)(1
هاجر إلى المدينة النبوية.
وكان الله سبحانه قد صانه من قسوة القلب وحماه
من صغره ،وطهره من دنس الجاهلية) (2ومن كل عيب،
ومنحه كل خلق جميل حتى لم يعرف بين قومه إل
بالمين ،لما شاهدوا من رحمته وطهارته وصدق حديثه
وأمانته ،حتى انه لما بنت قريش الكعبة في سنة خمس
وثلثين من عمره فوصلوا إلى موضع الحجر السود
اشتجروا فيمن يضع الحجر موضعه ،فقالت كل قبيلة:
نحن نضعه ،ثم اتفقوا على أن يضعه أول داخل عليهم،
وكان رسول الله ،فقالوا :جاء المين ،فرضوا به،
فأمر بثوب ،فوضع الحجر في وسطه ،وأمر كل قبيلة أن
ترفع بجانب من جوانب الثوب ،ثم أخذ الحجر فوضعه
)(3
موضعه .
وهذا يدل على قوة حكمته وشدة رحمته بقومه
وحسن تدبيره ،كما يدل على سمو مكانته عند القوم
وقبولهم رأيه .
وفي هذه الفترة كان ينعزل للعبادة في غار حراء،
وعزلته ل تعني أن يعيش حياة منعزلة دائما ً بل كان له
أصحاب ،وقد كان لنبي الرحمة صحبة قبل بعثته من
عقلء وأثرياء قريش كأبي بكر وحكيم بن خزام وهو من
نبلء مكة) ،(4والسائب بن يزيد ،والسائب بن عثمان)،(5
هذا الذي وصلنا ول شك أنه يوجد غير هؤلء ،لن
اشتهاره بالصادق المين ،ومشاركته في رفع الحجر
-فقد حلف زيد بن حارثة بأن رسول الله ما مس منها 2
18
السود ،وحلف الفضول جعله يتعرف على رجالت مكة
وفحول قريش.
إن الفترة التي عاشها نبي الرحمة قبل البعثة
تشكل ثلثي عمره فهي فترة مهمة تتجلى فيها العناية
اللهية بنبي الرحمة وإعداده للقيام بالرسالة الخالدة
للبشرية جميعًا.
إن هذه العناية اللهية والخلق الربانية تترك آثارا ً في
مجتمع مكة ،فإن شخصا ًَ قد نال هذه العناية ل يمكن أن
يكون مغمورا ً أو عاديًا ،بل يشار إليه بالبنان لما فيه من
السمو والرحمة والطهر والمانة والصدق ،وكل هذه
الصفات مهدت للرسالة ،فلم يستنكر العقلء حينما
سمعوا بنبوته وبعثته بل دخلوا في السلم ،أو أخذوا
يمهدون لذلك مع أقوامهم ويفكرون بالدخول عاجل ً أم
آج ًَ
ل.
المبحث الثاني :مبعثه
أخذت خلوات الرسول وانعزاله عن مجرى الحياة
ده
المكية تزداد وتتسع وهو يقترب من الربعين ،حيث أع ّ
الله سبحانه لول لقاء مع وحيه المين؛ من أجل تكليفه
مسؤولية النبوة ،وإخراج الناس بها من ظلمات الجاهلية
ودنسها إلى نور السلم ونقائه .فكان يغادر مكة بين
الحين والحين ،مجتازا ً أسوارها الجبلية ،ناقل ً خطواته
الثابتة الواسعة عبر رمال الصحراء المترامية ،حتى
تحتجب عنه البيوت والسواق ،ويغيبه الفق ،وتستقبله
شعاب مكة وبطون أوديتها ،ثم يلج بعيدا ً إلى جبل النور،
)(1
حيث ينتهي به المطاف إلى غار حراء.
ثم بعث نبي الرحمة عندما بلغ الربعين من عمره،
وفي هذا العمر تظهر أوصاف النسان بوضوح ،من أجل
كر ما وصفه علي بن أبي طالب (2)وأنس بن ذلك أ َذ ْ ُ
مالك (3)خادم رسول الله ،فقد حظيا بصحبته
الكريمة ومعرفة أوصافه الجميلة.
-ينظر دراسة في السيرة ص .57 1
19
فقد كان رسول الله من أحسن الناس وجهًا ،أبيض
ه ،واسعَ الفم، اللون بياضا ً مزهرًا ،مستدير الوجه ،ملي َ
ح ُ
سبط ل الشعر – بين الجعودة وال ّ ج َ
شقّ العينينَ ،ر ِ ل ِ طوي ً
– يصل إلى شحمة أذنيه ،وأحيانا ً بين أذنيه وعاتقه ،وقد
يمتد حتى منكبيه أحيانا ً أخرى ،ولم يشب شعره السود
إل اليسير منه ،حيث قدر شيبه في أواخر عمره بعشرين
شعرة موزعة في الرأس وتحت الفم والصدغين ،ويميل
طيب،اللون إلى الحمرة في بعض شعره من أثر ال ّ
سّروكانت رائحته أطيب من رائحة المسك ،وكان إذا ُ
استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر ،وكانت تحت شفته
السفلى شعرات بيض.
وكان متوسط القامة ،متوسط الوزن ،ليس بالنحيف
ول الجسيم ،عريض الصدر ضخم اليدين والقدمين،
فاه لينتان ،قليل لحم العقبين، مبسوطين الكفين ،ك ّ
يحمل في أعلى كتفه اليسرى خاتم النبوة وهو شعٌر
مجتمعٌ كالّزّر.
ح عن البراء أنه قال :كان رسول الله وص ّ
ً ً
أحسن الناس وجها ،وأحسنه خلقا ليس بالطويل البائن
)(1
ول بالقصير.
ح عن أبي سعيد الخدري أنه قال" :كان النبي وص ّ
أشد حياء من العذراء في خدرها" ،والحياء من
)(2
اليمان.
وهذه الصفات الجسمية تدل على جمال المظهر،
واكتمال الجسم وقدرته على النهوض بالواجبات العظيمة
التي ُأنيطت به ،فلم ير أعداؤه في مظهره ما يعيبونه
عليه أو يلقبونه به على سبيل النتقاص .وإضافة لحسن
-ينظر صحيح البخاري – كتاب المناقب – باب صفة النبي 3
20
خلقته الجبلية وسلمة حواسه وأعضائه ،فقد اعتنى
)(1
بمظهره من النظافة وحسن الهيئة والتطيب بالطيب.
كما تميز بسلمة الصدر ،وطيب النفس ،ولين القلب.
ولما أراد الله تعالى رحمة العباد ،وكرامَته بإرساله
رحمة للعالمين ،حّبب إليه الخلء ،وكان يتحنث في غار
حراء ،كما كان يصنع ذلك متعّبدو ذلك الزمان ..ففجأه
الحق وهو بغار حراء في رمضان ،وله من العمر أربعون
سنة ،فجاءه الملك فقال له :اقرأ ،قال :لست بقارئ،
فغّته حتى بلغ منه الجهد ،ثم أرسله فقال له :اقرأ ،قال:
لست بقارئ ،ثلثًا ،ثم قال﴿ :اقرأ باسم ربك الذي خلق.
خلق النسان من علق .اقرأ وربك الكرم .الذي علم
بالقلم .علم النسان ما لم يعلم﴾ ]العلق [5-1/فرجع بها
رسول الله ترجف بوادره ،فأخبر بذلك خديجة رضي
الله عنها ،وقال :قد خشيت على عقلي ،فثبتته ،وقالت:
أبشر ،كل والله ل يخزيك الله أبدًا ،إنك لتصل الرحم،
ل وتعين على نوائب الدهر.. دق الحديث ،وتحمل الك ّ وَتص ُ
في أوصاف أخر جميلة عددتها من أخلقه ،وتصديقا ً ُ
ديق له رضي منها وتثبيتا ً وإعانة على الحق ،فهي أول ص ّ
)(2
الله تعالى عنها وأكرمها.
ثم مكث رسول الله ما شاء الله أن يمكث ل يرى
م لذلك وحزن على فراق شيئًا ،وفتر عنه الوحي ،فاغت ّ
الوحي الذي يفيض عليه بالسكينة والطمأنينة ،فاشتاق
إلى ما رأى أول مرة ،من حلوة ما شاهده من وحي،
فقيل :إن فترة الوحي كانت قريبا ً من سنتين أو أكثر ،ثم
دى له المَلك بين السماء والرض على كرسي ،وثبته، تب ّ
ً
وبشره بأنه رسول الله حقا ،فلما رآه رسول الله
-3أغلب هذا الوصف الميسر ساقه مؤرخ السيرة أ.د أكرم بن 1
21
فََرق منه وذهب إلى خديجة وقال :زملوني .دثروني.
فأنزل الله عليه ﴿ يا أيها المدثر .قم فأنذر .وربك فكبر.
)(1
وثيابك فطهر﴾ ]المدثر.[4-1/
وكانت الحال الولى حال نبوة وإيحاء ،ثم أمره في
مر هذه الية أن ُينذر قومه ويدعوهم إلى الله ،فش ّ
عن ساق التكليف ،وقام في طاعة الله أتم قيام بالرحمة
والحكمة ،يدعو إلى الله سبحانه الكبير والصغير ،والحّر
والعبد ،والرجال والنساء ،والسود والحمر ،فاستجاب له
عباد الله من عدة قبائل.
وكان حائز سبقهم أبو بكر وعلي بن أبي طالب
،وأسلم على يد أبي بكر عثمان بن عفان ،وطلحة،
)(2
وسعد بن أبي وقاص .
وكذلك أسلمت خديجة ،وزيد بن حارثة.
دق بما وجد من س ورقة بن نوفل فص ّ وأسلم الق ّ
ذعا ،وذلك أول ما نزل ً ج َوحي الله ،وتمنى أن لو كان َ
الوحي ،وفي الصحيحين أنه قال :هذا الناموس الذي جاء
ص
موسى بن عمران .لما ذهبت خديجة به إليه ،فق ّ
)(3
.252-246
-ينظر الفصول ص .85 2
-صحيح البخاري – كتاب بدء الوحي ،باب كيف بدأ الوحي إلى 3
22
ففي المرحلة الولى كانت الدعوة سرا ً حذرا ً من
الصطدام المباشر مع المشركين ،ولكن المواجهة كانت
عن طريق نزول القرآن منذ بداية نزوله.
ففي سورة العلق حملة عنيفة على أحد زعماء
قريش ،في وقت لم يكن النبي قد آمن بدعوته بعد سوى
نفر يعدون على الصابع ،ومن ثم يتبين لنا الموقف
العصيب الذي واجهه الرسول والجرأة العظيمة التي
واجه بها هذا الموقف بأمر ربه ،بما كان يوجهه إلى
الزعيم القوي الغني الطاغي :المغيرة بن هشام
المخزومي ،مما يوحي إليه من آيات فيها الصفعات
الداميات ﴿كل لئن لم ينته لنسفعن بالناصية .ناصية كاذبة
خاطئة .فليد ناديه .سندعو الزبانية .كل ل تطعه واسجد
واقترب﴾ ]العلق ،[19-15/ثم بما كان من تثبيت القرآن
ل ،تبين لنا العظمة له على دعوته وعبادته وثباته فيهما فع ً
الخلقية واليمان العميق والجرأة الشديدة في الحق على
كل باٍغ مهما كان قويا ً عاتيًا .ولقد كان هذا دأبه في كل
المواقف التالية لهذا الموقف العصيب سواء كانت في
الخطوات الولى أو ما بعدها ،وفي هذا سر من أسرار
)(1
اصطفائه للرسالة العظمى من دون ريب.
ول شك أن الصحابة السابقين في السلم كأبي بكر
وخديجة وعلي كانوا يقومون بواجبهم في الدعوة إلى
الله تعالى في نطاق المقربين إليهم في النسب أو
التعامل التجاري ،فمثل ً خديجة المخزومية رضي الله عنها
وهي من سيدات قبيلتها ،وأبو بكر وهو من أسياد
وأغنياء قريش ،وعلي بن أبي طالب الهاشمي ،بل إن
بعضهم كان يصدع بالدعوة ويتلو القرآن الكريم عند
الكعبة المشرفة كصنيع ابن مسعود ،فكل من آمن هو
على ثغرة من الدعوة مع القرب فالقرب.
جوبه بمعارضة شديدة من وما لبث الرسول أن ُ
ده ،سيما بعد قومه ،وبإجماع منهم على مقاومته وص ّ
الحملت الشديدة التي راح يشّنها على آلهتهم
23
وأصنامهم ،ووقف عمه أبو طالب ينافح عنده ضد قريش،
فرأى زعماؤهم أن يبعثوا إليه وفدا ً من أشرافهم عّلهم
يقنعونه بوقف ابن أخيه على المضي في دعوته ،أو على
القل بالتخلي عن إسناده وحمايته .والتقى رجالت الوفد
ب
بأبي طالب وقالوا :يا أبا طالب إن ابن أخيك قد س ّ
فه أحلمنا وضّلل آباءنا ،فإما أنآلهتنا وعاب ديننا وس ّ
فه عّنا وإما أن تخلي بيننا وبينه .فقال لهم أبو طالب تك ّ
)(1
قول ً رفيقا ً ورّدهم رد ّا ً جميل ً فانصرفوا عنه.
وفي هذه المرحلة كان التنـزيل المكي يركز على
تثبيت اليمان وبيان ثمرته والعتبار بالمم السابقة من
خلل قصص النبياء وصبرهم على ُأممهم ورحمتهم بهم،
ونصرهم على أعدائهم ،كل ذلك كان يرتله نبي الرحمة
على أسماع أصحابه رضوان الله عليهم بتلك القراءة
المفسرة ،وقراءته كانت بتدبر ولهذا كانت السورة عندما
يرتلها تطول ،فقد أخرج مسلم بسنده عن حفصة رضي
الله عنها قالت :ما رأيت رسول الله صلى في سبحته
قاعدا ً حتى كان قبل وفاته بعام ،وكان يصلي في سجدته
قاعدًا ،وكان يقرأ بالسورة فيرتلها حتى تكون أطول من
أطول منها (2).فتنـزل السكينة والرحمة.
وفي ذلك تعليم وتطبيق عملي للتلوة والتدبر،
ورصيد من الثواب الجزيل ،وهذه القراءة المتأنية التي
تطول بها السورة ساعدت على مزيد من الفهم ثم
العمل ،وقد وصفت ُأم سلمة رضي الله عنها قراءته
سرة حرفا ً حرفا ً) ،(3وأنه كان يقطع قراءته آية كانت مف ّ
)(4
آية.
دروزة .1/162
ً
-الصحيح -كتاب صلة المسافرين باب جواز النافلة قائما و 2
قاعدا ً ح . 733
-أخرجه الترمذي -السنن -باب ما جاء كيف كانت قراءة 3
24
قال المام النحاس :ومعنى هذا الوقف على رؤوس
)(1
اليات.
ُ
وفي رواية عن أم سلمة رضي الله عنها كان رسول
الله يقطع قراءته ،يقرأ ﴿الحمد لله رب العالمين﴾ ثم
)(2
يقف ﴿الرحمن الرحيم﴾]الفاتحة [2-1/ثم يقف…
س شغاف القلب كان فهذه القراءة المرتلة التي تم ّ
لها الثر الفاعل في تعليم الصحابة علم التفسير
وعلم التدبر.
ول شك أن هذه السورة قد قرأها عليهم في مكة
مرات كثيرة.
ويستفاد من إسلم ورقة بن نوفل أن بعض أهل
الكتاب الذين عرفوا الحقّ من كتبهم ،هم أقرب الّناس
للدخول في هذا الدين ،ومعرفة منـزلة النبي المين .
.117
25
المشركين يلحقون الذى بالرسول وأصحابه ،ففضل ً
عن المعتقدات الباطلة التي عشعشت بعقولهم
وتوارثوها خلفا ً عن السلف ،فإنهم كانوا مدركين لجدواها
في تحقيق مصالحهم الجتماعية والقتصادية عندما تؤم
القبائل العربية مكة حيث الصنام الثلثمائة والستون
المحيطة بالكعبة ،وينجم عن ذلك حركة بيع وشراء تحقق
)(1
الرباح الوفيرة للمل.
ولما اشتد أذى المشركين على من آمن وفتنوا
جماعة حتى إنهم كانوا َيصِبرونهم ،وُيلقونهم في الحر،
ويضعون الصخرة العظيمة على صدر أحدهم في شدة
الحر ،حتى إن أحدهم إذا ُأطل ِقَ ل يستطيع أن يجلس من
شدة اللم ،فيقولون لحدهم :اللت إلهك من دون الله.
مكرهًا :نعم ..فلما اشتد البلء أذن الله سبحانه فيقول ُ
وتعالى في الهجرة إلى أرض الحبشة ..فانحاز
حمة النجاشي فآواهم المهاجرون إلى مملكة أص َ
وأكرمهم ،فكانوا عنده آمنين .فلما علمت قريش بذلك
بعثت في إثرهم عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص
ف من بلدهم إلى النجاشي ،ليرّدهم عليهم، بهدايا وتح ٍ
فأبى ذلك عليهم ،وتشفعوا إليه بالقواد من جنده ،فلم
شوا إليه :إن هؤلء يقولون في ُيجبهم إلى ما طلبواَ ،فو َ
عيسى قول عظيمًا ،يقولون :إنه عبد ،فأحضر المسلمون
إلى مجلسه ،وزعيمهم جعفر بن أبي طالب ،فقال :ما
يقول هؤلء إنكم تقولون في عيسى؟! فتل عليه جعفر
سورة ﴿كهيعص﴾ ]مريم ،[1/فلما فرغ أخذ النجاشي عودا ً
من الرض فقال :ما زاد هذا على ما في التوراة ول هذا
شّيوم) (2بأرضي ،من سّبكم العود ،ثم قال :اذهبوا فأنتم ُ
غرم ،وقال لعمرو وعبد الله :لو أعطيتموني د َب َْرا ً من َ
ذهب -يقول :جبل ً من ذهب – ما سّلمتهم إليكما ،ثم أمر
26
فُرّدت عليهما هداياهما ،ورجعا مقبوحين بشر خيبة
)(1
وأسوئها.
وبلغ المهاجرين إلى الحبشة أن قريشا ً أسلموا ،فقدم
مكة منهم جماعة ،فوجدوا البلء والشدة كما كانا،
)(2
فاستمروا بمكة إلى أن هاجروا إلى المدينة.
إن إقامة شعائر الله تعالى في الرض واجب على
منعوا من هذه العبادة فلهم أن يختاروا المسلمين ،فإذا ُ
أيّ بلد يمكنهم من توحيد العبودية لله تعالى ،واختيار بلد
الحبشة كان موفقا ً بكل أبعاده على الُرغم من ركوب
البحر ،فقد وقع الختيار على بلد تحكمه شريعة النصارى
الذين عرفوا محمدا ً رسول ً بعد عيسى ،فوجدوا
العدل والنصاف وإعطاء حرية العبادة لنهم عرفوا الغاية
من هجرتهم وهو رضاء الله تعالى.
ومن خلل هذه الهجرة تتجلى رحمة النبي
بأصحابه بالسماح لهم بالهجرة ،مع حاجته إليهم في
الحماية له من العداء ،ولكنه آثر مصلحة الدعوة على ما
سواها ،فإن هجرتهم فيها الحفظ على سلمتهم ،وفيها
تبليغ الدعوة إلى بلد الحبشة.
كما يستنبط من هذه الرحلة وجود العلئق بين
النصارى والمسلمين ،وخاصة النصارى من المؤمنين
بالقرآن الكريم فإنهم كانوا يتأثرون بل يبكون ،قال الله
تعالى ﴿وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم
تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا
فاكتبنا مع الشاهدين .وما لنا ل نؤمن بالله وما جاءنا من
الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم
الصالحين﴾ ]المائدة.[83-82/
ويستفاد من تلوة سورة مريم أنها قد نزلت قبل هذه
الهجرة ،أي أن الصحابة آنذاك قد عرفوا معالم هذه
27
السورة وما فيها من الرحمات وإجابة الدعوات،
والمعجزات التي ترفع المعنويات ،وبشرى المؤمنين
بالمحبة والجنة ،وترسيخ اليمان بالله وبالبعث ،وبيان
مصير الكفار والمشركين في النار ،وكل ذلك يثّبت
المؤمنين ويزيدهم قوة تتحدى الطواغيت.
)ول ننسى هنا المرأة المسلمة التي تحملت أعباء
الضطهاد والهجرة ،جنبا ً إلى جنب مع الرجل في سبيل
الهدف الذي آمنت به ..وستتكرر هذه المواقف مرة تلو
مرة في السلم والحرب ،لكي يتبين لنا المدى الواسع
الذي أفسحه السلم للمرأة ،والمكانة العالية التي رفعها
ملها إياها ،بعدما
إليها ،والمسؤوليات الجسيمة التي ح ّ
كانت تعانيه من ضيق واحتقار وإهمال في عهود
)(1
الجاهلية(.
ومع أن نبي الرحمة بحاجة إلى من يبقى معه لحمايته
وحماية من بقي معه في مكة والذود عن الدين ،لكنه
رجح مصلحة الدعوة وحماية المؤمنين من الفتنة فأذن
لهم بالهجرتين إلى الحبشة.
المبحث الرابع :مقاطعة قريش لبني هاشم
وبني المطلب
م رسول الله ،وجماعة كثيرون لما أسلم حمزة ع ّ
وفشا السلم ،علمت قريش فساءها ذلك الحدث،
وأجمعوا على أن يتعاقدوا على بني هاشم وبني المطلب
ابني عبد مناف :أل يبايعوهم ،ول يناكحوهم ،ول يكّلموهم،
ول يجالسوهم ،حتى ُيسِلموا إليهم رسول الله .وكتبوا
بذلك صحيفة وعّلقوها في سقف الكعبة..
شعب بنو هاشم وبنو المطلب، وانحازوا إلى ال ّ
مؤمنهم وكافرهم إل أبا لهب – لعنه الله – فإنه ظاهر
قريشًا .وبقوا على تلك الحال ل يدخل عليهم أحد نحوا ً
من ثلث سنين.
28
حصرنا في الشعب قال ابن عباس رضي الله عنهماُ :
ثلث سنين ،وقطعوا عّنا الميرة حتى أن الرجل ليخرج
بالنفقة فما يباع شيئا ً حتى مات مّنا قوم.
ثم سعى في نقض تلك الصحيفة أقوام من قريش،
فكان القائم في أمر ذلك هشام بن عمرو بن ربيعة بن
سل بن عامر ح ْ
جذيمة بن مالك بن ِ حبيب بن َ
الحارث بن ُ
عدي وجماعة من مطعم بن َ بن لؤي ،مشى في ذلك إلى ُ
قريش ،فأجابوه إلى ذلك ،وأخبَر رسول الله قومه أن
ضة ،فأكلت جميع الله قد أرسل على تلك الصحيفة ال ََر َ
ما فيها إل ذكر الله عز وجل ،فكان كذلك .ثم رجع بنو
م من هاشم وبنو المطلب إلى مكة ،وحصل الصلح برغ ً
)(1
أبي جهل عمرو بن هشام.
ب ضارة نافعة ،فقد استفاد المؤمنون من نبي وُر ّ
الرحمة ومن هذا الحصار كثرة الصحبة والسماع
جمت وتقلصت ،فكان ح ّ
صلتهم الجتماعية ُ والتوجيه ،لن ِ
فيها الخير الكثير من العداد اليماني والتفقه بأمور
الدين وكثرة سماع القرآن الكريم من النبي الحكيم،
ولهذا نبغ من هؤلء الصحابة العلماء والفقهاء ،وكان
تفسير ذلك التنـزيل من أجل الفهم والعمل به ،فكان
أحيانا يبين التفسير من القرآن وهو قمة في البيان ،فقد
ح عنه أنه قال :قال الله تعالى ﴿وعنده مفاتح الغيب ص ّ
ل يعلمها إل هو﴾ ]النعام [59/مفاتح الغيب خمس ﴿إن
الله عنده علم الساعة وينـزل الغيث ويعلم ما في
الرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس
)(2
بأي أرض تموت إن الله عليم خبير﴾ ]لقمان.[34/
وهذا من قبيل بيان المكي بالمكي ،وهو مناسب
ذكره هنا في هذه الفترة المكية.
ح عن عبد الله بن مسعود قال :لما نزلت هذه وص ّ
الية ﴿الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم
المن﴾ ]النعام [82/شقّ ذلك على أصحاب رسول الله
-الفصول ص .91-90 1
29
وقالوا :أينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فقال رسول الله
":إنه ليس بذاك ،أل تسمع قول لقمان لبنه إن
)(1
الشرك لظلم عظيم".
وهكذا فقد بين للصحابة آيات اليمان وكذلك
يوضح ما أشكل عليهم في تلك الية ،كما كان يعتني
ح
بالتكرار لعطاء التعلم حقه في ترسيخ العلوم فقد ص ّ
عن أنس عن النبي كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلثا ً
)(2
حتى ُتفهم عنه.
وهذا من رحمته وصبره على تعليم أصحابه .
وخرج من الحصار وله تسع وأربعون سنة ،وبعد ذلك
بثمانية أشهر مات عمه أبو طالب ،وكان موت ُأم
)(3
المؤمنين خديجة رضي الله عنها بعده بثلثة أيام.
ففقد رسول الله خير العوان ،وهذا الحدث لم
ن دعوته بل استمر متوكل ً على الله تعالى يبلغ المانة يث ِ
بهمة وصيانة.
وفي ذلك الحدث حكمة ربانية في كمال التوكل على
الله تعالى والعتماد عليه ،والقيام بمزيد من العلئق
الجتماعية بالتزوج من القبائل والسر التي تزوج منها
نبي الرحمة .
وبعد موت ُأم المؤمنين خديجة رضي الله عنها رجع
سودة بنت زمعة المهاجرون من الحبشة ،ومن بينهم َ
رضي الله عنها وكانت ممن أسلم قديما ً ومات زوجها
السكران بن عمرو فلما حّلت خطبها رسول الله
وتزوجها) ،(4وهذا من رحمته فقد جبر خاطر هذه
الرملة ،وإن كان بإمكانه أن يتزوج من البكار ،وكانت قد
-صحيح البخاري -تفسير سورة لقمان باب "ل تشرك بالله إن 1
ص .184-183
30
خطبتها خولة بنت حكيم السلمية للنبي ،وقد وافق
والد سودة بقوله :كفء كريم).(1
المبحث الخامس :خروجه إلى الطائف
ولما اشتد البلء من قريش على رسول الله بعد
موت عمه خرج إلى الطائف ،رجاء أن يؤوه وينصروه
على قومه ،ويمنعوهم منه ،حتى يبّلغ رسالة ربه .ودعاهم
ل ،فلم ير من يؤوي ولم ير ناصرًا ،وآذوه إلى الله عّز وج ّ
أشد الذى .ونالوا منه ما لم ينل منه قومه ،وكان معه
زيد بن حارثة موله.
فأقام بينهم عشرة أيام ل يدع أحدا ً من أشرافهم إل
كلمه ،فقالوا :أخرج من بلدنا وأغروا به سفهاءهم،
سماطين ،وجعلوا يرمونه بالحجارة وبكلمات فوقفوا له ِ
من السفه .هي أشد وقعا ً من الحجارة ،حتى ُدميت
قدماه ،وزيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى أصابه شجاج في
رأسه ،فانصرف إلى مكة محزونًا.
فأرسل ربه تبارك وتعالى إليه ملك الجبال يستأمره
أن يطبق الخشبين على أهل مكة – وهما جبلها اللذان
ل الله أن يخرج هي بينهما – فقال" :بل استأني بهم ،لع ّ
ً )(2
من أصلبهم من يعبده ،ل يشرك به شيئا" .
هكذا كانت رحمته حتى بأعدائه وذرياتهم ،وكانوا إذا
طلبوا منه الستسقاء فإنه يدعو الله تعالى لهم بذلك
)(3
ويستجيب له.
وهكذا كانت رحمته في الحسان مع المشركين،
ولقد آتت ثمارها بأن رأوا صدق هذا النبي ولطفه بهم
وحنانه عليهم ،مما جعل الكثير منهم يعلنوا كلمة التوحيد
لمم بنعمة هذا الدين ،كل ذلك بفضل الخالدة وغدوا قادة ا ُ
-ينظر صحيح البخاري – كتاب بدء الخلق – باب ذكر الملئكة 2
31
القيام بحق الناس من الدعوة وطلب الخير من الله تعالى
حتى ولو كانوا مشركين ،وقد كان دعاء النبي تطبيقا ً
عمليا ً لهذا الحق الذي ترك أثره في النفوس وأبرز معجزة
نبوية في جلب الخير ودفع الشر .وفي هذا العمل يبرز
حكم شرعي في جواز الستسقاء للمشركين من أجل
الدعوة إلى الله تعالى.
ً
من خلل هذه الرحمة نتخيل لو كان حيا بين ظهورنا
ض أنفماذا يصنع بهؤلء الذين تكلموا فيه؟ فهو لم ير َ
يعاقب أولئك الذين آذوه باللسان والسنان وبالقوال
والفعال! ل شك أنه سيبّلغهم الدعوة ،وإذا استجابوا فإنه
سيشفع لهم عند الله تعالى ليدخلوا جنة عرضها
السموات والرض!
فلما نزل بنخلة في مرجعه ،قام يصلي من الليل ما
)(1
32
وتهذب ألسنتهم من الفتراء ،فينجوا من ظلمات
العتداء.
المبحث السادس :السراء والمعراج
إن قصة السراء والمعراج هي واقعة عظمى وآية
كبرى إذ فيها حصل انتقال إلى مرحلة جديدة من الريادة
العلمية والسيادة النبوية ،فهي انتقال من السماع
بواسطة جبريل إلى المشاهدة البصرية الحقيقية لرؤية
النبياء كلهم والجنة والنار وسدرة المنتهى والسماوات
السبع وخزنتها وغير ذلك من المرئيات ،ثم ارتقاء جديد
بمكالمة الله تعالى عدة مرات في فرضية الصلة
والتخفيف في عدد ركعاتها ،وانتقال إلى التعبئة اليمانية
والتزود بالحكمة والرحمة ،وبهذا نستطيع أن نقول أنه
انتقل إلى مرحلة هي :ريادة الحكماء والرحماء والعلماء،
وسيادة الرسل والنبياء بذلك التكريم العظيم ،من
المامة والتعليم ،والتكليف الشريف والتكليم الكريم لله
الحكيم العليم.
وحديث السراء والمعراج طويل ومتواتر وسأذكره
ح عنه بالتواتر أنه بطوله لما فيه من الستنباط فقد ص ّ
حجر -قال" :بينما أنا في الحطيم -وربما قال في ال ِ
مضطجعا ً إذ أتاني آت فشقّ ما بين هذه إلى هذه -يعني
به قال من ثغرة نحره إلى شعرته -فاستخرج قلبي ثم
أتيت بطست من ذهب مملوءة إيمانا فغسل قلبي ثم
حشي ثم أعيد ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار
حملت عليه فانطلق بي جبريل حتى أتى أبيض ...ف ُ
السماء الدنيا فاستفتح ،فقيل :من هذا؟ قال جبريل:
قيل :ومن معك؟ قال :محمد ،قيل :وقد أرسل إليه؟
قال :نعم ،قيل :مرحبا به فنعم المجيء جاء ،ففتح فلما
خلصت فإذا فيها آدم ،فقال :هذا أبوك آدم فسّلم عليه،
فسّلمت عليه فرد ّ السلم ،ثم قال :مرحبا ً بالبن الصالح
والنبي الصالح .ثم صعد حتى أتى السماء الثانية
فاستفتح ،قيل :من هذا؟ قال :جبريل ،قيل :ومن معك؟
قال :محمد ،قيل :وقد أرسل إليه؟ قال :نعم ،قيل:
33
مرحبا به فنعم المجيء جاء ،ففتح ،فلما خلصت إذا يحيى
وعيسى وهما ابنا الخالة ،قال :هذا يحيى وعيسى فسّلم
عليهما فسّلمت فرّدا ثم قال :مرحبا بالخ الصالح والنبي
الصالح .ثم صعد بي إلى السماء الثالثة فاستفتح ،قيل:
من هذا؟ قال :جبريل ،قيل :ومن معك؟ قال :محمد،
قيل :وقد أرسل إليه؟ قال :نعم ،قيل :مرحبا به فنعم
المجيء جاء ،ففتح فلما خلصت إذا يوسف ،قال :هذا
يوسف فسّلم عليه ،فسّلمت عليه فرد ّ ثم قال :مرحبا
بالخ الصالح والنبي الصالح .ثم صعد بي حتى أتى
السماء الرابعة فاستفتح ،قيل :من هذا؟ قال :جبريل،
قيل :ومن معك؟ قال :محمد ،قيل :أو قد أرسل إليه؟
قال :نعم ،قيل :مرحبا به فنعم المجيء جاء ،ففتح فلما
خلصت إلى إدريس قال :هذا إدريس فسّلم عليه،
فسّلمت عليه فرد ّ ثم قال :مرحبا بالخ الصالح والنبي
الصالح .ثم صعد بي حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح،
قيل :من هذا؟ قال :جبريل ،قيل :ومن معك؟ قال:
محمد ،قيل :وقد أرسل إليه؟ قال :نعم ،قيل :مرحبا
به فنعم المجيء جاء ،فلما خلصت فإذا هارون ،قال :هذا
هارون فسّلم عليه ،فسّلمت عليه فرد ّ ثم قال :مرحبا
بالخ الصالح والنبي الصالح .ثم صعد بي حتى أتى
السماء السادسة فاستفتح ،قيل :من هذا؟ قال :جبريل،
قيل :من معك؟ قال :محمد ،قيل :وقد أرسل إليه؟ قال:
نعم ،قال :مرحبا به فنعم المجيء جاء ،فلما خلصت فإذا
موسى قال :هذا موسى فسّلم عليه ،فسّلمت عليه فرد ّ
ثم قال :مرحبا بالخ الصالح والنبي الصالح ،فلما تجاوزت
بكى ،قيل له :ما يبكيك؟ قال :أبكي لن غلما بعث بعدي
يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي .ثم
صعد بي إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل ،قيل :من
هذا؟ قال :جبريل ،قيل :ومن معك؟ قال :محمد ،قيل:
وقد بعث إليه؟ قال :نعم ،قال :مرحبا به فنعم المجيء
جاء ،فلما خلصت فإذا إبراهيم قال :هذا أبوك فسّلم
عليه ،قال :فسّلمت عليه فرد ّ السلم وقال :مرحبا
34
سدرةبالبن الصالح والنبي الصالح .ثم ُرفعت لي ِ
جر ،وإذا ورقها مثل آذانالمنتهى فإذا نبقها مثل ِقلل هَ َ
سدرة المنتهى ،وإذا أربعة أنهار نهران الفيلة ،قال :هذه ِ
باطنان ونهران ظاهران ،فقلت :ما هذان يا جبريل؟ قال:
أما الباطنان فنهران في الجنة ،وأما الظاهران فالنيل
والفرات .ثم ُرفع لي البيت المعمور يدخله كل يوم
سبعون ألف ملك ،ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن
وإناء من عسل ،فأخذت اللبن ،فقال :هي الفطرة أنت
عليها وأمتك ثم فرضت علي الصلوات خمسين صلة كل
يوم ،فرجعت فمررت على موسى فقال :بم أمرت؟
قال :أمرت بخمسين صلة كل يوم ،قال :أمتك ل
تستطيع خمسين صلة كل يوم ،وإني والله قد جربت
الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة ،فارجع
إلى ربك فاسأله التخفيف لمتك ،فرجعت فوضع عني
عشرا ،فرجعت إلى موسى فقال مثله ،فرجعت فوضع
عني عشرا ،فرجعت إلى موسى فقال مثله ،فرجعت
فوضع عني عشرا ،فرجعت إلى موسى فقال مثله،
فرجعت فأمرت بعشر صلوات كل يوم ،فرجعت فقال
مثله ،فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم ،فرجعت
إلى موسى فقال :بما أمرت؟ قلت :أمرت بخمس
صلوات كل يوم ،قال :إن أمتك ل تستطيع خمس صلوات
كل يوم ،وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني
إسرائيل أشد المعالجة ،فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف
لمتك ،قال :سألت ربي حتى استحييت ولكن أرضى
وأسلم ،قال :فلما جاوزت نادى مناٍد :أمضيت فريضتي
)(1
وخففت عن عبادي.
ويستنبط من الحديث أنه لم يتوقف عند السماء
السابعة ورؤية البيت المعمور بل ارتقى إلى أعلى فرأى
من آيات ربه الكبرى ،سدرة المنتهى ،وشجرة الزقوم،
وفتحت له أبواب الجنة ،ورأى النار وما فيها من الفجار،
35
ورأى نهر الكوثر وما فيه من قباب لؤلؤية ،واستمر
الرتقاء إلى مستوى سمع فيه صريف أقلم الملئكة
وأشياء لم يقدر أن يصفها لما فيها من العجائب ،قال
تعالى ﴿إذ يغشى السدرة ما يغشى﴾]النجم ،[18/وثبت
عنه في بيان ذلك أنه قال" :فراش من ذهب") ،(1ثم
بلغ التشرف بمكالمة الله تعالى والحوار في فرضية
الصلة وتخفيفها مما جعل الحوار متكررا ً ومتقطعا ً إذ بلغ
تسع أو بضع مرات حين فرض الله تعالى الصلة خمسين
ثم لما نزل إلى السماء السادسة ،رأى موسى فسأله
ثم نصح بالتخفيف ،فرجع النبي إلى ربه يسأله
التخفيف ،وهكذا تكرر المر بالتخفيف عشرا ً عشرا ،وفي
رواية خمسا ً خمسا ً) (2حتى وصلت إلى خمسة فروض
في اليوم ،وهكذا التكرار جعل النبي يمّر بالسماء
السابعة وما فوقها تسع مرات أو بضع مرات حسب
التخفيف .وهذا الذهاب والياب من السماء السادسة إلى
ما شاء الله تعالى طلبا ً للتخفيف لهو أمر شديد على نبي
الرحمة ،ولكنه مضى بسؤال ربه التخفيف رحمة
مة ،وهذا أيضا ً يدل على رحمة موسى بنا. ُ
بال ّ
ويستنتج من هذا أن مشاهداته لهذه الماكن زاده من
المعلومات ورؤيتها رأي العين ،وهذا المر نقل العلم
النبوي من أقوال يسمعها من جبريل إلى مشاهدات رآها
رأي العين ،فيتعين معرفة المصدر الثاني وهو المشاهدة
بالضافة إلى المصدر الول وهو :السماع من جبريل .
وقد روى من هذه المشاهدات أحاديث كثيرة
وخصوصا ًَ في صفة الجنة والنار وما فيهما من العجائب
صلوالغرائب ،ومنها هذه الرحلة الفضائية ،فقد ف ّ
الروايات فيها تفصيل ً دقيقا ً وثبتها في أذهان الصحابة
تثبيتا ً حتى سمعه منه عشرات الصحابة فغدت الرواية
متواترة مشهورة.
-21صحيح مسلم - 1/157كتاب اليمان -باب في ذكر سدرة
المنتهى ح .173
-12صحيح مسلم - 1/157كتاب اليمان -باب في ذكر سدرة
المنتهى ح .162
36
ونستنتج أن السموات السبع متصلة بعضها فوق
بعض ،وأن الدخول إلى السماء السابعة من السماء
السادسة ،وهكذا الدخول إلى السماء السادسة من
الخامسة وهكذا في البقية الدخول من السماء التي تحت
الخرى .إنها رحلة تعليم وتكريم من العليم الكريم.
ويستنبط أيضا ً أن النبي اجتمعت له ثلثة مصادر
لتلقي علوم الوحي وأخبار هذه الرحلة ،وهي مكالمة من
الله تعالى عدة مرات ،وسؤالته لجبريل ،ومشاهدته
للتهاويل.
ويستنتج من حوار النبي والنبياء وجبريل مع
الخزنة أن الملئكة والنبياء كّلهم لهجوا باللغة العربية
ومنها قول آدم " :مرحبا ً بالنبي الصالح والبن
الصالح" ،وكذلك تحية النبياء ودعاؤهم للنبي .
شر أصحابه بما رأى تثبيتا ًول شك أن نبي الرحمة ب ّ
لهم وتطييبا ً لخواطرهم ورحمة بهم وحبا لهم ،فإن ما رآه
ً
يرفع المعنويات فتسهل العقبات.
ولما أصبح رسول الله من نومه أخبرهم بما أراه
الله من آياته الكبرى ،فاشتد تكذيبهم له وأذاهم
واستجراؤهم عليه .وجعل رسول الله يعرض نفسه
على القبائل أيام الموسم ويقول":من رجل يحملني إلى
قومه فيمنعني حتى أبلغ رسالة ربي!؟ فإن قريشا ً قد
منعوني أن أبلغ كلم ربي" فأتاه رجل من همدان فقال:
"ممن أنت؟" فقال الرجل :من همدان .قال" :فهل عند
قومك منعة؟" قال :نعم .ثم إن الرجل خشي أن ُيخفره
قومه ،فأتى رسول الله فقال :آتيهم فُأخبرهم ،ثم
آتيك من عام قابل .قال" :نعم" .فانطلق وجاء وفد
)(1
النصار في رجب.
المبحث السابع :بيعة العقبة الولى والثانية
-ينظر :الفصول ص ،95-93وينظر الخلصة ،1/269 1
37
ثم إن رسول الله لقي عند العقبة في الموسم
نفرا ً من النصار ،كّلهم من الخزرج ،وهم :أبو ُأمامة بن
زرارة بن عدس ،وعوف بن الحارث بن رفاعة ،وهو ابن
عفراء ورافع بن مالك بن العجلن ،وقطبة بن عامر بن
عقبة بن عامر بن نابي ،وجابر بن عبد الله بن حديدة ،و ُ
رئاب ،فدعاهم رسول الله إلى السلم ،فأسلموا
مبادرة إلى الخير ،ثم رجعوا إلى المدينة ،فدعوا إلى
السلم ،ففشا السلم فيها ،حتى لم تبق دار إل وقد
دخلها السلم.
فلما كان العام المقبل ،جاء منهم اثنا عشر رج ً
ل:
الستة الوائل خل جابر بن عبدالله بن رئاب ،ومعهم:
معاذ بن الحارث بن رفاعة ،أخو عوف المتقدم ،وذكوان
بن عبد ُ قيس بن خلدة -وقد أقام ذكوان هذا بمكة حتى
هاجر إلى المدينة ،فيقال :إنه مهاجري أنصاري -وعبادة
بن الصامت بن قيس ،وأبو عبد الرحمن يزيد بن ثعلبة،
فهؤلء عشرة من الخزرج ،واثنان من الوس وهما :أبو
الهيثم مالك بن التيهان ،وعويم بن ساعدة .فبايعوا
رسول الله كبيعة النساء ،ولم يكن أمر القتال بعد.
