You are on page 1of 310

‫نبـي‬

‫الـرحمة‬
‫الرسـالة والنسـان‬

‫تأليف‬
‫محمد مسعد ياقوت‬

‫تقديم فضيلة الدكتور‬


‫فريد عبد الخالق‬

‫‪www.nabialrahma.com‬‬

‫‪1‬‬
‫الطبعة الولى ‪ ، 2007‬القاهرة ‪ ،‬الزهراء للعلم‬
‫العربي‬

‫الهـــداء ‪..‬‬
‫إلى الذي قال الله تعالى فيه ‪:‬‬
‫م‬
‫حي ٌ‬
‫ف ّر ِ‬
‫ؤو ٌ‬‫ن َر ُ‬
‫مِني َ‬ ‫كم ِبال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ص ع َل َي ْ ُ‬ ‫ري ٌ‬ ‫ح ِ‬
‫م َ‬‫ما ع َن ِت ّ ْ‬ ‫زيٌز ع َل َي ْهِ َ‬
‫"ع َ ِ‬
‫"]التوبة ‪[128‬‬
‫ن "]الحجر ‪[95‬‬ ‫ست َهْزِِئي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ال ْ ُ‬
‫في َْنا َ‬ ‫"إ ِّنا ك َ َ‬
‫َ‬
‫ن "]النبياء ‪[107‬‬ ‫مي َ‬ ‫ة ل ّل َْعال َ ِ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫ك إ ِّل َر ْ‬‫سل َْنا َ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫"وَ َ‬
‫قيم ٍ " ]الزخرف ‪[43‬‬ ‫ست َ ِ‬‫م ْ‬ ‫ط ّ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫ك ع ََلى ِ‬ ‫"إ ِن ّ َ‬
‫ظيم ٍ "]القلم ‪[4‬‬ ‫ق عَ ِ‬ ‫ك ل ََعلى ُ ُ‬ ‫"وَإ ِن ّ َ‬
‫خل ٍ‬

‫‪2‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫‪1‬‬
‫تقديم بقلم فضيلة الدكتور فريد عبد الخالق‬

‫أشهد أن لديَ قناعة قد توفرت لهذا المؤ ََلف القّيم بعد الطلع‬
‫على محتوياته؛ كافة المقومات الساسية التي تسلكه في مجاله‬
‫كدراسة علمية يعتد بها في موضوعها ومرجعيتها‪ ،‬متمثلة فيما‬
‫يلي ‪:‬‬
‫أول ً – ما يتعلق بالسبب الذي قام من أجله الكاتب بإعداد هذا‬
‫م بجوانب الموضوع ومجالته‬ ‫الموضوع‪ ،‬ذلك الباحث المدقق المل ّ‬
‫الستاذ محمد مسعد ياقوت ‪ ،‬وأي داعية الكتابة في هذا‬
‫الموضوع – على الصعيدين الداخلي والخارجي – حيث يشغل‬
‫التيار السلمي السياسي في هذه الحقبة حي ًّزا كبيًرا ومتنامًيا‬
‫على المسرح السياسي في دول عربية وإسلمية كثيرة – يثير‬
‫لدى خصومه من غلة العلمانية واللبرالية مجموعة تساؤلت‬
‫وهواجس عن علقة هذا التيار بالديمقراطية والحريات والتعددية‬
‫السياسية والمجتمعية – المطروحة حالًيا – وفيها قضية وضع غير‬
‫المسلمين في الدول السلمية‪ ،‬وقضية المرأة وحقوقها المدنية‪،‬‬
‫والحداثة ‪ ،‬وعلقة الدين بالسياسة‪ ،‬والدولة الدينية وحوار الديان‬
‫والحضارات‪ ،‬وهو ما يشغل حيًزا كبيًرا‪ ،‬وحدة أوفر عند الغرب؛‬
‫عبروا عنه " بالسلموفوبيا"‪ ،‬ومحاربة الرهاب والتطرف‪،‬‬
‫وربطوا بين ذلك وبين العولمة الستعمارية الجديدة ‪ ،‬التي تتبعها‬
‫الدارة المريكية التي ترمي إلى تفكيك عرى المة العربية‬
‫والسلمية واختراق وحدتها وأمنها ومقوماتها كما حدث في غزو‬
‫أفغانستان والعراق‪ ،‬وما يحدث من الكيان الصهيوني في‬
‫المنطقة‪ ،‬في توافق في الستراتيجية الستعمارية ‪ ،‬واستخدام‬
‫القوة في المنطقة لتحقيق أهدافهما وعلى رأسها الستيلء على‬
‫النفط‪ ،‬والبقاء على الشرق الوسط دول ً مفككة وسوًقا‬
‫استهلكًيا لمنتجاتهم‪ ،‬وإعاقة وحدتها‪ ،‬وتنميتها‪ ،‬بكل الطرق ‪..‬‬
‫وتحت أسماء ودعاوى مختلفة باطلة‪ ،‬ومنها دعوى الحرب‬
‫الصليبية التي أعلنها بوش في أول كلمة له بعد أحداث ‪11‬‬
‫سبتمبر الشهيرة‪ ،‬وإعلن مشروعه المبراطوري الستعماري‬
‫المعروف باسم الشرق الوسط الجديد‪ ،‬الذي أفشلته المقاومة‬
‫في جنوب لبنان وفي العراق‪ ،‬وفي بؤر المقاومة الشعبية‬
‫الساخنة في دول المنطقة‪ ،‬وتأبي شعوب العالم العربي‬
‫‪ 1‬فضيلة الدكتور فريد عبد الخالق أحد رموز الحركة السلمية في القرن العشرين‪،‬‬
‫ما لدار الكتب المصرية ودار الوثائق القومية في السبعينيات‪ ،‬ثم وكيل‬
‫عمل مديرا عا ً‬
‫لوزارة الثقافة المصرية‪ ،‬وهو صاحب أحد أهم المؤلفات التي تناولت نظام الحكم في‬
‫السلم وهو كتاب " في الفقه السياسي السلمي " ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫والسلمي على العولمة والعلمنة التي تستهدف سلخه عن دينه‬
‫وهويته الحضارية وانقياده لعدائه ثقافًيا وسياسًيا واقتصادًيا‬
‫واجتماعًيا في محاولت مخططة‪ ،‬ومنها اختراق أنظمته الحاكمة‪،‬‬
‫والتجويع‪ ،‬والمعونات المشروطة‪ ،‬وتهديد المن الغذائي‪ ،‬وإقامة‬
‫القواعد العسكرية في أرض العرب والمسلمين‪ ،‬وتفجير النعرات‬
‫المذهبية والخلفات العرقية والمشاحنات اليدلوجية ‪.‬‬

‫ثانًيا ‪ :‬أما العنصر الثاني من بين هذه المقومات الساسية لبحث‬


‫الستاذ ياقوت‪ ،‬فيتمثل في مكانة الموضوع وتداعياته لدى‬
‫ما ‪،‬‬
‫شعوب عالمنا العربي والسلمي‪ ،‬عقيدة وسياسة وإعل ً‬
‫وتقدمه في سلم الولويات التي تشغل اهتمامات عالمنا العربي‬
‫والسلمي‪ ،‬والطموحات التي يتطلع إليها لبناء وحدتها وحراسة‬
‫أمنها القومي وإحياء ثقافتها‪ ،‬وحضارتها ‪ ،‬وتجديد فكرها‪ ،‬وحشد‬
‫طاقاتها من أجل بلوغ ما الحد الوفى في الكرامة وتأمين حقوق‬
‫المواطن وحرياته ‪ ،‬وإتاحة الفرصة للشعوب العربية والسلمية‬
‫ممارسة حقوقها الدستورية والسياسية وحقها في اختيار‬
‫حكامها‪ ،‬وممثليها من البرلمانيين‪ ،‬وحقها في مساءلة الحاكم‬
‫وتغييره عند المقتضى سلمًيا‪.‬‬

‫إن صفة " الرحمة " موضوع الدراسة التي بين أيدينا‪ ،‬تشكل‬
‫عنصًرا جوهرًيا في هذه الدراسة‪ ،‬الذي اختار المؤلف " نبي‬
‫الرحمة" عنوًنا لها ‪ .‬وهي الرحمة النبوية للبشر التي نجح المؤلف‬
‫في عرضها بمفوهمها الواسع‪ ،‬دون تكلف خلل فصول دراسته‬
‫ونصوصها‪ ،‬من تناول جامع في وجازة غير مخلة لسيرة النبي –‬
‫صلى الله عليه وسلم – قبل البعثة وبعدها‪ ،‬وفي مكة قبل‬
‫الهجرة‪ ،‬وفي المدينة بعدها‪ ،‬حيث أقام الرسول – صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬مجتمًعا مدنًيا‪ ،‬ودولة مدنية على أساس مبدأ المواطنة‬
‫ومساواة كافة مواطني الدولة في الحقوق والواجبات ‪...‬‬
‫وقد تناول الكتاب هذه العناصر في مباحث متعددة‪ ،‬في هيكلية‬
‫تتسم بالموضوعية‪ ،‬وتكامل في التناول‪ ،‬مع الوفاء بجوانب‬
‫الدراسة‪ ،‬والعتماد على المصادر الصلية الموثوقة‪ ،‬ومن ثم يجد‬
‫قا لدعاية القراءة ‪.‬‬
‫القارىء في ذلك تحقي ً‬

‫وثمت عنصر آخر لبد منه في ذلك ؛ وهو ما أوتي الباحث من‬
‫توفيق و إخلص لوجه الله وتحري الصدق والحق دون هوى‬
‫صارف أو تعصب زميم‪ ،‬أو جهل مقعد‪ ،‬في كل ما قال‪..‬‬
‫أحيه !‬

‫‪4‬‬
‫دا ‪ ،‬ولكن من باب معرفة‬ ‫أحييه كذلك ول أزكي على الله أح ً‬
‫الفضل لهله‪ .‬وهذا العنصر ل بديل عنه لكل باحث مصلح‪ ،‬وهو‬
‫توفيق الله له فيما ابتغاه من إصلح وأمر بالمعروف ونهي عن‬
‫دا‪ ،‬يتوثق بالله في إمضاء المر‬‫المنكر ماستطاع ل يألو فيه جه ً‬
‫على سنته ويطلب منه المعونة والتأييد من الله‪ ،‬كما في قوله‬
‫تعالى ‪:‬‬
‫" إن إريد إل الصلح ما استطعت وما توفيقي إل بالله عليه‬
‫توكلت وإليه أنيب" ] هود ‪.[88 :‬‬

‫هذا‪ ،‬وأريد أن أقف على مادة هذا المؤ ََلف الموسوعية الواضحة‬
‫الدللة ‪ ،‬المينة الوصف‪ ،‬في لمحات محدودة فيما يلي ‪:‬‬
‫أول ً – التأكيد على أن " الرحمة " خصيصة سائدة في شرع‬
‫ما وحياة‪ ،‬وتعامل ً مع الخر ‪ ،‬في‬
‫السلم كله ‪ ،‬كتاًبا وسنة‪ ،‬ونظا ً‬
‫كل حال من سلم أو حرب‪ ،‬ومن تمكين أو ضعف‪ ،‬كما في قوله‬
‫تعالى ‪:‬‬
‫" هذا بصائر للناس‪ ،‬وهدى ورحمة لقوم يوقنون " ‪.‬‬
‫فالقرآن كله بمنزلة بصائر للقلوب‪ ،‬لقوم حياة للناس كافة‪،‬‬
‫وهداية للناس من الضلل‪ ،‬ورحمة للمهتدين به كما هو رحمة‬
‫للمارقين من حيث تأخير عقوبتهم في الدنيا‪ ،‬لعلهم يهتدون ‪..‬‬
‫فشريعة السلم رحمة كلها ‪..‬‬

‫ثانًيا – إن رحمة الله بمخلوقاته هي الصفة العظمى التي اختارها‬


‫الله سبحانه لوصف نفسه بها ‪ ،‬دون غيرها من الصفات‪ ،‬وهي‬
‫كلها عظيمة وشريفة ‪..‬‬
‫فذكرها سبحانه في سورة الفاتحة التي ل صلة لمن ل يقرأ بها –‬
‫كما في صحيح الحديث – والتي سميت أم الكتاب‪ ،‬لشتمالها‬
‫على كليات العقيدة السلمية‪ ،‬فاختارها لتتوكد قيمة الرحمة‪ -‬في‬
‫كل صلة‪ -‬في وجدان المسلم ‪ ..‬بما في ذلك كل معاني الرحمة‬
‫وحالتها ومجالتها ‪..‬‬

‫ثالًثا ‪ -‬إن الرحمة كانت خصلة رسول الله – صلى الله عليه‬
‫وسلم – لم تفارقه قط في كل سيرته‪ ،‬وفي كل مراحل حياته‬
‫وأحواله‪ ،‬فكان – صلى الله عليه وسلم – كما قالت عائشة ‪" :‬‬
‫خلقه القرآن " الذي هو رحمة !‬
‫وقد قال له ربه – يحثه على نهج الرحمة ‪ " : -‬خذ العفو وأمر‬
‫بالعرف وأعرض عن الجاهلين" ‪ ..‬أي خذ ما عفا لك من أفعال‬
‫الناس‪ ،‬وأخلقهم‪ ،‬ول تطلب منهم الجهد وما يشق عليهم حتى ل‬

‫‪5‬‬
‫ينفروا ‪ ..‬كقوله – صلى الله عليه وسلم ‪ " : -‬يسروا ول تعسروا‬
‫" ‪..‬‬
‫وقد أمره الله بالمعرف‪ ،‬أي الجميل من الفعال والقوال ‪ ..‬ونهاه‬
‫عن مكافئة السفهاء بسفههم‪ ،‬أو مماراتهم‪ ،‬وأمره بالحلم عنهم‪،‬‬
‫والعراض عن إساءتهم ‪.‬‬
‫لقد أمره الله أن يصل من قطعه ‪ ،‬ويعطي من حرمه‪ ،‬ويعفو‬
‫عمن ظلمه ‪ ..‬وأرسله ليتمم مكارم الخلق‪ ،‬وبشيًرا ونذيًرا‬
‫دا للعالمين ‪ ..‬وحجاًبا للعالمين من عذاب‬ ‫ومربًيا ومرش ً‬
‫الستئصال والنتقام العام في الدنيا‪ ،‬لقوله تعالى ‪:‬‬
‫" وما كان الله معذبهم وأنت فيهم " ‪.‬‬
‫ومن رحمته – صلى الله عليه وسلم – أن كان على أعلى درجة‬
‫في الحرص على الناس والخوف الشديد عليهم من الهلك‬
‫والضلل‪ ،‬ورغبته الشديدة في رفع العنت عنهم ‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬
‫" لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم‪ ،‬حريص‬
‫عليكم‪ ،‬بالمؤمنين رءوف رحيم " ‪.‬‬

‫عا – لقد رفع الله ذكر نبيه في محكم التنزيل‪ ،‬ومن رفع الله‬‫راب ً‬
‫ذكره ل يحط في الناس‪ ،‬وإن اجتمعوا له‪ ،‬وإنما يحطون من‬
‫أنفسهم‪ .‬فما صدر من ذلك من قبل الرسوم الكاركاتورية التي‬
‫تسيء له ولدينه‪ ،‬من رجل دين مسيحي متعصب‪ ،‬أو إعلم غربي‬
‫مصهين‪ ،‬بدعوى حرية التعبير‪ ،‬إنما هي إساءة لكل البشرية ‪.‬‬
‫وبالمثل تلك الساءات الخرى كتصريحات بابا الفاتيكان المسيئة‬
‫للنبي محمد – صلى الله عليه وسلم – أو صدور كتاب " نبي‬
‫الخراب " على أوسع نطاق لمؤلف يتهم رسول الله – صلى الله‬
‫عليه وسلم – بقطع الطريق والشذوذ الجنسي ‪ ..‬كلها تسيء –‬
‫في حقيقة المر ‪ -‬إلى تاريخ النسانية في حق النبياء والشرائع‬
‫السماوية ‪ .‬إنها ردة حضارية ! ونزعة إلحادية ! ونكسة آدمية !‬
‫تجاهلت حتى آراء المنصفين من علماء الغرب أنفسهم‪ ،‬ممن‬
‫قالوا كلمة الحق وشهادة الصدق في النبي – صلى الله عليه‬
‫وسلم – وعرفت له مكانته ‪.‬‬

‫سا ‪ -‬لقد جعل الله تعالى من محمد – صلى الله عليه وسلم‬ ‫خام ً‬
‫– " أسوة حسنة" وقدوة عظمى للمؤمنين‪ ،‬يقتدي به كل إنسان‬
‫يريد أن يؤدي رسالة حضارية على كوكب الرض ‪ .‬قال تعالى ‪" :‬‬
‫لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله‬
‫واليوم الخر " ‪ ..‬وهي شهادة من الله تعالى " لكريم خصاله –‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪. -‬‬

‫‪6‬‬
‫لقد أوجب الله التأسي به – صلى الله عليه وسلم – في كل أمور‬
‫عا من الرسل‪ ،‬بل‬ ‫الدين ومهام الصلح ‪ .‬وهو مع ذلك ليس بد ً‬
‫كان بشًرا مثلهم ‪ ،‬كما في قوله تعالى ‪ " :‬قل سبحان ربي هل‬
‫كنت إل بشًرا رسول ً " ‪ ..‬أي رسول ً كسائر الرسول‪ ،‬بشًرا كسائر‬
‫البشر‪ ،‬فالقتداء به داخل في حدود البشرية‪ ،‬وهو المؤمنون‬
‫مؤمورن بشرع الله كما في قوله تعالى ‪ " :‬فاستقم كما أمرت‬
‫ومن تاب معك ول تطغوا إنه بما تعملون بصير" ] هود‪،[112 :‬‬
‫إنها الستقامة التي صار عليها الرسول‪ ،‬على جادة الحق‪ ،‬غير‬
‫معلم الول والمرشد‬ ‫عادل عنها‪ ،‬ول خارج عن حدود الله‪ ،‬وكان ال َ‬
‫الكبر في إزالة الطغيان وردع الظالمين وحكام الجور‪ ،‬وهو مع‬
‫ذلك رحمة للحكام والمحكومين‪ ،‬ورحمة بالمة جمعاء ‪.‬‬

‫سا‪ -‬رحمات النبي – صلى الله عليه وسلم – في حجة‬ ‫ساد ً‬


‫الوداع‪ ،‬وفي خطبته التاريخية فيها‪ -‬في السنة العاشرة – حيث‬
‫حج – صلى الله عليه وسلم – بالناس حجة‪ ،‬ودع فيها المسلمين‬
‫ولم يحج بعدها ‪..‬‬
‫كانت سلسلة من الرحمات تلك الوصايا الجليلة التي اشتملت‬
‫عليه خطبته ‪:‬‬
‫رحمته – صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بالناس في تحريم الدماء‬
‫والموال‪ ،‬رحمته بالناس في معاملتهم بتحريم الربا‪.‬‬
‫رحمته بالناس بأن وضع عنهم دماء الجاهلية‪ ،‬ومآثر الجاهلية ‪..‬‬
‫رحمته بالنساء إذا قال ‪" :‬أيها الناس! فإن لكم على نسائكم‬
‫دا‬
‫قا ‪ ،‬لكم عليهن أن ل يوطئن فرشكم أح ً‬ ‫قا ‪ ،‬ولهن عليكم ح ً‬‫ح ً‬
‫تكرهونه وعليهن أن ل يأتين بفاحشة مبينة‪ ،‬فإن فعلن فإن الله‬
‫قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضرًبا غير‬
‫مبرح فإن انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف‪ ،‬واستوصوا‬
‫بالنساء خيًرا ‪ ،‬فإنهن عندكم عوان ل يملكن لنفسهن شيًئا ‪،‬‬
‫وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمات‬
‫الله فاعقلوا أيها الناس قولي ‪ ،‬فإني قد بلغت " ‪.‬‬
‫ضا ‪ ..‬فقال‪ -‬في خطابه‬ ‫ورحمته بالمؤمنين‪ ،‬أل يضرب بعضهم بع ً‬
‫الخالد ‪ " -‬أل ! ل ترجعوا بعدي كفارا ً يضرب بعضكم رقاب بعض؛‬
‫أل هل بّلغت ‪ ..‬اللهم أشهد"‬
‫" قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به‪ :‬كتاب الله‬
‫"‪..‬‬
‫ورحمته بالناس في أل يتفاضلوا إل بالتقوى ‪ " ..‬كلكم لدم وآدم‬
‫من تراب"‪ "،‬ل فضل لعربي على أعجمي إل بالتقوى " ‪..‬‬

‫‪7‬‬
‫ورحمته بالناس بإرساء قيم العدالة‪ ،‬لسيما بين البناء والعدل‬
‫في الرث‪ ،‬فل تجوز لوارث وصية في أكثر من الثلث ‪..‬‬
‫ورحمته بالبناء في حفظ النسب‪،‬في قوله ‪ " :‬الولد للفراش‬
‫وللعاهر الحجر"‪ ،‬ومن ادعي إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه؛‬
‫فعليه لعنة الله والملئكة والناس أجمعين‪ ،‬ل يقبل من صرف ول‬
‫عدل" ‪..‬‬
‫وقد ختم – صلى الله عليه وسلم – خطبته بقوله ‪ " :‬والسلم‬
‫عليكم ورحمة الله " ‪ .‬فختم كلمة الوداع ووصاياه بالسلم‬
‫والرحمة !‬

‫وأخيًرا يطيب لي أن أختم مقدمتي هذه بالعراب عن تقديري‬


‫وشكري لمؤسسة الزهراء للعلم العربي التي أصدرت هذا‬
‫الكتاب الموسوعي القيم من كل الوجوه‪ ،‬وبالدعاء إلى الله‬
‫لصاحبها الستاذ الفاضل والعلمي النابه والكاتب الحاذق "‬
‫أحمد رائف " بدوام التوفيق في أداء رسالته الدعوية والوطنية‪،‬‬
‫وبحسن الجزاء عما قدم من عطاء لمته‪ ،‬وبعافية الدين والبدن‬
‫وبالحفظ من كل سوء ‪..‬‬

‫كما أدعو الله تعالى أن يرزق مؤلف هذا الكتاب الفذ في‬
‫موضوعه وفي منهج البحث الذي اتبعه في دراسته‪ ،‬أحسن‬
‫الجزاء عما تجشم من جهد علمي في إعداد مادته‪ ،‬والوفاء‬
‫طت حاجة ملحة لدى المة في‬ ‫بجوانب الموضوع التي غ ّ‬
‫التعريف بالسلم ‪ ،‬وخصائصه الحضارية‪ ،‬ومميزاته التنويرية‪،‬‬
‫وشمائل نبيه محمد – صلى الله عليه وسلم – والتي أهمها‬
‫الرحمة التي تجلت في كل سيرته‪ ،‬قبل البعثة وبعدها‪ ،‬وفي‬
‫الحرب والسلم‪ ،‬وفي تعامله مع الصديق والعدو‪ ،‬وإيثار الرفق‬
‫والتيسير‪ ،‬على العنف والتعسير‪ ،‬والحوار على الصدام والبطش ‪،‬‬
‫والتعاون بين الناس على اختلف الملل والتوجهات في كل ما‬
‫تصلح به الحياة‪ ،‬ويوفر المن لكل المواطنين‪ ،‬ويحقق للبشرية‬
‫التنمية والسلم‪..‬‬
‫أكثر الله من أمثال باحثنا الكريم الستاذ محمد مسعد ياقوت‪،‬‬
‫ما فوق علم‪،‬‬ ‫وأمده بعونه‪ ،‬وحفظه‪ ،‬وزاده إيماًنا مع إيمان‪ ،‬وعل ً‬
‫ونفع به الملة والمة وهدى به البشر‪.‬‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين وكان‬
‫حق علينا نصر المؤمنين‪..‬‬
‫فريد عبد الخالق‬

‫‪8‬‬
9
‫تأملت في الرسالة والرسول‬
‫‪1‬‬
‫بقلم فضيلة الستاذ الدكتور أحمد إدريس الطعان‬

‫حيم ِ‬
‫ن الّر ِ‬
‫م ِ‬
‫ح َ‬ ‫سم ِ الل ّ ِ‬
‫ه الّر ْ‬ ‫بِ ْ‬

‫ك‬‫مال ِ ِ‬‫حيم ِ * َ‬ ‫ن الّر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬‫ن * الّر ْ‬ ‫مي َ‬‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ َر ّ‬
‫ح ْ‬ ‫‪‬ال ْ َ‬
‫صَرا َ‬
‫ط‬ ‫ن * اهْد َِنا ال ّ‬ ‫ست َِعي ُ‬‫ك نَ ْ‬ ‫ك ن َعْب ُد ُ وَإ ِّيا َ‬ ‫ن * إ ِّيا َ‬
‫َ‬ ‫دي ِ‬‫ي َوْم ِ ال ّ‬
‫ب‬
‫ضو ِ‬ ‫مغْ ُ‬ ‫م غ َي ْرِ ال ْ َ‬
‫ت ع َل َي ْهِ ْ‬‫م َ‬‫ن أن ْعَ ْ‬ ‫ذي َ‬‫ط ال ّ ِ‬ ‫صَرا َ‬ ‫م* ِ‬ ‫قي َ‬‫ست َ ِ‬‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ن *‪ ‬آمين ‪.‬‬ ‫ضاّلي َ‬ ‫م وََل ال ّ‬ ‫ع َل َي ْهِ ْ‬
‫والصلة والسلم على سيدنا محمد النبي المي الصادق المين‬
‫وعلى آله وصحبه الطييبين الطياهرين والتيابعين لهيم بإحسيان‬
‫إلى يوم الدين ‪ ،‬وبعد ‪:‬يشعر الكاتب بالضآلة حين ينوي الكتابيية‬
‫عن سيد البشر محمد رسول الله ‪ ، ‬لنه ل يجد في قاموسه‬
‫العبارات التي تترجم الشعور بأمانة للقارئ ‪ ،‬يكفيه أن رّبه عز‬
‫وجل وصفه بقوله ‪:‬‬
‫ظيم ٍ ‪ ]‬سورة القلم آية ‪.[4 :‬‬ ‫ق عَ ِ‬ ‫ك ل ََعلى ُ ُ‬ ‫‪‬وَإ ِن ّ َ‬
‫خل ٍ‬
‫إن هذه الجملة تتعاقب فيها كما هو واضييح ‪ -‬لميين يتييذوق لغيية‬
‫العرب ‪ -‬عناصر المدح والثناء بإلحاح شديد ‪.‬‬
‫كما يقف الكاتب حائرا ً وهو يتأمل في قوله عز وجل‪:‬‬
‫َ‬
‫ن ‪ ] ‬سورة النبياء آية‬ ‫ة ل ِل َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫م ً‬ ‫ك إ ِّل َر ْ‬
‫ح َ‬ ‫سل َْنا َ‬ ‫‪ ‬وَ َ‬
‫ما أْر َ‬
‫‪[ 107‬‬
‫فهو عز وجل يحصر رسالة المصطفى ‪ ‬في الرحمة‬
‫العالمية ‪ ،‬الرحمة الشاملة ‪ ،‬فهل تبقى أية قيمة لحديث البشر‬
‫بعد هذا الثناء الرباني والتوجيه الرحماني ؟!‬
‫لقد كان قلبه يفيض بالرحمة مذ كان طفل ً كيف ل وقد‬
‫غسلته الملئكة الكرام بها ‪ -‬أي بالرحمة ‪ -‬يوم كان يرعى‬
‫الغنام مع أبناء حليمة ! ‪ .‬ولقد رقق اليتم قلبه إذ ُولد يتيم الب‬
‫فلم يحظ بحنان البوة ‪ ،‬وحين ذهب ذات يوم مع أمه لزيارة قبر‬
‫أبيه ماتت أمه في الطريق فغسلت دموع أجفانه صفحات‬
‫قلبه ‪.‬‬
‫معدما ً يرعى الغنم على قراريط‬ ‫وهذبه الفقر حين عاش ُ‬
‫لهل مكة‪ ،‬فعاش حياة الفقراء واليتامى‪ ،‬يشعر بمشاعرهم‬
‫ويتألم بآلمهم ‪ ،‬فأكسبه ذلك حسا ً مرهفا ً وشعورا ً نبيل ً دفعه‬
‫‪ 1‬الكاتب السلمي والستاذ بكلية الشريعة جامعة دمشق‬

‫‪10‬‬
‫لمباشرة العمل بالتجارة‪ ،‬حتى ل يكون عبئا ً ثقيل ً على عمه أبي‬
‫طالب ‪ ،‬فخالط الناس وعاشر أصنافهم ‪ ،‬وخبر أخلقهم ‪ ،‬وأخذ‬
‫وأعطى بيعا ً وشراء ليعيش الواقع كما هو بحلوه ومره‪ ،‬برخائه‬
‫وشدته ‪.‬‬
‫حّبب الله جل وعل إليه‬ ‫ولكي ل ينجرف في تيار الواقع َ‬
‫الخلء ليعتزل الناس ‪ ،‬ويخلو بنفسه يراجعها يحاسبها ‪ ،‬ويعتني‬
‫بقلبه تزكية وتطهيرا ً ‪ ،‬ويتجه إلى ربه عز وجل تعبدا ً وتلقيا ً‬
‫وتفكيرا ً ‪.‬‬
‫ولم يكن ذلك صدفة بل كان تقديرا ً إلهيًا‪ ،‬وتدبيرا ً ربانيا ً‬
‫لرجل اختاره الباري جل شانه لعظم مهمة على مر الدهور‪،‬‬
‫مهمة الرسالة الخاتمة ‪ ،‬والرحمة الشاملة ‪.‬‬
‫إنها مهمة ذات وجهين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬الصلة مع الله عز وجل ‪ ،‬والنخراط في عالم‬
‫الملكوت‪ ،‬والنسلخ من عالم الملك والشهادة‪ ،‬والتلقي عن الله‬
‫تبارك وتعالى ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬التواصل مع الناس على سبيل البلغ والبيان‬
‫والهداية ‪.‬‬
‫إنها مهمة عظيمة وخطيرة‪ ،‬إنها مفترق الطرق بين عالم‬
‫الشهادة وعالم الغيب ‪ ،‬عالم الدنيا وعالم الخرة ‪ ،‬إنها صلة‬
‫الوصل بين عالمين ‪.‬‬
‫ولذلك هيأه الله عز وجل ورباه لتحمل هذه المهمة‪ ،‬فاتصل‬
‫بالناس‪ ،‬وعرك الحياة بمرها ومرارها ‪ ،‬وخل بربه عز وجل ليصفو‬
‫قلبه من أدران الكون‪ ،‬فيتهيأ عقله وتستعد روحه للتلقي عن‬
‫ون عز وجل ‪.‬‬ ‫المك ّ‬
‫إن أصعب مهمة يعاني منها الدعاة اليوم هي النسلخ من‬
‫واقعهم العاجي والنخراط في الواقع العادي للناس ‪ .‬يعيش‬
‫الداعية معاني اليمان والهداية والتقوى فتصفو روحه وتميل إلى‬
‫الكتفاء بربها عز وجل خلوة وعبادة وتبتل ً ‪ ،‬فإذا ما شعر‬
‫بالمسؤولية تجاه الناس تبرمت روحه وضاقت‪ ،‬لنه يريد العودة‬
‫بها من جديد إلى عالم الذى والهوى‪.‬‬
‫هذا على مستوى الدعاة المخلصين من آحاد المة فكيف‬
‫بالمصطفى ‪ ‬؟! إن حالته من أشق الحالت ‪ ،‬لنها تتضمن‬
‫النسلخ من البشرية إلى الملئكية لتلقي الوحي‪ ،‬ثم الوب من‬
‫جديد إلى عالم البشر ‪ ،‬لتحمل مسؤولية كبرى ! ‪ ،‬وهل يرضى‬

‫‪11‬‬
‫النسان الذي يدخل الجنة ويعيش نعيمها وسعادتها أن يعود إلى‬
‫دنيا الهموم والحزان ؟!‬
‫إن أمر النتقال من عالم الشهادة إلى عالم الغيب أو من‬
‫عالم الملكوت إلى عالم الملك أشق – فيما أحسب ‪ -‬مما‬
‫نتصور إذا ما نظرنا إلى المر من زاوية السباب فقط‪.‬‬
‫ومن هنا كانت رسالة المصطفى ‪ ‬هدفها المحوري هو‬
‫الرتقاء بالبشرية‪ ،‬والصعود بالنسانية من المستوى البهيمي أول ً‬
‫إلى المستوى النساني ‪ ،‬ثم من أدنى درجة في النسانية إلى‬
‫أعلى درجة فيها حيث تبدأ الرتبة الملئكية ‪.‬‬
‫إذن فالنسانية التائهة والبشرية الضائعة وجدت ضالتها في‬
‫بعثة النبي ‪ ‬من حيث السمو والرفعة والمان‪ ،‬لن الهدف هو‬
‫النسان والغاية هي سعادته ونجاته‪.‬‬
‫وإذا ما نظرنا في جوانب هذه البعثة السيمحاء سينجد ذليك‬
‫متجليا ً في مختلف الوامر والنييواهي ‪،‬سييواء القضييايا العقدييية أو‬
‫الوصايا الخلقية أو المسيائل التشريعية ‪.‬‬
‫فللنسان تساؤلته الكبرى منذ أن ولد على ظهر هذه‬
‫الرض ‪ :‬من أنا ؟ ومن أين أتيت ؟ وكيف أتيت ؟ ولماذا أتيت ؟‬
‫وإلى أين المصير ؟ وما الغاية ؟ ولقد تتابع الوحي اللهي تترا‬
‫ُ‬ ‫سل ََنا ت َت َْرا ك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫م ً‬‫جاءَ أ ّ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َ‬ ‫سل َْنا ُر ُ‬
‫م أْر َ‬ ‫كما قال عز وجل‪ :‬ث ُ ّ‬
‫ث‬
‫حاِدي َ‬ ‫َ‬ ‫عل َْنا ُ‬ ‫رسول ُها ك َذّبوه َ َ‬
‫مأ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ج َ‬
‫و َ‬
‫ضا َ‬ ‫ع ً‬ ‫م بَ ْ‬‫ه ْ‬
‫ض ُ‬
‫ع َ‬ ‫عَنا ب َ ْ‬‫فأت ْب َ ْ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫مُنونَ ‪] ‬سورة المؤمنون آية ‪. [ 44‬‬ ‫ؤ ِ‬‫وم ٍ َل ي ُ ْ‬ ‫دا ل ِ َ‬
‫ق ْ‬ ‫ع ً‬ ‫َ‬
‫فب ُ ْ‬
‫لكي يطمئن النسان ويريحه‪ ،‬ويحل له ألغاز الوجود‪،‬‬
‫وينقذه من عذاب التساؤلت‪ ،‬وظلم الحيرة ‪ ،‬وقلق الشك‪،‬‬
‫وكلما ابتعد النسان عن منارة الوحي هاجمته شكوكه‪ ،‬وأقبلت‬
‫عليه وساوسه‪ ،‬واستبد به شياطين النس والجن‪ ،‬وأحدق به‬
‫أنصار الشر والفساد ‪ .‬فأراد الله عز وجل لهذه البشرية الهائمة‬
‫رسالة خالدة‪ ،‬تحمل أجوبة خالدة‪ ،‬تظل ماثلة أمام العقول‪،‬‬
‫وملمسة شغاف القلوب‪ ،‬فكانت بعثة المصطفى ‪ ‬ومعجزته‬
‫الخالدة المشرقة في القرآن الكريم ‪.‬‬
‫ومن نعم الله عز وجل ورحمته بهذه المة أنه تفضل عليها‬
‫)‪( 1‬‬
‫بالقرآن ومثله معه ‪‬أل إني أوتيت القرآن ومثله معه ‪‬‬
‫ليكون بيانا ً ساطعًا‪ ،‬ونورا ً مشرقًا‪ ،‬يسد الباب أمام عشاق‬
‫‪ ()1‬سنن أبي داوود ‪ . 324 / 13‬ومسند المام أحمد ‪ 107 / 37‬برقم)‪ ،(16546‬وهو صحيح‪ ،‬ومخرج في‬
‫) تخريج المشكاة ( ) ‪ 163‬و‪( 4247‬‬

‫‪12‬‬
‫الوهام‪ ،‬وخفافيش الظلم‪ ،‬الذين ينشطون لشكلة الواضحات‬
‫وتعويص الهينات ‪ .‬فجاءت بحمد الله عز وجل ‪:‬‬
‫َ‬
‫ت ل َك ُ ْ‬
‫م ِدين َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫مل ْ ُ‬
‫م أك ْ َ‬ ‫و َ‬‫‪ -‬رسالة كاملة شاملة ‪ ‬ال ْي َ ْ‬
‫َ‬
‫م ِديًنا ‪‬‬ ‫سَل َ‬ ‫م اْل ِ ْ‬ ‫ت ل َك ُ ُ‬ ‫ضي ُ‬ ‫وَر ِ‬
‫مِتي َ‬
‫ع َ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬
‫م نِ ْ‬ ‫ت َ‬
‫م ُ‬
‫م ْ‬
‫وأت ْ َ‬‫َ‬
‫] سورة المائدة آية ‪. [ 3‬‬
‫غطت كل جوانب الحياة العقدية والتشريعية والخلقية‪،‬‬
‫وقام جهابذة العلم فيها بما يشبه المعجزة في التعليم والبيان ‪،‬‬
‫والتأليف والبداع في الصول والفقه والحديث والتفسير‬
‫والكلم ‪ ،‬وكل ذلك ظل دائما ً مشدودا ً إلى الصلين العظيمين‬
‫الكتاب والسنة‪.‬‬
‫س َ‬ ‫َ‬
‫د‬
‫ق ْ‬ ‫ها الّنا ُ‬ ‫ددة ‪َ ‬يا أي ّ َ‬ ‫ححة مس ّ‬ ‫هادية منيرة مص ّ‬ ‫‪-‬‬
‫َ‬
‫مِبيًنا ‪‬‬ ‫م ُنوًرا ُ‬ ‫وأن َْزل َْنا إ ِل َي ْك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ها ٌ‬ ‫م ب ُْر َ‬ ‫جاءَك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫جاءَك ُ ْ‬
‫م‬ ‫قدْ َ‬ ‫ب َ‬ ‫ل الك َِتا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫] سورة النساء آية ‪َ [ 174‬يا أ ْ‬
‫ب‬ ‫ن ال ْك َِتا ِ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫فو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫م ك َِثيًرا ِ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫سول َُنا ي ُب َي ّ ُ‬ ‫َر ُ‬
‫ن*‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ب ُ‬ ‫وك َِتا ٌ‬ ‫ه ُنوٌر َ‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫جاءَك ُ ْ‬ ‫قدْ َ‬ ‫ر َ‬ ‫ن ك َِثي ٍ‬ ‫ع ْ‬ ‫فو َ‬ ‫ع ُ‬‫وي َ ْ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ه ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫ر ُ‬ ‫خ ِ‬‫وي ُ ْ‬ ‫سلم ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫سب ُ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫وان َ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ر ْ‬ ‫ع ِ‬ ‫ن ات ّب َ َ‬ ‫ّ‬
‫م ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ه الل ُ‬ ‫دي ب ِ ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫ط‬‫صَرا ٍ‬ ‫م إ َِلى ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫دي ِ‬ ‫ه ِ‬‫وي َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ر ب ِإ ِذْن ِ ِ‬ ‫ت إ َِلى الّنو ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن الظّل ُ َ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫قيم ٍ‪]‬سورة المائدة آية ‪ [ 16 – 15‬تخرج الناس من‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫الظلمات إلى النور ‪ :‬من ظلمة الجهل إلى نور العلم ‪ ،‬ومن‬
‫ظلمة الكفر إلى نور اليمان ‪ ،‬ومن ظلمة المعصية إلى نور‬
‫الطاعة ‪ ،‬ومن ظلمة الشك إلى نور اليقين‪ ،‬ومن ظلمة الخوف‬
‫إلى نور الرجاء والمان‪ ،‬ومن ظلمة الجور إلى نور العدل‬
‫والقسط ‪ ،‬ومن ظلمة العصبية والجاهلية إلى نور الخوة‬
‫النسانية ‪.‬‬
‫‪ -‬واضحة بينة‪ " :‬بيضاء ليلها كنهارها ل يزيغ عنها إل هالك‬
‫" )‪ ( 1‬ل لبس فيها ول غموض‪ ،‬ول رموز ول كتمان ‪ ،‬إنها أجلى‬
‫من الشمس في رابعة النهار غير أن العشى ل يراها والعمى ل‬
‫يستفيد من نورها ‪.‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫دي ِ‬‫في ال ّ‬ ‫م ِ‬‫عل َي ْك ُ ْ‬‫ل َ‬ ‫ع َ‬‫ج َ‬
‫ما َ‬ ‫‪ -‬ليس فيها حرج ‪َ  :‬‬
‫و َ‬
‫ج ‪ ] ‬سورة الحج آية ‪[ 78‬‬ ‫حَر ٍ‬ ‫َ‬
‫ها‬‫ع َ‬
‫س َ‬‫و ْ‬‫سا إ ِّل ُ‬
‫ف ً‬ ‫ه نَ ْ‬ ‫ف الل ّ ُ‬
‫سهلة يسيرة ‪َ :‬ل ي ُك َل ّ ُ‬ ‫‪-‬‬
‫ها ‪ ]‬سورة البقرة آية ‪ "" [ 286‬إن هذا الدين يسر ولن‬ ‫لَ َ‬

‫‪ ()1‬راجع سنن أبي داوود – المستدرك على الصحيحين للحاكم – مسند المام أحمد – سنن ابن ماجه – المعجم‬
‫الكبير للطبراني ‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫)‪( 1‬‬
‫‪ "" .‬يسروا ول تعسروا وسكنوا‬ ‫يشاد الدين أحد إل غلبه ‪" ..‬‬
‫ول تنفروا "" )‪. ( 2‬‬
‫‪ -‬فيها تنوع وثراء في تشريعاتها وتوجيهاتها‪ ،‬تمد الوجود‬
‫الواقعي والحياتي دائما ً بمعطياتها ونصائحها دون عسف أو غمط‬
‫للواقع‪ ،‬ودون إهمال أو تفريط به ‪.‬‬
‫وفيها تنوع في خطابها بحسب أصناف الناس‬ ‫‪-‬‬
‫وقدراتهم وطاقاتهم من تقاعس أو نشاط‪ ،‬وقوة أو ضعف ‪،‬‬
‫فتشجع القوي والنشيط وتحثه على المزيد "" المؤمن القوي‬
‫خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف"" )‪ ( 3‬ولكنها ل تقنط‬
‫الضعيف والفقير "" ففي كل خير "" ‪ -‬وتراعي حال المريض‬
‫عَلى‬ ‫وَل َ‬ ‫ء َ‬ ‫فا ِ‬ ‫ع َ‬ ‫ض َ‬ ‫عَلى ال ّ‬ ‫س َ‬ ‫والمحرج والمضطر ‪‬ل َي ْ َ‬
‫ذا‬ ‫ج إِ َ‬‫حَر ٌ‬ ‫ن َ‬ ‫قو َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ما ي ُن ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ن َل ي َ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫عَلى ال ّ ِ‬ ‫وَل َ‬ ‫ضى َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫والل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ل َ‬ ‫سِبي ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬‫عَلى ال ْ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ه َ‬ ‫سول ِ ِ‬ ‫وَر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫حوا ل ِل ّ ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫نَ َ‬
‫عَلى‬ ‫س َ‬‫م ‪] ‬سورة التوبة آية ‪[ 91 :‬ل َي ْ َ‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫غ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ض‬
‫ري ِ‬ ‫م ِ‬‫عَلى ال ْ َ‬ ‫وَل َ‬ ‫ج َ‬ ‫حَر ٌ‬ ‫ج َ‬ ‫عَر ِ‬ ‫عَلى اْل ْ‬ ‫وَل َ‬ ‫ج َ‬ ‫حَر ٌ‬ ‫مى َ‬ ‫ع َ‬ ‫اْل ْ‬
‫وَل‬ ‫غ َ‬ ‫غي َْر َبا ٍ‬ ‫ضطُّر َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ج‪ ]‬سورة النور آية ‪َ  [ 61 :‬‬ ‫حَر ٌ‬ ‫َ‬
‫م ‪ ]‬سورة البقرة آية‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫ه َ‬
‫غ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫عل َي ْ ِ‬
‫م َ‬ ‫فَل إ ِث ْ َ‬‫عاٍد َ‬ ‫َ‬
‫‪[ 173‬‬
‫ول تؤيس العاصي والمخطئ بل تدعوه إلى التوبة‬ ‫‪-‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫حو َ‬ ‫م تُ ْ‬
‫فل ِ ُ‬ ‫علك ُ ْ‬ ‫نل َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ها ال ُ‬ ‫عا أي ّ َ‬
‫مي ً‬‫ج ِ‬‫ه َ‬ ‫وُتوُبوا إ ِلى الل ِ‬ ‫‪َ ‬‬
‫‪] ‬سورة النور آية ‪  [ 31‬إّل ال ّذين َتابوا َ‬
‫وب َي ُّنوا‬‫حوا َ‬ ‫صل َ ُ‬‫وأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ ِ‬
‫م ‪ ] ‬سورة‬ ‫ب َ َ‬ ‫فُأول َئ ِ َ َ‬
‫َ‬
‫حي ُ‬
‫ب الّر ِ‬ ‫وا ُ‬
‫وأَنا الت ّ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫علي ْ ِ‬ ‫ك أُتو ُ‬
‫البقرة آية ‪.[160 :‬‬
‫)‪( 4‬‬
‫‪.‬‬ ‫"" التائب من الذنب كمن ‪""..‬‬
‫ول تقطع أمل المنحرف والمسرف على نفسه بل‬ ‫‪-‬‬
‫ن‬‫ذي َ‬‫ي ال ّ ِ‬‫عَباِد َ‬
‫ل َيا ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫تفتح له نافذة من الرجاء والمل ‪ُ ‬‬
‫ن‬ ‫ة الل ّ ِ‬
‫ه إِ ّ‬ ‫م ِ‬
‫ح َ‬
‫ن َر ْ‬
‫م ْ‬‫طوا ِ‬ ‫قن َ ُ‬‫م َل ت َ ْ‬ ‫ه ْ‬‫س ِ‬‫ف ِ‬‫عَلى أ َن ْ ُ‬
‫فوا َ‬ ‫سَر ُ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬
‫م‪‬‬ ‫حي ُ‬‫فوُر الّر ِ‬ ‫غ ُ‬‫و ال ْ َ‬‫ه َ‬
‫ه ُ‬ ‫عا إ ِن ّ ُ‬
‫مي ً‬‫ج ِ‬‫ب َ‬‫فُر الذُّنو َ‬ ‫غ ِ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ه يَ ْ‬
‫] سورة الزمر آية ‪ [ 53‬لحظ كيف يصف المسرفين بأنهم‬
‫عباده ويضيفهم إلى نفسه سبحانه وتعالى ‪ ،‬ثم ينهاهم عن‬
‫القنوط واليأس من رحمة الله ‪ ،‬ثم يعدهم بمغفرة الذنوب‬
‫جميعا ً دون استثناء ‪ ،‬ثم يعقب ذلك بوصف نفسه جل وعل‬
‫راجع صحيح البخاري برقم )‪ – (38‬وسنن النسائي ‪.‬‬ ‫‪( )1‬‬
‫راجع صحيح البخاري – وصحيح مسلم ‪.‬‬ ‫‪( )2‬‬
‫راجع صحيح مسلم وسنن النسائي وابن ماجه ‪.‬‬ ‫‪( )3‬‬
‫سنن البيهقي الكبرى وشعب اليمان للبيهقي أيضًا وسنن ابن ماجه والمعجم الكبير للطبراني ‪.‬‬ ‫‪()4‬‬

‫‪14‬‬
‫بالمغفرة والرحمة ‪ .‬ثم تأمل في هذه الية كم فيها من معاني‬
‫ش ً َ‬ ‫عُلوا َ‬
‫و‬‫ةأ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫فا ِ‬ ‫ذا َ‬
‫ف َ‬ ‫ن إِ َ‬ ‫وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫الرجاء للعصاة والمذنبين ‪َ ‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫و َ‬‫م َ‬ ‫فُروا ل ِذُُنوب ِ ِ‬
‫ه ْ‬ ‫غ َ‬ ‫ست َ ْ‬
‫فا ْ‬ ‫ه َ‬ ‫م ذَك َُروا الل ّ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫س ُ‬ ‫موا أ َن ْ ُ‬
‫ف َ‬ ‫ظَل َ ُ‬
‫م‬
‫ه ْ‬‫و ُ‬‫عُلوا َ‬ ‫ما َ‬
‫ف َ‬ ‫عَلى َ‬ ‫صّروا َ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫ب إ ِّل الل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫فُر الذُّنو َ‬ ‫غ ِ‬‫يَ ْ‬
‫ن ‪ ] ‬سورة آل عمران آية ‪[ 135‬‬ ‫مو َ‬‫عل َ ُ‬‫يَ ْ‬
‫وي بين الكسول‬ ‫كما أنها بعدلها وإنصافها ل تس ّ‬ ‫‪-‬‬
‫المتقاعس والنشيط الجاد‪ ،‬ول بين المهمل المقصر وصاحب‬
‫الهمة والعزيمة ‪ ،‬بل تفتح الباب لكل واحد منهما للرقي‬
‫والسمو ‪ ،‬وذلك عبر المراتب الثلث ‪ :‬السلم واليمان‬
‫والحسان ‪.‬‬
‫فمن أراد أن يرقى فدونه الجبل ل أحد يمنعه‪ ،‬ودونه القمة‬
‫عى‬ ‫س َ‬ ‫و َ‬ ‫خَرةَ َ‬ ‫ن أ ََرادَ اْل َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫فليتسلق إليها ل أحد يدفعه ‪َ .‬‬
‫كوًرا‬ ‫ش ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫عي ُ ُ‬‫س ْ‬‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ك َ‬ ‫فُأول َئ ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ٌ‬ ‫ؤ ِ‬‫م ْ‬ ‫و ُ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫ها َ‬ ‫عي َ َ‬ ‫س ْ‬‫ها َ‬ ‫لَ َ‬
‫‪ ]‬سورة السراء آية ‪ [ 19‬فمن يعمل ويسعى ويجاهد ليس‬
‫م‬
‫ه ْ‬ ‫دي َن ّ ُ‬‫ه ِ‬‫فيَنا ل َن َ ْ‬ ‫دوا ِ‬ ‫ه ُ‬‫جا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬ ‫كمن ينام ويتقاعس ‪َ ‬‬
‫ن ‪] ‬سورة العنكبوت آية ‪6‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ع ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫وإ ِ ّ‬ ‫سب ُل ََنا َ‬ ‫ُ‬
‫وليس الناس على درجة واحدة من الهمة والعزيمة والقصد ‪‬‬
‫صط َ َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫عَباِدَنا َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫في َْنا ِ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫وَرث َْنا ال ْك َِتا َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ثُ ّ‬
‫ت‬
‫خي َْرا ِ‬ ‫ق ِبال ْ َ‬ ‫ساب ِ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫و ِ‬‫صدٌ َ‬ ‫قت َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫و ِ‬ ‫ه َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ل ِن َ ْ‬ ‫ظال ِ ٌ‬‫َ‬
‫ل ال ْك َِبيُر ‪ ] ‬سورة فاطر آية ‪32‬‬ ‫ض ُ‬ ‫ف ْ‬ ‫و ال ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ك ُ‬ ‫ه ذَل ِ َ‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫ب ِإ ِذْ ِ‬
‫[‬
‫طموح ويعلم أبناءه الطموح والهمة العالية ""‬ ‫‪ -‬والسلم َ‬
‫يقال لقارئ القرآن اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل‬
‫)‪( 1‬‬
‫ي بالعمل ‪،‬بل وبإتقان العمل‬ ‫ويربط الرق ّ‬ ‫في الدنيا ‪"...‬‬
‫أيضًا‪ ،‬ويدعو أبناءه إلى طلب القمة والسعي إليها "" إذا‬
‫)‪( 2‬‬
‫سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس العلى ""‬
‫هذه رسالة محمد ‪ ، ‬رسالة النسان ‪ ،‬رسالة السعادة ‪،‬‬
‫رسالة الحضارة رسالة العدالة ‪ ،‬رسالة الرحمة ‪ .‬ل تنظر إليها‬
‫وف إلى سعادة النسان‬ ‫من زاوية من الزوايا إل وتجد فيها التش ّ‬
‫وراحته ‪ ،‬ومنفعته وقد يدرك النسان أبعاد هذه المنفعة‬
‫والسعادة وقد تخفى عنه فل يلحظها إل بعد حين ‪.‬‬
‫إنها رسالة تراعي سر الخلق في كيان النسان‪ ،‬لنها تنزيل‬
‫َ‬
‫ف‬
‫طي ُ‬‫و الل ّ ِ‬
‫ه َ‬
‫و ُ‬ ‫خل َ َ‬
‫ق َ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫عل َ ُ‬
‫م َ‬ ‫من العليم الخبير ‪ ‬أَل ي َ ْ‬

‫‪.‬‬ ‫‪ ()1‬سنن الترمذي وسنن النسائي الكبرى وصحيح ابن حبان ومسند المام أحمد والمعجم الكبير للطبراني ‪.‬‬
‫‪ ()2‬صحيح ابن حبان والمعجم الكبير للطبراني ‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫ون من جسد‬ ‫خِبيُر ‪ ]‬سورة الملك آية ‪ [ 14‬فالنسان مك ّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫س وعقل وقلب وروح ‪ ،‬هذه هي كينونة النسان‪ ،‬وكل جزءٍ‬ ‫ونف ٍ‬
‫من هذه الكينونة له متطلباته وحاجاته‪ ،‬له غذاؤه الذي يليق به ‪،‬‬
‫فجاءت رسالة السلم خاتمة الرسائل متوائمة مع متطلبات‬
‫هذه الكينونة‪ ،‬تقيم التوازن في تلبية حاجاتها‪ ،‬وإن أي خلل في‬
‫تلبية أجزاء هذه الكينونة يؤدي إلى شقاء النسان‪ ،‬فللروح غذاء‬
‫العبادة والتبتل‪ ،‬وللجسد غذاء الطعام والشراب‪،‬وللنفس‬
‫الطيبات من الرزق‪ ،‬وللعقل العلم والمعرفة ‪ ،‬وللقلب التفكر‬
‫والتدبر ‪ ،‬وإذا ما طغى جانب من هذه الجوانب على غيره فإنه‬
‫يؤدي إلى اختلل في توازن النسان ‪ ،‬وانفراط في نظامه‬
‫ن لَ ُ‬
‫ه‬ ‫فإ ِ ّ‬‫ري َ‬‫كْ ِ‬ ‫ن ِذ‬ ‫ع ْ‬
‫ض َ‬ ‫عَر َ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫م ْ‬‫و َ‬‫فيشقى النسان ‪َ ‬‬
‫مى ‪ ]‬سورة طه‬ ‫َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ضن ْ ً‬ ‫عي َ‬
‫ع َ‬‫ةأ ْ‬ ‫م ِ‬
‫قَيا َ‬ ‫و َ‬‫شُرهُ ي َ ْ‬ ‫ون َ ْ‬
‫كا َ‬ ‫ة َ‬‫ش ً‬ ‫م ِ‬‫َ‬
‫آية ‪. [ 124‬‬
‫فجاءت رسالة محمد ‪ ‬رسالة الرحمة لتحفظ نظام الكيان‬
‫النساني من النفراط‪ ،‬وعقد الكينونة من الختلل‪ ،‬فأعطت‬
‫عي ْن ِ َ‬
‫ك‬ ‫ن لِ َ‬‫وإ ِ ّ‬ ‫قا ‪َ ،‬‬ ‫ح ّ‬ ‫ك َ‬‫عل َي ْ َ‬
‫ك َ‬‫د َ‬‫س ِ‬ ‫ج َ‬‫ن لِ َ‬ ‫كل ذي حق حقه "" َ‬
‫فإ ِ ّ‬
‫عل َي ْ َ‬
‫ك‬ ‫ك َ‬ ‫ر َ‬ ‫و ِ‬ ‫ن ل َِز ْ‬‫وإ ِ ّ‬ ‫قا ‪َ ،‬‬ ‫ح ّ‬ ‫ك َ‬‫عل َي ْ َ‬
‫ك َ‬ ‫ج َ‬ ‫و ِ‬ ‫ن ل َِز ْ‬
‫وإ ِ ّ‬
‫قا ‪َ ،‬‬ ‫ح ّ‬‫ك َ‬‫عل َي ْ َ‬
‫َ‬
‫ورفضت نظام الترهبن والنسحاب من الحياة‬ ‫)‪( 1‬‬
‫قا‪""...‬‬ ‫ح ّ‬ ‫َ‬
‫"" أما إني لخشاكم لله وأتقاكم له وإني أصوم‬
‫وأفطر وأصلي وأرقد ‪ ،‬وأتزوج النساء فمن رغب عن‬
‫سنتي فليس مني "" )‪. ( 2‬‬
‫فكانت تشريعا ً معجزا ً بديعًا‪ ،‬تستطيع أن تقول وأنت واثق‬
‫من نفسك ‪ :‬إن نظام الرسالة المحمدية الكوني ينسجم تماما ً‬
‫ل رائع آيات القرآن مع آيات الكون‪،‬‬ ‫مع الكون‪ ،‬وتتطابق بشك ٍ‬
‫ل عجيب مع‬ ‫كذلك إن نظام الرسالة التشريعي يتطابق بشك ٍ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫م َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫نظام الكينونة النسانية فردا ً ومجتمعا ً ‪ ‬أَل ي َ ْ‬
‫خِبيُر ‪ ]‬سورة الملك آية ‪. [ 14‬‬ ‫ف ال ْ َ‬ ‫طي ُ‬‫و الل ّ ِ‬ ‫ه َ‬‫و ُ‬
‫ق َ‬‫خل َ َ‬ ‫َ‬
‫هذه رسالة السلم ‪ ،‬رسالة النسان ‪ ،‬رسالة الرحمة اللهية‬
‫‪ ،‬وفي كثير من الحيان يجهل النسان بدوافع من رغباته‬
‫وأهوائه كم هو محظوظ‪ ،‬لنه يتقلب في ربيع النعمة اللهية ‪،‬‬
‫والبركة المحمدية فيعرض النسان فردا ً أو جماعة عن الحتماء‬
‫بمظلة السلم ‪ ،‬ويهيم ملحقا ً شهواته في فيافي الوهام‪،‬‬
‫ومفاوز الثام ول يكتشف ضلله وضياعه إل بعد فوات الوان ‪،‬‬
‫وكان يكفي النسان لكي يقي نفسه هذا الضلل والتيه أن يثق‬

‫‪ ()1‬صحيح البخاري – وسنن النسائي وصحيح ابن حبان وغيرهما ‪.‬‬


‫‪ ()2‬صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما ‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫بربه عز وجل‪ ،‬ويقبل رسالته الهادية‪ ،‬ويقبل رسوله المبّلغ‬
‫شر‪ ،‬ويعتصم بحبله المتين ‪،‬ونوره المبين‪ ،‬فيوفر على نفسه‬ ‫المب ّ‬
‫ألوانا ً من الضنك وأشكال ً من الخيبة في مسيرة الحياة ‪.‬‬
‫وهذا ما عمل وجاهد من أجله النبياء جميعا ً عبر الحقاب‬
‫الزمنية المتوالية‪ ،‬ثم جاء خاتمهم المصطفى ‪ ‬ليكمل البناء‬
‫وينير الطريق وينشر العدل ويتمم الهداية ‪.‬‬
‫فكان ‪ ‬المثل العلى للبشرية في الخلق والعمال‪ ،‬وكان‬
‫السوة الحسنة لمن أراد أن يرقى في مدارج الكمال‪ ،‬وكان‬
‫النموذج المتألق في التأنق والتحضر والجمال‪ ،‬وكان العلم‬
‫الباسق في الرزانة والرصانة والثقة والتزان والعتدال ‪.‬‬
‫ولم يكن منفصل ً عن الناس يعيش في برجه العاجي‪ ،‬بل‬
‫كان يأكل مما يأكلون ويشرب مما يشربون وينام كما ينامون ‪.‬‬
‫"" ينام على الحصير فيؤثر في جنبه حتى يبكي سيييدنا عميير‬
‫)‪( 1‬‬
‫تأثرا ً على حال رسول الله صلى الله عليه وسلم ""‬
‫"" وتمر الليالي والشهور ول يوقد في بيته نار ""‬
‫)‪ ( 2‬أي ل يوجد ما يطبخونه‪.‬‬
‫)‪( 3‬‬
‫"" ويشد الحجر على بطنه من الجوع ""‬
‫"" ويمر على نسائه فل يجد طعاما ً فيقول إني‬
‫صائم "" )‪. ( 4‬‬
‫"" ويطوي اليام ثم إذا وجد الخل أكل منه فحمد‬
‫)‪( 5‬‬
‫الله ثم قال نعم الدام الخل "" ‪.‬‬
‫ما‬
‫ه َ‬‫عل َي ْ ِ‬
‫زيٌز َ‬ ‫ع ِ‬
‫م َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬‫ن أ َن ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫سو ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫جاءَك ُ ْ‬
‫قدْ َ‬‫َ‪َ ‬‬
‫م‪...‬‬ ‫حي ٌ‬
‫ف َر ِ‬ ‫ءو ٌ‬ ‫ن َر ُ‬‫مِني َ‬ ‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫م ِبال ْ ُ‬‫عل َي ْك ُ ْ‬‫ص َ‬ ‫ري ٌ‬‫ح ِ‬
‫م َ‬ ‫عن ِت ّ ْ‬
‫َ‬
‫فسنا‪،‬‬‫فسنا ومن أن َ‬ ‫] سورة التوبة آية ‪ . [ 128‬أجل إنه ‪ ‬من أن ُ‬
‫حريص علينا ‪،‬شفوق بنا ‪،‬يحزنه عصياننا وانحرافنا‪ ،‬رؤوف رحيم‬
‫بنا ‪ ،‬يقف على الصراط ويقول ‪:‬‬

‫‪ ()1‬صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما ‪.‬‬


‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه أ َك ْ ُ‬ ‫ل َ‬
‫ن‬‫م ْ‬‫جَر ِ‬ ‫ح َ‬‫ه لي َْرب ِط ع َلى ب َطن ِهِ ال َ‬ ‫حّتى إن ّ ُ‬ ‫صب ََر َ‬‫ن أع ْوََزه ُ َ‬ ‫سَر فَإ ِ ْ‬ ‫ما ت َي َ ّ‬ ‫ل َ‬ ‫ن هَد ْي ُ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫‪ ()2‬ب َ ْ‬
‫ل وََل ُيوقَد ُ ِفي ب َي ْت ِهِ َناٌر ‪ .‬راجع زاد المعاد لبن القيم‬ ‫ل َوال ْهَِل ُ‬ ‫ل َوال ْهَِل ُ‬ ‫جوِع وَي َُرى ال ْهَِل ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫‪.. 1 / 142‬‬
‫‪ ()3‬راجع تهذيب الثار للطبري ‪ 3 / 21‬وحلية الولياء لبي نعيم ‪ 2 / 137‬والسيرة النبوية لبن كثير ‪/ 188‬‬
‫‪ . 3‬وسبل الهدى والرشاد ‪. 7 / 104‬‬
‫‪ ()4‬سنن النسائي وسنن البيهقي الكبرى ‪.‬‬
‫جَع َ‬
‫ل‬ ‫عا ِبِه َف َ‬
‫ل‪َ .‬فَد َ‬
‫خّ‬‫ل َ‬
‫عْنَدَنا ِإ ّ‬
‫لُدَم َفَقاُلوا َما ِ‬‫ل َأْهَلُه ا ُ‬
‫سَأ َ‬
‫ى ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪َ -‬‬ ‫ن الّنِب ّ‬‫ل َأ ّ‬‫عْبِد ا ِّ‬‫ن َ‬ ‫جاِبِر ْب ِ‬‫‪ ()5‬عن َ‬
‫ل «‪ .‬أخرجه مسلم ‪.‬‬ ‫خّ‬
‫لُدُم اْل َ‬‫ل ِنْعَم ا ُ‬
‫خّ‬ ‫لُدُم اْل َ‬ ‫ل » ِنْعَم ا ُ‬ ‫ل ِبِه َوَيُقو ُ‬
‫َيْأُك ُ‬

‫‪17‬‬
‫" رب سيييلم رب سيييلم "" )‪ ( 1‬ويطيـــل الســـجود والـــدعاء‬
‫والتبتل يدعو لمته بالنجــاة والســعادة والهدايــة ‪.‬ويــوم‬
‫القيامة يسجد تحت العرش فل يرفع رأسه حــتى يقــال‬
‫له ‪ :‬إرفع رأسك ‪ ،‬وسل تعييط ‪ ،‬واشييفع تشييفع ! فيقييول ‪ :‬يييارب‬
‫أمتي ‪ ( 2) .‬لقد جعل همه هما ً واحدا ً هو رضوان الله جــل‬
‫شأنه ‪ ،‬وتفرع عن هذا الهم حرصــه الشــديد علــى أمتــه‬
‫رحمة ورأفــة ورجــاءً وهــذا مــا يعــبر عنــه هــذا الحــديث‬
‫ع‬ ‫الشريف "" حدث َنا أ َبو الزناد ع َن ع َبد الرحمن أ َنه حدث َ َ‬
‫م َ‬ ‫سي ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ه أن ّ ُ‬ ‫ْ ْ ِ ّ ْ َ ِ ّ ُ َ ّ ُ‬ ‫ّ َ ِ‬ ‫َ ّ َ ُ‬
‫ل الل ّيهِ ‪ -‬صييلى اللييه‬ ‫سييو َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫معَ َر ُ‬ ‫سي ِ‬‫ه َ‬ ‫أَبا هَُري َْرة َ ‪ -‬رضى الله عنه ‪ -‬أن ّي ُ‬
‫ل‬ ‫جي ٍ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫مث َي ِ‬ ‫س كَ َ‬ ‫ل الن ّييا ِ‬ ‫مث َي ُ‬ ‫مث َل ِييى وَ َ‬ ‫مييا َ‬ ‫ل ‪ » :‬إ ِن ّ َ‬ ‫قييو ُ‬ ‫عليييه وسييلم ‪ -‬ي َ ُ‬
‫ل ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ش وَهَيذ ِهِ اليد َّوا ّ‬ ‫فيَرا ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ه َ‬ ‫حوْل َ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ت َ‬ ‫ضاَء ْ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ست َوْقَد َ َناًرا ‪ ،‬فَل َ ّ‬ ‫ا ْ‬
‫ن‬‫مي َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ه فَي َ ْ‬
‫قت َ ِ‬ ‫ن وَي َغْل ِب ْن َي ُ‬ ‫ل ي َن ْزِع ُهُي ّ‬ ‫جعَي َ‬ ‫ن ِفيَها ‪ ،‬فَ َ‬ ‫قعْ َ‬ ‫قعُ ِفى الّنارِ ي َ َ‬ ‫ال ِّتى ت َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جزِك ُ ْ‬ ‫خذ ُ ب ِ ُ‬ ‫ِفيَها ‪ ،‬فَأَنا آ ُ‬
‫)‪( 3‬‬
‫ن ِفيَهييا "" ‪.‬‬ ‫مييو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫قت َ ِ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ن الّنارِ ‪ ،‬وَأن ْت ُ ْ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫ح َ‬
‫إن غايته الكبرى هي نجاة أمته‪ ،‬نجاتها فــي الــدنيا مــن‬
‫دار الغرور ‪ ،‬وفي الخرة من العذاب الحرور ‪ ،‬فهــو لــم‬
‫يكن يخشى علينا الفقر‪ ،‬بل كان خوفه علينا من الــدنيا‬
‫وانبساطها وإغرائها أشد كما قال للنصار ذات يوم ‪» :‬‬
‫َ‬
‫م‪،‬‬ ‫شييى ع َل َي ْك ُي ْ‬ ‫خ َ‬ ‫قيَر أ َ ْ‬ ‫ف ْ‬ ‫مييا ال ْ َ‬ ‫والل ّهِ َ‬ ‫م ‪ ،‬فَ ي َ‬ ‫سيّرك ُ ْ‬ ‫مييا ي َ ُ‬ ‫مُلوا َ‬
‫َ‬
‫شُروا وَأ ّ‬ ‫فَأب ْ ِ‬
‫َ‬ ‫وَل َك ِّنى أ َ ْ‬
‫م‬ ‫ن قَب ْل َك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ع ََلى َ‬ ‫سط َ ْ‬ ‫ما ب ُ ِ‬ ‫م الد ّن َْيا ك َ َ‬ ‫ط ع َل َي ْك ُ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ن ت ُب ْ َ‬ ‫شى أ ْ‬ ‫خ َ‬
‫ها ‪ ،‬وتهل ِك َك ُم ك َ َ‬
‫ما أهْل َك َت ْهُ ْ‬ ‫ما ت ََنافَ ُ‬ ‫ها ك َ َ‬ ‫‪ ،‬فَت ََنافَ ُ‬
‫)‪( 4‬‬
‫م«‪.‬‬ ‫ْ َ‬ ‫َُْ‬ ‫سو َ‬ ‫سو َ‬
‫ك‬ ‫دى ب ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫ه لَ ْ‬ ‫والل ّ ِ‬ ‫ف َ‬‫وقال لسيدنا علي يوم خيبر ‪َ "" :‬‬
‫لنه سيكون‬ ‫)‪( 5‬‬
‫عم ِ «‬ ‫ر الن ّ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫خي ٌْر ل َ َ‬ ‫حدٌ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫َر ُ‬
‫سببا في إنقاذ رجل ‪ -‬بل ربما أسرة ممتدة إلى يوم القيامة ‪ -‬من‬ ‫ً‬
‫الشقاء البدي والجحيم السرمدي ‪.‬‬
‫لقد كانت رسالته ‪ ‬أشبه بالمظلة الباردة في اليوم القائظ‬
‫‪ ،‬وأشبه بالركن الدافئ في البرد القارس ‪ ،‬وأشبه بالغيث الصّيب‬
‫في في السنة الجائحة القاحلة‪ ،‬وهكذا شبه رسول الله ‪ ‬بعثته‬
‫ن‬‫م َ‬‫ل ِ‬ ‫ج ّ‬ ‫و َ‬‫عّز َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه بِ ِ‬ ‫عث َِنى الل ّ ُ‬ ‫ما ب َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫المباركة فقال ‪ » :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ها‬ ‫من ْ َ‬‫ت ِ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ضا َ‬ ‫ب أْر ً‬ ‫صا َ‬ ‫ثأ َ‬ ‫غي ْ ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫مث َ ِ‬ ‫عل ْم ِ ك َ َ‬ ‫وال ْ ِ‬ ‫دى َ‬ ‫ه َ‬‫ال ْ ُ‬
‫ب ال ْك َِثيَر‬ ‫َ‬ ‫قبل َت ال ْماءَ َ َ‬
‫ش َ‬ ‫ع ْ‬ ‫وال ْ ُ‬ ‫ت ال ْك َل َ‬ ‫فأن ْب َت َ ِ‬ ‫َ‬ ‫ة َ ِ ِ‬ ‫ة طَي ّب َ ٌ‬ ‫ف ٌ‬‫طائ ِ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫س‬‫ها الّنا َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ع الل ّ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫فن َ َ‬
‫ماءَ َ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫سك َ ِ‬ ‫م َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫جاِد ُ‬ ‫ها أ َ‬ ‫من ْ َ‬‫ن ِ‬‫كا َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫خَرى‬ ‫ُ‬
‫ها أ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬
‫من ْ َ‬‫ة ِ‬ ‫ب طائ ِف ً‬ ‫صا َ‬ ‫وأ َ‬ ‫وا َ‬ ‫ع ْ‬‫وَر َ‬ ‫وا َ‬ ‫سق ْ‬ ‫و َ‬ ‫ها َ‬ ‫من ْ َ‬‫رُبوا ِ‬ ‫ش ِ‬
‫الحديث في صحيح مسلم ‪.‬‬ ‫‪()1‬‬
‫الحديث في صحيح البخاري ‪.‬‬ ‫‪() 2‬‬
‫الحديث في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما ‪.‬‬ ‫‪() 3‬‬
‫أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما ‪.‬‬ ‫‪()4‬‬
‫أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما ‪.‬‬ ‫‪( )5‬‬

‫‪18‬‬
‫ل‬‫مث َ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫ت ك َل ً َ‬
‫فذَل ِ َ‬ ‫ول َ ت ُن ْب ِ ُ‬ ‫ماءً َ‬ ‫ك َ‬ ‫س ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ل َ تُ ْ‬ ‫عا ٌ‬ ‫قي َ‬ ‫ى ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ما ِ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫م‬‫عل ِ َ‬‫ف َ‬‫ه َ‬ ‫ه بِ ِ‬‫عث َِنى الل ّ ُ‬ ‫ما ب َ َ‬ ‫ه بِ َ‬
‫ع ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ون َ َ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫فى ِدي ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫دى‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ه َ‬ ‫م ي َقب َل ُ‬ ‫ول ْ‬‫سا َ‬ ‫ع ب ِذل ِك َرأ ً‬ ‫م ي َْرف ْ‬ ‫نل ْ‬ ‫م ْ‬ ‫مثل َ‬ ‫و َ‬‫م َ‬ ‫عل َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫أجل إنه ‪ ‬كالغيث الهامع لهذه‬ ‫)‪( 1‬‬
‫ه «‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ت بِ ِ‬ ‫سل ُ‬ ‫ذى أْر ِ‬ ‫ه ال ِ‬ ‫الل ِ‬
‫البشرية الشاخصة إلى السماء ‪ ،‬أحيا الله به قلوبا ً غلفا ً ‪ ،‬وأعينا ً‬
‫عميا ً ‪ ،‬وآذانا ً صما ً ‪ ،‬بل أحيا به الباري عز وجل أمة كانت في‬
‫مجاهيل النسيان ‪ ،‬وبراثن الجهل‪ ،‬ومخالب الشتات والفرقة‪،‬‬
‫فجعل منها أمة محورية بين المم ‪ ،‬وحضارة مركزية بين‬
‫الحضارات‪ ،‬أقامت راية السماحة والمحبة ‪ ،‬ونصبت ميزان العدل‬
‫والمساوة ‪ ،‬وأنارت دروب العلم والمعرفة فكانت مثال ً ُيحتذى‬
‫ونبراسا ً يقتدى ‪.‬‬
‫هذه رسالة محمد ‪ ‬ذلكم الطفل اليتيم الذي نشأ‬
‫وترعرع في ربوع مكة يرعى أغنامها ‪ ،‬ويراقب أحلمها ‪ ،‬ويعايش‬
‫شبابها‪ ،‬ويرافق تجارها‪ ،‬ويخالط زعماءها‪ ،‬ويحضر مجالسها‬
‫وأحلفها – حلف الفضول – ويشارك في حروبها – حرب الفجار –‬
‫فكان مثال ً للرجولة ‪ ،‬وعنوانا ً للخلق‪ ،‬ونبراسا ً للصدق والمانة‪،‬‬
‫فاستحق بجدارة لقب الصادق المين من أعدائه وخصومه قبل‬
‫أقربائه وأصدقائه ‪ .‬فتهيأ لتحمل المسؤولية العظمى بأن يكون‬
‫رسول ً للناس أجمعين‪ ،‬ورحمة مهداة للعالمين‪ ،‬ومبلغا ً ليات‬
‫الوحي المبين ‪.‬‬
‫فكييان ‪‬بييإزاء هييذه النعميية الكييبرى عليييه ‪ ،‬وهييذا الفضييل‬
‫مييا‬ ‫ك َ‬ ‫ميي َ‬‫ة وَع َل ّ َ‬ ‫حك ْ َ‬
‫م َ‬ ‫ب َوال ْ ِ‬ ‫ك ال ْك َِتا َ‬
‫ه ع َل َي ْ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬‫الرباني العظيم ‪ ‬وَأ َن َْز َ‬
‫ما ‪ ]‬سورة النساء آييية‬ ‫ظي ً‬
‫ك عَ ِ‬ ‫ل الل ّهِ ع َل َي ْ َ‬ ‫ض ُ‬‫ن فَ ْ‬ ‫م وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫ن ت َعْل َ ُ‬
‫م ت َك ُ ْ‬ ‫لَ ْ‬
‫‪ [ 113‬ل يرى نفسه إل عبدا ً لله عز وجييل "" يجييوع يوم يا ً فيصييبر‬
‫ويييدعو ويتضييرع إلييى ربييه عييز وجييل ‪ ،‬ويشييبع يوميا ً فيشييكر ربييه‬
‫ويحمده " )‪ ( 2‬يرجو رحمة الله ويخيياف عقييابه سييبحانه وتعييالى‬
‫خ َ َ‬
‫مل ُي ُ‬
‫ه‬ ‫دا ع َ َ‬‫حي ً‬ ‫لأ َ‬ ‫ن ي ُيد ْ ِ‬ ‫أليس هو القائل صلى الله عليه وسلم ‪ » :‬ل َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل الل ّيهِ قَييا َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ل » ل َ ‪ ،‬وَل َ أن َييا إ ِل ّ أ ْ‬ ‫سييو َ‬ ‫ت ي َييا َر ُ‬ ‫ة « ‪َ .‬قاُلوا وَل َ أن ْي َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫جن ّ َ‬
‫مد َِنى الل ّ ُ‬
‫)‪. ( 3‬‬
‫ة«‬ ‫م ٍ‬
‫ح َ‬‫ل وََر ْ‬ ‫ض ٍ‬‫ف ْ‬‫ه بِ َ‬ ‫ي َت َغَ ّ‬
‫وبرغم ما أكرمه الله عز وجل به من النصر العزيز‪،‬‬
‫والفتح المبين لم يشمخ بأنفه إلى السحاب كما يفعل‬
‫‪ ()1‬أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما ‪.‬‬
‫‪ ()2‬عن أبي أمامة الباهلي ‪ ،‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪ » :‬عرض علي‬
‫ربي عز وجل أن يجعل لي بطحاء مكة ذهبا ‪ ،‬فقلت ‪ :‬ل يا رب ‪ ،‬ولكن أجوع يوما‬
‫وأشبع يوما ‪ ،‬فإذا شبعت حمدتك وشكرتك ‪ ،‬وإذا جعت تضرعت إليك ودعوتك «‪ .‬راجع‬
‫شعب اليمان للبيهقي ‪ 21 / 343‬وحلية الولياء لبي نعيم الصبهاني ‪. 8 / 133‬‬
‫‪ ()3‬أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما ‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫القادة عادة ‪ ،‬ولم يصدع رؤوس الناس بعظمته‬
‫كل بأعدائه وخصومه‬‫وانتصاراته كما يفعلون عادة‪ ،‬ولم ُين ّ‬
‫الذين آذوه وطردوه وقتلوا أصحابه وأحبابه‪ ،‬بل قال‬
‫كلمته المشهورة التي ينبغي أن ُتكتب برؤوس البر‬
‫على آماق البصر‪ ،‬وبماء الذهب على شغاف القلب‪ ،‬قال‬
‫‪ "" ‬اذهبوا فأنتم الطلقاء "")‪ ( 1‬لمن ؟!‬
‫لمن طردوه وآذوه أشد الذى‪ ،‬وقاتلوه أشد القتال‪،‬‬
‫وتكالبوا عليه‪ ،‬وأّلبوا عليه العرب‪ ،‬وقتلوا أعز الناس على‬
‫قلبه ! قال لهم ‪ :‬اذهبوا فأنتم الطلقاء ! ‪.‬‬
‫يدخل الفاتحون المنتصرون عادة إلى البلدان‬
‫المهزومة بالزغاريد والشموخ والبهة والعظمة ‪ ،‬فكيف‬
‫دخل المصطفى ‪ ‬مكة المكرمة ؟‬
‫دخل وهو يركب فرسه متواضعا ً متخشعا ً لله عز‬
‫وجل‪ ،‬يترنم بسورة الفتح ويتطلع إلى السماء شاكرا ً‬
‫لربه عز وجل‪ ،‬ومستمطرا ً رحمته وكرمه ‪.‬‬
‫إن حالة دخوله ‪ ‬إلى مكة فاتحا ً منتصرا ً وحوله‬
‫كتيبته الخضراء ‪ ،‬هذه الحالة من التواضع والتذلل في‬
‫مثل هذا الموطن الذي يدعو إلى الزهو والتعاظم‪ ،‬لهي‬
‫رسالة إلى كل عقل حر ‪ ،‬وقلب حي ‪ ،‬وإنسان صادق‬
‫في بحثه عن الحقيقة تخبره عن حقيقة هذا الرجل من‬
‫هو ؟! أهو طالب ملك ؟ ها هو الملك بين يديه فلماذا ل‬
‫يتعاظم به؟ أهو رائد دنيا وعظمة ؟ ها هي الدنيا‬
‫والعظمة تتضاءل بين يديه فلماذا ل يمتلكها ؟ أم هو نبي‬
‫مرسل يرجو رحمة ربه ويخاف عذابه ويبتغي رضوانه ؟‬
‫أجل لقد اقترب منه رجل أعرابي فرأى حوله جنده‬
‫وجيشه غاطسون في الحديد‪ ،‬فأخذته رعدة من الخوف‬
‫فهدأ النبي ‪ ‬من روعه وقال له ‪ :‬ياأخا العرب إنما أنا‬
‫ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة )‪! ( 2‬‬
‫أجل إنه ‪ ‬في هذه اللحظة الحاسمة بعد عشر‬
‫سنوات من الجهاد والحروب ها هي مكة بين يديه ‪،‬‬
‫وأهلها طوع أمره‪ ،‬وعتاتها وطغاتها في قبضته‪ ،‬إنها‬
‫صورة رائعة تدعو إلى التطاول والكبرياء‪ ،‬وتغري‬

‫‪.‬‬ ‫‪ ()1‬انظر السنن الكبرى للبيهقي وسيرة ابن هشام وسائر المصنفات في السيرة أثناء الحديث عن فتح مكة‬
‫‪()2‬سنن أبي داود )‪ (3303‬وهو في " السلسلة الصحيحة " ‪496 / 4‬‬

‫‪20‬‬
‫دبه ربه عز وجل فأحسن تأديبه‪،‬‬ ‫بالنتقام‪ ،‬ولكنه ‪‬وقد أ ّ‬
‫كر أن هذا فضل من الله عز وجل‪ ،‬وكرم وتوفيق‬ ‫تذ ّ‬
‫ونصر منه سبحانه وتعالى‪ ،‬ثم عاد مباشرة بذاكرته إلى‬
‫اليام الخوالي‪ ،‬يوم كان طفل ً يتيما ً فقيرا ً ُ‬
‫معدماً‪ ،‬يوم‬
‫كانوا يرشون التراب في وجهه‪ ،‬يوم كان يرعى الغنام‪،‬‬
‫يوم الطائف‪ ،‬يوم الجزور‪ ،‬يوم الحصار والجوع‪ ،‬ثم توقف‬
‫عند صورة مؤثرة هي‪ :‬يوم كان يأكل القديد مع أمه‬
‫بمكة !! أجل ياأخا العرب فأنا ابن امرأة كانت تأكل‬
‫القديد بمكة ! ‪.‬‬
‫في وسط البهجة والنتصار‪ ،‬وفي وسط المجد‬
‫والفخار‪ ،‬وفي وسط العزة والقتدار‪ ،‬يتذكر وُيذ ّ‬
‫كر النبي‬
‫‪‬بحالة ضعفه وفقره لينفعل مع جيشه وجنده والناس‬
‫جميعا ً بالشكر لله عز جل ‪ ،‬فكل ما هو فيه الن هو‬
‫محض فضل وإنعام من الله جل وعل‪.‬‬
‫ولم يستطع بعض أصحابه أن يئد حالة الزهو‬
‫والفخر في كيانه‪ ،‬فقال وهو يمر على بعض سادة قريش‬
‫الواجمين المنكسرين ‪ :‬اليوم يوم الملحمة‪ ،‬وُنقل ذلك له‬
‫‪ ‬فقال ‪ :‬بل اليوم يوم المرحمة )‪ ، ( 1‬ونزع اللواء من‬
‫صاحبه وأعطاه لبنه – لبن صاحب اللواء ‪ -‬وهنا تتجلى‬
‫رحمة النبي ‪ ‬وسياسته في إصلح الخطاء‪ ،‬وتأليف‬
‫القلوب ‪ ،‬وتضميد الجراح ‪ ،‬وتنظيف الصدور ‪ ،‬وتطييب‬
‫الخواطر ‪.‬‬
‫إنه ‪ ‬قد كف نفسه عن شهوة السلطان والملك‪،‬‬
‫وغرور القوة والتمكين‪ ،‬ورغبة التشفي والنتقام‪ ،‬وأراد‬
‫للناس جميعا ً أن يتعايشوا متحابين متكافلين تحت مظلة‬
‫التوحيد والعدل ‪.‬‬
‫جاءه عثمان بن طلحة بمفاتيح الكعبة‪ ،‬فتناولها منه‬
‫النبي ‪ ‬ففتح الكعبة المشرفة وصّلى فيها ثم أعادها‬
‫إليه وقال له ‪ :‬خذوها ل ينزعها منكم إل ظالم ‪ .‬ول شك‬
‫أن عثمان خجل من نفسه‪ ،‬وتمنى لو تبتلعه الرض حين‬
‫فاجأه النبي بهذا الكلم‪ ،‬ذلك لنه يذكر يوما ً آخر في مكة‬
‫ذبا ً‬ ‫قبل هذا اليوم ‪ ،‬حين كان النبي‪ ‬فقيرا ً وحيدا ً ُ‬
‫مك ّ‬
‫طريدًا‪ ،‬فقد طلب منه النبي ‪ ‬المفاتيح‪ ،‬فأبى عثمان‪،‬‬
‫فقال له النبي ‪ :‬كيف بك ياعثمان ذات يوم والمفاتيح‬
‫‪ ()1‬أخرجه البخاري وفيه زيادات مختلفة عند البيهقي في السنن ودلئل النبوة له أيضًا والمعجم الكبير‬
‫للطبراني‪ ،‬وتراجع كتب السيرة المختلفة عند قصة الفتح ‪. .‬‬

‫‪21‬‬
‫بيدي أضعها حيث أشاء؟ فقال له عثمان ‪ :‬لقد ذّلت‬
‫مرت‬ ‫قريش يومئذ وهانت ‪ ،‬فقال المصطفى ‪ : ‬بل ع َ َ‬
‫وعزت )‪. ( 1‬‬
‫كره النبي ‪ ‬بذلك فقال له ‪ :‬ألم يكن الذي‬ ‫وقد ذ ّ‬
‫قلت لك ؟ ولكن ل ليجرح خاطره‪ ،‬وإنما ليزيده إيمانا ً‬
‫بنبوته ‪ ،‬وقد فهم عثمان الرسالة فقال ‪ :‬بلى أشهد أنك‬
‫رسول الله ‪ .‬وبدل ً من التفكير بالنتقام أكرمه النبي ‪‬‬
‫غاية الكرام ‪ .‬أجل إنه يتمّثل قول الله عز وجل ‪:‬‬
‫ل ‪ ] ‬الحجر آية ‪[ 85‬‬ ‫مي َ‬ ‫ج ِ‬‫ح ال ْ َ‬‫ف َ‬ ‫ص ْ‬ ‫ح ال ّ‬ ‫ف ِ‬‫ص َ‬ ‫فا ْ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ن الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م َ‬ ‫ة ِ‬‫م ٍ‬‫ح َ‬ ‫ما َر ْ‬ ‫فب ِ َ‬‫وقول سبحانه وتعالى فيه ‪َ  :‬‬
‫ضوا‬ ‫ف ّ‬ ‫ب َلن ْ َ‬ ‫قل ْ ِ‬ ‫ظ ال ْ َ‬ ‫غِلي َ‬ ‫ظا َ‬ ‫ف ّ‬ ‫ت َ‬ ‫و ك ُن ْ َ‬ ‫ول َ ْ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ت لَ ُ‬
‫ل ِن ْ َ‬
‫م ‪ ] ‬سورة‬ ‫ه ْ‬ ‫فْر ل َ ُ‬ ‫غ ِ‬‫ست َ ْ‬‫وا ْ‬ ‫م َ‬
‫ه ْ‬ ‫عن ْ ُ‬‫ف َ‬ ‫ع ُ‬ ‫فا ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ول ِ َ‬‫ح ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ِ‬
‫آل عمران آية ‪[ 159‬‬
‫هكذا كانت رسالته ‪ ،‬وهكذا كانت دعوته ‪ :‬المحبة‬
‫التسامح‪ ،‬والعفو والرحمة‪ ،‬والتواضع لله جل شأنه ‪.‬‬
‫هَري َْرةَ ‪ -‬رضى الله‬ ‫ن أ َِبى ُ‬ ‫ع ْ‬ ‫تأمل في قوله ‪َ "" : ‬‬
‫َ‬
‫ه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬ ‫ل الل ّ ِ‬ ‫سو َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫عنه ‪ -‬أ ّ‬
‫ل‬‫مث َ ِ‬ ‫قب ِْلى ك َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ء ِ‬ ‫ل ال َن ْب َِيا ِ‬ ‫مث َ َ‬ ‫و َ‬ ‫مث َِلى َ‬ ‫ن َ‬ ‫ل » إِ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ع ل َب ِن َ ٍ‬
‫ة‬ ‫ض َ‬ ‫و ِ‬‫م ْ‬‫ه ‪ ،‬إ ِل ّ َ‬ ‫مل َ ُ‬ ‫ج َ‬‫وأ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫سن َ ُ‬‫ح َ‬ ‫فأ ْ‬ ‫ل ب ََنى ب َي ًْتا َ‬ ‫ج ٍ‬ ‫َر ُ‬
‫ن‬‫جُبو َ‬ ‫ع َ‬‫وي َ ْ‬
‫ه َ‬‫ن بِ ِ‬ ‫فو َ‬ ‫طو ُ‬ ‫س يَ ُ‬ ‫ل الّنا ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ج َ‬ ‫ف َ‬ ‫ة‪َ ،‬‬ ‫وي َ ٍ‬‫ن َزا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ه الل ّب ِن َ ُ‬
‫فأَنا‬ ‫ل َ‬ ‫قا َ‬ ‫ة َ‬ ‫ذ ِ‬ ‫ه ِ‬‫ت َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ض َ‬ ‫و ِ‬ ‫هل ّ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫وي َ ُ‬
‫ه‪َ ،‬‬ ‫لَ ُ‬
‫ن « ‪ ( 2) "" .‬كم يحمل‬ ‫َ‬ ‫الل ّب ِن َ ُ‬
‫م الن ّب ِّيي َ‬ ‫خات ِ ُ‬ ‫وأَنا َ‬ ‫ة‪َ ،‬‬
‫هذا الحديث من دللت معبرة ‪ ،‬ومعاني مؤثرة‪ ،‬فهو ‪‬‬
‫يرى أن الدين بناء شكل النبياء جميعا ً فيه لبنات‬
‫متماسكة‪ ،‬ولم يبق من هذا البناء إل مقدار لبنة ‪ ،‬وكان‬
‫البناء جميل ً وبديعا ً تعجب منه الناس‪ ،‬وتمنوا لو وضعت‬
‫تلك اللبنة‪ ،‬فكانت بعثته ‪‬هي لبنة الكمال‪ ،‬ولكنه ‪ ‬لم‬
‫يجعل من نفسه ركيزة البناء‪ ،‬أو أحد جدرانه‪ ،‬وإنما جعل‬
‫ص مع إخوانه من‬ ‫من نفسه لبنة في بناء النبوة‪ ،‬يترا ّ‬
‫ون للبشر بناء يحقق لهم المأوى‬ ‫النبياء السابقين ليتك ّ‬
‫ي‬
‫والمثوى والسعادة في الدنيا والخرة‪ ،‬فلم يبخس النب ّ‬
‫إخواَنه من النبياء ‪ -‬عليهم السلم جميعا ً ‪ -‬حقهم‪ ،‬ولم‬
‫ينكر فضلهم وجهادهم ‪.‬‬

‫‪ ()1‬راجع ‪ :‬زاد المعاد لبن قيم الجوزية ‪. 3 / 356‬‬


‫‪.‬‬ ‫‪ ()2‬أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما‬

‫‪22‬‬
‫إنه ‪ ‬يعلمنا كيف نتكامل "" إنما بعثت لتمم‬
‫)‪( 1‬‬
‫ويعلمنا كيف نتواضع فيقول‬ ‫مكارم الخلق ""‬
‫َ‬ ‫حى إ ِل َ‬ ‫َ‬
‫حّتى ل َ‬‫عوا َ‬ ‫ض ُ‬ ‫وا َ‬
‫ن تَ َ‬ ‫ىأ ْ‬‫ّ‬ ‫و َ‬‫هأ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫وإ ِ ّ‬
‫‪َ » "" :‬‬
‫د «‪"" .‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ول َ ي َب ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف َ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ح ٍ‬‫على أ َ‬ ‫حدٌ َ‬ ‫غى أ َ‬ ‫د َ‬ ‫ح ٍ‬‫على أ َ‬ ‫حدٌ َ‬ ‫خَر أ َ‬
‫)‪( 2‬‬
‫ص ‪ ،‬لكي نكون أقوى‬ ‫ويعلمنا كيف نتعاون ونترا ّ‬
‫في مسيرة الحياة‪ ،‬وأقدر على العمار‪ ،‬وأصبر على‬
‫الشدائد ‪.‬‬
‫دى المانة‪ ،‬ونصح‬ ‫أما هو ‪ ‬فقد بّلغ الرسالة‪ ،‬وأ ّ‬
‫مة‪ ،‬وجاهد في الله حتى أتاه اليقين‪،‬‬ ‫المة‪ ،‬وكشف الغ ّ‬
‫خّير فاختار الرفيق العلى ‪.‬‬ ‫و ُ‬
‫صرت المة في الوفاء بحقه ‪ ‬في هذا‬ ‫ولقد ق ّ‬
‫العصر‪ ،‬فلم تحسن عْرض سيرته على الناس‪ ،‬فتعّرض‬
‫له الناس ‪ ،‬وأساؤوا لعظم إنسان عاش على ظهر هذه‬
‫الرض ‪ ،‬وجاهد لتطهيرها من الفساد والظلم والخداع‬
‫والكذب والستبداد ‪.‬‬
‫ومن واجب المة الن أن تخاطب المم بلغاتها‪،‬‬
‫ومن خلل ثقافاتها وحضاراتها ‪ ،‬وأن تراعي تغيرات‬
‫الفهام‪ ،‬وتبدلت العصار‪ ،‬واختلف الوسائل‪ ،‬والتباس‬
‫المسائل ‪ ،‬فتكشف الغيوم الداكنة بشمس الحقائق‬
‫الساطعة ‪ ،‬وتكنس الوهام المتراكمة‪ ،‬بالحجج النيرة‬
‫سرة عن سيرة وشخصية وحياة سيدنا‬ ‫والبراهين المي ّ‬
‫رسول الله ‪ ، ‬وأن تخاطب بذلك الناس جميعًا‪،‬‬
‫بمختلف بلدانهم وعقولهم ولغاتهم‪ ،‬وأن تحشد لذلك كل‬
‫المكانات العقلية والفكرية والسياسية والعلمية‬
‫والمادية ‪.‬‬
‫وفي هذا الطار يأتي كتاب الخ الفاضل‪ ،‬والصديق‬
‫المكّرم محمد مسعد ياقوت‪ ،‬وهو باحث نشط ‪ ،‬بدايته‬
‫مشرقة‪ ،‬وأرجو من الله عز وجل أن تكون كذلك نهايته‬
‫بعد عمر طويل‪ ،‬عامر بالعطاء والثراء‪ ،‬ليقف على ثغر‬
‫من ثغور السلم‪ ،‬يصد عنه المتكالبين بالحجة والبرهان‪،‬‬
‫ويدعو إليه التائهين بالكلمة والحكمة والبيان ‪.‬‬

‫‪ ()1‬أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين ‪ 28 / 4‬وقال ‪ :‬هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه‬
‫‪ ،‬وقال الذهبي في تعليقه ‪ :‬على شرط مسلم ‪ .‬وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى ‪ 192 / 10‬والطبراني في‬
‫المعجم الوسط ‪. 165 / 15‬‬
‫‪ ()2‬أخرجه مسلم في صحيحه والبخاري في الدب المفرد وأبو داوود في سننه وابن ماجه والبيهقي في سننهما‬
‫وغيرهم ‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫أسأل الله عز وجل له ولي دوام التوفيق والسعادة‬
‫‪ ،‬وحسن القصد والريادة‪ ،‬والخلص والسداد في القول‬
‫والعمل إنه سميع قريب مجيب ‪.‬‬
‫وصلى الله على سيدنا محمد النبي المي‬
‫وعلى آله وصحبه وسلم‬
‫والحمد لله رب العالمين ‪.‬‬

‫أحمد إدريس الطعان‬


‫عفا الله عنه‬
‫داريا ‪ 2007 / 9 / 8‬م منتصف ليلة الربعاء ‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫الحاقدون وصور من الساءات‬

‫صدور كتاب "نبي الخراب"‪:‬‬


‫صدور كتاب باسم "نبي الخراب" ‪ – Prophet Of Doom‬بعد أحداث‬
‫‪ 11‬سبتمبر ‪ - 2001‬للمؤلف كريك ونن ‪ Craig Winn‬الذي وصف‬
‫النبي – صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بقاطع طريق استعمل ‪ -‬حسب‬
‫زعمه – العنف والغدر للوصول إلى الحكم والسلطة‪ ،‬وكان أيضا‬
‫سيا ! والكتاب حقق مبيعات‬ ‫حسب زعم المؤلف شا ً‬
‫ذا جن ً‬
‫خيالية!!‬

‫رسوم كاريكاتيرية ‪:‬‬


‫أعلنت صحيفة )يولندس بوستن( ‪ ،‬في سبتمبر ‪2005‬عن‬
‫مسابقة في الكاريكاتير‪ ،‬وتم اختيار اثنى عشر كاريكاتيرا ً كلها‬
‫تسيء إلى رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ ، -‬وتصدر احداها‬
‫رسما ً مزعوما ً لرسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وهو يضع‬
‫على رأسه عمامة على شكل قنبلة شديدة النفجار‪ .‬والجريدة‬
‫أصرت على النشر‪ ،‬ورفضت العتذار‪.‬‬
‫ثم أعادت نشر هذه الرسوم عدة صحف أوروبية بدعوى التضامن‬
‫مع الصحيفة الدنماركية‪ ،‬ورفضت جميع هذه الصحف العتذار عن‬
‫تلك الرسوم المسيئة‪ ،‬تحت زعم حرية التعبير‪ ،‬كما رفضت‬
‫ضا ‪.‬‬
‫الحكومة الدنماركية العتذار أي ً‬
‫هذا‪ ،‬وقد نشرت صحيفة "نيريكيس أليهاندا" ‪-‬وهي صحيفة‬
‫سويدية محلية تصدر في أوريبرو‪ -‬رسومات مسيئة تصور‬
‫الرسول الكريم‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬في أشكال مهينة بعددها‬
‫الصادر الحد ‪ 26‬أغسطس ‪2007‬؛ ما أثار موجة احتجاجات‬
‫محلية من جانب القلية السلمية في السويد‪.‬‬

‫كتيبات مسيئة‪:‬‬
‫قامت شركة دار نشر القمر ‪CRESCENT MOON‬‬
‫‪ ،PUBLISHING‬المريكية‪ ،‬بنشر كتيب كاريكاتيري‪ ،‬سافل‪ ،‬أسمه‬
‫‪" :‬محمد صدق و إل" ‪ ،‬لحساب رسام إستعمل اسم مستعار و‬
‫هو "عبدالله عزيز" ‪ ،‬والكتيب عبارة عن ‪ 26‬صفحة‪ ،‬يتناول السنة‬
‫دا‪ ،‬بهدف إقناع السود المريكين بعدم‬
‫النبوية بشكل مهين ج ً‬
‫التحول إلى السلم‪.‬‬

‫تصريحات همجية ‪:‬‬

‫‪25‬‬
‫أدلى مارتين هنريكسن النائب عن حزب الشعب الدانمركي‪،‬‬
‫بتصريح نشرته صحيفة )بيرلنسكة يتذته( وبثه هنريكسن على‬
‫موقعه اللكتروني ‪ ،‬والذي قال فيه )إن السلم منذ بداياته كان‬
‫عبارة عن شبكة إرهابية( ووصف المسلمين المنحدرين من جذور‬
‫دانمركية بأنهم أناس )ساقطون أخلقيًا‪ ،‬إلى مستوى يصعب‬
‫وصفه‪ ،‬وانهم يخونون جذورهم وإرثهم الحضاري باعتناقهم‬
‫السلم( وأكد هنيكسن أنه لن يتراجع عن هذه التصريحات‪. ،‬ولم‬
‫يكن هنريكسن الوحيد الذي وصف المسلمين بهذه الصواف‬
‫البذيئة بل سبقه بها نائبة من نفس الحزب تدعى )لويسة‬
‫فيفرش( التي وصفت المسلمين بأنهم" غدة سرطانية" ‪.‬‬

‫إساءة بابا الفاتيكان لنبي الرحمة ‪:‬‬


‫تطرق البابا بنديكتوس السادس عشر خلل محاضرة شهيرة‬
‫مثيرة للجدل في جامعة ريغينسبورغ جنوب المانيا – في سبتمبر‬
‫‪ - 2006‬عن العلقة بين العقل والعنف في السلم‪ ،‬وستشهد‬
‫بهذه المناسبة بكتاب للمبراطور البيزنطي مانويل الثاني )‬
‫دا أتى‬
‫‪(1425-1350‬م‪ ،‬ونقل منه عبارة تقول ‪ ":‬أرني شيئا جدي ً‬
‫به محمد‪ ،‬فلن تجد إل ما هو شرير ول إنساني‪ ،‬مثل أمره بنشر‬
‫الدين الذي كان يبشر به بحد السيف" ‪!! ..‬‬
‫ن العقيدة المسيحية تقوم‬ ‫وقال البابا – في نفس المحاضرة ‪ -‬إ ّ‬
‫على المنطق لكن العقيدة في السلم تقوم على أساس أن‬
‫إرادة الله ل تخضع لمحاكمة العقل أو المنطق‪ .‬كما انتقد فريضة‬
‫الجهاد في السلم بلغة مبطنة‪.‬‬

‫دعوات بنسف مكة والمدينة ومصادرة المصاحف ‪:‬‬


‫تصريحات صليبية أطلقها نائبا الكونجرس المريكي والبرلمان‬
‫الهولندي حول السلم )في أغسطس ‪(2007‬؛ حيث طالب "توم‬
‫تانكريدو " ‪ -‬النائب الجمهوري بالكونجرس ‪ -‬بنسف مدينَتي مكة‬
‫قَلي الرهاب على حد ّ‬ ‫مع ِ‬
‫المكرمة والمدينة المنورة؛ باعتبارهما َ‬
‫وقاحته‪ ،‬أما عضو البرلمان الهولندي" غيرت فيلدرز " فقد دعا‬
‫إلى منع المصحف الشريف وقراءة القرآن حتي في منازل‬
‫فا القرآن الكريم بالكتاب اللعين‪ .‬ودعا فيلدرز‬‫المسلمين‪ ،‬واص ً‬
‫إلي منع إدخال القرآن إلي المساجد في هولندا ولمنع بيعه في‬
‫مكتبات هولندا‪.‬‬

‫مذيع كبير يسب المة السلمية ‪:‬‬

‫‪26‬‬
‫فقد شّبه مذيع أمريكي بارز المسلمين بال "الصراصير" ‪ ،‬لنهم‬
‫يصومون في نهار رمضان‪ ،‬ويأكلون في الليل‪ .‬ففي برنامجه‬
‫ث في جميع أنحاء الوليات المتحدة المريكية‪،‬‬ ‫الذاعي الذي ُيب ّ‬
‫انتقد "نيل بورتز" طلب عدد من المستشفيات الحكومية في‬
‫اسكتلندا العاملين بها بتناول الطعام بعيدا ً عن المكاتب خلل‬
‫شهر رمضان‪ ،‬حفاظا ً علي مشاعر زملئهم المسلمين الصائمين‪،‬‬
‫معتبرا ً أن هذا دليل علي ما أسماه أسلمة غرب أوروبا ‪.‬‬
‫تقول جريدة الراية القطرية )في عدد ‪ : (17/8/2007‬وليست‬
‫هذه المرة الولي التي يهاجم فيها "بورتز " المسلمين‪ ،‬حتي صار‬
‫معروفا ً بتصريحاته المعادية لهم‪ .‬ففي اكتوبر ‪2006‬وصف‬
‫السلم أنه فيروس مميت‪ ،‬ينتشر في جميع أنحاء أوروبا والعالم‬
‫ور لقاحا ً‬‫الغربي ‪ .‬مضيفًا‪ :‬سوف ننتظر طويل ً جدا ّ حتي نط ّ‬
‫لنكافحه به ‪ .‬وبحسب نص التصريحات قال بورتز أعتقد أن‬
‫المسلمين ل يأكلون أثناء النهار في رمضان‪ .‬إنهم يصومون خلل‬
‫النهار ويأكلون بالليل‪) .‬إنهم( نوع من الصراصير ‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫مقدمة المؤلف‬
‫ما أكثر الحروب العلمية التي تشن لتشويه صور العظماء ! وما‬
‫أقبحها حينما تجعل من الفساق فضلء‪ ،‬ومن الخيار أشراًرا‪،‬‬
‫حينها نرى وسائل العلم المغرضة أبواًقا تنفث سمها يمنة‬
‫ويسرة‪ ،‬لتتخلى عن رسالتها النسانية وترتدي عباءة الذل‬
‫والعار‪..‬‬
‫لقد أساءت إلينا جميًعا‪ ،‬وأساءت لكل إنسان‪ ،‬تلك الساءات‬
‫المتكررة لجناب نبي النسانية وسيد ولد آدم ‪ ..‬رسوم‬
‫كاريكاتيرية ‪ ..‬كتب ‪ ..‬صحف ‪ ..‬برامج تلفزيونية ‪..‬تصريحات من‬
‫أعلى القيادات السياسية والدينية ‪ ..‬أصبح شغلها الشاغل تشويه‬
‫صورة " محمد بن عبد الله " ومحاولة النيل من دينه وشرفه‬
‫وأخلقه‪..‬‬
‫إنها محاولت حمقاء‪ ،‬تحاول أن تطعن في أقوى سلح يمتلكه‬
‫نبي السلم‪ ،‬إنه سلح "الرحمة "‪ ..‬إنهم يتهمون نبي السلم ‪‬‬
‫في أخص خصائصه على الطلق‪ ،‬أل وهي خصيصة " الرحمة"‪،‬‬
‫التي ساد وقاد بها العالم ‪.‬‬
‫وكون هذه الساءات ل تضير نبي الرحمة‪ -‬فل يضر السحاب نبح‬
‫الكلب‪ -‬ل يعفي المسلمين المعاصرين من المسئولية أمام الله‬
‫تعالى‪ ،‬فضل ً عن المسئولية أمام التاريخ النساني والسلمي ‪..‬‬
‫نعم‪ ،‬نحن مسؤلون أمام الله يوم القيامة عن سكوتنا عن هذا‬
‫ضا‬
‫المنكر الفظيع‪ ،‬وسلبيتنا أمام هذا الظلم المريع ‪ .‬ومسؤلون أي ً‬
‫أمام التاريخ‪ ،‬وعرضة أكيدة للسب واللعن من أحفادتنا حينما‬
‫توارينا اليام والسنون تحت أطباق التراب ‪ ..‬عندها نموت وقد‬
‫سب رسولنا العظم– صلى الله عليه وسلم –‬ ‫لحق بنا العار؛ أن ُ‬
‫ونحن في خرص ونيام وسلبية !‬
‫سب رسول الله في‬ ‫سييقول أحفادنا ‪-‬وهم يلعنوننا – لقد ُ‬
‫عصركم ولم تفعلوا ما يبيض الوجه ويزيل حمرة الخجل !‬
‫آن لنا أن يبرىء كل منا ذمته‪ ،‬على النحو الذي يتفق وقدراته ‪..‬‬
‫فكل مسلم الن " واجب عليه أن يعرف الناس برسول الله‬
‫وينصره قدر استطاعته " ‪..‬‬
‫فالمعلم والمدرس والستاذ يغرس في نفوس تلميذه وطلبه‬
‫قيم حب النبي – صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وتوقيره والقتداء به ‪.‬‬
‫ورب السرة يربي الولد على منهج النبي – صلى الله عليه‬
‫وسلم – يحفظهم الغزوة كما يحفظهم السورة من القرآن‪.‬‬
‫والموظف في مكتبه‪ ،‬يعلي من قيمة حب النبي – صلى الله عله‬
‫وسلم – بين زملئه وأمام المواطنين ‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫والمدير في شركته أو مصنعه‪ ،‬يجعل من نصرة النبي – صلى‬
‫الله عليه وسلم – وتعميق حبه في نفوس العاملين هدًفا سامًيا‬
‫من أهداف مؤسسة العمل ‪.‬‬
‫والعلمي والصحفي يرصد كل إساءة لديننا ونبينا‪ ،‬فيفندها‪،‬‬
‫ويناقشها‪ ،‬ويتثير همم الجماهير في الزود عن حياض الدين‪،‬‬
‫واتباع منهج الحبيب – صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫والتاجر والصانع يقاطع منتجات العداء ومنتجات كل دولة أو‬
‫حكومة أساءت لنبينا – صلى الله عليه وسلم ‪. -‬‬
‫إن رجال العمال والغنياء عليهم دور كبير‪ ،‬وواجب أكيد في‬
‫التعريف بنبي الرحمة ونصرته بأموالهم‪ ،‬عليهم أن يدعموا الكتب‬
‫والصدارات والفعاليات التي من شئنها التعريف بنبي الرحمة‬
‫ونصرته ‪.‬‬
‫أحرى برجال العمال المسلمين أن ينفقوا – ولو من ذكاة‬
‫أموالهم – في تأسيس مثل هذه المشاريع الخيرية التي من شأنها‬
‫نصرة رسول الله – صلى الله عليه وسلم ‪.-‬‬
‫وليتهم ينفقون معشار ما ينفقه الغرب على الحرب على السلم‬
‫ونبي السلم !‬
‫ولذلك رأيت أن أقوم – بدوري ‪ -‬وإلقاء الضوء على صفات النبي‬
‫‪ ‬الدالة على رحمتة بالبشرية وأخلقه وشمائله وخصائصه‪،‬‬
‫وتعامله مع المسلمين وغيرهم‪ ،‬وذلك بإسلوب سهل ويسير‪..‬وقد‬
‫جعلت البحث يتحدث بلسان حال علماء الغرب الذين أنصفوا‬
‫رسول السلم ‪ ‬في كتاباتهم ودراساتهم‪.‬‬
‫ولقد تبين لي من خلل هذا البحث أن الكثير من علماء الغرب‬
‫قد كشفوا عن الكثير والكثير من الجواهر والدرر في حياة محمد‬
‫‪ ،‬فبينوا الكثير من مظاهر الرحمة والدروس والعبر في سيرة‬
‫ومسيرة النبي محمد ‪.. ‬‬

‫وتنبع أهمية هذا البحث ؛ من كونه رسالة تعريف مبسطة لنبي‬


‫السلم في وقت تكالبت فيه القلم المسمومة واللسنة‬
‫الحاقدة للنيل من مكانته ‪.. ‬‬
‫سهم بمحاولة توضيح صورة نبي السلم للعالم‪،‬‬ ‫والدراسة إذ ت ّ ْ‬
‫تنطلق من اليمان بأهمية شهادات العلماء الغربيين المنصفين‬
‫لنبي السلم‪.‬‬
‫فرب شهادة باحث غربي أوقع في قلوب الغربيين من نصوص‬
‫إسلمية كثيرة !‬

‫‪29‬‬
‫ولقد جعل البحث من أدبيات علماء الغرب وحديثهم عن فضائل‬
‫النبي ‪ ،‬مصدرا ً رئيسيا ً للبحث‪ ،‬ولم يستخدم البحث السلوب‬
‫المعتاد أو التقليدي في الحديث عن شمائل النبي ‪ ،‬بل‬
‫استخدم أدبيات الغرب أنفسهم في الحديث عن أخلقيات‬
‫وشمائل النبي ‪ .‬هذا‪ ،‬و ركز البحث على تناول مظاهر الرحمة‬
‫في شخصية محمد ‪ ،‬بلغة سهلة‪ ،‬غير إنها تخاطب العقل‪،‬‬
‫ت على الدراسات الستشراقية‬ ‫وتحرك الوجدان‪ ،‬واعتمد ُ‬
‫المنصفة بالساس‪ ..‬إضافة إلى كتب السيرة والشمائل والحديث‬
‫النبوي والدراسات العربية المعاصرة‪.‬‬
‫مخطط البحث ‪:‬‬
‫المقدمة ‪:‬‬
‫الفصل الول‪ :‬من هو محمد ‪ ‬؟ ‪ ،‬وفيه ‪:‬‬
‫مة ‪‬‬ ‫ح َ‬
‫م بنبي الَر ْ‬ ‫ف عا ٌ‬‫المبحث الول‪ :‬تعري ٌ‬
‫المطلب الول ‪ :‬الميلد والنشأة‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬أخلق وصفات محمد‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬حال العالم عشية البعثة‬
‫المطلب الرابع ‪:‬النبوة والوحي ‪:‬‬
‫المطلب الخامس ‪ :‬لمحة مختصرة عن سيرة النبي ‪:‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬محمد ‪ ‬رحمة للعالمين في أدبيات‬
‫الغرب‬
‫المطلب الول‪:‬شهادة إنجيل برنابا‬
‫المطلب الثاني‪ :‬شهادة الراهب النصراني بحيرا‬
‫المطلب الثالث‪ :‬شهادة العلمة توماس كارليل‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬شهادة المفكر البريطاني لين بول‬
‫المطلب الخامس ‪ :‬شهادة السير وليم موير‬
‫المطلب السادس‪ :‬شهادة القسيس السابق د ُّراني‬
‫المطلب السابع ‪ :‬شهادة الكاتب السباني "جان ليك"‬
‫المطلب الثامن ‪ :‬شهادة العلمة واشنجتون ايرفنج‬
‫المطلب التاسع ‪ :‬شهادة الباحث الفرنسي جوستاف لوبون‬
‫المطلب العاشر‪ :‬شهادة المؤرخ الشهير جيمس متشنر‬
‫المبحث الثالث‪ :‬خصائص رحمته ‪‬‬
‫المطلب الول‪ :‬ربانية الرحمة‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬دعوية الرحمة‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬عالمية الرحمة‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬عبقرية الرحمة‬
‫المطلب الخامس ‪ :‬وسطية الرحمة‬
‫المطلب السادس ‪ :‬عملية الرحمة‬

‫‪30‬‬
‫الفصل الثاني ‪ :‬رحمته للعالمين في مجال التنوير‬
‫والحضارة‪ ،‬وفيه ‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬التنوير والتوحيد‪:‬‬
‫المطلب الول ‪ :‬محمد ‪ ‬تنويريا ً عملًقا‪:‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬نضاله في إخراج الناس من الظلمات إلى النور‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬نجاح حركة التنوير‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التحضر والرقي‬
‫المطلب الول ‪ :‬العرب من القبيلة إلى الدولة والمة‪:‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬إشادة العلماء الغربيين بجهود النبي ‪‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬فضل النبي في تحضر العالم‬
‫المبحث الثالث‪ :‬التسامح الديني‬
‫المطلب الول ‪ :‬محمد]‪[‬الحاكم المتسامح الحكيم المشرع‬
‫المطلب الثالث‪ :‬استقبال الوفود النصرانية‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬الحرية في العتقاد وممارسة الشعائر‬
‫المبحث الرابع‪ :‬رعاية العلم والمعرفة‬
‫المطلب الول ‪ :‬بداية عصر العلم والمعرفة‪:‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬القراءة أولي تعاليم النبي ‪: r‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬احترام العقل‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬حثه على طلب العلم‬
‫المطلب الخامس‪ :‬العلم من وظائف رسالته‬
‫المطلب السادس ‪ :‬من توجيهات النبي‪r‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬الخطاب التربوي‬
‫المطلب الول ‪ :‬المعلم الرحيم‬
‫المطلب الثاني‪ :‬نماذج رحمته للمتعلمين‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬أساليبه في الخطاب التربوي‪:‬‬
‫المبحث السادس‪ :‬خدمة النسانية‬
‫المطلب الول ‪ :‬النبي ‪‬خادم النسانية‬
‫المطلب الثاني‪ :‬خطبة الوداع ‪ :‬الميثاق السلمي العالمي لحقوق‬
‫النسان‬
‫المطلب الثالث‪ :‬توجيهات إنسانية‬
‫الفصل الثالث‪ :‬رحمته للعالمين في مجال الخلق ‪،‬‬
‫وفيه ‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬الرفق واللين‬
‫المطلب الول‪ :‬طريق محمد ‪ ..‬طريق الرفق‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬حثه على الرفق‬
‫المطلب الثالث‪ :‬نماذج رفقه‪‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬العفو‬

‫‪31‬‬
‫المطلب الول ‪ :‬محمد ‪‬العفو ‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬نماذج عفوه ‪‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬العدالة والمساواة‬
‫ما عادل ً‬
‫المطلب الول ‪ :‬محمد ‪ ‬حاك ً‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬العدالة ومساواة في معاملته اليومية‬
‫المطلب الثالث‪ :‬نماذج عدله في سنته وسيرته ‪: ‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬الحب والخاء‬
‫لخوة مكان العصبية‬ ‫المطلب الول ‪ :‬ا ُ‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬لماذا نجح النبي ‪ ‬في تحقيق الحب والخاء ؟‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬نماذج تعاليمه ‪: ‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬سماحته في المعاملت المالية‬
‫المطلب الول ‪ :‬حثه على السماحة في المعاملت المالية ‪:‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬نماذج سماحته في المعاملت المالية‬
‫الفصل الرابع‪ :‬رحمته للعالمين في مجال التشريع ‪،‬‬
‫وفيه‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬المرونة والتجديد‪:‬‬
‫المطلب الول – شهادة علماء الغرب‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الشريعة السلمية ‪ :‬ثوابت و متغيرات‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬في مجال الثابت و مجال المتغير‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬منطقة الفراغ التشريعي والنصوص المحتملة‪:‬‬
‫المطلب الخامس ‪ :‬صيانة الثابت و تجديد المرن‬
‫المبحث الثاني‪ :‬الوسطية والعتدال‪:‬‬
‫المطلب الول‪ :‬شهادة علماء الغرب‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬حثه‪ ‬على الوسطية وتحذيره من التشدد‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬وسطية السلم في الحكام‬
‫المبحث الثالث‪ :‬التيسير‪:‬‬
‫المطلب الول – شهادة علماء الغرب‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬نماذج التيسير‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬حثه على التيسير‬
‫المبحث الرابع‪ :‬الرخص الشرعية‪:‬‬
‫المطلب الول ‪ :‬الرخص الشرعية ‪ :‬ماهيتها وشرعيتها‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬نماذج الرخص الشرعية‬
‫المبحث الخامس‪ :‬التدرج في التشريع‪:‬‬
‫المطلب الول ‪ :‬التدرج في التشريع‪ :‬مفهومه والحكمة منه ‪:‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬نماذج للتدرج في التشريع ‪:‬‬
‫الفصل الخامس ‪ :‬رحمته للعالمين في ميدان‬
‫الصراعات السياسية والعسكرية ‪ ،‬وفيه‪:‬‬

‫‪32‬‬
‫المبحث الول‪ :‬الحوار ل الصدام‬
‫المطلب الول ‪ :‬الحوار مظهر من مظاهر الرحمة‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬السلم يرفض المركزية الحضارية‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬نماذج عملية من سيرة النبي‪‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬حرصه ‪ ‬على نشر السلم‬
‫المطلب الول ‪ :‬محمد‪ ‬رجل السلم‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬نموذج في حادث بناء الكعبة‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬نماذج المعاهدات مع القبائل المجاورة‬
‫للمدينة ‪:‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬نموذج في معركة الحزاب‬
‫المطلب الخامس ‪ :‬نموذج معاهدة الحديبية‬
‫المطلب السادس‪ :‬نموذج الصلح مع أهل خيبر‬
‫المبحث الثالث‪ :‬رحمته للخصوم والعداء‬
‫المطلب الول ‪ :‬لماذا القتال ؟‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬محمد ‪ ‬القائد الرحيم‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬هدي محمد في المعارك ‪:‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬فرية العنف ونشر السلم بالسيف ‪:‬‬
‫المطلب الخامس ‪ :‬فرية ‪ :‬القتل الجماعي ليهود بني قريظة‬
‫المبحث الرابع‪ :‬رحمته‪ ‬للسرى‬
‫المطلب الول ‪ :‬نماذج في معركة بدر‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬نموذج معركة بني المصطلق‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬نموذج معركة حنين‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬نماذج أخرى‪.‬‬
‫المبحث الخامس ‪ :‬رحمته لقتلى العدو‬
‫المطلب الول ‪ :‬مواراة جيف قتلى العدو في بدر‪:‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬جثة نوفل بن عبد الله‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬جثة عمرو بن ود‬
‫المبحث السادس ‪:‬رحمته لهل الذمة‬
‫المطلب الول ‪ :‬من هم أهل الذمة وما موقف نبي السلم‬
‫منهم ؟‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬شهادات علماء الغرب ‪:‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬وصايا النبي ‪ ‬بأهل الذمة والتحذير من‬
‫إيذائهم‪:‬‬
‫المبحث السابع‪ :‬قيم حضارية في غزوة بدر‬
‫جا[‬
‫الكبرى] نموذ ً‬
‫المطلب الول ‪ :‬ل نستعين بمشرك على مشرك ‪:‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬مشاركة القائد جنوده في الصعاب‪:‬‬

‫‪33‬‬
‫المطلب الثالث الشورى ‪:‬‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬النهي عن استجلب المعلومات بالعنف ‪:‬‬
‫المطلب الخامس ‪ :‬احترام آراء الجنود‪:‬‬
‫المطلب السادس ‪ :‬العدل بين القائد والجندي ‪:‬‬
‫المطلب السابع ‪ :‬الحوار قبل الصدام ‪:‬‬
‫المطلب الثامن ‪ :‬الوفاء مع المشركين ‪:‬‬
‫المطلب التاسع ‪ :‬حفظ العهود ‪:‬‬
‫المطلب العاشر ‪ :‬النهي عن المثلة بالسير ‪:‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬رحمته للعالمين في مجال المرأة‬
‫والطفل‪ ،‬وفيه‪:‬‬
‫المبحث الول – تحرير المرأة من الجاهلية‪:‬‬
‫المطلب الول ‪ :‬محمد ‪ ‬منقذ المرأة‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬افتراءات وردود‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬مميزات المرأة في السلم‬
‫المطلب الول‪ :‬الستقلل الفكري للمرأة‬
‫المطلب الثاني‪ :‬حقوق المرأة في أمور الزواج‬
‫المطلب الثالث‪ :‬حقوق المرأة في الميراث والتملك‬
‫المطلب الرابع‪ :‬حق المرأة في العمل‬
‫المطلب الخامس‪ :‬تقدير الدور السياسي للمرأة‬
‫المطلب السادس‪ :‬إحترام جوار المرأة‬
‫المطلب السابع ‪ :‬تأملت في هذه المميزات‬
‫المبحث الثاني‪ :‬رحمته للبنات‬
‫المطلب الول ‪ :‬فضل النبي ‪ ‬على البنات‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬نماذج رحمته‪ ‬للبنات‪:‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬رحمته للطفال‬
‫المطلب الول ‪ :‬شهادة علماء الغرب‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬نماذج رحمته للطفال ‪:‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬رحمته لليتام‬
‫المطلب الول ‪ :‬النبي ‪ ‬اليتيم ‪:‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬نماذج في رحمته‪ ‬لليتيم‪:‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬رحمته للرامل‬
‫المطلب الول‪ :‬حثه على السعي على الرامل‪:‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬سعيه على الرامل‬
‫الفصل السابع‪ :‬رحمته ‪ r‬للضعفاء وفيه‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬رحمته للفقراء‬
‫المطلب الول ‪ :‬فضل النبي ‪ ‬على الفقراء‬
‫جا‬‫المطلب الثاني ‪ :‬نظام الزكاة – نموذ ً‬

‫‪34‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬دوره ‪ ‬في مكافحة البطالة ‪:‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬رحمته للعبيد والخدم‬
‫المطلب الول ‪ :‬تحرير العبيد‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬فرية سن السترقاق‪:‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬نماذج رحمته للعبيد ‪:‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬تحريم التجار بالبشر‬
‫المطلب الخامس – رفقه وعطفه على الخدم‬
‫المبحث الثالث‪ :‬رحمته بذوي الحتياجات الخاصة‬
‫المطلب الول ‪ :‬الفئات الخاصة في المجتمعات الجاهلية‪:‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬رعاية النبي ‪ ‬لذوي الحتياجات الخاصة‪:‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬الولوية لهم في الرعاية وقضاء احتياجاتهم‪:‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬عفوه‪ ‬عن سفهائهم وجهلئهم ‪:‬‬
‫المطلب الخامس ‪ :‬تكريمه وموساته ‪ ‬لهم ‪:‬‬
‫المطلب السادس ‪ :‬زيارته‪ ‬لهم‬
‫المطلب السابع‪ :‬الدعاء لهم‬
‫المطلب الثامن ‪ :‬تحريم السخرية منهم‬
‫المطلب التاسع ‪ :‬رفع العزلة والمقاطعة عنهم‬
‫المطلب العاشر‪ :‬التيسير على ذوي الحتياجات الخاصة‬
‫المبحث الرابع ‪ :‬رحمته‪ ‬للمسنين‬
‫المطلب الول ‪ :‬حثه على إكرام المسنين والرفق بهم‪:‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬نماذج رحمته ‪ ‬للمسنين ‪:‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬رحمته بالموات‬
‫المطلب الول ‪ :‬زيارته ‪‬لقبور الموات‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬مشاركته في دفن الموات بنفسه ‪:‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬حزنه ‪ ‬إذا فاتته جنازة وصلته عليها‬
‫المطلب الرابع ‪:‬توقيره‪ ‬للجنائز والقبور ولو كانت لغير‬
‫المسلمين ‪:‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬دعاؤه ‪ ‬للموات‬
‫المطلب السادس ‪ :‬بكاؤه ‪ ‬على الموات وعند القبور‪:‬‬
‫الخاتمة ‪ :‬وفيها ملخص البحث ونتائج البحث والتوصيات‬
‫المصادر والمراجع‬
‫فهذا هو جهدنا المتواضع ‪..‬‬
‫وأسال الله أن يتقبله‪ ،‬وأن يهدي وينفع به‪..،‬وأن يجعله في ميزان‬
‫حسنات كل من ساهم في نشره ‪.‬‬
‫محمد‬
‫مسعد ياقوت‪ ،‬مصر‬

‫‪35‬‬
0020104420539 :‫جوال‬
yakoote@gmail.com
www.nabialrahma.com

‫الفصل الول‬
‫ ؟‬ ‫من هو محمد‬

36
‫م بنبي الرحمة ‪‬‬
‫ف عا ٌ‬
‫المبحث الول ‪ :‬تعري ٌ‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬محمد ‪ ‬رحمة للعالمين في‬
‫أدبيات الغرب‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬خصائص رحمته ‪‬‬

‫المبحث الول‬
‫مة ‪‬‬
‫ح َ‬
‫م بنبي الَر ْ‬
‫ف عا ٌ‬
‫تعري ٌ‬

‫المطلب الول ‪ :‬الميلد والنشأة ‪:‬‬

‫‪37‬‬
‫هو محمد‪ 1‬بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم‪ ،‬القرشي‬
‫والذي يمتد نسبه إلى إسماعيل بن إبراهيم ي عليهما السلم ي ‪.‬‬
‫وللنبي عدة أسماء‪ ،‬أشار إلى بعضها في أحد الحاديث‪ ،‬فقال "‬
‫لي خمسة أسماء‪ :‬أنا محمد‪ ،‬وأنا أحمد‪ ،‬وأنا الماحي الذي يمحو‬
‫الله به الكفر‪ ،‬وأنا الحاشر الذي ُيحشر الناس على قدمي )أي‬
‫ُيحشر الناس إثر بعثه(‪ ،‬وأنا العاقب"‪ 2‬والعاقب الذي ليس بعده‬
‫نبي‪.‬‬
‫يقول المؤرخ المريكي رالف لنتون ‪" :‬ولد محمد]‪ [‬في مكة ]‬
‫ن أباه مات‬ ‫‪ 20‬أبريل ‪571‬م[ من عائلة ذات مركز حسن‪ ،‬ولك ّ‬
‫قبل ولدته‪ ،‬كما ماتت أمه عندما كان في السادسة من عمره‪..‬‬
‫وفي السنوات الولى من سن المراهقة كان يعمل راعيًا‪..‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬
‫م له‬‫وعندما بلغ السابعة عشرة من عمره ذهب إلى سوريا مع ع ّ‬
‫‪ -‬بقصد التجارة –‪ ،‬وعندما أصبح في الرابعة والعشرين كان ينوب‬
‫عن أرملة غنية – هي السيدة خديجة – في السفر بقافلتها‬
‫التجارية‪ ،‬وبعد عام آخر‪ -‬أي في عام ‪595‬م ‪ -‬تزوج تلك الرملة‬
‫التي كانت في الربعين من عمرها‪ ،‬وكانت قد تزوجت قبل ذلك‬
‫مرتين‪ ،‬ولها من زوجيها السابقين ولدان وبنت‪ .‬وولدت له هذه‬
‫الرملة ولدين ماتا عندما كانا طفلين‪ ،5‬وأربع بنات‪ .‬وفي السنوات‬
‫الواقعة بين عامي ‪ 610-595‬م كان محمد تاجرا ً محترما ً في‬
‫مكة‪ ،‬وكان يلقب بالمين نظرا ً لما اتصف به من صدق وحكمة‬
‫في أحكامه"‪. 6‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬أخلق وصفات محمد‪: ‬‬
‫أول ً ‪ :‬أخلقه ‪:‬‬
‫عاش النبي ‪‬بعد وفاة عمه أبي طالب ‪ -‬في بيت جده عبد‬
‫المطلب زعيم مكة‪ ،‬ومن ثم نال حظا ً وافرا ً من الفطنة والفكر‬
‫السديد‪ ،‬ومعايشة قضايا العالم ومشكلته ونزاعاته ‪ ..‬فطالع‬
‫النبي محمد ‪ ‬صحائف البشرية وأحوال القبائل والجماعات‬
‫والحلف‪ ،‬وقد كان النبي ‪ ‬في ذروة اليجابية مع قضايا أمته ‪،‬‬
‫فهو عضو في " حلف الفضول " للدفاع عن المظلومين‪ ،‬ورفض‬

‫‪ 1‬أكدت موسوعة جينيس للرقام القياسية أن اسم محمد قد حقق أعلى معدل للتسمى به بين البشر‪ ،‬حيث بلغ عدد‬
‫الذين يحملون هذا السم المبارك ‪ 70‬مليون شخص على مستوى العالم ليصبح أكثر اسم في الوجود ‪.‬من جهة‬
‫أخرى كانت صحيفة ديلي تليجراف البريطانية قد كشفت أن اسم محمد الكثر انتشارا بين المواليد في انجلترا‬
‫وويلز في عام‪ ،2006‬أكثر من اسم جورج !) لندن ـ وكالة النباء السلمية ‪ :‬بتاريخ ‪(2007 \ 1 \ 8‬‬
‫‪ 2‬صحيح البخاري‪ ،‬ج ‪ ،2‬كتاب المناقب ‪ -‬باب‪ :‬ما جاء في أسماء رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬و أخرجه مسلم‬
‫في الفضائل ‪ -‬باب‪ :‬في أسمائه صلى ال عليه وسلم ‪ -‬رقم‪2354 :‬‬
‫‪ 3‬الصحيح في سن ‪ 12‬سنة ) ابن الجوزي ‪ :‬تلقيح فهوم أهل الثر ص ‪(7‬‬
‫‪ 4‬هو أبو طالب‬
‫‪ 5‬هما القاسم وعبد ال ‪ ،‬وقد ماتا في سن الطفولة قبل بعثة النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫‪ 6‬رالف لنتون ‪ :‬شجرة الحضارة‪1/340 ،‬‬

‫‪38‬‬
‫كل صور الظلم‪ ،‬وأكل الحقوق بالباطل ‪ ..‬كما إنه حكم عدل في‬
‫فض النزاعات والمشكلت التي تحدث بين القبائل والعائلت ‪..‬‬
‫ما‪،‬‬
‫قا‪ ،‬وأعظمهم حل ً‬ ‫خل ً‬
‫كان أفضل قومه مروءة‪ ،‬وأحسنهم ُ‬
‫دا‪..‬‬
‫سا‪ ،‬وأوفاهم عه ً‬ ‫ريكة‪ ،‬وأعفهم نف ً‬ ‫وأصدقهم حديًثا‪ ،‬وألينهم ع َ ِ‬
‫‪1‬‬
‫إنه ي ببساطة شديدة ي كما وصفته زوجته خديجة ي رضي الله‬
‫عنها ي ‪ ،‬يصل الرحم‪ ،‬ويحمل الكل‪ ،‬وُيكسب المعدوم‪ ،‬وُيقري‬
‫الضيف‪ ،‬وُيعين على نوائب الدهر ‪.‬‬
‫‪ -1‬المتياز في الخلق ‪:‬‬
‫يقول المستشرق آرثر جيلمان ‪" :‬لقد اتفق المؤرخون على أن‬
‫محمدا ً ]‪[‬كان ممتازا ً بين قومه بأخلق جميلة؛ من صدق‬
‫الحديث‪ ،‬والمانة‪ ،‬والكرم‪ ،‬وحسن الشمائل‪ ،‬والتواضع‪ ..‬وكان ل‬
‫يشرب الشربة المسكرة‪ ،‬ول يحضر للوثان عيدا ً ول احتفال ً"‪. 2‬‬
‫‪ -2‬لم تشبه شائبة ‪:‬‬
‫و يقول كارل بروكلمان‪:‬‬
‫ب محمدا ً ]‪[‬شائبة من قريب أو بعيد؛ فعندما كان صبيا ً‬ ‫"لم تش ْ‬
‫وشابا ً عاش فوق مستوى الشبهات التي كان يعيشها أقرانه من‬
‫‪3‬‬
‫بني جنسه وقومه"‬
‫‪ -3‬المفكر الخلوق ‪:‬‬
‫ويتحدث توماس كارليل عن نبينا محمد ‪ ‬قائ ً‬
‫ل‪:‬‬ ‫‪4‬‬

‫"لوحظ على محمد ]‪[‬منذ ]صباه[ أنه كان شاًبا مفكًرا وقد‬
‫ماه رفقاؤه المين – رجل الصدق والوفاء – الصدق في أفعاله‬ ‫س ّ‬
‫وأقواله وأفكاره‪ .‬وقد لحظوا أنه ما من كلمة تخرج من فيه إل‬
‫وفيها حكمة بليغة ‪ . .‬وإني لعرف عنه]‪ [‬أنه كان كثير الصمت‬
‫ب ! وقد‬ ‫يسكت حيث ل موجب للكلم‪ ،‬فإذا نطق فما شئت من ل ّ‬
‫رأيناه]‪ [‬طول حياته رجل ً راسخ المبدأ‪ ،‬صارم العزم‪ ،‬بعيد الهم‪،‬‬
‫صا‪ ،‬وهو مع‬ ‫ما بّرا رؤوًفا تقًيا فاضل ً حًرا‪ ،‬رجل ً شديد الجد ّ مخل ً‬
‫كري ً‬
‫م اِلبشر والطلقة حميد‬ ‫ذلك سهل الجانب لين العريكة‪ ،‬ج ّ‬
‫العشرة حلو اليناس‪ ،‬بل ربما مازح وداعب‪ ،‬وكان على العموم‬
‫تضيء وجهه ابتسامة مشرقة من فؤاد صادق‪ ..‬وكان ذكي اللب‪،‬‬
‫ما بفطرته‪ ،‬لم تثقفه مدرسة‪ ،‬ول هذبه معلم‪،‬‬ ‫شهم الفؤاد‪ ..‬عظي ً‬
‫وهو غني عن ذلك‪ ..‬فأدى عمله في الحياة وحده في أعماق‬
‫الصحراء"‪.5‬‬
‫‪ 1‬انظر‪:‬صحيح البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،4572‬وصحيح مسلم‪ ،‬برقم ‪231‬‬
‫‪ 2‬آرثر جيلمان ‪:‬الشرق‪ ،‬ص ‪.117‬‬
‫ل عن محمد عثمان عثمان ‪ :‬في كتابه )محمد في الداب العالمية المنصفة( ص ‪.110‬‬ ‫‪ 3‬نق ً‬
‫‪ 4‬توماس كارليل) ‪ 1881 – 1795‬م( الكاتب النجليزي الشهير‪ ،‬من أعماله )الثورة الفرنسية(‬
‫ل رائًعا عن النبي صلى ال عليه وسلم‪..،‬الخ‪.‬‬
‫ل كام ً‬
‫و)البطال( )‪ ،(1940‬وقد عقد فيه فص ً‬
‫‪ 5‬توماس كارليل ‪ :‬البطال ‪ ،‬ص ‪.51 ،50‬‬

‫‪39‬‬
‫‪ -4‬أعظم الناس مروءة‬
‫ويتحدث الباحث البلجيكي ألفرد الفانز‪ :‬عن أخلق محمد ‪‬‬
‫فيقول‪:‬‬
‫"شب محمد ]‪ [‬حتى بلغ ‪ ،‬فكان أعظم الناس مروءة وحلما ً‬
‫وأمانة ‪ ،‬وأحسنهم جوابًا‪ ،‬وأصدقهم حديثا ً ‪ ،‬وأبعدهم عن الفحش‬
‫حتى عرف في قومه بالمين ‪ ،‬وبلغت أمانته وأخلقه المرضية‬
‫خديجة بنت خويلد القرشية ‪ ،‬وكانت ذات مال ‪ ،‬فعرضت عليه‬
‫خروجه إلى الشام في تجارة لها مع غلمها ميسرة ‪ ،‬فخرج وربح‬
‫كثيرا ً ‪ ،‬وعاد إلى مكة وأخبرها ميسرة بكراماته ‪ ،‬فعرضت نفسها‬
‫عليه وهي أيم ‪ ،‬ولها أربعون سنة ‪ ،‬فأصدقها عشرين بكرة‪،‬‬
‫وتزوجها وله خمسة وعشرون سنة‪ ،‬ثم بقيت معه حتى ماتت‪.‬‬
‫"‪. 1‬‬
‫‪ -5‬احترام الناس له ‪:‬‬
‫ويتحدث الباحث الروسي آرلونوف‪ ،‬عن نبي الرحمة‪ ،‬ويقول ‪:‬‬
‫"اشتهر ]‪ [‬بدماثة الخلق‪ ،‬ولين العريكة‪ ،‬والتواضع وحسن‬
‫المعاملة مع الناس‪ ،‬قضى محمد ]‪ [‬أربعين سنة مع الناس‬
‫بسلم وطمأنينة‪ ،‬وكان جميع أقاربه يحبونه حبا ً جمًا‪ ،‬وأهل مدينته‬
‫يحترمونه احتراما ً عظيمًا‪ ،‬لما عليه من المبادئ القويمة‪ ،‬والخلق‬
‫الكريمة‪ ،‬وشرف النفس‪ ،‬والنزاهة ‪.2".‬‬
‫‪ -6‬أقوال من عاصروه ‪:‬‬
‫هذه بعض أقوال علماء الغرب المنصفين في حديثهم عن أخلق‬
‫محمد ‪..‬‬
‫فماذا كانت أقوال من عاصروا النبي وكانوا معه كظله ؟ ‪:‬‬
‫يقول علي بن أبي طالب‪:‬‬
‫"كان رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬يخزن لسانه إل مما‬
‫يعنيهم ويؤلفهم ‪ ،‬ول يفرقهم ‪ ،‬يكرم كريم كل قوم ‪ ،‬ويوليه‬
‫عليهم ‪ ،‬ويحذر الناس ويحترس عنهم ‪ ،‬من غير أن يطوي عن‬
‫أحد بشره وخلقه ‪ ،‬ويتفقد أصحابه ‪ ،‬ويسأل الناس عما في‬
‫الناس ‪ ،‬ويحسن الحسن ويصوبه ‪ ،‬ويقبح القبيح ويوهنه ‪ ،‬معتدل‬
‫المر غير مختلف ‪ ،‬ل يغفل مخافة أن يغفلوا ‪ ،‬أو يملوا ‪ ،‬لكل‬
‫حال عنده عتاد ‪ ،‬ل يقصر عن الحق ‪ ،‬ول يجاوزه إلى غيره ‪،‬‬
‫الذين يلونه من الناس خيارهم ‪ ،‬وأفضلهم عنده أعمهم نصيحة‬
‫وأعظمهم عنده منزلة ‪ :‬أحسنهم مواساة ومؤازرة ‪. 3 ".‬‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬محمد شريف الشيباني‪ :‬الرسول في الدراسات الستشراقية المنصفة ‪ ،‬ص ‪.17‬‬
‫‪ 2‬آرلونوف ‪ :‬مقالة "النبي محمد "‪ ،‬مجلة الثقافة الروسية ‪ ،‬ج ‪ ، 7‬عدد ‪9‬‬
‫‪ 3‬رواه أبو الشيخ الصبهاني في أخلق النبي )‪(16‬‬

‫‪40‬‬
‫"كان رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬دائم البشر ‪ ،‬سهل‬
‫الخلق‪ ،‬لين الجانب ‪ ،‬ليس بفظ‪ ، 1‬ول غليظ ول صخاب‪ 2‬في‬
‫السواق ‪ ،‬ول فاحش ول عياب ‪ ،‬ول مداح يتغافل عما ل يشتهي ‪،‬‬
‫ويؤيس منه ‪ ،‬ول يجيب فيه‪ ،‬قد ترك نفسه من ثلث ‪ :‬المراء‪،3‬‬
‫والكثار ‪ ،‬ومال يعنيه وترك الناس من ثلث ‪ :‬كان ل يذم أحدا ‪،‬‬
‫ول يعيره ‪ ،‬ول يطلب عوراته‪ ،‬ول يتكلم إل فيما رجا ثوابه‪ ،‬إذا‬
‫تكلم أطرق‪ 4‬جلساؤه ‪ ،‬كأنما على رءوسهم الطير‪ ،‬وإذا سكت‬
‫تكلموا‪ ،‬ول يتنازعون عنده الحديث من تكلم أنصتوا له ‪ ،‬حتى‬
‫يفرغ حديثهم عنده حديث أولهم ‪ ،‬يضحك مما يضحكون ‪،‬‬
‫‪5‬‬
‫ويتعجب مما يتعجبون ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه" ‪.‬‬
‫"كان سكوت رسول الله‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬على أربع ‪:‬‬
‫على الحلم ‪ ،‬والحذر ‪ ،‬والتقدير ‪ ،‬والتفكير ‪ ،‬فأما تقديره ففي‬
‫تسوية النظر ‪ ،‬والستماع من الناس ‪ ،‬وأما تفكيره ففيما يبقى ‪،‬‬
‫ول يفنى وجمع له الحلم في الصبر ‪ ،‬فكان ل يغضبه شيء ‪ ،‬ول‬
‫يستفزه وجمع له الحذر في أربع ‪ :‬أخذه بالحسن ليقتدى به ‪،‬‬
‫وتركه القبيح لينتهى عنه ‪ ،‬واجتهاده الرأي فيما أصلح أمته ‪،‬‬
‫والقيام فيما هو خير لهم ‪ ،‬جمع لهم خير الدنيا والخرة"‪.6‬‬
‫كان " دائم البشر‪ ،‬سهل الخلق‪ ،‬لين الجانب‪ ،‬ليس بفظ ول‬
‫غليظ‪ ،‬ول صخاب ول فحاش ول عياب ول مشاح‪ ،‬يتغافل عما ل‬
‫يشتهي ول يؤيس منه راجيه ول يخيب فيه"‪..7‬‬
‫ثانًيا ‪ :‬صفاته ‪:‬‬
‫‪ -1‬كلم أنس في وصف النبي ‪‬‬
‫قال أنس بن مالك – خادم النبي ‪: -‬‬
‫ن‬ ‫ْ‬
‫صلى الله َعليه وسلم – ليس بالطويل الَبائ ِ ِ‬ ‫"كان رسول الله –‬
‫جعْدِ‬ ‫س ِبال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫م‪ ،‬وَل َي ْ‬
‫ِ‬ ‫س ِباْلد َ‬ ‫َ‬ ‫ق‪ ،‬وَل َي ْ‬‫ِ‬ ‫َ‬ ‫مه‬ ‫ض اْل ْ‬ ‫ِ‬ ‫س ِباْل َب ْي َ‬ ‫َ‬ ‫صير‪ ،‬وَل َي ْ‬ ‫ق ِ‬ ‫َول ِبال ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫قط َط‪ ،8‬وَل بالسبط‪ ،9‬بعث َه الل ّه ع ََلى رأ ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫م‬‫ة‪ ،‬فَأَقا َ‬ ‫سن َ ً‬ ‫ن َ‬ ‫س أْرب َِعي َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ِ ّ ْ ِ ََ ُ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ن‪ ،‬وَت َوَّفاه ُ الل ّ ُ َ‬
‫س‬
‫ه ع َلى َرأ‪ِ 10‬‬ ‫سِني َ‬ ‫شَر ِ‬ ‫دين َةِ ع َ ْ‬‫م ِ‬ ‫ن وَِبال ْ َ‬‫سِني َ‬ ‫شَر ِ‬ ‫ة عَ ْ‬ ‫مك ّ َ‬ ‫بِ َ‬
‫ْ‬
‫ضاَء"‬ ‫شعََرة ً ب َي ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫شُرو َ‬ ‫ع ْ‬ ‫حي َت ِهِ ِ‬
‫سهِ وَل ِ ْ‬ ‫س ِفي َرأ ِ‬ ‫ة‪ ،‬وَل َي ْ َ‬ ‫سن َ ً‬‫ن َ‬ ‫سّتي َ‬ ‫ِ‬

‫خُلق‬
‫يء ال ُ‬
‫سّ‬‫‪ 1‬الَفظ ‪َ :‬‬
‫صام‬
‫خ َ‬
‫ت لل ِ‬
‫ب الصوا ِ‬ ‫جة‪ ،‬واضطرا ُ‬ ‫ضّ‬ ‫خب ‪ :‬ال ّ‬‫‪ 2‬الص ّ‬
‫‪ 3‬المراء ‪ :‬المجادلة العقيمة‬
‫‪ 4‬أطرق ‪ :‬أمال رأسه إلى صدره منصًتا‬
‫‪ 5‬رواه أبو الشيخ الصبهاني في أخلق النبي ‪(16) -‬‬
‫‪ 6‬رواه أبو الشيخ الصبهاني في أخلق النبي ‪(16) -‬‬
‫‪ 7‬الترمذي ‪ :‬مختصر الشمائل المحمدية‪24 ،‬‬
‫‪ 8‬القطط‪ :‬الشعر فيه التواء وانقباض‬
‫‪ 9‬السبط‪ :‬الشعر المسترسل‪.‬‬
‫‪ 10‬صحيح البخاري ‪ ،(5449) -‬وجعله المام الترمذي أول أحاديث كتابه الشمائل‬

‫‪41‬‬
‫ن‪،‬‬
‫مي‪ِ ْ 1‬‬
‫قد َ َ‬ ‫ن َوال ْ َ‬ ‫خ َ ْ‬
‫م الي َد َي ْ ِ‬ ‫ض ْ‬‫" كان النبي – صلى الله عليه وسلم – َ‬
‫ط ال ْك َ ّ‬‫س َ‬ ‫حسن ال ْوجه‪ ،‬ل َ َ‬
‫ن"‬ ‫ِ‬ ‫في ْ‬ ‫ن بَ ِ‬
‫كا َ‬ ‫مث ْل َ ُ‬
‫ه وَ َ‬ ‫م أَر ب َعْد َه ُ وََل قَب ْل َ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ َ ْ ِ‬
‫‪2‬‬
‫ه" ‪.‬‬ ‫من ْك ِب َي ْ ِ‬‫شعَُر النبي – صلى الله عليه وسلم – َ‬ ‫ب َ‬ ‫ضرِ ُ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫" َ‬
‫كا َ‬

‫‪ -2‬كلم ابن عباس في وصف النبي ‪‬‬


‫َ‬
‫ل ال ْك َِتا ِ‬
‫ب‬ ‫ة أهْ ِ‬ ‫وافَ َ‬
‫ق َ‬ ‫م َ‬‫ب ُ‬‫ح ّ‬ ‫" كان النبي – صلى الله عليه وسلم – ي ُ ِ‬
‫َ‬ ‫ن أ َهْ ُ‬
‫ن‬‫كا َ‬ ‫م وَ َ‬‫شَعاَرهُ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫سد ُِلو َ‬ ‫ب يَ ْ‬‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫ه‪ ،‬وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫مْر ِفي ِ‬ ‫م ي ُؤ ْ َ‬‫ما ل َ ْ‬
‫ِفي َ‬
‫ل النبي – صلى الله عليه‬ ‫م‪ ،‬فَ َ‬
‫سد َ َ‬ ‫سه ُ ْ‬‫ن ُرُءو َ‬ ‫فُرُقو َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫م ْ‬‫ال ْ ُ‬
‫د"‪. 3‬‬ ‫م فََرقَ ب َعْ ُ‬ ‫ه ثُ ّ‬
‫صي َت َ ُ‬
‫وسلم – َنا ِ‬
‫‪ -3‬كلم البراء في وصف النبي ‪‬‬
‫عا ‪ ،‬بعيد ما‬ ‫‪4‬‬
‫" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل ً مربو ً‬
‫بين المنكبين‪ 5‬عظيم الجمة إلى شحمة أذنيه‪ ،‬عليه حلة حمراء ‪،‬‬
‫ما رأيت شيئا قط أحسن منه"‪.6‬‬
‫‪ -4‬كلم جابر بن سمرة في وصف النبي ‪‬‬
‫" رأيت رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬في ليلة إضحيان ] أي‬
‫مضيئة مقمرة [ وعليه حلة حمراء فجعلت أنظر إليه وإلى القمر‬
‫فلهو عندي أحسن من القمر "‪. 7‬‬
‫" كان رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬ضليع الفم أشكل‬
‫العين منهوس العقب " ‪ .‬قال شعبة ‪ :‬قلت لسماك ‪ :‬ما ) ضليع‬
‫الفم ( ؟ قال ‪ :‬عظيم الفم ‪ .‬قلت ‪ :‬ما ) أشكل العين ( ؟ قال ‪:‬‬
‫طويل شق العين ‪ .‬قلت ‪ :‬ما ) منهوس العقب ( ؟ قال ‪ :‬قليل‬
‫لحم العقب‪. 8‬‬
‫‪ -5‬كلم علي بن أبي طالب في وصف النبي ‪‬‬
‫" لم يكن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬بالطويل ول بالقصير‪،‬‬
‫شثن الكفين والقدمين‪ ،‬ضخم الرأس‪ ،‬ضخم الكراديس‪ ،9‬طويل‬
‫ؤا كأنما ينحط من صبب‪ ،11‬لم أر‬ ‫المسربة‪ ،10‬إذا مشى تكفأ تكف ً‬
‫قبله ول بعده مثله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم – "‪.12‬‬

‫‪ 1‬صحيح البخاري ‪(5456) -‬‬


‫‪ 2‬صحيح البخاري ‪(5453) -‬‬
‫‪ 3‬صحيح البخاري ‪(5462) -‬‬
‫‪ 4‬ليس بالطويل البائن ول بالقصير‬
‫جَتَمع رأس الكتف والعضد‬ ‫‪ 5‬المنكب ‪ُ :‬م ْ‬
‫ص ‪14‬‬ ‫‪ 6‬صحيح – رواه الترمذي في الشمائل ) ‪ ، (3‬وصححه اللباني في مختصر الشمائل‪،‬‬
‫ص ‪26‬‬ ‫‪ 7‬صحيح – رواه الترمذي في الشمائل ) ‪ ، (8‬وصححه اللباني في مختصر الشمائل‪،‬‬
‫ص ‪26‬‬ ‫‪ 8‬صحيح – رواه الترمذي في الشمائل ) ‪ ، (7‬وصححه اللباني في مختصر الشمائل‪،‬‬
‫‪ 9‬رؤوس العظام‪.‬‬
‫‪ 10‬الَمسَربة‪ :‬الشعر الدقيق الذي يبدأ من الصدر وينتهي بالسرة‪.‬‬
‫‪ 11‬الصبب‪ :‬انخفاض من الرض‪.‬‬
‫ص ‪15‬‬ ‫‪ 12‬صحيح – رواه الترمذي في الشمائل ) ‪ ، (4‬وصححه اللباني في مختصر الشمائل‪،‬‬

‫‪42‬‬
‫‪ -6‬كلم أبي الطفيل في وصف النبي ‪‬‬
‫"رأيت النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وما بقي على وجه الرض‬
‫أحد رآه غيري "‬
‫‪1‬‬
‫دا " ‪.‬‬
‫حا مقص ً‬
‫قيل له ‪ :‬صفه لي ‪ .‬قال ‪ " :‬كان أبيض ملي ً‬

‫‪ -7‬كلم أبي هريرة في وصف النبي ‪‬‬


‫‪2‬‬
‫"كان أحسن الناس ) صفة و أجملها كان ( ربعة إلى الطول ما‬
‫هو‪ ،‬بعيد ما بين المنكبين‪ ،‬أسيل الخدين‪ ،‬شديد سواد الشعر‪،‬‬
‫أكحل العينين‪ ،‬أهدب الشفار‪ ،‬إذا وطئ‪ 3‬بقدمه وطئ بكلها‪ ،‬ليس‬
‫له أخمص إذا وضع رداءه عن منكبيه فكأنه سبيكة فضة ) و إذا‬
‫ضحك يتلل(‪. 4‬‬
‫د في وصف النبي ‪‬‬ ‫ُ‬
‫عب َ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫‪ -8‬كلم أ ّ‬
‫وهو أدق وصف – وصفه بشر في النبي‪ -‬على الطلق ‪! ..‬‬
‫معْب َد ٍ تصف رسول الله لزوجها‪ ،‬لما مر بها في رحلة‬ ‫ُ‬
‫م َ‬ ‫قالت أ ّ‬
‫الهجرة ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ق ‪..‬ل َ ْ‬ ‫ن ال ْ َ ْ‬
‫خل ِ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫ه‪َ .. 5‬‬ ‫ج ِ‬ ‫ج ال ْوَ ْ‬ ‫ضاَءةِ ‪ ..‬أب ْل َ َ‬ ‫ظاهََر ال ْوَ َ‬ ‫جل َ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫"َرأي ْ ُ‬
‫ج‪ ، 6‬وَِفي‬ ‫م ‪ِ ،‬في ع َي ْن َي ْهِ د َع َ ٌ‬ ‫سي ٌ‬ ‫ة ‪ ،‬وَ ِ‬ ‫صعْل َ ٌ‬‫م ت ُْزرِ ب ِهِ َ‬ ‫ة‪..‬وَل َ ْ‬ ‫حل َ ٌ‬ ‫ه ثُ ْ‬ ‫ت َعِب ْ ُ‬
‫ع ‪ ،‬وَِفي‬ ‫َ ‪9‬‬
‫سط ٌ‬ ‫قه ِ َ‬ ‫ل ‪،‬وَِفي ع ُن ُ ِ‬ ‫‪8‬‬
‫صهَ ٌ‬ ‫صوْت ِهِ َ‬ ‫ف ‪ ،‬وَِفي َ‬
‫‪7‬‬
‫فارِهِ وَط َ ٌ‬ ‫ش َ‬ ‫أَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫حي َت ِهِ ك ََثاث َ ٌ‬
‫ن ‪..‬‬ ‫ج‪ 11‬أقَْر ُ‬ ‫ة‪ ، 10‬أَز ّ‬ ‫لِ ْ‬
‫عله ُ ال ْب ََهاُء ‪..‬‬ ‫ماه ُ وَ َ‬ ‫س َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ت َك َل ّ َ‬ ‫ت فَعَل َي ْهِ ال ْوََقاُر ‪ ،‬وَإ ِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ص َ‬‫ن َ‬ ‫إِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب ‪..‬‬ ‫ري ٍ‬ ‫ن قَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫سن ُ ُ‬ ‫ح َ‬
‫َ‬
‫حله ُ وَأ ْ‬ ‫ن ب َِعيد ٍ ‪،‬وأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫س وَأب ََهاه ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل الّنا‬ ‫م ُ‬ ‫ج َ‬ ‫أ ْ‬
‫ت ن َظ ْ ٌ‬ ‫ل ل هَذ ٌِر َول ت َزٌِر ‪ ،12‬ك َأ ّ‬ ‫ص ٌ‬ ‫ق ‪ ،‬فَ ْ‬ ‫حل ْوُ ال ْ ِ َ‬
‫‪13‬‬
‫م‬ ‫خَرَزا ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫ق ُ‬ ‫من ْط ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫من ْط ِ‬ ‫ُ‬
‫ن ‪..‬‬ ‫حد ّْر َ‬ ‫ي َت َ َ‬
‫صرٍ ‪..‬‬ ‫ن ُ‬ ‫ْ‬
‫ن قِ َ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ه ع َي ْ ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫ح ُ‬‫قت َ ِ‬
‫ل ‪َ ،‬ول ت َ ْ‬ ‫طو ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫َرب ْعٌ ل ي َأ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م قَد ًْرا ‪ ،‬ل َ ُ‬
‫ه‬ ‫سن ُهُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫من ْظ ًَرا ‪ ،‬وَأ ْ‬ ‫ضُر الّثلث َةِ َ‬ ‫ن فَهُوَ أن ْ َ‬ ‫صن َي ْ ِ‬ ‫ن غُ ْ‬ ‫ن ب َي ْ َ‬ ‫ص ٌ‬ ‫غُ ْ‬
‫ن ب ِهِ ‪،‬‬ ‫فو َ‬ ‫ح ّ‬ ‫قاُء ي َ ُ‬ ‫ُرفَ َ‬
‫‪ 1‬صحيح – رواه الترمذي في الشمائل )‪ ، (12‬وصححه اللباني في مختصر الشمائل‪ ،‬ص ‪27‬‬
‫‪ 2‬الربعة ‪ :‬ليس بالطويل ول بالقصير‬
‫‪ 3‬وطئ ‪ :‬وضع قدمه على الرض أو على الشيء وداس عليه ‪ ،‬ونزل بالمكان‬
‫‪ 4‬حسن‪ -‬رواه البيهقي )‪ :( 234‬وحسنه اللباني في صحيح وضعيف الجامع الصغير )‪(8762‬‬
‫‪ 5‬أبلج الوجه ‪ :‬مشرق الوجه مضيئه‬
‫‪ 6‬شدة سواد العينين مع سعتهما‪ ،‬دللة علي شدة جمل العينين‬
‫‪ 7‬في شعر أجفانه طول‬
‫‪ 8‬فيه بحة‪ ،‬كانت تجمل الصوت ‪.‬‬
‫‪ 9‬طول‬
‫‪ 10‬الكث ‪ :‬الغزير والكثيف‬
‫‪ 11‬الحاجب الرقيق‬
‫ق والباطل‬
‫صل بين الح ّ‬‫‪ 12‬الفصل ‪ :‬الَبّين الظاهر ‪ ،‬الذي َيْف ِ‬
‫‪ 13‬الخرز ‪ :‬حبات تنظم في عقد تضعه المرأة في رقبتها لتتزين به‪ ،‬دللة على تنسيق الكلم‪ ،‬وترتيبه‪ ،‬جمال‬
‫العرض‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫َ‬ ‫قول ِه ‪ ،‬وإ َ‬ ‫إن َقا َ َ‬
‫مَر ت ََباد َُروا إ َِلى أ ْ‬
‫مرِهِ ‪..‬‬ ‫نأ َ‬‫صُتوا ل ِ َ ْ ِ َ ِ ْ‬
‫ل أن ْ َ‬ ‫ِ ْ‬
‫‪4 3‬‬
‫فن ّد ٌ " ‪.‬‬ ‫م َ‬ ‫س َول ُ‬ ‫عاب ِ ٌ‬
‫‪2‬‬
‫شود ٌ ل َ‬ ‫ح ُ‬ ‫م ْ‬ ‫‪1‬‬
‫فود ٌ َ‬ ‫ح ُ‬
‫م ْ‬‫َ‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬حال العالم عشية البعثة ‪:‬‬
‫"بينما كان العالم الشرقي والعالم الغربي بفلسفاتهما العقيمة‬
‫يعيش في دياجير ظلم الفكر وفساد العبادة‪ ،‬بزغ من مكة‬
‫المكرمة في شخص محمد رسول الله ]‪ [‬نور وضاء؛ أضاء‬
‫على العالم فهداه إلى السلم" ‪. 5‬‬

‫فقد ُولد النبي ]‪ [‬والبشرية ُتعاني صنوف الجهل والتخلف‬


‫والنحطاط الخلقي والحضاري‪ ..‬العرب في الجزيرة العربية كانوا‬
‫يعبدون الصنام ويقتلون البنات ويتكسبون من وراء الزنى‬
‫والدعارة ‪ ..‬أما الشعب الفارسي فقد أدمن عبادة النار كما أدمن‬
‫عبادة الطاغية كسرى‪ ،‬الذي كرث الطبقية والكراهية بين صفوف‬
‫الشعب الفارسي ‪ ..‬وهذا هرقل أجج الخلف الطائفي بين‬
‫ذبح من يخالفه في المذهب‪ ،‬فضل ً عن فساد‬ ‫الرومان فأخذ ي ّ‬
‫السلطة الرومانية الحاكمة ماليا ً وإداريا ً وسياسيا ً ‪ ..‬حتى وصل‬
‫بهم الحد أن فرضوا ضريبة على الشعوب تسمى " ضريبة‬
‫الرأس" ‪ ..‬وهي ضريبة يدفعها المواطن نظير ترك رأسه دون‬
‫ذبح !‬
‫ومن ثم " فإننا نجد استعدادات عامة للنتحار الجتماعي العام ‪.‬‬
‫لم يكن النوع البشري في ذلك الزمان راضًيا بالنتحار فحسب‪،‬‬
‫‪6‬‬
‫بل كان يتساقط عليه‪ ،‬ويتهالك فيه !! "‬
‫وهكذا كان العالم يموج بالظلم والتخلف ‪ ..‬إلى أن أرسل الله ي‬
‫تبارك ي هذا الصادق المين ‪.‬‬
‫ويبين هنري ماسيه ‪: 7‬‬
‫أن "بفضل إصلحات محمد ]‪ [‬الدينية والسياسية‪ ،‬وهي‬
‫إصلحات موحدة بشكل أساسي‪ ،‬فإن العرب وعوا أنفسهم‬

‫‪ 1‬المحفود ‪ :‬الذي يخدمه أصحابه‬


‫‪ 2‬المحشود ‪ :‬الذي يجتمع إليه الناس‬
‫‪ 3‬ل مفند ‪ :‬يعني ل عابس ول مكذب‬
‫‪ 4‬صحيح – رواه الطبراني في المعجم الكبير )‪،(3524‬والحاكم في المستدرك )‪،(4243‬والبيهقي في دلئل‬
‫النبوة‪ ،‬وابن عمرو الشيباني في الحاد والمثاني)‪ ،(3083‬وقال الذهبي – في التلخيص ‪ : -‬صحيح‬
‫‪ 5‬إبراهيم خليل أحمد)القـس إبراهيم فيلـوبـوس سابًقا(‪ :‬محمد في التوراة والنجيل والقرآن ‪ ،‬ص ‪47‬‬
‫‪ 6‬أبو الحسن علي الحسني الندوي ‪ :‬السيرة النبوية‪ ،‬ص ‪467‬‬
‫‪ 7‬هنري ماسيه ‪ :‬ولد عام ‪ ،1886‬عمل مديًرا للمعهد الفرنسي بالقاهرة‪ ،‬وعين أستاًذا في جامعة الجزائر‬
‫)‪ ،(1927-1916‬وعضًوا في المجمع العلمي العربي بدمشق‪ ،‬وانتدبته الحكومة لعديد من المهام الثقافية‬
‫واختارته اليونسكو في لجنة المستشرقين‪.‬من آثاره‪:‬كتاب )السلم( )‪ ،(1957‬ونشر العديد من البحاث‬
‫في المجلت الستشراقية الشهيرة ‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫دوا دخلوهم النهائي‬
‫وخرجوا من ظلمات الجهل والفوضى‪ ،‬ليع ّ‬
‫إلى تاريخ المدنية"‪..1‬‬

‫المطلب الرابع ‪:‬النبوة والوحي ‪:‬‬


‫أول ً ‪ :‬شهادة الكتب السماوية السابقة‬
‫لقد أخبرت التوراة والنجيل عن بعثة محمد ‪ ‬بشكل صريح تارة‬
‫وبشكل فيه تلميح تارة أخرى ‪:‬‬
‫ففي بشارة سفر العدد‪ :‬ورد في قصة بلعام بن باعوراء أنه قال‪:‬‬
‫"انظروا كوكبا ً قد ظهر من آل إسماعيل‪ ،‬وعضده سبط من‬
‫العرب‪ ،‬ولظهوره تزلزلت الرض ومن عليها"‪ . .‬قال المهتدي‬
‫السكندراني معلقًا‪" :‬ولم يظهر من نسل إسماعيل إل محمد ‪،‬‬
‫قا إنه كوكب آل إسماعيل‪،‬‬ ‫وما تزلزلت الرض إل لظهوره ‪ .‬ح ً‬
‫وهو الذي تغير الكون لمبعثه ‪‬؛فقد حرست السماء من استراق‬
‫السمع‪ ،‬وانطفأت نيران فارس‪ ،‬وسقطت أصنام بابل‪ ،‬ودكت‬
‫عروش الظلم على أيدي أتباعه‪.2".‬‬
‫حرف هذا النص في الطبعات المحدثة إلى‪" :‬يبرز كوكب من‬ ‫وقد ُ‬
‫يعقوب‪ ،‬ويقوم قضيب من إسرائيل‪ ،‬فيحطم موآب‪ ،‬ويهلك من‬
‫الوغى"‪.3‬‬

‫هزمت جيوش بني إسرائيل أمام العمالقة‪،‬‬ ‫وفي سفر التثنية لما ُ‬
‫توسل موسى إلى الله سبحانه وتعالى مستشفعا ً بمحمد ‪‬قائ ً‬
‫ل‪:‬‬
‫"اذكر عهد إبراهيم الذي وعدته به من نسل إسماعيل أن تنصر‬
‫جيوش المؤمنين‪ ،‬فأجاب الله دعاءه ونصر بني إسرائيل على‬
‫العمالقة ببركات محمد ‪ "‬وقد استبدل هذا النص بالعبارات‬
‫التالية‪" :‬اذكر عبيدك إبراهيم وإسحاق ويعقوب‪ ،‬ول تلتفت إلى‬
‫غلظة هذا الشعب وإثمه وخطيئته" ول يمكن أن يكون هذا‬
‫الدعاء – الذي في النص الول – قد صدر من موسى عليه‬
‫السلم‪ ،‬لنه ينافي كمال التوحيد‪.4‬‬
‫وقال يوحنا في الفصل الخامس عشر من إنجيله ‪ :‬إن المسيح ي‬
‫عليه السلم ي قال‪" :‬إن الفارقليط الذي يرسله أبي باسمي‬
‫يعلمكم كل شيء" وقال – أيضا – في الفصل السادس عشر‪:‬‬
‫"إن الفارقليط لن يجيئكم مالم أذهب‪ ،‬فإذا جاء وبخ العالم على‬

‫‪ 1‬هنري ماسيه ‪ :‬السلم ‪ ،‬ص ‪.55‬‬


‫‪ 2‬انظر‪ :‬محمد بن عبد ال السحيم‪ :‬أعظم إنسان في الكتب السماوية‪ ، .‬فصل ‪ :‬بشارات العهد القديم بمحمد صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ ،‬ص ‪ ،21‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ 3‬انظر‪ :‬المصدر السابق‬
‫‪ 4‬انظر‪ :‬المصدر السابق‬

