You are on page 1of 185

‫‪‬‬‫محمد‬

‫نبي الرحمة‬
‫والحكمة‬
‫بين عيون المعتدلين وفتون‬
‫المعتدين‬

‫إعداد‬
‫أ‪.‬د‪ /‬حكمت بن بشير بن ياسين‬
‫المقدمة‬
‫الحمد لله الذي أنزل الحكمة على نبيه المين‪ ،‬وأكمل‬
‫الدين بخاتم المرسلين‪ ،‬والصلة والسلم على المبعوث‬
‫رحمة للعالمين‪ ،‬وعلى من اهتدى بحكمته إلى يوم الدين‪،‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فإن من رحمة الله الرحمن الرحيم بالبشرية إرسال‬
‫نبي الرحمة ‪ ‬مؤيدا ً بالقرآن والحكمة)‪ ،(1‬فبدأ دعوته‬
‫بالقربين من مكة المكرمة بالحكمة والرحمة‪ ،‬وقابله‬
‫أغلبهم بالغلظة والنقمة‪ ،‬وقد صبر على ذلك مما أدى إلى‬
‫خلقه‪ ،‬وجميل صبره‪ ،‬وعظمة‬ ‫ازدياد المعرفة بعظمة ُ‬
‫حكمته‪ ،‬وسعة رحمته‪ ،‬فأسلم ثلة من الولين‪ ،‬وانتشر‬
‫صيته بالفاق بما أوتي من مكارم الخلق‪ ،‬ولما أمره الله‬
‫تعالى أن ُيبّلغ هذه الدعوة استجاب فورا ً وبدأ بأهل مكة‬
‫ثم أخذ يتنقل خارج مكة‪ ،‬فقصد الطائف وسوق عكاظ‬
‫ومنى وذي المجاز‪.‬‬
‫وكانت نتيجة هذه الجولت معرفة هذا الدين‪ ،‬مما‬
‫أدى إلى انتشار دعوته في المدن والبلدان المجاورة‪،‬‬
‫صاده يأتون إلى مكة المكرمة للدخول في‬ ‫وبدأ ق ّ‬
‫السلم‪ ،‬فاغتاظ كفار قريش‪ ،‬وعمدوا إلى المواجهة‬
‫بتدبير المكائد في النبي ‪ ‬ومن معه من المؤمنين‪،‬‬
‫فهاجر جمع منهم إلى الحبشة في دفعتين‪ ،‬ثم تل ذلك‬
‫سخ فيها‬‫هجرة النبي ‪ ‬إلى المدينة والستقرار بها‪ ،‬فر ّ‬
‫حياة المحبة والرحمة‪ ،‬إذ آخى بين المهاجرين والنصار‪،‬‬
‫فكانت بمثابة نواة دولة متراحمة بالخوة اليمانية‬
‫والعلقة الربانية‪ ،‬تحقق فيها حقوق النسان الحقيقية‬
‫التي ل تعرف الدجل والخيانة بل الصدق وأداء المانة‬
‫التي حث عليها ‪ ‬بقوله‪" :‬أد المانة إلى من ائتمنك ول‬
‫تخن من خانك")‪.(2‬‬

‫ح ما قيل في الحكمة‪ :‬هي وضع الشيء في موضعه‪.‬‬ ‫‪ -11‬أص ّ‬


‫)ينظر فتح الباري ‪.(7/205‬‬
‫‪ - 2‬سنن أبي داود – كتاب الجازه – باب في الرجل يأخذ حقه‬
‫من تحت يده ح ‪ ،3534‬وصححه اللباني‪ ،‬صحيح سنن أبي داود‬
‫ح ‪.3018‬‬

‫‪2‬‬
‫ومن هذا المنطلق بزغ نور العدل ساطعا ً بالمساواة‬
‫والحرية وإلغاء التفرقة العنصرية التي كانت في‬
‫الجاهلية‪ ،‬وقد ترسخت هذه المعالم العظيمة والمعاني‬
‫الحكيمة في المجتمع المدني الحقيقي‪ ،‬فطابت النفوس‬
‫وارتقت القلوب‪ ،‬وأبرمت العهود مع النصارى واليهود‪،‬‬
‫ولما رأى هذا التوفيق والسعادة في المدينة‪ ،‬وجد أن‬
‫كفار قريش ومن وافقهم يهددون الدولة المسلمة‬
‫الجديدة‪ ،‬فطفق بإرسال وفود الدعوة إليهم‪ ،‬وعقد‬
‫م هذا الخير أنحاء‬ ‫المعاهدات مع بعضهم‪ ،‬ثم أراد أن يع ّ‬
‫الجزيرة العربية‪ ،‬فأرسل سراياه إلى أنحائها‪ ،‬وإذا‬
‫بالستجابة لهذه الدعوة تتصاعد‪ ،‬وعقد المعاهدات مع‬
‫نصارى نجران‪ ،‬ومع مجوس هجر‪ ،‬وغدت الجزيرة العربية‬
‫دولة موحدة قوية لها هيبتها بين الفرس والروم‪.‬‬
‫إن هذه الدعوة ل تقتصر على قوم دون آخر فهي‬
‫دعوة عالمينية‪ ،‬فنبي الرحمة ‪ ‬عالميني أرسله الله رب‬
‫العالمين رحمة للعالمين‪ ،‬كما أخبر الله تعالى بذلك ﴿وما‬
‫أرسلناك إل رحمة للعالمين﴾ ]النبياء‪ ،[107/‬وكذلك‬
‫القرآن الذي ُأنزل إليه ﴿إن هو إل ذكر للعالمين﴾ ]يوسف‪/‬‬
‫‪ ،[104‬وكذلك قبلته ﴿إن أول بيت وضع للناس الذي ببكة‬
‫مباركا ً وهدى ورحمة للعالمين﴾ ]آل عمران‪.[96/‬‬
‫من أجل ذلك بعث رسول الله ‪ ‬برسائله الحكيمة‪،‬‬
‫وهدايته العظيمة‪ ،‬ومواعظه الكريمة إلى ملوك الدول‬
‫المجاورة لينالوا رحمة الله تعالى في الدارين‪.‬‬
‫ُ‬
‫مة بل البشرية أصول الرحمة وأسباب‬ ‫لقد عّلم ال ّ‬
‫نزولها فتركت آثارا ً زاهرة‪ ،‬وثمارا ً وافرة‪ ،‬فعرفوا هذا‬
‫النور وعملوا به‪ ،‬وانتشر هذا النور حّتى شمل أرجاء‬
‫الجزيرة العربية فأخذوه بقوة‪ ،‬فطابت به القلوب‪ ،‬وقاموا‬
‫جميعا ً بحق الله تعالى ثم بحقوق العباد حتى غدت‬
‫نموذجا ً حضاريا ً فريدا ً بين المم بما تميزت به من رعاية‬
‫الحقوق‪ ،‬ابتداًء بحق الله تعالى ثم بحق العباد في المن‬
‫والعدل على اختلف أديانهم وألوانهم وجنسهم‪،‬‬
‫وإعطائهم حرياتهم وحقوقهم كاملة بروح الود والتسامح‪،‬‬
‫والعفو والتناصح كما يرضى الله تعالى في حق المسلم‬
‫وغير المسلم من داخل بلد المسلمين وخارجها‪ ،‬وحق‬

‫‪3‬‬
‫الراعي ورعيته في السراء والضراء‪ ،‬وحق الرجل‬
‫والمرأة‪ ،‬والصغير والكبير‪ ،‬والغني والفقير‪ ،‬والساعي‬
‫والجير‪ ،‬وحق الدار والجوار كل ذلك تحت لواء ﴿إن‬
‫أكرمكم عند الله أتقاكم﴾ ]الحجرات‪ ،[13/‬مما أّدى إلى‬
‫مزيد من التقوى والمحبة والترابط‪ ،‬وقد ساعد ذلك على‬
‫قوة الواصر داخل الجزيرة العربية وانبثاق النور منها إلى‬
‫الدول المجاورة والحضارات المعاصرة لها وقد تألقت‬
‫حضارتها بين تلك الحضارات‪ ،‬إذ سطعت منها أنوار‬
‫الهداية وامتد ذلك النور إلى بقية الحضارات حّتى انضوت‬
‫تحت لوائها حيث انبهرت بصفاء أحكامها وطيب تعاملها‪،‬‬
‫ون َُعمت ببركات أمنها‪ ،‬وارتشفت من رحيق إيمانها‪،‬‬
‫ّ‬
‫فارتقت مراقي عليائها‪ ،‬وانسجمت مع علمائها وحكامها‪،‬‬
‫فإذا بدولة الخلفة تبسط أياديها العادلة البيضاء وبركاتها‬
‫الكاملة الخضراء إلى أوربا شمال ً وأفريقيا غربًا‪ ،‬والصين‬
‫شرقا ً ترفرف على ربوعها راية القرآن الكريم الذي هو‬
‫محور الهداية ﴿إن هذا القرآن يهدي للتي هي‬
‫أقوم﴾ ]السراء‪.[9/‬‬
‫قال المستشرق الفرنسي ألدو ميلي‪:‬‬
‫التسامح العظيم الذي تحلى به الخلفاء المويون‪،‬‬
‫وملوك الطوائف‪ ..‬لم يمتد لواؤه على ما حكموه من‬
‫شعوب‪ ،‬أو على المسلمين القادمين من أفريقية‬
‫والمشرق فحسب‪ ،‬بل انبسط ظله أيضا ً على العلماء‬
‫المسيحيين الذين أقبلوا مهطعين من أبعد القطار لتلقي‬
‫العلوم في المدن المزدهرة التي ل تحصى‪ ،‬في ذلك‬
‫)‪(1‬‬
‫القطر الساحر – الندلس‪ -‬الخذ بمجامع اللباب‪.‬‬
‫إنها حقيقة عرفها التاريخ‪ ،‬وعرفها النسان الذي‬
‫عايش تلك الحقوق أو عرفها من خلل القراءة أو‬
‫السماع أو المعايشة‪.‬‬
‫ومع هذا الخير العظيم‪ ،‬والنفع العميم‪ ،‬فإن بعض‬
‫سّنمار‪ ،‬إذ تطاولت ألسنتهم على‬ ‫الناس قد تعاملوا بجزاء َ‬
‫ّ‬
‫مقام نبي الرحمة والحكمة‪ ،‬ولطخت أقلمهم الصحف‬
‫البيضاء بالعتداء والفتراء على سيد ولد آدم وحواء منذ‬

‫‪ -1‬العلم عند العرب ص ‪.454‬‬

‫‪4‬‬
‫بعثته حتى هذا المساء)‪ ،(2‬كل ذلك لثارة الفتن أو حسدا ً‬
‫أو جهل ً بحقيقة سيد النبياء‪ ،‬وهذا العتداء جحود لتلك‬
‫اللء وظلم للبشرية ومخالفة لرب السماء‪ ،‬إذ أن أية‬
‫كلمة تمس مقام النبي ‪ ‬لهي هجمة على البشرية‬
‫قاطبة وظلم لها‪ ،‬وفتنة تفتك بالتفاهم والحوار‪ ،‬لن‬
‫البشرية تنقسم إلى ثلثة أقسام تجاه نبي الرحمة‬
‫والحكمة‪:‬‬
‫القسم الول‪ :‬مصدقون يتأثرون من أذى نبيهم‬
‫ويغضبون له‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬ل يعرفون النبي ‪ ،‬فإذا بلغهم‬
‫التشويش في مقام النبي ‪ ‬فهو يؤثر على سعادتهم في‬
‫الهداية إلى الحق ورضا الرب سبحانه‪.‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬قد سمع بعض الكلم الذي يشوه‬
‫شخص النبي ‪ ‬فهؤلء حينما سمعوا هذا الكلم يزداد‬
‫التشويه في عقولهم فيستمرون على غّيهم وجهلهم‪.‬‬
‫وفي ذلك ظلم كبير وشره مستطير‪ ،‬ل شك أنه‬
‫يغضب الله تعالى‪ ،‬لنه غيور على أنبيائه فما بالكم بالنيل‬
‫من سيد النبياء؟! حقا ً إن هذا الظلم ل يقبله العقلء‪،‬‬
‫ولهذا فقد انبرى له ثلة من المسلمين وغير المسلمين‬
‫على مّر العصور بالرد ّ والتفنيد لذلك الهراء والفتراء‪ ،‬إل‬
‫أن النيل من نبي الرحمة والحكمة ‪ ‬في هذا العصر‬
‫دخل في طور جديد من العتداء المنسق والمنظم‬
‫بتخطيط دقيق يستهدف النبي الحكيم والقرآن الكريم‬
‫الذي جاء به من الله العظيم‪.‬‬
‫من أجل ذلك عزمت أن أقوم بهذا الجهد المتواضع‬
‫لبيان هذه المخططات الخطيرة‪ ،‬ومعرفة جذورها‬
‫وفروعها وآثارها المثيرة‪ ،‬واستعراض الجهود المبذولة‬
‫تجاه هذا العتداء‪ ،‬لعداد خطاب معاصر يتناسب مع‬
‫البشرية بأديانها وثقافاتها‪ ،‬يجمع بين الصالة والمعاصرة‪،‬‬
‫من الرواية المحررة المختصرة للسيرة المدبجة‬
‫بالشمائل العظيمة والمعاملة الكريمة‪ ،‬واستنباط المنهاج‬
‫‪ -‬كتبت هذه المقدمة يوم الربعاء مساءً في ‪20‬شعبان‬ ‫‪2‬‬

‫‪1427‬هـ الموافق ‪13/9/2006‬م إذ سمعت بنبأ محاضرة بابا‬


‫الفاتيكان )بيندكت السادس عشر(‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫النبوي في علج المشكلت المعاصرة وطريقة تعامله مع‬
‫الخر‪ ،‬لمعرفة المعالم التي اّتسم بها رسول الله ‪‬‬
‫ولتوضيح المكارم التي أتى بها لجميع البشرية‪ ،‬ولرصد‬
‫القلم التي سطرت شهادات بتلك المكارم من شتى‬
‫بقاع الدنيا على اختلف لغاتهم وأديانهم ومذاهبهم‪ ،‬هذه‬
‫الشهادات صدرت متوافقة ومتناسقة من أساطين‬
‫التاريخ والتربية‪ ،‬ودهاقنة السياسة‪ ،‬وأرباب القانون‪،‬‬
‫وعباقرة القتصاد‪ ،‬وأساتذة اللهوت والفلسفة من‬
‫المنصفين المثقفين)‪ (1‬الذين انبهروا بسيرة المصطفى‬
‫ومنهاجه المجتبى الذي يقطر رحمة وحكمة في تعامله‬
‫ل مشاكلها‪ ،‬بل إن كثيرا ً من المسلمين‬‫مع البشرية وح ّ‬
‫بحاجة للتعرف على هذا الخطاب ليعلموا حجم المعركة‬
‫بين الحق والباطل‪ ،‬وليرى المعتدون الردود من أهل‬
‫مّلتهم وبني جلدتهم ومن أهل بلدانهم)‪ ،(2‬وقد حاولت تتبع‬
‫تلك القوال لعلها تؤثر في تصحيح المسار‪ ،‬وتؤخذ في‬
‫نظر العتبار لعلج المشكلت التي تعاني منها البشرية‪،‬‬
‫كما استعرضت أهم الشبهات التي يشيعها أرباب الفتن‬
‫والجهلة بالسلم وبنبيه المختار ‪ ‬وحاولت الجابة عليها‬
‫بالنقل والعقل‪ ،‬لعطاء حق الحوار والبيان الذي ينشده‬
‫الساسة الغربيون المعتدلون كقول الستاذ جيم ميران‬
‫عضو لجنة الشؤون الخارجية بالكونجرس المريكي‪:‬‬
‫الذي دعا قومه إلى وجوب التعرف على السلم دين‬
‫السلم والمسامحة‪ ،‬الدين الذي يحث على الكد ّ‬
‫والجتهاد‪ ،‬ويحب النظام واللتزام‪ ،‬ويفيض بالحب‬

‫‪1‬‬
‫‪ -1‬وما انتقيته من الشهادات الغربية ل يعني العتماد على كل‬
‫ما يقوله أصحابها في مؤلفاتهم وإنما هو من باب ﴿وشهد‬
‫شاهد من أهلها﴾ ]يوسف‪.[26/‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬من الكتب الجنبية التي رصدت الصور والمفاهيم المشوهة‬
‫عن السلم ما يلي‪ -1) :‬العرب وأوربا القرون الوسطى( )‪-2‬‬
‫السلم والغرب‪ ،‬وكلهما لنورمان دانيال( )‪ -3‬مفاهيم الغرب‬
‫عن السلم في القرون الوسطى‪ ،‬للمؤرخ ساوثرن( )‪-4‬‬
‫المستشرقون الناطقون باللغة النكليزية‪ ،‬لعبد اللطيف‬
‫الطيباوي – مترجم(‪ .‬ينظر الستشراق بين الموضوعية‬
‫والفتعالية ص ‪.70‬‬

‫‪6‬‬
‫واللطف‪ ،‬وهو يعتبر الرسول محمدا ً ‪ ‬أعظم إنسان‬
‫عرفه التاريخ‪ ،‬ويجب التعرف على جوانب عظمته التي‬
‫كان يتمتع بها‪ ،‬وكذلك عدد كبير من أصحابه‪ .‬وكل شعوب‬
‫العالم يجب أن تتعرف على التعاليم التي جاء بها محمد‬
‫‪ ،‬ولكن للسف لم يحدث ذلك لسببين‪:‬‬
‫الول‪ :‬هو اتخاذ غير المسلمين موقفا ً من هذه‬
‫التعاليم منطلقه التعصب والتحيز والجهل‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬هو عدم سعي المسلمين حثيثا لطلع غيرهم‬
‫على عظمة دينهم‪ .‬وقال‪:‬‬
‫أنا أعتقد أن القرن القادم هو قرن السلم‪ ،‬وقرن‬
‫الثقافة السلمية‪ ،‬وستكون هذه فرصة لحلل مزيد من‬
‫)‪(1‬‬
‫السلم والرفاهية في كل بقاع العالم ‪.‬‬
‫وقد نظمت خطة البحث في مقدمة وثلثة‬
‫أبواب كما يلي‪:‬‬
‫المقدمة‪ :‬وفيها أهمية الموضوع‪ ،‬وسبب الكتابة والخطة‬
‫والمنهج‪.‬‬
‫الباب الول‪ :‬شذرات من سيرته مدبجة بقبسات‬
‫من رحمته‪ ،‬وفيه فصلن‪:‬‬
‫الفصل الول‪ :‬العهد المكي‪ ،‬وفيه المباحث‬
‫التالية‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬ولدته ونسبه ونشأته‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مبعثه ‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬الهجرة إلى الحبشة‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬مقاطعة قريش لبني هاشم وبني‬
‫المطلب‪.‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬خروجه ‪ ‬إلى الطائف‪.‬‬
‫المبحث السادس‪ :‬السراء والمعراج‪.‬‬
‫المبحث السابع‪ :‬بيعة العقبة الولى والثانية‪.‬‬
‫المبحث الثامن‪ :‬هجرة رسول الله ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -1‬انظر قطوف دانية من مآثر المسلمين ص ‪.91-90‬‬

‫‪7‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬العهد المدني وفيه المباحث‬
‫التالية‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬أهم أعمال وحوادث السنة الولى‬
‫للهجرة‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬أهم أعمال وحوادث السنة الثانية‬
‫للهجرة‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬أهم أعمال وحوادث السنة الثالثة‬
‫للهجرة‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬أهم أعمال وحوادث السنة الرابعة‬
‫للهجرة‪.‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬أهم أعمال وحوادث السنة‬
‫الخامسة للهجرة‪.‬‬
‫المبحث السادس‪ :‬أهم أعمال وحوادث السنة‬
‫السادسة للهجرة‪.‬‬
‫المبحث السابع‪ :‬أهم أعمال وحوادث السنة السابعة‬
‫للهجرة‪.‬‬
‫المبحث الثامن‪ :‬أهم أعمال وحوادث السنة الثامنة‬
‫للهجرة‪.‬‬
‫المبحث التاسع‪ :‬أهم أعمال وحوادث السنة التاسعة‬
‫للهجرة‪.‬‬
‫المبحث العاشر‪ :‬أهم أعمال وحوادث السنة العاشرة‬
‫للهجرة‪.‬‬
‫الباب الثاني‪ :‬المستفاد من حكمته الباهرة في‬
‫تحقيق حاجات البشرية وعلج أهم المشكلت‬
‫المعاصرة‪ ،‬وفيه الفصول التالية‪:‬‬
‫الفصل الول‪ :‬المشكلت السياسية‪ ،‬وفيه‬
‫المباحث التالية‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬مشكلة التفرقة العنصرية والدينية‬
‫والقليمية‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مشكلة نظام الدقرطة‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬مشكلة الحرية‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬مشكلة العتداء فيما بين الدول‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬مشكلة التخوف والتحسس من‬
‫الخر‪.‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬المشكلت الجتماعية‪ ،‬وفيه‬


‫المباحث التالية‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬مشكلة الجهل‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مشكلة حقوق المرأة‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬مشكلة العقوبات‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬مشكلة الرق‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬المشكلت القتصادية‪ ،‬وفيه‬
‫ثلثة مباحث‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬مشكلة الربا‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مشكلة الفقر‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬مشكلة البطالة‪.‬‬
‫الباب الثالث‪ :‬مكانة نبي الرحمة والحكمة‪،‬‬
‫وفيه فصلن‪:‬‬
‫الفصل الول‪ :‬مكانته عند الله تعالى‬
‫والملئكة والجن‪ ،‬وفيه مبحثان‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬مكانته عند الله تعالى‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مكانته عند الملئكة والجن‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬مكانته عند البشر وفيه ثلثة‬
‫مباحث‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬مكانته عند النبياء‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مكانته عند المسلمين‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬مكانته عند غير المسلمين‪.‬‬
‫الخاتمة‪ :‬وفيها أهم النتائج والتوصيات والقتراحات‪.‬‬
‫وكان منهج البحث حسب الخطوات التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬صياغة مختصرة مبتكرة للسيرة من كتب‬
‫المختصرات المحررة والمصادر المعتبرة‪ ،‬ودمجها‬
‫بالشمائل العظيمة‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫‪ -2‬استنباط المعاملة الكريمة من السيرة المختصرة‪،‬‬
‫واقتناص الفوائد العلمية التي تهم النسان في هذا‬
‫العصر‪.‬‬
‫‪ -3‬جمع الحاديث الواردة في تعامله مع غير‬
‫المسلمين في السلم والحرب مقتصرا ً على الحاديث‬
‫الثابتة‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -4‬تخريج الحاديث والثار والحكم عليها معتمدا على‬
‫أقوال النقاد المعتبرين من المتقدمين والمتأخرين‪.‬‬
‫‪ -5‬الستشهاد بالتوراة والنجيل‪ ،‬وبأقوال المنصفين‬
‫من غير المسلمين ومن الذين دخلوا في السلم الذين‬
‫شهدوا على بيان عظمة نبي الرحمة ‪.‬‬
‫‪ -6‬تتبع المشكلت الكبرى التي تعتري العالم وبيان‬
‫معالجتها بسنة نبي الحكمة ‪.‬‬
‫‪ -7‬جمع أقوال العلماء الجانب من الشرق والغرب‬
‫الذين كتبوا شهادات على نبي الرحمة والحكمة التي‬
‫اتسم بها نبينا محمد ‪.‬‬
‫‪ -8‬تتبع أهم الشاعات التي ُتثار في هذا العصر‪،‬‬
‫ومعرفة جذورها وتطورها ودراسة انتشارها وخطورتها‪،‬‬
‫والرد عليها بالعقل والنقل‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫الباب الول‬
‫شذرات من سيرته مدبجة بقبسات من رحمته‬
‫الفصل الول‪ :‬العهد المكي‬
‫لقد استغرق هذا العهد فترة طويلة من حياة نبي‬
‫الرحمة ‪ ‬إذ بلغ )‪ (53‬سنة‪ ،‬أما في المدينة النبوية فقد‬
‫عاش )‪ (10‬سنوات‪ ،‬من أجل ذلك فإن الحديث عن‬
‫العهد المكي حافل بالحوادث والخبار‪ ،‬وجدير بالستنباط‬
‫والعتبار‪ ،‬وقد حظي هذا العهد هذا العهد بتنـزيل قرآني‬
‫غزير يشكل أكثر من ثلثة أضعاف التنـزيل المدني‪ ،‬فقد‬
‫بلغ عدد السور المكية )‪ (86‬سورة بينما بلغ عدد السور‬
‫المدنية )‪ (28‬سورة‪ ،‬إضافة إلى ذلك أن بعض السور‬
‫المدنية فيها آيات مكية‪ ،‬وهذا التنـزيل العظيم يضفي إلى‬
‫وقائع السيرة كثيرا ً من المشاهد الموثوقة والخبار‬
‫المؤكدة‪ ،‬وذلك من خلل فحوى التنـزيل المكي وما فيه‬
‫من المقاصد‪ ،‬فإن هذه المقاصد قائمة بكل جزئياتها في‬
‫حياة نبي الرحمة ‪ ‬ومن معه من الصحابة‪ ،‬فقد كان‬
‫خلقه القرآن‪ ،‬يرضى لرضاه‪ ،‬ويسخط لسخطه‪ ،‬ويترجم‬
‫آياته بأقواله وأفعاله‪ ،‬والصحابة يقتدون به‪ ،‬ويتشوقون‬
‫إلى تنـزيل القرآن ومعرفة معانيه‪ ،‬فتكون هذه المقاصد‬
‫ضمن منظومة السيرة النبوية فحينما نتتبع خصائص‬
‫التنـزيل المكي فكأننا نرى معالم جديدة من السيرة‬
‫العطرة‪ ،‬ومن خصائص التنـزيل المكي‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير أسس العقيدة والدعوة إلى توحيد العبودية‬
‫والربوبية‪.‬‬
‫‪ -2‬الدعوة إلى أصول الخلق كالصدقة والبر وصلة‬
‫الرحام وبّر الوالدين وإكرام الجار والعدل والحسان‬
‫بالضعيف واليتيم‪.‬‬
‫‪ -3‬العناية بقصص النبياء والعتبار بها‪.‬‬
‫ً‬
‫وكل هذه الخصائص تضفي إلى السيرة مزيدا من‬
‫المشاهد من القصص والداب والحكام والخبار بل‬
‫وتحدد لنا أوقاتها من خلل معرفة أول ما نزل‪ ،‬والمتقدم‬
‫والمتأخر‪ ،‬والناسخ والمنسوخ‪ ،‬وأسباب النـزول‪ ،‬وكذلك‬

‫‪11‬‬
‫معرفة التنـزيل الحضري والسفري‪ ،‬ومعرفة النهاري‬
‫والليلي‪ ،‬والصيفي والشتائي‪ ،‬فإنه يعطي مزيدا ً من‬
‫المعلومات الدقيقة والموثوقة‪ ،‬فيتجلى المزيد من‬
‫مظاهر ومشاهد السيرة النبوية بوضوح‪.‬‬
‫فعلى سبيل المثال لو استعرضنا مقاصد سورة العلق‬
‫وسورة المزمل وهما أول ما نزل‪ ،‬لوجدنا الحث على‬
‫العلم بالقراءة‪ ،‬وبيان توحيد الربوبية بأن الله هو الذي‬
‫خلق النسان وعلمه البيان وما لم يعلم‪ ،‬وبيان المعركة‬
‫بين اليمان والكفر‪ ،‬واعتداء المشركين على المؤمنين‪،‬‬
‫وتهديد المشركين الذين يعتدون على المؤمنين‪ ،‬وبشرى‬
‫المؤمنين‪ ،‬وكذلك نجد سورة المزمل تتناول جانبا ً مهما ً‬
‫من عبادة نبي الرحمة ‪ ‬في طاعته وقيامه الليل‬
‫وتلوته لكتاب الله تعالى‪ ،‬وفيها المر بالصبر على أذى‬
‫المشركين‪ ،‬ثم توعد الله المشركين‪ ،‬وذكر الصحابة أنهم‬
‫غب المؤمنين بأعمال البر‬ ‫كانوا يقيمون الليل معه‪ ،‬ثم ر ّ‬
‫والستغفار‪ ،‬وأن لهم الثواب من عند الله تعالى على‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ويستنبط من ذلك تسابقهم بأعمال البر‪ ،‬وكثرة‬
‫استغفارهم لن هذا التنـزيل من أوائل ما نزل‪ ،‬وفي تلك‬
‫الفترة قد دخل السلم الوائل من الصحابة الذين‬
‫يستجيبون لهذا القرآن بقوة‪ ،‬فيعطي تصورا ً واضحا عن‬
‫ً‬
‫أحوالهم وأعمالهم من خلل تلك الوامر والنواهي‬
‫القرآنية‪.‬‬
‫وهكذا كلما نظرنا في مزيد من السور المكية‬
‫سنجد مزيدا ً من المشاهد والمظاهر للعهد المكي الذي‬
‫عاش فيه نبي الرحمة مع أصحابه‪.‬‬
‫ويشتمل هذا الفصل على المباحث التالية‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬ولدته ونسبه ونشأته‬
‫كانت ولدته مبشرة بالنور والنصر والرحمة‪ ،‬وكانت‬
‫نشأته مؤيدة بالهداية والمانة والحكمة‪ ،‬ومنذ أن كان‬
‫جنينا ً ‪ ‬في بطن أمه فقد أشرقت الرض بنور ربها‬
‫وسطع نوره من مكة المكرمة إلى بلد الشام المباركة‪،‬‬

‫‪12‬‬
‫كما صرحت بذلك أمه آمنة بنت وهب فقد رأت أنه خرج‬
‫منها نور أضاءت له قصور الشام‪ (1)،‬وفي ذلك بشرى‬
‫كريمة ورحمة عظيمة‪.‬‬
‫ولما ُولد نبي الرحمة ‪ ‬عام الفيل ‪ ،‬فإنه في ذلك‬
‫)‪(2‬‬

‫اليوم المبارك ظهرت رحمة الله تعالى تتنـزل على أهل‬


‫مكة بدحر جحافل أبرهة الحبشي‪ ،‬والذود عن الكعبة‬
‫التي هي القلب النابض لهل مكة‪ ،‬والتي أراد أبرهة‬
‫هدمها فأهلكه الله تعالى وجنده وفَيله بالحجارة التي‬
‫أمطرتها الطير البابيل‪ ،‬فكان ذلك اليوم نصرا ً مؤزرا ً‬
‫لقريش‪ ،‬مما يبشر بالخير الذي سيجلبه هذا المولود‬
‫الودود‪ ،‬إنها ولدة رحمة للعالمين‪ ،‬وحكمة للمؤمنين‪.‬‬
‫لقد عاش ‪ ‬في بيئة عربية أصيلة في أطهر بقعة‬
‫في الرض أل وهي مكة المكرمة حرسها الله تعالى‪،‬‬
‫ونشأ في بيت كريم ذي مجد عظيم‪ ،‬هو بيت بني هاشم‬
‫المعروف بسخائه وطيبه ‪ ،‬هذا البيت من قبيلة عريقة‬
‫كريمة هي )قريش( المشهورة في الجزيرة العربية‬
‫صاد بيت الله‬ ‫بمكانتها ومناقبها وضيافتها للحجيج وق ّ‬
‫)‪(3‬‬

‫الحرام‪.‬‬
‫ويصل نسبه إلى إسماعيل بن إبراهيم عليهم الصلة‬
‫والسلم فهو نسب زكي)‪ (4‬كما قال ابن هشام‪ :‬محمد بن‬
‫عبد الله بن عبد المطلب‪ ،‬واسم عبد المطلب‪ :‬شيبة بن‬
‫‪ - 1‬أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي )المستدرك ‪(2/600‬‬
‫وأخرجه الذهبي بسند حسنه عن العرباض بن سارية )السيرة‬
‫النبوية ص ‪ (16‬وأخرجه ابن إسحاق بسند جيد قوي كما قال‬
‫الحافظ ابن كثير )البداية والنهاية ‪ (2/275‬وصححه اللباني‬
‫في السلسلة الصحيحة ح ‪.1545‬‬
‫‪ - 2‬أخرجه الذهبي بسنده عن ابن عباس وصححه الذهبي‬
‫)السيرة النبوية ص ‪ (5‬وذكر إبراهيم بن المنذر الحزامي ت‬
‫‪236‬هـ الجماع على ذلك‪ ،‬وكذا المؤرخ خليفة بن خياط ت‬
‫‪240‬هـ )ينظر المصدر السابق ص ‪ ،6‬والفصول في اختصار‬
‫سيرة الرسول ص ‪.(80‬‬
‫‪ - 3‬عقد المام البخاري في صحيحه بابا ً بعنوان )باب مناقب‬
‫قريش( وسرد عدة أحاديث من ‪ 3500‬إلى ‪ 3505‬في كتاب‬
‫المناقب‪.‬‬
‫‪ -‬هكذا وصف ابن هشام نسب النبي ‪ ‬وقد ت ّ‬
‫وج كتابه السيرة‬ ‫‪4‬‬

‫النبوية بذلك ‪. 1/1‬‬

‫‪13‬‬
‫عمرو بن عبد ُ مناف‪ ،‬واسم عبد ُ‬ ‫هاشم‪ ،‬واسم هاشم‪َ :‬‬
‫مناف‪ :‬المغيرة بن ُقصي‪) ،‬واسم قصي‪ :‬زيد( بن كلب‬
‫بن مّرة بن كعب بن لؤي ابن غالب بن فهر بن مالك بن‬
‫مدركة‪:‬‬ ‫مدركة‪ ،‬واسم ُ‬ ‫النضر بن كنانة بن خزيمة بن ُ‬
‫)‪(1‬‬
‫معد بن عدنان‪.‬‬ ‫مضر بن نزار بن َ‬ ‫عامر بن إلياس بن ُ‬
‫)‪(2‬‬
‫وكذا ذكره البخاري في صحيحه‪.‬‬
‫قال المؤرخ ابن دحية‪ :‬أجمع العلماء والجماع حجة‪،‬‬
‫)‪(3‬‬
‫على أن النبي ‪ ‬كان إذا انتسب ل يجاوز عدنان‪.‬‬
‫أما النسب من عدنان إلى إسماعيل فمختلف فيه ‪،‬‬
‫)‪(4‬‬

‫ولكنهم اتفقوا على أن النسب يرجع إلى إسماعيل بن‬


‫)‪(5‬‬
‫إبراهيم خليل الله تعالى‪.‬‬
‫بل قد ثبت ذلك عن النبي ‪ ‬أنه قال‪" :‬إن الله‬
‫ً‬
‫اصطفى كنانة من ولد إسماعيل‪ ،‬واصطفى قريشا من‬
‫كنانة‪ ،‬واصطفى من قريش بني هاشم‪ ،‬واصطفاني من‬
‫)‪(6‬‬
‫بني هاشم"‪.‬‬
‫ضع له في بني سعد‪ ،‬فأرضعته‬ ‫وقد وُِلد يتيمًا‪ ،‬واسُتر ِ‬
‫حليمة السعدية‪ ،‬وأقام عندها في بني سعد نحوا ً من‬
‫أربع سنين)‪ ،(7‬بين المروج الخضراء‪ ،‬ونقاء الهواء‪.‬‬
‫إن اختيار ديار بني سعد اختيار حكيم لما في تلك‬
‫الديار من الخيرات والبركات والقبائل الصيلة منهم‬
‫رجال الجبال وجبال الرجال‪.‬‬
‫وإن هذا الرضاع الممزوج بالرحمة والدب له أثره‬
‫في النشأة على الرحمة والتراحم‪.‬‬

‫‪ -1‬السيرة النبوية ‪.2-1/1‬‬


‫‪ -2‬الصحيح – كتاب مناقب النصار‪ -‬باب مبعث النبي ‪ ‬قبل حديث‬
‫رقم ‪.3851‬‬
‫‪ -3‬ينظر فتح القدير شرح الجامع الصغير للمناوي ‪.4/550‬‬
‫‪ -4‬ينظر الرتباط الزمني والعقائدي بين النبياء والرسل ص ‪.333‬‬
‫‪ -5‬ينظر خلصة سير سيد البشر ص ‪.200‬‬
‫‪ - 6‬صحيح مسلم – كتاب الفضائل – باب فضل نسب النبي ‪ ‬ح‬
‫‪ .2276‬وفي هذا ردّ صريح وأثر صحيح على بعض‬
‫المستشرقين الذين أنكروا أن نبي الرحمة من نسل‬
‫إسماعيل‪.‬‬
‫‪ - 7‬قال الحافظ ابن كثير‪ :‬كما روينا ذلك بإسناد صحيح )الفصول‬
‫ص ‪.(80‬‬

‫‪14‬‬
‫وفي هذه الرحلة المباركة بدأت إرهاصات النبوة‬
‫ح عن أنس‬ ‫تتجلى بالعداد لهذه المهمة الكبرى‪ ،‬فقد ص ّ‬
‫بن مالك ‪ ‬أن رسول الله ‪ ‬أتاه جبريل ‪ ‬وهو يلعب‬
‫مع الغلمان‪ .‬فأخذه فصرعه فشقّ عن قلبه‪ ،‬فاستخرج‬
‫ظ الشيطان‬ ‫القلب‪ ،‬فاستخرج منه ع ََلقة‪ ،‬فقال‪ :‬هذا ح ّ‬
‫منك‪ ،‬ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم‪ ،‬ثم‬
‫لمه‪ ،‬ثم أعاده في مكانه‪ .‬وجاء الغلمان يسعون إلى أمه‬ ‫َ‬
‫)يعني ظئره( فقالوا‪ :‬إن محمدا ً قد قتل‪ ،‬فاستقبلوه وهو‬
‫منتقع اللون‪ .‬قال أنس‪ :‬وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط‬
‫)‪(1‬‬
‫في صدره‪.‬‬
‫ثم رّدته حليمة السعدية إلى أمه في المدينة تزور‬
‫أخواله بني النجار بالمدينة‪ ،‬فتوفيت ُأمه بالبواء)‪ ،(2‬وهي‬
‫)‪(3‬‬
‫راجعة إلى مكة وله من العمر ست سنين‪.‬‬
‫إن هذه النشأة من الُيتم أعطته القدرة في العتماد‬
‫على النفس وعدم التكال على الغير وتحمل الصعاب‬
‫والمسؤولية‪ ،‬كما عرفته على حال اليتيم وما يحتاج من‬
‫الرحمة‪.‬‬
‫ول شك أن هذا المر قد أحزنه ‪ ‬إل أن رحمة الله‬
‫تعالى واسعة‪ ،‬فقد هيأ الله تعالى له امرأة حنون تدعى‬
‫ُأم أيمن وهي مولته‪ ،‬ورثها من أبيه‪ ،‬وكفله جده عبد‬
‫المطلب‪ ،‬فلما بلغ رسول الله ‪ ‬من العمر ثماني سنين‬
‫مه أبي طالب‪ ،‬لنه كان‬ ‫توفي جده‪ ،‬وأوصى به إلى ع ّ‬
‫شقيق عبد الله فكفله‪ ،‬وحاطه أتم حياطة‪ ،‬ونصره حين‬
‫)‪(4‬‬
‫بعثه الله أعّز نصر‪.‬‬
‫وض حفيده حدب‬ ‫لم تطل رعاية الجد وعطفه الذي ع ّ‬
‫الب وحنان الم‪ ،‬إذ ما لبث أن توفي‪ ،‬ومحمد ‪ ‬لم‬
‫يجاوز الثامنة من عمره فتولى أمره عمه أبو طالب‪ ،‬لنه‬
‫لم واحدة‪ ،‬ولم يكن أبو‬ ‫وعبد الله والد الرسول ‪ ‬كانا ُ‬

‫‪ -‬صحيح مسلم – اليمان – باب السراء برسول الله ‪ ‬ح ‪.261‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬البواء قرية بين مكة والمدينة تقع بالقرب من مستورة‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ينظر‪ :‬الفصول ص ‪ ،81-80‬وخلصة سير سيد البشر ص‬ ‫‪3‬‬

‫‪.231‬‬
‫‪ -‬ينظر الفصول ص ‪ ،82-81‬وخلصة سير سيد البشر ص ‪.231‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪15‬‬
‫طالب بالرجل الموفور المال‪ ،‬وكان ُيعيل عددا ً من البناء‬
‫المر الذي اضطر محمدا ً ‪ ‬أن يعينه في كسب قوته‬
‫)‪(1‬‬
‫حسب طاقته‪ ،‬فكان يرعى له الغنام‪.‬‬
‫إن عمله في الرعي المبكر يدل على تحمل‬
‫المسؤولية‪ ،‬وقدرته على الرعاية‪ ،‬وخصوصا ً أن الرعي‬
‫يحتاج إلى صبر واجتهاد ومتابعة ومراقبة وعناية وإحصاء‪،‬‬
‫وهنا تبرز رحمته لنه يرعى بهائم ضعيفة‪ ،‬والراعي إذا لم‬
‫يكن رحيما ً فإنه ل يقدر على هذه المهمة‪.‬‬
‫وخرج به عمه إلى الشام في تجارة وهو ابن ثنتي‬
‫عشرة سنة‪ ،‬وذلك من تمام لطفه به‪ ،‬لعدم من يقوم به‬
‫إذا تركه بمكة‪ ،‬فرأى هو وأصحابه ممن خرج معه إلى‬
‫مه في الوصاة به‬ ‫الشام من اليات فيه ‪ ‬ما زاد ع ّ‬
‫والحرص عليه‪ ..‬ثم خرج ثانيا ً إلى الشام في تجارة‬
‫)‪(2‬‬
‫لخديجة بنت خويلد رضي الله عنها‪.‬‬
‫إن رحلة نبي الرحمة إلى بلد الشام مرتين أعطته‬
‫خبرة اقتصادية‪ ،‬وتربية على التراحم بين القربين‪ ،‬ودراية‬
‫اجتماعية بأهل الشام‪ ،‬وإتقان الطريق إلى بلد الشام‬
‫والتعرف على المدن التي مّر بها ومنها تبوك‪ ،‬ول شك‬
‫أن مسيرته إلى غزوة تبوك فيما بعد كانت عن خبرة‬
‫ودراية لمشقة الطريق‪ ،‬فإن حال الذي يتوجه إلى غزو‬
‫وهو حديث عهد في مكان الغزوة وطريقها‪ ،‬غير حال‬
‫الذي يعرف الطريق ومسالكه ومشاكله‪.‬‬
‫ولما كانت الرحلة الثانية إلى الشام مع ميسرة –‬
‫قراض‪ ،‬فرأى‬ ‫غلم خديجة رضي الله عنها ‪ -‬على سبيل ال ِ‬
‫ميسرة ما أبهره من شأنه‪ ،‬فرجع فأخبر سيدته بما رأى‪،‬‬
‫فرغبت إليه أن يتزوجها‪ ،‬لما رجت في ذلك من الخير‬
‫الذي جمعه الله لها‪ ،‬فتزوجها رسول الله ‪ ‬وله )‪(25‬‬
‫)‪(3‬‬
‫سنة‪.‬‬

‫‪ -‬ينظر‪ :‬دراسة في السيرة ص ‪ ،39‬وطبقات ابن سعد ‪،1/75‬‬ ‫‪1‬‬

‫وتاريخ الطبري ‪.2/277‬‬


‫‪ -‬ينظر‪ :‬الفصول ص ‪ ،82-81‬وخلصة سير سيد البشر ص‬ ‫‪2‬‬

‫‪.231‬‬
‫‪ -‬ينظر المصدر السابق‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪16‬‬
‫فبدأ الستقرار في بيت الزوجية‪ ،‬مع الزوجة الكريمة‬
‫مه أبي طالب إلى بيت‬ ‫الحكيمة‪ ،‬والنتقال من بيت ع ّ‬
‫سيدة قريش حسبا ً ونسبًا‪ ،‬وفي هذا الستقرار مؤازرة‬
‫من زوجته ومن أهلها المقربين لها‪ ،‬فتكون مرحلة جديدة‬
‫من حياة نبي الرحمة ‪ ‬وتطور في العلئق الجتماعية‬
‫المبنية على التراحم‪ ،‬واستمرت العشرة الزوجية‬
‫برحماتها مع خديجة رضي الله عنها )‪ (24‬سنة إذ بقيت‬
‫عنده قبل الوحي خمس عشرة سنة‪ ،‬وبعده إلى ما قبل‬
‫الهجرة بثلث سنين‪ .‬فماتت ولرسول الله ‪ ‬تسع‬
‫وأربعون سنة‪ ،‬وثمانية أشهر‪ ،‬وكانت له وزير صدق‪ .‬بل‬
‫)‪(1‬‬

‫صها الله تعالى ثم جبريل‬ ‫هي أول من آمن به‪ ،‬وقد خ ّ‬


‫)‪(2‬‬
‫عليه السلم بالسلم عليها‪ ،‬وبشرها ببيت في الجنة‪.‬‬
‫وقد ولدت له خديجة رضي الله عنها ستة أولد‪ :‬ابنان‬
‫هما‪:‬‬
‫‪-2‬‬ ‫‪ -1‬القاسم وعاش سنتين‪.‬‬
‫عبد الله‪.‬‬
‫ن‪:‬‬
‫وأربع بنات هُ ّ‬
‫‪ -2‬رقية‪.‬‬ ‫‪ -1‬زينب‪.‬‬
‫‪ -4‬فاطمة‪.‬‬ ‫‪ُ -3‬أم كلثوم‪.‬‬
‫فصار أبا ً لستة أولد‪ ،‬حظوا بأبوة رحيم كريم ونبي‬
‫عظيم‪ ،‬فنالوا شرفا ً مجيدًا‪ ،‬ول شك أنهم حظوا بتسمية‬
‫جميلة‪ ،‬ودعوة جليلة‪ ،‬وسنن حميدة‪ ،‬من التحنيك والذان‬
‫والعقيقة‪.‬‬
‫وتوفوا كلهم قبل وفاة النبي ‪ ‬إل فاطمة رضي الله‬
‫)‪(3‬‬
‫عنها توفيت بعده بستة أشهر‪.‬‬
‫وأما ابنه إبراهيم ‪ ‬فسيأتي ذكره في السنة الثامنة‬
‫للهجرة‪.‬‬
‫‪ -‬ينظر خلصة سير سيد البشر ص ‪.242‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬صحيح البخاري – كتاب مناقب النصار – باب تزوج النبي ‪‬‬ ‫‪2‬‬

‫خديجة وفضلها رضي الله عنها‪ ،‬ح ‪ 3817‬و ‪ .3820‬وصحيح‬


‫مسلم – كتاب فضائل الصحابة – باب فضائل خديجة رضي الله‬
‫عنها‪ ،‬ح ‪.2432‬‬
‫‪ -‬الطبقات الكبرى لبن سعد ‪ ،1/133‬والستيعاب ‪،4/818‬‬ ‫‪3‬‬

‫والفصول ص ‪.215‬‬

‫‪17‬‬
‫ومنذ أن كان نبي الرحمة عمره )‪ (25‬سنة فقد كان‬
‫يسكن في بيت خديجة رضي الله عنها‪ ،‬وبقي فيه إلى أن‬
‫)‪(1‬‬
‫هاجر إلى المدينة النبوية‪.‬‬
‫وكان الله سبحانه قد صانه من قسوة القلب وحماه‬
‫من صغره‪ ،‬وطهره من دنس الجاهلية)‪ (2‬ومن كل عيب‪،‬‬
‫ومنحه كل خلق جميل حتى لم يعرف بين قومه إل‬
‫بالمين‪ ،‬لما شاهدوا من رحمته وطهارته وصدق حديثه‬
‫وأمانته‪ ،‬حتى انه لما بنت قريش الكعبة في سنة خمس‬
‫وثلثين من عمره فوصلوا إلى موضع الحجر السود‬
‫اشتجروا فيمن يضع الحجر موضعه‪ ،‬فقالت كل قبيلة‪:‬‬
‫نحن نضعه‪ ،‬ثم اتفقوا على أن يضعه أول داخل عليهم‪،‬‬
‫وكان رسول الله ‪ ،‬فقالوا‪ :‬جاء المين‪ ،‬فرضوا به‪،‬‬
‫فأمر بثوب‪ ،‬فوضع الحجر في وسطه‪ ،‬وأمر كل قبيلة أن‬
‫ترفع بجانب من جوانب الثوب‪ ،‬ثم أخذ الحجر فوضعه‬
‫)‪(3‬‬
‫موضعه ‪.‬‬
‫وهذا يدل على قوة حكمته وشدة رحمته بقومه‬
‫وحسن تدبيره‪ ،‬كما يدل على سمو مكانته عند القوم‬
‫وقبولهم رأيه ‪.‬‬
‫وفي هذه الفترة كان ينعزل للعبادة في غار حراء‪،‬‬
‫وعزلته ل تعني أن يعيش حياة منعزلة دائما ً بل كان له‬
‫أصحاب‪ ،‬وقد كان لنبي الرحمة ‪ ‬صحبة قبل بعثته من‬
‫عقلء وأثرياء قريش كأبي بكر وحكيم بن خزام وهو من‬
‫نبلء مكة)‪ ،(4‬والسائب بن يزيد‪ ،‬والسائب بن عثمان)‪،(5‬‬
‫هذا الذي وصلنا ول شك أنه يوجد غير هؤلء‪ ،‬لن‬
‫اشتهاره بالصادق المين‪ ،‬ومشاركته في رفع الحجر‬

‫‪ -‬ينظر‪ :‬أخبار مكة للفاكهي ‪.4/7‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬فقد حلف زيد بن حارثة ‪ ‬بأن رسول الله ‪ ‬ما مس منها‬ ‫‪2‬‬

‫صنما ً حتى أكرمه الله بالوحي‪) .‬أخرجه الحاكم وصححه‬


‫ووافقه الذهبي‪ ،‬المستدرك ‪.(3/216‬‬
‫‪ -‬ينظر‪ :‬الفصول ص ‪ ،83‬وخلصة سير سيد البشر ص ‪،246‬‬ ‫‪3‬‬

‫وتلقيح فهوم أهل الثر ص ‪.14‬‬


‫‪ -‬ينظر سير أعلم النبلء ‪3/44‬و ‪.437‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬المصدر السابق ‪1/163‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪18‬‬
‫السود‪ ،‬وحلف الفضول جعله يتعرف على رجالت مكة‬
‫وفحول قريش‪.‬‬
‫إن الفترة التي عاشها نبي الرحمة ‪ ‬قبل البعثة‬
‫تشكل ثلثي عمره فهي فترة مهمة تتجلى فيها العناية‬
‫اللهية بنبي الرحمة وإعداده للقيام بالرسالة الخالدة‬
‫للبشرية جميعًا‪.‬‬
‫إن هذه العناية اللهية والخلق الربانية تترك آثارا ً في‬
‫مجتمع مكة‪ ،‬فإن شخصا ًَ قد نال هذه العناية ل يمكن أن‬
‫يكون مغمورا ً أو عاديًا‪ ،‬بل يشار إليه بالبنان لما فيه من‬
‫السمو والرحمة والطهر والمانة والصدق‪ ،‬وكل هذه‬
‫الصفات مهدت للرسالة‪ ،‬فلم يستنكر العقلء حينما‬
‫سمعوا بنبوته وبعثته بل دخلوا في السلم‪ ،‬أو أخذوا‬
‫يمهدون لذلك مع أقوامهم ويفكرون بالدخول عاجل ً أم‬
‫آج ًَ‬
‫ل‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مبعثه ‪‬‬
‫أخذت خلوات الرسول ‪ ‬وانعزاله عن مجرى الحياة‬
‫ده‬
‫المكية تزداد وتتسع وهو يقترب من الربعين‪ ،‬حيث أع ّ‬
‫الله سبحانه لول لقاء مع وحيه المين؛ من أجل تكليفه‬
‫مسؤولية النبوة‪ ،‬وإخراج الناس بها من ظلمات الجاهلية‬
‫ودنسها إلى نور السلم ونقائه‪ .‬فكان يغادر مكة بين‬
‫الحين والحين‪ ،‬مجتازا ً أسوارها الجبلية‪ ،‬ناقل ً خطواته‬
‫الثابتة الواسعة عبر رمال الصحراء المترامية‪ ،‬حتى‬
‫تحتجب عنه البيوت والسواق‪ ،‬ويغيبه الفق‪ ،‬وتستقبله‬
‫شعاب مكة وبطون أوديتها‪ ،‬ثم يلج بعيدا ً إلى جبل النور‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫حيث ينتهي به المطاف إلى غار حراء‪.‬‬
‫ثم بعث نبي الرحمة عندما بلغ الربعين من عمره‪،‬‬
‫وفي هذا العمر تظهر أوصاف النسان بوضوح‪ ،‬من أجل‬
‫كر ما وصفه علي بن أبي طالب ‪ (2)‬وأنس بن‬ ‫ذلك أ َذ ْ ُ‬
‫مالك ‪ (3)‬خادم رسول الله ‪ ،‬فقد حظيا بصحبته‬
‫الكريمة ومعرفة أوصافه الجميلة‪.‬‬
‫‪ -‬ينظر دراسة في السيرة ص ‪.57‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ينظر مسند المام أحمد ‪ 2/429‬حديث رقم ‪.1300‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪19‬‬
‫فقد كان رسول الله من أحسن الناس وجهًا‪ ،‬أبيض‬
‫ه‪ ،‬واسعَ الفم‪،‬‬ ‫اللون بياضا ً مزهرًا‪ ،‬مستدير الوجه‪ ،‬ملي َ‬
‫ح ُ‬
‫سبط‬ ‫ل الشعر – بين الجعودة وال ّ‬ ‫ج َ‬
‫شقّ العينين‪َ ،‬ر ِ‬ ‫ل ِ‬ ‫طوي ً‬
‫– يصل إلى شحمة أذنيه‪ ،‬وأحيانا ً بين أذنيه وعاتقه‪ ،‬وقد‬
‫يمتد حتى منكبيه أحيانا ً أخرى‪ ،‬ولم يشب شعره السود‬
‫إل اليسير منه‪ ،‬حيث قدر شيبه في أواخر عمره بعشرين‬
‫شعرة موزعة في الرأس وتحت الفم والصدغين‪ ،‬ويميل‬
‫طيب‪،‬‬‫اللون إلى الحمرة في بعض شعره من أثر ال ّ‬
‫سّر‬‫وكانت رائحته أطيب من رائحة المسك‪ ،‬وكان إذا ُ‬
‫استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر‪ ،‬وكانت تحت شفته‬
‫السفلى شعرات بيض‪.‬‬
‫وكان متوسط القامة‪ ،‬متوسط الوزن‪ ،‬ليس بالنحيف‬
‫ول الجسيم‪ ،‬عريض الصدر ضخم اليدين والقدمين‪،‬‬
‫فاه لينتان‪ ،‬قليل لحم العقبين‪،‬‬ ‫مبسوطين الكفين‪ ،‬ك ّ‬
‫يحمل في أعلى كتفه اليسرى خاتم النبوة وهو شعٌر‬
‫مجتمعٌ كالّزّر‪.‬‬
‫ح عن البراء ‪ ‬أنه قال‪ :‬كان رسول الله ‪‬‬ ‫وص ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أحسن الناس وجها‪ ،‬وأحسنه خلقا ليس بالطويل البائن‬
‫)‪(1‬‬
‫ول بالقصير‪.‬‬
‫ح عن أبي سعيد الخدري ‪ ‬أنه قال‪" :‬كان النبي‬ ‫وص ّ‬
‫‪ ‬أشد حياء من العذراء في خدرها" ‪ ،‬والحياء من‬
‫)‪(2‬‬

‫اليمان‪.‬‬
‫وهذه الصفات الجسمية تدل على جمال المظهر‪،‬‬
‫واكتمال الجسم وقدرته على النهوض بالواجبات العظيمة‬
‫التي ُأنيطت به‪ ،‬فلم ير أعداؤه في مظهره ما يعيبونه‬
‫عليه أو يلقبونه به على سبيل النتقاص‪ .‬وإضافة لحسن‬

‫‪ -‬ينظر صحيح البخاري – كتاب المناقب – باب صفة النبي ‪‬‬ ‫‪3‬‬

‫ح ‪ ،3548‬وصحيح مسلم – كتاب الفضائل‪ -‬باب صفة شعر‬


‫النبي ‪ ‬ح ‪.2338‬‬
‫‪ -1‬صحيح البخاري – المناقب‪ -‬باب صفة النبي ‪ ‬ح ‪.3549‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -2‬صحيح البخاري – المناقب – باب صفة النبي ‪ ‬ح ‪.3562‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪20‬‬
‫خلقته الجبلية وسلمة حواسه وأعضائه‪ ،‬فقد اعتنى‬
‫)‪(1‬‬
‫بمظهره من النظافة وحسن الهيئة والتطيب بالطيب‪.‬‬
‫كما تميز بسلمة الصدر‪ ،‬وطيب النفس‪ ،‬ولين القلب‪.‬‬
‫ولما أراد الله تعالى رحمة العباد‪ ،‬وكرامَته بإرساله‬
‫رحمة للعالمين‪ ،‬حّبب إليه الخلء‪ ،‬وكان يتحنث في غار‬
‫حراء‪ ،‬كما كان يصنع ذلك متعّبدو ذلك الزمان‪ ..‬ففجأه‬
‫الحق وهو بغار حراء في رمضان‪ ،‬وله من العمر أربعون‬
‫سنة‪ ،‬فجاءه الملك فقال له‪ :‬اقرأ‪ ،‬قال‪ :‬لست بقارئ‪،‬‬
‫فغّته حتى بلغ منه الجهد‪ ،‬ثم أرسله فقال له‪ :‬اقرأ‪ ،‬قال‪:‬‬
‫لست بقارئ‪ ،‬ثلثًا‪ ،‬ثم قال‪﴿ :‬اقرأ باسم ربك الذي خلق‪.‬‬
‫خلق النسان من علق‪ .‬اقرأ وربك الكرم‪ .‬الذي علم‬
‫بالقلم‪ .‬علم النسان ما لم يعلم﴾ ]العلق‪ [5-1/‬فرجع بها‬
‫رسول الله ‪ ‬ترجف بوادره‪ ،‬فأخبر بذلك خديجة رضي‬
‫الله عنها‪ ،‬وقال‪ :‬قد خشيت على عقلي‪ ،‬فثبتته‪ ،‬وقالت‪:‬‬
‫أبشر‪ ،‬كل والله ل يخزيك الله أبدًا‪ ،‬إنك لتصل الرحم‪،‬‬
‫ل وتعين على نوائب الدهر‪..‬‬ ‫دق الحديث‪ ،‬وتحمل الك ّ‬ ‫وَتص ُ‬
‫في أوصاف أخر جميلة عددتها من أخلقه ‪ ،‬وتصديقا ً‬ ‫ُ‬
‫ديق له رضي‬ ‫منها وتثبيتا ً وإعانة على الحق‪ ،‬فهي أول ص ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫الله تعالى عنها وأكرمها‪.‬‬
‫ثم مكث رسول الله ‪ ‬ما شاء الله أن يمكث ل يرى‬
‫م لذلك وحزن على فراق‬ ‫شيئًا‪ ،‬وفتر عنه الوحي‪ ،‬فاغت ّ‬
‫الوحي الذي يفيض عليه بالسكينة والطمأنينة‪ ،‬فاشتاق‬
‫إلى ما رأى أول مرة‪ ،‬من حلوة ما شاهده من وحي‪،‬‬
‫فقيل‪ :‬إن فترة الوحي كانت قريبا ً من سنتين أو أكثر‪ ،‬ثم‬
‫دى له المَلك بين السماء والرض على كرسي‪ ،‬وثبته‪،‬‬ ‫تب ّ‬
‫ً‬
‫وبشره بأنه رسول الله حقا‪ ،‬فلما رآه رسول الله ‪‬‬
‫‪ -3‬أغلب هذا الوصف الميسر ساقه مؤرخ السيرة أ‪.‬د أكرم بن‬ ‫‪1‬‬

‫ضياء العمري )السيرة النبوية الصحيحة ‪ ،(89-1/88‬وأصول‬


‫هذه الروايات في صحيح البخاري – كتاب المناقب – باب صفة‬
‫النبي ‪ ‬من حديث رقم ‪ ،3556-3545‬وفي دلئل النبوة‬
‫للبيهقي ‪.307-1/194‬‬
‫‪ -‬وهذا التصديق من خديجة رضي الله عنها يسجل السبق‬ ‫‪2‬‬

‫التاريخي الول للمرأة في دخول السلم والسبق لنصرة نبي‬


‫الرحمة ‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫فََرق منه وذهب إلى خديجة وقال‪ :‬زملوني‪ .‬دثروني‪.‬‬
‫فأنزل الله عليه ﴿ يا أيها المدثر‪ .‬قم فأنذر‪ .‬وربك فكبر‪.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫وثيابك فطهر﴾ ]المدثر‪.[4-1/‬‬
‫وكانت الحال الولى حال نبوة وإيحاء‪ ،‬ثم أمره في‬
‫مر ‪‬‬ ‫هذه الية أن ُينذر قومه ويدعوهم إلى الله‪ ،‬فش ّ‬
‫عن ساق التكليف‪ ،‬وقام في طاعة الله أتم قيام بالرحمة‬
‫والحكمة‪ ،‬يدعو إلى الله سبحانه الكبير والصغير‪ ،‬والحّر‬
‫والعبد‪ ،‬والرجال والنساء‪ ،‬والسود والحمر‪ ،‬فاستجاب له‬
‫عباد الله من عدة قبائل‪.‬‬
‫وكان حائز سبقهم أبو بكر ‪ ‬وعلي بن أبي طالب‬
‫‪ ،‬وأسلم على يد أبي بكر عثمان بن عفان‪ ،‬وطلحة‪،‬‬
‫)‪(2‬‬
‫وسعد بن أبي وقاص ‪.‬‬
‫وكذلك أسلمت خديجة‪ ،‬وزيد بن حارثة‪.‬‬
‫دق بما وجد من‬ ‫س ورقة بن نوفل فص ّ‬ ‫وأسلم الق ّ‬
‫ذعا‪ ،‬وذلك أول ما نزل‬ ‫ً‬ ‫ج َ‬‫وحي الله‪ ،‬وتمنى أن لو كان َ‬
‫الوحي‪ ،‬وفي الصحيحين أنه قال‪ :‬هذا الناموس الذي جاء‬
‫ص‬
‫موسى بن عمران ‪ .‬لما ذهبت خديجة به إليه‪ ،‬فق ّ‬
‫)‪(3‬‬

‫عليه رسول الله ‪ ‬ما رأى من أمر جبريل عليه السلم‪.‬‬


‫ودخل من شرح الله صدره للسلم على نور وبصيرة‬
‫ومعاينة‪ ،‬فأخذهم سفهاء مكة بالذى والعقوبة‪ ،‬وصان‬
‫الله رسوله وحماه بعمه أبو طالب‪ ،‬لنه كان شريفا ً‬
‫مطاعا ً فيهم‪ ،‬نبيل ً بينهم‪ ،‬ل يتجاسرون على مفاجأته‬
‫بشيء في أمر محمد ‪ ‬لما يعلمون من محبته له‪ ،‬وكان‬
‫من حكمة الله بقاؤه على دينهم لما في ذلك من‬
‫المصلحة‪ ،‬فهذا رسول الله ‪ ‬يدعو إلى الله ليل ً ونهارا ً‬
‫سرا ً وجهارا ً ل يصده عن ذلك صاد‪ ،‬ول يرده عنه راد‪ ،‬ول‬
‫)‪(4‬‬
‫يأخذه في الله لومة لئم‪.‬‬
‫‪ -‬ينظر‪ :‬الفصول ص ‪ ،85-83‬وخلصة سير سيد البشر ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪.252-246‬‬
‫‪ -‬ينظر الفصول ص ‪.85‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬صحيح البخاري – كتاب بدء الوحي‪ ،‬باب كيف بدأ الوحي إلى‬ ‫‪3‬‬

‫رسول الله ‪ ‬ح ‪ ،3‬وصحيح مسلم – كتاب اليمان – باب بدء‬


‫الوحي إلى رسول الله ‪ ، 1/139‬ح ‪.252‬‬
‫‪ -‬الفصول ص ‪.86-85‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪22‬‬
‫ففي المرحلة الولى كانت الدعوة سرا ً حذرا ً من‬
‫الصطدام المباشر مع المشركين‪ ،‬ولكن المواجهة كانت‬
‫عن طريق نزول القرآن منذ بداية نزوله‪.‬‬
‫ففي سورة العلق حملة عنيفة على أحد زعماء‬
‫قريش‪ ،‬في وقت لم يكن النبي قد آمن بدعوته بعد سوى‬
‫نفر يعدون على الصابع‪ ،‬ومن ثم يتبين لنا الموقف‬
‫العصيب الذي واجهه الرسول ‪ ‬والجرأة العظيمة التي‬
‫واجه بها هذا الموقف بأمر ربه‪ ،‬بما كان يوجهه إلى‬
‫الزعيم القوي الغني الطاغي‪ :‬المغيرة بن هشام‬
‫المخزومي‪ ،‬مما يوحي إليه من آيات فيها الصفعات‬
‫الداميات ﴿كل لئن لم ينته لنسفعن بالناصية‪ .‬ناصية كاذبة‬
‫خاطئة‪ .‬فليد ناديه‪ .‬سندعو الزبانية‪ .‬كل ل تطعه واسجد‬
‫واقترب﴾ ]العلق‪ ،[19-15/‬ثم بما كان من تثبيت القرآن‬
‫ل‪ ،‬تبين لنا العظمة‬ ‫له على دعوته وعبادته وثباته فيهما فع ً‬
‫الخلقية واليمان العميق والجرأة الشديدة في الحق على‬
‫كل باٍغ مهما كان قويا ً عاتيًا‪ .‬ولقد كان هذا دأبه في كل‬
‫المواقف التالية لهذا الموقف العصيب سواء كانت في‬
‫الخطوات الولى أو ما بعدها‪ ،‬وفي هذا سر من أسرار‬
‫)‪(1‬‬
‫اصطفائه للرسالة العظمى من دون ريب‪.‬‬
‫ول شك أن الصحابة السابقين في السلم كأبي بكر‬
‫وخديجة وعلي ‪ ‬كانوا يقومون بواجبهم في الدعوة إلى‬
‫الله تعالى في نطاق المقربين إليهم في النسب أو‬
‫التعامل التجاري‪ ،‬فمثل ً خديجة المخزومية رضي الله عنها‬
‫وهي من سيدات قبيلتها‪ ،‬وأبو بكر ‪ ‬وهو من أسياد‬
‫وأغنياء قريش‪ ،‬وعلي بن أبي طالب الهاشمي ‪ ،‬بل إن‬
‫بعضهم كان يصدع بالدعوة ويتلو القرآن الكريم عند‬
‫الكعبة المشرفة كصنيع ابن مسعود ‪ ،‬فكل من آمن هو‬
‫على ثغرة من الدعوة مع القرب فالقرب‪.‬‬
‫جوبه بمعارضة شديدة من‬ ‫وما لبث الرسول ‪ ‬أن ُ‬
‫ده‪ ،‬سيما بعد‬ ‫قومه‪ ،‬وبإجماع منهم على مقاومته وص ّ‬
‫الحملت الشديدة التي راح يشّنها على آلهتهم‬

‫‪ -‬ينظر‪ :‬دراسة في السيرة ص ‪.65‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪23‬‬
‫وأصنامهم‪ ،‬ووقف عمه أبو طالب ينافح عنده ضد قريش‪،‬‬
‫فرأى زعماؤهم أن يبعثوا إليه وفدا ً من أشرافهم عّلهم‬
‫يقنعونه بوقف ابن أخيه على المضي في دعوته‪ ،‬أو على‬
‫القل بالتخلي عن إسناده وحمايته‪ .‬والتقى رجالت الوفد‬
‫ب‬
‫بأبي طالب وقالوا‪ :‬يا أبا طالب إن ابن أخيك قد س ّ‬
‫فه أحلمنا وضّلل آباءنا‪ ،‬فإما أن‬‫آلهتنا وعاب ديننا وس ّ‬
‫فه عّنا وإما أن تخلي بيننا وبينه‪ .‬فقال لهم أبو طالب‬ ‫تك ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫قول ً رفيقا ً ورّدهم رد ّا ً جميل ً فانصرفوا عنه‪.‬‬
‫وفي هذه المرحلة كان التنـزيل المكي يركز على‬
‫تثبيت اليمان وبيان ثمرته والعتبار بالمم السابقة من‬
‫خلل قصص النبياء وصبرهم على ُأممهم ورحمتهم بهم‪،‬‬
‫ونصرهم على أعدائهم‪ ،‬كل ذلك كان يرتله نبي الرحمة‬
‫‪ ‬على أسماع أصحابه رضوان الله عليهم بتلك القراءة‬
‫المفسرة‪ ،‬وقراءته كانت بتدبر ولهذا كانت السورة عندما‬
‫يرتلها تطول‪ ،‬فقد أخرج مسلم بسنده عن حفصة رضي‬
‫الله عنها قالت‪ :‬ما رأيت رسول الله ‪ ‬صلى في سبحته‬
‫قاعدا ً حتى كان قبل وفاته بعام‪ ،‬وكان يصلي في سجدته‬
‫قاعدًا‪ ،‬وكان يقرأ بالسورة فيرتلها حتى تكون أطول من‬
‫أطول منها‪ (2).‬فتنـزل السكينة والرحمة‪.‬‬
‫وفي ذلك تعليم وتطبيق عملي للتلوة والتدبر‪،‬‬
‫ورصيد من الثواب الجزيل‪ ،‬وهذه القراءة المتأنية التي‬
‫تطول بها السورة ساعدت على مزيد من الفهم ثم‬
‫العمل‪ ،‬وقد وصفت ُأم سلمة رضي الله عنها قراءته‬
‫سرة حرفا ً حرفا ً)‪ ،(3‬وأنه كان يقطع قراءته آية‬ ‫كانت مف ّ‬
‫)‪(4‬‬
‫آية‪.‬‬

‫‪ -‬دراسة في السيرة ص ‪ ،67‬وينظر سيرة الرسول لعزت‬ ‫‪1‬‬

‫دروزة ‪.1/162‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬الصحيح ‪ -‬كتاب صلة المسافرين باب جواز النافلة قائما و‬ ‫‪2‬‬

‫قاعدا ً ح ‪. 733‬‬
‫‪ -‬أخرجه الترمذي ‪ -‬السنن ‪-‬باب ما جاء كيف كانت قراءة‬ ‫‪3‬‬

‫النبي ‪ 5/182‬ح ‪ ، 2923‬وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح‬


‫غريب ‪.‬‬
‫‪ -‬سنن أبي داود‪ ،‬كتاب الحروف والقراءات ح ‪ 4001‬وصححه‬ ‫‪4‬‬

‫اللباني في صحيح سنن أبي داود ح ‪. 3379‬‬

‫‪24‬‬
‫قال المام النحاس‪ :‬ومعنى هذا الوقف على رؤوس‬
‫)‪(1‬‬
‫اليات‪.‬‬
‫ُ‬
‫وفي رواية عن أم سلمة رضي الله عنها كان رسول‬
‫الله ‪ ‬يقطع قراءته‪ ،‬يقرأ ﴿الحمد لله رب العالمين﴾ ثم‬
‫)‪(2‬‬
‫يقف ﴿الرحمن الرحيم﴾]الفاتحة‪ [2-1/‬ثم يقف…‬
‫س شغاف القلب كان‬ ‫فهذه القراءة المرتلة التي تم ّ‬
‫لها الثر الفاعل في تعليم الصحابة ‪ ‬علم التفسير‬
‫وعلم التدبر‪.‬‬
‫ول شك أن هذه السورة قد قرأها عليهم في مكة‬
‫مرات كثيرة‪.‬‬
‫ويستفاد من إسلم ورقة بن نوفل أن بعض أهل‬
‫الكتاب الذين عرفوا الحقّ من كتبهم‪ ،‬هم أقرب الّناس‬
‫للدخول في هذا الدين‪ ،‬ومعرفة منـزلة النبي المين ‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬الهجرة إلى الحبشة‬


‫في السنة الخامسة للهجرة اشتد أذى المشركين‬
‫)‪(3‬‬
‫للمؤمنين‪.‬‬
‫قال مؤرخ السيرة أ‪.‬د‪.‬أكرم بن ضياء العمري‪ :‬ل شك‬
‫أن الستجابة للمر اللهي بإعلن الدعوة اقتضى مواجهة‬
‫المشركين بحقائق التوحيد وبفساد الشرك‪ ،‬مما جعل‬

‫‪ -‬القطع والئتناف ص ‪. 87‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬أخرجه الترمذي )السنن ‪ -‬كتاب أبواب القراءات عن رسول‬ ‫‪2‬‬