فلما انصرفوا إلى المدينة ،بعث معهم رسول الله
عمرو بن ُأم مكتوم ،ومصعب بن عمير ،يعلمان من
ل ،فنزل أسلم منهم القرآن ،ويدعوان إلى الله عّز وج ّ
على أبي ُأمامة أسعد بن زرارة ،وكان مصعب بن عمير
مع بهم يوما ً بأربعين نفسًا ،فأسلم على يؤمهم ،وقد ج ّ
يديهما ُأسيد بن حضير ،وسعد بن معاذ ،وأسلم بإسلمهما
يومئذ جميع بني عبد الشهل ...وكثر السلم بالمدينة
وظهر ،ثم رجع مصعب إلى مكة ،ووافى الموسم ذلك
العام خلق كثير من النصار من المسلمين والمشركين،
وزعيم القوم البراء بن معرور.
ّ
فلما كانت ليلة العقبة – الثلث الول منها -تسلل إلى
رسول الله ثلثة وسبعون رجل ً وامرأتان ،فبايعوا
رسول الله خفية من قومهم ومن كفار مكة ،على أن
يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم .وكان أول من
38
بايعه ليلتئذ البراء بن معرور ،وكانت له اليد البيضاء ،إذ
أكد العقد وبادر إليه.
كدا ً للبيعةم رسول الله موّثقا ً مؤ ّ وحضر العباس ع ّ
مع أنه كان على دين قومه ،واختار رسول الله منهم
تلك الليلة اثني عشر نقيبًا ...فلما تمت هذه البيعة
استأذنوا رسول الله أن يميلوا على أهل العقبة فلم
يأذن لهم في ذلك ،بل أذن للمسلمين بعدها من أهل
)(1
مكة في الهجرة إلى المدينة ،فبادر الناس إلى ذلك.
ول شك أن أصحاب هاتين البيعتين قد حظوا بسماع
القرآن الكريم الذي نزل على النبي الحكيم في مكة
المكرمة ،ونالوا قسطا ً من البيان والحكمة والفقه،
ليعرفوا مرامي هذا الدين العظيم فيبلغوا أقوامهم.
وقد ذكر أهل السير أن النبي قد قرأ عليهم
القرآن ،وذكروا أيضا ً أن مصعب بن عمير قرأ سورة
الزخرف على سعد بن معاذ ثم أسلم).(2
ويستنتج من ذلك أن مصعب بن عمير قد سمع هذه
السورة وفهم معانيها ومراميها ،فهي تستهل بإثبات
صدق الرسالة وصدق هذا القرآن ،ودلئل قدرة الله ج ّ
ل
وعل ووحدانيته ،منبثة في هذا الكون الفسيح ،في سمائه
وأرضه ،وفي جباله ووهاده ،وفي بحاره وأنهاره ،وفي
الماء الهاطل من السماء ،والفلك التي تسير على سطح
الماء ،والنعام التي سخرها؛ لتصحيح النحرافات
العقدية ،ورد ّ النفوس إلى الفطرة وإلى الحقائق،
وعرضت السورة لقصة إبراهيم الخليل الذي زعم
المشركون أنهم على ملته ،وأن متاع الدنيا زائل والعاقبة
للمتقين ،وتذكر السورة الكريمة قصة موسى مع
مافرعون ،وقد وردت في سياق تسلية الرسول ع ّ
يعترض به المعترضون من كبراء قومه على اختياره
للرسالة ،وتتحدث السورة الكريمة عن الشقياء
39
المجرمين ،وهم في غمرات جهنم يستغيثون
ويستصرخون فل يجابون ،وتختم السورة الكريمة ببيان
عظمة الله وجلله ،وأنه الخالق الذي ل سلطان ول
شفاعة لحد إل بإذنه .كل هذه المقاصد كانت تطرق
مسامعهم وتجول في عقولهم ،فيزداد اليمان وتقوى
النفوس والقلوب.
ويستفاد من هذه القصة رحمته بأهل هذه البيعة
وبأعدائه ،فإنه لم يوافق أصحاب البيعة على قتال العداء
لعلهم يهتدون أو تهتدي ذرياتهم ،وكذلك أنه لم يأذن الله
تعالى بذلك.
المبحث الثامن :هجرة رسول الله
إن مفارقة الوطن والهل أمر عسير على النفس
البشرية التي تعودت على نمط الحياة المستقرة ،ولكن
المر الرباني فوق ذلك كله؛ لنه سبحانه وتعالى أعلم
بالمصالح والنتائج ،فقد أمر نبيه بالهجرة إلى المدينة
التي كان اسمها )يثرب( ،وقد استجاب نبي الحكمة لهذا
المر الحكيم ،واستخدم التمويه إذ اتجه إلى غار جبل ثور
ل ،ثم نزل منهالذي يقع جنوب مكة المكرمة بعشرين كي ً
متجها ً إلى المدينة الواقعة شمال مكة المكرمة.
وقد أعد ّ أبو بكر جهازه وجهاز رسول الله ،
منتظرا ً حتى يأذن الله عز وجل لرسوله في الخروج.
فلما كانت ليلة هم المشركون بالفتك برسول الله ،
وأرصدوا على الباب أقوامًا ،إذا خرج عليهم قتلوه ،فلما
خرج عليهم لم يره منهم أحد ...فخرجا من خوخة في
ل ،وقد استأجرا عبد الله بن ُأريقط ،وكان دار أبي بكر لي ً
هاديا ً خريتًا ،ماهرا ً بالدللة إلى أرض المدينة ،وأمناه على
ذلك مع أنه كان على دين قومه ،وسّلما إليه راحلتيهما،
وواعداه غار ثور بعد ثلث ،فلما حصل في الغار أعمى
الله على قريش خبرهما ،فلم يدروا أين ذهبا.
وكان عامر بن فهيرة ،يريح عليهما غنما ً لبي بكر،
وكانت أسماء بنت أبي بكر تحمل لهما الزاد إلى الغار،
وكان عبد الله بن أبي بكر يتسمع ما يقال بمكة ثم يذهب
40
إليهما بذلك فيحترزان منه .وجاء المشركون في طلبهما
إلى ثور ،وما هناك من الماكن ،حتى إنهم مروا على باب
مى الغار ،وحاذت أقدامهم رسول الله وصاحبه ،وع ّ
الله عليهم باب الغار ...ولما كان بعد الثلث أتى ابن
ُأريقط بالراحلتين فركباهما ،وأردف أبو بكر عامر ابن
فهيرة وسار ابن ُأريقط أمامهما على راحلته.
وجعلت قريش لمن جاء بواحد من محمد وأبي
صر بهم بكر مائة من البل ،فلما مّروا بحي مدلج ،ب َ ُ
سراقة بن مالك بن جعشم سيد مدلج ،فركب جواده
وسار في طلبهم ،فلما قرب منهم سمع قراءة النبي ،
وأبو بكر يكثر اللتفات حذرا ً على رسول الله ،وهو
ل يلتفت ،فقال أبو بكر :يا رسول الله هذا سراقة بن
مالك قد رهقنا .فدعا عليه رسول الله فساخت يدا
فرسه في الرض فقال :رميت ،إن الذي أصابني
ي أن أرد ّ الناس بدعائكما ،فادعوا الله لي ،ولكما عل ّ
عنكما ،فدعا له رسول الله فأطلق ،وسأل رسول
الله أن يكتب له كتابًا ،فكتب له أبو بكر في أدم،
ورجع يقول للناس :قد كفيتم ما ههنا .وقد جاء مسلما ً
عام حجة الوداع ودفع إلى رسول الله الكتاب الذي
كتبه له ،فوّفى له رسول الله بما وعده وهو لذلك
أهل .ومّر رسول الله في مسيره ذلك بخيمة ُأم معبد
ل عندها ،ورأت من آيات نبوته في الشاة وحلبها لبنا ً قا َ
ف َ
)(1
مجدبة ما بهر العقول. ً
كثيرا في سنة ُ
ُ
إن استئجار عبد الله بن أريقط وهو من المشركين
علم منه ذلك ،وهذه يدل على ثقة النبي بالخر إذا ُ
من ُ
هي الحكمة في التعامل مع الخر وتبادل المنافع إذا أ ِ
جانبه.
وفي قصة الهجرة رحمة النبي بأبي بكر في
النبي ،وتذكيره بأن تخفيف همومه ،وخوفه على
الله تعالى معهم وحافظهم.
41
وقد كان بلغ النصار مخرجه من مكة وقصده إياهم،
فكانوا كل يوم يخرجون إلى الحّرة ينتظرونه ،فلما كان
يوم الثنين الثاني عشر من ربيع الول على رأس ثلث
عشرة سنة من نبوته وافاهم رسول الله حين
اشتد الضحى ،وكان قد خرج النصار يومئذ ،فلما طال
صر به رجل من عليهم رجعوا إلى بيوتهم ،وكان أول من ب َ ُ
-وكان على سطح أطمة -فنادى بأعلى صوته: اليهود
يا بني قيلة هذا جدكم الذي تنتظرون! فخرج النصار في
سلحهم وحيوه بتحية النبوة.
ونزل رسول الله بقباء على كلثوم بن الهدم،
وقيل :بل على سعد بن خيثمة ،وجاء المسلمون يسلمون
على رسول الله ،وأكثرهم لم يره بعد ،وكان بعضهم
أو أكثرهم يظنه أبا بكر لكثرة شيبه ،فلما اشتد الحر قام
أبو بكر بثوب يظلل على رسول الله فتحقق الناس
)(1
حينئذ رسول الله الصلة والسلم.
ص .97-96
42
ل :رحمته في وضع معاهدة لكل سكان المدينة أو ً
بمختلف مللهم تضمن حقوق الجميع ،وتمنع العتداء بين
هذه الملل ،بل وتمنع الظلم فيما بين الملة الواحدة كما
سيأتي تفصيله في الباب الثاني في رحمته في حل
المشكلت.
ثانيًا :حكمته في موافقته لهل الكتاب:
بما أن أهل الكتاب هم من أرباب الديان السماوية
ح أن النبي كان يحب موافقتهم في كثير من فقد ص ّ
)(1
المور إل فيما لم يؤمر فيه بشيء.
كذلك كان متواضعا ً للنبياء ومتوافقا معهم ،فقد ص ّ
ح ً
عنه أنه قال" :مثلي ومثل النبياء كرجل بنى دارا ً فأكملها
وأحسنها إل موضع لبنة ،فجعل الناس يدخلونها ويتعجبون
)(2
ويقولون :لول موضع اللبنة".
في هذا الحديث ذكر جهود النبياء في الدعوة ،وصلته
بهم وسيره على عقيدتهم.
ثالثًا :رحمته في التخفيف عن فقراء أهل الذمة:
وقد عقد المام ابن قيم الجوزية فصل ً بعنوان )ذكر
أحكام أهل الذمة في أموالهم( ثم قال :أما أموالهم التي
يتجرون بها في المقام أو يتخذونها للقنية فليس عليهم
فيها صدقة فإن الصدقة طهرة ...وأما زروعهم وثمارهم
التي يستغلونها من أرض الخراج فليس عليهم فيها غير
)(3
الخراج.
وأما بالنسبة للجزية فقد سقطت عن ضعفائهم
وغيرهم من الذين ذكرهم المام أبو يوسف في كتابه
إلى أمير المؤمنين هارون الرشيد إذ قال:
ول تؤخذ الجزية من المسكين الذي يتصدق عليه ،ول
ي يتصدق عليه من أعمى ل حرفة له ول عمل ،ول من ذم ّ
من إذا كان لهما يسار أخذ ول من مقعد .والمقعد والز ِ
منهما وكذلك العمى.
-2 1أخرجه البخاري بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما
) الصحيح –المناقب -باب صفة النبي ح .(3558
-1 2المصدر السابق -باب خاتم النبيين ح . 3534
- 23أحكام أهل الذمة .1/108
43
وكذلك المترهبون الذين في الديارات إذا كان لهم
يسار ُأخذ منهم ،وإن كانوا إنما هم مساكين يتصدق
عليهم أهل اليسار منهم لم يؤخذ منهم ،وكذلك أهل
الصوامع إن كان لهم غني ويسار ،وإن كانوا قد صيروا ما
كان لهم لمن ينفقه على الديارات ومن فيها من
المترهبين والقوام ُأخذت الجزية منهم يؤخذ بها صاحب
الدير ،فإن أنكر صاحب الدير الذي ذلك الشيء في يده،
وحلف على ذلك بالله وبما يحلف به مثله من أهل دينه
)(1
ما في يده شيء من ذلك ترك ولم ُيؤخذ منه شيء.
وفي اعتماد المسلمين هذا الحلف من أهل الذمة
تتجلى الثقة فيهم وحسن الظن بهم.
44
ومن لطفه فإنه كان يزور كنيسة اليهود يوم عيدهم
ح عن عوف بن مالك ومعه بعض أصحابه ،فقد ص ّ
الشجعي ،قال :انطلق النبي وأنا معه حتى دخلنا
)(1
كنيسة اليهود بالمدينة يوم عيدهم.
وفي هذا الحديث تطبيق عملي لبيان جواز مثل هذه
الزيارة لجل الدعوة إلى الله تعالى.
سادسًا :رحمته في موتى أهل الكتاب:
مما تقدم تبين منهاجه ورحمته ورفقه مع اليهود،
ولم يقتصر على ذلك بل حتى بعد موت اليهود ،ولقد
تركت هذه السنة آثارها في الصحابة في احترام اليهود
في موتهم أيضًا.
فقد ثبت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال :كان
سهل بن حنيف وقيس بن سعد قاعدين فمّروا عليهما
بجنازة فقاما ،فقيل لهما :إنهما من أهل الرض -أي من
أهل الذمة -فقال :إن النبي مرت به جنازة فقام.
فقيل له :إنها جنازة يهودي .فقال" :أليست نفسًا؟".
ح عن جابر عبد الله قال :مر بنا جنازة فقام لها وص ّ
النبي وقمنا فقلنا :يا رسول إنها جنازة يهودي فقال:
)(2
"إذا رأيتم الجنازة فقوموا".
قال الحافظ ابن حجر :واستدل بحديث الباب على
جواز إخراج جنائز أهل الذمة نهارا ً غير متميزة عن جنائز
)(3
المسلمين.
ول غرابة إنه دين السلم الذي يحترم النفس في
حياتها وموتها ول يفرق في حق المسلمين ول في حق
أهل الكتاب.
45
هكذا أرسى النبي مثل هذه الدعائم في رحمته
بأهل الكتاب حتى عند الممات حتى ل يظن بعضهم أن
المصالح والعلقات الشخصية تقتضي حسن التعامل مع
الحياء منهم بل كان المر فوق ذلك إذ أحسن التعامل
مع الموات منهم أيضًا.
سابعًا :رحمته في تعامله مع القليات:
لقد أبرم معاهدات مع وفد نجران ،ومع مجوس هجر
وتبالة وجرش) ،(1ومع بعض القبائل العربية كما سيأتي
في العهد المدني ،وقد حدد حقوق الجوار لكل طرف.
قال المستشرق الفرنسي مارسيل بوازار :حاول
السلم منذ القرن السابع للميلد أن يقدم حل ً لمشكلة
القليات فريدا ً من نوعه .وتستحق جماعة غير المسلمين
على أرض السلم أن ُتتناول بالتحليل ,لنه ثبت أنها نهج
)(2
ل مثيل له.
قال المستشرق المريكي أدوين كالغرلي :احتفظ
المسلمون للقليات غير المسلمة في البلد التي فتحوها
)(3
بحقوقهم وامتيازاتهم الدينية.
ثامنًا :أمره بالتيسير :وذلك عندما أرسل أبا
موسى الشعري ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما
وأوصاهما بقوله الحكيم" :يسروا ول تعسروا وبشروا ول
تنفروا").(4
هذا في حالة السلم ،أما في حالة الحرب فإن رحمته
تتجلى في كثير من المور منها ما يلي:
ل :النهي عن قتل النساء والصبيان في أو ً
الغزو:
لقد حرم الله تعالى العتداء حتى في الحرب فقال
تعالى ﴿وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ول
تعتدوا] ﴾...البقرة [190/واستجاب النبي لهذا المر،
46
وبين تحريم قتل النساء والصبيان ،حيث ثبت عن ابن
عمر رضي الله عنهما قال" :وجدت امرأة مقتولة في
بعض مغازي رسول الله ،فنهى رسول الله عن
)(1
قتل النساء والصبيان".
قال النووي :أجمع العلماء على العمل بهذا الحديث
وتحريم قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا ،فإن قاتلوا
)(2
قال جماهير العلماء يقتلون.
ثانيًا :تحريم التمثيل بالمقتولين المحاربين:
ومن آداب السلم وحقوق النسان في الحرب
تحريم التمثيل بمن سقط قتيل ً أو جريحا ً على يد
ح عن المسلمين ،حيث نهى النبي عن ذلك كما ص ّ
بريدة مرفوعًا" :اغزوا باسم الله في سبيل الله قاتلوا
من كفر بالله ،اغزوا ول تغّلوا ول تغدروا ول تمثلوا ول
ً )(3
تقتلوا وليدا".
ثالثًا :الترهيب من التعذيب:
وثبت عن هشام بن حكيم بن حزام قال :مّر بالشام
ب على رؤوسهم على أناس وقد أقيموا في الشمس وص ّ
الزيت ،فقال :ما هذا؟ قيل :يعذبون في الخراج .فقال:
أما إني سمعت رسول الله يقول" :إن الله يعذب
)(4
الذين يعذبون في الدنيا".
والخراج :قال الزهري :الخراج اسم لما يخرج من
الفرائض في الموال ...ويقع على الفيء ويقع على
)(5
الجزية.
1
) -2الصحيح 6/148ح - 3015ك الجهاد ،ب قتل النساء في
الحرب( .وأخرجه مسلم )الصحيح 3/1364ح - 1744ك
الجهاد ،ب تحريم قتل النساء والصبيان(.
-32شرح النووي على صحيح مسلم .12/48
-43صحيح مسلم – كتاب الجهاد ،ب 2ح .1731
4
-5صحيح مسلم -كتاب البر -باب الوعيد الشديد لمن عذب
الناس بغير حق 4/2017ح .2613
-15تهذيب اللغة .7/47
47
قال النووي :هذا محمول على التعذيب بغير حق ،فل
يدخل فيه التعذيب بحق كالقصاص والحدود والتعزير
)(1
ونحو ذلك.
رابعًا :أمان السير إذا أسلم:
قال المام الجصاص :اتفق فقهاء المصار على جواز
قتل السير ل نعلم بينهم خلفا ً فيه) ،(2وذكر الجماع ابن
حزم) ،(3وابن رشد ) .(4ولكن يستثنى من هذا الحكم إذا
أسلم السير فإنه يحرم قتله ،فقد ثبت عن النبي أنه
ت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ل إله إل قال" :أمر ُ
الله ويؤمنوا بي وبما جئت به ،فإذا فعلوا ذلك عصموا
مني دماءهم وأموالهم إل بحقها وحسابهم على الله" .
)(5
48
وترّدوا عليها الذي لها فافعلوا" قالوا :نعم يا رسول الله،
)(1
ورّدوا عليه الذي لها.
وفي هذا الحديث الكريم التطبيق العملي لحق فداء
السير والتلطف مع السرى الذي يبين حكما ً شرعيا ً في
جواز أخذ الفداء لطلق سراح السرى ،وفيه أيضا ً أنه ل
محسوبية ول منسوبية في السياسة النبوية مع المحاربين
حتى لو كانوا من القربين كما رأينا في فداء زوج ابنة
رسول الله زينب رضي الله عنها ،وذلك بعد ما دفعت
م
الحق المطلوب منها ،وكذلك الحال للسرى من أبناء ع ّ
النبي فكان التعامل يتم بالسواسية.
خامسًا :حق السير والحربي في حرز ماله
إذا أسلم:
عيلة أن قوما ح عن صخر بن َ وثبت هذا الحق فيما ص ّ
من بني سليم فّروا عن أرضهم حين جاء السلم
فأخذُتها ،فأسلموا فخاصموني فيها إلى النبي ،فرّدها
)(2
عليهم وقال :إذا أسلم الرجل فهو أحق بأرضه وماله.
وقد ذهب الجمهور إلى أن الحربي إذا أسلم طوعا
كانت جميع أمواله في ملكه ،ول فرق بين أن يكون
إسلمه في دار السلم أو دار الكفر على ظاهر الدليل.
سادسًا :أمان الرسل:
ن النبي هذا الحق ومضت هذه السنة إلى يومنا س ّ
هذا ،كما هو معروف في العلقات الدولية ،وهذا القرار
ح عنالحكيم هو تمهيد إلى الصلح والمفاوضات ،وص ّ
1
-1أخرجه الحاكم في )المستدرك - 3/324ك معرفة الصحابة(
وقال :صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ،ووافقه الذهبي .وله
شاهد نختصر بنحوه ،وأخرجه الطبراني )المعجم الكبير 11/171ح
.(11398وعزاه الهيثمي للطبراني في الوسط والكبير وقال:
رجال الوسط رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع
)مجمع الزوائد ،(7/28وأخرجه الطبري بسنده الحسن من طريق
علي بن أبي طلحة عن ابن عباس .وأصل الحديث في )سنن أبي
داود ح -2692ك الجهاد ،ب فداء السير بالمال ،وحسنه اللباني
في )صحيح أبي داود ح .(2341
2
-2أخرجه المام أحمد في المسند 31/70ح 18778وكما
تقدم عن الحافظ ابن حجر أن رجاله موثقون ويشهد له ما
تقدم في شرح الحديث أن النبي أقر عقيل ً على تصرفه
فيما كان لخويه علي وجعفر.
49
ُنعيم بن مسعود الشجعي قال :جاء ابن النواحة وابن
أثال رسول مسيلمة إلى النبي فقال لهما :أتشهدن
أني رسول الله؟ قال :نشهد أن مسيلمة رسول الله
فقال رسول الله :آمنت بالله ورسوله لو كنت قاتل ً
رسول ً لقتلتكما.
سّنة رواه المام أحمد وقال ابنه عبد الله :فمضت ال ُ
)(1
أن الرسل ل تقتل.
وهذا الحديث صريح في تحريم قتل الرسل حتى لو
أعلنوا الكفر جهارا ً نهارًا .وفي ذلك قمة السماحة
والمرونة السياسية في السلم ،لن هذا الرسول الذي
أعلن كفره هو وسيط لبرام معاهدات وعقد صلح وغير
ذلك .وهذه السنة النبوية الفعلية للعلقات الدولية جاءت
لتطبيق هذا الحق الذي ل زال قائما في العراف
الدولية .إنها دراسة السياسة .هكذا كانت رحمة نبي
الحكمة .
قال الستاذ الهندي بيجي رودريك :قوانين الحرب في
السلم تعتبر أكثر القوانين إنسانية ورأفة ،فهي تضمن
السلمة التامة للنساء والولدان والشيوخ وجميع غير
المحاربين فليس هناك في نظر السلم أبشع من جريمة
قصف المستشفيات والمدارس وأماكن العبادة ومساكن
المدنيين في المنطقة المعادية .وإنما يجعل السلم لهذه
)(2
المرافق النسانية قدسيتها ويحذر من المساس بها.
هذا وإن كثيرا ً من الغزوات لم يقع فيها قتال ،وإنما
ح عن ُبريدة السلمي قال :غزا كان صلحًا ،فقد ص ّ
)(3
رسول الله تسع عشرة غزوة قاتل في ثمان منهن.
ن كما قال موسى بن عقبة :بدر ثم أحد ثم الحزاب وه ّ
حنين ثم الطائف .ذكره ثم المصطلق ثم خيبر ثم مكة ثم ُ
الحافظ ابن حجر ثم قال :وأهمل غزوة بني قريظة لنه
رقم .(146
50
مها إلى الحزاب ،لكونها كانت في إثرها (1) .وهذا العدد ض ّ
)(4 )(3 )(2 ً
ذكره أيضا ابن إسحاق ،وابن سعد ،وابن حزم .
ولكي نقف على المنهاج النبوي الحكيم الرحيم في
العهد المدني نستعرض أهم أعمال وحوادث كل سنة كما
في المباحث التالية:
المبحث الول :أهم أعمال وحوادث السنة
الولى للهجرة
لما أقام رسول الله بقباء أياما ً وأسس مسجد
قباء ،ثم ركب بأمر الله تعالى فأدركته الجمعة في بني
سالم بن عوف فصلها في المسجد الذي في بطن
رانونا) ،(5ورغب إليه أهل تلك الدار أن ينـزل عليهم،
فقال":دعوها فإنها مأمورة" فلم تزل ناقته سائرة به ل
تمّر بدار من دور النصار إل رغبوا إليه في النزول عليهم،
فيقول" :دعوها فإنها مأمورة" .فلما جاءت موضع
مسجده اليوم بركت ،ولم ينزل عنها حتى نهضت
وسارت قليل ً ثم التفتت ورجعت فبركت موضعها الول،
فنـزل عنها ،وذلك في دار بني النجار ،فحمل أبو
أيوب رحل رسول الله إلى منـزله.
واشترى رسول الله موضع المسجد ،وكان مربدا ً
ليتيمين ،وبناه مسجدًا ،فهو مسجده الن ،وبني لل
رسول الله الودائع التي كانت عنده وغير ذلك ،ثم
)(6
لحق برسول الله .
من بالمدينة من اليهود ،وكتبووادع رسول الله َ
بذلك كتابا ً) ،(7وأسلم حبرهم عبد الله بن سلم ،وكانوا
ثلث قبائل :بنو قينقاع ،وبنو النضير ،وبنو قريظة .وآخى
-فتح الباري .7/281 1
5
-هو الوادي الذي بجوار مسجد الجمعة ،الواقع بالقرب من
مسجد قباء )ينظر معجم البلدان .(3/19
-ينظر الفصول ص .105-104 6
-وأما الكتاب الذي ذكره الحافظ ابن كثير فهو المعاهدة 7
51
رسول الله بين المهاجرين والنصار ،فكانوا يتوارثون
بهذا الخاء في ابتداء السلم إرثا ً مقدما ً على القرابة.
وفرض الله سبحانه وتعالى إذ ذاك الزكاة رفقا ً
)(1
بفقراء المهاجرين.
وفيها بنى بعائشة رضي الله عنها ،وهي الزوجة
الثالثة بعد سودة رضي الله عنها.
وأمر فيها بالذان للصلة ،وِزيد في صلة الحضر
صفة المسجد، ركعتين ،فصارت أربع ركعات ،ونزل أهل ال ّ
وكانت مكانا ً في المسجد ينـزل فيه فقراء المهاجرين
الذين ل أهل لهم ول ومال) .(2وفيها أرسل سرية
حمزة بن عبد المطلب ،وسرية عبيدة بن الحارث بن
)(3
عبدالملك.
دموتتجلى رحمته في مراعاة مستقبليه فلم ُيق ّ
ل قد جعل أحدا ً على آخر ،وإنما أخبرهم أن الله عّز وج ّ
الناقة تبرك حيث ُأمرت.
صفة فقد كان يتفقدهم وكذلك عنايته ورعايته بأهل ال ّ
في طعامهم وكسائهم.
ً ً
حجرات قريبا جدا حتى أن الغلم وقد كان سقف ال ُ
ح عن الحسن البصري يصل إليه إذا مد ّ يده إليه ،وص ّ
ت أدخل بيوت أزواج النبي في خلفة عثمان قال :كن ُ
)(4
بن عفان فأتناول سقفها بيدي.
حجرات وقد وصف لنا التابعي داود بن قيس تلك ال ُ
المتواضعة فقال :رأيت الحجرات من جريد النحل،
مغشي من خارج بمسوح الشعر ،وأظن عرض البيت من
باب الحجرة إلى باب البيت نحوا ً من ست أو سبع أذرع،
وأحزر البيت الداخل عشر أذرع ،وأظن سمكه بين
الثمان والسبع نحو ذلك ،ووقفت عند باب عائشة فإذا هو
-ينظر :الفصول ص ،106-105ومختصر سيرة الرسول 1
ص .100
ً
-وموضع جلوسهم ل زال معروفا يقع شمال الحجرات. 2
3
-ينظر :تلقيح فهوم أهل الثر ص ،44-43والبداية والنهاية
،234-3/209ومختصر سيرة الرسول . 100-101
4
-أخرجه البخاري في الدب المفرد ح ،450وصححه اللباني
في صحيح الدب المفرد ح .351
52
حجرات المتواضعة موعظة
مستقبل المغرب (1).هذه ال ُ
هدمت الحجرات.
للبشرية ،لقد بكى بعض التابعين حين ُ
المبحث الثاني :أهم أعمال وحوادث السنة
الثانية
ولما استقر رسول الله في المدينة وأيده الله
بنصره وبالمؤمنين ،وأّلف بين قلوبهم بعد العداوة،
ومنعته أنصار الله من الحمر والسود :رمتهم العرب
واليهود عن قوس واحد ،وشمروا لهم عن ساق العداوة
والمحاربة ،والله يأمر رسوله والمؤمنين بالكف والعفو
والصفح ،حتى قويت الشوكة ،فحينئذ أذن لهم في
القتال ،ولم يفرضه عليهم ،فقال تعالى ﴿ُأذن للذين
يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير﴾ ]الحج/
)(2
[39وهي أول آية نزلت في القتال.
وفيها تحويل القبلة ،في شهر رجب ،وقيل :شعبان.
وفرض شهر رمضان ،في شهر شعبان .وقدوم زينب من
مكة ،في شهر شوال .وفيها فرضت الزكاة وزكاة
الفطر .وزّوج رسول الله عليا ً فاطمة رضي الله عنها.
وأظهر السلم طائفة كثيرة من المشركين واليهود وهم
)(3
في الباطن منافقون.
ومن رحمته لم يفضح أمر المنافقين وستر عليهم،
ولم يعاقبهم وقد عّرفه الله تعالى عليهم ليحذرهم ،فكان
تعامله معهم في غاية الحكمة والرحمة.
وفيها غزا بني سليم بالكدر) ،(4وأقام ثلثة أيام فيها،
أفدى فيها معظم أسارى قريش.
1
-أخرجه البخاري في الدب المفرد ح ،451وصححه اللباني
في صحيح الدب المفرد ح .352
2
-ينظر مختصر سيرة الرسول ،ص .103
3
-ينظر :تلقيح فهوم أهل الثر ص ،44والبداية والنهاية،
.347-3/246
4
-تقع بالقرب من الرحضّية ،بينها وبين المدينة ثمانية برد،
وهو ماء لبني سليم )معجم البلدان .(4/441
53
وغزا فيها غزوة البواء ،وكانت أول غزوة غزاها
عيرا ًرسول الله خرج في المهاجرين خاصة ،يعترض ِ
لقريش ،فلم يلقَ كيدًا.
وفيها وادع بني ضمرة على أن ل يغزوهم ول يغزوه،
ول يعينوا عليه أحدًا.
وغزا بواطا ً في ربيع الول ،خرج يعترض عيرا ً
لقريش ،فيها ُأمية بن خلف ومائة رجل من المشركين،
فبلغ بواطا ً -جبل ً من جهينة – فرجع ولم يلق كيدًا.
ثم خرج في طلب كرز بن جابر الفهري ،وقد أغار
على سرح المدينة فاستاقه ،فخرج رسول الله في
أثره حتى بلغ سفوان من ناحية بدر ،وهرب كرز.
ثم خرج في جماد الخرة في مائة وخمسين من
المهاجرين يعترضون عيرا ً لقريش ذاهبة إلى الشام،
وخرج في ثلثين بعيرا ً يتعاقبونها ،فبلغ ذا العشيرة من
ناحية ينبع ،فوجد العير قد فاتته بأيام ،وهي التي خرجوا
لها يوم بدر لما جاءت عائدة من الشام وتسمى )غزوة
العشيرة(.
مدلج وحلفاؤهم .ثم بعث عبد الله بن وفيها وادع بني ِ
جحش إلى نخلة في رجب في اثني عشر رجل ً من
المهاجرين كل اثنين على بعير ،فوصلوا إلى نخلة
يرصدون عيرا ً لقريش ،وكان رسول الله قد كتب له
كتابًا ،وأمره أن ل ينظر فيه حتى يسير يومين ،فلما فتح
الكتاب إذ فيه" :إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى
تنـزل نخلة -بين مكة والطائف -فترصد قريشا ً وتعلم لنا
أخبارها".
فأخبر أصحابه بذلك ،وأخبرهم أنه ل يستكرههم،
)(1
فقالوا سمعا ً وطاعة.
فلما كان في رمضان :بلغ رسول الله خبر العير
المقبلة من الشام مع أبي سفيان ،فيها أموال قريش،
فندب رسول الله للخروج مسرعا ً في ثلثمائة وبضع
1
-ينظر :سيرة ابن هشام ،44-2/43ومختصر سيرة الرسول
،ص .106-105
54
ل،ولم يكن معهم من الخيل إل فرسان :فرس عشرة رج ً
للزبير ،وفرس للمقداد بن السود ،وكان معهم سبعون
بعيرًا ،يعتقب الرجلن والثلثة على البعير ،واستخلف عبد
)(1
الله بن ُأم مكتوم على المدينة.
وكان نتيجتها النصر المؤزر على مشركي مكة إذ قتل
منهم سبعون وأسر سبعون ،واستشهد من المسلمين
أربعة عشر رج ً
ل.
ويستنتج مما سبق من الموادعة مع بني ضمرة وبني
مدلج وحلفائهم اهتمامه بالسلم وحواره مع الخر لحياة
مستقرة خالية من الحروب ،وبيان رحمته في عدم
الكراه في الغزو كما أوصى عبد الله بن جحش ،وأما
غزوة البواء وبواط والعشيرة وبدر فكلها كانت اقتصادية
لخذ عير قريش لضعافهم اقتصاديا ًُ وتعويض ما فات من
الحقوق المالية في مكة حينما هاجر النبي ومن معه
من الصحابة ،فقد تركوا عقاراتهم وأموالهم .وأما خروجه
لطلب كرز فهي تأديبية على اعتدائه على سرح المدينة.
المبحث الثالث :أهم أعمال وحوادث السنة
الثالثة
فرع) (2من بحران ،في ربيع الول يريد فيها غزوة ال ُ
بذلك قريشًا .وعقد عثمان على ُرقية بنت رسول الله
.وعقد عثمان بن عفان على ُأم كلثوم بنت رسول
الله بعد وفاة أختها رقية رضي الله عنها في شهر
)(3
ربيع الول.
وفيها كانت غزوة بني قينقاع ،وكانوا من يهود
المدينة ،فنقضوا العهد ،فحاصرهم رسول الله خمسة
عشر ليلة ،فنـزلوا على حكمه ،فشفع فيهم عبد الله بن
ح على رسول الله فيهم ،فأطلقهم ُ
أبي بن سلول ،وأل ّ
له وكانوا سبعمائة رجل ،وهم رهط عبد الله بن سلم.
1
-ينظر مختصر سيرة الرسول ،ص .108
2
-قرية من نواحي المدينة عن يسار السقيا بينها وبين المدينة
ثمانية برد على طريق مكة )معجم البلدان (4/252وهي على
الطريق القديم بين مكة والمدينة.
3
-ينظر :سيرة ابن هشام ،2/45والبداية والنهاية4/3 ،و .61
55
وفيها كانت وقعة أحد في شوال ،وذلك أن الله تبارك
وتعالى لما أوقع بقريش يوم بدر ،وترأس فيهم أبو
سفيان لذهاب أكابرهم ،أخذ يؤلب على رسول الله
وعلى المسلمين ،ويجمع الجموع ،فجمع قريبا ً من ثلثة
آلف من قريش ،والحلفاء والحابيش ،وجاءوا بنسائهم
لئل يفروا ،ثم أقبل بهم نحو المدينة ،فنـزل قريبا ً من
)(1
جبل أحد.
وكان يوم أحد يوم بلء وتمحيص ،اختبر الله عز وجل
به المؤمنين ،وأظهر به المنافقين ،وأكرم فيه من أراد
كرامته بالشهادة ،فكان مما نزل من القرآن في يوم
أحد ،إحدى وستون آية من آل عمران ،أولها ﴿وإذ غدوت
من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال] ﴾...آل عمران/
)(2
[180-121اليات.
ويستفاد من العفو عن اليهود السبعمائة بيان رحمته
ورأفته ،والستجابة لعبد الله بن ُأبي بن سلول ،أما في
غزوة أحد فإن ما أصابه من الجراح لم يثنه عن محبة
جبل أحد فهو يحبنا ونحبه كما قال ،وفيه من التفاؤل
وعدم التشاؤم ،وأن محبته تجاوزت البشرية ،وكذلك
محبة الجمادات له .
المبحث الرابع :أهم أعمال وحوادث السنة
الرابعة
وفيها غزوة الرجيع) ،(3في شهر صفر ،وكان قد بعث
رسول الله وفدا ً إلى أهل مكة للتفاوض ،فغدر بهم
بنو لحيان فقتلوا عاصم بن ثابت ،وأسروا اثنين .وفيها
سرية عمرو بن ُأمية الضمري ،فقد بعث رسول الله
عمرو بن ُأمية وسلمة بن أسلم بن حريش لقتل أبي
سفيان بن حرب لن أبا سفيان أرسل إلى النبي رجل ً
ليقتله.
1
-ينظر مختصر سيرة الرسول ،ص .116-115
2
-ينظر مختصر سيرة الرسول ،ص .120
3
-ماء بني لحيان من هذيل بين مكة وعسفان) ،الروض
المعطار .(267
56
وفيها سرية بئر معونة) ،(1في شهر صفر ،إذ طلبت
قبيلة ِرعل وذكوان وعصية وبني لحيان من النبي عونا ً
على عدوهم فأمدهم بسبعين من النصار حتى إذا بلغوا بئر
معونة تعرض لهم حيان من بني سليم ِرعل وذكوان عند
بئر معونة فقد غدروا بهم وقتلهم.
وفيها غزوة بني النضير بسبب غدرهم بالنبي ،
وغزوة بني لحيان بسبب غدرهم المذكور في غزوة
الرجيع) .(2وغزوة ذات الرقاع ،وذلك في نجد ،أراد رسول
الله غزو بني محارب وبني ثعلبة من غطفان؛ لتأديبهم
على تحالفهم مع اليهود ضد المسلمين.
وفيها تزوج من زينب بنت خزيمة بن الحارث.
وتزوج ُأم سلمة بنت أبي ُأمية .وأمر رسول الله زيد
ح أنه تعلمه فيبن ثابت أن يتعلم كتاب اليهود ،وص ّ
ً )(3
خمسة عشر يوما.
المبحث الخامس :أهم أعمال وحوادث السنة
الخامسة
وفيها غزوة دومة الجندل) ،(4بسبب اعتدائهم على من
مّر بهم من الصحابة ،وقد هربوا ولم يقتل أحد وأسلم
بعضهم .وفيها غزوة الخندق) (5بسبب مؤامرة كفار قريش
مع بعض العراب واليهود .وغزوة بني قريظة ،بسبب
تآمرهم مع قريش على قتال المؤمنين.
وزواج النبي بُأم حبيبة رضي الله عنها ،وزواج
النبي زينب بنت جحش رضي الله عنها .ونزول
)(6
الحجاب صبيحة عرس زينب بنت جحش.
1
-موضع في بلد هذيل بين مكة وعسفان) .فتح الباري
.(7/379
2
-أي غزوة بئر معونة المتقدمة.
3
-ينظر :سيرة ابن هشام ،190-2/183والبداية والنهاية،
،91-4/62وتلقيح فهوم أهل الثر ص ،45ومختصر سيرة
الرسول ،ص .121
4
-موضع قرب تبوك) .ينظر الروض المعطار .(245
5
-يقع الخندق شمال غرب المدينة) .ينظر الروض المعطار
.(221
6
-ينظر :سيرة ابن هشام ،215-2/213تلقيح فهوم أهل الثر
ص ،45والبداية والنهاية.147-4/92 ،
57
المبحث السادس :أهم أعمال وحوادث السنة
السادسة
وفيها كانت غزوة المريسيع) (1على بني المصطلق،
فأغار عليهم رسول الله وهم غاّرون ،فسبى رسول
الله النساء والنعم والشاء.
وكان من جملة السبي :جويرية بنت الحارث ،سيد
القوم ،وقعت في سهم ثابت بن قيس فكاتبها ،فأدى
عنها رسول الله وتزوجها ،فأعتق المسلمون – بسبب
هذا التزوج – مائة من أهل بيت بني المصطلق ،وقالوا:
أصهار رسول الله ،وفي هذه الغزوة كانت قصة
)(2
الفك.
وفيها غزوة ذي قرد ،بسبب غارة بعض العراب من
غطفان على لقاح) (3رسول الله بمنطقة الغابة في
المدينة.
)(4
وفيها صلح الحديبية ،وهو الصلح الذي عقده رسول
الله مع كفار قريش الذي سماه الله تعالى :الفتح
المبين ،كما في قوله تعالى ﴿إنا فتحنا لك فتحا ً
مبينا ً﴾ ]الفتح ،[1/وفي مرجعه أنزل الله سورة الفتح ﴿إنا
فتحنا لك فتحا ً مبينًا .ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما
تأخر﴾ ]الفتح ،[2-1/فقال عمر :أو فتح هو يا رسول الله؟
قال" :نعم" .قال الصحابة :هذا لك يا رسول الله ،فما لنا؟
فأنزل الله ﴿هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين
ليزدادوا إيمانا ً مع إيمانهم﴾ إلى قوله ﴿فوزا ً عظيما ً﴾ ]الفتح/
،[5-4وعدة الصحابة إذ ذاك ألف وأربعمائة ،وهم أهل
)(5
الشجرة ،وأهل بيعة الرضوان.
1
-ماء بنجد في ديار بني المصطلق من خزاعة) .الروض
المعطار .(532
2
-ينظر مختصر سيرة الرسول ،ص .121
3
-جمع لقحة وهي الناقة الحامل) .ينظر مختار الصحاح ص
.(602
4
-ينظر :تلقيح فهوم أهل الثر ص ،45والبداية والنهاية،
.164-4/150
5
-ينظر مختصر سيرة الرسول ،ص .132-127
58
المبحث السابع :أهم أعمال وحوادث السنة
السابعة
لما قدم رسول الله من الحديبية ،مكث بالمدينة
)(1
59
ل مشاكلها وضمان حقوقها ومتطلباتها وتطويرها وح ّ
سعادتها في الدارين.
المبحث الثامن :أهم أعمال وحوادث السنة
الثامنة
وفيها غزوة مؤتة) ،(1وهي أعظم حرب خاضها
الله بعث الحارث المسلمون ،وسببها أن رسول
بن عمير الزدي بكتابه إلى عظيم ُبصرى ،فعرض له
)(2
60
وفيها هدم العزى التي كانت تعبد بين مكة والطائف
)(1
وسواع ومناة.
