Professional Documents
Culture Documents
الـرحمة
الرسـالة والنسـان
تأليف
محمد مسعد ياقوت
www.nabialrahma.com
1
الطبعة الولى ، 2007القاهرة ،الزهراء للعلم
العربي
الهـــداء ..
إلى الذي قال الله تعالى فيه :
م
حي ٌ
ف ّر ِ
ؤو ٌن َر ُ
مِني َ كم ِبال ْ ُ
مؤ ْ ِ ص ع َل َي ْ ُ ري ٌ ح ِ
م َما ع َن ِت ّ ْ زيٌز ع َل َي ْهِ َ
"ع َ ِ
"]التوبة [128
ن "]الحجر [95 ست َهْزِِئي َ م ْ ك ال ْ ُ
في َْنا َ "إ ِّنا ك َ َ
َ
ن "]النبياء [107 مي َ ة ل ّل َْعال َ ِ م ً ح َ ك إ ِّل َر ْسل َْنا َ ما أْر َ "وَ َ
قيم ٍ " ]الزخرف [43 ست َ ِم ْ ط ّ صَرا ٍ ك ع ََلى ِ "إ ِن ّ َ
ظيم ٍ "]القلم [4 ق عَ ِ ك ل ََعلى ُ ُ "وَإ ِن ّ َ
خل ٍ
2
بسم الله الرحمن الرحيم
1
تقديم بقلم فضيلة الدكتور فريد عبد الخالق
أشهد أن لديَ قناعة قد توفرت لهذا المؤ ََلف القّيم بعد الطلع
على محتوياته؛ كافة المقومات الساسية التي تسلكه في مجاله
كدراسة علمية يعتد بها في موضوعها ومرجعيتها ،متمثلة فيما
يلي :
أول ً – ما يتعلق بالسبب الذي قام من أجله الكاتب بإعداد هذا
م بجوانب الموضوع ومجالته الموضوع ،ذلك الباحث المدقق المل ّ
الستاذ محمد مسعد ياقوت ،وأي داعية الكتابة في هذا
الموضوع – على الصعيدين الداخلي والخارجي – حيث يشغل
التيار السلمي السياسي في هذه الحقبة حي ًّزا كبيًرا ومتنامًيا
على المسرح السياسي في دول عربية وإسلمية كثيرة – يثير
لدى خصومه من غلة العلمانية واللبرالية مجموعة تساؤلت
وهواجس عن علقة هذا التيار بالديمقراطية والحريات والتعددية
السياسية والمجتمعية – المطروحة حالًيا – وفيها قضية وضع غير
المسلمين في الدول السلمية ،وقضية المرأة وحقوقها المدنية،
والحداثة ،وعلقة الدين بالسياسة ،والدولة الدينية وحوار الديان
والحضارات ،وهو ما يشغل حيًزا كبيًرا ،وحدة أوفر عند الغرب؛
عبروا عنه " بالسلموفوبيا" ،ومحاربة الرهاب والتطرف،
وربطوا بين ذلك وبين العولمة الستعمارية الجديدة ،التي تتبعها
الدارة المريكية التي ترمي إلى تفكيك عرى المة العربية
والسلمية واختراق وحدتها وأمنها ومقوماتها كما حدث في غزو
أفغانستان والعراق ،وما يحدث من الكيان الصهيوني في
المنطقة ،في توافق في الستراتيجية الستعمارية ،واستخدام
القوة في المنطقة لتحقيق أهدافهما وعلى رأسها الستيلء على
النفط ،والبقاء على الشرق الوسط دول ً مفككة وسوًقا
استهلكًيا لمنتجاتهم ،وإعاقة وحدتها ،وتنميتها ،بكل الطرق ..
وتحت أسماء ودعاوى مختلفة باطلة ،ومنها دعوى الحرب
الصليبية التي أعلنها بوش في أول كلمة له بعد أحداث 11
سبتمبر الشهيرة ،وإعلن مشروعه المبراطوري الستعماري
المعروف باسم الشرق الوسط الجديد ،الذي أفشلته المقاومة
في جنوب لبنان وفي العراق ،وفي بؤر المقاومة الشعبية
الساخنة في دول المنطقة ،وتأبي شعوب العالم العربي
1فضيلة الدكتور فريد عبد الخالق أحد رموز الحركة السلمية في القرن العشرين،
ما لدار الكتب المصرية ودار الوثائق القومية في السبعينيات ،ثم وكيل
عمل مديرا عا ً
لوزارة الثقافة المصرية ،وهو صاحب أحد أهم المؤلفات التي تناولت نظام الحكم في
السلم وهو كتاب " في الفقه السياسي السلمي " .
3
والسلمي على العولمة والعلمنة التي تستهدف سلخه عن دينه
وهويته الحضارية وانقياده لعدائه ثقافًيا وسياسًيا واقتصادًيا
واجتماعًيا في محاولت مخططة ،ومنها اختراق أنظمته الحاكمة،
والتجويع ،والمعونات المشروطة ،وتهديد المن الغذائي ،وإقامة
القواعد العسكرية في أرض العرب والمسلمين ،وتفجير النعرات
المذهبية والخلفات العرقية والمشاحنات اليدلوجية .
إن صفة " الرحمة " موضوع الدراسة التي بين أيدينا ،تشكل
عنصًرا جوهرًيا في هذه الدراسة ،الذي اختار المؤلف " نبي
الرحمة" عنوًنا لها .وهي الرحمة النبوية للبشر التي نجح المؤلف
في عرضها بمفوهمها الواسع ،دون تكلف خلل فصول دراسته
ونصوصها ،من تناول جامع في وجازة غير مخلة لسيرة النبي –
صلى الله عليه وسلم – قبل البعثة وبعدها ،وفي مكة قبل
الهجرة ،وفي المدينة بعدها ،حيث أقام الرسول – صلى الله عليه
وسلم -مجتمًعا مدنًيا ،ودولة مدنية على أساس مبدأ المواطنة
ومساواة كافة مواطني الدولة في الحقوق والواجبات ...
وقد تناول الكتاب هذه العناصر في مباحث متعددة ،في هيكلية
تتسم بالموضوعية ،وتكامل في التناول ،مع الوفاء بجوانب
الدراسة ،والعتماد على المصادر الصلية الموثوقة ،ومن ثم يجد
قا لدعاية القراءة .
القارىء في ذلك تحقي ً
وثمت عنصر آخر لبد منه في ذلك ؛ وهو ما أوتي الباحث من
توفيق و إخلص لوجه الله وتحري الصدق والحق دون هوى
صارف أو تعصب زميم ،أو جهل مقعد ،في كل ما قال..
أحيه !
4
دا ،ولكن من باب معرفة أحييه كذلك ول أزكي على الله أح ً
الفضل لهله .وهذا العنصر ل بديل عنه لكل باحث مصلح ،وهو
توفيق الله له فيما ابتغاه من إصلح وأمر بالمعروف ونهي عن
دا ،يتوثق بالله في إمضاء المرالمنكر ماستطاع ل يألو فيه جه ً
على سنته ويطلب منه المعونة والتأييد من الله ،كما في قوله
تعالى :
" إن إريد إل الصلح ما استطعت وما توفيقي إل بالله عليه
توكلت وإليه أنيب" ] هود .[88 :
هذا ،وأريد أن أقف على مادة هذا المؤ ََلف الموسوعية الواضحة
الدللة ،المينة الوصف ،في لمحات محدودة فيما يلي :
أول ً – التأكيد على أن " الرحمة " خصيصة سائدة في شرع
ما وحياة ،وتعامل ً مع الخر ،في
السلم كله ،كتاًبا وسنة ،ونظا ً
كل حال من سلم أو حرب ،ومن تمكين أو ضعف ،كما في قوله
تعالى :
" هذا بصائر للناس ،وهدى ورحمة لقوم يوقنون " .
فالقرآن كله بمنزلة بصائر للقلوب ،لقوم حياة للناس كافة،
وهداية للناس من الضلل ،ورحمة للمهتدين به كما هو رحمة
للمارقين من حيث تأخير عقوبتهم في الدنيا ،لعلهم يهتدون ..
فشريعة السلم رحمة كلها ..
ثالًثا -إن الرحمة كانت خصلة رسول الله – صلى الله عليه
وسلم – لم تفارقه قط في كل سيرته ،وفي كل مراحل حياته
وأحواله ،فكان – صلى الله عليه وسلم – كما قالت عائشة " :
خلقه القرآن " الذي هو رحمة !
وقد قال له ربه – يحثه على نهج الرحمة " : -خذ العفو وأمر
بالعرف وأعرض عن الجاهلين" ..أي خذ ما عفا لك من أفعال
الناس ،وأخلقهم ،ول تطلب منهم الجهد وما يشق عليهم حتى ل
5
ينفروا ..كقوله – صلى الله عليه وسلم " : -يسروا ول تعسروا
" ..
وقد أمره الله بالمعرف ،أي الجميل من الفعال والقوال ..ونهاه
عن مكافئة السفهاء بسفههم ،أو مماراتهم ،وأمره بالحلم عنهم،
والعراض عن إساءتهم .
لقد أمره الله أن يصل من قطعه ،ويعطي من حرمه ،ويعفو
عمن ظلمه ..وأرسله ليتمم مكارم الخلق ،وبشيًرا ونذيًرا
دا للعالمين ..وحجاًبا للعالمين من عذاب ومربًيا ومرش ً
الستئصال والنتقام العام في الدنيا ،لقوله تعالى :
" وما كان الله معذبهم وأنت فيهم " .
ومن رحمته – صلى الله عليه وسلم – أن كان على أعلى درجة
في الحرص على الناس والخوف الشديد عليهم من الهلك
والضلل ،ورغبته الشديدة في رفع العنت عنهم ،قال تعالى :
" لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم ،حريص
عليكم ،بالمؤمنين رءوف رحيم " .
عا – لقد رفع الله ذكر نبيه في محكم التنزيل ،ومن رفع اللهراب ً
ذكره ل يحط في الناس ،وإن اجتمعوا له ،وإنما يحطون من
أنفسهم .فما صدر من ذلك من قبل الرسوم الكاركاتورية التي
تسيء له ولدينه ،من رجل دين مسيحي متعصب ،أو إعلم غربي
مصهين ،بدعوى حرية التعبير ،إنما هي إساءة لكل البشرية .
وبالمثل تلك الساءات الخرى كتصريحات بابا الفاتيكان المسيئة
للنبي محمد – صلى الله عليه وسلم – أو صدور كتاب " نبي
الخراب " على أوسع نطاق لمؤلف يتهم رسول الله – صلى الله
عليه وسلم – بقطع الطريق والشذوذ الجنسي ..كلها تسيء –
في حقيقة المر -إلى تاريخ النسانية في حق النبياء والشرائع
السماوية .إنها ردة حضارية ! ونزعة إلحادية ! ونكسة آدمية !
تجاهلت حتى آراء المنصفين من علماء الغرب أنفسهم ،ممن
قالوا كلمة الحق وشهادة الصدق في النبي – صلى الله عليه
وسلم – وعرفت له مكانته .
سا -لقد جعل الله تعالى من محمد – صلى الله عليه وسلم خام ً
– " أسوة حسنة" وقدوة عظمى للمؤمنين ،يقتدي به كل إنسان
يريد أن يؤدي رسالة حضارية على كوكب الرض .قال تعالى " :
لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله
واليوم الخر " ..وهي شهادة من الله تعالى " لكريم خصاله –
صلى الله عليه وسلم . -
6
لقد أوجب الله التأسي به – صلى الله عليه وسلم – في كل أمور
عا من الرسل ،بل الدين ومهام الصلح .وهو مع ذلك ليس بد ً
كان بشًرا مثلهم ،كما في قوله تعالى " :قل سبحان ربي هل
كنت إل بشًرا رسول ً " ..أي رسول ً كسائر الرسول ،بشًرا كسائر
البشر ،فالقتداء به داخل في حدود البشرية ،وهو المؤمنون
مؤمورن بشرع الله كما في قوله تعالى " :فاستقم كما أمرت
ومن تاب معك ول تطغوا إنه بما تعملون بصير" ] هود،[112 :
إنها الستقامة التي صار عليها الرسول ،على جادة الحق ،غير
معلم الول والمرشد عادل عنها ،ول خارج عن حدود الله ،وكان ال َ
الكبر في إزالة الطغيان وردع الظالمين وحكام الجور ،وهو مع
ذلك رحمة للحكام والمحكومين ،ورحمة بالمة جمعاء .
7
ورحمته بالناس بإرساء قيم العدالة ،لسيما بين البناء والعدل
في الرث ،فل تجوز لوارث وصية في أكثر من الثلث ..
ورحمته بالبناء في حفظ النسب،في قوله " :الولد للفراش
وللعاهر الحجر" ،ومن ادعي إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه؛
فعليه لعنة الله والملئكة والناس أجمعين ،ل يقبل من صرف ول
عدل" ..
وقد ختم – صلى الله عليه وسلم – خطبته بقوله " :والسلم
عليكم ورحمة الله " .فختم كلمة الوداع ووصاياه بالسلم
والرحمة !
كما أدعو الله تعالى أن يرزق مؤلف هذا الكتاب الفذ في
موضوعه وفي منهج البحث الذي اتبعه في دراسته ،أحسن
الجزاء عما تجشم من جهد علمي في إعداد مادته ،والوفاء
طت حاجة ملحة لدى المة في بجوانب الموضوع التي غ ّ
التعريف بالسلم ،وخصائصه الحضارية ،ومميزاته التنويرية،
وشمائل نبيه محمد – صلى الله عليه وسلم – والتي أهمها
الرحمة التي تجلت في كل سيرته ،قبل البعثة وبعدها ،وفي
الحرب والسلم ،وفي تعامله مع الصديق والعدو ،وإيثار الرفق
والتيسير ،على العنف والتعسير ،والحوار على الصدام والبطش ،
والتعاون بين الناس على اختلف الملل والتوجهات في كل ما
تصلح به الحياة ،ويوفر المن لكل المواطنين ،ويحقق للبشرية
التنمية والسلم..
أكثر الله من أمثال باحثنا الكريم الستاذ محمد مسعد ياقوت،
ما فوق علم، وأمده بعونه ،وحفظه ،وزاده إيماًنا مع إيمان ،وعل ً
ونفع به الملة والمة وهدى به البشر.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين وكان
حق علينا نصر المؤمنين..
فريد عبد الخالق
8
9
تأملت في الرسالة والرسول
1
بقلم فضيلة الستاذ الدكتور أحمد إدريس الطعان
حيم ِ
ن الّر ِ
م ِ
ح َ سم ِ الل ّ ِ
ه الّر ْ بِ ْ
كمال ِ ِحيم ِ * َ ن الّر ِ م ِ ح َن * الّر ْ مي َب ال َْعال َ ِ مد ُ ل ِل ّهِ َر ّ
ح ْ ال ْ َ
صَرا َ
ط ن * اهْد َِنا ال ّ ست َِعي ُك نَ ْ ك ن َعْب ُد ُ وَإ ِّيا َ ن * إ ِّيا َ
َ دي ِي َوْم ِ ال ّ
ب
ضو ِ مغْ ُ م غ َي ْرِ ال ْ َ
ت ع َل َي ْهِ ْم َن أن ْعَ ْ ذي َط ال ّ ِ صَرا َ م* ِ قي َست َ ِم ْ ال ْ ُ
ن * آمين . ضاّلي َ م وََل ال ّ ع َل َي ْهِ ْ
والصلة والسلم على سيدنا محمد النبي المي الصادق المين
وعلى آله وصحبه الطييبين الطياهرين والتيابعين لهيم بإحسيان
إلى يوم الدين ،وبعد :يشعر الكاتب بالضآلة حين ينوي الكتابيية
عن سيد البشر محمد رسول الله ، لنه ل يجد في قاموسه
العبارات التي تترجم الشعور بأمانة للقارئ ،يكفيه أن رّبه عز
وجل وصفه بقوله :
ظيم ٍ ]سورة القلم آية .[4 : ق عَ ِ ك ل ََعلى ُ ُ وَإ ِن ّ َ
خل ٍ
إن هذه الجملة تتعاقب فيها كما هو واضييح -لميين يتييذوق لغيية
العرب -عناصر المدح والثناء بإلحاح شديد .
كما يقف الكاتب حائرا ً وهو يتأمل في قوله عز وجل:
َ
ن ] سورة النبياء آية ة ل ِل َْعال َ ِ
مي َ م ً ك إ ِّل َر ْ
ح َ سل َْنا َ وَ َ
ما أْر َ
[ 107
فهو عز وجل يحصر رسالة المصطفى في الرحمة
العالمية ،الرحمة الشاملة ،فهل تبقى أية قيمة لحديث البشر
بعد هذا الثناء الرباني والتوجيه الرحماني ؟!
لقد كان قلبه يفيض بالرحمة مذ كان طفل ً كيف ل وقد
غسلته الملئكة الكرام بها -أي بالرحمة -يوم كان يرعى
الغنام مع أبناء حليمة ! .ولقد رقق اليتم قلبه إذ ُولد يتيم الب
فلم يحظ بحنان البوة ،وحين ذهب ذات يوم مع أمه لزيارة قبر
أبيه ماتت أمه في الطريق فغسلت دموع أجفانه صفحات
قلبه .
معدما ً يرعى الغنم على قراريط وهذبه الفقر حين عاش ُ
لهل مكة ،فعاش حياة الفقراء واليتامى ،يشعر بمشاعرهم
ويتألم بآلمهم ،فأكسبه ذلك حسا ً مرهفا ً وشعورا ً نبيل ً دفعه
1الكاتب السلمي والستاذ بكلية الشريعة جامعة دمشق
10
لمباشرة العمل بالتجارة ،حتى ل يكون عبئا ً ثقيل ً على عمه أبي
طالب ،فخالط الناس وعاشر أصنافهم ،وخبر أخلقهم ،وأخذ
وأعطى بيعا ً وشراء ليعيش الواقع كما هو بحلوه ومره ،برخائه
وشدته .
حّبب الله جل وعل إليه ولكي ل ينجرف في تيار الواقع َ
الخلء ليعتزل الناس ،ويخلو بنفسه يراجعها يحاسبها ،ويعتني
بقلبه تزكية وتطهيرا ً ،ويتجه إلى ربه عز وجل تعبدا ً وتلقيا ً
وتفكيرا ً .
ولم يكن ذلك صدفة بل كان تقديرا ً إلهيًا ،وتدبيرا ً ربانيا ً
لرجل اختاره الباري جل شانه لعظم مهمة على مر الدهور،
مهمة الرسالة الخاتمة ،والرحمة الشاملة .
إنها مهمة ذات وجهين :
الول :الصلة مع الله عز وجل ،والنخراط في عالم
الملكوت ،والنسلخ من عالم الملك والشهادة ،والتلقي عن الله
تبارك وتعالى .
الثاني :التواصل مع الناس على سبيل البلغ والبيان
والهداية .
إنها مهمة عظيمة وخطيرة ،إنها مفترق الطرق بين عالم
الشهادة وعالم الغيب ،عالم الدنيا وعالم الخرة ،إنها صلة
الوصل بين عالمين .
ولذلك هيأه الله عز وجل ورباه لتحمل هذه المهمة ،فاتصل
بالناس ،وعرك الحياة بمرها ومرارها ،وخل بربه عز وجل ليصفو
قلبه من أدران الكون ،فيتهيأ عقله وتستعد روحه للتلقي عن
ون عز وجل . المك ّ
إن أصعب مهمة يعاني منها الدعاة اليوم هي النسلخ من
واقعهم العاجي والنخراط في الواقع العادي للناس .يعيش
الداعية معاني اليمان والهداية والتقوى فتصفو روحه وتميل إلى
الكتفاء بربها عز وجل خلوة وعبادة وتبتل ً ،فإذا ما شعر
بالمسؤولية تجاه الناس تبرمت روحه وضاقت ،لنه يريد العودة
بها من جديد إلى عالم الذى والهوى.
هذا على مستوى الدعاة المخلصين من آحاد المة فكيف
بالمصطفى ؟! إن حالته من أشق الحالت ،لنها تتضمن
النسلخ من البشرية إلى الملئكية لتلقي الوحي ،ثم الوب من
جديد إلى عالم البشر ،لتحمل مسؤولية كبرى ! ،وهل يرضى
11
النسان الذي يدخل الجنة ويعيش نعيمها وسعادتها أن يعود إلى
دنيا الهموم والحزان ؟!
إن أمر النتقال من عالم الشهادة إلى عالم الغيب أو من
عالم الملكوت إلى عالم الملك أشق – فيما أحسب -مما
نتصور إذا ما نظرنا إلى المر من زاوية السباب فقط.
ومن هنا كانت رسالة المصطفى هدفها المحوري هو
الرتقاء بالبشرية ،والصعود بالنسانية من المستوى البهيمي أول ً
إلى المستوى النساني ،ثم من أدنى درجة في النسانية إلى
أعلى درجة فيها حيث تبدأ الرتبة الملئكية .
إذن فالنسانية التائهة والبشرية الضائعة وجدت ضالتها في
بعثة النبي من حيث السمو والرفعة والمان ،لن الهدف هو
النسان والغاية هي سعادته ونجاته.
وإذا ما نظرنا في جوانب هذه البعثة السيمحاء سينجد ذليك
متجليا ً في مختلف الوامر والنييواهي ،سييواء القضييايا العقدييية أو
الوصايا الخلقية أو المسيائل التشريعية .
فللنسان تساؤلته الكبرى منذ أن ولد على ظهر هذه
الرض :من أنا ؟ ومن أين أتيت ؟ وكيف أتيت ؟ ولماذا أتيت ؟
وإلى أين المصير ؟ وما الغاية ؟ ولقد تتابع الوحي اللهي تترا
ُ سل ََنا ت َت َْرا ك ُ ّ َ
ة
م ًجاءَ أ ّ ما َ ل َ سل َْنا ُر ُ
م أْر َ كما قال عز وجل :ث ُ ّ
ث
حاِدي َ َ عل َْنا ُ رسول ُها ك َذّبوه َ َ
مأ َ ه ْ ج َ
و َ
ضا َ ع ً م بَ ْه ْ
ض ُ
ع َ عَنا ب َ ْفأت ْب َ ْ ُ ُ َ َ ُ
مُنونَ ] سورة المؤمنون آية . [ 44 ؤ ِوم ٍ َل ي ُ ْ دا ل ِ َ
ق ْ ع ً َ
فب ُ ْ
لكي يطمئن النسان ويريحه ،ويحل له ألغاز الوجود،
وينقذه من عذاب التساؤلت ،وظلم الحيرة ،وقلق الشك،
وكلما ابتعد النسان عن منارة الوحي هاجمته شكوكه ،وأقبلت
عليه وساوسه ،واستبد به شياطين النس والجن ،وأحدق به
أنصار الشر والفساد .فأراد الله عز وجل لهذه البشرية الهائمة
رسالة خالدة ،تحمل أجوبة خالدة ،تظل ماثلة أمام العقول،
وملمسة شغاف القلوب ،فكانت بعثة المصطفى ومعجزته
الخالدة المشرقة في القرآن الكريم .
ومن نعم الله عز وجل ورحمته بهذه المة أنه تفضل عليها
)( 1
بالقرآن ومثله معه أل إني أوتيت القرآن ومثله معه
ليكون بيانا ً ساطعًا ،ونورا ً مشرقًا ،يسد الباب أمام عشاق
()1سنن أبي داوود . 324 / 13ومسند المام أحمد 107 / 37برقم) ،(16546وهو صحيح ،ومخرج في
) تخريج المشكاة ( ) 163و( 4247
12
الوهام ،وخفافيش الظلم ،الذين ينشطون لشكلة الواضحات
وتعويص الهينات .فجاءت بحمد الله عز وجل :
َ
ت ل َك ُ ْ
م ِدين َك ُ ْ
م مل ْ ُ
م أك ْ َ و َ -رسالة كاملة شاملة ال ْي َ ْ
َ
م ِديًنا سَل َ م اْل ِ ْ ت ل َك ُ ُ ضي ُ وَر ِ
مِتي َ
ع َ عل َي ْك ُ ْ
م نِ ْ ت َ
م ُ
م ْ
وأت ْ ََ
] سورة المائدة آية . [ 3
غطت كل جوانب الحياة العقدية والتشريعية والخلقية،
وقام جهابذة العلم فيها بما يشبه المعجزة في التعليم والبيان ،
والتأليف والبداع في الصول والفقه والحديث والتفسير
والكلم ،وكل ذلك ظل دائما ً مشدودا ً إلى الصلين العظيمين
الكتاب والسنة.
س َ َ
د
ق ْ ها الّنا ُ ددة َ يا أي ّ َ ححة مس ّ هادية منيرة مص ّ -
َ
مِبيًنا م ُنوًرا ُ وأن َْزل َْنا إ ِل َي ْك ُ ْ م َ ن َرب ّك ُ ْ م ْ ن ِ ها ٌ م ب ُْر َ جاءَك ُ ْ َ
ْ َ
جاءَك ُ ْ
م قدْ َ ب َ ل الك َِتا ِ ه َ ] سورة النساء آية َ [ 174يا أ ْ
ب ن ال ْك َِتا ِ م َن ِ فو َ خ ُ م تُ ْ ما ك ُن ْت ُ ْ م ّ م ك َِثيًرا ِ ن ل َك ُ ْ سول َُنا ي ُب َي ّ ُ َر ُ
ن* مِبي ٌ ب ُ وك َِتا ٌ ه ُنوٌر َ ن الل ّ ِ م َ م ِ جاءَك ُ ْ قدْ َ ر َ ن ك َِثي ٍ ع ْ فو َ ع ُوي َ ْ َ
مه ْ ج ُ ر ُ خ ِوي ُ ْ سلم ِ َ َ ل ال ّ سب ُ َ ه ُ وان َ ُ ض َ ر ْ ع ِ ن ات ّب َ َ ّ
م ِ ه َ ه الل ُ دي ب ِ ِ ه ِ يَ ْ
طصَرا ٍ م إ َِلى ِ ه ْ دي ِ ه ِوي َ ْ ه َ ر ب ِإ ِذْن ِ ِ ت إ َِلى الّنو ِ ما ِ ن الظّل ُ َ م َ ِ
قيم ٍ]سورة المائدة آية [ 16 – 15تخرج الناس من ست َ ِ م ْ ُ
الظلمات إلى النور :من ظلمة الجهل إلى نور العلم ،ومن
ظلمة الكفر إلى نور اليمان ،ومن ظلمة المعصية إلى نور
الطاعة ،ومن ظلمة الشك إلى نور اليقين ،ومن ظلمة الخوف
إلى نور الرجاء والمان ،ومن ظلمة الجور إلى نور العدل
والقسط ،ومن ظلمة العصبية والجاهلية إلى نور الخوة
النسانية .
-واضحة بينة " :بيضاء ليلها كنهارها ل يزيغ عنها إل هالك
" ) ( 1ل لبس فيها ول غموض ،ول رموز ول كتمان ،إنها أجلى
من الشمس في رابعة النهار غير أن العشى ل يراها والعمى ل
يستفيد من نورها .
ن
م ْن ِ دي ِفي ال ّ م ِعل َي ْك ُ ْل َ ع َج َ
ما َ -ليس فيها حرج َ :
و َ
ج ] سورة الحج آية [ 78 حَر ٍ َ
هاع َ
س َو ْسا إ ِّل ُ
ف ً ه نَ ْ ف الل ّ ُ
سهلة يسيرة َ :ل ي ُك َل ّ ُ -
ها ]سورة البقرة آية "" [ 286إن هذا الدين يسر ولن لَ َ
()1راجع سنن أبي داوود – المستدرك على الصحيحين للحاكم – مسند المام أحمد – سنن ابن ماجه – المعجم
الكبير للطبراني .
13
)( 1
"" .يسروا ول تعسروا وسكنوا يشاد الدين أحد إل غلبه " ..
ول تنفروا "" ). ( 2
-فيها تنوع وثراء في تشريعاتها وتوجيهاتها ،تمد الوجود
الواقعي والحياتي دائما ً بمعطياتها ونصائحها دون عسف أو غمط
للواقع ،ودون إهمال أو تفريط به .
وفيها تنوع في خطابها بحسب أصناف الناس -
وقدراتهم وطاقاتهم من تقاعس أو نشاط ،وقوة أو ضعف ،
فتشجع القوي والنشيط وتحثه على المزيد "" المؤمن القوي
خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف"" ) ( 3ولكنها ل تقنط
الضعيف والفقير "" ففي كل خير "" -وتراعي حال المريض
عَلى وَل َ ء َ فا ِ ع َ ض َ عَلى ال ّ س َ والمحرج والمضطر ل َي ْ َ
ذا ج إِ َحَر ٌ ن َ قو َ ف ُ ما ي ُن ْ ِ ن َ دو َ ج ُ ن َل ي َ ِ ذي َ عَلى ال ّ ِ وَل َ ضى َ مْر َ ال ْ َ
والل ّ ُ
ه ل َ سِبي ٍ ن َ م ْن ِ سِني َ ح ِ م ْعَلى ال ْ ُ ما َ ه َ سول ِ ِ وَر ُ ه َ حوا ل ِل ّ ِ ص ُ نَ َ
عَلى س َم ] سورة التوبة آية [ 91 :ل َي ْ َ حي ٌ فوٌر َر ِ غ ُ َ
َ َ
ض
ري ِ م ِعَلى ال ْ َ وَل َ ج َ حَر ٌ ج َ عَر ِ عَلى اْل ْ وَل َ ج َ حَر ٌ مى َ ع َ اْل ْ
وَل غ َ غي َْر َبا ٍ ضطُّر َ نا ْ م ِ ف َ ج ]سورة النور آية َ [ 61 : حَر ٌ َ
م ]سورة البقرة آية حي ٌ فوٌر َر ِ ه َ
غ ُ ن الل ّ َ ه إِ ّ عل َي ْ ِ
م َ فَل إ ِث ْ َعاٍد َ َ
[ 173
ول تؤيس العاصي والمخطئ بل تدعوه إلى التوبة -
ّ َ ْ َ ّ َ
ن
حو َ م تُ ْ
فل ِ ُ علك ُ ْ نل َ مُنو َ م ْ
ؤ ِ ها ال ُ عا أي ّ َ
مي ًج ِه َ وُتوُبوا إ ِلى الل ِ َ
] سورة النور آية [ 31إّل ال ّذين َتابوا َ
وب َي ُّنواحوا َ صل َ ُوأ ْ َ ُ ِ َ َ ِ
م ] سورة ب َ َ فُأول َئ ِ َ َ
َ
حي ُ
ب الّر ِ وا ُ
وأَنا الت ّ ّ م َ ه ْعلي ْ ِ ك أُتو ُ
البقرة آية .[160 :
)( 4
. "" التائب من الذنب كمن ""..
ول تقطع أمل المنحرف والمسرف على نفسه بل -
نذي َي ال ّ ِعَباِد َ
ل َيا ِ ق ْ تفتح له نافذة من الرجاء والمل ُ
ن ة الل ّ ِ
ه إِ ّ م ِ
ح َ
ن َر ْ
م ْطوا ِ قن َ ُم َل ت َ ْ ه ْس ِف ِعَلى أ َن ْ ُ
فوا َ سَر ُ أ ْ
َ
م حي ُفوُر الّر ِ غ ُو ال ْ َه َ
ه ُ عا إ ِن ّ ُ
مي ًج ِب َفُر الذُّنو َ غ ِ الل ّ َ
ه يَ ْ
] سورة الزمر آية [ 53لحظ كيف يصف المسرفين بأنهم
عباده ويضيفهم إلى نفسه سبحانه وتعالى ،ثم ينهاهم عن
القنوط واليأس من رحمة الله ،ثم يعدهم بمغفرة الذنوب
جميعا ً دون استثناء ،ثم يعقب ذلك بوصف نفسه جل وعل
راجع صحيح البخاري برقم ) – (38وسنن النسائي . ( )1
راجع صحيح البخاري – وصحيح مسلم . ( )2
راجع صحيح مسلم وسنن النسائي وابن ماجه . ( )3
سنن البيهقي الكبرى وشعب اليمان للبيهقي أيضًا وسنن ابن ماجه والمعجم الكبير للطبراني . ()4
14
بالمغفرة والرحمة .ثم تأمل في هذه الية كم فيها من معاني
ش ً َ عُلوا َ
وةأ ْ ح َ فا ِ ذا َ
ف َ ن إِ َ وال ّ ِ
ذي َ الرجاء للعصاة والمذنبين َ
ن
م ْ و َم َ فُروا ل ِذُُنوب ِ ِ
ه ْ غ َ ست َ ْ
فا ْ ه َ م ذَك َُروا الل ّ َ ه ْ س ُ موا أ َن ْ ُ
ف َ ظَل َ ُ
م
ه ْو ُعُلوا َ ما َ
ف َ عَلى َ صّروا َ م يُ ِ ول َ ْ ب إ ِّل الل ّ ُ
ه َ فُر الذُّنو َ غ ِيَ ْ
ن ] سورة آل عمران آية [ 135 مو َعل َ ُيَ ْ
وي بين الكسول كما أنها بعدلها وإنصافها ل تس ّ -
المتقاعس والنشيط الجاد ،ول بين المهمل المقصر وصاحب
الهمة والعزيمة ،بل تفتح الباب لكل واحد منهما للرقي
والسمو ،وذلك عبر المراتب الثلث :السلم واليمان
والحسان .
فمن أراد أن يرقى فدونه الجبل ل أحد يمنعه ،ودونه القمة
عى س َ و َ خَرةَ َ ن أ ََرادَ اْل َ ِ م ْ و َ فليتسلق إليها ل أحد يدفعه َ .
كوًرا ش ُ م ْ م َ ه ْ عي ُ ُس ْن َ كا َ ك َ فُأول َئ ِ َ ن َ م ٌ ؤ ِم ْ و ُ ه َ و ُ ها َ عي َ َ س ْها َ لَ َ
]سورة السراء آية [ 19فمن يعمل ويسعى ويجاهد ليس
م
ه ْ دي َن ّ ُه ِفيَنا ل َن َ ْ دوا ِ ه ُجا َ ن َ ذي َ وال ّ ِ كمن ينام ويتقاعس َ
ن ] سورة العنكبوت آية 6 سِني َ ح ِ م ْ ع ال ْ ُ م َ ه لَ َ ن الل ّ َ وإ ِ ّ سب ُل ََنا َ ُ
وليس الناس على درجة واحدة من الهمة والعزيمة والقصد
صط َ َ َ
مه ْ من ْ ُ ف ِ عَباِدَنا َ ن ِ م ْ في َْنا ِ نا ْ ذي َ ب ال ّ ِ وَرث َْنا ال ْك َِتا َ مأ ْ ثُ ّ
ت
خي َْرا ِ ق ِبال ْ َ ساب ِ ٌ م َ ه ْ من ْ ُ و ِصدٌ َ قت َ ِ م ْ م ُ ه ْ من ْ ُ و ِ ه َ س ِ ف ِ م ل ِن َ ْ ظال ِ ٌَ
ل ال ْك َِبيُر ] سورة فاطر آية 32 ض ُ ف ْ و ال ْ َ ه َ ك ُ ه ذَل ِ َ ن الل ّ ِ ب ِإ ِذْ ِ
[
طموح ويعلم أبناءه الطموح والهمة العالية "" -والسلم َ
يقال لقارئ القرآن اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل
)( 1
ي بالعمل ،بل وبإتقان العمل ويربط الرق ّ في الدنيا "...
أيضًا ،ويدعو أبناءه إلى طلب القمة والسعي إليها "" إذا
)( 2
سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس العلى ""
هذه رسالة محمد ، رسالة النسان ،رسالة السعادة ،
رسالة الحضارة رسالة العدالة ،رسالة الرحمة .ل تنظر إليها
وف إلى سعادة النسان من زاوية من الزوايا إل وتجد فيها التش ّ
وراحته ،ومنفعته وقد يدرك النسان أبعاد هذه المنفعة
والسعادة وقد تخفى عنه فل يلحظها إل بعد حين .
إنها رسالة تراعي سر الخلق في كيان النسان ،لنها تنزيل
َ
ف
طي ُو الل ّ ِ
ه َ
و ُ خل َ َ
ق َ ن َ
م ْ عل َ ُ
م َ من العليم الخبير أَل ي َ ْ
. ()1سنن الترمذي وسنن النسائي الكبرى وصحيح ابن حبان ومسند المام أحمد والمعجم الكبير للطبراني .
()2صحيح ابن حبان والمعجم الكبير للطبراني .
15
ون من جسد خِبيُر ]سورة الملك آية [ 14فالنسان مك ّ ال ْ َ
س وعقل وقلب وروح ،هذه هي كينونة النسان ،وكل جزءٍ ونف ٍ
من هذه الكينونة له متطلباته وحاجاته ،له غذاؤه الذي يليق به ،
فجاءت رسالة السلم خاتمة الرسائل متوائمة مع متطلبات
هذه الكينونة ،تقيم التوازن في تلبية حاجاتها ،وإن أي خلل في
تلبية أجزاء هذه الكينونة يؤدي إلى شقاء النسان ،فللروح غذاء
العبادة والتبتل ،وللجسد غذاء الطعام والشراب،وللنفس
الطيبات من الرزق ،وللعقل العلم والمعرفة ،وللقلب التفكر
والتدبر ،وإذا ما طغى جانب من هذه الجوانب على غيره فإنه
يؤدي إلى اختلل في توازن النسان ،وانفراط في نظامه
ن لَ ُ
ه فإ ِ ّري َكْ ِ ن ِذ ع ْ
ض َ عَر َ ن أَ ْ م ْو َفيشقى النسان َ
مى ]سورة طه َ م ال ْ ِ ح ُ ضن ْ ً عي َ
ع َةأ ْ م ِ
قَيا َ و َشُرهُ ي َ ْ ون َ ْ
كا َ ة َش ً م َِ
آية . [ 124
فجاءت رسالة محمد رسالة الرحمة لتحفظ نظام الكيان
النساني من النفراط ،وعقد الكينونة من الختلل ،فأعطت
عي ْن ِ َ
ك ن لِ َوإ ِ ّ قا َ ، ح ّ ك َعل َي ْ َ
ك َد َس ِ ج َن لِ َ كل ذي حق حقه "" َ
فإ ِ ّ
عل َي ْ َ
ك ك َ ر َ و ِ ن ل َِز ْوإ ِ ّ قا َ ، ح ّ ك َعل َي ْ َ
ك َ ج َ و ِ ن ل َِز ْ
وإ ِ ّ
قا َ ، ح ّك َعل َي ْ َ
َ
ورفضت نظام الترهبن والنسحاب من الحياة )( 1
قا""... ح ّ َ
"" أما إني لخشاكم لله وأتقاكم له وإني أصوم
وأفطر وأصلي وأرقد ،وأتزوج النساء فمن رغب عن
سنتي فليس مني "" ). ( 2
فكانت تشريعا ً معجزا ً بديعًا ،تستطيع أن تقول وأنت واثق
من نفسك :إن نظام الرسالة المحمدية الكوني ينسجم تماما ً
ل رائع آيات القرآن مع آيات الكون، مع الكون ،وتتطابق بشك ٍ
ل عجيب مع كذلك إن نظام الرسالة التشريعي يتطابق بشك ٍ
َ
ن
م ْم َ عل َ ُ
نظام الكينونة النسانية فردا ً ومجتمعا ً أَل ي َ ْ
خِبيُر ]سورة الملك آية . [ 14 ف ال ْ َ طي ُو الل ّ ِ ه َو ُ
ق َخل َ َ َ
هذه رسالة السلم ،رسالة النسان ،رسالة الرحمة اللهية
،وفي كثير من الحيان يجهل النسان بدوافع من رغباته
وأهوائه كم هو محظوظ ،لنه يتقلب في ربيع النعمة اللهية ،
والبركة المحمدية فيعرض النسان فردا ً أو جماعة عن الحتماء
بمظلة السلم ،ويهيم ملحقا ً شهواته في فيافي الوهام،
ومفاوز الثام ول يكتشف ضلله وضياعه إل بعد فوات الوان ،
وكان يكفي النسان لكي يقي نفسه هذا الضلل والتيه أن يثق
16
بربه عز وجل ،ويقبل رسالته الهادية ،ويقبل رسوله المبّلغ
شر ،ويعتصم بحبله المتين ،ونوره المبين ،فيوفر على نفسه المب ّ
ألوانا ً من الضنك وأشكال ً من الخيبة في مسيرة الحياة .
وهذا ما عمل وجاهد من أجله النبياء جميعا ً عبر الحقاب
الزمنية المتوالية ،ثم جاء خاتمهم المصطفى ليكمل البناء
وينير الطريق وينشر العدل ويتمم الهداية .
فكان المثل العلى للبشرية في الخلق والعمال ،وكان
السوة الحسنة لمن أراد أن يرقى في مدارج الكمال ،وكان
النموذج المتألق في التأنق والتحضر والجمال ،وكان العلم
الباسق في الرزانة والرصانة والثقة والتزان والعتدال .
ولم يكن منفصل ً عن الناس يعيش في برجه العاجي ،بل
كان يأكل مما يأكلون ويشرب مما يشربون وينام كما ينامون .
"" ينام على الحصير فيؤثر في جنبه حتى يبكي سيييدنا عميير
)( 1
تأثرا ً على حال رسول الله صلى الله عليه وسلم ""
"" وتمر الليالي والشهور ول يوقد في بيته نار ""
) ( 2أي ل يوجد ما يطبخونه.
)( 3
"" ويشد الحجر على بطنه من الجوع ""
"" ويمر على نسائه فل يجد طعاما ً فيقول إني
صائم "" ). ( 4
"" ويطوي اليام ثم إذا وجد الخل أكل منه فحمد
)( 5
الله ثم قال نعم الدام الخل "" .
ما
ه َعل َي ْ ِ
زيٌز َ ع ِ
م َ سك ُ ْ ف ِن أ َن ْ ُ
م ْ ل ِ سو ٌ م َر ُ جاءَك ُ ْ
قدْ َََ
م... حي ٌ
ف َر ِ ءو ٌ ن َر ُمِني َ م ْ
ؤ ِ م ِبال ْ ُعل َي ْك ُ ْص َ ري ٌح ِ
م َ عن ِت ّ ْ
َ
فسنا،فسنا ومن أن َ ] سورة التوبة آية . [ 128أجل إنه من أن ُ
حريص علينا ،شفوق بنا ،يحزنه عصياننا وانحرافنا ،رؤوف رحيم
بنا ،يقف على الصراط ويقول :
17
" رب سيييلم رب سيييلم "" ) ( 1ويطيـــل الســـجود والـــدعاء
والتبتل يدعو لمته بالنجــاة والســعادة والهدايــة .ويــوم
القيامة يسجد تحت العرش فل يرفع رأسه حــتى يقــال
له :إرفع رأسك ،وسل تعييط ،واشييفع تشييفع ! فيقييول :يييارب
أمتي ( 2) .لقد جعل همه هما ً واحدا ً هو رضوان الله جــل
شأنه ،وتفرع عن هذا الهم حرصــه الشــديد علــى أمتــه
رحمة ورأفــة ورجــاءً وهــذا مــا يعــبر عنــه هــذا الحــديث
ع الشريف "" حدث َنا أ َبو الزناد ع َن ع َبد الرحمن أ َنه حدث َ َ
م َ سي ِ ه َ ه أن ّ ُ ْ ْ ِ ّ ْ َ ِ ّ ُ َ ّ ُ ّ َ ِ َ ّ َ ُ
ل الل ّيهِ -صييلى اللييه سييو َ َ َ
معَ َر ُ سي ِه َ أَبا هَُري َْرة َ -رضى الله عنه -أن ّي ُ
ل جي ٍ ل َر ُ مث َي ِ س كَ َ ل الن ّييا ِ مث َي ُ مث َل ِييى وَ َ مييا َ ل » :إ ِن ّ َ قييو ُ عليييه وسييلم -ي َ ُ
ل ال ْ َ َ
ب ش وَهَيذ ِهِ اليد َّوا ّ فيَرا ُ جعَ َ ه َ حوْل َ ُ ما َ ت َ ضاَء ْ ما أ َ ست َوْقَد َ َناًرا ،فَل َ ّ ا ْ
نمي َ ح ْ ه فَي َ ْ
قت َ ِ ن وَي َغْل ِب ْن َي ُ ل ي َن ْزِع ُهُي ّ جعَي َ ن ِفيَها ،فَ َ قعْ َ قعُ ِفى الّنارِ ي َ َ ال ِّتى ت َ َ
َ َ
جزِك ُ ْ خذ ُ ب ِ ُ ِفيَها ،فَأَنا آ ُ
)( 3
ن ِفيَهييا "" . مييو َ ح ُ قت َ ِ م تَ ْ ن الّنارِ ،وَأن ْت ُ ْ م عَ ِ ح َ
إن غايته الكبرى هي نجاة أمته ،نجاتها فــي الــدنيا مــن
دار الغرور ،وفي الخرة من العذاب الحرور ،فهــو لــم
يكن يخشى علينا الفقر ،بل كان خوفه علينا من الــدنيا
وانبساطها وإغرائها أشد كما قال للنصار ذات يوم » :
َ
م، شييى ع َل َي ْك ُي ْ خ َ قيَر أ َ ْ ف ْ مييا ال ْ َ والل ّهِ َ م ،فَ ي َ سيّرك ُ ْ مييا ي َ ُ مُلوا َ
َ
شُروا وَأ ّ فَأب ْ ِ
َ وَل َك ِّنى أ َ ْ
م ن قَب ْل َك ُ ْ م ْ ت ع ََلى َ سط َ ْ ما ب ُ ِ م الد ّن َْيا ك َ َ ط ع َل َي ْك ُ ُ س َ ن ت ُب ْ َ شى أ ْ خ َ
ها ،وتهل ِك َك ُم ك َ َ
ما أهْل َك َت ْهُ ْ ما ت ََنافَ ُ ها ك َ َ ،فَت ََنافَ ُ
)( 4
م«. ْ َ َُْ سو َ سو َ
ك دى ب ِ َ ه َ ن يُ ْ ه لَ ْ والل ّ ِ ف َوقال لسيدنا علي يوم خيبر َ "" :
لنه سيكون )( 5
عم ِ « ر الن ّ َ م ِ ح ْ ن ُ م ْ ك ِ خي ٌْر ل َ َ حدٌ َ وا ِ ل َ ج ٌ َر ُ
سببا في إنقاذ رجل -بل ربما أسرة ممتدة إلى يوم القيامة -من ً
الشقاء البدي والجحيم السرمدي .
لقد كانت رسالته أشبه بالمظلة الباردة في اليوم القائظ
،وأشبه بالركن الدافئ في البرد القارس ،وأشبه بالغيث الصّيب
في في السنة الجائحة القاحلة ،وهكذا شبه رسول الله بعثته
نم َل ِ ج ّ و َعّز َ ه َ ه بِ ِ عث َِنى الل ّ ُ ما ب َ َ ل َ مث َ َ ن َ المباركة فقال » :إ ِ ّ
َ َ
ها من ْ َت ِ كان َ ْ ف َ ضا َ ب أْر ً صا َ ثأ َ غي ْ ٍ ل َ مث َ ِ عل ْم ِ ك َ َ وال ْ ِ دى َ ه َال ْ ُ
ب ال ْك َِثيَر َ قبل َت ال ْماءَ َ َ
ش َ ع ْ وال ْ ُ ت ال ْك َل َ فأن ْب َت َ ِ َ ة َ ِ ِ ة طَي ّب َ ٌ ف ٌطائ ِ َ َ
َ َ
سها الّنا َ ه بِ َ ع الل ّ ُ ف َ فن َ َ
ماءَ َ ت ال ْ َ سك َ ِ م َ بأ ْ جاِد ُ ها أ َ من ْ َن ِكا َ و َ َ
خَرى ُ
ها أ ْ َ َ َ َ ف َ َ
من ْ َة ِ ب طائ ِف ً صا َ وأ َ وا َ ع ْوَر َ وا َ سق ْ و َ ها َ من ْ َرُبوا ِ ش ِ
الحديث في صحيح مسلم . ()1
الحديث في صحيح البخاري . () 2
الحديث في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما . () 3
أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما . ()4
أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما . ( )5
18
لمث َ ُ ك َ ت ك َل ً َ
فذَل ِ َ ول َ ت ُن ْب ِ ُ ماءً َ ك َ س ُ م ِ ن ل َ تُ ْ عا ٌ قي َ ى ِ ه َ ما ِ إ ِن ّ َ
معل ِ َف َه َ ه بِ ِعث َِنى الل ّ ُ ما ب َ َ ه بِ َ
ع ُ ف َ ون َ َه َ ن الل ّ ِ فى ِدي ِ ه ِ ق َ ف ُ ن َ م ْ َ
دى ْ ْ َ ْ َ َ َ َ ُ َ ّ
ه َ م ي َقب َل ُ ول ْسا َ ع ب ِذل ِك َرأ ً م ي َْرف ْ نل ْ م ْ مثل َ و َم َ عل َ و َ َ
أجل إنه كالغيث الهامع لهذه )( 1
ه «. ْ ُ ّ ّ
ت بِ ِ سل ُ ذى أْر ِ ه ال ِ الل ِ
البشرية الشاخصة إلى السماء ،أحيا الله به قلوبا ً غلفا ً ،وأعينا ً
عميا ً ،وآذانا ً صما ً ،بل أحيا به الباري عز وجل أمة كانت في
مجاهيل النسيان ،وبراثن الجهل ،ومخالب الشتات والفرقة،
فجعل منها أمة محورية بين المم ،وحضارة مركزية بين
الحضارات ،أقامت راية السماحة والمحبة ،ونصبت ميزان العدل
والمساوة ،وأنارت دروب العلم والمعرفة فكانت مثال ً ُيحتذى
ونبراسا ً يقتدى .
هذه رسالة محمد ذلكم الطفل اليتيم الذي نشأ
وترعرع في ربوع مكة يرعى أغنامها ،ويراقب أحلمها ،ويعايش
شبابها ،ويرافق تجارها ،ويخالط زعماءها ،ويحضر مجالسها
وأحلفها – حلف الفضول – ويشارك في حروبها – حرب الفجار –
فكان مثال ً للرجولة ،وعنوانا ً للخلق ،ونبراسا ً للصدق والمانة،
فاستحق بجدارة لقب الصادق المين من أعدائه وخصومه قبل
أقربائه وأصدقائه .فتهيأ لتحمل المسؤولية العظمى بأن يكون
رسول ً للناس أجمعين ،ورحمة مهداة للعالمين ،ومبلغا ً ليات
الوحي المبين .
فكييان بييإزاء هييذه النعميية الكييبرى عليييه ،وهييذا الفضييل
مييا ك َ ميي َة وَع َل ّ َ حك ْ َ
م َ ب َوال ْ ِ ك ال ْك َِتا َ
ه ع َل َي ْ َ ل الل ّ ُالرباني العظيم وَأ َن َْز َ
ما ]سورة النساء آييية ظي ً
ك عَ ِ ل الل ّهِ ع َل َي ْ َ ض ُن فَ ْ م وَ َ
كا َ ن ت َعْل َ ُ
م ت َك ُ ْ لَ ْ
[ 113ل يرى نفسه إل عبدا ً لله عز وجييل "" يجييوع يوم يا ً فيصييبر
ويييدعو ويتضييرع إلييى ربييه عييز وجييل ،ويشييبع يوميا ً فيشييكر ربييه
ويحمده " ) ( 2يرجو رحمة الله ويخيياف عقييابه سييبحانه وتعييالى
خ َ َ
مل ُي ُ
ه دا ع َ َحي ً لأ َ ن ي ُيد ْ ِ أليس هو القائل صلى الله عليه وسلم » :ل َ ْ
َ َ ل الل ّيهِ قَييا َ َ
نل » ل َ ،وَل َ أن َييا إ ِل ّ أ ْ سييو َ ت ي َييا َر ُ ة « َ .قاُلوا وَل َ أن ْي َ ال ْ َ
جن ّ َ
مد َِنى الل ّ ُ
). ( 3
ة« م ٍ
ح َل وََر ْ ض ٍف ْه بِ َ ي َت َغَ ّ
وبرغم ما أكرمه الله عز وجل به من النصر العزيز،
والفتح المبين لم يشمخ بأنفه إلى السحاب كما يفعل
()1أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما .
()2عن أبي أمامة الباهلي ،أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال » :عرض علي
ربي عز وجل أن يجعل لي بطحاء مكة ذهبا ،فقلت :ل يا رب ،ولكن أجوع يوما
وأشبع يوما ،فإذا شبعت حمدتك وشكرتك ،وإذا جعت تضرعت إليك ودعوتك « .راجع
شعب اليمان للبيهقي 21 / 343وحلية الولياء لبي نعيم الصبهاني . 8 / 133
()3أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما .
19
القادة عادة ،ولم يصدع رؤوس الناس بعظمته
كل بأعدائه وخصومهوانتصاراته كما يفعلون عادة ،ولم ُين ّ
الذين آذوه وطردوه وقتلوا أصحابه وأحبابه ،بل قال
كلمته المشهورة التي ينبغي أن ُتكتب برؤوس البر
على آماق البصر ،وبماء الذهب على شغاف القلب ،قال
"" اذهبوا فأنتم الطلقاء "") ( 1لمن ؟!
لمن طردوه وآذوه أشد الذى ،وقاتلوه أشد القتال،
وتكالبوا عليه ،وأّلبوا عليه العرب ،وقتلوا أعز الناس على
قلبه ! قال لهم :اذهبوا فأنتم الطلقاء ! .
يدخل الفاتحون المنتصرون عادة إلى البلدان
المهزومة بالزغاريد والشموخ والبهة والعظمة ،فكيف
دخل المصطفى مكة المكرمة ؟
دخل وهو يركب فرسه متواضعا ً متخشعا ً لله عز
وجل ،يترنم بسورة الفتح ويتطلع إلى السماء شاكرا ً
لربه عز وجل ،ومستمطرا ً رحمته وكرمه .
إن حالة دخوله إلى مكة فاتحا ً منتصرا ً وحوله
كتيبته الخضراء ،هذه الحالة من التواضع والتذلل في
مثل هذا الموطن الذي يدعو إلى الزهو والتعاظم ،لهي
رسالة إلى كل عقل حر ،وقلب حي ،وإنسان صادق
في بحثه عن الحقيقة تخبره عن حقيقة هذا الرجل من
هو ؟! أهو طالب ملك ؟ ها هو الملك بين يديه فلماذا ل
يتعاظم به؟ أهو رائد دنيا وعظمة ؟ ها هي الدنيا
والعظمة تتضاءل بين يديه فلماذا ل يمتلكها ؟ أم هو نبي
مرسل يرجو رحمة ربه ويخاف عذابه ويبتغي رضوانه ؟
أجل لقد اقترب منه رجل أعرابي فرأى حوله جنده
وجيشه غاطسون في الحديد ،فأخذته رعدة من الخوف
فهدأ النبي من روعه وقال له :ياأخا العرب إنما أنا
ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة )! ( 2
أجل إنه في هذه اللحظة الحاسمة بعد عشر
سنوات من الجهاد والحروب ها هي مكة بين يديه ،
وأهلها طوع أمره ،وعتاتها وطغاتها في قبضته ،إنها
صورة رائعة تدعو إلى التطاول والكبرياء ،وتغري
. ()1انظر السنن الكبرى للبيهقي وسيرة ابن هشام وسائر المصنفات في السيرة أثناء الحديث عن فتح مكة
()2سنن أبي داود ) (3303وهو في " السلسلة الصحيحة " 496 / 4
20
دبه ربه عز وجل فأحسن تأديبه، بالنتقام ،ولكنه وقد أ ّ
كر أن هذا فضل من الله عز وجل ،وكرم وتوفيق تذ ّ
ونصر منه سبحانه وتعالى ،ثم عاد مباشرة بذاكرته إلى
اليام الخوالي ،يوم كان طفل ً يتيما ً فقيرا ً ُ
معدماً ،يوم
كانوا يرشون التراب في وجهه ،يوم كان يرعى الغنام،
يوم الطائف ،يوم الجزور ،يوم الحصار والجوع ،ثم توقف
عند صورة مؤثرة هي :يوم كان يأكل القديد مع أمه
بمكة !! أجل ياأخا العرب فأنا ابن امرأة كانت تأكل
القديد بمكة ! .
في وسط البهجة والنتصار ،وفي وسط المجد
والفخار ،وفي وسط العزة والقتدار ،يتذكر وُيذ ّ
كر النبي
بحالة ضعفه وفقره لينفعل مع جيشه وجنده والناس
جميعا ً بالشكر لله عز جل ،فكل ما هو فيه الن هو
محض فضل وإنعام من الله جل وعل.
ولم يستطع بعض أصحابه أن يئد حالة الزهو
والفخر في كيانه ،فقال وهو يمر على بعض سادة قريش
الواجمين المنكسرين :اليوم يوم الملحمة ،وُنقل ذلك له
فقال :بل اليوم يوم المرحمة ) ، ( 1ونزع اللواء من
صاحبه وأعطاه لبنه – لبن صاحب اللواء -وهنا تتجلى
رحمة النبي وسياسته في إصلح الخطاء ،وتأليف
القلوب ،وتضميد الجراح ،وتنظيف الصدور ،وتطييب
الخواطر .
إنه قد كف نفسه عن شهوة السلطان والملك،
وغرور القوة والتمكين ،ورغبة التشفي والنتقام ،وأراد
للناس جميعا ً أن يتعايشوا متحابين متكافلين تحت مظلة
التوحيد والعدل .
جاءه عثمان بن طلحة بمفاتيح الكعبة ،فتناولها منه
النبي ففتح الكعبة المشرفة وصّلى فيها ثم أعادها
إليه وقال له :خذوها ل ينزعها منكم إل ظالم .ول شك
أن عثمان خجل من نفسه ،وتمنى لو تبتلعه الرض حين
فاجأه النبي بهذا الكلم ،ذلك لنه يذكر يوما ً آخر في مكة
ذبا ً قبل هذا اليوم ،حين كان النبي فقيرا ً وحيدا ً ُ
مك ّ
طريدًا ،فقد طلب منه النبي المفاتيح ،فأبى عثمان،
فقال له النبي :كيف بك ياعثمان ذات يوم والمفاتيح
()1أخرجه البخاري وفيه زيادات مختلفة عند البيهقي في السنن ودلئل النبوة له أيضًا والمعجم الكبير
للطبراني ،وتراجع كتب السيرة المختلفة عند قصة الفتح . .
21
بيدي أضعها حيث أشاء؟ فقال له عثمان :لقد ذّلت
مرت قريش يومئذ وهانت ،فقال المصطفى : بل ع َ َ
وعزت ). ( 1
كره النبي بذلك فقال له :ألم يكن الذي وقد ذ ّ
قلت لك ؟ ولكن ل ليجرح خاطره ،وإنما ليزيده إيمانا ً
بنبوته ،وقد فهم عثمان الرسالة فقال :بلى أشهد أنك
رسول الله .وبدل ً من التفكير بالنتقام أكرمه النبي
غاية الكرام .أجل إنه يتمّثل قول الله عز وجل :
ل ] الحجر آية [ 85 مي َ ج ِح ال ْ َف َ ص ْ ح ال ّ ف ِص َ فا ْ َ
ن الل ّ ِ
ه م َ ة ِم ٍح َ ما َر ْ فب ِ َوقول سبحانه وتعالى فيه َ :
ضوا ف ّ ب َلن ْ َ قل ْ ِ ظ ال ْ َ غِلي َ ظا َ ف ّ ت َ و ك ُن ْ َ ول َ ْم َ ه ْ ت لَ ُ
ل ِن ْ َ
م ] سورة ه ْ فْر ل َ ُ غ ِست َ ْوا ْ م َ
ه ْ عن ْ ُف َ ع ُ فا ْ ك َ ول ِ َح ْ ن َ م ِْ
آل عمران آية [ 159
هكذا كانت رسالته ،وهكذا كانت دعوته :المحبة
التسامح ،والعفو والرحمة ،والتواضع لله جل شأنه .
هَري َْرةَ -رضى الله ن أ َِبى ُ ع ْ تأمل في قوله َ "" :
َ
ه -صلى الله عليه وسلم - ل الل ّ ِ سو َ ن َر ُ عنه -أ ّ
لمث َ ِ قب ِْلى ك َ َ ن َ م ْ ء ِ ل ال َن ْب َِيا ِ مث َ َ و َ مث َِلى َ ن َ ل » إِ ّ قا َ َ
َ َ
ع ل َب ِن َ ٍ
ة ض َ و ِم ْه ،إ ِل ّ َ مل َ ُ ج َوأ ْ ه َ سن َ ُح َ فأ ْ ل ب ََنى ب َي ًْتا َ ج ٍ َر ُ
نجُبو َ ع َوي َ ْ
ه َن بِ ِ فو َ طو ُ س يَ ُ ل الّنا ُ ع َ ج َ ف َ ةَ ، وي َ ٍن َزا ِ م ْ ِ
َ ه الل ّب ِن َ ُ
فأَنا ل َ قا َ ة َ ذ ِ ه ِت َ ع ْ ض َ و ِ هل ّ ُ ن َ قوُلو َ وي َ ُ
هَ ، لَ ُ
ن « ( 2) "" .كم يحمل َ الل ّب ِن َ ُ
م الن ّب ِّيي َ خات ِ ُ وأَنا َ ةَ ،
هذا الحديث من دللت معبرة ،ومعاني مؤثرة ،فهو
يرى أن الدين بناء شكل النبياء جميعا ً فيه لبنات
متماسكة ،ولم يبق من هذا البناء إل مقدار لبنة ،وكان
البناء جميل ً وبديعا ً تعجب منه الناس ،وتمنوا لو وضعت
تلك اللبنة ،فكانت بعثته هي لبنة الكمال ،ولكنه لم
يجعل من نفسه ركيزة البناء ،أو أحد جدرانه ،وإنما جعل
ص مع إخوانه من من نفسه لبنة في بناء النبوة ،يترا ّ
ون للبشر بناء يحقق لهم المأوى النبياء السابقين ليتك ّ
ي
والمثوى والسعادة في الدنيا والخرة ،فلم يبخس النب ّ
إخواَنه من النبياء -عليهم السلم جميعا ً -حقهم ،ولم
ينكر فضلهم وجهادهم .
22
إنه يعلمنا كيف نتكامل "" إنما بعثت لتمم
)( 1
ويعلمنا كيف نتواضع فيقول مكارم الخلق ""
َ حى إ ِل َ َ
حّتى ل َعوا َ ض ُ وا َ
ن تَ َ ىأ ّْ و َهأ ْ ن الل ّ َوإ ِ ّ
َ » "" :
د «"" . َ َ َ ول َ ي َب ْ ِ َ َ ف َ َ يَ ْ
ح ٍعلى أ َ حدٌ َ غى أ َ د َ ح ٍعلى أ َ حدٌ َ خَر أ َ
)( 2
ص ،لكي نكون أقوى ويعلمنا كيف نتعاون ونترا ّ
في مسيرة الحياة ،وأقدر على العمار ،وأصبر على
الشدائد .
دى المانة ،ونصح أما هو فقد بّلغ الرسالة ،وأ ّ
مة ،وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، المة ،وكشف الغ ّ
خّير فاختار الرفيق العلى . و ُ
صرت المة في الوفاء بحقه في هذا ولقد ق ّ
العصر ،فلم تحسن عْرض سيرته على الناس ،فتعّرض
له الناس ،وأساؤوا لعظم إنسان عاش على ظهر هذه
الرض ،وجاهد لتطهيرها من الفساد والظلم والخداع
والكذب والستبداد .
ومن واجب المة الن أن تخاطب المم بلغاتها،
ومن خلل ثقافاتها وحضاراتها ،وأن تراعي تغيرات
الفهام ،وتبدلت العصار ،واختلف الوسائل ،والتباس
المسائل ،فتكشف الغيوم الداكنة بشمس الحقائق
الساطعة ،وتكنس الوهام المتراكمة ،بالحجج النيرة
سرة عن سيرة وشخصية وحياة سيدنا والبراهين المي ّ
رسول الله ، وأن تخاطب بذلك الناس جميعًا،
بمختلف بلدانهم وعقولهم ولغاتهم ،وأن تحشد لذلك كل
المكانات العقلية والفكرية والسياسية والعلمية
والمادية .
وفي هذا الطار يأتي كتاب الخ الفاضل ،والصديق
المكّرم محمد مسعد ياقوت ،وهو باحث نشط ،بدايته
مشرقة ،وأرجو من الله عز وجل أن تكون كذلك نهايته
بعد عمر طويل ،عامر بالعطاء والثراء ،ليقف على ثغر
من ثغور السلم ،يصد عنه المتكالبين بالحجة والبرهان،
ويدعو إليه التائهين بالكلمة والحكمة والبيان .
()1أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين 28 / 4وقال :هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه
،وقال الذهبي في تعليقه :على شرط مسلم .وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 192 / 10والطبراني في
المعجم الوسط . 165 / 15
()2أخرجه مسلم في صحيحه والبخاري في الدب المفرد وأبو داوود في سننه وابن ماجه والبيهقي في سننهما
وغيرهم .
23
أسأل الله عز وجل له ولي دوام التوفيق والسعادة
،وحسن القصد والريادة ،والخلص والسداد في القول
والعمل إنه سميع قريب مجيب .
وصلى الله على سيدنا محمد النبي المي
وعلى آله وصحبه وسلم
والحمد لله رب العالمين .
24
الحاقدون وصور من الساءات
كتيبات مسيئة:
قامت شركة دار نشر القمر CRESCENT MOON
،PUBLISHINGالمريكية ،بنشر كتيب كاريكاتيري ،سافل ،أسمه
" :محمد صدق و إل" ،لحساب رسام إستعمل اسم مستعار و
هو "عبدالله عزيز" ،والكتيب عبارة عن 26صفحة ،يتناول السنة
دا ،بهدف إقناع السود المريكين بعدم
النبوية بشكل مهين ج ً
التحول إلى السلم.
25
أدلى مارتين هنريكسن النائب عن حزب الشعب الدانمركي،
بتصريح نشرته صحيفة )بيرلنسكة يتذته( وبثه هنريكسن على
موقعه اللكتروني ،والذي قال فيه )إن السلم منذ بداياته كان
عبارة عن شبكة إرهابية( ووصف المسلمين المنحدرين من جذور
دانمركية بأنهم أناس )ساقطون أخلقيًا ،إلى مستوى يصعب
وصفه ،وانهم يخونون جذورهم وإرثهم الحضاري باعتناقهم
السلم( وأكد هنيكسن أنه لن يتراجع عن هذه التصريحات. ،ولم
يكن هنريكسن الوحيد الذي وصف المسلمين بهذه الصواف
البذيئة بل سبقه بها نائبة من نفس الحزب تدعى )لويسة
فيفرش( التي وصفت المسلمين بأنهم" غدة سرطانية" .
26
فقد شّبه مذيع أمريكي بارز المسلمين بال "الصراصير" ،لنهم
يصومون في نهار رمضان ،ويأكلون في الليل .ففي برنامجه
ث في جميع أنحاء الوليات المتحدة المريكية، الذاعي الذي ُيب ّ
انتقد "نيل بورتز" طلب عدد من المستشفيات الحكومية في
اسكتلندا العاملين بها بتناول الطعام بعيدا ً عن المكاتب خلل
شهر رمضان ،حفاظا ً علي مشاعر زملئهم المسلمين الصائمين،
معتبرا ً أن هذا دليل علي ما أسماه أسلمة غرب أوروبا .
تقول جريدة الراية القطرية )في عدد : (17/8/2007وليست
هذه المرة الولي التي يهاجم فيها "بورتز " المسلمين ،حتي صار
معروفا ً بتصريحاته المعادية لهم .ففي اكتوبر 2006وصف
السلم أنه فيروس مميت ،ينتشر في جميع أنحاء أوروبا والعالم
ور لقاحا ًالغربي .مضيفًا :سوف ننتظر طويل ً جدا ّ حتي نط ّ
لنكافحه به .وبحسب نص التصريحات قال بورتز أعتقد أن
المسلمين ل يأكلون أثناء النهار في رمضان .إنهم يصومون خلل
النهار ويأكلون بالليل) .إنهم( نوع من الصراصير .
27
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف
ما أكثر الحروب العلمية التي تشن لتشويه صور العظماء ! وما
أقبحها حينما تجعل من الفساق فضلء ،ومن الخيار أشراًرا،
حينها نرى وسائل العلم المغرضة أبواًقا تنفث سمها يمنة
ويسرة ،لتتخلى عن رسالتها النسانية وترتدي عباءة الذل
والعار..
لقد أساءت إلينا جميًعا ،وأساءت لكل إنسان ،تلك الساءات
المتكررة لجناب نبي النسانية وسيد ولد آدم ..رسوم
كاريكاتيرية ..كتب ..صحف ..برامج تلفزيونية ..تصريحات من
أعلى القيادات السياسية والدينية ..أصبح شغلها الشاغل تشويه
صورة " محمد بن عبد الله " ومحاولة النيل من دينه وشرفه
وأخلقه..
إنها محاولت حمقاء ،تحاول أن تطعن في أقوى سلح يمتلكه
نبي السلم ،إنه سلح "الرحمة " ..إنهم يتهمون نبي السلم
في أخص خصائصه على الطلق ،أل وهي خصيصة " الرحمة"،
التي ساد وقاد بها العالم .
وكون هذه الساءات ل تضير نبي الرحمة -فل يضر السحاب نبح
الكلب -ل يعفي المسلمين المعاصرين من المسئولية أمام الله
تعالى ،فضل ً عن المسئولية أمام التاريخ النساني والسلمي ..
نعم ،نحن مسؤلون أمام الله يوم القيامة عن سكوتنا عن هذا
ضا
المنكر الفظيع ،وسلبيتنا أمام هذا الظلم المريع .ومسؤلون أي ً
أمام التاريخ ،وعرضة أكيدة للسب واللعن من أحفادتنا حينما
توارينا اليام والسنون تحت أطباق التراب ..عندها نموت وقد
سب رسولنا العظم– صلى الله عليه وسلم – لحق بنا العار؛ أن ُ
ونحن في خرص ونيام وسلبية !
سب رسول الله في سييقول أحفادنا -وهم يلعنوننا – لقد ُ
عصركم ولم تفعلوا ما يبيض الوجه ويزيل حمرة الخجل !
آن لنا أن يبرىء كل منا ذمته ،على النحو الذي يتفق وقدراته ..
فكل مسلم الن " واجب عليه أن يعرف الناس برسول الله
وينصره قدر استطاعته " ..
فالمعلم والمدرس والستاذ يغرس في نفوس تلميذه وطلبه
قيم حب النبي – صلى الله عليه وسلم -وتوقيره والقتداء به .
ورب السرة يربي الولد على منهج النبي – صلى الله عليه
وسلم – يحفظهم الغزوة كما يحفظهم السورة من القرآن.
والموظف في مكتبه ،يعلي من قيمة حب النبي – صلى الله عله
وسلم – بين زملئه وأمام المواطنين .
28
والمدير في شركته أو مصنعه ،يجعل من نصرة النبي – صلى
الله عليه وسلم – وتعميق حبه في نفوس العاملين هدًفا سامًيا
من أهداف مؤسسة العمل .
والعلمي والصحفي يرصد كل إساءة لديننا ونبينا ،فيفندها،
ويناقشها ،ويتثير همم الجماهير في الزود عن حياض الدين،
واتباع منهج الحبيب – صلى الله عليه وسلم -
والتاجر والصانع يقاطع منتجات العداء ومنتجات كل دولة أو
حكومة أساءت لنبينا – صلى الله عليه وسلم . -
إن رجال العمال والغنياء عليهم دور كبير ،وواجب أكيد في
التعريف بنبي الرحمة ونصرته بأموالهم ،عليهم أن يدعموا الكتب
والصدارات والفعاليات التي من شئنها التعريف بنبي الرحمة
ونصرته .
أحرى برجال العمال المسلمين أن ينفقوا – ولو من ذكاة
أموالهم – في تأسيس مثل هذه المشاريع الخيرية التي من شأنها
نصرة رسول الله – صلى الله عليه وسلم .-
وليتهم ينفقون معشار ما ينفقه الغرب على الحرب على السلم
ونبي السلم !
ولذلك رأيت أن أقوم – بدوري -وإلقاء الضوء على صفات النبي
الدالة على رحمتة بالبشرية وأخلقه وشمائله وخصائصه،
وتعامله مع المسلمين وغيرهم ،وذلك بإسلوب سهل ويسير..وقد
جعلت البحث يتحدث بلسان حال علماء الغرب الذين أنصفوا
رسول السلم في كتاباتهم ودراساتهم.
ولقد تبين لي من خلل هذا البحث أن الكثير من علماء الغرب
قد كشفوا عن الكثير والكثير من الجواهر والدرر في حياة محمد
،فبينوا الكثير من مظاهر الرحمة والدروس والعبر في سيرة
ومسيرة النبي محمد ..
29
ولقد جعل البحث من أدبيات علماء الغرب وحديثهم عن فضائل
النبي ،مصدرا ً رئيسيا ً للبحث ،ولم يستخدم البحث السلوب
المعتاد أو التقليدي في الحديث عن شمائل النبي ،بل
استخدم أدبيات الغرب أنفسهم في الحديث عن أخلقيات
وشمائل النبي .هذا ،و ركز البحث على تناول مظاهر الرحمة
في شخصية محمد ،بلغة سهلة ،غير إنها تخاطب العقل،
ت على الدراسات الستشراقية وتحرك الوجدان ،واعتمد ُ
المنصفة بالساس ..إضافة إلى كتب السيرة والشمائل والحديث
النبوي والدراسات العربية المعاصرة.
مخطط البحث :
المقدمة :
الفصل الول :من هو محمد ؟ ،وفيه :
مة ح َ
م بنبي الَر ْ ف عا ٌالمبحث الول :تعري ٌ
المطلب الول :الميلد والنشأة
المطلب الثاني :أخلق وصفات محمد
المطلب الثالث :حال العالم عشية البعثة
المطلب الرابع :النبوة والوحي :
المطلب الخامس :لمحة مختصرة عن سيرة النبي :
المبحث الثاني :محمد رحمة للعالمين في أدبيات
الغرب
المطلب الول:شهادة إنجيل برنابا
المطلب الثاني :شهادة الراهب النصراني بحيرا
المطلب الثالث :شهادة العلمة توماس كارليل
المطلب الرابع :شهادة المفكر البريطاني لين بول
المطلب الخامس :شهادة السير وليم موير
المطلب السادس :شهادة القسيس السابق د ُّراني
المطلب السابع :شهادة الكاتب السباني "جان ليك"
المطلب الثامن :شهادة العلمة واشنجتون ايرفنج
المطلب التاسع :شهادة الباحث الفرنسي جوستاف لوبون
المطلب العاشر :شهادة المؤرخ الشهير جيمس متشنر
المبحث الثالث :خصائص رحمته
المطلب الول :ربانية الرحمة
المطلب الثاني :دعوية الرحمة
المطلب الثالث :عالمية الرحمة
المطلب الرابع :عبقرية الرحمة
المطلب الخامس :وسطية الرحمة
المطلب السادس :عملية الرحمة
30
الفصل الثاني :رحمته للعالمين في مجال التنوير
والحضارة ،وفيه :
المبحث الول :التنوير والتوحيد:
المطلب الول :محمد تنويريا ً عملًقا:
المطلب الثاني :نضاله في إخراج الناس من الظلمات إلى النور
المطلب الثالث :نجاح حركة التنوير
المبحث الثاني :التحضر والرقي
المطلب الول :العرب من القبيلة إلى الدولة والمة:
المطلب الثاني :إشادة العلماء الغربيين بجهود النبي
المطلب الثالث :فضل النبي في تحضر العالم
المبحث الثالث :التسامح الديني
المطلب الول :محمد][الحاكم المتسامح الحكيم المشرع
المطلب الثالث :استقبال الوفود النصرانية
المطلب الرابع :الحرية في العتقاد وممارسة الشعائر
المبحث الرابع :رعاية العلم والمعرفة
المطلب الول :بداية عصر العلم والمعرفة:
المطلب الثاني :القراءة أولي تعاليم النبي : r
المطلب الثالث :احترام العقل
المطلب الرابع :حثه على طلب العلم
المطلب الخامس :العلم من وظائف رسالته
المطلب السادس :من توجيهات النبيr
المبحث الخامس :الخطاب التربوي
المطلب الول :المعلم الرحيم
المطلب الثاني :نماذج رحمته للمتعلمين
المطلب الثالث :أساليبه في الخطاب التربوي:
المبحث السادس :خدمة النسانية
المطلب الول :النبي خادم النسانية
المطلب الثاني :خطبة الوداع :الميثاق السلمي العالمي لحقوق
النسان
المطلب الثالث :توجيهات إنسانية
الفصل الثالث :رحمته للعالمين في مجال الخلق ،
وفيه :
المبحث الول :الرفق واللين
المطلب الول :طريق محمد ..طريق الرفق
المطلب الثاني :حثه على الرفق
المطلب الثالث :نماذج رفقه
المبحث الثاني :العفو
31
المطلب الول :محمد العفو .
المطلب الثاني :نماذج عفوه
المبحث الثالث :العدالة والمساواة
ما عادل ً
المطلب الول :محمد حاك ً
المطلب الثاني :العدالة ومساواة في معاملته اليومية
المطلب الثالث :نماذج عدله في سنته وسيرته :
المبحث الرابع :الحب والخاء
لخوة مكان العصبية المطلب الول :ا ُ
المطلب الثاني :لماذا نجح النبي في تحقيق الحب والخاء ؟
المطلب الثالث :نماذج تعاليمه :
المبحث الخامس :سماحته في المعاملت المالية
المطلب الول :حثه على السماحة في المعاملت المالية :
المطلب الثاني :نماذج سماحته في المعاملت المالية
الفصل الرابع :رحمته للعالمين في مجال التشريع ،
وفيه:
المبحث الول :المرونة والتجديد:
المطلب الول – شهادة علماء الغرب
المطلب الثاني :الشريعة السلمية :ثوابت و متغيرات
المطلب الثالث :في مجال الثابت و مجال المتغير
المطلب الرابع :منطقة الفراغ التشريعي والنصوص المحتملة:
المطلب الخامس :صيانة الثابت و تجديد المرن
المبحث الثاني :الوسطية والعتدال:
المطلب الول :شهادة علماء الغرب
المطلب الثاني :حثه على الوسطية وتحذيره من التشدد
المطلب الثالث :وسطية السلم في الحكام
المبحث الثالث :التيسير:
المطلب الول – شهادة علماء الغرب
المطلب الثاني :نماذج التيسير
المطلب الثالث :حثه على التيسير
المبحث الرابع :الرخص الشرعية:
المطلب الول :الرخص الشرعية :ماهيتها وشرعيتها
المطلب الثاني :نماذج الرخص الشرعية
المبحث الخامس :التدرج في التشريع:
المطلب الول :التدرج في التشريع :مفهومه والحكمة منه :
المطلب الثاني :نماذج للتدرج في التشريع :
الفصل الخامس :رحمته للعالمين في ميدان
الصراعات السياسية والعسكرية ،وفيه:
32
المبحث الول :الحوار ل الصدام
المطلب الول :الحوار مظهر من مظاهر الرحمة
المطلب الثاني :السلم يرفض المركزية الحضارية
المطلب الثالث :نماذج عملية من سيرة النبي
المبحث الثاني :حرصه على نشر السلم
المطلب الول :محمد رجل السلم
المطلب الثاني :نموذج في حادث بناء الكعبة
المطلب الثالث :نماذج المعاهدات مع القبائل المجاورة
للمدينة :
المطلب الرابع :نموذج في معركة الحزاب
المطلب الخامس :نموذج معاهدة الحديبية
المطلب السادس :نموذج الصلح مع أهل خيبر
المبحث الثالث :رحمته للخصوم والعداء
المطلب الول :لماذا القتال ؟
المطلب الثاني :محمد القائد الرحيم
المطلب الثالث :هدي محمد في المعارك :
المطلب الرابع :فرية العنف ونشر السلم بالسيف :
المطلب الخامس :فرية :القتل الجماعي ليهود بني قريظة
المبحث الرابع :رحمته للسرى
المطلب الول :نماذج في معركة بدر
المطلب الثاني :نموذج معركة بني المصطلق
المطلب الثالث :نموذج معركة حنين
المطلب الرابع :نماذج أخرى.
المبحث الخامس :رحمته لقتلى العدو
المطلب الول :مواراة جيف قتلى العدو في بدر:
المطلب الثاني :جثة نوفل بن عبد الله
المطلب الثالث :جثة عمرو بن ود
المبحث السادس :رحمته لهل الذمة
المطلب الول :من هم أهل الذمة وما موقف نبي السلم
منهم ؟
المطلب الثاني :شهادات علماء الغرب :
المطلب الثالث :وصايا النبي بأهل الذمة والتحذير من
إيذائهم:
المبحث السابع :قيم حضارية في غزوة بدر
جا[
الكبرى] نموذ ً
المطلب الول :ل نستعين بمشرك على مشرك :
المطلب الثاني :مشاركة القائد جنوده في الصعاب:
33
المطلب الثالث الشورى :
المطلب الرابع :النهي عن استجلب المعلومات بالعنف :
المطلب الخامس :احترام آراء الجنود:
المطلب السادس :العدل بين القائد والجندي :
المطلب السابع :الحوار قبل الصدام :
المطلب الثامن :الوفاء مع المشركين :
المطلب التاسع :حفظ العهود :
المطلب العاشر :النهي عن المثلة بالسير :
الفصل السادس :رحمته للعالمين في مجال المرأة
والطفل ،وفيه:
المبحث الول – تحرير المرأة من الجاهلية:
المطلب الول :محمد منقذ المرأة
المطلب الثاني :افتراءات وردود
المبحث الثاني :مميزات المرأة في السلم
المطلب الول :الستقلل الفكري للمرأة
المطلب الثاني :حقوق المرأة في أمور الزواج
المطلب الثالث :حقوق المرأة في الميراث والتملك
المطلب الرابع :حق المرأة في العمل
المطلب الخامس :تقدير الدور السياسي للمرأة
المطلب السادس :إحترام جوار المرأة
المطلب السابع :تأملت في هذه المميزات
المبحث الثاني :رحمته للبنات
المطلب الول :فضل النبي على البنات
المطلب الثاني :نماذج رحمته للبنات:
المبحث الثالث :رحمته للطفال
المطلب الول :شهادة علماء الغرب
المطلب الثاني :نماذج رحمته للطفال :
المبحث الرابع :رحمته لليتام
المطلب الول :النبي اليتيم :
المطلب الثاني :نماذج في رحمته لليتيم:
المبحث الخامس :رحمته للرامل
المطلب الول :حثه على السعي على الرامل:
المطلب الثاني :سعيه على الرامل
الفصل السابع :رحمته rللضعفاء وفيه:
المبحث الول :رحمته للفقراء
المطلب الول :فضل النبي على الفقراء
جاالمطلب الثاني :نظام الزكاة – نموذ ً
34
المطلب الثالث :دوره في مكافحة البطالة :
المبحث الثاني :رحمته للعبيد والخدم
المطلب الول :تحرير العبيد
المطلب الثاني :فرية سن السترقاق:
المطلب الثالث :نماذج رحمته للعبيد :
المطلب الرابع :تحريم التجار بالبشر
المطلب الخامس – رفقه وعطفه على الخدم
المبحث الثالث :رحمته بذوي الحتياجات الخاصة
المطلب الول :الفئات الخاصة في المجتمعات الجاهلية:
المطلب الثاني :رعاية النبي لذوي الحتياجات الخاصة:
المطلب الثالث :الولوية لهم في الرعاية وقضاء احتياجاتهم:
المطلب الرابع :عفوه عن سفهائهم وجهلئهم :
المطلب الخامس :تكريمه وموساته لهم :
المطلب السادس :زيارته لهم
المطلب السابع :الدعاء لهم
المطلب الثامن :تحريم السخرية منهم
المطلب التاسع :رفع العزلة والمقاطعة عنهم
المطلب العاشر :التيسير على ذوي الحتياجات الخاصة
المبحث الرابع :رحمته للمسنين
المطلب الول :حثه على إكرام المسنين والرفق بهم:
المطلب الثاني :نماذج رحمته للمسنين :
المبحث الخامس :رحمته بالموات
المطلب الول :زيارته لقبور الموات
المطلب الثاني :مشاركته في دفن الموات بنفسه :
المطلب الثالث :حزنه إذا فاتته جنازة وصلته عليها
المطلب الرابع :توقيره للجنائز والقبور ولو كانت لغير
المسلمين :
المطلب الخامس :دعاؤه للموات
المطلب السادس :بكاؤه على الموات وعند القبور:
الخاتمة :وفيها ملخص البحث ونتائج البحث والتوصيات
المصادر والمراجع
فهذا هو جهدنا المتواضع ..
وأسال الله أن يتقبله ،وأن يهدي وينفع به..،وأن يجعله في ميزان
حسنات كل من ساهم في نشره .
محمد
مسعد ياقوت ،مصر
35
0020104420539 :جوال
yakoote@gmail.com
www.nabialrahma.com
الفصل الول
؟ من هو محمد
36
م بنبي الرحمة
ف عا ٌ
المبحث الول :تعري ٌ
المبحث الثاني :محمد رحمة للعالمين في
أدبيات الغرب
المبحث الثالث :خصائص رحمته
المبحث الول
مة
ح َ
م بنبي الَر ْ
ف عا ٌ
تعري ٌ
37
هو محمد 1بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم ،القرشي
والذي يمتد نسبه إلى إسماعيل بن إبراهيم ي عليهما السلم ي .
وللنبي عدة أسماء ،أشار إلى بعضها في أحد الحاديث ،فقال "
لي خمسة أسماء :أنا محمد ،وأنا أحمد ،وأنا الماحي الذي يمحو
الله به الكفر ،وأنا الحاشر الذي ُيحشر الناس على قدمي )أي
ُيحشر الناس إثر بعثه( ،وأنا العاقب" 2والعاقب الذي ليس بعده
نبي.
يقول المؤرخ المريكي رالف لنتون " :ولد محمد] [في مكة ]
ن أباه مات 20أبريل 571م[ من عائلة ذات مركز حسن ،ولك ّ
قبل ولدته ،كما ماتت أمه عندما كان في السادسة من عمره..
وفي السنوات الولى من سن المراهقة كان يعمل راعيًا..
4 3
م لهوعندما بلغ السابعة عشرة من عمره ذهب إلى سوريا مع ع ّ
-بقصد التجارة – ،وعندما أصبح في الرابعة والعشرين كان ينوب
عن أرملة غنية – هي السيدة خديجة – في السفر بقافلتها
التجارية ،وبعد عام آخر -أي في عام 595م -تزوج تلك الرملة
التي كانت في الربعين من عمرها ،وكانت قد تزوجت قبل ذلك
مرتين ،ولها من زوجيها السابقين ولدان وبنت .وولدت له هذه
الرملة ولدين ماتا عندما كانا طفلين ،5وأربع بنات .وفي السنوات
الواقعة بين عامي 610-595م كان محمد تاجرا ً محترما ً في
مكة ،وكان يلقب بالمين نظرا ً لما اتصف به من صدق وحكمة
في أحكامه". 6
المطلب الثاني :أخلق وصفات محمد:
أول ً :أخلقه :
عاش النبي بعد وفاة عمه أبي طالب -في بيت جده عبد
المطلب زعيم مكة ،ومن ثم نال حظا ً وافرا ً من الفطنة والفكر
السديد ،ومعايشة قضايا العالم ومشكلته ونزاعاته ..فطالع
النبي محمد صحائف البشرية وأحوال القبائل والجماعات
والحلف ،وقد كان النبي في ذروة اليجابية مع قضايا أمته ،
فهو عضو في " حلف الفضول " للدفاع عن المظلومين ،ورفض
1أكدت موسوعة جينيس للرقام القياسية أن اسم محمد قد حقق أعلى معدل للتسمى به بين البشر ،حيث بلغ عدد
الذين يحملون هذا السم المبارك 70مليون شخص على مستوى العالم ليصبح أكثر اسم في الوجود .من جهة
أخرى كانت صحيفة ديلي تليجراف البريطانية قد كشفت أن اسم محمد الكثر انتشارا بين المواليد في انجلترا
وويلز في عام ،2006أكثر من اسم جورج !) لندن ـ وكالة النباء السلمية :بتاريخ (2007 \ 1 \ 8
2صحيح البخاري ،ج ،2كتاب المناقب -باب :ما جاء في أسماء رسول ال صلى ال عليه وسلم ،و أخرجه مسلم
في الفضائل -باب :في أسمائه صلى ال عليه وسلم -رقم2354 :
3الصحيح في سن 12سنة ) ابن الجوزي :تلقيح فهوم أهل الثر ص (7
4هو أبو طالب
5هما القاسم وعبد ال ،وقد ماتا في سن الطفولة قبل بعثة النبي صلى ال عليه وسلم
6رالف لنتون :شجرة الحضارة1/340 ،
38
كل صور الظلم ،وأكل الحقوق بالباطل ..كما إنه حكم عدل في
فض النزاعات والمشكلت التي تحدث بين القبائل والعائلت ..
ما،
قا ،وأعظمهم حل ً خل ً
كان أفضل قومه مروءة ،وأحسنهم ُ
دا..
سا ،وأوفاهم عه ً ريكة ،وأعفهم نف ً وأصدقهم حديًثا ،وألينهم ع َ ِ
1
إنه ي ببساطة شديدة ي كما وصفته زوجته خديجة ي رضي الله
عنها ي ،يصل الرحم ،ويحمل الكل ،وُيكسب المعدوم ،وُيقري
الضيف ،وُيعين على نوائب الدهر .
-1المتياز في الخلق :
يقول المستشرق آرثر جيلمان " :لقد اتفق المؤرخون على أن
محمدا ً ][كان ممتازا ً بين قومه بأخلق جميلة؛ من صدق
الحديث ،والمانة ،والكرم ،وحسن الشمائل ،والتواضع ..وكان ل
يشرب الشربة المسكرة ،ول يحضر للوثان عيدا ً ول احتفال ً". 2
-2لم تشبه شائبة :
و يقول كارل بروكلمان:
ب محمدا ً ][شائبة من قريب أو بعيد؛ فعندما كان صبيا ً "لم تش ْ
وشابا ً عاش فوق مستوى الشبهات التي كان يعيشها أقرانه من
3
بني جنسه وقومه"
-3المفكر الخلوق :
ويتحدث توماس كارليل عن نبينا محمد قائ ً
ل: 4
"لوحظ على محمد ][منذ ]صباه[ أنه كان شاًبا مفكًرا وقد
ماه رفقاؤه المين – رجل الصدق والوفاء – الصدق في أفعاله س ّ
وأقواله وأفكاره .وقد لحظوا أنه ما من كلمة تخرج من فيه إل
وفيها حكمة بليغة . .وإني لعرف عنه] [أنه كان كثير الصمت
ب ! وقد يسكت حيث ل موجب للكلم ،فإذا نطق فما شئت من ل ّ
رأيناه] [طول حياته رجل ً راسخ المبدأ ،صارم العزم ،بعيد الهم،
صا ،وهو مع ما بّرا رؤوًفا تقًيا فاضل ً حًرا ،رجل ً شديد الجد ّ مخل ً
كري ً
م اِلبشر والطلقة حميد ذلك سهل الجانب لين العريكة ،ج ّ
العشرة حلو اليناس ،بل ربما مازح وداعب ،وكان على العموم
تضيء وجهه ابتسامة مشرقة من فؤاد صادق ..وكان ذكي اللب،
ما بفطرته ،لم تثقفه مدرسة ،ول هذبه معلم، شهم الفؤاد ..عظي ً
وهو غني عن ذلك ..فأدى عمله في الحياة وحده في أعماق
الصحراء".5
1انظر:صحيح البخاري ،برقم ،4572وصحيح مسلم ،برقم 231
2آرثر جيلمان :الشرق ،ص .117
ل عن محمد عثمان عثمان :في كتابه )محمد في الداب العالمية المنصفة( ص .110 3نق ً
4توماس كارليل) 1881 – 1795م( الكاتب النجليزي الشهير ،من أعماله )الثورة الفرنسية(
ل رائًعا عن النبي صلى ال عليه وسلم..،الخ.