‫‪45‬‬
‫الخطيئة‪ ،‬ول يقول من تلقاء نفسه شيئًا‪ ،‬لكنه يسوسكم بالحق‬
‫‪1‬‬
‫كله‪ ،‬ويخبركم بالحوادث والغيوب"‬
‫ويقول عيسى ي عليه السلم ي في إنجيل برنابا ‪" :‬لن الله‬
‫سيصّعدني من الرض وسيغير منظر الخائن حتى يظنه كل أحد‬
‫إّياي‪ .‬ومع ذلك فإنه حين يموت شر ميتة أمكث أنا في ذلك العار‬
‫زمًنا طويل ً في العالم ولكن متى جاء محمد رسول الله المقدس‬
‫تزال عني هذه الوصمة"‪. 2‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد شهد بنبوة محمد ‪ ‬رجالت اليهودية‪ ،‬كأمثال الحبر عبد‬
‫الله بن سلم‪ ،‬ورجلت النصرانية كورقة بن نوفل ‪..‬‬
‫ليكونا حجة على كل يهودي أو نصراني إلى قيام الساعة !‬

‫ثانًيا‪ :‬شهادات علماء الغرب‪:‬‬


‫كما شهد بنبوة محمد ‪‬كبار المفكرين والباحثين الغربيين في‬
‫العصر الحديث ‪ ،‬ونذكر من هذه الشهادات ‪:‬‬
‫‪ -1‬شهادة واشنجتون إيرفنج‬
‫يقول الكاتب المريكي واشنجتون إيرفنج ) ‪ 1859-1783‬م(‪:‬‬
‫"كان محمد ]‪ [‬خاتم النبيين وأعظم الرسل الذين بعثهم الله ؛‬
‫ليدعوا الناس إلى عبادة الله"‪..3‬‬
‫‪ -2‬شهادة مارسيل بوازار‬
‫ويثبت "مارسيل بوازار" نبوة محمد ‪ ‬بإسلوب عقلني وعلمي‬
‫بكلمات بليغة فيقول ‪:‬‬
‫"منذ استقر النبي محمد ]‪ [‬في المدينة‪ ،‬غدت حياته جزًءا ل‬
‫ينفصل من التاريخ السلمي‪ .‬فقد ُنقلت إلينا أفعاله وتصرفاته‬
‫ما شديد الحيوية‪ ،‬فقد أثبت‬ ‫منظ ً‬‫في أدق تفاصيلها‪ ..‬ولما كان ُ‬
‫نضالية في الدفاع عن المجتمع السلمي الجنيني‪ ،‬وفي بث‬
‫الدعوة‪ ..‬وبالرغم من قتاليته ومنافحته‪ ،‬فقد كان يعفو عند‬
‫المقدرة‪ ،‬لكنه لم يكن يلين أو يتسامح مع أعداء الدين‪ .‬ويبدو أن‬
‫مزايا النبي الثلث‪ ،‬الورع والقتالية والعفو عند المقدرة قد طبعت‬
‫سدت المناخ الروحي‬ ‫المجتمع السلمي في إبان قيامه وج ّ‬
‫للسلم‪.4 "..‬‬
‫ويضيف قائل ً ‪:‬‬
‫دا عظيمًا ملء قلبه الرأفة‪،‬‬ ‫" وكما يظهر التاريخ محمدًا ]‪ [‬قائ ً‬
‫حا قوي الشكيمة له سياسته‬ ‫يصوره كذلك رجل دولة صري ً‬
‫‪ 1‬انظر‪ :‬المصدر السابق‬
‫‪ 2‬إنجيل برنابا ‪( 16 - 112 :80)،‬‬
‫‪ 3‬واشنجتون إيرفنج ‪ :‬حياة محمد ‪ ،‬ص ‪. 72‬‬
‫‪ 4‬مارسيل بوازار‪ :‬إنسانية السلم ‪ ،‬ص ‪46‬‬

‫‪46‬‬
‫الحكيمة التي تتعامل مع الجميع على قدم المساواة وتعطي كل‬
‫صاحب حق حقه‪ .‬ولقد استطاع بدبلوماسيته ونزاهته أن ينتزع‬
‫العتراف بالجماعة السلمية عن طريق المعاهدات في الوقت‬
‫الذي كان النصر العسكري قد بدأ يحالفه‪ .‬وإذا تذكرنا أخيًرا على‬
‫الصعيد النفساني هشاشة السلطان الذي كان يتمتع به زعيم من‬
‫زعماء العرب‪ ،‬والفضائل التي كان أفراد المجتمع يطالبونه‬
‫بالتحلي بها‪ ،‬استطعنا أن نستخلص أنه لبد ّ أن يكون محمد ]‪[‬‬
‫الذي عرف كيف ينتزع رضا أوسع الجماهير به إنساًنا فوق‬
‫قا‪ ،‬وأنه لبد أن يكون نبًيا حقيقًيا من أنبياء الله !‬ ‫مستوى البشر ح ً‬
‫! "‪. 1‬‬
‫‪-3‬شهادة إميل درمنغم‪:‬‬
‫أما إميل درمنغم‪ 2‬فيدلل على نبوة محمد ‪ ،‬من خلل حادث‬
‫وفاة ابراهيم ابن رسول الله‪ ،‬فيقول ‪:‬‬
‫"‪ ..‬ولد لمحمد ]‪]،[‬من مارية القبطية[ ابنه إبراهيم فمات‬
‫حده بيده وبكاه‪ ،‬ووافق موته‬ ‫ل‪ ،‬فحزن عليه ]‪[‬كثيًرا ول ّ‬ ‫طف ً‬
‫كسوف الشمس‪ ،‬فقال المسلمون‪ :‬إنها انكسفت لموته‪ ،‬ولكن‬
‫دا ]‪[‬كان من سموّ النفس ما رأى به رد ّ ذلك فقال‪" :‬إن‬ ‫محم ً‬
‫الشمس والقمر آيتان من آيات الله ل يخسفان لموت أحد‪."..‬‬
‫فقول مثل هذا مما ل يصدر عن كاذب دجال‪.3"..‬‬
‫‪ -4‬شهادة ليتنر ‪:‬‬
‫يقول ليتنر‪: 4‬‬
‫ي اليهود والنصارى أقول بأن ما علمه‬ ‫" بقدر ما أعرف من دين ْ‬
‫سا بل قد أوحي إليه به ول ريب بذلك طالما‬ ‫محمد]‪[‬ليس اقتبا ً‬
‫نؤمن بأنه قد جاءنا وحي من لدن عزيز عليم‪ .‬وإني بكل احترام‬
‫وخشوع أقول‪ :‬إذا كان تضحية الصالح الذاتي‪ ،‬وأمانة المقصد‪،‬‬
‫وإيمان القلب الثابت‪ ،‬والنظر الصادق الثاقب بدقائق وخفايا‬
‫الخطيئة والضلل‪ ،‬واستعمال أحسن الوسائط لزالتها‪ ،‬فذلك من‬
‫العلمات الظاهرة الدالة على نبوة محمد ]‪ [‬وأنه قد أوحي‬
‫إليه"‪. 5‬‬
‫‪ -5‬شهادة لورافيشيا فاغليري ‪:‬‬

‫‪ 1‬مارسيل بوازار‪ :‬إنسانية السلم ‪ ،‬ص ‪46‬‬


‫‪ 2‬إميل درمنغم مستشرق فرنسي ‪ ،‬من آثاره ‪ ) :‬حياة محمد( )باريس ‪ (1929‬وهو من أدق ما صنفه مستشرق عن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬و ) محمد والسنة السلمية ( )باريس ‪.(1955‬‬
‫‪ 3‬إميل درمنغم ‪:‬حياة محمد ‪ ،‬ص ‪318‬‬
‫‪ 4‬ليتنر ‪ :‬باحث إنكليزي‪ ،‬حصل على أكثر من شهادة دكتوراه في الشريعة والفلسفة واللهوت‪ ،‬وزار الستانة‬
‫عام ‪ ،1854‬كما طوف بعدد من البلد السلمية والتقى برجالتها وعلمائها‬
‫‪ 5‬ليتنر ‪ :‬دين السلم ‪ ،‬ص ‪. 5 ، 4‬‬

‫‪47‬‬
‫أما الكاتبة اليطالية لورافيشيا فاغليري‪ 1‬فتقول ‪:‬‬
‫"حاول أقوى أعداء السلم‪ ،‬وقد أعماهم الحقد‪ ،‬أن يرموا نبي‬
‫دا ]‪ [‬كان‬ ‫الله ]‪ [‬ببعض التهم المفتراة‪ .‬لقد نسوا أن محم ً‬
‫قبل أن يستهل رسالته‪ ،‬موضع الجلل العظيم من مواطنيه‬
‫بسبب أمانته وطهارة حياته‪ .‬ومن العجب أن هؤلء الناس ل‬
‫يجشمون أنفسهم عناء التساؤل؛ كيف جاز أن يقوى محمد ]‪[‬‬
‫على تهديد الكاذبين والمرائين‪ ،‬في بعض آيات القرآن اللسعة‬
‫بنار الجحيم البدية‪ ،‬لو كان هو قبل ذلك رجل ً كاذًبا ؟ كيف جرؤ‬
‫على التبشير‪ ،‬على الرغم من إهانات مواطنيه‪ ،‬إذا لم يكن ثمة‬
‫قوى داخلية تحثه‪ -‬وهو الرجل ذو الفطرة البسيطة ‪-‬حًثا‬
‫سا ؟ كيف‬ ‫موصول ً ؟ كيف استطاع أن يستهل صرا ً‬
‫عا كان يبدو يائ ً‬
‫وفق إلى أن يواصل هذا الصراع أكثر من عشر سنوات‪ ،‬في‬
‫دا ‪ ،‬وفي أحزان ل تحصى‪ ،‬إذا لم يكن‬ ‫مكة‪ ،‬في نجاح قليل ج ً‬
‫قا بصدق رسالته ؟ كيف جاز أن يؤمن به هذا‬ ‫مؤمًنا إيماًنا عمي ً‬
‫العدد الكبير من المسلمين النبلء والذكياء‪ ،‬وأن يؤازروه‪،‬‬
‫ويدخلوا في الدين الجديد ويشدوا أنفسهم بالتالي إلى مجتمع‬
‫مؤلف في كثرته من الرقاء‪ ،‬والعتقاء‪ ،‬والفقراء المعدمين إذا لم‬
‫يلمسوا في كلمته حرارة الصدق ؟ ولسنا في حاجة إلى أن نقول‬
‫أكثر من ذلك‪ ،‬فحتى بين الغربيين يكاد ينعقد الجماع على أن‬
‫دا"‪..2‬‬
‫قا وأكي ً‬‫صدق محمد]‪[‬كان عمي ً‬
‫‪ -6‬شهادة روم لندو ‪:‬‬
‫ويكشف المفكر البريطاني روم لندو زيف المكذبين لنبوة محمد‬
‫‪ ‬بقوله ‪:‬‬
‫"كانت مهمة محمد ]‪ [‬هائلة ! كانت مهمة ليس في ميسور‬
‫دجال تحدوه دوافع أنانية‪ ،‬وهو الوصف الذي رمى به بعض‬
‫الكتاب الغربيين المبكرين محمد العربي]‪ ... [‬إن الخلص‬
‫كشف عنه محمد]‪[‬في أداء رسالته‪ ،‬وما كان لتباعه من‬ ‫الذي ت ّ‬
‫إيمان كامل في ما ُأنزل عليه من وحي‪ ،‬واختبار الجيال‬
‫والقرون‪ ،‬كل أولئك يجعل من غير المعقول اتهام محمد ]‪ [‬بأ ّ‬
‫ي‬
‫ضرب من الخداع المتعمد‪ .‬ولم يعرف التاريخ قط أي تلفيق‬
‫ل‪ .‬والسلم لم يعمر حتى‬ ‫)ديني( متعمد استطاع أن يعمر طوي ً‬
‫الن ما ينوف على ألف وثلثمائة سنة وحسب‪ ،‬بل إنه ل يزال‬
‫دا‪ .‬وصفحات التاريخ ل تقدم إلينا‬ ‫عا جد ً‬
‫يكتسب‪ ،‬في كل عام أتبا ً‬

‫‪ 1‬لورا فيشيا فاغليري ‪ :‬باحثة إيطالية في التاريخ السلمي واللغة العربية‪.‬من آثارها‪) :‬قواعد العربية( )‪،(1937‬‬
‫و)السلم( )‪ ،(1946‬و)دفاع عن السلم( )‪.(19529‬‬
‫‪ 2‬لورافيشيا فاغليري ‪ :‬دفاع عن السلم ‪ ،‬ص ‪.38 ،37‬‬

‫‪48‬‬
‫دا على محتال كان لرسالته الفضل في خلق إمبراطورية‬ ‫مثل ً واح ً‬
‫من إمبراطوريات العالم وحضارة من أكثر الحضارات نبل ً !" ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫المطلب الخامس ‪ :‬لمحة مختصرة عن سيرة محمد ‪:‬‬


‫أول ً ‪ :‬أول ما نزل عليه ‪:‬‬
‫كان أول ما ُبدئ به رسول الله ‪ ‬من أمر النبوة الرؤيا الصادقة‬
‫واستمر ذلك ستة أشهر‪ ،‬ثم أكرمه الله تعالى بالنبوة‪ ،‬فجاءه‬
‫الملك جبريل – عله السلم ‪ -‬وهو في خلوته بغار حراء‪ ،‬وقرأ‬
‫ْ‬
‫ذي‬ ‫ك ال ّ ِ‬
‫سم ِ َرب ّ َ‬‫عليه النصف الول من سور العلق ‪  :‬اقَْرأ ِبا ْ‬
‫م)‪ (3‬ال ّ ِ‬ ‫من ع َل َق)‪ (2‬اقْرأ ْ ورب ّ َ َ‬
‫ذي‬ ‫ك اْلك َْر ُ‬ ‫َ ََ‬ ‫ٍ‬ ‫ن ِ ْ‬‫سا َ‬
‫لن َ‬ ‫خل َقَ ا ْ ِ‬
‫ق)‪َ (1‬‬ ‫خل َ َ‬ ‫َ‬
‫م)‪.(5‬‬ ‫م ي َعْل َ ْ‬
‫ما ل َ ْ‬‫ن َ‬
‫سا َ‬ ‫ماِْ‬
‫لن َ‬ ‫م)‪ (4‬ع َل ّ َ‬ ‫م ِبال ْ َ َ‬
‫قل ِ‬ ‫ع َل ّ َ‬
‫يقول المفكر البلجيكي جورج سارتون‪ :‬و" صدع محمد ]‪[‬‬
‫بالدعوة نحو عام ‪610‬م وعمره يوم ذاك أربعون سنة‪ ...‬مثل‬
‫إخوانه النبياء السابقين ]عليهم السلم[‪. 2"..‬‬
‫ثانًيا‪ :‬إسلم العالم والكاتب النصراني ورقة بن نوفل ‪:‬‬
‫فبعدما استمع للنصف الول من سورة اقرأ من فم رسول الله‬
‫‪:‬‬
‫قال ورقة فورا ‪" :‬هذا الناموس الذي نزل الله به على موسى‪ ،‬يا‬ ‫ً‬
‫ليتني فيها جذع‪ ،‬ليتني أكون حيا ً إذ يخرجك قومك" ‪ ،‬فقال النبي‬
‫‪" :‬أومخرجي هم؟"‪ .‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬لم يأت رجل قط بمثل ما جئت‬
‫به إل عودي‪ ،‬وإن يدركني يومك أنصرك نصًرا مؤزًرا‪ ،3‬وأسلم‬
‫جل التاريخ أن أول رجل يصد ّقُ محمدا ً ويعتنق دينه هو‬ ‫ورقة‪ ،‬ليس ّ‬
‫م نصراني‪.‬‬ ‫عال ٌ‬

‫ثاًلثا‪:‬أول من أسلم ‪:‬‬


‫أمر الله رسوله ‪ ‬بتبليغ الدعوة سرا ً لمدة ثلث سنين‪ ،‬فدعا‬
‫قومه إلى السلم‪ ،‬فحاز قصب السبق صديقه ووزيره أبو بكر‪،‬‬
‫وزوجته خديجة‪ ،‬وابن عمه علي بن أبي طالب‪ ،‬وخادمه زيد من‬
‫حارثه‪.‬‬
‫وهؤلء نواة السلم‪ ،‬ومنهم انبثق الدين السلمي‪ ،‬وانتشر في‬
‫الناس‪ ،‬وعم نوره في البقاع‪.‬‬
‫يقول رالف لنتون ‪ :‬و" اجتذب الوحي الذي نزل على محمد ]‪[‬‬
‫عددا ً من التباع‪ ،‬وبدأ ينتشر بين الناس‪. 4"..‬‬
‫عا‪ :‬إيذاء المسلمين ‪:‬‬ ‫راب ً‬
‫‪ 1‬انظر‪ :‬أرنولد توينبي ‪ :‬السلم والعرب والمستقبل‪،‬ص ‪.34 ،33‬‬
‫‪ 2‬جورج سارتون ‪ :‬الثقافة الغربية في رعاية الشرق الوسط ‪ ،‬ص ‪30،31 ،29‬‬
‫‪ 3‬صحيح – رواه البخاري‪ ،‬بدء الوحي‪ ،‬باب‪ :‬كيف كان بدء الوحي إلى رسول ال‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ ،‬برقم ‪3‬‬
‫‪ 4‬رالف لنتون ‪ :‬شجرة الحضارة‪.1/341 ،‬‬

‫‪49‬‬
‫س في دين الله واحدا ً بعد واح ٍ‬
‫د‪ ،‬وكثر أتباع محمد‬ ‫لما دخل النا ّ ُ‬
‫‪ ‬فحينئذ ناصبه الوثنيون العداوة‪ ،‬فحمى الله رسوله ‪‬بعمه‬
‫فا معظما ً في قومه‪ ..‬وأما أصحابه فمن‬ ‫أبي طالب‪ ،‬لنه كان شري ً‬
‫ب عليهم‬‫ص ّ‬
‫كان له عشيرة تحميه امتنع بعشيرته‪ ،‬وسائرهم َ‬
‫المشركون العذاب صب ًّا‪ ،‬وفتنوهم عن دينهم فتونًا‪ ،‬منهم بلل بن‬
‫رباح العبد الثيوبي وعمار بن ياسر‪ ،‬وأمه سمية وأهل بيته الذين‬
‫ذبوا في الله عذابا ً شديدًا‪ ،‬حتى قضى ياسر نحبه‪ ،‬ومّر أبو جهل‬ ‫عُ ّ‬
‫بسمية ‪ -‬أم عمار ‪ -‬وهي ُتعذب‪ ،‬فطعنها بحربة في فرجها فقتلها‪.‬‬

‫كما قام صناديد قريش بتعذيب العديد من النساء اللئي أسلمن‪،1‬‬


‫وضربن أروع المثلة في الثبات والصبر والعتزاز بدعوة السلم‪،‬‬
‫مة رومية قد أسلمت فُعذبت في الله ‪،‬‬ ‫وكانت من بينهن زِّنيَرة ُ – أ َ‬
‫وُأصيبت في بصرها حتى عميت‪ ، -‬وأسلمت جارية عمر بن مؤمل‬
‫من بني عدى‪ ،‬فكان عمر بن الخطاب يعذبها ي وهو يومئذ على‬
‫عيذبن أيضا ً ‪:‬‬
‫الشرك ي فكان يضربها حتى يفتر ‪ ،‬وممين أسلمين و ُ‬
‫‪ .‬أم ع ُب َْيس والنهدية وابنتها‬

‫سا‪ :‬الهجرة إلى الحبشة وإسلم ملك نصارى‬ ‫خام ً‬


‫الحبشة‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫ويتحدث العلمة آتيييين دينيه ‪ ،‬عيين مأسيياة المسييلمين فييي هييذه‬
‫الفترة‪ ،‬قائ ً‬
‫ل‪:‬‬
‫" وامتلت نفس محمد ]‪ [‬حزنا ً ‪ ،‬أمام هذه المآسي التي كان‬
‫يتحملها ضعاف المسلمين الذين ل يجدون من يحميهم ‪ .‬حقا ً إن‬
‫شجاعة المعذبين والشهداء في سبيل الله برهنت على إسلمهم‬
‫العميق ‪ ،‬ولكنه رأى أن من الخير أل يستمر هذا البلء ‪ ،‬فنصح‬
‫الضعفاء ومن لم تدعهم الضرورة إلى البقاء في مكة بالهجرة‬
‫إلى الحبشة حيث المسيحيون ‪ ،‬وحيث التسامح والعدل اللذان‬
‫اشتهر بهما ملكها النجاشي"‪. 3‬‬
‫وهو ملك نصراني صالح‪ ،‬ل ُيظلم عنده أحد‪ .‬فأقام المهاجرون‬
‫عند النجاشي على أحسن حال‪ ،‬فبلغ ذلك قريشا ً فأرسلوا وفدًا‪،‬‬
‫ليكيدوهم عند النجاشي‪،‬وليخرجهم النجاشي خارج أرضه إلى‬
‫المشركين فرجعوا خائبين‪ .‬وأسلم النجاشي على يد رئيس الوفد‬
‫السلمي الصحابي الجليل جعفر بن أبي طالب‪ ،‬بعدما قرأ على‬
‫ل المهاجرون عند‬ ‫النجاشي آيات بينات من سورة مريم‪ .‬وظ ّ‬
‫‪ 1‬انظر‪ :‬صفي الرحمن المباركفوري‪ :‬الرحيق المختوم‪ ،‬ص ‪71‬‬
‫‪ 2‬باحث فرنسي ‪ ،‬أشهر إسلمه عام ‪1927‬م وتسمى بناصر الدين‪ ،‬وكان شديد الهجوم على المستشرقين المعادين‬
‫للسلم‪ ،‬ومن آثاره ‪" :‬الشرق كما يراه الغرب"‪ ،‬و" أشعة خاصة بنور السلم"‪ ،‬و " محمد رسول ال "‪.‬‬
‫‪ 3‬آتيين دينيه ‪ :‬محمد رسول ال ‪ ،‬ص ‪145‬‬

‫‪50‬‬
‫النجاشي ينشر عليهم ظله وحمايته حتى رجعوا إلى المدينة‬
‫المنورة سنة سبع للهجرة‪.‬‬
‫سا‪ :‬الحصار وعام الحزن‪:‬‬ ‫ساد ً‬
‫اشتد أذى المشركين لرسول الله ‪ ،‬فحصروه وأهل بيته في‬
‫شعب )وهو مكان بين جبلين في مكة يشبه السجن المفتوح (‬ ‫ِ‬
‫سجن النبي ‪ ‬مدة ثلث سنين‪ ،‬حتى‬ ‫عرف بشعب أبي طالب‪ ،‬و ُ‬ ‫ُ‬
‫سمع أصوات صبيانهم بالبكاء من وراء‬ ‫بلغهم الجوع و الجهد و ُ‬
‫شعب‪ ،‬و بدأ حبس محمد ‪ ‬وأصحابه في هلل المحرم سنة‬ ‫ال ِ‬
‫سبع من البعثة وخرج من الحصار وله تسع وأربعون سنة‪ ،‬وبعد‬
‫ذلك بأشهر مات عمه أبو طالب‪ ،‬ثم ماتت خديجة بعد ذلك‬
‫بيسير‪ ،‬فاشتد أذى الكفار له‪ ،‬وتطاولوا عليه‪.‬‬

‫وفي شوال سنة عشر من النبوة ) في أواخر مايو أو أوائل يونيو‬


‫سنة ‪ 619‬م( خرج إلى الطائف هو وزيد بن حارثة يدعو إلى الله‬
‫تعالى وأقام به أيامًا‪ ،‬فلم يجيبوه وآذوه وأخرجوه ورجموه‬
‫بالحجارة حتى أدموا قدميه‪ ،‬وكان أشد يوم في حياته ‪..‬‬
‫وفي ذي القعدة سنة عشر من النبوة ) في آواخر يونيو أو أوائل‬
‫يوليو سنة ‪619‬م ( عاد رسول الله‪ ‬ليستأنف الدعوة السلمية‬
‫مرة أخرى في مكة ‪.‬‬
‫عا‪ :‬دعوة القبائل ولقاء النصار‪:‬‬ ‫ساب ً‬
‫أقام النبي ‪ ‬بمكة يدعو القبائل إلى الله تعالى‪ ،‬ويعرض نفسه‬
‫يبلغ رسالة ربه ولهم‬ ‫عليهم في مواسم الحج‪ ،‬وأن يؤووه حتى ّ‬
‫الجنة ليس غير‪ ،‬فلم تستجب له قبيلة واحدة‪ ،‬فلما رأى النصار‬
‫رسول الله ‪ ، ‬وتأملوا أحواله‪ ،‬وقد سمعوا عنه من أهل الكتاب‪،‬‬
‫قال بعضهم لبعض‪" :‬يا قوم ! تعلمون والله ! إنه للنبى الذى‬
‫توعدكم به يهود فل يسبقنكم إليه ! "‪ .1‬وكان اليهود ينتظرون‬
‫مبعثه ‪ ،‬ويحذرون قبائل يثرب من اقتراب موعد نبي ‪..‬‬
‫ثامًنا‪ :‬الهجرة إلى المدينة المنورة ‪:‬‬
‫وبايع رسول الله ‪ ‬وفد النصار‪ ،‬ووعدوه أن ينصروه ويمنعييوه –‬
‫في المدينة المنورة ‪ -‬حييتى يّبلييغ رسييالة السييلم‪ ،‬وميين ثييم أميير‬
‫رسول الله ‪ ‬أصحابه بالهجرة ‪..‬‬
‫يقول الباحث النكليزي جان باغوت غلوب ‪:‬‬
‫"ولم تنقض سبعة أسابيع أو ثمانية حتى كان جميع المسلمين قد‬
‫هاجروا من مكة باستثناء النبي]‪[‬نفسه وابن عمه علي بين أبييى‬
‫طالب وولده بالتبني زيد بن حارثة ورفيقه المين أبو بكر الصديق‬

‫‪ 1‬ابن سيد الناس‪ :‬عيون الثر ‪ ،205 /1‬وابن كثير ‪ :‬السيرة النبوية ‪ ،2/176‬وابن القيم ‪ :‬زاد المعاد ‪3/38‬‬

‫‪51‬‬
‫‪ ...‬وجدير بنا أن نعترف هنا بأن محمدا ً ]‪ [‬أبدى جرأة منقطعيية‬
‫النظير ببقائه في مكة حيث لم يعد يحظى بحماية عمه أبو طالب‬
‫كييبير بنييي هاشيم ‪.‬وأدركييت قرييش خطييورة ميا وقييع مين تطيور‬
‫وهييالهم أن المسييلمين أخييذوا يقيمييون الن فييي يييثرب مجتمع يا ً‬
‫متلحم الوشائج خارجا ً على نفوذهم وبعيييدا ً عيين متنيياول أيييديهم‪،‬‬
‫وأنهييم شييرعوا يكسييبون أنصييارا ً إلييى جييانبهم ميين أبنيياء القبييائل‬
‫الخرى الذين قد يتحولون إلى معاداة قريش ‪ .‬واجتمع كبار القوم‬
‫في دار النييدوة يتشيياورون فييي أميير محمييد]‪[‬ورأى بعضييهم أن‬
‫محمدا ً ]‪[‬هو سبب كل ما يواجهونه من متاعب‪ ،‬وأن من الخييير‬
‫لهم لو تخلصوا منه في أسرع وقييت ممكيين قبييل أن يتمكيين ميين‬
‫اللحاق بأصحابه في يثرب]المدينة المنورة[ "‪. 1‬‬

‫وبالفعل حاول صناديد قريش – كما يقول رالف لنتون " ممن‬
‫كانوا يكرهون عائلة محمد]‪ ،[‬ورأوا في تعاليمه ما يهدد‬
‫مصالحهم‪ ،‬حاولت أن تغتاله؛ ولكنها لم تنجح في محاولتها‪ .‬وهاجر‬
‫محمد ]‪[‬والجماعة المخلصة القليلة من أتباعه إلى المدينة يوم‬
‫‪ 16‬يوليه ‪622‬م وهو تاريخ هام يجب أن ل ننساه لنه عام‬
‫الهجرة الذي يؤرخ به جميع المسلمين حتى الن"‪.. 2‬‬

‫وهناك في المدينة المنورة جمع الله علي محمد‪ ‬أهل يثرب‬


‫من قبيلتي الوس والخزرج أخوة ً متحابين بعد قتال مرير وعداوة‬
‫وقعت بينهم بسبب قتيل‪ ،‬فلبثت بينهم الحروب والصراعات مائة‬
‫وعشرين سنة إلى أن أطفأها الله بمحمد ‪ ،‬وألف بينهم؛ حتى‬
‫صاروا أمة واحدة‪ ،‬ودولة واحدة‪ ،‬ولكن المشركين ازداد حنقهم‬
‫على السلم وأهله‪ ،‬لسيما بعد هذا التقدم الهائل لدعوة السلم‪،‬‬
‫وقيام دولة للمسلمين‪ ،‬فشن المشركون المكيون على رسول‬
‫الله ‪ ‬سلسلة من الحروب المتتابعة‪ ،‬ومن ثم أذن الله‬
‫للمسلمين بالقتال للدفاع عن دينهم وأنفسهم ودولتهم الناشئة‪..‬‬
‫التي يحاول الوثنيون القضاء عليها في مهدها‪ .‬فشنوا على‬
‫المسلمين حروبًا‪ ،‬كمعركة بدر )‪ 17‬رمضان ‪2‬هي‪13/‬مارس‬
‫‪624‬م(‪ ،‬ومعركة ُأحد ) شوال ‪3‬هي‪/‬إبريل ‪ 624‬م(‪ ،‬ومعركة‬
‫الحزاب ) شوال ‪ 5‬هي\ مارس ‪627‬م( ‪..‬‬

‫ولقد بلغ عدد الغزوات التي قادها النبي ‪  28‬غزوة‪ ،‬منها ‪9‬‬
‫غزوات دار فيها القتال بين الطرفين‪ ،‬والباقي لم يحدث فيها‬
‫‪ 1‬جان باغوت غلوب ‪ :‬الفتوحات العربية الكبرى ‪ ،‬ص‪. 81-80‬‬
‫‪ 2‬رالف لنتون ‪ :‬شجرة الحضارة‪.1/341 ،‬‬

‫‪52‬‬
‫قتال‪ ،‬واستمرت هذه الغزوات من العام الثاني للهجرة حيث‬
‫دان ) البواء ( ) صفر ‪2‬هي ‪ -‬أغسطس ‪ 623‬م(‪.‬وحتى‬ ‫غزوة و ّ‬
‫العام التاسع حيث غزوة تبوك )رجب ‪ 9‬هي ‪ /‬أكتوبر ‪630‬م( ‪.‬‬
‫قا على هذه المعارك ‪: -‬‬ ‫يقول المؤرخ لويس سيديو‪ - 1‬معل ً‬
‫" فدفع الله شرهم ‪ ،‬وهو أولى أن يحفظ نبيه ]‪[‬القائم بالدعوة‬
‫له ‪ ،‬وأحق أن يجعل كيدهم في نحورهم وما زال آخذا ً بيمينه‪،‬‬
‫حتى غنى له الزمن ‪ ،‬وصفق له الدهر"‪. 2‬‬
‫وعقب هجرة النبي ‪ ‬أسلم عدد من خيار علماء اليهود في‬
‫دقوا بمحمد ٍ ‪ ‬واتبعوه بعد أن عرفوه بنعته الوارد في‬ ‫المدينة‪ ،‬ص ّ‬
‫كتبهم‪ ،‬منهم الحبر اليهودي العلمة‪ :‬عبد الله بن سلم – رضوان‬
‫الله تعالى عليه ‪. -‬‬
‫عا‪ :‬الفتح وانتشار الدعوة‪:‬‬ ‫تاس ً‬
‫واستطاع النبي ‪ ‬بعد حوالي ‪ 19‬سنة – كلها معاناة وإيذاء من‬
‫مي صلح الحديبية في‬ ‫المشركين ‪ -‬أن ينتزع من قريش صلحا ً س ّ‬
‫شهر ذي القعدة سنة ست من الهجرة )في مارس ‪ 628‬م( ‪،‬‬
‫ليتفرغ للدعوة ونشر الرسالة‪ ،‬فبعث رسل ً سفراء من أصحابه‪،‬‬
‫وكتب معهم كتبا ً إلى الزعماء والملوك‪ ،‬يدعوهم فيها إلى‬
‫السلم‪ ،‬في رسائل وخطابات رفيعة المستوى‪ ،‬سامقة الذوق ‪..‬‬
‫ونجح النبي ‪ ‬في دعوته على نطاق واسع ‪ ،‬وانتشر السلم في‬
‫الجزيرة العربية كالنار في الهشيم‪ ،‬وزالت الجاهلية بتقاليدها‬
‫المتخلفة‪ ،‬وعقائدها الفاسدة ‪..‬‬
‫وفتح رسول الله خيبر معقل الدس والمؤمرات في المحرم سنة‬
‫‪ 7‬هي ) مايو ‪.(628‬‬
‫ثم فتح مكة في رمضان ‪8‬هي) يناير ‪ 630‬م( اثر نقض قريش‬
‫للعهد‪ ،‬وأصدر عفوا ً عاما ً عنهم ‪ ..‬وأعلن الرسول ‪ ‬المان العام‬
‫لكل الناس‪ ،‬فل طوارىء ول تعسف ‪ ،‬فقال ‪" : ‬من دخل دار‬
‫أبى سفيان فهو آمن ! ومن أغلق بابه عليه فهو آمن! ومن دخل‬
‫المسجد فهو آمن !"‪ .3‬وعهد إلى أمرائه من المسلمين حين‬
‫أمرهم بدخول مكة أن ل يقاتلوا إل من قاتلهم‪..4‬‬

‫‪ 1‬لويس سيديو ) ‪ :( 1876 – 1808‬مستشرق فرنسي‪ .‬ولد وتوفي بباريس‪ .‬كان أبوه )جان جاك إمانويل سيديو‪،‬‬
‫المتوفي سنة ‪ (1832‬فلكيًا من المستشرقين أيضًا‪ .‬وتخّرج بكلية هنري الرابع‪ ،‬وعين مدرسًا للتاريخ في كلية‬
‫»بوربون« سنة ‪ . 1823‬وهو صاحب كتاب »‪ « Histire des Arabes‬أّلفه بالفرنسية‪ ،‬وأشرف علي مبارك‬
‫ضا‪ » :‬جامع‬
‫ى العربية‪ ،‬وسماه »خلصة تاريخ العرب العام « ومن آثار »سيديو« أي ً‬ ‫ى ترجمته إل َ‬
‫باشا عل َ‬
‫للت الفلكية« ‪.‬‬‫المبادىء والغايات في ا َ‬
‫‪ 2‬لويس سيديو ‪ :‬خلصة تاريخ العرب ص ‪54‬‬
‫‪ 3‬ابن سيد الناس ‪:‬عيون الثر ‪188 / 2 ،‬‬
‫‪ 4‬ابن سيد الناس ‪:‬عيون الثر‪194 / 2 :‬‬

‫‪53‬‬
‫" فما إن ُأقر السلم؛ حتى انتشر السلم في كل ناحية‪ ،‬بخطى‬
‫واسعة‪ ،‬ل‪ !..‬لقد بدا وكأن قوة غير منظورة كانت تعمل على‬
‫إدخال الناس في دين الله أفواجا ً بعد أفواج "‪..1‬‬
‫حطمت الصنام‪ ،‬وسقطت رموز الوثنية‪ ،‬وتوحدت الشعوب‬ ‫و ُ‬
‫والقبائل المتناحرة‪ ،‬وخرج العربي من عبادة العباد إلى عبادة‬
‫الخالق رب العباد‪ ،‬وألغيت الطبقيات والعصبيات والنعرات‬
‫الجاهلية ‪ ،‬وانتشر العدل والسلم والمن ‪...‬‬
‫وأصبحت دولة السلم مهيبة قوية أمام قوى الفرس والرومان ‪..‬‬
‫ولما اعتدى عامل الرومان شرحبيل بن عمرو الغساني وَقتل‬
‫سفير النبي ‪ ‬الصحابي السفير‪ /‬الحارث بن عمير الزدي‪ ،‬عندما‬
‫أرسله النبي‪ ‬برسالة دعوية إلى عظيم بصرى في الشام‪ ،‬إذا‬
‫بالنبي‪ ‬يعلن التعبئة العامة‪ ،‬ويغزو حدود الرومان الجنوبية‪ ،‬في‬
‫سرية مؤتة) جمادى الولى ‪8‬هي‪ /‬سبتمبر ‪ 629‬م (‪ ،‬وغزوة تبوك‬
‫)رجب ‪ 9‬هي ‪ /‬أكتوبر ‪ (630‬التي ملئت قلب النظام الروماني‬
‫بالفزع والهلع‪ ،‬من هذا القطب الدولي الثالث الناشىء المتمثل‬
‫في دولة السلم‪..‬‬
‫عاشًرا‪ :‬حجة الوداع‪ ،‬ووفاة النبي‬
‫بعد أن نجح النبي ‪ ‬في دعوته‪ ،‬وقويت دولة السلم‪ ،‬واستتب‬
‫المن في الجزيرة العربية‪ ،‬ودخل الناس في السلم أفواجًا‪،‬‬
‫وشاء الّله أن يري رسوله ‪ ‬ثمار دعوته‪ ،‬التي عانى في سبيلها‬
‫ثلثة وعشرين عامًا‪ ،‬حافلة بالجهد والعمل والبلء ‪ ،‬وأحس رسول‬
‫الله ‪ ‬بدنو أجله‪ ،‬ولذلك قصد نبي الله ‪ ‬الحج‪ ،‬ليجتمع بالمة ‪،‬‬
‫فيأخذوا منه أصول السلم وكلياته‪ ،‬ويأخذ منهم الشهادة على أنه‬
‫أدى المانة‪ ،‬وبلغ الرسالة ‪.‬‬
‫وفي اليوم التاسع من ذي الحجة )يوم عرفة ( في العام العاشر‬
‫من الهجرة )‪6‬مارس ‪ 632‬م( وقد اجتمع حوله مئة ألف وأربعة‬
‫وأربعون ألفا ً من الناس‪ ،‬فقام فيهم خطيبًا‪ ،‬وألقى خطبة بلغية‬
‫ن عام ٍ لحقوق النسان عرفته البشرية‪،‬‬ ‫جامعة تضمنت أول إعل ٍ‬
‫أعلن فيها الخاء والمساواة والعدالة وحرمة الدماء والموال‬
‫وحقوق المرأة‪ ،‬ووضع تقاليد الجاهلية الفاسدة‪ ،‬فألغى دماء‬
‫الجاهلية‪ ،‬والمعاملت الربوية والنعرات الجاهلية‪.‬‬
‫وأهدى للبشرية أعظم وأحكم وأجمل شريعة في التاريخ‪ ،‬تلك‬
‫الشريعة التي تحدث عنها العلمة"شبرل"‪ - 2‬مبدًيا فخره‬
‫واعتزازه بالنبي محمد‪ - ‬قائ ً‬
‫ل‪:‬‬

‫‪ 1‬مولنا محمد علي ‪ :‬حياة محمد وسيرته ‪ :‬ص ‪221‬‬


‫‪ 2‬عميد كلية الحقوق بجامعة "فيينا"‪،‬وقال هذه الجملة في مؤتمر الحقوق سنة ‪1927‬‬

‫‪54‬‬
‫" إن البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد]‪[‬إليها ‪ ،‬إذ رغم‬
‫أميته استطاع قبل بضعة عشر قرنًا؛ أن يأتي بتشريع سنكون‬
‫نحن الوربيين أسعد ما نكون ؛ لو وصلنا إلى قمته بعد ألفي سنة‬
‫"‪. 1‬‬
‫وعاد رسول الله ‪ ‬إلى المدينة‪ ،‬وسرعان ما أحس بالمرض‬
‫ودنو الجل‪.‬‬
‫وُتوفي رسول الله ‪ ‬يوم الثنين الثاني عشر من شهر ربيع‬
‫الول عام ‪11‬هي)‪6‬يونيو ‪(632‬وخلفه في حكم الدولة وزيره‬
‫وصديقه الجليل أبو بكر الصديق‪ ،‬ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان‬
‫بن عفان ثم علي بن أبي طالب – رضي الله عنهم جميعا ً –‪.‬‬

‫هذه لمحة سريعة جدا ً من سيرة صاحب المعالي محمد ‪ ،‬وهي‬


‫غيض من فيض‪ ،‬كان ل بد ّ منها بين يدي الدراسة‪ ،‬ولتكون تميهدا ً‬
‫للحديث عن صفات النبي وشمائله وأخلقه وخصائصه الدالة على‬
‫الرحمة‪.‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫مة للعالمين في أدبيات الغرب‬ ‫محمد ‪َ ‬ر ْ‬
‫ح َ‬
‫المطلب الول‪:‬شهادة إنجيل برنابا‪:‬‬
‫شهدت أدبيات الغرب وأشادت برحمة محمد ‪ ‬للبشر‪ ،‬ويأتي‬
‫على رأس هذه الدبيات إنجيل برنابا الذي بشر برحمة محمد ‪‬‬
‫التي ينالها العالم عند قدومه من أرض الجنوب ) الحجاز (‪.‬‬
‫فيقول إنجيل برنابا‪" :2‬سيأتي مسيا ]أي محمد ‪ [‬المرسل من‬
‫الله لكل العالم‪ ..،‬وحينئذ يسجد لله في كل العالم‪ ،‬وتنال‬
‫الرحمة‪. 3"..‬‬
‫يقول القيس إبراهيم فيليوبيوس‪: 4‬‬
‫‪ 1‬انظر ‪ :‬عبد ال ناصح علوان ‪ :‬معالم الحضارة في السلم وأثرها في النهضة الوربية‪ ،‬ص ‪155‬‬
‫"‬ ‫‪ 2‬يقول المستشرق سايل ‪ :‬إن مكتشف النسخة اليطالية لنجيل برنابا هو راهب لتيني يسمى‬
‫مرينو"‪...‬واتفق أنه أصبح حينا من الدهر مقربا من البابا "سكتس الخامس "‪ ،‬فحدث يوما أنهما دخل معا مكتبة‬
‫البابا العتقية‪ ،‬فأخذ النوم هذا البابا ‪ ،‬فأحب الراهب مرينو أن يقتل الوقت بالمطالعة إلى أن يفيق البابا ‪ ،‬فكان‬
‫الكتاب الول الذي وضع يده عليه هو إنجيل القديس برنابا ‪ ،‬فخبأ هذا النجيل في ثوبه ‪ ،‬ولبث إلى أن إستفاق‬
‫ل ذاك الكنز معه ‪ ،‬فلما خل بنفسه طالعه بشوق عظيم فاعتنق على إثر ذلك‬ ‫البابا فاستأذنه بالنصراف حام ً‬
‫السلم ‪ .‬اهـ ‪.‬‬
‫وبعد اكتشاف هذا النجيل‪ ،‬شاع خبره في بداية القرن الثامن عشر فأحدث دويًا كبيرًا‪ ،‬عند النصارى بشتى‬
‫ل بعد جيل ‪ ،‬بل قام‬ ‫طوائفهم‪ ،‬وأجمعوا على محاربته وتكذيبه ‪ ،‬بل إن هذا العداء توارثته أجيال النصارى جي ً‬
‫أساقفة النصارى بتصنيف الردود على هذا النجيل الذي يبشر بشكل صريح جدًا بمحمد صلى ال عليه وسلم ‪..‬‬
‫‪ 3‬إنجيل برنابا ‪18 – 16 : 82 ،‬‬
‫‪ 4‬أسلم وأطلق على نفسه اسم " إبراهيم خليل أحمد "‪ ،‬وهو حاصل على ماجستير في اللهوت من جامعــة‬
‫برنسـتون المريكية ‪.‬ومن كتبه )محمد في التوراة والنجيل والقرآن( و)المسيح إنسان ل إله( و)السلم في الكتب‬
‫السماوية( و)اعرف عدوك اسرائيل( و)الستشراق والتبشير وصلتهما بالمبريالية العالمية( و)المبشرون‬
‫والمستشرقون في العالم العربي السلمي(‪.‬وقد كان راعيًا للكنيسة النجيلية ‪ ،‬وأستاذًا للهوت ‪ ،‬وأسلم على يديه‬

‫‪55‬‬
‫" كلمة إنجيل كلمة يونانية تعني بشارة أو بشرى‪ ،‬ولعل هذا هو‬
‫الذي نستفيده من سيرة سيدنا عيسى عليه السلم‪ ،‬أنه كان‬
‫بشرى من الله للرحمة‪ ،‬وبشرى بتبشيره عن المسيا الذي‬
‫سيأتي للعالمين هدى ورحمة‪ ،‬أل وهو محمد ‪.1"‬‬
‫وجاء في الفصل السادس والتسعين – في إنجيل برنابا ‪ -‬من‬
‫محاورة بين المسيح ورئيس كهنة اليهود‪ ،‬أن الكاهن سأله عن‬
‫نفسه فأجاب بذكر اسمه واسم أمه‪ ،‬وبأنه بشر ميت ثم قال‬
‫النجيل ما نصه‪:‬‬
‫" أجاب الكاهن ‪ :‬إنه مكتوب في كتاب موسى أن إلهنا سيرسل‬
‫لنا مسّيا الذي سيأتي ليخبرنا بما يريد الله ‪ ،‬وسيأتي للعالم‬
‫برحمة الله‪ .‬لذلك أرجوك أن تقول لنا الحق هل أنت مسيا الله‬
‫الذي ننتظره؟ ‪ .‬وأجاب يسوع‪ :‬حقا ً أن الله وعد هكذا ولكني‬
‫لست هو‪ ،‬لنه خلق قبلي وسيأتي بعدي‪ .‬أجاب الكاهن ‪ :‬إننا‬
‫نعتقد من كلمك وآياتك على كل حال أنك نبي وقدوس الله ‪.‬‬
‫لذلك أرجوك باسم اليهودية كلها وإسرائيل كلها أن تفيدنا حبا ً‬
‫في الله بأية كيفية سيأتي مسيا؟ فأجاب يسوع ‪ :‬لعمر الله‬
‫الذي تقف بحضرته نفسي‪ .‬أني لست مسيا الذي تنتظره كل‬
‫قبائل الرض كما وعد الله أبانا إبراهيم ‪ .‬قائل ً ‪ :‬بنسلك أبارك‬
‫كل قبائل الرض ‪ .‬ولكن عندما يأخذني الله من العالم سيثير‬
‫الشيطان مرة أخرى لهذه الفتنة المعونة بأن يحمل عادم‬
‫التقوى على العتقاد بأني الله وابن الله ‪ .‬فيتنجس بسبب هذا‬
‫كلمي وتعليمي حتى ل يكاد يبقى ثلثون مؤمنا ً ‪ .‬حينئذ ٍ يرحم‬
‫الله العالم ويرسل رسوله الذي خلق كل الشياء لجله ‪ .‬الذي‬
‫سيأتي من الجنوب بقوة وسيبيد الصنام وعبدة الصنام ‪.‬‬
‫وسينتزع من الشيطان سلطته على البشر وسيأتي برحمة الله‬
‫لخلص الذين يؤمنون به ‪ .‬وسيكون من يؤمن بكلمه مباركا ً ‪".‬‬
‫‪.2‬‬

‫هكذا يتحدث إنجيل برنابا عن محمد ‪ ‬وأنه "سيأتي للعالم‬


‫برحمة الله"‪ ،‬بل لن يأتي محمد ‪ –‬حسب إنجيل برنابا – إل‬
‫حين " يرحم الله العالم"‪ ،‬فيبعثه الله من الجنوب حيث أرض‬
‫الحجاز ويهدم الصنام في فتح مكة في العام الثامن الهجري‪،‬‬
‫ن لهم الله‬‫وسيأتي برحمة الله لخلص الذين يؤمنون به‪ ،‬فيمك ّ‬
‫في الرض‪ ،‬ويستخلفهم كما استخلف الذين من قبلهم ‪.‬‬

‫عدد كبير من الناس ‪.‬‬


‫‪ 1‬إبراهيم خليل أحمد )القـس إبراهيم فيلـوبـوس سابقًا( ‪ :‬محمد في التوراة والنجيل والقرآن ‪ ،‬ص ‪115‬‬
‫‪ 2‬إنجيل برنابا ‪16-3 : 96 ،‬‬

‫‪56‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬شهادة الراهب النصراني بحيرا ‪:‬‬
‫إن أول جملة قالها الراهب النصراني الشهير "بحيرا "حييين رأى‬
‫محمدا ً ‪ ‬في رحلته الولى إلى الشام مع أبي طالب ‪: -‬‬
‫" هذا سيد العالمين ! هذا رسول رب العالمين ! هذا يبعثه الله‬
‫رحمة للعالمين !"‪. 1‬‬
‫وإن في ذلك لدللة بينة على ما كان يتدارسه الرهبان‬
‫والقساوسة في الناجيل‪ ،‬حيث صفة الرحمة التي سجلتها الكتب‬
‫السماوية السابقة في محمد‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬شهادة العلمة توماس كارليل‬
‫في كلمات تنم عن عميق الحب وعلو التقدير‪ ،‬يتحدث توماس‬
‫كارليل ) ‪1881 – 1795‬م ( الكاتب النجليزي المعروف‪ ،‬في‬
‫إعجاب بصفات الرحمة في شخصية محمد ‪ ‬فيقول‪:‬‬
‫"‪ ..‬لقد كان في فؤاد ذلك الرجل الكبير ]‪ ... [‬العظيم النفس‪،‬‬
‫المملوء رحمة‪ ،‬وخيًرا‪ ،‬وحناًنا‪ ،‬وبًرا‪ ،‬وحكمة‪ ،‬وحجى‪ ،‬ونهى‪..‬‬
‫أفكار غير الطمع الدنيوي‪ ،‬ونوايا خلف طلب السلطة والجاه‪.‬‬
‫وكيف وتلك نفس صامتة كبيرة ورجل من الذين ل يمكنهم إل أن‬
‫يكونوا مخلصين جادين ؟ فبينما نرى آخرين يرضون بالصطلحات‬
‫دا ]‪ [‬لم‬ ‫الكاذبة ويسيرون طبق اعتبارات باطلة‪ .‬إذ ترى محم ً‬
‫دا بنفسه‬‫يرض أن يلتفع بالكاذيب والباطيل‪ .‬لقد كان منفر ً‬
‫العظيمة ‪. 2"..‬‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬شهادة المفكر البريطاني لين بول‪:‬‬
‫ل ُيخفي "لين بول" ) ‪ ( 19 17_ 1652‬تأثره بمحمد‪ ،‬فيتحدث‬
‫في مؤلفه ‪" :‬رسالة في تاريخ العرب " عن سجايا خلق الرحمة‬
‫في شخصية محمد‪ ‬في إعجاب جم قائل ً ‪:‬‬
‫"إن محمدا ً ]‪ [‬كان يتصف بكثير من الصفات كاللطف‬
‫والشجاعة ‪ ،‬وكرم الخلق ‪ ،‬حتى إن النسان ل يستطيع أن يحكم‬
‫عليه دون أن يتأثر بما تطبعه هذه الصفات في نفسه ‪ ،‬ودون أن‬
‫يكون هذا الحكم صادرا ً عن غير ميل أو هوى‪ ،‬كيف ل‪ ،‬وقد‬
‫احتمل محمد ]‪ [‬عداء أهله وعشرته سنوات بصبر وجلد‬
‫عظيمين‪ ،‬ومع ذلك فقد بلغ من نبله أنه لم يكن يسحب يده من‬
‫يد مصافحه حتى لو كان يصافح طفل ً ! وأنه لم يمر بجماعة يوما ً‬
‫من اليام رجال ً كانوا أم أطفال ً دون أن يسلم عليهم ‪ ،‬وعلى‬

‫‪ 1‬الحاكم‪ :‬المستدرك على الصحيحين ‪ ، 672 \2‬عن أبي موسى برقم ‪ ،4229‬ومصنف ابن أبي شيبة ‪317 \6‬‬
‫برقم ‪ ،31733‬وابن عساكر‪:‬تاريخ دمشق ‪ ،4\3‬والطبري ‪:‬تاريخ المم والملوك) تاريخ الطبري( ‪،520 \1‬‬
‫وسيرة ابن حبان ‪ . 58‬محمد بن يوسف الصالحي ‪ :‬سبل الهدى والرشاد ‪.140\2‬‬
‫‪ 2‬توماس كارليل ‪ :‬البطال‪52 ،51 ،‬‬

‫‪57‬‬
‫شفتيه ابتسامة حلوة ‪ ،‬وبنغمة جميلة كانت تكفي وحدها لتسحر‬
‫سامعيها ‪ ،‬و تجذب القلوب إلى صاحبها جذبا ً !!"‪.1‬‬
‫المطلب الخامس ‪ :‬شهادة السير وليم موير‪:‬‬
‫وأما الباحث وليم موير فيتحدث في مؤلفه ‪ " :‬حياه محمد " عيين‬
‫أخلقيييات النييبي ‪ ‬فييي تقييدير بييالغ لرقيية النييبي ‪ ‬ورفقييه‬
‫ورأفته‪،‬ولين عريكته ‪ ،‬فيقول ‪:‬‬
‫حرية‬‫"ومن صفات محمد]‪ [‬الجليلة الجديرة بالذكر ‪ ،‬وال َ‬
‫بالتنويه ‪ :‬الرقة و الحترام ‪ ،‬اللذان كان يعامل بهما أصحابه ‪،‬‬
‫حتى أقلهم شأنا ً ‪ ،‬فالسماحة والتواضع والرأفة والرقة تغلغلت‬
‫في نفسه ‪ ،‬ورسخت محبته عند كل من حوله ‪ ،‬وكان يكره أن‬
‫يقول ل ‪ ،‬فإن لم يمكنه أن يجيب الطالب على سؤاله ‪ ،‬فضل‬
‫السكوت على الجواب ‪ ،‬ولقد كان أشد حياء من العذراء في‬
‫خدرها ‪ ،‬وقالت عائشة]رض الله عنها[‪: ،‬وكان إذا ساءه شيء‬
‫تبينا ذلك في أسارير وجهه ‪ ،‬ولم يمس أحدا ً بسوء ال في سبيل‬
‫الله ‪ ،‬وُيؤثر عنه أنه كان ل يمتنع عن إجابة الدعوة من أحد مهما‬
‫كان حقيرا ً ‪ ،‬ول يرفض هدية مهداة إليه مهما كانت صغيره‪ ،‬وإذا‬
‫جلس مع أحد أيا ً كان لم يرفع نحوه ركبته تشامخا ً وكبرًا"‪.2‬‬
‫المطلب السادس‪ :‬شهادة القس السابق دُّراني‬
‫يقول العلمة النجليزي د ُّراني‪ ،3‬مشيرا ً إلى خلق الرحمة في‬
‫النبي ‪: ‬‬
‫"أستطيع أن أقول بكل قوة أنه ل يوجد مسلم جديد واحد ل‬
‫يحمل في نفسه العرفان بالجميل لسيدنا محمد ]‪ [‬لما غمره‬
‫به من حب وعون وهداية وإلهام‪ ..‬فهو القدوة الطيبة التي‬
‫أرسلها الله رحمة لنا وحًبا بنا حتى نقتفي أثره]‪.. 4"![‬‬
‫المطلب السابع ‪ :‬شهادة الكاتب السباني "جان ليك"‪:‬‬
‫يقول الدكتور جان ليك في كتابه ) العرب( ‪:‬‬
‫"وحييياة محمييد]‪ [‬التاريخييية ل يمكيين أن توصييف بأحسيين ممييا‬
‫وصفها الله ‪ ..‬بألفاظ قليلة ‪ ،‬بين بها سبب بعث النبي محمييد]]‪‬‬
‫َ‬
‫ن‪] ‬النبييياء‪ ،[107 :‬وقييد برهيين‬ ‫ة ل ّل ْعَييال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫مي ً‬
‫ح َ‬ ‫سل َْنا َ‬
‫ك ِإل َر ْ‬ ‫‪‬وَ َ‬
‫ما أْر َ‬
‫بنفسه على أن لديه أعظم الرحمات لكل ضعيف ‪ ،‬ولكييل محتيياج‬
‫إلى المساعدة ‪ ،‬كان محمد]‪[‬رحمة حقيقة لليتييامى‪ ،‬والفقييراء‪،‬‬

‫‪ 1‬لين بول ‪ :‬رسالة في تاريخ العرب نقل عن ‪ :‬عفيف عبد الفتاح طبارة ‪ :‬روح الدين السلمي ‪ ،‬ص ‪.438‬‬
‫‪ 2‬وليم موير ‪:‬حياة محمد ‪14‬‬
‫‪ 3‬الدكتور م‪ .‬ج‪ُ .‬دّراني ‪ :‬سليل أسرة مسلمة منذ القدم‪ ،‬أصبح نصرانًيا في فترة مبكرة من حياته وتحت تأثير إحدى‬
‫سا منذ عام ‪ 1939‬وحتى‬ ‫حا من حياته في كنيسة إنكلترا‪ ،‬حيث عمل قسي ً‬‫المدارس التبشيرية المسيحية‪ ،‬وقضى رد ً‬
‫عام ‪ 1963‬حيث عاد إلى السلم ‪.‬‬
‫‪ 4‬انظر‪ :‬عرفات كامل العشي ‪ :‬رجال ونساء أسلموا ‪. 28 – 27 / 4 ،‬‬

‫‪58‬‬
‫وابن السبيل‪ ،‬والمنكييوبين‪ ،‬والضييعفاء‪ ،‬والعمييال‪ ،‬وأصييحاب الكييد‬
‫والعناء ‪ ،‬وإني بلهفة وشوق‪ ..‬أصلى عليه وعلى أتباعه ! "‪.1‬‬
‫المطلب الثامن ‪ :‬شهادة العلمة واشنجتون ايرفنج‪.‬‬
‫يقول واشنجتون ايرفنج‪ ،‬في كتابه )حياة محمد(‪ ،‬مدلل ً على خلق‬
‫الرحمة في شخصية النبي ‪ ‬بموقفه في فتح مكة وهو القائد‬
‫المنتصر ‪:‬‬
‫"كانت تصرفات الرسول ]‪ [‬في ]أعقاب فتح[ مكة]رمضان‬
‫‪8‬هي‪ /‬يناير ‪ 630‬م[ تدل على أنه نبي مرسل ل على أنه قائد‬
‫مظفر‪ .‬فقد أبدى رحمة وشفقة على مواطنيه برغم أنه أصبح في‬
‫وج نجاحه وانتصاره بالرحمة والعفو"‪.2‬‬ ‫مركز قوي‪ .‬ولكنه ت ّ‬
‫المطلب التاسع ‪ :‬شهادة الباحث الفرنسي جوستاف‬
‫لوبون ‪:‬‬
‫‪3‬‬
‫يتحدث جوستاف لوبون في كتابه )الدين والحياة(‪ ،‬عن علو‬
‫أخلق النبي محمد ‪ ‬لسيما رحمته ورقة قلبه‪ ،‬فيقول ‪:‬‬
‫"لقد كان محمد ]‪[‬ذا أخلق عالية‪ ،‬وحكمة‪ ،‬ورقة قلب‪ ،‬ورأفة‪،‬‬
‫ورحمة‪ ،‬وصدق وأمانة"‪.4‬‬
‫وهذه الخلق هي التي جذبت آراء المنصفين لنبي السلم ‪،‬‬
‫وعد ُّته من أعاظم رجالت التاريخ ‪..‬‬
‫فيقول جوستاف لوبون في موضع آخر ‪:‬‬
‫"إذا ما قيست قيمة الرجال بجليل أعمالهم؛ كان محمد ]‪ [‬من‬
‫دا‬
‫أعظم من عرفهم التاريخ‪ ،‬وقد أخذ علماء الغرب ينصفون محم ً‬
‫]‪ ، [‬مع أن التعصب الديني أعمى بصائر مؤرخين كثيرين عن‬
‫العتراف بفضله !"‪.5‬‬
‫المطلب العاشر‪ :‬شهادة المؤرخ الشهير جيمس متشنر‬
‫‪:‬‬
‫ويتحدث جيمس متشنر عن بعض صور الرحمة في شخص النبي‬
‫‪ ،‬مشيرا ً إلى بساطة النبي ‪ ، ‬وإنسانيته‪ ،‬ونبله‪ ،‬وحزمه‪،‬‬
‫فيقول متشنر ‪:‬‬
‫"إن محمدا ً ]‪ [‬هذا الرجل الملهم ‪،‬‬
‫الذي أقام السلم ‪،‬‬
‫ولد في قبيلة عربية تعبد الصنام‪،‬‬

‫‪ 1‬جان ليك" العرب‪ ،‬ص ‪43‬‬


‫‪ 2‬واشنجتون ايرفنج ‪ :‬حياة محمد ‪ ،‬ص ‪. 72‬‬
‫‪ 3‬جوستاف لوبون ‪ :‬ولد عام ‪ 1841‬وهو مؤرخ فرنسي مشهور‪ ،‬عني بالحضارات الشرقية‪.‬من آثاره‪) :‬حضارة‬
‫العرب( )باريس ‪) ،(1884‬الحضارة المصرية(‪ ،‬و)حضارة العرب في الندلس(‪.‬‬
‫‪ 4‬جوستاف لوبون‪ :‬الدين والحياة‪ ،‬ص ‪.67‬‬
‫‪ 5‬جوستاف لوبون‪ :‬حضارة العرب ‪ ،‬ص ‪. 115‬‬

‫‪59‬‬
‫ولد يتيما ً محبا ً للفقراء والمحتاجين والرامل واليتامى والرقاء‬
‫والمستضعفين‪.‬‬
‫وقد أحدث محمد]‪ [‬بشخصيته الخارقة للعادة ثورة في شبه‬
‫الجزيرة العربية وفى الشرق كله ‪.‬‬
‫فقد حطم الصنام بيديه ‪،‬‬
‫وأقام دينا ً يدعو إلى الله وحده ‪،‬‬
‫ورفع عن المرأة قيد العبودية التي فرضتها تقاليد الصحراء ‪،‬‬
‫و نادى بالعدالة الجتماعية وقد عرض عليه في آخر أيامه أن‬
‫يكون حاكما ً بأمره ‪ ،‬أو قديسا ً ‪،‬‬
‫ولكنه أصر على أنه ليس إل عبدا ً من عباد الله أرسله إلى العالم‬
‫منذرا ً وبشيرًا"‪! 1‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫خصائص رحمته ‪‬‬
‫المطلب الول‪ :‬ربانية الرحمة‪:‬‬
‫فمن أسماء الله تبارك وتعالى الرحمن والرحيم ‪..‬‬
‫وقد افتتح سور القرآن‪ ،‬ببسم الله الرحمن الرحيم ‪..‬‬
‫ذاِبي‬ ‫ن عَ َ‬ ‫َ‬ ‫عَباِدي أ َّني أ ََنا ال ْغَ ُ‬
‫م * وَ أ ّ‬ ‫حي ُ‬ ‫فوُر الّر ِ‬ ‫ئ ِ‬ ‫وقال الله تعالى ‪ ‬ن َب ّ ْ‬
‫م‪ ]‬الحجر‪ :‬اليتان ‪[50 ، 49‬‬ ‫َ‬ ‫هُوَ ال ْعَ َ‬
‫ب الِلي َ‬ ‫ذا ُ‬
‫وعن أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول الله ‪" :‬لما قضى الله‬
‫الخلق كتب في كتابه‪ ،‬فهو عنده فوق العرش‪ :‬إن رحمتي غلبت‬
‫غضبي"‪.2‬‬
‫ل‪:‬‬ ‫ن أ َِبي هَُري َْرة َ ‪َ ‬قا َ‬ ‫وع َ ْ‬
‫قَها‬ ‫خل َ َ‬‫م َ‬ ‫ة ي َوْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ح َ‬ ‫خل َقَ الّر ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ل ‪ " :‬إِ ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫ه‪ ‬ي َ ُ‬ ‫ل الل ّ ِ‬ ‫سو َ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ق ِ‬‫خل ِ‬ ‫سل ِفي َ‬ ‫ة‪ ،‬وَأْر َ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫ن َر ْ‬ ‫سِعي َ‬ ‫سًعا وَت ِ ْ‬ ‫عن ْد َه ُ ت ِ ْ‬ ‫سك ِ‬ ‫م َ‬ ‫مة ٍ ف أ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ة َر ْ‬ ‫مائ َ‬ ‫ِ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫عن ْد َ اللهِ ِ‬ ‫ذي ِ‬ ‫ل ال ِ‬‫ّ‬ ‫كافُِر ب ِك ُ ّ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حد َة ً ! فَلوْ ي َعْل ُ‬ ‫ة َوا ِ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫م َر ْ‬ ‫ك ُلهِ ْ‬ ‫ّ‬
‫عن ْد َ الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ذي ِ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫ن ب ِك ُ ّ‬ ‫م ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ة‪،‬وَل َوْ ي َعْل َ ُ‬ ‫جن ّ ِ‬‫ن ال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬‫م ي َي ْئ َ ْْ‬ ‫مة ِ ل َ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫الّر ْ‬
‫ب لَ ْ‬ ‫ن ال ْعَ َ‬
‫‪3‬‬
‫ن الّناِر" ‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ي َأ َ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ل‪:‬‬ ‫ك‪َ ‬قا َ‬ ‫َ‬
‫مال ِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫س بْ ُ‬ ‫وعن أن َ ُ‬
‫ك وَت ََعاَلى ‪َ :‬يا اب ْ َ‬
‫ن‬ ‫ه ت ََباَر َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ل ‪َ ":‬قا َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ل الل ّهِ ‪ ‬ي ُ‬ ‫سو َ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫ك وَلَ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫َ‬
‫ما كا َ‬ ‫َ‬
‫ت لك ع َلى َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫فْر ُ‬ ‫َ‬
‫جوْت َِني غ َ‬ ‫ما د َع َوْت َِني وََر َ‬ ‫َ‬
‫م ! إ ِن ّك َ‬ ‫آد َ َ‬
‫ت ذ ُُنوب ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ماِء؛ ث ُ ّ‬
‫م‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ك ع ََنا َ‬ ‫م ! لوْ ب َلغَ ْ‬ ‫ن آد َ َ‬ ‫أَباِلي‪َ .‬يا اب ْ َ‬
‫ب‬
‫قَرا ِ‬ ‫ك ل َوْ أ َت َي ْت َِني ب ِ ُ‬ ‫م ! إ ِن ّ َ‬ ‫ن آد َ َ‬ ‫ك وََل أَباِلي‪َ .‬يا اب ْ َ‬
‫ُ‬ ‫ت لَ َ‬ ‫فْر ُ‬ ‫فْرت َِني‪،‬غ َ َ‬ ‫ست َغْ َ‬ ‫ا ْ‬
‫‪ 1‬انظر‪ :‬حسين الشيخ خضر الظالمي ‪ :‬قالوا في السلم ص ‪.50‬‬
‫ق ُثّم ُيِعيُدُه‬ ‫‪ 2‬صحيح – رواه البخاري‪ ،‬كتاب بدء الخلق – باب‪ :‬ما جاء في قول ال تعالى‪"َ:‬وُهَو اّلِذي َيْبَدُأ اْل َ‬
‫خْل َ‬
‫عَلْيِه" )الروم‪ .(27 :‬ورواه مسلم في التوبة‪ ،‬باب‪ :‬في سعة رحمة ال تعالى ‪ ،‬رقم‪.2751 :‬‬ ‫ن َ‬‫َوُهَو َأْهَو ُ‬
‫‪ 3‬صحيح – رواه البخاري‪ ،‬كتاب الرقاق – باب‪ :‬الرجاء مع الخوف‪ .‬رقم ‪5988‬‬

‫‪60‬‬
‫‪1‬‬
‫ة"‬
‫فَر ً‬ ‫مغْ ِ‬ ‫قَراب َِها َ‬‫ك بِ ُ‬‫شي ًْئا َل َت َي ْت ُ َ‬
‫ك ِبي َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫قيت َِني َل ت ُ ْ‬ ‫م لَ ِ‬ ‫خ َ‬
‫طاَيا ث ُ ّ‬ ‫ض َ‬ ‫الْر ِ‬
‫َْ‬
‫‪.‬‬
‫وقد ضرب النبي ‪ ‬مثال ً على رحمة الله للعبد ‪:‬‬
‫فقد رأى امرأة متلهفة على ولدها‪ ،‬تبحث عنه‪ ،‬فلما رأته‪ ،‬تلقفته‪،‬‬
‫فألصقته ببطنها وأرضعته‪ ،‬فقال النبي ‪ ‬لصحابه ‪" :‬أترون هذه‬
‫طارحة ولدها في النار ؟"‪ .‬قالوا‪ :‬ل‪ ،‬وهي تقدر على أن ل‬
‫‪2‬‬
‫تطرحه‪ ،‬فقال‪" :‬لله أرحم بعباده من هذه بولدها !"‬
‫وقد اتصف وتخّلق محمد ٌ‪ ‬بخلق ربه – سبحانه وتعالى – من‬
‫أخلق الرحمة والعفو ‪ ،‬حتى زكاه ربه بها وأثنى عليه فقال‪ :‬‬
‫كم‬‫ص ع َل َي ْ ُ‬‫ري ٌ‬ ‫ح ِ‬‫م َ‬ ‫ما ع َن ِت ّ ْ‬ ‫زيٌز ع َل َي ْهِ َ‬
‫م عَ ِ‬‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬‫ن َأن ُ‬‫م ْ‬ ‫ل ّ‬‫سو ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫جاءك ُ ْ‬ ‫قَد ْ َ‬
‫م‪] ‬التوبة‪:‬الية ‪[128‬‬ ‫حي ٌ‬
‫ف ّر ِ‬ ‫ؤو ٌ‬ ‫ن َر ُ‬‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬‫ِبال ْ ُ‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬دعوية الرحمة ‪:‬‬


‫ن ‪] ‬النبياء ‪:‬الية‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫سل َْنا َ‬ ‫َ‬
‫مي َ‬
‫ة للَعال ِ‬ ‫م ً‬
‫ح َ‬
‫ك ِإل َر ْ‬ ‫ما أْر َ‬
‫قال الله تعالى ‪‬وَ َ‬
‫‪. [ 107‬‬
‫هكذا قالها الله بإسلوب القصر ‪ ،‬يعني النفي ثم الستثناء‪ ،‬أي‬
‫أنت لست إل رحمة لست شيئا آخر غير الرحمة‪ ..‬كما يقول النبي‬
‫‪" ‬أيها الناس ‪ ..‬إنما أنا رحمة مهداه"‪.3‬‬
‫فكما أن دعوة محمد ‪ ‬للعالمين؛ فهذه الرسالة رحمة للعالمين‬
‫جميعا ً ‪ ..‬وهذا القرآن – الذي جاء فيه لفظ رحم ومشتقاته‬
‫ثلثمائة مرة‪ - 4‬رحمة للعالمين جميعا ً ‪ ..‬رحمة في ذاته‪ ،‬ورحمة‬
‫في تعاليمه‪ ،‬ورحمة في أحكامه ‪..‬‬
‫وفي ذلك يقول واشنجتون ايرفنج ‪" :‬يدعو القرآن إلى الرحمة‬
‫والصفاء وإلى مذاهب أخلقية سامية"‪ ..5‬كما أن القرآن ‪ -‬في‬
‫رأي جاك ريسلر‪ " - 6‬يجد الحلول لجميع القضايا‪ ،‬ويربط ما بين‬
‫القانون الديني والقانون الخلقي‪ ،‬ويسعى إلى خلق النظام‪،‬‬
‫والوحدة الجتماعية‪ ،‬وإلى تخفيف البؤس والقسوة والخرافات‪.‬‬

‫‪ 1‬سنن الترمذي ‪3463‬‬


‫‪ 2‬صحيح – رواه البخاري‪ ،‬كتاب الدب ‪ -‬باب‪ :‬رحمة الولد وتقبيله ومعانقته ‪ /‬و أخرجه مسلم في التوبة‪ ،‬باب‪:‬‬
‫في سعة رحمة ال تعالى وأنها سبقت غضبه‪ ،‬رقم‪.2754 :‬‬
‫‪ 3‬صحيح ‪ -‬رواه الحاكم في مستدركه عن أبي هريرة‪ ،‬والبيهقي‪ ،‬باب إنما أنا رحمة مهداة‪ ،‬برقم ‪ ،61‬ورواه ابن‬
‫أبي شيبة عن ابي صالح ‪ ،441 \7‬وصححه اللباني في السلسلة الصحيحة‪ ،‬رقم ‪490‬‬
‫‪ 4‬انظر‪ :‬أحمد عبد الرحمن إبراهيم ‪ :‬الفضائل الخلقية في السلم‪147 ،‬‬
‫‪ 5‬واشنجتون ايرفنج ‪ :‬حياة محمد‪ ،‬ص ‪304‬‬
‫‪ 6‬جاك‪ .‬س‪ .‬ريسلر‪ :‬باحث وكاتب فرنسي معاصر‪ ،‬وأستاذ بالمعهد السلمي بباريس‪ .‬والحاصل على جائزة‬
‫الكاديمية الفرنسية‪ ،‬تقديرا لكتابه "الحضارة العربية" بوصفه دراسة أساسية لمعرفة السلم‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫إنه يسعى على الخذ بيد المستضعفين‪ ،‬ويوصي بالبر‪ ،‬ويأمر‬
‫بالرحمة"‪.1‬‬
‫وأوامره كما تقول "إلس ليختنستادتر" ‪" 2‬هي أوامر العدل‬
‫للجميع‪ ،‬والرحمة بالضعيف والرفق والحسان‪ .‬وتلك هي الوسائل‬
‫التي يضعها الله في يد النسان لتحقيق نجاته‪ ،‬فهو ثم مسؤول‬
‫عن أعماله ومسؤول كذلك عن مصيره‪. 3".‬‬
‫وهو كتاب هداية عظيم للبشرية‪ ،‬وهو أبلغ منهج للهداية ‪..‬‬
‫يقول نصري سلهب‪: 4‬‬
‫دا ]‪ [r‬كييان أمي ًييا ل يقييرأ ول يكتييب‪ .‬فييإذا بهييذا المييي‬
‫"‪ ..‬إن محم ً‬
‫يهدي إلى النسانية أبلغ أثر مكتوب حلمت به النسانية منذ كييانت‬
‫النسانية‪ -‬ذاك كان القرآن الكريم‪ ،‬الكتاب الذي أنزلييه اللييه علييى‬
‫رسوله هدى للمتقين ‪. 5".‬‬
‫ول شك أن أخلق الرحمة هي عامل الجذب الساس لدخول‬
‫الناس في السلم‪ ،‬أو كما يقول يول‪ " :6‬الحسان والرحمة‬
‫والنزعة النسانية الخيرة العريقة – هذه وغيرها من العوامل‬
‫كانت بالنسبة لي أعظم دليل على صدق هذا الدين" ‪ .. 7‬المر‬
‫الذي يعبر عنه "بشير تشاد بقوله" ‪ " :‬إن السلم هو دين الرحمة‬
‫والحب والتعاطف النساني"‪.8‬‬

‫المطلب الثالث ‪ :‬عالمية الرحمة ‪:‬‬


‫َ‬
‫ن‪‬‬ ‫ة ل ّل َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫م ً‬
‫ح َ‬ ‫سل َْنا َ‬
‫ك ِإل َر ْ‬ ‫ما أْر َ‬
‫كذلك نستفيد من قول الله تعالى ‪‬وَ َ‬
‫]النبياء‪ ، [ 107 :‬أن رحمة النبي رحمة شاملة وعامة وعالمية‪،‬‬
‫وليست عنصرية تقوم على العراق أو اللوان أو المذاهب ‪ ..‬بل‬
‫رحمة لكل البشر‪ ،‬رحمة عامة ومجردة للعالمين جميعًا‪ ،‬ليست‬
‫رحمة للعرب دون العجم أو للمسلمين دون غيرهم‪ ،‬أو للشرق‬
‫دون الغرب ‪ ..‬بل هي رحمة للعالمين‪..‬‬

‫‪ 1‬جاك ريسلر ‪:‬الحضارة العربية ‪ ،‬ص ‪. 51‬‬


‫‪ 2‬الدكتورة إلس ليختنستادتر‪ :‬باحثة ألمانية‪ ،‬درست العلوم العربية والسلمية في جامعة فرانكفورت‪ ،‬ثم في‬
‫جامعة لندن‪ ،‬وأقامت زهاء ثلثين سنة بين بلد الشرقين الدنى والوسط‪ ،‬وعنيت عناية خاصة بدعوات الجتهاد‬
‫والتجديد والمقابلة بين المذاهب‪ .‬من مؤلفاتها )السلم والعصر الحديث(‪.‬‬
‫ل عن‪ :‬عباس محمود العقاد‪ :‬ما يقال عن السلم ‪ ،‬ص ‪19‬‬ ‫‪ 3‬إلس ليختنستادتر‪ :‬السلم والعصر الحديث‪ ،‬نق ً‬
‫عرف بنشاطه الدؤوب لتحقيق التعايش‬‫‪ 4‬باحث مسيحي لبناني ‪ ،‬يتميز بنظرته الموضوعية نحو السلم‪ ،‬و ُ‬
‫السلمي بين السلم والمسيحية في لبنان‪ ..‬ألقى العديد من المحاضرات في المناسبات السلمية والمسيحية على‬
‫السواء‪ ،‬متوخًيا الهدف نفسه‪ .‬من آثاره‪) :‬لقاء المسيحية والسلم( )‪ ،(1970‬و)في خطى محمد( )‪.(1970‬‬
‫‪ 5‬نصري سلهب ‪ :‬لقاء المسيحية والسلم ‪ ،‬ص ‪22‬‬
‫‪ 6‬علي يول ‪ :‬دانمركي‪ ،‬تعرف على السلم عام ‪ 1973‬خلل إحدى رحلته إلى المغرب‪ ،‬وبعد عدد من اللقاءات‬
‫مع بعض المسلمين هناك أعلن انتماءه للسلم‪ ،‬وهو الن يعيش في كوبنهاجن العاصمة‪.‬‬
‫‪7‬انظر‪ :‬عرفات كامل العشي ‪:‬رجال ونساء أسلموا ‪. 127 / 4 ،‬‬
‫‪8‬انظر‪ :‬عرفات كامل العشي‪ :‬رجال ونساء أسلموا ‪22 – 21 / 7 ،‬‬

‫‪62‬‬
‫وفي ذلك تقول لورافيشيا فاغليري ‪":‬إن الية القرآنية التي تشير‬
‫إلى عالمية السلم بوصفه الدين الذي أنزله الله على نبيه ]‪[‬‬
‫)رحمة للعالمين(‪ ،‬هي نداء مباشر للعالم كله‪ .‬وهذا دليل ساطع‬
‫دا ]‪ [‬شعر في يقين كّلي أن رسالته مقدر لها أن‬ ‫على أن محم ً‬
‫تعدو حدود المة العربية وأن عليه أن يبلغ )الكلمة( الجديدة إلى‬
‫شعوب تنتسب إلى أجناس مختلفة‪ ،‬وتتكلم لغات مختلفة" ‪. 1‬‬
‫وعن أبي موسى ‪ :‬أنه سمع النبي ‪ ‬يقول‪" :‬لن تؤمنوا حتى‬
‫تراحموا !"‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬يا رسول الله كلنا رحيم! قال‪" :‬إنه ليس برحمة أحدكم‬
‫صاحبه ولكن رحمة العامة‪..‬رحمة العامة!"‪.. 2‬‬
‫فهي الرحمة بالعامة‪ ،‬أي بعامة البشر‪ ،‬ويجعل النبي ‪ ‬ذلك من‬
‫شروط اليمان‪ ،‬فل يعد الرجل مؤمًنا حتى يرحم الناس بصفة‬
‫عامة ‪.‬‬
‫كما في حديث أنس بن مالك ‪ ،‬أن رسول الله ‪ ‬قال‪" :‬والذي‬
‫نفسي بيده ‪ ،‬ل يضع الله رحمته إل على رحيم" ‪ ،‬قالوا ‪ :‬يا رسول‬
‫الله ‪ ،‬كلنا يرحم ‪ ،‬قال ‪ ":‬ليس برحمة أحدكم صاحبه ‪ ..‬يرحم‬
‫الناس كافة "‪. 3‬‬
‫رو قال ‪:‬‬ ‫م ٍ‬
‫ن عَ ْ‬ ‫وعن ع َب ْد َ الل ّهِ ب ْ َ‬
‫َ‬
‫موا أهْ َ‬
‫ل‬ ‫ل الل ّهِ ‪ ": ‬الّرا ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ح ُ‬
‫ن ‪ ،‬اْر َ‬
‫م ُ‬
‫ح َ‬
‫م الّر ْ‬
‫مه ُ ُ‬
‫ح ُ‬
‫ن ي َْر َ‬
‫مو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ل َر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م أهْ ُ‬ ‫مك ُ ْ‬
‫‪4‬‬
‫ماِء " ‪..‬‬ ‫س َ‬
‫ل ال ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫ض ي َْر َ‬‫الْر ِ‬

‫فالرحمة بأهل الرض تتجاوز النسان الناطق إلى الحيوان‬


‫العجم‪ ،‬فالمؤمن يرحمه ويتقى الله فيه‪ ،‬ويعلم أنه مسؤول‬
‫أمام الله عن هذه العجماوات‪.5‬‬
‫ط لنيل رحمة الخالق‪،‬‬ ‫كما أن الرحمة بالخلق وأهل الرض شر ٌ‬
‫م أ َهْ ُ‬
‫ل‬ ‫مك ُ ْ‬
‫ح ْ‬
‫ض ي َْر َ‬ ‫موا أ َهْ َ‬
‫ل الْر ِ‬ ‫ح ُ‬
‫بحسب عبارة الحديث‪ " :‬اْر َ‬
‫سماِء"‪.‬‬
‫ال ّ‬
‫ومن ثم كانت رحمته إنسانية عامة‪ ،‬شملت المسلم وغير‬
‫المسلم‪ ،‬والمؤمن والمنافق‪ ،‬والعربي وغير العربي‪ ،‬والشرقي‬
‫وغير الشرقي ‪ ،‬والفريقي والوربي‪ ،‬والكبير والصغير‪ ،‬والرجل‬
‫والمرأة‪ ،‬والنسان وغير النسان‪ ،‬والحيوان والطير والجماد‪ .‬فهو‬

‫‪ 1‬لورافيشيا فاغليري ‪ :‬دفاع عن السلم ‪ ،‬ص ‪25 – 24‬‬


‫‪ 2‬حسن لغيره ‪ -‬رواه الحاكم في المستدرك‪ ،‬برقم ‪ ،7418‬ورواه الطبراني ورواته رواة الصحيح ‪ ،‬وحسنه لغيره‬
‫اللباني في صحيح الترغيب والترهيب‬
‫‪ 3‬صحيح ‪ -‬رواه أبو يعلى الموصلي ‪ ، 4145‬وصححه اللباني في السلسلة الصحيحة‪ ،‬برقم ‪167‬‬
‫‪ 4‬صحيح ‪-‬رواه الحميدي‪ ،‬برقم ‪ ،619‬وأحمد برقم ‪ ،6206‬وصححه اللباني في السلسلة الصحيحة‪ ،‬برقم ‪925‬‬
‫‪ 5‬انظر‪ :‬يوسف القرضاوي‪ :‬اليمان والحياة‪283 ،‬‬

‫‪63‬‬
‫يعتبر البشرية جميعها أسرة واحدة‪ ،‬تنتمي إلى رب واحد وإلى‬
‫أب واحد وإلى أرض واحدة ‪..‬كما قال النبي ‪: ‬‬
‫َ‬ ‫حد ‪ ،‬وإ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ض َ‬
‫ل‬ ‫د‪ ،‬أَل َل فَ ْ‬ ‫ح ٌ‬ ‫م َوا ِ‬ ‫ن أَباك ُ ْ‬ ‫م َوا ِ ٌ َ ِ ّ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫س أَل إ ِ ّ‬ ‫"َيا أي َّها الّنا ُ‬
‫َ‬
‫مَر ع ََلى‬ ‫ح َ‬ ‫ي‪ ،‬وََل ِل َ ْ‬ ‫ي ع ََلى ع ََرب ِ ّ‬ ‫م ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫ي ‪ ،‬وََل ل ِعَ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ج ِ‬‫ي ع ََلى أع ْ َ‬ ‫ل ِعََرب ِ ّ‬
‫مَر إ ِّل ِبالت ّ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪1‬‬
‫وى" ‪.‬‬ ‫ق َ‬ ‫ح َ‬ ‫سوَد َ ع ََلى أ ْ‬ ‫د‪ ،‬وََل أ ْ‬ ‫سو َ َ‬ ‫أ ْ‬
‫ومن ثم كان رسول الله ‪ ‬رحمة لكل المم ‪ ،‬ولمته خاصة‪،‬‬
‫ما بأمرها‪ ،‬يخشى عليها من عذاب الله يوم القيامة‪ ،‬وقد كانت‬ ‫مهت ً‬
‫مشاعره جياشة في هذه المسألة‪ ،‬فذات مرة قرأ قول الله‬
‫م فَإ ِن ّهُ ْ‬
‫م‬ ‫تعالى في القرآن على لسان عيسى ‪ِ  :‬إن ت ُعَذ ّب ْهُ ْ‬
‫ك وإن تغْفر ل َهم فَإن َ َ‬
‫م‪]‬المائدة‪،[118 :‬‬ ‫كي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيُز ال ْ َ‬ ‫ت ال ْعَ ِ‬ ‫ك أن َ‬ ‫عَباد ُ َ َ ِ َ ِ ْ ُ ْ ِ ّ‬ ‫ِ‬
‫ففاض ينبوع الرحمة‪ ،‬واهتز قلب النبي ‪ ‬يناجي ربه في‬
‫كى‪ .."!!..‬وسرعان ما نزل المين‬ ‫مِتي وَب َ َ‬ ‫ُ‬ ‫خشوع ‪ " :‬الل ّه ُ‬
‫مِتي أ ّ‬ ‫مأ ّ‬ ‫ُ ّ‬
‫جبريل مهدًئا من فزع محمد ‪ ‬على أمته‪ ،‬ومبلًغا قائل‪ :‬إن الله‬
‫ً‬
‫ُ‬
‫ك"‪. 2‬‬ ‫سوُء َ‬ ‫ك وََل ن َ ُ‬ ‫مت ِ َ‬ ‫ك ِفي أ ّ‬ ‫ضي َ‬ ‫سن ُْر ِ‬ ‫يقول لك ‪ " :‬إ ِّنا َ‬
‫وكان رحمة كذلك لغير المسلمين‪ ،‬بل وأشر الخلق ‪ ،‬فكان‬
‫ل الل ّهِ ‪ ‬يمارس هذه الرحمة مع شرار الناس‪ ،‬حتى يظن‬ ‫سو ُ‬ ‫َر ُ‬
‫الفاجر أنه بخير!‬
‫وتأمل قول عمرو بن العاص‪ -‬رضي الله عنه‪: -‬‬
‫"كان رسول الله ‪ ‬يقبل بوجهه وحديثه على أشر القوم يتألفهم‬
‫ي حتى ظننت أني خير "‪. 3‬‬ ‫بذلك ‪ ،‬فكان يقبل بوجهه وحديثه عل ّ‬
‫واستفاد غير المسلمين من رحمة النبي ‪‬؛ ولن الله تعالى‬
‫كان يهلك من قبل المم الكافرة بسبب كفرها وعصيانها للنبياء‬
‫هلكا ً جماعيّا‪ ،‬بينما رفع الله تعالى بعد بعثة محمد هذا الهلك‬
‫الجماعي‪ ،‬فاستفاد الناس من خلصهم من مثل هذا العذاب‪،‬‬
‫فكان ذلك نعمة دنيوية بالنسبة للكفار‪ .‬يخاطب الله تعالى نبيه‬
‫َ‬
‫م‬
‫ت ِفيهِ ْ‬ ‫م وَأن َ‬ ‫ه ل ِي ُعَذ ّب َهُ ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫في هذا الخصوص فيقول‪  :‬وَ َ‬
‫ن ‪] ‬النفال‪[ 33 :‬‬ ‫فُرو َ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م وَهُ ْ‬ ‫معَذ ّب َهُ ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫وَ َ‬
‫وتأمل قدر النبي ‪ ‬ومنزلته عند الله‪ :‬أي طالما أنت تعيش‬
‫بينهم فلن يعذبهم الله‪ .‬طالما أن ذكرك موجود‪ ،‬وتلهج به‬
‫اللسنة‪ ،‬وطالما أن الناس يتبعون طريقك فلن يعذبهم الله ولن‬
‫يهلكهم‪.4‬‬

‫‪ 1‬صحيح ‪ -‬رواه أحمد ‪ ،‬برقم ‪ ،22391‬والطبراني في المعجم الوسط برقم ‪ ،4905‬البيهقي برقم ‪،4921‬‬
‫وصححه اللباني في السلسلة الصحيحة برقم ‪2700‬‬
‫عَلْيِهْم‪ ،‬رقم ‪301‬‬
‫شَفَقًة َ‬
‫لّمِتِه َوُبَكاِئِه َ‬
‫سّلَم ُِ‬
‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬
‫صّلى ا ُّ‬
‫ي َ‬
‫عاِء الّنِب ّ‬
‫‪ 2‬صحيح – رواه مسلم‪َ ،‬باب ُد َ‬
‫‪ 3‬حسن – رواه الترمذي في الشمائل المحمدية ) ‪ ،( 295‬وحسنه اللباني في مختصر الشمائل المحمدية‬
‫‪ 4‬انظر‪ :‬محمد فتح ال كولن ‪ :‬النور الخالد محمد صلى ال عليه وسلم مفخرة النسانية‪2/69 ،‬‬

‫‪64‬‬
‫ضا‪ .‬فبسبب هذه الرحمة الواسعة لم يَر‬ ‫وكان رحمة للمنافقين أي ً‬
‫المنافقون العذاب في الحياة الدنيا‪ .‬فقد حضروا إلى المسجد‬
‫واختلطوا بالمسلمين واستفادوا من كل الحقوق التي تمتع بها‬
‫المسلمون‪ .‬ولم يقم رسول الله ‪ ‬بفضحهم وإفشاء أسرار‬
‫نفاقهم أبدا ً مع أنه كان يعرف دخائل نفوسهم ونفاقهم‪ ،‬حتى إنه‬
‫حذيفة رضي الله عنه بذلك‪ 1‬لذا‪ ،‬كان عمر بن الخطاب‬ ‫أخبر ُ‬
‫حذيفة‪ ،‬فإن رآه ل يصلي على جنازة لم‬ ‫رضي الله عنه يراقب ُ‬
‫يصلها هو كذلك‪ ،2‬دون إحداث ضجة أو تشهير بالمنافق الميت ‪.‬‬
‫ومع ذلك فلم يهتك السلم سرهم‪ ،‬فبقوا بين المؤمنين‪ ،‬وانقلب‬
‫كفرهم المطلق إلى ريبة وشك على القل‪ ،‬فلم يحرموا من‬
‫لذائذ الدنيا؛ لن النسان الذي يعتقد أنه سيفنى ويذهب إلى‬
‫العدم ل يمكن أن يهنأ في عيشه‪ ،‬ولكن إن انقلب كفره إلى‬
‫شك وشبهة فإنه يقول في نفسه‪" :‬ربما توجد هناك حياة‬
‫أخروية"‪ ،‬عندئذ لن تكفهر حياته تمام الكفهرار‪ .‬ومن هذا‬
‫المنطلق كان رسول الله ‪ ‬رحمة لهم بهذا المعنى‪.3‬‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬عبقرية الرحمة ‪:‬‬
‫لقد كانت رحمة النبي ‪ ‬من عوامل نجاحه التي استعملها‬
‫واستفاد منها في دعوته‪ ،‬قال الله تعالى ‪:‬‬
‫ب‬‫قل ْ ِ‬‫ظ ال ْ َ‬‫ت فَظ ّا ً غ َِلي َ‬
‫م وَل َوْ ك ُن ْ َ‬
‫ت ل َهُ ْ‬
‫ن الل ّهِ ل ِن ْ َ‬
‫م َ‬
‫مةٍ ِ‬ ‫ح َ‬‫ما َر ْ‬‫‪ ‬فَب ِ َ‬
‫حوِْلك‪] ‬آل عمران ‪[:159‬‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ضوا ِ‬ ‫ف ّ‬
‫لن ْ َ‬
‫يعني ‪ :‬لول رحمتك يامحمد لنفضوا من حولك رافضين دعوتك ‪..‬‬
‫كما إن رحمته ‪‬من دلئل عبقريته وفطنته‪ ،‬بمعنى آخر كانت‬
‫دا آخر من أبعاد عبقريته وفطنته‪ ،‬وكانت هذه‬ ‫رحمته تشكل ُبع ً‬
‫الرحمة من عوامل نجاحه التي استعملها واستغلها‪ ،‬وجعل منها‬
‫شَباك رحمة لصيد القلوب ‪ ،‬واتخذ رحمته وسيلة لفتح القلوب‬ ‫ِ‬
‫السوداء‪ ،‬وتحريك المشاعر الصماء‪ ،‬ول يعني هذا أنه كان يتصنع‬
‫الرحمة‪ ،‬ويتخذها ذريعة للوصول إلى مآرب غير شرعية‪ ،‬بل كانت‬
‫سمته الطبيعي وفطرته التي جبله الله عليها ‪.‬‬
‫وشتان ما بين رحمة خالصة لوجه الله‪ ،‬ورحمة خالصة من أجل‬
‫منفعة شخصية وضيعة‪ ،‬وشتان بين رحمة من أجل رسالة سامية‪،‬‬
‫ورحمة من أجل زعامة فانية ‪.‬‬
‫حا سحرّيا‪.‬‬ ‫"هكذا كانت "الرحمة" في يد رسول الله ‪ ‬مفتا ً‬
‫وبهذا المفتاح فتح مغاليق أقفال صدئة لم يكن أحد يتوقع فتحها‬
‫بأي مفتاح‪ ،‬وأشعل شعلة اليمان في القلوب‪ ..‬أجل‪ ،‬لقد سّلم‬
‫البخاري‪ ،‬فضائل أصحاب النبي‪20 ،‬؛ ابن الثير ‪ :‬أسد الغابة ‪1/468‬‬ ‫‪1‬‬

‫ابن الثير ‪ :‬أسد الغابة ‪1/468‬‬ ‫‪2‬‬

‫انظر‪ :‬محمد فتح ال كولن ‪ :‬النور الخالد محمد صلى ال عليه وسلم مفخرة النسانية‪2/69 ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪65‬‬
‫هذا المفتاح الذهبي إلى محمد المصطفى ‪ ‬؛ لنه كان أليق‬
‫ما يسلم المانة لمن هو أهل لها‪. 1".‬‬ ‫الناس به‪ ،‬والله تعالى دائ ً‬
‫المطلب الخامس ‪ :‬وسطية الرحمة‪:‬‬
‫ومن خصائص رحمة النبي ‪ ‬أيضا ً أنها رحمة متزنة وعادلة‪ ،‬فهو‬
‫يل‬ ‫ب ل يغدر‪ ،‬سياس ّ‬ ‫رحيم دون ضعف‪ ،‬متواضع بغير ذلة‪ ،‬محار ٌ‬
‫يكذب‪ ،‬يستخدم الحيلة في الحرب ولكن ل ينقض العهود‬
‫والمواثيق‪ ،‬آمن خصومه بصدقه وأمانته‪ ،‬يجمع بين التوكل‬
‫والتدبير‪ ،‬وبين العبادة والعمل‪ ،‬وبين الرحمة والحرب‪..2‬‬
‫وهذا وهو الحال في أخلق محمد ‪ ‬جميعها‪ ،‬فهي تعمل ضمن‬
‫منظومة متناسقة متناغمة‪ ،‬تتشابك جميعها لتأدية أغراضها‪ ،‬فل‬
‫تتوسع صفة أو تقوى على حساب أخرى‪ ،‬ول تعمل إحداها ضد‬
‫الصفة التي تقابلها‪ .‬كالقرآن والسيف في دعوة النبي ‪،‬‬
‫فالقرآن – في يدي النبي‪ -‬كتاب هداية لمن أراد الهدى‪،‬‬
‫والسيف معه ‪ ‬وسيلة لردع من يعتدي عليه‪.‬‬
‫ويشير "جورج حنا"‪ 3‬إلى هذا التوازن في شخصية النبي ‪،‬‬
‫فيقول‪:‬‬
‫ده‬
‫ده اليسر لمن يضربه على خ ّ‬ ‫ول خ ّ‬‫" إنه ]‪[‬لم يرض بأن يح ّ‬
‫اليمن‪ ..‬بل مشى في طريقه غير هّياب‪ ،‬في يده الواحدة رسالة‬
‫هداية‪ ،‬يهدي بها من سالموه‪ ،‬وفي يده الثانية سيف يحارب به‬
‫من يحاربوه‪ .‬لقد آمن به نفر قليل في بداية الدعوة‪ ،‬وكان نصيب‬
‫هذا النفر مثل نصيبه من الضطهاد والتكفير‪ ..‬كان هؤلء باكورة‬
‫الديانة السلمية‪ ،‬والشعلة التي انطلقت منها رسالة محمد]‪[‬‬
‫‪4‬‬
‫"‬
‫ومظهٌر آخر للتوازن‪ ،‬هو ثبات صفة الرحمة فيه‪ ، ‬فهر رحيم‬
‫في كل أحواله وأطواره ومواقفه‪ ،‬فالنبي ‪ ‬رحيم قبل البعثة‬
‫وبعد البعثة‪ ،‬قبل الفتح وبعد الفتح‪ ،‬رحيم في النصر والهزيمة‪،‬‬
‫رحيم في عسره ويسره‪ ،‬رحيم في سفره وحضره ‪ ...‬الخ‬

‫المطلب السادس ‪ :‬عملية الرحمة‪:‬‬


‫ومن خصائص رحمة النبي ‪ ‬أيضا ً أنها ليست مجرد تعاليم‬
‫نظرية‪ ،‬أو تطلعات فلسفية‪،‬أو كما يقال حبرا ً على ورق‪ ،‬بل‬
‫شأنها كشأن سائر خصاله وأخلقه التي ترجمها إلى منهج حياة‬

‫‪ 1‬محمد فتح ال كولن ‪ :‬النور الخالد محمد صلى ال عليه وسلم مفخرة النسانية ‪1/6‬‬
‫‪ 2‬انظر محمد علي الخطيب‪ :‬محمد رسول ال صلى ال عليه وسلم الرحمة المهداة‪33 ،‬‬
‫‪3‬الدكتور جورج حنا ‪ :‬كاتب نصراني من لبنان‪ ،‬وصاحب كتاب )قصة النسان(‪.‬‬
‫‪ 4‬جورج حنا ‪ :‬قصة النسان ‪ ،‬ص ‪. 76‬‬

‫‪66‬‬
‫عملية‪ ،‬وواقع حي عاشه المسلمون في العهود السلمية العريقة‬
‫‪..‬‬
‫فرحمة النبي محمد ‪ ‬رحمة تطبيقية يمارسها في حياته‬
‫اليومية‪ ،‬كما تقول عائشة رضي الله عنها عندما سئلت عن‬
‫خلقه‪ ،‬فقالت" كان خلقه القرآن "‪ ،1‬فقد خرج من تعاليم القرآن‬
‫المكتوبة إلى واقع الحياة بتطبيق هذه التعاليم وممارستها سلوكا ً‬
‫عملًيا ‪.‬‬

‫الفصل الثاني‬
‫رحمته للعالمين في مجال التنوير والحضارة‬

‫المبحث الول ‪ :‬التنوير والتوحيد‬


‫المبحث الثاني ‪ :‬التحضر والرقي‬
‫‪ 1‬صحيح – رواه أحمد برقم ‪ ،23460‬وصححه اللباني في صحيح الجامع‪ ،‬رقم ‪. 4811‬‬

‫‪67‬‬
‫الثالث ‪ :‬التسامح الديني‬ ‫المبحث‬
‫الرابع ‪ :‬رعاية العلم والمعرفة‬ ‫المبحث‬
‫الخامس‪ :‬الخطاب التربوي‬ ‫المبحث‬
‫السادس ‪ :‬خدمة النسانية‬ ‫المبحث‬

‫المبحث الول‬
‫التوحيد والتوير‬

‫قا‪:‬‬‫المطلب الول ‪ :‬محمد ‪ ‬تنويريا ً عمل ً‬


‫يقول رودي بارت‪" :‬كان من بين ممثلي حركة التنوير من رأوا‬
‫ما‪ ،‬ورسول ً‬ ‫في النبي العربي ]‪ [‬أدلة الله‪ ،‬ومشر ً‬
‫عا حكي ً‬
‫‪1‬‬
‫قا بكلمة الدين الطبيعي الفطري‪ ،‬مبشًرا به"‬ ‫للفضيلة‪ ،‬وناط ً‬

‫‪ 1‬رودي بارت ‪ :‬الدراسات العربية والسلمية في الجامعات اللمانية ‪ ،‬ص ‪.20‬‬

‫‪68‬‬
‫لقد كان النبي ‪ ‬في رأي علماء الغرب ‪ -‬الذين درسوا سيرته ‪-‬‬
‫تنويريا ً عملقًا‪ ،‬وتوحيدًيا كبيًرا‪ ،‬فهم يرون أن محمدا ً ‪ ‬يحمل‬
‫كتابا ً نورانيا ً لم يعرف التاريخ كتابا ً مثله في الحكام وروعة البيان‬
‫ومعالجته لمشكلت النسانية‪..‬‬
‫وإذا كان علماء الغرب قد أطلقوا صفة التنوير على النبي ‪، ‬‬
‫فالحق أن القرآن الكريم سبقهم وأطلقها عليه‪ ، ‬وهذه الصفة‬
‫في القرآن تعبر في الغالب عن التوحيد‪ ،‬إضافة إلى العلم‬
‫والحضارة والمدنية ‪:‬‬
‫هدا ً‬ ‫سل َْنا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شا ِ‬‫ك َ‬ ‫ي إ ِّنا أْر َ‬ ‫قال الله تعالى في ذلك ‪َ  :‬يا أي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫مِنيرا ً ‪] ‬الحزاب‪:‬‬ ‫سَراجا ً ّ‬ ‫عيا ً إ َِلى الل ّهِ ب ِإ ِذ ْن ِهِ وَ ِ‬‫دا ِ‬‫ذيرا ً * وَ َ‬ ‫شرا ً وَن َ ِ‬ ‫مب َ ّ‬‫وَ ُ‬
‫‪. [46 ،45‬‬
‫َ‬
‫ما‬ ‫م ك َِثيرا ً ّ‬
‫م ّ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬‫سول َُنا ي ُب َي ّ ُ‬ ‫م َر ُ‬ ‫جاءك ُ ْ‬ ‫ب قَد ْ َ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬‫وقال ‪َ  :‬يا أهْ َ‬
‫ن الل ّهِ ُنوٌر‬ ‫م َ‬‫كم ّ‬ ‫جاء ُ‬ ‫عن ك َِثيرٍ قَد ْ َ‬ ‫فو َ‬ ‫ب وَي َعْ ُ‬‫ن ال ْك َِتا ِ‬‫م َ‬
‫ن ِ‬ ‫فو َ‬ ‫خ ُ‬‫م تُ ْ‬ ‫ُ‬
‫كنت ُ ْ‬
‫ن ( ]المائدة‪[15 :‬‬ ‫مِبي ٌ‬‫ب ّ‬ ‫وَك َِتا ٌ‬
‫"يجلو الظلمات ‪ ،‬ويكشف الشبهات ‪ ،‬وينير الطريق ‪ ،‬نورا ً هادئا ً‬
‫هاديا ً كالسراج المنير في الظلمات‪.‬وهكذا كان رسول الله ‪ ‬وما‬
‫جاء به من النور‪ .‬جاء بالتصور الواضح البين النير لهذا الوجود ‪،‬‬
‫ولعلقة الوجود بالخالق ‪ ،‬ولمكان الكائن النساني من هذا الوجود‬
‫وخالقه ‪ ،‬وللقيم التي يقوم عليها الوجود كله ‪ ،‬ويقوم عليها وجود‬
‫هذا النسان فيه؛ وللمنشأ والمصير ‪ ،‬والهدف والغاية ‪ ،‬والطريق‬
‫والوسيلة"‪. .1‬‬
‫و"أي الناس أولى بنفي الكيد عن سيرته من أبي القاسم ]‪ [‬؛‬
‫الذي حول المليين من عبادة الصنام الموبقة إلى عبادة الله رب‬
‫العالمين‪ ،‬ومن الضياع والنحلل إلى السموّ واليمان‪ ،‬ولم يفد‬
‫من جهاده لشخصه أو آله شيًئا مما يقتتل عليه طلب الدنيا من‬
‫زخارف الحطام"‪. 2‬‬
‫يقول المستشرق اليرلندي المستر هربرت وايل " ‪:‬‬
‫"بعد ستمائة سنة من ظهور المسيح ظهر محمد ]‪ [‬فأزال كل‬
‫الوهام ‪ ،‬وحرم عبادة الوهام ‪ ،‬وكان يلقبه الناس بالمين ‪ ،‬لما‬
‫كان عليه من الصدق والمانة وهو الذي أرشد أهل الضلل إلى‬
‫الصراط المستقيم "‪.3‬‬
‫فبعدما كانت عبادة الحجارة والشخاص والنار والبهائم هي‬
‫العبادة السائدة المسيطرة على الشعوب‪ ،‬أصبحت عبادة الله ي‬

‫‪ 1‬سيد قطب ‪ :‬في ظلل القرآن ‪) -‬ج ‪ / 6‬ص ‪(91‬‬


‫‪ 2‬نظمي لوقا‪ :‬محمد في حياته الخاصة ‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫‪ 3‬هربرت وايل ‪ :‬المعلم الكبر ‪ ،‬ص ‪17‬‬

‫‪69‬‬
‫تبارك وتعالى ي هي العبادة السائدة وأكثر انتشارًا‪ ،‬وبذلك يكون‬
‫النبي ‪ ‬قد أعاد دين إبراهيم وموسى وعيسى ي ابن مريم ي‬
‫حرف الدين الحق‬ ‫عليهم السلم‪ ،-‬إلى الحياة مرة أخرى‪ ،‬بعدما ُ‬
‫)دين النبياء( من قبل النظمة الغابرة المستبدة‪ ،‬التي استعبدت‬
‫الشعوب‪،‬وأغرقته في الظلم والجهل‪..‬‬
‫إن عظمة النبي ‪ ‬البارزة لكل متبصر ‪ ،‬تكمن في أنه كان حامل‬
‫رسالة سماوية تنويرية‪ ،‬عنوانها ل إله إل الله ‪ ،‬تهدف أساسا ً إلى‬
‫إصلح حياة البشرية عامة‪ ،‬تحريرها من عبادة الوثان‬
‫والشيطان ‪ ..‬ومن ثم نقلها من البربرية والوثنية إلى الحضارة‬
‫المستنيرة‪..‬‬
‫جاء النبي ‪ ‬بشريعة خلقت جيل ً فريدا ً ضرب المثل العلى في‬
‫النبوغ العقدي والفكري‪..‬‬
‫المر الذي دفع علماء الغرب إلى النظر للسلم على أنه دين‬
‫تنويري‪ ،‬أو بعبارة الدكتور مكسيم رودنس "دين عقلني بعيد كل‬
‫البعد عن العقائد المسيحية المخالفة للعقل‪ ..‬ثم إنه وّفق بين‬
‫الدعوة إلى حياة أخلقية وبين حاجات الجسد والحواس والحياة‬
‫دا من الدين‬ ‫في المجتمع‪ .‬وخلصة القول فهو كدين كان قريًبا ج ً‬
‫‪1‬‬
‫الطبيعي الذي كان يعتقد به معظم رجال عصر التنوير‪.. "..‬‬
‫ومن ثم يقول "ناجيمو راموني"‪": 2‬إن السلم هو أعظم الديان‬
‫ملءمة لجيلنا المتحضر ولكل جيل‪ .‬فالسلم ل يفصل بين الدين‬
‫ما‪ ،‬وهذا‬ ‫والدنيا بحيث تتحول الحياة إلى طريقين مختلفين تما ً‬
‫يشكل خلصة الزمة المعاصرة للنسان‪ .‬لقد اعتنقت السلم لنه‬
‫دين طبقات الناس جميًعا‪ ،‬كبيرها وصغيرها‪ ،‬غنيها وفقيرها‪ ،‬دين‬
‫الحرار والعبيد‪ ،‬والسادة والمسودين"‪.3‬‬
‫ولذلك يقول الستاذ القانوني النكليزي المستر ولز ‪ " :‬كل‬
‫شريعة ل تسير مع المدنية في طور من أطوارها فاضرب بها‬
‫عرض الحائط ول تبال بها ! لن الشريعة التي ل تسير مع المدنية‬
‫جنًبا إلى جنب هي شر مستطير على أصحابها‪ ،‬تجرهم إلى‬
‫الهلك‪ ،‬وإن الشريعة التي وجدُتها تسير مع المدنية‪ ،‬أنى سارت‬
‫هي الشريعة السلمية"‪..4‬‬
‫ل‪ " :‬وإذا أراد إنسان أن يعرف شيًئا من هذا؛‬ ‫ويدلل على ذلك قائ ً‬
‫فليقرأ القرآن وما به من نظريات علمية وقوانين وأنظمة لربط‬

‫‪ 1‬انظر ‪ :‬شاخت وبوزورت ‪ :‬تراث السلم ‪. 66 – 64 / 1‬‬


‫‪ 2‬من ّ‬
‫صر سابق‪ ،‬من غانا‪ ،‬بإفريقية الغربية‪ ،‬ولد لبوين مسيحيين‪ ،‬وتلقى تعليمه في المدارس التنصيرية‪ ،‬ولما بلغ‬
‫العشرين بدأ مهمته كمبشر متحّمس‪ ،‬لكنه عثر يوًما على كتاب عن السلم قدمه إليه أحد أصدقائه فاهتّزت‬
‫قناعاته بالنصرانية‪ ،‬واستمر في طريق البحث عن الحق حتى خريف عام ‪ 1963‬حيث أعلن إسلمه‪.‬‬
‫‪ 3‬انظر‪ :‬عرفات كامل العشي‪ :‬رجال ونساء أسلموا ‪. 58 – 57 / 9 ،‬‬
‫‪ 4‬انظر‪ :‬حكمت بشير ياسين‪ ،‬عناية السنة النبوية بحقوق النسان‪337 ،‬‬

‫‪70‬‬
‫خلقي‪،‬‬ ‫المجتمع‪ ،‬فهو كتاب ديني‪ ،‬علمي‪ ،‬اجتماعي‪ ،‬تهذيبي‪ُ ،‬‬
‫تاريخي‪ ،‬وكثير من أنظمته وقوانينيه تستعمل حتى في وقتنا‬
‫الحالي‪ ،‬وستبقى مستعمله حتى قيام الساعة‪ ،‬وهل في استطاعة‬
‫إنسان أن يأتي بدور من الدوار كانت فيه الشريعة السلمية‬
‫مغايرة للمدنية والتقدم ؟ ! "‪.1‬‬
‫إن الشريعة السلمية كانت خير هدية من الله للعالم المتحضر‪،‬‬
‫حا عن‬ ‫على حد قول جوزيف شاخت‪ 2‬فهي" تختلف اختلًفا واض ً‬
‫جميع أشكال القانون‪ ،‬إلى حد ّ أن دراستها أمر ل غنى عنه لكي‬
‫نقدر المدى الكامل للمور القانونية تقديًرا كافًيا‪ ..‬إن الشريعة‬
‫السلمية شيء فريد في بابه‪ ،‬وهي جملة الوامر اللهية التي‬
‫تنظم حياة كل مسلم من جميع وجوهها‪ ،‬وهي تشتمل على‬
‫أحكام خاصة بالعبادات والشعائر الدينية كما تشتمل على قواعد‬
‫‪3‬‬
‫سياسية وقانونية‪"..‬‬
‫ويبين "ديبورا بوتر" أن السلم جاء بعصر التنوير الحقيقي في‬
‫المجالت الحياتية المختلفة‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫"لقد جاء السلم بعصر التنوير الحقيقي في المجالت العلمية‬
‫والثقافية والفنية بصورة لم يسبق لها مثيل في عظمتها إلى يوم‬
‫الناس هذا‪ ..‬فبين عام ‪ 700‬و ‪ 1400‬بعد الميلد‪ ،‬وفي الوقت‬
‫الذي كانت فيه أوروبا تغط في سبات عميق في عصور الظلم‬
‫المسماة بالعصور الوسطى‪ ،‬كان العلماء المسلمون قد توصلوا‬
‫ل محل المنهج المنطقي‬ ‫إلى المنهج التجريبي في البحث الذي ح ّ‬
‫دا عند الغريق قبل ذلك‪ ..‬لقد أنتجت هذه‬ ‫العقيم الذي كان سائ ً‬
‫الحقبة من الزمان للدنيا رجال ً عظماء‪ ..‬ساهموا مساهمة عظيمة‬
‫في تشييد صرح الحضارة النسانية وكانوا يستلهمون هديهم من‬
‫القرآن الكريم في جميع نشاطاتهم"‪.4‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬نضاله في إخراج الناس من الظلمات‬
‫إلى النور‪:‬‬
‫دخل الرسول ‪ ‬في صراع ونضال ضد أصحاب عصر الظلم‪،‬‬
‫والنزعات الرجعية‪ ،‬والموروثات المتخلفة التي عفى عليها الزمن‪،‬‬
‫كما تبين لورافيشيا فاغليري بقولها ‪" :‬دعا الرسول العربي ]‪[‬‬
‫بصوت ملهم باتصال عميق بربه‪ ..‬دعا عبدة الوثان وأتباع‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬حكمت بشير ياسين‪ ،‬عناية السنة النبوية بحقوق النسان‪337 ،‬‬
‫‪ 2‬جوزيف شاخت‪ :‬ولد عام ‪ ،1902‬وعين أستاًذا في عدد من الجامعات اللمانية )‪ ،(1934-1927‬ومحاضًرا‬
‫للدراسات السلمية في جامعة أكسفورد )‪ ،(1948‬وليدن )‪ ،(1954‬وكولومبيا )‪ ،(1958-1957‬وقد اشتهر‬
‫بدراسة التشريع السلمي وبيان نشأته وتطوره‪.‬من آثاره‪) :‬دين السلم( )‪ ،(1931‬و)نشأة الفقه في السلم( )‬
‫‪ ،(1950‬و)خلصة تاريخ الفقه السلمي( )‪.(1952‬‬
‫‪ 3‬انظر ‪ :‬شاخت وبوزورت ‪ :‬تراث السلم ‪. 9 / 3‬‬
‫‪ 4‬انظر ‪ :‬عرفات كامل العشي ‪ :‬رجال ونساء أسلموا ‪. 109 – 1108 / 8 ،‬‬

‫‪71‬‬
‫نصرانية ويهودية محّرفتين على أصفى عقيدة توحيدية‪ .‬وارتضى‬
‫عا مكشوًفا مع بعض نزعات البشر الرجعية التي‬‫أن يخوض صرا ً‬
‫‪1‬‬
‫تقود المرء إلى أن يشرك بالخالق آلهة أخرى‪. "..‬‬

‫ولقد بذل النبي ‪ ‬مجهودا ً ضخما ً في سبيل تنوير العرب ودحر‬


‫الوثنية‪ ..‬يّبين ذلك المؤرخ المريكي واشنجتون إيرفنج بقوله ‪:‬‬
‫"لقي الرسول ]‪ ... [‬كثيًرا من العناء‪ ،‬وبذل عدة تضحيات‪.‬‬
‫فقد شك الكثير في صدق دعوته‪ ،‬وظل عدة سنوات دون أن‬
‫حا كبيًرا‪ ،‬وتعرض خلل إبلغ الوحي إلى الهانات‬ ‫ينال نجا ً‬
‫والعتداءات والضطهادات‪ ،‬بل اضطر إلى أن يترك وطنه ويبحث‬
‫عن مكان يهاجر إليه هنا وهناك‪ ،‬وتخلى عن كل متع الحياة وعن‬
‫السعي وراء الثراء من أجل نشر العقيدة‪.2" .‬‬
‫ويؤكد ذلك هنري دي كاستري )‪ (1850-1927‬بقوله ‪ .." :‬ولقد‬
‫ما نفسية كبرى‬ ‫دا ]‪[‬مّر بمتاعب كثيرة وقاسى آل ً‬ ‫نعلم أن محم ً‬
‫حضت للدين‪،‬‬ ‫قبل أن يخبر برسالته‪ ،‬فقد خلقه الله ذا نفس تم ّ‬
‫ومن أجل ذلك احتاج إلى العزلة عن الناس لكي يهرب من عبادة‬
‫الوثان‪ ،‬ومذهب تعدد اللهة الذي ابتدعه المسيحيون‪ ،‬وكان‬
‫بغضهما متمكًنا من قلبه‪ ،‬وكان وجود هذين المذهبين أشبه بإبرة‬
‫في جسمه ]‪ ، [‬ولعمري ! فيم كان يفكر ذلك الرجل الذي بلغ‬
‫الربعين وهو في ريعان الذكاء ومن أولئك الشرقيين الذين‬
‫امتازوا في العقل بحدة التخّيل وقوة الدراك‪ ..‬إل أن يقول مراًرا‬
‫ويعيد تكراًرا هذه الكلمات "الله أحد الله أحد"‪ .‬كلمات رددها‬
‫المسلمون أجمعون من بعده وغاب عنا معشر المسيحيين‬
‫مغزاها لبعدنا عن فكرة التوحيد‪.3"..‬‬
‫وتقول الكاتبة النكليزية اللدي ايفلين كوبولد‪:4‬‬
‫"كان العرب قبل محمد ]‪ [‬أمة ل شأن لها ول أهمية لقبائلها ول‬
‫دا يصح‬ ‫لجماعتها‪ ،‬فلما جاء محمد ]‪ [‬بعث هذه المة بعًثا جدي ً‬
‫أن يكون أقرب إلى المعجزات فغلبت العالم وحكمت فيه آجال ً‬
‫ل‪ ...‬لقد استطاع النبي ]‪ [‬القيام بالمعجزات والعجائب‪،‬‬ ‫وآجا ً‬
‫ما تمكن من حمل هذه المة العربية الشديدة العنيدة على نبذ‬ ‫لَ ّ‬

‫‪ 1‬لورافيشيا فاغليري ‪ :‬دفاع عن السلم ‪ ،‬ص ‪.43‬‬


‫‪ 2‬إميل درمنغم‪ :‬حياة محمد‪ ،‬ص ‪.300‬‬
‫‪ 3‬هنري دي كاستري‪ :‬السلم‪ :‬خواطر وسوانح ‪ ،‬ص ‪17 ،16‬‬
‫‪ 4‬كاتبة إنجليزية‪ ،‬اعتنقت السلم وزارت الحجاز‪ ،‬وحجت إلى بيت ال‪ ،‬وكتبت مذكراتها عن رحلتها تلك في‬
‫كتاب لها بعنوان‪) :‬الحج إلى مكة( )لندن ‪ (1934‬والذي ترجم إلى العربية بعنوان‪) :‬البحث عن ال(‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫الصنام وقبول الوحدانية اللهية‪ ..‬لقد وّفق إلى خلق العرب خل ً‬
‫قا‬
‫دا ونقلهم من الظلمات إلى النور"‪.1‬‬ ‫جدي ً‬

‫المطلب الثالث ‪ :‬نجاح حركة التنوير ‪:‬‬


‫دم الصنام بأيد من صنعوها‬ ‫وإن المبهر في سيرة النبي ‪ ‬أنه ه ّ‬
‫وعبدوها ‪ ..‬وهذا لشك من دلئل نجاح حركة التنوير التي قادها‬
‫النبي ‪‬‬
‫فهدمها سدنتها أمثال خالد بن الوليد وعمرو بن العاص و سعد بن‬
‫زيد بن الشهلي‪..‬‬
‫وما أروعهم !‬
‫بعدما قاتلوا في سبيل هذه الوثان والحجارة ‪..‬‬
‫هم الذين يهدمونها بأيديهم‪ ،‬ويحطمونها بسواعدهم ‪!! ..‬‬ ‫هم ُ‬
‫ُ‬
‫ول شك أن هذا أوقع في قلوب الناس‪ ،‬لجذبهم إلى طريق‬
‫التوحيد‪..‬‬
‫فلما دخل النبي ‪ ‬مكة )في رمضان ‪8‬هي‪/‬يناير ‪ 630‬م( في يوم‬
‫فتحها‪ ،‬متجها ً إلى البيت‪ ،‬وحوله ثلثمائة وستون صنما ً ‪ ،‬جعل‬
‫يطعنها الواحدة تلو الخرى بعود في يده ‪ ،‬وهو يقول‪:‬‬
‫" جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوًقا‪ ،‬جاء الحق وما‬
‫يبدىء الباطل وما يعيد"‪.2‬‬
‫وكان في جوف الكعبة أيضا أصناما ً فأبى أن يدخل وفيها هذه‬
‫الوثان ‪ ،‬وأمر بها فأخرجت وأخرجت صور لبراهيم وإسماعيل‬
‫في أيديهما الزلم‪ ،3‬فقال النبي ‪‬‬
‫" قاتلهم الله ! لقد علموا ما استقسما بها قط "‪ ..‬ثم دخل البيت‬
‫فكبر في نواحي البيت‪.4‬‬
‫أما عن الصنام والوثان المنتشرة في الجزيرة العربية‪ ،‬فقد‬
‫أرسل إليها رجاله‪ ،‬ليهدموها واحدا ً تلو الخر‪ ،‬ليسدل الستار بذلك‬
‫على عصر الظلم‪..‬‬
‫فإليك هذه المشاهد ‪:‬‬

‫‪1‬ي لما اطمأن رسول الله ‪ ‬بعد الفتح؛ بعث خالد بن الوليد إلى‬
‫صنم العزى لخمس ليال بقين من شهر رمضان سنة ‪ 8‬هي)يناير‬
‫‪ 630‬م ( ليهدمها وكانت بنخلة – بين مكة والطائف ‪ ،-‬وكانت‬
‫‪ 1‬اللدي ايفلين كوبولد‪ :‬البحث عن ال‪ ،‬ص ‪66 ،51‬‬
‫‪ 2‬انظر‪ :‬ابن كثير‪ :‬السيرة النبوية‪ ،573 \3 ،‬والبداية والنهاية ‪346 \4‬‬
‫‪ 3‬السهام التي كانوا يستقسمون بها الخير والشر‪ ،‬وهو عمل سخيف‪ ،‬يعيق النسان عن العمل والحركة‪ ،‬إل بقرار‬
‫من هذه الزلم !‬
‫‪ 4‬المصدر السابق‬

‫‪73‬‬
‫لقريش وجميع بني كنانة وهي أعظم أصنامهم‪ .‬وكان سدنتها بني‬
‫سا حتى انتهى إليها‪،‬‬
‫شيبان‪ ،‬فخرج إليها خالد في ثلثين فار ً‬
‫فهدمها‪.1‬‬

‫‪2‬ي وبعث النبي ‪ ‬عمرو بن العاص في نفس الشهر إلى الصنم‬


‫سواع ليهدمه وهو صنم لهذيل برهاط‪ ،‬على قرابة ‪ 150‬كيلوا‬
‫مترا شمال شرقي مكة‪ ،‬فلما انتهى إليه عمرو قال له السادن‪:‬‬
‫ما تريد؟ قال‪ :‬أمرني رسول الله ‪‬أن أهدمه قال‪ :‬ل تقدر على‬
‫ذلك قال‪ :‬لم ؟ قال ُتمنع قال‪ :‬حتى الن أنت على الباطل؟‬
‫ويحك فهل يسمع أو يبصر؟ ثم دنا فكسره‪ ،‬وأمر أصحابه فهدموا‬
‫بيت خزانته فلم يجدوا فيه شيًئا‪ ،‬ثم قال للسادن‪ :‬كيف رأيت؟‬
‫قال‪ :‬أسلمت لله‪. 2 !!.‬‬

‫‪3‬ي وفي الشهر نفسه بعث ‪ ‬القائد سعد بن زيد بن الشهلي‬


‫سا إلى الصنم مناة وكانت بالمشلل عند قديد‬ ‫في عشرين فار ً‬
‫للوس والخزرج وغسان وغيرهم‪ ،‬فلما انتهى سعد إليها قال له‬
‫‪3‬‬
‫سادنها‪ :‬ما تريد؟ قال‪ :‬هدم مناة‪ ،‬قال‪ :‬أنت وذاك‬

‫أرأيت كيف تحول حال هؤلء الصحابة من أناس يقدسون الصنام‬


‫والوثان إلى رجال موحدين‪ ،‬وقادة فاتحين‪ ،‬وعلماء‬
‫ومفكرين ‪ ..‬؟ !‬

‫وهكذا كان النبي كما وصفه جورج حنا بإنه " كان ثائًرا‪ ،‬عندما‬
‫أبى أن يماشي أهل الصحراء في عبادة الصنام وفي عاداتهم‬
‫الهمجية وفي مجتمعهم البربري‪ .‬فأضرمها حرًبا ل هوادة فيها‬
‫على جاهلية المشركين وأسيادهم وآلهتهم‪ .‬فكفره قومه‬
‫واضطهدوه وأضمروا له الموت‪ .‬فهاجر تحت جنح الليل مع نفر‬
‫من أتباعه‪ ،‬وما تخلى عن النضال في نشر دعوته‪ ،‬وما أحجم عن‬
‫تجريد السيف من أجلها‪ .‬فأخرج من جاهلية الصحراء عقيدة دينية‬
‫واجتماعية تجمع بين مئات المليين من البشر في أقطار‬
‫"‪4‬‬
‫المعمورة‬

‫وهكذا تتجلى أهم مظاهر رحمة النبي محمد ‪ ‬للعالمين‪..‬‬

‫‪ 1‬انظر ‪ :‬صفي الرحمن المباركفوري ‪ :‬الرحيق المختوم ‪.471 ،‬‬


‫‪ 2‬انظر ‪ :‬المصدر السابق‬
‫‪ 3‬انظر ‪ :‬المصدر السابق‬
‫‪ 4‬جورج حنا ‪ :‬قصة النسان ‪ ،‬ص ‪25‬‬

‫‪74‬‬
‫والتي تتمثل في كونه ‪ ‬المحرر العظم للبشر في إخراجهم من‬
‫دركات عبادة الحجارة إلى مستوى عبادة الخالق سبحانه‬
‫وتعالى ‪ ..‬وكون النسان ل يعبد مخلوقا؛ً دللة على حريته‬
‫وكرامته ‪ .‬أما عابد النار‪ ،‬وعابد الحجارة‪ ،‬وعابد البقرة‪ ،‬فل شك‬
‫أنه ل يهنىء بحياة إنسانية كريمة‪ ،‬قد قيدتهها الموروثات العقدية‬
‫الواهية ‪ .‬فكون النبي محمد ‪ ‬يجعل من جوهر رسالته أن يخرج‬
‫هؤلء البشر من هذا الحضيض إلى الحياة السلمية الشريفة؛‬
‫فذلك مظهر من مظاهر رحمته ‪ ،‬وكان هذا هو ديدنه حتى كان‬
‫له الفضل الكبر في تحويل سدنة الوثان إلى علماء‪ ،‬ودعاة‬
‫حضارة وتنوير !‬

‫المبحث الثاني‬
‫التحضر والرقي‬
‫من مظاهر رحمته ‪ ‬أنه ارتقى بالعرب إلى مستوى التحضر‬
‫فوحد صفهم وأقام لهم دولة و جعل منهم أمة‪ ،‬وصفها القرآن‬
‫بإنها خير أمة أخرجت للناس‪ ..‬إن في ذلك لرحمة ! رحمة أن‬
‫يعيش العربي في ظلل دولة مدنية‪ ،‬وأمة متحضرة‪ ،‬وفي سبيل‬
‫فكرة مستنيرة ‪ ..‬ل أن يعيش في صراعات قبلية‪ ،‬واقتتال على‬
‫الناقة والعنزة‪ ،‬في سبيل أفكار رجعية أو عصبية منتنة‪ ،‬كما كان‬
‫‪.1‬‬
‫يسميها النبي ‪ " :‬دعوها فإنها منتنة"‬
‫هذا ولم يقتصر فضل النبي ‪ ‬على تحضر العرب وحدهم ‪ ..‬بل‬
‫يمتد خيره ونوره إلى الشعوب والمم الخرى‪ ،‬خصوصا ً أوربا‪..‬‬
‫المطلب الول ‪ :‬العرب من القبيلة إلى الدولة والمة‬
‫ل‪ :‬العرب لم يعرفوا الوحدة الحضارية قبل النبي ‪‬‬ ‫أو ً‬
‫يقول المفكر اللماني رودي بارت‪: 2‬‬
‫"كان العرب يعيشون منذ قرون طويلة في بوادي وواحات شبه‬
‫دا‪ .‬حتى أتى محمد ]‪ [‬ودعاهم إلى‬ ‫الجزيرة‪ ،‬يعيثون فيها فسا ً‬
‫اليمان بإله واحد‪ ،‬خالق بارئ‪ ،‬وجمعهم في كيان واحد‬
‫متجانس"‪.3‬‬
‫ويقول رودي بارت ‪ ،‬في موضع آخر‪ ،‬مفص ً‬
‫ل‪:‬‬

‫صاِر " َفَقا َ‬


‫ل‬ ‫لْن َ‬‫ن ا َْ‬‫جل ِم ْ‬ ‫ن َر ُ‬‫جِري َ‬‫ن اْلُمَها ِ‬‫جلٌ ِم ْ‬‫‪ 1‬صحيح البخاري‪ ،‬برقم ‪ ، 4525‬قال هذه الكلمة عندما ضرب َر ُ‬
‫سّلَم –‬‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬ ‫صّلى ا ُّ‬ ‫ل‪َ -‬‬ ‫ل ا ِّ‬
‫سو ُ‬ ‫ك َر ُ‬ ‫سِمَع َذِل َ‬
‫ن !! َف َ‬ ‫جِري َ‬‫ي َيا َلْلُمَها ِ‬
‫جِر ّ‬
‫ل اْلُمَها ِ‬
‫صاِر !! َوَقا َ‬‫ي ‪َ :‬يا لل ْن َ‬ ‫صاِر ّ‬
‫لْن َ‬
‫ا َْ‬
‫ل‪":‬‬ ‫صاِر ‪َ .‬فَقا َ‬‫لْن َ‬ ‫ن ا َْ‬
‫ل ِم ْ‬‫جً‬ ‫ن َر ُ‬‫جِري َ‬‫ل ِمنْ اْلُمَها ِ‬ ‫جٌ‬‫سَع َر ُ‬‫ل ‪َ:‬ك َ‬
‫ل ا ِّ‬‫سو َ‬ ‫جاِهِلّيِة !!" َقاُلوا‪َ :‬يا َر ُ‬
‫عَوى اْل َ‬
‫ل َد ْ‬
‫ل‪َ ":‬ما َبا ُ‬
‫َفَقا َ‬
‫عوَها َفِإّنَها ُمْنِتَنٌة" يعني العصبية والتفاخر بالقبائل ‪.‬‬ ‫َد ُ‬
‫‪ 2‬مفكر وباحث ألماني‪ ،‬عكف على الدراسات الشرقية في جامعة هايدلبرج‪ ،‬وكرس حياته لدراسة السلم‪،‬‬
‫وصنف عدًدا كبيًرا من الكتب والبحاث‪ ،‬منها ترجمته للقرآن الكريم ‪ ،‬التي أصدرها في عامي ‪ 1964‬و‬
‫‪ ،1965‬وله كتاب عن النبي محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ 3‬رودي بارت ‪ :‬الدراسات العربية والسلمية في الجامعات اللمانية ‪ ،‬ص ‪.20‬‬

‫‪75‬‬
‫"جاء محمد بن عبد الله ]‪ ،[‬النبي العربي وخاتمة النبيين‪ ،‬يبشر‬
‫العرب والناس أجمعين‪ ،‬بدين جديد‪ ،‬ويدعو للقول بالله الواحد‬
‫الحد‪ ،‬كانت الشريعة ]في دعوته[ ل تختلف عن العقيدة أو‬
‫اليمان‪ ،‬وتتمتع مثلها بسلطة إلهية ملزمة‪ ،‬تضبط ليس المور‬
‫ضا المور الدنيوية‪ ،‬فتفرض على المسلم‬ ‫الدينية فحسب‪ ،‬بل أي ً‬
‫الزكاة‪ ،‬والجهاد ضد المشركين‪ ..‬ونشر الدين الحنيف‪ ..‬وعندما‬
‫قُبض النبي العربي ]‪ ،[‬عام ‪632‬م‪ ،‬كان قد انتهى من دعوته‪،‬‬
‫كما انتهى من وضع نظام اجتماعي يسمو كثيًرا فوق النظام‬
‫القبلي الذي كان عليه العرب قبل السلم‪ ،‬وصهرهم في وحدة‬
‫قوية‪ ،‬وهكذا تم للجزيرة العربية وحدة دينية متماسكة‪ ،‬لم تعرف‬
‫مثلها من قبل‪.1"..‬‬
‫ثانًيا‪ :‬جهود مضنية من النبي‪: ‬‬
‫ولقد كانت الحياة العربية قبل السلم تقوم أساسا ً على نمطية‬
‫خاصة‪ ،‬فالقبيلة هي التنظيم الجتماعي والسياسي الذي يضمم‬
‫حياة الفرد في القبيلة ‪ ،‬فكان انتماء العربي الجاهلي انتماء‬
‫قبليا ً ‪ ،‬وليس هناك أية رابطة عملية توحد القبائل وتجمعها ‪ ،‬بل‬
‫على العكس كانت القبائل متناحرة متحاربة ‪ ،‬وإذا ما قامت‬
‫أحلف قبلية ‪ ،‬فلمناصرة قبيلة على أخرى ‪ ،‬وبالتحديد كانت‬
‫القبيلة العربية تشكل وحدة سياسية مستقلة‪. . 2‬‬
‫ومن هنا كان النقلب الذي أحدثه الرسول ‪‬عميقا ً في حياة‬
‫الجزيرة العربية إذ استطاع بسياسته الكفاحية التي تمليها روح‬
‫السلم أن يحول هذه الوحدات القبلية المستقلة ويرتقى بها‬
‫لتظهر في إطار المة السلمية‪.3‬‬
‫فيبين "فيليب حتي" هذا النقلب الذي أحدثه الرسول ‪‬‬
‫فيقول ‪ ":‬إذا نحن نظرنا إلى محمد ]‪ [‬من خلل العمال التي‬
‫دا الرجل والمعلم والخطيب ورجل الدولة‬ ‫حققها‪ ،‬فإن محم ً‬
‫دا من أقدر الرجال في جميع‬ ‫والمجاهد؛ يبدو لنا بكل وضوح واح ً‬
‫أحقاب التاريخ‪ .‬لقد نشر ديًنا هو السلم‪ ،‬وأسس دولة هي‬
‫الخلفة‪ ،‬ووضع أساس حضارة هي الحضارة العربية السلمية‪،‬‬
‫وأقام أمة هي المة العربية‪ .‬وهو ل يزال إلى اليوم قوة حية‬
‫فعالة في حياة المليين من البشر"‪.. 4‬‬
‫وعن ضخامة هذا الجهد العظيم الذي بذله النبي ‪‬لحداث هذا‬
‫التحول في المجتمع العربي الجاهلي ‪ ،‬يقول إميل درمنغم ‪" :‬إن‬
‫‪ 1‬رودي بارت ‪ :‬الدراسات العربية والسلمية في الجامعات اللمانية ‪ ،‬ص ‪.20‬‬
‫‪ 2‬انظر للباحث ‪ " :‬دور النبي صلى ال عليه وسلم في تحضر العرب"‪ ،‬المقالة الفائزة بمسابقة " انصر نبيك وكن‬
‫داعيًا " من الموقع السلمي " اللوكة " ‪ ..‬فرع المقالة الصحفية‪2006 -‬‬
‫‪ 3‬انظر‪ :‬محمد شريف الشيباني ‪ :‬الرسول في الدراسات الستشراقة المنصفة‪ ،‬ص ‪ 68‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ 4‬فيليب حتى ‪:‬السلم منهج حياة ‪ ،‬ص ‪.56‬‬

‫‪76‬‬
‫النبي ]‪ [‬لم يعرف الراحة ول السكون بعد أن أوحي إليه في‬
‫غار حراء‪ ،‬فقضى حياة يعجب النسان بها‪ ،‬والحق أن عشرين‬
‫سنة كفت لعداد ما يقلب الدنيا‪ ،‬فقد نبتت في رمال الحجاز‬
‫الجديبة حبة سوف تجدد‪ ،‬عما قليل‪ ،‬بلد العرب وتمتد أغصانها‬
‫إلى بلد الهند والمحيط الطلنطي‪ .‬وليس لدينا ما نعرف به أن‬
‫دا ]‪ [‬أبصر‪ ،‬حين أفاض من جبل عرفات‪ ،1‬مستقبل أمته‬ ‫محم ً‬
‫وانتشار دينه‪ ،‬وأنه أحس ببصيرته أن العرب الذين أّلف بينهم‬
‫سيخرجون من جزيرتهم لفتح بلد فارس والشام وأفريقية‬
‫وإسبانية"‪. 2‬‬
‫ويبين آرنولد توينبي‪ 3‬أن النبي قد كّرس حياته لتحقيق رسالته في‬
‫كفاليية مظهرييين أساسيييين فييي الييبيئة الجتماعييية العربييية؛ همييا‬
‫الوحدانية في الفكرة الدينية‪ ،‬والقانون والنظام في الحكم‪" .‬وتييم‬
‫ذلك فعل ً بفضل نظام السلم الشييامل الييذي ضييم بييين ظهرانيييه‬
‫الوحدانية والسلطة التنفيذيية مًعيا‪ ..‬فغيدت للسيلم بفضيل ذليك‬
‫قوة دافعة جبارة لم تقتصر على كفالة احتياجات العييرب ونقلهييم‬
‫من أمة جهالة إلى أمة متحضرة‪ ..‬بييل تييدفق السييلم ميين حييدود‬
‫شبه الجزيرة‪ ،‬واستولى على العالم السوري بأسره من سييواحل‬
‫الطالسي إلى شواطئ السهب الوراسي "‪.4‬‬
‫ثالًثا‪ :‬تميز فكرة المة السلمية‬
‫وينيياقش المستشييرق الفرنسييي مارسيييل بييوازار فكييرة " الميية‬
‫السلمية " ومغايرتها المفهوم الغربي‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫"ليس لفكرة المة السلمية مقابل في فكر الغرب ول في‬
‫جمع من المؤمنين‬ ‫تجربته التاريخية‪ .‬فالجماعة السلمية‪ ،‬وهى ت ّ‬
‫يؤلف بينهم رباط سياسي وديني في آن واحد‪ ،‬ويتمحورون حول‬
‫كلم الله القدسي‪ ...‬و الفرد يندمج في السلم بالجماعة المؤمنة‬
‫بالتساوي عن طريق شهادته‪ ،‬الفردية واستبطان إرادته وصفاته‬
‫الخاصة كمؤمن‪ ،‬فالنية المعلنة والجهر بالكلم شرطان من‬
‫شروط النتماء إلى المجتمع ‪ .‬وبصورة تلزمية يحدد المتثال‬
‫لمشيئة الله البنية الجتماعية ‪ .‬وهكذا تكون النظم التأسيسية‬
‫للجماعة مشروطة بالعبادة الواجبة عليها نحو الله "‪.5‬‬

‫‪ 1‬يقصد حجة الوداع‪ ،‬في اليوم التاسع من ذي الحجة‪ ،‬في العام العاشر من الهجرة )‪6‬مارس ‪ 632‬م(‬
‫‪ 2‬إميل درمنغم ‪:‬حياة محمد‬
‫‪ 3‬آرنولد توينبي ‪ :‬المؤرخ البريطاني‪ ،‬الذي انصبت معظم دراساته على تاريخ الحضارات‪ ،‬وكان أبرزها مؤلفه‬
‫الشهير )دراسة للتاريخ( الذي شرع يعمل فيه منذ عام ‪ 1921‬وانتهى منه عام ‪ ،1961‬وهو يتكون من اثني عشر‬
‫جزًءا عرض فيها توينبي لرؤيته الحضارية للتاريخ‪.‬‬
‫‪ 4‬سومر فيل‪ ،‬وإشراف‪ :‬آرنولد توينبي ‪ :‬مختصر دراسة للتاريخ ‪381 / 10‬‬
‫‪ 5‬مارسيل بوزار ‪ :‬إنسانية السلمية ‪ ،‬ص ‪.183-182‬‬

‫‪77‬‬
‫ذا ليس لفكرة المة السلمية ما ينافسها في تجارب الغرب‬ ‫إ ً‬
‫على مدار تارخيه‪..‬‬
‫فتاريخ الغرب عبارة عن مجموعة إمبراطوريات متتابعة قائمة‬
‫على الطبقية والعرق واللون‪..‬‬
‫ولم تقم لهم حضارة في تاريخهم تقوم على أساس الرباط‬
‫اليماني‪ ،‬اللهم إل حضارة السلم! ‪.‬‬
‫ولم يحدث أن دولة من دول الغرب في عصور الظلم‪ ،‬أن سوت‬
‫بين أفراد الشعب في المعاملة وتوزيع الثروة والسلطة‪ ،‬اللهم إل‬
‫دولة السلم !‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬إشادة العلماء الغربيين بجهود النبي‬


‫‪‬‬
‫هييذا‪ ،‬ولقييد أثييار موضييوع فضييل الرسييول محمييد ‪‬علييى تحضيير‬
‫العرب‪ ،‬اهتمام علماء الغرب وغيرهييم‪ ،‬فهييو الييذي وحييد الجزيييرة‬
‫العربية أول مرة في التاريخ في ظل حكم إسييلمي ‪ ،‬متنييور نقييل‬
‫العييرب ميين الجاهلييية إلييى الحضييارة والمدنييية‪ ..‬يقييول البيياحث‬
‫الروسي آرلونوف‪:‬‬
‫"فييي شييبه جزيييرة العييرب المجيياورة لفلسييطين ظهييرت ديانيية‬
‫‪1‬‬
‫أساسها العتراف بوحدانية الله ‪ ،‬وهذه الديانة تعرف بالمحمدييية‬
‫أو كما يسميها أتباعها السلم‪ ،‬وقد انتشرت هذه الديانيية انتشييارا ً‬
‫سريعًا‪ ،‬و مؤسس هذه الديانة هو العربي محمد ]‪ ،[‬وقد قضييى‬
‫على عادات قومه الوثنييية‪ ،‬ووحييد قبييائل العييرب‪ ،‬وأثييار أفكييارهم‬
‫وأبصارهم بمعرفة اللييه الواحييد‪ ،‬وهييذب أخلقهييم ولييين طبيياعهم‬
‫وقلوبهم وجعلها مسييتعدة‪ ،‬للرقييي والتقييدم‪ ،‬ومنعهييم ميين سييفك‬
‫الدماء ووأد البنات‪ ،‬وهذه العمال العظيمة التي قييام بهييا محمييد]‬
‫‪ [‬تدل على أنه من المصييلحين العظييام‪ ،‬وعلييى أن فييي نفسييه‬
‫قوة فوق قوة البشر‪ ،‬فكان ذا فكر نير ‪ ،‬وبصيرة وقيادة "‪. 2‬‬
‫وهكذا فإن فضل الرسول ‪ ‬على العرب ل حييد لييه‪ ،‬إذ أخرجهييم‬
‫من الجاهلية إلى نور السلم‪.‬‬
‫ويضيف "هنري سيرويا"‪ 3‬أن "محمدا ً ]‪ [‬لم يغرس في نفوس‬
‫‪4‬‬
‫ضا المدنية والدب"‬ ‫العراب مبدأ التوحيد فقط‪ ،‬بل غرس فيها أي ً‬
‫‪.‬‬
‫‪ 1‬خطأ ! بل السلم‪ ،‬أما مصطلح المحمدية‪ ،‬فيستخدمه المعادون للسلم عى أساس أنه دين من اختلق محمد‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫‪ 2‬آرلونوف ‪ :‬مقالة "النبي محمد " ‪ ،‬مجلة الثقافة الروسية ‪ ،‬ج ‪ ، 7‬عدد ‪9‬‬
‫‪ 3‬مستشرق فرنسي‪ ،‬من آثاره‪) :‬موسى بن ميمون‪ :‬ترجمته وآثاره وفلسفته( )‪) ،(1921‬الصوفية والمسيحية‬
‫واليهودية(‪) ،‬فلسفة الفكر السلمي(‪.‬‬
‫‪ 4‬هنري سيرويا ‪ :‬فلسفة الفكر السلمي ‪ ،‬ص ‪8‬‬

‫‪78‬‬
‫ويتحدث الباحث المريكي "جييورج دي تولييدز") ‪(1897-1815‬ي ‪،‬‬
‫عن فضل الرسول ‪‬على العرب حين نقلهم من الهمجييية إلييى‬
‫المدنية‪ ،‬وعن دور الرسالة في تبديل أخلق عرب الجاهلية ‪ ،‬حين‬
‫عمر ضياء الحق واليمان قلوبهم ‪ ،‬فيقول ‪:‬‬
‫" إن من الظلم الفادح أن نغمط حق محمد ]‪ ،[‬و العرب علييى‬
‫ما علمناهم من التوحش قبل بعثته‪ ،‬ثيم كييف تبيدلت الحالية بعيد‬
‫إعلن نبوته ‪ ،‬وما أورته الديانيية السييلمية ميين النييور فييي قلييوب‬
‫المليين من الذين اعتنقوها بكل شييوق وإعجيياب ميين الفضييائل ‪،‬‬
‫لذا فإن الشك في بعثة محمد]‪[‬إنما هو شك في القدرة اللهييية‬
‫التي تشمل الكائنات جمعاء"‪.1‬‬
‫ويؤكد ذلك القس السابق د ُّراني‪ 2‬بقوله‪:‬‬
‫"‪ ..‬وأخيرا ً أخذت أدرس حياة النبي محمد ]‪ [‬فأيقنت أن من‬
‫أعظم الثام أن نتنكر لذلك الرجل الرباني الذي أقام مملكة لله‬
‫بين أقوام كانوا من قبل متحاربين ل يحكمهم قانون‪ ،‬يعبدون‬
‫الوثن‪ ،‬ويقترفون كل الفعال المشينة‪ ،‬فغير طرق تفكيرهم‪ ،‬ل‬
‫بل بدل عاداتهم وأخلقهم‪ ،‬وجمعهم تحت راية واحدة وقانون‬
‫واحد ودين واحد وثقافة واحدة وحضارة واحدة وحكومة واحدة‪،‬‬
‫دا يستحق‬ ‫وأصبحت تلك المة‪ ،‬التي لم تنجب رجل ً عظي ً‬
‫ما واح ً‬
‫الذكر منذ عدة قرون‪ ،‬أصبحت تحت تأثيره وهديه تنجب ألوًفا من‬
‫النفوس الكريمة التي انطلقت إلى أقصى أرجاء المعمورة تدعو‬
‫إلى مبادئ السلم وأخلقه ونظام الحياة السلمية وتعلم الناس‬
‫أمور الدين الجديد"‪.3‬‬

‫كان فضل النبي ‪ ‬في تحضيير العييرب ميين العمييق وُبعييد الثيير ل‬
‫يحصره زمان أو يحده مكان‪ ،‬يقول البيياحث قسييطاكي حمصييي )‬
‫‪: (1941-1858‬‬
‫"إذا كان سيد قريش نبي المسلمين ومؤسس دينهييم‪ ،‬فهييو أيضييا‬
‫نبي العرب ومؤسس جييامعتهم القومييية‪ ،‬وكمييا أنييه ميين الحمييق‬
‫والمكابرة أن ننكر أن ما لسيد قريش من بعيييد الثيير فييي توحيييد‬
‫اللهجات العربية ‪ ،‬وقتل العصبيات الفرعييية فييي نفييوس القبييائل‪،‬‬
‫بعد أن أنهكها القتال في الصييحراء ‪ ،‬و تنيياحر ملوكهييا فييي الشييام‬
‫والعييراق تنيياحرا ً أطييال أمييد الحماييية الرومانييية والفارسييية فييي‬

‫‪ 1‬انظر ‪ :‬محمد شريف الشيباني‪ :‬الرسول في الدراسات الستشراقية المنصفة‪182 ،‬‬


‫‪ 2‬سليل أسرة مسلمة منذ القدم‪ ،‬أصبح نصرانًيا في فترة مبكرة من حياته وتحت تأثير إحدى المدارس التبشيرية‬
‫سا منذ عام ‪ 1939‬وحتى عام ‪ ، 1963‬ثم‬ ‫حا من حياته في كنيسة إنكلترا‪ ،‬حيث عمل قسي ً‬‫المسيحية‪ ،‬وقضى رد ً‬
‫عاد إلى دين السلم‪.‬‬
‫‪ 3‬عرفات كامل العشي ‪:‬رجال ونساء أسلموا‪29 – 28 / 4 ،‬‬

‫‪79‬‬
‫البلدين الشقيقين حتى الفتح السلمي‪ .‬فمن الخطييأ أن ننكيير مييا‬
‫للرسول العربي الكريم ]‪ [‬وخلفائه من يد علييى الشييرق ! ‪...‬‬
‫والمنافحة لتحرييير الشييرق ميين رق الرومييان وأسيير الفييرس ‪.‬إن‬
‫سيد قريش هو المنقذ الكبر للعرب من فوضى الجاهلية‪ ،‬وواضييع‬
‫حجيير الزاوييية فييي صييرح نهضييتهم الجبييارة المتأصييلة فييي تربيية‬
‫الخلود !! "‪.1‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬فضل النبي في تحضر العالم‬
‫ويبين المستر سنكس أن لمحمد‪ ‬الفضل الكبر ليس فقط‬
‫في رقي العرب بل في رقي العالم كله حتى اليوم ‪ ،‬فيقول‬
‫سنكس ‪:‬‬
‫" ظهر محمد ]‪[‬بعد المسيح بخمسمائة وسبعين سنة‪،‬‬
‫وكانت وظيفته ترقية عقول البشر‪ ،‬بإشرابها الصول الولية‬
‫للخلق الفاضلة‪ ،‬وبإرجاعها إلى العتقاد بإله واحد‪ ،‬وبحياة بعد‬
‫هذه الحياة ‪ " ....‬إلى أن قال‪:‬‬
‫إن الفكرة الدينية السلمية‪ ،‬أحدثت رقيا ً كبيرا ً جدا ً في‬
‫العالم‪ ،‬وخّلصت العقل النساني من قيوده الثقيلة التي كانت‬
‫تأسره حول الهياكل بين يدي الكهان‪ .‬ولقد توصل محمد ]‪[‬‬
‫بمحوه كل صورة في المعابد وإبطاله كل تمثيل لذات الخالق‬
‫المطلق ‪ ،‬إلى تخليص الفكر النساني من عقيدة التجسيد‬
‫الغليظة"‪. .2‬‬

‫أما المفكر " برتلي سانت هيلر " فيبين أن فضل النبي محمد ‪‬‬
‫‪ ،‬يمتد إلى كل شعوب العالم‪ ،‬بقوله ‪:‬‬
‫"وقد كان دينه ]‪ [‬الذي دعا الناس إلييى اعتقيياده‪ ،‬جزيييل النعييم‬
‫على جميع الشعوب التي اعتنقته"‪.3‬‬
‫أما الكاتب الفرنسي موريس بوكاي فيخص أوربا والغرب ‪ ،‬على‬
‫أساس أن الشعوب الغربية هم أكثر الشعوب إستفادة من‬
‫حضارة السلم‪ ،‬فيقول بوكاي‪" :‬إن السلم ينظر إلى العلم‬
‫والدين كتوءمين‪ ،‬وأن تهذيب العلم كان جزءا ً من التوجيهات‬
‫الدينية منذ البداية‪ ،‬وأن تطبيق هذه القاعدة أدى إلى التقدم‬
‫العلمي العجيب في عصر الحضارة السلمية العظمى‪ ،‬التي‬
‫استفاد منها الغرب قبل نهضته"‪. 4‬‬

‫‪ 1‬قسطاكي حمصي ‪ :‬مجلة الفتح القاهرية‪ ،‬عام ‪ ،1930‬نق ً‬


‫ل عن ‪ :‬محمد شريف الشيباني‪183 ،‬‬
‫‪ 2‬انظر‪ :‬آن بيزينت‪ :‬حياة وتعاليم محمد ‪ ،‬ص ‪.5‬‬
‫‪ 3‬انظر ‪ :‬محمد شريف الشيباني‪ ،‬الرسول في الدراسات الستشراقية المنصفة‪ ،‬ص ‪.204‬‬
‫‪ 4‬موريس بوكاي ‪ :‬التوراة والنجيل والقرآن والعلم‪ ،‬ص ‪14‬‬

‫‪80‬‬
‫ويؤيده العلمة " سان سيمون " في كتابه " علم النسان "‬
‫بقوله‪:‬‬
‫" إن الدارس لبنيات الحضارات النسانية المختلفة ‪ ،‬ل يمكنه أن‬
‫يتنكر للدور الحضاري الخلق الذي لعبه العرب والمسلمون في‬
‫‪1‬‬
‫‪.‬‬ ‫بناء النهضة العلمية لوربا الحديثة "‬
‫ويقارن "كويليام " حال العالم بعد عهد محمد ‪ r‬وبين عصر‬
‫الجاهلية فيقول ‪" :‬لما شرف محمد ‪ r‬ساحة عالم الشهود‬
‫بوجوده الذي هو الواسطة العظمى والوسيلة الكبرى إلى اعتلء‬
‫النوع النساني وترقّيه في درجات المدنية‪ ،‬أكمل ما يحتاجه‬
‫البشر من اللوازم الضرورية على نهج مشروع وأوصل الخلق إلى‬
‫أقصى مراتب السعادة بسرعة خارقة‪ .‬ومن نظر بعين البصيرة‬
‫في حال النام قبله ‪ r‬وما كانوا عليه من الضللة‪ ..‬ونظر في‬
‫حالهم بعد ذلك وما حصل لهم في عصره من الترّقي العظيم‬
‫ما كما بين الثريا والثرى"‪.2‬‬‫رأى بين الحالين فرًقا عظي ً‬
‫و"‪ ..‬امتدت أنوار المدنية بعد محمد ]‪ [r‬في قليل من الزمان‬
‫ساطعة في أقطار الرض من المشرق إلى المغرب حتى إن‬
‫وصول أتباعه في ذلك الزمن اليسير إلى تلك المرتبة العلية من‬
‫المدنية قد حّير عقول أولي اللباب‪ .‬وما السبب في ذلك إل كون‬
‫أوامره ونواهيه موافقة لموجب العقل ومطابقة لمقتضى‬
‫الحكمة"‪.3‬‬
‫ويبين المستشرق المريكيي "إدوارد رمسيي" أن السيلم منييح"‬
‫المدنية والحضارة قوة جديدة وشييجع العييالم علييى درس العلييوم‬
‫ه‪ ،‬وهكييذا خييرج إلييى الييدنيا فلسييفة وخطبيياء وأطبيياء‬
‫باتساٍع متنا ٍ‬
‫ومؤرخييون يفخيير بهييم السييلم أمثييال‪ :‬أبييي عثمييان – الجيياحظ –‬
‫والبيروني والطبري وابن سينا وابيين رشييد والفييارابي وابيين بيياجه‬
‫والغزالييي وغيرهييم‪ ..‬والمسييلمون بل نييزاع هييم مخييترعو علييم‬
‫الكيمياء ومؤسسيوه‪ ،‬أميا عليم الطيب والصييدلة فقيد حسينوهما‬
‫تحسينا ً عظيمًا‪ ،‬وبواسييطة المسييلمين تقييدم علييم الفلييك سييريعا ً‬
‫حييتى الطيييران‪ ،‬وهييم مخييترعو علييم الجييبر ومكتشييفو علييم‬
‫الطيران"‪..4‬‬
‫و" قليلون من هم على علم بما أسيهم بيه العيالم السيلمي مين‬
‫جهود متميزة في تقدم النسانية "‪. 5‬‬
‫كييل هييذا وغيييره دفييع المفكيير الفرنسييي ‪ -‬أحييد عمالقيية فلسييفة‬
‫‪ 1‬انظر ‪ :‬رشدي فكار‪ :‬نظرات إسلمية للنسان والمجتمع خلل القرن الرابع عشر الهجري ‪ ،‬ص ‪.31‬‬
‫‪ 2‬عبد ال كويليام ‪ :‬أحسن الجوبة عن سؤال أحد علماء أوروبا ‪ ،‬ص ‪.22 ، 21‬‬
‫‪ 3‬عبد ال كويليام ‪ :‬أحسن الجوبة عن سؤال أحد علماء أوروبا ‪ ،‬ص ‪.23 ، 22‬‬
‫‪ 4‬انظر ‪ :‬محمد عثمان عثمان ‪ :‬محمد في الداب العالمية المنصفة‪ ،‬ص ‪107‬‬
‫‪ 5‬هذه الجملة للمؤرخ ‪ :‬ستانورد كب ‪ :‬المسلمون في تاريخ الحضارة‪21 ،‬‬

‫‪81‬‬
‫الجتميياع‪ -‬جوسييتاف لوبييون )‪ (1931-1841‬إلييى أن يييدعو أبنيياء‬
‫عصره إلى القتييداء بمحمييد‪ ، ‬واعتنيياق دعييوته لن فيهييا صييلح‬
‫المجتمعات النسانية ‪ ،‬فيقول في كتابه "الحضارة السلمية" ‪:‬‬

‫"أنني ل أدعو إلى بدعة محدثة ‪ ،‬ول إلى ضللة مسييتهجنة ‪ ،‬بييل‬
‫إلى دين عربي قد أوحاه الله إلى نبيه محمييد‪ ،‬فكييان أمين يا ً علييى‬
‫بث دعوته بين قبييائل تلهييت بعبييادة الحجييار والصيينام ‪ ،‬وتلييذذت‬
‫بترهات الجاهلية ‪ ،‬فجمع صفوفهم بعد أن كييانت مبعييثرة ‪ ،‬ووحييد‬
‫كلمتم بعد أن كييانت متفرقيية ‪ ،‬ووجييه أنظييارهم لعبييادة الخييالق ‪،‬‬
‫فكان خير البرية على الطلق حبا ً ونسبا ً وزعامة ونبوة ‪ ،‬هييذا هييو‬
‫محمد الذي اعتنق شريعته أربعمئة مليون مسلم ‪ ،‬منتشيرين فيي‬
‫أنحاء المعمورة ‪ ،‬يرتلون قرآنا ً عربيا ً مبينا ً "‪.‬‬
‫"فرسول كهذا جدير باتباع رسالته ‪ ،‬والمبادرة إلى اعتناق‬
‫دعوته ‪ ،‬إذ أنها دعوة شريفة ‪ ،‬قوامها معرفة الخالق ‪ ،‬والحض‬
‫على الخير والردع عن المنكر ‪ ،‬بل كل ما جاء فيها ما يرمي إلى‬
‫الصلح والصلح ‪ ،‬والصلح أنشودة المؤمن ‪ ،‬وهو الذي أدعو إليه‬
‫‪1‬‬
‫جميع النصارى"‬

‫المبحث الثالث‬
‫التسامح الديني‬
‫إن التسامح الديني‪ -‬بين الطوائف والجماعات والدول ‪ -‬الذي‬
‫تبناه النبي ‪ r‬يعد من أهم مظاهر رحمته ‪ ..r‬وقد كان ‪ r‬نموذ ً‬
‫جا‬
‫فذا في التسامح الديني ‪ .‬فالنبي ‪r‬لم ُيكره اليهود و ل النصارى‬
‫على قبول دينه‪ ،‬لنهم أهل الكتاب‪ .‬بل أمر النبي ‪ r‬بإكرام علماء‬
‫أهل الكتاب كالبطاركة والرهبان وخدمهم وحرم ‪ r‬قتل الرهبان ‪-‬‬
‫على الخصوص ‪ -‬حتى في حال الحرب‪.‬‬
‫المطلب الول ‪" :‬محمد]‪[‬الحاكم المتسامح الحكيم‬
‫المشرع"‪:2‬‬
‫التسامح عند سيدنا محمد ‪ ‬كما يقول الباحث الفرنسي‬
‫مارسيل بوازار "هو واجب ديني وأمر شرعي"‪.3‬‬
‫ويقول الفيلسوف اللماني الشهير "غوته" في كتابه )أخلق‬
‫المسلمين وعاداتهم(‪" :‬ول شك أن التسامح الكبر أمام اعتداء‬
‫أصحاب الديانات الخرى‪ ،‬وأمام إرهاصات وتخريفات اللدينيين‪،‬‬

‫‪ 1‬جوستاف لوبون ‪ :‬الحضارة السلمية ‪ ،‬ص ‪.67‬‬


‫‪ 2‬هذه الجملة للباحث الفرنسي‪ :‬مكسيم رودنسن‪ ،‬انظر‪ :‬عماد الدين خليل‪ :‬قالوا عن السلم ص ‪112‬‬
‫‪ 3‬مارسيل بوزار ‪ :‬إنسانية السلم ‪ ،‬ص ‪183‬‬

‫‪82‬‬
‫التسامح بمعناه اللهي‪ ،‬غرسه رسول السلم]‪ [‬في نفوس‬
‫المسلمين‪ ،‬فقد كان محمد ]‪ [‬المتسامح الكبر‪ ،‬ولم يتخذ‬
‫رسول السلم]‪ [‬موقفا ً صعبا ً ضد كل الذين كانوا يعتدون عليه‬
‫بالسب أو بمد اليدي أو بعرقلة الطريق وما شابه ذلك‪ ،‬فقد كان‬
‫متسامحًا؛ فتبعه أصحابه وتبعه المسلمون‪ ،‬وكانت وما زالت صفة‬
‫التسامح هي إحدى المميزات والسمات الراقية للدين السلمي‪،‬‬
‫وللحق أقول‪ :‬إن تسامح المسلم ليس من ضعف؛ ولكن المسلم‬
‫يتسامح مع اعتزازه بدينه‪ ،‬وتمسكه بعقيدته"‪.. 1‬‬
‫وتتحدث لورافيشيا فاغليري عن مظهر التسامح الديني عند النبي‬
‫‪ ،r‬فتقول‪:‬‬
‫ما بالمبادئ اللهية شديد التسامح‪،‬‬ ‫"كان محمد ]‪ [r‬المتمسك دائ ً‬
‫وبخاصة نحو أتباع الديان الموحدة‪ .‬لقد عرف كيف يتذرع بالصبر‬
‫دا منه بأن الزمن سوف‬ ‫ما اعتقا ً‬
‫مع الوثنيين‪ ،‬مصطنًعا الناة دائ ً‬
‫يتم عمله الهادف إلى هدايتهم وإخراجهم من الظلم إلى النور‪..‬‬
‫دا أن الله لبد أن يدخل آخر المر إلى القلب‬ ‫لقد عرف جي ً‬
‫‪2‬‬
‫البشري"‬
‫إن سياسة التسامح الديني التي انتهجها محمد ‪ r‬تجاه أصحاب‬
‫الديانات الخرى حظيت باحترام وتقدير المفكرين الغرب فعقدوا‬
‫المقارنة بين تسامح السلم وتعصب الصليبيين‪ ..‬يقول القس‬
‫اللماني ميشون ‪:‬‬
‫"إن السلم الذي أمر بالجهاد متسامح نحو أتباع الديان الخرى ‪،‬‬
‫وهو الذي أعفى البطاركة والرهبان وخدمهم من الضرائب وحييرم‬
‫قتل الرهبان ‪-‬على الخصوص ‪ -‬لعكوفهم على العبادات ولم يمس‬
‫عمر بن الخطاب النصييارى بسييوء حييين فتييح القييدس ‪..‬وقييد ذبييح‬
‫الصليبيون المسلمين و حرقوا اليهود عندما دخلوها "‪.3‬‬
‫ويضيف الكاتب نفسه في موضع آخر ‪ ،‬متحدثا ً عن تاريخ العلقات‬
‫السلمية المسيييحية ‪ ،‬وكيييف أن المسيييحيين تعلمييوا الكييثير ميين‬
‫المسلمين في التسامح وحسن المعاملة ‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫"وإنه لميين المحييزن أن يتلقييى المسيييحيون عيين المسييلمين روح‬
‫التعامل وفضائل حسن المعامليية ‪ ،‬وهمييا أقييدس قواعييد الرحميية‬
‫والحسان عند الشييعوب والمييم‪ ،‬كييل ذلييك بفضييل تعيياليم نييبيهم‬
‫محمد]‪.4"[r‬‬
‫جا‪:‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬دستور المدينة نموذ ً‬
‫‪ 1‬انظر‪ :‬محمد عثمان عثمان ‪ :‬محمد في الداب العالمية المنصفة‪ ،‬ص ‪.20‬‬
‫‪ 2‬لورافيشيا فاغليري ‪ :‬دفاع عن السلم ‪ ،‬ص ‪.73‬‬
‫‪ 3‬ميشون ‪ :‬تاريخ الحروب الصليبية‪ ،‬نقل عن عفيف عبد الفتاح طبارة‪ ،‬ص ‪383‬‬
‫‪ 4‬ميشون ‪ :‬سياحة دينية في الشرق ‪ ،‬ص ‪.31‬‬

‫‪83‬‬
‫لقد كان التعييايش بييين مختلييف الطييوائف والفصييائل فييي الدوليية‬
‫السلمية الولى هو أحد أهداف الدستور السييلمي الييذي وضييعه‬
‫النبي ‪ ‬عقب هجرته إلى المدينة ‪ ،‬والذي ضمن تنظيم العلقات‬
‫ما بين المسلمين من جهة ‪ ،‬وأصحاب الديانات الخييرى ميين جهيية‬
‫أخييرى ‪ ،‬فييي إطييار ميين التسييامح الييديني والحرييية الدينييية فييي‬
‫ممارسة الشعائر‪ ،‬ويقول في ذلك "كونستانس جيورجيو" ‪:1‬‬
‫"وقيد حيوى هيذا الدسيتور اثنيين وخمسيين بنيدا ً ‪ ،‬كلهيا مين رأي‬
‫رسول الله]‪ . [r‬خمسة وعشرون منهييا خاصيية بييأمور المسييلمين‬
‫وسييبعة وعشييرون مرتبطيية بالعلقيية بييين المسييلمين وأصييحاب‬
‫الديان الخرى ‪ ،‬ولسيييما اليهيود وعبييدة الوثييان ‪ .‬وقيد دون هيذا‬
‫الدسييتور بشييكل يسييمح لصييحاب الديييان الخييرى بييالعيش مييع‬
‫المسلمين بحرييية ‪ ،‬ولهييم أن يقيمييوا شييعاثرهم حسييب رغبتهييم ‪،‬‬
‫ومن غير أن يتضايق أحد الفرقاء ‪ .‬وضع هذا الدستور فييي السيينة‬
‫الولى للهجرة‪ ،‬أى عام ‪623‬م ‪ .‬ولكن في حال مهاجمة المدينيية‬
‫من قبل عدو عليهم أن يتحدوا لمجابهته وطرده "‪. 2‬‬

‫وقد نص دستور المدينة على حرييية العتقيياد وممارسيية الشييعائر‬


‫فجاء فيه ‪:‬‬
‫وجاء في هذا الصل‪:‬‬
‫"وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين‪ ،‬لليهود دينهم‪ ،‬وللمسلمين‬
‫دينهييم‪ ،‬ومييواليهم وأنفسييهم إل ميين ظلييم نفسييه وأ َِثييم فييإنه ل‬
‫يوتغ] أي ُيهلك[ إل نفسه وأهل بيته"‪. 3‬‬
‫ونص على الستقلل المالي لكل طائفة‪ ،‬فكان ميين ضييمن مييواد‬
‫دستور المدينة‪:‬‬
‫‪4‬‬
‫"وإن على اليهود نفقتهم‪ ،‬وعلى المسلمين نفقتهم"‬
‫فمع وجييوب التعيياون الميالي بيين جمييع طييوائف الدوليية ليرد أي‬
‫عدوان خارجي‪ ،‬فإن لكل طائفة استقللها المالي عن غيرها ميين‬
‫الطوائف‪.‬‬
‫كما نص الدستور على النصح والبر بين المسلمين وأهل الكتاب‪:‬‬
‫فيقول الدستور ‪:‬‬