‫الله ‪ ‬ح ‪ (3107‬وصححه اللباني )صحيح سنن الترمذي ح‬


‫‪ .(2336‬وقال القرطبي‪ :‬قال علماؤنا رحمة الله عليهم‪ :‬قول‬
‫ُأم سلمة‪ :‬كان يقطع قراءته‪ :‬يدخل في جميع ما كان يقرؤه‬
‫عليه السلم من القرآن‪ ،‬وإنما ذكرت )فاتحة الكتاب( لتبّين‬
‫صفة التقطيع‪ ،‬أو لنها ُأم القرآن‪ ،‬فيغني ذكرها عن ذكر ما‬
‫بعدها‪ ،‬كما يغني قراءتها في الصلة عن قراءة غيرها لجواز‬
‫الصلة بها‪ ،‬وإل فالتقطيع عام لجميع القراءة‪ ،‬لظاهر الحديث‪.‬‬
‫وتقطيع القراءة آية آية أولى عندنا من تتبع الغراض‬
‫والمقاصد والوقوف عند انتهائها‪ ،‬لحديث ُأم سلمة رضي الله‬
‫عنها‪) .‬التذكار في أفضل الذكار ص ‪.(140‬‬
‫‪ -‬ينظر طبقات ابن سعد ‪ ،1/204‬والسيرة النبوية للذهبي ص‬ ‫‪3‬‬

‫‪.117‬‬

‫‪25‬‬
‫المشركين يلحقون الذى بالرسول ‪ ‬وأصحابه‪ ،‬ففضل ً‬
‫عن المعتقدات الباطلة التي عشعشت بعقولهم‬
‫وتوارثوها خلفا ً عن السلف‪ ،‬فإنهم كانوا مدركين لجدواها‬
‫في تحقيق مصالحهم الجتماعية والقتصادية عندما تؤم‬
‫القبائل العربية مكة حيث الصنام الثلثمائة والستون‬
‫المحيطة بالكعبة‪ ،‬وينجم عن ذلك حركة بيع وشراء تحقق‬
‫)‪(1‬‬
‫الرباح الوفيرة للمل‪.‬‬
‫ولما اشتد أذى المشركين على من آمن وفتنوا‬
‫جماعة حتى إنهم كانوا َيصِبرونهم‪ ،‬وُيلقونهم في الحر‪،‬‬
‫ويضعون الصخرة العظيمة على صدر أحدهم في شدة‬
‫الحر‪ ،‬حتى إن أحدهم إذا ُأطل ِقَ ل يستطيع أن يجلس من‬
‫شدة اللم‪ ،‬فيقولون لحدهم‪ :‬اللت إلهك من دون الله‪.‬‬
‫مكرهًا‪ :‬نعم‪ ..‬فلما اشتد البلء أذن الله سبحانه‬ ‫فيقول ُ‬
‫وتعالى في الهجرة إلى أرض الحبشة‪ ..‬فانحاز‬
‫حمة النجاشي فآواهم‬ ‫المهاجرون إلى مملكة أص َ‬
‫وأكرمهم‪ ،‬فكانوا عنده آمنين‪ .‬فلما علمت قريش بذلك‬
‫بعثت في إثرهم عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص‬
‫ف من بلدهم إلى النجاشي‪ ،‬ليرّدهم عليهم‪،‬‬ ‫بهدايا وتح ٍ‬
‫فأبى ذلك عليهم‪ ،‬وتشفعوا إليه بالقواد من جنده‪ ،‬فلم‬
‫شوا إليه‪ :‬إن هؤلء يقولون في‬ ‫ُيجبهم إلى ما طلبوا‪َ ،‬فو َ‬
‫عيسى قول عظيمًا‪ ،‬يقولون‪ :‬إنه عبد‪ ،‬فأحضر المسلمون‬
‫إلى مجلسه‪ ،‬وزعيمهم جعفر بن أبي طالب ‪ ،‬فقال‪ :‬ما‬
‫يقول هؤلء إنكم تقولون في عيسى؟! فتل عليه جعفر‬
‫سورة ﴿كهيعص﴾ ]مريم‪ ،[1/‬فلما فرغ أخذ النجاشي عودا ً‬
‫من الرض فقال‪ :‬ما زاد هذا على ما في التوراة ول هذا‬
‫شّيوم)‪ (2‬بأرضي‪ ،‬من سّبكم‬ ‫العود‪ ،‬ثم قال‪ :‬اذهبوا فأنتم ُ‬
‫غرم‪ ،‬وقال لعمرو وعبد الله‪ :‬لو أعطيتموني د َب َْرا ً من‬ ‫َ‬
‫ذهب ‪ -‬يقول‪ :‬جبل ً من ذهب – ما سّلمتهم إليكما‪ ،‬ثم أمر‬

‫‪ -‬السيرة النبوية الصحيحة ‪.1/147‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬أي‪ :‬المنون بلغة الحبشة كما في حاشية الفصول‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪26‬‬
‫فُرّدت عليهما هداياهما‪ ،‬ورجعا مقبوحين بشر خيبة‬
‫)‪(1‬‬
‫وأسوئها‪.‬‬
‫وبلغ المهاجرين إلى الحبشة أن قريشا ً أسلموا‪ ،‬فقدم‬
‫مكة منهم جماعة‪ ،‬فوجدوا البلء والشدة كما كانا‪،‬‬
‫)‪(2‬‬
‫فاستمروا بمكة إلى أن هاجروا إلى المدينة‪.‬‬
‫إن إقامة شعائر الله تعالى في الرض واجب على‬
‫منعوا من هذه العبادة فلهم أن يختاروا‬ ‫المسلمين‪ ،‬فإذا ُ‬
‫أيّ بلد يمكنهم من توحيد العبودية لله تعالى‪ ،‬واختيار بلد‬
‫الحبشة كان موفقا ً بكل أبعاده على الُرغم من ركوب‬
‫البحر‪ ،‬فقد وقع الختيار على بلد تحكمه شريعة النصارى‬
‫الذين عرفوا محمدا ً ‪ ‬رسول ً بعد عيسى ‪ ،‬فوجدوا‬
‫العدل والنصاف وإعطاء حرية العبادة لنهم عرفوا الغاية‬
‫من هجرتهم وهو رضاء الله تعالى‪.‬‬
‫ومن خلل هذه الهجرة تتجلى رحمة النبي ‪‬‬
‫بأصحابه بالسماح لهم بالهجرة‪ ،‬مع حاجته إليهم في‬
‫الحماية له من العداء‪ ،‬ولكنه آثر مصلحة الدعوة على ما‬
‫سواها‪ ،‬فإن هجرتهم فيها الحفظ على سلمتهم‪ ،‬وفيها‬
‫تبليغ الدعوة إلى بلد الحبشة‪.‬‬
‫كما يستنبط من هذه الرحلة وجود العلئق بين‬
‫النصارى والمسلمين‪ ،‬وخاصة النصارى من المؤمنين‬
‫بالقرآن الكريم فإنهم كانوا يتأثرون بل يبكون‪ ،‬قال الله‬
‫تعالى ﴿وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم‬
‫تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا‬
‫فاكتبنا مع الشاهدين‪ .‬وما لنا ل نؤمن بالله وما جاءنا من‬
‫الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم‬
‫الصالحين﴾ ]المائدة‪.[83-82/‬‬
‫ويستفاد من تلوة سورة مريم أنها قد نزلت قبل هذه‬
‫الهجرة‪ ،‬أي أن الصحابة ‪ ‬آنذاك قد عرفوا معالم هذه‬

‫‪ -‬ينظر الفصول ص ‪ ،89-87‬وصحيح البخاري – كتاب مناقب‬ ‫‪1‬‬

‫النصار – باب هجرة الحبشة حديث ‪ ،3876-3872‬وقد وردت‬


‫قصة الهجرة إلى الحبشة بالتفصيل في مسند المام أحمد‬
‫‪ 268-3/263‬ح ‪.1740‬‬
‫‪ -‬ينظر الفصول ص ‪.91‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪27‬‬
‫السورة وما فيها من الرحمات وإجابة الدعوات‪،‬‬
‫والمعجزات التي ترفع المعنويات‪ ،‬وبشرى المؤمنين‬
‫بالمحبة والجنة‪ ،‬وترسيخ اليمان بالله وبالبعث‪ ،‬وبيان‬
‫مصير الكفار والمشركين في النار‪ ،‬وكل ذلك يثّبت‬
‫المؤمنين ويزيدهم قوة تتحدى الطواغيت‪.‬‬
‫)ول ننسى هنا المرأة المسلمة التي تحملت أعباء‬
‫الضطهاد والهجرة‪ ،‬جنبا ً إلى جنب مع الرجل في سبيل‬
‫الهدف الذي آمنت به‪ ..‬وستتكرر هذه المواقف مرة تلو‬
‫مرة في السلم والحرب‪ ،‬لكي يتبين لنا المدى الواسع‬
‫الذي أفسحه السلم للمرأة‪ ،‬والمكانة العالية التي رفعها‬
‫ملها إياها‪ ،‬بعدما‬
‫إليها‪ ،‬والمسؤوليات الجسيمة التي ح ّ‬
‫كانت تعانيه من ضيق واحتقار وإهمال في عهود‬
‫)‪(1‬‬
‫الجاهلية(‪.‬‬
‫ومع أن نبي الرحمة بحاجة إلى من يبقى معه لحمايته‬
‫وحماية من بقي معه في مكة والذود عن الدين‪ ،‬لكنه‬
‫رجح مصلحة الدعوة وحماية المؤمنين من الفتنة فأذن‬
‫لهم بالهجرتين إلى الحبشة‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬مقاطعة قريش لبني هاشم‬
‫وبني المطلب‬
‫م رسول الله ‪ ،‬وجماعة كثيرون‬ ‫لما أسلم حمزة ع ّ‬
‫وفشا السلم‪ ،‬علمت قريش فساءها ذلك الحدث‪،‬‬
‫وأجمعوا على أن يتعاقدوا على بني هاشم وبني المطلب‬
‫ابني عبد مناف‪ :‬أل يبايعوهم‪ ،‬ول يناكحوهم‪ ،‬ول يكّلموهم‪،‬‬
‫ول يجالسوهم‪ ،‬حتى ُيسِلموا إليهم رسول الله ‪ .‬وكتبوا‬
‫بذلك صحيفة وعّلقوها في سقف الكعبة‪..‬‬
‫شعب بنو هاشم وبنو المطلب‪،‬‬ ‫وانحازوا إلى ال ّ‬
‫مؤمنهم وكافرهم إل أبا لهب – لعنه الله – فإنه ظاهر‬
‫قريشًا‪ .‬وبقوا على تلك الحال ل يدخل عليهم أحد نحوا ً‬
‫من ثلث سنين‪.‬‬

‫‪ -‬دراسة في السيرة ص ‪.81‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪28‬‬
‫حصرنا في الشعب‬ ‫قال ابن عباس رضي الله عنهما‪ُ :‬‬
‫ثلث سنين‪ ،‬وقطعوا عّنا الميرة حتى أن الرجل ليخرج‬
‫بالنفقة فما يباع شيئا ً حتى مات مّنا قوم‪.‬‬
‫ثم سعى في نقض تلك الصحيفة أقوام من قريش‪،‬‬
‫فكان القائم في أمر ذلك هشام بن عمرو بن ربيعة بن‬
‫سل بن عامر‬ ‫ح ْ‬
‫جذيمة بن مالك بن ِ‬ ‫حبيب بن َ‬
‫الحارث بن ُ‬
‫عدي وجماعة من‬ ‫مطعم بن َ‬ ‫بن لؤي‪ ،‬مشى في ذلك إلى ُ‬
‫قريش‪ ،‬فأجابوه إلى ذلك‪ ،‬وأخبَر رسول الله ‪ ‬قومه أن‬
‫ضة‪ ،‬فأكلت جميع‬ ‫الله قد أرسل على تلك الصحيفة ال ََر َ‬
‫ما فيها إل ذكر الله عز وجل‪ ،‬فكان كذلك‪ .‬ثم رجع بنو‬
‫م من‬ ‫هاشم وبنو المطلب إلى مكة‪ ،‬وحصل الصلح برغ ً‬
‫)‪(1‬‬
‫أبي جهل عمرو بن هشام‪.‬‬
‫ب ضارة نافعة‪ ،‬فقد استفاد المؤمنون من نبي‬ ‫وُر ّ‬
‫الرحمة ‪ ‬ومن هذا الحصار كثرة الصحبة والسماع‬
‫جمت وتقلصت‪ ،‬فكان‬ ‫ح ّ‬
‫صلتهم الجتماعية ُ‬ ‫والتوجيه‪ ،‬لن ِ‬
‫فيها الخير الكثير من العداد اليماني والتفقه بأمور‬
‫الدين وكثرة سماع القرآن الكريم من النبي الحكيم‪،‬‬
‫ولهذا نبغ من هؤلء الصحابة العلماء والفقهاء‪ ،‬وكان‬
‫تفسير ذلك التنـزيل من أجل الفهم والعمل به‪ ،‬فكان‬
‫أحيانا يبين التفسير من القرآن وهو قمة في البيان‪ ،‬فقد‬
‫ح عنه ‪ ‬أنه قال‪ :‬قال الله تعالى ﴿وعنده مفاتح الغيب‬ ‫ص ّ‬
‫ل يعلمها إل هو﴾ ]النعام‪ [59/‬مفاتح الغيب خمس ﴿إن‬
‫الله عنده علم الساعة وينـزل الغيث ويعلم ما في‬
‫الرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس‬
‫)‪(2‬‬
‫بأي أرض تموت إن الله عليم خبير﴾ ]لقمان‪.[34/‬‬
‫وهذا من قبيل بيان المكي بالمكي‪ ،‬وهو مناسب‬
‫ذكره هنا في هذه الفترة المكية‪.‬‬
‫ح عن عبد الله بن مسعود ‪ ‬قال‪ :‬لما نزلت هذه‬ ‫وص ّ‬
‫الية ﴿الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم‬
‫المن﴾ ]النعام‪ [82/‬شقّ ذلك على أصحاب رسول الله‬
‫‪ -‬الفصول ص ‪.91-90‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬صحيح البخاري‪ ،‬تفسير سورة النعام باب﴿وعنده مفاتح‬ ‫‪2‬‬

‫الغيب ل يعلمها إل هو﴾ ح ‪.4627‬‬

‫‪29‬‬
‫‪ ‬وقالوا‪ :‬أينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فقال رسول الله‬
‫‪":‬إنه ليس بذاك‪ ،‬أل تسمع قول لقمان لبنه إن‬
‫)‪(1‬‬
‫الشرك لظلم عظيم"‪.‬‬
‫وهكذا فقد بين للصحابة ‪ ‬آيات اليمان وكذلك‬
‫يوضح ما أشكل عليهم في تلك الية ‪ ،‬كما كان يعتني‬
‫ح‬
‫بالتكرار لعطاء التعلم حقه في ترسيخ العلوم فقد ص ّ‬
‫عن أنس عن النبي ‪ ‬كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلثا ً‬
‫)‪(2‬‬
‫حتى ُتفهم عنه‪.‬‬
‫وهذا من رحمته وصبره على تعليم أصحابه ‪.‬‬
‫وخرج من الحصار وله تسع وأربعون سنة‪ ،‬وبعد ذلك‬
‫بثمانية أشهر مات عمه أبو طالب‪ ،‬وكان موت ُأم‬
‫)‪(3‬‬
‫المؤمنين خديجة رضي الله عنها بعده بثلثة أيام‪.‬‬
‫ففقد رسول الله ‪ ‬خير العوان‪ ،‬وهذا الحدث لم‬
‫ن دعوته بل استمر متوكل ً على الله تعالى يبلغ المانة‬ ‫يث ِ‬
‫بهمة وصيانة‪.‬‬
‫وفي ذلك الحدث حكمة ربانية في كمال التوكل على‬
‫الله تعالى والعتماد عليه‪ ،‬والقيام بمزيد من العلئق‬
‫الجتماعية بالتزوج من القبائل والسر التي تزوج منها‬
‫نبي الرحمة ‪.‬‬
‫وبعد موت ُأم المؤمنين خديجة رضي الله عنها رجع‬
‫سودة بنت زمعة‬ ‫المهاجرون من الحبشة‪ ،‬ومن بينهم َ‬
‫رضي الله عنها وكانت ممن أسلم قديما ً ومات زوجها‬
‫السكران بن عمرو ‪ ‬فلما حّلت خطبها رسول الله ‪‬‬
‫وتزوجها)‪ ،(4‬وهذا من رحمته ‪ ‬فقد جبر خاطر هذه‬
‫الرملة‪ ،‬وإن كان بإمكانه أن يتزوج من البكار‪ ،‬وكانت قد‬

‫‪ -‬صحيح البخاري ‪ -‬تفسير سورة لقمان باب "ل تشرك بالله إن‬ ‫‪1‬‬

‫الشرك لظلم عظيم" ح ‪. 4776‬‬


‫‪ -‬صحيح البخاري ‪ -‬كتاب العلم ‪ -‬باب من أعاد الحديث ثلثا ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ينظر‪ :‬أنساب الشراف للبلذري ‪ ،226-1/225‬وخلصة سير‬ ‫‪3‬‬

‫سيد البشر ص ‪ ،261-259‬ودلئل النبوة ‪ ،2/352‬وتاريخ‬


‫السلم للذهبي ‪.1/237‬‬
‫‪ -‬ينظر‪ :‬تلقيح فهوم الثر ص ‪ ،20-19‬والسيرة النبوية للذهبي‬ ‫‪4‬‬

‫ص ‪.184-183‬‬

‫‪30‬‬
‫خطبتها خولة بنت حكيم السلمية للنبي ‪ ،‬وقد وافق‬
‫والد سودة بقوله‪ :‬كفء كريم)‪.(1‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬خروجه ‪ ‬إلى الطائف‬
‫ولما اشتد البلء من قريش على رسول الله ‪ ‬بعد‬
‫موت عمه خرج إلى الطائف‪ ،‬رجاء أن يؤوه وينصروه‬
‫على قومه‪ ،‬ويمنعوهم منه‪ ،‬حتى يبّلغ رسالة ربه‪ .‬ودعاهم‬
‫ل‪ ،‬فلم ير من يؤوي ولم ير ناصرًا‪ ،‬وآذوه‬ ‫إلى الله عّز وج ّ‬
‫أشد الذى‪ .‬ونالوا منه ما لم ينل منه قومه‪ ،‬وكان معه‬
‫زيد بن حارثة موله‪.‬‬
‫فأقام بينهم عشرة أيام ل يدع أحدا ً من أشرافهم إل‬
‫كلمه‪ ،‬فقالوا‪ :‬أخرج من بلدنا وأغروا به سفهاءهم‪،‬‬
‫سماطين‪ ،‬وجعلوا يرمونه بالحجارة وبكلمات‬ ‫فوقفوا له ِ‬
‫من السفه‪ .‬هي أشد وقعا ً من الحجارة‪ ،‬حتى ُدميت‬
‫قدماه‪ ،‬وزيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى أصابه شجاج في‬
‫رأسه‪ ،‬فانصرف إلى مكة محزونًا‪.‬‬
‫فأرسل ربه تبارك وتعالى إليه ملك الجبال يستأمره‬
‫أن يطبق الخشبين على أهل مكة – وهما جبلها اللذان‬
‫ل الله أن يخرج‬ ‫هي بينهما – فقال‪" :‬بل استأني بهم‪ ،‬لع ّ‬
‫ً )‪(2‬‬
‫من أصلبهم من يعبده‪ ،‬ل يشرك به شيئا" ‪.‬‬
‫هكذا كانت رحمته حتى بأعدائه وذرياتهم‪ ،‬وكانوا إذا‬
‫طلبوا منه الستسقاء فإنه يدعو الله تعالى لهم بذلك‬
‫)‪(3‬‬
‫ويستجيب له‪.‬‬
‫وهكذا كانت رحمته ‪ ‬في الحسان مع المشركين‪،‬‬
‫ولقد آتت ثمارها بأن رأوا صدق هذا النبي ‪ ‬ولطفه بهم‬
‫وحنانه عليهم‪ ،‬مما جعل الكثير منهم يعلنوا كلمة التوحيد‬
‫لمم بنعمة هذا الدين‪ ،‬كل ذلك بفضل‬ ‫الخالدة وغدوا قادة ا ُ‬

‫‪ -‬تاريخ الطبري ‪.3/176‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ينظر صحيح البخاري – كتاب بدء الخلق – باب ذكر الملئكة‬ ‫‪2‬‬

‫حديث رقم ‪ ،3231‬وصحيح مسلم – كتاب الجهاد والسير – باب‬


‫ما لقي النبي ‪ ‬من أذى المشركين والمنافقين حديث رقم‬
‫‪.1794‬‬
‫‪ -‬ينظر صحيح البخاري – كتاب التفسير – سورة الدخان –‬ ‫‪3‬‬

‫حديث رقم ‪.4821‬‬

‫‪31‬‬
‫القيام بحق الناس من الدعوة وطلب الخير من الله تعالى‬
‫حتى ولو كانوا مشركين‪ ،‬وقد كان دعاء النبي ‪ ‬تطبيقا ً‬
‫عمليا ً لهذا الحق الذي ترك أثره في النفوس وأبرز معجزة‬
‫نبوية في جلب الخير ودفع الشر‪ .‬وفي هذا العمل يبرز‬
‫حكم شرعي في جواز الستسقاء للمشركين من أجل‬
‫الدعوة إلى الله تعالى‪.‬‬
‫ً‬
‫من خلل هذه الرحمة نتخيل لو كان حيا بين ظهورنا‬
‫ض أن‬‫فماذا يصنع بهؤلء الذين تكلموا فيه؟ فهو لم ير َ‬
‫يعاقب أولئك الذين آذوه باللسان والسنان وبالقوال‬
‫والفعال! ل شك أنه سيبّلغهم الدعوة‪ ،‬وإذا استجابوا فإنه‬
‫سيشفع لهم عند الله تعالى ليدخلوا جنة عرضها‬
‫السموات والرض!‬
‫فلما نزل بنخلة في مرجعه‪ ،‬قام يصلي من الليل ما‬
‫)‪(1‬‬

‫شاء الله‪ ،‬فصرف الله إليه نفرا ً من الجن فاستمعوا‬


‫قراءته‪ ،‬ولم يشعر بهم رسول الله ‪ ‬حتى نزل عليه ﴿‬
‫وإذ صرفنا إليك نفرا ً من الجن﴾ إلى قوله ﴿وأولئك في‬
‫ضلل مبين﴾]الحقاف‪ .[32-28/‬ثم انتهى إلى مكة‪،‬‬
‫فأرسل رجل ً من خزاعة إلى المطعم بن عدي )أدخل في‬
‫جوارك؟( فقال‪ :‬نعم‪ .‬فدعا المطعم بنيه وقومه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ألبسوا السلح‪ ،‬وكونوا عند أركان البيت‪ ،‬فإني قد أجرت‬
‫محمدا ً فل يهجه منكم أحد‪ .‬فانتهى رسول الله ‪ ‬إلى‬
‫الركن فاستلمه‪ .‬وصلى ركعتين وانصرف إلى بيته‪،‬‬
‫والمطعم ابن عدي وولده محدقون به في السلح‪ ،‬حتى‬
‫)‪(2‬‬
‫دخل بيته‪.‬‬
‫إنها ابتلءات تهد الجبال هدًا‪ ،‬ولكن نفوس النبياء‬
‫تصمد أمام البتلء‪ ،‬فلماذا الفتراء؟! لماذا تنصب ضدهم‬
‫العداوة؟! إن العداوة ضد نبي الرحمة ‪ ‬لهي عداوة‬
‫لجميع النبياء‪ ،‬لنهم إخوة ونبي الرحمة سيدهم‪.‬‬
‫ألم يأن للذين يجرحون عرض نبي الرحمة ‪ ‬أن‬
‫يتوبوا وتصفو قلوبهم؟ فترقى أقلمهم إلى السماء‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬موضع بين مكة والطائف على طريق السيل )ينظر الروض‬
‫المعطار ‪.(576‬‬
‫‪ -‬مختصر سيرة الرسول ‪ ‬ص ‪.83-82‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪32‬‬
‫وتهذب ألسنتهم من الفتراء‪ ،‬فينجوا من ظلمات‬
‫العتداء‪.‬‬
‫المبحث السادس‪ :‬السراء والمعراج‬
‫إن قصة السراء والمعراج هي واقعة عظمى وآية‬
‫كبرى إذ فيها حصل انتقال إلى مرحلة جديدة من الريادة‬
‫العلمية والسيادة النبوية‪ ،‬فهي انتقال من السماع‬
‫بواسطة جبريل إلى المشاهدة البصرية الحقيقية لرؤية‬
‫النبياء كلهم والجنة والنار وسدرة المنتهى والسماوات‬
‫السبع وخزنتها وغير ذلك من المرئيات‪ ،‬ثم ارتقاء جديد‬
‫بمكالمة الله تعالى عدة مرات في فرضية الصلة‬
‫والتخفيف في عدد ركعاتها‪ ،‬وانتقال إلى التعبئة اليمانية‬
‫والتزود بالحكمة والرحمة‪ ،‬وبهذا نستطيع أن نقول أنه‬
‫انتقل إلى مرحلة هي‪ :‬ريادة الحكماء والرحماء والعلماء‪،‬‬
‫وسيادة الرسل والنبياء بذلك التكريم العظيم‪ ،‬من‬
‫المامة والتعليم‪ ،‬والتكليف الشريف والتكليم الكريم لله‬
‫الحكيم العليم‪.‬‬
‫وحديث السراء والمعراج طويل ومتواتر وسأذكره‬
‫ح عنه بالتواتر ‪ ‬أنه‬ ‫بطوله لما فيه من الستنباط فقد ص ّ‬
‫حجر ‪-‬‬‫قال‪" :‬بينما أنا في الحطيم ‪ -‬وربما قال في ال ِ‬
‫مضطجعا ً إذ أتاني آت فشقّ ما بين هذه إلى هذه ‪ -‬يعني‬
‫به قال من ثغرة نحره إلى شعرته ‪ -‬فاستخرج قلبي ثم‬
‫أتيت بطست من ذهب مملوءة إيمانا فغسل قلبي ثم‬
‫حشي ثم أعيد ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار‬
‫حملت عليه فانطلق بي جبريل حتى أتى‬ ‫أبيض‪ ...‬ف ُ‬
‫السماء الدنيا فاستفتح‪ ،‬فقيل‪ :‬من هذا؟ قال جبريل‪:‬‬
‫قيل‪ :‬ومن معك؟ قال‪ :‬محمد‪ ،‬قيل‪ :‬وقد أرسل إليه؟‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬قيل‪ :‬مرحبا به فنعم المجيء جاء‪ ،‬ففتح فلما‬
‫خلصت فإذا فيها آدم‪ ،‬فقال‪ :‬هذا أبوك آدم فسّلم عليه‪،‬‬
‫فسّلمت عليه فرد ّ السلم‪ ،‬ثم قال‪ :‬مرحبا ً بالبن الصالح‬
‫والنبي الصالح‪ .‬ثم صعد حتى أتى السماء الثانية‬
‫فاستفتح‪ ،‬قيل‪ :‬من هذا؟ قال‪ :‬جبريل‪ ،‬قيل‪ :‬ومن معك؟‬
‫قال‪ :‬محمد‪ ،‬قيل‪ :‬وقد أرسل إليه؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قيل‪:‬‬

‫‪33‬‬
‫مرحبا به فنعم المجيء جاء‪ ،‬ففتح‪ ،‬فلما خلصت إذا يحيى‬
‫وعيسى وهما ابنا الخالة‪ ،‬قال‪ :‬هذا يحيى وعيسى فسّلم‬
‫عليهما فسّلمت فرّدا ثم قال‪ :‬مرحبا بالخ الصالح والنبي‬
‫الصالح‪ .‬ثم صعد بي إلى السماء الثالثة فاستفتح‪ ،‬قيل‪:‬‬
‫من هذا؟ قال‪ :‬جبريل‪ ،‬قيل‪ :‬ومن معك؟ قال‪ :‬محمد‪،‬‬
‫قيل‪ :‬وقد أرسل إليه؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قيل‪ :‬مرحبا به فنعم‬
‫المجيء جاء‪ ،‬ففتح فلما خلصت إذا يوسف‪ ،‬قال‪ :‬هذا‬
‫يوسف فسّلم عليه‪ ،‬فسّلمت عليه فرد ّ ثم قال‪ :‬مرحبا‬
‫بالخ الصالح والنبي الصالح‪ .‬ثم صعد بي حتى أتى‬
‫السماء الرابعة فاستفتح‪ ،‬قيل‪ :‬من هذا؟ قال‪ :‬جبريل‪،‬‬
‫قيل‪ :‬ومن معك؟ قال‪ :‬محمد‪ ،‬قيل‪ :‬أو قد أرسل إليه؟‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬قيل‪ :‬مرحبا به فنعم المجيء جاء‪ ،‬ففتح فلما‬
‫خلصت إلى إدريس قال‪ :‬هذا إدريس فسّلم عليه‪،‬‬
‫فسّلمت عليه فرد ّ ثم قال‪ :‬مرحبا بالخ الصالح والنبي‬
‫الصالح‪ .‬ثم صعد بي حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح‪،‬‬
‫قيل‪ :‬من هذا؟ قال‪ :‬جبريل‪ ،‬قيل‪ :‬ومن معك؟ قال‪:‬‬
‫محمد ‪ ،‬قيل‪ :‬وقد أرسل إليه؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قيل‪ :‬مرحبا‬
‫به فنعم المجيء جاء‪ ،‬فلما خلصت فإذا هارون‪ ،‬قال‪ :‬هذا‬
‫هارون فسّلم عليه‪ ،‬فسّلمت عليه فرد ّ ثم قال‪ :‬مرحبا‬
‫بالخ الصالح والنبي الصالح‪ .‬ثم صعد بي حتى أتى‬
‫السماء السادسة فاستفتح‪ ،‬قيل‪ :‬من هذا؟ قال‪ :‬جبريل‪،‬‬
‫قيل‪ :‬من معك؟ قال‪ :‬محمد‪ ،‬قيل‪ :‬وقد أرسل إليه؟ قال‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬قال‪ :‬مرحبا به فنعم المجيء جاء‪ ،‬فلما خلصت فإذا‬
‫موسى قال‪ :‬هذا موسى فسّلم عليه‪ ،‬فسّلمت عليه فرد ّ‬
‫ثم قال‪ :‬مرحبا بالخ الصالح والنبي الصالح‪ ،‬فلما تجاوزت‬
‫بكى‪ ،‬قيل له‪ :‬ما يبكيك؟ قال‪ :‬أبكي لن غلما بعث بعدي‬
‫يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي‪ .‬ثم‬
‫صعد بي إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل‪ ،‬قيل‪ :‬من‬
‫هذا؟ قال‪ :‬جبريل‪ ،‬قيل‪ :‬ومن معك؟ قال‪ :‬محمد‪ ،‬قيل‪:‬‬
‫وقد بعث إليه؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬مرحبا به فنعم المجيء‬
‫جاء‪ ،‬فلما خلصت فإذا إبراهيم قال‪ :‬هذا أبوك فسّلم‬
‫عليه‪ ،‬قال‪ :‬فسّلمت عليه فرد ّ السلم وقال‪ :‬مرحبا‬

‫‪34‬‬
‫سدرة‬‫بالبن الصالح والنبي الصالح‪ .‬ثم ُرفعت لي ِ‬
‫جر‪ ،‬وإذا ورقها مثل آذان‬‫المنتهى فإذا نبقها مثل ِقلل هَ َ‬
‫سدرة المنتهى‪ ،‬وإذا أربعة أنهار نهران‬ ‫الفيلة‪ ،‬قال‪ :‬هذه ِ‬
‫باطنان ونهران ظاهران‪ ،‬فقلت‪ :‬ما هذان يا جبريل؟ قال‪:‬‬
‫أما الباطنان فنهران في الجنة‪ ،‬وأما الظاهران فالنيل‬
‫والفرات‪ .‬ثم ُرفع لي البيت المعمور يدخله كل يوم‬
‫سبعون ألف ملك‪ ،‬ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن‬
‫وإناء من عسل‪ ،‬فأخذت اللبن‪ ،‬فقال‪ :‬هي الفطرة أنت‬
‫عليها وأمتك ثم فرضت علي الصلوات خمسين صلة كل‬
‫يوم‪ ،‬فرجعت فمررت على موسى فقال‪ :‬بم أمرت؟‬
‫قال‪ :‬أمرت بخمسين صلة كل يوم‪ ،‬قال‪ :‬أمتك ل‬
‫تستطيع خمسين صلة كل يوم‪ ،‬وإني والله قد جربت‬
‫الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة‪ ،‬فارجع‬
‫إلى ربك فاسأله التخفيف لمتك‪ ،‬فرجعت فوضع عني‬
‫عشرا‪ ،‬فرجعت إلى موسى فقال مثله‪ ،‬فرجعت فوضع‬
‫عني عشرا‪ ،‬فرجعت إلى موسى فقال مثله‪ ،‬فرجعت‬
‫فوضع عني عشرا‪ ،‬فرجعت إلى موسى فقال مثله‪،‬‬
‫فرجعت فأمرت بعشر صلوات كل يوم‪ ،‬فرجعت فقال‬
‫مثله‪ ،‬فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم‪ ،‬فرجعت‬
‫إلى موسى فقال‪ :‬بما أمرت؟ قلت‪ :‬أمرت بخمس‬
‫صلوات كل يوم‪ ،‬قال‪ :‬إن أمتك ل تستطيع خمس صلوات‬
‫كل يوم‪ ،‬وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني‬
‫إسرائيل أشد المعالجة‪ ،‬فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف‬
‫لمتك‪ ،‬قال‪ :‬سألت ربي حتى استحييت ولكن أرضى‬
‫وأسلم‪ ،‬قال‪ :‬فلما جاوزت نادى مناٍد‪ :‬أمضيت فريضتي‬
‫)‪(1‬‬
‫وخففت عن عبادي‪.‬‬
‫ويستنبط من الحديث أنه لم يتوقف عند السماء‬
‫السابعة ورؤية البيت المعمور بل ارتقى إلى أعلى فرأى‬
‫من آيات ربه الكبرى‪ ،‬سدرة المنتهى‪ ،‬وشجرة الزقوم‪،‬‬
‫وفتحت له أبواب الجنة‪ ،‬ورأى النار وما فيها من الفجار‪،‬‬

‫‪ -11‬صحيح البخاري ‪ 1411-3/1410‬كتاب فضائل الصحابة ‪ -‬باب‬


‫المعراج ح ‪.3674‬‬

‫‪35‬‬
‫ورأى نهر الكوثر وما فيه من قباب لؤلؤية‪ ،‬واستمر‬
‫الرتقاء إلى مستوى سمع فيه صريف أقلم الملئكة‬
‫وأشياء لم يقدر أن يصفها لما فيها من العجائب‪ ،‬قال‬
‫تعالى ﴿إذ يغشى السدرة ما يغشى﴾]النجم‪ ،[18/‬وثبت‬
‫عنه ‪ ‬في بيان ذلك أنه قال‪" :‬فراش من ذهب")‪ ،(1‬ثم‬
‫بلغ التشرف بمكالمة الله تعالى والحوار في فرضية‬
‫الصلة وتخفيفها مما جعل الحوار متكررا ً ومتقطعا ً إذ بلغ‬
‫تسع أو بضع مرات حين فرض الله تعالى الصلة خمسين‬
‫ثم لما نزل إلى السماء السادسة‪ ،‬رأى موسى‪ ‬فسأله‬
‫ثم نصح بالتخفيف‪ ،‬فرجع النبي ‪ ‬إلى ربه يسأله‬
‫التخفيف‪ ،‬وهكذا تكرر المر بالتخفيف عشرا ً عشرا‪ ،‬وفي‬
‫رواية خمسا ً خمسا ً)‪ (2‬حتى وصلت إلى خمسة فروض‬
‫في اليوم‪ ،‬وهكذا التكرار جعل النبي ‪ ‬يمّر بالسماء‬
‫السابعة وما فوقها تسع مرات أو بضع مرات حسب‬
‫التخفيف‪ .‬وهذا الذهاب والياب من السماء السادسة إلى‬
‫ما شاء الله تعالى طلبا ً للتخفيف لهو أمر شديد على نبي‬
‫الرحمة ‪ ،‬ولكنه مضى بسؤال ربه التخفيف رحمة‬
‫مة‪ ،‬وهذا أيضا ً يدل على رحمة موسى ‪ ‬بنا‪.‬‬ ‫ُ‬
‫بال ّ‬
‫ويستنتج من هذا أن مشاهداته لهذه الماكن زاده من‬
‫المعلومات ورؤيتها رأي العين‪ ،‬وهذا المر نقل العلم‬
‫النبوي من أقوال يسمعها من جبريل إلى مشاهدات رآها‬
‫رأي العين‪ ،‬فيتعين معرفة المصدر الثاني وهو المشاهدة‬
‫بالضافة إلى المصدر الول وهو‪ :‬السماع من جبريل ‪.‬‬
‫وقد روى ‪ ‬من هذه المشاهدات أحاديث كثيرة‬
‫وخصوصا ًَ في صفة الجنة والنار وما فيهما من العجائب‬
‫صل‬‫والغرائب‪ ،‬ومنها هذه الرحلة الفضائية‪ ،‬فقد ف ّ‬
‫الروايات فيها تفصيل ً دقيقا ً وثبتها في أذهان الصحابة‬
‫تثبيتا ً حتى سمعه منه عشرات الصحابة ‪ ‬فغدت الرواية‬
‫متواترة مشهورة‪.‬‬
‫‪ -21‬صحيح مسلم ‪ - 1/157‬كتاب اليمان ‪ -‬باب في ذكر سدرة‬
‫المنتهى ح ‪.173‬‬
‫‪ -12‬صحيح مسلم ‪ - 1/157‬كتاب اليمان ‪ -‬باب في ذكر سدرة‬
‫المنتهى ح ‪.162‬‬

‫‪36‬‬
‫ونستنتج أن السموات السبع متصلة بعضها فوق‬
‫بعض‪ ،‬وأن الدخول إلى السماء السابعة من السماء‬
‫السادسة‪ ،‬وهكذا الدخول إلى السماء السادسة من‬
‫الخامسة وهكذا في البقية الدخول من السماء التي تحت‬
‫الخرى‪ .‬إنها رحلة تعليم وتكريم من العليم الكريم‪.‬‬
‫ويستنبط أيضا ً أن النبي ‪ ‬اجتمعت له ثلثة مصادر‬
‫لتلقي علوم الوحي وأخبار هذه الرحلة‪ ،‬وهي مكالمة من‬
‫الله تعالى عدة مرات‪ ،‬وسؤالته لجبريل‪ ،‬ومشاهدته‬
‫للتهاويل‪.‬‬
‫ويستنتج من حوار النبي ‪ ‬والنبياء وجبريل مع‬
‫الخزنة أن الملئكة والنبياء كّلهم لهجوا باللغة العربية‬
‫ومنها قول آدم ‪" :‬مرحبا ً بالنبي الصالح والبن‬
‫الصالح"‪ ،‬وكذلك تحية النبياء ودعاؤهم للنبي ‪.‬‬
‫شر أصحابه بما رأى تثبيتا ً‬‫ول شك أن نبي الرحمة ب ّ‬
‫لهم وتطييبا ً لخواطرهم ورحمة بهم وحبا لهم‪ ،‬فإن ما رآه‬
‫ً‬
‫يرفع المعنويات فتسهل العقبات‪.‬‬
‫ولما أصبح رسول الله ‪ ‬من نومه أخبرهم بما أراه‬
‫الله من آياته الكبرى‪ ،‬فاشتد تكذيبهم له وأذاهم‬
‫واستجراؤهم عليه‪ .‬وجعل رسول الله ‪ ‬يعرض نفسه‬
‫على القبائل أيام الموسم ويقول‪":‬من رجل يحملني إلى‬
‫قومه فيمنعني حتى أبلغ رسالة ربي!؟ فإن قريشا ً قد‬
‫منعوني أن أبلغ كلم ربي" فأتاه رجل من همدان فقال‪:‬‬
‫"ممن أنت؟" فقال الرجل‪ :‬من همدان‪ .‬قال‪" :‬فهل عند‬
‫قومك منعة؟" قال‪ :‬نعم‪ .‬ثم إن الرجل خشي أن ُيخفره‬
‫قومه‪ ،‬فأتى رسول الله ‪ ‬فقال‪ :‬آتيهم فُأخبرهم‪ ،‬ثم‬
‫آتيك من عام قابل‪ .‬قال‪" :‬نعم"‪ .‬فانطلق وجاء وفد‬
‫)‪(1‬‬
‫النصار في رجب‪.‬‬
‫المبحث السابع‪ :‬بيعة العقبة الولى والثانية‬
‫‪ -‬ينظر‪ :‬الفصول ص ‪ ،95-93‬وينظر الخلصة ‪،1/269‬‬ ‫‪1‬‬

‫والستيعاب ‪ .1/41‬والحديث أخرجه المام أحمد من حديث‬


‫جابر بن عبد الله ‪ ،‬وصحح سنده محققو المسند ‪3/370‬‬
‫حديث رقم ‪ ،15192‬وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي‬
‫)المستدرك ‪.(2/612‬‬

‫‪37‬‬
‫ثم إن رسول الله ‪ ‬لقي عند العقبة في الموسم‬
‫نفرا ً من النصار‪ ،‬كّلهم من الخزرج‪ ،‬وهم‪ :‬أبو ُأمامة بن‬
‫زرارة بن عدس‪ ،‬وعوف بن الحارث بن رفاعة‪ ،‬وهو ابن‬
‫عفراء ورافع بن مالك بن العجلن‪ ،‬وقطبة بن عامر بن‬
‫عقبة بن عامر بن نابي‪ ،‬وجابر بن عبد الله بن‬ ‫حديدة‪ ،‬و ُ‬
‫رئاب‪ ،‬فدعاهم رسول الله ‪ ‬إلى السلم‪ ،‬فأسلموا‬
‫مبادرة إلى الخير‪ ،‬ثم رجعوا إلى المدينة‪ ،‬فدعوا إلى‬
‫السلم‪ ،‬ففشا السلم فيها‪ ،‬حتى لم تبق دار إل وقد‬
‫دخلها السلم‪.‬‬
‫فلما كان العام المقبل‪ ،‬جاء منهم اثنا عشر رج ً‬
‫ل‪:‬‬
‫الستة الوائل خل جابر بن عبدالله بن رئاب‪ ،‬ومعهم‪:‬‬
‫معاذ بن الحارث بن رفاعة‪ ،‬أخو عوف المتقدم‪ ،‬وذكوان‬
‫بن عبد ُ قيس بن خلدة ‪ -‬وقد أقام ذكوان هذا بمكة حتى‬
‫هاجر إلى المدينة‪ ،‬فيقال‪ :‬إنه مهاجري أنصاري ‪ -‬وعبادة‬
‫بن الصامت بن قيس‪ ،‬وأبو عبد الرحمن يزيد بن ثعلبة‪،‬‬
‫فهؤلء عشرة من الخزرج‪ ،‬واثنان من الوس وهما‪ :‬أبو‬
‫الهيثم مالك بن التيهان‪ ،‬وعويم بن ساعدة‪ .‬فبايعوا‬
‫رسول الله ‪ ‬كبيعة النساء‪ ،‬ولم يكن أمر القتال بعد‪.‬‬
‫فلما انصرفوا إلى المدينة‪ ،‬بعث معهم رسول الله ‪‬‬
‫عمرو بن ُأم مكتوم‪ ،‬ومصعب بن عمير‪ ،‬يعلمان من‬
‫ل‪ ،‬فنزل‬ ‫أسلم منهم القرآن‪ ،‬ويدعوان إلى الله عّز وج ّ‬
‫على أبي ُأمامة أسعد بن زرارة‪ ،‬وكان مصعب بن عمير‬
‫مع بهم يوما ً بأربعين نفسًا‪ ،‬فأسلم على‬ ‫يؤمهم‪ ،‬وقد ج ّ‬
‫يديهما ُأسيد بن حضير‪ ،‬وسعد بن معاذ‪ ،‬وأسلم بإسلمهما‬
‫يومئذ جميع بني عبد الشهل‪ ...‬وكثر السلم بالمدينة‬
‫وظهر‪ ،‬ثم رجع مصعب إلى مكة‪ ،‬ووافى الموسم ذلك‬
‫العام خلق كثير من النصار من المسلمين والمشركين‪،‬‬
‫وزعيم القوم البراء بن معرور‪.‬‬
‫ّ‬
‫فلما كانت ليلة العقبة – الثلث الول منها‪ -‬تسلل إلى‬
‫رسول الله ‪ ‬ثلثة وسبعون رجل ً وامرأتان‪ ،‬فبايعوا‬
‫رسول الله ‪ ‬خفية من قومهم ومن كفار مكة‪ ،‬على أن‬
‫يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم‪ .‬وكان أول من‬

‫‪38‬‬
‫بايعه ليلتئذ البراء بن معرور‪ ،‬وكانت له اليد البيضاء‪ ،‬إذ‬
‫أكد العقد وبادر إليه‪.‬‬
‫كدا ً للبيعة‬‫م رسول الله ‪ ‬موّثقا ً مؤ ّ‬ ‫وحضر العباس ع ّ‬
‫مع أنه كان على دين قومه‪ ،‬واختار رسول الله ‪ ‬منهم‬
‫تلك الليلة اثني عشر نقيبًا‪ ...‬فلما تمت هذه البيعة‬
‫استأذنوا رسول الله ‪ ‬أن يميلوا على أهل العقبة فلم‬
‫يأذن لهم في ذلك‪ ،‬بل أذن للمسلمين بعدها من أهل‬
‫)‪(1‬‬
‫مكة في الهجرة إلى المدينة‪ ،‬فبادر الناس إلى ذلك‪.‬‬
‫ول شك أن أصحاب هاتين البيعتين قد حظوا بسماع‬
‫القرآن الكريم الذي نزل على النبي الحكيم في مكة‬
‫المكرمة‪ ،‬ونالوا قسطا ً من البيان والحكمة والفقه‪،‬‬
‫ليعرفوا مرامي هذا الدين العظيم فيبلغوا أقوامهم‪.‬‬
‫وقد ذكر أهل السير أن النبي ‪ ‬قد قرأ عليهم‬
‫القرآن‪ ،‬وذكروا أيضا ً أن مصعب بن عمير قرأ سورة‬
‫الزخرف على سعد بن معاذ ثم أسلم)‪.(2‬‬
‫ويستنتج من ذلك أن مصعب بن عمير قد سمع هذه‬
‫السورة وفهم معانيها ومراميها‪ ،‬فهي تستهل بإثبات‬
‫صدق الرسالة وصدق هذا القرآن‪ ،‬ودلئل قدرة الله ج ّ‬
‫ل‬
‫وعل ووحدانيته‪ ،‬منبثة في هذا الكون الفسيح‪ ،‬في سمائه‬
‫وأرضه‪ ،‬وفي جباله ووهاده‪ ،‬وفي بحاره وأنهاره‪ ،‬وفي‬
‫الماء الهاطل من السماء‪ ،‬والفلك التي تسير على سطح‬
‫الماء‪ ،‬والنعام التي سخرها؛ لتصحيح النحرافات‬
‫العقدية‪ ،‬ورد ّ النفوس إلى الفطرة وإلى الحقائق‪،‬‬
‫وعرضت السورة لقصة إبراهيم الخليل الذي زعم‬
‫المشركون أنهم على ملته‪ ،‬وأن متاع الدنيا زائل والعاقبة‬
‫للمتقين‪ ،‬وتذكر السورة الكريمة قصة موسى مع‬
‫ما‬‫فرعون‪ ،‬وقد وردت في سياق تسلية الرسول ‪ ‬ع ّ‬
‫يعترض به المعترضون من كبراء قومه على اختياره‬
‫للرسالة‪ ،‬وتتحدث السورة الكريمة عن الشقياء‬

‫‪ -‬ينظر‪ :‬الفصول ص ‪ ،100-96‬وسيرة ابن هشام ‪ ،2/41‬وصحيح‬ ‫‪1‬‬

‫مسلم ‪ ،3/133‬والمستدرك للحاكم ‪.2/624‬‬


‫‪ -‬رواه موسى بن عقبة – صاحب المغازي ‪ -‬عن الزهري )ينظر‬ ‫‪2‬‬

‫السيرة النبوية للذهبي ص ‪.(197-196‬‬

‫‪39‬‬
‫المجرمين‪ ،‬وهم في غمرات جهنم يستغيثون‬
‫ويستصرخون فل يجابون‪ ،‬وتختم السورة الكريمة ببيان‬
‫عظمة الله وجلله‪ ،‬وأنه الخالق الذي ل سلطان ول‬
‫شفاعة لحد إل بإذنه‪ .‬كل هذه المقاصد كانت تطرق‬
‫مسامعهم وتجول في عقولهم‪ ،‬فيزداد اليمان وتقوى‬
‫النفوس والقلوب‪.‬‬
‫ويستفاد من هذه القصة رحمته ‪ ‬بأهل هذه البيعة‬
‫وبأعدائه‪ ،‬فإنه لم يوافق أصحاب البيعة على قتال العداء‬
‫لعلهم يهتدون أو تهتدي ذرياتهم‪ ،‬وكذلك أنه لم يأذن الله‬
‫تعالى بذلك‪.‬‬
‫المبحث الثامن‪ :‬هجرة رسول الله ‪‬‬
‫إن مفارقة الوطن والهل أمر عسير على النفس‬
‫البشرية التي تعودت على نمط الحياة المستقرة‪ ،‬ولكن‬
‫المر الرباني فوق ذلك كله؛ لنه سبحانه وتعالى أعلم‬
‫بالمصالح والنتائج‪ ،‬فقد أمر نبيه ‪ ‬بالهجرة إلى المدينة‬
‫التي كان اسمها )يثرب(‪ ،‬وقد استجاب نبي الحكمة لهذا‬
‫المر الحكيم‪ ،‬واستخدم التمويه إذ اتجه إلى غار جبل ثور‬
‫ل‪ ،‬ثم نزل منه‬‫الذي يقع جنوب مكة المكرمة بعشرين كي ً‬
‫متجها ً إلى المدينة الواقعة شمال مكة المكرمة‪.‬‬
‫وقد أعد ّ أبو بكر ‪ ‬جهازه وجهاز رسول الله ‪،‬‬
‫منتظرا ً حتى يأذن الله عز وجل لرسوله ‪ ‬في الخروج‪.‬‬
‫فلما كانت ليلة هم المشركون بالفتك برسول الله ‪،‬‬
‫وأرصدوا على الباب أقوامًا‪ ،‬إذا خرج عليهم قتلوه‪ ،‬فلما‬
‫خرج عليهم لم يره منهم أحد‪ ...‬فخرجا من خوخة في‬
‫ل‪ ،‬وقد استأجرا عبد الله بن ُأريقط‪ ،‬وكان‬ ‫دار أبي بكر لي ً‬
‫هاديا ً خريتًا‪ ،‬ماهرا ً بالدللة إلى أرض المدينة‪ ،‬وأمناه على‬
‫ذلك مع أنه كان على دين قومه‪ ،‬وسّلما إليه راحلتيهما‪،‬‬
‫وواعداه غار ثور بعد ثلث‪ ،‬فلما حصل في الغار أعمى‬
‫الله على قريش خبرهما‪ ،‬فلم يدروا أين ذهبا‪.‬‬
‫وكان عامر بن فهيرة‪ ،‬يريح عليهما غنما ً لبي بكر‪،‬‬
‫وكانت أسماء بنت أبي بكر تحمل لهما الزاد إلى الغار‪،‬‬
‫وكان عبد الله بن أبي بكر يتسمع ما يقال بمكة ثم يذهب‬

‫‪40‬‬
‫إليهما بذلك فيحترزان منه‪ .‬وجاء المشركون في طلبهما‬
‫إلى ثور‪ ،‬وما هناك من الماكن‪ ،‬حتى إنهم مروا على باب‬
‫مى‬ ‫الغار‪ ،‬وحاذت أقدامهم رسول الله ‪ ‬وصاحبه‪ ،‬وع ّ‬
‫الله عليهم باب الغار‪ ...‬ولما كان بعد الثلث أتى ابن‬
‫ُأريقط بالراحلتين فركباهما‪ ،‬وأردف أبو بكر عامر ابن‬
‫فهيرة وسار ابن ُأريقط أمامهما على راحلته‪.‬‬
‫وجعلت قريش لمن جاء بواحد من محمد ‪ ‬وأبي‬
‫صر بهم‬ ‫بكر ‪ ‬مائة من البل‪ ،‬فلما مّروا بحي مدلج‪ ،‬ب َ ُ‬
‫سراقة بن مالك بن جعشم سيد مدلج‪ ،‬فركب جواده‬
‫وسار في طلبهم‪ ،‬فلما قرب منهم سمع قراءة النبي ‪،‬‬
‫وأبو بكر ‪ ‬يكثر اللتفات حذرا ً على رسول الله ‪ ،‬وهو‬
‫‪ ‬ل يلتفت‪ ،‬فقال أبو بكر‪ :‬يا رسول الله هذا سراقة بن‬
‫مالك قد رهقنا‪ .‬فدعا عليه رسول الله ‪ ‬فساخت يدا‬
‫فرسه في الرض فقال‪ :‬رميت‪ ،‬إن الذي أصابني‬
‫ي أن أرد ّ الناس‬ ‫بدعائكما‪ ،‬فادعوا الله لي‪ ،‬ولكما عل ّ‬
‫عنكما‪ ،‬فدعا له رسول الله ‪ ‬فأطلق‪ ،‬وسأل رسول‬
‫الله ‪ ‬أن يكتب له كتابًا‪ ،‬فكتب له أبو بكر في أدم‪،‬‬
‫ورجع يقول للناس‪ :‬قد كفيتم ما ههنا‪ .‬وقد جاء مسلما ً‬
‫عام حجة الوداع ودفع إلى رسول الله ‪ ‬الكتاب الذي‬
‫كتبه له‪ ،‬فوّفى له رسول الله ‪ ‬بما وعده وهو لذلك‬
‫أهل‪ .‬ومّر رسول الله ‪ ‬في مسيره ذلك بخيمة ُأم معبد‬
‫ل عندها‪ ،‬ورأت من آيات نبوته في الشاة وحلبها لبنا ً‬ ‫قا َ‬
‫ف َ‬
‫)‪(1‬‬
‫مجدبة ما بهر العقول‪.‬‬ ‫ً‬
‫كثيرا في سنة ُ‬
‫ُ‬
‫إن استئجار عبد الله بن أريقط وهو من المشركين‬
‫علم منه ذلك‪ ،‬وهذه‬ ‫يدل على ثقة النبي ‪ ‬بالخر إذا ُ‬
‫من‬ ‫ُ‬
‫هي الحكمة في التعامل مع الخر وتبادل المنافع إذا أ ِ‬
‫جانبه‪.‬‬
‫وفي قصة الهجرة رحمة النبي ‪ ‬بأبي بكر ‪ ‬في‬
‫النبي ‪ ،‬وتذكيره بأن‬ ‫تخفيف همومه‪ ،‬وخوفه على‬
‫الله تعالى معهم وحافظهم‪.‬‬

‫‪ -‬الفصول ص ‪.103-100‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪41‬‬
‫وقد كان بلغ النصار مخرجه من مكة وقصده إياهم‪،‬‬
‫فكانوا كل يوم يخرجون إلى الحّرة ينتظرونه‪ ،‬فلما كان‬
‫يوم الثنين الثاني عشر من ربيع الول على رأس ثلث‬
‫عشرة سنة من نبوته ‪ ‬وافاهم رسول الله ‪ ‬حين‬
‫اشتد الضحى‪ ،‬وكان قد خرج النصار يومئذ‪ ،‬فلما طال‬
‫صر به رجل من‬ ‫عليهم رجعوا إلى بيوتهم‪ ،‬وكان أول من ب َ ُ‬
‫‪ -‬وكان على سطح أطمة‪ -‬فنادى بأعلى صوته‪:‬‬ ‫اليهود‬
‫يا بني قيلة هذا جدكم الذي تنتظرون! فخرج النصار في‬
‫سلحهم وحيوه بتحية النبوة‪.‬‬
‫ونزل رسول الله ‪ ‬بقباء على كلثوم بن الهدم‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬بل على سعد بن خيثمة‪ ،‬وجاء المسلمون يسلمون‬
‫على رسول الله ‪ ،‬وأكثرهم لم يره بعد‪ ،‬وكان بعضهم‬
‫أو أكثرهم يظنه أبا بكر لكثرة شيبه‪ ،‬فلما اشتد الحر قام‬
‫أبو بكر بثوب يظلل على رسول الله ‪ ‬فتحقق الناس‬
‫)‪(1‬‬
‫حينئذ رسول الله الصلة والسلم‪.‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬العهد المدني‬


‫استغرق هذا العهد عشر سنوات حافلة بالوقائع‬
‫والحوادث والمعاهدات والرحمات حتى في الفتوحات‪،‬‬
‫وتميز هذا العهد بإتمام التنزيل‪ ،‬وإكمال الشريعة مما‬
‫أعطى قوة لدولة السلم في نظام الحكم والقتصاد‬
‫والجتماع والتربية‪ ،‬ولذلك كان المنهاج النبوي في غاية‬
‫الضبط والتقان في تعامله مع المسلمين وغير المسلمين‪،‬‬
‫ورحمته الشاملة للجميع على الرغم من اختلف العقيدة‬
‫والديان‪ ،‬فقد كان في المدينة يهود بني النضير وبني‬
‫قريظة وبني قينقاع‪ ،‬والعراب من غير المسلمين إضافة‬
‫إلى طائفة من المنافقين أظهروا السلم خوفا ً على‬
‫أنفسهم‪ ،‬وكانت مكائدهم تترى‪ ،‬ومع ذلك فكانوا يحظون‬
‫برحمة وحكمة النبي ‪ ‬هم وغيرهم في السراء والضراء‪،‬‬
‫وفي السلم والحرب‪ ،‬أما في السلم فهو كما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬ينظر‪ :‬الفصول ص ‪ ،104-103‬ومختصر سيرة الرسول ‪‬‬ ‫‪1‬‬

‫ص ‪.97-96‬‬

‫‪42‬‬
‫ل‪ :‬رحمته في وضع معاهدة لكل سكان المدينة‬ ‫أو ً‬
‫بمختلف مللهم تضمن حقوق الجميع‪ ،‬وتمنع العتداء بين‬
‫هذه الملل‪ ،‬بل وتمنع الظلم فيما بين الملة الواحدة كما‬
‫سيأتي تفصيله في الباب الثاني في رحمته في حل‬
‫المشكلت‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬حكمته في موافقته لهل الكتاب‪:‬‬
‫بما أن أهل الكتاب هم من أرباب الديان السماوية‬
‫ح أن النبي ‪ ‬كان يحب موافقتهم في كثير من‬ ‫فقد ص ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫المور إل فيما لم يؤمر فيه بشيء‪.‬‬
‫كذلك كان متواضعا ً للنبياء ومتوافقا معهم‪ ،‬فقد ص ّ‬
‫ح‬ ‫ً‬
‫عنه أنه قال‪" :‬مثلي ومثل النبياء كرجل بنى دارا ً فأكملها‬
‫وأحسنها إل موضع لبنة‪ ،‬فجعل الناس يدخلونها ويتعجبون‬
‫)‪(2‬‬
‫ويقولون‪ :‬لول موضع اللبنة"‪.‬‬
‫في هذا الحديث ذكر جهود النبياء في الدعوة‪ ،‬وصلته‬
‫بهم وسيره على عقيدتهم‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬رحمته في التخفيف عن فقراء أهل الذمة‪:‬‬
‫وقد عقد المام ابن قيم الجوزية فصل ً بعنوان )ذكر‬
‫أحكام أهل الذمة في أموالهم( ثم قال‪ :‬أما أموالهم التي‬
‫يتجرون بها في المقام أو يتخذونها للقنية فليس عليهم‬
‫فيها صدقة فإن الصدقة طهرة‪ ...‬وأما زروعهم وثمارهم‬
‫التي يستغلونها من أرض الخراج فليس عليهم فيها غير‬
‫)‪(3‬‬
‫الخراج‪.‬‬
‫وأما بالنسبة للجزية فقد سقطت عن ضعفائهم‬
‫وغيرهم من الذين ذكرهم المام أبو يوسف في كتابه‬
‫إلى أمير المؤمنين هارون الرشيد إذ قال‪:‬‬
‫ول تؤخذ الجزية من المسكين الذي يتصدق عليه‪ ،‬ول‬
‫ي يتصدق عليه‬ ‫من أعمى ل حرفة له ول عمل‪ ،‬ول من ذم ّ‬
‫من إذا كان لهما يسار أخذ‬ ‫ول من مقعد‪ .‬والمقعد والز ِ‬
‫منهما وكذلك العمى‪.‬‬
‫‪ -2 1‬أخرجه البخاري بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما‬
‫) الصحيح –المناقب‪ -‬باب صفة النبي ‪ ‬ح ‪.(3558‬‬
‫‪ -1 2‬المصدر السابق ‪ -‬باب خاتم النبيين ح ‪. 3534‬‬
‫‪ - 23‬أحكام أهل الذمة ‪.1/108‬‬

‫‪43‬‬
‫وكذلك المترهبون الذين في الديارات إذا كان لهم‬
‫يسار ُأخذ منهم‪ ،‬وإن كانوا إنما هم مساكين يتصدق‬
‫عليهم أهل اليسار منهم لم يؤخذ منهم‪ ،‬وكذلك أهل‬
‫الصوامع إن كان لهم غني ويسار‪ ،‬وإن كانوا قد صيروا ما‬
‫كان لهم لمن ينفقه على الديارات ومن فيها من‬
‫المترهبين والقوام ُأخذت الجزية منهم يؤخذ بها صاحب‬
‫الدير‪ ،‬فإن أنكر صاحب الدير الذي ذلك الشيء في يده‪،‬‬
‫وحلف على ذلك بالله وبما يحلف به مثله من أهل دينه‬
‫)‪(1‬‬
‫ما في يده شيء من ذلك ترك ولم ُيؤخذ منه شيء‪.‬‬
‫وفي اعتماد المسلمين هذا الحلف من أهل الذمة‬
‫تتجلى الثقة فيهم وحسن الظن بهم‪.‬‬

‫رابعًا‪ :‬العفو والسماحة‪:‬‬


‫لقد ضربت سماحة النبي ورحمته ‪ ‬القدح المعلى‬
‫والقدوة المثلى حتى فيمن قام بسحره فقد قام لبيد بن‬
‫العصم اليهودي بسحر النبي ‪ ‬وإذا برعاية الله تعالى‬
‫لنبيه تكشف هذا المخطط الخبيث وتبطله وتخلصه من‬
‫هذا الشر‪.‬‬
‫أخرج البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها‬
‫ل من بني ُزريق يقال له‬ ‫ل الله ‪ ‬رج ٌ‬‫سحر رسو َ‬ ‫قالت‪َ :‬‬
‫َلبيد بن العصم‪ ،‬حتى كان رسول الله ‪ ‬يخيل إليه أنه‬
‫كان يفعل الشيء وما فعله‪ .‬حتى إذا كان ذات يوم ‪-‬أو‬
‫ذات ليلة‪ -‬وهو عندي‪ ،‬لكنه دعا ودعا ثم قال‪ :‬يا عائشة‪،‬‬
‫أشعرت أن الله أفتاني فيما استفيته فيه؟ أتاني رجلن‪،‬‬
‫فقعد أحدهما عند رأسي‪ ،‬والخر عند رجلي‪ ،‬فقال‬
‫أحدهما لصاحبه‪ :‬ما وجع الرجل؟ فقال‪ :‬مطبوب‪ .‬قال‪:‬‬
‫)‪(2‬‬
‫من طّبه؟ قال‪َ :‬لبيد بن العصم‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬زيارة أهل الكتاب‪:‬‬

‫‪ - 31‬كتاب الخراج ص )‪.(122‬‬


‫‪ -1 2‬الصحيح‪ ،‬ب السحر وقول الله تعالى ﴿ ولكن الشياطين‬
‫كفروا يعلمون الناس السحر‪ ﴾...‬الية‪ .‬الطب ‪ 10/221‬رقم‬
‫‪.5763‬‬

‫‪44‬‬
‫ومن لطفه فإنه كان يزور كنيسة اليهود يوم عيدهم‬
‫ح عن عوف بن مالك‬ ‫ومعه بعض أصحابه ‪ ،‬فقد ص ّ‬
‫الشجعي‪ ،‬قال‪ :‬انطلق النبي ‪ ‬وأنا معه حتى دخلنا‬
‫)‪(1‬‬
‫كنيسة اليهود بالمدينة يوم عيدهم‪.‬‬
‫وفي هذا الحديث تطبيق عملي لبيان جواز مثل هذه‬
‫الزيارة لجل الدعوة إلى الله تعالى‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬رحمته في موتى أهل الكتاب‪:‬‬
‫مما تقدم تبين منهاجه ‪ ‬ورحمته ورفقه مع اليهود‪،‬‬
‫ولم يقتصر على ذلك بل حتى بعد موت اليهود‪ ،‬ولقد‬
‫تركت هذه السنة آثارها في الصحابة في احترام اليهود‬
‫في موتهم أيضًا‪.‬‬
‫فقد ثبت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال‪ :‬كان‬
‫سهل بن حنيف وقيس بن سعد قاعدين فمّروا عليهما‬
‫بجنازة فقاما‪ ،‬فقيل لهما‪ :‬إنهما من أهل الرض ‪ -‬أي من‬
‫أهل الذمة ‪ -‬فقال‪ :‬إن النبي ‪ ‬مرت به جنازة فقام‪.‬‬
‫فقيل له‪ :‬إنها جنازة يهودي‪ .‬فقال‪" :‬أليست نفسًا؟"‪.‬‬
‫ح عن جابر عبد الله ‪ ‬قال‪ :‬مر بنا جنازة فقام لها‬ ‫وص ّ‬
‫النبي ‪ ‬وقمنا فقلنا‪ :‬يا رسول إنها جنازة يهودي فقال‪:‬‬
‫)‪(2‬‬
‫"إذا رأيتم الجنازة فقوموا"‪.‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر‪ :‬واستدل بحديث الباب على‬
‫جواز إخراج جنائز أهل الذمة نهارا ً غير متميزة عن جنائز‬
‫)‪(3‬‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫ول غرابة إنه دين السلم الذي يحترم النفس في‬
‫حياتها وموتها ول يفرق في حق المسلمين ول في حق‬
‫أهل الكتاب‪.‬‬

‫‪ -2 1‬أخرجه ابن حبان )الحسان ‪ 120-16/118‬ح ‪ (7162‬قال‬


‫محققه‪ :‬إسناده صحيح‪ ،‬وأخرجه الحاكم في )المستدرك‬
‫‪ .(416-3/415‬وقال‪ :‬صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه‪.‬‬
‫ووافقه الذهبي‪ ،‬وأخرجه أحمد في )المسند ‪ (6/25‬والطبراني‬
‫في )المعجم الكبير ‪ 47-18/46‬ح ‪ (83‬وقال الهيثمي‪ :‬ورجاله‬
‫رجال الصحيح )المجمع ‪.(7/106‬‬
‫‪ -12‬صحيح البخاري ‪ -‬كتاب الجنائز ‪ -‬باب من قام لجنازة يهودي‪ ،‬ح‬
‫‪1311‬و ‪.1312‬‬
‫‪ -23‬فتح الباري ‪.3/181‬‬

‫‪45‬‬
‫هكذا أرسى النبي ‪ ‬مثل هذه الدعائم في رحمته‬
‫بأهل الكتاب حتى عند الممات حتى ل يظن بعضهم أن‬
‫المصالح والعلقات الشخصية تقتضي حسن التعامل مع‬
‫الحياء منهم بل كان المر فوق ذلك إذ أحسن التعامل‬
‫مع الموات منهم أيضًا‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬رحمته في تعامله مع القليات‪:‬‬
‫لقد أبرم معاهدات مع وفد نجران‪ ،‬ومع مجوس هجر‬
‫وتبالة وجرش)‪ ،(1‬ومع بعض القبائل العربية كما سيأتي‬
‫في العهد المدني‪ ،‬وقد حدد حقوق الجوار لكل طرف‪.‬‬
‫قال المستشرق الفرنسي مارسيل بوازار‪ :‬حاول‬
‫السلم منذ القرن السابع للميلد أن يقدم حل ً لمشكلة‬
‫القليات فريدا ً من نوعه‪ .‬وتستحق جماعة غير المسلمين‬
‫على أرض السلم أن ُتتناول بالتحليل‪ ,‬لنه ثبت أنها نهج‬
‫)‪(2‬‬
‫ل مثيل له‪.‬‬
‫قال المستشرق المريكي أدوين كالغرلي‪ :‬احتفظ‬
‫المسلمون للقليات غير المسلمة في البلد التي فتحوها‬
‫)‪(3‬‬
‫بحقوقهم وامتيازاتهم الدينية‪.‬‬
‫ثامنًا‪ :‬أمره بالتيسير‪ :‬وذلك عندما أرسل أبا‬
‫موسى الشعري ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما‬
‫وأوصاهما بقوله الحكيم‪" :‬يسروا ول تعسروا وبشروا ول‬
‫تنفروا")‪.(4‬‬
‫هذا في حالة السلم‪ ،‬أما في حالة الحرب فإن رحمته‬
‫‪ ‬تتجلى في كثير من المور منها ما يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬النهي عن قتل النساء والصبيان في‬ ‫أو ً‬
‫الغزو‪:‬‬
‫لقد حرم الله تعالى العتداء حتى في الحرب فقال‬
‫تعالى ﴿وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ول‬
‫تعتدوا‪] ﴾...‬البقرة‪ [190/‬واستجاب النبي ‪ ‬لهذا المر‪،‬‬

‫‪ -31‬ينظر فتوح البلدان‪ ،‬ص ‪71‬و ‪76‬و ‪.95‬‬


‫‪ -42‬إنسانية السلم ص ‪.187‬‬
‫‪ -53‬الشرق الدنى‪ :‬مجتمعه وثقافته ص ‪.164‬‬
‫‪ -1 4‬صحيح البخاري ‪ - 1/38‬كتاب العلم ‪ -‬باب ما كان النبي ‪‬‬
‫يتخولهم بالموعظة والعلم ‪ ،‬ح ‪.69‬‬

‫‪46‬‬
‫وبين تحريم قتل النساء والصبيان‪ ،‬حيث ثبت عن ابن‬
‫عمر رضي الله عنهما قال‪" :‬وجدت امرأة مقتولة في‬
‫بعض مغازي رسول الله ‪ ،‬فنهى رسول الله ‪ ‬عن‬
‫)‪(1‬‬
‫قتل النساء والصبيان"‪.‬‬
‫قال النووي‪ :‬أجمع العلماء على العمل بهذا الحديث‬
‫وتحريم قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا‪ ،‬فإن قاتلوا‬
‫)‪(2‬‬
‫قال جماهير العلماء يقتلون‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬تحريم التمثيل بالمقتولين المحاربين‪:‬‬
‫ومن آداب السلم وحقوق النسان في الحرب‬
‫تحريم التمثيل بمن سقط قتيل ً أو جريحا ً على يد‬
‫ح عن‬ ‫المسلمين‪ ،‬حيث نهى النبي ‪ ‬عن ذلك كما ص ّ‬
‫بريدة مرفوعًا‪" :‬اغزوا باسم الله في سبيل الله قاتلوا‬
‫من كفر بالله‪ ،‬اغزوا ول تغّلوا ول تغدروا ول تمثلوا ول‬
‫ً )‪(3‬‬
‫تقتلوا وليدا"‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬الترهيب من التعذيب‪:‬‬
‫وثبت عن هشام بن حكيم بن حزام قال‪ :‬مّر بالشام‬
‫ب على رؤوسهم‬ ‫على أناس وقد أقيموا في الشمس وص ّ‬
‫الزيت‪ ،‬فقال‪ :‬ما هذا؟ قيل‪ :‬يعذبون في الخراج‪ .‬فقال‪:‬‬
‫أما إني سمعت رسول الله ‪ ‬يقول‪" :‬إن الله يعذب‬
‫)‪(4‬‬
‫الذين يعذبون في الدنيا"‪.‬‬
‫والخراج‪ :‬قال الزهري‪ :‬الخراج اسم لما يخرج من‬
‫الفرائض في الموال‪ ...‬ويقع على الفيء ويقع على‬
‫)‪(5‬‬
‫الجزية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪) -2‬الصحيح ‪ 6/148‬ح ‪ - 3015‬ك الجهاد‪ ،‬ب قتل النساء في‬
‫الحرب(‪ .‬وأخرجه مسلم )الصحيح ‪ 3/1364‬ح ‪ - 1744‬ك‬
‫الجهاد‪ ،‬ب تحريم قتل النساء والصبيان(‪.‬‬
‫‪ -32‬شرح النووي على صحيح مسلم ‪.12/48‬‬
‫‪ -43‬صحيح مسلم – كتاب الجهاد‪ ،‬ب ‪ 2‬ح ‪.1731‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -5‬صحيح مسلم ‪ -‬كتاب البر ‪ -‬باب الوعيد الشديد لمن عذب‬
‫الناس بغير حق ‪ 4/2017‬ح ‪.2613‬‬
‫‪ -15‬تهذيب اللغة ‪.7/47‬‬