وفي آخر السنة الثامنة ولدت مارية القبطية رضي الله
)(2
عنها جارية رسول الله إبراهيم.
ويستفاد من هذه الوقائع التسامح الكبير الذي اتسم
به نبي الرحمة في عفوه عن مشركي مكة الذين
آذوه وحاولوا قتله مرارًا.
المبحث التاسع :أهم أعمال وحوادث السنة
التاسعة
وفيها غزوة تبوك) (3في رجب ،وكانت بسبب إعداد
الروم لحرب المسلمين ،وبعد التأكد من هذا العداد جّهز
نبي الملحمة جيشا ً في ثلثين ألف مجاهدًا ،وقد أدرك
الروم خطورة المواجهة ،فنـزلوا إلى الصلح الذي أتى به
نبي الرحمة .
)(5
وفيها مصالحته ملك إيلة وأهل جرباء وأذرح
)(4
61
جباة الصدقة المدينة ،ودخلت السنة التاسعة بعث ُ
يأخذون الصدقات من العراب.
)(1
وفيها بعث عليا ً إلى صنم طيء ليهدمه فُهدم.
ويستفاد من هذه الحوادث أن توجه الجيش إلى
الروم لنهم كانوا يمهدون لشن هجوم على المسلمين،
وأن عيون العداء كانت ترصد المدينة وذلك من خلل
قصة تخلف كعب بن مالك في غزوة تبوك ،فقد
أرسل إليه ملك غسان ما نصه :أما بعد فإنه قد بلغني أن
صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ول مضيعة،
فالحق بنا نواسيك) !!(2وفيها أن من أسباب قتال العداء
خيانة المنافقين في مسجد الضرار ،وإدراك كثير من
القبائل بعظمة الدين الذي جاء به نبي الرحمة
وتصديقهم به.
المبحث العاشر :أهم أعمال وحوادث السنة
العاشرة
في هذه السنة توفي إبراهيم ابن النبي ، وقد
)(3
62
بالمدينة ،ثم خرج منها بمن معه من المسلمين من أهل
المدينة ومن تجمع من العراب ،فصلى العصر بذي
الحليفة ركعتين ،وبات بها...
وخطب ثاني يوم النحر خطبة عظيمة وفيها قوله" :يا
أيها الناس ،أي يوم هذا؟" قالوا :يوم حرام .قال" :فأي
بلد هذا؟" قالوا :بلد حرام .قال" :فأي شهر هذا؟" قالوا:
شهر حرام .قال" :فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم
عليكم حرام كحرمة يومكم هذا ،في بلدكم هذا ،في
ً )(1
شهركم هذا" فأعادها مرارا.
ثم أقبل منصرفا ً إلى المدينة ،وقد أكمل الله له
)(2
دينه.
ج محمد يقول الكاتب النكليزي هربرت جورج ولز :ح ّ
] [حجة الوداع من المدينة إلى مكة ،قبل وفاته بعام،
وعند ذاك ألقى على شعبه موعظة عظيمة ..إن أول
فقرة فيها تجرف أمامها كل ما بين المسلمين من نهب
وسلب ومن ثارات ودماء ،وتجعل الفقرة الخيرة منها
الزنجي المؤمن عدل ً للخليفة ..إنها أسست في العالم
تقاليد عظيمة للتعامل العادل الكريم ،وإنها لتنفخ في
الناس روح الكرم والسماحة ،كما أنها إنسانية السمة
ممكنة التنفيذ ،فإنها خلقت جماعة إنسانية يقل ما فيها
مما يغمر الدنيا من قسوة وظلم اجتماعي ،عما في أي
)(3
جماعة أخرى سبقتها.
ويستفاد من وقائع هذه السنة بيان رحمته
بالنسانية ،إذ وضع ميثاق حقوق النسان في خطبة حجة
الوداع ،وثّبت المحكم من القرآن ،وما ُنسخ بالعرض
مرتين على جبريل ،وإنه كان يؤم المسلمين طوال
صلته جماعة ،وهي تبلغ قرابة ) (50.000ركعة جهرية،
في فترة ) (23سنة.
-صحيح البخاري – كتاب الحج – باب الخطبة أيام منى ،حديث 1
63
وفي هذه القراءة تعليم للتلوة الصحيحة ،وتثبيت
لحفظ القرآن الكريم ،وترسيخ لمعانيه وأحكامه ،لن كل
ركعة جهرية هي درس قرآني متقن.
ً
وقبل وفاته كان جبريل ينـزل عليه كثيرا فقد ص ّ
ح
عن أنس بن مالك أنه قال" :إن الله تابع الوحي على
رسول الله حتى كان الوحي أكثر ما كان يوم توفي
)(1
رسول الله ."
ح
خّير بين الموت والحياة ،فقد ص ّ وعندما قرب الجل ُ
ت أنه قال لموله أبي مويهبة" :يا أبا مويهيبة إني قد أوتي ُ
ت بين ذلك خّير ُ
مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة ،و ُ
ُ
وبين لقاء ربي عز وجل والجنة" قال :قلت :بأبي وأمي،
فخذ مفاتيح الدنيا والخلد فيها ،ثم الجنة .قال" :ل والله يا
أبا مويهبة ،لقد اخترت لقاء ربي والجنة" ثم استغفر لهل
البقيع ،ثم انصرف ،فُبدئ رسول الله في وجعه الذي
)(2
قبضه الله عز وجل فيه حين أصبح.
وفي هذه السنة كانت وفاته ،كان عمره يوم مات
ثلثا ً وستين سنة ،على الصحيح) .(3وسيأتي المزيد عن
وفاته في الباب الثالث في مبحث مكانته عند
المسلمين.
ح عن عمر بن وأما عن تركته المتواضعة فقد ص ّ
الحارث – أخي جويرية بنت الحارث -رضي الله عنهما
قال :ما ترك رسول الله عند موته درهما ً ول دينارا ً
ة ول شيئا ً إل بغلته البيضاء وسلحه وأرضا ً ول عبدا ً ول أم ً
)(4
ة.
جعلها صدق ً
إن هذه التركة والله لهي موعظة عظيمة للغنياء
وسلوى كريمة للفقراء ،وهي صورة ناطقة ُتبصر الذين
ظنوا أنه كان ينشد الموال والغنائم.
64
هذه هي التركة المتواضعة ،ولكن ثمة تركة عظيمة
تتفيأ البشرية بظللها ،وتستمد العزة والسعادة من
معطياتها ،إنه الرث الذي ل مثيل له في التركات ،هذه
التركة هي الحكمة التي تركها للمسلمين خاصة
والبشرية عامة ،إذ اشتملت على نظام حياة أمثل،
ن كيفية العيش وشرع دين أكمل ،فقد عّرف النس والج ّ
بسلم وعّزة ،وذلك من خلل سيرته العطرة وأقواله
المثمرة وأفعاله الخّيرة بكرمه للجميع ،وصبره على
المشاكل ،وحلمه على الناس ورحمته بهم ،وتواضعه
لهم ،وحبه للخير لهم ،تلك السيرة التي حملت الرحمة
للبشرية بالرفق في المور كلها ،والتأكيد على ذلك
بقوله" :إن الله يحب الرفق في المر كله") ،(1ومع هذا
الرفق سعى إلى ترسيخ وتقوية الروابط والعلئق بين
أفراد المجتمع بجميع ملله بغرس الداب الحميدة ،كالعفو
والتسامح وإفشاء السلم ونصرة المظلوم وعون
الضعيف كاليتامى والفقراء ،وإكرام الضيف وعيادة
المريض وتشميت العاطس وتقديم النصيحة والتيسير
على الناس ،فقد أمر بالتعليم والتيسير فثبت عنه أنه
قال" :علموا ويسروا ول تعسروا ،وبشروا ول تنفروا
)(2
وإذا غضب أحدكم فليسكت".
وأخرج مسلم بسنده عن تميم الداري أن النبي
قال" :الدين النصيحة" قلنا :لمن:؟ قال" :لله ولكتابه
)(3
متهم".
ولرسوله ولئمة المسلمين وعا ّ
وصح عن سهل بن سعد الساعدي مرفوعا قال:
"أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة ،وأشار بالسبابة
)(4
والوسطى وفرج بينهما شيئا".
65
ح عن البراء بــن عــازب أن النــبي قــال: وقد ص ّ
"ُأمرنا باتباع الجنـائز ،وعيـادة المريـض ،وإجابـة الـداعي،
ونصرة المظلوم ،وإبرار القســم ،ورد الســلم ،وتشــميت
)(1
العاطس".
وأخرج أبو داود بسنده الثابت عن عبـد اللــه بــن عمــرو
عن النبي " :rالراحمــون يرحمهــم الرحمــن ،ارحمــوا أهــل
)(2
الرض يرحمكم من في السماء".
ويقول الرسول " :ول تكلفوهم ما يغلبهم فإن
)(3
كلفتموهم فأعينوهم".
ذر ونهى عن الخصال السيئة وفي الوقت نفسه ح ّ
كالحسد وسوء الظن والظلم والك ِْبر والغيبة والسب
واللعن ،فقد أخرج مسلم بسنده عن أنس بن مالك أن
رسول الله قال" :ل تباغضوا ول تحاسدوا ول تدابروا
ل لمسلم أن يهجر أخاه وكونوا عباد الله إخوانا ول يح ّ
)(4
فوق ثلث".
كما اعتنى عناية فائقة بإعطاء كل ذي حق حقه ،فقد
أكد على حق الوالدين والرحام والجيران والخدم
ح عنه أنه قال" :كلكم راع والترفق بهم ،فقد ص ّ
وكلكم مسؤول عن رعيته ،والمير راٍع ،والرجل على
4
-صحيح البخاري -كتاب الطلق – باب اللعان ،ح ،5304
وصحيح مسلم – كتاب الزهد والرقائق -باب الحسان إلى
الرملة والمسكين 4/2287 ،ح .2983
1
- 5صحيح البخاري -كتاب الجنائز -باب المر باتباع الجنائز ح
. 1239
2
) - 6السنن 4/285ح - 4941ك الدب ،ب في الرحمة(،
وأخرجه الترمذي ) 4/323ح 1924ك البر والصلة ،ب ما جاء
في رحمة المسلمين( قال الترمذي :حديث حسن صحيح،
وأخرجه الحاكم )المستدرك ،4/159ك البر والصلة( وقال
الحاكم بعد أن ذكره ضمن أحاديث :وهذه الحاديث كلها
صحيحة .وقال اللباني :صحيح )صحيح أبي داود ح .( 32
-صحيح البخاري -كتاب اليمان -باب المعاصي من أمر 3
66
أهل بيته ،والمرأة راعية على بيت زوجها وولده ،فكلكم
)(1
راٍع وكلكم مسؤول عن رعيته".
وأخــرج البخــاري بســنده عــن أنــس قــال :خــدمت
النبي عشر سنين فما قــال لــي :أف ،ول لــم صــنعت،
)(2
ول أل صنعت.
وأخرج مسلم بسنده عن أبي هريرة قــال :جــاء رجــل
إلــى رســول اللــه قــال :مــن أحــق النــاس بحســن
صحابتي؟ قال" :أمك" قــال :ثــم مــن؟ قــال" :ثــم أمــك"
قال :ثم من؟ قال" :ثم أمك" قــال :ثــم مــن؟ قــال" :ثــم
)(3
أبوك".
كما اعتنى بحق الطفولة ،وحق المرأة كما سيأتي في
الباب الثاني.
ُ
كما وضع الطر الدقيقة في التعامل مع غير
المسلمين ،وقد تقدم طرف منه في بداية هذا الفصل،
وهذه التركة تعطي للبشرية القدرة على علج أكبر
المشكلت المعاصرة كما سيأتي في الباب التالي.
67
الباب الثاني
المستفاد من حكمته الباهرة في تحقيق حاجات
البشرية وعلج أهم المشكلت المعاصرة
تحوم حول البشرية حاجات أساسية ومشكلت
سياسية مخيفة ,وأزمات اجتماعية عنيفة ,وهزات
اقتصادية كثيفة ,تكاد أن تأخذ برقاب البشرية قاطبة,
وذلك بسبب النحراف عن الشريعة التي أنزلها الله
تعالى رحمة للعباد والبلد على خير النبياء والعباد.
هذا النحراف أدى إلى التوجه شطر القوانين
الوضعية التي ما أنزل الله بها من سلطان ,ول نفعت أي
إنسان في كل زمان ومكان ,فهي تتخبط في كل يوم
بالتغيير والتعديل لهذه القوانين البشرية.
ولو تأملنا في الحكام التي جاء بها نبي الحكمة
وتأثيرها على المجتمع لرأينا تقدما ً وسموا ً ل مثيل له،
وذلك على مستوى الزدهار القتصادي والنمو الجتماعي
والتماسك السياسي ،فما جاء عن الله تعالى الخالق
الخبير بما يصلح لخلقه لهو البلسم الشافي والدواء
الكافي ,فقد أنزل القرآن الكريم على نبي الرحمة
هداية للبشرية ﴿إن هذا القرآن يهدي للتي هي
أقوم﴾]السراء ،[9/وقد أخذه نبي الحكمة بقوة،
فتمكن بهذا القرآن المحكم أن يعالج ظلمات الجهل
بأنوار العلم ,وأن ينقل الناس من رعاة غنم إلى قيادة
ُأمم ،فكانت قيادة رائدة ,ومنهجية رائعة ,بهرت
الحضارات الخرى ،وشهد له أرباب الهمم الذين
يتصدرون لحل مشاكل المم.
يقول الكاتب النكليزي هربرت جورج ولز :كل
شريعة ل تسير مع المدنية في كل طور من أطوارها
فأضرب بها عرض الحائط ول تبال بها ،لن الشريعة التي
ل تسير مع المدنية جنبا إلى جنب هي شر مستطير على
أصحابها تجرهم إلى الهلك ،وإن الشريعة التي وجدتها
تسير مع المدنية أنى سارت هي الشريعة السلمية ،وإذا
أراد إنسان أن يعرف شيئا من هذا فليقرأ القرآن وما به
68
من نظريات علمية وقوانين وأنظمة لربط المجتمع :فهو
كتاب ديني علمي اجتماعي تهذيبي خلقي تاريخي ،وكثير
من أنظمته وقوانينه تستعمل حتى في وقتنا الحالي،
وستبقى مستعملة حتى قيام الساعة ،وهل في استطاعة
إنسان أن يأتيني بدور من الدوار كانت فيه الشريعة
)(1
السلمية مغايرة للمدنية والتقدم؟
كما تحتاج البشرية كثيرا ً من الحاجات والحقوق ،وقد
ذكرتها مفصلة في كتابي )عناية السنة النبوية بحقوق
ون قاموس النسان( وفيه أكثر من خمسمائة رواية ُتك ّ
حقوق النسان.
ويقول المفكر اللبناني المسيحي نصري سلهب:
تراثك يا ابن عبد الله ينبغي أن ُيحيا ،ل في النفوس
والقلوب فحسب ،بل في واقع الحياة ،في ما يعاني
البشر من أزمات وما يعترضهم من عقبات .تراثك
مدرسة يلقى على منابرها كل يوم عظة ودرس .كل
سؤال له عندك جواب كل مشكلة ،مهما استعصت
ً )(2
وتعقدت ،نجد لها في آثارك حل.
ً
فما هي المشكلت التي نجد لها حل في سنة نبي
الرحمة ؟
سنجدها بمشيئة الله تعالى في الفصول التالية:
الفصل الول :المشكلت السياسية
علج هذه المشكلت له علقة بمفهوم السياسة عند
المسلمين وغير المسلمين ،فيقول ابن عقيل في كتابه
)الفنون( :السياسة ما كان فعل ً يكون معه الناس أقرب
إلى الصلح وأبعد إلى الفساد ،وإن لم يضعه الرسول ول
)(3
نزل به وحي.
وقال ابن عابدين الحنفي :السياسة استصلح الخلق
)(4
وإرشادهم إلى الطريق المنجي في الدنيا والخرة.
وقد استهل شيخ السلم ابن تيمية مقدمة كتابه
)السياسة الشرعية في إصلح الراعي والرعية( بقوله:
69
وهذه رسالة مبنية على آية المراء في كتاب الله وهي
قوله تعالى ﴿إن الله يأمركم أن تؤدوا المانات إلى أهلها
وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل﴾ ]النساء،[58/
ثم ذكر شيئا من تفسيرها ثم ختم بقوله :وإذا كانت الية
قد أوجبت أداء المانات إلى أهلها ،والحكم بالعدل فهذان
)(1
جماع السياسة العادلة والولية الصالحة.
ونستنتج من هذه القوال أن السياسة في السلم
تنشد أداء المانة والعدل والصلح والفلح في الدنيا
والخرة ،وليس كما يظن البعض في هذا العصر أنها
المراوغة والدجل واستخدام الحيل كما يراه )نيقول
ميكافللي( في كتابه الشهير بعنوان )المير( الذي اشتهر
في أوروبا وأخذ به عتاولة السياسة ،ويقول )كريستان
غاوس( عميد جامعة برنستون السبق :اختار
)موسيليني( كتاب المير أطروحة للدكتوراه ,وكان هتلر
يضعه في سريره ليقرأ به قبل النوم ,وتتلمذ
)لينين(و)ستالين( على هذا الكتاب أيضًا ,ومنذ خمسين
عاما ً بدأنا نطلق على )مكيافللي( اسم مؤسس علم
)(2
السياسة الحديث.
وعند إنشاء دولة السلم في المدينة النبوية تبلور
المنهاج السياسي النبوي من خلل التعامل مع المسلمين
وغير المسلمين في داخل ديار السلم وخارجها ،وأصبح
ل ،وعهدا ً ملزما ً للمسلمين فيما بينهم ومع
صرحا ً عاد ً
غيرهم.
قال المستشرق الفرنسي مارسيل بوازار :وكما
يظهر التاريخ الرسول قائدا ً عظيما ملء قلبه الرأفة،
يصوره كذلك رجل دولة صريحا قوي الشكيمة له
سياسته الحكيمة التي تتعامل مع الجميع على قدم
)(3
المساواة وتعطي كل صاحب حق حقه.
وإذا تتبعنا المنهاج النبوي في سياسته الخارجية
والداخلية نرى علج المشكلت حسب المطالب التالية:
المبحث الول :مشكلة التفرقة العنصرية
-1السياسة الشرعية ص .7-6
-2كتاب المير لينقول ميكافيلي ص .18
-23قالوا عن السلم ص . 99
70
والدينية والقليمية
تعاني مجتمعات العالم من الفوارق الطبقية فيما
بينها في اللوان والديان والبلدان واللسان ،وهذه
المعاناة تكون في القارة الواحدة بل في البلدة الواحدة.
يقول المؤرخ أ.د أكرم ضياء الُعمري :إن قضية
العنصرية والجناس المتفوقة مما شغل المفكرين في
القرن التاسع عشر ،وانتهى ذلك إلى الحالة خطيرة من
الستعلء القومي بسبب العتقاد الذي ساد الناس في
أوربا -خاصة -بوجود تمايز بيولوجي وعقلي بين البشر،
وإن بعض الجناس متفوقة على سواها ،وقد جر ذلك
إلى الحب العالمية الولى والثانية… وأزهقت مليين
الرواح ودمرت آلة القتصاد العالمي وعاش الناس في
ل السلم هذه رعب قاتل عدة سنوات… وقد ح ّ
المشكلة قبل أربعة عشر قرنا عندما قرر وحدة الصل
للبشر جميعا ،فكلهم من آدم وحواء فهم يستوون إذا في
الصل ،وبالتالي في الخصائص الجسمية والنفسية
والعقلية ،وإنما اقتضت حكمة الله تعالى أن تختلف
ألوانهم وتعدد لغاتهم ،وقد أوضحت الية أن علقة هذه
الشعوب المختلفة اللوان واللغات هي علقة التعارف
المفضي إلى التعاون ،وهكذا قامت الحضارة السلمية
على مبدأ وحدة النسانية ولم تعترف بالتفوق العرقي
والستعلء القومي .وإنما وضعت مقياسا خلقيا للتفاضل
بين الفراد ﴿إن أكرمكم عند الله أتقاكم﴾ ]الحجرات[13 /
وقد اعترف بذلك كبار المفكرين ،قال المؤرخ البريطاني
المعاصر أرنولد توينبي :إن انطفاء جذوة النـزعات
العنصرية بين المسلمين يعد ظاهرة من أعظم
)(1
المنجزات الخلقية في السلم.
وقد عالج نبي الرحمة هذه المشكلة بالمساواة
والعدالة ،لن حق المساواة هو واجب على الجميع كل
على قدر مسؤوليته ،وهذا الحق يجعل أفراد المجتمع في
انسجام ووئام وتآلف إذ تتلشى الفروق العنصرية بل
71
تنعدم لنها تتطلع وتفخر بقول الله تعالى ﴿يا أيها الناس
إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل
لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم﴾ ]الحجرات،[13/
وفي هذه الية العظيمة إلغاء الطبقية والعنصرية
والجنسية ،فكل الناس سواسية كأسنان المشط وإنما
يتفاضلون بالتقوى.
ولهذا نرى تطبيق السنة النبوية في حق المساواة
تجّلت في عدة وقائع منها حينما قال أبو ذّر لحد أصحابه:
يا ابن السوداء فزجره النبي بقوله" :أعيرته بأمه إنك
)(1
امرؤ فيك جاهلية".
فأنكر على أبي ذّر هذه العنصرية البغيضة الجاهلية،
لن العرب في عهد الجاهلية كانوا يزدرون ذوي اللون
السود ويستعلون عليهم ،فجاء السلم فساوى بين
الجميع.
ولما ظهر السلم كان بلل الحبشي أول مؤذن
لرسول الله .وكذلك المساواة بين الشريف وغيره
في أمر القضاء فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أن
امرأة مخزومية سرقت فشفع لها ُأسامة بن زيد
)(2
فأجابه النبي " :أتشفع في حد من حدود الله؟".
وخطب رسول الله في حجة الوداع فكان مما
قال للمسلمين بل للناس أجمعين" :يا أيها الناس :أي
يوم هذا؟" قالوا :يوم حرام .قال" :فأي بلد هذا؟" قالوا:
بلد حرام .قال" :فأي شهر هذا؟" قالوا :شهر حرام.
قال" :فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام
كحرمة يومكم هذا ،في بلدكم هذا ،في شهركم هذا"
ً )(3
فأعادها مرارا.
وقد جاءت السنة صريحة بالمساواة بين الجناس
وبين أصحاب الموال والفقراء "إن الله ل ينظر إلى
-1صحيح البخاري -كتاب اليمان -باب المعاصي من أمر الجاهلية
ح .30
-2صحيح مسلم -كتاب الحدود -باب قطع السارق الشريف
3/1315ح .1688
-صحيح البخاري – كتاب الحج – باب الخطبة أيام منى ،حديث 3
رقم .1739
72
صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم" ،لن هذه
ح عنه "التقوى ها هنا - القلوب هي محل التقوى كما ص ّ
ويشير إلى صدره ثلث مرات -بحسب امرئ من الشر
أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام
)(1
دمه وماله وعرضه".
ومع هذه المساواة أعطى كل ذي حق حقه فقد ذكر
شيخ السلم ابن تيمية في السياسة الشرعية :أداء
المانات ،وقال :وفيه بابان ،الباب الول الوليات .والباب
الثاني :الموال وذكر تحت باب الوليات الفصل الول
استعمال الصلح فقال :إن النبي لما فتح مكة
وتسلم مفاتيح الكعبة من بني شيبة ،طلبها منه العباس،
ليجمع له بين سقاية الحاج ،وسدانة البيت ،فأنزل الله
هذه الية) ،(2بدفع مفاتيح الكعبة إلى بني شيبة .فيجب
ي على كل عمل من أعمال ي المر أن يول ّ على ول ّ
المسلمين ،أصلح من يجده لذلك العمل ،قال النبي :
"من ولي من أمر المسلمين شيئا ،فولى رجل وهو يجد
من هو أصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله").(3
ويستفاد من الحديث أن النبي قد اهتم بأمر
الولية وهي سنام السياسة ،ول غرابة فقد علم الساسة
طر الحقوق السياسية تأطيرًا ،وأرسى السياسة ،وأ ّ
أركانها إذ أحاط بمفرداتها ،ومارس تجاربها عمليا ً بكل ما
أوتي من حكمة وحنكة ،واستخدم فصاحته وبلغته لبيانها
بجلء.
ومن الجدير بالذكر أن حكومة المملكة العربية
السعودية مستمرة على هذا العهد إذ ل تزال قبيلة بني
شيبة تتصدر هذا الشرف فإن مفاتيح الكعبة المشرفة ل
تزال باقية عندها.
73
وهكذا كان النبي يقوم بالعدل خير قيام ،كما رغب
فيه ووعد بالخير العظيم لمن يقوم به ،فقد ثبت عنه
أنه قال" :إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن
يمين الرحمن ،وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم
وأهلهم وما ولوا ").(1
وكذلك العدل واجب في التجارة فيجب أن تنضبط
البيوع بالعدالة ل ظلم ول غبن ول غش ،فقد ثبت عن
النبي أنه قال "من غشنا فليس منا") (2وذلك بسبب
ش في الطعام. الغ ّ
إنه نظام العدل وعدل النظام ،فقد بدد ظلمات
الجاهلية ،وامتد نوره أنحاء البرية.
يقول العالم اللماني رودي بارت :كان العرب
يعيشون منذ قرون طويلة في بوادي وواحات شبه
الجزيرة ،يعيثون فيها فسادًا .حتى أتى محمد ][
ودعاهم إلى اليمان بإله واحد ،خالق بارئ ،وجمعهم في
)(3
كيان واحد متجانس.
ويقول العالم المريكي مايكل هارث:
إن محمدا ً ] [كان الرجل الوحيد الذي نجح بشكل
أسمى وأبرز في كل المستويين الديني والدنيوي ..إن
هذا التحاد الفريد الذي ل نظير له للتأثير الديني
والدنيوي معا ً يخوله أن يعتبر أعظم شخصية ذات تأثير
)(4
في تاريخ البشرية.
يقول المؤرخ المريكي فيليب حتي:
إن إقامة الخوة في السلم مكان العصبية الجاهلية
)القائمة على الدم والقرابة( للبناء الجتماعي كان في
)(5
الحقيقة عمل ً جريئا ً جديدا ً قام به النبي العربي ]...[
-1صحيح المسلم كتاب المارة -باب فضيلة المام العادل،
3/1458ح .1827
- 2صحيح مسلم -كتاب اليمان -باب قول النبي " من غشنا
فليس منا" 1/99 ،ح .101
-3 3الدراسات العربية والسلمية في الجامعات اللمانية ،ص
.20
-4 4قالوا عن السلم ص .91
-5 5السلم منهج حياة ص .51
74
إن حضارة السلم جاءت لتبقى حتى تقوم الساعة,
وما يعتري المسلمين من اضطراب سياسي وضعف فهو
بسبب الغيبوبة عن التعلم والعمل والزهد بالقرآن
والسنة فهما الرافدان الصليان للحقوق السياسية،
مة إليهما ارتقت وانتعشت ,وكلما ُ
فكلما رجعت ال ّ
ابتعدت عنهما ارتمت وانتكست.
المبحث الثاني :مشكلة نظام الدقرطة
لقد كُثر الكلم عن النظام الديمقراطي في شتى
وسائل العلم ،وفي جميع أروقة السياسة ،وقد أثّر هذا
اللحاح في كثير من الدول ،وأرى أن مصدر المشكلت
ومنبع الفتن هو هذا النظام ،لنه سريع الحتراق والتلون،
ول غرابة فإنه من صنع البشر ،ومهما أوتيت البشرية من
حكمة وعقل في صياغة القوانين الوضعية فإنها ل تداني
ول تضاهي شريعة خالق البشر لنه سبحانه هو أعلم بما
يصلح لهم ﴿وخلق النسان ضعيفا ً﴾ ]النساء.[28/
لقد بلغت الممارسة الديمقراطية دركات النتكاس،
من السباب والشتائم فيما بين أعضاء البرلمانات،
والتهامات والفضائح التي نالت من رؤساء بعض الدول،
حتى الدول المتقدمة ماديًا ،حتى بلغ المر بها أن
استخدمت لغة ضرب الحذية تجاه رئيس وزراء دولة
متقدمة ماديا ً سنة 1990م ،عندما وافق على دعم
المحتلين للعراق ،وهذه الممارسات لم نشاهدها ل في
العهد الجاهلي العربي ول البيزنطي.
وعند ما نضع النظام الديمقراطي في الميزان
الدقيق ،فإنه يتكون لدينا قاموس المصائب والمظالم،
وها هو السيل من السؤالت يجري في الذاكرة ولعل
هذا القلم يقطر بذكر أهمها:
-1من الذي وضع القوانين الوضعية المتقلبة وستر
عارها؟
-2من الذي جعل المجتمع الواحد ينقسم إلى أحزاب
يزداد تناحرها؟
75
-3من الذي أشعل فتن المعارضة في الدول وسّعر
نارها؟
وارها؟
-4من الذي أتى بالحزاب الشيوعية وث ّ
- 5من الذي أتى بالحزاب القومية وعوارها؟
-6من الذي وّرط الجماعات السلمية في الجزائر
وفلسطين ويسعى لدمارها؟
صب صقور البنتاجون الجاثمة -7من الذي ن ّ
باستكبارها؟
-8من الذي مهد تجييش الجيوش لحتلل ديار
العراق بخدعة تحريرها؟
-9من الذي خدع الشعوب ونال من أحبارها؟
-10من الذي سلب حقوق الحاكم والمحكوم
وغّيرها؟
-11من الذي ساعد على ظهور العلمانية وأفكارها؟
-12من الذي ساعد على انتشار الماسونية
وأوكارها؟
-13من الذي عّرى المرأة وهتك أستارها؟
-14من الذي قنن الدعارة ووضع أسعارها؟
-15من الذي جرأ على الجريمة وانتشارها؟
ويتفرع من هذه السؤالت الخمسة عشر عشرات
أخرى ،ولكن للختصار اكتفيت بما ورد ،وأرى أن الجواب
على هذه السؤالت هو جواب واحد:
إن الذي فعل هذه هو :النظام الديمقراطي الذي
يتمحور حول قطب القوانين الوضعية .وقد ُيستغرب من
هذا الجواب ،وإليك التعليل بالترتيب حسب أرقام
السؤالت السابقة:
-1فالذي وضع القوانين الوضعية بشر من رجال
القانون والبرلمان ،لن الديمقراطية هي :حكم الشعب
للشعب ،ورجال البرلمان يمثلون الشعب وهم معرضون
للخطأ مهما أوتوا من خبرة ،فهي متغيرة وفي كل فترة
تتغير المواد القانونية! وهكذا يحاولون ستر ضعفها
وهزالها.
76
-2لقد شقق النظام الديمقراطي المجتمع إلى
أحزاب متنافرة كل يطالب بالحكم ويصوت لمرشحه،
وتوزع الرشوات على الذين يدلون بأصواتهم ،وتنشر
الفضائح والقبائح.
-3إذا فاز أحد الحزاب فإن بقية الحزاب غالبا ً ما
تكون معارضة ،والمعارضة ل تأتي بخير ول نصيحة ،إنما
هي فتن ،وقيل وقال ،ومؤامرات ضد الحاكم وحزبه ،مما
يشغل الناس بالفتن ويضيع الوقات والموال.
-4لو تتبعنا رؤساء الحزاب الشيوعية والشتراكية
في روسيا والصين لرأينا أغلبهم كانوا في الحزب
الديمقراطي ثم أسسوا تلك الحزاب فكان النظام
الديمقراطي نواة للحزاب الشيوعية والشتراكية.
-5وكذلك الحزاب القومية انبثقت من الحزاب
الديمقراطية التي حاولت تقويض نظام الحكم السلمي
في الدولة العثمانية ،فقامت أحزاب قومية تركية وعربية
وكردية وفارسية وبربرية وأرمنية كل ذلك من أجل إلغاء
نظام الحكم السلمي.
-6الذي وّرط الجماعات السلمية هي النتخابات
الديمقراطية التي فازت بها الجماعات السلمية ،ثم
باسم الديمقراطية قامت المعارضة حربا ً عليها بالضغوط
المادية والمعنوية كما نراه في هذه اليام.
-7إن الذي نصبهم هو أعضاء البرلمان المنتخبون ،
وهم الن يتصرفون باستكبار حتى على ذلك البرلمان.
-8إن النظام الديمقراطي في أمريكا هو الذي مهد
لحتلل العراق باسم الحرية والتحرير ،وهو الذي وافق
على التمويل الهائل بمئات المليارات من الدولرات ،ومع
التهاويل والتنكيل والتقتيل الذي أصاب العراق) (1يقال أنه
سيكون نموذجا ً للحرية والديمقراطية في الشرق
الوسط الكبير!!!
-1فائدة :لم يصنف كتاب بعنوان "قاموس الظلم" ومن أراد 1
أن يطلع على هذا القاموس فليستقرئ أحوال العراق ..إنا لله
وإنا إليه راجعون.
77
هذا الكلم يرفضه نبي الحكمة موسى ونبي
الرحمة عيسى لنه ل يوجد في شريعتيهما ،ويأباه
التوراة والنجيل ،بل ويستنكره المعتدلون من قوم
عيسى وموسى عليهما الصلة والسلم .
-9لقد ُزينت الديمقراطية بثوب زور صبغته الحرية،
وقد انطلت هذه الصبغة على كثير من الناس ،فانصرفوا
جم دور العلماء واقتصر على ح ّ
عن علمائهم وشريعتهم ،ف ُ
بعض ميادين الحياة بما يسمى الحوال الشخصية ،فأدى
إلى بعد أولئك عن شريعتهم ،فاقتحمت القوانين الوضعية
أسوار الفضيلة فانتشرت الرذيلة ،وشاعت المحرمات
ومحقت البركات ،وسادت قوانين الغابات.
-10وهذا أدى إلى هدر الحقوق فترى حق الحاكم
في السمع والطاعة دخل في خبر كان! بل نسمع في
بعض البلدان المتقدمة ماديا ً أنه يتهم بالفاحشة فتضيع
هيبته ،أما في السلم فإن من يقذف الحاكم بذلك فإنه
يجلد ثمانين جلدة مهما بلغ عددهم إل إذا شهد أربعة
شهداء قد رأوا ذلك رأي العين بعد التثبت والتأكد فإن
الحد ّ يقع عليه ،وهكذا نرى كثيرا ً من حقوق المجتمع قد
ضاعت لن الله تعالى قد ضمن حقوقهم جميعًا ،فحينما
هدرت تلك الحقوق. زهد الناس بشريعة الله ُ
-11لقد انتعشت العلمانية بانتشار النظام
الديمقراطي واستطاعت بث أفكارها ضد تعاليم السلم
إتباعا للشهوات والشبهات ،ويمكن القول أن النظام
الديمقراطي هو وليد الفكار العلمانية ،فهما عملة واحدة
مزوقين بالشعارات البراقة. ذات وجهينُ ،
-12إن المحافل الماسونية انتشرت وتوسعت
بانتشار الديمقراطية ،كما وجدت تلك المحافل حماية
لفكارها من قبل الحكومات المخدوعة بذلك النظام،
فقد كانت تتم مؤتمرات المحافل خفية ،وحينما وجدت
الدعم والحماية من تلك الحكومات أخذت تعلن عن
بعض مؤتمراتها وتكشف عورة بعض أفرادها ،وهكذا
بلغت بهم الجرأة.
78
-13بوصول جيوش الحتلل إلى بعض البلدان
السلمية في القرن الماضي بدأت الضغوط على لباس
المرأة وحجابها ،واستخدموا وسائل كثيرة ماكرة،
واستغلوا أرباب السذاجة المخدوعين بالنظام
الديمقراطي باسم الترقي والتقدم ،فخلعوا حجاب
المرأة ثم هتكوا سترها شيئا ً فشيئا ً حتى ألقوها عارية أو
شبه عارية على شواطئ البحار وضفاف النهار ،وفي
أوكار المسرح والتمثيل بقيادة مؤسسة الفن )هوليود(
وما أدراك ما هوليود؟!
-14لما وضعت القوانين الوضعية حسب النظام
الديمقراطي فقد جعلت الزنا مباحا ً برضا الطرفين ،فإذا
رفعت الشكوى إلى القضاء فإنهم يقضون بعقوبة مالية
زهيدة جدًا ،وذلك حسب القانون الفرنسي الذي انتشر
في كثير من الدول ،بل في الدول السلمية المسماة
بالدول الفرانكفونيه ،فهل هذه عقوبة على جريمة الزنا
أم تسعير للزنا!
-15وكذلك حينما وضعت عقوبة السجن للقاتل عمدا ً
لتعطيل حكم القصاص الحكيم ،فإن جريمة القتل
انتشرت ول زالت بازدياد حسب إحصاءات المعهد
العالمي للجريمة .كل ذلك من مخلفات النظام
الديمقراطي.
عقد مؤتمر في باريس بتاريخ والعجيب ُ
16/1/1428هـ ينادي بإلحاح إلغاء القصاص!
كيف يرضى هذا النسان العاقل بهذا التخبط في
التشريعات؟ ويتغافل عن شريعة الخالق التي عملت فيها
الديان وجميع النبياء ،ومنهم نبي الرحمة ،فقد استمد
نبي الرحمة نظام الحكم من الله الخالق سبحانه
بنـزول القرآن الكريم الذي اشتمل على التشريعات
السياسية داخل الدولة وخارجها ،وذلك من خلل مبدأ
البيعة والشورى والعتماد في ذلك على أهل الحل
والعقد من العلماء والحكماء ،وترشيح الحاكم الصالح من
يراه مناسبا ً لهذه المهمة الكبرى التي تحتاج إلى توافر
79
الصفات المطلوبة في الحاكم لينال كل من الحاكم
والمحكوم حقه ،لذا حينما شعر نبي الرحمة بالمرض
لم يناد للنتخابات بل أمر بتبليغ أبي بكر الصديق
ليصلي إماما ً بالناس ،وفيه إشارة بالخلفة الراشدة ،وقد
تقدم في الكلم عن وفاته ،وفي رواية أخرى أكد ثانية
على ذلك التكليف والتشريف ،قال الحافظ ابن ناصر
الدمشقي ت 842هـ :وجاءت الشارة الصريحة إلى
)(1
خلفة الصديق الصحيحة.
وقد عمل بذلك أبو بكر في استخلف عمر ،
كما كان نبي الرحمة يعمل بنظام الشورى الذي أمر
الله تعالى به في قوله تعالى﴿ :وشاورهم في
]آل عمران ،[159/وقد استجاب النبي لهذا المر﴾
سخ دعائمه قول ً وفع ً
ل ،فقد المر وأرسى نظامه ،ور ّ
أخرج مسلم بسنده عن أنس أن رسول الله شاور
حين بلغه إقبال أبي سفيان ،قال :فتكلم أبو بكر فأعرض
عنه ،ثم تكلم عمر فأعرض عنه ،فقام سعد بن عبادة
فقال :إيانا تريد يا رسول الله ،والذي نفسي بيده لو
أمرتنا أن نخيضها البحر لخضناها ،ولو أمرتنا أن نضرب
)(2
أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا.
وهذه المشاورة حصلت ُقبيل غزوة بدر ،وقد أظهرت
الراء السديدة والتأييدات الرشيدة التي كانت أحد
أسباب النصر في هذه المعركة.
قال السفاريني :فاستشار الناس ،أي :طلب
المشورة منهم؛ امتثال لقوله تعالى﴿ :وشاورهم في
المر﴾]آل عمران.[159/
قال ابن الجوزي في قوله تعالى ﴿وشاورهم في
المر﴾ معناه :استخرج آراءهم واعلم ما عندهم .ويقال:
إنه من شرت العسل :إذا استخرجته من الخلية.
اختلف العلماء ،لي معنى أمر الله نبيه بمشاورة
ن به من أصحابه ،مع كمال رأيه وتدبيره .فقيل :ليست ّ
- 1سلوة الكئيب بوفاة الحبيب ص .109-108
-22صحيح مسلم - 3/1403كتاب الجهاد والسير -باب غزوة بدر
ح .1779
80
بعده ،قاله الحسن ،وسفيان بن عيينة .وقيل :لتطيب
قلوبهم ،قاله قتادة ،والربيع ،وابن إسحاق ،ومقاتل.
وقال الشافعي :نظير هذا قوله :البكر تستأمر في
نفسها ،إنما أراد استطابة نفسها ،فإنها لو كرهت كان
للب أن يزوجها ،وكذلك مشاورة إبراهيم لبنه عليهما
السلم حين أمر بذبحه.
قال ابن الجوزي :من فوائد المشاورة أن المشاورة
إذا لم ينجح أمره؛ علم أن امتناع النجاح محض قدر؛ فلم
يلم نفسه .ومنها :أنه قد يعزم على أمر يتبين له الصواب
في قول غيره ،فيعلم عجز نفسه عن الحاطة بفنون
المصالح.
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب :
الستشارة عين الهداية ،وقد خاطر من استغنى برأيه.
والتدبير قبل العمل يؤمنك من الندم.
وقال بعض الحكماء :ما استنبط الصواب بمثل
المشاورة ،ول حصنت النعم بمثل المواساة ،ول اكتسبت
البغضاء بمثل الكبر.
واعلم أن النبي إنما أمر بمشاورة أصحابه فيما لم
مهم بالذكر ،والمقصود أرباب الفضل يأته فيه وحي .وع ّ
)(1
والتجارب منهم.
مة أيضاً، إن القيام بالمشاورة هو حق المام وحق ال ُ
ّ
وقد قام بهما عمليا ً لتتضح صورتها وتتجلى فوائدها.
وبذلك فقد قام بوضع دعامة أساسية سياسية ل تزال
قائمة إلى يومنا هذا لما فيها من الفوائد والعتراف بأهل
الفضل والفراسة.
ويقول العالم المريكي مايكل هارث :لقد أسس
محمد ] [ونشر أحد أعظم الديان في العالم ،وأصبح
أحد الزعماء العالميين السياسيين العظام .ففي هذه
اليام وبعد مرور ثلثة عشر قرنا ً تقريبا ً على وفاته ،فإن
ً )(2
تأثيره ل يزال قويا ً وعارما...
81
وبما أن أرباب الديمقراطية يتشدقون بالحرية،
والحقيقة لو كانت حرية حقيقية لما خضعت وخنعت لراء
البشر يتصرفون فيها كيف يشاءون حسب مصالحهم
الدنيوية وشهواتهم النفسية ،أما الحرية الحقيقية فهي
تنبثق من استلهام الشريعة من خالق البشر الذي يعلم
ما يصلح لهم ،لذلك سيأتي بعدها المبحث الثالث
)مشكلة الحرية(.