‫‪ 1‬المستشرق والوزير الروماني كونستانس جيورجيو ) المولود عام ‪ (1916‬صاحب كتاب ‪ " :‬نظر ة جديدة في‬
‫سيرة رسول ال"‬
‫‪ 2‬كونستانس جيورجيو ‪ :‬نظرة جديدة في سيرة رسول ال ‪ ،‬ص ‪ 192‬وما بعدها‬
‫‪ 3‬ابن كثير‪ :‬السيرة النبوية ‪ ،322 /2‬ابن هشام ‪ :‬السيرة النبوية ‪503 /1‬‬
‫‪ 4‬ابن سيد الناس ‪ :‬عيون الثر ‪ 1/261‬وابن كثير‪ :‬السيرة النبوية ‪ ،322 /2‬ابن هشام ‪ :‬السيرة النبوية ‪503 /1‬‬

‫‪84‬‬
‫‪1‬‬
‫"وإن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الثم"‬
‫فالصل فيي العلقية بيين جمييع طيوائف الدولية –مهميا اختلفيت‬
‫معتقييداتهم– هييو النصييح المتبييادل‪ ،‬والنصيييحة الييتي تنفييع البلد‬
‫والعباد‪ ،‬والبر والخير والصلة بين هذه الطوائف‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬استقبال الوفود النصرانية ‪:‬‬
‫وتجلت مظاهر التسامح الديني في عهد النبي ‪ r‬عام الوفود حييين‬
‫استقبل وفودا ً نصرانية وبعث برسالة إلى أسقف نجران ‪. .‬‬
‫وميين ثييم يتحييدث "كونسييتانس جيورجيييو" عيين أوضيياع أصييحاب‬
‫الديانات السماوية في ظل الحكم السلمي فيقول‪: 2‬‬
‫" مع أن السلم عم الجزيرة كلها في السنة التاسعة فإن محمدا ً‬
‫]‪ [‬لم ُيكره اليهود و ل النصييارى علييى قبييول دينييه‪ ،‬لنهييم أهييل‬
‫الكتياب ‪ .‬و قيد جياء فيي رسيالة محميد ]‪ [‬إليى أبيي الحيارث‬
‫أسييقف نجييران أن وضييع المسيييحيين فييي الجزيييرة بعييد السييلم‬
‫تحسن كثيرًا‪ ،‬يقول في الرسالة ‪:‬‬
‫"بسم الله الرحمن الرحيم ‪ ،‬من محمد النبي‪ ،‬إلى السقف أبي‬
‫الحارث‪ ،‬وأساقفة نجران‪ ،‬وكهنتهم‪ ،‬ومن تبعهم‪ ،‬ورهبانهم ‪ :‬إن‬
‫لهم ما تحت أيديهم‪ ،‬من قليل أو كثير من بَيعهم وصلواتهم‪،‬‬
‫ورهبانيتهم‪ ،‬وجوار الله ورسوله‪ ،‬ل ُيغّير ُأسقف من ُأسقفيّته‪ ،‬ول‬
‫راهب من رهبانيته‪ ،‬ول كاهن من كهانته‪ .‬ول ُيغير حق من‬
‫حقوقهم ول سلطانهم‪ ،‬ول شيء مما كانوا عليه ‪] .‬على ذلك‬
‫دا [‪ ،‬ما نصحوا واصطلحوا فيما عليهم‪ ،‬غير‬ ‫جوار الله ورسوله أب ً‬
‫‪3‬‬
‫قلين بظلم ول ظالمين" ‪...‬‬ ‫مث َ‬
‫قا ‪:‬‬‫يقول جيورجيو معل ً‬
‫"تشير هذه الرسالة إلى أن المسيحيين ) وكذلك اليهود ( في‬
‫الجزيرة أحرار في أداء شعائرهم‪ ،‬ولن يزاحمهم من المسلمين‬
‫دم في السنة التاسعة وفد من مسيحي نجران‬ ‫مزاحم ‪ .‬وقد ق ْ‬
‫يرأسهم أبو الحارث السقف الكبر‪ ،‬وعبد المسيح السقف ‪،‬‬
‫واليهم رئيس القافلة ‪ ،‬وحين أرادوا الدخول على النبي ]‪[r‬‬
‫ارتادوا ألبستهم الدينية الرسمية الكاملة‪ ...‬وبعد أن زاروا النبي ]‬
‫‪[r‬سألوه أن يسمح لهم بأداء شعائرهم فطلب منهم أن يؤدوا‬
‫صلواتهم في مسجد المدينة‪ ،‬فدخلوا واتجهوا نحو بيت المقدس‪،‬‬
‫و تعبدوا هناك ‪ . .‬ول شك أن النبي ]‪ [r‬كان يحترم النصارى‬

‫‪ 1‬ابن سيد الناس ‪ :‬عيون الثر ‪ 1/261‬وابن كثير‪ :‬السيرة النبوية ‪ ،322 /2‬ابن هشام ‪ :‬السيرة النبوية ‪503 /1‬‬
‫‪ 2‬كونستانس جيورجيو ‪ :‬نظرة جديدة في سيرة رسول ال ‪ ،‬ص ‪.372 ،371‬‬
‫‪ 3‬انظر ‪ :‬محمد حميد ال ‪ :‬الوثائق السياسية‪،‬ص ‪ ،179‬وقد نقلنا النص الصلى‪ ،‬وليس النص المترجم عن‬
‫جيورجيو‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫احتراما ً خاصا ً ‪ ،‬لن القرآن ذكرهم وأكرمهم ‪ .‬وقد أشار الله‬
‫تعالى إلى هذه النقطة في محكم كتابه في سورة المائدة‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫داوَة ً ل ّل ّ ِ‬ ‫س عَ َ‬ ‫شد ّ الّنا ِ‬ ‫ن أَ َ‬ ‫جد َ ّ‬ ‫)الخامسة( في الية ) ‪ : ( 82‬ل َت َ ِ‬
‫مُنوا ْ‬ ‫كوا ْ ول َتجد َ‬ ‫ن أَ ْ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫موَد ّة ً ل ّل ّ ِ‬‫م ّ‬ ‫ن أقَْرب َهُ ْ‬ ‫شَر ُ َ َ ِ َ ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫مُنوا ْ ال ْي َُهود َ َوال ّ ِ‬ ‫آ َ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫م لَ‬ ‫ن وَُرهَْبانا وَأن ّهُ ْ‬ ‫سي َ‬ ‫سي ِ‬ ‫م قِ ّ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ك ب ِأ ّ‬ ‫صاَرى ذ َل ِ َ‬ ‫ن َقالوَا إ ِّنا ن َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ما‬ ‫مُعوا ْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن ‪ ،‬ويقول في الية التي بعدها ‪ :‬وَإ ِ َ‬ ‫ست َك ْب ُِرو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫َ‬ ‫ُأنزِ َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ما ع ََرُفوا ْ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫مِع ِ‬ ‫ن الد ّ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ض ِ‬ ‫في ُ‬ ‫م تَ ِ‬‫ل ت ََرى أع ْي ُن َهُ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫ل إ َِلى الّر ُ‬
‫‪1‬‬
‫ن‪] ‬المائدة ‪".. [83:‬‬ ‫دي َ‬ ‫شاه ِ ِ‬ ‫معَ ال ّ‬ ‫مّنا َفاك ْت ُب َْنا َ‬ ‫ن َرب َّنا آ َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫حقّ ي َ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ويعلق آتيين دينيه على ما فعله النبي ‪ ‬مع وفد نجران النصراني‬
‫قائل ً ‪:‬‬
‫"‪ ..‬من الحقائق التاريخية أن النبي ]‪ [‬أعطى أهل )نجران(‬
‫المسيحيين نصف مسجده ليقيموا فيه شعائرهم الدينية‪ .‬وها نحن‬
‫أول ً نرى المسلمين إذا بشروا بدينهم فإنهم ل يفعلون مثل ما‬
‫يفعل المسيحيين في الدعوى إلى دينهم‪ ،‬ول يتبعون تلك الطرق‬
‫المستغربة التي ل تتحملها النفس والتي ليحبها الذوق السليم‪.‬‬
‫وقد أنصف القس ميثون الحقيقة في كتابه )سياحة دينية في‬
‫الشرق( حيث يقول‪ :‬إنه لمن المحزن أن يتلقى المسيحيون عن‬
‫المسلمين روح التسامح وفضائل حسن المعاملة وهما أقدس‬
‫قواعد الرحمة والحسان عند الشعوب والمم"‪. 2‬‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬الحرية في العتقاد وممارسة‬
‫الشعائر ‪:‬‬
‫يقول جيمس متشنر ‪:‬‬
‫" القرآن صريح في تأييده لحرية العقيدة ‪ ،‬والدليل قوي على أن‬
‫السلم رحب بشعوب مختلفة الديان ‪ ،‬ما دام أهلها يحسنون‬
‫المعاملة ‪ ،‬وقد حرص محمد ]‪[‬على تلقين المسلمين التعاون‬
‫مع أهل الكتاب‪ ،‬أي اليهود والنصارى ‪ ،‬ولشك أن حروبا ً نشبت‬
‫بين المسلمين وغيرهم في بعض الحيان ‪ ،‬وكان سبب ذلك أن‬
‫أهل هذه الديانات الخرى أصروا على القتال‪ ،‬وقد قطع الرهبان‬
‫بأن أهل الكتاب كانوا ُيعاملون معاملة طيبة وكانوا أحرارا ً في‬
‫عبادتهم ‪ ،‬ولعل مما يقطع بصحة ذلك ‪ ،‬الكتاب الذي أرسله‬
‫البطريرك النسطوري إيشوياب الثالث إلى البطريرك سمعان ‪،‬‬
‫زميله في المجمع ‪ ،‬بعد الفتح السلمي وجاء فيه‪ ) :‬ها ! إن‬
‫العرب الذين منحهم الرب سلطة العالم وقيادة الرض أصبحوا‬
‫عندنا ‪ ،‬ومع ذلك نراهم ل يعرضون للنصرانية بسوء ‪ ،‬فهم‬

‫‪ 1‬كونستانس جيورجيو ‪ :‬نظرة جديدة في سيرة رسول ال ‪ ،‬ص ‪.372‬‬


‫‪ 2‬آتيين دينيه ‪ :‬أشعة خاصة بنور السلم ‪ ،‬ص ‪. 19 – 18‬‬

‫‪86‬‬
‫يساعدوننا ‪ ،‬ويشجعوننا على الحتفاظ بمعتقداتنا ‪ ،‬وإنهم ليجلون‬
‫الرهبان والقديسين !(‪.1" ..‬‬
‫وفي ذلك يقول روبرتسون ‪ " :‬إن المسلمين وحدهم هم الذين‬
‫جمعوا بين الجهاد والتسامح نحو اتباع الديان الخرى الذين‬
‫غلبوهم وتركوهم احرارا ً في اقامة شعائرهم الدينية "‪.2‬‬
‫وكييان لهييذا التسييامح أثييره فييي أن يصييبح الييدين السييلمي دين يا ً‬
‫عالميا ً ‪ ،‬بدءا ً من مراحله الولى أيام الرسول في جزيييرة العييرب‬
‫إلى أن عم أماكن شاسعة‪ ،‬يقول العلمة جولد تسهير ‪:‬‬
‫"سار السلم لكي يصبح قوة عالمية على سياسة بارعة ‪ ،‬ففي‬
‫العصور الولى لم يكن اعتناقه أمرا ً محتوما ً فإن المؤمنين‬
‫بمذاهب التوحيد أو الذين يستمدون شرائعهم من كتب منزلة‬
‫كاليهود والنصارى والزرادشتية كان في وسعهم متى دفعوا‬
‫] الشتراك السنوي للدولة ‪ -‬الجزية [ أن يتمتعوا بحرية الشعائر‬
‫وحماية الدولة السلمية ‪ ،‬ولم يكن واجب السلم أن ينفذ إلى‬
‫أعماق أرواحهم إنما كان يقصد إلى سيادتهم الخارجية ‪ .‬بل لقد‬
‫ذهب السلم في هذه السياسة إلى حدود بعيدة ‪ ،‬ففي الهند مثل ً‬
‫كانت الشعائر القديمة تقام في الهياكل و المعابد في ظل الحكم‬
‫السلمي ! "‪.3‬‬
‫لقد أثارت مبادئ التسييامح الييديني وحرييية العتقيياد فييي السييلم‬
‫فيما أثارته احترام المفكرين والعلماء والمستشييرقين المنصييفين‬
‫من الغرب وكذلك الكتاب والباحثين العرب النصارى‪ ،‬فقد تطييرق‬
‫"يوسف نعيم عرافة" في خطبيية ليه فيي مناسيبة المولييد النبييوي‬
‫عييام ‪1346‬هييي ‪1927‬م ‪ ،‬إلييى معاهييدة الرسييول مييع أصييحاب‬
‫الديانات الخرى ‪ ،‬لسيما المسيحيين منهم‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫" إن محمدا ]‪[r‬هو باني أساس المحبة والخاء بيننا ‪ ،‬فقد كان‬
‫يحب المسيحيين ويحميهم‪ ،‬من ذلك‪ :‬ما قام به في السنة‬
‫السادسة بعد الهجرة ‪ ،‬حيث عاهد الرهبان خاصة والمسيحيين‬
‫عامة ‪ ،‬على أن يدفع عنهم الذى ‪ ،‬ويحمي كنائسهم وعلى أن ل‬
‫يتعدى على أحد من أساقفتهم ول يجبر أحدا ً على ترك دينه ‪ ،‬وأن‬
‫ُيمدوا بالمساعدة لصلح دينهم وأديرتهم ‪ ،‬كما أن القرآن نطق‬
‫بمحبة المسيحيين للمسلمين وبمودتهم لهم ‪ ،‬وإن الية الشريفة ‪:‬‬
‫‪‬ول َتجد َ‬
‫ك‬ ‫ن َقال ُوَا ْ إ ِّنا ن َ َ‬
‫صاَرى ذ َل ِ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫مُنوا ْ ال ّ ِ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫موَد ّة ً ل ّل ّ ِ‬
‫م ّ‬‫ن أقَْرب َهُ ْ‬
‫َ َ ِ َ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن وَُرهَْبانا ً وَأن ّهُ ْ‬
‫‪4‬‬
‫ن ‪ ، ‬لتبعث على‬ ‫ست َك ْب ُِرو َ‬
‫م ل َ يَ ْ‬ ‫سي َ‬‫سي ِ‬ ‫م قِ ّ‬‫من ْهُ ْ‬
‫ن ِ‬
‫ب ِأ ّ‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬محمد أمين حسن ‪ :‬خصائص الدعوة السلمية ‪ ،‬ص ‪166‬‬


‫‪ 2‬انظر ‪ :‬شوقي أبو خليل‪ :‬السلم في قفص التهام ‪125 ،‬‬
‫‪ 3‬انظر‪ :‬محمد أبو فارس‪ :‬النظام السياسي في السلم ‪ ،‬ص ‪21‬‬
‫‪ 4‬سورة المائدة ‪:‬الية ‪ ،82‬والستشهاد للباحث النصراني يوسف نعيم عرافة‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫شد أواصر الصداقة بين الطرفين ‪ ،‬بل حتى مع الشعب‬
‫السرائيلي في أكثر الوقات ‪ ،‬إننا لنعلم أن ما أتى به الرسل‬
‫موسى وعيسى ومحمد]عليهم والصلة والسلم[ما هو إل لصلح‬
‫العالم ل لفساده وخرابه ‪ ،‬وما الكتب الثلثة المنزلة إل نور‬
‫صادر من بؤرة واحدة ينعكس نورها في ثلثة أشعة‪ ،‬كل منها‬
‫‪1‬‬
‫للبشر"‬
‫هذا ‪ ،‬ومن أهم النصوص السلمية في التسامح الديني وحرية‬
‫العتقاد ‪..‬‬
‫شد ُ‬‫ن الّر ْ‬‫ن َقد ت ّب َي ّ َ‬ ‫قول الحق تبارك وتعالى‪ :‬ل َ إ ِك َْراه َ ِفي ال ّ‬
‫دي ِ‬
‫س َ‬
‫ك‬ ‫م َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫من ِبالل ّهِ فَ َ‬
‫قد ِ ا ْ‬ ‫ت وَي ُؤ ْ ِ‬
‫غو ِ‬ ‫فْر ِبال ّ‬
‫طا ُ‬ ‫ن ي َك ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ي فَ َ‬ ‫ن ال ْغَ ّ‬
‫م َ‬‫ِ‬
‫م ‪] ‬البقرة‪[256 :‬‬ ‫ميعٌ ع َِلي ٌ‬ ‫س ِ‬
‫ه َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م لَها َوالل ُ‬ ‫صا َ‬ ‫ى ل َ ان ِ‬
‫ف َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ِبالعُْروَةِ الوُث ْ َ‬
‫ق َ‬
‫‪.‬‬
‫يقول الستاذ سيد قطب – رحمه الله ‪ -‬في ظلل هذه الية ‪" :‬‬
‫إن قضية العقيدة ‪ -‬كما جاء بها هذا الدين ‪ -‬قضية اقتناع بعد‬
‫البيان والدراك؛ وليست قضية إكراه وغصب وإجبار ‪ .‬ولقد جاء‬
‫هذا الدين يخاطب الدراك البشري بكل قواه وطاقاته ‪ .‬يخاطب‬
‫العقل المفكر ‪ ،‬والبداهة الناطقة‪ ،‬ويخاطب الوجدان المنفعل ‪،‬‬
‫كما يخاطب الفطرة المستكنة ‪ .‬يخاطب الكيان البشري كله ‪،‬‬
‫والدراك البشري بكل جوانبه؛ في غير قهر حتى بالخارقة المادية‬
‫التي قد تلجىء مشاهدها الجاء إلى الذعان ‪ ،‬ولكن وعيه ل‬
‫يتدبرها وإدراكه ل يتعقلها لنها فوق الوعي والدراك ‪ ...‬فكيف‬
‫بالمذاهب والنظم الرضية القاصرة المتعسفة وهي تفرض فرضا ً‬
‫بسلطان الدولة؛ ول يسمح لمن يخالفها بالحياة؟!"‪.2‬‬

‫المبحث الرابع‬
‫رعاية العلم والمعرفة‬

‫المطلب الول ‪ :‬بداية عصر العلم والمعرفة‪:‬‬


‫إن الحركة العلمية والثقافية التي قام بها محمد ‪ r‬متعددة‬
‫الجوانب‪ ،‬اجتماعيا ً وسياسيا ً ودينيا ً وثقافيا ً ‪ .‬لقد كان العهد‬
‫السلمي الذي بدأ مع إقامة أول دولة إسلمية بقيادته ‪ r‬في‬
‫المدينة المنورة ‪ ،‬فاتحة عهد جديد وخير للبشرية جمعاء ‪ :‬عهد‬
‫علم وثقافة ومعرفة‪.‬‬

‫‪ 1‬انظر ‪ :‬محمد شريف الشيباني ‪ :‬الرسول في الدراسات الستشراقية المنصفة ‪.110‬‬


‫‪ 2‬سيد قطب‪ :‬في ظلل القرآن‪ ،‬المجلد الول‪ ،‬تفسير الية ‪ 256‬من سورة البقرة‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫فلقد افتتح النبي محمد ‪ r‬حسب رأي العديد من علماء الشرق‬
‫والغرب عهدا ً جديدًا‪،‬وعصرا ً للنور والعلم والمعرفة ‪ ،‬فكان كفاحه‬
‫حين صدع بالدعوة السلمية ‪ ،‬لنشر رسالة الله ‪ ،‬لزالة ما تراكم‬
‫في ذلك المجتمع الجاهلي الوثني من معتقدات خرقاء ‪ ،‬وأنماط‬
‫اجتماعية سوداء ‪ . .‬وهذا ما دفع الدكتور ماركس إلى إعلن‬
‫قولته الشهيرة التي نصها‪:‬‬
‫" هذا النبي ]‪ [r‬الذي افتتح برسالته عصر العلم والنور والمعرفة‬
‫ل بد أن تدون أقواله وأفعاله على طريقة علمية خاصة ‪ ،‬وبما أن‬
‫هذه التعاليم التي قال بها]يعنى النبي محمد ‪ ،[r‬هي وحي الله‬
‫المنزل ورسالته ‪ ،‬فقد كان عليه]‪ [r‬أن يمحو ما تراكم على‬
‫الرسالت السابقة من التبديل والتحوير ‪ ،‬وما أدخله عليها الجهل‬
‫من سخافات ل يعول عليها عاقل "‪ .1‬وهذا ما فعله النبي ‪! r‬‬
‫"ومنذ عيام ‪700‬م بيدأت إشيراقة الحضيارة العربيية السيلمية‬
‫تمتد من شرقي المتوسط إلى بلد فيارس شيرقا ً وإسيبانيا غربيًا‪،‬‬
‫فأعيد اكتشاف قسم كبير من العلم القديم‪ ،‬وسييجلت اكتشييافات‬
‫جديدة في الرياضيات والكيمييياء والفيزييياء وغيرهييا ميين العلييوم‪..‬‬
‫وفي هذا المجييال كمييا فييي غيييره؛ كييان العييرب معلمييين لوربيية‪،‬‬
‫فساهموا في نهضة العلوم على هذه القارة"‪.2‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬القرأة أولي تعاليم النبي ‪: r‬‬
‫يقول نصري سلهب‪" :‬أولى اليات البّينات‪ ..‬كانت تلك الدعوة‬
‫الرائعة إلى المعرفة‪ ،‬إلى العلم عبر القراءة‪ ..‬اقَْرأ ْ ‪ ..3‬وقول‬
‫الله هذا لم يكن لمحمد ]‪ [r‬فحسب‪ ،‬بل لجميع الناس‪ ،‬ليوضح‬
‫لهم‪ ،‬منذ الخطوة الولى‪ ،‬بل منذ الكلمة الولى أن السلم جاء‬
‫يمحو الجهل وينشر العلم والمعرفة"‪. 4‬‬
‫وهذا ما يشيد به أيضا ً "واجنر"‪ ،‬حيث يقول ‪ .." :‬السلم دين‬
‫العلم‪ ،‬ويكفي أن أول آية في القرآن أنزلت على محمد ]‪[r‬هي‬
‫قوله تعالى‪ :‬اقَْرأ ْ ‪ ،‬وهذا اتجاه فريد يصعب وجوده في تاريخ‬
‫الكنائس والديان الخرى‪ .‬ولهذا تجدني وصلت من خلل‬
‫الدراسات السلمية وما قرأته في كتاب الله تعالى الذي ل يترك‬
‫صغيرة ول كبيرة إل أحصاها‪ ،‬والذي ل يأتيه الباطل من بين يديه‬
‫ول من خلفه‪ ،‬وصلت إلى ما أبغيه لنفسي من الستقرار‬
‫والمان‪..5"!!..‬‬
‫‪ 1‬انظر ‪ :‬محمد شريف الشيباني‪ :‬الرسول في الدراسات الستشراقية المنصفة ‪178 ،‬‬
‫‪ 2‬دانييل بريفولت‪ :‬نشأة النسانية‪ ،‬ص ‪84‬‬
‫ق‪ ‬سورة العلق ‪ :‬الية الولى ‪.‬‬‫خَل َ‬
‫ك اّلِذي َ‬
‫سِم َرّب َ‬
‫‪ 3‬قول ال تعالى ‪‬اْقَرْأ ِبا ْ‬
‫‪ 4‬نصري سلهب ‪ :‬لقاء المسيحية والسلم‪92 ،‬‬
‫‪ 5‬انظر‪ :‬عرفات كامل العشي‪ :‬رجال ونساء أسلموا ‪. 37 / 5‬‬

‫‪89‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬احترام العقل‪:‬‬
‫يبين "ليون"‪ 1‬أن من روائع دعوة محمد ‪ r‬أنها تحترم العقل‪ ،‬وأن‬
‫دا بإلغاء هذه الملكة الربانية الحيوية‪.‬‬
‫السلم " ل يطالب أتباعه أب ً‬
‫‪2‬‬
‫فهو على النقيض من الديان الخرى التي تصّر على أتباعها أن‬
‫يتقبلوا مبادئ معينة دون تفكير ول تساؤل حّر‪ ،‬وإنما تفرض هذه‬
‫ضا بسلطان الكنيسة‪ .‬أما السلم فإنه يعشق البحث‬ ‫المبادئ فر ً‬
‫والستفسار ويدعو أتباعه إلى الدراسة والتنقيب والنظر قبل‬
‫اليمان‪ ...‬إن السلم يؤيد الحكمة القائلة‪ :‬برهن على صحة كل‬
‫سك بالخير‪ .‬وليس هذا غريًبا‪ ،‬إذ أن الحكمة ضالة‬ ‫شيء ثم تم ّ‬
‫المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها‪ .‬فالسلم دين العقل‬
‫والمنطق‪ ...‬فالسلم هو الحق ! وسلحه العلم! وعدوه اللدود‬
‫هو الجهل! "‪.3‬‬
‫ويتحدث المفكر الشهير " أوجست كونت" عن هذه النقطة‪ ،‬وعن‬
‫قدرة السلم في التعامل واحتواء جميع العقول والفلسفات‬
‫والفكار النسانية ‪ ..‬فعّبر عن ذلك بقوله ‪:‬‬
‫" إن عبقرية السلم وقدرته الروحية ل يتناقضان البتة مع العقل‬
‫كما هو الحال في الديان الخرى ؛ بل ول يتناقضان مع الفلسفة‬
‫الوضعية نفسها ؛ لن السلم يتمشى أساسا ً مع واقع النسان‪،‬‬
‫كل إنسان‪ ،‬بما له من عقيدة مبسطة ‪ ،‬ومن شعائر عملية مفيدة‬
‫! "‪..4‬‬
‫ويقول المؤرخ العلمة سيديو – في مقارنة رائعة ‪" : -‬لم يشهد‬
‫المجتمع السلمي ما شهدته أوربة من تحجر العقل وشل‬
‫التفكير‪ ،‬وجدب الروح‪ ،‬ومحاربة العلم والعلماء حيث يذكر التاريخ‬
‫أن اثنين وثلثين ألف عالم قد أحرقوا أحياء! ول جدال في أن‬
‫تاريخ السلم لم يعرف هذا الضطهاد الشنيع لحرية الفكر‪ ،‬بل‬
‫كان المسلمون منفردين بالعلم في تلك العصور المظلمة‪ ،‬ولم‬
‫يحدث أن انفرد دين بالسلطة ومنح مخالفيه في العقيدة كل‬
‫أسباب الحرية كما فعل السلم"‪.. 5‬‬
‫ومنذ حوالي ألف عام‪ ،‬عندما كان العلماء في أوربة ُيحرقون‬
‫أحياء كما قال سيديو؛ كان العالم الندلسي المسلم )ابن حزم(‬
‫صل في الملل والهواء والنحل( عن كروية‬ ‫ف َ‬‫يعلن في كتابه )ال ِ‬

‫ل وعضًوا فخرًيا في العديد من‬


‫‪ 1‬البروفيسور هارون ليون‪ :‬باحث إنكليزي‪ ،‬اعتنق السلم عام ‪ ،1882‬وكان زمي ً‬
‫الجمعيات الدينية في أوروبا وأميركا‪ ،‬وكان أستاًذا قديًرا في علم اللغويات‪ ،‬وقد تلقى العديد من الوسمة الفخرية‪،‬‬
‫أحدها من السلطان عبد الحميد الثاني – رحمه ال ‪. -‬‬
‫‪ 2‬هكذا‪ ،‬ولعلها ‪" :‬تفرض"‬
‫‪3‬انظر‪ :‬عرفات كامل العشي‪ :‬رجال ونساء أسلموا ‪. 7 – 6 / 7 ،‬‬
‫‪ 4‬انظر ‪ :‬عرفات كامل العشي‪ :‬رجال ونساء أسلموا ‪ ،‬ص ‪32‬‬
‫‪ 5‬انظر‪ :‬محمد حسام الدين الخطيب‪ :‬نبي المسلمين ودين السلم والحضارة السلمية ‪42 ،41‬‬

‫‪90‬‬
‫الرض‪ 1‬منطلقا ً من القرآن الكريم ومن التنظيم المطرد‬
‫لمواقيت الصلة في محيط الرض‪.2‬‬
‫رغم أن أوربا في عهد الكنيسة وفي ذلك الوقت‪ ،‬اعتبرت" أن‬
‫من الكفر والضلل القول بأن الرض كروية؛ فمعلم الكنيسة‬
‫ن الناس إلى هذا الحد‬ ‫لكتانتيوس يتساءل مستنكرًا‪ :‬أيعقل أن ُيج ّ‬
‫فيدخل في عقولهم أن البلدان والشجار تتدلى من الجانب الخر‬
‫تعلو رؤوسهم ؟ !"‪. 3‬‬ ‫من الرض‪ ،‬وأن أقدام الناس‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬حثه على طلب العلم ‪:‬‬
‫يقول ول ديورانت ‪" :‬تدل الحاديث النبوية على أن النبي ]‪ [r‬كان‬
‫يحث على طلب العلم ويعجب به‪ ،‬فهو من هذه الناحية يختلف‬
‫عن معظم المصلحين الدينيين"‪ .. 4‬وتقول هونكه‪ ": 5‬لقد أوصى‬
‫محمد ]‪ [r‬كل مؤمن رجل ً كان أو امرأة بطلب العلم‪ ،‬وجعل من‬
‫ذلك واجًبا دينًيا‪ .‬وكان يرى في تعمق أتباعه في دراسة‬
‫المخلوقات وعجائبها وسيلة للتعرف على قدرة الخالق‪ .‬وكان‬
‫يرى أن المعرفة تنير طريق اليمان‪ ..‬ويلفت أنظارهم إلى علوم‬
‫كل الشعوب‪ ،‬فالعلم يخدم الدين والمعرفة من الله وترجع إليه‪،‬‬
‫لذلك فمن واجبهم أن يصلوا إليها وينالوها أًيا كان مصدرها ولو‬
‫ما يتساءل بولس الرسول‬ ‫نطق بالعلم كافر‪ .‬وعلى النقيض تما ً‬
‫‪6‬‬
‫‪ Paulus‬مقًرا‪) :‬ألم يصف الرب المعرفة الدنيوية بالغباوة(؟ ‪"...‬‬
‫وهي لفتة ذكية من هونكه في الفرق بين وجوب طلب العلم في‬
‫من خلفه‬ ‫تعاليم محمد ‪ ،r‬وتحريم المعرفة في تعاليم بولس و ِ‬
‫الكنائس النصرانية في عصور الظلم !‬
‫تماما ً كما قارنت الدكتورة هونكة في موضع آخر ‪ ،‬حيث قالت ‪:‬‬
‫"نادى النبي بالطموح إلى المعرفة والسعي إلى العثور عليها‪،‬‬
‫وقد أدى ذلك إلى اندفاع العرب بأسرهم إلى المدارس يعّلمون‬
‫ويتعلمون‪ ،‬بينما كان الغربيون يتباهون بجهلهم للقراءة‬
‫والكتابة !"‪.7‬‬
‫ومن ثم تقول تزفسكن‪: 8‬‬

‫‪ 1‬انظر ابن حزم ‪ :‬الفصل في الملل والهواء والنحل‪ ،‬مطلب )بيان كروية الرض(‪78\2 ،‬‬
‫‪ 2‬انظر‪ :‬محمد حسام الدين الخطيب‪ :‬نبي المسلمين ودين السلم والحضارة السلمية‪ ،‬ص ‪42‬‬
‫‪ 3‬انظر‪ :‬زيغريد هونكه‪:‬شمس ال تسطع على الغرب‪ ،‬ص ‪370‬‬
‫‪ 4‬ول ديورانت ‪ :‬قصة الحضارة ‪167 / 13،‬‬
‫‪ 5‬دكتورة زيغريد هونكه ‪ :‬مستشرقة ألمانية معاصرة‪ ،‬وهي زوجة الدكتور شولتزا‪ ،‬المستشرق اللماني المعروف‬
‫الذي تعمق في دراسة آداب العرب والمسلمين والطلع على آثارهم ومآثرهم‪ .‬من آثارها‪) :‬أثر الدب العربي‬
‫في الداب الوروبية( ‪ ،‬و)الرجل والمرأة( وهو يتناول جانًبا من الحضارة السلمية )‪ ،(1995‬و)شمس ال‬
‫تسطع على الغرب( الذي ترجم بعنوان‪) :‬شمس العرب تسطع على الغرب(‪.‬‬
‫‪ 6‬زيغريد هونكه‪ :‬شمس العرب تسطع على الغرب‪ ،‬ص ‪369‬‬
‫‪ 7‬زيغريد هونكه‪ :‬شمس العرب تسطع على الغرب‪ ،‬ص ‪369‬‬

‫‪91‬‬
‫" لم يتبّين لي الفرق الشاسع بين تعاليم السلم وبين كثير من‬
‫العادات الشرقية إل عندما دخلت عالم السلم الروحي عن‬
‫طريق القرآن والكتابات السلمية‪ ..‬فشعرت ببطء كيف يجذبني‬
‫السلم‪ .‬وكانت تعاليمه تخاطب عقلي وفطرتي‪ .‬وكان من أهم‬
‫دني ‪...‬الجتهاد في طلب العلم الذي ُيعتبر فريضة على كل‬ ‫ما ش ّ‬
‫‪1‬‬
‫مسلم ومسلمة‪. " ..‬‬
‫‪2‬‬
‫وهوالمر الذي نال إعجاب وتقدير لمير التي تقول‪" :‬في الوقت‬
‫الذي تهاوت فيه تعاليم الديان الخرى ومبادئها أمام جبروت‬
‫العلم؛ أخذ علماء الدنيا في الوقت الحاضر يتطلعون إلى السلم‬
‫طالبين السلوى‪ ،‬لن تعاليمه أقرب إلى العلم من أي دين آخر‪.‬‬
‫بل إن السلم يحض على العلم‪ .‬وهو دين تقدمي يناسب كافة‬
‫المناخات والبلد‪ ،‬كما يصلح لجميع العصور"‪. 3‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬العلم من وظائف رسالته‪:‬‬
‫يقول آتيين دينيه‪:‬‬
‫"‪ ..‬إن السلم منذ البداية في أيامه الولى قد أخذ في محاربة‬
‫الخرافات والبدع‪ ،‬وهو نفس العمل الذي يقوم به العلم إلى يومنا‬
‫هذا"‪.. 4‬‬
‫ما مع مبادئ السلم‪،‬‬ ‫وبالتالي فإن "المنجزات العلمية تتفق تما ً‬
‫لن السلم هو دين العلم"‪ ،5‬على حد قول فيلويز‪. 6‬‬
‫ومن هنا يذكر جوستاف لوبون أن‪":‬السلم من أكثر الديان‬
‫ملءمة لكتشافات العلم"‪.7‬‬
‫‪8‬‬
‫م‪ ،‬فيقول ‪":‬إنما‬‫وعلى هذا الساس يعّرف "جارودي " السل َ‬
‫السلم هو تلك الرؤية لله ‪ ..‬وللعالم وللنسان‪ ،‬التي تنيط‬
‫‪ 8‬فاطمة تزفسكن‪ :‬من تشيكوسلوفاكيا كانت تحمل اسم )مونيكا(‪ .‬ولدت عام ‪1943‬م‪ ،‬قرأت كثيًرا واتصلت بعدد‬
‫من المسلمين اللمان‪ ،‬وبعد أن اقتنعت بالسلم ديًنا‪ ،‬أعلنت انتماءها إليه عام ‪1963‬م‪.‬‬
‫‪ 1‬انظر‪ :‬عرفات كامل العشي‪ :‬رجال ونساء أسلموا ‪. 99 – 98 / 2 ،‬‬
‫‪ 2‬فاطمة سي لمير ‪ :‬ألمانية‪ ،‬لم تقنعها الديانة النصرانية‪ ،‬فأخذت تتصل منذ مطلع عام ‪ ،1951‬عن طريق‬
‫المراسلة‪ ،‬بعدد من المسلمين الذين شرحوا لها مبادئ السلم‪ ،‬فانشرح صدرها له وانتمت إليه‪.‬‬
‫‪3‬انظر‪ :‬عرفات كامل العشي‪ :‬رجال ونساء أسلموا ‪. 96 / 3 ،‬‬
‫‪ 4‬آتيين دينيه ‪:‬أشعة خاصة بنور السلم ‪ ،‬ص ‪18‬‬
‫‪ 5‬هذه الكلمة لفيلويز‪ ،‬انظر‪ :‬عرفات كامل العشي‪ :‬رجال ونساء أسلموا ‪. 61 / 6 ،‬‬
‫‪ 6‬ح‪ .‬ف‪ .‬فيلويز ‪ :‬ضابط بحرية بريطاني‪ ،‬شارك في الحربين العالميتين الولى والثانية‪ ،‬نشأ في بيئة نصرانية‪،‬‬
‫تأصلت فيها التقاليد المسيحية بشكل عميق‪ ،‬ومع ذلك فقد هداه ال إلى السلم بعد أن اطلع على القرآن الكريم‬
‫وقرأ عدًدا من المؤلفات السلمية‪ ،‬وذلك عام ‪.1924‬‬
‫‪ 7‬فيلويز ‪ :‬حضارة العرب ‪ ،‬ص ‪126‬‬
‫‪ 8‬روجيه جارودي ‪ :‬المفكر الفرنسي المعروف‪ ،‬وأحد كبار زعماء الحزب الشيوعي الفرنسي‪ ،‬سابًقا‪ ،‬تتميز ثقافته‬
‫بالعمق والشمولية‪ ،‬والرغبة الجادة في البحث عن الحق‪ .‬أتيح له منذ مطلع الربعينات أن يحتك بالفكر السلمي‬
‫والحياة السلمية‪ .‬وازداد هذا الحتكاك بمرور الوقت‪ ،‬وتمخض عن اهتزاز قناعاته المادية وتحوله بالتدريج إلى‬
‫خط اليمان‪ ،‬المر الذي انتهى به إلى فصله من الحزب الشيوعي الفرنسي‪ ،‬كما قاده في نهاية المر )أواخر‬
‫السبعينات( إلى اعتناق السلم‪ ،‬حيث تسمى بـ)رجاء جارودي(‪ .‬كتب العديد من المؤلفات منها‪) :‬حوار‬
‫الحضارات(‪) ،‬منعطف الشتراكية الكبير(‪) ،‬البديل(‪) ،‬واقعية بل ضفاف(‪ ،‬وبعد إسلمه أنجز سيرة ذاتية خصبة‬
‫ل عن العديد من المحاضرات التي ألقاها في أكثر من بلد‪.‬‬ ‫وعدًدا من المؤلفات‪ ،‬أبرزها‪) :‬دعوة السلم(‪ ،‬فض ً‬

‫‪92‬‬
‫بالعلوم وبالفنون وبكل إنسان وبكل مجتمع مشروع بناء عالم‬
‫إلهي وإنساني ل انفصام فيه باقتضاء البعدين العظمين‪،‬‬
‫المفارقة والجماعة‪ ،‬التسامي والمة"‪.. 1‬‬
‫ويبين روم لندو العلقة بين الدين والعلم في السلم‪ ،‬فيقول ‪:‬‬
‫"‪ ..‬في السلم لم يول كل من الدين والعلم ظهره للخر ويتخذ‬
‫قا معاكسة ل‪ ،‬والواقع أن الول كان باعًثا من البواعث‬ ‫طري ً‬
‫‪2‬‬
‫الرئيسية للثاني" ‪.‬‬
‫صل روم لندو القول في هذه العلقة‪ ،‬قائل ً ‪" :‬العلم السلمي‬ ‫وُيف ّ‬
‫لم ينفصل عن الدين قط ! والواقع أن الدين كان هو ملهمه‬
‫وقوته الدافعة الرئيسية‪ .‬ففي السلم ظهرت الفلسفة والعلم‬
‫مًعا إلى الوجود ل ليحل محل ألوهية الدين )البدائية( ولكن‬
‫لتفسيرها عقلًيا‪ ،‬لقامة الدليل عليها وتمجيدها‪ ..‬إن المسلمين‬
‫وّفقوا‪ ،‬طوال خمسة قرون كاملة‪ ،‬إلى القيام بخطوات حاسمة‬
‫في مختلف العلوم من غير أن يديروا ظهورهم للدين ‪...‬وأنهم‬
‫وجدوا في ذلك النصهار عامل تسريع وإنجاح ل عامل تعويق‬
‫وإحباط"‪.. 3‬‬
‫ومن ثم بلغوا مبلغا ً عظيما ً في ميادين العلوم النسانية‬
‫والطبيعية‪ ،‬وظهر منهم مسلمو إسبانيا " الذين أهدوا إلى الغرب‬
‫اللتيني هباتهم النفيسة في ميادين العلم والفلسفة‪ ..‬وكان الطب‬
‫كالرياضيات من مفاخر العلوم العربية وأركانها الوطيدة"‪ 4‬على‬
‫حد قول سرارنست باركر )‪.(1960-1874‬‬
‫وكانت هذه العلوم التي نبغ فيها المسلمون في عصورهم الذهبية‬
‫– كما يقول الدومييلي – هي "حلقة التصال والستمرار بين‬
‫الحضارة القديمة وبين العالم الجديد"‪. 5‬‬
‫وهنا يحذر "الدومييلي" من شبهة‪ ،‬فيقول‪" :‬ينبغي أل نظن أن‬
‫دا إلى العلم الذي كانوا أوصياء عليه !‬‫العرب لم يضيفوا شيًئا جدي ً‬
‫‪6‬‬
‫بل على النقيض من ذلك ‪".‬‬
‫وعن رسالة المسلمين في هذه العلوم يقول "أرنست بانرث" ‪: 7‬‬
‫إنهم – أي المسلمين ‪ " -‬لم يخربوا ما وجدوه من عناصر ثقافية‪،‬‬
‫بل اهتموا بها وبذلوا جهدهم لهضمها ومن ثم تطويرها‪ .‬ونرى هنا‬
‫‪ 1‬روجيه جارودي‪ :‬دعوة السلم ‪ ،‬ص ‪22‬‬
‫‪ 2‬روم لندو ‪ :‬السلم والعرب‪246 ،‬‬
‫‪3‬روم لندو‪ :‬السلم والعرب ‪ ،‬ص ‪281 – 280‬‬
‫‪ 4‬انظر‪ :‬سير توماس أرنولد )إشراف( ‪ :‬تراث السلم ‪ ،‬ص ‪105‬‬
‫‪5‬الدومييلي‪ :‬العلم عند العرب ‪ ،‬ص ‪. 11 – 10‬‬
‫‪ 6‬الدومييلي ‪ :‬العلم عند العرب‪144،‬‬
‫‪ 7‬أرنست بانرث ‪ :‬ولد في مدينة ليبزج‪ ،‬سنة ‪ ،1895‬نال الدكتوراه في اللغات السلمية من جامعة فينا‪ .‬وعين‬
‫أستاًذا للفلسفة والتاريخ والداب اللمانية‪ .‬من آثاره‪) :‬السلم اليوم وغًدا( )‪) ،(1958‬التفاهم بين الشرق والغرب(‬
‫)بتكليف من اليونسكو(‪ ،‬وله دراسات عن الفلسفة المسلمين‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫أن العرب فتحوا باب التعرف على الحضارة اليونانية ‪ ...‬بواسطة‬
‫المترجمين‪ ،‬وعلى هذه الطريقة تطورت الثقافة تحت حماية‬
‫السلم بالعربية التي هي واسطة ممتازة للتعبير عن الفكار‬
‫العليا والتي ل تفوقها في هذا لغة من لغات الدنيا‪ .‬ول أراني‬
‫بحاجة إلى ذكر أسماء الفلسفة] المسلمين [ الذين فتحوا آفاًقا‬
‫جديدة لفهم أسرار الطبيعة والوجود‪... ،‬ول شك أن الحضارة‬
‫السلمية ارتفعت في القرون الوسطى إلى علوّ لم ينتبه إليه‬
‫قوم آخرون‪ .‬ول يخفى أن هذا العتلء كان ثمرة الجتهاد في كل‬
‫نواحي الثقافة وتطبيق الطرق العلمية‪ .‬أما الغرب الوروبي فلم‬
‫يستطع حينئذ فهم الثقافة وتطويرها‪ .‬وكذلك دولة بيزنطية فقد‬
‫تجمدت‪ ،‬والن نرى كيف تعجبت القوام الوروبية من جمال‬
‫الثقافة العربية التي امتدت من حدود الصين والهند إلى جبال‬
‫البرانس"‪. 1‬‬
‫المطلب السادس ‪ :‬من توجيهات النبي ‪:r‬‬
‫وهذه باقة من توجيهات نبينا العظيم ‪ ،r‬وحثه على طلب العلم‪،‬‬
‫ونشر المعارف والثقافات‪ ،‬وأمره بمحو المية والخرافات‪:‬‬
‫فيقول – صلوات ربي وسلمه عليه ‪: -‬‬
‫"طلب العلم فريضة على كل مسلم"‪.. 2‬‬
‫" ‪ ..‬و إن طالب العلم يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في‬
‫‪3‬‬
‫البحر"‬
‫ً‬
‫"إن الله أوحى إلي ‪ :‬أنه من سلك مسلكا في طلب العلم سهلت‬
‫له طريق الجنة‪ ،‬و من سلبت كريمتيه أثبته عليهما الجنة‪ ،‬و فضل‬
‫في علم خير من فضل في عبادة‪ ،‬و ملك الدين الورع"‪. 4‬‬
‫"ما من خارج خرج من بيته في طلب العلم إل وضعت له‬
‫الملئكة أجنحتها رضا بما يصنع حتى يرجع"‪. 5‬‬
‫من علم علمًا‪ ،‬فله أجر من عمل به‪ ،‬ل ينقص من أجر العامل"‬
‫‪"6 ..‬شيء‬
‫"إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته ‪ :‬علما علمه‬
‫‪7‬‬
‫ونشره‪ ،‬وولدا صالحا تركه‪ ،‬أو مصحفا ورثه‪"...‬‬

‫‪ 1‬أرنست بانرث ‪ :‬تأثير الفلسفة السلمية في تطور الفكر الوروبي ‪ ،‬ص ‪. 9 – 8‬‬
‫‪ 2‬صحيح – رواه ابن ماجة عن أنس) ‪ ، (81 \1‬برقم ‪ ،224‬وصححه اللباني في الجامع الصغير‪ ،‬برقم ‪7360‬‬
‫‪ 3‬صحيح – رواه ابن عبد البر في العلم عن أنس ‪ ،‬برقم ‪ ،24‬وصححه اللباني في الجامع الصغير‪ ،‬برقم ‪7361‬‬
‫‪ 4‬صحيح – رواه البيهقي عن عائشة‪ ،‬وصححه اللباني في الجامع الصغير‪ ،‬برقم ‪2607‬‬
‫‪ 5‬صحيح – رواه أحمد والبيهقي وابن حبان والحاكم‪ ،‬عن صفوان بن عسال وصححه اللباني الجامع الصغير‪،‬‬
‫برقم ‪10639‬‬
‫‪ 6‬حسن لغيره ‪ -‬رواه ابن ماجه‪ ،‬وحسنه اللباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب ‪ ،19\1‬برقم ‪80‬‬
‫‪ 7‬حسن ‪ -‬رواه ابن ماجه بإسناد حسن والبيهقي ورواه ابن خزيمة في صحيحه‪ ،‬وحسنه اللباني في صحيح‬
‫الترغيب والترهيب)‪ ،( 18 \ 1‬برقم ‪77‬‬

‫‪94‬‬
‫وعن صفوان بن عسال المرادي ‪ ‬قال‪:‬‬
‫أتيت النبي ‪ r‬وهو في المسجد متكىء على برد له أحمر فقلت‬
‫له‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬إني جئت أطلب العلم ‪.‬‬
‫فقال‪ " :‬مرحًبا بطالب العلم ‪ ..‬إن طالب العلم تحفه الملئكة‬
‫ضا حتى يبلغوا السماء الدنيا من‬ ‫بأجنحتها‪ ،‬ثم يركب بعضهم بع ً‬
‫محبتهم لما يطلب"‪. 1‬‬
‫ذكر لرسول الله‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬ ‫وعن أبي أمامة قال‪ُ :‬‬
‫رجلن ‪ :‬أحدهما عابد والخر عالم‪ ..‬فقال ‪ -‬عليه أفضل الصلة‬
‫والسلم ‪ " : -‬فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم "‪ ..‬ثم‬
‫‪ -:‬قال ‪ -‬رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫إن الله وملئكته وأهل السموات والرض حتى النملة في جحرها"‬
‫‪"2‬وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير‬
‫‪:‬قال ابن عباس‬
‫كان ناس من السارى يوم بدر ليس لهم فداء‪ ،‬فجعل رسول‪-‬‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فداءهم أن يعلموا أولد النصار‬
‫الكتابة‪3‬؛ وبذلك شرع السرى يعلمون غلمان المدينة القراءة‬
‫والكتابة‪ ،‬وكل من يعلم عشرة من الغلمان يفدي نفسه‪ .‬وقبول‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم تعليم القراءة والكتابة بدل الفداء في‬
‫ذلك الوقت الذي كانوا فيه بأشد الحاجة إلى المال يرينا سمو‬
‫‪4..‬السلم في نظرته إلى العلم والمعرفة‪ ،‬وإزالة المية‬
‫‪ ...‬هذه كانت توجيهات محمد في العلم والمعرفة‬
‫صور رائعة وتعاليم رفيعة‪ ،‬يقف أمامها العاقل المتبصر وقفة‬
‫خشوع وإجلل‪ ،‬لسيما لهذا المظهر العظيم من مظاهر الرحمة‬
‫من النبي ‪ ،r‬أل وهو رعاية العلم والمعرفة‪ ..‬وفي ذلك رحمة‬
‫للبشر من زعيم كبير ونبي جليل ‪..‬‬
‫مما دفع "لبيب رياشي" أن يرفع قبعته تقديرا ً لهذه التعاليم‬
‫قائل ً ‪" :‬حقا ً يا محمد ‪ ...‬إنك )السوبرمان(‪ 5‬الول العالمي‪،‬‬
‫رسول الثقافة والعلم‪ ،‬رسول الهداية والتضحية‪ ،‬رسول الفلسفة‬
‫الجديدة‪ ،‬رسول النسانية الجديدة"‪..6‬‬

‫‪ 1‬حسن – رواه رواه أحمد والطبراني بإسناد جيد واللفظ له وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح السناد‬
‫وروى ابن ماجه نحوه باختصار‪ ،‬وحسنه اللباني في صحيح الترغيب والترهيب)‪ ( 17 \ 1‬برقم ‪.71‬‬
‫‪ 2‬حسن لغيره ‪ -‬رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح‪ ، ،‬وحسنه اللباني لغيره في صحيح الترغيب‬
‫والترهيب ‪ ،19\1‬برقم ‪81‬‬
‫‪ 3‬ابن كثير ‪ :‬السيرة النبوية‪512 \2،‬‬
‫‪ 4‬على محمد الصلبي ‪ :‬السيرة النبوية ‪46\2‬‬
‫‪ 5‬ل بأس بها ! فهي تعنى الرجل الفضل أو العظم‪ .‬أو ذو القدرات الخارقة !‬
‫ل عن‪ :‬محمد شريف الشيباني ‪100‬‬ ‫‪ 6‬لبيب رياشي ‪ :‬نفسية الرسول العربي‪ ،‬نق ً‬

‫‪95‬‬
‫دل الضلل بالهدى ‪ ،‬والجهل بالعلم ‪ ،‬والهمجية بالمدنية"‪..1‬‬ ‫"ب ّ‬
‫"علمه الله العلم والحكمة ‪ ،‬فوجب علينا أن نصغي إليه قبل كل‬
‫شيء !"‪..2‬‬

‫المبحث الخامس‬
‫الخطاب التربوي‬
‫لم يكن خطابه ‪ r‬إلى الناس خطاًبا دكتاتورًيا مستب ً‬
‫دا‪ ،‬أو براجماتًيا‬
‫نفعًيا‪ ،‬إنما كان خطابه إلى الناس خطاًبا تربوًيا ‪ ..‬لم يكن يغلب‬
‫عليه طابع الحاكم بقدر ما غلب عليه طابع المعلم الوقور الذي‬
‫يتحدث إلى تلميذه ‪ ..‬وهذا من تجليات رحمته ‪..r‬‬
‫المطلب الول ‪ :‬المعلم الرحيم ‪:‬‬
‫كان النبي ‪ r‬هو المعلم الرحيم والمصلح الكبير لبنيياء النسييانية‪،‬‬
‫علمهم الحييياة ‪ ،‬والحضييارة‪ ،‬فأصييلح شييؤونهم بعييد فسيياد‪ ،‬يقييول‬
‫الباحث الهولندي وث ) ‪1899 – 1814‬م( ‪:‬‬
‫"لقد جاء قرآن العرب‪ 3‬على لسان نبيهم محمد العظيم ]‪، ![r‬‬
‫وعلمهم كيف يعيشون في هذه الحياة ‪ ،‬وقد وحد صفوفهم وجمع‬
‫كلمتهم وأدبهم حتى ل ترى أمة من المم أحسن منهم‪ ،‬وبالنهاية‬
‫اعتمدوه في كل أمورهم ‪ ،‬وكان يتلقى الوحي من ربه الذي‬
‫يوحي إليه ‪ ،‬ثم ينقله إلى الناس ‪ ،‬بعد أن يكتبه له الكتاب الذين‬
‫انتدبهم لذلك"‪.. 4‬‬

‫كما كان النبي ‪r‬في سائر مراحل حياته القدوة النسانية والمثييل‬
‫العليى والنميوذج المثيل للمعليم الكيبير‪ ،‬وقيد جياء فيي القيرآن‬
‫ُ‬
‫ة‬
‫سيين َ ٌ‬
‫ح َ‬ ‫ل الّلييهِ أ ْ‬
‫سييوَة ٌ َ‬ ‫سييو ِ‬
‫م ِفييي َر ُ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫كيي ْ‬ ‫قييد ْ َ‬
‫كييا َ‬ ‫الكريييم‪َ :‬ل َ‬
‫‪ ]‬الحزاب ‪[21 :‬‬
‫"فهو القدوة الطيبة التي أرسلها اللييه رحميية لنييا وحب ًييا بنييا ‪،‬حييتى‬
‫‪5‬‬
‫نقتفي أثره"‬
‫وهذه القدوة التي تمسك بها المسلمون‪ ،‬عادت عليهم بانتشار‬
‫هذا الدين في تلك الرقعة الفسيحة في الرض كما يقول توماس‬
‫آرنولد‪ ،‬و"وقفوا حياتهم على الدعوة إلى السلم‪ ،‬متخذين من‬
‫هدي الرسول ]‪ [r‬مثل ً أعلى وقدوة صالحة"‪.6‬‬

‫ل عن‪ :‬محمد شريف الشيباني ‪150‬‬‫‪ 1‬ميخائيل طعمة ‪ :‬جريدة الكرمل‪ ،‬نق ً‬
‫‪ 2‬توماس كارليل‪ :‬البطال ‪ ،‬ص ‪70 ،60‬‬
‫‪ 3‬بل هو قرآن البشر كلهم !‬
‫‪ 4‬وث ‪ :‬محمد والقران ‪ ،‬ص ‪.78‬‬
‫‪ 5‬هذه الكلمة للقس السابق الدكتور ُدّراني‪ ،‬انظر‪ :‬عرفات كامل العشي‪ :‬رجال ونساء أسلموا ‪. 28 – 27 / 4 ،‬‬
‫‪ 6‬توماس آرنولد ‪:‬الدعوة إلى السلم ‪ ،‬ص ‪27‬‬

‫‪96‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬نماذج رحمته بالمتعلمين ‪:‬‬
‫حك َم ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ةب ِ‬ ‫مَعاوِي َ َ‬ ‫فمن نماذج رحمته ‪ r‬في التربية ما رواه ُ‬
‫م‪.‬‬‫قو ْ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج ٌ‬ ‫س َر ُ‬ ‫ل الله ‪r‬فَعَط َ َ‬ ‫مع رسو ِ‬ ‫ت َ‬ ‫صل ّي ْ ُ‬
‫ي قال‪َ :‬‬ ‫م ّ‬ ‫سل َ ِ‬‫ال ّ‬
‫ت‪َ :‬واث ُك ْ َ‬
‫ل‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫م‪ ،‬فَ ُ‬ ‫صارِه ِ ْ‬ ‫م ِبأب ْ َ‬‫قو ْ ُ‬ ‫ماِني ال ْ َ‬ ‫ك الله‪ ,‬فََر َ‬ ‫م َ‬ ‫ح ُ‬‫ت‪ :‬ي َْر َ‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫فَ ُ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ي؟ ! قال‪:‬‬ ‫ن إل َ ّ‬ ‫ظرو َ‬ ‫كم ت َن ْ ُ‬ ‫شأ ن ُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫مّياه ُ ! َ‬ ‫أ َ‬
‫مُتوِني‪،‬‬ ‫ص ّ‬‫م يُ َ‬ ‫ت أن ّهُ ْ‬ ‫م فَعََرفْ ُ‬ ‫خاذ ِه ِ ْ‬ ‫م ع ََلى أفْ َ‬ ‫ديهِ ْ‬‫ن ِبأي ْ ِ‬ ‫ضرُِبو َ‬ ‫جعَُلوا ي َ ْ‬ ‫فَ َ‬
‫ل الله ‪ِ - r‬بأِبي‬ ‫صّلى رسو ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ت‪ ،‬فَل َ ّ‬ ‫م ُيسك ُّتوِني سك َ ّ‬ ‫ما َرأي ْت ُهُ ْ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫صل َةَ‬ ‫ُ‬
‫ن هَذ ِهِ ال ّ‬ ‫م قال‪":‬إ ّ‬ ‫سب ِّني‪ .‬ث ُ ّ‬ ‫ضَرَبني َول قهََرني َول َ‬ ‫ما َ‬ ‫مي ‪َ -‬‬ ‫وَأ ّ‬
‫ح َوالت ّك ِْبيُر‬ ‫سِبي ُ‬ ‫ما هُوَ الت ّ ْ‬ ‫ذا‪ .‬إن ّ َ‬‫س هَ َ‬ ‫كلم ِ الّنا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫يٌء ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل فيها َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل يَ ِ‬
‫‪1‬‬
‫ن" ‪.‬‬ ‫قْرآ ِ‬ ‫وَقَِراَءة ُ ال ْ ُ‬
‫ومن أعاجيب المواقف التي تدل على سعة صدره ورحمته‬
‫للمتعلمين‪ ،‬قصة العرابي الذي بال في المسجد‪ ..‬فعن أنس ‪‬‬
‫‪2‬‬
‫قال‪ :‬بينما نحن في المسجد مع رسول الله ‪ r‬إذ جاء أعرابي‬
‫فقام يبول في المسجد وأصحاب الرسول ‪ r‬يصيحون به‪ :‬مه مه!‬
‫)أي اترك(‪ ،‬فقال رسول الله ‪" :r‬ل تزرموه دعوه!" )ل تقطعوا‬
‫عليه بولته(‪ ،‬فترك الصحابة العرابي يقضي بوله‪ ،‬ثم دعا‬
‫الرسول ‪ r‬العرابي‪ ،‬فقال رسول الله ‪ r‬للعرابي‪ " :‬إن المساجد‬
‫ل تصلح لشيء من هذا البول والقذر؛ إنما هي لذكر الله والصلة‬
‫وقراءة القرآن"‪ .‬وهنا قال رسول الله ‪ r‬لصحابه‪" :‬إنما بعثتم‬
‫ميسرين ولم تبعثوا معسرين صبوا عليه دلوا من الماء"‪ .‬فقال‬
‫العرابي‪ :‬اللهم ارحمني ومحمدا ول ترحم معنا أحدا!!! فقال‬
‫الرسول ‪" :r‬لقد تحجرت واسًعا‪) ،‬أي ضيقت واسًعا("‪. 3‬‬

‫وهكذا نرى نبي الرحمة ‪ r‬في مثل هذه المواقف‪ ،‬التي يغلب‬
‫عليها الجانب التربوي السمح‪ ،‬ل الجو العسكري الصارم ‪ .‬وإن‬
‫كان رسول الله ‪ r‬هو "الرجل والمعلم والخطيب ورجل الدولة‬
‫والمجاهد"‪ 4‬في آن واحد ‪.‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬أساليبه في الخطاب التربوي ‪:‬‬
‫وأساليبه ‪ r‬في الخطاب التربوي والتعليم‪ ،‬رحمة للمتعلمين‪،‬‬
‫رحمة لكل من يستمع إليه ‪..‬‬
‫فتراه ‪ r‬وهو يحدث الناس‪ ،‬يمهد لحديثه ليفهموه‪ ،‬ويكرر‬
‫المعلومة ويوكدها ليعقلوها‪ ،‬ويضرب المثلة ليصل المعنى إلى‬
‫‪ 1‬صحيح ‪ -‬أخرجه مسلم في الصلة باب تحريم الكلم في الصلة ونسخ ماكان من إباحة‪.‬‬
‫‪ 2‬هو ذو الخويصرة اليماني رضي ال عنه‪.‬‬
‫ق عليه‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬باب صب الماء على البول في المسجد‪ ،‬رقم ‪217‬‬‫‪ 3‬متف ٌ‬
‫‪ 4‬هذه العبارة لفيليب حتي‪ :‬السلم منهج حياة ‪ ،‬ص ‪56‬‬

‫‪97‬‬
‫السامعين‪ ،‬ويتخولهم بالموعظة مخافة الملل‪ ،‬ويرسم بيده على‬
‫قا ورحمة‬
‫ل‪...‬كل هذا رف ً‬‫الرض‪ ،‬ويستخدم أصابعه ممث ً‬
‫بالمستمعين والمتعلمين‪. 1‬‬
‫ل‪ :‬التمهيد والتهيئة‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫كان النبي ‪ r‬يمهد للمعلومة قبل إيصالها للمتعلم‪ ،‬بحيث يستوعبها‬
‫السامع‪ ،‬بسهولة ويسر‪ ،‬ومثال ذلك ‪:‬‬
‫‪ -1‬ما رواه أبو هريرة ‪ ‬عن النبي ‪ r‬قال‪ " :‬أل أدلكم على ما‬
‫يمحو الله به الخطايا‪ ..‬ويرفع به الدرجات؟ " قالوا‪ :‬بلى يارسول‬
‫الله قال‪ " :‬إسباغ الوضوء على المكاره‪ ..‬وكثرة الخطى إلى‬
‫المساجد‪ ...‬وانتظار الصلة بعد الصلة؛ فذلكم الرباط‪ ..‬فذلكم‬
‫الرباط‪ ...‬فذلكم الرباط "‪.2‬‬
‫‪ -2‬وعن أبي هريرة أن رسول الله ‪ r‬قال‪ " :‬أتدرون من‬
‫المفلس؟"‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬المفلس فينا من ل درهم له ول متاع‪ .‬فقال‪ " :‬إن‬
‫المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلة وصيام ويأتي وقد‬
‫شتم هذا‪ ..‬وقذف هذا‪ ..‬وأكل مال هذا‪ ..‬وسفك دم هذا‪ ...‬وضرب‬
‫هذا‪ ...‬فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته‪ ...‬فإن فنيت‬
‫حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم‪ ..‬فطرحت عليه‬
‫ثم يطرح في النار "‪. 3‬‬
‫ففي المثال الول مهد للمستمعين قائل ً ‪ " :‬أل أدلكم على ما‬
‫يمحو الله به الخطايا‪ ..‬ويرفع به الدرجات‪..‬؟" ‪ ،‬ليتهيىء السامع‪،‬‬
‫ويتجاوب مع السؤال‪ ،‬وُيعمل عقله‪ ،‬في محاولة الجابة‪ ،‬ومن ثم‬
‫يقوم النبي بالجابة على السؤال بنفسه وقد استثار عقل السامع‬
‫نحو فكرة الموضوع ‪ .‬فتدخل المعلومة إلى العقل‪ ،‬وقد اشتاق‬
‫إلى المعلومة‪ ،‬كما تشتاق الرض العطشى للمطر !‬
‫وبالمثل في المثال الثاني‪ ،‬فالسامع في اشتياق لمعرفة هذا‬
‫المفلس وصفاته‪ ،‬بعدما تحرك العقل يميًنا وشمال ً لمعرفة‬
‫الجواب الصحيح ‪ .‬فل يزال العقل في حيرة حتى تصل إليه‬
‫المعلومة الشافية‪ ،‬فتحصل الفائدة وترسخ المعلومة‪.‬‬

‫ثانًيا‪ :‬التكرار والعادة‪:‬‬


‫فعن أنس بن مالك ‪ ‬عن النبي ‪ r‬أنه " كان إذا تكلم بكلمة‬
‫أعادها ثلثا حتى تفهم عنه‪.4" ..‬‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬سعيد رفعت راجح‪ :‬الوسائط التعليمية في الحاديث النبوية‪ ،‬بحث منشور على موقع ‪alukah.net‬‬
‫‪ 2‬صحيح ‪ -‬رواه مسلم في كتاب الطهارة‪ ،‬باب فضل إسباغ الوضوء على المكاره‪ ،‬رقم ‪251‬‬
‫‪ 3‬صحيح ‪ -‬رواه مسلم في كتاب البر والصلة‪ ،‬باب تحريم الظلم‪ ،‬رقم ‪.2581‬‬
‫‪ 4‬صحيح – رواه البخاري في كتاب العلم ‪ ،‬باب من أعاد الحديث ثلثا ليفهم عنه‪ ،‬رقم ‪95‬‬

‫‪98‬‬
‫ومثال ذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬قوله ‪ " :r‬أل وقول الزور " فما زال يكررها‪...‬‬
‫‪ -2‬ويقول ابن عمر‪ :‬قال النبي ‪ " : r‬هل بلغت؟ " ثلًثا ‪.‬‬
‫‪ -3‬وعن عبد الله بن عمرو عن النبي ‪ r‬قال‪ " :‬ويل للعقاب من‬
‫النار " مرتين أو ثلثًا‪.‬‬
‫والتكرار في هذه النماذج للتفهيم والحفظ‪ .‬وهذه من قبيل رفقه‬
‫وتنبيهه للمستمع‪.‬‬

‫ثالًثا‪ :‬التأني أثناء العرض‪:‬‬


‫فتصف عائشة طريقة عرض النبي ‪ r‬فتقول ‪ " :‬ما كان رسول‬
‫الله ‪ r‬يسرد كسردكم هذا ولكنه كان يتكلم بكلم بّين‪ ،‬فصل‪،‬‬
‫يحفظه من يجلس إليه "‪. 1‬‬
‫والنبي ‪ r‬بطريقة عرضه هذه‪ ،‬إن دلت على شيء فإنما تدل على‬
‫رفقه ورحمته بالمستمعين‪..‬‬

‫عا‪ :‬مراعاة طاقة المتعلمين‪:‬‬ ‫راب ً‬


‫فلقد كان النبي ‪ ،r‬يقتصد في دروسه وخطبه ومواعظه‪ ،‬حتى ل‬
‫يمل المتعلمين من تعاليمه ‪ ،r‬وحتى ينشطوا لحفظها ويسهل‬
‫عليهم فهمها ‪..‬‬
‫فقد كان النبي ‪ r‬يحسن اختيار أوقات النشاط الذهني‪،‬‬
‫والستعداد النفسي لدى المتعلمين‪ ..‬ومباعدته بين الخطبة‬
‫وأختها‪ ،‬والموعظة وأختها‪ ..‬حتى تشتاق النفوس‪ ،‬وتنشرح‬
‫الصدور لتلقي العلم‪..‬‬
‫فعن عبد الله بن مسعود ‪ ‬قال‪ " :‬كان النبي ‪ r‬يتخولنا‬
‫بالموعظة في اليام كراهة السآمة علينا "‪.2‬‬

‫سا‪ :‬ضرب المثال‪:‬‬ ‫خام ً‬


‫وقد كان هذا السلوب هو المعتاد والمفضل في منهج النبي ‪ r‬في‬
‫العرض والتفهيم‪ ،‬ومثال ذلك قوله ‪": r‬مثل المؤمنين في توادهم‬
‫وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد‪ ...‬إذا اشتكى منه عضو‬
‫‪3‬‬
‫تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى "‬

‫‪ 1‬صحيح ‪ -‬رواه الترمذي في كتاب المناقب‪ ،‬باب كيف كان كلم رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬رقم ‪،191‬‬
‫وقال اللباني ‪ :‬صحيح ‪.‬‬
‫‪ 2‬صحيح ‪ -‬رواه البخاري في كتاب العلم‪ ،‬باب ما كان النبي صلى ال عليه وسلم يتخولهم بالموعظة‪ ،‬رقم ‪.68‬‬
‫‪ 3‬صحيح ‪ -‬رواه البخاري في كتاب الدب‪ ،‬باب رحمة الناس والبهائم‪ ،‬رقم ‪.5665‬‬

‫‪99‬‬
‫وفي ذلك أثر كبير في إيصال المعنى إلى المتعلم‪ ،‬ذلك أنه يقدم‬
‫القيمة المعنوية في صورة حسية ملموسة‪ ،‬فيربطه بالواقع‬
‫ويقربه إلى الذهن ‪.‬‬
‫سا‪ :‬استخدام الوسائط المتعددة‪:‬‬ ‫ساد ً‬
‫كان النبي ‪ r‬يستخدم ما يسمى اليوم بالوسائل التعليمية‬
‫أوالوسائط التوضيحية‪ ،‬لتبيين المعنى‪ ،‬وتوضيح المغزى في عقول‬
‫السامعين‪ ،‬وشغل كل حواسهم بالموضوع‪:‬‬
‫ومن هذه الوسائط‪:‬‬
‫‪ -1‬التعبير بحركة اليد والصابع‪:‬‬
‫كتشبيكه ‪ r‬بين أصابعه وهو يبين طبيعة العلقة بين المؤمن‬
‫وأخيه‪ .‬فعن أبى موسى الشعري ‪ ...‬عن النبي ‪ r‬قال‪" :‬‬
‫المؤمن للمؤمن كالبنيان‪ ..‬يشد بعضه بعضا " وشبك بين‬
‫أصابعه‪.1‬‬
‫‪ -2‬التعبير بالرسم والمجسمات‪:‬‬
‫أ( أما الرسم ‪ :‬فعن عبد الله بن مسعود ‪ ‬قال‪ " :‬خط النبي ‪r‬‬
‫طا في الوسط خارجا منه ي وقد أحاط به ي‬ ‫طا مربًعا‪ ..‬وخط خ ً‬
‫خ ً‬
‫وهذا الذي هو خارج أمله‪ ...‬وهذه الخطوط الصغار العراض‪..‬‬
‫فإن أخطأه هذا؛ نهشه هذا‪ .‬وإن أخطأه هذا؛ نهشه هذا"‪. 2‬‬
‫ففي هذا الحديث بين لهم النبي ‪ r‬بالرسم على الرض كيف‬
‫يحال بين النسان وبين آماله الكثيرة الواسعة بالموت ‪ ..‬وفيه‬
‫حض على الستعداد للموت قبل هجومه المفاجئ‪.‬‬
‫ب( وأما المجسمات ‪ :‬فعن علي بن أبي طالب ‪ ‬قال‪ " :‬إن‬
‫نبي الله ‪ r‬أخذ حريًرا فجعله في يمينه وأخذ ذهًبا فجعله في‬
‫شماله‪ :‬ثم قال‪ " :‬إن هذين حرام على ذكور أمتي‪ ...‬حل لناثهم‬
‫"‪.3‬‬
‫‪ -3‬التعليم التطبيقي العملي‪:‬‬
‫ولقد انتهج الرسول ‪ r‬هذا السلوب في التعليم عندما كان يعلم‬
‫الصحابة الصلة حيث قال بعد ما فرغ من الصلة ذات يوم ‪" :‬‬
‫أيها الناس إنما صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلتي "‪. 4‬‬
‫كل هذه الوسائط والساليب من قبيل الرحمة بالمتعلمين‪ ،‬تبين‬
‫لك عظيم رحمة النبي ‪ ،r‬وهذا إن دل على شىء فإنما يدل على‬
‫عظم قدر العلم والمعرفة والثقافة في نفس محمد ‪ ،r‬وتقديره‬

‫غْيِرِه‪ ،‬رقم ‪459‬‬ ‫جِد َو َ‬


‫سِ‬
‫صاِبِع ِفي اْلَم ْ‬
‫ل َ‬
‫ك ا َْ‬ ‫‪ 1‬صحيح ‪ -‬رواه البخاري‪َ ،‬باب َت ْ‬
‫شِبي ِ‬
‫‪ 2‬صحيح ‪ -‬رواه البخاري في كتاب الرقاق‪ .‬باب في المل وطوله‪ ،‬رقم ‪5938‬‬
‫‪ 3‬صحيح ‪ -‬رواه أبو داود في كتاب اللباس‪ ،‬كتاب في الحرير للنساء‪ ،‬رقم ‪ ،3535‬وقال اللباني‪ :‬صحيح‪.‬‬
‫صّلى‬
‫ي َ‬
‫ب الّنِب ّ‬
‫ط َ‬
‫خَ‬
‫عْنُه َ‬
‫ل َ‬
‫ي ا ُّ‬
‫ضَ‬‫س َر ِ‬
‫ل َأَن ٌ‬
‫عَلى اْلِمْنَبِر َوَقا َ‬
‫طَبِة َ‬
‫خ ْ‬‫‪ 4‬صحيح ‪ -‬رواه البخاري في كتاب الصلة‪َ ،‬باب اْل ُ‬
‫عَلى اْلِمْنَبِر‪ ،‬رقم ‪.866‬‬
‫سّلَم َ‬
‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬
‫ا ُّ‬

‫‪100‬‬
‫البالغ لرسالة التربية والتعليم‪ ،‬وممارسته الماهرة لشتى الوسائل‬
‫التي تفيد المنظومة التربوية ‪..‬‬

‫المبحث السادس‬
‫خدمة النسانية‬
‫المطلب الول ‪ :‬محمد ‪‬خادم النسانية‪:‬‬
‫وفي رعايته للنسانية وحقييوق النسييان مظهيير آخيير ميين مظيياهر‬
‫رحمته ‪.. r‬‬
‫لقد عاش النبي‪ r‬حياته يخدم النسييان‪ ،‬ويهييذب النسييان‪ ،‬ويعلييم‬
‫النسان‪ ،‬ويدافع عن النسان‪! ..‬‬
‫لقد كان إنساًنا بكييل مييا فييي الكلميية ميين معييان‪ .‬وكييانت سييعادة‬
‫نفسه ورضاها‪ ،‬في كونه إنساًنا‪ ،‬يأكل كما يأكل العبد‪ ،‬ويلبس كما‬
‫ما أن يحيه مسييكيًنا وأن يمتييه مسييكيًنا‪،‬‬ ‫يلبس العبد‪ ،‬يسأل ربه دو ً‬
‫وأن يحشييره فييي زمييرة المسيياكين ‪ ..‬و ل يييأنف أن يطمئن رجل ً‬
‫دخل علي حضرته – صلوات الله وسييلمه عليييه ‪ ، -‬وقييد ارتعييدت‬
‫أوصال الرجل‪ ،‬من شدة هيبة النبي ‪ ،r‬ظًنا منه أنه إنما دخل على‬
‫جبار أو ملك‪ ،‬والنبي يهدىء من روعه قائل ً ‪:‬‬
‫" هون عليك ! فإني لست بملك إنما أنييا ابيين امييرأة ميين قريييش‬
‫كانت تأكل القديد !"‪.1‬‬
‫جا للحياة النسانية بسيرته وصدق‬ ‫"لقد كان محمد ]‪ [r‬أنموذ ً‬
‫إيمانه ورسوخ عقيدته القويمة‪ .‬بل مثال ً كامل ً للمانة والستقامة‬
‫و‬
‫وإن تضحياته في سبيل بث رسالته اللهية خير دليل على سم ّ‬
‫ذاته ونبل مقصده وعظمة شخصيته وقدسية نبوته‪ ...‬وما حياة‬
‫الرسول ]‪ [r‬سوى سلسلة وقائع تاريخية عظيمة الشأن نبيلة‬
‫المرمى يتجلى فيها مقامه السامي من الحلقة النسانية "‪.. 2‬‬
‫تقول "اللدي ايفلين كوبولد"‪:‬‬
‫"‪ ..‬لعمري‪ ،‬ليجدن المرء في نفسه‪ ،‬ما تقدم إلى قبر محمد ]‪[r‬‬
‫روعة ما يستطيع لها تفسيًرا‪ ،‬وهي روعة تمل النفس اضطراًبا‬
‫ل‪ ،‬ذلك أنه أمام نبي مرسل وعبقري‬ ‫وذهول ً ورجاء وخوًفا وأم ً‬
‫عظيم لم تلد مثله البطون حتى اليوم‪ ..‬إن العظمة والعبقرية‬
‫يهزان القلوب ويثيران الفئدة فما بالك بالعظمة إذا انتظمت مع‬

‫‪ 1‬صحيح ‪ -‬رواه الحاكم عن أبي مسعود‪ ،‬رقم ‪ ،3692‬قال اللباني في السلسلة الصحيحية )‪ : (1876‬صحيح ‪.‬‬
‫‪ 2‬أحمد سوسة ‪ :‬في طريقي إلى السلم ص ‪.175 – 174 / 1‬‬

‫‪101‬‬
‫النبوة‪ ،‬وما بالك بها وقد راحت تضحي بكل شيء في الحياة في‬
‫سبيل النسانية وخير البشرية"‪.1‬‬
‫ويؤكد القس "دافيد بنجامين كلدانى" فييي مييؤلفه ‪ " :‬محمييد فييي‬
‫الكتاب المقدس " هذه الحقيقيية بييأن النييبي ‪" r‬خييادم النسييانية"‬
‫بقوله ‪:‬‬
‫"إن الخدمة الجليليية العظيميية المدهشيية الييتي قييدمها محمييد ]‪[r‬‬
‫لله ‪ ..‬ولصالح البشر‪ ،‬لم يقدمها أي مخلوق ميين عبيياد اللييه ملك يا ً‬
‫كييان أو نبييًا‪ ...‬فييإنه ]‪ [r‬أقلييع جييذور الوثنييية ميين جييزء كييبير ميين‬
‫الرض‪ ،‬وأما خييدمته للنسييان فقييد قييدم لييه أكمييل دييين وأفضييل‬
‫شريعة لرشاده وأمنه "‪.2‬‬
‫ويتابع القس كلدانى القول ‪:‬‬
‫" أقام دين السلم الذي وحييد فييي أخييوة حقيقييية ‪ ،‬جميييع المييم‬
‫والشعوب التي ل تشرك بالله شيئا ً ‪ .‬إن جميع الشعوب السلمية‬
‫تطيع رسول الله]‪ [r‬وتحبه تحييترمه! لنييه مؤسييس دعييائم دينهييا‪،‬‬
‫ولكنها ل تعبده أبدا ً ول ترفعه إلى مقام التقديس والتأليه"‪..3‬‬
‫ويقول الباحث السويسري ماكس فان برشم ) ‪( 1921 _ 1863‬‬
‫‪:‬‬
‫" إن محمدا ً ]‪ [r‬نبي العرب من أكبر مريدي الخير للنسانية‪ ،‬وإن‬
‫ظهور محمد]‪ [r‬للعالم أجمع إنما هو أثر عقل عال ‪ ،‬وإن افتخرت‬
‫آسية بأبنائها فيحق لها أن تفتخر بهذا الرجل العظيم ‪.. 4"..‬‬
‫و تلخص الموسوعة البريطانية السيرة الكفاحية لحياة الرسول ‪r‬‬
‫واجتهاده في خدمة النسانية عربيا ً وعالميا ً فتقول ‪:‬‬
‫"إن محمدا ً ]‪ ،[r‬اجتهد فييي اللييه ‪ ..‬وفييي نجيياة أمتييه ‪ ،‬وبالصييح ‪:‬‬
‫اجتهد في سبيل النسانية جمعاء" ‪..5‬‬
‫ه‪،‬‬‫ل الّلي ِ‬
‫عَييا ُ‬ ‫خل ْقُ ك ُل ُّهي ْ‬
‫م ِ‬ ‫و"ما أجمل ما قال المعلم العظيم ]‪): [r‬ال ْ َ‬
‫ق إ َِلى الل ّهِ أ َن ْ َ‬ ‫ب ال ْ َ ْ‬ ‫َ‬
‫‪6‬‬
‫ه‪" ..(.‬‬‫م ل ِعَِيال ِ ِ‬
‫فعُهُ ْ‬ ‫خل ِ‬ ‫فَأ َ‬
‫ح ّ‬
‫المطلــب الثــاني‪ :‬خطبــة الــوداع ‪ :‬الميثــاق الســلمي‬
‫لحقوق النسان ‪:‬‬

‫‪ 1‬اللدي ايفلين كوبولد‪ :‬البحث عن ال ‪ ،‬ص ‪.52‬‬


‫‪ 2‬دايفد بنجامين كلداني )عبد الحد داوود ( ‪ :‬محمد في الكتاب المقدس ‪.82 ،‬‬
‫‪ 3‬المصدر السابق‪.‬‬
‫‪ 4‬ماكس فان برشم ‪ :‬العرب في آسية‪57 ،‬‬
‫‪ 5‬الموسوعة البريطانية‬
‫خْل ِ‬
‫ق‬ ‫ب اْل َ‬
‫ح ّ‬
‫ل‪َ ،‬فَأ َ‬
‫ل ا ِّ‬
‫عَيا ُ‬
‫ق ُكّلُهْم ِ‬ ‫‪ 6‬جان ليك ‪ :‬العرب ‪ ،‬ص ‪ .43‬والستشهاد بالحديث من جان ليك‪ .‬وحديث ‪):‬اْل َ‬
‫خْل ُ‬
‫ل َأْنَفُعُهْم ِلِعَياِلِه‪ (.‬هو حديث رواه الطبراني في المعجم الكبير‪ ،‬برقم ‪ ،9891‬وفي رواية البيقهي في شعب‬ ‫ِإَلى ا ِّ‬
‫اليمان‪ » ،‬الخلق كلهم عيال ال ‪ ،‬وأحب الخلق أنفعهم لعياله « برقم ‪ ،7193‬ولقد ضعف اللباني هذه الصيغة في‬
‫" السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ‪ ،372 / 4‬لكنه صحح الصيغة الخرى في حديث‪ " :‬الخلق كلهم عيال ال ‪،‬‬
‫و تحت كنفه ‪ ،‬فأحب الخلق إلى ال من أحسن إلى عياله " في الصحيحة " ) ‪.( 427‬‬

‫‪102‬‬
‫وقد جاء في هذه الخطبة الجامعة ‪:‬‬
‫"أيها الناس ! إني والله ل أدري لعلييي ل ألقيياكم بعييد ييومي هييذا‪،‬‬
‫بمكاني هذا‪ ،‬فرحم الله مين سيمع مقيالتي اليييوم فوعاهيا‪ ،‬فييرب‬
‫حامل فقه ول فقه له ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه"‪. 1‬‬
‫" إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا‪ ،‬في‬
‫شهركم هذا‪ ،‬في بلدكم هذا‪ .‬أل كل شيء من أمر الجاهلية تحييت‬
‫قدمي موضوع‪ ،‬ودماء الجاهلية موضييوعة‪ ،‬وإن أول دم أضييع ميين‬
‫دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث ي وكان مسترضعا ً فييي بنييي سييعد‬
‫فقتلته هُذ َْيل ي وربا الجاهلية موضوع‪ ،‬وأول ربا أضع من ربانييا ربييا‬
‫عباس بن عبد المطلب‪ ،‬فإنه موضوع كله"‪. 2‬‬
‫" ل ترجعوا بعدي كفارا يضييرب بعضييكم رقيياب بعييض‪ ،‬ول ُيؤخييذ‬
‫الرجل بجريرة أبيه ول بجريرة أخيه!"‪. 3‬‬
‫" واعلمييوا أن القلييوب ل تغييل علييى ثلث إخلص العمييل للييه‬
‫ومناصحة أولي المر وعلى لزوم جماعة المسلمين فإن دعييوتهم‬
‫‪4‬‬
‫تحيط من ورائهم "‬
‫"فاتقوا الّله في النساء‪ ،‬فإنكم أخذتموهن بأمانة الله‪ ،‬واستحللتم‬
‫ّ‬
‫فروجهيين بكلميية الل ّييه‪ ،‬ولكييم عليهيين أل يييوطئن فرشييكم أحييدا ً‬
‫مَبيّرح‪ ،‬ولهيين‬‫تكرهييونه‪ ،‬فيإن فعلين ذليك فاضيربوهن ضيربا ً غييير ُ‬
‫عليكم رزقهيين وكسييوتهن بيالمعروف‪..‬وقييد تركييت فيكييم مييا لين‬
‫تضلوا بعده إن اعتصمتم به ‪..‬كتاب الله‪. 5‬‬
‫"أيها الناس ! إنه ل نبي بعدي ول أمة بعدكم واعبدوا ربكم وصلوا‬
‫خمسكم وصوموا شهركم وأطيعوا ولة أمركم تدخلوا جنة ربكييم‪.‬‬
‫"‪. 6‬‬
‫"وأنتم تسألون عني‪ ،‬فما أنتييم قييائلون؟" قييالوا‪ :‬نشييهد أنييك قييد‬
‫بلغت وأديت ونصحت‪.‬‬
‫فقال بأصبعه السبابة يرفعهييا إليى السيماء‪ ،‬وينكتهيا إليى النيياس‪:‬‬
‫"اللهم اشهد!!"ثلث مرات‪.7‬‬
‫ويعلق "هربرت جورج ولز "على هذه الخطبة فيقول ‪:‬‬
‫ن أول فقرة فيها تجرف أمامها كل ما بين المسلمين من نهييب‬ ‫"إ ّ‬
‫وسلب ومن ثارات ودماء‪ ،‬وتجعييل الفقييرة الخيييرة منهيا الزنجييي‬
‫المؤمن عدل ً للخليفيية‪ ..‬إنهييا أسسييت فييي العييالم تقاليييد عظيميية‬
‫‪ 1‬صحيح ‪ -‬سنن الدارمي‪ ، 86 \1‬برقم ‪ ،227‬قال حسين سليم أسد ‪ :‬إسناده حسن والحديث صحيح‪.‬‬
‫‪ 2‬صحيح – رواه ابن حبان‪ ،‬عن جابر‪ ، 1457 ،‬وقال شعيب الرنؤوط ‪ :‬حديث صحيح‬
‫‪ 3‬صحيح ‪ -‬السلسلة الصحيحة‪ ،‬رقم ‪1974‬‬
‫‪ 4‬صحيح ‪ -‬سنن الدارمي ‪ ، 86 \1‬برقم ‪ ،227‬قال حسين سليم أسد ‪ :‬إسناده حسن والحديث صحيح‬
‫‪ 5‬صحيح – رواه مسلم ‪ ، 886\ 2‬برقم ‪1218‬‬
‫‪ 6‬صحيح – رواه الطبراني في المعجم الكبير ‪ ، 136 \ 8‬برقم ‪ ،7617‬عن أبي أمامه ‪ .‬وقال اللباني ‪ :‬صحيح‬
‫)ظلل الجنة في تخريج السنة لبن أبي عاصم رقم ‪(1061‬‬
‫‪ 7‬صحيح – رواه ابن حبان‪ ،‬عن جابر‪ ، 1457 ،‬وقال شعيب الرنؤوط ‪ :‬حديث صحيح‬

‫‪103‬‬
‫للتعامييل العييادل الكريييم‪ ،‬وإنهييا لتنفييخ فييي النيياس روح الكييرم‬
‫والسماحة‪ ،‬كما أنها إنسانية السمة ممكنيية التنفيييذ‪ ،‬فإنهييا خلقييت‬
‫جماعة إنسانية يقل ما فيهيا مميا يغمير اليدنيا مين قسيوة وظليم‬
‫اجتماعي‪ ،‬عما في أي جماعة أخرى سبقتها"‪. 1‬‬
‫ويعلق العلمة إميل درمنغم ‪ ،‬على هذه الرحلة العظيمة‪ ،‬وهذه‬
‫الخطبة البليغة‪ ،‬قائ ً‬
‫ل‪:‬‬
‫"‪ ..‬تجلت بهذه الرحلة الباهرة ]حجة الوداع[ ما وصييلت إليييه ميين‬
‫العظمة والسؤدد رسالة ذلك النبي ]‪[r‬الذي أنهكه اضطهاد عشيير‬
‫سنين وحروب عشر سيينين أخييرى بل انقطيياع‪ ،‬وهييو النييبي الييذي‬
‫‪2‬‬
‫جعل من مختلف القبائل المتقاتلة على الدوام أمة واحدة‪"..‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬توجيهات إنسانية ‪:‬‬
‫وإلى جانب خطبة الوداع الجامعة هناك توجيهييات وتعيياليم أخييرى‬
‫للنبي ‪ ،r‬تعنى بحقوق النسان‪ ،‬لسيما في مسألة الدماء ‪:‬‬
‫م‬ ‫ل الل ّهِ ‪ r‬ل ي ُعْل َي ُ‬ ‫سو ِ‬ ‫ل ع ََلى ع َهْد ِ َر ُ‬ ‫ل قَِتي ٌ‬ ‫ل‪ :‬قُت ِ َ‬ ‫س ‪َ ،‬قا َ‬ ‫ن ع َّبا ٍ‬ ‫ن اب ْ ِ‬ ‫فعَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ل وَأَنييا ب َْييي َ‬ ‫ل قَِتي ٌ‬ ‫قت َ ُ‬
‫س ! أي ُ ْ‬ ‫ل‪َ ":‬يا أي َّها الّنا ُ‬ ‫قا َ‬ ‫من ْب ََره ُ ‪ ،‬فَ َ‬ ‫صعِد َ ِ‬ ‫ه‪ ،‬فَ َ‬ ‫َقات ِل ُ ُ‬
‫معُييوا‬ ‫جت َ َ‬‫ضا ْ‬ ‫َ‬
‫ماِء َوالْر ‪ِ 3‬‬ ‫سي َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ن أ َهْ ي َ‬ ‫َ‬
‫ه؟ ل َيوْ أ ّ‬ ‫ن قَت َل َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫م ل ي ُعْل َ ُ‬ ‫أظ ْهُرِك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ساب"‬ ‫ح َ‬ ‫ه ِبل ع َد َد ٍ َول ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫سل ِم ٍ ل َعَذ ّب َهُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ئ ُ‬ ‫مرِ ٍ‬ ‫لا ْ‬ ‫ع ََلى قَت ْ ِ‬
‫ك‪:‬‬ ‫مال ِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫ة بْ ِ‬ ‫قب َ َ‬ ‫ن عُ ْ‬ ‫وع َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل الل ّهِ ‪ r‬غ َ ُ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ن أهْي ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج ٌ‬ ‫حا فَب ََرَز َر ُ‬ ‫صب ْ ً‬
‫ماٍء ُ‬ ‫ل َ‬ ‫شوا أهْ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ة ل َِر ُ‬ ‫سرِي ّ ً‬ ‫ن َ‬ ‫أ ّ‬
‫ه‪،‬‬ ‫قت ََليي ُ‬ ‫م فَ َ‬ ‫سييل ِ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ل إ ِّني ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ن‪ ،‬فَ َ‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ل ع َل َي ْهِ َر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ح َ‬ ‫ماِء فَ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫مييد َ‬ ‫ح ِ‬ ‫طيًبا فَ َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ل الل ّهِ ‪َ r‬‬ ‫سو ُ‬ ‫م َر ُ‬ ‫ك فَ َ‬
‫قا َ‬ ‫ي ‪ r‬ب ِذ َل ِ َ‬ ‫خب َُروا الن ّب ِ ّ‬ ‫موا أ َ ْ‬ ‫ما قَد ِ ُ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫جي َ‬ ‫ل الّر ُ‬ ‫قت ُي ُ‬ ‫سل ِم ِ ي َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ما َبا ُ‬ ‫ما ب َعْد ُ فَ َ‬ ‫ل‪":‬أ ّ‬ ‫م َقا َ‬ ‫ه وَأث َْنى ع َل َي ْهِ ث ُ ّ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ف‬ ‫ص يَر َ‬ ‫ذا‪ .‬فَ َ‬ ‫مت َعَيوّ ً‬ ‫ما َقال َهَييا ُ‬ ‫ل‪ :‬إ ِن ّ َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ل الّر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫م" فَ َ‬ ‫سل ِ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ل إ ِّني ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫وَهُوَ ي َ ُ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مي ْ‬ ‫ي َ‬ ‫ه ع َل َي ّ‬ ‫ل ‪ " :‬أَبى الل ّي ُ‬ ‫قا َ‬ ‫مَنى فَ َ‬ ‫مد ّ ي َد َه ُ ال ْي ُ ْ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫جه َ ُ‬ ‫ل الل ّهِ ‪ r‬وَ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫َر ُ‬
‫ت ‪..‬‬‫‪4‬‬
‫مّرا ٍ‬ ‫ث َ‬ ‫ما "ث ََل َ‬ ‫سل ِ ً‬ ‫م ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫قَت َ َ‬
‫و"مثل هذه القوال وهذه الفعال ترينا في محمد]‪ [r‬أخا النسانية‬
‫الرحيم ‪ ،‬أخانا جميعا ً الرؤوف الشفيق ‪ ،‬وابن أمنا الولى وأبينا‬
‫الول"‪. 5‬‬

‫‪ 1‬هربرت جورج ولز ‪ :‬معالم تاريخ النسانية ‪641 – 640 / 3 ،‬‬


‫‪ 2‬اميل درمنغم ‪:‬حياة محمد‪ ،‬ص ‪359‬‬
‫‪ 3‬رواه الطبراني في المعجم الكبير برقم ‪12513‬‬
‫‪ 4‬رواه أحمد في مسنده‪ ،‬برقم ‪16395‬‬
‫‪ 5‬هذه الجملة لتوماس كارليل ‪ :‬البطال ‪ ،‬ص ‪85-84‬‬

‫‪104‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫رحمته للعالمين في مجال الخلق‬
‫المبحث الول ‪ :‬الرفق واللين‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬العفو‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬العدالة والمساواة‬
‫المبحث الرابع ‪ :‬الحب والخاء‬
‫المبحث الخامس ‪ :‬السماحة في المعاملت المالية‬

‫‪105‬‬
‫المبحث الول‬
‫الرفق واللين واللطف‬
‫المطلب الول‪ :‬طريق محمد ‪ ..‬طريق الرفق ‪:‬‬
‫ماهي طريقة محمد ‪ ‬في دعوة الناس إلى منهج الله القويم ؟‬
‫يجيب عن هذا السؤال توماس أرنولد ‪ ،‬ويقول ‪:‬‬
‫" قد جاءهم محمد ]‪[‬من طريق الرفق"‪! 1‬‬
‫أما لويس سيديو‪ ،‬فيفصل في الجابة‪ ،‬ويقول ‪:‬‬
‫دون سؤاله‪ ،‬فيسحر‬ ‫"كان]‪ [‬يستقبل بلطف ورفق جميع من يو ّ‬
‫كلماءه بما يعلو وجهه الرزين الزاهر من البشاشة‪ ،‬وكان ل يضج‬
‫م ما يقول على‬ ‫من طول الحديث‪ ،‬وكان ل يتكلم إل قليل ً فل ين ّ‬
‫كبرياء أو استعلء‪ ،‬وكان يوحي في كل مرة باحترام القوم له‪..‬‬
‫"‪.2‬‬
‫ويقول " برتلي سانت هيلر "‪" :‬كان محمد ]‪[‬أزكى العرب في‬
‫عهده وأكثرهم تقوى ودينًا‪ ،‬وأرحبهم صدرا ً ‪ ،‬وأرفقهم‬
‫بأعدائه"‪.. 3‬‬
‫ما‬
‫ولهذا قال هنري دي كاستري‪ " :‬هكذا جذب السلم قس ً‬
‫ما من العالم‪ ...‬بما اشتمل عليه من الترفق بطبيعة البشر‬ ‫عظي ً‬
‫حيث أتاح للناس شيًئا مما يشتهون !"‪ .. 4‬فهو دين واقعي‪،‬‬
‫يتعامل مع حاجات النسان بفهم ورفق‪ ،‬أو بعبارة كويليام ‪ ":‬ليس‬

‫‪ 1‬توماس كارليل‪ :‬البطال ‪ ،‬ص ‪76 – 75‬‬


‫‪ 2‬لويس سيديو ‪ :‬تاريخ العرب العام ‪ ،‬ص ‪103‬‬
‫‪ 3‬برتلي سانت هيلر‪ :‬مع الشرق‪.77 ،‬‬
‫‪ 4‬هنري دي كاستري ‪ :‬السلم ‪ :‬خواطر وسوانح ‪ ،‬ص ‪13‬‬

‫‪106‬‬
‫بين الديان أقرب للفهم من الدين السلمي للذين يفقهونه‪ ،‬كما‬
‫‪1‬‬
‫أنه ليس بينها أثبت ول أرفق منه‪".‬‬
‫ويقول "هربرت جورج ولز"‪" :‬هذا اللحاح على الرفق والرعاية‬
‫في الحياة اليومية إنما هو واحد من فضائل السلم الكبرى بيد‬
‫أنه ليس الفضيلة الوحيدة فيه"‪ ،.2‬ول زال الغرب يتعلم أخلق‬
‫الرفق من السلم ونبي السلم‪ ،‬كما يقول "ريشار وود" حتى‬
‫صار النصارى يتعلمون من الدولة السلمية‪ ،‬و"ما يرمي إليه‬
‫ض على الرفق واللين"‪!.. 3‬‬ ‫الدين ] السلمي [ من الح ّ‬
‫ومن ثم يدعو "سوسة"‪ 4‬أتباع موسى وعيسى ]عليهما السلم[ "‬
‫أن يراجعوا التاريخ السلمي ليقفوا على ما يأمر به السلم‬
‫بشأن الرفق بالطفال والنساء والشيوخ وغير المقاتلين بصورة‬
‫عامة‪ .‬ويثبت لنا التاريخ‪ ...‬أن المسلمين ساروا وفق شريعتهم‬
‫القاضية بوجوب عدم مس الطفال والنساء والشيوخ‪ ،‬بكل أمانة‬
‫وحرص حتى في الظروف التي كان فيها العدو المقابل يقتل‬
‫الطفال والنساء وغير المحاربين من المسلمين"‪..5‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬حثه على الرفق ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬الرفق يحبه الله ‪:‬‬
‫ي ‪:‬‬ ‫ج الن ّب ِ ّ‬ ‫ة َزوْ ِ‬ ‫ش َ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫عَ ْ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ق‪،‬‬‫ب الّرفْ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه َرِفيقٌ ي ُ ِ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ة إِ ّ‬‫ش ُ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ل‪َ " :‬يا َ‬ ‫ل اللهِ ‪َ ‬قا َ‬ ‫سو َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫أ ّ‬
‫ما‬ ‫طي ع ََلى َ‬ ‫ما َل ي ُعْ ِ‬ ‫ف وَ َ‬ ‫طي ع ََلى ال ْعُن ْ ِ‬ ‫ما َل ي ُعْ ِ‬‫ق َ‬ ‫طي‪ 6‬ع َلى الّرفْ ِ‬
‫َ‬ ‫وَي ُعْ ِ‬
‫ه"‬ ‫وا ُ‬ ‫س َ‬ ‫ِ‬
‫ي ‪ ‬قال‪:‬‬ ‫ن أن الن ّب ِ ّ‬ ‫دا َ‬ ‫معْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫خال ِد ِ ب ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫و عَ ْ‬
‫ن ع َل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫ه‪ ،‬وَي ُِعي ُ‬‫ضى ب ِ ِ‬ ‫ب الّرفْقَ وَي َْر َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ك وَت ََعاَلى َرِفيقٌ ي ُ ِ‬ ‫ه ت ََباَر َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫"إ ِ ّ‬
‫‪7‬‬
‫ف‪. "...‬‬ ‫ن ع ََلى ال ْعُن ْ ِ‬ ‫ما َل ي ُِعي ُ‬ ‫َ‬
‫ثانًيا‪ :‬الرفق جمال وذوق‪:‬‬
‫ة‪:‬‬‫ش َ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫عَ ْ‬
‫ه وََل ي ُن َْزعُ‬
‫يٍء إ ِّل َزان َ ُ‬ ‫ن ِفي َ‬
‫ش ْ‬ ‫كو ُ‬‫ن الّرفْقَ َل ي َ ُ‬ ‫ل ‪" :‬إ ِ ّ‬ ‫ي ‪َ ‬قا َ‬ ‫أن الن ّب ِ ّ‬
‫ه" ‪..‬‬ ‫‪8‬‬
‫شان َ ُ‬ ‫ّ‬
‫يٍء إ ِل َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ثالًثا‪ :‬الرفق يجلب الخير‪:‬‬
‫ر‪:‬‬‫ري ٍ‬ ‫ج ِ‬ ‫ن َ‬ ‫و عَ ْ‬
‫‪ 1‬عبد ال كويليام‪ :‬العقيدة والشريعة في السلم ‪ ،‬ص ‪62‬‬
‫‪ 2‬هربرت جورج ولز ‪ :‬معالم تاريخ النسانية ‪ ،‬ص ‪. 642 / 3‬‬
‫‪3‬ريشار وود‪ :‬السلم والصلح ‪ ،‬ص ‪. 21‬‬
‫‪ 4‬أحمد سوسة ‪ :‬كاتب عراقي ‪ ،‬كان يهوديًا‪ ،‬ومن مؤلفاته‪" :‬مفصل العرب واليهود في التاريخ " و في طريقي‬
‫إلى السلم " الذي تحدث فيه عن سيرة حياته وكيف أسلم ‪.‬‬
‫‪ 5‬أحمد سوسة ‪ :‬في طريقي إلى السلم ‪94 / 1 ،‬‬
‫‪ 6‬صحيح‪ -‬رواه مسلم ‪ ،‬باب الرفق‪ ،‬برقم ‪469‬‬
‫‪ 7‬صحيح ‪ -‬موطأ مالك‪ ،‬برقم ‪ ، 1551‬وصححه اللباني في صحيح وضعيف الجامع الصغير‪ ،‬رقم ‪2651‬‬
‫‪ 8‬صحيح‪ -‬رواه مسلم ‪ ،‬باب الرفق‪ ،‬برقم ‪4698‬‬

‫‪107‬‬
‫خي َْر !"‪. 1‬‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫حَر ْ‬ ‫م الّرفْقَ ي ُ ْ‬ ‫حَر ْ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل‪َ ":‬‬ ‫ي ‪َ ‬قا َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫عَ ْ‬
‫المطلب الثالث‪ :‬من نماذج رفقه‪: ‬‬
‫ل‪ :‬الرفق بالمتعلمين‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫ك‪:‬‬ ‫عَ َ‬
‫مال ِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫س بْ ِ‬ ‫ن َأن َ ِ‬ ‫ْ‬
‫قا َ‬
‫ل‬ ‫موا إ ِلي ْهِ ) ليضربوه (‪ ،‬فَ َ‬ ‫َ‬ ‫جد ِ ف َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ن أع َْراب ِّيا َبا َ‬ ‫َ‬
‫قا ُ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِفي ال َ‬ ‫أ ّ‬
‫ل الل ّهِ ‪:‬‬ ‫سو ُ‬ ‫َر ُ‬
‫موه ُ !"‬ ‫"َل ت ُْزرِ ُ‬
‫ه‪. 2‬‬ ‫ب ع َل َي ْ ِ‬ ‫ص ّ‬ ‫ماٍء فَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫عا ب ِد َل ْوٍ ِ‬ ‫م دَ َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫ثانيًا‪ :‬الرفق بالسفهاء ‪:‬‬
‫ت‪:‬‬ ‫ه ع َن َْها َقال َ ْ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ة َر ِ‬ ‫ش َ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫عن َ‬
‫م ع َل َي ْك ُ ْ‬ ‫قاُلوا‪ :‬ال ّ‬ ‫ل الل ّهِ ‪ . ‬فَ َ‬ ‫ن ال ْي َُهود ِ ع ََلى َر ُ‬ ‫ل َرهْ ٌ‬ ‫خ َ‬
‫‪3‬‬
‫م‬ ‫سا ُ‬ ‫سو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ِ‬ ‫دَ َ‬
‫ة‪.‬‬ ‫م َوالل ّعْن َ ُ‬ ‫سا ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ت ‪ :‬وَع َل َي ْك ُ ْ‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫مت َُها‪ .‬فَ ُ‬ ‫فه ِ ْ‬ ‫ة‪ :‬فَ َ‬ ‫ش ُ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ت َ‬ ‫‪َ .‬قال َ ْ‬
‫ب الّرفْ َ‬
‫ق‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ة ! ! إِ ّ‬ ‫ش ُ‬ ‫عائ ِ َ‬‫مهًْل َيا َ‬ ‫ل الل ّهِ ‪َ " : ‬‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫مرِ ك ُل ّ ِ‬ ‫َ‬
‫ه"‪.‬‬ ‫ِفي اْل ْ‬
‫ما َقاُلوا ؟‬ ‫َ‬
‫معْ َ‬ ‫س َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ل الل ّهِ أوَل َ ْ‬ ‫سو َ‬ ‫ت ‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫فَ ُ‬
‫م"‪.. 4‬‬ ‫ت ‪ :‬وَع َل َي ْك ُ ْ‬ ‫ل الل ّهِ ‪" : ‬قَد ْ قُل ْ ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ف َ‬
‫ما إذا سابه أحد أو شاتمه‪..‬‬ ‫وهذا وهو خلق رسول الله ‪ ‬دو ً‬
‫ثالًثا ‪ :‬الرفق بالعصاة ‪:‬‬
‫ل‪:‬‬‫ة َقا َ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬ ‫عَ َ‬
‫ما َ‬ ‫ن أِبي أ َ‬ ‫ْ‬
‫ل ‪َ :‬يا‬ ‫قا َ‬ ‫م ‪ -‬فَ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ن فًَتى َ‬
‫سل َ‬ ‫ه ع َلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ي‪َ -‬‬ ‫شاّبا أَتى الن ّب ِ ّ‬ ‫إِ ّ‬
‫ه‪َ ،‬قاُلوا ‪:‬‬ ‫َ‬
‫جُرو ُ‬ ‫م ع َل َي ْهِ فََز َ‬ ‫قو ْ ُ‬ ‫ل ال ْ َ‬‫ن ِلي ِبالّزَنا !! فَأقْب َ َ‬ ‫ل الل ّهِ ائ ْذ َ ْ‬ ‫سو َ‬ ‫َر ُ‬
‫ه !!!‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ه " ‪..‬‬ ‫م ‪ " :-‬اد ْن ُ ْ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه ع َلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ي‪َ -‬‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫س‬ ‫جل َ َ‬ ‫ريًبا‪ ..‬فَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ه قَ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫فَد ََنا ِ‬
‫حب ّ ُ‬ ‫َ‬
‫ك؟"‬ ‫م َ‬ ‫ه ِل ّ‬ ‫م ‪" : -‬أت ُ ِ ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي‪َ -‬‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫َقا َ‬
‫ك!‬ ‫داَء َ‬ ‫ه فِ َ‬ ‫جعَل َِني الل ّ ُ‬ ‫ل‪َ :‬ل َوالل ّهِ َ‬ ‫َقا َ‬
‫ُ‬
‫م‪".‬‬ ‫مَهات ِهِ ْ‬ ‫ه ِل ّ‬ ‫حّبون َ ُ‬ ‫س يُ ِ‬ ‫ل ‪" :‬وََل الّنا ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ك؟"‬ ‫ه ِلب ْن َت ِ َ‬ ‫حب ّ ُ‬ ‫"أ َفَت ُ ِ‬
‫ك‬‫داَء َ‬ ‫ه فِ َ‬ ‫جعَل َِني الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ل ‪َ :‬ل َوالل ّهِ َيا َر ُ‬ ‫َقا َ‬
‫م‬ ‫ه ل ِب ََنات ِهِ ْ‬ ‫حّبون َ ُ‬ ‫س يُ ِ‬ ‫ل‪" :‬وََل الّنا ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ك؟"‬ ‫خت ِ َ‬ ‫ه ِل ُ ْ‬ ‫حب ّ ُ‬ ‫" أ َفَت ُ ِ‬
‫ك ‪..‬‬ ‫داَء َ‬ ‫ه فِ َ‬ ‫جعَل َِني الل ّ ُ‬ ‫ل‪َ :‬ل َوالل ّهِ َ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬
‫م"‬ ‫وات ِهِ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫ه ِل َ‬ ‫حّبون َ ُ‬ ‫س يُ ِ‬ ‫ل ‪" :‬وََل الّنا ُ‬ ‫َقا َ‬

‫‪ 1‬صحيح – رواه مسلم‪ ،‬باب الرفق‪ ،‬رقم ‪4694‬‬


‫‪ 2‬صحيح‪ -‬رواه البخاري‪ ،‬برقم ‪5566‬‬
‫‪ 3‬السام ‪ :‬يعني الموت‪ ،‬والسام عليكم ‪ :‬يعني الموت لكم ‪.‬‬
‫‪ 4‬صحيح‪ -‬رواه البخاري‪ ،‬باب الرفق في المر كله‪ ،‬رقم ‪5565‬‬

‫‪108‬‬
‫ك؟"‬ ‫مت ِ َ‬ ‫ه ل ِعَ ّ‬ ‫حب ّ ُ‬ ‫" أ َفَت ُ ِ‬
‫داَء َ‬
‫ك‬ ‫ه فِ َ‬ ‫جعَل َِني الل ّ ُ‬ ‫ل‪َ :‬ل َوالل ّهِ َ‬ ‫َقا َ‬
‫م"‬ ‫مات ِهِ ْ‬ ‫ه ل ِعَ ّ‬ ‫حّبون َ ُ‬ ‫س يُ ِ‬ ‫ل‪ ":‬وََل الّنا ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ك؟"‪.‬‬ ‫خال َت ِ َ‬ ‫ه لِ َ‬ ‫حب ّ ُ‬ ‫"أ َفَت ُ ِ‬
‫ك‪.‬‬ ‫داَء َ‬ ‫ه فِ َ‬ ‫جعَل َِني الل ّ ُ‬ ‫ل ‪َ :‬ل َوالل ّهِ َ‬ ‫َقا َ‬
‫م" ‪.‬‬ ‫خاَلت ِهِ ْ‬ ‫ه لِ َ‬ ‫حّبون َ ُ‬ ‫س يُ ِ‬ ‫ل ‪ " :‬وََل الّنا ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ل ‪:‬‬ ‫ه‪ ،‬وََقا َ‬ ‫ضعَ ي َد َه ُ ع َل َي ْ ِ‬ ‫فَوَ َ‬
‫ه" ‪..‬‬ ‫ج ُ‬ ‫ن فَْر َ‬ ‫ص ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ه وَط َهّْر قَل ْب َ ُ‬ ‫فْر ذ َن ْب َ ُ‬ ‫م اغ ْ ِ‬ ‫"الل ّهُ ّ‬
‫يٍء‪.1‬‬ ‫ش ْ‬ ‫ت إ َِلى َ‬ ‫ف ُ‬ ‫فَتى ي َل ْت َ ِ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫ن ب َعْد ُ ذ َل ِ َ‬ ‫م ي َك ُ ْ‬ ‫فَل َ ْ‬
‫عا‪ :‬الرفق بالشعب والرعية ‪:‬‬ ‫راب ً‬
‫ل‪:‬‬ ‫ة َقا َ‬ ‫س َ‬ ‫ما َ‬ ‫ش َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن بْ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ع َب ْد ِ الّر ْ‬ ‫ْ‬ ‫ة عَ‬ ‫مل َ ُ‬ ‫حْر َ‬ ‫عن َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يٍء ‪..‬‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫سأل َُها ع َ ْ‬ ‫ة‪ ،‬أ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ت َ‬ ‫أت َي ْ ُ‬
‫قال َت‪ :‬مم َ‬
‫ت؟‬ ‫ن أن ْ َ‬ ‫فَ َ ْ ِ ّ ْ‬
‫َ‬
‫صَر‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫فَ ُ‬
‫م هَذ ِهِ‬ ‫م ِفي غ ََزات ِك ُ ْ‬ ‫م ل َك ُ ْ‬ ‫حب ُك ُ ْ‬ ‫صا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ف َ‬ ‫ت‪ :‬ك َي ْ َ‬ ‫قال َ ْ‬ ‫فَ َ‬
‫مّنا ال ْب َِعيُر‬ ‫ل ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت ِللّر ُ‬ ‫مو ُ‬ ‫ن ل َي َ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫شي ًْئا إ ِ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ما ن َ َ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫ه‬
‫طي ِ‬ ‫قةِ فَي ُعْ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ج إ َِلى الن ّ َ‬ ‫حَتا ُ‬ ‫د‪ ،‬وَي َ ْ‬ ‫طيهِ ال ْعَب ْ َ‬ ‫طيهِ ال ْب َِعيَر َوال ْعَب ْد ُ فَي ُعْ ِ‬ ‫فَي ُعْ ِ‬
‫ة ‪..‬‬ ‫ق َ‬ ‫ف َ‬ ‫الن ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫كرٍ‪-‬‬ ‫ن أِبي ب َ ْ‬ ‫مد ِ ب ْ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ‪ِ -‬في ُ‬ ‫ذي فَعَ َ‬ ‫من َعُِني ال ّ ِ‬ ‫ه َل ي َ ْ‬ ‫ما إ ِن ّ ُ‬ ‫ت‪ :‬أ َ‬ ‫قال َ ْ‬ ‫فَ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫أَ ِ‬
‫ه ع َل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ ‪َ -‬‬ ‫سو ِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ك َ‬ ‫خب َِر َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫خي أ ْ‬
‫ل ِفي ب َي ِْتي ‪:‬‬ ‫قو ُ‬ ‫م ‪ -‬يَ ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ق‪،‬‬ ‫ق ْ‬ ‫ش ُ‬ ‫م َفا ْ‬ ‫شقّ ع َل َي ْهِ ْ‬ ‫شي ًْئا فَ َ‬ ‫مِتي َ‬ ‫مرِ أ ّ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫ن وَل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ذا الل ّهُ ّ‬ ‫"هَ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫م َفاْرفُقْ ب ِهِ " ‪.‬‬ ‫شي ًْئا فََرفَقَ ب ِهِ ْ‬ ‫مِتي َ‬ ‫ع َل َي ْهِ وَ َ‬
‫‪2‬‬
‫مرِ أ ّ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫ن وَل ِ َ‬ ‫م ْ‬
‫سا ‪ :‬الرفق بالمستفتي وصاحب المسألة ‪:‬‬ ‫خام ً‬
‫ل‬ ‫ي َقا َ‬ ‫ض ّ‬ ‫خرٍ ال ْب ََيا ِ‬ ‫ص ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ِ‬ ‫ة بْ‬ ‫م َ‬ ‫سل َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫عَ ْ‬
‫جًل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ما‬
‫ك َ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫صي ُ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ساِء َل أَرى َر ُ‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ست َك ْث ُِر ِ‬ ‫مَرأ أ ْ‬ ‫تا ْ‬ ‫ك ُن ْ ُ‬
‫ظاهَرت من ا َ‬ ‫ُ‬
‫خ‬‫سل ِ َ‬ ‫حّتى ي َن ْ َ‬ ‫مَرأِتي َ‬ ‫ن َ ْ ُ ِ ْ ْ‬ ‫ضا ُ‬ ‫م َ‬ ‫ل َر َ‬ ‫خ َ‬ ‫ما د َ َ‬ ‫ب! فَل َ ّ‬ ‫صي ُ‬ ‫أ ِ‬
‫يٌء ‪،‬‬ ‫ش ْ‬ ‫من َْها َ‬ ‫ف ِلي ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ت ل َي ْل َةٍ ان ْك َ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫حد ّث ُِني َ‬ ‫ي تُ َ‬ ‫ما ه ِ َ‬ ‫ن‪ ،‬فَب َي ْن َ َ‬ ‫ضا ُ‬ ‫م َ‬ ‫َر َ‬
‫َ‬
‫مي‬ ‫ت ع ََلى قَوْ ِ‬ ‫ت غ َد َوْ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫صب َ ْ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫واقَعْت َُها ‪ ،‬فَل َ ّ‬ ‫ت ع َل َي َْها فَ َ‬ ‫فَوَث َب ْ ُ‬
‫َ‬
‫صّلى الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ل الل ّهِ ‪َ -‬‬ ‫سو َ‬ ‫سُلوا ِلي َر ُ‬ ‫م‪َ :‬‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫ري ‪ ،‬وَقُل ْ ُ‬ ‫خب َ ِ‬ ‫م َ‬ ‫خب َْرت ُهُ ْ‬ ‫فَأ ْ‬
‫م‪!!-‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ع َل َي ْهِ وَ َ‬
‫ن‬
‫كو َ‬ ‫ل ِفيَنا ك َِتاًبا أ َوْ ي َ ُ‬ ‫ج ّ‬ ‫ه ع َّز وَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ذا ي ُن ْزِ َ‬ ‫ل إِ ً‬ ‫فعَ ُ‬ ‫ما ك ُّنا ن َ ْ‬ ‫قاُلوا ‪َ :‬‬ ‫فَ َ‬
‫قى ع َل َي َْنا‬ ‫ل فَي َب ْ َ‬ ‫م‪ -‬قَوْ ٌ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ه‪َ -‬‬ ‫ل الل ّ ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ِفيَنا ِ‬

‫‪1‬‬
‫صحيح ‪ -‬رواه أحمد ‪ (21185) -‬وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد‪ ،‬وعزاه إلى الطبراني وقال‪:‬‬
‫رجاله رجال الصحيح ‪ ،1/129‬وانظر‪ :‬سلسلة الحاديث الصحيحة لللباني‪ ،‬برقم ‪. 370‬‬
‫‪ 2‬صحيح – رواه مسلم ‪ -‬كتاب الجهاد‪ ،‬باب فضيلة المام العادل‪ ،‬وعقوبة الجائر والحث على الرفق بالرعية‬
‫والنهي عن إدخال المشقة عليهم‪ ،‬برقم )‪(3407‬‬

‫‪109‬‬
‫شأ ْن َ َ‬
‫ك‬ ‫ت َفاذ ْك ُْر َ‬ ‫ب أن ْ َ‬
‫َ‬
‫ك‪ ،‬اذ ْهَ ْ‬ ‫ريَرت ِ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ك لِ َ‬ ‫م َ‬ ‫سل ّ ُ‬ ‫ف نُ َ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ه‪ ،‬وَل َك ِ ْ‬ ‫عاُر ُ‬ ‫َ‬
‫م ‪..-‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ل الل ّهِ ‪-‬‬ ‫سو ِ‬ ‫ل َِر ُ‬
‫َ‬
‫خب ََر ‪.‬‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫خب َْرت ُ ُ‬ ‫ه فَأ ْ‬ ‫جئ ْت ُ ُ‬ ‫حّتى ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ج ُ‬ ‫خَر ْ‬ ‫ل‪ :‬فَ َ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬
‫ك؟"‬ ‫ذا َ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫م ‪" : -‬أن ْ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ ‪َ -‬‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ي‪.‬‬ ‫حك ْم ِ الل ّهِ ع َل َ ّ‬ ‫صاب ٌِر ل ِ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ها أَنا َيا َر ُ‬ ‫ك‪ ،‬وَ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ت ‪ :‬أَنا ب ِ َ‬
‫َ‬
‫قل ْ ُ‬ ‫فَ ُ‬
‫ة" ‪.‬‬ ‫ل‪ " :‬فَأع ْت ِقْ َرقَب َ ً‬ ‫َقا َ‬
‫ك إ ِّل َرقَب َِتي هَذ ِهِ !‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مل ِ ُ‬ ‫تأ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫صب َ ْ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫حقّ َ‬ ‫ك ِبال ْ َ‬ ‫ذي ب َعَث َ َ‬ ‫ت ‪َ :‬وال ّ ِ‬ ‫قُل ْ ُ‬
‫ن" ‪.‬‬ ‫مت ََتاب ِعَي ْ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫شهَْري ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ص ْ‬ ‫ل ‪ " :‬فَ ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ن ال ْب ََلِء إ ِّل‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫خ َ‬ ‫ما د َ َ‬ ‫ي َ‬ ‫ل ع َل َ ّ‬ ‫خ َ‬ ‫ل دَ َ‬ ‫ل الل ّهِ وَهَ ْ‬ ‫سو َ‬ ‫ت‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫قُل ْ ُ‬
‫صوْم ِ !‬ ‫ِبال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫كيًنا " ‪.‬‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سّتي َ‬ ‫م ِ‬ ‫صد ّقْ أوْ أط ْعِ ْ‬ ‫ل‪ " :‬فَت َ َ‬ ‫َقا َ‬
‫شاٌء !!‬ ‫ما ل ََنا ع َ َ‬ ‫قد ْ ب ِت َْنا ل َي ْل َت ََنا هَذ ِهِ َ‬ ‫حقّ ل َ َ‬ ‫ك ِبال ْ َ‬ ‫ذي ب َعَث َ َ‬ ‫ت ‪َ :‬وال ّ ِ‬ ‫قُل ْ ُ‬
‫ه فَل ْي َد ْفَعَْها‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫ق‪ ،‬فَ ُ‬ ‫صد َقَةِ ب َِني ُزَري ْ ٍ‬ ‫ب َ‬ ‫ح ِ‬ ‫صا ِ‬ ‫ب إ َِلى َ‬ ‫ل ‪َ " :‬فاذ ْهَ ْ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬
‫قي ّت َِها !!!" ‪.‬‬ ‫فعْ ب ِب َ ِ‬ ‫كيًنا َوان ْت َ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سّتي َ‬ ‫م ِ‬ ‫ك‪ ،‬وَأط ْعِ ْ‬ ‫إ ِل َي ْ َ‬
‫ت‪:‬‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫مي فَ ُ‬ ‫ت إ َِلى قَوْ ِ‬ ‫جعْ ُ‬ ‫فََر َ‬
‫ْ‬
‫صّلى الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ي‪َ -‬‬ ‫عن ْد َ الن ّب ِ ّ‬ ‫ت ِ‬ ‫جد ْ ُ‬ ‫ي وَوَ َ‬ ‫سوَء الّر ْأ ِ‬ ‫ضيقَ وَ ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫عن ْد َك ُ ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫جد ْ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬
‫م!‬ ‫صد َقَت ِك ُ ْ‬ ‫مَر ِلي ب ِ َ‬ ‫ي‪ ،‬وَقَد ْ أ َ‬ ‫ن الّرأ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ة وَ ُ‬ ‫سعَ َ‬ ‫م ‪-‬ال ّ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ع َل َي ْهِ وَ َ‬
‫ها ِلي‪. 1‬‬ ‫قال ‪َ :‬فاد ْفَُعو َ‬
‫سا‪ :‬الرفق بالحيوانات ‪:‬‬ ‫ساد ً‬
‫نهى النبي ‪ ‬عن تعذيب الحيوانات والطيور وكل شيء فيه‬
‫ماًنا أ َوْ فِت َْياًنا نصبوا أمامهم‬ ‫مّر أنس بن مالك فََرأى ِغل ْ َ‬
‫َ‬
‫روح‪ ،‬فقد َ‬
‫س‪:‬‬ ‫َ‬ ‫قا َ‬ ‫دجاجة‪ ،‬وجعلوها هدًفا لهم‪ ،‬وأخذوا يرمونها بالحجارة فَ َ‬
‫ل أن َ ٌ‬
‫َ‬
‫صب ََر ال ْب ََهائ ِ ُ‬ ‫ي‪‬أ ْ‬
‫‪2‬‬
‫م‪".‬‬ ‫ن تُ ْ‬ ‫" ن ََهى الن ّب ِ ّ‬
‫أي تحبس أوتعذب أوتقيد أوترمي حتى الموت‪.‬‬
‫ما‪:‬‬ ‫ه ع َن ْهُ َ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫مَر َر ِ‬ ‫ن عُ َ‬ ‫ن اب ْ ِ‬ ‫وع َ ْ‬
‫حَيى؛ َراب ِ ٌ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫ج ً‬ ‫جا َ‬ ‫ط دَ َ‬ ‫ن ب َِني ي َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫سِعيد ٍ وَغ َُل ٌ‬ ‫ن َ‬ ‫ِ‬ ‫حَيى ب ْ‬ ‫ل ع ََلى ي َ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫ه دَ َ‬ ‫أن ّ ُ‬
‫ه‬
‫معَ ُ‬ ‫ل ب َِها وَِبال ْغَُلم ِ َ‬ ‫م أ َقْب َ َ‬ ‫حل َّها ث ُ ّ‬ ‫حّتى َ‬ ‫مَر َ‬ ‫ن عُ َ‬ ‫شى إ ِل َي َْها اب ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ميَها‪ ،‬فَ َ‬ ‫ي َْر ِ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل فَإ ِّني‬ ‫قت ْ ِ‬ ‫ذا الطي َْر ل ِل َ‬ ‫صب َِر هَ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫جُروا غ ُل َ‬ ‫ل‪ :‬اْز ُ‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫ها ل ِل ْ َ‬ ‫ة أوْ غ َي ُْر َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪3‬‬
‫ل‪. ".‬‬ ‫قت ْ ِ‬ ‫م ٌ‬ ‫صب ََر ب َِهي َ‬ ‫ن تُ ْ‬ ‫ي ‪ ‬ن ََهى أ ْ‬ ‫ت الن ّب ِ ّ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫ل هَ َ‬ ‫ن فَعَ َ‬ ‫ي ‪ ‬ل َعَ َ‬
‫‪4‬‬
‫ذا" ‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫وقال" إ ّ‬

‫‪ 1‬صحيح ‪ -‬رواه ابن ماجه )‪ (2052‬أحمد)‪ ، (15825‬وأبو داود )‪ ، (1892‬والترمذي) ‪، ،(1121‬وصححه‬


‫اللباني في الرواء ) ‪ ، ( 2091‬صحيح أبي داود ) ‪ ( 1917‬وصحيح وضعيف سنن ابن ماجة ‪ (2062) -‬وغير‬
‫ذلك من الكتب التي حققها ‪.‬‬
‫‪ 2‬صحيح – رواه البخاري‪ ،‬برقم ‪5089‬‬
‫‪ 3‬صحيح – رواه البخاري‪ ،‬برقم ‪5090‬‬
‫‪ 4‬صحيح – رواه البخاري‪ ،‬رقم ‪5091‬‬

‫‪110‬‬
‫وقال ‪ " :‬إن رسول الله ‪ ‬لعن من اتخذ شيًئا فيه الروح‬
‫‪1‬‬
‫ضا ‪"..‬‬ ‫غر ً‬
‫أي ‪:‬هدًفا ُيتدرب عليه ونحو ذلك ‪.‬‬
‫مَر َقا َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫ن عُ َ‬ ‫ن اب ْ ِ‬ ‫و عَ ْ‬
‫‪2‬‬
‫ن" ‪.‬‬ ‫وا ِ‬‫حي َ َ‬‫ل ِبال ْ َ‬
‫مث ّ َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ل‪ " :‬ل َعَ َ‬ ‫قو ُ‬‫ل الل ّهِ ‪ ‬ي َ ُ‬ ‫سو َ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫وفيه دللة على حرمة إيذاء الحيوان حًيا أو ميًتا‪ ،‬أل لضرورة أو‬
‫منفعة ‪.‬‬
‫وقد بين النبي ‪ ‬أن الله سبحانه قد غفر لرجل؛ لنه سقى كلًبا‬
‫كاد يموت من العطش ‪.‬‬
‫فّبين " أن رجل ً رأى كلًبا يأكل الثرى من العطش‪ ،‬فأخذ الرجل‬
‫خفه فجعل يغرف له به حتى أرواه فشكر الله له‪ ،‬فأدخله‬
‫الجنة ‪.3".‬‬
‫بينما دخلت امرأة النار؛ لنها حبست قطة‪ ،‬فلم تطعمها ولم‬
‫قَها حتى ماتت !‬ ‫س ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫عا‪،‬‬‫عذبت امرأة في هرة‪ ،‬حبستها حتى ماتت جو ً‬ ‫فقال ‪ُ " :‬‬
‫‪4‬‬
‫فدخلت فيها النار " ‪.‬‬
‫ومن الرفق بالحيوان ذبحه بسكين حاد حتى ل يتعذب‪ ،‬يقول‬
‫النبي ‪:‬‬
‫ةَ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫قت ْل َ‬‫سُنوا ال ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫م فَأ ْ‬‫ذا قَت َلت ُ ْ‬ ‫يٍء فَإ ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫ش‬‫ل َ‬ ‫ن ع َلى ك ُ ّ‬ ‫سا َ‬
‫ح َ‬‫ب ال ِ ْ‬ ‫ه ك َت َ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫"إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫حد ّ‬‫ح‪.‬وَل ْي ُ ِ‬ ‫سُنوا الذ ّب ْ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م فَأ ْ‬ ‫ذا ذ َب َ ْ‬
‫حت ُ ْ‬ ‫]أي‪ :‬في الحروب والمعارك[‪ ،‬وَإ ِ َ‬
‫َ‬
‫ه ]السكينة التي يذبح بها الطير ونحوه[وَل ْي ُرِ ْ‬
‫ح‬ ‫فَرت َ ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫م َ‬ ‫حد ُك ُ ْ‬ ‫أ َ‬
‫ه"‪.5‬‬ ‫حت َ ُ‬‫ذ َِبي َ‬
‫ويروي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه‪:‬‬
‫جاء بعير يشتد حتى سجد لرسول الله ‪ ،‬ثم قام بين يديه‪،‬‬
‫فذرفت عيناه‪ ،‬فقال رسول الله ‪" : ‬من صاحب هذا البعير؟"‬
‫قالوا‪ :‬فلن‪ .‬فقال "ادعوه‪ ،‬فأتوا به"‪ ،‬فقال له رسول الله ‪‬‬
‫"يشكوك" فقال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬هذا البعير كنا نسنو‪ 6‬عليه منذ‬
‫عشرين سنة‪ ،‬ثم أردنا نحره‪.‬‬
‫فقال رسول الله ‪" :‬شكا ذلك‪ ،‬بئسما جازيتموه‪ ،‬استعملتموه‬
‫عشرين سنة حتى إذا أرق عظمه‪ ،‬ورق جلده أردتم نحره بعينه"‬
‫‪ 1‬صحيح – رواه مسلم‪ ،‬باب النهي عن صبر البهائم‪ ،‬برقم ‪3617‬‬
‫‪ 2‬سنن النسائي ‪ ،4366‬وصححه اللباني في صحيح وضعيف سنن النسائي‪.‬‬
‫‪ 3‬صحيح – رواه البخاري )‪ ،( 75/ 1‬باب الماء الذي يغسل به شعر النسان‪ ،‬برقم ‪171‬‬
‫‪ 4‬صحيح – رواه البخاري ) ‪ ،( 834 / 2‬حديث رقم ‪ ،2236‬وأخرجه مسلم في السلم‪ ،‬باب تحريم قتل الهرة ‪.‬‬
‫وفي البر والصلة والداب باب تحريم تعذيب الهرة ونحوها‪ ،‬رقم ‪2242‬‬
‫شْفَرِة ‪ ،‬رقم ‪3615‬‬
‫حِديِد ال ّ‬
‫ل َوَت ْ‬
‫ح َواْلَقْت ِ‬
‫ن الّذْب ِ‬
‫سا ِ‬
‫حَ‬‫لْمِر ِبِإ ْ‬
‫ن َأْوس‪َ ،‬باب ا َْ‬ ‫‪ 5‬صحيح – رواه مسلم‪ ،‬عن َ‬
‫شّداد ْب ِ‬
‫‪ 6‬أي نستقي‬

‫‪111‬‬
‫قال‪ :‬بل هو لك يا رسول الله‪ .‬فأمر به رسول الله ‪ ‬فوجه نحو‬
‫الظهر‪ ،‬أي البل ‪. 1‬‬
‫و عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه قال كنا مع رسول الله‬
‫‪ ‬في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حمرة معها فرخان فأخذنا‬
‫فرخيها فجاءت الحمرة فجعلت تفرش ‪ ،‬فجاء النبي ‪‬فقال‪:‬‬
‫" من فجع هذه بولدها ؟ ردوا ولدها إليها ! "‬
‫ورأى قرية نمل قد حرقناها فقال ‪:‬‬
‫"من حرق هذه ؟ "‬
‫قلنا‪ :‬نحن ‪..‬‬
‫‪2‬‬
‫قال ‪" :‬إنه ل ينبغي أن يعذب بالنار إل رب النار" ‪.‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫العفو‬
‫العفو ترك المؤاخذه بالذنب‪ ،3‬وقد ضرب النبي ‪ ‬المثل العلى‬
‫في الصفح عن محاربيه ومعانديه ومن له عليهم قصاص ‪ .‬وذلك‬
‫من تجليات رحمته ‪.‬‬
‫المطلب الول ‪ :‬النبي ‪‬العفو‬
‫يذكر مارسيل بوازار عفو محمد‪ ‬فيقول‪:‬‬
‫" وبالرغم من قتاليته ومنافحته ‪ ،‬فقد كان يعفو عند المقدرة‬
‫"‪. 4‬‬
‫ويتناول الكاتب الهندي "مولنا محمييد علييي"‪ 5‬مظهيير العفييو فييي‬
‫أخلق الرسول‪ ،‬كمظهر مين مظياهر رحمية محميد‪ ‬للبشير ‪،‬‬
‫بشيىء من التفصيل والتدليل ويقول ‪:‬‬
‫"وكان العفو جوهرة أخرى بالغة الشييعاع فييي شخصييية الرسييول‬
‫‪ .‬لقد وجدت فيه تجسدها الكامل ‪ .‬ولقد أوصاه القرأن الكريييم‬
‫بيأن يأخذ بالعفو ويأمر بالمعروف ويعرض عن الجاهلين ‪.‬‬
‫ولقد جاءه تفسير ذلك من لدنه تعالى ‪ .‬على هذا النحو ‪ ) :‬صل‬
‫من قطعك ‪ ،‬وأعط من حرمك ‪ ،‬واغفر لمن أساء إليك (‪ ...‬لقد‬
‫عاش ]‪ [‬وفقها حتى في أحرج المواقف ‪ .‬وفي معركة أحد‬
‫جرح وسقط على الرض ‪،‬‬ ‫] شوال ‪3‬هي‪/‬إبريل ‪ 624‬م[ ‪ ،‬عندما ُ‬
‫‪ 1‬حسن – رواه الطبراني في الوسط )‪ ، (11245‬والهيثمي ‪ :‬مجمع الزوائد )‪9/9 (14166‬؛ السيوطي ‪:‬‬
‫الخصائص الكبرى ‪ ، 2/95‬ورى أحمد بمثله عن عائشة بإسناد جيد ‪ .‬وقال الهيثمي ‪ :‬ورواه البزار بنحوه وفي‬
‫إسناد الوسط زمعة بن صالح وقد وثق على ضعفه وبقية رجاله حديثهم حسن وأسانيد الطريقين ضعيفة‬
‫‪ 2‬سنن أبي داود )‪ ،( 2675‬وصححه اللباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود‬
‫‪ 3‬أحمد عبد الرحمن إبراهيم ‪ :‬الفضائل الخلقية في السلم‪180 ،‬‬
‫‪ 4‬مارسيل بوزار ‪ :‬انسانية السلم ‪ ،‬ص ‪.46‬‬
‫‪ 5‬زعيم هندي كبير‪ ،‬معروف بنشاطه في خدمة السلم‪ ،‬وصاحب ترجمة معروفة لمعاني القرآن إلى النجليزية‬
‫ومن مؤلفاته " الدين السلمي "‪ ،‬و" حياة محمد و رسالته" و" ساعات حاسمة في حياة الرسول"‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫سأله أحد الصحابة أن يستنزل اللعنة على العدو‪ ،‬فأجاب ‪ ) :‬أنا‬
‫لم أُبعث لعانا ً للعالمين ‪ ،‬ولكن بعثت هادًيا ورحمة ‪ . .‬اللهم اهد‬
‫قومي فإنهم ل يعلمون !(‪ .‬وذات مرة جذبه بدوي طارحا ً دثاره‬
‫حول عنقه ‪ ،‬وحين سئل الرسول ‪ ‬لم ِ ليم يعامله بالمثل أجاب‬
‫قائل ً ‪ :‬إنه ل يرد على الشر بالشر أبدا ً ‪..1".‬‬
‫ويقول ‪" :‬إن تاريخ العالم ليعجز عن تزويدنا بنظير لهذا الصفح‬
‫الكريم الذي أغدقه الرسول ]‪ [‬على أمثال أولئك المجرمين‬
‫الكبار ‪ .‬إن الضرب على وتر المواعظ الداعية إلى الصفح‬
‫والغفران ل يكلف المرء شيئا ً كثيرا ً ‪ ،‬ولكن عفو المرء عن‬
‫معذبيه ليحتاج إلى قدر من الشهامة عظيم ‪ ،‬و بخاصة حين يكون‬
‫أولئك المِعذبون تحت رحمته"‪.2‬‬
‫ن وجدناه ‪ ‬أحسن الناس عفوًا‪ ،‬وألطفهم عشرة‪ ،‬يعفو‬ ‫ول غرو أ ْ‬
‫عن المسيء‪ ،‬ويصفح عن المخطئ حتى وصفه الخالق سبحانه‬
‫م‬ ‫زيٌز ع َل َي ْهِ َ‬
‫ما ع َن ِت ّ ْ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫سك ُ ْ‬‫ف ِ‬ ‫ن َأن ُ‬‫م ْ‬‫ل ّ‬‫سو ٌ‬ ‫م َر ُ‬‫جاءك ُ ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫وتعالى ‪  :‬ل َ َ‬
‫م [ ]التوبة ‪.[128 :‬‬ ‫حي ٌ‬‫ف ّر ِ‬‫ؤو ٌ‬ ‫ن َر ُ‬‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫كم ِبال ْ ُ‬ ‫ص ع َل َي ْ ُ‬
‫ري ٌ‬‫ح ِ‬
‫َ‬
‫فقد أمره الله تعالى بانتهاج نهج العفو في دعوته ‪ ..‬قال الله‬
‫ن‪‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه يُ ِ‬ ‫ح إِ ّ‬‫ف ْ‬
‫ص َ‬‫م َوا ْ‬ ‫ف ع َن ْهُ ْ‬ ‫تعالى ‪َ :‬فاع ْ ُ‬
‫]المائدة ‪. [13 :‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬نماذج عفوه ‪:‬‬
‫ل‪ :‬عفوه عن مشركي مكة عام الفتح) رمضان ‪8‬هـ‪/‬‬ ‫أو ً‬
‫يناير ‪ 630‬م (‪:‬‬
‫يضرب الكاتب الهندي " مولنا محمد علي"‪ ،‬مثال ً بعفو النبي ‪‬‬
‫عن مشركي مكة بعدما فعلوا به ما فعلوه‪ ..‬فيقول‪:‬‬
‫"والمكيون الذين أخضعوه وأصحابه ‪ ،‬دائما ً وأبدا ً ‪ ،‬لشد التعذيب‬
‫بربرية؛ منحهم عفوا ً عامًا"‪!3‬‬
‫ويقول " اللورد هيدلي" ‪ ،‬معقبا ً على عفو النبي ‪ ‬في فتح‬
‫مكة‪:‬‬
‫"عفا بل قيد ول شرط عن كل هؤلء الذين اضطهدوه وعذبوه !‬
‫آوى إليه كل الذين كانوا قد نفوه من مكة ! وأغنى فقراءهم‪،‬‬
‫وعفا عن ألد أعدائه ؛ عندما كانت حياتهم في قبضة يده وتحت‬
‫رحمته‪..4"!...‬‬
‫يقول "كولن" ‪:‬‬

‫‪ 1‬مولنا محمد علي‪ ،‬حياة محمد و رسالته ‪.274-273 :‬‬


‫‪ 2‬مولنا محمد علي ‪ :‬حياة محمد و رسالته ‪ ،‬ص ‪.207‬‬
‫‪ 3‬مولنا محمد علي‪ :‬حياة محمد و رسالته ‪ ،‬ص ‪.270-269‬‬
‫‪ 4‬انظر‪ :‬آتيين دينيه ‪ :‬محمد رسول ال ‪ ،‬ص‪27-‬‬

‫‪113‬‬
‫"تأملوا معي كيف أنهم أخرجوه هو ومن يقف معه من بيوتهم‬
‫إلى منطقة صحراوية معلنين عليهم المقاطعة‪ ،‬ومعلقين بنود‬
‫هذه المقاطعة الشريرة على جدار الكعبة‪ ،‬وكانت تقضي بعدم‬
‫التعامل معهم بيًعا وشراء وعدم التزوج من بناتهم أو تزويج‬
‫بناتهم لهم‪.‬‬
‫وقد دامت هذه المقاطعة ثلث سنوات بحيث اضطروا إلى أكل‬
‫العشب والجذور وأوراق الشجار‪ ،‬حتى هلك منهم الطفال‬
‫والشيوخ من الجوع دون أن تهتز منهم شعرة‪ ،‬أو تتحرك عندهم‬
‫عاطفة رحمة‪ .‬ولم يكتفوا بهذا‪ ،‬بل اضطروهم لترك بيوتهم‬
‫وأوطانهم والهجرة إلى أماكن أخرى بعيدة‪ .‬ولم يدعوهم في‬
‫راحة هناك فبدسائسهم المختلفة سلبوا منهم طعم الراحة‬
‫والطمئنان‪.‬‬
‫وفي غزوات بدر وُأحد والخندق اشتبكوا معهم في معارك‬
‫ضارية‪ ،‬وحرموهم حتى من أبسط حقوقهم كزيارة الكعبة‪،‬‬
‫وأرجعوهم إلى ديارهم بعد إبرام معاهدة ذات شروط قاسية‪.‬‬
‫ولكن الله تعالى أنعم عليهم ففتحوا مكة ودخلها رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم على رأس جيش عظيم‪.‬‬
‫فكيف كانت معاملته لهل مكة بعد كل هذا التاريخ المملوء‬
‫‪1‬‬
‫ضا؟ لقد قال لهم‪" :‬اذهبوا فأنتم الط َُلقاء" ‪" ..‬‬
‫عداوة وبغ ً‬

‫ولو كان محمد ‪ ‬من ملوك الدنيا لسالت دماء أهل مكة ولكنه‬
‫قابله صنيعهم بالعفو فما كان منهم إل أن دخلوا في دين الله‬
‫أفواجا ‪..‬‬
‫ثانًيا‪ :‬عفوه عن أهل الكتاب ‪:‬‬
‫يقول "مولنا محمد علي" ‪:‬‬
‫ً‬
‫"ولقد أسبغ عفوه على أتباع الديان جميعا ‪ -‬يهود ‪ ،‬ونصارى ‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫ووثنيين‪ ،‬وغيرهم ‪ -‬إنه لم يقصر إحسانه على أتباع دينه فحسب"‬
‫‪..‬‬
‫ومثال ذلك عفوه عن قبيلة بني قينقاع اليهودية الذين ناصبوه‬
‫العداوة‪ ،‬وقد كان في استطاعته أن يفنيهم عن بكرة أبيهم في‬
‫معركته معهم‪ ،‬في ‪ 15‬شوال سنة ‪ 2‬هي‪ 9/‬إبريل ‪ .624‬رغم ما‬
‫صدر منهم من جريمة نكراء‪ ،‬قد تواطئوا فيها على كشف عورة‬
‫سيدة مسلمة في مكان عام‪ .‬وتواطئهم في قتل رجل مسلم‪،‬‬
‫دافع عن عرض السيدة المسلمة وحاول رد العدوان ‪..‬‬
‫‪ 1‬محمد فتح ال كولن ‪ :‬النور الخالد محمد صلى ال عليه وسلم مفخرة النسانية ‪2/100 ،‬‬
‫‪ 2‬مولنا محمد علي‪ :‬حياة محمد و رسالته ‪ ،‬ص ‪.270-269‬‬

‫‪114‬‬
‫ومثال آخر ‪ ،‬عفوه عن قبيلة بني النضير اليهودية‪ ،‬بعد أن خططوا‬
‫لعملية اغتيال فاشلة للنبي ‪ ، ‬وقد كان باستطاعته أن ينفذ‬
‫فيهم حكم العدام في من شرعوا في محاولة اغتياله كما هو‬
‫الحال في العراف والدبيات الدولية‪ ،‬وقد كانوا جميًعا تحت‬
‫رحمته‪ ‬بعد هزيمتهم في معركتهم ضد المسلمين )في ربيع‬
‫الول سنة ‪ 4‬هي‪ /‬أغسطس ‪625‬م(‪ ،‬ولكنه – صلوات الله وسلامه‬
‫ما لهم‪ ،‬مقابل أن يرحلوا خارج حدود‬ ‫وا عا ً‬
‫عليه – أصدر عف ً‬
‫الدولة‪.‬‬

‫ثالًثا‪ :‬عفوه عن الضعفاء أثناء الحروب‪:‬‬


‫"إذ أمر جنوده أن يعفوا عن الضعفاء‪ ،‬والمسنين‪ ،‬والطفال‪،‬‬
‫والنساء‪ ،‬وحذرهم أن يهدموا البيوت أو يسلبوا التجار‪ ،‬أو أن‬
‫يقطعوا الشجار المثمرة"‪.1‬‬
‫وقد كان محمد ‪ ‬ينبه على هذه التعليمات‪ ،‬ويوصي بها جنوده‪،‬‬
‫ويأخذ عليهم العهود في ذلك‪ ،‬باعتباره القائد العام للقوات‬
‫المسلحة ‪.‬‬

‫عا‪ :‬عفوه عن العراب الغلظ ‪:‬‬ ‫راب ً‬


‫‪ -1‬العرابي الذي رد على النبي‪ ‬بوقاحة‪:‬‬
‫قال أبو موسى الشعري‪ :‬كنت عند النبي ‪ ‬وهو نازل بالجعرانة‬
‫ي‪ ،‬فقال‪ :‬أل‬‫ي ‪ ‬أعراب ُ‬ ‫بين مكة والمدينة ومعه بلل‪ ،‬فأتى النب ّ‬
‫ي‬
‫تنجز لي ما وعدتني؟ فقال له‪ " :‬أبشر" فقال‪ :‬قد أكثرت عل ّ‬
‫من أبشر!! فأقبل على أبي موسى وبلل كهيئة الغضبان‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫"رد البشرى‪ ،‬فاقبل أنتما!!" قال‪ :‬قبلنا‪ .‬ثم دعا بقدح فيه ماء‬
‫فغسل يديه ووجهه فيه‪ ،‬ومج فيه ثم قال‪" :‬اشربا منه‪ ،‬وأفرغا‬
‫على وجوهكما ونحوركما وأبشرا !" فأخذا القدح ففعل‪ ،‬فنادت أم‬
‫سلمة من وراء الستر أن أفضل لمكما‪ ،‬فأفضل لها منه طائفة‪. 2‬‬
‫‪ -2‬العرابي الذي اتهم النبي ‪ ‬بالظلم‪:‬‬
‫لما كان يوم حنين ]شوال ‪ 8‬هي‪ /‬يناير ‪ 630‬م[‪ ،‬ويوم توزيع‬
‫سا في القسمة‪،‬‬ ‫الغنائم على الجيش‪ ،‬آثر رسول الله ‪ ‬نا ً‬
‫سا من أشراف العرب‪ ،‬وآثرهم‬ ‫سا أسلموا حديًثا و أنا ً‬
‫فأعطى أنا ً‬
‫يومئذ في القسمة‪ ،‬فقال رجل من العراب‪ :‬والله ! إن هذه‬
‫القسمة ما عدل فيها وما أريد فيها وجه الله !‪ .‬فرفع الصحابي‬
‫عبد الله بن مسعود إلى حضرة النبي تقريًرا بذلك‪ .‬فتغير وجه‬

‫‪ 1‬إميل درمنغم‪ :‬حياة محمد‪350 ،‬‬


‫‪ 2‬صحيح – رواه البخاري‪ ،‬كتاب المغازي رقم ‪.4328‬‬

‫‪115‬‬
‫النبي ‪ ‬حتى كان كالصرف‪ .‬ثم قال‪" :‬فمن يعدل إن لم يعدل‬
‫الله ورسوله؟!" ثم قال‪" :‬يرحم الله موسى؛ قد أوذي بأكثر من‬
‫هذا فصبر"‪. 1‬‬
‫‪ -3‬العرابي الذي قابل إحسان النبي بالساءة ‪:‬‬
‫عن أبي هريرة ‪ ،‬أن أعرابيا ‪ ،‬جاء إلى النبي ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪-‬يستعينه في شيء ‪ ،‬فأعطاه شيئا ‪ ،‬ثم قال ‪ ":‬أحسنت‬
‫إليك ؟ "‬
‫فقال العرابي ‪ :‬ل ‪ ،‬ول أجملت !‬
‫قال ‪ :‬فغضب المسلمون ‪ ،‬وقاموا إليه ‪ ،‬فأشار إليهم أن كفوا ‪.‬‬
‫ثم قام النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فدخل منزله ‪ ،‬ثم أرسل‬
‫إلى العرابي ‪ ،‬فدعاه إلى البيت ‪ ،‬فقال ‪" :‬إنك جئتنا فسألتنا ‪،‬‬
‫فأعطيناك ‪ ،‬فقلت ‪ :‬ما قلته" ‪ ،‬فزاده رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم شيئا ‪ ،‬ثم قال ‪ ":‬أحسنت إليك ؟ " !‬
‫قال العرابي ‪ :‬نعم ‪ ،‬فجزاك الله من أهل وعشيرة خيًرا ‪..‬‬
‫فقال له النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ": -‬إنك كنت جئتنا‬
‫فسألتنا ‪ ،‬فأعطيناك ‪ ،‬وقلت ما قلت ‪ ،‬وفى أنفس أصحابي شيء‬
‫من ذلك ‪ ،‬فإن أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي ‪ ،‬حتى‬
‫تذهب من صدورهم ما فيها عليك " !!‬
‫قال ‪ :‬نعم ‪.‬‬
‫فلما كان الغد أو العشي ‪ ،‬جاء فقال رسول الله ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" : -‬إن صاحبكم هذا كان جاء فسألنا ‪ ،‬فأعطيناه ‪ ،‬وقال ما‬
‫قال ‪ ،‬وإنا دعوناه إلى البيت فأعطيناه فزعم أنه قد رضي ‪،‬‬
‫أكذلك؟"‬
‫قال العرابي ‪ :‬نعم ‪ ،‬فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا ‪.‬‬
‫فقال النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ":-‬أل إن مثلي ومثل هذا‬
‫العرابي كمثل رجل كانت له ناقة فشردت عليه ‪ ،‬فاتبعها‬
‫الناس ‪ ،‬فلم يزيدوها إل نفوًرا ‪ ،‬فناداهم صاحب الناقة ‪ :‬خلوا بيني‬
‫وبين ناقتي ‪ ،‬فأنا أرفق بها وأعلم ‪ ،‬فتوجه لها صاحب الناقة بين‬
‫يديها وأخذ لها من قمام الرض ‪ ،‬فردها هونا هونا هونا حتى‬
‫جاءت واستناخت وشد عليها ‪ ،‬وإني لو تركتكم حيث قال الرجل‬
‫ما قال ‪ ،‬فقتلتموه‪ ،‬دخل النار !"‪. 2‬‬
‫وهذا الموقف قد ازدحمت فيه العديد فضائل وأخلق محمد‪،‬‬
‫وكرمه وحسن تصرفه ولطفه ورفقه ‪،‬‬ ‫فاشتمل الموقف على‬
‫إل جانب خلق العفو الذي سطرنا تحته الحديث– صلوات الله‬

‫‪ 1‬صحيح – رواه مسلم‪ ،‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب إعطاء المؤلفة قلوبهم‪ ،‬عن ابن مسعود‪ ،‬حديث ‪.1062‬‬
‫‪ 2‬رواه أبو الشيخ الصبهاني في أخلق النبي )‪ ،(170‬وانظر‪ :‬محمد بن نصر المروزي‪ :‬تعظيم قدر الصلة )‬
‫‪ . (861‬ولم أقف على سنده ‪ .‬ولم أسأل عنه ‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫وسلمه على صاحب الخلق العظيم ‪. -‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫العدالة والمساواة‬
‫نبين في هذا المبحث‪ ،‬مظهر آخر من مظاهر الرحمة في‬
‫شخصية نبينا محمد ‪ ..‬فلقد تحدث علماء الغرب عن أخلق‬
‫العدالة والمساواة في سلوك النبي ‪ ، ‬لسيما وهو يمثل الحاكم‬
‫الول لدولة المسلمين؛ التي تمخض عنها أعرق حضارة في تاريخ‬
‫البشرية ‪! ..‬‬
‫ولنتحدث عن أخلق العدالة والمساواة في شخصية النبي ‪!.. ‬‬
‫فجل النظمة الحالية التي تحكم كوكب الرض تتشدق بقيم‬
‫العدل‪ ،‬والمساواة بين الناس‪ ،‬وأنى لهذه النظمة أن تتطلع لهذه‬
‫الخلق السامقة ‪ ..‬بعدما جعلت من العدالة والمساواة شعارات‬
‫براقة جوفاء خالية من التطبيق على أرض الواقع ‪.‬‬
‫فإلى هذه النظمة هذا النموذج الفذ ‪..‬‬
‫ل‪:‬‬‫ما عاد ً‬ ‫المطلب الول ‪ :‬محمد ‪ ‬حاك ً‬
‫يقول برتلي سانت هيلر‪: 1‬‬
‫"كييان محمييد]‪ [‬رئيسييا ً للدوليية وسيياهرا ً علييى حييياة الشييعب‬
‫وحريته‪ ،‬وكان يعاقب الشخاص الذين يجترحون الجنايييات حسييب‬
‫أحوال زمانه وأحوال تلك الجماعييات الوحشييية الييتي كييان يعيييش‬
‫النبي ]‪ [‬بين ظهرانيها‪ ،‬فكان النبي داعيا ً إلى ديانة الله الواحييد‬
‫وكان في دعوته هيذه لطيفيا ً ورحيميا ً حيتى ميع أعيدائه‪ ،‬وإن فيي‬
‫ل الصيفات اليتي تحملهيا النفيس‬ ‫شخصييته صيفتين هميا مين أجي ّ‬
‫‪2‬‬
‫البشرية وهما العدالة والرحمة‪".‬‬

‫كان الرسول ‪ ‬كمعلم ورئيس دولة ورجل سياسي؛ بالغ‬


‫الحرص على تطبيق المساواة على الجميع‪ ،‬خاصة وقد وضع‬
‫نفسه على قدم المساواة مع سائر المسلمين‪ ،‬يقول "مولنا‬
‫محمد علي" ‪:‬‬
‫"وفي إقامة العدالة كان الرسول]‪ [‬منصفا ً حتى التوسوس ‪.‬‬
‫كان المسلمون وغير المسلمين‪ ،‬والصدقاء والعداء ‪ ،‬كلهم‬
‫سواء في نظره ‪ .‬وحتى قبل أن ُيبعث إلى الناس كانت أمانته‬
‫وتجرده واستقامته معروفة لدى الخاص والعام‪ ،‬وكان الناس‬
‫يرفعون منازعاتهم إليه حتى يحكم فيها ‪ .‬وفي المدينة رضي‬

‫‪ 1‬العلمة برتلي سانت هيلر ) ‪ 1793‬ـ ‪ ( 1884‬مستشرق ألماني ولد في درسدن‪.‬‬


‫‪ 2‬برتلي سانت هيلر ‪ :‬الشرقيون وعقائدهم‪ ،‬ص ‪.39‬‬

‫‪117‬‬
‫الوثنيون واليهود به حكما ً في منازعاتهم كلها ‪ .‬وعلى الرغم من‬
‫حقد اليهود العميق الجذور على السلم فإن الرسول]‪ [‬حكم‬
‫‪ -‬عندما عرض عليه ذات مرة نزاع بين يهودي ومسلم ‪-‬‬
‫لليهودي بصرف النظر عن أن المسلم قد ينفر بذلك من السلم‬
‫‪ ،‬بل ربما بصرف النظر عن أن قبيلته كلها قد تنفر بذلك من‬
‫السلم ‪ .‬ول حاجة بنا إلى تبيان أهمية خسارة كهذه بالنسبة إلى‬
‫السلم في أيام ضعفه ومحنته تلك ‪ ،‬فالمر أوضح من أن يحتاج‬
‫إلى بيان ‪. 1" .‬‬
‫"ولقد نبه]‪ [‬ابنته فاطمة‪ ،‬إلى أن أعمالها وحدها سوف تشفع‬
‫لها يوم القيامة ‪ .‬وقال أيضا ً ‪ " :‬لو أن فاطمة بنت محمد سرقت‬
‫لقطعت يدها "‪ .2‬وفيما كان على فراش الحتضار ‪ ،‬قبيل وفاته‬
‫بقليل ‪ ،‬سأل كل من له عليه دين أن يتقاضاه ذلك الدين ‪ ،‬ولكل‬
‫من أساء إليه ذات يوم أن يثأر لنفسه منه"‪.3‬‬
‫خلق بها نبي السلم ونظام‬ ‫إن صفة العدالة‪ /‬المساواة التي ت ّ‬
‫السلم قد دفعت الكثيرين إلى اعتناق السلم‪ ،‬فالمساواة‬
‫والعدالة في السلم – كما يقول "جاوبا "‪ "– 4‬تختلف عنها في‬
‫البلشفية التي تعمل على سحق الغنياء لصالح الفقراء‪ ،‬ول هي‬
‫كالمساواة عند النصارى حيث يجلد الرجل الزنجي ل لشيء إل‬
‫لنه وقع بصره على امرأة بيضاء‪ .‬ويعبد الزنوج ربهم في كنائس‬
‫خاصة بهم مستقلة عن كنائس البيض‪ .‬أما في السلم فجميع‬
‫المساجد مفتحة أبوابها لكل مسلم غنًيا كان أم فقيًرا‪ ،‬أسود َ كان‬
‫دا‪ .‬وهذه الصفة تقيم صرح وحدة حقيقية‬ ‫ض‪ ،‬مل ً‬
‫كا كان أو عب ً‬ ‫أو أبي َ‬
‫راسخة بين المسلمين‪ .‬ومن أجل ذلك فإن الدين السلمي ل‬
‫يقيم مراسيم خاصة لكل داخل في السلم كما تفعل الديان‬
‫وا‬
‫الخرى‪ ،‬وإنما حسب المرء أن ينطق بالشهادتين حتى يغدو عض ً‬
‫في أعظم أخوة عالمية يتساوى في ظلها الناس جميًعا في‬
‫الواقع العملي الملموس إلى جانب الناحية النظرية المجردة‪..‬‬
‫‪5‬‬
‫وليس في العالم كله أشمل وأصدق من هذه الخوة السلمي" ‪.‬‬
‫المطلــب الثــاني ‪ :‬العدالــة والمســاواة فــي معــاملته‬
‫اليومية ‪:‬‬
‫كييان النييبي ‪ ‬يمييارس سييلوكيات العداليية والمسيياواة فييي أدق‬
‫تفصيل حياته اليومية‪ ،‬مع الغريب والقريب‪ ،‬في السييفر والحضيير‪،‬‬
‫‪ 1‬مولنا محمد علي ‪ :‬حياة محمد و رسالته‪ ،‬ص ‪ 270‬وما بعدها‬
‫‪ 2‬صحيح – رواه البخاري برقم )‪ (3216‬ومسلم‪ ،‬برقم)‪.(3196‬‬
‫‪ 3‬مولنا محمد علي ‪ :‬حياة محمد و رسالته‪ ،‬ص ‪ 270‬وما بعدها‬
‫‪ 4‬ك ‪ .‬ل ‪ .‬جاوبا ‪ :‬هندوكي مثقف‪ ،‬ومحامي كبير بالمحاكم العليا‪ ،‬درس السلم‪ ،‬ولم يرض أن يظل على دينه‬
‫الذي ورثه عن آبائه وأجداده‪ ،‬وأخذ يقارن بين الديان‪ ،‬وانتهى المر به إلى اعتناق السلم‪.‬‬
‫‪ 5‬انظر‪ :‬عرفات كامل العشي ‪ :‬رجال ونساء أسلموا ‪. 84 – 83 / 3 ،‬‬

‫‪118‬‬
‫كمدين وكدائن ‪ ..‬بل نراه إيجابًيا عندما شييارك فييي تأسيييس هيئة‬
‫خيرية تعنى بنصرة المظلوم !‬
‫يقول "مولنا محمد علي" ‪:‬‬
‫"وفي معاملت النبي ]‪ [‬مع الخرين لم يكن يضع نفسييه علييى‬
‫مستوى أرفع من غيره البتة‪ .‬كان يضع نفسه على قدم المسيياواة‬
‫مع سائر الناس ‪ .‬وذات يوم‪ ،‬وكان قد احتل في "المدينة" مقامييا ً‬
‫أشبه بمقام الملك‪ ،‬وفد عليه يهودي يقتضيه دينا ً ما ‪ ،‬وخاطبه في‬
‫جلفة وخشنونه قائل ً ‪ :‬إن بني هاشم ل يردون أيما مال اقترضوه‬
‫من شخص آخر ‪ .‬فثارت ثائرة عمر بن الخطاب لوقاحة اليهودي ‪،‬‬
‫ولكن الرسول]‪ [‬عنفه ذاهبا ً إلى أن الواجب كان يقتضي عميير‬
‫أن ينصح كل ً من المدين والدائن ‪ :‬أن ينصييح المييدين ‪ -‬الرسييول]‬
‫‪ - [‬بييرد الييدين مييع الشييكر ‪ ،‬وأن ينصييح الييدائن بالمطالبيية بييه‬
‫بطريقة أليق ‪ .‬ثم دفع إلى اليهودي حقه وزيادة‪ ،‬فتأثر هذا الخييير‬
‫تأثرا ً عظيما ً بروح العدل والنصاف عند الرسول]‪ ، [‬ودخل فييي‬
‫‪1‬‬
‫السلم‪".‬‬

‫"وفي مناسبة أخرى وكان مع أصحابه في أجمة من الجام ‪ ،‬حان‬


‫وقت إعداد الطعام ‪ ،‬فمهد إلى كل امرئ في القيييام بجييانب ميين‬
‫العمل‪ ،‬وانصرف هييو نفسييه إلييى جمييع الوقييود ‪ .‬لقييد كييان برغييم‬
‫سلطانه الروحي والزمني يييؤدي قسييطه ميين العمييل مثييل رجييل‬
‫عادي ‪ .‬وكان يراعي ‪ ،‬في معاملته خدمه ‪ ،‬مبدأ المساواة نفسييه‪،‬‬
‫وقال أنس ‪ " :‬خدمت رسول الله ‪ ‬عشيير سيينين فمييا قييال لييي‬
‫أف قط ‪ ،‬وما قال لشيء صنعته ليم صينعته ‪ ،‬ول لشييء تركتيه‬
‫لم تركته‪. " .2‬‬
‫ولقد كان رسول الله ‪ ‬من مؤسسي حلف الفضول‪ ،‬الذي ما‬
‫ُأوسس إل لنصرة المظلوم ونشر العدل بين الناس‪ ،‬فتحرك‬
‫رسول الله في إيجابية شديدة في دعم وتأييد هذه الحلف‪ ،‬وقال‬
‫عنه‪:‬‬
‫" شهدت حلف المطيبين مع عمومتي ‪ -‬و أنا غلم ‪ -‬فما أحب أن‬
‫لي حمر النعم و أني أنكثه "‪.3‬‬
‫وقال ‪" :‬لقد شهدت مع عمومتي في دار عبدالله بن جدعان حلفا‬
‫ما أحب أن لي به حمر النعم ولو أدعى به في السلم لجبت "‪.4‬‬

‫‪ 1‬مولنا محمد علي ‪ :‬حياة محمد و رسالته ‪260 ،‬‬


‫‪ 2‬مولنا محمد علي ‪ :‬حياة محمد و رسالته ‪261 ،‬‬
‫‪ 3‬صحيح ‪ -‬رواه البخاري في " الدب المفرد " ) ‪ ( 567‬و ابن حبان ) ‪.(2062‬‬
‫‪ 4‬صحيح ‪ -‬السنن الكبرى للبيهقي )ج ‪ / 6‬ص ‪ ،(367‬وصححه اللباني في تحقيق كتاب فقه السيرة‪ ،‬ص ‪.67‬‬

‫‪119‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬نماذج العدالة في سنته وسيرته‪: ‬‬
‫ل‪ :‬تحذيره من استعباد الناس ‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫لقد رسخ الرسول‪ ‬قيم العدالة والمساواة في نفوس وزرائه‬
‫وأتباعه ‪ ،‬فكان يقول ي محذرا ً من استعباد الناس ي ‪ " :‬ل يقولن‬
‫متي ‪ ..‬كلكم عباد الله وكل نسائكم إماء الله ‪.‬‬ ‫أحدكم عبدي وأ َ‬
‫ولكن ليقل ‪ :‬غلمي وجاريتي وفتاي وفتاتي ‪ .‬ول يقل العبد ‪ :‬ربي‬
‫ولكن ليقل ‪ :‬سيدي "‪..1‬‬
‫ثانًيا‪ :‬نهيه عن التمييز العنصري ‪:‬‬
‫خلق من تراب‪ .‬لينتهين قوم‬ ‫فيقول ‪ " :‬كلكم بنو آدم و آدم ُ‬
‫‪2‬‬
‫يفتخرون بآبائهم أو ليكونن أهون على الله من الجعلن " ‪.‬‬
‫ولقد عّنف الرسول ‪ ‬أبا ذر ‪ ‬تعنيفا ً شديدا لما عير بلل ً‬
‫بأمه ‪..‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫سوَي ْد ٍ َقا َ‬ ‫ْ‬
‫ة‪ ،‬وَع َلى‬ ‫حل ٌ‬ ‫ت أَبا ذ َّرِبالّرب َذ َةِ وَع َلي ْهِ ُ‬ ‫قي ُ‬ ‫لل ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫معُْرورِ ب ْ َ ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫فعَ ْ‬
‫ك ‪-‬أى كيف تلبس حلة ويلبس خادمك‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫ه عَ ْ‬ ‫سأل ْت ُ ُ‬ ‫ة فَ َ‬ ‫حل ّ ٌ‬ ‫مه ِ ُ‬ ‫غ َُل ِ‬
‫جًل‬ ‫ت َر ُ‬ ‫ساب َب ْ ُ‬ ‫ل‪ :‬إ ِّني َ‬ ‫قا َ‬ ‫أو صبيك نفس الحلة التى تلبسها؟ ‪ ، -‬فَ َ‬
‫مهِ ؟ ! إ ِن ّ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‪ .‬فَ َ‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫ه ب ِأ ّ‬ ‫ي ‪َ ":‬يا أَبا ذ َّر ! أع َي ّْرت َ ُ‬ ‫ل ِلي الن ّب ِ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ب ِأ ّ‬ ‫فَعَي ّْرت ُ ُ‬
‫َ‬
‫م‪،‬‬‫ديك ُ ْ‬ ‫ت أي ْ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ه تَ ْ‬‫م الل ّ ُ‬ ‫جعَل َهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫خوَل ُك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫وان ُك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫خ‬
‫ة ‪ ..‬إ ِ ْ‬ ‫جاه ِل ِي ّ ٌ‬ ‫ك َ‬ ‫مُرؤ ٌ ِفي َ‬ ‫ا ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ما ي َل ْب َ ُ‬
‫س‬ ‫م ّ‬ ‫ه ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ل وَل ْي ُل ْب ِ ْ‬ ‫ما ي َأك ُ ُ‬
‫َ‬
‫م ّ‬ ‫ه ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ت ي َد ِهِ فَل ْي ُط ْعِ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫خوه ُ ت َ ْ‬ ‫نأ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫فَ َ‬
‫‪3‬‬
‫م"‬ ‫عيُنوهُ ْ‬ ‫م فَأ ِ‬ ‫موهُ ْ‬ ‫فت ُ ُ‬ ‫ن ك َل ّ ْ‬ ‫م فَإ ِ ْ‬ ‫ما ي َغْل ِب ُهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫فوهُ ْ‬ ‫وََل ت ُك َل ّ ُ‬
‫فكأن أبي ذر رفع شعار المساواة بعد هذا التعنيف من رسول‬
‫الله ‪ ،‬فأصبح أبو ذر يأكل ما يأكل منه خادمه‪ ،‬ويلبس ما يلبس‬
‫منه خادمه !‬
‫ثالًثا‪ :‬العدل بين الولد ‪:‬‬
‫ر‬
‫شي ٍ‬ ‫ن بَ ِ‬ ‫ن بْ ُ‬ ‫ما ُ‬ ‫عن الن ّعْ َ‬
‫مال ِهِ ِلب ْن َِها‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أَ ُ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫موْه ِب َةِ ِ‬ ‫ض ال َ‬ ‫ت أَباه ُ ب َعْ َ‬ ‫سأل ْ‬ ‫ة َ‬ ‫ح َ‬ ‫ت َرَوا َ‬ ‫ه ب ِن ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫نأ ّ‬ ‫ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫سو َ‬
‫ل‬ ‫شهِد َ َر ُ‬
‫َ‬
‫حّتى ت ُ ْ‬ ‫ضى َ‬ ‫ت ‪ :‬ل أْر َ‬ ‫قال ْ‬ ‫دا ل ُ‬ ‫م بَ َ‬ ‫ة ثُ ّ‬ ‫سن َ ً‬ ‫وى ب َِها َ‬ ‫َفالت َ َ‬
‫َ‬
‫خذ َ أِبي‬ ‫ت ِلب ِْني! فَأ َ‬ ‫ما وَهَب ْ َ‬ ‫م ‪ -‬ع ََلى َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫الل ّهِ ‪َ -‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‪-‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ ‪َ -‬‬ ‫سو َ‬ ‫م‪ ،‬فَأَتى َر ُ‬ ‫مئ ِذ ٍ غ َُل ٌ‬ ‫دي وَأَنا ي َوْ َ‬ ‫ب ِي َ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ك‬‫شهِد َ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫جب ََها أ ْ‬ ‫ة أع ْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ت َرَوا َ‬ ‫ذا ب ِن ْ َ‬ ‫م هَ َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫ل الل ّهِ إ ِ ّ‬ ‫سو َ‬ ‫ل ‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫ت ِلب ْن َِها ‪.‬‬ ‫ذي وَهَب ْ ُ‬ ‫ع ََلى ال ّ ِ‬
‫ك وَل َد ٌ‬ ‫شيُر أ َل َ َ‬ ‫م ‪َ " : -‬يا ب َ ِ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ ‪َ -‬‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫ذا ؟ "‬ ‫وى هَ َ‬ ‫س َ‬ ‫ِ‬
‫م‪.‬‬ ‫ل ‪ :‬ن َعَ ْ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬
‫ذا ؟؟"‬ ‫ل هَ َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫م وَهَب ْ َ‬ ‫ل‪ " :‬أك ُل ّهُ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬

‫‪ 1‬صحيح ‪ -‬رواه مسلم وصححه اللباني في تحقيق مشكاة المصابيح ‪ ،‬ج ‪ / 3‬ص ‪31‬‬
‫‪ 2‬صحيح – صححه اللباني في صحيح وضعيف الجامع الصغير ‪،‬ج ‪ / 18‬ص ‪344‬‬
‫‪ 3‬صحيح – رواه البخاري‪ ،‬برقم ) ‪(29‬‬

‫‪120‬‬
‫ل‪َ :‬ل‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬
‫‪1‬‬
‫جوٍْر" ‪.‬‬ ‫شهَد ُ ع ََلى َ‬ ‫ذا فَإ ِّني َل أ ْ‬ ‫شهِد ِْني إ ِ ً‬ ‫ل ‪" :‬فََل ت ُ ْ‬ ‫َقا َ‬
‫عا‪ :‬عدله مع غير المسلمين‪:‬‬ ‫راب ً‬
‫‪ -1‬العدل مع فصيل يهودي‪:‬‬
‫لقد حدث أن عبدالله بن رواحة ‪ ‬لما بعثه رسول الله ‪ ‬يقدر‬
‫على أهل خيبر محصولهم من الثمار والزروع لمقاسمتهم إياها‬
‫مناصفة حسب عهد رسول الله‪ ‬بعد فتح خيبر أن حاول اليهود‬
‫رشوته ليرفق بهم‪ ،‬فقال لهم ‪ :‬والله لقد جئتكم من عند أحب‬
‫ي‪ ،‬ولنتم والله أبغض إلي من أعدادكم من القردة‬ ‫الخلق إل ّ‬
‫والخنازير‪ ،‬وما يحملني حبي إياه وبغضي لكم على أن ل أعدل‬
‫فيكم !!‬
‫‪2‬‬
‫فقالوا‪ :‬بهذا قامت السماوات والرض ‪!..‬‬
‫لقد كان ‪ ‬قد تخرج في مدرسة الرسول ‪‬على المنهج‬
‫الرباني المتفرد القائم على العدل والمساواة ‪.‬‬
‫‪ -2‬العدل مع رجل يهودي‪:‬‬
‫أ( رد الحق إلى رجل يهودي ‪:‬‬
‫َ‬ ‫عن اب َ‬
‫ي‬
‫م ّ‬ ‫سل َ ِ‬ ‫حد َْرد ٍ اْل ْ‬ ‫ن أِبي َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫دى ع َلي ْهِ ‪..‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬
‫ست َعْ َ‬ ‫م فا ْ‬ ‫ة د ََراه ِ َ‬ ‫ن ل ِي َُهود ِيّ ع َلي ْهِ أْرب َعَ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫أن ّ ُ‬
‫ن ِلي ع ََلى‬ ‫مد ُ إ ِ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل اليهودي ‪ -‬شاكًيا إلى رسول الله ‪َ : -‬يا ُ‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫م‪ ،‬وَقَد ْ غ َل َب َِني ع َل َي َْهاّ!‬ ‫َ‬ ‫هَ َ‬
‫ة د ََراه ِ َ‬ ‫ذا أْرب َعَ َ‬
‫م – آمًرا المسلم بالسداد‪: -‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي‪َ -‬‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫ه " ‪..‬‬ ‫َ‬
‫ق ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫"أع ْط ِهِ َ‬
‫ما‬‫حقّ َ‬ ‫ك ِبال ْ َ‬ ‫ذي ب َعَث َ َ‬ ‫ل المسلم – معلل ً سبب المماطلة ‪َ :-‬وال ّ ِ‬ ‫َقا َ‬
‫أ َقْد ُِر ع َل َي َْها !‬
‫دا على ضرورة التنفيذ‬ ‫م – مؤك ً‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي‪َ -‬‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫َقا َ‬
‫ه"!‪.‬‬ ‫َ‬
‫ق ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫فوًرا ‪ " : -‬أع ْط ِهِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما أقْد ُِر ع َل َي َْها! قَد ْ أ ْ‬ ‫َ‬
‫ك‬‫ه أن ّ َ‬ ‫خب َْرت ُ ُ‬ ‫سي ب ِي َد ِهِ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ذي ن َ ْ‬ ‫ل المسلم ‪َ :‬وال ّ ِ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‪..‬‬ ‫ضي ِ‬‫جعُ فَأقْ ِ‬ ‫شي ًْئا فَأْر ِ‬ ‫مَنا َ‬ ‫ن ت ُغْن ِ َ‬ ‫جو أ ْ‬ ‫خي ْب ََر فَأْر ُ‬ ‫ت َب ْعَث َُنا إ َِلى َ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫م – مكرًرا المر ‪" : -‬أع ْط ِ ِ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي‪َ -‬‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫َقا َ‬
‫ه" ‪.‬‬ ‫ق ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ل ث َلًثا ل ْ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫ذا َقا َ‬ ‫م ‪-‬إ ِ َ‬ ‫ّ‬
‫سل َ‬ ‫َ‬
‫ه ع َلي ْهِ وَ َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ي‪َ -‬‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ل الرواي ‪ :‬وَ َ‬ ‫َقا َ‬
‫جعْ !!!‬ ‫ي َُرا َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫و‬
‫ة‪ ،‬وَهُ َ‬ ‫صاب َ ٌ‬ ‫ع َ‬ ‫سه ِ ِ‬ ‫ق‪ ،‬وَع ََلى َرأ ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫حد َْرٍد( إ َِلى ال ّ‬ ‫ن أِبي َ‬ ‫ج ب ِهِ )اب ْ ُ‬ ‫خَر َ‬ ‫فَ َ‬
‫سهِ َفات َّزَر ب َِها‪ ،‬وَن ََزع َ ال ْب ُْرد َة َ فَ َ‬ ‫ْ‬
‫ل‪:‬‬ ‫قا َ‬ ‫ن َرأ ِ‬ ‫ة عَ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ما َ‬ ‫مت ّزٌِر ب ِب ُْرٍد‪ ،‬فَن ََزع َ ال ْعِ َ‬ ‫ُ‬
‫ْ‬
‫مّني هَذ ِهِ الب ُْرد َة َ ‪.‬‬ ‫شت َرِ ِ‬ ‫ا ْ‬

‫‪ 1‬صحيح‪ -‬رواه البخاري )‪ (2456‬و مسلم ‪ ،(3056) -‬واللفظ لمسلم‬


‫‪ 2‬ابن القيم ‪ :‬زاد المعاد‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.11‬‬

‫‪121‬‬
‫ه ب ِأ َْرب َعَةِ الد َّراه ِم ِ ‪..‬‬ ‫فََباع ََها ِ‬
‫من ْ ُ‬
‫صّلى الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ل الل ّهِ ‪َ -‬‬ ‫سو ِ‬ ‫ب َر ُ‬ ‫ح َ‬ ‫صا ِ‬ ‫ك َيا َ‬ ‫ما ل َ َ‬ ‫ت‪َ :‬‬ ‫قال َ ْ‬‫جوٌز فَ َ‬ ‫ت عَ ُ‬ ‫مّر ْ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬
‫ه‬‫حت ْ ُ‬‫ذا ب ِب ُْرد ٍ ع َل َي َْها ‪ ،‬ط ََر َ‬ ‫ك هَ َ‬ ‫دون َ َ‬ ‫ها ُ‬ ‫ت‪َ :‬‬ ‫قال َ ْ‬ ‫ها فَ َ‬ ‫خب ََر َ‬‫م ‪-‬فَأ ْ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ع َل َي ْهِ وَ َ‬
‫ع َل َي ْهِ ‪. 1‬‬
‫ب( آيات تنزل لتبرأة رجل يهودي ‪:‬‬
‫ولقد أنزل الله نحو خمس آيات في سورة النساء‪ ،‬على رأسها‬
‫ن‬ ‫م ب َي ْ َ‬‫حك ُ َ‬
‫حقّ ل ِت َ ْ‬ ‫ب ِبال ْ َ‬ ‫ك ال ْك َِتا َ‬ ‫قول الله تعالى ‪  :‬إ ِّنا أ َن َْزل َْنا إ ِل َي ْ َ‬
‫ما[ ] النساء ‪، [105 :‬‬ ‫صي ً‬
‫خ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫خائ ِِني َ‬ ‫ن ل ِل ْ َ‬‫ه وََل ت َك ُ ْ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫ما أ ََرا َ‬ ‫س بِ َ‬ ‫الّنا ِ‬
‫ما !‬ ‫لتبرأ رجل ً يهودًيا‪ ،‬اتهمه بعض المسلمين ظل ً‬
‫هذه اليات تحكي قصة ل تعرف لها الرض نظيرا ً ‪ ،‬ول تعرف لها‬
‫البشرية شبيها ً ‪ . .‬وتشهد ‪ -‬وحدها ‪ -‬بأن هذا القرآن وهذا الدين ل‬
‫بد أن يكون من عند الله؛ لن البشر ‪ -‬مهما ارتفع تصورهم ‪،‬‬
‫ومهما صفت أرواحهم ‪ ،‬ومهما استقامت طبائعهم ‪ -‬ل يمكن أن‬
‫يرتفعوا ‪ -‬بأنفسهم ‪ -‬إلى هذا المستوى الذي تشير إليه هذه‬
‫اليات؛ إل بوحي من الله ‪ . .‬هذا المستوى الذي يرسم خطا على‬
‫الفق لم تصعد إليه البشرية ‪ -‬إل في ظل هذا المنهج ‪ -‬ول تملك‬
‫الصعود إليه أبدا ً إل في ظل هذا المنهج كذلك!‬
‫إنه في الوقت الذي كان اليهود في المدينة يطلقون كل سهامهم‬
‫المسمومة ‪ ،‬التي تحويها جعبتهم اللئيمة ‪ ،‬على السلم‬
‫والمسلمين؛ في الوقت الذي كانوا فيه ينشرون الكاذيب؛‬
‫ويؤلبون المشركين؛ ويشجعون المنافقين ‪ ،‬ويحاولون تفسيخ‬
‫المجتمع المسلم من الداخل ‪ ،‬في الوقت الذي يؤلبون عليه‬
‫خصومه ليهاجموه من الخارج ‪ . .‬في هذا الوقت الحرج ‪ ،‬كانت‬
‫هذه اليات كلها تتنزل ‪ ،‬على رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ ، -‬لتنصف رجل ً يهوديا ً ‪ ،‬اتهم ظلما ً بسرقة؛ ولتدين الذين تآمروا‬
‫على اتهامه ‪ ،‬وهم بيت من النصار في المدينة ‪ .‬والنصار يومئذ‬
‫هم عدة الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وجنده ‪ ،‬في مقاومة‬
‫هذا الكيد الناصب من حوله ‪ ،‬ومن حول الرسالة والدين والعقيدة‬
‫الجديدة ‪! . . .‬‬
‫أي مستوى هذا من النظافة والعدالة والتسامي! ثم أي كلم‬
‫يمكن أن يرتفع ليصف هذا المستوى؟ وكل كلم ‪ ،‬وكل تعليق ‪،‬‬
‫وكل تعقيب ‪ ،‬يتهاوى دون هذه القمة السامقة؛ التي ل يبلغها‬
‫البشر وحدهم ‪ .‬بل ل يعرفها البشر وحدهم‪ .‬إل أن يقادوا بمنهج‬
‫الله ‪ ،‬إلى هذا الفق العلوي الكريم الوضيء‪ 2‬؟!‬
‫ل‬‫كاُنوا أ َهْ َ‬ ‫ق ‪ ...‬وَ َ‬ ‫ُ‬
‫م ب َُنو أب َي ْرِ ٍ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫قا ُ‬ ‫من النصار ي ُ َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ن أ َهْ ُ‬
‫ل ب َي ْ ٍ‬ ‫فقد َ‬
‫كا َ‬
‫‪ 1‬صحيح ‪ -‬رواه أحمد)‪ ، (14942‬وذكره اللباني في السلسلة الصحيحة ‪2108‬‬
‫‪ 2‬انظر‪ :‬سيد قطب‪ :‬في ظلل القرآن ‪) -‬ج ‪ / 2‬ص ‪(231‬‬

‫‪122‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫ضافِط َ ٌ‬ ‫ت َ‬ ‫م ْ‬ ‫قد ِ َ‬ ‫سَلم ِ ‪ ...‬فَ َ‬ ‫جاه ِل ِي ّةِ َواْل ِ ْ‬ ‫جةٍ وََفاقَةٍ ِفي ال ْ َ‬ ‫حا َ‬ ‫ت َ‬ ‫ب َي ْ ِ‬
‫ة‬
‫شَرب َ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِفي َ‬ ‫جعَل َ ُ‬ ‫ك فَ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن الد ّْر َ‬ ‫م ْ‬ ‫مًل ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن َزي ْد ٍ ِ‬ ‫ة بْ ُ‬ ‫شام ِ َفاب َْتاع َ لرَِفاع َ ُ‬ ‫ال ّ‬
‫ت‬‫ت ال ْب َي ْ ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ف فَعُد ِيَ ع َل َي ْهِ ِ‬ ‫سي ْ ٌ‬ ‫ح وَد ِْرع ٌ وَ َ‬ ‫سَل ٌ‬ ‫شَرب َةِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه وَِفي ال ْ َ‬ ‫لَ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ح أَتى رَِفاع َ ُ‬
‫ة‬ ‫صب َ َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ح‪ ،‬فَل َ ّ‬ ‫سَل ُ‬ ‫م َوال ّ‬ ‫خذ َ الط َّعا ُ‬ ‫ة وَأ ِ‬ ‫شَرب َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫قب َ ْ‬ ‫فَن ُ ِ‬
‫ه قَد ْ ع ُد ِيَ ع َل َي َْنا ِفي‬ ‫َ‬ ‫ن فَ َ‬
‫خي إ ِن ّ ُ‬ ‫نأ ِ‬ ‫ل‪َ :‬يا اب ْ َ‬ ‫قا َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن الن ّعْ َ‬ ‫إلى قََتاد َة َ ب ْ ِ‬
‫ل قََتاد َة َ ب ْ ِ‬
‫ن‬ ‫حَنا‪َ .‬قا َ‬ ‫سَل ِ‬ ‫مَنا وَ ِ‬ ‫ب ب ِط ََعا ِ‬ ‫شَرب َت َُنا وَذ ُه ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت َ‬ ‫قب َ ْ‬ ‫ل َي ْل َت َِنا هَذ ِهِ فَن ُ ِ‬
‫ل ل ََنا ‪ :‬قَد ْ َرأي َْنا ب َِني‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قي َ‬ ‫سأل َْنا فَ ِ‬ ‫دارِ وَ َ‬ ‫سَنا ِفي ال ّ‬ ‫س ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن ‪ :‬فَت َ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫الن ّعْ َ‬
‫ض‬
‫ما ن ََرى إ ِل ع َلى ب َعْ ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫دوا ِفي هَذ ِهِ الل ّي ْل َةِ وََل ن ََرى ِفي َ‬ ‫ست َوْقَ ُ‬ ‫قا ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫أ ُب َي ْر‬
‫ة إلى‬ ‫ل رَِفاع َ ُ‬ ‫ق‪َ ،‬قا َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫م‪ .‬فلما أشارت أصابع التهام لب َُني أ ُب َي ْر‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫ط ََعا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫خي ل َوْ أت َي ْ َ‬ ‫نأ ِ‬ ‫قََتاد َة َ – صاحب المال المسروق – لقتادة ‪َ :‬يا اب ْ َ‬
‫ه ‪..‬‬ ‫ك لَ ُ‬ ‫ت ذ َل ِ َ‬ ‫م ‪-‬فَذ َك َْر َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ ‪ََ -‬‬ ‫سو َ‬ ‫َر ُ‬
‫ت‪:‬‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫م ‪ -‬فَ ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ ‪َ -‬‬ ‫سو َ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫ل قََتاد َة ُ ‪ :‬فَأت َي ْ ُ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬ ‫ن أ َهْ َ‬
‫قُبوا‬ ‫ن َزي ْد ٍ فَن َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ة بْ‬ ‫مي رَِفاع َ َ‬ ‫دوا إ َِلى ع َ ّ‬ ‫م ُ‬ ‫فاٍء ع َ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ل َ‬ ‫مّنا أهْ َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ل ب َي ْ ٍ‬ ‫إِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫حَنا فَأ ّ‬ ‫سَل َ‬ ‫دوا ع َل َي َْنا ِ‬ ‫ه فَل ْي َُر ّ‬ ‫م ُ‬ ‫ه وَط ََعا َ‬ ‫ح ُ‬ ‫سَل َ‬ ‫ذوا ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫ه وَأ َ‬ ‫ة لَ ُ‬ ‫شَرب َ ً‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ه‪.‬‬ ‫ة لَنا ِفي ِ‬ ‫َ‬ ‫ج َ‬ ‫حا َ‬ ‫م فل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الطَعا ُ‬ ‫ّ‬
‫ك"‪..‬‬ ‫مُر ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫سآ ُ‬ ‫م‪َ " :-‬‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه ع َلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ي‪َ -‬‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه‬‫ل لَ ُ‬ ‫قا ُ‬ ‫م يُ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫جًل ِ‬ ‫وا َر ُ‬ ‫ق‪ ،‬وخافوا الفضيحة‪ ،‬أت َ ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫معَ ب َُنو أب َي ْر‬ ‫س ِ‬ ‫ما َ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫ك ناس م َ‬ ‫ُ‬
‫ل‬‫ن أهْ ِ‬ ‫معَ ِفي ذ َل ِ َ َ ٌ ِ ْ‬ ‫جت َ َ‬ ‫ك‪َ ،‬فا ْ‬ ‫موه ُ ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫ن ع ُْروَة َ فَك َل ّ ُ‬ ‫سي ُْر ب ْ ُ‬ ‫أ َ‬
‫داِر‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫دا إ َِلى أهْ ِ‬
‫ل‬ ‫م َ‬ ‫ه عَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن وَع َ ّ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن الن ّعْ َ‬ ‫ن قََتاد َة َ ب ْ َ‬ ‫ل الل ّهِ إ ِ ّ‬ ‫سو َ‬ ‫قاُلوا ‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫فَ َ‬
‫ن غ َي ْرِ ب َي ّن َةٍ وََل‬ ‫سَلم وَ َ َ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫سرِقَةِ ِ‬ ‫م ِبال ّ‬ ‫مون َهُ ْ‬ ‫ح ي َْر ُ‬ ‫صل ٍ‬ ‫ل إِ ْ ٍ‬ ‫مّنا أهْ ِ‬ ‫ت ِ‬ ‫ب َي ْ ٍ‬
‫ت !!‬ ‫ث َب َ ٍ‬
‫َ‬
‫ه‪.‬‬ ‫مت ُ ُ‬ ‫م ‪ -‬فَك َل ّ ْ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ ‪َ -‬‬ ‫سو َ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫ل قََتاد َة ُ ‪ :‬فَأت َي ْ ُ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫مهِ ْ‬ ‫ح ت َْر ِ‬ ‫صَل ٌ‬ ‫م وَ َ‬ ‫سَل ٌ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ت ذ ُك َِر ِ‬ ‫ل ب َي ْ ٍ‬ ‫ت إ َِلى أهْ ِ‬ ‫مد ْ َ‬ ‫ل ‪ " :‬عَ َ‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫ت وََل ب َي ّن َةٍ !" ‪.‬‬ ‫سرِقَةِ ع ََلى غ َي ْرِ ث َب َ ٍ‬ ‫ِبال ّ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ماِلي وَل َ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ِ‬ ‫ن ب َعْ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ت ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫خَر ْ‬ ‫ت أّني َ‬ ‫ت وَل َوَد ِد ْ ُ‬ ‫جعْ ُ‬ ‫ل قتادة ‪ :‬فََر َ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫مي‬ ‫ك ‪.‬فَأَتاِني ع َ ّ‬ ‫م ‪ِ -‬في ذ َل ِ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ل الل ّهِ ‪-‬‬ ‫سو َ‬ ‫م َر ُ‬ ‫أك َل ّ ْ‬
‫َ‬
‫سو ُ‬
‫ل‬ ‫ل ِلي َر ُ‬ ‫ما َقا َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫خب َْرت ُ ُ‬ ‫ت فَأ ْ‬ ‫صن َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫خي َ‬ ‫ن أَ ِ‬ ‫ل‪َ :‬يا اب ْ َ‬ ‫قا َ‬ ‫ة ‪ ،‬فَ َ‬ ‫رَِفاع َ ُ‬
‫ه ال ْ ُ‬ ‫ل ‪ :‬الل ّ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫م‪ -‬فَ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫الل ّ ِ‬
‫‪1‬‬
‫ن ‪..‬‬ ‫ست ََعا ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه‪َ -‬‬
‫وفي رواية ‪ :‬لما رأى السارق ذلك عمد إلى الدرع فألقاها في‬
‫‪2‬‬
‫بيت رجل يهودي ) اسمه زيد ابن السمين (‬
‫س هذا الرجل البريء – وإن كان من غير‬ ‫وما لبث أن اتهم النا ُ‬
‫المسلمين ‪ -‬بسرقة هذا الدرع‪..‬‬

‫ن النصاري ‪ ،‬وحسنه اللباني في صحيح وضعيف‬ ‫ن الّنْعَما ِ‬


‫ن َقَتاَدَة ْب ِ‬
‫عْ‬‫‪ 1‬حسن – رواه الترمذي‪ ،‬رقم ‪َ ،2962‬‬
‫سنن الترمذي ‪.‬‬
‫‪ 2‬وهذه الرواية التي ُذكر فيها اليهودي ‪ ،‬رواية ضعيفة‪ ،‬انظر‪ :‬تفسير ابن كثير ‪) -‬ج ‪ / 2‬ص ‪ ،(405‬وقد رواه‬
‫الطبري في تفسيره )‪ (9/183‬وإسناده مسلسل بالضعفاء‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫ن‪:‬‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ن ن ََز َ‬ ‫فَل َم يل ْب ْ َ‬
‫قْرآ ُ‬ ‫ثأ ْ‬ ‫ْ َ َ‬
‫َ‬ ‫‪ ‬إ ِّنا َأنزل َْنا إ ِل َي ْ َ‬
‫ك الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ما أَرا َ‬ ‫س بِ َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م ب َي ْ َ‬ ‫حك ُ َ‬ ‫حقّ ل ِت َ ْ‬ ‫ب ِبال ْ َ‬ ‫ك ال ْك َِتا َ‬
‫‪1‬‬
‫ما‪‬‬ ‫صي ً‬ ‫خ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫خائ ِِني َ‬ ‫ن ل ِل ْ َ‬ ‫َول ت َك ُ ْ‬
‫سا‪ :‬الكل سواء أمام القانون ‪:‬‬ ‫خام ً‬
‫فعن عائشة رضي الله عنها‪:‬‬
‫شا‪ ،‬أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت ‪ ..‬فقالوا‪:‬‬ ‫أن قري ً‬
‫ومن يكلم فيها رسول الله ‪‬؟ فقالوا‪ :‬ومن يجترئ عليه إل‬
‫أسامة ابن زيد حب رسول الله ‪ ‬فكلمه أسامة ‪..‬فقال رسول‬
‫الله ‪ " : ‬أتشفع في حد من حدود الله ؟ ! " ‪ .‬ثم قام‬
‫فاختطب‪ .‬ثم قال ‪ " :‬إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق‬
‫فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه‬
‫الحد ‪ ..‬وايم الله ! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها‬
‫‪2‬‬
‫!"‬
‫سا‪ :‬عدله بين فصائل الدولة ‪:‬‬ ‫ساد ً‬
‫‪ -1‬عدله بين قريظة والنضير في مسألة الديات‪:‬‬
‫و ما أروع عدله ! حتى بين غير المسلمين وبعضهم‪ ،‬فقد تحاكم‬
‫إليه يهود قريظة والنضير‪ ،‬في مسألة تتعلق بالديات‪ ،‬فقد كانت‬
‫بنو النضير أعز من بني قريظة‪ ،‬فكانت تفرض عليهم دية‬
‫مضاعفة لقتلها‪ ،‬فلما ظهر السلم في المدينة امتنعت بنو‬
‫قريظة عن دفع الضعف‪ ،‬وطالبت بالمساواة في الدية‪ ،‬وتحاكمت‬
‫إليه نبي الرحمة‪ ،‬فعدل بينهما ‪ ،‬ونزلت الية‪ ) :‬وَك َت َب َْنا ع َل َي ْهِ ْ‬
‫‪3‬‬
‫م ِفيَها‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ن ِبالذ ُ ِ‬ ‫ف َوال ُذ ُ َ‬ ‫ف ِبال َن ْ ِ‬ ‫ن َوال َن ْ َ‬ ‫فس َوال ْعَي ْ َ ْ‬
‫ن ِبالعَي ْ ِ‬ ‫س ِبالن ّ ْ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ن الن ّ ْ‬ ‫أ ّ‬
‫فاَرة ٌ ل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫صد ّقَ ب ِهِ فَهُوَ ك َ ّ‬ ‫من ت َ َ‬ ‫ص فَ َ‬ ‫صا ُ ٌ‬ ‫ح قِ َ‬ ‫جُرو َ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫س ّ‬ ‫ن ِبال ّ‬ ‫س ّ‬ ‫َوال ّ‬
‫م ال ّ‬ ‫ه فَأول َئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫ن ( ]المائدة‪:‬‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫ما أن َْز َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫من ل ّ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫‪4‬‬
‫‪. [45‬‬
‫فعن ابن عباس قال‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ؤو َ‬
‫م‬
‫ض ع َن ْهُ ْ‬ ‫كم ب َي ْن َُهم أوْ أع ْرِ ْ‬ ‫ك َفا ْ‬ ‫جآ ُ‬ ‫لما نزلت هذه الية )فِإن َ‬
‫م‬‫كم ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫ت َفا ْ‬ ‫م َ‬ ‫حك َ ْ‬‫ن َ‬ ‫ً‬
‫شْيئا وَإ ِ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ضّرو َ‬ ‫م فََلن ي َ ُ‬ ‫ض ع َن ْهُ ْ‬ ‫وَِإن ت ُعْرِ ْ‬
‫ن ( ]المائدة‪ ،[42‬قال ‪" :‬كان بنو‬ ‫طي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫م ْ‬‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ط إِ ّ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ْ‬‫ِبال ْ ِ‬
‫النضير إذا قتلوا من بني قريظة أدوا نصف الدية وإذا قتل بنو‬
‫قريظة من بني النضير أدوا إليهم الدية كاملة‪ ،‬فسوى رسول الله‬

‫ن النصاري ‪ ،‬وحسنه اللباني في صحيح وضعيف‬ ‫ن الّنْعَما ِ‬


‫ن َقَتاَدَة ْب ِ‬
‫عْ‬‫‪ 1‬حسن – رواه الترمذي‪ ،‬رقم ‪َ ،2962‬‬
‫سنن الترمذي ‪.‬‬
‫‪ 2‬صحيح – رواه البخاري برقم ‪ ،3288‬و أخرجه مسلم في الحدود باب قطع السارق الشريف وغيره رقم ‪1688‬‬
‫‪ 3‬أكرم ضياء العمري‪ :‬السيرة النبوية الصحيحة ‪1/291‬‬
‫‪ 4‬علي محمد الصلبي ‪ :‬السيرة النبوية ‪1/331‬‬

‫‪124‬‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬بينهم"‪. 1‬‬
‫وفي رواية ‪:‬‬
‫"فكان إذا قتل رجل من قريظة رجل من النضير قتل به‪ ،‬وإذا‬
‫قتل رجل من النضير رجل من قريظة‪ ،‬فودي بمائة وسق من تمر‬
‫ل من النضير‬ ‫! فلما ُبعث النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬قتل رج ٌ‬
‫رجل من قريظة‪ ،‬فقالوا‪ :‬ادفعوه إلينا نقتله ‪ ،‬فقالوا‪ :‬بيننا وبينكم‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم فأتوه فنزلت"‪ 2‬الية‪ ،‬وحكم بينهم‬
‫بالعدل ‪..‬‬
‫‪ -2‬عدله بين الفصائل في مسألة الري وتوزيع المياه ‪:‬‬
‫فقد اتاه أهل مهزور من قريظة‪ ،‬يتحاكمون إليه في مشكلة‬
‫تتعلق بالمياة والري‪ ،‬فحكم بينهم ‪..‬‬
‫عن ثعلبة بن أبي مالك أنه سمع ‪ ...‬أن رجل ً من قريش كان له‬
‫سهم في بني قريظة فخاصم إلى رسول الله ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬في ] سيل [مهزور‪ 3‬يعني السيل الذي يقتسمون ماءه‪،‬‬
‫فقضى بينهم رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬أن الماء إلى‬
‫‪4‬‬
‫الكعبين ل يحبس العلى على السفل‬
‫وفي رواية ‪ :‬قال ثعلبة بن أبي مالك ‪:‬‬
‫"قضى رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في سيل مهزور‪،‬‬
‫العلى فوق السفل ‪ .‬يسقي العلى إلى الكعبين ثم يرسل إلى‬
‫من هو أسفل منه"‪. 5‬‬
‫ومذينب ومهزور واديان بالمدينة معروفان يستويان يسيلن‬
‫بالمطر ويتنافس أهل المدينة في سيلهما فقضى رسول الله ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ -‬في سيلهما أنه للعلى فأعلى والقرب‬
‫إلى السيل‪ ،‬فالقرب يمسك العلى جميع الماء حتى يبلغ الكعبين‬
‫‪6‬ثم يرسله إلى من تحته ممن يليه‬
‫عا‪ :‬مبادىء المساواة والعدالة في خطبة الوداع‪:‬‬ ‫ساب ً‬
‫هذا‪ ،‬وتعد خطبة الوداع دستورا ً عظيما في إقامة العدالة‬
‫والمساواة في ربوع العالم ‪ ..‬ويعلق هربرت جورج ولز‪ 7‬على‬

‫‪ 1‬حسن – رواه أبو داود )‪ ( 3591‬والنسائي ) ‪ ، ( 4411 ) ، ( 4733‬وقال اللباني – في صحيح وضعيف سنن‬
‫أبي داود ‪ :-‬حسن صحيح السناد ‪.‬‬
‫‪ 2‬صحيح – رواه ابو داود )‪ ،(4494‬والنسائي ) ‪ ،(4411 – 4410 ) ،( 4733 - 4732‬وأحمد )‪،(3434‬‬
‫وصححه اللباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود ‪ .‬وقال شعيب الرنؤوط ‪ :‬حسن‪.‬‬
‫‪ 3‬سيل مهزور ‪ :‬اسم واد لبني قريظة بالحجاز‬
‫‪ 4‬صحيح – رواه ابن ماجه )‪ ،(2481‬وأبو دواد)‪ ، (3638‬وصححه اللباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود‬
‫‪ 5‬صحيح ‪ -‬رواه ابن ماجه )‪ ،(2481‬وصححه اللباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه‪.‬‬
‫‪ 6‬ابن عبد البر ‪ :‬الستذكار‪ ،‬ج ‪ / 7‬ص ‪189‬‬
‫‪ 7‬هربرت جورج ولز )‪ (1946 – 1866‬الكاتب البريطاني المعروف‪ ..‬اشتهر بقصصه الذي يعتمد الخيال العلمي‬
‫وله كتابات في التاريخ ‪ ،‬مثل )معالم تاريخ النسانية( وأعقبه بـ)موجز تاريخ العالم(‪ .‬وكان آخر كتاب أصدره هو‬
‫)العقل في أقصى تواتراته( ‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫هذه الخطبة بقوله ‪:‬‬
‫ج محمد ]‪ [‬حجة الوداع ]في ذي الحجة ‪10‬هي‪ /‬مارس‪632‬‬ ‫"ح ّ‬
‫م[ من المدينة إلى مكة‪ ،‬قبل وفاته بعام‪ ،‬وعند ذاك ألقى على‬
‫ن أول فقرة فيها تجرف أمامها كل ما‬ ‫شعبه موعظة عظيمة‪ ..‬إ ّ‬
‫بين المسلمين من نهب وسلب ومن ثارات ودماء‪ ،‬وتجعل الفقرة‬
‫الخيرة منها الزنجي المؤمن عدل ً للخليفة‪ ..‬إنها أسست في‬
‫العالم تقاليد عظيمة للتعامل العادل الكريم"‪.1‬‬
‫إن دروس العدالة والمساواة في سيرة النبي ‪ ‬ودولته ونظامه‪،‬‬
‫جلية بينة لكل ذي بال ‪ ،‬وهي تمثل مظهر من مظاهر رحمته ‪‬‬
‫للبشر‪ ،‬بيد أن الخرص كثيرا ً ما يصيب طائفة من الحاقدين‬
‫والحانقين على سيرة محمد ‪‬؛ فيغضون الطرف عن هذه القيم‬
‫الزاهية في سيرة النبي ‪.. ‬‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬الناس سواء كأسنان المشط‪:‬‬
‫يقول رسول الله ‪ ،‬في جملة مشهورة للقاصي والداني‪:‬‬
‫" الناس كأسنان المشط "‪.. 2‬‬
‫ويشرح المستشرق والمؤرخ بودلي هذه العبارة البليغة قائ ً‬
‫ل‪:‬‬
‫أي" ليس هناك أي عائق لييوني للمسييلم فل يهييم أكييان المييؤمن‬
‫أبيض أو أسود أو أصفر‪ ،‬فالجميع يعاملون على قدم المساواة"‪.3‬‬
‫ويتعرض توماس كارليل لهذه القيمة في إعجاب شديد فيقول ‪:‬‬
‫"في السلم خّلة أراها من أشرف الخلل وأجّلهييا وهييي التسييوية‬
‫بين الناس‪ .‬وهذا يدل على أصدق النظر وأصييوب الييرأي‪ .‬فنفييس‬
‫المؤمن راجحة بجميييع دول الرض‪ ،‬والنيياس فييي السييلم سيواء‪.‬‬
‫"‪!4‬‬
‫و تأسيسا ً على مبييدأ الخييوة النسييانية بييين الجنيياس والشييعوب‪،‬‬
‫حقق نبينا محمد ‪ ‬واقعيا ً عملية توحيد مختلف الجناس في ظل‬
‫المساواة والعدل السلميين ‪ ،‬يقول "برج"مؤكدا ً ‪:‬‬
‫"إنه ليس هناك من مجتمع آخر سجل له التاريخ ميين النجيياح كمييا‬
‫سييجل للسييلم فييي توحيييد الجنيياس النسييانية المختلفيية ‪ ،‬مييع‬
‫التسوية بينها في المكانة والعمل وتهيئة الفرص للنجاح فييي هييذه‬
‫الحياة"‪.5‬‬

‫‪ 1‬هربرت جورج ولز ‪ :‬معالم تاريخ النسانية ‪.641 ، 640/ 3 ،‬‬


‫‪ 2‬مسند الشهاب القضاعي عن أنس بن مالك‪ ،‬برقم ‪ ،186‬أي متساوون في الحكام‪ ،‬ل يفضل شريف لشرفه على‬
‫وضيع‪ ،‬كأسنان المشط متساوية ل فضل لسن منها على أخرى ) العزلة للخطابي ص ‪.(144‬‬
‫‪ 3‬انظر‪ :‬عماد الدين خليل‪ :‬قالوا عن السلم ص ‪.137‬‬
‫‪ 4‬توماس كارليل ‪ :‬البطال ‪ ،‬ص ‪65‬‬
‫‪ 5‬توماس كارليل ‪ :‬البطال ‪ ،‬ص ‪65‬‬

‫‪126‬‬
‫فلقد ساوى السلم بين الناس في إيجاب العبادات وتحريم‬
‫المحرمات ‪ ،‬وكما ساوى بينهم في الفضل والثواب بحسب‬
‫َ ُ‬
‫ه‬ ‫ن فَل َن ُ ْ‬
‫حي ِي َن ّ ُ‬ ‫م ٌ‬ ‫ن ذ َك َرٍ أوْ أن َْثى وَهُوَ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫م َْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ ً‬
‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫أعمالهم‪َ ‬‬
‫ن [ ]النحل ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫حَياة ً ط َي ّب َ ً‬
‫ملو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫س ِ‬‫ح َ‬ ‫م ب ِأ ْ‬ ‫جَرهُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫جزِي َن ّهُ ْ‬‫ة وَلن َ ْ‬ ‫َ‬
‫الية ‪. [ 97‬‬
‫وساوى بينهم في كل حق ديني ودنيوي ‪ ،‬ولم يجعل لحد منهم‬
‫ميزة في مال أو لون أو عرق أوحسب أو نسب ‪ ،‬إنما الميزة‬
‫والتفضيل بالصلح القلبي والتقوى ‪ :‬فقال الله تعالى‪َ  :‬ياأ َي َّها‬
‫ُ‬
‫ل‬‫شُعوًبا وَقََبائ ِ َ‬ ‫م ُ‬ ‫جعَل َْناك ُ ْ‬‫ن ذ َك َرٍ وَأن َْثى وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قَناك ُ ْ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫س إ ِّنا َ‬ ‫الّنا ُ‬
‫َ‬
‫عن ْد َ الل ّهِ أت ْ َ‬ ‫َ‬
‫م ‪ ]‬الحجرات ‪[ 13 :‬‬ ‫قاك ُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫ن أك َْر َ‬ ‫ل ِت ََعاَرُفوا إ ِ ّ‬
‫وهذا مظهر من مظاهر رحمة النبي ‪ .. ‬فلم تكن العدالة‬
‫والمساواة في اعتبارات زعماء العرب أو في أسلوب حكمهم‬
‫للعرب‪ ،‬قبل بعثة الرسول ‪ ،‬فقد كان قبل عهده ‪ ،‬السترقاق‬
‫ه العرب‬ ‫على أشده‪ ،‬والتمييز العنصري في ذروته ‪ ..‬حتى أكرم الل ُ‬
‫برسالة محمد ‪‬‬
‫ولقد كان رسول الله ‪ ‬حريصا ً على تربية أصحابه تربية عملية‪،‬‬
‫بغرس قيم العدالة والمساواة في نفوس أصحابه ‪..‬فتخرج من‬
‫مدرسة محمد ‪ ‬رجال؛ ملئو الرض عدل ً ورحمة كما ملئت‬
‫ظلما ً وجورا ً ‪ ..‬من هؤلء الرجال عمر بن الخطاب صاحب‬
‫المقولة الشهيرة ‪ " :‬متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم‬
‫أحرارا ً "‪.‬ولقد ضرب المسلمون الوائل في فتوحاتهم أروع‬
‫المثلة في تحقيق العدل والمساواة بين الشعوب‪ ،‬حتى قال‬
‫جوستاف لوبون ‪ -‬في إعجاب وتقدير ‪ " : -‬ما عرف التاريخ‬
‫فاتحا ً أعدل ول أرحم من العرب"‪. 1‬‬

‫المبحث الرابع‬
‫الحب والخاء‬
‫لخوة مكان العصبية ‪:‬‬ ‫المطلب الول ‪ :‬ا ُ‬
‫يقول آتيين دينيه‪:‬‬
‫"لقد دعا عيسى ]عليه السلم[ إلى المساواة والخوة‪ ،‬أما محمد‬
‫]‪ [‬فوفق إلى تحقيق المساواة والخوة بين المؤمنين أثناء‬
‫حياته"‪.2‬‬
‫فليس من الطييبيعي يي فييي اعتقيياد رسييول اللييه ‪ ‬يي أن يعيييش‬

‫‪ 1‬جوستاف لوبون ‪:‬حضارة العرب‪ ،‬ص ‪40‬‬


‫‪ 2‬آتيين دينيه‪ :‬محمد رسول ال ‪ ،‬ص ‪.323‬‬

‫‪127‬‬
‫الناس على هذه الرض في شقاق و تمزق وتفرق‪ ،‬و قد أوجدهم‬
‫الخالق سبحانه من أصل واحد‪ ،‬خلقهييم جميعًييا ميين آدم‪ ،‬أبيضييهم‬
‫وأسودهم‪ ،‬شرقيهم وغربيهم‪ ،‬عربيهم وعجميهم‪ ،‬غنيهم و فقيرهم‬
‫‪ ،‬بل إن أشد ما يتنافى مع الفطرة‪ ،‬ويتعارض مع العقل‪ ،‬أن يوحد‬
‫خلق والمنشأ‪ ،‬ثم يتفرقون في المرجع والمصير‪.‬‬ ‫الله عباده في ال َ‬
‫ولجل هذا اتخذ السلم كل أساس وقاعدة تحمي هذا الكيان من‬
‫النشقاق والتصدع‪ ،‬وتمكنيه مين أداء مهمتيه عليى اليوجه المثيل‬
‫ومن بين تلك القواعد ‪ :‬الخاء‪ ..‬الذي يمحو أمامه جميع الفييوارق‬
‫بين أفراد هذا الكيان ‪،‬و امتيازاتهم من نسب أو جاه أو مال ‪..‬‬
‫ويتحدث المفكر "وليم موير " عن هذا المبدأ الكبير في السلم –‬
‫مبدأ الخاء ‪ ، -‬فيقول ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫"ومن عقيدة السلم أن النسان أخو النسان " ‪.‬‬
‫ويييبين المفكيير الكييبير "بييرج " ‪ ":‬أن مبييدأ الخيياء النسيياني هييو‬
‫أساس فلسفة الخلق الجتماعية في السلم "‪. 2‬‬
‫ويشير "فيليب حتي" إلى " أن إقامة الخوة في السلم مكان‬
‫العصبية الجاهلية )القائمة على الدم والقرابة( للبناء الجتماعي‬
‫دا؛ قام به النبي العربي ]‬ ‫كان ‪ -‬في الحقيقة ‪ -‬عمل ً جريًئا جدي ً‬
‫‪.3"..[‬‬
‫إن النبي ‪ ‬أسس الدولة السلمية الولييى‪ ،‬علييى قاعييدة الخيياء‬
‫السلمى ما بين الوس والخزرج والمكيييين المهيياجرين‪ ،‬وأسييس‬
‫الدسييتور المييدني السييلمي الييذي نظييم العلقييات ميا بييين قييوى‬
‫الشعب‪ ،‬ونجيح هيذا الدسيتور فيي تحقييق التعيايش والخياء بيين‬
‫المسلمين وبعضهم‪ ،‬وبين المسلمين وغيرهييم‪ ،‬وتطييورت جييوانب‬
‫هذا التعايش مع قيام الدولة السلمية التي ضمت شييعوبا ً وُأممييا ً‬
‫مختلفة‪ ،‬حققت بينها النسجام والخوة بين أبنيياء الييوطن الواحييد‪،‬‬
‫بعيدا ً عن العصبية العرقية أو التعصب الديني ‪.‬‬

‫ومن أجل تحقيق الحييب والخيياء بييين فصييائل الشييعوب‪ ،‬اعييترف‬


‫السلم بصييدق الرسييالت السييماوية السييابقة ‪ ..‬يقييول مارسيييل‬
‫بوازار‪ –4‬في ذلك ‪:-‬‬

‫‪ 1‬وليم موير ‪ :‬حياة محمد‪.80 ،‬‬


‫‪ 2‬انظر‪ :‬أحمد أمين ‪ :‬التكامل في السلم ‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.101‬‬
‫‪ 3‬فيليب حتى ‪ :‬السلم منهج حياة ‪ ،‬ص ‪.20 ، 19‬‬
‫‪ 4‬مفكر وقانونى فرنسى ‪ ،‬وله كتابات مشهورة عن السلم‪ ،‬أهمها ‪ " :‬إنسانية السلم"‪ ،‬و السلم اليوم"‪ .‬ويعد‬
‫كتابه الشهير " إنسانية السلم"‪ ،‬علمة مضيئة في مجال الدراسات الغربية للسلم‪ ،‬بما تميز به من موضوعية‪،‬‬
‫وعمق‪ ،‬وحرص على اعتماد المراجع التي ل يأسرها التحيز والهوى‪ ،‬وريادته في تناول الجانب الخلقي في‬
‫السلم‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫" وقد فتح السلم الباب للتعايش على الصعيد الجتماعي‬
‫والعرقي حين اعترف بصدق الرسالت اللهية المنزلة من قبل‬
‫على بعض الشعوب ‪ ،‬وجعل المسلمين منحدرين من نسل‬
‫َ‬
‫س إ ِّنا‬‫مشترك مع اليهود والنصارى عبر إبراهيم ‪َ  ...‬يا أي َّها الّنا ُ‬
‫شُعوبا ً وَقََبائ ِ َ‬ ‫ُ‬
‫ل ل ِت ََعاَرُفوا إ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫م ُ‬ ‫جعَل َْناك ُ ْ‬‫من ذ َك َرٍ وَأنَثى وَ َ‬ ‫كم ّ‬ ‫قَنا ُ‬‫خل َ ْ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الل ّ َ‬ ‫عند َ الل ّهِ أت ْ َ‬
‫قاك ُ ْ‬ ‫مك ُ ْ‬‫أك َْر َ‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬
‫خِبيٌر ‪. " .. ‬‬ ‫م َ‬‫ه ع َِلي ٌ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫م ِ‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬لماذا نجح النبي ‪ ‬في تحقيق الحب‬
‫والخاء ؟‬
‫يبين توماس آرنولد أن السبب في نجاح النبي ‪ ‬في نشر قيم‬
‫الحب والخاء سواء بين الشعوب السلمية والقبائل والعشائر‬
‫المختلفة‪ ،‬هو حسن الخلق والمعاملة الحسنة والجاذبية التي كان‬
‫يتمتع بها رسول الله ‪ ،‬فيقول آرنولد‪:‬‬
‫"‪ ..‬إن المعاملة الحسنة التي تعودتها وفود العشائر المختلفة من‬
‫النبي ]‪ [‬واهتمامه بالنظر في شكاياتهم‪ ،‬والحكمة التي كان‬
‫يصلح بها ذات بينهم‪ ،‬والسياسة التي أوحت إليه بتخصيص قطع‬
‫من الرض مكافأة لكل من بادر إلى الوقوف في جانب السلم‬
‫وإظهار العطف على المسلمين‪ ،‬كل ذلك جعل اسمه]‪ [‬مألوًفا‬
‫دا‬
‫لديهم‪ ،‬كما جعل صيته ذائًعا في كافة أنحاء شبه الجزيرة‪ ..‬سي ً‬
‫ما‪ .‬وكثيًرا ما كان يفد أحد أفراد القبيلة على‬ ‫ما ورجل ً كري ً‬ ‫عظي ً‬
‫دا في‬ ‫النبي ]‪ [‬بالمدينة ثم يعود إلى قومه داعًيا إلى السلم جا ً‬
‫تحويل إخوانه إليه‪.3"..‬‬
‫ولعل الفيلسوف إدوار مونته – هو الخر ‪ -‬يبين السبب الساس‬
‫في قدرة النبي الكريم ‪ ‬في نشر الحب والخاء بين الناس‪ ،‬و‬
‫هو ما عرف عن رسول الله ‪ " ‬بخلوص النية والملطفة‬
‫وإنصافه في الحكم‪ ،‬ونزاهة التعبير عن الفكر والتحقق‪،‬‬
‫وبالجملة كان محمد]‪ [‬أزكى وأدين وأرحم عرب عصره‪،‬‬
‫وأشدهم حفاظا ً على الزمام فقد وجههم إلى حياة لم يحلموا بها‬
‫من قبل‪ ،‬وأسس لهم دولة زمنية ودينية ل تزال إلى اليوم"‪.4‬‬
‫وكلها عوامل وأسباب أدت إلى نجاح محمد ‪ ‬في تحقيق‬
‫الحب والخاء بين فصائل وطوائف العرب ‪.‬‬
‫وكييان لمبييادىء الحييب والخيياء فييي السييلم وأثرهييا علييى بيياقي‬
‫الشييعوب‪ ،‬فييي الشييرق والغييرب‪ ،‬أن حفييرت عمق يا ً عميق يا ً فييي‬
‫‪ 1‬سورة الحجرات‪ :‬الية ‪ ، 13‬والستشهاد بالية من قبل مارسيل بوزار‪.‬‬
‫‪ 2‬مارسيل بوزار ‪ :‬إنسانية السلم ‪.185-184 ،‬‬
‫‪ 3‬توماس آرنولد ‪ :‬الدعوة إلى السلم ص ‪. 55‬‬
‫‪ 4‬كلمة للفيلسوف الفرنسي إدوار مونته الذي ولد في بلدته لوكادا) ‪ 1817‬ـ ‪ ،( 1894‬وقال هذه الكلمة في آخر‬
‫كتابه )العرب(‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫وجدانها‪ ..‬تلييك النزعيية النسييانية الخيييرة ) الحييب ‪ /‬الخيياء( الييتي‬
‫ترفض التقسيم العرقي أو الطبقي‪.‬‬
‫ويتحدث "جييواهر لل نهييرو"‪ ، 1‬عيين هييذا الجييانب‪ ،‬ممثل ً بنمييوذج‬
‫الهند‪ ،‬فيقول ‪:‬‬
‫" إن نظرية الخوة السلمية ‪ ...‬التي كان المسلمون يؤمنون‬
‫بها‪ ،‬ويعيشون فيها‪ ،‬أثرت في أذهان الهندوس تأثيرا عميقا ً ‪.‬‬
‫حّرم عليهم‬ ‫وكان أكثر خضوعا ً لهذا التأثير البؤساء الذين َ‬
‫المجتمع الهندي المساواة والتمتع بالحقوق النسانية "‪. 2‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬نماذج تعاليمه ‪: ‬‬
‫لقد جعل النبي ‪ ‬من الحب والخاء في السلم عبادة رفيعة‬
‫ُيتقرب بها إلى الله تعالى‪ ،‬وُيستظل بها في ظل عرش الله يوم‬
‫القيامة ‪ ..‬ومن جملة أحاديثه ‪ ‬في ذلك ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬المسلمون المتآخون المتحابون كالجسد‬
‫الواحد ‪:‬‬
‫شيرٍ عن رسول الله ‪ ‬أنه قال ‪:‬‬ ‫ن بَ ِ‬ ‫ن بْ ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫روى الن ّعْ َ‬
‫سد ِ إ ِ َ‬
‫ذا‬ ‫ج َ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫مث َ ُ‬‫م َ‬ ‫فه ِ ْ‬ ‫م وَت ََعاط ُ ِ‬‫مه ِ ْ‬ ‫ح ِ‬‫م وَت ََرا ُ‬ ‫واد ّه ِ ْ‬‫ن ِفي ت َ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫مث َ ُ‬ ‫" َ‬
‫‪3‬‬
‫مى" ‪.‬‬ ‫ح ّ‬ ‫سهَرِ َوال ْ ُ‬ ‫سد ِ ِبال ّ‬ ‫ج َ‬ ‫سائ ُِر ال ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫عى ل َ ُ‬ ‫دا َ‬ ‫ضو ٌ ت َ َ‬ ‫ه عُ ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫كى ِ‬ ‫شت َ َ‬ ‫ا ْ‬
‫ثانًيا‪ :‬المسلمون المتآخون المتحابون كرجل واحد ‪:‬‬
‫ْ‬
‫عى‬ ‫دا َ‬ ‫ه تَ َ‬ ‫س ُ‬‫كى َرأ ُ‬ ‫شت َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫د‪ ،‬إ ِ ْ‬
‫ح ٍ‬‫ل َوا ِ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ن ك ََر ُ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫قال النبي ‪ " : ‬ال ْ ُ‬
‫ر"‪.4‬‬ ‫سه َ ِ‬‫مى َوال ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫سد ِ ِبال ْ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫سائ ُِر ال ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫لَ ُ‬
‫ثالًثا‪ :‬المسلمون المتآخون المتحابون في ظلل الله ‪:‬‬
‫َ‬ ‫عَ َ‬
‫ك‬‫ه ت ََباَر َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ل الل ّهِ ‪ " :‬إ ِ ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل‪َ :‬قا َ‬ ‫ه َقا َ‬ ‫ن أِبي هَُري َْرة َ أن ّ ُ‬ ‫ْ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ظ‬ ‫ل يوم ال ْقيامة‪ :‬أ َين ال ْمتحابون ل ِجَلِلي ؟ ال ْيوم أ ُ‬ ‫ُ‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫عا‬
‫ِ ُ ْ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ُ َ َ ّ َ َ‬ ‫َ ْ َ ِ َ َ ِ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫وَت َ َ‬
‫ل إ ِّل ظ ِّلي ‪. 5".‬‬ ‫م َل ظ ِ ّ‬ ‫ِفي ظ ِّلي‪ ،‬ي َوْ َ‬
‫عا‪ :‬المسلمون المتآخون المتحابون وجبة لهم محبة‬ ‫راب ً‬
‫الله ‪:‬‬
‫عن معاذ بن جبل قال ‪ :‬سمعت رسول الله ‪ ‬يقول ‪:‬‬
‫ي والمتجالسين في‬ ‫" قال الله تعالى ‪ :‬وجبت محبتي للمتحابين ف ّ‬
‫ي"‪.6‬‬ ‫والمتزاورين في والمتباذلين ف ّ‬
‫سا‪ :‬المسلمون المتآخون المتحابون يغبطهم‬ ‫خام ً‬
‫النبياء والشهداء ‪:‬‬

‫‪ 1‬زعيم الهند الراحل ‪ ،‬وباني نهضتها الحديثة‪.‬‬


‫‪ 2‬انظر ‪ :‬محمد شريف الشيباني ‪ :‬الرسول في الدراسات الستشراقية المنصفة‪ ،‬ص ‪192‬‬
‫‪ 3‬صحيح – رواه مسلم‪ ،‬برقم ‪.4685‬‬
‫‪ 4‬صحيح – رواه مسلم‪ ،‬برقم ‪4686‬‬
‫‪ 5‬صحيح – رواه مسلم‪ ،‬برقم ‪ ،4655‬ورواه مالك في الموطأ‪ ،‬برقم ‪1500‬‬
‫‪ 6‬صحيح ‪ -‬رواه مالك‪ ،‬برقم ‪ ،1503‬وصححه اللباني في مشكاة المصابيح‪ ،‬برقم ‪.5011‬‬

‫‪130‬‬
‫قال النبي ‪ " :: ‬يقول الله تعالى ‪ :‬المتحابون في جللي لهم‬
‫منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء"‪.1‬‬
‫وعن أبي الدرداء ‪ ‬قال ‪ :‬قال رسول الله ‪ "‬ليبعثن الله أقوا ً‬
‫ما‬
‫يوم القيامة في وجوههم النور‪ ،‬على منابر اللؤلؤ ‪ ،‬يغبطهم‬
‫الناس‪ ،‬ليسوا بأنبياء ول شهداء "‪ .‬قال ‪ :‬فجثا أعرابي على‬
‫ركبتيه‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول الله حلهم لنا نعرفهم ! قال ‪ " :‬هم‬
‫المتحابون في الله من قبائل شتى وبلد شتى‪ ،‬يجتمعون على‬
‫ذكر الله يذكرونه "‪.2‬‬
‫سخ رسول الله ‪ ‬قيم الحب والخاء بين شعبه‪ ،‬ورسخها‬ ‫هكذا ر ّ‬
‫ً‬
‫‪ ‬عمليا‪ ،‬فيرغبهم في الحب والخاء وثوابهما‪ ،‬ويرهبهم من‬
‫التباغض والشقاق وعواقبهما في الدنيا والخرة ‪.‬‬
‫إن هذا مظهر من مظاهر رحمة النبي ‪ ، ‬فلقد نجح النبي ‪‬‬
‫في تحقيق الخوة والحب بين الشعب‪ ،‬حتى أصبح أبناء الدولة‬
‫في عهده كالجسد الواحد أوكالرجل الواحد ‪..‬‬

‫المبحث الخامس‬
‫سماحته في المعاملت المالية‬
‫من مظاهر رحمته‪ ،‬سماحته وسهولته في المعاملت المالية ‪،‬‬
‫واستعمال معالي الخلق‪ ،‬وترك المشاحنات‪ ،‬و تجنب إرهاق‬
‫الناس بالمطالبة أو المماطلة ‪..‬وكان يحث على إنظار المعسر‬
‫والرفق به‪ ،‬والتساهل في المعاوضات المالية‪ ،‬والمشاركة في‬
‫سداد الديون عن المدينين‪ ،‬والكرم والعطاء بين المتعاقدين‪.‬‬
‫المطلب الول ‪ :‬حثه على السماحة في المعاملت‬
‫المالية ‪:‬‬
‫ل‪ :‬في البيع والشراء والقضاء ‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫ل‪:‬‬‫ل الل ّهِ ‪َ ‬قا َ‬ ‫سو َ‬ ‫َ‬
‫ن َر ُ‬
‫عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما‪ :‬أ ّ‬
‫ذا اقْت َ َ‬
‫شت ََرى‪ ،‬وَإ ِ َ‬
‫ذا ا ْ‬
‫ع‪ ،‬وَإ ِ َ‬ ‫حا‪ 3‬إ ِ َ‬ ‫جًل َ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫‪4‬‬
‫ضى" ‪..‬‬ ‫ذا َبا َ‬ ‫م ً‬
‫س ْ‬ ‫ه َر ُ‬ ‫ح َ‬‫"َر ِ‬
‫وعن أبي هريرة ‪ ‬أن رسول الله ‪ ‬قال‪" :‬غفر الله لرجل كان‬
‫قبلكم‪ ،‬كان سهل ً إذا باع‪ ،‬سهل ً إذا اشترى‪ ،‬سهل ً إذا اقتضى"‪.5‬‬
‫ل‬‫حَزام ٍ ‪َ ‬قا َ‬ ‫ن ِ‬
‫كيم ِ ب ْ ِ‬ ‫ح ِ‬
‫وعن َ‬
‫‪ 1‬صحيح – رواه الترمذي‪ ،‬برقم ‪ ،2312‬وصححه اللباني في مشكاة المصابيح‪ ،‬برقم ‪.5011‬‬
‫‪ 2‬صحيح ‪ -‬رواه الطبراني بإسناد حسن‪ ،‬وصححه اللباني في صحيح الترغيب والترهيب‪ ،‬برقم ‪1509‬‬
‫طلب منه‪.‬‬‫ل يوافق على ما ُ‬‫‪ 3‬كريمًا متساه ً‬
‫‪ 4‬أي إذا طلب حقه‬
‫عَفا ٍ‬
‫ف‬ ‫طُلْبُه ِفي َ‬
‫حّقا َفْلَي ْ‬
‫ب َ‬
‫طَل َ‬
‫ن َ‬
‫شَراِء َواْلَبْيِع َوَم ْ‬
‫حِة ِفي ال ّ‬
‫سَما َ‬
‫سُهوَلِة َوال ّ‬
‫‪ 5‬صحيح – رواه البخاري في البيوع‪َ ،‬باب ال ّ‬
‫رقم ‪1934‬‬

‫‪131‬‬
‫حّتى‬ ‫ل َ‬ ‫فّرَقا أ َوْ َقا َ‬ ‫م ي َت َ َ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫خَيارِ َ‬ ‫ن ِبال ْ ِ‬ ‫ل الل ّهِ ‪": ‬ال ْب َي َّعا ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ما وَك َذ ََبا‬ ‫ن ك َت َ َ‬ ‫ما وَإ ِ ْ‬ ‫ما ِفي ب َي ْعِهِ َ‬ ‫ك ل َهُ َ‬ ‫صد ََقا وَب َي َّنا ُبورِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫فّرَقا فَإ ِ ْ‬ ‫ي َت َ َ‬
‫ما" ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫ة ب َي ْعِهِ َ‬ ‫ت ب ََرك َ ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫ح َ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫ثانًيا‪ :‬التيسير على المعسر ‪:‬‬
‫ن‬‫ل ُيداي ُ‬ ‫عن أبي هريرة ‪ ‬أن رسول الله ‪‬قال‪" :‬كان الرج ُ‬
‫ه‬
‫ل الل َ‬ ‫سرا ً فتجاَوز عنه‪ ،‬لع ّ‬ ‫مع ِ‬ ‫ت ُ‬ ‫ه‪ :‬إذا أتي َ‬ ‫ل لفتا ُ‬ ‫الناس‪ ،‬فكان يقو ُ‬
‫ه َفتجاوََز عنه"‪.2‬‬ ‫ي الل َ‬ ‫ق َ‬ ‫أن َيتجاَوز عنا ‪ ..‬فل َ ِ‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬نماذج سماحته في المعاملت‬
‫المالية ‪:‬‬
‫ت‪:‬‬ ‫ة َقال ْ‬ ‫َ‬ ‫ش َ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫عَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ق‬‫س ٍ‬ ‫جَزائ َِر ب ِوَ ْ‬ ‫جُزوًرا أوْ َ‬ ‫ب َ‬ ‫ن اْلع َْرا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل الل ّهِ ‪ِ ‬‬ ‫سو ُ‬ ‫اب َْتاع َ َر ُ‬
‫ل الل ّهِ ‪‬‬ ‫سو ُ‬ ‫جعَ ب ِهِ َر ُ‬ ‫جوَة ُ ‪ -‬فََر َ‬ ‫خَرةِ ال ْعَ ْ‬ ‫مُر الذ ّ ِ‬ ‫خَرةِ ‪ -‬وَت َ ْ‬ ‫مرِ الذ ّ ِ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ل اللهِ ‪.. ‬‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫ج إ ِلي ْهِ َر ُ‬ ‫َ‬ ‫خَر َ‬ ‫ه‪ ،‬فَ َ‬ ‫جد ْ ُ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫مَر فَل ْ‬‫َ‬ ‫ه الت ّ ْ‬ ‫سل ُ‬‫َ‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬
‫إ ِلى ب َي ْت ِهِ َوالت َ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫جَزائ َِر‪-‬‬ ‫جُزوًرا ‪ -‬أوْ َ‬ ‫ك َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫ه َيا ع َب ْد َ الل ّهِ إ ِّنا قَد ْ اب ْت َعَْنا ِ‬ ‫ل‪ " :‬ل َ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫جد ْه ُ !" ‪..‬‬ ‫م نَ ِ‬ ‫سَناه ُ فَل َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ة‪َ ،‬فال ْت َ َ‬ ‫خَر ِ‬ ‫مرِ الذ ّ ْ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ق ِ‬ ‫س ٍ‬ ‫ب ِوَ ْ‬
‫ي ‪َ :‬وا غ َد َْراه ُ !!‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫ل الع َْراب ِ ّ‬
‫َ‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سو ُ‬ ‫ه ! أي َغْد ُِر َر ُ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫س‪ .‬وََقاُلوا‪َ :‬قات َل َ َ‬ ‫ه الّنا ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ت ‪ :‬فَن َهَ َ‬ ‫َقال َ ْ‬
‫‪‬؟!‬
‫قال " ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫م َ‬ ‫حقّ َ‬ ‫ْ‬
‫ب ال َ‬ ‫ح ِ‬ ‫صا ِ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫عوه ُ ! فَإ ِ ّ‬ ‫ل اللهِ ‪" : ‬د َ ُ‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫من ْ َ‬
‫ك‬ ‫ل‪َ " :‬يا ع َب ْد َ الّله ‪ ..‬إ ِّنا اب ْت َعَْنا ِ‬ ‫قا َ‬ ‫ل الل ّهِ ‪ ‬فَ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ه َر ُ‬ ‫عاد َ ل َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫َ‬
‫جد ْه ُ "‬ ‫م نَ ِ‬ ‫سَناه ُ فَل َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ك َفال ْت َ َ‬ ‫مي َْنا ل َ َ‬ ‫س ّ‬ ‫ما َ‬ ‫عن ْد ََنا َ‬ ‫ن ِ‬ ‫نأ ّ‬ ‫ن ن َظ ُ ّ‬ ‫ح ُ‬ ‫ك وَن َ ْ‬ ‫جَزائ َِر َ‬ ‫َ‬
‫‪..‬‬
‫َ‬
‫ه!‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫س وََقاُلوا ‪َ :‬قات َل َ َ‬ ‫ه الّنا ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ي ‪َ :‬وا غ َد َْراه ُ ‪ ! ..‬فَن َهَ َ‬ ‫ل اْلع َْراب ِ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫ل الل ّهِ ‪..‬؟ !‬ ‫سو ُ‬ ‫َ‬
‫أي َغْد ُِر َر ُ‬
‫قاًل" ‪..‬‬ ‫م َ‬ ‫حقّ َ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫صا ِ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫عوه ُ ! فَإ ِ ّ‬ ‫ل الل ّهِ ‪ " : ‬د َ ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫ن أوْ ث ََلًثا ‪.‬‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫مّرت َي ْ‬ ‫ل الل ّهِ ‪َ ‬‬ ‫سو ُ‬ ‫ك َر ُ‬ ‫فََرد ّد َ ذ َل ِ َ‬
‫خوَي ْل َ َ‬ ‫ب إ َِلى ُ‬ ‫ل ل ِرجل م َ‬ ‫ما َرآه ُ َل ي َ ْ‬
‫ة‬ ‫حاب ِهِ ‪ " :‬اذ ْهَ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ه؛ َقا َ َ ُ ٍ ِ ْ‬ ‫ه ع َن ْ ُ‬ ‫ق ُ‬ ‫ف َ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫بنت حكيم ب ُ‬
‫ن‬
‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ك إِ ْ‬ ‫ل لَ ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫ل الل ّهِ ‪ ‬ي َ ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل ل ََها َر ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫ة فَ ُ‬ ‫مي ّ َ‬ ‫نأ َ‬ ‫ِْ ِ َ ِ ِ ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫شاَء‬ ‫ن َ‬ ‫ك‪ ،‬إ ِ ْ‬ ‫ه إ ِلي ْ ِ‬ ‫حّتى ن ُؤ َد ّي َ ُ‬ ‫فيَناه ُ َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫ة؛ فَأ ْ‬ ‫خَر ِ‬ ‫مرِ الذ ّ ِ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫سقٌ ِ‬ ‫ك وَ ْ‬ ‫عن ْد َ ِ‬ ‫ِ‬
‫ه " ‪..‬‬ ‫الل ّ ُ‬
‫دي َيا‬ ‫عن ْ ِ‬ ‫م هُوَ ِ‬ ‫ت ‪ :‬ن َعَ ْ‬ ‫ل‪َ :‬قال َ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫ج ُ‬ ‫جعَ الّر ُ‬ ‫م َر َ‬ ‫ل ثُ ّ‬ ‫ج ُ‬ ‫ب إ ِل َي َْها الّر ُ‬ ‫فَذ َهَ َ‬
‫ه‪.‬‬ ‫ض ُ‬ ‫قب ِ ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ث َ‬ ‫ه‪َ ،‬فاب ْعَ ْ‬ ‫ل الل ّ ِ‬ ‫سو َ‬ ‫َر ُ‬
‫َ‬
‫ه" ‪.‬‬ ‫ذي ل َ ُ‬ ‫ب ب ِهِ فَأوْفِهِ ال ّ ِ‬ ‫ل ‪" :‬اذ ْهَ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫ل الل ّهِ ‪ِ ‬للّر ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬
‫ه ‪..‬‬ ‫ذي ل َ ُ‬ ‫ب ب ِهِ فَأوَْفاه ُ ال ّ ِ‬ ‫فَذ َهَ َ‬
‫‪ 1‬صحيح‪ -‬رواه البخاري ‪1937‬‬
‫‪ 2‬متفق عليه‪ -‬البخاري برقم ‪1936‬‬

‫‪132‬‬
‫ل الل ّهِ ‪ ‬وَهُوَ َ‬ ‫َ‬
‫س ِفي‬ ‫جال ِ ٌ‬ ‫سو ِ‬ ‫ي ب َِر ُ‬ ‫مّر اْلع َْراب ِ ّ‬ ‫ت عائشة ‪ :‬فَ َ‬ ‫َقال َ ْ‬
‫َ‬ ‫خيرا فَ َ َ‬ ‫َ‬
‫ت وَأط ْي َب ْ َ‬
‫ت‪.‬‬ ‫قد ْ أوْفَي ْ َ‬ ‫ه َ ًْ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫جَزا َ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫قا َ‬ ‫ه‪ ،‬فَ َ‬‫حاب ِ ِ‬‫ص َ‬‫أ ْ‬
‫عَباد ِ الل ّهِ ِ‬
‫عن ْد َ‬ ‫خَياُر ِ‬ ‫ك ِ‬ ‫ل الل ّهِ ‪ُ " : ‬أول َئ ِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ت عائشة ‪ :‬فَ َ‬ ‫َقال َ ْ‬
‫ن"‪.1‬‬ ‫طيُبو َ‬
‫م ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫موُفو َ‬ ‫ة‪ ،‬ال ْ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫قَيا َ‬ ‫الل ّهِ ي َوْ َ‬

‫الفصل الرابع‬
‫رحمته للعالمين في مجال التشريع‬

‫الول ‪ :‬المرونة والتجديد‬ ‫المبحث‬


‫الثاني ‪ :‬الوسطية والعتدال‬ ‫المبحث‬
‫الثالث ‪ :‬التيسير‬ ‫المبحث‬
‫الرابع ‪ :‬الرخص الشرعية‬ ‫المبحث‬
‫الخامس ‪ :‬التدرج التشريعي‬ ‫المبحث‬

‫‪ 1‬صحيح ‪ -‬رواه أحمد‪ ،‬برقم ‪ ،25108‬وعبد الرزاق‪ ،‬برقم ‪ ،15358‬وهو في السلسلة الصحيحة برقم ‪2677‬‬

‫‪133‬‬
‫المبحث الول‬
‫المرونة والتجديد‬

‫المطلب الول – شهادة علماء الغرب‬


‫من مظاهر الرحمة في شخصية النبي ‪ ‬في ميدان التشريع‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫أن أحكامه الشرعية تتسم بالمرونة‪ ،‬وقابلية تشريعاته للتجديد ‪،‬‬
‫والتمشي مع مقتضيات العصر والحاجات والمسائل المستجدة‪،‬‬
‫رحمة بالناس ‪..‬‬
‫فتعاليم نبينا محمد ‪ ‬بسيطة وسهلة ومرنة ‪ ..‬وهي تتسم‬
‫بالتطور الخصب‪ 2‬كما يقول توماس آرنولد‪" ،‬وإن بساطة هذه‬
‫التعاليم ووضوحها لهي على وجه التحقيق؛ من أظهر القوى‬
‫الفعالة في الدين وفي نشاط الدعوة إلى السلم‪.. 3"..‬‬

‫ويقول الدكتور "إيزيكو انسابا توحين" أحد علماء القانون‪:‬‬


‫" إن السلم يتمشى مع مقتضيات الحاجات الظاهرة فهو‬
‫يستطيع أن يتطور دون أن يتضاءل خلل القرون ‪ ،‬ويبقى‬
‫محتفظا ً بكل ما لديه من قوة الحياة والمرونة ‪ .‬فهو الذي أعطا‬
‫العالم أرسخ الشرائع ثباتًا‪ ،‬وشريعته تفوق كثيًرا الشرائع‬
‫الوربية"‪. 4‬‬
‫فالتشريع السلمي بعيد عن الجمود رغم تخرصات الكثير من‬
‫الحاقدين‪..‬وتحمل ذاتيته قوة التجدد لما يمتلكه من مرونة في‬
‫استيعاب التحولت الجتماعية ‪ ،‬فقد ثبتت مكانته العالية ورفعة‬
‫شأنه ‪.‬‬

‫‪ 1‬للباحث ‪ :‬دراسة تحت عنوان ‪ :‬التجديد والمجددون في السلم ) تحت الطبع (‬


‫‪La propagande chretienne et ses adversaires musulmans, pp. 17-18 2‬‬
‫‪ 3‬المصدر السابق‬
‫‪ 4‬انظر‪ :‬عبد المجيد بن عزيز الزنداني وآخرون‪ :‬شرح كتاب اليمان‪222 ،‬‬

‫‪134‬‬
‫ومن هنا ظهر السلم في مرحلتنا المعاصرة كشريعة عالمية‬
‫إنسانية‪ ،‬وكحل أمثل من الحلول المشتركة التي تطرحها فكرة‬
‫مستقبل النسان والمجتمع ‪..‬‬
‫ويقول "دافيد دي سانتيلنا" ‪:‬‬
‫"لما كان الشرع السلمي يستهدف منفعة المجموع‪ ،‬فهو‬
‫بجوهره شريعة تطورية غير جامدة خلًفا لشريعاتنا‪ 1‬من بعض‬
‫الوجوه‪ .‬ثم إنها علم ما دامت تعتمد على المنطق الجدلي‪..‬‬
‫وتستند إلى اللغة‪ ..‬إنها ليست جامدة‪ ،‬ول تستند إلى مجرد‬
‫العرف والعادة‪ ،‬ومدارسها الفقهية العظيمة تتفق كلها على هذا‬
‫الرأي‪ .‬فيقول أتباع المذهب الحنفي أن القاعدة القانونية ليست‬
‫بالشيء الجامد الذي ل يقبل التغيير‪ .‬إنها ل تشبه قواعد النحو‬
‫والمنطق‪ .‬ففيها يتمثل كل ما يحدث في المجتمع بصورة‬
‫‪2‬‬
‫عامة‪"..‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الشريعة السلمية ‪ :‬ثوابت و‬


‫متغيرات ‪:‬‬
‫الثابت والمتغير‪ ،‬المطلق والنسبي‪ُ ،‬بعدان أساسيان في خلود‬
‫الرسالة السلمية وخاتميتها‪ ،‬وصلحيتها ورفقها بالمكلفين‪.‬‬
‫و لما كانت الشريعة السلمية شريعة البشرية من يوم أرسل‬
‫الله بها النبي ‪ ‬إلى يوم يرث الله الرض ومن عليها‪ ،‬كان لبد‬
‫لها ي لتتضمن وتؤمن مصالح البشر دائما ً ي من أن تكون نصوصها‬
‫مرنة تحتمل كل تطور الزمنة وتبدل العصور وتواكب الجديد ‪.3‬‬
‫إن هذه الشريعة بما فيها من مرونة وشمول‪ ،‬استجابت لمطالب‬
‫حياة البادية‪ ،‬كما استجابت فيما بعد لحياة الدولة الناشئة في عهد‬
‫النبي ‪ ، ‬المتوسعة في عهد عمر ‪ .‬ثم ظلت تستجيب لحياة‬
‫الحضارة فيما بعد‪.4‬‬
‫و الحق‪ ،‬أن المبدأين كليهما من الثبات والتغير يعملن معًا‪ ،‬في‬
‫الكون والحياة ‪ ،‬كما هو مشاهد و ملموس ‪ ..‬فل عجب أن تأتي‬
‫شريعة السلم‪ ،‬ملئمة لفطرة النسان و فطرة الوجود ‪ ،‬جامعة‬
‫بين عنصر الثبات و عنصر المرونة ‪ ..‬وبهذه المزية يستطيع‬
‫المجتمع المسلم أن يستمر و يرتقي؛ ثابتا ً على أصوله و قيمه‬
‫وغاياته‪ ،‬متطورا ً في معارفه و أساليبه وأدواته‪ .‬فبالثبات‪،‬‬
‫يستعصي هذا المجتمع على عوامل النهيار والفناء‪ ،‬أو الذوبان‬

‫‪ 1‬يقصد الشريعة الوضعية ‪.‬‬


‫‪ 2‬انظر‪ :‬سير توماس أرنولد )إشراف( ‪ :‬تراث السلم ‪ ،‬ص ‪434 – 433‬‬
‫‪ 3‬انظر‪ :‬أحمد الحجي الكردي ‪ :‬بحوث في علم أصول الفقه‪ ،‬ص ‪.45 ،44‬‬
‫‪ 4‬انظر‪ :‬سيد قطب ‪ :‬معركة السلم والرأسمالية ‪ ،‬ص ‪. 67‬‬

‫‪135‬‬
‫في المجتمعات الخرى ‪ ،‬أو التفكك إلى عدة مجتمعات ‪ ،‬تتناقض‬
‫في الحقيقة و إن ظلت داخل مجتمع و احد في الصورة ‪..‬‬
‫بالثبات يستقر التشريع وتتبادل الثقة و تبنى المعاملت‬
‫والعلقات على دعائم مكينة ‪ ،‬وأسس راسخة‪ ،‬ل تعصف بها‬
‫الهواء والتقلبات السياسية والجتماعية ما بين يوم و آخر ‪...‬‬
‫وبالمرونة ‪ ،‬يستطيع هذا المجتمع أن يكيف نفسه وعلقاته حسب‬
‫تغير الزمن‪ ،‬وتغير أوضاع الحياة ‪ ،‬دون أن يفقد خصائصه و‬
‫مقوماته الذاتية‪..1‬‬
‫وإن المبدأين كليهما ) الثبات و التغير ( يعبران عما هو أكثر من‬
‫سمة من سمات هذا الدين؛ إنهما يعبران عن مكونات هذه‬
‫الشريعة ‪ ..‬فأحكام الشريعة نجدها تنقسم إلى قسمين‬
‫أساسيين ‪ :‬قسم يمثل الثبات و الخلود‪ ،‬و قسم يمثل المرونة و‬
‫التطور ‪ ..‬ولكن ما هو مجال الثبات ومجال المرونة في شريعة‬
‫السلم ؟ و ما دلئل ذلك ‪ ..‬نبين ذلك في المطلب التالي‪.‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬في مجال الثابت و مجال المتغير ‪:‬‬
‫يقول ابن القيم ي يرحمه الله ي ‪:‬‬
‫" الحكام نوعان ‪ :‬نوع ل يتغير عن حالة واحدة هو عليها ‪ ،‬ل‬
‫بحسب الزمنة و ل المكنة ‪ ،‬و ل اجتهاد الئمة ‪ ،‬كوجوب‬
‫الواجبات ‪ ،‬و تحريم المحرمات ‪ ،‬والحدود المقدرة بالشرع على‬
‫الجرائم ‪ ،‬و نحو ذلك ‪ ،‬فهذا ل يتطرق إليه تغيير ‪ ،‬و ل اجتهاد‬
‫يخالف ما ُوضع عليه ‪ .‬و النوع الثاني ‪ :‬ما يتغير بحسب اقتضاء‬
‫المصلحة له زمانا ً و مكانا ً و حال ً ‪ ،‬كمقادير التعزيرات ‪.2" ..‬‬
‫ويبين الدكتور يوسف القرضاوي مجال الثابت و مجال المرن في‬
‫شريعة السلم على نحو أشمل فيقول‪ .. " :‬إنه الثبات على‬
‫الهداف و الغايات‪ ،‬والمرونة في الوسائل و الساليب‪ ..‬الثبات‬
‫على الصول و الكليات‪ ،‬والمرونة في الفروع والجزئيات‪ ..‬الثبات‬
‫على القيم الدينية و الخلقية‪ ،‬والمرونة في الشئون الدنيوية و‬
‫العملية"‪.3‬‬
‫وإن للثبات والمرونة مظاهر و دلئل شتى‪ ،‬نجدها في مصادر‬
‫السلم وشريعته وتاريخه‪..‬يتجلى هذا الثبات في المصادر‬
‫الصلية النصية القطعية للتشريع من كتاب الله‪ ،‬وسنة رسوله‬
‫‪ ،‬فالقرآن هو الصل والدستور‪ ،‬والسنة هي الشرح النظري‪،‬‬
‫والبيان العملي للقرآن ‪ ،‬وكلهما مصدر إلهي معصوم ‪ ،‬ل يسع‬
‫مسلما ً أن يعرض عنه ‪..‬وتتجلى المرونة في المصادر الجتهادية‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬يوسف القرضاوي ‪:‬الخصائص العامة للسلم ‪ ،‬ص ‪.203‬‬


‫‪ 2‬ابن القيم ‪ :‬إغاثة اللهفان‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.349 ، 346‬‬
‫‪ 3‬يوسف القرضاوي ‪ :‬السلم و العلمانية وجهًا لوجه ‪ ،‬ص ‪151‬‬

‫‪136‬‬
‫التي اختلف فقهاء المة في مدى الحتجاج بها ما بين موسع‬
‫ومضيق ‪ ،‬ومقل ومكثر‪ ،‬مثل الجماع‪ ،‬والقياس‪ ،‬والستحسان‪،‬‬
‫والمصالح المرسلة‪ ،‬و أقوال الصحابة‪ ،‬وشرع من قبلنا‪ ،‬وغير ذلك‬
‫من مآخذ الجتهاد‪ ،‬و طرائق الستنباط ‪.1‬‬

‫وهكذا‪ ،‬يتضح مدى سعة المساحة المفتوحة للجانب المرن‬


‫القابل للتجديد‪ ،‬ومدى ضخامة باب الجتهاد‪ .‬وأن الثابت الذي ل‬
‫اجتهاد فيه‪ ،‬يمثل الجانب القل من حيث حجم التكاليف والحكام‬
‫المنصوص عليها ‪ ..‬وبعد ذلك يجد المجتهد نفسه أمام مساحات‬
‫شاسعة ترحب بكل تجديد واجتهاد يتفق وأصول الشرع ‪ ..‬مثل‬
‫تلك المساحة التي يسميها الفقهاء " منطقة الفراغ التشريعي "‬
‫إلى جانب النصوص المتشابهات ‪..‬‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬منطقة الفراغ التشريعي والنصوص‬
‫المحتملة‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬منطقة الفراغ التشريعي ‪:‬‬
‫هذه المساحة الكبيرة التي يسميها علماء الشريعة السلمية‪" :‬‬
‫منطقة الفراغ التشريعي "‪ ،‬أو " العفو " ‪ !..‬تلك المنطقة التي‬
‫تركتها النصوص – قصدًا‪ -‬لجتهاد أولي العلم وأولي المر والرأي‬
‫‪ ،‬وأهل الحل و العقد في المة ‪ ..‬يكشف الهدي النبوي عن هذه‬
‫المساحة في بعض الحاديث الشريفة ‪ ..‬و منها قول النبي ‪:‬‬
‫" ما أحل الله في كتابه فهو حلل ‪ ،‬وما حرم فهو حرام ‪ ،‬و ما‬
‫سكت عنه فهو عفو ! فاقبلوا من الله عافيته ‪ ،‬فإن الله لم يكن‬
‫سّيا ‪"..2 ‬‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫ما َ‬ ‫لينسى شيئا ً ‪ .‬و تل ‪َ  :‬‬
‫‪3‬‬
‫ك نَ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫و َ‬
‫وقول النبي ‪ " :‬إن الله حد حدودا ً فل تعتدوها ‪ ،‬و فرض‬
‫فرائض فل تضيعوها‪ ،‬و حرم أشياء فل تنتهكوها ‪ ،‬وسكت عن‬
‫أشياء رحمة بكم ؛ من غير نسيان فل تبحثوا عنها "‪. 4‬‬

‫فالحدود التي قدرها الشرع ؛ ل يجوز اعتداؤها ‪ ..‬مثل تحديد‬


‫نصاب الزكاة‪ ،‬و مقدار الواجب منها ‪ ،‬و تحديد أنصبة الورثة في‬
‫تركة الميت‪ ..،‬ومثل ذلك الفرائض التي أوجبها الله كالعبادات‬
‫الربع التي هي أركان السلم‪ ،‬ومبانيه العظام ‪ ،‬و المر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬و بر الوالدين ‪ ،‬وصلة الرحام ‪،‬‬

‫‪ 1‬يوسف القرضاوي ‪ :‬الخصائص العامة للسلم ‪ ،‬ص ‪204 ، 203‬‬


‫‪ 2‬سورة مريم ‪ :‬الية ‪.64‬‬
‫‪ 3‬حسن ـ عن سلمان‪ :‬رواه البزار و الحاكم وصححه ‪ .‬وحسنه اللباني في الجامع الصغير )‪(551‬‬
‫‪ 4‬ضعيف ـ رواه الدارقطني و حسنه النووي في الربعين ‪ ،‬و نوزع في ذلك كما في شرح هذا الحديث لبن رجب‬
‫في كتابه ‪ ":‬جامع العلوم و الحكم"‪ ،‬وضعفه اللباني في الجامع الصغير )‪.( 352‬‬

‫‪137‬‬
‫والحسان إلى الجار‪ ،‬وأداء المانات‪ ،‬والحكم بالعدل وغيرها ‪ ..‬فل‬
‫يجوز لحد أن يسقط أو يلغي شيًئا من هذه الفرائض‪ ،‬أو يتساهل‬
‫فيها ‪ ،‬ففرضيتها ثابتة في شريعة السلم ‪ ،‬ل تقبل نسخا ً و ل‬
‫ل‪ ،‬ول يجوز أن تضيع في مجتمع‬ ‫تجميدا ً و ل تطويرا ً و لتعدي ً‬
‫مسلم ‪ ..‬و كذلك المحرمات اليقينية‪ ،‬مثل ‪ :‬الشرك‪ ،‬و القتل‪،‬‬
‫وأكل مال اليتيم ‪ ،‬وقذف المحصنات المؤمنات الغافلت‪ ،‬و الزنا‬
‫و شرب الخمر‪ ،‬والسرقة‪ ،‬وأكل المال العام‪ ،‬و شهادة الزور‪،‬‬
‫ونحوها‪ ..‬فهذه كلها ثابتة ل تلين للعصور ‪ ،‬و ل ُيتهاون فيها يومًا‪،‬‬
‫فيفتي بحلها مجتهد‪ ،‬أو يرخص فيها حاكم‪.1‬‬
‫فما عدا هذه الحدود و الفرائض و المحرمات المنصوص عليها ‪،‬‬
‫فهي ي كما سمها الهدي النبوي ي ‪ " :‬مسكوت عنها " رحمة‬
‫بالبشر ‪..‬‬
‫ويكلف الشرع ُ علماء المسلمين أن يستغلوا هذه النعمة العظمى‬
‫من المشرع – سبحانه وتعالى ‪ -‬؛ فعليهم أن يملئوا هذا الفراغ‬
‫التشريعي بكل جديد ونافع يتفق مع مقاصد الشريعة الغراء !‬

‫وذلك من خلل طرائق ومسالك عديدة أقرها الشرع؛ مثل‬


‫القياس بقيوده و شروطه‪ ..‬و الستحسان‪ ..،‬والستصلح أو‬
‫اعتبار المصلحة المرسلة ؛ و هي التي لم يجيء نص خاص من‬
‫الشارع ي الحكيم ي باعتبارها و ل بإلغائها ‪ ..‬و هناك اعتبار العرف‬
‫بقيوده وشروطه ‪..‬‬
‫ثانًيا‪ :‬المتشابهات‪:‬‬
‫فيما يتعلق بمنطقة النصوص المتشابهات‪ ،‬التي اقتضت حكمة‬
‫الشارع أن تجعله هكذا محتملت‪ ،‬تتسع لكثر من فهم‪ ،‬و أكثر‬
‫من رأي ‪ ،‬ما بين موسع و مضيق ‪ ،‬و ما بين قياسي و ظاهري ‪ ،‬و‬
‫ما بين متشدد و مترخص‪ ،‬و ما بين واقعي و مفترض ‪ .‬و في كل‬
‫هذا رحمة‪ ،‬وفسحة لمن أراد الموازنة و الترجيح ‪ ،‬و أخذ أقرب‬
‫الراء إلى الصواب‪ ،‬وأولها بتحقيق مقاصد الشريعة‪ ،‬فقد يصلح‬
‫رأي أو مذهب لزمن و ل يصلح لخر ‪ ،‬أو يصلح لبيئة ول يصلح‬
‫لخرى ‪ ،‬أو يصلح لحال و ل يصلح لغيره‪. 2‬‬
‫و بذلك يمكننا أخذ ما نراه أقرب إلى مقاصد الشرع الحنيف‬
‫بالنظر إلى ظروف المجتمعات العصرية المتسارعة في التغير و‬
‫التطوير‪ ..‬إذا ً شاء الله أن يكون من مصادر هذا الدين النص‬
‫القطعي الراسخ الذي ل يقبل التجديد ‪..‬كما شاء – سبحانه – أن‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬يوسف القرضاوي ‪ :‬الخصائص العامة للسلم ‪ ،‬ص ‪224‬‬


‫‪ 2‬انظر‪ :‬يوسف القرضاوي ‪ :‬الخصائص العامة للسلم ‪ ،‬ص ‪224‬‬

‫‪138‬‬
‫يكون بجوارها المصادر الجتهادية التجديدية‪ ..‬و الدلة الظنية ‪..‬‬
‫لتتسع دائرة النظر والترجيح‪.‬‬
‫المطلب الخامس ‪ :‬صيانة الثابت و تجديد المرن‪:‬‬
‫هذا وصيانة الثابت في الشرع والحفاظ عليه واجب من‬
‫الواحبات‪ ،‬تماما ً كما التجديد والجتهاد في المرن مأمور به !‬
‫وسوف نتناول الثابت وحفظه ‪ ،‬و المرن و تجديده ؛ من خلل‬
‫ثلة من المثلة المتنوعة من سنة النبي ‪: ‬‬
‫ل‪ :‬يتمثل الثبات في رفضه ‪ ‬التهاون أو التنازل في كل ما‬ ‫أو ً‬
‫يتصل بتبليغ الوحي أو يتعلق بكليات الدين‪ ،‬و قيمه‪ ،‬وأسسه‬
‫العقائدية والخلقية ‪ ..‬ومهما حاول المحاولون أن ُيثنوا عنانه عن‬
‫شيء من ذلك بالمساومات أو التهديدات‪ ،‬أو غير ذلك من أنواع‬
‫التأثير على النفس البشرية ‪ ،‬فموقفه هو الرفض الحاسم ‪ ،‬الذي‬
‫علمه إياه القرآن في مواقف شتى ‪ ..‬فحين عرض عليه‬
‫المشركون أن يلتقوا في منتصف الطريق ‪ ،‬فيقبل شيئا ً من‬
‫عبادتهم ويقبلوا شيئا ً من عبادته ؛ أن يعبد آلهتهم مدة ‪ ،‬و يعبدوا‬
‫إلهه مدة ! كان الجواب الحاسم ؛ من رسول الله ‪ ‬يحمله‬
‫الوحي الصادق ‪ ،‬في سورة قطعت كل المساومات و حسمت‬
‫ن )‪ (1‬ل َ‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫ل ي َأ َي َّها ال ْ َ‬ ‫كل المفاوضات‪ ،‬و هي قوله تعالى ‪ :‬قُ ْ‬
‫َ‬
‫د)‪ (3‬وَل َ أَنآ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫عاب ِد ٌ ّ‬ ‫مآ أع ْب ُ ُ‬‫ن َ‬
‫دو َ‬ ‫عاب ِ ُ‬
‫م َ‬ ‫ن )‪ (2‬وَل َ أنت ُ ْ‬ ‫دو َ‬‫ما ت َعْب ُ ُ‬
‫أع ْب ُد ُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ي ِدي ِ‬ ‫م وَل ِ َ‬ ‫م ِدين ُك ُ ْ‬ ‫د)‪ (5‬ل َك ُ ْ‬
‫مآ أع ْب ُ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫عاب ِ ُ‬ ‫م )‪ (4‬وَل َ أنت ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ع ََبدت ّ ْ‬
‫‪ ]‬سورة الكافرون[ ‪.‬‬

‫و هكذا تعلم ‪ ‬من وحي الله ‪ :‬أن ل تنازل و ل تساهل في أمور‬


‫العقيدة و ما يتصل بها‪ .‬وفي مقابل ذلك ؛ نجد مرونة واسعة في‬
‫مواقف السياسة والتخطيط و مواجهة العداء ؛ بما يتطلبه‬
‫الموقف المعين ‪ ،‬من حركة ووعي و تقدير لكل الجوانب‬
‫والملبسات ‪ ،‬دون تزمت أو جمود‪ ..‬نجده في معركة‬
‫الحزاب) شوال ‪ 5‬هي\ مارس ‪627‬م( ‪ ..‬مثل ً يأخذ برأي "سلمان‬
‫الفارسي " ‪ ‬في حفر الخندق حول المدينة ‪ ،‬و يشاور بعض‬
‫رؤساء النصار في إمكان إعطاء غطفان جزءا ً من ثمار المدينة ‪،‬‬
‫ليردهم و يفرقهم عن حلفائهم ‪ ،‬كسبا ً للوقت إلى أن يتغير‬
‫الموقف ‪ ..‬و يقول لي "نعيم بن مسعود الشجعي" – وقد أسلم و‬
‫أراد النضمام إلى المسلمين ‪ " : -‬إنما أنت رجل واحد ‪ ،‬فخذل‬
‫عنا ما استطعت"‪ ..1‬فيقوم الرجل بدور له شأنه في التفريق بين‬
‫تحالف القبائل المحاربة للدولة السلمية ‪..‬وفي يوم الحديبية‬
‫)في ذي القعدة ‪6‬هي مارس ‪ 628‬م( تتجلى المرونة النبوية‬
‫‪ 1‬تاريخ ابن خلدون ‪ ، 440\2‬والفصول في السيرة ‪ ،163\1‬ومختصر سيرة الرسول ‪.131\1‬‬

‫‪139‬‬
‫بأروع صورها ‪..‬تتجلى في قوله في ذلك اليوم ‪ " :‬و الله ل‬
‫تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني فيها صلة الرحم إل‬
‫أعطيتهم إياها"‪ .1‬و في قبوله ‪ ‬أن يكتب في عقد الصلح ‪" :‬‬
‫باسمك اللهم " بدل ‪ " :‬بسم الله الرحمن الرحيم "‪ ..2‬وهي‬
‫تسمية رفضتها قريش ‪ !..‬و في قبوله من الشروط ما في‬
‫ظاهره إجحاف بالمسلمين ‪ ،‬و إن كان عاقبته الخير ‪ ..‬كل‬
‫الخير ‪..‬‬

‫و السر في هذه المرونة هنا ‪ ،‬و التشدد في المواقف السابقة‪:‬أن‬


‫المواقف الولى تتعلق بالتنازل عن العقيدة و المبدأ ‪ ،‬فلم يقبل‬
‫فيها أي مساومة أو تساهل ‪ ،‬و لم يتنازل قيد أنملة عن دعوته ‪..‬‬
‫أما المواقف الخيرة فتتعلق بأمور جزئية ‪ ،‬و بسياسات وقتية ‪ ،‬أو‬
‫بمظاهر شكلية ‪ ،‬فوقف فيها موقف المتساهل‪..3‬‬

‫هكذا يتجلى الهدي النبوي في ضرورة التمسك بالثوابت اليمانية‬


‫العقدية ‪ ،‬وضرورة التجديد والجتهاد في طرائق السياسة وخطط‬
‫الصلح ‪.‬‬
‫ثانًيا‪ :‬يتمثل الحفاظ على الثابت في رفضه ‪ ‬كل دروب‬
‫البتداع فيما يتعلق بالعبادات‪ ،‬والمناسك‪ ،‬و صور التقرب إلى الله‬
‫تعالى‪ ،‬لن الصل في العبادات الحظر والتوقيف ‪ ،‬فل ُيعبد الله‬
‫إل بما شرعه و أذن به‪ ،‬ل بما تستحسنه العقول‪ ،‬وتستسيغه‬
‫الهواء ‪ ،‬فهذا هو باب الغلو وأصل التحريف و التزييف في‬
‫الدين ‪ ..‬و ل غرو أن أغلق الرسول ‪ ‬هذا الباب بإحكام و إصرار‬
‫بمثل قوله ‪:‬‬
‫‪4‬‬
‫" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد " ‪.‬‬
‫"‪ ...‬وإياكم ومحدثات المور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة‬
‫ضللة "‪.5‬‬

‫و تتمثل المرونة في تشجيع البتكار والختراع في أمور الدنيا –‬


‫المعينة على الدين – مثل أدوات الحرب التي تدخل في قوله‬
‫تعالى‪:‬‬

‫‪ 1‬صحيح ـ البخاري )‪ ( 974\2‬و أبو داود ) ‪ (93\2‬و أحمد )‪ ،(323\4‬وابن حبان ) ‪(211\16‬‬
‫‪ 2‬ابن كثير ‪ :‬البداية و النهاية ‪،175\4‬وابن جرير ‪ :‬تاريخ الطبري ‪ ، 122\2‬و مختصر سيرة الرسول‬
‫‪ 3‬انظر‪ :‬يوسف القرضاوي ‪ :‬الخصائص العامة للسلم ‪ ،‬ص ص ‪. 212 – 209‬‬
‫‪ 4‬صحيح ـ عن عائشة ‪ :‬رواه البخاري )‪ ،(959 \2‬ومسلم )‪.(1343 \3‬‬
‫‪ 5‬صحيح ـ من حديث العرباض بن سارية ‪ :‬رواه أبو داود )‪ ،(610 \2‬والترمذي )‪ ،(44 \5‬وأحمد)‪،(126 \4‬‬
‫والدارمي في سننه)‪ ،(57 \1‬والحاكم في المستدرك )‪ ،(174 \1‬وصححه اللباني في الجامع الصغير)‪،(432‬‬
‫والمشكاة )‪ (36 \2‬والصحيحة)‪ (238 \6‬وصحيح الترغيب )‪.(10\1‬‬

‫‪140‬‬
‫ن ب ِهِ‬
‫ل ت ُْره ُِبو َ‬ ‫خي ْ ِ‬ ‫ط ال ْ َ‬ ‫من ّرَبا ِ‬ ‫من قُوّةٍ وَ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ست َط َعْت ُ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫م ّ‬ ‫دوا ْ ل َهُ ْ‬ ‫ع ّ‬ ‫‪‬وَأ َ ِ‬
‫ما‬‫م وَ َ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬
‫مه ُ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫مون َهُ ُ‬ ‫م ل َ ت َعْل َ ُ‬ ‫دون ِهِ ْ‬
‫من ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫خ‬ ‫م َوآ َ‬ ‫ع َد ْوّ الل ّهِ وَع َد ُوّك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن‪‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل َ ت ُظ ْل َ ُ‬ ‫م وَأن ْت ُ ْ‬‫ف إ ِل َي ْك ُ ْ‬
‫ل الل ّهِ ي ُوَ ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫يٍء ِفي َ‬ ‫ش ْ‬ ‫من َ‬ ‫قوا ْ ِ‬ ‫ف ُ‬
‫ُتن ِ‬
‫]النفال ‪ [ 60 :‬و مثل سائر الصناعات الحربية و المدنية‬
‫َ‬
‫ه‬
‫ديد َ ِفي ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫المختلفة ؛ التي تشير إليها الية الكريمة ‪  :‬وَأنَزل َْنا ال ْ َ‬
‫س ‪] ‬الحديد‪ . [25 :‬و لهذا رأيناه ‪‬‬ ‫نا‬ ‫لل‬ ‫ع‬ ‫ف‬‫نا‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫د‬ ‫دي‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫س‬ ‫بأ ْ‬
‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫يحفر الخندق حول المدينة في معركة الحزاب‪ ،‬ويستخدم‬
‫المنجنيق في معركة الطائف‪ ،‬و يحث على النتاج الحربي حتى‬
‫يجعل صانع السهم كالمجاهد الرامي في استحقاق المثوبة عند‬
‫الله ‪ ،‬و يحذر المة أن تكتفي بالزرع وتتبع أذناب البقر‪. .1‬‬

‫ولعل حديث النبي ‪ ‬الذي يقول فيه ‪:‬‬

‫"‪ ..‬أنتم أعلم بأمر دنياكم "‪.2‬‬

‫يفتح الباب في هذا المجال ‪ ،‬للجتهاد والتجديد ‪.‬‬

‫وبهذا تتجلى صفة المرونة في التشريع والمشرع‪ ،‬كمظهر من‬


‫مظاهر الرحمة في التشريع‪.‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫الوسطية والعتدال‬
‫المطلب الول‪ :‬شهادة علماء الغرب‪:‬‬
‫يقول "ول ديورانت"‪ -‬عن النبي ‪: ‬‬
‫"أوجد بين المسلمين‪ ..‬درجة من العتدال والبعد عن الشهوات‬
‫لم يوجد لها نظير في أية بقعة من بقاع العالم"‪.3‬‬
‫وهذه الخاصية تعني أن محمدا ً ‪ ‬في نظرته للمور وعلجه‬
‫طا ل إفراط فيه ول تفريط ‪.‬‬ ‫للمشكلت يقف موقفا وس ً‬
‫‪4‬‬
‫" وهذا العتدال بدوره يمهد السبيل نحو تقدم الفراد والمجتمع"‬
‫على حد قول ماري أوليفر ‪.‬‬
‫فالعتدال والتوسط في كل شيء – كما يقول "علي يول" – "‬
‫هما الفكرة الساسية للسلم"‪. 5‬‬
‫والحق – كما يقول جورج سارتون ‪ -‬أن ما يتميز به الشرع‬
‫السلمي من "البساطة والعتدال‪ ،‬يسّر لي إنسان في أي‬
‫‪ 1‬انظر ‪ :‬يوسف القرضاوي ‪ :‬الخصائص العامة للسلم ص ‪217 ، 216‬‬
‫‪ 2‬صحيح ـ من حديث أنس ‪ :‬رواه مسلم )‪.(1836 \4‬‬
‫‪ 3‬ول ديورانت‪ :‬قصة الحضارة ‪ ،‬ص ‪. 69 – 68 / 13‬‬
‫‪ 4‬انظر‪ :‬عرفات كامل العشي‪ :‬رجال ونساء أسلموا ‪144 / 4 ،‬‬
‫‪ 5‬انظر‪ :‬عرفات كامل العشي‪ :‬رجال ونساء أسلموا ‪. 128 / 4 ،‬‬

‫‪141‬‬
‫‪1‬‬
‫موطن‪ ،‬أن يتقبله وينفذ إلى روحه وجوهره منذ اللحظة الولى"‬
‫!‬
‫كما أن الشريعة السلمية هي أنجح الشرائع في الجمع بين ما‬
‫هو روحي وما هو مادي ‪ ..‬والتوازن بينهما ‪..‬‬
‫ولقد ُأعجب بهذا التوازن الباحث الهولندي الدكتور ميليما بين‬
‫‪2‬‬

‫المادة والروح في السلم‪ ،‬فقال ‪ .." :‬لقد أعجبني اهتمام‬


‫السلم بالمادة والروح باعتبارهما قيمتين أساسيتين‪ ،‬فالتطور‬
‫العقلي والروحي للنسان مرتبط في السلم وفي الفطرة على‬
‫قا ل سبيل إلى فصله بحاجات الجسد"‪.3‬‬ ‫السواء ارتبا ً‬
‫طا وثي ً‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬حثه‪ ‬على الوسطية وتحذيره من‬
‫التشدد‪:‬‬
‫يقول إميل درمنغم ‪ " :‬كان كثير من المسلمين يكثرون من ‪...‬‬
‫الصلة والصوم‪ ،‬فرأى محمد ]‪ [‬أن القصد أولى من الفراط‪.‬‬
‫فأشار بالعتدال في التقشف وبترك كل ما يميت النفس‪ ،‬وحدث‬
‫أن بعضهم قادوا أنفسهم إلى الحج بربط أنوفهم بأرسان الجمال‬
‫فقطع محمد ]‪ [‬هذه الرسان؛ لن الله ليست له حاجة بجدع‬
‫النوف !"‪.4‬‬
‫ومثال ذلك قصة الثلثة الذين سألوا عن عبادة الرسول‪  ،‬فلما‬
‫ما أنا فأصوم ول أفطر‪،‬‬ ‫علموا ذلك كأّنهم تقاّلوه‍ا! فقال أحدهم‪ :‬أ ّ‬
‫ج‬‫دا‪ ،‬وقال الخر‪ :‬ل أتزو ّ‬ ‫صلي الليل أب ً‬‫ما أنا فأ ّ‬
‫وقال الخر‪ :‬أ ّ‬
‫ما والله إني‬ ‫النساء‪ ،‬فقال ‪ " : ‬أأنتم الذين قلتم كذا وكذ ؟؟ أ َ‬
‫ي أصوم وأفطر‪ ،‬وأصّلي وأرقد‪،‬‬ ‫أخشاكم لله وأتقاكم له‪ ،‬لكن ّ‬
‫‪5‬‬
‫وأتزوج الّنساء‪ ،‬فمن رغب عن سّنتي فليس مّني" !‬
‫و قد جاء رجل إلى النبي‪ ‬فقال‪ :‬إّني لتأخّر عن صلة ال ّ‬
‫صبح‬
‫من أجل فلن مما يطيل بنا‪ ..‬قال أبو مسعود النصاري ‪ -‬راوي‬
‫ما‬
‫ط أشد ّ م ّ‬ ‫ت النبي ‪ ‬غضب في موعظة ق ّ‬ ‫الحديث ‪ :-‬فما رأي ُ‬
‫غضب يومئذ‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ن‬
‫م الّناس فليوجز‪ ،‬فإ ّ‬ ‫فرين ! فأّيكم أ ّ‬ ‫" أّيها الناس !! إن منكم من ّ‬
‫‪6‬‬
‫من ورائه الكبير‪ ،‬والضعيف‪ ،‬وذا الحاجة" ‪.‬‬
‫خا يهادي بين ابنيه‪،‬‬ ‫و عن أنس بن مالك ‪ ‬أن النبي ‪ ‬رأى شي ً‬
‫فقال‪:‬‬

‫‪ 1‬جورج سارتون ‪ :‬الشرق الدنى ‪ :‬مجتمعه وثقافته ) بإشراف كويلر يونغ (‪ ،‬ص ‪140‬‬
‫‪ 2‬الباحث الهولندي ومؤلف عدد من الكتب السلمية بالهولندية‪ .‬انتمى للسلم عام ‪ 1955‬خلل رحلة له إلى‬
‫باكستان بعد تأمل وبحث ‪.‬‬
‫‪ 3‬عرفات كامل العشي ‪ :‬رجال ونساء أسلموا ‪125 – 124 / 6 ،‬‬
‫‪ 4‬اميل درمنغم ‪ :‬حياة محمد ‪ ،‬ص ‪ .298 – 297‬ولم أبحث في صحة هذه القصة ‪.‬‬
‫‪ 5‬صحيح – رواه البخاري )‪ .(6/116‬ومسلم بمعناه )‪ (2/1020‬رقم ‪.1401‬‬
‫‪ 6‬صحيح – رواه البخاري )‪ .(173 ،1/172‬ومسلم )‪ (1/340‬رقم ‪467 ،466‬‬

‫‪142‬‬
‫ن الله عن تعذيب‬ ‫"ما بال هذا؟" ‪ .‬قالوا‪ :‬نذر أن يمشي‪ ،‬قال‪ " :‬إ ّ‬
‫هذا لنفسه لغني" ‪ .‬وأمره أن يركب‪.. 1‬‬
‫ودخل مّرة المسجد فإذا حبل ممدود بين ساريتين فقال‪ :‬ما هذا‬
‫الحبل؟ فقالوا‪ :‬حبل لزينب‪ ،‬فإذا فترت تعّلقت به‪ ،‬فقال‪" :  ،‬‬
‫ل أحدكم نشاطه فإذا فتر فليقعد "‪..2‬‬ ‫حّلوه‪ ،‬ليص ّ‬
‫وعن ابن عّباس‪ -‬رضي الله عنهما‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الله‪" :  ،‬‬
‫دين‬‫دين فإّنما أهلك من كان قبلكم الغلوّ في ال ّ‬ ‫إّياكم والغلوّ في ال ّ‬
‫"‪.. 3‬‬
‫وعن ابن مسعود ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول الله‪ " :  ،‬هلك‬
‫طعون !!!" قالها ثلًثا‪. 4‬‬ ‫المتن ّ‬
‫وعن أنس بن مالك ‪ ‬أن رسول الله‪  ،‬كان يقول‪ " : :‬ل‬
‫ددوا على‬ ‫ما ش ّ‬
‫ن قو ً‬ ‫دد الله عليكم‪ ،‬فإ ّ‬
‫شددوا على أنفسكم فيش ّ‬ ‫تُ ّ‬
‫ديارات‬ ‫صوامع وال ّ‬ ‫دد الله عليهم‪ ،‬فتلك بقاياهم في ال ّ‬ ‫أنفسهم فش ّ‬
‫‪5‬‬
‫رهبانّية ابتدعوها ما كتبناها عليهم " ‪.‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬وسطية السلم في الحكام‪:‬‬
‫إن الشرع السلمي وسط في أحكامه وأنظمته القانونية‬
‫والجتماعية‪ ،‬وبما في ذلك المجالت السرية والمدنية والجنائية‬
‫والدولية ‪: ..‬‬
‫فهو وسط في التحليل والتحريم بين اليهودية التي بالغت في‬
‫محّرمات‪.‬وبين النصرانية التي أسرفت‬ ‫التحريم‪ ،‬وكثرت فيها ال ُ‬
‫في الباحة‪ ،‬حتى أحلت الشياء المنصوص على تحريمها في‬
‫التوراة‪ ،‬مع أن النجيل يعلن أن المسيح لم يجئ لينقض ناموس‬
‫التوراة‪ ،‬بل ليكمله‪ . 6‬ومع هذا أعلن رجال النصرانية أن كل شيء‬
‫ل وحّرم‪ ،‬ولكنه لم يجعل‬ ‫طاهر للطاهرين‪ .7‬فالسلم قد أح ّ‬
‫التحليل ول التحريم من حق بشر‪ ،‬بل من حق الله وحده‪ ،‬ولم‬
‫ُيحرم إل الخبيث الضار‪ ،‬كما لم ُيحل إل الطيب النافع‪ ،‬ولهذا كان‬

‫‪ 1‬صحيح ‪ -‬رواه البخاري )‪ .(7/234‬ومسلم )‪ (1264 ،3/1263‬رقم ‪.1643 ،1642‬‬


‫‪ 2‬صحيح ‪ -‬رواه البخاري )‪ .(2/48‬ومسلم )‪ (1/542‬رقم )‪.(784‬‬
‫‪ 3‬صحيح ‪ -‬رواه النسائي )‪ (5/268‬برقم ‪ . 3057‬وابن ماجة )‪ (2/1008‬برقم ‪ 3029‬وأحمد )‪،(347 ،1/215‬‬
‫ضا‪ -‬اللباني كما في السلسلة الصحيحة رقم ‪،1283‬‬ ‫وصححه الحاكم )‪ ،(1/466‬ووافقه الذهبي‪ ،‬وصححه ‪ -‬أي ً‬
‫وصحيح الجامع رقم ‪.2680‬‬
‫‪ 4‬صحيح ‪ -‬رواه مسلم )‪ (4/2055‬برقم )‪ .(2670‬وأبو داود )‪ (4/201‬برقم ‪ .4608‬وأحمد )‪.(1/386‬‬
‫‪ 5‬حسن – رواه أبو داود )‪ (277 ،4/276‬رقم ‪ ،4904‬وأبو يعلى‪ ،‬في المطالب العالية )‪ (1/117‬رقم ‪ 422‬وفي‬
‫إسناد هذا الحديث‪ :‬سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء؛ مختلف في توثيقه‪ .‬قال الحافظ في التقريب ص )‪(238‬‬
‫ضا ‪ -‬في التهذيب )‪ :(4/57‬ذكره ابن حبان في الثقات‪ ،‬وروى له أبو داود حديًثا واحًدا‪ ..‬وذكر‬
‫مقبول‪ .‬وقال ‪ -‬أي ً‬
‫هذا الحديث‪ .‬قال الهيثمي في مجمع الزوائد )‪ :(6/259‬رجاله رجال الصحيح‪ ،‬غير سعيد بن عبد الرحمن بن أبي‬
‫العمياء وهو ثقة! وضعف هذا الحديث اللباني كما في ضعيف الجامع رقم )‪ ،(6232‬والقرب حسن هذا السناد‪.‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫‪ 6‬إنجيل متى )‪(5/17‬‬
‫‪ 7‬رسالة بولس إلى تيطس )‪.(1/15‬‬

‫‪143‬‬
‫م الط ّي َّبا ِ‬
‫ت‬ ‫ل ل َهُ ُ‬ ‫من أوصاف الرسول عند أهل الكتاب أنه‪  :‬ي ُ ِ‬
‫ح ّ‬
‫ت‬‫كان َ ْ‬ ‫ل الِتي َ‬‫ّ‬ ‫غل َ‬ ‫م َواْل َ ْ‬
‫صَرهُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬
‫ضعُ ع َن ْهُ ْ‬
‫ث وَي َ َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫خَبائ ِ َ‬ ‫م ع َل َي ْهِ ُ‬
‫حّر ُ‬‫وَي ُ َ‬
‫م‪] ‬العراف‪[157 :‬‬ ‫ع َل َي ْهِ ْ‬
‫والتشريع السلمي وسط في شؤون السرة‪ ،‬كما هو وسط في‬
‫شؤونه كلها‪ ،‬وسط بين الذين شرعوا تعدد الزوجات بغير عدد ول‬
‫قيد‪ ،‬وبين الذين رفضوه وأنكروه ولو اقتضته المصلحة وفرضته‬
‫الضرورة والحاجة‪.‬‬
‫فقد شرع السلم الزواج بشرط القدرة على الحصان والنفاق‪،‬‬
‫والثقة بالعدل بين الزوجتين‪ ،‬فإن خاف أل يعدل‪ ،‬لزمه القتصار‬
‫فت َ‬
‫دة‪‬‬ ‫ح َ‬ ‫م أّل ت َعْد ُِلوا فَ َ‬
‫وا ِ‬ ‫خ ْ ُ ْ‬
‫ن ِ‬ ‫على واحدة‪ ،‬كما قال تعالى‪ :‬فَإ ِ ْ‬
‫]النساء‪ :‬الية ‪. [3‬‬
‫وهو وسط في الطلق بين الذين حّرموا الطلق‪ ،‬لي سبب كان‪،‬‬
‫ولو استحالت الحياة الزوجية إلى جحيم ل يطاق‪ ،‬كالكاثوليك‪..‬‬
‫خو الِعنان في أمر الطلق‪ ،‬فلم يقيدوه بقيد‪ ،‬أو‬ ‫وبين الذين أ َْر َ‬
‫شرط‪ ،‬فمن طلب الطلق من امرأة أو رجل كان أمره بيده‪،‬‬
‫وبذلك سهل هدم الحياة الزوجية بأوهى سبب ‪..‬أما الشرع‬
‫السلمي فقد شرع الطلق‪ ،‬عندما تفشل كل وسائل العلج‬
‫الخرى‪ ،‬ول يجدي تحكيم ول إصلح‪ ،‬ومع هذا فهو أبغض الحلل‬
‫مطّلق مرة ومرة أن يراجع مطلقته ويعيدها‬ ‫إلى الله‪ ،‬ويستطيع ال ُ‬
‫‪1‬‬
‫إلى حظيرة الزوجية من جديد ‪.‬‬

‫ضا ‪ -‬وسط في نظامه الجتماعي بين‬ ‫والشرع السلمي – أي ً‬


‫)الشتراكيين( أو)الماركسيين(‪ ،‬الذين يبالغون في حقوق‬
‫المجتمع ودوره على حساب حقوق الفرد ونوازعه الذاتية‬
‫وحريته‪.‬وبين )الليبراليين( أو )الرأسماليين( الذين يعطون للفرد‬
‫الحريات المفرطة من غير ضوابط أو آداب على حساب المجتمع‬
‫أو الجماعة النسانية ‪..‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫التيسير‬
‫المطلب الول – شهادة علماء الغرب ‪:‬‬
‫تتحدث الباحثة ماري أوليفر‪ 2‬عن مظهر التيسير باعتباره مظهر‬
‫من مظاهر الرحمة لنبي السلم ‪ ،‬فتبين أن الشريعة السلمية‬
‫التي نادى بها محمد ‪ ‬هي تشريعات "بسيطة سهلة يستطيع‬
‫‪ 1‬انظر‪ :‬يوسف القرضاوي ‪ :‬الخصائص العامة للسلم ‪ 133،‬وما بعدها ‪ ،‬وانظر له‪ :‬الوسطية ودور العلم في‬
‫إبرازها‪ ،‬بحث مقدم لندوة اقرأ الفقهية )رمضان ‪1427‬هـ(‬
‫‪ 2‬ماري أوليفر‪ :‬باحثة نصرانية درست البوذية والهندوسية‪ ،‬و انتهى بها المطاف إلى السلم‪ ،‬حيث اعتنقته مؤمنة‬
‫بأنه الدين الوحيد الذي يستجيب لمطالب النسان‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫كل إنسان أن يفهمها بكل يسر‪ .‬فالسلم يؤكد في تعاليمه أن‬
‫على الناس أن يفكروا وأن يستخدموا عقولهم في المور‬
‫الدينية"‪..1‬‬
‫كذلك يبين جورج سارتون أن الشريعة السلمية تمتاز بي"‬
‫السماحة والبساطة والعتدال" وهي – على حد قوله " يسّر لي‬
‫إنسان في أي موطن‪..2"..‬‬
‫كما أن الشرع السلمي الحنيف كما يقول آتيين دينيه‪ " :‬يستبين‬
‫ما قاطًعا ول يأمر به أمًرا‬ ‫أقرب أنواع العلج‪ ،‬فل يحكم فيه حك ً‬
‫باّتا"‪.3‬‬
‫ويبين ‪ -‬آتيين دينيه‪ -‬أن الشرع السلمي ل يتعارض ول يتصادم‬
‫مع الطبيعة‪ ،‬لنه شرع يسير‪ ،‬فهو " يساير قوانينها ] أي الطبيعة [‬
‫ويزامل أزمانها‪ ،‬بخلف ما تفعل الكنيسة من مغالطة الطبيعة‬
‫ومصادمتها في كثير من شؤون الحياة‪ ،‬مثل ذلك الغرض الذي‬
‫تفرضه على أبنائها الذين يتخذون الرهبنة‪ ،‬فهم ل يتزوجون وإنما‬
‫يعيشون غرباء‪ .‬على أن السلم ل يكفيه أن يساير الطبيعة وأن‬
‫ل يتمرد عليها؛ وإنما هو ُيدخل على قوانينها ما يجعلها أكثر قبول ً‬
‫ضا ميسور مشكور‪ ،‬حتى‬ ‫قا في إصلح‪ ،‬ونظام‪ ،‬ور ً‬ ‫وأسهل تطبي ً‬
‫لقد سمي القرآن لذلك )بالهدى( لنه المرشد إلى أقوم مسالك‬
‫الحياة‪ ،‬والمثلة العديدة ل تعوزنا‪ ،‬ولكنا نأخذ بأشهرها‪ ،‬وهو‬
‫التساهل في سبيل تعداد الزوجات"‪. 4‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬نماذج التيسير ‪:‬‬
‫يتحدث القرآن الكريم عن صفات النبي المي محمد ‪ ‬المكتوبة‬
‫صفته في التوراة والنجيل‪ ،‬ويبين أن من أهم صفات محمد‪‬‬
‫أنه ييسر على الناس في الحكام الشرعية‪ ،‬فقال الله تعالى ‪:‬‬
‫‪5‬‬
‫م‪‬‬ ‫ت ع َل َي ْهِ ْ‬ ‫ل ال ِّتي َ‬
‫كان َ ْ‬ ‫م َواْل َ ْ‬
‫غل َ‬ ‫صَرهُ ْ‬
‫م إِ ْ‬ ‫‪ ‬وَي َ َ‬
‫ضعُ ع َن ْهُ ْ‬
‫فمحمد ‪ " ‬يضع عمن يؤمنون به من بني إسرائيل الثقال‬
‫والغلل التي علم الله أنها ستفرض عليهم بسبب معصيتهم ‪،‬‬
‫فيرفعها عنهم النبي المي حين يؤمنون به" ‪.6‬‬

‫والله تعالى ‪ -‬وهو الرحيم بعباده ‪ -‬ل يكلف نفسا ً إل وسعها ‪ ،‬وقد‬
‫كم‬‫امتن على عباده بهذا التيسير ؛قال تعالى ‪ُ  :‬يريد الله ب ِ ُ‬
‫سر ‪ ]‬البقرة‪. [185 :‬‬ ‫سر ول ُيريد ُ ب ِ ُ‬
‫كم العُ ْ‬ ‫الي ُ ْ‬
‫‪ 1‬انظر‪ :‬عرفات كامل العشي‪ :‬رجال ونساء أسلموا ‪. 145 – 144 / 4 ،‬‬
‫‪ 2‬جورج سارتون ‪ :‬الشرق الدنى ‪ :‬مجتمعه وثقافته ) بإشراف كويلر يونغ (‪ ،‬ص ‪140‬‬
‫‪3‬‬
‫آتيين دينيه‪ :‬أشعة خاصة بنور السلم ‪ ،‬ص ‪. 31‬‬
‫‪ 4‬آتيين دينيه ‪ :‬أشعة خاصة بنور السلم ‪ ،‬ص ‪. 31‬‬
‫‪ 5‬سورة العراف‪ :‬الية ‪157‬‬
‫‪ 6‬سيد قطب ‪ :‬في ظلل القرآن ‪ ،‬سورة العراف‪ ،‬تفسير الية ‪157‬‬

‫‪145‬‬
‫ومن اليسر إعفاء النساء من وجوب صلة الجمعة والجماعة‬
‫وإعفاء الصغير‪ ،‬والمجنون‪ ،‬والنائم من سريان الحكام التكليفية‬
‫عليهم‪ ،‬والحدود‪ ،‬وبعض حقوق العباد كحق القصاص‪ ،‬وحق حد‬
‫القذف‪ ،‬فقد اشترط فيها جميعا ً البلوغ والعقل‪ ،‬واشترط في حد‬
‫الزنى أربعة شهود تقليل ً لحالت وجوب الحد‪ ،‬تخفيفا ً وتيسيرًا‪،‬‬
‫واشترط للرجم لشدته الحصان تخفيفا ً عن غير المحصن‪،‬‬
‫واستثنى الولي الفقير من عدم جواز الكل من مال اليتيم ؛‬
‫تخفيفا ً عنه‪ ،‬فقد أذن له أن يأكل ولكن بالمعروف‪ ،1‬ونماذج أخرى‬
‫كثيرة‪.‬‬
‫ولقد كان النبي ‪‬كمشرع يسعى إلى التيسير على الناس في‬
‫الحكام ما استطاع إلى ذلك سبيل ً ‪ ..‬والمواقف كثيرة في سنته‬
‫وسيرته ‪ ‬وقد كان يتفادى ما يكون سببا ً لتكاليف جديدة قد‬
‫تشق على المسلمين‪ ،‬وكان يتجنب أن يفعل شيئا ً يكون فيه‬
‫مشقة وحرج على المسلمين‪ ،2‬فهم يتتبعون أفعاله ليتأسوا ‪..‬‬
‫فمن ذلك أنه ‪ ‬كان يحث أصحابه على ترك السئلة الفقهية‬
‫المعقدة‪ ،‬أو التي ل ينبني عليها عمل‪ ،‬لئل ً تفرض عليهم فرائض‬
‫بسبب سؤالهم‪ .‬فقد سأله رجل عن الحج‪ :‬أفي كل عام هو؟‬
‫‪3‬‬
‫فقال ‪":‬لو قلت نعم لوجبت‪ ،‬ولما استطعتم‪ ،‬ذروني ما تركتكم"‬
‫‪.‬‬

‫وقال‪":‬لول أن أشق على أمتي لمرتهم بالسواك عند كل‬


‫وضوء"‪. 4‬‬
‫وقال لبعض أصحابه‪" :‬ما بالكم تأتوني قلحا ً ل تسوكون؟ لول أن‬
‫أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك كما فرضت عليهم‬
‫الوضوء"‪.5‬‬
‫وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله ‪ " :‬لول‬
‫أن أشق على أمتي لمرتهم بتأخير العشاء وبالسواك عند كل‬
‫صلة "‪.6‬‬
‫خل ّ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ن أَ ُ‬ ‫َ‬
‫ة "‪.7‬‬
‫سرِي ّ ٍ‬
‫ن َ‬
‫ت عَ ْ‬
‫ف ُ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫شقّ ع ََلى أ ّ‬
‫مِتي َ‬ ‫وقال‪ " :‬ل َوَْل أ ْ‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬الموسوعة الكويتية – مادة‪) :‬تيسير (‪.‬‬


‫‪ 2‬كما هو الحال في عدم مداومته على أداء صلة التراويح في رمضان‪ ،‬حتى ل يظن الناس أنها واجبة ‪..‬‬
‫‪ 3‬صحيح – رواه مسلم‪ ،‬باب فرض الحج مرة في العمر ‪ ،‬رقم ‪2380‬‬
‫‪ 4‬صحيح – رواه مسلم‪ ،‬باب السواك‪ ،‬رقم ‪370‬‬
‫‪ 5‬صحيح ‪ -‬رواه أحمد‪ ،‬وصححه الشيخ احمد شاكر في تعليقه على المسند ‪ ،248 – 246 / 3‬والشق الثاني من‬
‫الحديث في السلسلة الصحيحة برقم ‪3067‬‬
‫‪ 6‬صحيح ‪ -‬مشكاة المصابيح ‪) -‬ج ‪ / 1‬ص ‪ (81‬رقم ‪376‬‬
‫ل ‪ ،‬رقم ‪2750‬‬
‫سِبي ِ‬
‫ن ِفي ال ّ‬
‫لِ‬
‫حْم َ‬‫ل َواْل ُ‬
‫جَعاِئ ِ‬
‫‪ 7‬صحيح – رواه البخاري‪ ،‬باب اْل َ‬

‫‪146‬‬
‫وعن قالت عائشة‪ :‬خرج النبي ‪ ‬من عندي وهو مسرور طيب‬
‫ة وَل َ ْ‬
‫و‬ ‫ت ال ْك َعْب َ َ‬
‫خل ْ ُ‬
‫النفس ثم رجع إلي وهو كئيب‪ ،‬فقال‪ " :‬إ ِّني د َ َ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫نأ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خل ْت َُها إ ِّني أ َ‬ ‫قبل ْت م َ‬
‫كو َ‬ ‫فأ ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫ما د َ َ‬
‫ت َ‬
‫ست َد ْب َْر ُ‬
‫ما ا ْ‬
‫ري َ‬ ‫م ُِ‬
‫نأ ْ‬ ‫ست َ ْ َ ُ ِ ْ‬
‫ا ْ‬
‫‪1‬‬
‫مِتي" ‪.‬‬ ‫َ‬
‫ت ع َلى أ ّ‬ ‫ق ُ‬
‫ق ْ‬ ‫قَد ْ َ‬
‫ش َ‬
‫فكونه قد دخل الكعبة‪ ،‬يخشى أن يشق بهذا العمل على‬
‫المسلمين‪ ،‬فهذا العمل شاق‪ ،‬وغير متاح لكل الناس ‪..‬‬

‫سو َ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫ن َر ُ‬ ‫وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما‪ ،‬أ ّ‬
‫الل ّه ‪ ‬وقَف في حجة ال ْوداع بمنى للناس ي َ‬
‫ج ٌ‬
‫ل‬ ‫جاَءه ُ َر ُ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫سأُلون َ ُ‬ ‫َ ّ ِ َ َ ِ ِ ِ ً ِ ّ ِ َ ْ‬ ‫َ َ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ح ! فَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت قَب ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ج"‬ ‫حَر َ‬ ‫ح وَل َ‬ ‫ل ‪ " :‬اذ ْب َ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫ن أذ ْب َ َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫حل ْ‬ ‫شعُْر فَ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ل‪:‬ل ْ‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫ل‪ " :‬اْرم ِ وََل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي‪َ ،‬قا َ‬ ‫م َ‬ ‫ن أْر ِ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ت قَب ْ َ‬ ‫حْر ُ‬ ‫شعُْر فَن َ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ل‪ :‬ل َ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫خُر فَ َ‬ ‫جاَء آ َ‬ ‫فَ َ‬
‫خَر إ ِّل َقا َ‬ ‫ُ‬
‫م وََل أ ّ‬
‫ل‪":‬‬ ‫يٍء قُد ّ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ي ‪ ‬عَ ْ‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫سئ ِ َ‬ ‫ما ُ‬ ‫ج " ‪ ،‬فَ َ‬ ‫حَر َ‬ ‫َ‬
‫‪2‬‬
‫ج !" ‪.‬‬ ‫حَر َ‬ ‫ل وَل َ‬ ‫َ‬ ‫افْعَ ْ‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬حثه على التيسير‪:‬‬
‫دين يسر ولن يشاد ّ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫قال النبي ‪ ‬مب َي ًّنا طبيعة هذا الدين‪ " :‬إ ّ‬
‫‪3‬‬
‫ددوا وقاربوا وأبشروا ‪"..‬‬ ‫دين أحد إل غلبه‪ ،‬فس ّ‬ ‫ال ّ‬
‫وقال ابن عباس ‪ : ‬قيل للنبي ‪ :‬يا رسول الله! أي الديان‬
‫سمحة"‪..4‬‬ ‫ب إلى الله؟ قال‪" :‬الحنيفّية ال ّ‬ ‫أح ّ‬
‫ما بعثهما إلى اليمن‪:‬‬ ‫وقال لمعاذ بن جبل وأبي موسى الشعري ل ّ‬
‫‪5‬‬
‫فرا‪"..‬‬ ‫شرا ول ت ُن َ ّ‬ ‫سرا وب َ ّ‬ ‫سرا ول ُتع ّ‬ ‫" يَ ّ‬
‫وعن عروة الفقيمي‪ ‬قال‪ :‬كّنا ننتظر النبي‪  ،‬فخرج يقطر‬
‫صلة جعل الّناس‬ ‫ما قضى ال ّ‬ ‫رأسه من وضوء أو غسل فصّلى‪ ،‬فل ّ‬
‫يسألونه‪ :‬يا رسول الله! أعلينا من حرج في كذا‪ ،‬فقال رسول‬
‫ن دين‬ ‫ل‪ -‬في يسر‪ ،‬إ ّ‬ ‫ن دين الله‪ -‬عّز وج ّ‬ ‫الله‪"  ،‬ل أّيها الّناس‪ :‬إ ّ‬
‫‪6‬‬
‫ل‪ -‬في يسر"‬ ‫ن دين الله‪ -‬عّز وج ّ‬ ‫ل‪ -‬في يسر‪ ،‬إ ّ‬ ‫الله‪ -‬عّز وج ّ‬
‫ي‬
‫خي َّر الن ّب ِ ّ‬ ‫ما ُ‬ ‫وجاء في وصفه عن عائشة رضي الله عنها قالت‪َ " :‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫‪ ‬بي َ‬
‫ن‬
‫كا َ‬ ‫م َ‬ ‫ن اْل ِث ْ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ذا َ‬ ‫م فَإ ِ َ‬ ‫م ي َأث َ ْ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫سَرهُ َ‬ ‫خَتاَر أي ْ َ‬ ‫ن إ ِّل ا ْ‬ ‫مَري ْ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َْ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫حّتى‬ ‫يٍء ي ُؤ َْتى إ ِلي ْهِ قَط َ‬ ‫ش ْ‬ ‫سهِ ِفي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ل ِن َ ْ‬ ‫ق َ‬‫ما ان ْت َ َ‬ ‫ه َواللهِ َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫أب ْعَد َهُ َ‬
‫ه "‪. 7‬‬ ‫م ل ِل ّ ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫ت الل ّهِ فَي َن ْت َ ِ‬ ‫ما ُ‬ ‫حُر َ‬ ‫ك ُ‬ ‫ت ُن ْت َهَ َ‬
‫ن خير دينكم أيسره"‪.8‬‬ ‫ن خير دينكم أيسره‪ ،‬إ ّ‬ ‫و قال‪ "  ،‬إ ّ‬
‫‪ 1‬رواه أبو داود‪ ،‬باب في دخول الكعبة برقم ‪ .1734‬والترمذي برقم ‪ ،799‬وابن ماجة ‪3055‬‬
‫غْيِرَها‪ ،‬برقم ‪.81‬‬
‫عَلى الّداّبِة َو َ‬ ‫ف َ‬ ‫‪ 2‬صحيح ‪ -‬رواه البخاري‪َ ،‬باب اْلُفْتَيا َوُهَو َواِق ٌ‬
‫سٌر‪ ،‬رقم ‪38‬‬ ‫ن ُي ْ‬‫‪ 3‬صحيح ‪ -‬البخاري‪َ ،‬باب الّدي ُ‬
‫‪ 4‬حسن – رواه أحمد )‪ .(1/236‬والبخاري معلًقا )‪ .(1/15‬وحسن الحافظ إسناده في الفتح )‪.(1/117‬‬
‫‪ 5‬صحيح ‪ -‬البخاري )‪ .(5/108‬ومسلم )‪ (3/1359‬رقم )‪.(1733‬‬
‫‪ 6‬رواه أحمد )‪ .(5/69‬قال الهيثمي في المجمع )‪(1/67‬؛‪ :‬رواه أحمد والطبراني في الكبير وأبو يعلى وفيه عاصم‬
‫بن هلل‪ ،‬وثقه أبو حاتم وأبو داود‪ ،‬وضعفه النسائي وغيره‪ .‬قال الحافظ في التقريب ص )‪ :(286‬فيه لين‬
‫ل ‪ ،‬رقم ‪. 6288‬‬ ‫ت ا ِّ‬
‫حُرَما ِ‬ ‫لْنِتَقاِم ِل ُ‬
‫حُدوِد َوا ِ‬
‫‪ 7‬صحيح ‪ -‬رواه البخاري‪َ ،‬باب ِإَقاَمِة اْل ُ‬
‫‪ 8‬قال الهيثمي في المجمع )‪ :(4/18‬رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح‬

‫‪147‬‬
‫مة اليسير وكره لها‬ ‫ن الله تعالى رضي لهذه ال ّ‬ ‫وقال‪ " : ،‬إ ّ‬
‫العسير"‪.1‬‬
‫ن رسول الله‪  ،‬قال‪ " :‬إ ّ‬
‫ن الله‬ ‫وعن عائشة‪ -‬رضي الله عنها‪ -‬أ ّ‬
‫‪2‬‬
‫سًرا "‬
‫ما مي ّ‬ ‫ّ‬
‫لم يبعثني معن ًّتا ول متعن ًّتا‪ ،‬ولكن بعثني معل ً‬

‫المبحث الرابع‬
‫الرخص الشرعية‬
‫المطلب الول ‪ :‬الرخص الشرعية ‪ :‬ماهيتها وشرعيتها‬
‫‪:‬‬
‫من مظاهر رحمة نبينا الكريم ‪ ‬في التشريع‪ ،‬ما شرعه ‪ ‬من‬
‫رخص لصحاب العذار‪ ،‬عند تطبيقهم للحكام الشرعية ‪..‬‬
‫والرخصة في اللغة معناها اليسر والسهولة‪ .‬وفي الشريعة‪:‬‬
‫عبارة عما وسع للمكلف في فعله لعذر‪ ،‬وعجز عنه مع قيام‬
‫ما"‪ ،3‬كتناول‬ ‫حَرا ً‬ ‫معَ ك َوْن ِهِ َ‬ ‫ص ِفيهِ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ما أ ُْر ِ‬ ‫السبب المحرم‪ .‬أو " َ‬
‫الميتة عند الضطرار‪ ،‬وسقوط أداء صيام رمضان عن المسافر‪.‬‬
‫وهو المعنى الحقيقي للرخصة‪ .‬ويقابلها العزيمة ‪.‬‬
‫وقد شرع السلم الرخص لرفع الضيق المؤدي في الغالب إلى‬
‫الحرج والمشقة لفقدان المصالح الضرورية‪ .‬ورفع الحرج مقصد‬
‫من مقاصد الشريعة وأصل من أصولها‪ ،‬فإن الشارع لم يكلف‬
‫الناس بالتكاليف والواجبات لعناتهم أو تحصيل المشقة عليهم ‪.‬‬
‫وقد دل على ذلك القرآن والسنة وانعقد الجماع على ذلك‪ .‬فمن‬
‫القرآن قوله تعالى‪ :‬ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن‬
‫يريد ليطهركم‪ ] ‬المائدة ‪[6:‬‬
‫ضط ُّر‬ ‫نا ْ‬ ‫م ِ‬‫وضرب القرآن مثال ً للرخصة في قوله تعالى ‪  :‬فَ َ‬
‫م ‪] ‬المائدة ‪:‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر ّر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ف ّل ِث ْم ٍ فَإ ِ ّ‬ ‫جان ِ ٍ‬ ‫مت َ َ‬‫صةٍ غ َي َْر ُ‬ ‫م َ‬ ‫خ َ‬ ‫م ْ‬‫ِفي َ‬
‫‪.. [3‬‬
‫فمن ذلك الفطار في السفر أيام رمضان‪ ،‬وقصر الصلة‬
‫المفروضة في السفر‪ ،‬فتصلي الصلة الرباعية بركعتين فقط‬
‫حال السفر‪ .‬والمسح على الخفين في الوضوء‪ ،‬والتيمم بالتراب‬
‫إذا ُفقد الماء للوضوء أو إذا كان المسلم مريضًا‪ ..‬كما في قوله‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫من‬ ‫كم ّ‬ ‫من ُ‬‫حد ٌ ّ‬‫جاء أ َ‬ ‫سفَرٍ أوْ َ‬ ‫ضى أوْ ع ََلى َ‬ ‫مْر َ‬ ‫كنُتم ّ‬ ‫تعالى ‪  :‬وَِإن ُ‬
‫صِعيدا ً ط َّيبا ً‬ ‫َ‬
‫موا ْ َ‬ ‫م ُ‬‫ماء فَت َي َ ّ‬ ‫دوا ْ َ‬ ‫ج ُ‬‫م تَ ِ‬ ‫ساء فَل َ ْ‬ ‫م الن ّ َ‬ ‫ست ُ ُ‬
‫م ْ‬‫ط أوْ ل َ َ‬ ‫ال َْغآئ ِ ِ‬
‫فورا ً‪] ‬النساء ‪:‬‬ ‫فوّا ً غ َ ُ‬ ‫َ‬
‫ن عَ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ديك ُ ْ‬‫م وَأي ْ ِ‬ ‫جوه ِك ُ ْ‬ ‫حوا ْ ب ِوُ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫م َ‬‫َفا ْ‬
‫‪[43‬‬
‫‪ 1‬قال الهيثمي في المجمع )‪ :(4/18‬رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح‪.‬‬
‫‪ 2‬صحيح – رواه مسلم )‪ (2/1105‬رقم )‪.(1478‬‬
‫‪ 3‬الغزالي ‪ :‬المستصفى ص ‪. 194‬‬

‫‪148‬‬
‫وفي الرخص الشرعية ‪ ..‬قال النبي ‪" :‬إن الله يحب أن تؤتى‬
‫رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته"‪ ..1‬وفي رواية ‪" :‬كما يحب أن‬
‫تؤتى عزائمه"‪.. 2‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬نماذج الرخص الشرعية ‪:‬‬
‫ل‪:‬‬ ‫خد ْرِيّ ‪َ ‬قا َ‬ ‫سِعيد ٍ ال ْ ُ‬ ‫عن أبي َ‬
‫مْنزًل‪،‬‬ ‫م‪ ،‬فَن ََزل َْنا َ‬ ‫صَيا ٌ‬ ‫ن ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ة وَن َ ْ‬ ‫مك ّ َ‬ ‫ل الل ّهِ ‪ ‬إ َِلى َ‬ ‫سو ِ‬ ‫معَ َر ُ‬ ‫سافَْرَنا َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫وى‬ ‫فطُر أقْ َ‬ ‫م َوال ِ‬ ‫ن ع َد ُوّك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م قَد ْ د َن َوْت ُ ْ‬ ‫ل اللهِ ‪" : ‬إ ِن ّك ُ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫م" ‪.‬‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫من ْزًِل‬ ‫ة ‪ ..‬فَمنا من صام ومنا م َ‬
‫م ن ََزل َْنا َ‬ ‫ن أفْط ََر‪ ،‬ث ُ ّ‬ ‫ِ ّ َ ْ َ َ َ ِ ّ َ ْ‬ ‫ص ً‬ ‫خ َ‬ ‫ت ُر ْ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬
‫م " ‪..‬‬ ‫وى ل َك ُ ْ‬ ‫فط ُْر أقْ َ‬ ‫م َوال ْ ِ‬ ‫حو ع َد ُوّك ُ ْ‬ ‫صب ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫م ُ‬ ‫ل‪ " :‬إ ِن ّك ُ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫خَر فَ َ‬ ‫آ َ‬
‫فَأفْط ُِروا ‪..‬‬ ‫‪3‬‬ ‫َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫س ‪َ ‬قا َ‬ ‫و عَ َ‬
‫ٍ‬ ‫ن أن َ‬ ‫ْ‬
‫م‬ ‫ز‬ ‫ح‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ض‪،‬‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ط‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫فر فَصام بعض وأ َ‬ ‫َ‬ ‫س‬ ‫في‬ ‫‪‬‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫سو‬ ‫َ‬
‫َ َ ّ َ‬ ‫َ َْ ٌ‬ ‫َ َ َْ ٌ َ‬ ‫َ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن َ ُ‬ ‫ر‬ ‫كا َ‬
‫قا َ‬
‫ل‬ ‫ل‪ ،‬فَ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ض ال ْعَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ن ب َعْ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫وا ُ‬ ‫ص ّ‬ ‫ف ال ّ‬ ‫ضعُ َ‬ ‫مُلوا‪ ،‬وَ َ‬ ‫ن وَع َ ِ‬ ‫فط ُِرو َ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫‪4‬‬
‫ر"‬ ‫ِ‬ ‫م ِباْل َ ْ‬
‫ج‬ ‫ن ال ْي َوْ َ‬ ‫فط ُِرو َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ك ‪ " :‬ذ َهَ َ‬ ‫رسول الله‪ِ ‬في ذ َل ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جد ُ ِبي‬ ‫ل الل ّهِ أ ِ‬ ‫سو َ‬ ‫ل‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫ه َقا َ‬ ‫ي ‪ ‬أن ّ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫سل َ ِ‬ ‫رو اْل ْ‬ ‫م ٍ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫مَزة َ ب ْ ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن َ‬ ‫وع َ ْ‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ح ؟ فَ َ‬ ‫جَنا ٌ‬ ‫ي ُ‬ ‫ل ع َل َ ّ‬ ‫ر‪ ،‬فَهَ ْ‬ ‫ِ‬ ‫س َ‬
‫ف‬ ‫صَيام ِ ِفي ال ّ‬ ‫قُوّة ً ع ََلى ال ّ‬
‫خذ َ ب َِها‬ ‫ن أَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن الل ّهِ فَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫ص ٌ‬ ‫خ َ‬ ‫ي ُر ْ‬ ‫م ‪ " :‬هِ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫‪5‬‬
‫ه"‬ ‫ح ع َل َي ْ ِ‬ ‫جَنا َ‬ ‫م فََل ُ‬ ‫صو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫بأ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ‪ ،‬وَ َ‬ ‫س ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫فَ َ‬
‫ما‪:‬‬ ‫ه ع َن ْهُ َ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ص َر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن ال َْعا‬ ‫ِ‬ ‫رو ب ْ‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫ن عَ ْ‬ ‫وعن ع َب ْد ُ الل ّهِ ب ْ ُ‬
‫م الن َّهاَر‬ ‫صو ُ‬ ‫ك تَ ُ‬ ‫خب َْر أ َن ّ َ‬ ‫م أُ ْ‬ ‫َ‬
‫ل الل ّهِ ‪َ " :‬يا ع َب ْد َ الل ّهِ أل َ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل ِلي َر ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ل!‬ ‫فعَ ْ‬ ‫ل ‪ " :‬فََل ت َ ْ‬ ‫ل الل ّهِ ‪َ .‬قا َ‬ ‫سو َ‬ ‫ت ‪ :‬ب ََلى َيا َر ُ‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫ل؟ " فَ ُ‬ ‫م الل ّي ْ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫وَت َ ُ‬
‫ن ل ِعَي ْن ِ َ‬ ‫ك ع َل َي ْ َ‬ ‫سد ِ َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫قا‪ ،‬وَإ ِ ّ‬ ‫ح ّ‬‫ك َ‬ ‫ج َ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫م ‪ ،‬فَإ ِ ّ‬ ‫م وَن َ ْ‬ ‫م وَأفْط ِْر ‪ ،‬وَقُ ْ‬ ‫ص ْ‬ ‫ُ‬
‫ن‬‫قا‪ ،‬وَإ ِ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ل َِزوْرِك ع َلي ْك َ‬ ‫َ‬ ‫قا ‪ ،‬وَإ ِ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫َ‬
‫جك ع َلي ْك َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن ل َِزوْ ِ‬ ‫قا ‪ ،‬وَإ ِ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ع َلي ْك َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك ب ِك ُ ّ‬ ‫ن لَ َ‬ ‫َ‬ ‫شهْرٍ ث ََلث َ َ‬ ‫م كُ ّ‬ ‫َ‬ ‫سب ِ َ‬
‫شَر‬ ‫سن َةٍ ع َ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ل َ‬ ‫م؛ فَإ ِ ّ‬ ‫ة أّيا ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫صو َ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫بِ َ‬
‫َ‬
‫ه" ‪..‬‬ ‫م الد ّهْرِ ك ُل ّ ِ‬ ‫صَيا ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫مَثال َِها فَإ ِ ّ‬ ‫أ ْ‬
‫ه‪ ،‬إ ِّني‬ ‫ل الل ّ ِ‬ ‫سو َ‬ ‫ت ‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫ي ‪ .‬قُل ْ ُ‬ ‫شد ّد َ ع َل َ ّ‬ ‫ت فَ ُ‬ ‫شد ّد ْ ُ‬ ‫قال عبدالله ‪ :‬فَ َ‬
‫ة‪.‬‬ ‫جد ُ قُوّ ً‬ ‫َ‬
‫أ ِ‬
‫سَلم‪ ،‬وََل ت َزِد ْ ع َل َي ْهِ " ‪.‬‬ ‫داوُد َ ع َل َي ْهِ ال ّ‬ ‫ي الل ّهِ َ‬ ‫م ن َب ِ ّ‬ ‫صَيا َ‬ ‫م ِ‬ ‫ص ْ‬ ‫ل‪ " :‬فَ ُ‬ ‫َقا َ‬
‫سَلم‪.‬‬ ‫داوُد َ ع َل َي ْهِ ال ّ‬ ‫ي الل ّهِ َ‬ ‫م ن َب ِ ّ‬ ‫صَيا ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ت‪ :‬وَ َ‬ ‫قُل ْ ُ‬
‫ف الد ّهْرِ " ‪..‬‬ ‫ص َ‬ ‫ل‪ ":‬ن ِ ْ‬ ‫َقا َ‬

‫‪ 1‬رواه أحمد عن ابن عمر‪ ،‬برقم ‪، 5600‬وابن حبان‪ ،‬وقال شعيب الرنؤوط‪ :‬إسناده قوي‪ ،‬وقال اللباني في‬
‫الرواء)‪ : (564‬صحيح‬
‫ضا‪ .‬وقال اللباني في‬
‫‪ 2‬رواية في المعجم الوسط‪ ،‬للطبراني‪ ،‬برقم ‪ 8263‬وصحيح ابن حبان وإسنادها قوي أي ً‬
‫صحيح الترغيب والترهيب )‪ : (1060‬صحيح ‪.‬‬
‫ل‪ ،‬رقم ‪1888‬‬ ‫سَفِر ِإَذا َتَوّلى اْلَعَم َ‬‫طِر ِفي ال ّ‬‫جِر اْلُمْف ِ‬‫‪ 3‬صحيح – رواه مسلم ‪َ ،‬باب َأ ْ‬
‫ل‪1887 ،‬‬ ‫سَفِر ِإَذا َتَوّلى اْلَعَم َ‬‫طِر ِفي ال ّ‬‫جِر اْلُمْف ِ‬‫‪ 4‬صحيح – رواه مسلم‪َ ،‬باب َأ ْ‬
‫سَفِر‪1891 ،‬‬ ‫طِر ِفي ال ّ‬ ‫صْوِم َواْلِف ْ‬
‫خِييِر ِفي ال ّ‬ ‫‪ 5‬صحيح – رواه مسلم‪َ ،‬باب الّت ْ‬

‫‪149‬‬
‫ي ‪.1‬‬ ‫ة الن ّب ِ ّ‬ ‫ص َ‬‫خ َ‬ ‫ت ُر ْ‬ ‫ما ك َب َِر َيا ل َي ْت َِني قَب ِل ْ ُ‬ ‫ل‪ :‬ب َعْد َ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ن ع َب ْد ُ الل ّهِ ي َ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫فَ َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫جاب ِرٍ َقا َ‬ ‫ن َ‬ ‫وع َ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫حت َل َ َ‬
‫م‬ ‫ما ْ‬ ‫سه ِ ث ُ ّ‬ ‫ه ِفي َرأ ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫ش ّ‬ ‫جٌر فَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫مّنا َ‬ ‫جًل ِ‬ ‫ب َر ُ‬ ‫صا َ‬ ‫فرٍ فَأ َ‬ ‫س َ‬ ‫جَنا ِفي َ‬ ‫خَر ْ‬ ‫َ‬
‫ه فَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م؟‬‫م ِ‬ ‫ة ِفي الت ّي َ ّ‬ ‫ص ً‬ ‫خ َ‬ ‫ن ِلي ُر ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ل تَ ِ‬ ‫ل ‪ :‬هَ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫حاب َ ُ‬ ‫ص َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫سأ َ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬
‫ل‬‫س َ‬ ‫ماِء ‪َ .‬فاغ ْت َ َ‬ ‫قد ُِر ع ََلى ال ْ َ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫ة وَأن ْ َ‬ ‫ص ً‬ ‫خ َ‬ ‫ك ُر ْ‬ ‫جد ُ ل َ َ‬ ‫ما ن َ ِ‬ ‫قاُلوا ‪َ :‬‬ ‫فَ َ‬
‫ُ‬
‫ل ‪ " :‬قَت َُلوهُ‬ ‫قا َ‬ ‫ك‪ ،‬فَ َ‬ ‫خب َِر ب ِذ َل ِ َ‬ ‫ي ‪ ،‬أ ْ‬ ‫مَنا َع ََلى الن ّب ِ ّ‬ ‫ما قَد ِ ْ‬ ‫ت‪ .‬فَل َ ّ‬ ‫ما َ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬
‫ل‪.‬‬ ‫ؤا ُ‬ ‫س َ‬ ‫ي ال ّ‬ ‫فاُء ال ْعِ ّ‬ ‫ش َ‬ ‫ما ِ‬ ‫موا فَإ ِن ّ َ‬ ‫م ي َعْل َ ُ‬ ‫سأُلوا إ ِذ ْ ل َ ْ‬ ‫ه !! أَل َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫قَت َل َهُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫خْرقَ ً‬
‫ة‬ ‫حه ِ ِ‬ ‫جْر ِ‬ ‫ب ‪ -‬ع ََلى ُ‬ ‫ص َ‬ ‫صَر ‪ -‬أوْ ي َعْ ِ‬ ‫م وَي َعْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ي َت َي َ ّ‬ ‫فيهِ أ ْ‬ ‫ن ي َك ْ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫‪2‬‬
‫ه" ‪.‬‬ ‫سد ِ ِ‬ ‫ج َ‬ ‫سائ َِر َ‬ ‫ل َ‬ ‫س َ‬ ‫ح ع َل َي َْها وَي َغْ ِ‬ ‫س َ‬ ‫م َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ثُ ّ‬
‫حّتى يقول كلمة الكفر‪،‬‬ ‫ماًرا فَعَذ ُّبوه ُ َ‬ ‫ن عَ ّ‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫خذ َ ا ل ْ ُ‬ ‫ولقد أ َ َ‬
‫َ‬
‫ي ‪ ،‬وقال له ‪:‬‬ ‫ك إ َِلى الن ّب ِ ّ‬ ‫كى ذ َل ِ َ‬ ‫ش َ‬ ‫دوا‪ ،‬فَ َ‬ ‫ما أَرا ُ‬ ‫م ِفي ب َْعض َ‬ ‫وَقاَرب َهُ ْ‬
‫ل–‬ ‫جعَ َ‬ ‫ما ُتركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير ‪ ..‬وبكى‪ .‬فَ َ‬
‫‪3‬‬

‫ه‪ ،4‬وقال له‪ :‬ك َْيف‬ ‫موع ع َن ْ ُ‬ ‫سح الد ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫صلوات ربي وسلمه عليه ‪ -‬ي َ ْ‬
‫دوا فَعُد ْ " ‪.‬‬ ‫ل‪ ":‬فَإ ِ ْ‬ ‫ن ‪َ ،‬قا َ‬ ‫مئ ِّنا ِبا ْ ِ‬ ‫مط ْ َ‬ ‫جد قَْلبك ؟ َقا َ‬
‫‪5‬‬
‫عا ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ما ِ‬ ‫لي َ‬ ‫ل‪ُ :‬‬ ‫تَ ِ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫مان ِهِ إ ِل ّ َ‬ ‫من ب َعْد ِ إي َ‬ ‫فَر ِبالل ّهِ ِ‬ ‫من ك َ َ‬ ‫ول الّله ت ََعاَلى‪َ  :‬‬ ‫وفيه نزل َقَ ْ‬
‫ُ‬
‫درا ً فَعَل َي ْهِ ْ‬
‫م‬ ‫ص ْ‬‫فرِ َ‬ ‫ح ِبال ْك ُ ْ‬ ‫شَر َ‬ ‫من َ‬ ‫كن ّ‬ ‫ن وََلي ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫لي َ‬ ‫ن ِبا ِ‬ ‫مئ ِ ّ‬ ‫مط ْ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫أك ْرِه َ وَقَل ْب ُ ُ‬
‫ن الل ّهِ وَل َهُ ْ‬
‫‪6‬‬
‫م‪‬‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ب ّ‬ ‫ض ٌ‬ ‫غَ َ‬
‫المبحث الخامس‬
‫التدرج في التشريع‬
‫المطلب الول ‪ :‬التدرج في التشريع‪ :‬مفهومه والحكمة‬
‫منه ‪:‬‬
‫ل‪ :‬مفهومه ‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫من مظاهر رحمته نبينا محمد ‪‬أنه كان ل يحمل الناس على‬
‫الحكام جملة واحدة‪ ،‬إنما كان مبدؤه التدرج‪ ،‬فهو القائل "يسروا‬
‫ول تعسروا وبشروا ول تنفروا"‪. 7‬‬
‫ومن ملمح الرحمة في شريعة السلم التدرج في التشريع‪ ،‬وقد‬
‫ُقررت في كثير من الحكام وخاصة في المحرمات كالخمر والربا‬
‫وذلك تهيئة للنفوس وضمانا للستجابة لحكامها ‪ .‬رحمة من‬
‫المشرع ‪.‬‬
‫كا من مسالك علج المجتمع‬ ‫وقد كان التدرج في التشريع مسل ً‬
‫وإصلحه‪.‬‬
‫صْوِم برقم ‪1888‬‬
‫سِم ِفي ال ّ‬‫جْ‬ ‫ق اْل ِ‬
‫حّ‬
‫‪1‬صحيح – رواه البخاري‪َ ،‬باب َ‬
‫‪ 2‬حسن – رواه أبو داود ‪ ، 284‬قال اللباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود‪ :‬حسن‪.‬‬
‫‪ 3‬البيهقي ‪.209 \8‬‬
‫جاله ِثَقات‪ ،‬فتح الباري لبن حجر ‪) -‬ج ‪ / 19‬ص ‪(398‬‬
‫ن َوِر َ‬
‫سيِري َ‬
‫طِريق اْبن ِ‬‫ن َ‬
‫حَمْيد ِم ْ‬‫عْبد ْبن ُ‬
‫ج َ‬ ‫‪َ 4‬أ ْ‬
‫خَر َ‬
‫‪ 5‬الحاكم‪ ،‬برقم ‪3319‬‬
‫‪ 6‬سورة النحل‪ :‬الية ‪.106‬‬
‫‪ 7‬سبق تخريجه ‪..‬‬

‫‪150‬‬
‫حا‬
‫أما التدرج في الكشف عن حقيقة حكم ٍ ما؛ فإنه يبدأ تلوي ً‬
‫يفهمه الذكياء‪ ،‬ثم تزداد البانة بما يكاد يوحي بالحكم‪ ،‬ثم يجيء‬
‫ما بالمعنى المراد‪ ،‬وقد تم تحريم الربا والخمر بهذا‬
‫الحكم حاس ً‬
‫السلوب المتأني‪ ،‬وليس في القرآن نص بإباحة الخمر أو‬
‫الربا !‪.‬‬
‫ثانًيا‪ :‬الحكمة منه ‪:‬‬
‫والحكمة من التدرج هو ترويض النفوس على تقبل أحكام‬
‫الله ‪ ..‬والتمهل في استئصال العادات القبيحة المتأصلة في‬
‫فا‬
‫النفوس ل سيما العادات المتوارثة عبر قرون طويلة ‪ .‬وتخفي ً‬
‫على الناس‪ ،‬تماشًيا مع فطرة النسان التي يتطلب التعامل‬
‫معها التزام التدرج لتغييرها وحسن الرتقاء بها‪ ،‬كما أن التدرج‬
‫يتلءم مع منهج التغيير بشكل عام‪ ،‬إذ ل يمكن تغيير أوضاع‬
‫المجتمعات لتتفق مع الشريعة إل بأسلوب التدرج ‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬نماذج للتدرج في التشريع ‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬تحريم الخمور‪:‬‬

‫كانت الخمور متعمقة في المجتمع قبل بعثة النبي عربًيا كان أو‬
‫عالمًيا ‪ .‬وفي البيئة العربية صار شرب الخمر جزًءا من السلوك‬
‫الجتماعي الذي يفاخر به ويتغنى به الشعراء‪ ،‬فلم يكن من‬
‫الحكمة تحريم الخمر مرة واحدة إنما النفع والصلح هو التدرج‬
‫في التحريم ‪ ،‬ومن ثم حرمت الخمر على أربع مراحل‪:1‬‬

‫سك ًَرا وَرِْزًقا‬


‫ه َ‬
‫من ْ ُ‬
‫ن ِ‬
‫ذو َ‬ ‫المرحلة الولى‪ :‬هي قوله تعالى‪ :‬ت َت ّ ِ‬
‫خ ُ‬
‫سًنا [ ]النحل‪67 :‬ففرقت الية بين السكر والرزق الحسن‬ ‫ح َ‬
‫َ‬
‫أي أن السكر ليس من الرزق الحسن‪.‬‬

‫ر‬
‫س ِ‬ ‫مرِ َوال ْ َ‬
‫مي ْ ِ‬ ‫خ ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ك عَ ْ‬ ‫سأ َُلون َ َ‬‫المرحلة الثانية‪ :‬قوله تعالى‪ :‬ي َ ْ‬
‫َ‬
‫ما‪‬‬ ‫فعِهِ َ‬‫ن نَ ْ‬ ‫ما أك ْب َُر ِ‬
‫م ْ‬ ‫مه ُ َ‬‫س وَإ ِث ْ ُ‬ ‫م ك َِبيٌر وَ َ‬
‫مَنافِعُ ِللّنا ِ‬ ‫ما إ ِث ْ ٌ‬ ‫قُ ْ‬
‫ل ِفيهِ َ‬
‫دا للتحريم !‬ ‫]البقرة‪ :‬الية‪ [219 :‬تمهي ً‬

‫مُنوا َل ت َ ْ‬ ‫َ‬
‫قَرُبوا‬ ‫نآ َ‬ ‫المرحلة الثالثة‪ :‬قوله تعالى‪َ :‬ياأي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬
‫ن ‪ ]‬النساء‪[43 :‬‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ما ت َ ُ‬ ‫حّتى ت َعْل َ ُ‬
‫موا َ‬ ‫س َ‬
‫كاَرى َ‬ ‫صَلة َ وَأن ْت ُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫ال ّ‬
‫‪.‬ومن ثم كان على المسلم أن يحذر أن يأتيه وقت الصلة وهو‬
‫سكران‪.‬‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬محمد الخضري‪ :‬تاريخ التشريع السلمي‪ ،‬ص ‪ ،21‬وانظر‪ :‬راوية أحمد عبد الكريم الظهار‪ :‬المقاصد‬
‫الشرعية للعقوبات في السلم‪203 ،‬‬

‫‪151‬‬
‫َ‬
‫مُنوا‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫المرحلة الرابعة‪ :‬هي المرحلة الحاسمة‪َ :‬ياأي َّها ال ّ ِ‬
‫شي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫طا ِ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ن عَ َ‬‫م ْ‬‫س ِ‬ ‫ج ٌ‬ ‫م رِ ْ‬‫ب َوالْزل ُ‬ ‫صا ُ‬‫سُر َوالن َ‬ ‫مي ْ ِ‬ ‫مُر َوال ْ َ‬ ‫خ ْ‬‫ما ال ْ َ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫ن‪] ‬المائدة‪ . [90 :‬ويمضي القرآن‬ ‫حو َ‬‫فل ِ ُ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫جت َن ُِبوه ُ ل َعَل ّك ُ ْ‬‫َفا ْ‬
‫َ‬ ‫شي ْ َ‬
‫ن ُيوقِعَ ب َي ْن َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫نأ ْ‬ ‫طا ُ‬ ‫ريد ُ ال ّ‬ ‫موضحا علة التحريم‪ :‬إ ِن ّ َ‬
‫ما ي ُ ِ‬
‫ن ذ ِك ْرِ الل ّهِ وَع َ ْ‬
‫ن‬ ‫م عَ ْ‬ ‫صد ّك ُ ْ‬‫سرِ وَي َ ُ‬ ‫مرِ َوال ْ َ‬
‫مي ْ ِ‬ ‫خ ْ‬ ‫ضاَء ِفي ال ْ َ‬ ‫داوَة َ َوال ْب َغْ َ‬ ‫ال ْعَ َ‬
‫ن‪] ‬المائدة‪. [91 :‬‬ ‫الصلة فَه ْ َ‬
‫منت َُهو َ‬‫م ُ‬ ‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫ّ ِ َ‬
‫ثانًيا‪ :‬تحريم الربا‪:‬‬

‫كان الربا بأنواعه وأشكاله المختلفة عصب القتصاد في المجتمع‬


‫العربي والرومي والفارسي آنذاك‪ ،‬وكانت النقلة الفجائية‬
‫للتحريم ربما أحدثت خلخلة أدت إلى النهيار الجتماعي‬
‫والقتصادي ومن ثم كانت الحكمة في أن يتدرج القرآن في‬
‫تحريمه على مرحلتين‪:‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مُنوا ل ت َأك ُُلوا الّرَبا أ ْ‬
‫ضَعاًفا‬ ‫نآ َ‬ ‫الولى‪ :‬قوله تعالى‪َ :‬ياأي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ة‪] ‬آل عمران‪[130 :‬‬ ‫ف ً‬
‫ضاع َ َ‬
‫م َ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫ي‬
‫ق َ‬
‫ما ب َ ِ‬ ‫قوا الل ّ َ‬
‫ه وَذ َُروا َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬
‫نآ َ‬ ‫الثانية‪ :‬قوله تعالى‪َ :‬ياأي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن‪] ‬البقرة‪. [278 :‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫ن الّرَبا إ ِ ْ‬
‫م ْ‬
‫ِ‬

‫‪152‬‬
‫الفصل الخامس‬
‫رحمته للعالمين في ميدان الصراعات السياسية‬
‫والعسكرية‬
‫المبحث الول ‪ :‬الحوار ل الصدام‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬حرصه على نشر السلم‬
‫المبحث الثالث ‪:‬رحمته للخصوم والعداء‬
‫المبحث الرابع ‪ :‬رحمته للسرى‬
‫المبحث الخامس ‪ :‬رحمته لقتلى العدو‬
‫المبحث السادس ‪ :‬رحمته لهل الذمة‬
‫المبحث السابع‪ :‬قيم حضارية في غزوة بدر الكبرى‬
‫جا[‬
‫] نموذ ً‬