ل كام ً
و)البطال( ) ،(1940وقد عقد فيه فص ً
5توماس كارليل :البطال ،ص .51 ،50
39
-4أعظم الناس مروءة
ويتحدث الباحث البلجيكي ألفرد الفانز :عن أخلق محمد
فيقول:
"شب محمد ] [حتى بلغ ،فكان أعظم الناس مروءة وحلما ً
وأمانة ،وأحسنهم جوابًا ،وأصدقهم حديثا ً ،وأبعدهم عن الفحش
حتى عرف في قومه بالمين ،وبلغت أمانته وأخلقه المرضية
خديجة بنت خويلد القرشية ،وكانت ذات مال ،فعرضت عليه
خروجه إلى الشام في تجارة لها مع غلمها ميسرة ،فخرج وربح
كثيرا ً ،وعاد إلى مكة وأخبرها ميسرة بكراماته ،فعرضت نفسها
عليه وهي أيم ،ولها أربعون سنة ،فأصدقها عشرين بكرة،
وتزوجها وله خمسة وعشرون سنة ،ثم بقيت معه حتى ماتت.
". 1
-5احترام الناس له :
ويتحدث الباحث الروسي آرلونوف ،عن نبي الرحمة ،ويقول :
"اشتهر ] [بدماثة الخلق ،ولين العريكة ،والتواضع وحسن
المعاملة مع الناس ،قضى محمد ] [أربعين سنة مع الناس
بسلم وطمأنينة ،وكان جميع أقاربه يحبونه حبا ً جمًا ،وأهل مدينته
يحترمونه احتراما ً عظيمًا ،لما عليه من المبادئ القويمة ،والخلق
الكريمة ،وشرف النفس ،والنزاهة .2".
-6أقوال من عاصروه :
هذه بعض أقوال علماء الغرب المنصفين في حديثهم عن أخلق
محمد ..
فماذا كانت أقوال من عاصروا النبي وكانوا معه كظله ؟ :
يقول علي بن أبي طالب:
"كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم -يخزن لسانه إل مما
يعنيهم ويؤلفهم ،ول يفرقهم ،يكرم كريم كل قوم ،ويوليه
عليهم ،ويحذر الناس ويحترس عنهم ،من غير أن يطوي عن
أحد بشره وخلقه ،ويتفقد أصحابه ،ويسأل الناس عما في
الناس ،ويحسن الحسن ويصوبه ،ويقبح القبيح ويوهنه ،معتدل
المر غير مختلف ،ل يغفل مخافة أن يغفلوا ،أو يملوا ،لكل
حال عنده عتاد ،ل يقصر عن الحق ،ول يجاوزه إلى غيره ،
الذين يلونه من الناس خيارهم ،وأفضلهم عنده أعمهم نصيحة
وأعظمهم عنده منزلة :أحسنهم مواساة ومؤازرة . 3 ".
1انظر :محمد شريف الشيباني :الرسول في الدراسات الستشراقية المنصفة ،ص .17
2آرلونوف :مقالة "النبي محمد " ،مجلة الثقافة الروسية ،ج ، 7عدد 9
3رواه أبو الشيخ الصبهاني في أخلق النبي )(16
40
"كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم -دائم البشر ،سهل
الخلق ،لين الجانب ،ليس بفظ ، 1ول غليظ ول صخاب 2في
السواق ،ول فاحش ول عياب ،ول مداح يتغافل عما ل يشتهي ،
ويؤيس منه ،ول يجيب فيه ،قد ترك نفسه من ثلث :المراء،3
والكثار ،ومال يعنيه وترك الناس من ثلث :كان ل يذم أحدا ،
ول يعيره ،ول يطلب عوراته ،ول يتكلم إل فيما رجا ثوابه ،إذا
تكلم أطرق 4جلساؤه ،كأنما على رءوسهم الطير ،وإذا سكت
تكلموا ،ول يتنازعون عنده الحديث من تكلم أنصتوا له ،حتى
يفرغ حديثهم عنده حديث أولهم ،يضحك مما يضحكون ،
5
ويتعجب مما يتعجبون ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه" .
"كان سكوت رسول الله -صلى الله عليه وسلم -على أربع :
على الحلم ،والحذر ،والتقدير ،والتفكير ،فأما تقديره ففي
تسوية النظر ،والستماع من الناس ،وأما تفكيره ففيما يبقى ،
ول يفنى وجمع له الحلم في الصبر ،فكان ل يغضبه شيء ،ول
يستفزه وجمع له الحذر في أربع :أخذه بالحسن ليقتدى به ،
وتركه القبيح لينتهى عنه ،واجتهاده الرأي فيما أصلح أمته ،
والقيام فيما هو خير لهم ،جمع لهم خير الدنيا والخرة".6
كان " دائم البشر ،سهل الخلق ،لين الجانب ،ليس بفظ ول
غليظ ،ول صخاب ول فحاش ول عياب ول مشاح ،يتغافل عما ل
يشتهي ول يؤيس منه راجيه ول يخيب فيه"..7
ثانًيا :صفاته :
-1كلم أنس في وصف النبي
قال أنس بن مالك – خادم النبي : -
ن ْ
صلى الله َعليه وسلم – ليس بالطويل الَبائ ِ ِ "كان رسول الله –
جعْدِ س ِبال ْ َ َ م ،وَل َي ْ
ِ س ِباْلد َ َ ق ،وَل َي ِْ َ مه ض اْل ْ ِ س ِباْل َب ْي َ َ صير ،وَل َي ْ ق ِ َول ِبال ْ َ
َ َ قط َط ،8وَل بالسبط ،9بعث َه الل ّه ع ََلى رأ ْ ال ْ َ
مة ،فَأَقا َ سن َ ً ن َ س أْرب َِعي َ ِ َ ُ َ ِ ّ ْ ِ ََ ُ ِ
ْ ن ،وَت َوَّفاه ُ الل ّ ُ َ
س
ه ع َلى َرأِ 10 سِني َ شَر ِ دين َةِ ع َ ْم ِ ن وَِبال ْ َسِني َ شَر ِ ة عَ ْ مك ّ َ بِ َ
ْ
ضاَء" شعََرة ً ب َي ْ َ ن َ شُرو َ ع ْ حي َت ِهِ ِ
سهِ وَل ِ ْ س ِفي َرأ ِ ة ،وَل َي ْ َ سن َ ًن َ سّتي َ ِ
خُلق
يء ال ُ
سّ 1الَفظ َ :
صام
خ َ
ت لل ِ
ب الصوا ِ جة ،واضطرا ُ ضّ خب :ال ّ 2الص ّ
3المراء :المجادلة العقيمة
4أطرق :أمال رأسه إلى صدره منصًتا
5رواه أبو الشيخ الصبهاني في أخلق النبي (16) -
6رواه أبو الشيخ الصبهاني في أخلق النبي (16) -
7الترمذي :مختصر الشمائل المحمدية24 ،
8القطط :الشعر فيه التواء وانقباض
9السبط :الشعر المسترسل.
10صحيح البخاري ،(5449) -وجعله المام الترمذي أول أحاديث كتابه الشمائل
41
ن،
ميِ ْ 1
قد َ َ ن َوال ْ َ خ َ ْ
م الي َد َي ْ ِ ض ْ" كان النبي – صلى الله عليه وسلم – َ
ط ال ْك َ ّس َ حسن ال ْوجه ،ل َ َ
ن" ِ في ْ ن بَ ِ
كا َ مث ْل َ ُ
ه وَ َ م أَر ب َعْد َه ُ وََل قَب ْل َ ُ
ه ِ ْ َ َ َ َ ْ ِ
2
ه" . من ْك ِب َي ْ ِشعَُر النبي – صلى الله عليه وسلم – َ ب َ ضرِ ُ
ن يَ ْ " َ
كا َ
42
-6كلم أبي الطفيل في وصف النبي
"رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم -وما بقي على وجه الرض
أحد رآه غيري "
1
دا " .
حا مقص ً
قيل له :صفه لي .قال " :كان أبيض ملي ً
43
َ قول ِه ،وإ َ إن َقا َ َ
مَر ت ََباد َُروا إ َِلى أ ْ
مرِهِ .. نأ َصُتوا ل ِ َ ْ ِ َ ِ ْ
ل أن ْ َ ِ ْ
4 3
فن ّد ٌ " . م َ س َول ُ عاب ِ ٌ
2
شود ٌ ل َ ح ُ م ْ 1
فود ٌ َ ح ُ
م َْ
المطلب الثالث :حال العالم عشية البعثة :
"بينما كان العالم الشرقي والعالم الغربي بفلسفاتهما العقيمة
يعيش في دياجير ظلم الفكر وفساد العبادة ،بزغ من مكة
المكرمة في شخص محمد رسول الله ] [نور وضاء؛ أضاء
على العالم فهداه إلى السلم" . 5
44
دوا دخلوهم النهائي
وخرجوا من ظلمات الجهل والفوضى ،ليع ّ
إلى تاريخ المدنية"..1
هزمت جيوش بني إسرائيل أمام العمالقة، وفي سفر التثنية لما ُ
توسل موسى إلى الله سبحانه وتعالى مستشفعا ً بمحمد قائ ً
ل:
"اذكر عهد إبراهيم الذي وعدته به من نسل إسماعيل أن تنصر
جيوش المؤمنين ،فأجاب الله دعاءه ونصر بني إسرائيل على
العمالقة ببركات محمد "وقد استبدل هذا النص بالعبارات
التالية" :اذكر عبيدك إبراهيم وإسحاق ويعقوب ،ول تلتفت إلى
غلظة هذا الشعب وإثمه وخطيئته" ول يمكن أن يكون هذا
الدعاء – الذي في النص الول – قد صدر من موسى عليه
السلم ،لنه ينافي كمال التوحيد.4
وقال يوحنا في الفصل الخامس عشر من إنجيله :إن المسيح ي
عليه السلم ي قال" :إن الفارقليط الذي يرسله أبي باسمي
يعلمكم كل شيء" وقال – أيضا – في الفصل السادس عشر:
"إن الفارقليط لن يجيئكم مالم أذهب ،فإذا جاء وبخ العالم على
45
الخطيئة ،ول يقول من تلقاء نفسه شيئًا ،لكنه يسوسكم بالحق
1
كله ،ويخبركم بالحوادث والغيوب"
ويقول عيسى ي عليه السلم ي في إنجيل برنابا " :لن الله
سيصّعدني من الرض وسيغير منظر الخائن حتى يظنه كل أحد
إّياي .ومع ذلك فإنه حين يموت شر ميتة أمكث أنا في ذلك العار
زمًنا طويل ً في العالم ولكن متى جاء محمد رسول الله المقدس
تزال عني هذه الوصمة". 2
هذا ،وقد شهد بنبوة محمد رجالت اليهودية ،كأمثال الحبر عبد
الله بن سلم ،ورجلت النصرانية كورقة بن نوفل ..
ليكونا حجة على كل يهودي أو نصراني إلى قيام الساعة !
46
الحكيمة التي تتعامل مع الجميع على قدم المساواة وتعطي كل
صاحب حق حقه .ولقد استطاع بدبلوماسيته ونزاهته أن ينتزع
العتراف بالجماعة السلمية عن طريق المعاهدات في الوقت
الذي كان النصر العسكري قد بدأ يحالفه .وإذا تذكرنا أخيًرا على
الصعيد النفساني هشاشة السلطان الذي كان يتمتع به زعيم من
زعماء العرب ،والفضائل التي كان أفراد المجتمع يطالبونه
بالتحلي بها ،استطعنا أن نستخلص أنه لبد ّ أن يكون محمد ][
الذي عرف كيف ينتزع رضا أوسع الجماهير به إنساًنا فوق
قا ،وأنه لبد أن يكون نبًيا حقيقًيا من أنبياء الله ! مستوى البشر ح ً
! ". 1
-3شهادة إميل درمنغم:
أما إميل درمنغم 2فيدلل على نبوة محمد ،من خلل حادث
وفاة ابراهيم ابن رسول الله ،فيقول :
" ..ولد لمحمد ]]،[من مارية القبطية[ ابنه إبراهيم فمات
حده بيده وبكاه ،ووافق موته ل ،فحزن عليه ][كثيًرا ول ّ طف ً
كسوف الشمس ،فقال المسلمون :إنها انكسفت لموته ،ولكن
دا ][كان من سموّ النفس ما رأى به رد ّ ذلك فقال" :إن محم ً
الشمس والقمر آيتان من آيات الله ل يخسفان لموت أحد."..
فقول مثل هذا مما ل يصدر عن كاذب دجال.3"..
-4شهادة ليتنر :
يقول ليتنر: 4
ي اليهود والنصارى أقول بأن ما علمه " بقدر ما أعرف من دين ْ
سا بل قد أوحي إليه به ول ريب بذلك طالما محمد][ليس اقتبا ً
نؤمن بأنه قد جاءنا وحي من لدن عزيز عليم .وإني بكل احترام
وخشوع أقول :إذا كان تضحية الصالح الذاتي ،وأمانة المقصد،
وإيمان القلب الثابت ،والنظر الصادق الثاقب بدقائق وخفايا
الخطيئة والضلل ،واستعمال أحسن الوسائط لزالتها ،فذلك من
العلمات الظاهرة الدالة على نبوة محمد ] [وأنه قد أوحي
إليه". 5
-5شهادة لورافيشيا فاغليري :
47
أما الكاتبة اليطالية لورافيشيا فاغليري 1فتقول :
"حاول أقوى أعداء السلم ،وقد أعماهم الحقد ،أن يرموا نبي
دا ] [كان الله ] [ببعض التهم المفتراة .لقد نسوا أن محم ً
قبل أن يستهل رسالته ،موضع الجلل العظيم من مواطنيه
بسبب أمانته وطهارة حياته .ومن العجب أن هؤلء الناس ل
يجشمون أنفسهم عناء التساؤل؛ كيف جاز أن يقوى محمد ][
على تهديد الكاذبين والمرائين ،في بعض آيات القرآن اللسعة
بنار الجحيم البدية ،لو كان هو قبل ذلك رجل ً كاذًبا ؟ كيف جرؤ
على التبشير ،على الرغم من إهانات مواطنيه ،إذا لم يكن ثمة
قوى داخلية تحثه -وهو الرجل ذو الفطرة البسيطة -حًثا
سا ؟ كيف موصول ً ؟ كيف استطاع أن يستهل صرا ً
عا كان يبدو يائ ً
وفق إلى أن يواصل هذا الصراع أكثر من عشر سنوات ،في
دا ،وفي أحزان ل تحصى ،إذا لم يكن مكة ،في نجاح قليل ج ً
قا بصدق رسالته ؟ كيف جاز أن يؤمن به هذا مؤمًنا إيماًنا عمي ً
العدد الكبير من المسلمين النبلء والذكياء ،وأن يؤازروه،
ويدخلوا في الدين الجديد ويشدوا أنفسهم بالتالي إلى مجتمع
مؤلف في كثرته من الرقاء ،والعتقاء ،والفقراء المعدمين إذا لم
يلمسوا في كلمته حرارة الصدق ؟ ولسنا في حاجة إلى أن نقول
أكثر من ذلك ،فحتى بين الغربيين يكاد ينعقد الجماع على أن
دا"..2
قا وأكي ًصدق محمد][كان عمي ً
-6شهادة روم لندو :
ويكشف المفكر البريطاني روم لندو زيف المكذبين لنبوة محمد
بقوله :
"كانت مهمة محمد ] [هائلة ! كانت مهمة ليس في ميسور
دجال تحدوه دوافع أنانية ،وهو الوصف الذي رمى به بعض
الكتاب الغربيين المبكرين محمد العربي] ... [إن الخلص
كشف عنه محمد][في أداء رسالته ،وما كان لتباعه من الذي ت ّ
إيمان كامل في ما ُأنزل عليه من وحي ،واختبار الجيال
والقرون ،كل أولئك يجعل من غير المعقول اتهام محمد ] [بأ ّ
ي
ضرب من الخداع المتعمد .ولم يعرف التاريخ قط أي تلفيق
ل .والسلم لم يعمر حتى )ديني( متعمد استطاع أن يعمر طوي ً
الن ما ينوف على ألف وثلثمائة سنة وحسب ،بل إنه ل يزال
دا .وصفحات التاريخ ل تقدم إلينا عا جد ً
يكتسب ،في كل عام أتبا ً
1لورا فيشيا فاغليري :باحثة إيطالية في التاريخ السلمي واللغة العربية.من آثارها) :قواعد العربية( )،(1937
و)السلم( ) ،(1946و)دفاع عن السلم( ).(19529
2لورافيشيا فاغليري :دفاع عن السلم ،ص .38 ،37
48
دا على محتال كان لرسالته الفضل في خلق إمبراطورية مثل ً واح ً
من إمبراطوريات العالم وحضارة من أكثر الحضارات نبل ً !" .
1
49
س في دين الله واحدا ً بعد واح ٍ
د ،وكثر أتباع محمد لما دخل النا ّ ُ
فحينئذ ناصبه الوثنيون العداوة ،فحمى الله رسوله بعمه
فا معظما ً في قومه ..وأما أصحابه فمن أبي طالب ،لنه كان شري ً
ب عليهمص ّ
كان له عشيرة تحميه امتنع بعشيرته ،وسائرهم َ
المشركون العذاب صب ًّا ،وفتنوهم عن دينهم فتونًا ،منهم بلل بن
رباح العبد الثيوبي وعمار بن ياسر ،وأمه سمية وأهل بيته الذين
ذبوا في الله عذابا ً شديدًا ،حتى قضى ياسر نحبه ،ومّر أبو جهل عُ ّ
بسمية -أم عمار -وهي ُتعذب ،فطعنها بحربة في فرجها فقتلها.
50
النجاشي ينشر عليهم ظله وحمايته حتى رجعوا إلى المدينة
المنورة سنة سبع للهجرة.
سا :الحصار وعام الحزن: ساد ً
اشتد أذى المشركين لرسول الله ،فحصروه وأهل بيته في
شعب )وهو مكان بين جبلين في مكة يشبه السجن المفتوح ( ِ
سجن النبي مدة ثلث سنين ،حتى عرف بشعب أبي طالب ،و ُ ُ
سمع أصوات صبيانهم بالبكاء من وراء بلغهم الجوع و الجهد و ُ
شعب ،و بدأ حبس محمد وأصحابه في هلل المحرم سنة ال ِ
سبع من البعثة وخرج من الحصار وله تسع وأربعون سنة ،وبعد
ذلك بأشهر مات عمه أبو طالب ،ثم ماتت خديجة بعد ذلك
بيسير ،فاشتد أذى الكفار له ،وتطاولوا عليه.
1ابن سيد الناس :عيون الثر ،205 /1وابن كثير :السيرة النبوية ،2/176وابن القيم :زاد المعاد 3/38
51
...وجدير بنا أن نعترف هنا بأن محمدا ً ] [أبدى جرأة منقطعيية
النظير ببقائه في مكة حيث لم يعد يحظى بحماية عمه أبو طالب
كييبير بنييي هاشيم .وأدركييت قرييش خطييورة ميا وقييع مين تطيور
وهييالهم أن المسييلمين أخييذوا يقيمييون الن فييي يييثرب مجتمع يا ً
متلحم الوشائج خارجا ً على نفوذهم وبعيييدا ً عيين متنيياول أيييديهم،
وأنهييم شييرعوا يكسييبون أنصييارا ً إلييى جييانبهم ميين أبنيياء القبييائل
الخرى الذين قد يتحولون إلى معاداة قريش .واجتمع كبار القوم
في دار النييدوة يتشيياورون فييي أميير محمييد][ورأى بعضييهم أن
محمدا ً ][هو سبب كل ما يواجهونه من متاعب ،وأن من الخييير
لهم لو تخلصوا منه في أسرع وقييت ممكيين قبييل أن يتمكيين ميين
اللحاق بأصحابه في يثرب]المدينة المنورة[ ". 1
وبالفعل حاول صناديد قريش – كما يقول رالف لنتون " ممن
كانوا يكرهون عائلة محمد] ،[ورأوا في تعاليمه ما يهدد
مصالحهم ،حاولت أن تغتاله؛ ولكنها لم تنجح في محاولتها .وهاجر
محمد ][والجماعة المخلصة القليلة من أتباعه إلى المدينة يوم
16يوليه 622م وهو تاريخ هام يجب أن ل ننساه لنه عام
الهجرة الذي يؤرخ به جميع المسلمين حتى الن".. 2
ولقد بلغ عدد الغزوات التي قادها النبي 28غزوة ،منها 9
غزوات دار فيها القتال بين الطرفين ،والباقي لم يحدث فيها
1جان باغوت غلوب :الفتوحات العربية الكبرى ،ص. 81-80
2رالف لنتون :شجرة الحضارة.1/341 ،
52
قتال ،واستمرت هذه الغزوات من العام الثاني للهجرة حيث
دان ) البواء ( ) صفر 2هي -أغسطس 623م(.وحتى غزوة و ّ
العام التاسع حيث غزوة تبوك )رجب 9هي /أكتوبر 630م( .
قا على هذه المعارك : - يقول المؤرخ لويس سيديو - 1معل ً
" فدفع الله شرهم ،وهو أولى أن يحفظ نبيه ][القائم بالدعوة
له ،وأحق أن يجعل كيدهم في نحورهم وما زال آخذا ً بيمينه،
حتى غنى له الزمن ،وصفق له الدهر". 2
وعقب هجرة النبي أسلم عدد من خيار علماء اليهود في
دقوا بمحمد ٍ واتبعوه بعد أن عرفوه بنعته الوارد في المدينة ،ص ّ
كتبهم ،منهم الحبر اليهودي العلمة :عبد الله بن سلم – رضوان
الله تعالى عليه . -
عا :الفتح وانتشار الدعوة: تاس ً
واستطاع النبي بعد حوالي 19سنة – كلها معاناة وإيذاء من
مي صلح الحديبية في المشركين -أن ينتزع من قريش صلحا ً س ّ
شهر ذي القعدة سنة ست من الهجرة )في مارس 628م( ،
ليتفرغ للدعوة ونشر الرسالة ،فبعث رسل ً سفراء من أصحابه،
وكتب معهم كتبا ً إلى الزعماء والملوك ،يدعوهم فيها إلى
السلم ،في رسائل وخطابات رفيعة المستوى ،سامقة الذوق ..
ونجح النبي في دعوته على نطاق واسع ،وانتشر السلم في
الجزيرة العربية كالنار في الهشيم ،وزالت الجاهلية بتقاليدها
المتخلفة ،وعقائدها الفاسدة ..
وفتح رسول الله خيبر معقل الدس والمؤمرات في المحرم سنة
7هي ) مايو .(628
ثم فتح مكة في رمضان 8هي) يناير 630م( اثر نقض قريش
للعهد ،وأصدر عفوا ً عاما ً عنهم ..وأعلن الرسول المان العام
لكل الناس ،فل طوارىء ول تعسف ،فقال " : من دخل دار
أبى سفيان فهو آمن ! ومن أغلق بابه عليه فهو آمن! ومن دخل
المسجد فهو آمن !" .3وعهد إلى أمرائه من المسلمين حين
أمرهم بدخول مكة أن ل يقاتلوا إل من قاتلهم..4
1لويس سيديو ) :( 1876 – 1808مستشرق فرنسي .ولد وتوفي بباريس .كان أبوه )جان جاك إمانويل سيديو،
المتوفي سنة (1832فلكيًا من المستشرقين أيضًا .وتخّرج بكلية هنري الرابع ،وعين مدرسًا للتاريخ في كلية
»بوربون« سنة . 1823وهو صاحب كتاب » « Histire des Arabesأّلفه بالفرنسية ،وأشرف علي مبارك
ضا » :جامع
ى العربية ،وسماه »خلصة تاريخ العرب العام « ومن آثار »سيديو« أي ً ى ترجمته إل َ
باشا عل َ
للت الفلكية« .المبادىء والغايات في ا َ
2لويس سيديو :خلصة تاريخ العرب ص 54
3ابن سيد الناس :عيون الثر 188 / 2 ،
4ابن سيد الناس :عيون الثر194 / 2 :
53
" فما إن ُأقر السلم؛ حتى انتشر السلم في كل ناحية ،بخطى
واسعة ،ل !..لقد بدا وكأن قوة غير منظورة كانت تعمل على
إدخال الناس في دين الله أفواجا ً بعد أفواج "..1
حطمت الصنام ،وسقطت رموز الوثنية ،وتوحدت الشعوب و ُ
والقبائل المتناحرة ،وخرج العربي من عبادة العباد إلى عبادة
الخالق رب العباد ،وألغيت الطبقيات والعصبيات والنعرات
الجاهلية ،وانتشر العدل والسلم والمن ...
وأصبحت دولة السلم مهيبة قوية أمام قوى الفرس والرومان ..
ولما اعتدى عامل الرومان شرحبيل بن عمرو الغساني وَقتل
سفير النبي الصحابي السفير /الحارث بن عمير الزدي ،عندما
أرسله النبي برسالة دعوية إلى عظيم بصرى في الشام ،إذا
بالنبي يعلن التعبئة العامة ،ويغزو حدود الرومان الجنوبية ،في
سرية مؤتة) جمادى الولى 8هي /سبتمبر 629م ( ،وغزوة تبوك
)رجب 9هي /أكتوبر (630التي ملئت قلب النظام الروماني
بالفزع والهلع ،من هذا القطب الدولي الثالث الناشىء المتمثل
في دولة السلم..
عاشًرا :حجة الوداع ،ووفاة النبي
بعد أن نجح النبي في دعوته ،وقويت دولة السلم ،واستتب
المن في الجزيرة العربية ،ودخل الناس في السلم أفواجًا،
وشاء الّله أن يري رسوله ثمار دعوته ،التي عانى في سبيلها
ثلثة وعشرين عامًا ،حافلة بالجهد والعمل والبلء ،وأحس رسول
الله بدنو أجله ،ولذلك قصد نبي الله الحج ،ليجتمع بالمة ،
فيأخذوا منه أصول السلم وكلياته ،ويأخذ منهم الشهادة على أنه
أدى المانة ،وبلغ الرسالة .
وفي اليوم التاسع من ذي الحجة )يوم عرفة ( في العام العاشر
من الهجرة )6مارس 632م( وقد اجتمع حوله مئة ألف وأربعة
وأربعون ألفا ً من الناس ،فقام فيهم خطيبًا ،وألقى خطبة بلغية
ن عام ٍ لحقوق النسان عرفته البشرية، جامعة تضمنت أول إعل ٍ
أعلن فيها الخاء والمساواة والعدالة وحرمة الدماء والموال
وحقوق المرأة ،ووضع تقاليد الجاهلية الفاسدة ،فألغى دماء
الجاهلية ،والمعاملت الربوية والنعرات الجاهلية.
وأهدى للبشرية أعظم وأحكم وأجمل شريعة في التاريخ ،تلك
الشريعة التي تحدث عنها العلمة"شبرل" - 2مبدًيا فخره
واعتزازه بالنبي محمد - قائ ً
ل:
54
" إن البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد][إليها ،إذ رغم
أميته استطاع قبل بضعة عشر قرنًا؛ أن يأتي بتشريع سنكون
نحن الوربيين أسعد ما نكون ؛ لو وصلنا إلى قمته بعد ألفي سنة
". 1
وعاد رسول الله إلى المدينة ،وسرعان ما أحس بالمرض
ودنو الجل.
وُتوفي رسول الله يوم الثنين الثاني عشر من شهر ربيع
الول عام 11هي)6يونيو (632وخلفه في حكم الدولة وزيره
وصديقه الجليل أبو بكر الصديق ،ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان
بن عفان ثم علي بن أبي طالب – رضي الله عنهم جميعا ً –.
المبحث الثاني
مة للعالمين في أدبيات الغرب محمد َ ر ْ
ح َ
المطلب الول:شهادة إنجيل برنابا:
شهدت أدبيات الغرب وأشادت برحمة محمد للبشر ،ويأتي
على رأس هذه الدبيات إنجيل برنابا الذي بشر برحمة محمد
التي ينالها العالم عند قدومه من أرض الجنوب ) الحجاز (.
فيقول إنجيل برنابا" :2سيأتي مسيا ]أي محمد [المرسل من
الله لكل العالم ..،وحينئذ يسجد لله في كل العالم ،وتنال
الرحمة. 3"..
يقول القيس إبراهيم فيليوبيوس: 4
1انظر :عبد ال ناصح علوان :معالم الحضارة في السلم وأثرها في النهضة الوربية ،ص 155
" 2يقول المستشرق سايل :إن مكتشف النسخة اليطالية لنجيل برنابا هو راهب لتيني يسمى
مرينو"...واتفق أنه أصبح حينا من الدهر مقربا من البابا "سكتس الخامس " ،فحدث يوما أنهما دخل معا مكتبة
البابا العتقية ،فأخذ النوم هذا البابا ،فأحب الراهب مرينو أن يقتل الوقت بالمطالعة إلى أن يفيق البابا ،فكان
الكتاب الول الذي وضع يده عليه هو إنجيل القديس برنابا ،فخبأ هذا النجيل في ثوبه ،ولبث إلى أن إستفاق
ل ذاك الكنز معه ،فلما خل بنفسه طالعه بشوق عظيم فاعتنق على إثر ذلك البابا فاستأذنه بالنصراف حام ً
السلم .اهـ .
وبعد اكتشاف هذا النجيل ،شاع خبره في بداية القرن الثامن عشر فأحدث دويًا كبيرًا ،عند النصارى بشتى
ل بعد جيل ،بل قام طوائفهم ،وأجمعوا على محاربته وتكذيبه ،بل إن هذا العداء توارثته أجيال النصارى جي ً
أساقفة النصارى بتصنيف الردود على هذا النجيل الذي يبشر بشكل صريح جدًا بمحمد صلى ال عليه وسلم ..
3إنجيل برنابا 18 – 16 : 82 ،
4أسلم وأطلق على نفسه اسم " إبراهيم خليل أحمد " ،وهو حاصل على ماجستير في اللهوت من جامعــة
برنسـتون المريكية .ومن كتبه )محمد في التوراة والنجيل والقرآن( و)المسيح إنسان ل إله( و)السلم في الكتب
السماوية( و)اعرف عدوك اسرائيل( و)الستشراق والتبشير وصلتهما بالمبريالية العالمية( و)المبشرون
والمستشرقون في العالم العربي السلمي(.وقد كان راعيًا للكنيسة النجيلية ،وأستاذًا للهوت ،وأسلم على يديه
55
" كلمة إنجيل كلمة يونانية تعني بشارة أو بشرى ،ولعل هذا هو
الذي نستفيده من سيرة سيدنا عيسى عليه السلم ،أنه كان
بشرى من الله للرحمة ،وبشرى بتبشيره عن المسيا الذي
سيأتي للعالمين هدى ورحمة ،أل وهو محمد .1"
وجاء في الفصل السادس والتسعين – في إنجيل برنابا -من
محاورة بين المسيح ورئيس كهنة اليهود ،أن الكاهن سأله عن
نفسه فأجاب بذكر اسمه واسم أمه ،وبأنه بشر ميت ثم قال
النجيل ما نصه:
" أجاب الكاهن :إنه مكتوب في كتاب موسى أن إلهنا سيرسل
لنا مسّيا الذي سيأتي ليخبرنا بما يريد الله ،وسيأتي للعالم
برحمة الله .لذلك أرجوك أن تقول لنا الحق هل أنت مسيا الله
الذي ننتظره؟ .وأجاب يسوع :حقا ً أن الله وعد هكذا ولكني
لست هو ،لنه خلق قبلي وسيأتي بعدي .أجاب الكاهن :إننا
نعتقد من كلمك وآياتك على كل حال أنك نبي وقدوس الله .
لذلك أرجوك باسم اليهودية كلها وإسرائيل كلها أن تفيدنا حبا ً
في الله بأية كيفية سيأتي مسيا؟ فأجاب يسوع :لعمر الله
الذي تقف بحضرته نفسي .أني لست مسيا الذي تنتظره كل
قبائل الرض كما وعد الله أبانا إبراهيم .قائل ً :بنسلك أبارك
كل قبائل الرض .ولكن عندما يأخذني الله من العالم سيثير
الشيطان مرة أخرى لهذه الفتنة المعونة بأن يحمل عادم
التقوى على العتقاد بأني الله وابن الله .فيتنجس بسبب هذا
كلمي وتعليمي حتى ل يكاد يبقى ثلثون مؤمنا ً .حينئذ ٍ يرحم
الله العالم ويرسل رسوله الذي خلق كل الشياء لجله .الذي
سيأتي من الجنوب بقوة وسيبيد الصنام وعبدة الصنام .
وسينتزع من الشيطان سلطته على البشر وسيأتي برحمة الله
لخلص الذين يؤمنون به .وسيكون من يؤمن بكلمه مباركا ً ".
.2
56
المطلب الثاني :شهادة الراهب النصراني بحيرا :
إن أول جملة قالها الراهب النصراني الشهير "بحيرا "حييين رأى
محمدا ً في رحلته الولى إلى الشام مع أبي طالب : -
" هذا سيد العالمين ! هذا رسول رب العالمين ! هذا يبعثه الله
رحمة للعالمين !". 1
وإن في ذلك لدللة بينة على ما كان يتدارسه الرهبان
والقساوسة في الناجيل ،حيث صفة الرحمة التي سجلتها الكتب
السماوية السابقة في محمد.
المطلب الثالث :شهادة العلمة توماس كارليل
في كلمات تنم عن عميق الحب وعلو التقدير ،يتحدث توماس
كارليل ) 1881 – 1795م ( الكاتب النجليزي المعروف ،في
إعجاب بصفات الرحمة في شخصية محمد فيقول:
" ..لقد كان في فؤاد ذلك الرجل الكبير ] ... [العظيم النفس،
المملوء رحمة ،وخيًرا ،وحناًنا ،وبًرا ،وحكمة ،وحجى ،ونهى..
أفكار غير الطمع الدنيوي ،ونوايا خلف طلب السلطة والجاه.
وكيف وتلك نفس صامتة كبيرة ورجل من الذين ل يمكنهم إل أن
يكونوا مخلصين جادين ؟ فبينما نرى آخرين يرضون بالصطلحات
دا ] [لم الكاذبة ويسيرون طبق اعتبارات باطلة .إذ ترى محم ً
دا بنفسهيرض أن يلتفع بالكاذيب والباطيل .لقد كان منفر ً
العظيمة . 2"..
المطلب الرابع :شهادة المفكر البريطاني لين بول:
ل ُيخفي "لين بول" ) ( 19 17_ 1652تأثره بمحمد ،فيتحدث
في مؤلفه " :رسالة في تاريخ العرب " عن سجايا خلق الرحمة
في شخصية محمد في إعجاب جم قائل ً :
"إن محمدا ً ] [كان يتصف بكثير من الصفات كاللطف
والشجاعة ،وكرم الخلق ،حتى إن النسان ل يستطيع أن يحكم
عليه دون أن يتأثر بما تطبعه هذه الصفات في نفسه ،ودون أن
يكون هذا الحكم صادرا ً عن غير ميل أو هوى ،كيف ل ،وقد
احتمل محمد ] [عداء أهله وعشرته سنوات بصبر وجلد
عظيمين ،ومع ذلك فقد بلغ من نبله أنه لم يكن يسحب يده من
يد مصافحه حتى لو كان يصافح طفل ً ! وأنه لم يمر بجماعة يوما ً
من اليام رجال ً كانوا أم أطفال ً دون أن يسلم عليهم ،وعلى
1الحاكم :المستدرك على الصحيحين ، 672 \2عن أبي موسى برقم ،4229ومصنف ابن أبي شيبة 317 \6
برقم ،31733وابن عساكر:تاريخ دمشق ،4\3والطبري :تاريخ المم والملوك) تاريخ الطبري( ،520 \1
وسيرة ابن حبان . 58محمد بن يوسف الصالحي :سبل الهدى والرشاد .140\2
2توماس كارليل :البطال52 ،51 ،
57
شفتيه ابتسامة حلوة ،وبنغمة جميلة كانت تكفي وحدها لتسحر
سامعيها ،و تجذب القلوب إلى صاحبها جذبا ً !!".1
المطلب الخامس :شهادة السير وليم موير:
وأما الباحث وليم موير فيتحدث في مؤلفه " :حياه محمد " عيين
أخلقيييات النييبي فييي تقييدير بييالغ لرقيية النييبي ورفقييه
ورأفته،ولين عريكته ،فيقول :
حرية"ومن صفات محمد] [الجليلة الجديرة بالذكر ،وال َ
بالتنويه :الرقة و الحترام ،اللذان كان يعامل بهما أصحابه ،
حتى أقلهم شأنا ً ،فالسماحة والتواضع والرأفة والرقة تغلغلت
في نفسه ،ورسخت محبته عند كل من حوله ،وكان يكره أن
يقول ل ،فإن لم يمكنه أن يجيب الطالب على سؤاله ،فضل
السكوت على الجواب ،ولقد كان أشد حياء من العذراء في
خدرها ،وقالت عائشة]رض الله عنها[: ،وكان إذا ساءه شيء
تبينا ذلك في أسارير وجهه ،ولم يمس أحدا ً بسوء ال في سبيل
الله ،وُيؤثر عنه أنه كان ل يمتنع عن إجابة الدعوة من أحد مهما
كان حقيرا ً ،ول يرفض هدية مهداة إليه مهما كانت صغيره ،وإذا
جلس مع أحد أيا ً كان لم يرفع نحوه ركبته تشامخا ً وكبرًا".2
المطلب السادس :شهادة القس السابق دُّراني
يقول العلمة النجليزي د ُّراني ،3مشيرا ً إلى خلق الرحمة في
النبي :
"أستطيع أن أقول بكل قوة أنه ل يوجد مسلم جديد واحد ل
يحمل في نفسه العرفان بالجميل لسيدنا محمد ] [لما غمره
به من حب وعون وهداية وإلهام ..فهو القدوة الطيبة التي
أرسلها الله رحمة لنا وحًبا بنا حتى نقتفي أثره].. 4"![
المطلب السابع :شهادة الكاتب السباني "جان ليك":
يقول الدكتور جان ليك في كتابه ) العرب( :
"وحييياة محمييد] [التاريخييية ل يمكيين أن توصييف بأحسيين ممييا
وصفها الله ..بألفاظ قليلة ،بين بها سبب بعث النبي محمييد]]
َ
ن] النبييياء ،[107 :وقييد برهيين ة ل ّل ْعَييال َ ِ
مي َ مي ً
ح َ سل َْنا َ
ك ِإل َر ْ وَ َ
ما أْر َ
بنفسه على أن لديه أعظم الرحمات لكل ضعيف ،ولكييل محتيياج
إلى المساعدة ،كان محمد][رحمة حقيقة لليتييامى ،والفقييراء،
1لين بول :رسالة في تاريخ العرب نقل عن :عفيف عبد الفتاح طبارة :روح الدين السلمي ،ص .438
2وليم موير :حياة محمد 14
3الدكتور م .جُ .دّراني :سليل أسرة مسلمة منذ القدم ،أصبح نصرانًيا في فترة مبكرة من حياته وتحت تأثير إحدى
سا منذ عام 1939وحتى حا من حياته في كنيسة إنكلترا ،حيث عمل قسي ًالمدارس التبشيرية المسيحية ،وقضى رد ً
عام 1963حيث عاد إلى السلم .
4انظر :عرفات كامل العشي :رجال ونساء أسلموا . 28 – 27 / 4 ،
58
وابن السبيل ،والمنكييوبين ،والضييعفاء ،والعمييال ،وأصييحاب الكييد
والعناء ،وإني بلهفة وشوق ..أصلى عليه وعلى أتباعه ! ".1
المطلب الثامن :شهادة العلمة واشنجتون ايرفنج.
يقول واشنجتون ايرفنج ،في كتابه )حياة محمد( ،مدلل ً على خلق
الرحمة في شخصية النبي بموقفه في فتح مكة وهو القائد
المنتصر :
"كانت تصرفات الرسول ] [في ]أعقاب فتح[ مكة]رمضان
8هي /يناير 630م[ تدل على أنه نبي مرسل ل على أنه قائد
مظفر .فقد أبدى رحمة وشفقة على مواطنيه برغم أنه أصبح في
وج نجاحه وانتصاره بالرحمة والعفو".2 مركز قوي .ولكنه ت ّ
المطلب التاسع :شهادة الباحث الفرنسي جوستاف
لوبون :
3
يتحدث جوستاف لوبون في كتابه )الدين والحياة( ،عن علو
أخلق النبي محمد لسيما رحمته ورقة قلبه ،فيقول :
"لقد كان محمد ][ذا أخلق عالية ،وحكمة ،ورقة قلب ،ورأفة،
ورحمة ،وصدق وأمانة".4
وهذه الخلق هي التي جذبت آراء المنصفين لنبي السلم ،
وعد ُّته من أعاظم رجالت التاريخ ..
فيقول جوستاف لوبون في موضع آخر :
"إذا ما قيست قيمة الرجال بجليل أعمالهم؛ كان محمد ] [من
دا
أعظم من عرفهم التاريخ ،وقد أخذ علماء الغرب ينصفون محم ً
] ، [مع أن التعصب الديني أعمى بصائر مؤرخين كثيرين عن
العتراف بفضله !".5
المطلب العاشر :شهادة المؤرخ الشهير جيمس متشنر
:
ويتحدث جيمس متشنر عن بعض صور الرحمة في شخص النبي
،مشيرا ً إلى بساطة النبي ، وإنسانيته ،ونبله ،وحزمه،
فيقول متشنر :
"إن محمدا ً ] [هذا الرجل الملهم ،
الذي أقام السلم ،
ولد في قبيلة عربية تعبد الصنام،
59
ولد يتيما ً محبا ً للفقراء والمحتاجين والرامل واليتامى والرقاء
والمستضعفين.
وقد أحدث محمد] [بشخصيته الخارقة للعادة ثورة في شبه
الجزيرة العربية وفى الشرق كله .
فقد حطم الصنام بيديه ،
وأقام دينا ً يدعو إلى الله وحده ،
ورفع عن المرأة قيد العبودية التي فرضتها تقاليد الصحراء ،
و نادى بالعدالة الجتماعية وقد عرض عليه في آخر أيامه أن
يكون حاكما ً بأمره ،أو قديسا ً ،
ولكنه أصر على أنه ليس إل عبدا ً من عباد الله أرسله إلى العالم
منذرا ً وبشيرًا"! 1
المبحث الثالث
خصائص رحمته
المطلب الول :ربانية الرحمة:
فمن أسماء الله تبارك وتعالى الرحمن والرحيم ..
وقد افتتح سور القرآن ،ببسم الله الرحمن الرحيم ..
ذاِبي ن عَ َ َ عَباِدي أ َّني أ ََنا ال ْغَ ُ
م * وَ أ ّ حي ُ فوُر الّر ِ ئ ِ وقال الله تعالى ن َب ّ ْ
م ]الحجر :اليتان [50 ، 49 َ هُوَ ال ْعَ َ
ب الِلي َ ذا ُ
وعن أبي هريرة قال :قال رسول الله " :لما قضى الله
الخلق كتب في كتابه ،فهو عنده فوق العرش :إن رحمتي غلبت
غضبي".2
ل: ن أ َِبي هَُري َْرة َ َ قا َ وع َ ْ
قَها خل َ َم َ ة ي َوْ َ م َ ح َ خل َقَ الّر ْ ه َ ن الل ّ َ ل " :إِ ّ قو ُ ه ي َ ُ ل الل ّ ِ سو َ ت َر ُ معْ ُ س ِ َ
ه ْ َ َ َ َ َ َ
ق ِخل ِ سل ِفي َ ة ،وَأْر َ م ً ح َ ن َر ْ سِعي َ سًعا وَت ِ ْ عن ْد َه ُ ت ِ ْ سك ِ م َ مة ٍ ف أ ْ ح َ ة َر ْ مائ َ ِ
ن
م ْ ّ
عن ْد َ اللهِ ِ ذي ِ ل ال ِّ كافُِر ب ِك ُ ّ ْ
م ال َ َ َ
حد َة ً ! فَلوْ ي َعْل ُ ة َوا ِ م ً ح َ م َر ْ ك ُلهِ ْ ّ
عن ْد َ الل ّ ِ
ه ذي ِ ل ال ّ ِ ن ب ِك ُ ّ م ُ مؤ ْ ِ م ال ْ ُ ة،وَل َوْ ي َعْل َ ُ جن ّ ِن ال ْ َ م ْ س ِم ي َي ْئ َ ْْ مة ِ ل َ ْ ح َ الّر ْ
ب لَ ْ ن ال ْعَ َ
3
ن الّناِر" . م ْ ن ِ م ْ م ي َأ َ ذا ِ م ْ ِ
ل: كَ قا َ َ
مال ِ ٍ ن َ س بْ ُ وعن أن َ ُ
ك وَت ََعاَلى َ :يا اب ْ َ
ن ه ت ََباَر َ ل الل ّ ُ ل َ ":قا َ قو ُ ل الل ّهِ ي ُ سو َ ت َر ُ معْ ُ س ِ َ
ك وَلَ ن ِفي َ َ
ما كا َ َ
ت لك ع َلى َ َ َ فْر ُ َ
جوْت َِني غ َ ما د َع َوْت َِني وََر َ َ
م ! إ ِن ّك َ آد َ َ
ت ذ ُُنوب ُ َ َ َ ُ
ماِء؛ ث ُ ّ
م س َ ن ال ّ ك ع ََنا َ م ! لوْ ب َلغَ ْ ن آد َ َ أَباِليَ .يا اب ْ َ
ب
قَرا ِ ك ل َوْ أ َت َي ْت َِني ب ِ ُ م ! إ ِن ّ َ ن آد َ َ ك وََل أَباِليَ .يا اب ْ َ
ُ ت لَ َ فْر ُ فْرت َِني،غ َ َ ست َغْ َ ا ْ
1انظر :حسين الشيخ خضر الظالمي :قالوا في السلم ص .50
ق ُثّم ُيِعيُدُه 2صحيح – رواه البخاري ،كتاب بدء الخلق – باب :ما جاء في قول ال تعالى"َ:وُهَو اّلِذي َيْبَدُأ اْل َ
خْل َ
عَلْيِه" )الروم .(27 :ورواه مسلم في التوبة ،باب :في سعة رحمة ال تعالى ،رقم.2751 : ن ََوُهَو َأْهَو ُ
3صحيح – رواه البخاري ،كتاب الرقاق – باب :الرجاء مع الخوف .رقم 5988
60
1
ة"
فَر ً مغْ ِ قَراب َِها َك بِ ُشي ًْئا َل َت َي ْت ُ َ
ك ِبي َ شرِ ُ قيت َِني َل ت ُ ْ م لَ ِ خ َ
طاَيا ث ُ ّ ض َ الْر ِ
َْ
.
وقد ضرب النبي مثال ً على رحمة الله للعبد :
فقد رأى امرأة متلهفة على ولدها ،تبحث عنه ،فلما رأته ،تلقفته،
فألصقته ببطنها وأرضعته ،فقال النبي لصحابه " :أترون هذه
طارحة ولدها في النار ؟" .قالوا :ل ،وهي تقدر على أن ل
2
تطرحه ،فقال" :لله أرحم بعباده من هذه بولدها !"
وقد اتصف وتخّلق محمد ٌ بخلق ربه – سبحانه وتعالى – من
أخلق الرحمة والعفو ،حتى زكاه ربه بها وأثنى عليه فقال :
كمص ع َل َي ْ ُري ٌ ح ِم َ ما ع َن ِت ّ ْ زيٌز ع َل َي ْهِ َ
م عَ ِسك ُ ْ ف ِن َأن ُم ْ ل ّسو ٌ م َر ُ جاءك ُ ْ قَد ْ َ
م] التوبة:الية [128 حي ٌ
ف ّر ِ ؤو ٌ ن َر ُمِني َمؤ ْ ِِبال ْ ُ
61
إنه يسعى على الخذ بيد المستضعفين ،ويوصي بالبر ،ويأمر
بالرحمة".1
وأوامره كما تقول "إلس ليختنستادتر" " 2هي أوامر العدل
للجميع ،والرحمة بالضعيف والرفق والحسان .وتلك هي الوسائل
التي يضعها الله في يد النسان لتحقيق نجاته ،فهو ثم مسؤول
عن أعماله ومسؤول كذلك عن مصيره. 3".
وهو كتاب هداية عظيم للبشرية ،وهو أبلغ منهج للهداية ..
يقول نصري سلهب: 4
دا ] [rكييان أمي ًييا ل يقييرأ ول يكتييب .فييإذا بهييذا المييي
" ..إن محم ً
يهدي إلى النسانية أبلغ أثر مكتوب حلمت به النسانية منذ كييانت
النسانية -ذاك كان القرآن الكريم ،الكتاب الذي أنزلييه اللييه علييى
رسوله هدى للمتقين . 5".
ول شك أن أخلق الرحمة هي عامل الجذب الساس لدخول
الناس في السلم ،أو كما يقول يول " :6الحسان والرحمة
والنزعة النسانية الخيرة العريقة – هذه وغيرها من العوامل
كانت بالنسبة لي أعظم دليل على صدق هذا الدين" .. 7المر
الذي يعبر عنه "بشير تشاد بقوله" " :إن السلم هو دين الرحمة
والحب والتعاطف النساني".8
62
وفي ذلك تقول لورافيشيا فاغليري ":إن الية القرآنية التي تشير
إلى عالمية السلم بوصفه الدين الذي أنزله الله على نبيه ][
)رحمة للعالمين( ،هي نداء مباشر للعالم كله .وهذا دليل ساطع
دا ] [شعر في يقين كّلي أن رسالته مقدر لها أن على أن محم ً
تعدو حدود المة العربية وأن عليه أن يبلغ )الكلمة( الجديدة إلى
شعوب تنتسب إلى أجناس مختلفة ،وتتكلم لغات مختلفة" . 1
وعن أبي موسى :أنه سمع النبي يقول" :لن تؤمنوا حتى
تراحموا !".
قالوا :يا رسول الله كلنا رحيم! قال" :إنه ليس برحمة أحدكم
صاحبه ولكن رحمة العامة..رحمة العامة!".. 2
فهي الرحمة بالعامة ،أي بعامة البشر ،ويجعل النبي ذلك من
شروط اليمان ،فل يعد الرجل مؤمًنا حتى يرحم الناس بصفة
عامة .
كما في حديث أنس بن مالك ،أن رسول الله قال" :والذي
نفسي بيده ،ل يضع الله رحمته إل على رحيم" ،قالوا :يا رسول
الله ،كلنا يرحم ،قال ":ليس برحمة أحدكم صاحبه ..يرحم
الناس كافة ". 3
رو قال : م ٍ
ن عَ ْ وعن ع َب ْد َ الل ّهِ ب ْ َ
َ
موا أهْ َ
ل ل الل ّهِ ": الّرا ِ سو ُ َقا َ
ح ُ
ن ،اْر َ
م ُ
ح َ
م الّر ْ
مه ُ ُ
ح ُ
ن ي َْر َ
مو َ ح ُ ل َر ُ
َ َ
م أهْ ُ مك ُ ْ
4
ماِء " .. س َ
ل ال ّ ح ْ ض ي َْر َالْر ِ
63
يعتبر البشرية جميعها أسرة واحدة ،تنتمي إلى رب واحد وإلى
أب واحد وإلى أرض واحدة ..كما قال النبي :
َ حد ،وإ َ َ َ
ض َ
ل د ،أَل َل فَ ْ ح ٌ م َوا ِ ن أَباك ُ ْ م َوا ِ ٌ َ ِ ّ ن َرب ّك ُ ْ س أَل إ ِ ّ "َيا أي َّها الّنا ُ
َ
مَر ع ََلى ح َ ي ،وََل ِل َ ْ ي ع ََلى ع ََرب ِ ّ م ّ ج ِ ي ،وََل ل ِعَ َ م ّ ج ِي ع ََلى أع ْ َ ل ِعََرب ِ ّ
مَر إ ِّل ِبالت ّ ْ َ َ َ
1
وى" . ق َ ح َ سوَد َ ع ََلى أ ْ د ،وََل أ ْ سو َ َ أ ْ
ومن ثم كان رسول الله رحمة لكل المم ،ولمته خاصة،
ما بأمرها ،يخشى عليها من عذاب الله يوم القيامة ،وقد كانت مهت ً
مشاعره جياشة في هذه المسألة ،فذات مرة قرأ قول الله
م فَإ ِن ّهُ ْ
م تعالى في القرآن على لسان عيسى ِ :إن ت ُعَذ ّب ْهُ ْ
ك وإن تغْفر ل َهم فَإن َ َ
م]المائدة،[118 : كي ُ ح ِ زيُز ال ْ َ ت ال ْعَ ِ ك أن َ عَباد ُ َ َ ِ َ ِ ْ ُ ْ ِ ّ ِ
ففاض ينبوع الرحمة ،واهتز قلب النبي يناجي ربه في
كى .."!!..وسرعان ما نزل المين مِتي وَب َ َ ُ خشوع " :الل ّه ُ
مِتي أ ّ مأ ّ ُ ّ
جبريل مهدًئا من فزع محمد على أمته ،ومبلًغا قائل :إن الله
ً
ُ
ك". 2 سوُء َ ك وََل ن َ ُ مت ِ َ ك ِفي أ ّ ضي َ سن ُْر ِ يقول لك " :إ ِّنا َ
وكان رحمة كذلك لغير المسلمين ،بل وأشر الخلق ،فكان
ل الل ّهِ يمارس هذه الرحمة مع شرار الناس ،حتى يظن سو ُ َر ُ
الفاجر أنه بخير!
وتأمل قول عمرو بن العاص -رضي الله عنه: -
"كان رسول الله يقبل بوجهه وحديثه على أشر القوم يتألفهم
ي حتى ظننت أني خير ". 3 بذلك ،فكان يقبل بوجهه وحديثه عل ّ
واستفاد غير المسلمين من رحمة النبي ؛ ولن الله تعالى
كان يهلك من قبل المم الكافرة بسبب كفرها وعصيانها للنبياء
هلكا ً جماعيّا ،بينما رفع الله تعالى بعد بعثة محمد هذا الهلك
الجماعي ،فاستفاد الناس من خلصهم من مثل هذا العذاب،
فكان ذلك نعمة دنيوية بالنسبة للكفار .يخاطب الله تعالى نبيه
َ
م
ت ِفيهِ ْ م وَأن َ ه ل ِي ُعَذ ّب َهُ ْ ن الل ّ ُ كا َ ما َ في هذا الخصوص فيقول :وَ َ
ن ] النفال[ 33 : فُرو َ ست َغْ ِ م يَ ْ م وَهُ ْ معَذ ّب َهُ ْ ه ُ ن الل ّ ُ ما َ
كا َ وَ َ
وتأمل قدر النبي ومنزلته عند الله :أي طالما أنت تعيش
بينهم فلن يعذبهم الله .طالما أن ذكرك موجود ،وتلهج به
اللسنة ،وطالما أن الناس يتبعون طريقك فلن يعذبهم الله ولن
يهلكهم.4
1صحيح -رواه أحمد ،برقم ،22391والطبراني في المعجم الوسط برقم ،4905البيهقي برقم ،4921
وصححه اللباني في السلسلة الصحيحة برقم 2700
عَلْيِهْم ،رقم 301
شَفَقًة َ
لّمِتِه َوُبَكاِئِه َ
سّلَم ُِ
عَلْيِه َو َ
ل َ
صّلى ا ُّ
ي َ
عاِء الّنِب ّ
2صحيح – رواه مسلمَ ،باب ُد َ
3حسن – رواه الترمذي في الشمائل المحمدية ) ،( 295وحسنه اللباني في مختصر الشمائل المحمدية
4انظر :محمد فتح ال كولن :النور الخالد محمد صلى ال عليه وسلم مفخرة النسانية2/69 ،
64
ضا .فبسبب هذه الرحمة الواسعة لم يَر وكان رحمة للمنافقين أي ً
المنافقون العذاب في الحياة الدنيا .فقد حضروا إلى المسجد
واختلطوا بالمسلمين واستفادوا من كل الحقوق التي تمتع بها
المسلمون .ولم يقم رسول الله بفضحهم وإفشاء أسرار
نفاقهم أبدا ً مع أنه كان يعرف دخائل نفوسهم ونفاقهم ،حتى إنه
حذيفة رضي الله عنه بذلك 1لذا ،كان عمر بن الخطاب أخبر ُ
حذيفة ،فإن رآه ل يصلي على جنازة لم رضي الله عنه يراقب ُ
يصلها هو كذلك ،2دون إحداث ضجة أو تشهير بالمنافق الميت .
ومع ذلك فلم يهتك السلم سرهم ،فبقوا بين المؤمنين ،وانقلب
كفرهم المطلق إلى ريبة وشك على القل ،فلم يحرموا من
لذائذ الدنيا؛ لن النسان الذي يعتقد أنه سيفنى ويذهب إلى
العدم ل يمكن أن يهنأ في عيشه ،ولكن إن انقلب كفره إلى
شك وشبهة فإنه يقول في نفسه" :ربما توجد هناك حياة
أخروية" ،عندئذ لن تكفهر حياته تمام الكفهرار .ومن هذا
المنطلق كان رسول الله رحمة لهم بهذا المعنى.3
المطلب الرابع :عبقرية الرحمة :
لقد كانت رحمة النبي من عوامل نجاحه التي استعملها
واستفاد منها في دعوته ،قال الله تعالى :
بقل ْ ِظ ال ْ َت فَظ ّا ً غ َِلي َ
م وَل َوْ ك ُن ْ َ
ت ل َهُ ْ
ن الل ّهِ ل ِن ْ َ
م َ
مةٍ ِ ح َما َر ْ فَب ِ َ
حوِْلك] آل عمران [:159 ن َ م ْضوا ِ ف ّ
لن ْ َ
يعني :لول رحمتك يامحمد لنفضوا من حولك رافضين دعوتك ..
كما إن رحمته من دلئل عبقريته وفطنته ،بمعنى آخر كانت
دا آخر من أبعاد عبقريته وفطنته ،وكانت هذه رحمته تشكل ُبع ً
الرحمة من عوامل نجاحه التي استعملها واستغلها ،وجعل منها
شَباك رحمة لصيد القلوب ،واتخذ رحمته وسيلة لفتح القلوب ِ
السوداء ،وتحريك المشاعر الصماء ،ول يعني هذا أنه كان يتصنع
الرحمة ،ويتخذها ذريعة للوصول إلى مآرب غير شرعية ،بل كانت
سمته الطبيعي وفطرته التي جبله الله عليها .
وشتان ما بين رحمة خالصة لوجه الله ،ورحمة خالصة من أجل
منفعة شخصية وضيعة ،وشتان بين رحمة من أجل رسالة سامية،
ورحمة من أجل زعامة فانية .
حا سحرّيا. "هكذا كانت "الرحمة" في يد رسول الله مفتا ً
وبهذا المفتاح فتح مغاليق أقفال صدئة لم يكن أحد يتوقع فتحها
بأي مفتاح ،وأشعل شعلة اليمان في القلوب ..أجل ،لقد سّلم
البخاري ،فضائل أصحاب النبي20 ،؛ ابن الثير :أسد الغابة 1/468 1
انظر :محمد فتح ال كولن :النور الخالد محمد صلى ال عليه وسلم مفخرة النسانية2/69 ، 3
65
هذا المفتاح الذهبي إلى محمد المصطفى ؛ لنه كان أليق
ما يسلم المانة لمن هو أهل لها. 1". الناس به ،والله تعالى دائ ً
المطلب الخامس :وسطية الرحمة:
ومن خصائص رحمة النبي أيضا ً أنها رحمة متزنة وعادلة ،فهو
يل ب ل يغدر ،سياس ّ رحيم دون ضعف ،متواضع بغير ذلة ،محار ٌ
يكذب ،يستخدم الحيلة في الحرب ولكن ل ينقض العهود
والمواثيق ،آمن خصومه بصدقه وأمانته ،يجمع بين التوكل
والتدبير ،وبين العبادة والعمل ،وبين الرحمة والحرب..2
وهذا وهو الحال في أخلق محمد جميعها ،فهي تعمل ضمن
منظومة متناسقة متناغمة ،تتشابك جميعها لتأدية أغراضها ،فل
تتوسع صفة أو تقوى على حساب أخرى ،ول تعمل إحداها ضد
الصفة التي تقابلها .كالقرآن والسيف في دعوة النبي ،
فالقرآن – في يدي النبي -كتاب هداية لمن أراد الهدى،
والسيف معه وسيلة لردع من يعتدي عليه.
ويشير "جورج حنا" 3إلى هذا التوازن في شخصية النبي ،
فيقول:
ده
ده اليسر لمن يضربه على خ ّ ول خ ّ" إنه ][لم يرض بأن يح ّ
اليمن ..بل مشى في طريقه غير هّياب ،في يده الواحدة رسالة
هداية ،يهدي بها من سالموه ،وفي يده الثانية سيف يحارب به
من يحاربوه .لقد آمن به نفر قليل في بداية الدعوة ،وكان نصيب
هذا النفر مثل نصيبه من الضطهاد والتكفير ..كان هؤلء باكورة
الديانة السلمية ،والشعلة التي انطلقت منها رسالة محمد][
4
"
ومظهٌر آخر للتوازن ،هو ثبات صفة الرحمة فيه ، فهر رحيم
في كل أحواله وأطواره ومواقفه ،فالنبي رحيم قبل البعثة
وبعد البعثة ،قبل الفتح وبعد الفتح ،رحيم في النصر والهزيمة،
رحيم في عسره ويسره ،رحيم في سفره وحضره ...الخ
1محمد فتح ال كولن :النور الخالد محمد صلى ال عليه وسلم مفخرة النسانية 1/6
2انظر محمد علي الخطيب :محمد رسول ال صلى ال عليه وسلم الرحمة المهداة33 ،
3الدكتور جورج حنا :كاتب نصراني من لبنان ،وصاحب كتاب )قصة النسان(.
4جورج حنا :قصة النسان ،ص . 76
66
عملية ،وواقع حي عاشه المسلمون في العهود السلمية العريقة
..
فرحمة النبي محمد رحمة تطبيقية يمارسها في حياته
اليومية ،كما تقول عائشة رضي الله عنها عندما سئلت عن
خلقه ،فقالت" كان خلقه القرآن " ،1فقد خرج من تعاليم القرآن
المكتوبة إلى واقع الحياة بتطبيق هذه التعاليم وممارستها سلوكا ً
عملًيا .
الفصل الثاني
رحمته للعالمين في مجال التنوير والحضارة
67
الثالث :التسامح الديني المبحث
الرابع :رعاية العلم والمعرفة المبحث
الخامس :الخطاب التربوي المبحث
السادس :خدمة النسانية المبحث
المبحث الول
التوحيد والتوير
68
لقد كان النبي في رأي علماء الغرب -الذين درسوا سيرته -
تنويريا ً عملقًا ،وتوحيدًيا كبيًرا ،فهم يرون أن محمدا ً يحمل
كتابا ً نورانيا ً لم يعرف التاريخ كتابا ً مثله في الحكام وروعة البيان
ومعالجته لمشكلت النسانية..
وإذا كان علماء الغرب قد أطلقوا صفة التنوير على النبي ،
فالحق أن القرآن الكريم سبقهم وأطلقها عليه ، وهذه الصفة
في القرآن تعبر في الغالب عن التوحيد ،إضافة إلى العلم
والحضارة والمدنية :
هدا ً سل َْنا َ َ َ
شا ِك َ ي إ ِّنا أْر َ قال الله تعالى في ذلك َ :يا أي َّها الن ّب ِ ّ
مِنيرا ً ] الحزاب: سَراجا ً ّ عيا ً إ َِلى الل ّهِ ب ِإ ِذ ْن ِهِ وَ ِدا ِذيرا ً * وَ َ شرا ً وَن َ ِ مب َ ّوَ ُ
. [46 ،45
َ
ما م ك َِثيرا ً ّ
م ّ ن ل َك ُ ْسول َُنا ي ُب َي ّ ُ م َر ُ جاءك ُ ْ ب قَد ْ َ ل ال ْك َِتا ِوقال َ :يا أهْ َ
ن الل ّهِ ُنوٌر م َكم ّ جاء ُ عن ك َِثيرٍ قَد ْ َ فو َ ب وَي َعْ ُن ال ْك َِتا ِم َ
ن ِ فو َ خ ُم تُ ْ ُ
كنت ُ ْ
ن ( ]المائدة[15 : مِبي ٌب ّ وَك َِتا ٌ
"يجلو الظلمات ،ويكشف الشبهات ،وينير الطريق ،نورا ً هادئا ً
هاديا ً كالسراج المنير في الظلمات.وهكذا كان رسول الله وما
جاء به من النور .جاء بالتصور الواضح البين النير لهذا الوجود ،
ولعلقة الوجود بالخالق ،ولمكان الكائن النساني من هذا الوجود
وخالقه ،وللقيم التي يقوم عليها الوجود كله ،ويقوم عليها وجود
هذا النسان فيه؛ وللمنشأ والمصير ،والهدف والغاية ،والطريق
والوسيلة". .1
و"أي الناس أولى بنفي الكيد عن سيرته من أبي القاسم ] [؛
الذي حول المليين من عبادة الصنام الموبقة إلى عبادة الله رب
العالمين ،ومن الضياع والنحلل إلى السموّ واليمان ،ولم يفد
من جهاده لشخصه أو آله شيًئا مما يقتتل عليه طلب الدنيا من
زخارف الحطام". 2
يقول المستشرق اليرلندي المستر هربرت وايل " :
"بعد ستمائة سنة من ظهور المسيح ظهر محمد ] [فأزال كل
الوهام ،وحرم عبادة الوهام ،وكان يلقبه الناس بالمين ،لما
كان عليه من الصدق والمانة وهو الذي أرشد أهل الضلل إلى
الصراط المستقيم ".3
فبعدما كانت عبادة الحجارة والشخاص والنار والبهائم هي
العبادة السائدة المسيطرة على الشعوب ،أصبحت عبادة الله ي
69
تبارك وتعالى ي هي العبادة السائدة وأكثر انتشارًا ،وبذلك يكون
النبي قد أعاد دين إبراهيم وموسى وعيسى ي ابن مريم ي
حرف الدين الحق عليهم السلم ،-إلى الحياة مرة أخرى ،بعدما ُ
)دين النبياء( من قبل النظمة الغابرة المستبدة ،التي استعبدت
الشعوب،وأغرقته في الظلم والجهل..
إن عظمة النبي البارزة لكل متبصر ،تكمن في أنه كان حامل
رسالة سماوية تنويرية ،عنوانها ل إله إل الله ،تهدف أساسا ً إلى
إصلح حياة البشرية عامة ،تحريرها من عبادة الوثان
والشيطان ..ومن ثم نقلها من البربرية والوثنية إلى الحضارة
المستنيرة..
جاء النبي بشريعة خلقت جيل ً فريدا ً ضرب المثل العلى في
النبوغ العقدي والفكري..
المر الذي دفع علماء الغرب إلى النظر للسلم على أنه دين
تنويري ،أو بعبارة الدكتور مكسيم رودنس "دين عقلني بعيد كل
البعد عن العقائد المسيحية المخالفة للعقل ..ثم إنه وّفق بين
الدعوة إلى حياة أخلقية وبين حاجات الجسد والحواس والحياة
دا من الدين في المجتمع .وخلصة القول فهو كدين كان قريًبا ج ً
1
الطبيعي الذي كان يعتقد به معظم رجال عصر التنوير.. "..
ومن ثم يقول "ناجيمو راموني"": 2إن السلم هو أعظم الديان
ملءمة لجيلنا المتحضر ولكل جيل .فالسلم ل يفصل بين الدين
ما ،وهذا والدنيا بحيث تتحول الحياة إلى طريقين مختلفين تما ً
يشكل خلصة الزمة المعاصرة للنسان .لقد اعتنقت السلم لنه
دين طبقات الناس جميًعا ،كبيرها وصغيرها ،غنيها وفقيرها ،دين
الحرار والعبيد ،والسادة والمسودين".3
ولذلك يقول الستاذ القانوني النكليزي المستر ولز " :كل
شريعة ل تسير مع المدنية في طور من أطوارها فاضرب بها
عرض الحائط ول تبال بها ! لن الشريعة التي ل تسير مع المدنية
جنًبا إلى جنب هي شر مستطير على أصحابها ،تجرهم إلى
الهلك ،وإن الشريعة التي وجدُتها تسير مع المدنية ،أنى سارت
هي الشريعة السلمية"..4
ل " :وإذا أراد إنسان أن يعرف شيًئا من هذا؛ ويدلل على ذلك قائ ً
فليقرأ القرآن وما به من نظريات علمية وقوانين وأنظمة لربط
70
خلقي، المجتمع ،فهو كتاب ديني ،علمي ،اجتماعي ،تهذيبيُ ،
تاريخي ،وكثير من أنظمته وقوانينيه تستعمل حتى في وقتنا
الحالي ،وستبقى مستعمله حتى قيام الساعة ،وهل في استطاعة
إنسان أن يأتي بدور من الدوار كانت فيه الشريعة السلمية
مغايرة للمدنية والتقدم ؟ ! ".1
إن الشريعة السلمية كانت خير هدية من الله للعالم المتحضر،
حا عن على حد قول جوزيف شاخت 2فهي" تختلف اختلًفا واض ً
جميع أشكال القانون ،إلى حد ّ أن دراستها أمر ل غنى عنه لكي
نقدر المدى الكامل للمور القانونية تقديًرا كافًيا ..إن الشريعة
السلمية شيء فريد في بابه ،وهي جملة الوامر اللهية التي
تنظم حياة كل مسلم من جميع وجوهها ،وهي تشتمل على
أحكام خاصة بالعبادات والشعائر الدينية كما تشتمل على قواعد
3
سياسية وقانونية"..
ويبين "ديبورا بوتر" أن السلم جاء بعصر التنوير الحقيقي في
المجالت الحياتية المختلفة ،فيقول:
"لقد جاء السلم بعصر التنوير الحقيقي في المجالت العلمية
والثقافية والفنية بصورة لم يسبق لها مثيل في عظمتها إلى يوم
الناس هذا ..فبين عام 700و 1400بعد الميلد ،وفي الوقت
الذي كانت فيه أوروبا تغط في سبات عميق في عصور الظلم
المسماة بالعصور الوسطى ،كان العلماء المسلمون قد توصلوا
ل محل المنهج المنطقي إلى المنهج التجريبي في البحث الذي ح ّ
دا عند الغريق قبل ذلك ..لقد أنتجت هذه العقيم الذي كان سائ ً
الحقبة من الزمان للدنيا رجال ً عظماء ..ساهموا مساهمة عظيمة
في تشييد صرح الحضارة النسانية وكانوا يستلهمون هديهم من
القرآن الكريم في جميع نشاطاتهم".4
المطلب الثاني :نضاله في إخراج الناس من الظلمات
إلى النور:
دخل الرسول في صراع ونضال ضد أصحاب عصر الظلم،
والنزعات الرجعية ،والموروثات المتخلفة التي عفى عليها الزمن،
كما تبين لورافيشيا فاغليري بقولها " :دعا الرسول العربي ][
بصوت ملهم باتصال عميق بربه ..دعا عبدة الوثان وأتباع
1انظر :حكمت بشير ياسين ،عناية السنة النبوية بحقوق النسان337 ،
2جوزيف شاخت :ولد عام ،1902وعين أستاًذا في عدد من الجامعات اللمانية ) ،(1934-1927ومحاضًرا
للدراسات السلمية في جامعة أكسفورد ) ،(1948وليدن ) ،(1954وكولومبيا ) ،(1958-1957وقد اشتهر
بدراسة التشريع السلمي وبيان نشأته وتطوره.من آثاره) :دين السلم( ) ،(1931و)نشأة الفقه في السلم( )
،(1950و)خلصة تاريخ الفقه السلمي( ).(1952
3انظر :شاخت وبوزورت :تراث السلم . 9 / 3
4انظر :عرفات كامل العشي :رجال ونساء أسلموا . 109 – 1108 / 8 ،
71
نصرانية ويهودية محّرفتين على أصفى عقيدة توحيدية .وارتضى
عا مكشوًفا مع بعض نزعات البشر الرجعية التيأن يخوض صرا ً
1
تقود المرء إلى أن يشرك بالخالق آلهة أخرى. "..
72
الصنام وقبول الوحدانية اللهية ..لقد وّفق إلى خلق العرب خل ً
قا
دا ونقلهم من الظلمات إلى النور".1 جدي ً
1ي لما اطمأن رسول الله بعد الفتح؛ بعث خالد بن الوليد إلى
صنم العزى لخمس ليال بقين من شهر رمضان سنة 8هي)يناير
630م ( ليهدمها وكانت بنخلة – بين مكة والطائف ،-وكانت
1اللدي ايفلين كوبولد :البحث عن ال ،ص 66 ،51
2انظر :ابن كثير :السيرة النبوية ،573 \3 ،والبداية والنهاية 346 \4
3السهام التي كانوا يستقسمون بها الخير والشر ،وهو عمل سخيف ،يعيق النسان عن العمل والحركة ،إل بقرار
من هذه الزلم !
4المصدر السابق
73
لقريش وجميع بني كنانة وهي أعظم أصنامهم .وكان سدنتها بني
سا حتى انتهى إليها،
شيبان ،فخرج إليها خالد في ثلثين فار ً
فهدمها.1
وهكذا كان النبي كما وصفه جورج حنا بإنه " كان ثائًرا ،عندما
أبى أن يماشي أهل الصحراء في عبادة الصنام وفي عاداتهم
الهمجية وفي مجتمعهم البربري .فأضرمها حرًبا ل هوادة فيها
على جاهلية المشركين وأسيادهم وآلهتهم .فكفره قومه
واضطهدوه وأضمروا له الموت .فهاجر تحت جنح الليل مع نفر
من أتباعه ،وما تخلى عن النضال في نشر دعوته ،وما أحجم عن
تجريد السيف من أجلها .فأخرج من جاهلية الصحراء عقيدة دينية
واجتماعية تجمع بين مئات المليين من البشر في أقطار
"4
المعمورة
74
والتي تتمثل في كونه المحرر العظم للبشر في إخراجهم من
دركات عبادة الحجارة إلى مستوى عبادة الخالق سبحانه
وتعالى ..وكون النسان ل يعبد مخلوقا؛ً دللة على حريته
وكرامته .أما عابد النار ،وعابد الحجارة ،وعابد البقرة ،فل شك
أنه ل يهنىء بحياة إنسانية كريمة ،قد قيدتهها الموروثات العقدية
الواهية .فكون النبي محمد يجعل من جوهر رسالته أن يخرج
هؤلء البشر من هذا الحضيض إلى الحياة السلمية الشريفة؛
فذلك مظهر من مظاهر رحمته ،وكان هذا هو ديدنه حتى كان
له الفضل الكبر في تحويل سدنة الوثان إلى علماء ،ودعاة
حضارة وتنوير !
المبحث الثاني
التحضر والرقي
من مظاهر رحمته أنه ارتقى بالعرب إلى مستوى التحضر
فوحد صفهم وأقام لهم دولة و جعل منهم أمة ،وصفها القرآن
بإنها خير أمة أخرجت للناس ..إن في ذلك لرحمة ! رحمة أن
يعيش العربي في ظلل دولة مدنية ،وأمة متحضرة ،وفي سبيل
فكرة مستنيرة ..ل أن يعيش في صراعات قبلية ،واقتتال على
الناقة والعنزة ،في سبيل أفكار رجعية أو عصبية منتنة ،كما كان
.1
يسميها النبي " :دعوها فإنها منتنة"
هذا ولم يقتصر فضل النبي على تحضر العرب وحدهم ..بل
يمتد خيره ونوره إلى الشعوب والمم الخرى ،خصوصا ً أوربا..
المطلب الول :العرب من القبيلة إلى الدولة والمة
ل :العرب لم يعرفوا الوحدة الحضارية قبل النبي أو ً
يقول المفكر اللماني رودي بارت: 2
"كان العرب يعيشون منذ قرون طويلة في بوادي وواحات شبه
دا .حتى أتى محمد ] [ودعاهم إلى الجزيرة ،يعيثون فيها فسا ً
اليمان بإله واحد ،خالق بارئ ،وجمعهم في كيان واحد
متجانس".3
ويقول رودي بارت ،في موضع آخر ،مفص ً
ل:
75
"جاء محمد بن عبد الله ] ،[النبي العربي وخاتمة النبيين ،يبشر
العرب والناس أجمعين ،بدين جديد ،ويدعو للقول بالله الواحد
الحد ،كانت الشريعة ]في دعوته[ ل تختلف عن العقيدة أو
اليمان ،وتتمتع مثلها بسلطة إلهية ملزمة ،تضبط ليس المور
ضا المور الدنيوية ،فتفرض على المسلم الدينية فحسب ،بل أي ً
الزكاة ،والجهاد ضد المشركين ..ونشر الدين الحنيف ..وعندما
قُبض النبي العربي ] ،[عام 632م ،كان قد انتهى من دعوته،
كما انتهى من وضع نظام اجتماعي يسمو كثيًرا فوق النظام
القبلي الذي كان عليه العرب قبل السلم ،وصهرهم في وحدة
قوية ،وهكذا تم للجزيرة العربية وحدة دينية متماسكة ،لم تعرف
مثلها من قبل.1"..
ثانًيا :جهود مضنية من النبي:
ولقد كانت الحياة العربية قبل السلم تقوم أساسا ً على نمطية
خاصة ،فالقبيلة هي التنظيم الجتماعي والسياسي الذي يضمم
حياة الفرد في القبيلة ،فكان انتماء العربي الجاهلي انتماء
قبليا ً ،وليس هناك أية رابطة عملية توحد القبائل وتجمعها ،بل
على العكس كانت القبائل متناحرة متحاربة ،وإذا ما قامت
أحلف قبلية ،فلمناصرة قبيلة على أخرى ،وبالتحديد كانت
القبيلة العربية تشكل وحدة سياسية مستقلة. . 2
ومن هنا كان النقلب الذي أحدثه الرسول عميقا ً في حياة
الجزيرة العربية إذ استطاع بسياسته الكفاحية التي تمليها روح
السلم أن يحول هذه الوحدات القبلية المستقلة ويرتقى بها
لتظهر في إطار المة السلمية.3
فيبين "فيليب حتي" هذا النقلب الذي أحدثه الرسول
فيقول ":إذا نحن نظرنا إلى محمد ] [من خلل العمال التي
دا الرجل والمعلم والخطيب ورجل الدولة حققها ،فإن محم ً
دا من أقدر الرجال في جميع والمجاهد؛ يبدو لنا بكل وضوح واح ً
أحقاب التاريخ .لقد نشر ديًنا هو السلم ،وأسس دولة هي
الخلفة ،ووضع أساس حضارة هي الحضارة العربية السلمية،
وأقام أمة هي المة العربية .وهو ل يزال إلى اليوم قوة حية
فعالة في حياة المليين من البشر".. 4
وعن ضخامة هذا الجهد العظيم الذي بذله النبي لحداث هذا
التحول في المجتمع العربي الجاهلي ،يقول إميل درمنغم " :إن
1رودي بارت :الدراسات العربية والسلمية في الجامعات اللمانية ،ص .20
2انظر للباحث " :دور النبي صلى ال عليه وسلم في تحضر العرب" ،المقالة الفائزة بمسابقة " انصر نبيك وكن
داعيًا " من الموقع السلمي " اللوكة " ..فرع المقالة الصحفية2006 -
3انظر :محمد شريف الشيباني :الرسول في الدراسات الستشراقة المنصفة ،ص 68وما بعدها.
4فيليب حتى :السلم منهج حياة ،ص .56
76
النبي ] [لم يعرف الراحة ول السكون بعد أن أوحي إليه في
غار حراء ،فقضى حياة يعجب النسان بها ،والحق أن عشرين
سنة كفت لعداد ما يقلب الدنيا ،فقد نبتت في رمال الحجاز
الجديبة حبة سوف تجدد ،عما قليل ،بلد العرب وتمتد أغصانها
إلى بلد الهند والمحيط الطلنطي .وليس لدينا ما نعرف به أن
دا ] [أبصر ،حين أفاض من جبل عرفات ،1مستقبل أمته محم ً
وانتشار دينه ،وأنه أحس ببصيرته أن العرب الذين أّلف بينهم
سيخرجون من جزيرتهم لفتح بلد فارس والشام وأفريقية
وإسبانية". 2
ويبين آرنولد توينبي 3أن النبي قد كّرس حياته لتحقيق رسالته في
كفاليية مظهرييين أساسيييين فييي الييبيئة الجتماعييية العربييية؛ همييا
الوحدانية في الفكرة الدينية ،والقانون والنظام في الحكم" .وتييم
ذلك فعل ً بفضل نظام السلم الشييامل الييذي ضييم بييين ظهرانيييه
الوحدانية والسلطة التنفيذيية مًعيا ..فغيدت للسيلم بفضيل ذليك
قوة دافعة جبارة لم تقتصر على كفالة احتياجات العييرب ونقلهييم
من أمة جهالة إلى أمة متحضرة ..بييل تييدفق السييلم ميين حييدود
شبه الجزيرة ،واستولى على العالم السوري بأسره من سييواحل
الطالسي إلى شواطئ السهب الوراسي ".4
ثالًثا :تميز فكرة المة السلمية
وينيياقش المستشييرق الفرنسييي مارسيييل بييوازار فكييرة " الميية
السلمية " ومغايرتها المفهوم الغربي ،فيقول:
"ليس لفكرة المة السلمية مقابل في فكر الغرب ول في
جمع من المؤمنين تجربته التاريخية .فالجماعة السلمية ،وهى ت ّ
يؤلف بينهم رباط سياسي وديني في آن واحد ،ويتمحورون حول
كلم الله القدسي ...و الفرد يندمج في السلم بالجماعة المؤمنة
بالتساوي عن طريق شهادته ،الفردية واستبطان إرادته وصفاته
الخاصة كمؤمن ،فالنية المعلنة والجهر بالكلم شرطان من
شروط النتماء إلى المجتمع .وبصورة تلزمية يحدد المتثال
لمشيئة الله البنية الجتماعية .وهكذا تكون النظم التأسيسية
للجماعة مشروطة بالعبادة الواجبة عليها نحو الله ".5
1يقصد حجة الوداع ،في اليوم التاسع من ذي الحجة ،في العام العاشر من الهجرة )6مارس 632م(
2إميل درمنغم :حياة محمد
3آرنولد توينبي :المؤرخ البريطاني ،الذي انصبت معظم دراساته على تاريخ الحضارات ،وكان أبرزها مؤلفه
الشهير )دراسة للتاريخ( الذي شرع يعمل فيه منذ عام 1921وانتهى منه عام ،1961وهو يتكون من اثني عشر
جزًءا عرض فيها توينبي لرؤيته الحضارية للتاريخ.
4سومر فيل ،وإشراف :آرنولد توينبي :مختصر دراسة للتاريخ 381 / 10
5مارسيل بوزار :إنسانية السلمية ،ص .183-182
77
ذا ليس لفكرة المة السلمية ما ينافسها في تجارب الغرب إ ً
على مدار تارخيه..
فتاريخ الغرب عبارة عن مجموعة إمبراطوريات متتابعة قائمة
على الطبقية والعرق واللون..
ولم تقم لهم حضارة في تاريخهم تقوم على أساس الرباط
اليماني ،اللهم إل حضارة السلم! .
ولم يحدث أن دولة من دول الغرب في عصور الظلم ،أن سوت
بين أفراد الشعب في المعاملة وتوزيع الثروة والسلطة ،اللهم إل
دولة السلم !
78
ويتحدث الباحث المريكي "جييورج دي تولييدز") (1897-1815ي ،
عن فضل الرسول على العرب حين نقلهم من الهمجييية إلييى
المدنية ،وعن دور الرسالة في تبديل أخلق عرب الجاهلية ،حين
عمر ضياء الحق واليمان قلوبهم ،فيقول :
" إن من الظلم الفادح أن نغمط حق محمد ] ،[و العرب علييى
ما علمناهم من التوحش قبل بعثته ،ثيم كييف تبيدلت الحالية بعيد
إعلن نبوته ،وما أورته الديانيية السييلمية ميين النييور فييي قلييوب
المليين من الذين اعتنقوها بكل شييوق وإعجيياب ميين الفضييائل ،
لذا فإن الشك في بعثة محمد][إنما هو شك في القدرة اللهييية
التي تشمل الكائنات جمعاء".1
ويؤكد ذلك القس السابق د ُّراني 2بقوله:
" ..وأخيرا ً أخذت أدرس حياة النبي محمد ] [فأيقنت أن من
أعظم الثام أن نتنكر لذلك الرجل الرباني الذي أقام مملكة لله
بين أقوام كانوا من قبل متحاربين ل يحكمهم قانون ،يعبدون
الوثن ،ويقترفون كل الفعال المشينة ،فغير طرق تفكيرهم ،ل
بل بدل عاداتهم وأخلقهم ،وجمعهم تحت راية واحدة وقانون
واحد ودين واحد وثقافة واحدة وحضارة واحدة وحكومة واحدة،
دا يستحق وأصبحت تلك المة ،التي لم تنجب رجل ً عظي ً
ما واح ً
الذكر منذ عدة قرون ،أصبحت تحت تأثيره وهديه تنجب ألوًفا من
النفوس الكريمة التي انطلقت إلى أقصى أرجاء المعمورة تدعو
إلى مبادئ السلم وأخلقه ونظام الحياة السلمية وتعلم الناس
أمور الدين الجديد".3
كان فضل النبي في تحضيير العييرب ميين العمييق وُبعييد الثيير ل
يحصره زمان أو يحده مكان ،يقول البيياحث قسييطاكي حمصييي )
: (1941-1858
"إذا كان سيد قريش نبي المسلمين ومؤسس دينهييم ،فهييو أيضييا
نبي العرب ومؤسس جييامعتهم القومييية ،وكمييا أنييه ميين الحمييق
والمكابرة أن ننكر أن ما لسيد قريش من بعيييد الثيير فييي توحيييد
اللهجات العربية ،وقتل العصبيات الفرعييية فييي نفييوس القبييائل،
بعد أن أنهكها القتال في الصييحراء ،و تنيياحر ملوكهييا فييي الشييام
والعييراق تنيياحرا ً أطييال أمييد الحماييية الرومانييية والفارسييية فييي
79
البلدين الشقيقين حتى الفتح السلمي .فمن الخطييأ أن ننكيير مييا
للرسول العربي الكريم ] [وخلفائه من يد علييى الشييرق ! ...
والمنافحة لتحرييير الشييرق ميين رق الرومييان وأسيير الفييرس .إن
سيد قريش هو المنقذ الكبر للعرب من فوضى الجاهلية ،وواضييع
حجيير الزاوييية فييي صييرح نهضييتهم الجبييارة المتأصييلة فييي تربيية
الخلود !! ".1
المطلب الثالث :فضل النبي في تحضر العالم
ويبين المستر سنكس أن لمحمد الفضل الكبر ليس فقط
في رقي العرب بل في رقي العالم كله حتى اليوم ،فيقول
سنكس :
" ظهر محمد ][بعد المسيح بخمسمائة وسبعين سنة،
وكانت وظيفته ترقية عقول البشر ،بإشرابها الصول الولية
للخلق الفاضلة ،وبإرجاعها إلى العتقاد بإله واحد ،وبحياة بعد
هذه الحياة " ....إلى أن قال:
إن الفكرة الدينية السلمية ،أحدثت رقيا ً كبيرا ً جدا ً في
العالم ،وخّلصت العقل النساني من قيوده الثقيلة التي كانت
تأسره حول الهياكل بين يدي الكهان .ولقد توصل محمد ][
بمحوه كل صورة في المعابد وإبطاله كل تمثيل لذات الخالق
المطلق ،إلى تخليص الفكر النساني من عقيدة التجسيد
الغليظة". .2
أما المفكر " برتلي سانت هيلر " فيبين أن فضل النبي محمد
،يمتد إلى كل شعوب العالم ،بقوله :
"وقد كان دينه ] [الذي دعا الناس إلييى اعتقيياده ،جزيييل النعييم
على جميع الشعوب التي اعتنقته".3
أما الكاتب الفرنسي موريس بوكاي فيخص أوربا والغرب ،على
أساس أن الشعوب الغربية هم أكثر الشعوب إستفادة من
حضارة السلم ،فيقول بوكاي" :إن السلم ينظر إلى العلم
والدين كتوءمين ،وأن تهذيب العلم كان جزءا ً من التوجيهات
الدينية منذ البداية ،وأن تطبيق هذه القاعدة أدى إلى التقدم
العلمي العجيب في عصر الحضارة السلمية العظمى ،التي
استفاد منها الغرب قبل نهضته". 4
80
ويؤيده العلمة " سان سيمون " في كتابه " علم النسان "
بقوله:
" إن الدارس لبنيات الحضارات النسانية المختلفة ،ل يمكنه أن
يتنكر للدور الحضاري الخلق الذي لعبه العرب والمسلمون في
1
. بناء النهضة العلمية لوربا الحديثة "
ويقارن "كويليام " حال العالم بعد عهد محمد rوبين عصر
الجاهلية فيقول " :لما شرف محمد rساحة عالم الشهود
بوجوده الذي هو الواسطة العظمى والوسيلة الكبرى إلى اعتلء
النوع النساني وترقّيه في درجات المدنية ،أكمل ما يحتاجه
البشر من اللوازم الضرورية على نهج مشروع وأوصل الخلق إلى
أقصى مراتب السعادة بسرعة خارقة .ومن نظر بعين البصيرة
في حال النام قبله rوما كانوا عليه من الضللة ..ونظر في
حالهم بعد ذلك وما حصل لهم في عصره من الترّقي العظيم
ما كما بين الثريا والثرى".2رأى بين الحالين فرًقا عظي ً
و" ..امتدت أنوار المدنية بعد محمد ] [rفي قليل من الزمان
ساطعة في أقطار الرض من المشرق إلى المغرب حتى إن
وصول أتباعه في ذلك الزمن اليسير إلى تلك المرتبة العلية من
المدنية قد حّير عقول أولي اللباب .وما السبب في ذلك إل كون
أوامره ونواهيه موافقة لموجب العقل ومطابقة لمقتضى
الحكمة".3
ويبين المستشرق المريكيي "إدوارد رمسيي" أن السيلم منييح"
المدنية والحضارة قوة جديدة وشييجع العييالم علييى درس العلييوم
ه ،وهكييذا خييرج إلييى الييدنيا فلسييفة وخطبيياء وأطبيياء
باتساٍع متنا ٍ
ومؤرخييون يفخيير بهييم السييلم أمثييال :أبييي عثمييان – الجيياحظ –
والبيروني والطبري وابن سينا وابيين رشييد والفييارابي وابيين بيياجه
والغزالييي وغيرهييم ..والمسييلمون بل نييزاع هييم مخييترعو علييم
الكيمياء ومؤسسيوه ،أميا عليم الطيب والصييدلة فقيد حسينوهما
تحسينا ً عظيمًا ،وبواسييطة المسييلمين تقييدم علييم الفلييك سييريعا ً
حييتى الطيييران ،وهييم مخييترعو علييم الجييبر ومكتشييفو علييم
الطيران"..4
و" قليلون من هم على علم بما أسيهم بيه العيالم السيلمي مين
جهود متميزة في تقدم النسانية ". 5
كييل هييذا وغيييره دفييع المفكيير الفرنسييي -أحييد عمالقيية فلسييفة
1انظر :رشدي فكار :نظرات إسلمية للنسان والمجتمع خلل القرن الرابع عشر الهجري ،ص .31
2عبد ال كويليام :أحسن الجوبة عن سؤال أحد علماء أوروبا ،ص .22 ، 21
3عبد ال كويليام :أحسن الجوبة عن سؤال أحد علماء أوروبا ،ص .23 ، 22
4انظر :محمد عثمان عثمان :محمد في الداب العالمية المنصفة ،ص 107
5هذه الجملة للمؤرخ :ستانورد كب :المسلمون في تاريخ الحضارة21 ،
81
الجتميياع -جوسييتاف لوبييون ) (1931-1841إلييى أن يييدعو أبنيياء
عصره إلى القتييداء بمحمييد ، واعتنيياق دعييوته لن فيهييا صييلح
المجتمعات النسانية ،فيقول في كتابه "الحضارة السلمية" :
"أنني ل أدعو إلى بدعة محدثة ،ول إلى ضللة مسييتهجنة ،بييل
إلى دين عربي قد أوحاه الله إلى نبيه محمييد ،فكييان أمين يا ً علييى
بث دعوته بين قبييائل تلهييت بعبييادة الحجييار والصيينام ،وتلييذذت
بترهات الجاهلية ،فجمع صفوفهم بعد أن كييانت مبعييثرة ،ووحييد
كلمتم بعد أن كييانت متفرقيية ،ووجييه أنظييارهم لعبييادة الخييالق ،
فكان خير البرية على الطلق حبا ً ونسبا ً وزعامة ونبوة ،هييذا هييو
محمد الذي اعتنق شريعته أربعمئة مليون مسلم ،منتشيرين فيي
أنحاء المعمورة ،يرتلون قرآنا ً عربيا ً مبينا ً ".