المبحث الثالث :مشكلة الحرية
يدندن أرباب السياسة من غير المسلمين كثيرا ً حول
الحرية في بلد المسلمين ،وهم في الوقت نفسه يعانون
ل مشكلة التفرقة في بلدانهم من هذه المشكلة ،وبح ّ
العنصرية والقليمية بالعدل والمساواة ،فإنه يمهد إلى
ل مشكلة الحرية ،والحرية في هذا العصر تعتريها ح ّ
ضربات قاضية ،ونكسات سارية ،وهجمات ضارية في
كثير من البلدان ،وذلك بسبب الحتلل والنحلل،
والجحود والجمود ،والتنكيل والتقتيل ،والعنصرية
غلفت بلباس الحرية ،وكل والباحية ،تلك الباحية التي ُ
هذه السباب أضداد الحرية تخرق حق الحرية خروقًا،
وتبددها تبديدًا ،وتجعلها كالريشة في مهب الريح إذ
أصابت النسان في جسمه ودينه ،وفي سيادته وعرضه،
وعزته وكرامته ،برفض أحكام الله تعالى والثوابت
اليمانية ،ومحاولة إلغائها "وصدقت تلك المرأة الفرنسية
)مدام رولند( إذ قالت) :أيتها الحرية كم من الجرائم قد
اقترفت باسمك؟!( وذلك لما رأت ما أقدمت عليه الثورة
)(1
الفرنسية من انتهاكات باسم الحرية".
وحينما نيمم وجوهنا شطر السنة النبوية وثمراتها في
تحقيق الحرية نجدها قد اعتنت عناية فائقة وعالجت
نقائض الحرية التي كانت في الجاهلية ،فقامت بشتى
حقوق الحريات اتجاه الناس جميعًا.
82
قال المستشرق الفرنسي مارسيل بوازار :فتح
السلم الباب للتعايش على الصعيد الجتماعي والعرقي
حين اعترف بصدق الرسالت اللهية المنزلة على بعض
الشعوب ،لكنه بدا له برفض الحوار في الوقت ذاته على
الصعيد اللهوتي ،حين أزال من العقيدة كل ما اعتبر زيفا ً
مخالفا ً للتوحيد بالمعنى الدقيق للكلمة ،وأتاح منطق
تعاليمه القوي ،وبساطة عقيدته ،وما يرافقها من تسامح،
أتاح كل هذا للشعوب التي فتح بلدها حرية دينية تفوق
)(1
بكثير تلك التي أتاحتها الدول المسيحية.
فلم يقتصر على المسلمين بل أطلقها إلى غير
المسلمين حتى شملت المشركين العداء فقال لهم:
"اذهبوا فأنتم الطلقاء") ،(2فأي حرية هذه؟ إنها انطلقة
الحرية من طوق الجاهلية ،وحرية النطلق من الجاهلية.
ولم يقتصر المر على هذه المكرمة ،فقد أعطى
الحريات التالية:
ل :الحرية من الّرق :لقد عالج النبي ظــاهرة أو ً
الّرق كما سيأتي مفصل ً في المشكلت الجتماعية.
ثانيًا :حرية الدين :لقد أعطى النبي لغير
المسلمين حريتهم الدينية ،إذ عاش مع اليهود فترة من
الزمن ،كما كان يستقبل الوفود من النصارى كالسيد
والعاقب من نصارى نجران في المعاهدات التي أبرمها
بينه وبين اليهود ،وأخذ الجزية من الذين بقوا على غير
السلم ،كل هذا يدل على إقرار مبدأ الحرية الدينية لغير
المسلمين ،لنه قد اعتمد على الثوابت القرآنية ﴿ل إكراه
في الدين﴾ ]البقرة ،[256/فليس لحد أن يجبر غيره
على أن يدخله في السلم ،ول يكرهنا أحد على الخروج
من ديننا.
وقد حظي النصارى بعناية فائقة في القرن الول
الهجري ،وقد شهد بذلك البطريرك )عيثويابة( الذي تولى
83
كرسي البطريكية من سنة 647إلى سنة 657م إذ كتب
ما يلي:
ب من السيطرة على إن العرب الذين مكنهم الر ّ
العالم يعاملوننا كما تعرفون ،أنهم ليسوا بأعداء
مّلتنا ،ويقرون قسيسنا وقديسينا، للنصرانية بل يمتدحون ِ
)(1
ويمدون يد المعونة إلى كنائسنا وأديرتنا.
ص على وهذه الشهادة لم تقتصر على الحرية ،بل تن ّ
تقديم العون للنصارى ،ويقّرون قسيسيهم على دينهم،
وقد شهد بذلك أيضا ً المستشرق النمساوي بارتولد )
1930-1879م( إذ يقول :وكان نصارى بلد الخلفة
يتعاملون مع عالم النصرانية بدون مشقة ،ويتمكنون من
أن يتلقوا منهم إعانات لمؤسساتهم الدينية ،وكان في
المؤتمر الديني الذي انعقد في القسطنطينية سنة )
681-680م( مندوب من القدس أيضًا .ثم أن
المسيحيين المقيمين ببلد الخلفة كانوا مرتبطين بعضهم
ببعض ارتباطا ً وثيقا ً).(2
وقد زّلت أقدام في هذا الموضوع ،وذهب البعض أن
المسلم أيضا ً له حق الحرية في اختيار أي دين ،واستدلوا
بالية المتقدمة دون النظر إلى البيان النبوي الذي يبين
الجمال ويزيل الشكال ،وعطلوا بذلك حكما ً شرعيا ً أل
وهو حكم المرتد ،ول زال من يردد ذلك إلى يومنا هذا
وبعضهم من المسلمين ،وهذا من المور الخطيرة
سنة النبوية فيها فصل الخطاب فقد ثبت المعاصرة ،وال ّ
دل دينه فاقتلوه" .
)(3
عنه أنه قال" :من ب ّ
ل دم امرئ مسلم ح عنه أيضا ً قوله "ل يح ّ وص ّ
يشهد أن ل إله إل الله وأني رسول الله إل بإحدى ثلث:
النفس بالنفس ،والثيب الزاني ،والمفارق لدينه التارك
للجماعة") ،(4وقوله تعالى ﴿ومن يرتدد منكم عن دينه
فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا
-31أهل الذمة في السلم ص .158
-12تاريخ الحضارة السلمية ص .54
-2 3أخرجه الترمذي وقال :حسن صحيح -السنن -كتاب الحدود
-باب ما جاء في المرتد 4/48ح .2458
84
ص صريح في حكم المرتد والخرة﴾ ]البقرة ،[217/فهذا ن ّ
من القرآن والسنة ،وأن القول بأن هذا المرتد له الحرية
الدينية فهو مخالفة صريحة للقرآن الكريم والسنة النبوية
الشريفة .وقد نّبه العلمة علل الفاسي عن ذلك وأورد
شبههم ودحضها بالعقل والنقل ،وسأذكر طرفا ً من كلمه
للختصار:
وقد وقع إجماع من المسلمين منذ نشوء المـذاهب
دل الفقهية على قتل المرتد؛ مستدلين بحديث" :من ب ّ
دينه فاقتلوه") ،(1ولكنه ل يعتبرون القتل عقابا ً له على
كونه لم يعد مسلم ًَا ،وإنما يعتبرون ذلك نتيجة خيانته
للمّلة السلمية التي انخرط في عداد أفرادها ثم
غدرها ؛ فلو ستر كفره لم يتعرض له أحد ولم يشق على
بيضة قلبه كما كان يقع المنافقين الذين قال فيهم الله﴿ :
وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم
قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون﴾ ]البقرة .[14/فقد
صبر النبي على المنافقين وهو يعلم أمـرهم؛ وقيل له
في قتل بعضهم؛ فقال" :ل يتحدث الناس أن محمدا ً
)(2
يقتل أصحابه".
فالعقوبة إذن هي لحماية بيضة الطائفة السلمية
ممن يكسر وحدتها ويضر بها ،وليس لمجرد تغير العقيدة
الذي ل يصحبه إعلن رّدة.
ومن أدلة الجماع قتال أبي بكر للمرتدين،
ولمانعي الزكاة.
وقال أيضًا :أما تعليل الحكم على المرتد بالقتل في
العصور الولى بخوف ضعف السلم لنه لم يتمكن بعد
من النفوس؛ وعدم بقاء العّلة اليوم ،فهي حجة واهية؛
لن السلم في زمن أبي بكر وعلي كان أقوى في
النفوس منه في مسلمي هذا العصر الذين قد ل
4
-3صحيح البخاري -كتاب الديات -باب قوله تعالى ﴿أن النفس
بالنفس والعين بالعين ﴾...الية ،ح .6878
-4تقدم تخريجه قبل الحديث السابق. 1
2
-1ينظر صحيح البخاري -كتاب المناقب -باب ما ينهى من
دعوى الجاهلية ح .3518
85
يستجيبوا للبشارة المسيحية أو غيرها ولكنهم يتأثرون
بدعايات اللحاد الخرافية أكثر مما تأثر السبأيون بجهالت
)(1
عبد الله بن سبأ وخزعبلته.
وقد تقدم قول المستشرق الفرنسي مارسيل بوازار
في بداية هذه المشكلة.
وقال المستشرق البريطاني سير توماس أرنولد :لم
نسمع عن أية محاولة مدبرة لرغام الطوائف من غير
المسلمين على قبول السلم ،أو عن أي اضطهاد منظم
)(2
ُقصد منه استئصال الدين المسيحي.
ثالثًا :حرية التملك :أطلقت السنة النبوية عنان
التملك مهما بلغ المالك من الموال والقناطير المقنطرة
بشرط أن يؤدي المالك حق الزكاة ،وشجع على التملك
حيث صرح بأن ذلك خير من الذي ل يملك شيئًا ،وثبت عنه
" :اليد العليا خير من اليد السفلى").(3
كان من الصحابة بعض الغنياء كأبي بكر الصديق
وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وغيرهم من
الصحابة وخصوصا بعد الفتوح ،فقد تملك بعضهم
عقارات وقرى ومزارع ،والمالك له الحرية بماله يتصرف
فيه كيف يشاء كما يرضي الله تعالى بشرط أن ل يبذر
ذلك المال ول يصرفه في المجالت المحرمة كما سيأتي
في حق التملك ضمن الحقوق المالية ،فقد نهى سبحانه
وتعالى بقوله ﴿ول تبذر تبذيرا ،إن المبذرين كانوا إخوان
الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا﴾ ]السراء-26/
،[27وفي ذلك تحريم وتنفير من التبذير .وفي ذلك تميز
دين السلم بالوسطية في المور المالية عن الشتراكية
والرأسمالية ،فإن الشتراكية تقيد التملك وتفقد هذه
الحرية ،والرأسمالية تفقد هذه الشروط فالصرف فيها
لم يقيد بحلل ول حرام.
86
كما أعطى السلم حرية التملك لغير المسلمين حيث
قال الستاذ الفرنسي جاك ريسلر :كانت جميع الديان
لها حقّ الممارسة المطلقة في عبادتها ،وكان اليهود
لديهم مطلق الحرية في اقتناء الثروات ووصلوا أحيانا ً
)(1
إلى مراكز سامية.
يقول المستشرق النمساوي بارتولد )-1879
1930م( :كانت في بلد الخلفة الممتدة من رأس سان
فنسنت الواقعة جنوبي البرتغال إلى سمرقند مؤسسات
مسيحية غنية ،قد حافظت على أملكها غير المنقولة
)(2
الموقوفة عليها.
رابعًا :حرية الرأي :إن حرية إبداء الرأي تطلق
عقل النسان ليفكر في ملكوت الله تعالى ،وفي
مصالحه في الدنيا والخرة ،وأما إذا قيدت هذه الحرية
ل ،وقد احترم النبي فإنها تؤثر على التفكير وتشله ش ً
الرأي وسمع من الصحابة ،وما وجد من رأي سديد
أخذ به ،مما شجع على إبداء الرأي بكل وضوح دون
تردد ،كما حصل في غزوة بدر عندما أدلى برأيه
الصحابي الحباب بن المنذر ،وكذلك عندما أشار
سلمان الفارسي بحفر الخندق ،فقد أخذ النبي
بتلك الراء ،وفي ذلك تربية على حرية إبداء الرأي
للمصلحة العامة.
وأحيانا ً يكون إبداء الرأي واجبا في حق من الحقوق
ً
التي علم بها المرء ،فقد أمر النبي بذلك على المنبر،
ح عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قام إذ ص ّ
خطيبا ً فكان فيما قال" :أل ل يمنعن رجل ً هيبة الناس أن
)(3
يقول بحق إذا علمه".
وينبغي أن يعلم أن حرية الرأي ليس على إطلقها
فهي مقيدة بضوابط ،وقد ألمح معالي العلمة الشيخ عبد
الله بن بّيه عن ذلك فقال :ول شك أن لحرية الرأي في
السلم قيودا ً وضوابط منهجية ،مثل :التحّري في
-1 1انظر قالوا عن السلم ص .290
-22تاريخ الحضارة السلمية ص .54
-3 3أخرجه ابن ماجة )السنن -كتاب الفتن -باب المر
بالمعروف والنهي عن المنكر ح (4007وصححه اللباني في
صحيح سنن ابن ماجة ح .3237
87
المعطيات ،وفي المسالك المبّلغة إلى الحق ،والخلص
في إرادة النفع العام ،وإل انقلبت إلى ضروب من
المغالطة والتغرير والنانية ،كما أن لها قيودا ً أخلقية مثل
الصدق في تبليغ الرأي ونقله والحسنى بالقناع به ،وإل
انقلبت كذبا ً وغشا ً وتجريحا ً ولجاجة ،فتخرج إذن عن
الدائرة التي رسمت لها في الستعمال الشائع ،وما
نعتمد في هذا السياق هو الحرية بتلك الضوابط والقيود.
)(1
88
قال المستشرق الفرنسي كوستاف لوبون :السلم
)(1
من أكثر الديـان ملئمة لكتشافات العلم.
وقال الضابط البريطاني ج.ف.فيلويز :التقدم
العلمي المعاصر في العصر الحاضر والمنجزات العلمية
)(2
تتفق تماما ً مع مبادئ السلم.
المبحث الرابع :مشكلة العتداء فيما بين
الدول
تعاني كثير من الدول في هذا العصر من العتداءات
العسكرية والقتصادية والعلمية بسبب الطماع المادية
أو الرغبة في الهيمنة والسيطرة ،أو الفساد لتمهيد
السيطرة ،وقد عالج المنهاج السياسي النبوي هذه
المشكلة بالصلح وعقد المعاهدات التي تضمن المن
وتحقق مصالح الطرفين.
ومن المعاهدات المشهورة مع النصارى ما عقده
مع ملك آيلة ،وبذلك أصبح العهد شامل لكل المدن التي
كانت تحت سلطة ذلك الملك.
ح عن أبي حميد الساعدي قال غزونا مع النبي فقد ص ّ
تبوك ،وأهدى ملك آيلة للنبي بغلة بيضاء وكساه
)(3
بردا ً وكتب له ببحرهم.
قال ابن حجر :قال ابن بطال العلماء مجمعون على
أن المام إذا صالح ملك القرية أنه يدخل في ذلك الصلح
)(4
بقيتهم.
ومن أهم المعاهدات مع المشركين هو :صلح
الحديبية الذي تعجب منه بعض الصحابة لنهم لم
يدركوا الحكمة النبوية من هذا الصلح الذي تبين فيما بعد
آثاره وفوائده.
أخرج مسلم بسنده عن أبي إسحاق عن البراء بن
عازب يقول :كتب علي بن أبي طالب الصلح بين
النبي وبين المشركين يوم الحديبية فكتب :هذا ما
كاتب عليه محمد رسول الله ،فقالوا :ل تكتب رسول
-31حضارة العرب ص .126
-12انظر قالوا عن السلم ص . 464
-3صحيح البخاري -الجزية والموادعة -باب إذا وادع المام ملك
القرية ح .3161
-4الفتح .6/267
89
الله فلو نعلم أنك رسول الله لم نقاتلك ،فقال النبي
لعلي :امحه ،فقال :ما أنا بالذي أمحاه ،فمحاه النبي
بيده ،قال :وكان فيما اشترطوا أن يدخلوا مكة فيقيموا
بها ثلثا ،ول يدخلها بسلح إل جلبان السلح ،قلت لبي
)(1
إسحاق :وما جلبان السلح؟ قال :القراب وما فيه.
قال النووي :وفيه أن للمام أن يعقد الصلح على ما
رآه مصلحة للمسلمين وإن كان ل يظهر ذلك لبعض
)(2
الناس في بادئ الرأي.
وفي هذا الحديث بيان وجوب الصبر على المشركين
وتحقيق رغباتهم التي ل تضر بالمصلحة العامة
للمسلمين ،وفيه البيان الفعلي لطريقة الكتابة
للمعاهدات ،وجواز مثل هذه الكتابة من أجل الصلح
وتجنب الحروب.
وكان نبي الرحمة والملحمة إذا وجد قوة تهدد
أمن المسلمين فإنه يكتب إلى ملكها برسالة محررة
فحواها الدعوة إلى الله تعالى والموعظة بالتخويف من
الله تعالى ،ومن ذلك رسالته إلى بلد الشام التي كان
ح عن ابن عباس رضي الله يقطنها الروم آنذاك ،فقد ص ّ
ي قال: عنهما قال :حدثني أبو سفيان من فيه إلى ف ّ
دة التي كانت بيني وبين رسول الله ، انطلقت في الم ّ
قال :قال :فبينا أنا بالشام إذ جيء بكتاب من النبي
إلى هرقل ...فإذا فيه" :بسم الله الرحمن الرحيم .من
محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم .سلم على
من اتبع الهدى .أما بعد فإني أدعوك بدعاية السلم.
م يؤتك الله أجرك مرتين .فإن توليت أسلم .تسَلم ،وأسل ْ
فإن عليك إثم الريسيين ﴿ .يا أهل الكتاب تعالوا إلى
)(3
90
كلمة سواء بيننا وبينكم أن ل نعبد إل الله﴾ إلى قوله﴿ :
)(1
اشهدوا بأنا مسلمون﴾ ]البقرة. [64/
وهذه شهادات علماء الغرب في قدرة نبي الرحمة
ل مثل هذه المشكلت: على ح ّ
يقول )تولستوي( :ل ريب أن محمدا ً كان من
عظماء الرجال المصلحين ،الذين خدموا المجتمع
ُ
مةالنساني خدمة جليلة ،وإنه يكفيه فخرا ً أنه هدى أ ّ
متها إلى نور الحق ،وجعلها تجنح للسكينة والسلم، بر ّ
وأنه هو الذي منعها من سفك الدماء ،وتقديم الضحايا
)(2
ي والمدنية... البشرية ،وفتح لها طريق الرق ّ
ويقول برنارد شو :إنه يجب أن ُيدعى منقذ
النسانية ..وُيعتقد أنه لو أن رجل ً مثله تولى زعامة العالم
ل السلم والسعادة ل مشكلته وأح ّ الحديث لنجح في ح ّ
)(3
في العالم.
ويقول المؤرخ المسيحي اللبناني جورج حنا :محمد
بن عبد الله ] [كان ثائرًا ،عندما أبى أن يماشي أهل
الصحراء في عبادة الصنام وفي عاداتهم الهمجية...
فأخرج من جاهلية الصحراء عقيدة دينية واجتماعية تجمع
)(4
بين مئات المليين من البشر في أقطار المعمورة.
وتقدم قول الكاتب النكليزي هربرت جورج ولز :عن
حجة الوداع وأثرها في علج العتداء في آخر الباب
الول.
ويقول المستشرق الفرنسي هنري سيرويا :ومحمد ]
[لم يغرس في نفوس العراب مبدأ التوحيد فقط ،بل
)(5
غرس فيها أيضا ً المدنية والدب.
وهكذا يستتب المن وتعطى الحقوق أما إذا ُنقض
العهد فله ردعه وعقوبته ،ومثاله نقض بني قريظة ،كما
-3 1صحيح البخاري -كتاب التفسير،سورة آل عمران -باب
قوله تعالى ﴿قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا
وبينكم﴾ ح .4553
-4 2الرسول في كتابات المستشرقين ص .59
-13الرسول في كتابات المستشرقين ص .59
-2 4قصة النسان ص .252
-3 5فلسفة الفكر السلمي ص .8
91
ح عن عائشة رضي الله عنها قالتُ :أصيب سعد يوم ص ّ
الخندق ،رماه رجل من قريش -يقال له :ابن العرقة -
رماه في الكحل ،فضرب عليه رسول الله rخيمة في
المسجد يعوده من قريب .فلما رجع رسول الله rمن
فض الخندق وضع السلح ،فاغتسل .فأتاه جبريل وهو ين ُ
ت السلح ؟ والله ما رأسه من الغبار .فقال :وضع َ
وضعناه اخُرج إليهم .فقال رسول الله " :rفأين"؟ فأشار
إلى بني ُقريظة .فقاتلهم رسول الله .rفنـزلوا على
حكم رسول الله .rفرد ّ رسول الله rالحكم فيهم إلى
سعد .قال :فإني أحكم فيهم أن ُتقتل المقاتلة ،وأن
)(1
ُتسبى الذرية والنساء ،وُتقسم أموالهم.
وهكذا حكم الله تعالى فإنه نور لمن اهتدى ونار على
من اعتدى.
قال العيني :قوله "أن تقتل المقاتلة" أي الطائفة
)(2
المقاتلة منهم ،أي :البالغون.
ح عن ابن عمر :أن يهود بني النضير وقريظة وص ّ
حاربوا رسول الله ،فأجلى رسول الله بني النضير،
ن عليهم .حتى حاربت قريظة بعد ذلك. م ّ
وأقّر قريظة و َ
فقتل رجالهم ،وقسم نساءهم وأولدهم وأموالهم بين
المسلمين .إل أن بعضهم لحقوا برسول الله فآمنهم
وأسلموا .وأجلى رسول الله يهود المدينة كلهم :بني
قينقاع )وهم قوم عبد الله بن سلم( .ويهود بني حارثة
)(3
وكل يهودي كان بالمدينة.
إن هذا الجلء لهؤلء المحاربين لهو الجزاء ،وهو آخر
الدواء فقد صبر على مكائدهم ودسائسهم ،ولما بلغ
المر ذروته بالمحاربة العلنية والمؤامرة الجلية ،جاءت
السنة النبوية الفعلية بالجزاء العام لخراجهم من المدينة
إل من لحق برسول الله وأسلم فإنه نجا من ذلك.
-41صحيح مسلم -كتاب الجهاد والسير -باب جواز قتال من
نقض العهد 3/1389 ،ح .1769
-52عمدة القاري .289-14/288
-1 3صحيح مسلم -كتاب الجهاد والسير -باب إجلء اليهود من
الحجاز 1388-3/1387 ،ح .1766
92
وهذا التعامل الحكيم في غاية السماحة النبوية بأن ل
يؤاخذ الجميع بجريرة البعض بل كان يعامل كل على قدر
بأن يعطي كل واحد حقه من العقوبة والمثوبة ،إنها
كياسة السياسة.
المبحث الخامس :مشكلة التخوف والتحسس
من الخر
يسود غبش شديد عند كثير من غير المسلمين حول
السلم ونبي السلم ،وذلك بسبب الشاعات والشبهات
التي أثيرت حولهما كما سيأتي في الباب الرابع ،ويعاني
من هذه المشكلة غير المسلمين فيما بينهم بسبب
الخلف في الديان والثقافات ،وكذلك يعاني المسلمون
فيما بينهم ،وحينما نستحضر المنهاج الجتماعي النبوي
نرى أنه تميز في معاملته السمحة مع الجميع وخصوصا ً
مع غير المسلمين الذين يعيشون في ديار السلم،
وكذلك مع القليات غير المسلمة ،فقد وضع السس
المثالية للتعامل مع الخر ،واستطاع أن يقضي على تلك
المشكلة بالعدل وإعطاء كل ذي حق حقه كما في تعامله
مع اليهود في المدينة ،فقد وضع معاهدة سياسية
اجتماعية عامة للمدينة وفيها اتفاقيات مع اليهود ضمنت
مصالح الطرفين كما في البنود التالية:
-هذا كتاب من محمد النبي )رسول الله( بين
المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب ومن تبعهم
فلحق بهم وجاهد معهم.
مة واحدة من دون الناس. ُ
-إنهم أ ّ
-وإنه من اتبعنا من يهود فإن له النصر والسوة غير
مظلومين ول متناصر عليهم.
-وإن سلم المؤمنين واحدة ،ل يسالم مؤمن دون
مؤمن في قتال في سبيل الله إل على سواء وعدل
بينهم.
-وإن كل غازية غزت معنا يعقب بعضها بعضًا.
-وإنه مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله
وإلى محمد.
93
-وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.
مة مع المؤمنين ،لليهود دينهم ُ
-وإن يهود بني عوف أ ّ
وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم إل من ظلم نفسه
فإنه ل يوتغ ) (1إل نفسه وأهل بيته.
-وإن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف.
-وإن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف.
-وإن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف.
-وإن ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف.
-وإن ليهود بني الوس مثل ما ليهود بني عوف.
-وإن ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف إل من
ظلم وإثم ،فإنه ل يوتغ إل نفسه وأهل بيته.
-وإن جفنة بطن من ثعلبة كأنفسهم.
-وإن لبني الشطيبة مثل ما ليهود بني عوف وأن البر
دون الثم.
-وإن موالي ثعلبة كأنفسهم.
-وإن بطانة يهود كأنفسهم.
-وإنه ل يخرج منهم أحد إل بإذن محمد.
-وإن على اليهود نفقتهم ،وعلى المسلمين نفقتهم،
وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة ،وإن
بينهم النصح والنصيحة والبر دون الثم.
-وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.
-وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث ،أو
اشتجار يخاف فساده فإن مرّده إلى الله وإلى محمد
رسول الله وإن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة
وأبره.
-وإنه ل تجار قريش ول من نصرها.
-وإن بينهم النصر من دهم يثرب.
-وإذا دعوا إلى الصلح يصالحونه ويلبسونه فإنهم
يصالحونه ويلبسونه ،وإنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك ،فإن
لهم على المؤمنين إل من حارب في الدين.
94
-وإن يهود الوس مواليهم وأنفسهم على مثل ما
لهل هذه الصحيفة مع البر المحض من أهل هذه
الصحيفة ،وإن البّر دون الثم ل يكسب كاسب إل على
نفسه ،وإن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره.
-وإنه ل يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم ،وإنه من
خرج آمن ومن قعد آمن بالمدينة ،إل من ظلم وأثم ،وإن
)(1
الله جار لمن بّر واتقى ،ومحمد رسول الله .
إن هذه المعاهدة الحكيمة تتجلى فيها عناية السنة
النبوية الرحيمة التي تقوم بالحقوق السياسية
والقتصادية لليهود وغيرهم من المسلمين في المدينة
النبوية ،ويستنتج منها أحكام شرعية مالية وعسكرية.
1
-هذا النص منقول من كتاب مجموعة الوثائق السياسية لنه
مقارنة بين سائر الروايات واثبت الختلفات في الحاشية
انظر منه ص 47 - 41وقد شرح غريبها ابن زنجويه في
الموال .472-2/462وقد ذكر هذه المعاهدة المام ابن قيم
الجوزية ،فقد ساق جملة من نصوص الوثيقة ثم قال :وهذه
الصحيفة معروفة عند أهل العلم ،ثم ذكر عدة مصادر وعدة
طرق لهذه الصحيفة ثم قال :وهذا مما ل يعلم فيه نزاع بين
أهل العلم بسيرة النبي ،ومن تأمل الحاديث المأثورة
والسيرة كيف كان معهم ؟ علم ذلك ضرورة )انظر أحكام أهل
الذمة .(567 – 566 / 2وقد سبق شيخ السلم ابن تيمية قول
ابن قيم الجوزية ،إذ ساق هذه الصحيفة من طريق محمد بن
إسحاق قال :حدثني عثمان بن محمد بن عثمان بن الخنس
بن شريق قال :أخذت من آل عمر بن الخطاب هذا الكتاب،
كان مقرونا ً بكتاب الصدقة الذي كتب عمر للعمال ،ثم ذكر
الصحيفة ،ثم قال :وهذه الصحيفة معروفة عند أهل العلم
)انظر الصارم المسلول ص .(64-62
95
الفصل الثاني
المشكلت الجتماعية
تعتري البشرية موجات عاتية من الزمات الجتماعية
في جميع أنحاء العالم ،وتتفاوت هذه الزمات من بلد
إلى بلد حسب تشريعات تلك البلدان ،وحسب قوة
وصلحية تلك التشريعات ،والخذ بها بجدية ،وقد استطاع
نبي الرحمة والحكمة أن يعالج كثيرا ً من تلك
المشكلت بترسيخ الخلق الفاضلة ،وتأصيل الحقوق
الكاملة ،وهذا المنهاج الحكيم له قدرة عظيمة على ح ّ
ل
أي مشكلة في الماضي والحاضر والمستقبل.
يقول المستشرق الفرنسي مارسيل بوازار:
لقد كان محمد ] [نبيا ً ل مصلحا ً اجتماعيًا .وأحدثت
رسالته في المجتمع العربي القائم آنذاك تغييرات
أساسية ما تزال أثارها ماثلة في المجتمع السلمي
)(1
المعاصر...
ويقول المؤرخ الفرنسي أدوار بروي :جاء محمد بن
عبد الله ] ،[النبي العربي وخاتمة النبيين ،يبشر العرب
والناس أجمعين ،بدين جديد ،ويدعو للقول بالله الواحد
الحد ،كانت الشريعة ]في دعوته[ ل تختلف عن العقيدة أو
اليمان ،وتتمتع مثلها بسلطة إلهية ملزمة ،تضبط ليس
المور الدينية فحسب ،بل أيضا ً المور الدنيوية ..وعندما
قبض النبي العربي عام 632م ،كان قد انتهى من
دعوته ،كما انتهى من وضع نظام اجتماعي يسموا كثيرا ً
فوق النظام القبلي الذي كان عليه العرب قبل السلم،
وصهرهم في وحدة قوية ،وهكذا تم للجزيرة العربية وحدة
)(2
دينية متماسكة ،لم تعرف مثلها من قبل...
وسأذكر المشكلت التي تعالجها رحمة النبي
حسب المباحث التالية:
المبحث الول :مشكلة الجهل
فقد عاصر نبي الرحمة مجتمعا جاهليا ً يعج
بالمشكلت والزمات اليمانية والجتماعية والسياسية
-1إنسانية السلم ،ص .61 1
96
والقتصادية ،وقد شارك في علج بعض هذه المشكلت
منذ شبابه ,ثم عند البعثة حاول أن يصحح المسار العلمي
للمجتمع حسب الرشادات اللهية باليات القرآنية التي
اعتنت بعلم اليمان وأركانه وشعبه ،فإن أول آية أمرت
بالقراءة والتعليم ،وما تضمن ذلك المر من تناول توحيد
خلقالربوبية لمعرفة خالق النسان ،ومن أي شيء ُ
لبيان قصة بداية النسان ،ثم التأكيد تارة أخرى بأنه
الخالق هو الذي علم النسان .فانطلق نبي الرحمة
في معالجة المشكلة الكبرى أل وهي الشرك بالله
تعالى؛ لن علج هذه المشكلة هو مفتاح علج المشكلت
الخرى مهما تعددت وتشعبت ,ومهما بلغت من التعقيد
والتشديد؛ لن نعمة توحيد العبودية لله تعالى وحده
ل تلك المشكلت ,بنظام الخالق الخبير بما قادرة على ح ّ
يصلح البشرية ويضمن سعادتها في الدنيا والخرة؛ من
أجل ذلك أعطى نبي الرحمة الولوية لهذه القضية
الكبرى بالحوار الهادف ذي البراهين الواضحة للبشرية
والحجج الدامغة للوثنية.
وكــانت هــذه الولويــة نابعــة مــن أول مــا نــزل مــن
القرآن ،ونابعة من المر باليمان كما فــي قــوله تعــالى ﴿
اقرأ باسم ربك الذي خلق .خلق النسان من علــق .اقــرأ
وربك الكــرم .الــذي علــم بــالقلم .علــم النســان مــا لــم
يعلم﴾]العلق ،[5-1/وإليكم أنموذجا ً من الحــوار فــي مكــة
المكرمة:
ح عن عمــرو بــن عبســة الســلمي :كنــت وأنــا فــي ص ّ
الجاهلـية أظن أن الناس على ضللة ،وأنهم ليســوا علــى
شيء وهم يعبدون الوثــان ،فســمعت برجــل بمكــة يخــبر
أخبارًا ،فقعدت على راحلتي فقدمت عليــه ،فــإذا رســول
الله مستخفيا ً جراء عليه قومه ،فتلطفت حتى دخلــت
عليه بمكة ،فقلت له :ما أنت؟ قال" :أنا نبي" فقلت :وما
نبي؟ قال" :أرسلني الله" فقلــت :وبــأي شــيء أرســلك؟
قال" :أرسلني بصلة الرحام ،وكســر الوثــان ،وأن ُيوحــد
الله ل ُيشرك به شيء" قلت له :فمــن معــك علــى هــذا؟
97
قال" :حٌر وعبد" قال :ومعــه يــومئذ أبــو بكــر وبلل ممــن
آمن به ،فقلت :إني متبعك ،قــال" :إنــك ل تســتطيع ذلــك
يومك هذا ،أل ترى حالي وحال النـاس ،ولكـن ارجـع إلـى
)(1
ت فأتني".
أهلك ،فإذا سمعت بي قد ظهر ُ
ونشر هذا العلم لــم يقتصــر علــى مكــة المكرمــة بــل
استمر حتى فــي المدينــة النبويــة وخصوصـا ً عنــدما يــأتيه
)(2
السائلون عن هذا الدين.
ث نبي الرحمة على طلب العلم ولهمية العلم ح ّ
وأمر بالتعليم والتيسير ،فثبت عنه أنه قال" :علموا
ويسروا ول تعسروا ،وبشروا ول تنفروا وإذا غضب
)(3
أحدكم فليسكت".
ح عنه أنه أمر بأن من عنده علم أن يعلم أهله كما ص ّ
ح عن مالك بن الحويرث أنه قال :أتيت النبي فقد ص ّ
في نفر من قومي فأقمنا عنده عشرين ليلة ،وكان
رحيما ً رفيقا ً فلما رأى شوقنا إلى أهالينا قال" :ارجعوا
فكونوا فيهم وعلموهم ،وصلوا فإذا حضرت الصلة
ح عنه أنه فليؤّذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم") .(4كما ص ّ
غب في طلب العلم فقال" :من سلك طريقا ً يلتمس ر ّ
)(5
فيه علما ً سّهل الله له به طريقا ً إلى الجنة".
قال المناوي :علمًا :نكرة ليشمل كل علم وآلته
)(6
ويندرج فيه ما قل وكثر.
وقد شرح هــذا الحـديث الحــافظ ابــن رجــب الحنبلــي
حيث أفرده بكتاب عنوانه )ورثة النبياء شرح حديث أبــي
98
الدرداء( .ويستنبط من الحديث الترغيب فــي كــل العلــوم
ح
النافعة التي تصلح أحوال العباد في الدنيا والخرة ،وصــ ّ
عنه أنه قال" :إذا مات النسان انقطــع عنــه عملــه إل
من ثلثة :إل من صدقة جارية ،أو علــم ينتفــع بــه ،أو ولــد
ح عنه أنه قــال" :مــن يــرد اللــه بــهصالح يدعو له") .(1وص ّ
خيرا ً يفقهه في الدين").(2
إن هذا الحث والترغيب من أجل علج الجهل
والقضاء عليه بعدة أساليب ،ومن ذلك بيانه لمكانة
العلماء وفضلهم في قوله " :وإن العالم يستغفر له
من في السموات ومن في الرض ،والحيتان في الماء،
وفضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على
سائر الكواكب ،إن العلماء ورثة النبياء ،إن النبياء لم
يورثوا دينارا ً ول درهمًا ،وأورثوا العلم ،فمن أخذه ،أخذ
بحظ وافر" ).(3
وحينما نستعرض الحاديث النبوية في منهاجه
التطبيقي للتعليم نجد رحمات وشذرات تفصح عن بعض
معالم منهجه في التعليم وهي :عبارات فيها جوامع الكلم
تدهش بفصاحتها وملحتها أساطين البلغة وأمراء البيان،
وإشارات وإيماءات تفتح المدارك وتفهم المتعلم والمي،
ورسوم تلقح الفهوم وترسخ العلوم عبر السمع والبصر
،وتشبيهات تجعل الغائب حاضرا ً والبعيد قريبا ً .ومطالع
بليغة هي قمة في براعة الستهلل ،تجذب النفوس
-صحيح مسلم -كتاب الوصية -باب ما يلحق النسان من 1
99
فتستقبل الكلم وتأخذه بقوة ،وتدرج في البيان المنقطع
النظير يسهل الفهم والعمل ،وأسئلة تشنف السماع
وتجذب الفكار والبصار ،وتنبيهات وابتسامات فيها بشائر
تتوق إليها النفوس ،وتشرئب لها العناق ،وإنذار تخفق له
القلوب وتقشعر منه الجلود ،وقصص تثقف العوام وتزيل
البهام وتشد السامعين ،وتكرار يرسخ كبار المهمات في
اللباب ،وَقسم يؤكد المعاني ويهز المشاعر وينور
البصائر ،وخطب مؤثرة تأخذ بسامعيها في رحاب التعليم
لبيان اليمان والحلل والحرام والجنة والنار.
المبحث الثاني :مشكلة حقوق المرأة
لقد أسرفت أجهزة العلم والمنظمات الدولية بكثرة
الدندنة حول هذه المشكلة ،وفي الوقت نفسه تغافلت
عن رحمة النبي بالمرأة وإعطائها حقوقها كاملة،
وبعض الجهزة العلمية والجهات الدولية أنكرت هذه
الرعاية والعناية؛ لنها تعاني من مشكلت عويصة في
مجال حقوق المرأة فتريد تعميم ذلك وتخلط الوراق،
ولكن بعض أصحاب القرار أدرك الخطر الذي ينحدرون
ذروا من الوضع الراهن للمرأة وصاروافيه فقد ح ّ
ينشدون عّزة السلم للمرأة والسرة.
وهذه نصيحة الزعيم السوفيتي السابق )ميخائيل
ً
جورباتشوف( في كتابه )البيريسترويكا( إذ يقول :غالبا ما
ينظر إلى درجة تحرير المرأة كمقياس للحكم على
المستوى الجتماعي والسياسي للمجتمع .لقد وضعت
الدولة السوفيتية حدا ً للتمييز ضد المرأة الذي كان سائدا ً
في روسيا القيصرية بتصميم دون مساومة ،وكسبت
المرأة مكانة اجتماعية يضمنها القانون وتتساوى مع
مكانة الرجل ونحن نفخر بما قدمته الحكومة السوفيتية
للمرأة :نفس الحق في العمل كالرجل ،والجر
المتساوي للعمل المتساوي والضمان الجتماعي.
وأتيحت للمرأة كل فرصة للحصول على التعليم لبناء
مستقبلها ،وللمشاركة في النشاط الجتماعي
والسياسي .وبدون إسهام المرأة وعملها المتفاني ما
100
كان بمقدورنا أن نبني مجتمعا ً جديدا ً أو نكسب الحرب
ضد الفاشية .ولكن طوال سنوات تاريخنا البطولي
والشاق عجزنا عن أن نولي اهتماما ً لحقوق المرأة
الخاصة ،واحتياجاتها الناشئة عن دورها كُأم وربة منـزل
ووظيفتها التعليمية التي ل غنى عنها بالنسبة للطفال.
إن المرأة إذ تعمل في مجال البحث العلمي ،وفي
مواقع البناء ،وفي النتاج والخدمات ،وتشارك في
النشاط البداعي ،لم يعد لها وقت للقيام بواجباتها
اليومية في المنـزل )العمل المنـزلي ,وتربية الطفال
وإقامة جو أسري طيب( .لقد اكتشفنا أن كثيرا ً من
مشاكلنا -في سلوك الطفال والشباب وفي معنوياتنا
وثقافتنا وفي النتاج -تعود جزئيا ً إلى تدهور العلقات
السرية ،والموقف المتراخي من المسئوليات السرية.
وهذه نتيجة متناقضة لرغبتنا المخلصة والمبررة سياسيا ً
لمساواة المرأة بالرجل في كل شيء .والن في مجرى
البيريسترويكا بدأنا نتغلب على هذا الوضع .ولهذا السبب
فإننا نجري الن مناقشات حادة في الصحافة ،وفي
المنظمات العامة ،وفي العمل والمنـزل ،بخصوص
مسألة ما يجب أن نفعله لنسهل على المرأة العودة إلى
)(1
رسالتها النسائية البحتة.
وقال المهتمون بحقوق المرأة ) إن المرأة تشكل
نصف المجتمع ( وذلك بمنطوق الحصاء .كل بل هي
المجتمع كله لنها تشكل أكثر من نصف المجتمع وتلد
النصف الخر ،ولها دور في التأثير في البناء والزواج
والخوة ،فهي إذا كانت على هدى الصراط المستقيم
مة بقيم الرجال البطال ،وسترقى إلى ُ
فإنها سترفل ال ّ
إيجاد المجتمع الطيب المنشود ،كما قال الشاعر حافظ
إبراهيم:
أعددت شعبا طيب لم مدرسة إذا ا ُ
العراق أعددتها
1
-1كتاب البيريسترويكا لميخائيل جورباتشوف ص . 138
101
والنبي أدرك أثرها ومكانتها من الرجال فقال:
الرجال") ،(1وعرف أثر الزوجة "إنما النساء شقائق
ُ
الصالحة عمليا ً منذ زواجه بأم المؤمنين خديجة بنت
خويلد السدي كيف قامت بحق الزوج؟ وكيف نافحت
عن الدعوة وآزرت زوجها منذ بداية البعثة؟ وكيف
بذلت من أجل الدعوة ومن أجل بيت زوجها ،إنها نموذج
للمرأة المؤمنة التي جمعت بين الدنيا والخرة ،فقد
عرف حق الزوجة بل هو الذي أرسى دعائم حقوق
المرأة من خلل أقواله السديدة وأفعاله الرشيدة
فحفلت السنة النبوية بتطبيقات عملية في مجال حقوق
المرأة حتى أحاطت بها الرحمة النبوية منذ ولدتها حتى
مماتها فإذا بقاموس حقوق المرأة قد انتظم عقده،
واجتمعت مفرداته ودقائق جزئياته ،فلم يترك ل شاردة
ول واردة إل أحصاها في ديوان السنة النبوية الشريفة
التي حفلت بالقوال الفصيحة والتطبيقات الصحيحة،
وسيأتي استعراض جملة منها.