‫‪153‬‬
‫المبحث الول‬
‫الحوار ل الصدام‬
‫المطلب الول ‪ :‬الحوار مظهر من مظاهر الرحمة ‪:‬‬
‫إن تقديم لغة الحوار‪ 1‬على أسلوب الصدام‪ ،‬حقًنا للدماء وتغليب‬
‫العقل على العنف‪ ،‬يعد من مظاهر الرحمة في شخصية النبي‬
‫‪ ، ‬الذي ضرب المثل العلى في ميدان الحوار والتفاوض‪ ،‬كما‬
‫ضرب المثل العلى في القتال والزود عن حياض الدين والوطن‪.‬‬
‫ن السلم هو دين الحوار والعتراف بالخر‪ ،‬وهو شريعة تطوير‬ ‫إ ّ‬
‫سبل‬ ‫القواسم المشتركة بين النسان وأخيه النسان‪ ،‬وإيجاد ال ّ‬
‫الكفيلة بتحقيق ذلك بما يساعد على العيش بسلم وأمن‬
‫وطمأنينة‪ ،‬ويحفظ النسان من أن يحيا حياة البعاد والقصاء‬
‫دعوة بالتي هي‬ ‫ونكران الخر‪ .‬لهذا أمر السلم بالحوار وال ّ‬
‫طرق السليمة في‬ ‫أحسن‪ ،‬وسلوك الساليب الحسنة ‪ ،‬وال ّ‬
‫ة‬
‫م ِ‬ ‫ك ِبال ْ ِ‬
‫حك ْ َ‬ ‫ل َرب ّ َ‬‫سِبي ِ‬‫ى َ‬ ‫مخاطبة الخر‪ .‬قال تعالى‪  :‬اد ْع ُ إ ِل ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ك هُوَ أع ْل َ ُ‬
‫م‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫ن إِ ّ‬‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫جاد ِل ُْهم ِبال ِّتي ه ِ َ‬ ‫سن َةِ وَ َ‬‫ح َ‬‫عظ َةِ ال ْ َ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫مو ْ ِ‬
‫َ‬
‫ن‪.2‬‬ ‫دي َ‬ ‫م ِبال ْ ُ‬
‫مهْت َ ِ‬ ‫سِبيل ِهِ وَهُوَ أع ْل َ ُ‬‫عن َ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬
‫من َ‬ ‫بِ َ‬
‫على هذه السس يرسي القرآن الكريم قواعد الحوار في‬
‫السلم على أساس الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي‬
‫هي أحسن ‪ ،‬إنه منهج حضاري متكامل في ترسيخ مبادئ الحوار‬
‫بين الشعوب والمم ‪ " .‬ومن الملحظ على التعبير القرآني‬
‫المعجز في الية ‪ :‬أنه اكتفى في الموعظة بأن تكون)حسنة(‪،‬‬
‫ولكنه لم يكتف في الجدال إل أن يكون بالتي هي) أحسن(‪ .‬لن‬
‫الموعظة ي غالبا ً ي تكون مع الموافقين‪ ،‬أما الجدال فيكون ي عادة‬
‫ي مع المخالفين؛ لهذا وجب أن يكون بالتي هي أحسن ‪ .‬على‬
‫معنى أنه لو كانت هناك للجدال والحوار طريقتان‪ :‬طريقة حسنة‬
‫‪ 1‬للباحث دراسة تحت عنوان‪ :‬حوار الحضارات ‪ :‬الموجود والمفقود والمنشود‪ ،‬ومقالة تحت عنوان‪ :‬دور السلم‬
‫في مشروع حوار الحضارات‪ ،‬مجلة المجتمع‪ ،‬الكويت‪ ،‬العدد ‪ ،1677‬بتاريخ ‪.19/11/2005‬‬
‫‪ 2‬سورة النحل ‪ :‬الية ‪ ،125‬وانظر‪ :‬يوسف القرضاوي ‪ :‬خطابنا السلمي في عصر العولمة‪ ،‬ص ‪40‬‬

‫‪154‬‬
‫وجيدة ‪ ،‬وطريقة أحسن منها وأجود‪ ،‬كان المسلم الداعية مأمورا ً‬
‫أن يحاور مخالفيه بالطريقة التي هي أحسن وأجود "‪.1‬‬
‫ب إ ِل ّ ِبال ِّتي‬ ‫ل ال ْك ِ َُتا ِ‬ ‫جاد ِل ُوَا ْ أ َهْ َ‬ ‫لذلك قال الله تعالى أيضا ‪  :‬وَل َ ت ُ َ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مّنا ِبالذ ِيَ أنزِل إ ِلي َْنا‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م وَقولوَا آ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫موا ِ‬ ‫ن ظل ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن إ ِل ال ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫هِ ُ َ‬
‫ن[‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫وَأن ِ ِ ْ ْ َ ِ ُ َ َ ِ ُ ْ َ ِ ٌ َ َ ْ ُ ُ ُ ْ ِ ُ َ‬
‫مو‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫ح‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫وا‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ه‬ ‫لـ‬ ‫َ‬ ‫إ‬‫و‬ ‫نا‬ ‫ه‬ ‫لـ‬‫َ‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ز‬
‫ن هناك قواسم مشتركة ‪،‬‬ ‫]العنكبوت‪[46 :‬فالحوار ممكن ل ّ‬
‫ُ‬
‫وهناك مجال للّتفاهم والّتقارب ‪ ،‬وهي اليمان بما أنزل على‬
‫المسلمين وغيرهم ‪ ،‬فالمصدر واحد وهو الله ‪ .‬فليتعارفوا‬
‫وليعرفوا بعضهم ‪ ،‬ومن ثم فليتقاربوا وليتعاونوا على ما هو صالح‬
‫لهم جميعا‪ .‬فالقرآن يعطينا أسلوب بدء الّلقاء والحوار ‪ ،‬وكيف‬
‫ل نقط الّتلقي بين المتحاورين ‪.‬فيبّين الصول التي يمكن‬ ‫نستغ ّ‬
‫ب ت ََعال َوْا ْ‬ ‫ْ‬ ‫ل ي َأهْ َ‬ ‫َ‬ ‫الّتفاق عليها ويركز على ذلك فيقول ‪ :‬قُ ْ‬ ‫ّ‬
‫ل الك َِتا ِ‬
‫شْيئا ً وَل َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫م أ َل ّ ن َعْب ُد َ إ ِل ّ الل ّ‬ ‫وآٍء ب َي ْ َن ََنا وَب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫س َ‬‫مة ٍ َ‬ ‫ى ك َل َ َ‬ ‫إ ِل َ‬
‫شهدوا ْ بأناَ‬ ‫َ‬
‫قوُلوا ْ ا ْ َ ُ ِ ّ‬ ‫ن الل ّهِ فَِإن ت َوَل ّوْا ْ فَ ُ‬ ‫دو ِ‬ ‫من ُ‬ ‫ضَنا ب َْعضا ً أْرَبابا ً ّ‬ ‫خذ َ ب َعْ ُ‬ ‫ي َت ّ ِ‬
‫ن [ ]عمران‪ [ 64:‬ويبّين السلم نوع العلقة التي يجب‬ ‫م ْ ُ َ‬
‫مو‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ُ‬
‫أن تسود المسلمين وغيرهم ‪ ..‬إّنها علقة الّتعاون والحسان والبّر‬
‫والعدل ‪ .‬فهذا هو الحوار الحضاري والعلقة السامية ‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫م‬‫جوك ُ ْ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ن وَل َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫دي‬ ‫م ِفي ال ّ‬ ‫قات ُِلوك ُ ْ‬ ‫م يُ َ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬‫ن ال ّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ه عَ‬ ‫م َ الل ّ ُ‬ ‫‪ ‬ل ّ ي َن َْهاك ُ ُ‬
‫ن‬‫طي َ‬‫س ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫سط ُوَا ْ إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫ق ِ‬ ‫م وَت ُ ْ‬ ‫م أن ت َب َّروهُ ْ‬ ‫من د َِيارِك ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫‪ ]‬الممتحنة‪[8 :‬‬
‫" وتلك القاعدة في معاملة غير المسلمين هي أعدل القواعد‬
‫التي تتفق مع طبيعة هذا الدين ووجهته ونظرته إلى الحياة‬
‫النسانية‪ ،‬بل نظرته الكلية لهذا الوجود"‪.2‬‬
‫ومن ثم يتبين للباحث مدى الرحمة الواسعة التي منحها السلم‬
‫ورسول السلم‪ ،‬للبشر المخالفين للسلم‪ ،‬فقرر أن الشرع أن‬
‫التعامل يكون بالحوار‪ ،‬والدعوة الحسنة‪ ،‬والجدال بالتي هي‬
‫أحسن‪ ،‬ويخص السلم أهل الكتاب بهذا الفضل‪ ،‬فهم أهل كتاب‪،‬‬
‫وأخوة في النسانية‪ ،‬فالسلم ل ينهانا أن نبر ونحسن إلى اليهود‬
‫والنصارى ما داموا لم يقاتلون المسلمين في الدين ولم يخرجوا‬
‫ما لهل الكتاب أن‬ ‫المسلمين من ديارهم‪ ،‬ونداء المسلم دائ ً‬
‫م" ‪.‬‬ ‫وآٍء ب َي ْن ََنا وَب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫س َ‬ ‫مة ٍ َ‬ ‫ى ك َل َ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫"ت ََعالوْا إ ِل َ‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬السلم يرفض المركزية الحضارية ‪:‬‬


‫ونعتقد مع ذلك أن السلم كدين وحضارة عندما يدعو إلى الحوار‬
‫مع الخر‪ ..‬ينكر )المركزية الحضارية( التي تريد العالم حضارة‬
‫واحدة مهيمنة ومتحكمة في النماط والتكتلت الحضارية الخرى‪،‬‬
‫فالسلم يريد العالم )منتدى حضارات( متعدد الطراف‪ ،‬يريد‬
‫م لهذه الحضارات المتعددة أن تتفاعل وتتساند؛ في كل ما‬ ‫السل ُ‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬يوسف القرضاوي ‪ :‬خطابنا السلمي في عصر العولمة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص ‪41‬‬
‫‪ 2‬سيد قطب ‪ :‬في ظلل القرآن ‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪3544‬‬

‫‪155‬‬
‫هو مشترك إنساني عام ‪ .‬وإذا كان السلم دينا ً عالميا ً وخاتم‬
‫الديان‪ ،‬فإنه في روح دعوته وجوهر رسالته ل يرمي إلى‬
‫)المركزية الدينية( التي تجبر العالم على التمسك بدين واحد‪..‬‬
‫إنه ينكر هذا القسر عندما يرى في تعددية الشرائع الدينية سنة‬
‫منك ُ ْ‬
‫م‬ ‫جعَل َْنا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫من سنن الله تعالى في الكون‪ ،‬قال تعالى‪  :‬ل ِك ُ ّ‬
‫شآَء الل ّه ل َجعل َك ُ ُ‬
‫م‬‫كن ل ّي َب ْل ُوَك ُ ْ‬‫حد َة ً وََلـ ِ‬ ‫ة َوا ِ‬ ‫م ً‬
‫مأ ّ‬ ‫ُ َ َ ْ‬ ‫من َْهاجا ً وَل َوْ َ‬ ‫ة وَ ِ‬ ‫شْرع َ ً‬ ‫ِ‬
‫كم‬‫ميعا ً فَي ُن َب ّئ ُ ُ‬
‫ج ِ‬‫م َ‬ ‫جعُك ُ ْ‬ ‫مْر ِ‬ ‫ى الله َ‬ ‫خي َْرا ِ َ‬
‫ت إ ِل َ‬ ‫قوا ال َ‬ ‫ست َب ِ ُ‬‫كم َفا ْ‬ ‫مآ آَتا ُ‬ ‫ِفي َ‬
‫شآَء‬ ‫ن‪] ‬المائدة‪. [48:‬وقال أيضًا‪  :‬وَل َوْ َ‬ ‫فو َ‬ ‫خت َل ِ ُ‬
‫م ِفيهِ ت َ ْ‬ ‫كنت ُ ْ‬‫ما ُ‬ ‫بِ َ‬
‫ُ‬
‫ن[ ]هود‪ :‬الية‬ ‫في َ‬ ‫خت َل ِ ِ‬
‫م ْ‬‫ن ُ‬ ‫حد َة ً وَل َ ي ََزاُلو َ‬
‫ة َوا ِ‬‫م ً‬ ‫سأ ّ‬ ‫ل الّنا َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ك لَ َ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫‪. 1  118‬‬

‫إن دعوة النبي ‪ ‬إلى الحوار مع باقي الدول والحضارات تنبع‬


‫من رؤيته في التعامل مع غير المسلمين الذين يؤمنون برسالتهم‬
‫السماوية‪ ،‬فعقيدة المسلم ل تكتمل إل إذا آمن بالرسل جميعًا‪:‬‬
‫قال تعالى‪:‬‬
‫هّ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫مآ أن ْزِ َ‬ ‫سو ُ‬
‫ن ِبالل ِ‬ ‫م َ‬
‫لآ َ‬ ‫مُنو َ‬‫مؤ ْ ِ‬
‫من ّرب ّهِ َوال ُ‬ ‫ل إ ِلي ْهِ ِ‬ ‫ل بِ َ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫م َ‬ ‫"آ َ‬
‫َ‬
‫معَْنا‬ ‫سل ِهِ وََقاُلوا ْ َ‬
‫س ِ‬ ‫من ّر ُ‬ ‫حد ٍ ّ‬‫نأ َ‬ ‫فّرقُ ب َي ْ َ‬ ‫سل ِهِ ل َ ن ُ َ‬ ‫ملئ ِك َت ِهِ وَك ُت ُب ِهِ وَُر ُ‬‫وَ َ‬
‫صيُر" ] البقرة ‪ :‬الية ‪[285‬‬ ‫م ِ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫ك َرب َّنا وَإ ِل َي ْ َ‬‫فَران َ َ‬ ‫وَأ َط َعَْنا غ ُ ْ‬
‫لقد حمل نبي الرحمة‪ ‬وأتباعه قيم السلم العليا ومثله‬
‫السامية وأخذوا في نشرها في كل أرجاء الدنيا‪ ،‬دون إجبار الناس‬
‫عليها‪ ،‬وبدأت عملية التفاعل بين الحضارة السلمية والحضارات‬
‫الوربية والمصرية والفارسية والهندية‪ .‬فلم يلغ السلم الحضارة‬
‫المصرية إنما جودها‪ ،‬ولم يلغ السلم حضارة الهند إنما هذبها ‪،‬‬
‫ونقى الحضارات من خبيث العقائد والفكار‪ ،‬وجلى الطيب النافع‬
‫من الموروثات والثقافات القديمة ‪.‬‬
‫ومع مرور الزمن وانصرام القرون نتجت حضارة إسلمية جديدة‬
‫أسهمت في إنضاجها مكونات حضارات الشعوب والمم التي‬
‫دخلت في السلم‪ ،‬فاغتنت الحضارة السلمية بكل ذلك عن‬
‫طريق الحوار والتفاعل‪ ،‬وكانت هي بدورها فيما بعد عندما‬
‫استيقظت أوروبا من سباتها وأخذت تستعد للنهوض مكونا ً‬
‫حضاريا ً ذا بال أمد ّ الحضارة الوروبية الغربية بما تزخر به من‬
‫علوم وقيم وعطاء حضاري متنوع‪.2‬‬
‫الشيء نفسه يمكن قوله عن الحضارة الغربية التي لم تظهر‬
‫فجأة‪ ،‬بل تكونت خلل قرون كثيرة حتى بلغت أوجها في عصرنا‬
‫الحاضر وذلك نتيجة التفاعل الحضاري مع حضارات أخرى هيلينية‬
‫ورومانية وغيرها‪ ،‬وبفعل التراكم التاريخي وعمليات متفاعلة من‬
‫التأثر والتأثير خلل التاريخ النساني الحديث‪ .‬إن أكبر دليل على‬

‫‪ 1‬انظر ‪ :‬حسن عزوزي‪ :‬السلم وترسيخ ثقافة الحوار الحضاري‪ ،‬مجلة البلغ‪ ،‬يناير ‪2007‬‬
‫‪ 2‬انظر ‪ :‬حسن عزوزي‪ :‬السلم وترسيخ ثقافة الحوار الحضاري‪ ،‬مجلة البلغ‪ ،‬يناير ‪2007‬‬

‫‪156‬‬
‫أن الحضارة السلمية لم تسع في أي وقت من الوقات إلى‬
‫التصادم مع الحضارة الغربية‪ ،‬هو أن العرب والمسلمين لم‬
‫يضعوا في أي زمن من الزمان صوب أهدافهم القضاء على‬
‫خصوصيات الحضارة الغربية وهويتها الحضارية‪. 1‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬نماذج عملية من سيرة النبي‪: ‬‬
‫إليك هذه النماذج الطيبة من سيرة النبي ‪ ،‬والتي تبين كيف كان‬
‫النبي يحاور الحضارات والمم الخرى‪ ،‬يدعوها إلى كلمة سواء ‪.‬‬
‫فبعدما عقد النبي ‪‬هدنة بينه وبين مشركي مكة الذين حاربوه‬
‫على مدار ثمانية عشر عاما ً ي أو أكثر ي‪ ،‬استغل النبي ‪‬هذه‬
‫الهدنة في مراسلة زعماء وأمراء وملوك العالم ‪..‬للحوار‬
‫والتواصل والتعريف بدعوة السلم‪ ..‬مركزا ً في خطاباته على‬
‫قيم السلم وحرية العتقاد‪ ،‬نرى ذلك جليا ً في محتوى هذه‬
‫الرسائل ‪..‬‬
‫هذا‪ ،‬ولنتأمل أحد هذه النماذج المشرقة‪ ،‬ولتكن رسالة النبي ‪‬‬
‫مّتي‬ ‫إلى الملك المقوقس ‪ ..‬فكتييب النبييي ‪ ‬إلى ُ‬
‫جَرْيج بين َ‬
‫قوِْقس ملك مصر والسكندرية‪ ،‬رسالة نصها‪:‬‬ ‫م َ‬
‫الملقب بال ُ‬
‫"بسم الله الرحمن الرحيم ‪ ..‬من محمد عبد الله ورسوله إلى‬
‫المقوقس عظيم القبط‪ ..‬سلم على من اتبع الهدى‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫فإني أدعوك بدعاية السلم‪ ،‬أسلم تسلم‪ ،‬وأسلم يؤتك الله‬
‫َ‬
‫أجرك مرتين‪ ،‬فإن توليت فإن عليك إثم أهل القبييط‪َ ،‬يا أهْ َ‬
‫ل‬
‫ال ْكتاب تعال َوا ْ إَلى ك َل َمة سواء بيننا وبينك ُ َ‬
‫ه وَل َ‬‫م أل ّ ن َعْب ُد َ إ ِل ّ الل ّ َ‬‫َ ٍ َ َ َََْ َََْ ْ‬ ‫َِ ِ ََ ْ ِ‬
‫ن الل ّهِ فَإن ت َوَل ّوْا ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫شي ًْئا وَل ي َت ّ ِ‬ ‫شرِ َ‬
‫ِ‬ ‫دو ِ‬ ‫من ُ‬ ‫خذ َ ب َعْ ُ‬
‫ضَنا ب َْعضا أْرَباًبا ّ‬ ‫ك ب ِهِ َ‬ ‫نُ ْ‬
‫َ‬
‫ن‪. "‬‬ ‫دوا ْ ب ِأّنا ُ‬ ‫قوُلوا ْ ا ْ‬‫فَ ُ‬
‫‪2‬‬
‫مو َ‬
‫سل ِ ُ‬‫م ْ‬ ‫شه َ ُ‬
‫واختار لحمل هذا الخطاب الصحابي المتحدث حاطب بن أبي‬
‫ب َل ْت ََعة ‪.‬‬
‫وجدير بنا أن نذكر كلم حاطب ‪ ‬للمقوقس حتى يعرف الغييرب‬
‫أن هذه البعوث كانت تعرف هدفها جيدا ً كما أنها بلغييت حييدا ً ميين‬
‫الفقه والحصافة يستحق العجاب البالغ‪.‬‬
‫قال حاطب‪ :‬إن هذا النبي دعا الناس‪ ،‬فكان أشدهم عليه قريش‪،‬‬
‫وأعداهم له اليهود‪ ،‬وأقربهييم منييه النصييارى‪ ،‬ولعمييري مييا بشييارة‬
‫موسى بعيسى إل كبشارة عيسى بمحمد‪ ،‬ومييا دعاؤنييا إييياك إلييى‬
‫القرآن إل كدعائك أهل التوراة إلى النجيل ‪..‬وكل نبي أدرك قوما ً‬

‫‪ 1‬انظر ‪ :‬حسن عزوزي‪ :‬السلم وترسيخ ثقافة الحوار الحضاري‪ ،‬مجلة البلغ‪ ،‬يناير ‪2007‬‬
‫‪ 2‬انظر‪:‬البيهقي ‪ :‬دلئل النبوة‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪ ،4‬وما بعدها ‪ ،‬باب ما جاء في كتاب النبي صلى ال عليه وسلم إلى‬
‫المقوقس‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫فهم أمته‪ ،‬فحق عليهم أن يطيعوه‪ ،‬وأنت مميين أدرك هييذا النييبي‪،‬‬
‫ولسنا ننهاك عن دين المسيح ولكننا نأمرك به!‬

‫فقال المقوقس‪ :‬إني قد نظرت في أمر هذا النبي‪ ،‬فوجدته ل‬


‫يأمر بمزهود فيه‪ .‬ول ينهي عن مرغوب فيه‪ ،‬ولم أجده بالساحر‬
‫الضال‪ ،‬ول الكاهن الكاذب‪ ،‬ووجدت معه آية النبوة بإخراج الخبء‬
‫والخبار بالنجوي‪ ،‬وسأنظر‪.‬‬

‫وأخذ كتاب النبي ‪ ،‬فجعله في ُ‬


‫حقّ من عاج‪ ،‬وختم عليه‪ ،‬ودفعه‬
‫إلى جارية له‪ ،‬ثم دعا كاتبا ً له يكتب بالعربية‪ ،‬فكتب إلى النبي ‪‬‬
‫‪:‬‬

‫"بسم الله الرحمن الرحيم‪ .‬لمحمد بن عبد الله من المقوقس‬


‫عظيم القبط‪ ،‬سلم عليك‪ ،‬أما بعد ‪ :‬فقد قرأت كتابك‪ ،‬وفهمت ما‬
‫ذكرت فيه‪ ،‬وما تدعو إليه‪ ،‬وقد علمت أن نبيا ً بقي‪ ،‬وكنت أظن‬
‫أنه يخرج بالشام‪ ،‬وقد أكرمت رسولك‪ ،‬وبعثت إليك بجاريتين‪،‬‬
‫لهما مكان في القبط عظيم‪ ،‬وبكسوة‪ ،‬وأهديت بغلة لتركبها‪،‬‬
‫والسلم عليك"‪.1‬‬

‫ولم يزد على هذا ولم يسلم‪ ،‬فتزوج رسول الله ‪‬مارية‪ ،‬فأنجبت‬
‫له طفل ي سماه إبراهيم‪ ،‬تقديرا ً وتشريفا ً لبي النبياء ي عليه‬
‫السلم ي ‪ ،‬أما سيرين‪ ،‬فقد تزوجها الشاعر حسان بن ثابت ‪.‬‬

‫ل لرسائله إلى رجالت النصرانية ومواقفهم منها‪ .‬وقد‬‫مث ٌ‬


‫"تلك ُ‬
‫ساق النبي كذلك مبعوثيه إلى رؤساء المجوسية يدعونهم إلى‬
‫الله‪ ،‬ويحدثونهم عن الدين الذي لو تبعوه نقلهم من الغي إلى‬
‫الرشاد‪ ..‬وقد تفاوتت ردودهم‪ ،‬بين العنف واللطف واليمان‬
‫والكفر"‪..2‬‬
‫و النبي ‪ ‬بذلك أول من نادى بالحوار بين الحضارات والدول‪،‬‬
‫في سبيل نشر قيم سامية ‪ ..‬ومارس هذا الحوار كما رأيت‬
‫بمستوى عال من الدب وحسن الخلق واحترام الرأي الخر‪.‬‬
‫ولقد أرسل الرسول ‪ ‬الكثير من الرسل والسفراء – يدعوهم‬
‫إلى السلم ‪ -‬ولتحقيق مثل هذا الحوار بينه وبين المم‬
‫والحضارات الخرى وملوك وزعماء العالم ‪:‬‬

‫‪ 1‬انظر ‪ :‬المصدر السابق‬


‫‪ 2‬محمد الغزالي ‪ :‬فقه السيرة‪ ،‬ص ‪.274‬‬

‫‪158‬‬
‫قا‬
‫)‪ (1‬فبعث الصحابي الفاضل دحية بن خليفة الكلبي – وكان أني ً‬
‫ما ‪ ،-‬إلى قيصر ملك الرومان‪ ،‬واسمه هرقل‪.‬‬ ‫وسي ً‬
‫)‪ (2‬وبعث الصحابي المناضل عبد الله بن حذافة السهمي –‬
‫وكان راسخ الفكر واليمان متحدًثا بليًغا ‪ -‬إلى كسرى ابرويز بن‬
‫هرمز‪ ،‬ملك الفرس‪.‬‬
‫قا‬ ‫)‪ (3‬وبعث الصحابي الجليل عمرو بن أمية الضمري – وكان لب ً‬
‫ذكًيا‪ ،-‬إلى النجاشي ملك الحبشة‪ ،‬ثم بعثه النبي‪ ‬مرة أخرى‬
‫ب إل َي ْهِ‬ ‫ب مدعي النبوة المشهور ‪ ،‬برسالة‪ ،‬وَك َت َ َ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ة ال ْك َ ّ‬ ‫م َ‬ ‫سي ْل ِ َ‬
‫م َ‬ ‫إلى ُ‬
‫َ‬
‫م‪.‬‬ ‫سل ِ ْ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫خي الّزب َي ْرِ فَل َ ْ‬ ‫وام ِ أ ِ‬ ‫ن ال ْعَ ّ‬ ‫ب بْ ِ‬ ‫سائ ِ ِ‬ ‫معَ ال ّ‬ ‫خَر َ‬ ‫بآ َ‬ ‫ب ِك َِتا ٍ‬
‫ن ‪ -‬الصحابي القائد عمرو بن‬ ‫ما ٍ‬ ‫ة ثَ َ‬ ‫سن َ َ‬ ‫قعْد َةِ َ‬ ‫ْ‬
‫)‪ (4‬وبعث ‪ِ -‬في ِذي ال َ‬
‫دى‬ ‫جل َن ْ َ‬ ‫ي ال ُ‬ ‫فرٍ وَع َب ْد ِ الل ّهِ اب ْن َ ْ‬ ‫جي ْ َ‬ ‫العاص – داهية العرب ‪-‬؛ إلى َ‬
‫ن ‪ ،‬ملكي عمان‪.‬‬ ‫َْ‬
‫الْزد ِي ّي ْ ِ‬
‫)‪ (5‬وبعث الصحابي الجليل سليط بن عمرو إلى هوذة ابن علي‪،‬‬
‫الملك على اليمامة‪ ،‬وإلى ثمامة بن أثال‪ ،‬الحنفيين‪.‬‬
‫ن‬
‫من ْذ ِرِ ب ْ ِ‬ ‫ي إَلى ال ْ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ضَر ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫)‪ (6‬وبعث الصحابي الجليل ال ْعََلَء ب ْ َ‬
‫ن‪.‬‬‫حَري ْ ِ‬ ‫ك ال ْب َ ْ‬ ‫مل ِ ِ‬ ‫ساَوى ال ْعَب ْد ِيّ َ‬ ‫َ‬
‫)‪ (7‬وبعث الصحابي الجليل شجاع بن وهب السدي‪ ،‬من أسد‬
‫خزيمة‪ ،‬إلى الحارث ابن أبي شمر الغساني‪ ،‬وابن عمه جبلة بن‬
‫اليهم‪ ،‬ملكي البلقاء من عمال دمشق للرومان‪.‬‬
‫ي إَلى‬ ‫ُ‬ ‫)‪ (8‬وبعث الصحابي الجليل ال ْمهاجر ب َ‬
‫م ّ‬ ‫خُزو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ال ْ َ‬ ‫مي ّ َ‬‫ن أِبي أ َ‬ ‫ُ َ ِ َ ْ َ‬
‫مي َرِيّ أحد زعماء اليمن‪ ،‬وقال ‪ :‬سأنظر‬ ‫ح ْ‬ ‫ل ال ْ ِ‬ ‫ن ع َب ْد ِ ك َُل ٍ‬ ‫ث بْ ِ‬ ‫حارِ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫‪.‬‬
‫)‪ (9‬وبعث العلمة الفقيه معاذ بن جبل إلى جملة اليمن‪ ،‬داعيا ً‬
‫إلى السلم‪ ،‬فأسلم جميع ملوكهم‪ ،‬كذى الكلع وذي ظليم وذي‬
‫زرود وذي مران وغيرهم‪.‬‬
‫ي‪ ،‬إلى ِذي‬ ‫َ‬ ‫ج َل ِ ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ن ع َب ْد ِ اللهِ الب َ َ‬ ‫ريَر ب ْ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ث الصحابي الجليل َ‬ ‫)‪ (10‬وَب َعَ َ‬
‫ما وَت ُوُفّ َ‬
‫ي‬ ‫سل َ َ‬ ‫سَلم ِ فَأ ْ‬ ‫ما إَلى اْل ِ ْ‬ ‫عوهُ َ‬ ‫رو ي َد ْ ُ‬ ‫م ٍ‬ ‫مي َرِيّ وَِذي ع َ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫كلِع ال ْ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫م‪.‬‬‫عن ْد َهُ ْ‬ ‫ريٌر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل الل ّهِ ‪ ‬وَ َ‬
‫ج‬ ‫سو ُ‬ ‫َر ُ‬
‫ي‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م ّ‬ ‫خُزو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ال َ‬ ‫ن أِبي َرِبيعَ َ‬ ‫ش بْ َ‬ ‫ث الصحابي الجليل ع َّيا َ‬ ‫)‪ (11‬وَب َعَ َ‬
‫ل زعماء من‬ ‫ح وَن ُعَي ْم ٍ ب َِني ع َب ْد ِ ك َُل ٍ‬ ‫سُرو ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ث وَ َ‬ ‫حارِ ِ‬ ‫برسالة إَلى ال ْ َ‬
‫مي ََر ‪.‬‬ ‫ح ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫سلم ِ‬ ‫عوه ُ إلى ال ِ ْ‬ ‫ي ي َد ْ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ج َ‬ ‫رو ال ُ‬
‫َ‬ ‫م ٍ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫ث إلى فَْروَة َ ب ْ ِ‬ ‫)‪ (12‬وَب َعَ َ‬
‫ي‪‬‬ ‫ب إَلى الن ّب ِ ّ‬ ‫م وَك َت َ َ‬ ‫سل َ َ‬ ‫ن فَأ ْ‬ ‫مَعا َ‬ ‫صَر ب ِ َ‬ ‫قي ْ َ‬ ‫مًل ل ِ َ‬ ‫عا ِ‬‫ن فَْروَة ُ َ‬ ‫كا َ‬ ‫‪.‬و َ‬
‫شهَْباُء‬ ‫ة َ‬ ‫ي ب َغْل َ ٌ‬ ‫سعْد ٍ وَه ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫سُعود ِ ب ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫معَ َ‬ ‫ة َ‬ ‫ث إل َي ْهِ هَد ِي ّ ً‬ ‫مهِ وَب َعَ َ‬ ‫سَل ِ‬ ‫ب ِإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ص ِبالذ ّهَ ِ‬
‫ب‬ ‫خو ّ ٍ‬ ‫م َ‬‫س ُ‬ ‫سن ْد ُ ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫واًبا وَقََباًء ِ‬ ‫ث أث ْ َ‬ ‫ماٌر وَب َعَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫س وَ ِ‬ ‫وَفََر ٌ‬

‫‪159‬‬
‫‪1‬‬
‫شا‬ ‫شَرة َ ُأوقِي ّ ً‬
‫ة وَن ِ ً‬ ‫سعْد ٍ اث ْن َت َ ْ‬
‫ي عَ ْ‬ ‫ن َ‬
‫سُعود ِ ب ْ ِ‬
‫م ْ‬
‫ب لِ َ‬ ‫ل ‪ ‬هَد ِي ّت َ ُ‬
‫ه وَوَهَ َ‬ ‫فَ َ‬
‫قب ِ َ‬
‫‪.‬‬
‫وأسلم سائر الملوك والمراء الذين ذكرنا ‪ ،‬وأسلم قومهم‪ ،‬حاشا‬
‫قيصر والمقومقس وهذوة وكسرى والحارث بن أبي شمر ‪..‬‬
‫وتأخر إسلم ثمامة بن أثال‪ ،‬ثم أسلم مختارا ً بعد ذلك‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬أحدث الرسول ‪ ‬هذا الحوار البناء بين أمة السلم‬
‫والمم الخرى في شتى بقاع العالم ‪ ..‬وتواصل مع قيادات ورموز‬
‫العالم آن ذاك‪ ..‬فمنهم من تجاوب وتناقش‪ ،‬ومنهم من تعامل مع‬
‫رسل النبي بوقاحة‪ ،‬كما فعل كسرى ‪..‬‬
‫وهذا مظهر فريد من مظاهر الرحمة في شخصية النبي ‪ ،‬فقد‬
‫قدم الحوار على الصدام في تعامله مع المم الخرى لسيما‬
‫المخالفة للسلم‪ ،‬وراسل النبي ‪ ‬زعماء وأمراء وملوك العالم؛‬
‫برسائل على مستوى عال من التحضر والذوق الرفيع‪ ،‬لتعريفهم‬
‫بدعوة السلم وغايته‪ .‬فحقن الدماء وأعلى من شأن الحوار‬
‫والتبادل العلمي والثقافي ‪ ،‬حتى استفادت أوربا من الحضارة‬
‫السلمية في بناء النهضة العلمية الوربية الحديثة‪.‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫حرصه على نشر السلم‬
‫لمحمد‪ ‬الفضل العظم في نشر السلم في ربوع الجزيرة‬
‫العربية‪ ،‬التي عاشت عدة قرون في حروب طاحنة ومعارك على‬
‫أتفه السباب‪ ،‬وكثرت حروب "الفجار" التي انتهك أصحابها حرمة‬
‫البلد الحرام‪.‬‬
‫وفي هذا المبحث نبين من خلل شهادات علماء الغرب‬
‫والمواقف والحداث؛ هذا المظهر من مظاهر الرحمة في‬
‫شخصية محمد ‪:‬‬
‫المطلب الول ‪ :‬محمد‪ ‬رجل السلم ‪:‬‬
‫‪2‬‬

‫يقول المفكر هنري ماسيه ‪:‬‬


‫" إذا بحثنا عن محمد ]‪[‬إجماليا ً نجده ذا مزاج عصبي‪ ،3‬و فكر‪،‬‬
‫دائم التفكير‪ ،‬ونفس باطنها حزن ‪ ،‬وأما مداركه فهي تمثل‬
‫شخصا ً يعتقد بإله واحد ‪ ،‬وبوجود حياة أخرى ‪ ،‬ويتصف بالرحمة‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬هذه البعوث في كتب السيرة ‪ :‬ابن حزم ‪ :‬جوامع السيرة ‪ ،30 ،29‬وابن هشام ‪،25 /4‬وابن سعد ‪-2 / 1‬‬
‫‪ ،15‬و محمد بن حبيب البغدادي ‪:‬المحبر ‪ ، 75‬وابن سيد الناس‪ :‬عيون الثر ‪ ،270 - 260 /2‬وابن كثير ‪ :‬السيرة‬
‫النبوية ‪ ،262 /4‬والمتاع ‪ 307‬وتهذيب النووي ‪ ،1/30‬وابن القيم ‪ :‬زاد المعاد ‪ .116 /1‬وانظر صور ونصوص‬
‫رسائل النبي إلى الملوك في كتاب محمد حميد ال ‪ :‬الوثائق السياسية ص ‪ 135‬وما بعدها‪.‬‬
‫ضا‪ ،‬فكان رائدا في ميدان القتال‬
‫‪ 2‬أرجو أل نفهم من ذلك أن رسول ال رجل سلم وفقط‪ ،‬بل كان رجل حرب أي ً‬
‫والبأس ورائدا في ميدان الصلح والسلم ‪.‬‬
‫‪ 3‬هذه الجملة نرفضها‪ ،‬بل كان سيدنا محمد ‪-‬صلى ال عليه وسلم ‪-‬هادىء الطبع‪ ،‬لين العريكة ‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫الخالصة ‪ ،‬والحزم في الرأي والعتقاد ‪ ،‬ويضاف إليه أنه رجل‬
‫حكومة ‪ ،‬وأحيانا ً رجل سياسة وحرب ‪ ،‬ولكنه لم يكن ثائرا ً بل‬
‫كان مسالما ً "‪. 1‬‬
‫ووصف جورج بروك‪ 2‬السلم بأنه ‪ " :‬دين السلم والمحبة بين‬
‫البشر "‪.3‬‬
‫وقال عنه المفكر اليرلندي برناردشو‪ " :‬إنه دين التعاون والسلم‬
‫والعدالة في ظل شريعة محكمة لم تدع أمرا ً من أمور الدنيا إل‬
‫رسمته ووزنته بميزان ل يخطئ أبدا ً"‪. 4‬‬
‫إن إقرار السلم في منطة الجزيرة العربية الذي حققه محمد ‪‬‬
‫يعد بحق مظهرا ً مهما ً من مظاهر الرحمة‪ ،‬فقد شهدت الجزيرة‬
‫العربية في عهد محمد ‪ ‬عدة معاهدات سلمية‪ ،‬مما يبين فضل‬
‫رسول الله ‪ ‬في نشر ثقافة السلم بين العرب بعد قرون‬
‫طويلة من الجاهلية والحروب الهلية‪ ،‬وفضله في حقن الدماء‬
‫وحفظ العراض والمقدسات‪ ،‬التي كانت منتهكة في عصور‬
‫الجاهلية ‪ ..‬ولم تحدث أي حروب أهلية – في الجزيرة العربية ‪-‬‬
‫بعد ظهور محمد ‪ ‬وتسلمه زمام قيادة العرب ‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬نموذج في حادث بناء الكعبة ‪:‬‬
‫لما بلغ محمد ‪ ‬من عمره الخامسة والثلثين – أي قبل بعثتة‬
‫بخمس سنين ‪ ،-‬تعرضت الكعبة للهدم ‪ ،‬بسبب سيل عرم انحدر‬
‫إلى البيت الحرام‪ ،‬فأوشكت الكعبة منه على النهيار‪ ،‬فاضطرت‬
‫صا على مكانتها‪ ،‬فعمدت قريش إلى‬ ‫قريش إلى تجديد بنائها حر ً‬
‫بنائها‪ ،‬فلما تنازع القرشيون فيما بينهم من الذي يضع الحجر‬
‫السود في مكانه ‪ ،‬واختلفوا فيمن يمتاز بشرف وضعه في‬
‫سا‪ ،‬واشتد حتى كاد يتحول‬ ‫مكانه‪ ،‬واستمر النزاع أربع ليال أو خم ً‬
‫إلى حرب ضروس في أرض الحرم‪ ،‬إل أن أبا أمية بن المغيرة‬
‫كموا فيما شجر بينهم أول داخل‬ ‫المخزومى عرض عليهم أن يح ّ‬
‫عليهم من باب المسجد‪ ،5‬فارتضوه‪ ،‬وشاء الله أن يكون ذلك‬
‫محمد ‪ ، ‬فلما رأوه قالوا‪ :‬هذا المين‪ ،6‬قد رضينا به هذا محمد‪،7‬‬
‫فلما انتهى إليهم‪ ،‬وأخبروه الخبر طلب رداء فوضع الحجر وسطه‬
‫وطلب من رؤساء القبائل المتنازعين أن يمسكوا جميًعا بأطراف‬

‫‪ 1‬هنري ماسيه ‪ :‬السلم ‪ ،‬ص ‪11‬‬


‫‪ 2‬عضو البرلمان البريطاني‬
‫‪ 3‬مجلة العالم السلمي العدد ‪ ، 7‬السنة الخامسة ‪.‬‬
‫‪ 4‬مجلة الذكرى عدد ‪ ، 7‬دورة ‪ 1‬ص ‪22‬‬
‫‪ 5‬ابن سيد الناس‪ :‬عيون الثر ‪75 \1‬‬
‫‪ 6‬الحاكم ‪ :‬المستدرك‪ 628 \ 1 ،‬من حديث عبد ال بن السائب‪ ،‬برقم ‪1683‬‬
‫‪ 7‬الطبري‪ :‬تاريخ المم والملوك ‪ ،526\1‬وابن كثير‪ :‬البداية والنهاية‪303\2 ،‬‬

‫‪161‬‬
‫الرداء‪ ،‬وأمرهم أن يرفعوه‪ ،‬حتى إذا أوصلوه إلى موضعه أخذه‬
‫بيده فوضعه في مكانه‪..1‬‬
‫وهذا حل حكيم من رجل حكيم تراضت قريش بحكمه‪.‬‬

‫ولقد راح المفكرون والعلماء‪ ،‬يعلقون على هذا الحادث بتعليقييات‬


‫مليئة بالتقدير والعجاب لهذه الشعلة العبقريية اليتي تحياول فييي‬
‫حرص شديد دائم على تحقيق المن والسييلم بييين النيياس ‪ ،‬وعيين‬
‫نجاح محمد ‪ ‬من تفهم الموقف بسرعة عظيمة‪ ،‬والتوسل بهذه‬
‫الحيلة البريئة وإرضاء زعماء قريش جميعًا‪..‬‬
‫فقد استرعت هذه الحادثيية انتبيياه البيياحث اللميياني أغسييطينوس‬
‫موللر ) ‪ ،(1894 -1148‬فتوقف عندها مليا ً ‪ ،‬في كتابه "السلم‬
‫"‪ ،‬وتعرض لسياسة النبي ‪ ‬في هذا المقام وأنه "أدهش قريش يا ً‬
‫بسياسته الرشيدة "‪.2‬‬
‫كما توقف الب هنري لمنس عند هذه الحادثة فقال ‪:‬‬
‫" لما اختلفت قريش في قضية بناء الكعبة ‪ ،‬وأي فخذ منها يجب‬
‫أن يعهد إليه بوضع الحجر السود في مكانه ‪ ،‬وكادوا يقتتلون ‪،‬‬
‫فاتفقوا على أن يعهدوا بذلك إلى محمد بن عبد الله الهاشمي]‬
‫‪ ،[‬قائلين ‪ :‬هذا هو المين ! "‪. 3‬‬
‫ولقد ربييط المستشييرق "أرثيير جيلمييان" بييين هييذه الحادثيية الييتي‬
‫منعت اقتتال القبائل العربييية‪ ،‬وبيين المرحلية التالييية لبيدء البعثيية‬
‫والوحي ‪ ،‬والتي تشكل مقدمة الدعوة السلمية‪ ،‬بقوله ‪:‬‬
‫" ل بد أن يكون محمد ]‪[‬قد تأثر بإعجاب القوم وتقديرهم‬
‫العظيم بهذه الفكرة التي بسطت السلم بين مختلف القبائل ‪،‬‬
‫وليستبعد أن يكون محمد]‪ [‬قد أخذ يحس بنفسه أنه من طينة‬
‫أرقى من معاصريه ‪ ،‬وأنه يفوقهم جميعا ً ذكاًء وعبقرية ‪ ،‬وأن الله‬
‫قد اختاره لمر عظيم ‪. 4"! ..‬‬

‫المطلب الثالث ‪ :‬نماذج المعاهدات مع القبائل‬


‫المجاورة للمدينة ‪:‬‬

‫‪ 1‬انظر في هذه الحادثة أيضًا‪ :‬محمد بن يوسف الصالحي ‪ :‬سبل الهدى والرشاد‪ ،171 \2 ،‬وابن الجوزي ‪ :‬صفة‬
‫الصفوة‪77 \1،‬‬
‫‪ 2‬انظر‪ :‬محمد شريف الشيباني‪ :‬الرسول في الدراسات الستشراقية المنصفة‪ ،‬ص ‪.23 ،22‬‬
‫‪ 3‬هنري لمنس ‪ :‬عهد السلم ‪ ،‬ص ‪65‬‬
‫‪ 4‬ارثر جيلمان ‪ :‬الشرق ‪ ،‬ص ‪117‬‬

‫‪162‬‬
‫فلقد عقد النبي – صلى الله عليه وسلم – في العام الثاني من‬
‫الهجرة‪ -‬المعاهدات مع القبائل المجاورة للمدينة ل سيما تلك‬
‫القبائل التي كانت على الطريق التجاري المؤدي إلى الشام‪،‬‬
‫وذلك من أجل أربعة أهداف ‪:‬‬
‫الهدف الول ‪ :‬تحييد هذه القبائل في قضية الصراع بين‬
‫دا مع المشركين على‬ ‫المسلمين والمشركين‪ ،‬وأل يكونوا ي ً‬
‫المسلمين ‪.‬‬
‫الهدف الثاني ‪ :‬تأمين الحدود الخارجية للدولة ‪.‬‬
‫الهدف الثالث ‪ :‬اعتراف هذه القبائل بدولة المسلمين‬
‫الهدف الرابع ‪ :‬تهيئة هذه القبائل لقبول السلم‪ ،‬والدخول فيه ‪.‬‬
‫نماذج لهذه المعاهدات ‪:‬‬
‫ة‬
‫مَر َ‬ ‫ض ْ‬ ‫ة ب َِني َ‬ ‫ع ُ‬‫وادَ َ‬ ‫م َ‬ ‫أول ً ‪ُ :‬‬
‫واد َع َةِ على النحو التالي ‪:‬‬ ‫م َ‬‫ن نص وثيقة ال ْ ُ‬ ‫كا َ‬‫ة وَ َ‬ ‫ن ك َِنان َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ب َط ْ ٌ‬ ‫وَهُ ْ‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سو ِ‬ ‫مد ٍ َر ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ذا ك َِتا ٌ‬ ‫حيم ِ ‪ .‬هَ َ‬ ‫ن الّر ِ‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫ح َ‬ ‫سم ِ الل ّهِ الّر ْ‬ ‫"ب ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صَر‬‫م الن ّ ْ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬‫م وَأ ّ‬ ‫سه ِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م وَأن ْ ُ‬ ‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬‫ن ع ََلى أ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مآ ِ‬ ‫مَرة َ ‪ ،‬فَإ ِن ّهُ ْ‬ ‫ض ْ‬ ‫ل ِب َِني َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫صوفَ ً‬ ‫ما ب َ ّ‬ ‫ع ََلى َ‬
‫‪1‬‬
‫ة‬ ‫حٌر ُ‬ ‫ل بَ ْ‬ ‫ن اللهِ ‪َ -‬‬ ‫بوا ِفي ِدي ِ‬ ‫حارِ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫م ‪-‬إل أ ْ‬ ‫مه ُ ْ‬‫ن َرا َ‬ ‫م ْ‬
‫َ‬
‫ة‬ ‫ة الل ّهِ وَذ ِ ّ‬
‫م ُ‬ ‫م ُ‬‫ك ذِ ّ‬ ‫م ب ِذ َل ِ َ‬ ‫ه‪ ،‬ع َل َي ْهِ ْ‬ ‫جاُبو ُ‬ ‫صرِهِ أ َ‬ ‫م ل ِن َ ْ‬‫عاهُ ْ‬ ‫ذا د َ َ‬ ‫يإ َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫وَإ ِ ّ‬
‫صُر ع ََلى َ‬ ‫ه‪ ،‬وَل َهُ ْ‬
‫‪2‬‬
‫قى ‪ . ".‬وكانت هذه‬ ‫م َوات ّ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ن ب َّر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م الن ّ ْ‬ ‫سول ِ ِ‬ ‫َر ُ‬
‫المعاهدة عقب أول غزوة للنبي وهي البواء أو ودان )في صفر‬
‫‪2‬هي ‪ -‬أغسطس ‪ 623‬هي (‬
‫‪3‬‬
‫ج في ) جمادي الولى ‪2‬هي‪-‬‬ ‫مد ْل ِ ٍ‬ ‫كما عقد النبي معاهدة مع ب َِني ُ‬
‫نوفمبر ‪ 623‬م( ‪ ،‬وكانت على نفس النحو من وثيقة بني ضمرة ‪.‬‬
‫ة جهينة ‪:‬‬ ‫ع ُ‬‫وادَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ثانًيا ‪ُ :‬‬
‫وهذه القبيلة تسكن منطقة العيص على ساحل البحر الحمر‪،‬‬
‫وكان نص هذه المعاهدة ‪:‬‬
‫"إنهم آمنون على أنفسهم وأموالهم‪ ،‬وإن لهم النصر على من‬
‫ظلمهم أو حاربهم إل في الدين والهل‪ ،‬ولهل باديتهم من بر‬
‫منهم واتقى ما لحاضرتهم"‪.4‬‬
‫وقد دلت هذه الوثائق على مقتضيات أخلقية سامية‪ ،‬فنرى فيها‬
‫الرسول القائد السمح – صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يوادع هذه‬
‫القبائل على النصرة المتبادلة في المعروف‪ ،‬ويضمن لهم النبي‬

‫‪ 1‬دللة على تأبيد هذا العقد‪ ،‬وفيه جواز تأبيد المعاهدات بين المسلمين وغير المسلمين مالم يكن في هذه المعاهدات‬
‫ما يخالف الشرع ‪.‬‬
‫‪ 2‬السهيلي ‪ :‬الروض النف ‪38 /3‬‬
‫‪ 3‬ابن سيد الناس ‪ :‬عيون الثر ‪300 / 1‬‬
‫‪ 4‬انظر‪ :‬محمد حميد ال‪ :‬مجموعة الوثائق السياسية‪ ،‬ص ‪ .62‬وانظر إلى المزيد والمزيد من هذه المعاهدات في‬
‫هذا الكتاب الفريد‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫المن والمان على الموال والنفس‪ ،‬ويظهر لهم النبي أخلق‬
‫الحسان والصلة ‪..‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬نموذج في معركة الحزاب ‪:‬‬


‫ومن المواقف التي تدل على حرص محمد ‪ ‬على السلم‪ ،‬ما‬
‫حدث في معركة الحزاب )في شوال ‪ 5‬هي\ مارس ‪627‬م( ‪،‬‬
‫حيث حاصر المشركون المدينة المنورة‪ ،‬فلما اشتد على‬
‫المسلمين الحصار و البلء بعث رسول الله ‪ ،‬إلى عيينة بن‬
‫حصن والحارث بن عوف المرى‪ ،‬وهما قائدا غطفان ي في جيش‬
‫الحزاب ي وعرض عليهما النبي ‪ ‬ثلث ثمار المدينة‪ ،‬على أن‬
‫يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه‪ ،‬فأحضر النبي ‪ ‬الصحيفة‬
‫والدواة‪ ،‬وأحضر عثمان بن عفان فأعطاه الصحيفة‪ ،‬وهو يريد أن‬
‫يكتب الصلح بينهما‪ ،‬وعباد بن بشر قائم على رأس النبي ‪،‬‬
‫مقنع في الحديد‪ ..‬ولم تقع الشهادة ول عزيمة الصلح‪ ،‬إل‬
‫المراوضة‪.‬فلما أراد رسول الله ‪ ‬أن يفعل ذلك بعث إلى سعد‬
‫بن عبادة وسعد بن معاذ فذكر لهما ذلك‪ ،‬واستشارهما فيه‪. 1‬‬
‫فرفضا هذه الفكرة‪..‬‬
‫ونزل النبي ‪ ‬على رأي الجماعة‪ ،‬فلم يتم هذا الصلح!‬
‫ولكن الشهاد في هذا الموقف‪ ،‬هو حرص النبي الدائم في تجنب‬
‫الحل العسكري‪ ،‬قدر المكان‪ ..‬وميله الدائم نحو الحل السلمي ‪.‬‬
‫المطلب الخامس ‪ :‬نموذج معاهدة الحديبية‪:‬‬
‫لول مرة تشهد الجزيرة العربية تلك المعاهدة المحمدية التي‬
‫نادى بها النبي ‪ ‬وأبرمها في ذي القعدة سنة ست من الهجرة‬
‫)مارس ‪ 628‬م( ‪ ،‬وهي معاهدة صلح الحديبية‪.‬‬
‫رغم ما كان من بنود مجحفة بالمسلمين في هذا الصلح ‪..‬‬
‫وإن المتأمل لحداث صلح الحديبية يتبين له إصرار النبي ‪‬‬
‫على تحقيق السلم‪ ،‬وأنه ‪ ‬كان دائما ً يجنح للسلم إن هيئت له‬
‫أسباب إقامة السلم في أي وقت‪..‬‬
‫فعندما قصد رسول ‪ ‬العمرة مع أصحابه‪ ،‬في العام السادس‬
‫من الهجرة‪ ،‬أبت قريش أن تسمح للنبي وأصحابه بإداء عبادة‬
‫العمرة‪ ،‬وهذا الفعل من القريشيين يعد جريمة كبرى في عرف‬
‫العرب‪ ،‬إذ كيف ُيصد عن البيت الحرام من جاء معظما ً له !!‬
‫سهَْيل بن‬ ‫وعرفت قريش ضيق الموقف‪ ،‬فأسرعت إلى بعث ُ‬
‫عمرو – متحدًثا رسمًيا لها ‪ -‬للتفاوض مع النبي ‪ ‬حول عقد‬
‫الصلح‪ ،‬وأكدت له أن يكون في شروط الصلح ‪ :‬أن يرجع عن‬
‫مكة عامه هذا دون عمرة‪ ،‬ففي ذلك – كما يرى القرشيون ‪-‬‬
‫‪1‬‬
‫انظر‪ :‬ابن كثير ‪ :‬السيرة النبوية ‪ ،201 / 3‬ومحمد بن يوسف الصالحي‪ :‬سبل الهدى والرشاد ‪376 / 4‬‬

‫‪164‬‬
‫جرح لمشاعر المشركين بعدما انتصر عليهم المسلمون في‬
‫دا‬
‫قا ‪ ،‬وحتى ل تتحدث العرب أن محم ً‬ ‫معركة بدر انتصاًرا ساح ً‬
‫ما عن المشركين ‪.-‬‬‫‪ ‬دخل مكة وأدى العمرة رغ ً‬
‫فأتاه سهيل بن عمرو‪ ،‬فلما رآه ‪ ‬قال‪" :‬قد سهل لكم أمركم‪،‬‬
‫أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل"‪ ،1‬فجاء سهيل فتكلم‬
‫ل‪ ،‬ثم اتفقا على قواعد الصلح‪ ،‬وهي هذه‪: 2‬‬ ‫طوي ً‬
‫البند الول ‪ :‬الرسول ‪‬يرجع من عامه هذا‪ ،‬فل يدخل مكة‪،‬‬
‫وإذا كان العام القابل دخلها المسلمون فأقاموا بها ثلثًا‪ ،‬معهم‬
‫قُرب‪ ،‬ول يتعرض لهم بأي نوع من‬ ‫سلح الراكب‪ ،‬السيوف في ال ُ‬
‫أنواع التعرض‪.‬‬
‫البند الثاني ‪ :‬وضع الحرب بين الطرفين عشر سنين‪ ،‬يأمن‬
‫فيها الناس‪ ،‬ويكف بعضهم عن بعض‪.‬‬
‫البند الثالث ‪ :‬من أحب أن يدخل في عقد محمد ‪ ‬وعهده‬
‫دخل فيه‪ ،‬ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل‬
‫فيه‪ ،‬وتعتبر القبيلة التي تنضم إلى أي الفريقين جزءا ً من ذلك‬
‫الفريق‪ ،‬فأي عدوان تتعرض له أي من هذه القبائل يعتبر عدوانا ً‬
‫على ذلك الفريق‪.‬‬
‫البند الرابع‪ :‬من أتي محمدا ً ‪ ‬من قريش من غير إذن وليه ي‬
‫أي هاربا ً منهم ي رده عليهم‪ ،‬ومن جاء قريشا ً ممن مع محمد‪ ‬ي‬
‫أي هاربا ً منه ي لم يرد عليهّ!‬

‫ثم دعي علي بن أبي طالب ليكتب مسودة المعاهدة‪ ،‬وكره‬


‫سهيل بن عمرو ي مبعوث القريشيين ي أن يكتب في صدر‬
‫ي بن أبي طالب‪ ،‬وهو‬ ‫الوثيقة " محمد رسول الله " وأبى عل ّ‬
‫كاتب الوثيقة ‪ ،‬أن يمحو بيده " رسول الله " ‪ ،‬فمحا النبي‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪-‬هذه الصفة بيده الكريمة‪ ،‬وأمر الكاتب أن يكتب‬
‫" محمد بن عبد الله "‪. 3‬وهذا الموقف يدل على سماحته في‬
‫التفاوض‪ ..‬ثم تمت كتابة الوثيقة ‪ ،‬ولما تم الصلح دخلت قبيلة‬
‫خزاعة في عهد رسول الله وكانوا حليف بني هاشم منذ عهد عبد‬
‫المطلب‪ ، ،‬فكان دخولهم في هذا العهد تأكيدا ً لذلك الحلف‬
‫‪4 .‬القديم ي ودخلت قبيلة بنو بكر في عهد قريش‬

‫‪ 1‬صحيح ـ رواه البيهقي في السنن الكبرى ) ‪ ،(220 \9‬وهو في الرواء)‪.(57 \1‬‬


‫‪ 2‬انظر‪ :‬السهيلي ‪ :‬الروض النف ‪،48 \4‬وابن هشام\ ‪ ،316‬وابن كثير‪ :‬السيرة النبوية ‪.320 \3‬‬
‫‪ 3‬انظر‪ :‬ابن حزم‪ :‬جوامع السيرة ‪. 209 / 1‬‬
‫‪ 4‬انظر‪ :‬محمد بن يوسف الصالحي سبل الهدى والرشاد ‪.52 \5‬‬

‫‪165‬‬
‫المطلب السادس‪ :‬نموذج الصلح مع أهل خيبر ‪:‬‬
‫لما استسلم يهود خيبر ) في المحرم ‪ 7‬هي ‪ /‬مايو ‪ ،(628‬في‬
‫نهاية معركة رسول الله معهم صالحهم صلى الله عليه وسلم ‪، -‬‬
‫ج‬
‫خُر ُ‬ ‫شط ُْر َ‬
‫ما ي َ ْ‬ ‫ها‪ ،‬وَل َهُ ْ‬
‫م َ‬ ‫مُلوا فيها وَي َْزَر ُ‬
‫عو َ‬ ‫وأعطاهم الرض ‪ ،‬ي َعْ َ‬
‫من َْها‪. 1‬‬
‫ِ‬
‫وفي هذه المصالحة ‪ -‬بهذا الشكل ‪ -‬رحمة وعفو كبيرين بأهل‬
‫خيبر ‪..‬‬
‫فهم في الحقيقة يستحقون العدام ! فهم قد خانوا النبي ‪‬‬
‫وغدروا وتحالفوا مع مشركي قريش سًرا‪ ،‬وأصبحت قيادات خيبر‬
‫والفصائل اليهودية الخرى عملء وجواسيس لمشركي مكة‬
‫وغطفان ‪..‬كل هذا إلى جانب أنهم السبب الرئيسي في تحزيب‬
‫جيوش الحزب‪ ،‬من كل حدب وصوب‪..‬‬

‫صّلى الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ولما أقدمت امرأة منهم على محاولة اغتيال النبي ‪َ -‬‬
‫سل ّ َ‬
‫م‬ ‫ه ع َل َي ْهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ّ ُ‬
‫ل الل ّهِ ‪َ -‬‬
‫سو ِ‬
‫م – حيث أهدت ل َِر ُ‬‫سل ّ َ‬
‫ع َل َي ْهِ وَ َ‬
‫م‪ ..2‬وُتوفي اثر هذه المحاولة الفاشلة أحد‬ ‫س ّ‬
‫شاة ٌ ِفيَها ُ‬ ‫‪َ -‬‬
‫الصحابة ‪ ..‬لم ينقلب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على‬
‫أهل خيبر ولم يعمل فيهم القتل – كما يفعل بعض الزعماء في‬
‫مثل هذه المواقف – إنما أثبت الصلح وأقر العهد ‪.‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫رحمته للخصوم والعداء‬

‫المطلب الول ‪ :‬لماذا القتال ؟‬


‫هاجر المسلمون من مكة إلى المدينة ]في يوليه ‪622‬م [‪ 3‬فراًرا‬
‫بدينهم ولبناء مجتمع إسلمي جديد آمن‪ ،‬ولتكون المدينة مقًرا‬
‫للدعوة السلمية تنطلق منها البعوث والرسل إلى شتى بقاع‬
‫الرض تبلغ رسالت الله إلى العالم ‪..‬‬
‫وبالفعل نجح المسلمون في تأسيس أول دولة إسلمية ‪ ،‬وأخذ‬
‫رسول الله يعقد الحلف والعقود مع القبائل والجماعات على‬

‫‪ 1‬صحيح البخاري ‪(3917) -‬‬


‫‪ 2‬صحيح البخاري ‪(3918) -‬‬
‫‪ 3‬رالف لنتون ‪ :‬شجرة الحضارة‪.1/341 ،‬‬

‫‪166‬‬
‫الصعيدين الداخلي والخارجي للمدينة ‪ ،‬وأصبح للمسلمين لول‬
‫مرة كيان معترف به من هذه القبائل ‪..‬‬
‫وفي كل يوم يزداد فيه التقدم السلمي عقب الهجرة‪ ،‬يزداد معه‬
‫حنق الوثنيين وغيظهم على المسلمين‪.‬‬
‫وأصبح المسلمون في حاجة ماسة للتسلح والدفاع عن أنفسهم‬
‫ولحماية عقيدتهم ودولتهم ‪ ،‬وبالفعل نزل النص القرآني يجيز‬
‫للمسلمين الدفاع عن أنفسهم بالسلح‪ ،‬إضافة جواز مطاردة‬
‫المصالح المادية والتجارية لقريش‪ ،‬من أجل استرداد الموال‬
‫والحقوق التي استلبتها قريش من المسلمين المستضعفين عند‬
‫هجرتهم‪.‬‬
‫ه ع ََلى‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن الل ّ َ‬ ‫م ظ ُل ِ ُ‬
‫موا وَإ ِ ّ‬ ‫قات َُلو َ‬
‫ن ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ن ل ِل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫قال الله تعالى ‪} :‬أذ ِ َ‬
‫ديٌر {]الحج ‪.[39 :‬‬ ‫م لَ َ‬
‫ق ِ‬ ‫صرِه ِ ْ‬
‫نَ ْ‬
‫وكان الذن بالقتال واسترداد الحقوق بالقوة‪ ،‬لعدة اعتبارات‬
‫شرعية ومنطقية وجيهة‪:‬‬

‫ل‪ :‬مصادرة أموال المسلمين وعقاراتهم ‪:‬‬ ‫أو ً‬


‫عندما هاجر المسلمون من مكة إلى المدينة‪ ،‬أصبحوا في ضيق‬
‫من العيش‪ ،‬حيث صادر كفار مكة أموال وعقارات وتجارات‬
‫المسلمين‪ ،‬وقام المشركون بتوزيع هذه الموال بين صناديد مكة‬
‫ما وسحًتا !‬ ‫ظل ً‬
‫وكانت تجارة قريش تمر بالمدينة في الذهاب وفي العودة حال‬
‫رحلتها الصيفية إلى الشام ‪ .‬وكانت بالنسبة للمسلمين فرصة‬
‫ذهبية لسترداد بعض حقوقهم ‪.‬‬
‫ثانًيا‪ :‬إعلن الحرب على الدولة السلمية الناشئة‪:‬‬
‫بادر زعماء مكة في إعلن الحرب على المسلمين‪ ،‬والسعي‬
‫بشتى الطرق لحداث حرب أهلية داخل المدينة‪ ،‬فأرسلوا إلى‬
‫كا بصفته‬ ‫عميلهم عبد الله بن أبي بن سلول‪ -‬وكان إذ ذاك مشر ً‬
‫رئيس المدينة قبل الهجرة‪ ،‬فقد كاد الوس والخزرج أن يجعلوه‬
‫كا عليهم‪ ،‬لول هجرة النبي كتبوا إلى ابن سلول ومن خلفه من‬ ‫مل ً‬
‫المنافقين في كلمات تنم عن شدة الحنق والغيظ على‬
‫المسلمين ‪:‬‬
‫خرجنه أوَ‬ ‫َ‬
‫ه أوْ ل َت ُ ْ ِ ُ ّ ُ ْ‬ ‫قات ِل ُن ّ ُ‬ ‫م ِبالل ّهِ ل َت ُ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫حب ََنا ! وَإ ِّنا ن ُ ْ‬ ‫صا ِ‬
‫َ‬ ‫م َ‬ ‫م آوَي ْت ُ ْ‬ ‫"إ ِن ّك ُ ْ‬
‫م"‪..‬‬ ‫ساَءك ُ ْ‬ ‫ح نِ َ‬ ‫ست َِبي َ‬‫م وَن َ ْ‬ ‫قات ِل َت َك ُ ْ‬‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫قت ُ َ‬ ‫حّتى ن َ ْ‬ ‫معَِنا َ‬ ‫ج َ‬ ‫ن إ ِل َي ْك ُ ْ‬
‫م ب ِأ ْ‬ ‫سيَر ّ‬ ‫ل َن َ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن ع َب َد َةِ اْلوَْثا ِ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ي وَ َ‬ ‫ن أب َ ّ‬ ‫ك ع َب ْد َ الل ّهِ ب ْ َ‬ ‫ما ب َل َغَ ذ َل ِ َ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫ل ‪ " :‬لَ َ‬
‫قد ْ‬ ‫قا َ‬‫م فَ َ‬ ‫قي َهُ ْ‬‫ي ‪ ،‬لَ ِ‬ ‫ك الن ّب ِ ّ‬ ‫ما ب َل َغَ ذ َل ِ َ‬ ‫ي ‪ ،‬فَل َ ّ‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫قَتا ِ‬ ‫مُعوا ل ِ ِ‬ ‫جت َ َ‬ ‫ا ْ‬
‫َ‬
‫ما‬
‫م ّ‬‫م ب ِأك ْث ََر ِ‬ ‫كيد ُك ُ ْ‬ ‫ت تَ ِ‬ ‫كان َ ْ‬‫ما َ‬ ‫مَبال ِغَ ! َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫من ْك ُ ْ‬
‫ش ِ‬ ‫عيد ُ قَُري ْ ٍ‬ ‫ب َل َغَ وَ ِ‬

‫‪167‬‬
‫َ‬ ‫فسك ُم‪ ،‬تريدو َ‬ ‫َ‬ ‫تريدو َ‬
‫م‬ ‫قات ُِلوا أب َْناَءك ُ ْ‬ ‫ن تُ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫دوا ب ِهِ أن ْ ُ َ ْ ُ ِ ُ َ‬ ‫كي ُ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ُ ِ ُ َ‬
‫فّرُقوا ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ي تَ َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫مُعوا ذ َل ِك ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫م ؟ ! "‪..‬فَل ّ‬ ‫ُ‬
‫وان َك ْ‬ ‫خ َ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫وهنا تظهر عظمة القائد الحكيم المربي – صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ ،-‬حيث قضى على هذه الفتنة في مهدها‪ ،‬وضرب على وتر العزة‬
‫القبلية‪ ،‬فقد كان يدرك أغوار النفس البشرية التي يتعامل معها‪،‬‬
‫ولذلك كان خطابه مؤثًرا في نفوس مشركي أهل يثرب‪.2‬‬
‫وكان من أخلقه – صلى الله عليه وسلم – أن تعصب لوحدة‬
‫الصف ولم يتعصب لصحابه المهاجرين دون النصار‪ ،‬أو‬
‫المسلمين دون المشركين المدنيين‪ ،‬إنما ضرب ركز في خطابه‬
‫على مصلحة المدينة ‪ -‬بما فيها من طوائف وعقائد ‪ -‬ضد أعدائها‬
‫من الخارج ‪..‬‬
‫ثالًثا‪ :‬تهديد أمن المسلمين ‪:‬‬
‫وهو اعتبار آخر شرعي للذن بالقتال لسيما للدفاع عن حياة‬
‫المواطن سواء داخل الدولة السلمية أو خارجها ‪ ،‬ونستدل على‬
‫ذلك بحادث محاولة منع الصحابي الجليل سعد بن معاذ من أداء‬
‫العمرة‪:‬‬
‫ن‬ ‫سعْد ِ ب ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ث عَ ْ‬ ‫حد ّ َ‬ ‫ه‪َ -‬‬ ‫ه ع َن ْ ُ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫سُعود ٍ ‪َ -‬ر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫فعن ع َب ْد َ الل ّهِ ب ْ َ‬
‫كا ُ‬ ‫دي ً ُ‬ ‫َ‬
‫مّر‬ ‫ذا َ‬ ‫ة إِ َ‬ ‫مي ّ ُ‬ ‫نأ َ‬ ‫ف وَ َ َ‬ ‫خل َ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫ِ‬ ‫ة بْ‬ ‫مي ّ َ‬ ‫قا ِل َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ل َ‬ ‫ه َقا َ‬ ‫مَعاذ ٍ أن ّ ُ‬ ‫ُ‬
‫ة‬
‫مي ّ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ة ن ََز َ‬ ‫مك ّ َ‬ ‫سعْد ٌ إ ِ َ‬ ‫د‪ ،‬وَ َ‬ ‫َ‬ ‫دين َةِ ن ََز َ‬ ‫ْ‬
‫ل ع َلى أ َ‬ ‫مّر ب ِ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫سعْ ٍ‬ ‫ل ع َلى َ‬ ‫م ِ‬ ‫ِبال َ‬
‫ُ‬
‫ة‬
‫مي ّ َ‬ ‫ل ع ََلى أ َ‬ ‫مًرا فَن ََز َ‬ ‫معْت َ ِ‬ ‫سعْد ٌ ُ‬ ‫ة ان ْط َل َقَ َ‬ ‫دين َ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ل الل ّهِ ال ْ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫م َر ُ‬ ‫ما قَد ِ َ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫ت‬‫ف ِبال ْب َي ْ ِ‬ ‫طو َ‬ ‫ن أَ ُ‬ ‫َ‬
‫خل ْوَةٍ ل َعَّلي أ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫ساع َ َ‬ ‫ة ‪ :‬ان ْظ ُْر ِلي َ‬ ‫مي ّ َ‬ ‫قا َ ُ‬
‫ل ِل َ‬ ‫ة‪ ،‬فَ َ‬ ‫مك ّ َ‬ ‫بِ َ‬
‫ل ‪ :‬يا أباَ‬ ‫َ‬
‫َ َ‬ ‫قا َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫جهْ ٍ‬ ‫ما أُبو َ‬ ‫قي َهُ َ‬ ‫ف الن َّهاِر‪ ،‬فَل َ ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫ن نِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ريًبا ِ‬ ‫ج ب ِهِ قَ ِ‬ ‫خَر َ‬ ‫‪ ..‬فَ َ‬
‫ل ل َه أ َبو جهل ‪ :‬أَلَ‬ ‫سعْد ٌ ‪ .‬فَ َ‬ ‫ك؟؟ فَ َ‬ ‫معَ َ‬
‫قا َ ُ ُ َ ْ ٍ‬ ‫ذا َ‬ ‫ل ‪ :‬هَ َ‬ ‫قا َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫وا َ‬ ‫ف َ‬ ‫ص ْ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫رو‬ ‫ص‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ز‬ ‫و‬ ‫ة‪،‬‬ ‫با‬ ‫ص‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫نا‬ ‫م‬ ‫آ‬ ‫ة‬ ‫ّ‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫ب‬ ‫ف‬ ‫طو‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫را‬ ‫َ‬
‫ّ َ َ ََ َ ْ ُ ْ ّ ْ َْ ُ ُ َُ ْ‬ ‫ُ ِ َ َ ِ ً َ ْ َُْ ْ‬ ‫َ‬ ‫أَ‬
‫ت إ َِلى‬ ‫َ‬ ‫ما َوالل ّهِ ل َوَْل أ َن ّ َ‬ ‫َ‬
‫جعْ َ‬ ‫ما َر َ‬ ‫ن َ‬ ‫وا َ‬ ‫ف َ‬ ‫ص ْ‬ ‫معَ أِبي َ‬ ‫ك َ‬ ‫م!أ َ‬ ‫وَت ُِعيُنون َهُ ْ‬
‫َ‬ ‫أ َهْل ِ َ‬
‫ما َوالل ّهِ ل َئ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫ه ع َل َي ْهِ ‪ -‬أ َ‬ ‫صوْت َ ُ‬ ‫سعْد ٌ ‪ -‬وََرفَعَ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ما!! فَ َ‬ ‫سال ِ ً‬ ‫ك َ‬
‫ة‬
‫دين َ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ك ع ََلى ال ْ َ‬ ‫ق َ‬ ‫ري َ‬ ‫ه‪ ،‬ط َ ِ‬ ‫من ْ ُ‬‫ك ِ‬ ‫شد ّ ع َل َي ْ َ‬ ‫ما هُوَ أ َ َ‬ ‫ك َ‬ ‫من َعَن ّ َ‬ ‫من َعْت َِني هَ َ َ‬
‫ذا َل ْ‬ ‫َ‬
‫‪.3‬‬
‫تدل هذه الحادثة على أن أبا جهل يعتبر سعد بن معاذ من أهل‬
‫الحرب بالنسبة إلى المشركين في مكة‪ ،4‬ولول أنه دخل في‬
‫جوار زعيم من زعمائها لهدر دمه‪ ،‬تأمل قول أبي جهل لسعد ‪" :‬‬
‫ما" ! فلم يكن‬ ‫سال ِ ً‬ ‫ك َ‬ ‫ت إ َِلى أ َهْل ِ َ‬ ‫جعْ َ‬ ‫ما َر َ‬ ‫ن َ‬ ‫وا َ‬ ‫ف َ‬ ‫ص ْ‬ ‫معَ أِبي َ‬
‫َ‬
‫ك َ‬ ‫ل َوَْل أ َن ّ َ‬
‫أحد من المسلمين وإن كانوا معتمرين أو حجاج يستطيع أن‬

‫‪ 1‬سنن أبي داود‪ ،‬باب في خبر النضير‪ ،‬حديث ‪ ،2610‬وصححه اللباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود‪.‬‬
‫‪ 2‬انظر‪ :‬على محمد الصلبي ‪ :‬السيرة النبوية‪364 \1 ،‬‬
‫ل ببدر‪ ،‬ح ‪. 3656‬‬ ‫‪ 3‬صحيح البخاري‪ ،‬باب ذكر النبي صلى ال عليه وسلم َم ْ‬
‫ن ُيْقَت ُ‬
‫‪ 4‬انظر‪ :‬محمد خير هيكل‪ :‬الجهاد والقتال ‪ ،3/476‬وعلى محمد الصلبي‪ :‬السيرة النبوية‪،1/364 ،‬‬

‫‪168‬‬
‫جا أو معتمًرا أو نحو ذلك‪ ،‬إل في جوار زعيم من‬ ‫يدخل مكة حا ً‬
‫الزعماء الوثنيين كما رأيت ‪.‬‬
‫وهكذا يتبدى للمتبصر أن المسجد الحرام تحت احتلل فعلي‪،‬‬
‫وإهانة واقعة‪ ،‬وعتو بّين من قبل هؤلء الذين جعلوا من أنفسهم‬
‫م‬‫ما ل َهُ ْ‬
‫أوصياء على المسجد الحرام‪ ،‬وما هم ‪ .‬قال الله تعالى }وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫كاُنوا ْ أوْل َِياءهُ‬
‫ما َ‬ ‫جد ِ ا ل ْ َ‬
‫حَرام ِ وَ َ‬ ‫س ِ‬
‫م ْ‬‫ن ال ْ َ‬ ‫ن عَ َ ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬
‫م يَ ُ‬‫ه وَهُ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫أل ّ ي ُعَذ ّب َهُ ُ‬
‫إ َ‬
‫ن {النفال ‪34‬‬ ‫مو َ‬‫م ل َ ي َعْل َ ُ‬‫ن أك ْث ََرهُ ْ‬ ‫ن وََليك ِ ّ‬‫قو َ‬ ‫ن أوْل َِيآؤ ُه ُ إ ِل ّ ال ْ ُ‬
‫مت ّ ُ‬ ‫ِ ْ‬
‫"إنهم ليسوا أولياء هذا البيت ول أصحابه ‪ .‬إنهم أعداء هذا البيت‬
‫وغاصبوه! إن بيت الله الحرام ليس تركة يرثها الخلف عن‬
‫السلف ‪ .‬إنه بيت الله يرثه أولياء الله المتقون لله "‪.1‬‬
‫ضا – من كلم سعد – على أن المسلمين في‬ ‫ويدل هذا الحادث أي ً‬
‫هذا الوقت لم يتعرضوا ولو لمرة واحدة لقوافل مكة التجارية‪،‬‬
‫وأن الدولة السلمية في هذا الوقت لم تعامل أهل مكة‬
‫المشركين معاملة أهل الحرب‪ .‬ومعنى هذا أن اليدي الممسكة‬
‫بزمام المور في مكة هي التي بادرت بالعدوان‪ ،‬وأعلنت الحرب‬
‫على دولة السلم‪ ،‬وهددت الحجاج والمعتمرين من المسلمين‪،‬‬
‫واعتبرت المسلمين أهل حرب ل يدخلون مكة إل بصك أمان أو‬
‫بصفة مستأمنين‪. 2‬‬
‫فكان بعد كل هذا أن يدافع الشعب المسلم عن عقيدته وأرضه‬
‫ودولته ونبيه ‪..‬‬

‫تنبيه هام ‪:‬‬


‫ل يفهم من ذلك أن الجهاد في السلم لدفع العدوان فقط‪ ،‬أو أن‬
‫الجهاد هو نوع واحد أو مرحلة واحدة ‪ ..‬كل ! فالجهاد مراحل‬
‫وأقسام ‪ ،‬فقد كان الجهاد فى بداية الدعوة‪ ،‬مقتصرا ً على الدعوة‬
‫السلمية مع الصمود فى سبيلها للمحن و الشدائد‪ ،‬ثم شرع الى‬
‫جانبها ‪ -‬مع بدء الهجرة‪ -‬القتال الدفاعى‪ ،‬أى رد كل قوة بمثلها‪،‬‬
‫ثم شرع بعد ذلك قتال كل من وقف عقبة فى طريق إقامة‬
‫المجتمع السلمى‪ ،‬على أن ل يقبل من الملحدة و الوثنيين و‬
‫المشركين إل السلم وذلك لعدم إمكان النسجام بين المجتمع‬
‫السلمى الصحيح وما هم عليه من اللحاد و الوثنية‪ ،‬أما أهل‬
‫الكتاب فيكفى خضوعهم للمجتمع السلمى وانضوائهم فى دولته‬
‫على أن يدفعوا للدولة ما يسمى ) الجزية ( مكان ما يدفعه‬
‫المسلمون من الزكاة‪ .‬وعند هذه المرحلة الخيرة استقر حكم‬
‫الجهاد فى االسلم‪ ،‬وهذا هو واجب المسلمين فى كل عصر إذا‬

‫‪ 1‬سيد قطب ‪ :‬في ظلل القرآن‪ ،‬سورة النفال‪ ،‬الية ‪.34‬‬


‫‪ 2‬انظر‪ :‬محمد خير هيكل‪ :‬الجهاد والقتال ‪ ،3/476‬وعلى محمد الصلبي‪ :‬السيرة النبوية‪1/364 ،‬‬

‫‪169‬‬
‫توافرت لديهم القوة و العدة اللزمة ‪ .‬وعن هذه المرحلة يقول‬
‫الله تعالى ‪ ":‬قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة‬
‫واعلموا أن الله مع المتقين " ] التوبة ‪ ،[123‬وعنها أيضا ً يقول‬
‫الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ": -‬أمرت أن أقاتل الناس حتى‬
‫يقولوا ل إله إل الله فمن قال ل إله إل الله عصم منى ماله‬
‫ونفسه إل بحقه وحسابه على الله "‪.1‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬محمد ‪ ‬القائد الرحيم ‪:‬‬
‫يتحدث الباحث "وليم موير" عن معاملة النبي ‪ ‬أعداءه تلك‬
‫المعاملة التي اتسمت بالرحمة والعفو‪ ،‬حين فتحه مكة )في‬
‫رمضان ‪8‬هي‪ /‬يناير ‪ 630‬م( ‪ ،‬فيقول ‪:‬‬
‫"عامل حتى ألد أعدائه بكل كرم وسخاء حتى مع أهل مكة ‪ ،‬وهم‬
‫الذين ناصبوه العداء سنين طوال ً ‪ ،‬وامتنعوا من الدخول في‬
‫طاعته ‪ ،‬كما ظهر حلمه وصفحه في حالتي الظفر والنتصار ‪،‬‬
‫وقد دانت لطاعته القبائل التي كانت من قبل أكثر مناجزة وعداء‬
‫له "‪. 2‬‬
‫كذلك يقول واشنجتون إيرفنج‪":3‬كانت تصرفات الرسول ]‪[‬‬
‫في ]أعقاب فتح[ مكة تدل على أنه نبي مرسل ل على أنه قائد‬
‫مظفر‪ .‬فقد أبدى رحمة وشفقة على مواطنيه برغم أنه أصبح في‬
‫وج نجاحه وانتصاره بالرحمة والعفو"‪.4‬‬ ‫مركز قوي‪ .‬ولكنه ت ّ‬
‫فهو الفاتح الرحيم‪ ،‬بالحق والعدل‪ ،‬ل الغازي الطاغية أو الظالم‪..‬‬
‫"وفي إمكان المرء أن يتخيل المعاملة التي كان يجدر بفاتح‬
‫دنيوي النزعة أن يعاملهم بها‪ .‬ولكن صفح الرسول ‪ ‬كان ل‬
‫يعرف حدودا ً ‪ .‬فقد غفر لهم ثلثة عشر عاما ً من الضطهاد‬
‫جروه‬ ‫جروه وه ّ‬ ‫والتآمر "‪ .. 5‬وهم الذين عذبوه وعذبوا أصحابه وه ّ‬
‫أصحابه‪ ،‬وقتلوا منهم نفرا ً ليس بالعديد القليل ‪..‬‬
‫يقول "جان باغوت غلوب" معقبا ً " وهكذا تم فتح مكة دون‬
‫إراقة دماء إلى حد كبير ‪ ...‬إل أنه اكتسب قلوب الجميع بما‬
‫أظهره من رحمة وعفو في يوم انتصاره "‪. 6‬‬
‫هذا‪ ،‬ويقول المستشرق إميل درمنغم متحدثا ً عيين الفاتييح والقييائد‬
‫الرحيم نبينا محمد ‪ ‬في حال انتصاراته ‪:‬‬
‫"فقد برهن ]محمد ‪ [‬في انتصاره النهائي‪ ،‬على عظمة نفسييية؛‬

‫‪ 1‬محمد سعيد رمضان البوطي ‪ :‬فقه السيرة ‪ ،126‬والحديث متفق عليه ‪.‬‬
‫‪ 2‬وليم موير ‪ :‬حياة محمد‪88 ،‬‬
‫‪ 3‬واشنجتون إيرفنج ‪ :‬مستشرق أمريكي‪ ،‬أولى اهتماًما كبيًرا لتاريخ المسلمين في الندلس‪ .‬من آثاره‪) :‬سيرة النبي‬
‫العربي( مذيلة بخاتمة لقواعد السلم ومصادرها الدينية )‪ ،(1849‬و)فتح غرناطة( )‪ ،(1859‬وغيرها‪.‬‬
‫‪ 4‬واشنجتون إيرفنج‪ :‬حياة محمد ‪ ،‬ص ‪72‬‬
‫‪ 5‬مولنا محمد علي‪ :‬حياة محمد و سيرته‪ ،‬ص ‪.270-269‬‬
‫‪ 6‬جان باغوت غلوب ‪ :‬الفتوحات العربية الكبرى ‪ ،‬ص ‪.157-156‬‬

‫‪170‬‬
‫ل أن يوجد لها مثال فييي التاريييخ؛ إذ أميير جنييوده أن يعفييوا عيين‬‫ق ّ‬
‫الضييعفاء والمسيينين والطفييال والنسيياء‪ ،‬وحييذرهم أن يهييدموا‬
‫الييبيوت‪ ،‬أو يسييلبوا التجييار‪ ،‬أو أن يقطعييوا الشييجار المثمييرة‪،‬‬
‫وأمرهم أل يجردوا السيوف إل فييي حييال الضييرورة القيياهرة‪ ،‬بييل‬
‫رأيناه يؤنب بعض قواده ويصييلح أخطيياءهم إصييلحا ً مادي يا ً ويقييول‬
‫لهم‪ :‬إن نفسا ً واحدة خير من أكثر الفتوح ثراء ! "‪. 1‬‬
‫"وهكييذا ظهيير الرسييول ‪ ‬الييذي كييان رحميية للعييالمين‪ ،‬وحييرر‬
‫النسانية من أصفاد الجهل والخرافة والفساد"‪ .. 2‬بييل ظهيير كمييا‬
‫وصيييفه المفكييير البلجيكيييي هنيييري ماسييييه ‪":‬يتصيييف بالرحمييية‬
‫الخالصة"‪ .3‬تلك الرحمة الخالصيية الييتي غلبييت دوم يا ً – كمييا يييبين‬
‫مارسيييل بييوازار – علييى أحيياديث النييبي ‪ ‬وسيييرته‪ ،‬فل "تنفييك‬
‫الحيياديث الشييريفة والسيييرة النبوييية تصييور فييي الذهييان كييرم‬
‫الرسول وتواضعه‪ ،‬كما تصور اسييتقامته ونقيياءه ولطفييه وحلمييه ‪.‬‬
‫وكما يظهره التاريخ قائدا ً عظيما ً ملء قلبه الرأفة‪ ،‬يصوره كييذلك‬
‫رجل دولة صريحا ً قوي الشكيمة )ديمقراطيًا(‪. 4"..‬‬
‫وفوق أخلق الرحمة الييتي تخلييق بهييا النييبي ‪ ‬لمييا انتصيير علييى‬
‫أعدائه وتمكن منهم‪ ،‬في المعارك والفتوحات‪ ،‬نييراه أيض يا ً رحيم يا ً‬
‫بمجرمين وأعداء – داخل الدولة ‪ -‬أمضوا حياتهم في دس الفتيين‬
‫بين المسلمين‪ ،‬والعمييل الييدائب ميين أجييل هييدم الييدين والدوليية‪،‬‬
‫فضل ً عن عمالة هؤلء المجرمين لعداء المسييلمين خييارج حييدود‬
‫الدولة ‪..‬‬
‫يقول "مولنا محمد على" ‪:‬‬
‫"وسييماحة الرسييول ]‪ [‬نحييو أعييدائه يعييز نظيرهييا فييي تاريييخ‬
‫العالم ‪ .‬فقد كان عبد اللييه بين أبييي عيدوا ً للسييلم ‪ ،‬وكيان ينفيق‬
‫أيييامه ولييياليه فييي وضييع الخطييط ليقيياع الذى بالييدين الجديييد‪،‬‬
‫محرضا ً المكيين واليهود تحريضا ً موصول ً على سحق المسييلمين ‪.‬‬
‫ومع ذلك فيوم توفي عبد الله دعا الرسول]‪ [‬ربه أن يغفر لييه ‪،‬‬
‫بل لقد قدم رداءه إلى أهله كي يكفنوه به"‪. 5‬‬
‫إن نبي الرحمة ‪ ‬لم ينتقم في أيما يوم ميين اليييام ميين امرىييء‬
‫أساء إليه! صحيح أنييه أنييزل العقوبيية ببعييض أعييدائه فييي أحييوال‬
‫نادرة جدًا‪ ،‬وفي فترات جد متباعيدة ‪ .‬ولكين تليك الحيالت كيانت‬
‫تنطوى كلها على خيانييات بشييعة قييام بهييا أنيياس لييم يعييد الصييفح‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬بشرى زخاري ميخائيل ‪ :‬محمد رسول ال هكذا بشرت به الناجيل‪ ،‬ص ‪.50‬‬
‫‪ 2‬مولنا محمد علي ‪ :‬حياة محمد و سيرته ‪.282 ،‬‬
‫‪ 3‬هنري ماسيه ‪ :‬السلم ‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪ 4‬مارسيل بوزار ‪ :‬إنسانية السلم ‪ ،‬ص ‪.46‬‬
‫‪ 5‬مولنا محمد علي‪ :‬حياة محمد و سيرته ‪ ،‬ص ‪.270-269‬‬

‫‪171‬‬
‫يجييدي فييي تقييويمهم وإصييلحهم ‪ .‬والحييق أن تييرك أمثييال هييؤلء‬
‫المجرمين سييالمين غييانمين كييان خليقيا ً بييه أل يظيين البعييض أنييه‬
‫استحسن الذى والفساد ‪ ..‬والرسول ‪‬لم يلجا ً إلى العقوبة قط‬
‫حيثما كان ثمة مجيال لنجياح سياسية الصيفح كيرادع إن ليم نقيل‬
‫كإجراء إصلحي‪.1‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬هدي محمد في المعارك ‪:‬‬
‫شرع نبي الرحمة لمته آداب سامية وضوابط حاكمة على سلوك‬
‫المقاتل المسلم‪ ،‬توجب عليه مخالفتها عقوبات زاجرة قييي الييدنيا‬
‫والخرة‪.2‬‬
‫فل يستخدم في الجهاد فييي سييبيل اللييه إل الوسييائل المشييروعة‬
‫والساليب النزيهة‪ ،‬فعن صفوان بن عسال قال ‪:‬بعثنا رسول اللييه‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬في سرية فقال‪ " :‬سيروا باسم الله وفي‬
‫سبيل الله‪ ،‬قاتلوا من كفر بالله ‪ ،‬ول تمثلوا‪ ،‬ول تغدروا‪ ،‬ول تغلوا‪،‬‬
‫ول تقتلوا وليدا‪. 3"..‬‬
‫َ‬
‫ص يب ََر‬
‫ن تُ ْ‬ ‫س يل ّ َ‬
‫م‪ -‬ن َهَييى أ ْ‬ ‫ه ع َل َي ْيهِ وَ َ‬
‫ص يّلى الل ّي ُ‬
‫وعيين أنييس أن النييبي ‪َ -‬‬
‫ال ْب ََهاِئم‪. 4‬‬
‫وقال جابر ‪ :‬نهى رسول الله ‪-‬صييلى اللييه عليييه وسييلم‪ -‬أن يقتييل‬
‫‪5‬‬
‫شيء من الدواب صبرا‬
‫وعن حنظلة الكاتب قال ‪:‬‬
‫غزونا مع رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬فمررنا على امييرأة‬
‫مقتولة قد اجتمع عليها الناس‪ ،‬فأفرجوا له فقال‪ " :‬ما كانت هييذه‬
‫تقاتل فيمن يقاتل !"‬
‫ثم قال لرجل ‪ " :‬انطلق إلى خالد بن الوليد فقييل ليه إن رسيول‬
‫الله ‪-‬صلى اللييه عليييه وسييلم‪ -‬يييأمرك يقييول‪ :‬ل تقتليين ذرييية ول‬
‫عسيفا‪. 7".. 6‬‬
‫وقال – ذات يوم في معركة مستنكًرا على بعض أصحابه ‪: -‬‬
‫" ما بال قوم جاوزهم القتل اليوم حتى قتلوا الذرية !" ‪.‬‬
‫فقال رجل ‪ :‬يا رسول الله ‪:‬إنما هم أولد المشركين !‬
‫فقال ‪" :‬أل إن خياركم أبناء المشركين ‪. "..‬‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬مولنا محمد علي‪ :‬حياة محمد و سيرته ‪ ،‬ص ‪.270-269‬‬


‫‪ 2‬أنجوغو أمبكي صمب ‪ :‬أروع القيم الحضارية في سيرة سيد البرية‪ ،‬ص ‪ 40‬وما بعدها‬
‫‪ 3‬رواه ابن ماجة )‪ ( 2857‬و الطبراني في المعجم الكبير ج ‪ 8‬ص ‪ ، 70‬وصححه اللباني في صحيح وضعيف‬
‫سنن ابن ماجة ‪.‬‬
‫‪ 4‬صحيح – رواه البخاري ‪ ،(5089) -‬ومسلم )‪(3616‬‬
‫‪ 5‬صحيح – رواه مسلم )‪(3620‬‬
‫‪ 6‬العسيف ‪ :‬الجير المستهان به‬
‫‪7‬‬
‫حسن ‪ -‬رواه ابن ماجة )‪ ،(2842‬و الحاكم ) ‪ ،( 122 / 2‬وهو في السلسلة الصحيحة برقم ) ‪( 701‬‬

‫‪172‬‬
‫ثم قال ‪ " :‬أل ل تقتلوا ذرية ‪ ،‬أل ل تقتلوا ذرية !! كل نسمة تولد‬
‫على الفطرة حتى يهب‬
‫‪1‬‬
‫عنها لسانها فأبواها يهودانها و ينصرانها " ‪.‬‬
‫وعن يحيى بن سعيد أن أبا بكر الصديق بعث جيوشيا إلييى الشيام‬
‫فخرج يمشي مع يزيد بن أبي سييفيان وكييان أمييير ربييع ميين تلييك‬
‫الرباع ‪ ،‬فقال أبو بكر له ‪:‬‬
‫ما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لليه‪ ،‬فيذرهم وميا‬ ‫"إنك ستجد قو ً‬
‫زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له " ‪ ..‬وأوصاه قائل ً ‪ " :‬وإني موصيك‬
‫بعشر ‪ :‬ل تقتليين امييرأة‪ ،‬ول صييبيا‪ ،‬ول كييبيرا هرمييا‪ ،2‬ول تقطعيين‬
‫شجرا مثمرا‪ ،‬ول تخربيين عييامرا ‪ ،‬ول تعقييرن شيياة ‪ ،‬ول بعيييرا إل‬
‫لمأكلة‪ ،‬ول تحرقن نخل ] وفي رواية ‪ :‬نحل ول تفرقنه[ ول تغرقنه‬
‫‪4‬‬
‫ول تغلل‪ 3‬ول تجبن "‬
‫عن عمر بن الخطاب ‪ ،‬أنه قال ‪ " :‬اتقوا الله في الفلحين ‪ ،‬ول‬
‫تقتلوهم إل أن ينصبوا لكم الحرب"‪.5‬‬
‫وهييذه النصيوص وغيرهيا مين دسييتور العسييكرية السيلمية اليتي‬
‫وضعها رسول اللييه ‪ ‬تشييتمل علييى الصييول الخلقييية للحييرب‪،‬‬
‫وهذه جملتها‪:6‬‬
‫‪ -1‬الخلص والتجرد للهداف الحقيقية للحرب وترك ما يخالف‬
‫ذلك من غلول وغدر وثأر وانتقام‪.‬‬
‫‪ -2‬المحافظة على البيئة واجتناب الفسيياد فييي الرض بتحريييق‬
‫الشجار وقتل الحيوانات لغير ضرورة‪.‬‬
‫‪ -3‬عدم التعرض لغير المقاتلين من النساء والصبيان والشيوخ‪.‬‬
‫‪ -4‬السيماحة الدينييية واحيترام مقدسييات الخرييين‪ ،‬بعيدم قتييل‬
‫الرهبان والقسيسين ما لم يقاتلوا أو يعينييوا علييى القتييال‪ ،‬وعييدم‬
‫التعرض كذلك لبيعهم وكنائسهم بسوء‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬فرية العنف ونشر السلم بالسيف ‪:‬‬


‫ومن العجيب أن بعض الحاقدين ألصقوا بمحمد ‪ ‬تهمة القسييوة‬
‫والعنف ‪ ،‬ونشر دعوة الله بالسيف!‬
‫والحيق أن رجيالت العليم والفكير فيي أوربيا قيد ردوا عليى هيذا‬
‫الزعم‪ ،‬وفندوه ‪..‬‬
‫‪ 1‬صحيح ‪ -‬رواه أحمد ) ‪ ( 435 / 3‬و الدارمي ) ‪ ،( 223 / 2‬وهو في السلسلة الصحيحة )‪(402‬‬
‫‪ 2‬الهرم ‪ :‬الذي بلغ أقصى الكبر‬
‫‪ 3‬الغلول ‪ :‬الخيانة والسرقة‬
‫‪4‬‬
‫مالك ) ‪ ،(858‬وابن أبي شيبة ج ‪ 7‬ص ‪ ، 645‬وعبد الرزاق )‪(9375‬‬
‫‪ 5‬معرفة السنن والثار للبيهقي ‪(5645) -‬‬
‫‪ 6‬أنجوغو أمبكي صمب ‪ :‬أروع القيم الحضارية في سيرة سيد البرية‪ ،‬ص ‪ 40‬وما بعدها‬

‫‪173‬‬
‫أول ً ‪ :‬رد العلمة لويس سيديو ‪:‬‬
‫وكييان ميين أبييرز المييدافعين والمظهرييين بطلن مييا نفثتييه أقلم‬
‫الحاقدين ‪ ،‬المؤرخ الفرنسي العلمة لويس سيديو حيث قال‪:‬‬
‫"من التجني على حقائق التاريخ ما كان مين عيزو بعيض الك ُّتياب‬
‫إلى محمد ]‪ [‬القسوة‪ ...‬فقد نسي هييؤلء أن محمييدا ً ]‪ [‬لييم‬
‫يأل جهدا ً في إلغاء عادة الثأر الموروثة الكريهيية الييتي كييانت ذات‬
‫حظوة لدى العرب‪ ،‬كحظوة المبارزات بأوروبة فيما مضى ‪ .‬وكأن‬
‫أولئك الك ُّتاب لم يقرأوا آيات القرآن التي قضى محمد ]‪] [‬بهييا[‬
‫على عادة الوأد الفظيعة ‪ .‬وكأنهم لم يفكييروا فييي العفييو الكريييم‬
‫الذي أنعم به على ألد أعدائه بعد فتح مكة‪ ،‬ول في الرحميية الييتي‬
‫حبا بها ‪ ،‬كثيرا ً من القبائل عند ممارسة قواعد الحييرب الشيياقة‪...‬‬
‫وكأنهم لم يعلموا أن محمدا ً ]‪ [‬لم يسئ استعمال ما اتفق لييه‬
‫من السلطان العظيم ‪ ،‬قضاء لشهوة القسييوة الييدنيئة ‪ ،‬وأنييه لييم‬
‫يأل جهدا ً ‪-‬في الغالب ‪ -‬في تقويم من يجور ميين أصييحابه‪ ،‬والكييل‬
‫يعلم أنه رفض ‪ -‬بعد غزوة بدر‪ -‬رأي عمر بيين الخطيياب فييي قتييل‬
‫السرى ‪ ،‬وأنه عندما حل وقت مجازاة بنييي قريظيية تييرك الحكييم‬
‫في مصيرهم لحليفهم القديم سعد بن معاذ ‪ ،‬وأنه صفح عن قاتل‬
‫عمه حمزة ‪ ،‬وأنه لم يرفييض ‪-‬قييط ‪ -‬مييا طلييب إليييه ميين اللطييف‬
‫والسماح"‪. 1‬‬
‫ثانًيا‪ :‬رد الدكتورة كارين أرمسترونج‬
‫تقول الباحثيية البريطانييية كييارين أرمسييترونج فييي مقدميية كتابهييا‬
‫)سيرة النبي محمد(‪" :‬من الخطأ أن نظن أن السلم دييين يتسييم‬
‫بالعنف أو بالتعصب في جوهره‪ ،‬علييى نحييو مييا يقييول بييه البعييض‬
‫أحيانًا‪ ،‬بل إن السلم دين عالمي‪ ،‬ول يتصف بأي سمات عدوانييية‬
‫شرقية أو معادية للغرب ‪. 2".‬‬
‫و تبين أن السبب في إلقاء هذه التهميية علييى النييبي ‪‬ميين قبييل‬
‫بعض الغربيين‪ ،‬إنما هو بسبب أحقاد قديمة‪ ،‬فتقول‪:‬‬
‫"إننا في الغرب بحاجة إلى أن نخّلص أنفسنا من بعض أحقادنا‬
‫القديمة‪ ،‬ولعل شخصا ً مثل محمد ]‪ [‬يكون مناسبا ً للبدء ! فقد‬
‫كان رجل ً متدفق المشاعر‪ ..‬وقد أسس دينا ً وموروثا ً حضاريا ً لم‬
‫يكن السيف دعامته‪ ،‬برغم السطورة الغربية‪ ،‬ودينا ً اسمه‬
‫السلم؛ ذلك اللفظ ذو الدللة على السلم والوفاق !! "‪. 3‬‬
‫ثالًثا‪ :‬رد الكاتب اللماني ديسون‬
‫‪ 1‬لويس سيديو‪ ،‬بتصرف ‪) :‬نقل عن كتاب السلم بين النصاف و الجحود ‪ ،‬ص ‪.(134‬‬
‫‪ 2‬كارين أرمسترونج ‪ :‬سيرة النبي محمد ص ‪19‬‬
‫‪ 3‬كارين أرمسترونج ‪ :‬سيرة النبي محمد‪ ،‬ص ‪.393‬‬

‫‪174‬‬
‫يقول المفكر "ديسون‪" :‬من الخطأ أن يصدق المرء ما يييرّوج لييه‬
‫البعييض ميين أن السيييف كييان المبشيير الول فييي تقييدم السييلم‬
‫وتبسطه‪ ،‬ذلك أن السبب الول في انتشار السلم يعود إلى هذه‬
‫الخوة الدينية الفريدة‪ ،‬وإلى هذه الحياة الجديدة الجتماعية الييتي‬
‫كن لها‪ ،‬ثم إلى هذه الحييياة الشييريفة الطيياهرة الييتي‬ ‫دعا إليها وم ّ‬
‫راح يحياها محمد ]‪ [‬وخلفاؤه من بعده‪ ،‬والتي بلغت من العفة‬
‫والتضحية حدا ً جعل السلم قوة عظيمة ل ُتغلب"‪. 1‬‬
‫عا‪ :‬رد المفكر الهولندي دوزي‪:‬‬ ‫راب ً‬
‫دا على‬ ‫دا أن النبي ‪ ‬لم يجبر أح ً‬ ‫يقول "دوزي" ‪ ،‬مبيًنا ومؤك ً‬
‫اعتناق السلم ‪ ..‬فيقول في كلمات محددة جازمة ‪:‬‬
‫"لم ُيفرض فرضا ً على أحد !!"‪..2‬‬
‫فلم يثبت ولو في مرة واحدة في تاريخ عهد النبي‪ ‬أن أجبر أي‬
‫إنسان على اعتناق السلم ولو بالضغط النفسي‪ ،‬فضل ً عن‬
‫استخدام العنف أو السيف‪.‬‬
‫سا‪ :‬رد المؤرخ الكبير جوستاف لوبون‪:‬‬ ‫خام ً‬
‫يقول جوستاف لوبون ‪:‬‬
‫"لم ينتشر السلم بالسيف‪ ،‬بل انتشر بالدعوة وحدها‪ ،‬وبالدعوة‬
‫وحدها اعتنقته الشعوب التي قهرت العرب مؤخرا ً كالترك‬
‫والمغول‪ ،‬وبلغ القرآن من النتشار في الهند التي لم يكن العرب‬
‫فيها غير عابري سبيل‪ ..‬ولم يكن السلم أقل انتشارا ً في الصين‬
‫التي لم يفتح العرب أي جزء منها قط"‪.. 3‬‬
‫ويقول‪" :‬إن القوة لم تكن عامل ً في انتشار السلم‪ ،‬فقد ترك‬
‫ب المغلوبين أحرارا ً في أديانهم"‪. 4‬‬ ‫العر ُ‬
‫سا‪ :‬رد الكاتبة اليطالية لورافيشيا فاغليري‪:‬‬ ‫ساد ً‬
‫‪5‬‬
‫وتبين لورافيشيا فاغليري أن" السلم ليبيح امتشاق الحسام‬
‫إل ّ دفاعا ً عن النفس ‪ ،‬وهو يحرم العدوان تحريما ً صريحًا‪...‬‬
‫وأباحت الشريعة القتال للمسلمين دفاعا ً عن حرية الضمير‬
‫لقرار السلم‪ ،‬واستتاب المن والنظام"‪.6‬‬
‫كما حدث في معارك عديدة‪ ،‬كمعركة بدر )‪ 17‬رمضان ‪2‬هي‪/‬‬
‫‪13‬مارس ‪624‬م(‪ ،‬ومعركة ُأحد ) شوال ‪3‬هي‪/‬إبريل ‪ 624‬م(‪،‬‬
‫ومعركة الحزاب ) شوال ‪ 5‬هي\ مارس ‪627‬م( ‪ ..‬فكلها معارك‬
‫دفاعية‪ ،‬أقل ما يقال فيها أنها معارك دفاع عن النفس ‪.‬‬
‫‪ 1‬ديسون ‪ :‬محمد بن عبد ال‪59 ،‬‬
‫‪ 2‬دوزي‪ :‬ملحق وتكملة القواميس العربية‪ ،‬مقدمة الكتاب‬
‫‪3‬جوستاف لوبون ‪ :‬حضارة العرب‪ ،‬ص ص ‪129-128‬‬
‫‪ 4‬جوستاف لوبون ‪ :‬حضارة العرب‪ ،‬ص ‪127‬‬
‫‪ 5‬السيف‪.‬‬
‫‪ 6‬لورافيشيا فاغليري ‪ :‬دفاع عن السلم ‪12 ، 11‬‬

‫‪175‬‬
‫أو كما حدث في معارك أخرى‪ ،‬كمعركة قينقاع )السبت ‪15‬‬
‫شوال ‪2‬هي ‪ 9/‬إبريل ‪ ،624‬ومعركة النضير )ربيع الول ‪4‬‬
‫هي‪/‬غسطس ‪ 625‬م( ومعركة قريظة)ذي القعدة ‪ 5‬هي‪/‬إبريل ‪627‬‬
‫م(‪ ،‬ومعركة خيبر )المحرم سنة ‪ 7‬هي ‪/‬مايو ‪ ..(628‬فهي معارك‬
‫جائت نتيجة للخيانة‪ ،‬والتحالف ضد المسلمين‪ ،‬ونقض العهود‪،‬‬
‫ومحاولت عديدة لغتيال النبي ‪.‬‬
‫عا‪ :‬رد العلمة توماس كارليل‬ ‫ساب ً‬
‫وحسبنا رد توماس كارليل على تلك الفرية التي تييذهب إلييى أن‬
‫محمدا ً ‪‬لم ينشر دعوته إل بحد السيف ‪،‬فقال ‪:‬‬
‫"إن اتهام محمد ]‪ [‬بالتعويييل علييى السيييف فييي حمييل النيياس‬
‫على الستجابة لدعوته؛ سخف غير مفهوم!!"‪ ..1‬ويقول مفصل ً ‪..‬‬
‫"لقد قيل كثيرا ً فيي شيأن نشير محميد]‪ [‬دينيه بالسييف ‪ ،‬فيإذا‬
‫جعل الناس ذلييك دليل ً علييى كييذبه]‪ ، [‬فييذلك أشييد مييا أخطييأوا‬
‫وجاروا ‪ ،‬فهم يقولون ما كان الدين لينتشر لول السيف ‪ ،‬ولكن ما‬
‫هو الذي أوجد السيف ؟ هو قوة ذلك الدين ‪ ،‬وأنييه حييق ‪ .‬والييرأي‬
‫الجديد أول ما ينشأ يكون في رأس رجييل واحييد ‪ ،‬فالييذي يعتقييده‬
‫هو فرد‪ -‬فرد ضد العالم أجمع‪ ،-‬فإذا تناول هذا الفرد سيييفا ً وقييام‬
‫في وجه الدنيا فقلما والله يضيع ! وأرى ‪ -‬على العموم‪ -‬أن الحييق‬
‫ينشر نفسه بأيية طريقيية حسييبما تقتضيييه الحيال‪ ،‬أو ليم تييروا أن‬
‫النصرانية كانت ل تأنف أن تستخدم السيف أحيان يًا‪ ،‬وحسييبكم مييا‬
‫فعل شارلمان بقبائل السكسون ! وأنييا ل أحفييل إذا كييان انتشييار‬
‫الحق بالسيييف أم باللسييان أو بأييية آليية أخييرى ‪ ،‬فلنييدع الحقييائق‬
‫تنشر سييلطانها بالخطابيية أو بالصييحافة أو بالنييار ‪ ،‬لنييدعها تكافييح‬
‫وتجاهييد بأيييديها وأرجلهييا وأظافرهييا فإنهييا ليين َتهييزم إل مييا كييان‬
‫يستحق أن ُيهزم ‪ ،‬وليس في طاقتها قط أن تقضي علييى مييا هييو‬
‫خير منها ‪ ،‬بل ما هو أحط وأدنى "‪ .. 2‬فإنها حرب ل حكم فيها إل‬
‫لله الذي أرسل الرسل ذاتها ‪ ،‬ونعم الحكم ما أعدله وما أقسطه‪،‬‬
‫إذا كان من عند الخالق !‬
‫المطلب الخامس ‪ :‬فرية حــول القتــل الجمــاعي ليهــود‬
‫بني قريظة ‪:‬‬
‫معروف لدى كتب التاريخ أن يهود قريظة كانوا فصيل من فصائل‬
‫المدينة المنورة ‪.‬‬
‫ومعروف أنه بمجرد قدوم النبي ‪ ‬المدينة عقد بينه وبين اليهود‬
‫الموجودين بها معاهييدة تنظييم الشييأن العييام الييداخلي والخييارجي‬
‫للمدينة‪ .‬وكان من بنود هذه المعاهدة‪:‬‬
‫‪ 1‬انظر ‪ :‬عباس محمود العقاد ‪ :‬حقائق السلم وأباطيل خصومه‪227 :‬‬
‫‪ 2‬توماس كارليل‪ :‬البطال ‪ ،‬ص ‪76‬‬

‫‪176‬‬
‫‪ -1‬التزام كل أبناء المدينة بما فيهم المسلمين واليهود بالمعايشة‬
‫السلمية فيما بينهما وعدم اعتداء أي فريق منهما على الخر ‪.‬‬
‫‪ -2‬الدفاع المشييترك عيين المدينيية ضييد أي اعتييداء خييارجي علييى‬
‫المدينة ‪.‬‬

‫وحدث في شوال ‪ 5‬هي \ مارس ‪627‬م ‪ ..‬أن مر المسلمون‬


‫بظروف قاسية عندما تجمعت أكبر قوة معادية للمسلمين في‬
‫ذلك الوقت للقضاء عليهم داخل المدينة‪ ،‬وأحاطت جيوش‬
‫التحالف المشركة بالمدينة في عشرة آلف مقاتل‪ ،‬من مشركي‬
‫قريش وأشجع وغطفان وبني سليم وأسد وفزارة ‪ ..‬على حين‬
‫لم يزد عدد المسلمين على ثلثة آلف مقاتل‪ ،‬وكان المتوقع أن‬
‫ينضم يهود بني قريظة إلى صفوف المسلمين ضد القوات‬
‫المحتلة لحدود المدينة‪ ،‬بناء على نصوص المعاهدة المبرمة بين‬
‫الفريقين‪ ..‬لكن الذي حدث هو عكس هذا‪ ،‬فقد فوجئ المسلمون‬
‫ببني قريظة يخونهم في أخطر أوقات محنتهم‪ ،‬ولم يرعوا للجوار‬
‫حقًا‪ ،‬ول للعهود حرمة‪ ،‬بل كانوا يسعون من وراء انضمامهم هذا‬
‫إلى صفوف القوات الغازية التعجيل بالقضاء على المسلمين‬
‫ودولتهم الناشئة !‬

‫حا‬
‫فا في نفوس المسلمين‪ ،‬وجر ً‬ ‫أحدثت هذه الخيانة زلزال ً عني ً‬
‫قا في وجدانهم‪ ،‬ل سيما بعد إعلن قريظة – جهاًرا نهاًرا ‪-‬‬ ‫عمي ً‬
‫النضمام إلى صفوف الغزاة ‪..‬لدرجة أن الرسول ‪ ‬حرص أول‬
‫المر على كتمان الخبر على الشعب لميا كان يخشى من وقعه‬
‫على نفوس الجنود‪ .‬وبمجرد أن انتهى إلى سمعه ‪ ‬النبأ أرسل‬
‫وفدا ً دبلوماسًيا مكونا ً من القادة الفاضل سعد بن معاذ)قائد‬
‫الوس(‪ ،‬وسعد بن عبادة )قائد الخزرج(‪ ،‬وعبد الله بن رواحة‪،‬‬
‫ذكروا القوم بما‬ ‫وخوات بن جبير‪ -‬رضوان الله تعالى عليهم ‪ -‬لي ّ‬
‫بينهم وبين المسلمين من عقود وعهود‪ ،‬ويحذروهم مغبة ما هم‬
‫مقدمون عليه‪ ،‬ولكن دون جدوى!‬

‫وبعد أن ولى المشركون المحتلون وحلفاؤهم الدبار‪ ،‬يحملون‬


‫معهم الهزيمة والخفاق‪ ،‬وفشلت محاولتهم لقتحام المدينة‬
‫المنيعة ‪ .‬رجع المقاتلون المسلمون إلى بيوتهم بالمدينة‬
‫يستريحون من هذه الغمة‪ ،‬ويلتقطون أنفاسهم بعد فزع وقلق‬
‫نفسي مريع دام شهًرا كام ً‬
‫ل‪.‬‬

‫ويبدو أن بعض الصحابة ظن أن الموضوع انتهى إلى ذلك الحد !‬


‫لكن أيترك الخائنون العملء الناكثون للعهود دون محاسبة ؟‬

‫‪177‬‬
‫فنادى النبي ‪ ‬في المسلمين "أل ‪ ..‬ل يصلين أحد العصر إل في‬
‫بني قريظة !"‪ ،1‬فسار الجيش السلمي إلى فصيل الفتنة‬
‫والخيانة‪ ،‬وتبعهم النبي ‪ - ‬القائد العام ‪ -‬بعد أن استخلف على‬
‫المدينة – نائًبا عنه –عبد الله بن أم مكتوم‪ ،‬وحاصر المسلمون‬
‫بني قريظة شهرا ً تقريًبا‪ ،‬ولميا طال عليهم الحصار‪ ..‬ورفض‬
‫النبي ‪ ‬إل أن يستسلموا دون قيد أو شرط‪ ،‬واستسلم بنو‬
‫قريظة‪ ،‬ونزلوا على حكم رسول الله ‪ ، ‬فوكل ‪ ‬الحكم فيهم‬
‫إلى سعد بن معاذ– قائد الوس ‪ .. -‬وفي اختيار سعد دللة على‬
‫حكمة النبي ‪ ‬وُبعد نظره‪ ،‬وإدراكه لنفسيات يهود قريظة ‪ ،‬لن‬
‫دا كان حليف بني قريظة في الجاهلية‪ ،‬وقد ارتاح اليهود لهذا‬
‫سع ً‬
‫الختيار‪ ،‬وظنوا أن الرجل قد يحابيهم في حكمه‪ ،‬لكن سعدا ً نظر‬
‫إلى الموقف من جميع جوانبه‪ .‬وقدره تقدير من عاش أحداثه‬
‫وظروفه‪.‬‬

‫وبعد أن أخذ سعد ‪ ‬المواثيق على الطرفين أن يرضى كل‬


‫ل‪" :‬فَإ ِّني‬‫منهما بحكمه‪ .‬أعلن حكمه بالعدام على الخونة‪ ،‬قائ ً‬
‫ل "‪،‬‬ ‫وا ُ‬ ‫سَبى الذ ّّري ّ ُ‬ ‫جا ُ‬ ‫قت َ َ‬ ‫أ َحك ُم فيه َ‬
‫م َ‬
‫م ال ْ‬ ‫س َ‬‫ق َ‬‫ة وَت ُ ْ‬ ‫ل وَت ُ ْ‬ ‫ل الّر َ‬ ‫ن يُ ْ‬
‫مأ ْ‬ ‫ْ ُ ِ ِ ْ‬
‫حك ْم ِ‬
‫م بِ ُ‬
‫ت ِفيهِ ْ‬ ‫حك َ ْ‬
‫م َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫دا هذا الحكم ‪ " :‬ل َ َ‬ ‫فقال رسول الله ‪‬مؤي ً‬
‫‪2‬‬
‫ت " ‪..‬‬ ‫ماَوا ٍ‬ ‫س َ‬
‫سب ِْع َ‬ ‫ق َ‬ ‫ن فَوْ ِ‬ ‫الل ّهِ ِ‬
‫م ْ‬
‫فسيقوا إلى خنادق في المدينة‪ُ ،‬فقتل رجالهم ُوسبي نساؤهم‬
‫وذراريهم‪ .‬ولقى بنو قريظة هذا المصير على هذه الخيانة‪.‬‬

‫وهنا يحلو للبعض أن يتطاولوا على تصرف النبي ‪ ‬ومعاملته‬


‫لبني قريظة‪ ،‬ويعتبروا أن العدام الجماعي الذي تم لهؤلء الناس‬
‫يتسم بالقسوة والوحشية والجرام‪ ...‬الخ ‪..‬‬

‫ونرد على مثل هذه الراء ونقول ‪:‬‬

‫ما كان يخطط‬ ‫ل‪ :‬ماذا لو أن نتيجة غزوة الحزاب تمت حسب ً‬ ‫أو ً‬
‫لها بنو قريظة وأحزابهم؟ ألم تكن هي البادة التامة للمسلمين‬
‫دموا على هذا العمل الخسيس إل‬ ‫أجمعين‪ .‬على أن اليهود لم يق ِ‬
‫بعد أن تكون لديهم ما يشبه اليقين بأنهم‪ -‬بمساعدة المشركين‪-‬‬
‫سوف يقومون بتدمير الكيان السلمي تدميرا ً كام ً‬
‫ل‪ ،‬واستئصال‬
‫شأفة المسلمين استئصال ً كليا ً – كما ورد في كتبهم إذا ظهروا‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬ابن سيد الناس ‪ :‬عيون الثر ‪50\2‬‬


‫‪ 2‬ابن القيم ‪ :‬زاد المعاد ‪ ،3/117‬و ابن سيد الناس ‪ :‬عيون الثر ‪ ،54 /2‬وابن هشام ‪2/240‬‬

‫‪178‬‬
‫على شعب من الشعوب ‪ -‬ولهذا لم يترددوا في الغدر بحلفائهم‬
‫المسلمين وعلى تلك الصورة البشعة‪.1‬‬

‫لقد جاء في سفر التثنية ‪" :‬حين تقترب من مدينة لكي تحاربها‬
‫استدعها للصلح‪ ،‬فإن أجابتك وفتحت لك؛ فكل الشعب الموجود‬
‫فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك‪ ،‬وإن لم تسالمك‪ ..‬بل عملت‬
‫معك حربا ً فحاصرها‪ ،‬وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب‬
‫جميع ذكورها بحد السيف‪ ،‬وأما النساء والطفال والبهائم وكل ما‬
‫في المدينة كل غنيمتها فتغتنمها لنفسك‪ ،‬وتأكل غنيمة أعدائك‬
‫التي أعطاك الرب إلهك "‪. 2‬‬

‫ويعلق "مولنا محمد علي"‪ ،‬على هذا النص بقوله‪" :‬وهكييذا حكييم‬
‫قا للشريعة الموسييوية بقتييل ذكييور بنييي قريظيية وبسييبي‬ ‫سعد وف ً‬
‫نسييائهم وأطفييالهم وبمصييادرة ممتلكيياتهم‪ ..‬ومهمييا بييدت هييذه‬
‫العقوبة قاسية‪ ،‬فقد كانت على درجة الضبط للعقوبيية الييتي كييان‬
‫اليهود ينزلونها‪ -‬تبعا ً لتشريع كتابهم‪ -‬بالمغلوبين من أعدائهم‪ ،‬فأي‬
‫اعتراض على قسوة هذه العقوبة هو في الواقع انتقاد ل شييعوري‬
‫للشريعة الموسوية‪ ،‬وتسليم بييأن شييريعة أكييثر إنسييانية يجييب أن‬
‫تحل محلها‪ ،‬وأيمييا مقارنيية بالشييريعة السييلمية فييي هييذا الصييدد‬
‫خليق بها أن تكشف‪ -‬في وضيوح بيالغ‪ -‬أي قيانون رفيييق عطيوف‬
‫رحيم قدمه السلم إلى الناس"‪.3‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أن اليهود – ل سيما يهود قريظة ‪ -‬لم يلقوا من المسييلمين‬
‫طيلة السنوات الييتي تلييت المعاهييدة إل كييل بيير ووفيياء‪ ،‬ومعامليية‬
‫حسنة طيبة‪ ،‬كما شهدوا أنفسهم بيذلك‪ ،‬فعنييدما ذهييب حيييي بين‬
‫أخطب – أكبر زعماء اليهود ‪ -‬إلى كعب بين أسييد القرظييي زعيييم‬
‫ي !!‬‫حي َي ّ‬ ‫قريظة يغريه بنقض العهد مع النبي ‪ ‬قييال‪ " :‬وَي ْ َ‬
‫حييك ي َييا ُ‬
‫فَدع ِْني وما أ َنا ع َل َيه‪ ،‬فَإني ل َ َ‬
‫صييد ًْقا وَوََفيياًء " ‪..4‬‬ ‫مد ٍ إّل ِ‬
‫ح ّ‬
‫م َ‬
‫ن ُ‬
‫م ْ‬
‫م أَر ِ‬
‫ْ‬ ‫ِّ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫لكنه لم يزل به حتى أقنعه بالخيانة ونقض العهد‪.‬‬
‫ثالًثا ‪ :‬أن قانون أي دولة الن يحكم بالعدام على من يخون‬
‫وطنه ويقيم اتصالت مع العدو أو يتجسس لحسابه‪ ،‬و لو درس‬
‫الذين يطعنون في حكم سعد على بني قريظة القوانين‬
‫المعاصرة دراسة نافذة وطبقوها على قضية بني قريظة لرأوا أن‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬جمعة علي الخولي‪ :‬معاملة الرسول صلى ال عليه وسلم لبني قريظة‪ ،‬والرد على ما يثار حولها من‬
‫شبهات‪ ،‬مجلة جامعة المام محمد بن سعود‪ ،‬العدد ‪،57‬‬
‫‪ 2‬سفر التثنية – الصحاح العشرون ‪.18 :10‬‬
‫‪ 3‬مولنا محمد علي ‪ :‬حياة محمد ورسالته ص ‪175‬‬
‫‪ 4‬الروض النف ‪ ،422 /3‬ابن سيد الناس ‪ ،38 \2‬وابن كثير ‪ :‬البداية والنهاية ‪4/103‬‬

‫‪179‬‬
‫قوانين العصر الحديث والدول المتقدمة ل تختلف في شيء عما‬
‫أصدره سعد بن معاذ‪. .1‬‬
‫فيهود قريظة خانوا العقد‪ ،‬وتآمروا وانضموا إلى أعداء الدولة‬
‫السلمية وأوقعوا المسلمين بين شقي الرحى في المدينة‬
‫مكتوين بنار المشركين من جهة واعتداء اليهود في ساعة المحنة‬
‫من جهة ثانية فاقترفوا بذلك الغدر أربع جرائم‪:‬‬
‫أ ‪ -‬رفع السلح ضد سلطان المدينة مع الجنبي المعتدي‬
‫المحتل‪.‬‬
‫ب ‪ -‬تسهيل دخول العدو للبلد ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬التجسس لصالح تحالف المشركين‪.‬‬
‫د‪ -‬دس الفتن والمشاركة في الحرب العلمية النفسية على‬
‫الشعب المسلم‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫إذا هو ) القصاص العادل( الذي أصاب بني قريظة على‬
‫خيانتهم ‪..‬‬
‫ومعظم قوانين العقوبات العصرية تجعل العدام عقوبة كل‬
‫جريمة من الجرائم الربع‪ ،‬وتسمى أي جريمة من هذه الجرائم‬
‫باسم الخيانة العظمى!‬
‫عا ‪ :‬قد يقال‪ :‬كان من الممكن أن يعامل النبي ‪ ‬يهييود بنييي‬ ‫راب ً‬
‫قريظة كما يعامل القائد المنتصر رجال جيش عدوه الييذي انهييزم‬
‫َأمامه واستسلم‪ ،‬أو يعاملهم كمييا عامييل يهييود بنييي النضييير وبنييي‬
‫قينقاع‪ ..‬والجواب علييى ذلييك أن بنييي قريظيية لييم يكونييوا أسييرى‬
‫حرب حتى يميل بهم إلى الشفقة‪ ،‬ولم يكونوا في حالة حرب مييع‬
‫المسلمين‪ ،‬وإنما كانوا جيرانا متحييالفين يشييكلون مييع المسييلمين‬
‫وحييدة وطنييية ملزميية بالييدفاع المشييترك عيين المدينيية ضييد أي‬
‫عييدوان‪ ،‬لكنهييم ظهييروا أخطيير ميين العييداء‪ ،‬إذ يييبيتون لنيياس‬
‫يأمنونهم ويخصونهم بحقوق الجار‪ ،‬وواجبات الذمام‪ ،‬فكانوا بمثابة‬
‫الخائن المتآمر المتواطئ مع العدو علييى أمتييه ووطنييه فييي حاليية‬
‫الحرب القائمة وهذه خيانة عظمى ليس لها في جميع الشرائع إل‬
‫حا عيين موقييف‬ ‫العدام السريع‪ ..‬وموقفهم هنا يختلف اختلًفا واض ً‬
‫بني قينقاع وبني النضير‪ ،‬فالولون قد أبدوا البغضاء ميين أفييواههم‬
‫حا ل‬ ‫وأشاعوا الرعب والشكوك ورأوا في الدعاييية المغرضيية سييل ً‬
‫يفل‪ ..‬وبنوا النضير ائتمروا علييى قتييل الرسيول ‪ ،‬وتحييالفوا ميع‬
‫قييا‬
‫بعض المنافقين على المناجزة دون أن تتيح لهييم الفرصيية طري ً‬
‫طبييا ميين الييذين‬‫يصلون منه إلى التنفيييذ‪ ،‬وهييؤلء وأولئك َأهييون خ ً‬
‫سلوا السيوف ووقفوا في صفوف العدو وأوقعوا الهلع في قلوب‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬محمد رجب البيومي ‪ ،‬مجلة الحج العدد ‪ 12‬السنة ‪.88‬‬


‫‪ 2‬محمود شيت خطاب ‪ :‬الرسول القائد‪259 ،‬‬

‫‪180‬‬
‫يحيط بها الروع من كل ناحييية‪ ،‬فتعييادل الكفييتين بينهمييا طيييش ل‬
‫يقره إنصاف‪. 1‬‬
‫المبحث الرابع‬
‫رحمته‪ ‬للسرى‬
‫في الوقت الذي كانت فيه الحروب الجاهلية ل تعرف أبسط‬
‫قواعد أخلقيات الحرب‪ ،‬ظهر النبي‪ ‬بمبادئه العسكرية‪ ،‬ليشرع‬
‫للعالمين تصوًرا شامل ً لحقوق السرى في السلم‪.‬‬
‫وفي هذا العصر الحديث الذي شّرعت فيه المنظمات الدولية‬
‫دا نظرية – غير مفعلة وغير مطبقة – لحقوق السرى‪،‬‬ ‫بنو ً‬
‫كاتفاقيات جنيف بشأن أسرى الحرب في معاملة أسرى الحرب‬
‫ورعايتهم جسديا ً ونفسيًا‪.‬و نرى رسولنا ‪ ‬يشرع قبلهم بمئات‬
‫السنين حقوًقا شاملة وجامعة للسرى‪ ،‬أضف إلى ذلك أن النبي‬
‫دا نظرية بعيدة عن واقع الحروب –‬ ‫‪ ‬لم يجعل هذه الحقوق بنو ً‬
‫جا عملًيا وطبقها بنفسه‬ ‫كما هو الحال في عصرنا ‪ ،-‬بل جعلها منه ً‬
‫في غزواته وطبقها تلميذه في السرايا والمعارك السلمية ‪..‬‬
‫وفي إكرامه ‪ ‬للسرى‪ ،‬مظهر فريد من مظاهر الرحمة‪ ،‬في‬
‫وقت كانت تستباح فيه الحرمات والعراض ‪..‬‬
‫"وكثيرا ً ما أطلق ]‪ [‬سراح السرى في سماحة بالغة ‪ ،‬رغم أن‬
‫عددهم بلغ في بعض الحيان ستة آلف أسير"‪. 2‬‬
‫يقول سيديو ‪" :‬والكل يعلم أنه]‪ [‬رفض ‪-‬بعد غزوة بدر‪ -‬رأي‬
‫عمر بن الخطاب في قتل السرى‪ ...‬وأنه صفح عن قاتل عمه‬
‫حمزة ‪ ،‬وأنه لم يرفض ‪ -‬قط ‪-‬ما طلب إليه من اللطف‬
‫والسماح"‪.3‬‬

‫المطلب الول ‪ :‬نماذج في معركة بدر )‪ 17‬رمضان‬


‫‪2‬هـ‪13/‬مارس ‪624‬م(‪:‬‬
‫لقد استشار النبي ‪‬وزرائه في أسارى بدر فأشار عليه أبو بكر‬
‫‪ ‬أن يأخذ منهم فدية ‪ ،‬فهم بنو العم والعفو عنهم أحسن‪ ،‬ولعل‬
‫الله أن يهديهم إلى السلم‪ .‬وقال عمر ‪ : ‬ل والله ما أرى الذي‬
‫رأى أبو بكر ولكن أرى أن تمكننا فنضرب أعناقهم فإن هؤلء‬
‫أئمة الكفر وصناديدها!!‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬جمعة علي الخولي‪ :‬معاملة الرسول صلى ال عليه وسلم لبني قريظة‪ ،‬والرد على ما يثار حولها من‬
‫شبهات‪ ،‬مجلة جامعة المام محمد بن سعود‪ ،‬العدد ‪ ،57‬وانظر‪ :‬محمد رجب البيومي‪ ،‬مجلة الحج العدد ‪ 12‬السنة‬
‫‪.88‬‬
‫‪ 2‬مولنا محمد علي ‪ :‬حياة محمد و سيرته ‪ ،‬ص ‪269‬‬
‫‪ 3‬لويس سيديو‪) :‬نقل عن كتاب السلم بين النصاف و الجحود ‪ ،‬ص ‪.(134‬‬

‫‪181‬‬
‫فهوي النبي ‪ ‬ما قال أبو بكر‪ ،‬ولم يهو ما قال عمر‪ .‬فلما كان‬
‫من الغد أقبل عمر فإذا رسول الله ‪ ‬يبكى هو وأبو بكر فقال‪:‬‬
‫يا رسول الله! من أي شئ تبكي أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء‬
‫بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما؟ فقال رسول الله ‪:‬‬
‫"أبكي للذي عرض على أصحابك من أخذهم الفداء ! لقد عرض‬
‫علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة !" وأنزل الله تعالى قوله‪:‬‬
‫ض‪.1‬‬ ‫َ‬ ‫كون ل َ َ‬ ‫َ‬
‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫خ َ‬ ‫حّتى ي ُث ْ ِ‬ ‫سَرى َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ي أن ي َ ُ َ ُ‬ ‫ن ل ِن َب ِ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫وقد تكلم العلماء في أي الرأيين كان أصوب فرجحت طائفة قول‬
‫عمر لهذا الحديث ورجحت طائفة قول أبي بكر لستقرار المر‬
‫عليه وموافقته الكتاب الذي سبق من الله بإحلل ذلك لهم‬
‫ولموافقته الرحمة التي غلبت الغضب‪ ،‬ولتشبيه النبي ‪ ‬له في‬
‫ذلك بإبراهيم وعيسى‪ ،‬وتشبيهه لعمر بنوح وموسى‪ ،‬ولحصول‬
‫الخير العظيم الذي حصل بإسلم أكثر أولئك السرى‪ ،‬ولخروج‬
‫من خرج من أصلبهم من المسلمين‪ ،‬ولحصول القوة التي‬
‫حصلت للمسلمين بالفداء ولموافقة رسول الله ‪ ‬لبي بكر أول ً‬
‫ولموافقة الله له آخرا ً حيث استقر المر على رأيه ولكمال نظر‬
‫الصديق فإنه رأى ما يستقر عليه حكم الله آخرا ً وغلب جانب‬
‫الرحمة على جانب العقوبة‪..2‬‬
‫وحين أقبل بالسارى – بعد بدر ‪ -‬فرقهم النبي‪ ‬بين أصحابه‬
‫وقال ‪:‬‬
‫ً ‪3‬‬
‫"استوصوا بهم خيرا " ‪..‬‬
‫وبهذه التوصية النبوية الرفيعة‪ ،‬تحقق في هذا الجيل السلمي‬
‫الفضيل قول الله تعالى‪:‬‬
‫َ‬
‫سيًرا ‪. ‬‬
‫‪4‬‬
‫ما وَأ ِ‬ ‫كيًنا وَي َِتي ً‬ ‫س ِ‬‫م ْ‬ ‫حب ّهِ ِ‬ ‫م ع ََلى ُ‬ ‫ن الط َّعا َ‬ ‫مو َ‬ ‫‪‬وَي ُط ْعِ ُ‬
‫وهذا أبو عزيز بن عمير أخو مصعب بن عمير يحدثنا عما رأى‪.‬‬
‫قال‪ :‬كنت في السرى يوم بدر‪ ، 5‬فقال رسول الله ‪":‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن اْلن ْ َ‬ ‫خي ًْرا" ‪ .‬وك ُن ْ ُ‬ ‫صوا ِباْل َ‬
‫‪6‬‬
‫ن‬‫حي َ‬ ‫صارِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ِ‬ ‫ت ِفي َرهْ ٍ‬ ‫ساَرى َ‬ ‫ست َوْ ُ‬ ‫ا ْ‬
‫َ‬
‫صوِني‬ ‫خ ّ‬‫م َ‬ ‫شاَءهُ ْ‬ ‫م وَع َ َ‬ ‫داَءهُ ْ‬ ‫موا غ َ َ‬ ‫ذا قَد ّ ُ‬ ‫كاُنوا إ َ‬ ‫ن ب َد ْرٍ فَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫أقْب َُلوا ِبي ِ‬
‫َ‬
‫سل ّ َ‬
‫م‬ ‫ه ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫صي ّةِ َر ُ‬ ‫مَر ل ِوَ ِ‬ ‫خب ْزِ وَأك َُلوا الت ّ ْ‬ ‫ِبال ْ ُ‬
‫حِني ب َِها ‪.‬‬ ‫ف َ‬ ‫خب ْزٍ إّل ن َ َ‬ ‫سَرة ُ ُ‬ ‫م كِ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ل ِ‬ ‫ج ٍ‬ ‫قعُ ِفي ي َد ِ َر ُ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫م ب َِنا ‪َ ،‬‬ ‫إّياهُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ها ع َل َ ّ‬ ‫م فَي َُرد ّ َ‬ ‫ها ع ََلى أ َ‬ ‫ي فَأُرد ّ َ‬ ‫ل فَأ ْ‬ ‫َقا َ‬
‫‪7‬‬
‫سَها ‪.‬‬ ‫م ّ‬ ‫ي ما ي َ َ‬ ‫حد ِه ِ ْ‬ ‫حي ِ َ‬ ‫ست َ ْ‬
‫‪ 1‬سورة النفال‪:‬الية ‪67‬‬
‫‪ 2‬ابن القيم ‪ :‬زاد المعاد ‪99 \ 3 ،‬‬
‫‪ 3‬ابن كثير‪ :‬البداية والنهاية‪307 \3 ،‬‬
‫‪ 4‬سورة النسان‪:‬الية ‪8‬‬
‫‪ 5‬أيام كان على غير السلم‪ ،‬وكان في جيش المشركين‪.‬‬
‫‪ 6‬ابن هشام )‪ / 1‬ص ‪(644‬‬
‫‪ 7‬ابن هشام ) ‪ / 1‬ص ‪ ،(644‬وابن سيد الناس ‪ :‬عيون الثر ‪393\1‬‬

‫‪182‬‬
‫ويقول جابر بن عبدالله رضي الله عنه‪" :‬لما كان يوم بدر ُأتي‬
‫بالعباس ولم يكن عليه ثوب‪ ،‬فنظر النبي ‪ ‬له قميصا ً فوجدوا‬
‫‪1‬‬
‫قميص عبدالله بن ُأبي يقدر عليه فكساه النبي ‪ ‬إياه"‬
‫ن الّرِبيِع يحدثنا قال‪ :‬كنت في رهط من النصار‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ص بْ ُ‬
‫‪2‬وهذا أُبو الَعا ِ‬
‫‪ -‬جزاهم الله خيًرا ‪ ،-‬كنا إذا تعشينا أو تغدينا آثروني بالخبز‬
‫وأكلوا التمر‪ ،‬والخبز معهم قليل‪ ،‬والتمر زادهم‪ ،‬حتى إن الرجل‬
‫ي‪ ،‬وكان الوليد بن الوليد بن‬
‫لتقع في يده كسرة فيدفعها إل ّ‬
‫‪3‬‬
‫المغيرة يقول مثل ذلك ويزيد‪ :‬وكانوا يحملوننا ويمشون ‪.‬‬
‫ن الّرِبيِع في السارى‪ ،‬وختن رسول الله ‪-‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ص بْ ُ‬
‫وقد كان أُبو الَعا ِ‬
‫ن‬
‫ش بْ ُ‬
‫خَرا ُ‬‫صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬وزوج ابنته زينب‪ ،‬أسره ِ‬
‫ة ‪ ،‬فلما بعثت قريش فداء السرى بعثت زينب بنت رسول‬ ‫م َ‬‫ص ّ‬
‫ال ّ‬
‫الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬في فداء أبي العاص وأخيه عمرو بن‬
‫الربيع بقلدة لمها خديجة‪ ،‬فلما رآها رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم رق لها رقة شديدة‪ ،‬وقال‪ " :‬إن رأيتم أن تطلقوا لها‬
‫أسيرها وتردوا عليها مالها فافعلوا "‪ ،‬فقالوا‪ :‬نعم يا رسول الله‪،‬‬
‫فأطلقوه وردوا عليها الذي لها‪.4‬‬

‫خلق الكريم الذي غرسه المعلم الكبير محمد ‪ ‬في‬ ‫كان هذا ال ُ‬
‫أصحابه وجنده وشعبه‪ ،‬قد أثر في إسراع مجموعة من كبراء‬
‫السرى وأشرافهم إلى السلم‪ ،‬فأسلم أبو عزيز عقب معركة‬
‫بدر‪ُ ،‬بعيد وصول السرى إلى المدينة‪ ،‬وتنفيذ وصية ‪ ، ‬وأسلم‬
‫معه السائب بن عبيد‪.‬‬
‫وعاد السرى إلى بلدهم وأهليهم يتحدثون عن محمد ‪ ‬ومكارم‬
‫أخلقه‪ ،‬وعن محبته وسماحته‪ ،‬وعن دعوته وما فيها من البر‬
‫والتقوى والصلح والخير‪.5‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬نموذج معركة بني المصطلق )شعبان‬
‫‪ 5‬هـ ‪/‬يناير ‪ 627‬م(‬

‫لقد أطلق المسلمون من في أيديهم من أسرى بني المصطلق‬


‫– بعد معركة مع بني المصطلق أعداء الرسول‪ ، ‬وذلك أن‬
‫جوَي ْرَِية بنت الحارث سيد بني المصطلق وقعت في سهم ثابت‬‫ُ‬
‫ابن قيس‪ ،‬فكاتبها‪ ،‬فيأدي عنها رسول الله ‪ ‬وتزوجهيا‪ ،‬فأعيتق‬
‫المسليمون بسبيب هيذا التزوييج ميائية أهيل بييت مين بنيي‬
‫‪ 1‬البخاري )‪ (2846‬وانظر‪ :‬ابن حجر العسقلني‪ -‬فتح الباري ‪144 /6‬‬
‫‪ 2‬قبل إسلمه‪ ،‬أيام كان في جيش قريش‪ ،‬وأسره الصحابه في معركة بدر ‪.‬‬
‫‪ 3‬انظر‪ :‬الواقدي‪ :‬المغازي ‪.1/119‬‬
‫‪ 4‬سبل الهدى والرشاد ‪) -‬ج ‪ / 4‬ص ‪(71‬‬
‫‪ 5‬انظر‪ :‬علي محمد الصلبي ‪ :‬السيرة النبوية‪42\2 ،‬‬

‫‪183‬‬
‫المصطلق قيد أسلميوا‪ ،‬وقياليوا‪ :‬أصهيار رسول الله ‪ .1‬حيث‬
‫كره المسلمون أن يأسروا أصهار رسول الله ! قالت عائشة ‪:‬‬
‫فما أعلم امرأة أعظم بركة على قومها منها‪.2‬‬

‫واستكثر الصحابة على أنفسهم أن يتملكوا أصهار نبيهم وقائدهم‬


‫‪ ،‬وحيال هذا العتق الجماعي‪ ،‬وإزاء هذه الريحية الفذة‪ ،‬دخلت‬
‫القبيلة كلها في دين الله‪ .‬إن مرد هذا الحدث التاريخي وسببه‬
‫البعيد‪ ،‬هو حب الصحابة للنبي ‪ ،‬وتكريمهم إياه‪ ،‬وإكبارهم‬
‫شخصه العظيم‪ ،3‬وتأسيهم بأخلق قائدهم في معاملة السرى‪،‬‬
‫والتي عهدوها من معلمهم في حروب سابقة ‪.‬‬

‫المطلب الثالث ‪ :‬نموذج معركة حنين) ‪ 10‬شوال ‪ 8‬هـ‪/‬‬


‫‪ 30‬يناير ‪ 630‬م(‬
‫يقول "جان باغوت غلوب"‪:‬‬
‫ل‪ ،‬حتى‬ ‫"وكان انتصار المسلمين ]على هوازن[ في حنين كام ً‬
‫أنهم كسبوا غنائم كثيرة بين أعداد وفيرة من البل والغنم ‪ ،‬كما‬
‫أسروا عددا ً ضخما ً من السرى معظمهم من نساء هوازن‬
‫وأطفالها ‪ ،‬وعندما عاد النبي ]‪ [‬عن الطائف دون أن يتمكن‬
‫من فتحها شرع يقسم الغنائم والسلب بين رجاله ‪ .‬ووصل إليه‬
‫وفد من هوازن المهزومة المغلوبة على أمرها يرجوه إطلق‬
‫سراح النسوة والطفال من السرى‪ ،‬وسرعان ما لبى النبي ]‪[‬‬
‫الطلب بما عرف عنه من دماثة و تسامح ‪ ،‬فلقد كان ينشد من‬
‫جديد في ذروة انتصاره أن يكسب الناس أكثر من نشدانه‬
‫عقابهم وقصاصهم"‪. 4‬‬
‫لقد تأثر مالك بن عوف زعيم هوازن المهزومة بهذا العفو الكريم‬
‫والخلق العظيم من محمد ‪ ،‬بعدما أطلق له كل السرى من‬
‫قومه‪..‬‬
‫فجادت قريحته لمدح النبي ‪ ، ‬فأخذ ينشد فاصل ً من الشعر‪،‬‬
‫يشكر فيه رسول الله ‪‬‬
‫فقال مالك ‪:‬‬
‫س‬
‫في الّنا ِ‬ ‫š ‪ِ šŠ¤1‬‬ ‫عت‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬ ‫وَل‬ ‫َ‬ ‫ن َرأ َْيت‬ ‫ما إ ْ‬ ‫َ‬
‫د‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ث‬ ‫م‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ث‬ ‫م‬
‫ما‬
‫ع ّ‬
‫ِ‬
‫خب ِْرك َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫شأ ي ُ ْ‬‫ْ‬ ‫تى ت َ ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫م َ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫و َ‬ ‫ذا š š َ‬ ‫لإ َ‬ ‫زي‬ ‫ج‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫طى‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫فى وأ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫و‬ ‫أب َِ‬
‫ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ‬
‫ُ‬
‫بك ّ‬ ‫د‬
‫ٍ‬ ‫غــ‬ ‫َ‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬‫ج‬ ‫ْ‬ ‫ا‬
‫ل‬ ‫ضْر ِ‬ ‫و َ‬ ‫ي َ‬ ‫ر ّ‬ ‫ه ِ‬ ‫م َ‬ ‫س ْ‬ ‫š šِبال ّ‬ ‫ها‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫يا‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫‪5‬‬
‫ت‬ ‫ّ ْ‬ ‫َ‬ ‫د‬‫ر‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ة‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫تي‬‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫إ‬
‫د‬
‫هــن ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬ ‫Šš‬
‫‪ 1‬ابن كثير‪ :‬البداية والنهاية‪159 \4 ،‬‬
‫‪ 2‬ابن كثير‪ :‬البداية والنهاية‪159 \4 ،‬‬
‫‪ 3‬انظر‪ :‬علي محمد الصلبي ‪ :‬السيرة النبوية‪184\2 ،‬‬
‫‪ 4‬جان باغوت غلوب ‪ :‬الفتوحات العربية الكبرى‪ ،‬ص ‪.158 -157‬‬
‫‪ 5‬عردت‪ :‬اشتدت وضربت‪ ،‬القاموس المحيط )‪.(1/313‬‬

‫‪184‬‬
‫ط ال ْ َ‬‫س َ‬ ‫عَلى أ َ ْ‬ ‫َ َ‬
‫‪7‬‬
‫ة‪َ 6‬‬
‫خاِدٌر‬ ‫هَباءَ ِ‬ ‫و ْ‬
‫š š َ‬ ‫ه‬
‫شَبال ِ ِ‬ ‫ه ل َي ْ ٌ‬
‫ث َ‬ ‫فك َأن ّ ُ‬
‫د ‪.‬‬‫‪4‬‬
‫ص ِ‬ ‫مْر َ‬
‫في َ‬ ‫ِ‬ ‫‪šŠ¤‬‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬نماذج أخرى‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬عفوه عن ثمانين أسيًرا في الحديبية ‪:‬‬
‫هبط عليه‪ ‬فى صلح الحديبية )في ذي القعدة ‪ 6‬هي‪ /‬مارس‬
‫‪ 628‬م( ‪ ،‬ثمانون متسلحون‪ ،‬من جبل التنعيم‪ ،1‬يريدون قتله‪،‬‬
‫ن عليهم‪.2‬‬ ‫فأسرهم‪ ،‬ثم م ّ‬
‫ثانًيا ‪ :‬عفوه عن ثمامة بن أثال سيد بني حنيفة‬
‫ُأسر ثمامة بن أثال سيد بني حنيفة‪ ،‬وسيد اليمامة‪ ،‬فربطه‬
‫الصحابة بسارية بالمسجد النبوي‪ .3‬وإنما ُربط بسجد بناه أكرم‬
‫الخلق‪ ،‬مطلق العاني السير‪ ،‬خير من أكرم العزيز إذا ذل‪،‬‬
‫والغريب إذا ضل ‪.‬‬
‫َ‬
‫ل النبي ‪ - ‬لصحابه ‪" :-‬أط ْل ِ ُ‬ ‫فَ َ‬
‫ة " ‪..‬‬ ‫م َ‬ ‫ما َ‬ ‫قوا ث ُ َ‬ ‫قا َ‬
‫ل‬‫خ َ‬‫م دَ َ‬ ‫ل ثُ ّ‬ ‫س َ‬ ‫جد ِ ‪َ ،‬فاغ ْت َ َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ري ٍ‬ ‫ل قَ ِ‬ ‫خ ٍ‬ ‫َفان ْط َل َقَ إ َِلى ن َ ْ‬
‫ل الل ّهِ‪. 4‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سو ُ‬ ‫دا َر ُ‬ ‫م ً‬
‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ه وَأ ّ‬ ‫ه إ ِّل الل ّ ُ‬ ‫ن َل إ ِل َ َ‬ ‫شهَد ُ أ ْ‬ ‫ل‪ :‬أ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫جد َ ف َ َ‬‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫فا‪ ،‬فطفق يهتف بأخلق‬ ‫فلقد هزته الخلق المحمدية هًزا عني ً‬
‫محمد‪ ،‬ويقول ‪:‬‬
‫جه ُ َ‬
‫ك‬ ‫َ‬ ‫ك‪ ،‬فَ َ‬ ‫جهِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ع ََلى الْر‬
‫ْ‬ ‫ما َ‬
‫ح وَ ْ‬ ‫صب َ َ‬ ‫قد ْ أ ْ‬ ‫ن وَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫ض إ ِل ّ‬ ‫ه أب ْغَ َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ض وَ ْ‬ ‫ِ‬ ‫كا َ‬ ‫" َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‪،‬‬‫ن ِدين ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫ض إ ِل َ ّ‬ ‫ن أب ْغَ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ن ِدي‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ي!! َوالل ّهِ َ‬ ‫جوهِ إ ِل َ ّ‬ ‫ب ال ْوُ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫أ َ‬
‫َ‬ ‫فَأ َصبح دين َ َ‬
‫ي‬‫ض إ ِل َ ّ‬ ‫ن ب َل َد ٍ أب ْغَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ي !! َوالل ّهِ َ‬ ‫ن إ ِل َ ّ‬ ‫ِ‬ ‫دي‬‫ب ال ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫كأ َ‬
‫َ‬
‫ْ َ َ ِ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ح ب َلد ُ َ‬ ‫ن ب َل َد ِ َ‬
‫ك‪ ،‬فَأ ْ‬
‫‪5‬‬
‫ي !! " ‪..‬‬ ‫ب الب ِلد ِ إ ِل ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫كأ َ‬ ‫صب َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫بل ويترجم ثمامة هذا الحب عملًيا ‪..‬فيبغض في الله ويقاطع في‬
‫ت ؟؟!‬ ‫صب َوْ َ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫ه َقائ ِ ٌ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫ة َقا َ‬ ‫مك ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ما قَد ِ َ‬ ‫الله‪ ،‬فلما فَل َ ّ‬
‫َ‬
‫ه ع َل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ل الل ّهِ ‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫سو‬ ‫مد ٍ َر ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫م ُ‬ ‫سل َ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ل‪َ " :‬ل وَل َك ِ‬ ‫َقا َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ِفيَها‬ ‫حّتى ي َأذ َ َ‬ ‫حن ْط َةٍ َ‬ ‫ة ِ‬ ‫حب ّ ُ‬ ‫مة ِ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن ال ْي َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م ‪ ،-‬وََل َوالل ّهِ َل ي َأِتيك ُ ْ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬
‫‪6‬‬
‫م‪. ! " -‬‬ ‫ي‪َ -‬‬ ‫الن ّب ِ ّ‬
‫ثالًثا‪ :‬ل تجمعوا عليهم حر هذا اليوم وحر السلح ‪:‬‬

‫‪ 6‬الهباءة‪ :‬غبار الحرب‪ ,‬مختار الصحاح‪ ،‬ص ‪.689‬‬


‫‪7‬الخادر‪ :‬المقيم في عرينه‪ ،‬والخدر ستر يمد للجارية من ناحية البيت‪.‬‬
‫‪ 8‬انظر‪ :‬ابن هشام ‪ :‬السيرة النبوية )‪ ،.(4/144‬والبيهقي ‪ :‬دلئل النبوة ) ‪،(270 /5‬برقم ‪ ،5440‬وعلي محمد‬
‫الصلبي ‪ :‬السيرة النبوية‪ ،‬ص ‪،406 ،405‬‬
‫‪ 1‬جبل التنعيم ‪ :‬موضع بمكة في الحل‪ ،‬وهو الن مدينة صناعية بالمملكة العربية السعودية‪ .‬انظر‪:‬معجم البلدان ‪\2‬‬
‫‪ ،49‬ومعجم معالم الحجاز ‪44\2‬‬
‫‪ 2‬انظر‪ :‬ابن القيم ‪ :‬زاد المعاد )‪(99 \ 3‬‬
‫‪ 3‬انظر‪ :‬ابن القيم ‪ :‬زاد المعاد )‪(99 \ 3‬‬
‫‪ 4‬صحيح – رواه البخاري )‪ (442‬عن أبي هريرة‬
‫‪ 5‬صحيح – رواه البخاري )‪ ،(4024‬ومسلم ) ‪ ( 3310‬عن أبي هريرة‬
‫‪ 6‬صحيح – رواه البخاري )‪ ،(4024‬ومسلم ) ‪ ( 3310‬عن أبي هريرة‬

‫‪185‬‬
‫رأى الرسول أسارى بني قريظة موقوفين في قيظ النهار تحت‬
‫الشمس فأمر من يقومون بحراستهم قائ ً‬
‫ل‪" :‬ل تجمعوا عليهم حر‬
‫هذا اليوم وحر السلح‪ ..‬قيلوهم حتى يبردوا"‪ ،‬وقد سئل المام‬
‫مالك ‪ -‬يرحمه الله‪" :‬أيعذب السير إن رجي أن يدل على عورة‬
‫ل‪" :‬ما سمعت بذلك"‪ 1‬وبذلك يحرم السلم‬ ‫العدو؟" فأجاب قائ ً‬
‫تعذيب السرى‪ ،‬ويرفض إهانتهم‪ ،‬ويقرر عدم إهمالهم‪ ..‬كما ل‬
‫يجوز تعذيب السير‪ ،‬ول إهانته للحصول على معلومات عسكرية‬
‫منه‪..‬‬
‫عا ‪ :‬كسوة ونفقة لسيرة ‪:‬‬ ‫راب ً‬
‫وأعطى رسول الله كسوة ونفقة لبنة حاتم الطائي عندما‬
‫وقعت أسيرة في أيدي المسلمين‪ ،‬بل حملها حتى خرجت مع‬
‫بعض أناس من قومها‪.2‬‬
‫سا ‪ :‬عفوه عن مشركين قاتلوا يوم الفتح ‪:‬‬ ‫خام ً‬
‫وأطلق يوم فتح مكة )رمضان ‪8‬هي‪ /‬يناير ‪ 630‬م ( جماعة من‬
‫قريش فكان يقال لهم ‪ :‬الطلقاء‪.3‬‬
‫فهذه نماذج‪ ،‬تبين لك مدى رحمة النبي ‪ ‬للسرى‪ ،‬وهذه‬
‫المواقف وغيرها تكشف الستار عن شخصية بلغت من السمو‬
‫دا‪ ،‬شخصية تحرك الفئدة نحوها بفيض عارم‬ ‫والرفعة مبلًغا بعي ً‬
‫من الرحمة والعفو والجاذبية ‪.‬‬
‫المبحث الخامس‬
‫رحمته لقتلى العدو‬

‫المطلب الول ‪ :‬مواراة جيف قتلى العدو في بدر‪:‬‬


‫فلما انتصر النبي – صلى الله عليه وسلم – على المشركين في‬
‫قا‪ ،‬وُقتل في هذه الموقعة سبعون من‬ ‫معركة بدر نصرا ً ساح ً‬
‫صناديد الوثنية‪ ،‬لم يأمر النبي – صلى الله عليه وسلم – بالتمثيل‬
‫بجثث القتلى أو إهانتها‪ ،‬بل أمر رسول الله‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬بدفن هذه الجثث في بئر من آبار بدر القديمة ‪..‬‬
‫وقد ورد أنه ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وقف على القتلى فقال –‬
‫يعاتبهم في حرقة ‪» : -‬بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم‪ ،‬كذبتموني‬
‫الناس‪ ،‬وخذلتموني ونصرني الناس‪ ،‬وأخرجتموني‬ ‫‪4‬‬
‫وصدقني‬
‫وآواني الناس« ‪.‬‬
‫ونادى عليهم وهم في البئر قائ ً‬
‫ل‪» :‬يا عتبة بن ربيعة‪ ،‬ويا شيبة بن‬
‫قا فإني‬
‫ربيعة‪ ،‬ويا فلن‪ ،‬ويا فلن‪ ،‬هل وجدتم ما وعدكم ربكم ح ً‬
‫‪ 1‬انظر‪ :‬وهبة الزحيلي ‪ :‬آثار الحرب‪ ،‬ص‪.(414) :‬‬
‫‪ 2‬ممدوح إبراهيم الطنطاوي ‪ :‬أخلقيات الحرب في السلم‪ ،‬مجلة الجندي المسلم ‪ :‬العسكرية السلمية العدد‬
‫‪112‬‬
‫عنُكْم"‪ ،‬برقم ‪.،1808‬‬ ‫‪ 3‬انظر‪ :‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الجهاد والسير‪ ،‬باب قوله تعالى ‪َ " :‬وهَُو اّلِذي َك ّ‬
‫ف َأْيِدَيُهْم َ‬
‫وابن القيم ‪ :‬زاد المعاد ) ‪. ( 59 \ 5‬‬
‫‪ 4‬ابن القيم ‪ :‬زاد المعاد )‪.(3/187‬‬

‫‪186‬‬
‫قا« فقال عمر بن الخطاب‪ :‬يا رسول‬ ‫وجدت ما وعدني ربي ح ً‬
‫الله! ما تخاطب من أقوام قد جيفوا؟ فقال‪» :‬والذي نفسي بيده‬
‫ما أنتم بأسمع لما أقول منهم‪ ،‬ولكنهم ل يستطيعون الجواب« ‪. 1‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬جثة نوفل بن عبد الله !‬
‫لما حاول نوفل بن عبد الله – لعنه الله – اقتحام الخندق الذي‬
‫صنعه المسلمون لتحصين المدينة من حصار التحالف الوثني –‬
‫في غزو الحزاب ‪ -‬ومات مقتول ً في الخندق‪ ،‬عندما أصر على‬
‫اقتحامه في فرقة من المشركين‪ ،‬سأل المشركون المسلمين‬
‫جثته بمال يعطونه المسلمين‪ ،‬فأرسل المشركون إلى النبي‪ :‬أن‬
‫أرسل إلينا بجسده ونعطيك اثني عشر ألفا ً‪ ..2‬فتعفف رسول‬
‫الله عن هذا المال الخبيث‪ ،‬ونهاهم عن ذلك وكرهه !! وقال‪" :‬‬
‫ث ال ْ ِ‬ ‫م فَإ ِن ّ ُ‬ ‫اد ْفَُعوا إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫‪3‬‬
‫ة"‬
‫ث الد ّي َ ِ‬
‫خِبي ُ‬‫فة ِ َ‬
‫جي َ‬ ‫خِبي ُ‬
‫ه َ‬ ‫فت َهُ ْ‬
‫جي َ‬
‫م ِ‬
‫وفي رواية قال‪ " :‬ول نمنعكم أن تدفنوه‪ ،‬ول أرب لنا في ديته"‪.4‬‬
‫فلم يقبل منهم شيًئا‪ ،‬وخلى بينهم وبينه ‪..‬‬
‫وفي رواية ‪ :‬عن عن عكرمة أن نوفل ً تردى به فرسه يوم الخندق‬
‫قتل فبعث أبو سفيان إلى النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬بديته‬ ‫ف ُ‬
‫مائة من البل فأبى النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬وقال ‪" :‬خذوه‬
‫فإنه خبيث الدية خبيث الجثة"‪..5‬‬
‫‪6‬‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬هو لكم ‪ ،‬ل نأكل ثمن الموتى "‬
‫وإنما كره هذا لئل ينسب إلى المسلمين ما ل يليق بمكارم‬
‫الخلق‪ ،‬فقد كان عليه السلم يقول‪ :‬بعثت لتمم مكارم‬
‫الخلق‪.7‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬جثة عمرو بن ود ‪:‬‬
‫وبالمثل في نفس الغزوة‪ ،‬حدث مع عمرو بن ود – طاغية العرب‬
‫‪ ، -‬عندما قتله علي – رضي الله عنه – في مبارزة عنيفة‪ ..‬وذكر‬
‫ابن إسحاق أن المشركين بعثوا إلى رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬يشترون جيفة عمرو بعشرة آلف‪ ،‬فقال رسول الله ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم‪:-‬‬
‫‪8‬‬
‫"هو لكم ول نأكل ثمن الموتى" ‪.‬‬
‫ولما أقبل علي – رضي الله عنه ‪ -‬بعد قتله لعمرو بن عبد ود‬
‫على رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وهو متهلل‪ ،‬قال له عمر‬
‫قريش‪.‬‬‫‪ 1‬البخاري )‪ (7/234‬كتاب المغازي‪ ،‬باب دعاء النبي صلى ال عليه وسلم على كفار‬
‫‪2‬علي بن برهان الدين الحلبي‪ :‬السيرة الحلبية ‪2/628‬‬
‫ي ) ‪ ( 1715‬والقصة منتشرة في كتب السيرة‪.‬‬ ‫‪ 3‬رواه أحمد )‪ ،( 2442 (،(2230‬والّتْرِمِذ ّ‬
‫‪ 4‬علي بن برهان الدين الحلبي‪ :‬السيرة الحلبية ‪2/628‬‬
‫‪ 5‬رواه ابن أبي شيبة )‪ ، (36824‬المتقي الهندي ‪ :‬كنز العمال ) ‪ ،( 30102‬ورواه الفزاري في السير ) ‪، (10‬‬
‫ولم أقف على صحة الحديث ‪.‬‬
‫‪ 6‬رواه البيهقي في دلئل النبوة )‪ ،(1320‬ولم أقف على سنده ‪.‬‬
‫‪ 7‬السرخسي ‪ :‬شرح كتاب السير الكبير ‪) -‬ج ‪ / 1‬ص ‪(448‬‬
‫‪ 8‬علي بن برهان الدين الحلبي‪ :‬السيرة الحلبية ‪628 /2‬‬

‫‪187‬‬
‫بن الخطاب رضي الله عنه‪ :‬هل سلبته درعه‪ ،‬فإنه ليس في‬
‫العرب درع خير منها؟ قال‪ :‬إني حين ضربته استقبلني بسوءته‬
‫فاستحييت يا ابن عمي أن أسلبه‪.1‬‬

‫المبحث السادس‬
‫رحمته لهل الذمة‬
‫المطلب الول ‪ :‬من هم أهل الذمة وما موقف الدولة‬
‫السلمية منهم ؟‬
‫أهل الذمة هم القليات من أهل الكتاب دخل الدولة السلمية ‪..‬‬
‫يقول أدوار بروي‪:‬‬
‫ضا من أهل الكتاب‪ ،‬حق لهم أن‬ ‫"فاليهود والنصارى الذين هم أي ً‬
‫يتمتعوا بالتساهل وأن ل يضاموا‪ .‬وكان لبد ّ من وقوف هذا‬
‫الموقف نفسه من الزرادشتية والبوذية والصابئة‪ ..‬وغيرها من‬
‫الملل والنحل الخرى‪ .‬والمطلوب من هؤلء السكان أن يظهروا‬
‫الولء للسلم ويعترفوا بسيادته وسلطانه‪ ،‬وأن يؤدوا له الرسوم‬
‫المترتبة على أهل الذمة تأديتها‪ ..‬وفي نطاق هذه التحفظات التي‬
‫لم يكن لتؤثر كثيًرا على الحياة العادية‪ ،‬تمتع الزميون] في‬
‫السلم[ بكافة حرياتهم"‪.2‬‬
‫ويقول ‪ :‬مونتكومري وات‪:‬‬
‫فا تجاه اليهود والمسيحيين‬‫"إن تعامل المسلمين كان مختل ً‬
‫والزرادشتيين وغيرهم ممن اعتبرت دياناتهم شقيقة للسلم‪،‬‬
‫رغم الدعوى القائلة بأن التباع المعاصرين لتلك الديانات قد‬
‫ابتعدوا عن جوهرها‪ .‬ومهما كان المر فقد كان بالمكان قبولهم‬
‫عا من الحلفاء للمسلمين في معظم القطار التي فتحتها‬ ‫نو ً‬
‫العرب‪ .‬لذلك فإن غرض الجهاد لم يكن يهدف إلى تحويل أولئك‬
‫السكان نحو السلم بقدر ما كان يهدف إلى اعترافهم بالحكم‬
‫السلمي وبمنزلة أناس يحميهم السلم‪ .‬وبعامة فإنهم )أهل‬
‫الذمة(" ‪. 3‬‬
‫" وكانت الطائفة الذمية مجموعة من الناس تعتنق ديانة واحدة‬
‫لها استقللها الداخلي برعاية رئيس ديني كالبطريك أو الرابي‪،‬‬
‫وكان على كل فرد من أفراد المجموعة الذمية دفع ضريبة‬
‫شخصية إلى الحاكم المسلم ‪ ...‬وكانت تلك الضرائب أحياًنا أقل‬
‫وطأة من الضرائب التي كانت تدفع للحكام السابقين‪ .‬وكانت‬

‫‪ 1‬رواه البيهقي في دلئل النبوة )‪ ،(1320‬وانظر‪ :‬علي بن برهان الدين الحلبي‪ :‬السيرة الحلبية ‪628 /2‬‬
‫‪ 2‬أدوار بروي‪ :‬تاريخ الحضارات العام ‪116 / 3 ،‬‬
‫‪3‬مونتكومري وات‪ :‬تأثير السلم على أوروبا في العصور الوسطى ‪ ،‬ص ‪13‬‬

‫‪188‬‬
‫حمايتهم بصورة فعالة بالنسبة للدولة السلمية تمثل كلمة شرف‬
‫تلتزم بها الدولة وتنفذها"‪. 1‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬شهادات علماء الغرب ‪:‬‬
‫ل‪ :‬حرية أهل الذمة في العتقاد ‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫يقول "روم لندو" ‪:‬‬
‫"على نقيض المبراطورية النصرانية التي حاولت أن تفرض‬
‫ضا‪ ،‬اعترف العرب بالقليات‬ ‫المسيحية على جميع رعاياها فر ً‬
‫الدينية وقبلوا بوجودها‪ .‬كان النصارى واليهود والزرادشتيون‬
‫يعرفون عندهم بي )أهل الذمة(‪ ،‬أو الشعوب المتمتعة بالحماية‪.‬‬
‫لقد ضمنت حرية العبادة لهم من طريق الجزية‪ ..‬التي أمست‬
‫تدفع بدل ً من الخدمة العسكرية‪ .‬وكانت هذه الضريبة مضاًفا إليها‬
‫الخراج‪ ،‬أقل في مجموعها من الضرائب التي كانت مفروضة في‬
‫ظل الحكم البيزنطي‪ .‬كانت كل فرقة من الفرق التي تعامل‬
‫كمّلة‪ ،‬أي كطائفة نصف مستقلة استقلل ً ذاتًيا ضمن الدولة‪.‬‬
‫وكانت كل مّلة تخضع لرئيسها الديني"‪.2‬‬
‫ثانًيا‪ :‬حرية أهل الذمة في ممارسة الشعائر ‪:‬‬
‫يقول ول ديورانت‪:‬‬
‫"‪ ..‬كان أهل الذمة المسيحيون‪ ،‬والزردشتيون‪ ،‬واليهود‪،‬‬
‫والصابئون يستمتعون في عهد الخلفة الموية بدرجة من‬
‫التسامح ل نجد نظيًرا لها في المسيحية في هذه اليام‪ .‬فلقد‬
‫كانوا أحراًرا في ممارسة شعائر دينهم‪ ،‬واحتفظوا بكنائسهم‬
‫ومعابدهم‪ ..‬وكانوا يتمتعون بحكم ذاتي يخضعون فيه لزعمائهم‬
‫وقضاتهم وقوانينهم"‪..3‬‬
‫ويقول" آدم متز"‬
‫"كانت حياة الذمي عند أبي حنيفة وابن حنبل تكافئ حياة‬
‫دا من حيث المبدأ‪..‬‬ ‫المسلم‪ ،‬ودية المسلم‪ ،‬وهي مسألة مهمة ج ً‬
‫ولم تكن الحكومة السلمية تتدخل في الشعائر الدينية لهل‬
‫الذمة‪ ،‬بل كان يبلغ من بعض الخلفاء أن يحض مواكبهم وأعيادهم‬
‫ويأمر بصيانتهم‪ ..‬وكذلك ازدهرت الديرة بهدوء‪.4"..‬‬
‫ثالًثا‪ :‬رعاية المسلمون لهل الذمة‪:‬‬
‫يقول آرثر ستانلي تريتون‪: 5‬‬
‫‪ 1‬مونتكومري وات ‪ :‬تأثير السلم على أوروبا في العصور الوسطى ‪ ،‬ص ‪. 14 – 13‬‬
‫‪ 2‬روم لندو‪:‬السلم والعرب ‪ ،‬ص ‪119‬‬
‫‪ 3‬ول ديورانت ‪ :‬قصة الحضارة ‪. 131 – 130 / 3 ،‬‬
‫‪4‬آدم متز‪ :‬الحضارة السلمية في القرن الرابع ‪. 70 – 69 / 1 ،‬‬
‫‪ 5‬آرثر ستانلي تريتون ‪ :‬ولد عام ‪ 1881‬عين مساعد أستاذ للعربية في أدنبرا )‪ (1911‬وكلسكو )‪ (1919‬وأستاذ‬
‫في عليكرة في الهند )‪ (1921‬ومدرسة الدراسات الشرقية والفريقية بلندن )‪(47-38-1931‬من آثاره‪) :‬الخلفاء‬
‫ورعاياهم من غير المسلمين( )‪) ،(1930‬علم الكلم في السلم( )‪) ،(1947‬السلم إيمان وشعائر( )‪،(1950‬‬
‫)مواد في التربية السلمية( )‪.(1957‬‬