"فرسول كهذا جدير باتباع رسالته ،والمبادرة إلى اعتناق
دعوته ،إذ أنها دعوة شريفة ،قوامها معرفة الخالق ،والحض
على الخير والردع عن المنكر ،بل كل ما جاء فيها ما يرمي إلى
الصلح والصلح ،والصلح أنشودة المؤمن ،وهو الذي أدعو إليه
1
جميع النصارى"
المبحث الثالث
التسامح الديني
إن التسامح الديني -بين الطوائف والجماعات والدول -الذي
تبناه النبي rيعد من أهم مظاهر رحمته ..rوقد كان rنموذ ً
جا
فذا في التسامح الديني .فالنبي rلم ُيكره اليهود و ل النصارى
على قبول دينه ،لنهم أهل الكتاب .بل أمر النبي rبإكرام علماء
أهل الكتاب كالبطاركة والرهبان وخدمهم وحرم rقتل الرهبان -
على الخصوص -حتى في حال الحرب.
المطلب الول " :محمد][الحاكم المتسامح الحكيم
المشرع":2
التسامح عند سيدنا محمد كما يقول الباحث الفرنسي
مارسيل بوازار "هو واجب ديني وأمر شرعي".3
ويقول الفيلسوف اللماني الشهير "غوته" في كتابه )أخلق
المسلمين وعاداتهم(" :ول شك أن التسامح الكبر أمام اعتداء
أصحاب الديانات الخرى ،وأمام إرهاصات وتخريفات اللدينيين،
82
التسامح بمعناه اللهي ،غرسه رسول السلم] [في نفوس
المسلمين ،فقد كان محمد ] [المتسامح الكبر ،ولم يتخذ
رسول السلم] [موقفا ً صعبا ً ضد كل الذين كانوا يعتدون عليه
بالسب أو بمد اليدي أو بعرقلة الطريق وما شابه ذلك ،فقد كان
متسامحًا؛ فتبعه أصحابه وتبعه المسلمون ،وكانت وما زالت صفة
التسامح هي إحدى المميزات والسمات الراقية للدين السلمي،
وللحق أقول :إن تسامح المسلم ليس من ضعف؛ ولكن المسلم
يتسامح مع اعتزازه بدينه ،وتمسكه بعقيدته".. 1
وتتحدث لورافيشيا فاغليري عن مظهر التسامح الديني عند النبي
،rفتقول:
ما بالمبادئ اللهية شديد التسامح، "كان محمد ] [rالمتمسك دائ ً
وبخاصة نحو أتباع الديان الموحدة .لقد عرف كيف يتذرع بالصبر
دا منه بأن الزمن سوف ما اعتقا ً
مع الوثنيين ،مصطنًعا الناة دائ ً
يتم عمله الهادف إلى هدايتهم وإخراجهم من الظلم إلى النور..
دا أن الله لبد أن يدخل آخر المر إلى القلب لقد عرف جي ً
2
البشري"
إن سياسة التسامح الديني التي انتهجها محمد rتجاه أصحاب
الديانات الخرى حظيت باحترام وتقدير المفكرين الغرب فعقدوا
المقارنة بين تسامح السلم وتعصب الصليبيين ..يقول القس
اللماني ميشون :
"إن السلم الذي أمر بالجهاد متسامح نحو أتباع الديان الخرى ،
وهو الذي أعفى البطاركة والرهبان وخدمهم من الضرائب وحييرم
قتل الرهبان -على الخصوص -لعكوفهم على العبادات ولم يمس
عمر بن الخطاب النصييارى بسييوء حييين فتييح القييدس ..وقييد ذبييح
الصليبيون المسلمين و حرقوا اليهود عندما دخلوها ".3
ويضيف الكاتب نفسه في موضع آخر ،متحدثا ً عن تاريخ العلقات
السلمية المسيييحية ،وكيييف أن المسيييحيين تعلمييوا الكييثير ميين
المسلمين في التسامح وحسن المعاملة ،يقول :
"وإنه لميين المحييزن أن يتلقييى المسيييحيون عيين المسييلمين روح
التعامل وفضائل حسن المعامليية ،وهمييا أقييدس قواعييد الرحميية
والحسان عند الشييعوب والمييم ،كييل ذلييك بفضييل تعيياليم نييبيهم
محمد].4"[r
جا:
المطلب الثاني :دستور المدينة نموذ ً
1انظر :محمد عثمان عثمان :محمد في الداب العالمية المنصفة ،ص .20
2لورافيشيا فاغليري :دفاع عن السلم ،ص .73
3ميشون :تاريخ الحروب الصليبية ،نقل عن عفيف عبد الفتاح طبارة ،ص 383
4ميشون :سياحة دينية في الشرق ،ص .31
83
لقد كان التعييايش بييين مختلييف الطييوائف والفصييائل فييي الدوليية
السلمية الولى هو أحد أهداف الدستور السييلمي الييذي وضييعه
النبي عقب هجرته إلى المدينة ،والذي ضمن تنظيم العلقات
ما بين المسلمين من جهة ،وأصحاب الديانات الخييرى ميين جهيية
أخييرى ،فييي إطييار ميين التسييامح الييديني والحرييية الدينييية فييي
ممارسة الشعائر ،ويقول في ذلك "كونستانس جيورجيو" :1
"وقيد حيوى هيذا الدسيتور اثنيين وخمسيين بنيدا ً ،كلهيا مين رأي
رسول الله] . [rخمسة وعشرون منهييا خاصيية بييأمور المسييلمين
وسييبعة وعشييرون مرتبطيية بالعلقيية بييين المسييلمين وأصييحاب
الديان الخرى ،ولسيييما اليهيود وعبييدة الوثييان .وقيد دون هيذا
الدسييتور بشييكل يسييمح لصييحاب الديييان الخييرى بييالعيش مييع
المسلمين بحرييية ،ولهييم أن يقيمييوا شييعاثرهم حسييب رغبتهييم ،
ومن غير أن يتضايق أحد الفرقاء .وضع هذا الدستور فييي السيينة
الولى للهجرة ،أى عام 623م .ولكن في حال مهاجمة المدينيية
من قبل عدو عليهم أن يتحدوا لمجابهته وطرده ". 2
1المستشرق والوزير الروماني كونستانس جيورجيو ) المولود عام (1916صاحب كتاب " :نظر ة جديدة في
سيرة رسول ال"
2كونستانس جيورجيو :نظرة جديدة في سيرة رسول ال ،ص 192وما بعدها
3ابن كثير :السيرة النبوية ،322 /2ابن هشام :السيرة النبوية 503 /1
4ابن سيد الناس :عيون الثر 1/261وابن كثير :السيرة النبوية ،322 /2ابن هشام :السيرة النبوية 503 /1
84
1
"وإن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الثم"
فالصل فيي العلقية بيين جمييع طيوائف الدولية –مهميا اختلفيت
معتقييداتهم– هييو النصييح المتبييادل ،والنصيييحة الييتي تنفييع البلد
والعباد ،والبر والخير والصلة بين هذه الطوائف.
المطلب الثالث :استقبال الوفود النصرانية :
وتجلت مظاهر التسامح الديني في عهد النبي rعام الوفود حييين
استقبل وفودا ً نصرانية وبعث برسالة إلى أسقف نجران . .
وميين ثييم يتحييدث "كونسييتانس جيورجيييو" عيين أوضيياع أصييحاب
الديانات السماوية في ظل الحكم السلمي فيقول: 2
" مع أن السلم عم الجزيرة كلها في السنة التاسعة فإن محمدا ً
] [لم ُيكره اليهود و ل النصييارى علييى قبييول دينييه ،لنهييم أهييل
الكتياب .و قيد جياء فيي رسيالة محميد ] [إليى أبيي الحيارث
أسييقف نجييران أن وضييع المسيييحيين فييي الجزيييرة بعييد السييلم
تحسن كثيرًا ،يقول في الرسالة :
"بسم الله الرحمن الرحيم ،من محمد النبي ،إلى السقف أبي
الحارث ،وأساقفة نجران ،وكهنتهم ،ومن تبعهم ،ورهبانهم :إن
لهم ما تحت أيديهم ،من قليل أو كثير من بَيعهم وصلواتهم،
ورهبانيتهم ،وجوار الله ورسوله ،ل ُيغّير ُأسقف من ُأسقفيّته ،ول
راهب من رهبانيته ،ول كاهن من كهانته .ول ُيغير حق من
حقوقهم ول سلطانهم ،ول شيء مما كانوا عليه ] .على ذلك
دا [ ،ما نصحوا واصطلحوا فيما عليهم ،غير جوار الله ورسوله أب ً
3
قلين بظلم ول ظالمين" ... مث َ
قا :يقول جيورجيو معل ً
"تشير هذه الرسالة إلى أن المسيحيين ) وكذلك اليهود ( في
الجزيرة أحرار في أداء شعائرهم ،ولن يزاحمهم من المسلمين
دم في السنة التاسعة وفد من مسيحي نجران مزاحم .وقد ق ْ
يرأسهم أبو الحارث السقف الكبر ،وعبد المسيح السقف ،
واليهم رئيس القافلة ،وحين أرادوا الدخول على النبي ][r
ارتادوا ألبستهم الدينية الرسمية الكاملة ...وبعد أن زاروا النبي ]
[rسألوه أن يسمح لهم بأداء شعائرهم فطلب منهم أن يؤدوا
صلواتهم في مسجد المدينة ،فدخلوا واتجهوا نحو بيت المقدس،
و تعبدوا هناك . .ول شك أن النبي ] [rكان يحترم النصارى
1ابن سيد الناس :عيون الثر 1/261وابن كثير :السيرة النبوية ،322 /2ابن هشام :السيرة النبوية 503 /1
2كونستانس جيورجيو :نظرة جديدة في سيرة رسول ال ،ص .372 ،371
3انظر :محمد حميد ال :الوثائق السياسية،ص ،179وقد نقلنا النص الصلى ،وليس النص المترجم عن
جيورجيو.
85
احتراما ً خاصا ً ،لن القرآن ذكرهم وأكرمهم .وقد أشار الله
تعالى إلى هذه النقطة في محكم كتابه في سورة المائدة
نذي َ داوَة ً ل ّل ّ ِ س عَ َ شد ّ الّنا ِ ن أَ َ جد َ ّ )الخامسة( في الية ) : ( 82ل َت َ ِ
مُنوا ْ كوا ْ ول َتجد َ ن أَ ْ
نآ َ ذي َ موَد ّة ً ل ّل ّ ِم ّ ن أقَْرب َهُ ْ شَر ُ َ َ ِ َ ّ ذي َ مُنوا ْ ال ْي َُهود َ َوال ّ ِ آ َ
َ ً َ ْ ُ
م لَ ن وَُرهَْبانا وَأن ّهُ ْ سي َ سي ِ م قِ ّ من ْهُ ْ ن ِ ك ب ِأ ّ صاَرى ذ َل ِ َ ن َقالوَا إ ِّنا ن َ َ ذي َ ال ّ ِ
ما مُعوا ْ َ س ِ ذا َ ن ،ويقول في الية التي بعدها :وَإ ِ َ ست َك ْب ُِرو َ يَ ْ
َ ُأنزِ َ
ن
م َ ما ع ََرُفوا ْ ِ م ّ مِع ِ ن الد ّ ْ م َ ض ِ في ُ م تَ ِل ت ََرى أع ْي ُن َهُ ْ سو ِ ل إ َِلى الّر ُ
1
ن] المائدة ".. [83: دي َ شاه ِ ِ معَ ال ّ مّنا َفاك ْت ُب َْنا َ ن َرب َّنا آ َ قوُلو َ حقّ ي َ ُ ال ْ َ
ويعلق آتيين دينيه على ما فعله النبي مع وفد نجران النصراني
قائل ً :
" ..من الحقائق التاريخية أن النبي ] [أعطى أهل )نجران(
المسيحيين نصف مسجده ليقيموا فيه شعائرهم الدينية .وها نحن
أول ً نرى المسلمين إذا بشروا بدينهم فإنهم ل يفعلون مثل ما
يفعل المسيحيين في الدعوى إلى دينهم ،ول يتبعون تلك الطرق
المستغربة التي ل تتحملها النفس والتي ليحبها الذوق السليم.
وقد أنصف القس ميثون الحقيقة في كتابه )سياحة دينية في
الشرق( حيث يقول :إنه لمن المحزن أن يتلقى المسيحيون عن
المسلمين روح التسامح وفضائل حسن المعاملة وهما أقدس
قواعد الرحمة والحسان عند الشعوب والمم". 2
المطلب الرابع :الحرية في العتقاد وممارسة
الشعائر :
يقول جيمس متشنر :
" القرآن صريح في تأييده لحرية العقيدة ،والدليل قوي على أن
السلم رحب بشعوب مختلفة الديان ،ما دام أهلها يحسنون
المعاملة ،وقد حرص محمد ][على تلقين المسلمين التعاون
مع أهل الكتاب ،أي اليهود والنصارى ،ولشك أن حروبا ً نشبت
بين المسلمين وغيرهم في بعض الحيان ،وكان سبب ذلك أن
أهل هذه الديانات الخرى أصروا على القتال ،وقد قطع الرهبان
بأن أهل الكتاب كانوا ُيعاملون معاملة طيبة وكانوا أحرارا ً في
عبادتهم ،ولعل مما يقطع بصحة ذلك ،الكتاب الذي أرسله
البطريرك النسطوري إيشوياب الثالث إلى البطريرك سمعان ،
زميله في المجمع ،بعد الفتح السلمي وجاء فيه ) :ها ! إن
العرب الذين منحهم الرب سلطة العالم وقيادة الرض أصبحوا
عندنا ،ومع ذلك نراهم ل يعرضون للنصرانية بسوء ،فهم
86
يساعدوننا ،ويشجعوننا على الحتفاظ بمعتقداتنا ،وإنهم ليجلون
الرهبان والقديسين !(.1" ..
وفي ذلك يقول روبرتسون " :إن المسلمين وحدهم هم الذين
جمعوا بين الجهاد والتسامح نحو اتباع الديان الخرى الذين
غلبوهم وتركوهم احرارا ً في اقامة شعائرهم الدينية ".2
وكييان لهييذا التسييامح أثييره فييي أن يصييبح الييدين السييلمي دين يا ً
عالميا ً ،بدءا ً من مراحله الولى أيام الرسول في جزيييرة العييرب
إلى أن عم أماكن شاسعة ،يقول العلمة جولد تسهير :
"سار السلم لكي يصبح قوة عالمية على سياسة بارعة ،ففي
العصور الولى لم يكن اعتناقه أمرا ً محتوما ً فإن المؤمنين
بمذاهب التوحيد أو الذين يستمدون شرائعهم من كتب منزلة
كاليهود والنصارى والزرادشتية كان في وسعهم متى دفعوا
] الشتراك السنوي للدولة -الجزية [ أن يتمتعوا بحرية الشعائر
وحماية الدولة السلمية ،ولم يكن واجب السلم أن ينفذ إلى
أعماق أرواحهم إنما كان يقصد إلى سيادتهم الخارجية .بل لقد
ذهب السلم في هذه السياسة إلى حدود بعيدة ،ففي الهند مثل ً
كانت الشعائر القديمة تقام في الهياكل و المعابد في ظل الحكم
السلمي ! ".3
لقد أثارت مبادئ التسييامح الييديني وحرييية العتقيياد فييي السييلم
فيما أثارته احترام المفكرين والعلماء والمستشييرقين المنصييفين
من الغرب وكذلك الكتاب والباحثين العرب النصارى ،فقد تطييرق
"يوسف نعيم عرافة" في خطبيية ليه فيي مناسيبة المولييد النبييوي
عييام 1346هييي 1927م ،إلييى معاهييدة الرسييول مييع أصييحاب
الديانات الخرى ،لسيما المسيحيين منهم ،فيقول:
" إن محمدا ][rهو باني أساس المحبة والخاء بيننا ،فقد كان
يحب المسيحيين ويحميهم ،من ذلك :ما قام به في السنة
السادسة بعد الهجرة ،حيث عاهد الرهبان خاصة والمسيحيين
عامة ،على أن يدفع عنهم الذى ،ويحمي كنائسهم وعلى أن ل
يتعدى على أحد من أساقفتهم ول يجبر أحدا ً على ترك دينه ،وأن
ُيمدوا بالمساعدة لصلح دينهم وأديرتهم ،كما أن القرآن نطق
بمحبة المسيحيين للمسلمين وبمودتهم لهم ،وإن الية الشريفة :
ول َتجد َ
ك ن َقال ُوَا ْ إ ِّنا ن َ َ
صاَرى ذ َل ِ َ ذي َ مُنوا ْ ال ّ ِ
نآ َ ذي َموَد ّة ً ل ّل ّ ِ
م ّن أقَْرب َهُ ْ
َ َ ِ َ ّ
َ َ
ن وَُرهَْبانا ً وَأن ّهُ ْ
4
ن ، لتبعث على ست َك ْب ُِرو َ
م ل َ يَ ْ سي َسي ِ م قِ ّمن ْهُ ْ
ن ِ
ب ِأ ّ
87
شد أواصر الصداقة بين الطرفين ،بل حتى مع الشعب
السرائيلي في أكثر الوقات ،إننا لنعلم أن ما أتى به الرسل
موسى وعيسى ومحمد]عليهم والصلة والسلم[ما هو إل لصلح
العالم ل لفساده وخرابه ،وما الكتب الثلثة المنزلة إل نور
صادر من بؤرة واحدة ينعكس نورها في ثلثة أشعة ،كل منها
1
للبشر"
هذا ،ومن أهم النصوص السلمية في التسامح الديني وحرية
العتقاد ..
شد ُن الّر ْن َقد ت ّب َي ّ َ قول الحق تبارك وتعالى :ل َ إ ِك َْراه َ ِفي ال ّ
دي ِ
س َ
ك م َ ست َ ْ من ِبالل ّهِ فَ َ
قد ِ ا ْ ت وَي ُؤ ْ ِ
غو ِ فْر ِبال ّ
طا ُ ن ي َك ْ ُ
م ْ ي فَ َ ن ال ْغَ ّ
م َِ
م ] البقرة[256 : ميعٌ ع َِلي ٌ س ِ
ه َ ّ َ
م لَها َوالل ُ صا َ ى ل َ ان ِ
ف َ ْ ْ
ِبالعُْروَةِ الوُث ْ َ
ق َ
.
يقول الستاذ سيد قطب – رحمه الله -في ظلل هذه الية " :
إن قضية العقيدة -كما جاء بها هذا الدين -قضية اقتناع بعد
البيان والدراك؛ وليست قضية إكراه وغصب وإجبار .ولقد جاء
هذا الدين يخاطب الدراك البشري بكل قواه وطاقاته .يخاطب
العقل المفكر ،والبداهة الناطقة ،ويخاطب الوجدان المنفعل ،
كما يخاطب الفطرة المستكنة .يخاطب الكيان البشري كله ،
والدراك البشري بكل جوانبه؛ في غير قهر حتى بالخارقة المادية
التي قد تلجىء مشاهدها الجاء إلى الذعان ،ولكن وعيه ل
يتدبرها وإدراكه ل يتعقلها لنها فوق الوعي والدراك ...فكيف
بالمذاهب والنظم الرضية القاصرة المتعسفة وهي تفرض فرضا ً
بسلطان الدولة؛ ول يسمح لمن يخالفها بالحياة؟!".2
المبحث الرابع
رعاية العلم والمعرفة
88
فلقد افتتح النبي محمد rحسب رأي العديد من علماء الشرق
والغرب عهدا ً جديدًا،وعصرا ً للنور والعلم والمعرفة ،فكان كفاحه
حين صدع بالدعوة السلمية ،لنشر رسالة الله ،لزالة ما تراكم
في ذلك المجتمع الجاهلي الوثني من معتقدات خرقاء ،وأنماط
اجتماعية سوداء . .وهذا ما دفع الدكتور ماركس إلى إعلن
قولته الشهيرة التي نصها:
" هذا النبي ] [rالذي افتتح برسالته عصر العلم والنور والمعرفة
ل بد أن تدون أقواله وأفعاله على طريقة علمية خاصة ،وبما أن
هذه التعاليم التي قال بها]يعنى النبي محمد ،[rهي وحي الله
المنزل ورسالته ،فقد كان عليه] [rأن يمحو ما تراكم على
الرسالت السابقة من التبديل والتحوير ،وما أدخله عليها الجهل
من سخافات ل يعول عليها عاقل " .1وهذا ما فعله النبي ! r
"ومنذ عيام 700م بيدأت إشيراقة الحضيارة العربيية السيلمية
تمتد من شرقي المتوسط إلى بلد فيارس شيرقا ً وإسيبانيا غربيًا،
فأعيد اكتشاف قسم كبير من العلم القديم ،وسييجلت اكتشييافات
جديدة في الرياضيات والكيمييياء والفيزييياء وغيرهييا ميين العلييوم..
وفي هذا المجييال كمييا فييي غيييره؛ كييان العييرب معلمييين لوربيية،
فساهموا في نهضة العلوم على هذه القارة".2
المطلب الثاني :القرأة أولي تعاليم النبي : r
يقول نصري سلهب" :أولى اليات البّينات ..كانت تلك الدعوة
الرائعة إلى المعرفة ،إلى العلم عبر القراءة ..اقَْرأ ْ ..3وقول
الله هذا لم يكن لمحمد ] [rفحسب ،بل لجميع الناس ،ليوضح
لهم ،منذ الخطوة الولى ،بل منذ الكلمة الولى أن السلم جاء
يمحو الجهل وينشر العلم والمعرفة". 4
وهذا ما يشيد به أيضا ً "واجنر" ،حيث يقول .." :السلم دين
العلم ،ويكفي أن أول آية في القرآن أنزلت على محمد ][rهي
قوله تعالى :اقَْرأ ْ ،وهذا اتجاه فريد يصعب وجوده في تاريخ
الكنائس والديان الخرى .ولهذا تجدني وصلت من خلل
الدراسات السلمية وما قرأته في كتاب الله تعالى الذي ل يترك
صغيرة ول كبيرة إل أحصاها ،والذي ل يأتيه الباطل من بين يديه
ول من خلفه ،وصلت إلى ما أبغيه لنفسي من الستقرار
والمان..5"!!..
1انظر :محمد شريف الشيباني :الرسول في الدراسات الستشراقية المنصفة 178 ،
2دانييل بريفولت :نشأة النسانية ،ص 84
ق سورة العلق :الية الولى .خَل َ
ك اّلِذي َ
سِم َرّب َ
3قول ال تعالى اْقَرْأ ِبا ْ
4نصري سلهب :لقاء المسيحية والسلم92 ،
5انظر :عرفات كامل العشي :رجال ونساء أسلموا . 37 / 5
89
المطلب الثالث :احترام العقل:
يبين "ليون" 1أن من روائع دعوة محمد rأنها تحترم العقل ،وأن
دا بإلغاء هذه الملكة الربانية الحيوية.
السلم " ل يطالب أتباعه أب ً
2
فهو على النقيض من الديان الخرى التي تصّر على أتباعها أن
يتقبلوا مبادئ معينة دون تفكير ول تساؤل حّر ،وإنما تفرض هذه
ضا بسلطان الكنيسة .أما السلم فإنه يعشق البحث المبادئ فر ً
والستفسار ويدعو أتباعه إلى الدراسة والتنقيب والنظر قبل
اليمان ...إن السلم يؤيد الحكمة القائلة :برهن على صحة كل
سك بالخير .وليس هذا غريًبا ،إذ أن الحكمة ضالة شيء ثم تم ّ
المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها .فالسلم دين العقل
والمنطق ...فالسلم هو الحق ! وسلحه العلم! وعدوه اللدود
هو الجهل! ".3
ويتحدث المفكر الشهير " أوجست كونت" عن هذه النقطة ،وعن
قدرة السلم في التعامل واحتواء جميع العقول والفلسفات
والفكار النسانية ..فعّبر عن ذلك بقوله :
" إن عبقرية السلم وقدرته الروحية ل يتناقضان البتة مع العقل
كما هو الحال في الديان الخرى ؛ بل ول يتناقضان مع الفلسفة
الوضعية نفسها ؛ لن السلم يتمشى أساسا ً مع واقع النسان،
كل إنسان ،بما له من عقيدة مبسطة ،ومن شعائر عملية مفيدة
! "..4
ويقول المؤرخ العلمة سيديو – في مقارنة رائعة " : -لم يشهد
المجتمع السلمي ما شهدته أوربة من تحجر العقل وشل
التفكير ،وجدب الروح ،ومحاربة العلم والعلماء حيث يذكر التاريخ
أن اثنين وثلثين ألف عالم قد أحرقوا أحياء! ول جدال في أن
تاريخ السلم لم يعرف هذا الضطهاد الشنيع لحرية الفكر ،بل
كان المسلمون منفردين بالعلم في تلك العصور المظلمة ،ولم
يحدث أن انفرد دين بالسلطة ومنح مخالفيه في العقيدة كل
أسباب الحرية كما فعل السلم".. 5
ومنذ حوالي ألف عام ،عندما كان العلماء في أوربة ُيحرقون
أحياء كما قال سيديو؛ كان العالم الندلسي المسلم )ابن حزم(
صل في الملل والهواء والنحل( عن كروية ف َيعلن في كتابه )ال ِ
90
الرض 1منطلقا ً من القرآن الكريم ومن التنظيم المطرد
لمواقيت الصلة في محيط الرض.2
رغم أن أوربا في عهد الكنيسة وفي ذلك الوقت ،اعتبرت" أن
من الكفر والضلل القول بأن الرض كروية؛ فمعلم الكنيسة
ن الناس إلى هذا الحد لكتانتيوس يتساءل مستنكرًا :أيعقل أن ُيج ّ
فيدخل في عقولهم أن البلدان والشجار تتدلى من الجانب الخر
تعلو رؤوسهم ؟ !". 3 من الرض ،وأن أقدام الناس
المطلب الرابع :حثه على طلب العلم :
يقول ول ديورانت " :تدل الحاديث النبوية على أن النبي ] [rكان
يحث على طلب العلم ويعجب به ،فهو من هذه الناحية يختلف
عن معظم المصلحين الدينيين" .. 4وتقول هونكه ": 5لقد أوصى
محمد ] [rكل مؤمن رجل ً كان أو امرأة بطلب العلم ،وجعل من
ذلك واجًبا دينًيا .وكان يرى في تعمق أتباعه في دراسة
المخلوقات وعجائبها وسيلة للتعرف على قدرة الخالق .وكان
يرى أن المعرفة تنير طريق اليمان ..ويلفت أنظارهم إلى علوم
كل الشعوب ،فالعلم يخدم الدين والمعرفة من الله وترجع إليه،
لذلك فمن واجبهم أن يصلوا إليها وينالوها أًيا كان مصدرها ولو
ما يتساءل بولس الرسول نطق بالعلم كافر .وعلى النقيض تما ً
6
Paulusمقًرا) :ألم يصف الرب المعرفة الدنيوية بالغباوة(؟ "...
وهي لفتة ذكية من هونكه في الفرق بين وجوب طلب العلم في
من خلفه تعاليم محمد ،rوتحريم المعرفة في تعاليم بولس و ِ
الكنائس النصرانية في عصور الظلم !
تماما ً كما قارنت الدكتورة هونكة في موضع آخر ،حيث قالت :
"نادى النبي بالطموح إلى المعرفة والسعي إلى العثور عليها،
وقد أدى ذلك إلى اندفاع العرب بأسرهم إلى المدارس يعّلمون
ويتعلمون ،بينما كان الغربيون يتباهون بجهلهم للقراءة
والكتابة !".7
ومن ثم تقول تزفسكن: 8
1انظر ابن حزم :الفصل في الملل والهواء والنحل ،مطلب )بيان كروية الرض(78\2 ،
2انظر :محمد حسام الدين الخطيب :نبي المسلمين ودين السلم والحضارة السلمية ،ص 42
3انظر :زيغريد هونكه:شمس ال تسطع على الغرب ،ص 370
4ول ديورانت :قصة الحضارة 167 / 13،
5دكتورة زيغريد هونكه :مستشرقة ألمانية معاصرة ،وهي زوجة الدكتور شولتزا ،المستشرق اللماني المعروف
الذي تعمق في دراسة آداب العرب والمسلمين والطلع على آثارهم ومآثرهم .من آثارها) :أثر الدب العربي
في الداب الوروبية( ،و)الرجل والمرأة( وهو يتناول جانًبا من الحضارة السلمية ) ،(1995و)شمس ال
تسطع على الغرب( الذي ترجم بعنوان) :شمس العرب تسطع على الغرب(.
6زيغريد هونكه :شمس العرب تسطع على الغرب ،ص 369
7زيغريد هونكه :شمس العرب تسطع على الغرب ،ص 369
91
" لم يتبّين لي الفرق الشاسع بين تعاليم السلم وبين كثير من
العادات الشرقية إل عندما دخلت عالم السلم الروحي عن
طريق القرآن والكتابات السلمية ..فشعرت ببطء كيف يجذبني
السلم .وكانت تعاليمه تخاطب عقلي وفطرتي .وكان من أهم
دني ...الجتهاد في طلب العلم الذي ُيعتبر فريضة على كل ما ش ّ
1
مسلم ومسلمة. " ..
2
وهوالمر الذي نال إعجاب وتقدير لمير التي تقول" :في الوقت
الذي تهاوت فيه تعاليم الديان الخرى ومبادئها أمام جبروت
العلم؛ أخذ علماء الدنيا في الوقت الحاضر يتطلعون إلى السلم
طالبين السلوى ،لن تعاليمه أقرب إلى العلم من أي دين آخر.
بل إن السلم يحض على العلم .وهو دين تقدمي يناسب كافة
المناخات والبلد ،كما يصلح لجميع العصور". 3
المطلب الخامس :العلم من وظائف رسالته:
يقول آتيين دينيه:
" ..إن السلم منذ البداية في أيامه الولى قد أخذ في محاربة
الخرافات والبدع ،وهو نفس العمل الذي يقوم به العلم إلى يومنا
هذا".. 4
ما مع مبادئ السلم، وبالتالي فإن "المنجزات العلمية تتفق تما ً
لن السلم هو دين العلم" ،5على حد قول فيلويز. 6
ومن هنا يذكر جوستاف لوبون أن":السلم من أكثر الديان
ملءمة لكتشافات العلم".7
8
م ،فيقول ":إنماوعلى هذا الساس يعّرف "جارودي " السل َ
السلم هو تلك الرؤية لله ..وللعالم وللنسان ،التي تنيط
8فاطمة تزفسكن :من تشيكوسلوفاكيا كانت تحمل اسم )مونيكا( .ولدت عام 1943م ،قرأت كثيًرا واتصلت بعدد
من المسلمين اللمان ،وبعد أن اقتنعت بالسلم ديًنا ،أعلنت انتماءها إليه عام 1963م.
1انظر :عرفات كامل العشي :رجال ونساء أسلموا . 99 – 98 / 2 ،
2فاطمة سي لمير :ألمانية ،لم تقنعها الديانة النصرانية ،فأخذت تتصل منذ مطلع عام ،1951عن طريق
المراسلة ،بعدد من المسلمين الذين شرحوا لها مبادئ السلم ،فانشرح صدرها له وانتمت إليه.
3انظر :عرفات كامل العشي :رجال ونساء أسلموا . 96 / 3 ،
4آتيين دينيه :أشعة خاصة بنور السلم ،ص 18
5هذه الكلمة لفيلويز ،انظر :عرفات كامل العشي :رجال ونساء أسلموا . 61 / 6 ،
6ح .ف .فيلويز :ضابط بحرية بريطاني ،شارك في الحربين العالميتين الولى والثانية ،نشأ في بيئة نصرانية،
تأصلت فيها التقاليد المسيحية بشكل عميق ،ومع ذلك فقد هداه ال إلى السلم بعد أن اطلع على القرآن الكريم
وقرأ عدًدا من المؤلفات السلمية ،وذلك عام .1924
7فيلويز :حضارة العرب ،ص 126
8روجيه جارودي :المفكر الفرنسي المعروف ،وأحد كبار زعماء الحزب الشيوعي الفرنسي ،سابًقا ،تتميز ثقافته
بالعمق والشمولية ،والرغبة الجادة في البحث عن الحق .أتيح له منذ مطلع الربعينات أن يحتك بالفكر السلمي
والحياة السلمية .وازداد هذا الحتكاك بمرور الوقت ،وتمخض عن اهتزاز قناعاته المادية وتحوله بالتدريج إلى
خط اليمان ،المر الذي انتهى به إلى فصله من الحزب الشيوعي الفرنسي ،كما قاده في نهاية المر )أواخر
السبعينات( إلى اعتناق السلم ،حيث تسمى بـ)رجاء جارودي( .كتب العديد من المؤلفات منها) :حوار
الحضارات() ،منعطف الشتراكية الكبير() ،البديل() ،واقعية بل ضفاف( ،وبعد إسلمه أنجز سيرة ذاتية خصبة
ل عن العديد من المحاضرات التي ألقاها في أكثر من بلد. وعدًدا من المؤلفات ،أبرزها) :دعوة السلم( ،فض ً
92
بالعلوم وبالفنون وبكل إنسان وبكل مجتمع مشروع بناء عالم
إلهي وإنساني ل انفصام فيه باقتضاء البعدين العظمين،
المفارقة والجماعة ،التسامي والمة".. 1
ويبين روم لندو العلقة بين الدين والعلم في السلم ،فيقول :
" ..في السلم لم يول كل من الدين والعلم ظهره للخر ويتخذ
قا معاكسة ل ،والواقع أن الول كان باعًثا من البواعث طري ً
2
الرئيسية للثاني" .
صل روم لندو القول في هذه العلقة ،قائل ً " :العلم السلمي وُيف ّ
لم ينفصل عن الدين قط ! والواقع أن الدين كان هو ملهمه
وقوته الدافعة الرئيسية .ففي السلم ظهرت الفلسفة والعلم
مًعا إلى الوجود ل ليحل محل ألوهية الدين )البدائية( ولكن
لتفسيرها عقلًيا ،لقامة الدليل عليها وتمجيدها ..إن المسلمين
وّفقوا ،طوال خمسة قرون كاملة ،إلى القيام بخطوات حاسمة
في مختلف العلوم من غير أن يديروا ظهورهم للدين ...وأنهم
وجدوا في ذلك النصهار عامل تسريع وإنجاح ل عامل تعويق
وإحباط".. 3
ومن ثم بلغوا مبلغا ً عظيما ً في ميادين العلوم النسانية
والطبيعية ،وظهر منهم مسلمو إسبانيا " الذين أهدوا إلى الغرب
اللتيني هباتهم النفيسة في ميادين العلم والفلسفة ..وكان الطب
كالرياضيات من مفاخر العلوم العربية وأركانها الوطيدة" 4على
حد قول سرارنست باركر ).(1960-1874
وكانت هذه العلوم التي نبغ فيها المسلمون في عصورهم الذهبية
– كما يقول الدومييلي – هي "حلقة التصال والستمرار بين
الحضارة القديمة وبين العالم الجديد". 5
وهنا يحذر "الدومييلي" من شبهة ،فيقول" :ينبغي أل نظن أن
دا إلى العلم الذي كانوا أوصياء عليه !العرب لم يضيفوا شيًئا جدي ً
6
بل على النقيض من ذلك ".
وعن رسالة المسلمين في هذه العلوم يقول "أرنست بانرث" : 7
إنهم – أي المسلمين " -لم يخربوا ما وجدوه من عناصر ثقافية،
بل اهتموا بها وبذلوا جهدهم لهضمها ومن ثم تطويرها .ونرى هنا
1روجيه جارودي :دعوة السلم ،ص 22
2روم لندو :السلم والعرب246 ،
3روم لندو :السلم والعرب ،ص 281 – 280
4انظر :سير توماس أرنولد )إشراف( :تراث السلم ،ص 105
5الدومييلي :العلم عند العرب ،ص . 11 – 10
6الدومييلي :العلم عند العرب144،
7أرنست بانرث :ولد في مدينة ليبزج ،سنة ،1895نال الدكتوراه في اللغات السلمية من جامعة فينا .وعين
أستاًذا للفلسفة والتاريخ والداب اللمانية .من آثاره) :السلم اليوم وغًدا( )) ،(1958التفاهم بين الشرق والغرب(
)بتكليف من اليونسكو( ،وله دراسات عن الفلسفة المسلمين.
93
أن العرب فتحوا باب التعرف على الحضارة اليونانية ...بواسطة
المترجمين ،وعلى هذه الطريقة تطورت الثقافة تحت حماية
السلم بالعربية التي هي واسطة ممتازة للتعبير عن الفكار
العليا والتي ل تفوقها في هذا لغة من لغات الدنيا .ول أراني
بحاجة إلى ذكر أسماء الفلسفة] المسلمين [ الذين فتحوا آفاًقا
جديدة لفهم أسرار الطبيعة والوجود... ،ول شك أن الحضارة
السلمية ارتفعت في القرون الوسطى إلى علوّ لم ينتبه إليه
قوم آخرون .ول يخفى أن هذا العتلء كان ثمرة الجتهاد في كل
نواحي الثقافة وتطبيق الطرق العلمية .أما الغرب الوروبي فلم
يستطع حينئذ فهم الثقافة وتطويرها .وكذلك دولة بيزنطية فقد
تجمدت ،والن نرى كيف تعجبت القوام الوروبية من جمال
الثقافة العربية التي امتدت من حدود الصين والهند إلى جبال
البرانس". 1
المطلب السادس :من توجيهات النبي :r
وهذه باقة من توجيهات نبينا العظيم ،rوحثه على طلب العلم،
ونشر المعارف والثقافات ،وأمره بمحو المية والخرافات:
فيقول – صلوات ربي وسلمه عليه : -
"طلب العلم فريضة على كل مسلم".. 2
" ..و إن طالب العلم يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في
3
البحر"
ً
"إن الله أوحى إلي :أنه من سلك مسلكا في طلب العلم سهلت
له طريق الجنة ،و من سلبت كريمتيه أثبته عليهما الجنة ،و فضل
في علم خير من فضل في عبادة ،و ملك الدين الورع". 4
"ما من خارج خرج من بيته في طلب العلم إل وضعت له
الملئكة أجنحتها رضا بما يصنع حتى يرجع". 5
من علم علمًا ،فله أجر من عمل به ،ل ينقص من أجر العامل"
"6 ..شيء
"إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته :علما علمه
7
ونشره ،وولدا صالحا تركه ،أو مصحفا ورثه"...
1أرنست بانرث :تأثير الفلسفة السلمية في تطور الفكر الوروبي ،ص . 9 – 8
2صحيح – رواه ابن ماجة عن أنس) ، (81 \1برقم ،224وصححه اللباني في الجامع الصغير ،برقم 7360
3صحيح – رواه ابن عبد البر في العلم عن أنس ،برقم ،24وصححه اللباني في الجامع الصغير ،برقم 7361
4صحيح – رواه البيهقي عن عائشة ،وصححه اللباني في الجامع الصغير ،برقم 2607
5صحيح – رواه أحمد والبيهقي وابن حبان والحاكم ،عن صفوان بن عسال وصححه اللباني الجامع الصغير،
برقم 10639
6حسن لغيره -رواه ابن ماجه ،وحسنه اللباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب ،19\1برقم 80
7حسن -رواه ابن ماجه بإسناد حسن والبيهقي ورواه ابن خزيمة في صحيحه ،وحسنه اللباني في صحيح
الترغيب والترهيب) ،( 18 \ 1برقم 77
94
وعن صفوان بن عسال المرادي قال:
أتيت النبي rوهو في المسجد متكىء على برد له أحمر فقلت
له :يا رسول الله ،إني جئت أطلب العلم .
فقال " :مرحًبا بطالب العلم ..إن طالب العلم تحفه الملئكة
ضا حتى يبلغوا السماء الدنيا من بأجنحتها ،ثم يركب بعضهم بع ً
محبتهم لما يطلب". 1
ذكر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعن أبي أمامة قالُ :
رجلن :أحدهما عابد والخر عالم ..فقال -عليه أفضل الصلة
والسلم " : -فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم " ..ثم
-:قال -رسول الله صلى الله عليه وسلم
إن الله وملئكته وأهل السموات والرض حتى النملة في جحرها"
"2وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير
:قال ابن عباس
كان ناس من السارى يوم بدر ليس لهم فداء ،فجعل رسول-
الله صلى الله عليه وسلم -فداءهم أن يعلموا أولد النصار
الكتابة3؛ وبذلك شرع السرى يعلمون غلمان المدينة القراءة
والكتابة ،وكل من يعلم عشرة من الغلمان يفدي نفسه .وقبول
النبي صلى الله عليه وسلم تعليم القراءة والكتابة بدل الفداء في
ذلك الوقت الذي كانوا فيه بأشد الحاجة إلى المال يرينا سمو
4..السلم في نظرته إلى العلم والمعرفة ،وإزالة المية
...هذه كانت توجيهات محمد في العلم والمعرفة
صور رائعة وتعاليم رفيعة ،يقف أمامها العاقل المتبصر وقفة
خشوع وإجلل ،لسيما لهذا المظهر العظيم من مظاهر الرحمة
من النبي ،rأل وهو رعاية العلم والمعرفة ..وفي ذلك رحمة
للبشر من زعيم كبير ونبي جليل ..
مما دفع "لبيب رياشي" أن يرفع قبعته تقديرا ً لهذه التعاليم
قائل ً " :حقا ً يا محمد ...إنك )السوبرمان( 5الول العالمي،
رسول الثقافة والعلم ،رسول الهداية والتضحية ،رسول الفلسفة
الجديدة ،رسول النسانية الجديدة"..6
1حسن – رواه رواه أحمد والطبراني بإسناد جيد واللفظ له وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح السناد
وروى ابن ماجه نحوه باختصار ،وحسنه اللباني في صحيح الترغيب والترهيب) ( 17 \ 1برقم .71
2حسن لغيره -رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ، ،وحسنه اللباني لغيره في صحيح الترغيب
والترهيب ،19\1برقم 81
3ابن كثير :السيرة النبوية512 \2،
4على محمد الصلبي :السيرة النبوية 46\2
5ل بأس بها ! فهي تعنى الرجل الفضل أو العظم .أو ذو القدرات الخارقة !
ل عن :محمد شريف الشيباني 100 6لبيب رياشي :نفسية الرسول العربي ،نق ً
95
دل الضلل بالهدى ،والجهل بالعلم ،والهمجية بالمدنية"..1 "ب ّ
"علمه الله العلم والحكمة ،فوجب علينا أن نصغي إليه قبل كل
شيء !"..2
المبحث الخامس
الخطاب التربوي
لم يكن خطابه rإلى الناس خطاًبا دكتاتورًيا مستب ً
دا ،أو براجماتًيا
نفعًيا ،إنما كان خطابه إلى الناس خطاًبا تربوًيا ..لم يكن يغلب
عليه طابع الحاكم بقدر ما غلب عليه طابع المعلم الوقور الذي
يتحدث إلى تلميذه ..وهذا من تجليات رحمته ..r
المطلب الول :المعلم الرحيم :
كان النبي rهو المعلم الرحيم والمصلح الكبير لبنيياء النسييانية،
علمهم الحييياة ،والحضييارة ،فأصييلح شييؤونهم بعييد فسيياد ،يقييول
الباحث الهولندي وث ) 1899 – 1814م( :
"لقد جاء قرآن العرب 3على لسان نبيهم محمد العظيم ]، ![r
وعلمهم كيف يعيشون في هذه الحياة ،وقد وحد صفوفهم وجمع
كلمتهم وأدبهم حتى ل ترى أمة من المم أحسن منهم ،وبالنهاية
اعتمدوه في كل أمورهم ،وكان يتلقى الوحي من ربه الذي
يوحي إليه ،ثم ينقله إلى الناس ،بعد أن يكتبه له الكتاب الذين
انتدبهم لذلك".. 4
كما كان النبي rفي سائر مراحل حياته القدوة النسانية والمثييل
العليى والنميوذج المثيل للمعليم الكيبير ،وقيد جياء فيي القيرآن
ُ
ة
سيين َ ٌ
ح َ ل الّلييهِ أ ْ
سييوَة ٌ َ سييو ِ
م ِفييي َر ُ ن لَ ُ
كيي ْ قييد ْ َ
كييا َ الكريييمَ :ل َ
]الحزاب [21 :
"فهو القدوة الطيبة التي أرسلها اللييه رحميية لنييا وحب ًييا بنييا ،حييتى
5
نقتفي أثره"
وهذه القدوة التي تمسك بها المسلمون ،عادت عليهم بانتشار
هذا الدين في تلك الرقعة الفسيحة في الرض كما يقول توماس
آرنولد ،و"وقفوا حياتهم على الدعوة إلى السلم ،متخذين من
هدي الرسول ] [rمثل ً أعلى وقدوة صالحة".6
ل عن :محمد شريف الشيباني 150 1ميخائيل طعمة :جريدة الكرمل ،نق ً
2توماس كارليل :البطال ،ص 70 ،60
3بل هو قرآن البشر كلهم !
4وث :محمد والقران ،ص .78
5هذه الكلمة للقس السابق الدكتور ُدّراني ،انظر :عرفات كامل العشي :رجال ونساء أسلموا . 28 – 27 / 4 ،
6توماس آرنولد :الدعوة إلى السلم ،ص 27
96
المطلب الثاني :نماذج رحمته بالمتعلمين :
حك َم ِ ن ال ْ َ ةب ِ مَعاوِي َ َ فمن نماذج رحمته rفي التربية ما رواه ُ
م.قو ْ ِ ن ال ْ َ م َ ل ِ ج ٌ س َر ُ ل الله rفَعَط َ َ مع رسو ِ ت َ صل ّي ْ ُ
ي قالَ : م ّ سل َ ِال ّ
تَ :واث ُك ْ َ
ل قل ْ ُ م ،فَ ُ صارِه ِ ْ م ِبأب ْ َقو ْ ُ ماِني ال ْ َ ك الله ,فََر َ م َ ح ُت :ي َْر َ قل ْ ُ فَ ُ
ْ ُ
ي؟ ! قال: ن إل َ ّ ظرو َ كم ت َن ْ ُ شأ ن ُ ُ ما َ مّياه ُ ! َ أ َ
مُتوِني، ص ّم يُ َ ت أن ّهُ ْ م فَعََرفْ ُ خاذ ِه ِ ْ م ع ََلى أفْ َ ديهِ ْن ِبأي ْ ِ ضرُِبو َ جعَُلوا ي َ ْ فَ َ
ل الله ِ - rبأِبي صّلى رسو ُ ما َ ت ،فَل َ ّ م ُيسك ُّتوِني سك َ ّ ما َرأي ْت ُهُ ْ فَل َ ّ
صل َةَ ُ
ن هَذ ِهِ ال ّ م قال":إ ّ سب ِّني .ث ُ ّ ضَرَبني َول قهََرني َول َ ما َ مي َ - وَأ ّ
ح َوالت ّك ِْبيُر سِبي ُ ما هُوَ الت ّ ْ ذا .إن ّ َس هَ َ كلم ِ الّنا ِ ن َ م ْ يٌء ِ ش ْ ل فيها َ ح ّ ل يَ ِ
1
ن" . قْرآ ِ وَقَِراَءة ُ ال ْ ُ
ومن أعاجيب المواقف التي تدل على سعة صدره ورحمته
للمتعلمين ،قصة العرابي الذي بال في المسجد ..فعن أنس
2
قال :بينما نحن في المسجد مع رسول الله rإذ جاء أعرابي
فقام يبول في المسجد وأصحاب الرسول rيصيحون به :مه مه!
)أي اترك( ،فقال رسول الله " :rل تزرموه دعوه!" )ل تقطعوا
عليه بولته( ،فترك الصحابة العرابي يقضي بوله ،ثم دعا
الرسول rالعرابي ،فقال رسول الله rللعرابي " :إن المساجد
ل تصلح لشيء من هذا البول والقذر؛ إنما هي لذكر الله والصلة
وقراءة القرآن" .وهنا قال رسول الله rلصحابه" :إنما بعثتم
ميسرين ولم تبعثوا معسرين صبوا عليه دلوا من الماء" .فقال
العرابي :اللهم ارحمني ومحمدا ول ترحم معنا أحدا!!! فقال
الرسول " :rلقد تحجرت واسًعا) ،أي ضيقت واسًعا(". 3
وهكذا نرى نبي الرحمة rفي مثل هذه المواقف ،التي يغلب
عليها الجانب التربوي السمح ،ل الجو العسكري الصارم .وإن
كان رسول الله rهو "الرجل والمعلم والخطيب ورجل الدولة
والمجاهد" 4في آن واحد .
المطلب الثالث :أساليبه في الخطاب التربوي :
وأساليبه rفي الخطاب التربوي والتعليم ،رحمة للمتعلمين،
رحمة لكل من يستمع إليه ..
فتراه rوهو يحدث الناس ،يمهد لحديثه ليفهموه ،ويكرر
المعلومة ويوكدها ليعقلوها ،ويضرب المثلة ليصل المعنى إلى
1صحيح -أخرجه مسلم في الصلة باب تحريم الكلم في الصلة ونسخ ماكان من إباحة.
2هو ذو الخويصرة اليماني رضي ال عنه.
ق عليه ،صحيح البخاري ،باب صب الماء على البول في المسجد ،رقم 217 3متف ٌ
4هذه العبارة لفيليب حتي :السلم منهج حياة ،ص 56
97
السامعين ،ويتخولهم بالموعظة مخافة الملل ،ويرسم بيده على
قا ورحمة
ل...كل هذا رف ًالرض ،ويستخدم أصابعه ممث ً
بالمستمعين والمتعلمين. 1
ل :التمهيد والتهيئة: أو ً
كان النبي rيمهد للمعلومة قبل إيصالها للمتعلم ،بحيث يستوعبها
السامع ،بسهولة ويسر ،ومثال ذلك :
-1ما رواه أبو هريرة عن النبي rقال " :أل أدلكم على ما
يمحو الله به الخطايا ..ويرفع به الدرجات؟ " قالوا :بلى يارسول
الله قال " :إسباغ الوضوء على المكاره ..وكثرة الخطى إلى
المساجد ...وانتظار الصلة بعد الصلة؛ فذلكم الرباط ..فذلكم
الرباط ...فذلكم الرباط ".2
-2وعن أبي هريرة أن رسول الله rقال " :أتدرون من
المفلس؟".
قالوا :المفلس فينا من ل درهم له ول متاع .فقال " :إن
المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلة وصيام ويأتي وقد
شتم هذا ..وقذف هذا ..وأكل مال هذا ..وسفك دم هذا ...وضرب
هذا ...فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته ...فإن فنيت
حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم ..فطرحت عليه
ثم يطرح في النار ". 3
ففي المثال الول مهد للمستمعين قائل ً " :أل أدلكم على ما
يمحو الله به الخطايا ..ويرفع به الدرجات..؟" ،ليتهيىء السامع،
ويتجاوب مع السؤال ،وُيعمل عقله ،في محاولة الجابة ،ومن ثم
يقوم النبي بالجابة على السؤال بنفسه وقد استثار عقل السامع
نحو فكرة الموضوع .فتدخل المعلومة إلى العقل ،وقد اشتاق
إلى المعلومة ،كما تشتاق الرض العطشى للمطر !
وبالمثل في المثال الثاني ،فالسامع في اشتياق لمعرفة هذا
المفلس وصفاته ،بعدما تحرك العقل يميًنا وشمال ً لمعرفة
الجواب الصحيح .فل يزال العقل في حيرة حتى تصل إليه
المعلومة الشافية ،فتحصل الفائدة وترسخ المعلومة.
1انظر :سعيد رفعت راجح :الوسائط التعليمية في الحاديث النبوية ،بحث منشور على موقع alukah.net
2صحيح -رواه مسلم في كتاب الطهارة ،باب فضل إسباغ الوضوء على المكاره ،رقم 251
3صحيح -رواه مسلم في كتاب البر والصلة ،باب تحريم الظلم ،رقم .2581
4صحيح – رواه البخاري في كتاب العلم ،باب من أعاد الحديث ثلثا ليفهم عنه ،رقم 95
98
ومثال ذلك:
-1قوله " :rأل وقول الزور " فما زال يكررها...
-2ويقول ابن عمر :قال النبي " : rهل بلغت؟ " ثلًثا .
-3وعن عبد الله بن عمرو عن النبي rقال " :ويل للعقاب من
النار " مرتين أو ثلثًا.
والتكرار في هذه النماذج للتفهيم والحفظ .وهذه من قبيل رفقه
وتنبيهه للمستمع.
1صحيح -رواه الترمذي في كتاب المناقب ،باب كيف كان كلم رسول ال صلى ال عليه وسلم ،رقم ،191
وقال اللباني :صحيح .
2صحيح -رواه البخاري في كتاب العلم ،باب ما كان النبي صلى ال عليه وسلم يتخولهم بالموعظة ،رقم .68
3صحيح -رواه البخاري في كتاب الدب ،باب رحمة الناس والبهائم ،رقم .5665
99
وفي ذلك أثر كبير في إيصال المعنى إلى المتعلم ،ذلك أنه يقدم
القيمة المعنوية في صورة حسية ملموسة ،فيربطه بالواقع
ويقربه إلى الذهن .
سا :استخدام الوسائط المتعددة: ساد ً
كان النبي rيستخدم ما يسمى اليوم بالوسائل التعليمية
أوالوسائط التوضيحية ،لتبيين المعنى ،وتوضيح المغزى في عقول
السامعين ،وشغل كل حواسهم بالموضوع:
ومن هذه الوسائط:
-1التعبير بحركة اليد والصابع:
كتشبيكه rبين أصابعه وهو يبين طبيعة العلقة بين المؤمن
وأخيه .فعن أبى موسى الشعري ...عن النبي rقال" :
المؤمن للمؤمن كالبنيان ..يشد بعضه بعضا " وشبك بين
أصابعه.1
-2التعبير بالرسم والمجسمات:
أ( أما الرسم :فعن عبد الله بن مسعود قال " :خط النبي r
طا في الوسط خارجا منه ي وقد أحاط به ي طا مربًعا ..وخط خ ً
خ ً
وهذا الذي هو خارج أمله ...وهذه الخطوط الصغار العراض..
فإن أخطأه هذا؛ نهشه هذا .وإن أخطأه هذا؛ نهشه هذا". 2
ففي هذا الحديث بين لهم النبي rبالرسم على الرض كيف
يحال بين النسان وبين آماله الكثيرة الواسعة بالموت ..وفيه
حض على الستعداد للموت قبل هجومه المفاجئ.
ب( وأما المجسمات :فعن علي بن أبي طالب قال " :إن
نبي الله rأخذ حريًرا فجعله في يمينه وأخذ ذهًبا فجعله في
شماله :ثم قال " :إن هذين حرام على ذكور أمتي ...حل لناثهم
".3
-3التعليم التطبيقي العملي:
ولقد انتهج الرسول rهذا السلوب في التعليم عندما كان يعلم
الصحابة الصلة حيث قال بعد ما فرغ من الصلة ذات يوم " :
أيها الناس إنما صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلتي ". 4
كل هذه الوسائط والساليب من قبيل الرحمة بالمتعلمين ،تبين
لك عظيم رحمة النبي ،rوهذا إن دل على شىء فإنما يدل على
عظم قدر العلم والمعرفة والثقافة في نفس محمد ،rوتقديره
100
البالغ لرسالة التربية والتعليم ،وممارسته الماهرة لشتى الوسائل
التي تفيد المنظومة التربوية ..
المبحث السادس
خدمة النسانية
المطلب الول :محمد خادم النسانية:
وفي رعايته للنسانية وحقييوق النسييان مظهيير آخيير ميين مظيياهر
رحمته .. r
لقد عاش النبي rحياته يخدم النسييان ،ويهييذب النسييان ،ويعلييم
النسان ،ويدافع عن النسان! ..
لقد كان إنساًنا بكييل مييا فييي الكلميية ميين معييان .وكييانت سييعادة
نفسه ورضاها ،في كونه إنساًنا ،يأكل كما يأكل العبد ،ويلبس كما
ما أن يحيه مسييكيًنا وأن يمتييه مسييكيًنا، يلبس العبد ،يسأل ربه دو ً
وأن يحشييره فييي زمييرة المسيياكين ..و ل يييأنف أن يطمئن رجل ً
دخل علي حضرته – صلوات الله وسييلمه عليييه ، -وقييد ارتعييدت
أوصال الرجل ،من شدة هيبة النبي ،rظًنا منه أنه إنما دخل على
جبار أو ملك ،والنبي يهدىء من روعه قائل ً :
" هون عليك ! فإني لست بملك إنما أنييا ابيين امييرأة ميين قريييش
كانت تأكل القديد !".1
جا للحياة النسانية بسيرته وصدق "لقد كان محمد ] [rأنموذ ً
إيمانه ورسوخ عقيدته القويمة .بل مثال ً كامل ً للمانة والستقامة
و
وإن تضحياته في سبيل بث رسالته اللهية خير دليل على سم ّ
ذاته ونبل مقصده وعظمة شخصيته وقدسية نبوته ...وما حياة
الرسول ] [rسوى سلسلة وقائع تاريخية عظيمة الشأن نبيلة
المرمى يتجلى فيها مقامه السامي من الحلقة النسانية ".. 2
تقول "اللدي ايفلين كوبولد":
" ..لعمري ،ليجدن المرء في نفسه ،ما تقدم إلى قبر محمد ][r
روعة ما يستطيع لها تفسيًرا ،وهي روعة تمل النفس اضطراًبا
ل ،ذلك أنه أمام نبي مرسل وعبقري وذهول ً ورجاء وخوًفا وأم ً
عظيم لم تلد مثله البطون حتى اليوم ..إن العظمة والعبقرية
يهزان القلوب ويثيران الفئدة فما بالك بالعظمة إذا انتظمت مع
1صحيح -رواه الحاكم عن أبي مسعود ،رقم ،3692قال اللباني في السلسلة الصحيحية ) : (1876صحيح .
2أحمد سوسة :في طريقي إلى السلم ص .175 – 174 / 1
101
النبوة ،وما بالك بها وقد راحت تضحي بكل شيء في الحياة في
سبيل النسانية وخير البشرية".1
ويؤكد القس "دافيد بنجامين كلدانى" فييي مييؤلفه " :محمييد فييي
الكتاب المقدس " هذه الحقيقيية بييأن النييبي " rخييادم النسييانية"
بقوله :
"إن الخدمة الجليليية العظيميية المدهشيية الييتي قييدمها محمييد ][r
لله ..ولصالح البشر ،لم يقدمها أي مخلوق ميين عبيياد اللييه ملك يا ً
كييان أو نبييًا ...فييإنه ] [rأقلييع جييذور الوثنييية ميين جييزء كييبير ميين
الرض ،وأما خييدمته للنسييان فقييد قييدم لييه أكمييل دييين وأفضييل
شريعة لرشاده وأمنه ".2
ويتابع القس كلدانى القول :
" أقام دين السلم الذي وحييد فييي أخييوة حقيقييية ،جميييع المييم
والشعوب التي ل تشرك بالله شيئا ً .إن جميع الشعوب السلمية
تطيع رسول الله] [rوتحبه تحييترمه! لنييه مؤسييس دعييائم دينهييا،
ولكنها ل تعبده أبدا ً ول ترفعه إلى مقام التقديس والتأليه"..3
ويقول الباحث السويسري ماكس فان برشم ) ( 1921 _ 1863
:
" إن محمدا ً ] [rنبي العرب من أكبر مريدي الخير للنسانية ،وإن
ظهور محمد] [rللعالم أجمع إنما هو أثر عقل عال ،وإن افتخرت
آسية بأبنائها فيحق لها أن تفتخر بهذا الرجل العظيم .. 4"..
و تلخص الموسوعة البريطانية السيرة الكفاحية لحياة الرسول r
واجتهاده في خدمة النسانية عربيا ً وعالميا ً فتقول :
"إن محمدا ً ] ،[rاجتهد فييي اللييه ..وفييي نجيياة أمتييه ،وبالصييح :
اجتهد في سبيل النسانية جمعاء" ..5
ه،ل الّلي ِ
عَييا ُ خل ْقُ ك ُل ُّهي ْ
م ِ و"ما أجمل ما قال المعلم العظيم ]): [rال ْ َ
ق إ َِلى الل ّهِ أ َن ْ َ ب ال ْ َ ْ َ
6
ه" ..(.م ل ِعَِيال ِ ِ
فعُهُ ْ خل ِ فَأ َ
ح ّ
المطلــب الثــاني :خطبــة الــوداع :الميثــاق الســلمي
لحقوق النسان :
102
وقد جاء في هذه الخطبة الجامعة :
"أيها الناس ! إني والله ل أدري لعلييي ل ألقيياكم بعييد ييومي هييذا،
بمكاني هذا ،فرحم الله مين سيمع مقيالتي اليييوم فوعاهيا ،فييرب
حامل فقه ول فقه له ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه". 1
" إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا ،في
شهركم هذا ،في بلدكم هذا .أل كل شيء من أمر الجاهلية تحييت
قدمي موضوع ،ودماء الجاهلية موضييوعة ،وإن أول دم أضييع ميين
دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث ي وكان مسترضعا ً فييي بنييي سييعد
فقتلته هُذ َْيل ي وربا الجاهلية موضوع ،وأول ربا أضع من ربانييا ربييا
عباس بن عبد المطلب ،فإنه موضوع كله". 2
" ل ترجعوا بعدي كفارا يضييرب بعضييكم رقيياب بعييض ،ول ُيؤخييذ
الرجل بجريرة أبيه ول بجريرة أخيه!". 3
" واعلمييوا أن القلييوب ل تغييل علييى ثلث إخلص العمييل للييه
ومناصحة أولي المر وعلى لزوم جماعة المسلمين فإن دعييوتهم
4
تحيط من ورائهم "
"فاتقوا الّله في النساء ،فإنكم أخذتموهن بأمانة الله ،واستحللتم
ّ
فروجهيين بكلميية الل ّييه ،ولكييم عليهيين أل يييوطئن فرشييكم أحييدا ً
مَبيّرح ،ولهيينتكرهييونه ،فيإن فعلين ذليك فاضيربوهن ضيربا ً غييير ُ
عليكم رزقهيين وكسييوتهن بيالمعروف..وقييد تركييت فيكييم مييا لين
تضلوا بعده إن اعتصمتم به ..كتاب الله. 5
"أيها الناس ! إنه ل نبي بعدي ول أمة بعدكم واعبدوا ربكم وصلوا
خمسكم وصوموا شهركم وأطيعوا ولة أمركم تدخلوا جنة ربكييم.
". 6
"وأنتم تسألون عني ،فما أنتييم قييائلون؟" قييالوا :نشييهد أنييك قييد
بلغت وأديت ونصحت.
فقال بأصبعه السبابة يرفعهييا إليى السيماء ،وينكتهيا إليى النيياس:
"اللهم اشهد!!"ثلث مرات.7
ويعلق "هربرت جورج ولز "على هذه الخطبة فيقول :
ن أول فقرة فيها تجرف أمامها كل ما بين المسلمين من نهييب "إ ّ
وسلب ومن ثارات ودماء ،وتجعييل الفقييرة الخيييرة منهيا الزنجييي
المؤمن عدل ً للخليفيية ..إنهييا أسسييت فييي العييالم تقاليييد عظيميية
1صحيح -سنن الدارمي ، 86 \1برقم ،227قال حسين سليم أسد :إسناده حسن والحديث صحيح.
2صحيح – رواه ابن حبان ،عن جابر ، 1457 ،وقال شعيب الرنؤوط :حديث صحيح
3صحيح -السلسلة الصحيحة ،رقم 1974
4صحيح -سنن الدارمي ، 86 \1برقم ،227قال حسين سليم أسد :إسناده حسن والحديث صحيح
5صحيح – رواه مسلم ، 886\ 2برقم 1218
6صحيح – رواه الطبراني في المعجم الكبير ، 136 \ 8برقم ،7617عن أبي أمامه .وقال اللباني :صحيح
)ظلل الجنة في تخريج السنة لبن أبي عاصم رقم (1061
7صحيح – رواه ابن حبان ،عن جابر ، 1457 ،وقال شعيب الرنؤوط :حديث صحيح
103
للتعامييل العييادل الكريييم ،وإنهييا لتنفييخ فييي النيياس روح الكييرم
والسماحة ،كما أنها إنسانية السمة ممكنيية التنفيييذ ،فإنهييا خلقييت
جماعة إنسانية يقل ما فيهيا مميا يغمير اليدنيا مين قسيوة وظليم
اجتماعي ،عما في أي جماعة أخرى سبقتها". 1
ويعلق العلمة إميل درمنغم ،على هذه الرحلة العظيمة ،وهذه
الخطبة البليغة ،قائ ً
ل:
" ..تجلت بهذه الرحلة الباهرة ]حجة الوداع[ ما وصييلت إليييه ميين
العظمة والسؤدد رسالة ذلك النبي ][rالذي أنهكه اضطهاد عشيير
سنين وحروب عشر سيينين أخييرى بل انقطيياع ،وهييو النييبي الييذي
2
جعل من مختلف القبائل المتقاتلة على الدوام أمة واحدة"..
المطلب الثالث :توجيهات إنسانية :
وإلى جانب خطبة الوداع الجامعة هناك توجيهييات وتعيياليم أخييرى
للنبي ،rتعنى بحقوق النسان ،لسيما في مسألة الدماء :
م ل الل ّهِ rل ي ُعْل َي ُ سو ِ ل ع ََلى ع َهْد ِ َر ُ ل قَِتي ٌ ل :قُت ِ َ س َ ،قا َ ن ع َّبا ٍ ن اب ْ ِ فعَ ِ
َ َ َ
ن ل وَأَنييا ب َْييي َ ل قَِتي ٌ قت َ ُ
س ! أي ُ ْ لَ ":يا أي َّها الّنا ُ قا َ من ْب ََره ُ ،فَ َ صعِد َ ِ ه ،فَ َ َقات ِل ُ ُ
معُييوا جت َ َضا ْ َ
ماِء َوالْر ِ 3 سي َ ل ال ّ ن أ َهْ ي َ َ
ه؟ ل َيوْ أ ّ ن قَت َل َ ُ م ْ م َ م ل ي ُعْل َ ُ أظ ْهُرِك ُ ْ
َ
ساب" ح َ ه ِبل ع َد َد ٍ َول ِ م الل ّ ُ سل ِم ٍ ل َعَذ ّب َهُ ُ م ْ ئ ُ مرِ ٍ لا ْ ع ََلى قَت ْ ِ
ك: مال ِ ٍ ن َ ة بْ ِ قب َ َ ن عُ ْ وع َ ْ
َ َ ل الل ّهِ rغ َ ُ َ
ل ن أهْي ِ م ْ ل ِ ج ٌ حا فَب ََرَز َر ُ صب ْ ً
ماٍء ُ ل َ شوا أهْ َ سو ِ ة ل َِر ُ سرِي ّ ً ن َ أ ّ
ه، قت ََليي ُ م فَ َ سييل ِ ٌ م ْ ل إ ِّني ُ قا َ ن ،فَ َ مي َ سل ِ ِ م ْ ن ال ْ ُ م ْ ل ِ ج ٌ ل ع َل َي ْهِ َر ُ م َ ح َ ماِء فَ َ ال ْ َ
مييد َ ح ِ طيًبا فَ َ خ ِ ل الل ّهِ َ r سو ُ م َر ُ ك فَ َ
قا َ ي rب ِذ َل ِ َ خب َُروا الن ّب ِ ّ موا أ َ ْ ما قَد ِ ُ فَل َ ّ
َ َ
ل جي َ ل الّر ُ قت ُي ُ سل ِم ِ ي َ ْ م ْ ل ال ْ ُ ما َبا ُ ما ب َعْد ُ فَ َ ل":أ ّ م َقا َ ه وَأث َْنى ع َل َي ْهِ ث ُ ّ الل ّ َ
ف ص يَر َ ذا .فَ َ مت َعَيوّ ً ما َقال َهَييا ُ ل :إ ِن ّ َ ج ُ ل الّر ُ قا َ م" فَ َ سل ِ ٌ م ْ ل إ ِّني ُ قو ُ وَهُوَ ي َ ُ
َ
ن مي ْ ي َ ه ع َل َي ّ ل " :أَبى الل ّي ُ قا َ مَنى فَ َ مد ّ ي َد َه ُ ال ْي ُ ْ ه وَ َ جه َ ُ ل الل ّهِ rوَ ْ سو ُ َر ُ
ت ..4
مّرا ٍ ث َ ما "ث ََل َ سل ِ ً م ْ ل ُ قَت َ َ
و"مثل هذه القوال وهذه الفعال ترينا في محمد] [rأخا النسانية
الرحيم ،أخانا جميعا ً الرؤوف الشفيق ،وابن أمنا الولى وأبينا
الول". 5
104
الفصل الثالث
رحمته للعالمين في مجال الخلق
المبحث الول :الرفق واللين
المبحث الثاني :العفو
المبحث الثالث :العدالة والمساواة
المبحث الرابع :الحب والخاء
المبحث الخامس :السماحة في المعاملت المالية
105
المبحث الول
الرفق واللين واللطف
المطلب الول :طريق محمد ..طريق الرفق :
ماهي طريقة محمد في دعوة الناس إلى منهج الله القويم ؟
يجيب عن هذا السؤال توماس أرنولد ،ويقول :
" قد جاءهم محمد ][من طريق الرفق"! 1
أما لويس سيديو ،فيفصل في الجابة ،ويقول :
دون سؤاله ،فيسحر "كان] [يستقبل بلطف ورفق جميع من يو ّ
كلماءه بما يعلو وجهه الرزين الزاهر من البشاشة ،وكان ل يضج
م ما يقول على من طول الحديث ،وكان ل يتكلم إل قليل ً فل ين ّ
كبرياء أو استعلء ،وكان يوحي في كل مرة باحترام القوم له..
".2
ويقول " برتلي سانت هيلر "" :كان محمد ][أزكى العرب في
عهده وأكثرهم تقوى ودينًا ،وأرحبهم صدرا ً ،وأرفقهم
بأعدائه".. 3
ما
ولهذا قال هنري دي كاستري " :هكذا جذب السلم قس ً
ما من العالم ...بما اشتمل عليه من الترفق بطبيعة البشر عظي ً
حيث أتاح للناس شيًئا مما يشتهون !" .. 4فهو دين واقعي،
يتعامل مع حاجات النسان بفهم ورفق ،أو بعبارة كويليام ":ليس
106
بين الديان أقرب للفهم من الدين السلمي للذين يفقهونه ،كما
1
أنه ليس بينها أثبت ول أرفق منه".
ويقول "هربرت جورج ولز"" :هذا اللحاح على الرفق والرعاية
في الحياة اليومية إنما هو واحد من فضائل السلم الكبرى بيد
أنه ليس الفضيلة الوحيدة فيه" ،.2ول زال الغرب يتعلم أخلق
الرفق من السلم ونبي السلم ،كما يقول "ريشار وود" حتى
صار النصارى يتعلمون من الدولة السلمية ،و"ما يرمي إليه
ض على الرفق واللين"!.. 3 الدين ] السلمي [ من الح ّ
ومن ثم يدعو "سوسة" 4أتباع موسى وعيسى ]عليهما السلم[ "
أن يراجعوا التاريخ السلمي ليقفوا على ما يأمر به السلم
بشأن الرفق بالطفال والنساء والشيوخ وغير المقاتلين بصورة
عامة .ويثبت لنا التاريخ ...أن المسلمين ساروا وفق شريعتهم
القاضية بوجوب عدم مس الطفال والنساء والشيوخ ،بكل أمانة
وحرص حتى في الظروف التي كان فيها العدو المقابل يقتل
الطفال والنساء وغير المحاربين من المسلمين"..5
المطلب الثاني :حثه على الرفق :
أول ً :الرفق يحبه الله :
ي : ج الن ّب ِ ّ ة َزوْ ِ ش َ عائ ِ َ ن َ عَ ْ
ّ ّ َ
ق،ب الّرفْ َ ح ّ ه َرِفيقٌ ي ُ ِ ن الل َ ة إِ ّش ُ عائ ِ َ لَ " :يا َ ل اللهِ َ قا َ سو َ ن َر ُ أ ّ
ما طي ع ََلى َ ما َل ي ُعْ ِ ف وَ َ طي ع ََلى ال ْعُن ْ ِ ما َل ي ُعْ ِق َ طي 6ع َلى الّرفْ ِ
َ وَي ُعْ ِ
ه" وا ُ س َ ِ
ي قال: ن أن الن ّب ِ ّ دا َ معْ َ ن َ خال ِد ِ ب ْ ِ ن َ و عَ ْ
ن ع َل َي ْ ِ
ه ه ،وَي ُِعي ُضى ب ِ ِ ب الّرفْقَ وَي َْر َ ح ّ ك وَت ََعاَلى َرِفيقٌ ي ُ ِ ه ت ََباَر َ ن الل ّ َ "إ ِ ّ
7
ف. "... ن ع ََلى ال ْعُن ْ ِ ما َل ي ُِعي ُ َ
ثانًيا :الرفق جمال وذوق:
ة:ش َ عائ ِ َ ن َ عَ ْ
ه وََل ي ُن َْزعُ
يٍء إ ِّل َزان َ ُ ن ِفي َ
ش ْ كو ُن الّرفْقَ َل ي َ ُ ل " :إ ِ ّ ي َ قا َ أن الن ّب ِ ّ
ه" .. 8
شان َ ُ ّ
يٍء إ ِل َ ش ْ ن َ م ْ ِ
ثالًثا :الرفق يجلب الخير:
ر:ري ٍ ج ِ ن َ و عَ ْ
1عبد ال كويليام :العقيدة والشريعة في السلم ،ص 62
2هربرت جورج ولز :معالم تاريخ النسانية ،ص . 642 / 3
3ريشار وود :السلم والصلح ،ص . 21
4أحمد سوسة :كاتب عراقي ،كان يهوديًا ،ومن مؤلفاته" :مفصل العرب واليهود في التاريخ " و في طريقي
إلى السلم " الذي تحدث فيه عن سيرة حياته وكيف أسلم .
5أحمد سوسة :في طريقي إلى السلم 94 / 1 ،
6صحيح -رواه مسلم ،باب الرفق ،برقم 469
7صحيح -موطأ مالك ،برقم ، 1551وصححه اللباني في صحيح وضعيف الجامع الصغير ،رقم 2651
8صحيح -رواه مسلم ،باب الرفق ،برقم 4698
107
خي َْر !". 1 م ال ْ َ حَر ْ م الّرفْقَ ي ُ ْ حَر ْ ن يُ ْ م ْ لَ ": ي َ قا َ ن الن ّب ِ ّ عَ ْ
المطلب الثالث :من نماذج رفقه:
ل :الرفق بالمتعلمين: أو ً
ك: عَ َ
مال ِ ٍ ن َ س بْ ِ ن َأن َ ِ ْ
قا َ
ل موا إ ِلي ْهِ ) ليضربوه ( ،فَ َ َ جد ِ ف َ َ ْ ن أع َْراب ِّيا َبا َ َ
قا ُ س ِ م ْ ل ِفي ال َ أ ّ
ل الل ّهِ : سو ُ َر ُ
موه ُ !" "َل ت ُْزرِ ُ
ه. 2 ب ع َل َي ْ ِ ص ّ ماٍء فَ ُ ن َ م ْ عا ب ِد َل ْوٍ ِ م دَ َ ثُ ّ
ثانيًا :الرفق بالسفهاء :
ت: ه ع َن َْها َقال َ ْ ي الل ّ ُ ض َ ة َر ِ ش َ عائ ِ َ عن َ
م ع َل َي ْك ُ ْ قاُلوا :ال ّ ل الل ّهِ . فَ َ ن ال ْي َُهود ِ ع ََلى َر ُ ل َرهْ ٌ خ َ
3
م سا ُ سو ِ م ْ ط ِ دَ َ
ة. م َوالل ّعْن َ ُ سا ُ م ال ّ ت :وَع َل َي ْك ُ ْ قل ْ ُ مت َُها .فَ ُ فه ِ ْ ة :فَ َ ش ُ عائ ِ َ ت َ َ .قال َ ْ
ب الّرفْ َ
ق ح ّ ه يُ ِ ن الل ّ َ ة ! ! إِ ّ ش ُ عائ ِ َمهًْل َيا َ ل الل ّهِ َ " : سو ُ ل َر ُ قا َ فَ َ
مرِ ك ُل ّ ِ َ
ه". ِفي اْل ْ
ما َقاُلوا ؟ َ
معْ َ س َ م تَ ْ ل الل ّهِ أوَل َ ْ سو َ ت َ :يا َر ُ قل ْ ُ فَ ُ
م".. 4 ت :وَع َل َي ْك ُ ْ ل الل ّهِ " : قَد ْ قُل ْ ُ سو ُ ل َر ُ قا َ ف َ
ما إذا سابه أحد أو شاتمه.. وهذا وهو خلق رسول الله دو ً
ثالًثا :الرفق بالعصاة :
ل:ة َقا َ م َ ُ عَ َ
ما َ ن أِبي أ َ ْ
ل َ :يا قا َ م -فَ َ ّ َ ّ ّ َ ن فًَتى َ
سل َ ه ع َلي ْهِ وَ َ صلى الل ُ يَ - شاّبا أَتى الن ّب ِ ّ إِ ّ
هَ ،قاُلوا : َ
جُرو ُ م ع َل َي ْهِ فََز َ قو ْ ُ ل ال ْ َن ِلي ِبالّزَنا !! فَأقْب َ َ ل الل ّهِ ائ ْذ َ ْ سو َ َر ُ
ه !!! م ْ ه َ م ْ َ
ه " .. م " :-اد ْن ُ ْ سل َ ّ ه ع َلي ْهِ وَ َ َ ّ
صلى الل ُ ّ يَ - ل الن ّب ِ ّ قا َ فَ َ
س جل َ َ ريًبا ..فَ َ ِ ه قَ من ْ ُ فَد ََنا ِ
حب ّ ُ َ
ك؟" م َ ه ِل ّ م " : -أت ُ ِ ُ سل ّ َ ه ع َل َي ْهِ وَ َ صّلى الل ّ ُ يَ - ل الن ّب ِ ّ َقا َ
ك! داَء َ ه فِ َ جعَل َِني الل ّ ُ لَ :ل َوالل ّهِ َ َقا َ
ُ
م". مَهات ِهِ ْ ه ِل ّ حّبون َ ُ س يُ ِ ل " :وََل الّنا ُ َقا َ
ك؟" ه ِلب ْن َت ِ َ حب ّ ُ "أ َفَت ُ ِ
كداَء َ ه فِ َ جعَل َِني الل ّ ُ ل الل ّهِ َ سو َ ل َ :ل َوالل ّهِ َيا َر ُ َقا َ
م ه ل ِب ََنات ِهِ ْ حّبون َ ُ س يُ ِ ل" :وََل الّنا ُ َقا َ
ك؟" خت ِ َ ه ِل ُ ْ حب ّ ُ " أ َفَت ُ ِ
ك .. داَء َ ه فِ َ جعَل َِني الل ّ ُ لَ :ل َوالل ّهِ َ َقا َ
َ
م" وات ِهِ ْ خ َ ه ِل َ حّبون َ ُ س يُ ِ ل " :وََل الّنا ُ َقا َ
108
ك؟" مت ِ َ ه ل ِعَ ّ حب ّ ُ " أ َفَت ُ ِ
داَء َ
ك ه فِ َ جعَل َِني الل ّ ُ لَ :ل َوالل ّهِ َ َقا َ
م" مات ِهِ ْ ه ل ِعَ ّ حّبون َ ُ س يُ ِ ل ":وََل الّنا ُ َقا َ
ك؟". خال َت ِ َ ه لِ َ حب ّ ُ "أ َفَت ُ ِ
ك. داَء َ ه فِ َ جعَل َِني الل ّ ُ ل َ :ل َوالل ّهِ َ َقا َ
م" . خاَلت ِهِ ْ ه لِ َ حّبون َ ُ س يُ ِ ل " :وََل الّنا ُ َقا َ
ل : ه ،وََقا َ ضعَ ي َد َه ُ ع َل َي ْ ِ فَوَ َ
ه" .. ج ُ ن فَْر َ ص ْ ح ّ ه وَ َ ه وَط َهّْر قَل ْب َ ُ فْر ذ َن ْب َ ُ م اغ ْ ِ "الل ّهُ ّ
يٍء.1 ش ْ ت إ َِلى َ ف ُ فَتى ي َل ْت َ ِ ك ال ْ َ ن ب َعْد ُ ذ َل ِ َ م ي َك ُ ْ فَل َ ْ
عا :الرفق بالشعب والرعية : راب ً
ل: ة َقا َ س َ ما َ ش َ ن ِ ن بْ ِ م ِ ح َ ن ع َب ْد ِ الّر ْ ْ ة عَ مل َ ُ حْر َ عن َ
َ َ َ
يٍء .. ش ْ ن َ سأل َُها ع َ ْ ة ،أ ْ ش َ عائ ِ َ ت َ أت َي ْ ُ
قال َت :مم َ
ت؟ ن أن ْ َ فَ َ ْ ِ ّ ْ
َ
صَر م ْ ل ِ ن أهْ ِ م ْ ل ِ ج ٌ ت َر ُ قل ْ ُ فَ ُ
م هَذ ِهِ م ِفي غ ََزات ِك ُ ْ م ل َك ُ ْ حب ُك ُ ْ صا ِ ن َ كا َ ف َ ت :ك َي ْ َ قال َ ْ فَ َ
مّنا ال ْب َِعيُر ل ِ ج ِ ت ِللّر ُ مو ُ ن ل َي َ ُ كا َ ن َ شي ًْئا إ ِ ْ ه َ من ْ ُ مَنا ِ ق ْ ما ن َ َ لَ : قا َ فَ َ
ه
طي ِ قةِ فَي ُعْ ِ ف َ ج إ َِلى الن ّ َ حَتا ُ د ،وَي َ ْ طيهِ ال ْعَب ْ َ طيهِ ال ْب َِعيَر َوال ْعَب ْد ُ فَي ُعْ ِ فَي ُعْ ِ
ة .. ق َ ف َ الن ّ َ
َ َ
كرٍ- ن أِبي ب َ ْ مد ِ ب ْ ِ ح ّ م َ ل ِ -في ُ ذي فَعَ َ من َعُِني ال ّ ِ ه َل ي َ ْ ما إ ِن ّ ُ ت :أ َ قال َ ْ فَ َ
ُ َ أَ ِ
ه ع َل َي ْ ِ
ه صّلى الل ّ ُ ل الل ّهِ َ - سو ِ ن َر ُ م ْ ت ِ معْ ُ س ِ ما َ ك َ خب َِر َ نأ ْ خي أ ْ
ل ِفي ب َي ِْتي : قو ُ م -يَ ُ سل ّ َ وَ َ
ُ َ
ق، ق ْ ش ُ م َفا ْ شقّ ع َل َي ْهِ ْ شي ًْئا فَ َ مِتي َ مرِ أ ّ نأ ْ م ْ ي ِ ن وَل ِ َ م ْ م َ ذا الل ّهُ ّ "هَ َ
ُ َ
م َفاْرفُقْ ب ِهِ " . شي ًْئا فََرفَقَ ب ِهِ ْ مِتي َ ع َل َي ْهِ وَ َ
2
مرِ أ ّ نأ ْ م ْ ي ِ ن وَل ِ َ م ْ
سا :الرفق بالمستفتي وصاحب المسألة : خام ً
ل ي َقا َ ض ّ خرٍ ال ْب ََيا ِ ص ْ ن َ ِ ة بْ م َ سل َ َ ن َ عَ ْ
جًل َ َ َ ً
ما
ك َ ن ذ َل ِ َ م ْ ب ِ صي ُ ن يُ ِ كا َ ساِء َل أَرى َر ُ ن الن ّ َ م ْ ست َك ْث ُِر ِ مَرأ أ ْ تا ْ ك ُن ْ ُ
ظاهَرت من ا َ ُ
خسل ِ َ حّتى ي َن ْ َ مَرأِتي َ ن َ ْ ُ ِ ْ ْ ضا ُ م َ ل َر َ خ َ ما د َ َ ب! فَل َ ّ صي ُ أ ِ
يٌء ، ش ْ من َْها َ ف ِلي ِ ش َ ت ل َي ْل َةٍ ان ْك َ َ ذا َ حد ّث ُِني َ ي تُ َ ما ه ِ َ ن ،فَب َي ْن َ َ ضا ُ م َ َر َ
َ
مي ت ع ََلى قَوْ ِ ت غ َد َوْ ُ ح ُ صب َ ْ ما أ ْ واقَعْت َُها ،فَل َ ّ ت ع َل َي َْها فَ َ فَوَث َب ْ ُ
َ
صّلى الل ّ ُ
ه ل الل ّهِ َ - سو َ سُلوا ِلي َر ُ مَ : ت ل َهُ ْ ري ،وَقُل ْ ُ خب َ ِ م َ خب َْرت ُهُ ْ فَأ ْ
م!!- سل ّ َ ع َل َي ْهِ وَ َ
ن
كو َ ل ِفيَنا ك َِتاًبا أ َوْ ي َ ُ ج ّ ه ع َّز وَ َ ل الل ّ ُ ذا ي ُن ْزِ َ ل إِ ً فعَ ُ ما ك ُّنا ن َ ْ قاُلوا َ : فَ َ
قى ع َل َي َْنا ل فَي َب ْ َ م -قَوْ ٌ سل ّ َ ه ع َل َي ْهِ وَ َ صّلى الل ّ ُ هَ - ل الل ّ ِ سو ِ ن َر ُ م ْ ِفيَنا ِ
1
صحيح -رواه أحمد (21185) -وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ،وعزاه إلى الطبراني وقال:
رجاله رجال الصحيح ،1/129وانظر :سلسلة الحاديث الصحيحة لللباني ،برقم . 370
2صحيح – رواه مسلم -كتاب الجهاد ،باب فضيلة المام العادل ،وعقوبة الجائر والحث على الرفق بالرعية
والنهي عن إدخال المشقة عليهم ،برقم )(3407
109
شأ ْن َ َ
ك ت َفاذ ْك ُْر َ ب أن ْ َ
َ
ك ،اذ ْهَ ْ ريَرت ِ َ ج ِ ك لِ َ م َ سل ّ ُ ف نُ َ سو ْ َ ن َ ه ،وَل َك ِ ْ عاُر ُ َ
م ..- سل ّ َ ه ع َل َي ْهِ وَ َ صّلى الل ّ ُ َ ل الل ّهِ - سو ِ ل َِر ُ
َ
خب ََر . ه ال ْ َ خب َْرت ُ ُ ه فَأ ْ جئ ْت ُ ُ حّتى ِ ت َ ج ُ خَر ْ ل :فَ َ َقا َ
َ
ك؟" ذا َ ت بِ َ م " : -أن ْ َ سل ّ َ ه ع َل َي ْهِ وَ َ صّلى الل ّ ُ ل الل ّهِ َ - سو ُ ل َر ُ قا َ فَ َ
َ َ
ي. حك ْم ِ الل ّهِ ع َل َ ّ صاب ٌِر ل ِ ُ ل الل ّهِ َ سو َ ها أَنا َيا َر ُ ك ،وَ َ ذا َ ت :أَنا ب ِ َ
َ
قل ْ ُ فَ ُ
ة" . ل " :فَأع ْت ِقْ َرقَب َ ً َقا َ
ك إ ِّل َرقَب َِتي هَذ ِهِ ! َ َ
مل ِ ُ تأ ْ ح ُ صب َ ْ ما أ ْ حقّ َ ك ِبال ْ َ ذي ب َعَث َ َ ت َ :وال ّ ِ قُل ْ ُ
ن" . مت ََتاب ِعَي ْ ِ ن ُ شهَْري ْ ِ م َ ص ْ ل " :فَ ُ َقا َ
ن ال ْب ََلِء إ ِّل م ْ ل ِ خ َ ما د َ َ ي َ ل ع َل َ ّ خ َ ل دَ َ ل الل ّهِ وَهَ ْ سو َ تَ :يا َر ُ قُل ْ ُ
صوْم ِ ! ِبال ّ
َ َ
كيًنا " . س ِ م ْ ن ِ سّتي َ م ِ صد ّقْ أوْ أط ْعِ ْ ل " :فَت َ َ َقا َ
شاٌء !! ما ل ََنا ع َ َ قد ْ ب ِت َْنا ل َي ْل َت ََنا هَذ ِهِ َ حقّ ل َ َ ك ِبال ْ َ ذي ب َعَث َ َ ت َ :وال ّ ِ قُل ْ ُ
ه فَل ْي َد ْفَعَْها ل لَ ُ ق ْ ق ،فَ ُ صد َقَةِ ب َِني ُزَري ْ ٍ ب َ ح ِ صا ِ ب إ َِلى َ ل َ " :فاذ ْهَ ْ َقا َ
َ
قي ّت َِها !!!" . فعْ ب ِب َ ِ كيًنا َوان ْت َ ِ س ِ م ْ ن ِ سّتي َ م ِ ك ،وَأط ْعِ ْ إ ِل َي ْ َ
ت: قل ْ ُ مي فَ ُ ت إ َِلى قَوْ ِ جعْ ُ فََر َ
ْ
صّلى الل ّ ُ
ه يَ - عن ْد َ الن ّب ِ ّ ت ِ جد ْ ُ ي وَوَ َ سوَء الّر ْأ ِ ضيقَ وَ ُ م ال ّ عن ْد َك ُ ْ ت ِ جد ْ ُ وَ َ
َ
م! صد َقَت ِك ُ ْ مَر ِلي ب ِ َ ي ،وَقَد ْ أ َ ن الّرأ ِ س َ ح ْ ة وَ ُ سعَ َ م -ال ّ سل ّ َ ع َل َي ْهِ وَ َ
ها ِلي. 1 قال َ :فاد ْفَُعو َ
سا :الرفق بالحيوانات : ساد ً
نهى النبي عن تعذيب الحيوانات والطيور وكل شيء فيه
ماًنا أ َوْ فِت َْياًنا نصبوا أمامهم مّر أنس بن مالك فََرأى ِغل ْ َ
َ
روح ،فقد َ
س: َ قا َ دجاجة ،وجعلوها هدًفا لهم ،وأخذوا يرمونها بالحجارة فَ َ
ل أن َ ٌ
َ
صب ََر ال ْب ََهائ ِ ُ يأ ْ
2
م". ن تُ ْ " ن ََهى الن ّب ِ ّ
أي تحبس أوتعذب أوتقيد أوترمي حتى الموت.