إن المرأة المسلمة شريكة الرجل المسلم في تعمير
الرض واستخلفها وفي بناء المجتمع وشد أواصره ،لذا
كان لبد لها من المشاركة والتعاون في بناء البيت
المسلم وفي مجالت الحياة الخرى التي تتناسب مع
خصائصها بشرط أن ل يكون البيت ضحية ذلك العمل،
كما بين نبي الرحمة أثرها في مسؤولية البيت الذي
ح ُ
صل َ ح َصل ُ َ
هو أساس المجتمع إذ البيت لبنة من لبنات إذا َ
المجتمع وإذا فسد فسد المجتمع ،فقد حدد مسؤليتها في
الحديث العظيم "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته...
والمرأة راعية في بيت زوجها وولده ،فكلكم راٍع وكلكم
)(2
مسؤول عن رعيته".
1
-1أخرجه المام أحمد في المسند ح 26195وصححه محققوه
وأخرجه أبو داوود في )السنن -كتاب الطهارة -باب في
الرجل يجد البلة في منامه ح ،(236وصححه السيوطي في
الجامع الصغير )انظر فيض القدير ،(2/562وصححه اللباني
في صحيح الجامع الصغير ح .2329
2
-صحيح البخاري -كتاب النكاح -باب المرأة راعية في بيت
زوجها ،ح . 5200
102
وهذا ل يعني اقتصار مهمتها في البيت إنما هو واجبها
الساس ،ولها حق المشاركة فيما يخدم المجتمع بما
يليق لمقامها ويحافظ على شخصيتها ،ويرضي ربها
سبحانه وتعالى.
ولقد ُبذلت جهود كبيرة في مجال حقوق النسان من
كتابات ومؤتمرات وندوات وخصوصا في مجال حقوق
حبرت فيها الكتب والمقالت والمحاضرات، المرأة ،ف ُ
واضطربت فيها القلم ما بين إنصاف وإجحاف ،وما بين
مبالغة ومغالطة ،وحينما نحصي نتائجها نجد كثيرا من
الحقوق قد ُأهدرت بل قلب البعض الموازين فجعل بعض
الحقوق عيبا ً وظلما ً وتخلفا ً عن ركب الحضارة.
وبما أن موضوع حقوق المرأة له أهمية كبيرة في
جميع المجتمعات قديما ً وحديثا ً فقد دارت فيه اللسن،
وكثرت فيه المناقشات ،ونزلت فيه المساومات.
فمن ذا الذي يقرر حقوقها؟ وعلى أي أساس ينبني
هذا القرار؟
إن الذي يقرر هذه الحقوق ليس الذين يميلون
ويتعصبون إلى أحد الجنسين من الرجال والنساء ،ول
الذين جرفتهم دوافع الغرائز والشهوات إلى مكان
سحيق ،ول أرباب المتاجرة بأعراض النساء والناس.
وإنما الذي يقرر هو خالق النسان سبحانه وتعالى الخبير
بمخلوقاته الذي نزل القران الحكيم تبيانا لكل شيء أنزله
ُ
مة ما أنزل الله على على رسوله المين ليبين لل ّ
رسوله المين ،قال الله تعالى ﴿وأنزلنا إليك الذكر
لتبين للناس ما نزل إليهم﴾ ]النحل ،[44/وهذا التشريع قد
أحاط بجميع حقوق المرأة ،ومنح المرأة المكانة
المرموقة الكريمة التي جذبت أنظار الشرق والغرب،
وإليك شهادة من امرأة غربية محايدة إذ تقول
المستشرقة النكليزية إيفلين كوبولد :كتبت اللدي ماري
مونتكاد ،زوجة السفير النجليزي في تركيا إلى شقيقتها
تقول) :يزعمون أن المرأة المسلمة في استعباد وحجر
معيب ،وهو ما أود ّ تكذيبه فإن مؤلفي الروايات في أوربا
103
ل يحاولون الحقيقة ول يسعون للبحث عنها ،ولول أنني
في تركيا ،وأنني اجتمعت إلى النساء المسلمات ما كان
لذلك سبيل ،وإني استمع إلى أخبارهم وحوادثهم وطرق
دق ما يكتبه الك ُّتاب،
معيشتهم من سبل شّتى لذهبت أص ّ
ذب كل التكذيب أخبارهم ،ول أبالغ إذا ولكن ما رأيته يك ّ
قررت لك أن المرأة المسلمة وما رأيتها في الستانة
أكثر حرية من زميلتها في أوربا ،ولعلها المرأة الوحيدة
)(1
التي ل تعنى بغير حياتها البيتية.(...
إنها كلمة إنصاف من امرأة محايدة عايشت المسألة
عن قرب فأدلت بدلوها.
وحينما نتأمل السيرة النبوية في إعطاء حقوق المرأة
نجد عناية فائقة وأمانة دقيقة في إعطاء حقها ،ولو تتبعنا
تلك السيرة العطرة لرأينا مفردات حقوق المرأة قد
انتظمت في عقد متكامل يكاد أن يشتمل على قاموس
حقوق المرأة من ولدتها إلى موتها ودفنها ،وقد كانت
التطبيقات النبوية في التعامل مع المرأة في كل مراحله
من أوضح السبل التي ترشد المجتمع لممارسة هذه
الحقوق ،وإليكم بعضها كما يلي:
ل :حق حسن المعاشرة: أو ً
لقد حثنا النبي على حسن المعاشرة للزوجة،
وثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت :قال رسول الله
)(2
" :خيركم خيركم لهله ،وأنا خيركم لهلي".
هكذا كانت عناية النبي بحسن عشرة المرأة
بالقول والعمل ،وهو يفصح عن مكانة المؤمن الذي
يحسن عشرة زوجته وفيه ترغيب في ذلك بأسلوب
مشوق مشرق.
-ينظر :قالوا عن السلم ص . 426 - 425 1
2
) -2سنن الترمذي 5/709ح - 3895ك المناقب ،ب فضل
أزواج النبي .(قال أبو عيسى :هذا حديث حسن غريب
صحيح ...وأخرجه ابن حبان في صحيحه )الحسان 9/484ح
.(4177قال محققه :إسناده صحيح .وصححه اللباني )صحيح
الترمذي .(3/245وأخرج له الحاكم شاهدا ً من حديث أبي
هريرة بدون الجملة الخيرة )المستدرك (3/311،312وقال :
صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ،ووافقه الذهبي(.
104
ثانيًا :الوصية بالنساء إذا صدر منهن ما يكره:
وحسن المعاشرة مطلوبة حتى لو صدر منها ما يكره
لنه يمكن أن يكون ذلك المر خيرا ً في المستقبل.
وقد أكد النبي على ذلك ونبه أنه إذا كره منها خلقا ً
فإنه سيرضى على خلق آخر منها فيسد ذلك الخلل ،فقد
أخرج مسلم بسنده عن أبي هريرة ،قال :قال رسول
خُلقا ً رضي
الله " :ل يفرك مؤمن مؤمنة .إن كره منها ُ
)(1
منها آخر" أو قال" :غيره".
وهذا الحديث الشريف يغفل عنه كثير من الزواج
المسارعين بالطلق فُيطلق بسبب أمر يكرهه في
زوجته ،وينسى المور الحسنة الكثيرة إذا تأمل ذلك،
وهذا أمر خطير يهدد حصون الحقوق الجتماعية
ويقوضها.
ثالثًا :النهي عن العنف:
كثر في هذا الزمان الشكوى من النساء بسبب
الضرب والعنف من أزواجهن ،وهذا أمر خطير جدًا ،فإنه
يهدد السرة بالسقوط ناهيك عما يفتك في نفس المرأة
لما فيه من الثار السيئة ،لذلك نهى النبي عن ذلك
وبأسلوب فيه التذكير بحاجة الرجال إلى النساء.
ح عن عبد الله بن زمعة عن النبي قال" :ل وص ّ
يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم ُيجامعها في آخر اليوم".
)(2
1
-3الصحيح – كتاب الرضاع -باب الوصية بالنساء 2/1091ح
.1469
2
-1صحيح البخاري -كتاب النكاح -باب ما يكره من ضرب
النساء ،ح .5204
105
خامسًا :حق الزوجة في أن يشارك الزوج
في أعمال البيت:
لقد كان النبي يقوم ببعض العمال البيتية لتخفيف
ح عن السود قال :سألت أعباء العمل على أهله ،وقد ص ّ
عائشة ما كان النبي يصنع في بيته؟ قالت :كان يكون
في مهنة أهله -تعني :خدمة أهله -فإذا حضرت الصلة
)(1
خرج إلى الصلة.
106
قال :قال رسول الله " :يا عبد الله ألم ُأخَبر أنك
تصوم النهار وتقوم الليل" قلت :بلى يا رسول الله .قال:
"فل تفعل صم وأفطر وقم ونم فإن لجسدك عليك حقا،
)(1
وإن لعينك عليك حقا ،وإن لزوجك عليك حقا".
ثامنًا :حقها في طلب عدم التطليق بالتنازل
عن بعض حقوقها:
للمرأة الحق في طلب عدم التطليق إذا كان زوجها
أراد طلقها بسبب كبر سنها بأن تتفق مع زوجها بالتنازل
لم المؤمنين سودة عن بعض الحقوق ،وقد حصل ذلك ُ
ح عن عائشة﴿ :وإن امرأة خافت من بنت زمعة ،فقد ص ّ
بعلها نشوزا ً أو إعراضا ً﴾ ]النساء [128/الية .قالت:
صحبتها. ُ
أنزلت في المرأة تكون عند الرجل .فتطول ُ
فُيريد طلقها فتقول :ل تطّلقني وأمسكني ،وأنت في
)(2
ح ّ
ل مّني .فنـزلت هذه الية.
ت سودة رضي الله وثبت عن ابن عباس قال :خشي ْ
عنها أن ُيطلقها النبي فقالت :ل ُتطلقني وأمسكني،
واجعل يومي لعائشة ففعل فنـزلت ﴿فل جناح عليهما أن
)(3
صلحا ً والصلح خير﴾ ]النساء.[128/ يصلحا بينهما ُ
وفي هذا الفعل النبوي عناية خاصة بحق المرأة حتى
أثناء الطلق ،وتطبيق هذه العناية تقلل من حوادث وقوع
الطلق التي زادت بشكل سريع ومخيف.
تاسعًا :حق المتعة للمرأة المطلق بعد
الطلق:
1
-3صحيح البخاري -كتاب النكاح -باب لزوجك عليك حق ح
،5199وأخرجه مسلم في صحيحه -كتاب الصيام -باب النهي
عن صوم الدهر 2/813ح . 182
2
-4صحيح مسلم – كتاب التفسير 4/2316 ،ح ،3021وصحيح
البخاري -كتاب التفسير،سورة النساء – باب قوله تعالى ﴿وإن
امرأة خافت من بعلها نشوزا ً أو إعراضا ً﴾ بنحوه ح .4601
3
-1قال الترمذي :هذا حديث حسن غريب).السنن 5/249ح/
3040وصححه اللباني في صحيح سنن الترمذي( .وفيه
سماك بن حرب وروايته عن عكرمة فيها اضطراب ول يضر
لنه ثبت عن عائشة فيما أخرجه الحاكم وصححه ووافقه
الذهبي )المستدرك (2/186وانظر)الفتح .(9/313
107
هذه المتعة من الحقوق للمرأة المطلقة متروكة ،فلم
نجد أحدا ً في زماننا من يقوم بهذا الحق إل من رحم الله
تعالى ،وهو حق مشروع من القرآن الكريم والسنة
النبوية الشريفة قال الله تعالى ﴿وللمطلقات متاع
بالمعروف حق على المتقين﴾ ]البقرة ،[241/وفي غيرها
صت على مشروعية تكريم المطلقة. من اليات التي ن ّ
ح عن سهل بن سعد سنة الفعلية ،فقد ص ّ أما من ال ّ
ُ
وأبي أسيد رضي الله عنهما قال" :تزوج النبي أميمة
بنت شراحيل ،فلما ُأدخلت عليه بس َ
ط يده إليها ،فكأنها
كرهت ذلك ،فأمر أبا أسيد أن يجهزها وكسوها ثوبين
)(1
رازقيين ".
عاشرا :الحق السياسي للمرأة: ً
ج المرأة في كل مرافق تحرص بعض الراء على ز ّ
السياسة وثمة فئة أخرى على نقيض ذلك ترى حرمانها
من كل شيء سياسي ،وكلهما فيه نظر؛ لنه ما بين
إفراط وتفريط ،أما الوسطية في السلم فقد جعلت
الحق السياسي للمرأة ثابتا ً متوازنا ً فلها أن تبايع المام,
وأن تستشار فيما يفيد في الشؤون السياسية ،ولها أن
تجير كما سيأتي عن ُأم هانئ رضي الله عنها ،وغير ذلك
مما سيأتي ذكره ودليله.
وإذا كان السلم قد أعفاها من مناصب الحكم
والقيادة فإنه قد كلفها بإعداد البطال والقادة وقد قيل:
)إن وراء كل عظيم امرأة( ،وهو قول حكيم لن لمساتها
التربوية السلمية تيمم وجه أولدها شطر المعالي
والعوالي ،وهي في الوقت نفسه توفر السكن والراحة
لزوجها إن كان حاكما ً أو محكوما ً إذ هي تهيأ له السعادة
الزوجية بتوفير أسباب الراحة له فتمكنه من أداء واجباته
اتجاه أمته ومسؤولياته ،وعلى العكس فإن إخفاقها في
أمور السكن للزوج يعكس ذلك على عمله وحركته مع
أمته ،فيتجلى أثرها في نشأة الولد الذي من الممكن أن
1
-2صحيح البخاري -كتاب الطلق -باب من طلق ،وهل يواجه
الرجل امرأته بالطلق؟ ح .5256
108
يكون في المستقبل هو الرجل القائد ،وفي مؤازرة
الزوج القائد وإعانته على مهامه .وأما الدليل على
إعفائها من منصب الحكم فقوله تعالى﴿ :الرجال
وامون على النساء﴾ ]النساء ،[34/فهذه الية الكريمة ق ّ
صريحة بذكر قوامة الرجال على النساء في البيت
وخارجه ،ولما كانت قوامة منصب الدولة أعظم من
قوامة البيت فإن القوامة فيها للرجال من باب أولى،
سنة النبوية ،كما ثبت عن أبي بكرة وكذلك في ال ُ
قال :لما هلك كسرى قال " من استخلفوا؟" قالوا:
ابنته فقال النبي " :لن يفلح قوم وّلوا أمرهم امرأة".
)(1
-أخرجه الترمذي وقال :حسن صحيح -السنن -كتاب الفتن - 1
109
ك كلمًا ،أي يقول ذلك قال ابن حجر :قوله :قد بايعت ِ
كلما ً فقط ل مصافحة باليد كما جرت العادة بمصافحة
)(1
الرجال عند المبايعة.
ُ ُ
وقد ورد بعض أسمائهن منهن :أميمة بنت بشر ،وأم
كلثوم بنت عقبة ،وسبيعة بنت الحارث السلمية ،وبروع
)(2
بنت عقبة ،وعيدة بنت العزى.
الثاني عشر :استشارة المرأة:
ُ
وأما استشارة المرأة فقد استشار النبي أم سلمة
ح أنه في أحرج الوقات ،وذلك في صلح الحديبية ،فقد ص ّ
عندما فرغ من قضية الكتاب ،قال رسول الله
لصحابه" :قوموا فانحروا ثم احلقوا،فلم يقم أحد منهم
حتى قال ذلك ثلث مرات ،فلم يقم أحد منهم" فدخل
رسول الله على ُأم سلمة ،فذكر لها ما لقي من
الناس .فقالت :يا نبي الله أتحب ذلك؟ أخرج ثم ل تكلم
أحدا ً منهم كلمة حتى تنحر ُبدنك ،وتدعو حالقك فيحلقك.
)(3
فخرج فلم يكلم أحدا ً منهم حتى فعل ذلك.
وفي هذا الحديث التطبيق الفعلي للنبي مشروعية
المشاورة مع المرأة .وفيه منهاج تربوي حكيم في هذه
المشاركة السياسية فهو يجعل المرأة واثقة بنفسها
مة مكانة ُ ُ
مة ،وفي الوقت نفسه يبين لل ّ متفكرة بهموم ال ّ
المرأة في الستشارات والقرارات السياسية.
الثالث عشر :إجارة المحارب:
أجمع العلماء على جواز إجارة المرأة والمان على
أحد من العداء المحاربين) (4واستدلوا بما رواه البخاري
بسنده عن ُأم هانئ بنت أبي طالب قالت :ذهبت إلى
2
-1صحيح البخاري -كتاب التفسير،سورة الممتحنة – باب قوله
تعالى ﴿يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك﴾ ،ح ،4891
ومسلم )الصحيح -كتاب المارة ،باب كيفية بيعة النساء/ 3 ،
1489ح . (1866
1
-2فتح الباري . 8/636
2
-3ينظر فتح الباري . 5/348
3
-4صحيح البخاري -كتاب الشروط -باب الشروط في الجهاد
ح . 2732-2731
4
-5انظر الجماع لبن المنذر ،ص . 61
110
رسول الله عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته
تستره فسلمت عليه ،فقال" :من هذه؟" فقلت :أنا ُأم
هانئ بنت أبي طالب ،فقال" :مرحبا ً بُأم هانئ" فلما فرغ
من غسله قام فصلى ثماني ركعات ملتحفا في ثوب
واحد ،فقلت :يا رسول الله زعم ابن ُأمي علي أنه قاتل
رجل قد أجرته فلن بن هبيرة ،فقال رسول الله " قد
ت يا ُأم هانئ" قالت ُأم هانئ :وذلك
أجرنا من أجر ِ
)(1
ضحى.
قال العيني :وفيه من الفقه جواز أمان المرأة وأن
من أمنته حرم قتله ،وقد أجارت زينب بنت رسول الله
أبا العاص ابن الربيع .وعلى هذا جماعة الفقهاء
بالحجاز والعراق منهم مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد
وأبو ثور وإسحاق وهو قول الثوري والوزاعي ،وشذ ّ عبد
الملك بن الماجشون وسحنون عن الجماعة فقال :أمان
المرأة موقوف على إجازة المام فإن أجازه جاز ،وإن
)(2
رّده ُرّد.
إن هذا الجواز للمان لهو إقرار صريح لهذا الحق
السياسي عند فتوح البلدان واستقامة النسوان.
الرابع عشر :المشاركة في الغزو بمداوة
الجرحى وسقي الماء:
للمرأة حق في المشاركة في الغزو إذا كانت قادرة
على التداوي وحمل الماء للسقي ،مع مراعاة الضوابط
الشرعية في ذلك ،ولهن حقوق مالية على ذلك كما
سيأتي.
أخرج مسلم بسنده أن َنجدة كتب إلى ابن عباس
خلل .فقال ابن عباس :لول أن أكتم يسأله عن خمس ِ
علما ً ما كتب ُ
ت إليه .كتب إليه َنجدة :أما بعد .فأخب ِْرني هل ِ
نكان رسول الله يغزو بالنساء؟ وهل كان يضرب له ّ
بسهم؟ وهل كان يقتل الصبيان؟ ومتى ينقضي ُيتم
1
-1الصحيح كتاب الجزية والموادعة ،باب أمان النساء وجوارهن
ح ،3171وأخرجه مسلم في صحيحه -كتاب الصلة -باب
استحباب صلة الضحى 1/498 ،ح . (719/82
2
-2عمدة القاري . 15/93
111
اليتيم؟ وعن الخمس ِلمن هو؟ فكتب إليه ابن عباس:
ت تسألني هل كان رسول الله يغزو بالنساء؟ وقد كتب َ
ن فيداوين الجرحى ،وُيحذين من الغنيمة. كان يغزو به ّ
)(1
ن.
وأما بسهم فلم يضرب له ّ
وفي هذه السنة النبوية الفعلية إعطاء المرأة حقها
من المشاركة في الغزو بالقيام بمداواة الجرحى وحمل
الماء للسقي ،ووجوب دفع أجورها المالية على ذلك.
الخامس عشر :حق العدل في تعدد الزوجات:
إن التعدد تثار حوله جدالت بأنه هضم لحق المرأة
وظلم لها بل هو حق للمرأة المهددة بالعنوسة ،وخصوصا ً
أن عدد الناث يزداد على عدد الذكور ،فأين يذهب ذلك
العدد الزائد والمضاعف أحيانًا؟ وأين حقه من الزواج؟
من أجل ذلك وغيره من السباب جاءت الشرائع
السماوية بإباحة التعدد وكان خاتمها السلم ،فإن ما بعد
الزوجة الولى تأخذ حقها المشروع عند زوجها وبما ُأمر
به من العدل بين زوجاته ،فالتعدد مشروط بالعدل
ويحتاج إلى صبر ومداراة ومقدرة على النفقة والتربية،
وقد حذّر نبي الرحمة من الميل إلى أحد الزوجات
بتقديم وتفضيل إحداهن على الخرى فقد أخرج أبو داود:
بسنده عن أبي هريرة ،عن النبي قال" :من كانت له
امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه
)(2
مائل".
من تطبيقه لحق الزوجات في السفر أن يعدل
بينهن فيجعل بينهن القرعة فأيهما يخرج سهمها كان
نصيبها أن تسافر معه وذلك تطييبا ً للقلوب وعدم الميل
إلى إحداهن .فقد أخرج البخاري بسنده عن عائشة رضي
1
-3الصحيح – كتاب الجهاد والسير -باب النساء الغازيات يرضخ
لهن 1445-3/1444 ،ح .1812
2
-1السنن 2/242ح - 2133ك النكاح ،ب في القسم بين
النساء .والحاكم في )المستدرك (2/186قال الحاكم :صحيح
على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأقره الذهبي .ونقل ابن
حجر عن ابن دقيق العيد قوله :إسناده على شرط الشيخين
ونقل عن عبد الحق قوله :خبر ثابت )التلخيص الحبير
.( 3/201
112
الله عنها زوج النبي قالت :كان رسول الله إذا أراد
أن يخرج أقرع بين أزواجه ،فأيتهن خرج سهمها خرج بها
رسول الله معه .قالت عائشة :فأقرع بيننا في غزوة
)(1
غزاها فخرج سهمي...
قال ابن حجر :قوله "أقرع بين أزواجه" فيه
)(2
مشروعية القرعة والرد على من منع منها.
السادس عشر :حقها في عدم الجمع بينها
وبين أختها أو عمتها أو خالتها:
وكذلك تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها ،كما
نهى النبي في قوله" :ل يجمع بين المرأة وعمتها ول
بين المرأة وخالتها" وفي رواية :نهى رسول الله أن
ُتنكح المرأة على عمتها أو خالتها) .(3لن هذا التعدد يؤدي
إلى قطيعة الرحام بسبب ما يقع من الغيرة بين النساء،
وفي ذلك حق للمرأة في عدم قبولها لهذا التعدد.
السابع عشر :استئذان البكر في النكاح
وللثيب الخيار:
من حق البكر أن ُتستأذن عند النكاح فل ُتجبر على
ذلك ،فقد أخرج البخاري بسنده عن أبي سلمة ،أن أبا
هريرة حدثهم أن النبي قال" :ل تنكح اليم حتى
تستأمر ،ول تنكح البكر حتى تستأذن" ،قالوا :يا رسول
الله وكيف إذنها؟ قال" :أن تسكت").(4
هكذا جعلت السنة النبوية هذه الخيارات حقا ً للمرأة
البكر والثيب حتى ل تجبر على المكروه ول تقهر عليه بل
يكون المر بطيب نفس وتآلف ،لن الكراه له مشاكله
في المستقبل وقد يؤدي إلى الطلق كما تشاهد في هذا
1
-2الصحيح -كتاب التفسير ،سورة النور -باب قوله تعالى ﴿
لول إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا﴾ الية ح
.4750وصحيح مسلم -كتاب التوبة -باب في حديث الفك
وقبول توبة القاذف 4/2129 ،ح .2770
2
-3فتح الباري 8/458
3
-1صحيح البخاري – كتاب النكاح -باب ل تنكح المرأة على
عمتها ،ح 5108و .5109
4
–2الصحيح – كتاب النكاح – باب ل ينكح الب وغيره البكر
والثيب إل برضاهما ح .5136
113
الزمان ،فهذه السنة العظيمة تقلل من وقوع الطلق،
وتجنب الوقوع في المشاكل والخصومات.
الثامن عشر :حقها في الخلع:
إذا تنافرت النفوس وجب على المسلمين حق الصلح
بين المتنافرين ،وهذا التنافر قد يمس بيت الزوجية ،فإذا
نفر الرجل من امرأته وجب الصلح ،فإن لم ينفع فللرجل
حق الطلق ،وكما أن السلم جعل له هذا الحق فكذلك
للمرأة حق الخلع عندما تنفر من زوجها بسبب الدمامة
أو أي مبرر مشروع فلها الحرية بأن تختار البقاء أو الصبر
على ذلك وأجرها على الله تعالى ،ولها الخلع بأن ترد ّ
على زوجها ما أخذته من صداق.
أخرج البخاري بسنده عن ابن عباس أن امرأة ثابت
بن قيس أتت النبي فقالت :يا رسول الله ثابت بن
قيس ما أعتب عليه في خلق ول دين ،ولكني أكره الكفر
ن عليه حديقته؟ في السلم ،فقال رسول الله " :أتردي َ
" قالت :نعم .قال رسول الله " :أقبل الحديقة وطّلقها
)(1
تطليقة".
التاسع عشر :حقها في عدم تعرضها إلى
الخلوة:
يرتقي المجتمع حينما يسمو بتعاليم السلم ،ومنها
المحافظة على عرض المرأة من الخلوة بالجنبي أو
أقارب الزوج ،فمن حقها صيانة عرضها بأن ل نعرضها
إلى أسباب الخلوة التي تفضي إلى ما ل يحمد عقباه ،لذا
قد حذر النبي من هذا المر.
أخرج البخاري بسنده عن عقبة بن عامر أن رسول
الله rقال" :إياكم والدخول على النساء" فقال رجل من
النصار :يا رسول الله ،أفرأيت الحمو؟ قال" :الحمو
)(2
الموت".
1
-1صحيح البخاري -كتاب الطلق -باب الخلع ح .5273
2
-2الصحيح -كتاب النكاح -باب ل يخلون رجل بامرأة ،ح
،5232وأخرجه مسلم )الصحيح -كتاب السلم -باب تحريم
الخلوة بالجنبية 4/1711 ،ح .(2172
114
العشرون :حقها في طلب مرافقة المحرم
في السفر الضروري المهم:
للمرأة الحق بأن تطلب من وليها أن يرافقها أحد
المحارم في السفر المهم والضروري ،وقد جعل بعض
الناس هذا الحق تقييد وتشديد على المرأة وهذا خطأ
وخطر ،لن السفر بمفردها يعرضها إلى مهانة ومشقة
ومخاطر من حيث حمل الشياء ،والقيام بالمعاملت
الرسمية ،وتعرضها إلى الخلوة أحيانا ً وإلى الحتكاك
بالذين في قلوبهم مرض فيطمعون بهذه الفرصة ماديا ً
ح عنه أنه قال: ذر النبي من ذلك وص ّ أومعنويًا ،وقد ح ّ
"ل يخلون رجل بامرأة إل ومعها ذو محرم ،ول تسافر
المرأة إل مع ذي محرم" فقال رجل :يا رسول الله ،إن
جة ،وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا. امرأتي خرجت حا ّ
)(1
فقال :فانطلق فحج مع امرأتك.
الحادي والعشرون :حق المرأة في أن تكون
زوجة ثانية أو ثالثة أو رابعة:
يظن كثير من الجهلة أن موافقة الزوجة الثانية أن
تكون ضرة لسابقتها عيب وهجوم على الزوجة الولى
وحرمان لها من حقوقها ،لنها ستشاركها مع زوجها،
وهكذا إذا كانت زوجة ثالثة ورابعة ،وكل ذلك من الجهل
بعظمة هذا الدين الذي تكفل بحقوق الزوجات ،فقد
شرع الله لهذه الزوجة الثانية والثالثة والرابعة حق
الزواج في قوله تعالى ﴿فانكحوا ما طاب لكم من النساء
مثنى وثلث ورباع﴾ ]النساء ،[3/ويستنبط من هذه الية
إثبات هذا الحق لها ،وقد ذكرت في الحق الخامس
عشر :حق العدل في تعدد الزوجات المزيد على هذا.
وهذا الحق يبينه النبي عمليا تطبيقيا في أزواجه
وفي إقراره للصحابة على التعدد إلى أربع زوجات
بشرط العدل والقيام بالحقوق حسب ما يرضي الله
تعالى.
1
-3صحيح البخاري -كتاب النكاح -باب ل يخلون رجل بامرأة ح
. 5233
115
الثاني والعشرون :حقها في شأن إقامة
الحدود في تأخير الحد عن النفساء:
إن المرأة لها حقوقها وحرمتهــا حــتى لــو وقعــت فــي
بعض المحرمات الــتي فيهــا حـد ّ مــن حــدود اللــه تعــالى،
خر حــتى تــزول وخصوصا ً إذا كانت نفســاء فــإن الح ـد ّ ي ُــؤ َ
فترة النفاس.
أخرج مسلم بسنده عن أبي عبد الرحمن قال :خطب
ي فقال :يا أيها الناس! أقيموا على أرقّــائكم الح ـ ّ
د. عل ّ
ة ِلرســول اللــه مـ ً من أحصن منهم ومن لم ُيحصن .فإن أ َ
زنت .فأمرني أن أجلدها .فإذا هي حديث عهد بنفاس.
ت ،إن أنا جلدتها ،أن أقتلها .فذكرت ذلك للنــبي فخشي ُ
)(1
ت".
فقال" :أحسن َ
قال النووي :فيه أن الجلد واجب علــى المــة الزانيــة،
وأن النفساء والمريضة ونحوهما يؤخر جلدهما إلى الــبرء
)(2
والله أعلم.
الثالث والعشرون :تأخير الحد على الحامل
حتى ترضع:
ً ً
فإذا قتلت المرأة الحامل نفسا عمدا بغير حق ولم
ف عنها ,أو حملت من زنا بعد إحصان وهي حرة فإنه ُيع َ
ل يقام عليها الحد أو القصاص حتى تضع حملها بل إذا لم
يوجد للطفل من يكفله غيرها فإنها تترك لحضانته حتى
د ،وذلك رعاية يفطم ويوجد من يكفله ،ثم يقام عليها الح ّ
للطفل حتى ل يتضرر.
الرابـــع والعشـــرون :حقهـــا فـــي التطهيـــر
والتوبة:
إن كثيرا من الحدود تدفع بالشبهات ول تقام ولكن إذا ً
وقعت المرأة في ظلمــات الفاحشــة وأصــرت أن تطهــر،
فإذا أقرت وثبت المر فإن من حقها الستجابة لها.
أخرج مسلم بســنده عــن عمــران بــن حصــين ،أن
اللــه ،وهــي حبلــى مــن جهينة أتت نبي امرأة من ُ
1
-الصــحيح -كتــاب الحــدود -بــاب تــأخير الحــد عــن النفســاء،
3/1330ح .1705
2
-شرح النووي على صحيح مسلم . 11/214
116
ي .فــدعاالزنى .فقالت :يا نبي الله! أصبت حد ّا ً فأقمه عل ّ
ســن إليهــا ،فــإذا وضــعت نبي الله وليها .فقــال" :أح ِ
كت عليهــا شـ ّ
فائتني بها" ففعل .فأمر بها نــبي اللــه .ف ُ
ثيابها .ثم أمر بها فُرجمت ثم صلى عليها .فقال له عمــر:
تصلي عليها؟ يا نبي اللــه وقــد زنــت! فقــال" :لقــد تــابت
توبة لو ُقسمت بين سبعين مـن أهـل المدينــة لوسـعتهم،
ت توبــة أفضــل مــن أن جــادت بنفســها للــه وهــل وجــد َ
)(1
تعالى؟".
قال ابن حجر :وقد اســتحب العلمــاء تلقيــن مــن أقــر
بموجب الحد ّ بالرجوع عنه إما بالتعريض وإما بأوضح منــه
)(2
د.
لُيدرأ عنه الح ّ
الخامس والعشرون :درء حدّ الزنا عنها إذا لم
تعترف:
إذا وقعت الملعنة بين المرأة وزوجها ولــم تعــترف
)(3
117
فلما كانت عنــد الخامســة وقفوهــا ،وقــالوا :إنهــا موجبــة.
كأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع ،ثم قال ابن عباس :فتل ّ
قالت :ل أفضح قومي سائر اليوم ،فمضــت .فقــال النــبي
":أبصروها فإن جاءت به أكحل العينيــن ســابغ الليــتين
خدل ّــج الســاقين فهــو لشــريك بــن ســمحاء" فجــاءت بــه
كذلك ،فقال النبي " :لول ما مضى من كتاب الله لكان
)(1
لي ولها شأن".
ويســتفاد مــن هــذا الحــديث الشــريف احــترام مكانــة
المرأة وعدم إهدار كلمتهــا ودمهــا ،وعــدم عقوبتهــا حــتى
علم أنها كاذبة.وإن ُ
السادس والعشرون :حق الصداق:
إن الزوج له حقوق والزوجة لها حقوق ومن حقوقها
في الزواج الصداق ،وأجمع العلماء على أنه شرط من
شروط الصحة وأنه ل يجوز التواطؤ على تركه لقوله
تعالى ﴿وآتوا النساء صدقاتهن نحلة﴾ ]النساء ،[4/وقوله
تعالى ﴿فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن ﴾ ]النساء/
)(2
.[25
ً
والصداق قد يكون كثيرا وقد يكون قليل ً على قدر
طاقة الزوج.
وقد أخرج البخاري بسنده أن عبد الرحمن بن عوف
ي بشاشة ة ،فرأى النب ُ تزوج امرأة ً على وزن نوا ٍ
الُعرس ،فسأله ،فقال :إني تزوجت امرأة ً على وزن
)(3
ة.
نوا ٍ
السابع والعشرون :حق النفقة والسكن:
كما أن على المرأة أن ترعى بيت زوجها وتحرص
على مصالحه وتدبيره ،فإنه يجب على الزوج النفقة
والسكن سواء كان غنيا ً أو فقيرًا ،فقد أمر الله تعالى
118
بقوله ﴿لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه
فلينفق مما أتاه الله ل يكلف الله نفسا ً إل ما
أتاها﴾ ]الطلق ،[7/وقال تعالى في حق المطلقات أثناء
العدة ﴿أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم﴾ ]الطلق/
ق
،[6فإذا كان هذا الحكم للمطلقات في العدة فح ّ
الزوجات كذلك بل هو أوجب.
وقد أوضح النبي هذا الحق ورغب فيه فروى
مسلم بسنده عن ثوبان قال :قال رسول الله :
)(1
"أفضل دينار ينفقه الرجل على عياله."...
والعيال :من يعوله ويلزمه مؤنته كالزوجة والولد.
في الحديث الطويل عن جابر مرفوعًا" :وله ّ
ن
)(2
ن بالمعروف".
ن وكسوته ّ عليكم رزقه ّ
الثامن والعشرون :الحقوق المالية في
الرث:
تختلف أحوال المرأة في الميراث فتارة تأخذ الثلثين،
وتارة تأخذ النصف ،وتارة تأخذ الربع ،وتارة تأخذ
السدس ،وتارة تأخذ نصف ما يأخذه الذكر.
ونصيب الزوجة الربع إذا لم يكن للزوج فرع وارث،
أو الثمن إذا كان للزوج فرع وارث ،بدليل قوله تعالى ﴿
ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم
ولد فلهن الثمن مما تركتم﴾ ]النساء.[12/
وهذا التغيير حسب أحوالها وحاجتها فجاء هذا التبيان
الحكيم في غاية الدقة ،وقد أثيرت بعض الشبهات حول
نصيبها في الرث نصف ما يأخذه الذكر ،ولكن هذه حالة
واحدة ،ولها حالت أخرى ،ولكل حالة حق كما تقدم في
بداية الكلم عن هذا الحق.
التاسع والعشرون :حق الزوجة في الصدقة
غير الزكاة:
-41صحيح مسلم -كتاب الزكاة -باب فضل النفقة على العيال
والمملوك 692-2/691ح .944
-12صحيح مسلم ،كتاب الحج -باب حجة النبي ، 2/890ح 1218
.
119
وللزوجة حق الصدقة عليها من مال الزوج فهي أحق
الناس بها ولكن ل تكون هذه الصدقة من أموال الزكاة،
قال النبي لزينب امرأة عبد الله بن مسعود رضي
الله عنهما" :صدق ابن مسعود ،زوجك وولدك أحق من
)(1
تصدقت به عليهم".
ل على أنهاذكر الحافظ ابن حجر أن هذا الحديث دا ّ
صدقة تطوع ،لن الولد ل ُيعطى من الزكاة الواجبة
)(2
بالجماع كما نقله ابن المنذر وغيره...
120
على التحري والتثبت والحتياط بهذا العدد الذي انفرد عن
بقية الجرائم الخرى.
)والحكمة في ذلك أن الله تعالى يحب الستر ،كما أن
جريمة الزنا ل تقع إل من اثنين فكأن كل شاهدين
)(1
يشهدان على أحدهما(.
قال ابن القيم -رحمه الله :-وكان من تمام حكمته
ورحمته أنه لم يأخذ الجناة بغير حجة ،كما لم يعذبهم في
الخرة إل بعد إقامة الحجة عليهم ،وجعل الحجة التي
يأخذهم بها ،إما منهم وهي القرار ،أو ما يقوم مقامه من
إقرار الحال وإما أن تكون الحجة من خارج عنهم ،وهي
البينة ،واشترط فيها العدالة ،وعدم التهمة ،فل أحسن في
العقول والفطر من ذلك ،ولو طلب منها القتراح لم
)(2
تقترح أحسن من ذلك ،ول أوفق منه للمصلحة.
وعلى سبيل المثال على قلة تنفيذ الحد ّ لهذه الجريمة
مة السلم ُ
فإنه منذ أن نزل حد ّ الزنا لم نسمع في تاريخ أ ّ
ُ
أن أقيم حد ّ الزنا بتوافر أربعة شهود ،وكذلك لم ُتحد ّ
امرأة حتى لو تمت عليها الشهادة كما في الملعنة إذا لم
النبي لم يقم الحد ّ تقر بما ُنسب إليها ،فقد ثبت أن
على المرأة في قصة الملعنة كما تقدم في ص)(100
في الحق الخامس والعشرين من حقوق المرأة.
ويستفاد من هذا الحديث الشريف احترام مكانة
علم أنها المرأة وعدم إهدار كلمتها ودمها حّتى وإن ُ
كاذبة.
ولو ثبتت جريمة الزنا بالعتراف وأقيم حد الرجم فإن
هذا الزاني الذي يرجم لو طلب منهم التوقف عن ذلك
لدلء ما عنده ما يدفع عنه فينبغي أن يوقف الرجم
وُيسمع منه هل ما يقوله يعتد به أم ل؟
121
ح أن ماعز بن مالك فّر حين وجد م ّ
س وقد ص ّ
س الموت ،فقال رسول الله " :هل ّ الحجارة وم ّ
)(3
تركتموه؟".
وكذلك ل تقام الحدود عند الضرورات وعند الشبهات
لمة معالي الشيخ ابن بيه: فيأتي دور درء الحدود ،قال الع ّ
والشريعة المطهرة مع اهتمامها الشديد بسلمة المجتمع،
فإنها تقدم للفرد ضمانات أكيدة ،ل من حيث درء الحدود
بالشبهات وهي قاعدة تنسحب على الحدود وبخاصة في
جرائم الخلق وحقوق الله المحضة ،ولكنها قدمت
ضمانات على مستوى الجراءات القضائية ووسائل
الثبات ،فمنعت القاضي من أن يحكم بعلمه الشخصي،
واشترطت العدالة وزيادة العدد على اثنين في قضايا
أخلقية معينة ،وأعذرت للمتهم في البينات ليجرح الشاهد
عند القتضاء ،وأوجبت اليمان وغلظتها ،حيث يجب
التغليظ ،وألغت إقرار المكره ،ولم تعتبر إل إقرارا في
حالة طوع واختيار وحرية ،واشترطت شروطا خاصة
فيمن يتولى القضاء من علم وورع ونزاهة واستقامة إلى
)(2
آخر ما هو معروف في كتب الحكام والقضاء.
وحينما ننظر في عقوبات القوانين الوضعية نجدها
هزيلة ومتغيرة ،لقد ثبت من خلل الدراسات المقارنة
والحصاءات الدقيقة أن القوانين في العقوبات الوضعية
دلت ورقعت فإنها تافهة وسقيمة؛ لن الذين مهما ع ّ
وضعوها ما عندهم من العلم إل القليل منه ،قال الله
تعالى﴿ :وما أوتيتم من العلم إل قليل ً﴾ ]السراء.[85/
ما علم الله تعالى فقد أحاط بكل مخلوقاته علما، أ ّ
فشريعة الخالق هي المناسبة بخلقه لنه أدرى بخلقه وما
يصلح لهم من الداب والحكام والترغيب والترهيب .ومن
هذه الحكام الربانية :الحدود الشرعية كحد ّ أهل البغي
والزنا والسرقة والرّدة والحرابة والقذف وشرب الخمر،
فقد قام بها النبي على أحسن وجه ،وارتقى بالمجتمع
-3رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وحسنه وصححه اللباني )إرواء
الغليل 28 / 8ح . (2360
-22حوار عن بعد ص . 83
122
الجاهلي إلى مجتمع الحضارات وجعلها منارات تضيء
الدرب للبشرية إلى حياة طيبة وجنة كريمة.
وهذه الحكام مهجورة في العالم بل في العالم
السلمي إل ما رحم الله تعالى ،وعندما نقارن
المجتمعات التي تقيم شعائر الله تعالى وسنة رسوله
مع المجتمعات التي أهملت هذه الروادع الحكيمة عن
الجريمة نجد الحكمة العظيمة.
وعلى سبيل المثال نرى تجربة المملكة العربية
السعودية في تطبيق الشريعة السلمية ونجاحها الرائد في
إقامة الحدود إذ نجحت نجاحا باهرا ،وذلك بالقضاء على
مظاهر السلب والنهب ،والقتل والجهل ،وانتشار المن
والعدل ،والمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
من أجل ذلك نرى نسبة الجرائم ضئيلة جدا ً – والحمد
لله -فمعدلها حسب الحصاءات لعام 1416هـ يصل إلى
) (0.32في ألف من السكان بينما نجد نسبة الجريمة في
بعض دول العالم أضعافا ً مضاعفة لكل ألف من السكان
هي:
) (77.26في أسبانيا ،وفي ألمانيا الغربية )(41.71
وفي إيطاليا ) ،(20.08وفي الدانمارك ) (60.52وفي
فرنسا ) (32.27وفي أستراليا ) (75.00وفي كندا )
(75.00وفي كوريا ) ،(12.42وفي غانا ) (10.72وفي
)(1
كينيا ) (4.74وفي إندونيسيا ).(1.47
فنرى الفرق الشاسع بين هذه البلدان التي تحكم
بالقوانين الوضعية ،والمملكة العربية السعودية التي
تحكم بالشريعة السلمية مما يدل على أن هذا هو الحق،
وأنها تجربة رائدة في العالم ،وخصوصا لو زاد الهتمام
بالتدابير الوقائية للحد من الجريمة لكانت النسبة أقل.