‫‪189‬‬
‫"ولما تدانى أجل )عمر بن الخطاب( أوصى من بعده وهو على‬
‫فراش الموت بقوله‪) :‬أوصي الخليفة من بعدي بأهل الذمة خيًرا‪،‬‬
‫وأن يوفي لهم بعهدهم‪ ،‬وأن يقاتل من ورائهم‪ ،‬وأل يكلفهم فوق‬
‫طاقتهم( وفي الخبار النصرانية شهادة تؤيد هذا القول‪ ،‬وهي‬
‫شهادة )عيثويابه( الذي تولى كرسي البطريركية من سنة ‪647‬‬
‫إلى ‪657‬م إذ كتب يقول‪) :‬إن العرب الذين مكنهم الرب من‬
‫السيطرة على العالم يعاملوننا كما تعرفون‪ ،‬أنهم ليسوا بأعداء‬
‫ديسينا‪،‬‬ ‫للنصرانية بل يمتدحون مّلتنا ويوقرون قسيسينا وق ّ‬
‫ويمدون يد المعونة إلى كنائسنا وأديرتنا(‪ .‬والظاهر أن التفاق‬
‫الذي تم بين )عيثويابه( وبين العرب كان من صالح النصارى‪ ،‬فقد‬
‫ص على وجوب حمايتهم من أعدائهم‪ ،‬وأل يحملوا قسًرا على‬ ‫ن ّ‬
‫الحرب من أجل العرب‪ ،‬وأل يؤذوا من أجل الحتفاظ بعاداتهم‬
‫وممارسة شعائرهم‪ ،‬وأل تزيد الجزية المجباة من الفقير على‬
‫أربعة دراهم‪ ،‬وأن يؤخذ من التاجر والغني اثنا عشر درهما‪ ،‬وإذا‬
‫كانت أمة نصرانية في خدمة مسلم فإنه ل يحق لسيدها أن‬
‫‪1‬‬
‫يجبرها على ترك دينها أو إهمال صلتها والتخلي عن صيامها‪. ".‬‬
‫عا‪ :‬الستعانة بهم في أجهزة الدولة ‪:‬‬ ‫راب ً‬
‫يقول آدم متز‪:‬‬
‫"ومن المور التي نعجب لها كثرة عدد العمال والمتصّرفين غير‬
‫المسلمين في الدولة السلمية"‪.. 2‬‬
‫وقد كان عمر بن الخطاب ‪ ‬يستخدمهم في كتابة الدواوين‬
‫والترجمة‪.‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬وصايا النبي ‪ ‬بأهل الذمة والتحذير‬
‫من إيذائهم‪:‬‬
‫ل‪ :‬حرمة قتل الذمي بغير حق ‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫رو‪:‬‬ ‫م ٍ‬‫ن عَ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن ع َب ْد ِ اللهِ ب ْ ِ‬ ‫عَ ْ‬
‫ة‬
‫جن ّ ِ‬‫ة ال ْ َ‬‫ح َ‬
‫ح َرائ ِ َ‬ ‫م ي َرِ ْ‬ ‫دا ل َ ْ‬ ‫مَعاهَ ً‬ ‫سا ُ‬ ‫ف ً‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫ن قَت َ َ‬‫م ْ‬ ‫ل‪َ ":‬‬ ‫ي ‪َ‬قا َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫عَ ْ‬
‫‪3‬‬
‫ما" ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عا ً‬ ‫ن َ‬ ‫سيَرةِ أْرب َِعي َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫جد ُ ِ‬ ‫حَها لُيو َ‬ ‫ن ِري َ‬ ‫وَإ ِ ّ‬
‫ثانًيا‪ :‬حرمة قذف الذمي ‪:‬‬
‫ط‬
‫سيا ٍ‬ ‫مة ِ ب ِ ِ‬ ‫قَيا َ‬‫م ال ْ ِ‬ ‫ه ي َوْ َ‬‫حد ّ ل َ ُ‬
‫‪4‬‬
‫مّيا ُ‬ ‫ف ذِ ّ‬ ‫ن قَذ َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل الل ّهِ ‪َ : ‬‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ن‬‫ه‪َ:‬يا اب ْ َ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قا ُ‬ ‫ل‪ :‬ي ُ َ‬‫ل‪َ ،‬قا َ‬ ‫قا ُ‬ ‫ما ي ُ َ‬‫شد ّ َ‬ ‫ما أ َ َ‬‫ل‪َ :‬‬ ‫حو ٍ‬ ‫مك ْ ُ‬‫ن َناٍر" قيل ل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫‪5‬‬
‫الكاِفر ِ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ثالًثا‪ :‬تحريم ظلمه ‪:‬‬
‫‪ 1‬آرثر ستانلي تريتون ‪ :‬أهل الذمة في السلم ‪ ،‬ص ‪159 – 158‬‬
‫‪ 2‬آدم متز ‪ :‬الحضارة السلمية في القرن الرابع ‪. 87 / 1‬‬
‫جْرٍم‬
‫ل ِذّمّيا ِبغَْيِر ُ‬
‫ن َقَت َ‬
‫‪ 3‬صحيح – رواه البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،6403‬باب َباب ِإْثِم َم ْ‬
‫حد ‪ :‬أقيم عليه الحد والعقوبة‬
‫‪ُ 4‬‬
‫‪ 5‬المعجم الكبير للطبراني )ج ‪ / 15‬ص ‪ ،(434‬مسند الشاميين للطبراني )ج ‪ / 9‬ص ‪(316‬‬

‫‪190‬‬
‫عن عبد الله بن جراد ‪ ،‬أن رسول الله ‪ ‬قال ‪ ":‬من ظلم ذمًيا‬
‫مؤديا ً الجزية‪ 1‬مقًرا بذلته ‪ ،‬فأنا خصمه يوم القيامة "‪. 2‬‬
‫وفي ذلك يقول يقول كولدتسيهر‪: 3‬‬
‫"فظلم أهل الذمة‪ ،‬وهم أولئك المحتمون بحمى السلم من غير‬
‫المسلمين‪ ،‬كان يحكم عليه بالمعصية وتعدي الشريعة‪ .‬ففي‬
‫بعض المرات عامل حاكم إقليم لبنان الشعب بقسوة عندما ثار‬
‫ضد ظلم أحد عمال الضرائب‪ ،‬فحكم عليه بما قاله الرسول ]‬
‫دا‪ ،‬وكلفه فوق طاقته فأنا حجيجه يوم‬ ‫‪) :[‬من ظلم معاه ً‬
‫القيامة(‪ .‬وفي عصر أحدث من هذا ما رواه بورتر ‪ Porter‬في‬
‫كتابه )خمس سنين في دمشق( من أنه رأى بالقرب من بصرى‬
‫)بيت اليهود( وحكى أنه كان في هذا الموضع مسجد هدمه عمر ]‬
‫‪ [‬لن الحاكم قد اغتصبه من يهودي ليبني عليه هذا‬
‫المسجد!"‪.4‬‬

‫المبحث السابع‬
‫جا[‬
‫قيم حضارية في غزوة بدر ] نموذ ً‬

‫كثيرة هي تلك القيم الحضارية التي ظهرت في غزوة بدر]الجمعة‬


‫‪ 17‬رمضان ‪2‬هي ‪13 -‬مارس ‪624‬م[كأحداث رئيسية في هذه‬
‫المعركة‪..‬تلك المعركة التي لم تكن في حسبان جيش المسلمين‬
‫الذين خرجوا لمطاردة ثفقة تجارية لقريش قادمة من الشام‬
‫يقودها أبو سفيان بن حرب‪ ،‬كمحاولة جديدة لسترداد بعض‬
‫أموال المسلمين التي صادرتها قريش !‬
‫ولكن قضى الله أمًرا غير الذي أراده المسلمون‪ ،‬فقد استطاع‬
‫أبو سفيان أن يفلت بالقافلة‪ ،‬بعدما أرسل الى مكة من يخبر‬
‫قريشا ً بالخبر غير الذي أراده المسلمون‪ ،‬فغضب المشركون في‬
‫مكة‪ ،‬فتجهزوا سراعًا‪ ،‬وخرجوا في ألف مقاتل ‪ ..‬أما أبو سفيان‬
‫فقد أرسل إلى قيادات مكة ‪ ،‬من يخبرهم بأن القافلة قد نجت‪،‬‬
‫وأنه ل داعي للقتال‪ ،‬وحينئذ رفض أبو جهل إل المواجهة‬
‫العسكرية‪..‬‬

‫‪ 1‬الجزية ‪ :‬هي عبارة عن اشتراك مالي يدفعه المعاهد أو الذمي من غير المسلمين‪ ،‬وهي مقابل إقامتهم في الدولة‬
‫السلمية وحمايتها لهم‪.‬‬
‫‪ 2‬أبو نعيم الصبهاني ‪ :‬معرفة الصحابة )ج ‪ / 11‬ص ‪(339‬‬
‫‪ 3‬كولد تسيهر )‪1921-1850‬م( ‪ :‬عين أستاًذا محاضًرا في كلية العلوم بجامعة بودابست )‪ (1873‬ثم أستاذ كرسي‬
‫)‪ .(1906‬من آثاره‪ :‬كتاب )العقيدة والشريعة في السلم( )باريس ‪ ،(1920‬و)درس في السلم( في جزأين‬
‫كبيرين‪.‬‬
‫‪ 4‬كولدتسيهر‪ :‬العقيدة والشريعة في السلم ‪ ،‬ص ‪47-46‬‬

‫‪191‬‬
‫وفيما يلي نقف – سريًعا ‪ -‬على بعض القيم الحضارية المستفادة‬
‫من هذه الغزوة ‪:‬‬
‫المطلب الول ‪ :‬ل نستعين بمشرك على مشرك ‪:‬‬
‫لما خرج رسول الله ‪ ، ‬إلى بدر‪ ،‬أدركه خبيب بن إساف‪ ،‬وكان‬
‫دا لقومه من‬ ‫ذا بأس ونجدة ولم يكن أسلم‪ ،‬ولكنه خرج منج ً‬
‫الخزرج طالًبا للغنيمة‪ ،‬وكانت ُتذكر منه جرأة وشجاعة‪ ،‬ففرح‬
‫أصحاب النبي ‪ ‬حين رأوه‪ ،‬فلما أدركه قال‪ :‬جئت لتبعك‬
‫وأصيب معك‪ ،‬فقال له النبي ‪ "‬أتؤمن بالله ورسوله؟ " قال‪:‬‬
‫ل‪ ،‬قال‪" :‬فارجع فلن نستعين بمشرك" " فلم يزل خبيب يلح‬
‫هّ‬ ‫سو ُ‬
‫ل الل ِ‬ ‫على النبي‪ ،‬والنبي يرفض‪ ،‬حتى أسلم خبيب‪ ،‬فَ ُ‬
‫سّر َر ُ‬
‫ل ‪ " :‬انطلق"‪.. 1‬‬ ‫‪ ‬ب ِذ َل ِ َ‬
‫ك ‪ ،‬وََقا َ‬
‫ث‪ ،‬يطلب‬ ‫حّر ٍ‬
‫م َ‬‫ن ُ‬ ‫وعلى النقيض من هذا الموقف‪ ،‬جاء أبو قَي ْ ُ‬
‫س بْ ُ‬
‫كا‪ ،‬فلما رفض السلم‪ ،‬رده‬ ‫القتال مع المسلمين وقد كان مشر ً‬
‫جعَ الرجل إَلى المدينة‪ ،‬وأسلم بعد ذلك ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫ل الل ّهِ ‪ ‬وََر َ‬ ‫سو ُ‬ ‫َر ُ‬

‫نرى القائد السلمي في هذا الموقف‪ ،‬يرفض أشد الرفض أن‬


‫يستعين بمشرك على قتال مشرك‪ ،‬وأقل ما ن َُعنون به هذا‬
‫الموقف الحضاري المتكرر في السيرة الغراء‪ ،‬هو عنوان الحرب‬
‫الشريفة النظيفة‪ ،‬التي تكون من أجل العقائد والمثل‪ ،‬ل من أجل‬
‫القهر والظفر بالمغانم ‪ ..‬ففي هذا الموقف دللة على أن‬
‫الحرب في السلم ل تكون إل من أجل العقيدة‪ ،‬فل يصح إذن –‬
‫إذا كنا نقاتل من أجل العقيدة – أن نستعين بأعداء هذه العقيدة‬
‫في الحرب ‪..‬‬
‫وتخيل معي شعور الجيش المشرك‪ ،‬عندما تأتيه أنباء رفض‬
‫القائد السلمي الستعانة عليهم بغير المسلمين‪ ..‬بيد أن الحروب‬
‫الجاهلية في الماضي والحاضر يستعين فيها الخصم على خصمه‬
‫بشتى الملل والنحل‪ ،‬الصالحة والطالحة‪ ،‬المهم أن يظفر الخصم‬
‫بخصمه‪ ،‬فينهب ويسلب ويغدر ‪ ..‬دون اللتفات إلى قيم أو مثل !‬
‫أما القيادة السلمية الكريمة ترسخ هذا الصل الصيل في‬
‫أخلقيات الحروب‪ ،‬بحيث ُتظهر عقيدتها السمحة‪ ،‬وتستميل‬
‫نفوس الجنود الذين جاءوا لحرب المسلمين‪ ،‬ناهيك عن البعد‬
‫العلمي‪ ،‬الذي يسحب القائد السلمي بساطه من تحت خصمه‪،‬‬
‫الذي جاء بطًرا ورئاء الناس‪ ،‬فيظهر الخصم المشرك أمام الرأي‬
‫العام العالمي والقليمي بمظهر المتعجرف ‪ ..‬أما الجيش‬
‫السلمي فيظهر بمظهر جيش الخير ‪ ،‬الذي يحترم العقيدة ‪ ،‬إلى‬
‫‪ 1‬ابن سعد )ج ‪ / 3‬ص ‪(535‬‬
‫‪ 2‬الواقدي )ج ‪ / 1‬ص ‪(48‬‬

‫‪192‬‬
‫الدرجة التي يرفض فيها أن يستعين في قتاله بمن يخالف‬
‫عقيدته!‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬مشاركة القائد جنوده في الصعاب‪:‬‬


‫عن عبد الله بن مسعود ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ :‬كنا يوم بدر‪ ،‬كل‬
‫ثلثة على بعير‪ ،‬فكان أبو لبابة وعلي بن أبي طالب زميلي رسول‬
‫الله ‪ ‬قال ‪ :‬فكانت إذا جاءت عقبة رسول الله ‪ ‬قال ‪ :‬نحن‬
‫نمشي عنك قال ‪ " :‬ما أنتما بأقوى مني وما أنا بأغنى عن الجر‬
‫‪1‬‬
‫منكما "‬
‫فالقائد الصالح هو من يشارك جنوده الصعاب‪ ،‬ويحفزهم على‬
‫القليل والكثير من الصالحات‪ ،‬ليكون قدوة طيبة أخلقية لجنوده‬
‫في المنشط والمكره‪ ،‬وليس القائد بالذي يتخلف عن جيشه رهًبا‬
‫من الموقف أو يتلذذ بصنوف النعيم الدنيوي وجنده يكابد الحر‬
‫والقر‪.‬‬

‫المطلب الثالث الشورى ‪:‬‬


‫ن بلغ النبي نجاة القافلة وتأكد من حتمية‬ ‫ففي وداي ذ َفَِرا َ‬
‫المواجهة العسكرية مع العدو‪ ..‬فاستشار الناس ووضعهم أمام‬
‫الوضع الراهن إما ملقاة العدو وإما الهروب إلى المدينة ‪ ..‬فقال‬
‫س"‪ ،‬ول زال يكررها عليهم‪،‬‬ ‫لجنوده ‪ " :‬أ َشيروا ع َل َ َ‬
‫ي أي َّها الّنا ُ‬
‫ّ‬ ‫ِ ُ‬
‫فيقوم الواحد تلو الخر ويدلو بدلوه‪ ،‬فقام أبو بكر فقال وأحسن ‪.‬‬
‫رو فقال‬‫م ٍ‬
‫ن عَ ْ‬
‫داد ُ ب ْ ُ‬
‫ق َ‬ ‫ثم قام عمر فقال وأحسن ‪ .‬ثم قام ال ْ ِ‬
‫م ْ‬
‫وأحسن‪ ..‬حتى قام القيادي النصاري البارز سعد بن معاذ‪،‬‬
‫فحسم نتيجة الشورى لصالح الحل العسكري ‪.‬‬
‫فهذا هو المجتمع السلمي‪ ،‬الذي يعتبر الشورى ركًنا من أركانه‪،‬‬
‫وأصل ً في بنيانه‪ ..‬في أيام كانت أوربا تحت حكم وراثي كنسي‬
‫مستبد‪ ،‬يقيد الجنود بالسلسل – في المعارك – حتى ل يفروا‪ .‬ل‬
‫قيمة عندهم لرأي‪ ،‬ول وزن ‪ -‬في تصوراتهم – لفكر !‬

‫المطلب الرابع ‪ :‬النهي عن استجلب المعلومات‬


‫بالعنف ‪:‬‬
‫وهذا مظهر آخر من المظاهر الحضارية في السيرة‪ ،‬فقد حذر‬
‫رسولنا ‪ ‬من انتزاع المعلومات بالقوة من الناس‪ ،‬ففي ليلة‬
‫ث النبي ‪ ‬ع َل ِي ب َ‬
‫ن أِبي طالب ِفي مفرزة إَلى َ‬
‫ماءِ‬ ‫ّ ْ َ‬ ‫المعركة ب َعَ َ‬
‫ب َد ْرٍ في مهمة استخباراتية لجمع المعلومات‪ ،‬فوجدوا غلمين‬
‫ل الل ّهِ ‪‬‬ ‫يستقيان للمشركين‪ ،‬فأ َتوا بهما فَ َ‬
‫سو ُ‬ ‫سأُلوهُ َ‬
‫ما ‪ ،‬وََر ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ِِ َ‬
‫‪ 1‬ابن هشام ) ‪ ( 389 /2‬وحسنه اللباني في تحقيق فقه السيرة ‪167‬‬

‫‪193‬‬
‫ش ‪ .‬فطفق الصحابة يضربوهما‪،‬‬ ‫قاة ُ قَُري ْ ٍ‬
‫س َ‬
‫ن ُ‬
‫ح ُ‬‫صّلي‪ ،‬فقال ‪ :‬ن َ ْ‬ ‫يُ َ‬
‫حتى اضطر الغلمان لتغيير أقوالهما ‪ .‬فلما أتم رسول الله صلته؛‬
‫قال لهما مستنكًرا ‪" :‬والذي نفسي بيده إنكم لتضربونهما إذا‬
‫ما‪ ،‬وَإ ِ َ‬
‫ذا‬ ‫موهُ َ‬
‫ضَرب ْت ُ ُ‬ ‫م َ‬ ‫صد ََقاك ُ ْ‬‫ذا َ‬ ‫صدقا و تتركونهما إذا كذبا ‪ ..‬إ َ‬
‫صد ََقا ‪ ،‬وََالل ّهِ إن ّهُ َ‬ ‫م ت ََرك ْت ُ ُ‬
‫ك َذ ََباك ُ ْ‬
‫‪1‬‬
‫ش" ‪.‬‬ ‫قَري ْ ِ‬ ‫ما ل ِ ُ‬ ‫ما ؟ ! ‪َ ،‬‬ ‫موهُ َ‬
‫هكذا كانت معاملة القيادة السلمية لمن وقع في قبض‬
‫المخابرات السلمية للستجواب‪ ،‬فنهى القائد عن تعذيب‬
‫وب‪ ،‬أو انتزاع المعلومات منه بالقوة‪ ،‬فسبق اتفاقية‬ ‫المستج َ‬
‫جينيف الثالثة لعام ‪ 1949‬التي تحظر إجبار السير على الدلء‬
‫بمعلومات سوى معلومات تتيح التعرف عليه مثل اسمه وتاريخ‬
‫ميلده ورتبته العسكرية‪ ، ،‬وجّرم رسول الله كل أعمال التعذيب‬
‫أو اليذاء أوالضغط النفسي والجسدي التي تمارس على السير‬
‫ليفصح عن معلومات حربية ‪.‬‬
‫وثمة تقدم إسلمي على هذه التفاقات الخيرة‪ ،‬فرسول الله قد‬
‫طبق هذه التعاليم التي تحترم حقوق السير‪ ،‬بيد أن دول الغرب‬
‫ما لهذه التفاقات ولم تحترمها‪،‬‬ ‫في العصر الحديث لم تعير اهتما ً‬
‫والدليل على ذلك ما يفعله الجنود المريكيون في الشعب‬
‫العراقي والفغاني ‪ ..‬وما يفعله الصهاينة في الشعب‬
‫الفلسطيني‪.‬‬

‫المطلب الخامس ‪ :‬احترام آراء الجنود‪:‬‬


‫فلما تحرك رسول الله إلى موقع المعركة‪ ،‬نزل بالجيش عند‬
‫ن‬ ‫أدنى بئر من آبار بدر من الجيش السلمي‪ ،‬وهنا قام ال ْ ُ‬
‫حَباب ب ْ َ‬
‫من ْذ ِرِ وأشار على النبي بموقع آخر أفضل من هذا الموقع‪ ،‬وهو‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ل الل ّهِ ‪ - ‬مشجًعا ‪": -‬‬ ‫سو ُ‬ ‫عند أقرب ماء من العدو‪ ،‬فَ َ‬
‫قا َ‬
‫ل له َر ُ‬
‫ي"‪.2‬وبادر النبي بتنفيذ ما أشار به الحباب ‪ ،‬ولم‬ ‫ْ‬ ‫قد ْ أ َ َ‬‫لَ َ‬
‫شْرت ِبالّرأ ِ‬
‫يستبد برأيه رغم أنه القائد العلى‪ ،‬وعليه ينزل الوحي من‬
‫السماء!‬
‫إن هذه المواقف لتبين كيف تكون العلقة بين القائد وجنوده‪ ،‬إنها‬
‫علقة تحترم الراء الناضجة وتشجع الفكار الصاعدة ‪.‬‬

‫المطلب السادس ‪ :‬العدل بين القائد والجندي ‪:‬‬


‫قلما نرى في تاريخ الحروب صورة تعبر عن العدل بيت القادة‬
‫والجنود‪ ،‬فالتاريخ النساني حافل بصور استبداد القادة‬
‫العسكريين وظلمهم للجنود‪ ..‬أما محمد فنراه في أرض المعركة‬
‫‪ 1‬ابن هشام )ج ‪ / 1‬ص ‪(616‬‬
‫‪ 2‬ابن هشام ‪) -‬ج ‪ / 1‬ص ‪(620‬‬

‫‪194‬‬
‫يقف أمام جندي من جنوده لّيقتص الجندي منه ‪ ..‬أما الجندي فهو‬
‫ست َن ِْتل من الصف‪ ،‬غمزه النبي غمزة خفيفة‬ ‫ة‪ ،‬لما ا ْ‬ ‫ن غ َزِي ّ َ‬‫واد ِ ب ْ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ِ َ‬
‫ست َوِ َيا‬ ‫في ب َط ْن ِهِ ‪ -‬بالسهم الذي ل نصل له ‪ -‬وقال ‪ " :‬ا ْ‬
‫واد ُ !" ‪ ..‬قال ‪ :‬يا رسول الله ! أوجعتني ! وقد بعثك الله بالحق‬ ‫س ّ‬ ‫َ‬
‫ه‪ ،‬وََقا َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ل‪":‬‬ ‫ن ب َطن ِ ِ‬‫والعدل؛ فَأقِد ِْني ! فكشف رسول اللهِ ‪ ‬ع َ ْ‬
‫مَلك ع ََلى‬‫ح َ‬
‫ما َ‬ ‫ل النبي ‪َ " : ‬‬ ‫قا َ‬ ‫ل ب َط ْن َ ُ‬
‫ه ! فَ َ‬ ‫ه فَ َ‬
‫قب ّ َ‬ ‫د" ‪َ ..‬فاع ْت َن َ َ‬
‫ق ُ‬ ‫ق ْ‬‫ست َ ِ‬ ‫ا ْ‬
‫َ‬
‫ت أن يكون آخر‬ ‫واد ُ ؟ " ‪ ،‬قال ‪ :‬حضر ما ترى‪ ،‬فَأَرد ْ ُ‬ ‫س ّ‬‫ذا َيا َ‬ ‫هَ َ‬
‫‪1‬‬
‫العهد بك أن يمس جلدي جلدك ! فدعا له رسول الله بخير‬

‫المطلب السابع ‪ :‬الحوار قبل الصدام ‪:‬‬


‫أراد النبي أن يستنفذ كل وسائل الصلح والسلم قبل أن يخوض‬
‫المعركة‪ ،‬فما ُأرسل إل رحمة للعالمين‪ ،‬فأراد أن يبادر بمبادرة‬
‫للسلم ليرجع الجيشان إلى ديارهما‪ ،‬فُتحقن الدماء‪ ،‬أو ليقيم‬
‫س َ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫الحجة على المشركين‪ ،‬فلما ن ََز َ‬
‫ل الجيش الوثني أرض بدر أْر َ‬
‫طا ِ َ‬ ‫خ ّ‬‫ن ال ْ َ‬ ‫ل الل ّهِ ‪ ‬ع ُ َ‬
‫ش‪ ،‬وقد كان سفيرهم‬ ‫ب إلى قَُري ْ ٍ‬ ‫مَر ب ْ َ‬ ‫سو ُ‬‫َر ُ‬
‫في الجاهلية‪ ،‬فنصحهم عمر بالرجوع إلى ديارهم حقًنا للدماء ‪..‬‬
‫ض‬
‫حَزام ٍ أحد عقلء المشركين‪ ،‬فقال‪ :‬قد ع ََر َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م بْ ُ‬‫كي ُ‬
‫ح ِ‬ ‫فتلقفها َ‬
‫ف‪.‬‬ ‫ص ِ‬‫ن عليه بعد ما عرض من الن ّ ْ‬ ‫صُرو َ‬ ‫ه‪ ،‬والله ل ت ُن ْ َ‬ ‫فا‪َ ،‬فاقْب َُلو ُ‬
‫ص ً‬‫نِ ْ‬
‫‪2‬‬
‫فقال أبو جهل ‪ :‬والله ل نرجع بعد أن أمكننا الله منهم ‪ .‬فانظر‬
‫حرص الرسول على حقن الدماء وحرص أبي جهل على سفك‬
‫الدماء‪ ،‬وانظر إلى هذه القيمة الحضارية التي يسجلها نبي‬
‫الرحمة في هذه المعركة ‪ :‬الحوار قبل الصدام ‪.‬‬

‫المطلب الثامن ‪ :‬الوفاء مع المشركين ‪:‬‬


‫ُ‬
‫حّيا‬‫ن ع َد ِيّ َ‬ ‫م بْ ُ‬ ‫مط ْعِ ُ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫كا َ‬‫ساَرى بدر‪ " :‬ل َوْ َ‬ ‫فقد قال الن ِّبي في أ َ‬
‫ه"‪!! 3‬‬ ‫م لَ ُ‬ ‫مِني ِفي هَؤ َُلِء الن ّت َْنى ل َت ََرك ْت ُهُ ْ‬ ‫م ك َل ّ َ‬‫ثُ ّ‬
‫وذلك لن المطعم قد أدخل النبي ‪ ‬في جواره فور رجوعه من‬
‫الطائف إلى مكة‪ ،‬وفي الوقت الذي تخلى فيه الناس عن حماية‬
‫النبي خوًفا من بطش أبي جهل‪ ،‬قال المطعم ‪" :‬يا معشر‬
‫دا فل يهجه أحد منكم " ‪ ..‬وقد حفظ‬ ‫قريش‪ ،‬إني قد أجرت محم ً‬
‫النبي ‪ ‬للمطعم هذا الصنيع وهذه الشهامة ‪.‬‬
‫َ‬
‫ي أَبا ال ْب َ ْ‬
‫ن‬
‫خت َرِيّ ب ْ َ‬ ‫ق َ‬ ‫ن لَ ِ‬‫م ْ‬ ‫ضا‪َ " :‬‬ ‫ي ‪ ‬في هذا اليوم أي ً‬ ‫وقال الن ّب ِ ّ‬
‫َ‬
‫ن ع َب ْدِ‬‫س بْ َ‬‫ي ال ْعَّبا َ‬ ‫ق َ‬ ‫ن لَ ِ‬ ‫م ْ‬‫ه‪ ،‬وَ َ‬ ‫قت ُل ْ ُ‬
‫سد ٍ فََل ي َ ْ‬‫نأ َ‬ ‫ث اب ْ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫حارِ ِ‬ ‫شام ِ ب ْ ِ‬ ‫هِ َ‬

‫‪ 1‬ابن هشام ‪) -‬ج ‪ / 1‬ص ‪ ،(626‬وصححه اللباني في السلسلة الصحيحة‪،‬‬


‫‪2835‬‬
‫‪ 2‬الواقدي ‪) -‬ج ‪ / 1‬ص ‪(62‬‬
‫‪ 3‬البخاري‪ ،‬ح‪2906 :‬‬

‫‪195‬‬
‫ست َك َْر ً‬
‫ها ‪ 1".‬وقد كان‬ ‫م ْ‬
‫ج ُ‬ ‫خرِ َ‬‫ما أ ُ ْ‬ ‫قت ُل ْ ُ‬
‫ه‪ ،‬فَإ ِن ّ ُ‬
‫ه إن ّ َ‬ ‫ب‪ ،‬فََل ي َ ْ‬‫مط ّل ِ ِ‬
‫ال ْ ُ‬
‫العباس في مكة بمثابة قلم المخابرات للدولة السلمية‪ ،‬وقد‬
‫خت َرِيّ فقد كان أكف‬ ‫ما يكتم إيمانه ‪ ..‬أما أبو ال ْب َ ْ‬ ‫كان مسل ً‬
‫المشركين عن المسلمين‪ ،‬بل ساند المسلمين في محنتهم أيام‬
‫شعب‪ ،‬وكان ممن سعى في نقض صحيفة‬ ‫اعتقالهم في ال ِ‬
‫المقاطعة الظالمة‪ ،‬ومن ثم كانت له يد على المسلمين‪ ،‬فأرد‬
‫النبي يوم بدر أن يكرمه‪ .‬فالقيادة السلمية تحفظ الجميل‬
‫لصحاب الشهامة وإن كانوا من فسطاط المشركين ‪.‬‬

‫المطلب التاسع ‪ :‬حفظ العهود ‪:‬‬


‫قال حذيفة بن اليمان‪ :‬ما منعنا أن نشهد بدًرا إل أني وأبي أقبلنا‬
‫نريد رسول الله ‪ ‬فأخذنا كفار قريش فقالوا‪ :‬إنكم تريدون‬
‫دا‪ ،‬فقلنا‪ :‬ما نريده إنما نريد المدينة‪ ،‬فأخذوا علينا عهد الله‬
‫محم ً‬
‫وميثاقه لتصيرن إلى المدينة ول تقاتلوا مع محمد ‪ ، ‬لما‬
‫جاوزناهم أتينا رسول الله ‪ ‬فذكرنا له ما قالوا وما قلنا لهم‬
‫فيما ترى؟ قال‪" :‬نستعين الله عليهم ونفي بعهدهم"‪. !! 2‬‬
‫وهذا الموقف من رسول الله يعد من مفاخر أخلقيات الحروب‬
‫في تاريخ النسانية‪ ،‬فلم ير المؤرخون في تاريخ الحروب قاطبة‬
‫فا يناظر هذا الموقف المبهر‪ ،‬ذلك الموقف الذي نرى فيه‬ ‫موق ً‬
‫القيادة السلمية تحترم العهود والعقود لقصى درجة‪ ،‬حتى‬
‫العهود التي أخذها المشركون على ضعفاء المسلمين أيام‬
‫الضهاد‪ ،‬رغم ما يعلو هذه العقود من شبه الكراه ‪.‬‬

‫المطلب العاشر ‪ :‬النهي عن المثلة بالسير ‪:‬‬


‫مَر‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫لما أسر سهيل بن عمرو أحد صناديد مكة فيمن أسر‪ ،‬قال ع ُ َ‬
‫َ‬
‫ه‪ ،‬د َع ِْني أن ْزِع ْ ث َن ِي ّت َ ْ‬
‫ي‬ ‫ل الل ّ ِ‬ ‫سو َ‬‫ل الل ّهِ ‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫سو ِ‬ ‫ب ل َِر ُ‬ ‫خ ّ‬
‫طا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫بْ َ‬
‫ه فل يقوم عليك خطيًبا في موطن‬ ‫سان َ ُ‬‫سهيل بن عمرو‪ ،‬وَي َد ْل َعُ ل ِ َ‬
‫ل الل ّهِ ‪‬‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قا َ‬‫ها‪ ،‬يهجو السلم‪ .‬ف َ‬ ‫دا ! وقد كان خطيًبا مفو ً‬ ‫أب ً‬
‫ُ‬
‫ت‬ ‫ن ك ُن ْ ُ‬ ‫ه ِبي وَإ ِ ْ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ه‪ ،‬فَي ُ َ‬
‫مث ّ ُ‬ ‫مث ّ ُ‬
‫ل بِ ِ‬ ‫‪ -‬في سماحة وسمو ‪ " :-‬ل أ َ‬
‫ن َب ِّيا !!"‪ .3‬فلم يمثل به كما يمثل الهمجيون في قتلى وأسرى‬
‫الجيش المهزوم‪ ،‬وسن بذلك سنة حسنة في الحروب‪ ،‬ويبقى له‬
‫الفضل والسبق في تحريم إهانة السرى أو إيذائهم ‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن سعد ‪) -‬ج ‪ / 4‬ص ‪(10‬‬


‫‪ 2‬انظر‪ :‬المستدرك للحاكم )‪ ،( 4896‬صحيح السناد وأقره الذهبي‬
‫‪ 3‬ابن هشام ‪) -‬ج ‪ / 1‬ص ‪(649‬‬

‫‪196‬‬
‫هكذا كان نبي الرحمة في ميدان القتال ‪ ،‬ل يستعين بمشرك‬
‫على مشرك‪ ،‬يشارك جنوده ‪ ،‬ويستشيرهم‪ ،‬ويعدل بينهم‪ ،‬ويحترم‬
‫ما لهل الفضل منهم‪،‬‬ ‫آرائهم‪ ،‬ويحاور أعدائه‪ ،‬ويكون وفًيا كري ً‬
‫ويكرم االسرى‪ ،‬وينهى عن إيذائهم‬

‫الفصل السادس‬
‫رحمته للعالمين في مجال المرأة والطفل‬
‫المبحث الول ‪ :‬تحرير المرأة من الجاهلية‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬مميزات المرأة في السلم‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬رحمته للطفال‬
‫المبحث الرابع ‪ :‬رحمته للبنات‬
‫المبحث الخامس ‪ :‬رحمته لليتام‬
‫المبحث السادس ‪ :‬رحمته للرامل‬

‫‪197‬‬
‫المبحث الول‬
‫تحرير المرأة من الجاهلية‬

‫في هذا المبحث نرى مظهرا ً جليا ً من مظاهر رحمة سيدنا محمد‬
‫‪ .. ‬إنه تحرير المرأة‪ ،‬من ظلم الجاهلية ‪. .‬‬
‫وبالطبع يحدثنا عن هذا المظهر من مظاهر الرحمة علماء الغرب‬
‫!‬
‫ل سيما في معرض تناولهم لوضع المرأة العربية في عهد النبي‬
‫‪..‬‬
‫ونلحظ في هذه الراء التقدير العالي من هؤلء العلماء الغربيين‬
‫لصلحت النبي ‪ ‬التي رفعت من قدر المرأة‪ ،‬وحمايتها من‬
‫الوأد والقصاء والتهميش ‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫المطلب الول ‪ :‬محمد ‪ ‬منقذ المرأة ‪:‬‬
‫يقول الباحث البريطاني " جب "‪ ،‬متحدًثا عن محمد ‪:‬‬
‫سلم به عالميا ً بصفة عامة أن إصلحاته ]‪ [‬رفعت‬ ‫" إنه من الم َ‬
‫‪1‬‬
‫من قدر المرأة ومنزلتها ووضعها الجتماعي والشرعي " ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫"ورفع عن المرأة قيد العبودية التي فرضتها تقاليد الصحراء " ‪..‬‬
‫ويرى العلمة ول ديورانت‪ 3‬أن السلم قد رفع "من مقام المرأة‬
‫وى بين‬‫في بلد العرب ‪ ...‬وقضى على عادة وأد البنات‪ ،‬وس ّ‬
‫الرجل والمرأة في الجراءات القضائية والستقلل المالي‪،‬‬
‫وجعل من حقها أن تشتغل بكل عمل حلل ‪ ،‬وأن تحتفظ بما لها‬
‫ومكاسبها‪ ،‬وأن ترث‪ ،‬وتتصرف في مالها كما تشاء‪ ،‬وقضى على‬
‫ما اعتاده العرب في الجاهلية من انتقال النساء من الباء إلى‬
‫البناء فيما ينتقل لهم من متاع ‪ ،‬وجعل نصيب النثى في الميراث‬
‫نصف نصيب الذكر‪ ،‬ومنع زواجهن بغير إرادتهن"‪. 4‬‬

‫ويوضح إميل درمنغم كيف حرر النبي ‪‬المرأة‪ ،‬ويفصل في‬


‫ذلك‪..‬قائ ً‬
‫ل‪:‬‬
‫" مما ل ريب فيه أن السلم رفع شأن المرأة في بلد العرب و‬
‫سن حالها‪ ،‬قال عمر بن الخطاب ]‪): [ ‬مافتئنا نعد النساء من‬ ‫ح ّ‬
‫المتاع حتى أوحى في أمرهن مبيًنا لهن (‪ ،‬وقال النبي ]‪:[‬‬
‫) أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقًا‪ ،‬وخياركم خياركم‬
‫لنسائهم (‪ ..‬أجل‪ ،‬إن النبي ]‪ [‬أوصى الزوجات بإطاعة‬
‫أزواجهن‪ ،‬ولكنه أمر بالرفق بهن ونهى عن تزويج الفتيات كرها ً‬
‫وعن أكل أموالهن بالوعيد أو عند الطلق " ‪.5‬‬
‫يقول نظمي لوقا " ولم يكن للنساء نصيب في المواريث أيام‬
‫الجاهلية ‪ ...‬فأنزلت الية التي تورث النساء‪ .‬وفي القرآن تحريم‬
‫لوأد البنات‪ ،‬وأمر بمعاملة النساء واليتام بالعدل‪ ،‬ونهى محمد ]‬
‫‪[‬عن زواج المتعة وحمل الماء على البغاء ‪. 6 "..‬‬
‫ما محض‬ ‫ويقول سوسة ‪ .." :‬كانت المرأة في ديار العرب قدي ً‬
‫متاع‪ ،‬مجرد ذكرها أمٌر ممتهن‪ .‬هكذا كان الوضع حينما جاء محمد‬
‫]‪ ،[‬فرفع مقام المرأة في آسيا من وضع المتاع الحقير إلى‬
‫‪ 1‬هـ‪ .‬أ‪ .‬ر‪ .‬جب ‪ :‬المحمدية ‪ ،‬ص ‪.33‬‬
‫ل عن نقل عن كتاب قالوا في السلم بقلم حسن الشيخ خضر الظالمي ص ‪50‬‬ ‫‪2‬هذه الجملة لجيمس متشنر‪ ،‬نق ً‬
‫‪ 3‬مؤلف أمريكي معاصر‪ ،‬تعد موسوعته ) قصة الحضارة( ذات ثلثين مجلدا ‪ ،‬واحد ة من أشهر الموسوعات‬
‫التي تؤرخ للحضارة البشرية‪ ،‬عكف على تأليفها السنين الطوال‪ ،‬وأصدر الكتاب الول منها عام ‪ ،1935‬ثم تلته‬
‫بقية الجزاء ومن كتبه ) قصة الفلسفة ( ‪.‬‬
‫‪ 4‬ول ديورانت‪ :‬قصة الحضارة ‪13/60 ،‬‬
‫‪ 5‬إميل درمنغم ‪:‬حياة محمد ‪ ،‬ص ‪.330-329‬‬
‫‪ 6‬نظمي لوقا‪ :‬محمد الرسالة والرسول ص ‪96‬‬

‫‪199‬‬
‫مرتبة الشخص المحترم الذي له الحق في الحياة حياة محترمة‪،‬‬
‫كما أن له الحق في أن يملك ويرث المال"‪.1‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬افتراءات وردود ‪:‬‬
‫وهذه افتراءات يلوكها بعض الحاقدين‪ ،‬والرد عليها من قبل‬
‫العلماء المسلمين وغير المسلمين‪:‬‬
‫الفرية الولى ‪ :‬حول تعدد الزوجات ‪:‬‬
‫ل‪ :‬فيما يخص تعدد الزوجات الخاص بشخص النبي‬ ‫أو ً‬
‫‪: ‬‬
‫يقول كويليام ‪:‬‬
‫"أما تعدد الزوجات فإن موسى ]عليه السلم[ لم يحرمها‪ ،‬وداود‬
‫]عليه السلم[ أتاها‪ ،‬وقال بها ولم تحرم في العهد الجديد )أي‬
‫النجيل( إل من عهد غير بعيد‪ .‬ولقد أوقف محمد ]‪ [‬الغلوّ فيها‬
‫‪2‬‬
‫عند حد ّ معلوم‪".‬‬
‫عا من الرسل في قضية التعدد‪،‬‬ ‫والحق أن محمد‪ ‬لم يكن بد ً‬
‫فإبراهيم عليه السلم تزوج سارة ثم هاجر‪ ،‬و يعقوب عليه‬
‫السلم تزوج بأربع نسوة‪ ،‬و داود عليه السلم تزوج بأكثر مما‬
‫ما ‪ -‬بأنه زنى بامرأة‬
‫تزوج رسول الله بل يتهمه العهد القديم – ظل ً‬
‫أوريا وقتل زوجها بالحيلة‪ ،‬ثم أخذها‪ ،3‬وتزوج سليمان ‪-‬عليه‬
‫السلم‪ -‬بألف امرأة‪ ،‬سبعمائة منهن حرائر من بنات السلطين‬
‫وثلثمائة جوار‪.4‬‬

‫ة جارية عند العرب‪ ،‬لسيما عند الزعماء‪،‬‬ ‫كما أن التعدد كان سن ً‬


‫فهو رمز للفحولة عندهم‪ ،‬ولقد كان الرجل يأتي النبي ‪، ‬‬
‫فيقول‪ :‬عندي ست زوجات أو تسع أو عشر أو أكثر‪ ،‬فبم‬
‫تأمرني؟‪ .‬فيأمره بأن يمسك أربعا ً منهن ويسرح الخريات ! وإل‬
‫‪5‬‬

‫لو لم يكن التعدد شائعا ً عند العرب لتخذوا تعدد الرسول‬


‫‪ ‬مطعنا ً فيه‪ ،‬أو سبة له‪ ،‬ولم يرد ذلك على لسان أحد ٍ منهم‪ .‬بل‬
‫دا متواضعا في عرف‬ ‫نرى أن جمع النبي بين تسع نسوة يعد عد ً‬
‫العرب في ذلك الوقت !‬

‫‪ 1‬أحمد سوسة ‪ :‬في طريقي إلى السلم ‪2/42 ،‬‬


‫‪2‬‬
‫عبد ال كويليام‪ :‬العقيدة السلمية ‪:‬ص ‪23 – 22‬‬
‫‪ 3‬انظر‪ :‬العهد القديم ‪:‬سفر صموئيل الثاني ‪ ،‬الباب الحادي عشر‬
‫‪ 4‬انظر‪ :‬العهد القديم ‪ :‬الباب الحادي عشر من سفر الملوك الول‬
‫‪ 5‬صحيح – أخرجه الترمذي ) ‪ ( 211 / 1‬وابن أبي شيبة ) ‪ ( 1 / 51 / 7‬وابن ماجه ) ‪ ( 1953‬وقال اللباني ‪:‬‬
‫صحيح‪ ،‬وذلك عن قول الرسول ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬لغيلن بن سلمة حين أسلم وتحته عشر نسوة ‪ " :‬أمسك‬
‫أربعا وفارق سائرهن " ‪ .‬وفي رواية أخرى قال عروة بن مسعود الثقفي ‪ " :-‬أسلمت وتحتي عشر نسوة‪ ،‬أربع‬
‫منهم من قريش إحداهن بنت أبي سفيان" ‪ ..‬فقال لي رسول ال ‪-‬صلى ال عليه وسلم ‪ " :-‬اختر منهن أربًعا وخل‬
‫سائرهن فاخترت منهن أربعا منهن ابنة أبي سفيان " ‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫ثانًيا‪:‬فيما يخص تعدد الزوجات العام‪:‬‬
‫يقول إميل درمنغم‪:‬‬
‫"وأباح ]النبي ‪ [‬تعدد الزوجات‪..‬ولم يوصي الناس به‪ ،‬ولم‬
‫يأذن فيه إل بشرط العدل بين الزوجات فل يهب لحداهن إبرة‬
‫دون الخرى"‪.1‬‬
‫ويتسائل إميل درمنغم قائل ً ‪" :‬وأيهما أفضل ‪ :‬تعدد الزوجات‬
‫الشرعي أم تعدد الزوجات السري؟‪...‬إن تعدد الزوجات من شأنه‬
‫إلغاء البغاء والقضاء على عزوبة النساء ذات المخاطر"‪.2‬‬
‫ويقول جاك ريسلر‪ " :‬وفي الحق أن تعدد الزوجات بتقييده‬
‫النزلق مع الشهوات الجامحة‪ ،‬قد حقق بهذا التشريع السلمي‬
‫تماسك السرة‪ ،‬وفيه ما يسوغ عقوبة الزوج الزاني "‪.3‬‬
‫ويبن "ليتنر" ‪ " :‬أن هذا التعدد في الزواج مشروط بشروطه‪،‬‬
‫فيقول "َيقدر الرجل أن يتزوج من أربع نساء بشرط المساواة‬
‫بينهن في كل شيء حتى بالمحبة والوداد‪ ،‬فإن لم يكن قادًرا على‬
‫كل ذلك فل يباح له بإن يتزوج غير واحدة ‪.‬ومن يتدبر شريعته ]‬
‫‪ [‬يرى أنه قد حض على الزواج بامرأة واحدة ‪ ،‬ولقد رفع مقام‬
‫ما ‪ ،‬فإنها بعد ما كانت تعد كمتاع مملوك‬ ‫المرأة ورقاها رقًيا عظي ً‬
‫‪4‬‬
‫صارت مالكة‪ ،‬وحكمها مؤيد وحقوقها محفوظة" ‪.‬‬
‫ضا ‪ -‬على أصحاب هذه الفرية‪ ،‬فيقول لهم ‪:‬‬ ‫ويرد " كويليام " –أي ً‬
‫َ‬
‫حد َةً‪) ‬سورة‬ ‫م أل ّ ت َعْد ُِلوا ْ فَ َ‬
‫وا ِ‬ ‫فت ُ ْ‬
‫خ ْ‬
‫ن ِ‬ ‫" جاء في القرآن ‪‬فَإ ِ ْ‬
‫النساء‪ ،‬الية‪ ،(3 :‬فيما يتعلق بمسألة تعدد الزوجات التي تنتقدون‬
‫ما وعدواًنا‪ .‬إذ ل شك في أنكم تجهلون‬ ‫فيها على المسلمين ظل ً‬
‫عدل النبي ]‪ [‬بين أزواجه ]رضوان الله عليهن[ وحبه فيهن‬
‫حّبا مساوًيا مما علم المسلمين النتماء والنصاف بينهن‪ .‬على أن‬
‫القرآن لم يأمر بتعدد الزوجات بل جاء بالحظر مع الوعيد لمن ل‬
‫يعدل في الية المتقدمة‪ ،‬ولذلك ترى اليوم جميع المسلمين منهم‬
‫القليل ل يتزوجون إل امرأة واحدة خوف الوقوع تحت طائلة ما‬
‫جاء من النذار في القرآن المجيد‪ .‬وإذا سّلمنا على العموم بأن‬
‫عدم تعدد الزوجات أوفق للمعاشرة الدنيوية من تكررهن‪ ،‬فل‬
‫نسلم بالعتراف بذلك على الوجه المتعارف اليوم بأوروبا من‬
‫حصر الزواج في امرأة واحدة إذعانا للقانون واتخاذ عدة أزواج‬
‫‪5‬‬
‫أخرى ]غير شرعيات[ من وراء الجدار‪"!!..‬‬
‫‪ 1‬إميل درمنغم‪ :‬حياة محمد ‪ ،‬ص ‪.330‬‬
‫‪ 2‬إميل درمنغم‪ :‬حياة محمد ‪ ،‬ص ‪.331-330‬‬
‫‪3‬جاك ريسلر‪ :‬الحضارة العربية ‪ ،‬ص ‪52‬‬
‫‪ 4‬ليتنر‪ :‬دين السلم ‪ ،‬ص ‪11‬‬
‫‪ 5‬عبد ال كويليام ‪ :‬العقيدة السلمية ص ‪39 – 38‬‬

‫‪201‬‬
‫الفرية الثانية‪ :‬قول أحدهم ‪:‬إن السلم ل يسوي بين‬
‫المرأة والرجل ‪:‬‬
‫ويرد جاك ريسلر على هذه الفرية‪ ،‬فيقول ‪:‬‬
‫"‪ ..‬لقد وضعت المرأة على قدم المساواة مع الرجال في‬
‫القضايا الخاصة بالمصلحة فأصبح في استطاعتها أن ترث‪ ،‬وأن‬
‫تورث‪ ،‬وأن تشتغل بمهنة مشروعة"‪. 1‬‬
‫ويقول العالم القانوني مارسيل بوازار‪:‬‬
‫" إن السلم يخاطب الرجال والنساء على السواء ويعاملهم‬
‫بطريقة )شبه( متساوية‪ 2‬وتهدف الشريعة السلمية بشكل عام‬
‫إلى غاية متميزة هي الحماية‪ ،‬ويقدم التشريع للمرأة تعريفات‬
‫دا بضمانها ‪ .‬فالقرآن‬ ‫ما شدي ً‬
‫دقيقة عما لها من حقوق ويبدي اهتما ً‬
‫والسنة يحضان على معاملة المرأة بعدل ورفق وعطف‪...‬‬
‫دا‬
‫وسعيا] أي القرآن والسنة[ إلى رفع وضع المؤمنة بمنحها عد ً‬
‫من الطموحات القانونية ‪ .‬أمام القانون و الملكية الخاصة‬
‫الشخصية‪ ،‬والرث "‪.3‬‬
‫ويقول نظمي لوقا ‪":‬وفي سور القرآن أشار إلى المساواة عند‬
‫الله بين الذكر والنثى بغير تفريق في التكليف أو الجزاء ‪،‬‬
‫وإشارة صريحة مساواة المرأة والرجل في ثمرات العمال و‬
‫الجهود ‪ ..‬وفي بعض المم القديمة ‪ ،‬والحديثة‪ ،‬كانت المرأة‬
‫تحرم غالبا ً من الميراث‪ ،‬فأبى السلم هذا الغبن الفاحش‪. " ..‬‬
‫‪4‬‬

‫ويقول في موضع آخر ‪ " :‬ليس السلم‪-‬على حقيقته‪-‬عقيدة‬


‫رجعية تفرق بين الجنسين في القيمة ‪ .‬بل إن المرأة في موازينه‬
‫تقف مع الرجل على قدم المساواة ‪ .‬ل يفضلها إل بفضل‪ ،‬ول‬
‫يحبس عنها التفضيل إن حصل لها ذلك الفضل بعينه في غير‬
‫مطل أو مراء وما من امرأة سوية تستغني عن كنف الرجل‬
‫بحكم فطرتها الجسدية والنفسية على كل حال"‪.5‬‬

‫الفرية الثالثة ‪ :‬قول أحدهم‪ :‬إن السلم ل يهتم بتعليم‬


‫المرأة ‪:‬‬
‫تقول "ماكلوسكي "‪:‬‬
‫"لقد دعا السلم إلى تعليم المرأة‪ ،‬وتزويدها بالعلم والثقافة‬
‫لنها بمثابة مدرسة لطفالها‪ .‬قال رسول الله ‪) :‬طلب العلم‬
‫‪ 1‬جاك ريسلر ‪ :‬الحضارة العربية ‪ ،‬ص ‪52‬‬
‫‪ 2‬الصحيح ‪" :‬بطريقة متساوية"‪ ،‬ولعله يقصد أن السلم أخذ في اعتباره التفوق الجسمي للرجل على المرأة‪،‬‬
‫فكلف الرجل بالقتال أوالنفاق على السرة دون النساء على سبيل المثال‪.‬‬
‫‪ 3‬مارسيل بوازار‪ :‬إنسانية السلم‪ ،‬ص ‪108‬‬
‫‪ 4‬نظمي لوقا‪ :‬محمد الرسالة والرسول ص ‪96‬‬
‫‪ 5‬نظمي لوقا‪ :‬محمد الرسالة والرسول ص ‪101 ،100‬‬

‫‪202‬‬
‫فريضة على كل مسلم ومسلمة(‪ .‬لقد منح السلم المرأة حق‬
‫التملك وحرية التصرف فيما تملك‪ .‬وفي الوقت الذي نرى فيه أن‬
‫المرأة في أوروبا كانت محرومة من جميع هذه الحقوق إلى عهد‬
‫دا‪ ،‬نجد أن السلم منح المرأة بالضافة إلى ما تقدم حق‬ ‫قريب ج ّ‬
‫إبرام العقود للزواج‪ .‬والمهر في نظر السلم هو حق شخصي‬
‫للمرأة‪ .‬والمرأة في السلم تتمتع بحرية الفكر والتعبير‪.1"..‬‬

‫الفرية الرابعة ‪ :‬حول ضرب الزوج لزوجته‪:‬‬


‫ونرد هذه الشبه ونقول ‪:‬‬
‫من المعلوم أن المذاهب والشرائع الوضعية التي كانت‬
‫تسود العالم قبيل بعثة النبي ‪ ،‬كانت تشّرع ُ العنف ضد ّ المرأة‬
‫إلى حد القتل!‬
‫وكانت المرأة في نظر الكنيسة في العصور الوسطى‪ ،‬جرثومة‬
‫ملعونة ‪ ،‬وهي مصدر الذنوب والثام‪! 2‬‬

‫أما السلم فهو يحّرم العنف ضد المرأة‪ ،‬غير إن الشرع أباح‬


‫ق جدًا‪ ،‬وذلك خا ّ‬
‫ص‬ ‫ق ضي ٍ‬
‫استخدام الضرب للتأديب في نطا ٍ‬
‫بالمرأة الناشز التي خرجت عن قوامة زوجها‪ ،‬وشكلت تهديدا ً‬
‫لنظام السرة‪ ،‬وأصرت عليه‪ ،‬إذ ل يبيح السلم اللجوء إلى‬
‫الضرب إل بعد استخدام الوعظ كمرحلة أولى‪ ،‬ثم يجّرب الهجر‬
‫في المضاجع أثناء النوم بشروط وضوابط فقهية‪ ،‬ول يهجر إل في‬
‫البيت‪ ،‬فإذا لم يجد الوعظ ول الهجر فل حرج من اللجوء إلى‬
‫ب غير مبرح‪ ،‬هو إلى التهديد أقرب منه إلى التنفيذ‪ ،‬إذا وجد‬ ‫ضر ٍ‬
‫ٌ‬
‫المصلحة في ذلك‪ ،‬ومثل هذه المرأة التي لم يصلحها وعظ ول‬
‫هجٌر ‪ -‬والهجر عند النساء أشد ّ من الضرب نفسه ؛ لرقتهن وغلبة‬
‫العاطفة عليهن – غالبا ً ما تكون في حالة شذوذ ٍ نفسي‪ ،‬وقد ينفع‬
‫ر‪ ،‬وهو ‪ -‬رغم ما فيه من ضررٍ على‬ ‫فيه العقاب البدني كح ّ‬
‫ل أخي ٍ‬
‫المرأة ‪ -‬خيٌر من الطلق وتمزيق السرة‪ ،‬وهي أشبه ما تكون‬
‫بقاعدة الضرورة التي تباح في بعض الحالت الستثنائية‪.. 3‬‬

‫إن التشريع السلمي في هذه القضية منطقي وموزون ومعتدل‬


‫بالنظر إلى وضع المرأة المقذذ في الحضارات الخرى التي تضهد‬
‫ضا إلى النظام السلمي الذي يعطي الرجل‬‫النساء‪ ،‬وبالنظر أي ً‬
‫حق القوامة على السرة‪ ،‬أي رئاسة مؤسسة البيت وتدبير‬
‫‪ 1‬انظر‪ :‬عرفات كامل العشي ‪ :‬رجال ونساء أسلموا ‪63 ، 9/62 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫انظر‪ :‬اميل درمنغم‪ :‬حياة محمد ‪ ،‬ص ‪331‬‬
‫‪ 3‬انظر‪ :‬محمد علي الخطيب‪ :‬رسول ال صلى ال عليه وسلم الرحمة المهداة‪.50 ،‬‬

‫‪203‬‬
‫شؤونه‪ ،‬ومثل هذه السلطة ل بد لها من قوة تجعلها نافذة‬
‫ق ليس غير‪..‬‬ ‫وضابطة وإل فإنها ستبقى حبرا ً على ور ٍ‬

‫الفرية الخامسة‪ :‬حول الحجاب وحق المرأة في ستر‬


‫عورتها ‪:‬‬
‫تقول "روز ماري هاو "‪:‬‬
‫" الحجاب يحافظ على كرامة المرأة ويحميها من نظرات‬
‫الشهوة‪ ،‬ويحافظ على كرامة المجتمع ويكف الفتنة بين أفراده‪.‬‬
‫لذلك فهو يحمي الجنسين من النحراف‪ .‬وأنا أؤمن أن السترة‬
‫ليست في الحجاب فحسب‪ ،‬بل يجب أن تكون العفة داخلية‬
‫ضا‪ ،‬وأن تتحجب النفس عن كل ما هو سوء"‪.1‬‬ ‫أي ً‬
‫وتثني "لورا فيشيا فاغليري" على هذا الكلم وتقول‪" :‬وليس هذا‬
‫ناشًئا عن قلة احترام للنساء‪ ،‬أو ابتغاء كبت إرادتهن‪ ،‬ولكن‬
‫لحمايتهن من شهوات الرجال‪ .‬وهذه القاعدة العريقة في القدم‪،‬‬
‫القاضية بعزل النساء عن الرجال‪ ،‬والحياة الخلقية التي نشأت‬
‫عنها‪ ،‬قد جعلتا تجارة البغاء المنظمة مجهولة بالكلية في البلدان‬
‫الشرقية‪ ،‬إل حيثما كان للجانب نفوذ أو سلطان‪ .‬وإذا كان أحد ل‬
‫يستطيع أن ينكر قيمة هذه المكاسب فيتعين علينا أن نستنتج أن‬
‫عادة الحجاب‪ ..‬كانت مصدر فائدة ل تثمن للمجتمع السلمي"‪.2‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫مميزات المرأة في السلم‬
‫يقول مارسيل بوازار‪:‬‬
‫"‪ ..‬أثبتت التعاليم القرآنية وتعاليم محمد ]‪ [‬أنها حامية حمى‬
‫حقوق المرأة"‪.. 3‬‬
‫ونذكر في ذلك عدة نماذج ‪:‬‬
‫المطلب الول‪ :‬الستقلل الفكري للمرأة ‪:‬‬
‫من أهم المميزات التي منحها السلم للمرأة‪ ،‬أن السلم احترم‬
‫الستقلل الفكري للمرأة‪ ،‬واحترم علمها وبيعتها وشهادتها ووجهة‬
‫َ‬
‫مُنوا إ ِ َ‬
‫ذا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫نظرها ‪ ..‬فيقول الله تعالى في القرآن ‪َ :‬ياأي َّها ال ّ ِ‬
‫حنوهُن الل ّ َ‬
‫ن‬‫ن فَإ ِ ْ‬‫مان ِهِ ّ‬‫م ب ِِإي َ‬‫ه أع ْل َ ُ‬‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ت َفا ْ‬
‫مت َ ِ ُ‬ ‫جَرا ٍ‬ ‫مَها ِ‬‫ت ُ‬‫مَنا ُ‬‫مؤ ْ ِ‬‫م ال ْ ُ‬
‫جاَءك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫م وََل‬ ‫ل ل َهُ ْ‬
‫ح ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫فارِ َل هُ ّ‬ ‫ن إ َِلى ال ْك ُ ّ‬‫جُعوهُ ّ‬ ‫ت فََل ت َْر ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مَنا ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫موهُ ّ‬ ‫مت ُ ُ‬
‫ع َل ِ ْ‬
‫ن‪‬‬ ‫ن ل َهُ ّ‬ ‫حّلو َ‬
‫‪4‬‬
‫م يَ ِ‬ ‫هُ ْ‬
‫‪1‬‬
‫انظر‪ :‬عرفات كامل العشي ‪ :‬رجال ونساء اسلموا ‪. 26-25\ 8‬‬
‫‪ 2‬لورافيشيا فاغليري ‪ :‬دفاع عن السلم ‪ ،‬ص ‪. 104 – 103‬‬
‫‪ 3‬مارسيل بوازار ‪ :‬إنسانية السلم ‪ ،‬ص ‪140‬‬
‫‪ 4‬سورة الممتحنة‪ :‬الية ‪10‬‬

‫‪204‬‬
‫"والية تشير ‪-‬بجانب ما فيها من أحكام‪ -‬إلى ما كانت تستمتع به‬
‫المرأة من استقلل فكري وكيان أدبي محترم"‪ 1‬في عهد محمد‬
‫‪‬‬
‫و"لم تكن النساء ]المسلمات[ متأخرات عن الرجال في ميدان‬
‫العلوم والمعارف فقد نشأ منهن عالمات في الفلسفة والتاريخ‬
‫والدب والشعر وكل ألوان الحياة"‪..2‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬حقوق المرأة في أمور الزواج ‪:‬‬


‫ولقد كانت المرأة في الجاهلية ل حق لها في اختيار زوجها‪ ،‬أما‬
‫م حقا ً للمرأة في حرية اختيار‬ ‫في شريعة السلم فقد جعل السل ُ‬
‫زوجها‪ ،‬فقد بوب المام البخاري في صحيحه ‪ :‬وقال‪ :‬باب ل ينكح‬
‫الب وغيره البكر والثيب إل برضاهما‪ ،‬ثم أورد حديث أبي هريرة‬
‫‪ ‬أن النبي ‪ ‬قال‪" :‬ل تنكح اليم حتى تستأمر‪ ،‬ول تنكح البكر‬
‫حتى تستأذن"‪ ،‬قالوا يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال‪" :‬أن‬
‫تسكت"‪..3‬‬
‫وفي هذا يقول الباحث الفرنسي آتيين دينيه ‪ " :‬بفضييل تشييريعاته‬
‫]‪ [‬الحكيمة أصبحت البنت البالغ تستشار قبل زواجهييا ‪ ،‬وأصييبح‬
‫المهيير ل يعطييى للب بييل للعييروس نفسييها ‪ ،‬وقييد وصييف أعييداء‬
‫السلم تلك السنة الحكيمة بأنهييا ‪ " :‬شييراء للمييرأة " ‪ .‬وهييم لييم‬
‫يسمعوا ‪ -‬فيما أظن ‪ -‬ذلك الجواب المفعم الذي يمكن أن يرد بييه‬
‫المسلمون عليهم حينا يقولون لهم ‪ :‬إن المهر في بعييض القطييار‬
‫العربية يدفعه والد البنت إلى رجلها ! ‪ ...‬وفييوق ذلييك ‪ ،‬فالمسييلم‬
‫مكلييف بسييائر حاجييات الييبيت دون أن يكييون لييه أي حييق فييي‬
‫‪4‬‬
‫التصرف في مال امرأته‪".‬‬
‫" وأتبع ]‪ [‬ذلك بأن منح المرأة حق المطالبة بالطلق إن لم‬
‫يوف الرجل بواجباته الزوجية "‪ ، 5‬وهو حق آخر للمرأة‪ ،‬يساعدها‬
‫في دخول حياة زوجية جديدة أكثر توفيقا ً ونجاحا ً ‪..‬‬

‫إلى جانب الحقوق الزوجية الخرى مثل حقها في الصداق‬


‫) المهر(‪ ،‬وحقها في الخلع‪ ،‬وحقها في النفقة‪ ،‬فقد أوجب السلم‬
‫على الزوج أن ينفق على زوجته مع حسن معاملته لها‪ ،‬وفي هذا‬
‫سأل أحد الناس النبي ‪ ‬فقال ‪ :‬يارسول الله ما حق زوجة أحدنا‬
‫‪ 1‬محمد الغزالي ‪ :‬فقه السيرة‪ ،‬ص ‪.260‬‬
‫‪ 2‬اللدي ايفلين كوبولد‪ :‬البحث عن ال ‪ ،‬ص ‪28‬‬
‫‪ 3‬صحيح – البخاري‪ ،‬باب ل ينكح الب وغيره البكر والثيب إل برضاها‪ ،‬برقم ) ‪ ،(4843‬ومسلم‪ ،‬باب استئذان‬
‫الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت‪ ،‬برقم) ‪. ( 1419‬‬
‫‪ 4‬آتيين دينيه ‪ :‬محمد رسول ال ‪ ،‬ص ‪. 329-328‬‬
‫‪ 5‬آتيين دينيه ‪ :‬محمد رسول ال ‪. 329-328 ،‬‬

‫‪205‬‬
‫عليه ؟ قال " أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ‪ ...‬ول‬
‫تضرب الوجه ول تقبح ول تهجر إل في البيت "‪.. 1‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬حقوق المرأة في الميراث والتملك‪:‬‬
‫وعيين حييق الميرأة فييي الميييراث يقيول البياحث الفرنسيي آتيييين‬
‫دينيه ‪:‬‬
‫" منح الرسول ]‪ [‬المرأة ‪ -‬كذلك ‪ -‬حييق فييي الميييراث‪ .‬وحقهييا‬
‫به ‪ :‬نصف حق الذكر ‪ ،‬وذلك لن المييرأة ل تييدفع مهييرا ً كالرجييل‪،‬‬
‫وليست مكلفة بحاجات البيت "‪. 2‬‬
‫ويقول روم لندو‪":‬يوم كانت النسوة يعتبرن‪ ،‬في العالم الغربي‪،‬‬
‫دي من‬ ‫مجرد متاع من المتعة‪ ،‬ويوم كان القوم هناك في ريب ج ّ‬
‫حا! كان الشرع السلمي قد منحهن حق التملك‪.‬‬ ‫أن لهن أروا ً‬
‫‪3‬‬
‫وتلقت الرامل نصيًبا من ميراث أزواجهن" ‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬حق المرأة في العمل ‪:‬‬


‫وعن حق المرأة في العمل تقول روز ماري‪:4‬‬
‫" إن السلم قد كرم المرأة وأعطاها حقوقها كإنسانة ‪،‬‬
‫وكامرأة ‪ ،‬وعلى عكس ما يظن الناس من أن المرأة الغربية‬
‫حصلت على حقوقها ‪ ...‬فالمرأة الغربية ل تستطيع مثل أن‬
‫تمارس إنسانيتها الكاملة وحقوقها مثل المرأة المسلمة ‪ .‬فقد‬
‫أصبح واجًبا على المرأة في الغرب أن تعمل خارج بيتها لكسب‬
‫العيش ‪ .‬أما المرأة المسلمة فلها حق الختيار‪ ،‬ومن حقها أن‬
‫يقوم الرجل بكسب القوت لها ولبقية أفراد السرة ‪ .‬فحين جعل‬
‫الله سبحانه وتعالى للرجال القوامة على النساء كان المقصود‬
‫هنا أن على الرجل أن يعمل ليكسب قوته وقوت عائلته ‪.‬‬
‫فالمرأة في السلم لها دور أهم وأكبر‪ ..‬وهو النجاب وتربية‬
‫البناء‪ ،‬ومع ذلك فقد أعطى السلم للمرأة الحق في العمل إذا‬
‫رغبت هي في ذلك‪ ،‬وإذا اقتضت ظروفها ذلك "‪.5‬‬

‫‪ 1‬صحيح– رواه الترمذي عن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه‪،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب باب في حق المرأة على‬
‫زوجها برقم ‪ 2142‬وقال أبو داود " ول تقبح " أن تقول قبحك ال‪ ،‬ورواه أحمد برقم ‪ ،20036‬والحاكم برقم‬
‫‪ ،2764‬والطبراني في المعجم الكبير برقم ‪ ،1034‬وقال اللباني ‪ :‬حسن صحيح‪ ،‬صحيح سنن أبي داود‪ ،‬برقم‬
‫‪.1875‬‬
‫‪ 2‬آتيين دينيه ‪ :‬محمد رسول ال ‪ ،‬ص ‪. 329-328‬‬
‫‪ 3‬روز ماري ‪ :‬السلم والعرب ‪ ،‬ص ‪. 203‬‬
‫‪ 4‬روز ماري ) مريم هاو( باحثة وصحفية إنكليزية‪ ،‬نشأت في عائلة نصرانية متدينة ‪ ،‬ولكنها مع بلوغها مرحلة‬
‫الوعي بدأت تفقد قناعاتها الدينية السابقة وتتطلع إلى دين يمنحها الجواب المقبول ‪ .‬وفي عام ‪ 1977‬أعلنت‬
‫إسلمها‪.‬‬
‫‪ 5‬انظر‪ :‬عرفات كامل العشي ‪ :‬رجال ونساء اسلموا‪28\8 ،‬‬

‫‪206‬‬
‫‪1‬‬
‫هذا إضافة إلى حق المرأة في العمل العام ‪ :‬فتبين ماكلوسكي‬
‫" أن نشاطات المرأة المسلمة قد تمتد أحيانا خارج المنزل‪،‬‬
‫فبعض النساء المسلمات كن يقمن بمسؤوليات عامة ‪..‬في‬
‫‪2‬‬
‫الحرب والتجارة‪ .‬ولكن ذلك كله كان في إطار الخلق الكريم" ‪.‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬تقدير الدور السياسي للمرأة ‪:‬‬
‫وتقديرا ً لدور المرأة في بناء المجتمع السلمي‪ ،‬فقد بايع رسول‬
‫الله ‪ ‬النساء في موقعة مشهودة للقاصي والداني‪ ،‬فكانت‬
‫بيعة النساء ثانى يوم الفتح )رمضان ‪8‬هي‪ /‬يناير ‪ 630‬م( على‬
‫جبل الصفا بعدما فرغ من بيعة الرجال ‪..‬‬
‫طرها القرآن الكريم بآيات خالدة أمد الدهر‪:‬‬ ‫وس ّ‬
‫ك ع ََلى‬ ‫َ‬
‫ت ي َُباي ِعْن َ َ‬‫مَنا ُ‬‫مؤ ْ ِ‬‫ك ال ْ ُ‬ ‫جاء َ‬ ‫ذا َ‬ ‫قال الله تعالى ‪َ :‬يا أي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫ي إِ َ‬
‫قتل ْ َ‬ ‫َأن ّل ي ُ ْ‬
‫ن أوَْلد َهُ ّ‬
‫ن‬ ‫ن وََل ي َ ْ ُ َ‬ ‫ن وََل ي َْزِني َ‬ ‫سرِقْ َ‬ ‫شْيئا ً وََل ي َ ْ‬ ‫ن ِبالل ّهِ َ‬
‫شرِك ْ َ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫فترينه بي َ‬
‫ك ِفي‬ ‫صين َ َ‬ ‫ن وََل ي َعْ ِ‬ ‫جل ِهِ ّ‬ ‫ن وَأْر ُ‬ ‫ديهِ ّ‬ ‫ن أي ْ ِ‬ ‫ن يَ ْ َ ِ َ ُ َ ْ َ‬ ‫ن ب ِب ُهَْتا ٍ‬‫وََل ي َأِتي َ‬
‫‪3‬‬
‫م‪‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر ّر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫ه إِ ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫فْر ل َهُ ّ‬ ‫ست َغْ ِ‬
‫ن َوا ْ‬ ‫ف فََباي ِعْهُ ّ‬ ‫معُْرو ٍ‬ ‫َ‬

‫فلما كان اشتراك المرأة مع الرجل ‪ ،‬على أساس المساواة‬


‫التامة ‪ ،‬في جميع المسؤوليات التي ينبغي أن ينهض بها‬
‫ن‬
‫المسلم ‪ ..‬كان على الخليفة أو الحاكم المسلم أن يأخذ عليه ّ‬
‫العهد بالعمل على إقامة المجتمع المسلم بكل الوسائل‬
‫المشروعة الممكنة ‪ ،‬كما يأخذ العهد فى ذلك على الرجال‪ ،‬ليس‬
‫بينهما فرق ول تفاوت ‪.‬‬
‫ومن هنا كان على المرأة المسلمة أن تتعلم شئون دينها ودنياها ‪،‬‬
‫كما يتعلم الرجل‪ ،‬وأن تسلك كل السبل المشروعة الممكنة إلي‬
‫التسلح بسلح العلم والوعي و التنبه إلي مكامن الكيد و أساليبه‬
‫لدى أعداء السلم الذين يتربصون به‪ ،‬حتى تستطيع أن تنهض‬
‫بالعهد الذي قطعته على نفسها وتنفذ عقد البيعة الذي في عنقها‪،‬‬
‫وواضح أن المرأة ل تستطيع أن تنهض بشيء من هذا إذا كانت‬
‫جاهلة بحقائق دينها غير منتبهة إلي أساليب الكيد الجنبي من‬
‫حولها‪.. 4‬‬
‫المطلب السادس‪ :‬إحترام جوار المرأة ‪:‬‬
‫ولقد احترم الرسول ‪ ‬جوار المرأة ‪ ،‬فكان النبي ‪ ‬أول من‬
‫اعترف بجوار المرأة في الجزيرة العربية بعد عهود الظلم ‪.‬‬
‫‪ 1‬أسلمت وسمت نفسها منى عبدال ماكلوسكي ‪ ،‬ألمانية‪ ،‬تعمل قنصل لبلدها‪ ،‬ألمانيا التحادية ‪ ،‬في بنغلديش‪،‬‬
‫واهتدت إلى السلم في مطلع عام ‪ ، 1976‬على يد شيخ الجامع الزهر الدكتور عبدالحليم محمود –رحمه ال –‬
‫وشعرت يومها )وكأنها ولدت من جديد‪ (.‬على حد قولها !‪.‬‬
‫‪ 2‬انظر‪ :‬عرفات كامل العشي‪ :‬رجال ونساء اسلموا ‪64\9،‬‬
‫‪ 3‬سورة الممتحنة‪:‬الية ‪12:‬‬
‫‪ 4‬انظر‪ :‬محمد سعيد رمضان البوطي‪ :‬فقه السيرة‪283 ،‬‬

‫‪207‬‬
‫ومثال أم هانىء واضح وجلي ‪ ..‬فقد أدخلت أحد المجرمين في‬
‫جوارها – أي في حمايتها ‪ -‬يوم فتح مكة وقَِبل رسول الله ‪‬‬
‫هذا الجوار‪ ،‬ومن ثم عفا عن هذا المجرم !‬
‫فلقد ذهبت أم هانئ بنت أبى طالب إلى رسول الله ‪‬عام‬
‫ى أنه قاتل رجل‬ ‫الفتح‪ ،‬فقالت‪ :‬يا رسول الله زعم ابن أمي عل ّ‬
‫أجرته ‪ :‬فلن ابن هبيرة‪ ،‬فقال رسول الله ‪" :‬قد أجرنا من‬
‫أجرت يا أم هانئ"‪!! 1‬‬
‫المطلب السابع ‪ :‬تأملت في هذه المميزات ‪:‬‬
‫تسييتطيع أن تتأمييل فييي هييذه المميييزات الييتي منحهييا النييبي ‪‬‬
‫للمرأة‪..‬‬
‫فتعلم مدى الرفعة التي نالتها المرأة في حمى السييلم وظلييه‪،‬‬
‫وكيييف أنهييا نييالت كييل حقوقهييا النسييانية والجتماعييية كمييا نالهييا‬
‫الرجل سواء بسواء‪ ،‬مما لم يحدث نظيره في أمة من المم‪.‬‬

‫غييير أن المهييم أن تعلييم الفييرق بييين هييذه المسيياواة النسييانية‬


‫الرائعة التي أرستها شريعة السلم‪ ،‬والمظاهر الشيكلية لهيا مميا‬
‫ينادى به عشاق العُييري اليييوم‪ ،‬إنميا هييي نيزوات حيوانييية أصيييلة‬
‫يتوخى من ورائها اتخاذ المرأة مادة تسلية ورفاهييية للرجييل علييى‬
‫أوسع نطاق ممكن‪ ،‬دون أى نظر إلى شئ آخر‪.2‬‬

‫إن النبي ‪ ‬لم يعتبر المرأة جرثومة خبيثة كما اعتبرها الخرون‪،‬‬
‫ولكنه قرر حقيقة تزيل هذا الهوان عنها‪ ،‬وهي أن المرأة بين يدي‬
‫السلم قسيمة الرجل‪ ،‬لها ما له من الحقوق وعليها أيضا ً من‬
‫الواجبات ما يلئم تكوينها وفطرتها‪ ،‬وعلى الرجل بما اختص به‬
‫من صفة الرجولة‪ ،‬وقوة الجلد‪ ،‬وبسطة واتساع الحيلة‪ ،‬أن يلي‬
‫رعايتها‪ ،‬فهو بذلك وليها‪ ،‬يحوطها بقوته‪ ،‬ويذود عنها بدمه‪ ،‬وينفق‬
‫عليها من كسب يده‪ ،‬ذلك ما قرره الله تعالى بقوله‪ :،‬وَل َهُ ّ‬
‫ن‬
‫ل ع َل َي ْهِ ّ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬
‫ذي ع َل َي ْهِ ّ‬
‫ل ال ّ ِ‬
‫‪3‬‬
‫ة‪‬‬‫ج ٌ‬
‫ن د ََر َ‬ ‫جا ِ‬
‫ف وَِللّر َ‬
‫معُْرو ِ‬ ‫مث ْ ُ‬
‫ِ‬

‫إن " تحرير المرأة" الذي قام به النبي ‪ ،‬كان تحريرا ً شامل ً‬
‫وكامل ً بمعنى الكلمة ‪ ..‬فقد كان النبي ‪‬هو العامل الساسي‬
‫في إيقاف الجريمة الكبرى التي كانت تمارس في حق المرأة‪ ،‬أل‬
‫وهي جريمة " قتل البنات خشية العار"‪ ..‬إن ثقافة وأد البنات‬
‫‪ 1‬صحيح ‪ -‬البخاري ) ‪ ،(469 \1‬ومسلم )‪.(45 \4‬‬
‫‪ 2‬انظر ‪ :‬محمد سعيد رمضان البوطي‪ :‬فقه السيرة ‪154 ،‬‬
‫‪ 3‬سورة البقرة‪:‬الية ‪228‬‬

‫‪208‬‬
‫كانت هي الثقافة السائدة في تصور المجتمع نحو المرأة ‪ ..‬ولم‬
‫يجرأ أحد المصلحين قبل النبي ‪ ‬التصدي لهذه العادة القبيحة ‪..‬‬
‫بل كانت تزداد فحشا ً وانتشارا ً في أنحاء الجزيرة ‪..‬‬

‫ث الله محمدا ً ‪‬‬ ‫هذا‪ ،‬وقد كانت المرأة تباع وُتشترى‪ ..‬فلما بع َ‬
‫أعاد للمرأة حقوقها المسلوبة‪ ،‬فمنحها حق الحرية‪ ،‬وأن تبيع‬
‫وَتشتري ل أن ُتباع وُتشترى‪ ،‬وأن ترث كما يرث الرجل‪ ،‬ل أن‬
‫َتورث كما كان الرجل يرثها مع مال أبيه ‪ ..‬إن العالم عن بكرة‬
‫أبيه لم يعترف بالذمة المالية للمرأة ‪ ..‬وجاء النبي ‪‬وقرر هذا‬
‫الحق للمرأة ‪ ..‬فأصبحت تستطيع أن تعقد كبرى الصفقات‬
‫التجارية‪ ،‬وتتعاقد مع من تشاء وتوكل من تشاء ‪..‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫رحمته للبنات‬
‫المطلب الول ‪ :‬فضل محمد ‪ ‬على البنات ‪:‬‬
‫لو كانت الخدمة الوحيدة التي أداها نبينا محمد ‪ ‬للبنات أنه‬
‫أنقذهن من عادة الوأد الجاهلية ‪ ..‬لكفى بذلك فضل ً له‬
‫عليهن ‪! ..‬‬
‫فقد " كانت قبائل العرب في الجاهلية تئد البنات كراهة لهن‬
‫‪1‬‬
‫دا" ‪.‬‬‫قا شدي ً‬
‫وازدراء لشأنهن‪ ،‬ومن لم يئدهن كان يضيق بهن ضي ً‬
‫أضف إلى ذلك الفضل العظيم أنه ‪ ‬غير أفكار المجتمع العربي‬
‫القديم تغييرا ً جذريا ً ‪ ..‬في تعامله مع البنات ‪..‬‬
‫كلف النبي‪ ‬المجتمع السلمي أن يتعهد البنات الصغيرات‬ ‫ولقد َ‬
‫بالتعليم والتثقيف والرعاية‪ -،‬كما يقول جاك ريسلر ‪ -‬حيث يتم "‬
‫تعليم البنات على تلقيهن تربية دينية قويمة ‪ ،‬وعلى تعويدهن‬
‫على الصلة‪ ،‬وجعلهن في وقت مبكر صالحات للعمال‬
‫المنزلية ‪.‬وبعد سنوات أيضا ً يعلمن قرض الشعر والفنون ‪.. "..‬‬
‫‪2‬‬

‫ويقول "ول ديورانت"‪" :‬كانت البنات يذهبن إلى المدارس سواء‬


‫بسواء‪ ،‬ونبغ عدد من النساء المسلمات في الدب والفن"‪. 3‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬نماذج رحمته‪ ‬للبنات‪:‬‬


‫ل‪ :‬حثه على الحسان إليهن ‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫ي ‪َ ‬قال َ ْ‬
‫ت‪:‬‬ ‫ج الن ّب ِ ّ‬
‫ة َزوْ َ‬ ‫عائ ِ َ‬
‫ش َ‬ ‫عن َ‬

‫‪ 1‬نظمي لوقا ‪ :‬محمد الرسالة والرسول ‪ ،‬ص ‪. 96 – 95‬‬


‫‪ 2‬جاك ريسلر‪ :‬الحضارة العربية ‪ ،‬ص ‪53‬‬
‫‪ 3‬ول ديورانت‪ :‬قصة الحضارة ‪306 \ 13‬‬

‫‪209‬‬
‫جاَءتني امرأ َة‪ ،‬معها ابنتان ت َ‬
‫ة‬
‫مَر ٍ‬‫دي غ َي َْر ت َ ْ‬ ‫عن ْ ِ‬
‫جد ْ ِ‬ ‫م تَ ِ‬ ‫سأل ُِني؛ فَل َ ْ‬ ‫ْ َ ٌ َ َ َ ََْ ِ َ ْ‬ ‫َ ِْ‬
‫َ‬
‫ة‪ ،‬فَأع ْط َي ْت َُها‪ ،‬فَ َ‬
‫خ َ‬
‫ل‬ ‫ت ‪،‬فَد َ َ‬ ‫ج ْ‬ ‫خَر َ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َقا َ‬ ‫ن اب ْن َت َي َْها‪ ،‬ث ُ ّ‬‫َ‬ ‫مت َْها ب َي ْ‬
‫س َ‬‫ق َ‬ ‫حد َ ٍ‬
‫َوا ِ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫شي ًْئا فَأ ْ‬ ‫ت َ‬ ‫ن هَذ ِهِ ال ْب ََنا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َِلي ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل‪َ ":‬‬ ‫قا َ‬‫ه‪ ،‬فَ َ‬ ‫ي ‪ ،‬فَ َ‬
‫حد ّث ْت ُ ُ‬ ‫الن ّب ِ ّ‬
‫‪1‬‬
‫ن الّناِر" ‪..‬‬ ‫م ْ‬ ‫ست ًْرا ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫َ‬
‫نل ُ‬ ‫ن كُ ّ‬‫إ ِل َي ْهِ ّ‬
‫فرعاية البنات في السلم ليس له جزاء إل الجنة‪ ،‬فهن حائط‬
‫الصد والحماية من النار يوم القيامة لمن أحسن إليهن ‪.‬‬
‫كما في حديث آخر قال فيه النبي ‪: ‬‬
‫" من كان له ثلث بنات فصبر عليهن‪ ،‬وأطعمهن‪ ،‬وسقاهن‪،‬‬
‫حجابا من النار يوم القيامة "‪.. 2‬‬ ‫ً‬ ‫وكساهن من جدته ؛ كن له‬

‫ثانًيا‪ :‬عطفه على البنات ‪:‬‬


‫ل‪:‬‬ ‫عن أبي قََتاد َة َ َقا َ‬
‫صّلى‬ ‫ص ع ََلى َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫قه ِ ف َ َ‬ ‫عات ِ ِ‬ ‫ت أِبي الَعا ِ‬ ‫ة ب ِن ْ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ي ‪ ‬وَأ َ‬ ‫ج ع َل َي َْنا الن ّب ِ ّ‬ ‫خَر َ‬ ‫َ‬
‫ذا َرفَعَ َرفَعََها ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫ضعَ وَإ ِ َ‬ ‫ذا َرك َعَ وَ َ‬ ‫فَإ ِ َ‬
‫د‪ ،‬عن ذكريات الطفولة‪ ،‬عندما‬ ‫ُ‬
‫سِعي ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫خال ِد ِ ب ْ ِ‬ ‫ت َ‬ ‫خال ِد ٍ ب ِن ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫وتحكي أ ّ‬
‫ت‪:‬‬ ‫زارت النبي برفقة أبيها‪ -‬بعدما قدمت من الحبشة ‪َ .. -‬قال َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫فُر َقا َ‬ ‫ص َ‬‫صأ ْ‬ ‫مي ٌ‬ ‫ي قَ ِ‬‫معَ أِبي وَع َل َ ّ‬ ‫ل الل ّهِ ‪َ ‬‬ ‫سو َ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫أت َي ْ ُ‬
‫ة" ‪..‬‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫شي ّةِ " َ‬ ‫حب َ ِ‬ ‫ي ِبال ْ َ‬ ‫ل ع َب ْد ُ الل ّهِ وَه ِ َ‬ ‫ه " ‪َ ..‬قا َ‬ ‫سن َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫سن َ ْ‬ ‫‪َ " :‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫سو ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ة‪ ،‬فََزب ََرِني أِبي ‪ .‬ف َ‬ ‫ت‪ :‬فَذ َهَب ْ ُ‬ ‫َقال َ ْ‬
‫‪4‬‬
‫ل‬ ‫ل َر ُ‬ ‫خات َم ِ الن ّب ُوّ ِ‬ ‫ب بِ َ‬ ‫ت ألعَ ُ‬
‫قي ‪ ،‬ث ُ ّ‬
‫م‬ ‫خل ِ ِ‬‫ل الل ّهِ ‪ " :‬أ َب ِْلي وَأ َ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫م َقا َ‬ ‫الل ّهِ ‪" :‬د َع َْها " ث ُ ّ‬
‫قي "‪.5‬‬ ‫خل ِ ِ‬‫م أ َب ِْلي وَأ َ ْ‬ ‫قي‪ ،‬ث ُ ّ‬ ‫خل ِ ِ‬ ‫أ َب ِْلي وَأ َ ْ‬
‫ب معه‪،‬‬ ‫ك النبي‪ ‬هذه الصبية الصغيرة حتى َتلع َ‬ ‫انظر كيف تر َ‬
‫حها‪،‬‬ ‫وتعبث بثوبه وجسمه كما يحلو لها ‪ ،‬فل ينهرها‪ ،‬بل تراه يمازِ ُ‬
‫ويلعبها‪ ،‬ويضحك إليها‪ ،‬ويخاطبها بلغتها لغة أهل الحبشة ‪ ..‬ويعلق‬
‫خّرْقي ث َِيابك َواْرقَْعيَها‪ ..‬كما يقول‬ ‫شي وَ َ‬ ‫عي ْ‬ ‫على ثوبها‪ ،‬ويقول لها ِ‬
‫خِلف الّله ‪! ..‬‬ ‫دا ‪ :‬ت ُب ِْلي وَي ُ ْ‬ ‫دي ً‬
‫ج ِ‬ ‫المسلم لخيه عندما يلبس ث َوًْبا َ‬

‫ثالًثا‪ :‬إكرامه لعائل البنات ‪:‬‬


‫كان أبو عزة عمرو بن عبد الله الجمحي‪ ،‬في أسرى معركة بدر )‬
‫جا ذا بنات‪ ،‬ول‬
‫‪ 17‬رمضان ‪2‬هي‪13/‬مارس ‪624‬م(‪ ،‬وكان محتا ً‬
‫يملك ثمن ما يفتدي به نفسه من السر ‪ ..‬فقال للنبي ‪ : ‬يا‬
‫ت ما لي من مال‪ ،‬وإني لذو حاجة‪ ،‬وذو‬ ‫رسول الله‪ ،‬لقد عرف َ‬
‫‪ 1‬صحيح – رواه البخاري‪ ،‬باب رحمة الولد وتقبيله برقم ‪5536‬‬
‫‪ 2‬صحيح ‪ -‬السلسلة الصحيحة ‪ ،‬برقم ‪294‬‬
‫‪ 3‬صحيح – رواه البخاري‪ ،‬باب رحمة الولد وتقبيله برقم ‪5537‬‬
‫‪ 4‬يعني منعني من العبث بخاتم النبي‬
‫‪ 5‬صحيح‪ -‬رواه البخاري باب رحمة الولد وتقبيله برقم ‪5534‬‬

‫‪210‬‬
‫ي‪ ،‬فمن عليه رسول الله ‪ ‬وأخذ عليه أل يظاهر‬ ‫بنات فامنن عل ّ‬
‫دا ‪ .‬فقال أبو عزة يمدح رسول الله ‪ ‬على هذا العفو‬ ‫عليه أح ً‬
‫والكرم ونبل الخلق‪:‬‬
‫š ‪šŠ¤1‬بأنك حق‬ ‫ن مبلغ عني‬ ‫م ْ‬‫َ‬
‫والمليك حميدُ‬ ‫دا‬
‫الرسول محم ً‬
‫š šلها درجات سهلة‬ ‫وئت‬ ‫وأنت امرؤ ب ُ ّ‬
‫وصعودُ‬ ‫فينا مباءة‬
‫ي ومن‬‫ّ‬ ‫شق‬ ‫š‬ ‫š‬ ‫حاربته‬ ‫فإنك من‬
‫د‬
‫‪ُ1‬‬ ‫لسعي‬ ‫سالمته‬ ‫ب‬
‫لمحار ٌ‬
‫ولكن إذا ذكرت بدًرا š حسرة وقعود‬
‫š‬ ‫وأهله‬

‫المبحث الثالث‬
‫رحمته للطفال‬
‫المطلب الول ‪ :‬شهادة علماء الغرب‪:‬‬
‫يقول السير وليم موير ‪" :‬وكان]‪ [‬سهل ً لين العريكة مع‬
‫الطفال‪ ،‬ل يأنف إذا مر بطائفة منهم يلعبون أن يقرئهم‬
‫السلم !"‪. 2‬‬
‫ويقول لويس سيديو‪" :‬ل شي أدعى إلى راحة النفس من عناية‬
‫محمد ]‪ [‬بالولد‪ .‬فهو قد حّرم عادة الوأد‪ ،‬وشغل باله بحال‬
‫اليتامى على الدوام‪ ..‬وكان يجد في ملحظة صغار الولد أعظم‬
‫لذة‪ .‬ومما حدث ذات يوم أن كان محمد ]‪ [‬يصلي فوثب‬
‫الحسين بن علي ]رضي الله عنهما[ فوق ظهره فلم يبال‬
‫‪3‬‬
‫بنظرات الحضور فانتظر صابًرا إلى حين نزوله كما أراد‪. " .‬‬

‫ولقدكافح النبي‪ ‬في سبيل استرداد حقوق الطفال المسلوبة‪،‬‬


‫عبر العصور الغابرة ‪ -‬خاصة في الميراث – بعدما كانت العصور‬
‫الجاهلية تحرم الطفال من الميراث‪ ،‬وتعتبر أن من لهم الحق‬
‫في الميراث هم الذين يتستطيعون جلب الغنائم أو يمتطون‬
‫الخيل بمهارة وفروسية !‪..‬‬
‫مل السرة كلها أمانة رعاية الطفال وصيانة‬ ‫كما أن محمدا ً ‪ ‬ح ّ‬
‫حقوقهم‪.‬‬
‫ما‬
‫فكانت السرة السلمية ‪ -‬كما يقول جاك ريسلر‪ ":-‬ترعى دائ ً‬
‫الطفل‪ ،‬وصحته‪ ،‬وتربيته‪ ،‬رعاية كبيرة‪ .‬وترضع الم هذا الطفل‬
‫زمًنا طوي ً‬
‫ل‪ ،‬وأحياًنا لمدة أكثر من سنتين‪ ،‬وتقوم على تنشئته‬
‫‪ 1‬انظر‪ :‬ابن كثير‪ :‬السيرة النبوية ‪485 \2‬‬
‫‪ 2‬وليم موير ‪ :‬حياة محمد ‪. 15‬‬
‫‪ 3‬لويس سيديو ‪ :‬تاريخ العرب العام ‪ ،‬ص ‪111- 110‬‬

‫‪211‬‬
‫بحنان وتغمره بحبها وباحتياطات متصلة‪ .‬وإذا حدث أن أصاب‬
‫الموت بعض السرة‪ ،‬وأصبحوا يتامى‪ ،‬فإن أقرباءهم المقربين ل‬
‫‪1‬‬
‫يترددون في مساعدتهم وفي تبّنيهم"‬
‫ول فرق في ذلك بين ذكر وأنثى‪.. 2‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬نماذج رحمته للطفال ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬أرحم البشر بالعيال‪:‬‬
‫يقول أنس بن مالك‪:‬‬
‫ل الل ّهِ ‪. "‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ِبال ْعَِيا ِ‬ ‫دا َ‬
‫‪3‬‬
‫سو ِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن أْر َ‬ ‫كا َ‬ ‫ح ً‬ ‫تأ َ‬ ‫ما َرأي ْ ُ‬ ‫" َ‬
‫قال بريدة قال ‪ :‬كان رسول الله ‪ ‬يخطبنا إذ جاء الحسن‬
‫والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران ] يتعثران في‬
‫المشي [ فنزل رسول الله ‪ ‬من المنبر فحملهما ووضعهما بين‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‪‬‬ ‫م فِت ْن َ ٌ‬ ‫م وَأوَْلد ُك ُ ْ‬ ‫وال ُك ُ ْ‬ ‫م َ‬‫ما أ ْ‬ ‫يديه ثم قال ‪ " :‬صدق الله ‪ ‬إ ِن ّ َ‬
‫] سورة التغابن‪ :‬الية‪ ،[15‬نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان‬
‫ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما "‪. 4‬‬
‫وعن شداد بن أوس قال ‪:‬‬
‫ل‬‫م ٌ‬ ‫حا ِ‬ ‫شاِء وَهُوَ َ‬ ‫ي العِ َ‬ ‫ْ‬ ‫صلت َ ْ‬ ‫َ‬ ‫دى َ‬ ‫ح َ‬ ‫ل الل ّهِ ‪ِ ‬في إ ِ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫ج ع َل َي َْنا َر ُ‬ ‫خَر َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫صَل ِ‬
‫ة‬ ‫م ك َب َّر ِلل ّ‬ ‫ه‪ ،‬ث ُ ّ‬ ‫ضعَ ُ‬ ‫ل الل ّهِ ‪ ‬فَوَ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫م َر ُ‬ ‫قد ّ َ‬ ‫سي ًْنا‪ ،‬فَت َ َ‬ ‫ح َ‬ ‫سًنا أوْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫طال ََها ‪ .‬قال شداد ‪:‬‬ ‫َ‬
‫جد َة ً أ َ‬ ‫س ْ‬ ‫صَلت ِهِ َ‬ ‫ي َ‬ ‫ن ظ َهَْران َ ْ‬ ‫جد َ ب َي ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫صّلى فَ َ‬ ‫فَ َ‬
‫ْ‬
‫جد ٌ‬‫سا ِ‬ ‫ل الل ّهِ ‪ ‬وَهُوَ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ي ع ََلى ظ َهْرِ َر ُ‬ ‫صب ِ ّ‬ ‫ذا ال ّ‬ ‫سي وَإ ِ َ‬ ‫ت َرأ ِ‬ ‫فََرفَعْ ُ‬
‫ل‬‫صَلة َ َقا َ‬ ‫ل الل ّهِ ‪ ‬ال ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫ضى َر ُ‬ ‫ما قَ َ‬ ‫جوِدي فَل َ ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ت إ َِلى ُ‬ ‫جعْ ُ‬ ‫فََر َ‬
‫جد َةً‬ ‫س ْ‬ ‫ك َ‬ ‫صَلت ِ َ‬ ‫ي َ‬ ‫ن ظ َهَْران َ ْ‬ ‫ت ب َي ْ َ‬ ‫جد ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫ك َ‬ ‫ل الل ّهِ ! إ ِن ّ َ‬ ‫سو َ‬ ‫س‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫الّنا ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫ل ‪" :‬ك ُ ّ‬ ‫ك ‪َ .‬قا َ‬ ‫حى إ ِلي ْ َ‬ ‫ه ُيو َ‬ ‫مٌر أوْ أن ّ ُ‬ ‫ثأ ْ‬ ‫حد َ َ‬ ‫ه قَد ْ َ‬ ‫حّتى ظن َّنا أن ّ ُ‬ ‫أط َل ْت ََها َ‬
‫ك ل َم يك ُن ‪ ،‬ول َكن ابِني ارتحل َِني فَك َرهْت أ َ ُ‬
‫ي‬
‫ض َ‬ ‫ق ِ‬ ‫حّتى ي َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫جل َ ُ‬‫ن أع َ ّ‬ ‫ِ ُ ْ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ ِ ّ ْ‬ ‫ذ َل ِ َ ْ َ ْ‬
‫ه "‪! 5‬‬ ‫جت َ ُ‬‫حا َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه وَ َ‬ ‫قب ّل َ ُ‬
‫هيم فَ َ‬ ‫ي ‪ ‬إ ِب َْرا ِ‬ ‫خذ َ الن ّب ِ ّ‬ ‫وعن َثاِبت ع َ ْ‬
‫‪6‬‬
‫ه‪.‬‬ ‫م ُ‬ ‫ش ّ‬ ‫ن أَنس ‪ :‬أ َ‬
‫ويقول أنس ‪:‬‬
‫كان إبراهيم ) ابن محمد‪ ( ‬مسترضًعا له في عوالي المدينة‪،‬‬
‫فكان ينطلق ونحن معه فيدخل البيت وإنه ليدخن‪ ،‬وكان ظئره‬
‫قيًنا فيأخذه فيقبله ثم يرجع‪.7‬‬

‫‪ 1‬جاك ريسلر‪ :‬الحضارة العربية ‪ ،‬ص ‪53‬‬


‫‪ 2‬وقد أفردنا مبحثًا خاصًا برحمته للبنات‪.‬‬
‫‪ 3‬صحيح – رواه مسلم‪ ،‬باب رحمته صلى ال عليه وسلم ‪ ،-‬برقم ‪4280‬‬
‫‪ 4‬صحيح ‪ . -‬رواه الترمذي وأبو داود والنسائي‪ ،‬وصححه اللباني في مشكاة المصابيح برقم ‪6159‬‬
‫جَدٍة‪ ،‬رقم ‪ ،1129‬وصححه اللباني‬
‫سْ‬
‫ن َ‬
‫طَولَ ِم ْ‬
‫جَدٌة َأ ْ‬
‫سْ‬
‫ن َ‬
‫ن َتُكو َ‬
‫جوُز َأ ْ‬
‫ل َي ُ‬
‫‪ 5‬صحيح – راوه النسائي ‪ ،‬باب َباب َه ْ‬
‫في صحيح وضعيف سنن النسائي‪.‬‬
‫‪ 6‬ابن حجر‪ :‬فتح الباري ج ‪ ،10‬ص ‪.427‬‬
‫‪ 7‬صحيح – رواه مسلم برقم ‪2316‬‬

‫‪212‬‬
‫ثانًيا ‪ :‬توبيخه‪ ‬للغلظ مع الطفال‪:‬‬
‫َ‬ ‫عن َأبي هُريرة َ قا َ َ‬
‫قب ّ ُ‬
‫ل‬ ‫ي ‪ ‬وهُوَ ي ُ َ‬ ‫س اّلنب ّ‬ ‫حاب ِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫صَر ا ْلقَْرع ُ ب ُ‬ ‫ل‪ :‬أب ْ َ‬ ‫َ َْ‬
‫م‪ ،‬فقا َ‬
‫ل‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫حدا ً ِ‬ ‫تأ َ‬ ‫شَرة ً ما قَب ّل ْ ُ‬ ‫ن ال ْوَل َد ِ ع َ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن لي ِ‬ ‫لإ ّ‬ ‫ن فقا َ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫م" ‪.1‬‬ ‫ح ْ‬
‫م ل ي ُْر َ‬ ‫ح ْ‬‫من ل َ ي َْر َ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الله ‪" :‬إن ّ ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫َر ُ‬
‫وهو نداء إلى غلظ القلوب عامة‪ ،‬وإلى المسيئين للطفال‬
‫خاصة‪..‬‬
‫ثالًثا ‪ :‬دعاؤه ‪ ‬للطفال ‪:‬‬
‫عن عائشة ‪:‬‬
‫أن رسول الله ‪ ‬كان يؤتى إليه بالصبيان "فيبّرك عليهم "– أي‬
‫يدعو لهم بالبركة‪" ،‬ويحنكهم"‪ – 2‬أي يضع في أفواههم التمر‬
‫اللين الذي مضغه في حنكه الشريف‪.‬‬
‫ن‬‫سي ْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫ي ‪ ‬ي ُعَوّذ ُ ال ْ َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫وعن ابن عباس قال ‪َ :‬‬
‫ما ] إبراهيم عليه السلم [ َ‬ ‫ل‪ :‬إ َ‬
‫ن ي ُعَوّذ ُ ب َِها‬ ‫كا َ‬ ‫ن أَباك ُ َ‬ ‫ِ ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫وَي َ ُ‬
‫شي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن‪،‬‬ ‫طا ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫مة ِ ِ‬ ‫ت الل ّهِ الّتا ّ‬ ‫ما ِ‬ ‫عوذ ُ ب ِك َل ِ َ‬ ‫حاقَ ‪ :‬أ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ل وَإ ِ ْ‬ ‫عي َ‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫إِ ْ‬
‫ن َل ّ‬ ‫ن كُ ّ‬
‫‪3‬‬
‫ة" ‪.‬‬ ‫م ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ل ع َي ْ‬ ‫م ْ‬ ‫مة ٍ و َ ِ‬ ‫ها ّ‬ ‫وَ َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫قو ُ‬ ‫ن وَي َ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫خذ ُه ُ َوال َ‬ ‫ن ي َأ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ي ‪ ‬أن ّ ُ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫وعن أسامة بن زيد َع َ ْ‬
‫‪4‬‬
‫ما " ‪.‬‬ ‫حب ّهُ َ‬ ‫ما فَأ ِ‬ ‫حب ّهُ َ‬ ‫م إ ِّني أ ُ ِ‬ ‫"الل ّهُ ّ‬
‫ي ع ََلى َ‬ ‫َ‬
‫ه‪،‬‬
‫ق ِ‬ ‫عات ِ ِ‬ ‫ن ع َل ِ ّ‬ ‫ن بْ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ي ‪َ ‬وال ْ َ‬ ‫ّ‬ ‫ت الن ّب ِ‬ ‫وقال البراء ‪َ :‬رأي ْ ُ‬
‫َ‬
‫ه"‪. 5‬‬ ‫حب ّ ُ‬ ‫ه فَأ ِ‬ ‫حب ّ ُ‬ ‫م إ ِّني أ ُ ِ‬ ‫ل ‪ ":‬الل ّهُ ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫يَ ُ‬
‫عا ‪ :‬سلمه‪ ‬على الطفال وعطفه عليهم‪:‬‬ ‫راب ً‬
‫لقد كان محمد ‪ ‬يسلم على الطفال في الطرقات‪ ،‬ويمسح‬
‫ع‬
‫م َ‬ ‫ت َ‬ ‫صل ّي ْ ُ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫مَرة َ ‪َ ،‬قا َ‬ ‫س ُ‬
‫جاب ِرِ بن َ‬ ‫على رؤوسهم ووجوههم‪ ،‬فعن َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫قب َل َ ُ‬
‫ه‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ه َفا ْ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫ج ُ‬ ‫خَر ْ‬ ‫ج إ َِلى أهْل ِهِ ‪ ،‬وَ َ‬ ‫خَر َ‬ ‫م َ‬ ‫ل الل ّهِ ‪ ‬الوَلى ث ُ ّ‬ ‫سو ِ‬ ‫َر ُ‬
‫َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫دا ‪َ ،‬قا َ‬ ‫ح ً‬ ‫دا َوا ِ‬ ‫ح ً‬ ‫م َوا ِ‬ ‫حد ِه ِ ْ‬ ‫خد ّيْ أ َ‬ ‫ح َ‬ ‫س ُ‬ ‫م َ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ة‪ ،‬فَ َ‬ ‫دين َ ِ‬ ‫م ِ‬‫ن ال ْ َ‬ ‫دا ُ‬ ‫وِل ْ َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫جَها ِ‬ ‫خَر َ‬ ‫ما أ َ ْ‬ ‫حا ك َأن ّ َ‬ ‫دا وِري ً‬ ‫ت ل ِي َد ِهِ ب َْر ً‬ ‫جد ْ ُ‬ ‫دي فَوَ َ‬ ‫خ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫س َ‬ ‫م َ‬ ‫ما أنا فَ َ‬ ‫وَأ ّ‬
‫َ‬
‫طارٍ ‪.6‬‬ ‫جون َةِ ع َ ّ‬ ‫ُ‬
‫سا ‪ :‬رفقه ‪ ‬بالطفال إذا صلى بهم ‪:‬‬ ‫خام ً‬
‫يقول " كولن " ‪:‬‬
‫"كانت صلة رسول الله ‪ ‬طويلة‪ ،‬ول سيما النوافل منها؛ إذ‬
‫كانت تتجاوز طاقة الصحابة‪ ،‬ولكنه عندما يقف للصلة يريد‬
‫وز‬ ‫إطالتها ويسمع بكاء طفل في أثنائها؛ إذ به يخفف صلته ويَتج ّ‬
‫فيها؛ ذلك لن النساء كن يقفن للصلة خلف رسول الله ‪ ‬أي‬
‫‪ 1‬صحيح – رواه البخاري‪ ،‬باب رحمة الولد وتقبيله‪،‬برقم ‪5538‬‬
‫‪ 2‬صحيح – رواه مسلم )‪ (1691 / 3‬برقم ‪2147‬‬
‫‪ 3‬صحيح – رواه البخاري ‪ ،‬برقم ‪3120‬‬
‫‪ 4‬صحيح – رواه البخاري‪ ،‬باب مناقب الحسن والحسين‪ ،‬رقم ‪3464‬‬
‫‪ 5‬صحيح – رواه البخاري‪ ،‬باب مناقب الحسن والحسين‪ ،‬رقم ‪3466‬‬
‫‪ 6‬صحيح ‪ -‬رواه الطبراني في المعجم الكبير ‪ ،‬برقم ‪ ،1911‬وصححه اللباني في مشكاة المصابيح‪ ،‬برقم ‪5789‬‬

‫‪213‬‬
‫يشتركن في أداء صلة الجماعة خلفه‪ ،‬فخوفا ً من أن تكون أم‬
‫ذلك الطفل موجودة بين المصليات فإنه كان يخفف صلته‪،‬‬
‫ويسرع بها لكي يريح قلب تلك الم"‪.1‬‬
‫يقول النبي ‪" : ‬إني لقوم في الصلة أريد أن أطول فيها‬
‫فأسمع بكاء الصبي فاتجوز في صلتي كراهية ان أشق على‬
‫أمه"‪. 2‬‬
‫ك قال‪:‬‬ ‫َ‬
‫مال ِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫س بْ َ‬‫وعن أن َ َ‬
‫َ‬ ‫ط أَ َ‬
‫ي ‪ ، ‬وَإ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫صَلة ً وََل أت َ ّ‬ ‫ف َ‬‫خ ّ‬ ‫مام قَ ّ‬
‫ٍ‬ ‫ت وََراَء إ ِ َ‬ ‫صل ّي ْ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫ه‪.‬‬‫‪3‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ُ‬
‫نأ ّ‬ ‫فت َ َ‬
‫ن تُ ْ‬‫ةأ ْ‬ ‫خاف َ‬ ‫م َ‬
‫ف َ‬‫ف ُ‬‫خ ّ‬
‫ي في ُ َ‬ ‫صب ِ ّ‬
‫معُ ب ُكاَء ال ّ‬ ‫س َ‬‫ن لي َ ْ‬ ‫كا َ‬
‫سا‪ :‬تعزيزه ‪ ‬للطفل الصادق ‪:‬‬ ‫ساد ً‬
‫فلما نزل القرآن‪ ،‬مصدًقا لكلم عمير بن سعيد‪ ،‬عندما قال قول‬
‫الصدق والحق في رجل شتم النبي ‪ ،‬أخذ النبي ‪ ‬بأذن عمير‬
‫حّييه على الصدق‪ " : -‬وفت أذنك يا‬ ‫فقال له النبي‪ - ‬وهو ي ُ َ‬
‫ك"‪.4‬‬ ‫ك َرب ُ َ‬ ‫عمير‪ ..‬وصد ّقَ َ‬
‫عا‪ :‬ملطفته‪ ‬للطفال‪:‬‬ ‫ساب ً‬
‫عن أنس بن مالك قال‪:‬‬
‫قا‪ ،‬وكان لي أخ يقال له أبو‬ ‫كان رسول الله ‪ ‬أحسن الناس خل ً‬
‫عمير‪ ،‬فكان إذا جاء رسول الله ‪ ‬فرآه قال " أبا عمير ما فعل‬
‫النغير ؟"‪.. 5‬‬
‫والنغير طائر صغير كان أبو عمير يلعب معه !‬
‫وقد ‪‬كان يصلي فإذا سجد ؛ وثب الحسن والحسين على ظهره‬
‫فإذا أراد الناس أن يمنعوهما ؛ أشار إليهم أن دعوهما ‪..‬‬
‫قال أبو هريرة ‪ :‬كنا نصلي مع رسول الله ‪ ‬العشاء فكان‬
‫يصلي‪ ،‬فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره وإذا رفع‬
‫قا‬
‫قا [ فوضعهما وضًعا رفي ً‬ ‫رأسه أخذهما ] بيده من خلفه أخذا رفي ً‬
‫دا‬
‫‪ ،‬فإذا عاد عادا فلما صلى ] وضعهما على فخذيه [ جعل واح ً‬
‫دا هاهنا ‪ ! ..‬قال أبو هريرة ‪:‬‬ ‫هاهنا وواح ً‬
‫فجئته فقلت ‪ :‬يا رسول الله أل أذهب بهما إلى أمهما ؟ قال ‪:‬‬
‫ل ‪. 6"!..‬‬
‫ثامًنا‪ :‬رحمته‪ ‬بغلم يهودي‪:‬‬
‫ل‪:‬‬‫س ‪َ ‬قا َ‬ ‫فع َ‬
‫ن أن َ ٍ‬ ‫َ ْ‬

‫‪ 1‬محمد فتح ال كولن ‪ :‬النور الخالد محمد صلى ال عليه وسلم مفخرة النسانية ‪2/33 ،‬‬
‫ي‪ ،‬برقم ‪666‬‬
‫صِب ّ‬
‫عْنَد ُبَكاِء ال ّ‬
‫لَة ِ‬
‫صَ‬‫ف ال ّ‬ ‫خ ّ‬ ‫ن َأ َ‬
‫‪ 2‬صحيح ‪ -‬رواه البخاري عن ابن ربعي‪َ ،‬باب َم ْ‬
‫ي‪ ،.‬برقم ‪،667‬‬ ‫صِب ّ‬
‫عْنَد ُبَكاِء ال ّ‬
‫لَة ِ‬ ‫صَ‬ ‫ف ال ّ‬
‫خ ّ‬ ‫‪ 3‬صحيح – رواه البخاري‪َ ،‬باب ‪َ:‬م ْ‬
‫ن َأ َ‬
‫‪ 4‬مصنف عبد الرزاق )‪ ،18304 ( 47 / 10‬والقصة معروفة في كتب السيرة‪.‬‬
‫‪ 5‬صحيح – رواه البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،5850‬و مسلم برقم ‪2150‬‬
‫‪ 6‬صحيح – السلسلة الصحيحة برقم ‪3325‬‬

‫‪214‬‬
‫َ‬
‫ي ‪ ‬ي َُعود ُهُ‬ ‫ض فَأَتاه ُ الن ّب ِ ّ‬ ‫مرِ َ‬ ‫ي ‪ ‬فَ َ‬ ‫م الن ّب ِ ّ‬ ‫خد ُ ُ‬ ‫م ي َُهود ِيّ ي َ ْ‬ ‫ن غ َُل ٌ‬‫كا َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫م" فَن َظ ََر إ َِلى أِبيهِ وَهُوَ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫عن ْد َهُ‬ ‫سل ِ ْ‬
‫ه ‪" :‬أ ْ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫سه ِ ف َ َ‬
‫عن ْد َ َرأ ِ‬ ‫قعَد َ ِ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي ‪ ‬وَهُ َ‬
‫و‬ ‫ج الن ّب ِ ّ‬ ‫خَر َ‬ ‫سل َ َ‬
‫م ‪ ،‬فَ َ‬ ‫سم ِ ‪ ‬فَأ ْ‬ ‫قا ِ‬ ‫ه أط ِعْ أَبا ال ْ َ‬ ‫ل ‪ :‬لَ ُ‬ ‫قا َ‬‫‪.‬فَ َ‬
‫ن الّناِر! !"‪. 1‬‬ ‫م ْ‬ ‫قذ َه ُ ِ‬‫ذي أ َن ْ َ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ ال ّ ِ‬ ‫ل‪ " :‬ال ْ َ‬
‫ح ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫يَ ُ‬

‫وهكذا نرى أعلى درجات الرحمة في شخصية هذا النبي الكريم‬


‫‪ ، ‬الذي يطلب من غلم يعالج سكرات الموت‪ ،‬أن ينطق‬
‫بالشهادتين في لحظاته الخيره‪ ،‬لتكونا برهانا ً لرسول الله يشفع‬
‫به أمام الله لهذا الغلم ‪ ..‬يوم القيامة !‬
‫وهذا الشعور من رسول الله ‪ ‬يبين عمق عاطفته النبيلة‬
‫الجياشة تجاه سائر البشر على اختلف عقائدهم ودياناتهم ‪.‬‬
‫إتها الرغبة الشديدة الفياضة في هداية البشر ‪ ،‬رغم جهلهم‬
‫المطبق برسالة محمد – إل من رحم الله ‪ ،-‬فهو يدعوهم إلى‬
‫الجنة‪ ،‬وهم يتفلتون منه‪ ،‬كما في حديثه‪ ،‬الذي يمّثل فيه لرحمته‬
‫ل أ َوْقَد َ َناًرا‬
‫ج ٍ‬
‫ل َر ُ‬ ‫م‪ :‬ك َ َ‬
‫مث َ ِ‬ ‫مث َل ُك ُ ْ‬
‫مث َِلي وَ َ‬
‫بتصوير رائع بليغ‪ ،‬فيقول‪َ " :‬‬
‫َ‬ ‫ب َوال ْ َ‬
‫خذ ٌ‬
‫ن ع َن َْها‪ ،‬وَأَنا آ ِ‬‫ن ِفيَها وَهُوَ ي َذ ُب ّهُ ّ‬ ‫قعْ َ‬ ‫ش يَ َ‬‫فَرا ُ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫جَناد ِ ُ‬ ‫جعَ َ‬‫فَ َ‬
‫َ‬
‫دي" ‪.‬‬‫‪2‬‬
‫ن يَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فل ُّتو َ‬
‫ن ِ‬ ‫م تَ َ‬
‫ن الّنارِ وَأن ْت ُ ْ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫جزِك ُ ْ‬‫ح َ‬‫بِ ُ‬

‫المبحث الرابع‬
‫رحمته لليتام‬
‫المطلب الول ‪ :‬النبي‪ ‬اليتيم ‪:‬‬
‫يقول جيمس متشنر عن النبي‪ ":‬ولد يتيما ً محبا ً للفقراء‬
‫والمحتاجين والرامل واليتامى"‪ 3‬ويقول"فيليب حتي" ومع أنه‬
‫ما‬‫ما فقيًرا‪ ،‬فقد كان في قلبه دائ ً‬ ‫كان في دور من أدوار حياته يتي ً‬
‫‪4‬‬
‫سعة لمؤاساة المحرومين في الحياة" ‪.‬‬
‫ومن أولى بحب اليتيم من محمد‪ ،‬وهو نبي الرحمة اليتيم‪،‬‬
‫الذي رغب في كفالة اليتام وإيوائهم‪ ،‬وهو الذي ذاق مرارة اليتم‪،‬‬
‫رم محمد ‪ ‬من أمه وأبيه‪ ،‬فلم تكتحل عيناه برؤية أبيه‪ ،‬ثم‬ ‫ح ِ‬ ‫إذ ُ‬
‫لم يلبث أن فقد أمه وهو في سنة السادسة من عمره‪ ،‬فآواه ربه‬
‫ن عليه بهذه النعمة قائ ً‬
‫ل‪:‬‬ ‫سبحانه ورباه‪ ،‬وامت ّ‬
‫ضاّل َ‬ ‫ك ي َِتيما َ َ‬ ‫َ‬
‫دى )‪(7‬‬ ‫ه َ‬
‫ف َ‬ ‫ك َ‬ ‫جدَ َ‬‫و َ‬ ‫و َ‬‫وى )‪َ (6‬‬ ‫فآ َ‬ ‫ً‬ ‫جدْ َ‬ ‫م يَ ِ‬‫‪ ‬أل َ ْ‬
‫قهر )‪َ (9‬‬ ‫غَنى )‪َ َ (8‬‬ ‫فأ َ ْ‬
‫ما‬‫وأ ّ‬ ‫َ‬ ‫فَل ت َ ْ َ ْ‬
‫م َ‬ ‫ما ال ْي َِتي َ‬
‫فأ ّ‬ ‫عائ ًِل َ‬‫ك َ‬ ‫جدَ َ‬ ‫و َ‬
‫و َ‬
‫َ‬
‫‪ 1‬صحيح – رواه البخاري ‪ ،‬برقم ‪1268‬‬
‫‪ 2‬صحيح ‪ -‬صحيح مسلم ‪ ،‬برقم ‪4236‬‬
‫‪ 3‬نقل عن ‪ :‬محمد شريف الشيباني‪ ،‬الرسول في الدراسات الستشراقية المنصفة ‪120،‬‬
‫‪ 4‬فيليب حتى‪ :‬السلم منهج حياة ‪ ،‬ص ‪.54‬‬

‫‪215‬‬
‫ث )‪، (11‬‬ ‫حدّ ْ‬ ‫ة َرب ّ َ‬
‫ك َ‬ ‫فَل ت َن ْهر )‪َ (10‬‬
‫ل َ‬
‫سائ ِ َ‬
‫ف َ‬ ‫م ِ‬ ‫ع َ‬
‫ما ب ِن ِ ْ‬
‫وأ ّ‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ال ّ‬
‫ً‬
‫وأمره بشكر هذه النعمة بأل يقهر يتيما أو يجرحه أو يهينه‪ ،‬وأن‬
‫يجبر كسر قلبه‪ ،‬ويمسح على رأسه‪ ،‬ويكون هو الب الكبر‬
‫الحنون لكل أيتام البشرية ! لسيما في أوقات كان المجتمع‬
‫ما ‪ .‬فقد ُبعث رسول الله ‪ ‬في مجتمعات ‪-‬‬ ‫قاسيا ً ل يرحم يتي ً‬
‫كما يقول سيدني فيشر‪" : -‬يعامل فيها الرامل واليتامى وسائر‬
‫الضعفاء كأنهم من سقط المتاع‪ .‬فإذا بمحمد – عليه السلم –‬
‫وهو فقير من كل ما يعتز به المل قد جاءهم بالهداية إلى الله‬
‫وإلى سبل الخلص‪ ،‬وغّير مقاييس الخلق والداب في أرجاء‬
‫البلد العربية"‪.. 1‬‬
‫فعاش سيدنا محمد‪ ‬وقد "شغل باله بحال اليتامى على‬
‫الدوام‪ 2"..‬على حد قول لويس سديو ‪.‬‬

‫وبهذا ل تنكسر نفس اليتيم ول يشعر بذّلة أو حزن حينما يرى كل‬
‫ولد بجوار أبيه يقبل بفرح إليه ‪ ،‬ويرتمي في أحضانه‪ ،‬لنه وجد‬
‫في المسلمين أكثر من واحد يصنع معه ذلك ‪.‬‬

‫ولذك نجد أن القرآن الكريم تحدث في شأن اليتيم في ثلثة‬


‫وعشرين موضعًا‪ ،‬نظرا ً لهمية تضافر المجتمع لرعاية اليتيم‪ ،‬كما‬
‫سن النبي ‪. ‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬نماذج في رحمته‪ ‬لليتيم‪:‬‬


‫ل‪ :‬ترغيبه في كفالة اليتيم ‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫ل الي‪َِ 3‬تيم ِ‬ ‫ل الله ‪" :‬أَنا وَ َ‬
‫كافِ ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل‪َ :‬قا َ‬ ‫سعْد ٍ قا َ‬
‫ن َ‬ ‫لب ِ‬‫سهْ ِ‬ ‫فعن ِ‬
‫س َ‬ ‫َ‬
‫طي" ‪..‬‬ ‫ة َوالوُ ْ‬ ‫سّباب َ َ‬ ‫ن‪ ،‬وأشا ََر بإ ِ ْ‬
‫صبعَي ْهِ ي َعِْني ال ّ‬ ‫َ‬
‫جن ّةِ ك َهَات َي ْ ِ‬‫في ال ْ َ‬
‫وهو يشمل يتامى المسلمين وغيرهم‪ ،‬كما تدل عليه صيغة‬
‫العموم‪ ،‬لن "أل" في اليتيم للجنس‪...‬‬

‫ثانًيا‪ :‬مواساته لليتامى ‪:‬‬


‫فمن أخباره ‪ ‬في هذا الجانب‪ ،‬أنه عندما قُِتل جعفر أمهل آل‬
‫فرٍ ‪ :‬فقال رسول الله‬
‫جعْ َ‬
‫ن َ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫جعفر ثلثا‪ ،‬ثم أتاهم‪ ،‬يقول ع َْبد اللهِ ب ْ ِ‬
‫‪ " :‬ل تبكوا على أخي بعد اليوم "‪ .‬ثم قال‪" :‬ادعوا لي بني‬

‫‪ 1‬سيدني فيشر ‪:‬الشرق الوسط في العصر السلمي ‪ ،‬عن العقاد‪ :‬ما يقال عن السلم ‪ ،‬ص ‪55- 54‬‬
‫‪2‬‬
‫لويس سديو ‪ :‬تاريخ العرب العام ‪ ،‬ص ‪. 110‬‬
‫‪ 3‬صحيح – رواه البخاري ‪ ،‬في الدب باب فضل من يعول يتيمًا وأبو داود في الدب باب في من ضم يتيمًا‪ ،‬رقم‬
‫‪5546‬‬

‫‪216‬‬
‫أخي "‪ .‬فجيء بنا كأّنا أفرخ فقال‪ " :‬ادعوا لي الحلق " فأمره‬
‫سول الل ّهِ ‪ ‬إلى أهله‪ ،‬قال‬ ‫‪1‬‬
‫ؤوسنا ثم لما رجع َر ُ‬ ‫فحلق ر ُ‬
‫لهم‪":‬إن آل جعفر قد شغلوا بشأن ميتهم‪ ،‬فاصنعوا لهم‬
‫طعامًا"‪.. 2‬‬
‫ثالًثا‪ :‬ترغيب النساء في تربية اليتام ‪:‬‬
‫يقول النبى ‪ ":‬أنا أول من يفتح باب الجنة فأرى امرأة تبادرنى]أى‬
‫تسابقنى[ تريد أن تدخل معى الباب فأقول لها‪ :‬من أنت؟ فتقول‪:‬‬
‫أنا امرأة قعدت على أيتام لي"‪.. 3‬‬
‫مات زوجها فأبت الزواج مع حاجتها إليه‪ ،‬وابتعدت عن مواطن‬
‫الشبهات والريبة‪ ،‬وعكفت على تربية البناء ‪ .‬هذه المرأة مكانتها‪-‬‬
‫في السلم ‪ -‬أنها تسابق النبى‪ ‬لتدخل معه الجنة!!‬
‫عا‪ :‬تحذيره من العتداء على مال اليتيم ‪:‬‬ ‫راب ً‬
‫ن اليتيم‬ ‫م إّني أحّرج حقّ الضعيفي ِ‬ ‫قال النبي ‪ r‬داعًيا ربه‪" :‬الله ّ‬
‫مرأة "‪. 4‬‬ ‫وال َ‬
‫ُ‬
‫ومعنى الحديث ‪ :‬أي ألحق الثم بمن ضّيع حقهما وأحذر من ذلك‬
‫تحذيرا ً بليغا ً ‪.‬‬
‫وعد أكل مال اليتيم من الموبقات‪ ،‬فقال النبي ‪ " : r‬اجَتنبوا‬
‫ن ؟ فذكرهن إلى أن‬ ‫ما ه ّ‬ ‫ل َيا رسو َ‬
‫ل الله و َ‬ ‫قات " قي َ‬ ‫سبعَ الموب َ‬ ‫ال ّ‬
‫‪5‬‬
‫ل الَيتيم " ‪.‬‬
‫ل ما ِ‬‫قال ‪" :‬وأك ُ‬
‫ده فيجب أن يسلم له جميع ماله ول يجوز‬ ‫فإذا بلغ اليتيم أش ّ‬
‫للوصي أن يبخس أو يأخذ منه شيئا ً إل بطيبة نفس من اليتيم بعد‬
‫أن يبلغ أشده ويحصل رشده‪ ،‬فكل تصرف في مال اليتيم ل يقع‬
‫ي عنه‪ ،‬فأكل ماله‬ ‫في دائرة ما هو أحسن فهو محظور ومنه ّ‬
‫طمعا ً فيه واستضعافا ً له محرم ومنهي عنه‪ ،‬وتجميد ماله وعدم‬
‫استثماره محرم ومنهي عنه‪ ،‬وإهماله وعدم صيانته محرم ومنهي‬
‫عنه ‪.‬‬

‫المبحث الخامس‬
‫رحمته للرامل‬
‫‪ 1‬رواه أبو داود‪ ،‬كتاب الترجل ‪ -‬باب في حلق الرأس‪ ،‬رقم ‪ . 4192‬وصححه اللباني في المشكاة برقم ‪ ،4463‬و‬
‫في صحيح وضعيف سنن أبي داود‬
‫‪ 2‬رواه ابن ماجه‪ ،‬كتاب الجنائز ‪ -‬باب ما جاء في الطعام يبعث إلى أهل الميت رقم ‪ ،1611‬وحسنه اللباني في‬
‫صحيح وضعيف سنن ابن ماجة ‪ ،‬والقصة منتشرة في كتب السيرة بعد معركة مؤتة ‪.‬‬
‫‪ 3‬صحيح ‪ -‬رواه أبو يعلى الموصلى ‪ ،‬وصححه اللبانى فى صحيح الجامع‪.‬‬
‫‪ 4‬حسن ‪ -‬رواه أحمد والنسائي وابن ماجة‪ ،‬وهو في السلسلة الصحيحة ‪ ،‬برقم ‪1015‬‬
‫‪ 5‬صحيح ‪ -‬رواه البخاري )‪ (2560‬ومسلم )‪ (129‬وغيرهما‬

‫‪217‬‬
‫المطلب الول‪ :‬حثه على السعي على الرامل‪:‬‬
‫حرمت من الزوج‪ ،‬تكون منكسرة ومجروحة‬ ‫الرملة التي ُ‬
‫الخاطر وبحاجة إلى من يعولها‪ ،‬ولهذا رغب النبي ‪r‬بجبر كسرها‪،‬‬
‫ورعايتها فكان فيقول ‪:‬‬
‫ل الله‪:‬‬ ‫سبي ِ‬ ‫"الساعي على الرملةِ والمسكين كالمجاهد ِ في َ‬
‫طر"‪.1‬‬ ‫كالقائم ل َيفُتر وكالصائم ل ُيف ِ‬
‫ما ‪ ،‬الذي يذهب‬ ‫‪2‬‬
‫مُئون َت ِهِ َ‬ ‫مل ل ِ َ‬ ‫ما ‪ :‬ال َْعا ِ‬ ‫سب ل َهُ َ‬ ‫كا ِ‬ ‫ومعنى الساعي ‪ :‬ال ْ َ‬
‫ويجيء في تحصيل ما ينفع الرملة والمسكين"‪ . .. 3‬فكافل‬
‫الرملة كالمجاهد في سبيل الله سواًء بسواء ‪..‬‬
‫َ‬
‫و‬
‫مال ‪ ،‬وَهُ َ‬ ‫ن اْل ِْر َ‬ ‫م ْ‬ ‫صل ل ََها ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫مَلة ل ِ َ‬ ‫ت أْر َ‬ ‫مي َ ْ‬ ‫س ّ‬ ‫ل ا ِْبن قُت َي َْبة ‪ُ :‬‬ ‫وَقا َ‬
‫قد ِ الّزْوج‪.4‬‬ ‫ف ْ‬ ‫هاب الّزاد ب ِ َ‬ ‫قر وَذ َ َ‬ ‫ف ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬سعيه على الرامل ‪:‬‬
‫ن أ َِبي أ َوَْفى قال‪:‬‬ ‫عن ع َب ْد َ الل ّهِ ب ْ َ‬
‫صَل َ‬
‫ة‪،‬‬ ‫ل ال ّ‬ ‫طي ُ‬ ‫و‪ ،‬وَي ُ ِ‬ ‫ل الل ّغْ َ‬ ‫ق ّ‬ ‫ل الل ّهِ ‪r‬ي ُك ْث ُِر الذ ّك َْر ‪ ،‬وَي ُ ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫" َ‬
‫َ‬ ‫ة‪ ،‬وَل يأن ُ َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫كي ِ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مل َةِ َوال ْ ِ‬ ‫معَ اْلْر َ‬ ‫ي َ‬ ‫ش َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫فأ ْ‬ ‫خط ْب َ َ َ َ َ‬ ‫صُر ال ْ ُ‬ ‫ق ّ‬ ‫وَي ُ َ‬
‫‪5‬‬
‫ة" ‪.‬‬ ‫ج َ‬
‫حا َ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫ي لَ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ق ِ‬ ‫فَي َ ْ‬
‫ل‪:‬‬‫ك َقا َ‬ ‫َ‬
‫مال ِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫س بْ ُ‬ ‫وعن أن َ ُ‬
‫ل الل ّهِ ‪r‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سو ِ‬ ‫خذ ُ ب ِي َد ِ َر ُ‬ ‫دين َةِ ل َت َأ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫ماِء أهْ ِ‬ ‫ن إِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ت اْل َ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫"إ ِ ْ‬
‫ت" ‪.‬‬‫‪6‬‬
‫شاَء ْ‬ ‫ث َ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫فَت َن ْط َل ِقُ ب ِهِ َ‬
‫ل‪:‬‬‫س َقا َ‬ ‫وع َ َ‬
‫ن أن َ ٍ‬ ‫ْ‬
‫َ‬
‫ن ِلي إ ِلي ْ َ‬
‫ك‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬ ‫َ‬ ‫ل اللهِ ‪ r‬فَ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل اللهِ إ ِ ّ‬ ‫ت َيا َر ُ‬ ‫قال ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫مَرأة ٌ إ ِلى َر ُ‬ ‫تا ْ‬ ‫جاَء ْ‬ ‫" َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ك‬‫سك َ ِ‬ ‫حي ال ّ‬ ‫وا ِ‬ ‫سي ِفي أيّ ن َ َ‬ ‫جل ِ ِ‬ ‫نا ْ‬ ‫م فَُل ٍ‬ ‫ل ل ََها ‪َ " :‬يا أ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫ة فَ َ‬ ‫ج ً‬ ‫حا َ‬ ‫َ‬
‫ي ‪ r‬إ ِل َي َْها‬ ‫َ‬
‫س الن ّب ِ ّ‬ ‫جل َ َ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫س ْ‬ ‫جل َ َ‬ ‫ل‪ :‬فَ َ‬ ‫ك " َقا َ‬ ‫س إ ِل َي ْ ِ‬ ‫جل ِ َ‬ ‫حّتى أ ْ‬ ‫ت‪َ ،‬‬ ‫شئ ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫‪7‬‬
‫جت ََها ‪.‬‬ ‫حا َ‬ ‫ت َ‬ ‫ض ْ‬ ‫حّتى قَ َ‬ ‫َ‬

‫‪ 1‬صحيح – رواه البخاري‪ ،‬باب الساعي على الرملة ‪ ،‬برقم ‪ ،4934‬ومسلم باب الحسان إلى الرملة‪ ،‬برقم‬
‫‪5295‬‬
‫‪ 2‬شرح النووي على مسلم ‪366 \9‬‬
‫‪ 3‬ابن حجر ‪ :‬فتح الباري )ج ‪ / 9‬ص ‪(366‬‬
‫‪ 4‬شرح النووي على مسلم ‪) -‬ج ‪ / 9‬ص ‪(366‬‬
‫طَبِة‪ ،‬برقم ‪ ،1397‬وصححه اللباني في صحيح وضعيف‬ ‫خ ْ‬
‫صيِر اْل ُ‬‫ن َتْق ِ‬‫ب ِم ْ‬
‫ح ّ‬ ‫‪ 5‬رواه النسائي‪،‬باب َباب َما ُي ْ‬
‫سَت َ‬
‫سنن النسائي‪.‬‬
‫‪ 6‬صحيح‪ -‬رواه البخاري البخاري‪ ،‬باب الكبر‪ ،‬برقم ‪5610‬‬
‫س َوَتَبّرِكِهْم ِبِه ‪ ،‬برقم ‪4293‬‬
‫ن الّنا ِ‬
‫لم ِم ْ‬
‫سَ‬‫عَلْيِه ال ّ‬
‫ي َ‬ ‫‪ 7‬صحيح – رواه مسلم‪ ،‬باب َباب ُقْر ِ‬
‫ب الّنِب ّ‬

‫‪218‬‬
‫الفصل السابع‬
‫رحمته ‪ r‬للضعفاء‬
‫الول ‪ :‬رحمته للفقراء‬ ‫المبحث‬
‫الثاني ‪ :‬رحمته للعبيد والخدم‬ ‫المبحث‬
‫الثالث ‪ :‬رحمته لذوي الحتياجات الخاصة‬ ‫المبحث‬
‫الرابع ‪ :‬رحمته للمسنين‬ ‫المبحث‬
‫الخامس ‪ :‬رحمته للموات‬ ‫المبحث‬

‫‪219‬‬
‫المبحث الول‬
‫رحمته للفقراء‬
‫وفي رعاية محمد ‪ ‬للفقراء والمحتاجين مظهر من مظاهر‬
‫الرحمة في شخصيته ‪ ،‬وخصوصا ً تلك الجهود المشكورة التي‬
‫بذلها في مكافحة الفقر والبطالة ‪..‬‬
‫فبعدما عاشت الجزيرة العربية حياة الطبقية ‪ ..‬الغني يأكل‬
‫الفقير‪ ،‬والقوي يبتذ الضعيف‪ ،‬ظهر سيدنا محمد ‪ ‬بدعوته التي‬
‫حققت العدالة الجتماعية متمثلة في دولة المدينة المنورة من‬
‫ناحية‪ ،‬وفي منهج السلم في مكافحة الفقر والمرض والجهل‬
‫من ناحية أخرى ‪..‬‬
‫المطلب الول ‪ :‬فضل محمد‪ ‬على الفقراء ‪:‬‬
‫كان النبي ‪ ‬رحمة حقيقة للفقراء ‪..‬‬
‫شرع‪ ،‬رحمة لهم كحاكم‪ ،‬ورحمة لهم كغني ‪،‬‬ ‫رحمة لهم كم ّ‬
‫ورحمة لهم كنبي قبل كل شيء!‬
‫يقول المستشرق السباني جان ليك‪:‬‬
‫" وقد برهن ]‪ [‬بنفسه على أن لديه أعظم الرحمات لكل‬
‫ضعيف ‪ ،‬ولكل محتاج إلى المساعدة ‪ ،‬كان محمد ]‪ [‬رحمة‬
‫حقيقة لليتامى والفقراء وابن السبيل والمنكوبين والضعفاء‬
‫والعمال وأصحاب الكد والعناء"‪.1‬‬
‫ما باًرا كأنه الريح السارية‪ ،‬ل‬
‫وكان ‪ -‬كما تقول كوبولد ‪" :-‬كري ً‬
‫يقصده فقير أو بائس إل تفضل عليه بما لديه‪ ،‬وما لديه كان في‬
‫أكثر الحايين قليل ً ل يكاد يكفيه"‪.2‬‬
‫"ومن يجهل أنه ]‪ [‬لم يعدل‪ ،‬إلى آخر عمره‪ ،‬عما يفرضه فقر‬
‫البادية على سكانها من طراز حياة وشظف عيش؟ وهو لم ينتحل‬
‫أوضاع المراء قط مع ما ناله من غنى وجاه عريض‪ ..‬وكان ]‪[‬‬
‫ل‪ ،‬وكان يأتي بالفقراء إلى بيته ليقاسمهم طعامه"‪.3‬‬ ‫ما معتد ً‬
‫حلي ً‬
‫وذات مرة " أوحى الله تعالى إلى النبي ]‪ [‬وحًيا شديد‬
‫المؤاخذة لنه أدار وجهه عن رجل فقير أعمى ليخاطب رجل ً غنًيا‬
‫من ذوي النفوذ"‪. 4‬‬
‫ويلخص واشنجتون إيرفنج السلوك المالي للنبي ‪ ‬بقوله ‪:‬‬
‫"كان الرسول ]‪ [‬ينفق ما يحصل من جزية أو ما يقع في يديه‬
‫من غنائم في سبيل انتصار السلم‪ ،‬وفي معاونة فقراء‬
‫المسلمين‪ ،‬وكثيًرا ما كان ينفق في سبيل ذلك آخر درهم في‬
‫‪ 1‬جان ليك ‪ :‬العرب ‪ ،‬ص ‪43‬‬
‫‪2‬اللدي ايفلين كوبولد‪ :‬البحث عن ال ‪ ،‬ص ‪67‬‬
‫‪ 3‬لويس سيديو ‪ :‬تاريخ العرب العام ‪ ،‬ص ‪. 103‬‬
‫‪ 4‬ليتنر ‪ :‬دين السلم ‪. 133،‬‬

‫‪220‬‬
‫قا‪ ..‬وقد‬ ‫ما أو رقي ً‬
‫بيت المال‪ ..‬وهو لم يخلف وراءه ديناًرا أو دره ً‬
‫خيره الله بين مفاتيح كنوز الرض في الدنيا وبين الخرة فاختار‬
‫الخرة !"‪.1‬‬
‫وفي يوم ازدحمت عليه العراب يطلبون المال حتى اضطروه‬
‫إلى شجرة‪ ،‬فانتزعت رداءه فقال ‪" :‬أيها الناس‪ ،‬ردوا علي ردائي‬
‫! فو الذي نفسي بيده لو كان عندي عدد شجر تهامة نعما ً‬
‫ً ‪.2‬‬
‫لقسمته عليكم‪ ،‬ثم ما ألفيتموني بخيل ً ول جبانا ً ول كذابا "‬
‫ورد على هوازن سباياهم وكانت ستة آلف‪ ،‬وأعطى العباس من‬
‫الذهب ما لم يطق حمله!‬
‫حملت إليه تسعون ألف درهم فوضعت على حصير !! فقام‬ ‫و ُ‬
‫إليها يقسمها‪ ،‬فمارد سائل ً حتى فرغ منها !‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وأعطى صفوان بن أمية غنما ً ملت واديا ً بين جبلين فقال‬


‫صفوان‪ :‬أرى محمدا ً ‪ ‬يعطى عطاء من ل يخشى الفقر !‬
‫وفي ذلك؛ نرى في شخص رسول الله ‪ ‬نموذج الحاكم المسلم‬
‫العفيف‪ ،‬الذي يتعفف عن المغانم والموال في سبيل سد أبواب‬
‫الفقر في المجتمع السلمي‪ ،‬كما أنه ‪ ‬بهذا المسلك يكون‬
‫قدوة وأسوة للغنياء‪ ،‬فيكون محفزا ً لهم على البذل والنفاق‬
‫فوق الزكاة المفروضة‪..‬‬
‫جا‪:‬‬‫المطلب الثاني ‪ :‬نظام الزكاة – نموذ ً‬
‫وفي نظام الزكاة رحمة عملية للفقراء ‪..‬‬
‫حصل زكاة المال من الغنياء لتردها إلى‬ ‫فالحكومة السلمية ت ّ‬
‫فقراء الشعب‪..‬‬
‫ي ‪ ‬معاذ َ بن جبل إلى اليمن ‪ ،‬أوصاه الرسول ‪‬‬ ‫فلما َبعث النب ُ‬
‫قائل ً ‪ " :‬أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم‬
‫فترد على فقرائهم فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم‬
‫واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب"‪.. 4‬‬
‫وتعرف الزكاة بأنها الجزء المخصص للفقير والمحتاج من أموال‬
‫الغنى ‪ .‬وتحسب الزكاة كنسبة ‪ %2.5‬من المدخرات السنوية إذا‬
‫تعدت قيمة معينة تعرف بالنصاب ‪.‬‬
‫والزكاة مشتقة في اللغة العربية من زكا والتى تعنى النماء‬
‫والطهارة والبركة‪ .‬فإخراج الزكاة طهرة لموال المسلم وقربة‬
‫حا ‪.‬‬
‫إلى الله تعالى يزداد بها ومجتمعه بركة وصل ً‬

‫‪ 1‬واشنجتون إيرفنج ‪ :‬حياة محمد ‪ ،‬ص ‪303‬‬


‫‪ 2‬صحيح ـ صححه اللباني في تخريجح كتاب فقه السيرة لمحمد الغزالي ص ‪.392‬‬
‫‪ 3‬انظر‪ :‬ابن سيد الناس‪ :‬عيون الثر‪ ،‬ج ‪ / 2‬ص ‪.422 ،421‬‬
‫‪ 4‬صحيح ـ وهو في الرواء‪ ،‬وصححه اللباني في تخريج مشكلة الفقر‪ ،‬ص ‪.36‬‬

‫‪221‬‬
‫إذ ينظر السلم إلى مال المسلم الغني كأمانة استأمنه الله‬
‫عليها ينبغي عليه أن يؤدى حقها ويستعملها فيما يرضى الله‬
‫تعالى ‪.‬‬

‫والزكاة في السلم هى أول نظام عرفته البشرية لتحقيق‬


‫الرعاية للمحتاجين والعدالة الجتماعية بين أفراد المجتمع حيث‬
‫يعاد توزيع جزء من ثروات الغنياء على الطبقات الفقيرة‬
‫والمحتاجين ‪.‬‬
‫وخول "الفقراء حق أخذها إذا امتنع الغنياء من دفعها طوعًا"‪،‬‬
‫كما بين "ليورودتن"‪. 1‬‬

‫وتؤدى الزكاة إلى زيادة تماسك المجتمع وتكافل أفراده والقضاء‬


‫على الفقر وما يرتبط به من مشاكل اجتماعية واقتصادية‬
‫وأخلقية إذا أحسن استغلل أموال الزكاة وصرفها لمستحقيها ‪.‬‬
‫وفي الزكاة يقول "ول ديورانت" ‪:‬‬
‫حا فرض على الغنياء من‬ ‫"‪ ..‬لسنا نجد في التاريخ كله مصل ً‬
‫)الضرائب(‪ 2‬ما فرضه عليهم محمد ]‪ [‬لعانة الفقراء‪. "..‬‬
‫‪3‬‬

‫صل "جاك ريسلر" القول في فضائل الزكاة فيقول ‪:‬‬ ‫ويف ّ‬


‫"كانت الزكاة قبل كل شيء عمل ً تعاونًيا حًرا وإدارًيا ينظر إليه‬
‫على أنه فضيلة كبرى‪" .‬وفي تنظيم جماعة )المدينة( اعتد النبي ]‬
‫‪ [‬هذا العمل الخير كضريبة شرعية إجبارية لصالح الفقراء‬
‫والمعوزين‪ .‬وسيتحول فيما بعد هذا النظام وسيتولد عنه هيئة من‬
‫موظفين وبيت مال‪ ..‬لكن إذا كانت الدولة قد صنعت هذا العمل‬
‫الخّير مصدًرا لمواردها‪ ،‬فإن مبدأ الزكاة ظل – بفضل القرآن –‬
‫فضيلة مارسها المسلمون تلقائًيا بوصفه واجًبا دينًيا‪ .‬وينبغي أن‬
‫نزجي الثناء لمحمد ]‪ [‬فقد كان أول من شرع ضريبة تجبى من‬
‫الغنياء للفقراء‪ ،‬هكذا أوجد القرآن الرحمة الجبارية !" ‪. 4‬‬
‫وما أجمل ما قاله بنكمرت‪ 5‬في وصفه لنظام الزكاة‪ ،‬حين قال ‪:‬‬
‫"لم أجد ديًنا وضع للزكاة تشريًعا شامل ً كالسلم‪ .‬والمجتمع‬
‫السلمي الذي يحرص على إخراج الزكاة يخلو من الفقر‬
‫والحرمان والتشرد‪ ..‬إنني أتصور لو أن العالم كله اهتدى إلى‬
‫‪ 1‬انظر‪ :‬محمد شريف الشيباني‪ :‬الرسول في الدراسات الستشراقية المنصفة‪ ،‬ص ‪176‬‬
‫‪ 2‬الصحيح ‪ :‬الزكاة والصدقات‬
‫‪ 3‬ول ديورانت ‪ :‬قصة الحضارة ‪.59 / 13 ،‬‬
‫‪ 4‬جاك ريسلر ‪ :‬الحضارة العربية‪ ،‬ص ‪43‬‬
‫‪ 5‬بريشا بنكمرت )عثمان عبد ال ( ‪ :‬تربوي ‪ ،‬بمملكة تايلند‪ ،‬نشأ في أسرة بوذية‪ ،‬راح يبحث‪ ،‬بعد إكمال‬
‫دراسته‪ ،‬عن دين يجدر أن يكون "دين البشرية ودين الحياة"‪ ،‬كما يصفه‪ ،‬وفي مطلع عام ‪ 1971‬أعلن إسلمه‪،‬‬
‫وغير اسمه إلى عثمان عبد ال‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫السلم لما بقي على ظهر الرض جائع أو محروم ! ! والمجتمع‬
‫المسلم الذي يلتزم بأحكام السلم وآدابه مجتمع نظيف سعيد‬
‫‪1‬‬
‫تنعدم فيه الجرائم بكافة ألوانها‪".‬‬
‫من ناحية أخرى ‪ ،‬فقد حذر سيدنا محمد ‪‬من مغبة منع الزكاة‬
‫وتوعد مانع الزكاة بالعذاب الشنيع يوم القيامة‪ ،‬فقال ‪‬‬
‫"من آتاه الله مال فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع‬
‫] نوع من الثعابين [ له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ‬
‫بلهزمتيه ) يعني شدقيه ( ثم يقول ‪ :‬أنا مالك أنا كنزك "‪ ..‬ثم تل‬
‫النبي ]‪ ]‬ول يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله‬
‫هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة‬
‫‪] ‬آل عمران ‪ :‬الية ‪.2" [180‬‬
‫وقال مرغبل ً في فريضة الزكاة ‪":‬من أدى زكاة ماله فقد ذهب‬
‫عنه شره"‪.3‬‬
‫وقال ‪" ‬ثلث من فعلهن فقد طعم طعم اليمان ‪ :‬من عبد الله‬
‫وحده‪ ،‬وعلم أن ل إله إل الله‪ ،‬وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه‬
‫رافدة عليه كل عام ولم يعط الهرمة ول الدرنة ول المريضة ول‬
‫الشرط اللئيمة ولكن من وسط أموالكم فإن الله لم يسألكم‬
‫خيره ولم يأمركم بشره"‪.4‬‬
‫وقال‪" :‬من أعطاها مؤتجرا فله أجرها ‪ ،‬ومن منعها فأنا آخذها‬
‫وشطر ماله غرمة من غرمات ربنا ‪ .‬ليحل لل محمد منها‬
‫شيء"‪.5‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬دوره ‪ ‬في مكافحة البطالة ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬ترسيخ قيم العمل والنتاج ‪:‬‬
‫لقد رسخ سيدنا محمد ‪ ‬في المجتمع بتعاليمه الغزيرة قي ً‬
‫ما‬
‫اجتماعية وتنموية جليلة كالنتاجية والعمل‪.‬‬
‫فكرس في نفوس المسلمين بغض العطلة‪ ،‬وحب التكسب من‬
‫عرق الجبين‪..‬‬
‫فكان رسول الله ‪ ‬يمقت أن يرى الرجل ل شغل له‪ ،‬وقد فضل‬
‫‪ ‬ثواب العامل من أجل لقمة العيش على العابد العاكف في‬
‫المسجد‪ ،‬بل عد الساعي على إطعام بطنه وبطون أهله من‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬عرفات كامل العشي ‪ :‬رجال ونساء أسلموا ‪115 / 3 ،‬‬


‫‪ 2‬صحيح ـ أخرجه البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،1315‬والنسائي برقم ‪ 8307‬وأحمد‪ ،‬برقم ‪ 8307‬عن أبي هريرة‪.‬‬
‫‪ 3‬حسن لغيره ‪ -‬رواه الطبراني في الوسط واللفظ له‪ ،‬وابن خزيمة في صحيحه والحاكم مختصرا‪ " :‬إذا أديت‬
‫زكاة مالك فقد أذهبت عنك شره " وقال صحيح على شرط مسلم‪ ،‬وقال اللباني في صحيح الترغيب والترهيب‪،‬‬
‫صحيح لغيره‪ ،‬برقم ‪.743‬‬
‫‪ 4‬صحيح لغيره – رواه ابو داوود‪ ،‬برقم ‪ ،1349‬والبيهقي في شعب اليمان يرقم ‪ ،3148‬وقال اللباني في‬
‫صحيح الترغيب والترهيب ‪:‬صحيح لغيره‪ ،‬برقم ‪750‬‬
‫‪ 5‬حسن – رواه النسائي برقم ‪ ،2401‬وأحمد برقم ‪ ،19183‬وحسنه اللباني في تخريج مشكلة الفقر‪ ،‬برقم ‪.64‬‬

‫‪223‬‬
‫الحلل كالخارج في سبيل الله ‪ .‬ونراه في أكثر من موضع يحبذ‬
‫لكل مسلم فقير أن يحفظ ماء وجهه من سؤال الناس والفضل‬
‫له أن يخرج يتكسب من أي وسيلة مشروعة‪ ،‬ولو في جمع‬
‫الحطب ‪..‬‬
‫فقال ‪ - ‬مشجعا ً على العمل منفًرا من البطالة ي ‪":‬لن يأخذ‬
‫أحدكم أحبله‪ ،‬فيأتي بحزمة من حطب على ظهره؛ فيبيعها فيكف‬
‫بها وجهه؛ خير له من أن يسأل الناس أعطوه أم منعوه"‪.1‬‬
‫قال العلمة القرضاوي ‪:‬‬
‫"فبين الحديث أن مهنة الحتطاب على ما فيها من مشقة‪ ،‬وما‬
‫يحوطها من نظرات الزدراء‪ ،‬وما يرجى منها من ربح ضئيل‪ ،‬خير‬
‫من البطالة وتكفف الناس"‪. 2‬‬
‫ثانًيا ‪ :‬قضاء حوائج العاطلين ‪:‬‬
‫تجده ‪ ‬يفكر ويخطط لشاب فقير بحيث يوفر له‪ ‬فرصة‬
‫عمل يتكسب منها ‪..‬‬
‫فعن أنس بن مالك‪ :‬أن رجل ً من النصار أتى النبي ‪‬يسأله‬
‫)الصدقة(‪ ،‬فقال " أما في بيتك شىء ؟ " قال‪ :‬بلى ‪ ،‬حلس‬
‫نلبس بعضه ونبسط بعضه ‪ ،‬وقعب نشرب فيه من الماء ‪ .‬قال "‬
‫ائتني بهما " قال‪ :‬فأتاه بهما‪ ،‬فأخذهما رسول الله ‪ ‬بيده وقال‬
‫" من يشتري هذين " ؟ قال‪ :‬رجل أنا آخذهما بدرهم‪ .‬قال ‪":‬‬
‫من يزيد على درهم ؟ " مرتين أو ثلثا ‪ .‬قال رجل ‪ ":‬أنا آخذهما‬
‫بدرهمين "‪ .‬فأعطاهما إياه ‪ ،‬وأخذ الدرهمين فأعطاهما‬
‫ما فانبذه إلى أهلك ‪ ،‬واشتر‬‫النصاري‪ .‬وقال " اشتر بأحدهما طعا ً‬
‫بالخر قدوما فأتني به " فأتاه به‪ .‬فشد فيه رسول الله ‪‬عو ً‬
‫دا‬
‫بيده ثم قال له‪" :‬اذهب فاحتطب وبع ول أرينك خمسة عشر‬
‫ما " ‪ .‬فذهب الرجل يحتطب ويبيع‪ ،‬فجاء وقد أصاب عشرة‬ ‫يو ً‬
‫ما ‪ .‬فقال رسول الله‬ ‫دراهم‪ ،‬فاشترى ببعضها ثوًبا‪ ،‬وببعضها طعا ً‬
‫‪ " :‬هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم‬
‫القيامة ‪ .‬إن المسألة ل تصلح إل لثلثة لذي فقر مدقع ] الفقر‬
‫الشديد [ أو لذي غرم مفظع‪ ،‬أو لذي دم موجع "‪.3‬‬
‫فانظر كيف خطط النبي ‪‬لهذا الشاب ‪ ،‬بحيث يوفر له النبي‬
‫‪‬فرصة عمل يتكسب منها‪.‬‬
‫ثالًثا‪ :‬تحريمه‪ ‬البطالة ‪:‬‬

‫‪ 1‬صحيح البخاري‪ ،‬رقم ‪ ،1933‬وابن ماجه برقم ‪1826‬‬


‫‪ 2‬يوسف القرضاوي‪ :‬مشكلة الفقر وكيف عالجها السلم‪40 ،‬‬
‫‪ 3‬رواه أبو داود‪ ،‬برقم ‪ ،1398‬وابن ماجه ‪ ، 2189‬وضعفه اللباني ‪.‬‬

‫‪224‬‬
‫هذا‪ ،‬ولقد حارب سيدنا محمد ‪ ‬كل مظاهر البطالة‪ ،‬والخفاق‬
‫عن التكسب‪ ،‬بشتى الطرق‪ ،‬ليسد كل باب أمام انتشار الفقر‬
‫في المجتمع ‪..‬‬
‫فقلد حرم النبي ‪ ‬البطالة مع القدرة على العمل‪ ،‬والحاجة إلى‬
‫الكسب لقوته وقوت من يعوله‪ ،‬وفي هذا يقول النبي ‪" : ‬إن‬
‫الله يكره الرجل البطال"‪ " ،‬والبطالة تقسي القلب"‪. 1‬‬
‫عا‪ :‬ترغيبه‪ ‬في الزراعة ‪:‬‬ ‫راب ً‬
‫ونراه يرغب في الزراعة في أحاديث مباركة ‪ ،‬مثل قوله ‪:‬‬
‫ل منه ط َير أوَ‬ ‫ْ‬ ‫"ما من مسل ِم يزرع ُ زر ً َ‬
‫ٌْ ْ‬ ‫سا‪ ،‬فَي َأك ُ ُ ِ ْ ُ‬ ‫س غ َْر ً‬ ‫عا أوْ ي َغْرِ ُ‬ ‫َ ِ ْ ُ ْ ٍ َْ َ َ ْ‬
‫‪2‬‬
‫ة" ‪.‬‬ ‫صد َقَ ٌ‬ ‫َ‬ ‫ة إ ِّل َ‬ ‫إنسا َ‬
‫ه ب ِهِ َ‬ ‫نل ُ‬ ‫كا َ‬ ‫م ٌ‬
‫ن أوْ ب َِهي َ‬ ‫ِْ َ ٌ‬
‫سا‪ :‬ترغيبه‪ ‬في الصناعة ‪:‬‬ ‫خام ً‬
‫ويرغب في الصناعة‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ما قَ ّ‬ ‫" ما أ َك َ َ َ‬
‫ي‬
‫ن ن َب ِ ّ‬‫ل ي َد ِهِ وَإ ِ ّ‬‫م ِ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬‫ل ِ‬ ‫ن ي َأك ُ َ‬‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫خي ًْرا ِ‬ ‫ط َ‬ ‫حد ٌ ط ََعا ً‬ ‫لأ َ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪3‬‬
‫ه" ‪.‬‬
‫ل ي َد ِ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ُ‬
‫ن ي َأك ُ‬ ‫َ‬
‫سلم ‪-‬كا َ‬ ‫د‪ -‬ع َلي ْهِ ال ّ‬ ‫داوُ َ‬ ‫الل ّهِ َ‬
‫سا‪ :‬ترغيبه ‪‬في التجارة ‪:‬‬ ‫ساد ً‬
‫ل‪:‬‬ ‫ويرغب في التجارة‪ ،‬قائ ً‬
‫‪4‬‬
‫داِء" ‪.‬‬ ‫شه َ َ‬ ‫ن َوال ّ‬ ‫قي َ‬
‫دي ِ‬ ‫ص ّ‬‫ن َوال ّ‬ ‫معَ الن ّب ِّيي َ‬ ‫ن َ‬ ‫مي ُ‬‫دوقُ اْل َ ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫جُر ال ّ‬ ‫" الّتا ِ‬
‫ج ِفي‬ ‫خُرو ِ‬ ‫وقد صنف المام البخاري بابًا‪ ،‬تحت عنوان ‪َ :‬باب ال ْ ُ‬
‫ن فَ ْ‬ ‫َْ‬ ‫ل الل ّهِ ت ََعاَلى" َفان ْت َ ِ‬
‫ل‬
‫ض ِ‬ ‫م ْ‬‫ض َواب ْت َُغوا ِ‬ ‫شُروا ِفي الْر ِ‬ ‫جاَرةِ وَقَوْ ِ‬ ‫الت ّ َ‬
‫الل ّهِ " ‪.‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫رحمته للعبيد والخدم‬
‫تتمثل رحمته‪ ‬للعبيد في عدة جوانب‪ ،‬أهمها أنه ساهم بشكل‬
‫كبير تحرير العبيد‪ ،‬فضيق ‪‬مصادر السترقاق ووسع منافذ‬
‫التحرير‪ ،‬كما جعل للعبيد حقوًقا وواجبات وأمر بالرفق بهم‬
‫وبالخدم‪ ،‬فهم على أقل الحوال إخوننا في النسانية ‪.‬‬

‫المطلب الول ‪ :‬تحرير العبيد‬


‫لقد كانت دعوة النبي ‪ ‬دعوة لحرية النسان ‪ ،‬والقضاء على‬
‫العبودية ‪ ،‬فقرر الحرية النسانية وجعلها من دلئل تكريم الخالق‬
‫للنسان‪ ،‬ولذا رأيناه‪ ‬يول عناية خاصة لتحرير الرقاء ‪ ،‬عن‬
‫طريق إلغاء مصادر الرق أول ً ‪ ،‬و تشجيع المسلمين على تحرير‬

‫‪ 1‬رواه القضاعي‪ ،‬في مسند الشهاب من حديث عبد ال بن عمرو‪ ،‬برقم ‪..278‬‬
‫‪ 2‬صحيح – رواه أحمد ‪ 12038‬عن أنس ‪ ،‬قال شعيب الرنؤوط ‪ :‬إسناده صحيح على شرط الشيخين‬
‫عَمِلِه ِبَيِدِه‪.‬‬
‫ل َو َ‬
‫جِ‬‫ب الّر ُ‬
‫س ِ‬
‫عْنُه‪َ ،‬باب َك ْ‬
‫ل َ‬
‫ي ا ُّ‬
‫ضَ‬‫‪ 3‬صحيح – رواه البخاري ‪ 1930‬عن اْلِمْقَداِم َر ِ‬
‫‪4‬حسن ‪ -‬رواه الترمذي عن أبي سعيد‪ ،‬برقم ‪ 1130‬وحسنه ‪. .‬‬

‫‪225‬‬
‫عبيدهم‪ ،‬انطلقا ً من قاعدة أن من أعتق عبدا ً أعتق الله له بكل‬
‫عضو عضوا ً من أعضائه من عذاب النار‪.1‬‬
‫ومن ثم نظم السلم أحكام الرق‪ ،‬بحيث تضيق في أسباب‬
‫حدوث الرق‪ ،‬وتوسع في أساليب العتق‪ ،‬ولذلك ‪ -‬كما يقول إميل‬
‫درمنغم ‪" - :‬ع ُد ّ فك الرقاب من الحسنات ومكفًرا لبعض‬
‫السيئات"‪. 2‬‬
‫ويذكر آدم متز‪ 3‬أهم أساليب العتق في السلم – مبينا ً أن العتق‬
‫يعد مبدأ من مبادىء السلم ‪ ، -‬فيقول ‪" :‬كان في السلم مبدأ‬
‫في مصلحة الرقيق‪ ،‬وذلك أن الواحد منهم كان يستطيع أن‬
‫يشتري حريته بدفع قدر من المال‪ ،‬وقد كان للعبد أو الجارية‬
‫الحق في أن يشتغل مستقل ً بالعمل الذي يريده‪ ..‬وكذلك كان من‬
‫البر والعادات المحمودة أن يوصي النسان قبل مماته بعتق بعض‬
‫العبيد الذين يملكهم"‪. 4‬‬
‫وكان الرسول في مجتمعه السلمي إماما ً في إقرار مبدأ تحرير‬
‫دا ‪ ،‬وسمح لهم‬ ‫العبيد ‪ ،‬حتى أن أسرى الحرب لم يعتبرهم عبي ً‬
‫‪5‬‬
‫بدفع الفدية أو تعليم أبناء المسلمين لفك أسرهم ‪.‬‬
‫فلم يبق ]‪ [‬أيما عبد على عبوديته ‪ .‬فما إن يؤول إليه عبد‬
‫رقيق‪ ،‬حتى يسارع إلى إعتاقه‪.6‬‬
‫بل رفع ‪ ‬من شأن العبيد حتى جعل النبي‪- ‬كما يقول نظمي‬
‫لوقا‪" - 7‬العبدان والحابيش سواسية وملوك قريش !"‪. 8‬‬

‫ومن هنا وقفت قيادات قريش الرستقراطية في وجه الدعوة‬


‫التي ترنو إلى تحرير العبيد وتنادي بالمساواة التامة بينهم وبين‬
‫السادة‪ ،‬ولقد كانت قيادات مكة تساوم قائد الدعوة على طرد‬
‫هؤلء العبيد مقابل إقرار قيادات مكة بالسلم‪ ،‬ومن َثم نزل‬
‫القرآن الكريم محذًرا رسول الله أن يترك العبيد أو أن يطردهم‪،‬‬
‫وهم الذي بذلوا الغالي والنفيس في سبيل الدعوة‪ ،‬ويدعون ربهم‬

‫‪1‬عن أبي هريرة عن النبي ‪-‬صلى ال عليه وسلم – قال‪ ":‬من أعتق رقبة مؤمنة أعتق ال بكل إرب منها إربًا منه‬
‫من النار" )الرب هو العضو (‪ ،‬صحيح مسلم‪ ،‬باب فضل العتق‪ ،‬حديث رقم ‪1509‬‬
‫‪ 2‬اميل درمنغم ‪:‬حياة محمد‪290 ،‬‬
‫‪ 3‬آدم متز )‪ : (1917-1869‬باحث ألماني‪ ،‬عين أستاًذا للغات السامية‪ ،‬في جامعة بازل بسويسرا‪ ،‬وقد تخصص‬
‫بالدب العربي في العصر العباسي‪ .‬من آثاره‪) :‬نهضة السلم في القرن الرابع الهجري( )‪ ،(1922‬وقد ترجم‬
‫إلى العربية بعنوان‪) :‬الحضارة السلمية في القرن الرابع الهجري(‪.‬‬
‫‪ 4‬ا آدم متز ‪ :‬الحضارة السلمية في القرن الرابع الهجري‪. 290 / 1 ،‬‬
‫‪ 5‬انظر‪ :‬محمد شريف الشيباني‪ ،‬الرسول في الدراسات الستشراقية المنصفة‪119 ،‬‬
‫ل عن ‪ :‬محمد شريف الشيباني‪ :‬الرسول في الدراسات الستشراقية المنصفة‪119 ،‬‬ ‫‪ 6‬مولنا محمد علي ‪ :‬نق ً‬
‫‪ 7‬د‪ .‬نظمي لوقا ‪ :‬كاتب نصراني من مصر‪ .‬يتميز بنظرته الموضوعية ‪ ..‬كثيًرا ما كان يحضر مجالس شيوخ‬
‫المسلمين ويستمع بشغف إلى كتاب ال وسيرة النبي صلى ال عليه وسلم ‪ .‬بل إنه حفظ القرآن الكريم ولم يتجاوز‬
‫العاشرة من عمره‪ .‬ألف عدًدا من الكتب أبرزها )محمد الرسالة والرسول(‪ ،‬و)محمد في حياته الخاصة(‪.‬‬
‫‪ 8‬نظمي لوقا‪:‬محمد الرسالة والرسول‪ ،‬ص ‪185‬‬

‫‪226‬‬
‫حا ومساًء‪ ،‬يريدون ببذلهم وجه الله تعالى‪ ،‬ل‬ ‫الواحد الحد صبا ً‬
‫ها كما يبتغي غالبية السادة‪ ..‬فقال الله تعالى‪:‬‬ ‫يبتغون منصًبا أو جا ً‬
‫ن‬
‫دو َ‬‫ري ُ‬
‫ي يُ ِ‬
‫ش ّ‬ ‫داةِ َوال ْعَ ِ‬‫ن َرب ُّهم ِبال ْغَ َ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬
‫ذي َ‬ ‫معَ ال ّ ِ‬‫ك َ‬ ‫س َ‬ ‫ف َ‬‫صب ِْر ن َ ْ‬‫}َوا ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫َ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا وَل ت ُط ِعْ َ‬ ‫ْ‬
‫ة ال َ‬ ‫ريد ُ ِزين َ َ‬ ‫م تُ ِ‬‫ك ع َن ْهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ه وَل ت َعْد ُ ع َي َْنا َ‬ ‫جه َ ُ‬ ‫وَ ْ‬
‫مُره ُ فُُرطًا{ ]الكهف‪:‬‬ ‫َ‬ ‫أ َغ ْ َ‬
‫نأ ْ‬ ‫واه ُ وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫عن ذ ِك ْرَِنا َوات ّب َعَ هَ َ‬ ‫ه َ‬ ‫فل َْنا قَل ْب َ ُ‬
‫‪ ،[28‬إن هؤلء العبيد ‪-‬في الشرع السلمي السمح‪ -‬هم أعظم‬
‫سا‪ ،‬من هؤلء السادة‬ ‫قيمة وأكثر بركة وأرق أفئدة وأطهر نف ً‬
‫الذين يستعبدون الناس‪ ،‬ويتجبرون في الرض بغير الحق‪ ..‬هؤلء‬
‫العبيد نزل من أجلهم المر من السماء إلى رائد الدعوة ‪‬بأن‬
‫يضعهم في عينيه! بل نزل التحذير من الله لرسوله‪ ‬من أن‬
‫يلتفت عن العبيد إلى زينة الكبراء‪ ،‬أو أن يتلهى عن العبد ويطيع‬
‫السيد المارق‪.‬‬

‫أما العبيد فقد وجدوا الكرامة والحرية‪ ،‬في تعاليم السلم‬


‫الصلحية‪ ،‬وفك رقابهم من طوق الفقر والذل‪ ،‬وخلصهم من‬
‫عبادة الحجارة وسياط السادة‪ .‬بل جعل منهم سادات المسلمين‪،‬‬
‫حتى ُأثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه تعلي ً‬
‫قا على حادثة‬
‫شراء أبو بكر لبلل بن رباح رضي الله عنهما ليعتقه من الرق‬
‫فقال‪" :‬سيدنا وأعتق سيدنا!"‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬فرية سن السترقاق‪:‬‬