ما: ه ع َن ْهُ َ ي الل ّ ُ ض َ مَر َر ِ ن عُ َ ن اب ْ ِ وع َ ْ
حَيى؛ َراب ِ ٌ َ
ة
ج ً جا َ ط دَ َ ن ب َِني ي َ ْ م ْ م ِ سِعيد ٍ وَغ َُل ٌ ن َ ِ حَيى ب ْ ل ع ََلى ي َ ْ خ َ ه دَ َ أن ّ ُ
ه
معَ ُ ل ب َِها وَِبال ْغَُلم ِ َ م أ َقْب َ َ حل َّها ث ُ ّ حّتى َ مَر َ ن عُ َ شى إ ِل َي َْها اب ْ ُ م َ ميَها ،فَ َ ي َْر ِ
ْ ّ َ َ
ل فَإ ِّني قت ْ ِ ذا الطي َْر ل ِل َ صب َِر هَ َ ن يَ ْ نأ ْ م عَ ْ مك ُ ْ جُروا غ ُل َ ل :اْز ُ قا َ فَ َ
ها ل ِل ْ َ ة أوْ غ َي ُْر َ َ َ
3
ل. ". قت ْ ِ م ٌ صب ََر ب َِهي َ ن تُ ْ ي ن ََهى أ ْ ت الن ّب ِ ّ معْ ُ س ِ َ
ل هَ َ ن فَعَ َ ي ل َعَ َ
4
ذا" . م ْ ن َ ن الن ّب ِ ّ وقال" إ ّ
110
وقال " :إن رسول الله لعن من اتخذ شيًئا فيه الروح
1
ضا ".. غر ً
أي :هدًفا ُيتدرب عليه ونحو ذلك .
مَر َقا َ
ل: ن عُ َ ن اب ْ ِ و عَ ْ
2
ن" . وا ِحي َ َل ِبال ْ َ
مث ّ َن َ م ْ ه َ ن الل ّ ُ ل " :ل َعَ َ قو ُل الل ّهِ ي َ ُ سو َ ت َر ُ معْ ُ س ِ َ
وفيه دللة على حرمة إيذاء الحيوان حًيا أو ميًتا ،أل لضرورة أو
منفعة .
وقد بين النبي أن الله سبحانه قد غفر لرجل؛ لنه سقى كلًبا
كاد يموت من العطش .
فّبين " أن رجل ً رأى كلًبا يأكل الثرى من العطش ،فأخذ الرجل
خفه فجعل يغرف له به حتى أرواه فشكر الله له ،فأدخله
الجنة .3".
بينما دخلت امرأة النار؛ لنها حبست قطة ،فلم تطعمها ولم
قَها حتى ماتت ! س ِ تَ ْ
عا،عذبت امرأة في هرة ،حبستها حتى ماتت جو ً فقال ُ " :
4
فدخلت فيها النار " .
ومن الرفق بالحيوان ذبحه بسكين حاد حتى ل يتعذب ،يقول
النبي :
ةَ ْ َ ْ َ ْ
قت ْل َسُنوا ال ِ ح ِ م فَأ ْذا قَت َلت ُ ْ يٍء فَإ ِ َ ْ شل َ ن ع َلى ك ُ ّ سا َ
ح َب ال ِ ْ ه ك َت َ َ ن الل ّ َ "إ ِ ّ
َ
حد ّح.وَل ْي ُ ِ سُنوا الذ ّب ْ َ ح ِ م فَأ ْ ذا ذ َب َ ْ
حت ُ ْ ]أي :في الحروب والمعارك[ ،وَإ ِ َ
َ
ه ]السكينة التي يذبح بها الطير ونحوه[وَل ْي ُرِ ْ
ح فَرت َ ُ ش ْ م َ حد ُك ُ ْ أ َ
ه".5 حت َ ُذ َِبي َ
ويروي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
جاء بعير يشتد حتى سجد لرسول الله ،ثم قام بين يديه،
فذرفت عيناه ،فقال رسول الله " : من صاحب هذا البعير؟"
قالوا :فلن .فقال "ادعوه ،فأتوا به" ،فقال له رسول الله
"يشكوك" فقال :يا رسول الله ،هذا البعير كنا نسنو 6عليه منذ
عشرين سنة ،ثم أردنا نحره.
فقال رسول الله " :شكا ذلك ،بئسما جازيتموه ،استعملتموه
عشرين سنة حتى إذا أرق عظمه ،ورق جلده أردتم نحره بعينه"
1صحيح – رواه مسلم ،باب النهي عن صبر البهائم ،برقم 3617
2سنن النسائي ،4366وصححه اللباني في صحيح وضعيف سنن النسائي.
3صحيح – رواه البخاري ) ،( 75/ 1باب الماء الذي يغسل به شعر النسان ،برقم 171
4صحيح – رواه البخاري ) ،( 834 / 2حديث رقم ،2236وأخرجه مسلم في السلم ،باب تحريم قتل الهرة .
وفي البر والصلة والداب باب تحريم تعذيب الهرة ونحوها ،رقم 2242
شْفَرِة ،رقم 3615
حِديِد ال ّ
ل َوَت ْ
ح َواْلَقْت ِ
ن الّذْب ِ
سا ِ
حَلْمِر ِبِإ ْ
ن َأْوسَ ،باب ا َْ 5صحيح – رواه مسلم ،عن َ
شّداد ْب ِ
6أي نستقي
111
قال :بل هو لك يا رسول الله .فأمر به رسول الله فوجه نحو
الظهر ،أي البل . 1
و عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه قال كنا مع رسول الله
في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حمرة معها فرخان فأخذنا
فرخيها فجاءت الحمرة فجعلت تفرش ،فجاء النبي فقال:
" من فجع هذه بولدها ؟ ردوا ولدها إليها ! "
ورأى قرية نمل قد حرقناها فقال :
"من حرق هذه ؟ "
قلنا :نحن ..
2
قال " :إنه ل ينبغي أن يعذب بالنار إل رب النار" .
المبحث الثاني
العفو
العفو ترك المؤاخذه بالذنب ،3وقد ضرب النبي المثل العلى
في الصفح عن محاربيه ومعانديه ومن له عليهم قصاص .وذلك
من تجليات رحمته .
المطلب الول :النبي العفو
يذكر مارسيل بوازار عفو محمد فيقول:
" وبالرغم من قتاليته ومنافحته ،فقد كان يعفو عند المقدرة
". 4
ويتناول الكاتب الهندي "مولنا محمييد علييي" 5مظهيير العفييو فييي
أخلق الرسول ،كمظهر مين مظياهر رحمية محميد للبشير ،
بشيىء من التفصيل والتدليل ويقول :
"وكان العفو جوهرة أخرى بالغة الشييعاع فييي شخصييية الرسييول
.لقد وجدت فيه تجسدها الكامل .ولقد أوصاه القرأن الكريييم
بيأن يأخذ بالعفو ويأمر بالمعروف ويعرض عن الجاهلين .
ولقد جاءه تفسير ذلك من لدنه تعالى .على هذا النحو ) :صل
من قطعك ،وأعط من حرمك ،واغفر لمن أساء إليك ( ...لقد
عاش ] [وفقها حتى في أحرج المواقف .وفي معركة أحد
جرح وسقط على الرض ، ] شوال 3هي/إبريل 624م[ ،عندما ُ
1حسن – رواه الطبراني في الوسط ) ، (11245والهيثمي :مجمع الزوائد )9/9 (14166؛ السيوطي :
الخصائص الكبرى ، 2/95ورى أحمد بمثله عن عائشة بإسناد جيد .وقال الهيثمي :ورواه البزار بنحوه وفي
إسناد الوسط زمعة بن صالح وقد وثق على ضعفه وبقية رجاله حديثهم حسن وأسانيد الطريقين ضعيفة
2سنن أبي داود ) ،( 2675وصححه اللباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود
3أحمد عبد الرحمن إبراهيم :الفضائل الخلقية في السلم180 ،
4مارسيل بوزار :انسانية السلم ،ص .46
5زعيم هندي كبير ،معروف بنشاطه في خدمة السلم ،وصاحب ترجمة معروفة لمعاني القرآن إلى النجليزية
ومن مؤلفاته " الدين السلمي " ،و" حياة محمد و رسالته" و" ساعات حاسمة في حياة الرسول".
112
سأله أحد الصحابة أن يستنزل اللعنة على العدو ،فأجاب ) :أنا
لم أُبعث لعانا ً للعالمين ،ولكن بعثت هادًيا ورحمة . .اللهم اهد
قومي فإنهم ل يعلمون !( .وذات مرة جذبه بدوي طارحا ً دثاره
حول عنقه ،وحين سئل الرسول لم ِ ليم يعامله بالمثل أجاب
قائل ً :إنه ل يرد على الشر بالشر أبدا ً ..1".
ويقول " :إن تاريخ العالم ليعجز عن تزويدنا بنظير لهذا الصفح
الكريم الذي أغدقه الرسول ] [على أمثال أولئك المجرمين
الكبار .إن الضرب على وتر المواعظ الداعية إلى الصفح
والغفران ل يكلف المرء شيئا ً كثيرا ً ،ولكن عفو المرء عن
معذبيه ليحتاج إلى قدر من الشهامة عظيم ،و بخاصة حين يكون
أولئك المِعذبون تحت رحمته".2
ن وجدناه أحسن الناس عفوًا ،وألطفهم عشرة ،يعفو ول غرو أ ْ
عن المسيء ،ويصفح عن المخطئ حتى وصفه الخالق سبحانه
م زيٌز ع َل َي ْهِ َ
ما ع َن ِت ّ ْ م عَ ِ سك ُ ْف ِ ن َأن ُم ْل ّسو ٌ م َر ُجاءك ُ ْ قد ْ َ وتعالى :ل َ َ
م [ ]التوبة .[128 : حي ٌف ّر ِؤو ٌ ن َر ُمِني َ مؤ ْ ِكم ِبال ْ ُ ص ع َل َي ْ ُ
ري ٌح ِ
َ
فقد أمره الله تعالى بانتهاج نهج العفو في دعوته ..قال الله
ن سِني َ ح ِ ب ال ْ ُ
م ْ ح ّ ن الل ّ َ
ه يُ ِ ح إِ ّف ْ
ص َم َوا ْ ف ع َن ْهُ ْ تعالى َ :فاع ْ ُ
]المائدة . [13 :
المطلب الثاني :نماذج عفوه :
ل :عفوه عن مشركي مكة عام الفتح) رمضان 8هـ/ أو ً
يناير 630م (:
يضرب الكاتب الهندي " مولنا محمد علي" ،مثال ً بعفو النبي
عن مشركي مكة بعدما فعلوا به ما فعلوه ..فيقول:
"والمكيون الذين أخضعوه وأصحابه ،دائما ً وأبدا ً ،لشد التعذيب
بربرية؛ منحهم عفوا ً عامًا"!3
ويقول " اللورد هيدلي" ،معقبا ً على عفو النبي في فتح
مكة:
"عفا بل قيد ول شرط عن كل هؤلء الذين اضطهدوه وعذبوه !
آوى إليه كل الذين كانوا قد نفوه من مكة ! وأغنى فقراءهم،
وعفا عن ألد أعدائه ؛ عندما كانت حياتهم في قبضة يده وتحت
رحمته..4"!...
يقول "كولن" :
113
"تأملوا معي كيف أنهم أخرجوه هو ومن يقف معه من بيوتهم
إلى منطقة صحراوية معلنين عليهم المقاطعة ،ومعلقين بنود
هذه المقاطعة الشريرة على جدار الكعبة ،وكانت تقضي بعدم
التعامل معهم بيًعا وشراء وعدم التزوج من بناتهم أو تزويج
بناتهم لهم.
وقد دامت هذه المقاطعة ثلث سنوات بحيث اضطروا إلى أكل
العشب والجذور وأوراق الشجار ،حتى هلك منهم الطفال
والشيوخ من الجوع دون أن تهتز منهم شعرة ،أو تتحرك عندهم
عاطفة رحمة .ولم يكتفوا بهذا ،بل اضطروهم لترك بيوتهم
وأوطانهم والهجرة إلى أماكن أخرى بعيدة .ولم يدعوهم في
راحة هناك فبدسائسهم المختلفة سلبوا منهم طعم الراحة
والطمئنان.
وفي غزوات بدر وُأحد والخندق اشتبكوا معهم في معارك
ضارية ،وحرموهم حتى من أبسط حقوقهم كزيارة الكعبة،
وأرجعوهم إلى ديارهم بعد إبرام معاهدة ذات شروط قاسية.
ولكن الله تعالى أنعم عليهم ففتحوا مكة ودخلها رسول الله
صلى الله عليه وسلم على رأس جيش عظيم.
فكيف كانت معاملته لهل مكة بعد كل هذا التاريخ المملوء
1
ضا؟ لقد قال لهم" :اذهبوا فأنتم الط َُلقاء" " ..
عداوة وبغ ً
ولو كان محمد من ملوك الدنيا لسالت دماء أهل مكة ولكنه
قابله صنيعهم بالعفو فما كان منهم إل أن دخلوا في دين الله
أفواجا ..
ثانًيا :عفوه عن أهل الكتاب :
يقول "مولنا محمد علي" :
ً
"ولقد أسبغ عفوه على أتباع الديان جميعا -يهود ،ونصارى ،
2
ووثنيين ،وغيرهم -إنه لم يقصر إحسانه على أتباع دينه فحسب"
..
ومثال ذلك عفوه عن قبيلة بني قينقاع اليهودية الذين ناصبوه
العداوة ،وقد كان في استطاعته أن يفنيهم عن بكرة أبيهم في
معركته معهم ،في 15شوال سنة 2هي 9/إبريل .624رغم ما
صدر منهم من جريمة نكراء ،قد تواطئوا فيها على كشف عورة
سيدة مسلمة في مكان عام .وتواطئهم في قتل رجل مسلم،
دافع عن عرض السيدة المسلمة وحاول رد العدوان ..
1محمد فتح ال كولن :النور الخالد محمد صلى ال عليه وسلم مفخرة النسانية 2/100 ،
2مولنا محمد علي :حياة محمد و رسالته ،ص .270-269
114
ومثال آخر ،عفوه عن قبيلة بني النضير اليهودية ،بعد أن خططوا
لعملية اغتيال فاشلة للنبي ، وقد كان باستطاعته أن ينفذ
فيهم حكم العدام في من شرعوا في محاولة اغتياله كما هو
الحال في العراف والدبيات الدولية ،وقد كانوا جميًعا تحت
رحمته بعد هزيمتهم في معركتهم ضد المسلمين )في ربيع
الول سنة 4هي /أغسطس 625م( ،ولكنه – صلوات الله وسلامه
ما لهم ،مقابل أن يرحلوا خارج حدود وا عا ً
عليه – أصدر عف ً
الدولة.
115
النبي حتى كان كالصرف .ثم قال" :فمن يعدل إن لم يعدل
الله ورسوله؟!" ثم قال" :يرحم الله موسى؛ قد أوذي بأكثر من
هذا فصبر". 1
-3العرابي الذي قابل إحسان النبي بالساءة :
عن أبي هريرة ،أن أعرابيا ،جاء إلى النبي -صلى الله عليه
وسلم -يستعينه في شيء ،فأعطاه شيئا ،ثم قال ":أحسنت
إليك ؟ "
فقال العرابي :ل ،ول أجملت !
قال :فغضب المسلمون ،وقاموا إليه ،فأشار إليهم أن كفوا .
ثم قام النبي -صلى الله عليه وسلم -فدخل منزله ،ثم أرسل
إلى العرابي ،فدعاه إلى البيت ،فقال " :إنك جئتنا فسألتنا ،
فأعطيناك ،فقلت :ما قلته" ،فزاده رسول الله صلى الله عليه
وسلم شيئا ،ثم قال ":أحسنت إليك ؟ " !
قال العرابي :نعم ،فجزاك الله من أهل وعشيرة خيًرا ..
فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم ": -إنك كنت جئتنا
فسألتنا ،فأعطيناك ،وقلت ما قلت ،وفى أنفس أصحابي شيء
من ذلك ،فإن أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي ،حتى
تذهب من صدورهم ما فيها عليك " !!
قال :نعم .
فلما كان الغد أو العشي ،جاء فقال رسول الله -صلى الله عليه
وسلم" : -إن صاحبكم هذا كان جاء فسألنا ،فأعطيناه ،وقال ما
قال ،وإنا دعوناه إلى البيت فأعطيناه فزعم أنه قد رضي ،
أكذلك؟"
قال العرابي :نعم ،فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا .
فقال النبي -صلى الله عليه وسلم ":-أل إن مثلي ومثل هذا
العرابي كمثل رجل كانت له ناقة فشردت عليه ،فاتبعها
الناس ،فلم يزيدوها إل نفوًرا ،فناداهم صاحب الناقة :خلوا بيني
وبين ناقتي ،فأنا أرفق بها وأعلم ،فتوجه لها صاحب الناقة بين
يديها وأخذ لها من قمام الرض ،فردها هونا هونا هونا حتى
جاءت واستناخت وشد عليها ،وإني لو تركتكم حيث قال الرجل
ما قال ،فقتلتموه ،دخل النار !". 2
وهذا الموقف قد ازدحمت فيه العديد فضائل وأخلق محمد،
وكرمه وحسن تصرفه ولطفه ورفقه ، فاشتمل الموقف على
إل جانب خلق العفو الذي سطرنا تحته الحديث– صلوات الله
1صحيح – رواه مسلم ،كتاب الزكاة ،باب إعطاء المؤلفة قلوبهم ،عن ابن مسعود ،حديث .1062
2رواه أبو الشيخ الصبهاني في أخلق النبي ) ،(170وانظر :محمد بن نصر المروزي :تعظيم قدر الصلة )
. (861ولم أقف على سنده .ولم أسأل عنه .
116
وسلمه على صاحب الخلق العظيم . -
المبحث الثالث
العدالة والمساواة
نبين في هذا المبحث ،مظهر آخر من مظاهر الرحمة في
شخصية نبينا محمد ..فلقد تحدث علماء الغرب عن أخلق
العدالة والمساواة في سلوك النبي ، لسيما وهو يمثل الحاكم
الول لدولة المسلمين؛ التي تمخض عنها أعرق حضارة في تاريخ
البشرية ! ..
ولنتحدث عن أخلق العدالة والمساواة في شخصية النبي !..
فجل النظمة الحالية التي تحكم كوكب الرض تتشدق بقيم
العدل ،والمساواة بين الناس ،وأنى لهذه النظمة أن تتطلع لهذه
الخلق السامقة ..بعدما جعلت من العدالة والمساواة شعارات
براقة جوفاء خالية من التطبيق على أرض الواقع .
فإلى هذه النظمة هذا النموذج الفذ ..
ل:ما عاد ً المطلب الول :محمد حاك ً
يقول برتلي سانت هيلر: 1
"كييان محمييد] [رئيسييا ً للدوليية وسيياهرا ً علييى حييياة الشييعب
وحريته ،وكان يعاقب الشخاص الذين يجترحون الجنايييات حسييب
أحوال زمانه وأحوال تلك الجماعييات الوحشييية الييتي كييان يعيييش
النبي ] [بين ظهرانيها ،فكان النبي داعيا ً إلى ديانة الله الواحييد
وكان في دعوته هيذه لطيفيا ً ورحيميا ً حيتى ميع أعيدائه ،وإن فيي
ل الصيفات اليتي تحملهيا النفيس شخصييته صيفتين هميا مين أجي ّ
2
البشرية وهما العدالة والرحمة".
117
الوثنيون واليهود به حكما ً في منازعاتهم كلها .وعلى الرغم من
حقد اليهود العميق الجذور على السلم فإن الرسول] [حكم
-عندما عرض عليه ذات مرة نزاع بين يهودي ومسلم -
لليهودي بصرف النظر عن أن المسلم قد ينفر بذلك من السلم
،بل ربما بصرف النظر عن أن قبيلته كلها قد تنفر بذلك من
السلم .ول حاجة بنا إلى تبيان أهمية خسارة كهذه بالنسبة إلى
السلم في أيام ضعفه ومحنته تلك ،فالمر أوضح من أن يحتاج
إلى بيان . 1" .
"ولقد نبه] [ابنته فاطمة ،إلى أن أعمالها وحدها سوف تشفع
لها يوم القيامة .وقال أيضا ً " :لو أن فاطمة بنت محمد سرقت
لقطعت يدها " .2وفيما كان على فراش الحتضار ،قبيل وفاته
بقليل ،سأل كل من له عليه دين أن يتقاضاه ذلك الدين ،ولكل
من أساء إليه ذات يوم أن يثأر لنفسه منه".3
خلق بها نبي السلم ونظام إن صفة العدالة /المساواة التي ت ّ
السلم قد دفعت الكثيرين إلى اعتناق السلم ،فالمساواة
والعدالة في السلم – كما يقول "جاوبا " "– 4تختلف عنها في
البلشفية التي تعمل على سحق الغنياء لصالح الفقراء ،ول هي
كالمساواة عند النصارى حيث يجلد الرجل الزنجي ل لشيء إل
لنه وقع بصره على امرأة بيضاء .ويعبد الزنوج ربهم في كنائس
خاصة بهم مستقلة عن كنائس البيض .أما في السلم فجميع
المساجد مفتحة أبوابها لكل مسلم غنًيا كان أم فقيًرا ،أسود َ كان
دا .وهذه الصفة تقيم صرح وحدة حقيقية ض ،مل ً
كا كان أو عب ً أو أبي َ
راسخة بين المسلمين .ومن أجل ذلك فإن الدين السلمي ل
يقيم مراسيم خاصة لكل داخل في السلم كما تفعل الديان
وا
الخرى ،وإنما حسب المرء أن ينطق بالشهادتين حتى يغدو عض ً
في أعظم أخوة عالمية يتساوى في ظلها الناس جميًعا في
الواقع العملي الملموس إلى جانب الناحية النظرية المجردة..
5
وليس في العالم كله أشمل وأصدق من هذه الخوة السلمي" .
المطلــب الثــاني :العدالــة والمســاواة فــي معــاملته
اليومية :
كييان النييبي يمييارس سييلوكيات العداليية والمسيياواة فييي أدق
تفصيل حياته اليومية ،مع الغريب والقريب ،في السييفر والحضيير،
1مولنا محمد علي :حياة محمد و رسالته ،ص 270وما بعدها
2صحيح – رواه البخاري برقم ) (3216ومسلم ،برقم).(3196
3مولنا محمد علي :حياة محمد و رسالته ،ص 270وما بعدها
4ك .ل .جاوبا :هندوكي مثقف ،ومحامي كبير بالمحاكم العليا ،درس السلم ،ولم يرض أن يظل على دينه
الذي ورثه عن آبائه وأجداده ،وأخذ يقارن بين الديان ،وانتهى المر به إلى اعتناق السلم.
5انظر :عرفات كامل العشي :رجال ونساء أسلموا . 84 – 83 / 3 ،
118
كمدين وكدائن ..بل نراه إيجابًيا عندما شييارك فييي تأسيييس هيئة
خيرية تعنى بنصرة المظلوم !
يقول "مولنا محمد علي" :
"وفي معاملت النبي ] [مع الخرين لم يكن يضع نفسييه علييى
مستوى أرفع من غيره البتة .كان يضع نفسه على قدم المسيياواة
مع سائر الناس .وذات يوم ،وكان قد احتل في "المدينة" مقامييا ً
أشبه بمقام الملك ،وفد عليه يهودي يقتضيه دينا ً ما ،وخاطبه في
جلفة وخشنونه قائل ً :إن بني هاشم ل يردون أيما مال اقترضوه
من شخص آخر .فثارت ثائرة عمر بن الخطاب لوقاحة اليهودي ،
ولكن الرسول] [عنفه ذاهبا ً إلى أن الواجب كان يقتضي عميير
أن ينصح كل ً من المدين والدائن :أن ينصييح المييدين -الرسييول]
- [بييرد الييدين مييع الشييكر ،وأن ينصييح الييدائن بالمطالبيية بييه
بطريقة أليق .ثم دفع إلى اليهودي حقه وزيادة ،فتأثر هذا الخييير
تأثرا ً عظيما ً بروح العدل والنصاف عند الرسول] ، [ودخل فييي
1
السلم".
119
المطلب الثالث :نماذج العدالة في سنته وسيرته:
ل :تحذيره من استعباد الناس : أو ً
لقد رسخ الرسول قيم العدالة والمساواة في نفوس وزرائه
وأتباعه ،فكان يقول ي محذرا ً من استعباد الناس ي " :ل يقولن
متي ..كلكم عباد الله وكل نسائكم إماء الله . أحدكم عبدي وأ َ
ولكن ليقل :غلمي وجاريتي وفتاي وفتاتي .ول يقل العبد :ربي
ولكن ليقل :سيدي "..1
ثانًيا :نهيه عن التمييز العنصري :
خلق من تراب .لينتهين قوم فيقول " :كلكم بنو آدم و آدم ُ
2
يفتخرون بآبائهم أو ليكونن أهون على الله من الجعلن " .
ولقد عّنف الرسول أبا ذر تعنيفا ً شديدا لما عير بلل ً
بأمه ..
َ ّ َ َ َ سوَي ْد ٍ َقا َ ْ
ة ،وَع َلى حل ٌ ت أَبا ذ َّرِبالّرب َذ َةِ وَع َلي ْهِ ُ قي ُ لل ِ ن ُ معُْرورِ ب ْ َ ِ ن ال َ فعَ ْ
ك -أى كيف تلبس حلة ويلبس خادمك ن ذ َل ِ َ ه عَ ْ سأل ْت ُ ُ ة فَ َ حل ّ ٌ مه ِ ُ غ َُل ِ
جًل ت َر ُ ساب َب ْ ُ ل :إ ِّني َ قا َ أو صبيك نفس الحلة التى تلبسها؟ ، -فَ َ
مهِ ؟ ! إ ِن ّ َ ُ َ َ ه .فَ َ ُ
ك ه ب ِأ ّ ي َ ":يا أَبا ذ َّر ! أع َي ّْرت َ ُ ل ِلي الن ّب ِ ّ قا َ م ِ ه ب ِأ ّ فَعَي ّْرت ُ ُ
َ
م،ديك ُ ْ ت أي ْ ِ ح َ ه تَ ْم الل ّ ُ جعَل َهُ ْ م َ خوَل ُك ُ ْ م َ وان ُك ُ ْ َ خ
ة ..إ ِ ْ جاه ِل ِي ّ ٌ ك َ مُرؤ ٌ ِفي َ ا ْ
ْ َ
ما ي َل ْب َ ُ
س م ّ ه ِ س ُ ل وَل ْي ُل ْب ِ ْ ما ي َأك ُ ُ
َ
م ّ ه ِ م ُ ت ي َد ِهِ فَل ْي ُط ْعِ ْ ح َ خوه ُ ت َ ْ نأ ُ كا َ ن َ م ْ فَ َ
3
م" عيُنوهُ ْ م فَأ ِ موهُ ْ فت ُ ُ ن ك َل ّ ْ م فَإ ِ ْ ما ي َغْل ِب ُهُ ْ م َ فوهُ ْ وََل ت ُك َل ّ ُ
فكأن أبي ذر رفع شعار المساواة بعد هذا التعنيف من رسول
الله ،فأصبح أبو ذر يأكل ما يأكل منه خادمه ،ويلبس ما يلبس
منه خادمه !
ثالًثا :العدل بين الولد :
ر
شي ٍ ن بَ ِ ن بْ ُ ما ُ عن الن ّعْ َ
مال ِهِ ِلب ْن َِها ْ َ َ َ أَ ُ
ن َ م ْ موْه ِب َةِ ِ ض ال َ ت أَباه ُ ب َعْ َ سأل ْ ة َ ح َ ت َرَوا َ ه ب ِن ْ َ م ُ نأ ّ ّ
َ َ َ ه فَ َ َ ْ
سو َ
ل شهِد َ َر ُ
َ
حّتى ت ُ ْ ضى َ ت :ل أْر َ قال ْ دا ل ُ م بَ َ ة ثُ ّ سن َ ً وى ب َِها َ َفالت َ َ
َ
خذ َ أِبي ت ِلب ِْني! فَأ َ ما وَهَب ْ َ م -ع ََلى َ سل ّ َ ه ع َل َي ْهِ وَ َ صّلى الل ّ ُ الل ّهِ َ -
َ َ
م- سل ّ َ ه ع َل َي ْهِ وَ َ صّلى الل ّ ُ ل الل ّهِ َ - سو َ م ،فَأَتى َر ُ مئ ِذ ٍ غ َُل ٌ دي وَأَنا ي َوْ َ ب ِي َ ِ
ُ َ َ ُ
كشهِد َ َ نأ ْ جب ََها أ ْ ة أع ْ َ ح َ ت َرَوا َ ذا ب ِن ْ َ م هَ َ نأ ّ ل الل ّهِ إ ِ ّ سو َ ل َ :يا َر ُ قا َ فَ َ
ت ِلب ْن َِها . ذي وَهَب ْ ُ ع ََلى ال ّ ِ
ك وَل َد ٌ شيُر أ َل َ َ م َ " : -يا ب َ ِ سل ّ َ ه ع َل َي ْهِ وَ َ صّلى الل ّ ُ ل الل ّهِ َ - سو ُ ل َر ُ قا َ فَ َ
ذا ؟ " وى هَ َ س َ ِ
م. ل :ن َعَ ْ َقا َ
َ
ذا ؟؟" ل هَ َ مث ْ َ ه ِ ت لَ ُ م وَهَب ْ َ ل " :أك ُل ّهُ ْ قا َ فَ َ
1صحيح -رواه مسلم وصححه اللباني في تحقيق مشكاة المصابيح ،ج / 3ص 31
2صحيح – صححه اللباني في صحيح وضعيف الجامع الصغير ،ج / 18ص 344
3صحيح – رواه البخاري ،برقم ) (29
120
لَ :ل َقا َ
َ
1
جوٍْر" . شهَد ُ ع ََلى َ ذا فَإ ِّني َل أ ْ شهِد ِْني إ ِ ً ل " :فََل ت ُ ْ َقا َ
عا :عدله مع غير المسلمين: راب ً
-1العدل مع فصيل يهودي:
لقد حدث أن عبدالله بن رواحة لما بعثه رسول الله يقدر
على أهل خيبر محصولهم من الثمار والزروع لمقاسمتهم إياها
مناصفة حسب عهد رسول الله بعد فتح خيبر أن حاول اليهود
رشوته ليرفق بهم ،فقال لهم :والله لقد جئتكم من عند أحب
ي ،ولنتم والله أبغض إلي من أعدادكم من القردة الخلق إل ّ
والخنازير ،وما يحملني حبي إياه وبغضي لكم على أن ل أعدل
فيكم !!
2
فقالوا :بهذا قامت السماوات والرض !..
لقد كان قد تخرج في مدرسة الرسول على المنهج
الرباني المتفرد القائم على العدل والمساواة .
-2العدل مع رجل يهودي:
أ( رد الحق إلى رجل يهودي :
َ عن اب َ
ي
م ّ سل َ ِ حد َْرد ٍ اْل ْ ن أِبي َ ِ
َ
دى ع َلي ْهِ .. َ َ َ ه َ َ
ست َعْ َ م فا ْ ة د ََراه ِ َ ن ل ِي َُهود ِيّ ع َلي ْهِ أْرب َعَ ُ كا َ أن ّ ُ
ن ِلي ع ََلى مد ُ إ ِ ّ ح ّ م َ ل اليهودي -شاكًيا إلى رسول الله َ : -يا ُ قا َ فَ َ
م ،وَقَد ْ غ َل َب َِني ع َل َي َْهاّ! َ هَ َ
ة د ََراه ِ َ ذا أْرب َعَ َ
م – آمًرا المسلم بالسداد: - سل ّ َ ه ع َل َي ْهِ وَ َ صّلى الل ّ ُ يَ - ل الن ّب ِ ّ قا َ فَ َ
ه " .. َ
ق ُ ح ّ "أع ْط ِهِ َ
ماحقّ َ ك ِبال ْ َ ذي ب َعَث َ َ ل المسلم – معلل ً سبب المماطلة َ :-وال ّ ِ َقا َ
أ َقْد ُِر ع َل َي َْها !
دا على ضرورة التنفيذ م – مؤك ً سل ّ َ ه ع َل َي ْهِ وَ َ صّلى الل ّ ُ يَ - ل الن ّب ِ ّ َقا َ
ه"!. َ
ق ُ ح ّ فوًرا " : -أع ْط ِهِ َ
َ َ
ما أقْد ُِر ع َل َي َْها! قَد ْ أ ْ َ
كه أن ّ َ خب َْرت ُ ُ سي ب ِي َد ِهِ َ ف ِ ذي ن َ ْ ل المسلم َ :وال ّ ِ َقا َ
َ َ َ َ
ه.. ضي ِجعُ فَأقْ ِ شي ًْئا فَأْر ِ مَنا َ ن ت ُغْن ِ َ جو أ ْ خي ْب ََر فَأْر ُ ت َب ْعَث َُنا إ َِلى َ
َ
ه
م – مكرًرا المر " : -أع ْط ِ ِ سل ّ َ ه ع َل َي ْهِ وَ َ صّلى الل ّ ُ يَ - ل الن ّب ِ ّ َقا َ
ه" . ق ُ ح ّ َ
َ
ل ث َلًثا ل ْ
م َ ذا َقا َ م -إ ِ َ ّ
سل َ َ
ه ع َلي ْهِ وَ َ ّ
صلى الل ُ ّ يَ - ن الن ّب ِ ّ كا َ ل الرواي :وَ َ َقا َ
جعْ !!! ي َُرا َ
ْ َ
و
ة ،وَهُ َ صاب َ ٌ ع َ سه ِ ِ ق ،وَع ََلى َرأ ِ سو ِ حد َْرٍد( إ َِلى ال ّ ن أِبي َ ج ب ِهِ )اب ْ ُ خَر َ فَ َ
سهِ َفات َّزَر ب َِها ،وَن ََزع َ ال ْب ُْرد َة َ فَ َ ْ
ل: قا َ ن َرأ ِ ة عَ ْ م َ ما َ مت ّزٌِر ب ِب ُْرٍد ،فَن ََزع َ ال ْعِ َ ُ
ْ
مّني هَذ ِهِ الب ُْرد َة َ . شت َرِ ِ ا ْ
121
ه ب ِأ َْرب َعَةِ الد َّراه ِم ِ .. فََباع ََها ِ
من ْ ُ
صّلى الل ّ ُ
ه ل الل ّهِ َ - سو ِ ب َر ُ ح َ صا ِ ك َيا َ ما ل َ َ تَ : قال َ ْجوٌز فَ َ ت عَ ُ مّر ْ فَ َ
َ
هحت ْ ُذا ب ِب ُْرد ٍ ع َل َي َْها ،ط ََر َ ك هَ َ دون َ َ ها ُ تَ : قال َ ْ ها فَ َ خب ََر َم -فَأ ْ سل ّ َ ع َل َي ْهِ وَ َ
ع َل َي ْهِ . 1
ب( آيات تنزل لتبرأة رجل يهودي :
ولقد أنزل الله نحو خمس آيات في سورة النساء ،على رأسها
ن م ب َي ْ َحك ُ َ
حقّ ل ِت َ ْ ب ِبال ْ َ ك ال ْك َِتا َ قول الله تعالى :إ ِّنا أ َن َْزل َْنا إ ِل َي ْ َ
ما[ ] النساء ، [105 : صي ً
خ ِ ن َ خائ ِِني َ ن ل ِل ْ َه وََل ت َك ُ ْ ك الل ّ ُ ما أ ََرا َ س بِ َ الّنا ِ
ما ! لتبرأ رجل ً يهودًيا ،اتهمه بعض المسلمين ظل ً
هذه اليات تحكي قصة ل تعرف لها الرض نظيرا ً ،ول تعرف لها
البشرية شبيها ً . .وتشهد -وحدها -بأن هذا القرآن وهذا الدين ل
بد أن يكون من عند الله؛ لن البشر -مهما ارتفع تصورهم ،
ومهما صفت أرواحهم ،ومهما استقامت طبائعهم -ل يمكن أن
يرتفعوا -بأنفسهم -إلى هذا المستوى الذي تشير إليه هذه
اليات؛ إل بوحي من الله . .هذا المستوى الذي يرسم خطا على
الفق لم تصعد إليه البشرية -إل في ظل هذا المنهج -ول تملك
الصعود إليه أبدا ً إل في ظل هذا المنهج كذلك!
إنه في الوقت الذي كان اليهود في المدينة يطلقون كل سهامهم
المسمومة ،التي تحويها جعبتهم اللئيمة ،على السلم
والمسلمين؛ في الوقت الذي كانوا فيه ينشرون الكاذيب؛
ويؤلبون المشركين؛ ويشجعون المنافقين ،ويحاولون تفسيخ
المجتمع المسلم من الداخل ،في الوقت الذي يؤلبون عليه
خصومه ليهاجموه من الخارج . .في هذا الوقت الحرج ،كانت
هذه اليات كلها تتنزل ،على رسول الله -صلى الله عليه وسلم
، -لتنصف رجل ً يهوديا ً ،اتهم ظلما ً بسرقة؛ ولتدين الذين تآمروا
على اتهامه ،وهم بيت من النصار في المدينة .والنصار يومئذ
هم عدة الرسول -صلى الله عليه وسلم -وجنده ،في مقاومة
هذا الكيد الناصب من حوله ،ومن حول الرسالة والدين والعقيدة
الجديدة ! . . .
أي مستوى هذا من النظافة والعدالة والتسامي! ثم أي كلم
يمكن أن يرتفع ليصف هذا المستوى؟ وكل كلم ،وكل تعليق ،
وكل تعقيب ،يتهاوى دون هذه القمة السامقة؛ التي ل يبلغها
البشر وحدهم .بل ل يعرفها البشر وحدهم .إل أن يقادوا بمنهج
الله ،إلى هذا الفق العلوي الكريم الوضيء 2؟!
لكاُنوا أ َهْ َ ق ...وَ َ ُ
م ب َُنو أب َي ْرِ ٍ ل ل َهُ ْ قا ُ من النصار ي ُ َ ت ِ ن أ َهْ ُ
ل ب َي ْ ٍ فقد َ
كا َ
1صحيح -رواه أحمد) ، (14942وذكره اللباني في السلسلة الصحيحة 2108
2انظر :سيد قطب :في ظلل القرآن ) -ج / 2ص (231
122
ن
م ْ ة ِ ضافِط َ ٌ ت َ م ْ قد ِ َ سَلم ِ ...فَ َ جاه ِل ِي ّةِ َواْل ِ ْ جةٍ وََفاقَةٍ ِفي ال ْ َ حا َ ت َ ب َي ْ ِ
ة
شَرب َ ٍ م ْ ه ِفي َ جعَل َ ُ ك فَ َ م ِ ن الد ّْر َ م ْ مًل ِ ح ْ ن َزي ْد ٍ ِ ة بْ ُ شام ِ َفاب َْتاع َ لرَِفاع َ ُ ال ّ
تت ال ْب َي ْ ِ ح ِ ن تَ ْ م ْ ف فَعُد ِيَ ع َل َي ْهِ ِ سي ْ ٌ ح وَد ِْرع ٌ وَ َ سَل ٌ شَرب َةِ ِ م ْ ه وَِفي ال ْ َ لَ ُ
َ َ ُ
ح أَتى رَِفاع َ ُ
ة صب َ َ ما أ ْ ح ،فَل َ ّ سَل ُ م َوال ّ خذ َ الط َّعا ُ ة وَأ ِ شَرب َ ُ م ْ ت ال ْ َ قب َ ْ فَن ُ ِ
ه قَد ْ ع ُد ِيَ ع َل َي َْنا ِفي َ ن فَ َ
خي إ ِن ّ ُ نأ ِ لَ :يا اب ْ َ قا َ ما ِ ن الن ّعْ َ إلى قََتاد َة َ ب ْ ِ
ل قََتاد َة َ ب ْ ِ
ن حَناَ .قا َ سَل ِ مَنا وَ ِ ب ب ِط ََعا ِ شَرب َت َُنا وَذ ُه ِ َ م ْ ت َ قب َ ْ ل َي ْل َت َِنا هَذ ِهِ فَن ُ ِ
ل ل ََنا :قَد ْ َرأي َْنا ب َِني َ َ
قي َ سأل َْنا فَ ِ دارِ وَ َ سَنا ِفي ال ّ س ْ ح ّ ن :فَت َ َ ما ِ الن ّعْ َ
ض
ما ن ََرى إ ِل ع َلى ب َعْ ِ
َ ّ دوا ِفي هَذ ِهِ الل ّي ْل َةِ وََل ن ََرى ِفي َ ست َوْقَ ُ قا ْ ٍ ِ أ ُب َي ْر
ة إلى ل رَِفاع َ ُ قَ ،قا َ ٍ ِ م .فلما أشارت أصابع التهام لب َُني أ ُب َي ْر مك ُ ْ ط ََعا ِ
َ َ
ت خي ل َوْ أت َي ْ َ نأ ِ قََتاد َة َ – صاحب المال المسروق – لقتادة َ :يا اب ْ َ
ه .. ك لَ ُ ت ذ َل ِ َ م -فَذ َك َْر َ سل ّ َ ه ع َل َي ْهِ وَ َ صّلى الل ّ ُ ل الل ّهِ ََ - سو َ َر ُ
ت: قل ْ ُ م -فَ ُ سل ّ َ ه ع َل َي ْهِ وَ َ صّلى الل ّ ُ ل الل ّهِ َ - سو َ ت َر ُ ل قََتاد َة ُ :فَأت َي ْ ُ َقا َ
َ ن أ َهْ َ
قُبوا ن َزي ْد ٍ فَن َ َ ِ ة بْ مي رَِفاع َ َ دوا إ َِلى ع َ ّ م ُ فاٍء ع َ َ ج َ ل َ مّنا أهْ َ ت ِ ل ب َي ْ ٍ إِ ّ
َ َ
ما حَنا فَأ ّ سَل َ دوا ع َل َي َْنا ِ ه فَل ْي َُر ّ م ُ ه وَط ََعا َ ح ُ سَل َ ذوا ِ خ ُ ه وَأ َ ة لَ ُ شَرب َ ً م ْ َ
ه. ة لَنا ِفي ِ َ ج َ حا َ م فل َ َ َ الطَعا ُ ّ
ك".. مُر ِفي ذ َل ِ َ سآ ُ مَ " :- سل َ ّ ه ع َلي ْهِ وَ َ َ ّ
صلى الل ُ ّ يَ - ل الن ّب ِ ّ قا َ فَ َ
َ ُ
هل لَ ُ قا ُ م يُ َ من ْهُ ْ جًل ِ وا َر ُ ق ،وخافوا الفضيحة ،أت َ ْ ٍ ِ معَ ب َُنو أب َي ْر س ِ ما َ فَل َ ّ
ك ناس م َ ُ
لن أهْ ِ معَ ِفي ذ َل ِ َ َ ٌ ِ ْ جت َ َ كَ ،فا ْ موه ُ ِفي ذ َل ِ َ ن ع ُْروَة َ فَك َل ّ ُ سي ُْر ب ْ ُ أ َ
داِر. ال ّ
َ
دا إ َِلى أهْ ِ
ل م َ ه عَ َ م ُ ن وَع َ ّ ما ِ ن الن ّعْ َ ن قََتاد َة َ ب ْ َ ل الل ّهِ إ ِ ّ سو َ قاُلوا َ :يا َر ُ فَ َ
ن غ َي ْرِ ب َي ّن َةٍ وََل سَلم وَ َ َ َ
م ْ سرِقَةِ ِ م ِبال ّ مون َهُ ْ ح ي َْر ُ صل ٍ ل إِ ْ ٍ مّنا أهْ ِ ت ِ ب َي ْ ٍ
ت !! ث َب َ ٍ
َ
ه. مت ُ ُ م -فَك َل ّ ْ سل ّ َ ه ع َل َي ْهِ وَ َ صّلى الل ّ ُ ل الل ّهِ َ - سو َ ت َر ُ ل قََتاد َة ُ :فَأت َي ْ ُ َقا َ
َ
م مهِ ْ ح ت َْر ِ صَل ٌ م وَ َ سَل ٌ م إِ ْ من ْهُ ْ ت ذ ُك َِر ِ ل ب َي ْ ٍ ت إ َِلى أهْ ِ مد ْ َ ل " :عَ َ قا َ فَ َ
ت وََل ب َي ّن َةٍ !" . سرِقَةِ ع ََلى غ َي ْرِ ث َب َ ٍ ِبال ّ
َ
م ماِلي وَل َ ْ ض َ ِ ن ب َعْ ْ م
ت ِ ج ُ خَر ْ ت أّني َ ت وَل َوَد ِد ْ ُ جعْ ُ ل قتادة :فََر َ َقا َ
َ ُ
مي ك .فَأَتاِني ع َ ّ م ِ -في ذ َل ِ َ سل ّ َ ه ع َل َي ْهِ وَ َ صّلى الل ّ ُ َ ل الل ّهِ - سو َ م َر ُ أك َل ّ ْ
َ
سو ُ
ل ل ِلي َر ُ ما َقا َ ه بِ َ خب َْرت ُ ُ ت فَأ ْ صن َعْ َ ما َ خي َ ن أَ ِ لَ :يا اب ْ َ قا َ ة ،فَ َ رَِفاع َ ُ
ه ال ْ ُ ل :الل ّ ُ قا َ م -فَ َ سل ّ َ ه ع َل َي ْهِ وَ َ صّلى الل ّ ُ الل ّ ِ
1
ن .. ست ََعا ُ م ْ هَ -
وفي رواية :لما رأى السارق ذلك عمد إلى الدرع فألقاها في
2
بيت رجل يهودي ) اسمه زيد ابن السمين (
س هذا الرجل البريء – وإن كان من غير وما لبث أن اتهم النا ُ
المسلمين -بسرقة هذا الدرع..
123
ن: ل ال ْ ُ ن ن ََز َ فَل َم يل ْب ْ َ
قْرآ ُ ثأ ْ ْ َ َ
َ إ ِّنا َأنزل َْنا إ ِل َي ْ َ
ك الل ّ ُ
ه ما أَرا َ س بِ َ ن الّنا ِ م ب َي ْ َ حك ُ َ حقّ ل ِت َ ْ ب ِبال ْ َ ك ال ْك َِتا َ
1
ما صي ً خ ِ ن َ خائ ِِني َ ن ل ِل ْ َ َول ت َك ُ ْ
سا :الكل سواء أمام القانون : خام ً
فعن عائشة رضي الله عنها:
شا ،أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت ..فقالوا: أن قري ً
ومن يكلم فيها رسول الله ؟ فقالوا :ومن يجترئ عليه إل
أسامة ابن زيد حب رسول الله فكلمه أسامة ..فقال رسول
الله " : أتشفع في حد من حدود الله ؟ ! " .ثم قام
فاختطب .ثم قال " :إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق
فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه
الحد ..وايم الله ! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها
2
!"
سا :عدله بين فصائل الدولة : ساد ً
-1عدله بين قريظة والنضير في مسألة الديات:
و ما أروع عدله ! حتى بين غير المسلمين وبعضهم ،فقد تحاكم
إليه يهود قريظة والنضير ،في مسألة تتعلق بالديات ،فقد كانت
بنو النضير أعز من بني قريظة ،فكانت تفرض عليهم دية
مضاعفة لقتلها ،فلما ظهر السلم في المدينة امتنعت بنو
قريظة عن دفع الضعف ،وطالبت بالمساواة في الدية ،وتحاكمت
إليه نبي الرحمة ،فعدل بينهما ،ونزلت الية ) :وَك َت َب َْنا ع َل َي ْهِ ْ
3
م ِفيَها
ُ َ
نن ِبالذ ُ ِ ف َوال ُذ ُ َ ف ِبال َن ْ ِ ن َوال َن ْ َ فس َوال ْعَي ْ َ ْ
ن ِبالعَي ْ ِ س ِبالن ّ ْ ِ ف َ ن الن ّ ْ أ ّ
فاَرة ٌ ل ّ ُ
ه صد ّقَ ب ِهِ فَهُوَ ك َ ّ من ت َ َ ص فَ َ صا ُ ٌ ح قِ َ جُرو َ ن َوال ْ ُ س ّ ن ِبال ّ س ّ َوال ّ
م ال ّ ه فَأول َئ ِ َ َ
ن ( ]المائدة: مو َ ظال ِ ُ ك هُ ُ ل الل ُ ما أن َْز َ م بِ َ حك ُ ْ م يَ ْ من ل ّ ْ وَ َ
4
. [45
فعن ابن عباس قال:
َ َ ح ُ ؤو َ
م
ض ع َن ْهُ ْ كم ب َي ْن َُهم أوْ أع ْرِ ْ ك َفا ْ جآ ُ لما نزلت هذه الية )فِإن َ
مكم ب َي ْن َهُ ْ ح ُ ت َفا ْ م َ حك َ ْن َ ً
شْيئا وَإ ِ ْ ك َ ضّرو َ م فََلن ي َ ُ ض ع َن ْهُ ْ وَِإن ت ُعْرِ ْ
ن ( ]المائدة ،[42قال " :كان بنو طي َ س ِ ق ِ م ْب ال ْ ُ ح ّ ه يُ ِ ن الل ّ َ ط إِ ّ س ِ ق ِْبال ْ ِ
النضير إذا قتلوا من بني قريظة أدوا نصف الدية وإذا قتل بنو
قريظة من بني النضير أدوا إليهم الدية كاملة ،فسوى رسول الله
124
-صلى الله عليه وسلم -بينهم". 1
وفي رواية :
"فكان إذا قتل رجل من قريظة رجل من النضير قتل به ،وإذا
قتل رجل من النضير رجل من قريظة ،فودي بمائة وسق من تمر
ل من النضير ! فلما ُبعث النبي -صلى الله عليه وسلم -قتل رج ٌ
رجل من قريظة ،فقالوا :ادفعوه إلينا نقتله ،فقالوا :بيننا وبينكم
النبي صلى الله عليه وسلم فأتوه فنزلت" 2الية ،وحكم بينهم
بالعدل ..
-2عدله بين الفصائل في مسألة الري وتوزيع المياه :
فقد اتاه أهل مهزور من قريظة ،يتحاكمون إليه في مشكلة
تتعلق بالمياة والري ،فحكم بينهم ..
عن ثعلبة بن أبي مالك أنه سمع ...أن رجل ً من قريش كان له
سهم في بني قريظة فخاصم إلى رسول الله -صلى الله عليه
وسلم -في ] سيل [مهزور 3يعني السيل الذي يقتسمون ماءه،
فقضى بينهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم -أن الماء إلى
4
الكعبين ل يحبس العلى على السفل
وفي رواية :قال ثعلبة بن أبي مالك :
"قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم -في سيل مهزور،
العلى فوق السفل .يسقي العلى إلى الكعبين ثم يرسل إلى
من هو أسفل منه". 5
ومذينب ومهزور واديان بالمدينة معروفان يستويان يسيلن
بالمطر ويتنافس أهل المدينة في سيلهما فقضى رسول الله -
صلى الله عليه وسلم -في سيلهما أنه للعلى فأعلى والقرب
إلى السيل ،فالقرب يمسك العلى جميع الماء حتى يبلغ الكعبين
6ثم يرسله إلى من تحته ممن يليه
عا :مبادىء المساواة والعدالة في خطبة الوداع: ساب ً
هذا ،وتعد خطبة الوداع دستورا ً عظيما في إقامة العدالة
والمساواة في ربوع العالم ..ويعلق هربرت جورج ولز 7على
1حسن – رواه أبو داود ) ( 3591والنسائي ) ، ( 4411 ) ، ( 4733وقال اللباني – في صحيح وضعيف سنن
أبي داود :-حسن صحيح السناد .
2صحيح – رواه ابو داود ) ،(4494والنسائي ) ،(4411 – 4410 ) ،( 4733 - 4732وأحمد )،(3434
وصححه اللباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود .وقال شعيب الرنؤوط :حسن.
3سيل مهزور :اسم واد لبني قريظة بالحجاز
4صحيح – رواه ابن ماجه ) ،(2481وأبو دواد) ، (3638وصححه اللباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود
5صحيح -رواه ابن ماجه ) ،(2481وصححه اللباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه.
6ابن عبد البر :الستذكار ،ج / 7ص 189
7هربرت جورج ولز ) (1946 – 1866الكاتب البريطاني المعروف ..اشتهر بقصصه الذي يعتمد الخيال العلمي
وله كتابات في التاريخ ،مثل )معالم تاريخ النسانية( وأعقبه بـ)موجز تاريخ العالم( .وكان آخر كتاب أصدره هو
)العقل في أقصى تواتراته( .
125
هذه الخطبة بقوله :
ج محمد ] [حجة الوداع ]في ذي الحجة 10هي /مارس632 "ح ّ
م[ من المدينة إلى مكة ،قبل وفاته بعام ،وعند ذاك ألقى على
ن أول فقرة فيها تجرف أمامها كل ما شعبه موعظة عظيمة ..إ ّ
بين المسلمين من نهب وسلب ومن ثارات ودماء ،وتجعل الفقرة
الخيرة منها الزنجي المؤمن عدل ً للخليفة ..إنها أسست في
العالم تقاليد عظيمة للتعامل العادل الكريم".1
إن دروس العدالة والمساواة في سيرة النبي ودولته ونظامه،
جلية بينة لكل ذي بال ،وهي تمثل مظهر من مظاهر رحمته
للبشر ،بيد أن الخرص كثيرا ً ما يصيب طائفة من الحاقدين
والحانقين على سيرة محمد ؛ فيغضون الطرف عن هذه القيم
الزاهية في سيرة النبي ..
المطلب الرابع :الناس سواء كأسنان المشط:
يقول رسول الله ،في جملة مشهورة للقاصي والداني:
" الناس كأسنان المشط ".. 2
ويشرح المستشرق والمؤرخ بودلي هذه العبارة البليغة قائ ً
ل:
أي" ليس هناك أي عائق لييوني للمسييلم فل يهييم أكييان المييؤمن
أبيض أو أسود أو أصفر ،فالجميع يعاملون على قدم المساواة".3
ويتعرض توماس كارليل لهذه القيمة في إعجاب شديد فيقول :
"في السلم خّلة أراها من أشرف الخلل وأجّلهييا وهييي التسييوية
بين الناس .وهذا يدل على أصدق النظر وأصييوب الييرأي .فنفييس
المؤمن راجحة بجميييع دول الرض ،والنيياس فييي السييلم سيواء.
"!4
و تأسيسا ً على مبييدأ الخييوة النسييانية بييين الجنيياس والشييعوب،
حقق نبينا محمد واقعيا ً عملية توحيد مختلف الجناس في ظل
المساواة والعدل السلميين ،يقول "برج"مؤكدا ً :
"إنه ليس هناك من مجتمع آخر سجل له التاريخ ميين النجيياح كمييا
سييجل للسييلم فييي توحيييد الجنيياس النسييانية المختلفيية ،مييع
التسوية بينها في المكانة والعمل وتهيئة الفرص للنجاح فييي هييذه
الحياة".5
126
فلقد ساوى السلم بين الناس في إيجاب العبادات وتحريم
المحرمات ،وكما ساوى بينهم في الفضل والثواب بحسب
َ ُ
ه ن فَل َن ُ ْ
حي ِي َن ّ ُ م ٌ ن ذ َك َرٍ أوْ أن َْثى وَهُوَ ُ
مؤ ْ ِ م َْ حا ِ صال ِ ً
ل َ م َ ن عَ ِ م ْ أعمالهمَ
ن [ ]النحل : ُ ما َ َ َ حَياة ً ط َي ّب َ ً
ملو َ كاُنوا ي َعْ َ ن َ س ِح َ م ب ِأ ْ جَرهُ ْ مأ ْ جزِي َن ّهُ ْة وَلن َ ْ َ
الية . [ 97
وساوى بينهم في كل حق ديني ودنيوي ،ولم يجعل لحد منهم
ميزة في مال أو لون أو عرق أوحسب أو نسب ،إنما الميزة
والتفضيل بالصلح القلبي والتقوى :فقال الله تعالىَ :ياأ َي َّها
ُ
لشُعوًبا وَقََبائ ِ َ م ُ جعَل َْناك ُ ْن ذ َك َرٍ وَأن َْثى وَ َ م ْ م ِ قَناك ُ ْ خل َ ْ س إ ِّنا َ الّنا ُ
َ
عن ْد َ الل ّهِ أت ْ َ َ
م ]الحجرات [ 13 : قاك ُ ْ م ِ مك ُ ْ ن أك َْر َ ل ِت ََعاَرُفوا إ ِ ّ
وهذا مظهر من مظاهر رحمة النبي .. فلم تكن العدالة
والمساواة في اعتبارات زعماء العرب أو في أسلوب حكمهم
للعرب ،قبل بعثة الرسول ،فقد كان قبل عهده ،السترقاق
ه العرب على أشده ،والتمييز العنصري في ذروته ..حتى أكرم الل ُ
برسالة محمد
ولقد كان رسول الله حريصا ً على تربية أصحابه تربية عملية،
بغرس قيم العدالة والمساواة في نفوس أصحابه ..فتخرج من
مدرسة محمد رجال؛ ملئو الرض عدل ً ورحمة كما ملئت
ظلما ً وجورا ً ..من هؤلء الرجال عمر بن الخطاب صاحب
المقولة الشهيرة " :متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم
أحرارا ً ".ولقد ضرب المسلمون الوائل في فتوحاتهم أروع
المثلة في تحقيق العدل والمساواة بين الشعوب ،حتى قال
جوستاف لوبون -في إعجاب وتقدير " : -ما عرف التاريخ
فاتحا ً أعدل ول أرحم من العرب". 1
المبحث الرابع
الحب والخاء
لخوة مكان العصبية : المطلب الول :ا ُ
يقول آتيين دينيه:
"لقد دعا عيسى ]عليه السلم[ إلى المساواة والخوة ،أما محمد
] [فوفق إلى تحقيق المساواة والخوة بين المؤمنين أثناء
حياته".2
فليس من الطييبيعي يي فييي اعتقيياد رسييول اللييه يي أن يعيييش
127
الناس على هذه الرض في شقاق و تمزق وتفرق ،و قد أوجدهم
الخالق سبحانه من أصل واحد ،خلقهييم جميعًييا ميين آدم ،أبيضييهم
وأسودهم ،شرقيهم وغربيهم ،عربيهم وعجميهم ،غنيهم و فقيرهم
،بل إن أشد ما يتنافى مع الفطرة ،ويتعارض مع العقل ،أن يوحد
خلق والمنشأ ،ثم يتفرقون في المرجع والمصير. الله عباده في ال َ
ولجل هذا اتخذ السلم كل أساس وقاعدة تحمي هذا الكيان من
النشقاق والتصدع ،وتمكنيه مين أداء مهمتيه عليى اليوجه المثيل
ومن بين تلك القواعد :الخاء ..الذي يمحو أمامه جميع الفييوارق
بين أفراد هذا الكيان ،و امتيازاتهم من نسب أو جاه أو مال ..
ويتحدث المفكر "وليم موير " عن هذا المبدأ الكبير في السلم –
مبدأ الخاء ، -فيقول :
1
"ومن عقيدة السلم أن النسان أخو النسان " .
ويييبين المفكيير الكييبير "بييرج " ":أن مبييدأ الخيياء النسيياني هييو
أساس فلسفة الخلق الجتماعية في السلم ". 2
ويشير "فيليب حتي" إلى " أن إقامة الخوة في السلم مكان
العصبية الجاهلية )القائمة على الدم والقرابة( للبناء الجتماعي
دا؛ قام به النبي العربي ] كان -في الحقيقة -عمل ً جريًئا جدي ً
.3"..[
إن النبي أسس الدولة السلمية الولييى ،علييى قاعييدة الخيياء
السلمى ما بين الوس والخزرج والمكيييين المهيياجرين ،وأسييس
الدسييتور المييدني السييلمي الييذي نظييم العلقييات ميا بييين قييوى
الشعب ،ونجيح هيذا الدسيتور فيي تحقييق التعيايش والخياء بيين
المسلمين وبعضهم ،وبين المسلمين وغيرهييم ،وتطييورت جييوانب
هذا التعايش مع قيام الدولة السلمية التي ضمت شييعوبا ً وُأممييا ً
مختلفة ،حققت بينها النسجام والخوة بين أبنيياء الييوطن الواحييد،
بعيدا ً عن العصبية العرقية أو التعصب الديني .
128
" وقد فتح السلم الباب للتعايش على الصعيد الجتماعي
والعرقي حين اعترف بصدق الرسالت اللهية المنزلة من قبل
على بعض الشعوب ،وجعل المسلمين منحدرين من نسل
َ
س إ ِّنامشترك مع اليهود والنصارى عبر إبراهيم َ ...يا أي َّها الّنا ُ
شُعوبا ً وَقََبائ ِ َ ُ
ل ل ِت ََعاَرُفوا إ ِ ّ
ن م ُ جعَل َْناك ُ ْمن ذ َك َرٍ وَأنَثى وَ َ كم ّ قَنا ُخل َ ْ
َ
َ َ
ن الل ّ َ عند َ الل ّهِ أت ْ َ
قاك ُ ْ مك ُ ْأك َْر َ
2 1
خِبيٌر . " .. م َه ع َِلي ٌ م إِ ّ م ِ
المطلب الثاني :لماذا نجح النبي في تحقيق الحب
والخاء ؟
يبين توماس آرنولد أن السبب في نجاح النبي في نشر قيم
الحب والخاء سواء بين الشعوب السلمية والقبائل والعشائر
المختلفة ،هو حسن الخلق والمعاملة الحسنة والجاذبية التي كان
يتمتع بها رسول الله ،فيقول آرنولد:
" ..إن المعاملة الحسنة التي تعودتها وفود العشائر المختلفة من
النبي ] [واهتمامه بالنظر في شكاياتهم ،والحكمة التي كان
يصلح بها ذات بينهم ،والسياسة التي أوحت إليه بتخصيص قطع
من الرض مكافأة لكل من بادر إلى الوقوف في جانب السلم
وإظهار العطف على المسلمين ،كل ذلك جعل اسمه] [مألوًفا
دا
لديهم ،كما جعل صيته ذائًعا في كافة أنحاء شبه الجزيرة ..سي ً
ما .وكثيًرا ما كان يفد أحد أفراد القبيلة على ما ورجل ً كري ً عظي ً
دا في النبي ] [بالمدينة ثم يعود إلى قومه داعًيا إلى السلم جا ً
تحويل إخوانه إليه.3"..
ولعل الفيلسوف إدوار مونته – هو الخر -يبين السبب الساس
في قدرة النبي الكريم في نشر الحب والخاء بين الناس ،و
هو ما عرف عن رسول الله " بخلوص النية والملطفة
وإنصافه في الحكم ،ونزاهة التعبير عن الفكر والتحقق،
وبالجملة كان محمد] [أزكى وأدين وأرحم عرب عصره،
وأشدهم حفاظا ً على الزمام فقد وجههم إلى حياة لم يحلموا بها
من قبل ،وأسس لهم دولة زمنية ودينية ل تزال إلى اليوم".4
وكلها عوامل وأسباب أدت إلى نجاح محمد في تحقيق
الحب والخاء بين فصائل وطوائف العرب .
وكييان لمبييادىء الحييب والخيياء فييي السييلم وأثرهييا علييى بيياقي
الشييعوب ،فييي الشييرق والغييرب ،أن حفييرت عمق يا ً عميق يا ً فييي
1سورة الحجرات :الية ، 13والستشهاد بالية من قبل مارسيل بوزار.
2مارسيل بوزار :إنسانية السلم .185-184 ،
3توماس آرنولد :الدعوة إلى السلم ص . 55
4كلمة للفيلسوف الفرنسي إدوار مونته الذي ولد في بلدته لوكادا) 1817ـ ،( 1894وقال هذه الكلمة في آخر
كتابه )العرب(.
129
وجدانها ..تلييك النزعيية النسييانية الخيييرة ) الحييب /الخيياء( الييتي
ترفض التقسيم العرقي أو الطبقي.
ويتحدث "جييواهر لل نهييرو" ، 1عيين هييذا الجييانب ،ممثل ً بنمييوذج
الهند ،فيقول :
" إن نظرية الخوة السلمية ...التي كان المسلمون يؤمنون
بها ،ويعيشون فيها ،أثرت في أذهان الهندوس تأثيرا عميقا ً .
حّرم عليهم وكان أكثر خضوعا ً لهذا التأثير البؤساء الذين َ
المجتمع الهندي المساواة والتمتع بالحقوق النسانية ". 2
المطلب الثالث :نماذج تعاليمه :
لقد جعل النبي من الحب والخاء في السلم عبادة رفيعة
ُيتقرب بها إلى الله تعالى ،وُيستظل بها في ظل عرش الله يوم
القيامة ..ومن جملة أحاديثه في ذلك :
أول ً :المسلمون المتآخون المتحابون كالجسد
الواحد :
شيرٍ عن رسول الله أنه قال : ن بَ ِ ن بْ ِ ما ِ روى الن ّعْ َ
سد ِ إ ِ َ
ذا ج َ ل ال ْ َ مث َ ُم َ فه ِ ْ م وَت ََعاط ُ ِمه ِ ْ ح ِم وَت ََرا ُ واد ّه ِ ْن ِفي ت َ َ مِني َ مؤ ْ ِ ل ال ْ ُ مث َ ُ " َ
3
مى" . ح ّ سهَرِ َوال ْ ُ سد ِ ِبال ّ ج َ سائ ُِر ال ْ َ ه َ عى ل َ ُ دا َ ضو ٌ ت َ َ ه عُ ْ من ْ ُ كى ِ شت َ َ ا ْ
ثانًيا :المسلمون المتآخون المتحابون كرجل واحد :
ْ
عى دا َ ه تَ َ س ُكى َرأ ُ شت َ َ نا ْ د ،إ ِ ْ
ح ٍل َوا ِ ج ٍ ن ك ََر ُ مُنو َ مؤ ْ ِ قال النبي " : ال ْ ُ
ر".4 سه َ ِمى َوال ّ ح ّ سد ِ ِبال ْ ُ ج َ سائ ُِر ال ْ َ ه َ لَ ُ
ثالًثا :المسلمون المتآخون المتحابون في ظلل الله :
َ عَ َ
كه ت ََباَر َ ن الل ّ َ ل الل ّهِ " :إ ِ ّ سو ُ ل َر ُ لَ :قا َ ه َقا َ ن أِبي هَُري َْرة َ أن ّ ُ ْ
م ه ّ ل ظ ل يوم ال ْقيامة :أ َين ال ْمتحابون ل ِجَلِلي ؟ ال ْيوم أ ُ ُ قو ُ ي لى َ عا
ِ ُ ْ َ ْ َ ُ َ َ ّ َ َ َ ْ َ ِ َ َ ِ ْ َ َ وَت َ َ
ل إ ِّل ظ ِّلي . 5". م َل ظ ِ ّ ِفي ظ ِّلي ،ي َوْ َ
عا :المسلمون المتآخون المتحابون وجبة لهم محبة راب ً
الله :
عن معاذ بن جبل قال :سمعت رسول الله يقول :
ي والمتجالسين في " قال الله تعالى :وجبت محبتي للمتحابين ف ّ
ي".6 والمتزاورين في والمتباذلين ف ّ
سا :المسلمون المتآخون المتحابون يغبطهم خام ً
النبياء والشهداء :
130
قال النبي " :: يقول الله تعالى :المتحابون في جللي لهم
منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء".1
وعن أبي الدرداء قال :قال رسول الله "ليبعثن الله أقوا ً
ما
يوم القيامة في وجوههم النور ،على منابر اللؤلؤ ،يغبطهم
الناس ،ليسوا بأنبياء ول شهداء " .قال :فجثا أعرابي على
ركبتيه ،فقال :يا رسول الله حلهم لنا نعرفهم ! قال " :هم
المتحابون في الله من قبائل شتى وبلد شتى ،يجتمعون على
ذكر الله يذكرونه ".2
سخ رسول الله قيم الحب والخاء بين شعبه ،ورسخها هكذا ر ّ
ً
عمليا ،فيرغبهم في الحب والخاء وثوابهما ،ويرهبهم من
التباغض والشقاق وعواقبهما في الدنيا والخرة .
إن هذا مظهر من مظاهر رحمة النبي ، فلقد نجح النبي
في تحقيق الخوة والحب بين الشعب ،حتى أصبح أبناء الدولة
في عهده كالجسد الواحد أوكالرجل الواحد ..
المبحث الخامس
سماحته في المعاملت المالية
من مظاهر رحمته ،سماحته وسهولته في المعاملت المالية ،
واستعمال معالي الخلق ،وترك المشاحنات ،و تجنب إرهاق
الناس بالمطالبة أو المماطلة ..وكان يحث على إنظار المعسر
والرفق به ،والتساهل في المعاوضات المالية ،والمشاركة في
سداد الديون عن المدينين ،والكرم والعطاء بين المتعاقدين.
المطلب الول :حثه على السماحة في المعاملت
المالية :
ل :في البيع والشراء والقضاء : أو ً
ل:ل الل ّهِ َ قا َ سو َ َ
ن َر ُ
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما :أ ّ
ذا اقْت َ َ
شت ََرى ،وَإ ِ َ
ذا ا ْ
ع ،وَإ ِ َ حا 3إ ِ َ جًل َ م الل ّ ُ
4
ضى" .. ذا َبا َ م ً
س ْ ه َر ُ ح َ"َر ِ
وعن أبي هريرة أن رسول الله قال" :غفر الله لرجل كان
قبلكم ،كان سهل ً إذا باع ،سهل ً إذا اشترى ،سهل ً إذا اقتضى".5
لحَزام ٍ َ قا َ ن ِ
كيم ِ ب ْ ِ ح ِ
وعن َ
1صحيح – رواه الترمذي ،برقم ،2312وصححه اللباني في مشكاة المصابيح ،برقم .5011
2صحيح -رواه الطبراني بإسناد حسن ،وصححه اللباني في صحيح الترغيب والترهيب ،برقم 1509
طلب منه.ل يوافق على ما ُ 3كريمًا متساه ً
4أي إذا طلب حقه
عَفا ٍ
ف طُلْبُه ِفي َ
حّقا َفْلَي ْ
ب َ
طَل َ
ن َ
شَراِء َواْلَبْيِع َوَم ْ
حِة ِفي ال ّ
سَما َ
سُهوَلِة َوال ّ
5صحيح – رواه البخاري في البيوعَ ،باب ال ّ
رقم 1934
131
حّتى ل َ فّرَقا أ َوْ َقا َ م ي َت َ َ ما ل َ ْ خَيارِ َ ن ِبال ْ ِ ل الل ّهِ ": ال ْب َي َّعا ِ سو ُ ل َر ُ َقا َ
ما وَك َذ ََبا ن ك َت َ َ ما وَإ ِ ْ ما ِفي ب َي ْعِهِ َ ك ل َهُ َ صد ََقا وَب َي َّنا ُبورِ َ ن َ فّرَقا فَإ ِ ْ ي َت َ َ
ما" . 1
ة ب َي ْعِهِ َ ت ب ََرك َ ُ ق ْ ح َ م ِ ُ
ثانًيا :التيسير على المعسر :
نل ُيداي ُ عن أبي هريرة أن رسول الله قال" :كان الرج ُ
ه
ل الل َ سرا ً فتجاَوز عنه ،لع ّ مع ِ ت ُ ه :إذا أتي َ ل لفتا ُ الناس ،فكان يقو ُ
ه َفتجاوََز عنه".2 ي الل َ ق َ أن َيتجاَوز عنا ..فل َ ِ
المطلب الثاني :نماذج سماحته في المعاملت
المالية :
ت: ة َقال ْ َ ش َ عائ ِ َ ن َ عَ ْ
َ َ
قس ٍ جَزائ َِر ب ِوَ ْ جُزوًرا أوْ َ ب َ ن اْلع َْرا ِ م ْ ل ِ ج ٍ ن َر ُ م ْ ل الل ّهِ ِ سو ُ اب َْتاع َ َر ُ
ل الل ّهِ سو ُ جعَ ب ِهِ َر ُ جوَة ُ -فََر َ خَرةِ ال ْعَ ْ مُر الذ ّ ِ خَرةِ -وَت َ ْ مرِ الذ ّ ِ ن تَ ْ م ْ ِ
ل اللهِ .. ّ سو ُ ج إ ِلي ْهِ َر ُ َ خَر َ ه ،فَ َ جد ْ ُ م يَ ِ مَر فَل َْ ه الت ّ ْ سل َُ م َ ْ
إ ِلى ب َي ْت ِهِ َوالت َ َ َ
َ
جَزائ َِر- جُزوًرا -أوْ َ ك َ من ْ َ ه َيا ع َب ْد َ الل ّهِ إ ِّنا قَد ْ اب ْت َعَْنا ِ ل " :ل َ ُ قا َ فَ َ
جد ْه ُ !" .. م نَ ِ سَناه ُ فَل َ ْ م ْ ةَ ،فال ْت َ َ خَر ِ مرِ الذ ّ ْ ن تَ ْ م ْ ق ِ س ٍ ب ِوَ ْ
ي َ :وا غ َد َْراه ُ !! َ ْ قا َ فَ َ
ل الع َْراب ِ ّ
َ
ل الل ّ ِ
ه سو ُ ه ! أي َغْد ُِر َر ُ ك الل ّ ُ س .وََقاُلواَ :قات َل َ َ ه الّنا ُ م ُ ت :فَن َهَ َ َقال َ ْ
؟!
قال " . ً م َ حقّ َ ْ
ب ال َ ح ِ صا ِ ن لِ َ عوه ُ ! فَإ ِ ّ ل اللهِ " : د َ ُ ّ سو ُ ل َر ُ قا َ فَ َ
من ْ َ
ك لَ " :يا ع َب ْد َ الّله ..إ ِّنا اب ْت َعَْنا ِ قا َ ل الل ّهِ فَ َ سو ُ ه َر ُ عاد َ ل َ ُ م َ ثُ ّ
َ
جد ْه ُ " م نَ ِ سَناه ُ فَل َ ْ م ْ ك َفال ْت َ َ مي َْنا ل َ َ س ّ ما َ عن ْد ََنا َ ن ِ نأ ّ ن ن َظ ُ ّ ح ُ ك وَن َ ْ جَزائ َِر َ َ
..
َ
ه! ك الل ّ ُ س وََقاُلوا َ :قات َل َ َ ه الّنا ُ م ُ ي َ :وا غ َد َْراه ُ ! ..فَن َهَ َ ل اْلع َْراب ِ ّ قا َ فَ َ
ل الل ّهِ ..؟ ! سو ُ َ
أي َغْد ُِر َر ُ
قاًل" .. م َ حقّ َ ب ال ْ َ ح ِ صا ِ ن لِ َ عوه ُ ! فَإ ِ ّ ل الل ّهِ " : د َ ُ سو ُ ل َر ُ قا َ فَ َ
ن أوْ ث ََلًثا . َ
ِ مّرت َي ْ ل الل ّهِ َ سو ُ ك َر ُ فََرد ّد َ ذ َل ِ َ
خوَي ْل َ َ ب إ َِلى ُ ل ل ِرجل م َ ما َرآه ُ َل ي َ ْ
ة حاب ِهِ " :اذ ْهَ ْ ص َ نأ ْ ه؛ َقا َ َ ُ ٍ ِ ْ ه ع َن ْ ُ ق ُ ف َ فَل َ ّ
بنت حكيم ب ُ
ن
كا َ ن َ ك إِ ْ ل لَ ِ قو ُ ل الل ّهِ ي َ ُ سو ُ ل ل ََها َر ُ ق ْ ة فَ ُ مي ّ َ نأ َ ِْ ِ َ ِ ِ ْ ِ
َ َ
شاَء ن َ ك ،إ ِ ْ ه إ ِلي ْ ِ حّتى ن ُؤ َد ّي َ ُ فيَناه ُ َ سل ِ ِ ة؛ فَأ ْ خَر ِ مرِ الذ ّ ِ ن تَ ْ م ْ سقٌ ِ ك وَ ْ عن ْد َ ِ ِ
ه " .. الل ّ ُ
دي َيا عن ْ ِ م هُوَ ِ ت :ن َعَ ْ لَ :قال َ ْ قا َ ل فَ َ ج ُ جعَ الّر ُ م َر َ ل ثُ ّ ج ُ ب إ ِل َي َْها الّر ُ فَذ َهَ َ
ه. ض ُ قب ِ ُ ن يَ ْ ْ م
ث َ هَ ،فاب ْعَ ْ ل الل ّ ِ سو َ َر ُ
َ
ه" . ذي ل َ ُ ب ب ِهِ فَأوْفِهِ ال ّ ِ ل " :اذ ْهَ ْ ج ِ ل الل ّهِ ِ للّر ُ سو ُ ل َر ُ قا َ فَ َ
َ
ه .. ذي ل َ ُ ب ب ِهِ فَأوَْفاه ُ ال ّ ِ فَذ َهَ َ
1صحيح -رواه البخاري 1937
2متفق عليه -البخاري برقم 1936
132
ل الل ّهِ وَهُوَ َ َ
س ِفي جال ِ ٌ سو ِ ي ب َِر ُ مّر اْلع َْراب ِ ّ ت عائشة :فَ َ َقال َ ْ
َ خيرا فَ َ َ َ
ت وَأط ْي َب ْ َ
ت. قد ْ أوْفَي ْ َ ه َ ًْ ك الل ّ ُ جَزا َ لَ : قا َ ه ،فَ َحاب ِ ِص َأ ْ
عَباد ِ الل ّهِ ِ
عن ْد َ خَياُر ِ ك ِ ل الل ّهِ ُ " : أول َئ ِ َ سو ُ ل َر ُ قا َ ت عائشة :فَ َ َقال َ ْ
ن".1 طيُبو َ
م ِ ن ال ْ ُ موُفو َ ة ،ال ْ ُ م ِ م ال ْ ِ
قَيا َ الل ّهِ ي َوْ َ
الفصل الرابع
رحمته للعالمين في مجال التشريع
1صحيح -رواه أحمد ،برقم ،25108وعبد الرزاق ،برقم ،15358وهو في السلسلة الصحيحة برقم 2677
133
المبحث الول
المرونة والتجديد
134
ومن هنا ظهر السلم في مرحلتنا المعاصرة كشريعة عالمية
إنسانية ،وكحل أمثل من الحلول المشتركة التي تطرحها فكرة
مستقبل النسان والمجتمع ..
ويقول "دافيد دي سانتيلنا" :
"لما كان الشرع السلمي يستهدف منفعة المجموع ،فهو
بجوهره شريعة تطورية غير جامدة خلًفا لشريعاتنا 1من بعض
الوجوه .ثم إنها علم ما دامت تعتمد على المنطق الجدلي..
وتستند إلى اللغة ..إنها ليست جامدة ،ول تستند إلى مجرد
العرف والعادة ،ومدارسها الفقهية العظيمة تتفق كلها على هذا
الرأي .فيقول أتباع المذهب الحنفي أن القاعدة القانونية ليست
بالشيء الجامد الذي ل يقبل التغيير .إنها ل تشبه قواعد النحو
والمنطق .ففيها يتمثل كل ما يحدث في المجتمع بصورة
2
عامة"..
135
في المجتمعات الخرى ،أو التفكك إلى عدة مجتمعات ،تتناقض
في الحقيقة و إن ظلت داخل مجتمع و احد في الصورة ..
بالثبات يستقر التشريع وتتبادل الثقة و تبنى المعاملت
والعلقات على دعائم مكينة ،وأسس راسخة ،ل تعصف بها
الهواء والتقلبات السياسية والجتماعية ما بين يوم و آخر ...
وبالمرونة ،يستطيع هذا المجتمع أن يكيف نفسه وعلقاته حسب
تغير الزمن ،وتغير أوضاع الحياة ،دون أن يفقد خصائصه و
مقوماته الذاتية..1
وإن المبدأين كليهما ) الثبات و التغير ( يعبران عما هو أكثر من
سمة من سمات هذا الدين؛ إنهما يعبران عن مكونات هذه
الشريعة ..فأحكام الشريعة نجدها تنقسم إلى قسمين
أساسيين :قسم يمثل الثبات و الخلود ،و قسم يمثل المرونة و
التطور ..ولكن ما هو مجال الثبات ومجال المرونة في شريعة
السلم ؟ و ما دلئل ذلك ..نبين ذلك في المطلب التالي.
المطلب الثالث :في مجال الثابت و مجال المتغير :
يقول ابن القيم ي يرحمه الله ي :
" الحكام نوعان :نوع ل يتغير عن حالة واحدة هو عليها ،ل
بحسب الزمنة و ل المكنة ،و ل اجتهاد الئمة ،كوجوب
الواجبات ،و تحريم المحرمات ،والحدود المقدرة بالشرع على
الجرائم ،و نحو ذلك ،فهذا ل يتطرق إليه تغيير ،و ل اجتهاد
يخالف ما ُوضع عليه .و النوع الثاني :ما يتغير بحسب اقتضاء
المصلحة له زمانا ً و مكانا ً و حال ً ،كمقادير التعزيرات .2" ..
ويبين الدكتور يوسف القرضاوي مجال الثابت و مجال المرن في
شريعة السلم على نحو أشمل فيقول .. " :إنه الثبات على
الهداف و الغايات ،والمرونة في الوسائل و الساليب ..الثبات
على الصول و الكليات ،والمرونة في الفروع والجزئيات ..الثبات
على القيم الدينية و الخلقية ،والمرونة في الشئون الدنيوية و
العملية".3
وإن للثبات والمرونة مظاهر و دلئل شتى ،نجدها في مصادر
السلم وشريعته وتاريخه..يتجلى هذا الثبات في المصادر
الصلية النصية القطعية للتشريع من كتاب الله ،وسنة رسوله
،فالقرآن هو الصل والدستور ،والسنة هي الشرح النظري،
والبيان العملي للقرآن ،وكلهما مصدر إلهي معصوم ،ل يسع
مسلما ً أن يعرض عنه ..وتتجلى المرونة في المصادر الجتهادية
136
التي اختلف فقهاء المة في مدى الحتجاج بها ما بين موسع
ومضيق ،ومقل ومكثر ،مثل الجماع ،والقياس ،والستحسان،
والمصالح المرسلة ،و أقوال الصحابة ،وشرع من قبلنا ،وغير ذلك
من مآخذ الجتهاد ،و طرائق الستنباط .1
137
والحسان إلى الجار ،وأداء المانات ،والحكم بالعدل وغيرها ..فل
يجوز لحد أن يسقط أو يلغي شيًئا من هذه الفرائض ،أو يتساهل
فيها ،ففرضيتها ثابتة في شريعة السلم ،ل تقبل نسخا ً و ل
ل ،ول يجوز أن تضيع في مجتمع تجميدا ً و ل تطويرا ً و لتعدي ً
مسلم ..و كذلك المحرمات اليقينية ،مثل :الشرك ،و القتل،
وأكل مال اليتيم ،وقذف المحصنات المؤمنات الغافلت ،و الزنا
و شرب الخمر ،والسرقة ،وأكل المال العام ،و شهادة الزور،
ونحوها ..فهذه كلها ثابتة ل تلين للعصور ،و ل ُيتهاون فيها يومًا،
فيفتي بحلها مجتهد ،أو يرخص فيها حاكم.1
فما عدا هذه الحدود و الفرائض و المحرمات المنصوص عليها ،
فهي ي كما سمها الهدي النبوي ي " :مسكوت عنها " رحمة
بالبشر ..
ويكلف الشرع ُ علماء المسلمين أن يستغلوا هذه النعمة العظمى
من المشرع – سبحانه وتعالى -؛ فعليهم أن يملئوا هذا الفراغ
التشريعي بكل جديد ونافع يتفق مع مقاصد الشريعة الغراء !
138
يكون بجوارها المصادر الجتهادية التجديدية ..و الدلة الظنية ..
لتتسع دائرة النظر والترجيح.
المطلب الخامس :صيانة الثابت و تجديد المرن:
هذا وصيانة الثابت في الشرع والحفاظ عليه واجب من
الواحبات ،تماما ً كما التجديد والجتهاد في المرن مأمور به !
وسوف نتناول الثابت وحفظه ،و المرن و تجديده ؛ من خلل
ثلة من المثلة المتنوعة من سنة النبي :
ل :يتمثل الثبات في رفضه التهاون أو التنازل في كل ما أو ً
يتصل بتبليغ الوحي أو يتعلق بكليات الدين ،و قيمه ،وأسسه
العقائدية والخلقية ..ومهما حاول المحاولون أن ُيثنوا عنانه عن
شيء من ذلك بالمساومات أو التهديدات ،أو غير ذلك من أنواع
التأثير على النفس البشرية ،فموقفه هو الرفض الحاسم ،الذي
علمه إياه القرآن في مواقف شتى ..فحين عرض عليه
المشركون أن يلتقوا في منتصف الطريق ،فيقبل شيئا ً من
عبادتهم ويقبلوا شيئا ً من عبادته ؛ أن يعبد آلهتهم مدة ،و يعبدوا
إلهه مدة ! كان الجواب الحاسم ؛ من رسول الله يحمله
الوحي الصادق ،في سورة قطعت كل المساومات و حسمت
ن ) (1ل َ كافُِرو َ ل ي َأ َي َّها ال ْ َ كل المفاوضات ،و هي قوله تعالى :قُ ْ
َ
د) (3وَل َ أَنآ َ َ َ َ
ما
عاب ِد ٌ ّ مآ أع ْب ُ ُن َ
دو َ عاب ِ ُ
م َ ن ) (2وَل َ أنت ُ ْ دو َما ت َعْب ُ ُ
أع ْب ُد ُ َ
َ َ
ن
ي ِدي ِ م وَل ِ َ م ِدين ُك ُ ْ د) (5ل َك ُ ْ
مآ أع ْب ُ ُ ن َ دو َ عاب ِ ُ م ) (4وَل َ أنت ُ ْ
م َ ع ََبدت ّ ْ
]سورة الكافرون[ .
139
بأروع صورها ..تتجلى في قوله في ذلك اليوم " :و الله ل
تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني فيها صلة الرحم إل
أعطيتهم إياها" .1و في قبوله أن يكتب في عقد الصلح " :
باسمك اللهم " بدل " :بسم الله الرحمن الرحيم " ..2وهي
تسمية رفضتها قريش !..و في قبوله من الشروط ما في
ظاهره إجحاف بالمسلمين ،و إن كان عاقبته الخير ..كل
الخير ..
1صحيح ـ البخاري ) ( 974\2و أبو داود ) (93\2و أحمد ) ،(323\4وابن حبان ) (211\16
2ابن كثير :البداية و النهاية ،175\4وابن جرير :تاريخ الطبري ، 122\2و مختصر سيرة الرسول
3انظر :يوسف القرضاوي :الخصائص العامة للسلم ،ص ص . 212 – 209
4صحيح ـ عن عائشة :رواه البخاري ) ،(959 \2ومسلم ).(1343 \3
5صحيح ـ من حديث العرباض بن سارية :رواه أبو داود ) ،(610 \2والترمذي ) ،(44 \5وأحمد)،(126 \4
والدارمي في سننه) ،(57 \1والحاكم في المستدرك ) ،(174 \1وصححه اللباني في الجامع الصغير)،(432
والمشكاة ) (36 \2والصحيحة) (238 \6وصحيح الترغيب ).(10\1
140
ن ب ِهِ
ل ت ُْره ُِبو َ خي ْ ِ ط ال ْ َ من ّرَبا ِ من قُوّةٍ وَ ِ م ّ ست َط َعْت ُ ْ ما ا ْ م ّ دوا ْ ل َهُ ْ ع ّ وَأ َ ِ
مام وَ َ ه ي َعْل َ ُ
مه ُ ْ م الل ّ ُ مون َهُ ُ م ل َ ت َعْل َ ُ دون ِهِ ْ
من ُ ن ِ ري َ ِ خ م َوآ َ ع َد ْوّ الل ّهِ وَع َد ُوّك ُ ْ
َ
ن مو َ م ل َ ت ُظ ْل َ ُ م وَأن ْت ُ ْف إ ِل َي ْك ُ ْ
ل الل ّهِ ي ُوَ ّ سِبي ِ يٍء ِفي َ ش ْ من َ قوا ْ ِ ف ُ
ُتن ِ
]النفال [ 60 :و مثل سائر الصناعات الحربية و المدنية
َ
ه
ديد َ ِفي ِ ح ِ المختلفة ؛ التي تشير إليها الية الكريمة :وَأنَزل َْنا ال ْ َ
س ] الحديد . [25 :و لهذا رأيناه نا لل ع فنا م و د دي شَ س بأ ْ
ِ ّ ِ ُ ِ َ َ َ ٌ ِ ٌ َ
يحفر الخندق حول المدينة في معركة الحزاب ،ويستخدم
المنجنيق في معركة الطائف ،و يحث على النتاج الحربي حتى
يجعل صانع السهم كالمجاهد الرامي في استحقاق المثوبة عند
الله ،و يحذر المة أن تكتفي بالزرع وتتبع أذناب البقر. .1
المبحث الثاني
الوسطية والعتدال
المطلب الول :شهادة علماء الغرب:
يقول "ول ديورانت" -عن النبي :
"أوجد بين المسلمين ..درجة من العتدال والبعد عن الشهوات
لم يوجد لها نظير في أية بقعة من بقاع العالم".3
وهذه الخاصية تعني أن محمدا ً في نظرته للمور وعلجه
طا ل إفراط فيه ول تفريط . للمشكلت يقف موقفا وس ً
4
" وهذا العتدال بدوره يمهد السبيل نحو تقدم الفراد والمجتمع"
على حد قول ماري أوليفر .
فالعتدال والتوسط في كل شيء – كما يقول "علي يول" – "
هما الفكرة الساسية للسلم". 5
والحق – كما يقول جورج سارتون -أن ما يتميز به الشرع
السلمي من "البساطة والعتدال ،يسّر لي إنسان في أي
1انظر :يوسف القرضاوي :الخصائص العامة للسلم ص 217 ، 216
2صحيح ـ من حديث أنس :رواه مسلم ).(1836 \4
3ول ديورانت :قصة الحضارة ،ص . 69 – 68 / 13
4انظر :عرفات كامل العشي :رجال ونساء أسلموا 144 / 4 ،
5انظر :عرفات كامل العشي :رجال ونساء أسلموا . 128 / 4 ،
141
1
موطن ،أن يتقبله وينفذ إلى روحه وجوهره منذ اللحظة الولى"
!
كما أن الشريعة السلمية هي أنجح الشرائع في الجمع بين ما
هو روحي وما هو مادي ..والتوازن بينهما ..
ولقد ُأعجب بهذا التوازن الباحث الهولندي الدكتور ميليما بين
2
1جورج سارتون :الشرق الدنى :مجتمعه وثقافته ) بإشراف كويلر يونغ ( ،ص 140
2الباحث الهولندي ومؤلف عدد من الكتب السلمية بالهولندية .انتمى للسلم عام 1955خلل رحلة له إلى
باكستان بعد تأمل وبحث .
3عرفات كامل العشي :رجال ونساء أسلموا 125 – 124 / 6 ،
4اميل درمنغم :حياة محمد ،ص .298 – 297ولم أبحث في صحة هذه القصة .