‫‪47‬‬
‫قال النووي‪ :‬هذا محمول على التعذيب بغير حق‪ ،‬فل‬
‫يدخل فيه التعذيب بحق كالقصاص والحدود والتعزير‬
‫)‪(1‬‬
‫ونحو ذلك‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬أمان السير إذا أسلم‪:‬‬
‫قال المام الجصاص‪ :‬اتفق فقهاء المصار على جواز‬
‫قتل السير ل نعلم بينهم خلفا ً فيه)‪ ،(2‬وذكر الجماع ابن‬
‫حزم)‪ ،(3‬وابن رشد )‪ .(4‬ولكن يستثنى من هذا الحكم إذا‬
‫أسلم السير فإنه يحرم قتله‪ ،‬فقد ثبت عن النبي ‪ ‬أنه‬
‫ت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ل إله إل‬ ‫قال‪" :‬أمر ُ‬
‫الله ويؤمنوا بي وبما جئت به‪ ،‬فإذا فعلوا ذلك عصموا‬
‫مني دماءهم وأموالهم إل بحقها وحسابهم على الله" ‪.‬‬
‫)‪(5‬‬

‫وكذلك في حال عقد المان للسير فإنه ل خلف بين‬


‫)‪(6‬‬
‫المسلمين أن المان للسير يعصم دمه‪.‬‬
‫وقد جاءت السنة النبوية في تطبيق المان للسرى‬
‫ومنها كما حصل في غزوة بدر فقد كان المان‪ ،‬وقبول‬
‫الفداء للعباس وأبي العاص زوج زينب رضي الله عنها‬
‫بنت رسول الله ‪ ،‬وكذلك كان المان لنوفل بن‬
‫عتبة بن‬ ‫الحارث بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب و ُ‬
‫عمرو بن جحدم‪.‬‬
‫وثبت عن عائشة قالت‪ :‬لما جاءت أهل مكة في فداء‬
‫أساراهم‪ ،‬بعثت زينب بنت رسول الله ‪ ‬في فداء أبي‬
‫العاص‪ ،‬وبعثت فيه بقلدة كانت خديجة أدخلتها بها على‬
‫أبي العاص حين بني عليها‪ ،‬فلما رآها رسول الله ‪َ ‬ر ّ‬
‫ق‬
‫لها رقة شديدة وقال‪" :‬إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها‬

‫شرح النووي على صحيح مسلم ‪.16/167‬‬ ‫‪-21‬‬


‫أحكام القرآن ‪.3/391‬‬ ‫‪-32‬‬
‫مراتب الجماع ص ‪.120‬‬ ‫‪-43‬‬
‫بداية المجتهد ‪.1/382‬‬ ‫‪-54‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -6‬رواه الشيخان‪ ،‬صحيح البخاري ‪ -‬كتاب اليمان ‪ -‬باب ﴿فإن‬
‫تابوا وأقاموا الصلة﴾ ‪1/17‬ح ‪ ،25‬وصحيح مسلم ‪ -‬كتاب‬
‫اليمان ‪ -‬باب المر باليمان بالله تعالى ورسوله ‪  1/52‬ح‬
‫‪.21‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ -7‬انظر اختلف الفقهاء ص ‪ ،43-42‬وبداية المجتهد ‪.1/382‬‬

‫‪48‬‬
‫وترّدوا عليها الذي لها فافعلوا" قالوا‪ :‬نعم يا رسول الله‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫ورّدوا عليه الذي لها‪.‬‬
‫وفي هذا الحديث الكريم التطبيق العملي لحق فداء‬
‫السير والتلطف مع السرى الذي يبين حكما ً شرعيا ً في‬
‫جواز أخذ الفداء لطلق سراح السرى‪ ،‬وفيه أيضا ً أنه ل‬
‫محسوبية ول منسوبية في السياسة النبوية مع المحاربين‬
‫حتى لو كانوا من القربين كما رأينا في فداء زوج ابنة‬
‫رسول الله ‪ ‬زينب رضي الله عنها‪ ،‬وذلك بعد ما دفعت‬
‫م‬
‫الحق المطلوب منها‪ ،‬وكذلك الحال للسرى من أبناء ع ّ‬
‫النبي ‪ ‬فكان التعامل يتم بالسواسية‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬حق السير والحربي في حرز ماله‬
‫إذا أسلم‪:‬‬
‫عيلة أن قوما‬ ‫ح عن صخر بن َ‬ ‫وثبت هذا الحق فيما ص ّ‬
‫من بني سليم فّروا عن أرضهم حين جاء السلم‬
‫فأخذُتها‪ ،‬فأسلموا فخاصموني فيها إلى النبي ‪ ،‬فرّدها‬
‫)‪(2‬‬
‫عليهم وقال‪ :‬إذا أسلم الرجل فهو أحق بأرضه وماله‪.‬‬
‫وقد ذهب الجمهور إلى أن الحربي إذا أسلم طوعا‬
‫كانت جميع أمواله في ملكه‪ ،‬ول فرق بين أن يكون‬
‫إسلمه في دار السلم أو دار الكفر على ظاهر الدليل‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬أمان الرسل‪:‬‬
‫ن النبي ‪ ‬هذا الحق ومضت هذه السنة إلى يومنا‬ ‫س ّ‬
‫هذا‪ ،‬كما هو معروف في العلقات الدولية‪ ،‬وهذا القرار‬
‫ح عن‬‫الحكيم هو تمهيد إلى الصلح والمفاوضات‪ ،‬وص ّ‬
‫‪1‬‬
‫‪ -1‬أخرجه الحاكم في )المستدرك ‪ - 3/324‬ك معرفة الصحابة(‬
‫وقال‪ :‬صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه‪ ،‬ووافقه الذهبي‪ .‬وله‬
‫شاهد نختصر بنحوه‪ ،‬وأخرجه الطبراني )المعجم الكبير ‪ 11/171‬ح‬
‫‪ .(11398‬وعزاه الهيثمي للطبراني في الوسط والكبير وقال‪:‬‬
‫رجال الوسط رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع‬
‫)مجمع الزوائد ‪ ،(7/28‬وأخرجه الطبري بسنده الحسن من طريق‬
‫علي بن أبي طلحة عن ابن عباس‪ .‬وأصل الحديث في )سنن أبي‬
‫داود ح ‪ -2692‬ك الجهاد‪ ،‬ب فداء السير بالمال‪ ،‬وحسنه اللباني‬
‫في )صحيح أبي داود ح ‪.(2341‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -2‬أخرجه المام أحمد في المسند ‪ 31/70‬ح ‪ 18778‬وكما‬
‫تقدم عن الحافظ ابن حجر أن رجاله موثقون ويشهد له ما‬
‫تقدم في شرح الحديث أن النبي ‪ ‬أقر عقيل ً على تصرفه‬
‫فيما كان لخويه علي وجعفر‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫ُنعيم بن مسعود الشجعي قال‪ :‬جاء ابن النواحة وابن‬
‫أثال رسول مسيلمة إلى النبي ‪ ‬فقال لهما‪ :‬أتشهدن‬
‫أني رسول الله؟ قال‪ :‬نشهد أن مسيلمة رسول الله‬
‫فقال رسول الله ‪ :‬آمنت بالله ورسوله لو كنت قاتل ً‬
‫رسول ً لقتلتكما‪.‬‬
‫سّنة‬ ‫رواه المام أحمد وقال ابنه عبد الله‪ :‬فمضت ال ُ‬
‫)‪(1‬‬
‫أن الرسل ل تقتل‪.‬‬
‫وهذا الحديث صريح في تحريم قتل الرسل حتى لو‬
‫أعلنوا الكفر جهارا ً نهارًا‪ .‬وفي ذلك قمة السماحة‬
‫والمرونة السياسية في السلم‪ ،‬لن هذا الرسول الذي‬
‫أعلن كفره هو وسيط لبرام معاهدات وعقد صلح وغير‬
‫ذلك‪ .‬وهذه السنة النبوية الفعلية للعلقات الدولية جاءت‬
‫لتطبيق هذا الحق الذي ل زال قائما في العراف‬
‫الدولية‪ .‬إنها دراسة السياسة‪ .‬هكذا كانت رحمة نبي‬
‫الحكمة ‪.‬‬
‫قال الستاذ الهندي بيجي رودريك‪ :‬قوانين الحرب في‬
‫السلم تعتبر أكثر القوانين إنسانية ورأفة‪ ،‬فهي تضمن‬
‫السلمة التامة للنساء والولدان والشيوخ وجميع غير‬
‫المحاربين فليس هناك في نظر السلم أبشع من جريمة‬
‫قصف المستشفيات والمدارس وأماكن العبادة ومساكن‬
‫المدنيين في المنطقة المعادية‪ .‬وإنما يجعل السلم لهذه‬
‫)‪(2‬‬
‫المرافق النسانية قدسيتها ويحذر من المساس بها‪.‬‬
‫هذا وإن كثيرا ً من الغزوات لم يقع فيها قتال‪ ،‬وإنما‬
‫ح عن ُبريدة السلمي ‪ ‬قال‪ :‬غزا‬ ‫كان صلحًا‪ ،‬فقد ص ّ‬
‫)‪(3‬‬
‫رسول الله ‪ ‬تسع عشرة غزوة قاتل في ثمان منهن‪.‬‬
‫ن كما قال موسى بن عقبة‪ :‬بدر ثم أحد ثم الحزاب‬ ‫وه ّ‬
‫حنين ثم الطائف‪ .‬ذكره‬ ‫ثم المصطلق ثم خيبر ثم مكة ثم ُ‬
‫الحافظ ابن حجر ثم قال‪ :‬وأهمل غزوة بني قريظة لنه‬

‫‪ -1 1‬المسند ‪ 1/396‬وأخرجه أبو داود في سننه ‪ -‬كتاب الجهاد ‪-‬‬


‫باب في الرسل ح ‪ ،2399‬وصححه اللباني في صحيح سنن‬
‫أبي داود ح ‪.2761‬‬
‫‪ -22‬انظر قالوا عن السلم ص ‪.288‬‬
‫‪ -‬أخرجه مسلم )الصحيح – كتاب الجهاد والسير ‪ ،3/448‬حديث‬ ‫‪3‬‬

‫رقم ‪.(146‬‬

‫‪50‬‬
‫مها إلى الحزاب‪ ،‬لكونها كانت في إثرها‪ (1) .‬وهذا العدد‬ ‫ض ّ‬
‫)‪(4‬‬ ‫)‪(3‬‬ ‫)‪(2‬‬ ‫ً‬
‫ذكره أيضا ابن إسحاق ‪ ،‬وابن سعد ‪ ،‬وابن حزم ‪.‬‬
‫ولكي نقف على المنهاج النبوي الحكيم الرحيم في‬
‫العهد المدني نستعرض أهم أعمال وحوادث كل سنة كما‬
‫في المباحث التالية‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬أهم أعمال وحوادث السنة‬
‫الولى للهجرة‬
‫لما أقام رسول الله ‪ ‬بقباء أياما ً وأسس مسجد‬
‫قباء‪ ،‬ثم ركب بأمر الله تعالى فأدركته الجمعة في بني‬
‫سالم بن عوف فصلها في المسجد الذي في بطن‬
‫رانونا)‪ ،(5‬ورغب إليه أهل تلك الدار أن ينـزل عليهم‪،‬‬
‫فقال‪":‬دعوها فإنها مأمورة" فلم تزل ناقته سائرة به ل‬
‫تمّر بدار من دور النصار إل رغبوا إليه في النزول عليهم‪،‬‬
‫فيقول‪" :‬دعوها فإنها مأمورة"‪ .‬فلما جاءت موضع‬
‫مسجده اليوم بركت‪ ،‬ولم ينزل عنها ‪ ‬حتى نهضت‬
‫وسارت قليل ً ثم التفتت ورجعت فبركت موضعها الول‪،‬‬
‫فنـزل عنها ‪ ،‬وذلك في دار بني النجار‪ ،‬فحمل أبو‬
‫أيوب ‪ ‬رحل رسول الله ‪ ‬إلى منـزله‪.‬‬
‫واشترى رسول الله ‪ ‬موضع المسجد‪ ،‬وكان مربدا ً‬
‫ليتيمين‪ ،‬وبناه مسجدًا‪ ،‬فهو مسجده الن‪ ،‬وبني لل‬
‫رسول الله ‪ ‬الودائع التي كانت عنده وغير ذلك‪ ،‬ثم‬
‫)‪(6‬‬
‫لحق برسول الله ‪.‬‬
‫من بالمدينة من اليهود‪ ،‬وكتب‬‫ووادع رسول الله ‪َ ‬‬
‫بذلك كتابا ً)‪ ،(7‬وأسلم حبرهم عبد الله بن سلم ‪ ،‬وكانوا‬
‫ثلث قبائل‪ :‬بنو قينقاع‪ ،‬وبنو النضير‪ ،‬وبنو قريظة‪ .‬وآخى‬
‫‪ -‬فتح الباري ‪.7/281‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬سيرة ابن هشام ‪.2/609‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬الطبقات الكبرى ‪.2/6‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬جوامع السيرة ص ‪.15‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪5‬‬
‫‪ -‬هو الوادي الذي بجوار مسجد الجمعة‪ ،‬الواقع بالقرب من‬
‫مسجد قباء )ينظر معجم البلدان ‪.(3/19‬‬
‫‪ -‬ينظر الفصول ص ‪.105-104‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪ -‬وأما الكتاب الذي ذكره الحافظ ابن كثير فهو المعاهدة‬ ‫‪7‬‬

‫المشهورة‪ ،‬وسيأتي ذكرها في الباب الثاني‪. .‬‬

‫‪51‬‬
‫رسول الله ‪ ‬بين المهاجرين والنصار‪ ،‬فكانوا يتوارثون‬
‫بهذا الخاء في ابتداء السلم إرثا ً مقدما ً على القرابة‪.‬‬
‫وفرض الله سبحانه وتعالى إذ ذاك الزكاة رفقا ً‬
‫)‪(1‬‬
‫بفقراء المهاجرين‪.‬‬
‫وفيها بنى بعائشة رضي الله عنها‪ ،‬وهي الزوجة‬
‫الثالثة بعد سودة رضي الله عنها‪.‬‬
‫وأمر فيها بالذان للصلة‪ ،‬وِزيد في صلة الحضر‬
‫صفة المسجد‪،‬‬ ‫ركعتين‪ ،‬فصارت أربع ركعات‪ ،‬ونزل أهل ال ّ‬
‫وكانت مكانا ً في المسجد ينـزل فيه فقراء المهاجرين‬
‫الذين ل أهل لهم ول ومال)‪ .(2‬وفيها أرسل ‪ ‬سرية‬
‫حمزة بن عبد المطلب‪ ،‬وسرية عبيدة بن الحارث بن‬
‫)‪(3‬‬
‫عبدالملك‪.‬‬
‫دم‬‫وتتجلى رحمته ‪ ‬في مراعاة مستقبليه فلم ُيق ّ‬
‫ل قد جعل‬ ‫أحدا ً على آخر‪ ،‬وإنما أخبرهم أن الله عّز وج ّ‬
‫الناقة تبرك حيث ُأمرت‪.‬‬
‫صفة فقد كان يتفقدهم‬ ‫وكذلك عنايته ورعايته بأهل ال ّ‬
‫في طعامهم وكسائهم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حجرات قريبا جدا حتى أن الغلم‬ ‫وقد كان سقف ال ُ‬
‫ح عن الحسن البصري‬ ‫يصل إليه إذا مد ّ يده إليه‪ ،‬وص ّ‬
‫ت أدخل بيوت أزواج النبي ‪ ‬في خلفة عثمان‬ ‫قال‪ :‬كن ُ‬
‫)‪(4‬‬
‫بن عفان ‪ ‬فأتناول سقفها بيدي‪.‬‬
‫حجرات‬ ‫وقد وصف لنا التابعي داود بن قيس تلك ال ُ‬
‫المتواضعة فقال‪ :‬رأيت الحجرات من جريد النحل‪،‬‬
‫مغشي من خارج بمسوح الشعر‪ ،‬وأظن عرض البيت من‬
‫باب الحجرة إلى باب البيت نحوا ً من ست أو سبع أذرع‪،‬‬
‫وأحزر البيت الداخل عشر أذرع‪ ،‬وأظن سمكه بين‬
‫الثمان والسبع نحو ذلك‪ ،‬ووقفت عند باب عائشة فإذا هو‬
‫‪ -‬ينظر‪ :‬الفصول ص ‪ ،106-105‬ومختصر سيرة الرسول ‪‬‬ ‫‪1‬‬

‫ص ‪.100‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬وموضع جلوسهم ل زال معروفا يقع شمال الحجرات‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫‪ -‬ينظر‪ :‬تلقيح فهوم أهل الثر ص ‪ ،44-43‬والبداية والنهاية‬
‫‪ ،234-3/209‬ومختصر سيرة الرسول ‪. 100-101‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬أخرجه البخاري في الدب المفرد ح ‪ ،450‬وصححه اللباني‬
‫في صحيح الدب المفرد ح ‪.351‬‬

‫‪52‬‬
‫حجرات المتواضعة موعظة‬
‫مستقبل المغرب‪ (1).‬هذه ال ُ‬
‫هدمت الحجرات‪.‬‬
‫للبشرية‪ ،‬لقد بكى بعض التابعين حين ُ‬
‫المبحث الثاني‪ :‬أهم أعمال وحوادث السنة‬
‫الثانية‬
‫ولما استقر رسول الله ‪ ‬في المدينة وأيده الله‬
‫بنصره وبالمؤمنين‪ ،‬وأّلف بين قلوبهم بعد العداوة‪،‬‬
‫ومنعته أنصار الله من الحمر والسود‪ :‬رمتهم العرب‬
‫واليهود عن قوس واحد‪ ،‬وشمروا لهم عن ساق العداوة‬
‫والمحاربة‪ ،‬والله يأمر رسوله والمؤمنين بالكف والعفو‬
‫والصفح‪ ،‬حتى قويت الشوكة‪ ،‬فحينئذ أذن لهم في‬
‫القتال‪ ،‬ولم يفرضه عليهم‪ ،‬فقال تعالى ﴿ُأذن للذين‬
‫يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير﴾ ]الحج‪/‬‬
‫)‪(2‬‬
‫‪ [39‬وهي أول آية نزلت في القتال‪.‬‬
‫وفيها تحويل القبلة‪ ،‬في شهر رجب‪ ،‬وقيل‪ :‬شعبان‪.‬‬
‫وفرض شهر رمضان‪ ،‬في شهر شعبان‪ .‬وقدوم زينب من‬
‫مكة‪ ،‬في شهر شوال‪ .‬وفيها فرضت الزكاة وزكاة‬
‫الفطر‪ .‬وزّوج رسول الله ‪ ‬عليا ً فاطمة رضي الله عنها‪.‬‬
‫وأظهر السلم طائفة كثيرة من المشركين واليهود وهم‬
‫)‪(3‬‬
‫في الباطن منافقون‪.‬‬
‫ومن رحمته ‪ ‬لم يفضح أمر المنافقين وستر عليهم‪،‬‬
‫ولم يعاقبهم وقد عّرفه الله تعالى عليهم ليحذرهم‪ ،‬فكان‬
‫تعامله معهم في غاية الحكمة والرحمة‪.‬‬
‫وفيها غزا بني سليم بالكدر)‪ ،(4‬وأقام ثلثة أيام فيها‪،‬‬
‫أفدى فيها معظم أسارى قريش‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬أخرجه البخاري في الدب المفرد ح ‪ ،451‬وصححه اللباني‬
‫في صحيح الدب المفرد ح ‪.352‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬ينظر مختصر سيرة الرسول ‪ ،‬ص ‪.103‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬ينظر‪ :‬تلقيح فهوم أهل الثر ص ‪ ،44‬والبداية والنهاية‪،‬‬
‫‪.347-3/246‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬تقع بالقرب من الرحضّية‪ ،‬بينها وبين المدينة ثمانية برد‪،‬‬
‫وهو ماء لبني سليم )معجم البلدان ‪.(4/441‬‬

‫‪53‬‬
‫وغزا فيها ‪ ‬غزوة البواء‪ ،‬وكانت أول غزوة غزاها‬
‫عيرا ً‬‫رسول الله ‪ ‬خرج في المهاجرين خاصة‪ ،‬يعترض ِ‬
‫لقريش‪ ،‬فلم يلقَ كيدًا‪.‬‬
‫وفيها وادع بني ضمرة على أن ل يغزوهم ول يغزوه‪،‬‬
‫ول يعينوا عليه أحدًا‪.‬‬
‫وغزا بواطا ً في ربيع الول‪ ،‬خرج يعترض عيرا ً‬
‫لقريش‪ ،‬فيها ُأمية بن خلف ومائة رجل من المشركين‪،‬‬
‫فبلغ بواطا ً ‪ -‬جبل ً من جهينة – فرجع ولم يلق كيدًا‪.‬‬
‫ثم خرج في طلب كرز بن جابر الفهري‪ ،‬وقد أغار‬
‫على سرح المدينة فاستاقه‪ ،‬فخرج رسول الله ‪ ‬في‬
‫أثره حتى بلغ سفوان من ناحية بدر‪ ،‬وهرب كرز‪.‬‬
‫ثم خرج في جماد الخرة في مائة وخمسين من‬
‫المهاجرين يعترضون عيرا ً لقريش ذاهبة إلى الشام‪،‬‬
‫وخرج في ثلثين بعيرا ً يتعاقبونها‪ ،‬فبلغ ذا العشيرة من‬
‫ناحية ينبع‪ ،‬فوجد العير قد فاتته بأيام‪ ،‬وهي التي خرجوا‬
‫لها يوم بدر لما جاءت عائدة من الشام وتسمى )غزوة‬
‫العشيرة(‪.‬‬
‫مدلج وحلفاؤهم‪ .‬ثم بعث عبد الله بن‬ ‫وفيها وادع بني ِ‬
‫جحش إلى نخلة في رجب في اثني عشر رجل ً من‬
‫المهاجرين كل اثنين على بعير‪ ،‬فوصلوا إلى نخلة‬
‫يرصدون عيرا ً لقريش‪ ،‬وكان رسول الله ‪ ‬قد كتب له‬
‫كتابًا‪ ،‬وأمره أن ل ينظر فيه حتى يسير يومين‪ ،‬فلما فتح‬
‫الكتاب إذ فيه‪" :‬إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى‬
‫تنـزل نخلة ‪ -‬بين مكة والطائف‪ -‬فترصد قريشا ً وتعلم لنا‬
‫أخبارها"‪.‬‬
‫فأخبر أصحابه بذلك‪ ،‬وأخبرهم أنه ل يستكرههم‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫فقالوا سمعا ً وطاعة‪.‬‬
‫فلما كان في رمضان‪ :‬بلغ رسول الله ‪ ‬خبر العير‬
‫المقبلة من الشام مع أبي سفيان‪ ،‬فيها أموال قريش‪،‬‬
‫فندب رسول الله ‪ ‬للخروج مسرعا ً في ثلثمائة وبضع‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬ينظر‪ :‬سيرة ابن هشام ‪ ،44-2/43‬ومختصر سيرة الرسول‬
‫‪ ،‬ص ‪.106-105‬‬

‫‪54‬‬
‫ل‪،‬ولم يكن معهم من الخيل إل فرسان‪ :‬فرس‬ ‫عشرة رج ً‬
‫للزبير‪ ،‬وفرس للمقداد بن السود‪ ،‬وكان معهم سبعون‬
‫بعيرًا‪ ،‬يعتقب الرجلن والثلثة على البعير‪ ،‬واستخلف عبد‬
‫)‪(1‬‬
‫الله بن ُأم مكتوم على المدينة‪.‬‬
‫وكان نتيجتها النصر المؤزر على مشركي مكة إذ قتل‬
‫منهم سبعون وأسر سبعون‪ ،‬واستشهد من المسلمين‬
‫أربعة عشر رج ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ويستنتج مما سبق من الموادعة مع بني ضمرة وبني‬
‫مدلج وحلفائهم اهتمامه بالسلم وحواره مع الخر لحياة‬
‫مستقرة خالية من الحروب‪ ،‬وبيان رحمته في عدم‬
‫الكراه في الغزو كما أوصى عبد الله بن جحش ‪ ،‬وأما‬
‫غزوة البواء وبواط والعشيرة وبدر فكلها كانت اقتصادية‬
‫لخذ عير قريش لضعافهم اقتصاديا ًُ وتعويض ما فات من‬
‫الحقوق المالية في مكة حينما هاجر النبي ‪ ‬ومن معه‬
‫من الصحابة‪ ،‬فقد تركوا عقاراتهم وأموالهم‪ .‬وأما خروجه‬
‫لطلب كرز فهي تأديبية على اعتدائه على سرح المدينة‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬أهم أعمال وحوادث السنة‬
‫الثالثة‬
‫فرع)‪ (2‬من بحران‪ ،‬في ربيع الول يريد‬ ‫فيها غزوة ال ُ‬
‫بذلك قريشًا‪ .‬وعقد عثمان على ُرقية بنت رسول الله‬
‫‪ .‬وعقد عثمان بن عفان ‪ ‬على ُأم كلثوم بنت رسول‬
‫الله ‪ ‬بعد وفاة أختها رقية رضي الله عنها في شهر‬
‫)‪(3‬‬
‫ربيع الول‪.‬‬
‫وفيها كانت غزوة بني قينقاع‪ ،‬وكانوا من يهود‬
‫المدينة‪ ،‬فنقضوا العهد‪ ،‬فحاصرهم رسول الله ‪ ‬خمسة‬
‫عشر ليلة‪ ،‬فنـزلوا على حكمه‪ ،‬فشفع فيهم عبد الله بن‬
‫ح على رسول الله ‪ ‬فيهم‪ ،‬فأطلقهم‬ ‫ُ‬
‫أبي بن سلول‪ ،‬وأل ّ‬
‫له وكانوا سبعمائة رجل‪ ،‬وهم رهط عبد الله بن سلم‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬ينظر مختصر سيرة الرسول ‪ ،‬ص ‪.108‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬قرية من نواحي المدينة عن يسار السقيا بينها وبين المدينة‬
‫ثمانية برد على طريق مكة )معجم البلدان ‪ (4/252‬وهي على‬
‫الطريق القديم بين مكة والمدينة‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬ينظر‪ :‬سيرة ابن هشام ‪ ،2/45‬والبداية والنهاية‪4/3 ،‬و ‪.61‬‬

‫‪55‬‬
‫وفيها كانت وقعة أحد في شوال‪ ،‬وذلك أن الله تبارك‬
‫وتعالى لما أوقع بقريش يوم بدر‪ ،‬وترأس فيهم أبو‬
‫سفيان لذهاب أكابرهم‪ ،‬أخذ يؤلب على رسول الله ‪‬‬
‫وعلى المسلمين‪ ،‬ويجمع الجموع‪ ،‬فجمع قريبا ً من ثلثة‬
‫آلف من قريش‪ ،‬والحلفاء والحابيش‪ ،‬وجاءوا بنسائهم‬
‫لئل يفروا‪ ،‬ثم أقبل بهم نحو المدينة‪ ،‬فنـزل قريبا ً من‬
‫)‪(1‬‬
‫جبل أحد‪.‬‬
‫وكان يوم أحد يوم بلء وتمحيص‪ ،‬اختبر الله عز وجل‬
‫به المؤمنين‪ ،‬وأظهر به المنافقين‪ ،‬وأكرم فيه من أراد‬
‫كرامته بالشهادة‪ ،‬فكان مما نزل من القرآن في يوم‬
‫أحد‪ ،‬إحدى وستون آية من آل عمران‪ ،‬أولها ﴿وإذ غدوت‬
‫من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال‪] ﴾...‬آل عمران‪/‬‬
‫)‪(2‬‬
‫‪[180-121‬اليات‪.‬‬
‫ويستفاد من العفو عن اليهود السبعمائة بيان رحمته‬
‫ورأفته‪ ،‬والستجابة لعبد الله بن ُأبي بن سلول‪ ،‬أما في‬
‫غزوة أحد فإن ما أصابه من الجراح لم يثنه عن محبة‬
‫جبل أحد فهو يحبنا ونحبه كما قال ‪ ،‬وفيه من التفاؤل‬
‫وعدم التشاؤم‪ ،‬وأن محبته تجاوزت البشرية‪ ،‬وكذلك‬
‫محبة الجمادات له ‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬أهم أعمال وحوادث السنة‬
‫الرابعة‬
‫وفيها غزوة الرجيع)‪ ،(3‬في شهر صفر‪ ،‬وكان قد بعث‬
‫رسول الله ‪ ‬وفدا ً إلى أهل مكة للتفاوض‪ ،‬فغدر بهم‬
‫بنو لحيان فقتلوا عاصم بن ثابت‪ ،‬وأسروا اثنين‪ .‬وفيها‬
‫سرية عمرو بن ُأمية الضمري‪ ،‬فقد بعث رسول الله ‪‬‬
‫عمرو بن ُأمية وسلمة بن أسلم بن حريش لقتل أبي‬
‫سفيان بن حرب لن أبا سفيان أرسل إلى النبي ‪ ‬رجل ً‬
‫ليقتله‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬ينظر مختصر سيرة الرسول ‪ ،‬ص ‪.116-115‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬ينظر مختصر سيرة الرسول ‪ ،‬ص ‪.120‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬ماء بني لحيان من هذيل بين مكة وعسفان‪) ،‬الروض‬
‫المعطار ‪.(267‬‬

‫‪56‬‬
‫وفيها سرية بئر معونة)‪ ،(1‬في شهر صفر‪ ،‬إذ طلبت‬
‫قبيلة ِرعل وذكوان وعصية وبني لحيان من النبي ‪ ‬عونا ً‬
‫على عدوهم فأمدهم بسبعين من النصار حتى إذا بلغوا بئر‬
‫معونة تعرض لهم حيان من بني سليم ِرعل وذكوان عند‬
‫بئر معونة فقد غدروا بهم وقتلهم‪.‬‬
‫وفيها غزوة بني النضير بسبب غدرهم بالنبي ‪،‬‬
‫وغزوة بني لحيان بسبب غدرهم المذكور في غزوة‬
‫الرجيع)‪ .(2‬وغزوة ذات الرقاع‪ ،‬وذلك في نجد‪ ،‬أراد رسول‬
‫الله ‪ ‬غزو بني محارب وبني ثعلبة من غطفان؛ لتأديبهم‬
‫على تحالفهم مع اليهود ضد المسلمين‪.‬‬
‫وفيها تزوج ‪ ‬من زينب بنت خزيمة بن الحارث‪.‬‬
‫وتزوج ُأم سلمة بنت أبي ُأمية‪ .‬وأمر رسول الله ‪ ‬زيد‬
‫ح أنه تعلمه في‬‫بن ثابت أن يتعلم كتاب اليهود‪ ،‬وص ّ‬
‫ً )‪(3‬‬
‫خمسة عشر يوما‪.‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬أهم أعمال وحوادث السنة‬
‫الخامسة‬
‫وفيها غزوة دومة الجندل)‪ ،(4‬بسبب اعتدائهم على من‬
‫مّر بهم من الصحابة‪ ،‬وقد هربوا ولم يقتل أحد وأسلم‬
‫بعضهم‪ .‬وفيها غزوة الخندق)‪ (5‬بسبب مؤامرة كفار قريش‬
‫مع بعض العراب واليهود‪ .‬وغزوة بني قريظة‪ ،‬بسبب‬
‫تآمرهم مع قريش على قتال المؤمنين‪.‬‬
‫وزواج النبي ‪ ‬بُأم حبيبة رضي الله عنها‪ ،‬وزواج‬
‫النبي ‪ ‬زينب بنت جحش رضي الله عنها‪ .‬ونزول‬
‫)‪(6‬‬
‫الحجاب صبيحة عرس زينب بنت جحش‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬موضع في بلد هذيل بين مكة وعسفان‪) .‬فتح الباري‬
‫‪.(7/379‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬أي غزوة بئر معونة المتقدمة‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬ينظر‪ :‬سيرة ابن هشام ‪ ،190-2/183‬والبداية والنهاية‪،‬‬
‫‪ ،91-4/62‬وتلقيح فهوم أهل الثر ص ‪ ،45‬ومختصر سيرة‬
‫الرسول ‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬موضع قرب تبوك‪) .‬ينظر الروض المعطار ‪.(245‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬يقع الخندق شمال غرب المدينة‪) .‬ينظر الروض المعطار‬
‫‪.(221‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ -‬ينظر‪ :‬سيرة ابن هشام ‪ ،215-2/213‬تلقيح فهوم أهل الثر‬
‫ص ‪ ،45‬والبداية والنهاية‪.147-4/92 ،‬‬

‫‪57‬‬
‫المبحث السادس‪ :‬أهم أعمال وحوادث السنة‬
‫السادسة‬
‫وفيها كانت غزوة المريسيع)‪ (1‬على بني المصطلق‪،‬‬
‫فأغار عليهم رسول الله ‪ ‬وهم غاّرون‪ ،‬فسبى رسول‬
‫الله ‪ ‬النساء والنعم والشاء‪.‬‬
‫وكان من جملة السبي‪ :‬جويرية بنت الحارث‪ ،‬سيد‬
‫القوم‪ ،‬وقعت في سهم ثابت بن قيس فكاتبها‪ ،‬فأدى‬
‫عنها رسول الله ‪ ‬وتزوجها‪ ،‬فأعتق المسلمون – بسبب‬
‫هذا التزوج – مائة من أهل بيت بني المصطلق‪ ،‬وقالوا‪:‬‬
‫أصهار رسول الله ‪ ،‬وفي هذه الغزوة كانت قصة‬
‫)‪(2‬‬
‫الفك‪.‬‬
‫وفيها غزوة ذي قرد‪ ،‬بسبب غارة بعض العراب من‬
‫غطفان على لقاح)‪ (3‬رسول الله ‪ ‬بمنطقة الغابة في‬
‫المدينة‪.‬‬
‫)‪(4‬‬
‫وفيها صلح الحديبية ‪ ،‬وهو الصلح الذي عقده رسول‬
‫الله ‪ ‬مع كفار قريش الذي سماه الله تعالى‪ :‬الفتح‬
‫المبين‪ ،‬كما في قوله تعالى ﴿إنا فتحنا لك فتحا ً‬
‫مبينا ً﴾ ]الفتح‪ ،[1/‬وفي مرجعه ‪ ‬أنزل الله سورة الفتح ﴿إنا‬
‫فتحنا لك فتحا ً مبينًا‪ .‬ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما‬
‫تأخر﴾ ]الفتح‪ ،[2-1/‬فقال عمر‪ :‬أو فتح هو يا رسول الله؟‬
‫قال‪" :‬نعم"‪ .‬قال الصحابة‪ :‬هذا لك يا رسول الله‪ ،‬فما لنا؟‬
‫فأنزل الله ﴿هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين‬
‫ليزدادوا إيمانا ً مع إيمانهم﴾ إلى قوله ﴿فوزا ً عظيما ً﴾ ]الفتح‪/‬‬
‫‪ ،[5-4‬وعدة الصحابة إذ ذاك ألف وأربعمائة‪ ،‬وهم أهل‬
‫)‪(5‬‬
‫الشجرة‪ ،‬وأهل بيعة الرضوان‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬ماء بنجد في ديار بني المصطلق من خزاعة‪) .‬الروض‬
‫المعطار ‪.(532‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬ينظر مختصر سيرة الرسول ‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬جمع لقحة وهي الناقة الحامل‪) .‬ينظر مختار الصحاح ص‬
‫‪.(602‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬ينظر‪ :‬تلقيح فهوم أهل الثر ص ‪ ،45‬والبداية والنهاية‪،‬‬
‫‪.164-4/150‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬ينظر مختصر سيرة الرسول ‪ ،‬ص ‪.132-127‬‬

‫‪58‬‬
‫المبحث السابع‪ :‬أهم أعمال وحوادث السنة‬
‫السابعة‬
‫لما قدم رسول الله ‪ ‬من الحديبية ‪ ،‬مكث بالمدينة‬
‫)‪(1‬‬

‫عشرين يوما ً أو قريبا ً منها‪ ،‬ثم خرج إلى خيبر‪ ،‬واستخلف‬


‫عرفطة‪ ،‬وفي هذه الغزوة قدم‬ ‫سباع بن ُ‬
‫على المدينة ِ‬
‫إليه ابن عمه جعفر بن طالب وأصحابه‪ ،‬ومعهم‬
‫)‪(2‬‬
‫الشعريون أبو موسى وأصحابه‪.‬‬
‫وفيها غزوة خيبر)‪ ،(3‬وذلك بسبب دسائس يهود خيبر‬
‫في تخريب الحزاب ضد المؤمنين‪ ،‬ولنهم أثاروا بني‬
‫دة لحرب‬ ‫دون العُ ّ‬ ‫قريظة على الغدر والخيانة‪ ،‬وكانوا يع ّ‬
‫المسلمين‪ ،‬وعند رجوعه بوادي القرى اعتدى بعض‬
‫اليهود ومن معهم من العراب على بعض الصحابة‪،‬‬
‫فنشبت المعركة‪ ،‬ثم عقد معهم صلحا ً كما صنع مع أهل‬
‫)‪(4‬‬
‫خيبر‪.‬‬
‫ويستفاد مما تقدم أن هذه الغزوات كلها كانت بسبب‬
‫اعتداء العداء ومؤامرتهم على المسلمين‪.‬‬
‫وفي هذه السنة تزوج ‪ ‬بميمونة)‪ ،(5‬وهي آخر زوجة‬
‫من زوجاته اللتي تزوجهن ‪ ،‬وقد ثبت عن ُأم‬
‫المؤمنين ُأم حبيبة رضي الله عنها أن مهور أزواج النبي‬
‫‪ ‬أربعمائة درهم)‪ .(6‬وهذه الحياة الزوجية التي عاشها‬
‫نبي الرحمة ‪ ‬رسخت السس الجتماعية‪ ،‬والساليب‬
‫التربوية في حياة السرة‪ ،‬ومنحت النسانية صورة ناطقة‬
‫وخطة ساطعة تتناول منظومة الحياة الزوجية بكل‬

‫‪ -‬اسم بئر قريبة من مكة وطريق جدة‪ ،‬تبعد عن مكة ‪20‬كي ً‬


‫ل‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫)ينظر الروض المعطار ‪.(190‬‬


‫‪2‬‬
‫‪ -‬ينظر‪:‬سيرة ابن هشام ‪ ،2/328‬والبداية والنهاية ‪،233-4/181‬‬
‫ومختصر سيرة الرسول‪ ،‬ص ‪.135-133‬‬
‫‪ -‬تبعد عن المدينة ‪160‬كيل ً شما ً‬
‫ل‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬ينظر‪ :‬سيرة ابن هشام ‪ ،2/328‬والبداية والنهاية ‪-4/181‬‬
‫‪ ،233‬والرحيق المختوم ص ‪.346-333‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬المصادر السابقة‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ -‬أخرجه المام أحمد )المسند ‪ ،45/398‬حديث رقم ‪،(27408‬‬
‫وقال محققوه‪ :‬رجاله ثقات وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه‬
‫الذهبي )المستدرك ‪. .(2/181‬‬

‫‪59‬‬
‫ل مشاكلها وضمان‬ ‫حقوقها ومتطلباتها وتطويرها وح ّ‬
‫سعادتها في الدارين‪.‬‬
‫المبحث الثامن‪ :‬أهم أعمال وحوادث السنة‬
‫الثامنة‬
‫وفيها غزوة مؤتة)‪ ،(1‬وهي أعظم حرب خاضها‬
‫الله ‪ ‬بعث الحارث‬ ‫المسلمون‪ ،‬وسببها أن رسول‬
‫بن عمير الزدي بكتابه إلى عظيم ُبصرى ‪ ،‬فعرض له‬
‫)‪(2‬‬

‫شرحبيل بن عمرو الغساني‪ ،‬وكان عامل ً على البلقاء من‬


‫أرض الشام من قبل قيصر الروم‪ ،‬فأوثقه رباطا ً ثم قدمه‬
‫فضرب عنقه‪.‬‬
‫وفيها بعث رسول الله ‪ ‬إلى ملوك الفاق وكتبه‬
‫إليهم‪ ،‬فكتب إلى ملك العرب في الشام‪ ،‬وإلى كسرى‪،‬‬
‫وإلى المقوقس‪.‬‬
‫وفيها غزوة ذات السلسل‪ ،‬لتأديب قبيلة قضاعة التي‬
‫اشتركت لدعم الروم فتجمعت تريد الدنو من المدينة‪،‬‬
‫فتقدم جيش المسلمين بقيادة عمرو بن العاص‪ ،‬وتوغل‬
‫في ديار قضاعة حتى هربت واندحرت‪.‬‬
‫وفيها فتح مكة‪ ،‬وذلك أن قريش دعمت بالسلح‬
‫والرجال حلفاء بني بكر على خزاعة حليفة المسلمين‪،‬‬
‫فأوقعوا بها الخسائر فاستنجدت خزاعة بالمسلمين‪،‬‬
‫فتوجه نبي الملحمة ‪ ‬إلى مكة في عشرة آلف مجاهد‪،‬‬
‫ودخلها خاشعا ً فاتحا ً متسامحًا‪ ،‬فقد عفا عنهم جميعًا‪.‬‬
‫وفيها غزوة هوازن يوم حنين)‪ ،(3‬فقد غزا قبيلة هوازن‬
‫التي منها قبيلة ثقيف‪ ،‬بسبب تلحمهم مع كفار قريش‪،‬‬
‫ولنها تشكل خطرا ً على المسلمين في مكة المكرمة‬
‫بعد فتحها‪ .‬وفيها غزوة الطائف‪ ،‬وسببها نفس سبب‬
‫غزوة حنين فهي امتداد لها‪ .‬وفيها عمرة الجعرانة)‪.(4‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬قرية بالشام )الروض المعطار ‪.(565‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬من أعمال دمشق وهي مدينة حوران‪) ،‬الروض المعطار‬
‫‪.(109‬‬
‫‪ -‬واد قريب من الطائف بينه وبين مكة بضعة عشر مي ً‬
‫ل‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫)الروض المعطار ‪(202‬‬


‫‪4‬‬
‫‪ -‬ما بين مكة والطائف وهي إلى مكة أدنى )الروض المعطار‬
‫‪ (177‬وتبعد عن مكة ‪ 20‬كي ً‬
‫ل‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫وفيها هدم العزى التي كانت تعبد بين مكة والطائف‬
‫)‪(1‬‬
‫وسواع ومناة‪.‬‬
‫وفي آخر السنة الثامنة ولدت مارية القبطية رضي الله‬
‫)‪(2‬‬
‫عنها جارية رسول الله ‪ ‬إبراهيم‪.‬‬
‫ويستفاد من هذه الوقائع التسامح الكبير الذي اتسم‬
‫به نبي الرحمة ‪ ‬في عفوه عن مشركي مكة الذين‬
‫آذوه وحاولوا قتله مرارًا‪.‬‬
‫المبحث التاسع‪ :‬أهم أعمال وحوادث السنة‬
‫التاسعة‬
‫وفيها غزوة تبوك)‪ (3‬في رجب‪ ،‬وكانت بسبب إعداد‬
‫الروم لحرب المسلمين‪ ،‬وبعد التأكد من هذا العداد جّهز‬
‫نبي الملحمة ‪ ‬جيشا ً في ثلثين ألف مجاهدًا‪ ،‬وقد أدرك‬
‫الروم خطورة المواجهة‪ ،‬فنـزلوا إلى الصلح الذي أتى به‬
‫نبي الرحمة ‪.‬‬
‫)‪(5‬‬
‫وفيها مصالحته ‪ ‬ملك إيلة وأهل جرباء وأذرح‬
‫)‪(4‬‬

‫قبل رجوعه من تبوك‪ ،‬وفيها قصة مسجد الضرار حينما‬


‫تآمر المنافقون على قتل نبي الرحمة ‪ ،‬وفيها إرسال‬
‫خالد إلى مسيلمة الكذاب‪ ،‬وفيها بعث رسول الله ‪ ‬أبا‬
‫بكر الصديق أميرا ً على الحج‪.‬‬
‫وفي هذا العام قدم المدينة عشرات الوفود للدخول‬
‫في هذا الدين‪ ،‬ومنهم وفد بني عبد قيس‪ ،‬ووفد بني‬
‫حنيفة‪ ،‬ووفد أهل نجران‪ ،‬ووفد بني عامر‪ ،‬وقدوم ضمام‬
‫بن ثعلبة وافدا ً على قومه‪ ،‬ووفد طيء مع زيد الخيل ‪،‬‬
‫وقدوم الشعرييين وأهل اليمن‪ ،‬وقدوم رسول ملوك‬
‫حمَير إلى رسول الله ‪ (6).‬ولما قدم رسول الله ‪‬‬ ‫ِ‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬ينظر‪ :‬تلقيح فهوم أهل الثر ص ‪ ،46‬والبداية والنهاية‬
‫‪ ،375-4/241‬والسيرة الصحيحة ص ‪ ،473‬والرحيق المختوم ص‬
‫‪ ،355‬ومختصر سيرة الرسول ‪ ،‬ص ‪.140-137‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬ينظر‪ :‬الطبقات الكبرى ‪ ،8/212‬وأسد الغابة ‪.1/49‬‬
‫‪ -‬تقع شمال المدينة بـ ‪900‬كي ً‬
‫ل‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬مدينة ساحلية تقع شمال البحر الحمر‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬اسم بلد في أطراف الشام من أعمال الشراة‪ ،‬ثم من نواحي‬
‫مان‪) .‬معجم البلدان ‪.(1/129‬‬‫البلقاء وع ّ‬
‫‪6‬‬
‫‪ -‬ينظر‪ :‬تلقيح فهوم أهل الثر ص ‪ ،46‬والبداية والنهاية‪-5/2 ،‬‬

‫‪61‬‬
‫جباة الصدقة‬ ‫المدينة‪ ،‬ودخلت السنة التاسعة بعث ُ‬
‫يأخذون الصدقات من العراب‪.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫وفيها بعث عليا ً ‪ ‬إلى صنم طيء ليهدمه فُهدم‪.‬‬
‫ويستفاد من هذه الحوادث أن توجه الجيش إلى‬
‫الروم لنهم كانوا يمهدون لشن هجوم على المسلمين‪،‬‬
‫وأن عيون العداء كانت ترصد المدينة وذلك من خلل‬
‫قصة تخلف كعب بن مالك ‪ ‬في غزوة تبوك‪ ،‬فقد‬
‫أرسل إليه ملك غسان ما نصه‪ :‬أما بعد فإنه قد بلغني أن‬
‫صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ول مضيعة‪،‬‬
‫فالحق بنا نواسيك)‪ !!(2‬وفيها أن من أسباب قتال العداء‬
‫خيانة المنافقين في مسجد الضرار‪ ،‬وإدراك كثير من‬
‫القبائل بعظمة الدين الذي جاء به نبي الرحمة ‪‬‬
‫وتصديقهم به‪.‬‬
‫المبحث العاشر‪ :‬أهم أعمال وحوادث السنة‬
‫العاشرة‬
‫في هذه السنة توفي إبراهيم ‪ ‬ابن النبي ‪ ، ‬وقد‬
‫)‪(3‬‬

‫بكى عليه نبي الرحمة ‪ ‬إذ قال‪" :‬العين تدمع والقلب‬


‫يحزن‪ ،‬ول نقول إل ما يرضي ربنا وإن بفراقك يا إبراهيم‬
‫لمحزونون")‪ ،(4‬ويستفاد من هذه القصة بيان حنانه‬
‫ورحمته على ابنه إبراهيم ‪.‬‬
‫وفيها بعث رسول الله ‪ ‬خالد بن الوليد ‪ ‬إلى بني‬
‫الحارث في نجران‪ ،‬وبعثه ‪ ‬المراء – أبي موسى ومعاذ‬
‫)‪(5‬‬
‫‪ -‬إلى أهل اليمن‪.‬‬
‫وفيها حجة الوداع‪ ،‬فقد صلى رسول الله ‪ ‬الظهر‬
‫يوم الخميس لست بقين من ذي القعدة من سنة عشر‬
‫‪ ،75‬والسيرة الصحيحة ص ‪ ،522‬والرحيق المختوم ص ‪.394‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬ينظر‪ :‬مختصر سيرة الرسول ‪ ،‬ص ‪.159‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب المغازي – باب حديث كعب بن مالك‪،‬‬
‫حديث رقم ‪.4418‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬ينظر‪ :‬الرحيق المختوم ص ‪.435‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬صحيح البخاري – كتاب الجنائز – باب قول النبي ‪" ‬إنا بك‬
‫لمحزونون" ح ‪.1303‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬ينظر‪ :‬تلقيح فهوم أهل الثر ص ‪ ،47‬والفصول ص ‪-193‬‬
‫‪.195‬‬

‫‪62‬‬
‫بالمدينة‪ ،‬ثم خرج منها بمن معه من المسلمين من أهل‬
‫المدينة ومن تجمع من العراب‪ ،‬فصلى العصر بذي‬
‫الحليفة ركعتين‪ ،‬وبات بها‪...‬‬
‫وخطب ثاني يوم النحر خطبة عظيمة وفيها قوله‪" :‬يا‬
‫أيها الناس‪ ،‬أي يوم هذا؟" قالوا‪ :‬يوم حرام‪ .‬قال‪" :‬فأي‬
‫بلد هذا؟" قالوا‪ :‬بلد حرام‪ .‬قال‪" :‬فأي شهر هذا؟" قالوا‪:‬‬
‫شهر حرام‪ .‬قال‪" :‬فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم‬
‫عليكم حرام كحرمة يومكم هذا‪ ،‬في بلدكم هذا‪ ،‬في‬
‫ً )‪(1‬‬
‫شهركم هذا" فأعادها مرارا‪.‬‬
‫ثم أقبل ‪ ‬منصرفا ً إلى المدينة‪ ،‬وقد أكمل الله له‬
‫)‪(2‬‬
‫دينه‪.‬‬
‫ج محمد‬ ‫يقول الكاتب النكليزي هربرت جورج ولز‪ :‬ح ّ‬
‫]‪ [‬حجة الوداع من المدينة إلى مكة‪ ،‬قبل وفاته بعام‪،‬‬
‫وعند ذاك ألقى على شعبه موعظة عظيمة‪ ..‬إن أول‬
‫فقرة فيها تجرف أمامها كل ما بين المسلمين من نهب‬
‫وسلب ومن ثارات ودماء‪ ،‬وتجعل الفقرة الخيرة منها‬
‫الزنجي المؤمن عدل ً للخليفة‪ ..‬إنها أسست في العالم‬
‫تقاليد عظيمة للتعامل العادل الكريم‪ ،‬وإنها لتنفخ في‬
‫الناس روح الكرم والسماحة‪ ،‬كما أنها إنسانية السمة‬
‫ممكنة التنفيذ‪ ،‬فإنها خلقت جماعة إنسانية يقل ما فيها‬
‫مما يغمر الدنيا من قسوة وظلم اجتماعي‪ ،‬عما في أي‬
‫)‪(3‬‬
‫جماعة أخرى سبقتها‪.‬‬
‫ويستفاد من وقائع هذه السنة بيان رحمته ‪‬‬
‫بالنسانية‪ ،‬إذ وضع ميثاق حقوق النسان في خطبة حجة‬
‫الوداع‪ ،‬وثّبت المحكم من القرآن‪ ،‬وما ُنسخ بالعرض‬
‫مرتين على جبريل ‪ ،‬وإنه كان يؤم المسلمين طوال‬
‫صلته جماعة‪ ،‬وهي تبلغ قرابة )‪ (50.000‬ركعة جهرية‪،‬‬
‫في فترة )‪ (23‬سنة‪.‬‬

‫‪ -‬صحيح البخاري – كتاب الحج – باب الخطبة أيام منى‪ ،‬حديث‬ ‫‪1‬‬

‫رقم ‪) ،1739‬الفتح ‪.(3/573‬‬


‫‪ -‬ينظر‪ :‬الفصول ص ‪.195-193‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -3‬معالم تاريخ النسانية ‪.3/639‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪63‬‬
‫وفي هذه القراءة تعليم للتلوة الصحيحة‪ ،‬وتثبيت‬
‫لحفظ القرآن الكريم‪ ،‬وترسيخ لمعانيه وأحكامه‪ ،‬لن كل‬
‫ركعة جهرية هي درس قرآني متقن‪.‬‬
‫ً‬
‫وقبل وفاته ‪ ‬كان جبريل ينـزل عليه كثيرا فقد ص ّ‬
‫ح‬
‫عن أنس بن مالك ‪ ‬أنه قال‪" :‬إن الله تابع الوحي على‬
‫رسول الله ‪ ‬حتى كان الوحي أكثر ما كان يوم توفي‬
‫)‪(1‬‬
‫رسول الله ‪."‬‬
‫ح‬
‫خّير بين الموت والحياة‪ ،‬فقد ص ّ‬ ‫وعندما قرب الجل ُ‬
‫ت‬ ‫أنه قال لموله أبي مويهبة‪" :‬يا أبا مويهيبة إني قد أوتي ُ‬
‫ت بين ذلك‬ ‫خّير ُ‬
‫مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة‪ ،‬و ُ‬
‫ُ‬
‫وبين لقاء ربي عز وجل والجنة" قال‪ :‬قلت‪ :‬بأبي وأمي‪،‬‬
‫فخذ مفاتيح الدنيا والخلد فيها‪ ،‬ثم الجنة‪ .‬قال‪" :‬ل والله يا‬
‫أبا مويهبة‪ ،‬لقد اخترت لقاء ربي والجنة" ثم استغفر لهل‬
‫البقيع‪ ،‬ثم انصرف‪ ،‬فُبدئ رسول الله ‪ ‬في وجعه الذي‬
‫)‪(2‬‬
‫قبضه الله عز وجل فيه حين أصبح‪.‬‬
‫وفي هذه السنة كانت وفاته ‪ ،‬كان عمره يوم مات‬
‫‪ ‬ثلثا ً وستين سنة‪ ،‬على الصحيح)‪ .(3‬وسيأتي المزيد عن‬
‫وفاته ‪ ‬في الباب الثالث في مبحث مكانته عند‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫ح عن عمر بن‬ ‫وأما عن تركته المتواضعة فقد ص ّ‬
‫الحارث – أخي جويرية بنت الحارث‪ -‬رضي الله عنهما‬
‫قال‪ :‬ما ترك رسول الله ‪ ‬عند موته درهما ً ول دينارا ً‬
‫ة ول شيئا ً إل بغلته البيضاء وسلحه وأرضا ً‬ ‫ول عبدا ً ول أم ً‬
‫)‪(4‬‬
‫ة‪.‬‬
‫جعلها صدق ً‬
‫إن هذه التركة والله لهي موعظة عظيمة للغنياء‬
‫وسلوى كريمة للفقراء‪ ،‬وهي صورة ناطقة ُتبصر الذين‬
‫ظنوا أنه كان ينشد الموال والغنائم‪.‬‬

‫‪ -‬صحيح البخاري – فضائل القرآن – باب كيف نزل الوحي‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫حديث رقم ‪ .4982‬وصحيح مسلم – كتاب التفسير‪ -‬حديث رقم‬


‫‪.3016‬‬
‫‪ -‬المسند ‪ 377-25/376‬ح ‪ ،15997‬وصحح سنده محققوه‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬الفصول ص ‪.197‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬صحيح البخاري – كتاب الوصايا – باب الوصايا ح ‪.2739‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪64‬‬
‫هذه هي التركة المتواضعة‪ ،‬ولكن ثمة تركة عظيمة‬
‫تتفيأ البشرية بظللها‪ ،‬وتستمد العزة والسعادة من‬
‫معطياتها‪ ،‬إنه الرث الذي ل مثيل له في التركات‪ ،‬هذه‬
‫التركة هي الحكمة التي تركها للمسلمين خاصة‬
‫والبشرية عامة‪ ،‬إذ اشتملت على نظام حياة أمثل‪،‬‬
‫ن كيفية العيش‬ ‫وشرع دين أكمل‪ ،‬فقد عّرف النس والج ّ‬
‫بسلم وعّزة‪ ،‬وذلك من خلل سيرته العطرة وأقواله‬
‫المثمرة وأفعاله الخّيرة بكرمه للجميع‪ ،‬وصبره على‬
‫المشاكل‪ ،‬وحلمه على الناس ورحمته بهم‪ ،‬وتواضعه‬
‫لهم‪ ،‬وحبه للخير لهم‪ ،‬تلك السيرة التي حملت الرحمة‬
‫للبشرية بالرفق في المور كلها‪ ،‬والتأكيد على ذلك‬
‫بقوله‪" :‬إن الله يحب الرفق في المر كله")‪ ،(1‬ومع هذا‬
‫الرفق سعى إلى ترسيخ وتقوية الروابط والعلئق بين‬
‫أفراد المجتمع بجميع ملله بغرس الداب الحميدة‪ ،‬كالعفو‬
‫والتسامح وإفشاء السلم ونصرة المظلوم وعون‬
‫الضعيف كاليتامى والفقراء‪ ،‬وإكرام الضيف وعيادة‬
‫المريض وتشميت العاطس وتقديم النصيحة والتيسير‬
‫على الناس‪ ،‬فقد أمر ‪ ‬بالتعليم والتيسير فثبت عنه أنه‬
‫قال‪" :‬علموا ويسروا ول تعسروا‪ ،‬وبشروا ول تنفروا‬
‫)‪(2‬‬
‫وإذا غضب أحدكم فليسكت"‪.‬‬
‫وأخرج مسلم بسنده عن تميم الداري أن النبي ‪‬‬
‫قال‪" :‬الدين النصيحة" قلنا‪ :‬لمن‪:‬؟ قال‪" :‬لله ولكتابه‬
‫)‪(3‬‬
‫متهم"‪.‬‬
‫ولرسوله ولئمة المسلمين وعا ّ‬
‫وصح عن سهل بن سعد الساعدي ‪ ‬مرفوعا قال‪:‬‬
‫"أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة‪ ،‬وأشار بالسبابة‬
‫)‪(4‬‬
‫والوسطى وفرج بينهما شيئا"‪.‬‬

‫‪ -‬صحيح البخاري ‪ -‬كتاب الدب‪ -‬باب لم يكن النبي ‪ ‬فاحشا ً‬ ‫‪1‬‬

‫ول متفحشًا‪ ،‬ح ‪. 6030‬‬


‫‪ -‬رواه البخاري في الدب المفرد ح ‪ ،1230‬وصححه‬ ‫‪2‬‬

‫السيوطي في الجامع الصغير )انظر فيض القدير ‪(4/328‬‬


‫وصححه اللباني بشواهد في السلسلة الصحيحة ح ‪.1375‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ - 3‬صحيح مسلم ‪ -‬كتاب اليمان ‪ -‬باب بيان أن الدين النصيحة‪،‬‬
‫‪ 1/74‬ح ‪. 95‬‬

‫‪65‬‬
‫ح عن البراء بــن عــازب ‪ ‬أن النــبي ‪ ‬قــال‪:‬‬ ‫وقد ص ّ‬
‫"ُأمرنا باتباع الجنـائز‪ ،‬وعيـادة المريـض‪ ،‬وإجابـة الـداعي‪،‬‬
‫ونصرة المظلوم‪ ،‬وإبرار القســم‪ ،‬ورد الســلم‪ ،‬وتشــميت‬
‫)‪(1‬‬
‫العاطس"‪.‬‬
‫وأخرج أبو داود بسنده الثابت عن عبـد اللــه بــن عمــرو‬
‫عن النبي ‪" :r‬الراحمــون يرحمهــم الرحمــن‪ ،‬ارحمــوا أهــل‬
‫)‪(2‬‬
‫الرض يرحمكم من في السماء"‪.‬‬
‫ويقول الرسول ‪" :‬ول تكلفوهم ما يغلبهم فإن‬
‫)‪(3‬‬
‫كلفتموهم فأعينوهم"‪.‬‬
‫ذر ونهى عن الخصال السيئة‬ ‫وفي الوقت نفسه ح ّ‬
‫كالحسد وسوء الظن والظلم والك ِْبر والغيبة والسب‬
‫واللعن‪ ،‬فقد أخرج مسلم بسنده عن أنس بن مالك أن‬
‫رسول الله ‪ ‬قال‪" :‬ل تباغضوا ول تحاسدوا ول تدابروا‬
‫ل لمسلم أن يهجر أخاه‬ ‫وكونوا عباد الله إخوانا ول يح ّ‬
‫)‪(4‬‬
‫فوق ثلث"‪.‬‬
‫كما اعتنى عناية فائقة بإعطاء كل ذي حق حقه‪ ،‬فقد‬
‫أكد على حق الوالدين والرحام والجيران والخدم‬
‫ح عنه ‪ ‬أنه قال‪" :‬كلكم راع‬ ‫والترفق بهم ‪ ،‬فقد ص ّ‬
‫وكلكم مسؤول عن رعيته‪ ،‬والمير راٍع‪ ،‬والرجل على‬

‫‪4‬‬
‫‪ -‬صحيح البخاري ‪ -‬كتاب الطلق – باب اللعان‪ ،‬ح ‪،5304‬‬
‫وصحيح مسلم – كتاب الزهد والرقائق‪ -‬باب الحسان إلى‬
‫الرملة والمسكين‪ 4/2287 ،‬ح ‪.2983‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ - 5‬صحيح البخاري ‪ -‬كتاب الجنائز ‪ -‬باب المر باتباع الجنائز ح‬
‫‪. 1239‬‬
‫‪2‬‬
‫‪) - 6‬السنن ‪ 4/285‬ح ‪ - 4941‬ك الدب ‪ ،‬ب في الرحمة(‪،‬‬
‫وأخرجه الترمذي )‪ 4/323‬ح ‪1924‬ك البر والصلة‪ ،‬ب ما جاء‬
‫في رحمة المسلمين( قال الترمذي‪ :‬حديث حسن صحيح‪،‬‬
‫وأخرجه الحاكم )المستدرك ‪ ،4/159‬ك البر والصلة( وقال‬
‫الحاكم بعد أن ذكره ضمن أحاديث‪ :‬وهذه الحاديث كلها‬
‫صحيحة‪ .‬وقال اللباني‪ :‬صحيح )صحيح أبي داود ح ‪.( 32‬‬
‫‪ -‬صحيح البخاري ‪ -‬كتاب اليمان ‪ -‬باب المعاصي من أمر‬ ‫‪3‬‬

‫الجاهلية‪ ،‬ح ‪. 30‬‬


‫‪4‬‬
‫‪ - 2‬صحيح مسلم ‪ -‬كتاب البر والصلة ‪ -‬باب تحريم التحاسد‬
‫والتباغض والتدابر‪ 4/1983 ،‬ح ‪.2559‬‬

‫‪66‬‬
‫أهل بيته‪ ،‬والمرأة راعية على بيت زوجها وولده‪ ،‬فكلكم‬
‫)‪(1‬‬
‫راٍع وكلكم مسؤول عن رعيته"‪.‬‬
‫وأخــرج البخــاري بســنده عــن أنــس ‪ ‬قــال‪ :‬خــدمت‬
‫النبي ‪ ‬عشر سنين فما قــال لــي‪ :‬أف‪ ،‬ول لــم صــنعت‪،‬‬
‫)‪(2‬‬
‫ول أل صنعت‪.‬‬
‫وأخرج مسلم بسنده عن أبي هريرة قــال‪ :‬جــاء رجــل‬
‫إلــى رســول اللــه ‪ ‬قــال‪ :‬مــن أحــق النــاس بحســن‬
‫صحابتي؟ قال‪" :‬أمك" قــال‪ :‬ثــم مــن؟ قــال‪" :‬ثــم أمــك"‬
‫قال‪ :‬ثم من؟ قال‪" :‬ثم أمك" قــال‪ :‬ثــم مــن؟ قــال‪" :‬ثــم‬
‫)‪(3‬‬
‫أبوك"‪.‬‬
‫كما اعتنى بحق الطفولة‪ ،‬وحق المرأة كما سيأتي في‬
‫الباب الثاني‪.‬‬
‫ُ‬
‫كما وضع الطر الدقيقة في التعامل مع غير‬
‫المسلمين‪ ،‬وقد تقدم طرف منه في بداية هذا الفصل‪،‬‬
‫وهذه التركة تعطي للبشرية القدرة على علج أكبر‬
‫المشكلت المعاصرة كما سيأتي في الباب التالي‪.‬‬

‫‪ - 1‬صحيح البخاري ‪ -‬كتاب النكاح ‪ -‬باب المرأة راعية في بيت‬


‫زوجها‪ ،‬ح ‪. 5200‬‬
‫‪ - 4 2‬صحيح البخاري ‪ -‬كتاب الدب ‪ -‬باب حسن الخلق‪ ،‬ح ‪.6038‬‬
‫‪ - 53‬الصحيح ‪ -‬كتاب البر والصلة والداب ‪ -‬باب بر الوالدين‪،‬‬
‫حديث رقم ‪. 2548‬‬

‫‪67‬‬
‫الباب الثاني‬
‫المستفاد من حكمته الباهرة في تحقيق حاجات‬
‫البشرية وعلج أهم المشكلت المعاصرة‬
‫تحوم حول البشرية حاجات أساسية ومشكلت‬
‫سياسية مخيفة‪ ,‬وأزمات اجتماعية عنيفة‪ ,‬وهزات‬
‫اقتصادية كثيفة‪ ,‬تكاد أن تأخذ برقاب البشرية قاطبة‪,‬‬
‫وذلك بسبب النحراف عن الشريعة التي أنزلها الله‬
‫تعالى رحمة للعباد والبلد على خير النبياء والعباد‪.‬‬
‫هذا النحراف أدى إلى التوجه شطر القوانين‬
‫الوضعية التي ما أنزل الله بها من سلطان‪ ,‬ول نفعت أي‬
‫إنسان في كل زمان ومكان‪ ,‬فهي تتخبط في كل يوم‬
‫بالتغيير والتعديل لهذه القوانين البشرية‪.‬‬
‫ولو تأملنا في الحكام التي جاء بها نبي الحكمة ‪‬‬
‫وتأثيرها على المجتمع لرأينا تقدما ً وسموا ً ل مثيل له‪،‬‬
‫وذلك على مستوى الزدهار القتصادي والنمو الجتماعي‬
‫والتماسك السياسي‪ ،‬فما جاء عن الله تعالى الخالق‬
‫الخبير بما يصلح لخلقه لهو البلسم الشافي والدواء‬
‫الكافي‪ ,‬فقد أنزل القرآن الكريم على نبي الرحمة ‪‬‬
‫هداية للبشرية ﴿إن هذا القرآن يهدي للتي هي‬
‫أقوم﴾]السراء‪ ،[9/‬وقد أخذه نبي الحكمة ‪ ‬بقوة‪،‬‬
‫فتمكن بهذا القرآن المحكم أن يعالج ظلمات الجهل‬
‫بأنوار العلم‪ ,‬وأن ينقل الناس من رعاة غنم إلى قيادة‬
‫ُأمم‪ ،‬فكانت قيادة رائدة‪ ,‬ومنهجية رائعة‪ ,‬بهرت‬
‫الحضارات الخرى‪ ،‬وشهد له أرباب الهمم الذين‬
‫يتصدرون لحل مشاكل المم‪.‬‬
‫يقول الكاتب النكليزي هربرت جورج ولز‪ :‬كل‬
‫شريعة ل تسير مع المدنية في كل طور من أطوارها‬
‫فأضرب بها عرض الحائط ول تبال بها‪ ،‬لن الشريعة التي‬
‫ل تسير مع المدنية جنبا إلى جنب هي شر مستطير على‬
‫أصحابها تجرهم إلى الهلك‪ ،‬وإن الشريعة التي وجدتها‬
‫تسير مع المدنية أنى سارت هي الشريعة السلمية‪ ،‬وإذا‬
‫أراد إنسان أن يعرف شيئا من هذا فليقرأ القرآن وما به‬

‫‪68‬‬
‫من نظريات علمية وقوانين وأنظمة لربط المجتمع‪ :‬فهو‬
‫كتاب ديني علمي اجتماعي تهذيبي خلقي تاريخي‪ ،‬وكثير‬
‫من أنظمته وقوانينه تستعمل حتى في وقتنا الحالي‪،‬‬
‫وستبقى مستعملة حتى قيام الساعة‪ ،‬وهل في استطاعة‬
‫إنسان أن يأتيني بدور من الدوار كانت فيه الشريعة‬
‫)‪(1‬‬
‫السلمية مغايرة للمدنية والتقدم؟‬
‫كما تحتاج البشرية كثيرا ً من الحاجات والحقوق‪ ،‬وقد‬
‫ذكرتها مفصلة في كتابي )عناية السنة النبوية بحقوق‬
‫ون قاموس‬ ‫النسان( وفيه أكثر من خمسمائة رواية ُتك ّ‬
‫حقوق النسان‪.‬‬
‫ويقول المفكر اللبناني المسيحي نصري سلهب‪:‬‬
‫تراثك يا ابن عبد الله ينبغي أن ُيحيا‪ ،‬ل في النفوس‬
‫والقلوب فحسب‪ ،‬بل في واقع الحياة‪ ،‬في ما يعاني‬
‫البشر من أزمات وما يعترضهم من عقبات‪ .‬تراثك‬
‫مدرسة يلقى على منابرها كل يوم عظة ودرس‪ .‬كل‬
‫سؤال له عندك جواب كل مشكلة‪ ،‬مهما استعصت‬
‫ً )‪(2‬‬
‫وتعقدت‪ ،‬نجد لها في آثارك حل‪.‬‬
‫ً‬
‫فما هي المشكلت التي نجد لها حل في سنة نبي‬
‫الرحمة ‪‬؟‬
‫سنجدها بمشيئة الله تعالى في الفصول التالية‪:‬‬
‫الفصل الول‪ :‬المشكلت السياسية‬
‫علج هذه المشكلت له علقة بمفهوم السياسة عند‬
‫المسلمين وغير المسلمين‪ ،‬فيقول ابن عقيل في كتابه‬
‫)الفنون(‪ :‬السياسة ما كان فعل ً يكون معه الناس أقرب‬
‫إلى الصلح وأبعد إلى الفساد‪ ،‬وإن لم يضعه الرسول ول‬
‫)‪(3‬‬
‫نزل به وحي‪.‬‬
‫وقال ابن عابدين الحنفي‪ :‬السياسة استصلح الخلق‬
‫)‪(4‬‬
‫وإرشادهم إلى الطريق المنجي في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫وقد استهل شيخ السلم ابن تيمية مقدمة كتابه‬
‫)السياسة الشرعية في إصلح الراعي والرعية( بقوله‪:‬‬

‫‪ -11‬انظر قطوف دانية من مآثر المسلمين ‪. 92‬‬


‫‪ -1 2‬في خطى محمد ص ‪.396‬‬
‫‪ -3‬نقل ً من كتاب الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ص ‪.15‬‬
‫‪ -4‬حاشية رد المختار على الدر المختار ‪.4/15‬‬