وقد حاولت جمهورية السودان أن تطبق هذه
التجربة المباركة ،ومنذ أن بدأت بتطبيق أحكام الشريعة
فإن نسبة جريمة القتل انخفضت بشكل ملموس يصل
-أفدت هذه الحصاءات من كتاب حقوق النسان في السلم 1
123
إلى النصف تقريبًا ،ففي عام 1402هـ بلغت عدد
الجرائم ) (1155جريمة بينما انخفضت في عام 1403
هـ إلى ) (670جريمة ثم في عام 1404هـ نزلت إلى )
(663جريمة وذلك حسب دراسة ميدانية مدعمة
)(1
بالحصاءات الدقيقة.
بينما نجد الدول التي تتخبط بفوضى القوانين الوضعية
تزداد فيها نسبة الجريمة بل تدخل في أطوار جديدة ،وإن
قضية الهتمام بالدين يقلل منها ،فقد جاء في )موسوعة
القانون الجنائي وعلم الجرام ،ص ) 203-199لبيا بوزا(
و )جان بيناتا :(Pierre Bouzat et Jean Pinateiأنه نتيجة لنتشار
التعليم وتحسين الظروف القتصادية لشرائح عريضة من
المجتمع فإن جرائم القتل أصبحت يطغى عليها طابع
الحيلة أكثر من طابع العنف ,وزيادة على بعض العوامل
فإن المؤلفين يذكران تأثير الريف في ارتفاع عدد جرائم
القتل ,وتأثير الدين في الخفض منه ,وهما يذكران
دراسة أجراها المستشرق القانوني سلين M . Th. Sllinفي
موضوع العلقة بين العمل بحكم العدام أو إلغائه من
ناحية ،ومستوى الجرائم من ناحية أخرى ,ويذكر
المؤلفان أيضا ً دراسة )عزت بن عبد الفتاح( التي بينت
أن تفاقم عدد جرائم القتل بكندا منذ سنة 1962م يتدرج
)(2
ضمن تصاعد عام لجرائم العنف.
وما ورد عن هؤلء الخبراء الفرنسيين يؤكد ارتفاع
الجريمة بمرور الزمن بل يعترف بدور الدين في
انخفاضها! فهل تعي آذان المم ما يقوله الخبراء والعلماء
للوفاء بالذمم؟
ومن الدلة المهمة في ارتفاع معدل جرائم الموال ما
جاء في تقرير )المنظمة الدولية العربية للدفاع
الجتماعي التابعة للجامعة العربية( والذي أعده د.محمود
-رئيس وحدة بحوث السرة بالمركز عبد القادر
124
القومي للبحوث الجتماعية والجنائية بالقاهرة -ص 43
وما بعدها وجاء فيه:
إن معدل الجرائم ضد الموال في ارتفاع مع عملية
التنمية القتصادية ,إذ تزداد فرص العتداء على الموال
عندما يصبح المجتمع أكثر إنتاجا ً وتعقيدا ً وتحضرا ً
م نجد أن نسبة عالية من جرائم الحداث وتصنيعا ً ,ومن ث ّ
والشباب في غالبية البلد ذات طابع اقتصادي مثل
السرقة والختلس ...وتزييف الوراق الرسمية ,وتزييف
العملة أو المسكوكات وتهريب المخدرات والخطف
لطلب الفدية والرشوة وجرائم السوق السوداء ...ول
)(1
125
رضي الله عنها :يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟
)(1
قال" :نعم إذا كثر الخبث".
لذا فإن الثبات على الشريعة السلمية بالسنة النبوية
الرحيمة هو نجاة لذلك المجتمع الثابت فل تزال هذه
مة الثابتة على ُ ُ
مة بخير ما عظمت حرمتها فهذه ال ّ ال ّ
الحق تستطيع بمشيئة الله تعالى أن تمد يديها لجميع
المسلمين ولغير المسلمين ليحذروا من مغبة ترك أحكام
الله تعالى والخذ بآراء البشر الضعفاء ﴿وخلق النسان
ضعيفا ً﴾ ]النساء.[28/
وبذلك فإن رحمة السنة النبوية في تطبيق هذه
العقوبات حافظت على الضرورات الخمس :حفظ الدين
والنفس والعقل والمال والعرض ،وكذلك الديان
السماوية متفقة مع نبي الرحمة في تنفيذ هذه
العقوبات.
ولو نظرنا في الحدود بالشرائع والقوانين السابقة
للبعثة النبوية الشريفة لوجدناها متفقة مع حدود السلم،
ومتفقة في كثير من الحكام ،كما في التوراة والنجيل
وشريعة نوح وصحف إبراهيم وموسى عليهم الصلة
والسلم ,وكذا القانون الروماني كما في مدّونة
جونستنيان ،وأغلبه مأخوذ من التوراة والنجيل.
فمن نصوص التوراة ورد في الصحاحات التاسع عشر
إلى الحادي والثلثين وصايا وتشريعات منها النهي عن
القتل والسرقة والزنا وشهادة الزور ...وقتل القاتل ,
ً
وقتل ضارب والديه ولعنهما ,وقتل من يخطف أحدا ,
وقصاص العين بالعين ،والسن بالسن ,واليد باليد,
ض
والرجل بالرجل ,والكي بالكي ,والجرح بالجرح ,والر ّ
ض ,وقتل من يذبح للهة أخرى أو يأتي بهيمة ,وعدم بالر ّ
استبقاء الساحرات ،واسترداد المسروق من السارق
)(2
بزيادة ,وهدر دم السارق إذا قتله صاحب المال.
- 1أخرجه مسلم في صحيحه -الفتن وأشراط الساعة -باب
اقتراب الفتن ح . 2880
-1 2انظر تاريخ بني إسرائيل من أسفارهم ص 72و 78وانظر
مقارنة الديان ) (1اليهودية ص . 296
126
وفي الصحاح 24و 25و 26و 27من سفر التثنية
تشريعات متنوعة ومنها :المر بقتل من يخطف إسرائيليا ً
ويسترقه.
وأما ما ورد في النجيل فإنه حوى ذلك الهدي والنور،
فينا على آثارهم وهو موافق للتوراة قال الله تعالى﴿ :وق ّ
بعيسى بن مريم مصدقا ً لما بين يديه من التوراة وآتيناه
النجيل فيه هدى ونور ومصدقا ً لما بين يديه من التوراة
وهدى وموعظة للمتقين﴾ ]المائدة ،[47/وقد ذكر د.أحمد
شلبي بعض الموافقات منها تحريم القتل والزنا والسرقة
)(1
وشهادة الزور.
وفي سورة العلى ذكرت موافقات لما جاء في
صحف إبراهيم وموسى فقال الله تعالى في نهايتها﴿ :إن
هذا لفي الصحف الولى .صحف إبراهيم وموسى﴾]العلى/
[19-18والشارة إلى ما تقدم من آيات في هذه السورة،
وكذا في سورة النجم في قوله تعالى﴿ :أم لم ينبأ بما في
صحف موسى .وإبراهيم الذي وفى .أل تزُر وازرة ٌ وزر
أخرى﴾ ]النجم [54-36/اليات التي تليها.
وذكر العلمة الصولي الغزالي أنه لم تختلف الشرائع
في تحريم الكفر والقتل والزنا والسرقة وشرب
)(2
المسكر.
وقد نقل هذا القول فضيلة الشيخ محمد أبو زهرة ثم
علق بأن المصالح الخمسة التي يعد طلبها ضرورة
إنسانية متفق عليها بين الناس والمحافظة عليها بفرض
عقوبات للعتداء عليها يعد من المور البدهية التي ل
)(3
تختلف فيها العقول ول تختلف فيها الديان.
وأختم الحديث عن هذه المشكلة بقول الستاذ
)شيرل( عميد كلية الحقوق بجامعة )فينا( في مؤتمر
الحقوقيين سنة 1927م :إن البشرية لتفتخر بانتساب
رجل كمحمد إليها ،إذ أنه رغم أميته استطاع قبل
127
بضعة عشر قرنا ً أن يأتي بتشريع سنكون -نحن الوربيين
)(1
-أسعد ما نكون ،لو وصلنا إلى قمته بعد ألفي سنة.
وهكذا فإن المجتمع المدني الذي جاء به رسول
الرحمة لهو المجتمع الصيل والنيل ،أما المجتمع المدني
الذي ينشده المرتزقة ودعاة التغريب فإنه دخيل ،ويحتاج
إلى مزيد من الترقيع والتعديل.
ق
المبحث الرابع :مشكلة الر ّ
ل تزال هذه القضية ُتثار في عصرنا الحاضر في
أروقة حقوق النسان ،وجعلوها مشكلة كبيرة ،بل صنف
بعض الذين انبروا إلى صراع الحضارات كتبا ً في ذلك
وهذه الكتب أيضا ً تدرس في بلد الغرب ،ومنها )قراءات
في كتاب الرق والعبودية في الشرق الوسط( لبيرنارد
لويس ،وكتاب )القراصنة والسترقاق والعتق( لدانيا
فيتكوس ،وهذه الكتب تدرس في جامعة مينيسوتا
)(2
ويدرس فيها موضوع الرقّ في السودان.
لقد أكد نبي الرحمة على حقوق العبيد ،وفي الوقت
نفسه قام بعلج هذه الظاهرة وحث ورغب في تحرير
الرقّ بعدة أساليب ،منها :بذكر فضل ثوابه فقد ثبت عن
أبي هريرة عن النبي قال" :من اعتق رقبة اعتق
الله بكل عضو منها عضوا ً من أعضائه من النار حتى
)(3
فرجه بفرجه".
وهذا الحديث يبين عظم فضل تحرير الرقاب.
كما رغب النبي بتأديب الماء ثم عتقهن والتزوج
منهن فبشر بأن من الثلثة الذين يؤتون أجرهم مرتين:
رجل كانت له أمة فغذاها فأحسن غذاءها ثم أدبها
)(4
فأحسن أدبها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران.
128
غب في فضل عتق الوالد بقوله " :ل يجزى كما ر ّ
)(5
ولد والدا ً إل أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه".
ً
وهذا العلج أساسه من القرآن الكريم فقد رغب
ض على عتق الرقاب ،فقال تعالى﴿ :فل اقتحم العقبة وح ّ
وما أدراك ما العقبة فك رقبة﴾ ]البلد.[13-11/
كما نجد العلج لهذه الظاهرة بالكفارات مثل كفارة
قتل الخطأ في قوله تعالى﴿ :ومن قتل مؤمنا ً خطأ
فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إل أن يصدقوا
فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة
مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية
مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام
شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما ً
حكيما ً﴾ ]النساء.[92/
جّرد النسان منها فكأنه في فالحرية كالحياة ،وإذا ُ
عداد الموتى.
ولهذا كانت عناية القرآن الكريم والسنة النبوية
بتحرير الرقيق في غاية الهمية وكذلك ورد في كفارة
اليمان فقال تعالى﴿ :ل يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم
ولكن يؤاخذكم بما عقدتم اليمان فكفارته إطعام عشرة
مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو
تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلثة أيام ذلك كفارة
أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم
آياته لعلكم تشكرون﴾ ]المائدة.[89/
ظهار في قوله تعالى﴿ :والذين كما ورد في كفارة ال ِ
يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة
من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون
خبير﴾ ]المجادلة ،[3/وكل هذه اليات كان بني الرحمة
يرتلها للعمل بها.
ومما تقدم نستدل أن القضاء على ظاهرة الرقّ جاء
علجها من خلل الحكام الواجبة التي تتكرر كثيرا ً جدًا،
فكم من المسلمين من احتاج إلى كفارة اليمان؟ وكم
منهم من يحتاج إلى كفارة القتل الخطأ؟ وكم من
المسلمين من يحتاج إلى كفارة الظهار؟ وإذ أراد أحد
-5المصدر قبل السابق ح .1510
129
فر بعتق رقبة هل يجد هذه الرقبة؟ المسلمين أن يك ّ
الجواب لم يجد ،مما يدل على أن إثارة هذه المشكلة
هي بلبلة ومغالطة .وأما إذا أراد العبد المكاتبة وعرف أنه
أهل لذلك فقد أمر الله تعالى الستجابة لهم ومساعدتهم
في ذلك ماليا ً ومعنويًا ،قال الله تعالى﴿ :والذين يبتغون
الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم
خيرا ً وآتوهم من مال الله الذي آتاكم﴾ ]النور.[33/
فهذه الحرية من حق الرقيق مقابل مبلغ من المال
يتفق عليه العبد والسيد ،ول يجوز للسيد رفضه ،فإن
رفض فيرفع المر إلى الحاكم كما رفع أمر سيرين إلى
عمر بن الخطاب ،فقد سأل سيده ُ أنس بن مالك
فأبى ،فأمر عمر بالمكاتبة والعتق) .(1وفي ذلك إنهاء لهذه
الحالة ليلحق الرقيق بركب الحرار ،وقد ُنفذ هذا المر
إضافة إلى العتق في سبيل الله تعالى حسب التوجيهات
النبوية حتى تلشت ظاهرة الرقّ ولله الحمد والمنة.
ومن السنة النبوية في تسهيل العتق ما أخرجه
الترمذي بسنده عن أبي هريرة قال :قال رسول الله :r
"ثلثة حق على الله عونهم :المجاهد في سبيل الله،
والمكاتب الذي يريد الداء ،والناكح الذي يريد العفاف".
)(2
1
– 1صحيح البخاري – كتاب المكاتب – باب المكاتب قبل حديث
.2560
2
) - 2السنن 4/184ح - 1655ك فضائل الجهاد ،ب ما جاء في
المجاهد والناكح والمكاتب وعون الله إياهم( ،قال الترمذي:
حديث حسن ،وأخرجه ابن حبان في صحيحه )الحسان 9/339
ح (4030والحاكم )المستدرك - 2/160ك النكاح ،قال
الحاكم :صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ،ووافقه
الذهبي .وحسنه اللباني )صحيح الترمذي ح .(1352وصححه
السيوطي )الجامع الصغير 3/317ح .(3497
130
الفصل الثالث
المشكلت القتصادية
تجتاح العالم اضطرابات اقتصادية عنيفة ،وأزمات
مالية مخيفة ،فإن عشرات المليين من البشر يعضهم
ناب الفقر ،ويهددهم الجوع بالموت ،مع أن المليين من
أطنان الثمار تقذف في البحار للمحافظة على السعار!
وأن المليين من البشر يعانون من شبح البطالة ،مع أن
المليين من البشر يدرسون علم القتصاد والتجارة
والدارة المالية ،وكثير منهم يتخصصون فيه.
يقول الخبير القتصادي السياسي هيلموت شميت
)رئيس وزراء سابق لجمهورية ألمانيا التحادية( :لقد
دخل القتصاد العالمي مرحلة من عدم الستقرار غير
العادي… ولم يعد مساره المستقبلي مؤكدا على
الطلق .ذكره الستاذ الدكتور محمد عمر شابرا ،ثم
)(1
131
إن القطار السلمية ل تختلف عن غيرها في هذا
الباب ،فهي تواجه نفس المشكلت التي تواجهها القطار
الخرى ،ذلك بأنها تقلد الغرب تقليدا ً أعمى في كل
شيء ،وترتكب نفس الخطأ في اعتبار العراض فقط،
وليس فيها أي جهد جاد لمعرفة المصدر الساسي
لمشكلتها ،واختيار إستراتيجية ملئمة لحل هذه
المشكلت في ضوء قيمها الخاصة ومعتقداتها.
إن جذور الزمة في المنظار السلمي تبدو أعمق
ل المشكلت من خلل تغييرات من ذلك ،ول يمكن ح ّ
تجميلية فقط .بل هناك حاجة إلى إصلح شامل ،لن
الهدف هو الصحة الجتماعية النابعة من صميم الوعي
النساني المصحوب بالعدالة والستقامة في كافة
مستويات التفاعل البشري ،ول يمكن أن تتحقق هذه
الصحة دون تحول أخلقي للفرد والمجتمع الذي يعيش
)(1
فيه هذا الفرد.
والعجيب أن عتاولة القتصاد والسياسة عجزت عن
بيان أسباب ذلك الضطراب ،إذ يقول هنري كيسنجر
)وزير الخارجية المريكي سابقًا( :ليس ثمة أي نظرية
سابقة تبدو قادرة على تفسير الزمة الحالية للقتصاد
العالمي.
ذكره الخبير القتصادي د.محمد عمر شابرا وقال:
وربما يميل أغلب رجال القتصاد إلى التفاق مع قول
)(2
هنري كيسنجر.
ولو نظرنا إلى السبب لبطل العجب ،وذلك أن من
أعظم أسباب ذلك الختلل القتصادي والعتلل المالي
هو ما يلي:
ل :الربا ،الذي يدمر الحياة القتصادية ،يقول الله أو ً
تعالى ﴿يمحق الله الربا ويربي الصدقات﴾ ]البقرة،[276/
هذا هو السبب الساس.
ثانيًا :البيوع التي فيها الغرر والخداع.
ثالثًا :التبذير والسراف والبخل.
رابعًا :السرقة وعدم وضع العقاب الزاجر لها.
132
خامسًا :مخالفة شرع الله تعالى في مسلك النظام
الشتراكي وقيوده ،والنظام الرأسمالي وإباحيته.
سادسًا :البطالة.
سابعًا :الفقر .وقد عالج نبي الرحمة هذه
المشاكل ،وهذه نماذج منها:
المبحث الول :مشكلة الربا:
يقول الخبير القتصادي محمد شابرا :للسلم مزايا
فكرية تمكنه من تقديم برنامج لحل عادل وعملي
للمشكلت التي تواجهها القطار السلمية ،ويواجهها
الجنس البشري كله ،وذلك بشرط توافر الرادة
السياسية الضرورية لغرس تعاليمه وإقامة إصلحاته.
ولما كانت اقتصادات أغلب القطار السلمية ل تزال في
مرحلة التشكل ،فإنه لن يصعب على المسلمين كثيرا أن
يعدوا تصميما ً جديدا ً لقتصاداتهم ولنظمتهم المصرفية.
ولكن مع مرور الزمن قد تزداد عليهم صعوبة تنفيذ
الصلحات التي يتطلبها النظام السلمي.
إن لب النظام السلمي يكمن في معتقداته وأهدافه
وقيمه الساسية )بما في ذلك إبطال الربا( والسمو
الخلقي للفرد .فهذه المور ل غنى عنها ،وليست
محدودة بزمن معين ،وسواء في ذلك كنا نرجع النظر
إلى أيام الرسول عليه الصلة والسلم منذ أربعة عشر
قرنًا ،أو كنا نمد النظر إلى القرن الهجري الخامس
عشر .إن المؤسسات التي أقيمت لكي تحقق وتمثل
هذه الهداف والقيم ،يمكن أن تتغير من زمن لخر
باختلف الظروف .وعلى هذا ل يمكن لي دراسة أن
تقترح أساليب أو حلول خالدة .لكن من خلل تفاعل
الفكار ،يمكن بمرور الوقت للنظام النقدي والمصرفي
المنسجم مع عبقرية السلم ،أن ينشأ ويتطور تدريجيًا،
مة السلمية من تحقيق تطلعاتها. ُ
لتمكين ال ّ
)(1
133
-1التنفير من الربا وتحريمه ،فقد تل قوله تعالى ﴿
وأحل الله البيع وحّرم الربا﴾]البقرة ،[275/وأخرج مسلم
من حديث جابر" :لعن رسول الله آكل الربا وموكله
وكاتبه وشاهديه وقال :هم سواء").(1
-2جعل البديل للربا القرض الحسن ،والترغيب في
إنظار المعسر ،فقد أخرج البخاري بسنده أن حذيفة
قال :قال النبي " :تلقت الملئكة روح رجل ممن كان
قبلكم ،فقالوا :أعملت من الخير شيئًا؟ قال :كنت آمر
فتياني أن ينظروا ويتجاوزوا عن الموسر .قال :فتجاوزوا
)(2
عنه".
-3وقد رغب ترغيبا ً عظيما ً في الوضع عن المدين،
ح عن أنه قال" :من سره أن ينجيه الله من كرب يوم وص ّ
)(3
القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه".
وهنا لبد من الشارة والشادة بالمصارف السلمية
التي ل تتعامل بالربا بل لبد من الحتفاء والثناء على
البنوك التي تقرض المحتاجين قرضا ً حسنًا ،والتي تقوم
عليه حكومة المملكة العربية السعودية مثل بنك
التسليف الزراعي وبنك التنمية العقارية .ولقد ساهمت
هذه البنوك المباركة في النهضة القتصادية والجتماعية
والصحية.
المبحث الثاني :مشكلة الفقر
تعاني مئات المليين من البشر من مشكلة الفقر
بسبب الضطراب القتصادي والتبذير المتمادي ،لقد
عالج نبي الرحمة الفقر علجا ً ناجحا ً بعدة أساليب
ومنها:
-1الترغيب في العمل الحر والمهن ،وخصوصا ً أن
غب النبي الناس في هذا الزمان يرغبون الوظيفة ،فقد ر ّ
ح عنه أنه قال" :ما أكل أحد في البديل عن ذلك ،وص ّ
134
طعاما ً خيرا ً من أن يأكل من عمل يده ،وإن نبي الله
داود كان يأكل من عمل يده").(1
-2بيان حق إحياء الرض الموات وتمليكها ،فقد أباح
للمسلم أن يستفيد من أرض لم تملك فيقوم بزراعتها أو
بنائها ،فقد ثبت عن عروة عن عائشة رضي الله عنها عن
النبي قال" :من أعمر أرضا ً ليست لحد فهو أحق".
)(2
عمر في خلفته. قال عروة :قضى به
قال القزاز :الموات الرض التي لم تعمر شبهت
العمارة بالحياة وتعطيلها بفقد الحياة ،وإحياء الموات أن
يعمد الشخص لرض ل يعلم تقدم ملك عليها لحد
فيحييها بالسقي أو الزرع أو الغرس أو البناء فتصير بذلك
ملكه ،سواء كانت فيما قرب من العمران أم بعد ،سواء
أذن له المام في ذلك أم لم يأذن ،وهذا قول الجمهور.
ً )(3
وعن أبي حنيفة ل بد من إذن المام مطلقا.
وكذلك الفقراء من أهل الذمة ،فقد راعى السلم
أهل الذمة في إحياء الرض الموات وذلك لرعايتهم
وقضاء حاجتهم وعوزهم فقد رأى بعض الفقهاء تمليك
الذمي بالحياء إذا كان بإذن المام.
قال العيني :ثم عندنا يملكه الذمي بالحياء كالمسلم،
)(4
وبه قال مالك وأحمد في رواية.
-3الزكاة والصدقات للفقراء من المسلمين وغير
المسلمين ،إن الزكاة هي صمام المن للنظام القتصادي
في السلم ،إذ يحصل بها سد ّ حاجات أنواع المحتاجين
ويتحقق بها حقوق المستحقين لها ،ولقد بين الله تعالى
وجوب الزكاة وبين الفئات الثمان المستحقة لها في
قوله تعالى﴿ :إنما الصدقات للفقراء والمساكين
والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين
وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم
ح عنه أنه بعث معاذا ً حكيم﴾]التوبة ،[60/وقد ص ّ
-1صحيح البخاري -كتاب البيوع -باب كسب الرجل وعمله بيده ح
.2072
-42صحيح البخاري -كتاب الحرث والمزارعة -باب من أحيا أرضا ً
مواتا ً ح .2335
-13انظر فتح الباري .5/18
-24عمدة القاري .12/177
135
إلى اليمن فقال" :ادعهم إلى شهادة أن ل إله إل الله
وأني رسول الله ،فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله
قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ،فإن
هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة
)(1
في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم".
-4أن علج مشكلة الربا السابقة هي من أسباب
علج الفقر.
-5كما عالج مشكلة شريحة كبيرة من الفقراء
العاطلين عن العمل كما في المبحث التالي.
إنه دين البشرية والرحمة النبوية ،إذ يراعي الفقر
عامة في المسلم وغير المسلم ،واختم هذا المبحث
بقول الستاذ الفرنسي ليون في كتابه )ثلثون عاما ً في
السلم( :وجدت هذا الدين أفضل دين عرفته ،فهو دين
)(2
إنساني اقتصادي أدبي.
المبحث الثالث :مشكلة البطالة
يتطلع المليين من البشر إلى بصيص من المل
للنخراط في ميدان العمل ،فهذه الطاقات الجاثمة
الهامدة ل تعرف الحياة الجادة ،يعتريها نوم طويل ولهو
ممل ،لنها لم تجد العمل فهي تنتظر اليد الحانية
لتشغيلها ،وقد عالجت السنة النبوية الشريفة هذه
المشكلة بشتى الساليب من الترغيب والتسهيل
ح عن نبي الرحمة أنه قال: والرشاد والعون ،فقد ص ّ
"لن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة الحطب على ظهره
فيبيعها فيكف الله بها وجهه خيرا ً من أن يسأل الناس
أعطوه أو منعوه").(3
فيرشد هنا إلى عمل الحتطاب وهذا العمل يستنتج
منه العمل في المهن الحرة ،والستفادة من الفرص
المتاحة ،وعدم العتماد على الخرين في التشغيل،
وعدم الحاجة إلى رأس المال.
وفيه الشارة إلى العمال المباشرة التي ل تحتاج
إلى تمويل وشراكة وتوظيف ،كأعمال الصيد بأنواعه،
136
والعمال اليدوية ،وإحياء الرض الموات والحتطاب
والبحث عن الثمرات التي تحت الرض كالكمأة ،فقد
أشار إليها نبي الرحمة بقوله" :الكمأة من المن
ما امتن
وماؤها شفاء العين" ،ويستفاد منه للبحث ع ّ
)(1
137
هذا التحاد الفريد الذي ل نظير له للتأثير الديني
والدنيوي معا ً يخوله أن يعتبر أعظم شخصية ذات تأثير
)(1
في تاريخ البشرية.
ويقول الستاذ السويسري أدوار مونته مدير جامعة
جنيف :وفضل عن اليمان فالسلم ،تمشى مع الحوال
الجتماعية والقتصادية ،وله ميزة عجيبة على التكّيف
بحسب المحيط ،وعلى تكييف المحيط حسب ما يقتضيه
هذا الدين القوي ،ول شك أنه يعد من أكبر وسائل تمدين
الناس وترقية أحوالهم الجتماعية والخلقية والقتصادية.
)(2
138
الباب الثالث
مكانة نبي الرحمة والحكمة
الفصل الول :مكانته عند الله تعالى والملئكة
والجن
المبحث الول :مكانة نبي الرحمة عند الله
تعالى
إن مكانة نبي الرحمة عند الله الرحمن الرحيم
حديث ذو شجون ،إذ سطع وميضها منذ أن كان جنينا ً في
بطن أمه ،فقد رأت خروج نور منها أضاءت له قصور
الشام –كما تقدم في نشأته -ثم تل ذلك إرهاصات مبكرة
وبوادر عطرة منذ صباه عندما جاء الملك وشقّ صدره -
كما تقدم في السيرة -ثم حفظه سبحانه وتعالى له
من أدناس الجاهلية وأدران الشرك ،وأتحفه بالشمائل
الجميلة ،والصفات الجليلة ،التي جذبت انتباه المجتمع
آنذاك حتى لقب بالصادق المين ،كل هذا إعداد لتلك
المهمة العظمى من أجل الرسالة الخالدة.
إن هذه العناية اللهية بنبي الرحمة تنوعت
بضروب من البشارات والشهادات والمعجزات واليات
التي تأمر بطاعته وحبه وتوقيره والنتصارات حتى بلغت
به إلى سيادة البشرية في الدنيا وإلى المقام المحمود
في الخرة ،ومن هذه الضروب ما يلي:
أول :البشارات:
شر الله تعالى ببعثة النبي في التوراةلقد ب ّ
والنجيل ،كما سيأتي ذكره في مكانة نبي الرحمة عند
النبياء.
ً
ثانيا :الشهادات:
شهد الله تعالى بمكانة نبي الرحمة في القرآن
الكريم في آيات كثيرة منها ما يأتي:
-1قوله تعالى﴿ :وإنك لعلى خلق عظيم﴾ ]القلم،[4/
وبيان هذا الخلق العظيم هو ما جاء بالقرآن من مكارم
139
ح عن عائشة أنها الخلق ومعالي الداب كما ص ّ
قالت" :كان خلقه القرآن").(1
-2قوله تعالى﴿ :ألم نشرح لك صدرك .ووضعنا عنك
وزرك .الذي أنقض ظهرك .ورفعنا لك ذكرك﴾] .الشرح/
.[4-1
-3قال تعالى﴿ :عسى أن يبعثك ربك مقاما ً
محمودا ً﴾ ]السراء.[79/
-4قوله تعالى﴿ :وما أرسلناك إل رحمة
للعالمين﴾ ]النبياء ،[107/وهذه الية تؤكد بعدة أساليب
على عظيم قدره وفضله على النس والجن برحمته
الشاملة التي تدل على عظيم قدره وعظمة فضله على
النس والجن.
-5قوله تعالى﴿ :لقد كان لكم في رسول الله أسوة
حسنة لمن كان يرجو لقاء الله واليوم الخر وذكر الله
كثيرا ً﴾ ]الحزاب.[21/
-6قوله تعالى﴿ :إنا أعطيناك الكوثر﴾ ]الكوثر.[1/
-7قوله تعالى ﴿لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز
عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف
رحيم﴾ ]التوبة.[128/
ومن اليات التي فيها المر بمحبته وطاعته وتوقيره
وإتباعه ما يلي:
-1قوله تعالى﴿ :وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم
من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم
لتؤمنن به ولتنصرنه قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم
إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من
الشاهدين﴾ ]آل عمران.[81/
-2قوله تعالى﴿ :قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني
يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم﴾ ]آل
عمران.[31/
1
-أخرجه المام أحمد في مسنده ،وصححه محققوه ح ،25302
،42/183وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي )المستدرك
.(2/499
140
-3قوله تعالى﴿ :وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي
المر منكم﴾ ]النساء.[59/
-4قوله تعالى﴿ :لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه
وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيل ً﴾ ]الفتح.[9/
-5قوله تعالى﴿ :يا أيها الذين آمنوا ل تقدموا بين يدي
الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم ،يا أيها الذين
آمنوا ل ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ول تجهروا له
بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم ل
تشعرون﴾ ]الحجرات.[2-1/
-6قوله تعالى﴿ :الذين يتبعون الرسول النبي المي
الذي يجدونه مكتوبا ً عندهم في التوراة والنجيل يأمرهم
بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم
عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والغلل التي كانت
عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور
الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون﴾ ]العراف.[157/
وهكذا تتجلى بعض الوجوه لمكانة هذا النبي
الحكيم عند الله تعالى الكريم.
ثالثًا :نصرته سبحانه لنبيه وتتضمن ما يلي:
-1نصرته من المشركين والمنافقين.
-2نصرته في الرد ّ على المنافقين والمشركين.
-3نصرته من اليهود.
-4نصرته في غزواته التي انتصر فيها.
رابعًا :المعجزات ،وهي كثيرة كانشقاق القمر،
وخروج الماء من يده الشريفة ،وفي قصة السراء،
ت في الحجر ح عنه أنه قال" :لما كذبتني قريش قم ُ وص ّ
فجّلى الله لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته
وأنا انظر إليه").(1
خامسًا :تخييره بين الحياة والممات كما تقدم في
آخر السيرة ،مما يدل على علو مكانته وخصائصه.
المبحث الثاني
141
مكانته عند الملئكة والجن
إن مكانة نبي الرحمة عند الملئكة عليهم السلم
تبدأ منذ أن كان صبيا ً حين قام بعضهم بشق صدره
فقد ُأمروا بذلك ،فعرفوا قدره وكان أكثر الملئكة معرفة
بعظيم قدر نبي الرحمة هو جبريل عليه السلم أعظم
الملئكة فقد كانت علقته مع نبي الرحمة مدة ثلث
وعشرين سنة من بعثته حتى وفاته ،فعرف مكانته
عند الله تعالى إذ هو سبحانه الذي يأمر جبريل بالنـزول
وكان أكثر نزول ً وصلة بنبي الرحمة قبيل وفاته كما تقدم
في سيرته.
ومن الملئكة الذين عرفوا مكانة نبي الرحمة
خزنة السماوات السبع عليهم السلم ،فقد تقدم في
قصة السراء والمعراج الحوار بين جبريل وخزنة
السماوات حينما استأذن جبريل خازن السماء الولى
بالدخول إذ قال لجبريل :من معك؟ قال :محمد .فسأل
خازن السماء جبريل :أو قد بعثت؟ويستفاد من هذا أنه
قد علم أنه سيبعث نبي الرحمة ولكنه لم يعلم أنه قد
بعث منذ تسع سنين ،وهذا يدلنا أن أخبار عالم السماء
الولى غير عالم الرض ،ويستفاد من ذلك أن خازن
السماء الولى عرف قدر نبي الرحمة إذ فتح له باب
السماء الولى ،وقد تكرر الحوار نفسه في بقية
السماوات الخرى إلى السماء السابعة ،حصل السؤال
نفسه ،مما يدل أنهم كلهم عرفوا مكانة نبي الرحمة
ولهذا فتحوا له أبواب السماء ،تمكينا ً له من هذه الرحلة
التي علمه الله تعالى وكرمه بل وكلمه سبحانه وتعالى
عدة مرات كلما طلب التخفيف عّنا في فرض الخمسين
صلة.
هذا وإن الملئكة التي شاركت في بدر علمت من هو
نبي الرحمة ،وأدركت عظيم قدره حينما استجاب الله
دعاءه ،ونصره نصرا ً مؤزرًا.
هذا بالنسبة للملئكة الذين وصلت أخبارهم بالروايات
الصحيحة ،ويمكن الجزم بأن جميع الملئكة عرفت قدر
142
نبي الرحمة وأدركت منـزلته العالية ،لن الله تعالى
اصطفاه وأحبه وأمر باتباعه ،وإذا أحب الله عبدا ً نادى
ُ
من في ب فلنًا ،فيحبه جبريل وينادى َ جبريل إني أح ّ
السماء إن الله يحب فلنا ً فأحبوه فيحبه من في السماء
ويكون له القبول في الرض).(1
فكيف بعبده ورسوله؟ لشك أن جميع الملئكة تحبه
.وبهذا تتجلى معرفة مكانته عند جميع الملئكة
عامه وعند كبار الملئكة خاصة.
ص الله تعالى في قوله أما مكانته عند الجن فقد ق ّ
تعالى ﴿وإذ صرفنا إليك نفرا ً من الجن يستمعون القرآن
فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولو إلى قومهم
منذرين .قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتاب أنزل من بعد
موسى مصدقا ً لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق
مستقيم .يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم
من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم .ومن ل يجب داعي
الله فليس بمعجز في الرض وليس له من دونه من
أولياء أولئك في ضلل مبين﴾ ]الحقاف.[32-29/
ن المؤمنين تفسيرهُ :يثني الله تعالى على الج ّ
ي حين بعث الله تعالى وسماعهم القرآن من النب ّ
ن يستمعون القرآن من النبي ،فل ّ
ما طائفة من الج ّ
حضروا التلوة قال بعضهم لبعض :أنصتوا لنستمع
ما فرغ من التلوة رجعوا إلى قومهم القرآن ،فل ّ
وفونهم العذاب إن لم يؤمنوا بالله تعالى. ُيخ ّ
شرونهم ودعوا قومهم بنداء النسب لستمالتهم ُيب ّ
دقا ً ُ
أّنهم سمعوا قرآنا ً عجيبا ً أنزل من بعد موسى مص ّ
ق
دمه من الكتب المنـّزلة ،يهدي إلى الدين الح ّ لما تق ّ
مدا ً رسول الله والطريق الصحيح ،يا قومنا أجيبوا مح ّ
دقوا برسالته ،يغفر الله الذي يدعو إلى اليمان بالله ،وص ّ
من ذنوبكم ويخّلصكم من عذاب موجع ،ومن ل يجب
رسول الله إلى دين السلم فلن يفلت من الله طلبا ً ول
1
-أخرجه البخاري )الصحيح – كتاب بدء الخلق – باب ذكر
الملئكة ح .(3209
143
ُيعجزه هربًا ،وليس له أنصار يمنعونه من عذاب الله،
)(1
أولئك البعداء عن الحقّ في ضلل عن الحقّ ظاهر.
ي أنه استمع نفر من الجن وقوله تعالى ﴿قل أوحي إل ّ
فقالوا إنا سمعنا قرآنا ً عجبًا .يهدي إلى الرشد فآمنا به
ولن نشرك بربنا أحدا﴾ ]الجن.[2-1/
مدا ً أن يق ّ
ص وتفسيره :يأمر الله تعالى رسوله مح ّ
ن معه وسماعهم ُ
صة الج ّ على العباد ما أوحي إليه من ق ّ
تلوة القرآن منه وسرعة استجابتهم له ،وفي ذلك
تشويق وتهييج للبشرية للمسارعة إلى هداية القرآن
ن فقالوا معجبين الحكيم الذي سمعه طائفة من الج ّ
بهديه :إّننا أنصتنا وسمعنا تلوة قرآن عجيب في بيان
ل العباد إلى سبيل الرشاد ،ويهدي هديه وأحكامه ،ويد ّ
دقنا بالقرآن أّنه من عند الله ،ولن ق ،فص ّ إلى اّتباع الح ّ
ُنشرك بعبادة رّبنا أحدا ً من خلقه.
وقوله تعالى ﴿وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به فمن يؤمن
بربه فل يخاف بخسا ً ول رهقا ً﴾ ]الجن.[13/
صل في القرآن ما سمعنا الهدى المف ّ وتفسيره وأّننا ل ّ
دق برّبه فل يخاف دقنا أّنه من عند الله ،فمن يص ّ ص ّ
نقصانا ً من حسناته ،ول ظلما ً بزيادة في سيئاته.
ومن هذه اليات الكريمة يتبين لنا أن طائفة من الجن
قد دخلوا السلم لنهم صدقوا بما جاء به نبي الرحمة
مما يدل على تعظيم قدره ،ويمكن القول أن جميع
الجن المؤمنين منذ عهد النبي إلى يومنا هذا يدركون
علو مكانة النبي بدليل أنهم دخلوا في السلم
)(2
طائعين مقتنعين.
ونقل الحافظ الذهبي روايات صحيحة عن معرفة
الجن بنبي الرحمة ،فأخرج بسنده عن سالم بن عبد
الله عن أبيه قال :ما سمعت عمر يقول لشيء قط
إني لظنه كذا إل كان كما يظن ،فبينا عمر جالس إذ مّر
به رجل جميل فقال :لقد أخطأ ظني ،أو أن هذا على
144
دينه في الجاهلية ،أو لقد كان كاهنهم ،على الرجل ،فدعا
له فقال له عمر :لقد أخطأ ظني أو أنك على دينك في
الجاهلية أو لقد كنت كاهنهم ،فقال :ما رأيت كاليوم
اسُتقبل به رجل مسلم ،قال :فإني أعزم عليك إل ما
أخبرتني ،فقال :كنت كاهنهم في الجاهلية ،فقال :فما
جّنيتك؟ قال :بينا أنا جالس جاءتني أعجب ما جاءتك به ِ
أعرف فيها الفزع قالت :ألم تر الجن وإبلسها ،ويأسها
من بعد إنكاسها ،ولحوقها بالقلص) (1وأحلسها) .(2قال
عمر صدق ،بينا أنا نائم عند آلهتهم إذ جاء رجل بعجل
فذبحه ،فصرخ منه صارخ لم أسمع صراخا ً أشد صوتا ً
منه ،يقول :يا جليح أمر نجيح رجل فصيح يقول ل إله إل
الله ،فوثب القوم ،قلت :ل أبرح حتى أعلم ما وراء هذا،
ثم نادى :يا جليح أمر نجيح رجل فصيح يقول ل إله إل
الله ،قلت :ل أبرح حتى أعلم ما وراء هذا ،فأعاد قوله،
)(3
شبت أن قيل :هذا نبي.قال :فقمت فما ن َ ِ
قُلص ،وهو جمع قلوص ،وهي الفتية من النياق) .فتح -2جمع ُ 1
الباري .(7/180
حْلس ،وهو ما يوضع على ظهور البل تحت الرحل. -3جمع ِ 2
145
الفصل الثاني
مكانته عند البشر ،وفيه ثلثة مباحث:
المبحث الول :مكانته عند النبياء صلى
الله عليهم وسلم
لقد تبوء نبي الرحمة عند النبياء صلوات الله
وسلمه عليهم مكانة مرموقة ،وذلك من خلل بشارتهم
في كتبهم السماوية ،ومن خلل شهاداتهم عند لقائه
في الرحلة السماوية ،وأعظم مشهد في تلك الرحلة
بالسراء والمعراج صلته إماما ً بالنبياء والمرسلين كلهم،
مهم جميعا ً في بيت المقدس ،كما تقدم في سيرته فقد أ ّ
في المبحث السادس من العهد المكي.
ب السماء ،وذلك بسيادة حقا ً إنها مكانة علياء ور ّ
النبياء التي تبشر بسيادة المراء والعلماء ،وأما الحديث
عن بشاراتهم ،فقد عقد البخاري بابا ً بعنوان :خاتم النبوة،
ثم ساق حديثا ً عن السائب بن يزيد أنه رأى خاتم
)(1
النبوة بين كتفيه.
قال الحافظ ابن حجر :قوله )باب خاتم النبوة( أي
صفته ،وهو الذي كان بين كتفي النبي ،وكان من
)(2
علماته التي كان أهل الكتاب يعرفونه بها.
من أين هذه المعرفة لهل الكتاب؟ إنها من كتبهم
السماوية التي بشرت بهذه البشارة.
صفة رسول الله من النجيل
نقل المؤرخ ابن هشام عن ابن إسحاق بشرى عيسى
الحواري برسول الله فقال :وقد كان فيما بلغني عما
كان وضع عيسى بن مريم فيما جاءه من الله في النجيل
حّنسلهل النجيل من صفة رسول الله ،مما أثبت ي ُ َ
الحواري لهم ،حين نسخ لهم النجيل عن عهد عيسى بن
مريم عليه السلم في رسول الله إليهم أنه قال :فلو
ب،منحمّنا هذا الذي يرسله الله إليكم من عند الر ّ قد جاء ال ُ
وروح القدس ،هذا الذي من عند الرب خرج ،فهو شهيد
146
ي وأنتم أيضًا ،لنكم قديما ً كنتم معي في هذا قلت لكم: عل ّ
ّ
لكيما ل تشكوا.