5صحيح – رواه البخاري ) .(6/116ومسلم بمعناه ) (2/1020رقم .1401
6صحيح – رواه البخاري ) .(173 ،1/172ومسلم ) (1/340رقم 467 ،466
142
ن الله عن تعذيب "ما بال هذا؟" .قالوا :نذر أن يمشي ،قال " :إ ّ
هذا لنفسه لغني" .وأمره أن يركب.. 1
ودخل مّرة المسجد فإذا حبل ممدود بين ساريتين فقال :ما هذا
الحبل؟ فقالوا :حبل لزينب ،فإذا فترت تعّلقت به ،فقال" : ،
ل أحدكم نشاطه فإذا فتر فليقعد "..2 حّلوه ،ليص ّ
وعن ابن عّباس -رضي الله عنهما -قال :قال رسول الله" : ،
ديندين فإّنما أهلك من كان قبلكم الغلوّ في ال ّ إّياكم والغلوّ في ال ّ
".. 3
وعن ابن مسعود قال :قال رسول الله " : ،هلك
طعون !!!" قالها ثلًثا. 4 المتن ّ
وعن أنس بن مالك أن رسول الله ،كان يقول " : :ل
ددوا على ما ش ّ
ن قو ً دد الله عليكم ،فإ ّ
شددوا على أنفسكم فيش ّ تُ ّ
ديارات صوامع وال ّ دد الله عليهم ،فتلك بقاياهم في ال ّ أنفسهم فش ّ
5
رهبانّية ابتدعوها ما كتبناها عليهم " .
المطلب الثالث :وسطية السلم في الحكام:
إن الشرع السلمي وسط في أحكامه وأنظمته القانونية
والجتماعية ،وبما في ذلك المجالت السرية والمدنية والجنائية
والدولية : ..
فهو وسط في التحليل والتحريم بين اليهودية التي بالغت في
محّرمات.وبين النصرانية التي أسرفت التحريم ،وكثرت فيها ال ُ
في الباحة ،حتى أحلت الشياء المنصوص على تحريمها في
التوراة ،مع أن النجيل يعلن أن المسيح لم يجئ لينقض ناموس
التوراة ،بل ليكمله . 6ومع هذا أعلن رجال النصرانية أن كل شيء
ل وحّرم ،ولكنه لم يجعل طاهر للطاهرين .7فالسلم قد أح ّ
التحليل ول التحريم من حق بشر ،بل من حق الله وحده ،ولم
ُيحرم إل الخبيث الضار ،كما لم ُيحل إل الطيب النافع ،ولهذا كان
143
م الط ّي َّبا ِ
ت ل ل َهُ ُ من أوصاف الرسول عند أهل الكتاب أنه :ي ُ ِ
ح ّ
تكان َ ْ ل الِتي َّ غل َ م َواْل َ ْ
صَرهُ ْ م إِ ْ
ضعُ ع َن ْهُ ْ
ث وَي َ َ م ال ْ َ
خَبائ ِ َ م ع َل َي ْهِ ُ
حّر ُوَي ُ َ
م] العراف[157 : ع َل َي ْهِ ْ
والتشريع السلمي وسط في شؤون السرة ،كما هو وسط في
شؤونه كلها ،وسط بين الذين شرعوا تعدد الزوجات بغير عدد ول
قيد ،وبين الذين رفضوه وأنكروه ولو اقتضته المصلحة وفرضته
الضرورة والحاجة.
فقد شرع السلم الزواج بشرط القدرة على الحصان والنفاق،
والثقة بالعدل بين الزوجتين ،فإن خاف أل يعدل ،لزمه القتصار
فت َ
دة ح َ م أّل ت َعْد ُِلوا فَ َ
وا ِ خ ْ ُ ْ
ن ِ على واحدة ،كما قال تعالى :فَإ ِ ْ
]النساء :الية . [3
وهو وسط في الطلق بين الذين حّرموا الطلق ،لي سبب كان،
ولو استحالت الحياة الزوجية إلى جحيم ل يطاق ،كالكاثوليك..
خو الِعنان في أمر الطلق ،فلم يقيدوه بقيد ،أو وبين الذين أ َْر َ
شرط ،فمن طلب الطلق من امرأة أو رجل كان أمره بيده،
وبذلك سهل هدم الحياة الزوجية بأوهى سبب ..أما الشرع
السلمي فقد شرع الطلق ،عندما تفشل كل وسائل العلج
الخرى ،ول يجدي تحكيم ول إصلح ،ومع هذا فهو أبغض الحلل
مطّلق مرة ومرة أن يراجع مطلقته ويعيدها إلى الله ،ويستطيع ال ُ
1
إلى حظيرة الزوجية من جديد .
المبحث الثالث
التيسير
المطلب الول – شهادة علماء الغرب :
تتحدث الباحثة ماري أوليفر 2عن مظهر التيسير باعتباره مظهر
من مظاهر الرحمة لنبي السلم ،فتبين أن الشريعة السلمية
التي نادى بها محمد هي تشريعات "بسيطة سهلة يستطيع
1انظر :يوسف القرضاوي :الخصائص العامة للسلم 133،وما بعدها ،وانظر له :الوسطية ودور العلم في
إبرازها ،بحث مقدم لندوة اقرأ الفقهية )رمضان 1427هـ(
2ماري أوليفر :باحثة نصرانية درست البوذية والهندوسية ،و انتهى بها المطاف إلى السلم ،حيث اعتنقته مؤمنة
بأنه الدين الوحيد الذي يستجيب لمطالب النسان.
144
كل إنسان أن يفهمها بكل يسر .فالسلم يؤكد في تعاليمه أن
على الناس أن يفكروا وأن يستخدموا عقولهم في المور
الدينية"..1
كذلك يبين جورج سارتون أن الشريعة السلمية تمتاز بي"
السماحة والبساطة والعتدال" وهي – على حد قوله " يسّر لي
إنسان في أي موطن..2"..
كما أن الشرع السلمي الحنيف كما يقول آتيين دينيه " :يستبين
ما قاطًعا ول يأمر به أمًرا أقرب أنواع العلج ،فل يحكم فيه حك ً
باّتا".3
ويبين -آتيين دينيه -أن الشرع السلمي ل يتعارض ول يتصادم
مع الطبيعة ،لنه شرع يسير ،فهو " يساير قوانينها ] أي الطبيعة [
ويزامل أزمانها ،بخلف ما تفعل الكنيسة من مغالطة الطبيعة
ومصادمتها في كثير من شؤون الحياة ،مثل ذلك الغرض الذي
تفرضه على أبنائها الذين يتخذون الرهبنة ،فهم ل يتزوجون وإنما
يعيشون غرباء .على أن السلم ل يكفيه أن يساير الطبيعة وأن
ل يتمرد عليها؛ وإنما هو ُيدخل على قوانينها ما يجعلها أكثر قبول ً
ضا ميسور مشكور ،حتى قا في إصلح ،ونظام ،ور ً وأسهل تطبي ً
لقد سمي القرآن لذلك )بالهدى( لنه المرشد إلى أقوم مسالك
الحياة ،والمثلة العديدة ل تعوزنا ،ولكنا نأخذ بأشهرها ،وهو
التساهل في سبيل تعداد الزوجات". 4
المطلب الثاني :نماذج التيسير :
يتحدث القرآن الكريم عن صفات النبي المي محمد المكتوبة
صفته في التوراة والنجيل ،ويبين أن من أهم صفات محمد
أنه ييسر على الناس في الحكام الشرعية ،فقال الله تعالى :
5
م ت ع َل َي ْهِ ْ ل ال ِّتي َ
كان َ ْ م َواْل َ ْ
غل َ صَرهُ ْ
م إِ ْ وَي َ َ
ضعُ ع َن ْهُ ْ
فمحمد " يضع عمن يؤمنون به من بني إسرائيل الثقال
والغلل التي علم الله أنها ستفرض عليهم بسبب معصيتهم ،
فيرفعها عنهم النبي المي حين يؤمنون به" .6
والله تعالى -وهو الرحيم بعباده -ل يكلف نفسا ً إل وسعها ،وقد
كمامتن على عباده بهذا التيسير ؛قال تعالى ُ :يريد الله ب ِ ُ
سر ]البقرة. [185 : سر ول ُيريد ُ ب ِ ُ
كم العُ ْ الي ُ ْ
1انظر :عرفات كامل العشي :رجال ونساء أسلموا . 145 – 144 / 4 ،
2جورج سارتون :الشرق الدنى :مجتمعه وثقافته ) بإشراف كويلر يونغ ( ،ص 140
3
آتيين دينيه :أشعة خاصة بنور السلم ،ص . 31
4آتيين دينيه :أشعة خاصة بنور السلم ،ص . 31
5سورة العراف :الية 157
6سيد قطب :في ظلل القرآن ،سورة العراف ،تفسير الية 157
145
ومن اليسر إعفاء النساء من وجوب صلة الجمعة والجماعة
وإعفاء الصغير ،والمجنون ،والنائم من سريان الحكام التكليفية
عليهم ،والحدود ،وبعض حقوق العباد كحق القصاص ،وحق حد
القذف ،فقد اشترط فيها جميعا ً البلوغ والعقل ،واشترط في حد
الزنى أربعة شهود تقليل ً لحالت وجوب الحد ،تخفيفا ً وتيسيرًا،
واشترط للرجم لشدته الحصان تخفيفا ً عن غير المحصن،
واستثنى الولي الفقير من عدم جواز الكل من مال اليتيم ؛
تخفيفا ً عنه ،فقد أذن له أن يأكل ولكن بالمعروف ،1ونماذج أخرى
كثيرة.
ولقد كان النبي كمشرع يسعى إلى التيسير على الناس في
الحكام ما استطاع إلى ذلك سبيل ً ..والمواقف كثيرة في سنته
وسيرته وقد كان يتفادى ما يكون سببا ً لتكاليف جديدة قد
تشق على المسلمين ،وكان يتجنب أن يفعل شيئا ً يكون فيه
مشقة وحرج على المسلمين ،2فهم يتتبعون أفعاله ليتأسوا ..
فمن ذلك أنه كان يحث أصحابه على ترك السئلة الفقهية
المعقدة ،أو التي ل ينبني عليها عمل ،لئل ً تفرض عليهم فرائض
بسبب سؤالهم .فقد سأله رجل عن الحج :أفي كل عام هو؟
3
فقال ":لو قلت نعم لوجبت ،ولما استطعتم ،ذروني ما تركتكم"
.
146
وعن قالت عائشة :خرج النبي من عندي وهو مسرور طيب
ة وَل َ ْ
و ت ال ْك َعْب َ َ
خل ْ ُ
النفس ثم رجع إلي وهو كئيب ،فقال " :إ ِّني د َ َ
ن َ
نأ ُ َ َ
خل ْت َُها إ ِّني أ َ قبل ْت م َ
كو َ فأ ْ خا ُ ما د َ َ
ت َ
ست َد ْب َْر ُ
ما ا ْ
ري َ م ُِ
نأ ْ ست َ ْ َ ُ ِ ْ
ا ْ
1
مِتي" . َ
ت ع َلى أ ّ ق ُ
ق ْ قَد ْ َ
ش َ
فكونه قد دخل الكعبة ،يخشى أن يشق بهذا العمل على
المسلمين ،فهذا العمل شاق ،وغير متاح لكل الناس ..
سو َ
ل َ
ن َر ُ وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ،أ ّ
الل ّه وقَف في حجة ال ْوداع بمنى للناس ي َ
ج ٌ
ل جاَءه ُ َر ُ ه فَ َ سأُلون َ ُ َ ّ ِ َ َ ِ ِ ِ ً ِ ّ ِ َ ْ َ َ ِ ِ
َ ح ! فَ َ َ َ ت قَب ْ َ َ َ َ
ج" حَر َ ح وَل َ ل " :اذ ْب َ ْ قا َ ن أذ ْب َ َ لأ ْ ق ُ حل ْ شعُْر فَ َ مأ ْ ل:ل ْ قا َ فَ َ
ل " :اْرم ِ وََل َ َ َ
يَ ،قا َ م َ ن أْر ِ لأ ْ ت قَب ْ َ حْر ُ شعُْر فَن َ َ مأ ْ ل :ل َ ْ قا َ خُر فَ َ جاَء آ َ فَ َ
خَر إ ِّل َقا َ ُ
م وََل أ ّ
ل": يٍء قُد ّ َ ش ْ ن َ ي عَ ْ ل الن ّب ِ ّ سئ ِ َ ما ُ ج " ،فَ َ حَر َ َ
2
ج !" . حَر َ ل وَل َ َ افْعَ ْ
المطلب الثالث :حثه على التيسير:
دين يسر ولن يشاد ّ ن ال ّ قال النبي مب َي ًّنا طبيعة هذا الدين " :إ ّ
3
ددوا وقاربوا وأبشروا ".. دين أحد إل غلبه ،فس ّ ال ّ
وقال ابن عباس : قيل للنبي :يا رسول الله! أي الديان
سمحة"..4 ب إلى الله؟ قال" :الحنيفّية ال ّ أح ّ
ما بعثهما إلى اليمن: وقال لمعاذ بن جبل وأبي موسى الشعري ل ّ
5
فرا".. شرا ول ت ُن َ ّ سرا وب َ ّ سرا ول ُتع ّ " يَ ّ
وعن عروة الفقيمي قال :كّنا ننتظر النبي ،فخرج يقطر
صلة جعل الّناس ما قضى ال ّ رأسه من وضوء أو غسل فصّلى ،فل ّ
يسألونه :يا رسول الله! أعلينا من حرج في كذا ،فقال رسول
ن دين ل -في يسر ،إ ّ ن دين الله -عّز وج ّ الله" ،ل أّيها الّناس :إ ّ
6
ل -في يسر" ن دين الله -عّز وج ّ ل -في يسر ،إ ّ الله -عّز وج ّ
ي
خي َّر الن ّب ِ ّ ما ُ وجاء في وصفه عن عائشة رضي الله عنها قالتَ " :
ْ َ بي َ
ن
كا َ م َ ن اْل ِث ْ ُ كا َ ذا َ م فَإ ِ َ م ي َأث َ ْ ما ل َ ْ ما َ سَرهُ َ خَتاَر أي ْ َ ن إ ِّل ا ْ مَري ْ ِ نأ ْ َْ َ
ّ َ ّ َ
حّتى يٍء ي ُؤ َْتى إ ِلي ْهِ قَط َ ش ْ سهِ ِفي َ ف ِ م ل ِن َ ْ ق َما ان ْت َ َ ه َواللهِ َ من ْ ُ ما ِ أب ْعَد َهُ َ
ه ". 7 م ل ِل ّ ِ ق ُ ت الل ّهِ فَي َن ْت َ ِ ما ُ حُر َ ك ُ ت ُن ْت َهَ َ
ن خير دينكم أيسره".8 ن خير دينكم أيسره ،إ ّ و قال " ،إ ّ
1رواه أبو داود ،باب في دخول الكعبة برقم .1734والترمذي برقم ،799وابن ماجة 3055
غْيِرَها ،برقم .81
عَلى الّداّبِة َو َ ف َ 2صحيح -رواه البخاريَ ،باب اْلُفْتَيا َوُهَو َواِق ٌ
سٌر ،رقم 38 ن ُي ْ 3صحيح -البخاريَ ،باب الّدي ُ
4حسن – رواه أحمد ) .(1/236والبخاري معلًقا ) .(1/15وحسن الحافظ إسناده في الفتح ).(1/117
5صحيح -البخاري ) .(5/108ومسلم ) (3/1359رقم ).(1733
6رواه أحمد ) .(5/69قال الهيثمي في المجمع )(1/67؛ :رواه أحمد والطبراني في الكبير وأبو يعلى وفيه عاصم
بن هلل ،وثقه أبو حاتم وأبو داود ،وضعفه النسائي وغيره .قال الحافظ في التقريب ص ) :(286فيه لين
ل ،رقم . 6288 ت ا ِّ
حُرَما ِ لْنِتَقاِم ِل ُ
حُدوِد َوا ِ
7صحيح -رواه البخاريَ ،باب ِإَقاَمِة اْل ُ
8قال الهيثمي في المجمع ) :(4/18رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح
147
مة اليسير وكره لها ن الله تعالى رضي لهذه ال ّ وقال " : ،إ ّ
العسير".1
ن رسول الله ،قال " :إ ّ
ن الله وعن عائشة -رضي الله عنها -أ ّ
2
سًرا "
ما مي ّ ّ
لم يبعثني معن ًّتا ول متعن ًّتا ،ولكن بعثني معل ً
المبحث الرابع
الرخص الشرعية
المطلب الول :الرخص الشرعية :ماهيتها وشرعيتها
:
من مظاهر رحمة نبينا الكريم في التشريع ،ما شرعه من
رخص لصحاب العذار ،عند تطبيقهم للحكام الشرعية ..
والرخصة في اللغة معناها اليسر والسهولة .وفي الشريعة:
عبارة عما وسع للمكلف في فعله لعذر ،وعجز عنه مع قيام
ما" ،3كتناول حَرا ً معَ ك َوْن ِهِ َ ص ِفيهِ َ خ َ ما أ ُْر ِ السبب المحرم .أو " َ
الميتة عند الضطرار ،وسقوط أداء صيام رمضان عن المسافر.
وهو المعنى الحقيقي للرخصة .ويقابلها العزيمة .
وقد شرع السلم الرخص لرفع الضيق المؤدي في الغالب إلى
الحرج والمشقة لفقدان المصالح الضرورية .ورفع الحرج مقصد
من مقاصد الشريعة وأصل من أصولها ،فإن الشارع لم يكلف
الناس بالتكاليف والواجبات لعناتهم أو تحصيل المشقة عليهم .
وقد دل على ذلك القرآن والسنة وانعقد الجماع على ذلك .فمن
القرآن قوله تعالى :ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن
يريد ليطهركم ] المائدة [6:
ضط ُّر نا ْ م ِوضرب القرآن مثال ً للرخصة في قوله تعالى :فَ َ
م ] المائدة : حي ٌ فوٌر ّر ِ ه غَ ُ ن الل ّ َ ف ّل ِث ْم ٍ فَإ ِ ّ جان ِ ٍ مت َ َصةٍ غ َي َْر ُ م َ خ َ م ِْفي َ
.. [3
فمن ذلك الفطار في السفر أيام رمضان ،وقصر الصلة
المفروضة في السفر ،فتصلي الصلة الرباعية بركعتين فقط
حال السفر .والمسح على الخفين في الوضوء ،والتيمم بالتراب
إذا ُفقد الماء للوضوء أو إذا كان المسلم مريضًا ..كما في قوله
َ َ َ
من كم ّ من ُحد ٌ ّجاء أ َ سفَرٍ أوْ َ ضى أوْ ع ََلى َ مْر َ كنُتم ّ تعالى :وَِإن ُ
صِعيدا ً ط َّيبا ً َ
موا ْ َ م ُماء فَت َي َ ّ دوا ْ َ ج ُم تَ ِ ساء فَل َ ْ م الن ّ َ ست ُ ُ
م ْط أوْ ل َ َ ال َْغآئ ِ ِ
فورا ً] النساء : فوّا ً غ َ ُ َ
ن عَ ُ كا َ ه َ ن الل ّ َ م إِ ّ ديك ُ ْم وَأي ْ ِ جوه ِك ُ ْ حوا ْ ب ِوُ ُ س ُ م ََفا ْ
[43
1قال الهيثمي في المجمع ) :(4/18رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح.
2صحيح – رواه مسلم ) (2/1105رقم ).(1478
3الغزالي :المستصفى ص . 194
148
وفي الرخص الشرعية ..قال النبي " :إن الله يحب أن تؤتى
رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته" ..1وفي رواية " :كما يحب أن
تؤتى عزائمه".. 2
المطلب الثاني :نماذج الرخص الشرعية :
ل: خد ْرِيّ َ قا َ سِعيد ٍ ال ْ ُ عن أبي َ
مْنزًل، م ،فَن ََزل َْنا َ صَيا ٌ ن ِ ح ُ ة وَن َ ْ مك ّ َ ل الل ّهِ إ َِلى َ سو ِ معَ َر ُ سافَْرَنا َ َ
َ ْ ْ ّ
وى فطُر أقْ َ م َوال ِ ن ع َد ُوّك ُ ْ م ْ م ِ م قَد ْ د َن َوْت ُ ْ ل اللهِ " : إ ِن ّك ُ ْ سو ُ ل َر ُ قا َ فَ َ
م" . ل َك ُ ْ
من ْزًِل ة ..فَمنا من صام ومنا م َ
م ن ََزل َْنا َ ن أفْط ََر ،ث ُ ّ ِ ّ َ ْ َ َ َ ِ ّ َ ْ ص ً خ َ ت ُر ْ كان َ ْ فَ َ
َ
م " .. وى ل َك ُ ْ فط ُْر أقْ َ م َوال ْ ِ حو ع َد ُوّك ُ ْ صب ّ ُ م َ م ُ ل " :إ ِن ّك ُ ْ قا َ خَر فَ َ آ َ
فَأفْط ُِروا .. 3 َ
ل: س َ قا َ و عَ َ
ٍ ن أن َ ْ
م ز ح ت َ ف ض، ع ب ر َ ط ْ ف فر فَصام بعض وأ َ َ س في ه ّ ل ال ُ
ل سو َ
َ َ ّ َ َ َْ ٌ َ َ َْ ٌ َ َ ٍ ِ ِ ن َ ُ ر كا َ
قا َ
ل ل ،فَ َ م ِ ض ال ْعَ َ ِ ن ب َعْ م عَ ْ وا ُ ص ّ ف ال ّ ضعُ َ مُلوا ،وَ َ ن وَع َ ِ فط ُِرو َ م ْ ال ْ ُ
4
ر" ِ م ِباْل َ ْ
ج ن ال ْي َوْ َ فط ُِرو َ م ْ ب ال ْ ُ ك " :ذ َهَ َ رسول اللهِ في ذ َل ِ َ
َ َ َ
جد ُ ِبي ل الل ّهِ أ ِ سو َ لَ :يا َر ُ ه َقا َ ي أن ّ ُ م ّ سل َ ِ رو اْل ْ م ٍ ن عَ ْ مَزة َ ب ْ ِ ح ْ ن َ وع َ ْ
ل الل ّ ِ
ه سو ُ ل َر ُ قا َ ح ؟ فَ َ جَنا ٌ ي ُ ل ع َل َ ّ ر ،فَهَ ْ ِ س َ
ف صَيام ِ ِفي ال ّ قُوّة ً ع ََلى ال ّ
خذ َ ب َِها ن أَ َ م ْ ن الل ّهِ فَ َ م ْ ة ِ ص ٌ خ َ ي ُر ْ م " :هِ َ سل ّ َ ه ع َل َي ْهِ وَ َ صّلى الل ّ ُ َ
َ َ
5
ه" ح ع َل َي ْ ِ جَنا َ م فََل ُ صو َ ن يَ ُ بأ ْ ح ّ نأ َ م ْ ن ،وَ َ س ٌ ح َ فَ َ
ما: ه ع َن ْهُ َ ي الل ّ ُ ض َ ص َر ِ ِ ن ال َْعا ِ رو ب ْ ِ م
ن عَ ْ وعن ع َب ْد ُ الل ّهِ ب ْ ُ
م الن َّهاَر صو ُ ك تَ ُ خب َْر أ َن ّ َ م أُ ْ َ
ل الل ّهِ َ " :يا ع َب ْد َ الل ّهِ أل َ ْ سو ُ ل ِلي َر ُ َقا َ
ل! فعَ ْ ل " :فََل ت َ ْ ل الل ّهِ َ .قا َ سو َ ت :ب ََلى َيا َر ُ قل ْ ُ ل؟ " فَ ُ م الل ّي ْ َ قو ُ وَت َ ُ
ن ل ِعَي ْن ِ َ ك ع َل َي ْ َ سد ِ َ َ
ك قا ،وَإ ِ ّ ح ّك َ ج َ ن لِ َ م ،فَإ ِ ّ م وَن َ ْ م وَأفْط ِْر ،وَقُ ْ ص ْ ُ
نقا ،وَإ ِ ّ ح ّ َ َ
ن ل َِزوْرِك ع َلي ْك َ َ قا ،وَإ ِ ّ ح ّ َ
جك ع َلي ْك َ َ َ ن ل َِزوْ ِ قا ،وَإ ِ ّ ح ّ ع َلي ْك َ َ َ
ك ب ِك ُ ّ ن لَ َ َ شهْرٍ ث ََلث َ َ م كُ ّ َ سب ِ َ
شَر سن َةٍ ع َ ْ ح َ ل َ م؛ فَإ ِ ّ ة أّيا ٍ ل َ صو َ ن تَ ُ كأ ْ ح ْ بِ َ
َ
ه" .. م الد ّهْرِ ك ُل ّ ِ صَيا ُ ك ِ ن ذ َل ِ َ مَثال َِها فَإ ِ ّ أ ْ
ه ،إ ِّني ل الل ّ ِ سو َ ت َ :يا َر ُ ي .قُل ْ ُ شد ّد َ ع َل َ ّ ت فَ ُ شد ّد ْ ُ قال عبدالله :فَ َ
ة. جد ُ قُوّ ً َ
أ ِ
سَلم ،وََل ت َزِد ْ ع َل َي ْهِ " . داوُد َ ع َل َي ْهِ ال ّ ي الل ّهِ َ م ن َب ِ ّ صَيا َ م ِ ص ْ ل " :فَ ُ َقا َ
سَلم. داوُد َ ع َل َي ْهِ ال ّ ي الل ّهِ َ م ن َب ِ ّ صَيا ُ ن ِ كا َ ما َ ت :وَ َ قُل ْ ُ
ف الد ّهْرِ " .. ص َ ل ":ن ِ ْ َقا َ
1رواه أحمد عن ابن عمر ،برقم ، 5600وابن حبان ،وقال شعيب الرنؤوط :إسناده قوي ،وقال اللباني في
الرواء) : (564صحيح
ضا .وقال اللباني في
2رواية في المعجم الوسط ،للطبراني ،برقم 8263وصحيح ابن حبان وإسنادها قوي أي ً
صحيح الترغيب والترهيب ) : (1060صحيح .
ل ،رقم 1888 سَفِر ِإَذا َتَوّلى اْلَعَم َطِر ِفي ال ّجِر اْلُمْف ِ 3صحيح – رواه مسلم َ ،باب َأ ْ
ل1887 ، سَفِر ِإَذا َتَوّلى اْلَعَم َطِر ِفي ال ّجِر اْلُمْف ِ 4صحيح – رواه مسلمَ ،باب َأ ْ
سَفِر1891 ، طِر ِفي ال ّ صْوِم َواْلِف ْ
خِييِر ِفي ال ّ 5صحيح – رواه مسلمَ ،باب الّت ْ
149
ي .1 ة الن ّب ِ ّ ص َخ َ ت ُر ْ ما ك َب َِر َيا ل َي ْت َِني قَب ِل ْ ُ ل :ب َعْد َ َ قو ُ ن ع َب ْد ُ الل ّهِ ي َ ُ كا َ فَ َ
ل: جاب ِرٍ َقا َ ن َ وع َ ْ
ْ َ
حت َل َ َ
م ما ْ سه ِ ث ُ ّ ه ِفي َرأ ِ ج ُ ش ّ جٌر فَ َ ح َ مّنا َ جًل ِ ب َر ُ صا َ فرٍ فَأ َ س َ جَنا ِفي َ خَر ْ َ
ه فَ َ َ َ
م؟م ِ ة ِفي الت ّي َ ّ ص ً خ َ ن ِلي ُر ْ دو َ ج ُ ل تَ ِ ل :هَ ْ قا َ حاب َ ُ ص َ لأ ْ سأ َ فَ َ
َ
لس َ ماِء َ .فاغ ْت َ َ قد ُِر ع ََلى ال ْ َ ت تَ ْ ة وَأن ْ َ ص ً خ َ ك ُر ْ جد ُ ل َ َ ما ن َ ِ قاُلوا َ : فَ َ
ُ
ل " :قَت َُلوهُ قا َ ك ،فَ َ خب َِر ب ِذ َل ِ َ ي ،أ ْ مَنا َع ََلى الن ّب ِ ّ ما قَد ِ ْ ت .فَل َ ّ ما َ فَ َ
َ
ل. ؤا ُ س َ ي ال ّ فاُء ال ْعِ ّ ش َ ما ِ موا فَإ ِن ّ َ م ي َعْل َ ُ سأُلوا إ ِذ ْ ل َ ْ ه !! أَل َ م الل ّ ُ قَت َل َهُ ْ
َ َ
خْرقَ ً
ة حه ِ ِ جْر ِ ب -ع ََلى ُ ص َ صَر -أوْ ي َعْ ِ م وَي َعْ ِ م َ ن ي َت َي َ ّ فيهِ أ ْ ن ي َك ْ ِ كا َ ما َ إ ِن ّ َ
2
ه" . سد ِ ِ ج َ سائ َِر َ ل َ س َ ح ع َل َي َْها وَي َغْ ِ س َ م َ م يَ ْ ثُ ّ
حّتى يقول كلمة الكفر، ماًرا فَعَذ ُّبوه ُ َ ن عَ ّ كو َ شرِ ُ م ْ خذ َ ا ل ْ ُ ولقد أ َ َ
َ
ي ،وقال له : ك إ َِلى الن ّب ِ ّ كى ذ َل ِ َ ش َ دوا ،فَ َ ما أَرا ُ م ِفي ب َْعض َ وَقاَرب َهُ ْ
ل– جعَ َ ما ُتركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير ..وبكى .فَ َ
3
ه ،4وقال له :ك َْيف موع ع َن ْ ُ سح الد ّ ُ م َ صلوات ربي وسلمه عليه -ي َ ْ
دوا فَعُد ْ " . ل ":فَإ ِ ْ ن َ ،قا َ مئ ِّنا ِبا ْ ِ مط ْ َ جد قَْلبك ؟ َقا َ
5
عا ُ ن َ ما ِ لي َ لُ : تَ ِ
ن
م ْ مان ِهِ إ ِل ّ َ من ب َعْد ِ إي َ فَر ِبالل ّهِ ِ من ك َ َ ول الّله ت ََعاَلىَ : وفيه نزل َقَ ْ
ُ
درا ً فَعَل َي ْهِ ْ
م ص ْفرِ َ ح ِبال ْك ُ ْ شَر َ من َ كن ّ ن وََلي ِ ما ِ لي َ ن ِبا ِ مئ ِ ّ مط ْ َ ه ُ أك ْرِه َ وَقَل ْب ُ ُ
ن الل ّهِ وَل َهُ ْ
6
م ظي ٌ ب عَ ِ ذا ٌ م عَ َ م َ ب ّ ض ٌ غَ َ
المبحث الخامس
التدرج في التشريع
المطلب الول :التدرج في التشريع :مفهومه والحكمة
منه :
ل :مفهومه : أو ً
من مظاهر رحمته نبينا محمد أنه كان ل يحمل الناس على
الحكام جملة واحدة ،إنما كان مبدؤه التدرج ،فهو القائل "يسروا
ول تعسروا وبشروا ول تنفروا". 7
ومن ملمح الرحمة في شريعة السلم التدرج في التشريع ،وقد
ُقررت في كثير من الحكام وخاصة في المحرمات كالخمر والربا
وذلك تهيئة للنفوس وضمانا للستجابة لحكامها .رحمة من
المشرع .
كا من مسالك علج المجتمع وقد كان التدرج في التشريع مسل ً
وإصلحه.
صْوِم برقم 1888
سِم ِفي ال ّجْ ق اْل ِ
حّ
1صحيح – رواه البخاريَ ،باب َ
2حسن – رواه أبو داود ، 284قال اللباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود :حسن.
3البيهقي .209 \8
جاله ِثَقات ،فتح الباري لبن حجر ) -ج / 19ص (398
ن َوِر َ
سيِري َ
طِريق اْبن ِن َ
حَمْيد ِم ْعْبد ْبن ُ
ج َ َ 4أ ْ
خَر َ
5الحاكم ،برقم 3319
6سورة النحل :الية .106
7سبق تخريجه ..
150
حا
أما التدرج في الكشف عن حقيقة حكم ٍ ما؛ فإنه يبدأ تلوي ً
يفهمه الذكياء ،ثم تزداد البانة بما يكاد يوحي بالحكم ،ثم يجيء
ما بالمعنى المراد ،وقد تم تحريم الربا والخمر بهذا
الحكم حاس ً
السلوب المتأني ،وليس في القرآن نص بإباحة الخمر أو
الربا !.
ثانًيا :الحكمة منه :
والحكمة من التدرج هو ترويض النفوس على تقبل أحكام
الله ..والتمهل في استئصال العادات القبيحة المتأصلة في
فا
النفوس ل سيما العادات المتوارثة عبر قرون طويلة .وتخفي ً
على الناس ،تماشًيا مع فطرة النسان التي يتطلب التعامل
معها التزام التدرج لتغييرها وحسن الرتقاء بها ،كما أن التدرج
يتلءم مع منهج التغيير بشكل عام ،إذ ل يمكن تغيير أوضاع
المجتمعات لتتفق مع الشريعة إل بأسلوب التدرج .
المطلب الثاني :نماذج للتدرج في التشريع :
أو ً
ل :تحريم الخمور:
كانت الخمور متعمقة في المجتمع قبل بعثة النبي عربًيا كان أو
عالمًيا .وفي البيئة العربية صار شرب الخمر جزًءا من السلوك
الجتماعي الذي يفاخر به ويتغنى به الشعراء ،فلم يكن من
الحكمة تحريم الخمر مرة واحدة إنما النفع والصلح هو التدرج
في التحريم ،ومن ثم حرمت الخمر على أربع مراحل:1
ر
س ِ مرِ َوال ْ َ
مي ْ ِ خ ْ ن ال ْ َ
ك عَ ْ سأ َُلون َ َالمرحلة الثانية :قوله تعالى :ي َ ْ
َ
ما فعِهِ َن نَ ْ ما أك ْب َُر ِ
م ْ مه ُ َس وَإ ِث ْ ُ م ك َِبيٌر وَ َ
مَنافِعُ ِللّنا ِ ما إ ِث ْ ٌ قُ ْ
ل ِفيهِ َ
دا للتحريم ! ]البقرة :الية [219 :تمهي ً
مُنوا َل ت َ ْ َ
قَرُبوا نآ َ المرحلة الثالثة :قوله تعالىَ :ياأي َّها ال ّ ِ
ذي َ
َ
ن ]النساء[43 : قوُلو َ ما ت َ ُ حّتى ت َعْل َ ُ
موا َ س َ
كاَرى َ صَلة َ وَأن ْت ُ ْ
م ُ ال ّ
.ومن ثم كان على المسلم أن يحذر أن يأتيه وقت الصلة وهو
سكران.
1انظر :محمد الخضري :تاريخ التشريع السلمي ،ص ،21وانظر :راوية أحمد عبد الكريم الظهار :المقاصد
الشرعية للعقوبات في السلم203 ،
151
َ
مُنوانآ َ ذي َ المرحلة الرابعة :هي المرحلة الحاسمةَ :ياأي َّها ال ّ ِ
شي ْ َ َ َ
نطا ِ ل ال ّ م ِ ن عَ َم ْس ِ ج ٌ م رِ ْب َوالْزل ُ صا ُسُر َوالن َ مي ْ ِ مُر َوال ْ َ خ ْما ال ْ َ إ ِن ّ َ
ن] المائدة . [90 :ويمضي القرآن حو َفل ِ ُ م تُ ْ جت َن ُِبوه ُ ل َعَل ّك ُ َْفا ْ
َ شي ْ َ
ن ُيوقِعَ ب َي ْن َك ُ ْ
م نأ ْ طا ُ ريد ُ ال ّ موضحا علة التحريم :إ ِن ّ َ
ما ي ُ ِ
ن ذ ِك ْرِ الل ّهِ وَع َ ْ
ن م عَ ْ صد ّك ُ ْسرِ وَي َ ُ مرِ َوال ْ َ
مي ْ ِ خ ْ ضاَء ِفي ال ْ َ داوَة َ َوال ْب َغْ َ ال ْعَ َ
ن] المائدة. [91 : الصلة فَه ْ َ
منت َُهو َم ُ ل أن ْت ُ ْ ّ ِ َ
ثانًيا :تحريم الربا:
152
الفصل الخامس
رحمته للعالمين في ميدان الصراعات السياسية
والعسكرية
المبحث الول :الحوار ل الصدام
المبحث الثاني :حرصه على نشر السلم
المبحث الثالث :رحمته للخصوم والعداء
المبحث الرابع :رحمته للسرى
المبحث الخامس :رحمته لقتلى العدو
المبحث السادس :رحمته لهل الذمة
المبحث السابع :قيم حضارية في غزوة بدر الكبرى
جا[
] نموذ ً
153
المبحث الول
الحوار ل الصدام
المطلب الول :الحوار مظهر من مظاهر الرحمة :
إن تقديم لغة الحوار 1على أسلوب الصدام ،حقًنا للدماء وتغليب
العقل على العنف ،يعد من مظاهر الرحمة في شخصية النبي
، الذي ضرب المثل العلى في ميدان الحوار والتفاوض ،كما
ضرب المثل العلى في القتال والزود عن حياض الدين والوطن.
ن السلم هو دين الحوار والعتراف بالخر ،وهو شريعة تطوير إ ّ
سبل القواسم المشتركة بين النسان وأخيه النسان ،وإيجاد ال ّ
الكفيلة بتحقيق ذلك بما يساعد على العيش بسلم وأمن
وطمأنينة ،ويحفظ النسان من أن يحيا حياة البعاد والقصاء
دعوة بالتي هي ونكران الخر .لهذا أمر السلم بالحوار وال ّ
طرق السليمة في أحسن ،وسلوك الساليب الحسنة ،وال ّ
ة
م ِ ك ِبال ْ ِ
حك ْ َ ل َرب ّ َسِبي ِى َ مخاطبة الخر .قال تعالى :اد ْع ُ إ ِل ِ َ
َ َ
ك هُوَ أع ْل َ ُ
م ن َرب ّ َ ن إِ ّس ُ ح َ يأ ْ جاد ِل ُْهم ِبال ِّتي ه ِ َ سن َةِ وَ َح َعظ َةِ ال ْ َ َوال ْ َ
مو ْ ِ
َ
ن.2 دي َ م ِبال ْ ُ
مهْت َ ِ سِبيل ِهِ وَهُوَ أع ْل َ ُعن َ ل َ ض ّ
من َ بِ َ
على هذه السس يرسي القرآن الكريم قواعد الحوار في
السلم على أساس الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي
هي أحسن ،إنه منهج حضاري متكامل في ترسيخ مبادئ الحوار
بين الشعوب والمم " .ومن الملحظ على التعبير القرآني
المعجز في الية :أنه اكتفى في الموعظة بأن تكون)حسنة(،
ولكنه لم يكتف في الجدال إل أن يكون بالتي هي) أحسن( .لن
الموعظة ي غالبا ً ي تكون مع الموافقين ،أما الجدال فيكون ي عادة
ي مع المخالفين؛ لهذا وجب أن يكون بالتي هي أحسن .على
معنى أنه لو كانت هناك للجدال والحوار طريقتان :طريقة حسنة
1للباحث دراسة تحت عنوان :حوار الحضارات :الموجود والمفقود والمنشود ،ومقالة تحت عنوان :دور السلم
في مشروع حوار الحضارات ،مجلة المجتمع ،الكويت ،العدد ،1677بتاريخ .19/11/2005
2سورة النحل :الية ،125وانظر :يوسف القرضاوي :خطابنا السلمي في عصر العولمة ،ص 40
154
وجيدة ،وطريقة أحسن منها وأجود ،كان المسلم الداعية مأمورا ً
أن يحاور مخالفيه بالطريقة التي هي أحسن وأجود ".1
ب إ ِل ّ ِبال ِّتي ل ال ْك ِ َُتا ِ جاد ِل ُوَا ْ أ َهْ َ لذلك قال الله تعالى أيضا :وَل َ ت ُ َ و
َ َ
مّنا ِبالذ ِيَ أنزِل إ ِلي َْنا ّ ْ ُ ُ ْ َ َ ّ ّ َ
م وَقولوَا آ َ من ْهُ ْ موا ِ ن ظل ُ ذي َ ن إ ِل ال ِ س ُ ح َ يأ ْ هِ ُ َ
ن[ ل س م ه َ
وَأن ِ ِ ْ ْ َ ِ ُ َ َ ِ ُ ْ َ ِ ٌ َ َ ْ ُ ُ ُ ْ ِ ُ َ
مو ل ن ح ن و د ح وا م ُ ك ه لـ َ إو نا ه لـَ إ و م ُ ك ي َ ل إ لَ ز
ن هناك قواسم مشتركة ، ]العنكبوت[46 :فالحوار ممكن ل ّ
ُ
وهناك مجال للّتفاهم والّتقارب ،وهي اليمان بما أنزل على
المسلمين وغيرهم ،فالمصدر واحد وهو الله .فليتعارفوا
وليعرفوا بعضهم ،ومن ثم فليتقاربوا وليتعاونوا على ما هو صالح
لهم جميعا .فالقرآن يعطينا أسلوب بدء الّلقاء والحوار ،وكيف
ل نقط الّتلقي بين المتحاورين .فيبّين الصول التي يمكن نستغ ّ
ب ت ََعال َوْا ْ ْ ل ي َأهْ َ َ الّتفاق عليها ويركز على ذلك فيقول :قُ ْ ّ
ل الك َِتا ِ
شْيئا ً وَل َ َ ِ ه ِ ب َ
ك ِ ر ش ْ ُ ن َ ل َ و ه
َ م أ َل ّ ن َعْب ُد َ إ ِل ّ الل ّ وآٍء ب َي ْ َن ََنا وَب َي ْن َك ُ ْ س َمة ٍ َ ى ك َل َ َ إ ِل َ
شهدوا ْ بأناَ َ
قوُلوا ْ ا ْ َ ُ ِ ّ ن الل ّهِ فَِإن ت َوَل ّوْا ْ فَ ُ دو ِ من ُ ضَنا ب َْعضا ً أْرَبابا ً ّ خذ َ ب َعْ ُ ي َت ّ ِ
ن [ ]عمران [ 64:ويبّين السلم نوع العلقة التي يجب م ْ ُ َ
مو ِ ل س ُ
أن تسود المسلمين وغيرهم ..إّنها علقة الّتعاون والحسان والبّر
والعدل .فهذا هو الحوار الحضاري والعلقة السامية ،قال تعالى:
مجوك ُ ْ خرِ ُ م يُ ْ ن وَل َ ْ ِ دي م ِفي ال ّ قات ُِلوك ُ ْ م يُ َ ن لَ ْ َ ذين ال ّ ِ ِ ه عَ م َ الل ّ ُ ل ّ ي َن َْهاك ُ ُ
نطي َس ِ ق ِ م ْ ب ال ْ ُ ح ّ ه يُ ِ ن الل ّ َ م إِ ّ سط ُوَا ْ إ ِل َي ْهِ ْ ق ِ م وَت ُ ْ م أن ت َب َّروهُ ْ من د َِيارِك ُ ْ ّ
]الممتحنة[8 :
" وتلك القاعدة في معاملة غير المسلمين هي أعدل القواعد
التي تتفق مع طبيعة هذا الدين ووجهته ونظرته إلى الحياة
النسانية ،بل نظرته الكلية لهذا الوجود".2
ومن ثم يتبين للباحث مدى الرحمة الواسعة التي منحها السلم
ورسول السلم ،للبشر المخالفين للسلم ،فقرر أن الشرع أن
التعامل يكون بالحوار ،والدعوة الحسنة ،والجدال بالتي هي
أحسن ،ويخص السلم أهل الكتاب بهذا الفضل ،فهم أهل كتاب،
وأخوة في النسانية ،فالسلم ل ينهانا أن نبر ونحسن إلى اليهود
والنصارى ما داموا لم يقاتلون المسلمين في الدين ولم يخرجوا
ما لهل الكتاب أن المسلمين من ديارهم ،ونداء المسلم دائ ً
م" . وآٍء ب َي ْن ََنا وَب َي ْن َك ُ ْ س َ مة ٍ َ ى ك َل َ َ َ ْ َ
"ت ََعالوْا إ ِل َ
1انظر :يوسف القرضاوي :خطابنا السلمي في عصر العولمة ،القاهرة ،ص 41
2سيد قطب :في ظلل القرآن ،ج ،6ص 3544
155
هو مشترك إنساني عام .وإذا كان السلم دينا ً عالميا ً وخاتم
الديان ،فإنه في روح دعوته وجوهر رسالته ل يرمي إلى
)المركزية الدينية( التي تجبر العالم على التمسك بدين واحد..
إنه ينكر هذا القسر عندما يرى في تعددية الشرائع الدينية سنة
منك ُ ْ
م جعَل َْنا ِ ل َ من سنن الله تعالى في الكون ،قال تعالى :ل ِك ُ ّ
شآَء الل ّه ل َجعل َك ُ ُ
مكن ل ّي َب ْل ُوَك ُ ْحد َة ً وََلـ ِ ة َوا ِ م ً
مأ ّ ُ َ َ ْ من َْهاجا ً وَل َوْ َ ة وَ ِ شْرع َ ً ِ
كمميعا ً فَي ُن َب ّئ ُ ُ
ج ِم َ جعُك ُ ْ مْر ِ ى الله َ خي َْرا ِ َ
ت إ ِل َ قوا ال َ ست َب ِ ُكم َفا ْ مآ آَتا ُ ِفي َ
شآَء ن] المائدة. [48:وقال أيضًا :وَل َوْ َ فو َ خت َل ِ ُ
م ِفيهِ ت َ ْ كنت ُ ْما ُ بِ َ
ُ
ن[ ]هود :الية في َ خت َل ِ ِ
م ْن ُ حد َة ً وَل َ ي ََزاُلو َ
ة َوا ِم ً سأ ّ ل الّنا َ جعَ َ ك لَ َ َرب ّ َ
. 1 118
1انظر :حسن عزوزي :السلم وترسيخ ثقافة الحوار الحضاري ،مجلة البلغ ،يناير 2007
2انظر :حسن عزوزي :السلم وترسيخ ثقافة الحوار الحضاري ،مجلة البلغ ،يناير 2007
156
أن الحضارة السلمية لم تسع في أي وقت من الوقات إلى
التصادم مع الحضارة الغربية ،هو أن العرب والمسلمين لم
يضعوا في أي زمن من الزمان صوب أهدافهم القضاء على
خصوصيات الحضارة الغربية وهويتها الحضارية. 1
المطلب الثالث :نماذج عملية من سيرة النبي:
إليك هذه النماذج الطيبة من سيرة النبي ،والتي تبين كيف كان
النبي يحاور الحضارات والمم الخرى ،يدعوها إلى كلمة سواء .
فبعدما عقد النبي هدنة بينه وبين مشركي مكة الذين حاربوه
على مدار ثمانية عشر عاما ً ي أو أكثر ي ،استغل النبي هذه
الهدنة في مراسلة زعماء وأمراء وملوك العالم ..للحوار
والتواصل والتعريف بدعوة السلم ..مركزا ً في خطاباته على
قيم السلم وحرية العتقاد ،نرى ذلك جليا ً في محتوى هذه
الرسائل ..
هذا ،ولنتأمل أحد هذه النماذج المشرقة ،ولتكن رسالة النبي
مّتي إلى الملك المقوقس ..فكتييب النبييي إلى ُ
جَرْيج بين َ
قوِْقس ملك مصر والسكندرية ،رسالة نصها: م َ
الملقب بال ُ
"بسم الله الرحمن الرحيم ..من محمد عبد الله ورسوله إلى
المقوقس عظيم القبط ..سلم على من اتبع الهدى ،أما بعد:
فإني أدعوك بدعاية السلم ،أسلم تسلم ،وأسلم يؤتك الله
َ
أجرك مرتين ،فإن توليت فإن عليك إثم أهل القبييطَ ،يا أهْ َ
ل
ال ْكتاب تعال َوا ْ إَلى ك َل َمة سواء بيننا وبينك ُ َ
ه وَل َم أل ّ ن َعْب ُد َ إ ِل ّ الل ّ ََ ٍ َ َ َََْ َََْ ْ َِ ِ ََ ْ ِ
ن الل ّهِ فَإن ت َوَل ّوْا ْ َ ً َ
شي ًْئا وَل ي َت ّ ِ شرِ َ
ِ دو ِ من ُ خذ َ ب َعْ ُ
ضَنا ب َْعضا أْرَباًبا ّ ك ب ِهِ َ نُ ْ
َ
ن. " دوا ْ ب ِأّنا ُ قوُلوا ْ ا ْفَ ُ
2
مو َ
سل ِ ُم ْ شه َ ُ
واختار لحمل هذا الخطاب الصحابي المتحدث حاطب بن أبي
ب َل ْت ََعة .
وجدير بنا أن نذكر كلم حاطب للمقوقس حتى يعرف الغييرب
أن هذه البعوث كانت تعرف هدفها جيدا ً كما أنها بلغييت حييدا ً ميين
الفقه والحصافة يستحق العجاب البالغ.
قال حاطب :إن هذا النبي دعا الناس ،فكان أشدهم عليه قريش،
وأعداهم له اليهود ،وأقربهييم منييه النصييارى ،ولعمييري مييا بشييارة
موسى بعيسى إل كبشارة عيسى بمحمد ،ومييا دعاؤنييا إييياك إلييى
القرآن إل كدعائك أهل التوراة إلى النجيل ..وكل نبي أدرك قوما ً
1انظر :حسن عزوزي :السلم وترسيخ ثقافة الحوار الحضاري ،مجلة البلغ ،يناير 2007
2انظر:البيهقي :دلئل النبوة ،ج ،5ص ،4وما بعدها ،باب ما جاء في كتاب النبي صلى ال عليه وسلم إلى
المقوقس.
157
فهم أمته ،فحق عليهم أن يطيعوه ،وأنت مميين أدرك هييذا النييبي،
ولسنا ننهاك عن دين المسيح ولكننا نأمرك به!
ولم يزد على هذا ولم يسلم ،فتزوج رسول الله مارية ،فأنجبت
له طفل ي سماه إبراهيم ،تقديرا ً وتشريفا ً لبي النبياء ي عليه
السلم ي ،أما سيرين ،فقد تزوجها الشاعر حسان بن ثابت .
158
قا
) (1فبعث الصحابي الفاضل دحية بن خليفة الكلبي – وكان أني ً
ما ،-إلى قيصر ملك الرومان ،واسمه هرقل. وسي ً
) (2وبعث الصحابي المناضل عبد الله بن حذافة السهمي –
وكان راسخ الفكر واليمان متحدًثا بليًغا -إلى كسرى ابرويز بن
هرمز ،ملك الفرس.
قا ) (3وبعث الصحابي الجليل عمرو بن أمية الضمري – وكان لب ً
ذكًيا ،-إلى النجاشي ملك الحبشة ،ثم بعثه النبي مرة أخرى
ب إل َي ْهِ ب مدعي النبوة المشهور ،برسالة ،وَك َت َ َ ذا ِ ة ال ْك َ ّ م َ سي ْل ِ َ
م َ إلى ُ
َ
م. سل ِ ْ م يُ ْ خي الّزب َي ْرِ فَل َ ْ وام ِ أ ِ ن ال ْعَ ّ ب بْ ِ سائ ِ ِ معَ ال ّ خَر َ بآ َ ب ِك َِتا ٍ
ن -الصحابي القائد عمرو بن ما ٍ ة ثَ َ سن َ َ قعْد َةِ َ ْ
) (4وبعث ِ -في ِذي ال َ
دى جل َن ْ َ ي ال ُ فرٍ وَع َب ْد ِ الل ّهِ اب ْن َ ْ جي ْ َ العاص – داهية العرب -؛ إلى َ
ن ،ملكي عمان. َْ
الْزد ِي ّي ْ ِ
) (5وبعث الصحابي الجليل سليط بن عمرو إلى هوذة ابن علي،
الملك على اليمامة ،وإلى ثمامة بن أثال ،الحنفيين.
ن
من ْذ ِرِ ب ْ ِ ي إَلى ال ْ ُ م ّ ضَر ِ ح ْ ن ال ْ َ ) (6وبعث الصحابي الجليل ال ْعََلَء ب ْ َ
ن.حَري ْ ِ ك ال ْب َ ْ مل ِ ِ ساَوى ال ْعَب ْد ِيّ َ َ
) (7وبعث الصحابي الجليل شجاع بن وهب السدي ،من أسد
خزيمة ،إلى الحارث ابن أبي شمر الغساني ،وابن عمه جبلة بن
اليهم ،ملكي البلقاء من عمال دمشق للرومان.
ي إَلى ُ ) (8وبعث الصحابي الجليل ال ْمهاجر ب َ
م ّ خُزو ِ م ْ ة ال ْ َ مي ّ َن أِبي أ َ ُ َ ِ َ ْ َ
مي َرِيّ أحد زعماء اليمن ،وقال :سأنظر ح ْ ل ال ْ ِ ن ع َب ْد ِ ك َُل ٍ ث بْ ِ حارِ ِ ال ْ َ
.
) (9وبعث العلمة الفقيه معاذ بن جبل إلى جملة اليمن ،داعيا ً
إلى السلم ،فأسلم جميع ملوكهم ،كذى الكلع وذي ظليم وذي
زرود وذي مران وغيرهم.
ي ،إلى ِذي َ ج َل ِ ّ ْ ّ
ن ع َب ْد ِ اللهِ الب َ َ ريَر ب ْ َ ج ِ ث الصحابي الجليل َ ) (10وَب َعَ َ
ما وَت ُوُفّ َ
ي سل َ َ سَلم ِ فَأ ْ ما إَلى اْل ِ ْ عوهُ َ رو ي َد ْ ُ م ٍ مي َرِيّ وَِذي ع َ ْ ح ْ كلِع ال ْ ِ ال ْ َ
م.عن ْد َهُ ْ ريٌر ِ ِ ل الل ّهِ وَ َ
ج سو ُ َر ُ
ي ْ َ
م ّ خُزو ِ م ْ ة ال َ ن أِبي َرِبيعَ َ ش بْ َ ث الصحابي الجليل ع َّيا َ ) (11وَب َعَ َ
ل زعماء من ح وَن ُعَي ْم ٍ ب َِني ع َب ْد ِ ك َُل ٍ سُرو ٍ م ْ ث وَ َ حارِ ِ برسالة إَلى ال ْ َ
مي ََر . ح ْ ِ
َ ْ َ ْ َ
سلم ِ عوه ُ إلى ال ِ ْ ي ي َد ْ ُ م ّ ذا ِ ج َ رو ال ُ
َ م ٍ ن عَ ْ ث إلى فَْروَة َ ب ْ ِ ) (12وَب َعَ َ
ي ب إَلى الن ّب ِ ّ م وَك َت َ َ سل َ َ ن فَأ ْ مَعا َ صَر ب ِ َ قي ْ َ مًل ل ِ َ عا ِن فَْروَة ُ َ كا َ .و َ
شهَْباُء ة َ ي ب َغْل َ ٌ سعْد ٍ وَه ِ َ ن َ سُعود ِ ب ْ ِ م ْ معَ َ ة َ ث إل َي ْهِ هَد ِي ّ ً مهِ وَب َعَ َ سَل ِ ب ِإ ِ ْ
َ
ص ِبالذ ّهَ ِ
ب خو ّ ٍ م َس ُ سن ْد ُ ٍ ن ُ م ْ واًبا وَقََباًء ِ ث أث ْ َ ماٌر وَب َعَ َ ح َ س وَ ِ وَفََر ٌ
159
1
شا شَرة َ ُأوقِي ّ ً
ة وَن ِ ً سعْد ٍ اث ْن َت َ ْ
ي عَ ْ ن َ
سُعود ِ ب ْ ِ
م ْ
ب لِ َ ل هَد ِي ّت َ ُ
ه وَوَهَ َ فَ َ
قب ِ َ
.
وأسلم سائر الملوك والمراء الذين ذكرنا ،وأسلم قومهم ،حاشا
قيصر والمقومقس وهذوة وكسرى والحارث بن أبي شمر ..
وتأخر إسلم ثمامة بن أثال ،ثم أسلم مختارا ً بعد ذلك.
وهكذا ،أحدث الرسول هذا الحوار البناء بين أمة السلم
والمم الخرى في شتى بقاع العالم ..وتواصل مع قيادات ورموز
العالم آن ذاك ..فمنهم من تجاوب وتناقش ،ومنهم من تعامل مع
رسل النبي بوقاحة ،كما فعل كسرى ..
وهذا مظهر فريد من مظاهر الرحمة في شخصية النبي ،فقد
قدم الحوار على الصدام في تعامله مع المم الخرى لسيما
المخالفة للسلم ،وراسل النبي زعماء وأمراء وملوك العالم؛
برسائل على مستوى عال من التحضر والذوق الرفيع ،لتعريفهم
بدعوة السلم وغايته .فحقن الدماء وأعلى من شأن الحوار
والتبادل العلمي والثقافي ،حتى استفادت أوربا من الحضارة
السلمية في بناء النهضة العلمية الوربية الحديثة.
المبحث الثاني
حرصه على نشر السلم
لمحمد الفضل العظم في نشر السلم في ربوع الجزيرة
العربية ،التي عاشت عدة قرون في حروب طاحنة ومعارك على
أتفه السباب ،وكثرت حروب "الفجار" التي انتهك أصحابها حرمة
البلد الحرام.
وفي هذا المبحث نبين من خلل شهادات علماء الغرب
والمواقف والحداث؛ هذا المظهر من مظاهر الرحمة في
شخصية محمد :
المطلب الول :محمد رجل السلم :
2
1انظر :هذه البعوث في كتب السيرة :ابن حزم :جوامع السيرة ،30 ،29وابن هشام ،25 /4وابن سعد -2 / 1
،15و محمد بن حبيب البغدادي :المحبر ، 75وابن سيد الناس :عيون الثر ،270 - 260 /2وابن كثير :السيرة
النبوية ،262 /4والمتاع 307وتهذيب النووي ،1/30وابن القيم :زاد المعاد .116 /1وانظر صور ونصوص
رسائل النبي إلى الملوك في كتاب محمد حميد ال :الوثائق السياسية ص 135وما بعدها.
ضا ،فكان رائدا في ميدان القتال
2أرجو أل نفهم من ذلك أن رسول ال رجل سلم وفقط ،بل كان رجل حرب أي ً
والبأس ورائدا في ميدان الصلح والسلم .
3هذه الجملة نرفضها ،بل كان سيدنا محمد -صلى ال عليه وسلم -هادىء الطبع ،لين العريكة .
160
الخالصة ،والحزم في الرأي والعتقاد ،ويضاف إليه أنه رجل
حكومة ،وأحيانا ً رجل سياسة وحرب ،ولكنه لم يكن ثائرا ً بل
كان مسالما ً ". 1
ووصف جورج بروك 2السلم بأنه " :دين السلم والمحبة بين
البشر ".3
وقال عنه المفكر اليرلندي برناردشو " :إنه دين التعاون والسلم
والعدالة في ظل شريعة محكمة لم تدع أمرا ً من أمور الدنيا إل
رسمته ووزنته بميزان ل يخطئ أبدا ً". 4
إن إقرار السلم في منطة الجزيرة العربية الذي حققه محمد
يعد بحق مظهرا ً مهما ً من مظاهر الرحمة ،فقد شهدت الجزيرة
العربية في عهد محمد عدة معاهدات سلمية ،مما يبين فضل
رسول الله في نشر ثقافة السلم بين العرب بعد قرون
طويلة من الجاهلية والحروب الهلية ،وفضله في حقن الدماء
وحفظ العراض والمقدسات ،التي كانت منتهكة في عصور
الجاهلية ..ولم تحدث أي حروب أهلية – في الجزيرة العربية -
بعد ظهور محمد وتسلمه زمام قيادة العرب .
المطلب الثاني :نموذج في حادث بناء الكعبة :
لما بلغ محمد من عمره الخامسة والثلثين – أي قبل بعثتة
بخمس سنين ،-تعرضت الكعبة للهدم ،بسبب سيل عرم انحدر
إلى البيت الحرام ،فأوشكت الكعبة منه على النهيار ،فاضطرت
صا على مكانتها ،فعمدت قريش إلى قريش إلى تجديد بنائها حر ً
بنائها ،فلما تنازع القرشيون فيما بينهم من الذي يضع الحجر
السود في مكانه ،واختلفوا فيمن يمتاز بشرف وضعه في
سا ،واشتد حتى كاد يتحول مكانه ،واستمر النزاع أربع ليال أو خم ً
إلى حرب ضروس في أرض الحرم ،إل أن أبا أمية بن المغيرة
كموا فيما شجر بينهم أول داخل المخزومى عرض عليهم أن يح ّ
عليهم من باب المسجد ،5فارتضوه ،وشاء الله أن يكون ذلك
محمد ، فلما رأوه قالوا :هذا المين ،6قد رضينا به هذا محمد،7
فلما انتهى إليهم ،وأخبروه الخبر طلب رداء فوضع الحجر وسطه
وطلب من رؤساء القبائل المتنازعين أن يمسكوا جميًعا بأطراف
161
الرداء ،وأمرهم أن يرفعوه ،حتى إذا أوصلوه إلى موضعه أخذه
بيده فوضعه في مكانه..1
وهذا حل حكيم من رجل حكيم تراضت قريش بحكمه.
1انظر في هذه الحادثة أيضًا :محمد بن يوسف الصالحي :سبل الهدى والرشاد ،171 \2 ،وابن الجوزي :صفة
الصفوة77 \1،
2انظر :محمد شريف الشيباني :الرسول في الدراسات الستشراقية المنصفة ،ص .23 ،22
3هنري لمنس :عهد السلم ،ص 65
4ارثر جيلمان :الشرق ،ص 117
162
فلقد عقد النبي – صلى الله عليه وسلم – في العام الثاني من
الهجرة -المعاهدات مع القبائل المجاورة للمدينة ل سيما تلك
القبائل التي كانت على الطريق التجاري المؤدي إلى الشام،
وذلك من أجل أربعة أهداف :
الهدف الول :تحييد هذه القبائل في قضية الصراع بين
دا مع المشركين على المسلمين والمشركين ،وأل يكونوا ي ً
المسلمين .
الهدف الثاني :تأمين الحدود الخارجية للدولة .
الهدف الثالث :اعتراف هذه القبائل بدولة المسلمين
الهدف الرابع :تهيئة هذه القبائل لقبول السلم ،والدخول فيه .
نماذج لهذه المعاهدات :
ة
مَر َ ض ْ ة ب َِني َ ع ُوادَ َ م َ أول ً ُ :
واد َع َةِ على النحو التالي : م َن نص وثيقة ال ْ ُ كا َة وَ َ ن ك َِنان َ َ م ْ ن ِ م ب َط ْ ٌ وَهُ ْ
ل الل ّ ِ
ه سو ِ مد ٍ َر ُ ح ّ م َن ُ م ْ ب ِ ذا ك َِتا ٌ حيم ِ .هَ َ ن الّر ِ ِ م
ح َ سم ِ الل ّهِ الّر ْ "ب ِ ْ
َ َ َ
صَرم الن ّ ْ ن ل َهُ ْم وَأ ّ سه ِ ْ ف ِ م وَأن ْ ُ وال ِهِ ْ م َن ع ََلى أ ْ مُنو َ مآ ِ مَرة َ ،فَإ ِن ّهُ ْ ض ْ ل ِب َِني َ
ّ َ
صوفَ ً ما ب َ ّ ع ََلى َ
1
ة حٌر ُ ل بَ ْ ن اللهِ َ - بوا ِفي ِدي ِ حارِ ُ ن يُ َ م -إل أ ْ مه ُ ْن َرا َ م ْ
َ
ة ة الل ّهِ وَذ ِ ّ
م ُ م ُك ذِ ّ م ب ِذ َل ِ َ ه ،ع َل َي ْهِ ْ جاُبو ُ صرِهِ أ َ م ل ِن َ ْعاهُ ْ ذا د َ َ يإ َ ن الن ّب ِ ّ وَإ ِ ّ
صُر ع ََلى َ ه ،وَل َهُ ْ
2
قى . ".وكانت هذه م َوات ّ َ من ْهُ ْ ن ب َّر ِ م ْ م الن ّ ْ سول ِ ِ َر ُ
المعاهدة عقب أول غزوة للنبي وهي البواء أو ودان )في صفر
2هي -أغسطس 623هي (
3
ج في ) جمادي الولى 2هي- مد ْل ِ ٍ كما عقد النبي معاهدة مع ب َِني ُ
نوفمبر 623م( ،وكانت على نفس النحو من وثيقة بني ضمرة .
ة جهينة : ع ُوادَ َ م َ ثانًيا ُ :
وهذه القبيلة تسكن منطقة العيص على ساحل البحر الحمر،
وكان نص هذه المعاهدة :
"إنهم آمنون على أنفسهم وأموالهم ،وإن لهم النصر على من
ظلمهم أو حاربهم إل في الدين والهل ،ولهل باديتهم من بر
منهم واتقى ما لحاضرتهم".4
وقد دلت هذه الوثائق على مقتضيات أخلقية سامية ،فنرى فيها
الرسول القائد السمح – صلى الله عليه وسلم -يوادع هذه
القبائل على النصرة المتبادلة في المعروف ،ويضمن لهم النبي
1دللة على تأبيد هذا العقد ،وفيه جواز تأبيد المعاهدات بين المسلمين وغير المسلمين مالم يكن في هذه المعاهدات
ما يخالف الشرع .
2السهيلي :الروض النف 38 /3
3ابن سيد الناس :عيون الثر 300 / 1
4انظر :محمد حميد ال :مجموعة الوثائق السياسية ،ص .62وانظر إلى المزيد والمزيد من هذه المعاهدات في
هذا الكتاب الفريد.
163
المن والمان على الموال والنفس ،ويظهر لهم النبي أخلق
الحسان والصلة ..
164
جرح لمشاعر المشركين بعدما انتصر عليهم المسلمون في
دا
قا ،وحتى ل تتحدث العرب أن محم ً معركة بدر انتصاًرا ساح ً
ما عن المشركين .- دخل مكة وأدى العمرة رغ ً
فأتاه سهيل بن عمرو ،فلما رآه قال" :قد سهل لكم أمركم،
أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل" ،1فجاء سهيل فتكلم
ل ،ثم اتفقا على قواعد الصلح ،وهي هذه: 2 طوي ً
البند الول :الرسول يرجع من عامه هذا ،فل يدخل مكة،
وإذا كان العام القابل دخلها المسلمون فأقاموا بها ثلثًا ،معهم
قُرب ،ول يتعرض لهم بأي نوع من سلح الراكب ،السيوف في ال ُ
أنواع التعرض.
البند الثاني :وضع الحرب بين الطرفين عشر سنين ،يأمن
فيها الناس ،ويكف بعضهم عن بعض.
البند الثالث :من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده
دخل فيه ،ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل
فيه ،وتعتبر القبيلة التي تنضم إلى أي الفريقين جزءا ً من ذلك
الفريق ،فأي عدوان تتعرض له أي من هذه القبائل يعتبر عدوانا ً
على ذلك الفريق.
البند الرابع :من أتي محمدا ً من قريش من غير إذن وليه ي
أي هاربا ً منهم ي رده عليهم ،ومن جاء قريشا ً ممن مع محمد ي
أي هاربا ً منه ي لم يرد عليهّ!
165
المطلب السادس :نموذج الصلح مع أهل خيبر :
لما استسلم يهود خيبر ) في المحرم 7هي /مايو ،(628في
نهاية معركة رسول الله معهم صالحهم صلى الله عليه وسلم ، -
ج
خُر ُ شط ُْر َ
ما ي َ ْ ها ،وَل َهُ ْ
م َ مُلوا فيها وَي َْزَر ُ
عو َ وأعطاهم الرض ،ي َعْ َ
من َْها. 1
ِ
وفي هذه المصالحة -بهذا الشكل -رحمة وعفو كبيرين بأهل
خيبر ..
فهم في الحقيقة يستحقون العدام ! فهم قد خانوا النبي
وغدروا وتحالفوا مع مشركي قريش سًرا ،وأصبحت قيادات خيبر
والفصائل اليهودية الخرى عملء وجواسيس لمشركي مكة
وغطفان ..كل هذا إلى جانب أنهم السبب الرئيسي في تحزيب
جيوش الحزب ،من كل حدب وصوب..
صّلى الل ّ ُ
ه ولما أقدمت امرأة منهم على محاولة اغتيال النبي َ -
سل ّ َ
م ه ع َل َي ْهِ وَ َ
صّلى الل ّ ُ
ل الل ّهِ َ -
سو ِ
م – حيث أهدت ل َِر ُسل ّ َ
ع َل َي ْهِ وَ َ
م ..2وُتوفي اثر هذه المحاولة الفاشلة أحد س ّ
شاة ٌ ِفيَها ُ َ -
الصحابة ..لم ينقلب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على
أهل خيبر ولم يعمل فيهم القتل – كما يفعل بعض الزعماء في
مثل هذه المواقف – إنما أثبت الصلح وأقر العهد .
المبحث الثالث
رحمته للخصوم والعداء
166
الصعيدين الداخلي والخارجي للمدينة ،وأصبح للمسلمين لول
مرة كيان معترف به من هذه القبائل ..
وفي كل يوم يزداد فيه التقدم السلمي عقب الهجرة ،يزداد معه
حنق الوثنيين وغيظهم على المسلمين.
وأصبح المسلمون في حاجة ماسة للتسلح والدفاع عن أنفسهم
ولحماية عقيدتهم ودولتهم ،وبالفعل نزل النص القرآني يجيز
للمسلمين الدفاع عن أنفسهم بالسلح ،إضافة جواز مطاردة
المصالح المادية والتجارية لقريش ،من أجل استرداد الموال
والحقوق التي استلبتها قريش من المسلمين المستضعفين عند
هجرتهم.
ه ع ََلى َ ُ
ن الل ّ َ م ظ ُل ِ ُ
موا وَإ ِ ّ قات َُلو َ
ن ب ِأن ّهُ ْ ن يُ َ ن ل ِل ّ ِ
ذي َ قال الله تعالى } :أذ ِ َ
ديٌر {]الحج .[39 : م لَ َ
ق ِ صرِه ِ ْ
نَ ْ
وكان الذن بالقتال واسترداد الحقوق بالقوة ،لعدة اعتبارات
شرعية ومنطقية وجيهة:
167
َ فسك ُم ،تريدو َ َ تريدو َ
م قات ُِلوا أب َْناَءك ُ ْ ن تُ َ نأ ْ دوا ب ِهِ أن ْ ُ َ ْ ُ ِ ُ َ كي ُ ن تَ ِ نأ ْ ُ ِ ُ َ
فّرُقوا .
1
ي تَ َ ن الن ّب ِ ّ م ْ َ
مُعوا ذ َل ِك ِ س ِ ما َ َ
م ؟ ! "..فَل ّ ُ
وان َك ْ خ َ وَإ ِ ْ
وهنا تظهر عظمة القائد الحكيم المربي – صلى الله عليه وسلم
،-حيث قضى على هذه الفتنة في مهدها ،وضرب على وتر العزة
القبلية ،فقد كان يدرك أغوار النفس البشرية التي يتعامل معها،
ولذلك كان خطابه مؤثًرا في نفوس مشركي أهل يثرب.2
وكان من أخلقه – صلى الله عليه وسلم – أن تعصب لوحدة
الصف ولم يتعصب لصحابه المهاجرين دون النصار ،أو
المسلمين دون المشركين المدنيين ،إنما ضرب ركز في خطابه
على مصلحة المدينة -بما فيها من طوائف وعقائد -ضد أعدائها
من الخارج ..
ثالًثا :تهديد أمن المسلمين :
وهو اعتبار آخر شرعي للذن بالقتال لسيما للدفاع عن حياة
المواطن سواء داخل الدولة السلمية أو خارجها ،ونستدل على
ذلك بحادث محاولة منع الصحابي الجليل سعد بن معاذ من أداء
العمرة:
ن سعْد ِ ب ْ ِ ن َ ث عَ ْ حد ّ َ هَ - ه ع َن ْ ُ ي الل ّ ُ ض َ سُعود ٍ َ -ر ِ م ْ ن َ فعن ع َب ْد َ الل ّهِ ب ْ َ
كا ُ دي ً ُ َ
مّر ذا َ ة إِ َ مي ّ ُ نأ َ ف وَ َ َ خل َ ٍ ن َ ِ ة بْ مي ّ َ قا ِل َ ص ِ ن َ كا َ ل َ ه َقا َ مَعاذ ٍ أن ّ ُ ُ
ة
مي ّ َ ُ َ ة ن ََز َ مك ّ َ سعْد ٌ إ ِ َ د ،وَ َ َ دين َةِ ن ََز َ ْ
ل ع َلى أ َ مّر ب ِ َ ذا َ ن َ كا َ سعْ ٍ ل ع َلى َ م ِ ِبال َ
ُ
ة
مي ّ َ ل ع ََلى أ َ مًرا فَن ََز َ معْت َ ِ سعْد ٌ ُ ة ان ْط َل َقَ َ دين َ َ م ِ ل الل ّهِ ال ْ َ سو ُ م َر ُ ما قَد ِ َ فَل َ ّ
تف ِبال ْب َي ْ ِ طو َ ن أَ ُ َ
خل ْوَةٍ ل َعَّلي أ ْ ة َ ساع َ َ ة :ان ْظ ُْر ِلي َ مي ّ َ قا َ ُ
ل ِل َ ة ،فَ َ مك ّ َ بِ َ
ل :يا أباَ َ
َ َ قا َ ل فَ َ جهْ ٍ ما أُبو َ قي َهُ َ ف الن َّهاِر ،فَل َ ِ ص ِ ن نِ ْ م ْ ريًبا ِ ج ب ِهِ قَ ِ خَر َ ..فَ َ
ل ل َه أ َبو جهل :أَلَ سعْد ٌ .فَ َ ك؟؟ فَ َ معَ َ
قا َ ُ ُ َ ْ ٍ ذا َ ل :هَ َ قا َ ذا َ ن هَ َ م ْ ن َ وا َ ف َ ص ْ َ
م ه ن رو ص ن ت م ُ ك ن َ أ م ت م ع ز و ة، با ص ال م ت ي و َ أ د َ ق و نا م آ ة ّ ك م ب ف طو ُ ت َ
ك را َ
ّ َ َ ََ َ ْ ُ ْ ّ ْ َْ ُ ُ َُ ْ ُ ِ َ َ ِ ً َ ْ َُْ ْ َ أَ
ت إ َِلى َ ما َوالل ّهِ ل َوَْل أ َن ّ َ َ
جعْ َ ما َر َ ن َ وا َ ف َ ص ْ معَ أِبي َ ك َ م!أ َ وَت ُِعيُنون َهُ ْ
َ أ َهْل ِ َ
ما َوالل ّهِ ل َئ ِ ْ
ن ه ع َل َي ْهِ -أ َ صوْت َ ُ سعْد ٌ -وََرفَعَ َ ه َ ل لَ ُ قا َ ما!! فَ َ سال ِ ً ك َ
ة
دين َ ِ م ِ ك ع ََلى ال ْ َ ق َ ري َ ه ،ط َ ِ من ْ ُك ِ شد ّ ع َل َي ْ َ ما هُوَ أ َ َ ك َ من َعَن ّ َ من َعْت َِني هَ َ َ
ذا َل ْ َ
.3
تدل هذه الحادثة على أن أبا جهل يعتبر سعد بن معاذ من أهل
الحرب بالنسبة إلى المشركين في مكة ،4ولول أنه دخل في
جوار زعيم من زعمائها لهدر دمه ،تأمل قول أبي جهل لسعد " :
ما" ! فلم يكن سال ِ ً ك َ ت إ َِلى أ َهْل ِ َ جعْ َ ما َر َ ن َ وا َ ف َ ص ْ معَ أِبي َ
َ
ك َ ل َوَْل أ َن ّ َ
أحد من المسلمين وإن كانوا معتمرين أو حجاج يستطيع أن
1سنن أبي داود ،باب في خبر النضير ،حديث ،2610وصححه اللباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود.
2انظر :على محمد الصلبي :السيرة النبوية364 \1 ،
ل ببدر ،ح . 3656 3صحيح البخاري ،باب ذكر النبي صلى ال عليه وسلم َم ْ
ن ُيْقَت ُ
4انظر :محمد خير هيكل :الجهاد والقتال ،3/476وعلى محمد الصلبي :السيرة النبوية،1/364 ،
168
جا أو معتمًرا أو نحو ذلك ،إل في جوار زعيم من يدخل مكة حا ً
الزعماء الوثنيين كما رأيت .
وهكذا يتبدى للمتبصر أن المسجد الحرام تحت احتلل فعلي،
وإهانة واقعة ،وعتو بّين من قبل هؤلء الذين جعلوا من أنفسهم
مما ل َهُ ْ
أوصياء على المسجد الحرام ،وما هم .قال الله تعالى }وَ َ
َ َ
كاُنوا ْ أوْل َِياءهُ
ما َ جد ِ ا ل ْ َ
حَرام ِ وَ َ س ِ
م ْن ال ْ َ ن عَ َ ِ دو َ ص ّ
م يَ ُه وَهُ ْ م الل ّ ُ أل ّ ي ُعَذ ّب َهُ ُ
إ َ
ن {النفال 34 مو َم ل َ ي َعْل َ ُن أك ْث ََرهُ ْ ن وََليك ِ ّقو َ ن أوْل َِيآؤ ُه ُ إ ِل ّ ال ْ ُ
مت ّ ُ ِ ْ
"إنهم ليسوا أولياء هذا البيت ول أصحابه .إنهم أعداء هذا البيت
وغاصبوه! إن بيت الله الحرام ليس تركة يرثها الخلف عن
السلف .إنه بيت الله يرثه أولياء الله المتقون لله ".1
ضا – من كلم سعد – على أن المسلمين في ويدل هذا الحادث أي ً
هذا الوقت لم يتعرضوا ولو لمرة واحدة لقوافل مكة التجارية،
وأن الدولة السلمية في هذا الوقت لم تعامل أهل مكة
المشركين معاملة أهل الحرب .ومعنى هذا أن اليدي الممسكة
بزمام المور في مكة هي التي بادرت بالعدوان ،وأعلنت الحرب
على دولة السلم ،وهددت الحجاج والمعتمرين من المسلمين،
واعتبرت المسلمين أهل حرب ل يدخلون مكة إل بصك أمان أو
بصفة مستأمنين. 2
فكان بعد كل هذا أن يدافع الشعب المسلم عن عقيدته وأرضه
ودولته ونبيه ..
169
توافرت لديهم القوة و العدة اللزمة .وعن هذه المرحلة يقول
الله تعالى ":قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة
واعلموا أن الله مع المتقين " ] التوبة ،[123وعنها أيضا ً يقول
الرسول -صلى الله عليه وسلم ": -أمرت أن أقاتل الناس حتى
يقولوا ل إله إل الله فمن قال ل إله إل الله عصم منى ماله
ونفسه إل بحقه وحسابه على الله ".1
المطلب الثاني :محمد القائد الرحيم :
يتحدث الباحث "وليم موير" عن معاملة النبي أعداءه تلك
المعاملة التي اتسمت بالرحمة والعفو ،حين فتحه مكة )في
رمضان 8هي /يناير 630م( ،فيقول :
"عامل حتى ألد أعدائه بكل كرم وسخاء حتى مع أهل مكة ،وهم
الذين ناصبوه العداء سنين طوال ً ،وامتنعوا من الدخول في
طاعته ،كما ظهر حلمه وصفحه في حالتي الظفر والنتصار ،
وقد دانت لطاعته القبائل التي كانت من قبل أكثر مناجزة وعداء
له ". 2
كذلك يقول واشنجتون إيرفنج":3كانت تصرفات الرسول ][
في ]أعقاب فتح[ مكة تدل على أنه نبي مرسل ل على أنه قائد
مظفر .فقد أبدى رحمة وشفقة على مواطنيه برغم أنه أصبح في
وج نجاحه وانتصاره بالرحمة والعفو".4 مركز قوي .ولكنه ت ّ
فهو الفاتح الرحيم ،بالحق والعدل ،ل الغازي الطاغية أو الظالم..
"وفي إمكان المرء أن يتخيل المعاملة التي كان يجدر بفاتح
دنيوي النزعة أن يعاملهم بها .ولكن صفح الرسول كان ل
يعرف حدودا ً .فقد غفر لهم ثلثة عشر عاما ً من الضطهاد
جروه جروه وه ّ والتآمر " .. 5وهم الذين عذبوه وعذبوا أصحابه وه ّ
أصحابه ،وقتلوا منهم نفرا ً ليس بالعديد القليل ..
يقول "جان باغوت غلوب" معقبا ً " وهكذا تم فتح مكة دون
إراقة دماء إلى حد كبير ...إل أنه اكتسب قلوب الجميع بما
أظهره من رحمة وعفو في يوم انتصاره ". 6
هذا ،ويقول المستشرق إميل درمنغم متحدثا ً عيين الفاتييح والقييائد
الرحيم نبينا محمد في حال انتصاراته :
"فقد برهن ]محمد [في انتصاره النهائي ،على عظمة نفسييية؛
1محمد سعيد رمضان البوطي :فقه السيرة ،126والحديث متفق عليه .
2وليم موير :حياة محمد88 ،
3واشنجتون إيرفنج :مستشرق أمريكي ،أولى اهتماًما كبيًرا لتاريخ المسلمين في الندلس .من آثاره) :سيرة النبي
العربي( مذيلة بخاتمة لقواعد السلم ومصادرها الدينية ) ،(1849و)فتح غرناطة( ) ،(1859وغيرها.
4واشنجتون إيرفنج :حياة محمد ،ص 72
5مولنا محمد علي :حياة محمد و سيرته ،ص .270-269
6جان باغوت غلوب :الفتوحات العربية الكبرى ،ص .157-156
170
ل أن يوجد لها مثال فييي التاريييخ؛ إذ أميير جنييوده أن يعفييوا عيينق ّ
الضييعفاء والمسيينين والطفييال والنسيياء ،وحييذرهم أن يهييدموا
الييبيوت ،أو يسييلبوا التجييار ،أو أن يقطعييوا الشييجار المثمييرة،
وأمرهم أل يجردوا السيوف إل فييي حييال الضييرورة القيياهرة ،بييل
رأيناه يؤنب بعض قواده ويصييلح أخطيياءهم إصييلحا ً مادي يا ً ويقييول
لهم :إن نفسا ً واحدة خير من أكثر الفتوح ثراء ! ". 1
"وهكييذا ظهيير الرسييول الييذي كييان رحميية للعييالمين ،وحييرر
النسانية من أصفاد الجهل والخرافة والفساد" .. 2بييل ظهيير كمييا
وصيييفه المفكييير البلجيكيييي هنيييري ماسييييه ":يتصيييف بالرحمييية
الخالصة" .3تلك الرحمة الخالصيية الييتي غلبييت دوم يا ً – كمييا يييبين
مارسيييل بييوازار – علييى أحيياديث النييبي وسيييرته ،فل "تنفييك
الحيياديث الشييريفة والسيييرة النبوييية تصييور فييي الذهييان كييرم
الرسول وتواضعه ،كما تصور اسييتقامته ونقيياءه ولطفييه وحلمييه .
وكما يظهره التاريخ قائدا ً عظيما ً ملء قلبه الرأفة ،يصوره كييذلك
رجل دولة صريحا ً قوي الشكيمة )ديمقراطيًا(. 4"..
وفوق أخلق الرحمة الييتي تخلييق بهييا النييبي لمييا انتصيير علييى
أعدائه وتمكن منهم ،في المعارك والفتوحات ،نييراه أيض يا ً رحيم يا ً
بمجرمين وأعداء – داخل الدولة -أمضوا حياتهم في دس الفتيين
بين المسلمين ،والعمييل الييدائب ميين أجييل هييدم الييدين والدوليية،
فضل ً عن عمالة هؤلء المجرمين لعداء المسييلمين خييارج حييدود
الدولة ..
يقول "مولنا محمد على" :
"وسييماحة الرسييول ] [نحييو أعييدائه يعييز نظيرهييا فييي تاريييخ
العالم .فقد كان عبد اللييه بين أبييي عيدوا ً للسييلم ،وكيان ينفيق
أيييامه ولييياليه فييي وضييع الخطييط ليقيياع الذى بالييدين الجديييد،
محرضا ً المكيين واليهود تحريضا ً موصول ً على سحق المسييلمين .
ومع ذلك فيوم توفي عبد الله دعا الرسول] [ربه أن يغفر لييه ،
بل لقد قدم رداءه إلى أهله كي يكفنوه به". 5
إن نبي الرحمة لم ينتقم في أيما يوم ميين اليييام ميين امرىييء
أساء إليه! صحيح أنييه أنييزل العقوبيية ببعييض أعييدائه فييي أحييوال
نادرة جدًا ،وفي فترات جد متباعيدة .ولكين تليك الحيالت كيانت
تنطوى كلها على خيانييات بشييعة قييام بهييا أنيياس لييم يعييد الصييفح
1انظر :بشرى زخاري ميخائيل :محمد رسول ال هكذا بشرت به الناجيل ،ص .50
2مولنا محمد علي :حياة محمد و سيرته .282 ،
3هنري ماسيه :السلم ،ص .11
4مارسيل بوزار :إنسانية السلم ،ص .46
5مولنا محمد علي :حياة محمد و سيرته ،ص .270-269
171
يجييدي فييي تقييويمهم وإصييلحهم .والحييق أن تييرك أمثييال هييؤلء
المجرمين سييالمين غييانمين كييان خليقيا ً بييه أل يظيين البعييض أنييه
استحسن الذى والفساد ..والرسول لم يلجا ً إلى العقوبة قط
حيثما كان ثمة مجيال لنجياح سياسية الصيفح كيرادع إن ليم نقيل
كإجراء إصلحي.1
المطلب الثالث :هدي محمد في المعارك :
شرع نبي الرحمة لمته آداب سامية وضوابط حاكمة على سلوك
المقاتل المسلم ،توجب عليه مخالفتها عقوبات زاجرة قييي الييدنيا
والخرة.2
فل يستخدم في الجهاد فييي سييبيل اللييه إل الوسييائل المشييروعة
والساليب النزيهة ،فعن صفوان بن عسال قال :بعثنا رسول اللييه
-صلى الله عليه وسلم -في سرية فقال " :سيروا باسم الله وفي
سبيل الله ،قاتلوا من كفر بالله ،ول تمثلوا ،ول تغدروا ،ول تغلوا،
ول تقتلوا وليدا. 3"..
َ
ص يب ََر
ن تُ ْ س يل ّ َ
م -ن َهَييى أ ْ ه ع َل َي ْيهِ وَ َ
ص يّلى الل ّي ُ
وعيين أنييس أن النييبي َ -
ال ْب ََهاِئم. 4
وقال جابر :نهى رسول الله -صييلى اللييه عليييه وسييلم -أن يقتييل
5
شيء من الدواب صبرا
وعن حنظلة الكاتب قال :
غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم -فمررنا على امييرأة
مقتولة قد اجتمع عليها الناس ،فأفرجوا له فقال " :ما كانت هييذه
تقاتل فيمن يقاتل !"
ثم قال لرجل " :انطلق إلى خالد بن الوليد فقييل ليه إن رسيول
الله -صلى اللييه عليييه وسييلم -يييأمرك يقييول :ل تقتليين ذرييية ول
عسيفا. 7".. 6
وقال – ذات يوم في معركة مستنكًرا على بعض أصحابه : -
" ما بال قوم جاوزهم القتل اليوم حتى قتلوا الذرية !" .
فقال رجل :يا رسول الله :إنما هم أولد المشركين !
فقال " :أل إن خياركم أبناء المشركين . "..
172
ثم قال " :أل ل تقتلوا ذرية ،أل ل تقتلوا ذرية !! كل نسمة تولد
على الفطرة حتى يهب
1
عنها لسانها فأبواها يهودانها و ينصرانها " .
وعن يحيى بن سعيد أن أبا بكر الصديق بعث جيوشيا إلييى الشيام
فخرج يمشي مع يزيد بن أبي سييفيان وكييان أمييير ربييع ميين تلييك
الرباع ،فقال أبو بكر له :
ما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لليه ،فيذرهم وميا "إنك ستجد قو ً
زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له " ..وأوصاه قائل ً " :وإني موصيك
بعشر :ل تقتليين امييرأة ،ول صييبيا ،ول كييبيرا هرمييا ،2ول تقطعيين
شجرا مثمرا ،ول تخربيين عييامرا ،ول تعقييرن شيياة ،ول بعيييرا إل
لمأكلة ،ول تحرقن نخل ] وفي رواية :نحل ول تفرقنه[ ول تغرقنه
4
ول تغلل 3ول تجبن "
عن عمر بن الخطاب ،أنه قال " :اتقوا الله في الفلحين ،ول
تقتلوهم إل أن ينصبوا لكم الحرب".5
وهييذه النصيوص وغيرهيا مين دسييتور العسييكرية السيلمية اليتي
وضعها رسول اللييه تشييتمل علييى الصييول الخلقييية للحييرب،
وهذه جملتها:6
-1الخلص والتجرد للهداف الحقيقية للحرب وترك ما يخالف
ذلك من غلول وغدر وثأر وانتقام.
-2المحافظة على البيئة واجتناب الفسيياد فييي الرض بتحريييق
الشجار وقتل الحيوانات لغير ضرورة.
-3عدم التعرض لغير المقاتلين من النساء والصبيان والشيوخ.
-4السيماحة الدينييية واحيترام مقدسييات الخرييين ،بعيدم قتييل
الرهبان والقسيسين ما لم يقاتلوا أو يعينييوا علييى القتييال ،وعييدم
التعرض كذلك لبيعهم وكنائسهم بسوء.
173
أول ً :رد العلمة لويس سيديو :
وكييان ميين أبييرز المييدافعين والمظهرييين بطلن مييا نفثتييه أقلم
الحاقدين ،المؤرخ الفرنسي العلمة لويس سيديو حيث قال:
"من التجني على حقائق التاريخ ما كان مين عيزو بعيض الك ُّتياب
إلى محمد ] [القسوة ...فقد نسي هييؤلء أن محمييدا ً ] [لييم
يأل جهدا ً في إلغاء عادة الثأر الموروثة الكريهيية الييتي كييانت ذات
حظوة لدى العرب ،كحظوة المبارزات بأوروبة فيما مضى .وكأن
أولئك الك ُّتاب لم يقرأوا آيات القرآن التي قضى محمد ]] [بهييا[
على عادة الوأد الفظيعة .وكأنهم لم يفكييروا فييي العفييو الكريييم
الذي أنعم به على ألد أعدائه بعد فتح مكة ،ول في الرحميية الييتي
حبا بها ،كثيرا ً من القبائل عند ممارسة قواعد الحييرب الشيياقة...
وكأنهم لم يعلموا أن محمدا ً ] [لم يسئ استعمال ما اتفق لييه
من السلطان العظيم ،قضاء لشهوة القسييوة الييدنيئة ،وأنييه لييم
يأل جهدا ً -في الغالب -في تقويم من يجور ميين أصييحابه ،والكييل
يعلم أنه رفض -بعد غزوة بدر -رأي عمر بيين الخطيياب فييي قتييل
السرى ،وأنه عندما حل وقت مجازاة بنييي قريظيية تييرك الحكييم
في مصيرهم لحليفهم القديم سعد بن معاذ ،وأنه صفح عن قاتل
عمه حمزة ،وأنه لم يرفييض -قييط -مييا طلييب إليييه ميين اللطييف
والسماح". 1
ثانًيا :رد الدكتورة كارين أرمسترونج
تقول الباحثيية البريطانييية كييارين أرمسييترونج فييي مقدميية كتابهييا
)سيرة النبي محمد(" :من الخطأ أن نظن أن السلم دييين يتسييم
بالعنف أو بالتعصب في جوهره ،علييى نحييو مييا يقييول بييه البعييض
أحيانًا ،بل إن السلم دين عالمي ،ول يتصف بأي سمات عدوانييية
شرقية أو معادية للغرب . 2".