‫‪69‬‬
‫وهذه رسالة مبنية على آية المراء في كتاب الله وهي‬
‫قوله تعالى ﴿إن الله يأمركم أن تؤدوا المانات إلى أهلها‬
‫وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل﴾ ]النساء‪،[58/‬‬
‫ثم ذكر شيئا من تفسيرها ثم ختم بقوله‪ :‬وإذا كانت الية‬
‫قد أوجبت أداء المانات إلى أهلها‪ ،‬والحكم بالعدل فهذان‬
‫)‪(1‬‬
‫جماع السياسة العادلة والولية الصالحة‪.‬‬
‫ونستنتج من هذه القوال أن السياسة في السلم‬
‫تنشد أداء المانة والعدل والصلح والفلح في الدنيا‬
‫والخرة‪ ،‬وليس كما يظن البعض في هذا العصر أنها‬
‫المراوغة والدجل واستخدام الحيل كما يراه )نيقول‬
‫ميكافللي( في كتابه الشهير بعنوان )المير( الذي اشتهر‬
‫في أوروبا وأخذ به عتاولة السياسة‪ ،‬ويقول )كريستان‬
‫غاوس( عميد جامعة برنستون السبق‪ :‬اختار‬
‫)موسيليني( كتاب المير أطروحة للدكتوراه‪ ,‬وكان هتلر‬
‫يضعه في سريره ليقرأ به قبل النوم‪ ,‬وتتلمذ‬
‫)لينين(و)ستالين( على هذا الكتاب أيضًا‪ ,‬ومنذ خمسين‬
‫عاما ً بدأنا نطلق على )مكيافللي( اسم مؤسس علم‬
‫)‪(2‬‬
‫السياسة الحديث‪.‬‬
‫وعند إنشاء دولة السلم في المدينة النبوية تبلور‬
‫المنهاج السياسي النبوي من خلل التعامل مع المسلمين‬
‫وغير المسلمين في داخل ديار السلم وخارجها‪ ،‬وأصبح‬
‫ل‪ ،‬وعهدا ً ملزما ً للمسلمين فيما بينهم ومع‬
‫صرحا ً عاد ً‬
‫غيرهم‪.‬‬
‫قال المستشرق الفرنسي مارسيل بوازار‪ :‬وكما‬
‫يظهر التاريخ الرسول ‪ ‬قائدا ً عظيما ملء قلبه الرأفة‪،‬‬
‫يصوره كذلك رجل دولة صريحا قوي الشكيمة له‬
‫سياسته الحكيمة التي تتعامل مع الجميع على قدم‬
‫)‪(3‬‬
‫المساواة وتعطي كل صاحب حق حقه‪.‬‬
‫وإذا تتبعنا المنهاج النبوي في سياسته الخارجية‬
‫والداخلية نرى علج المشكلت حسب المطالب التالية‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬مشكلة التفرقة العنصرية‬
‫‪ -1‬السياسة الشرعية ص ‪.7-6‬‬
‫‪ -2‬كتاب المير لينقول ميكافيلي ص ‪.18‬‬
‫‪ -23‬قالوا عن السلم ص ‪. 99‬‬

‫‪70‬‬
‫والدينية والقليمية‬
‫تعاني مجتمعات العالم من الفوارق الطبقية فيما‬
‫بينها في اللوان والديان والبلدان واللسان‪ ،‬وهذه‬
‫المعاناة تكون في القارة الواحدة بل في البلدة الواحدة‪.‬‬
‫يقول المؤرخ أ‪.‬د أكرم ضياء الُعمري‪ :‬إن قضية‬
‫العنصرية والجناس المتفوقة مما شغل المفكرين في‬
‫القرن التاسع عشر‪ ،‬وانتهى ذلك إلى الحالة خطيرة من‬
‫الستعلء القومي بسبب العتقاد الذي ساد الناس في‬
‫أوربا ‪-‬خاصة‪ -‬بوجود تمايز بيولوجي وعقلي بين البشر‪،‬‬
‫وإن بعض الجناس متفوقة على سواها‪ ،‬وقد جر ذلك‬
‫إلى الحب العالمية الولى والثانية… وأزهقت مليين‬
‫الرواح ودمرت آلة القتصاد العالمي وعاش الناس في‬
‫ل السلم هذه‬ ‫رعب قاتل عدة سنوات… وقد ح ّ‬
‫المشكلة قبل أربعة عشر قرنا عندما قرر وحدة الصل‬
‫للبشر جميعا‪ ،‬فكلهم من آدم وحواء فهم يستوون إذا في‬
‫الصل‪ ،‬وبالتالي في الخصائص الجسمية والنفسية‬
‫والعقلية‪ ،‬وإنما اقتضت حكمة الله تعالى أن تختلف‬
‫ألوانهم وتعدد لغاتهم‪ ،‬وقد أوضحت الية أن علقة هذه‬
‫الشعوب المختلفة اللوان واللغات هي علقة التعارف‬
‫المفضي إلى التعاون‪ ،‬وهكذا قامت الحضارة السلمية‬
‫على مبدأ وحدة النسانية ولم تعترف بالتفوق العرقي‬
‫والستعلء القومي‪ .‬وإنما وضعت مقياسا خلقيا للتفاضل‬
‫بين الفراد ﴿إن أكرمكم عند الله أتقاكم﴾ ]الحجرات‪[13 /‬‬
‫وقد اعترف بذلك كبار المفكرين‪ ،‬قال المؤرخ البريطاني‬
‫المعاصر أرنولد توينبي‪ :‬إن انطفاء جذوة النـزعات‬
‫العنصرية بين المسلمين يعد ظاهرة من أعظم‬
‫)‪(1‬‬
‫المنجزات الخلقية في السلم‪.‬‬
‫وقد عالج نبي الرحمة هذه المشكلة بالمساواة‬
‫والعدالة‪ ،‬لن حق المساواة هو واجب على الجميع كل‬
‫على قدر مسؤوليته‪ ،‬وهذا الحق يجعل أفراد المجتمع في‬
‫انسجام ووئام وتآلف إذ تتلشى الفروق العنصرية بل‬

‫‪ -1‬السلم والوعي الحضاري ص ‪.172‬‬

‫‪71‬‬
‫تنعدم لنها تتطلع وتفخر بقول الله تعالى ﴿يا أيها الناس‬
‫إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل‬
‫لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم﴾ ]الحجرات‪،[13/‬‬
‫وفي هذه الية العظيمة إلغاء الطبقية والعنصرية‬
‫والجنسية‪ ،‬فكل الناس سواسية كأسنان المشط وإنما‬
‫يتفاضلون بالتقوى‪.‬‬
‫ولهذا نرى تطبيق السنة النبوية في حق المساواة‬
‫تجّلت في عدة وقائع منها حينما قال أبو ذّر لحد أصحابه‪:‬‬
‫يا ابن السوداء فزجره النبي ‪ ‬بقوله‪" :‬أعيرته بأمه إنك‬
‫)‪(1‬‬
‫امرؤ فيك جاهلية"‪.‬‬
‫فأنكر على أبي ذّر هذه العنصرية البغيضة الجاهلية‪،‬‬
‫لن العرب في عهد الجاهلية كانوا يزدرون ذوي اللون‬
‫السود ويستعلون عليهم‪ ،‬فجاء السلم فساوى بين‬
‫الجميع‪.‬‬
‫ولما ظهر السلم كان بلل الحبشي أول مؤذن‬
‫لرسول الله ‪ .‬وكذلك المساواة بين الشريف وغيره‬
‫في أمر القضاء فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أن‬
‫امرأة مخزومية سرقت فشفع لها ُأسامة بن زيد ‪‬‬
‫)‪(2‬‬
‫فأجابه النبي ‪" :‬أتشفع في حد من حدود الله؟"‪.‬‬
‫وخطب رسول الله ‪ ‬في حجة الوداع فكان مما‬
‫قال للمسلمين بل للناس أجمعين‪" :‬يا أيها الناس‪ :‬أي‬
‫يوم هذا؟" قالوا‪ :‬يوم حرام‪ .‬قال‪" :‬فأي بلد هذا؟" قالوا‪:‬‬
‫بلد حرام‪ .‬قال‪" :‬فأي شهر هذا؟" قالوا‪ :‬شهر حرام‪.‬‬
‫قال‪" :‬فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام‬
‫كحرمة يومكم هذا‪ ،‬في بلدكم هذا‪ ،‬في شهركم هذا"‬
‫ً )‪(3‬‬
‫فأعادها مرارا‪.‬‬
‫وقد جاءت السنة صريحة بالمساواة بين الجناس‬
‫وبين أصحاب الموال والفقراء "إن الله ل ينظر إلى‬
‫‪ -1‬صحيح البخاري ‪ -‬كتاب اليمان ‪ -‬باب المعاصي من أمر الجاهلية‬
‫ح ‪.30‬‬
‫‪ -2‬صحيح مسلم ‪ -‬كتاب الحدود ‪ -‬باب قطع السارق الشريف‬
‫‪3/1315‬ح ‪.1688‬‬
‫‪ -‬صحيح البخاري – كتاب الحج – باب الخطبة أيام منى‪ ،‬حديث‬ ‫‪3‬‬

‫رقم ‪.1739‬‬

‫‪72‬‬
‫صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم"‪ ،‬لن هذه‬
‫ح عنه "التقوى ها هنا ‪-‬‬ ‫القلوب هي محل التقوى كما ص ّ‬
‫ويشير إلى صدره ثلث مرات ‪ -‬بحسب امرئ من الشر‬
‫أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام‬
‫)‪(1‬‬
‫دمه وماله وعرضه"‪.‬‬
‫ومع هذه المساواة أعطى كل ذي حق حقه فقد ذكر‬
‫شيخ السلم ابن تيمية في السياسة الشرعية‪ :‬أداء‬
‫المانات‪ ،‬وقال‪ :‬وفيه بابان‪ ،‬الباب الول الوليات‪ .‬والباب‬
‫الثاني‪ :‬الموال وذكر تحت باب الوليات الفصل الول‬
‫استعمال الصلح فقال‪ :‬إن النبي ‪ ‬لما فتح مكة‬
‫وتسلم مفاتيح الكعبة من بني شيبة‪ ،‬طلبها منه العباس‪،‬‬
‫ليجمع له بين سقاية الحاج‪ ،‬وسدانة البيت‪ ،‬فأنزل الله‬
‫هذه الية)‪ ،(2‬بدفع مفاتيح الكعبة إلى بني شيبة‪ .‬فيجب‬
‫ي على كل عمل من أعمال‬ ‫ي المر أن يول ّ‬ ‫على ول ّ‬
‫المسلمين‪ ،‬أصلح من يجده لذلك العمل‪ ،‬قال النبي ‪:‬‬
‫"من ولي من أمر المسلمين شيئا‪ ،‬فولى رجل وهو يجد‬
‫من هو أصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله")‪.(3‬‬
‫ويستفاد من الحديث أن النبي ‪ ‬قد اهتم بأمر‬
‫الولية وهي سنام السياسة‪ ،‬ول غرابة فقد علم الساسة‬
‫طر الحقوق السياسية تأطيرًا‪ ،‬وأرسى‬ ‫السياسة‪ ،‬وأ ّ‬
‫أركانها إذ أحاط بمفرداتها‪ ،‬ومارس تجاربها عمليا ً بكل ما‬
‫أوتي من حكمة وحنكة‪ ،‬واستخدم فصاحته وبلغته لبيانها‬
‫بجلء‪.‬‬
‫ومن الجدير بالذكر أن حكومة المملكة العربية‬
‫السعودية مستمرة على هذا العهد إذ ل تزال قبيلة بني‬
‫شيبة تتصدر هذا الشرف فإن مفاتيح الكعبة المشرفة ل‬
‫تزال باقية عندها‪.‬‬

‫‪ -1‬صحيح مسلم ‪ -‬كتاب البر والصلة ‪ -‬باب تحريم ظلم المسلم‪،‬‬


‫‪ 4/1986‬ح ‪.33-2564/32‬‬
‫دوا المانات إلى‬
‫ّ‬ ‫تؤ‬ ‫أن‬ ‫يأمركم‬ ‫‪ -2‬أي قوله تعالى ﴿إن الله‬
‫أهلها﴾ ]النساء‪.[58/‬‬
‫‪ -‬أخرجه الحاكم في المستدرك ‪ 4/104‬ح ‪ 7022‬وقال‪ :‬هذا‬ ‫‪3‬‬

‫حديث صحيح السناد ولم يخرجاه‪ ،‬وصححه ووافقه الذهبي‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫وهكذا كان النبي ‪ ‬يقوم بالعدل خير قيام‪ ،‬كما رغب‬
‫فيه ووعد بالخير العظيم لمن يقوم به‪ ،‬فقد ثبت عنه ‪‬‬
‫أنه قال‪" :‬إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن‬
‫يمين الرحمن‪ ،‬وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم‬
‫وأهلهم وما ولوا ")‪.(1‬‬
‫وكذلك العدل واجب في التجارة فيجب أن تنضبط‬
‫البيوع بالعدالة ل ظلم ول غبن ول غش‪ ،‬فقد ثبت عن‬
‫النبي ‪ ‬أنه قال "من غشنا فليس منا")‪ (2‬وذلك بسبب‬
‫ش في الطعام‪.‬‬ ‫الغ ّ‬
‫إنه نظام العدل وعدل النظام‪ ،‬فقد بدد ظلمات‬
‫الجاهلية‪ ،‬وامتد نوره أنحاء البرية‪.‬‬
‫يقول العالم اللماني رودي بارت‪ :‬كان العرب‬
‫يعيشون منذ قرون طويلة في بوادي وواحات شبه‬
‫الجزيرة‪ ،‬يعيثون فيها فسادًا‪ .‬حتى أتى محمد ]‪[‬‬
‫ودعاهم إلى اليمان بإله واحد‪ ،‬خالق بارئ‪ ،‬وجمعهم في‬
‫)‪(3‬‬
‫كيان واحد متجانس‪.‬‬
‫ويقول العالم المريكي مايكل هارث‪:‬‬
‫إن محمدا ً ]‪ [‬كان الرجل الوحيد الذي نجح بشكل‬
‫أسمى وأبرز في كل المستويين الديني والدنيوي‪ ..‬إن‬
‫هذا التحاد الفريد الذي ل نظير له للتأثير الديني‬
‫والدنيوي معا ً يخوله أن يعتبر أعظم شخصية ذات تأثير‬
‫)‪(4‬‬
‫في تاريخ البشرية‪.‬‬
‫يقول المؤرخ المريكي فيليب حتي‪:‬‬
‫إن إقامة الخوة في السلم مكان العصبية الجاهلية‬
‫)القائمة على الدم والقرابة( للبناء الجتماعي كان في‬
‫)‪(5‬‬
‫الحقيقة عمل ً جريئا ً جديدا ً قام به النبي العربي ]‪...[‬‬
‫‪ -1‬صحيح المسلم كتاب المارة ‪-‬باب فضيلة المام العادل‪،‬‬
‫‪ 3/1458‬ح ‪.1827‬‬
‫‪ - 2‬صحيح مسلم ‪ -‬كتاب اليمان ‪ -‬باب قول النبي ‪" ‬من غشنا‬
‫فليس منا"‪ 1/99 ،‬ح ‪.101‬‬
‫‪ -3 3‬الدراسات العربية والسلمية في الجامعات اللمانية‪ ،‬ص‬
‫‪.20‬‬
‫‪ -4 4‬قالوا عن السلم ص ‪.91‬‬
‫‪ -5 5‬السلم منهج حياة ص ‪.51‬‬

‫‪74‬‬
‫إن حضارة السلم جاءت لتبقى حتى تقوم الساعة‪,‬‬
‫وما يعتري المسلمين من اضطراب سياسي وضعف فهو‬
‫بسبب الغيبوبة عن التعلم والعمل والزهد بالقرآن‬
‫والسنة فهما الرافدان الصليان للحقوق السياسية‪،‬‬
‫مة إليهما ارتقت وانتعشت‪ ,‬وكلما‬ ‫ُ‬
‫فكلما رجعت ال ّ‬
‫ابتعدت عنهما ارتمت وانتكست‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مشكلة نظام الدقرطة‬
‫لقد كُثر الكلم عن النظام الديمقراطي في شتى‬
‫وسائل العلم‪ ،‬وفي جميع أروقة السياسة‪ ،‬وقد أثّر هذا‬
‫اللحاح في كثير من الدول‪ ،‬وأرى أن مصدر المشكلت‬
‫ومنبع الفتن هو هذا النظام‪ ،‬لنه سريع الحتراق والتلون‪،‬‬
‫ول غرابة فإنه من صنع البشر‪ ،‬ومهما أوتيت البشرية من‬
‫حكمة وعقل في صياغة القوانين الوضعية فإنها ل تداني‬
‫ول تضاهي شريعة خالق البشر لنه سبحانه هو أعلم بما‬
‫يصلح لهم ﴿وخلق النسان ضعيفا ً﴾ ]النساء‪.[28/‬‬
‫لقد بلغت الممارسة الديمقراطية دركات النتكاس‪،‬‬
‫من السباب والشتائم فيما بين أعضاء البرلمانات‪،‬‬
‫والتهامات والفضائح التي نالت من رؤساء بعض الدول‪،‬‬
‫حتى الدول المتقدمة ماديًا‪ ،‬حتى بلغ المر بها أن‬
‫استخدمت لغة ضرب الحذية تجاه رئيس وزراء دولة‬
‫متقدمة ماديا ً سنة ‪1990‬م‪ ،‬عندما وافق على دعم‬
‫المحتلين للعراق‪ ،‬وهذه الممارسات لم نشاهدها ل في‬
‫العهد الجاهلي العربي ول البيزنطي‪.‬‬
‫وعند ما نضع النظام الديمقراطي في الميزان‬
‫الدقيق‪ ،‬فإنه يتكون لدينا قاموس المصائب والمظالم‪،‬‬
‫وها هو السيل من السؤالت يجري في الذاكرة ولعل‬
‫هذا القلم يقطر بذكر أهمها‪:‬‬
‫‪ -1‬من الذي وضع القوانين الوضعية المتقلبة وستر‬
‫عارها؟‬
‫‪ -2‬من الذي جعل المجتمع الواحد ينقسم إلى أحزاب‬
‫يزداد تناحرها؟‬

‫‪75‬‬
‫‪ -3‬من الذي أشعل فتن المعارضة في الدول وسّعر‬
‫نارها؟‬
‫وارها؟‬
‫‪ -4‬من الذي أتى بالحزاب الشيوعية وث ّ‬
‫‪ - 5‬من الذي أتى بالحزاب القومية وعوارها؟‬
‫‪ -6‬من الذي وّرط الجماعات السلمية في الجزائر‬
‫وفلسطين ويسعى لدمارها؟‬
‫صب صقور البنتاجون الجاثمة‬ ‫‪ -7‬من الذي ن ّ‬
‫باستكبارها؟‬
‫‪ -8‬من الذي مهد تجييش الجيوش لحتلل ديار‬
‫العراق بخدعة تحريرها؟‬
‫‪ -9‬من الذي خدع الشعوب ونال من أحبارها؟‬
‫‪ -10‬من الذي سلب حقوق الحاكم والمحكوم‬
‫وغّيرها؟‬
‫‪ -11‬من الذي ساعد على ظهور العلمانية وأفكارها؟‬
‫‪ -12‬من الذي ساعد على انتشار الماسونية‬
‫وأوكارها؟‬
‫‪ -13‬من الذي عّرى المرأة وهتك أستارها؟‬
‫‪ -14‬من الذي قنن الدعارة ووضع أسعارها؟‬
‫‪ -15‬من الذي جرأ على الجريمة وانتشارها؟‬
‫ويتفرع من هذه السؤالت الخمسة عشر عشرات‬
‫أخرى‪ ،‬ولكن للختصار اكتفيت بما ورد‪ ،‬وأرى أن الجواب‬
‫على هذه السؤالت هو جواب واحد‪:‬‬
‫إن الذي فعل هذه هو‪ :‬النظام الديمقراطي الذي‬
‫يتمحور حول قطب القوانين الوضعية‪ .‬وقد ُيستغرب من‬
‫هذا الجواب‪ ،‬وإليك التعليل بالترتيب حسب أرقام‬
‫السؤالت السابقة‪:‬‬
‫‪ -1‬فالذي وضع القوانين الوضعية بشر من رجال‬
‫القانون والبرلمان‪ ،‬لن الديمقراطية هي‪ :‬حكم الشعب‬
‫للشعب‪ ،‬ورجال البرلمان يمثلون الشعب وهم معرضون‬
‫للخطأ مهما أوتوا من خبرة‪ ،‬فهي متغيرة وفي كل فترة‬
‫تتغير المواد القانونية! وهكذا يحاولون ستر ضعفها‬
‫وهزالها‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫‪ -2‬لقد شقق النظام الديمقراطي المجتمع إلى‬
‫أحزاب متنافرة كل يطالب بالحكم ويصوت لمرشحه‪،‬‬
‫وتوزع الرشوات على الذين يدلون بأصواتهم‪ ،‬وتنشر‬
‫الفضائح والقبائح‪.‬‬
‫‪ -3‬إذا فاز أحد الحزاب فإن بقية الحزاب غالبا ً ما‬
‫تكون معارضة‪ ،‬والمعارضة ل تأتي بخير ول نصيحة‪ ،‬إنما‬
‫هي فتن‪ ،‬وقيل وقال‪ ،‬ومؤامرات ضد الحاكم وحزبه‪ ،‬مما‬
‫يشغل الناس بالفتن ويضيع الوقات والموال‪.‬‬
‫‪ -4‬لو تتبعنا رؤساء الحزاب الشيوعية والشتراكية‬
‫في روسيا والصين لرأينا أغلبهم كانوا في الحزب‬
‫الديمقراطي ثم أسسوا تلك الحزاب فكان النظام‬
‫الديمقراطي نواة للحزاب الشيوعية والشتراكية‪.‬‬
‫‪ -5‬وكذلك الحزاب القومية انبثقت من الحزاب‬
‫الديمقراطية التي حاولت تقويض نظام الحكم السلمي‬
‫في الدولة العثمانية‪ ،‬فقامت أحزاب قومية تركية وعربية‬
‫وكردية وفارسية وبربرية وأرمنية كل ذلك من أجل إلغاء‬
‫نظام الحكم السلمي‪.‬‬
‫‪ -6‬الذي وّرط الجماعات السلمية هي النتخابات‬
‫الديمقراطية التي فازت بها الجماعات السلمية‪ ،‬ثم‬
‫باسم الديمقراطية قامت المعارضة حربا ً عليها بالضغوط‬
‫المادية والمعنوية كما نراه في هذه اليام‪.‬‬
‫‪ -7‬إن الذي نصبهم هو أعضاء البرلمان المنتخبون ‪،‬‬
‫وهم الن يتصرفون باستكبار حتى على ذلك البرلمان‪.‬‬
‫‪ -8‬إن النظام الديمقراطي في أمريكا هو الذي مهد‬
‫لحتلل العراق باسم الحرية والتحرير‪ ،‬وهو الذي وافق‬
‫على التمويل الهائل بمئات المليارات من الدولرات‪ ،‬ومع‬
‫التهاويل والتنكيل والتقتيل الذي أصاب العراق)‪ (1‬يقال أنه‬
‫سيكون نموذجا ً للحرية والديمقراطية في الشرق‬
‫الوسط الكبير!!!‬

‫‪ -1‬فائدة‪ :‬لم يصنف كتاب بعنوان "قاموس الظلم" ومن أراد‬ ‫‪1‬‬

‫أن يطلع على هذا القاموس فليستقرئ أحوال العراق‪ ..‬إنا لله‬
‫وإنا إليه راجعون‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫هذا الكلم يرفضه نبي الحكمة موسى ‪ ‬ونبي‬
‫الرحمة عيسى ‪ ‬لنه ل يوجد في شريعتيهما‪ ،‬ويأباه‬
‫التوراة والنجيل‪ ،‬بل ويستنكره المعتدلون من قوم‬
‫عيسى وموسى عليهما الصلة والسلم ‪.‬‬
‫‪ -9‬لقد ُزينت الديمقراطية بثوب زور صبغته الحرية‪،‬‬
‫وقد انطلت هذه الصبغة على كثير من الناس‪ ،‬فانصرفوا‬
‫جم دور العلماء واقتصر على‬ ‫ح ّ‬
‫عن علمائهم وشريعتهم‪ ،‬ف ُ‬
‫بعض ميادين الحياة بما يسمى الحوال الشخصية‪ ،‬فأدى‬
‫إلى بعد أولئك عن شريعتهم‪ ،‬فاقتحمت القوانين الوضعية‬
‫أسوار الفضيلة فانتشرت الرذيلة‪ ،‬وشاعت المحرمات‬
‫ومحقت البركات‪ ،‬وسادت قوانين الغابات‪.‬‬
‫‪ -10‬وهذا أدى إلى هدر الحقوق فترى حق الحاكم‬
‫في السمع والطاعة دخل في خبر كان! بل نسمع في‬
‫بعض البلدان المتقدمة ماديا ً أنه يتهم بالفاحشة فتضيع‬
‫هيبته‪ ،‬أما في السلم فإن من يقذف الحاكم بذلك فإنه‬
‫يجلد ثمانين جلدة مهما بلغ عددهم إل إذا شهد أربعة‬
‫شهداء قد رأوا ذلك رأي العين بعد التثبت والتأكد فإن‬
‫الحد ّ يقع عليه‪ ،‬وهكذا نرى كثيرا ً من حقوق المجتمع قد‬
‫ضاعت لن الله تعالى قد ضمن حقوقهم جميعًا‪ ،‬فحينما‬
‫هدرت تلك الحقوق‪.‬‬ ‫زهد الناس بشريعة الله ُ‬
‫‪ -11‬لقد انتعشت العلمانية بانتشار النظام‬
‫الديمقراطي واستطاعت بث أفكارها ضد تعاليم السلم‬
‫إتباعا للشهوات والشبهات‪ ،‬ويمكن القول أن النظام‬
‫الديمقراطي هو وليد الفكار العلمانية‪ ،‬فهما عملة واحدة‬
‫مزوقين بالشعارات البراقة‪.‬‬ ‫ذات وجهين‪ُ ،‬‬
‫‪ -12‬إن المحافل الماسونية انتشرت وتوسعت‬
‫بانتشار الديمقراطية‪ ،‬كما وجدت تلك المحافل حماية‬
‫لفكارها من قبل الحكومات المخدوعة بذلك النظام‪،‬‬
‫فقد كانت تتم مؤتمرات المحافل خفية‪ ،‬وحينما وجدت‬
‫الدعم والحماية من تلك الحكومات أخذت تعلن عن‬
‫بعض مؤتمراتها وتكشف عورة بعض أفرادها‪ ،‬وهكذا‬
‫بلغت بهم الجرأة‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫‪ -13‬بوصول جيوش الحتلل إلى بعض البلدان‬
‫السلمية في القرن الماضي بدأت الضغوط على لباس‬
‫المرأة وحجابها‪ ،‬واستخدموا وسائل كثيرة ماكرة‪،‬‬
‫واستغلوا أرباب السذاجة المخدوعين بالنظام‬
‫الديمقراطي باسم الترقي والتقدم‪ ،‬فخلعوا حجاب‬
‫المرأة ثم هتكوا سترها شيئا ً فشيئا ً حتى ألقوها عارية أو‬
‫شبه عارية على شواطئ البحار وضفاف النهار‪ ،‬وفي‬
‫أوكار المسرح والتمثيل بقيادة مؤسسة الفن )هوليود(‬
‫وما أدراك ما هوليود؟!‬
‫‪ -14‬لما وضعت القوانين الوضعية حسب النظام‬
‫الديمقراطي فقد جعلت الزنا مباحا ً برضا الطرفين‪ ،‬فإذا‬
‫رفعت الشكوى إلى القضاء فإنهم يقضون بعقوبة مالية‬
‫زهيدة جدًا‪ ،‬وذلك حسب القانون الفرنسي الذي انتشر‬
‫في كثير من الدول‪ ،‬بل في الدول السلمية المسماة‬
‫بالدول الفرانكفونيه‪ ،‬فهل هذه عقوبة على جريمة الزنا‬
‫أم تسعير للزنا!‬
‫‪ -15‬وكذلك حينما وضعت عقوبة السجن للقاتل عمدا ً‬
‫لتعطيل حكم القصاص الحكيم‪ ،‬فإن جريمة القتل‬
‫انتشرت ول زالت بازدياد حسب إحصاءات المعهد‬
‫العالمي للجريمة‪ .‬كل ذلك من مخلفات النظام‬
‫الديمقراطي‪.‬‬
‫عقد مؤتمر في باريس بتاريخ‬ ‫والعجيب ُ‬
‫‪16/1/1428‬هـ ينادي بإلحاح إلغاء القصاص!‬
‫كيف يرضى هذا النسان العاقل بهذا التخبط في‬
‫التشريعات؟ ويتغافل عن شريعة الخالق التي عملت فيها‬
‫الديان وجميع النبياء‪ ،‬ومنهم نبي الرحمة ‪ ،‬فقد استمد‬
‫نبي الرحمة ‪ ‬نظام الحكم من الله الخالق سبحانه‬
‫بنـزول القرآن الكريم الذي اشتمل على التشريعات‬
‫السياسية داخل الدولة وخارجها‪ ،‬وذلك من خلل مبدأ‬
‫البيعة والشورى والعتماد في ذلك على أهل الحل‬
‫والعقد من العلماء والحكماء‪ ،‬وترشيح الحاكم الصالح من‬
‫يراه مناسبا ً لهذه المهمة الكبرى التي تحتاج إلى توافر‬

‫‪79‬‬
‫الصفات المطلوبة في الحاكم لينال كل من الحاكم‬
‫والمحكوم حقه‪ ،‬لذا حينما شعر نبي الرحمة ‪ ‬بالمرض‬
‫لم يناد للنتخابات بل أمر بتبليغ أبي بكر الصديق ‪‬‬
‫ليصلي إماما ً بالناس‪ ،‬وفيه إشارة بالخلفة الراشدة‪ ،‬وقد‬
‫تقدم في الكلم عن وفاته‪ ،‬وفي رواية أخرى أكد ثانية‬
‫على ذلك التكليف والتشريف‪ ،‬قال الحافظ ابن ناصر‬
‫الدمشقي ت ‪842‬هـ‪ :‬وجاءت الشارة الصريحة إلى‬
‫)‪(1‬‬
‫خلفة الصديق الصحيحة‪.‬‬
‫وقد عمل بذلك أبو بكر ‪ ‬في استخلف عمر ‪،‬‬
‫كما كان نبي الرحمة ‪ ‬يعمل بنظام الشورى الذي أمر‬
‫الله تعالى به في قوله تعالى‪﴿ :‬وشاورهم في‬
‫]آل عمران‪ ،[159/‬وقد استجاب النبي ‪ ‬لهذا‬ ‫المر﴾‬
‫سخ دعائمه قول ً وفع ً‬
‫ل‪ ،‬فقد‬ ‫المر وأرسى نظامه‪ ،‬ور ّ‬
‫أخرج مسلم بسنده عن أنس أن رسول الله ‪ ‬شاور‬
‫حين بلغه إقبال أبي سفيان‪ ،‬قال‪ :‬فتكلم أبو بكر فأعرض‬
‫عنه‪ ،‬ثم تكلم عمر فأعرض عنه‪ ،‬فقام سعد بن عبادة‬
‫فقال‪ :‬إيانا تريد يا رسول الله‪ ،‬والذي نفسي بيده لو‬
‫أمرتنا أن نخيضها البحر لخضناها‪ ،‬ولو أمرتنا أن نضرب‬
‫)‪(2‬‬
‫أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا‪.‬‬
‫وهذه المشاورة حصلت ُقبيل غزوة بدر‪ ،‬وقد أظهرت‬
‫الراء السديدة والتأييدات الرشيدة التي كانت أحد‬
‫أسباب النصر في هذه المعركة‪.‬‬
‫قال السفاريني‪ :‬فاستشار ‪ ‬الناس‪ ،‬أي‪ :‬طلب‬
‫المشورة منهم؛ امتثال لقوله تعالى‪﴿ :‬وشاورهم في‬
‫المر﴾]آل عمران‪.[159/‬‬
‫قال ابن الجوزي في قوله تعالى ﴿وشاورهم في‬
‫المر﴾ معناه‪ :‬استخرج آراءهم واعلم ما عندهم‪ .‬ويقال‪:‬‬
‫إنه من شرت العسل‪ :‬إذا استخرجته من الخلية‪.‬‬
‫اختلف العلماء‪ ،‬لي معنى أمر الله نبيه ‪ ‬بمشاورة‬
‫ن به من‬ ‫أصحابه ‪ ،‬مع كمال رأيه وتدبيره‪ .‬فقيل‪ :‬ليست ّ‬
‫‪ - 1‬سلوة الكئيب بوفاة الحبيب ‪ ‬ص ‪.109-108‬‬
‫‪ -22‬صحيح مسلم ‪ - 3/1403‬كتاب الجهاد والسير ‪ -‬باب غزوة بدر‬
‫ح ‪.1779‬‬

‫‪80‬‬
‫بعده‪ ،‬قاله الحسن‪ ،‬وسفيان بن عيينة‪ .‬وقيل‪ :‬لتطيب‬
‫قلوبهم‪ ،‬قاله قتادة‪ ،‬والربيع‪ ،‬وابن إسحاق‪ ،‬ومقاتل‪.‬‬
‫وقال الشافعي‪ :‬نظير هذا قوله‪ :‬البكر تستأمر في‬
‫نفسها‪ ،‬إنما أراد استطابة نفسها‪ ،‬فإنها لو كرهت كان‬
‫للب أن يزوجها‪ ،‬وكذلك مشاورة إبراهيم لبنه عليهما‬
‫السلم حين أمر بذبحه‪.‬‬
‫قال ابن الجوزي‪ :‬من فوائد المشاورة أن المشاورة‬
‫إذا لم ينجح أمره؛ علم أن امتناع النجاح محض قدر؛ فلم‬
‫يلم نفسه‪ .‬ومنها‪ :‬أنه قد يعزم على أمر يتبين له الصواب‬
‫في قول غيره‪ ،‬فيعلم عجز نفسه عن الحاطة بفنون‬
‫المصالح‪.‬‬
‫قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ‪:‬‬
‫الستشارة عين الهداية‪ ،‬وقد خاطر من استغنى برأيه‪.‬‬
‫والتدبير قبل العمل يؤمنك من الندم‪.‬‬
‫وقال بعض الحكماء‪ :‬ما استنبط الصواب بمثل‬
‫المشاورة‪ ،‬ول حصنت النعم بمثل المواساة‪ ،‬ول اكتسبت‬
‫البغضاء بمثل الكبر‪.‬‬
‫واعلم أن النبي ‪ ‬إنما أمر بمشاورة أصحابه فيما لم‬
‫مهم بالذكر‪ ،‬والمقصود أرباب الفضل‬ ‫يأته فيه وحي‪ .‬وع ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫والتجارب منهم‪.‬‬
‫مة أيضا‪ً،‬‬ ‫إن القيام بالمشاورة هو حق المام وحق ال ُ‬
‫ّ‬
‫وقد قام بهما ‪ ‬عمليا ً لتتضح صورتها وتتجلى فوائدها‪.‬‬
‫وبذلك فقد قام بوضع دعامة أساسية سياسية ل تزال‬
‫قائمة إلى يومنا هذا لما فيها من الفوائد والعتراف بأهل‬
‫الفضل والفراسة‪.‬‬
‫ويقول العالم المريكي مايكل هارث‪ :‬لقد أسس‬
‫محمد ]‪ [‬ونشر أحد أعظم الديان في العالم‪ ،‬وأصبح‬
‫أحد الزعماء العالميين السياسيين العظام‪ .‬ففي هذه‬
‫اليام وبعد مرور ثلثة عشر قرنا ً تقريبا ً على وفاته‪ ،‬فإن‬
‫ً )‪(2‬‬
‫تأثيره ل يزال قويا ً وعارما‪...‬‬

‫‪ -11‬شرح ثلثيات مسند المام أحمد ‪.682-1/681‬‬


‫‪ -2 2‬دراسة في المائة الوائل ص ‪.19‬‬

‫‪81‬‬
‫وبما أن أرباب الديمقراطية يتشدقون بالحرية‪،‬‬
‫والحقيقة لو كانت حرية حقيقية لما خضعت وخنعت لراء‬
‫البشر يتصرفون فيها كيف يشاءون حسب مصالحهم‬
‫الدنيوية وشهواتهم النفسية‪ ،‬أما الحرية الحقيقية فهي‬
‫تنبثق من استلهام الشريعة من خالق البشر الذي يعلم‬
‫ما يصلح لهم‪ ،‬لذلك سيأتي بعدها المبحث الثالث‬
‫)مشكلة الحرية(‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬مشكلة الحرية‬
‫يدندن أرباب السياسة من غير المسلمين كثيرا ً حول‬
‫الحرية في بلد المسلمين‪ ،‬وهم في الوقت نفسه يعانون‬
‫ل مشكلة التفرقة‬ ‫في بلدانهم من هذه المشكلة‪ ،‬وبح ّ‬
‫العنصرية والقليمية بالعدل والمساواة‪ ،‬فإنه يمهد إلى‬
‫ل مشكلة الحرية‪ ،‬والحرية في هذا العصر تعتريها‬ ‫ح ّ‬
‫ضربات قاضية‪ ،‬ونكسات سارية‪ ،‬وهجمات ضارية في‬
‫كثير من البلدان‪ ،‬وذلك بسبب الحتلل والنحلل‪،‬‬
‫والجحود والجمود‪ ،‬والتنكيل والتقتيل‪ ،‬والعنصرية‬
‫غلفت بلباس الحرية‪ ،‬وكل‬ ‫والباحية‪ ،‬تلك الباحية التي ُ‬
‫هذه السباب أضداد الحرية تخرق حق الحرية خروقًا‪،‬‬
‫وتبددها تبديدًا‪ ،‬وتجعلها كالريشة في مهب الريح إذ‬
‫أصابت النسان في جسمه ودينه‪ ،‬وفي سيادته وعرضه‪،‬‬
‫وعزته وكرامته‪ ،‬برفض أحكام الله تعالى والثوابت‬
‫اليمانية‪ ،‬ومحاولة إلغائها "وصدقت تلك المرأة الفرنسية‬
‫)مدام رولند( إذ قالت‪) :‬أيتها الحرية كم من الجرائم قد‬
‫اقترفت باسمك؟!( وذلك لما رأت ما أقدمت عليه الثورة‬
‫)‪(1‬‬
‫الفرنسية من انتهاكات باسم الحرية"‪.‬‬
‫وحينما نيمم وجوهنا شطر السنة النبوية وثمراتها في‬
‫تحقيق الحرية نجدها قد اعتنت عناية فائقة وعالجت‬
‫نقائض الحرية التي كانت في الجاهلية‪ ،‬فقامت بشتى‬
‫حقوق الحريات اتجاه الناس جميعًا‪.‬‬

‫‪ -11‬هذه الكلمة نقلتها من كتاب )حوار عن بعد حول حقوق‬


‫النسان في السلم ص ‪.(52‬‬

‫‪82‬‬
‫قال المستشرق الفرنسي مارسيل بوازار‪ :‬فتح‬
‫السلم الباب للتعايش على الصعيد الجتماعي والعرقي‬
‫حين اعترف بصدق الرسالت اللهية المنزلة على بعض‬
‫الشعوب‪ ،‬لكنه بدا له برفض الحوار في الوقت ذاته على‬
‫الصعيد اللهوتي‪ ،‬حين أزال من العقيدة كل ما اعتبر زيفا ً‬
‫مخالفا ً للتوحيد بالمعنى الدقيق للكلمة‪ ،‬وأتاح منطق‬
‫تعاليمه القوي‪ ،‬وبساطة عقيدته‪ ،‬وما يرافقها من تسامح‪،‬‬
‫أتاح كل هذا للشعوب التي فتح بلدها حرية دينية تفوق‬
‫)‪(1‬‬
‫بكثير تلك التي أتاحتها الدول المسيحية‪.‬‬
‫فلم يقتصر ‪ ‬على المسلمين بل أطلقها إلى غير‬
‫المسلمين حتى شملت المشركين العداء فقال لهم‪:‬‬
‫"اذهبوا فأنتم الطلقاء")‪ ،(2‬فأي حرية هذه؟ إنها انطلقة‬
‫الحرية من طوق الجاهلية‪ ،‬وحرية النطلق من الجاهلية‪.‬‬
‫ولم يقتصر المر على هذه المكرمة‪ ،‬فقد أعطى‬
‫الحريات التالية‪:‬‬
‫ل‪ :‬الحرية من الّرق‪ :‬لقد عالج النبي ‪ ‬ظــاهرة‬ ‫أو ً‬
‫الّرق كما سيأتي مفصل ً في المشكلت الجتماعية‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬حرية الدين‪ :‬لقد أعطى النبي ‪ ‬لغير‬
‫المسلمين حريتهم الدينية‪ ،‬إذ عاش مع اليهود فترة من‬
‫الزمن‪ ،‬كما كان يستقبل الوفود من النصارى كالسيد‬
‫والعاقب من نصارى نجران في المعاهدات التي أبرمها‬
‫بينه وبين اليهود‪ ،‬وأخذ الجزية من الذين بقوا على غير‬
‫السلم‪ ،‬كل هذا يدل على إقرار مبدأ الحرية الدينية لغير‬
‫المسلمين‪ ،‬لنه قد اعتمد على الثوابت القرآنية ﴿ل إكراه‬
‫في الدين﴾ ]البقرة‪ ،[256/‬فليس لحد أن يجبر غيره‬
‫على أن يدخله في السلم‪ ،‬ول يكرهنا أحد على الخروج‬
‫من ديننا‪.‬‬
‫وقد حظي النصارى بعناية فائقة في القرن الول‬
‫الهجري‪ ،‬وقد شهد بذلك البطريرك )عيثويابة( الذي تولى‬

‫‪ -11‬إنسانية السلم ص ‪.184‬‬


‫‪ -22‬السنن الكبرى للبيهقي ‪.9/111‬‬

‫‪83‬‬
‫كرسي البطريكية من سنة ‪ 647‬إلى سنة ‪657‬م إذ كتب‬
‫ما يلي‪:‬‬
‫ب من السيطرة على‬ ‫إن العرب الذين مكنهم الر ّ‬
‫العالم يعاملوننا كما تعرفون‪ ،‬أنهم ليسوا بأعداء‬
‫مّلتنا‪ ،‬ويقرون قسيسنا وقديسينا‪،‬‬ ‫للنصرانية بل يمتدحون ِ‬
‫)‪(1‬‬
‫ويمدون يد المعونة إلى كنائسنا وأديرتنا‪.‬‬
‫ص على‬ ‫وهذه الشهادة لم تقتصر على الحرية‪ ،‬بل تن ّ‬
‫تقديم العون للنصارى‪ ،‬ويقّرون قسيسيهم على دينهم‪،‬‬
‫وقد شهد بذلك أيضا ً المستشرق النمساوي بارتولد )‬
‫‪1930-1879‬م( إذ يقول‪ :‬وكان نصارى بلد الخلفة‬
‫يتعاملون مع عالم النصرانية بدون مشقة‪ ،‬ويتمكنون من‬
‫أن يتلقوا منهم إعانات لمؤسساتهم الدينية‪ ،‬وكان في‬
‫المؤتمر الديني الذي انعقد في القسطنطينية سنة )‬
‫‪681-680‬م( مندوب من القدس أيضًا‪ .‬ثم أن‬
‫المسيحيين المقيمين ببلد الخلفة كانوا مرتبطين بعضهم‬
‫ببعض ارتباطا ً وثيقا ً)‪.(2‬‬
‫وقد زّلت أقدام في هذا الموضوع‪ ،‬وذهب البعض أن‬
‫المسلم أيضا ً له حق الحرية في اختيار أي دين‪ ،‬واستدلوا‬
‫بالية المتقدمة دون النظر إلى البيان النبوي الذي يبين‬
‫الجمال ويزيل الشكال‪ ،‬وعطلوا بذلك حكما ً شرعيا ً أل‬
‫وهو حكم المرتد‪ ،‬ول زال من يردد ذلك إلى يومنا هذا‬
‫وبعضهم من المسلمين‪ ،‬وهذا من المور الخطيرة‬
‫سنة النبوية فيها فصل الخطاب فقد ثبت‬ ‫المعاصرة‪ ،‬وال ّ‬
‫دل دينه فاقتلوه" ‪.‬‬
‫)‪(3‬‬
‫عنه ‪ ‬أنه قال‪" :‬من ب ّ‬
‫ل دم امرئ مسلم‬ ‫ح عنه ‪ ‬أيضا ً قوله "ل يح ّ‬ ‫وص ّ‬
‫يشهد أن ل إله إل الله وأني رسول الله إل بإحدى ثلث‪:‬‬
‫النفس بالنفس‪ ،‬والثيب الزاني‪ ،‬والمفارق لدينه التارك‬
‫للجماعة")‪ ،(4‬وقوله تعالى ﴿ومن يرتدد منكم عن دينه‬
‫فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا‬
‫‪ -31‬أهل الذمة في السلم ص ‪.158‬‬
‫‪ -12‬تاريخ الحضارة السلمية ص ‪.54‬‬
‫‪ -2 3‬أخرجه الترمذي وقال‪ :‬حسن صحيح ‪ -‬السنن ‪ -‬كتاب الحدود‬
‫‪ -‬باب ما جاء في المرتد ‪ 4/48‬ح ‪.2458‬‬

‫‪84‬‬
‫ص صريح في حكم المرتد‬ ‫والخرة﴾ ]البقرة‪ ،[217/‬فهذا ن ّ‬
‫من القرآن والسنة‪ ،‬وأن القول بأن هذا المرتد له الحرية‬
‫الدينية فهو مخالفة صريحة للقرآن الكريم والسنة النبوية‬
‫الشريفة‪ .‬وقد نّبه العلمة علل الفاسي عن ذلك وأورد‬
‫شبههم ودحضها بالعقل والنقل‪ ،‬وسأذكر طرفا ً من كلمه‬
‫للختصار‪:‬‬
‫وقد وقع إجماع من المسلمين منذ نشوء المـذاهب‬
‫دل‬ ‫الفقهية على قتل المرتد؛ مستدلين بحديث‪" :‬من ب ّ‬
‫دينه فاقتلوه")‪ ،(1‬ولكنه ل يعتبرون القتل عقابا ً له على‬
‫كونه لم يعد مسلم ًَا‪ ،‬وإنما يعتبرون ذلك نتيجة خيانته‬
‫للمّلة السلمية التي انخرط في عداد أفرادها ثم‬
‫غدرها ؛ فلو ستر كفره لم يتعرض له أحد ولم يشق على‬
‫بيضة قلبه كما كان يقع المنافقين الذين قال فيهم الله‪﴿ :‬‬
‫وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم‬
‫قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون﴾ ]البقرة‪ .[14/‬فقد‬
‫صبر النبي ‪ ‬على المنافقين وهو يعلم أمـرهم؛ وقيل له‬
‫في قتل بعضهم؛ فقال‪" :‬ل يتحدث الناس أن محمدا ً‬
‫)‪(2‬‬
‫يقتل أصحابه"‪.‬‬
‫فالعقوبة إذن هي لحماية بيضة الطائفة السلمية‬
‫ممن يكسر وحدتها ويضر بها‪ ،‬وليس لمجرد تغير العقيدة‬
‫الذي ل يصحبه إعلن رّدة‪.‬‬
‫ومن أدلة الجماع قتال أبي بكر ‪ ‬للمرتدين‪،‬‬
‫ولمانعي الزكاة‪.‬‬
‫وقال أيضًا‪ :‬أما تعليل الحكم على المرتد بالقتل في‬
‫العصور الولى بخوف ضعف السلم لنه لم يتمكن بعد‬
‫من النفوس؛ وعدم بقاء العّلة اليوم‪ ،‬فهي حجة واهية؛‬
‫لن السلم في زمن أبي بكر وعلي كان أقوى في‬
‫النفوس منه في مسلمي هذا العصر الذين قد ل‬
‫‪4‬‬
‫‪ -3‬صحيح البخاري ‪ -‬كتاب الديات ‪ -‬باب قوله تعالى ﴿أن النفس‬
‫بالنفس والعين بالعين‪ ﴾...‬الية‪ ،‬ح ‪.6878‬‬
‫‪ -4‬تقدم تخريجه قبل الحديث السابق‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ -1‬ينظر صحيح البخاري ‪ -‬كتاب المناقب ‪ -‬باب ما ينهى من‬
‫دعوى الجاهلية ح ‪.3518‬‬

‫‪85‬‬
‫يستجيبوا للبشارة المسيحية أو غيرها ولكنهم يتأثرون‬
‫بدعايات اللحاد الخرافية أكثر مما تأثر السبأيون بجهالت‬
‫)‪(1‬‬
‫عبد الله بن سبأ وخزعبلته‪.‬‬
‫وقد تقدم قول المستشرق الفرنسي مارسيل بوازار‬
‫في بداية هذه المشكلة‪.‬‬
‫وقال المستشرق البريطاني سير توماس أرنولد‪ :‬لم‬
‫نسمع عن أية محاولة مدبرة لرغام الطوائف من غير‬
‫المسلمين على قبول السلم‪ ،‬أو عن أي اضطهاد منظم‬
‫)‪(2‬‬
‫ُقصد منه استئصال الدين المسيحي‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬حرية التملك‪ :‬أطلقت السنة النبوية عنان‬
‫التملك مهما بلغ المالك من الموال والقناطير المقنطرة‬
‫بشرط أن يؤدي المالك حق الزكاة‪ ،‬وشجع على التملك‬
‫حيث صرح بأن ذلك خير من الذي ل يملك شيئًا‪ ،‬وثبت عنه‬
‫‪" :‬اليد العليا خير من اليد السفلى")‪.(3‬‬
‫كان من الصحابة بعض الغنياء كأبي بكر الصديق‬
‫وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وغيرهم من‬
‫الصحابة ‪ ‬وخصوصا بعد الفتوح‪ ،‬فقد تملك بعضهم‬
‫عقارات وقرى ومزارع‪ ،‬والمالك له الحرية بماله يتصرف‬
‫فيه كيف يشاء كما يرضي الله تعالى بشرط أن ل يبذر‬
‫ذلك المال ول يصرفه في المجالت المحرمة كما سيأتي‬
‫في حق التملك ضمن الحقوق المالية‪ ،‬فقد نهى سبحانه‬
‫وتعالى بقوله ﴿ول تبذر تبذيرا‪ ،‬إن المبذرين كانوا إخوان‬
‫الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا﴾ ]السراء‪-26/‬‬
‫‪ ،[27‬وفي ذلك تحريم وتنفير من التبذير‪ .‬وفي ذلك تميز‬
‫دين السلم بالوسطية في المور المالية عن الشتراكية‬
‫والرأسمالية‪ ،‬فإن الشتراكية تقيد التملك وتفقد هذه‬
‫الحرية‪ ،‬والرأسمالية تفقد هذه الشروط فالصرف فيها‬
‫لم يقيد بحلل ول حرام‪.‬‬

‫‪ -21‬مقاصد الشريعة السلمية ص ‪.251-249‬‬


‫‪ -32‬انظر قالوا عن السلم ص ‪.266‬‬
‫‪ -4 3‬أخرجه البخاري ‪ -‬كتاب الزكاة ‪ -‬باب ل صدقة إل عن ظهر‬
‫غنى ح ‪ ،1427‬وصحيح مسلم ‪ -‬الزكاة ‪ -‬باب أفضل صدقة‬
‫الشحيح ‪ 2/717‬ح ‪.1033‬‬

‫‪86‬‬
‫كما أعطى السلم حرية التملك لغير المسلمين حيث‬
‫قال الستاذ الفرنسي جاك ريسلر‪ :‬كانت جميع الديان‬
‫لها حقّ الممارسة المطلقة في عبادتها‪ ،‬وكان اليهود‬
‫لديهم مطلق الحرية في اقتناء الثروات ووصلوا أحيانا ً‬
‫)‪(1‬‬
‫إلى مراكز سامية‪.‬‬
‫يقول المستشرق النمساوي بارتولد )‪-1879‬‬
‫‪1930‬م(‪ :‬كانت في بلد الخلفة الممتدة من رأس سان‬
‫فنسنت الواقعة جنوبي البرتغال إلى سمرقند مؤسسات‬
‫مسيحية غنية‪ ،‬قد حافظت على أملكها غير المنقولة‬
‫)‪(2‬‬
‫الموقوفة عليها‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬حرية الرأي‪ :‬إن حرية إبداء الرأي تطلق‬
‫عقل النسان ليفكر في ملكوت الله تعالى‪ ،‬وفي‬
‫مصالحه في الدنيا والخرة‪ ،‬وأما إذا قيدت هذه الحرية‬
‫ل‪ ،‬وقد احترم النبي ‪‬‬ ‫فإنها تؤثر على التفكير وتشله ش ً‬
‫الرأي وسمع من الصحابة ‪ ،‬وما وجد من رأي سديد‬
‫أخذ به‪ ،‬مما شجع على إبداء الرأي بكل وضوح دون‬
‫تردد‪ ،‬كما حصل في غزوة بدر عندما أدلى برأيه‬
‫الصحابي الحباب بن المنذر ‪ ،‬وكذلك عندما أشار‬
‫سلمان الفارسي ‪ ‬بحفر الخندق‪ ،‬فقد أخذ النبي ‪‬‬
‫بتلك الراء‪ ،‬وفي ذلك تربية على حرية إبداء الرأي‬
‫للمصلحة العامة‪.‬‬
‫وأحيانا ً يكون إبداء الرأي واجبا في حق من الحقوق‬
‫ً‬
‫التي علم بها المرء‪ ،‬فقد أمر النبي ‪ ‬بذلك على المنبر‪،‬‬
‫ح عن أبي سعيد الخدري ‪ ‬أن رسول الله ‪ ‬قام‬ ‫إذ ص ّ‬
‫خطيبا ً فكان فيما قال‪" :‬أل ل يمنعن رجل ً هيبة الناس أن‬
‫)‪(3‬‬
‫يقول بحق إذا علمه"‪.‬‬
‫وينبغي أن يعلم أن حرية الرأي ليس على إطلقها‬
‫فهي مقيدة بضوابط‪ ،‬وقد ألمح معالي العلمة الشيخ عبد‬
‫الله بن بّيه عن ذلك فقال‪ :‬ول شك أن لحرية الرأي في‬
‫السلم قيودا ً وضوابط منهجية‪ ،‬مثل‪ :‬التحّري في‬
‫‪ -1 1‬انظر قالوا عن السلم ص ‪.290‬‬
‫‪ -22‬تاريخ الحضارة السلمية ص ‪.54‬‬
‫‪ -3 3‬أخرجه ابن ماجة )السنن ‪ -‬كتاب الفتن ‪ -‬باب المر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر ح ‪ (4007‬وصححه اللباني في‬
‫صحيح سنن ابن ماجة ح ‪.3237‬‬

‫‪87‬‬
‫المعطيات‪ ،‬وفي المسالك المبّلغة إلى الحق‪ ،‬والخلص‬
‫في إرادة النفع العام‪ ،‬وإل انقلبت إلى ضروب من‬
‫المغالطة والتغرير والنانية‪ ،‬كما أن لها قيودا ً أخلقية مثل‬
‫الصدق في تبليغ الرأي ونقله والحسنى بالقناع به‪ ،‬وإل‬
‫انقلبت كذبا ً وغشا ً وتجريحا ً ولجاجة‪ ،‬فتخرج إذن عن‬
‫الدائرة التي رسمت لها في الستعمال الشائع‪ ،‬وما‬
‫نعتمد في هذا السياق هو الحرية بتلك الضوابط والقيود‪.‬‬
‫)‪(1‬‬

‫من أجل ذلك نجد أن كثيرا ً من غير المسلمين الذين‬


‫ينشدون الحرية يحبون السلم‪ ،‬قال الستاذ علي يول‬
‫الدانمركي‪ :‬إن التسامح الواسع الفق الذي يتسم به‬
‫السلم في معاملة الديان الخرى يجعله محببا لدى‬
‫)‪(2‬‬
‫جميع من يحبون الحرية‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬حرية العمل والتعليم‪ :‬والفرد له حرية‬
‫اختيار العمل والتعليم سواء في مجال التجارة أم‬
‫الصناعة أم الزراعة أم التعليم وفي ذلك إنماء لمواهب‬
‫النسان ورغباته فيكون اندفاعه وإنتاجه أكثر وأكبر‪،‬‬
‫بخلف أن يعمل بعمل ليس له فيه رغبة فإن إنتاجه‬
‫سيكون محدودا ً لذا نجد السنة النبوية أعطت الحرية في‬
‫مزاولة أنواع العمال والحـرف التي شرعها الله تعالى‬
‫لعباده وقد حّبر المؤرخ الخزاعي أصناف العمال‬
‫والحرف في كتابه )تخريج الدللت السمعية على ما كان‬
‫في عهد رسول الله ‪ ‬من الحرف والصنائع والعملت‬
‫الشرعية( وكذلك الكتاني في كتابه )التراتيب الدارية(‪.‬‬
‫ة في مجال حرية‬ ‫وقد فتحت السنة النبوية آفاقا ً واسع ً‬
‫التعليم والبحث العلمي إذ حّلقت في رحاب السموات‬
‫السبع وما فوقها‪ ،‬فوصل ‪ ‬إلى مشاهدات ومعلومات‬
‫ما لم يصل إليه العلم الحديث إلى يومنا هذا‪ ،‬ففي رحلته‬
‫الفضائية في السراء والمعراج فتح لنا الضوء لرؤية‬
‫مفاتيح الستنباط للوصول إلى مبادئ وشذرات من علم‬
‫السماء‪.‬‬

‫‪ -11‬حوار عن بعد حول حقوق النسان في السلم ص ‪.59‬‬


‫‪ -22‬انظر قالوا عن السلم ص ‪.260‬‬

‫‪88‬‬
‫قال المستشرق الفرنسي كوستاف لوبون‪ :‬السلم‬
‫)‪(1‬‬
‫من أكثر الديـان ملئمة لكتشافات العلم‪.‬‬
‫وقال الضابط البريطاني ج‪.‬ف‪.‬فيلويز‪ :‬التقدم‬
‫العلمي المعاصر في العصر الحاضر والمنجزات العلمية‬
‫)‪(2‬‬
‫تتفق تماما ً مع مبادئ السلم‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬مشكلة العتداء فيما بين‬
‫الدول‬
‫تعاني كثير من الدول في هذا العصر من العتداءات‬
‫العسكرية والقتصادية والعلمية بسبب الطماع المادية‬
‫أو الرغبة في الهيمنة والسيطرة‪ ،‬أو الفساد لتمهيد‬
‫السيطرة‪ ،‬وقد عالج المنهاج السياسي النبوي هذه‬
‫المشكلة بالصلح وعقد المعاهدات التي تضمن المن‬
‫وتحقق مصالح الطرفين‪.‬‬
‫ومن المعاهدات المشهورة مع النصارى ما عقده ‪‬‬
‫مع ملك آيلة‪ ،‬وبذلك أصبح العهد شامل لكل المدن التي‬
‫كانت تحت سلطة ذلك الملك‪.‬‬
‫ح عن أبي حميد الساعدي قال غزونا مع النبي‬ ‫فقد ص ّ‬
‫‪ ‬تبوك‪ ،‬وأهدى ملك آيلة للنبي ‪ ‬بغلة بيضاء وكساه‬
‫)‪(3‬‬
‫بردا ً وكتب له ببحرهم‪.‬‬
‫قال ابن حجر‪ :‬قال ابن بطال العلماء مجمعون على‬
‫أن المام إذا صالح ملك القرية أنه يدخل في ذلك الصلح‬
‫)‪(4‬‬
‫بقيتهم‪.‬‬
‫ومن أهم المعاهدات مع المشركين هو‪ :‬صلح‬
‫الحديبية الذي تعجب منه بعض الصحابة ‪ ‬لنهم لم‬
‫يدركوا الحكمة النبوية من هذا الصلح الذي تبين فيما بعد‬
‫آثاره وفوائده‪.‬‬
‫أخرج مسلم بسنده عن أبي إسحاق عن البراء بن‬
‫عازب ‪ ‬يقول‪ :‬كتب علي بن أبي طالب ‪ ‬الصلح بين‬
‫النبي ‪ ‬وبين المشركين يوم الحديبية فكتب‪ :‬هذا ما‬
‫كاتب عليه محمد رسول الله‪ ،‬فقالوا‪ :‬ل تكتب رسول‬
‫‪ -31‬حضارة العرب ص ‪.126‬‬
‫‪ -12‬انظر قالوا عن السلم ص ‪. 464‬‬
‫‪ -3‬صحيح البخاري ‪ -‬الجزية والموادعة ‪ -‬باب إذا وادع المام ملك‬
‫القرية ح ‪.3161‬‬
‫‪ -4‬الفتح ‪.6/267‬‬

‫‪89‬‬
‫الله فلو نعلم أنك رسول الله لم نقاتلك‪ ،‬فقال النبي ‪‬‬
‫لعلي‪ :‬امحه‪ ،‬فقال‪ :‬ما أنا بالذي أمحاه‪ ،‬فمحاه النبي ‪‬‬
‫بيده‪ ،‬قال‪ :‬وكان فيما اشترطوا أن يدخلوا مكة فيقيموا‬
‫بها ثلثا‪ ،‬ول يدخلها بسلح إل جلبان السلح‪ ،‬قلت لبي‬
‫)‪(1‬‬
‫إسحاق‪ :‬وما جلبان السلح؟ قال‪ :‬القراب وما فيه‪.‬‬
‫قال النووي‪ :‬وفيه أن للمام أن يعقد الصلح على ما‬
‫رآه مصلحة للمسلمين وإن كان ل يظهر ذلك لبعض‬
‫)‪(2‬‬
‫الناس في بادئ الرأي‪.‬‬
‫وفي هذا الحديث بيان وجوب الصبر على المشركين‬
‫وتحقيق رغباتهم التي ل تضر بالمصلحة العامة‬
‫للمسلمين‪ ،‬وفيه البيان الفعلي لطريقة الكتابة‬
‫للمعاهدات‪ ،‬وجواز مثل هذه الكتابة من أجل الصلح‬
‫وتجنب الحروب‪.‬‬
‫وكان نبي الرحمة والملحمة ‪ ‬إذا وجد قوة تهدد‬
‫أمن المسلمين فإنه يكتب إلى ملكها برسالة محررة‬
‫فحواها الدعوة إلى الله تعالى والموعظة بالتخويف من‬
‫الله تعالى‪ ،‬ومن ذلك رسالته إلى بلد الشام التي كان‬
‫ح عن ابن عباس رضي الله‬ ‫يقطنها الروم آنذاك‪ ،‬فقد ص ّ‬
‫ي قال‪:‬‬ ‫عنهما قال‪ :‬حدثني أبو سفيان ‪ ‬من فيه إلى ف ّ‬
‫دة التي كانت بيني وبين رسول الله ‪،‬‬ ‫انطلقت في الم ّ‬
‫قال‪ :‬قال‪ :‬فبينا أنا بالشام إذ جيء بكتاب من النبي ‪‬‬
‫إلى هرقل‪ ...‬فإذا فيه‪" :‬بسم الله الرحمن الرحيم‪ .‬من‬
‫محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم‪ .‬سلم على‬
‫من اتبع الهدى‪ .‬أما بعد فإني أدعوك بدعاية السلم‪.‬‬
‫م يؤتك الله أجرك مرتين‪ .‬فإن توليت‬ ‫أسلم‪ .‬تسَلم‪ ،‬وأسل ْ‬
‫فإن عليك إثم الريسيين ‪﴿ .‬يا أهل الكتاب تعالوا إلى‬
‫)‪(3‬‬

‫‪ - 1‬صحيح مسلم ‪ -‬كتاب الجهاد والسير ‪ -‬باب صلح الحديبية في‬


‫الحديبية‪ 3/1409 ،‬ح ‪.1783‬‬
‫‪ -2‬شرح النووي على صحيح مسلم ‪.12/135‬‬
‫‪ -2 3‬نسبة إلى آريوس أحد كبار النصارى الموحدين لله تعالى‬
‫)لمعرفة آريوس ينظر محاضرات في النصرانية ص ‪(151‬‬
‫للشيخ محمد أبو زهرة‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫كلمة سواء بيننا وبينكم أن ل نعبد إل الله﴾ إلى قوله‪﴿ :‬‬
‫)‪(1‬‬
‫اشهدوا بأنا مسلمون﴾ ]البقرة‪. [64/‬‬
‫وهذه شهادات علماء الغرب في قدرة نبي الرحمة‬
‫ل مثل هذه المشكلت‪:‬‬ ‫على ح ّ‬
‫يقول )تولستوي(‪ :‬ل ريب أن محمدا ً ‪ ‬كان من‬
‫عظماء الرجال المصلحين‪ ،‬الذين خدموا المجتمع‬
‫ُ‬
‫مة‬‫النساني خدمة جليلة‪ ،‬وإنه يكفيه فخرا ً أنه هدى أ ّ‬
‫متها إلى نور الحق‪ ،‬وجعلها تجنح للسكينة والسلم‪،‬‬ ‫بر ّ‬
‫وأنه هو الذي منعها من سفك الدماء‪ ،‬وتقديم الضحايا‬
‫)‪(2‬‬
‫ي والمدنية‪...‬‬ ‫البشرية‪ ،‬وفتح لها طريق الرق ّ‬
‫ويقول برنارد شو‪ :‬إنه يجب أن ُيدعى منقذ‬
‫النسانية‪ ..‬وُيعتقد أنه لو أن رجل ً مثله تولى زعامة العالم‬
‫ل السلم والسعادة‬ ‫ل مشكلته وأح ّ‬ ‫الحديث لنجح في ح ّ‬
‫)‪(3‬‬
‫في العالم‪.‬‬
‫ويقول المؤرخ المسيحي اللبناني جورج حنا‪ :‬محمد‬
‫بن عبد الله ]‪ [‬كان ثائرًا‪ ،‬عندما أبى أن يماشي أهل‬
‫الصحراء في عبادة الصنام وفي عاداتهم الهمجية‪...‬‬
‫فأخرج من جاهلية الصحراء عقيدة دينية واجتماعية تجمع‬
‫)‪(4‬‬
‫بين مئات المليين من البشر في أقطار المعمورة‪.‬‬
‫وتقدم قول الكاتب النكليزي هربرت جورج ولز‪ :‬عن‬
‫حجة الوداع وأثرها في علج العتداء في آخر الباب‬
‫الول‪.‬‬
‫ويقول المستشرق الفرنسي هنري سيرويا‪ :‬ومحمد ]‬
‫‪[‬لم يغرس في نفوس العراب مبدأ التوحيد فقط‪ ،‬بل‬
‫)‪(5‬‬
‫غرس فيها أيضا ً المدنية والدب‪.‬‬
‫وهكذا يستتب المن وتعطى الحقوق أما إذا ُنقض‬
‫العهد فله ردعه وعقوبته‪ ،‬ومثاله نقض بني قريظة‪ ،‬كما‬
‫‪ -3 1‬صحيح البخاري ‪ -‬كتاب التفسير‪،‬سورة آل عمران ‪ -‬باب‬
‫قوله تعالى ﴿قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا‬
‫وبينكم﴾ ح ‪.4553‬‬
‫‪ -4 2‬الرسول ‪ ‬في كتابات المستشرقين ص ‪.59‬‬
‫‪ -13‬الرسول ‪ ‬في كتابات المستشرقين ص ‪.59‬‬
‫‪ -2 4‬قصة النسان ص ‪.252‬‬
‫‪ -3 5‬فلسفة الفكر السلمي ص ‪.8‬‬

‫‪91‬‬
‫ح عن عائشة رضي الله عنها قالت‪ُ :‬أصيب سعد يوم‬ ‫ص ّ‬
‫الخندق‪ ،‬رماه رجل من قريش ‪ -‬يقال له‪ :‬ابن العرقة ‪-‬‬
‫رماه في الكحل‪ ،‬فضرب عليه رسول الله ‪ r‬خيمة في‬
‫المسجد يعوده من قريب‪ .‬فلما رجع رسول الله ‪ r‬من‬
‫فض‬ ‫الخندق وضع السلح‪ ،‬فاغتسل‪ .‬فأتاه جبريل وهو ين ُ‬
‫ت السلح ؟ والله ما‬ ‫رأسه من الغبار‪ .‬فقال‪ :‬وضع َ‬
‫وضعناه اخُرج إليهم‪ .‬فقال رسول الله ‪" :r‬فأين"؟ فأشار‬
‫إلى بني ُقريظة‪ .‬فقاتلهم رسول الله ‪ .r‬فنـزلوا على‬
‫حكم رسول الله ‪ .r‬فرد ّ رسول الله ‪ r‬الحكم فيهم إلى‬
‫سعد‪ .‬قال‪ :‬فإني أحكم فيهم أن ُتقتل المقاتلة‪ ،‬وأن‬
‫)‪(1‬‬
‫ُتسبى الذرية والنساء‪ ،‬وُتقسم أموالهم‪.‬‬
‫وهكذا حكم الله تعالى فإنه نور لمن اهتدى ونار على‬
‫من اعتدى‪.‬‬
‫قال العيني‪ :‬قوله "أن تقتل المقاتلة" أي الطائفة‬
‫)‪(2‬‬
‫المقاتلة منهم‪ ،‬أي‪ :‬البالغون‪.‬‬
‫ح عن ابن عمر‪ :‬أن يهود بني النضير وقريظة‬ ‫وص ّ‬
‫حاربوا رسول الله ‪ ،‬فأجلى رسول الله ‪ ‬بني النضير‪،‬‬
‫ن عليهم‪ .‬حتى حاربت قريظة بعد ذلك‪.‬‬ ‫م ّ‬
‫وأقّر قريظة و َ‬
‫فقتل رجالهم‪ ،‬وقسم نساءهم وأولدهم وأموالهم بين‬
‫المسلمين‪ .‬إل أن بعضهم لحقوا برسول الله ‪ ‬فآمنهم‬
‫وأسلموا‪ .‬وأجلى رسول الله ‪ ‬يهود المدينة كلهم‪ :‬بني‬
‫قينقاع )وهم قوم عبد الله بن سلم(‪ .‬ويهود بني حارثة‬
‫)‪(3‬‬
‫وكل يهودي كان بالمدينة‪.‬‬
‫إن هذا الجلء لهؤلء المحاربين لهو الجزاء‪ ،‬وهو آخر‬
‫الدواء فقد صبر ‪ ‬على مكائدهم ودسائسهم‪ ،‬ولما بلغ‬
‫المر ذروته بالمحاربة العلنية والمؤامرة الجلية‪ ،‬جاءت‬
‫السنة النبوية الفعلية بالجزاء العام لخراجهم من المدينة‬
‫إل من لحق برسول الله ‪ ‬وأسلم فإنه نجا من ذلك‪.‬‬
‫‪ -41‬صحيح مسلم ‪ -‬كتاب الجهاد والسير ‪ -‬باب جواز قتال من‬
‫نقض العهد‪ 3/1389 ،‬ح ‪.1769‬‬
‫‪ -52‬عمدة القاري ‪.289-14/288‬‬
‫‪ -1 3‬صحيح مسلم ‪ -‬كتاب الجهاد والسير ‪ -‬باب إجلء اليهود من‬
‫الحجاز‪ 1388-3/1387 ،‬ح ‪.1766‬‬