‫ورغم جهود محمد ‪ ‬في تحرير العبيد إل أن بعض الحاقدين‬
‫زعموا أن محمدا ً ‪ ‬سن السترقاق!‬
‫ونحن نترك العلمة" ليتنر" يرد على هذه الفرية‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫"‪ ..‬إنا نرى الغبياء من النصارى يؤاخذون دين السلم كأنه هو‬
‫ض على عتق‬ ‫دا ]‪ [‬قد ح ّ‬ ‫ن السترقاق‪ ،‬مع أن محم ً‬ ‫الذي قد س ّ‬
‫‪1‬‬
‫الرقاب‪ ،‬وهذه أسمى واسطة لبطاله حقيقة" ‪..‬‬
‫ً‬ ‫‪2‬‬
‫كذلك يتحدث الكاتب الفرنسي "فانسان مونتييه" ‪ ،‬مستنكرا هذه‬
‫الشبيهة على أصحابها‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫ت قبل السلم‬ ‫جد َ ْ‬‫" إنهم يتهمون السلم بظاهرة الَرقّ التي وُ ِ‬
‫طبقت تعاليمه كان يسعى‬ ‫وليس بعده‪ ،‬بل حين انتشر السلم و ُ‬
‫فارات للذنوب التي يقدم عليها‬ ‫للغاء الّرق‪ ،‬بل إن كثيرا ً من الك ّ‬
‫ده السلم تقربا ً وطاعة لله"‪..3‬‬ ‫المرء هو تحرير الرقاب الذي ع َ ّ‬

‫‪ 1‬ليتنر ‪:‬دين السلم ‪ ،‬ص ‪. 7‬‬


‫‪ 2‬شغل منصب أستاذ اللغة العربية والتاريخ السلمي بجامعة باريس‪ ،‬وشغل منصب رئيس "مؤسسة الدراسات‬
‫السلمية في "داكار"‪ ،‬وله عدة دراسات منها‪ :‬كتاب "الرهاب الصهيوني"‪" ،‬والمسلمون في التحاد‬
‫السوفيتي"‪ ،‬وكتاب "السلم في إفريقيا السوداء"‪ ،‬كما قد قام بترجمة ابن خلدون إلى الفرنسية‪.‬‬
‫‪ 3‬انظر‪ :‬عرفات كامل العشي‪ :‬رجال ونساء أسلموا‪231 ،‬‬

‫‪227‬‬
‫ويتحدث كويليام‪ 1‬عن هذه الرويات التي اختلقها الحاقدون‪،‬‬
‫وزعموا أن محمدا ً‪ ،‬سن السترقاق والخناسة ‪ ..‬فيقول ‪:‬‬
‫"إن روايات كهذه مجردة بالمرة عن الحقيقة‪ ،‬ل يمكن تصديقها‬
‫وتصور وقوعها"‪ .. 2‬ويدلل على حقيقة أن محمدا ً ‪ ‬له الفضل‬
‫في القضاء على النخاسة في الجزيرة العربية‪ ،‬فيضرب مثال ً‬
‫بمناطق شرق ووسط أفريقيا‪ ،‬التي تفشت فيها مظاهر النخاسة‬
‫والسترقاق‪ ،‬ويبين أن السبب في تفشي هذه المظاهر في هذه‬
‫المناطق هو "لن السلم لم يدخل فيها ! ! وبرهان ذلك أن‬
‫السلم من خصائصه إبطال النخاسة إبطال ً دائ ً‬
‫ماً"‪.. 3‬‬
‫رغم أن تجار النخاسة والرق – كما يقول ادوار بروي – كانوا "من‬
‫الوربيين"‪ .. 4‬ومن ثم‪" ..‬توقفت حركة التطور في البلدان‬
‫]الفريقية[ على أثر العبث الذريع الذي أحدثه في تلك الرجاء‬
‫تجار النخاسة والرق من الوربيين "‪.5‬‬

‫وإذا قيل‪ :‬إن السلم لم يلِغ الرق والتجار بالبشر إلغاًء كامل ً رغم‬
‫عظم مجهودات نبي النسانية ‪ ‬في مكافحة السترقاق‪..‬‬
‫فجواب ذلك أن الدولة السلمية وحدها ل تستطيع أن تقضي‬
‫ما على عادة السترقاق والتجار بالبشر‪ ،‬وذلك لعدة أساب‬ ‫تما ً‬
‫وجيهة ومنطقية‪..‬‬

‫السبب الول‪ :‬أن مظاهر السترقاق والتجار بالبشر كانت‬


‫متأصلة ومنتشرة في المجتمعات النسانية‪ ،‬العربية وغير العربية‪،‬‬
‫منذ قديم الزمن‪ ،‬فكان على الشرع السلمي ‪-‬كعادته‪ -‬أن‬
‫يستخدم التدرج في القضاء على المنكرات والعراف الفاسدة‪،‬‬
‫فضّيق منافذ السترقاق ووسع أبواب العتق‪.‬‬

‫السبب الثاني‪ :‬أن هذه العادات كانت قبل ظهور السلم بمثابة‬
‫العراف الدولية‪ ،‬فقد كانت جميع الدول والمبراطوريات ‪-‬دون‬
‫استثناء‪ -‬تمارس السترقاق والتجار بالبشر‪ ،‬ومن َثم فإن القضاء‬
‫على الرق يحتاج إلى اتفاق دولي عام‪ ،‬يلزم الجميع بمنع‬
‫السترقاق أو التجار بالبشر‪ ..‬ومعلوم أن الدولة السلمية أيام‬

‫‪ 1‬مفكر إنكليزي‪ ،‬ولد سنة ‪ ،1856‬وأسلم سنة ‪ ، 1887‬وتلقب باسم ‪) :‬الشيخ عبدال‬
‫كويليام‪ ،‬ومن آثاره ‪) :‬العقيدة السلمية ( )‪ ، (1889‬و )أحسن الجوبة(‪.‬‬
‫‪ 2‬عبد ال كويليام ‪ :‬العقيدة السلمية ‪ ،‬ص ‪26‬‬
‫‪ 3‬عبد ال كويليام العقيدة السلمية ‪ ،‬ص ‪26‬‬
‫‪ 4‬ادوار بروي ‪:‬تاريخ الحضارات العام ‪564 / 3‬‬
‫‪ 5‬ادوار بروي ‪:‬تاريخ الحضارات العام ‪564 / 3‬‬

‫‪228‬‬
‫النبي ‪ ‬لم تكن من القوة والنتشار بالقدر الذي يسمح لها بمنع‬
‫هذه العادات‪.‬‬

‫السبب الثالث‪ :‬أن الناس كانوا حديثي عهد بالسلم‪ ،‬وإذا أصدرت‬
‫الدولة قراًرا بمنع الرق؛ فسوف يقع حرج شديد على هؤلء‬
‫الناس الذين أصبحت تجاراتهم وأعمالهم تقوم على كاهل هؤلء‬
‫العبيد‪ ..‬فكان على النظام السلمي أن يأخذ بمبدأ التدرج في‬
‫منع السترقاق والتجار بالبشر‪.‬‬

‫السبب الرابع‪ :‬أن الدولة السلمية لم تكن تمتلك من المكانيات‬


‫القتصادية والمالية بحيث تتمكن من كفالة هؤلء العبيد بعد‬
‫تحريرهم‪ ،‬أو حتى توفير فرص عمل لهم جميًعا‪ ،‬فمن المعروف‬
‫أن العبيد كانوا في كفالة أسيادهم‪ ،‬يطعمون من مال السادة‪،‬‬
‫ويحترفون لهم في مهنهم‪..‬‬

‫المطلب الثالث ‪ :‬نماذج رحمته للعبيد ‪:‬‬


‫إن المتأمل في التوجيهات النبوية يجدها تشي بالجهد الجهيد‬
‫الذي بذله نبي النسانية في سبيل تحسين أوضاع العبيد والماء‬
‫ويعرف بحق كيف كانت مكرمة العبيد في السلم‪ .‬وهذه بعض‬
‫ضا منها على سبيل المثال ل‬ ‫التوجيهات النبوية التي نذكر بع ً‬
‫الحصر‪.‬‬
‫أول ً ‪ :‬وصيته ‪ ‬بالعبيد والماء ‪:‬‬
‫كان آخر كلمات النبي ‪ ‬وهو يجود بروحه الشريفة‪ ،‬وقد حضره‬
‫ي بن أبي طالب رضي‬ ‫الموت‪ ،‬الوصية بالعبيد والماء‪ ..‬فعن عل ّ‬
‫الله عنه قال‪ :‬كان آخر كلم رسول الله ‪" :‬الصلة الصلة‪،‬‬
‫اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم"‪! 1‬‬
‫إنه يوصي بالعبيد‪ ،‬وهو في سكرات الموت! فهو الذي احتضنهم‬
‫حّيا‪ ،‬وأوصى بهم بعد مماته خيًرا‪ ،‬فكان خير معلم لهم وخير أب‬
‫وخير محرر ‪.‬‬
‫ثانًيا‪ :‬تحذيره ‪ ‬من إيذاء العبيد والماء‪:‬‬
‫فكان يغضب أشد الغضب من ضرب العبيد أو إيذائهم‪ ،‬فعن أبي‬
‫ما لي؛‬ ‫مسعود النصاري رضي الله عنه‪ ،‬قال‪ :‬كنت أضرب غل ً‬
‫من ْ َ‬
‫ك‬ ‫ه أ َقْد َُر ع َل َي ْ َ‬
‫ك ِ‬ ‫سُعوٍد‪ ..‬ل َل ّ ُ‬
‫م ْ‬
‫خل ْفي صوتا‪" :‬اع ْل َ َ‬
‫م أَبا َ‬‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ن َ ِ‬ ‫م ْ‬
‫ت ِ‬
‫فسمع ُ‬
‫ت فإذا هو النبي! فقلت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬هو حر لوجه‬ ‫ع َل َي ْ ِ‬
‫ه"! فالتف ُ‬

‫‪ 1‬صحيح ‪ -‬رواه أبو داود ) ‪ (761 \2‬برقم ‪ ،5156‬وأحمد)‪ ،(78\1‬برقم ‪ ،585‬وصححه اللباني في الجامع‬
‫الصغير)‪ (11\1‬برقم ‪106‬‬

‫‪229‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ست ْ َ‬
‫ك‬ ‫ك الّناُر أوْل َ َ‬
‫م ّ‬ ‫ل ل َل َ َ‬
‫فعَت ْ َ‬ ‫فعَ ْ‬ ‫ك ل َوْ ل َ ْ‬
‫م تَ ْ‬ ‫ما إ ِن ّ َ‬ ‫الله تعالى‪َ .‬قا َ‬
‫ل‪" :‬أ َ‬
‫الّناُر"‪. 1‬‬

‫كذا كان رسول الله يربي تلميذه‪ ،‬ويفقه شعبه‪ ،‬على احترام‬
‫آدمية الناس‪ ،‬وخاصة الضعفاء منهم والعبيد والخدم والجراء‪.‬‬

‫ويمتد هذا النداء البوي إلى حكام المسلمين في كل زمان‬


‫ومكان؛ فيلزمهم بحماية العبيد من التعذيب أو الضطهاد‪ ،‬فضل ً‬
‫عن السعي الجاد لتحريرهم‪.‬‬

‫ثالًثا‪ :‬أمره ‪ ‬بالحسان إلى العبيد‬


‫وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ألطف الناس بالعبيد‪،‬‬
‫وأرفق الناس بالماء‪ ،‬فعن أنس رضي الله عنه قال‪ :‬كان رسول‬
‫فا! والله ما كان يمتنع في غداة باردة من‬ ‫الله من أشد الناس لط ً‬
‫عبد ول من أمة ول صبي أن يأتيه بالماء فيغسل وجهه وذراعيه!!‬
‫وما سأله سائل قط إل أصغى إليه أذنه فلم ينصرف حتى يكون‬
‫هو الذي ينصرف عنه‪ ،‬وما تناول أحد بيده إل ناوله إياها فلم ينزع‬
‫حتى يكون هو الذي ينزعها منه‪. 2‬‬
‫وعن المعرور قال ‪ :‬لقيت أبا ذر بالربدة‪ ،‬وعليه حلة وعلى غلمه‬
‫حله ]يعني من نفس الثوب [فسألته عن ذلك ‪ .‬فقال ‪ :‬إني‬
‫ل‪ ،‬فعيرته بأمه]قال لبلل ‪ :‬يابن السوداء [فقال لي‬ ‫ساببت رج ً‬
‫النبي ‪" :‬يا أبا ذر ! أعيرته بأمه ! ؟ إنك امروء فيك جاهلية !‬
‫إخوانكم خولكم ]العبيد والماء والخدم والسرى هم إخوانكم في‬
‫الدين والنسانية[‪ ،‬جعلهم الله تحت أيديكم‪ ،‬فمن كان أخوه تحت‬
‫يده‪ :‬فليطعمه مما يأكل‪ ،‬وليلبسه مما يلبس‪ ،‬ول تكلفوهم ما‬
‫يغلبهم‪ ،‬فإن كلفتموهم فأعينوهم "‪. 3‬‬

‫فحرم السخرية من العبيد أو الستهزاء بألوانهم أو أنسييابهم‪ ،‬كمييا‬


‫حيرم إجهياد العبيد فيي الخدمية‪ ،‬وأوجيب مسياعدته إذا ك ُّليف ميا‬
‫يغلبه‪ ..‬وحذر الفقهاء من استعمال العبيد على الييدوام ليييل نهييار‪،‬‬
‫ل‪ ،‬وكييذا بييالعكس‪،‬‬ ‫فقالوا‪ :‬إذا استعمل السيد ُ العبد َ نهاًرا أراحييه لي ً‬
‫صيف فييي وقييت القيلوليية‪ ،‬ويمنحييه قسييطه ميين‬ ‫وقالوا‪ :‬يريحه بال ّ‬

‫‪ 1‬صحيح ‪ -‬سنن أبي داود‪ ،‬برقم ) ‪ ،(4492‬باب حق المملوك‪ ،‬وصححه اللباني في صحيح وضعيف سنن أبي‬
‫داود‪ ،‬برقم ‪.5159‬‬
‫‪ 2‬رواه أبو نعيم الصبهاني في دلئل النبوة )‪ ،(116‬وأبو حنيفة في مسنده ) ‪ ،(40‬والحارث في مسنده )‪،(939‬‬
‫وذكره ابن حجر العسقلني في المطالب العالية ) ‪ .( 3931‬ولم أقف على سنده ‪.‬‬
‫‪ 3‬صحيح – رواه البخاري‪،‬كتاب اليمان‪ ،‬برقم ‪ ،30‬وأخرجه مسلم في اليمان والنذور‪ ،‬باب‪ :‬إطعام المملوك مما‬
‫يأكل‪ ،‬رقم‪1661 :‬‬

‫‪230‬‬
‫صلة المفروضيية‪ .‬وإذا سييافر بييه يجييب عليييه أن‬
‫الّنوم‪ ،‬وفرصة لل ّ‬
‫يحمله معه على الدابة أو يتعاقبان على البعير ونحوه‪.‬‬
‫مّيا فقد ذكر بعييض الفقهيياء أنييه ل يمنييع‬
‫بل قالوا‪" :‬إن كان العبد ذ ّ‬
‫من إتيان الكنيسيية‪ ،‬أو شييرب الخميير‪ ،‬أو أكييل لحييم الخنزييير؛ لن‬
‫‪1‬‬
‫ك في المدّونة"‬‫ي عن قول مال ٍ‬ ‫ذلك دينه‪ ،‬نقله البنان ّ‬
‫وتأمل معي قول النبي صلى اللييه عليييه وسييلم لميين عي ّيير العبييد‪:‬‬
‫"إنك امرؤ فيك جاهلية"‪ ..‬دللة على أن صفة ميين يهينييون العبيييد‬
‫ويؤذونهم بالقول أو الفعييل‪ ،‬فوصييفهم بالجهييل‪ ،‬وربطهييم بعصييور‬
‫الجاهلية‪ ،‬وعهود التخلف‪.‬‬
‫عا‪ :‬التعاون في تحرير العبيد ‪:‬‬ ‫راب ً‬
‫ن الفارسي حيًنا من الزمن ‪ ..‬فقد كان مولى‬ ‫شغل الرقُ سلما َ‬
‫عند أحد الوجهاء‪ ،‬حتي فات سلمان عدد من المشاهد مع‬
‫الرسول الكريم ‪ ،‬منها بدر وأحد‪.‬‬
‫فذهب إلى النبي ‪‬‬
‫فأشار عليه النبي ‪ ‬أن يكاتب سيده‪ ،‬فكاتبه علي ثلثمائة نخلة‬
‫يغرسها له وأربعين أوقية من ذهب‪.‬‬
‫وشارك المسلمون في أداء هذا الدين عن سلمان‪ ،‬فأحضروا له‬
‫النخل وحفروا معه أماكنها وقدم رسول الله ‪ ‬ووضعه بيده‬
‫عتق سلمان‪.‬‬ ‫الشريفة و ُ‬
‫وكانت أول مشاهده غزوة الحزاب‪ ،‬وكان هو صاحب فكرة إنشاء‬
‫خندق عظيم حول المدينة لتحصينها من الغزاة ‪ ..‬ولما نجحت‬
‫الفكرة‪ ،‬زاد تقدير الناس لسلمان نظًرا لرجاحة عقله‪ ،‬وجهده في‬
‫خدمة دولة السلم بفكرة الخندق‪ ،‬فقال النصار ‪ :‬سلمان منا !‬
‫وقال المهاجرون‪ :‬سلمان منا !‬
‫فقال النبي ‪" : ‬سلمان منا أهل البيت !!" ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وهكذا ارتفع شأن العبيد في دولة السلم بجهدهم وخدمتهم‬


‫للمجتمع‪ ،‬ولم تكن عبوديتهم أيما يوم من اليام تشينهم بين‬
‫ضا النموذج العملي الذي حشد‬‫إخوانهم المسلمين‪.‬وفي ذلك أي ً‬
‫فيه النبي ‪ ‬جهود شعبه من أجل تحرير عبد‪ .‬وهو بذلك يلزم‬
‫المجتمع بضرورة تضافر الجهود الشعبية لفك النسان من الرق ‪.‬‬

‫ق"‬‫‪ 1‬عن الموسوعة الفقهية‪ ،‬وزارة الوقاف والشئون السلمية بدولة الكويت‪ ،‬باب "ر ّ‬
‫‪ 2‬رواه الحاكم في المستدرك‪ ،‬برقم ‪ ،6541‬والطبراني في المعجم الكبير‪ ،‬برقم ‪ ،6040‬والقصة منتشرة في كتب‬
‫السيرة‪ ،‬في ثنايا أحداث الخندق ‪.‬‬

‫‪231‬‬
‫سا‪ :‬سن قاعدة ‪" :‬كفارة ضرب العبد عتقه"‪:‬‬
‫خام ً‬
‫ذا لتحرير العبيد عن طريق سن قاعدة "كفارة‬ ‫شرع السلم منف ً‬
‫دا أيام الجاهلية‪ ،‬فمنح‬
‫ضرب العبد عتقه" والذي لم يكن موجو ً‬
‫حق الحرية للعبد إذا ضربه سيده‪.‬‬

‫ت ابن عمر‪ ،‬وقد أعتق‬ ‫ن قال‪ :‬أتي ُ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن عن َزا َ‬ ‫وا َ‬ ‫فعن أبي صالح ذ َك ْ َ‬
‫دا أو شيًئا‪ ،‬فقال‪ :‬مالي فيه من‬ ‫كا له‪ ،‬فأخذ من الرض عو ً‬ ‫مملو ً‬
‫ن ل َط َ َ‬
‫م‬ ‫ت رسول الله ‪ ‬يقول‪َ " :‬‬
‫م ْ‬ ‫وى هذا‪ ..‬سمع ُ‬ ‫س َ‬
‫ما ي َ ْ‬‫الجر َ‬
‫َ‬ ‫ه فَك َ ّ‬ ‫مُلوك َ ُ‬
‫‪.1‬‬
‫ه"‬
‫ق ُ‬
‫ن ي ُعْت ِ َ‬
‫هأ ْ‬ ‫فاَرت ُ ُ‬ ‫ضَرب َ ُ‬
‫ه أو َ‬ ‫م ْ‬
‫َ‬
‫سا‪ :‬كفالة الدولة السلمية للعبد المعاق أو‬
‫ساد ً‬
‫المريض‪:‬‬

‫فلقد كان ل ِزِن َْباٍع أبو روح رضي الله عنه ‪-‬أحد الصحابة‪ -‬ع َب ْد ٌ‬
‫سن ْد ٍَر‪ ،‬فوجده يقبل جارية له‪ ،‬فقطع ذ َك ََره ُ وَ َ‬
‫جد َعَ‬ ‫ن َ‬
‫سن ْد ََر ب ْ َ‬
‫مى َ‬
‫س ّ‬ ‫يُ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أ َن ْ َ‬
‫ك‪ .‬فقال النبي صلى الله‬ ‫ه‪ ،‬فأَتى العَب ْد ُ النبي ‪ ‬فَذ َك ََر ل ُ‬
‫ه ذ َل ِ َ‬ ‫ف ُ‬
‫ل كَ َ‬
‫ذا‬ ‫ما فَعَْلت؟" َقا َ‬
‫ل‪ :‬فَعَ َ‬ ‫مَلك ع ََلى َ‬ ‫ح َ‬
‫ما َ‬
‫عليه وسلم لزنباع‪َ " :‬‬
‫ذا‪ .‬فذكر له ما فعل بالجارية!‪.‬‬ ‫وَك َ َ‬
‫َ‬
‫حّر" فقال‬
‫ت ُ‬‫ب فَأن ْ َ‬
‫فقال النبي صلى الله عليه وسلم للعبد‪" :‬اذ ْهَ ْ‬
‫العبد‪ :‬يا رسول الله فمولى من أنا؟ فقال‪" :‬مولى الله‬
‫ورسوله"‪ ..‬فأوصى به المسلمين؛ فلما ُقبض جاء العبد إلى أبي‬
‫بكر رضي الله عنه فقال‪ :‬وصية رسول الله ‪ ، ‬فقال‪ :‬نعم‪،‬‬
‫تجري عليك النفقة وعلى عيالك‪ ،‬فأجراها عليه حتى قبض‪ ..‬فلما‬
‫استخلف عمر رضي الله عنه جاءه فقال‪ :‬وصية رسول الله ‪‬‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬أين تريد؟ قال‪ :‬مصر‪ ،‬قال‪ :‬فكتب عمر إلى صاحب‬
‫ضا يأكل منها"‪. 2‬‬
‫مصر أن يعطيه أر ً‬
‫فالدولة ‪-‬في الشرع السلمي‪ -‬تكفل أصحاب العاقات من‬
‫العبيد‪- ،‬كما رأيت‪ -‬كالمواطنين الحرار‪ ،‬وقرر لهم الراتب المالي‬
‫الدوري الذي يغنيهم عن التسول أو سؤال الناس‪.‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬تحريم التجار بالبشر‬
‫ومن دلئل مكافحة السترقاق في الشرع السلمي‪ ،‬تحريمه‬
‫لكافة صور ومظاهر التجار بالبشر‪ ،‬وخاصة النساء والطفال‬

‫‪ 1‬صحيح ‪ -‬سنن أبي داود ‪ ،‬برقم ‪ ، 4500‬وصححه اللباني صحيح الترغيب والترهيب‪ ،‬برقم ‪2278‬‬
‫‪ 2‬حسن – رواه أحمد ) ‪ ،( 182 / 2‬وأخرجه أبو داود ) ‪ ( 4519‬وابن ماجه ) ‪ ،( 2680‬وحسن اللباني في‬
‫الرواء ‪1744‬‬

‫‪232‬‬
‫الحرار‪ ..‬فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ‪ r‬قال‪َ" :‬قا َ‬
‫ل‬
‫م غ َد ََر‪،‬‬
‫طى ِبي ث ُ ّ‬ ‫ل أ َع ْ َ‬
‫ج ٌ‬ ‫ة‪َ :‬ر ُ‬
‫م ِ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫قَيا َ‬ ‫م ي َوْ َ‬‫مهُ ْ‬
‫ص ُ‬ ‫ْ‬ ‫ة أ ََنا َ‬
‫خ‬ ‫ه‪ :‬ث ََلث َ ٌ‬‫الل ّ ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫حّرا فَأ َك َ َ‬
‫ه‬ ‫ست َوَْفى ِ‬
‫من ْ ُ‬ ‫جيًرا َفا ْ‬
‫جَر أ ِ‬ ‫ست َأ َ‬ ‫لا ْ‬‫ج ٌ‬‫ه‪ ،‬وََر ُ‬ ‫ل ثَ َ‬
‫من َ ُ‬ ‫ل َباع َ ُ‬ ‫ج ٌ‬‫وََر ُ‬
‫َ‬
‫وَل َ ْ‬
‫‪1‬‬
‫ه"‬‫جَر ُ‬‫طأ ْ‬ ‫م ي ُعْ ِ‬
‫فجعل التجار بالبشر من أبواب الخيانة والغدر والظلم‪ ،‬والله عز‬
‫وجل خصم لجميع الغادرين إل أنه أراد التشديد على هذه‬
‫ما شنيًعا يتعلق بحقوق النسان‪،‬‬ ‫الصناف الثلثة‪ ،‬فقد ارتكبوا جر ً‬
‫دا وحلف عليه بالله ثم‬ ‫فأحدهم غدر بأخيه النسان‪ ،‬فعاهده عه ً‬
‫نقضه‪ ،‬والثاني باع أخاه النسان الحر‪ ،‬والثالث أكل مال أخيه‬
‫النسان الجير‪ ،‬وهو داخل في إثم المتاجرة بالبشر كالثاني؛ لنه‬
‫َ‬ ‫استخدمه بغير حق‪ ،‬وخالف المر النبوي‪" :‬أ َع ْ ِ َ‬
‫جَره ُ قَب ْ َ‬
‫ل‬ ‫ط اْل ِ‬
‫جيَر أ ْ‬
‫َ‬
‫ف ع ََرقُ ُ‬
‫‪2‬‬
‫ه"‬ ‫ج ّ‬
‫ن يَ ِ‬
‫أ ْ‬
‫وجريمة التجار بالبشر ‪-‬التي حرمها الشرع السلمي الفضيل‪-‬‬
‫تتسربل بصور عديدة مارستها المجتمعات الجاهلية في القديم‬
‫والحديث‪ ..‬فمارستها قبائل العرب ودول الفرس والرومان قبل‬
‫بعثة النبي العظم صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فكانوا يقطعون الطرق‬
‫على الحرار‪ ،‬فيسرقون أموالهم ويبيعونهم في أسواق النخاسة‬
‫على أنهم عبيد‪ ..‬وفي العصر الحديث مارس المريكان هذا‬
‫السلوك الجاهلي مع الزنوج‪ ،‬فخصصوا الهيئات التي تبيع وتشتري‬
‫فيهم‪ ،‬وهم أحرار‪ ،‬ومارسوا أبشع صور التمييز العنصري في‬
‫حقهم‪ .‬إضافة إلى ظهور جماعات المتاجرة بالطفال والنساء؛‬
‫لغرض الستغلل الجنسي التجاري‪ ،‬ناهيك عن استغلل هذه‬
‫الجماعات للكوارث الطبيعية والحروب لممارسة نشاطها‪ ،‬وخير‬
‫شاهد ما حدث في كارثة تسونامي وما أعلنته الصحف عن أرقام‬
‫مفزعة للنساء والطفال الذين تم التجار بهم في ظل هذه‬
‫الكارثية النسانية‪ ،‬المر نفسه حدث مع ضحايا الشعب المسلم‬
‫في البوسنة والهرسك بعد ما أعمل فيه الجيش الصربي الذبح‪،‬‬
‫فتم بيع آلف الفتيات والطفال على مرأى ومسمع من العالم‬
‫)المتحضر(‪ ..‬وتحولت البلدان الوروبية والوليات المتحدة‬
‫المريكية إلى مراكز كبرى للتجار بالبشر من جانب العصابات‬
‫المنظمة التي تحصد سنوّيا ما بين ‪ 8‬و ‪ 10‬مليارات دولر من‬
‫قا لحصائيات وزارة العدل‬ ‫التجار بالطفال والنساء‪ ،‬وذلك وف ً‬
‫المريكية‪ ...‬بيد أن الشرع السلمي الكريم حّرم بيع الحرار‪،‬‬
‫وناهض تجارة البشر بالبشر‪ ،‬وحرم إكراه الفتيات على ممارسة‬
‫‪ 1‬صحيح ‪ -‬رواه البخاري‪ ،‬كتاب البيوع ‪ ،‬باب إثم من باع حًرا‪ ،‬ح‪2075 :‬‬
‫‪ 2‬حسن – رواه البيهقي‪ ،‬ح‪ ،(11439) :‬عن أبى هريرة‪ .‬وحسنه اللباني‬

‫‪233‬‬
‫م ع ََلى ال ْب َِغاء إ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫البغاء فقال الشارع الحكيم‪" :‬وََل ت ُك ْرِ ُ‬
‫هوا فَت ََيات ِك ُ ْ‬
‫َ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا{ ]النور‪.[33 :‬‬ ‫ض ال ْ َ‬
‫صنا ً ل ّت َب ْت َُغوا ع ََر َ‬
‫ح ّ‬
‫ن تَ َ‬
‫أَرد ْ َ‬
‫إلى جانب أن جريمة التجار بالبشر تنتهك حق النسان في‬
‫الحرية‪ ،‬وتنتهك حقوق الطفال والنساء في العيش في بيئة آمنة‬
‫صالحة‪ ،‬فهي تنزعهم من أسرهم ومن بين آبائهم وأمهاتهم إلى‬
‫جحيم الستغلل الجنسي والسخرة والتعذيب النفسي‬
‫والجسدي‪ ..‬وكلها مظاهر حرمها السلم وحاربها نبي السلم‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫هكذا كان المنهج النبوي في التعامل مع مظاهر السترقاق‬
‫والتجار بالبشر؛ ليسجل أمام الله تعالى ثم التاريخ أن النظام‬
‫السلمي هو أول نظام في تاريخ البشرية ناهض السترقاق‬
‫وحارب المتاجرة بالبشر‬
‫المطلب الخامس – رفقه وعطفه على الخدم‬
‫ل‪ :‬سلوكه ‪ ‬مع خادمه ‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫خادمه أنس ‪ ‬يحدثنا عن رحمته وشفقته ‪ ‬بالخدم‪..‬‬
‫وإن شهادة الخادم عن سيده لصادقة‪ ،‬وخاصة من رجل كأنس‬
‫لمة آلف الحاديث‪،‬‬ ‫الذي خدمه تسع سنين‪ ،‬ونقل عنه إلى ا ُ‬
‫وكان معه كظله‪..‬‬
‫خُلقًا‪.‬‬ ‫َ‬ ‫فع َ‬
‫س ُ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫ل الل ّهِ ‪‬أ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫ك‪َ .‬قا َ‬ ‫مال ِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫س بْ ِ‬ ‫ن أن َ ِ‬ ‫ََ ْ‬
‫ة‪.‬‬‫ج ٍ‬‫حا َ‬ ‫وما ً ل ِ َ‬ ‫سل َِني ي َ ْ‬ ‫فَأْر َ‬
‫َ‬ ‫فسي أ َ َ‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫مَرِني ب ِهِ ن َب ِ ّ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ب لِ َ‬ ‫ن أذ ْهَ َ‬ ‫ْ‬ ‫ب‪ ،‬وَِفي ن َ ْ ِ‬ ‫ت‪َ :‬والل ّهِ ل َ أذ ْهَ ُ‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫فَ ُ‬
‫َ‬
‫ق‪،‬‬ ‫سو ِ‬ ‫ن ِفي ال ّ‬ ‫م ي َل ْعَُبو َ‬ ‫ن وَهُ ْ‬ ‫صب َْيا ٍ‬
‫ى ِ‬ ‫َ‬
‫مّر ع َل َ‬ ‫ىأ ُ‬ ‫حت ّ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ج ُ‬ ‫خَر ْ‬ ‫الل ّهِ ‪ ،‬فَ َ‬
‫ت إ ِل َي ْهِ‬ ‫ل‪ :‬فَن َظ َْر ُ‬ ‫ن وََراِئي‪َ ،‬قا َ‬ ‫م ْ‬ ‫فايَ ِ‬‫ق َ‬ ‫ض بِ َ‬ ‫ل الل ّهِ ‪ ‬قَد ْ قَب َ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ذا َر ُ‬ ‫فَإ ِ َ‬
‫ل‪ ":‬يا أ ُنيس أ َذ َهَبت حي ُ َ‬
‫م!‬ ‫ت‪ :‬ن َعَ ْ‬ ‫ك؟" قُل ْ ُ‬ ‫مْرت ُ َ‬ ‫ثأ َ‬ ‫ْ َ َ ْ‬ ‫َ َْ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ك‪ ،‬فَ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ض َ‬ ‫وَهُوَ ي َ ْ‬
‫س‪َ :‬والل ّهِ ل َ َ‬ ‫َ‬ ‫أ ََنا أ َذ ْ َ‬
‫ن‪،‬‬ ‫سِني َ‬ ‫سعَ ِ‬ ‫ه تِ ْ‬‫مت ُ ُ‬ ‫خد َ ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ل أن َ ٌ‬ ‫ه‪َ .‬قا َ‬ ‫ل الل ّ ِ‬ ‫سو َ‬ ‫هب َيا َر ُ‬
‫يٍء‬
‫ش ْ‬ ‫ذا؟ أ َوْ ل ِ َ‬ ‫ذا وَك َ َ‬ ‫ت كَ َ‬ ‫م فَعَل ْ َ‬ ‫ه‪ :‬ل ِ َ‬ ‫صن َعْت ُ ُ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل لِ َ‬ ‫ه َقا َ‬ ‫مت ُ ُ‬
‫ما ع َل ِ ْ‬ ‫َ‬
‫ذا ‪..‬‬ ‫‪1‬‬
‫ذا وَك َ َ‬ ‫ت كَ َ‬ ‫ْ‬
‫ه‪ :‬هَل ّ فَعَل َ‬ ‫ت ََرك ْت ُ ُ‬
‫وإذا لم أحد ٌ الخادم لتقصيره في خدمة سيدنا محمد‪ ، ‬قال ‪‬‬
‫‪" :‬دعوه ! فلو ُقدر أن يكون كان!"‪.2‬‬
‫ثانًيا‪ :‬حثه على العفو عن الخادم ‪:‬‬
‫كان سيدنا محمد ‪ ‬يوصي أصحابه بالعفو عن الخدم ‪..‬فعن عبد‬
‫الله بن عمر قال‪ :‬جاء رجل إلى النبي ‪‬فقال‪ :‬يا رسول الله كم‬

‫‪ 1‬صحيح – رواه مسلم في فضائل النبي صلى ال عليه وسلم باب حسن خلقه‪ ،‬رقم ‪2310‬‬
‫‪ 2‬صحيح ‪ -‬رواه أحمد‪ ،‬وصححه اللباني في ظلل الجنة ‪ ،‬برقم ‪355‬‬

‫‪234‬‬
‫نعفو عن الخادم؟ فصمت‪ ،‬ثم أعاد عليه الكلم فصمت‪ .‬فلما كان‬
‫ل يوم ٍ سبعين مّرة ً "‪.1‬‬ ‫في الثالثة قال‪" :‬اعفوا عنه في ك ّ‬
‫ن ضرب الخادم‪:‬‬ ‫م ْ‬ ‫ثالًثا‪ :‬توبيخه َ‬
‫كان لدى بني مقّرن خادمة‪ ،‬فلطمها أحدهم‪ ،‬فجاءت تشتكي إلى‬
‫رسول الله ‪‬باكية‪ ،‬فاستدعى الرسول ‪‬مالكها قائل ً له‪:‬‬
‫"َأعِتقوها"‪ ،‬فقالوا‪ :‬ليس لهم خادم غيرها‪ .‬قال‪" :‬فليستخدموها‪،‬‬
‫فإذا استغنوا عنها‪ ،‬فليخّلوا سبيلها‪. 2‬‬
‫وعن عائشة قالت ‪ :‬ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫‪3‬‬
‫خادما ول امرأة قط‬
‫عا‪ :‬ترغيبه ‪‬في إطعام الخادم ‪:‬‬ ‫راب ً‬
‫ل‬‫ب َقا َ‬ ‫دي ك َرِ َ‬ ‫معْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ِ‬ ‫دام ِ ب ْ‬ ‫ق َ‬‫م ْ‬‫ن ال ْ ِ‬ ‫فعَ ِ‬
‫ك فَهُوَ ل َ َ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫ة‪ ،‬وَ َ‬ ‫صد َقَ ٌ‬‫ك َ‬ ‫س َ‬ ‫ف َ‬ ‫ت نَ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ما أط ْعَ ْ‬ ‫ل الل ّهِ ‪َ " :‬‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ك فَهُوَ ل َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صد َقَ ٌ‬
‫ة‪،‬‬ ‫ك َ‬ ‫ج َ‬ ‫ت َزوْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ما أط ْعَ ْ‬ ‫ة‪ ،‬وَ َ‬ ‫صد َقَ ٌ‬ ‫ك َ‬ ‫ك فَهُوَ ل َ َ‬ ‫ت وَل َد َ َ‬ ‫م َ‬ ‫أط ْعَ ْ‬
‫ك فَهُوَ ل َ َ‬ ‫َ‬
‫ة"‪.4‬‬ ‫صد َقَ ٌ‬ ‫ك َ‬ ‫م َ‬‫خاد ِ َ‬ ‫ت َ‬ ‫م َ‬ ‫ما أط ْعَ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫سا‪ :‬نهيه عن الدعاء على الخادم ‪:‬‬ ‫خام ً‬
‫ل‪:‬‬ ‫ّ‬
‫ن ع َب ْد ِ اللهِ َقا َ‬
‫َ‬ ‫جاب ِرِ ب ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫فعَ ْ‬
‫عوا ع ََلى‬ ‫م ‪ ،‬وََل ت َد ْ ُ‬ ‫سك ُ ْ‬‫ف ِ‬ ‫عوا ع ََلى أن ْ ُ‬ ‫ل الل ّهِ ‪َ" :‬ل ت َد ْ ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫َقا َ‬
‫م‪َ ،‬ل‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وال ِك ُ ْ‬‫م َ‬‫عوا ع ََلى أ ْ‬ ‫م‪ ،‬وََل ت َد ْ ُ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫خد َ ِ‬ ‫عوا ع ََلى َ‬ ‫م‪ ،‬وََل ت َد ْ ُ‬ ‫أوَْلد ِك ُ ْ‬
‫ب‬
‫جي َ‬ ‫طاٌء فَي َ ْ‬
‫ست َ ِ‬ ‫ل ِفيَها ع َ َ‬ ‫ة ن َي ْ ٍ‬ ‫ساع َ َ‬ ‫ك وَت ََعاَلى َ‬ ‫ن الل ّهِ ت ََباَر َ‬ ‫م ْ‬ ‫قوا ِ‬ ‫وافِ ُ‬ ‫تُ َ‬
‫ل َك ُ ْ‬
‫‪5‬‬
‫م" ‪.‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫رحمته بذوي الحتياجات الخاصة‬

‫أخيًرا ًالتفت العالم المتحضر في هذا القرن إلى ذوي الحتياجات‬


‫الخاصة !! بعدما نحى جانًبا نظريات عنصرية‪ ،‬فاسدة‪ ،‬تدعو إلى‬
‫إهمالهم ‪ ،‬بزعم أن هؤلء – أمثال الصم والبكم والعمي‬
‫والمعاقين ذهنًيا– ل فائدة منهم ترتجى للمجتمع ‪ ..‬ولقد قدرت‬
‫منظمة العمل الدولية في تقرير لها عام )‪2000‬م ( عدد ذوي‬
‫الحتياجات الخاصة بأكثر من )‪ (610‬مليون نسمة ‪ ،‬منهم )‪(400‬‬

‫‪ 1‬رواه أبو داود‪ ،‬باب في حق المملوك‪ ،‬برقم ‪.4496‬‬


‫‪ 2‬صحيح – رواه مسلم ‪ ،‬كتاب اليمان ‪ -‬باب صحبة المماليك‪ ،‬وكفارة من لطم عبده‬
‫‪ 3‬صحيح ‪ -‬سنن أبي داود‪ ،‬كتاب الدب‪ ،‬باب في التجاوز في المر‪ ،‬ح‪ ،(4154) :‬وابن ماجة‪ ،‬كتاب النكاح‪،‬‬
‫باب ضرب النساء‪ ،‬ح‪ ،(1974) :‬وقال اللباني ‪ :‬صحيح ‪ ،‬انظر مختصر الشمائل المحمدية‪ ،‬ص ‪182‬‬
‫‪ 4‬رواه أحمد‪ ،‬برقم ‪ ،16550‬والنسائي ‪ 382\5‬برقم ‪ ،9204‬قال ابن كثير ‪ :‬إسناده صحيح ول الحمد ) التفسير‬
‫‪(2/264‬‬
‫عَلى َأْهِلِه َوَماِلِه‪ ،.‬وهو في‬
‫ن َ‬
‫سا ُ‬
‫لْن َ‬
‫عَو ا ِْ‬
‫ن َأنْ َيْد ُ‬
‫عْ‬‫ي َ‬
‫‪ 5‬صحيح – رواه داود برقم ‪ ،1309‬كتاب الصلة‪َ ،‬باب الّنْه ِ‬
‫صحيح الترغيب والترهيب ‪133 \2‬‬

‫‪235‬‬
‫مليون نسمة في الدول النامية‪ ،‬وفي تقرير للبنك الدولي‪ ،‬تمثل‬
‫هذه الفئة ‪ % 15‬تقريًبا من نسبة السكان في كل دولة من دول‬
‫العالم ‪.‬‬

‫المطلب الول ‪ :‬الفئات الخاصة في المجتمعات‬


‫الجاهلية‪:‬‬
‫وإذا نظرنا – سريًعا‪ -‬إلى تاريخ الغرب مع ذوي الحتياجات‬
‫الخاصة‪ ،‬نجد مجتمعات أوربا القديمة‪ ،‬كروما وإسبرطا شهدت‬
‫خا لهذه الفئة من البشر‪ ،‬فلقد كانت هذه‬ ‫إهمال ً وإضها ً‬
‫دا صار ً‬
‫ما وشعوًبا – تقضي بإهمال أصحاب العاقات‪،‬‬ ‫المجتمعات – حكا ً‬
‫وإعدام الطفال المعاقين عقب ولدتهم‪ ،‬أو تركهم في الصحراء‬
‫طعاما ً للسباع والطيور‪..‬‬
‫وكانت المعتقدات الخاطئة والخرافات هي السبب الرئيسي في‬
‫هذه النتكاسة‪ ،‬فكانوا يعتقدون أن المعاقين عقلّيا هم أفراد‬
‫تقمصتهم الشياطين والرواح الشييريرة‪ .‬وتبّنى الفلسفة‬
‫والعلماء الغربيون هذه الخرافات‪ ،‬فكانت قوانين )ليكورجوس(‬
‫السبرطي و)سولون( الثيني تسمح بالتخلص ممن بهم إعاقة‬
‫تمنعه عن العمل والحرب‪ ،‬وجاء الفيلسوف الشهير )أفلطون(‬
‫وأعلن أن ذوي الحتياجات الخاصة فئة خبيثة وتشكل عبًئا على‬
‫المجتمع‪ ،‬وتضر بفكرة الجمهورية‪ ..‬أما )هيربرت سبنسر( فقد‬
‫طالب المجتمع بمنع شتى صور المساعدة لذوي الحتياجات‬
‫الخاصة‪ ،‬بزعم أن هذه الفئة تثقل كاهل المجتمع بكثير من العباء‬
‫دون فائدة‪.‬‬
‫بيد أن العرب ‪-‬وإن كانوا يقتلون البنات خشية العييار‪ -‬كييانوا أخييف‬
‫وطأة وأكثر شفقة على أهل البلوى والزمنى‪ ،‬وإن كانوا يتعففييون‬
‫عن مؤاكلة ذوي الحتياجات الخاصة أو الجلوس معهم على مائدة‬
‫طعام‪.‬‬
‫وفي الوقت الذي تخبط فيييه العييالم بييين نظريييات نييادت بإعييدام‬
‫المتخلفين عقلّيا وأخرى نيادت باسييتعمالهم فييي أعمييال السييخرة‬
‫اهتدى الشرق والغرب أخيًرا إلى "فكرة" الرعاية المتكاملة لذوي‬
‫الحتياجييات الخاصيية‪ ..‬فييي ظييل هييذا كلييه نييرى رسييولنا المربييي‬
‫المعلم صلى الله عليه وسلم كيف كيانت رحمتيه لهيذه الفئة مين‬
‫بني البشر‪ ،‬وهذا غيض ميين فيييض رسييول اللييه صييلى اللييه عليييه‬
‫وسلم نحو رعاية ذوي الحتياجات الخاصة‪.‬‬

‫‪236‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬رعاية النبي ‪ ‬لذوي الحتياجات‬
‫الخاصة‪:‬‬
‫فعن أنس أن امرأة كان في عقلها شيىء ‪ ،‬فقالت ‪ :‬يا رسول‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ي‬
‫ن! انظري أ ّ‬ ‫م فُل َ ٍ‬‫ل‪َ " :‬يا أ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫ل‪ :‬فَ َ‬ ‫الله إن لي إليك حاجة ! فَ َ‬
‫قا َ‬
‫َ‬
‫ض‬
‫معََها ِفي ب َعْ ِ‬‫خل َ َ‬ ‫ك " فَ َ‬
‫جت َ ِ‬
‫حا َ‬ ‫ك َ‬ ‫ي لَ ِ‬ ‫ى أقْ ِ‬
‫ض َ‬ ‫َ‬ ‫حت ّ‬ ‫شئ ْ ِ‬
‫ت‪َ ،‬‬ ‫ك ِ‬ ‫سك َ ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ى فََرغ َ ْ‬ ‫الط ُّر ِ‬
‫‪1‬‬
‫جت َِها ‪.‬‬‫حا َ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫ت ِ‬ ‫حت ّ َ‬‫ق‪َ ،‬‬
‫وهذا من حلمه وتواضعه ‪ ‬وصبره على قضاء حوائج ذوي‬
‫الحتياجات الخاصة ‪..‬‬
‫وفي هذا أيضا ً ‪ " :‬بيان بروزه ‪ ‬للناس وقربه منهم ليصل أهل‬
‫الحقوق إلى حقوقهم ويرشد مسترشدهم ليشاهدوا أفعاله‬
‫وحركاته فيقتدي بها وهكذا ينبغي لولة المور وفيها صبره ‪‬‬
‫على المشقة في نفسه لمصلحة المسلمين واجابته من سأله‬
‫حاجة"‪.2‬‬

‫وفي هذا دللة شرعية على وجوب تكفل الحاكم برعاية ذوي‬
‫الحتياجات الخاصة‪ ،‬صحًيا واجتماعًيا‪ ،‬واقتصادًيا‪ ،‬ونفسًيا‪ ،‬والعمل‬
‫على قضاء حوائجهم‪ ،‬وسد احتياجاتهم ‪.‬‬
‫ومن صور هذه الرعاية لذوي الحتياجات الخاصة ‪:‬‬
‫‪-‬توفير الحياة الكريمة لهم‬
‫‪ -‬العلج والكشف الدوري لهم‬
‫‪ -‬تأهيلهم وتعليمهم بالقدر الذي تسمح به قدراتهم ومستوياتهم‬
‫من يقوم على رعايتهم وخدمتهم ‪.‬‬ ‫‪ -‬توظيف َ‬
‫ولقد استجاب الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز – رضي الله‬
‫عنه – ‪ ،‬لهذا المنهج النبوي السمح‪ ،‬فأصدر قراًرا إلى الوليات‪:‬‬
‫من به فالج أو‬ ‫مقَعد أو َ‬‫ل أعمى في الديوان أو ُ‬ ‫ى كُ ّ‬
‫"أن ارفعوا إل ّ‬
‫من به زمانة تحول بينه وبين القيام إلى الصلة‪ .‬فرفعوا إليه "‬ ‫َ‬
‫وأمر لكل كفيف بموظف يقوده ويرعاه ‪ ،‬وأمر لكل اثنين من‬
‫الزمنى – من ذوي الحتياجات – بخادم ٍ يخدمه ويرعاه‪. 3‬‬
‫وعلى نفس الدرب سار الخليفة الموي الوليد بن عبدالملك –‬
‫رحمه الله تعالى ‪ ،-‬فهو صاحب فكرة إنشاء معاهد أو مراكز‬
‫رعاية – لذوي الحتياجات الخاصة ‪ ،‬فأنشأ ]عام ‪707‬م‪88 -‬‬
‫ظف فيها الطباء والخدام‬ ‫هي[مؤسسة متخصصة في رعايتهم‪ ،‬و ّ‬
‫وأجرى لهم الرواتب‪ ،‬ومنح راتًبا دورًيا لذوي الحتياجات الخاصة ‪،‬‬

‫‪1‬صحيح – رواه مسلم برقم ‪4293‬‬


‫‪ 2‬شرح النووي على مسلم )‪( 82 \ 15‬‬
‫‪ 3‬انظر‪ :‬ابن الجوزي‪ :‬سيرة عمر بن عبدالعزيز ‪130 ،‬‬

‫‪237‬‬
‫وقال لهم ‪ " :‬ل تسألوا الناس " ‪ ،‬وبذلك أغناهم عن سؤال الناس‬
‫فا لخدمة كل مقعد أو كسيح أو ضرير‪.1‬‬‫‪ ،‬وعين موظ ً‬

‫المطلب الثالث‪ :‬الولوية لهم في الرعاية وقضاء‬


‫احتياجاتهم‪:‬‬

‫وإذا كان السلم قد قرر الرعاية الكاملة لذوي الحتياجات‬


‫ضا أولوية هذه‬ ‫الخاصة‪ ،‬والعمل على قضاء حوائجهم‪ ،‬فقد قرر أي ً‬
‫الفئة في التمتع بكافة هذه الحقوق‪ ،‬فقضاء حوائجهم مقدم على‬
‫قضاء حوائج الصحاء‪ ،‬ورعايتهم مقدمة على رعاية الكفاء ‪ ،‬ففي‬
‫حادثة مشهورة أن سيدنا محمد ‪ ‬عبس في وجه رجل أعمى –‬
‫هو الصحابي الفاضل عبد الله ابن أم مكتوم ‪ -‬جاءه يسأله عن‬
‫ل من الوجهاء وعلية‬ ‫أمرٍ من أمور الشرع‪ ،‬وكان يجلس إلى رجا ٍ‬
‫القوم‪ ،‬يستميلهم إلى السلم‪ ،‬و رغم أن العمى لم ير عبوسه‪،‬‬
‫ولم يفطن إليه‪ ،‬إل أن المولى تبارك وتعالى أبى إل أن يضع‬
‫المور في نصابها‪ ،‬والولويات في محلها‪ ،‬فأنزل ‪ -‬سبحانه آيات‬
‫بينات تعاتب النبي الرحيم عتابا ً شديدًا‪:‬‬
‫كى * أ َْو‬ ‫ه ي َّز ّ‬‫ك ل َعَل ّ ُ‬ ‫ما ي ُد ِْري َ‬‫مى * وَ َ‬
‫َ‬
‫جاءه ُ اْلع ْ َ‬
‫َ‬
‫س وَت َوَّلى * أن َ‬ ‫‪‬ع َب َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫دى * وَ َ‬ ‫ص ّ‬ ‫ه تَ َ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫ست َغَْنى * فَأن َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ِ‬‫ما َ‬ ‫ه الذ ّك َْرى * أ ّ‬ ‫فعَ ُ‬‫ي َذ ّك ُّر فََتن َ‬
‫َ‬ ‫جاء َ‬ ‫َ‬ ‫ك أ َّل ي َّز ّ‬
‫ع َل َي ْ َ‬
‫ه‬
‫ت ع َن ْ ُ‬ ‫شى * فَأن َ‬ ‫خ َ‬ ‫سَعى * وَهُوَ ي َ ْ‬ ‫ك يَ ْ‬ ‫من َ‬ ‫ما َ‬
‫كى * وَأ ّ‬
‫ه[ ]عبس‪ :‬اليات ‪[12-1‬‬ ‫شاء ذ َك ََر ُ‬ ‫من َ‬ ‫ت َل َّهى * ك َّل إ ِن َّها ت َذ ْك َِرة ٌ * فَ َ‬
‫قا على هذا الحادث ‪:‬‬ ‫يقول الباحث النجليزي "ليتنر " معل ً‬
‫"‪ ..‬مرة‪ ،‬أوحى الله تعالى إلى النبي ]‪ [‬وحًيا شديد المؤاخذة‬
‫لنه أدار وجهه عن رجل فقير أعمى ليخاطب رجل ً غنًيا من ذوي‬
‫النفوذ‪ ،‬وقد نشر ذاك الوحي‪ ،‬فلو كان ]‪ [‬كما يقول أغبياء‬
‫النصارى بحقه ]‪ [‬لما كان لذاك الوحي من وجود !"‪.2‬‬
‫وقد كان النبي ‪ ‬يقابل هذا الرجل العمى‪ ،‬فيهش له ويبش‪،‬‬
‫ويبسط له الفراش‪ ،‬ويقول له‪:‬‬
‫‪3‬‬
‫" مرحًبا بمن عاتبني فيه ربي " !‬
‫ففي هذه القصة‪ ،‬نرى علة المعاتبة‪ ،‬لكونه‪ ‬انشغل بدعوة‬
‫الوجهاء عن قضاء حاجة هذا الكفيف‪ ،‬وكان الولى أن ُتقضى‬
‫حاجته‪ ،‬وتقدم على حاجات من سواه من الناس ‪.‬‬
‫وفي هذه القصة دللة شرعية على تقديم حاجات ذوي‬
‫الحتياجات الخاصة على حاجات من سواهم‪.‬‬
‫‪ 1‬انظر‪ :‬ابن كثير ‪ :‬البداية والنهاية‪ ،186 /9 ،‬وتاريخ الطبري ‪265 /5‬‬
‫‪ 2‬ليتنر ‪ :‬دين السلم ‪ ،‬ص ‪. 13 – 12‬‬
‫‪ 3‬تفسير القرطبي ‪ ،184 /19‬والبيضاوي ‪451‬‬

‫‪238‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬عفوه ‪ ‬عن سفهائهم وجهلئهم ‪:‬‬
‫وتجلت رحمة الحبيب ‪ ‬بذوي الحتياجات الخاصة‪ ،‬في عفوه‬
‫عن جاهلهم‪ ،‬وحلمه على سفيههم ‪ ،‬ففي معركة أحد] شوال‬
‫‪3‬هي‪ -‬أبريل ‪ 624‬م[‪ ،‬لما توجه الرسول ‪ ‬بجيشه صوب أحد‪،‬‬
‫وعزم على المرور بمزرعة لرجل منافق ضرير‪ ،‬أخذ هذا الخير‬
‫يسب النبي‪ ‬وينال منه ‪ ،‬وأخذ في يده حفنة من تراب وقال –‬
‫في وقاحة ‪ -‬للنبي‪ :‬والله لو أعلم أنى ل أصيب بها غيرك‬
‫حّتى هم أصحاب النبي بقتل هذا العمى المجرم‪،‬‬ ‫لرميتك بها ! َ‬
‫فأبي عليهم ‪-‬نبي الرحمة‪ -‬وقال‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫" دعوه ! فهذا العمى أعمى القلب‪ ،‬أعمى البصر " ‪.‬‬

‫ولم ينتهز رسول الله ‪ ‬ضعف هذا الضرير‪ ،‬فلم يأمر بقتله أو‬
‫حتى بأذيته‪ ،‬رغم أن الجيش السلمي في طريقه لقتال‪ ،‬والوضع‬
‫متأزم‪ ،‬والعصاب متوترة‪ ،‬ومع ذلك لما وقف هذا الضرير‬
‫المنافق في طريق الجيش‪ ،‬وقال ما قال‪ ،‬وفعل وما فعل‪ ،‬أبى‬
‫رسول الله إل العفو عنه‪ ،‬والصفح له‪ ،‬فليس من شيم المقاتلين‬
‫المسلمين العتداء على أصحاب العاهات أو النيل من أصحاب‬
‫العاقات‪ ،‬بل كانت سنته معهم؛ الرفق بهم‪ ،‬والتعاظ بحالهم‪،‬‬
‫وسؤال الله أن يشفيهم ويعافينا مما ابتلهم ‪.‬‬
‫المطلب الخامس ‪ :‬تكريمه وموساته ‪ ‬لهم ‪:‬‬
‫فعن عائشة أنها قالت ‪ :‬سمعت رسول الله ‪ ‬يقول ‪ " :‬إن الله‬
‫عز وجل أوحى إلى أنه من سلك مسلكا في طلب العلم سهلت‬
‫له طريق الجنة ومن سلبت كريمتيه أثبته عليهما الجنة‪. 2" ...‬‬
‫وعن العرباض بن سارية ‪ ،‬عن النبي ‪ ، ‬عن رب العزة ‪ -‬قال ‪:‬‬
‫" إذا سلبت من عبدي كريمتيه وهو بهما ضنين ‪ ،‬لم أرض له ثواًبا‬
‫‪3‬‬
‫دون الجنة‪ ،‬إذا حمدني عليهما"‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ما ِ‬‫ويقول النبي‪ ‬لكل أصحاب الصابات والعاقات ‪َ " :‬‬
‫ه‬
‫ت ع َن ْ ُ‬‫حي َ ْ‬
‫م ِ‬
‫ة وَ ُ‬
‫ج ٌ‬ ‫ت لَ ُ‬
‫ه ب َِها د ََر َ‬ ‫ما فَوْقََها إ ِّل ك ُت ِب َ ْ‬ ‫شوْك َ ً‬
‫ة فَ َ‬ ‫شا ُ‬
‫ك َ‬ ‫سل ِم ٍ ي ُ َ‬
‫م ْ‬
‫ُ‬
‫‪4‬‬
‫ة"‬ ‫َ‬
‫طيئ ٌ‬‫خ ِ‬ ‫ب َِها َ‬

‫‪ 1‬ابن كثير ‪ :‬السيرة النبوية )ج ‪ / 2‬ص ‪(347‬‬


‫‪ 2‬صحيح ‪ -‬رواه البيهقي في شعب اليمان ‪ ،‬وصححه اللباني في المشكاة)ج ‪ / 1‬ص ‪ ،(55‬برقم ‪255‬‬
‫‪ 3‬صحيح – رواه ابن حبان ح‪2993 :‬‬
‫‪ 4‬صحيح – رواه مسلم‪ ،‬كتاب البر والصلة والداب‪ ،‬باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن أو نحو‬
‫ذلك حتى الشوكة يشاكها‪ ،‬ح‪4664 :‬‬

‫‪239‬‬
‫ففي مثل هذه النصوص النبوية والحاديث القدسية‪ ،‬مواساة‬
‫وبشارة لكل صاحب إعائقة؛ أن إذا صبر على مصيبته‪ ،‬راضًيا لله‬
‫ببلوته‪ ،‬واحتسب على الله إعاقته‪ ،‬فل جزاء له عند الله إل الجنة ‪.‬‬
‫فا‬
‫ما وتشري ً‬ ‫وقد كان النبي ‪ ‬يقول عن عمرو بن الجموح ‪ ،‬تكري ً‬
‫له‪ " :‬سيدكم البيض الجعد عمرو بن الجموح "وكان أعرج ‪ ،‬وقد‬
‫قال له النبي ‪ ‬ذات يوم‪ " :‬كأني أنظر إليك تمشي برجلك هذه‬
‫صحيحة في الجنة "‪ ،‬وكان – رضي الله عنه ‪ -‬يولم على رسول‬
‫الله ‪ ‬إذا تزوج‪. 1‬‬
‫و عن أنس بن مالك ‪ :‬أن رسول الله ‪ ‬استخلف بن أم مكتوم‬
‫على المدينة مرتين يصلي بهم وهو أعمى‪. 2‬‬
‫وعن عائشة أن ابن أم مكتوم كان مؤذنا لرسول الله ‪ ‬وهو‬
‫أعمى‪. 3‬‬
‫وروى الزهري عن سعيد بن المسيب أن المسلمين كانوا إذا‬
‫غزوا خلفوا زمناهم‪ ،‬وكانوا يسلمون إليهم مفاتيح أبوابهم‪،‬‬
‫ويقولون لهم‪ :‬قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في بيوتنا‪. 4‬‬
‫وعن الحسن بن محمد قال‪ :‬دخلت على أبي زيد النصاري فأذن‬
‫وأقام وهو جالس قال‪ :‬وتقدم رجل فصلى بنا‪ ،‬وكان أعرج أصيب‬
‫رجله في سبيل الله تعالى‪.5‬‬
‫وهكذا كان المجتمع النبوي‪ ،‬يتضافر في مواساة ذوي الحتياجات‬
‫الخاصة‪ ،‬ويتعاون في تكريمهم‪ ،‬ويتحد في تشريفهم‪ ،‬وكل ذلك‬
‫اقتضاًء بمنهج نبي الرحمة ‪ ‬مع ذوي الحتياجات الخاصة ‪. .‬‬
‫المطلب السادس ‪ :‬زيارته‪ ‬لهم‬
‫وشرع السلم عيادة المرضى عامة‪ ،‬وأصحاب العاقات خاصة‪،‬‬
‫وذلك للتخفيف من معاناتهم ‪ ..‬فالشخص المعاق أقرب إلى‬
‫النطواء والعزلة والنظرة التشائمية‪ ،‬وأقرب من المراض‬
‫النفسية مقارنة بالصحيح‪ ،‬ومن الخطأ إهمال المعاقين في‬
‫المناسابات الجتماعية‪ ،‬كالزيارات والزواج ‪..‬‬
‫وقد كان رسول الله ‪ ‬يعود المرضى‪ ،‬فيدعو لهم ‪ ،‬ويطيب‬
‫خاطرهم‪ ،‬ويبث في نفوسهم الثقة‪ ،‬وينشر على قلوبهم الفرح‪،‬‬
‫ويرسم على وجوهه البهجة‪ ،‬وتجده ذات مرة يذهب إلى أحدهم‬
‫صا‪ ،‬ليقضي له حاجة بسيطة‪ ،‬أو أن‬ ‫في أطراف المدينة‪ ،‬خصي ً‬
‫ن‬
‫ن بْ َ‬
‫عت َْبا َ‬‫يصلي ركعات في بيت المتبتلى تلبية لرغبته ‪ ..‬فهذا ِ‬
‫‪ 1‬أبو نعيم الصبهاني‪ ،‬معرفة الصحابة ‪155 / 14‬‬
‫‪ 2‬صحيح – رواه أحمد ‪ ،‬ح‪ ،13023 :‬وصححه اللباني في الرواء ح‪530 :‬‬
‫صيٌر‪ ،‬ح‪381 :‬‬
‫ن َمَعُه َب ِ‬
‫عَمى ِإَذا َكا َ‬
‫لْ‬‫ن ا َْ‬
‫جَواِز َأَذا ِ‬
‫لِة‪َ ،‬باب َ‬
‫صَ‬‫‪ 3‬صحيح – رواه مسلم‪ِ ،‬كَتاب ال ّ‬
‫‪ 4‬تفسير الرازي‪ ،‬ج ‪ / 11‬ص ‪.374‬‬
‫‪ 5‬رواه البيهقي ) ‪ ،( 392 / 1‬وقال اللباني ‪ :‬وهذا إسناد حسن إن شاء ال تعالى‬

‫‪240‬‬
‫فا من النصار‪ -‬يقول للنبي ‪ :‬إنها تكون‬ ‫ك‪ -‬وكان رجل ً كفي ً‬ ‫مال ِ ٍ‬ ‫َ‬
‫الظلمة والسيل وأنا رجل ضرير البصر‪ ،‬وأنا أصلي لقومي فإذا‬
‫كانت المطار سال الوادي الذي بيني وبينهم؛ لم أستطع أن آتي‬
‫ت يا رسول الله أنك تأتيني فتصلي‬ ‫مسجدهم فأصلي بهم‪ ،‬وودد ُ‬
‫في بيتي فأتخذه مصلى‪.‬‬
‫َ‬
‫ه" ‪..‬‬ ‫شاَء الل ّ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫سأفْعَ ُ‬ ‫فوعده ‪ ‬بزيارة وصلة في بيته قاًئل ‪َ " :‬‬
‫قال عتبان فغدا رسول الله ‪ ‬وأبو بكر حين ارتفع النهار‬
‫ت له فلم يجلس حتى دخل البيت ‪،‬‬ ‫فاستأذن رسول الله ‪ ‬فأذن ُ‬
‫حب أ َ ُ‬ ‫َ‬
‫ت له إلى ناحية‬ ‫ك"‪ ،‬فأشر ُ‬ ‫ن ب َي ْت ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫صل ّ َ‬
‫نأ َ‬ ‫ن تُ ِ ّ ْ‬ ‫ثم قال ‪" :‬أي ْ َ‬
‫من البيت فقام رسول الله ‪، ‬فكبر فقمنا‪ ،‬فصفنا‪ ،‬فصلى‬
‫ركعتين‪ ،‬ثم سلم ‪.1‬‬
‫المطلب السابع‪ :‬الدعاء لهم ‪:‬‬
‫ضا ‪ -‬رحمة نبي السلم ‪ ‬بالفئات الخاصة ‪ -‬من‬ ‫وتتجلى – أي ً‬
‫سا‬‫ذوي الحتياجات‪ -‬عندما شرع الدعاء لهم‪ ،‬تثبيًتا لهم‪ ،‬وتحمي ً‬
‫لهم على تحمل البلء ‪ ..‬ليصنع الرادة في نفوسهم‪ ،‬ويبني العزم‬
‫في وجدانهم ‪ ..‬فذات مرة ‪ ،‬جاء رجل ضرير البصرِ إلى حضرة‬
‫ن ُيعافيني‪..‬‬ ‫هأ ْ‬ ‫ل الضرير‪ :‬ادع ُ الل ّ َ‬ ‫قا َ‬ ‫النبي ‪ ..‬ف َ‬
‫ت فهوَ خيٌر لك"‪.‬‬ ‫ت صبر َ‬ ‫شئ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ت‪ ،‬وإ ْ‬ ‫دعو ُ‬ ‫ت َ‬ ‫شئ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ل ‪" :‬إ ْ‬ ‫َقا َ‬
‫ه‪.‬‬ ‫ل‪ :‬فادع ُ ْ‬ ‫َقا َ‬
‫دعاِء‪:‬‬ ‫ذا ال ّ‬ ‫ضوَءه ُ ويدعو بهَ َ‬ ‫ن وُ ُ‬ ‫ضأ فُيحس َ‬ ‫ن يتو ّ‬ ‫فأمَره ُ أ ْ‬
‫ة إّني‬ ‫ي الّرحم ِ‬ ‫مد نب ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ك ُ‬ ‫ك بنبي ّ َ‬ ‫ه إلي َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ك وأتو ّ‬ ‫م إّني أسأل َ‬ ‫" اّللهُ ّ‬
‫ه‬
‫فعْ ُ‬ ‫ش ّ‬‫م فَ َ‬ ‫ضى لي‪ ،‬اّللهُ ّ‬ ‫ق َ‬ ‫ك ِإلى َرّبي في حاجتي هذ ِهِ لت ُ ْ‬ ‫تب َ‬ ‫جه ُ‬ ‫تو ّ‬
‫‪2‬‬
‫ي" ‪.‬‬ ‫ف ّ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن ع َّباس‪ :‬أَل أِري َ‬
‫م ْ‬ ‫مَرأة ً ِ‬ ‫كا ْ‬ ‫وعن عطاء بن أبي رباح‪ ،‬قال ِلي اب ْ ُ‬
‫ت ‪ :‬ب ََلى ‪.‬‬ ‫َ‬
‫ة؟ قُل ْ ُ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫جن ّ ِ‬ ‫أهْ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل ‪ :‬هَذه ال ْ َ‬
‫ع‪،‬‬ ‫صَر ُ‬ ‫ت‪ :‬إ ِّني أ ْ‬ ‫قال َ ْ‬ ‫ي ‪ ‬فَ َ‬ ‫ت الن ّب ِ ّ‬ ‫داُء ‪ ..‬أت َ ْ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫مْرأة ُ ال ّ‬ ‫ِ ِ َ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬
‫ه ِلي !‬ ‫ف‪َ ،‬فاد ْع ُ الل ّ َ‬ ‫ش ُ‬ ‫وَإ ِّني أت َك َ ّ‬
‫ت‬
‫ت د َع َوْ ُ‬ ‫شئ ْ ِ‬‫ن ِ‬ ‫ة‪ ،‬وَإ ِ ْ‬ ‫جن ّ ُ‬‫ك ال ْ َ‬ ‫ت وَل َ ِ‬ ‫صب َْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫شئ ْ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫ي‪ ": ‬إ ِ ْ‬ ‫قال النب َ‬ ‫ف َ‬
‫َ‬
‫ك"‪.‬‬ ‫ن ي َُعافِي َ ِ‬ ‫هأ ْ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ف‪.‬‬‫ش َ‬ ‫ن َل أ َت َك َ ّ‬ ‫َ‬
‫ه ِلي أ ْ‬ ‫ف‪َ ،‬فاد ْع ُ الل ّ َ‬ ‫ش ُ‬ ‫ت‪ :‬إ ِّني أ َت َك َ ّ‬ ‫قال َ ْ‬‫صب ُِر ‪ .‬فَ َ‬ ‫ت ‪:‬أ ْ‬
‫َ‬
‫قال َ ْ‬ ‫فَ َ‬
‫عا ل ََها‪.3 ‬‬ ‫فَد َ َ‬

‫‪ 1‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الصلة باب المساجد في البيوت ‪ ،‬ح‪ ،(407) :‬وانظر‪ :‬ح )‪ ،(627‬ومسلم ‪ ،‬باب‬
‫الرخصة في التخلف عن الجماعة بعذر‪ ،‬ح‪ :‬كتاب المساجد ومواضع الصلة‪ ،‬ح‪(1052) :‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،3578 ،‬وابن‬ ‫ل ا ِّ‬‫سو ِ‬‫عن َر ُ‬ ‫‪ 2‬صحيح – رواه الترمذي )وشرح العلل(‪ ،‬أبواب الدعوات َ‬
‫ماجه برقم ‪ ،1385‬وصححه اللباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي‪.‬‬
‫ب اْلُمْؤِم ِ‬
‫ن‬ ‫ح‪ ،‬ومسلم‪ ،‬برقم ‪َ 4673‬باب َثَوا ِ‬ ‫ن الّري ِ‬
‫ع ِم ْ‬ ‫صَر ُ‬
‫ن ُي ْ‬ ‫ل َم ْ‬
‫ضِ‬ ‫‪ 3‬صحيح – رواه البخاري برقم ‪َ ،5220‬باب َف ْ‬
‫شاُكَها‪.‬‬
‫شْوَكِة ُي َ‬‫حّتى ال ّ‬
‫ك َ‬
‫حِو َذِل َ‬
‫ن َأْو َن ْ‬
‫حْز ٍ‬
‫ض َأْو ُ‬
‫ن َمَر ٍ‬
‫صيُبُه ِم ْ‬
‫ِفيَما ُي ِ‬

‫‪241‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد كان رسول الله يدعو للمرضى والزمنى عامة‪ ،‬فعن‬
‫عائشة رضي الله عنها‬
‫أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى مريضا أو أتي‬
‫به قال ‪ " :‬أذهب الباس رب الناس اشف وأنت الشافي ل شفاء‬
‫‪1‬‬
‫إل شفاؤك شفاء ل يغادر سقما"‬
‫وهكذا المجتمع السلمي؛ يدعو ‪-‬عن بكرة أبيه‪ -‬لصحاب‬
‫العاقات والعاهات وما رأينا مجتمًعا على وجه الرض يدعو‬
‫بالشفاء والرحمة لصحاب الحتياجات الخاصة‪ ،‬غير مجتمع‬
‫المسلمين‪ ،‬ممن تربوا على منهج نبي السلم!‪.‬‬
‫المطلب الثامن ‪ :‬تحريم السخرية منهم‬
‫كان ذوو الحتياجات الخاصة‪ ،‬في المجتمعات الوربية الجاهلية‪،‬‬
‫مادة للسخرية‪ ،‬والتسلية والفكاهة‪ ،‬فيجد المعاق نفسه بين‬
‫نارين‪ ،‬نار القصاء والبعاد‪ ،‬ونار السخرية والشماتة‪ ،‬ومن ثم‬
‫يتحول المجتمع ‪ -‬في وجدان أصحاب العاقات‪ -‬إلى دار غربة‪،‬‬
‫واضهاد وفرقة ‪ ..‬فجاء الشرع السلمي السمح‪ ،‬ليحّرم السخرية‬
‫من الناس عامة‪ ،‬ومن أصحاب البلوى خاصة‪ ،‬ورفع شعار " ل‬
‫تظهر الشماتة لخيك فيرحمه الله ويبتليك " ‪ .‬وأنزل الله تعالى‬
‫آيات بينات توكد تحريم هذه الخصلة الجاهلية‪ ،‬والتي نبتت في‬
‫من نتن العصبية‪ ،‬والنعرات القبائلية‪ ،‬فقال عز من قائل ‪:‬‬
‫خْيرا ً‬ ‫كوُنوا َ‬ ‫سى َأن ي َ ُ‬ ‫من قَوْم ٍ ع َ َ‬ ‫م ّ‬ ‫خْر َقو ٌ‬ ‫س َ‬ ‫مُنوا َل ي َ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬
‫َ‬
‫} َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫مُزوا‬ ‫ن وََل ت َل ْ ِ‬ ‫من ْهُ ّ‬‫خْيرا ً ّ‬ ‫ن َ‬ ‫سى أن ي َك ُ ّ‬ ‫ساء ع َ َ‬ ‫من ن ّ َ‬ ‫ساء ّ‬ ‫م وََل ن ِ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن‬
‫ما ِ‬ ‫لي َ‬ ‫ْ‬
‫سوقُ ب َعْد َ ا ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫ْ‬
‫م ال ُ‬ ‫س ُ‬ ‫س ال ِ ْ‬ ‫ب ب ِئ ْ َ‬ ‫قا ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م وَل ت ََناب َُزوا ِبالل َ‬ ‫َ‬ ‫سك ْ‬ ‫ُ‬ ‫ف َ‬‫َأن ُ‬
‫ن {]الحجرات‪[11:‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ال ّ‬
‫ظال ِ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ب فَأ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫م ي َت ُ ْ‬ ‫من ل ّ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫مص الناس"‬ ‫كما ثبت عن النبي ‪ ‬أنه قال‪" :‬الك ِْبر بطر الحق وغ َ ْ‬
‫‪"، 2‬وغمط الناس" ‪ :‬احتقارهم والستخفاف بهم‪ ،‬وهذا حرام‪،‬‬
‫فإنه قد يكون المبتلى أعظم قدًرا عند الله‪ ،‬أو أكبر فضل ً على‬
‫دا‪ ،‬وتقوى وعفة وأدًبا ‪ ..‬نهيك عن القاعدة‬ ‫ما وجها ً‬ ‫الناس‪ ،‬عل ً‬
‫َ‬
‫م‬‫وال َك ُ ْ‬
‫م َ‬‫م وَأ ْ‬ ‫ماَءك ُ ْ‬‫م دِ َ‬ ‫م ع َل َي ْك ُ ْ‬ ‫حّر َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫النبوية العامة‪ ،‬الفاصلة ‪ ":‬فَإ ِ ّ‬
‫َ‬
‫ضك ُ ْ‬
‫‪3‬‬
‫م"‬ ‫وَأع َْرا َ‬
‫ولقد حذر النبي ‪ ‬أشد التحذير‪ ،‬من تضليل الكفيف عن طريقه‪،‬‬
‫سا وسخرية‪ ،‬فقال ‪:‬‬ ‫أو إيذاءه‪ ،‬عب ً‬
‫َ‬
‫ن طَ ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫مل ُْعو ٌ‬
‫‪4‬‬
‫ق"‬ ‫ري ٍ‬ ‫مى ع َ ْ‬ ‫ه أع ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫" َ‬

‫‪ 1‬صحيح – رواه البخاري‪ ،‬كتاب المرضى‪،‬باب دعاء العائد للمريض ‪ ،‬ح‪ ،(5243) :‬ومسلم‪ ،‬كتاب السلم‪ ،‬باب‬
‫استحباب رقية المريض‪ ،‬ح‪4061 :‬‬
‫‪ 2‬صحيح – رواه مسلم ‪،‬ح‪91 :‬‬
‫‪ 3‬البخاري‪ ،‬ح‪5583 :‬‬
‫‪ 4‬حسن ‪ -‬رواه أحمد‪،‬ح‪1779 :‬‬

‫‪242‬‬
‫‪5‬‬
‫ل"‬ ‫وقال ‪ " :‬ل َعن الل ّه من ك َم َ‬
‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مى ع َ ْ‬ ‫ه أع ْ َ‬ ‫ُ َ ْ ّ َ‬ ‫َ َ‬
‫فهذا وعيد شديد‪ ،‬لمن اتخذ العيوب الخلقية سبًبا للتندر أو التلهي‬
‫أو السخرية‪ ،‬أوالتقليل من شأن أصحابها‪ ،‬فصحاب العاقة هو أخ‬
‫دا على قدرة‬ ‫ظا‪ ،‬وشاه ً‬ ‫أو أب أو إبن امتحنه الله‪ ،‬ليكون فيًنا واع ً‬
‫الله‪ ،‬ل أن نجعله مادة للتلهي أو التسلي‪.‬‬
‫المطلب التاسع ‪ :‬رفع العزلة والمقاطعة عنهم‪:‬‬
‫فقد كان المجتمع الجاهلي في القديم‪ -‬سواًء في الجزيرة العربية‬
‫أو أوربا الرومانية أوأسيا الفارسية ‪ -‬يقاطع ذوي الحتياجات‬
‫الخاصة‪ ،‬ويعزلهم ويمنعهم من ممارسة حياتهم الطبيعية‪ ،‬كحقهم‬
‫في الزواج‪ ،‬والختلط بالناس‪ ،‬وزيارتهم والكل والشرب معهم‪..‬‬
‫ي ‪ ‬ل يخالطهم في‬ ‫فقد كان أهل المدينة قبل أن يبعث النب ّ‬
‫طعامهم أعرج ولأعمى ول مريض‪ ،‬وكان الناس يظنون بههم‬
‫ذر والتقّزز‪ .‬فأنزل الله تعالى‪:‬‬ ‫التق ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ض‬
‫ري ِ‬ ‫م َِ‬ ‫ج وََل ع ََلى ال ْ َ‬ ‫حَر ٌ‬ ‫ج َ‬ ‫ِ‬ ‫ج وََل ع ََلى اْلع َْر‬ ‫حَر ٌ‬ ‫مى َ‬ ‫س ع ََلى اْلع ْ َ‬ ‫َ‬ ‫}ل َي ْ‬
‫فسك ُم َأن تأ ْك ُُلوا من بيوت ِك ُ َ‬ ‫َ‬
‫م أْو‬ ‫ت آَبائ ِك ُ ْ‬ ‫م أوْ ب ُُيو ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ ُُ‬ ‫َ‬ ‫ج وََل ع ََلى أن ُ ِ ْ‬ ‫حَر ٌ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ت‬ ‫م أوْ ب ُُيو ِ‬ ‫وات ِك ُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫تأ َ‬ ‫م أوْ ب ُُيو ِ‬ ‫وان ِك ُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫ت إِ ْ‬ ‫م أوْ ب ُُيو ِ‬ ‫مَهات ِك ُ ْ‬ ‫تأ ّ‬ ‫ب ُُيو ِ‬
‫خاَلت ِك ُم أوَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ْ ْ‬ ‫ت َ‬ ‫م أوْ ب ُُيو ِ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫خ‬
‫تأ ْ‬ ‫م أوْ ب ُُيو ِ‬ ‫مات ِك ُ ْ‬ ‫ت عَ ّ‬ ‫م أوْ ب ُُيو ِ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫أع ْ َ‬
‫ميعا ً‬ ‫ْ‬ ‫فات ِحه أ َو صديقك ُم ل َيس ع َل َيك ُم جنا َ‬
‫ج ِ‬ ‫ح أن ت َأك ُُلوا َ‬ ‫ْ ْ ُ َ ٌ‬ ‫م َ َ ُ ْ َ ِ ِ ْ ْ َ‬ ‫مل َك ُْتم ّ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫أ َوْ أ ْ‬
‫َ‬
‫عندِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫ة ّ‬ ‫حي ّ ً‬
‫م تَ ِ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫موا ع َلى أن ُ‬ ‫سل ُ‬ ‫خلُتم ب ُُيوتا فَ َ‬ ‫ذا د َ َ‬ ‫شَتاتا فَإ ِ َ‬
‫قُلون {‬ ‫م ت َعْ ِ‬ ‫ت ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫م اْلَيا ِ‬ ‫ه ل َك ُ ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ك ي ُب َي ّ ُ‬ ‫ة ك َذ َل ِ َ‬ ‫ة ط َي ّب َ ً‬ ‫مَباَرك َ ً‬ ‫الل ّهِ ُ‬
‫]النور‪. 2 [ 61 :‬‬
‫أي ليس عليكم حرج في مؤاكلة المريض والعمى والعرج‪،‬‬
‫فهؤلء بشر مثلكم‪ ،‬لهم كافة الحقوق مثلكم‪ ،‬فل تقاطعوهم ول‬
‫تعزلوهم ول تهجروهم‪ ،‬فأكرمكم عند الله أتقاكم‪" ،‬والله ل ينظر‬
‫إلى صوركم ول إلى أشكالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم " ‪.‬‬
‫وهكذا نزل القرآن‪ ،‬رحمة لذوي الحتياجات الخاصة‪ ،‬يواسيهم‪،‬‬
‫سيا‪ ،‬ويخفف عنهم ‪ .‬ويتقذهم من أخطر المراض‬ ‫ويساندهم نف ً‬
‫النفسية التي تصيب المعاقين‪ ،‬جراء عزلتهم أو فصلهم عن‬
‫الحياة الجتماعية ‪.‬‬
‫وبعكس ما فعلت المم الجاهلية‪ ،‬فلقد أحل السلم لذوي‬
‫الحتياجات الخاصة الزواج‪ ،‬فهم – والله – أصحاب قلوب مرهفة‪،‬‬
‫ومشاعير جياشة‪ ،‬وأحاسيس نبيلة‪ ،‬فأقر لهم الحق في الزواج‪ ،‬ما‬
‫داموا قادرين‪ ،‬وجعل لهم حقوًقا‪ ،‬وعليهم واجبات‪ ،‬ولم يستغل‬
‫قا‪ ،‬ولم‬ ‫المسلمون ضعف ذوي الحتياجات‪ ،‬فلم يأكلوا لهم ح ً‬
‫ل‪ ،‬فعن عمر بن الخطاب أنه قال ‪:‬‬ ‫يمنعوا عنهم ما ً‬

‫‪ 5‬حسن ‪ -‬رواه أحمد ‪ ،‬ح‪2763 :‬‬


‫‪ 2‬انظر‪ :‬تفسير الطبري ‪ / 19 ،‬ص ‪219‬‬

‫‪243‬‬
‫سَها فَل ََها‬ ‫ذا َ‬ ‫" أ َيما رجل تزوج امرأ َة ً وبها جنو َ‬
‫م ّ‬ ‫ص فَ َ‬‫م أوْ ب ََر ٌ‬ ‫ج َ ٌ‬
‫ن أوْ ُ‬ ‫ََِ ُ ُ ٌ‬ ‫ّ َ َ ُ ٍ ََ ّ َ ْ َ‬
‫مًل‪. 1 "...‬‬ ‫داقَُها َ‬
‫كا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫َ‬
‫المطلب العاشر‪ :‬التيسير على ذوي الحتياجات الخاصة‬
‫‪:‬‬
‫ومن الرحمة بذوي الحتياجات الخاصة مراعاة الشريعة لهم في‬
‫كثيرٍ من الحكام التكليفية‪ ،‬والتيسير عليهم ورفع الحرج عنهم‪،‬‬
‫فعن زيد بن ثابت أن رسول الله ‪‬أملى عليه‪" :‬ل يستوي‬
‫القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله"‪ .‬قال‪:‬‬
‫فجاءه ابن أم مكتوم وهو يملها "علي" – رضي الله عنه ‪-‬‬
‫)لتدوينها(‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬لو أستطيع الجهاد لجاهدت‪،‬‬
‫وكان رجل أعمى‪ ،‬قال زيد بن ثابت‪ :‬فأنزل الله تبارك وتعالى‬
‫على رسوله ‪ ، ‬وفخذه على فخذي‪ ،‬فثقلت علي حتى خفت أن‬
‫ترض فخذي ]من ثقل الوحي[‪ ،‬ثم سري عنه‪ -‬فأنزل الله عز‬
‫ُ‬
‫ضَرِر‪.2‬‬ ‫وجل‪ :‬غ َي ُْر أوِْلي ال ّ‬
‫س ع ََلى‬ ‫فا عن ذوي الحتياجات الخاصة ‪} : -‬ل َي ْ َ‬ ‫وقال تعالى – مخف ً‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫من‬ ‫ج وَ َ‬‫حَر ٌ‬ ‫ض َ‬‫ري َ ِ‬ ‫ج وََل ع ََلى ال ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫حَر ٌ‬ ‫ج َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ج وَل ع َلى الع َْر ِ‬
‫حَر ٌ َ‬ ‫مى َ‬ ‫اْلع ْ َ‬
‫من ي َت َوَ ّ‬
‫ل‬ ‫حت َِها اْلن َْهاُر وَ َ‬
‫من ت َ ْ‬‫ري ِ‬‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬‫جّنا ٍ‬‫ه َ‬ ‫خل ْ ُ‬ ‫سول َ ُ‬
‫ه ي ُد ْ ِ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ي ُط ِِع الل ّ َ‬
‫ذابا ً أ َِليما ً {]الفتح‪.[ 17:‬‬ ‫ه عَ َ‬ ‫ي ُعَذ ّب ْ ُ‬
‫فرفع عنهم فريضة الجهاد في ساح القتال‪ ،‬فلم يكلفهم بحمل‬
‫عا ‪..‬‬ ‫سلح أو الخروج إلى نفير في سبيل الله‪ ،‬إل إن كان تطو ً‬
‫ومثال ذلك‪ ،‬قصة عمرو بن الجموح – رضي الله عنه – في‬
‫معركة أحد ] شوال ‪3‬هي‪/‬إبريل ‪ 624‬م[‪ ،‬فقد كان – رضوان الله‬
‫عليه ‪ -‬رجل أعرج شديد العرج ‪ ،‬وكان له بنون أربعة مثل السد‬
‫يشهدون مع رسول الله ‪ ‬المشاهد فلما كان يوم أحد أرادوا‬
‫حبسه ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬له إن الله عز وجل قد عذرك ! فأتى رسول الله‬
‫‪ ‬فقال‪:‬إن بني يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه والخروج‬
‫معك فيه ‪ .‬فوالله إني لرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة !‬
‫فقال نبي الرحمة ‪" : ‬أما أنت فقد عذرك الله فل جهاد عليك‬
‫"‪ ،‬ثم قال لبنيه ‪" :‬ما عليكم أن ل تمنعوه لعل الله أن يرزقه‬
‫الشهادة" فخرج مع الجيش فقتل يوم أحد‪. 3‬‬

‫حَباِء‪ ،‬ح‪ ، (969) :‬ومصنف ابن أبي شيبة ‪) -‬ج ‪ / 3‬ص‬‫ق َواْل ِ‬
‫صَدا ِ‬
‫جاَء ِفي ال ّ‬ ‫‪ 1‬موطأ مالك‪ِ،‬كَتاب الّنَكا ِ‬
‫ح‪َ ،‬باب َما َ‬
‫‪(310‬‬
‫‪ 2‬صحيح‪ -‬رواه البخاري ‪ ،‬كتاب الجهاد والسير‪ ،‬والية في سورة النساء‪ :‬رقم ‪. 95‬‬
‫‪ 3‬انظر‪ :‬ابن هشام ‪90 / 2‬‬

‫‪244‬‬
‫بيد أن هذا التخفيف‪ ،‬الذي يتمتع به المعاق في الشرع السلمي‪،‬‬
‫يتسم بالتوازن والعتدال‪ ،‬فخفف عن كل صاحب إعاقة قدر‬
‫إعاقته‪ ،‬وكلفه قدر استطاعته‪ ،‬يقول القرطبي‪:4‬‬
‫"إن الله رفع الحرج عن العمى فيما يتعلق بالتكليف الذي‬
‫يشترط فيه البصر‪ ،‬وعن العرج فيما يشترط في التكليف به من‬
‫المشى‪ ،‬وما يتعذر من الفعال مع وجود العرج‪ ،‬وعن المريض‬
‫فيما يؤثر المرض في إسقاطه‪ ،‬كالصوم وشروط الصلة‬
‫وأركانها‪ ،‬والجهاد ونحو ذلك‪".‬‬
‫ومثال ذلك الكفيف والمجنون‪ ،‬فالول مكلف بجل التكاليف‬
‫الشرعية باستثناء بعض الواجبات والفرائض كالجهاد ‪ ..‬أما الثاني‬
‫فقد رفع عنه الشارع السمح كل التكاليف‪ ،‬فعن عائشة أن‬
‫حّتى‬‫ن الّنائ ِم ِ َ‬‫ن ث ََلث َةٍ ع َ ْ‬ ‫م عَ ْ‬‫قل َ ُ‬ ‫رسول الله ‪ ‬قال ‪ُ ":‬رفِعَ ال ْ َ‬
‫ل " ‪.2‬‬ ‫ق َ‬
‫حّتى ي َعْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫جُنو ِ‬‫م ْ‬‫ن ال ْ َ‬ ‫حّتى ي َك ْب ََر وَع َ ْ‬ ‫صِغيرِ َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫ق َ‬
‫ظ وَع َ ْ‬ ‫ست َي ْ ِ‬
‫يَ ْ‬
‫فمهما أخطأ المجنون أو ارتكب من الجرائم‪ ،‬فل حد ول حكم‬
‫عليه‪ ،‬فعن ابن عباس قال‪ :‬أتي عمر – رضي الله عنه ‪ -‬بمجنونة‬
‫سا فأمر بها عمر أن ترجم‪ ،‬فمر بها‬ ‫قد زنت فاستشار فيها أنا ً‬
‫على علي بن أبي طالب ‪-‬رضوان الله عليه‪ -‬فقال‪ :‬ما شأن‬
‫هذه؟‬
‫قالوا ‪ :‬مجنونة بني فلن زنت‪ ،‬فأمر بها عمر أن ترجم ‪.‬‬
‫فقال‪ :‬ارجعوا بها !‬
‫ثم أتاه‪ ،‬فقال ‪ :‬يا أمير المؤمنين ! أما علمت أن القلم قد رفع‬
‫عن ثلثة ‪ ،‬عن المجنون حتى يبرأ‪ ،‬وعن النائم حتى يستيقظ‪،‬‬
‫وعن الصبي حتى يعقل ؟ قال ‪ :‬بلى‪ .‬قال‪ :‬فما بال هذه ترجم ؟‬
‫سل ََها ‪ .‬فجعل عمر ي ُك َب ُّر ‪.3‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سل َْها‪ .‬فَأْر َ‬ ‫!قال ل شيء‪ .‬قال علي‪ :‬فَأْر ِ‬
‫هكذا كان المنهج النبوي في التعامل مع ذوي الحتياجات الخاصة‪،‬‬
‫قا لهذه الفئة‪،‬‬ ‫في وقت لم تعرف فيه الشعوب ول النظمة ح ً‬
‫فقرر – الشرع السلمي‪ -‬الرعاية الكاملة والشاملة لذوي‬
‫الحتياجات الخاصة‪ ،‬وجعلهم في سلم أولويات المجتمع‬
‫السلمي‪ ،‬وشرع العفو عن سفيههم وجاهلهم ‪ .‬وتكريم أصحاب‬
‫البلء منهم‪ ،‬لسيما من كانت له موهبة أو حرفة نافعة أو تجربة‬
‫ناجحة‪ ،‬وحث على عيادتهم وزيارتهم ‪ ،‬ورغب في الدعاء لهم‪،‬‬
‫وحّرم السخرية منهم‪ ،‬ورفع العزلة والمقاطعة عنهم‪ ،‬ويسر‬
‫‪ 4‬تفسير القرطبي ‪313 / 12‬‬
‫صِغيِر َوالّناِئِم‪،‬ح‪ ،(2041 ) :‬وابن خزيمة في‬
‫ق اْلَمْعُتوِه َوال ّ‬
‫لِ‬ ‫طَ‬ ‫ق‪َ ،‬باب َ‬ ‫لِ‬‫طَ‬‫‪ 2‬صحيح ‪ -‬رواه ابن ماجة‪ِ ،‬كَتاب ال ّ‬
‫صحيحه ) ‪ ،( 1003‬وصححه اللباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجة‪ ،‬وفي الرواء ) ‪( 297‬‬
‫حّدا‪،‬ح‪ ،(4399) :‬وصححه اللباني‬
‫ب َ‬ ‫صي ُ‬ ‫ق َأْو ُي ِ‬
‫سِر ُ‬
‫ن َي ْ‬
‫جُنو ِ‬ ‫‪ 3‬صحيح ‪ -‬رواه أبو داود‪ِ ،‬كَتاب اْل ُ‬
‫حُدوِد‪َ ،‬باب ِفي اْلَم ْ‬
‫في صحيح وضعيف سنن أبي داود‪ ،‬وفي الرواء ) ‪( 5 / 2‬‬

‫‪245‬‬
‫عليهم في الحكام ورفع عنهم الحرج‪ .‬فالله الله في شريعة‬
‫السلم ونبي السلم !‬
‫المبحث الرابع‬
‫رحمته للمسنين‬
‫ظا بالمسنين‪،‬‬ ‫ما ملحو ً‬‫يشهد العالم في السنوات الخيرة اهتما ً‬
‫وقد شهد المجتمع الدولي أكثر من فعالية دولية‪ ،‬من مؤتمرات‬
‫وندوات عالمية‪ ،‬لتناول قضايا المسنين‪ ،‬وشهد عام ‪ 1982‬أول‬
‫إشارة من العالم المتحضر لرعاية المسنين‪ ،‬حيث أعلنت المم‬
‫المتحدة‪ ،‬في اجتماع لمندوبي ‪ 124‬دولة‪ ،‬أن العقد التاسع من‬
‫القرن العشرين عقد المسنين‪ ،‬ورفعت منظمة الصحة العالمية‬
‫عام ‪ 1983‬شعار "فلنضف الحياة إلى سنين العمر"‪ ،‬وقد تبنى‬
‫مؤتمر المم المتحدة الذي انعقد في مدريد عام ‪2002‬م خطة‬
‫عمل لمعالجة مشاكل المسنين في مختلف بلدان العالم ‪..‬‬
‫والحق أن هذه المؤتمرات كانت شبيهه بالملتقيات الفكرية‬
‫النظرية‪ ،‬فلم يطبق لها قرارًا‪ ،‬ولم ُتفعل لها خطة !‬
‫وكان الولى لهذه الفعاليات والمؤتمرات أن تقرأ في منهج نبي‬
‫السلم‪ ، ‬وكيف رسم المنهج العملي في رعاية المسنين ‪.‬‬
‫لقد كان نبي الرحمة‪ ‬سباًقا في هذا الميدان‪ ،‬ومرجًعا مه ً‬
‫ما –‬
‫ينبغي أن ُيأخذ به ‪ -‬لكل فعالية أو نشاط يهدف إلى رعاية‬
‫المسنين ‪.‬‬
‫وينطلق منهج رعاية المسنين – في السلم – من منطلق‬
‫دا عن التمييز بين فئات المسنين على أساس‬ ‫إنساني سامق‪ ،‬بعي ً‬
‫الجنس أو اللون أو الدين ‪ .‬فالسلم ل يقرر قواعد الرعاية‬
‫للمسنين من منطلق عنصري أو عرقي كما هو الحال في العالم‬
‫" المتحضر " في هذا الوقت الراهن ‪.‬‬
‫فالمسن الفرنسي ذو البشرة البيضاء له الرعاية الشاملة‬
‫والحقوق الكاملة‪ ،‬أما المسن السود والذي يحمل نفس الجنسية‬
‫ل يتمتع بمعشار ما يتمتع به المسن البيض‪ ،‬رغم أنهم أصحاب‬
‫وطن واحد ودين واحد ولغة واحدة‪! ..‬‬
‫فياليت هذا العالم " المتحضر" ينظر إلى منهج نبي السلم مع‬
‫المسنين‪ ،‬كل المسنين‪ ،‬البيض والسود‪ ،‬العرب وغير العرب‪،‬‬
‫المسلمين وغير المسلمين ‪.‬‬
‫وإليكم بعض تعاليمه ‪ ‬في رعاية المسنين ‪..‬‬
‫المطلب الول ‪ :‬حثه على إكرام المسنين والرفق بهم‪:‬‬
‫ل‪ :‬مناشدة الشباب لكرام المسنين ‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫ل‪:‬‬‫ك َقا َ‬ ‫عَ َ‬
‫مال ِ ٍ‬
‫ن َ‬
‫س بْ ِ‬
‫ن أن َ ِ‬‫ْ‬

‫‪246‬‬
‫َ‬
‫ه لَ ُ‬
‫ه‬ ‫ض الل ّ ُ‬
‫سن ّهِ إ ِّل قَي ّ َ‬‫خا ل ِ ِ‬ ‫ب َ‬
‫شي ْ ً‬ ‫شا ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل الل ّهِ ‪َ " :‬‬
‫ما أك َْر َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ن ي ُك ْرِ ُ‬
‫‪1‬‬
‫ه" ‪.‬‬
‫سن ّ ِ‬
‫عن ْد َ ِ‬
‫ه ِ‬‫م ُ‬ ‫م ْ‬
‫َ‬
‫وهكذا أوصى شباب المجتمع بشيوخه‪ ،‬وشباب اليوم هم شيوخ‬
‫الغد‪ ،‬وتبقى الوصية المحمدية متواصلة ومتلحقة مع حقب‬
‫الزمن‪ ،‬توصي الجيال بعضها ببعض‪ ،‬وفيه بشارة بطول العمر‬
‫خا‪ ،‬والجزاء من جنس‬ ‫وبالقرين الصالح الذي يكرم من أكرم شي ً‬
‫العمل ‪.‬‬
‫َ‬
‫ه" ‪ ..‬أي‬ ‫سن ّ ِ‬
‫خا ل ِ ِ‬ ‫ب َ‬
‫شي ْ ً‬ ‫شا ّ‬ ‫م َ‬‫ما أك َْر َ‬‫وانظر إلى هذا التعميم ‪َ " :‬‬
‫شيخ مسن‪ ،‬مهما كان لونه‪ ،‬ومهما كان دينه‪ ،‬فالمسلم مطالب‬
‫بإكرام المسن دون النظر إلى عقيدته أو بلده أو لونه ‪...‬‬

‫كما في حديث أنس بن مالك ‪ ،‬أن رسول الله ‪ ‬قال‪" :‬والذي‬


‫نفسي بيده ‪ ،‬ل يضع الله رحمته إل على رحيم" ‪ ،‬قالوا ‪ :‬يا رسول‬
‫الله ‪ ،‬كلنا يرحم ‪ ،‬قال ‪ ":‬ليس برحمة أحدكم صاحبه ‪ ..‬يرحم‬
‫الناس كافة "‪ . 2‬فيرحم الناس كافة‪ ،‬والطفال كافة‪ ،‬والمسنين‬
‫كافة‪ ،‬بعجرهم وبجرهم‪ ،‬مسلمهم وغير مسلمهم ‪.‬‬
‫ثانًيا‪ :‬إكرام المسن من إجلل الله ‪:‬‬
‫َ‬
‫سى اْل ْ‬ ‫شعري فع َ‬ ‫َ‬ ‫فع َ‬
‫ل‬‫سو ُ‬‫شعَرِيّ أن َر ُ‬ ‫مو َ‬
‫ن أِبي ُ‬ ‫سى اْل ْ َ ِ ّ َ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ن أِبي ُ‬ ‫َ ْ‬
‫م‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫م ِذي ال ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫الل ّهِ ‪ ‬قال "إ ِ ّ‬
‫سل ِ ِ‬
‫م ْ‬
‫شي ْب َةِ ال ُ‬ ‫ل اللهِ إ ِكَرا َ‬ ‫جل ِ‬‫ن إِ ْ‬‫م ْ‬ ‫ن ِ‬
‫م ِذي‬ ‫ه‪ ،‬وَإ ِك َْرا َ‬
‫جاِفي ع َن ْ ُ‬ ‫ن غ َي ْرِ ال َْغاِلي ِفيهِ َوال ْ َ‬ ‫قْرآ ِ‬ ‫ل ال ْ ُ‬‫م ِ‬
‫حا ِ‬‫وَ َ‬
‫ن ال ْ ُ‬ ‫سل ْ َ‬
‫‪3‬‬
‫ط" ‪.‬‬ ‫س ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫م ْ‬ ‫طا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫فجعل إكرام المسنين من إجلل الله ‪ . .‬وربط بين توقير الخالق‬
‫وتوقير المخلوق ‪ ،‬وإجلل القوي سبحانه وإجلل المسن‬
‫قا‬‫الضعيف‪ ،‬وذكر علمة‪ُ ،‬يكرم بها صاحبها‪ ،‬هي الشيب‪ ،‬فكان ح ً‬
‫على كل من رأي هذه العلمة في إنسان إن يكرمه ويجله ‪.‬‬
‫ثم انظر كيف جمع بين المسن وحامل القرآن والسلطان‪ ،‬وقدم‬
‫المسن‪ ،‬كأنه يقول لك وقْر المسن كما توقر السلطان والرئيس‬
‫والحاكم‪ ،‬وعظم المسن كما تعظم حامل القرآن الحاذق‪.‬‬
‫وتحت لفظ " إكرام ذي الشيبة المسلم "‪ ،‬تأتي كل صور الرعاية‬
‫والكرام للمسنين‪ ،‬كالرعاية الصحية‪ ،‬والرعاية النفسية‪ ،‬والرعاية‬
‫الجتماعية والقتصادية‪ ،‬ومحو المية‪ ،‬والتعليم التثقيف‪ ،‬وغيرها‬
‫من صور العناية التي ينادي بها المجتمع الدولي الن ‪.‬‬

‫ب‪ ،‬وحسنه صاحب‬ ‫غِري ٌ‬


‫ث َ‬ ‫‪ 1‬رواه الترمذي‪ ،‬باب ما جاء في إجلل الكبير‪ ،‬رقم ‪ ، 1945‬قال الترمذي‪َ :‬هَذا َ‬
‫حِدي ٌ‬
‫الجامع الصغير‪ ،‬انظر‪ :‬فيض القدير ‪) -‬ج ‪ / 5‬ص ‪(543‬‬
‫‪ 2‬صحيح ‪ -‬رواه أبو يعلى الموصلي ‪ ، 4145‬وصححه اللباني في السلسلة الصحيحة‪ ،‬برقم ‪167‬‬
‫‪ 3‬حسن ‪ -‬رواه أبو داود‪ ،‬باب في تنزيل الناس منازلهم‪ ،‬رقم ‪ ،4203‬وابن أبي شيبة‪ ،‬برقم ‪ ،224 \5‬والبيهقي‪،‬‬
‫رقم ‪ ،2573‬وحسنه اللباني في مشكاة المصابيح‪78 \3 ،‬‬

‫‪247‬‬
‫ثالًثا‪ :‬ليس من المسلمين من ل يوقر الكبير ‪:‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫مّنا َ‬‫س ِ‬ ‫ل الل ّهِ ‪ ‬قال ‪ " :‬ل َي ْ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫فعن عبد الله بن عمرو ‪ :‬أن َر ُ‬
‫صِغيَرَنا وي ُوَقّْر ك َِبيَرَنا " ‪.‬‬ ‫لَ ْ‬
‫‪1‬‬
‫م َ‬ ‫ح ْ‬
‫م ي َْر َ‬
‫فجعل من الذين ل يوقرون الكبراء والمسنين عناصر شاذة في‬
‫مجتمع المسلمين‪ ،‬بل وتبرأ منهم ! إذ ليس من المسلمين من ل‬
‫يحترم كبيرهم‪ ،‬وليس من المجتمع من لم يوقر مشايخه وأكابره‬
‫من المسنين ‪ .‬وتأمل – هداك الله – لفظة النبي " يوقر كبيرنا "‬
‫ما للكبير والمسن ‪ ، -‬ولم يقل "‬ ‫– هكذا بضمير الجمع ‪ ،‬تعظي ً‬
‫يوقر الكبير"‪ ،‬ليقرر أن العتداء على الكبير أو المسن بالقول أو‬
‫الفعل أو الشارة هو اعتداء على جناب رسول الله ‪ ،‬الذي‬
‫نسب المسن إليه وانتسب إليه‪ ،‬بقوله ‪ "..‬كبيرنا" ‪.‬‬
‫عا‪ :‬تسليم الصغير على الكبير ‪:‬‬ ‫راب ً‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫صِغيُر ع َلى الك َِبيرِ ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ي ‪َ‬قا َ‬ ‫َ‬
‫م ال ّ‬
‫سل ُ‬ ‫ل‪ " :‬ي ُ َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬
‫ن أِبي هَُري َْرة َ أ ْ‬ ‫فعَ ْ‬
‫ل ع ََلى ال ْك َِثي ِ‬ ‫قِلي ُ‬‫د‪َ ،‬وال ْ َ‬ ‫ماّر ع ََلى ال ْ َ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫‪2‬‬
‫ر" ‪.‬‬ ‫ع ِ‬
‫قا ِ‬

‫فقرر النماذج العملية البسيطة ‪ ،‬فيما يتعلق بجوانب الذوقيات‬


‫الجتماعية العامة‪ ،‬وبدأ بأهم هذه المظاهر الخلقية والذوقية‪،‬‬
‫وهو مظهر توقير الكبير واحترام المسن‪ ،‬فهو البند الول في "‬
‫التيكيت السلمي "‪ ..‬ولما كان الصغير هو المبادر في مثل هذه‬
‫الحوال‪ ،‬كان عليه فيما دون ذلك ‪ ،‬فيبدأ بالمساعدة‪ ،‬ويبدأ‬
‫بالملطفة‪ ،‬ويبدأ بالزيارة‪ ،‬ويبدأ بالنصيحة‪ ،‬ويبدأ بالتصال ‪ ..‬الخ‬
‫سا ‪ :‬تقديم المسن في وجوه الكرام عامة‪:‬‬ ‫خام ً‬
‫قال النبي ‪ " : ‬أمرني جبريل أن أقدم الكابر " ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وهذه قاعدة عامة في تقديم الكبير والمسن في وجوه الكرام‬


‫والتشريف عامة ‪..‬‬
‫وقد أمر النبي ‪ ‬أن ُيبدأ الكبير بتقديم الشراب ونحوه‬
‫للكابر‪..‬فقال ‪" :‬أبدؤا بالكبراء ‪ -‬أو قال – بالكابر"‪.4‬‬
‫ولقد مارس هذا الخلق عملًيا‪ ،‬فتقول عائشة ‪ " :‬كان ‪ ‬يستن‬
‫وعنده رجلن‪ ،‬فُأوحي إليه ‪ :‬أن أعط السواك أكبرهما ! "‪.5‬‬
‫وعن عبدالله بن كعب ‪":‬كان ‪ ‬إذا استن أعطى السواك الكبر‪،‬‬
‫و إذا شرب أعطى الذي عن يمينه"‪.6‬‬

‫‪1‬صحيح – رواه الترمذي و رواه أحمد‪ ،‬برقم ‪ ،6643‬وصححه اللباني في السلسلة الصحيحة ) ‪( 230 / 5‬‬
‫‪ 2‬صحيح – رواه البخاري‪ ،‬باب تسليم القليل على الكثير‪ ،‬رقم ‪5763‬‬
‫‪ 3‬صحيح ‪ -‬رواه أبو بكر الشافعي في " الفوائد " ) ‪ ، ( 1 / 97 / 9‬وهو في السلسلة الصحيحة ‪ ،‬برقم ‪1555‬‬
‫‪ 4‬صحيح – أخرجه أبو يعلى ) ‪ ،( 638 / 2‬وهو في السلسلة الصحيحة‪ ،‬برقم ‪1778‬‬
‫غْيِرهِ ح‪ ،46 :‬وهو في السلسلة‬
‫ك َ‬
‫سَوا ِ‬
‫ك ِب ِ‬
‫سَتا ُ‬
‫ل َي ْ‬
‫جِ‬ ‫‪ 5‬صحيح ‪ -‬رواه أبو داود‪ِ ،‬كَتاب ال ّ‬
‫طَهاَرِة‪َ ،‬باب ِفي الّر ُ‬
‫الصحيحة ‪) -‬ج ‪ / 4‬ص ‪ ،(129‬برقم ‪1555‬‬
‫‪ 6‬صحيح ‪ -‬صحيح وضعيف الجامع الصغير ‪) -‬ج ‪ / 18‬ص ‪ ،(444‬برقم ‪.8797‬‬

‫‪248‬‬
‫قال ابن بطال ‪ :‬فيه تقديم ذي السن في السواك ‪ ،‬و يلتحق به‬
‫الطعام والشراب و المشي والكلم‪ .1‬ومن ثم كل وجوه الكرام ‪.‬‬
‫كما أمر ‪ ‬بتقديم المسن في المامة ‪:‬‬
‫ي‪ ‬قال ‪.. ":‬‬ ‫ث أن الن ّب ِ ّ‬ ‫حوَي ْرِ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ففي الصحيح من حديث مالك ب ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م أك ْب َُرك ُ ْ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫م ‪ ،‬وَل ْي َؤ ُ ّ‬ ‫حد ُك ُ ْ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫صَلة ُ فَل ْي ُؤ َذ ّ ْ‬ ‫فَإ ِ َ‬
‫‪2‬‬
‫م" ‪.‬‬ ‫مأ َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ضَر ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ذا َ‬
‫وهو ل يتعارض مع تصريح النبي ‪ ‬بتقديم الحفظ لكتاب الله‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صارِيّ حين َقال‬ ‫سُعود ٍ اْلن ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫وجد جمع بينهما في حديث أِبي َ‬
‫َ‬ ‫قو َ‬
‫م قَِراَءةً‪،‬‬ ‫مه ُ ْ‬ ‫ب الل ّهِ وَأقْد َ ُ‬ ‫م ل ِك َِتا ِ‬ ‫م أقَْرؤ ُهُ ْ‬ ‫م ال ْ َ ْ َ‬ ‫ل الل ّهِ ‪ " :‬ي َؤ ُ ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫َر ُ‬
‫َ‬
‫كاُنوا ِفي‬ ‫ن َ‬ ‫ة‪ ،‬فَإ ِ ْ‬ ‫جَر ً‬ ‫م هِ ْ‬ ‫مه ُ ْ‬ ‫م أقْد َ ُ‬ ‫مه ُ ْ‬ ‫واًء فَل ْي َؤ ُ ّ‬ ‫س َ‬ ‫م َ‬ ‫ت قَِراَءت ُهُ ْ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫فَإ ِ ْ‬
‫ال ْهجرة سواًء فَل ْيؤ ُمه َ‬
‫سّنا ‪. 3 "...‬‬ ‫م ِ‬ ‫م أك ْب َُرهُ ْ‬ ‫َ ّ ُ ْ‬ ‫ِ ْ َ ِ َ َ‬
‫كما أن الكبير – في الهدي النبوي – أحق بالمبداءة في الكلم‪،‬‬
‫خديج وسهل بن أ َبي حث ْم َ َ‬
‫ن‬‫ن ع َب ْد َ الل ّهِ ب ْ َ‬ ‫ةأ ّ‬ ‫َ َ‬ ‫ن َ ِ ٍ َ َ ْ ِ ْ ِ ِ‬ ‫ن َرافِِع ب ْ ِ‬ ‫والحوار‪ ،‬فعَ ْ‬
‫قت ِ َ‬ ‫خلِ‪ ،‬فَ ُ‬ ‫فّرَقا ِفي الن ّ ْ‬ ‫خي ْب ََر فَت َ َ‬ ‫َ‬
‫ل ع َب ْد ُ‬ ‫سُعود ٍ أت ََيا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ة بْ َ‬ ‫ص َ‬ ‫حي ّ َ‬ ‫م َ‬‫ل وَ ُ‬ ‫سه ْ ٍ‬ ‫َ‬
‫ة اب َْنا‬ ‫ص ُ‬‫حي ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ة وَ ُ‬ ‫ص ُ‬ ‫حوَي ّ َ‬ ‫ل وَ ُ‬ ‫سه ْ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫ن بْ ُ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫جاَء ع َب ْد ُ الّر ْ‬ ‫سه ْ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫اللهِ ب ْ ُ‬
‫حب ِِهمْ‪ ،‬فَب َد َأ ع َب ْد ُ‬ ‫صا ِ‬ ‫مرِ َ‬ ‫موا ِفي أ ْ‬ ‫ي ‪ ‬فَت َك َل ّ ُ‬ ‫سُعود ٍ إ َِلى الن ّب ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ي ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫قا َ‬ ‫م‪ ،‬فَ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن وَ َ‬
‫ه الن ّب ِ ّ‬ ‫لل ُ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫صغََر ال َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫الّر ْ‬
‫"ك َب ّْر ال ْك ُب َْر " ‪..‬‬
‫‪4‬‬
‫م اْل َك ْب َُر ‪ ..‬الحديث‬ ‫ي ال ْك ََل َ‬ ‫حَيى ي َعِْني ل ِي َل ِ َ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫َقا َ‬
‫سا ‪ :‬التخفيف عن المسنين في الحكام الشرعية ‪:‬‬ ‫ساد ً‬
‫فالحكام الشرعية في السلم دائما تأخذ في العتبار مبدأ‬
‫التخفيف عن صاحب الحرج‪ ،‬كالمسن ‪ ..‬نرى ذلك بوضوح في‬
‫جل التشريعات السلمية ‪ ..‬فقد خفف الشرع عن المسن في‬
‫الكفارات والفرائض والواجبات‪..‬‬
‫أما التخفيف عن المسن في الكفارات‪ ،‬فقصة المجادلة )خولة‬
‫بنت ثعلبة( في القرآن خير دليل‪ ،‬عندما وقع زوجها )أوس بن‬
‫الصامت( – وهو الشيخ المسن – في جريمة الظهار‪ ،‬ونزل‬
‫م ثُ ّ‬
‫م‬ ‫سائ ِهِ ْ‬ ‫ن نِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ظاه ُِرو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫الحكم الشرعي العام ‪َ " :‬وال ّ ِ‬
‫م ُتوع َ ُ‬ ‫يعودون ل ِما َقاُلوا فَتحرير رقَبة من قَب َ‬
‫ن‬
‫ظو َ‬ ‫سا ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫ما ّ‬ ‫ن ي َت َ َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫َ ْ ِ ُ َ َ ٍ ِ ْ ْ ِ‬ ‫َُ ُ َ َ‬
‫ن‬ ‫م َ‬ ‫جد ْ ف َ ِ‬ ‫َ‬ ‫خِبيٌر )‪ (3‬فَ َ‬ ‫ُ‬ ‫ب ِهِ َوالل ّ ُ‬
‫شهَْري ْ ِ‬ ‫صَيا ُ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫نل ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ملو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬
‫متتابعين من قَب َ‬
‫ه بِ َ‬
‫ن‬
‫سّتي َ‬ ‫م ِ‬ ‫ست َط ِعْ فَإ ِط َْعا ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫سا فَ َ‬ ‫ما ّ‬ ‫ن ي َت َ َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ُ ََ َِ ْ ِ ِ ْ ْ ِ‬
‫ن‬
‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ْ‬
‫دود ُ اللهِ وَل ِل َ‬ ‫ّ‬ ‫ح ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫ْ‬
‫سول ِهِ وَت ِل َ‬ ‫مُنوا ِباللهِ وََر ُ‬ ‫ّ‬ ‫ك ل ِت ُؤ ْ ِ‬ ‫كيًنا ذ َل ِ َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫م )‪ ] "(4‬المجادلة [‪..‬‬ ‫َ‬ ‫عَ َ‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬

‫‪ 1‬انظر‪:‬اللباني السلسلة الصحيحة ‪) -‬ج ‪ / 4‬ص ‪(129‬‬


‫سَتَوْوا ِفي اْلِقَراَءِة َفْلَيُؤّمُهْم َأْكَبُرُهْم ‪ ،‬ح‪(595) :‬‬
‫ن‪َ ،‬باب ِإَذا ا ْ‬ ‫‪ 2‬صحيح البخاري‪ِ ،‬كَتاب ا َْ‬
‫لَذا ِ‬
‫لَماَمِة‪ ،‬ح‪(1079) :‬‬ ‫ق ِبا ِْ‬
‫حّ‬ ‫ن َأ َ‬‫لِة‪َ ،‬باب َم ْ‬ ‫صَ‬ ‫ضِع ال ّ‬ ‫جِد َوَمَوا ِ‬
‫سا ِ‬‫‪ 3‬صحيح مسلم ‪ِ ،‬كَتاب اْلَم َ‬
‫صا ِ‬
‫ص‬ ‫ن َواْلِق َ‬
‫حاِرِبي َ‬ ‫‪ 4‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الدب‪ ،‬باب إكرام الكبير‪ ،‬ح‪ ،(5677) :‬ومسلم‪ ،‬كتاب اْلَق َ‬
‫ساَمِة َواْلُم َ‬
‫ساَمِة‪ ،‬ح‪.(3157) :‬‬ ‫ت‪َ ،‬باب اْلَق َ‬
‫َوالّدَيا ِ‬

‫‪249‬‬
‫مريه فليعتق رقبة"‪،‬‬ ‫وقال رسول الله ‪ ‬لخولة المجادلة‪ُ " :‬‬
‫فسألت التخفيف عن زوجها ‪.‬فقال‪" :‬فليصم شهرين متتابعين"‪.‬‬
‫فقالت‪ :‬والله إنه شيخ كبير‪ ،‬ما به من صيام‪ .‬قال‪" :‬فليطعم‬
‫قا من َتمر"‪ .‬فقلت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬ما ذاك‬ ‫ستين مسكيًنا وس ً‬
‫ق من تمر" ! ولم‬ ‫عنده ! فقال نبي الرحمة ‪" :‬فإنا سنعينه بعََر ٍ‬
‫ينس الرسول الجليل والب الرحيم أن يوصي المرأة الشابة‬
‫‪1‬‬
‫بزوجها الشيخ فقال‪":‬استوصي بابن عمك خيًرا"‪.‬‬
‫وفي الفرائض ‪ :‬أجاز للمسن أن يفطر في نهار رمضان ‪-‬‬
‫سا إذا شق عليه‬ ‫ويطعم ‪ -‬إذا شق عليه الصيام‪ ،‬وأن يصلي جال ً‬
‫سا إذا شق عليه الجلوس ‪ ..‬وهكذا‪..‬‬ ‫القيام‪ ،‬وأن يصلي جال ً‬
‫ولقد عّنف الرسول ‪ ‬معاذ بن جبل‪ ،‬ذات يوم‪ ،‬لما صلى إما ً‬
‫ما‬
‫فأطال فشق على المأموم‪ ،‬قائل ‪:‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت ! ] ث ََل َ‬ ‫"يا معاذ ُ ! أ َفَتا َ‬
‫م‬
‫س َ‬ ‫حا ْ‬ ‫سب ّ ِ‬
‫ت بِ َ‬ ‫صلي ْ َ‬ ‫مَراٍر[ ! فَلوْل َ‬ ‫ث ِ‬ ‫ن أن ْ َ‬ ‫ّ ٌ‬ ‫َ ُ َ‬
‫صّلي وََراَءكَ‬ ‫ه يُ َ‬ ‫شى‪ ،‬فَإ ِن ّ ُ‬ ‫ذا ي َغْ َ‬‫ل إِ َ‬ ‫ّ‬
‫ها َواللي ْ ِ‬ ‫حا َ‬‫ض َ‬ ‫س وَ ُ‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫ش ْ‬ ‫ك َوال ّ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫‪2‬‬
‫جةِ !"‬ ‫حا َ‬ ‫ذو ال ْ َ‬ ‫ف وَ ُ‬ ‫ضِعي ُ‬ ‫ال ْك َِبيُر َوال ّ‬
‫ورخص للمسن أن يرسل من يحج عنه إن لم يستطع أن يمتطى‬
‫فضل أ َن ا َ‬
‫سو َ‬
‫ل‬ ‫ت ‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫م َقال َ ْ‬ ‫خث ْعَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مَرأة ً ِ‬ ‫ن ال ْ َ ْ ِ ّ ْ‬ ‫وسيلة النقل ‪ .‬فعَ ْ‬
‫ج ‪ ،‬وَهُوَ َل‬ ‫ح ّ‬ ‫ة الل ّهِ ِفي ال ْ َ‬ ‫ض ُ‬‫ري َ‬ ‫خ ك َِبيٌر ع َل َي ْهِ فَ ِ‬ ‫شي ْ ٌ‬ ‫ن أ َِبي َ‬ ‫الل ّهِ ‪ ،‬إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫ي ‪": ‬‬ ‫ل لها الن ّب ِ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫ه‪ ،‬فَ َ‬ ‫ست َوِيَ ع ََلى ظ َهْرِ ب َِعيرِ ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫طيعُ أ ْ‬ ‫ست َ ِ‬‫يَ ْ‬
‫‪3‬‬
‫ه"‪. .‬‬ ‫جي ع َن ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫فَ ُ‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬نماذج رحمته ‪ ‬للمسنين ‪:‬‬
‫ل‪ :‬إنصاته لعتبة وتلطفه معه ‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫جاء عتبة بن ربيعة ‪ -‬أحد شيوخ المشركين في مكة‪ -‬يتحدث إلى‬
‫النبي ‪ ،‬بحديث طويل يريد أن يثنيه عن دعوته‪ ،‬وكان من بين‬
‫ما قال‪:‬‬
‫أنت خير أم عبد الله؟ أنت خير أم عبد المطلب ؟ فسكت النبي‪،‬‬
‫ضا عن الجاهلين !‬ ‫تأدًبا وإعرا ً‬
‫فواصل عتبة قائل ً ‪ :‬إن كنت تزعم أن هؤلء خير منك فقد عبدوا‬
‫اللهة التي عبت‪ ،‬وإن كنت تزعم أنك خير منهم فقل يسمع‬
‫لقولك‪ ،‬لقد أفضحتنا في العرب حتى طار فيهم أن في قريش‬
‫ساحرًا‪ ،‬وأن في قريش كاهنًا‪ ،‬ما تريد إل أن يقوم بعضنا لبعض‬
‫ة هذا الدب الجم من‬ ‫بالسيوف حتى نتفانى‪ .. 4‬فلما عاين عتب ُ‬
‫رسول الله‪ ،‬خفف من حدة الحديث‪ ،‬وقال ‪ :‬يا بن أخى‪ ،‬إن كنت‬
‫إنما تريد بما جئت به من هذا المر مال ً جمعنا لك من أموالنا‬
‫تفسير ابن كثير ‪) -‬ج ‪ / 8‬ص ‪(36‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫ي ‪ ،‬ح‪(664) :‬‬
‫ت ِبَنا َيا ُبَن ّ‬
‫طّوْل َ‬
‫سْيٍد َ‬
‫ل َأُبو ُأ َ‬
‫ل َوَقا َ‬
‫طّو َ‬
‫شَكا ِإَماَمُه ِإَذا َ‬
‫ن َ‬
‫ن‪َ ،‬باب َم ْ‬
‫لَذا ِ‬
‫صحيح البخاري‪ِ ،‬كَتاب ا َْ‬
‫‪3‬‬
‫صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الحج ‪ ،‬باب الحج عن العاجز‪ ،‬ح‪(2376) :‬‬
‫‪4‬‬
‫السيرة الحلبية ‪1/456‬‬

‫‪250‬‬
‫ل‪ ،‬وإن كنت تريد به شرًفا سودناك علينا حتى‬ ‫حتى تكون أكثرنا ما ً‬
‫كا ملكناك علينا‪ ،‬وإن‬ ‫ل نقطع أمًرا دونك‪ ،‬وإن كنت تريد به مل ً‬
‫كان هذا الذى يأتيك رئًيا ] يعني جنون أو مس [ تراه ل تستطيع‬
‫رده عن نفسك؛ طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك‬
‫منه‪ ،‬فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يتداوى منه‪.‬‬
‫و ل زال عتبة يتحدث إلى النبي‪ ،‬بهذا الحديث الذي ل يخلوا‬
‫من التعريض أو من التجريح‪ ،‬ورسول الله ‪ ‬في أنصات‬
‫واستماع بكل احترام للشيخ ‪..‬‬
‫حتى إذا فرغ عتبة‪ ،‬قال له النبي ‪ -‬في أدب ورفق ‪ " :-‬أفرغت‬
‫يا أبا الوليد ؟ " قال‪ :‬نعم‪.‬‬
‫قال‪" :‬اسمع منى"‪.‬‬
‫قال‪ :‬أفعل‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫فقرأ عليه النبي أول سورة فصلت ‪.‬‬
‫ثانًيا‪ :‬سعيه لفك أسر شيخ كبير‪:‬‬
‫فلما ُأسر عمرو بن أبي سفيان بن حرب‪ ،‬في معركة بدر‪ ،‬ووقع‬
‫أسيرا في يد رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬فقيل لبي‬
‫سفيان‪ :‬افد عمًرا ابنك ! قال‪ :‬أيجمع علي دمي ومالي‪ ،‬قتلوا‬
‫حنظلة وأفدي عمًرا‪ ،‬دعوه في أيديهم يمسكوه ما بدا لهم‪.‬‬
‫فبيًنا هو كذلك محبوس بالمدينة عند رسول الله ‪ ‬إذ خرج شيخ‬
‫كبير مسلم إلى مكة لداء العمرة‪ ،‬وكان اسمه سعد بن النعمان‬
‫بن أكال ‪ -‬أخو بني عمرو بن عوف‪ -‬فخرج معتمًرا‪ ،‬رغم أن‬
‫الظروف السياسية عصيبة لسيما بعد بدر ‪ ..‬ولم يظن أنه يحبس‬
‫جا أو‬
‫شا ل يعرضون لحد جاء حا ً‬ ‫بمكة‪ ،‬وقد كان عهد أن قري ً‬
‫معتمًرا إل بخير‪ ،‬فعدا عليه أبو سفيان بن حرب بمكة‪ ،‬فحبسه‬
‫بابنه عمرو ‪..‬‬
‫ومشى بنو عمرو بن عوف إلى رسول الله ‪ ‬فأخبروا خبره‪،‬‬
‫وسألوه أن يعطيهم عمرو بن أبي سفيان‪ ،‬فيفكوا به الشيخ‪،‬‬
‫ففعل رسول الله ‪ ، ‬وأفرج عن ابن أبي سفيان على الفور‪،‬‬
‫دون فداء‪ ،‬فبعثوا به إلى أبي سفيان فخلى سبيل الشيخ‪.2‬‬
‫ثالًثا‪:‬رفقه بأبي قحافة وتوقيره له ‪:‬‬
‫حا )في رمضان ‪8‬هي‪ /‬يناير ‪630‬‬ ‫لما دخل رسول الله ‪ ‬مكة فات ً‬
‫م(‪ ،‬ودخل المسجد الحرام‪ ،‬أتى أبو بكر بأبيه يقوده إلى حضرة‬
‫النبي ‪ ،‬ليتعرف عليه‪ ،‬لعله أن يسلم ‪ .‬فلما رآه رسول الله ‪‬‬
‫قال‪:‬‬
‫" هل تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه ؟ ! " ‪.‬‬
‫‪ 1‬انظر‪ :‬ابن كثير ‪ :‬السيرة النبوية ‪1/504‬‬
‫‪ 2‬محمد بن يوسف الصالحي الشامي ‪ :‬سبل الهدى والرشاد ‪) -‬ج ‪ / 4‬ص ‪(70‬‬

‫‪251‬‬
‫قال أبو بكر‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬هو أحق أن يمشى إليك من أن‬
‫تمشى أنت إليه! !‬
‫فأجلسه النبي ‪ ‬بين يديه‪ ،‬وأكرمه‪ ،‬ثم مسح على صدره‪ ،‬ثم‬
‫قال‪ ":‬أسلم"‬
‫فأسلم‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ضا من شدة الشيب‪.‬‬ ‫ودخل به أبو بكر وكان رأسه كالثغامة بيا ً‬
‫فقال رسول الله ‪ -‬في تلطف جم وذوق رفيع ‪ " :-‬غيروا هذا‬
‫من شعره ! "‪.2‬‬
‫وأخيًرا‪ ،‬يمكن أن نلخص الهدي النبوي في التعامل مع المسنين‬
‫في عدة نقاط هي ‪:‬‬
‫‪-1‬مسؤولية المجتمع بكامله – خاصة الشباب ‪ -‬عن‬
‫ما بأن رعاية المسنين واجب عيني‬ ‫شويخه ومسنيه‪ ،‬عل ً‬
‫على النظمة والحكومات والشعوب ‪ .‬ويمتد الواجب إلى‬
‫حشد الجهود الفردية والجماعية والرسمية وغير‬
‫الرسمية لرعاية المسنين ‪.‬‬
‫‪ -2‬الرعاية الكاملة والشاملة للمسن‪ ،‬صحًيا نفسًيا‬
‫وعقلًيا واجتماعًيا‪ ،‬وغيرها من صور العناية وقد جمعها‬
‫اللفظ النبوي في جملة " إكرام ذي الشيبة " ‪..‬‬
‫‪-3‬توقير المسنين في المعاملت الجتماعية اليومية‬
‫المختلفة ‪.‬‬
‫‪-4‬تقديم المسنين في وجوه الكرام عامة‪ ،‬كالمامة‬
‫والطعام والشراب ‪.‬‬
‫‪-5‬التخفيف عن المسنين في الحكام الشرعية‪ ،‬ومراعاة‬
‫الفتوى الشرعية لهم ‪.‬‬

‫المبحث الخامس‬
‫رحمته للموات‬

‫المطلب الول ‪ :‬زيارته ‪‬لقبور الموات ‪:‬‬


‫وتمتد رحمته – صلوات ربي وسلمه عليه – إلى الموات‪ ،‬باعتبار‬
‫أنهم إخواننا في النسانية سبقونا إلى الدار الخرة ‪ ..‬ولما كان‬
‫الموات إخواننا قد سبقونا إلى القبور‪ ،‬فحقا ً لهم أن نبرهم‬
‫ونرحمهم ونصلهم ‪ ..‬فسن النبي ‪ ‬سنة زيارة المقابر وإلقاء‬
‫السلم على أهل القبور ‪.‬‬
‫ن أ َِبي هَُري َْرة َ ‪:‬‬
‫فعَ ْ‬
‫‪ 1‬واحدة الثغام‪ ،‬وهو نبت أبيض‪ ،‬أو كالسحابة البيضاء دللة على شدة بياض شعره ‪.‬‬
‫‪ 2‬انظر‪ :‬ابن كثير ‪ :‬السيرة النبوية )ج ‪ / 3‬ص ‪(558‬‬

‫‪252‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫قا َ‬ ‫قب َُرة َ فَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل الل ّهِ ‪ ‬أَتى ال ْ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫أ ّ‬
‫ن‪..‬‬ ‫قو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫م َل ِ‬ ‫ه ب ِك ُ ْ‬ ‫شاَء الل ّ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ن‪ ،‬وَإ ِّنا إ ِ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫داَر قَوْم ٍ ُ‬ ‫م َ‬ ‫م ع َل َي ْك ُ ْ‬ ‫سَل ُ‬ ‫" ال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك َيا‬ ‫وان َ َ‬ ‫خ َ‬ ‫سَنا إ ِ ْ‬ ‫وان ََنا " ‪ ..‬قال أصحابه ‪ :‬أوَل َ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫ت أّنا قَد ْ َرأي َْنا إ ِ ْ‬ ‫وَد ِد ْ ُ‬
‫ْ‬
‫م ي َأُتوا‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل اللهِ ؟ ! َقا َ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬
‫نل ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫وان َُنا ال ِ‬ ‫خ َ‬‫حاِبي‪ .‬وَإ ِ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ل ‪ " :‬أن ْت ُ ْ‬ ‫َر ُ‬
‫‪1‬‬
‫د‪. "..‬‬ ‫ب َعْ ُ‬
‫هذا وقد كان يزور سيدنا محمد ‪ ‬مقبرة البقيع من حين إلى‬
‫آخر ‪..‬‬
‫وكان‪ ‬يزور شهداء معركة أحد كل أسبوع ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫بهذه الحاسيس المرهفة‪ ،‬يزور النبي‪ ‬قبور إخوانه‪ ،‬حيث يدعو‬


‫لهم‪ ،‬ويتذكر أيامهم‪ ،‬ويسترجع ذكرياته معهم‪ ،‬ويأمل أن يلقاهم‬
‫في دار الخلد في ظلل الله ‪ ..‬عند الحوض الشريف يوم‬
‫القيامة ‪..‬‬
‫ومن هنا احترم السلم شعيرة زيارة القبور حتى ولو كانت من‬
‫غير مسلم‪ ،‬فالفتح السلمي – مثل ً – كما يقول كرامرز‪ " 3‬لم‬
‫يمنع من زيارة القبر المقدس‪ 4‬أو يحول بين الوربيين المسيحيين‬
‫وبين إنجاز هذه الفريضة الدينية"‪. 5‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬مشاركته في دفن الموات بنفسه‬
‫‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬جنازة عدو من أعدائه ‪:‬‬
‫وتراه في ذوق رفيع وسمو‪ ،‬ورحمة‪ ،‬يشارك الناس في دفن‬
‫الميت بنفسه‪ ،‬ويدخل في الحفرة فيستلم الميت على ركبته‪،‬‬
‫فن فيه‪ ،‬رحمة منه‪ ،‬وموساة لهله‪،‬‬ ‫ويهدي قميصه إلى الميت ليك ّ‬
‫وإن كان الميت من ألد أعدائه ‪..‬‬
‫انظر كيف كانت أخلقه مع عدو الدعوة السلمية في المدينة‬
‫ي ‪ ،‬لما مات‪ ،‬وأرادوا دفنه‪:‬‬ ‫ع َبد الل ّه ب ُ‬
‫ن أب َ ّ‬ ‫ِ ْ َ‬ ‫ْ َ‬
‫ّ‬
‫ن ع َب ْد ِ اللهِ ‪:‬‬ ‫جاِبر ب ْ َ‬ ‫قال َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫مَر ب ِ ِ‬‫ه فَأ َ‬ ‫فَرت َ ُ‬ ‫ح ْ‬‫ل ُ‬ ‫خ َ‬‫ما أد ْ ِ‬ ‫ي ب َعْد َ َ‬ ‫ن أب َ ّ‬ ‫ل الل ّهِ ‪ ‬ع َب ْد َ الل ّهِ ب ْ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫"أَتى َر ُ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫س ُ‬ ‫قهِ وَأل ْب َ َ‬ ‫ن ِري ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ث ع َل َي ْهِ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ه ع ََلى ُرك ْب َت َي ْهِ وَن َ َ‬ ‫ضعَ ُ‬ ‫ج فَوَ َ‬ ‫خرِ َ‬ ‫فَأ ْ‬
‫ه‪. 6"!..‬‬ ‫ص ُ‬ ‫مي َ‬ ‫قَ ِ‬
‫ثانًيا‪ :‬جنازة حبيب من أحبابه ‪:‬‬
‫قال عبدالله بن مسعود ‪:‬‬
‫‪ 1‬صحيح – رواه مسلم‪ ،‬برقم ‪367‬‬
‫‪ 2‬صحيح – رواه البخاري‪ ،‬في المغازي ‪ ،27‬و مسلم في الفضائل ‪. 30‬‬
‫‪ 3‬البروفيسور جي‪ .‬م‪ .‬ج كرامرز‪ :‬ولد بهولندة‪ ،‬سنة ‪ ،1891‬وكان أستاًذا للتركية والفارسية في جامعة ليدن حتى‬
‫سنة ‪ ،1939‬اشتغل من ‪ 1915‬حتى ‪ 1921‬مترجًما للسفارة الهولندية في الستانة‪ .‬كان أحد المساهمين في كتابة‬
‫كثير من الموضوعات في دائرة المعارف السلمية‪ ،‬وألف كتاب‪) :‬فن التاريخ عند التراك العثمانيين( )‪.(1944‬‬
‫‪ 4‬في فلسطين ‪ .‬رغم أن العقيدة السلمية ل تعترف بهذا القبر!‬
‫‪ 5‬انظر‪ :‬سير توماس أرنولد )إشراف( ‪ :‬تراث السلم‪129،‬‬
‫‪ 6‬صحيح – رواه البخاري‪ ،‬برقم ‪1263‬‬

‫‪253‬‬
‫ُقمت من جوف الليل‪ ،‬وأنا مع رسول الله ‪ ‬في غزوة‬
‫تبوك)في رجب ‪ 9‬هي‪ /‬أكتوبر ‪ ، (630‬فرأيت شعلة من نار في‬
‫ناحية العسكر‪ ،‬فاتبعتها أنظر إليها‪ ،‬فإذا رسول الله ‪ ‬وأبو بكر‬
‫وعمر‪ ،‬وإذا عبدالله ذو البجادين المزني قد مات‪ ،‬وإذا هم قد‬
‫حفروا له‪ ،‬ورسول الله ‪ ‬في حفرته‪ ،‬وأبو بكر وعمر‪ ،‬يدليانه‬
‫إليه وهو يقول ‪":‬أدنيا إلى أخاكما " فدلياه إليه‪ ،‬فلما هيأه لشقه‪،‬‬
‫قال اللهم ‪" :‬إنى قد أمسيت راضيا ً عنه؛ فارض عنه" ‪.‬قال‬
‫عبدالله بن مسعود‪ :‬يا ليتني كنت صاحب الحفرة‪ .1‬فقال أبو‬
‫بكر ‪ :‬والله لوددت أني صاحب الحفرة‪..2‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬حزنه ‪ ‬إذا فاتته جنازة وصلته عليها‬
‫‪:‬‬
‫فذات يوم مر سيدنا محمد ‪ ‬بالمقابر فوجد قبرا ً جديدا ً ومعه أبو‬
‫بكر ‪ .‬فقال النبي ‪ " :‬قبر من هذا ؟ "‪ 3‬فقال أبو بكر‪ :‬يا رسول‬
‫الله هذه أم محجن‪ ،‬كانت مولعة بلقط القذي من المسجد‪ .‬فقال‬
‫ما‪ ،‬فكرهنا أن نهيجك ‪.‬‬ ‫ت نائ ً‬ ‫‪ " :‬أفل آذنتموني !!" فقالوا ‪:‬كن َ‬
‫قال ‪" :‬فل تفعلوا ‪ ،‬فإن صلتي على موتاكم نور لهم في‬
‫قبورهم"‪. 4‬‬
‫فصف أصحابه فصلى عليها ‪..‬‬
‫ن ِفي‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫مَرأة ً ‪َ -‬‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫وع َن أ َبي هُريرة َ ‪ : ‬أ َ َ‬
‫كو ُ‬ ‫كا َ‬ ‫جل أوْ ا ْ‬ ‫سوَد َ ‪َ -‬ر ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ َْ‬ ‫ْ ِ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫دا َ‬ ‫ْ‬
‫خَرقَ َوالِعي َ‬ ‫ْ‬
‫قط ا ل ِ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ت ت َلت َ ِ‬ ‫َ‬
‫جد َ )وكان َ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫ق ّ‬
‫جد ِ ي َ ُ‬ ‫س ِ‬‫م ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ه‪ ،‬فَذ َك ََرهُ‬ ‫موْت ِ ِ‬‫ي ‪ ‬بِ َ‬ ‫م الن ّب ِ ّ‬ ‫م ي َعْل َ ْ‬ ‫ت – أو ماتت ‪ -‬وَل َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫د( فَ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫س ِ‬‫م ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ل‬‫سو َ‬ ‫ت َيا َر ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ن ؟ َقاُلوا ‪َ :‬‬ ‫سا ُ‬ ‫ك اْل ِن ْ َ‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬ ‫ما فَعَ َ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫قا َ‬ ‫م‪ ،‬فَ َ‬ ‫ت ي َوْ ٍ‬ ‫ذا َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ه‪،‬‬ ‫صت ُ ُ‬
‫ذا قِ ّ‬ ‫ذا وَك َ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫قاُلوا إ ِن ّ ُ‬ ‫موِني ؟ ! "فَ َ‬ ‫ل‪ " :‬أفََل آذ َن ْت ُ ُ‬ ‫الل ّهِ َقا َ‬
‫صّلى‬ ‫َ‬ ‫قروا َ ْ‬
‫ل فَد ُّلوِني ع ََلى قَب ْرِهِ فَأَتى قَب َْره ُ فَ َ‬ ‫ه‪َ .‬قا َ‬ ‫شأن َ ُ‬ ‫ح َ ُ‬ ‫ل‪ :‬فَ َ‬ ‫َقا َ‬
‫ع َل َي ْ ِ‬
‫ه ‪.5‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫موِني ؟ ! يلوم أصحابه أن‬ ‫مت ُ ُ‬‫موِني "‪ :‬أفََل أع ْل َ ْ‬ ‫يقول ‪ " :‬أفََل آذ َن ْت ُ ُ‬
‫فوته عليه هذا العمل النساني‪ ،‬وهو تشييع جنازة مسلم‪ ،‬ولو كان‬
‫حقيرا ً في نظر الناس ‪..‬‬

‫المطلب الرابع ‪:‬توقيره‪ ‬للجنائز والقبور ولو كانت‬


‫لغير المسلمين ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬قيامه ‪ ‬إذا مرت الجنازة ‪:‬‬

‫‪ 1‬ابن سيد الناس ‪ :‬عيون الثر )ج ‪ / 2‬ص ‪(261‬‬


‫‪ 2‬المعجم الوسط للطبراني‪ ،‬برقم ‪ ،11165‬والقصة مموجودة في كتب السيرة‪ ،‬أحداث غزوة تبوك ‪.‬‬
‫ت تسأل حتى عن الموات !‬
‫‪ 3‬لك ال يا رسول ال ! كن َ‬
‫‪ 4‬رواه البيهقي في السنن الكبرى )ج ‪ / 4‬ص ‪(48‬‬
‫‪ 5‬صحيح – رواه البخاري ‪ ،‬برقم ‪1251‬‬

‫‪254‬‬
‫جَناَزةٌ‬‫ت ب ِهِ ِ‬ ‫مّر ْ‬ ‫بينما الرسول ‪ ‬في مجلس علم مع أصحابه‪ ،‬إذ َ‬
‫م على الفور!‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬
‫ت‬‫س ْ‬ ‫ل – في سماحة ‪" : -‬أل َي ْ َ‬ ‫قا َ‬ ‫جَناَزة ُ ي َُهود ِيّ ‪.‬فَ َ‬ ‫ه‪ :‬إ ِن َّها ِ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قي َ‬ ‫فَ ِ‬
‫‪1‬‬
‫سا ؟ ! "‬ ‫ف ً‬ ‫نَ ْ‬
‫َ‬ ‫وقد َ‬
‫د‪ ،‬يقومون‬ ‫سعْ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫س بْ ُ‬ ‫ف وَقَي ْ ُ‬ ‫حن َي ْ ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫ل بْ ُ‬ ‫سه ْ ُ‬ ‫سُعود ٍ و َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن أُبو َ‬ ‫كا َ‬
‫للجنازة‪.‬‬
‫وقال جابر بن عبد الله ‪:‬‬
‫َ‬
‫ي ‪ ‬وَأ ْ‬ ‫َقا َ‬
‫‪2‬‬
‫ت‬‫واَر ْ‬ ‫حّتى ت َ َ‬ ‫جَناَزةِ ي َُهود ِيّ َ‬ ‫ه لِ َ‬ ‫حاب ُ ُ‬ ‫ص َ‬ ‫م الن ّب ِ ّ‬
‫خد ْرِيّ ‪:‬‬ ‫سِعيد ٍ ال ْ ُ‬ ‫وعن أبي أ َ‬
‫ن ت َب ِعََها فَلَ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫موا فَ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫جَناَزة َ فَ ُ‬ ‫م ال َ‬ ‫ذا َرأي ْت ُ ْ‬ ‫ل ‪ " :‬إِ َ‬ ‫ل اللهِ ‪َ ‬قا َ‬ ‫سو َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫أ ّ‬
‫ضعَ "‪..3‬‬ ‫حّتى ُتو َ‬ ‫س َ‬ ‫جل ِ ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫ثانًيا‪ :‬وضعه ‪ ‬الجريد الخضر على القبر ‪:‬‬
‫َ‬
‫ت‬‫صوْ َ‬ ‫معَ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ة فَ َ‬ ‫مك ّ َ‬ ‫دين َةِ أوْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ي ‪ ‬بمزرعة من مزارع ال ْ َ‬ ‫مّر الن ّب ِ ّ‬ ‫فقد َ‬
‫ما‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ي ‪ " : ‬ي ُعَذ َّبا ِ‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫ما‪ .‬فَ َ‬ ‫ن ِفي قُُبورِه ِ َ‬ ‫ن ي ُعَذ َّبا ِ‬ ‫سان َي ْ ِ‬ ‫إ ِن ْ َ‬
‫َ‬
‫ن ب َوِْلهِ‪،‬‬ ‫م ْ‬ ‫ست َت ُِر ِ‬ ‫ما َل ي َ ْ‬ ‫حد ُهُ َ‬ ‫نأ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ل ‪ " :‬ب ََلى َ‬ ‫م َقا َ‬ ‫ن ِفي ك َِبيرٍ " ث ُ ّ‬ ‫ي ُعَذ َّبا ِ‬
‫ضَراء (‬ ‫خ ْ‬ ‫ريد َةٍ ) َ‬ ‫ج ِ‬ ‫عا ب ِ َ‬ ‫م دَ َ‬ ‫ة" ‪ .‬ث ُ ّ‬ ‫م ِ‬ ‫مي َ‬ ‫شي ِبالن ّ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫خُر ي َ ْ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ْ‬ ‫كا َ‬ ‫وَ َ‬
‫سَرة ً ‪..‬‬ ‫ما ك ِ ْ‬ ‫من ْهُ َ‬ ‫ل قَب ْرٍ ِ‬ ‫ضعَ ع ََلى ك ُ ّ‬ ‫ن فَوَ َ‬ ‫سَرت َي ْ ِ‬ ‫ها ك ِ ْ‬ ‫سَر َ‬ ‫فَك َ َ‬
‫ذا ؟‬ ‫ت هَ َ‬ ‫م فَعَل ْ َ‬ ‫ل الل ّهِ ل ِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ه ‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قي َ‬ ‫فَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل ‪ " :‬ل َعل ّ َ‬
‫سا"‪. 4‬‬ ‫ن ي َي ْب َ َ‬ ‫سا ‪ -‬أوْ إ َِلى أ ْ‬ ‫م ت َي ْب َ َ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ف ع َن ْهُ َ‬ ‫ف َ‬ ‫خ ّ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ه‪‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وقَد ْ َرَوى ا ِْبن ِ‬
‫ديث أِبي هَُري َْرة " أن ّ ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫حيحه ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫حّبان ِفي َ‬
‫ما‬
‫داهُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ن ‪ ،‬فَ َ‬ ‫ريد َت َي ْ ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ل ‪ :‬ا ِئ ُْتوِني ب ِ َ‬ ‫قا َ‬ ‫ف ع َل َي ْهِ فَ َ‬ ‫قب ْرٍ فَوَقَ َ‬ ‫مّر ب ِ َ‬ ‫َ‬
‫‪5‬‬ ‫َ‬
‫جلي ْهِ "‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫عْند رِ ْ‬ ‫خَرى ِ‬ ‫عْند َرأسه َوال ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫صْيب ب ِذ َل ِك‪ ،‬وتأثر بهذه‬ ‫ح َ‬ ‫دة ْبن ال ُ‬ ‫ي الجليل ب َُري ْ َ‬ ‫حاب ِ ّ‬ ‫ص َ‬ ‫سى ال ّ‬ ‫وَقَد ْ ت َأ ّ‬
‫ضع ع ََلى قَْبره‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ُيو َ‬ ‫صى أ ْ‬ ‫المواقف من رسول الله‪ ،‬فَأوْ َ‬
‫كا بفعله‪ ، ‬ورجاء أن يخفف عنه‪.7‬‬ ‫ن‪ ،6‬تبر ً‬ ‫ريد ََتا ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫َ‬
‫ثالًثا ‪ :‬أمره‪ ‬بعدم إيذاء الميت‪:‬‬
‫مث ُُلوا وََل‬ ‫فنهى عن التمثيل بالمقتول في الحرب‪ ،‬فقال ‪" :‬وََل ت َ ْ‬
‫‪8‬‬
‫قت ُُلوا وَِلي ً‬
‫دا"‬ ‫تَ ْ‬
‫ة‪:‬‬ ‫ش َ‬‫عائ ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ونهى عن المساس بعظام الموتى‪ ،‬فعَ ْ‬

‫سْعٍد ‪ ،‬برقم ‪،1229‬‬


‫ن َ‬
‫س ْب ُ‬
‫ف َوَقْي ُ‬
‫حَنْي ٍ‬
‫ل ْبنُ ُ‬ ‫‪ 1‬صحيح – رواه البخاري‪ ،‬باب من قام لجنازة يهودي‪ ،‬عن َ‬
‫سْه ُ‬
‫ومسلم‪ ،‬باب القيام للجنازة‪ ،‬برقم ‪1596‬‬
‫‪ 2‬صحيح – رواه مسلم‪ ،‬باب القيام للجنازة‪ ،‬برقم ‪1595‬‬
‫‪ 3‬صحيح ‪ -‬رواه مسلم‪ ،‬باب القيام للجنازة‪ ،‬برقم ‪1592‬‬
‫س‪ ،‬برقم ‪209‬‬ ‫عّبا ٍ‬
‫ن َ‬ ‫ن اْب ِ‬‫عْ‬ ‫‪ 4‬صحيح – رواه البخاري‪َ ،‬‬
‫‪ 5‬ابن حجر ‪ :‬فتح الباري )ج ‪ / 1‬ص ‪(341‬‬
‫‪ 6‬ابن حجر ‪ :‬فتح الباري )ج ‪ / 1‬ص ‪(341‬‬
‫‪ 7‬ابن بطال ‪ :‬شرح البخاري )ج ‪ / 5‬ص ‪(385‬‬
‫ن َأِبيِه َقاَلبرقم ‪3261‬‬
‫عْ‬‫ن ُبَرْيَدَة َ‬
‫ن ْب ِ‬
‫سَلْيَما َ‬
‫ن ُ‬ ‫‪ 8‬صحيح – رواه مسلم‪َ ،‬‬
‫عْ‬

‫‪255‬‬
‫َ‬
‫حّيا"‪.9‬‬ ‫سرِهِ َ‬ ‫ت ك َك َ ْ‬ ‫مي ّ ِ‬ ‫سُر ع َظ ْم ِ ال ْ َ‬ ‫ل‪ " :‬ك َ ْ‬ ‫ل الل ّهِ ‪َ ‬قا َ‬ ‫سو َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫أ ّ‬
‫ونهى عن إيذاء الموات بأي شكل من الشكال‪ ،‬فعن ابن‬
‫مسعود‪ :‬قال‪" :‬أذى المؤمن في موته‪ ،‬كأذاه في حياته"‪.. 2‬‬
‫ل‪:‬‬ ‫ن أ َِبي هَُري َْرة َ َقا َ‬ ‫وع َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫حرِقَ ث َِياب َ ُ‬ ‫مَرةٍ فَت ُ ْ‬ ‫ج ْ‬ ‫م ع ََلى َ‬ ‫حد ُك ُ ْ‬ ‫سأ َ‬ ‫جل ِ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ل الل ّهِ ‪َ " :‬ل ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬
‫س ع ََلى قَب ْ ٍ‬ ‫خي ٌْر ل َ ُ‬ ‫جل ْد ِهِ َ‬ ‫ص إ َِلى ِ‬ ‫خل ُ َ‬ ‫فَت َ ْ‬
‫‪3‬‬
‫ر" ‪.‬‬ ‫جل ِ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬
‫ل‪:‬‬ ‫مْرث َد ٍ ال ْغَن َوِيّ َقا َ‬ ‫وع َ َ‬
‫ن أِبي َ‬ ‫ْ‬
‫سوا‬ ‫جل ِ ُ‬ ‫َ‬
‫قُبورِ وَل ت َ ْ‬ ‫ْ‬
‫صلوا إ ِلى ال ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‪ ":‬ل ت ُ َ‬ ‫َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ل اللهِ ‪ ‬ي َ ُ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫‪4‬‬
‫ع َلي َْها"‬ ‫َ‬
‫سا على‬ ‫وعن عمارة بن حزم ‪ ‬قال رآني رسول الله ‪ ‬جال ً‬
‫قبر‪ ،‬فقال‪ ":‬يا صاحب القبر ! أنزل من على القبر‪ ،‬ل تؤذي‬
‫‪5‬‬
‫صاحب القبر‪ ،‬ول يؤذيك ! "‬
‫المطلب الخامس‪ :‬دعاؤه ‪ ‬للموات ‪:‬‬
‫ك‪:‬‬ ‫مال ِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫وف ب ْ َ‬ ‫يقول ع َ ْ‬
‫ل ‪":‬‬ ‫قو ُ‬ ‫عائ ِهِ وَهُوَ ي َ ُ‬ ‫ن دُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫فظ ْ ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫جَناَزةٍ فَ َ‬ ‫ل الل ّهِ ‪ ‬ع ََلى َ‬ ‫سو ُ‬ ‫صّلى َر ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ع‬
‫س ْ‬ ‫م ن ُُزلهُ‪ ،‬وَوَ ّ‬ ‫ه‪ ،‬وَأك ْرِ ْ‬ ‫ف ع َن ْ ُ‬ ‫عافِهِ َواع ْ ُ‬ ‫ه‪ ،‬وَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ه َواْر َ‬ ‫فْر ل ُ‬ ‫م اغ ْ ِ‬ ‫اللهُ ّ‬
‫ت‬‫قي ْ َ‬ ‫ما ن َ ّ‬ ‫طاَيا ك َ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ج َوال ْب ََردِ‪ ،‬وَن َقّهِ ِ‬ ‫ماِء َوالث ّل ْ‬ ‫ه ِبال ْ َ‬ ‫سل ْ ُ‬ ‫ه‪َ ،‬واغ ْ ِ‬ ‫خل َ ُ‬ ‫مد ْ َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫خي ًْرا‬ ‫ً‬
‫ه‪ ،‬وَأهْل َ‬ ‫دارِ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫خي ًْرا ِ‬ ‫داًرا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ْ‬
‫س‪ ،‬وَأب ْد ِل ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن الد ّن َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫ب الب ْي َ َ‬ ‫الثوْ َ‬
‫م َ‬
‫ب‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫عذ ْه ُ ِ‬ ‫ة‪ ،‬وَأ ِ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ه ال َ‬‫ْ‬ ‫خل ُ‬ ‫ْ‬ ‫ه‪ ،‬وَأد ْ ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ن َزوْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫خي ًْرا ِ‬ ‫جا َ‬ ‫ه‪ ،‬وََزوْ ً‬ ‫ن أهْل ِ ِ‬ ‫ِ ْ‬
‫ن أ ََنا ذ َل ِكَ‬ ‫ن أكو َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫تأ ْ‬
‫َ‬
‫من ّي ْ ُ‬ ‫حّتى ت َ َ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫ب الّنارِ ‪َ "-‬قا َ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫قب ْرِ _ أوْ ِ‬
‫َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ال ْ َ‬
‫‪6‬‬
‫ت‬‫مي ّ َ‬
‫ي‪:‬‬ ‫م ّ‬ ‫سل َ ِ‬ ‫خال ِد ٍ ال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ع ُب َي ْد ِ ب ْ ِ‬ ‫وع َ ْ‬
‫خُر‬ ‫ت اْل َ‬ ‫َ‬ ‫قت ِ َ‬ ‫ن‪ ،‬فَ ُ‬ ‫ن َر ُ َ‬ ‫ل الل ّهِ ‪ ‬آ َ‬ ‫سو َ‬ ‫َ‬
‫ما َ‬ ‫ما‪ ،‬وَ َ‬ ‫حد ُهُ َ‬ ‫لأ َ‬ ‫جلي ْ ِ‬ ‫خى ب َي ْ َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫أ ّ‬
‫ه‪،‬‬‫م ؟ " َقاُلوا ‪ :‬د َع َوَْنا ل َ ُ‬ ‫ما قُل ْت ُ ْ‬ ‫ي‪َ ":‬‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫صل ّي َْنا ع َل َي ْهِ فَ َ‬ ‫ه‪ ،‬فَ َ‬ ‫ب َعْد َ ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ي‬‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫ه‪ .‬فَ َ‬ ‫حب ِ ِ‬ ‫صا ِ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ح قْ ُ‬ ‫م أل ِ‬ ‫ه ‪ ،‬اللهُ ّ‬ ‫م ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫م اْر َ‬ ‫ه‪ ،‬اللهُ ّ‬ ‫فْر ل ُ‬ ‫م اغ ْ ِ‬ ‫الل ّهُ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫ما ب َي ْن َهُ َ‬ ‫ه‪ ،‬فَل َ َ‬ ‫مل ِ ِ‬ ‫ه ب َعْد َ ع َ َ‬ ‫مل ُ ُ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫صَلت ِهِ وَأي ْ َ‬ ‫ه ب َعْد َ َ‬ ‫صَلت ُ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫‪ :‬فَأي ْ َ‬
‫ض ‪.7‬‬ ‫َْ‬
‫ماِء َوالْر ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ب َي ْ َ‬
‫حي َّنا‬ ‫فْر ل ِ َ‬ ‫م اغ ْ ِ‬ ‫ّ‬
‫ضا ‪" :-‬اللهُ ّ‬ ‫ت – أي ً‬ ‫مي ّ ِ‬ ‫ْ‬
‫صلةِ ع َلى ال َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل ِفي ال ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫وكان ي َ ُ‬
‫صِغيرَِنا وَك َِبيرَِنا" ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫غائ ِب َِنا وَذ َك َرَِنا وَأن َْثاَنا وَ َ‬ ‫شاه ِد َِنا وَ َ‬ ‫مي ّت َِنا وَ َ‬
‫‪8‬‬
‫وَ َ‬
‫ن‪،‬برقم ‪2792‬‬ ‫ك اْلَمَكا َ‬
‫ب َذِل َ‬
‫ل َيَتَنّك ُ‬‫ظَم َه ْ‬
‫جُد اْلَع ْ‬‫حّفاِر َي ِ‬‫‪ 9‬رواه أبو داود‪َ ،‬باب ِفي اْل َ‬
‫‪ 2‬مصنف ابن أبي شيبة ‪245 \3‬‬
‫عَلْيِه‪ ،‬برقم ‪1612‬‬
‫لِة َ‬
‫صَ‬‫عَلى اْلَقْبِر َوال ّ‬‫س َ‬ ‫جُلو ِ‬ ‫ن اْل ُ‬
‫عْ‬‫ي َ‬ ‫‪ 3‬صحيح – رواه مسلم‪َ ،‬باب الّنْه ِ‬
‫لِة عََلْيِه‪ ،‬برقم ‪1614‬‬
‫صَ‬‫عَلى اْلَقْبِر َوال ّ‬ ‫س َ‬ ‫جُلو ِ‬ ‫ن اْل ُ‬
‫عْ‬ ‫ي َ‬ ‫‪ 4‬صحيح‪ -‬رواه مسلم‪َ ،‬باب الّنْه ِ‬
‫‪ 5‬صحيح لغيره ‪ -‬رواه الطبراني في الكبير من رواية ابن لهيعة‪ ،‬وهو في صحيح الترغيب والترهيب ‪) -‬ج ‪/ 3‬‬
‫ص ‪ ،(221‬برقم ‪. 3566‬‬
‫‪ 6‬صحيح – رواه مسلم‪ ،‬باب الدعاء للميت في الصلة‪ ،‬برقم ‪1600‬‬
‫‪ 7‬رواه النسائي ‪ ،‬باب الدعاء‪ ،‬برقم ‪ ،1959‬وصححه اللباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود‪ ،‬رقم ‪2524‬‬
‫ن َأِبيِه‪ ،‬برقم ‪ ،1960‬وصححه اللباني في صحيح‬ ‫عْ‬ ‫ي َ‬‫صاِر ّ‬ ‫لْن َ‬ ‫ن َأِبي ِإْبَراِهيَم ا َْ‬‫عْ‬ ‫‪ 8‬رواه النسائي ‪ ،‬باب الدعاء‪َ ،‬‬
‫وضعيف سنن النسائي رقم ‪1986‬‬

‫‪256‬‬
‫وكان يأمر أصحابه بالدعاء للميت فيقول ‪ " :‬إذا صليتم على‬
‫الميت فأخلصوا له الدعاء"‪.1‬‬
‫المطلب السادس ‪ :‬بكاؤه ‪ ‬على الموات وعند‬
‫القبور‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬في وفاة عثمان بن مظعون ‪:‬‬
‫فعندما ُأخبر رسول الله ‪ ‬بوفاة عثمان بن مظعون ‪ ‬أسرع‬
‫إلى بيته‪ ،‬فقد كان عثمان ‪ ‬من الصحابة القريبين إلى قلبه‪.‬‬
‫فبكى النبي ‪ ‬عليه بكاء كثيرا ً‪.2‬‬
‫ثانًيا‪ :‬في وفاة سعد بن عبادة ‪:‬‬
‫عن ابن عمر ‪ ‬قال‪ :‬اشتكى سعد بن عبادة شكوى له‪ ،‬فأتاه‬
‫النبي ‪ ‬يعوده‪ ،‬مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص‬
‫وعبد الله بن مسعود ‪ -‬رضي الله عنهم جميًعا‪ ،-‬فلما دخل عليه‬
‫فوجده في غاشية أهله فقال‪" :‬قد قضى؟"‪ .‬قالوا‪ :‬ل يا رسول‬
‫الله‪ .‬فبكى النبي ‪ ، ‬فلما رأى القوم بكاء النبي ‪ ‬بكوا‪ .‬فقال‪:‬‬
‫ذب بدمع العين‪ ،‬ول بحزن القلب‪،‬‬ ‫"أل تسمعون‪ ،‬إن الله ل يع ّ‬
‫‪3‬‬
‫ولكن يعذب بهذا"‪ ،‬وأشار إلى لسانه ‪.‬‬
‫ثالًثا ‪ :‬في وفاة طفله إبراهيم ‪:‬‬
‫ل الل ّهِ ‪ ‬بطفل من زوجته السيدة مارية المصرية‪،‬‬ ‫سو ُ‬ ‫لما ُرزق َر ُ‬
‫ه‬
‫مي ْت ُ ُ‬
‫س ّ‬ ‫م فَ َ‬ ‫ة غ َُل ٌ‬ ‫قال لصحابه ‪ -‬في ابتهاج وسرور ‪" : -‬وُل ِد َ ِلي الل ّي ْل َ َ‬
‫باسم أ َبي إبراهيم" ‪ .‬قال أنس ‪ :‬ث ُم دفَعه إَلى أ ُم سيف امرأةَ‬
‫ّ َ ْ ٍ ْ َ ِ‬ ‫ْ ّ َ َ ُ ِ‬ ‫ِ ْ ِ ِ َِْ ِ َ‬
‫َ‬
‫ه‪َ ،‬فان ْت َهَي َْنا إ َِلى أِبي‬ ‫ل لَ َ‬
‫ف َفان ْط َل َقَ ي َأِتيهِ َوات ّب َعْت ُ ُ‬ ‫سي ْ ٍ‬ ‫ه أُبو َ‬ ‫قا ُ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ٍ‬ ‫قَي ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫ش َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫سَرع ْ ُ‬ ‫خاًنا‪ ،‬فَأ ْ‬ ‫ت دُ َ‬ ‫مت ََل ال ْب َي ْ ُ‬ ‫ه‪ ،‬قَد ْ ا ْ‬ ‫كيرِ ِ‬ ‫خ بِ ِ‬ ‫ف ُ‬‫ف وَهُوَ ي َن ْ ُ‬ ‫سي ْ ٍ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫سك ] أي توقف[!‬ ‫م ِ‬ ‫فأ ْ‬ ‫سي ْ ٍ‬ ‫ت َيا أَبا َ‬ ‫ل اللهِ َ‪‬قُل ُ‬ ‫سو ِ‬ ‫ن ي َد َيْ َر ُ‬ ‫ب َي ْ َ‬
‫َ‬
‫ك!‬ ‫س َ‬ ‫م َ‬ ‫ل الل ّهِ ‪ ‬فَأ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫جاَء َر ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ل ‪..‬‬ ‫قو َ‬ ‫ن يَ ُ‬‫هأ ْ‬ ‫شاَء الل ّ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َ‬ ‫ه إ ِل َي ْهِ وََقا َ‬ ‫م ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫ي فَ َ‬ ‫صب ِ ّ‬ ‫ي ‪ِ ‬بال ّ‬ ‫عا الن ّب ِ ّ‬ ‫فَد َ َ‬
‫ي‬ ‫َ‬ ‫س ‪ :‬لَ َ‬ ‫َ‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫ن ي َد َ ْ‬ ‫ه]أي يحتضر[ ب َي ْ َ‬ ‫س ِ‬‫ف ِ‬ ‫كيد ُ ب ِن َ ْ‬ ‫ه وَهُوَ ي َ ِ‬ ‫قد ْ َرأي ْت ُ ُ‬ ‫ل أن َ ٌ‬
‫ل‪:‬‬ ‫قا َ‬ ‫ل الل ّهِ ‪ ‬فَ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ت ع َي َْنا َر ُ‬ ‫معَ ْ‬ ‫ل الل ّهِ ‪ ،‬فَد َ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫َر ُ‬
‫ضى َرب َّنا‪َ ،‬والل ّهِ َيا‬ ‫ما ي َْر َ‬ ‫ل إ ِّل َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ب ‪ ،‬وََل ن َ ُ‬ ‫قل ْ ُ‬
‫ن ال ْ َ‬ ‫حَز ُ‬ ‫ن وَي َ ْ‬ ‫معُ ال ْعَي ْ ُ‬ ‫"ت َد ْ َ‬
‫ن"‪.4‬‬ ‫حُزوُنو َ‬ ‫م ْ‬‫ك لَ َ‬ ‫م إ ِّنا ب ِ َ‬ ‫هي ُ‬ ‫إ ِب َْرا ِ‬

‫عا‪ :‬بكاءه عند قبر أمه‪:‬‬


‫راب ً‬

‫‪ 1‬حسن – حسنه اللباني في إرواء الغليل برقم ‪732‬‬


‫‪ 2‬صحيح – رواه البخاري‪ ،‬كتاب الجنائز‪3 ،‬‬
‫‪ 3‬صحيح – رواه البخاري‪ ،‬في كتاب الجنائز‪45 ،‬؛ ورواه مسلم‪ ،‬في كتاب الجنائز‪12 ،‬‬
‫ك ‪ ،‬برقم ‪4279‬‬
‫ن َماِل ٍ‬
‫س ْب ِ‬
‫ن َأَن ِ‬
‫عْ‬‫‪ 4‬صحيح – رواه مسلم َ‬