و تبين أن السبب في إلقاء هذه التهميية علييى النييبي ميين قبييل
بعض الغربيين ،إنما هو بسبب أحقاد قديمة ،فتقول:
"إننا في الغرب بحاجة إلى أن نخّلص أنفسنا من بعض أحقادنا
القديمة ،ولعل شخصا ً مثل محمد ] [يكون مناسبا ً للبدء ! فقد
كان رجل ً متدفق المشاعر ..وقد أسس دينا ً وموروثا ً حضاريا ً لم
يكن السيف دعامته ،برغم السطورة الغربية ،ودينا ً اسمه
السلم؛ ذلك اللفظ ذو الدللة على السلم والوفاق !! ". 3
ثالًثا :رد الكاتب اللماني ديسون
1لويس سيديو ،بتصرف ) :نقل عن كتاب السلم بين النصاف و الجحود ،ص .(134
2كارين أرمسترونج :سيرة النبي محمد ص 19
3كارين أرمسترونج :سيرة النبي محمد ،ص .393
174
يقول المفكر "ديسون" :من الخطأ أن يصدق المرء ما يييرّوج لييه
البعييض ميين أن السيييف كييان المبشيير الول فييي تقييدم السييلم
وتبسطه ،ذلك أن السبب الول في انتشار السلم يعود إلى هذه
الخوة الدينية الفريدة ،وإلى هذه الحياة الجديدة الجتماعية الييتي
كن لها ،ثم إلى هذه الحييياة الشييريفة الطيياهرة الييتي دعا إليها وم ّ
راح يحياها محمد ] [وخلفاؤه من بعده ،والتي بلغت من العفة
والتضحية حدا ً جعل السلم قوة عظيمة ل ُتغلب". 1
عا :رد المفكر الهولندي دوزي: راب ً
دا على دا أن النبي لم يجبر أح ً يقول "دوزي" ،مبيًنا ومؤك ً
اعتناق السلم ..فيقول في كلمات محددة جازمة :
"لم ُيفرض فرضا ً على أحد !!"..2
فلم يثبت ولو في مرة واحدة في تاريخ عهد النبي أن أجبر أي
إنسان على اعتناق السلم ولو بالضغط النفسي ،فضل ً عن
استخدام العنف أو السيف.
سا :رد المؤرخ الكبير جوستاف لوبون: خام ً
يقول جوستاف لوبون :
"لم ينتشر السلم بالسيف ،بل انتشر بالدعوة وحدها ،وبالدعوة
وحدها اعتنقته الشعوب التي قهرت العرب مؤخرا ً كالترك
والمغول ،وبلغ القرآن من النتشار في الهند التي لم يكن العرب
فيها غير عابري سبيل ..ولم يكن السلم أقل انتشارا ً في الصين
التي لم يفتح العرب أي جزء منها قط".. 3
ويقول" :إن القوة لم تكن عامل ً في انتشار السلم ،فقد ترك
ب المغلوبين أحرارا ً في أديانهم". 4 العر ُ
سا :رد الكاتبة اليطالية لورافيشيا فاغليري: ساد ً
5
وتبين لورافيشيا فاغليري أن" السلم ليبيح امتشاق الحسام
إل ّ دفاعا ً عن النفس ،وهو يحرم العدوان تحريما ً صريحًا...
وأباحت الشريعة القتال للمسلمين دفاعا ً عن حرية الضمير
لقرار السلم ،واستتاب المن والنظام".6
كما حدث في معارك عديدة ،كمعركة بدر ) 17رمضان 2هي/
13مارس 624م( ،ومعركة ُأحد ) شوال 3هي/إبريل 624م(،
ومعركة الحزاب ) شوال 5هي\ مارس 627م( ..فكلها معارك
دفاعية ،أقل ما يقال فيها أنها معارك دفاع عن النفس .
1ديسون :محمد بن عبد ال59 ،
2دوزي :ملحق وتكملة القواميس العربية ،مقدمة الكتاب
3جوستاف لوبون :حضارة العرب ،ص ص 129-128
4جوستاف لوبون :حضارة العرب ،ص 127
5السيف.
6لورافيشيا فاغليري :دفاع عن السلم 12 ، 11
175
أو كما حدث في معارك أخرى ،كمعركة قينقاع )السبت 15
شوال 2هي 9/إبريل ،624ومعركة النضير )ربيع الول 4
هي/غسطس 625م( ومعركة قريظة)ذي القعدة 5هي/إبريل 627
م( ،ومعركة خيبر )المحرم سنة 7هي /مايو ..(628فهي معارك
جائت نتيجة للخيانة ،والتحالف ضد المسلمين ،ونقض العهود،
ومحاولت عديدة لغتيال النبي .
عا :رد العلمة توماس كارليل ساب ً
وحسبنا رد توماس كارليل على تلك الفرية التي تييذهب إلييى أن
محمدا ً لم ينشر دعوته إل بحد السيف ،فقال :
"إن اتهام محمد ] [بالتعويييل علييى السيييف فييي حمييل النيياس
على الستجابة لدعوته؛ سخف غير مفهوم!!" ..1ويقول مفصل ً ..
"لقد قيل كثيرا ً فيي شيأن نشير محميد] [دينيه بالسييف ،فيإذا
جعل الناس ذلييك دليل ً علييى كييذبه] ، [فييذلك أشييد مييا أخطييأوا
وجاروا ،فهم يقولون ما كان الدين لينتشر لول السيف ،ولكن ما
هو الذي أوجد السيف ؟ هو قوة ذلك الدين ،وأنييه حييق .والييرأي
الجديد أول ما ينشأ يكون في رأس رجييل واحييد ،فالييذي يعتقييده
هو فرد -فرد ضد العالم أجمع ،-فإذا تناول هذا الفرد سيييفا ً وقييام
في وجه الدنيا فقلما والله يضيع ! وأرى -على العموم -أن الحييق
ينشر نفسه بأيية طريقيية حسييبما تقتضيييه الحيال ،أو ليم تييروا أن
النصرانية كانت ل تأنف أن تستخدم السيف أحيان يًا ،وحسييبكم مييا
فعل شارلمان بقبائل السكسون ! وأنييا ل أحفييل إذا كييان انتشييار
الحق بالسيييف أم باللسييان أو بأييية آليية أخييرى ،فلنييدع الحقييائق
تنشر سييلطانها بالخطابيية أو بالصييحافة أو بالنييار ،لنييدعها تكافييح
وتجاهييد بأيييديها وأرجلهييا وأظافرهييا فإنهييا ليين َتهييزم إل مييا كييان
يستحق أن ُيهزم ،وليس في طاقتها قط أن تقضي علييى مييا هييو
خير منها ،بل ما هو أحط وأدنى " .. 2فإنها حرب ل حكم فيها إل
لله الذي أرسل الرسل ذاتها ،ونعم الحكم ما أعدله وما أقسطه،
إذا كان من عند الخالق !
المطلب الخامس :فرية حــول القتــل الجمــاعي ليهــود
بني قريظة :
معروف لدى كتب التاريخ أن يهود قريظة كانوا فصيل من فصائل
المدينة المنورة .
ومعروف أنه بمجرد قدوم النبي المدينة عقد بينه وبين اليهود
الموجودين بها معاهييدة تنظييم الشييأن العييام الييداخلي والخييارجي
للمدينة .وكان من بنود هذه المعاهدة:
1انظر :عباس محمود العقاد :حقائق السلم وأباطيل خصومه227 :
2توماس كارليل :البطال ،ص 76
176
-1التزام كل أبناء المدينة بما فيهم المسلمين واليهود بالمعايشة
السلمية فيما بينهما وعدم اعتداء أي فريق منهما على الخر .
-2الدفاع المشييترك عيين المدينيية ضييد أي اعتييداء خييارجي علييى
المدينة .
حا
فا في نفوس المسلمين ،وجر ً أحدثت هذه الخيانة زلزال ً عني ً
قا في وجدانهم ،ل سيما بعد إعلن قريظة – جهاًرا نهاًرا - عمي ً
النضمام إلى صفوف الغزاة ..لدرجة أن الرسول حرص أول
المر على كتمان الخبر على الشعب لميا كان يخشى من وقعه
على نفوس الجنود .وبمجرد أن انتهى إلى سمعه النبأ أرسل
وفدا ً دبلوماسًيا مكونا ً من القادة الفاضل سعد بن معاذ)قائد
الوس( ،وسعد بن عبادة )قائد الخزرج( ،وعبد الله بن رواحة،
ذكروا القوم بما وخوات بن جبير -رضوان الله تعالى عليهم -لي ّ
بينهم وبين المسلمين من عقود وعهود ،ويحذروهم مغبة ما هم
مقدمون عليه ،ولكن دون جدوى!
177
فنادى النبي في المسلمين "أل ..ل يصلين أحد العصر إل في
بني قريظة !" ،1فسار الجيش السلمي إلى فصيل الفتنة
والخيانة ،وتبعهم النبي - القائد العام -بعد أن استخلف على
المدينة – نائًبا عنه –عبد الله بن أم مكتوم ،وحاصر المسلمون
بني قريظة شهرا ً تقريًبا ،ولميا طال عليهم الحصار ..ورفض
النبي إل أن يستسلموا دون قيد أو شرط ،واستسلم بنو
قريظة ،ونزلوا على حكم رسول الله ، فوكل الحكم فيهم
إلى سعد بن معاذ– قائد الوس .. -وفي اختيار سعد دللة على
حكمة النبي وُبعد نظره ،وإدراكه لنفسيات يهود قريظة ،لن
دا كان حليف بني قريظة في الجاهلية ،وقد ارتاح اليهود لهذا
سع ً
الختيار ،وظنوا أن الرجل قد يحابيهم في حكمه ،لكن سعدا ً نظر
إلى الموقف من جميع جوانبه .وقدره تقدير من عاش أحداثه
وظروفه.
ما كان يخطط ل :ماذا لو أن نتيجة غزوة الحزاب تمت حسب ً أو ً
لها بنو قريظة وأحزابهم؟ ألم تكن هي البادة التامة للمسلمين
دموا على هذا العمل الخسيس إل أجمعين .على أن اليهود لم يق ِ
بعد أن تكون لديهم ما يشبه اليقين بأنهم -بمساعدة المشركين-
سوف يقومون بتدمير الكيان السلمي تدميرا ً كام ً
ل ،واستئصال
شأفة المسلمين استئصال ً كليا ً – كما ورد في كتبهم إذا ظهروا
178
على شعب من الشعوب -ولهذا لم يترددوا في الغدر بحلفائهم
المسلمين وعلى تلك الصورة البشعة.1
لقد جاء في سفر التثنية " :حين تقترب من مدينة لكي تحاربها
استدعها للصلح ،فإن أجابتك وفتحت لك؛ فكل الشعب الموجود
فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك ،وإن لم تسالمك ..بل عملت
معك حربا ً فحاصرها ،وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب
جميع ذكورها بحد السيف ،وأما النساء والطفال والبهائم وكل ما
في المدينة كل غنيمتها فتغتنمها لنفسك ،وتأكل غنيمة أعدائك
التي أعطاك الرب إلهك ". 2
ويعلق "مولنا محمد علي" ،على هذا النص بقوله" :وهكييذا حكييم
قا للشريعة الموسييوية بقتييل ذكييور بنييي قريظيية وبسييبي سعد وف ً
نسييائهم وأطفييالهم وبمصييادرة ممتلكيياتهم ..ومهمييا بييدت هييذه
العقوبة قاسية ،فقد كانت على درجة الضبط للعقوبيية الييتي كييان
اليهود ينزلونها -تبعا ً لتشريع كتابهم -بالمغلوبين من أعدائهم ،فأي
اعتراض على قسوة هذه العقوبة هو في الواقع انتقاد ل شييعوري
للشريعة الموسوية ،وتسليم بييأن شييريعة أكييثر إنسييانية يجييب أن
تحل محلها ،وأيمييا مقارنيية بالشييريعة السييلمية فييي هييذا الصييدد
خليق بها أن تكشف -في وضيوح بيالغ -أي قيانون رفيييق عطيوف
رحيم قدمه السلم إلى الناس".3
ثانيًا :أن اليهود – ل سيما يهود قريظة -لم يلقوا من المسييلمين
طيلة السنوات الييتي تلييت المعاهييدة إل كييل بيير ووفيياء ،ومعامليية
حسنة طيبة ،كما شهدوا أنفسهم بيذلك ،فعنييدما ذهييب حيييي بين
أخطب – أكبر زعماء اليهود -إلى كعب بين أسييد القرظييي زعيييم
ي !!حي َي ّ قريظة يغريه بنقض العهد مع النبي قييال " :وَي ْ َ
حييك ي َييا ُ
فَدع ِْني وما أ َنا ع َل َيه ،فَإني ل َ َ
صييد ًْقا وَوََفيياًء " ..4 مد ٍ إّل ِ
ح ّ
م َ
ن ُ
م ْ
م أَر ِ
ْ ِّ ْ ِ َ َ َ َ
لكنه لم يزل به حتى أقنعه بالخيانة ونقض العهد.
ثالًثا :أن قانون أي دولة الن يحكم بالعدام على من يخون
وطنه ويقيم اتصالت مع العدو أو يتجسس لحسابه ،و لو درس
الذين يطعنون في حكم سعد على بني قريظة القوانين
المعاصرة دراسة نافذة وطبقوها على قضية بني قريظة لرأوا أن
1انظر :جمعة علي الخولي :معاملة الرسول صلى ال عليه وسلم لبني قريظة ،والرد على ما يثار حولها من
شبهات ،مجلة جامعة المام محمد بن سعود ،العدد ،57
2سفر التثنية – الصحاح العشرون .18 :10
3مولنا محمد علي :حياة محمد ورسالته ص 175
4الروض النف ،422 /3ابن سيد الناس ،38 \2وابن كثير :البداية والنهاية 4/103
179
قوانين العصر الحديث والدول المتقدمة ل تختلف في شيء عما
أصدره سعد بن معاذ. .1
فيهود قريظة خانوا العقد ،وتآمروا وانضموا إلى أعداء الدولة
السلمية وأوقعوا المسلمين بين شقي الرحى في المدينة
مكتوين بنار المشركين من جهة واعتداء اليهود في ساعة المحنة
من جهة ثانية فاقترفوا بذلك الغدر أربع جرائم:
أ -رفع السلح ضد سلطان المدينة مع الجنبي المعتدي
المحتل.
ب -تسهيل دخول العدو للبلد .
ج -التجسس لصالح تحالف المشركين.
د -دس الفتن والمشاركة في الحرب العلمية النفسية على
الشعب المسلم.
2
إذا هو ) القصاص العادل( الذي أصاب بني قريظة على
خيانتهم ..
ومعظم قوانين العقوبات العصرية تجعل العدام عقوبة كل
جريمة من الجرائم الربع ،وتسمى أي جريمة من هذه الجرائم
باسم الخيانة العظمى!
عا :قد يقال :كان من الممكن أن يعامل النبي يهييود بنييي راب ً
قريظة كما يعامل القائد المنتصر رجال جيش عدوه الييذي انهييزم
َأمامه واستسلم ،أو يعاملهم كمييا عامييل يهييود بنييي النضييير وبنييي
قينقاع ..والجواب علييى ذلييك أن بنييي قريظيية لييم يكونييوا أسييرى
حرب حتى يميل بهم إلى الشفقة ،ولم يكونوا في حالة حرب مييع
المسلمين ،وإنما كانوا جيرانا متحييالفين يشييكلون مييع المسييلمين
وحييدة وطنييية ملزميية بالييدفاع المشييترك عيين المدينيية ضييد أي
عييدوان ،لكنهييم ظهييروا أخطيير ميين العييداء ،إذ يييبيتون لنيياس
يأمنونهم ويخصونهم بحقوق الجار ،وواجبات الذمام ،فكانوا بمثابة
الخائن المتآمر المتواطئ مع العدو علييى أمتييه ووطنييه فييي حاليية
الحرب القائمة وهذه خيانة عظمى ليس لها في جميع الشرائع إل
حا عيين موقييف العدام السريع ..وموقفهم هنا يختلف اختلًفا واض ً
بني قينقاع وبني النضير ،فالولون قد أبدوا البغضاء ميين أفييواههم
حا ل وأشاعوا الرعب والشكوك ورأوا في الدعاييية المغرضيية سييل ً
يفل ..وبنوا النضير ائتمروا علييى قتييل الرسيول ،وتحييالفوا ميع
قييا
بعض المنافقين على المناجزة دون أن تتيح لهييم الفرصيية طري ً
طبييا ميين الييذينيصلون منه إلى التنفيييذ ،وهييؤلء وأولئك َأهييون خ ً
سلوا السيوف ووقفوا في صفوف العدو وأوقعوا الهلع في قلوب
180
يحيط بها الروع من كل ناحييية ،فتعييادل الكفييتين بينهمييا طيييش ل
يقره إنصاف. 1
المبحث الرابع
رحمته للسرى
في الوقت الذي كانت فيه الحروب الجاهلية ل تعرف أبسط
قواعد أخلقيات الحرب ،ظهر النبي بمبادئه العسكرية ،ليشرع
للعالمين تصوًرا شامل ً لحقوق السرى في السلم.
وفي هذا العصر الحديث الذي شّرعت فيه المنظمات الدولية
دا نظرية – غير مفعلة وغير مطبقة – لحقوق السرى، بنو ً
كاتفاقيات جنيف بشأن أسرى الحرب في معاملة أسرى الحرب
ورعايتهم جسديا ً ونفسيًا.و نرى رسولنا يشرع قبلهم بمئات
السنين حقوًقا شاملة وجامعة للسرى ،أضف إلى ذلك أن النبي
دا نظرية بعيدة عن واقع الحروب – لم يجعل هذه الحقوق بنو ً
جا عملًيا وطبقها بنفسه كما هو الحال في عصرنا ،-بل جعلها منه ً
في غزواته وطبقها تلميذه في السرايا والمعارك السلمية ..
وفي إكرامه للسرى ،مظهر فريد من مظاهر الرحمة ،في
وقت كانت تستباح فيه الحرمات والعراض ..
"وكثيرا ً ما أطلق ] [سراح السرى في سماحة بالغة ،رغم أن
عددهم بلغ في بعض الحيان ستة آلف أسير". 2
يقول سيديو " :والكل يعلم أنه] [رفض -بعد غزوة بدر -رأي
عمر بن الخطاب في قتل السرى ...وأنه صفح عن قاتل عمه
حمزة ،وأنه لم يرفض -قط -ما طلب إليه من اللطف
والسماح".3
1انظر :جمعة علي الخولي :معاملة الرسول صلى ال عليه وسلم لبني قريظة ،والرد على ما يثار حولها من
شبهات ،مجلة جامعة المام محمد بن سعود ،العدد ،57وانظر :محمد رجب البيومي ،مجلة الحج العدد 12السنة
.88
2مولنا محمد علي :حياة محمد و سيرته ،ص 269
3لويس سيديو) :نقل عن كتاب السلم بين النصاف و الجحود ،ص .(134
181
فهوي النبي ما قال أبو بكر ،ولم يهو ما قال عمر .فلما كان
من الغد أقبل عمر فإذا رسول الله يبكى هو وأبو بكر فقال:
يا رسول الله! من أي شئ تبكي أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء
بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما؟ فقال رسول الله :
"أبكي للذي عرض على أصحابك من أخذهم الفداء ! لقد عرض
علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة !" وأنزل الله تعالى قوله:
ض.1 َ كون ل َ َ َ
ن ِفي الْر ِ خ َ حّتى ي ُث ْ ِ سَرى َ هأ ْ ي أن ي َ ُ َ ُ ن ل ِن َب ِ ّ كا َ ما َ َ
وقد تكلم العلماء في أي الرأيين كان أصوب فرجحت طائفة قول
عمر لهذا الحديث ورجحت طائفة قول أبي بكر لستقرار المر
عليه وموافقته الكتاب الذي سبق من الله بإحلل ذلك لهم
ولموافقته الرحمة التي غلبت الغضب ،ولتشبيه النبي له في
ذلك بإبراهيم وعيسى ،وتشبيهه لعمر بنوح وموسى ،ولحصول
الخير العظيم الذي حصل بإسلم أكثر أولئك السرى ،ولخروج
من خرج من أصلبهم من المسلمين ،ولحصول القوة التي
حصلت للمسلمين بالفداء ولموافقة رسول الله لبي بكر أول ً
ولموافقة الله له آخرا ً حيث استقر المر على رأيه ولكمال نظر
الصديق فإنه رأى ما يستقر عليه حكم الله آخرا ً وغلب جانب
الرحمة على جانب العقوبة..2
وحين أقبل بالسارى – بعد بدر -فرقهم النبي بين أصحابه
وقال :
ً 3
"استوصوا بهم خيرا " ..
وبهذه التوصية النبوية الرفيعة ،تحقق في هذا الجيل السلمي
الفضيل قول الله تعالى:
َ
سيًرا .
4
ما وَأ ِ كيًنا وَي َِتي ً س ِم ْ حب ّهِ ِ م ع ََلى ُ ن الط َّعا َ مو َ وَي ُط ْعِ ُ
وهذا أبو عزيز بن عمير أخو مصعب بن عمير يحدثنا عما رأى.
قال :كنت في السرى يوم بدر ، 5فقال رسول الله ":
َ ُ
ن اْلن ْ َ خي ًْرا" .وك ُن ْ ُ صوا ِباْل َ
6
نحي َ صارِ ِ م ْ ط ِ ت ِفي َرهْ ٍ ساَرى َ ست َوْ ُ ا ْ
َ
صوِني خ ّم َ شاَءهُ ْ م وَع َ َ داَءهُ ْ موا غ َ َ ذا قَد ّ ُ كاُنوا إ َ ن ب َد ْرٍ فَ َ م ْ أقْب َُلوا ِبي ِ
َ
سل ّ َ
م ه ع َل َي ْهِ وَ َ صّلى الل ّ ُ ل الل ّهِ َ سو ِ صي ّةِ َر ُ مَر ل ِوَ ِ خب ْزِ وَأك َُلوا الت ّ ْ ِبال ْ ُ
حِني ب َِها . ف َ خب ْزٍ إّل ن َ َ سَرة ُ ُ م كِ ْ من ْهُ ْل ِ ج ٍ قعُ ِفي ي َد ِ َر ُ ما ت َ َ م ب َِنا َ ، إّياهُ ْ
َ َ َ
ها ع َل َ ّ م فَي َُرد ّ َ ها ع ََلى أ َ ي فَأُرد ّ َ ل فَأ ْ َقا َ
7
سَها . م ّ ي ما ي َ َ حد ِه ِ ْ حي ِ َ ست َ ْ
1سورة النفال:الية 67
2ابن القيم :زاد المعاد 99 \ 3 ،
3ابن كثير :البداية والنهاية307 \3 ،
4سورة النسان:الية 8
5أيام كان على غير السلم ،وكان في جيش المشركين.
6ابن هشام ) / 1ص (644
7ابن هشام ) / 1ص ،(644وابن سيد الناس :عيون الثر 393\1
182
ويقول جابر بن عبدالله رضي الله عنه" :لما كان يوم بدر ُأتي
بالعباس ولم يكن عليه ثوب ،فنظر النبي له قميصا ً فوجدوا
1
قميص عبدالله بن ُأبي يقدر عليه فكساه النبي إياه"
ن الّرِبيِع يحدثنا قال :كنت في رهط من النصار ْ َ
ص بْ ُ
2وهذا أُبو الَعا ِ
-جزاهم الله خيًرا ،-كنا إذا تعشينا أو تغدينا آثروني بالخبز
وأكلوا التمر ،والخبز معهم قليل ،والتمر زادهم ،حتى إن الرجل
ي ،وكان الوليد بن الوليد بن
لتقع في يده كسرة فيدفعها إل ّ
3
المغيرة يقول مثل ذلك ويزيد :وكانوا يحملوننا ويمشون .
ن الّرِبيِع في السارى ،وختن رسول الله - ْ َ
ص بْ ُ
وقد كان أُبو الَعا ِ
ن
ش بْ ُ
خَرا ُصلى الله عليه وسلم ،-وزوج ابنته زينب ،أسره ِ
ة ،فلما بعثت قريش فداء السرى بعثت زينب بنت رسول م َص ّ
ال ّ
الله -صلى الله عليه وسلم -في فداء أبي العاص وأخيه عمرو بن
الربيع بقلدة لمها خديجة ،فلما رآها رسول الله صلى الله عليه
وسلم رق لها رقة شديدة ،وقال " :إن رأيتم أن تطلقوا لها
أسيرها وتردوا عليها مالها فافعلوا " ،فقالوا :نعم يا رسول الله،
فأطلقوه وردوا عليها الذي لها.4
خلق الكريم الذي غرسه المعلم الكبير محمد في كان هذا ال ُ
أصحابه وجنده وشعبه ،قد أثر في إسراع مجموعة من كبراء
السرى وأشرافهم إلى السلم ،فأسلم أبو عزيز عقب معركة
بدرُ ،بعيد وصول السرى إلى المدينة ،وتنفيذ وصية ، وأسلم
معه السائب بن عبيد.
وعاد السرى إلى بلدهم وأهليهم يتحدثون عن محمد ومكارم
أخلقه ،وعن محبته وسماحته ،وعن دعوته وما فيها من البر
والتقوى والصلح والخير.5
المطلب الثاني :نموذج معركة بني المصطلق )شعبان
5هـ /يناير 627م(
183
المصطلق قيد أسلميوا ،وقياليوا :أصهيار رسول الله .1حيث
كره المسلمون أن يأسروا أصهار رسول الله ! قالت عائشة :
فما أعلم امرأة أعظم بركة على قومها منها.2
184
ط ال ْ َس َ عَلى أ َ ْ َ َ
7
ةَ 6
خاِدٌر هَباءَ ِ و ْ
َ ه
شَبال ِ ِ ه ل َي ْ ٌ
ث َ فك َأن ّ ُ
د .4
ص ِ مْر َ
في َ ِ ¤
المطلب الرابع :نماذج أخرى:
أول ً :عفوه عن ثمانين أسيًرا في الحديبية :
هبط عليه فى صلح الحديبية )في ذي القعدة 6هي /مارس
628م( ،ثمانون متسلحون ،من جبل التنعيم ،1يريدون قتله،
ن عليهم.2 فأسرهم ،ثم م ّ
ثانًيا :عفوه عن ثمامة بن أثال سيد بني حنيفة
ُأسر ثمامة بن أثال سيد بني حنيفة ،وسيد اليمامة ،فربطه
الصحابة بسارية بالمسجد النبوي .3وإنما ُربط بسجد بناه أكرم
الخلق ،مطلق العاني السير ،خير من أكرم العزيز إذا ذل،
والغريب إذا ضل .
َ
ل النبي - لصحابه " :-أط ْل ِ ُ فَ َ
ة " .. م َ ما َ قوا ث ُ َ قا َ
لخ َم دَ َ ل ثُ ّ س َ جد ِ َ ،فاغ ْت َ َ س ِ م ْ ن ال ْ َ م ْ ب ِ ري ٍ ل قَ ِ خ ٍ َفان ْط َل َقَ إ َِلى ن َ ْ
ل الل ّهِ. 4 َ َ َ
سو ُ دا َر ُ م ً
ح ّ م َ ن ُ ه وَأ ّ ه إ ِّل الل ّ ُ ن َل إ ِل َ َ شهَد ُ أ ْ ل :أ ْ قا َ جد َ ف َ َس ِ م ْ ال ْ َ
فا ،فطفق يهتف بأخلق فلقد هزته الخلق المحمدية هًزا عني ً
محمد ،ويقول :
جه ُ َ
ك َ ك ،فَ َ جهِ َ َ َ َ
ن ع ََلى الْر
ْ ما َ
ح وَ ْ صب َ َ قد ْ أ ْ ن وَ ْ م ْ ي ِ ض إ ِل ّ ه أب ْغَ َ ج ٌ ض وَ ْ ِ كا َ " َ
َ َ
ك،ن ِدين ِ َ م ْ ي ِ ض إ ِل َ ّ ن أب ْغَ َ ٍ ن ِدي م ْ ن ِ كا َ ما َ ي!! َوالل ّهِ َ جوهِ إ ِل َ ّ ب ال ْوُ ُ ح ّ أ َ
َ فَأ َصبح دين َ َ
يض إ ِل َ ّ ن ب َل َد ٍ أب ْغَ ُ م ْ ن ِ كا َ ما َ ي !! َوالل ّهِ َ ن إ ِل َ ّ ِ ديب ال ّ ح ّ كأ َ
َ
ْ َ َ ِ ُ
َ َ ْ َ َ
ح ب َلد ُ َ ن ب َل َد ِ َ
ك ،فَأ ْ
5
ي !! " .. ب الب ِلد ِ إ ِل ّ ح ّ كأ َ صب َ َ م ْ ِ
بل ويترجم ثمامة هذا الحب عملًيا ..فيبغض في الله ويقاطع في
ت ؟؟! صب َوْ َ لَ : ه َقائ ِ ٌ ل لَ ُ ة َقا َ مك ّ َ م َ ما قَد ِ َ الله ،فلما فَل َ ّ
َ
ه ع َل َي ْ ِ
ه صّلى الل ّ ُ َ ل الل ّهِ - ِ سو مد ٍ َر ُ ح ّ م َ معَ ُ ت َ م ُ سل َ ْ نأ ْ ْ لَ " :ل وَل َك ِ َقا َ
ْ ْ
ن ِفيَها حّتى ي َأذ َ َ حن ْط َةٍ َ ة ِ حب ّ ُ مة ِ َ ما َ ن ال ْي َ َ م ْ م ِ م ،-وََل َوالل ّهِ َل ي َأِتيك ُ ْ سل ّ َ وَ َ
سل ّ َ ه ع َل َي ْهِ وَ َ صّلى الل ّ ُ
6
م. ! " - يَ - الن ّب ِ ّ
ثالًثا :ل تجمعوا عليهم حر هذا اليوم وحر السلح :
185
رأى الرسول أسارى بني قريظة موقوفين في قيظ النهار تحت
الشمس فأمر من يقومون بحراستهم قائ ً
ل" :ل تجمعوا عليهم حر
هذا اليوم وحر السلح ..قيلوهم حتى يبردوا" ،وقد سئل المام
مالك -يرحمه الله" :أيعذب السير إن رجي أن يدل على عورة
ل" :ما سمعت بذلك" 1وبذلك يحرم السلم العدو؟" فأجاب قائ ً
تعذيب السرى ،ويرفض إهانتهم ،ويقرر عدم إهمالهم ..كما ل
يجوز تعذيب السير ،ول إهانته للحصول على معلومات عسكرية
منه..
عا :كسوة ونفقة لسيرة : راب ً
وأعطى رسول الله كسوة ونفقة لبنة حاتم الطائي عندما
وقعت أسيرة في أيدي المسلمين ،بل حملها حتى خرجت مع
بعض أناس من قومها.2
سا :عفوه عن مشركين قاتلوا يوم الفتح : خام ً
وأطلق يوم فتح مكة )رمضان 8هي /يناير 630م ( جماعة من
قريش فكان يقال لهم :الطلقاء.3
فهذه نماذج ،تبين لك مدى رحمة النبي للسرى ،وهذه
المواقف وغيرها تكشف الستار عن شخصية بلغت من السمو
دا ،شخصية تحرك الفئدة نحوها بفيض عارم والرفعة مبلًغا بعي ً
من الرحمة والعفو والجاذبية .
المبحث الخامس
رحمته لقتلى العدو
186
قا« فقال عمر بن الخطاب :يا رسول وجدت ما وعدني ربي ح ً
الله! ما تخاطب من أقوام قد جيفوا؟ فقال» :والذي نفسي بيده
ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ،ولكنهم ل يستطيعون الجواب« . 1
المطلب الثاني :جثة نوفل بن عبد الله !
لما حاول نوفل بن عبد الله – لعنه الله – اقتحام الخندق الذي
صنعه المسلمون لتحصين المدينة من حصار التحالف الوثني –
في غزو الحزاب -ومات مقتول ً في الخندق ،عندما أصر على
اقتحامه في فرقة من المشركين ،سأل المشركون المسلمين
جثته بمال يعطونه المسلمين ،فأرسل المشركون إلى النبي :أن
أرسل إلينا بجسده ونعطيك اثني عشر ألفا ً ..2فتعفف رسول
الله عن هذا المال الخبيث ،ونهاهم عن ذلك وكرهه !! وقال" :
ث ال ْ ِ م فَإ ِن ّ ُ اد ْفَُعوا إ ِل َي ْهِ ْ
3
ة"
ث الد ّي َ ِ
خِبي ُفة ِ َ
جي َ خِبي ُ
ه َ فت َهُ ْ
جي َ
م ِ
وفي رواية قال " :ول نمنعكم أن تدفنوه ،ول أرب لنا في ديته".4
فلم يقبل منهم شيًئا ،وخلى بينهم وبينه ..
وفي رواية :عن عن عكرمة أن نوفل ً تردى به فرسه يوم الخندق
قتل فبعث أبو سفيان إلى النبي -صلى الله عليه وسلم -بديته ف ُ
مائة من البل فأبى النبي -صلى الله عليه وسلم -وقال " :خذوه
فإنه خبيث الدية خبيث الجثة"..5
6
وقال صلى الله عليه وسلم " :هو لكم ،ل نأكل ثمن الموتى "
وإنما كره هذا لئل ينسب إلى المسلمين ما ل يليق بمكارم
الخلق ،فقد كان عليه السلم يقول :بعثت لتمم مكارم
الخلق.7
المطلب الثالث :جثة عمرو بن ود :
وبالمثل في نفس الغزوة ،حدث مع عمرو بن ود – طاغية العرب
، -عندما قتله علي – رضي الله عنه – في مبارزة عنيفة ..وذكر
ابن إسحاق أن المشركين بعثوا إلى رسول الله -صلى الله عليه
وسلم -يشترون جيفة عمرو بعشرة آلف ،فقال رسول الله -
صلى الله عليه وسلم:-
8
"هو لكم ول نأكل ثمن الموتى" .
ولما أقبل علي – رضي الله عنه -بعد قتله لعمرو بن عبد ود
على رسول الله -صلى الله عليه وسلم -وهو متهلل ،قال له عمر
قريش. 1البخاري ) (7/234كتاب المغازي ،باب دعاء النبي صلى ال عليه وسلم على كفار
2علي بن برهان الدين الحلبي :السيرة الحلبية 2/628
ي ) ( 1715والقصة منتشرة في كتب السيرة. 3رواه أحمد ) ،( 2442 (،(2230والّتْرِمِذ ّ
4علي بن برهان الدين الحلبي :السيرة الحلبية 2/628
5رواه ابن أبي شيبة ) ، (36824المتقي الهندي :كنز العمال ) ،( 30102ورواه الفزاري في السير ) ، (10
ولم أقف على صحة الحديث .
6رواه البيهقي في دلئل النبوة ) ،(1320ولم أقف على سنده .
7السرخسي :شرح كتاب السير الكبير ) -ج / 1ص (448
8علي بن برهان الدين الحلبي :السيرة الحلبية 628 /2
187
بن الخطاب رضي الله عنه :هل سلبته درعه ،فإنه ليس في
العرب درع خير منها؟ قال :إني حين ضربته استقبلني بسوءته
فاستحييت يا ابن عمي أن أسلبه.1
المبحث السادس
رحمته لهل الذمة
المطلب الول :من هم أهل الذمة وما موقف الدولة
السلمية منهم ؟
أهل الذمة هم القليات من أهل الكتاب دخل الدولة السلمية ..
يقول أدوار بروي:
ضا من أهل الكتاب ،حق لهم أن "فاليهود والنصارى الذين هم أي ً
يتمتعوا بالتساهل وأن ل يضاموا .وكان لبد ّ من وقوف هذا
الموقف نفسه من الزرادشتية والبوذية والصابئة ..وغيرها من
الملل والنحل الخرى .والمطلوب من هؤلء السكان أن يظهروا
الولء للسلم ويعترفوا بسيادته وسلطانه ،وأن يؤدوا له الرسوم
المترتبة على أهل الذمة تأديتها ..وفي نطاق هذه التحفظات التي
لم يكن لتؤثر كثيًرا على الحياة العادية ،تمتع الزميون] في
السلم[ بكافة حرياتهم".2
ويقول :مونتكومري وات:
فا تجاه اليهود والمسيحيين"إن تعامل المسلمين كان مختل ً
والزرادشتيين وغيرهم ممن اعتبرت دياناتهم شقيقة للسلم،
رغم الدعوى القائلة بأن التباع المعاصرين لتلك الديانات قد
ابتعدوا عن جوهرها .ومهما كان المر فقد كان بالمكان قبولهم
عا من الحلفاء للمسلمين في معظم القطار التي فتحتها نو ً
العرب .لذلك فإن غرض الجهاد لم يكن يهدف إلى تحويل أولئك
السكان نحو السلم بقدر ما كان يهدف إلى اعترافهم بالحكم
السلمي وبمنزلة أناس يحميهم السلم .وبعامة فإنهم )أهل
الذمة(" . 3
" وكانت الطائفة الذمية مجموعة من الناس تعتنق ديانة واحدة
لها استقللها الداخلي برعاية رئيس ديني كالبطريك أو الرابي،
وكان على كل فرد من أفراد المجموعة الذمية دفع ضريبة
شخصية إلى الحاكم المسلم ...وكانت تلك الضرائب أحياًنا أقل
وطأة من الضرائب التي كانت تدفع للحكام السابقين .وكانت
1رواه البيهقي في دلئل النبوة ) ،(1320وانظر :علي بن برهان الدين الحلبي :السيرة الحلبية 628 /2
2أدوار بروي :تاريخ الحضارات العام 116 / 3 ،
3مونتكومري وات :تأثير السلم على أوروبا في العصور الوسطى ،ص 13
188
حمايتهم بصورة فعالة بالنسبة للدولة السلمية تمثل كلمة شرف
تلتزم بها الدولة وتنفذها". 1
المطلب الثاني :شهادات علماء الغرب :
ل :حرية أهل الذمة في العتقاد : أو ً
يقول "روم لندو" :
"على نقيض المبراطورية النصرانية التي حاولت أن تفرض
ضا ،اعترف العرب بالقليات المسيحية على جميع رعاياها فر ً
الدينية وقبلوا بوجودها .كان النصارى واليهود والزرادشتيون
يعرفون عندهم بي )أهل الذمة( ،أو الشعوب المتمتعة بالحماية.
لقد ضمنت حرية العبادة لهم من طريق الجزية ..التي أمست
تدفع بدل ً من الخدمة العسكرية .وكانت هذه الضريبة مضاًفا إليها
الخراج ،أقل في مجموعها من الضرائب التي كانت مفروضة في
ظل الحكم البيزنطي .كانت كل فرقة من الفرق التي تعامل
كمّلة ،أي كطائفة نصف مستقلة استقلل ً ذاتًيا ضمن الدولة.
وكانت كل مّلة تخضع لرئيسها الديني".2
ثانًيا :حرية أهل الذمة في ممارسة الشعائر :
يقول ول ديورانت:
" ..كان أهل الذمة المسيحيون ،والزردشتيون ،واليهود،
والصابئون يستمتعون في عهد الخلفة الموية بدرجة من
التسامح ل نجد نظيًرا لها في المسيحية في هذه اليام .فلقد
كانوا أحراًرا في ممارسة شعائر دينهم ،واحتفظوا بكنائسهم
ومعابدهم ..وكانوا يتمتعون بحكم ذاتي يخضعون فيه لزعمائهم
وقضاتهم وقوانينهم"..3
ويقول" آدم متز"
"كانت حياة الذمي عند أبي حنيفة وابن حنبل تكافئ حياة
دا من حيث المبدأ.. المسلم ،ودية المسلم ،وهي مسألة مهمة ج ً
ولم تكن الحكومة السلمية تتدخل في الشعائر الدينية لهل
الذمة ،بل كان يبلغ من بعض الخلفاء أن يحض مواكبهم وأعيادهم
ويأمر بصيانتهم ..وكذلك ازدهرت الديرة بهدوء.4"..
ثالًثا :رعاية المسلمون لهل الذمة:
يقول آرثر ستانلي تريتون: 5
1مونتكومري وات :تأثير السلم على أوروبا في العصور الوسطى ،ص . 14 – 13
2روم لندو:السلم والعرب ،ص 119
3ول ديورانت :قصة الحضارة . 131 – 130 / 3 ،
4آدم متز :الحضارة السلمية في القرن الرابع . 70 – 69 / 1 ،
5آرثر ستانلي تريتون :ولد عام 1881عين مساعد أستاذ للعربية في أدنبرا ) (1911وكلسكو ) (1919وأستاذ
في عليكرة في الهند ) (1921ومدرسة الدراسات الشرقية والفريقية بلندن )(47-38-1931من آثاره) :الخلفاء
ورعاياهم من غير المسلمين( )) ،(1930علم الكلم في السلم( )) ،(1947السلم إيمان وشعائر( )،(1950
)مواد في التربية السلمية( ).(1957
189
"ولما تدانى أجل )عمر بن الخطاب( أوصى من بعده وهو على
فراش الموت بقوله) :أوصي الخليفة من بعدي بأهل الذمة خيًرا،
وأن يوفي لهم بعهدهم ،وأن يقاتل من ورائهم ،وأل يكلفهم فوق
طاقتهم( وفي الخبار النصرانية شهادة تؤيد هذا القول ،وهي
شهادة )عيثويابه( الذي تولى كرسي البطريركية من سنة 647
إلى 657م إذ كتب يقول) :إن العرب الذين مكنهم الرب من
السيطرة على العالم يعاملوننا كما تعرفون ،أنهم ليسوا بأعداء
ديسينا، للنصرانية بل يمتدحون مّلتنا ويوقرون قسيسينا وق ّ
ويمدون يد المعونة إلى كنائسنا وأديرتنا( .والظاهر أن التفاق
الذي تم بين )عيثويابه( وبين العرب كان من صالح النصارى ،فقد
ص على وجوب حمايتهم من أعدائهم ،وأل يحملوا قسًرا على ن ّ
الحرب من أجل العرب ،وأل يؤذوا من أجل الحتفاظ بعاداتهم
وممارسة شعائرهم ،وأل تزيد الجزية المجباة من الفقير على
أربعة دراهم ،وأن يؤخذ من التاجر والغني اثنا عشر درهما ،وإذا
كانت أمة نصرانية في خدمة مسلم فإنه ل يحق لسيدها أن
1
يجبرها على ترك دينها أو إهمال صلتها والتخلي عن صيامها. ".
عا :الستعانة بهم في أجهزة الدولة : راب ً
يقول آدم متز:
"ومن المور التي نعجب لها كثرة عدد العمال والمتصّرفين غير
المسلمين في الدولة السلمية".. 2
وقد كان عمر بن الخطاب يستخدمهم في كتابة الدواوين
والترجمة.
المطلب الثالث :وصايا النبي بأهل الذمة والتحذير
من إيذائهم:
ل :حرمة قتل الذمي بغير حق : أو ً
رو: م ٍن عَ ْ ّ
ن ع َب ْد ِ اللهِ ب ْ ِ عَ ْ
ة
جن ّ ِة ال ْ َح َ
ح َرائ ِ َ م ي َرِ ْ دا ل َ ْ مَعاهَ ً سا ُ ف ً ل نَ ْ ن قَت َ َم ْ لَ ": ي َقا َ ن الن ّب ِ ّ عَ ْ
3
ما" . َ َ
عا ً ن َ سيَرةِ أْرب َِعي َ م ِ ن َ م ْ جد ُ ِ حَها لُيو َ ن ِري َ وَإ ِ ّ
ثانًيا :حرمة قذف الذمي :
ط
سيا ٍ مة ِ ب ِ ِ قَيا َم ال ْ ِ ه ي َوْ َحد ّ ل َ ُ
4
مّيا ُ ف ذِ ّ ن قَذ َ َ م ْ ل الل ّهِ َ : سو ُ ل َر ُ َقا َ
نهَ:يا اب ْ َ ل لَ ُ قا ُ ل :ي ُ َلَ ،قا َ قا ُ ما ي ُ َشد ّ َ ما أ َ َلَ : حو ٍ مك ْ ُن َناٍر" قيل ل ِ َ م ْ ِ
5
الكاِفر ِ. َ ْ
ثالًثا :تحريم ظلمه :
1آرثر ستانلي تريتون :أهل الذمة في السلم ،ص 159 – 158
2آدم متز :الحضارة السلمية في القرن الرابع . 87 / 1
جْرٍم
ل ِذّمّيا ِبغَْيِر ُ
ن َقَت َ
3صحيح – رواه البخاري ،برقم ،6403باب َباب ِإْثِم َم ْ
حد :أقيم عليه الحد والعقوبة
ُ 4
5المعجم الكبير للطبراني )ج / 15ص ،(434مسند الشاميين للطبراني )ج / 9ص (316
190
عن عبد الله بن جراد ،أن رسول الله قال ":من ظلم ذمًيا
مؤديا ً الجزية 1مقًرا بذلته ،فأنا خصمه يوم القيامة ". 2
وفي ذلك يقول يقول كولدتسيهر: 3
"فظلم أهل الذمة ،وهم أولئك المحتمون بحمى السلم من غير
المسلمين ،كان يحكم عليه بالمعصية وتعدي الشريعة .ففي
بعض المرات عامل حاكم إقليم لبنان الشعب بقسوة عندما ثار
ضد ظلم أحد عمال الضرائب ،فحكم عليه بما قاله الرسول ]
دا ،وكلفه فوق طاقته فأنا حجيجه يوم ) :[من ظلم معاه ً
القيامة( .وفي عصر أحدث من هذا ما رواه بورتر Porterفي
كتابه )خمس سنين في دمشق( من أنه رأى بالقرب من بصرى
)بيت اليهود( وحكى أنه كان في هذا الموضع مسجد هدمه عمر ]
[لن الحاكم قد اغتصبه من يهودي ليبني عليه هذا
المسجد!".4
المبحث السابع
جا[
قيم حضارية في غزوة بدر ] نموذ ً
1الجزية :هي عبارة عن اشتراك مالي يدفعه المعاهد أو الذمي من غير المسلمين ،وهي مقابل إقامتهم في الدولة
السلمية وحمايتها لهم.
2أبو نعيم الصبهاني :معرفة الصحابة )ج / 11ص (339
3كولد تسيهر )1921-1850م( :عين أستاًذا محاضًرا في كلية العلوم بجامعة بودابست ) (1873ثم أستاذ كرسي
) .(1906من آثاره :كتاب )العقيدة والشريعة في السلم( )باريس ،(1920و)درس في السلم( في جزأين
كبيرين.
4كولدتسيهر :العقيدة والشريعة في السلم ،ص 47-46
191
وفيما يلي نقف – سريًعا -على بعض القيم الحضارية المستفادة
من هذه الغزوة :
المطلب الول :ل نستعين بمشرك على مشرك :
لما خرج رسول الله ، إلى بدر ،أدركه خبيب بن إساف ،وكان
دا لقومه من ذا بأس ونجدة ولم يكن أسلم ،ولكنه خرج منج ً
الخزرج طالًبا للغنيمة ،وكانت ُتذكر منه جرأة وشجاعة ،ففرح
أصحاب النبي حين رأوه ،فلما أدركه قال :جئت لتبعك
وأصيب معك ،فقال له النبي "أتؤمن بالله ورسوله؟ " قال:
ل ،قال" :فارجع فلن نستعين بمشرك" " فلم يزل خبيب يلح
هّ سو ُ
ل الل ِ على النبي ،والنبي يرفض ،حتى أسلم خبيب ،فَ ُ
سّر َر ُ
ل " :انطلق".. 1 ب ِذ َل ِ َ
ك ،وََقا َ
ث ،يطلب حّر ٍ
م َن ُ وعلى النقيض من هذا الموقف ،جاء أبو قَي ْ ُ
س بْ ُ
كا ،فلما رفض السلم ،رده القتال مع المسلمين وقد كان مشر ً
جعَ الرجل إَلى المدينة ،وأسلم بعد ذلك .
2
ل الل ّهِ وََر َ سو ُ َر ُ
192
الدرجة التي يرفض فيها أن يستعين في قتاله بمن يخالف
عقيدته!
193
ش .فطفق الصحابة يضربوهما، قاة ُ قَُري ْ ٍ
س َ
ن ُ
ح ُصّلي ،فقال :ن َ ْ يُ َ
حتى اضطر الغلمان لتغيير أقوالهما .فلما أتم رسول الله صلته؛
قال لهما مستنكًرا " :والذي نفسي بيده إنكم لتضربونهما إذا
ما ،وَإ ِ َ
ذا موهُ َ
ضَرب ْت ُ ُ م َ صد ََقاك ُ ْذا َ صدقا و تتركونهما إذا كذبا ..إ َ
صد ََقا ،وََالل ّهِ إن ّهُ َ م ت ََرك ْت ُ ُ
ك َذ ََباك ُ ْ
1
ش" . قَري ْ ِ ما ل ِ ُ ما ؟ ! َ ، موهُ َ
هكذا كانت معاملة القيادة السلمية لمن وقع في قبض
المخابرات السلمية للستجواب ،فنهى القائد عن تعذيب
وب ،أو انتزاع المعلومات منه بالقوة ،فسبق اتفاقية المستج َ
جينيف الثالثة لعام 1949التي تحظر إجبار السير على الدلء
بمعلومات سوى معلومات تتيح التعرف عليه مثل اسمه وتاريخ
ميلده ورتبته العسكرية ، ،وجّرم رسول الله كل أعمال التعذيب
أو اليذاء أوالضغط النفسي والجسدي التي تمارس على السير
ليفصح عن معلومات حربية .
وثمة تقدم إسلمي على هذه التفاقات الخيرة ،فرسول الله قد
طبق هذه التعاليم التي تحترم حقوق السير ،بيد أن دول الغرب
ما لهذه التفاقات ولم تحترمها، في العصر الحديث لم تعير اهتما ً
والدليل على ذلك ما يفعله الجنود المريكيون في الشعب
العراقي والفغاني ..وما يفعله الصهاينة في الشعب
الفلسطيني.
194
يقف أمام جندي من جنوده لّيقتص الجندي منه ..أما الجندي فهو
ست َن ِْتل من الصف ،غمزه النبي غمزة خفيفة ة ،لما ا ْ ن غ َزِي ّ َواد ِ ب ْ ِ س َ ِ َ
ست َوِ َيا في ب َط ْن ِهِ -بالسهم الذي ل نصل له -وقال " :ا ْ
واد ُ !" ..قال :يا رسول الله ! أوجعتني ! وقد بعثك الله بالحق س ّ َ
ه ،وََقا َ ْ ّ َ
ل": ن ب َطن ِ ِوالعدل؛ فَأقِد ِْني ! فكشف رسول اللهِ ع َ ْ
مَلك ع ََلىح َ
ما َ ل النبي َ " : قا َ ل ب َط ْن َ ُ
ه ! فَ َ ه فَ َ
قب ّ َ د" َ ..فاع ْت َن َ َ
ق ُ ق ْست َ ِ ا ْ
َ
ت أن يكون آخر واد ُ ؟ " ،قال :حضر ما ترى ،فَأَرد ْ ُ س ّذا َيا َ هَ َ
1
العهد بك أن يمس جلدي جلدك ! فدعا له رسول الله بخير
195
ست َك َْر ً
ها 1".وقد كان م ْ
ج ُ خرِ َما أ ُ ْ قت ُل ْ ُ
ه ،فَإ ِن ّ ُ
ه إن ّ َ ب ،فََل ي َ ْمط ّل ِ ِ
ال ْ ُ
العباس في مكة بمثابة قلم المخابرات للدولة السلمية ،وقد
خت َرِيّ فقد كان أكف ما يكتم إيمانه ..أما أبو ال ْب َ ْ كان مسل ً
المشركين عن المسلمين ،بل ساند المسلمين في محنتهم أيام
شعب ،وكان ممن سعى في نقض صحيفة اعتقالهم في ال ِ
المقاطعة الظالمة ،ومن ثم كانت له يد على المسلمين ،فأرد
النبي يوم بدر أن يكرمه .فالقيادة السلمية تحفظ الجميل
لصحاب الشهامة وإن كانوا من فسطاط المشركين .
196
هكذا كان نبي الرحمة في ميدان القتال ،ل يستعين بمشرك
على مشرك ،يشارك جنوده ،ويستشيرهم ،ويعدل بينهم ،ويحترم
ما لهل الفضل منهم، آرائهم ،ويحاور أعدائه ،ويكون وفًيا كري ً
ويكرم االسرى ،وينهى عن إيذائهم
الفصل السادس
رحمته للعالمين في مجال المرأة والطفل
المبحث الول :تحرير المرأة من الجاهلية
المبحث الثاني :مميزات المرأة في السلم
المبحث الثالث :رحمته للطفال
المبحث الرابع :رحمته للبنات
المبحث الخامس :رحمته لليتام
المبحث السادس :رحمته للرامل
197
المبحث الول
تحرير المرأة من الجاهلية
في هذا المبحث نرى مظهرا ً جليا ً من مظاهر رحمة سيدنا محمد
.. إنه تحرير المرأة ،من ظلم الجاهلية . .
وبالطبع يحدثنا عن هذا المظهر من مظاهر الرحمة علماء الغرب
!
ل سيما في معرض تناولهم لوضع المرأة العربية في عهد النبي
..
ونلحظ في هذه الراء التقدير العالي من هؤلء العلماء الغربيين
لصلحت النبي التي رفعت من قدر المرأة ،وحمايتها من
الوأد والقصاء والتهميش .
198
المطلب الول :محمد منقذ المرأة :
يقول الباحث البريطاني " جب " ،متحدًثا عن محمد :
سلم به عالميا ً بصفة عامة أن إصلحاته ] [رفعت " إنه من الم َ
1
من قدر المرأة ومنزلتها ووضعها الجتماعي والشرعي " .
2
"ورفع عن المرأة قيد العبودية التي فرضتها تقاليد الصحراء " ..
ويرى العلمة ول ديورانت 3أن السلم قد رفع "من مقام المرأة
وى بينفي بلد العرب ...وقضى على عادة وأد البنات ،وس ّ
الرجل والمرأة في الجراءات القضائية والستقلل المالي،
وجعل من حقها أن تشتغل بكل عمل حلل ،وأن تحتفظ بما لها
ومكاسبها ،وأن ترث ،وتتصرف في مالها كما تشاء ،وقضى على
ما اعتاده العرب في الجاهلية من انتقال النساء من الباء إلى
البناء فيما ينتقل لهم من متاع ،وجعل نصيب النثى في الميراث
نصف نصيب الذكر ،ومنع زواجهن بغير إرادتهن". 4
199
مرتبة الشخص المحترم الذي له الحق في الحياة حياة محترمة،
كما أن له الحق في أن يملك ويرث المال".1
المطلب الثاني :افتراءات وردود :
وهذه افتراءات يلوكها بعض الحاقدين ،والرد عليها من قبل
العلماء المسلمين وغير المسلمين:
الفرية الولى :حول تعدد الزوجات :
ل :فيما يخص تعدد الزوجات الخاص بشخص النبي أو ً
:
يقول كويليام :
"أما تعدد الزوجات فإن موسى ]عليه السلم[ لم يحرمها ،وداود
]عليه السلم[ أتاها ،وقال بها ولم تحرم في العهد الجديد )أي
النجيل( إل من عهد غير بعيد .ولقد أوقف محمد ] [الغلوّ فيها
2
عند حد ّ معلوم".
عا من الرسل في قضية التعدد، والحق أن محمد لم يكن بد ً
فإبراهيم عليه السلم تزوج سارة ثم هاجر ،و يعقوب عليه
السلم تزوج بأربع نسوة ،و داود عليه السلم تزوج بأكثر مما
ما -بأنه زنى بامرأة
تزوج رسول الله بل يتهمه العهد القديم – ظل ً
أوريا وقتل زوجها بالحيلة ،ثم أخذها ،3وتزوج سليمان -عليه
السلم -بألف امرأة ،سبعمائة منهن حرائر من بنات السلطين
وثلثمائة جوار.4
200
ثانًيا:فيما يخص تعدد الزوجات العام:
يقول إميل درمنغم:
"وأباح ]النبي [تعدد الزوجات..ولم يوصي الناس به ،ولم
يأذن فيه إل بشرط العدل بين الزوجات فل يهب لحداهن إبرة
دون الخرى".1
ويتسائل إميل درمنغم قائل ً " :وأيهما أفضل :تعدد الزوجات
الشرعي أم تعدد الزوجات السري؟...إن تعدد الزوجات من شأنه
إلغاء البغاء والقضاء على عزوبة النساء ذات المخاطر".2
ويقول جاك ريسلر " :وفي الحق أن تعدد الزوجات بتقييده
النزلق مع الشهوات الجامحة ،قد حقق بهذا التشريع السلمي
تماسك السرة ،وفيه ما يسوغ عقوبة الزوج الزاني ".3
ويبن "ليتنر" " :أن هذا التعدد في الزواج مشروط بشروطه،
فيقول "َيقدر الرجل أن يتزوج من أربع نساء بشرط المساواة
بينهن في كل شيء حتى بالمحبة والوداد ،فإن لم يكن قادًرا على
كل ذلك فل يباح له بإن يتزوج غير واحدة .ومن يتدبر شريعته ]
[يرى أنه قد حض على الزواج بامرأة واحدة ،ولقد رفع مقام
ما ،فإنها بعد ما كانت تعد كمتاع مملوك المرأة ورقاها رقًيا عظي ً
4
صارت مالكة ،وحكمها مؤيد وحقوقها محفوظة" .
ضا -على أصحاب هذه الفرية ،فيقول لهم : ويرد " كويليام " –أي ً
َ
حد َةً) سورة م أل ّ ت َعْد ُِلوا ْ فَ َ
وا ِ فت ُ ْ
خ ْ
ن ِ " جاء في القرآن فَإ ِ ْ
النساء ،الية ،(3 :فيما يتعلق بمسألة تعدد الزوجات التي تنتقدون
ما وعدواًنا .إذ ل شك في أنكم تجهلون فيها على المسلمين ظل ً
عدل النبي ] [بين أزواجه ]رضوان الله عليهن[ وحبه فيهن
حّبا مساوًيا مما علم المسلمين النتماء والنصاف بينهن .على أن
القرآن لم يأمر بتعدد الزوجات بل جاء بالحظر مع الوعيد لمن ل
يعدل في الية المتقدمة ،ولذلك ترى اليوم جميع المسلمين منهم
القليل ل يتزوجون إل امرأة واحدة خوف الوقوع تحت طائلة ما
جاء من النذار في القرآن المجيد .وإذا سّلمنا على العموم بأن
عدم تعدد الزوجات أوفق للمعاشرة الدنيوية من تكررهن ،فل
نسلم بالعتراف بذلك على الوجه المتعارف اليوم بأوروبا من
حصر الزواج في امرأة واحدة إذعانا للقانون واتخاذ عدة أزواج
5
أخرى ]غير شرعيات[ من وراء الجدار"!!..
1إميل درمنغم :حياة محمد ،ص .330
2إميل درمنغم :حياة محمد ،ص .331-330
3جاك ريسلر :الحضارة العربية ،ص 52
4ليتنر :دين السلم ،ص 11
5عبد ال كويليام :العقيدة السلمية ص 39 – 38
201
الفرية الثانية :قول أحدهم :إن السلم ل يسوي بين
المرأة والرجل :
ويرد جاك ريسلر على هذه الفرية ،فيقول :
" ..لقد وضعت المرأة على قدم المساواة مع الرجال في
القضايا الخاصة بالمصلحة فأصبح في استطاعتها أن ترث ،وأن
تورث ،وأن تشتغل بمهنة مشروعة". 1
ويقول العالم القانوني مارسيل بوازار:
" إن السلم يخاطب الرجال والنساء على السواء ويعاملهم
بطريقة )شبه( متساوية 2وتهدف الشريعة السلمية بشكل عام
إلى غاية متميزة هي الحماية ،ويقدم التشريع للمرأة تعريفات
دا بضمانها .فالقرآن ما شدي ً
دقيقة عما لها من حقوق ويبدي اهتما ً
والسنة يحضان على معاملة المرأة بعدل ورفق وعطف...
دا
وسعيا] أي القرآن والسنة[ إلى رفع وضع المؤمنة بمنحها عد ً
من الطموحات القانونية .أمام القانون و الملكية الخاصة
الشخصية ،والرث ".3
ويقول نظمي لوقا ":وفي سور القرآن أشار إلى المساواة عند
الله بين الذكر والنثى بغير تفريق في التكليف أو الجزاء ،
وإشارة صريحة مساواة المرأة والرجل في ثمرات العمال و
الجهود ..وفي بعض المم القديمة ،والحديثة ،كانت المرأة
تحرم غالبا ً من الميراث ،فأبى السلم هذا الغبن الفاحش. " ..
4
202
فريضة على كل مسلم ومسلمة( .لقد منح السلم المرأة حق
التملك وحرية التصرف فيما تملك .وفي الوقت الذي نرى فيه أن
المرأة في أوروبا كانت محرومة من جميع هذه الحقوق إلى عهد
دا ،نجد أن السلم منح المرأة بالضافة إلى ما تقدم حق قريب ج ّ
إبرام العقود للزواج .والمهر في نظر السلم هو حق شخصي
للمرأة .والمرأة في السلم تتمتع بحرية الفكر والتعبير.1"..
203
شؤونه ،ومثل هذه السلطة ل بد لها من قوة تجعلها نافذة
ق ليس غير.. وضابطة وإل فإنها ستبقى حبرا ً على ور ٍ
المبحث الثاني
مميزات المرأة في السلم
يقول مارسيل بوازار:
" ..أثبتت التعاليم القرآنية وتعاليم محمد ] [أنها حامية حمى
حقوق المرأة".. 3
ونذكر في ذلك عدة نماذج :
المطلب الول :الستقلل الفكري للمرأة :
من أهم المميزات التي منحها السلم للمرأة ،أن السلم احترم
الستقلل الفكري للمرأة ،واحترم علمها وبيعتها وشهادتها ووجهة
َ
مُنوا إ ِ َ
ذا نآ َ ذي َ نظرها ..فيقول الله تعالى في القرآن َ :ياأي َّها ال ّ ِ
حنوهُن الل ّ َ
نن فَإ ِ ْمان ِهِ ّم ب ِِإي َه أع ْل َ ُُ ّ ت َفا ْ
مت َ ِ ُ جَرا ٍ مَها ِت ُمَنا ُمؤ ْ ِم ال ْ ُ
جاَءك ُ ْ َ
م وََل ل ل َهُ ْ
ح ّ ن ِ فارِ َل هُ ّ ن إ َِلى ال ْك ُ ّجُعوهُ ّ ت فََل ت َْر ِ مؤ ْ ِ
مَنا ٍ ن ُ موهُ ّ مت ُ ُ
ع َل ِ ْ
ن ن ل َهُ ّ حّلو َ
4
م يَ ِ هُ ْ
1
انظر :عرفات كامل العشي :رجال ونساء اسلموا . 26-25\ 8
2لورافيشيا فاغليري :دفاع عن السلم ،ص . 104 – 103
3مارسيل بوازار :إنسانية السلم ،ص 140
4سورة الممتحنة :الية 10
204
"والية تشير -بجانب ما فيها من أحكام -إلى ما كانت تستمتع به
المرأة من استقلل فكري وكيان أدبي محترم" 1في عهد محمد
و"لم تكن النساء ]المسلمات[ متأخرات عن الرجال في ميدان
العلوم والمعارف فقد نشأ منهن عالمات في الفلسفة والتاريخ
والدب والشعر وكل ألوان الحياة"..2
205
عليه ؟ قال " أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ...ول
تضرب الوجه ول تقبح ول تهجر إل في البيت ".. 1
المطلب الثالث :حقوق المرأة في الميراث والتملك:
وعيين حييق الميرأة فييي الميييراث يقيول البياحث الفرنسيي آتيييين
دينيه :
" منح الرسول ] [المرأة -كذلك -حييق فييي الميييراث .وحقهييا
به :نصف حق الذكر ،وذلك لن المييرأة ل تييدفع مهييرا ً كالرجييل،
وليست مكلفة بحاجات البيت ". 2
ويقول روم لندو":يوم كانت النسوة يعتبرن ،في العالم الغربي،
دي من مجرد متاع من المتعة ،ويوم كان القوم هناك في ريب ج ّ
حا! كان الشرع السلمي قد منحهن حق التملك. أن لهن أروا ً
3
وتلقت الرامل نصيًبا من ميراث أزواجهن" .
1صحيح– رواه الترمذي عن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه،كتاب النكاح ،باب باب في حق المرأة على
زوجها برقم 2142وقال أبو داود " ول تقبح " أن تقول قبحك ال ،ورواه أحمد برقم ،20036والحاكم برقم
،2764والطبراني في المعجم الكبير برقم ،1034وقال اللباني :حسن صحيح ،صحيح سنن أبي داود ،برقم
.1875
2آتيين دينيه :محمد رسول ال ،ص . 329-328
3روز ماري :السلم والعرب ،ص . 203
4روز ماري ) مريم هاو( باحثة وصحفية إنكليزية ،نشأت في عائلة نصرانية متدينة ،ولكنها مع بلوغها مرحلة
الوعي بدأت تفقد قناعاتها الدينية السابقة وتتطلع إلى دين يمنحها الجواب المقبول .وفي عام 1977أعلنت
إسلمها.
5انظر :عرفات كامل العشي :رجال ونساء اسلموا28\8 ،
206
1
هذا إضافة إلى حق المرأة في العمل العام :فتبين ماكلوسكي
" أن نشاطات المرأة المسلمة قد تمتد أحيانا خارج المنزل،
فبعض النساء المسلمات كن يقمن بمسؤوليات عامة ..في
2
الحرب والتجارة .ولكن ذلك كله كان في إطار الخلق الكريم" .
المطلب الخامس :تقدير الدور السياسي للمرأة :
وتقديرا ً لدور المرأة في بناء المجتمع السلمي ،فقد بايع رسول
الله النساء في موقعة مشهودة للقاصي والداني ،فكانت
بيعة النساء ثانى يوم الفتح )رمضان 8هي /يناير 630م( على
جبل الصفا بعدما فرغ من بيعة الرجال ..
طرها القرآن الكريم بآيات خالدة أمد الدهر: وس ّ
ك ع ََلى َ
ت ي َُباي ِعْن َ َمَنا ُمؤ ْ ِك ال ْ ُ جاء َ ذا َ قال الله تعالى َ :يا أي َّها الن ّب ِ ّ
ي إِ َ
قتل ْ َ َأن ّل ي ُ ْ
ن أوَْلد َهُ ّ
ن ن وََل ي َ ْ ُ َ ن وََل ي َْزِني َ سرِقْ َ شْيئا ً وََل ي َ ْ ن ِبالل ّهِ َ
شرِك ْ َ ْ
َ فترينه بي َ
ك ِفي صين َ َ ن وََل ي َعْ ِ جل ِهِ ّ ن وَأْر ُ ديهِ ّ ن أي ْ ِ ن يَ ْ َ ِ َ ُ َ ْ َ ن ب ِب ُهَْتا ٍوََل ي َأِتي َ
3
م حي ٌ فوٌر ّر ِ ه غَ ُ ن الل ّ َه إِ ّ ن الل ّ َ فْر ل َهُ ّ ست َغْ ِ
ن َوا ْ ف فََباي ِعْهُ ّ معُْرو ٍ َ
207
ومثال أم هانىء واضح وجلي ..فقد أدخلت أحد المجرمين في
جوارها – أي في حمايتها -يوم فتح مكة وقَِبل رسول الله
هذا الجوار ،ومن ثم عفا عن هذا المجرم !
فلقد ذهبت أم هانئ بنت أبى طالب إلى رسول الله عام
ى أنه قاتل رجل الفتح ،فقالت :يا رسول الله زعم ابن أمي عل ّ
أجرته :فلن ابن هبيرة ،فقال رسول الله " :قد أجرنا من
أجرت يا أم هانئ"!! 1
المطلب السابع :تأملت في هذه المميزات :
تسييتطيع أن تتأمييل فييي هييذه المميييزات الييتي منحهييا النييبي
للمرأة..
فتعلم مدى الرفعة التي نالتها المرأة في حمى السييلم وظلييه،
وكيييف أنهييا نييالت كييل حقوقهييا النسييانية والجتماعييية كمييا نالهييا
الرجل سواء بسواء ،مما لم يحدث نظيره في أمة من المم.
إن النبي لم يعتبر المرأة جرثومة خبيثة كما اعتبرها الخرون،
ولكنه قرر حقيقة تزيل هذا الهوان عنها ،وهي أن المرأة بين يدي
السلم قسيمة الرجل ،لها ما له من الحقوق وعليها أيضا ً من
الواجبات ما يلئم تكوينها وفطرتها ،وعلى الرجل بما اختص به
من صفة الرجولة ،وقوة الجلد ،وبسطة واتساع الحيلة ،أن يلي
رعايتها ،فهو بذلك وليها ،يحوطها بقوته ،ويذود عنها بدمه ،وينفق
عليها من كسب يده ،ذلك ما قرره الله تعالى بقوله :،وَل َهُ ّ
ن
ل ع َل َي ْهِ ّ ن ِبال ْ َ
ذي ع َل َي ْهِ ّ
ل ال ّ ِ
3
ةج ٌ
ن د ََر َ جا ِ
ف وَِللّر َ
معُْرو ِ مث ْ ُ
ِ
إن " تحرير المرأة" الذي قام به النبي ،كان تحريرا ً شامل ً
وكامل ً بمعنى الكلمة ..فقد كان النبي هو العامل الساسي
في إيقاف الجريمة الكبرى التي كانت تمارس في حق المرأة ،أل
وهي جريمة " قتل البنات خشية العار" ..إن ثقافة وأد البنات
1صحيح -البخاري ) ،(469 \1ومسلم ).(45 \4
2انظر :محمد سعيد رمضان البوطي :فقه السيرة 154 ،
3سورة البقرة:الية 228
208
كانت هي الثقافة السائدة في تصور المجتمع نحو المرأة ..ولم
يجرأ أحد المصلحين قبل النبي التصدي لهذه العادة القبيحة ..
بل كانت تزداد فحشا ً وانتشارا ً في أنحاء الجزيرة ..
ث الله محمدا ً هذا ،وقد كانت المرأة تباع وُتشترى ..فلما بع َ
أعاد للمرأة حقوقها المسلوبة ،فمنحها حق الحرية ،وأن تبيع
وَتشتري ل أن ُتباع وُتشترى ،وأن ترث كما يرث الرجل ،ل أن
َتورث كما كان الرجل يرثها مع مال أبيه ..إن العالم عن بكرة
أبيه لم يعترف بالذمة المالية للمرأة ..وجاء النبي وقرر هذا
الحق للمرأة ..فأصبحت تستطيع أن تعقد كبرى الصفقات
التجارية ،وتتعاقد مع من تشاء وتوكل من تشاء ..
المبحث الثاني
رحمته للبنات
المطلب الول :فضل محمد على البنات :
لو كانت الخدمة الوحيدة التي أداها نبينا محمد للبنات أنه
أنقذهن من عادة الوأد الجاهلية ..لكفى بذلك فضل ً له
عليهن ! ..
فقد " كانت قبائل العرب في الجاهلية تئد البنات كراهة لهن
1
دا" .قا شدي ً
وازدراء لشأنهن ،ومن لم يئدهن كان يضيق بهن ضي ً
أضف إلى ذلك الفضل العظيم أنه غير أفكار المجتمع العربي
القديم تغييرا ً جذريا ً ..في تعامله مع البنات ..
كلف النبي المجتمع السلمي أن يتعهد البنات الصغيرات ولقد َ
بالتعليم والتثقيف والرعاية -،كما يقول جاك ريسلر -حيث يتم "
تعليم البنات على تلقيهن تربية دينية قويمة ،وعلى تعويدهن
على الصلة ،وجعلهن في وقت مبكر صالحات للعمال
المنزلية .وبعد سنوات أيضا ً يعلمن قرض الشعر والفنون .. "..
2
209
جاَءتني امرأ َة ،معها ابنتان ت َ
ة
مَر ٍدي غ َي َْر ت َ ْ عن ْ ِ
جد ْ ِ م تَ ِ سأل ُِني؛ فَل َ ْ ْ َ ٌ َ َ َ ََْ ِ َ ْ َ ِْ
َ
ة ،فَأع ْط َي ْت َُها ،فَ َ
خ َ
ل ت ،فَد َ َ ج ْ خَر َ ت فَ َ م ْ م َقا َ ن اب ْن َت َي َْها ،ث ُ َّ مت َْها ب َي ْ
س َق َ حد َ ٍ
َوا ِ
َ
ن
س َ ح َ شي ًْئا فَأ ْ ت َ ن هَذ ِهِ ال ْب ََنا ِ م ْ ن ي َِلي ِ م ْ لَ ": قا َه ،فَ َ ي ،فَ َ
حد ّث ْت ُ ُ الن ّب ِ ّ
1
ن الّناِر" .. م ْ ست ًْرا ِ ه ِ َ
نل ُ ن كُ ّإ ِل َي ْهِ ّ
فرعاية البنات في السلم ليس له جزاء إل الجنة ،فهن حائط
الصد والحماية من النار يوم القيامة لمن أحسن إليهن .
كما في حديث آخر قال فيه النبي :
" من كان له ثلث بنات فصبر عليهن ،وأطعمهن ،وسقاهن،
حجابا من النار يوم القيامة ".. 2 ً وكساهن من جدته ؛ كن له
210
ي ،فمن عليه رسول الله وأخذ عليه أل يظاهر بنات فامنن عل ّ
دا .فقال أبو عزة يمدح رسول الله على هذا العفو عليه أح ً
والكرم ونبل الخلق:
¤1بأنك حق ن مبلغ عني م َْ
والمليك حميدُ دا
الرسول محم ً
لها درجات سهلة وئت وأنت امرؤ ب ُ ّ
وصعودُ فينا مباءة
ي ومنّ شق حاربته فإنك من
د
ُ1 لسعي سالمته ب
لمحار ٌ
ولكن إذا ذكرت بدًرا حسرة وقعود
وأهله
المبحث الثالث
رحمته للطفال
المطلب الول :شهادة علماء الغرب:
يقول السير وليم موير " :وكان] [سهل ً لين العريكة مع
الطفال ،ل يأنف إذا مر بطائفة منهم يلعبون أن يقرئهم
السلم !". 2
ويقول لويس سيديو" :ل شي أدعى إلى راحة النفس من عناية
محمد ] [بالولد .فهو قد حّرم عادة الوأد ،وشغل باله بحال
اليتامى على الدوام ..وكان يجد في ملحظة صغار الولد أعظم
لذة .ومما حدث ذات يوم أن كان محمد ] [يصلي فوثب
الحسين بن علي ]رضي الله عنهما[ فوق ظهره فلم يبال
3
بنظرات الحضور فانتظر صابًرا إلى حين نزوله كما أراد. " .
211
بحنان وتغمره بحبها وباحتياطات متصلة .وإذا حدث أن أصاب
الموت بعض السرة ،وأصبحوا يتامى ،فإن أقرباءهم المقربين ل
1
يترددون في مساعدتهم وفي تبّنيهم"
ول فرق في ذلك بين ذكر وأنثى.. 2
المطلب الثاني :نماذج رحمته للطفال :
أول ً :أرحم البشر بالعيال:
يقول أنس بن مالك:
ل الل ّهِ . " َ َ َ
م ِبال ْعَِيا ِ دا َ
3
سو ِ ن َر ُ م ْ ل ِ ح َ ن أْر َ كا َ ح ً تأ َ ما َرأي ْ ُ " َ
قال بريدة قال :كان رسول الله يخطبنا إذ جاء الحسن
والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران ] يتعثران في
المشي [ فنزل رسول الله من المنبر فحملهما ووضعهما بين
َ َ
ة م فِت ْن َ ٌ م وَأوَْلد ُك ُ ْ وال ُك ُ ْ م َما أ ْ يديه ثم قال " :صدق الله إ ِن ّ َ
] سورة التغابن :الية ،[15نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان
ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما ". 4
وعن شداد بن أوس قال :
لم ٌ حا ِ شاِء وَهُوَ َ ي العِ َ ْ صلت َ ْ َ دى َ ح َ ل الل ّهِ ِ في إ ِ ْ سو ُ ج ع َل َي َْنا َر ُ خَر َ َ
َ
صَل ِ
ة م ك َب َّر ِلل ّ ه ،ث ُ ّ ضعَ ُ ل الل ّهِ فَوَ َ سو ُ م َر ُ قد ّ َ سي ًْنا ،فَت َ َ ح َ سًنا أوْ ُ ح َ َ
طال ََها .قال شداد : َ
جد َة ً أ َ س ْ صَلت ِهِ َ ي َ ن ظ َهَْران َ ْ جد َ ب َي ْ َ س َ صّلى فَ َ فَ َ
ْ
جد ٌسا ِ ل الل ّهِ وَهُوَ َ سو ِ ي ع ََلى ظ َهْرِ َر ُ صب ِ ّ ذا ال ّ سي وَإ ِ َ ت َرأ ِ فََرفَعْ ُ
لصَلة َ َقا َ ل الل ّهِ ال ّ سو ُ ضى َر ُ ما قَ َ جوِدي فَل َ ّ س ُ ت إ َِلى ُ جعْ ُ فََر َ
جد َةً س ْ ك َ صَلت ِ َ ي َ ن ظ َهَْران َ ْ ت ب َي ْ َ جد ْ َ س َ ك َ ل الل ّهِ ! إ ِن ّ َ سو َ سَ :يا َر ُ الّنا ُ
َ َ َ َ َ َ َ
لل " :ك ُ ّ ك َ .قا َ حى إ ِلي ْ َ ه ُيو َ مٌر أوْ أن ّ ُ ثأ ْ حد َ َ ه قَد ْ َ حّتى ظن َّنا أن ّ ُ أط َل ْت ََها َ
ك ل َم يك ُن ،ول َكن ابِني ارتحل َِني فَك َرهْت أ َ ُ
ي
ض َ ق ِ حّتى ي َ ْ ه َ جل َ ُن أع َ ّ ِ ُ ْ ْ َ َ َ ِ ّ ْ ذ َل ِ َ ْ َ ْ
ه "! 5 جت َ ُحا َ َ
َ َ
ه وَ َ قب ّل َ ُ
هيم فَ َ ي إ ِب َْرا ِ خذ َ الن ّب ِ ّ وعن َثاِبت ع َ ْ
6
ه. م ُ ش ّ ن أَنس :أ َ
ويقول أنس :
كان إبراهيم ) ابن محمد ( مسترضًعا له في عوالي المدينة،
فكان ينطلق ونحن معه فيدخل البيت وإنه ليدخن ،وكان ظئره
قيًنا فيأخذه فيقبله ثم يرجع.7
212
ثانًيا :توبيخه للغلظ مع الطفال:
َ عن َأبي هُريرة َ قا َ َ
قب ّ ُ
ل ي وهُوَ ي ُ َ س اّلنب ّ حاب ِ ٍ ن َ صَر ا ْلقَْرع ُ ب ُ ل :أب ْ َ َ َْ
م ،فقا َ
ل من ْهُ ْ حدا ً ِ تأ َ شَرة ً ما قَب ّل ْ ُ ن ال ْوَل َد ِ ع َ َ م َ ن لي ِ لإ ّ ن فقا َ س َ ح َ ال ْ َ
م" .1 ح ْ
م ل ي ُْر َ ح ْمن ل َ ي َْر َ ه َ ل الله " :إن ّ ُ سو ُ َر ُ
وهو نداء إلى غلظ القلوب عامة ،وإلى المسيئين للطفال
خاصة..
ثالًثا :دعاؤه للطفال :
عن عائشة :
أن رسول الله كان يؤتى إليه بالصبيان "فيبّرك عليهم "– أي
يدعو لهم بالبركة" ،ويحنكهم" – 2أي يضع في أفواههم التمر
اللين الذي مضغه في حنكه الشريف.
نسي ْ َ ح َ ن َوال ْ ُ س َ ح َ ي ي ُعَوّذ ُ ال ْ َ ن الن ّب ِ ّ كا َ وعن ابن عباس قال َ :
ما ] إبراهيم عليه السلم [ َ ل :إ َ
ن ي ُعَوّذ ُ ب َِها كا َ ن أَباك ُ َ ِ ّ قو ُ وَي َ ُ
شي ْ َ َ
ن، طا ٍ ل َ ن كُ ّ م ْ مة ِ ِ ت الل ّهِ الّتا ّ ما ِ عوذ ُ ب ِك َل ِ َ حاقَ :أ ُ س َ ل وَإ ِ ْ عي َ ما ِ س َ إِ ْ
ن َل ّ ن كُ ّ
3
ة" . م ٍ ٍ ل ع َي ْ م ْ مة ٍ و َ ِ ها ّ وَ َ
ْ ْ ه َ َ
ل: قو ُ ن وَي َ ُ س َ ح َ خذ ُه ُ َوال َ ن ي َأ ُ كا َ ي أن ّ ُ ن الن ّب ِ ّ وعن أسامة بن زيد َع َ ْ
4
ما " . حب ّهُ َ ما فَأ ِ حب ّهُ َ م إ ِّني أ ُ ِ "الل ّهُ ّ
ي ع ََلى َ َ
ه،
ق ِ عات ِ ِ ن ع َل ِ ّ ن بْ ُ س ُ ح َ ي َ وال ْ َ ّ ت الن ّب ِ وقال البراء َ :رأي ْ ُ
َ
ه". 5 حب ّ ُ ه فَأ ِ حب ّ ُ م إ ِّني أ ُ ِ ل ":الل ّهُ ّ قو ُ يَ ُ
عا :سلمه على الطفال وعطفه عليهم: راب ً
لقد كان محمد يسلم على الطفال في الطرقات ،ويمسح
ع
م َ ت َ صل ّي ْ ُ لَ : مَرة َ َ ،قا َ س ُ
جاب ِرِ بن َ على رؤوسهم ووجوههم ،فعن َ
َ ُ
قب َل َ ُ
ه ست َ ْ ه َفا ْ معَ ُ ت َ ج ُ خَر ْ ج إ َِلى أهْل ِهِ ،وَ َ خَر َ م َ ل الل ّهِ الوَلى ث ُ ّ سو ِ َر ُ
َ
ل: دا َ ،قا َ ح ً دا َوا ِ ح ً م َوا ِ حد ِه ِ ْ خد ّيْ أ َ ح َ س ُ م َ ل يَ ْ جعَ َ ة ،فَ َ دين َ ِ م ِن ال ْ َ دا ُ وِل ْ َ
َ
نم ْ جَها ِ خَر َ ما أ َ ْ حا ك َأن ّ َ دا وِري ً ت ل ِي َد ِهِ ب َْر ً جد ْ ُ دي فَوَ َ خ ّ ح َ س َ م َ ما أنا فَ َ وَأ ّ
َ
طارٍ .6 جون َةِ ع َ ّ ُ
سا :رفقه بالطفال إذا صلى بهم : خام ً
يقول " كولن " :
"كانت صلة رسول الله طويلة ،ول سيما النوافل منها؛ إذ
كانت تتجاوز طاقة الصحابة ،ولكنه عندما يقف للصلة يريد
وز إطالتها ويسمع بكاء طفل في أثنائها؛ إذ به يخفف صلته ويَتج ّ
فيها؛ ذلك لن النساء كن يقفن للصلة خلف رسول الله أي
1صحيح – رواه البخاري ،باب رحمة الولد وتقبيله،برقم 5538
2صحيح – رواه مسلم ) (1691 / 3برقم 2147
3صحيح – رواه البخاري ،برقم 3120
4صحيح – رواه البخاري ،باب مناقب الحسن والحسين ،رقم 3464
5صحيح – رواه البخاري ،باب مناقب الحسن والحسين ،رقم 3466
6صحيح -رواه الطبراني في المعجم الكبير ،برقم ،1911وصححه اللباني في مشكاة المصابيح ،برقم 5789
213
يشتركن في أداء صلة الجماعة خلفه ،فخوفا ً من أن تكون أم
ذلك الطفل موجودة بين المصليات فإنه كان يخفف صلته،
ويسرع بها لكي يريح قلب تلك الم".1
يقول النبي " : إني لقوم في الصلة أريد أن أطول فيها
فأسمع بكاء الصبي فاتجوز في صلتي كراهية ان أشق على
أمه". 2
ك قال: َ
مال ِ ٍ ن َ س بْ َوعن أن َ َ
َ ط أَ َ
ي ، وَإ ِ ْ
ن ن الن ّب ِ ّم ْ م ِ صَلة ً وََل أت َ ّ ف َخ ّ مام قَ ّ
ٍ ت وََراَء إ ِ َ صل ّي ْ ُ ما َ َ
ه.3 ُ َ َ َ َ َ َ
م ُ
نأ ّ فت َ َ
ن تُ ْةأ ْ خاف َ م َ
ف َف ُخ ّ
ي في ُ َ صب ِ ّ
معُ ب ُكاَء ال ّ س َن لي َ ْ كا َ
سا :تعزيزه للطفل الصادق : ساد ً
فلما نزل القرآن ،مصدًقا لكلم عمير بن سعيد ،عندما قال قول
الصدق والحق في رجل شتم النبي ،أخذ النبي بأذن عمير
حّييه على الصدق " : -وفت أذنك يا فقال له النبي - وهو ي ُ َ
ك".4 ك َرب ُ َ عمير ..وصد ّقَ َ
عا :ملطفته للطفال: ساب ً
عن أنس بن مالك قال:
قا ،وكان لي أخ يقال له أبو كان رسول الله أحسن الناس خل ً
عمير ،فكان إذا جاء رسول الله فرآه قال " أبا عمير ما فعل
النغير ؟".. 5
والنغير طائر صغير كان أبو عمير يلعب معه !
وقد كان يصلي فإذا سجد ؛ وثب الحسن والحسين على ظهره
فإذا أراد الناس أن يمنعوهما ؛ أشار إليهم أن دعوهما ..
قال أبو هريرة :كنا نصلي مع رسول الله العشاء فكان
يصلي ،فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره وإذا رفع
قا
قا [ فوضعهما وضًعا رفي ً رأسه أخذهما ] بيده من خلفه أخذا رفي ً
دا
،فإذا عاد عادا فلما صلى ] وضعهما على فخذيه [ جعل واح ً
دا هاهنا ! ..قال أبو هريرة : هاهنا وواح ً
فجئته فقلت :يا رسول الله أل أذهب بهما إلى أمهما ؟ قال :
ل . 6"!..
ثامًنا :رحمته بغلم يهودي:
ل:س َ قا َ فع َ
ن أن َ ٍ َ ْ
1محمد فتح ال كولن :النور الخالد محمد صلى ال عليه وسلم مفخرة النسانية 2/33 ،
ي ،برقم 666
صِب ّ
عْنَد ُبَكاِء ال ّ
لَة ِ
صَف ال ّ خ ّ ن َأ َ
2صحيح -رواه البخاري عن ابن ربعيَ ،باب َم ْ
ي ،.برقم ،667 صِب ّ
عْنَد ُبَكاِء ال ّ
لَة ِ صَ ف ال ّ
خ ّ 3صحيح – رواه البخاريَ ،باب َ:م ْ
ن َأ َ
4مصنف عبد الرزاق ) ،18304 ( 47 / 10والقصة معروفة في كتب السيرة.
5صحيح – رواه البخاري ،برقم ،5850و مسلم برقم 2150
6صحيح – السلسلة الصحيحة برقم 3325
214
َ
ي ي َُعود ُهُ ض فَأَتاه ُ الن ّب ِ ّ مرِ َ ي فَ َ م الن ّب ِ ّ خد ُ ُ م ي َُهود ِيّ ي َ ْ ن غ َُل ٌكا َ َ
َ
م" فَن َظ ََر إ َِلى أِبيهِ وَهُوَ ِ َ ْ
عن ْد َهُ سل ِ ْ
ه " :أ ْ ل لَ ُ قا َ سه ِ ف َ َ
عن ْد َ َرأ ِ قعَد َ ِ فَ َ
َ َ َ
ي وَهُ َ
و ج الن ّب ِ ّ خَر َ سل َ َ
م ،فَ َ سم ِ فَأ ْ قا ِ ه أط ِعْ أَبا ال ْ َ ل :لَ ُ قا َ.فَ َ
ن الّناِر! !". 1 م ْ قذ َه ُ ِذي أ َن ْ َ مد ُ ل ِل ّهِ ال ّ ِ ل " :ال ْ َ
ح ْ قو ُ يَ ُ
المبحث الرابع
رحمته لليتام
المطلب الول :النبي اليتيم :
يقول جيمس متشنر عن النبي ":ولد يتيما ً محبا ً للفقراء
والمحتاجين والرامل واليتامى" 3ويقول"فيليب حتي" ومع أنه
ماما فقيًرا ،فقد كان في قلبه دائ ً كان في دور من أدوار حياته يتي ً
4
سعة لمؤاساة المحرومين في الحياة" .
ومن أولى بحب اليتيم من محمد ،وهو نبي الرحمة اليتيم،
الذي رغب في كفالة اليتام وإيوائهم ،وهو الذي ذاق مرارة اليتم،
رم محمد من أمه وأبيه ،فلم تكتحل عيناه برؤية أبيه ،ثم ح ِ إذ ُ
لم يلبث أن فقد أمه وهو في سنة السادسة من عمره ،فآواه ربه
ن عليه بهذه النعمة قائ ً
ل: سبحانه ورباه ،وامت ّ
ضاّل َ ك ي َِتيما َ َ َ
دى )(7 ه َ
ف َ ك َ جدَ َو َ و َوى )َ (6 فآ َ ً جدْ َ م يَ ِ أل َ ْ
قهر )َ (9 غَنى )َ َ (8 فأ َ ْ
ماوأ ّ َ فَل ت َ ْ َ ْ
م َ ما ال ْي َِتي َ
فأ ّ عائ ًِل َك َ جدَ َ و َ
و َ
َ
1صحيح – رواه البخاري ،برقم 1268
2صحيح -صحيح مسلم ،برقم 4236
3نقل عن :محمد شريف الشيباني ،الرسول في الدراسات الستشراقية المنصفة 120،
4فيليب حتى :السلم منهج حياة ،ص .54
215
ث )، (11 حدّ ْ ة َرب ّ َ
ك َ فَل ت َن ْهر )َ (10
ل َ
سائ ِ َ
ف َ م ِ ع َ
ما ب ِن ِ ْ
وأ ّ
َ َ ْ ال ّ
ً
وأمره بشكر هذه النعمة بأل يقهر يتيما أو يجرحه أو يهينه ،وأن
يجبر كسر قلبه ،ويمسح على رأسه ،ويكون هو الب الكبر
الحنون لكل أيتام البشرية ! لسيما في أوقات كان المجتمع
ما .فقد ُبعث رسول الله في مجتمعات - قاسيا ً ل يرحم يتي ً
كما يقول سيدني فيشر" : -يعامل فيها الرامل واليتامى وسائر
الضعفاء كأنهم من سقط المتاع .فإذا بمحمد – عليه السلم –
وهو فقير من كل ما يعتز به المل قد جاءهم بالهداية إلى الله
وإلى سبل الخلص ،وغّير مقاييس الخلق والداب في أرجاء
البلد العربية".. 1
فعاش سيدنا محمد وقد "شغل باله بحال اليتامى على
الدوام 2"..على حد قول لويس سديو .
وبهذا ل تنكسر نفس اليتيم ول يشعر بذّلة أو حزن حينما يرى كل
ولد بجوار أبيه يقبل بفرح إليه ،ويرتمي في أحضانه ،لنه وجد
في المسلمين أكثر من واحد يصنع معه ذلك .
1سيدني فيشر :الشرق الوسط في العصر السلمي ،عن العقاد :ما يقال عن السلم ،ص 55- 54
2
لويس سديو :تاريخ العرب العام ،ص . 110
3صحيح – رواه البخاري ،في الدب باب فضل من يعول يتيمًا وأبو داود في الدب باب في من ضم يتيمًا ،رقم
5546
216
أخي " .فجيء بنا كأّنا أفرخ فقال " :ادعوا لي الحلق " فأمره
سول الل ّهِ إلى أهله ،قال 1
ؤوسنا ثم لما رجع َر ُ فحلق ر ُ
لهم":إن آل جعفر قد شغلوا بشأن ميتهم ،فاصنعوا لهم
طعامًا".. 2
ثالًثا :ترغيب النساء في تربية اليتام :
يقول النبى ":أنا أول من يفتح باب الجنة فأرى امرأة تبادرنى]أى
تسابقنى[ تريد أن تدخل معى الباب فأقول لها :من أنت؟ فتقول:
أنا امرأة قعدت على أيتام لي".. 3
مات زوجها فأبت الزواج مع حاجتها إليه ،وابتعدت عن مواطن
الشبهات والريبة ،وعكفت على تربية البناء .هذه المرأة مكانتها-
في السلم -أنها تسابق النبى لتدخل معه الجنة!!