‫‪92‬‬
‫وهذا التعامل الحكيم في غاية السماحة النبوية بأن ل‬
‫يؤاخذ الجميع بجريرة البعض بل كان يعامل كل على قدر‬
‫بأن يعطي كل واحد حقه من العقوبة والمثوبة‪ ،‬إنها‬
‫كياسة السياسة‪.‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬مشكلة التخوف والتحسس‬
‫من الخر‬
‫يسود غبش شديد عند كثير من غير المسلمين حول‬
‫السلم ونبي السلم‪ ،‬وذلك بسبب الشاعات والشبهات‬
‫التي أثيرت حولهما كما سيأتي في الباب الرابع‪ ،‬ويعاني‬
‫من هذه المشكلة غير المسلمين فيما بينهم بسبب‬
‫الخلف في الديان والثقافات‪ ،‬وكذلك يعاني المسلمون‬
‫فيما بينهم‪ ،‬وحينما نستحضر المنهاج الجتماعي النبوي‬
‫نرى أنه تميز في معاملته السمحة مع الجميع وخصوصا ً‬
‫مع غير المسلمين الذين يعيشون في ديار السلم‪،‬‬
‫وكذلك مع القليات غير المسلمة‪ ،‬فقد وضع السس‬
‫المثالية للتعامل مع الخر‪ ،‬واستطاع أن يقضي على تلك‬
‫المشكلة بالعدل وإعطاء كل ذي حق حقه كما في تعامله‬
‫مع اليهود في المدينة‪ ،‬فقد وضع معاهدة سياسية‬
‫اجتماعية عامة للمدينة وفيها اتفاقيات مع اليهود ضمنت‬
‫مصالح الطرفين كما في البنود التالية‪:‬‬
‫‪ -‬هذا كتاب من محمد النبي )رسول الله( بين‬
‫المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب ومن تبعهم‬
‫فلحق بهم وجاهد معهم‪.‬‬
‫مة واحدة من دون الناس‪.‬‬ ‫ُ‬
‫‪ -‬إنهم أ ّ‬
‫‪ -‬وإنه من اتبعنا من يهود فإن له النصر والسوة غير‬
‫مظلومين ول متناصر عليهم‪.‬‬
‫‪ -‬وإن سلم المؤمنين واحدة‪ ،‬ل يسالم مؤمن دون‬
‫مؤمن في قتال في سبيل الله إل على سواء وعدل‬
‫بينهم‪.‬‬
‫‪ -‬وإن كل غازية غزت معنا يعقب بعضها بعضًا‪.‬‬
‫‪ -‬وإنه مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله‬
‫وإلى محمد‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫‪ -‬وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين‪.‬‬
‫مة مع المؤمنين‪ ،‬لليهود دينهم‬ ‫ُ‬
‫‪ -‬وإن يهود بني عوف أ ّ‬
‫وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم إل من ظلم نفسه‬
‫فإنه ل يوتغ )‪ (1‬إل نفسه وأهل بيته‪.‬‬
‫‪ -‬وإن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف‪.‬‬
‫‪ -‬وإن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف‪.‬‬
‫‪ -‬وإن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف‪.‬‬
‫‪ -‬وإن ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف‪.‬‬
‫‪ -‬وإن ليهود بني الوس مثل ما ليهود بني عوف‪.‬‬
‫‪ -‬وإن ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف إل من‬
‫ظلم وإثم‪ ،‬فإنه ل يوتغ إل نفسه وأهل بيته‪.‬‬
‫‪ -‬وإن جفنة بطن من ثعلبة كأنفسهم‪.‬‬
‫‪ -‬وإن لبني الشطيبة مثل ما ليهود بني عوف وأن البر‬
‫دون الثم‪.‬‬
‫‪ -‬وإن موالي ثعلبة كأنفسهم‪.‬‬
‫‪ -‬وإن بطانة يهود كأنفسهم‪.‬‬
‫‪ -‬وإنه ل يخرج منهم أحد إل بإذن محمد‪.‬‬
‫‪ -‬وإن على اليهود نفقتهم‪ ،‬وعلى المسلمين نفقتهم‪،‬‬
‫وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة‪ ،‬وإن‬
‫بينهم النصح والنصيحة والبر دون الثم‪.‬‬
‫‪ -‬وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين‪.‬‬
‫‪ -‬وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث‪ ،‬أو‬
‫اشتجار يخاف فساده فإن مرّده إلى الله وإلى محمد‬
‫رسول الله ‪ ‬وإن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة‬
‫وأبره‪.‬‬
‫‪ -‬وإنه ل تجار قريش ول من نصرها‪.‬‬
‫‪ -‬وإن بينهم النصر من دهم يثرب‪.‬‬
‫‪ -‬وإذا دعوا إلى الصلح يصالحونه ويلبسونه فإنهم‬
‫يصالحونه ويلبسونه‪ ،‬وإنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك‪ ،‬فإن‬
‫لهم على المؤمنين إل من حارب في الدين‪.‬‬

‫‪ -1‬ل يوتغ‪ :‬أي ل يهلك )الموال لبن زنجويه ‪.(2/472‬‬

‫‪94‬‬
‫‪ -‬وإن يهود الوس مواليهم وأنفسهم على مثل ما‬
‫لهل هذه الصحيفة مع البر المحض من أهل هذه‬
‫الصحيفة‪ ،‬وإن البّر دون الثم ل يكسب كاسب إل على‬
‫نفسه‪ ،‬وإن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره‪.‬‬
‫‪ -‬وإنه ل يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم‪ ،‬وإنه من‬
‫خرج آمن ومن قعد آمن بالمدينة‪ ،‬إل من ظلم وأثم‪ ،‬وإن‬
‫)‪(1‬‬
‫الله جار لمن بّر واتقى‪ ،‬ومحمد رسول الله ‪.‬‬
‫إن هذه المعاهدة الحكيمة تتجلى فيها عناية السنة‬
‫النبوية الرحيمة التي تقوم بالحقوق السياسية‬
‫والقتصادية لليهود وغيرهم من المسلمين في المدينة‬
‫النبوية‪ ،‬ويستنتج منها أحكام شرعية مالية وعسكرية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬هذا النص منقول من كتاب مجموعة الوثائق السياسية لنه‬
‫مقارنة بين سائر الروايات واثبت الختلفات في الحاشية‬
‫انظر منه ص ‪ 47 - 41‬وقد شرح غريبها ابن زنجويه في‬
‫الموال ‪ .472-2/462‬وقد ذكر هذه المعاهدة المام ابن قيم‬
‫الجوزية‪ ،‬فقد ساق جملة من نصوص الوثيقة ثم قال‪ :‬وهذه‬
‫الصحيفة معروفة عند أهل العلم‪ ،‬ثم ذكر عدة مصادر وعدة‬
‫طرق لهذه الصحيفة ثم قال‪ :‬وهذا مما ل يعلم فيه نزاع بين‬
‫أهل العلم بسيرة النبي ‪ ،‬ومن تأمل الحاديث المأثورة‬
‫والسيرة كيف كان معهم ؟ علم ذلك ضرورة )انظر أحكام أهل‬
‫الذمة ‪ .(567 – 566 / 2‬وقد سبق شيخ السلم ابن تيمية قول‬
‫ابن قيم الجوزية‪ ،‬إذ ساق هذه الصحيفة من طريق محمد بن‬
‫إسحاق قال‪ :‬حدثني عثمان بن محمد بن عثمان بن الخنس‬
‫بن شريق قال‪ :‬أخذت من آل عمر بن الخطاب هذا الكتاب‪،‬‬
‫كان مقرونا ً بكتاب الصدقة الذي كتب عمر للعمال‪ ،‬ثم ذكر‬
‫الصحيفة‪ ،‬ثم قال‪ :‬وهذه الصحيفة معروفة عند أهل العلم‬
‫)انظر الصارم المسلول ص ‪.(64-62‬‬

‫‪95‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫المشكلت الجتماعية‬
‫تعتري البشرية موجات عاتية من الزمات الجتماعية‬
‫في جميع أنحاء العالم‪ ،‬وتتفاوت هذه الزمات من بلد‬
‫إلى بلد حسب تشريعات تلك البلدان‪ ،‬وحسب قوة‬
‫وصلحية تلك التشريعات‪ ،‬والخذ بها بجدية‪ ،‬وقد استطاع‬
‫نبي الرحمة والحكمة ‪ ‬أن يعالج كثيرا ً من تلك‬
‫المشكلت بترسيخ الخلق الفاضلة‪ ،‬وتأصيل الحقوق‬
‫الكاملة‪ ،‬وهذا المنهاج الحكيم له قدرة عظيمة على ح ّ‬
‫ل‬
‫أي مشكلة في الماضي والحاضر والمستقبل‪.‬‬
‫يقول المستشرق الفرنسي مارسيل بوازار‪:‬‬
‫لقد كان محمد ]‪ [‬نبيا ً ل مصلحا ً اجتماعيًا‪ .‬وأحدثت‬
‫رسالته في المجتمع العربي القائم آنذاك تغييرات‬
‫أساسية ما تزال أثارها ماثلة في المجتمع السلمي‬
‫)‪(1‬‬
‫المعاصر‪...‬‬
‫ويقول المؤرخ الفرنسي أدوار بروي‪ :‬جاء محمد بن‬
‫عبد الله ]‪ ،[‬النبي العربي وخاتمة النبيين‪ ،‬يبشر العرب‬
‫والناس أجمعين‪ ،‬بدين جديد‪ ،‬ويدعو للقول بالله الواحد‬
‫الحد‪ ،‬كانت الشريعة ]في دعوته[ ل تختلف عن العقيدة أو‬
‫اليمان‪ ،‬وتتمتع مثلها بسلطة إلهية ملزمة‪ ،‬تضبط ليس‬
‫المور الدينية فحسب‪ ،‬بل أيضا ً المور الدنيوية‪ ..‬وعندما‬
‫قبض النبي العربي ‪ ‬عام ‪632‬م‪ ،‬كان قد انتهى من‬
‫دعوته‪ ،‬كما انتهى من وضع نظام اجتماعي يسموا كثيرا ً‬
‫فوق النظام القبلي الذي كان عليه العرب قبل السلم‪،‬‬
‫وصهرهم في وحدة قوية‪ ،‬وهكذا تم للجزيرة العربية وحدة‬
‫)‪(2‬‬
‫دينية متماسكة‪ ،‬لم تعرف مثلها من قبل‪...‬‬
‫وسأذكر المشكلت التي تعالجها رحمة النبي ‪‬‬
‫حسب المباحث التالية‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬مشكلة الجهل‬
‫فقد عاصر نبي الرحمة ‪ ‬مجتمعا جاهليا ً يعج‬
‫بالمشكلت والزمات اليمانية والجتماعية والسياسية‬
‫‪ -1‬إنسانية السلم‪ ،‬ص ‪.61‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -2‬تاريخ الحضارات العام ‪.3/112‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪96‬‬
‫والقتصادية‪ ،‬وقد شارك في علج بعض هذه المشكلت‬
‫منذ شبابه‪ ,‬ثم عند البعثة حاول أن يصحح المسار العلمي‬
‫للمجتمع حسب الرشادات اللهية باليات القرآنية التي‬
‫اعتنت بعلم اليمان وأركانه وشعبه‪ ،‬فإن أول آية أمرت‬
‫بالقراءة والتعليم‪ ،‬وما تضمن ذلك المر من تناول توحيد‬
‫خلق‬‫الربوبية لمعرفة خالق النسان‪ ،‬ومن أي شيء ُ‬
‫لبيان قصة بداية النسان‪ ،‬ثم التأكيد تارة أخرى بأنه‬
‫الخالق هو الذي علم النسان‪ .‬فانطلق نبي الرحمة ‪‬‬
‫في معالجة المشكلة الكبرى أل وهي الشرك بالله‬
‫تعالى؛ لن علج هذه المشكلة هو مفتاح علج المشكلت‬
‫الخرى مهما تعددت وتشعبت‪ ,‬ومهما بلغت من التعقيد‬
‫والتشديد؛ لن نعمة توحيد العبودية لله تعالى وحده‬
‫ل تلك المشكلت‪ ,‬بنظام الخالق الخبير بما‬ ‫قادرة على ح ّ‬
‫يصلح البشرية ويضمن سعادتها في الدنيا والخرة؛ من‬
‫أجل ذلك أعطى نبي الرحمة ‪ ‬الولوية لهذه القضية‬
‫الكبرى بالحوار الهادف ذي البراهين الواضحة للبشرية‬
‫والحجج الدامغة للوثنية‪.‬‬
‫وكــانت هــذه الولويــة نابعــة مــن أول مــا نــزل مــن‬
‫القرآن‪ ،‬ونابعة من المر باليمان كما فــي قــوله تعــالى ﴿‬
‫اقرأ باسم ربك الذي خلق‪ .‬خلق النسان من علــق‪ .‬اقــرأ‬
‫وربك الكــرم‪ .‬الــذي علــم بــالقلم‪ .‬علــم النســان مــا لــم‬
‫يعلم﴾]العلق‪ ،[5-1/‬وإليكم أنموذجا ً من الحــوار فــي مكــة‬
‫المكرمة‪:‬‬
‫ح عن عمــرو بــن عبســة الســلمي‪ :‬كنــت وأنــا فــي‬ ‫ص ّ‬
‫الجاهلـية أظن أن الناس على ضللة‪ ،‬وأنهم ليســوا علــى‬
‫شيء وهم يعبدون الوثــان‪ ،‬فســمعت برجــل بمكــة يخــبر‬
‫أخبارًا‪ ،‬فقعدت على راحلتي فقدمت عليــه‪ ،‬فــإذا رســول‬
‫الله ‪ ‬مستخفيا ً جراء عليه قومه‪ ،‬فتلطفت حتى دخلــت‬
‫عليه بمكة‪ ،‬فقلت له‪ :‬ما أنت؟ قال‪" :‬أنا نبي" فقلت‪ :‬وما‬
‫نبي؟ قال‪" :‬أرسلني الله" فقلــت‪ :‬وبــأي شــيء أرســلك؟‬
‫قال‪" :‬أرسلني بصلة الرحام‪ ،‬وكســر الوثــان‪ ،‬وأن ُيوحــد‬
‫الله ل ُيشرك به شيء" قلت له‪ :‬فمــن معــك علــى هــذا؟‬

‫‪97‬‬
‫قال‪" :‬حٌر وعبد" قال‪ :‬ومعــه يــومئذ أبــو بكــر وبلل ممــن‬
‫آمن به‪ ،‬فقلت‪ :‬إني متبعك‪ ،‬قــال‪" :‬إنــك ل تســتطيع ذلــك‬
‫يومك هذا‪ ،‬أل ترى حالي وحال النـاس‪ ،‬ولكـن ارجـع إلـى‬
‫)‪(1‬‬
‫ت فأتني"‪.‬‬
‫أهلك‪ ،‬فإذا سمعت بي قد ظهر ُ‬
‫ونشر هذا العلم لــم يقتصــر علــى مكــة المكرمــة بــل‬
‫استمر حتى فــي المدينــة النبويــة وخصوصـا ً عنــدما يــأتيه‬
‫)‪(2‬‬
‫السائلون عن هذا الدين‪.‬‬
‫ث نبي الرحمة على طلب العلم‬ ‫ولهمية العلم ح ّ‬
‫وأمر بالتعليم والتيسير‪ ،‬فثبت عنه أنه قال‪" :‬علموا‬
‫ويسروا ول تعسروا‪ ،‬وبشروا ول تنفروا وإذا غضب‬
‫)‪(3‬‬
‫أحدكم فليسكت"‪.‬‬
‫ح عنه أنه أمر بأن من عنده علم أن يعلم أهله‬ ‫كما ص ّ‬
‫ح عن مالك بن الحويرث أنه قال‪ :‬أتيت النبي ‪‬‬ ‫فقد ص ّ‬
‫في نفر من قومي فأقمنا عنده عشرين ليلة‪ ،‬وكان‬
‫رحيما ً رفيقا ً فلما رأى شوقنا إلى أهالينا قال‪" :‬ارجعوا‬
‫فكونوا فيهم وعلموهم‪ ،‬وصلوا فإذا حضرت الصلة‬
‫ح عنه أنه‬ ‫فليؤّذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم")‪ .(4‬كما ص ّ‬
‫غب في طلب العلم فقال‪" :‬من سلك طريقا ً يلتمس‬ ‫ر ّ‬
‫)‪(5‬‬
‫فيه علما ً سّهل الله له به طريقا ً إلى الجنة"‪.‬‬
‫قال المناوي‪ :‬علمًا‪ :‬نكرة ليشمل كل علم وآلته‬
‫)‪(6‬‬
‫ويندرج فيه ما قل وكثر‪.‬‬
‫وقد شرح هــذا الحـديث الحــافظ ابــن رجــب الحنبلــي‬
‫حيث أفرده بكتاب عنوانه )ورثة النبياء شرح حديث أبــي‬

‫‪ -11‬صحيح مسلم ‪ -‬كتاب صلة المسافرين ‪ -‬باب إسلم عمرو بن‬


‫عبسة‪ 1/569 ،‬ح ‪.832‬‬
‫‪ -22‬ينظر صحيح مسلم ‪ -‬كتاب اليمان – باب السؤال عن أركان‬
‫السلم ‪ 42-1/41‬ح ‪.12‬‬
‫‪ -‬رواه البخاري في الدب المفرد ح ‪ 1230‬وصححه السيوطي‬ ‫‪3‬‬

‫في الجامع الصغير )انظر فيض القدير ‪ (4/328‬وصححه‬


‫اللباني بشواهد في السلسلة الصحيحة ح ‪. 1375‬‬
‫‪ -‬صحيح البخاري ‪ -‬كتاب الذان ‪ -‬باب الذان للمسافرين إذا‬ ‫‪4‬‬

‫كانوا جماعه ح ‪. 631‬‬


‫‪ -‬صحيح مسلم ‪ -‬كتاب الذكر ‪ -‬باب فضل الجتماع على تلوة‬ ‫‪5‬‬

‫القرآن‪ 1/2074 ،‬ح ‪.2699‬‬


‫‪ -‬فيض القدير ‪. 6/154‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪98‬‬
‫الدرداء(‪ .‬ويستنبط من الحديث الترغيب فــي كــل العلــوم‬
‫ح‬
‫النافعة التي تصلح أحوال العباد في الدنيا والخرة‪ ،‬وصــ ّ‬
‫عنه ‪ ‬أنه قال‪" :‬إذا مات النسان انقطــع عنــه عملــه إل‬
‫من ثلثة‪ :‬إل من صدقة جارية‪ ،‬أو علــم ينتفــع بــه‪ ،‬أو ولــد‬
‫ح عنه أنه قــال‪" :‬مــن يــرد اللــه بــه‬‫صالح يدعو له")‪ .(1‬وص ّ‬
‫خيرا ً يفقهه في الدين")‪.(2‬‬
‫إن هذا الحث والترغيب من أجل علج الجهل‬
‫والقضاء عليه بعدة أساليب‪ ،‬ومن ذلك بيانه لمكانة‬
‫العلماء وفضلهم في قوله ‪" :‬وإن العالم يستغفر له‬
‫من في السموات ومن في الرض‪ ،‬والحيتان في الماء‪،‬‬
‫وفضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على‬
‫سائر الكواكب‪ ،‬إن العلماء ورثة النبياء‪ ،‬إن النبياء لم‬
‫يورثوا دينارا ً ول درهمًا‪ ،‬وأورثوا العلم‪ ،‬فمن أخذه‪ ،‬أخذ‬
‫بحظ وافر" )‪.(3‬‬
‫وحينما نستعرض الحاديث النبوية في منهاجه‬
‫التطبيقي للتعليم نجد رحمات وشذرات تفصح عن بعض‬
‫معالم منهجه في التعليم وهي‪ :‬عبارات فيها جوامع الكلم‬
‫تدهش بفصاحتها وملحتها أساطين البلغة وأمراء البيان‪،‬‬
‫وإشارات وإيماءات تفتح المدارك وتفهم المتعلم والمي‪،‬‬
‫ورسوم تلقح الفهوم وترسخ العلوم عبر السمع والبصر‬
‫‪ ،‬وتشبيهات تجعل الغائب حاضرا ً والبعيد قريبا ً ‪ .‬ومطالع‬
‫بليغة هي قمة في براعة الستهلل‪ ،‬تجذب النفوس‬
‫‪ -‬صحيح مسلم ‪ -‬كتاب الوصية ‪ -‬باب ما يلحق النسان من‬ ‫‪1‬‬

‫الثواب بعد وفاته‪ 3/1255 ،‬ح ‪.1631‬‬


‫‪ -‬صحيح البخاري ‪ -‬كتاب العلم ‪ -‬باب من يرد الله به خيرا‬ ‫‪2‬‬

‫يفقهه في الدين ح ‪. 71‬‬


‫‪ -‬أخرجه ابن حبان )الحسان في تقريب صحيح ابن حبان‬ ‫‪3‬‬

‫‪ (291-1/289‬وهو حديث ثابت أخرجه المام أحمد )‪(15/196‬‬


‫وأبو داود في السنن في أول كتاب العلم ح )‪ (3641‬وابن‬
‫ماجة في السنن في المقدمة باب فضل العلماء ح ‪223‬‬
‫وحسنه السيوطي انظر فيض القدير )‪ (6/154‬وصححه‬
‫اللباني في صحيح الجامع الصغير )‪ (5/302‬ح ‪ 6173‬وفي‬
‫صحيح الترغيب )‪ (1/33‬وقد بوب البخاري في باب العلم قبل‬
‫القول والعمل ثم ذكر حديث "العلماء هم ورثة النبياء" ضمن‬
‫عنوان الباب‪ .‬وعلق عليه الحافظ ابن حجر وذكر تصحيح ابن‬
‫حبان والحاكم وأن له شواهد يتقوى بها الفتح )‪.(1/160‬‬

‫‪99‬‬
‫فتستقبل الكلم وتأخذه بقوة‪ ،‬وتدرج في البيان المنقطع‬
‫النظير يسهل الفهم والعمل‪ ،‬وأسئلة تشنف السماع‬
‫وتجذب الفكار والبصار‪ ،‬وتنبيهات وابتسامات فيها بشائر‬
‫تتوق إليها النفوس‪ ،‬وتشرئب لها العناق‪ ،‬وإنذار تخفق له‬
‫القلوب وتقشعر منه الجلود‪ ،‬وقصص تثقف العوام وتزيل‬
‫البهام وتشد السامعين‪ ،‬وتكرار يرسخ كبار المهمات في‬
‫اللباب‪ ،‬وَقسم يؤكد المعاني ويهز المشاعر وينور‬
‫البصائر‪ ،‬وخطب مؤثرة تأخذ بسامعيها في رحاب التعليم‬
‫لبيان اليمان والحلل والحرام والجنة والنار‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مشكلة حقوق المرأة‬
‫لقد أسرفت أجهزة العلم والمنظمات الدولية بكثرة‬
‫الدندنة حول هذه المشكلة‪ ،‬وفي الوقت نفسه تغافلت‬
‫عن رحمة النبي ‪ ‬بالمرأة وإعطائها حقوقها كاملة‪،‬‬
‫وبعض الجهزة العلمية والجهات الدولية أنكرت هذه‬
‫الرعاية والعناية؛ لنها تعاني من مشكلت عويصة في‬
‫مجال حقوق المرأة فتريد تعميم ذلك وتخلط الوراق‪،‬‬
‫ولكن بعض أصحاب القرار أدرك الخطر الذي ينحدرون‬
‫ذروا من الوضع الراهن للمرأة وصاروا‬‫فيه فقد ح ّ‬
‫ينشدون عّزة السلم للمرأة والسرة‪.‬‬
‫وهذه نصيحة الزعيم السوفيتي السابق )ميخائيل‬
‫ً‬
‫جورباتشوف( في كتابه )البيريسترويكا( إذ يقول‪ :‬غالبا ما‬
‫ينظر إلى درجة تحرير المرأة كمقياس للحكم على‬
‫المستوى الجتماعي والسياسي للمجتمع‪ .‬لقد وضعت‬
‫الدولة السوفيتية حدا ً للتمييز ضد المرأة الذي كان سائدا ً‬
‫في روسيا القيصرية بتصميم دون مساومة‪ ،‬وكسبت‬
‫المرأة مكانة اجتماعية يضمنها القانون وتتساوى مع‬
‫مكانة الرجل ونحن نفخر بما قدمته الحكومة السوفيتية‬
‫للمرأة‪ :‬نفس الحق في العمل كالرجل‪ ،‬والجر‬
‫المتساوي للعمل المتساوي والضمان الجتماعي‪.‬‬
‫وأتيحت للمرأة كل فرصة للحصول على التعليم لبناء‬
‫مستقبلها‪ ،‬وللمشاركة في النشاط الجتماعي‬
‫والسياسي‪ .‬وبدون إسهام المرأة وعملها المتفاني ما‬

‫‪100‬‬
‫كان بمقدورنا أن نبني مجتمعا ً جديدا ً أو نكسب الحرب‬
‫ضد الفاشية‪ .‬ولكن طوال سنوات تاريخنا البطولي‬
‫والشاق عجزنا عن أن نولي اهتماما ً لحقوق المرأة‬
‫الخاصة‪ ،‬واحتياجاتها الناشئة عن دورها كُأم وربة منـزل‬
‫ووظيفتها التعليمية التي ل غنى عنها بالنسبة للطفال‪.‬‬
‫إن المرأة إذ تعمل في مجال البحث العلمي‪ ،‬وفي‬
‫مواقع البناء‪ ،‬وفي النتاج والخدمات‪ ،‬وتشارك في‬
‫النشاط البداعي‪ ،‬لم يعد لها وقت للقيام بواجباتها‬
‫اليومية في المنـزل )العمل المنـزلي ‪ ,‬وتربية الطفال‬
‫وإقامة جو أسري طيب(‪ .‬لقد اكتشفنا أن كثيرا ً من‬
‫مشاكلنا ‪ -‬في سلوك الطفال والشباب وفي معنوياتنا‬
‫وثقافتنا وفي النتاج ‪ -‬تعود جزئيا ً إلى تدهور العلقات‬
‫السرية‪ ،‬والموقف المتراخي من المسئوليات السرية‪.‬‬
‫وهذه نتيجة متناقضة لرغبتنا المخلصة والمبررة سياسيا ً‬
‫لمساواة المرأة بالرجل في كل شيء‪ .‬والن في مجرى‬
‫البيريسترويكا بدأنا نتغلب على هذا الوضع‪ .‬ولهذا السبب‬
‫فإننا نجري الن مناقشات حادة في الصحافة‪ ،‬وفي‬
‫المنظمات العامة‪ ،‬وفي العمل والمنـزل‪ ،‬بخصوص‬
‫مسألة ما يجب أن نفعله لنسهل على المرأة العودة إلى‬
‫)‪(1‬‬
‫رسالتها النسائية البحتة‪.‬‬
‫وقال المهتمون بحقوق المرأة ) إن المرأة تشكل‬
‫نصف المجتمع ( وذلك بمنطوق الحصاء‪ .‬كل بل هي‬
‫المجتمع كله لنها تشكل أكثر من نصف المجتمع وتلد‬
‫النصف الخر‪ ،‬ولها دور في التأثير في البناء والزواج‬
‫والخوة‪ ،‬فهي إذا كانت على هدى الصراط المستقيم‬
‫مة بقيم الرجال البطال‪ ،‬وسترقى إلى‬ ‫ُ‬
‫فإنها سترفل ال ّ‬
‫إيجاد المجتمع الطيب المنشود‪ ،‬كما قال الشاعر حافظ‬
‫إبراهيم‪:‬‬
‫أعددت شعبا طيب‬ ‫لم مدرسة إذا‬ ‫ا ُ‬
‫العراق‬ ‫أعددتها‬

‫‪1‬‬
‫‪ -1‬كتاب البيريسترويكا لميخائيل جورباتشوف ص ‪. 138‬‬

‫‪101‬‬
‫والنبي ‪ ‬أدرك أثرها ومكانتها من الرجال فقال‪:‬‬
‫الرجال")‪ ،(1‬وعرف أثر الزوجة‬ ‫"إنما النساء شقائق‬
‫ُ‬
‫الصالحة عمليا ً منذ زواجه بأم المؤمنين خديجة بنت‬
‫خويلد السدي كيف قامت بحق الزوج؟ وكيف نافحت‬
‫عن الدعوة وآزرت زوجها ‪ ‬منذ بداية البعثة؟ وكيف‬
‫بذلت من أجل الدعوة ومن أجل بيت زوجها‪ ،‬إنها نموذج‬
‫للمرأة المؤمنة التي جمعت بين الدنيا والخرة‪ ،‬فقد‬
‫عرف ‪‬حق الزوجة بل هو الذي أرسى دعائم حقوق‬
‫المرأة من خلل أقواله السديدة وأفعاله الرشيدة‬
‫فحفلت السنة النبوية بتطبيقات عملية في مجال حقوق‬
‫المرأة حتى أحاطت بها الرحمة النبوية منذ ولدتها حتى‬
‫مماتها فإذا بقاموس حقوق المرأة قد انتظم عقده‪،‬‬
‫واجتمعت مفرداته ودقائق جزئياته‪ ،‬فلم يترك ل شاردة‬
‫ول واردة إل أحصاها في ديوان السنة النبوية الشريفة‬
‫التي حفلت بالقوال الفصيحة والتطبيقات الصحيحة‪،‬‬
‫وسيأتي استعراض جملة منها‪.‬‬
‫إن المرأة المسلمة شريكة الرجل المسلم في تعمير‬
‫الرض واستخلفها وفي بناء المجتمع وشد أواصره‪ ،‬لذا‬
‫كان لبد لها من المشاركة والتعاون في بناء البيت‬
‫المسلم وفي مجالت الحياة الخرى التي تتناسب مع‬
‫خصائصها بشرط أن ل يكون البيت ضحية ذلك العمل‪،‬‬
‫كما بين نبي الرحمة ‪ ‬أثرها في مسؤولية البيت الذي‬
‫ح‬ ‫ُ‬
‫صل َ‬ ‫ح َ‬‫صل ُ َ‬
‫هو أساس المجتمع إذ البيت لبنة من لبنات إذا َ‬
‫المجتمع وإذا فسد فسد المجتمع‪ ،‬فقد حدد مسؤليتها في‬
‫الحديث العظيم "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته‪...‬‬
‫والمرأة راعية في بيت زوجها وولده‪ ،‬فكلكم راٍع وكلكم‬
‫)‪(2‬‬
‫مسؤول عن رعيته"‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -1‬أخرجه المام أحمد في المسند ح ‪ 26195‬وصححه محققوه‬
‫وأخرجه أبو داوود في )السنن ‪ -‬كتاب الطهارة ‪ -‬باب في‬
‫الرجل يجد البلة في منامه ح ‪ ،(236‬وصححه السيوطي في‬
‫الجامع الصغير )انظر فيض القدير ‪ ،(2/562‬وصححه اللباني‬
‫في صحيح الجامع الصغير ح ‪.2329‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬صحيح البخاري ‪ -‬كتاب النكاح ‪ -‬باب المرأة راعية في بيت‬
‫زوجها‪ ،‬ح ‪. 5200‬‬

‫‪102‬‬
‫وهذا ل يعني اقتصار مهمتها في البيت إنما هو واجبها‬
‫الساس‪ ،‬ولها حق المشاركة فيما يخدم المجتمع بما‬
‫يليق لمقامها ويحافظ على شخصيتها‪ ،‬ويرضي ربها‬
‫سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ولقد ُبذلت جهود كبيرة في مجال حقوق النسان من‬
‫كتابات ومؤتمرات وندوات وخصوصا في مجال حقوق‬
‫حبرت فيها الكتب والمقالت والمحاضرات‪،‬‬ ‫المرأة‪ ،‬ف ُ‬
‫واضطربت فيها القلم ما بين إنصاف وإجحاف‪ ،‬وما بين‬
‫مبالغة ومغالطة‪ ،‬وحينما نحصي نتائجها نجد كثيرا من‬
‫الحقوق قد ُأهدرت بل قلب البعض الموازين فجعل بعض‬
‫الحقوق عيبا ً وظلما ً وتخلفا ً عن ركب الحضارة‪.‬‬
‫وبما أن موضوع حقوق المرأة له أهمية كبيرة في‬
‫جميع المجتمعات قديما ً وحديثا ً فقد دارت فيه اللسن‪،‬‬
‫وكثرت فيه المناقشات‪ ،‬ونزلت فيه المساومات‪.‬‬
‫فمن ذا الذي يقرر حقوقها؟ وعلى أي أساس ينبني‬
‫هذا القرار؟‬
‫إن الذي يقرر هذه الحقوق ليس الذين يميلون‬
‫ويتعصبون إلى أحد الجنسين من الرجال والنساء‪ ،‬ول‬
‫الذين جرفتهم دوافع الغرائز والشهوات إلى مكان‬
‫سحيق‪ ،‬ول أرباب المتاجرة بأعراض النساء والناس‪.‬‬
‫وإنما الذي يقرر هو خالق النسان سبحانه وتعالى الخبير‬
‫بمخلوقاته الذي نزل القران الحكيم تبيانا لكل شيء أنزله‬
‫ُ‬
‫مة ما أنزل الله على‬ ‫على رسوله المين ‪ ‬ليبين لل ّ‬
‫رسوله المين ‪ ،‬قال الله تعالى ﴿وأنزلنا إليك الذكر‬
‫لتبين للناس ما نزل إليهم﴾ ]النحل‪ ،[44/‬وهذا التشريع قد‬
‫أحاط بجميع حقوق المرأة‪ ،‬ومنح المرأة المكانة‬
‫المرموقة الكريمة التي جذبت أنظار الشرق والغرب‪،‬‬
‫وإليك شهادة من امرأة غربية محايدة إذ تقول‬
‫المستشرقة النكليزية إيفلين كوبولد‪ :‬كتبت اللدي ماري‬
‫مونتكاد‪ ،‬زوجة السفير النجليزي في تركيا إلى شقيقتها‬
‫تقول‪) :‬يزعمون أن المرأة المسلمة في استعباد وحجر‬
‫معيب‪ ،‬وهو ما أود ّ تكذيبه فإن مؤلفي الروايات في أوربا‬

‫‪103‬‬
‫ل يحاولون الحقيقة ول يسعون للبحث عنها‪ ،‬ولول أنني‬
‫في تركيا‪ ،‬وأنني اجتمعت إلى النساء المسلمات ما كان‬
‫لذلك سبيل‪ ،‬وإني استمع إلى أخبارهم وحوادثهم وطرق‬
‫دق ما يكتبه الك ُّتاب‪،‬‬
‫معيشتهم من سبل شّتى لذهبت أص ّ‬
‫ذب كل التكذيب أخبارهم‪ ،‬ول أبالغ إذا‬ ‫ولكن ما رأيته يك ّ‬
‫قررت لك أن المرأة المسلمة وما رأيتها في الستانة‬
‫أكثر حرية من زميلتها في أوربا‪ ،‬ولعلها المرأة الوحيدة‬
‫)‪(1‬‬
‫التي ل تعنى بغير حياتها البيتية‪.(...‬‬
‫إنها كلمة إنصاف من امرأة محايدة عايشت المسألة‬
‫عن قرب فأدلت بدلوها‪.‬‬
‫وحينما نتأمل السيرة النبوية في إعطاء حقوق المرأة‬
‫نجد عناية فائقة وأمانة دقيقة في إعطاء حقها‪ ،‬ولو تتبعنا‬
‫تلك السيرة العطرة لرأينا مفردات حقوق المرأة قد‬
‫انتظمت في عقد متكامل يكاد أن يشتمل على قاموس‬
‫حقوق المرأة من ولدتها إلى موتها ودفنها‪ ،‬وقد كانت‬
‫التطبيقات النبوية في التعامل مع المرأة في كل مراحله‬
‫من أوضح السبل التي ترشد المجتمع لممارسة هذه‬
‫الحقوق‪ ،‬وإليكم بعضها كما يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬حق حسن المعاشرة‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫لقد حثنا النبي ‪ ‬على حسن المعاشرة للزوجة‪،‬‬
‫وثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت‪ :‬قال رسول الله‬
‫)‪(2‬‬
‫‪" :‬خيركم خيركم لهله‪ ،‬وأنا خيركم لهلي"‪.‬‬
‫هكذا كانت عناية النبي ‪ ‬بحسن عشرة المرأة‬
‫بالقول والعمل‪ ،‬وهو يفصح عن مكانة المؤمن الذي‬
‫يحسن عشرة زوجته وفيه ترغيب في ذلك بأسلوب‬
‫مشوق مشرق‪.‬‬
‫‪ -‬ينظر‪ :‬قالوا عن السلم ص ‪. 426 - 425‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪) -2‬سنن الترمذي ‪ 5/709‬ح ‪ - 3895‬ك المناقب ‪ ،‬ب فضل‬
‫أزواج النبي ‪ .(‬قال أبو عيسى‪ :‬هذا حديث حسن غريب‬
‫صحيح ‪ ...‬وأخرجه ابن حبان في صحيحه )الحسان ‪ 9/484‬ح‬
‫‪ .(4177‬قال محققه‪ :‬إسناده صحيح‪ .‬وصححه اللباني )صحيح‬
‫الترمذي ‪ .(3/245‬وأخرج له الحاكم شاهدا ً من حديث أبي‬
‫هريرة بدون الجملة الخيرة )المستدرك ‪ (3/311،312‬وقال ‪:‬‬
‫صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه‪ ،‬ووافقه الذهبي(‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الوصية بالنساء إذا صدر منهن ما يكره‪:‬‬
‫وحسن المعاشرة مطلوبة حتى لو صدر منها ما يكره‬
‫لنه يمكن أن يكون ذلك المر خيرا ً في المستقبل‪.‬‬
‫وقد أكد النبي ‪ ‬على ذلك ونبه أنه إذا كره منها خلقا ً‬
‫فإنه سيرضى على خلق آخر منها فيسد ذلك الخلل‪ ،‬فقد‬
‫أخرج مسلم بسنده عن أبي هريرة‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول‬
‫خُلقا ً رضي‬
‫الله ‪" :‬ل يفرك مؤمن مؤمنة‪ .‬إن كره منها ُ‬
‫)‪(1‬‬
‫منها آخر" أو قال‪" :‬غيره"‪.‬‬
‫وهذا الحديث الشريف يغفل عنه كثير من الزواج‬
‫المسارعين بالطلق فُيطلق بسبب أمر يكرهه في‬
‫زوجته‪ ،‬وينسى المور الحسنة الكثيرة إذا تأمل ذلك‪،‬‬
‫وهذا أمر خطير يهدد حصون الحقوق الجتماعية‬
‫ويقوضها‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬النهي عن العنف‪:‬‬
‫كثر في هذا الزمان الشكوى من النساء بسبب‬
‫الضرب والعنف من أزواجهن‪ ،‬وهذا أمر خطير جدًا‪ ،‬فإنه‬
‫يهدد السرة بالسقوط ناهيك عما يفتك في نفس المرأة‬
‫لما فيه من الثار السيئة‪ ،‬لذلك نهى النبي ‪ ‬عن ذلك‬
‫وبأسلوب فيه التذكير بحاجة الرجال إلى النساء‪.‬‬
‫ح عن عبد الله بن زمعة عن النبي ‪ ‬قال‪" :‬ل‬ ‫وص ّ‬
‫يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم ُيجامعها في آخر اليوم"‪.‬‬
‫)‪(2‬‬

‫رابعًا‪ :‬الرفق بالحامل والمرضع‪:‬‬


‫كما راعى حالتها في الحمل بالتخفيف عنها في‬
‫الصيام‪ ،‬فقد ثبت عنه ‪ ‬أنه قال‪" :‬إن الله تعالى وضع‬
‫عن المسافر شطر الصلة‪ ،‬وعن المسافر والحامل‬
‫)‪(3‬‬
‫والمرضع الصوم أو الصيام"‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -3‬الصحيح – كتاب الرضاع ‪ -‬باب الوصية بالنساء ‪ 2/1091‬ح‬
‫‪.1469‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -1‬صحيح البخاري ‪ -‬كتاب النكاح ‪ -‬باب ما يكره من ضرب‬
‫النساء‪ ،‬ح ‪.5204‬‬

‫‪105‬‬
‫خامسًا‪ :‬حق الزوجة في أن يشارك الزوج‬
‫في أعمال البيت‪:‬‬
‫لقد كان النبي ‪ ‬يقوم ببعض العمال البيتية لتخفيف‬
‫ح عن السود قال‪ :‬سألت‬ ‫أعباء العمل على أهله‪ ،‬وقد ص ّ‬
‫عائشة ما كان النبي ‪ ‬يصنع في بيته؟ قالت‪ :‬كان يكون‬
‫في مهنة أهله ‪ -‬تعني‪ :‬خدمة أهله ‪ -‬فإذا حضرت الصلة‬
‫)‪(1‬‬
‫خرج إلى الصلة‪.‬‬

‫سادسًا‪ :‬حقها في الترفيه وحضور العيد‪:‬‬


‫لقد كان النبي ‪ ‬حريصا ً على الترفيه في بعض‬
‫ح عن عائشة رضي الله عنها‬ ‫المناسبات للترويح‪ ،‬وقد ص ّ‬
‫قالت‪ :‬كنت ألعب بالبنات عند النبي ‪ ‬وكان لي صواحب‬
‫ن معي فكان رسول الله ‪ ‬إذا دخل يتقمعن منه‬ ‫يلعب ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫ي فيلعبن معي‪.‬‬
‫ن إل ّ‬
‫سّرب ُهُ ّ‬‫في ُ َ‬
‫وثبت عن عائشة أنها قال‪" :‬وكان يوم عيد يلعب فيه‬
‫السودان بالدرق والحراب‪ ،‬فإما سألت النبي ‪ ‬وإما قال‪:‬‬
‫تشتهين تنظرين؟ فقلت‪ :‬نعم‪ .‬فأقامني وراءه خدي على‬
‫خده وهو يقول‪ :‬دونكم يا بني أرفدة‪ .‬حتى إذا مللت قال‪:‬‬
‫)‪(3‬‬
‫حسبك؟ قلت‪ :‬نعم‪.‬قال‪ :‬فاذهبي"‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬حقها في الجماع والمبيت‪:‬‬
‫للزوجة حقوق على الزوج كالجماع والنفقة والكسوة‪،‬‬
‫ح عن أبي سلمة بن عبد‬ ‫ومن حقها في الجماع ما ص ّ‬
‫الرحمن قال حدثني عبد الله بن عمرو بن العاص ‪‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -2‬أخرجه أبو داود في سننه ‪ -‬كتاب الصيام ‪ -‬باب اختيار‬
‫الفطر ‪ 3/317‬ح ‪ ،2408‬وابن ماجة في سننه ‪ -‬كتاب الصيام ‪-‬‬
‫باب ما جاء في الفطار للحامل والمرضع ‪ 1/533‬ح ‪،1667‬‬
‫وقال اللباني‪ :‬حسن صحيح في صحيح سنن ابن ماجة ح‬
‫‪. 1353‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -3‬صحيح البخاري – كتاب الذان ‪ -‬باب من كان في حاجة أهله‬
‫فأقيمت الصلة فخرج‪ ،‬ح ‪.676‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -1‬صحيح البخاري‪ -‬كتاب الدب ‪ -‬باب النبساط إلى الناس ح‬
‫‪ .6130‬وصحيح مسلم ‪ -‬كتاب فضائل الصحابة ‪ - ‬باب فضل‬
‫عائشة رضي الله عنها‪ 4/1890 ،‬ح ‪. 2440‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -2‬صحيح البخاري ‪ -‬كتاب العيدين ‪ -‬باب الحراب والدرق يوم‬
‫العيد ح ‪. 950‬‬

‫‪106‬‬
‫قال‪ :‬قال رسول الله ‪" :‬يا عبد الله ألم ُأخَبر أنك‬
‫تصوم النهار وتقوم الليل" قلت‪ :‬بلى يا رسول الله‪ .‬قال‪:‬‬
‫"فل تفعل صم وأفطر وقم ونم فإن لجسدك عليك حقا‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫وإن لعينك عليك حقا‪ ،‬وإن لزوجك عليك حقا"‪.‬‬
‫ثامنًا‪ :‬حقها في طلب عدم التطليق بالتنازل‬
‫عن بعض حقوقها‪:‬‬
‫للمرأة الحق في طلب عدم التطليق إذا كان زوجها‬
‫أراد طلقها بسبب كبر سنها بأن تتفق مع زوجها بالتنازل‬
‫لم المؤمنين سودة‬ ‫عن بعض الحقوق‪ ،‬وقد حصل ذلك ُ‬
‫ح عن عائشة‪﴿ :‬وإن امرأة خافت من‬ ‫بنت زمعة‪ ،‬فقد ص ّ‬
‫بعلها نشوزا ً أو إعراضا ً﴾ ]النساء‪ [128/‬الية‪ .‬قالت‪:‬‬
‫صحبتها‪.‬‬ ‫ُ‬
‫أنزلت في المرأة تكون عند الرجل‪ .‬فتطول ُ‬
‫فُيريد طلقها فتقول‪ :‬ل تطّلقني وأمسكني‪ ،‬وأنت في‬
‫)‪(2‬‬
‫ح ّ‬
‫ل مّني‪ .‬فنـزلت هذه الية‪.‬‬
‫ت سودة رضي الله‬ ‫وثبت عن ابن عباس قال‪ :‬خشي ْ‬
‫عنها أن ُيطلقها النبي ‪ ‬فقالت‪ :‬ل ُتطلقني وأمسكني‪،‬‬
‫واجعل يومي لعائشة ففعل فنـزلت ﴿فل جناح عليهما أن‬
‫)‪(3‬‬
‫صلحا ً والصلح خير﴾ ]النساء‪.[128/‬‬ ‫يصلحا بينهما ُ‬
‫وفي هذا الفعل النبوي عناية خاصة بحق المرأة حتى‬
‫أثناء الطلق‪ ،‬وتطبيق هذه العناية تقلل من حوادث وقوع‬
‫الطلق التي زادت بشكل سريع ومخيف‪.‬‬
‫تاسعًا‪ :‬حق المتعة للمرأة المطلق بعد‬
‫الطلق‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -3‬صحيح البخاري ‪ -‬كتاب النكاح ‪-‬باب لزوجك عليك حق ح‬
‫‪ ،5199‬وأخرجه مسلم في صحيحه ‪ -‬كتاب الصيام ‪ -‬باب النهي‬
‫عن صوم الدهر ‪ 2/813‬ح ‪. 182‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -4‬صحيح مسلم – كتاب التفسير‪ 4/2316 ،‬ح ‪ ،3021‬وصحيح‬
‫البخاري ‪ -‬كتاب التفسير‪،‬سورة النساء – باب قوله تعالى ﴿وإن‬
‫امرأة خافت من بعلها نشوزا ً أو إعراضا ً﴾ بنحوه ح ‪.4601‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -1‬قال الترمذي‪ :‬هذا حديث حسن غريب‪).‬السنن ‪ 5/249‬ح‪/‬‬
‫‪ 3040‬وصححه اللباني في صحيح سنن الترمذي(‪ .‬وفيه‬
‫سماك بن حرب وروايته عن عكرمة فيها اضطراب ول يضر‬
‫لنه ثبت عن عائشة فيما أخرجه الحاكم وصححه ووافقه‬
‫الذهبي )المستدرك ‪ (2/186‬وانظر)الفتح ‪.(9/313‬‬

‫‪107‬‬
‫هذه المتعة من الحقوق للمرأة المطلقة متروكة‪ ،‬فلم‬
‫نجد أحدا ً في زماننا من يقوم بهذا الحق إل من رحم الله‬
‫تعالى‪ ،‬وهو حق مشروع من القرآن الكريم والسنة‬
‫النبوية الشريفة قال الله تعالى ﴿وللمطلقات متاع‬
‫بالمعروف حق على المتقين﴾ ]البقرة‪ ،[241/‬وفي غيرها‬
‫صت على مشروعية تكريم المطلقة‪.‬‬ ‫من اليات التي ن ّ‬
‫ح عن سهل بن سعد‬ ‫سنة الفعلية‪ ،‬فقد ص ّ‬ ‫أما من ال ّ‬
‫ُ‬
‫وأبي أسيد رضي الله عنهما قال‪" :‬تزوج النبي ‪ ‬أميمة‬
‫بنت شراحيل‪ ،‬فلما ُأدخلت عليه بس َ‬
‫ط يده إليها‪ ،‬فكأنها‬
‫كرهت ذلك‪ ،‬فأمر أبا أسيد أن يجهزها وكسوها ثوبين‬
‫)‪(1‬‬
‫رازقيين "‪.‬‬
‫عاشرا‪ :‬الحق السياسي للمرأة‪:‬‬ ‫ً‬
‫ج المرأة في كل مرافق‬ ‫تحرص بعض الراء على ز ّ‬
‫السياسة وثمة فئة أخرى على نقيض ذلك ترى حرمانها‬
‫من كل شيء سياسي‪ ،‬وكلهما فيه نظر؛ لنه ما بين‬
‫إفراط وتفريط‪ ،‬أما الوسطية في السلم فقد جعلت‬
‫الحق السياسي للمرأة ثابتا ً متوازنا ً فلها أن تبايع المام‪,‬‬
‫وأن تستشار فيما يفيد في الشؤون السياسية‪ ،‬ولها أن‬
‫تجير كما سيأتي عن ُأم هانئ رضي الله عنها‪ ،‬وغير ذلك‬
‫مما سيأتي ذكره ودليله‪.‬‬
‫وإذا كان السلم قد أعفاها من مناصب الحكم‬
‫والقيادة فإنه قد كلفها بإعداد البطال والقادة وقد قيل‪:‬‬
‫)إن وراء كل عظيم امرأة(‪ ،‬وهو قول حكيم لن لمساتها‬
‫التربوية السلمية تيمم وجه أولدها شطر المعالي‬
‫والعوالي‪ ،‬وهي في الوقت نفسه توفر السكن والراحة‬
‫لزوجها إن كان حاكما ً أو محكوما ً إذ هي تهيأ له السعادة‬
‫الزوجية بتوفير أسباب الراحة له فتمكنه من أداء واجباته‬
‫اتجاه أمته ومسؤولياته‪ ،‬وعلى العكس فإن إخفاقها في‬
‫أمور السكن للزوج يعكس ذلك على عمله وحركته مع‬
‫أمته‪ ،‬فيتجلى أثرها في نشأة الولد الذي من الممكن أن‬

‫‪1‬‬
‫‪ -2‬صحيح البخاري ‪ -‬كتاب الطلق ‪ -‬باب من طلق‪ ،‬وهل يواجه‬
‫الرجل امرأته بالطلق؟ ح ‪.5256‬‬

‫‪108‬‬
‫يكون في المستقبل هو الرجل القائد‪ ،‬وفي مؤازرة‬
‫الزوج القائد وإعانته على مهامه‪ .‬وأما الدليل على‬
‫إعفائها من منصب الحكم فقوله تعالى‪﴿ :‬الرجال‬
‫وامون على النساء﴾ ]النساء‪ ،[34/‬فهذه الية الكريمة‬ ‫ق ّ‬
‫صريحة بذكر قوامة الرجال على النساء في البيت‬
‫وخارجه‪ ،‬ولما كانت قوامة منصب الدولة أعظم من‬
‫قوامة البيت فإن القوامة فيها للرجال من باب أولى‪،‬‬
‫سنة النبوية‪ ،‬كما ثبت عن أبي بكرة ‪‬‬‫وكذلك في ال ُ‬
‫قال‪ :‬لما هلك كسرى قال ‪" ‬من استخلفوا؟" قالوا‪:‬‬
‫ابنته فقال النبي ‪" :‬لن يفلح قوم وّلوا أمرهم امرأة"‪.‬‬
‫)‪(1‬‬

‫وهذا من رحمة نبي الرحمة ‪ ‬بالمرأة أن أعفاها من‬


‫هذه المهمة الخطيرة وفيه تخفيف عنها‪.‬‬
‫ولو ُدرست جدوى تجربة تسلم المرأة منصب الحكم‬
‫قديما ً وحديثا ً لزداد المر علما ً ويقينيا ً بحكمة السنة‬
‫النبوية الشريفة‪ ،‬ولو استعرضنا المشاركة السياسية‬
‫للمرأة في حكم الدولة العباسية لرأينا التدهور الطردي‬
‫كلما كان التدخل في الحكم كان التدهور يتسع‪،‬‬
‫والسقوط يسرع‪.‬‬
‫الحادي عشر‪ :‬حق البيعة‪:‬‬
‫للمرأة حقوق سياسية وضحتها السنة المطهرة منها‬
‫ح عن عروة أن عائشة رضي الله عنها‬ ‫البيعة‪ ،‬فقد ص ّ‬
‫زوج النبي ‪ ‬أخبرته أن رسول الله ‪ ‬كان يمتحن من‬
‫هاجر إليه من المؤمنات بهذه الية بقول الله تعالى‪﴿ :‬يا‬
‫أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك﴾ إلى قوله‪﴿ :‬غفور‬
‫رحيم﴾]الممتحنة‪ ،[12/‬قال عروة‪ :‬قالت عائشة‪ :‬فمن أقّر‬
‫بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله ‪" :‬قد‬
‫ط في‬ ‫ست يده يد َ امرأة ق ّ‬ ‫ك" كلمًا‪ ،‬ول والله ما م ّ‬‫بايعت ِ‬
‫)‪(2‬‬
‫ك على ذلك"‪.‬‬ ‫ن إل بقوله‪" :‬قد بايعت ِ‬ ‫المبايعة‪ ،‬ما يبايعه ّ‬

‫‪ -‬أخرجه الترمذي وقال‪ :‬حسن صحيح ‪ -‬السنن ‪ -‬كتاب الفتن ‪-‬‬ ‫‪1‬‬

‫باب ‪ 64‬ح ‪ 2379‬وصححه اللباني في صحيح سنن الترمذي ح‬


‫‪. 1847‬‬

‫‪109‬‬
‫ك كلمًا‪ ،‬أي يقول ذلك‬ ‫قال ابن حجر‪ :‬قوله‪ :‬قد بايعت ِ‬
‫كلما ً فقط ل مصافحة باليد كما جرت العادة بمصافحة‬
‫)‪(1‬‬
‫الرجال عند المبايعة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وقد ورد بعض أسمائهن منهن‪ :‬أميمة بنت بشر‪ ،‬وأم‬
‫كلثوم بنت عقبة‪ ،‬وسبيعة بنت الحارث السلمية‪ ،‬وبروع‬
‫)‪(2‬‬
‫بنت عقبة‪ ،‬وعيدة بنت العزى‪.‬‬
‫الثاني عشر‪ :‬استشارة المرأة‪:‬‬
‫ُ‬
‫وأما استشارة المرأة فقد استشار النبي ‪ ‬أم سلمة‬
‫ح أنه‬ ‫في أحرج الوقات‪ ،‬وذلك في صلح الحديبية‪ ،‬فقد ص ّ‬
‫عندما فرغ من قضية الكتاب‪ ،‬قال رسول الله ‪‬‬
‫لصحابه‪" :‬قوموا فانحروا ثم احلقوا‪،‬فلم يقم أحد منهم‬
‫حتى قال ذلك ثلث مرات‪ ،‬فلم يقم أحد منهم" فدخل‬
‫رسول الله ‪ ‬على ُأم سلمة‪ ،‬فذكر لها ما لقي من‬
‫الناس‪ .‬فقالت‪ :‬يا نبي الله أتحب ذلك؟ أخرج ثم ل تكلم‬
‫أحدا ً منهم كلمة حتى تنحر ُبدنك‪ ،‬وتدعو حالقك فيحلقك‪.‬‬
‫)‪(3‬‬
‫فخرج فلم يكلم أحدا ً منهم حتى فعل ذلك‪.‬‬
‫وفي هذا الحديث التطبيق الفعلي للنبي ‪ ‬مشروعية‬
‫المشاورة مع المرأة‪ .‬وفيه منهاج تربوي حكيم في هذه‬
‫المشاركة السياسية فهو يجعل المرأة واثقة بنفسها‬
‫مة مكانة‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫مة‪ ،‬وفي الوقت نفسه يبين لل ّ‬ ‫متفكرة بهموم ال ّ‬
‫المرأة في الستشارات والقرارات السياسية‪.‬‬
‫الثالث عشر‪ :‬إجارة المحارب‪:‬‬
‫أجمع العلماء على جواز إجارة المرأة والمان على‬
‫أحد من العداء المحاربين)‪ (4‬واستدلوا بما رواه البخاري‬
‫بسنده عن ُأم هانئ بنت أبي طالب قالت‪ :‬ذهبت إلى‬
‫‪2‬‬
‫‪ -1‬صحيح البخاري ‪ -‬كتاب التفسير‪،‬سورة الممتحنة – باب قوله‬
‫تعالى ﴿يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك﴾‪ ،‬ح ‪،4891‬‬
‫ومسلم )الصحيح ‪ -‬كتاب المارة‪ ،‬باب كيفية بيعة النساء‪/ 3 ،‬‬
‫‪ 1489‬ح ‪. (1866‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -2‬فتح الباري ‪. 8/636‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -3‬ينظر فتح الباري ‪. 5/348‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -4‬صحيح البخاري ‪ -‬كتاب الشروط ‪ -‬باب الشروط في الجهاد‬
‫ح ‪. 2732-2731‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -5‬انظر الجماع لبن المنذر ‪ ،‬ص ‪. 61‬‬

‫‪110‬‬
‫رسول الله ‪ ‬عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته‬
‫تستره فسلمت عليه‪ ،‬فقال‪" :‬من هذه؟" فقلت‪ :‬أنا ُأم‬
‫هانئ بنت أبي طالب‪ ،‬فقال‪" :‬مرحبا ً بُأم هانئ" فلما فرغ‬
‫من غسله قام فصلى ثماني ركعات ملتحفا في ثوب‬
‫واحد‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول الله زعم ابن ُأمي علي أنه قاتل‬
‫رجل قد أجرته فلن بن هبيرة‪ ،‬فقال رسول الله ‪" ‬قد‬
‫ت يا ُأم هانئ" قالت ُأم هانئ‪ :‬وذلك‬
‫أجرنا من أجر ِ‬
‫)‪(1‬‬
‫ضحى‪.‬‬
‫قال العيني‪ :‬وفيه من الفقه جواز أمان المرأة وأن‬
‫من أمنته حرم قتله‪ ،‬وقد أجارت زينب بنت رسول الله‬
‫‪ ‬أبا العاص ابن الربيع‪ .‬وعلى هذا جماعة الفقهاء‬
‫بالحجاز والعراق منهم مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد‬
‫وأبو ثور وإسحاق وهو قول الثوري والوزاعي‪ ،‬وشذ ّ عبد‬
‫الملك بن الماجشون وسحنون عن الجماعة فقال‪ :‬أمان‬
‫المرأة موقوف على إجازة المام فإن أجازه جاز‪ ،‬وإن‬
‫)‪(2‬‬
‫رّده ُرّد‪.‬‬
‫إن هذا الجواز للمان لهو إقرار صريح لهذا الحق‬
‫السياسي عند فتوح البلدان واستقامة النسوان‪.‬‬
‫الرابع عشر‪ :‬المشاركة في الغزو بمداوة‬
‫الجرحى وسقي الماء‪:‬‬
‫للمرأة حق في المشاركة في الغزو إذا كانت قادرة‬
‫على التداوي وحمل الماء للسقي‪ ،‬مع مراعاة الضوابط‬
‫الشرعية في ذلك‪ ،‬ولهن حقوق مالية على ذلك كما‬
‫سيأتي‪.‬‬
‫أخرج مسلم بسنده أن َنجدة كتب إلى ابن عباس‬
‫خلل‪ .‬فقال ابن عباس‪ :‬لول أن أكتم‬ ‫يسأله عن خمس ِ‬
‫علما ً ما كتب ُ‬
‫ت إليه‪ .‬كتب إليه َنجدة‪ :‬أما بعد‪ .‬فأخب ِْرني هل‬ ‫ِ‬
‫ن‬‫كان رسول الله ‪ ‬يغزو بالنساء؟ وهل كان يضرب له ّ‬
‫بسهم؟ وهل كان يقتل الصبيان؟ ومتى ينقضي ُيتم‬
‫‪1‬‬
‫‪ -1‬الصحيح كتاب الجزية والموادعة‪ ،‬باب أمان النساء وجوارهن‬
‫ح ‪ ،3171‬وأخرجه مسلم في صحيحه ‪ -‬كتاب الصلة ‪ -‬باب‬
‫استحباب صلة الضحى‪ 1/498 ،‬ح ‪. (719/82‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -2‬عمدة القاري ‪. 15/93‬‬

‫‪111‬‬
‫اليتيم؟ وعن الخمس ِلمن هو؟ فكتب إليه ابن عباس‪:‬‬
‫ت تسألني هل كان رسول الله ‪ ‬يغزو بالنساء؟ وقد‬ ‫كتب َ‬
‫ن فيداوين الجرحى‪ ،‬وُيحذين من الغنيمة‪.‬‬ ‫كان يغزو به ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫ن‪.‬‬
‫وأما بسهم فلم يضرب له ّ‬
‫وفي هذه السنة النبوية الفعلية إعطاء المرأة حقها‬
‫من المشاركة في الغزو بالقيام بمداواة الجرحى وحمل‬
‫الماء للسقي‪ ،‬ووجوب دفع أجورها المالية على ذلك‪.‬‬
‫الخامس عشر‪ :‬حق العدل في تعدد الزوجات‪:‬‬
‫إن التعدد تثار حوله جدالت بأنه هضم لحق المرأة‬
‫وظلم لها بل هو حق للمرأة المهددة بالعنوسة‪ ،‬وخصوصا ً‬
‫أن عدد الناث يزداد على عدد الذكور‪ ،‬فأين يذهب ذلك‬
‫العدد الزائد والمضاعف أحيانًا؟ وأين حقه من الزواج؟‬
‫من أجل ذلك وغيره من السباب جاءت الشرائع‬
‫السماوية بإباحة التعدد وكان خاتمها السلم‪ ،‬فإن ما بعد‬
‫الزوجة الولى تأخذ حقها المشروع عند زوجها وبما ُأمر‬
‫به من العدل بين زوجاته‪ ،‬فالتعدد مشروط بالعدل‬
‫ويحتاج إلى صبر ومداراة ومقدرة على النفقة والتربية‪،‬‬
‫وقد حذّر نبي الرحمة ‪ ‬من الميل إلى أحد الزوجات‬
‫بتقديم وتفضيل إحداهن على الخرى فقد أخرج أبو داود‪:‬‬
‫بسنده عن أبي هريرة‪ ،‬عن النبي ‪ ‬قال‪" :‬من كانت له‬
‫امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه‬
‫)‪(2‬‬
‫مائل"‪.‬‬
‫من تطبيقه ‪ ‬لحق الزوجات في السفر أن يعدل‬
‫بينهن فيجعل بينهن القرعة فأيهما يخرج سهمها كان‬
‫نصيبها أن تسافر معه وذلك تطييبا ً للقلوب وعدم الميل‬
‫إلى إحداهن‪ .‬فقد أخرج البخاري بسنده عن عائشة رضي‬
‫‪1‬‬
‫‪ -3‬الصحيح – كتاب الجهاد والسير ‪ -‬باب النساء الغازيات يرضخ‬
‫لهن‪ 1445-3/1444 ،‬ح ‪.1812‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -1‬السنن ‪ 2/242‬ح ‪ - 2133‬ك النكاح‪ ،‬ب في القسم بين‬
‫النساء‪ .‬والحاكم في )المستدرك ‪ (2/186‬قال الحاكم‪ :‬صحيح‬
‫على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأقره الذهبي‪ .‬ونقل ابن‬
‫حجر عن ابن دقيق العيد قوله‪ :‬إسناده على شرط الشيخين‬
‫ونقل عن عبد الحق قوله‪ :‬خبر ثابت )التلخيص الحبير‬
‫‪.( 3/201‬‬

‫‪112‬‬
‫الله عنها زوج النبي ‪ ‬قالت‪ :‬كان رسول الله ‪ ‬إذا أراد‬
‫أن يخرج أقرع بين أزواجه‪ ،‬فأيتهن خرج سهمها خرج بها‬
‫رسول الله ‪ ‬معه‪ .‬قالت عائشة‪ :‬فأقرع بيننا في غزوة‬
‫)‪(1‬‬
‫غزاها فخرج سهمي‪...‬‬
‫قال ابن حجر‪ :‬قوله "أقرع بين أزواجه" فيه‬
‫)‪(2‬‬
‫مشروعية القرعة والرد على من منع منها‪.‬‬
‫السادس عشر‪ :‬حقها في عدم الجمع بينها‬
‫وبين أختها أو عمتها أو خالتها‪:‬‬
‫وكذلك تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها‪ ،‬كما‬
‫نهى النبي ‪ ‬في قوله‪" :‬ل يجمع بين المرأة وعمتها ول‬
‫بين المرأة وخالتها" وفي رواية‪ :‬نهى رسول الله ‪ ‬أن‬
‫ُتنكح المرأة على عمتها أو خالتها)‪ .(3‬لن هذا التعدد يؤدي‬
‫إلى قطيعة الرحام بسبب ما يقع من الغيرة بين النساء‪،‬‬
‫وفي ذلك حق للمرأة في عدم قبولها لهذا التعدد‪.‬‬
‫السابع عشر‪ :‬استئذان البكر في النكاح‬
‫وللثيب الخيار‪:‬‬
‫من حق البكر أن ُتستأذن عند النكاح فل ُتجبر على‬
‫ذلك‪ ،‬فقد أخرج البخاري بسنده عن أبي سلمة‪ ،‬أن أبا‬
‫هريرة حدثهم أن النبي ‪ ‬قال‪" :‬ل تنكح اليم حتى‬
‫تستأمر‪ ،‬ول تنكح البكر حتى تستأذن"‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول‬
‫الله وكيف إذنها؟ قال‪" :‬أن تسكت")‪.(4‬‬
‫هكذا جعلت السنة النبوية هذه الخيارات حقا ً للمرأة‬
‫البكر والثيب حتى ل تجبر على المكروه ول تقهر عليه بل‬
‫يكون المر بطيب نفس وتآلف‪ ،‬لن الكراه له مشاكله‬
‫في المستقبل وقد يؤدي إلى الطلق كما تشاهد في هذا‬
‫‪1‬‬
‫‪ -2‬الصحيح ‪ -‬كتاب التفسير‪ ،‬سورة النور ‪ -‬باب قوله تعالى ﴿‬
‫لول إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا﴾ الية ح‬
‫‪ .4750‬وصحيح مسلم ‪ -‬كتاب التوبة ‪ -‬باب في حديث الفك‬
‫وقبول توبة القاذف‪ 4/2129 ،‬ح ‪.2770‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -3‬فتح الباري ‪8/458‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -1‬صحيح البخاري – كتاب النكاح ‪ -‬باب ل تنكح المرأة على‬
‫عمتها‪ ،‬ح ‪5108‬و ‪.5109‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ –2‬الصحيح – كتاب النكاح – باب ل ينكح الب وغيره البكر‬
‫والثيب إل برضاهما ح ‪.5136‬‬

‫‪113‬‬
‫الزمان‪ ،‬فهذه السنة العظيمة تقلل من وقوع الطلق‪،‬‬
‫وتجنب الوقوع في المشاكل والخصومات‪.‬‬
‫الثامن عشر‪ :‬حقها في الخلع‪:‬‬
‫إذا تنافرت النفوس وجب على المسلمين حق الصلح‬
‫بين المتنافرين‪ ،‬وهذا التنافر قد يمس بيت الزوجية‪ ،‬فإذا‬
‫نفر الرجل من امرأته وجب الصلح‪ ،‬فإن لم ينفع فللرجل‬
‫حق الطلق‪ ،‬وكما أن السلم جعل له هذا الحق فكذلك‬
‫للمرأة حق الخلع عندما تنفر من زوجها بسبب الدمامة‬
‫أو أي مبرر مشروع فلها الحرية بأن تختار البقاء أو الصبر‬
‫على ذلك وأجرها على الله تعالى‪ ،‬ولها الخلع بأن ترد ّ‬
‫على زوجها ما أخذته من صداق‪.‬‬
‫أخرج البخاري بسنده عن ابن عباس أن امرأة ثابت‬
‫بن قيس أتت النبي ‪ ‬فقالت‪ :‬يا رسول الله ثابت بن‬
‫قيس ما أعتب عليه في خلق ول دين‪ ،‬ولكني أكره الكفر‬
‫ن عليه حديقته؟‬ ‫في السلم‪ ،‬فقال رسول الله ‪" :‬أتردي َ‬
‫" قالت‪ :‬نعم‪ .‬قال رسول الله ‪" :‬أقبل الحديقة وطّلقها‬
‫)‪(1‬‬
‫تطليقة"‪.‬‬
‫التاسع عشر‪ :‬حقها في عدم تعرضها إلى‬
‫الخلوة‪:‬‬
‫يرتقي المجتمع حينما يسمو بتعاليم السلم‪ ،‬ومنها‬
‫المحافظة على عرض المرأة من الخلوة بالجنبي أو‬
‫أقارب الزوج‪ ،‬فمن حقها صيانة عرضها بأن ل نعرضها‬
‫إلى أسباب الخلوة التي تفضي إلى ما ل يحمد عقباه‪ ،‬لذا‬
‫قد حذر النبي ‪ ‬من هذا المر‪.‬‬
‫أخرج البخاري بسنده عن عقبة بن عامر أن رسول‬
‫الله ‪ r‬قال‪" :‬إياكم والدخول على النساء" فقال رجل من‬
‫النصار‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬أفرأيت الحمو؟ قال‪" :‬الحمو‬
‫)‪(2‬‬
‫الموت"‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -1‬صحيح البخاري ‪ -‬كتاب الطلق ‪ -‬باب الخلع ح ‪.5273‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -2‬الصحيح ‪ -‬كتاب النكاح ‪ -‬باب ل يخلون رجل بامرأة‪ ،‬ح‬
‫‪ ،5232‬وأخرجه مسلم )الصحيح ‪ -‬كتاب السلم ‪ -‬باب تحريم‬
‫الخلوة بالجنبية‪ 4/1711 ،‬ح ‪.(2172‬‬

‫‪114‬‬
‫العشرون‪ :‬حقها في طلب مرافقة المحرم‬
‫في السفر الضروري المهم‪:‬‬
‫للمرأة الحق بأن تطلب من وليها أن يرافقها أحد‬
‫المحارم في السفر المهم والضروري‪ ،‬وقد جعل بعض‬
‫الناس هذا الحق تقييد وتشديد على المرأة وهذا خطأ‬
‫وخطر‪ ،‬لن السفر بمفردها يعرضها إلى مهانة ومشقة‬
‫ومخاطر من حيث حمل الشياء‪ ،‬والقيام بالمعاملت‬
‫الرسمية‪ ،‬وتعرضها إلى الخلوة أحيانا ً وإلى الحتكاك‬
‫بالذين في قلوبهم مرض فيطمعون بهذه الفرصة ماديا ً‬
‫ح عنه أنه قال‪:‬‬ ‫ذر النبي ‪ ‬من ذلك وص ّ‬ ‫أومعنويًا‪ ،‬وقد ح ّ‬
‫"ل يخلون رجل بامرأة إل ومعها ذو محرم‪ ،‬ول تسافر‬
‫المرأة إل مع ذي محرم" فقال رجل‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬إن‬
‫جة‪ ،‬وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا‪.‬‬ ‫امرأتي خرجت حا ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫فقال‪ :‬فانطلق فحج مع امرأتك‪.‬‬
‫الحادي والعشرون‪ :‬حق المرأة في أن تكون‬
‫زوجة ثانية أو ثالثة أو رابعة‪:‬‬
‫يظن كثير من الجهلة أن موافقة الزوجة الثانية أن‬
‫تكون ضرة لسابقتها عيب وهجوم على الزوجة الولى‬
‫وحرمان لها من حقوقها‪ ،‬لنها ستشاركها مع زوجها‪،‬‬
‫وهكذا إذا كانت زوجة ثالثة ورابعة‪ ،‬وكل ذلك من الجهل‬
‫بعظمة هذا الدين الذي تكفل بحقوق الزوجات‪ ،‬فقد‬
‫شرع الله لهذه الزوجة الثانية والثالثة والرابعة حق‬
‫الزواج في قوله تعالى ﴿فانكحوا ما طاب لكم من النساء‬
‫مثنى وثلث ورباع﴾ ]النساء‪ ،[3/‬ويستنبط من هذه الية‬
‫إثبات هذا الحق لها‪ ،‬وقد ذكرت في الحق الخامس‬
‫عشر‪ :‬حق العدل في تعدد الزوجات المزيد على هذا‪.‬‬
‫وهذا الحق يبينه النبي ‪ ‬عمليا تطبيقيا في أزواجه‬
‫وفي إقراره للصحابة على التعدد إلى أربع زوجات‬
‫بشرط العدل والقيام بالحقوق حسب ما يرضي الله‬
‫تعالى‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -3‬صحيح البخاري ‪ -‬كتاب النكاح ‪ -‬باب ل يخلون رجل بامرأة ح‬
‫‪. 5233‬‬

‫‪115‬‬
‫الثاني والعشرون‪ :‬حقها في شأن إقامة‬
‫الحدود في تأخير الحد عن النفساء‪:‬‬
‫إن المرأة لها حقوقها وحرمتهــا حــتى لــو وقعــت فــي‬
‫بعض المحرمات الــتي فيهــا حـد ّ مــن حــدود اللــه تعــالى‪،‬‬
‫خر حــتى تــزول‬ ‫وخصوصا ً إذا كانت نفســاء فــإن الح ـد ّ ي ُــؤ َ‬
‫فترة النفاس‪.‬‬
‫أخرج مسلم بسنده عن أبي عبد الرحمن قال‪ :‬خطب‬
‫ي ‪ ‬فقال‪ :‬يا أيها الناس! أقيموا على أرقّــائكم الح ـ ّ‬
‫د‪.‬‬ ‫عل ّ‬
‫ة ِلرســول اللــه‬ ‫مـ ً‬ ‫من أحصن منهم ومن لم ُيحصن‪ .‬فإن أ َ‬
‫‪ ‬زنت‪ .‬فأمرني أن أجلدها‪ .‬فإذا هي حديث عهد بنفاس‪.‬‬
‫ت‪ ،‬إن أنا جلدتها‪ ،‬أن أقتلها‪ .‬فذكرت ذلك للنــبي ‪‬‬ ‫فخشي ُ‬
‫)‪(1‬‬
‫ت"‪.‬‬
‫فقال‪" :‬أحسن َ‬
‫قال النووي‪ :‬فيه أن الجلد واجب علــى المــة الزانيــة‪،‬‬
‫وأن النفساء والمريضة ونحوهما يؤخر جلدهما إلى الــبرء‬
‫)‪(2‬‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫الثالث والعشرون‪ :‬تأخير الحد على الحامل‬
‫حتى ترضع‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فإذا قتلت المرأة الحامل نفسا عمدا بغير حق ولم‬
‫ف عنها ‪ ,‬أو حملت من زنا بعد إحصان وهي حرة فإنه‬ ‫ُيع َ‬
‫ل يقام عليها الحد أو القصاص حتى تضع حملها بل إذا لم‬
‫يوجد للطفل من يكفله غيرها فإنها تترك لحضانته حتى‬
‫د‪ ،‬وذلك رعاية‬ ‫يفطم ويوجد من يكفله‪ ،‬ثم يقام عليها الح ّ‬
‫للطفل حتى ل يتضرر‪.‬‬
‫الرابـــع والعشـــرون‪ :‬حقهـــا فـــي التطهيـــر‬
‫والتوبة‪:‬‬
‫إن كثيرا من الحدود تدفع بالشبهات ول تقام ولكن إذا‬ ‫ً‬
‫وقعت المرأة في ظلمــات الفاحشــة وأصــرت أن تطهــر‪،‬‬
‫فإذا أقرت وثبت المر فإن من حقها الستجابة لها‪.‬‬
‫أخرج مسلم بســنده عــن عمــران بــن حصــين ‪ ،‬أن‬
‫اللــه ‪ ،‬وهــي حبلــى مــن‬ ‫جهينة أتت نبي‬ ‫امرأة من ُ‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬الصــحيح ‪ -‬كتــاب الحــدود ‪ -‬بــاب تــأخير الحــد عــن النفســاء‪،‬‬
‫‪ 3/1330‬ح ‪.1705‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬شرح النووي على صحيح مسلم ‪. 11/214‬‬