‫‪257‬‬
‫ومن المواقف المؤثرة الصعبة على نفوس الصحابة‪ ،‬موقفهم‬
‫عندما شاهدوا قائدهم في عام الحديبية ) ‪6‬هي( يبكي بحرقة عند‬
‫قبر أمه آمنة بنت وهب‪.‬‬
‫ً‬
‫فعن سفيان الثوري أن نبي الله ‪ ‬انتهى يوما من عام الحديبية‬
‫إلى رسم قبر فجلس‪ ،‬وتفجر ينبوع الرحمة في قلبه فبكى وقال‬
‫– بعينين دامعتين ‪" :-‬هذا قبر آمنة بنت وهب" وكان عمره إذ ذاك‬
‫ستين‪.1‬‬
‫نحو ال ّ‬
‫وعن عبد الله بن مسعود ‪:‬‬
‫ما وخرجنا معه حتى انتهينا إلى المقابر ‪،‬‬ ‫أن النبي ‪ ‬خرج يو ً‬
‫فأمرنا فجلسنا‪ ،‬ثم تخطى القبور حتى انتهى إلى قبر منها ‪،‬‬
‫فجلس إليه فناجاه‪ 2‬طويل ً ‪ ،‬ثم ارتفع صوته ينتحب باكًيا ‪ ،‬فبكينا‬
‫لبكاء رسول الله ‪ ، ‬ثم إن رسول الله ‪ ‬أقبل إلينا ‪ ،‬فتلقاه‬
‫عمر بن الخطاب ‪ ، ‬فقال ‪ :‬ما الذي أبكاك يا رسول الله ؟ فقد‬
‫أبكانا وأفزعنا ‪ ،‬فأخذ بيد عمر ‪ ،‬ثم أومأ‪ 3‬إلينا فأتيناه‪ ،‬فقال – في‬
‫شفقة ‪ " :-‬أفزعكم بكائي ؟ " فقلنا ‪ :‬نعم‪ ،‬يا رسول الله فقال‬
‫ذلك مرتين أو ثلثا ‪ ،‬ثم قال ‪ " :‬إن القبر الذي رأيتموني أناجيه‬
‫قبر آمنة بنت وهب ‪ ،‬وإني استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي ‪،‬‬
‫ثم استأذنته في الستغفار لها فلم يأذن لي ‪ ..‬فأخذني ما يأخذ‬
‫الولد للوالد من الرقة ‪ ،‬فذلك الذي أبكاني‪. 4"..‬‬
‫قال أحد الصحابة ‪ :‬فما رأيت ساعة أكثر باكًيا من تلك الساعة‪. 5‬‬
‫لقد تذكر ‪ ‬بهذه الزيارة لقبر أمه الذكريات ‪..‬‬
‫فراح يستعيد جروح الماضي في وجدانه ‪..‬‬
‫فخيم عليه شعور اليتم الرهيب !‬
‫فتأوه القلب الصديع !‬

‫‪ 1‬انظر ‪ :‬حسين محمد يوسف ‪ :‬سيد الدعاة ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ ،‬القاهرة‪44 :‬‬
‫‪ 2‬المناجاة ‪ :‬الحديث بصوت منخفض سرا‬
‫‪ 3‬اليماء ‪ :‬الشارة بأعضاء الجسد كالرأس واليد والعين ونحوه‬
‫‪ 4‬صحيح – رواه وصحيح ابن حبان برقم ‪ ، 986‬وفي أخبار مكة للزرقي ‪) -‬ج ‪ / 3‬ص ‪ ،(212‬برقم ‪،985‬‬
‫رواه البهيقي في دلئل النبوة برقم ‪ ، ،102‬وصححه اللباني في صحيح السيرة النبوية ‪.23‬‬
‫‪ 5‬دلئل النبوة للبيهقي ‪) -‬ج ‪ / 1‬ص ‪ ،(117‬برقم ‪101‬‬

‫‪258‬‬
‫الخــــــاتــمة‬
‫أول ً ‪ :‬ملخص البحث‪:‬‬
‫تناولت هذه الدراسة موضوع رحمة رسول الله – صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬للعالمين في مقدمة وسبعة فصول‪ ،‬وخاتمة‪ ،‬فكان‬
‫ملخص البحث على النحو التالي ‪:‬‬
‫الفصل الول ‪ :‬من هو نبي الرحمة ؟‬
‫قام الباحث بعمل تعريف موجز بنبي الرحمة ‪ ‬يشتمل على‬
‫مختصر لهم الحداث في حياة الرسول ‪ ، ‬وشهادات الدبيات‬
‫الغربية بصدق نبوته‪ ، ‬وبحقيقة رحمته للعالمين‪ .‬وبين الباحث‬
‫في نهاية الفصل خصائص هذه الرحمة المتجسدة في شخص‬
‫محمد‪ ، ‬وذلك من حيث كونها رحمة ربانية وعالمية وعملية‬
‫ومتزنة‪.‬‬
‫الفصل الثاني ‪ :‬رحمته للعالمين مجال التنوير‬
‫والحضارة‪:‬‬
‫تناول الباحث في الفصل الثاني أهم مظاهر رحمته ‪ ‬للعالم‬
‫في مجال التنوير والحضارة‪ ،‬ورحمته للبشر في ذلك كونه‬
‫أخرجهم من الظلمات إلى النور‪ ،‬فحول العرب من قبائل عصبية‬
‫متناحرة إلى أمة متماسكة متحضرة‪ ،‬ول يخفى فضله ‪ ‬على‬
‫ضا بشهادة علماء الغرب أنفسهم‪.‬‬ ‫الحضارة الوربية أي ً‬
‫وفي هذا الفصل تناول الباحث رحمته للبشرية بتدعيمه لقيم‬
‫العلم والمعرفة‪ ،‬والتحضر والتربية والتسامح الديني ‪ ،‬وخدمة‬
‫النسانية ورعاية حقوق النسان فكلها قيم حضارية تمثل جانًبا‬
‫ما من جوانب الرحمة قي شخصية النبي محمد ‪ ،‬ويغفل‬ ‫عظي ً‬
‫عنه الكثير من الباحثين‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬رحمته للعالمين في مجال الخلق‪:‬‬
‫في هذا الفصل تناول الباحث أهم مظاهر الرحمة في الجانب‬
‫الخلقي والسلوكي لشخصية النبي ‪ ،‬فتناول البحث بعض من‬
‫شمائله وأخلقه‪ ،‬مثل رفقه ‪ ‬ولين عريكته وذوقه مع الناس‪،‬‬
‫وعفوه ل سيما مع أعدائه‪ ،‬وتخلقه ‪ ‬كحاكم بأخلق العدل‬
‫والمساواة بين الناس‪ ،‬وتحذيره من استعباد الناس ونهيهه عن‬
‫التمييز العنصري ‪.‬‬
‫ودوره ‪ ‬في نشر الحب والخاء بين العرب وبعضهم‪ ،‬وبين‬
‫العرب وغيره‪ ،‬وبين المهاجرين وبعضهم‪ ،‬وبين فصائل المدينة‬
‫وبعضها‪ ،‬حتى صار المسلمون قوة أخوية واحدة قد ألف الله بين‬
‫قلوبهم بشكل معجز ‪.‬‬
‫ما يبين‬ ‫ضا ‪ -‬مظهًرا سلوكًيا مه ً‬
‫وتناول الباحث في هذا الفصل ‪ -‬أي ً‬
‫رحمته‪ ‬أل وهو جانب المعاملت المالية وسماحته فيه ‪.‬‬

‫‪259‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬رحمته للعالمين في مجال التشريع ‪:‬‬
‫تحدث الباحث في هذا الفصل عن رحمة النبي‪ ‬بالناس‬
‫كمشرع‪ ،‬فتناول مرونته ووسطيته واعتداله‬
‫وفي سياسته الشرعية في الحكام التي تتسم بالتيسير ‪.‬‬
‫ونماذج عملية للرخص الشرعية والتدرج في التشريع‪ ،‬والتي تبين‬
‫رحمته للبشر كمشّرع‪ ،‬أرسله الله مّيسًرا سهل ً‪ ، ‬يضع عن‬
‫الناس إصرهم والغلل التي كانت عليهم ‪.‬‬
‫الفصل الخامس ‪ :‬رحمته للعالمين في ميدان‬
‫الصراعات السياسية والعسكرية ‪:‬‬
‫في هذا الفصل تناول الباحث رحمة النبي ‪‬بغير المسلمين في‬
‫ميدان الصراعات والحروب‪ ،‬وكيف كان يقدم الحوار على‬
‫الصدام‪ ،‬ويجنح للسلم‪ ،‬ويبرم المعاهدات والعقود حقًنا للدماء‪،‬‬
‫ويرحم العدو إذا ُقهر‪ ،‬ويوصي خيًرا بأهل الذمة‪ ،‬ويمنحهم الحق‬
‫في حرية العتقاد وممارسة الشعائر‪ ،‬ويوصي بالسرى خيًرا ‪.‬‬
‫وتناولنا في هذا الفصل الرد على أهم الشبهات في ذلك‪ ،‬والتي‬
‫منها فرية نشر السلم بالسيف والعنف ورد علماء الغرب‬
‫أنفسهم في ذلك ‪..‬‬

‫الفصل السادس‪ :‬رحمته للعالمين مجال المرأة‬


‫والطفل‪:‬‬
‫في هذا الفصل تناول الباحث مظاهر رحمة النبي ‪‬في مجال‬
‫المراة والطفل‪ ،‬وكيف أنقذ سيدنا محمد‪ ‬النساء من ظلم‬
‫الجاهلية وظلم الوأد وهضم الحق‪ ،‬ومن ثم كيف حررهن التحرير‬
‫الحقيقي الكريم‪ ،‬وجعل لهن مميزات متفردة‪ ،‬في وقت كانت‬
‫فيه المرأة – الورببية ‪ -‬تعامل كجرثومة فوق الحيوان ودون‬
‫النسان !‬
‫وتناول البحث الرد على الفتراءات المتعلقة بهذا الموضوع‪،‬‬
‫لسيما في مسائل مثل تعدد الزوجات‪ ،‬وزواج النبي ‪ ‬وضرب‬
‫الزوج لزوجته‪ ،‬وحجاب المرأة‪ ،‬والرد على ذلك من خلل أدبيات‬
‫الغرب أنفسهم ‪.‬‬
‫وتناول الفصل نماذج عملية لرحمة النبي ‪ ‬بالطفال عامة‬
‫وبالبنات خاصة‪ ،‬ورحمته باليتام والرامل‪.‬‬
‫الفصل السابع‪ :‬رحمته‪ ‬للضعفاء‬
‫في هذا الفصل تناول الباحث رحمة محمد ‪ ‬للضعفاء‪ ،‬فبين‬
‫كيف كانت رحمته للفقراء ‪ ،‬في كل زمان حتى قيام الساعة ‪.‬‬
‫وكيف تعامل النبي ‪ ‬مع مشكلة الفقر ومشكلة البطالة ‪.‬‬

‫‪260‬‬
‫ورحمته‪ ‬للخدم وللعبيد وكيف جعل لهم حقوًقا وساهم في‬
‫تحريرهم ‪.‬‬
‫ورحمته‪ ‬لذوي الحتياجات الخاصة وكيف كانت سنته معهم‬
‫ورفقه بهم في الحكام والمعاملت ‪.‬‬
‫ورحمته‪ ‬للمسنين‪ ،‬وكيف كانت سنته ورعايته للمسن ‪.‬‬
‫ورحمته‪ ‬للموات‪ ،‬وكيف سن هذا الكم الضخم من الداب‬
‫المتعلقة بالجنائز والموات‪ ،‬والتي تبين رحمته وتكريمه ‪‬‬
‫للنسان حًيا وميًتا‪ .‬ونماذج عملية في كل ذلك ‪.‬‬
‫ثانًيا ‪ :‬النتائج ‪:‬‬

‫وبعد هذه الجولة‪ ،‬في هذه الدراسة‪،‬نستطيع نجمل أهم النتائج‬


‫التي توصل إليها الباحث على النحو التالي ‪:‬‬

‫‪ -1‬كان محمد ‪ ‬رحمة حقيقة وعملية للبشرية منذ بعثته‬


‫وحتى وقتنا هذا‪ ،‬بشهادة علماء الغرب‪ ،‬أمثال جان ليك‪،‬‬
‫وتوماس كارليل‪ ،‬و لين بول‪ ،‬ولوبون وغيرهم‪..‬‬
‫‪ -2‬تبين للباحث عظم رحمة النبي ‪ ‬للبشرية في‬
‫ميدان التنوير والمعرفة والعلم‪ ،‬فظهر دوره ‪ ‬في نقل‬
‫الجزيرة العربية من مرحلة الجهل إلى مرحلة العلم‪،‬‬
‫ومن عصر الظلم إلى عصر النور‪ ،‬وبان دروه كذلك في‬
‫تحضر العالم كله‪ ،‬خاصة الغرب‪ ،‬وتحدث في ذلك علماء‬
‫غربيين أمثال رودي بارت‪ ،‬وولز‪ ،‬واشنجتون ايرفنج‪،‬‬
‫وغيرهم ‪.‬‬
‫‪ -3‬عاش أصحاب الديانات والعقائد المختلفة في ظل‬
‫حكم النبي ‪ ‬حياة آمنة ‪ ،‬قد حفظ النبي‪ ‬لهم فيها‬
‫حق حرية العتقاد‪ ،‬وممارسة الشعائر‪ ،‬وحفظ لهم‬
‫دماءهم وأموالهم وأعراضهم من السوء كالمسلمين‬
‫سواء بسواء ‪.‬‬
‫‪ -4‬في مجال الخلق‪ ،‬تبين للباحث ذلك الكم الضخم من‬
‫القيم الخلقية والسلوكية المجتمعة في شخصية سيدنا‬
‫محمد ‪ ،‬كالرفق واللين والعدالة والمساواة والحب‬
‫والخاء‪ ،‬والتي تمثل بعض تجليات الرحمة في شخصيته‬
‫‪.. ‬وقد ركز العلمة توماس أرنولد كثيًرا على الجانب‬
‫الخلقي في شخصية النبي ‪.‬‬
‫‪ -5‬تجلت مظاهر الرحمة – كذلك ‪ -‬في شخصية النبي ‪‬‬
‫كمشّرع لتنظيم حياة المجتمعات البشرية‪ ،‬فظهرت في‬
‫سياسته التشريعية مظاهر عدة على رأسها المرونة‬

‫‪261‬‬
‫والوسطية والعتدال والتيسير والرخص الشرعية‬
‫والتدرج في التشريع‪..‬‬
‫‪ -6‬في ميادين الصراعات السياسية والعسكرية‪ ،‬تجلت‬
‫بوضوح مظاهر رحمته ‪ ،‬فقدم الحوار على الصدام‪ ،‬و‬
‫الحل السلمي على الحل العسكري‪ ،‬وطبق مبدأ الحوار‬
‫بين الحضارات بنجاح وراسل لذلك قادة وملوك العالم‬
‫وأرسل إليهم الرسل والسفراء ‪ .‬وشهد أعداؤه‬
‫وخصومه‪ ،‬بعظم أخلقه‪ ،‬وسمو عفوه‪ ،‬لسيما مع‬
‫السرى‪.‬وقد أطنب الباحثون الغربيون في تجلية هذه‬
‫المظاهر‪ ،‬أمثال إميل درمنغم‪ ،‬والعلمة لويس سيديو ‪،‬‬
‫والدكتورة كارين أرمسترونج ‪ ،‬وغيرهم ‪.‬‬
‫‪ -7‬حرر النبي ‪ ‬المرأة من رق الجاهلية ‪ ،‬وأنقذها من‬
‫مأساة الوأد‪ ،‬ورد لها اعتباراتها الفكرية والجتماعية‬
‫والقتصادية‪ ،‬وظهرت له‪ ‬النماذج الفذه في رحمته‬
‫بالطفال عامة وبالبنات خاصة‪ ،‬إضافة إلى اليتام‬
‫والرامل ‪.‬‬
‫‪ -8‬لقد ضرب نبينا محمد ‪ ‬المثل العلى في الرحمة‬
‫بالضعفاء‪ ،‬فظهرت رحمته الجلية البينة بالفقراء وكيف‬
‫ساندهم‪ ،‬والعبيد وكيف حررهم‪ ،‬والخدم وكيف أكرمهم‪،‬‬
‫وذوي الحتياجات الخاصة وكيف واساهم‪ ،‬والمسنين‬
‫وكيف وقرهم‪ ..‬وامتدت رحمته‪ ‬بالنسان حتى في‬
‫بطن الرض ميًتا !‬

‫ثالًثا ‪ :‬التـوصيـات‬
‫‪ : -1‬اقتراح عقد مؤتمر في موضوع تحت عنوان "‬
‫تجليات الرحمة النبوية" ‪:‬‬
‫وهو مؤتمر يهدف إلى تجلية جوانب الرحمة في شخصية النبي‬
‫‪ ،‬ودفع الفتراءات القديمة والحديثة ‪ ،‬ويتم تناول هذا الموضوع‬
‫في سبعة محاور هي ‪:‬‬
‫المحور الول‪ :‬خصائص رحمة النبي ‪‬‬
‫تأصيل لغوي وشرعي لصفة الرحمة‬ ‫‪-‬‬
‫الرحمة صفة الخالق‬ ‫‪-‬‬
‫الرحمة صفة الرسالة‬ ‫‪-‬‬
‫الرحمة صفة المة‬ ‫‪-‬‬
‫عالمية الرحمة‬ ‫‪-‬‬
‫عملية الرحمة‬ ‫‪-‬‬
‫حول الرحمة المتزنة‬ ‫‪-‬‬

‫‪262‬‬
‫المحور الثاني‪ :‬من تجليات رحمة النبي‪ ‬في مجال‬
‫التنوير والحضارة ‪:‬‬
‫التوحيد‬ ‫‪-‬‬
‫التحضر‬ ‫‪-‬‬
‫التسامح‬ ‫‪-‬‬
‫المعرفة‬ ‫‪-‬‬
‫المحور الثالث ‪ :‬من تجليات رحمة النبي‪ ‬في مجال‬
‫الخلق‪:‬‬
‫الرفق‬ ‫‪-‬‬
‫العفو‬ ‫‪-‬‬
‫العدل‬ ‫‪-‬‬
‫الخاء‬ ‫‪-‬‬
‫المحور الرابع ‪ :‬من تجليات رحمة النبي‪ ‬في مجال‬
‫التشريع‬
‫المرونة‬ ‫‪-‬‬
‫الوسطية‬ ‫‪-‬‬
‫التيسير‬ ‫‪-‬‬
‫نموذج ‪ :‬الرخص الشرعية‬ ‫‪-‬‬
‫المحور الخامس‪ :‬من تجليات رحمة النبي‪ ‬في مجال‬
‫الحرب والسلم‬
‫معاهدات السلم النبوية‬ ‫‪-‬‬
‫رسائل الملوك‬ ‫‪-‬‬
‫أخلقيات الحرب‬ ‫‪-‬‬
‫حقوق السرى‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬ردع الطغاة والمجرمين‬
‫المحور السادس ‪ :‬من تجليات رحمة النبي‪ ‬في مجال‬
‫المرأة والطفل‬
‫التحرير السلمي للمرأة‬ ‫‪-‬‬
‫حقوق المرأة في السلم‬ ‫‪-‬‬
‫حقوق الطفل في السلم‬ ‫‪-‬‬
‫المحور السابع ‪ :‬من تجليات رحمة النبي‪ ‬للضعفاء ‪:‬‬
‫مكافحة الفقر‬ ‫‪-‬‬
‫رعاية المسنين‬ ‫‪-‬‬
‫رعاية ذوي الحتياجات الخاصة‬ ‫‪-‬‬
‫الفترة التحضيرية ‪:‬‬
‫مدة سنة‪ ،‬ويتم دعوة الباحثين والمفكرين والكتاب في جميع‬
‫أنحاء العالم‪ ،‬للمشاركة في المؤتمر بإعداد الدراسات‬

‫‪263‬‬
‫والبحوث المحكمة حول محاور المؤتمر‪ ،‬من خلل مسابقة‬
‫عالمية لخدمة المؤتمر ‪.‬‬
‫ويتم توزيع نتائج المؤتمر وتوصياته – مترجمة ‪ -‬على أصحاب‬
‫القرار والساسة والمثقفين والتربويين والعلميين البارزين‬
‫في أوربا وأمريكا‪.‬‬
‫‪ -2‬اقتراح مشروع تحت عنوان " ترجمة مائة كتاب‬
‫في السيرة " ‪:‬‬
‫يتم تشكيل لجنة من كبار الباحثين والكتاب والمترجمين الذين‬
‫أسهموا بكتابات أو بحوث في مجال سيرة النبي ‪ ،‬لختيار‬
‫مائة دراسة عربية حول سيرة النبي‪ ‬تصلح ترجمتها إلى‬
‫اللغة النجليزية بالساس ثم الفرنسية‪ ،‬وتركيز نشر هذه‬
‫الكتب – بعد ترجمتها ‪ -‬في أوربا وأمريكا‪ .‬ويتم استنهاض‬
‫الداعمين لهذا المشروع من الحكومات العربية والسلمية‬
‫ورجال العمال ‪.‬‬
‫‪ -3‬اقتراح إنشاء مركز بحثي علمي للتعريف بنبي‬
‫الرحمة ‪‬‬
‫وتكون مهمة هذا المركز إنتاج البحوث والدراسات والدوريات‬
‫والوسائط المتعددة للتعريف بنبي الرحمة ‪ ‬باللغات الحية ‪.‬‬
‫‪ -4‬اقتراح تدريس السيرة النبوية في المراحل‬
‫التعليمية ‪:‬‬
‫فتقوم وزارات التربية والتعليم العالي في البلدان السلمية‪،‬‬
‫بتشكيل لجان متخصصة لبحث إمكانية تدريس السيرة النبوية في‬
‫الصفوف الدراسية والجامعية‪..‬‬
‫‪ :5‬اقتراح إنشاء قناة فضائية للتعريف بنبي الرحمة ‪‬‬
‫فتقوم هذه القناة بعرض كل ما يتعلق بسيرة النبي ‪ ‬والتعريف‬
‫به‪ ،‬من ندوات ومحاضرات‪ ،‬وأفلم‪ ،‬ورسوم متحركة‪ ،‬وكتابات ‪.‬‬
‫‪ -6‬اقتراح فيلم سينمائي عالمي ‪:‬‬
‫بحيث يوجه الفيلم إلى عامة الشعوب الغربية‪ ،‬بهدف تعريفهم‬
‫بنبي السلم‪ ،‬ويتم عرضه في كبرى دور العرض الوربية‬
‫والمريكية ‪ ..‬ويشترط في هذا العمل السينمائي أربعة شروط‪:‬‬
‫الشرط الول ‪ :‬أن ينضبط بالضوابط الشرعية ‪.‬‬
‫الشرط الثاني ‪ :‬الستعانة بالكفاءات العالمية من ممثلين‬
‫ومخرجين ‪.‬‬
‫الشرط الثالث‪ :‬أن ينال الدعم المالي السخي من رجال العمال‬
‫المسلمين ‪.‬‬
‫الشرط الرابع ‪ :‬أل تحتكر حقوق نشره شركة معين أو شخص‬
‫محدد‪ ،‬بل تكون حقوقه ممنوحة لي إنسان ينشر الفيلم ‪.‬‬

‫‪264‬‬
‫‪ -7‬فقرة إعلنية للتعريف بنبي الرحمة ‪:‬‬
‫مدة هذه الفقرة العلنية دقيقة واحدة‪ ،‬يتم بثها من خلل كبرى‬
‫القنوات الوربية والغربية ‪ ..‬وهي بل شك تحتاج إلى دعم مالي‬
‫كبير‪.‬‬
‫إضافة إلى استئجار عدد من الساعات من مساحة البث في‬
‫بعض القنوات وتقديم من خللها برامج تعريفية بنبي الرحمة ‪.‬‬
‫‪ – 8‬المقاطعة الدبلوماسية والقتصادية ‪:‬‬
‫على القادة والساسة العرب والمسلمين قطع أية علقات‬
‫دبلوماسية أو تجارية أو أية شراكات أو اتفاقات مع أي دولة‬
‫تسىء لنبي الرحمة – صلى الله عليه وسلم ‪.-‬‬
‫عليهم أن يمحو العار الذي لحق بهم جراء تعاملهم مع من سب‬
‫نبيهم ‪.‬‬
‫‪ -9‬اقتراح " مهرجان محمد للجميع " ‪:‬‬
‫وهو مهرجان عالمي سنوي يعقد في عاصمة كبرى من عواصم‬
‫العالم‪ ،‬يشتمل هذا المهرجان على مجموعة فعاليات تعريفية‬
‫بنبي الرحمة‪ ،‬ومن ضمن تلك الفعاليات محاضرات وندوات‬
‫ومعارض وأفلم وأناشيد ومسابقات وجوائز تصب في موضوع‬
‫النصرة والتعريف بنبي الرحمة – صلى الله عليه وسلم ‪. -‬‬
‫وهو مشروع يحتاج إلى دعم الحكومات والجماعات ورجال‬
‫العمال‪ ،‬أو يكون على القل تحت رعاية أحد زعماء العرب ‪...‬‬
‫‪ -10‬أن يحمل كل مسلم ومسلمة أمانة الدفاع عن نبي‬
‫الرحمة‪ ،‬والزود عن حياضه‪ ،‬ونشر منهجه الصلحي على‬
‫مستوى الفرد والسرة والمجتمع والدولة‪ ،‬ومن ثم العمل على‬
‫إعداد الفرد المسلم‪ ،‬والبيت المسلم‪ ،‬والمجتمع المسلم‪،‬‬
‫والحكومة المسلمة‪.‬‬

‫عا ‪ :‬أفكار عملية لنصرة نبي الرحمة ‪:‬‬ ‫راب ً‬


‫وهذه أفكار عملية ‪ -‬لكل مسلم ‪ -‬لنصرة نبي الرحمة ‪:‬‬
‫‪-1‬الكتابة إلى الصحف والمجلت وتعقب أية تصريحات تسيء‬
‫بنبي الرحمة – عليه الصلة والسلم ‪-‬‬
‫‪-2‬عمل مدارسة مسجدية أو حلقة أسبوعية بالمسجد لمدارسة‬
‫كتاب نبي الرحمة أو كتاب مفيد في السيرة‪ ،‬إضافة إلى العلوم‬
‫الشرعية الخرى ) كالحديث والتفسير والفقه والعقيدة(‬
‫‪ -3‬إرسال ‪ 10‬رسائل إلكترونية على القل إلى مواقع عالمية‪،‬‬
‫بهدف التعريف بنبي الرحمة‪ .‬وذلك بشكل أسبوعي على القل‪.‬‬
‫‪ -4‬إرسال ثلثة رسائل نصية ‪ sms‬بالمحمول للصحاب والخوان‬
‫بهدف التذكير بقضية النصرة‪ .‬وذلك بشكل أسبوعي على القل ‪.‬‬

‫‪265‬‬
‫‪ -5‬تعليق بوسترات ولوحات – تشتمل على أحاديث نبوية‬
‫وتوصيات عملية‪ -‬في الماكن العامة – بشكل لئق – بهدف نصرة‬
‫نبي الرحمة ‪.‬‬
‫‪ -6‬عمل مسابقة ثقافية وأخرى بحثية عن " نبي الرحمه وأخلقه‬
‫وسيرته ومنهجه " بشكل دوري وجوائز مجزية‪.‬‬
‫‪ -7‬إنشاء جمعية خيرية لتحفيظ القرآن وتعليم السيرة النبوية ‪.‬‬
‫‪ -8‬توزيع ونشر الكتب التي تعرف بنبي الرحمة ‪.‬‬
‫‪ -9‬إنشاء مدونات مواقع دعوية ومجموعات بريدية للتعريف بنبي‬
‫دا إنشاء مدونة مجانية‬‫الرحمة – بكل اللغات ‪ -‬ومن السهل ج ً‬
‫على موقع مثل ‪blogspot.com‬‬
‫‪ – 10‬عمل كروت شخصية ‪ ..‬الوجه الول يشتمل على بيناتك‬
‫والوجه الثاني يشتمل على شعار " مًعا لنصرة نبي الرحمة " أو‬
‫نحو ذلك من النصائح العملية المفيدة ‪.‬‬
‫‪ -11‬حث الخطباء على تناول القيم الحضارية في السيرة النبوية‬
‫وعدم الغراق في الجزئيات ‪.‬‬
‫‪ -12‬حث المعلمين والتربويين على نشر القضية بين جموع‬
‫الطلب ‪.‬‬
‫‪ -13‬العمل على إقامة المعارض الفنية والدعوية في المدارس‬
‫والجامعات للتعريف والنصرة ‪.‬‬
‫‪ -14‬إقامة مخيمات ومعسكرات صيفية تتناول فعاليات‬
‫ومحاضرات للنصرة والتعريف بنبي الرحمة – صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪-‬‬
‫‪ -15‬عقد الدورات العلمية التي تتعلق بمنهج السيرة وكيفية‬
‫الستفادة منها ‪.‬‬
‫‪ -15‬نشر فتاوى العلماء في حكم سب النبي أو التعريض بجنابه‬
‫– صلوات الله وسلمه عليه ‪. -‬‬
‫‪ -16‬على كل مسلم حر شريف أن يقاطع منتجات العداء "‬
‫الصهاينة والمريكان" والدول التي تسيء لنبي الرحمة – صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ . -‬عار على المسلم أن ُيدخل بيته هذه‬
‫المنتجات أو يطعم منها بطون أولده !‬

‫‪266‬‬
‫منتدى الكْتاب‬
‫"مساحة حرة لراء العلماء‬
‫والباحثين والك ُّتاب"‬

‫‪267‬‬
‫نحو التمكين‬
‫كتابنا "نبي الرحمة" وأمثاله من الكتابات الجادة ‪ ..‬أنا‬
‫أعتبره من مبشرات الغلبة القادمة والتمكين‪ ،‬وأحرى به‬
‫أن يساهم في تغيير واقع المة على الصعيدين الداخلي‬
‫والخارجي ‪ " .‬والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس‬
‫ليعلمون"‬
‫فريد عبد الخالق‬
‫*******‬

‫! نبي الرحمة ووقعنا‬


‫ليس من المعقول أن نجد في عصر ارتفعت فيه رايات الظلم ‪،‬‬
‫وسمات الظلم أن نترك جوانب مضيئة‪ ،‬من تراثنا وديننا يغفلها‬
‫الكثيرون عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ومن أهم تلك‬
‫الصفات التي اتسم بها " الرحمة" ولم تكن هذه الصفة بادية‬
‫عليه فحسب‪ ،‬وإنما كانت خلقا لصيقا اتصف به لدرجة أن الله‪،‬‬
‫زيٌز‬ ‫سك ُ ْ‬
‫م عَ ِ‬ ‫ن َأن ُ‬
‫ف ِ‬ ‫م ْ‬‫ل ّ‬‫سو ٌ‬‫م َر ُ‬‫جاءك ُ ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫وصفه به ‪ ،‬فقال تعالى ‪ ":‬ل َ َ‬
‫م" وقال عن‬ ‫حي ٌ‬‫ف ّر ِ‬‫ؤو ٌ‬‫ن َر ُ‬
‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫كم ِبال ْ ُ‬ ‫ص ع َل َي ْ ُ‬
‫ري ٌ‬
‫ح ِ‬
‫م َ‬ ‫ع َل َي ْهِ َ‬
‫ما ع َن ِت ّ ْ‬
‫نفسه صلى الله عليه وسلم "أنا نبي الرحمة" ولم تكن الشهادات‬
‫على مستوى الكلم اللفظي‪ ،‬بل امتدت للواقع العملي فكان‬
‫خلقه القرآن‪ ،‬وكان يتعامل مع الناس جميعا بعين الرحمة‪ ،‬وكان‬
‫يقول "ارحموا من في الرض يرحمكم من في السماء" و ليس‬

‫‪268‬‬
‫هذا فقط بل امتدت رحمته للحيوان فجرم حبس الهرة وتوعد‬
‫‪..‬الفاعلة بالنار‪ ،‬وامتدح من رحم كلبا ووعده بالجنة‬

‫وفك السير‪ ،‬وأحسن إليه‪ ،‬ورحم قتلى الحروب من المشركين‬


‫فواراهم الثرى‪ ،‬كل هذا في زمن كانت الجاهلية فيه متعمقة في‬
‫الغلظة‪ ،‬والظلم فيها أساس الحياة‪ ،‬والقانون فيها قانون الساعد‬
‫‪.‬والسلح والقوة‬

‫فهذه حياة نبينا التي تتسم بالرحمة‪ ،‬وهده مدنيتهم التي ل تعرف‬
‫إل الخراب والدمار والقوة فيها أساس الحكم وليس العدل ‪.‬‬
‫والبطش بالخرين أساس حياة الظالمين‪ .‬فانظر وتفكر بالمر‪،‬‬
‫ستجد عجًبا بين حال السلم وحياة نبيه ‪ ،‬وترك المسلمين للنهج‪،‬‬
‫‪..‬وطمع الخرين ‪..‬فقط أريدك أن تتدبر المر بروية‬

‫وفق الله تعالى الجميع للعمل بالشرع وإعلء رايته‪ ،‬والسير وراء‬
‫خاتم المرسلين نبي الرحمة‬

‫ا‪ .‬د ‪ /‬محمد عبد اللطيف البنا‬


‫مدير تحرير النطاق الشرعي‬
‫بشبكة إسلم اون لين‬
‫*******‬

‫الغرب والسلم ) رؤية سيكولوجية (‬


‫تبدى الغرب على حقيقته ‪ ،‬وزالت القشور ‪ ،‬وربما‬
‫إرهاصات الحداث المؤلمة التي يشهدها العالم السلمي ‪ ،‬على‬
‫ما فيها من ألم وقتل وتعذيب واستضعاف للمة المسلمة ‪،‬‬
‫واستهانة بها وبمقدساتها وقيمها وثوابتها ‪ ،‬ولكن ذلك على الرغم‬
‫من آلمه ووحشيته ‪ ،‬أزال القناع عن الوجه البشع للغرب ‪ ،‬بما‬
‫فيه من عنصرية مقيتة ‪ ،‬وأحادية انفعالية هائجة مائجة ‪.‬‬

‫وأيامنا تشهد مهزلة عالمية للقيم المدنية التي يدعو لها‬


‫المجتمع الغربي ‪ ،‬وأصبحت مصدر تنكيت العالم ‪ ،‬في ما يدعونه‬
‫من الديمقراطية وحقوق النسان ‪ ،‬والحرية التي ل تعرف ذوقا ً‬
‫ول اعتبارا ً للسلم ‪ ،‬في ضوء نظرة عنصرية ‪ ،‬تحترم فيها الديانة‬
‫المسيحية واليهودية ‪ ،‬والمعتقدات الخرى ‪ ،‬ول تجد طاقتها‬
‫وجهدها إل في النيل من السلم ورسالته ‪ ،‬وتوجه كيدها العالمي‬
‫عبر الصحف والنترنت للهجمة على الرسول الكرم محمد‪، ‬‬
‫حتى أصبح مشروعا ً غربيا ً منظمًا‪ ،‬نسمعه كل يوم ‪ ،‬في صحف‬

‫‪269‬‬
‫متنوعة ‪ ،‬ومواقع متعددة ‪ ،‬في رسالة عدائية منظمة ‪ ،‬تبدي‬
‫مساحات من القلق الغربي من سرعة انتشار السلم ‪ ،‬وبالخص‬
‫بدايات اعتلئه مناصب قيادية في ضوء لعبة الديمقراطية ‪ ،‬التي‬
‫يقبلها المجتمع الغربي ‪ ،‬إنهم يريدون إسلما ‪ ،‬على مزاجهم هشا ً‬
‫سلبيا ً يتيح مساحات لستهلك بضائعهم الفكرية المتهاوية ‪ ،‬وسلخ‬
‫المسلم من دينة ‪ ،‬حتى يكون كائن مهجن من بضائع فكرية‬
‫متنوعة ‪ ،‬يمكن وصفها بأنها حاويات قمامات الشعوب ‪ ،‬من‬
‫الفكار والقيم المتهاوية ‪ ،‬فهذه الصورة المثالية التي يريدها‬
‫الغرب لبناء المة المسلمة ‪.‬‬

‫انكشف الغرب ‪ ،‬وتهاوت مقالته الدعائية ‪ ،‬وغدا على وجه‬


‫الحقيقة ‪ ،‬لصوصية ‪ ،‬تنادي بالقيم في عقر دارهم ‪ ،‬ويصدرون‬
‫العنف والرهاب والدمار والقتل والحتلل ‪ ،‬وإل كيف نفسر‬
‫التعاضد المريكي مع أوروبا مع اللوبي الصهيوني وهم يعيثون‬
‫فسادا ً في العراق‪ ،‬ودموية في غزة ‪ ،‬واحتلل معلنا ً في‬
‫أفغانستان ‪ ،‬وتهديد وقح للمقاومة اللبنانية‪ ،‬التي رفعت قيم‬
‫السلم عالية ‪ ،‬بأخلقياتها السامية التي تكاد تكون مفقودة في‬
‫عالمنا المتساقط أخلقيا‪ ،‬واستفزاز سافر للسيادة السورية‬
‫والنهضة النووية اليرانية ‪ ،‬في استراتجيات سياسية عنصرية‬
‫مقيتة ‪ ،‬تستهدف القوة في الجسم السلمي الواحد ‪.‬‬

‫السلم صحوة في الزمان والمكان ‪ ،‬والعزة مرتبطة به ‪،‬‬


‫ول عزة لنا ‪ ،‬ورسولنا الكرم‪ ‬يهان ‪ ،‬وتشوه صورته في الغرب‬
‫السود المقيت الحاقد ‪ ،‬فل عزة لنا إل باتباع نبينا الكرم ‪، ‬‬
‫ورفع مقامه عاليا ً ‪ ،‬في ضوء معطيات العصر وإمكانياته ‪ ،‬ول عزة‬
‫لنا إل بذلك ‪ ،‬ومن هنا يجب التصدي لكل محاولت النيل منه ‪،‬‬
‫ومن رسالته المحمدية السمحة ‪ ،‬إنه النور الساكن في قلوبنا ‪،‬‬
‫وماء الحياة ‪ ،‬الذي يصنع حاضرنا ومستقبلنا ‪ ،‬والطهر السلوكي‬
‫في كافة مسارات حياتنا ‪.‬‬
‫مهما نالوا من نبينا العظم ‪ ‬سيبقى شمسا ً مشرقة في‬
‫قلوبنا ‪ ،‬حيث تفتح نوافذها للوجود في طاقة نورانية ل حدود لها ‪،‬‬
‫تتجاوز الدنيا بكافة مساحاتها ‪ ،‬لتنير طريق السالكين على الله‬
‫تعالى ‪ ،‬إنه الحب الخالد في قلوبنا ‪ ،‬ول بد لليل أن يسافر بعيدا ‪،‬‬
‫ويسفر الفجر ‪ ،‬فكل متوقع آت ‪ ،‬وكل آت قريب ‪ ،‬ول بد للمة‬
‫المسلمة أن تنهض ‪ ،‬وتتولى مقاليد مشروعها النهضوي التنويري‬
‫العلمي في العالم أجمع ‪ ،‬فتنشر رسالة النور والتسامح ‪ ،‬ورسالة‬
‫التواصل الثقافي ‪ ،‬عوضا ً عن رسالة الرهاب الغربي ‪،‬‬

‫‪270‬‬
‫والديمقراطية المزورة ‪ ،‬وحقوق النسان المشوهة الحادية ‪،‬‬
‫التي يعتريها دوما قيم اللمساواة ‪ ،‬والحرية الفوضوية العبثية ‪،‬‬
‫التي تدمر الشعوب المستضعفة ‪ ،‬وتختال بنفسها ‪ ،‬لبد للحقيقة‬
‫أن تنجلي ‪ ،‬ل بد ولو عن قريب ‪.‬‬
‫د‪ .‬سعاد جبر‬
‫كاتبة وناقدة من الردن‬
‫‪suad_jaber@hotmail.com‬‬

‫********‬
‫حجة على الغرب وحجة علينا‬
‫إن ما يفعله الغرب من الساءة للنبي الكرم صلوات الله عليه وآله وصحبه ما‬
‫هو إل حجة تقام عليه والتي عجزنا نحن عن إيصالها إليه‪ ،‬كما أنها عمل دعائي‬
‫بغير رضانا ‪..‬‬
‫بل وبغضبنا للفت النتباه للسلم‪..‬‬
‫ثم إن ما يفعله أيا كان للساءة لهذا الدين ولرسوله ل يملك حجة واحدة‬
‫مقبولة عقل حتى يمكنها بناء القناعات بعدم مصداقية دين الله‪ ،‬وعليه‪ ،‬فإن‬
‫المر فيه ما يخدم السلم‪ ،‬ول يعني هذا الرضى عما يفعله اللؤماء من إساءة‬
‫لنبينا‪ ..‬كل ! بل نحن نعلم تشريعه في حق من يسيء إليه ‪ ..‬إنه إن نال‬
‫المسيء عقوبته أفاد غيره وألجم شيطانه ووفر عليه وساوسه‪..‬‬
‫محمد محمد البقاش‬
‫أديب وباحث وصحافي من المغرب‬
‫‪maisa_rose@yahoo.com‬‬

‫***********‬
‫ماذا فعلنا للدفاع عن سيد البشر ؟‬
‫لقد أسهمت حركات التنصير ومؤسساتها الدينية في‬
‫التشكيك في السلم والطعن في مقدساته‪ ، ،‬ول تخفى‬
‫علينا كتابات كثير من المستشرقين داخل الدوائر‬
‫الكاديمية‪ ،‬وانتهاء بقنوات التصال ووسائل العلم‬
‫المعاصرة‪ ،‬وكل يلمس تصعيد حملت الدعاية المناوئة‬
‫للسلم وتشويه صورته أمام الرأي العالمي بشكل‬
‫محموم ‪ ،‬بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ‪، 2001‬‬
‫والتي أشعلت جذوة نيران تشتعل تحت كثير من رماد‬
‫الشبهات المتراكمة ضد الدعوة السلمية الحق ‪ ،‬وها نحن‬
‫نسمع كل يوم هذه الساءات تصب على رؤوس المسلمين‬
‫وليس آخرها التشويه الكاريكاتوري المسيء لرسولنا‬
‫الكريم ‪-‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬المنشور في صحف‬

‫‪271‬‬
‫ومجلت دنمركية ونرويجية‪ ،‬فالتشويه والصمت عن محاسن‬
‫السلم هما السلحان الرئيسيان لبعض وسائل العلم‬
‫الغربي في تشكيل الرعب الهستيري من السلم‪ ،‬بل بلغ‬
‫المر التطاول على مقام سيد الخلق والمرسلين وشتمه‬
‫علنا ً من قبل رموز دينية مسيحية ويهودية وأخرى سياسية‬
‫عبر وسائل العلم‪ ،‬بل والدعوة إلى توجيه ضربة عسكرية‪،‬‬
‫انتقامية أو وقائية في إطار ما يسمى بي"الحرب على‬
‫الرهاب‪ ،‬لهدم الكعبة الشريفة وقصف مكة المكرمة بقنبلة‬
‫نووية‪ .‬وظهر الصليبيون الجدد بشعارهم القديم والمطالبة‬
‫برفع الصليب على مقدسات المسلمين وأطلل الحرم‬
‫المكي بعد تدميره !‬
‫لقد أنبأنا القرآن الكريم بهذه الحملت التي تدق طبول‬
‫ي‬
‫ن فِ َ‬ ‫الحرب بوسائل العلم حيث يقول الله تعالى‪" :‬ل َت ُب ْل َوُ ّ‬
‫فسك ُم ول َتسمعن من ال ّذي ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫من‬ ‫ب ِ‬ ‫ن أوُتوا ْ ال ْك َِتا َ‬‫ِ َ‬ ‫م وَأن ْ ُ ِ ْ َ َ ْ َ ُ ّ ِ َ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬‫م َ‬ ‫أ ْ‬
‫قوا ْ فَإ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫صب ُِروا ْ وَت َت ّ ُ‬‫ذى ك َِثيرا ً وَِإن ت َ ْ‬‫شَرك ُوَا ْ أ َ ً‬
‫ن أَ ْ‬‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬
‫م َ‬‫م وَ ِ‬ ‫قَب ْل ِك ُ ْ‬
‫موِر"] آل عمران‪[186 :‬‬ ‫ن ع َْزم ِ ال ُ ُ‬‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫ولعلنا نطرح تساؤلً هو‪ :‬ماذا فعلت الحكومات والمؤسسات‬
‫الدينية السلمية في عالمنا السلمي؟‬
‫هل ستصمت خوفًا من تهم دعم الرهاب والحبو لمريكا‪.‬‬
‫أم ستشجب وتستنكر كما تعودنا دوما من منظماتنا‬
‫السلمية التي تجري تعقد ندوات في الدنمرك بعد الحادث‬
‫وكأننا نطيب خاطرهم ونقول لهم حقكم علينا قاطعناكم‬
‫ياجماعة ل تفعلون ذلك مرة أخرى؟‬
‫والن نشاهد صورًا من دولة السويد ودولنا ومؤسساتنا‬
‫صامتة وعلى رؤؤسها الطير في حين أوقفت ماليزيا‬
‫صحيفة لمدة شهر لرسمها المسيح عليه السلم وهو‬
‫يمسك سيجارة‪.‬‬
‫إنا لمنتظرون ما هم فاعلون ويا حسرة عليهم وعلينا‪ ،‬بيد‬
‫أن هناك صورة نمطية للذل والخضوع والخنوع لهؤلء الذين‬
‫يبررون أن الدين ربنا يحفظه ويحميه وينسون أن العمل‬
‫واجب لحماية الدين ! أم ننتظر انتشار البشير والتنصير‬
‫ونتفرج ومؤسسات الدعوة السلمية مكبلة خائفة مرعوبة‬
‫من حكوماتها !! أما الفراد فل بد لهم من أخذ الذن من‬
‫مؤسسات العلم والدعوة للعمل حتى لو لنشر كتاب واحد‬
‫!‬
‫ا‪.‬د ليلى بنت صالح محمد زعزوع‬

‫‪272‬‬
‫كاتبة وأكاديمية سعودية‬
‫‪www.drlailazazoe.com‬‬

‫***********‬

‫أحد‪ ..‬جبل يحبنا ونحبه‬

‫أحد جبل قريب من المدينة المنورة‪ ،‬كانت عند سفحه المعركة‬


‫المشهورة التي مس المسلمين فيها القرح‪ .‬وهييو الجبييل الييذي‬
‫التف المشركون من خلفييه ليكييروا علييى المسييلمين وليحولييوا‬
‫نصرهم إلى هزيمة‪.‬‬
‫أحد الجبل الذي استشهد على جنباته أسد اللييه وأسييد رسييوله‬
‫حمييزة بيين عبييد المطلييب‪ ،‬مييع سييبعين ميين رجييال السييلم‬
‫الميامين‪ .‬أحد الجبل الذي كسرت عنده رباعية النبي الشييريفة‬
‫وجرحت وجنتاه حتى سال دمه‪.‬‬
‫أحد الذي وقف عنده أبو سفيان بعد النصر العارض ينادي اعييل‬
‫هبل‪ ..‬فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬لصييحابه ردوا‬
‫عليه‪ ،‬قولوا الله أعلى وأجل‪.‬‬
‫أحد هذا ما كان لييه حسييب التصييور السييلمي للكييون ولعلقيية‬
‫المسلم بمييا حييوله ميين مخلوقييات أن يكييون معلميا ً للتشيياؤم‪،‬‬
‫ولمحطيية ميين محطييات النقميية‪ ،‬ول مركييز إشييعاع للكراهييية‬
‫والنكد‪.‬‬
‫كان حمزة بن عبد المطلب رضي اللييه عنييه‪ ،‬أسييد اللييه وأسييد‬
‫رسوله‪ ،‬أثيرا ً عند رسول الله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪ ،‬حبيبا ً إلى‬
‫قلبه‪ ،‬وهو عمه وأخوه من الرضاعة‪ ،‬كما كييان الحسييين رضييي‬
‫الله عنه ريحانيية رسييول اللييه صييلى اللييه عليييه وسييلم‪ ،‬ولكيين‬
‫رسول الله لم يحول أحد إلييى كربلئييية غفليية وجهييل وكراهييية‬
‫وإنما أثبته سنة ماضية منبعا ً للحب والرضى‪ ،‬فقييال‪ :‬أحييد جبييل‬
‫يحبنا ونحبه‪ .‬قال هذا تقويما ً لتصور‪،‬وتقريرا لحقيقيية مييا ينبغييي‬
‫أن تكون عليه العلقة بين المسلم وبييين هييذا الكييون الفسيييح‪.‬‬
‫قال هذا تأسيسا ً ليكون كل جبل وكل واد وكييل نهيير وكييل بحيير‬
‫)أحدًا(‪.‬‬
‫أحد جبل يحبنا ونحبه‪..‬‬
‫أي نفس سامية هذه التي تستشعر الحب يفيض من الجمادات‬
‫وتمتلك القدرة على استقباله مشيياعر طرييية ندييية‪ ،‬وإن كييانت‬
‫قد فقدت حول هييذه الجمييادات الصييحاب والحبيياب‪ .‬تسييتقبل‬

‫‪273‬‬
‫الحب من جلميد صييخر‪ ،‬مسييها عنييدها القييرح‪ ،‬وعظييم فوقهييا‬
‫المصاب‪.‬‬
‫أحد جبل يحبنا ونحبه‪..‬‬
‫ً‬
‫لتفيض النفس المؤمنة على الموجودات كلها حبا حتى تغمرها‪.‬‬
‫دورة للحب في هذا الوجود تشبه دورة الماء الييذي يييروي كييل‬
‫ما يمر بييه‪ .‬والنسييان بقلبييه ونفسييه وروحييه وجسييده‪ ،‬محطيية‬
‫الرسييال ومحطيية السييتقبال يفيييض حبييا ً علييى كييل شيييء‪،‬‬
‫ويستقبله من كل شيء‪.‬‬
‫أحد جبل يحبنا ويحبه‪..‬‬
‫أي حالة من الصفاء الوجودي التي تستشعر الحب يفيييض ميين‬
‫الوجود كل الوجود‪ ،‬بينما يغفل عنييه الكييثيرون‪ ،‬الييذين تعطلييت‬
‫في نفوسهم القدرة على الستشعار‪ ،‬والقدرة على الحساس‪.‬‬
‫النفوس المؤمنة وحدها هي التي تستشييعر الحييب يفيييض ميين‬
‫الحييياء وميين النباتييات وميين الجمييادات تستشييعره درجيية‪،‬‬
‫وتستقبله ثانية‪ ،‬وتتبادله ثالثة‪ ،‬حتى مع الموطن الذي كييان فيييه‬
‫جرح وقرح وهذه رابعة‪.‬‬
‫أما الكراهية والبغض فهييي حاليية ل يعرفهييا قلييب المييؤمن‪ ،‬ول‬
‫تصدر عن نفسه‪ ،‬إل لتصبغ الشر المجرد والثم المحض‪ .‬تكييره‬
‫الشر المتلبس فييي إنسييان‪ ،‬ول تكييره النسييان‪ ،‬وتبغييض الثييم‬
‫الذي يواقعه‪ ،‬وتذكر دائما ً أنه أخوك‪ ،‬فتظل يييدك أبييدا ً ممييدودة‬
‫إليه بالحب لتستنقذه من الشر والثم الذي هو فيه‪.‬‬
‫زهير سالم‬
‫مدير مركز الشرق العربي ‪ -‬لندن‬
‫‪zuhair@asharqalarabi.org.uk‬‬

‫********‬
‫نبي الحب !‬
‫الحب أنقى عاطفة إنسانية في الوجود ولها عظمة كعظمة‬
‫العتقاد أو اليمان يقول النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪):-‬ل يؤمن‬
‫أحدكم حتى يحب لخيه ما يحب لنفسه(‪ ،‬قرن الرسول الكريم‬
‫هنا اليمان بالحب لتكوين الخوة السلمية ‪ ،‬كقناة يدخلها المرء‬
‫ليغتسل من أدرانه ويرتقي سلم التصال الدائم بالله تعالى ‪،‬‬
‫ومفردات اليمان والحب والخوة تفرض على النسان أن يكون‬
‫ل من الخلق وإل كيف استطاع رسول الرحمة ان‬ ‫على قدر عا ٍ‬
‫يأخذ مكانته في قلوب الناس ويدعوهم الى حضن السلم مالم‬
‫يكن مثالية حية من الخلق ‪ ،‬إذ قال الله تعالى ‪) :‬وإنك لعلى‬
‫خلق عظيم ( ‪.‬إن الخلق الحسنة التي حملها الرسول الكريم‬ ‫ُ‬

‫‪274‬‬
‫كانت لها ثقل كبير في اجتذاب الناس والدخول الى السلم‬
‫وإنقاذهم من ظلمات الكفر والجهل وفوضى السلوك ‪ ...‬نعم‬
‫بالحب كجذر للخوة وسلوك طريق الخلق الحسنة‪ ،‬يعيش‬
‫النسان تحت خيمة السلم سعادة الحياتين ‪ ،‬الدنيا والخرة ‪..‬‬
‫قال الرسول – صلى الله عليه وسلم ‪) -‬إن من عباد الله أناسا ً ما‬
‫هم بأنبياء ول شهداء يغبطهم النبياء والشهداء يوم القيامة‬
‫بمكانتهم من الله ‪ .‬قيل يارسول الله تخبرنا من هم؟؟ قال‪ :‬هم‬
‫قوم تحابوا بروح الله على غير ارحام بينهم ول اموال يتعاطونها ‪،‬‬
‫فوالله ان وجوههم لنور وانهم لعلى نور ليخافون اذا خاف‬
‫الناس( وقرأ – صلى الله عليه وسلم ‪) : -‬آل إن أولياء الله ل‬
‫خوف عليهم ولهم يحزنون (‪ .‬فما أحرانا أن نقتفي هذه الثار‬
‫العظيمة ‪ ..‬فالمسلم يشع نور المحبة ويمنحها الخر دون مّنة‬
‫سواء لخيه المسلم أم لخيه في النسانية هذا السلم وهذه‬
‫مسيرته ‪ ،‬فتعسا ً للذين يتصيدون في الماء العكر من أعداء‬
‫السلم دين المحبة‪...‬‬
‫وجدان عبدالعزيز‬
‫كاتب عراقي‬
‫‪wijdan_abd@yahoo.com‬‬
‫*******‬
‫صلبان‬ ‫وسون صنعوا ُ‬ ‫الرحيم شّيد حضارة والمته ّ‬
‫الدم‬
‫المبراطورية الثالثة التي أسسها نبي الصحراء محمد كانت عجيبته الكبرى‬
‫وبناءه المجيد‪ ،‬هذا البّناء العظيم ) محمد ( شّيد ملكا وسلطانا امّتد من حافات‬
‫المحيط الطلسي حتى سهول الصين ومن جنوب فرنسا حتى أواسط أفريقيا‬
‫في سنوات معدودات ل يكفين لبناء قرية ‪ ..‬عمل محمد الديني والمدني‬
‫استغرق ثلث وعشرين سنة أمضى ثلثها في مكة خائفا يترقب وممنوعا من‬
‫التصال بأي شخص إل سرا ً ‪ ،‬لكن يثرب قريته الطينية التي هاجر إليها أخيرا‬
‫قُ ِ‬
‫در لها أن تكون سيدة الكون بل منازع ‪.‬‬
‫هل لك أن تتخيل كم من الجيوش سيحتاج الرجل وكم من الحروب سيخوض‬
‫وكم من الموال سيمتلك ليحقق ذلك ‪ ،‬اجل لقد كان جيش محمد – صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬مؤلفا من بضع مئات !! ورجاله لم يكونوا يمتلكون ما يقيم‬
‫أودهم من التمر والخبز ‪ ،‬وفي إحدى الحروب وهي حرب الخندق كانوا‬
‫يستعيرون ثياب نسائهم ليتقوا بها برد الشتاء ‪ ،‬إن حروبه وغزواته الكثيرة‬
‫م بعدها السلم وتعاليمه‬ ‫والتي بلغت أكثر من اثنين وعشرين حربا وغزوة ع ّ‬
‫كل جزيرة العرب لم ُيقتل خللها أكثر من ثمانمائة وخمسين رجل من جميع‬
‫المتقاتلين من المؤمنين والكافرين ‪..‬‬

‫‪275‬‬
‫ل بكثير من أعداد القتلى الذين يسقطون في أية‬ ‫هذا العدد المتواضع كان اق ّ‬
‫معركة تافهة بين أية قبيلتين عربيتين أو الذين تدوسهم الخيل في نزهة صيد‬
‫من نزهات كسرى أو قيصر إبان ملكهما العضوض ‪ ،‬انه حقا ثمن زهيد لنشر‬
‫دين وإقامة دولة وبناء حضارة يتفق الجميع على دورها المحوري في البناء‬
‫النساني الكوني في كرتنا الرضمائية ‪ ،‬وانه أيضا لقربان معقول ومبارك لنشر‬
‫روح أخرى في الكون غير روح اليقونات والنيران المقدسة وآلهة الطين التي‬
‫كانت تحكم العالم القديم والتي رأينا جزًء من سفالتها أثناء الحروب الصليبية‬
‫دث عنها أن أنبه إلى إن تبيين وكشف سفاهة‬ ‫التي أجد من واجبي قبل التح ّ‬
‫وانحطاط إتباع دين ما أو الشارة إلى الدران التي لحقت بأي ديانة ل يعني‬
‫بالضرورة معاداة أصل ذلك الدين أو الحقد عليه أو السعي للنتقاص من‬
‫مؤسسه الول ‪ ،‬فمن الواضح لمتتبعي تاريخ المم المتدينة التي ظلت تنافح‬
‫طويل عن انتمائها الديني ‪ ,‬إن مسيرة أبنائها المتدينين كانت في كثير من‬
‫الحيان سلسلة من الخيانات الكبرى لروح الرسالة الصلية ومبادئ صاحبها‬
‫مزجاة لبعض الخبثاء‬ ‫الول ‪ ،‬وان التطاحن والحتراب الطائفي هو بضاعة ُ‬
‫المجاذيب الذين يعيدون تسويقها للدهماء بعد دمغها بماركات تجارية إلهية أو‬
‫سماوية أو أخروية – سمها ماشئت – ‪.‬‬
‫لقد بدأت قصة الحروب الصليبية التي استغرقت قرنين من الزمان عندما لّبى‬
‫العالم المسيحي الغارق في التخلف آنذاك نبوءة مجذوب ارعن اسمه بطرس ‪،‬‬
‫ذلك الجندي القديم الذي ترهب بعد أن طرأ على حياته الروحية شيء من المس‬
‫جا إلى‬ ‫جراء ما لقاه من سوء المعاملة من قبل بعض المسلمين عندما كان حا ّ‬
‫بيت المقدس ‪ ،‬فحلم بأنه مرسل لدعوة أوربا إلى تحرير الرض المقدسة ‪ ،‬وقبل‬
‫فرة‬ ‫هذا كان رجال الكليروس قد أوجبوا الحج إلى تلك الديار وجعلوه فريضة مك ّ‬
‫لسوء الجرائم وأبشع الرذائل ‪ ..‬والتقت هلوسات بطرس الذي سمي بيي‬
‫) الناسك( مع رغبات البابا أوربان ومصالح القيصر الروماني الكسيس كومنين‬
‫وبقية سنيورات أوربا‪ ،‬فُعقد في ايطاليا مؤتمر سنة ‪1095‬م لهذا الغرض برعاية‬
‫الحبر العظم ورددت جموع الغوغاء )) الرب يريد ذلك (( مطالبة بالزحف نحو‬
‫فلسطين ‪ ،‬وتألف جيش ابتدائي من العصابات قوامه ‪ 130‬ألف رجل كان على‬
‫رأسه بطرس الناسك فزحف بحركة شاملة مابين بحر الشمال ونهر التيبر ‪ ،‬وقد‬
‫أكرمت البلدان الوربية جيش الرب هذا بتوفير الرزاق والدعم في بادئ المر ‪,‬‬
‫وما إن وصل إلى بلغاريا التي كان سكانها قليلي الحماسة لمثل هذه الهستريا‬
‫ضيفوا هذه العصابات مجانا ً مما اغضب الصليبين فاخذوا في‬ ‫الجماعية فأبوا أن ي ّ‬
‫نهب قرى تلك البلد وذبح أهليها وارتكبوا أبشع الجرائم بحق السكان المحليين‬
‫مثل تقطيع الطفال إربا إربا وشّيهم كالخراف وقد اضطر التراك المسلمين في‬
‫آسيا الصغرى لمقابلة جيش الوحوش هذا بقسوة وصلبة ولم يلبث هذا الجمع أن‬
‫ُأبيد ‪ ،‬ثم توالت بعده الحملت الصليبية وكان بعضها يتألف من مليون مقاتل ‪..‬‬
‫وقد تميز الصليبيون في جميع حملتهم بأنهم اشد الوحوش نذالة وخسة فقد كانوا‬
‫ليفرقون بين الحلفاء والعداء‪ .‬والمحاربين والعزل ‪ ,‬يقول المؤرخ الراهب روبرت‬

‫‪276‬‬
‫عن دخول الصليبيين للقدس ‪ )):‬وكان قومنا يجوبون الشوارع والميادين وسطوح‬
‫خطفت صغارها ‪،‬وكانوا‬ ‫البيوت ليرووا غليلهم من التقتيل وذلك كاللبؤات التي ُ‬
‫يذبحون الولد والشيوخ ‪ ،‬وكانوا ليستبقون إنسانا ‪ ،‬وكان قومنا يقبضون على كل‬
‫شيء يجدونه فيبقرون بطون الموتى ليخرجوا منها قطعا ً ذهبية ‪ ،‬فيا للشره وحب‬
‫الذهب ‪ ،‬وكانت الدماء تسيل كالنهار في طرق المدينة المغطاة بالجثث ‪ ،‬فيا‬
‫لتلك الشعوب العمي المعدة للقتل ‪ ،‬ثم احضر بوهيموند جميع الذين اعتقلهم في‬
‫برج القصر وأمر بضرب رقاب عجائزهم وشيوخهم وضعافهم ‪ ،‬وسوق فتيانهم‬
‫وكهولهم إلى أنطاكية ليباعوا فيها ((‪ .‬وقد كان سلوك الصليبين عند دخولهم‬
‫القدس مناقضا تماما لسلوك الخليفة الكريم عمر بن الخطاب عندما دخلها قبل‬
‫قرون ‪ ,‬يقول الكاهن ريموند داجيل كاهن مدينة لوبوي عندما روى خبر ذبح‬
‫عشرة آلف مسلم في مسجد عمر ‪ )) :‬لقد أفرط قومنا في سفك الدماء في‬
‫هيكل سليمان ‪ ،‬وكانت جثث القتلى تعوم في الساحة هنا وهناك وكانت اليدي‬
‫والذرع تسبح كأنها تريد أن تتصل بجثث غريبة عنها ‪ ،‬وكان الجنود الذين أحدثوا‬
‫تلك الملحمة ل يطيقون رائحة البخار المنبعث من ذلك إل بمشقة (( ‪..‬وقد شمل‬
‫النحطاط والسفالة جميع المشتركين في الجهد الصليبي المسعور ‪ ،‬حتى من‬
‫يفتخر به المسيحيون ويسمونه قلب السد فقد ذبح ريكاردوس ملك انكلترا هذا‬
‫ثلثة الف أسير مسلم أمام معسكر المسلمين ‪،‬كانوا قد سلموا أنفسهم إليه‬
‫بعدما قطع لهم عهدا ً بحقن دمائهم ليثبت انه ابعد الناس عن قيم النبل والفروسية‬
‫التي كان يتمتع بها أمير الجيش السلمي آنذاك الناصر صلح الدين الذي لم يبخل‬
‫عليه بالطعام والمرطبات و بطبيبه الخاص أثناء مرضه ‪ ،‬ومع إن الحملت الصليبية‬
‫الست الكبرى استمرت لقرنين من الزمن فأنها فشلت في أن تحتل القدس أو‬
‫تحتفظ بها ‪..‬لكنها نجحت في التأسيس للحقد والصراع المزمن بين أبناء‬
‫كون بأي‬ ‫الحضارتين السلمية والمسيحية ‪ ،‬هذا الصراع الذي يجعل المسلمين يش ّ‬
‫جهد سياسي أو عسكري صادر من الغرب تجاههم ‪ ,‬وهو الذي يجعلهم يحسبون‬
‫هفوة لسان الرئيس المريكي جورج بوش في بداية حملته العسكرية على‬
‫العراق التي وصف فيها حملته تلك بالحملة الصليبية ‪ ،‬يحسبونها حلما ً مقيما ً‬
‫وخطة متأصلة في قلوب المسيحيين ‪ ..‬بعد هذا هل يحق لنا أن نشتط فنقول إن‬
‫عيسى وإنجيله المترع بالسلم والمحبة كانا مسئوَلين عن برامج القتل وخطط‬
‫الفساد التي ينفذها أتباعه المحسوبين على ديانته ‪ ،‬لشك إنهما بريئان كبراءة‬
‫محمد وقرآنه من صفاقة بعض المسلمين وانحطاطهم ‪ ،‬ومها يكن من أمر فأن‬
‫رجل استطاع أن يبعث امة ويقيم حضارة وينشر دينا كبيرا في بضع سنين ‪ ..‬لهو‬
‫مزاج الرحمة الحقيقي ونزوة الكون الكبير العتيقة ‪ ..‬انه الرحيم محمد ‪...‬‬

‫بركات محي الدين‬


‫مفكر وباحث عراقي‬
‫‪barakatmr@yahoo.com‬‬
‫********‬

‫‪277‬‬
‫رجل من الشرق عظيم‬
‫النبي الذي لم تكن له عصا سحريه‬
‫يشق بها البحار‬
‫ويفجر بها العيون والنهار‬
‫النبي الذي لم يأمر الرياح‬
‫و لم يأمر الجن ولم يكلم النمل‬
‫النبي الذي لم يحيي الموتا‬
‫ولم تنزل عليه مائدة من السماء‬
‫ولم ينزل عليه المن و السلوى‬
‫***‬
‫النبي الذي ربط على بطنه الحجر من الجوع‬
‫كسرت أسنانه المامية في احد المعارك‬ ‫النبي الذي ُ‬
‫النبي الذي هاجر من مكة إلى ألمدينه هو وصاحبه سيرا‬
‫على القدام في صحراء لم تطأها قدم انسان‬
‫النبي الذي قال لجلدية عندما قدر عليهم اذهبوا فانتم‬
‫الطلقاء‬

‫***‬
‫هوالنبي محمد بن عبد الله النبي المي الصادق المين‬
‫نبي المنطق ول شيء غير المنطق‪.‬‬
‫رجل من الشرق عظيم‬
‫ض الحجاز عظيم‬ ‫ل على أر ِ‬ ‫ه ّ‬
‫دنا فأقبل في الربوع نعيم‬
‫صلى عليك الله يا نور الهدى‬
‫صلوا عليه و سلموا تسليم‬
‫قل ً‬ ‫صارت بمقدمهِ العروبة معْ ِ‬
‫ل شْعلة التنظيم‬ ‫م ُ‬
‫ح ِ‬‫للعل ْم ِ ت ْ‬
‫ل على عْرش الكمال ترّبع‬ ‫رج ٌ‬
‫ف وكان حفيد ُ إبراهيم‬ ‫كي َ‬
‫مثل بياض الثلج كان فؤاده‬
‫مح كان كريم‬ ‫مثل ِغلل الق ْ‬
‫ه‬
‫سباع البّر في نظرات ِ‬ ‫مثل ِ‬
‫عّز الُرجولة صادقٌ وحكيم‬
‫ب ُيهاب إذا تقدم في الوغى‬ ‫صع ٌ‬
‫وق كل غريم‬ ‫جثم ف ْ‬ ‫قرِ ي ْ‬ ‫كالص ْ‬
‫وإذا تقدم في السلم كإنه‬
‫ه كل هشيم‬ ‫مطٌر تحايا من ُ‬

‫‪278‬‬
‫ملها‬ ‫ل من الصحراء يْعشقُ ر ْ‬ ‫رج ٌ‬
‫سها ضّر تراه ُ سقيم‬ ‫لو م ّ‬
‫ه‬
‫حر الرمال عرين ُ ُ‬ ‫يْبني على ب ْ‬
‫ف وبضعُ أديم‬ ‫ت من السع ِ‬ ‫بي ٌ‬
‫فه‬‫مال تح ّ‬ ‫ترى الخيول مع الج َ‬
‫ل مع الرياح تِهيم‬ ‫وترى النخي َ‬
‫طنا ً‬
‫ل الصحارى موْ ِ‬ ‫سْبحان من جع ْ‬
‫حتاُر كل عليم‬ ‫فها ي ْ‬ ‫ص ِ‬‫في و ْ‬
‫ض ِغذاؤه‬ ‫مر واللبن المخ ّ‬ ‫الت ْ‬
‫ش عليه كليم‬ ‫هق ٌ‬ ‫ش ُ‬ ‫وفَِرا ُ‬
‫ل يبتغي ترف الحيياة و عَزهيا‬
‫ل يْبتغي جاها ًٌ ول تْعظيم‬
‫مها‬ ‫ه روما وفارس يوْ َ‬ ‫دانت ل ُ‬
‫خيام البدوِ كان ُيقيم‬ ‫حت ِ‬ ‫ت ْ‬
‫فها‬ ‫ص ِ‬‫حير لو ْ‬ ‫هأ ِ‬ ‫سن ُ ُ‬
‫إن محا ِ‬
‫طب ْعُ التواضع فيه كان عظيم‬
‫مثال ُ ُ‬
‫ه‬ ‫ل ما أ ْ‬ ‫ل أكرر ق ّ‬ ‫رج ٌ‬
‫ريم‬ ‫ه تك ْ ِ‬ ‫كل ُ‬ ‫ه مل َ ٌ‬ ‫وكأن ّ ُ‬
‫مل ُنوره‬ ‫ح ِ‬‫ط من العْلياء ي ْ‬ ‫هب َ‬
‫عيم‬ ‫م َز ِ‬ ‫ظا ُ‬ ‫ل إذا ذ ُك َِر العِ َ‬ ‫رج ٌ‬

‫محمد عبد القادر عزوز‬


‫شاعر ليبي‬
‫– بنغازي‬
‫‪mazzuoz@yahoo.com‬‬

‫*******‬

‫دعوة لدعم مشروع كتاب نبي الرحمة‬


‫مشروع كتاب نبي الرحمة مشروع حضاري كبير نال رعاية‬
‫نخبة من علماء وكتاب المة ‪.‬‬
‫وهو مشروع يهدف إلى نشر كتاب نبي الرحمة على أوسع‬
‫نطاق وباللغات الحية وإيصاله إلى الساسة والمثقفين‬
‫والعلميين الغربيين ‪..‬‬
‫إن رجل العمال كريك وينن " ‪ " Craig Winn‬أنفق مليين‬
‫الدولرات على كتاب "نبي الخراب" المسيىء لخير‬

‫‪279‬‬
‫البرية ‪ ،‬وأنشأ للكتاب موقًعا إلكترونًيا يحمل عنوان الكتاب‪،‬‬
‫للترويج له بين شعوب أوربا ‪..‬‬
‫لقد أكددت العديد من الدراسات أن أكثر من ‪ % 60‬من‬
‫الشعوب الوربية يعتقدون أن محمد بن عبد الله قاطع‬
‫طريق ومدعي للنبوة ليس إل !‬
‫لذا نهيب بالمسلمين في كل مكان أن يسارعوا في دعم‬
‫هذا المشروع الطموح الذي يهدف بالساس إلى التعريف‬
‫برسول الله – صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بين شعوب الغرب‪..‬‬
‫فرجال المال والعمال يساهموا في تمويل المشروع من‬
‫أموال الصدقات وزكاة المال والوصايا والصدقات الجارية –‬
‫وهو خير باب في أبواب الصدقات الجارية ‪"..‬علم ينتفع به"‬
‫– كذلك المال الذي عرضت له شبهة ويريد صاحبه ان‬
‫يتخلص من‪ ،‬فهو مال حرام على صاحبه حلل لمثل هذه‬
‫المشاريع ‪.‬‬
‫وكذلك العلميين والمثقفين والدعاة لهم دور كبير في نشر‬
‫قضية الكتاب‪ ،‬في وسائل العلم المختلفة ‪ ..‬ليصدق فيهم‬
‫قول المصطفى صلى الله عليه وسلم " الدال على الخير‬
‫كفاعله " ‪.‬‬
‫ضا لسنا في غنى عن الدعم المعنوي من الخ القارىء‬ ‫أي ً‬
‫ولو بدعوة بظهر الغيب لكل من شارك وساهم في هذا‬
‫المشروع ‪.‬‬
‫للستفسار ومزيد من المعلومات‬
‫‪www.nabialrahma.com‬‬
‫‪nabialrahma@gmail.com‬‬
‫هاتف‪0020104420539 :‬‬
‫*****************‬

‫‪280‬‬
‫المصادر والمراجع‬

‫القرآن الكريم ‪ :‬كتاب الله تعالى ‪.‬‬ ‫•‬


‫إنجيل برنابا‪ :‬ترجمة ‪ :‬خليل سعادة‪ ،‬تقديم ‪:‬‬ ‫•‬
‫محمد رشيد رضا‪ ،‬القاهرة ‪ :‬دار الفتح للعلم العربي‪.‬‬
‫إبراهيم خليل أحمد)القيس إبراهيم فيليوبيوس‬ ‫•‬
‫قا( ‪ :‬محمد في التوراة والنجيل والقرآن ‪ ،‬مكة‬ ‫ساب ً‬
‫المكرمة ‪ :‬المكتبة التجارية‪1409 ،‬هي‪.‬‬
‫ابن أبي شيبة) أبو بكر عبد الله بن محمد الكوفي( ‪:‬‬ ‫•‬
‫المصنف في الحاديث والثار‪ ،‬تحقيق ‪ :‬كمال يوسف‬
‫الحوت‪ ،‬الرياض ‪ :‬مكتبة الرشد‪ ،‬الطبعة الولى ‪.1409 ،‬‬
‫ابن الجوزي )عبد الرحمن بن علي بن محمد أبو‬ ‫•‬
‫الفرج(‪ :‬صفة الصفوة‪ ،‬تحقيق ‪ :‬محمود فاخوري ‪-‬‬
‫محمد رواس قلعه جي بيروت ‪ :‬دار المعرفة‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية ‪1979 – 1399 ،‬‬
‫ابن القيم )محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي( ‪:‬‬ ‫•‬
‫زاد المعاد في هدي خير العباد ‪ ،‬تحقيق‪ :‬شعيب‬
‫الرناؤوط ‪ -‬عبد القادر الرناؤوط‪ ،‬بيروت – الكويت‪:‬‬
‫مؤسسة الرسالة ‪ -‬مكتبة المنار السلمية ‪-‬الطبعة‬
‫الرابعة عشر ‪ 1407 ،‬هي‪1986 -‬م‪،‬‬
‫ابن القيم)محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي( ‪:‬‬ ‫•‬
‫إغاثة اللهفان‪ ،‬تحقيق ‪ :‬محمد حامد الفقي‪ ،‬بيروت ‪:‬‬
‫دار المعرفة‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1975 – 1395 ،‬‬
‫ابن حبان )محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي‬ ‫•‬
‫البستي( ‪ :‬صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان‪ ،‬تحقيق ‪:‬‬
‫شعيب الرنؤوط‪ ،‬بيروت ‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية ‪.1993 – 1414 ،‬‬
‫ابن حجر )أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل‬ ‫•‬
‫العسقلني الشافعي( ‪ :‬فتح الباري شرح صحيح البخاري‪،‬‬
‫بيروت ‪ :‬دار المعرفة ‪1379 ،‬هي ‪.‬‬
‫ابن حزم )علي بن أحمد بن سعيد‬ ‫•‬
‫الظاهري ( ‪:‬جوامع السيرة ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬إحسان عباس‪،‬‬
‫القاهرة‪ :‬دار المعارف ‪ ،‬الطبعة الولى ‪ 1900 ،‬م‬
‫ابن حزم )علي بن أحمد بن سعيد الظاهري(‪ :‬الفصل‬ ‫•‬
‫في الملل والهواء والنحل‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة الخانجي‪ ،‬د‪.‬ت‬

‫‪281‬‬
‫ابن رجب ) أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب‬ ‫•‬
‫الحنبلي(‪ :‬جامع العلوم والحكم‪ ،‬بيروت‪ :‬دار المعرفة‪،‬‬
‫الطبعة الولى ‪1408 ،‬هي‪.‬‬
‫ابن سعد )محمد بن سعد بن منيع أبو عبدالله البصري‬ ‫•‬
‫الزهري(‪ :‬الطبقات الكبرى‪ ،‬تحقيق ‪ :‬إحسان عباس‪،‬‬
‫بيروت‪ :‬دار صادر‪ ،‬الطبعة الولى ‪ 1968‬م‪.‬‬
‫ابن سيد الناس )أبي الفتح محمد بن محمد بن‬ ‫•‬
‫عبدالله بن محمد بن يحيى()ت ‪734‬هي(‪ :‬عيون الثر‬
‫في فنون المغازي والشمائل والسير‪ ،‬بيروت ‪ :‬دار‬
‫الفاق‪1977 ،‬م‪.‬‬
‫ابن عبد البر )بو عمر يوسف بن عبد الله بن‬ ‫•‬
‫عبد البر النمري(‪ :‬الستذكار‪ ،‬تحقيق ‪ :‬سالم محمد‬
‫عطا ‪ ،‬محمد علي معوض‪ ،‬بيروت ‪ :‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬الطبعة الولى ‪2000 - 1421 ،‬‬
‫ابن عساكر )علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله‬ ‫•‬
‫الشافعي(‪:‬تاريخ دمشق‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي شيري‪ ،‬دمشق ‪ :‬دار‬
‫الفكر ‪ .‬د‪.‬ت‬
‫ابن كثير)إسماعيل بن عمر(‪ :‬البداية والنهاية‪،‬‬ ‫•‬
‫بيروت‪:‬مكتبة المعارف‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫ابن كثير)إسماعيل بن عمر(‪ :‬السيرة النبوية‪،‬‬ ‫•‬
‫بيروت‪ :‬مكتبة المعارف‪،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫ابن ماجه )محمد بن يزيد أبو عبدالله القزويني(‪ :‬سنن‬ ‫•‬
‫ابن ماجه‪ ،‬تحقيق ‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬بيروت ‪ :‬دار‬
‫الفكر‪ ،‬د‪.‬ت ‪.‬‬
‫أبو الحسن علي الحسني الندوي‪ :‬السيرة النبوية‪،‬‬ ‫•‬
‫دمشق ‪ :‬دار القلم‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1427 ،‬هي‪.20062-‬‬
‫أبو الحسن علي الحسني الندوي‪ :‬ماذا خسر‬ ‫•‬
‫العالم بانحطاط المسلمين‪ ،‬القاهرة ‪ :‬مكتبة السنة‪،‬‬
‫‪1410‬هي ‪1990 -‬م‪.‬‬
‫أبو بكر جابر الجزائري ‪ :‬هذا الحبيب محمد‬ ‫•‬
‫رسول الله يا محب‪ ،‬القاهرة ‪ :‬المكتبة التوفيقية‪ ،‬د‪.‬‬
‫ت‪.‬‬
‫أبو داود )سليمان بن الشعث السجستاني الزدي( ‪:‬‬ ‫•‬
‫سنن أبي داود ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬محمد محيي الدين عبد الحميد‪،‬‬
‫بيروت ‪ :‬دار الفكر ‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪282‬‬
‫أبو نعيم أحمد بن عبد الله الصبهاني‪ :‬حلية‬ ‫•‬
‫الولياء وطبقات الصفياء‪ ،‬ر الكتاب العربي – بيروت‪،‬‬
‫الطبعة الرابعة ‪1405 ،‬هي‪.‬‬
‫أبو يعلى )أحمد بن علي بن المثنى الموصلي‬ ‫•‬
‫التميمي( ‪ :‬مسند أبي يعلى‪ ،‬تحقيق ‪ :‬حسين سليم أسد‪،‬‬
‫دمشق ‪:‬دار المأمون للتراث‪ ،‬الطبعة الولى ‪– 1404 ،‬‬
‫‪.1984‬‬
‫آتين دينيه وسليمان الجزائري ‪ :‬محمد رسول‬ ‫•‬
‫الله‪ ،‬ترجمة ‪ :‬عبد الحليم محمود ومحمد عبد الحليم‬
‫محمود‪ ،‬القاهرة ‪ :‬الشركة العربية‪ ،‬الطبعة الثالثة ي‬
‫‪ 1959‬م‪،‬‬
‫أحمد الحجي الكردي ‪ :‬بحوث في علم أصول الفقه‪،‬‬ ‫•‬
‫د‪ .‬ط ‪.‬‬
‫أحمد أمين ‪ :‬التكامل في السلم‪ ،‬د‪ .‬م ‪ :‬دار‬ ‫•‬
‫المعرفة للطباعة والنشر‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬د‪.‬ت ‪.‬‬
‫أحمد بن حنبل أبو عبدالله الشيباني ‪ :‬المسند‪،‬‬ ‫•‬
‫القاهرة‪ :‬مؤسسة قرطبة‪ ،‬د‪.‬ت ‪.‬‬
‫أحمد ديدات‪ :‬ماذا يقول الكتاب المقدس و‬ ‫•‬
‫الغرب عن محمد‪ ،‬الطبعة الولى ‪ ،‬القاهرة‪ :‬الدار‬
‫المصرية للنشر والتوزيع ‪1404 ،‬هي‪.‬‬
‫أحمد راتب عرموش‪ :‬قيادة الرسول السياسية‬ ‫•‬
‫والعسكرية‪ ،‬بيروت‪ :‬دار النفائس‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1423 ،‬هي‪-‬‬
‫‪2002‬م‪.‬‬
‫أحمد سوسة ‪ :‬في طريقي إلى السلم‪،‬‬ ‫•‬
‫المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬الطبعة الولى‪،‬‬
‫‪2006‬م‬
‫أحمد عبد الرحمن إبراهيم ‪ :‬الفضائل الخلقية في‬ ‫•‬
‫السلم‪ ،‬القاهرة ‪ :‬دار الوفاء‪ ،‬الطبعة الولى‪1409 ،‬هي‪-‬‬
‫‪1989‬م ‪.‬‬
‫أحمد فريد ‪ :‬وقفات تربوية مع السيرة النبوية‪،‬‬ ‫•‬
‫السكندرية ‪ :‬دار ابن خلدون‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫آرثر ستانلي تريتون‪ :‬أهل الذمة في السلم ‪،‬‬ ‫•‬
‫طبعة لندن ‪ 1951 ،‬م‪.‬‬
‫آرلونوف ‪ :‬مقالة "النبي محمد "‪ ،‬مجلة الثقافة‬ ‫•‬
‫الروسية ‪ ،‬ج ‪ ، 7‬عدد ‪..9‬‬
‫أرنولد توينبي‪ :‬السلم والعرب والمستقبل‪،‬‬ ‫•‬
‫ترجمة‪ :‬نبيل صبحي الطويل‪ ،‬د‪.‬ط‪.‬‬

‫‪283‬‬
‫أكرم ضياء العمري ‪ :‬السيرة النبوية الصحيحة‪،‬‬ ‫•‬
‫الرياض ‪ :‬مكتبة العبيكان‪ ،‬ط ‪1424 ،5‬هي ‪2003‬م‬
‫أكرم ضياء العمري ‪ ،‬موقف الستشراق من‬ ‫•‬
‫السنة والسيرة ‪ ،‬بحث منشور في مجلة مركز بحوث‬
‫السنة والسيرة ‪1995 ،‬م ‪.‬‬
‫اللباني )محمد ناصر الدين( ‪ :‬تمام المنة في‬ ‫•‬
‫التعليق على فقه السنة‪ ،‬المكتبة السلمية ‪ ،‬دار‬
‫الراية للنشر‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪1409 ،‬هي ‪.‬‬
‫اللباني )محمد ناصر الدين( ‪ :‬مختصر إرواء‬ ‫•‬
‫الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل‪ ،‬بيروت ‪:‬‬
‫المكتب السلمي‪ ،‬الطبعة الثانية‪ 1405 ،‬هي –‬
‫‪1985‬م‪.‬‬
‫اللباني )محمد ناصر الدين(‪ :‬إرواء الغليل في‬ ‫•‬
‫تخريج أحاديث منار السبيل)‪ 8‬مجلدات(‪ ،‬بيروت ‪:‬‬
‫المكتب السلمي‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1405 ،‬هي –‬
‫‪1985‬م‪.‬‬
‫اللباني )محمد ناصر الدين(‪ :‬السلسلة الصحيحة‬ ‫•‬
‫‪،‬الرياض‪ :‬مكتبة المعارف‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫اللباني )محمد ناصر الدين(‪ :‬صحيح الترغيب‬ ‫•‬
‫والترهيب‪ ،‬الرياض‪ :‬مكتبة المعارف ‪ -‬الطبعة ‪:‬‬
‫الخامسة‪.‬‬
‫اللباني )محمد ناصر الدين(‪ :‬صحيح وضعيف‬ ‫•‬
‫الجامع الصغير وزيادته‪ ،‬بيروت ‪ :‬المكتب السلمي‪ ،‬د‪.‬‬
‫ت‪.‬‬
‫اللباني )محمد ناصر الدين(‪ :‬ضعيف الترغيب‬ ‫•‬
‫والترهيب‪ ،‬الرياض ‪ :‬مكتبة المعارف‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫اللباني )محمد ناصر الدين(‪ :‬ظلل الجنة في‬ ‫•‬
‫تخريج السنة لبن أبي عاصم‪ ،‬بيروت‪ :‬المكتب‬
‫السلمي‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪1993-1413 -‬م‪.‬‬
‫اللباني)محمد ناصر الدين( ‪ :‬تخريج أحاديث‬ ‫•‬
‫كتاب مشكلة الفقر وكيف عالجها السلم‪ ،‬بيروت ‪:‬‬
‫المكتب السلمي‪ ،‬الطبعة الولى ‪ 1405،‬هي‪1984 -‬‬
‫م‪.‬‬
‫البخاري )محمد بن إسماعيل (‪ :‬صحيح البخاري‪،‬‬ ‫•‬
‫بيروت‪ :‬دار ابن كثير‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪1407 ،‬هي –‬
‫‪1987‬م‪.‬‬

‫‪284‬‬
‫البيهقي )أحمد بن الحسين بن علي بن موسى(‪:‬‬ ‫•‬
‫سنن البيهقي الكبرى ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬محمد عبد القادر‬
‫عطا‪ -،‬مكة المكرمة‪ :‬مكتبة دار الباز ‪1414 ،‬هي ‪-‬‬
‫‪1994‬م‪.‬‬
‫البيهقي )أحمد بن الحسين بن علي بن موسى(‪:‬‬ ‫•‬
‫شعب اليمان‪ ،‬بيروت ‪ :‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬الطبعة‬
‫الولى ‪1410 ،‬هي‪.‬‬
‫التبريزي )محمد بن عبد الله الخطيب(‪ :‬مشكاة‬ ‫•‬
‫المصابيح‪ ،‬تحقيق‪ :‬تحقيق محمد ناصر الدين اللباني‬
‫بيروت ‪ :‬المكتب السلمي ‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪1405 -‬‬
‫هي‪1985 -‬م‪.‬‬
‫الترمذي )محمد بن عيسى أبو عيسى السلمي( ‪:‬‬ ‫•‬
‫الجامع الصحيح‪ ،‬تحقيق ‪ :‬أحمد محمد شاكر وآخرون ‪،‬‬
‫بيروت ‪ :‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫الحاكم )محمد بن عبدالله أبو عبدالله‬ ‫•‬
‫النيسابوري(‪ :‬المستدرك على الصحيحين‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫مصطفى عبد القادر عطا‪ ،‬بيروت ‪:‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫الطبعة الولى ‪1411 ،‬هي ‪1990 -‬م‪،‬‬
‫الحميدي )عبدالله بن الزبير أبو بكر ( ‪ :‬مسند‬ ‫•‬
‫الحميدي‪ ،‬تحقيق ‪ :‬حبيب الرحمن العظمي‪ ،‬بيروت –‬
‫القاهرة ‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬مكتبة المتنبي ‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫الدارمي )عبدالله بن عبدالرحمن أبو محمد ( ‪ :‬سنن‬ ‫•‬
‫الدارمي‪ ،‬تحقيق ‪ :‬فواز أحمد زمرلي‪ ،‬خالد السبع العلمي‪،‬‬
‫بيروت ‪ :‬دار الكتاب العربي‪ ،‬الطبعة الولى ‪.1407 ،‬‬
‫السهيلي‪ :‬الروض النف‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الرحمن‬ ‫•‬
‫الوكيل ‪،‬القاهرة‪ 1967 :‬م‪.‬‬
‫السيد سابق‪ :‬إسلمنا ‪ ،‬القاهرة‪ :‬الفتح للعلم العربي‪،‬‬ ‫•‬
‫د‪ .‬ت ‪.‬‬
‫الطبراني )سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم( ‪:‬‬ ‫•‬
‫المعجم الوسط‪ ،‬تحقيق ‪ :‬طارق بن عوض الله بن محمد ‪،‬‬
‫عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الحرمين ‪،‬‬
‫‪ 1415‬هي‪.‬‬
‫الطبراني )سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم( ‪:‬‬ ‫•‬
‫المعجم الصغير‪ ،‬تحقيق ‪ :‬محمد شكور محمود الحاج أمرير‪،‬‬
‫بيروت ‪ :‬المكتب السلمي ‪ ،‬الطبعة الولى ‪– 1405 ،‬‬
‫‪.1985‬‬

‫‪285‬‬
‫الطبراني )سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم( ‪:‬‬ ‫•‬
‫المعجم الكبير‪ ،‬تحقيق ‪ :‬حمدي بن عبدالمجيد‪ ،‬الموصل ‪:‬‬
‫مكتبة العلوم والحكم‪ ،‬الطبعة الثانية ‪.1983 – 1404 ،‬‬
‫الطبراني )سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم( ‪:‬‬ ‫•‬
‫مسند الشاميين‪ ،‬بيروت ‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬تحقيق ‪:‬‬
‫حمدي بن عبد المجيد‪ ،‬الطبعة الولى ‪.1984 – 1405 ،‬‬
‫الطبري)محمد بن جرير أبو جعفر( ‪:‬تاريخ المم‬ ‫•‬
‫والملوك) تاريخ الطبري(‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫‪1407‬هي‪.‬‬
‫الغزالي )محمد بن محمد أبو حامد( ‪ :‬المستصفى في‬ ‫•‬
‫علم الصول‪ ،‬تحقيق ‪ :‬محمد عبد السلم عبد الشافي ‪،‬‬
‫بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة الولى ‪.1413 ،‬‬
‫الكتاب المقدس ‪ .‬طبعة دار الكتاب المقدس‬ ‫•‬
‫في الشرق الوسط‪.‬‬
‫الكولونيل بودلي‪ :‬حياة محمد‪ ،‬لندن‪1946 ،‬م‪.‬‬ ‫•‬
‫المتقي الهندي )علي بن حسام الدين (‪ :‬كنز‬ ‫•‬
‫العمال في سنن القوال والفعال‪ ،‬بيروت ‪ :‬مؤسسة‬
‫الرسالة‪ 1989 ،‬م ‪.‬‬
‫الموسوعة الفقهية الكويتية‪ ،‬وزارة الوقاف‬ ‫•‬
‫الكويتية‪ ،‬الكويت‪.‬‬
‫النسائي )أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن( ‪ :‬المجتبى‬ ‫•‬
‫من السنن‪ ،‬تحقيق ‪ :‬عبدالفتاح أبو غدة حلب ‪ :‬مكتب‬
‫المطبوعات السلمية‪ ،‬الطبعة الثانية ‪.1986 – 1406 ،‬‬
‫الهيثمي )نور الدين علي بن أبي بكر ( ‪ :‬مجمع الزوائد‬ ‫•‬
‫ومنبع الفوائد‪ ،‬بيروت‪:‬دار الفكر‪ 1412 ،‬هي‪.‬‬
‫إميل درمنغم ‪ :‬حياة محمد‪ ،‬ترجمة عادل زعيتر‪،‬‬ ‫•‬
‫القاهرة ‪ :‬دار إحياء الكتب‪ ،‬الطبعة الثانية‪ 1949 ،‬م ‪.‬‬
‫إميل درمنغم ‪:‬حياة محمد‪ ،‬ترجمة ‪ :‬محمد عاد ‍‬
‫ل‬ ‫•‬
‫ُزع َي ِْتر‪ ،‬بيروت ‪ :‬المؤسسة العربية للدراسات و‬
‫النشر‪ ،‬الطبعة الثانية‪1988 ،‬م‬
‫آن بيزينت‪ :‬حياة وتعاليم محمد ‪ ،‬د‪ .‬م‪ :‬دار‬ ‫•‬
‫مادرس للنشر‪1932 ،‬م‪.‬‬
‫أنجوغو أمبكي صمب ‪ :‬أروع القيم الحضارية في‬ ‫•‬
‫سيرة سيد البرية‪ ،‬السنغال ‪ :‬مطبعة دار الكتاب يمبل‬
‫دكار‪1427،‬هي ‪2006‬م‬

‫‪286‬‬
‫برهان غليون ومحمد سليم العوا‪ :‬النظام‬ ‫•‬
‫السياسي في السلم‪ ،‬بيروت – دمشق‪ :‬دار الفكر‪،‬‬
‫الطبعة الولى ‪.2004 ،‬‬
‫توماس كارليل ‪ :‬البطال وعبادة البطل‬ ‫•‬
‫والبطولت في التاريخ ‪ ،‬ترجمة ‪ :‬محمد السباعي‪.‬‬
‫كتاب الهلل‪ ،‬القاهرة‪ :‬العدد ‪ 326‬صفر ‪1398‬‬
‫جاك ريسلر ‪:‬الحضارة العربية‪ ،‬ترجمة ‪ :‬خليل‬ ‫•‬
‫أحمد خليل‪ ،‬عويدات للطباعة والنشر‪.‬د‪.‬ت‬
‫جان باغوت غلوب ‪ :‬الفتوحات العربية الكبرى‪ ،‬د‬ ‫•‬
‫‪.‬ط‬
‫جمعة علي الخولي‪ :‬معاملة الرسول صلى الله‬ ‫•‬
‫عليه وسلم لبني قريظة‪ ،‬والرد على ما يثار حولها من‬
‫شبهات‪ ،‬الرياض‪ :‬مجلة جامعة المام محمد بن‬
‫سعود‪ ،‬العدد ‪1423 ،57‬هي ‪2003 -‬‬
‫جورج حنا ‪ :‬قصة النسان‪ ،‬طبعة بيروت‪ -‬دار‬ ‫•‬
‫الثقافة‪1959 ،‬م‪.‬‬
‫جورج سارتون ‪ :‬الثقافة الغربية في رعاية‬ ‫•‬
‫الشرق الوسط‪ ،‬تعريب عمر فروخ‪ ،‬بيروت ‪ :‬مكتبة‬
‫المعارف‪ 1952 ،‬م‪.‬‬
‫جوستاف لوبون‪ :‬الدين والحياة‪ ،‬ترجمة عادل‬ ‫•‬
‫زعيتر‪ ،‬بيروت ‪ :‬المؤسسة العربية للدراسات و‬
‫النشر‪ ،‬الطبعة الثانية‪.1988 ،‬‬
‫جوستاف لوبون‪ :‬حضارة العرب‪ ،‬ترجمة عادل‬ ‫•‬
‫زعيتر‪ ،‬بيروت ‪ :‬المؤسسة العربية للدراسات و‬
‫النشر‪ ،‬الطبعة الثانية‪.1988 ،‬‬
‫جون وليام دريبر ‪ :‬تاريخ التطور الفكري‬ ‫•‬
‫الوروبي‪ ،‬المجلد الول‪ ،‬طبعة لندن ‪1875‬م‪.‬‬
‫حسن عزوزي‪ :‬السلم وترسيخ ثقافة الحوار‬ ‫•‬
‫الحضاري‪ ،‬مجلة البلغ‪ ،‬يناير ‪2007‬‬
‫حسين محمد يوسف ‪ :‬سيد الدعاة ‪-‬صلى الله‬ ‫•‬
‫عليه وسلم‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار النسان ‪ ،‬القاهرة ط‪.‬‬
‫‪1399‬هي‪.‬‬
‫حكمت بشير ياسين‪ ،‬عناية السنة النبوية بحقوق‬ ‫•‬
‫النسان‪ ،‬جائزة نايف بن عبد العزيز آل سعود‬
‫العالمية‪ ،‬الطبعة الولى‪1426 ،‬هي‪2005-‬م‪.‬‬

‫‪287‬‬
‫خالد محمد خالد ‪ :‬رجال حول الرسول‪،‬‬ ‫•‬
‫القاهرة ‪ :‬دار المقطم‪ ،‬الطبعة الولى‪1415 ،‬هي‪-‬‬
‫‪1994‬م‪.‬‬
‫دانييل بريفولت‪:‬نشأة النسانية‪ ،‬ترجمة‪ :‬سهيل‬ ‫•‬
‫حكيم ‪ ،‬دمشق‪ :‬وزارة الثقافة السورية‪.‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫ديسون ‪ :‬محمد بن عبد الله‪ :‬تعريب عمر أبو‬ ‫•‬
‫النصر‪ ،‬د ‪ .‬م‪1934 ،‬م‬
‫ديفيد بنجامين )عبد الحد داود(‪ :‬محمد في‬ ‫•‬
‫الكتاب المقدس‪ ،‬ترجمة ‪ :‬فهمي شما‪ ،‬مراجعة ‪:‬‬
‫أحمد محمد الصديق ‪ .‬مطابع الدوحة الحديثة ‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫ديوان شند شرمة‪ :‬أنبياء الشرق‪ ،‬طبعة كلكتا ‪،‬‬ ‫•‬
‫‪1935‬م‪.‬‬
‫رالف لنتون ‪ :‬شجرة الحضارة‪ ،‬ترجمة أحمد‬ ‫•‬
‫فخري ‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة النجلومصرّية‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫راوية أحمد عبد الكريم الظهار‪ :‬المقاصد الشرعية‬ ‫•‬
‫للعقوبات في السلم‪ :‬الرياض‪ :‬جائزة نايف بن عبد العزيز‬
‫آل سعود العالمية‪ ،‬الطبعة الولى‪1426 ،‬هي‪2005 -‬م‪.‬‬
‫رشدي فكار‪ :‬نظرات إسلمية للنسان والمجتمع خلل‬ ‫•‬
‫القرن الرابع عشر الهجري‪ ،‬القاهرة ‪ :‬مكتبة وهبة‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫‪1980‬م‪ ،‬ص ‪.31‬‬
‫رقية طه جابر العلواني ‪ :‬فقه الحوار مع المخالف في‬ ‫•‬
‫ضوء السنة النبوية‪ ،‬الرياض‪ :‬جائزة نايف بن عبد العزيز آل‬
‫سعود العالمية‪ ،‬الطبعة الولى‪1426 ،‬هي‪2005 -‬م‪.‬‬
‫روجيه جارودي‪ :‬دعوة السلم‪ ،‬ترجمة ذوقان‬ ‫•‬
‫قرقوط‪ ،‬القاهرة ‪ /‬بيروت ‪ :‬الوطن العربي‪ 1984 ،‬م‬
‫رودي بارت ‪ :‬الدراسات العربية والسلمية في‬ ‫•‬
‫الجامعات اللمانية‪ ،‬ترجمة ‪ :‬مصطفى ماهر – القاهرة‬
‫‪1967‬م‪.‬‬
‫زيد بن عبد الكريم بن عبد الكريم الزيد ‪ :‬التسامح‬ ‫•‬
‫في السلم‪ ،‬الرياض ‪ :‬جائزة نايف بن عبد العزيز آل سعود‬
‫العالمية‪ ،‬إصدارات الجائزة‪1426 ،‬هي‪.‬‬
‫زيغريد هونكه‪ :‬شمس العرب تسطع على‬ ‫•‬
‫الغرب‪ ،‬تعريب ‪ :‬فؤاد حسنين علي ‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار‬
‫المعارف ‪.‬د‪.‬ت‬
‫ستانورد كب ‪ :‬المسلمون في تاريخ الحضارة‪،‬‬ ‫•‬
‫الرياض ‪ :‬الدار السعودية للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪1305 ،‬هي ‪1985‬م ‪.‬‬

‫‪288‬‬
‫ستيفن ونسيمان ‪ :‬تاريخ الحروب الصليبية‪،‬‬ ‫•‬
‫ترجمة‪ :‬السيد الباز العريني ‪ ،‬بيروت‪ :‬مكتبة الحياة‪،‬‬
‫‪1413‬هي ‪1993-‬م‪.‬‬
‫سيد قطب ‪ :‬معركة السلم والرأسمالية ‪،‬‬ ‫•‬
‫القاهرة ‪ :‬دار الشروق ‪1415 ،‬هي ‪1995 -‬م‬
‫سيد قطب‪ :‬في ظلل القرآن‪ ،‬القاهرة ‪ :‬درا‬ ‫•‬
‫الشروق‪ ،‬ط ‪2000 .16‬م‬
‫سير توماس أرنولد )إشراف( ‪ :‬تراث السلم‪،‬‬ ‫•‬
‫بيروت ‪ :‬دار الطليعة ‪.1972 ،‬‬
‫شاخت وبوزورت‪ :‬تراث السلم ‪ ،‬ترجمة ‪:‬‬ ‫•‬
‫د‪.‬حسين مؤنس وإحسان صدقي‪ ،‬عالم المعرفة‪،‬‬
‫الجزء الول‪ ،‬الكويت‪ :‬المجلس الوطني للثقافة‬
‫والعلوم الداب‪.‬‬
‫شوقي أبو خليل‪ :‬السلم في قفص التهام‪،‬‬ ‫•‬
‫دمش‪ :‬دار الفكر ‪ ،‬الطبعة الثانية‪ .‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫صفي الرحمن المباركفوري ‪ :‬الرحيق المختوم‪،‬‬ ‫•‬
‫المنصورة ‪ :‬دار الوفاء ‪1426 :‬هي‪2005-‬م‪.‬‬
‫عباس محمود العقاد ‪ :‬إسلميات ‪ ،‬القاهرة ‪ :‬دار‬ ‫•‬
‫المعارف‪ ،‬الطبعة الثانية‪.1985 ،‬‬
‫عباس محمود العقاد ‪ :‬عبقرية محمد ‪ ،‬القاهرة ‪:‬‬ ‫•‬
‫المكتبة العصرية‪ -‬الدار النموذجية‪ ، ،‬الطبعة الولى‪،‬‬
‫‪2000‬م‪.‬‬
‫عباس محمود العقاد‪ :‬حقائق السلم وأباطيل‬ ‫•‬
‫خصومه‪ ،‬القاهرة ‪:‬كتاب الهلل‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫عباس محمود العقاد‪ :‬ما يقال عن السلم‬ ‫•‬
‫)سلسلة كتاب الهلل‪ (189 /‬القاهرة‪ :‬دار الهلل‪.‬‬
‫‪1386‬هي‪1966 /‬م‪.‬‬
‫عبد الحسين شعبان ‪:‬ثقافة حقوق النسان‪،‬‬ ‫•‬
‫رابطة كأوا للثقافة الكردية‪ ،‬بيروت ‪ ،‬الطبعة الولى‪،‬‬
‫‪.2001‬‬
‫عبد الله بن جار الله بن إبراهيم آل جار الله ‪:‬‬ ‫•‬
‫كمال الدين السلمي وحقيقته ومزاياه ‪ ،‬وزارة‬
‫الشئون السلمية والوقاف والدعوة والرشاد‬
‫السعودية‪ ،‬الطبعة الولى ‪1418 ،‬هي‬
‫عبد الله محمد الرشيد‪ :‬القيادة العسكرية في‬ ‫•‬
‫عهد الرسول ‪ ،‬دمشق ‪ :‬دار القلم‪ ،‬الطبعة الولى‪،‬‬
‫‪1420‬هي‪1990-‬م‪.‬‬

‫‪289‬‬
‫عبد الله ناصح علوان ‪ :‬معالم الحضارة في السلم‬ ‫•‬
‫وأثرها في النهضة الوربية‪ ،‬القاهرة ‪ :‬دار السلم ‪ ،‬ط ‪،2‬‬
‫‪1404‬هي ‪1984 -‬م ‪ ،‬ص ‪155‬‬
‫عبد الله نجيب سالم ‪ :‬مواقف إنسانية في السيرة‬ ‫•‬
‫النبوية‪ ،‬بيروت ‪ :‬دار ابن حزم‪ ،‬الطبعة الولى‪1414 ،‬هي‪-‬‬
‫‪1994‬م‪.‬‬
‫عبد المجيد بن عزيز الزنداني وآخرون ‪ :‬البرهان‬ ‫•‬
‫شرح كتاب اليمان‪ ،‬د‪.‬م ‪ :‬طباعة مركز البحوث‬
‫بجامعة اليمان‪ ،‬الطبعة الولى‪1427 ،‬هي ‪2006 -‬م‪.‬‬
‫عرفات كامل العشي‪ :‬رجال ونساء أسلموا‪،‬‬ ‫•‬
‫الكويت ‪ :‬دار القلم‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1983 ،‬م‪.‬‬
‫عفيف عبد الفتاح طبارة ‪ :‬روح الدين السلمي‪،‬‬ ‫•‬
‫بيروت‪ :‬مطبعة دار العلم للمليين‪ ،‬الطبعة الثامنة‪،‬‬
‫‪1969‬م‪.‬‬
‫علي بن برهان الدين الحلبي‪ :‬السيرة الحلبية‪،‬‬ ‫•‬
‫دار المعرفة للطباعة و النشر‪ 1400 ،‬هي ‪ 1980‬م‬
‫علي محمد الصلبي ‪ :‬السيرة النبوية‪ ،‬عرض‬ ‫•‬
‫وقائع وتحليل أحداث‪ ،‬القاهرة ‪ :‬مؤسسة اقرأ‪ ،‬الطبعة‬
‫الولى ‪1426 ،‬هي‪2005-‬م‬
‫عماد الدين خليل ‪ :‬دراسة في السيرة‪ ،‬بيروت ‪:‬‬ ‫•‬
‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬الطبعة الخامسة عشرة‪1422 ،‬هي‬
‫‪2001 -‬م ‪.‬‬
‫عماد الدين خليل ‪ :‬قالوا عن السلم ‪ ،‬الرياض‪:‬‬ ‫•‬
‫الندوة العالمية للشباب السلمي‪ ،‬الطبعة الولى‪،‬‬
‫‪1412‬هي‪.‬‬
‫فاطمة صالح الجارد ‪ :‬عناية السنة النبوية بحقوق‬ ‫•‬
‫النسان‪ ،‬الرياض جائزة نايف بن عبد العزيز آل سعود‬
‫العالمية‪ ،‬الطبعة الولى‪1426 ،‬هي‪2005 -‬م‪.‬‬
‫فريد عبد الخالق‪ :‬في الفقه السياسي السلمي‪،‬‬ ‫•‬
‫القاهرة ‪ :‬دار الشروق‪ ،‬الطبعة الثانية‪1427 ،‬هي ‪2007 -‬م‪.‬‬
‫فريد عبد الخالق ‪ :‬تأملت في الدين والحياة‪،‬‬ ‫•‬
‫القاهرة ‪ :‬دار التوزيع والنشر السلمية‪،‬الطبعة الولى‪،‬‬
‫‪1423‬هي‪2003 -‬م‪.‬‬
‫فيليب حتي ‪ :‬تاريخ العرب ‪ ،‬ترجمة ‪ :‬ادوارد‬ ‫•‬
‫جرجي وجبرائيل جبور‪ ،‬بيروت ‪ 1965‬م‬

‫‪290‬‬
‫كارين أرمسترونج ‪:‬سيرة النبي محمد‬ ‫•‬
‫‪،‬ترجمة ‪:‬فاطمة نصر‪ ،‬و محمد عناني‪ ،‬د‪.‬م‪ :‬طبعة‬
‫كتاب سطور ‪ ،‬شركة صحارى‪.‬د‪.‬ت ‪.‬‬
‫كونستانس جيورجيو ‪ :‬نظرة جديدة في سيرة‬ ‫•‬
‫رسول الله‪ ،‬تعريب ‪ :‬محمد التونجي‪ ،‬د‪ .‬م ‪ :‬الدار‬
‫العربية للموسوعات‪ ،‬الطبعة الولى‪1983 ،‬م‪.‬‬
‫ليتنر ‪ :‬دين السلم ‪ ،‬ترجمة ‪ :‬عبدالوهاب سليم ‪،‬‬ ‫•‬
‫دمشق‪ :‬المكتبة السلفية ‪ ،‬دمشق‪1423 ،‬هي‬
‫لورافيشيا فاغليري ‪ :‬دفاع عن السلم‪، :‬‬ ‫•‬
‫ترجمة‪ :‬منير بعلبكي‪ ،‬بيروت ‪ :‬دار العلم‪1960 ،‬م‪.‬‬
‫لويس سيديو ‪ :‬خلصة تاريخ العرب العام‪:‬‬ ‫•‬
‫إشرف علي مبارك باشا ‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ت‬
‫مارسيل بوازار‪ :‬إنسانية السلم‪ ،‬ترجمة ‪:‬‬ ‫•‬
‫عفيف دمشقية‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الداب‪ 1980 ،‬م‬
‫محمد الخضري‪ :‬تاريخ التشريع السلمي‪،‬‬ ‫•‬
‫القاهرة‪ :‬مطبعة الستقلل‪ ،‬الطبعة السابعة‪. 1960 ،‬‬
‫محمد الغزالي ‪ :‬فقه السيرة‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار‬ ‫•‬
‫الشروق‪ ،‬الطبعة الثانية‪1424 ،‬هي ‪2003‬م‬
‫محمد الغزالي‪ :‬تأملت في الدين والحياة‪ ،‬السكندرية‬ ‫•‬
‫‪ :‬دار الدعوة‪ ،‬الطبعة الولى‪1410 ،‬هي‪.1990 -‬‬
‫محمد الغزالي‪ :‬خلق المسلم‪ ،‬السكندرية ‪ :‬دار‬ ‫•‬
‫الدعوة‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1411 ،‬هي‪.1990 -‬‬
‫محمد أمين حسن ‪ :‬خصائص الدعوة السلمية‪،‬‬ ‫•‬
‫الردن ‪ :‬مكتبة المنار‪ ،‬الطبعة الولى‪1983 ،‬م‪،‬‬
‫محمد بن سلمة بن جعفر أبو عبد الله‬ ‫•‬
‫القضاعي‪ :‬مسند الشهاب‪ ،‬بيروت ‪ :‬مؤسسة‬
‫الرسالة ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1407 ،‬هي– ‪1986‬م‬
‫محمد بن عبد الله السحيم‪ :‬أعظم إنسان في‬ ‫•‬
‫الكتب السماوية ‪ ،‬القاهرة‪ :‬منشورات مكتبة‬
‫الخانجي ‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫محمد بن عبد الوهاب‪ :‬مختصر سيرة الرسول صلى‬ ‫•‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬الرياض‪ :‬وزارة الشئون السلمية‬
‫والوقاف والدعوة والرشاد‪ ،‬الطبعة الولى‪1418 ،‬هي‪.‬‬
‫محمد بن يوسف الشامي الصالحي )ت‬ ‫•‬
‫‪943‬هي(‪ :،‬سبل الهدى والرشاد في سير خير العباد‪،‬‬
‫تحقيق ‪:‬مصطفى عبدالواحد‪ .‬مصر‪:‬المجلس العلى‬

‫‪291‬‬
‫للشؤون السلمية‪ ،‬لجنة إحياء التراث السلمي ‪ ،‬عام‬
‫‪1392‬هي ‪1972 /‬م‪.‬‬
‫محمد حميد الله ‪ :‬الوثائق السياسية للعهد‬ ‫•‬
‫النبوي والخلفة الراشدة‪ ،‬بيروت ‪ :‬دار النفائس‪،‬‬
‫الطبعة السابعة‪1422 ،‬هي ‪2001‬م‪.‬‬
‫محمد حسام الدين الخطيب‪ :‬نبي المسلمين‪،‬‬ ‫•‬
‫ودين السلم‪ ،‬والحضارة السلمية‪ ،‬المشاركة الفائزة‬
‫بالجائزة الثانية بمسابقة موقع اللوكة‪):‬انصر نبيك‬
‫وكن داعيًا(‪ ،‬فرع البحث العلمي‪ 27/11/2006 ،‬م‬
‫‪ 7/11/1427‬هي‪.‬‬
‫محمد رجب البيومي‪ :‬مجلة الحج‪ ،‬العدد ‪12‬‬ ‫•‬
‫السنة ‪.88‬‬
‫محمد سعيد رمضان البوطي ‪ :‬فقه السيرة‪،‬‬ ‫•‬
‫القاهرة ‪ :‬دار السلم ‪1419‬هي‪1999 -‬م‬
‫محمد شريف الشيباني ‪ :‬الرسول في الدراسات‬ ‫•‬
‫الستشراقية المنصفة‪ .،‬د‪.‬ط‪.‬‬
‫محمد عبد القادر أبو فارس ‪ :‬السيرة النبوية‬ ‫•‬
‫دراسة تحليلية‪ ،‬عمان ‪ :‬دار الفرقان‪ ،‬الطبعة الولى ‪:‬‬
‫‪1428‬هي ‪1997 -‬م ‪.‬‬
‫محمد عبد القادر أبو فارس‪ :‬النظام السياسي‬ ‫•‬
‫في السلم‪ ،‬الكويت‪ :‬التحاد السلمي العالمي‪،‬‬
‫‪.1984‬‬
‫محمد عزت الطهطاوي‪ :‬محمد نبي السلم في‬ ‫•‬
‫التوراة والنجيل والقرآن ‪ ،‬القاهرة ‪ :‬مكتبة النور‪ ،‬د‪.‬‬
‫ت‪.‬‬
‫محمد علي الخطيب ‪ :‬رسول الله صلى الله‬ ‫•‬
‫عليه وسلم الرحمة المهداة‪ ،‬البحث الفائز بالجائزة‬
‫الرابعة بمسابقة موقع اللوكة‪) :‬انصر نبّيك وكن‬
‫داعيًا(‪ ،‬فرع البحث العلمي‪ 28/11/2006 .‬م ‪-‬‬
‫‪ 8/11/1427‬هي‪.‬‬
‫محمد فتح الله كولن ‪ :‬النور الخالد محمد صلى‬ ‫•‬
‫الله عليه وسلم مفخرة النسانية ‪ ،‬ترجمة و تحقيق‪:‬‬
‫لينا عبد القدوس أبو صالح ‪ ،‬بيروت ‪ :‬مؤسسة‬
‫الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع‪1999 ،‬‬
‫محمد مسعد ياقوت ‪ " :‬دور النبي صلى الله‬ ‫•‬
‫عليه وسلم في تحضر العرب"‪ ،‬المقالة الفائزة‬
‫بمسابقة " انصر نبيك وكن داعيا ً " من الموقع‬

‫‪292‬‬
‫السلمي " اللوكة " ‪ ..‬فرع المقالة الصحفية‪-‬‬
‫‪.2006‬‬
‫محمد مسعد ياقوت ‪ :‬حوار الحضارات ‪:‬‬ ‫•‬
‫الموجود والمفقود والمنشود‪ ،‬القاهرة‪ :‬منظمة الكتاب‬
‫الفريقيين والسيويين ‪ ،‬أغسطس ‪2005‬م ي مسابقة‬
‫مبارك العالمية للسلم والتنمية‪.‬‬
‫محمد مسعد ياقوت ‪ :‬دور السلم في مشروع‬ ‫•‬
‫حوار الحضارات‪،‬مجلة المجتمع‪ ،‬الكويت‪ ،‬العدد‬
‫‪ ،1677‬بتاريخ ‪19/11/2005‬‬
‫محمد مسعد ياقوت ‪:‬السلم والغرب ‪ ..‬حوار‬ ‫•‬
‫وصدام‪ ،‬جريدة السرة العربية‪ ،‬العدد ‪ ،59‬بتاريخ ‪:‬‬
‫‪2005\11\14‬م‪.‬‬
‫محمد مصطفى الزحيلي‪ :‬التدرج في التشريع‬ ‫•‬
‫والتطبيق في الشرعية السلمية‪ ،‬الكويت‪ :‬ادارة‬
‫البحوث والدراسات ‪ ،‬اللجنة الستشارية العليا للعمل‬
‫على استكمال تطبيق أحكام الشريعة السلمية‪،‬‬
‫سلسلة تهيئة الجواء‪ ،‬العدد ‪2007 ،14‬م‪.‬‬
‫محمود شيت خطاب ‪ :‬الرسول القائد‪ ،‬بيروت ‪:‬‬ ‫•‬
‫دار الفكر‪ ،‬الطبعة السادسة‪1422 ،‬هي ‪2002 -‬م‬
‫مسلم بن الحجاج ‪ :‬صحيح مسلم‪ ،‬بيروت ‪ :‬دار‬ ‫•‬
‫إحياء التراث العربي‪.‬‬
‫ممدوح إبراهيم الطنطاوي ‪ :‬أخلقيات الحرب‬ ‫•‬
‫في السلم‪ ،‬مجلة الجندي المسلم ‪ :‬العسكرية‬
‫السلمية العدد ‪.112‬‬
‫منير محمد الغضبان ‪ :‬المنهج الحركي للسيرة‬ ‫•‬
‫النبوية‪ ،‬المنصورة ‪ :‬الطبعة الخامسة عشرة‪1427 ،‬هي‬
‫‪2006‬م ‪.‬‬
‫موسوعة تاريخ الحضارات العام‪ ،‬ترجمة‪ :‬فريد‬ ‫•‬
‫م‪ .‬داغر‪ ،‬فؤاد ج‪ .‬أبو ريحان‪ ،‬إشراف‪ :‬موريس‬
‫كروزيه‪ ،‬عويدات للطباعة والنشر‪ ،‬الطبعة الولى ‪،‬‬
‫‪ 2003‬م‪.‬‬
‫مولنا محمد علي ‪ :‬حياة محمد وسيرته‪،‬‬ ‫•‬
‫ترجمة ‪ :‬منير البعلبكي‪ ،‬بيروت‪ :‬دارالعلم للمليين‪،‬‬
‫‪1397‬هي‪1977 -‬م‬
‫مونتجمري وات ‪ :‬محمد في المدينة‪ ،‬ترجمة ‪:‬‬ ‫•‬
‫شعبان بركات ‪ ،‬بيروت‪ :‬منشورات المكتبة العصرية ‪،‬‬
‫د‪ .‬ت‬

‫‪293‬‬
‫مونتجمري وات ‪ :‬محمد في مكة ‪ ،‬ترجمة‪:‬‬ ‫•‬
‫شعبان بركات ‪ ،‬بيروت‪ :‬منشورات المكتبة العصرية ‪،‬‬
‫د‪ .‬ت‬
‫مونتجمري وات ‪:‬تأثير السلم في أوربا في‬ ‫•‬
‫العصر الوسيط‪ .‬ترجمة‪ :‬حسين أحمد أمين‪ ،‬بعنوان‬
‫"فضل السلم على الحضارة الغربية" دار الشروق‪.‬‬
‫بيروت‪.1983 .‬‬
‫مونتجمري وات‪:‬السلم والمسيحية في العالم‬ ‫•‬
‫المعاصر‪ ،‬ترجمة ‪ :‬عبد الرحمن عبد الله‪ ،‬القاهرة‪:‬‬
‫الهيئة المصرية العامة للكتاب‪1998 ،‬م‬
‫ناصر بن سليمان العمر ‪ :‬الوسطية في ضوء‬ ‫•‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬د‪.‬ط‬
‫نصري سلهب‪ :‬في خطى محمد‪ ،‬بيروت‪ :‬دار‬ ‫•‬
‫الكتاب العربي‪1970 ،‬م‬
‫نظمي لوقا‪ :‬محمد في حياته الخاصة‪ ،‬القاهرة‪:‬‬ ‫•‬
‫دار الكتب الحديثة‪ 1969 ،‬م‪.‬‬
‫هيي‪ .‬أ‪ .‬ر‪ .‬جب ‪ :‬المحمدية ‪ ،‬طبعة لندن ‪1953 ،‬‬ ‫•‬
‫م‪.‬‬
‫هربرت جورج ولز ‪:‬معالم تاريخ النسانية‪،‬‬ ‫•‬
‫ترجمة عبد العزيز توفيق جاويد ‪ ،‬القاهرة‪ :‬الهيئة‬
‫المصرية العامة‪1967 ،‬م‬
‫هنري ماسيه ‪ :‬السلم‪ ،‬بيروت‪ :‬منشورات‬ ‫•‬
‫عويدات‪1988 ،‬م‪.‬‬
‫ول ديورانت ‪:‬قصة الحضارة ‪ ،‬بيروت ‪ :‬مؤسسة‬ ‫•‬
‫الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع ‪ ،‬الطبعة الولى‪،‬‬
‫‪2003‬م‪.‬‬
‫ياقوت بن عبد الله الحموي أبو عبد الله ‪ :‬معجم‬ ‫•‬
‫البلدان‪ ،‬بيروت ‪ :‬دار الفكر‪ ،‬د‪.‬ت ‪.‬‬
‫يوسف القرضاوي ‪ :‬السلم و العلمانية وجها ً‬ ‫•‬
‫لوجه ‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الصحوة للنشر و التوزيع ‪،‬‬
‫‪1408‬هي ‪ ،1987 -‬ط ‪1‬‬
‫يوسف القرضاوي ‪ :‬الخصائص العامة للسلم ‪،‬‬ ‫•‬
‫القاهرة‪ ،‬مكتبة وهبة‪،‬الطبعة الرابعة‪1409 ،‬هي‪-‬‬
‫‪1989‬م‬
‫يوسف القرضاوي ‪ :‬الوسطية ودور العلم في‬ ‫•‬
‫إبرازها‪ ،‬بحث مقدم لندوة اقرأ الفقهية )رمضان‬
‫‪1427‬هي(‬

‫‪294‬‬
‫يوسف القرضاوي ‪ :‬خطابنا السلمي في عصر‬ ‫•‬
‫العولمة‪ ،‬القاهرة ‪ :‬دار الشروق‪ ،‬الطبعة الولى‪1424 ،‬هيي ‪-‬‬
‫‪2004‬م‪ ،‬ص ‪. 41 ، 40‬‬
‫يوسف القرضاوي‪ :‬اليمان والحياة‪ :‬القاهرة‪ :‬مكتبة‬ ‫•‬
‫وهبة‪ ،‬الطبعة التاسعة‪1410 ،‬هي‪1990 -‬م ‪.‬‬
‫يوسف القرضاوي‪ :‬مشكلة الفقر وكيف عالجها‬ ‫•‬
‫السلم‪ ،‬القاهرة ‪ :‬مكتبة وهبة‪ ،‬الطبعة الخامسة‪1406 ،‬هي‬
‫‪1986 -‬م‪.‬‬

‫‪295‬‬
‫المحتويات‬
‫Šš‬ ‫الهداء‬
‫‪¤12‬‬
‫‪š4‬‬ ‫المقدمة‬
‫š‬
‫‪š19‬‬ ‫الفصل الول‪ :‬من هو محمد ‪ ‬؟‬
‫š‬ ‫Šš‬
‫‪š20‬‬ ‫مة ‪‬‬ ‫ح َ‬
‫م بنبي الَر ْ‬
‫ف عا ٌ‬
‫المبحث الول‪ :‬تعري ٌ‬
‫š‬
‫‪š20‬‬ ‫المطلب الول ‪ :‬الميلد والنشأة‬
‫š‬
‫‪š20‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬أخلق وصفات محمد‬
‫š‬
‫‪š22‬‬ ‫المطلب الثالث ‪ :‬حال العالم عشية البعثة Šš‬
‫š‬
‫‪š23‬‬ ‫المطلب الرابع ‪:‬النبوة والوحي Šš‬
‫š‬
‫‪š23‬‬ ‫أول ً ‪ :‬شهادة الكتب السماوية السابقة Šš‬
‫š‬
‫‪š24‬‬ ‫ثانًيا‪ :‬شهادات علماء الغرب‪šŠ :‬‬
‫š‬
‫‪š24‬‬ ‫‪ -1‬شهادة واشنجتون إيرفنجŠš‬
‫š‬
‫‪š24‬‬ ‫‪ -2‬شهادة مارسيل بوازارŠš‬
‫š‬
‫‪š25‬‬ ‫‪-3‬شهادة إميل درمنغمŠš‬
‫š‬
‫‪š25‬‬ ‫‪ -4‬شهادة ليتنر Šš‬
‫š‬
‫‪š26‬‬ ‫‪ -5‬شهادة لورافيشيا فاغليري Šš‬
‫š‬
‫‪š26‬‬ ‫‪ -6‬شهادة روم لندو Šš‬
‫š‬
‫‪š27‬‬ ‫المطلب الخامس ‪ :‬لمحة مختصرة عن سيرة النبي ‪:‬‬
‫š‬
‫‪š27‬‬ ‫Šš‪ :‬أول ما نزل عليه ‪šŠ ‬‬ ‫أول ً‬
‫š‬
‫ثانًيا‪ :‬إسلم العالم والكاتب النصراني ورقة بن نوفل Šš ‪š27‬‬
‫š‬
‫‪š27‬‬ ‫ثاًلثا‪:‬أول من أسلم Šš‬
‫š‬
‫‪š27‬‬ ‫رابًعا‪ :‬إيذاء المسلمين Šš‬
‫š‬
‫‪š28‬‬ ‫سا‪ :‬الهجرة إلى الحبشة وإسلم ملك نصارى‬ ‫خام ً‬
‫š‬ ‫الحصار وعام الحزنŠš‬ ‫الحبشة‬
‫سا‪šŠ:‬‬
‫‪š28‬‬ ‫ساد ً‬
‫š‬
‫‪š29‬‬ ‫سابًعا‪ :‬دعوة القبائل ولقاء النصارŠš‬
‫š‬
‫‪š29‬‬ ‫ثامًنا‪ :‬الهجرة إلى المدينة المنورة Šš‬
‫š‬
‫‪š31‬‬ ‫تاسًعا‪ :‬الفتح وانتشار الدعوةŠš‬
‫š‬

‫‪296‬‬
‫‪š32‬‬ ‫عاشًرا‪ :‬حجة الوداع‪ ،‬ووفاة النبي Šš‬
‫š‬
‫مة ‪ ‬للعالم في أدبيات ‪š33‬‬ ‫ح َ‬
‫المبحث الثاني‪ :‬محمد َر ْ‬
‫š‬ ‫الغرب‬
‫المطلبŠš‬
‫الول‪:‬شهادة إنجيل برناباŠš‬
‫‪š33‬‬
‫š‬
‫‪š34‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬شهادة الراهب النصراني بحيرا Šš‬
‫š‬
‫‪š35‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬شهادة العلمة توماس كارليلŠš‬
‫š‬
‫‪š35‬‬ ‫المطلب الرابع ‪ :‬شهادة المفكر البريطاني لين بولŠš‬
‫š‬
‫‪š35‬‬ ‫المطلب الخامس ‪ :‬شهادة السير وليم مويرŠš‬
‫š‬
‫‪š36‬‬ ‫المطلب السادس‪ :‬شهادة القسيس السابق د ُّرانيŠš‬
‫š‬
‫المطلب السابع ‪ :‬شهادة الكاتب السباني "جان ليك"Šš ‪š36‬‬
‫š‬
‫‪š36‬‬ ‫المطلب الثامن ‪ :‬شهادة العلمة واشنجتون ايرفنجŠš‬
‫š‬
‫المطلب التاسع ‪ :‬شهادة الباحث الفرنسي جوستاف لوبون ‪š37‬‬
‫š‬ ‫Šš‬
‫‪š37‬‬ ‫المطلب العاشر‪ :‬شهادة المؤرخ الشهير جيمس متشنر‬
‫š‬ ‫Šš‬
‫‪š38‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬خصائص رحمته ‪šŠ‬‬
‫š‬
‫‪š38‬‬ ‫المطلب الول‪ :‬ربانية الرحمةŠš‬
‫š‬
‫‪š39‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬دعوية الرحمة Šš‬
‫š‬
‫‪š40‬‬ ‫المطلب الثالث ‪ :‬عالمية الرحمةŠš‬
‫š‬
‫‪š42‬‬ ‫المطلب الرابع ‪ :‬عبقرية الرحمة Šš‬
‫š‬
‫‪š42‬‬ ‫المطلب الخامس ‪ :‬وسطية الرحمةŠš‬
‫š‬
‫‪š43‬‬ ‫المطلب السادس ‪ :‬عملية الرحمةŠš‬
‫š‬
‫‪š44‬‬ ‫الفصل الثاني ‪ :‬رحمته للعالمين في مجال‬
‫š‬ ‫والحضارة‪šŠ:‬‬
‫التنوير والتوحيد‪šŠ:‬‬ ‫التنوير‬
‫المبحث الول‪:‬‬
‫‪š45‬‬
‫š‬
‫‪š45‬‬ ‫المطلب الول ‪ :‬محمد ‪ ‬تنويريا ً عملًقا‪šŠ :‬‬
‫š‬
‫‪š48‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬نضاله في إخراج الناس من الظلمات‬
‫š‬ ‫النورŠš‬
‫الثالث ‪ :‬نجاح حركة التنوير Šš‬ ‫إلى‬
‫المطلب‬
‫‪š49‬‬
‫š‬
‫‪š51‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬التحضر والرقيŠš‬
‫š‬
‫المطلب الول ‪ :‬العرب من القبيلة إلى الدولة والمة‪š51 šŠ:‬‬
‫š‬ ‫أو ً‬
‫‪š51‬‬ ‫ل‪ :‬العرب لم يعرفوا الوحدة الحضارية قبل محمد‬
‫š‬ ‫‪šŠ‬‬

‫‪297‬‬
‫‪š52‬‬ ‫ثانًيا‪ :‬جهود مضنية من النبي‪šŠ : ‬‬
‫š‬
‫‪š53‬‬ ‫ثالًثا‪ :‬تميز فكرة المة السلمية Šš‬
‫š‬
‫‪š54‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬إشادة العلماء الغربيين بجهود النبي ‪‬‬
‫š‬ ‫Šš‬
‫‪š55‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬فضل النبي في تحضر العالم Šš‬
‫š‬
‫‪š58‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬التسامح الديني Šš‬
‫š‬
‫‪š58‬‬ ‫‪[‬الحاكم المتسامح الحكيم‬ ‫المطلب الول ‪ :‬محمد]‬
‫‪š59‬‬ ‫المشرع‬
‫جاŠš‬‫المطلب الثاني ‪ :‬دستور المدينة نموذ ً‬
‫‪š60‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬استقبال الوفود النصرانية Šš‬
‫š‬
‫‪š61‬‬ ‫المطلب الرابع ‪ :‬الحرية في العتقاد وممارسة الشعائر‬
‫š‬ ‫Šš‬
‫‪š63‬‬ ‫المبحث الرابع‪ :‬رعاية العلم والمعرفةŠš‬
‫š‬
‫‪š63‬‬ ‫المطلب الول ‪ :‬بداية عصر العلم والمعرفةŠš‬
‫š‬
‫‪š64‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬القرأة أولي تعاليم محمد ‪šŠ r‬‬
‫š‬
‫‪š64‬‬ ‫المطلب الثالث ‪ :‬احترام العقلŠš‬
‫š‬
‫‪š65‬‬ ‫المطلب الرابع ‪ :‬حثه على طلب العلم Šš‬
‫š‬
‫‪š66‬‬ ‫المطلب الخامس‪ :‬العلم من وظائف رسالتهŠš‬
‫š‬
‫‪š68‬‬ ‫المطلب السادس ‪ :‬من توجيهات محمد‪šŠr‬‬
‫š‬
‫‪š70‬‬ ‫المبحث الخامس‪ :‬الخطاب التربويŠš‬
‫š‬
‫‪š70‬‬ ‫المطلب الول ‪ :‬المعلم الرحيم Šš‬
‫š‬
‫‪š71‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬نماذج رحمته للمتعلمين Šš‬
‫š‬
‫‪š72‬‬ ‫المطلب الثالث ‪ :‬أساليبه في الخطاب التربوي‪šŠ:‬‬
‫š‬ ‫أو ً‬
‫‪š72‬‬ ‫ل‪ :‬التمهيد والتهيئةŠš‬
‫š‬
‫‪š73‬‬ ‫ثانًيا‪ :‬التكرار والعادة Šš‬
‫š‬
‫‪š73‬‬ ‫ثالًثا‪ :‬التأني أثناء العرض Šš‬
‫š‬
‫‪š73‬‬ ‫رابًعا‪ :‬مراعاة طاقة المتعلمين Šš‬
‫š‬
‫‪š73‬‬ ‫سا‪ :‬ضرب المثال Šš‬ ‫خام ً‬
‫š‬
‫‪š74‬‬ ‫سا‪ :‬استخدام الوسائط المتعددة Šš‬
‫ساد ً‬
‫š‬
‫‪š74‬‬ ‫‪ -1‬التعبير بحركة اليد والصابع Šš‬
‫š‬

‫‪298‬‬
‫‪š74‬‬ ‫‪ -2‬التعبير بالرسم والمجسمات‪šŠ :‬‬
‫š‬
‫‪š74‬‬ ‫أ( الرسم Šš‬
‫š‬
‫‪š74‬‬ ‫ب( المجسمات Šš‬
‫š‬
‫‪š74‬‬ ‫‪ -3‬التعليم التطبيقي العملي Šš‬
‫š‬
‫‪š75‬‬ ‫المبحث السادس‪ :‬خدمة النسانية Šš‬
‫š‬
‫‪š75‬‬ ‫المطلب الول ‪ :‬محمد ‪‬خادم النسانيةŠš‬
‫š‬
‫‪š76‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬خطبة الوداع ‪ :‬الميثاق السلمي لحقوق‬
‫š‬ ‫النسان‬
‫المطلب Šš‬
‫الثالث‪ :‬توجيهات إنسانية Šš‬
‫‪š78‬‬
‫š‬
‫‪š79‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬رحمته للعالمين في مجال‬
‫š‬ ‫الخلق‪šŠ:‬‬
‫الول‪ :‬الرفق واللينŠš‬ ‫المبحث‬
‫‪š80‬‬
‫š‬
‫‪š80‬‬ ‫المطلب الول‪ :‬طريق محمد ‪ ..‬طريق الرفق Šš‬
‫š‬
‫‪š81‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬حثه على الرفق ‪šŠ :‬‬
‫š‬
‫‪š81‬‬ ‫أول ً ‪ :‬الرفق يحبه الله Šš‬
‫š‬
‫‪š81‬‬ ‫ثانًيا‪ :‬الرفق جمال وذوقŠš‬
‫š‬
‫‪š81‬‬ ‫ثالًثا‪ :‬الرفق يجلب الخيرŠš‬
‫š‬
‫‪š81‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬نماذج رفقه‪šŠ:‬‬
‫š‬ ‫أو ً‬
‫‪š81‬‬ ‫ل‪ :‬الرفق بالمتعلمين‪šŠ:‬‬
‫š‬
‫‪š82‬‬ ‫ثانيًا‪ :‬الرفق بالسفهاء ‪:‬‬
‫š‬ ‫ثالًثا ‪ :‬الرفق بالعصاة ‪:‬‬
‫Šš‬
‫‪š82‬‬ ‫رابًعا‪ :‬الرفق بالشعب والرعية‪:‬‬
‫š‬ ‫سا ‪ :‬الرفق بالمستفتي وصاحب المسألة‬ ‫خام ً‬
‫سا‪ :‬الرفق بالحيواناتŠš‬ ‫ساد ً‬

‫‪š83‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬العفوŠš‬


‫š‬
‫‪š83‬‬ ‫المطلب الول ‪ :‬محمد ‪‬العفو ‪šŠ.‬‬
‫š‬
‫‪š85‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬نماذج عفوه ‪šŠ :‬‬
‫š‬ ‫أو ً‬
‫‪š85‬‬ ‫ل‪ :‬عفوه عن مشركي مكة عام الفتحŠš‬
‫š‬
‫‪š85‬‬ ‫ثانًيا‪ :‬عفوه عن أهل الكتاب Šš‬
‫š‬
‫‪299‬‬
‫‪š86‬‬ ‫ثالًثا‪ :‬عفوه عن الضعفاء أثناء الحروبŠš‬
‫š‬
‫‪š86‬‬ ‫رابًعا‪ :‬عفوه عن العراب الغلظ ‪šŠ:‬‬
‫š‬
‫‪š86‬‬ ‫‪ -1‬العرابي الذي رد على النبي‪ ‬بوقاحةŠš‬
‫š‬
‫‪š86‬‬ ‫‪ -2‬العرابي الذي اتهم النبي ‪ ‬بالظلم‬
‫š‬ ‫‪ -3‬العرابي الذي قابل إحسان النبي بالساءة ‪:‬‬

‫‪š87‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬العدالة والمساواة‬


‫š‬ ‫ما عادل ً‬
‫‪š87‬‬ ‫المطلب الول ‪ :‬محمد ‪ ‬حاك ً‬
‫š‬
‫‪š89‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬العدالة ومساواة في معاملته اليومية‬
‫š‬
‫‪š90‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬نماذج تعاليمه‪: ‬‬
‫š‬ ‫أو ً‬
‫‪š90‬‬ ‫ل‪ :‬تحذيره من استعباد الناس …‬
‫š‬
‫‪š90‬‬ ‫ثانًيا‪ :‬نهيه عن التمييز العنصري‬
‫š‬
‫ثالًثا‪ :‬عدله مع غير المسلمين ) العدل مع فصيل يهودي – ‪š90‬‬
‫š‬ ‫يهودي(Šš‬
‫القانون‬ ‫الكلرجل‬
‫سواء أمام‬ ‫العدل مع‬
‫رابًعا‪:‬‬
‫‪š90‬‬
‫š‬
‫سا ‪ :‬مبادىء المساواة والعدالة في خطبة الوداع‪š91 šŠ :‬‬ ‫خام ً‬
‫š‬
‫‪š91‬‬ ‫المطلب الرابع ‪ :‬الناس سواء كأسنان المشط‪šŠ:‬‬
‫š‬
‫‪š93‬‬ ‫المبحث الرابع‪ :‬الحب والخاء‬
‫š‬ ‫لخوة مكان العصبية Šš‬ ‫المطلب الول ‪ :‬ا ُ‬
‫‪š93‬‬
‫š‬
‫‪š94‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬لماذا نجح النبي ‪ ‬في تحقيق الحب‬
‫المطلب؟ الثالث ‪ :‬نماذج تعاليمه ‪šŠ : ‬‬‫والخاء‬
‫š‬
‫‪š95‬‬
‫š‬
‫‪š95‬‬ ‫أول ً ‪ :‬المسلمون المتآخون المتحابون كالجسد الواحد‬
‫š‬
‫‪š95‬‬ ‫ثانًيا‪ :‬المسلمون المتآخون المتحابون كرجل واحد‬
‫š‬
‫‪š96‬‬ ‫ثالًثا‪ :‬المسلمون المتآخون المتحابون في ظلل الله‬
‫š‬
‫رابًعا‪ :‬المسلمون المتآخون المتحابون وجبة لهم محبة الله ‪š96‬‬
‫š‬
‫‪š96‬‬ ‫سا‪ :‬المسلمون المتآخون المتحابون يغبطهم النبياء‬ ‫خام ً‬
‫š‬ ‫والشهداء‬
‫المبحث الخامس‪ :‬سماحته في المعاملت المالية ‪š96‬‬
‫š‬
‫‪š97‬‬ ‫المطلب الول ‪ :‬حثه على السماحة في المعاملت‬
‫š‬ ‫المالية ‪:‬‬

‫‪300‬‬
‫‪š97‬‬ ‫أو ً‬
‫ل‪ :‬في البيع والشراء والقضاء‬
‫š‬
‫‪š97‬‬ ‫ثانًيا‪ :‬التيسير على المعسر‬
‫š‬
‫‪š97‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬نماذج سماحته في المعاملت المالية‬
‫š‬
‫‪š99‬‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬رحمته للعالمين في مجال‬
‫š‬ ‫التشريع ‪:‬‬
‫الول‪ :‬المرونة والتجديد‪:‬‬ ‫المبحث‬
‫‪š100‬‬
‫š‬
‫‪š100‬‬ ‫المطلب الول – شهادة علماء الغرب‬
‫š‬
‫‪š101‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬الشريعة السلمية ‪ :‬ثوابت و متغيرات‬
‫š‬
‫‪š102‬‬ ‫المطلب الثالث ‪ :‬في مجال الثابت و مجال المتغير‬
‫š‬
‫‪š103‬‬ ‫المطلب الرابع ‪ :‬منطقة الفراغ التشريعي والنصوص‬
‫š‬ ‫المحتملة‪:‬‬
‫منطقة الفراغ التشريعي‬ ‫أول ً ‪:‬‬
‫‪š103‬‬
‫š‬
‫‪š104‬‬ ‫ثانًيا‪ :‬المتشابهات‬
‫š‬
‫‪š104‬‬ ‫المطلب الخامس ‪ :‬صيانة الثابت و تجديد المرن‬
‫š‬
‫‪š107‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬الوسطية والعتدال‪:‬‬
‫š‬
‫‪š107‬‬ ‫المطلب الول‪ :‬شهادة علماء الغرب‬
‫š‬
‫‪š107‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬حثه‪ ‬على الوسطية وتحذيره من‬
‫š‬ ‫التشدد‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬وسطية السلم في الحكام‬
‫‪š109‬‬
‫š‬
‫‪š110‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬التيسير‪:‬‬
‫š‬
‫‪š110‬‬ ‫المطلب الول – شهادة علماء الغرب‬
‫š‬
‫‪š111‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬نماذج التيسير‬
‫š‬
‫‪š113‬‬ ‫المطلب الثالث ‪ :‬حثه على التيسير‬
‫š‬
‫‪š114‬‬ ‫المبحث الرابع‪ :‬الرخص الشرعية‪:‬‬
‫š‬
‫‪š114‬‬ ‫المطلب الول ‪ :‬الرخص الشرعية ‪ :‬ماهيتها وشرعيتها‬
‫š‬
‫‪š115‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬نماذج الرخص الشرعية‬
‫š‬
‫‪š116‬‬ ‫المبحث الخامس‪ :‬التدرج في التشريع‪:‬‬
‫š‬
‫‪š116‬‬ ‫المطلب الول ‪ :‬التدرج في التشريع‪ :‬مفهومه والحكمة‬
‫ل‪: :‬مفهومه‬
‫منه ً‬
‫š‬
‫‪š116‬‬ ‫أو‬
‫š‬
‫‪š117‬‬ ‫ثانًيا‪ :‬الحكمة منه‬
‫š‬

‫‪301‬‬
‫‪š117‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬نماذج للتدرج في التشريع ‪:‬‬
‫š‬ ‫أو ً‬
‫‪š117‬‬ ‫ل‪ :‬تحريم الخمور‬
‫š‬
‫‪š118‬‬ ‫ثانًيا‪ :‬تحريم الربا‬
‫š‬
‫‪š119‬‬ ‫الفصل الخامس ‪ :‬رحمته للعالمين في ميدان‬
‫š‬ ‫والعسكرية‪:‬‬ ‫السياسية‬
‫الحوار ل الصدام‬ ‫الول‪:‬‬ ‫الصراعات‬
‫المبحث‬
‫‪š120‬‬
‫š‬
‫‪š120‬‬ ‫المطلب الول ‪ :‬الحوار مظهر من مظاهر الرحمة‬
‫š‬
‫‪š121‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬السلم يرفض المركزية الحضارية‬
‫š‬
‫‪š123‬‬ ‫المطلب الثالث ‪ :‬نماذج عملية من سيرة النبي‪‬‬
‫š‬
‫‪š126‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬حرصه ‪ ‬على نشر السلم‬
‫š‬
‫‪š126‬‬ ‫المطلب الول ‪ :‬محمد‪ ‬رجل السلم‬
‫š‬
‫‪š127‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬نموذج في حادث بناء الكعبة‬
‫š‬ ‫المطلب الثالث ‪ :‬نماذج المعاهدات مع القبائل المجاورة‬
‫للمدينة ‪:‬‬
‫مَرةَ‬
‫ض ْ‬
‫ة ب َِني َ‬
‫واد َع َ ُ‬ ‫أول ً ‪ُ :‬‬
‫م َ‬
‫‪š128‬‬ ‫المطلب الرابع‪ :‬نموذج في معركة الحزاب‬
‫š‬
‫‪š129‬‬ ‫المطلب الخامس ‪ :‬نموذج معاهدة الحديبية‬
‫š‬
‫‪š130‬‬ ‫المطلب السادس‪ :‬نموذج الصلح مع أهل خيبر‬
‫š‬
‫‪š131‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬رحمته للخصوم والعداء‬
‫š‬
‫‪š131‬‬
‫š‬ ‫المطلب الول ‪ :‬لماذا القتال ؟‬
‫ل‪ :‬مصادرة أموال المسلمين وعقاراتهم ‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫ثانًيا‪ :‬إعلن الحرب على الدولة السلمية الناشئة‪:‬‬
‫ثالًثا‪ :‬تهديد أمن المسلمين‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬محمد ‪ ‬القائد الرحيم‬
‫‪š133‬‬ ‫المطلب الرابع ‪ :‬فرية العنف ونشر السلم بالسيف‬
‫š‬
‫‪š133‬‬ ‫أول ً ‪ :‬رد العلمة لويس سيديو‬
‫š‬
‫‪š133‬‬ ‫ثانًيا‪ :‬رد الدكتورة كارين أرمسترونج‬
‫š‬
‫‪š134‬‬ ‫ثالًثا‪ :‬رد الكاتب اللماني ديسون‬
‫š‬
‫‪š134‬‬ ‫رابًعا‪ :‬رد المستشرق الهولندي دوزي‬
‫š‬
‫‪š134‬‬ ‫سا‪ :‬رد المؤرخ الكبير جوستاف لوبون‬
‫خام ً‬
‫š‬
‫‪302‬‬
‫‪š135‬‬ ‫سا‪ :‬رد الكاتبة اليطالية لورافيشيا فاغليري‬
‫ساد ً‬
‫š‬
‫‪š135‬‬ ‫سابًعا‪ :‬رد العلمة توماس كارليل‬
‫š‬
‫‪š136‬‬ ‫المطلب الخامس‪ :‬فرية ‪ :‬القتل الجماعي ليهود بني‬
‫š‬
‫المبحث الرابع‪ :‬رحمته‪ ‬للسرى‬ ‫قريظة‬
‫‪š140‬‬
‫š‬
‫‪š140‬‬ ‫المطلب الول ‪ :‬نماذج في معركة بدر Šš‬
‫š‬
‫‪š142‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬نموذج معركة بني المصطلق Šš‬
‫š‬
‫‪š142‬‬ ‫المطلب الثالث ‪ :‬نموذج معركة حنينŠš‬
‫š‬
‫‪š143‬‬ ‫المطلب الرابع ‪ :‬نماذج أخرى‪.‬‬
‫š‬ ‫المبحث الخامس ‪ :‬رحمته لقتلى العدو‬
‫المطلب الول ‪ :‬مواراة جيف قتلى العدو في بدر‬
‫المطلب الثاني‪ :‬جثة نوفل بن عبد الله‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬جثة عمرو بن ود‬
‫‪š144‬‬ ‫المبحث السادس‪ :‬رحمته لهل الذمة‬
‫š‬
‫‪š144‬‬ ‫المطلب الول ‪ :‬من هم أهل الذمة وما موقف الدولة‬
‫منهم ‪:‬؟ شهادات علماء الغرب ‪:‬‬
‫السلميةالثاني‬
‫š‬
‫‪š144‬‬ ‫المطلب‬
‫š‬ ‫أو ً‬
‫‪š144‬‬ ‫ل‪ :‬حرية أهل الذمة في العتقاد‬
‫š‬
‫‪š145‬‬ ‫ثانًيا‪ :‬حرية أهل الذمة في ممارسة الشعائر‬
‫š‬
‫‪š145‬‬ ‫ثالًثا‪ :‬رعاية المسلمون لهل الذمة‬
‫š‬
‫‪š146‬‬ ‫رابًعا‪ :‬الستعانة بهم في أجهزة الدولة‬
‫š‬
‫‪š146‬‬ ‫المطلب الثالث ‪ :‬وصايا النبي ‪ ‬بأهل الذمة والتحذير من‬
‫š‬
‫حرمة قتل الذمي بغير حق‬‫إيذائهم‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪:‬‬
‫‪š146‬‬
‫š‬
‫‪š146‬‬ ‫ثانًيا‪ :‬حرمة قذف الذمي‬
‫š‬

‫‪303‬‬
‫‪146‬‬ ‫ثالًثا‪ :‬تحريم ظلمه‬
‫المبحث السابع‪ :‬قيم حضارية في غزوة بدر‬
‫جا[‬‫الكبرى] نموذ ً‬
‫المطلب الول ‪ :‬ل نستعين بمشرك على مشرك ‪:‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬مشاركة القائد جنوده في الصعاب‪:‬‬
‫المطلب الثالث الشورى ‪:‬‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬النهي عن استجلب المعلومات بالعنف ‪:‬‬
‫المطلب الخامس ‪ :‬احترام آراء الجنود‪:‬‬
‫المطلب السادس ‪ :‬العدل بين القائد والجندي ‪:‬‬
‫المطلب السابع ‪ :‬الحوار قبل الصدام ‪:‬‬
‫المطلب الثامن ‪ :‬الوفاء مع المشركين ‪:‬‬
‫المطلب التاسع ‪ :‬حفظ العهود ‪:‬‬
‫في مجال‬ ‫بالسير‬ ‫رحمته المثلة‬
‫للعالمين‬ ‫النهي عن‬ ‫الفصل العاشر ‪:‬‬
‫السادس‪:‬‬ ‫المطلب‬
‫‪š148‬‬
‫والطفل‪ :‬تحرير المرأة من الجاهلية‪:‬‬ ‫المرأة‬
‫š‬
‫‪š149‬‬ ‫المبحث الول –‬
‫š‬
‫‪š149‬‬ ‫المطلب الول ‪ :‬محمد ‪ ‬منقذ المرأة‬
‫š‬
‫‪š150‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬افتراءات وردود‬
‫š‬
‫‪š150‬‬ ‫الفرية الولى ‪ :‬حول تعدد الزوجات‬
‫š‬ ‫أو ً‬
‫‪š150‬‬ ‫ل‪ :‬فيما يخص تعدد الزوجات الخاص بشخص النبي‪‬‬
‫š‬
‫‪š151‬‬ ‫ثانًيا‪:‬فيما يخص تعدد الزوجات العام‬
‫š‬
‫‪š152‬‬ ‫الفرية الثانية‪ :‬قول أحدهم ‪:‬إن السلم ل يسوي بين‬
‫والرجل قول أحدهم‪ :‬إن السلم ل يهتم بتعليم‬
‫المرأة الثالثة ‪:‬‬
‫š‬
‫‪š152‬‬ ‫الفرية‬
‫المرأة الرابعة ‪ :‬حول ضرب الزوج لزوجته‬
‫š‬
‫‪š153‬‬ ‫الفرية‬
‫š‬
‫‪š154‬‬ ‫الفرية الخامسة‪ :‬حول الحجاب وحق المرأة في ستر‬
‫š‬ ‫عورتها‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬مميزات المرأة في السلم‬
‫‪š154‬‬
‫š‬
‫‪š154‬‬ ‫المطلب الول‪ :‬الستقلل الفكري للمرأة‬
‫š‬
‫‪š155‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬حقوق المرأة في أمور الزواج‬
‫š‬
‫‪š156‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬حقوق المرأة في الميراث والتملك‬
‫š‬
‫‪š156‬‬ ‫المطلب الرابع‪ :‬حق المرأة في العمل‬
‫š‬
‫‪š157‬‬ ‫المطلب الخامس‪ :‬تقدير الدور السياسي للمرأة‬
‫š‬
‫‪š158‬‬ ‫المطلب السادس‪ :‬إحترام جوار المرأة‬
‫š‬

‫‪304‬‬
‫‪š158‬‬ ‫المطلب السابع ‪ :‬تأملت في هذه المميزات‬
‫š‬
‫‪š159‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬رحمته للبنات‬
‫š‬
‫‪š159‬‬ ‫المطلب الول ‪ :‬فضل محمد ‪ ‬على البنات‬
‫š‬
‫‪š160‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬نماذج رحمته‪ ‬للبنات‪:‬‬
‫š‬ ‫أو ً‬
‫‪š160‬‬ ‫ل‪ :‬حثه على الحسان إليهن‬
‫š‬
‫‪š160‬‬ ‫ثانًيا‪ :‬عطفه على البنات‬
‫š‬
‫‪š161‬‬ ‫ثالًثا‪ :‬إكرامه لعائل البنات‬
‫š‬
‫‪š161‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬رحمته للطفال‬
‫š‬
‫‪š161‬‬ ‫المطلب الول ‪ :‬شهادة علماء الغرب‬
‫š‬
‫‪š162‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬نماذج رحمته للطفال ‪:‬‬
‫š‬
‫‪š162‬‬ ‫أول ً ‪ :‬أرحم البشر بالعيال‬
‫š‬
‫‪š163‬‬ ‫ثانًيا ‪ :‬توبيخه‪ ‬للغلظ مع الطفال‬
‫š‬
‫‪š163‬‬ ‫ثالًثا ‪ :‬دعاؤه ‪ ‬للطفال‬
‫š‬ ‫Šš‬
‫‪š163‬‬ ‫عا ‪ :‬سلمه‪ ‬على الطفال وعطفه عليهم‬ ‫راب ً‬
‫š‬
‫‪š164‬‬ ‫سا ‪ :‬رفقه ‪ ‬بالطفال إذا صلى بهم‬
‫خام ً‬
‫š‬
‫‪š164‬‬ ‫سا‪ :‬تعزيزه ‪ ‬للطفل الصادق‬
‫ساد ً‬
‫š‬
‫‪š164‬‬ ‫سابًعا‪ :‬ملطفته‪ ‬للطفال‬
‫š‬
‫‪š165‬‬ ‫ثامًنا‪ :‬رحمته‪ ‬بغلم يهودي‬
‫š‬
‫‪š165‬‬ ‫المبحث الرابع‪ :‬رحمته لليتام‬
‫š‬
‫‪š165‬‬ ‫المطلب الول ‪ :‬محمد ‪ ‬اليتيم‬
‫š‬
‫‪š166‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬نماذج في رحمته‪ ‬لليتيم‪:‬‬
‫š‬ ‫أو ً‬
‫‪š166‬‬ ‫ل‪:‬ترغيبه في كفالة اليتيم‬
‫š‬
‫‪š166‬‬ ‫ثانًيا‪:‬مواساته اليتامى‬
‫š‬
‫‪š167‬‬ ‫ثالًثا‪ :‬ترغيب النساء في تربية اليتام‬
‫š‬
‫‪š167‬‬ ‫رابًعا‪ :‬تحذيره من العتداء على مال اليتيم‬
‫š‬
‫‪š167‬‬ ‫المبحث الخامس‪ :‬رحمته للرامل‬
‫š‬
‫‪š168‬‬ ‫المطلب الول‪ :‬حثه على السعي على الرامل‬
‫š‬

‫‪305‬‬
‫‪š168‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬سعيه على الرامل‬
‫š‬
‫‪š169‬‬ ‫الفصل السابع‪ :‬رحمته‪ ‬للضعفاء‬
‫š‬
‫‪š170‬‬ ‫المبحث الول‪ :‬رحمته للفقراء‬
‫š‬
‫‪š170‬‬ ‫المطلب الول ‪ :‬فضل محمد‪ ‬على الفقراء‬
‫š‬
‫‪š171‬‬ ‫جا‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬نظام الزكاة – نموذ ً‬
‫š‬
‫‪š173‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬دوره ‪ ‬في مكافحة البطالة ‪:‬‬
‫š‬
‫‪š173‬‬ ‫أول ً ‪ :‬ترسيخ قيم العمل والنتاج‬
‫š‬
‫‪š175‬‬ ‫ثانًيا ‪ :‬قضاء حوائج العاطلين‬
‫š‬
‫‪š175‬‬ ‫ثالًثا‪ :‬تحريمه‪ ‬البطالة‬
‫š‬
‫‪š175‬‬ ‫رابًعا‪ :‬ترغيبه‪ ‬في الزراعة‬
‫š‬
‫‪š175‬‬ ‫سا‪ :‬ترغيبه‪ ‬في الصناعة‬
‫خام ً‬
‫š‬
‫‪š175‬‬ ‫سا‪ :‬ترغيبه ‪‬في التجارة‬
‫ساد ً‬
‫š‬
‫‪š176‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬رحمته للعبيد والخدم‬
‫š‬
‫‪š176‬‬ ‫المطلب الول ‪ :‬تحرير العبيد‬
‫š‬
‫‪š177‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬فرية سن السترقاق‬
‫š‬
‫‪š178‬‬ ‫المطلب الثالث ‪ :‬نماذج رحمته للعبيد ‪:‬‬
‫š‬
‫‪š179‬‬ ‫أول ً ‪ :‬وصيته ‪ ‬بالعبيد والماء‬
‫š‬
‫‪š179‬‬ ‫ثانًيا‪ :‬تحذيره ‪ ‬من إيذاء العبيد والماء‬
‫š‬
‫‪š179‬‬ ‫ثالًثا‪ :‬أمره ‪ ‬بالحسان إلى العبيد‬
‫š‬
‫‪š180‬‬ ‫رابًعا‪ :‬التعاون في تحرير العبيد‬
‫š‬
‫‪š180‬‬ ‫سا‪ :‬كفارة ضرب العبد عتقه‬ ‫خام ً‬
‫š‬ ‫سا ‪ :‬ألطف الناس بالعبيد ‪:‬‬
‫ساد ً‬
‫سابًعا ‪:‬كفالة الدولة السلمية للعبد المعاق أو المريض‪:‬‬

‫‪š180‬‬ ‫المطلب الرابع‪ :‬تحريم التجار بالبشر‬


‫š‬
‫المطلب الخامس – رفقه وعطفه على الخدم‬

‫‪š180‬‬ ‫أو ً‬
‫ل‪ :‬سلوكه ‪ ‬مع خادمه‬
‫š‬

‫‪306‬‬
‫‪š181‬‬ ‫ثانًيا‪ :‬حثه على العفو عن الخادم‬
‫š‬
‫‪š181‬‬ ‫ن ضرب الخادم‬ ‫ثالًثا‪ :‬توبيخه َ‬
‫م ْ‬
‫š‬
‫‪š181‬‬ ‫رابًعا‪ :‬ترغيبه ‪‬في إطعام الخادم‬
‫š‬
‫‪š182‬‬ ‫سا‪ :‬نهيه عن الدعاء على الخادم‬ ‫خام ً‬
‫š‬
‫‪š182‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬رحمته بذوي الحتياجات‬
‫š‬ ‫الخاصة ‪:‬‬
‫المطلب الول ‪ :‬الفئات الخاصة في المجتمعات الجاهلية‪š182 :‬‬
‫š‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬رعاية النبي ‪ ‬لذوي الحتياجات الخاصة‪š182 :‬‬
‫š‬
‫‪š182‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬الولوية لهم في الرعاية وقضاء‬
‫š‬
‫الرابع‪ :‬عفوه‪ ‬عن سفهائهم وجهلئهم ‪:‬‬ ‫احتياجاتهم‪:‬‬
‫المطلب‬
‫‪š183‬‬
‫š‬
‫‪š183‬‬ ‫المطلب الخامس ‪ :‬تكريمه وموساته ‪ ‬لهم ‪:‬‬
‫š‬
‫‪š184‬‬ ‫المطلب السادس ‪ :‬زيارته‪ ‬لهم‬
‫š‬
‫‪š184‬‬ ‫المطلب السابع‪ :‬الدعاء لهم ‪:‬‬
‫š‬
‫‪š184‬‬ ‫المطلب الثامن ‪ :‬تحريم السخرية منهم‬
‫š‬
‫‪š184‬‬ ‫المطلب التاسع ‪ :‬رفع العزلة والمقاطعة عنهم‬
‫š‬ ‫المطلب العاشر‪ :‬التيسير على ذوي الحتياجات الخاصة‬

‫‪š185‬‬ ‫المبحث الرابع ‪ :‬رحمته‪ ‬للمسنين ‪:‬‬


‫š‬
‫‪š185‬‬ ‫المطلب الول ‪ :‬حثه‪ ‬على إكرام المسنين والرفق بهم‪:‬‬
‫š‬ ‫أو ً‬
‫‪š185‬‬ ‫ل‪ :‬مناشدة الشباب لكرام المسنين‬
‫š‬
‫‪š185‬‬ ‫ثانًيا‪ :‬إكرام المسن من إجلل الله‬
‫š‬
‫‪š185‬‬ ‫ثالًثا‪ :‬ليس من المسلمين من ل يوقر الكبير‬
‫š‬
‫‪š185‬‬ ‫رابًعا‪ :‬تسليم الصغير على الكبير‬
‫š‬ ‫سا ‪ :‬تقديم المسن في وجوه الكرام عامة‬ ‫خام ً‬
‫سا ‪ :‬التخفيف عن المسنين في الحكام الشرعية‬ ‫ساد ً‬
‫Šš‬
‫‪186‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬نماذج رحمته ‪ ‬للمسنين ‪:‬‬
‫‪186‬‬ ‫أو ً‬
‫ل‪ :‬إنصاته لعتبة وتلطفه معه‬
‫‪186‬‬ ‫ثانًيا‪ :‬سعيه لفك أسر شيخ مسن‬
‫‪186‬‬ ‫ثالًثا‪:‬رفقه بأبي قحافة وتوقيره له‬

‫‪307‬‬
‫‪187‬‬ ‫المبحث الخامس‪ :‬رحمته بالموات‪:‬‬
‫‪187‬‬ ‫المطلب الول ‪ :‬زيارته ‪‬لقبور الموات‬
‫‪188‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬مشاركته في دفن الموات بنفسه ‪:‬‬
‫‪188‬‬ ‫أول ً ‪ :‬جنازة عدو من أعدائه‬
‫‪188‬‬ ‫ثانًيا‪ :‬جنازة حبيب من أحبابه ‪‬‬
‫‪189‬‬ ‫المطلب الثالث ‪ :‬حزنه ‪ ‬إذا فاتته جنازة وصلته عليها‬
‫‪189‬‬ ‫المطلب الرابع ‪:‬توقيره‪ ‬للجنائز والقبور ولو كانت لغير‬
‫‪189‬‬ ‫قيامه‪  :‬إذا مرت الجنازة‬
‫المسلمين‬
‫أول ً ‪:‬‬
‫‪190‬‬ ‫ثانًيا‪ :‬وضعه ‪ ‬الجريد الخضر على القبر‬
‫‪190‬‬ ‫ثالًثا ‪ :‬أمره‪ ‬بعدم إيذاء الميت‬
‫‪191‬‬ ‫المطلب الخامس‪ :‬دعاؤه ‪ ‬للموات‬
‫‪192‬‬ ‫المطلب السادس ‪ :‬بكاؤه ‪ ‬على الموات وعند القبور‪:‬‬
‫‪192‬‬ ‫أول ً ‪ :‬في وفاة عثمان بن مظعون‬
‫‪192‬‬ ‫ثانًيا‪ :‬في وفاة سعد بن عبادة‬
‫‪192‬‬ ‫ثالًثا ‪ :‬في وفاة طفله إبراهيم‬
‫‪192‬‬ ‫رابًعا‪ :‬بكاءه عند قبر أمه‬
‫‪194‬‬ ‫الخاتمة‬
‫‪194‬‬ ‫أول ً ‪ :‬ملخص البحث‬
‫‪195‬‬ ‫ثانًيا‪ :‬نتائج البحث‬
‫‪198‬‬ ‫ثالًثا ‪ :‬التوصيات‬
‫رابًعا ‪ :‬أفكار عملية لنصرة نبي الرحمة ‪:‬‬

‫‪110‬‬ ‫المصادر والمراجع‬


‫‪212‬‬ ‫تعريف بالكاتب‬
‫‪212‬‬ ‫المحتويات‬

‫‪308‬‬
‫الكاتب في سطور‬
‫محمد مسعد ياقوت – كاتب وداعية إسلمي مقيم في مصر ‪.‬‬
‫المشرف العام على موقع نبي الرحمة‬
‫‪www.nabialrahma.com‬‬
‫البريد اللكتروني ‪yakoote@gmail.com :‬‬
‫المدونة الشخصية ‪yakut.blogspot.com :‬‬
‫جوال ‪(002)0104420539‬‬
‫العمال التي قام بها‪:‬‬
‫‪ -‬باحث متفرغ لعداد مشروع علمي في مؤسسة أحمد بهاء‬
‫الدين الثقافية‪.‬‬
‫‪ -‬يكتب في العديد من المجلت العربية والسلمية كمجلة‬
‫المجتمع الكويتية‪ ،‬ومجلة المعرفة السعودية‪ ،‬ومجلة الرسالة‬
‫المصرية‪ ،‬ومجلة آراء حول الخليج الماراتية‪ ،‬ويكتب في شبكة‬
‫إسلم أون لين ‪ .‬نت‪.‬‬
‫‪ -‬قدم سلسلة حلقات عن الثقافة العلمية وأزمة البحث العلمي‪،‬‬
‫في القناة السادسة المصرية‬
‫‪ -‬أعد سلسلة حلقات عن أخلقيات الحرب في السلم‪ .‬في قناة‬
‫المة الفضائية ‪.‬‬
‫‪ -‬يمارس الخطابة الدينية في مساجد مصر ‪.‬‬
‫‪ -‬ألقى العديد من المحاضرات الفكرية والثقافية في العديد من‬
‫المحافل‪.‬‬
‫المؤلفات ‪:‬‬
‫‪ -‬الختلط وأثره على التحصيل العلمي والبتكار‪ -‬رؤية شرعية ‪، -‬‬
‫البحث الفائز بجائزة موقع المرأة " لها أون لين" للثقافة و‬
‫البداع ‪ ،‬عام ‪2004‬‬
‫‪ -‬حوار الحضارات ‪ :‬الموجود والمفقود والمنشود‪ ،‬بحث مقدم‬
‫إلى منظمة الكتاب الفريقيين والسيويين ‪ ،‬أغسطس ‪2005‬م ي‬
‫‪.‬‬
‫‪ -‬هروب النخب العلمية ‪ ،‬بين واقع النزيف وسبل العلج ‪ :‬بحث‬
‫مقدم إلى المؤتمر العالمي العاشر للندوة العالمية للشباب‬
‫السلمي‪ " ،‬الشباب وبناء المستقبل" ‪.‬‬
‫‪ -‬صفات رجل البر‪ ،‬لم يطبع بعد ‪.‬‬
‫‪-‬عناية الكتاب والسنة بالمسجد القصى المبارك ‪ ،‬لم يطبع بعد ‪.‬‬
‫‪ -‬حق النصرة للشعب الفلسطيني مادًيا ومعنوًيا‪ ،‬لم يطبع بعد ‪.‬‬
‫‪ -‬التجديد والمجددون في السلم‪ ،‬لم يطبع بعد ‪.‬‬
‫‪ -‬أخلقيات الحرب في السيرة النبوية‪ ،‬لم يطبع بعد ‪.‬‬
‫‪ -‬الرقائق والخواطر ‪ ،‬تحت العداد‬

‫‪309‬‬
‫‪ -‬الحوار في السيرة النبوية ‪ ،‬تحت العداد‪.‬‬
‫‪ -‬مشاركة الشباب العربي في العمل السياسي – بين الواقع‬
‫والمأمول ‪ ،‬تحت العداد‬
‫‪ -‬قيم حضارية في السيرة النبوية‪ ،‬كتاب إلكتروني‪.‬‬
‫‪ -‬قصص قصيرة منشورة في المجلت المواقع ] بار أحرنوت –‬
‫سجين رأي – المسكن الشعبي – على الطريقة الفيدرالية –‬
‫السجينة – طوابير النهضة – ملحمة شاعر [‬
‫‪-‬صنائع المعروف‪ ،‬ثلثون باًبا من أبواب الخير‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬دار‬
‫النشر للجامعات‪2007 ،‬‬
‫‪ -‬أزمة البحث العلمي في مصر والوطن العربي‪ ،‬القاهرة ‪ :‬دار‬
‫النشر للجامعات‪ ،‬الطبعة الولى‪ ،‬يناير ‪2007‬م‬

‫‪www.nabialrahma.com‬‬

‫‪310‬‬

You might also like