عا :تحذيره من العتداء على مال اليتيم : راب ً
ن اليتيم م إّني أحّرج حقّ الضعيفي ِ قال النبي rداعًيا ربه" :الله ّ
مرأة ". 4 وال َ
ُ
ومعنى الحديث :أي ألحق الثم بمن ضّيع حقهما وأحذر من ذلك
تحذيرا ً بليغا ً .
وعد أكل مال اليتيم من الموبقات ،فقال النبي " : rاجَتنبوا
ن ؟ فذكرهن إلى أن ما ه ّ ل َيا رسو َ
ل الله و َ قات " قي َ سبعَ الموب َ ال ّ
5
ل الَيتيم " .
ل ما ِقال " :وأك ُ
ده فيجب أن يسلم له جميع ماله ول يجوز فإذا بلغ اليتيم أش ّ
للوصي أن يبخس أو يأخذ منه شيئا ً إل بطيبة نفس من اليتيم بعد
أن يبلغ أشده ويحصل رشده ،فكل تصرف في مال اليتيم ل يقع
ي عنه ،فأكل ماله في دائرة ما هو أحسن فهو محظور ومنه ّ
طمعا ً فيه واستضعافا ً له محرم ومنهي عنه ،وتجميد ماله وعدم
استثماره محرم ومنهي عنه ،وإهماله وعدم صيانته محرم ومنهي
عنه .
المبحث الخامس
رحمته للرامل
1رواه أبو داود ،كتاب الترجل -باب في حلق الرأس ،رقم . 4192وصححه اللباني في المشكاة برقم ،4463و
في صحيح وضعيف سنن أبي داود
2رواه ابن ماجه ،كتاب الجنائز -باب ما جاء في الطعام يبعث إلى أهل الميت رقم ،1611وحسنه اللباني في
صحيح وضعيف سنن ابن ماجة ،والقصة منتشرة في كتب السيرة بعد معركة مؤتة .
3صحيح -رواه أبو يعلى الموصلى ،وصححه اللبانى فى صحيح الجامع.
4حسن -رواه أحمد والنسائي وابن ماجة ،وهو في السلسلة الصحيحة ،برقم 1015
5صحيح -رواه البخاري ) (2560ومسلم ) (129وغيرهما
217
المطلب الول :حثه على السعي على الرامل:
حرمت من الزوج ،تكون منكسرة ومجروحة الرملة التي ُ
الخاطر وبحاجة إلى من يعولها ،ولهذا رغب النبي rبجبر كسرها،
ورعايتها فكان فيقول :
ل الله: سبي ِ "الساعي على الرملةِ والمسكين كالمجاهد ِ في َ
طر".1 كالقائم ل َيفُتر وكالصائم ل ُيف ِ
ما ،الذي يذهب 2
مُئون َت ِهِ َ مل ل ِ َ ما :ال َْعا ِ سب ل َهُ َ كا ِ ومعنى الساعي :ال ْ َ
ويجيء في تحصيل ما ينفع الرملة والمسكين" . .. 3فكافل
الرملة كالمجاهد في سبيل الله سواًء بسواء ..
َ
و
مال ،وَهُ َ ن اْل ِْر َ م ْ صل ل ََها ِ ح ُ ما ي َ ْ مَلة ل ِ َ ت أْر َ مي َ ْ س ّ ل ا ِْبن قُت َي َْبة ُ : وَقا َ
قد ِ الّزْوج.4 ف ْ هاب الّزاد ب ِ َ قر وَذ َ َ ف ْ ال ْ َ
المطلب الثاني :سعيه على الرامل :
ن أ َِبي أ َوَْفى قال: عن ع َب ْد َ الل ّهِ ب ْ َ
صَل َ
ة، ل ال ّ طي ُ و ،وَي ُ ِ ل الل ّغْ َ ق ّ ل الل ّهِ rي ُك ْث ُِر الذ ّك َْر ،وَي ُ ِ سو ُ ن َر ُ كا َ " َ
َ ة ،وَل يأن ُ َ ْ
ن كي ِ س ِ م ْ مل َةِ َوال ْ ِ معَ اْلْر َ ي َ ش َ م ِ ن يَ ْ فأ ْ خط ْب َ َ َ َ َ صُر ال ْ ُ ق ّ وَي ُ َ
5
ة" . ج َ
حا َ ه ال ْ َ ي لَ ُ ض َ ق ِ فَي َ ْ
ل:ك َقا َ َ
مال ِ ٍ ن َ س بْ ُ وعن أن َ ُ
ل الل ّهِ r ْ َ َ
سو ِ خذ ُ ب ِي َد ِ َر ُ دين َةِ ل َت َأ ُ م ِ ل ال ْ َ ماِء أهْ ِ ن إِ َ م ْ ة ِ م ُ ت اْل َ كان َ ْ ن َ "إ ِ ْ
ت" .6
شاَء ْ ث َ حي ْ ُ فَت َن ْط َل ِقُ ب ِهِ َ
ل:س َقا َ وع َ َ
ن أن َ ٍ ْ
َ
ن ِلي إ ِلي ْ َ
ك ّ سو َ َ ل اللهِ rفَ َ ّ َ َ
ل اللهِ إ ِ ّ ت َيا َر ُ قال ْ سو ِ مَرأة ٌ إ ِلى َر ُ تا ْ جاَء ْ " َ
َ ُ
كسك َ ِ حي ال ّ وا ِ سي ِفي أيّ ن َ َ جل ِ ِ نا ْ م فَُل ٍ ل ل ََها َ " :يا أ ّ قا َ ة فَ َ ج ً حا َ َ
ي rإ ِل َي َْها َ
س الن ّب ِ ّ جل َ َ ت فَ َ س ْ جل َ َ ل :فَ َ ك " َقا َ س إ ِل َي ْ ِ جل ِ َ حّتى أ ْ تَ ، شئ ْ ِ ِ
7
جت ََها . حا َ ت َ ض ْ حّتى قَ َ َ
1صحيح – رواه البخاري ،باب الساعي على الرملة ،برقم ،4934ومسلم باب الحسان إلى الرملة ،برقم
5295
2شرح النووي على مسلم 366 \9
3ابن حجر :فتح الباري )ج / 9ص (366
4شرح النووي على مسلم ) -ج / 9ص (366
طَبِة ،برقم ،1397وصححه اللباني في صحيح وضعيف خ ْ
صيِر اْل ُن َتْق ِب ِم ْ
ح ّ 5رواه النسائي،باب َباب َما ُي ْ
سَت َ
سنن النسائي.
6صحيح -رواه البخاري البخاري ،باب الكبر ،برقم 5610
س َوَتَبّرِكِهْم ِبِه ،برقم 4293
ن الّنا ِ
لم ِم ْ
سَعَلْيِه ال ّ
ي َ 7صحيح – رواه مسلم ،باب َباب ُقْر ِ
ب الّنِب ّ
218
الفصل السابع
رحمته rللضعفاء
الول :رحمته للفقراء المبحث
الثاني :رحمته للعبيد والخدم المبحث
الثالث :رحمته لذوي الحتياجات الخاصة المبحث
الرابع :رحمته للمسنين المبحث
الخامس :رحمته للموات المبحث
219
المبحث الول
رحمته للفقراء
وفي رعاية محمد للفقراء والمحتاجين مظهر من مظاهر
الرحمة في شخصيته ،وخصوصا ً تلك الجهود المشكورة التي
بذلها في مكافحة الفقر والبطالة ..
فبعدما عاشت الجزيرة العربية حياة الطبقية ..الغني يأكل
الفقير ،والقوي يبتذ الضعيف ،ظهر سيدنا محمد بدعوته التي
حققت العدالة الجتماعية متمثلة في دولة المدينة المنورة من
ناحية ،وفي منهج السلم في مكافحة الفقر والمرض والجهل
من ناحية أخرى ..
المطلب الول :فضل محمد على الفقراء :
كان النبي رحمة حقيقة للفقراء ..
شرع ،رحمة لهم كحاكم ،ورحمة لهم كغني ، رحمة لهم كم ّ
ورحمة لهم كنبي قبل كل شيء!
يقول المستشرق السباني جان ليك:
" وقد برهن ] [بنفسه على أن لديه أعظم الرحمات لكل
ضعيف ،ولكل محتاج إلى المساعدة ،كان محمد ] [رحمة
حقيقة لليتامى والفقراء وابن السبيل والمنكوبين والضعفاء
والعمال وأصحاب الكد والعناء".1
ما باًرا كأنه الريح السارية ،ل
وكان -كما تقول كوبولد " :-كري ً
يقصده فقير أو بائس إل تفضل عليه بما لديه ،وما لديه كان في
أكثر الحايين قليل ً ل يكاد يكفيه".2
"ومن يجهل أنه ] [لم يعدل ،إلى آخر عمره ،عما يفرضه فقر
البادية على سكانها من طراز حياة وشظف عيش؟ وهو لم ينتحل
أوضاع المراء قط مع ما ناله من غنى وجاه عريض ..وكان ][
ل ،وكان يأتي بالفقراء إلى بيته ليقاسمهم طعامه".3 ما معتد ً
حلي ً
وذات مرة " أوحى الله تعالى إلى النبي ] [وحًيا شديد
المؤاخذة لنه أدار وجهه عن رجل فقير أعمى ليخاطب رجل ً غنًيا
من ذوي النفوذ". 4
ويلخص واشنجتون إيرفنج السلوك المالي للنبي بقوله :
"كان الرسول ] [ينفق ما يحصل من جزية أو ما يقع في يديه
من غنائم في سبيل انتصار السلم ،وفي معاونة فقراء
المسلمين ،وكثيًرا ما كان ينفق في سبيل ذلك آخر درهم في
1جان ليك :العرب ،ص 43
2اللدي ايفلين كوبولد :البحث عن ال ،ص 67
3لويس سيديو :تاريخ العرب العام ،ص . 103
4ليتنر :دين السلم . 133،
220
قا ..وقد ما أو رقي ً
بيت المال ..وهو لم يخلف وراءه ديناًرا أو دره ً
خيره الله بين مفاتيح كنوز الرض في الدنيا وبين الخرة فاختار
الخرة !".1
وفي يوم ازدحمت عليه العراب يطلبون المال حتى اضطروه
إلى شجرة ،فانتزعت رداءه فقال " :أيها الناس ،ردوا علي ردائي
! فو الذي نفسي بيده لو كان عندي عدد شجر تهامة نعما ً
ً .2
لقسمته عليكم ،ثم ما ألفيتموني بخيل ً ول جبانا ً ول كذابا "
ورد على هوازن سباياهم وكانت ستة آلف ،وأعطى العباس من
الذهب ما لم يطق حمله!
حملت إليه تسعون ألف درهم فوضعت على حصير !! فقام و ُ
إليها يقسمها ،فمارد سائل ً حتى فرغ منها !.
3
221
إذ ينظر السلم إلى مال المسلم الغني كأمانة استأمنه الله
عليها ينبغي عليه أن يؤدى حقها ويستعملها فيما يرضى الله
تعالى .
222
السلم لما بقي على ظهر الرض جائع أو محروم ! ! والمجتمع
المسلم الذي يلتزم بأحكام السلم وآدابه مجتمع نظيف سعيد
1
تنعدم فيه الجرائم بكافة ألوانها".
من ناحية أخرى ،فقد حذر سيدنا محمد من مغبة منع الزكاة
وتوعد مانع الزكاة بالعذاب الشنيع يوم القيامة ،فقال
"من آتاه الله مال فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع
] نوع من الثعابين [ له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ
بلهزمتيه ) يعني شدقيه ( ثم يقول :أنا مالك أنا كنزك " ..ثم تل
النبي ] ]ول يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله
هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة
] آل عمران :الية .2" [180
وقال مرغبل ً في فريضة الزكاة ":من أدى زكاة ماله فقد ذهب
عنه شره".3
وقال " ثلث من فعلهن فقد طعم طعم اليمان :من عبد الله
وحده ،وعلم أن ل إله إل الله ،وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه
رافدة عليه كل عام ولم يعط الهرمة ول الدرنة ول المريضة ول
الشرط اللئيمة ولكن من وسط أموالكم فإن الله لم يسألكم
خيره ولم يأمركم بشره".4
وقال" :من أعطاها مؤتجرا فله أجرها ،ومن منعها فأنا آخذها
وشطر ماله غرمة من غرمات ربنا .ليحل لل محمد منها
شيء".5
المطلب الثالث :دوره في مكافحة البطالة :
أول ً :ترسيخ قيم العمل والنتاج :
لقد رسخ سيدنا محمد في المجتمع بتعاليمه الغزيرة قي ً
ما
اجتماعية وتنموية جليلة كالنتاجية والعمل.
فكرس في نفوس المسلمين بغض العطلة ،وحب التكسب من
عرق الجبين..
فكان رسول الله يمقت أن يرى الرجل ل شغل له ،وقد فضل
ثواب العامل من أجل لقمة العيش على العابد العاكف في
المسجد ،بل عد الساعي على إطعام بطنه وبطون أهله من
223
الحلل كالخارج في سبيل الله .ونراه في أكثر من موضع يحبذ
لكل مسلم فقير أن يحفظ ماء وجهه من سؤال الناس والفضل
له أن يخرج يتكسب من أي وسيلة مشروعة ،ولو في جمع
الحطب ..
فقال - مشجعا ً على العمل منفًرا من البطالة ي ":لن يأخذ
أحدكم أحبله ،فيأتي بحزمة من حطب على ظهره؛ فيبيعها فيكف
بها وجهه؛ خير له من أن يسأل الناس أعطوه أم منعوه".1
قال العلمة القرضاوي :
"فبين الحديث أن مهنة الحتطاب على ما فيها من مشقة ،وما
يحوطها من نظرات الزدراء ،وما يرجى منها من ربح ضئيل ،خير
من البطالة وتكفف الناس". 2
ثانًيا :قضاء حوائج العاطلين :
تجده يفكر ويخطط لشاب فقير بحيث يوفر له فرصة
عمل يتكسب منها ..
فعن أنس بن مالك :أن رجل ً من النصار أتى النبي يسأله
)الصدقة( ،فقال " أما في بيتك شىء ؟ " قال :بلى ،حلس
نلبس بعضه ونبسط بعضه ،وقعب نشرب فيه من الماء .قال "
ائتني بهما " قال :فأتاه بهما ،فأخذهما رسول الله بيده وقال
" من يشتري هذين " ؟ قال :رجل أنا آخذهما بدرهم .قال ":
من يزيد على درهم ؟ " مرتين أو ثلثا .قال رجل ":أنا آخذهما
بدرهمين " .فأعطاهما إياه ،وأخذ الدرهمين فأعطاهما
ما فانبذه إلى أهلك ،واشترالنصاري .وقال " اشتر بأحدهما طعا ً
بالخر قدوما فأتني به " فأتاه به .فشد فيه رسول الله عو ً
دا
بيده ثم قال له" :اذهب فاحتطب وبع ول أرينك خمسة عشر
ما " .فذهب الرجل يحتطب ويبيع ،فجاء وقد أصاب عشرة يو ً
ما .فقال رسول الله دراهم ،فاشترى ببعضها ثوًبا ،وببعضها طعا ً
" :هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم
القيامة .إن المسألة ل تصلح إل لثلثة لذي فقر مدقع ] الفقر
الشديد [ أو لذي غرم مفظع ،أو لذي دم موجع ".3
فانظر كيف خطط النبي لهذا الشاب ،بحيث يوفر له النبي
فرصة عمل يتكسب منها.
ثالًثا :تحريمه البطالة :
224
هذا ،ولقد حارب سيدنا محمد كل مظاهر البطالة ،والخفاق
عن التكسب ،بشتى الطرق ،ليسد كل باب أمام انتشار الفقر
في المجتمع ..
فقلد حرم النبي البطالة مع القدرة على العمل ،والحاجة إلى
الكسب لقوته وقوت من يعوله ،وفي هذا يقول النبي " : إن
الله يكره الرجل البطال" " ،والبطالة تقسي القلب". 1
عا :ترغيبه في الزراعة : راب ً
ونراه يرغب في الزراعة في أحاديث مباركة ،مثل قوله :
ل منه ط َير أوَ ْ "ما من مسل ِم يزرع ُ زر ً َ
ٌْ ْ سا ،فَي َأك ُ ُ ِ ْ ُ س غ َْر ً عا أوْ ي َغْرِ ُ َ ِ ْ ُ ْ ٍ َْ َ َ ْ
2
ة" . صد َقَ ٌ َ ة إ ِّل َ إنسا َ
ه ب ِهِ َ نل ُ كا َ م ٌ
ن أوْ ب َِهي َ ِْ َ ٌ
سا :ترغيبه في الصناعة : خام ً
ويرغب في الصناعة ،فيقول:
ْ َ ما قَ ّ " ما أ َك َ َ َ
ي
ن ن َب ِ ّل ي َد ِهِ وَإ ِ ّم ِ ن عَ َ م ْل ِ ن ي َأك ُ َنأ ْ م ْ خي ًْرا ِ ط َ حد ٌ ط ََعا ً لأ َ َ
ْ َ َ
3
ه" .
ل ي َد ِ ِ م ِ ن عَ َ م ْ ل ِ ُ
ن ي َأك ُ َ
سلم -كا َ د -ع َلي ْهِ ال ّ داوُ َ الل ّهِ َ
سا :ترغيبه في التجارة : ساد ً
ل: ويرغب في التجارة ،قائ ً
4
داِء" . شه َ َ ن َوال ّ قي َ
دي ِ ص ّن َوال ّ معَ الن ّب ِّيي َ ن َ مي ُدوقُ اْل َ ِ ص ُ جُر ال ّ " الّتا ِ
ج ِفي خُرو ِ وقد صنف المام البخاري بابًا ،تحت عنوان َ :باب ال ْ ُ
ن فَ ْ َْ ل الل ّهِ ت ََعاَلى" َفان ْت َ ِ
ل
ض ِ م ْض َواب ْت َُغوا ِ شُروا ِفي الْر ِ جاَرةِ وَقَوْ ِ الت ّ َ
الل ّهِ " .
المبحث الثاني
رحمته للعبيد والخدم
تتمثل رحمته للعبيد في عدة جوانب ،أهمها أنه ساهم بشكل
كبير تحرير العبيد ،فضيق مصادر السترقاق ووسع منافذ
التحرير ،كما جعل للعبيد حقوًقا وواجبات وأمر بالرفق بهم
وبالخدم ،فهم على أقل الحوال إخوننا في النسانية .
1رواه القضاعي ،في مسند الشهاب من حديث عبد ال بن عمرو ،برقم ..278
2صحيح – رواه أحمد 12038عن أنس ،قال شعيب الرنؤوط :إسناده صحيح على شرط الشيخين
عَمِلِه ِبَيِدِه.
ل َو َ
جِب الّر ُ
س ِ
عْنُهَ ،باب َك ْ
ل َ
ي ا ُّ
ضَ 3صحيح – رواه البخاري 1930عن اْلِمْقَداِم َر ِ
4حسن -رواه الترمذي عن أبي سعيد ،برقم 1130وحسنه . .
225
عبيدهم ،انطلقا ً من قاعدة أن من أعتق عبدا ً أعتق الله له بكل
عضو عضوا ً من أعضائه من عذاب النار.1
ومن ثم نظم السلم أحكام الرق ،بحيث تضيق في أسباب
حدوث الرق ،وتوسع في أساليب العتق ،ولذلك -كما يقول إميل
درمنغم " - :ع ُد ّ فك الرقاب من الحسنات ومكفًرا لبعض
السيئات". 2
ويذكر آدم متز 3أهم أساليب العتق في السلم – مبينا ً أن العتق
يعد مبدأ من مبادىء السلم ، -فيقول " :كان في السلم مبدأ
في مصلحة الرقيق ،وذلك أن الواحد منهم كان يستطيع أن
يشتري حريته بدفع قدر من المال ،وقد كان للعبد أو الجارية
الحق في أن يشتغل مستقل ً بالعمل الذي يريده ..وكذلك كان من
البر والعادات المحمودة أن يوصي النسان قبل مماته بعتق بعض
العبيد الذين يملكهم". 4
وكان الرسول في مجتمعه السلمي إماما ً في إقرار مبدأ تحرير
دا ،وسمح لهم العبيد ،حتى أن أسرى الحرب لم يعتبرهم عبي ً
5
بدفع الفدية أو تعليم أبناء المسلمين لفك أسرهم .
فلم يبق ] [أيما عبد على عبوديته .فما إن يؤول إليه عبد
رقيق ،حتى يسارع إلى إعتاقه.6
بل رفع من شأن العبيد حتى جعل النبي- كما يقول نظمي
لوقا" - 7العبدان والحابيش سواسية وملوك قريش !". 8
1عن أبي هريرة عن النبي -صلى ال عليه وسلم – قال ":من أعتق رقبة مؤمنة أعتق ال بكل إرب منها إربًا منه
من النار" )الرب هو العضو ( ،صحيح مسلم ،باب فضل العتق ،حديث رقم 1509
2اميل درمنغم :حياة محمد290 ،
3آدم متز ) : (1917-1869باحث ألماني ،عين أستاًذا للغات السامية ،في جامعة بازل بسويسرا ،وقد تخصص
بالدب العربي في العصر العباسي .من آثاره) :نهضة السلم في القرن الرابع الهجري( ) ،(1922وقد ترجم
إلى العربية بعنوان) :الحضارة السلمية في القرن الرابع الهجري(.
4ا آدم متز :الحضارة السلمية في القرن الرابع الهجري. 290 / 1 ،
5انظر :محمد شريف الشيباني ،الرسول في الدراسات الستشراقية المنصفة119 ،
ل عن :محمد شريف الشيباني :الرسول في الدراسات الستشراقية المنصفة119 ، 6مولنا محمد علي :نق ً
7د .نظمي لوقا :كاتب نصراني من مصر .يتميز بنظرته الموضوعية ..كثيًرا ما كان يحضر مجالس شيوخ
المسلمين ويستمع بشغف إلى كتاب ال وسيرة النبي صلى ال عليه وسلم .بل إنه حفظ القرآن الكريم ولم يتجاوز
العاشرة من عمره .ألف عدًدا من الكتب أبرزها )محمد الرسالة والرسول( ،و)محمد في حياته الخاصة(.
8نظمي لوقا:محمد الرسالة والرسول ،ص 185
226
حا ومساًء ،يريدون ببذلهم وجه الله تعالى ،ل الواحد الحد صبا ً
ها كما يبتغي غالبية السادة ..فقال الله تعالى: يبتغون منصًبا أو جا ً
ن
دو َري ُ
ي يُ ِ
ش ّ داةِ َوال ْعَ ِن َرب ُّهم ِبال ْغَ َ عو َ ن ي َد ْ ُ
ذي َ معَ ال ّ ِك َ س َ ف َصب ِْر ن َ ْ}َوا ْ
ن
م ْ َ
حَياةِ الد ّن َْيا وَل ت ُط ِعْ َ ْ
ة ال َ ريد ُ ِزين َ َ م تُ ِك ع َن ْهُ ْ َ
ه وَل ت َعْد ُ ع َي َْنا َ جه َ ُ وَ ْ
مُره ُ فُُرطًا{ ]الكهف: َ أ َغ ْ َ
نأ ْ واه ُ وَ َ
كا َ عن ذ ِك ْرَِنا َوات ّب َعَ هَ َ ه َ فل َْنا قَل ْب َ ُ
،[28إن هؤلء العبيد -في الشرع السلمي السمح -هم أعظم
سا ،من هؤلء السادة قيمة وأكثر بركة وأرق أفئدة وأطهر نف ً
الذين يستعبدون الناس ،ويتجبرون في الرض بغير الحق ..هؤلء
العبيد نزل من أجلهم المر من السماء إلى رائد الدعوة بأن
يضعهم في عينيه! بل نزل التحذير من الله لرسوله من أن
يلتفت عن العبيد إلى زينة الكبراء ،أو أن يتلهى عن العبد ويطيع
السيد المارق.
227
ويتحدث كويليام 1عن هذه الرويات التي اختلقها الحاقدون،
وزعموا أن محمدا ً ،سن السترقاق والخناسة ..فيقول :
"إن روايات كهذه مجردة بالمرة عن الحقيقة ،ل يمكن تصديقها
وتصور وقوعها" .. 2ويدلل على حقيقة أن محمدا ً له الفضل
في القضاء على النخاسة في الجزيرة العربية ،فيضرب مثال ً
بمناطق شرق ووسط أفريقيا ،التي تفشت فيها مظاهر النخاسة
والسترقاق ،ويبين أن السبب في تفشي هذه المظاهر في هذه
المناطق هو "لن السلم لم يدخل فيها ! ! وبرهان ذلك أن
السلم من خصائصه إبطال النخاسة إبطال ً دائ ً
ماً".. 3
رغم أن تجار النخاسة والرق – كما يقول ادوار بروي – كانوا "من
الوربيين" .. 4ومن ثم" ..توقفت حركة التطور في البلدان
]الفريقية[ على أثر العبث الذريع الذي أحدثه في تلك الرجاء
تجار النخاسة والرق من الوربيين ".5
وإذا قيل :إن السلم لم يلِغ الرق والتجار بالبشر إلغاًء كامل ً رغم
عظم مجهودات نبي النسانية في مكافحة السترقاق..
فجواب ذلك أن الدولة السلمية وحدها ل تستطيع أن تقضي
ما على عادة السترقاق والتجار بالبشر ،وذلك لعدة أساب تما ً
وجيهة ومنطقية..
السبب الثاني :أن هذه العادات كانت قبل ظهور السلم بمثابة
العراف الدولية ،فقد كانت جميع الدول والمبراطوريات -دون
استثناء -تمارس السترقاق والتجار بالبشر ،ومن َثم فإن القضاء
على الرق يحتاج إلى اتفاق دولي عام ،يلزم الجميع بمنع
السترقاق أو التجار بالبشر ..ومعلوم أن الدولة السلمية أيام
1مفكر إنكليزي ،ولد سنة ،1856وأسلم سنة ، 1887وتلقب باسم ) :الشيخ عبدال
كويليام ،ومن آثاره ) :العقيدة السلمية ( ) ، (1889و )أحسن الجوبة(.
2عبد ال كويليام :العقيدة السلمية ،ص 26
3عبد ال كويليام العقيدة السلمية ،ص 26
4ادوار بروي :تاريخ الحضارات العام 564 / 3
5ادوار بروي :تاريخ الحضارات العام 564 / 3
228
النبي لم تكن من القوة والنتشار بالقدر الذي يسمح لها بمنع
هذه العادات.
السبب الثالث :أن الناس كانوا حديثي عهد بالسلم ،وإذا أصدرت
الدولة قراًرا بمنع الرق؛ فسوف يقع حرج شديد على هؤلء
الناس الذين أصبحت تجاراتهم وأعمالهم تقوم على كاهل هؤلء
العبيد ..فكان على النظام السلمي أن يأخذ بمبدأ التدرج في
منع السترقاق والتجار بالبشر.
1صحيح -رواه أبو داود ) (761 \2برقم ،5156وأحمد) ،(78\1برقم ،585وصححه اللباني في الجامع
الصغير) (11\1برقم 106
229
َ َ
ست ْ َ
ك ك الّناُر أوْل َ َ
م ّ ل ل َل َ َ
فعَت ْ َ فعَ ْ ك ل َوْ ل َ ْ
م تَ ْ ما إ ِن ّ َ الله تعالىَ .قا َ
ل" :أ َ
الّناُر". 1
كذا كان رسول الله يربي تلميذه ،ويفقه شعبه ،على احترام
آدمية الناس ،وخاصة الضعفاء منهم والعبيد والخدم والجراء.
1صحيح -سنن أبي داود ،برقم ) ،(4492باب حق المملوك ،وصححه اللباني في صحيح وضعيف سنن أبي
داود ،برقم .5159
2رواه أبو نعيم الصبهاني في دلئل النبوة ) ،(116وأبو حنيفة في مسنده ) ،(40والحارث في مسنده )،(939
وذكره ابن حجر العسقلني في المطالب العالية ) .( 3931ولم أقف على سنده .
3صحيح – رواه البخاري،كتاب اليمان ،برقم ،30وأخرجه مسلم في اليمان والنذور ،باب :إطعام المملوك مما
يأكل ،رقم1661 :
230
صلة المفروضيية .وإذا سييافر بييه يجييب عليييه أن
الّنوم ،وفرصة لل ّ
يحمله معه على الدابة أو يتعاقبان على البعير ونحوه.
مّيا فقد ذكر بعييض الفقهيياء أنييه ل يمنييع
بل قالوا" :إن كان العبد ذ ّ
من إتيان الكنيسيية ،أو شييرب الخميير ،أو أكييل لحييم الخنزييير؛ لن
1
ك في المدّونة"ي عن قول مال ٍ ذلك دينه ،نقله البنان ّ
وتأمل معي قول النبي صلى اللييه عليييه وسييلم لميين عي ّيير العبييد:
"إنك امرؤ فيك جاهلية" ..دللة على أن صفة ميين يهينييون العبيييد
ويؤذونهم بالقول أو الفعييل ،فوصييفهم بالجهييل ،وربطهييم بعصييور
الجاهلية ،وعهود التخلف.
عا :التعاون في تحرير العبيد : راب ً
ن الفارسي حيًنا من الزمن ..فقد كان مولى شغل الرقُ سلما َ
عند أحد الوجهاء ،حتي فات سلمان عدد من المشاهد مع
الرسول الكريم ،منها بدر وأحد.
فذهب إلى النبي
فأشار عليه النبي أن يكاتب سيده ،فكاتبه علي ثلثمائة نخلة
يغرسها له وأربعين أوقية من ذهب.
وشارك المسلمون في أداء هذا الدين عن سلمان ،فأحضروا له
النخل وحفروا معه أماكنها وقدم رسول الله ووضعه بيده
عتق سلمان. الشريفة و ُ
وكانت أول مشاهده غزوة الحزاب ،وكان هو صاحب فكرة إنشاء
خندق عظيم حول المدينة لتحصينها من الغزاة ..ولما نجحت
الفكرة ،زاد تقدير الناس لسلمان نظًرا لرجاحة عقله ،وجهده في
خدمة دولة السلم بفكرة الخندق ،فقال النصار :سلمان منا !
وقال المهاجرون :سلمان منا !
فقال النبي " : سلمان منا أهل البيت !!" .
2
ق" 1عن الموسوعة الفقهية ،وزارة الوقاف والشئون السلمية بدولة الكويت ،باب "ر ّ
2رواه الحاكم في المستدرك ،برقم ،6541والطبراني في المعجم الكبير ،برقم ،6040والقصة منتشرة في كتب
السيرة ،في ثنايا أحداث الخندق .
231
سا :سن قاعدة " :كفارة ضرب العبد عتقه":
خام ً
ذا لتحرير العبيد عن طريق سن قاعدة "كفارة شرع السلم منف ً
دا أيام الجاهلية ،فمنح
ضرب العبد عتقه" والذي لم يكن موجو ً
حق الحرية للعبد إذا ضربه سيده.
ت ابن عمر ،وقد أعتق ن قال :أتي ُ ذا َ ن عن َزا َ وا َ فعن أبي صالح ذ َك ْ َ
دا أو شيًئا ،فقال :مالي فيه من كا له ،فأخذ من الرض عو ً مملو ً
ن ل َط َ َ
م ت رسول الله يقولَ " :
م ْ وى هذا ..سمع ُ س َ
ما ي َ ْالجر َ
َ ه فَك َ ّ مُلوك َ ُ
.1
ه"
ق ُ
ن ي ُعْت ِ َ
هأ ْ فاَرت ُ ُ ضَرب َ ُ
ه أو َ م ْ
َ
سا :كفالة الدولة السلمية للعبد المعاق أو
ساد ً
المريض:
فلقد كان ل ِزِن َْباٍع أبو روح رضي الله عنه -أحد الصحابة -ع َب ْد ٌ
سن ْد ٍَر ،فوجده يقبل جارية له ،فقطع ذ َك ََره ُ وَ َ
جد َعَ ن َ
سن ْد ََر ب ْ َ
مى َ
س ّ يُ َ
َ ْ َ أ َن ْ َ
ك .فقال النبي صلى الله ه ،فأَتى العَب ْد ُ النبي فَذ َك ََر ل ُ
ه ذ َل ِ َ ف ُ
ل كَ َ
ذا ما فَعَْلت؟" َقا َ
ل :فَعَ َ مَلك ع ََلى َ ح َ
ما َ
عليه وسلم لزنباعَ " :
ذا .فذكر له ما فعل بالجارية!. وَك َ َ
َ
حّر" فقال
ت ُب فَأن ْ َ
فقال النبي صلى الله عليه وسلم للعبد" :اذ ْهَ ْ
العبد :يا رسول الله فمولى من أنا؟ فقال" :مولى الله
ورسوله" ..فأوصى به المسلمين؛ فلما ُقبض جاء العبد إلى أبي
بكر رضي الله عنه فقال :وصية رسول الله ، فقال :نعم،
تجري عليك النفقة وعلى عيالك ،فأجراها عليه حتى قبض ..فلما
استخلف عمر رضي الله عنه جاءه فقال :وصية رسول الله
قال :نعم ،أين تريد؟ قال :مصر ،قال :فكتب عمر إلى صاحب
ضا يأكل منها". 2
مصر أن يعطيه أر ً
فالدولة -في الشرع السلمي -تكفل أصحاب العاقات من
العبيد- ،كما رأيت -كالمواطنين الحرار ،وقرر لهم الراتب المالي
الدوري الذي يغنيهم عن التسول أو سؤال الناس.
المطلب الرابع :تحريم التجار بالبشر
ومن دلئل مكافحة السترقاق في الشرع السلمي ،تحريمه
لكافة صور ومظاهر التجار بالبشر ،وخاصة النساء والطفال
1صحيح -سنن أبي داود ،برقم ، 4500وصححه اللباني صحيح الترغيب والترهيب ،برقم 2278
2حسن – رواه أحمد ) ،( 182 / 2وأخرجه أبو داود ) ( 4519وابن ماجه ) ،( 2680وحسن اللباني في
الرواء 1744
232
الحرار ..فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي rقالَ" :قا َ
ل
م غ َد ََر،
طى ِبي ث ُ ّ ل أ َع ْ َ
ج ٌ ةَ :ر ُ
م ِ م ال ْ ِ
قَيا َ م ي َوْ َمهُ ْ
ص ُ ْ ة أ ََنا َ
خ ه :ث ََلث َ ٌالل ّ ُ
َ ْ حّرا فَأ َك َ َ
ه ست َوَْفى ِ
من ْ ُ جيًرا َفا ْ
جَر أ ِ ست َأ َ لا ْج ٌه ،وََر ُ ل ثَ َ
من َ ُ ل َباع َ ُ ج ٌوََر ُ
َ
وَل َ ْ
1
ه"جَر ُطأ ْ م ي ُعْ ِ
فجعل التجار بالبشر من أبواب الخيانة والغدر والظلم ،والله عز
وجل خصم لجميع الغادرين إل أنه أراد التشديد على هذه
ما شنيًعا يتعلق بحقوق النسان، الصناف الثلثة ،فقد ارتكبوا جر ً
دا وحلف عليه بالله ثم فأحدهم غدر بأخيه النسان ،فعاهده عه ً
نقضه ،والثاني باع أخاه النسان الحر ،والثالث أكل مال أخيه
النسان الجير ،وهو داخل في إثم المتاجرة بالبشر كالثاني؛ لنه
َ استخدمه بغير حق ،وخالف المر النبوي" :أ َع ْ ِ َ
جَره ُ قَب ْ َ
ل ط اْل ِ
جيَر أ ْ
َ
ف ع ََرقُ ُ
2
ه" ج ّ
ن يَ ِ
أ ْ
وجريمة التجار بالبشر -التي حرمها الشرع السلمي الفضيل-
تتسربل بصور عديدة مارستها المجتمعات الجاهلية في القديم
والحديث ..فمارستها قبائل العرب ودول الفرس والرومان قبل
بعثة النبي العظم صلى الله عليه وسلم ،فكانوا يقطعون الطرق
على الحرار ،فيسرقون أموالهم ويبيعونهم في أسواق النخاسة
على أنهم عبيد ..وفي العصر الحديث مارس المريكان هذا
السلوك الجاهلي مع الزنوج ،فخصصوا الهيئات التي تبيع وتشتري
فيهم ،وهم أحرار ،ومارسوا أبشع صور التمييز العنصري في
حقهم .إضافة إلى ظهور جماعات المتاجرة بالطفال والنساء؛
لغرض الستغلل الجنسي التجاري ،ناهيك عن استغلل هذه
الجماعات للكوارث الطبيعية والحروب لممارسة نشاطها ،وخير
شاهد ما حدث في كارثة تسونامي وما أعلنته الصحف عن أرقام
مفزعة للنساء والطفال الذين تم التجار بهم في ظل هذه
الكارثية النسانية ،المر نفسه حدث مع ضحايا الشعب المسلم
في البوسنة والهرسك بعد ما أعمل فيه الجيش الصربي الذبح،
فتم بيع آلف الفتيات والطفال على مرأى ومسمع من العالم
)المتحضر( ..وتحولت البلدان الوروبية والوليات المتحدة
المريكية إلى مراكز كبرى للتجار بالبشر من جانب العصابات
المنظمة التي تحصد سنوّيا ما بين 8و 10مليارات دولر من
قا لحصائيات وزارة العدل التجار بالطفال والنساء ،وذلك وف ً
المريكية ...بيد أن الشرع السلمي الكريم حّرم بيع الحرار،
وناهض تجارة البشر بالبشر ،وحرم إكراه الفتيات على ممارسة
1صحيح -رواه البخاري ،كتاب البيوع ،باب إثم من باع حًرا ،ح2075 :
2حسن – رواه البيهقي ،ح ،(11439) :عن أبى هريرة .وحسنه اللباني
233
م ع ََلى ال ْب َِغاء إ ِ ْ
ن البغاء فقال الشارع الحكيم" :وََل ت ُك ْرِ ُ
هوا فَت ََيات ِك ُ ْ
َ
حَياةِ الد ّن َْيا{ ]النور.[33 : ض ال ْ َ
صنا ً ل ّت َب ْت َُغوا ع ََر َ
ح ّ
ن تَ َ
أَرد ْ َ
إلى جانب أن جريمة التجار بالبشر تنتهك حق النسان في
الحرية ،وتنتهك حقوق الطفال والنساء في العيش في بيئة آمنة
صالحة ،فهي تنزعهم من أسرهم ومن بين آبائهم وأمهاتهم إلى
جحيم الستغلل الجنسي والسخرة والتعذيب النفسي
والجسدي ..وكلها مظاهر حرمها السلم وحاربها نبي السلم
صلى الله عليه وسلم.
هكذا كان المنهج النبوي في التعامل مع مظاهر السترقاق
والتجار بالبشر؛ ليسجل أمام الله تعالى ثم التاريخ أن النظام
السلمي هو أول نظام في تاريخ البشرية ناهض السترقاق
وحارب المتاجرة بالبشر
المطلب الخامس – رفقه وعطفه على الخدم
ل :سلوكه مع خادمه : أو ً
خادمه أنس يحدثنا عن رحمته وشفقته بالخدم..
وإن شهادة الخادم عن سيده لصادقة ،وخاصة من رجل كأنس
لمة آلف الحاديث، الذي خدمه تسع سنين ،ونقل عنه إلى ا ُ
وكان معه كظله..
خُلقًا. َ فع َ
س ُ ن الّنا ِ س َ ح َ ل الل ّهِ أ ْ سو ُ ن َر ُ كا َ لَ : كَ .قا َ مال ِ ٍ ن َ س بْ ِ ن أن َ ِ ََ ْ
ة.ج ٍحا َ وما ً ل ِ َ سل َِني ي َ ْ فَأْر َ
َ فسي أ َ َ َ
ي
مَرِني ب ِهِ ن َب ِ ّ ما أ َ ب لِ َ ن أذ ْهَ َ ْ ب ،وَِفي ن َ ْ ِ تَ :والل ّهِ ل َ أذ ْهَ ُ قل ْ ُ فَ ُ
َ
ق، سو ِ ن ِفي ال ّ م ي َل ْعَُبو َ ن وَهُ ْ صب َْيا ٍ
ى ِ َ
مّر ع َل َ ىأ ُ حت ّ َ ت َ ج ُ خَر ْ الل ّهِ ،فَ َ
ت إ ِل َي ْهِ ل :فَن َظ َْر ُ ن وََراِئيَ ،قا َ م ْ فايَ ِق َ ض بِ َ ل الل ّهِ قَد ْ قَب َ َ سو ُ ذا َر ُ فَإ ِ َ
ل ":يا أ ُنيس أ َذ َهَبت حي ُ َ
م! ت :ن َعَ ْ ك؟" قُل ْ ُ مْرت ُ َ ثأ َ ْ َ َ ْ َ َْ ُ قا َ ك ،فَ َ ح ُ ض َ وَهُوَ ي َ ْ
سَ :والل ّهِ ل َ َ َ أ ََنا أ َذ ْ َ
ن، سِني َ سعَ ِ ه تِ ْمت ُ ُ خد َ ْ قد ْ َ ل أن َ ٌ هَ .قا َ ل الل ّ ِ سو َ هب َيا َر ُ
يٍء
ش ْ ذا؟ أ َوْ ل ِ َ ذا وَك َ َ ت كَ َ م فَعَل ْ َ ه :ل ِ َ صن َعْت ُ ُ يٍء َ ش ْ ل لِ َ ه َقا َ مت ُ ُ
ما ع َل ِ ْ َ
ذا .. 1
ذا وَك َ َ ت كَ َ ْ
ه :هَل ّ فَعَل َ ت ََرك ْت ُ ُ
وإذا لم أحد ٌ الخادم لتقصيره في خدمة سيدنا محمد ، قال
" :دعوه ! فلو ُقدر أن يكون كان!".2
ثانًيا :حثه على العفو عن الخادم :
كان سيدنا محمد يوصي أصحابه بالعفو عن الخدم ..فعن عبد
الله بن عمر قال :جاء رجل إلى النبي فقال :يا رسول الله كم
1صحيح – رواه مسلم في فضائل النبي صلى ال عليه وسلم باب حسن خلقه ،رقم 2310
2صحيح -رواه أحمد ،وصححه اللباني في ظلل الجنة ،برقم 355
234
نعفو عن الخادم؟ فصمت ،ثم أعاد عليه الكلم فصمت .فلما كان
ل يوم ٍ سبعين مّرة ً ".1 في الثالثة قال" :اعفوا عنه في ك ّ
ن ضرب الخادم: م ْ ثالًثا :توبيخه َ
كان لدى بني مقّرن خادمة ،فلطمها أحدهم ،فجاءت تشتكي إلى
رسول الله باكية ،فاستدعى الرسول مالكها قائل ً له:
"َأعِتقوها" ،فقالوا :ليس لهم خادم غيرها .قال" :فليستخدموها،
فإذا استغنوا عنها ،فليخّلوا سبيلها. 2
وعن عائشة قالت :ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم
3
خادما ول امرأة قط
عا :ترغيبه في إطعام الخادم : راب ً
لب َقا َ دي ك َرِ َ معْ ِ ن َ ِ دام ِ ب ْ ق َم ْن ال ْ ِ فعَ ِ
ك فَهُوَ ل َ َ َ
ما
ة ،وَ َ صد َقَ ٌك َ س َ ف َ ت نَ ْ م َ ما أط ْعَ ْ ل الل ّهِ َ " : سو ُ ل َر ُ َقا َ
ك فَهُوَ ل َ َ َ َ
صد َقَ ٌ
ة، ك َ ج َ ت َزوْ َ م َ ما أط ْعَ ْ ة ،وَ َ صد َقَ ٌ ك َ ك فَهُوَ ل َ َ ت وَل َد َ َ م َ أط ْعَ ْ
ك فَهُوَ ل َ َ َ
ة".4 صد َقَ ٌ ك َ م َخاد ِ َ ت َ م َ ما أط ْعَ ْ وَ َ
سا :نهيه عن الدعاء على الخادم : خام ً
ل: ّ
ن ع َب ْد ِ اللهِ َقا َ
َ جاب ِرِ ب ْ ِ ن َ فعَ ْ
عوا ع ََلى م ،وََل ت َد ْ ُ سك ُ ْف ِ عوا ع ََلى أن ْ ُ ل الل ّهِ َ" :ل ت َد ْ ُ سو ُ ل َر ُ َقا َ
مَ ،ل َ َ
وال ِك ُ ْم َعوا ع ََلى أ ْ م ،وََل ت َد ْ ُ مك ُ ْ خد َ ِ عوا ع ََلى َ م ،وََل ت َد ْ ُ أوَْلد ِك ُ ْ
ب
جي َ طاٌء فَي َ ْ
ست َ ِ ل ِفيَها ع َ َ ة ن َي ْ ٍ ساع َ َ ك وَت ََعاَلى َ ن الل ّهِ ت ََباَر َ م ْ قوا ِ وافِ ُ تُ َ
ل َك ُ ْ
5
م" .
المبحث الثالث
رحمته بذوي الحتياجات الخاصة
235
مليون نسمة في الدول النامية ،وفي تقرير للبنك الدولي ،تمثل
هذه الفئة % 15تقريًبا من نسبة السكان في كل دولة من دول
العالم .
236
المطلب الثاني :رعاية النبي لذوي الحتياجات
الخاصة:
فعن أنس أن امرأة كان في عقلها شيىء ،فقالت :يا رسول
َ ُ
ي
ن! انظري أ ّ م فُل َ ٍلَ " :يا أ ّ قا َ ل :فَ َ الله إن لي إليك حاجة ! فَ َ
قا َ
َ
ض
معََها ِفي ب َعْ ِخل َ َ ك " فَ َ
جت َ ِ
حا َ ك َ ي لَ ِ ى أقْ ِ
ض َ َ حت ّ شئ ْ ِ
تَ ، ك ِ سك َ ِ ال ّ
ى فََرغ َ ْ الط ُّر ِ
1
جت َِها .حا َ
ن َ م ْ
ت ِ حت ّ َقَ ،
وهذا من حلمه وتواضعه وصبره على قضاء حوائج ذوي
الحتياجات الخاصة ..
وفي هذا أيضا ً " :بيان بروزه للناس وقربه منهم ليصل أهل
الحقوق إلى حقوقهم ويرشد مسترشدهم ليشاهدوا أفعاله
وحركاته فيقتدي بها وهكذا ينبغي لولة المور وفيها صبره
على المشقة في نفسه لمصلحة المسلمين واجابته من سأله
حاجة".2
وفي هذا دللة شرعية على وجوب تكفل الحاكم برعاية ذوي
الحتياجات الخاصة ،صحًيا واجتماعًيا ،واقتصادًيا ،ونفسًيا ،والعمل
على قضاء حوائجهم ،وسد احتياجاتهم .
ومن صور هذه الرعاية لذوي الحتياجات الخاصة :
-توفير الحياة الكريمة لهم
-العلج والكشف الدوري لهم
-تأهيلهم وتعليمهم بالقدر الذي تسمح به قدراتهم ومستوياتهم
من يقوم على رعايتهم وخدمتهم . -توظيف َ
ولقد استجاب الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز – رضي الله
عنه – ،لهذا المنهج النبوي السمح ،فأصدر قراًرا إلى الوليات:
من به فالج أو مقَعد أو َل أعمى في الديوان أو ُ ى كُ ّ
"أن ارفعوا إل ّ
من به زمانة تحول بينه وبين القيام إلى الصلة .فرفعوا إليه " َ
وأمر لكل كفيف بموظف يقوده ويرعاه ،وأمر لكل اثنين من
الزمنى – من ذوي الحتياجات – بخادم ٍ يخدمه ويرعاه. 3
وعلى نفس الدرب سار الخليفة الموي الوليد بن عبدالملك –
رحمه الله تعالى ،-فهو صاحب فكرة إنشاء معاهد أو مراكز
رعاية – لذوي الحتياجات الخاصة ،فأنشأ ]عام 707م88 -
ظف فيها الطباء والخدام هي[مؤسسة متخصصة في رعايتهم ،و ّ
وأجرى لهم الرواتب ،ومنح راتًبا دورًيا لذوي الحتياجات الخاصة ،
237
وقال لهم " :ل تسألوا الناس " ،وبذلك أغناهم عن سؤال الناس
فا لخدمة كل مقعد أو كسيح أو ضرير.1 ،وعين موظ ً
238
المطلب الرابع :عفوه عن سفهائهم وجهلئهم :
وتجلت رحمة الحبيب بذوي الحتياجات الخاصة ،في عفوه
عن جاهلهم ،وحلمه على سفيههم ،ففي معركة أحد] شوال
3هي -أبريل 624م[ ،لما توجه الرسول بجيشه صوب أحد،
وعزم على المرور بمزرعة لرجل منافق ضرير ،أخذ هذا الخير
يسب النبي وينال منه ،وأخذ في يده حفنة من تراب وقال –
في وقاحة -للنبي :والله لو أعلم أنى ل أصيب بها غيرك
حّتى هم أصحاب النبي بقتل هذا العمى المجرم، لرميتك بها ! َ
فأبي عليهم -نبي الرحمة -وقال:
1
" دعوه ! فهذا العمى أعمى القلب ،أعمى البصر " .
ولم ينتهز رسول الله ضعف هذا الضرير ،فلم يأمر بقتله أو
حتى بأذيته ،رغم أن الجيش السلمي في طريقه لقتال ،والوضع
متأزم ،والعصاب متوترة ،ومع ذلك لما وقف هذا الضرير
المنافق في طريق الجيش ،وقال ما قال ،وفعل وما فعل ،أبى
رسول الله إل العفو عنه ،والصفح له ،فليس من شيم المقاتلين
المسلمين العتداء على أصحاب العاهات أو النيل من أصحاب
العاقات ،بل كانت سنته معهم؛ الرفق بهم ،والتعاظ بحالهم،
وسؤال الله أن يشفيهم ويعافينا مما ابتلهم .
المطلب الخامس :تكريمه وموساته لهم :
فعن عائشة أنها قالت :سمعت رسول الله يقول " :إن الله
عز وجل أوحى إلى أنه من سلك مسلكا في طلب العلم سهلت
له طريق الجنة ومن سلبت كريمتيه أثبته عليهما الجنة. 2" ...
وعن العرباض بن سارية ،عن النبي ، عن رب العزة -قال :
" إذا سلبت من عبدي كريمتيه وهو بهما ضنين ،لم أرض له ثواًبا
3
دون الجنة ،إذا حمدني عليهما"
ن
م ْما ِويقول النبي لكل أصحاب الصابات والعاقات َ " :
ه
ت ع َن ْ ُحي َ ْ
م ِ
ة وَ ُ
ج ٌ ت لَ ُ
ه ب َِها د ََر َ ما فَوْقََها إ ِّل ك ُت ِب َ ْ شوْك َ ً
ة فَ َ شا ُ
ك َ سل ِم ٍ ي ُ َ
م ْ
ُ
4
ة" َ
طيئ ٌخ ِ ب َِها َ
239
ففي مثل هذه النصوص النبوية والحاديث القدسية ،مواساة
وبشارة لكل صاحب إعائقة؛ أن إذا صبر على مصيبته ،راضًيا لله
ببلوته ،واحتسب على الله إعاقته ،فل جزاء له عند الله إل الجنة .
فا
ما وتشري ً وقد كان النبي يقول عن عمرو بن الجموح ،تكري ً
له " :سيدكم البيض الجعد عمرو بن الجموح "وكان أعرج ،وقد
قال له النبي ذات يوم " :كأني أنظر إليك تمشي برجلك هذه
صحيحة في الجنة " ،وكان – رضي الله عنه -يولم على رسول
الله إذا تزوج. 1
و عن أنس بن مالك :أن رسول الله استخلف بن أم مكتوم
على المدينة مرتين يصلي بهم وهو أعمى. 2
وعن عائشة أن ابن أم مكتوم كان مؤذنا لرسول الله وهو
أعمى. 3
وروى الزهري عن سعيد بن المسيب أن المسلمين كانوا إذا
غزوا خلفوا زمناهم ،وكانوا يسلمون إليهم مفاتيح أبوابهم،
ويقولون لهم :قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في بيوتنا. 4
وعن الحسن بن محمد قال :دخلت على أبي زيد النصاري فأذن
وأقام وهو جالس قال :وتقدم رجل فصلى بنا ،وكان أعرج أصيب
رجله في سبيل الله تعالى.5
وهكذا كان المجتمع النبوي ،يتضافر في مواساة ذوي الحتياجات
الخاصة ،ويتعاون في تكريمهم ،ويتحد في تشريفهم ،وكل ذلك
اقتضاًء بمنهج نبي الرحمة مع ذوي الحتياجات الخاصة . .
المطلب السادس :زيارته لهم
وشرع السلم عيادة المرضى عامة ،وأصحاب العاقات خاصة،
وذلك للتخفيف من معاناتهم ..فالشخص المعاق أقرب إلى
النطواء والعزلة والنظرة التشائمية ،وأقرب من المراض
النفسية مقارنة بالصحيح ،ومن الخطأ إهمال المعاقين في
المناسابات الجتماعية ،كالزيارات والزواج ..
وقد كان رسول الله يعود المرضى ،فيدعو لهم ،ويطيب
خاطرهم ،ويبث في نفوسهم الثقة ،وينشر على قلوبهم الفرح،
ويرسم على وجوهه البهجة ،وتجده ذات مرة يذهب إلى أحدهم
صا ،ليقضي له حاجة بسيطة ،أو أن في أطراف المدينة ،خصي ً
ن
ن بْ َ
عت َْبا َيصلي ركعات في بيت المتبتلى تلبية لرغبته ..فهذا ِ
1أبو نعيم الصبهاني ،معرفة الصحابة 155 / 14
2صحيح – رواه أحمد ،ح ،13023 :وصححه اللباني في الرواء ح530 :
صيٌر ،ح381 :
ن َمَعُه َب ِ
عَمى ِإَذا َكا َ
لْن ا َْ
جَواِز َأَذا ِ
لِةَ ،باب َ
صَ 3صحيح – رواه مسلمِ ،كَتاب ال ّ
4تفسير الرازي ،ج / 11ص .374
5رواه البيهقي ) ،( 392 / 1وقال اللباني :وهذا إسناد حسن إن شاء ال تعالى
240
فا من النصار -يقول للنبي :إنها تكون ك -وكان رجل ً كفي ً مال ِ ٍ َ
الظلمة والسيل وأنا رجل ضرير البصر ،وأنا أصلي لقومي فإذا
كانت المطار سال الوادي الذي بيني وبينهم؛ لم أستطع أن آتي
ت يا رسول الله أنك تأتيني فتصلي مسجدهم فأصلي بهم ،وودد ُ
في بيتي فأتخذه مصلى.
َ
ه" .. شاَء الل ّ ُ ن َ ل إِ ْ سأفْعَ ُ فوعده بزيارة وصلة في بيته قاًئل َ " :
قال عتبان فغدا رسول الله وأبو بكر حين ارتفع النهار
ت له فلم يجلس حتى دخل البيت ، فاستأذن رسول الله فأذن ُ
حب أ َ ُ َ
ت له إلى ناحية ك" ،فأشر ُ ن ب َي ْت ِ َ
م ْ ي ِ صل ّ َ
نأ َ ن تُ ِ ّ ْ ثم قال " :أي ْ َ
من البيت فقام رسول الله ، فكبر فقمنا ،فصفنا ،فصلى
ركعتين ،ثم سلم .1
المطلب السابع :الدعاء لهم :
ضا -رحمة نبي السلم بالفئات الخاصة -من وتتجلى – أي ً
ساذوي الحتياجات -عندما شرع الدعاء لهم ،تثبيًتا لهم ،وتحمي ً
لهم على تحمل البلء ..ليصنع الرادة في نفوسهم ،ويبني العزم
في وجدانهم ..فذات مرة ،جاء رجل ضرير البصرِ إلى حضرة
ن ُيعافيني.. هأ ْ ل الضرير :ادع ُ الل ّ َ قا َ النبي ..ف َ
ت فهوَ خيٌر لك". ت صبر َ شئ َ ن ِ ت ،وإ ْ دعو ُ ت َ شئ َ ن ِ ل " :إ ْ َقا َ
ه. ل :فادع ُ ْ َقا َ
دعاِء: ذا ال ّ ضوَءه ُ ويدعو بهَ َ ن وُ ُ ضأ فُيحس َ ن يتو ّ فأمَره ُ أ ْ
ة إّني ي الّرحم ِ مد نب ّ ح ّ م َ ك ُ ك بنبي ّ َ ه إلي َ ج ُ ك وأتو ّ م إّني أسأل َ " اّللهُ ّ
ه
فعْ ُ ش ّم فَ َ ضى لي ،اّللهُ ّ ق َ ك ِإلى َرّبي في حاجتي هذ ِهِ لت ُ ْ تب َ جه ُ تو ّ
2
ي" . ف ّ
ن َ ُ َ
ن ع َّباس :أَل أِري َ
م ْ مَرأة ً ِ كا ْ وعن عطاء بن أبي رباح ،قال ِلي اب ْ ُ
ت :ب ََلى . َ
ة؟ قُل ْ ُ ل ال ْ َ
جن ّ ِ أهْ ِ
ُ َ ل :هَذه ال ْ َ
ع، صَر ُ ت :إ ِّني أ ْ قال َ ْ ي فَ َ ت الن ّب ِ ّ داُء ..أت َ ْ سو ْ َ مْرأة ُ ال ّ ِ ِ َ َقا َ
َ
ه ِلي ! فَ ،فاد ْع ُ الل ّ َ ش ُ وَإ ِّني أت َك َ ّ
ت
ت د َع َوْ ُ شئ ْ ِن ِ ة ،وَإ ِ ْ جن ّ ُك ال ْ َ ت وَل َ ِ صب َْر ِ ت َ شئ ْ ِ ن ِ ي ": إ ِ ْ قال النب َ ف َ
َ
ك". ن ي َُعافِي َ ِ هأ ْ الل ّ َ
ف.ش َ ن َل أ َت َك َ ّ َ
ه ِلي أ ْ فَ ،فاد ْع ُ الل ّ َ ش ُ ت :إ ِّني أ َت َك َ ّ قال َ ْصب ُِر .فَ َ ت :أ ْ
َ
قال َ ْ فَ َ
عا ل ََها.3 فَد َ َ
1صحيح البخاري ،كتاب الصلة باب المساجد في البيوت ،ح ،(407) :وانظر :ح ) ،(627ومسلم ،باب
الرخصة في التخلف عن الجماعة بعذر ،ح :كتاب المساجد ومواضع الصلة ،ح(1052) :
ل صلى ال عليه وسلم ،3578 ،وابن ل ا ِّسو ِعن َر ُ 2صحيح – رواه الترمذي )وشرح العلل( ،أبواب الدعوات َ
ماجه برقم ،1385وصححه اللباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي.
ب اْلُمْؤِم ِ
ن ح ،ومسلم ،برقم َ 4673باب َثَوا ِ ن الّري ِ
ع ِم ْ صَر ُ
ن ُي ْ ل َم ْ
ضِ 3صحيح – رواه البخاري برقم َ ،5220باب َف ْ
شاُكَها.
شْوَكِة ُي َحّتى ال ّ
ك َ
حِو َذِل َ
ن َأْو َن ْ
حْز ٍ
ض َأْو ُ
ن َمَر ٍ
صيُبُه ِم ْ
ِفيَما ُي ِ
241
هذا ،وقد كان رسول الله يدعو للمرضى والزمنى عامة ،فعن
عائشة رضي الله عنها
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى مريضا أو أتي
به قال " :أذهب الباس رب الناس اشف وأنت الشافي ل شفاء
1
إل شفاؤك شفاء ل يغادر سقما"
وهكذا المجتمع السلمي؛ يدعو -عن بكرة أبيه -لصحاب
العاقات والعاهات وما رأينا مجتمًعا على وجه الرض يدعو
بالشفاء والرحمة لصحاب الحتياجات الخاصة ،غير مجتمع
المسلمين ،ممن تربوا على منهج نبي السلم!.
المطلب الثامن :تحريم السخرية منهم
كان ذوو الحتياجات الخاصة ،في المجتمعات الوربية الجاهلية،
مادة للسخرية ،والتسلية والفكاهة ،فيجد المعاق نفسه بين
نارين ،نار القصاء والبعاد ،ونار السخرية والشماتة ،ومن ثم
يتحول المجتمع -في وجدان أصحاب العاقات -إلى دار غربة،
واضهاد وفرقة ..فجاء الشرع السلمي السمح ،ليحّرم السخرية
من الناس عامة ،ومن أصحاب البلوى خاصة ،ورفع شعار " ل
تظهر الشماتة لخيك فيرحمه الله ويبتليك " .وأنزل الله تعالى
آيات بينات توكد تحريم هذه الخصلة الجاهلية ،والتي نبتت في
من نتن العصبية ،والنعرات القبائلية ،فقال عز من قائل :
خْيرا ً كوُنوا َ سى َأن ي َ ُ من قَوْم ٍ ع َ َ م ّ خْر َقو ٌ س َ مُنوا َل ي َ ْ نآ َ ذي َ
َ
} َيا أي َّها ال ّ ِ
َ
مُزوا ن وََل ت َل ْ ِ من ْهُ ّخْيرا ً ّ ن َ سى أن ي َك ُ ّ ساء ع َ َ من ن ّ َ ساء ّ م وََل ن ِ َ من ْهُ ْ ّ
ن
ما ِ لي َ ْ
سوقُ ب َعْد َ ا ِ ف ُ ْ
م ال ُ س ُ س ال ِ ْ ب ب ِئ ْ َ قا ِ ْ َ ْ
م وَل ت ََناب َُزوا ِبالل َ َ سك ْ ُ ف ََأن ُ
ن {]الحجرات[11: مو َ م ال ّ
ظال ِ ُ ك هُ ُ ب فَأ ُوْل َئ ِ َ م ي َت ُ ْ من ل ّ ْ وَ َ
مص الناس" كما ثبت عن النبي أنه قال" :الك ِْبر بطر الحق وغ َ ْ
"، 2وغمط الناس" :احتقارهم والستخفاف بهم ،وهذا حرام،
فإنه قد يكون المبتلى أعظم قدًرا عند الله ،أو أكبر فضل ً على
دا ،وتقوى وعفة وأدًبا ..نهيك عن القاعدة ما وجها ً الناس ،عل ً
َ
موال َك ُ ْ
م َم وَأ ْ ماَءك ُ ْم دِ َ م ع َل َي ْك ُ ْ حّر َ ه َ ن الل ّ َ النبوية العامة ،الفاصلة ":فَإ ِ ّ
َ
ضك ُ ْ
3
م" وَأع َْرا َ
ولقد حذر النبي أشد التحذير ،من تضليل الكفيف عن طريقه،
سا وسخرية ،فقال : أو إيذاءه ،عب ً
َ
ن طَ ِ ن كَ َ مل ُْعو ٌ
4
ق" ري ٍ مى ع َ ْ ه أع ْ َ م َ م ْ ن َ " َ
1صحيح – رواه البخاري ،كتاب المرضى،باب دعاء العائد للمريض ،ح ،(5243) :ومسلم ،كتاب السلم ،باب
استحباب رقية المريض ،ح4061 :
2صحيح – رواه مسلم ،ح91 :
3البخاري ،ح5583 :
4حسن -رواه أحمد،ح1779 :
242
5
ل" وقال " :ل َعن الل ّه من ك َم َ
سِبي ِ ن ال ّ مى ع َ ْ ه أع ْ َ ُ َ ْ ّ َ َ َ
فهذا وعيد شديد ،لمن اتخذ العيوب الخلقية سبًبا للتندر أو التلهي
أو السخرية ،أوالتقليل من شأن أصحابها ،فصحاب العاقة هو أخ
دا على قدرة ظا ،وشاه ً أو أب أو إبن امتحنه الله ،ليكون فيًنا واع ً
الله ،ل أن نجعله مادة للتلهي أو التسلي.
المطلب التاسع :رفع العزلة والمقاطعة عنهم:
فقد كان المجتمع الجاهلي في القديم -سواًء في الجزيرة العربية
أو أوربا الرومانية أوأسيا الفارسية -يقاطع ذوي الحتياجات
الخاصة ،ويعزلهم ويمنعهم من ممارسة حياتهم الطبيعية ،كحقهم
في الزواج ،والختلط بالناس ،وزيارتهم والكل والشرب معهم..
ي ل يخالطهم في فقد كان أهل المدينة قبل أن يبعث النب ّ
طعامهم أعرج ولأعمى ول مريض ،وكان الناس يظنون بههم
ذر والتقّزز .فأنزل الله تعالى: التق ّ
َ َ
ض
ري ِ م َِ ج وََل ع ََلى ال ْ َ حَر ٌ ج َ ِ ج وََل ع ََلى اْلع َْر حَر ٌ مى َ س ع ََلى اْلع ْ َ َ }ل َي ْ
فسك ُم َأن تأ ْك ُُلوا من بيوت ِك ُ َ َ
م أْو ت آَبائ ِك ُ ْ م أوْ ب ُُيو ِ ْ ِ ُُ َ ج وََل ع ََلى أن ُ ِ ْ حَر ٌ َ
َ َ َ َ ُ
ت م أوْ ب ُُيو ِ وات ِك ُ ْ خ َ تأ َ م أوْ ب ُُيو ِ وان ِك ُ ْ خ َ ت إِ ْ م أوْ ب ُُيو ِ مَهات ِك ُ ْ تأ ّ ب ُُيو ِ
خاَلت ِك ُم أوَ َ َ َ َ َ
ْ ْ ت َ م أوْ ب ُُيو ِ وال ِك ُ ْ َ خ
تأ ْ م أوْ ب ُُيو ِ مات ِك ُ ْ ت عَ ّ م أوْ ب ُُيو ِ مك ُ ْ ما ِ أع ْ َ
ميعا ً ْ فات ِحه أ َو صديقك ُم ل َيس ع َل َيك ُم جنا َ
ج ِ ح أن ت َأك ُُلوا َ ْ ْ ُ َ ٌ م َ َ ُ ْ َ ِ ِ ْ ْ َ مل َك ُْتم ّ ما َ َ
َ َ ّ ً ْ ً أ َوْ أ ْ
َ
عندِ ن ِ م ْة ّ حي ّ ً
م تَ ِ سك ُ ْ ف ِ موا ع َلى أن ُ سل ُ خلُتم ب ُُيوتا فَ َ ذا د َ َ شَتاتا فَإ ِ َ
قُلون { م ت َعْ ِ ت ل َعَل ّك ُ ْ م اْلَيا ِ ه ل َك ُ ُ ن الل ّ ُ ك ي ُب َي ّ ُ ة ك َذ َل ِ َ ة ط َي ّب َ ً مَباَرك َ ً الل ّهِ ُ
]النور. 2 [ 61 :
أي ليس عليكم حرج في مؤاكلة المريض والعمى والعرج،
فهؤلء بشر مثلكم ،لهم كافة الحقوق مثلكم ،فل تقاطعوهم ول
تعزلوهم ول تهجروهم ،فأكرمكم عند الله أتقاكم" ،والله ل ينظر
إلى صوركم ول إلى أشكالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم " .
وهكذا نزل القرآن ،رحمة لذوي الحتياجات الخاصة ،يواسيهم،
سيا ،ويخفف عنهم .ويتقذهم من أخطر المراض ويساندهم نف ً
النفسية التي تصيب المعاقين ،جراء عزلتهم أو فصلهم عن
الحياة الجتماعية .
وبعكس ما فعلت المم الجاهلية ،فلقد أحل السلم لذوي
الحتياجات الخاصة الزواج ،فهم – والله – أصحاب قلوب مرهفة،
ومشاعير جياشة ،وأحاسيس نبيلة ،فأقر لهم الحق في الزواج ،ما
داموا قادرين ،وجعل لهم حقوًقا ،وعليهم واجبات ،ولم يستغل
قا ،ولم المسلمون ضعف ذوي الحتياجات ،فلم يأكلوا لهم ح ً
ل ،فعن عمر بن الخطاب أنه قال : يمنعوا عنهم ما ً
243
سَها فَل ََها ذا َ " أ َيما رجل تزوج امرأ َة ً وبها جنو َ
م ّ ص فَ َم أوْ ب ََر ٌ ج َ ٌ
ن أوْ ُ ََِ ُ ُ ٌ ّ َ َ ُ ٍ ََ ّ َ ْ َ
مًل. 1 "... داقَُها َ
كا ِ ص َ َ
المطلب العاشر :التيسير على ذوي الحتياجات الخاصة
:
ومن الرحمة بذوي الحتياجات الخاصة مراعاة الشريعة لهم في
كثيرٍ من الحكام التكليفية ،والتيسير عليهم ورفع الحرج عنهم،
فعن زيد بن ثابت أن رسول الله أملى عليه" :ل يستوي
القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله" .قال:
فجاءه ابن أم مكتوم وهو يملها "علي" – رضي الله عنه -
)لتدوينها( ،فقال :يا رسول الله ،لو أستطيع الجهاد لجاهدت،
وكان رجل أعمى ،قال زيد بن ثابت :فأنزل الله تبارك وتعالى
على رسوله ، وفخذه على فخذي ،فثقلت علي حتى خفت أن
ترض فخذي ]من ثقل الوحي[ ،ثم سري عنه -فأنزل الله عز
ُ
ضَرِر.2 وجل :غ َي ُْر أوِْلي ال ّ
س ع ََلى فا عن ذوي الحتياجات الخاصة } : -ل َي ْ َ وقال تعالى – مخف ً
َ َ
من ج وَ َحَر ٌ ض َري َ ِ ج وََل ع ََلى ال ْ َ
م ِ حَر ٌ ج َ ْ َ
ج وَل ع َلى الع َْر ِ
حَر ٌ َ مى َ اْلع ْ َ
من ي َت َوَ ّ
ل حت َِها اْلن َْهاُر وَ َ
من ت َ ْري ِج ِ ت تَ ْجّنا ٍه َ خل ْ ُ سول َ ُ
ه ي ُد ْ ِ ه وََر ُ ي ُط ِِع الل ّ َ
ذابا ً أ َِليما ً {]الفتح.[ 17: ه عَ َ ي ُعَذ ّب ْ ُ
فرفع عنهم فريضة الجهاد في ساح القتال ،فلم يكلفهم بحمل
عا .. سلح أو الخروج إلى نفير في سبيل الله ،إل إن كان تطو ً
ومثال ذلك ،قصة عمرو بن الجموح – رضي الله عنه – في
معركة أحد ] شوال 3هي/إبريل 624م[ ،فقد كان – رضوان الله
عليه -رجل أعرج شديد العرج ،وكان له بنون أربعة مثل السد
يشهدون مع رسول الله المشاهد فلما كان يوم أحد أرادوا
حبسه ،وقالوا :له إن الله عز وجل قد عذرك ! فأتى رسول الله
فقال:إن بني يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه والخروج
معك فيه .فوالله إني لرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة !
فقال نبي الرحمة " : أما أنت فقد عذرك الله فل جهاد عليك
" ،ثم قال لبنيه " :ما عليكم أن ل تمنعوه لعل الله أن يرزقه
الشهادة" فخرج مع الجيش فقتل يوم أحد. 3
حَباِء ،ح ، (969) :ومصنف ابن أبي شيبة ) -ج / 3صق َواْل ِ
صَدا ِ
جاَء ِفي ال ّ 1موطأ مالكِ،كَتاب الّنَكا ِ
حَ ،باب َما َ
(310
2صحيح -رواه البخاري ،كتاب الجهاد والسير ،والية في سورة النساء :رقم . 95
3انظر :ابن هشام 90 / 2
244
بيد أن هذا التخفيف ،الذي يتمتع به المعاق في الشرع السلمي،
يتسم بالتوازن والعتدال ،فخفف عن كل صاحب إعاقة قدر
إعاقته ،وكلفه قدر استطاعته ،يقول القرطبي:4
"إن الله رفع الحرج عن العمى فيما يتعلق بالتكليف الذي
يشترط فيه البصر ،وعن العرج فيما يشترط في التكليف به من
المشى ،وما يتعذر من الفعال مع وجود العرج ،وعن المريض
فيما يؤثر المرض في إسقاطه ،كالصوم وشروط الصلة
وأركانها ،والجهاد ونحو ذلك".
ومثال ذلك الكفيف والمجنون ،فالول مكلف بجل التكاليف
الشرعية باستثناء بعض الواجبات والفرائض كالجهاد ..أما الثاني
فقد رفع عنه الشارع السمح كل التكاليف ،فعن عائشة أن
حّتىن الّنائ ِم ِ َن ث ََلث َةٍ ع َ ْ م عَ ْقل َ ُ رسول الله قال ُ ":رفِعَ ال ْ َ
ل " .2 ق َ
حّتى ي َعْ ِ ن َ جُنو ِم ْن ال ْ َ حّتى ي َك ْب ََر وَع َ ْ صِغيرِ َ
ن ال ّ ق َ
ظ وَع َ ْ ست َي ْ ِ
يَ ْ
فمهما أخطأ المجنون أو ارتكب من الجرائم ،فل حد ول حكم
عليه ،فعن ابن عباس قال :أتي عمر – رضي الله عنه -بمجنونة
سا فأمر بها عمر أن ترجم ،فمر بها قد زنت فاستشار فيها أنا ً
على علي بن أبي طالب -رضوان الله عليه -فقال :ما شأن
هذه؟
قالوا :مجنونة بني فلن زنت ،فأمر بها عمر أن ترجم .
فقال :ارجعوا بها !
ثم أتاه ،فقال :يا أمير المؤمنين ! أما علمت أن القلم قد رفع
عن ثلثة ،عن المجنون حتى يبرأ ،وعن النائم حتى يستيقظ،
وعن الصبي حتى يعقل ؟ قال :بلى .قال :فما بال هذه ترجم ؟
سل ََها .فجعل عمر ي ُك َب ُّر .3 َ َ
سل َْها .فَأْر َ !قال ل شيء .قال علي :فَأْر ِ
هكذا كان المنهج النبوي في التعامل مع ذوي الحتياجات الخاصة،
قا لهذه الفئة، في وقت لم تعرف فيه الشعوب ول النظمة ح ً
فقرر – الشرع السلمي -الرعاية الكاملة والشاملة لذوي
الحتياجات الخاصة ،وجعلهم في سلم أولويات المجتمع
السلمي ،وشرع العفو عن سفيههم وجاهلهم .وتكريم أصحاب
البلء منهم ،لسيما من كانت له موهبة أو حرفة نافعة أو تجربة
ناجحة ،وحث على عيادتهم وزيارتهم ،ورغب في الدعاء لهم،
وحّرم السخرية منهم ،ورفع العزلة والمقاطعة عنهم ،ويسر
4تفسير القرطبي 313 / 12
صِغيِر َوالّناِئِم،ح ،(2041 ) :وابن خزيمة في
ق اْلَمْعُتوِه َوال ّ
لِ طَ قَ ،باب َ لِطَ 2صحيح -رواه ابن ماجةِ ،كَتاب ال ّ
صحيحه ) ،( 1003وصححه اللباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجة ،وفي الرواء ) ( 297
حّدا،ح ،(4399) :وصححه اللباني
ب َ صي ُ ق َأْو ُي ِ
سِر ُ
ن َي ْ
جُنو ِ 3صحيح -رواه أبو داودِ ،كَتاب اْل ُ
حُدوِدَ ،باب ِفي اْلَم ْ
في صحيح وضعيف سنن أبي داود ،وفي الرواء ) ( 5 / 2
245
عليهم في الحكام ورفع عنهم الحرج .فالله الله في شريعة
السلم ونبي السلم !
المبحث الرابع
رحمته للمسنين
ظا بالمسنين، ما ملحو ًيشهد العالم في السنوات الخيرة اهتما ً
وقد شهد المجتمع الدولي أكثر من فعالية دولية ،من مؤتمرات
وندوات عالمية ،لتناول قضايا المسنين ،وشهد عام 1982أول
إشارة من العالم المتحضر لرعاية المسنين ،حيث أعلنت المم
المتحدة ،في اجتماع لمندوبي 124دولة ،أن العقد التاسع من
القرن العشرين عقد المسنين ،ورفعت منظمة الصحة العالمية
عام 1983شعار "فلنضف الحياة إلى سنين العمر" ،وقد تبنى
مؤتمر المم المتحدة الذي انعقد في مدريد عام 2002م خطة
عمل لمعالجة مشاكل المسنين في مختلف بلدان العالم ..
والحق أن هذه المؤتمرات كانت شبيهه بالملتقيات الفكرية
النظرية ،فلم يطبق لها قرارًا ،ولم ُتفعل لها خطة !
وكان الولى لهذه الفعاليات والمؤتمرات أن تقرأ في منهج نبي
السلم ، وكيف رسم المنهج العملي في رعاية المسنين .
لقد كان نبي الرحمة سباًقا في هذا الميدان ،ومرجًعا مه ً
ما –
ينبغي أن ُيأخذ به -لكل فعالية أو نشاط يهدف إلى رعاية
المسنين .
وينطلق منهج رعاية المسنين – في السلم – من منطلق
دا عن التمييز بين فئات المسنين على أساس إنساني سامق ،بعي ً
الجنس أو اللون أو الدين .فالسلم ل يقرر قواعد الرعاية
للمسنين من منطلق عنصري أو عرقي كما هو الحال في العالم
" المتحضر " في هذا الوقت الراهن .
فالمسن الفرنسي ذو البشرة البيضاء له الرعاية الشاملة
والحقوق الكاملة ،أما المسن السود والذي يحمل نفس الجنسية
ل يتمتع بمعشار ما يتمتع به المسن البيض ،رغم أنهم أصحاب
وطن واحد ودين واحد ولغة واحدة! ..
فياليت هذا العالم " المتحضر" ينظر إلى منهج نبي السلم مع
المسنين ،كل المسنين ،البيض والسود ،العرب وغير العرب،
المسلمين وغير المسلمين .
وإليكم بعض تعاليمه في رعاية المسنين ..
المطلب الول :حثه على إكرام المسنين والرفق بهم:
ل :مناشدة الشباب لكرام المسنين : أو ً
ل:ك َقا َ عَ َ
مال ِ ٍ
ن َ
س بْ ِ
ن أن َ ِْ
246
َ
ه لَ ُ
ه ض الل ّ ُ
سن ّهِ إ ِّل قَي ّ َخا ل ِ ِ ب َ
شي ْ ً شا ّ م َ ل الل ّهِ َ " :
ما أك َْر َ سو ُ ل َر ُ َقا َ
ن ي ُك ْرِ ُ
1
ه" .
سن ّ ِ
عن ْد َ ِ
ه ِم ُ م ْ
َ
وهكذا أوصى شباب المجتمع بشيوخه ،وشباب اليوم هم شيوخ
الغد ،وتبقى الوصية المحمدية متواصلة ومتلحقة مع حقب
الزمن ،توصي الجيال بعضها ببعض ،وفيه بشارة بطول العمر
خا ،والجزاء من جنس وبالقرين الصالح الذي يكرم من أكرم شي ً
العمل .
َ
ه" ..أي سن ّ ِ
خا ل ِ ِ ب َ
شي ْ ً شا ّ م َما أك َْر َوانظر إلى هذا التعميم َ " :
شيخ مسن ،مهما كان لونه ،ومهما كان دينه ،فالمسلم مطالب
بإكرام المسن دون النظر إلى عقيدته أو بلده أو لونه ...
247
ثالًثا :ليس من المسلمين من ل يوقر الكبير :
ن
م ْمّنا َس ِ ل الل ّهِ قال " :ل َي ْ َ سو ُ فعن عبد الله بن عمرو :أن َر ُ
صِغيَرَنا وي ُوَقّْر ك َِبيَرَنا " . لَ ْ
1
م َ ح ْ
م ي َْر َ
فجعل من الذين ل يوقرون الكبراء والمسنين عناصر شاذة في
مجتمع المسلمين ،بل وتبرأ منهم ! إذ ليس من المسلمين من ل
يحترم كبيرهم ،وليس من المجتمع من لم يوقر مشايخه وأكابره
من المسنين .وتأمل – هداك الله – لفظة النبي " يوقر كبيرنا "
ما للكبير والمسن ، -ولم يقل " – هكذا بضمير الجمع ،تعظي ً
يوقر الكبير" ،ليقرر أن العتداء على الكبير أو المسن بالقول أو
الفعل أو الشارة هو اعتداء على جناب رسول الله ،الذي
نسب المسن إليه وانتسب إليه ،بقوله "..كبيرنا" .
عا :تسليم الصغير على الكبير : راب ً
ْ َ
صِغيُر ع َلى الك َِبيرِ ، ّ ي َقا َ َ
م ال ّ
سل ُ ل " :ي ُ َ ن الن ّب ِ ّ
ن أِبي هَُري َْرة َ أ ْ فعَ ْ
ل ع ََلى ال ْك َِثي ِ قِلي ُدَ ،وال ْ َ ماّر ع ََلى ال ْ َ َوال ْ َ
2
ر" . ع ِ
قا ِ
1صحيح – رواه الترمذي و رواه أحمد ،برقم ،6643وصححه اللباني في السلسلة الصحيحة ) ( 230 / 5
2صحيح – رواه البخاري ،باب تسليم القليل على الكثير ،رقم 5763
3صحيح -رواه أبو بكر الشافعي في " الفوائد " ) ، ( 1 / 97 / 9وهو في السلسلة الصحيحة ،برقم 1555
4صحيح – أخرجه أبو يعلى ) ،( 638 / 2وهو في السلسلة الصحيحة ،برقم 1778
غْيِرهِ ح ،46 :وهو في السلسلة
ك َ
سَوا ِ
ك ِب ِ
سَتا ُ
ل َي ْ
جِ 5صحيح -رواه أبو داودِ ،كَتاب ال ّ
طَهاَرِةَ ،باب ِفي الّر ُ
الصحيحة ) -ج / 4ص ،(129برقم 1555
6صحيح -صحيح وضعيف الجامع الصغير ) -ج / 18ص ،(444برقم .8797
248
قال ابن بطال :فيه تقديم ذي السن في السواك ،و يلتحق به
الطعام والشراب و المشي والكلم .1ومن ثم كل وجوه الكرام .
كما أمر بتقديم المسن في المامة :
ي قال .. ": ث أن الن ّب ِ ّ حوَي ْرِ ِ ن ال ْ ُ ففي الصحيح من حديث مالك ب ْ ِ
َ َ
م أك ْب َُرك ُ ْ مك ُ ْ م ،وَل ْي َؤ ُ ّ حد ُك ُ ْ ن ل َك ُ ْ صَلة ُ فَل ْي ُؤ َذ ّ ْ فَإ ِ َ
2
م" . مأ َ ت ال ّ ضَر ْ ح َ ذا َ
وهو ل يتعارض مع تصريح النبي بتقديم الحفظ لكتاب الله.
َ َ
صارِيّ حين َقال سُعود ٍ اْلن ْ َ م ْ وجد جمع بينهما في حديث أِبي َ
َ قو َ
م قَِراَءةً، مه ُ ْ ب الل ّهِ وَأقْد َ ُ م ل ِك َِتا ِ م أقَْرؤ ُهُ ْ م ال ْ َ ْ َ ل الل ّهِ " :ي َؤ ُ ّ سو ُ َر ُ
َ
كاُنوا ِفي ن َ ة ،فَإ ِ ْ جَر ً م هِ ْ مه ُ ْ م أقْد َ ُ مه ُ ْ واًء فَل ْي َؤ ُ ّ س َ م َ ت قَِراَءت ُهُ ْ كان َ ْ ن َ فَإ ِ ْ
ال ْهجرة سواًء فَل ْيؤ ُمه َ
سّنا . 3 "... م ِ م أك ْب َُرهُ ْ َ ّ ُ ْ ِ ْ َ ِ َ َ
كما أن الكبير – في الهدي النبوي – أحق بالمبداءة في الكلم،
خديج وسهل بن أ َبي حث ْم َ َ
نن ع َب ْد َ الل ّهِ ب ْ َ ةأ ّ َ َ ن َ ِ ٍ َ َ ْ ِ ْ ِ ِ ن َرافِِع ب ْ ِ والحوار ،فعَ ْ
قت ِ َ خلِ ،فَ ُ فّرَقا ِفي الن ّ ْ خي ْب ََر فَت َ َ َ
ل ع َب ْد ُ سُعود ٍ أت ََيا َ م ْ ن َ ة بْ َ ص َ حي ّ َ م َل وَ ُ سه ْ ٍ َ
ة اب َْنا ص ُحي ّ َ م َ ة وَ ُ ص ُ حوَي ّ َ ل وَ ُ سه ْ ٍ ن َ ن بْ ُ ل فَ َ ّ
َ َ م ِ ح َ جاَء ع َب ْد ُ الّر ْ سه ْ ٍ ن َ اللهِ ب ْ ُ
حب ِِهمْ ،فَب َد َأ ع َب ْد ُ صا ِ مرِ َ موا ِفي أ ْ ي فَت َك َل ّ ُ سُعود ٍ إ َِلى الن ّب ِ ّ م ْ َ
ي : َ قا َ م ،فَ َ ْ َ ن وَ َ
ه الن ّب ِ ّ لل ُ قو ْ ِ صغََر ال َ نأ ْ كا َ م ِ ح َ الّر ْ
"ك َب ّْر ال ْك ُب َْر " ..
4
م اْل َك ْب َُر ..الحديث ي ال ْك ََل َ حَيى ي َعِْني ل ِي َل ِ َ ل يَ ْ َقا َ
سا :التخفيف عن المسنين في الحكام الشرعية : ساد ً
فالحكام الشرعية في السلم دائما تأخذ في العتبار مبدأ
التخفيف عن صاحب الحرج ،كالمسن ..نرى ذلك بوضوح في
جل التشريعات السلمية ..فقد خفف الشرع عن المسن في
الكفارات والفرائض والواجبات..
أما التخفيف عن المسن في الكفارات ،فقصة المجادلة )خولة
بنت ثعلبة( في القرآن خير دليل ،عندما وقع زوجها )أوس بن
الصامت( – وهو الشيخ المسن – في جريمة الظهار ،ونزل
م ثُ ّ
م سائ ِهِ ْ ن نِ َ م ْ ن ِ ظاه ُِرو َ ن يُ َ ذي َ الحكم الشرعي العام َ " :وال ّ ِ
م ُتوع َ ُ يعودون ل ِما َقاُلوا فَتحرير رقَبة من قَب َ
ن
ظو َ سا ذ َل ِك ُ ْ ما ّ ن ي َت َ َ لأ ْ َ ْ ِ ُ َ َ ٍ ِ ْ ْ ِ َُ ُ َ َ
ن م َ جد ْ ف َ ِ َ خِبيٌر ) (3فَ َ ُ ب ِهِ َوالل ّ ُ
شهَْري ْ ِ صَيا ُ م يَ ِ نل ْ م ْ ن َ ملو َ ما ت َعْ َ
متتابعين من قَب َ
ه بِ َ
ن
سّتي َ م ِ ست َط ِعْ فَإ ِط َْعا ُ م يَ ْ ن لَ ْ م ْ سا فَ َ ما ّ ن ي َت َ َ لأ ْ ُ ََ َِ ْ ِ ِ ْ ْ ِ
ن
ري َ كافِ ِ ْ
دود ُ اللهِ وَل ِل َ ّ ح ُ ك ُ ْ
سول ِهِ وَت ِل َ مُنوا ِباللهِ وََر ُ ّ ك ل ِت ُؤ ْ ِ كيًنا ذ َل ِ َ س ِ م ْ ِ
م ) ] "(4المجادلة [.. َ عَ َ
ب أِلي ٌ ذا ٌ
249
مريه فليعتق رقبة"، وقال رسول الله لخولة المجادلةُ " :
فسألت التخفيف عن زوجها .فقال" :فليصم شهرين متتابعين".
فقالت :والله إنه شيخ كبير ،ما به من صيام .قال" :فليطعم
قا من َتمر" .فقلت :يا رسول الله ،ما ذاك ستين مسكيًنا وس ً
ق من تمر" ! ولم عنده ! فقال نبي الرحمة " :فإنا سنعينه بعََر ٍ
ينس الرسول الجليل والب الرحيم أن يوصي المرأة الشابة
1
بزوجها الشيخ فقال":استوصي بابن عمك خيًرا".
وفي الفرائض :أجاز للمسن أن يفطر في نهار رمضان -
سا إذا شق عليه ويطعم -إذا شق عليه الصيام ،وأن يصلي جال ً
سا إذا شق عليه الجلوس ..وهكذا.. القيام ،وأن يصلي جال ً
ولقد عّنف الرسول معاذ بن جبل ،ذات يوم ،لما صلى إما ً
ما
فأطال فشق على المأموم ،قائل :
ّ َ َ ت ! ] ث ََل َ "يا معاذ ُ ! أ َفَتا َ
م
س َ حا ْ سب ّ ِ
ت بِ َ صلي ْ َ مَراٍر[ ! فَلوْل َ ث ِ ن أن ْ َ ّ ٌ َ ُ َ
صّلي وََراَءكَ ه يُ َ شى ،فَإ ِن ّ ُ ذا ي َغْ َل إِ َ ّ
ها َواللي ْ ِ حا َض َ س وَ ُ ِ م
ش ْ ك َوال ّ َرب ّ َ
2
جةِ !" حا َ ذو ال ْ َ ف وَ ُ ضِعي ُ ال ْك َِبيُر َوال ّ
ورخص للمسن أن يرسل من يحج عنه إن لم يستطع أن يمتطى
فضل أ َن ا َ
سو َ
ل ت َ :يا َر ُ م َقال َ ْ خث ْعَ َ ن َ م ْ مَرأة ً ِ ن ال ْ َ ْ ِ ّ ْ وسيلة النقل .فعَ ْ
ج ،وَهُوَ َل ح ّ ة الل ّهِ ِفي ال ْ َ ض ُري َ خ ك َِبيٌر ع َل َي ْهِ فَ ِ شي ْ ٌ ن أ َِبي َ الل ّهِ ،إ ِ ّ
َ
ي ": ل لها الن ّب ِ ّ قا َ ه ،فَ َ ست َوِيَ ع ََلى ظ َهْرِ ب َِعيرِ ِ ن يَ ْ طيعُ أ ْ ست َ ِيَ ْ
3
ه". . جي ع َن ْ ُ ح ّ فَ ُ
المطلب الثاني :نماذج رحمته للمسنين :
ل :إنصاته لعتبة وتلطفه معه : أو ً
جاء عتبة بن ربيعة -أحد شيوخ المشركين في مكة -يتحدث إلى
النبي ،بحديث طويل يريد أن يثنيه عن دعوته ،وكان من بين
ما قال:
أنت خير أم عبد الله؟ أنت خير أم عبد المطلب ؟ فسكت النبي،
ضا عن الجاهلين ! تأدًبا وإعرا ً
فواصل عتبة قائل ً :إن كنت تزعم أن هؤلء خير منك فقد عبدوا
اللهة التي عبت ،وإن كنت تزعم أنك خير منهم فقل يسمع
لقولك ،لقد أفضحتنا في العرب حتى طار فيهم أن في قريش
ساحرًا ،وأن في قريش كاهنًا ،ما تريد إل أن يقوم بعضنا لبعض
ة هذا الدب الجم من بالسيوف حتى نتفانى .. 4فلما عاين عتب ُ
رسول الله ،خفف من حدة الحديث ،وقال :يا بن أخى ،إن كنت
إنما تريد بما جئت به من هذا المر مال ً جمعنا لك من أموالنا
تفسير ابن كثير ) -ج / 8ص (36 1
2
ي ،ح(664) :
ت ِبَنا َيا ُبَن ّ
طّوْل َ
سْيٍد َ
ل َأُبو ُأ َ
ل َوَقا َ
طّو َ
شَكا ِإَماَمُه ِإَذا َ
ن َ
نَ ،باب َم ْ
لَذا ِ
صحيح البخاريِ ،كَتاب ا َْ
3
صحيح مسلم ،كتاب الحج ،باب الحج عن العاجز ،ح(2376) :
4
السيرة الحلبية 1/456
250
ل ،وإن كنت تريد به شرًفا سودناك علينا حتى حتى تكون أكثرنا ما ً
كا ملكناك علينا ،وإن ل نقطع أمًرا دونك ،وإن كنت تريد به مل ً
كان هذا الذى يأتيك رئًيا ] يعني جنون أو مس [ تراه ل تستطيع
رده عن نفسك؛ طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك
منه ،فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يتداوى منه.