‫‪116‬‬
‫ي‪ .‬فــدعا‬‫الزنى‪ .‬فقالت‪ :‬يا نبي الله! أصبت حد ّا ً فأقمه عل ّ‬
‫ســن إليهــا‪ ،‬فــإذا وضــعت‬ ‫نبي الله ‪ ‬وليها‪ .‬فقــال‪" :‬أح ِ‬
‫كت عليهــا‬ ‫شـ ّ‬
‫فائتني بها" ففعل‪ .‬فأمر بها نــبي اللــه ‪ .‬ف ُ‬
‫ثيابها‪ .‬ثم أمر بها فُرجمت ثم صلى عليها‪ .‬فقال له عمــر‪:‬‬
‫تصلي عليها؟ يا نبي اللــه وقــد زنــت! فقــال‪" :‬لقــد تــابت‬
‫توبة لو ُقسمت بين سبعين مـن أهـل المدينــة لوسـعتهم‪،‬‬
‫ت توبــة أفضــل مــن أن جــادت بنفســها للــه‬ ‫وهــل وجــد َ‬
‫)‪(1‬‬
‫تعالى؟"‪.‬‬
‫قال ابن حجر‪ :‬وقد اســتحب العلمــاء تلقيــن مــن أقــر‬
‫بموجب الحد ّ بالرجوع عنه إما بالتعريض وإما بأوضح منــه‬
‫)‪(2‬‬
‫د‪.‬‬
‫لُيدرأ عنه الح ّ‬
‫الخامس والعشرون‪ :‬درء حدّ الزنا عنها إذا لم‬
‫تعترف‪:‬‬
‫إذا وقعت الملعنة بين المرأة وزوجها ولــم تعــترف‬
‫)‪(3‬‬

‫المرأة في آخر الملعنة فإنهــا ل تحــد ولكــن يبقــى إثمهــا‬


‫وأمرها إلى الله تعــالى‪ ،‬والــدليل علــى ذلــك أن هلل بــن‬
‫ُأمية قذف امرأته عند النبي ‪ ‬بشريك بن سمحاء‪ ،‬فقال‬
‫النبي ‪" :‬البينة أو حد ّ في ظهرك" فقال‪ :‬يا رسول اللــه‬
‫إذا رأى أحـدنا علـى امرأتـه رجل ً ينطلــق يلتمـس البينـة؟‬
‫فجعل النبي ‪ ‬يقول‪" :‬البينة أو حد ّ فــي ظهــرك"‪ .‬فقــال‬
‫هلل‪ :‬والذي بعثك بالحق إني لصــادق‪ ،‬فلينـــزلن اللــه مــا‬
‫يبرئ ظهري من الحد‪ .‬فنـزل جبريل وأنزل عليه ﴿والــذين‬
‫يرمـــون أزواجهـــم﴾ فقـــرأ حـــتى بلـــغ ﴿إن كـــان مـــن‬
‫الصادقين﴾ ]النــور‪ ،[6/‬فانصــرف النــبي ‪ ‬فأرســل إليهــا‬
‫فجــاء هلل فشــهد‪ ،‬والنــبي ‪ ‬يقــول‪" :‬إن اللــه يعلــم أن‬
‫أحدكما كاذب‪ ،‬فهل منكما تــائب؟ "ثــم قــامت فشــهدت؟‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬الصحيح ‪ -‬كتاب الحدود ‪ -‬باب من اعترف على نفسه بالزنــا‪،‬‬
‫‪3/1324‬ح ‪.1696‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬فتح الباري ‪. 12/134‬‬
‫‪ -‬قال ابن الثير‪ :‬وأصل الّلعن الطرد والبعاد مــن اللــه‪ ،‬ومــن‬ ‫‪3‬‬

‫الخلق السب والدعاء‪ ،‬وفي حديث اللعان "فالتعن" هــو افتعــل‬


‫من اللعن أي لعن نفسه‪ ،‬واللعان والملعنة‪ :‬اللعن بيــن اثنيــن‬
‫فصاعدا )النهاية ‪(4/255‬‬

‫‪117‬‬
‫فلما كانت عنــد الخامســة وقفوهــا‪ ،‬وقــالوا‪ :‬إنهــا موجبــة‪.‬‬
‫كأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع‪ ،‬ثم‬ ‫قال ابن عباس‪ :‬فتل ّ‬
‫قالت‪ :‬ل أفضح قومي سائر اليوم‪ ،‬فمضــت‪ .‬فقــال النــبي‬
‫‪":‬أبصروها فإن جاءت به أكحل العينيــن ســابغ الليــتين‬
‫خدل ّــج الســاقين فهــو لشــريك بــن ســمحاء" فجــاءت بــه‬
‫كذلك‪ ،‬فقال النبي ‪" :‬لول ما مضى من كتاب الله لكان‬
‫)‪(1‬‬
‫لي ولها شأن"‪.‬‬
‫ويســتفاد مــن هــذا الحــديث الشــريف احــترام مكانــة‬
‫المرأة وعدم إهدار كلمتهــا ودمهــا‪ ،‬وعــدم عقوبتهــا حــتى‬
‫علم أنها كاذبة‪.‬‬‫وإن ُ‬
‫السادس والعشرون‪ :‬حق الصداق‪:‬‬
‫إن الزوج له حقوق والزوجة لها حقوق ومن حقوقها‬
‫في الزواج الصداق‪ ،‬وأجمع العلماء على أنه شرط من‬
‫شروط الصحة وأنه ل يجوز التواطؤ على تركه لقوله‬
‫تعالى ﴿وآتوا النساء صدقاتهن نحلة﴾ ]النساء‪ ،[4/‬وقوله‬
‫تعالى ﴿فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن ﴾ ]النساء‪/‬‬
‫)‪(2‬‬
‫‪.[25‬‬
‫ً‬
‫والصداق قد يكون كثيرا وقد يكون قليل ً على قدر‬
‫طاقة الزوج‪.‬‬
‫وقد أخرج البخاري بسنده أن عبد الرحمن بن عوف‬
‫ي ‪ ‬بشاشة‬ ‫ة‪ ،‬فرأى النب ُ‬‫‪ ‬تزوج امرأة ً على وزن نوا ٍ‬
‫الُعرس‪ ،‬فسأله‪ ،‬فقال‪ :‬إني تزوجت امرأة ً على وزن‬
‫)‪(3‬‬
‫ة‪.‬‬
‫نوا ٍ‬
‫السابع والعشرون‪ :‬حق النفقة والسكن‪:‬‬
‫كما أن على المرأة أن ترعى بيت زوجها وتحرص‬
‫على مصالحه وتدبيره‪ ،‬فإنه يجب على الزوج النفقة‬
‫والسكن سواء كان غنيا ً أو فقيرًا‪ ،‬فقد أمر الله تعالى‬

‫‪ - 1‬صحيح البخاري ‪ -‬ك التفسير‪،‬سورة النور‪ ،‬باب قــوله تعــالى ﴿‬


‫ويدرأ عنها العــذاب‪ ﴾...‬اليــة‪ ،‬ح ‪ ،4747‬ومعنــى ســابغ‪ :‬عظيــم‪،‬‬
‫ومعنى خدلج‪ :‬ممتلئ ‪.‬‬
‫‪ -22‬انظر بداية المجتهد ‪. 2/15‬‬
‫‪ -33‬الصحيح ‪ -‬كتاب النكاح ‪ -‬باب قوله تعالى ﴿ وآتوا النساء‬
‫صدقاتهن نحلة ‪ ﴾ ..‬ح ‪.5148‬‬

‫‪118‬‬
‫بقوله ﴿لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه‬
‫فلينفق مما أتاه الله ل يكلف الله نفسا ً إل ما‬
‫أتاها﴾ ]الطلق‪ ،[7/‬وقال تعالى في حق المطلقات أثناء‬
‫العدة ﴿أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم﴾ ]الطلق‪/‬‬
‫ق‬
‫‪ ،[6‬فإذا كان هذا الحكم للمطلقات في العدة فح ّ‬
‫الزوجات كذلك بل هو أوجب‪.‬‬
‫وقد أوضح النبي ‪ ‬هذا الحق ورغب فيه فروى‬
‫مسلم بسنده عن ثوبان ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول الله ‪:‬‬
‫)‪(1‬‬
‫"أفضل دينار ينفقه الرجل على عياله‪."...‬‬
‫والعيال‪ :‬من يعوله ويلزمه مؤنته كالزوجة والولد‪.‬‬
‫في الحديث الطويل عن جابر ‪ ‬مرفوعًا‪" :‬وله ّ‬
‫ن‬
‫)‪(2‬‬
‫ن بالمعروف"‪.‬‬
‫ن وكسوته ّ‬ ‫عليكم رزقه ّ‬
‫الثامن والعشرون‪ :‬الحقوق المالية في‬
‫الرث‪:‬‬
‫تختلف أحوال المرأة في الميراث فتارة تأخذ الثلثين‪،‬‬
‫وتارة تأخذ النصف‪ ،‬وتارة تأخذ الربع‪ ،‬وتارة تأخذ‬
‫السدس‪ ،‬وتارة تأخذ نصف ما يأخذه الذكر‪.‬‬
‫ونصيب الزوجة الربع إذا لم يكن للزوج فرع وارث‪،‬‬
‫أو الثمن إذا كان للزوج فرع وارث‪ ،‬بدليل قوله تعالى ﴿‬
‫ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم‬
‫ولد فلهن الثمن مما تركتم﴾ ]النساء‪.[12/‬‬
‫وهذا التغيير حسب أحوالها وحاجتها فجاء هذا التبيان‬
‫الحكيم في غاية الدقة‪ ،‬وقد أثيرت بعض الشبهات حول‬
‫نصيبها في الرث نصف ما يأخذه الذكر‪ ،‬ولكن هذه حالة‬
‫واحدة‪ ،‬ولها حالت أخرى‪ ،‬ولكل حالة حق كما تقدم في‬
‫بداية الكلم عن هذا الحق‪.‬‬
‫التاسع والعشرون‪ :‬حق الزوجة في الصدقة‬
‫غير الزكاة‪:‬‬
‫‪ -41‬صحيح مسلم ‪ -‬كتاب الزكاة ‪ -‬باب فضل النفقة على العيال‬
‫والمملوك ‪ 692-2/691‬ح ‪.944‬‬
‫‪ -12‬صحيح مسلم ‪ ،‬كتاب الحج ‪ -‬باب حجة النبي ‪  ، 2/890‬ح ‪1218‬‬
‫‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫وللزوجة حق الصدقة عليها من مال الزوج فهي أحق‬
‫الناس بها ولكن ل تكون هذه الصدقة من أموال الزكاة‪،‬‬
‫قال النبي ‪ ‬لزينب امرأة عبد الله بن مسعود رضي‬
‫الله عنهما‪" :‬صدق ابن مسعود‪ ،‬زوجك وولدك أحق من‬
‫)‪(1‬‬
‫تصدقت به عليهم"‪.‬‬
‫ل على أنها‬‫ذكر الحافظ ابن حجر أن هذا الحديث دا ّ‬
‫صدقة تطوع‪ ،‬لن الولد ل ُيعطى من الزكاة الواجبة‬
‫)‪(2‬‬
‫بالجماع كما نقله ابن المنذر وغيره‪...‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬مشكلة العقوبات‬


‫هذه المشكلة ذات شقين‪ ،‬وهما‪ :‬ضعف القوانين‬
‫الوضعية‪ ،‬وانتقاد العقوبات الشرعية فإن بعض الهيئات‬
‫العالمية وبعض الفئات التي تتبع الشهوات والشبهات‬
‫تعصف رياحها لنقد هذه الحكام الحكيمة‪ ،‬أو تصفها‬
‫بالرجعية‪ ،‬أو تزعم أنها تعطل تنمية الموارد البشرية‪،‬‬
‫ط من قدر النسان‬ ‫وتشوه بعض أجزاء بدن النسان‪ ،‬وتح ّ‬
‫وغيرها من المغالطات التي كثر فيها اللغط باللمز والهمز‬
‫المؤلم‪ ،‬علما ً أن إقامة الحدود الشرعية ل ُتنفذ إل بنطاق‬
‫ضيق محدود‪ ،‬فقد يظن بعض الناس أن إقامة الحدود في‬
‫السلم كإقامة الصلة في كثرتها‪ ،‬والحق أن أحكام‬
‫الشريعة السلمية تعد بالمئات لكن عدد الحدود التي‬
‫تقام هي سبعة‪ :‬الحرابة )قطع الطريق(‪ ،‬والرّدة‪ ،‬والبغي‪،‬‬
‫والزنا‪ ،‬والقذف‪ ،‬والسرقة‪ ،‬وشرب الخمر‪ .‬وعند تنفيذها‬
‫فإنه ل يمكن ذلك إل بعد مراحل وشروط وذلك بعد التأكد‬
‫من وقوع الجريمة وإقامة الحجة على الجاني كالعتراف‬
‫أو الشهادة عليه‪ ،‬وقد يصل عددهم إلى أربعة شهود في‬
‫جريمة الزنا‪ ،‬ويشترط فيهم العدالة وعدم التهمة مما يدل‬

‫‪ -21‬صحيح البخاري ‪ -‬كتاب الزكاة ‪ -‬باب الزكاة على القارب ح‬


‫‪. 1462‬‬
‫‪ -32‬فتح الباري ‪. 3/330‬‬

‫‪120‬‬
‫على التحري والتثبت والحتياط بهذا العدد الذي انفرد عن‬
‫بقية الجرائم الخرى‪.‬‬
‫)والحكمة في ذلك أن الله تعالى يحب الستر‪ ،‬كما أن‬
‫جريمة الزنا ل تقع إل من اثنين فكأن كل شاهدين‬
‫)‪(1‬‬
‫يشهدان على أحدهما(‪.‬‬
‫قال ابن القيم ‪ -‬رحمه الله ‪ :-‬وكان من تمام حكمته‬
‫ورحمته أنه لم يأخذ الجناة بغير حجة‪ ،‬كما لم يعذبهم في‬
‫الخرة إل بعد إقامة الحجة عليهم‪ ،‬وجعل الحجة التي‬
‫يأخذهم بها‪ ،‬إما منهم وهي القرار‪ ،‬أو ما يقوم مقامه من‬
‫إقرار الحال وإما أن تكون الحجة من خارج عنهم‪ ،‬وهي‬
‫البينة‪ ،‬واشترط فيها العدالة‪ ،‬وعدم التهمة‪ ،‬فل أحسن في‬
‫العقول والفطر من ذلك‪ ،‬ولو طلب منها القتراح لم‬
‫)‪(2‬‬
‫تقترح أحسن من ذلك‪ ،‬ول أوفق منه للمصلحة‪.‬‬
‫وعلى سبيل المثال على قلة تنفيذ الحد ّ لهذه الجريمة‬
‫مة السلم‬ ‫ُ‬
‫فإنه منذ أن نزل حد ّ الزنا لم نسمع في تاريخ أ ّ‬
‫ُ‬
‫أن أقيم حد ّ الزنا بتوافر أربعة شهود‪ ،‬وكذلك لم ُتحد ّ‬
‫امرأة حتى لو تمت عليها الشهادة كما في الملعنة إذا لم‬
‫النبي ‪ ‬لم يقم الحد ّ‬ ‫تقر بما ُنسب إليها‪ ،‬فقد ثبت أن‬
‫على المرأة في قصة الملعنة كما تقدم في ص)‪(100‬‬
‫في الحق الخامس والعشرين من حقوق المرأة‪.‬‬
‫ويستفاد من هذا الحديث الشريف احترام مكانة‬
‫علم أنها‬ ‫المرأة وعدم إهدار كلمتها ودمها حّتى وإن ُ‬
‫كاذبة‪.‬‬
‫ولو ثبتت جريمة الزنا بالعتراف وأقيم حد الرجم فإن‬
‫هذا الزاني الذي يرجم لو طلب منهم التوقف عن ذلك‬
‫لدلء ما عنده ما يدفع عنه فينبغي أن يوقف الرجم‬
‫وُيسمع منه هل ما يقوله يعتد به أم ل؟‬

‫‪ - 1‬وسائل الثبات ص ‪. 160‬‬


‫‪ -2‬أعلم الموقعين عن رب العالمين ‪. 119 / 2‬‬

‫‪121‬‬
‫ح أن ماعز بن مالك ‪ ‬فّر حين وجد م ّ‬
‫س‬ ‫وقد ص ّ‬
‫س الموت‪ ،‬فقال رسول الله ‪" :‬هل ّ‬ ‫الحجارة وم ّ‬
‫)‪(3‬‬
‫تركتموه؟"‪.‬‬
‫وكذلك ل تقام الحدود عند الضرورات وعند الشبهات‬
‫لمة معالي الشيخ ابن بيه‪:‬‬ ‫فيأتي دور درء الحدود‪ ،‬قال الع ّ‬
‫والشريعة المطهرة مع اهتمامها الشديد بسلمة المجتمع‪،‬‬
‫فإنها تقدم للفرد ضمانات أكيدة‪ ،‬ل من حيث درء الحدود‬
‫بالشبهات وهي قاعدة تنسحب على الحدود وبخاصة في‬
‫جرائم الخلق وحقوق الله المحضة‪ ،‬ولكنها قدمت‬
‫ضمانات على مستوى الجراءات القضائية ووسائل‬
‫الثبات‪ ،‬فمنعت القاضي من أن يحكم بعلمه الشخصي‪،‬‬
‫واشترطت العدالة وزيادة العدد على اثنين في قضايا‬
‫أخلقية معينة‪ ،‬وأعذرت للمتهم في البينات ليجرح الشاهد‬
‫عند القتضاء‪ ،‬وأوجبت اليمان وغلظتها‪ ،‬حيث يجب‬
‫التغليظ‪ ،‬وألغت إقرار المكره‪ ،‬ولم تعتبر إل إقرارا في‬
‫حالة طوع واختيار وحرية‪ ،‬واشترطت شروطا خاصة‬
‫فيمن يتولى القضاء من علم وورع ونزاهة واستقامة إلى‬
‫)‪(2‬‬
‫آخر ما هو معروف في كتب الحكام والقضاء‪.‬‬
‫وحينما ننظر في عقوبات القوانين الوضعية نجدها‬
‫هزيلة ومتغيرة‪ ،‬لقد ثبت من خلل الدراسات المقارنة‬
‫والحصاءات الدقيقة أن القوانين في العقوبات الوضعية‬
‫دلت ورقعت فإنها تافهة وسقيمة؛ لن الذين‬ ‫مهما ع ّ‬
‫وضعوها ما عندهم من العلم إل القليل منه‪ ،‬قال الله‬
‫تعالى‪﴿ :‬وما أوتيتم من العلم إل قليل ً﴾ ]السراء‪.[85/‬‬
‫ما علم الله تعالى فقد أحاط بكل مخلوقاته علما‪،‬‬ ‫أ ّ‬
‫فشريعة الخالق هي المناسبة بخلقه لنه أدرى بخلقه وما‬
‫يصلح لهم من الداب والحكام والترغيب والترهيب‪ .‬ومن‬
‫هذه الحكام الربانية‪ :‬الحدود الشرعية كحد ّ أهل البغي‬
‫والزنا والسرقة والرّدة والحرابة والقذف وشرب الخمر‪،‬‬
‫فقد قام بها النبي ‪ ‬على أحسن وجه‪ ،‬وارتقى بالمجتمع‬
‫‪ -3‬رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وحسنه وصححه اللباني )إرواء‬
‫الغليل ‪ 28 / 8‬ح ‪. (2360‬‬
‫‪ -22‬حوار عن بعد ص ‪. 83‬‬

‫‪122‬‬
‫الجاهلي إلى مجتمع الحضارات وجعلها منارات تضيء‬
‫الدرب للبشرية إلى حياة طيبة وجنة كريمة‪.‬‬
‫وهذه الحكام مهجورة في العالم بل في العالم‬
‫السلمي إل ما رحم الله تعالى‪ ،‬وعندما نقارن‬
‫المجتمعات التي تقيم شعائر الله تعالى وسنة رسوله ‪‬‬
‫مع المجتمعات التي أهملت هذه الروادع الحكيمة عن‬
‫الجريمة نجد الحكمة العظيمة‪.‬‬
‫وعلى سبيل المثال نرى تجربة المملكة العربية‬
‫السعودية في تطبيق الشريعة السلمية ونجاحها الرائد في‬
‫إقامة الحدود إذ نجحت نجاحا باهرا‪ ،‬وذلك بالقضاء على‬
‫مظاهر السلب والنهب‪ ،‬والقتل والجهل‪ ،‬وانتشار المن‬
‫والعدل‪ ،‬والمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪.‬‬
‫من أجل ذلك نرى نسبة الجرائم ضئيلة جدا ً – والحمد‬
‫لله ‪ -‬فمعدلها حسب الحصاءات لعام ‪1416‬هـ يصل إلى‬
‫)‪ (0.32‬في ألف من السكان بينما نجد نسبة الجريمة في‬
‫بعض دول العالم أضعافا ً مضاعفة لكل ألف من السكان‬
‫هي‪:‬‬
‫)‪ (77.26‬في أسبانيا‪ ،‬وفي ألمانيا الغربية )‪(41.71‬‬
‫وفي إيطاليا )‪ ،(20.08‬وفي الدانمارك )‪ (60.52‬وفي‬
‫فرنسا )‪ (32.27‬وفي أستراليا )‪ (75.00‬وفي كندا )‬
‫‪ (75.00‬وفي كوريا )‪ ،(12.42‬وفي غانا )‪ (10.72‬وفي‬
‫)‪(1‬‬
‫كينيا )‪ (4.74‬وفي إندونيسيا )‪.(1.47‬‬
‫فنرى الفرق الشاسع بين هذه البلدان التي تحكم‬
‫بالقوانين الوضعية‪ ،‬والمملكة العربية السعودية التي‬
‫تحكم بالشريعة السلمية مما يدل على أن هذا هو الحق‪،‬‬
‫وأنها تجربة رائدة في العالم‪ ،‬وخصوصا لو زاد الهتمام‬
‫بالتدابير الوقائية للحد من الجريمة لكانت النسبة أقل‪.‬‬
‫وقد حاولت جمهورية السودان أن تطبق هذه‬
‫التجربة المباركة‪ ،‬ومنذ أن بدأت بتطبيق أحكام الشريعة‬
‫فإن نسبة جريمة القتل انخفضت بشكل ملموس يصل‬
‫‪ -‬أفدت هذه الحصاءات من كتاب حقوق النسان في السلم‬ ‫‪1‬‬

‫وتطبيقاتها في المملكة العربية السعودية لسعادة أ‪.‬د‪.‬‬


‫سليمان عبدالرحمن الحقيل ص ‪. 132-131‬‬

‫‪123‬‬
‫إلى النصف تقريبًا‪ ،‬ففي عام ‪ 1402‬هـ بلغت عدد‬
‫الجرائم )‪ (1155‬جريمة بينما انخفضت في عام ‪1403‬‬
‫هـ إلى )‪ (670‬جريمة ثم في عام ‪1404‬هـ نزلت إلى )‬
‫‪ (663‬جريمة وذلك حسب دراسة ميدانية مدعمة‬
‫)‪(1‬‬
‫بالحصاءات الدقيقة‪.‬‬
‫بينما نجد الدول التي تتخبط بفوضى القوانين الوضعية‬
‫تزداد فيها نسبة الجريمة بل تدخل في أطوار جديدة‪ ،‬وإن‬
‫قضية الهتمام بالدين يقلل منها‪ ،‬فقد جاء في )موسوعة‬
‫القانون الجنائي وعلم الجرام‪ ،‬ص ‪) 203-199‬لبيا بوزا(‬
‫و )جان بيناتا ‪ :(Pierre Bouzat et Jean Pinatei‬أنه نتيجة لنتشار‬
‫التعليم وتحسين الظروف القتصادية لشرائح عريضة من‬
‫المجتمع فإن جرائم القتل أصبحت يطغى عليها طابع‬
‫الحيلة أكثر من طابع العنف ‪ ,‬وزيادة على بعض العوامل‬
‫فإن المؤلفين يذكران تأثير الريف في ارتفاع عدد جرائم‬
‫القتل ‪ ,‬وتأثير الدين في الخفض منه ‪ ,‬وهما يذكران‬
‫دراسة أجراها المستشرق القانوني سلين ‪ M . Th. Sllin‬في‬
‫موضوع العلقة بين العمل بحكم العدام أو إلغائه من‬
‫ناحية‪ ،‬ومستوى الجرائم من ناحية أخرى ‪ ,‬ويذكر‬
‫المؤلفان أيضا ً دراسة )عزت بن عبد الفتاح( التي بينت‬
‫أن تفاقم عدد جرائم القتل بكندا منذ سنة ‪1962‬م يتدرج‬
‫)‪(2‬‬
‫ضمن تصاعد عام لجرائم العنف‪.‬‬
‫وما ورد عن هؤلء الخبراء الفرنسيين يؤكد ارتفاع‬
‫الجريمة بمرور الزمن بل يعترف بدور الدين في‬
‫انخفاضها! فهل تعي آذان المم ما يقوله الخبراء والعلماء‬
‫للوفاء بالذمم؟‬
‫ومن الدلة المهمة في ارتفاع معدل جرائم الموال ما‬
‫جاء في تقرير )المنظمة الدولية العربية للدفاع‬
‫الجتماعي التابعة للجامعة العربية( والذي أعده د‪.‬محمود‬
‫‪ -‬رئيس وحدة بحوث السرة بالمركز‬ ‫عبد القادر‬

‫‪ -1‬انظر الدوافع إلى ارتكاب جريمة القتل في الوطن العربي ص‬


‫‪ 93‬و ‪. 94‬‬
‫‪ -2‬انظر الدوافع لرتكاب جريمة القتل ص ‪. 60‬‬

‫‪124‬‬
‫القومي للبحوث الجتماعية والجنائية بالقاهرة ‪ -‬ص ‪43‬‬
‫وما بعدها وجاء فيه‪:‬‬
‫إن معدل الجرائم ضد الموال في ارتفاع مع عملية‬
‫التنمية القتصادية ‪ ,‬إذ تزداد فرص العتداء على الموال‬
‫عندما يصبح المجتمع أكثر إنتاجا ً وتعقيدا ً وتحضرا ً‬
‫م نجد أن نسبة عالية من جرائم الحداث‬ ‫وتصنيعا ً ‪ ,‬ومن ث ّ‬
‫والشباب في غالبية البلد ذات طابع اقتصادي مثل‬
‫السرقة والختلس‪ ...‬وتزييف الوراق الرسمية ‪ ,‬وتزييف‬
‫العملة أو المسكوكات وتهريب المخدرات والخطف‬
‫لطلب الفدية والرشوة وجرائم السوق السوداء‪ ...‬ول‬
‫)‪(1‬‬

‫ريب أن عقوبات القوانين الوضعية ل تزجر ول تردع بل‬


‫هي أقرب إلى الغراء بالجرائم‪.‬‬
‫وكذلك جريمة الشذوذ الجنسي ففي بعض الوليات‬
‫المتحدة المريكية كانت نتيجة هذه الجريمة الصابة‬
‫بمرض اليدز فبلغت عدد الصابات ‪ 231‬حالة في سنة‬
‫‪1981‬م‪ ،‬ثم ارتفعت في كل سنة حتى وصلت )‬
‫‪ (17.050‬حالة في سنة ‪1985‬م)‪ ،(2‬وهذه الزيادة في‬
‫مدة أربع سنوات فما بالك بالعشرين سنة التي تلت سنة‬
‫‪1985‬م!! إنها ستكون أرقام مذهلة!‬
‫وإذا كان هذا التصعيد في الجريمة على هذه الوتيرة‪،‬‬
‫وأن العلج بهذه الصفة الهزيلة ماذا نتوقع أن تفرز‬
‫القوانين )الوضعية الوضيعة( في المستقبل؟ ل شك أنها‬
‫ستحدث كارثة بشرية عامة طامة وذلك لطغيان الخبث‬
‫ولنتشاره السريع وإن لطغيانه علمة أكيدة لدمار‬
‫البشرية صالحهم وطالحهم‪ ،‬لنه ثبت عن المعصوم ‪‬‬
‫أن كثرة الخبث هي سبب هلك المم‪ ,‬كما ثبت عن‬
‫زينب بنت جحش رضي الله عنها أن النبي ‪ ‬قال‪" :‬ويل‬
‫للعرب من شر قد اقترب‪ُ ،‬فتح اليوم ردم يأجوج‬
‫ومأجوج" وحلق بإصبعيه البهام والسبابة‪ .‬فقالت زينب‬

‫‪ -1‬انظر كتاب دستور الخلق في القرآن أ‪.‬د‪ .‬عبد الصبور شاهين‬


‫ص ل ‪ .‬باختصار ‪.‬‬
‫‪ -2‬انظر المصدر السابق ص ل ول ط ‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫رضي الله عنها‪ :‬يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟‬
‫)‪(1‬‬
‫قال‪" :‬نعم إذا كثر الخبث"‪.‬‬
‫لذا فإن الثبات على الشريعة السلمية بالسنة النبوية‬
‫الرحيمة هو نجاة لذلك المجتمع الثابت فل تزال هذه‬
‫مة الثابتة على‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫مة بخير ما عظمت حرمتها فهذه ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫الحق تستطيع بمشيئة الله تعالى أن تمد يديها لجميع‬
‫المسلمين ولغير المسلمين ليحذروا من مغبة ترك أحكام‬
‫الله تعالى والخذ بآراء البشر الضعفاء ﴿وخلق النسان‬
‫ضعيفا ً﴾ ]النساء‪.[28/‬‬
‫وبذلك فإن رحمة السنة النبوية في تطبيق هذه‬
‫العقوبات حافظت على الضرورات الخمس‪ :‬حفظ الدين‬
‫والنفس والعقل والمال والعرض‪ ،‬وكذلك الديان‬
‫السماوية متفقة مع نبي الرحمة ‪ ‬في تنفيذ هذه‬
‫العقوبات‪.‬‬
‫ولو نظرنا في الحدود بالشرائع والقوانين السابقة‬
‫للبعثة النبوية الشريفة لوجدناها متفقة مع حدود السلم‪،‬‬
‫ومتفقة في كثير من الحكام‪ ،‬كما في التوراة والنجيل‬
‫وشريعة نوح وصحف إبراهيم وموسى عليهم الصلة‬
‫والسلم‪ ,‬وكذا القانون الروماني كما في مدّونة‬
‫جونستنيان‪ ،‬وأغلبه مأخوذ من التوراة والنجيل‪.‬‬
‫فمن نصوص التوراة ورد في الصحاحات التاسع عشر‬
‫إلى الحادي والثلثين وصايا وتشريعات منها النهي عن‬
‫القتل والسرقة والزنا وشهادة الزور‪ ...‬وقتل القاتل ‪,‬‬
‫ً‬
‫وقتل ضارب والديه ولعنهما ‪ ,‬وقتل من يخطف أحدا ‪,‬‬
‫وقصاص العين بالعين‪ ،‬والسن بالسن‪ ,‬واليد باليد‪,‬‬
‫ض‬
‫والرجل بالرجل‪ ,‬والكي بالكي‪ ,‬والجرح بالجرح‪ ,‬والر ّ‬
‫ض‪ ,‬وقتل من يذبح للهة أخرى أو يأتي بهيمة‪ ,‬وعدم‬ ‫بالر ّ‬
‫استبقاء الساحرات‪ ،‬واسترداد المسروق من السارق‬
‫)‪(2‬‬
‫بزيادة ‪ ,‬وهدر دم السارق إذا قتله صاحب المال‪.‬‬
‫‪ - 1‬أخرجه مسلم في صحيحه ‪ -‬الفتن وأشراط الساعة ‪ -‬باب‬
‫اقتراب الفتن ح ‪. 2880‬‬
‫‪ -1 2‬انظر تاريخ بني إسرائيل من أسفارهم ص ‪72‬و ‪ 78‬وانظر‬
‫مقارنة الديان )‪ (1‬اليهودية ص ‪. 296‬‬

‫‪126‬‬
‫وفي الصحاح ‪24‬و ‪25‬و ‪26‬و ‪ 27‬من سفر التثنية‬
‫تشريعات متنوعة ومنها‪ :‬المر بقتل من يخطف إسرائيليا ً‬
‫ويسترقه‪.‬‬
‫وأما ما ورد في النجيل فإنه حوى ذلك الهدي والنور‪،‬‬
‫فينا على آثارهم‬ ‫وهو موافق للتوراة قال الله تعالى‪﴿ :‬وق ّ‬
‫بعيسى بن مريم مصدقا ً لما بين يديه من التوراة وآتيناه‬
‫النجيل فيه هدى ونور ومصدقا ً لما بين يديه من التوراة‬
‫وهدى وموعظة للمتقين﴾ ]المائدة‪ ،[47/‬وقد ذكر د‪.‬أحمد‬
‫شلبي بعض الموافقات منها تحريم القتل والزنا والسرقة‬
‫)‪(1‬‬
‫وشهادة الزور‪.‬‬
‫وفي سورة العلى ذكرت موافقات لما جاء في‬
‫صحف إبراهيم وموسى فقال الله تعالى في نهايتها‪﴿ :‬إن‬
‫هذا لفي الصحف الولى‪ .‬صحف إبراهيم وموسى﴾]العلى‪/‬‬
‫‪ [19-18‬والشارة إلى ما تقدم من آيات في هذه السورة‪،‬‬
‫وكذا في سورة النجم في قوله تعالى‪﴿ :‬أم لم ينبأ بما في‬
‫صحف موسى‪ .‬وإبراهيم الذي وفى‪ .‬أل تزُر وازرة ٌ وزر‬
‫أخرى﴾ ]النجم‪ [54-36/‬اليات التي تليها‪.‬‬
‫وذكر العلمة الصولي الغزالي أنه لم تختلف الشرائع‬
‫في تحريم الكفر والقتل والزنا والسرقة وشرب‬
‫)‪(2‬‬
‫المسكر‪.‬‬
‫وقد نقل هذا القول فضيلة الشيخ محمد أبو زهرة ثم‬
‫علق بأن المصالح الخمسة التي يعد طلبها ضرورة‬
‫إنسانية متفق عليها بين الناس والمحافظة عليها بفرض‬
‫عقوبات للعتداء عليها يعد من المور البدهية التي ل‬
‫)‪(3‬‬
‫تختلف فيها العقول ول تختلف فيها الديان‪.‬‬
‫وأختم الحديث عن هذه المشكلة بقول الستاذ‬
‫)شيرل( عميد كلية الحقوق بجامعة )فينا( في مؤتمر‬
‫الحقوقيين سنة ‪1927‬م‪ :‬إن البشرية لتفتخر بانتساب‬
‫رجل كمحمد ‪ ‬إليها‪ ،‬إذ أنه رغم أميته استطاع قبل‬

‫‪ -21‬انظر مقارنة الديان ج ‪ 2‬المسيحية ص ‪. 230 - 229‬‬


‫‪ -12‬انظر المستصفى ‪. 288 /1‬‬
‫‪ -23‬انظر الجريمة والعقوبة في الفقه السلمي ‪. 41 / 2‬‬

‫‪127‬‬
‫بضعة عشر قرنا ً أن يأتي بتشريع سنكون ‪ -‬نحن الوربيين‬
‫)‪(1‬‬
‫‪ -‬أسعد ما نكون‪ ،‬لو وصلنا إلى قمته بعد ألفي سنة‪.‬‬
‫وهكذا فإن المجتمع المدني الذي جاء به رسول‬
‫الرحمة لهو المجتمع الصيل والنيل‪ ،‬أما المجتمع المدني‬
‫الذي ينشده المرتزقة ودعاة التغريب فإنه دخيل‪ ،‬ويحتاج‬
‫إلى مزيد من الترقيع والتعديل‪.‬‬
‫ق‬
‫المبحث الرابع‪ :‬مشكلة الر ّ‬
‫ل تزال هذه القضية ُتثار في عصرنا الحاضر في‬
‫أروقة حقوق النسان‪ ،‬وجعلوها مشكلة كبيرة‪ ،‬بل صنف‬
‫بعض الذين انبروا إلى صراع الحضارات كتبا ً في ذلك‬
‫وهذه الكتب أيضا ً تدرس في بلد الغرب‪ ،‬ومنها )قراءات‬
‫في كتاب الرق والعبودية في الشرق الوسط( لبيرنارد‬
‫لويس‪ ،‬وكتاب )القراصنة والسترقاق والعتق( لدانيا‬
‫فيتكوس‪ ،‬وهذه الكتب تدرس في جامعة مينيسوتا‬
‫)‪(2‬‬
‫ويدرس فيها موضوع الرقّ في السودان‪.‬‬
‫لقد أكد نبي الرحمة على حقوق العبيد‪ ،‬وفي الوقت‬
‫نفسه قام بعلج هذه الظاهرة وحث ورغب في تحرير‬
‫الرقّ بعدة أساليب‪ ،‬منها‪ :‬بذكر فضل ثوابه فقد ثبت عن‬
‫أبي هريرة ‪ ‬عن النبي ‪ ‬قال‪" :‬من اعتق رقبة اعتق‬
‫الله بكل عضو منها عضوا ً من أعضائه من النار حتى‬
‫)‪(3‬‬
‫فرجه بفرجه"‪.‬‬
‫وهذا الحديث يبين عظم فضل تحرير الرقاب‪.‬‬
‫كما رغب النبي ‪ ‬بتأديب الماء ثم عتقهن والتزوج‬
‫منهن فبشر بأن من الثلثة الذين يؤتون أجرهم مرتين‪:‬‬
‫رجل كانت له أمة فغذاها فأحسن غذاءها ثم أدبها‬
‫)‪(4‬‬
‫فأحسن أدبها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران‪.‬‬

‫‪ - 1‬قطوف دانية من مآثر المسلمين ‪.90‬‬


‫‪ -2‬ينظر السلم في المناهج الغربية المعاصرة ص ‪.393-390‬‬
‫‪ -3‬صحيح المسلم – كتاب العتق ‪ -‬باب فضل العتق ح ‪.1509/22‬‬
‫‪ -4‬صحيح مسلم – كتاب اليمان ‪ -‬باب وجوب اليمان برسالة نبينا‬
‫محمد ‪ ، 1/134-135‬ح ‪.154‬‬

‫‪128‬‬
‫غب في فضل عتق الوالد بقوله ‪" :‬ل يجزى‬ ‫كما ر ّ‬
‫)‪(5‬‬
‫ولد والدا ً إل أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه"‪.‬‬
‫ً‬
‫وهذا العلج أساسه من القرآن الكريم فقد رغب‬
‫ض على عتق الرقاب‪ ،‬فقال تعالى‪﴿ :‬فل اقتحم العقبة‬ ‫وح ّ‬
‫وما أدراك ما العقبة فك رقبة﴾ ]البلد‪.[13-11/‬‬
‫كما نجد العلج لهذه الظاهرة بالكفارات مثل كفارة‬
‫قتل الخطأ في قوله تعالى‪﴿ :‬ومن قتل مؤمنا ً خطأ‬
‫فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إل أن يصدقوا‬
‫فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة‬
‫مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية‬
‫مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام‬
‫شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما ً‬
‫حكيما ً﴾ ]النساء‪.[92/‬‬
‫جّرد النسان منها فكأنه في‬ ‫فالحرية كالحياة‪ ،‬وإذا ُ‬
‫عداد الموتى‪.‬‬
‫ولهذا كانت عناية القرآن الكريم والسنة النبوية‬
‫بتحرير الرقيق في غاية الهمية وكذلك ورد في كفارة‬
‫اليمان فقال تعالى‪﴿ :‬ل يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم‬
‫ولكن يؤاخذكم بما عقدتم اليمان فكفارته إطعام عشرة‬
‫مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو‬
‫تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلثة أيام ذلك كفارة‬
‫أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم‬
‫آياته لعلكم تشكرون﴾ ]المائدة‪.[89/‬‬
‫ظهار في قوله تعالى‪﴿ :‬والذين‬ ‫كما ورد في كفارة ال ِ‬
‫يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة‬
‫من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون‬
‫خبير﴾ ]المجادلة‪ ،[3/‬وكل هذه اليات كان بني الرحمة ‪‬‬
‫يرتلها للعمل بها‪.‬‬
‫ومما تقدم نستدل أن القضاء على ظاهرة الرقّ جاء‬
‫علجها من خلل الحكام الواجبة التي تتكرر كثيرا ً جدًا‪،‬‬
‫فكم من المسلمين من احتاج إلى كفارة اليمان؟ وكم‬
‫منهم من يحتاج إلى كفارة القتل الخطأ؟ وكم من‬
‫المسلمين من يحتاج إلى كفارة الظهار؟ وإذ أراد أحد‬
‫‪ -5‬المصدر قبل السابق ح ‪.1510‬‬

‫‪129‬‬
‫فر بعتق رقبة هل يجد هذه الرقبة؟‬ ‫المسلمين أن يك ّ‬
‫الجواب لم يجد‪ ،‬مما يدل على أن إثارة هذه المشكلة‬
‫هي بلبلة ومغالطة‪ .‬وأما إذا أراد العبد المكاتبة وعرف أنه‬
‫أهل لذلك فقد أمر الله تعالى الستجابة لهم ومساعدتهم‬
‫في ذلك ماليا ً ومعنويًا‪ ،‬قال الله تعالى‪﴿ :‬والذين يبتغون‬
‫الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم‬
‫خيرا ً وآتوهم من مال الله الذي آتاكم﴾ ]النور‪.[33/‬‬
‫فهذه الحرية من حق الرقيق مقابل مبلغ من المال‬
‫يتفق عليه العبد والسيد‪ ،‬ول يجوز للسيد رفضه‪ ،‬فإن‬
‫رفض فيرفع المر إلى الحاكم كما رفع أمر سيرين إلى‬
‫عمر بن الخطاب ‪ ،‬فقد سأل سيده ُ أنس بن مالك ‪‬‬
‫فأبى‪ ،‬فأمر عمر بالمكاتبة والعتق)‪ .(1‬وفي ذلك إنهاء لهذه‬
‫الحالة ليلحق الرقيق بركب الحرار‪ ،‬وقد ُنفذ هذا المر‬
‫إضافة إلى العتق في سبيل الله تعالى حسب التوجيهات‬
‫النبوية حتى تلشت ظاهرة الرقّ ولله الحمد والمنة‪.‬‬
‫ومن السنة النبوية في تسهيل العتق ما أخرجه‬
‫الترمذي بسنده عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول الله ‪:r‬‬
‫"ثلثة حق على الله عونهم‪ :‬المجاهد في سبيل الله‪،‬‬
‫والمكاتب الذي يريد الداء‪ ،‬والناكح الذي يريد العفاف"‪.‬‬
‫)‪(2‬‬

‫حقا ً إنها حرية الحق لجميع الخلق‪ ،‬وحق الحرية من‬


‫خالق الخلق‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ – 1‬صحيح البخاري – كتاب المكاتب – باب المكاتب قبل حديث‬
‫‪.2560‬‬
‫‪2‬‬
‫‪) - 2‬السنن ‪ 4/184‬ح ‪- 1655‬ك فضائل الجهاد‪ ،‬ب ما جاء في‬
‫المجاهد والناكح والمكاتب وعون الله إياهم(‪ ،‬قال الترمذي‪:‬‬
‫حديث حسن‪ ،‬وأخرجه ابن حبان في صحيحه )الحسان ‪9/339‬‬
‫ح ‪ (4030‬والحاكم )المستدرك ‪ - 2/160‬ك النكاح‪ ،‬قال‬
‫الحاكم‪ :‬صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه‪ ،‬ووافقه‬
‫الذهبي‪ .‬وحسنه اللباني )صحيح الترمذي ح ‪ .(1352‬وصححه‬
‫السيوطي )الجامع الصغير ‪ 3/317‬ح ‪.(3497‬‬

‫‪130‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫المشكلت القتصادية‬
‫تجتاح العالم اضطرابات اقتصادية عنيفة‪ ،‬وأزمات‬
‫مالية مخيفة‪ ،‬فإن عشرات المليين من البشر يعضهم‬
‫ناب الفقر‪ ،‬ويهددهم الجوع بالموت‪ ،‬مع أن المليين من‬
‫أطنان الثمار تقذف في البحار للمحافظة على السعار!‬
‫وأن المليين من البشر يعانون من شبح البطالة‪ ،‬مع أن‬
‫المليين من البشر يدرسون علم القتصاد والتجارة‬
‫والدارة المالية‪ ،‬وكثير منهم يتخصصون فيه‪.‬‬
‫يقول الخبير القتصادي السياسي هيلموت شميت‬
‫)رئيس وزراء سابق لجمهورية ألمانيا التحادية(‪ :‬لقد‬
‫دخل القتصاد العالمي مرحلة من عدم الستقرار غير‬
‫العادي… ولم يعد مساره المستقبلي مؤكدا على‬
‫الطلق‪ .‬ذكره الستاذ الدكتور محمد عمر شابرا ‪ ،‬ثم‬
‫)‪(1‬‬

‫عقب عليه بقوله‪ :‬هذا ما كتبه هيلموت شميت منذ‬


‫حوالي عقد مضى‪ .‬أجل لقد ترسخ عدم الستقرار‪،‬‬
‫واستمر عدم اليقين‪ ،‬وبعد أن مّر القتصاد العالمي بآلم‬
‫معدلت التضخم المرتفعة والمزعجة‪ ،‬شهد ركودا ً عميقا‪ً،‬‬
‫كما شهد معدلت بطالة لم يسبق لها مثيل‪ ،‬زاد من‬
‫حدتها ارتفاع مستويات معدلت )الربا()‪ (2‬الفعلية‪ ،‬وتقلب‬
‫أسعار الصرف تقلبات غير صحيحة‪ ،‬أضف إلى ذلك‬
‫الرتفاع الحاد لسعر النفط الخام‪.‬‬
‫ومع أن هناك بوادر تحسن‪ ،‬إل أن حالة عدم اليقين ل‬
‫تزال سائدة‪ .‬وتستمر معدلت )الربا( الحقيقية مرتفعة‪،‬‬
‫ويتوقع لها مزيد من الرتفاع‪ ،‬وهو ما يثير المخاوف من‬
‫إجهاض ذلك التحسن‪ .‬ويزيد من حدة هذه الزمة وجود‬
‫الفقر المدقع وسط الوفرة في كافة البلدان‪ ،‬ووجود‬
‫أشكال مختلفة من الظلم القتصادي الجتماعي‪ ،‬وعجز‬
‫كبير في موازين المدفوعات‪ ،‬وعدم قدرة بعض القطار‬
‫)‪(3‬‬
‫النامية على خدمة ديونها المذهلة‪.‬‬
‫ثم ذكر جذور الزمة وتورط القطار السلمية فيها‬
‫بتقليد الغرب فقال‪:‬‬
‫‪ -11‬الحاصل على جائزة الملك فيصل رحمه الله في القتصاد‪.‬‬
‫‪ -2‬في الصل بلفظ )الفائدة( وهو اصطلح دخيل‪.‬‬
‫‪ -3‬نحو نظام نقدي عادل ص ‪.28‬‬

‫‪131‬‬
‫إن القطار السلمية ل تختلف عن غيرها في هذا‬
‫الباب‪ ،‬فهي تواجه نفس المشكلت التي تواجهها القطار‬
‫الخرى‪ ،‬ذلك بأنها تقلد الغرب تقليدا ً أعمى في كل‬
‫شيء‪ ،‬وترتكب نفس الخطأ في اعتبار العراض فقط‪،‬‬
‫وليس فيها أي جهد جاد لمعرفة المصدر الساسي‬
‫لمشكلتها‪ ،‬واختيار إستراتيجية ملئمة لحل هذه‬
‫المشكلت في ضوء قيمها الخاصة ومعتقداتها‪.‬‬
‫إن جذور الزمة في المنظار السلمي تبدو أعمق‬
‫ل المشكلت من خلل تغييرات‬ ‫من ذلك‪ ،‬ول يمكن ح ّ‬
‫تجميلية فقط‪ .‬بل هناك حاجة إلى إصلح شامل‪ ،‬لن‬
‫الهدف هو الصحة الجتماعية النابعة من صميم الوعي‬
‫النساني المصحوب بالعدالة والستقامة في كافة‬
‫مستويات التفاعل البشري‪ ،‬ول يمكن أن تتحقق هذه‬
‫الصحة دون تحول أخلقي للفرد والمجتمع الذي يعيش‬
‫)‪(1‬‬
‫فيه هذا الفرد‪.‬‬
‫والعجيب أن عتاولة القتصاد والسياسة عجزت عن‬
‫بيان أسباب ذلك الضطراب‪ ،‬إذ يقول هنري كيسنجر‬
‫)وزير الخارجية المريكي سابقًا(‪ :‬ليس ثمة أي نظرية‬
‫سابقة تبدو قادرة على تفسير الزمة الحالية للقتصاد‬
‫العالمي‪.‬‬
‫ذكره الخبير القتصادي د‪.‬محمد عمر شابرا وقال‪:‬‬
‫وربما يميل أغلب رجال القتصاد إلى التفاق مع قول‬
‫)‪(2‬‬
‫هنري كيسنجر‪.‬‬
‫ولو نظرنا إلى السبب لبطل العجب‪ ،‬وذلك أن من‬
‫أعظم أسباب ذلك الختلل القتصادي والعتلل المالي‬
‫هو ما يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬الربا‪ ،‬الذي يدمر الحياة القتصادية‪ ،‬يقول الله‬ ‫أو ً‬
‫تعالى ﴿يمحق الله الربا ويربي الصدقات﴾ ]البقرة‪،[276/‬‬
‫هذا هو السبب الساس‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬البيوع التي فيها الغرر والخداع‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬التبذير والسراف والبخل‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬السرقة وعدم وضع العقاب الزاجر لها‪.‬‬

‫‪ -1‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.38‬‬


‫‪ -2‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.28‬‬

‫‪132‬‬
‫خامسًا‪ :‬مخالفة شرع الله تعالى في مسلك النظام‬
‫الشتراكي وقيوده‪ ،‬والنظام الرأسمالي وإباحيته‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬البطالة‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬الفقر‪ .‬وقد عالج نبي الرحمة ‪ ‬هذه‬
‫المشاكل‪ ،‬وهذه نماذج منها‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬مشكلة الربا‪:‬‬
‫يقول الخبير القتصادي محمد شابرا‪ :‬للسلم مزايا‬
‫فكرية تمكنه من تقديم برنامج لحل عادل وعملي‬
‫للمشكلت التي تواجهها القطار السلمية‪ ،‬ويواجهها‬
‫الجنس البشري كله‪ ،‬وذلك بشرط توافر الرادة‬
‫السياسية الضرورية لغرس تعاليمه وإقامة إصلحاته‪.‬‬
‫ولما كانت اقتصادات أغلب القطار السلمية ل تزال في‬
‫مرحلة التشكل‪ ،‬فإنه لن يصعب على المسلمين كثيرا أن‬
‫يعدوا تصميما ً جديدا ً لقتصاداتهم ولنظمتهم المصرفية‪.‬‬
‫ولكن مع مرور الزمن قد تزداد عليهم صعوبة تنفيذ‬
‫الصلحات التي يتطلبها النظام السلمي‪.‬‬
‫إن لب النظام السلمي يكمن في معتقداته وأهدافه‬
‫وقيمه الساسية )بما في ذلك إبطال الربا( والسمو‬
‫الخلقي للفرد‪ .‬فهذه المور ل غنى عنها‪ ،‬وليست‬
‫محدودة بزمن معين‪ ،‬وسواء في ذلك كنا نرجع النظر‬
‫إلى أيام الرسول عليه الصلة والسلم منذ أربعة عشر‬
‫قرنًا‪ ،‬أو كنا نمد النظر إلى القرن الهجري الخامس‬
‫عشر‪ .‬إن المؤسسات التي أقيمت لكي تحقق وتمثل‬
‫هذه الهداف والقيم‪ ،‬يمكن أن تتغير من زمن لخر‬
‫باختلف الظروف‪ .‬وعلى هذا ل يمكن لي دراسة أن‬
‫تقترح أساليب أو حلول خالدة‪ .‬لكن من خلل تفاعل‬
‫الفكار‪ ،‬يمكن بمرور الوقت للنظام النقدي والمصرفي‬
‫المنسجم مع عبقرية السلم‪ ،‬أن ينشأ ويتطور تدريجيًا‪،‬‬
‫مة السلمية من تحقيق تطلعاتها‪.‬‬ ‫ُ‬
‫لتمكين ال ّ‬
‫)‪(1‬‬

‫وقد عالج نبي الرحمة ‪ ‬هذه المشكلة بعدة‬


‫أساليب‪:‬‬
‫‪ -‬نحو نظام نقدي عادل ص ‪.42‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪133‬‬
‫‪ -1‬التنفير من الربا وتحريمه‪ ،‬فقد تل قوله تعالى ﴿‬
‫وأحل الله البيع وحّرم الربا﴾]البقرة‪ ،[275/‬وأخرج مسلم‬
‫من حديث جابر‪" :‬لعن رسول الله ‪ ‬آكل الربا وموكله‬
‫وكاتبه وشاهديه وقال‪ :‬هم سواء")‪.(1‬‬
‫‪ -2‬جعل البديل للربا القرض الحسن‪ ،‬والترغيب في‬
‫إنظار المعسر‪ ،‬فقد أخرج البخاري بسنده أن حذيفة ‪‬‬
‫قال‪ :‬قال النبي ‪" :‬تلقت الملئكة روح رجل ممن كان‬
‫قبلكم‪ ،‬فقالوا‪ :‬أعملت من الخير شيئًا؟ قال‪ :‬كنت آمر‬
‫فتياني أن ينظروا ويتجاوزوا عن الموسر‪ .‬قال‪ :‬فتجاوزوا‬
‫)‪(2‬‬
‫عنه"‪.‬‬
‫‪ -3‬وقد رغب ترغيبا ً عظيما ً في الوضع عن المدين‪،‬‬
‫ح عن أنه قال‪" :‬من سره أن ينجيه الله من كرب يوم‬ ‫وص ّ‬
‫)‪(3‬‬
‫القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه"‪.‬‬
‫وهنا لبد من الشارة والشادة بالمصارف السلمية‬
‫التي ل تتعامل بالربا بل لبد من الحتفاء والثناء على‬
‫البنوك التي تقرض المحتاجين قرضا ً حسنًا‪ ،‬والتي تقوم‬
‫عليه حكومة المملكة العربية السعودية مثل بنك‬
‫التسليف الزراعي وبنك التنمية العقارية‪ .‬ولقد ساهمت‬
‫هذه البنوك المباركة في النهضة القتصادية والجتماعية‬
‫والصحية‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مشكلة الفقر‬
‫تعاني مئات المليين من البشر من مشكلة الفقر‬
‫بسبب الضطراب القتصادي والتبذير المتمادي‪ ،‬لقد‬
‫عالج نبي الرحمة ‪ ‬الفقر علجا ً ناجحا ً بعدة أساليب‬
‫ومنها‪:‬‬
‫‪ -1‬الترغيب في العمل الحر والمهن‪ ،‬وخصوصا ً أن‬
‫غب النبي‬ ‫الناس في هذا الزمان يرغبون الوظيفة‪ ،‬فقد ر ّ‬
‫ح عنه أنه قال‪" :‬ما أكل أحد‬ ‫‪ ‬في البديل عن ذلك‪ ،‬وص ّ‬

‫‪ -1‬صحيح مسلم ‪ -‬كتاب المساقاة ‪ -‬باب لعن آكل الربا وموكله‬


‫‪3/1218‬ح ‪.1598‬‬
‫‪) -12‬الصحيح – كتاب البيوع ‪ -‬باب من أنظر موسرا ً ح ‪.(2077‬‬
‫‪ -23‬صحيح مسلم ‪ -‬كتاب المساقاة ‪- -‬باب فضل إنظار المعسر‬
‫‪ 3/1196‬ح ‪.1563‬‬

‫‪134‬‬
‫طعاما ً خيرا ً من أن يأكل من عمل يده‪ ،‬وإن نبي الله‬
‫داود كان يأكل من عمل يده")‪.(1‬‬
‫‪ -2‬بيان حق إحياء الرض الموات وتمليكها‪ ،‬فقد أباح‬
‫للمسلم أن يستفيد من أرض لم تملك فيقوم بزراعتها أو‬
‫بنائها‪ ،‬فقد ثبت عن عروة عن عائشة رضي الله عنها عن‬
‫النبي ‪ ‬قال‪" :‬من أعمر أرضا ً ليست لحد فهو أحق"‪.‬‬
‫)‪(2‬‬
‫عمر ‪ ‬في خلفته‪.‬‬ ‫قال عروة‪ :‬قضى به‬
‫قال القزاز‪ :‬الموات الرض التي لم تعمر شبهت‬
‫العمارة بالحياة وتعطيلها بفقد الحياة‪ ،‬وإحياء الموات أن‬
‫يعمد الشخص لرض ل يعلم تقدم ملك عليها لحد‬
‫فيحييها بالسقي أو الزرع أو الغرس أو البناء فتصير بذلك‬
‫ملكه‪ ،‬سواء كانت فيما قرب من العمران أم بعد‪ ،‬سواء‬
‫أذن له المام في ذلك أم لم يأذن‪ ،‬وهذا قول الجمهور‪.‬‬
‫ً )‪(3‬‬
‫وعن أبي حنيفة ل بد من إذن المام مطلقا‪.‬‬
‫وكذلك الفقراء من أهل الذمة‪ ،‬فقد راعى السلم‬
‫أهل الذمة في إحياء الرض الموات وذلك لرعايتهم‬
‫وقضاء حاجتهم وعوزهم فقد رأى بعض الفقهاء تمليك‬
‫الذمي بالحياء إذا كان بإذن المام‪.‬‬
‫قال العيني‪ :‬ثم عندنا يملكه الذمي بالحياء كالمسلم‪،‬‬
‫)‪(4‬‬
‫وبه قال مالك وأحمد في رواية‪.‬‬
‫‪ -3‬الزكاة والصدقات للفقراء من المسلمين وغير‬
‫المسلمين‪ ،‬إن الزكاة هي صمام المن للنظام القتصادي‬
‫في السلم‪ ،‬إذ يحصل بها سد ّ حاجات أنواع المحتاجين‬
‫ويتحقق بها حقوق المستحقين لها‪ ،‬ولقد بين الله تعالى‬
‫وجوب الزكاة وبين الفئات الثمان المستحقة لها في‬
‫قوله تعالى‪﴿ :‬إنما الصدقات للفقراء والمساكين‬
‫والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين‬
‫وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم‬
‫ح عنه ‪ ‬أنه بعث معاذا ً ‪‬‬ ‫حكيم﴾]التوبة‪ ،[60/‬وقد ص ّ‬
‫‪ -1‬صحيح البخاري ‪ -‬كتاب البيوع ‪ -‬باب كسب الرجل وعمله بيده ح‬
‫‪.2072‬‬
‫‪ -42‬صحيح البخاري ‪ -‬كتاب الحرث والمزارعة ‪ -‬باب من أحيا أرضا ً‬
‫مواتا ً ح ‪.2335‬‬
‫‪ -13‬انظر فتح الباري ‪.5/18‬‬
‫‪ -24‬عمدة القاري ‪.12/177‬‬

‫‪135‬‬
‫إلى اليمن فقال‪" :‬ادعهم إلى شهادة أن ل إله إل الله‬
‫وأني رسول الله‪ ،‬فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله‬
‫قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة‪ ،‬فإن‬
‫هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة‬
‫)‪(1‬‬
‫في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم"‪.‬‬
‫‪ -4‬أن علج مشكلة الربا السابقة هي من أسباب‬
‫علج الفقر‪.‬‬
‫‪ -5‬كما عالج مشكلة شريحة كبيرة من الفقراء‬
‫العاطلين عن العمل كما في المبحث التالي‪.‬‬
‫إنه دين البشرية والرحمة النبوية‪ ،‬إذ يراعي الفقر‬
‫عامة في المسلم وغير المسلم‪ ،‬واختم هذا المبحث‬
‫بقول الستاذ الفرنسي ليون في كتابه )ثلثون عاما ً في‬
‫السلم(‪ :‬وجدت هذا الدين أفضل دين عرفته‪ ،‬فهو دين‬
‫)‪(2‬‬
‫إنساني اقتصادي أدبي‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬مشكلة البطالة‬
‫يتطلع المليين من البشر إلى بصيص من المل‬
‫للنخراط في ميدان العمل‪ ،‬فهذه الطاقات الجاثمة‬
‫الهامدة ل تعرف الحياة الجادة‪ ،‬يعتريها نوم طويل ولهو‬
‫ممل‪ ،‬لنها لم تجد العمل فهي تنتظر اليد الحانية‬
‫لتشغيلها‪ ،‬وقد عالجت السنة النبوية الشريفة هذه‬
‫المشكلة بشتى الساليب من الترغيب والتسهيل‬
‫ح عن نبي الرحمة ‪ ‬أنه قال‪:‬‬ ‫والرشاد والعون‪ ،‬فقد ص ّ‬
‫"لن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة الحطب على ظهره‬
‫فيبيعها فيكف الله بها وجهه خيرا ً من أن يسأل الناس‬
‫أعطوه أو منعوه")‪.(3‬‬
‫فيرشد هنا إلى عمل الحتطاب وهذا العمل يستنتج‬
‫منه العمل في المهن الحرة‪ ،‬والستفادة من الفرص‬
‫المتاحة‪ ،‬وعدم العتماد على الخرين في التشغيل‪،‬‬
‫وعدم الحاجة إلى رأس المال‪.‬‬
‫وفيه الشارة إلى العمال المباشرة التي ل تحتاج‬
‫إلى تمويل وشراكة وتوظيف‪ ،‬كأعمال الصيد بأنواعه‪،‬‬

‫‪ - 31‬صحيح البخاري ‪ -‬كتاب الزكاة ‪ -‬باب وجوب الزكاة ‪ ،‬ح ‪. 1395‬‬


‫‪ -42‬انظر قطوف دانية من مآثر المسلمين ص ‪.89‬‬
‫‪ -13‬صحيح البخاري – كتاب الزكاة – باب الستعفاف عن المسألة‬
‫حديث رقم ‪.1471‬‬

‫‪136‬‬
‫والعمال اليدوية‪ ،‬وإحياء الرض الموات والحتطاب‬
‫والبحث عن الثمرات التي تحت الرض كالكمأة‪ ،‬فقد‬
‫أشار إليها نبي الرحمة ‪ ‬بقوله‪" :‬الكمأة من المن‬
‫ما امتن‬
‫وماؤها شفاء العين" ‪ ،‬ويستفاد منه للبحث ع ّ‬
‫)‪(1‬‬

‫الله تعالى على عباده من دون زرع ول سقي‪.‬‬


‫وكذلك عالج البطالة بإصلح الرض الموات وإعطاء‬
‫الزكاة كما تقدم في علج الفقر‪.‬‬
‫ح عنه‪ :‬ما بعث الله نبيا ً إل رعى الغنم)‪ ،(2‬وفيه ترغيب‬
‫وص ّ‬
‫في هذه الحرفة وبيان شرفها‪.‬‬
‫وهذه شهادات العلماء الغربيين عن تطور النمو‬
‫القتصادي‪:‬‬
‫يخبرنا د‪.‬محمد وقيع الله أحمد عن البروفسور جير‬
‫هاردت إندريس في كتابه )مقدمة عن السلم( إذ يقول‪:‬‬
‫وقد تناول المؤلف مبادئ القتصاد السلمي بالتحليل‬
‫والتعليل‪ ،‬وأبان عن آثار نمو القتصاد السلمي على‬
‫المسلمين‪ ،‬من حيث توجيهه للنهضة والخذ بأسباب‬
‫القوة لكثر من ثمانية قرون‪ ،‬وكان واضحا ً أن المؤلف‬
‫يرد بذلك على نظرية مناقضة تبناها من قديم الدكتور‬
‫)ديفيد صمويل مارجليوث( في كتابه عن )المحمدية(‪،‬‬
‫حيث فسر نجاح الدعوة السلمية من خلل تحليله‬
‫لتصرفات الرسول القتصادية ذاكرا ً أنها تصرفات‬
‫)‪(3‬‬
‫انتهازية‪ ،‬قصد بها الوصول إلى الحكم‪.‬‬
‫ويقول العالم المريكي ول ديورانت‪ :‬لسنا نجد في‬
‫التاريخ كله مصلحا ً فرض على الغنياء من الضرائب ما‬
‫)‪(4‬‬
‫فرضه عليهم محمد ]‪ [‬لعانة الفقراء‪...‬‬
‫ويقول العالم المريكي مايكل هارث‪:‬‬
‫إن محمدا ً ]‪ [‬كان الرجل الوحيد الذي نجح بشكل‬
‫أسمى وأبرز في كل المستويين الديني والدنيوي‪ ..‬إن‬

‫‪ -2 1‬صحيح البخاري – كتاب التفسير – باب قوله تعالى ﴿وظللنا‬


‫عليكم الغمام﴾ الية‪ ،‬حديث رقم ‪.4478‬‬
‫‪ -32‬صحيح البخاري – كتاب الجارة – باب رعي الغنم على‬
‫قراريط‪ ،‬حديث رقم ‪.2262‬‬
‫‪ -1 3‬كتب هذا الكلم بالغة اللمانية ثم ترجم إلى النكليزية‪،‬‬
‫ينظر‪ :‬السلم في المناهج الغربية المعاصرة ص ‪.263‬‬
‫‪ -2 4‬قصة الحضارة ‪.13/59‬‬

‫‪137‬‬
‫هذا التحاد الفريد الذي ل نظير له للتأثير الديني‬
‫والدنيوي معا ً يخوله أن يعتبر أعظم شخصية ذات تأثير‬
‫)‪(1‬‬
‫في تاريخ البشرية‪.‬‬
‫ويقول الستاذ السويسري أدوار مونته مدير جامعة‬
‫جنيف‪ :‬وفضل عن اليمان فالسلم‪ ،‬تمشى مع الحوال‬
‫الجتماعية والقتصادية‪ ،‬وله ميزة عجيبة على التكّيف‬
‫بحسب المحيط‪ ،‬وعلى تكييف المحيط حسب ما يقتضيه‬
‫هذا الدين القوي‪ ،‬ول شك أنه يعد من أكبر وسائل تمدين‬
‫الناس وترقية أحوالهم الجتماعية والخلقية والقتصادية‪.‬‬
‫)‪(2‬‬

‫هذا وإن علج الربا والفقر يتيح كثيرا ً من العمال‬


‫والوظائف‪.‬‬

‫‪ -3 1‬قالوا عن السلم ص ‪.91‬‬


‫‪ -42‬انظر قطوف دانية من مآثر المسلمين ص ‪. 89‬‬

‫‪138‬‬
‫الباب الثالث‬
‫مكانة نبي الرحمة والحكمة ‪‬‬
‫الفصل الول‪ :‬مكانته عند الله تعالى والملئكة‬
‫والجن‬
‫المبحث الول‪ :‬مكانة نبي الرحمة ‪ ‬عند الله‬
‫تعالى‬
‫إن مكانة نبي الرحمة ‪ ‬عند الله الرحمن الرحيم‬
‫حديث ذو شجون‪ ،‬إذ سطع وميضها منذ أن كان جنينا ً في‬
‫بطن أمه‪ ،‬فقد رأت خروج نور منها أضاءت له قصور‬
‫الشام –كما تقدم في نشأته‪ -‬ثم تل ذلك إرهاصات مبكرة‬
‫وبوادر عطرة منذ صباه عندما جاء الملك وشقّ صدره ‪-‬‬
‫كما تقدم في السيرة ‪ -‬ثم حفظه سبحانه وتعالى له ‪‬‬
‫من أدناس الجاهلية وأدران الشرك‪ ،‬وأتحفه بالشمائل‬
‫الجميلة‪ ،‬والصفات الجليلة‪ ،‬التي جذبت انتباه المجتمع‬
‫آنذاك حتى لقب بالصادق المين‪ ،‬كل هذا إعداد لتلك‬
‫المهمة العظمى من أجل الرسالة الخالدة‪.‬‬
‫إن هذه العناية اللهية بنبي الرحمة ‪ ‬تنوعت‬
‫بضروب من البشارات والشهادات والمعجزات واليات‬
‫التي تأمر بطاعته وحبه وتوقيره والنتصارات حتى بلغت‬
‫به إلى سيادة البشرية في الدنيا وإلى المقام المحمود‬
‫في الخرة‪ ،‬ومن هذه الضروب ما يلي‪:‬‬
‫أول‪ :‬البشارات‪:‬‬
‫شر الله تعالى ببعثة النبي ‪ ‬في التوراة‬‫لقد ب ّ‬
‫والنجيل‪ ،‬كما سيأتي ذكره في مكانة نبي الرحمة عند‬
‫النبياء‪.‬‬
‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬الشهادات‪:‬‬
‫شهد الله تعالى بمكانة نبي الرحمة ‪ ‬في القرآن‬
‫الكريم في آيات كثيرة منها ما يأتي‪:‬‬
‫‪ -1‬قوله تعالى‪﴿ :‬وإنك لعلى خلق عظيم﴾ ]القلم‪،[4/‬‬
‫وبيان هذا الخلق العظيم هو ما جاء بالقرآن من مكارم‬

‫‪139‬‬
‫ح عن عائشة ‪ ‬أنها‬ ‫الخلق ومعالي الداب كما ص ّ‬
‫قالت‪" :‬كان خلقه القرآن")‪.(1‬‬
‫‪ -2‬قوله تعالى‪﴿ :‬ألم نشرح لك صدرك‪ .‬ووضعنا عنك‬
‫وزرك‪ .‬الذي أنقض ظهرك‪ .‬ورفعنا لك ذكرك﴾‪] .‬الشرح‪/‬‬
‫‪.[4-1‬‬
‫‪ -3‬قال تعالى‪﴿ :‬عسى أن يبعثك ربك مقاما ً‬
‫محمودا ً﴾ ]السراء‪.[79/‬‬
‫‪ -4‬قوله تعالى‪﴿ :‬وما أرسلناك إل رحمة‬
‫للعالمين﴾ ]النبياء‪ ،[107/‬وهذه الية تؤكد بعدة أساليب‬
‫على عظيم قدره وفضله على النس والجن برحمته‬
‫الشاملة التي تدل على عظيم قدره وعظمة فضله على‬
‫النس والجن‪.‬‬
‫‪ -5‬قوله تعالى‪﴿ :‬لقد كان لكم في رسول الله أسوة‬
‫حسنة لمن كان يرجو لقاء الله واليوم الخر وذكر الله‬
‫كثيرا ً﴾ ]الحزاب‪.[21/‬‬
‫‪ -6‬قوله تعالى‪﴿ :‬إنا أعطيناك الكوثر﴾ ]الكوثر‪.[1/‬‬
‫‪ -7‬قوله تعالى ﴿لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز‬
‫عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف‬
‫رحيم﴾ ]التوبة‪.[128/‬‬
‫ومن اليات التي فيها المر بمحبته وطاعته وتوقيره‬
‫وإتباعه ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬قوله تعالى‪﴿ :‬وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم‬
‫من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم‬
‫لتؤمنن به ولتنصرنه قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم‬
‫إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من‬
‫الشاهدين﴾ ]آل عمران‪.[81/‬‬
‫‪ -2‬قوله تعالى‪﴿ :‬قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني‬
‫يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم﴾ ]آل‬
‫عمران‪.[31/‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬أخرجه المام أحمد في مسنده‪ ،‬وصححه محققوه ح ‪،25302‬‬
‫‪ ،42/183‬وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي )المستدرك‬
‫‪.(2/499‬‬