والمنحمنا )بالسريانية( محمد ،وهو بالرومية:
)(1
البرقليطس. ،
وهو كما قال إذ يؤيد ذلك ما ورد في إنجيل يوحنا
الذي كتب باليوناينية استعمل السم :باراكليتوس ،وهي
توافق وتطابق تماما ً اسم أحمد في معناه ومغزاه .هكذا
)(2
قال خبير النجيل البروفيسور عبد الحد داود.
وقد نقل لنا نصا ً آخر من النجيل في الصحاح الثاني
من سفر حجي فيه البشرى بمبعث محمد وهذا نصه:
دا
حم َ"ولسوف ُأزلزل كل المم ،وسوف يأتي ) ِ
(himadaلكل المم ،وسوف أمل هذا البيت بالمجد ،كذلك
ي الذهب ،هكذا يقول ي الفضة ،ول ّب الجنود ،ول ّ
قال ر ّ
ب الجنود ،وإن مجد ذلك البيت الخير يكون أعظم من ر ّ
ب الجنود ،وفي هذا المكان مجد الول ،هكذا يقول ر ّ
ب الجنود" .ويقول عبد أعطي السلم ،هكذا يقول ر ّ
الحد:
ولقد قمت بترجمة هذه الفقرة المذكورة من النسخة
الوحيدة من النجيل التي كانت بحوزتي ،والتي أعارتني
م لي ،والنسخة هذه إياها سيدة أشورية كانت ابنة ع ّ
باللغة الوطنية الدارجة آنذاك ،ولكن دعنا نرجع إلى
الترجمة النجليزية للكتاب المقدس ،والتي نجد أنها
ترجمت عن الصل العبري كلمة )حمدا( إلى )المنية(
وكلمة )شالوم( إلى )السلم(.
ولقد أولى المعلقون اليهود والمسيحيون سواًء
بسواء ،أعظم الهمية للوعد المزدوج الذي احتوته
النبوءة المذكورة آنفًا .وهؤلء المعلقون يعرفون النبوءة
المسيحية المتعلقة بالكلمة )حمدا( ،وفي الحقيقة هناك
نبوءة رائعة أثبتتها الصياغة النجيلية العادية للقسم
-1السيرة النبوية تحقيق البياري والسقا والشلبي -1/232 1
.233
-2محمد في الكتاب المقدس ص ،51والمؤلف كان على 2
147
صباءوات )الملئكة(" ذلك اللهي "يقول الرب إله ال ّ
القسم الذي أعيد ذكره أربع مرات .فإذا أخذنا هذه
النبوءة بالصيغة التجريدية لكلمتي )حمدا( و)شالوم( على
أنهما )المنية( و)السلم( ،فحينئذ تصبح تلك النبوءة ل
شيء أكثر من همس غامض مبهم ول ُيفهم معناه ،ولكن
إذا فهمنا المقصود من التعبير بكلمة )حمدا( بأنه فكرة
ثابتة عن شخص أو عن حقيقة واقعة.
ومن المستحسن قبل محاولة إثبات نفاذ ومطابقة
هذه النبوءة إيضاح وتعليل أصول هاتين الكلمتين بصورة
مختصرة وبقدر المستطاع:
-لنأخذ كلمة )حمدا( ولعلي لست مخطئا ً فإنها تقرأ
باللغة العبرية الصلية هكذا )في يافو حمداث كول
هاجوييم( والتي تعني حرفيا ً )وسوف يأتي حمدا لكل
المم( والحرفان )ها( في اللغة العبرية يقابلهما في اللغة
العربية )أل( للتعريف ،أو )ل(عندما تكون في حالة الجر،
والكلمة مأخوذة من اللغة العبرية القديمة أو لعلها الرمية،
د( بالحرف الساكن ،ويلفظ بدون التسكين م ْ
ح ْ
وفي الصل) ِ
د( تستعمل عادة لتعني م ْ
ح ِ
د( .وفي اللغة العبرية ) ِ م ْح ِ) ِ
)المنية الكبيرة( أو )المشتهى( أو )الشهية( أو )الشائق(.
وقد جاء في الوصية التاسعة من الوصايا العشر )لو تاهمود
إيش رايخا( ومعناها )ل تشته زوجة جارك( وفي اللغة
ميدا( من نفس الحرف الساكن ح ِ
العبرية يأتي الفاعل ) ِ
د ،ومعناها :الحمد( وهكذا؟ م ْح ْ) ِ
وهل هناك شيء أكثر من المدح وحسن الحدوثة
يتوق إليه البشر ويشتهيه النسان أو يرغب فيه؟ وأي ّا ً من
المعنيين تختار ،فإن الحقيقة الناصعة تبقى بأن كلمة
مدا( وهذا التفسير ح ْ)أحمد( هي الصيغة العربية لكلمة ) ِ
)(1
هو تفسير قاطع ل ريب ول مراء فيه.
وقد عقد فصل ً بعنوان :يوحنا المعمدان تنبأ بمحمد،
كما نقل عن إنجيل برنابا أن عيسى يتكلم عن روح
محمد ،وبرهن أن كلمة البرقليط تعني أحمد ومحمد،
فقال:
-1المصدر السابق ص .51-50 1
148
إن التنـزيل القرآني القائل بأن عيسى بن مريم أعلن
لنبي إسرائيل أنه كان ﴿ومبشرا ً برسول يأتي من بعدي
اسمه أحمد﴾]الصف [6/واحد من أقوى البراهين على أن
ل ،إذمحمدا ً كان حقيقة نبيا ً وأن القرآن تنـزيل إلهي فع ً
لم يكن في وسعه أبدا ً أن يعرف أن كلمة البرقليط كانت
تعني :أحمد إل من خلل الوحي والتنـزيل اللهي .وحجة
القرآن قاطعة ونهائية ،لن الدللة الحرفية للسم
اليوناني تعادل بالدقة ودون شك كلمتي )أحمد ومحمد(
).(1
ويذكر الشيخ النجار حوارا ً دار بينه وبين المستشرق
اليطالي )كارلونلينو( -وكان بينهما صداقة -حول معنى
)البارقليط( قال :قلت له :ما معنى )بيركلوتس(؟
فأجابني بقوله" :إن القسس يقولون إن هذه الكلمة
معّزى(" فقلت :إني أسأل الدكتور )كارلونلينو( معناها )ال ُ
الحاصل على الدكتوراه في آداب اللغة اليونانية القديمة
ولست أسأل قسيسًا! فقال :إن معناها :الذي له حمد
كثير .فقلت :هل ذلك يوافق أفعل التفضيل من حمد؟
فقال :نعم .فقلت :إن رسول الله من أسمائه أحمد.
فقال :يا أخي أنك تحفظ كثيرا ً ثم افترقنا ،وقد ازددت
تثبتا ً في معنى قوله تعالى حكاية عن المسيح ﴿ ومبشرا ً
)(2
برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد﴾ ]الصف.[6/
مطعم أنه قال :قال رسول جبير بن ُ ح عن ُوقد ص ّ
الله " :لي خمسة أسماء :أنا محمد ،وأنا أحمد ،وأنا
شُر الماحي الذي يمحو الله بي الكفر ،وأنا الحاشر ُيح َ
الناس على قدمي وأنا العاقب").(3
وله أسماء أخرى ،قال الحافظ ابن حجر :وقيل
الحكمة في القتصار على الخمسة المذكورة في هذا
الحديث أنها أشهر من غيرها موجودة في الكتب القديمة
)(4
وبين المم السالفة.
149
قال العلمة القرافي :البشارة الثلثون :قال أشعياء
عليه السلم في نبوءته منبها ً على محمد :عبدي الذي
يرضى نفسي ،أعطيه كلمي ،فيظهر في المم عدلي،
ويوصيهم بالوصايا ،ل يضحك ول يصخب ،يفتح العيون
العور ،ويسمع الذان الصم ،ويحي القلوب الميتة ،وما
أعطيه ل أعطيه غيره أحد يحمد الله حمدا ً حديثا ،يأتي
من أفضل الرض فتفرح به البرية وسكانها ،ويوحدون
الله تعالى على كل شرف ،ويعظمونه على كل رابية ،ل
يضعف ول يغلب ول يميل إلى الهوى ،ول يذل الصالحين
ديقينالذين هم كالقصب الضعيف ،بل يقوي الص ّ
المتواضعين ،وهو نور الله تعالى الذي ل يطفأ ،أثر
)(1
سلطانه على كتفه.
البشارة الثانية والثلثون :قال أشعياء عليه السلم
في نبوءته :يا آل إبراهيم خليلي الذي قوتيه ودعوته من
أقاصي الرض ،ل تخف ول ترهب فأنا معك ،ويدي
العزيزة مهدت لك ،جعلتك مثل الجرجر الحديد يدق ما
يأتي عليه دقًا ،ويسحقه سحقا ً حتى يجعله هشيما ً يلوى
به هوج الرياح ،وأنت تبتهج وترتاح ويكون محمدًا.
البشارة الثالثة والثلثون :قال اشعياء عليه السلم
في نبوءته معلنا ً باسمه :إني جعلت اسمك محمدا ً
يامحمد ،يا قدوس الرب اسمك موجود من البد.
البشارة السابعة والثلثون :قال أشعياء عليه السلم
في نبوءته :إنا سمعنا في أطراف الجبال صوت محمد.
البشارة الثانية والربعون :قال النبي حبقوق عليه
السلم في نبوءته :إن الله تعالى جاء من التيمن،
150
والقدوس من جبال فاران ،لقد أضاءت السماء من بهاء
محمد ،وامتلت الرض من حمده ،وشاع منظره مثل
النور ،يحوط بلده بعزة.
البشارة الخامسة والربعون :قال دانيال عليه السلم
في نبوءته مخاطبا ً لمحمد :ستنـزع من قسيك إغراقا،
)(1
ترتوي السهام بأمرك يا محمد ارتواء.
من أجل ذلك أعلن النجاشي إسلمه وقال :أشهد أنه
رسول الله فإنه الذي نجد في النجيل ،وإنه الرسول
)(2
الذي بشر به عيسى بن مريم.
صفة رسول الله في التوراة
قال شيخ السلم ابن تيمية :والخبار بمعرفة أهل
الكتاب بصفة محمد عندهم في الكتب المتقدمة
)(3
متواترة عنهم.
أخرج المام الذهبي بسنده عن ابن عباس رضي الله
عنهما أنه سأل كعب الحبار :كيف تجد نعت رسول الله
في التوراة؟ قال :نجده محمد بن عبد الله يولد بمكة،
حاش ويهاجر إلى طابة ،ويكون ملكه بالشام ،وليس بف ّ
خاب في السواق ول يكافئ بالسيئة السيئة ،ولكن ول س ّ
)(4
يعفو ويغفر.
ويشهد له ما أخرجه البخاري بسنده من حديث عطاء
بن يسار قال :لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي
الله عنهما قلت :أخبرني عن صفة رسول الله في
التوراة ،قال :أجل ،والله إنه لموصوف في التوراة ببعض
صفته في القرآن :يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ً
-1 1ينظر الجوبة الفاخرة ص 747و 751و 756-755و -761
،762وانظر هذه البشارة في الجواب الصحيح ،3/330وهداية
الحيارى ،141ونقل ابن القيم عن ابن قتيبة قوله :وزاد فيه
بعض أهل الكتاب وستنـزع في قسيك إغراقا ،وترتوي السهام
بأمرك يا محمد ارتواء ،وذلك بعد ذكره البشارة :جاء الله من
التيمن ...هداية الحيارى .141
-2 2حديث ثابت أخرجه المام أحمد في )المسند 7/409ح
،(4400وحسنه الحافظ ابن حجر )فتح الباري (7/189وجود
سنده الحافظ بان كثير )البداية والنهاية .(3/69
-33الجواب الصحيح .1/340
-1 4السيرة النبوية للذهبي .1/50
151
ومبشرا ً ونذيرا ً وحرزا ً للميين ،أنت عبدي ورسولي،
سميتك المتوكل ،ليس بفظ ول غليظ ول سخاب في
السواق ،ول يدفع السيئة بالسيئة ،ولكن يعفو ويغفر،
ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا :ل
ف.
ب غل ٌم وقلو ٌ
ي وآذان ص ٌإله إل الله ويفتح بها أعين عم ٌ
)(1
ح .2125
-3المسند 7/64ح ،3951قال الهيثمي :وفيه عطاء بن 2
152
وأصحابه ،كانوا يعرفون رسول الله بنعته وصفته
ومبعثه في كتبهم ،كما يعرف أحدهم ولده إذا رآه مع
الغلمان.
قال عبد الله بن سلم :لنا كنت أشد ّ معرفة
برسول الله مني بابني .فقال له عمر بن الخطاب:
وكيف ذاك يا بان سلم؟ قال :لني أشهد أن محمدا ً
رسول الله حقا ً يقينًا ،وأنا ل أشهد بذلك على ابني ،لني
ل أدري ما أحدث النساء .فقال عمر :وفقك الله يا ابن
)(1
سلم.
وعبد الله بن سلم خبير بالتوراة ،فهو الذي فضح
)(2
الذين كتموا حكم الرجم.
ونقل الحافظ ابن حجر عن البغوي وابن سعد وابن
شاهين وابن السكن من طريق خليفة بن عبدة المنقري
ماك أبوك قال :سألت محمد بن عدي بن ربيعة كيف س ّ
ما سألتني فقال: في الجاهلية محمدًا؟ قال :سألت أبي ع ّ
خرجت رابع أربعة من بني تميم أنا أحدهم وسفيان بن
مجاشع ويزيد بن عمرو بن ربيعة وُأسامة بن مالك بن
حبيب بن العنبر نريد ابن جفنة الغساني بالشام ،فنـزلنا
على غدير عند دير ،فأشرف علينا الديراني فقال لنا :إنه
يبعث منكم وشيكا ً نبي فسارعوا إليه ،فقلنا ما اسمه؟
قال :محمد .فلما انصرفنا ُولد لكل منا ولد فسماه محمد
)(3
لذلك.
من أين أتى ورقة بن نوفل وعبد الله بن سلم وعدي
بن ربيعة بهذا النبأ؟ إنه من كتب أهل الكتاب السماوية.
يقول برنابا :سيأتي مسيا )أي الرسول( المرسل من
الله لكل العالم ...،وحينئذ يسجد لله في كل العالم وتنال
)(4
الرحمة.
ذكر نبي الرحمة في مزامير وزبور داود
153
قال القرافي :البشارة الحادية والعشرون :قال داود
عليه السلم في مزاميره :سيكون من يحوز من البحر
إلى البحر ،ومن لدن النهار إلى منقطع الرض )بحر أهل
الجزائر بين يديه( ،ويلحس أعداؤه التراب ،وتسجد له
ملوك الفرس ،وتدين له المم بالطاعة والنقياد ،ويخلص
)المضطهد البائس( ممن هو أقوى منه ،وينقذ الضعيف
الذي ل ناصر له ،ويرأف بالمساكين والضعفاء ،ويصلي
)(1
عليه ويبارك في كل حين.
ونقل شيخ السلم ابن تيمية من مزامير داود:
ً )(2
م الرض كلها فرحا.ومحمد قد ع ّ
وقال شيخ السلم ابن تيمية :قد رأيت أنا من نسخ
)(3
الزبور ما فيه تصريح بنبوة محمد باسمه.
وأما الحديث عن شهاداتهم فقد شهد ثلة من النبياء
بصدق نبوته وصلح شخصيته في لقائه بهم أثناء عروجه
إلى السموات السبع ،وذلك حينما قال آدم مرحبا ً
بالبن الصالح والنبي الصالح في السماء الولى ،ثم قول
عيسى ويحيى بن زكريا عندما قال :مرحبا ً بالنبي
الصالح والخ الصالح في السماء الثانية ،وكذا قال يوسف
في السماء الثالثة ،ثم أدريس في السماء الرابعة،
ثم هارون في السماء الخامسة ،ثم موسى في
السماء السادسة ،ثم إبراهيم في السماء السابعة.
154
المبحث الثاني
مكانته عند المسلمين
إن مكانة نبي الرحمة عند المسلمين حافلة
بالوقائع الجميلة ،والمناقب الجليلة منذ أن كان مع
صحابته رضوان الله عليهم إلى أن فارقهم في ذلك اليوم
المحزن ،وتتجدد ُ تترى تلك الوقائع إلى يومنا هذا ،فلو
نظرنا إلى مكانته عند الصحابة فإنهم يفدونه بأنفسهم
وآبائهم وأمهاتهم إذ تغلغل حبه في عروقهم حتى طغى
على نفوسهم وهكذا ينبغي علينا جميعًا.
ول شك أن الشمائل الكريمة التي اتصف بها
والسيرة العظيمة التي تميز بها تركت آثارا ً كبيرة في
مة جميعا ً إلى يومنا هذا. ُ
نفوس الصحابة وال ّ
وأذكر في هذا المقام وصفا ً لعروة بن مسعود الذي
كان أحد المفاوضين من كفار قريش مع نبي الرحمة يوم
الحديبية ،فقد رأى تعظيم الصحابة له فقال :والل ِ
ه
لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى
والنجاشي والله إن رأيت ملكا ً قط يعظمه أصحابه ما
يعظم أصحاب محمد محمدًا ،والله إن تنخم ُنخامة إل
وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده ،وإذا
أمرهم ابتدروا أمره ،وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه،
وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون إليه النظر
هذا في حياته ،وأما عند وفاة نبي الرحمة فقد
كان مشهدا ً هّز المشاعر ،وأخفق القلوب ،وأذرف
العيون ،بل أن عمر لم يصدق بذلك النبأ وأنكر ذلك!
ح عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي أن فقد ص ّ
سنح - ،يعني بالعالية-رسول الله مات وأبو بكر بال ُ
فقام عمر يقول :والله ما مات رسول الله ،قالت:
وقال عمر :والله ما كان يقع في نفسي إل ذاك وليبعثنه
الله ،فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم ،فجاء أبو بكر
فكشف عن رسول الله فقّبله ،قال :بأبي أنت وأمي
طبت حيا ً وميتًا ،والذي نفسي بيده ل يذيقك الله
الموتتين أبدًا ،ثم خرج فقال :أيها الحالف على ِرسلك،
ما تكلم أبو بكر جلس عمر ،فحمد الله أبو بكر وأثنى فل ّ
-أخرجه البخاري مطول ً )الصحيح -كتاب الشروط – باب 1
155
عليه وقال :أل من كان يعبد محمدا ً فإن محمدا ً قد
مات ،ومن كان يعبد الله فإن الله حي ل يموت وقال ﴿
إنك ميت وإنهم ميتون﴾ ]الزمر ،[30/وقال ﴿وما محمد إل
رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل
انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر
الله شيئا ً وسيجزي الله الشاكرين﴾ ]آل عمران،[144/
قال :فنشج الناس يبكون).(1
ول زال هذا الزلزال يعتبر عند المسلمين أكبر مصيبة
حتى تقوم الساعة.
تقول ُأم سلمة رضي الله عنها :فيا لها من مصيبة! ما
)(2
ُأصبنا بعدها بمصيبة إل هانت إذا ذكرنا مصيبتنا به .
وأنشد علي بن حجر السعدي ت 244هـ:
فاذكر وإذا ذكرت مصيبة تشجى بها
)(3
مصابك بالنبي محمد.
ومن أعظم ما قام به الصحابة من تعظيم نبي
الرحمة حفظ سنته في أقواله وأفعاله وتقريراته ،فقد
انبرى ثلة من الرجال والنساء فحفظوها وبّلغوها إلى
التابعين رحمهم الله تعالى الذين قاموا بهذه السنة حفظا ً
وعلما ً وتعليما وعمل ً ونشروها في بلد المسلمين
ودافعوا عنها من هجوم المعتدين ،وبدءوا بكتابتها في
الدواوين وقد أخذها أتباعهم واعتنوا بها قول ً وعمل ً وكتاب ً
ة
ضاعين.وجمعا ً وتدريسا ً وانبروا إلى فضح الو ّ
وقد اشتهر جمع كبير من الصحابة والتابعين برواية
الحديث الشريف حتى حفلت الكتب بعشرات اللوف من
مروياتهم القولية والفعلية ،والتي أنارت مدارس الحديث
الحافلة بطبقات الحفاظ من القرن الثاني إلى عصرنا
الحاضر الذي ازدان بالبرامج الحاسوبية ،والموسوعات
اللكترونية ،حتى بلغ عدد الرواة ما يقارب نصف
المليون.
أضف إلى ذلك تدريس الحديث الشريف في
المدارس والجامعات والتخصص فيه بالدراسات العليا
1
-صحيح البخاري – كتاب فضائل الصحابة – باب قول النبي
"لو كنت متخذا خليل" ح .3668-3667
-أخرجه البيهقي )دلئل النبوة .(7/267 2
156
فاظوكليات الحديث الشريف ،والجوائز التي رصدت لح ّ
الحديث ،وأضف إلى ذلك زيارة المسجد النبوي مئات
المليين من المسلمين يزور المسجد النبوي للسلم على
نبي رحمة والسلم على صاحبيه أبي بكر وعمر رضي
الله عنهما ،وبما أن الزوار يتقاطرون ويتزايدون في كل
عام فإن حكومة المملكة العربية السعودية أولت اهتماما ً
بالغا ً في توسعة المسجد النبوي إذ قامت بعدة مراحل
حتى بلغت إلى هذه التوسعة المباركة التي نشهدها اليوم
والتي تعجب الزوار والحذاق من أرباب الهندسة
المعمارية ،كما انتشرت دروس الحديث الشريف عبر
الذاعات والقنوات الفضائية والشبكات العنكبوتية،
وتكاثرت المؤلفات ،ولو تتبعنا المؤلفات التي كتبت عنه
لبلغت اللوف ،وذلك في مدحه وسيرته وخصائصه
وفضائله ومعجزاته ومكانته وشمائله ورحمته وسماحته
وحكمته وأخلقه وغزواته ومعاهداته وزوجاته وآل بيته
.
وأما ذكره وقت أذان الصلة والقامة لها فإن
الكرة الرضية كلها تنادي بذكره مقرونا ً بذكر الله تعالى،
ولو تتبعنا خطوط الطول لرأينا ذكره طوال الربع
والعشرين ساعة.
وكذلك الصلة والسلم عليه فإن مئات المليين تلهج
ألسنتهم بذلك ،وأما الشعراء والدباء فقد تغنوا بذكره
ودّبجوا القصائد والمدائح ،ومن شدة حّبه وتقديره فإن
ب وتقدير أهل بيته الشريف مة قد أجمعت على ح ّ ُ
ال ّ
فلهم مكانة كريمة وخصائص عظيمة ،كل ذلك من أجل
تعظيم قدر نبي الرحمة .
ومن المسلمين من كان غير مسلم ثم درس السلم
ونبي السلم فعرف قدر نبي الرحمة فدخل في دين
الله تعالى راضيا ً مرضيًا ،وذلك لن الدراسة العلمية
المجردة من التعصب والحسد تدفع صاحبها إلى إتباع
طريق الحق والنصاف ،وقد قام ثلة من المستشرقين
بمثل هذه الدراسة للقرآن الكريم وتعمقوا فيه ،وبعض من
ترجموا معاني القرآن الكريم تأثروا بالقرآن الكريم،
وأعلنوا إسلمهم نتيجة للتصال المباشر بالقرآن الكريم،
ودراسته ،والتعمق فيه .ومن هؤلء :ج .ل .بروكهارت )
157
(1817-1784المستشرق النجليزي الذي قرأ القرآن
وتفقه في الدين السلمي واعتنقه عام .1809وكذلك ر.
ف .بودلي Bodleyالذي آمن بسلمة العقيدة السلمية
وضمن هذا في مقدمة كتابه :الرسول ،حياة محمد )لندن
)(1
. (1946والمستشرق فريتس كرنكوف Krenkow (1872-
(1952الذي اعتنق السلم وسمى نفسه محمد سالم
الكرنكوي .وله في الدراسات القرآنية تفسير ثلثين سورة
لبن خالويه ) .(1936وكذلك المستشرق مارمادوك وليم
بكثول ) (1936-1875الذي ترجم معاني القرآن الكريم )
(1930وكان قد أعلن إسلمه وأصبح إماما ً للمسلمين في
لندن بعد رحلة إلى مصر حيث استدعاه اللورد كرومر عام
1904ثم سافر إلى تركيا وعاد إلى مصر معلنا ً إسلمه.
وتعد ّ ترجمته لمعاني القرآن الكريم من أفضل الترجمات
النجليزية) .(2ومن هؤلء المستشرقين أيضا ً المستشرق
المجري عبد الكريم جرمانوس ) (1979-1884الذي أعلن
إسلمه في مدينة دلهي ) .(1931ويعتبر المستشرق
النمساوي ليوبولد فايس أشهر المستشرقين الذين ترجموا
القرآن الكريم إلى النجليزية وأسلم وتسمى محمد أسد،
وأسس بمعاونة وليم بكثول )الذي أسلم أيضًا( مجلة
الثقافة السلمية في حيدراباد الدكن ) (1927للرد على
أخطاء المستشرقين) .(3ومن المستشرقين الفرنسيين
أسلم جينون رينيه ) Guenon Renéالمتوفى (1951في عام
1927وتسمى باسم عبدالواحد يحيي ،وكان سبب إسلمه
اليات القرآنية المرتبطة بالعلوم الطبية والصحية
والطبيعية ،وكذلك أسلم المستشرق دينه Et Dinet (1861-
ج في عام .(4)1928 (1929وتسمى بناصر الدين وح ّ
ً
و)اللورد هدلي( الكاثوليكي سابقا ،وكرستيان
شرفيس الفرنسي ،ومارتن لينغر النكليزي) ،(5وإليكم
بعض شهاداتهم وإعجابهم بنبي الرحمة وهي كما يلي:
-1يقول المفكر النكليزي عبد الله كويليام:امتدت
أنوار المدنية بعد محمد ] [في قليل من الزمان ساطعة
-1المستشرقون للعقيقي .1/95 1
158
في أقطار الرض من المشرق إلى المغرب حتى أن
وصول أتباعه في ذلك الزمن اليسير إلى تلك المرتبة
العلية من المدنية قد حير عقول أولي اللباب .وما السبب
في ذلك إل كون أوامره ونواهيه موافقة لموجب العقل
)(1
ومطابقة لمقتضى الحكمة.
-2ويقول أيضًا :ما اهتدى مئات المليين إلى السلم
إل ببركة محمد ] [الذي علمهم الركوع والسجود لله،
وأبقى لهم دستورا ً لن يضّلوا بعده أبدا ً وهو القرآن
)(2
الجامع لمصالح دنياهم ولخير أخراهم...
-3ويقول أيضًا :لما شرف محمد ] [ساحة عالم
الشهود بوجوده الذي هو الواسطة العظمى والوسيلة
الكبرى إلى اعتلء النوع النساني وترقيه في درجات
المدنية أكمل ما يحتاجه البشر من اللوازم الضرورية
على نهج مشروع ،وأوصل الخلق إلى أقصى مراتب
السعادة بسرعة خارقة .ومن نظر بعين البصيرة في
حال النام قبله عليه الصلة والسلم وما كانوا عليه من
الضللة ..ونظر في حالهم بعد ذلك وما حصل لهم في
عصره من الترقي العظيم رأى بين الحالين فرقا ً عظيما ً
)(3
كما بين الُثريا والَثرى.
-4يقول المهندس العراقي أحمد نسيم سوسه –
كان يهوديا ً ثم أسلم :-
أي غاية أسمى وأقرب إلى النسانية ودين الله من
تلكم الغاية التي كان يرمي إليها الرسول في توحيد
القلوب وإظهار الحقيقة؟ لنتصور محمدا ً وهو يملي
ل﴿ :قل يا أهل الكتاب على أهل الكتاب وحي الله قائ ً
تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أل نعبد إل الله ول
نشرك به شيئا ً ول يتخذ بعضنا بعضا ً أربابا من دون الله
فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون﴾ ]آل عمران.[64/
)(4
159
-5يقول العالم الفرنسي إيتين )ناصر الدين( دينيه:
إن الشخصية التي حملها محمد ] [بين برديه كانت
خارقة للعادة وكانت ذات أثر عظيم جدا ً حتى أنه طبعت
شريعته بطابع قوي جعل لها روح البداع وأعطاها صفة
)(1
الشيء الجديد.
-6ويقول أيضًا :إن سنة الرسول الغراء ] [باقية
إلى يومنا هذا ،يجلوها أعظم إخلص ديني تفيض به
نفوس مئات المليين من أتباع سنته منتشرين على
)(2
سطح الكرة.
ً
-7ويقول أيضا :كان النبي يعنى بنفسه عناية
تامة ،إلى حد أن عرف له نمط من التأنق على غاية من
)(3
البساطة ،ولكن على جانب كبير من الذوق والجمال.
-8ويقول أيضًا :لقد دعا عيسى ]عليه السلم[ إلى
المساواة والخوة ،أما محمد ] [فوفق إلى تحقيق
)(4
المساواة والخوة بين المؤمنين أثناء حياته.
-9تقول المستشرقة النكليزية اللدي إيفلين كوبولد:
لعمري ،ليجدن المرء في نفسه ،ما تقدم إلى قبر
]الرسول [روعة ما يستطيع لها تفسيرًا ...ذلك أنه
أمام نبي مرسل وعبقري عظيم لم تلد مثله البطون
حتى اليوم ..إن العظمة والعبقرية يهزان القلوب ويثيران
الفئدة فما بالك بالعظمة إذا انتظمت مع النبوة ،وما
بالك بها وقد راحت تضحي بكل شيء في الحياة في
)(5
سبيل النسانية وخير البشرية.
-10وقالت أيضًا :هذه هي مدينة الرسول ] ..[تعيد
إلى نفسي ذكرى جهوده في سبيل ل إله إل الله ،وتلقي
في روعي صبره على المكاره واحتماله للذى في سبيل
)(6
الوحدانية اللهية.
160
-11وقالت أيضًا :مع أن محمدا ً ] [كان سيد
الجزيرة العربية ..فإنه لم يفكر في اللقاب ،ول راح
ل على حاله مكتفيا ً بأنه رسول يعمل لستثمارها ،بل ظ ّ
الله ،وأنه خادم المسلمين ،ينظف بيته بنفسه ويصلح
حذاءه بيده ،كريما ً بارا ً كأنه الريح السارية ،ل يقصده
فقير أو بائس إل تفضل عليه بما لديه ،وما لديه كان في
)(1
أكثر الحايين قليل ً ل يكاد يكفيه.
-12يقول الدكتور النكليزي م.ج.دوراني :إن هذا
اليمان وهذا السعي الحثيث وهذا التصميم والعزم الذي
قاد به محمد حركته حتى النصر النهائي ،إنما هو
برهان بليغ على صدقه المطلق في دعوته .إذ لو كانت
في نفسه أدنى لمسة من شك أو اضطراب لما استطاع
أبدا ً أن يصمد أمام العاصفة التي استمر أوارها أكثر من
عشرين عاما ً كاملة .هل بعد هذا من برهان على صدق
كامل في الهدف واستقامة في الخلق وسمو في النفس
كل هذه العوامل تؤدي ل محالة إلى الستنتاج الذي ل
مفر منه ،وهو أن هذا الرجل هو رسول الله حقًا .هذا هو
نبينا محمد ،إذ كان آية في صفاته النادرة ،ونموذجا ً
كامل ً للفضيلة والخير ،ورمزا ً للصدق والخلص ..إن
حياته وأفكاره وصدقه واستقامته ،وتقواه وجوده،
وعقيدته منجزاته ،كل أولئك براهين فريدة على نبوته.
فأي إنسان يدرس دون تحيز حياته ورسالته سوف
يشهد أنه حقا ً رسول من عند الله ،وأن القرآن الذي جاء
به للناس هو كتاب الله حقًا.
وكل مفكر منصف جاد يبحث عن الحقيقة لبد أن
يصل هذا الحكم.
ً ً
-13ويقول أيضا :وأخيرا أخذت أدرس حياة النبي
محمد ] [فأيقنت أن من أعظم الثام أن نتنكر لذلك
الرجل الرباني الذي أقام مملكة لله بين أقوام كانوا من
قبل متحاربين ل يحكمهم قانون ،يعبدون الوثن،
ويقترفون كل الفعال المشينة ،فغّير طرق تفكيرهم ،ل
دل عاداتهم وأخلقهم ،وجمعهم تحت راية واحدة، بل ب ّ
وقانون واحد ،ودين واحد ،وثقافة واحدة ،وحضارة
مة ،التي لم ُ
واحدة ،وحكومة واحدة ،وأصبحت تلك ال ّ
-3المصدر السابق ص .،67 1
161
تنجب رجل ً عظيما ً واحدا ً يستحق الذكر منذ عدة قرون،
أصبحت تحت تأثيره وهديه تنجب ألوفا ً من النفوس
الكريمة التي انطلقت إلى أقصى أرجاء المعمورة تدعو
إلى مبادئ السلم وأخلقه ونظام الحياة السلمية،
)(1
وتعلم الناس أمور الدين الجديد.
-14يقول الطبيب الفرنسي موريس بوكاي:
فإنه لول أنه أتيحت لي فرصة إجراء بعض التصالت
بالعالم السلمي لبقيت بل شك ككثير من الغربيين
متمسكا ً بهذه العقيدة التي تعلمناها منذ عهد الطفولة،
والذي نسمع أحيانا ً ما يدعى باسم )الدين المحمدي( كان
ينظر إليه كظاهرة اجتماعية ثقافية ،وبناء على هذا
ل تلميح إلى ما يؤدي إلى التفكير في يستبعد تماما ً ك ّ
)(2
عدالته.
-15يقول المستشرق الفرنسي أميل درمنغم:
الحق أن النبي ][لم يعرف الراحة ول السكون بعد
أن أوحى إليه في غار حراء ،فقضى حياة يعجب النسان
بها ،والحق أن عشرين سنة كفت لعداد ما يقلب الدنيا،
فقد نبتت في رمال الحجاز الجديبة حبة سوف تجدد ،عما
قليل ،بلد العرب وتمتد أغصانها إلى بلد الهند والمحيط
الطلنطي .وليس لدينا ما نعرف به أن محمدا ً ][
أبصر ،حين أفاض من جبل عرفات ،مستقبل أمته
ّ
س ببصيرته أن العرب الذين ألف وانتشار دينه ،وأنه أح ّ
بينهم سيخرجون من جزيرتهم لفتح بلد فارس والشام
)(3
وأفريقية وأسبانية.
إن تعظيم قدر النبي عند المسلمين أمر راسخ
في نفوسهم ،بشتى طبقاتهم وأصنافهم ،من العالم
والمثقف والجاهل وجميع العوام ،وذلك لن محبته
واتباعه ونصرته عبادة أمر بها الله تعالى ﴿فالذين آمنوا به
وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه فأولئك هم
المفلحون﴾ ]العراف.[157/
من أجل ذلك قامت بعض المؤسسات الدعوية والفئات
المثقفة بترتيب برامج ولجان لنصرة نبي الرحمة
-1 1رجال ونساء أسلموا .31-4/28
-22القرآن الكريم والعلم العصري ص .25-24
-3 3حياة محمد ص .369-368
162
لتشمل رحماته البشرية جميعا ً بالتبصير والتحذير والتذكير
والترغيب والترهيب ،ومن ذلك )البرنامج العالمي
للتعريف بنبي الرحمة (الذي تشرف عليه رابطة
العالم السلمي ،التي جعلت مؤتمرها السنوي لهذا العام
مة .( ُ
بعنوان )نصرة نبي ال ّ
المبحث الثالث
مكانة نبي الرحمة عند غير المسلمين
وكما أن مكانته عند المسلمين قد أخذت صدارتها في
القلوب ،وتشربت في عروقهم ،فكذلك عند غير
المسلمين من المعتدلين الذين تعاملوا مع نبي الحكمة
طروا في ودرسوا سيرته ،وعرفوا رحمته ،فقد س ّ
كتبهم ومقالتهم شهادات منصفة ملؤها العدالة
والوسطية ،تنطق بالواقعية والمصداقية ،حتى أن بعضهم
قد دخل في دين السلم ِلما رأى من الحق والعدل
والصدق ،وقد سبق ذكرهم في المبحث السابق.
ُ
ل أقول فيما ذكر من الشهادات أن هذا حق أريد به
باطل ،أو أنه استئناس للقارئ حتى ُيمهد لترويج
ث الشاعات .بل أقول إن القول الحق ،نأخذ التهامات وب ّ
به ونبني عليه لعلج المشكلت بالتي هي أحسن لبيان
الحق ولزالة التصور المشوه عن نبي الرحمة ،
وتصحيح هذا المسار خصوصا ً أن الشهادات قد صدرت
عن شخصيات مرموقة من أساتذة الجامعة ومن أرباب
)(1
القانون ودهاقنة المستشرقين وقيادات التربية.
وقد جمعت شهادات كثيرة جدًا ،وبعض أصحابها دخل
في السلم كما تقدم في المبحث الثاني فل داعي
صت على عظمة لتكرارها ،ومن تلكم الشهادات التي ن ّ
هذا الرسول ما يلي:
-1يقول العالم المريكي مايكل هارث:
1
-1وقد صدرت عن بعضهم شبهات تشوش وتشوه الصورة
الجميلة والقدوة الحسنة لنبي الرحمة ،وقد رصدت منها
الشبهات التي ينعق بها في هذه اليام ،وأجبت عنها بالدلة
العقلية والنقلية وبأقوال أهل ملتهم وردود بني جلدتهم؛
وذلك لمخاطبة العقل الغربي بصيغة جديدة ومؤثرة ومقنعة
لمن أراد أن يتحرى الحق والصدق ،ولمعرفة موافقات هؤلء
للدلة العقلية والنقلية.
163
إن هذا التحاد الفريد ل نظير له للتأثير الديني
[أن يعتبر أعظم شخصية والدنيوي معا ً يخول محمدا ً ]
)(1
مفردة ذات تأثير في تاريخ البشرية.
-2ويقول أيضًا :إن اختياري لمحمد ] [ليكون رأس
القائمة التي تضم الشخاص الذين كان لهم أعظم تأثير
عالمي في مختلف المجالت ،ربما أدهش كثيرا ً من
القراء ..،ولكن في اعتقادي أن محمدا ً ] [كان الرجل
الوحيد في التاريخ الذي نجح بشكل أسمى وأبرز في كل
)(2
المستويين الديني والدنيوي.
-3يقول المؤرخ المسيحي المصري د.نظمي لوقا:
ما كان محمد ] [كآحاد الناس في خلله ومزاياه ،وهو
مةالذي اجتمعت له آلء الرسل ]عليهم السلم[ ،وه ّ
البطل ،فكان حقا ً على المنصف أن يكرم فيه المثل،
)(3
ويحيي فيه الرجل.
-4يقول المؤرخ المريكي فيليب حتي:
إذا نحن نظرنا إلى محمد ] [من خلل العمال
التي حققها ،فإن محمدا ً الرجل والمعلم والخطيب ورجل
الدولة والمجاهد يبدو لنا بكل وضوح ،واحدا ً من أقدر
الرجال في جميع أحقاب التاريخ .لقد نشر دينا ً هو
السلم ،وأسس دولة هي الخلفة ،ووضع أساس حضارة
مة ُ ُ
مة هي ال ّ هي الحضارة العربية السلمية ،وأقام أ ّ
العربية) .(4وهو ل يزال إلى اليوم قوة حية فعالة في حياة
المليين من البشر.
-5ويقول أيضًا :صفات محمد ] [مثبتة في القرآن
بدقة بالغة فوق ما نجد في كل مصدر آخر .إن المعارك
التي خاضها ،والحكام التي أبرمها ،والعمال التي قام
بها ،ل تترك مجل ً للريب في الشخصية القوية واليمان
الوطيد والخلص البالغ ،وغير ذلك من الصفات التي
-1دراسة في المائة الوائل ص .25 1
164
خلقت الرجال القادة في التاريخ .ومع أنه كان في دور
من أدوار حياته يتيما ً فقيرًا ،فقد كان في قلبه دائما ً سعة
)(1
لمؤاساة المحرومين في الحياة.
-6يقول الستاذ السويسري في جامعة جنيف أدوار
مونته:
كان محمد ] [كريم الخلق حسن العشرة ،عذب
الحديث ،صحيح الحكم صادق اللفظ ،وقد كانت الصفات
الغالبة عليه هي صحة الحكم وصراحة اللفظ ،والقتناع
)(2
التام بما يعمله ويقوله.
-7ويقول أيضًا :ل مجال للشك في إخلص الرسول ]
)(3
[وحماسته الدينية التي تشبعت بها نفسه وفكره...
[الدينية تدهش كل -8ويقول أيضًا :إن طبيعة محمد ]
باحث مدقق نزيه المقصد بما يتجلى فيها من شدة
الخلص ...ولقد جهل كثير من الناس محمدا ً ] [وبخسوه
حقه وذلك لنه من المصلحين النادرين الذين عرف الناس
)(4
أطوار حياتهم بدقائقها.
-9يقول العالم اللماني رودي بارت:
كان من بين ممثلي حركة التنوير من رأوا في النبي
العربي ] [أداة الله ،ومشّرعا ً حكيمًا ،ورسول ً للفضيلة،
)(5
وناطقا ً بكلمة الدين الطبيعي الفطري ،مبشرا ً به.
-10يقول المؤرخ الفرنسي كوستاف لوبون:
إذا ما قيست قيمة الرجال بجليل أعمالهم كان محمد
] [من أعظم من عرفهم التاريخ ،وقد أخذ علماء
الغرب ينصفون محمدا ً ] [مع أن التعصب الديني
)(6
أعمى بصائر مؤرخين كثيرين من العتراف بفضله...
-11ويقول أيضًا :ل شيء أصوب من جمع محمد ]
[لجميع السلطات المدنية والحربية والدينية في يد
-1السلم منهج حياة ص .56-54 1
.15
-6حضارة العرب ص .115 6
165
واحدة أيام كانت جزيرة العرب مجزأة ما استطعنا أن
نقدر قيمة ذلك بنتائجه ،فقد فتح العرب العالم في قرن
واحد بعد أن كانوا قبائل من أشباه البرابرة المتحاربين
)(1
قبل ظهور محمد ].[
-12يقول العالم المريكي ول ديورانت :يبدو أن أحدا ً
لم يعن بتعليم ]محمد [القراءة والكتابة ..ولم يعرف
عنه أنه كتب شيئا ً بنفسه ..ولكن هذا لم يحل بينه وبين
قدرته على تعرف شئون الناس تعرفا ً قلما يصل إليه
أرقى الناس تعليمًا.
-13ويقول أيضًا :كان النبي ] [من مهرة القواد..
ولكنه كان إلى هذا سياسيا ً محنكًا ،يعرف كيف يواصل
الحرب بطريقة السلم.
-14ويقول أيضًا :إذا ما حكمنا على العظمة بما كان
للعظيم من أثر في الناس قلنا أن محمدا ً ] [كان من
أعظم عظماء التاريخ ،فلقد أخذ على نفسه أن يرفع
المستوى الروحي والخلقي ...وقد كبح جماح التعصب
والخرافات .واستطاع في جيل واحد أن ينتصر في مائة
معركة ،وفي قرن واحد أن ينشئ دولة عظيمة.
-15ويقول أيضًا :تدل الحاديث النبوية على أن النبي
] [كان يحث على طلب العلم ويعجب به ،فهو من هذه
)(2
الناحية يختلف عن معظم المصلحين الدينيين...
-16يقول الستاذ الفرنسي جاك س.ريسلر :إذا ما
عرفنا أن هذا العمل العظيم أدرك وحقق في أقصر أجل
أعظم أمل لحياة إنسانية فإنه يجب أن نعترف أن محمدا ً
] [يظل في عداد أعظم الرجال الذين شرف بهم
)(3
تاريخ الشعوب والديان.
-17يقول المفكر اللبناني المسيحي نصري سلهب:
هنا عظمة محمد ] [لقد استطاع ،خلل تلك الحقبة
القصيرة من الزمن ،أن يحدث شريعة خلقية وروحية
واجتماعية لم يستطعها أحد في التاريخ بمثل تلك
)(4
السرعة المذهلة.
166
-18يقول المستشرق الفرنسي هنري سيرويا:
محمد ] [شخصية تاريخية حقة ،فلوله ما استطاع
السلم أن يمتد ويزداد ،ولم يتوان في ترديد أنه بشر
مثل الخرين مآله الموت ،وبأنه يطلب العفو والمغفرة
)(1
من الله عز وجل...
-19يقول المستشرق النكليزي سير هاملتون
الكساندر روسكين جب:
ومهما نقل في قوة النـزعة السلمية نحو محمد ]
[وفي آثارها فإنا ل نوصف بالغلو .فقد كان إجلل
الرسول ] [شعورا ً طبيعيا ً محتوما ً في عصره وفيما
بعده ،غير أن ما نومئ إليه شيء يتجاوز الجلل .فإن
العلقات الشخصية من العجاب والحب اللذين بعثهما
ل صداها يتردد خلل القرآن، في نفوس صحابته ظ ّ
مة ُ
والفضل في ذلك يعود إلى الرسائل التي أقرتها ال ّ
)(2
لتستثير بها مجددين في كل جيل.
-20يقول المستشرق الفرنسي مكسيم رودنسن
الماركسي النـزعة:
)(3
إنني معجب بعظمة هذا الرجل وعبقريته.
-21يقول المستشرق الفرنسي لويس سيديو:
ل الوقت الذي توجه فيه النظار إلى تاريخ تلك لقد ح ّ
مة التي كانت مجهولة المر في زاوية من آسية ُ
ال ّ
فارتقت إلى أعلى مقام فطبق أسمها أفاق الدنيا مدة
سبعة قرون .ومصدر هذه المعجزة هو رجل واحد ،هو
)(4
محمد ]...[
-22ويقول أيضًا :إن محمدا ً ] [أثبت خلود الروح..
وهو مبدأ من أقوم مبادئ الخلق .ومن مفاخر محمد ]
)(5
[أن أظهره قويا ً أكثر مما أظهره أي مشترع آخر...
167
-23يقول الكاتب النكليزي توماس كارليل :لم يكن
ل ،فهو قائم في ثوبه المرقع كما أوجده متكبرا ً ول ذلي ً
الله يخاطب بقوله الحر المبين أكاسرة العجم ،وقياصرة
الروم ،يرشدهم إلى ما يجب عليهم لهذه الحياة ،والحياة
الخرة إلى أن يقول :ولول ما وجدوا فيها من آيات النبل
والفضل لما خضعوا لرادته ،ولما انقادوا لمشيئته ،وفي
ظني أنه لو وضع قيصر بتاجه وصولجانه وسط هؤلء
القوم بدل هذا النبي لما استطاع قيصر أن يجبرهم على
طاعته ،كما استطاع هذا النبي في ثوبه المرقع .ثم ينهي
كلمه ويقول :هكذا تكون العظمة ،وهكذا تكون البطولة،
)(1
وهكذا تكون العبقرية.
والحق أن ما أوتي النبي أكبر من العبقرية أل
وهي الرحمة والحكمة والوحي.
-24يقول المستشرق البريطاني سير توماس
أرنولد:
لعله من المتوقع ،بطبيعة الحال ،أن تكون حياة
مؤسس السلم ومنشئ الدعوة السلمية ] ،[هي
الصورة الحق لنشاط الدعوة إلى هذا الدين .وإذا كانت
حياة النبي ] [هي مقياس سلوك عامة المؤمنين،
فإنها كذلك بالنسبة إلى سائر دعاة السلم .لذلك نرجو
من دراسة هذا المثل أن نعرف شيئا ً عن الروح التي
دفعت الذين عملوا على القتداء به ،وعن الوسائل التي
ينتظر أن يتخذوها .ذلك أن روح الدعوة إلى السلم لم
تجيء في تاريخ الدعوة متأخرة بعد أناة وتفكر ،وإنما هي
قديمة قدم العقيدة ذاتها .وفي هذا الوصف الموجز
سنبين كيف حدث ذلك وكيف كان النبي محمد ] [يعد
)(2
نموذجا ً للداعي إلى السلم؟
-25يقول الكونت الفرنسي هنري دي كاستري:
إن أشد ما نتطلع إليه بالنظر إلى الديانة السلمية ما
النبي ] [ولذلك قصدت أن اختص منها بشخص
يكون بحثي أول ً في تحقيق شخصيته وتقرير حقيقته
الدبية علني أجد في هذا البحث دليل ً جديدا ً على صدقه
-51أوربا والسلم ص .47-46
-1 2الدعوة إلى السلم ،ص .34
168
وأمانته المتفق تقريبا ً عليها بين جميع مؤرخي الديانات
)(1
وأكبر المتشيعين للدين المسيحي.
-26يقول مونتكمري وات عميد قسم الدراسات
العربية في جامعة أدنبرا سابقًا:
منذ أن قام كارليل بدراسته عن محمد ] [في
كتابه )البطال وعبادة البطل( أدرك الغرب أن هناك
أسبابا ً وجيهة للقتناع بصدق محمد .إذ أن زعيمته في
تحمل الضطهاد من أجل عقيدته ،والخلق السامي
للرجال الذين آمنوا به ،وكان لهم بمثابة القائد ،وأخيرا ً
عظمة عمله في منجزاته الخيرة ،كل ذلك يشهد
)(2
باستقامته التي ل تتزعزع.
-27ويقول أيضًا :كلما فكرنا في تاريخ محمد ][
وتاريخ أوائل السلم ،كّلما تملكنا الذهول أمام عظمة
مثل هذا العمل .ول شك أن الظروف كانت مواتية
لمحمد فأتاحت له فرصا ً للنجاح لم تتحها لسوى القليل
من الرجال غير أن الرجل كان على مستوى الظروف
تمامًا .فلو لم يكن نبيا ً ورجل دولة وإدارة ،ولو لم يضع
ثقته بالله ويقتنع بشكل ثابت أن الله أرسله ،لما كتب
فصل ً مهما ً في تاريخ النسانية .ولي أمل أن هذه
الدراسة عن حياة محمد ] [يمكنها أن تساعد على
إثارة الهتمام ،من جديد ،برجل هو أعظم رجال أبناء
)(3
آدم.
-28ويقول العلمة الستاذ )شيرل( عميد كلية
الحقوق بجامعة )فينا( في مؤتمر الحقوقيين سنة
1927م:
إن البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها إذ
أنه رغم أميته استطاع قبل بضعة عشر قرنا ً أن يأتي
بتشريع سنكون -نحن الوربيين -أسعد ما نكون لو
)(4
وصلنا إلى قمته بعد ألفي سنة.
-2السلم خواطر وسوانح ص .6 1
169
-29يقول المستشرق الروسي بولشاكوف في آخر
كتابه )تاريخ الخلفة( – باللغة الروسية :-محمد ][
ترك لتباعه نظاما ً دينيا ً كامل ً مرتبطا ً بشخصيته ،يحتوي
على كل ما يحتاج إليه النسان من معرفة حقيقة العبد
)(1
والله إلى العبادات المنظمة بدقة.
-30يقول المستشرق الفرنسي هنري ماسيه :بفضل
إصلحات محمد ] [الدينية والسياسية ،وهي إصلحات
موحدة بشكل أساسي ،فإن العرب وعوا بأنفسهم
وخرجوا من ظلمات الجهل والفوضى ليعدوا دخولهم
)(2
النهائي إلى تاريخ المدنية.
إضافة إلى هذه الشهادات فإن ثمة بشارات في كتب
الهندوس والفرس ،يقول فضيلة الشيخ أبو بكر محمد
زكريا :كثير من المؤلفات في السيرة النبوية باللغة
البنغالية تناولت بشارات الرسول في الكتب الدينية
القديمة ،فقد أوردوا في كتبهم من النصوص الدالة على
وجود بشارات الرسول في التوراة والنجيل وكتب
الهندوس وكتب الفرس الدينية ،وهناك مؤلفات مفردة
في هذا الموضوع وقد وصلت هذه المؤلفات 25مؤلفًا،
من أهمها ما يلي:
-1النبي الخير في كتب الديانات القديمة ،تأليف د.محمد
شهيد الله ،طبع سنة 1952م.
-2محمد في الويد والبرانات وكلي أفتار) ،(3تأليف
د.محمد قدرت الله ،طبع سنة 1953م.
-3خاتم النبيين في كتب الهندوس ،تأليف د.إسماعيل
حسين ،طبع سنة 1964م.
-4الله ومحمد في كتاب الديانات العديدة ،تأليف
)(4
إسماعيل حسين ديناجي.
-نقل ً عن الهتمام بالسيرة النبوية باللغة الروسية ،ص .28 1
170
إل أن بعضهم وقع في الغلو والطراء المفرط ،فإن
المؤرخ البنغالي كريشنا كومار ميترو في كتابه )سيرة
محمد (جعله مثل الله.
كما أن المؤلفات في ولدة الرسول بلغت 66
مؤلفا ً باللغة البنغالية حافلة بالخرفات والمبالغات) ،(1التي
نهى عنها النبي بقوله "ل تطروني كما أطرت
النصارى المسيح عيسى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا:
عبد الله ورسوله").(2
171
الخاتمة
وبعد هذه الجولة أرى أن أختم بأهم النتائج
والتوصيات والقتراحات وهي كما يلي:
-1أن التعريف بنبي الرحمة والحكمة وسيرته
العطرة يفتح آفاقا ً لسعادة البشرية في الدنيا والخرة.
-2أن سيرة نبي الرحمة ل زالت تحتاج إلى مزيد
من استنباط الفوائد.
-3أن حكمة نبي الرحمة ورحمته لم تقتصر على
أمته بل تشمل البشرية ،ولها القدرة على علج
المشكلت.
-4عظمة قدر نبي الرحمة عند الله تعالى
والملئكة والنبياء والنس والجن.
-5إن الشاعات حول نبي الرحمة هي افتراءات
تعود أغلب جذورها إلى مشركي مكة المكرمة في العهد
النبوي.
-6ل ينبغي الحكم على الغرب كله بالفساد وكراهية
السلم والمسلمين ،وكذلك ل ينبغي حكم الغرب على
المسلمين أنهم إرهابيون.
-7التعاون مع البرنامج العالمي للتعريف بنبي
الرحمة ؛ لتحقيق أهداف البرنامج.
-8إنشاء مركز أبحاث علمي للهتمام بالسنة
والسيرة النبوية ،لستنباط العلوم والفوائد ،ولمتابعة
الحديث عن نبي الرحمة في المقررات الدراسية
باللغات الجنبية المختلفة ،ورصد ما يستجد فيها.
مة السلمية تنتصر ُ
-9تبليغ الغرب والشرق أن ال ّ
دائما ً لدينها ،ول تقبل إهانة أي نبي من النبياء صلوات
الله وسلمه عليهم.
-10دعوة الغرب إلى نبذ فكرة )صراع الحضارات(
بين المم والشعوب ،واستبدال ذلك بالمسابقة إلى
الخيرات ،والتدافع والتنافس الشريف من أجل إسعاد
البشرية وسلمتها واستقرارها بالحوار الهادف الهادئ
الخالي من التهديد والتشاؤم.
172
-11تفعيل الحوار بين السلم والنصرانية بواسطة
الخبراء المعتدلين ،والستفادة من القنوات المتاحة مع
النخب المثقفة.
-12التنسيق بين المؤسسات السلمية المعنية
بالحوار.
-13السعي ليقاف طباعة الكتاب المفترى )الفرقان
الحق( ،ومحاولة محاكمة المؤلف والمطبعة لما فيه من
العتداء على كتاب الله تعالى ،وهو اعتداء على التوراة
والنجيل؛ لن كثيرا ً من الحكام الشرعية متوافقة بين
هذه الكتب السماوية الثلثة ،ولما فيه من السطو على
آيات كثيرة من القرآن الكريم ونسبتها إلى المؤلف،
وذلك عن طريق منظمة المؤتمر السلمي بواسطة
رابطة العالم السلمي.
-14توجيه بعض الساتذة الجامعيين المسلمين الذين
يجيدون اللغات الغربية للسهام في تدريس المقررات
المتصلة بالسلم في الجامعات الغربية.
-15تزويد مكتبات الجامعات الغربية المهتمة
بتدريس السلميات بانتظام ،بالكتب والمراجع التي
تسهم تدريجيا ً في تعديل مسار تدريس السلميات.
-16ترجمة المراجع السلمية الساسية ترجمات
راقية إلى اللغات الجنبية.
-17الهتمام بحضور المؤتمرات العلمية الغربية التي
تتناول الشؤون السلمية بالدراسة والتحليل.
-18تشجيع إرسال طلب العالم السلمي الناضجين
المزّودين بعلم ديني صحيح ،ومنهجية سليمة في التعامل
مع المخالف ،لطلب العلم في الغرب.
-19تقديم استنكار لجامعة توينجين اللمانية لمنحها
جائزة كلمة العام لبابا الفاتيكان على كلمته بنبي الرحمة
.
-20تطوير إبراز العجاز العلمي في السنة النبوية.
-21دعم الجهود التي تبذلها الهيئات الدولية مثل:
اليونسكو ،والمعهد السويدي بالسكندرية ،وجامعة الدول
173
العربية؛ لتنقية المناهج الدراسية في دول الغرب من
الخطاء الفادحة حول حقائق السلم ومبادئه وأهدافه
وقيمه.
-22توجيه طلب الدراسات العليا في تسجيل
مة . ُ
موضوعات ذات الصلة بموضوع نبي ال ّ
م الكتاب ،وآخر دعوانا أن الحمد لله رب ت ّ
العالمين.
174
فهرس بأهم المصادر والمراجع
-القرآن الكريم ،برواية حفص عن عاصم ،طبعة مجمع
الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.
مة،( -أبحاث مؤتمر مكة المكرمة السابع )نصرة نبي ال ُ
ّ
والذي أقيم في رابطة العالم السلمي بمكة المكرمة ،في
الفترة من 7/12/1427-5هـ.
-البطال ،توماس كارليل ،ترجمة محمد السباعي ،سلسة
من الشرق والغرب ،عدد ،11الدار القومية ،القاهرة.
-الجوبة الفاخرة عن السئلة الفاجرة ،للمام شهاب الدين
أحمد بن إدريس القرافي ،تحقيق د.ناجي محمد داود ،رسالة
دكتوراه من جامعة ُأم القرى بمكة المكرمة 1405هـ ،مطبوعة
باللة الكاتبة.
-الحسان في تقريب صحيح ابن حبان ،للمير علء الدين
بن بلبان الفارسي ،تحقيق شعيب الرناؤوط ،مؤسسة
الرسالة ،بيروت ،ط 1408 ،1هـ .
-أحسن الجوبة عن سؤال أحد علماء أوروبة ،عبد الله وليم
كويليام ،ترجمة معروف الرصافي ،مطبعة الولية ،بغداد
1330م.
-الحكام السلطانية والوليات الدينية للماوردي ،دار الكتب
العلمية ،بيروت1398 ،هـ.
-أحكام أهل الذمة ،للمام شمس الدين محمد بن أبي بكر
بن قيم الجوزية ،تحقيق سيد عمران ،دار الحديث ،القاهرة .
-آراء المستشرقين حول القرآن والتفسير ،د.عمر إبراهيم
رضوان ،رسالة دكتوراه من جامعة المام محمد بن سعود
السلمية بالرياض 1410هـ ،مطبوعة بالحاسوب.
-الستشراق بين الموضوعية والفتعالية ،د.قاسم
السامرائي ،دار الرفاعي للنشر والطباعة ،الرياض ،ط ،1
1403هـ.
-الستشراق في السيرة النبوية ،عبد الله محمد النعيم،
المعهد العالمي للفكر السلمي ،ط 1417 ،1هـ.
-السلم خواطر وسوانح ،هنري دي كاستري ،ترجمة أحمد
فتحي زغلول باشا ،مطبعة الشعب ،القاهرة 1911م.
-السلم على مفترق الطرق ،ليوبولد )محمد أسد( فايس،
ترجمة د.عمر فروخ ،دار العلم للمليين ،بيروت ،ط ،6
1965م.
-السلم في المناهج الغربية المعاصرة ،د.محمد وقيع الله
أحمد ،طبعة جائزة المير نايف بن عبد العزيز العالمية ،ط ،1
1427هـ.
-السلم في مواجهة الستشراق العالمي ،عبد العظيم
المطعني ،دار الوفاء للطباعة والنشر ،المنصورة مصر ،ط ،1
1407هـ.
175
-السلم منهج حياة ،فيليب حتي ،تعريب د.عمر فروخ ،دار
العلم للمليين ،بيروت 1972م.
-السلم والحضارة العربية ،محمد كرد علي ،لجنة التأليف
والترجمة والنشر ،القاهرة ،ط 1968 ،3م.
-السلم والعرب ،روم لندو ،ترجمة منير البعلبكي ،دار
العلم للمليين ،بيروت ،ط 1977 ،2م.
-السلم والغرب والمستقبل ،أرنولد توينبي ،تعريب د.نبيل
صبحي ،دار العربية بيروت 1969م.
-السلم والمستشرقون ،نخبة من العلماء المسلمين،
مطبعة عالم المعرفة جدة ،ط 1405 ،1هـ.
-السلم والمسيحية د.إليسكي جورافيسكي ،كتاب رقم
215من سلسلة عالم المعرفة ،المجلس الوطني للثقافة
والفنون والداب ،الكويت ،نوفمبر 1996م
-السلم والوعي الحضاري ،أ.د.أكرم بن ضياء العمري ،دار
الرسالة ،بيروت.
-السلم ،هنري ماسيه ،ترجمة بهيج شعبان ،منشورات
عويدات ،بيروت ،ط 1977 ،2م.
-أشعة خاصة بنور السلم ،إيتين )ناصر الدين( دينيه،
ترجمة راشد رستم ،سلسلة الثقافة السلمية رقم ،17
المكتب الفني للنشر ،بيروت 1960م.
-الصابة في تمييز الصحابة ،لبن حجر العسقلني ،طبعة
دار أحياء التراث العربي ،بيروت.
-المير لنيقول ميكافيلي ،ترجمة فاروق سعد ،طبعة دار
الفاق ،بيروت 1979م.
-إنسانية السلم ،مارسيل بوازار ،ترجمة د.عفيف
دمشقية ،دار الدب ،بيروت 1980م.
-النتصار للقرآن ،د.صلح الخالدي ،مؤسسة الفرسان
مان ،الردن.للنشر ،ع ّ
-الهتمام بالسيرة النبوية باللغة النكليزية ،أ.د.محمد مهر
علي.
-الهتمام بالسيرة النبوية باللغة البنغالية ،أبو بكر محمد
زكريا.
-الهتمام بالسيرة النبوية باللغة الفرنسية ،د.حسن إدريس
عزوزي ،هذه البحوث مقدمة لندوة عناية المملكة العربية
السعودية بالسنة النبوية ،والتي أقيمت في مجمع الملك فهد
لطباعة المصحف الشريف في الفترة 17/3/1425-15هـ.
-أهل الذمة في السلم أ.س ترتون ،ترجمة وتعليق
د.حسن حبشي ،سلسلة المكتبة التاريخية ،دار المعارف،
القاهرة ،ط 1967 ،2م .
-البحث عن الله ،إيفلين كوبولد ،ترجمة عمر أبو النصر،
المكتبة الهلية ،بيروت 1934م.
-بداية المجتهد ،لبن رشد ،دار الفكر ،بيروت.
176
-البداية والنهاية ،لبن كثير ،مكتبة دار المعارف ،بيروت ،ط
1978 ،3م .
-البيريسترويكا ،لميخائيل جورباتشوف ،طبعة بيروت.
-تأثير السلم على أوربا في العصور الوسطى ،مونتكمري
وات ،ترجمة د.عادل نجم عّبو ،دار الكتب في جامعة الموصل،
1982م.
-تاريخ الدب العربي ،ريجس بلشير ،ترجمة د.إبراهيم
الكيلني ،وزارة الثقافة ،دمشق 1974م.
-تاريخ المم والملوك ،للمام الطبري ،طبعة دار المعارف،
مصر.
-تاريخ الحضارة السلمية ،ف بارتولد ،ترجمة حمزة طاهر،
دار المعارف ،القاهرة ،ط 1966 ،4م.
-تاريخ العرب العام ،ل.م .سيديو ،ترجمة عادل زعيتر ،دار
أحياء الكتب العربية ،القاهرة 1948م.
-تاريخ العرب والشعوب السلمية منذ ظهور السلم حتى
بداية المبراطورية العثمانية ،كلود كاهن ،ترجمة د.بدر الدين
القاسم ،دار الحقيقة ،بيروت 1972م.
-تراث السلم ,تأليف جمهرة من المستشرقين بإشراف
سير توماس أرنولد ,تعريب وتعليق جرجيس فتح الله ,دار
الطليعة ,بيروت ,ط 1972 ,2م .
-تراث السلم ،تأليف جماعة من الباحثين ،تصنيف جوزيف
شاخت ،وس.أ.بوزورث ،ترجمة محمد زهير السمهوري
ورفاقه ،سلسلة عالم المعرفة ،العداد 8و 11و ،12المجلس
الوطني للثقافة ،الكويت 1978م.
-تفسير القرآن العظيم ،للحافظ ابن كثير ،تحقيق مجموعة
من العلماء ،طبعة دار الشعب.
-تلقيح فهوم أهل الثر في عيون التاريخ والسير ،للمام
عبد الرحمن بن الجوزي ،مكتبة الداب ،القاهرة ط 1975 ،1م.
-تهذيب التفسير الصحيح ،أ.د.حكمت بن بشير ياسين ،تحت
الطبع في مطبعة مجلة الدراسات الفقهية المعاصرة ،الرياض.
-الثقافة الغربية في رعاية الشرق الوسط ،جورج
سارتون ،تعريب د.عمر فروخ ،مكتبة المعارف ،بيروت 1952م.
-الجامع لحكام القرآن للقرطبي ،طبعة دار أحياء التراث
العربي ،بيروت .
-جهود علماء المسلمين في دراسة الكتابات الستشراقية
حول القرآن الكريم ،أ.د.علي بن إبراهيم النملة ،مجمع الملك
فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة.
-الحضارة السلمية في القرن الرابع الهجري ،آدم متز،
ترجمة محمد عبدالهادي أبو ريدة ،لجنة التأليف والترجمة
والنشر ،القاهرة ،ط 1975 ،3م.
-حضارة العرب ،كوستاف لوبون ،ترجمة عادل زعيتر ،دار
إحياء الكتب العربية ،القاهرة ،ط .3
177
-الحضارة العربية ،جاك.س ريسلر ترجمة غنيم عبدون،
مراجعة د.أحمد الهواني ،الدار المصرية القاهرة.
-حقوق النسان في السلم وتطبيقاتها في المملكة
العربية السعودية ،د.سليمان عبد الرحمن الحقيل ،مؤسسة
الممتاز ،الرياض ط .1
ً
-الحوار المسيحي السلمي استنادا إلى تصورات
المسيحية عن المسلمين ،للباحثة دعاء محمود فينو ،والمنشور
في مجلة إسلمية المعرفة ،العدد ،44ربيع 1427هـ2006/م
-حوار عن بعد حول حقوق النسان في السلم ،لمعالي
الشيخ عبدالله بن بيه ،دار الندلس الخضراء ،جدة ،ط ،1
1424هـ.
-حياة محمد ,واشنجتون إيرفنج ،ترجمة علي حسين
الخربوطلي ,دار المعارف ,القاهرة ,ط 1962 ,2م.
-حياة محمد ،إميل درمنغم ،ترجمة عادل زعيتر ،دار أحياء
الكتب العربية ،القاهرة ،ط 1949 ،2م.
-خلصة سير سيد البشر ،محب الدين أحمد بن عبدالله
الطبري ،تحقيق وشرح د.زهير بن إبراهيم الخالد ،مطبوعات
وزارة الوقاف والشؤون السلمية بدولة قطر ،ط ،1
1421هـ.
-الدافع لرتكاب جريمة القتل في الوطن العربي،
د.عبدالله معاوية ،المركز العربي للدراسات المنية ،الرياض.
-دراسات أسبانية للسيرة النبوية ،د.عبدالقادر براده ،مجمع
الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة.
-الدراسات العربية والسلمية في الجامعات اللمانية،
رودي بارت )المستشرقون اللمان منذ تيودور نولدكه( ,ترجمة
د.مصطفى ماهر ,دار الكاتب العربي ,القاهرة1967 ,م.
-دراسات في حضارة السلم ،هاملتون جب ،تحرير
ستانفورد شو ووليم بولك ،ترجمة د.إحسان عباس ورفاقه،
دار العلم للمليين) ،بالمشاركة مع مؤسسة فرانكلين( ،بيروت
1964م.
-دراسة في مائة الوائل ،مايكل هارث ،ترجمة خالد أسعد
عيسى ،وأحمد غسان سبانو ،دار قتيبة ،بيروت ،ط 1979 ،2م.
-دستور الخلق في القرآن ،للدكتور محمد عبد الله دراز،
مؤسسة الرسالة بيروت ،ط 1402 ،4هـ.
-الدعوة إلى السلم ،سير توماس أرنولد ،بحث في تاريخ
نشر العقيدة السلمية ،ترجمة وتعليق د.حسن إبراهيم حسن
ورفاقه ,الطبعة الثالثة ،مكتبة النهضة المصرية ,القاهرة,
1971م.
-دفاع عن السلم ،لورافيشيا فاغليري ،ترجمة منير
البعلبكي ،دار العلم للمليين ،بيروت ،ط 1976 ،3م.
-دين السلم ،ليتنر ،ترجمة عبد الوهاب سليم التّنير،
المكتبة السلفية ،دمشق ،ط 1342 ،2هـ.
178
شي ،دار القلم، -رجال ونساء أسلموا ،عرفات كامل الع ّ
الكويت 1983-1973م.
-الرحيق المختوم ،للشيخ صفي الرحمن المباركفوري،
مؤسسة الكتب الثقافية بيروت ط 1420 ،4هـ.
-الرسالة المحمدية للسيد سليمان الندوي ،ترجمة محمد
الندوي ،المطبعة السلفية بالقاهرة 1372هـ.
-الرسول في كتابات المستشرقين ،نذير حمدان ،دار
المنارة ،جدة ،ط 1406 ،2هـ.
-السلسة الصحيحة ،للشيخ اللباني ،المكتب السلمي،
دمشق ،ط 1399 ،2هـ.
-سلوة الكئيب بوفاة الحبيب ،لبن ناصر الدين
الدمشقي ،تحقيق ودراسة صالح يوسف معتوق ،دار البحوث
للدراسات السلمية وإحياء التراث بدبي.
-سنن أبي داود ،للمام أبي داود سليمان بن الشعث
السجستاني الزدي ،مراجعة وضبط وتعليق محمد محيي الدين
بن عبد الحميد ،المكتبة السلمية ،تركيا ،استانبول .
-سنن الدرامي ،للمام الدارمي ،تحقيق وتخريج وفهرسة
فواز أحمد زمرلي وخالد السبع العلمي ،نشر دار الريان
للتراث القاهرة ،ط 1407 ،1هـ .
-سنن النسائي بشرح الحافظ السيوطي وحاشية المام
السندي ،نشر دار الكتاب العربي ،بيروت.
-السياسة الشرعية في إصلح الراعي والرعية لشيخ
السلم ابن تيمية ،طبعة دار الكتاب العربية ،بيروت.
-سير أعلم النبلء ،تأليف المام الذهبي ،مؤسسة الرسالة،
بيروت ط 1406 ،4هـ.
-السيرة النبوية الصحيحة ،أ.د.أكرم بن ضياء العمري ،مكتبة
العبيكان ،الرياض ،ط 1416 ،1هـ.
-السيرة النبوية ،لبن هشام ،طبعة الحلبي بتحقيق
مصطفى السقا وإبراهيم البياري وعبد الحفيظ الشبيلي ،دار
الفكر ،بيروت.
-السيرة النبوية ،للذهبي ،تحقيق حسام الدين القدسي ،دار
الكتب العلمية ،بيروت ط 1401 ،1هـ.
-شرح صحيح مسلم للنووي ،دار أحياء التراث العربي،
بيروت ،ط 1392 ،2هـ.
-الشرق الدنى مجتمعه وثقافته ،تأليف جماعة من
الباحثين ،تحرير ت كويلر يونغ ،ترجمة د.عبدالرحمن محمد
أيوب ،سلسلة اللف كتاب ،عدد ،116دار النشر المتحدة
القاهرة.
-صحيح الدب المفرد للمام البخاري ،لللباني ،مكتبة
الدليل ،السعودية ،ط 1417 ،3هـ.
-صحيح الجامع الصغير ،للشيخ اللباني ،المكتب السلمي،
دمشق ،ط 1402 ،3هـ.
179
-صحيح سنن ابن ماجه باختصار السند ،للشيخ اللباني،
نشر مكتب التربية العربي لدول الخليج ،ط 1408 ،3هـ .
-صحيح سنن أبي داود باختصار السند ،للشيخ اللباني ،نشر
مكتب التربية العربي ،ط 1409 ،1هـ.
-صحيح سنن الترمذي ،باختصار السند ،للشيخ اللباني،
نشر مكتب التربية العربي،ط 1408 ،1هـ.
-صحيح سنن النسائي باختصار السند ،للشيخ اللباني ،نشر
مكتب التربية العربي ،ط 1406 ،1هـ.
-صحيح مسلم ،للمام مسلم بن الحجاج القشيري
النيسابوري ،تحقيق الدكتور محمد فؤاد عبدالباقي ،دار إحياء
التراث العربي ،بيروت ،لبنان.
-صحيفة ماينتشي Mainchiاليابانية بتاريخ 16/10/2006م.
-الطبقات الكبرى لبن سعد ،دار صادر ،بيروت.
-الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ،لبن قيم
الجوزية،راجعه أحمد عبد الحليم العسكري.
-العرب وأوربا ،لويس يونغ ،ترجمة ميشيل أزرق ،دار
الطليعة ،بيروت 1979م.
-العقيدة السلمية ،عبدالله وليم كوليام ،تعريب محمد
ضيا ،مطبعة هندية ،القاهرة 1897م.
-العقيدة والشريعة في السلم ،كولد تسيهر ،ترجمة
د.محمد يوسف موسى ورفاقه ،دار الكتب الحديثة ،القاهرة،
ط 1959 ،2م.
-علم التاريخ عند المسلمين ،فرانز روز نثال ،ترجمة
د.صالح أحمد العلي ،مراجعة محمد توفيق حسين ،مكتبة
المثنى )بالشتراك مع مؤسسة فرانكلين( ،بغداد 1963م.
-العلم عند العرب وأثره في تطور العلم العالمي ,ألدو
ميلي ،ترجمة د.محمد يوسف موسى ,ود.عبدالحليم النجار,
إصدار الدارة الثقافية لجامعة الدول العربية ,دار القلم,
القاهرة1962 ,م.
-فتح الباري بشرح صحيح البخاري ،لبن حجر العسقلني،
طبعة دار الفكر ،بيروت ،نسخة مصورة عن الطبعة السلفية
المصرية.
-الفصول في اختصار سيرة الرسول لبن كثير ،تحقيق
محمد العيد الخطراوي ،ومحي الدين مستو ،دار القلم ،بيروت،
ط 1400 ،1هـ.
-فلسفة الفكر السلمي ،هنري سيرويا ،ترجمة محمد
إبراهيم ،سلسلة الثقافة السلمية ،عدد ،32دار الثقافة
العربية ،القاهرة 1961م.
-في خطى محمد ،نصري سلهب ،دار الكتاب العربي،
بيروت 1970م.
180
-في طريقي إلى السلم ،أحمد نسيم سوسه ،الجزء
الول ،المطبعة السلفية ،القاهرة 1936م ،الجزء الثاني،
مطبغة الغرى ،النجف 1983م.
-قالوا عن السلم ،د .عماد الدين خليل ،الندوة العالمية
للشباب السلمي الرياض ط 1412 ،1هـ.
-قاموس الكتاب المقدس ،تأليف نخبة من أساتذة اللهوت،
دار الثقافة ،القاهرة ،ط .8
-القرآن الكريم والتوراة والنجيل والعلم ،موريس بوكاي،
)دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة( ،دار
المعارف ،القاهرة 1978م .
-القرآن الكريم والعلم العصري ،مويس بوكاي ،ترجمة
فودي سوربيا كمارا ،دار المآثر ،المدينة النبوية ،ط ،1
1420هـ.
-القرآن والمستشرقون المجلس العلى للشؤون
السلمية – القاهرة 1393هـ.
-قصة النسان ،جورج حّنا ،الطبعة الخامسة ،دار العلم
للمليين ،بيروت1973 ،م.
-قصة الحضارة ،ول ديورانت ،ترجمة محمد بدران وآخرون،
لجنة التأليف والترجمة والنشر ،القاهرة ،ط 1967-1964 ،2م.
-قطوف دانية من مآثر المسلمين وظلم الغرب ،الشيخ
إبراهيم النعمة ،مطبعة الزهراء ،الموصل ،العراق سنة
1424هـ.
-لماذا يكرهونه؟! الصول الفكرية لعلقة الغرب بنبي
السلم ،د.باسم الخفاجي ،كتاب البيان ،الرياض ،ط ،1
1427هـ.
-مؤتمرات المستشرقين العالمية د المحسن بن علي
سويسي -رسالة دكتوراه – جامعة المام محمد بن سعود
السلمية – كلية الدعوة قسم الستشراق بالمدينة المنورة.
-مجلة البيان ،مجلة شهرية تصدر عن المنتدى السلمي
بالرياض ،العددان ،231-230شهري شوال وذو القعدة،
1427هـ.
-مجلة التوحيد ،مجلة إسلمية شهرية تصدر عن جماعة
أنصار السنة المحمدية بالقاهرة ،العدد ،418شوال 1427هـ.
-مجلة المستقبل ،مجلة شهرية تصدرها الندوة العالمية
للشباب السلمي ،العدد ،185رمضان 1427هـ.
-مجموع الفتاوى ،لشيخ السلم ابن تيمية ،مطابع
الرياض .
-محمد في التوراة والنجيل والقرآن ,لبراهيم خليل
أحمد ،مكتبة الوعي العربي ,القاهرة ,ط 1965 ,2م.
-محمد الرسالة والرسول ،نظمي لوقا ،الطبعة الثانية ،دار
الكتب الحديثة ،القاهرة 1959م.
181
-محمد رسول الله ،إيتين )ناصر الدين( دينيه ،بالشتراك مع
سليمان إبراهيم الجزائري ،ترجمة د.عبدالحليم محمد ،ومحمد
عبد الحليم محمود ،الشركة العربية للطباعة والنشر ،القاهرة،
ط 1959 ،3م.
-محمد في الكتاب المقدس ،أ.د.عبد الحد داود ،ترجمة
ما ،طبعة رئاسة المحاكم والشؤون الدينية بدولة فهمي ش ّ
قطر ،ط 1405 ،1هـ.
-محمد في المدينة ،مونتكمري وات ،تعريب شعبان بركات،
المكتبة العصرية ،صيدا ،بيروت.
-محمد في مكة ،مونتكمري وات ،تعريب شعبان بركات،
المكتبة العصرية ،صيدا ،بيروت.
-مختصر دراسة التاريخ ،أرنولد توينبي ،ترجمة فؤاد محمد
شبل ،لجنة التأليف والترجمة والنشر ،القاهرة 1965-1960م.
-مختصر سيرة الرسول للمام محمد بن عبدالوهاب،
رئاسة إدارة البحوث العلمية والفتاء والدعوة والرشاد،
الرياض.
-المدخل لدراسة القرآن الكريم ،د.محمد محمد أبو شهبه،
الحديثة للطباعة القاهرة ،ط 1973 ،2م.
-المستدرك على الصحيحين ،للحافظ الحاكم ،وبذيله
التلخيص ،للحافظ الذهبي صورة عن الطبعة الهندية.
-المستشرقون والسيرة النبوية ،عماد الدين خليل ،بحث
مقارن في منهج المستشرق البريطاني المعاصر ،مونتكمري
وات ،المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ،تونس،
1985م.
-المستشرقون وترجمة القرآن ،د.محمد صالح البنداق ،دار
الفاق الجديدة ،بيروت ،ط 1403 ،2هـ.
-المستشرقون ،نجيب العقيقي ،دار المعارف ،القاهرة ،ط
1965-1964 ،3م.
-مسند المام أحمد بن حنبل ،بتحقيق شعيب الرناؤوط
ومجموعة من العلماء ،إشراف معالي الستاذ الدكتور عبدالله
بن عبدالمحسن التركي ،مؤسسة الرسالة ،بيروت ،ط ،1
1421هـ.
-معالم تاريخ النسانية هـ.ج .ولز تعريب عبد العزيز توفيق
جاويد ،مراجعة محمد مأمون نجا ،ود.عبدالحميد يونس ،مطبعة
لجنة التأليف والترجمة والنشر ،القاهرة 1950-1947م.
-من أجل معرفة العبادة والحب ،بحث مقدم لندوة بناء
المناهج :السس والمنطلقات بكلية التربية -جامعة الملك
سعود -الرياض سنة 1424هـ.
-مناهج المستشرقين في الدراسات العربية والسلمية،
مكتب التربية العربي لدول الخليج ،الرياض 1405هـ.
-الموسوعة العربية الميسرة ،مجموعة من الباحثين
بإشراف محمد شفيق غربال ،طبعة دار الشعب ،القاهرة
182
)بالشتراك مع مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر( ط ،2
1972م.
-موسوعة المستشرقين ،للدكتور عبد الرحمن بدوي ،دار
العلم للمليين ،بيروت ،ط 1984 ،1م.
-الموقع اللكتروني ،BBC Arabic.comمنشور 15/9/2006م،
. GMT 20:53:37
-موقف المستشرقين من القرآن الكريم ،أ.د.عدنان محمد
الوزان ،مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة
المنورة.
-نحو نظام نقدي عادل ،د.محمد عمر شابرا ،المعهد
العالمي للفكر السلمي ،واشنطن.
183
فهرس الموضوعات
الصفحة الموضوع
3-10 المقدمة
11-57 الباب الول :شذرات من سيرته مدبجة بقبسات
من رحمته
11-38 الفصل الول :العهد المكي
12-18 المبحث الول :ولدته ونسبه ونشأته
18-23 المبحث الثاني :مبعثه
24-26 المبحث الثالث :الهجرة إلى الحبشة
26-28 المبحث الرابع :مقاطعة قريش لبني هاشم وبني
المطلب
28-30 المبحث الخامس :خروجه إلى الطائف
30-34 المبحث السادس :السراء والمعراج
34-36 المبحث السابع :بيعة العقبة الولى والثانية
36-38 المبحث الثامن :هجرة رسول الله
38-57 الفصل الثاني :العهد المدني
46-47 المبحث الول :أهم أعمال وحوادث السنة الولى
للهجرة
47-49 المبحث الثاني :أهم أعمال وحوادث السنة الثانية
للهجرة
49-50 المبحث الثالث :أهم أعمال وحوادث السنة الثالثة
للهجرة
50-51 المبحث الرابع :أهم أعمال وحوادث السنة الرابعة
للهجرة
51 المبحث الخامس :أهم أعمال وحوادث السنة
الخامسة للهجرة
51-52 المبحث السادس :أهم أعمال وحوادث السنة
السادسة للهجرة
52-53 المبحث السابع :أهم أعمال وحوادث السنة
السابعة للهجرة
53-54 المبحث الثامن :أهم أعمال وحوادث السنة الثامنة
للهجرة
54-55 المبحث التاسع :أهم أعمال وحوادث السنة
التاسعة للهجرة
55-59 المبحث العاشر :أهم أعمال وحوادث السنة
العاشرة للهجرة
الباب الثاني :المستفاد من حكمته الباهرة في
60-120 تحقيق حاجات البشرية وعلج أهم المشكلت
المعاصرة
61-83 الفصل الول :المشكلت السياسية
62-66 المبحث الول :مشكلة التفرقة العنصرية والدينية
والقليمية
66-72 المبحث الثاني :مشكلة نظام الدقرطة
72-78 المبحث الثالث :مشكلة الحرية
184
78-81 المبحث الرابع :مشكلة العتداء فيما بين الدول
81-83 المبحث الخامس :مشكلة التخوف والتحسس من
الخر
الصفحة الموضوع
84-114 الفصل الثاني :المشكلت الجتماعية.
84-87 المبحث الول :مشكلة الجهل
87-104 المبحث الثاني :مشكلة حقوق المرأة
105-111 المبحث الثالث :مشكلة العقوبات
111-113 المبحث الرابع :مشكلة الرق
114-120 الفصل الثالث :المشكلت القتصادية.
116-117 المبحث الول :مشكلة الربا
117-118 المبحث الثاني :مشكلة الفقر
119-120 المبحث الثالث :مشكلة البطالة
121-149 الباب الثالث :مكانة نبي الرحمة والحكمة
121-126 الفصل الول :مكانته عند الله تعالى والملئكة
والجن
121-123 المبحث الول :مكانة نبي الرحمة عند الله
تعالى
123-126 المبحث الثاني :مكانته عند الملئكة والجن
127-149 الفصل الثاني :مكانته عند البشر
127-134 المبحث الول :مكانته عند النبياء صلى الله
عليهم وسلم
135-142 المبحث الثاني :مكانته عند المسلمين
142-149 المبحث الثالث :مكانة نبي الرحمة عند غير
المسلمين
150-151 الخاتمة
152-158 قائمة المراجع
159-160 الفهرس
185