‫‪140‬‬
‫‪ -3‬قوله تعالى‪﴿ :‬وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي‬
‫المر منكم﴾ ]النساء‪.[59/‬‬
‫‪ -4‬قوله تعالى‪﴿ :‬لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه‬
‫وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيل ً﴾ ]الفتح‪.[9/‬‬
‫‪ -5‬قوله تعالى‪﴿ :‬يا أيها الذين آمنوا ل تقدموا بين يدي‬
‫الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم‪ ،‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا ل ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ول تجهروا له‬
‫بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم ل‬
‫تشعرون﴾ ]الحجرات‪.[2-1/‬‬
‫‪ -6‬قوله تعالى‪﴿ :‬الذين يتبعون الرسول النبي المي‬
‫الذي يجدونه مكتوبا ً عندهم في التوراة والنجيل يأمرهم‬
‫بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم‬
‫عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والغلل التي كانت‬
‫عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور‬
‫الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون﴾ ]العراف‪.[157/‬‬
‫وهكذا تتجلى بعض الوجوه لمكانة هذا النبي ‪‬‬
‫الحكيم عند الله تعالى الكريم‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬نصرته سبحانه لنبيه وتتضمن ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬نصرته من المشركين والمنافقين‪.‬‬
‫‪ -2‬نصرته في الرد ّ على المنافقين والمشركين‪.‬‬
‫‪ -3‬نصرته من اليهود‪.‬‬
‫‪ -4‬نصرته في غزواته التي انتصر فيها‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬المعجزات‪ ،‬وهي كثيرة كانشقاق القمر‪،‬‬
‫وخروج الماء من يده الشريفة ‪ ،‬وفي قصة السراء‪،‬‬
‫ت في الحجر‬ ‫ح عنه أنه قال‪" :‬لما كذبتني قريش قم ُ‬ ‫وص ّ‬
‫فجّلى الله لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته‬
‫وأنا انظر إليه")‪.(1‬‬
‫خامسًا‪ :‬تخييره بين الحياة والممات كما تقدم في‬
‫آخر السيرة‪ ،‬مما يدل على علو مكانته وخصائصه‪.‬‬
‫المبحث الثاني‬

‫‪ -‬صحيح البخاري – التفسير – باب ﴿أسرى بعبده ليل ً من‬ ‫‪1‬‬

‫المسجد الحرام﴾ حديث رقم ‪.4710‬‬

‫‪141‬‬
‫مكانته ‪ ‬عند الملئكة والجن‬
‫إن مكانة نبي الرحمة ‪ ‬عند الملئكة عليهم السلم‬
‫تبدأ منذ أن كان صبيا ً ‪ ‬حين قام بعضهم بشق صدره‬
‫فقد ُأمروا بذلك‪ ،‬فعرفوا قدره وكان أكثر الملئكة معرفة‬
‫بعظيم قدر نبي الرحمة ‪ ‬هو جبريل عليه السلم أعظم‬
‫الملئكة فقد كانت علقته مع نبي الرحمة مدة ثلث‬
‫وعشرين سنة من بعثته ‪ ‬حتى وفاته‪ ،‬فعرف مكانته‬
‫عند الله تعالى إذ هو سبحانه الذي يأمر جبريل بالنـزول‬
‫وكان أكثر نزول ً وصلة بنبي الرحمة قبيل وفاته كما تقدم‬
‫في سيرته‪.‬‬
‫ومن الملئكة الذين عرفوا مكانة نبي الرحمة ‪‬‬
‫خزنة السماوات السبع عليهم السلم‪ ،‬فقد تقدم في‬
‫قصة السراء والمعراج الحوار بين جبريل وخزنة‬
‫السماوات حينما استأذن جبريل خازن السماء الولى‬
‫بالدخول إذ قال لجبريل‪ :‬من معك؟ قال‪ :‬محمد‪ .‬فسأل‬
‫خازن السماء جبريل‪ :‬أو قد بعثت؟ويستفاد من هذا أنه‬
‫قد علم أنه سيبعث نبي الرحمة ‪ ‬ولكنه لم يعلم أنه قد‬
‫بعث منذ تسع سنين‪ ،‬وهذا يدلنا أن أخبار عالم السماء‬
‫الولى غير عالم الرض‪ ،‬ويستفاد من ذلك أن خازن‬
‫السماء الولى عرف قدر نبي الرحمة ‪ ‬إذ فتح له باب‬
‫السماء الولى‪ ،‬وقد تكرر الحوار نفسه في بقية‬
‫السماوات الخرى إلى السماء السابعة‪ ،‬حصل السؤال‬
‫نفسه‪ ،‬مما يدل أنهم كلهم عرفوا مكانة نبي الرحمة‬
‫ولهذا فتحوا له أبواب السماء‪ ،‬تمكينا ً له من هذه الرحلة‬
‫التي علمه الله تعالى وكرمه بل وكلمه سبحانه وتعالى‬
‫عدة مرات كلما طلب التخفيف عّنا في فرض الخمسين‬
‫صلة‪.‬‬
‫هذا وإن الملئكة التي شاركت في بدر علمت من هو‬
‫نبي الرحمة‪ ،‬وأدركت عظيم قدره حينما استجاب الله‬
‫دعاءه‪ ،‬ونصره نصرا ً مؤزرًا‪.‬‬
‫هذا بالنسبة للملئكة الذين وصلت أخبارهم بالروايات‬
‫الصحيحة‪ ،‬ويمكن الجزم بأن جميع الملئكة عرفت قدر‬

‫‪142‬‬
‫نبي الرحمة ‪ ‬وأدركت منـزلته العالية‪ ،‬لن الله تعالى‬
‫اصطفاه وأحبه وأمر باتباعه‪ ،‬وإذا أحب الله عبدا ً نادى‬
‫ُ‬
‫من في‬ ‫ب فلنًا‪ ،‬فيحبه جبريل وينادى َ‬ ‫جبريل إني أح ّ‬
‫السماء إن الله يحب فلنا ً فأحبوه فيحبه من في السماء‬
‫ويكون له القبول في الرض)‪.(1‬‬
‫فكيف بعبده ورسوله؟ لشك أن جميع الملئكة تحبه‬
‫‪ .‬وبهذا تتجلى معرفة مكانته ‪ ‬عند جميع الملئكة‬
‫عامه وعند كبار الملئكة خاصة‪.‬‬
‫ص الله تعالى في قوله‬ ‫أما مكانته عند الجن فقد ق ّ‬
‫تعالى ﴿وإذ صرفنا إليك نفرا ً من الجن يستمعون القرآن‬
‫فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولو إلى قومهم‬
‫منذرين‪ .‬قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتاب أنزل من بعد‬
‫موسى مصدقا ً لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق‬
‫مستقيم‪ .‬يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم‬
‫من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم‪ .‬ومن ل يجب داعي‬
‫الله فليس بمعجز في الرض وليس له من دونه من‬
‫أولياء أولئك في ضلل مبين﴾ ]الحقاف‪.[32-29/‬‬
‫ن المؤمنين‬ ‫تفسيره‪ُ :‬يثني الله تعالى على الج ّ‬
‫ي ‪ ‬حين بعث الله تعالى‬ ‫وسماعهم القرآن من النب ّ‬
‫ن يستمعون القرآن من النبي ‪ ،‬فل ّ‬
‫ما‬ ‫طائفة من الج ّ‬
‫حضروا التلوة قال بعضهم لبعض‪ :‬أنصتوا لنستمع‬
‫ما فرغ من التلوة رجعوا إلى قومهم‬ ‫القرآن‪ ،‬فل ّ‬
‫وفونهم العذاب إن لم يؤمنوا بالله تعالى‪.‬‬ ‫ُيخ ّ‬
‫شرونهم‬ ‫ودعوا قومهم بنداء النسب لستمالتهم ُيب ّ‬
‫دقا ً‬ ‫ُ‬
‫أّنهم سمعوا قرآنا ً عجيبا ً أنزل من بعد موسى ‪ ‬مص ّ‬
‫ق‬
‫دمه من الكتب المنـّزلة‪ ،‬يهدي إلى الدين الح ّ‬ ‫لما تق ّ‬
‫مدا ً رسول الله ‪‬‬ ‫والطريق الصحيح‪ ،‬يا قومنا أجيبوا مح ّ‬
‫دقوا برسالته‪ ،‬يغفر الله‬ ‫الذي يدعو إلى اليمان بالله‪ ،‬وص ّ‬
‫من ذنوبكم ويخّلصكم من عذاب موجع‪ ،‬ومن ل يجب‬
‫رسول الله إلى دين السلم فلن يفلت من الله طلبا ً ول‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬أخرجه البخاري )الصحيح – كتاب بدء الخلق – باب ذكر‬
‫الملئكة ح ‪.(3209‬‬

‫‪143‬‬
‫ُيعجزه هربًا‪ ،‬وليس له أنصار يمنعونه من عذاب الله‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫أولئك البعداء عن الحقّ في ضلل عن الحقّ ظاهر‪.‬‬
‫ي أنه استمع نفر من الجن‬ ‫وقوله تعالى ﴿قل أوحي إل ّ‬
‫فقالوا إنا سمعنا قرآنا ً عجبًا‪ .‬يهدي إلى الرشد فآمنا به‬
‫ولن نشرك بربنا أحدا﴾ ]الجن‪.[2-1/‬‬
‫مدا ً ‪ ‬أن يق ّ‬
‫ص‬ ‫وتفسيره‪ :‬يأمر الله تعالى رسوله مح ّ‬
‫ن معه وسماعهم‬ ‫ُ‬
‫صة الج ّ‬ ‫على العباد ما أوحي إليه من ق ّ‬
‫تلوة القرآن منه وسرعة استجابتهم له‪ ،‬وفي ذلك‬
‫تشويق وتهييج للبشرية للمسارعة إلى هداية القرآن‬
‫ن فقالوا معجبين‬ ‫الحكيم الذي سمعه طائفة من الج ّ‬
‫بهديه‪ :‬إّننا أنصتنا وسمعنا تلوة قرآن عجيب في بيان‬
‫ل العباد إلى سبيل الرشاد‪ ،‬ويهدي‬ ‫هديه وأحكامه‪ ،‬ويد ّ‬
‫دقنا بالقرآن أّنه من عند الله‪ ،‬ولن‬ ‫ق‪ ،‬فص ّ‬ ‫إلى اّتباع الح ّ‬
‫ُنشرك بعبادة رّبنا أحدا ً من خلقه‪.‬‬
‫وقوله تعالى ﴿وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به فمن يؤمن‬
‫بربه فل يخاف بخسا ً ول رهقا ً﴾ ]الجن‪.[13/‬‬
‫صل في القرآن‬ ‫ما سمعنا الهدى المف ّ‬ ‫وتفسيره وأّننا ل ّ‬
‫دق برّبه فل يخاف‬ ‫دقنا أّنه من عند الله‪ ،‬فمن يص ّ‬ ‫ص ّ‬
‫نقصانا ً من حسناته‪ ،‬ول ظلما ً بزيادة في سيئاته‪.‬‬
‫ومن هذه اليات الكريمة يتبين لنا أن طائفة من الجن‬
‫قد دخلوا السلم لنهم صدقوا بما جاء به نبي الرحمة ‪‬‬
‫مما يدل على تعظيم قدره ‪ ،‬ويمكن القول أن جميع‬
‫الجن المؤمنين منذ عهد النبي ‪ ‬إلى يومنا هذا يدركون‬
‫علو مكانة النبي ‪ ‬بدليل أنهم دخلوا في السلم‬
‫)‪(2‬‬
‫طائعين مقتنعين‪.‬‬
‫ونقل الحافظ الذهبي روايات صحيحة عن معرفة‬
‫الجن بنبي الرحمة ‪ ،‬فأخرج بسنده عن سالم بن عبد‬
‫الله عن أبيه قال‪ :‬ما سمعت عمر ‪ ‬يقول لشيء قط‬
‫إني لظنه كذا إل كان كما يظن‪ ،‬فبينا عمر جالس إذ مّر‬
‫به رجل جميل فقال‪ :‬لقد أخطأ ظني‪ ،‬أو أن هذا على‬

‫‪ -1‬تهذيب التفسير الصحيح للمؤلف‪ ،‬ص ‪.506‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -1‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.572‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪144‬‬
‫دينه في الجاهلية‪ ،‬أو لقد كان كاهنهم‪ ،‬على الرجل‪ ،‬فدعا‬
‫له فقال له عمر‪ :‬لقد أخطأ ظني أو أنك على دينك في‬
‫الجاهلية أو لقد كنت كاهنهم‪ ،‬فقال‪ :‬ما رأيت كاليوم‬
‫اسُتقبل به رجل مسلم‪ ،‬قال‪ :‬فإني أعزم عليك إل ما‬
‫أخبرتني‪ ،‬فقال‪ :‬كنت كاهنهم في الجاهلية‪ ،‬فقال‪ :‬فما‬
‫جّنيتك؟ قال‪ :‬بينا أنا جالس جاءتني‬ ‫أعجب ما جاءتك به ِ‬
‫أعرف فيها الفزع قالت‪ :‬ألم تر الجن وإبلسها‪ ،‬ويأسها‬
‫من بعد إنكاسها‪ ،‬ولحوقها بالقلص)‪ (1‬وأحلسها)‪ .(2‬قال‬
‫عمر صدق‪ ،‬بينا أنا نائم عند آلهتهم إذ جاء رجل بعجل‬
‫فذبحه‪ ،‬فصرخ منه صارخ لم أسمع صراخا ً أشد صوتا ً‬
‫منه‪ ،‬يقول‪ :‬يا جليح أمر نجيح رجل فصيح يقول ل إله إل‬
‫الله‪ ،‬فوثب القوم‪ ،‬قلت‪ :‬ل أبرح حتى أعلم ما وراء هذا‪،‬‬
‫ثم نادى‪ :‬يا جليح أمر نجيح رجل فصيح يقول ل إله إل‬
‫الله‪ ،‬قلت‪ :‬ل أبرح حتى أعلم ما وراء هذا‪ ،‬فأعاد قوله‪،‬‬
‫)‪(3‬‬
‫شبت أن قيل‪ :‬هذا نبي‪.‬‬‫قال‪ :‬فقمت فما ن َ ِ‬

‫قُلص‪ ،‬وهو جمع قلوص‪ ،‬وهي الفتية من النياق‪) .‬فتح‬ ‫‪ -2‬جمع ُ‬ ‫‪1‬‬

‫الباري ‪.(7/180‬‬
‫حْلس‪ ،‬وهو ما يوضع على ظهور البل تحت الرحل‪.‬‬ ‫‪ -3‬جمع ِ‬ ‫‪2‬‬

‫)فتح الباري ‪.(7/180‬‬


‫‪ -4‬السيرة النبوية ص ‪ ،128-127‬وصحيح البخاري – كتاب‬ ‫‪3‬‬

‫الخطاب ‪ ‬ح ‪.3866‬‬ ‫مناقب النصار – باب إسلم عمر بن‬

‫‪145‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫مكانته ‪ ‬عند البشر‪ ،‬وفيه ثلثة مباحث‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬مكانته ‪ ‬عند النبياء صلى‬
‫الله عليهم وسلم‬
‫لقد تبوء نبي الرحمة ‪ ‬عند النبياء صلوات الله‬
‫وسلمه عليهم مكانة مرموقة‪ ،‬وذلك من خلل بشارتهم‬
‫في كتبهم السماوية‪ ،‬ومن خلل شهاداتهم عند لقائه ‪‬‬
‫في الرحلة السماوية‪ ،‬وأعظم مشهد في تلك الرحلة‬
‫بالسراء والمعراج صلته إماما ً بالنبياء والمرسلين كلهم‪،‬‬
‫مهم جميعا ً في بيت المقدس‪ ،‬كما تقدم في سيرته‬ ‫فقد أ ّ‬
‫في المبحث السادس من العهد المكي‪.‬‬
‫ب السماء‪ ،‬وذلك بسيادة‬ ‫حقا ً إنها مكانة علياء ور ّ‬
‫النبياء التي تبشر بسيادة المراء والعلماء‪ ،‬وأما الحديث‬
‫عن بشاراتهم‪ ،‬فقد عقد البخاري بابا ً بعنوان‪ :‬خاتم النبوة‪،‬‬
‫ثم ساق حديثا ً عن السائب بن يزيد ‪ ‬أنه رأى خاتم‬
‫)‪(1‬‬
‫النبوة بين كتفيه‪.‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر‪ :‬قوله )باب خاتم النبوة( أي‬
‫صفته‪ ،‬وهو الذي كان بين كتفي النبي ‪ ،‬وكان من‬
‫)‪(2‬‬
‫علماته التي كان أهل الكتاب يعرفونه بها‪.‬‬
‫من أين هذه المعرفة لهل الكتاب؟ إنها من كتبهم‬
‫السماوية التي بشرت بهذه البشارة‪.‬‬
‫صفة رسول الله ‪ ‬من النجيل‬
‫نقل المؤرخ ابن هشام عن ابن إسحاق بشرى عيسى‬
‫الحواري برسول الله ‪ ‬فقال‪ :‬وقد كان فيما بلغني عما‬
‫كان وضع عيسى بن مريم فيما جاءه من الله في النجيل‬
‫حّنس‬‫لهل النجيل من صفة رسول الله ‪ ،‬مما أثبت ي ُ َ‬
‫الحواري لهم‪ ،‬حين نسخ لهم النجيل عن عهد عيسى بن‬
‫مريم عليه السلم في رسول الله ‪ ‬إليهم أنه قال‪ :‬فلو‬
‫ب‪،‬‬‫منحمّنا هذا الذي يرسله الله إليكم من عند الر ّ‬ ‫قد جاء ال ُ‬
‫وروح القدس‪ ،‬هذا الذي من عند الرب خرج‪ ،‬فهو شهيد‬

‫‪ -1‬صحيح البخاري – كتاب المناقب‪ -‬باب خاتم النبوة ح ‪.3541‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -2‬فتح الباري ‪.6/561‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪146‬‬
‫ي وأنتم أيضًا‪ ،‬لنكم قديما ً كنتم معي في هذا قلت لكم‪:‬‬ ‫عل ّ‬
‫ّ‬
‫لكيما ل تشكوا‪.‬‬
‫والمنحمنا )بالسريانية( محمد‪ ،‬وهو بالرومية‪:‬‬
‫)‪(1‬‬
‫البرقليطس‪. ،‬‬
‫وهو كما قال إذ يؤيد ذلك ما ورد في إنجيل يوحنا‬
‫الذي كتب باليوناينية استعمل السم‪ :‬باراكليتوس‪ ،‬وهي‬
‫توافق وتطابق تماما ً اسم أحمد في معناه ومغزاه‪ .‬هكذا‬
‫)‪(2‬‬
‫قال خبير النجيل البروفيسور عبد الحد داود‪.‬‬
‫وقد نقل لنا نصا ً آخر من النجيل في الصحاح الثاني‬
‫من سفر حجي فيه البشرى بمبعث محمد ‪ ‬وهذا نصه‪:‬‬
‫دا‬
‫حم َ‬‫"ولسوف ُأزلزل كل المم‪ ،‬وسوف يأتي ) ِ‬
‫‪ (himada‬لكل المم‪ ،‬وسوف أمل هذا البيت بالمجد‪ ،‬كذلك‬
‫ي الذهب‪ ،‬هكذا يقول‬ ‫ي الفضة‪ ،‬ول ّ‬‫ب الجنود‪ ،‬ول ّ‬
‫قال ر ّ‬
‫ب الجنود‪ ،‬وإن مجد ذلك البيت الخير يكون أعظم من‬ ‫ر ّ‬
‫ب الجنود‪ ،‬وفي هذا المكان‬ ‫مجد الول‪ ،‬هكذا يقول ر ّ‬
‫ب الجنود"‪ .‬ويقول عبد‬ ‫أعطي السلم‪ ،‬هكذا يقول ر ّ‬
‫الحد‪:‬‬
‫ولقد قمت بترجمة هذه الفقرة المذكورة من النسخة‬
‫الوحيدة من النجيل التي كانت بحوزتي‪ ،‬والتي أعارتني‬
‫م لي‪ ،‬والنسخة هذه‬ ‫إياها سيدة أشورية كانت ابنة ع ّ‬
‫باللغة الوطنية الدارجة آنذاك‪ ،‬ولكن دعنا نرجع إلى‬
‫الترجمة النجليزية للكتاب المقدس‪ ،‬والتي نجد أنها‬
‫ترجمت عن الصل العبري كلمة )حمدا( إلى )المنية(‬
‫وكلمة )شالوم( إلى )السلم(‪.‬‬
‫ولقد أولى المعلقون اليهود والمسيحيون سواًء‬
‫بسواء‪ ،‬أعظم الهمية للوعد المزدوج الذي احتوته‬
‫النبوءة المذكورة آنفًا‪ .‬وهؤلء المعلقون يعرفون النبوءة‬
‫المسيحية المتعلقة بالكلمة )حمدا(‪ ،‬وفي الحقيقة هناك‬
‫نبوءة رائعة أثبتتها الصياغة النجيلية العادية للقسم‬
‫‪ -1‬السيرة النبوية تحقيق البياري والسقا والشلبي ‪-1/232‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪.233‬‬
‫‪ -2‬محمد في الكتاب المقدس ص ‪ ،51‬والمؤلف كان على‬ ‫‪2‬‬

‫المذهب الكاثوليكي قبل السلم‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫صباءوات )الملئكة(" ذلك‬ ‫اللهي "يقول الرب إله ال ّ‬
‫القسم الذي أعيد ذكره أربع مرات‪ .‬فإذا أخذنا هذه‬
‫النبوءة بالصيغة التجريدية لكلمتي )حمدا( و)شالوم( على‬
‫أنهما )المنية( و)السلم(‪ ،‬فحينئذ تصبح تلك النبوءة ل‬
‫شيء أكثر من همس غامض مبهم ول ُيفهم معناه‪ ،‬ولكن‬
‫إذا فهمنا المقصود من التعبير بكلمة )حمدا( بأنه فكرة‬
‫ثابتة عن شخص أو عن حقيقة واقعة‪.‬‬
‫ومن المستحسن قبل محاولة إثبات نفاذ ومطابقة‬
‫هذه النبوءة إيضاح وتعليل أصول هاتين الكلمتين بصورة‬
‫مختصرة وبقدر المستطاع‪:‬‬
‫‪ -‬لنأخذ كلمة )حمدا( ولعلي لست مخطئا ً فإنها تقرأ‬
‫باللغة العبرية الصلية هكذا )في يافو حمداث كول‬
‫هاجوييم( والتي تعني حرفيا ً )وسوف يأتي حمدا لكل‬
‫المم( والحرفان )ها( في اللغة العبرية يقابلهما في اللغة‬
‫العربية )أل( للتعريف‪ ،‬أو )ل(عندما تكون في حالة الجر‪،‬‬
‫والكلمة مأخوذة من اللغة العبرية القديمة أو لعلها الرمية‪،‬‬
‫د( بالحرف الساكن‪ ،‬ويلفظ بدون التسكين‬ ‫م ْ‬
‫ح ْ‬
‫وفي الصل) ِ‬
‫د( تستعمل عادة لتعني‬ ‫م ْ‬
‫ح ِ‬
‫د(‪ .‬وفي اللغة العبرية ) ِ‬ ‫م ْ‬‫ح ِ‬‫) ِ‬
‫)المنية الكبيرة( أو )المشتهى( أو )الشهية( أو )الشائق(‪.‬‬
‫وقد جاء في الوصية التاسعة من الوصايا العشر )لو تاهمود‬
‫إيش رايخا( ومعناها )ل تشته زوجة جارك( وفي اللغة‬
‫ميدا( من نفس الحرف الساكن‬ ‫ح ِ‬
‫العبرية يأتي الفاعل ) ِ‬
‫د‪ ،‬ومعناها‪ :‬الحمد( وهكذا؟‬ ‫م ْ‬‫ح ْ‬‫) ِ‬
‫وهل هناك شيء أكثر من المدح وحسن الحدوثة‬
‫يتوق إليه البشر ويشتهيه النسان أو يرغب فيه؟ وأي ّا ً من‬
‫المعنيين تختار‪ ،‬فإن الحقيقة الناصعة تبقى بأن كلمة‬
‫مدا( وهذا التفسير‬ ‫ح ْ‬‫)أحمد( هي الصيغة العربية لكلمة ) ِ‬
‫)‪(1‬‬
‫هو تفسير قاطع ل ريب ول مراء فيه‪.‬‬
‫وقد عقد فصل ً بعنوان‪ :‬يوحنا المعمدان تنبأ بمحمد‪،‬‬
‫كما نقل عن إنجيل برنابا أن عيسى يتكلم عن روح‬
‫محمد‪ ،‬وبرهن أن كلمة البرقليط تعني أحمد ومحمد‪،‬‬
‫فقال‪:‬‬
‫‪ -1‬المصدر السابق ص ‪.51-50‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪148‬‬
‫إن التنـزيل القرآني القائل بأن عيسى بن مريم أعلن‬
‫لنبي إسرائيل أنه كان ﴿ومبشرا ً برسول يأتي من بعدي‬
‫اسمه أحمد﴾]الصف‪ [6/‬واحد من أقوى البراهين على أن‬
‫ل‪ ،‬إذ‬‫محمدا ً كان حقيقة نبيا ً وأن القرآن تنـزيل إلهي فع ً‬
‫لم يكن في وسعه أبدا ً أن يعرف أن كلمة البرقليط كانت‬
‫تعني‪ :‬أحمد إل من خلل الوحي والتنـزيل اللهي‪ .‬وحجة‬
‫القرآن قاطعة ونهائية‪ ،‬لن الدللة الحرفية للسم‬
‫اليوناني تعادل بالدقة ودون شك كلمتي )أحمد ومحمد(‬
‫)‪.(1‬‬
‫ويذكر الشيخ النجار حوارا ً دار بينه وبين المستشرق‬
‫اليطالي )كارلونلينو( ‪ -‬وكان بينهما صداقة ‪ -‬حول معنى‬
‫)البارقليط( قال‪ :‬قلت له‪ :‬ما معنى )بيركلوتس(؟‬
‫فأجابني بقوله‪" :‬إن القسس يقولون إن هذه الكلمة‬
‫معّزى(" فقلت‪ :‬إني أسأل الدكتور )كارلونلينو(‬ ‫معناها )ال ُ‬
‫الحاصل على الدكتوراه في آداب اللغة اليونانية القديمة‬
‫ولست أسأل قسيسًا! فقال‪ :‬إن معناها‪ :‬الذي له حمد‬
‫كثير‪ .‬فقلت‪ :‬هل ذلك يوافق أفعل التفضيل من حمد؟‬
‫فقال‪ :‬نعم‪ .‬فقلت‪ :‬إن رسول الله ‪ ‬من أسمائه أحمد‪.‬‬
‫فقال‪ :‬يا أخي أنك تحفظ كثيرا ً ثم افترقنا‪ ،‬وقد ازددت‬
‫تثبتا ً في معنى قوله تعالى حكاية عن المسيح ﴿ ومبشرا ً‬
‫)‪(2‬‬
‫برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد﴾ ]الصف‪.[6/‬‬
‫مطعم ‪ ‬أنه قال‪ :‬قال رسول‬ ‫جبير بن ُ‬ ‫ح عن ُ‬‫وقد ص ّ‬
‫الله ‪" :‬لي خمسة أسماء‪ :‬أنا محمد‪ ،‬وأنا أحمد‪ ،‬وأنا‬
‫شُر‬ ‫الماحي الذي يمحو الله بي الكفر‪ ،‬وأنا الحاشر ُيح َ‬
‫الناس على قدمي وأنا العاقب")‪.(3‬‬
‫وله أسماء أخرى‪ ،‬قال الحافظ ابن حجر‪ :‬وقيل‬
‫الحكمة في القتصار على الخمسة المذكورة في هذا‬
‫الحديث أنها أشهر من غيرها موجودة في الكتب القديمة‬
‫)‪(4‬‬
‫وبين المم السالفة‪.‬‬

‫‪ -2 1‬المصدر السابق ص ‪179‬و ‪181‬و ‪.223‬‬


‫‪ -12‬قصص النبياء للنجار ص ‪.398‬‬
‫‪ -2 3‬صحيح البخاري – كتاب المناقب – باب ما جاء في أسماء‬
‫رسول الله ‪ ‬ح ‪.3532‬‬
‫‪ -3 4‬فتح الباري ‪.6/558‬‬

‫‪149‬‬
‫قال العلمة القرافي‪ :‬البشارة الثلثون‪ :‬قال أشعياء‬
‫عليه السلم في نبوءته منبها ً على محمد ‪ :‬عبدي الذي‬
‫يرضى نفسي‪ ،‬أعطيه كلمي‪ ،‬فيظهر في المم عدلي‪،‬‬
‫ويوصيهم بالوصايا‪ ،‬ل يضحك ول يصخب‪ ،‬يفتح العيون‬
‫العور‪ ،‬ويسمع الذان الصم‪ ،‬ويحي القلوب الميتة‪ ،‬وما‬
‫أعطيه ل أعطيه غيره أحد يحمد الله حمدا ً حديثا‪ ،‬يأتي‬
‫من أفضل الرض فتفرح به البرية وسكانها‪ ،‬ويوحدون‬
‫الله تعالى على كل شرف‪ ،‬ويعظمونه على كل رابية‪ ،‬ل‬
‫يضعف ول يغلب ول يميل إلى الهوى‪ ،‬ول يذل الصالحين‬
‫ديقين‬‫الذين هم كالقصب الضعيف‪ ،‬بل يقوي الص ّ‬
‫المتواضعين‪ ،‬وهو نور الله تعالى الذي ل يطفأ‪ ،‬أثر‬
‫)‪(1‬‬
‫سلطانه على كتفه‪.‬‬
‫البشارة الثانية والثلثون‪ :‬قال أشعياء عليه السلم‬
‫في نبوءته‪ :‬يا آل إبراهيم خليلي الذي قوتيه ودعوته من‬
‫أقاصي الرض‪ ،‬ل تخف ول ترهب فأنا معك‪ ،‬ويدي‬
‫العزيزة مهدت لك‪ ،‬جعلتك مثل الجرجر الحديد يدق ما‬
‫يأتي عليه دقًا‪ ،‬ويسحقه سحقا ً حتى يجعله هشيما ً يلوى‬
‫به هوج الرياح‪ ،‬وأنت تبتهج وترتاح ويكون محمدًا‪.‬‬
‫البشارة الثالثة والثلثون‪ :‬قال اشعياء عليه السلم‬
‫في نبوءته معلنا ً باسمه ‪ :‬إني جعلت اسمك محمدا ً‬
‫يامحمد‪ ،‬يا قدوس الرب اسمك موجود من البد‪.‬‬
‫البشارة السابعة والثلثون‪ :‬قال أشعياء عليه السلم‬
‫في نبوءته‪ :‬إنا سمعنا في أطراف الجبال صوت محمد‪.‬‬
‫البشارة الثانية والربعون‪ :‬قال النبي حبقوق عليه‬
‫السلم في نبوءته‪ :‬إن الله تعالى جاء من التيمن‪،‬‬

‫‪ -4‬ينظر الجوبة الفاخرة ص ‪ ،743-741‬وهذه البشارة موافقة‬ ‫‪1‬‬

‫لما أخرجه البخاري بسنده عن عطاء بن يسار قال‪ :‬لقيت عبد‬


‫الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قلت‪ :‬أخبرني عن‬
‫صفة رسول الله ‪ ‬في التوراة‪ ،‬قال‪ :‬أجل‪ ،‬والله أنه‬
‫لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن‪" :‬يا أيها النبي‬
‫إنا أرسلناك شاهدا ً ومبشرا ً ونذيرا ً وحرزا ً للميين‪ ،‬أنت عبدي‬
‫ورسولي‪ ،‬سميتك المتوكل‪ ،‬ليس بلفظ ول غليظ ول سخاب‬
‫في السواق ول يدفع السيئة بالسيئة‪ ،‬ولكن يعفو ويغفر‪ ،‬ولن‬
‫يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا‪ :‬ل إله إل‬
‫ف"‪).‬البخاري ‪-‬‬
‫ب غل ٌ‬‫م وقلو ٌ‬
‫نص ٌ‬ ‫ن عمي وآذا ٌ‬ ‫الله‪ ،‬ويفتح بها أعي ٌ‬
‫البيوع‪ -‬باب كراهية السخب في السواق ح ‪.(2125‬‬

‫‪150‬‬
‫والقدوس من جبال فاران‪ ،‬لقد أضاءت السماء من بهاء‬
‫محمد‪ ،‬وامتلت الرض من حمده‪ ،‬وشاع منظره مثل‬
‫النور‪ ،‬يحوط بلده بعزة‪.‬‬
‫البشارة الخامسة والربعون‪ :‬قال دانيال عليه السلم‬
‫في نبوءته مخاطبا ً لمحمد ‪ :‬ستنـزع من قسيك إغراقا‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫ترتوي السهام بأمرك يا محمد ارتواء‪.‬‬
‫من أجل ذلك أعلن النجاشي إسلمه وقال‪ :‬أشهد أنه‬
‫رسول الله فإنه الذي نجد في النجيل‪ ،‬وإنه الرسول‬
‫)‪(2‬‬
‫الذي بشر به عيسى بن مريم‪.‬‬
‫صفة رسول الله ‪ ‬في التوراة‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية‪ :‬والخبار بمعرفة أهل‬
‫الكتاب بصفة محمد ‪ ‬عندهم في الكتب المتقدمة‬
‫)‪(3‬‬
‫متواترة عنهم‪.‬‬
‫أخرج المام الذهبي بسنده عن ابن عباس رضي الله‬
‫عنهما أنه سأل كعب الحبار‪ :‬كيف تجد نعت رسول الله‬
‫‪ ‬في التوراة؟ قال‪ :‬نجده محمد بن عبد الله يولد بمكة‪،‬‬
‫حاش‬ ‫ويهاجر إلى طابة‪ ،‬ويكون ملكه بالشام‪ ،‬وليس بف ّ‬
‫خاب في السواق ول يكافئ بالسيئة السيئة‪ ،‬ولكن‬ ‫ول س ّ‬
‫)‪(4‬‬
‫يعفو ويغفر‪.‬‬
‫ويشهد له ما أخرجه البخاري بسنده من حديث عطاء‬
‫بن يسار قال‪ :‬لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي‬
‫الله عنهما قلت‪ :‬أخبرني عن صفة رسول الله ‪ ‬في‬
‫التوراة‪ ،‬قال‪ :‬أجل‪ ،‬والله إنه لموصوف في التوراة ببعض‬
‫صفته في القرآن‪ :‬يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ً‬
‫‪ -1 1‬ينظر الجوبة الفاخرة ص ‪747‬و ‪751‬و ‪756-755‬و ‪-761‬‬
‫‪ ،762‬وانظر هذه البشارة في الجواب الصحيح ‪ ،3/330‬وهداية‬
‫الحيارى ‪ ،141‬ونقل ابن القيم عن ابن قتيبة قوله‪ :‬وزاد فيه‬
‫بعض أهل الكتاب وستنـزع في قسيك إغراقا‪ ،‬وترتوي السهام‬
‫بأمرك يا محمد ارتواء‪ ،‬وذلك بعد ذكره البشارة‪ :‬جاء الله من‬
‫التيمن‪ ...‬هداية الحيارى ‪.141‬‬
‫‪ -2 2‬حديث ثابت أخرجه المام أحمد في )المسند ‪ 7/409‬ح‬
‫‪ ،(4400‬وحسنه الحافظ ابن حجر )فتح الباري ‪ (7/189‬وجود‬
‫سنده الحافظ بان كثير )البداية والنهاية ‪.(3/69‬‬
‫‪ -33‬الجواب الصحيح ‪.1/340‬‬
‫‪ -1 4‬السيرة النبوية للذهبي ‪.1/50‬‬

‫‪151‬‬
‫ومبشرا ً ونذيرا ً وحرزا ً للميين‪ ،‬أنت عبدي ورسولي‪،‬‬
‫سميتك المتوكل‪ ،‬ليس بفظ ول غليظ ول سخاب في‬
‫السواق‪ ،‬ول يدفع السيئة بالسيئة‪ ،‬ولكن يعفو ويغفر‪،‬‬
‫ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا‪ :‬ل‬
‫ف‪.‬‬
‫ب غل ٌ‬‫م وقلو ٌ‬
‫ي وآذان ص ٌ‬‫إله إل الله ويفتح بها أعين عم ٌ‬
‫)‪(1‬‬

‫وأخرج المام أحمد بسند حسن عن ابن مسعود ‪‬‬


‫ل إلى الجنة‪،‬‬ ‫قال‪ :‬إن الله ‪ ‬ابتعث نبيه ‪ ‬لدخال رج ٍ‬
‫فدخل الكنيسة‪ ،‬فإذا هو بيهود‪ ،‬وإذا يهودي يقرأ عليهم‬
‫التوراة‪ ،‬فلما أتوا على صفة النبي ‪ ،‬أمسكوا‪ ،‬وفي‬
‫النبي ‪" :‬ما لكم‬ ‫ناحيتها رجل مريض‪ ،‬فقال‬
‫أمسكتم؟" قال المريض‪ :‬إنهم أتوا على صفة نبي‪،‬‬
‫فأمسكوا‪ ،‬ثم جاء المريض يحبو‪ ،‬حتى أخذ التوراة‪ ،‬فقرأ‬
‫حتى أتى على صفة النبي ‪ ‬وأمته‪ ،‬فقال‪ :‬هذه صفتك‬
‫وصفة أمتك‪ ،‬أشهد أن ل إله إل الله وأنك رسول الله‪ ،‬ثم‬
‫)‪(2‬‬
‫مات‪ ،‬فقال النبي ‪ ‬لصحابه‪ُ" :‬لوا أخاكم"‪.‬‬
‫نقل المؤرخ الذهبي ُبشرى ورقة بن نوفل بمبعثه ‪‬‬
‫فقال‪ :‬قال ابن إسحاق‪ :‬وكانت خديجة قد ذكرت لعمها‬
‫صر ‪ -‬ما حدثها‬ ‫ورقة بن نوفل ‪ -‬وكان قد قرأ الكتب وتن ّ‬
‫ميسرة من قول الراهب وإظلل الملكين‪ ،‬فقال‪ :‬لئن‬
‫ُ‬
‫مة‪ ،‬وقد‬ ‫كان هذا حقا ً يا خديجة إن محمدا ً لنبي هذه ال ّ‬
‫مة نبيا ً ينتظر زمانه‪ ،‬قال وجعل ورقة‬ ‫ُ‬
‫عرف أن لهذه ال ّ‬
‫)‪(3‬‬
‫يستبطئ المر ويقول‪ :‬حتى متى‪ ،‬وقال قصيدة‪.‬‬
‫ومن الذين علموا بمبعث النبي ‪ ‬وصفته عبد الله‬
‫بن سلم‪ ،‬قال الواحدي قوله تعالى ﴿ الذين آتيناهم‬
‫الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ﴾]البقرة‪،[146/‬‬
‫سلم‬ ‫نزلت في مؤمني أهل الكتاب‪ :‬عبد الله بن َ‬
‫‪ -2‬صحيح البخاري – البيوع – باب كراهية السخب في السواق‬ ‫‪1‬‬

‫ح ‪.2125‬‬
‫‪ -3‬المسند ‪ 7/64‬ح ‪ ،3951‬قال الهيثمي‪ :‬وفيه عطاء بن‬ ‫‪2‬‬

‫السائب وقد اختلط )مجمع الزوائد ‪ (1/231‬ولكن المام أحمد‬


‫أخرجه من طريق حماد بن سلمة عن عطاء‪ ،‬ورواية حماد بن‬
‫سلمة قبل الختلط فالسناد حسن‪.‬‬
‫‪ -1‬ينظر السيرة النبوية ص ‪.69-68‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪152‬‬
‫وأصحابه‪ ،‬كانوا يعرفون رسول الله ‪ ‬بنعته وصفته‬
‫ومبعثه في كتبهم‪ ،‬كما يعرف أحدهم ولده إذا رآه مع‬
‫الغلمان‪.‬‬
‫قال عبد الله بن سلم ‪ :‬لنا كنت أشد ّ معرفة‬
‫برسول الله ‪ ‬مني بابني‪ .‬فقال له عمر بن الخطاب‪:‬‬
‫وكيف ذاك يا بان سلم؟ قال‪ :‬لني أشهد أن محمدا ً‬
‫رسول الله حقا ً يقينًا‪ ،‬وأنا ل أشهد بذلك على ابني‪ ،‬لني‬
‫ل أدري ما أحدث النساء‪ .‬فقال عمر‪ :‬وفقك الله يا ابن‬
‫)‪(1‬‬
‫سلم‪.‬‬
‫وعبد الله بن سلم خبير بالتوراة‪ ،‬فهو الذي فضح‬
‫)‪(2‬‬
‫الذين كتموا حكم الرجم‪.‬‬
‫ونقل الحافظ ابن حجر عن البغوي وابن سعد وابن‬
‫شاهين وابن السكن من طريق خليفة بن عبدة المنقري‬
‫ماك أبوك‬ ‫قال‪ :‬سألت محمد بن عدي بن ربيعة كيف س ّ‬
‫ما سألتني فقال‪:‬‬ ‫في الجاهلية محمدًا؟ قال‪ :‬سألت أبي ع ّ‬
‫خرجت رابع أربعة من بني تميم أنا أحدهم وسفيان بن‬
‫مجاشع ويزيد بن عمرو بن ربيعة وُأسامة بن مالك بن‬
‫حبيب بن العنبر نريد ابن جفنة الغساني بالشام‪ ،‬فنـزلنا‬
‫على غدير عند دير‪ ،‬فأشرف علينا الديراني فقال لنا‪ :‬إنه‬
‫يبعث منكم وشيكا ً نبي فسارعوا إليه‪ ،‬فقلنا ما اسمه؟‬
‫قال‪ :‬محمد‪ .‬فلما انصرفنا ُولد لكل منا ولد فسماه محمد‬
‫)‪(3‬‬
‫لذلك‪.‬‬
‫من أين أتى ورقة بن نوفل وعبد الله بن سلم وعدي‬
‫بن ربيعة بهذا النبأ؟ إنه من كتب أهل الكتاب السماوية‪.‬‬
‫يقول برنابا‪ :‬سيأتي مسيا )أي الرسول( المرسل من‬
‫الله لكل العالم‪ ...،‬وحينئذ يسجد لله في كل العالم وتنال‬
‫)‪(4‬‬
‫الرحمة‪.‬‬
‫ذكر نبي الرحمة في مزامير وزبور داود‬

‫‪ -2‬أسباب النـزول للواحدي ص ‪.40‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -3‬ينظر صحيح البخاري – كتاب المناقب – باب قول الله‬ ‫‪2‬‬

‫تعالى ﴿يعرفونه كما يعرفون أبناءهم﴾ ح ‪.3635‬‬


‫‪ -4‬فتح الباري ‪.6/556‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -1‬إنجيل برنابا ‪.18-82:16‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪153‬‬
‫قال القرافي‪ :‬البشارة الحادية والعشرون‪ :‬قال داود‬
‫عليه السلم في مزاميره‪ :‬سيكون من يحوز من البحر‬
‫إلى البحر‪ ،‬ومن لدن النهار إلى منقطع الرض )بحر أهل‬
‫الجزائر بين يديه(‪ ،‬ويلحس أعداؤه التراب‪ ،‬وتسجد له‬
‫ملوك الفرس‪ ،‬وتدين له المم بالطاعة والنقياد‪ ،‬ويخلص‬
‫)المضطهد البائس( ممن هو أقوى منه‪ ،‬وينقذ الضعيف‬
‫الذي ل ناصر له‪ ،‬ويرأف بالمساكين والضعفاء‪ ،‬ويصلي‬
‫)‪(1‬‬
‫عليه ويبارك في كل حين‪.‬‬
‫ونقل شيخ السلم ابن تيمية من مزامير داود‪:‬‬
‫ً )‪(2‬‬
‫م الرض كلها فرحا‪.‬‬‫ومحمد قد ع ّ‬
‫وقال شيخ السلم ابن تيمية‪ :‬قد رأيت أنا من نسخ‬
‫)‪(3‬‬
‫الزبور ما فيه تصريح بنبوة محمد ‪ ‬باسمه‪.‬‬
‫وأما الحديث عن شهاداتهم فقد شهد ثلة من النبياء‬
‫بصدق نبوته وصلح شخصيته في لقائه بهم أثناء عروجه‬
‫‪ ‬إلى السموات السبع‪ ،‬وذلك حينما قال آدم ‪ ‬مرحبا ً‬
‫بالبن الصالح والنبي الصالح في السماء الولى‪ ،‬ثم قول‬
‫عيسى ويحيى بن زكريا ‪ ‬عندما قال‪ :‬مرحبا ً بالنبي‬
‫الصالح والخ الصالح في السماء الثانية‪ ،‬وكذا قال يوسف‬
‫‪ ‬في السماء الثالثة‪ ،‬ثم أدريس ‪ ‬في السماء الرابعة‪،‬‬
‫ثم هارون ‪ ‬في السماء الخامسة‪ ،‬ثم موسى ‪ ‬في‬
‫السماء السادسة‪ ،‬ثم إبراهيم ‪ ‬في السماء السابعة‪.‬‬

‫‪ -2‬انظر معنى هذه البشارة في المزمور )‪ (72‬وانظر الجواب‬ ‫‪1‬‬

‫الصحيح ‪ ،3/322‬هداية الحيارى ‪ ،146‬الجوبة الفاخرة ص‬


‫‪.727‬‬
‫‪ -3‬الجواب الصحيح ‪ ،3/319‬وهداية الحيارى ‪ ،147‬وهذا يتوافق‬ ‫‪2‬‬

‫مع الحديث الصحيح‪" :‬إن الله زوا لي الرض فرأيت مشارقها‬


‫ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها )صحيح‬
‫مة بعضهم بعضا ‪.(4/2215‬‬ ‫ُ‬
‫مسلم ‪ -‬الفتن ‪ -‬باب هلك ال ّ‬
‫‪ -4‬الجواب الصحيح ‪.2/27‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪154‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫مكانته ‪ ‬عند المسلمين‬
‫إن مكانة نبي الرحمة ‪ ‬عند المسلمين حافلة‬
‫بالوقائع الجميلة‪ ،‬والمناقب الجليلة منذ أن كان مع‬
‫صحابته رضوان الله عليهم إلى أن فارقهم في ذلك اليوم‬
‫المحزن‪ ،‬وتتجدد ُ تترى تلك الوقائع إلى يومنا هذا‪ ،‬فلو‬
‫نظرنا إلى مكانته عند الصحابة فإنهم يفدونه بأنفسهم‬
‫وآبائهم وأمهاتهم إذ تغلغل حبه في عروقهم حتى طغى‬
‫على نفوسهم وهكذا ينبغي علينا جميعًا‪.‬‬
‫ول شك أن الشمائل الكريمة التي اتصف بها‬
‫والسيرة العظيمة التي تميز بها تركت آثارا ً كبيرة في‬
‫مة جميعا ً إلى يومنا هذا‪.‬‬ ‫ُ‬
‫نفوس الصحابة ‪ ‬وال ّ‬
‫وأذكر في هذا المقام وصفا ً لعروة بن مسعود الذي‬
‫كان أحد المفاوضين من كفار قريش مع نبي الرحمة يوم‬
‫الحديبية‪ ،‬فقد رأى تعظيم الصحابة ‪ ‬له ‪ ‬فقال‪ :‬والل ِ‬
‫ه‬
‫لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى‬
‫والنجاشي والله إن رأيت ملكا ً قط يعظمه أصحابه ما‬
‫يعظم أصحاب محمد ‪ ‬محمدًا‪ ،‬والله إن تنخم ُنخامة إل‬
‫وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده‪ ،‬وإذا‬
‫أمرهم ابتدروا أمره‪ ،‬وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه‪،‬‬
‫وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون إليه النظر‬
‫هذا في حياته‪ ،‬وأما عند وفاة نبي الرحمة ‪ ‬فقد‬
‫كان مشهدا ً هّز المشاعر‪ ،‬وأخفق القلوب‪ ،‬وأذرف‬
‫العيون‪ ،‬بل أن عمر ‪ ‬لم يصدق بذلك النبأ وأنكر ذلك!‬
‫ح عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي ‪ ‬أن‬ ‫فقد ص ّ‬
‫سنح‪ - ،‬يعني بالعالية‪-‬‬‫رسول الله ‪ ‬مات وأبو بكر بال ُ‬
‫فقام عمر يقول‪ :‬والله ما مات رسول الله ‪ ،‬قالت‪:‬‬
‫وقال عمر‪ :‬والله ما كان يقع في نفسي إل ذاك وليبعثنه‬
‫الله‪ ،‬فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم‪ ،‬فجاء أبو بكر‬
‫فكشف عن رسول الله ‪ ‬فقّبله‪ ،‬قال‪ :‬بأبي أنت وأمي‬
‫طبت حيا ً وميتًا‪ ،‬والذي نفسي بيده ل يذيقك الله‬
‫الموتتين أبدًا‪ ،‬ثم خرج فقال‪ :‬أيها الحالف على ِرسلك‪،‬‬
‫ما تكلم أبو بكر جلس عمر‪ ،‬فحمد الله أبو بكر وأثنى‬ ‫فل ّ‬
‫‪ -‬أخرجه البخاري مطول ً )الصحيح‪ -‬كتاب الشروط – باب‬ ‫‪1‬‬

‫الشروط في الجهاد‪ ،‬حديث رقم ‪.(2732-2731‬‬

‫‪155‬‬
‫عليه وقال‪ :‬أل من كان يعبد محمدا ً ‪ ‬فإن محمدا ً قد‬
‫مات‪ ،‬ومن كان يعبد الله فإن الله حي ل يموت وقال ﴿‬
‫إنك ميت وإنهم ميتون﴾ ]الزمر‪ ،[30/‬وقال ﴿وما محمد إل‬
‫رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل‬
‫انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر‬
‫الله شيئا ً وسيجزي الله الشاكرين﴾ ]آل عمران‪،[144/‬‬
‫قال‪ :‬فنشج الناس يبكون)‪.(1‬‬
‫ول زال هذا الزلزال يعتبر عند المسلمين أكبر مصيبة‬
‫حتى تقوم الساعة‪.‬‬
‫تقول ُأم سلمة رضي الله عنها‪ :‬فيا لها من مصيبة! ما‬
‫)‪(2‬‬
‫ُأصبنا بعدها بمصيبة إل هانت إذا ذكرنا مصيبتنا به ‪.‬‬
‫وأنشد علي بن حجر السعدي ت ‪244‬هـ‪:‬‬
‫فاذكر‬ ‫وإذا ذكرت مصيبة تشجى بها‬
‫)‪(3‬‬
‫مصابك بالنبي محمد‪.‬‬
‫ومن أعظم ما قام به الصحابة ‪ ‬من تعظيم نبي‬
‫الرحمة ‪ ‬حفظ سنته في أقواله وأفعاله وتقريراته‪ ،‬فقد‬
‫انبرى ثلة من الرجال والنساء فحفظوها وبّلغوها إلى‬
‫التابعين رحمهم الله تعالى الذين قاموا بهذه السنة حفظا ً‬
‫وعلما ً وتعليما وعمل ً ونشروها في بلد المسلمين‬
‫ودافعوا عنها من هجوم المعتدين‪ ،‬وبدءوا بكتابتها في‬
‫الدواوين وقد أخذها أتباعهم واعتنوا بها قول ً وعمل ً وكتاب ً‬
‫ة‬
‫ضاعين‪.‬‬‫وجمعا ً وتدريسا ً وانبروا إلى فضح الو ّ‬
‫وقد اشتهر جمع كبير من الصحابة والتابعين برواية‬
‫الحديث الشريف حتى حفلت الكتب بعشرات اللوف من‬
‫مروياتهم القولية والفعلية‪ ،‬والتي أنارت مدارس الحديث‬
‫الحافلة بطبقات الحفاظ من القرن الثاني إلى عصرنا‬
‫الحاضر الذي ازدان بالبرامج الحاسوبية‪ ،‬والموسوعات‬
‫اللكترونية‪ ،‬حتى بلغ عدد الرواة ما يقارب نصف‬
‫المليون‪.‬‬
‫أضف إلى ذلك تدريس الحديث الشريف في‬
‫المدارس والجامعات والتخصص فيه بالدراسات العليا‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬صحيح البخاري – كتاب فضائل الصحابة – باب قول النبي ‪‬‬
‫"لو كنت متخذا خليل" ح ‪.3668-3667‬‬
‫‪ -‬أخرجه البيهقي )دلئل النبوة ‪.(7/267‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ينظر شرح الزرقاني على المواهب اللدنية ‪.4/550‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪156‬‬
‫فاظ‬‫وكليات الحديث الشريف‪ ،‬والجوائز التي رصدت لح ّ‬
‫الحديث‪ ،‬وأضف إلى ذلك زيارة المسجد النبوي مئات‬
‫المليين من المسلمين يزور المسجد النبوي للسلم على‬
‫نبي رحمة ‪ ‬والسلم على صاحبيه أبي بكر وعمر رضي‬
‫الله عنهما‪ ،‬وبما أن الزوار يتقاطرون ويتزايدون في كل‬
‫عام فإن حكومة المملكة العربية السعودية أولت اهتماما ً‬
‫بالغا ً في توسعة المسجد النبوي إذ قامت بعدة مراحل‬
‫حتى بلغت إلى هذه التوسعة المباركة التي نشهدها اليوم‬
‫والتي تعجب الزوار والحذاق من أرباب الهندسة‬
‫المعمارية‪ ،‬كما انتشرت دروس الحديث الشريف عبر‬
‫الذاعات والقنوات الفضائية والشبكات العنكبوتية‪،‬‬
‫وتكاثرت المؤلفات‪ ،‬ولو تتبعنا المؤلفات التي كتبت عنه‬
‫لبلغت اللوف‪ ،‬وذلك في مدحه وسيرته وخصائصه‬
‫وفضائله ومعجزاته ومكانته وشمائله ورحمته وسماحته‬
‫وحكمته وأخلقه وغزواته ومعاهداته وزوجاته وآل بيته‬
‫‪.‬‬
‫وأما ذكره ‪ ‬وقت أذان الصلة والقامة لها فإن‬
‫الكرة الرضية كلها تنادي بذكره مقرونا ً بذكر الله تعالى‪،‬‬
‫ولو تتبعنا خطوط الطول لرأينا ذكره طوال الربع‬
‫والعشرين ساعة‪.‬‬
‫وكذلك الصلة والسلم عليه فإن مئات المليين تلهج‬
‫ألسنتهم بذلك‪ ،‬وأما الشعراء والدباء فقد تغنوا بذكره‬
‫ودّبجوا القصائد والمدائح‪ ،‬ومن شدة حّبه وتقديره فإن‬
‫ب وتقدير أهل بيته الشريف‬ ‫مة قد أجمعت على ح ّ‬ ‫ُ‬
‫ال ّ‬
‫فلهم مكانة كريمة وخصائص عظيمة‪ ،‬كل ذلك من أجل‬
‫تعظيم قدر نبي الرحمة ‪.‬‬
‫ومن المسلمين من كان غير مسلم ثم درس السلم‬
‫ونبي السلم فعرف قدر نبي الرحمة ‪ ‬فدخل في دين‬
‫الله تعالى راضيا ً مرضيًا‪ ،‬وذلك لن الدراسة العلمية‬
‫المجردة من التعصب والحسد تدفع صاحبها إلى إتباع‬
‫طريق الحق والنصاف‪ ،‬وقد قام ثلة من المستشرقين‬
‫بمثل هذه الدراسة للقرآن الكريم وتعمقوا فيه‪ ،‬وبعض من‬
‫ترجموا معاني القرآن الكريم تأثروا بالقرآن الكريم‪،‬‬
‫وأعلنوا إسلمهم نتيجة للتصال المباشر بالقرآن الكريم‪،‬‬
‫ودراسته‪ ،‬والتعمق فيه‪ .‬ومن هؤلء‪ :‬ج‪ .‬ل‪ .‬بروكهارت )‬

‫‪157‬‬
‫‪ (1817-1784‬المستشرق النجليزي الذي قرأ القرآن‬
‫وتفقه في الدين السلمي واعتنقه عام ‪ .1809‬وكذلك ر‪.‬‬
‫ف‪ .‬بودلي ‪ Bodley‬الذي آمن بسلمة العقيدة السلمية‬
‫وضمن هذا في مقدمة كتابه‪ :‬الرسول‪ ،‬حياة محمد )لندن‬
‫)‪(1‬‬
‫‪ . (1946‬والمستشرق فريتس كرنكوف ‪Krenkow (1872-‬‬
‫‪ (1952‬الذي اعتنق السلم وسمى نفسه محمد سالم‬
‫الكرنكوي‪ .‬وله في الدراسات القرآنية تفسير ثلثين سورة‬
‫لبن خالويه )‪ .(1936‬وكذلك المستشرق مارمادوك وليم‬
‫بكثول )‪ (1936-1875‬الذي ترجم معاني القرآن الكريم )‬
‫‪ (1930‬وكان قد أعلن إسلمه وأصبح إماما ً للمسلمين في‬
‫لندن بعد رحلة إلى مصر حيث استدعاه اللورد كرومر عام‬
‫‪ 1904‬ثم سافر إلى تركيا وعاد إلى مصر معلنا ً إسلمه‪.‬‬
‫وتعد ّ ترجمته لمعاني القرآن الكريم من أفضل الترجمات‬
‫النجليزية)‪ .(2‬ومن هؤلء المستشرقين أيضا ً المستشرق‬
‫المجري عبد الكريم جرمانوس )‪ (1979-1884‬الذي أعلن‬
‫إسلمه في مدينة دلهي )‪ .(1931‬ويعتبر المستشرق‬
‫النمساوي ليوبولد فايس أشهر المستشرقين الذين ترجموا‬
‫القرآن الكريم إلى النجليزية وأسلم وتسمى محمد أسد‪،‬‬
‫وأسس بمعاونة وليم بكثول )الذي أسلم أيضًا( مجلة‬
‫الثقافة السلمية في حيدراباد الدكن )‪ (1927‬للرد على‬
‫أخطاء المستشرقين)‪ .(3‬ومن المستشرقين الفرنسيين‬
‫أسلم جينون رينيه ‪) Guenon René‬المتوفى ‪ (1951‬في عام‬
‫‪ 1927‬وتسمى باسم عبدالواحد يحيي‪ ،‬وكان سبب إسلمه‬
‫اليات القرآنية المرتبطة بالعلوم الطبية والصحية‬
‫والطبيعية‪ ،‬وكذلك أسلم المستشرق دينه ‪Et Dinet (1861-‬‬
‫ج في عام ‪.(4)1928‬‬ ‫‪ (1929‬وتسمى بناصر الدين وح ّ‬
‫ً‬
‫و)اللورد هدلي( الكاثوليكي سابقا‪ ،‬وكرستيان‬
‫شرفيس الفرنسي‪ ،‬ومارتن لينغر النكليزي)‪ ،(5‬وإليكم‬
‫بعض شهاداتهم وإعجابهم بنبي الرحمة ‪ ‬وهي كما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬يقول المفكر النكليزي عبد الله كويليام‪:‬امتدت‬
‫أنوار المدنية بعد محمد ]‪ [‬في قليل من الزمان ساطعة‬
‫‪ -1‬المستشرقون للعقيقي ‪.1/95‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -1‬المرجع السابق ‪1/97‬و ‪.102‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -2‬المرجع السابق ‪.2/291‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -3‬المصدر السابق ‪1/289‬و ‪.288‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬ينظر الهتمام بالسيرة النبوية باللغة الفرنسية ص ‪.36‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪158‬‬
‫في أقطار الرض من المشرق إلى المغرب حتى أن‬
‫وصول أتباعه في ذلك الزمن اليسير إلى تلك المرتبة‬
‫العلية من المدنية قد حير عقول أولي اللباب‪ .‬وما السبب‬
‫في ذلك إل كون أوامره ونواهيه موافقة لموجب العقل‬
‫)‪(1‬‬
‫ومطابقة لمقتضى الحكمة‪.‬‬
‫‪ -2‬ويقول أيضًا‪ :‬ما اهتدى مئات المليين إلى السلم‬
‫إل ببركة محمد ]‪ [‬الذي علمهم الركوع والسجود لله‪،‬‬
‫وأبقى لهم دستورا ً لن يضّلوا بعده أبدا ً وهو القرآن‬
‫)‪(2‬‬
‫الجامع لمصالح دنياهم ولخير أخراهم‪...‬‬
‫‪ -3‬ويقول أيضًا‪ :‬لما شرف محمد ]‪ [‬ساحة عالم‬
‫الشهود بوجوده الذي هو الواسطة العظمى والوسيلة‬
‫الكبرى إلى اعتلء النوع النساني وترقيه في درجات‬
‫المدنية أكمل ما يحتاجه البشر من اللوازم الضرورية‬
‫على نهج مشروع‪ ،‬وأوصل الخلق إلى أقصى مراتب‬
‫السعادة بسرعة خارقة‪ .‬ومن نظر بعين البصيرة في‬
‫حال النام قبله عليه الصلة والسلم وما كانوا عليه من‬
‫الضللة‪ ..‬ونظر في حالهم بعد ذلك وما حصل لهم في‬
‫عصره من الترقي العظيم رأى بين الحالين فرقا ً عظيما ً‬
‫)‪(3‬‬
‫كما بين الُثريا والَثرى‪.‬‬
‫‪ -4‬يقول المهندس العراقي أحمد نسيم سوسه –‬
‫كان يهوديا ً ثم أسلم ‪:-‬‬
‫أي غاية أسمى وأقرب إلى النسانية ودين الله من‬
‫تلكم الغاية التي كان يرمي إليها الرسول ‪ ‬في توحيد‬
‫القلوب وإظهار الحقيقة؟ لنتصور محمدا ً ‪ ‬وهو يملي‬
‫ل‪﴿ :‬قل يا أهل الكتاب‬ ‫على أهل الكتاب وحي الله قائ ً‬
‫تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أل نعبد إل الله ول‬
‫نشرك به شيئا ً ول يتخذ بعضنا بعضا ً أربابا من دون الله‬
‫فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون﴾ ]آل عمران‪.[64/‬‬
‫)‪(4‬‬

‫أحسن الجوبة عن سؤال أحد علماء أوربا ص ‪.23-22‬‬ ‫‪-5‬‬ ‫‪1‬‬

‫العقيدة السلمية ص ‪.38‬‬ ‫‪-6‬‬ ‫‪2‬‬

‫أحسن الجوبة عن سؤال أحد علماء أوربا ص ‪.22-21‬‬ ‫‪-1‬‬ ‫‪3‬‬

‫في طريقي إلى السلم ‪.73-1/72‬‬ ‫‪-2‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪159‬‬
‫‪ -5‬يقول العالم الفرنسي إيتين )ناصر الدين( دينيه‪:‬‬
‫إن الشخصية التي حملها محمد ]‪ [‬بين برديه كانت‬
‫خارقة للعادة وكانت ذات أثر عظيم جدا ً حتى أنه طبعت‬
‫شريعته بطابع قوي جعل لها روح البداع وأعطاها صفة‬
‫)‪(1‬‬
‫الشيء الجديد‪.‬‬
‫‪ -6‬ويقول أيضًا‪ :‬إن سنة الرسول الغراء ]‪ [‬باقية‬
‫إلى يومنا هذا‪ ،‬يجلوها أعظم إخلص ديني تفيض به‬
‫نفوس مئات المليين من أتباع سنته منتشرين على‬
‫)‪(2‬‬
‫سطح الكرة‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -7‬ويقول أيضا‪ :‬كان النبي ‪ ‬يعنى بنفسه عناية‬
‫تامة‪ ،‬إلى حد أن عرف له نمط من التأنق على غاية من‬
‫)‪(3‬‬
‫البساطة‪ ،‬ولكن على جانب كبير من الذوق والجمال‪.‬‬
‫‪ -8‬ويقول أيضًا‪ :‬لقد دعا عيسى ]عليه السلم[ إلى‬
‫المساواة والخوة‪ ،‬أما محمد ]‪ [‬فوفق إلى تحقيق‬
‫)‪(4‬‬
‫المساواة والخوة بين المؤمنين أثناء حياته‪.‬‬
‫‪ -9‬تقول المستشرقة النكليزية اللدي إيفلين كوبولد‪:‬‬
‫لعمري‪ ،‬ليجدن المرء في نفسه‪ ،‬ما تقدم إلى قبر‬
‫]الرسول ‪ [‬روعة ما يستطيع لها تفسيرًا‪ ...‬ذلك أنه‬
‫أمام نبي مرسل وعبقري عظيم لم تلد مثله البطون‬
‫حتى اليوم‪ ..‬إن العظمة والعبقرية يهزان القلوب ويثيران‬
‫الفئدة فما بالك بالعظمة إذا انتظمت مع النبوة‪ ،‬وما‬
‫بالك بها وقد راحت تضحي بكل شيء في الحياة في‬
‫)‪(5‬‬
‫سبيل النسانية وخير البشرية‪.‬‬
‫‪ -10‬وقالت أيضًا‪ :‬هذه هي مدينة الرسول ]‪ ..[‬تعيد‬
‫إلى نفسي ذكرى جهوده في سبيل ل إله إل الله‪ ،‬وتلقي‬
‫في روعي صبره على المكاره واحتماله للذى في سبيل‬
‫)‪(6‬‬
‫الوحدانية اللهية‪.‬‬

‫أشعة خاصة بنور السلم ص ‪.15‬‬ ‫‪-3‬‬ ‫‪1‬‬

‫محمد رسول الله ص ‪.51‬‬ ‫‪-4‬‬ ‫‪2‬‬

‫المصدر السابق ص ‪.312‬‬ ‫‪-5‬‬ ‫‪3‬‬

‫المصدر السابق ص ‪.323‬‬ ‫‪-6‬‬ ‫‪4‬‬

‫البحث عن الله ص ‪.51‬‬ ‫‪-1‬‬ ‫‪5‬‬

‫المصدر السابق ص ‪.40-39‬‬ ‫‪-2‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪160‬‬
‫‪ -11‬وقالت أيضًا‪ :‬مع أن محمدا ً ]‪ [‬كان سيد‬
‫الجزيرة العربية‪ ..‬فإنه لم يفكر في اللقاب‪ ،‬ول راح‬
‫ل على حاله مكتفيا ً بأنه رسول‬ ‫يعمل لستثمارها‪ ،‬بل ظ ّ‬
‫الله‪ ،‬وأنه خادم المسلمين‪ ،‬ينظف بيته بنفسه ويصلح‬
‫حذاءه بيده‪ ،‬كريما ً بارا ً كأنه الريح السارية‪ ،‬ل يقصده‬
‫فقير أو بائس إل تفضل عليه بما لديه‪ ،‬وما لديه كان في‬
‫)‪(1‬‬
‫أكثر الحايين قليل ً ل يكاد يكفيه‪.‬‬
‫‪ -12‬يقول الدكتور النكليزي م‪.‬ج‪.‬دوراني‪ :‬إن هذا‬
‫اليمان وهذا السعي الحثيث وهذا التصميم والعزم الذي‬
‫قاد به محمد ‪ ‬حركته حتى النصر النهائي‪ ،‬إنما هو‬
‫برهان بليغ على صدقه المطلق في دعوته‪ .‬إذ لو كانت‬
‫في نفسه أدنى لمسة من شك أو اضطراب لما استطاع‬
‫أبدا ً أن يصمد أمام العاصفة التي استمر أوارها أكثر من‬
‫عشرين عاما ً كاملة‪ .‬هل بعد هذا من برهان على صدق‬
‫كامل في الهدف واستقامة في الخلق وسمو في النفس‬
‫كل هذه العوامل تؤدي ل محالة إلى الستنتاج الذي ل‬
‫مفر منه‪ ،‬وهو أن هذا الرجل هو رسول الله حقًا‪ .‬هذا هو‬
‫نبينا محمد ‪ ،‬إذ كان آية في صفاته النادرة‪ ،‬ونموذجا ً‬
‫كامل ً للفضيلة والخير‪ ،‬ورمزا ً للصدق والخلص‪ ..‬إن‬
‫حياته وأفكاره وصدقه واستقامته‪ ،‬وتقواه وجوده‪،‬‬
‫وعقيدته منجزاته‪ ،‬كل أولئك براهين فريدة على نبوته‪.‬‬
‫فأي إنسان يدرس دون تحيز حياته ورسالته سوف‬
‫يشهد أنه حقا ً رسول من عند الله‪ ،‬وأن القرآن الذي جاء‬
‫به للناس هو كتاب الله حقًا‪.‬‬
‫وكل مفكر منصف جاد يبحث عن الحقيقة لبد أن‬
‫يصل هذا الحكم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ -13‬ويقول أيضا‪ :‬وأخيرا أخذت أدرس حياة النبي‬
‫محمد ]‪ [‬فأيقنت أن من أعظم الثام أن نتنكر لذلك‬
‫الرجل الرباني الذي أقام مملكة لله بين أقوام كانوا من‬
‫قبل متحاربين ل يحكمهم قانون‪ ،‬يعبدون الوثن‪،‬‬
‫ويقترفون كل الفعال المشينة‪ ،‬فغّير طرق تفكيرهم‪ ،‬ل‬
‫دل عاداتهم وأخلقهم‪ ،‬وجمعهم تحت راية واحدة‪،‬‬ ‫بل ب ّ‬
‫وقانون واحد‪ ،‬ودين واحد‪ ،‬وثقافة واحدة‪ ،‬وحضارة‬
‫مة‪ ،‬التي لم‬ ‫ُ‬
‫واحدة‪ ،‬وحكومة واحدة‪ ،‬وأصبحت تلك ال ّ‬
‫‪ -3‬المصدر السابق ص ‪.،67‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪161‬‬
‫تنجب رجل ً عظيما ً واحدا ً يستحق الذكر منذ عدة قرون‪،‬‬
‫أصبحت تحت تأثيره وهديه تنجب ألوفا ً من النفوس‬
‫الكريمة التي انطلقت إلى أقصى أرجاء المعمورة تدعو‬
‫إلى مبادئ السلم وأخلقه ونظام الحياة السلمية‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫وتعلم الناس أمور الدين الجديد‪.‬‬
‫‪ -14‬يقول الطبيب الفرنسي موريس بوكاي‪:‬‬
‫فإنه لول أنه أتيحت لي فرصة إجراء بعض التصالت‬
‫بالعالم السلمي لبقيت بل شك ككثير من الغربيين‬
‫متمسكا ً بهذه العقيدة التي تعلمناها منذ عهد الطفولة‪،‬‬
‫والذي نسمع أحيانا ً ما يدعى باسم )الدين المحمدي( كان‬
‫ينظر إليه كظاهرة اجتماعية ثقافية‪ ،‬وبناء على هذا‬
‫ل تلميح إلى ما يؤدي إلى التفكير في‬ ‫يستبعد تماما ً ك ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫عدالته‪.‬‬
‫‪ -15‬يقول المستشرق الفرنسي أميل درمنغم‪:‬‬
‫الحق أن النبي ]‪[‬لم يعرف الراحة ول السكون بعد‬
‫أن أوحى إليه في غار حراء‪ ،‬فقضى حياة يعجب النسان‬
‫بها‪ ،‬والحق أن عشرين سنة كفت لعداد ما يقلب الدنيا‪،‬‬
‫فقد نبتت في رمال الحجاز الجديبة حبة سوف تجدد‪ ،‬عما‬
‫قليل‪ ،‬بلد العرب وتمتد أغصانها إلى بلد الهند والمحيط‬
‫الطلنطي‪ .‬وليس لدينا ما نعرف به أن محمدا ً ]‪[‬‬
‫أبصر‪ ،‬حين أفاض من جبل عرفات‪ ،‬مستقبل أمته‬
‫ّ‬
‫س ببصيرته أن العرب الذين ألف‬ ‫وانتشار دينه‪ ،‬وأنه أح ّ‬
‫بينهم سيخرجون من جزيرتهم لفتح بلد فارس والشام‬
‫)‪(3‬‬
‫وأفريقية وأسبانية‪.‬‬
‫إن تعظيم قدر النبي ‪ ‬عند المسلمين أمر راسخ‬
‫في نفوسهم‪ ،‬بشتى طبقاتهم وأصنافهم‪ ،‬من العالم‬
‫والمثقف والجاهل وجميع العوام‪ ،‬وذلك لن محبته‬
‫واتباعه ونصرته عبادة أمر بها الله تعالى ﴿فالذين آمنوا به‬
‫وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه فأولئك هم‬
‫المفلحون﴾ ]العراف‪.[157/‬‬
‫من أجل ذلك قامت بعض المؤسسات الدعوية والفئات‬
‫المثقفة بترتيب برامج ولجان لنصرة نبي الرحمة ‪‬‬
‫‪ -1 1‬رجال ونساء أسلموا ‪.31-4/28‬‬
‫‪ -22‬القرآن الكريم والعلم العصري ص ‪.25-24‬‬
‫‪ -3 3‬حياة محمد ص ‪.369-368‬‬

‫‪162‬‬
‫لتشمل رحماته البشرية جميعا ً بالتبصير والتحذير والتذكير‬
‫والترغيب والترهيب‪ ،‬ومن ذلك )البرنامج العالمي‬
‫للتعريف بنبي الرحمة ‪ (‬الذي تشرف عليه رابطة‬
‫العالم السلمي‪ ،‬التي جعلت مؤتمرها السنوي لهذا العام‬
‫مة ‪.(‬‬ ‫ُ‬
‫بعنوان )نصرة نبي ال ّ‬
‫المبحث الثالث‬
‫مكانة نبي الرحمة ‪ ‬عند غير المسلمين‬
‫وكما أن مكانته عند المسلمين قد أخذت صدارتها في‬
‫القلوب‪ ،‬وتشربت في عروقهم‪ ،‬فكذلك عند غير‬
‫المسلمين من المعتدلين الذين تعاملوا مع نبي الحكمة ‪‬‬
‫طروا في‬ ‫ودرسوا سيرته ‪ ،‬وعرفوا رحمته‪ ،‬فقد س ّ‬
‫كتبهم ومقالتهم شهادات منصفة ملؤها العدالة‬
‫والوسطية‪ ،‬تنطق بالواقعية والمصداقية‪ ،‬حتى أن بعضهم‬
‫قد دخل في دين السلم ِلما رأى من الحق والعدل‬
‫والصدق‪ ،‬وقد سبق ذكرهم في المبحث السابق‪.‬‬
‫ُ‬
‫ل أقول فيما ذكر من الشهادات أن هذا حق أريد به‬
‫باطل‪ ،‬أو أنه استئناس للقارئ حتى ُيمهد لترويج‬
‫ث الشاعات‪ .‬بل أقول إن القول الحق‪ ،‬نأخذ‬ ‫التهامات وب ّ‬
‫به ونبني عليه لعلج المشكلت بالتي هي أحسن لبيان‬
‫الحق ولزالة التصور المشوه عن نبي الرحمة ‪،‬‬
‫وتصحيح هذا المسار خصوصا ً أن الشهادات قد صدرت‬
‫عن شخصيات مرموقة من أساتذة الجامعة ومن أرباب‬
‫)‪(1‬‬
‫القانون ودهاقنة المستشرقين وقيادات التربية‪.‬‬
‫وقد جمعت شهادات كثيرة جدًا‪ ،‬وبعض أصحابها دخل‬
‫في السلم كما تقدم في المبحث الثاني فل داعي‬
‫صت على عظمة‬ ‫لتكرارها‪ ،‬ومن تلكم الشهادات التي ن ّ‬
‫هذا الرسول ‪ ‬ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬يقول العالم المريكي مايكل هارث‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -1‬وقد صدرت عن بعضهم شبهات تشوش وتشوه الصورة‬
‫الجميلة والقدوة الحسنة لنبي الرحمة‪ ،‬وقد رصدت منها‬
‫الشبهات التي ينعق بها في هذه اليام‪ ،‬وأجبت عنها بالدلة‬
‫العقلية والنقلية وبأقوال أهل ملتهم وردود بني جلدتهم؛‬
‫وذلك لمخاطبة العقل الغربي بصيغة جديدة ومؤثرة ومقنعة‬
‫لمن أراد أن يتحرى الحق والصدق‪ ،‬ولمعرفة موافقات هؤلء‬
‫للدلة العقلية والنقلية‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫إن هذا التحاد الفريد ل نظير له للتأثير الديني‬
‫‪ [‬أن يعتبر أعظم شخصية‬ ‫والدنيوي معا ً يخول محمدا ً ]‬
‫)‪(1‬‬
‫مفردة ذات تأثير في تاريخ البشرية‪.‬‬
‫‪ -2‬ويقول أيضًا‪ :‬إن اختياري لمحمد ]‪ [‬ليكون رأس‬
‫القائمة التي تضم الشخاص الذين كان لهم أعظم تأثير‬
‫عالمي في مختلف المجالت‪ ،‬ربما أدهش كثيرا ً من‬
‫القراء‪ ..،‬ولكن في اعتقادي أن محمدا ً ]‪ [‬كان الرجل‬
‫الوحيد في التاريخ الذي نجح بشكل أسمى وأبرز في كل‬
‫)‪(2‬‬
‫المستويين الديني والدنيوي‪.‬‬
‫‪ -3‬يقول المؤرخ المسيحي المصري د‪.‬نظمي لوقا‪:‬‬
‫ما كان محمد ]‪ [‬كآحاد الناس في خلله ومزاياه‪ ،‬وهو‬
‫مة‬‫الذي اجتمعت له آلء الرسل ]عليهم السلم[‪ ،‬وه ّ‬
‫البطل‪ ،‬فكان حقا ً على المنصف أن يكرم فيه المثل‪،‬‬
‫)‪(3‬‬
‫ويحيي فيه الرجل‪.‬‬
‫‪ -4‬يقول المؤرخ المريكي فيليب حتي‪:‬‬
‫إذا نحن نظرنا إلى محمد ]‪ [‬من خلل العمال‬
‫التي حققها‪ ،‬فإن محمدا ً الرجل والمعلم والخطيب ورجل‬
‫الدولة والمجاهد يبدو لنا بكل وضوح‪ ،‬واحدا ً من أقدر‬
‫الرجال في جميع أحقاب التاريخ‪ .‬لقد نشر دينا ً هو‬
‫السلم‪ ،‬وأسس دولة هي الخلفة‪ ،‬ووضع أساس حضارة‬
‫مة‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫مة هي ال ّ‬ ‫هي الحضارة العربية السلمية‪ ،‬وأقام أ ّ‬
‫العربية)‪ .(4‬وهو ل يزال إلى اليوم قوة حية فعالة في حياة‬
‫المليين من البشر‪.‬‬
‫‪ -5‬ويقول أيضًا‪ :‬صفات محمد ]‪ [‬مثبتة في القرآن‬
‫بدقة بالغة فوق ما نجد في كل مصدر آخر‪ .‬إن المعارك‬
‫التي خاضها‪ ،‬والحكام التي أبرمها‪ ،‬والعمال التي قام‬
‫بها‪ ،‬ل تترك مجل ً للريب في الشخصية القوية واليمان‬
‫الوطيد والخلص البالغ‪ ،‬وغير ذلك من الصفات التي‬
‫‪ -1‬دراسة في المائة الوائل ص ‪.25‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -2‬المصدر السابق ص ‪.19‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -3‬محمد الرسالة والرسول ص ‪.28‬‬ ‫‪3‬‬

‫مة التي أقامها لم تقتصر على العرب‪ ،‬بل من قوميات‬ ‫ُ‬


‫‪ -4‬ال ّ‬
‫‪4‬‬

‫شتى أخرى‪ ،‬كما سيأتي في الباب الرابع‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫خلقت الرجال القادة في التاريخ‪ .‬ومع أنه كان في دور‬
‫من أدوار حياته يتيما ً فقيرًا‪ ،‬فقد كان في قلبه دائما ً سعة‬
‫)‪(1‬‬
‫لمؤاساة المحرومين في الحياة‪.‬‬
‫‪ -6‬يقول الستاذ السويسري في جامعة جنيف أدوار‬
‫مونته‪:‬‬
‫كان محمد ]‪ [‬كريم الخلق حسن العشرة‪ ،‬عذب‬
‫الحديث‪ ،‬صحيح الحكم صادق اللفظ‪ ،‬وقد كانت الصفات‬
‫الغالبة عليه هي صحة الحكم وصراحة اللفظ‪ ،‬والقتناع‬
‫)‪(2‬‬
‫التام بما يعمله ويقوله‪.‬‬
‫‪ -7‬ويقول أيضًا‪ :‬ل مجال للشك في إخلص الرسول ]‬
‫)‪(3‬‬
‫‪ [‬وحماسته الدينية التي تشبعت بها نفسه وفكره‪...‬‬
‫‪ [‬الدينية تدهش كل‬ ‫‪ -8‬ويقول أيضًا‪ :‬إن طبيعة محمد ]‬
‫باحث مدقق نزيه المقصد بما يتجلى فيها من شدة‬
‫الخلص‪ ...‬ولقد جهل كثير من الناس محمدا ً ]‪ [‬وبخسوه‬
‫حقه وذلك لنه من المصلحين النادرين الذين عرف الناس‬
‫)‪(4‬‬
‫أطوار حياتهم بدقائقها‪.‬‬
‫‪ -9‬يقول العالم اللماني رودي بارت‪:‬‬
‫كان من بين ممثلي حركة التنوير من رأوا في النبي‬
‫العربي ]‪ [‬أداة الله‪ ،‬ومشّرعا ً حكيمًا‪ ،‬ورسول ً للفضيلة‪،‬‬
‫)‪(5‬‬
‫وناطقا ً بكلمة الدين الطبيعي الفطري‪ ،‬مبشرا ً به‪.‬‬
‫‪ -10‬يقول المؤرخ الفرنسي كوستاف لوبون‪:‬‬
‫إذا ما قيست قيمة الرجال بجليل أعمالهم كان محمد‬
‫]‪ [‬من أعظم من عرفهم التاريخ‪ ،‬وقد أخذ علماء‬
‫الغرب ينصفون محمدا ً ]‪ [‬مع أن التعصب الديني‬
‫)‪(6‬‬
‫أعمى بصائر مؤرخين كثيرين من العتراف بفضله‪...‬‬
‫‪ -11‬ويقول أيضًا‪ :‬ل شيء أصوب من جمع محمد ]‬
‫‪ [‬لجميع السلطات المدنية والحربية والدينية في يد‬
‫‪ -1‬السلم منهج حياة ص ‪.56-54‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -2‬محمد والقرآن ص ‪.18‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -3‬السلم والحضارة العربية ‪.1/67‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -4‬محمد والقرآن ص ‪.18‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -5‬الدراسات العربية والسلمية في الجامعات اللمانية‪ ،‬ص‬ ‫‪5‬‬

‫‪.15‬‬
‫‪ -6‬حضارة العرب ص ‪.115‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪165‬‬
‫واحدة أيام كانت جزيرة العرب مجزأة ما استطعنا أن‬
‫نقدر قيمة ذلك بنتائجه‪ ،‬فقد فتح العرب العالم في قرن‬
‫واحد بعد أن كانوا قبائل من أشباه البرابرة المتحاربين‬
‫)‪(1‬‬
‫قبل ظهور محمد ]‪.[‬‬
‫‪ -12‬يقول العالم المريكي ول ديورانت‪ :‬يبدو أن أحدا ً‬
‫لم يعن بتعليم ]محمد ‪ [‬القراءة والكتابة‪ ..‬ولم يعرف‬
‫عنه أنه كتب شيئا ً بنفسه‪ ..‬ولكن هذا لم يحل بينه وبين‬
‫قدرته على تعرف شئون الناس تعرفا ً قلما يصل إليه‬
‫أرقى الناس تعليمًا‪.‬‬
‫‪ -13‬ويقول أيضًا‪ :‬كان النبي ]‪ [‬من مهرة القواد‪..‬‬
‫ولكنه كان إلى هذا سياسيا ً محنكًا‪ ،‬يعرف كيف يواصل‬
‫الحرب بطريقة السلم‪.‬‬
‫‪ -14‬ويقول أيضًا‪ :‬إذا ما حكمنا على العظمة بما كان‬
‫للعظيم من أثر في الناس قلنا أن محمدا ً ]‪ [‬كان من‬
‫أعظم عظماء التاريخ‪ ،‬فلقد أخذ على نفسه أن يرفع‬
‫المستوى الروحي والخلقي‪ ...‬وقد كبح جماح التعصب‬
‫والخرافات‪ .‬واستطاع في جيل واحد أن ينتصر في مائة‬
‫معركة‪ ،‬وفي قرن واحد أن ينشئ دولة عظيمة‪.‬‬
‫‪ -15‬ويقول أيضًا‪ :‬تدل الحاديث النبوية على أن النبي‬
‫]‪ [‬كان يحث على طلب العلم ويعجب به‪ ،‬فهو من هذه‬
‫)‪(2‬‬
‫الناحية يختلف عن معظم المصلحين الدينيين‪...‬‬
‫‪ -16‬يقول الستاذ الفرنسي جاك س‪.‬ريسلر‪ :‬إذا ما‬
‫عرفنا أن هذا العمل العظيم أدرك وحقق في أقصر أجل‬
‫أعظم أمل لحياة إنسانية فإنه يجب أن نعترف أن محمدا ً‬
‫]‪ [‬يظل في عداد أعظم الرجال الذين شرف بهم‬
‫)‪(3‬‬
‫تاريخ الشعوب والديان‪.‬‬
‫‪ -17‬يقول المفكر اللبناني المسيحي نصري سلهب‪:‬‬
‫هنا عظمة محمد ]‪ [‬لقد استطاع‪ ،‬خلل تلك الحقبة‬
‫القصيرة من الزمن‪ ،‬أن يحدث شريعة خلقية وروحية‬
‫واجتماعية لم يستطعها أحد في التاريخ بمثل تلك‬
‫)‪(4‬‬
‫السرعة المذهلة‪.‬‬

‫المصدر السابق ص ‪.394-393‬‬ ‫‪-1‬‬ ‫‪1‬‬

‫قصة الحضارة ‪22-13/21‬و ‪38‬و ‪47‬و ‪.167‬‬ ‫‪-2‬‬ ‫‪2‬‬

‫الحضارة العربية ص ‪.37‬‬ ‫‪-3‬‬ ‫‪3‬‬

‫في خطى محمد ص ‪.42‬‬ ‫‪-4‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪166‬‬
‫‪ -18‬يقول المستشرق الفرنسي هنري سيرويا‪:‬‬
‫محمد ]‪ [‬شخصية تاريخية حقة‪ ،‬فلوله ما استطاع‬
‫السلم أن يمتد ويزداد‪ ،‬ولم يتوان في ترديد أنه بشر‬
‫مثل الخرين مآله الموت‪ ،‬وبأنه يطلب العفو والمغفرة‬
‫)‪(1‬‬
‫من الله عز وجل‪...‬‬
‫‪ -19‬يقول المستشرق النكليزي سير هاملتون‬
‫الكساندر روسكين جب‪:‬‬
‫ومهما نقل في قوة النـزعة السلمية نحو محمد ]‬
‫‪ [‬وفي آثارها فإنا ل نوصف بالغلو‪ .‬فقد كان إجلل‬
‫الرسول ]‪ [‬شعورا ً طبيعيا ً محتوما ً في عصره وفيما‬
‫بعده‪ ،‬غير أن ما نومئ إليه شيء يتجاوز الجلل‪ .‬فإن‬
‫العلقات الشخصية من العجاب والحب اللذين بعثهما‬
‫ل صداها يتردد خلل القرآن‪،‬‬ ‫في نفوس صحابته ظ ّ‬
‫مة‬ ‫ُ‬
‫والفضل في ذلك يعود إلى الرسائل التي أقرتها ال ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫لتستثير بها مجددين في كل جيل‪.‬‬
‫‪ -20‬يقول المستشرق الفرنسي مكسيم رودنسن‬
‫الماركسي النـزعة‪:‬‬
‫)‪(3‬‬
‫إنني معجب بعظمة هذا الرجل وعبقريته‪.‬‬
‫‪ -21‬يقول المستشرق الفرنسي لويس سيديو‪:‬‬
‫ل الوقت الذي توجه فيه النظار إلى تاريخ تلك‬ ‫لقد ح ّ‬
‫مة التي كانت مجهولة المر في زاوية من آسية‬ ‫ُ‬
‫ال ّ‬
‫فارتقت إلى أعلى مقام فطبق أسمها أفاق الدنيا مدة‬
‫سبعة قرون‪ .‬ومصدر هذه المعجزة هو رجل واحد‪ ،‬هو‬
‫)‪(4‬‬
‫محمد ]‪...[‬‬
‫‪ -22‬ويقول أيضًا‪ :‬إن محمدا ً ]‪ [‬أثبت خلود الروح‪..‬‬
‫وهو مبدأ من أقوم مبادئ الخلق‪ .‬ومن مفاخر محمد ]‬
‫)‪(5‬‬
‫‪ [‬أن أظهره قويا ً أكثر مما أظهره أي مشترع آخر‪...‬‬

‫‪ -5‬فلسفة الفكر السلمي ص ‪.17‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -1‬دراسات في حضارة السلم ص ‪.257‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ينظر الهتمام بالسيرة النبوية باللغة الفرنسية ص ‪.28-27‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -3‬تاريخ العرب العام ص ‪.15‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -4‬المصدر السابق ص ‪.93‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪167‬‬
‫‪ -23‬يقول الكاتب النكليزي توماس كارليل‪ :‬لم يكن‬
‫ل‪ ،‬فهو قائم في ثوبه المرقع كما أوجده‬ ‫متكبرا ً ول ذلي ً‬
‫الله يخاطب بقوله الحر المبين أكاسرة العجم‪ ،‬وقياصرة‬
‫الروم‪ ،‬يرشدهم إلى ما يجب عليهم لهذه الحياة‪ ،‬والحياة‬
‫الخرة إلى أن يقول‪ :‬ولول ما وجدوا فيها من آيات النبل‬
‫والفضل لما خضعوا لرادته‪ ،‬ولما انقادوا لمشيئته‪ ،‬وفي‬
‫ظني أنه لو وضع قيصر بتاجه وصولجانه وسط هؤلء‬
‫القوم بدل هذا النبي لما استطاع قيصر أن يجبرهم على‬
‫طاعته‪ ،‬كما استطاع هذا النبي في ثوبه المرقع‪ .‬ثم ينهي‬
‫كلمه ويقول‪ :‬هكذا تكون العظمة‪ ،‬وهكذا تكون البطولة‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫وهكذا تكون العبقرية‪.‬‬
‫والحق أن ما أوتي النبي ‪ ‬أكبر من العبقرية أل‬
‫وهي الرحمة والحكمة والوحي‪.‬‬
‫‪ -24‬يقول المستشرق البريطاني سير توماس‬
‫أرنولد‪:‬‬
‫لعله من المتوقع‪ ،‬بطبيعة الحال‪ ،‬أن تكون حياة‬
‫مؤسس السلم ومنشئ الدعوة السلمية ]‪ ،[‬هي‬
‫الصورة الحق لنشاط الدعوة إلى هذا الدين‪ .‬وإذا كانت‬
‫حياة النبي ]‪ [‬هي مقياس سلوك عامة المؤمنين‪،‬‬
‫فإنها كذلك بالنسبة إلى سائر دعاة السلم‪ .‬لذلك نرجو‬
‫من دراسة هذا المثل أن نعرف شيئا ً عن الروح التي‬
‫دفعت الذين عملوا على القتداء به‪ ،‬وعن الوسائل التي‬
‫ينتظر أن يتخذوها‪ .‬ذلك أن روح الدعوة إلى السلم لم‬
‫تجيء في تاريخ الدعوة متأخرة بعد أناة وتفكر‪ ،‬وإنما هي‬
‫قديمة قدم العقيدة ذاتها‪ .‬وفي هذا الوصف الموجز‬
‫سنبين كيف حدث ذلك وكيف كان النبي محمد ]‪ [‬يعد‬
‫)‪(2‬‬
‫نموذجا ً للداعي إلى السلم؟‬
‫‪ -25‬يقول الكونت الفرنسي هنري دي كاستري‪:‬‬
‫إن أشد ما نتطلع إليه بالنظر إلى الديانة السلمية ما‬
‫النبي ]‪ [‬ولذلك قصدت أن‬ ‫اختص منها بشخص‬
‫يكون بحثي أول ً في تحقيق شخصيته وتقرير حقيقته‬
‫الدبية علني أجد في هذا البحث دليل ً جديدا ً على صدقه‬
‫‪ -51‬أوربا والسلم ص ‪.47-46‬‬
‫‪ -1 2‬الدعوة إلى السلم‪ ،‬ص ‪.34‬‬

‫‪168‬‬
‫وأمانته المتفق تقريبا ً عليها بين جميع مؤرخي الديانات‬
‫)‪(1‬‬
‫وأكبر المتشيعين للدين المسيحي‪.‬‬
‫‪ -26‬يقول مونتكمري وات عميد قسم الدراسات‬
‫العربية في جامعة أدنبرا سابقًا‪:‬‬
‫منذ أن قام كارليل بدراسته عن محمد ]‪ [‬في‬
‫كتابه )البطال وعبادة البطل( أدرك الغرب أن هناك‬
‫أسبابا ً وجيهة للقتناع بصدق محمد‪ .‬إذ أن زعيمته في‬
‫تحمل الضطهاد من أجل عقيدته‪ ،‬والخلق السامي‬
‫للرجال الذين آمنوا به‪ ،‬وكان لهم بمثابة القائد‪ ،‬وأخيرا ً‬
‫عظمة عمله في منجزاته الخيرة‪ ،‬كل ذلك يشهد‬
‫)‪(2‬‬
‫باستقامته التي ل تتزعزع‪.‬‬
‫‪ -27‬ويقول أيضًا‪ :‬كلما فكرنا في تاريخ محمد ]‪[‬‬
‫وتاريخ أوائل السلم‪ ،‬كّلما تملكنا الذهول أمام عظمة‬
‫مثل هذا العمل‪ .‬ول شك أن الظروف كانت مواتية‬
‫لمحمد فأتاحت له فرصا ً للنجاح لم تتحها لسوى القليل‬
‫من الرجال غير أن الرجل كان على مستوى الظروف‬
‫تمامًا‪ .‬فلو لم يكن نبيا ً ورجل دولة وإدارة‪ ،‬ولو لم يضع‬
‫ثقته بالله ويقتنع بشكل ثابت أن الله أرسله‪ ،‬لما كتب‬
‫فصل ً مهما ً في تاريخ النسانية‪ .‬ولي أمل أن هذه‬
‫الدراسة عن حياة محمد ]‪ [‬يمكنها أن تساعد على‬
‫إثارة الهتمام‪ ،‬من جديد‪ ،‬برجل هو أعظم رجال أبناء‬
‫)‪(3‬‬
‫آدم‪.‬‬
‫‪ -28‬ويقول العلمة الستاذ )شيرل( عميد كلية‬
‫الحقوق بجامعة )فينا( في مؤتمر الحقوقيين سنة‬
‫‪1927‬م‪:‬‬
‫إن البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد ‪ ‬إليها إذ‬
‫أنه رغم أميته استطاع قبل بضعة عشر قرنا ً أن يأتي‬
‫بتشريع سنكون ‪ -‬نحن الوربيين ‪ -‬أسعد ما نكون لو‬
‫)‪(4‬‬
‫وصلنا إلى قمته بعد ألفي سنة‪.‬‬
‫‪ -2‬السلم خواطر وسوانح ص ‪.6‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -3‬محمد في مكة ص ‪.94‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -1‬المصدر السابق ص ‪.512‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬قطوف دانية من مآثر المسلمين ص ‪.90‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪169‬‬
‫‪ -29‬يقول المستشرق الروسي بولشاكوف في آخر‬
‫كتابه )تاريخ الخلفة( – باللغة الروسية ‪ :-‬محمد ]‪[‬‬
‫ترك لتباعه نظاما ً دينيا ً كامل ً مرتبطا ً بشخصيته‪ ،‬يحتوي‬
‫على كل ما يحتاج إليه النسان من معرفة حقيقة العبد‬
‫)‪(1‬‬
‫والله إلى العبادات المنظمة بدقة‪.‬‬
‫‪ -30‬يقول المستشرق الفرنسي هنري ماسيه‪ :‬بفضل‬
‫إصلحات محمد ]‪ [‬الدينية والسياسية‪ ،‬وهي إصلحات‬
‫موحدة بشكل أساسي‪ ،‬فإن العرب وعوا بأنفسهم‬
‫وخرجوا من ظلمات الجهل والفوضى ليعدوا دخولهم‬
‫)‪(2‬‬
‫النهائي إلى تاريخ المدنية‪.‬‬
‫إضافة إلى هذه الشهادات فإن ثمة بشارات في كتب‬
‫الهندوس والفرس‪ ،‬يقول فضيلة الشيخ أبو بكر محمد‬
‫زكريا‪ :‬كثير من المؤلفات في السيرة النبوية باللغة‬
‫البنغالية تناولت بشارات الرسول ‪ ‬في الكتب الدينية‬
‫القديمة‪ ،‬فقد أوردوا في كتبهم من النصوص الدالة على‬
‫وجود بشارات الرسول ‪ ‬في التوراة والنجيل وكتب‬
‫الهندوس وكتب الفرس الدينية‪ ،‬وهناك مؤلفات مفردة‬
‫في هذا الموضوع وقد وصلت هذه المؤلفات ‪25‬مؤلفًا‪،‬‬
‫من أهمها ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬النبي الخير في كتب الديانات القديمة‪ ،‬تأليف د‪.‬محمد‬
‫شهيد الله‪ ،‬طبع سنة ‪1952‬م‪.‬‬
‫‪ -2‬محمد ‪ ‬في الويد والبرانات وكلي أفتار)‪ ،(3‬تأليف‬
‫د‪.‬محمد قدرت الله‪ ،‬طبع سنة ‪1953‬م‪.‬‬
‫‪ -3‬خاتم النبيين في كتب الهندوس‪ ،‬تأليف د‪.‬إسماعيل‬
‫حسين‪ ،‬طبع سنة ‪1964‬م‪.‬‬
‫‪ -4‬الله ومحمد في كتاب الديانات العديدة‪ ،‬تأليف‬
‫)‪(4‬‬
‫إسماعيل حسين ديناجي‪.‬‬
‫‪ -‬نقل ً عن الهتمام بالسيرة النبوية باللغة الروسية‪ ،‬ص ‪.28‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -4‬السلم ص ‪.55‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -1‬الويد‪ :‬هو الكتاب الهندوسي الصلي المقدس لديهم‪ .‬وكلي‬ ‫‪3‬‬

‫أفتار‪ :‬أحد أفتارهم الذي يعتقدون فيه أنه ينـزل في آخر‬


‫الزمان لخراج الناس من الظلمات إلى النور‪) .‬تعليق المؤلف‬
‫شيخ أبو بكر محمد زكريا(‪.‬‬
‫‪ -2‬ينظر‪ :‬الهتمام بالسيرة النبوية باللغة البنغالية‪ ،‬ص ‪.30-29‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪170‬‬
‫إل أن بعضهم وقع في الغلو والطراء المفرط‪ ،‬فإن‬
‫المؤرخ البنغالي كريشنا كومار ميترو في كتابه )سيرة‬
‫محمد ‪ (‬جعله مثل الله‪.‬‬
‫كما أن المؤلفات في ولدة الرسول ‪ ‬بلغت ‪66‬‬
‫مؤلفا ً باللغة البنغالية حافلة بالخرفات والمبالغات)‪ ،(1‬التي‬
‫نهى عنها النبي ‪ ‬بقوله "ل تطروني كما أطرت‬
‫النصارى المسيح عيسى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا‪:‬‬
‫عبد الله ورسوله")‪.(2‬‬

‫‪ -3‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪11‬و ‪16‬و ‪.31‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -4‬أخرجه البخاري )الصحيح –كتاب النبياء‪ -‬باب قوله تعالى ﴿‬ ‫‪2‬‬

‫واذكر في الكتاب مريم﴾ ح ‪. 3445‬‬

‫‪171‬‬
‫الخاتمة‬
‫وبعد هذه الجولة أرى أن أختم بأهم النتائج‬
‫والتوصيات والقتراحات وهي كما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬أن التعريف بنبي الرحمة والحكمة ‪ ‬وسيرته‬
‫العطرة يفتح آفاقا ً لسعادة البشرية في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫‪ -2‬أن سيرة نبي الرحمة ‪ ‬ل زالت تحتاج إلى مزيد‬
‫من استنباط الفوائد‪.‬‬
‫‪ -3‬أن حكمة نبي الرحمة ‪ ‬ورحمته لم تقتصر على‬
‫أمته بل تشمل البشرية‪ ،‬ولها القدرة على علج‬
‫المشكلت‪.‬‬
‫‪ -4‬عظمة قدر نبي الرحمة ‪ ‬عند الله تعالى‬
‫والملئكة والنبياء والنس والجن‪.‬‬
‫‪ -5‬إن الشاعات حول نبي الرحمة ‪ ‬هي افتراءات‬
‫تعود أغلب جذورها إلى مشركي مكة المكرمة في العهد‬
‫النبوي‪.‬‬
‫‪ -6‬ل ينبغي الحكم على الغرب كله بالفساد وكراهية‬
‫السلم والمسلمين‪ ،‬وكذلك ل ينبغي حكم الغرب على‬
‫المسلمين أنهم إرهابيون‪.‬‬
‫‪ -7‬التعاون مع البرنامج العالمي للتعريف بنبي‬
‫الرحمة ‪‬؛ لتحقيق أهداف البرنامج‪.‬‬
‫‪ -8‬إنشاء مركز أبحاث علمي للهتمام بالسنة‬
‫والسيرة النبوية‪ ،‬لستنباط العلوم والفوائد‪ ،‬ولمتابعة‬
‫الحديث عن نبي الرحمة ‪ ‬في المقررات الدراسية‬
‫باللغات الجنبية المختلفة‪ ،‬ورصد ما يستجد فيها‪.‬‬
‫مة السلمية تنتصر‬ ‫ُ‬
‫‪ -9‬تبليغ الغرب والشرق أن ال ّ‬
‫دائما ً لدينها‪ ،‬ول تقبل إهانة أي نبي من النبياء صلوات‬
‫الله وسلمه عليهم‪.‬‬
‫‪ -10‬دعوة الغرب إلى نبذ فكرة )صراع الحضارات(‬
‫بين المم والشعوب‪ ،‬واستبدال ذلك بالمسابقة إلى‬
‫الخيرات‪ ،‬والتدافع والتنافس الشريف من أجل إسعاد‬
‫البشرية وسلمتها واستقرارها بالحوار الهادف الهادئ‬
‫الخالي من التهديد والتشاؤم‪.‬‬

‫‪172‬‬
‫‪ -11‬تفعيل الحوار بين السلم والنصرانية بواسطة‬
‫الخبراء المعتدلين‪ ،‬والستفادة من القنوات المتاحة مع‬
‫النخب المثقفة‪.‬‬
‫‪ -12‬التنسيق بين المؤسسات السلمية المعنية‬
‫بالحوار‪.‬‬
‫‪ -13‬السعي ليقاف طباعة الكتاب المفترى )الفرقان‬
‫الحق(‪ ،‬ومحاولة محاكمة المؤلف والمطبعة لما فيه من‬
‫العتداء على كتاب الله تعالى‪ ،‬وهو اعتداء على التوراة‬
‫والنجيل؛ لن كثيرا ً من الحكام الشرعية متوافقة بين‬
‫هذه الكتب السماوية الثلثة‪ ،‬ولما فيه من السطو على‬
‫آيات كثيرة من القرآن الكريم ونسبتها إلى المؤلف‪،‬‬
‫وذلك عن طريق منظمة المؤتمر السلمي بواسطة‬
‫رابطة العالم السلمي‪.‬‬
‫‪ -14‬توجيه بعض الساتذة الجامعيين المسلمين الذين‬
‫يجيدون اللغات الغربية للسهام في تدريس المقررات‬
‫المتصلة بالسلم في الجامعات الغربية‪.‬‬
‫‪ -15‬تزويد مكتبات الجامعات الغربية المهتمة‬
‫بتدريس السلميات بانتظام‪ ،‬بالكتب والمراجع التي‬
‫تسهم تدريجيا ً في تعديل مسار تدريس السلميات‪.‬‬
‫‪ -16‬ترجمة المراجع السلمية الساسية ترجمات‬
‫راقية إلى اللغات الجنبية‪.‬‬
‫‪ -17‬الهتمام بحضور المؤتمرات العلمية الغربية التي‬
‫تتناول الشؤون السلمية بالدراسة والتحليل‪.‬‬
‫‪ -18‬تشجيع إرسال طلب العالم السلمي الناضجين‬
‫المزّودين بعلم ديني صحيح‪ ،‬ومنهجية سليمة في التعامل‬
‫مع المخالف‪ ،‬لطلب العلم في الغرب‪.‬‬
‫‪ -19‬تقديم استنكار لجامعة توينجين اللمانية لمنحها‬
‫جائزة كلمة العام لبابا الفاتيكان على كلمته بنبي الرحمة‬
‫‪.‬‬
‫‪ -20‬تطوير إبراز العجاز العلمي في السنة النبوية‪.‬‬
‫‪ -21‬دعم الجهود التي تبذلها الهيئات الدولية مثل‪:‬‬
‫اليونسكو‪ ،‬والمعهد السويدي بالسكندرية‪ ،‬وجامعة الدول‬

‫‪173‬‬
‫العربية؛ لتنقية المناهج الدراسية في دول الغرب من‬
‫الخطاء الفادحة حول حقائق السلم ومبادئه وأهدافه‬
‫وقيمه‪.‬‬
‫‪ -22‬توجيه طلب الدراسات العليا في تسجيل‬
‫مة ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫موضوعات ذات الصلة بموضوع نبي ال ّ‬
‫م الكتاب‪ ،‬وآخر دعوانا أن الحمد لله رب‬ ‫ت ّ‬
‫العالمين‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪174‬‬
‫فهرس بأهم المصادر والمراجع‬
‫‪ -‬القرآن الكريم‪ ،‬برواية حفص عن عاصم‪ ،‬طبعة مجمع‬
‫الملك فهد لطباعة المصحف الشريف‪.‬‬
‫مة‪،(‬‬ ‫‪ -‬أبحاث مؤتمر مكة المكرمة السابع )نصرة نبي ال ُ‬
‫ّ‬
‫والذي أقيم في رابطة العالم السلمي بمكة المكرمة‪ ،‬في‬
‫الفترة من ‪7/12/1427-5‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬البطال‪ ،‬توماس كارليل‪ ،‬ترجمة محمد السباعي‪ ،‬سلسة‬
‫من الشرق والغرب‪ ،‬عدد ‪ ،11‬الدار القومية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -‬الجوبة الفاخرة عن السئلة الفاجرة‪ ،‬للمام شهاب الدين‬
‫أحمد بن إدريس القرافي‪ ،‬تحقيق د‪.‬ناجي محمد داود‪ ،‬رسالة‬
‫دكتوراه من جامعة ُأم القرى بمكة المكرمة ‪1405‬هـ‪ ،‬مطبوعة‬
‫باللة الكاتبة‪.‬‬
‫‪ -‬الحسان في تقريب صحيح ابن حبان‪ ،‬للمير علء الدين‬
‫بن بلبان الفارسي‪ ،‬تحقيق شعيب الرناؤوط‪ ،‬مؤسسة‬
‫الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪ 1408 ،1‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬أحسن الجوبة عن سؤال أحد علماء أوروبة‪ ،‬عبد الله وليم‬
‫كويليام‪ ،‬ترجمة معروف الرصافي‪ ،‬مطبعة الولية‪ ،‬بغداد‬
‫‪1330‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الحكام السلطانية والوليات الدينية للماوردي‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪1398 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬أحكام أهل الذمة‪ ،‬للمام شمس الدين محمد بن أبي بكر‬
‫بن قيم الجوزية‪ ،‬تحقيق سيد عمران‪ ،‬دار الحديث‪ ،‬القاهرة ‪.‬‬
‫‪ -‬آراء المستشرقين حول القرآن والتفسير‪ ،‬د‪.‬عمر إبراهيم‬
‫رضوان‪ ،‬رسالة دكتوراه من جامعة المام محمد بن سعود‬
‫السلمية بالرياض ‪1410‬هـ‪ ،‬مطبوعة بالحاسوب‪.‬‬
‫‪ -‬الستشراق بين الموضوعية والفتعالية‪ ،‬د‪.‬قاسم‬
‫السامرائي‪ ،‬دار الرفاعي للنشر والطباعة‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫‪1403‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬الستشراق في السيرة النبوية‪ ،‬عبد الله محمد النعيم‪،‬‬
‫المعهد العالمي للفكر السلمي‪ ،‬ط ‪1417 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬السلم خواطر وسوانح‪ ،‬هنري دي كاستري‪ ،‬ترجمة أحمد‬
‫فتحي زغلول باشا‪ ،‬مطبعة الشعب‪ ،‬القاهرة ‪1911‬م‪.‬‬
‫‪ -‬السلم على مفترق الطرق‪ ،‬ليوبولد )محمد أسد( فايس‪،‬‬
‫ترجمة د‪.‬عمر فروخ‪ ،‬دار العلم للمليين‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪،6‬‬
‫‪1965‬م‪.‬‬
‫‪ -‬السلم في المناهج الغربية المعاصرة‪ ،‬د‪.‬محمد وقيع الله‬
‫أحمد‪ ،‬طبعة جائزة المير نايف بن عبد العزيز العالمية‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫‪1427‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬السلم في مواجهة الستشراق العالمي‪ ،‬عبد العظيم‬
‫المطعني‪ ،‬دار الوفاء للطباعة والنشر‪ ،‬المنصورة مصر‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫‪1407‬هـ‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫‪ -‬السلم منهج حياة‪ ،‬فيليب حتي‪ ،‬تعريب د‪.‬عمر فروخ‪ ،‬دار‬
‫العلم للمليين‪ ،‬بيروت ‪1972‬م‪.‬‬
‫‪ -‬السلم والحضارة العربية‪ ،‬محمد كرد علي‪ ،‬لجنة التأليف‬
‫والترجمة والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪1968 ،3‬م‪.‬‬
‫‪ -‬السلم والعرب‪ ،‬روم لندو‪ ،‬ترجمة منير البعلبكي‪ ،‬دار‬
‫العلم للمليين‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪1977 ،2‬م‪.‬‬
‫‪ -‬السلم والغرب والمستقبل‪ ،‬أرنولد توينبي‪ ،‬تعريب د‪.‬نبيل‬
‫صبحي‪ ،‬دار العربية بيروت ‪1969‬م‪.‬‬
‫‪ -‬السلم والمستشرقون‪ ،‬نخبة من العلماء المسلمين‪،‬‬
‫مطبعة عالم المعرفة جدة‪ ،‬ط ‪1405 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬السلم والمسيحية د‪.‬إليسكي جورافيسكي‪ ،‬كتاب رقم‬
‫‪ 215‬من سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬المجلس الوطني للثقافة‬
‫والفنون والداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬نوفمبر ‪1996‬م‬
‫‪ -‬السلم والوعي الحضاري‪ ،‬أ‪.‬د‪.‬أكرم بن ضياء العمري‪ ،‬دار‬
‫الرسالة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬السلم‪ ،‬هنري ماسيه‪ ،‬ترجمة بهيج شعبان‪ ،‬منشورات‬
‫عويدات‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪1977 ،2‬م‪.‬‬
‫‪ -‬أشعة خاصة بنور السلم‪ ،‬إيتين )ناصر الدين( دينيه‪،‬‬
‫ترجمة راشد رستم‪ ،‬سلسلة الثقافة السلمية رقم ‪،17‬‬
‫المكتب الفني للنشر‪ ،‬بيروت ‪1960‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الصابة في تمييز الصحابة‪ ،‬لبن حجر العسقلني‪ ،‬طبعة‬
‫دار أحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬المير لنيقول ميكافيلي‪ ،‬ترجمة فاروق سعد‪ ،‬طبعة دار‬
‫الفاق‪ ،‬بيروت ‪1979‬م‪.‬‬
‫‪ -‬إنسانية السلم‪ ،‬مارسيل بوازار‪ ،‬ترجمة د‪.‬عفيف‬
‫دمشقية‪ ،‬دار الدب‪ ،‬بيروت ‪1980‬م‪.‬‬
‫‪ -‬النتصار للقرآن‪ ،‬د‪.‬صلح الخالدي‪ ،‬مؤسسة الفرسان‬
‫مان‪ ،‬الردن‪.‬‬‫للنشر‪ ،‬ع ّ‬
‫‪ -‬الهتمام بالسيرة النبوية باللغة النكليزية‪ ،‬أ‪.‬د‪.‬محمد مهر‬
‫علي‪.‬‬
‫‪ -‬الهتمام بالسيرة النبوية باللغة البنغالية‪ ،‬أبو بكر محمد‬
‫زكريا‪.‬‬
‫‪ -‬الهتمام بالسيرة النبوية باللغة الفرنسية‪ ،‬د‪.‬حسن إدريس‬
‫عزوزي‪ ،‬هذه البحوث مقدمة لندوة عناية المملكة العربية‬
‫السعودية بالسنة النبوية‪ ،‬والتي أقيمت في مجمع الملك فهد‬
‫لطباعة المصحف الشريف في الفترة ‪17/3/1425-15‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬أهل الذمة في السلم أ‪.‬س ترتون‪ ،‬ترجمة وتعليق‬
‫د‪.‬حسن حبشي‪ ،‬سلسلة المكتبة التاريخية‪ ،‬دار المعارف‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬ط ‪1967 ،2‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬البحث عن الله‪ ،‬إيفلين كوبولد‪ ،‬ترجمة عمر أبو النصر‪،‬‬
‫المكتبة الهلية‪ ،‬بيروت ‪1934‬م‪.‬‬
‫‪ -‬بداية المجتهد‪ ،‬لبن رشد‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫‪ -‬البداية والنهاية‪ ،‬لبن كثير‪ ،‬مكتبة دار المعارف‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‬
‫‪1978 ،3‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬البيريسترويكا‪ ،‬لميخائيل جورباتشوف‪ ،‬طبعة بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬تأثير السلم على أوربا في العصور الوسطى‪ ،‬مونتكمري‬
‫وات‪ ،‬ترجمة د‪.‬عادل نجم عّبو‪ ،‬دار الكتب في جامعة الموصل‪،‬‬
‫‪1982‬م‪.‬‬
‫‪ -‬تاريخ الدب العربي‪ ،‬ريجس بلشير‪ ،‬ترجمة د‪.‬إبراهيم‬
‫الكيلني‪ ،‬وزارة الثقافة‪ ،‬دمشق ‪1974‬م‪.‬‬
‫‪ -‬تاريخ المم والملوك‪ ،‬للمام الطبري‪ ،‬طبعة دار المعارف‪،‬‬
‫مصر‪.‬‬
‫‪ -‬تاريخ الحضارة السلمية‪ ،‬ف بارتولد‪ ،‬ترجمة حمزة طاهر‪،‬‬
‫دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪1966 ،4‬م‪.‬‬
‫‪ -‬تاريخ العرب العام‪ ،‬ل‪.‬م‪ .‬سيديو‪ ،‬ترجمة عادل زعيتر‪ ،‬دار‬
‫أحياء الكتب العربية‪ ،‬القاهرة ‪1948‬م‪.‬‬
‫‪ -‬تاريخ العرب والشعوب السلمية منذ ظهور السلم حتى‬
‫بداية المبراطورية العثمانية‪ ،‬كلود كاهن‪ ،‬ترجمة د‪.‬بدر الدين‬
‫القاسم‪ ،‬دار الحقيقة‪ ،‬بيروت ‪1972‬م‪.‬‬
‫‪ -‬تراث السلم‪ ,‬تأليف جمهرة من المستشرقين بإشراف‬
‫سير توماس أرنولد‪ ,‬تعريب وتعليق جرجيس فتح الله‪ ,‬دار‬
‫الطليعة‪ ,‬بيروت‪ ,‬ط ‪1972 ,2‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬تراث السلم‪ ،‬تأليف جماعة من الباحثين‪ ،‬تصنيف جوزيف‬
‫شاخت‪ ،‬وس‪.‬أ‪.‬بوزورث‪ ،‬ترجمة محمد زهير السمهوري‬
‫ورفاقه‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬العداد ‪8‬و ‪11‬و ‪ ،12‬المجلس‬
‫الوطني للثقافة‪ ،‬الكويت ‪1978‬م‪.‬‬
‫‪ -‬تفسير القرآن العظيم‪ ،‬للحافظ ابن كثير‪ ،‬تحقيق مجموعة‬
‫من العلماء‪ ،‬طبعة دار الشعب‪.‬‬
‫‪ -‬تلقيح فهوم أهل الثر في عيون التاريخ والسير‪ ،‬للمام‬
‫عبد الرحمن بن الجوزي‪ ،‬مكتبة الداب‪ ،‬القاهرة ط ‪1975 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ -‬تهذيب التفسير الصحيح‪ ،‬أ‪.‬د‪.‬حكمت بن بشير ياسين‪ ،‬تحت‬
‫الطبع في مطبعة مجلة الدراسات الفقهية المعاصرة‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬الثقافة الغربية في رعاية الشرق الوسط‪ ،‬جورج‬
‫سارتون‪ ،‬تعريب د‪.‬عمر فروخ‪ ،‬مكتبة المعارف‪ ،‬بيروت ‪1952‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الجامع لحكام القرآن للقرطبي‪ ،‬طبعة دار أحياء التراث‬
‫العربي‪ ،‬بيروت ‪.‬‬
‫‪ -‬جهود علماء المسلمين في دراسة الكتابات الستشراقية‬
‫حول القرآن الكريم‪ ،‬أ‪.‬د‪.‬علي بن إبراهيم النملة‪ ،‬مجمع الملك‬
‫فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة‪.‬‬
‫‪ -‬الحضارة السلمية في القرن الرابع الهجري‪ ،‬آدم متز‪،‬‬
‫ترجمة محمد عبدالهادي أبو ريدة‪ ،‬لجنة التأليف والترجمة‬
‫والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪1975 ،3‬م‪.‬‬
‫‪ -‬حضارة العرب‪ ،‬كوستاف لوبون‪ ،‬ترجمة عادل زعيتر‪ ،‬دار‬
‫إحياء الكتب العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪.3‬‬

‫‪177‬‬
‫‪ -‬الحضارة العربية‪ ،‬جاك‪.‬س ريسلر ترجمة غنيم عبدون‪،‬‬
‫مراجعة د‪.‬أحمد الهواني‪ ،‬الدار المصرية القاهرة‪.‬‬
‫‪ -‬حقوق النسان في السلم وتطبيقاتها في المملكة‬
‫العربية السعودية‪ ،‬د‪.‬سليمان عبد الرحمن الحقيل‪ ،‬مؤسسة‬
‫الممتاز‪ ،‬الرياض ط ‪.1‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬الحوار المسيحي السلمي استنادا إلى تصورات‬
‫المسيحية عن المسلمين‪ ،‬للباحثة دعاء محمود فينو‪ ،‬والمنشور‬
‫في مجلة إسلمية المعرفة‪ ،‬العدد ‪ ،44‬ربيع ‪1427‬هـ‪2006/‬م‬
‫‪ -‬حوار عن بعد حول حقوق النسان في السلم‪ ،‬لمعالي‬
‫الشيخ عبدالله بن بيه‪ ،‬دار الندلس الخضراء‪ ،‬جدة‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫‪1424‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬حياة محمد‪ ,‬واشنجتون إيرفنج‪ ،‬ترجمة علي حسين‬
‫الخربوطلي‪ ,‬دار المعارف‪ ,‬القاهرة‪ ,‬ط ‪1962 ,2‬م‪.‬‬
‫‪ -‬حياة محمد‪ ،‬إميل درمنغم‪ ،‬ترجمة عادل زعيتر‪ ،‬دار أحياء‬
‫الكتب العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪1949 ،2‬م‪.‬‬
‫‪ -‬خلصة سير سيد البشر ‪ ،‬محب الدين أحمد بن عبدالله‬
‫الطبري‪ ،‬تحقيق وشرح د‪.‬زهير بن إبراهيم الخالد‪ ،‬مطبوعات‬
‫وزارة الوقاف والشؤون السلمية بدولة قطر‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫‪1421‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬الدافع لرتكاب جريمة القتل في الوطن العربي‪،‬‬
‫د‪.‬عبدالله معاوية‪ ،‬المركز العربي للدراسات المنية‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬دراسات أسبانية للسيرة النبوية‪ ،‬د‪.‬عبدالقادر براده‪ ،‬مجمع‬
‫الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة‪.‬‬
‫‪ -‬الدراسات العربية والسلمية في الجامعات اللمانية‪،‬‬
‫رودي بارت )المستشرقون اللمان منذ تيودور نولدكه(‪ ,‬ترجمة‬
‫د‪.‬مصطفى ماهر‪ ,‬دار الكاتب العربي‪ ,‬القاهرة‪1967 ,‬م‪.‬‬
‫‪ -‬دراسات في حضارة السلم‪ ،‬هاملتون جب‪ ،‬تحرير‬
‫ستانفورد شو ووليم بولك‪ ،‬ترجمة د‪.‬إحسان عباس ورفاقه‪،‬‬
‫دار العلم للمليين‪) ،‬بالمشاركة مع مؤسسة فرانكلين(‪ ،‬بيروت‬
‫‪1964‬م‪.‬‬
‫‪ -‬دراسة في مائة الوائل‪ ،‬مايكل هارث‪ ،‬ترجمة خالد أسعد‬
‫عيسى‪ ،‬وأحمد غسان سبانو‪ ،‬دار قتيبة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪1979 ،2‬م‪.‬‬
‫‪ -‬دستور الخلق في القرآن‪ ،‬للدكتور محمد عبد الله دراز‪،‬‬
‫مؤسسة الرسالة بيروت‪ ،‬ط ‪1402 ،4‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬الدعوة إلى السلم‪ ،‬سير توماس أرنولد‪ ،‬بحث في تاريخ‬
‫نشر العقيدة السلمية‪ ،‬ترجمة وتعليق د‪.‬حسن إبراهيم حسن‬
‫ورفاقه‪ ,‬الطبعة الثالثة‪ ،‬مكتبة النهضة المصرية‪ ,‬القاهرة‪,‬‬
‫‪1971‬م‪.‬‬
‫‪ -‬دفاع عن السلم‪ ،‬لورافيشيا فاغليري‪ ،‬ترجمة منير‬
‫البعلبكي‪ ،‬دار العلم للمليين‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪1976 ،3‬م‪.‬‬
‫‪ -‬دين السلم‪ ،‬ليتنر‪ ،‬ترجمة عبد الوهاب سليم التّنير‪،‬‬
‫المكتبة السلفية‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط ‪1342 ،2‬هـ‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫شي‪ ،‬دار القلم‪،‬‬ ‫‪ -‬رجال ونساء أسلموا‪ ،‬عرفات كامل الع ّ‬
‫الكويت ‪1983-1973‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الرحيق المختوم‪ ،‬للشيخ صفي الرحمن المباركفوري‪،‬‬
‫مؤسسة الكتب الثقافية بيروت ط ‪1420 ،4‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬الرسالة المحمدية للسيد سليمان الندوي‪ ،‬ترجمة محمد‬
‫الندوي‪ ،‬المطبعة السلفية بالقاهرة ‪1372‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬الرسول ‪ ‬في كتابات المستشرقين‪ ،‬نذير حمدان‪ ،‬دار‬
‫المنارة‪ ،‬جدة‪ ،‬ط ‪1406 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬السلسة الصحيحة‪ ،‬للشيخ اللباني‪ ،‬المكتب السلمي‪،‬‬
‫دمشق‪ ،‬ط ‪1399 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬سلوة الكئيب بوفاة الحبيب ‪ ،‬لبن ناصر الدين‬
‫الدمشقي‪ ،‬تحقيق ودراسة صالح يوسف معتوق‪ ،‬دار البحوث‬
‫للدراسات السلمية وإحياء التراث بدبي‪.‬‬
‫‪ -‬سنن أبي داود‪ ،‬للمام أبي داود سليمان بن الشعث‬
‫السجستاني الزدي‪ ،‬مراجعة وضبط وتعليق محمد محيي الدين‬
‫بن عبد الحميد‪ ،‬المكتبة السلمية‪ ،‬تركيا‪ ،‬استانبول ‪.‬‬
‫‪ -‬سنن الدرامي‪ ،‬للمام الدارمي‪ ،‬تحقيق وتخريج وفهرسة‬
‫فواز أحمد زمرلي وخالد السبع العلمي‪ ،‬نشر دار الريان‬
‫للتراث القاهرة‪ ،‬ط ‪ 1407 ،1‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬سنن النسائي بشرح الحافظ السيوطي وحاشية المام‬
‫السندي‪ ،‬نشر دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬السياسة الشرعية في إصلح الراعي والرعية لشيخ‬
‫السلم ابن تيمية‪ ،‬طبعة دار الكتاب العربية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬سير أعلم النبلء‪ ،‬تأليف المام الذهبي‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪،‬‬
‫بيروت ط ‪1406 ،4‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬السيرة النبوية الصحيحة‪ ،‬أ‪.‬د‪.‬أكرم بن ضياء العمري‪ ،‬مكتبة‬
‫العبيكان‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط ‪1416 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬السيرة النبوية‪ ،‬لبن هشام‪ ،‬طبعة الحلبي بتحقيق‬
‫مصطفى السقا وإبراهيم البياري وعبد الحفيظ الشبيلي‪ ،‬دار‬
‫الفكر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬السيرة النبوية‪ ،‬للذهبي‪ ،‬تحقيق حسام الدين القدسي‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت ط ‪1401 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬شرح صحيح مسلم للنووي‪ ،‬دار أحياء التراث العربي‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط ‪1392 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬الشرق الدنى مجتمعه وثقافته‪ ،‬تأليف جماعة من‬
‫الباحثين‪ ،‬تحرير ت كويلر يونغ‪ ،‬ترجمة د‪.‬عبدالرحمن محمد‬
‫أيوب‪ ،‬سلسلة اللف كتاب‪ ،‬عدد ‪ ،116‬دار النشر المتحدة‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫‪ -‬صحيح الدب المفرد للمام البخاري‪ ،‬لللباني‪ ،‬مكتبة‬
‫الدليل‪ ،‬السعودية‪ ،‬ط ‪1417 ،3‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬صحيح الجامع الصغير‪ ،‬للشيخ اللباني‪ ،‬المكتب السلمي‪،‬‬
‫دمشق‪ ،‬ط ‪1402 ،3‬هـ‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫‪ -‬صحيح سنن ابن ماجه باختصار السند‪ ،‬للشيخ اللباني‪،‬‬
‫نشر مكتب التربية العربي لدول الخليج‪ ،‬ط ‪1408 ،3‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬صحيح سنن أبي داود باختصار السند‪ ،‬للشيخ اللباني‪ ،‬نشر‬
‫مكتب التربية العربي‪ ،‬ط ‪1409 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬صحيح سنن الترمذي‪ ،‬باختصار السند‪ ،‬للشيخ اللباني‪،‬‬
‫نشر مكتب التربية العربي‪،‬ط ‪1408 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬صحيح سنن النسائي باختصار السند‪ ،‬للشيخ اللباني‪ ،‬نشر‬
‫مكتب التربية العربي‪ ،‬ط ‪1406 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬صحيح مسلم‪ ،‬للمام مسلم بن الحجاج القشيري‬
‫النيسابوري‪ ،‬تحقيق الدكتور محمد فؤاد عبدالباقي‪ ،‬دار إحياء‬
‫التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ -‬صحيفة ماينتشي ‪ Mainchi‬اليابانية بتاريخ ‪16/10/2006‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الطبقات الكبرى لبن سعد‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬الطرق الحكمية في السياسة الشرعية‪ ،‬لبن قيم‬
‫الجوزية‪،‬راجعه أحمد عبد الحليم العسكري‪.‬‬
‫‪ -‬العرب وأوربا‪ ،‬لويس يونغ‪ ،‬ترجمة ميشيل أزرق‪ ،‬دار‬
‫الطليعة‪ ،‬بيروت ‪1979‬م‪.‬‬
‫‪ -‬العقيدة السلمية‪ ،‬عبدالله وليم كوليام‪ ،‬تعريب محمد‬
‫ضيا‪ ،‬مطبعة هندية‪ ،‬القاهرة ‪1897‬م‪.‬‬
‫‪ -‬العقيدة والشريعة في السلم‪ ،‬كولد تسيهر‪ ،‬ترجمة‬
‫د‪.‬محمد يوسف موسى ورفاقه‪ ،‬دار الكتب الحديثة‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫ط ‪1959 ،2‬م‪.‬‬
‫‪ -‬علم التاريخ عند المسلمين‪ ،‬فرانز روز نثال‪ ،‬ترجمة‬
‫د‪.‬صالح أحمد العلي‪ ،‬مراجعة محمد توفيق حسين‪ ،‬مكتبة‬
‫المثنى )بالشتراك مع مؤسسة فرانكلين(‪ ،‬بغداد ‪1963‬م‪.‬‬
‫‪ -‬العلم عند العرب وأثره في تطور العلم العالمي‪ ,‬ألدو‬
‫ميلي‪ ،‬ترجمة د‪.‬محمد يوسف موسى‪ ,‬ود‪.‬عبدالحليم النجار‪,‬‬
‫إصدار الدارة الثقافية لجامعة الدول العربية‪ ,‬دار القلم‪,‬‬
‫القاهرة‪1962 ,‬م‪.‬‬
‫‪ -‬فتح الباري بشرح صحيح البخاري‪ ،‬لبن حجر العسقلني‪،‬‬
‫طبعة دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬نسخة مصورة عن الطبعة السلفية‬
‫المصرية‪.‬‬
‫‪ -‬الفصول في اختصار سيرة الرسول ‪ ‬لبن كثير‪ ،‬تحقيق‬
‫محمد العيد الخطراوي‪ ،‬ومحي الدين مستو‪ ،‬دار القلم‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫ط ‪1400 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬فلسفة الفكر السلمي‪ ،‬هنري سيرويا‪ ،‬ترجمة محمد‬
‫إبراهيم‪ ،‬سلسلة الثقافة السلمية‪ ،‬عدد ‪ ،32‬دار الثقافة‬
‫العربية‪ ،‬القاهرة ‪1961‬م‪.‬‬
‫‪ -‬في خطى محمد‪ ،‬نصري سلهب‪ ،‬دار الكتاب العربي‪،‬‬
‫بيروت ‪1970‬م‪.‬‬

‫‪180‬‬
‫‪ -‬في طريقي إلى السلم‪ ،‬أحمد نسيم سوسه‪ ،‬الجزء‬
‫الول‪ ،‬المطبعة السلفية‪ ،‬القاهرة ‪1936‬م‪ ،‬الجزء الثاني‪،‬‬
‫مطبغة الغرى‪ ،‬النجف ‪1983‬م‪.‬‬
‫‪ -‬قالوا عن السلم‪ ،‬د‪ .‬عماد الدين خليل‪ ،‬الندوة العالمية‬
‫للشباب السلمي الرياض ط ‪1412 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬قاموس الكتاب المقدس‪ ،‬تأليف نخبة من أساتذة اللهوت‪،‬‬
‫دار الثقافة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪.8‬‬
‫‪ -‬القرآن الكريم والتوراة والنجيل والعلم‪ ،‬موريس بوكاي‪،‬‬
‫)دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة(‪ ،‬دار‬
‫المعارف‪ ،‬القاهرة ‪1978‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬القرآن الكريم والعلم العصري‪ ،‬مويس بوكاي‪ ،‬ترجمة‬
‫فودي سوربيا كمارا‪ ،‬دار المآثر‪ ،‬المدينة النبوية‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫‪1420‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬القرآن والمستشرقون المجلس العلى للشؤون‬
‫السلمية – القاهرة ‪1393‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬قصة النسان‪ ،‬جورج حّنا‪ ،‬الطبعة الخامسة‪ ،‬دار العلم‬
‫للمليين‪ ،‬بيروت‪1973 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬قصة الحضارة‪ ،‬ول ديورانت‪ ،‬ترجمة محمد بدران وآخرون‪،‬‬
‫لجنة التأليف والترجمة والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪1967-1964 ،2‬م‪.‬‬
‫‪ -‬قطوف دانية من مآثر المسلمين وظلم الغرب‪ ،‬الشيخ‬
‫إبراهيم النعمة‪ ،‬مطبعة الزهراء‪ ،‬الموصل‪ ،‬العراق سنة‬
‫‪1424‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬لماذا يكرهونه؟! الصول الفكرية لعلقة الغرب بنبي‬
‫السلم ‪ ،‬د‪.‬باسم الخفاجي‪ ،‬كتاب البيان‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫‪1427‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬مؤتمرات المستشرقين العالمية د المحسن بن علي‬
‫سويسي ‪ -‬رسالة دكتوراه – جامعة المام محمد بن سعود‬
‫السلمية – كلية الدعوة قسم الستشراق بالمدينة المنورة‪.‬‬
‫‪ -‬مجلة البيان‪ ،‬مجلة شهرية تصدر عن المنتدى السلمي‬
‫بالرياض‪ ،‬العددان ‪ ،231-230‬شهري شوال وذو القعدة‪،‬‬
‫‪1427‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬مجلة التوحيد‪ ،‬مجلة إسلمية شهرية تصدر عن جماعة‬
‫أنصار السنة المحمدية بالقاهرة‪ ،‬العدد ‪ ،418‬شوال ‪1427‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬مجلة المستقبل‪ ،‬مجلة شهرية تصدرها الندوة العالمية‬
‫للشباب السلمي‪ ،‬العدد ‪ ،185‬رمضان ‪1427‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬مجموع الفتاوى‪ ،‬لشيخ السلم ابن تيمية‪ ،‬مطابع‬
‫الرياض ‪.‬‬
‫‪ -‬محمد ‪ ‬في التوراة والنجيل والقرآن‪ ,‬لبراهيم خليل‬
‫أحمد‪ ،‬مكتبة الوعي العربي‪ ,‬القاهرة‪ ,‬ط ‪1965 ,2‬م‪.‬‬
‫‪ -‬محمد الرسالة والرسول‪ ،‬نظمي لوقا‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار‬
‫الكتب الحديثة‪ ،‬القاهرة ‪1959‬م‪.‬‬

‫‪181‬‬
‫‪ -‬محمد رسول الله‪ ،‬إيتين )ناصر الدين( دينيه‪ ،‬بالشتراك مع‬
‫سليمان إبراهيم الجزائري‪ ،‬ترجمة د‪.‬عبدالحليم محمد‪ ،‬ومحمد‬
‫عبد الحليم محمود‪ ،‬الشركة العربية للطباعة والنشر‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫ط ‪1959 ،3‬م‪.‬‬
‫‪ -‬محمد في الكتاب المقدس‪ ،‬أ‪.‬د‪.‬عبد الحد داود‪ ،‬ترجمة‬
‫ما‪ ،‬طبعة رئاسة المحاكم والشؤون الدينية بدولة‬ ‫فهمي ش ّ‬
‫قطر‪ ،‬ط ‪1405 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬محمد في المدينة‪ ،‬مونتكمري وات‪ ،‬تعريب شعبان بركات‪،‬‬
‫المكتبة العصرية‪ ،‬صيدا‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬محمد في مكة‪ ،‬مونتكمري وات‪ ،‬تعريب شعبان بركات‪،‬‬
‫المكتبة العصرية‪ ،‬صيدا‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬مختصر دراسة التاريخ‪ ،‬أرنولد توينبي‪ ،‬ترجمة فؤاد محمد‬
‫شبل‪ ،‬لجنة التأليف والترجمة والنشر‪ ،‬القاهرة ‪1965-1960‬م‪.‬‬
‫‪ -‬مختصر سيرة الرسول ‪ ‬للمام محمد بن عبدالوهاب‪،‬‬
‫رئاسة إدارة البحوث العلمية والفتاء والدعوة والرشاد‪،‬‬
‫الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬المدخل لدراسة القرآن الكريم‪ ،‬د‪.‬محمد محمد أبو شهبه‪،‬‬
‫الحديثة للطباعة القاهرة‪ ،‬ط ‪1973 ،2‬م‪.‬‬
‫‪ -‬المستدرك على الصحيحين‪ ،‬للحافظ الحاكم‪ ،‬وبذيله‬
‫التلخيص‪ ،‬للحافظ الذهبي صورة عن الطبعة الهندية‪.‬‬
‫‪ -‬المستشرقون والسيرة النبوية‪ ،‬عماد الدين خليل‪ ،‬بحث‬
‫مقارن في منهج المستشرق البريطاني المعاصر‪ ،‬مونتكمري‬
‫وات‪ ،‬المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم‪ ،‬تونس‪،‬‬
‫‪1985‬م‪.‬‬
‫‪ -‬المستشرقون وترجمة القرآن‪ ،‬د‪.‬محمد صالح البنداق‪ ،‬دار‬
‫الفاق الجديدة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪1403 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬المستشرقون‪ ،‬نجيب العقيقي‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‬
‫‪1965-1964 ،3‬م‪.‬‬
‫‪ -‬مسند المام أحمد بن حنبل‪ ،‬بتحقيق شعيب الرناؤوط‬
‫ومجموعة من العلماء‪ ،‬إشراف معالي الستاذ الدكتور عبدالله‬
‫بن عبدالمحسن التركي‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫‪1421‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬معالم تاريخ النسانية هـ‪.‬ج‪ .‬ولز تعريب عبد العزيز توفيق‬
‫جاويد‪ ،‬مراجعة محمد مأمون نجا‪ ،‬ود‪.‬عبدالحميد يونس‪ ،‬مطبعة‬
‫لجنة التأليف والترجمة والنشر‪ ،‬القاهرة ‪1950-1947‬م‪.‬‬
‫‪ -‬من أجل معرفة العبادة والحب‪ ،‬بحث مقدم لندوة بناء‬
‫المناهج‪ :‬السس والمنطلقات بكلية التربية‪ -‬جامعة الملك‬
‫سعود‪ -‬الرياض سنة ‪1424‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬مناهج المستشرقين في الدراسات العربية والسلمية‪،‬‬
‫مكتب التربية العربي لدول الخليج‪ ،‬الرياض ‪1405‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬الموسوعة العربية الميسرة‪ ،‬مجموعة من الباحثين‬
‫بإشراف محمد شفيق غربال‪ ،‬طبعة دار الشعب‪ ،‬القاهرة‬

‫‪182‬‬
‫)بالشتراك مع مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر( ط ‪،2‬‬
‫‪1972‬م‪.‬‬
‫‪ -‬موسوعة المستشرقين‪ ،‬للدكتور عبد الرحمن بدوي‪ ،‬دار‬
‫العلم للمليين‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪1984 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الموقع اللكتروني ‪ ،BBC Arabic.com‬منشور ‪15/9/2006‬م‪،‬‬
‫‪. GMT 20:53:37‬‬
‫‪ -‬موقف المستشرقين من القرآن الكريم‪ ،‬أ‪.‬د‪.‬عدنان محمد‬
‫الوزان‪ ،‬مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة‬
‫المنورة‪.‬‬
‫‪ -‬نحو نظام نقدي عادل‪ ،‬د‪.‬محمد عمر شابرا‪ ،‬المعهد‬
‫العالمي للفكر السلمي‪ ،‬واشنطن‪.‬‬

‫‪183‬‬
‫فهرس الموضوعات‬
‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫‪3-10‬‬ ‫المقدمة‬
‫‪11-57‬‬ ‫الباب الول‪ :‬شذرات من سيرته مدبجة بقبسات‬
‫من رحمته‬
‫‪11-38‬‬ ‫الفصل الول‪ :‬العهد المكي‬
‫‪12-18‬‬ ‫المبحث الول‪ :‬ولدته ونسبه ونشأته ‪‬‬
‫‪18-23‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬مبعثه ‪‬‬
‫‪24-26‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬الهجرة إلى الحبشة‬
‫‪26-28‬‬ ‫المبحث الرابع‪ :‬مقاطعة قريش لبني هاشم وبني‬
‫المطلب‬
‫‪28-30‬‬ ‫المبحث الخامس‪ :‬خروجه ‪ ‬إلى الطائف‬
‫‪30-34‬‬ ‫المبحث السادس‪ :‬السراء والمعراج‬
‫‪34-36‬‬ ‫المبحث السابع‪ :‬بيعة العقبة الولى والثانية‬
‫‪36-38‬‬ ‫المبحث الثامن‪ :‬هجرة رسول الله ‪‬‬
‫‪38-57‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬العهد المدني‬
‫‪46-47‬‬ ‫المبحث الول‪ :‬أهم أعمال وحوادث السنة الولى‬
‫للهجرة‬
‫‪47-49‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬أهم أعمال وحوادث السنة الثانية‬
‫للهجرة‬
‫‪49-50‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬أهم أعمال وحوادث السنة الثالثة‬
‫للهجرة‬
‫‪50-51‬‬ ‫المبحث الرابع‪ :‬أهم أعمال وحوادث السنة الرابعة‬
‫للهجرة‬
‫‪51‬‬ ‫المبحث الخامس‪ :‬أهم أعمال وحوادث السنة‬
‫الخامسة للهجرة‬
‫‪51-52‬‬ ‫المبحث السادس‪ :‬أهم أعمال وحوادث السنة‬
‫السادسة للهجرة‬
‫‪52-53‬‬ ‫المبحث السابع‪ :‬أهم أعمال وحوادث السنة‬
‫السابعة للهجرة‬
‫‪53-54‬‬ ‫المبحث الثامن‪ :‬أهم أعمال وحوادث السنة الثامنة‬
‫للهجرة‬
‫‪54-55‬‬ ‫المبحث التاسع‪ :‬أهم أعمال وحوادث السنة‬
‫التاسعة للهجرة‬
‫‪55-59‬‬ ‫المبحث العاشر‪ :‬أهم أعمال وحوادث السنة‬
‫العاشرة للهجرة‬
‫الباب الثاني‪ :‬المستفاد من حكمته الباهرة في‬
‫‪60-120‬‬ ‫تحقيق حاجات البشرية وعلج أهم المشكلت‬
‫المعاصرة‬
‫‪61-83‬‬ ‫الفصل الول‪ :‬المشكلت السياسية‬
‫‪62-66‬‬ ‫المبحث الول‪ :‬مشكلة التفرقة العنصرية والدينية‬
‫والقليمية‬
‫‪66-72‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬مشكلة نظام الدقرطة‬
‫‪72-78‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬مشكلة الحرية‬

‫‪184‬‬
‫‪78-81‬‬ ‫المبحث الرابع‪ :‬مشكلة العتداء فيما بين الدول‬
‫‪81-83‬‬ ‫المبحث الخامس‪ :‬مشكلة التخوف والتحسس من‬
‫الخر‬
‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫‪84-114‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬المشكلت الجتماعية‪.‬‬
‫‪84-87‬‬ ‫المبحث الول‪ :‬مشكلة الجهل‬
‫‪87-104‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬مشكلة حقوق المرأة‬
‫‪105-111‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬مشكلة العقوبات‬
‫‪111-113‬‬ ‫المبحث الرابع‪ :‬مشكلة الرق‬
‫‪114-120‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬المشكلت القتصادية‪.‬‬
‫‪116-117‬‬ ‫المبحث الول‪ :‬مشكلة الربا‬
‫‪117-118‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬مشكلة الفقر‬
‫‪119-120‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬مشكلة البطالة‬
‫‪121-149‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬مكانة نبي الرحمة والحكمة ‪‬‬
‫‪121-126‬‬ ‫الفصل الول‪ :‬مكانته عند الله تعالى والملئكة‬
‫والجن‬
‫‪121-123‬‬ ‫المبحث الول‪ :‬مكانة نبي الرحمة ‪ ‬عند الله‬
‫تعالى‬
‫‪123-126‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬مكانته ‪ ‬عند الملئكة والجن‬
‫‪127-149‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬مكانته ‪ ‬عند البشر‬
‫‪127-134‬‬ ‫المبحث الول‪ :‬مكانته ‪ ‬عند النبياء صلى الله‬
‫عليهم وسلم‬
‫‪135-142‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬مكانته ‪ ‬عند المسلمين‬
‫‪142-149‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬مكانة نبي الرحمة ‪ ‬عند غير‬
‫المسلمين‬
‫‪150-151‬‬ ‫الخاتمة‬
‫‪152-158‬‬ ‫قائمة المراجع‬
‫‪159-160‬‬ ‫الفهرس‬

‫‪185‬‬

You might also like