و ل زال عتبة يتحدث إلى النبي ،بهذا الحديث الذي ل يخلوا
من التعريض أو من التجريح ،ورسول الله في أنصات
واستماع بكل احترام للشيخ ..
حتى إذا فرغ عتبة ،قال له النبي -في أدب ورفق " :-أفرغت
يا أبا الوليد ؟ " قال :نعم.
قال" :اسمع منى".
قال :أفعل.
1
فقرأ عليه النبي أول سورة فصلت .
ثانًيا :سعيه لفك أسر شيخ كبير:
فلما ُأسر عمرو بن أبي سفيان بن حرب ،في معركة بدر ،ووقع
أسيرا في يد رسول الله -صلى الله عليه وسلم -فقيل لبي
سفيان :افد عمًرا ابنك ! قال :أيجمع علي دمي ومالي ،قتلوا
حنظلة وأفدي عمًرا ،دعوه في أيديهم يمسكوه ما بدا لهم.
فبيًنا هو كذلك محبوس بالمدينة عند رسول الله إذ خرج شيخ
كبير مسلم إلى مكة لداء العمرة ،وكان اسمه سعد بن النعمان
بن أكال -أخو بني عمرو بن عوف -فخرج معتمًرا ،رغم أن
الظروف السياسية عصيبة لسيما بعد بدر ..ولم يظن أنه يحبس
جا أو
شا ل يعرضون لحد جاء حا ً بمكة ،وقد كان عهد أن قري ً
معتمًرا إل بخير ،فعدا عليه أبو سفيان بن حرب بمكة ،فحبسه
بابنه عمرو ..
ومشى بنو عمرو بن عوف إلى رسول الله فأخبروا خبره،
وسألوه أن يعطيهم عمرو بن أبي سفيان ،فيفكوا به الشيخ،
ففعل رسول الله ، وأفرج عن ابن أبي سفيان على الفور،
دون فداء ،فبعثوا به إلى أبي سفيان فخلى سبيل الشيخ.2
ثالًثا:رفقه بأبي قحافة وتوقيره له :
حا )في رمضان 8هي /يناير 630 لما دخل رسول الله مكة فات ً
م( ،ودخل المسجد الحرام ،أتى أبو بكر بأبيه يقوده إلى حضرة
النبي ،ليتعرف عليه ،لعله أن يسلم .فلما رآه رسول الله
قال:
" هل تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه ؟ ! " .
1انظر :ابن كثير :السيرة النبوية 1/504
2محمد بن يوسف الصالحي الشامي :سبل الهدى والرشاد ) -ج / 4ص (70
251
قال أبو بكر :يا رسول الله ،هو أحق أن يمشى إليك من أن
تمشى أنت إليه! !
فأجلسه النبي بين يديه ،وأكرمه ،ثم مسح على صدره ،ثم
قال ":أسلم"
فأسلم.
1
ضا من شدة الشيب. ودخل به أبو بكر وكان رأسه كالثغامة بيا ً
فقال رسول الله -في تلطف جم وذوق رفيع " :-غيروا هذا
من شعره ! ".2
وأخيًرا ،يمكن أن نلخص الهدي النبوي في التعامل مع المسنين
في عدة نقاط هي :
-1مسؤولية المجتمع بكامله – خاصة الشباب -عن
ما بأن رعاية المسنين واجب عيني شويخه ومسنيه ،عل ً
على النظمة والحكومات والشعوب .ويمتد الواجب إلى
حشد الجهود الفردية والجماعية والرسمية وغير
الرسمية لرعاية المسنين .
-2الرعاية الكاملة والشاملة للمسن ،صحًيا نفسًيا
وعقلًيا واجتماعًيا ،وغيرها من صور العناية وقد جمعها
اللفظ النبوي في جملة " إكرام ذي الشيبة " ..
-3توقير المسنين في المعاملت الجتماعية اليومية
المختلفة .
-4تقديم المسنين في وجوه الكرام عامة ،كالمامة
والطعام والشراب .
-5التخفيف عن المسنين في الحكام الشرعية ،ومراعاة
الفتوى الشرعية لهم .
المبحث الخامس
رحمته للموات
252
َ َ
ل: قا َ قب َُرة َ فَ َ م ْ ل الل ّهِ أَتى ال ْ َ سو َ ن َر ُ أ ّ
ن.. قو َ ح ُ م َل ِ ه ب ِك ُ ْ شاَء الل ّ ُ ن َ ن ،وَإ ِّنا إ ِ ْ مِني َ مؤ ْ ِ داَر قَوْم ٍ ُ م َ م ع َل َي ْك ُ ْ سَل ُ " ال ّ
َ َ َ
ك َيا وان َ َ خ َ سَنا إ ِ ْ وان ََنا " ..قال أصحابه :أوَل َ ْ خ َ ت أّنا قَد ْ َرأي َْنا إ ِ ْ وَد ِد ْ ُ
ْ
م ي َأُتوا َ ّ َ َ ل اللهِ ؟ ! َقا َ ّ سو َ
نل ْ ذي َ وان َُنا ال ِ خ َحاِبي .وَإ ِ ْ ص َ مأ ْ ل " :أن ْت ُ ْ َر ُ
1
د. ".. ب َعْ ُ
هذا وقد كان يزور سيدنا محمد مقبرة البقيع من حين إلى
آخر ..
وكان يزور شهداء معركة أحد كل أسبوع .
2
253
ُقمت من جوف الليل ،وأنا مع رسول الله في غزوة
تبوك)في رجب 9هي /أكتوبر ، (630فرأيت شعلة من نار في
ناحية العسكر ،فاتبعتها أنظر إليها ،فإذا رسول الله وأبو بكر
وعمر ،وإذا عبدالله ذو البجادين المزني قد مات ،وإذا هم قد
حفروا له ،ورسول الله في حفرته ،وأبو بكر وعمر ،يدليانه
إليه وهو يقول ":أدنيا إلى أخاكما " فدلياه إليه ،فلما هيأه لشقه،
قال اللهم " :إنى قد أمسيت راضيا ً عنه؛ فارض عنه" .قال
عبدالله بن مسعود :يا ليتني كنت صاحب الحفرة .1فقال أبو
بكر :والله لوددت أني صاحب الحفرة..2
المطلب الثالث :حزنه إذا فاتته جنازة وصلته عليها
:
فذات يوم مر سيدنا محمد بالمقابر فوجد قبرا ً جديدا ً ومعه أبو
بكر .فقال النبي " :قبر من هذا ؟ " 3فقال أبو بكر :يا رسول
الله هذه أم محجن ،كانت مولعة بلقط القذي من المسجد .فقال
ما ،فكرهنا أن نهيجك . ت نائ ً " :أفل آذنتموني !!" فقالوا :كن َ
قال " :فل تفعلوا ،فإن صلتي على موتاكم نور لهم في
قبورهم". 4
فصف أصحابه فصلى عليها ..
ن ِفي ن يَ ُ مَرأة ً َ -َ َ ً وع َن أ َبي هُريرة َ : أ َ َ
كو ُ كا َ جل أوْ ا ْ سوَد َ َ -ر ُ نأ ْ ّ َ َْ ْ ِ
ن
م ْن ِ دا َ ْ
خَرقَ َوالِعي َ ْ
قط ا ل ِ ُ ْ
ت ت َلت َ ِ َ
جد َ )وكان َ ْ س ِ م ْ ْ
م ال َ ق ّ
جد ِ ي َ ُ س ِم ْ ال ْ َ
ه ،فَذ َك ََرهُ موْت ِ ِي بِ َ م الن ّب ِ ّ م ي َعْل َ ْ ت – أو ماتت -وَل َ ْ ما َ د( فَ َ ج ِ س ِم ْ ال ْ َ
لسو َ ت َيا َر ُ ما َ ن ؟ َقاُلوا َ : سا ُ ك اْل ِن ْ َ ل ذ َل ِ َ ما فَعَ َ لَ : قا َ م ،فَ َ ت ي َوْ ٍ ذا َ َ
َ
ه، صت ُ ُ
ذا قِ ّ ذا وَك َ َ ن كَ َ ه َ
كا َ قاُلوا إ ِن ّ ُ موِني ؟ ! "فَ َ ل " :أفََل آذ َن ْت ُ ُ الل ّهِ َقا َ
صّلى َ قروا َ ْ
ل فَد ُّلوِني ع ََلى قَب ْرِهِ فَأَتى قَب َْره ُ فَ َ هَ .قا َ شأن َ ُ ح َ ُ ل :فَ َ َقا َ
ع َل َي ْ ِ
ه .5
َ َ َ
موِني ؟ ! يلوم أصحابه أن مت ُ ُموِني " :أفََل أع ْل َ ْ يقول " :أفََل آذ َن ْت ُ ُ
فوته عليه هذا العمل النساني ،وهو تشييع جنازة مسلم ،ولو كان
حقيرا ً في نظر الناس ..
254
جَناَزةٌت ب ِهِ ِ مّر ْ بينما الرسول في مجلس علم مع أصحابه ،إذ َ
م على الفور! قا َ فَ َ
َ
تس ْ ل – في سماحة " : -أل َي ْ َ قا َ جَناَزة ُ ي َُهود ِيّ .فَ َ ه :إ ِن َّها ِ ل لَ ُ قي َ فَ ِ
1
سا ؟ ! " ف ً نَ ْ
َ وقد َ
د ،يقومون سعْ ٍ ن َ س بْ ُ ف وَقَي ْ ُ حن َي ْ ٍ ن ُ ل بْ ُ سه ْ ُ سُعود ٍ و َ م ْ ن أُبو َ كا َ
للجنازة.
وقال جابر بن عبد الله :
َ
ي وَأ ْ َقا َ
2
تواَر ْ حّتى ت َ َ جَناَزةِ ي َُهود ِيّ َ ه لِ َ حاب ُ ُ ص َ م الن ّب ِ ّ
خد ْرِيّ : سِعيد ٍ ال ْ ُ وعن أبي أ َ
ن ت َب ِعََها فَلَ ْ َ ّ َ
م ْ موا فَ َ قو ُ جَناَزة َ فَ ُ م ال َ ذا َرأي ْت ُ ْ ل " :إِ َ ل اللهِ َ قا َ سو َ ن َر ُ أ ّ
ضعَ "..3 حّتى ُتو َ س َ جل ِ ْ يَ ْ
ثانًيا :وضعه الجريد الخضر على القبر :
َ
تصوْ َ معَ َ س ِ ة فَ َ مك ّ َ دين َةِ أوْ َ م ِ ي بمزرعة من مزارع ال ْ َ مّر الن ّب ِ ّ فقد َ
ما ن وَ َ ي " : ي ُعَذ َّبا ِ ل الن ّب ِ ّ قا َ ما .فَ َ ن ِفي قُُبورِه ِ َ ن ي ُعَذ َّبا ِ سان َي ْ ِ إ ِن ْ َ
َ
ن ب َوِْلهِ، م ْ ست َت ُِر ِ ما َل ي َ ْ حد ُهُ َ نأ َ كا َ ل " :ب ََلى َ م َقا َ ن ِفي ك َِبيرٍ " ث ُ ّ ي ُعَذ َّبا ِ
ضَراء ( خ ْ ريد َةٍ ) َ ج ِ عا ب ِ َ م دَ َ ة" .ث ُ ّ م ِ مي َ شي ِبالن ّ ِ م ِ خُر ي َ ْ ن ال َ ْ كا َ وَ َ
سَرة ً .. ما ك ِ ْ من ْهُ َ ل قَب ْرٍ ِ ضعَ ع ََلى ك ُ ّ ن فَوَ َ سَرت َي ْ ِ ها ك ِ ْ سَر َ فَك َ َ
ذا ؟ ت هَ َ م فَعَل ْ َ ل الل ّهِ ل ِ َ سو َ ه َ :يا َر ُ ل لَ ُ قي َ فَ ِ
َ َ ل " :ل َعل ّ َ
سا". 4 ن ي َي ْب َ َ سا -أوْ إ َِلى أ ْ م ت َي ْب َ َ ما ل َ ْ ما َ ف ع َن ْهُ َ ف َ خ ّ ن يُ َ هأ ْ َ ُ َقا َ
ه َ َ وقَد ْ َرَوى ا ِْبن ِ
ديث أِبي هَُري َْرة " أن ّ ُ ح ِ ن َ م ْ حيحه ِ ص ِ حّبان ِفي َ
ما
داهُ َ ح َ ل إِ ْ جعَ َ ن ،فَ َ ريد َت َي ْ ِ ج ِ ل :ا ِئ ُْتوِني ب ِ َ قا َ ف ع َل َي ْهِ فَ َ قب ْرٍ فَوَقَ َ مّر ب ِ َ َ
5 َ
جلي ْهِ " ُ ْ ْ
عْند رِ ْ خَرى ِ عْند َرأسه َوال ْ ِ
َ ْ َ
صْيب ب ِذ َل ِك ،وتأثر بهذه ح َ دة ْبن ال ُ ي الجليل ب َُري ْ َ حاب ِ ّ ص َ سى ال ّ وَقَد ْ ت َأ ّ
ضع ع ََلى قَْبره َ َ
ن ُيو َ صى أ ْ المواقف من رسول الله ،فَأوْ َ
كا بفعله ، ورجاء أن يخفف عنه.7 ن ،6تبر ً ريد ََتا ِ ج ِ َ
ثالًثا :أمره بعدم إيذاء الميت:
مث ُُلوا وََل فنهى عن التمثيل بالمقتول في الحرب ،فقال " :وََل ت َ ْ
8
قت ُُلوا وَِلي ً
دا" تَ ْ
ة: ش َعائ ِ َ ن َ ونهى عن المساس بعظام الموتى ،فعَ ْ
255
َ
حّيا".9 سرِهِ َ ت ك َك َ ْ مي ّ ِ سُر ع َظ ْم ِ ال ْ َ ل " :ك َ ْ ل الل ّهِ َ قا َ سو َ ن َر ُ أ ّ
ونهى عن إيذاء الموات بأي شكل من الشكال ،فعن ابن
مسعود :قال" :أذى المؤمن في موته ،كأذاه في حياته".. 2
ل: ن أ َِبي هَُري َْرة َ َقا َ وع َ ْ
َ َ
ه
حرِقَ ث َِياب َ ُ مَرةٍ فَت ُ ْ ج ْ م ع ََلى َ حد ُك ُ ْ سأ َ جل ِ َ ن يَ ْ ل الل ّهِ َ " :ل ْ سو ُ ل َر ُ َقا َ
َ
س ع ََلى قَب ْ ٍ خي ٌْر ل َ ُ جل ْد ِهِ َ ص إ َِلى ِ خل ُ َ فَت َ ْ
3
ر" . جل ِ َ ن يَ ْ نأ ْ م ْ ه ِ
ل: مْرث َد ٍ ال ْغَن َوِيّ َقا َ وع َ َ
ن أِبي َ ْ
سوا جل ِ ُ َ
قُبورِ وَل ت َ ْ ْ
صلوا إ ِلى ال ُ َ ّ ل ":ل ت ُ َ َ قو ُ ل اللهِ ي َ ُ ّ سو َ ت َر ُ معْ ُ س ِ َ
4
ع َلي َْها" َ
سا على وعن عمارة بن حزم قال رآني رسول الله جال ً
قبر ،فقال ":يا صاحب القبر ! أنزل من على القبر ،ل تؤذي
5
صاحب القبر ،ول يؤذيك ! "
المطلب الخامس :دعاؤه للموات :
ك: مال ِ ٍ ن َ وف ب ْ َ يقول ع َ ْ
ل ": قو ُ عائ ِهِ وَهُوَ ي َ ُ ن دُ َ م ْ ت ِ فظ ْ ُ ح ِ جَناَزةٍ فَ َ ل الل ّهِ ع ََلى َ سو ُ صّلى َر ُ َ
َ َ َ ّ
ع
س ْ م ن ُُزلهُ ،وَوَ ّ ه ،وَأك ْرِ ْ ف ع َن ْ ُ عافِهِ َواع ْ ُ ه ،وَ َ م ُ ح ْ ه َواْر َ فْر ل ُ م اغ ْ ِ اللهُ ّ
تقي ْ َ ما ن َ ّ طاَيا ك َ َ خ َ ن ال ْ َ م ْ ج َوال ْب ََردِ ،وَن َقّهِ ِ ماِء َوالث ّل ْ ه ِبال ْ َ سل ْ ُ هَ ،واغ ْ ِ خل َ ُ مد ْ َ ُ
َ َ ِ َ
خي ًْرا ً
ه ،وَأهْل َ دارِ ِ ن َ م ْ خي ًْرا ِ داًرا َ ه َ ْ
س ،وَأب ْد ِل ُ ْ ّ
َ َ ن الد ّن َ ِ م ْ ض ِ ب الب ْي َ َ الثوْ َ
م َ
ب ذا ِ ن عَ َ م ْ عذ ْه ُ ِ ة ،وَأ ِ جن ّ َ ه ال َْ خل ُ ْ ه ،وَأد ْ ِ ج ِ ن َزوْ ِ م ْ خي ًْرا ِ جا َ ه ،وََزوْ ً ن أهْل ِ ِ ِ ْ
ن أ ََنا ذ َل ِكَ ن أكو َ ُ َ
تأ ْ
َ
من ّي ْ ُ حّتى ت َ َ لَ : ب الّنارِ َ "-قا َ ذا ِ ن عَ َ م ْ قب ْرِ _ أوْ ِ
َ ال ْ َ
ال ْ َ
6
تمي ّ َ
ي: م ّ سل َ ِ خال ِد ٍ ال ّ ن َ ن ع ُب َي ْد ِ ب ْ ِ وع َ ْ
خُر ت اْل َ َ قت ِ َ ن ،فَ ُ ن َر ُ َ ل الل ّهِ آ َ سو َ َ
ما َ ما ،وَ َ حد ُهُ َ لأ َ جلي ْ ِ خى ب َي ْ َ ن َر ُ أ ّ
ه،م ؟ " َقاُلوا :د َع َوَْنا ل َ ُ ما قُل ْت ُ ْ يَ ": ل الن ّب ِ ّ قا َ صل ّي َْنا ع َل َي ْهِ فَ َ ه ،فَ َ ب َعْد َ ُ
ْ َ ّ ّ َ
يل الن ّب ِ ّ قا َ ه .فَ َ حب ِ ِ صا ِ ه بِ َ ح قْ ُ م أل ِ ه ،اللهُ ّ م ُ ح ْ م اْر َ ه ،اللهُ ّ فْر ل ُ م اغ ْ ِ الل ّهُ ّ
َ َ
ما ما ك َ َ ما ب َي ْن َهُ َ ه ،فَل َ َ مل ِ ِ ه ب َعْد َ ع َ َ مل ُ ُ ن عَ َ صَلت ِهِ وَأي ْ َ ه ب َعْد َ َ صَلت ُ ُ ن َ :فَأي ْ َ
ض .7 َْ
ماِء َوالْر ِ س َ ن ال ّ ب َي ْ َ
حي َّنا فْر ل ِ َ م اغ ْ ِ ّ
ضا " :-اللهُ ّ ت – أي ً مي ّ ِ ْ
صلةِ ع َلى ال َ َ َ ل ِفي ال ّ قو ُ وكان ي َ ُ
صِغيرَِنا وَك َِبيرَِنا" . ُ
غائ ِب َِنا وَذ َك َرَِنا وَأن َْثاَنا وَ َ شاه ِد َِنا وَ َ مي ّت َِنا وَ َ
8
وَ َ
ن،برقم 2792 ك اْلَمَكا َ
ب َذِل َ
ل َيَتَنّك ُظَم َه ْ
جُد اْلَع ْحّفاِر َي ِ 9رواه أبو داودَ ،باب ِفي اْل َ
2مصنف ابن أبي شيبة 245 \3
عَلْيِه ،برقم 1612
لِة َ
صَعَلى اْلَقْبِر َوال ّس َ جُلو ِ ن اْل ُ
عْي َ 3صحيح – رواه مسلمَ ،باب الّنْه ِ
لِة عََلْيِه ،برقم 1614
صَعَلى اْلَقْبِر َوال ّ س َ جُلو ِ ن اْل ُ
عْ ي َ 4صحيح -رواه مسلمَ ،باب الّنْه ِ
5صحيح لغيره -رواه الطبراني في الكبير من رواية ابن لهيعة ،وهو في صحيح الترغيب والترهيب ) -ج / 3
ص ،(221برقم . 3566
6صحيح – رواه مسلم ،باب الدعاء للميت في الصلة ،برقم 1600
7رواه النسائي ،باب الدعاء ،برقم ،1959وصححه اللباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود ،رقم 2524
ن َأِبيِه ،برقم ،1960وصححه اللباني في صحيح عْ ي َصاِر ّ لْن َ ن َأِبي ِإْبَراِهيَم ا َْعْ 8رواه النسائي ،باب الدعاءَ ،
وضعيف سنن النسائي رقم 1986
256
وكان يأمر أصحابه بالدعاء للميت فيقول " :إذا صليتم على
الميت فأخلصوا له الدعاء".1
المطلب السادس :بكاؤه على الموات وعند
القبور:
أول ً :في وفاة عثمان بن مظعون :
فعندما ُأخبر رسول الله بوفاة عثمان بن مظعون أسرع
إلى بيته ،فقد كان عثمان من الصحابة القريبين إلى قلبه.
فبكى النبي عليه بكاء كثيرا ً.2
ثانًيا :في وفاة سعد بن عبادة :
عن ابن عمر قال :اشتكى سعد بن عبادة شكوى له ،فأتاه
النبي يعوده ،مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص
وعبد الله بن مسعود -رضي الله عنهم جميًعا ،-فلما دخل عليه
فوجده في غاشية أهله فقال" :قد قضى؟" .قالوا :ل يا رسول
الله .فبكى النبي ، فلما رأى القوم بكاء النبي بكوا .فقال:
ذب بدمع العين ،ول بحزن القلب، "أل تسمعون ،إن الله ل يع ّ
3
ولكن يعذب بهذا" ،وأشار إلى لسانه .
ثالًثا :في وفاة طفله إبراهيم :
ل الل ّهِ بطفل من زوجته السيدة مارية المصرية، سو ُ لما ُرزق َر ُ
ه
مي ْت ُ ُ
س ّ م فَ َ ة غ َُل ٌ قال لصحابه -في ابتهاج وسرور " : -وُل ِد َ ِلي الل ّي ْل َ َ
باسم أ َبي إبراهيم" .قال أنس :ث ُم دفَعه إَلى أ ُم سيف امرأةَ
ّ َ ْ ٍ ْ َ ِ ْ ّ َ َ ُ ِ ِ ْ ِ ِ َِْ ِ َ
َ
هَ ،فان ْت َهَي َْنا إ َِلى أِبي ل لَ َ
ف َفان ْط َل َقَ ي َأِتيهِ َوات ّب َعْت ُ ُ سي ْ ٍ ه أُبو َ قا ُ ُ ن يُ َ ٍ قَي ْ
َ َ
ي
ش َ م ْ ت ال ْ َ سَرع ْ ُ خاًنا ،فَأ ْ ت دُ َ مت ََل ال ْب َي ْ ُ ه ،قَد ْ ا ْ كيرِ ِ خ بِ ِ ف ُف وَهُوَ ي َن ْ ُ سي ْ ٍ َ
ْ َ َ ْ ّ
سك ] أي توقف[! م ِ فأ ْ سي ْ ٍ ت َيا أَبا َ ل اللهِ َقُل ُ سو ِ ن ي َد َيْ َر ُ ب َي ْ َ
َ
ك! س َ م َ ل الل ّهِ فَأ ْ سو ُ جاَء َر ُ َ
َ
ل .. قو َ ن يَ ُهأ ْ شاَء الل ّ ُ ما َ ل َ ه إ ِل َي ْهِ وََقا َ م ُ ض ّ ي فَ َ صب ِ ّ ي ِ بال ّ عا الن ّب ِ ّ فَد َ َ
ي َ س :لَ َ َ قا َ فَ َ
ن ي َد َ ْ ه]أي يحتضر[ ب َي ْ َ س ِف ِ كيد ُ ب ِن َ ْ ه وَهُوَ ي َ ِ قد ْ َرأي ْت ُ ُ ل أن َ ٌ
ل: قا َ ل الل ّهِ فَ َ سو ِ ت ع َي َْنا َر ُ معَ ْ ل الل ّهِ ،فَد َ َ سو ِ َر ُ
ضى َرب َّناَ ،والل ّهِ َيا ما ي َْر َ ل إ ِّل َ قو ُ ب ،وََل ن َ ُ قل ْ ُ
ن ال ْ َ حَز ُ ن وَي َ ْ معُ ال ْعَي ْ ُ "ت َد ْ َ
ن".4 حُزوُنو َ م ْك لَ َ م إ ِّنا ب ِ َ هي ُ إ ِب َْرا ِ
257
ومن المواقف المؤثرة الصعبة على نفوس الصحابة ،موقفهم
عندما شاهدوا قائدهم في عام الحديبية ) 6هي( يبكي بحرقة عند
قبر أمه آمنة بنت وهب.
ً
فعن سفيان الثوري أن نبي الله انتهى يوما من عام الحديبية
إلى رسم قبر فجلس ،وتفجر ينبوع الرحمة في قلبه فبكى وقال
– بعينين دامعتين " :-هذا قبر آمنة بنت وهب" وكان عمره إذ ذاك
ستين.1
نحو ال ّ
وعن عبد الله بن مسعود :
ما وخرجنا معه حتى انتهينا إلى المقابر ، أن النبي خرج يو ً
فأمرنا فجلسنا ،ثم تخطى القبور حتى انتهى إلى قبر منها ،
فجلس إليه فناجاه 2طويل ً ،ثم ارتفع صوته ينتحب باكًيا ،فبكينا
لبكاء رسول الله ، ثم إن رسول الله أقبل إلينا ،فتلقاه
عمر بن الخطاب ، فقال :ما الذي أبكاك يا رسول الله ؟ فقد
أبكانا وأفزعنا ،فأخذ بيد عمر ،ثم أومأ 3إلينا فأتيناه ،فقال – في
شفقة " :-أفزعكم بكائي ؟ " فقلنا :نعم ،يا رسول الله فقال
ذلك مرتين أو ثلثا ،ثم قال " :إن القبر الذي رأيتموني أناجيه
قبر آمنة بنت وهب ،وإني استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي ،
ثم استأذنته في الستغفار لها فلم يأذن لي ..فأخذني ما يأخذ
الولد للوالد من الرقة ،فذلك الذي أبكاني. 4"..
قال أحد الصحابة :فما رأيت ساعة أكثر باكًيا من تلك الساعة. 5
لقد تذكر بهذه الزيارة لقبر أمه الذكريات ..
فراح يستعيد جروح الماضي في وجدانه ..
فخيم عليه شعور اليتم الرهيب !
فتأوه القلب الصديع !
1انظر :حسين محمد يوسف :سيد الدعاة -صلى ال عليه وسلم ،القاهرة44 :
2المناجاة :الحديث بصوت منخفض سرا
3اليماء :الشارة بأعضاء الجسد كالرأس واليد والعين ونحوه
4صحيح – رواه وصحيح ابن حبان برقم ، 986وفي أخبار مكة للزرقي ) -ج / 3ص ،(212برقم ،985
رواه البهيقي في دلئل النبوة برقم ، ،102وصححه اللباني في صحيح السيرة النبوية .23
5دلئل النبوة للبيهقي ) -ج / 1ص ،(117برقم 101
258
الخــــــاتــمة
أول ً :ملخص البحث:
تناولت هذه الدراسة موضوع رحمة رسول الله – صلى الله عليه
وسلم -للعالمين في مقدمة وسبعة فصول ،وخاتمة ،فكان
ملخص البحث على النحو التالي :
الفصل الول :من هو نبي الرحمة ؟
قام الباحث بعمل تعريف موجز بنبي الرحمة يشتمل على
مختصر لهم الحداث في حياة الرسول ، وشهادات الدبيات
الغربية بصدق نبوته ، وبحقيقة رحمته للعالمين .وبين الباحث
في نهاية الفصل خصائص هذه الرحمة المتجسدة في شخص
محمد ، وذلك من حيث كونها رحمة ربانية وعالمية وعملية
ومتزنة.
الفصل الثاني :رحمته للعالمين مجال التنوير
والحضارة:
تناول الباحث في الفصل الثاني أهم مظاهر رحمته للعالم
في مجال التنوير والحضارة ،ورحمته للبشر في ذلك كونه
أخرجهم من الظلمات إلى النور ،فحول العرب من قبائل عصبية
متناحرة إلى أمة متماسكة متحضرة ،ول يخفى فضله على
ضا بشهادة علماء الغرب أنفسهم. الحضارة الوربية أي ً
وفي هذا الفصل تناول الباحث رحمته للبشرية بتدعيمه لقيم
العلم والمعرفة ،والتحضر والتربية والتسامح الديني ،وخدمة
النسانية ورعاية حقوق النسان فكلها قيم حضارية تمثل جانًبا
ما من جوانب الرحمة قي شخصية النبي محمد ،ويغفل عظي ً
عنه الكثير من الباحثين.
الفصل الثالث :رحمته للعالمين في مجال الخلق:
في هذا الفصل تناول الباحث أهم مظاهر الرحمة في الجانب
الخلقي والسلوكي لشخصية النبي ،فتناول البحث بعض من
شمائله وأخلقه ،مثل رفقه ولين عريكته وذوقه مع الناس،
وعفوه ل سيما مع أعدائه ،وتخلقه كحاكم بأخلق العدل
والمساواة بين الناس ،وتحذيره من استعباد الناس ونهيهه عن
التمييز العنصري .
ودوره في نشر الحب والخاء بين العرب وبعضهم ،وبين
العرب وغيره ،وبين المهاجرين وبعضهم ،وبين فصائل المدينة
وبعضها ،حتى صار المسلمون قوة أخوية واحدة قد ألف الله بين
قلوبهم بشكل معجز .
ما يبين ضا -مظهًرا سلوكًيا مه ً
وتناول الباحث في هذا الفصل -أي ً
رحمته أل وهو جانب المعاملت المالية وسماحته فيه .
259
الفصل الرابع :رحمته للعالمين في مجال التشريع :
تحدث الباحث في هذا الفصل عن رحمة النبي بالناس
كمشرع ،فتناول مرونته ووسطيته واعتداله
وفي سياسته الشرعية في الحكام التي تتسم بالتيسير .
ونماذج عملية للرخص الشرعية والتدرج في التشريع ،والتي تبين
رحمته للبشر كمشّرع ،أرسله الله مّيسًرا سهل ً ، يضع عن
الناس إصرهم والغلل التي كانت عليهم .
الفصل الخامس :رحمته للعالمين في ميدان
الصراعات السياسية والعسكرية :
في هذا الفصل تناول الباحث رحمة النبي بغير المسلمين في
ميدان الصراعات والحروب ،وكيف كان يقدم الحوار على
الصدام ،ويجنح للسلم ،ويبرم المعاهدات والعقود حقًنا للدماء،
ويرحم العدو إذا ُقهر ،ويوصي خيًرا بأهل الذمة ،ويمنحهم الحق
في حرية العتقاد وممارسة الشعائر ،ويوصي بالسرى خيًرا .
وتناولنا في هذا الفصل الرد على أهم الشبهات في ذلك ،والتي
منها فرية نشر السلم بالسيف والعنف ورد علماء الغرب
أنفسهم في ذلك ..
260
ورحمته للخدم وللعبيد وكيف جعل لهم حقوًقا وساهم في
تحريرهم .
ورحمته لذوي الحتياجات الخاصة وكيف كانت سنته معهم
ورفقه بهم في الحكام والمعاملت .
ورحمته للمسنين ،وكيف كانت سنته ورعايته للمسن .
ورحمته للموات ،وكيف سن هذا الكم الضخم من الداب
المتعلقة بالجنائز والموات ،والتي تبين رحمته وتكريمه
للنسان حًيا وميًتا .ونماذج عملية في كل ذلك .
ثانًيا :النتائج :
261
والوسطية والعتدال والتيسير والرخص الشرعية
والتدرج في التشريع..
-6في ميادين الصراعات السياسية والعسكرية ،تجلت
بوضوح مظاهر رحمته ،فقدم الحوار على الصدام ،و
الحل السلمي على الحل العسكري ،وطبق مبدأ الحوار
بين الحضارات بنجاح وراسل لذلك قادة وملوك العالم
وأرسل إليهم الرسل والسفراء .وشهد أعداؤه
وخصومه ،بعظم أخلقه ،وسمو عفوه ،لسيما مع
السرى.وقد أطنب الباحثون الغربيون في تجلية هذه
المظاهر ،أمثال إميل درمنغم ،والعلمة لويس سيديو ،
والدكتورة كارين أرمسترونج ،وغيرهم .
-7حرر النبي المرأة من رق الجاهلية ،وأنقذها من
مأساة الوأد ،ورد لها اعتباراتها الفكرية والجتماعية
والقتصادية ،وظهرت له النماذج الفذه في رحمته
بالطفال عامة وبالبنات خاصة ،إضافة إلى اليتام
والرامل .
-8لقد ضرب نبينا محمد المثل العلى في الرحمة
بالضعفاء ،فظهرت رحمته الجلية البينة بالفقراء وكيف
ساندهم ،والعبيد وكيف حررهم ،والخدم وكيف أكرمهم،
وذوي الحتياجات الخاصة وكيف واساهم ،والمسنين
وكيف وقرهم ..وامتدت رحمته بالنسان حتى في
بطن الرض ميًتا !
ثالًثا :التـوصيـات
: -1اقتراح عقد مؤتمر في موضوع تحت عنوان "
تجليات الرحمة النبوية" :
وهو مؤتمر يهدف إلى تجلية جوانب الرحمة في شخصية النبي
،ودفع الفتراءات القديمة والحديثة ،ويتم تناول هذا الموضوع
في سبعة محاور هي :
المحور الول :خصائص رحمة النبي
تأصيل لغوي وشرعي لصفة الرحمة -
الرحمة صفة الخالق -
الرحمة صفة الرسالة -
الرحمة صفة المة -
عالمية الرحمة -
عملية الرحمة -
حول الرحمة المتزنة -
262
المحور الثاني :من تجليات رحمة النبي في مجال
التنوير والحضارة :
التوحيد -
التحضر -
التسامح -
المعرفة -
المحور الثالث :من تجليات رحمة النبي في مجال
الخلق:
الرفق -
العفو -
العدل -
الخاء -
المحور الرابع :من تجليات رحمة النبي في مجال
التشريع
المرونة -
الوسطية -
التيسير -
نموذج :الرخص الشرعية -
المحور الخامس :من تجليات رحمة النبي في مجال
الحرب والسلم
معاهدات السلم النبوية -
رسائل الملوك -
أخلقيات الحرب -
حقوق السرى -
-ردع الطغاة والمجرمين
المحور السادس :من تجليات رحمة النبي في مجال
المرأة والطفل
التحرير السلمي للمرأة -
حقوق المرأة في السلم -
حقوق الطفل في السلم -
المحور السابع :من تجليات رحمة النبي للضعفاء :
مكافحة الفقر -
رعاية المسنين -
رعاية ذوي الحتياجات الخاصة -
الفترة التحضيرية :
مدة سنة ،ويتم دعوة الباحثين والمفكرين والكتاب في جميع
أنحاء العالم ،للمشاركة في المؤتمر بإعداد الدراسات
263
والبحوث المحكمة حول محاور المؤتمر ،من خلل مسابقة
عالمية لخدمة المؤتمر .
ويتم توزيع نتائج المؤتمر وتوصياته – مترجمة -على أصحاب
القرار والساسة والمثقفين والتربويين والعلميين البارزين
في أوربا وأمريكا.
-2اقتراح مشروع تحت عنوان " ترجمة مائة كتاب
في السيرة " :
يتم تشكيل لجنة من كبار الباحثين والكتاب والمترجمين الذين
أسهموا بكتابات أو بحوث في مجال سيرة النبي ،لختيار
مائة دراسة عربية حول سيرة النبي تصلح ترجمتها إلى
اللغة النجليزية بالساس ثم الفرنسية ،وتركيز نشر هذه
الكتب – بعد ترجمتها -في أوربا وأمريكا .ويتم استنهاض
الداعمين لهذا المشروع من الحكومات العربية والسلمية
ورجال العمال .
-3اقتراح إنشاء مركز بحثي علمي للتعريف بنبي
الرحمة
وتكون مهمة هذا المركز إنتاج البحوث والدراسات والدوريات
والوسائط المتعددة للتعريف بنبي الرحمة باللغات الحية .
-4اقتراح تدريس السيرة النبوية في المراحل
التعليمية :
فتقوم وزارات التربية والتعليم العالي في البلدان السلمية،
بتشكيل لجان متخصصة لبحث إمكانية تدريس السيرة النبوية في
الصفوف الدراسية والجامعية..
:5اقتراح إنشاء قناة فضائية للتعريف بنبي الرحمة
فتقوم هذه القناة بعرض كل ما يتعلق بسيرة النبي والتعريف
به ،من ندوات ومحاضرات ،وأفلم ،ورسوم متحركة ،وكتابات .
-6اقتراح فيلم سينمائي عالمي :
بحيث يوجه الفيلم إلى عامة الشعوب الغربية ،بهدف تعريفهم
بنبي السلم ،ويتم عرضه في كبرى دور العرض الوربية
والمريكية ..ويشترط في هذا العمل السينمائي أربعة شروط:
الشرط الول :أن ينضبط بالضوابط الشرعية .
الشرط الثاني :الستعانة بالكفاءات العالمية من ممثلين
ومخرجين .
الشرط الثالث :أن ينال الدعم المالي السخي من رجال العمال
المسلمين .
الشرط الرابع :أل تحتكر حقوق نشره شركة معين أو شخص
محدد ،بل تكون حقوقه ممنوحة لي إنسان ينشر الفيلم .
264
-7فقرة إعلنية للتعريف بنبي الرحمة :
مدة هذه الفقرة العلنية دقيقة واحدة ،يتم بثها من خلل كبرى
القنوات الوربية والغربية ..وهي بل شك تحتاج إلى دعم مالي
كبير.
إضافة إلى استئجار عدد من الساعات من مساحة البث في
بعض القنوات وتقديم من خللها برامج تعريفية بنبي الرحمة .
– 8المقاطعة الدبلوماسية والقتصادية :
على القادة والساسة العرب والمسلمين قطع أية علقات
دبلوماسية أو تجارية أو أية شراكات أو اتفاقات مع أي دولة
تسىء لنبي الرحمة – صلى الله عليه وسلم .-
عليهم أن يمحو العار الذي لحق بهم جراء تعاملهم مع من سب
نبيهم .
-9اقتراح " مهرجان محمد للجميع " :
وهو مهرجان عالمي سنوي يعقد في عاصمة كبرى من عواصم
العالم ،يشتمل هذا المهرجان على مجموعة فعاليات تعريفية
بنبي الرحمة ،ومن ضمن تلك الفعاليات محاضرات وندوات
ومعارض وأفلم وأناشيد ومسابقات وجوائز تصب في موضوع
النصرة والتعريف بنبي الرحمة – صلى الله عليه وسلم . -
وهو مشروع يحتاج إلى دعم الحكومات والجماعات ورجال
العمال ،أو يكون على القل تحت رعاية أحد زعماء العرب ...
-10أن يحمل كل مسلم ومسلمة أمانة الدفاع عن نبي
الرحمة ،والزود عن حياضه ،ونشر منهجه الصلحي على
مستوى الفرد والسرة والمجتمع والدولة ،ومن ثم العمل على
إعداد الفرد المسلم ،والبيت المسلم ،والمجتمع المسلم،
والحكومة المسلمة.
265
-5تعليق بوسترات ولوحات – تشتمل على أحاديث نبوية
وتوصيات عملية -في الماكن العامة – بشكل لئق – بهدف نصرة
نبي الرحمة .
-6عمل مسابقة ثقافية وأخرى بحثية عن " نبي الرحمه وأخلقه
وسيرته ومنهجه " بشكل دوري وجوائز مجزية.
-7إنشاء جمعية خيرية لتحفيظ القرآن وتعليم السيرة النبوية .
-8توزيع ونشر الكتب التي تعرف بنبي الرحمة .
-9إنشاء مدونات مواقع دعوية ومجموعات بريدية للتعريف بنبي
دا إنشاء مدونة مجانيةالرحمة – بكل اللغات -ومن السهل ج ً
على موقع مثل blogspot.com
– 10عمل كروت شخصية ..الوجه الول يشتمل على بيناتك
والوجه الثاني يشتمل على شعار " مًعا لنصرة نبي الرحمة " أو
نحو ذلك من النصائح العملية المفيدة .
-11حث الخطباء على تناول القيم الحضارية في السيرة النبوية
وعدم الغراق في الجزئيات .
-12حث المعلمين والتربويين على نشر القضية بين جموع
الطلب .
-13العمل على إقامة المعارض الفنية والدعوية في المدارس
والجامعات للتعريف والنصرة .
-14إقامة مخيمات ومعسكرات صيفية تتناول فعاليات
ومحاضرات للنصرة والتعريف بنبي الرحمة – صلى الله عليه
وسلم -
-15عقد الدورات العلمية التي تتعلق بمنهج السيرة وكيفية
الستفادة منها .
-15نشر فتاوى العلماء في حكم سب النبي أو التعريض بجنابه
– صلوات الله وسلمه عليه . -
-16على كل مسلم حر شريف أن يقاطع منتجات العداء "
الصهاينة والمريكان" والدول التي تسيء لنبي الرحمة – صلى
الله عليه وسلم . -عار على المسلم أن ُيدخل بيته هذه
المنتجات أو يطعم منها بطون أولده !
266
منتدى الكْتاب
"مساحة حرة لراء العلماء
والباحثين والك ُّتاب"
267
نحو التمكين
كتابنا "نبي الرحمة" وأمثاله من الكتابات الجادة ..أنا
أعتبره من مبشرات الغلبة القادمة والتمكين ،وأحرى به
أن يساهم في تغيير واقع المة على الصعيدين الداخلي
والخارجي " .والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس
ليعلمون"
فريد عبد الخالق
*******
268
هذا فقط بل امتدت رحمته للحيوان فجرم حبس الهرة وتوعد
..الفاعلة بالنار ،وامتدح من رحم كلبا ووعده بالجنة
فهذه حياة نبينا التي تتسم بالرحمة ،وهده مدنيتهم التي ل تعرف
إل الخراب والدمار والقوة فيها أساس الحكم وليس العدل .
والبطش بالخرين أساس حياة الظالمين .فانظر وتفكر بالمر،
ستجد عجًبا بين حال السلم وحياة نبيه ،وترك المسلمين للنهج،
..وطمع الخرين ..فقط أريدك أن تتدبر المر بروية
وفق الله تعالى الجميع للعمل بالشرع وإعلء رايته ،والسير وراء
خاتم المرسلين نبي الرحمة
269
متنوعة ،ومواقع متعددة ،في رسالة عدائية منظمة ،تبدي
مساحات من القلق الغربي من سرعة انتشار السلم ،وبالخص
بدايات اعتلئه مناصب قيادية في ضوء لعبة الديمقراطية ،التي
يقبلها المجتمع الغربي ،إنهم يريدون إسلما ،على مزاجهم هشا ً
سلبيا ً يتيح مساحات لستهلك بضائعهم الفكرية المتهاوية ،وسلخ
المسلم من دينة ،حتى يكون كائن مهجن من بضائع فكرية
متنوعة ،يمكن وصفها بأنها حاويات قمامات الشعوب ،من
الفكار والقيم المتهاوية ،فهذه الصورة المثالية التي يريدها
الغرب لبناء المة المسلمة .
270
والديمقراطية المزورة ،وحقوق النسان المشوهة الحادية ،
التي يعتريها دوما قيم اللمساواة ،والحرية الفوضوية العبثية ،
التي تدمر الشعوب المستضعفة ،وتختال بنفسها ،لبد للحقيقة
أن تنجلي ،ل بد ولو عن قريب .
د .سعاد جبر
كاتبة وناقدة من الردن
suad_jaber@hotmail.com
********
حجة على الغرب وحجة علينا
إن ما يفعله الغرب من الساءة للنبي الكرم صلوات الله عليه وآله وصحبه ما
هو إل حجة تقام عليه والتي عجزنا نحن عن إيصالها إليه ،كما أنها عمل دعائي
بغير رضانا ..
بل وبغضبنا للفت النتباه للسلم..
ثم إن ما يفعله أيا كان للساءة لهذا الدين ولرسوله ل يملك حجة واحدة
مقبولة عقل حتى يمكنها بناء القناعات بعدم مصداقية دين الله ،وعليه ،فإن
المر فيه ما يخدم السلم ،ول يعني هذا الرضى عما يفعله اللؤماء من إساءة
لنبينا ..كل ! بل نحن نعلم تشريعه في حق من يسيء إليه ..إنه إن نال
المسيء عقوبته أفاد غيره وألجم شيطانه ووفر عليه وساوسه..
محمد محمد البقاش
أديب وباحث وصحافي من المغرب
maisa_rose@yahoo.com
***********
ماذا فعلنا للدفاع عن سيد البشر ؟
لقد أسهمت حركات التنصير ومؤسساتها الدينية في
التشكيك في السلم والطعن في مقدساته ، ،ول تخفى
علينا كتابات كثير من المستشرقين داخل الدوائر
الكاديمية ،وانتهاء بقنوات التصال ووسائل العلم
المعاصرة ،وكل يلمس تصعيد حملت الدعاية المناوئة
للسلم وتشويه صورته أمام الرأي العالمي بشكل
محموم ،بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، 2001
والتي أشعلت جذوة نيران تشتعل تحت كثير من رماد
الشبهات المتراكمة ضد الدعوة السلمية الحق ،وها نحن
نسمع كل يوم هذه الساءات تصب على رؤوس المسلمين
وليس آخرها التشويه الكاريكاتوري المسيء لرسولنا
الكريم -صلى الله عليه وسلم -المنشور في صحف
271
ومجلت دنمركية ونرويجية ،فالتشويه والصمت عن محاسن
السلم هما السلحان الرئيسيان لبعض وسائل العلم
الغربي في تشكيل الرعب الهستيري من السلم ،بل بلغ
المر التطاول على مقام سيد الخلق والمرسلين وشتمه
علنا ً من قبل رموز دينية مسيحية ويهودية وأخرى سياسية
عبر وسائل العلم ،بل والدعوة إلى توجيه ضربة عسكرية،
انتقامية أو وقائية في إطار ما يسمى بي"الحرب على
الرهاب ،لهدم الكعبة الشريفة وقصف مكة المكرمة بقنبلة
نووية .وظهر الصليبيون الجدد بشعارهم القديم والمطالبة
برفع الصليب على مقدسات المسلمين وأطلل الحرم
المكي بعد تدميره !
لقد أنبأنا القرآن الكريم بهذه الحملت التي تدق طبول
ي
ن فِ َ الحرب بوسائل العلم حيث يقول الله تعالى" :ل َت ُب ْل َوُ ّ
فسك ُم ول َتسمعن من ال ّذي ُ َ َ
من ب ِ ن أوُتوا ْ ال ْك َِتا َِ َ م وَأن ْ ُ ِ ْ َ َ ْ َ ُ ّ ِ َ وال ِك ُ ْم َ أ ْ
قوا ْ فَإ ِ ّ
ن صب ُِروا ْ وَت َت ّ ُذى ك َِثيرا ً وَِإن ت َ ْشَرك ُوَا ْ أ َ ً
ن أَ ْذي َن ال ّ ِ
م َم وَ ِ قَب ْل ِك ُ ْ
موِر"] آل عمران[186 : ن ع َْزم ِ ال ُ ُم ْ ك ِ ذ َل ِ َ
ولعلنا نطرح تساؤلً هو :ماذا فعلت الحكومات والمؤسسات
الدينية السلمية في عالمنا السلمي؟
هل ستصمت خوفًا من تهم دعم الرهاب والحبو لمريكا.
أم ستشجب وتستنكر كما تعودنا دوما من منظماتنا
السلمية التي تجري تعقد ندوات في الدنمرك بعد الحادث
وكأننا نطيب خاطرهم ونقول لهم حقكم علينا قاطعناكم
ياجماعة ل تفعلون ذلك مرة أخرى؟
والن نشاهد صورًا من دولة السويد ودولنا ومؤسساتنا
صامتة وعلى رؤؤسها الطير في حين أوقفت ماليزيا
صحيفة لمدة شهر لرسمها المسيح عليه السلم وهو
يمسك سيجارة.
إنا لمنتظرون ما هم فاعلون ويا حسرة عليهم وعلينا ،بيد
أن هناك صورة نمطية للذل والخضوع والخنوع لهؤلء الذين
يبررون أن الدين ربنا يحفظه ويحميه وينسون أن العمل
واجب لحماية الدين ! أم ننتظر انتشار البشير والتنصير
ونتفرج ومؤسسات الدعوة السلمية مكبلة خائفة مرعوبة
من حكوماتها !! أما الفراد فل بد لهم من أخذ الذن من
مؤسسات العلم والدعوة للعمل حتى لو لنشر كتاب واحد
!
ا.د ليلى بنت صالح محمد زعزوع
272
كاتبة وأكاديمية سعودية
www.drlailazazoe.com
***********
273
الحب من جلميد صييخر ،مسييها عنييدها القييرح ،وعظييم فوقهييا
المصاب.
أحد جبل يحبنا ونحبه..
ً
لتفيض النفس المؤمنة على الموجودات كلها حبا حتى تغمرها.
دورة للحب في هذا الوجود تشبه دورة الماء الييذي يييروي كييل
ما يمر بييه .والنسييان بقلبييه ونفسييه وروحييه وجسييده ،محطيية
الرسييال ومحطيية السييتقبال يفيييض حبييا ً علييى كييل شيييء،
ويستقبله من كل شيء.
أحد جبل يحبنا ويحبه..
أي حالة من الصفاء الوجودي التي تستشعر الحب يفيييض ميين
الوجود كل الوجود ،بينما يغفل عنييه الكييثيرون ،الييذين تعطلييت
في نفوسهم القدرة على الستشعار ،والقدرة على الحساس.
النفوس المؤمنة وحدها هي التي تستشييعر الحييب يفيييض ميين
الحييياء وميين النباتييات وميين الجمييادات تستشييعره درجيية،
وتستقبله ثانية ،وتتبادله ثالثة ،حتى مع الموطن الذي كييان فيييه
جرح وقرح وهذه رابعة.
أما الكراهية والبغض فهييي حاليية ل يعرفهييا قلييب المييؤمن ،ول
تصدر عن نفسه ،إل لتصبغ الشر المجرد والثم المحض .تكييره
الشر المتلبس فييي إنسييان ،ول تكييره النسييان ،وتبغييض الثييم
الذي يواقعه ،وتذكر دائما ً أنه أخوك ،فتظل يييدك أبييدا ً ممييدودة
إليه بالحب لتستنقذه من الشر والثم الذي هو فيه.
زهير سالم
مدير مركز الشرق العربي -لندن
zuhair@asharqalarabi.org.uk
********
نبي الحب !
الحب أنقى عاطفة إنسانية في الوجود ولها عظمة كعظمة
العتقاد أو اليمان يقول النبي -صلى الله عليه وسلم):-ل يؤمن
أحدكم حتى يحب لخيه ما يحب لنفسه( ،قرن الرسول الكريم
هنا اليمان بالحب لتكوين الخوة السلمية ،كقناة يدخلها المرء
ليغتسل من أدرانه ويرتقي سلم التصال الدائم بالله تعالى ،
ومفردات اليمان والحب والخوة تفرض على النسان أن يكون
ل من الخلق وإل كيف استطاع رسول الرحمة ان على قدر عا ٍ
يأخذ مكانته في قلوب الناس ويدعوهم الى حضن السلم مالم
يكن مثالية حية من الخلق ،إذ قال الله تعالى ) :وإنك لعلى
خلق عظيم ( .إن الخلق الحسنة التي حملها الرسول الكريم ُ
274
كانت لها ثقل كبير في اجتذاب الناس والدخول الى السلم
وإنقاذهم من ظلمات الكفر والجهل وفوضى السلوك ...نعم
بالحب كجذر للخوة وسلوك طريق الخلق الحسنة ،يعيش
النسان تحت خيمة السلم سعادة الحياتين ،الدنيا والخرة ..
قال الرسول – صلى الله عليه وسلم ) -إن من عباد الله أناسا ً ما
هم بأنبياء ول شهداء يغبطهم النبياء والشهداء يوم القيامة
بمكانتهم من الله .قيل يارسول الله تخبرنا من هم؟؟ قال :هم
قوم تحابوا بروح الله على غير ارحام بينهم ول اموال يتعاطونها ،
فوالله ان وجوههم لنور وانهم لعلى نور ليخافون اذا خاف
الناس( وقرأ – صلى الله عليه وسلم ) : -آل إن أولياء الله ل
خوف عليهم ولهم يحزنون ( .فما أحرانا أن نقتفي هذه الثار
العظيمة ..فالمسلم يشع نور المحبة ويمنحها الخر دون مّنة
سواء لخيه المسلم أم لخيه في النسانية هذا السلم وهذه
مسيرته ،فتعسا ً للذين يتصيدون في الماء العكر من أعداء
السلم دين المحبة...
وجدان عبدالعزيز
كاتب عراقي
wijdan_abd@yahoo.com
*******
صلبان وسون صنعوا ُ الرحيم شّيد حضارة والمته ّ
الدم
المبراطورية الثالثة التي أسسها نبي الصحراء محمد كانت عجيبته الكبرى
وبناءه المجيد ،هذا البّناء العظيم ) محمد ( شّيد ملكا وسلطانا امّتد من حافات
المحيط الطلسي حتى سهول الصين ومن جنوب فرنسا حتى أواسط أفريقيا
في سنوات معدودات ل يكفين لبناء قرية ..عمل محمد الديني والمدني
استغرق ثلث وعشرين سنة أمضى ثلثها في مكة خائفا يترقب وممنوعا من
التصال بأي شخص إل سرا ً ،لكن يثرب قريته الطينية التي هاجر إليها أخيرا
قُ ِ
در لها أن تكون سيدة الكون بل منازع .
هل لك أن تتخيل كم من الجيوش سيحتاج الرجل وكم من الحروب سيخوض
وكم من الموال سيمتلك ليحقق ذلك ،اجل لقد كان جيش محمد – صلى الله
عليه وسلم -مؤلفا من بضع مئات !! ورجاله لم يكونوا يمتلكون ما يقيم
أودهم من التمر والخبز ،وفي إحدى الحروب وهي حرب الخندق كانوا
يستعيرون ثياب نسائهم ليتقوا بها برد الشتاء ،إن حروبه وغزواته الكثيرة
م بعدها السلم وتعاليمه والتي بلغت أكثر من اثنين وعشرين حربا وغزوة ع ّ
كل جزيرة العرب لم ُيقتل خللها أكثر من ثمانمائة وخمسين رجل من جميع
المتقاتلين من المؤمنين والكافرين ..
275
ل بكثير من أعداد القتلى الذين يسقطون في أية هذا العدد المتواضع كان اق ّ
معركة تافهة بين أية قبيلتين عربيتين أو الذين تدوسهم الخيل في نزهة صيد
من نزهات كسرى أو قيصر إبان ملكهما العضوض ،انه حقا ثمن زهيد لنشر
دين وإقامة دولة وبناء حضارة يتفق الجميع على دورها المحوري في البناء
النساني الكوني في كرتنا الرضمائية ،وانه أيضا لقربان معقول ومبارك لنشر
روح أخرى في الكون غير روح اليقونات والنيران المقدسة وآلهة الطين التي
كانت تحكم العالم القديم والتي رأينا جزًء من سفالتها أثناء الحروب الصليبية
دث عنها أن أنبه إلى إن تبيين وكشف سفاهة التي أجد من واجبي قبل التح ّ
وانحطاط إتباع دين ما أو الشارة إلى الدران التي لحقت بأي ديانة ل يعني
بالضرورة معاداة أصل ذلك الدين أو الحقد عليه أو السعي للنتقاص من
مؤسسه الول ،فمن الواضح لمتتبعي تاريخ المم المتدينة التي ظلت تنافح
طويل عن انتمائها الديني ,إن مسيرة أبنائها المتدينين كانت في كثير من
الحيان سلسلة من الخيانات الكبرى لروح الرسالة الصلية ومبادئ صاحبها
مزجاة لبعض الخبثاء الول ،وان التطاحن والحتراب الطائفي هو بضاعة ُ
المجاذيب الذين يعيدون تسويقها للدهماء بعد دمغها بماركات تجارية إلهية أو
سماوية أو أخروية – سمها ماشئت – .
لقد بدأت قصة الحروب الصليبية التي استغرقت قرنين من الزمان عندما لّبى
العالم المسيحي الغارق في التخلف آنذاك نبوءة مجذوب ارعن اسمه بطرس ،
ذلك الجندي القديم الذي ترهب بعد أن طرأ على حياته الروحية شيء من المس
جا إلى جراء ما لقاه من سوء المعاملة من قبل بعض المسلمين عندما كان حا ّ
بيت المقدس ،فحلم بأنه مرسل لدعوة أوربا إلى تحرير الرض المقدسة ،وقبل
فرة هذا كان رجال الكليروس قد أوجبوا الحج إلى تلك الديار وجعلوه فريضة مك ّ
لسوء الجرائم وأبشع الرذائل ..والتقت هلوسات بطرس الذي سمي بيي
) الناسك( مع رغبات البابا أوربان ومصالح القيصر الروماني الكسيس كومنين
وبقية سنيورات أوربا ،فُعقد في ايطاليا مؤتمر سنة 1095م لهذا الغرض برعاية
الحبر العظم ورددت جموع الغوغاء )) الرب يريد ذلك (( مطالبة بالزحف نحو
فلسطين ،وتألف جيش ابتدائي من العصابات قوامه 130ألف رجل كان على
رأسه بطرس الناسك فزحف بحركة شاملة مابين بحر الشمال ونهر التيبر ،وقد
أكرمت البلدان الوربية جيش الرب هذا بتوفير الرزاق والدعم في بادئ المر ,
وما إن وصل إلى بلغاريا التي كان سكانها قليلي الحماسة لمثل هذه الهستريا
ضيفوا هذه العصابات مجانا ً مما اغضب الصليبين فاخذوا في الجماعية فأبوا أن ي ّ
نهب قرى تلك البلد وذبح أهليها وارتكبوا أبشع الجرائم بحق السكان المحليين
مثل تقطيع الطفال إربا إربا وشّيهم كالخراف وقد اضطر التراك المسلمين في
آسيا الصغرى لمقابلة جيش الوحوش هذا بقسوة وصلبة ولم يلبث هذا الجمع أن
ُأبيد ،ثم توالت بعده الحملت الصليبية وكان بعضها يتألف من مليون مقاتل ..
وقد تميز الصليبيون في جميع حملتهم بأنهم اشد الوحوش نذالة وخسة فقد كانوا
ليفرقون بين الحلفاء والعداء .والمحاربين والعزل ,يقول المؤرخ الراهب روبرت
276
عن دخول الصليبيين للقدس )):وكان قومنا يجوبون الشوارع والميادين وسطوح
خطفت صغارها ،وكانوا البيوت ليرووا غليلهم من التقتيل وذلك كاللبؤات التي ُ
يذبحون الولد والشيوخ ،وكانوا ليستبقون إنسانا ،وكان قومنا يقبضون على كل
شيء يجدونه فيبقرون بطون الموتى ليخرجوا منها قطعا ً ذهبية ،فيا للشره وحب
الذهب ،وكانت الدماء تسيل كالنهار في طرق المدينة المغطاة بالجثث ،فيا
لتلك الشعوب العمي المعدة للقتل ،ثم احضر بوهيموند جميع الذين اعتقلهم في
برج القصر وأمر بضرب رقاب عجائزهم وشيوخهم وضعافهم ،وسوق فتيانهم
وكهولهم إلى أنطاكية ليباعوا فيها (( .وقد كان سلوك الصليبين عند دخولهم
القدس مناقضا تماما لسلوك الخليفة الكريم عمر بن الخطاب عندما دخلها قبل
قرون ,يقول الكاهن ريموند داجيل كاهن مدينة لوبوي عندما روى خبر ذبح
عشرة آلف مسلم في مسجد عمر )) :لقد أفرط قومنا في سفك الدماء في
هيكل سليمان ،وكانت جثث القتلى تعوم في الساحة هنا وهناك وكانت اليدي
والذرع تسبح كأنها تريد أن تتصل بجثث غريبة عنها ،وكان الجنود الذين أحدثوا
تلك الملحمة ل يطيقون رائحة البخار المنبعث من ذلك إل بمشقة (( ..وقد شمل
النحطاط والسفالة جميع المشتركين في الجهد الصليبي المسعور ،حتى من
يفتخر به المسيحيون ويسمونه قلب السد فقد ذبح ريكاردوس ملك انكلترا هذا
ثلثة الف أسير مسلم أمام معسكر المسلمين ،كانوا قد سلموا أنفسهم إليه
بعدما قطع لهم عهدا ً بحقن دمائهم ليثبت انه ابعد الناس عن قيم النبل والفروسية
التي كان يتمتع بها أمير الجيش السلمي آنذاك الناصر صلح الدين الذي لم يبخل
عليه بالطعام والمرطبات و بطبيبه الخاص أثناء مرضه ،ومع إن الحملت الصليبية
الست الكبرى استمرت لقرنين من الزمن فأنها فشلت في أن تحتل القدس أو
تحتفظ بها ..لكنها نجحت في التأسيس للحقد والصراع المزمن بين أبناء
كون بأي الحضارتين السلمية والمسيحية ،هذا الصراع الذي يجعل المسلمين يش ّ
جهد سياسي أو عسكري صادر من الغرب تجاههم ,وهو الذي يجعلهم يحسبون
هفوة لسان الرئيس المريكي جورج بوش في بداية حملته العسكرية على
العراق التي وصف فيها حملته تلك بالحملة الصليبية ،يحسبونها حلما ً مقيما ً
وخطة متأصلة في قلوب المسيحيين ..بعد هذا هل يحق لنا أن نشتط فنقول إن
عيسى وإنجيله المترع بالسلم والمحبة كانا مسئوَلين عن برامج القتل وخطط
الفساد التي ينفذها أتباعه المحسوبين على ديانته ،لشك إنهما بريئان كبراءة
محمد وقرآنه من صفاقة بعض المسلمين وانحطاطهم ،ومها يكن من أمر فأن
رجل استطاع أن يبعث امة ويقيم حضارة وينشر دينا كبيرا في بضع سنين ..لهو
مزاج الرحمة الحقيقي ونزوة الكون الكبير العتيقة ..انه الرحيم محمد ...
277
رجل من الشرق عظيم
النبي الذي لم تكن له عصا سحريه
يشق بها البحار
ويفجر بها العيون والنهار
النبي الذي لم يأمر الرياح
و لم يأمر الجن ولم يكلم النمل
النبي الذي لم يحيي الموتا
ولم تنزل عليه مائدة من السماء
ولم ينزل عليه المن و السلوى
***
النبي الذي ربط على بطنه الحجر من الجوع
كسرت أسنانه المامية في احد المعارك النبي الذي ُ
النبي الذي هاجر من مكة إلى ألمدينه هو وصاحبه سيرا
على القدام في صحراء لم تطأها قدم انسان
النبي الذي قال لجلدية عندما قدر عليهم اذهبوا فانتم
الطلقاء
***
هوالنبي محمد بن عبد الله النبي المي الصادق المين
نبي المنطق ول شيء غير المنطق.
رجل من الشرق عظيم
ض الحجاز عظيم ل على أر ِ ه ّ
دنا فأقبل في الربوع نعيم
صلى عليك الله يا نور الهدى
صلوا عليه و سلموا تسليم
قل ً صارت بمقدمهِ العروبة معْ ِ
ل شْعلة التنظيم م ُ
ح ِللعل ْم ِ ت ْ
ل على عْرش الكمال ترّبع رج ٌ
ف وكان حفيد ُ إبراهيم كي َ
مثل بياض الثلج كان فؤاده
مح كان كريم مثل ِغلل الق ْ
ه
سباع البّر في نظرات ِ مثل ِ
عّز الُرجولة صادقٌ وحكيم
ب ُيهاب إذا تقدم في الوغى صع ٌ
وق كل غريم جثم ف ْ قرِ ي ْ كالص ْ
وإذا تقدم في السلم كإنه
ه كل هشيم مطٌر تحايا من ُ
278
ملها ل من الصحراء يْعشقُ ر ْ رج ٌ
سها ضّر تراه ُ سقيم لو م ّ
ه
حر الرمال عرين ُ ُ يْبني على ب ْ
ف وبضعُ أديم ت من السع ِ بي ٌ
فهمال تح ّ ترى الخيول مع الج َ
ل مع الرياح تِهيم وترى النخي َ
طنا ً
ل الصحارى موْ ِ سْبحان من جع ْ
حتاُر كل عليم فها ي ْ ص ِفي و ْ
ض ِغذاؤه مر واللبن المخ ّ الت ْ
ش عليه كليم هق ٌ ش ُ وفَِرا ُ
ل يبتغي ترف الحيياة و عَزهيا
ل يْبتغي جاها ًٌ ول تْعظيم
مها ه روما وفارس يوْ َ دانت ل ُ
خيام البدوِ كان ُيقيم حت ِ ت ْ
فها ص ِحير لو ْ هأ ِ سن ُ ُ
إن محا ِ
طب ْعُ التواضع فيه كان عظيم
مثال ُ ُ
ه ل ما أ ْ ل أكرر ق ّ رج ٌ
ريم ه تك ْ ِ كل ُ ه مل َ ٌ وكأن ّ ُ
مل ُنوره ح ِط من العْلياء ي ْ هب َ
عيم م َز ِ ظا ُ ل إذا ذ ُك َِر العِ َ رج ٌ
*******
279
البرية ،وأنشأ للكتاب موقًعا إلكترونًيا يحمل عنوان الكتاب،
للترويج له بين شعوب أوربا ..
لقد أكددت العديد من الدراسات أن أكثر من % 60من
الشعوب الوربية يعتقدون أن محمد بن عبد الله قاطع
طريق ومدعي للنبوة ليس إل !
لذا نهيب بالمسلمين في كل مكان أن يسارعوا في دعم
هذا المشروع الطموح الذي يهدف بالساس إلى التعريف
برسول الله – صلى الله عليه وسلم -بين شعوب الغرب..
فرجال المال والعمال يساهموا في تمويل المشروع من
أموال الصدقات وزكاة المال والوصايا والصدقات الجارية –
وهو خير باب في أبواب الصدقات الجارية "..علم ينتفع به"
– كذلك المال الذي عرضت له شبهة ويريد صاحبه ان
يتخلص من ،فهو مال حرام على صاحبه حلل لمثل هذه
المشاريع .
وكذلك العلميين والمثقفين والدعاة لهم دور كبير في نشر
قضية الكتاب ،في وسائل العلم المختلفة ..ليصدق فيهم
قول المصطفى صلى الله عليه وسلم " الدال على الخير
كفاعله " .
ضا لسنا في غنى عن الدعم المعنوي من الخ القارىء أي ً
ولو بدعوة بظهر الغيب لكل من شارك وساهم في هذا
المشروع .
للستفسار ومزيد من المعلومات
www.nabialrahma.com
nabialrahma@gmail.com
هاتف0020104420539 :
*****************
280
المصادر والمراجع
281
ابن رجب ) أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب •
الحنبلي( :جامع العلوم والحكم ،بيروت :دار المعرفة،
الطبعة الولى 1408 ،هي.
ابن سعد )محمد بن سعد بن منيع أبو عبدالله البصري •
الزهري( :الطبقات الكبرى ،تحقيق :إحسان عباس،
بيروت :دار صادر ،الطبعة الولى 1968م.
ابن سيد الناس )أبي الفتح محمد بن محمد بن •
عبدالله بن محمد بن يحيى()ت 734هي( :عيون الثر
في فنون المغازي والشمائل والسير ،بيروت :دار
الفاق1977 ،م.
ابن عبد البر )بو عمر يوسف بن عبد الله بن •
عبد البر النمري( :الستذكار ،تحقيق :سالم محمد
عطا ،محمد علي معوض ،بيروت :دار الكتب
العلمية ،الطبعة الولى 2000 - 1421 ،
ابن عساكر )علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله •
الشافعي(:تاريخ دمشق ،تحقيق :علي شيري ،دمشق :دار
الفكر .د.ت
ابن كثير)إسماعيل بن عمر( :البداية والنهاية، •
بيروت:مكتبة المعارف ،د .ت.
ابن كثير)إسماعيل بن عمر( :السيرة النبوية، •
بيروت :مكتبة المعارف،د .ت.
ابن ماجه )محمد بن يزيد أبو عبدالله القزويني( :سنن •
ابن ماجه ،تحقيق :محمد فؤاد عبد الباقي ،بيروت :دار
الفكر ،د.ت .
أبو الحسن علي الحسني الندوي :السيرة النبوية، •
دمشق :دار القلم ،الطبعة الثالثة1427 ،هي.20062-
أبو الحسن علي الحسني الندوي :ماذا خسر •
العالم بانحطاط المسلمين ،القاهرة :مكتبة السنة،
1410هي 1990 -م.
أبو بكر جابر الجزائري :هذا الحبيب محمد •
رسول الله يا محب ،القاهرة :المكتبة التوفيقية ،د.
ت.
أبو داود )سليمان بن الشعث السجستاني الزدي( : •
سنن أبي داود ،تحقيق :محمد محيي الدين عبد الحميد،
بيروت :دار الفكر ،د.ت.
282
أبو نعيم أحمد بن عبد الله الصبهاني :حلية •
الولياء وطبقات الصفياء ،ر الكتاب العربي – بيروت،
الطبعة الرابعة 1405 ،هي.
أبو يعلى )أحمد بن علي بن المثنى الموصلي •
التميمي( :مسند أبي يعلى ،تحقيق :حسين سليم أسد،
دمشق :دار المأمون للتراث ،الطبعة الولى – 1404 ،
.1984
آتين دينيه وسليمان الجزائري :محمد رسول •
الله ،ترجمة :عبد الحليم محمود ومحمد عبد الحليم
محمود ،القاهرة :الشركة العربية ،الطبعة الثالثة ي
1959م،
أحمد الحجي الكردي :بحوث في علم أصول الفقه، •
د .ط .
أحمد أمين :التكامل في السلم ،د .م :دار •
المعرفة للطباعة والنشر ،الطبعة الثانية ،د.ت .
أحمد بن حنبل أبو عبدالله الشيباني :المسند، •
القاهرة :مؤسسة قرطبة ،د.ت .
أحمد ديدات :ماذا يقول الكتاب المقدس و •
الغرب عن محمد ،الطبعة الولى ،القاهرة :الدار
المصرية للنشر والتوزيع 1404 ،هي.
أحمد راتب عرموش :قيادة الرسول السياسية •
والعسكرية ،بيروت :دار النفائس ،الطبعة الثالثة1423 ،هي-
2002م.
أحمد سوسة :في طريقي إلى السلم، •
المؤسسة العربية للدراسات والنشر ،الطبعة الولى،
2006م
أحمد عبد الرحمن إبراهيم :الفضائل الخلقية في •
السلم ،القاهرة :دار الوفاء ،الطبعة الولى1409 ،هي-
1989م .
أحمد فريد :وقفات تربوية مع السيرة النبوية، •
السكندرية :دار ابن خلدون ،د .ت.
آرثر ستانلي تريتون :أهل الذمة في السلم ، •
طبعة لندن 1951 ،م.
آرلونوف :مقالة "النبي محمد " ،مجلة الثقافة •
الروسية ،ج ، 7عدد ..9
أرنولد توينبي :السلم والعرب والمستقبل، •
ترجمة :نبيل صبحي الطويل ،د.ط.
283
أكرم ضياء العمري :السيرة النبوية الصحيحة، •
الرياض :مكتبة العبيكان ،ط 1424 ،5هي 2003م
أكرم ضياء العمري ،موقف الستشراق من •
السنة والسيرة ،بحث منشور في مجلة مركز بحوث
السنة والسيرة 1995 ،م .
اللباني )محمد ناصر الدين( :تمام المنة في •
التعليق على فقه السنة ،المكتبة السلمية ،دار
الراية للنشر ،الطبعة الثالثة 1409 ،هي .
اللباني )محمد ناصر الدين( :مختصر إرواء •
الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل ،بيروت :
المكتب السلمي ،الطبعة الثانية 1405 ،هي –
1985م.
اللباني )محمد ناصر الدين( :إرواء الغليل في •
تخريج أحاديث منار السبيل) 8مجلدات( ،بيروت :
المكتب السلمي ،الطبعة الثانية 1405 ،هي –
1985م.
اللباني )محمد ناصر الدين( :السلسلة الصحيحة •
،الرياض :مكتبة المعارف ،د.ت.
اللباني )محمد ناصر الدين( :صحيح الترغيب •
والترهيب ،الرياض :مكتبة المعارف -الطبعة :
الخامسة.
اللباني )محمد ناصر الدين( :صحيح وضعيف •
الجامع الصغير وزيادته ،بيروت :المكتب السلمي ،د.
ت.
اللباني )محمد ناصر الدين( :ضعيف الترغيب •
والترهيب ،الرياض :مكتبة المعارف ،د .ت.
اللباني )محمد ناصر الدين( :ظلل الجنة في •
تخريج السنة لبن أبي عاصم ،بيروت :المكتب
السلمي ،الطبعة الثالثة 1993-1413 -م.
اللباني)محمد ناصر الدين( :تخريج أحاديث •
كتاب مشكلة الفقر وكيف عالجها السلم ،بيروت :
المكتب السلمي ،الطبعة الولى 1405،هي1984 -
م.
البخاري )محمد بن إسماعيل ( :صحيح البخاري، •
بيروت :دار ابن كثير ،الطبعة الثالثة 1407 ،هي –
1987م.
284
البيهقي )أحمد بن الحسين بن علي بن موسى(: •
سنن البيهقي الكبرى ،تحقيق :محمد عبد القادر
عطا -،مكة المكرمة :مكتبة دار الباز 1414 ،هي -
1994م.
البيهقي )أحمد بن الحسين بن علي بن موسى(: •
شعب اليمان ،بيروت :دار الكتب العلمية ،الطبعة
الولى 1410 ،هي.
التبريزي )محمد بن عبد الله الخطيب( :مشكاة •
المصابيح ،تحقيق :تحقيق محمد ناصر الدين اللباني
بيروت :المكتب السلمي ،الطبعة الثالثة 1405 -
هي1985 -م.
الترمذي )محمد بن عيسى أبو عيسى السلمي( : •
الجامع الصحيح ،تحقيق :أحمد محمد شاكر وآخرون ،
بيروت :دار إحياء التراث العربي ،د .ت.
الحاكم )محمد بن عبدالله أبو عبدالله •
النيسابوري( :المستدرك على الصحيحين ،تحقيق:
مصطفى عبد القادر عطا ،بيروت :دار الكتب العلمية،
الطبعة الولى 1411 ،هي 1990 -م،
الحميدي )عبدالله بن الزبير أبو بكر ( :مسند •
الحميدي ،تحقيق :حبيب الرحمن العظمي ،بيروت –
القاهرة :دار الكتب العلمية ،مكتبة المتنبي ،د .ت.
الدارمي )عبدالله بن عبدالرحمن أبو محمد ( :سنن •
الدارمي ،تحقيق :فواز أحمد زمرلي ،خالد السبع العلمي،
بيروت :دار الكتاب العربي ،الطبعة الولى .1407 ،
السهيلي :الروض النف ،تحقيق :عبد الرحمن •
الوكيل ،القاهرة 1967 :م.
السيد سابق :إسلمنا ،القاهرة :الفتح للعلم العربي، •
د .ت .
الطبراني )سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم( : •
المعجم الوسط ،تحقيق :طارق بن عوض الله بن محمد ،
عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني ،القاهرة :دار الحرمين ،
1415هي.
الطبراني )سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم( : •
المعجم الصغير ،تحقيق :محمد شكور محمود الحاج أمرير،
بيروت :المكتب السلمي ،الطبعة الولى – 1405 ،
.1985
285
الطبراني )سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم( : •
المعجم الكبير ،تحقيق :حمدي بن عبدالمجيد ،الموصل :
مكتبة العلوم والحكم ،الطبعة الثانية .1983 – 1404 ،
الطبراني )سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم( : •
مسند الشاميين ،بيروت :مؤسسة الرسالة ،تحقيق :
حمدي بن عبد المجيد ،الطبعة الولى .1984 – 1405 ،
الطبري)محمد بن جرير أبو جعفر( :تاريخ المم •
والملوك) تاريخ الطبري( ،بيروت :دار الكتب العلمية،
1407هي.
الغزالي )محمد بن محمد أبو حامد( :المستصفى في •
علم الصول ،تحقيق :محمد عبد السلم عبد الشافي ،
بيروت :دار الكتب العلمية ،الطبعة الولى .1413 ،
الكتاب المقدس .طبعة دار الكتاب المقدس •
في الشرق الوسط.
الكولونيل بودلي :حياة محمد ،لندن1946 ،م. •
المتقي الهندي )علي بن حسام الدين ( :كنز •
العمال في سنن القوال والفعال ،بيروت :مؤسسة
الرسالة 1989 ،م .
الموسوعة الفقهية الكويتية ،وزارة الوقاف •
الكويتية ،الكويت.
النسائي )أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن( :المجتبى •
من السنن ،تحقيق :عبدالفتاح أبو غدة حلب :مكتب
المطبوعات السلمية ،الطبعة الثانية .1986 – 1406 ،
الهيثمي )نور الدين علي بن أبي بكر ( :مجمع الزوائد •
ومنبع الفوائد ،بيروت:دار الفكر 1412 ،هي.
إميل درمنغم :حياة محمد ،ترجمة عادل زعيتر، •
القاهرة :دار إحياء الكتب ،الطبعة الثانية 1949 ،م .
إميل درمنغم :حياة محمد ،ترجمة :محمد عاد
ل •
ُزع َي ِْتر ،بيروت :المؤسسة العربية للدراسات و
النشر ،الطبعة الثانية1988 ،م
آن بيزينت :حياة وتعاليم محمد ،د .م :دار •
مادرس للنشر1932 ،م.
أنجوغو أمبكي صمب :أروع القيم الحضارية في •
سيرة سيد البرية ،السنغال :مطبعة دار الكتاب يمبل
دكار1427،هي 2006م
286
برهان غليون ومحمد سليم العوا :النظام •
السياسي في السلم ،بيروت – دمشق :دار الفكر،
الطبعة الولى .2004 ،
توماس كارليل :البطال وعبادة البطل •
والبطولت في التاريخ ،ترجمة :محمد السباعي.
كتاب الهلل ،القاهرة :العدد 326صفر 1398
جاك ريسلر :الحضارة العربية ،ترجمة :خليل •
أحمد خليل ،عويدات للطباعة والنشر.د.ت
جان باغوت غلوب :الفتوحات العربية الكبرى ،د •
.ط
جمعة علي الخولي :معاملة الرسول صلى الله •
عليه وسلم لبني قريظة ،والرد على ما يثار حولها من
شبهات ،الرياض :مجلة جامعة المام محمد بن
سعود ،العدد 1423 ،57هي 2003 -
جورج حنا :قصة النسان ،طبعة بيروت -دار •
الثقافة1959 ،م.
جورج سارتون :الثقافة الغربية في رعاية •
الشرق الوسط ،تعريب عمر فروخ ،بيروت :مكتبة
المعارف 1952 ،م.
جوستاف لوبون :الدين والحياة ،ترجمة عادل •
زعيتر ،بيروت :المؤسسة العربية للدراسات و
النشر ،الطبعة الثانية.1988 ،
جوستاف لوبون :حضارة العرب ،ترجمة عادل •
زعيتر ،بيروت :المؤسسة العربية للدراسات و
النشر ،الطبعة الثانية.1988 ،
جون وليام دريبر :تاريخ التطور الفكري •
الوروبي ،المجلد الول ،طبعة لندن 1875م.
حسن عزوزي :السلم وترسيخ ثقافة الحوار •
الحضاري ،مجلة البلغ ،يناير 2007
حسين محمد يوسف :سيد الدعاة -صلى الله •
عليه وسلم ،القاهرة :دار النسان ،القاهرة ط.
1399هي.
حكمت بشير ياسين ،عناية السنة النبوية بحقوق •
النسان ،جائزة نايف بن عبد العزيز آل سعود
العالمية ،الطبعة الولى1426 ،هي2005-م.
287
خالد محمد خالد :رجال حول الرسول، •
القاهرة :دار المقطم ،الطبعة الولى1415 ،هي-
1994م.
دانييل بريفولت:نشأة النسانية ،ترجمة :سهيل •
حكيم ،دمشق :وزارة الثقافة السورية.د.ت.
ديسون :محمد بن عبد الله :تعريب عمر أبو •
النصر ،د .م1934 ،م
ديفيد بنجامين )عبد الحد داود( :محمد في •
الكتاب المقدس ،ترجمة :فهمي شما ،مراجعة :
أحمد محمد الصديق .مطابع الدوحة الحديثة ،د .ت.
ديوان شند شرمة :أنبياء الشرق ،طبعة كلكتا ، •
1935م.
رالف لنتون :شجرة الحضارة ،ترجمة أحمد •
فخري ،القاهرة :مكتبة النجلومصرّية ،د.ت.
راوية أحمد عبد الكريم الظهار :المقاصد الشرعية •
للعقوبات في السلم :الرياض :جائزة نايف بن عبد العزيز
آل سعود العالمية ،الطبعة الولى1426 ،هي2005 -م.
رشدي فكار :نظرات إسلمية للنسان والمجتمع خلل •
القرن الرابع عشر الهجري ،القاهرة :مكتبة وهبة ،ط ،1
1980م ،ص .31
رقية طه جابر العلواني :فقه الحوار مع المخالف في •
ضوء السنة النبوية ،الرياض :جائزة نايف بن عبد العزيز آل
سعود العالمية ،الطبعة الولى1426 ،هي2005 -م.
روجيه جارودي :دعوة السلم ،ترجمة ذوقان •
قرقوط ،القاهرة /بيروت :الوطن العربي 1984 ،م
رودي بارت :الدراسات العربية والسلمية في •
الجامعات اللمانية ،ترجمة :مصطفى ماهر – القاهرة
1967م.
زيد بن عبد الكريم بن عبد الكريم الزيد :التسامح •
في السلم ،الرياض :جائزة نايف بن عبد العزيز آل سعود
العالمية ،إصدارات الجائزة1426 ،هي.
زيغريد هونكه :شمس العرب تسطع على •
الغرب ،تعريب :فؤاد حسنين علي ،القاهرة :دار
المعارف .د.ت
ستانورد كب :المسلمون في تاريخ الحضارة، •
الرياض :الدار السعودية للنشر والتوزيع ،الطبعة
الثانية1305 ،هي 1985م .
288
ستيفن ونسيمان :تاريخ الحروب الصليبية، •
ترجمة :السيد الباز العريني ،بيروت :مكتبة الحياة،
1413هي 1993-م.
سيد قطب :معركة السلم والرأسمالية ، •
القاهرة :دار الشروق 1415 ،هي 1995 -م
سيد قطب :في ظلل القرآن ،القاهرة :درا •
الشروق ،ط 2000 .16م
سير توماس أرنولد )إشراف( :تراث السلم، •
بيروت :دار الطليعة .1972 ،
شاخت وبوزورت :تراث السلم ،ترجمة : •
د.حسين مؤنس وإحسان صدقي ،عالم المعرفة،
الجزء الول ،الكويت :المجلس الوطني للثقافة
والعلوم الداب.
شوقي أبو خليل :السلم في قفص التهام، •
دمش :دار الفكر ،الطبعة الثانية .د.ت.
صفي الرحمن المباركفوري :الرحيق المختوم، •
المنصورة :دار الوفاء 1426 :هي2005-م.
عباس محمود العقاد :إسلميات ،القاهرة :دار •
المعارف ،الطبعة الثانية.1985 ،
عباس محمود العقاد :عبقرية محمد ،القاهرة : •
المكتبة العصرية -الدار النموذجية ، ،الطبعة الولى،
2000م.
عباس محمود العقاد :حقائق السلم وأباطيل •
خصومه ،القاهرة :كتاب الهلل ،د.ت.
عباس محمود العقاد :ما يقال عن السلم •
)سلسلة كتاب الهلل (189 /القاهرة :دار الهلل.
1386هي1966 /م.
عبد الحسين شعبان :ثقافة حقوق النسان، •
رابطة كأوا للثقافة الكردية ،بيروت ،الطبعة الولى،
.2001
عبد الله بن جار الله بن إبراهيم آل جار الله : •
كمال الدين السلمي وحقيقته ومزاياه ،وزارة
الشئون السلمية والوقاف والدعوة والرشاد
السعودية ،الطبعة الولى 1418 ،هي
عبد الله محمد الرشيد :القيادة العسكرية في •
عهد الرسول ،دمشق :دار القلم ،الطبعة الولى،
1420هي1990-م.
289
عبد الله ناصح علوان :معالم الحضارة في السلم •
وأثرها في النهضة الوربية ،القاهرة :دار السلم ،ط ،2
1404هي 1984 -م ،ص 155
عبد الله نجيب سالم :مواقف إنسانية في السيرة •
النبوية ،بيروت :دار ابن حزم ،الطبعة الولى1414 ،هي-
1994م.
عبد المجيد بن عزيز الزنداني وآخرون :البرهان •
شرح كتاب اليمان ،د.م :طباعة مركز البحوث
بجامعة اليمان ،الطبعة الولى1427 ،هي 2006 -م.
عرفات كامل العشي :رجال ونساء أسلموا، •
الكويت :دار القلم ،الطبعة الثالثة1983 ،م.
عفيف عبد الفتاح طبارة :روح الدين السلمي، •
بيروت :مطبعة دار العلم للمليين ،الطبعة الثامنة،
1969م.
علي بن برهان الدين الحلبي :السيرة الحلبية، •
دار المعرفة للطباعة و النشر 1400 ،هي 1980م
علي محمد الصلبي :السيرة النبوية ،عرض •
وقائع وتحليل أحداث ،القاهرة :مؤسسة اقرأ ،الطبعة
الولى 1426 ،هي2005-م
عماد الدين خليل :دراسة في السيرة ،بيروت : •
مؤسسة الرسالة ،الطبعة الخامسة عشرة1422 ،هي
2001 -م .
عماد الدين خليل :قالوا عن السلم ،الرياض: •
الندوة العالمية للشباب السلمي ،الطبعة الولى،
1412هي.
فاطمة صالح الجارد :عناية السنة النبوية بحقوق •
النسان ،الرياض جائزة نايف بن عبد العزيز آل سعود
العالمية ،الطبعة الولى1426 ،هي2005 -م.
فريد عبد الخالق :في الفقه السياسي السلمي، •
القاهرة :دار الشروق ،الطبعة الثانية1427 ،هي 2007 -م.
فريد عبد الخالق :تأملت في الدين والحياة، •
القاهرة :دار التوزيع والنشر السلمية،الطبعة الولى،
1423هي2003 -م.
فيليب حتي :تاريخ العرب ،ترجمة :ادوارد •
جرجي وجبرائيل جبور ،بيروت 1965م
290
كارين أرمسترونج :سيرة النبي محمد •
،ترجمة :فاطمة نصر ،و محمد عناني ،د.م :طبعة
كتاب سطور ،شركة صحارى.د.ت .
كونستانس جيورجيو :نظرة جديدة في سيرة •
رسول الله ،تعريب :محمد التونجي ،د .م :الدار
العربية للموسوعات ،الطبعة الولى1983 ،م.
ليتنر :دين السلم ،ترجمة :عبدالوهاب سليم ، •
دمشق :المكتبة السلفية ،دمشق1423 ،هي
لورافيشيا فاغليري :دفاع عن السلم، : •
ترجمة :منير بعلبكي ،بيروت :دار العلم1960 ،م.
لويس سيديو :خلصة تاريخ العرب العام: •
إشرف علي مبارك باشا ،القاهرة ،د.ت
مارسيل بوازار :إنسانية السلم ،ترجمة : •
عفيف دمشقية ،بيروت :دار الداب 1980 ،م
محمد الخضري :تاريخ التشريع السلمي، •
القاهرة :مطبعة الستقلل ،الطبعة السابعة. 1960 ،
محمد الغزالي :فقه السيرة ،القاهرة :دار •
الشروق ،الطبعة الثانية1424 ،هي 2003م
محمد الغزالي :تأملت في الدين والحياة ،السكندرية •
:دار الدعوة ،الطبعة الولى1410 ،هي.1990 -
محمد الغزالي :خلق المسلم ،السكندرية :دار •
الدعوة ،الطبعة الثالثة1411 ،هي.1990 -
محمد أمين حسن :خصائص الدعوة السلمية، •
الردن :مكتبة المنار ،الطبعة الولى1983 ،م،
محمد بن سلمة بن جعفر أبو عبد الله •
القضاعي :مسند الشهاب ،بيروت :مؤسسة
الرسالة ،الطبعة الثانية 1407 ،هي– 1986م
محمد بن عبد الله السحيم :أعظم إنسان في •
الكتب السماوية ،القاهرة :منشورات مكتبة
الخانجي ،د.ت.
محمد بن عبد الوهاب :مختصر سيرة الرسول صلى •
الله عليه وسلم ،الرياض :وزارة الشئون السلمية
والوقاف والدعوة والرشاد ،الطبعة الولى1418 ،هي.
محمد بن يوسف الشامي الصالحي )ت •
943هي( :،سبل الهدى والرشاد في سير خير العباد،
تحقيق :مصطفى عبدالواحد .مصر:المجلس العلى
291
للشؤون السلمية ،لجنة إحياء التراث السلمي ،عام
1392هي 1972 /م.
محمد حميد الله :الوثائق السياسية للعهد •
النبوي والخلفة الراشدة ،بيروت :دار النفائس،
الطبعة السابعة1422 ،هي 2001م.
محمد حسام الدين الخطيب :نبي المسلمين، •
ودين السلم ،والحضارة السلمية ،المشاركة الفائزة
بالجائزة الثانية بمسابقة موقع اللوكة):انصر نبيك
وكن داعيًا( ،فرع البحث العلمي 27/11/2006 ،م
7/11/1427هي.
محمد رجب البيومي :مجلة الحج ،العدد 12 •
السنة .88
محمد سعيد رمضان البوطي :فقه السيرة، •
القاهرة :دار السلم 1419هي1999 -م
محمد شريف الشيباني :الرسول في الدراسات •
الستشراقية المنصفة .،د.ط.
محمد عبد القادر أبو فارس :السيرة النبوية •
دراسة تحليلية ،عمان :دار الفرقان ،الطبعة الولى :
1428هي 1997 -م .
محمد عبد القادر أبو فارس :النظام السياسي •
في السلم ،الكويت :التحاد السلمي العالمي،
.1984
محمد عزت الطهطاوي :محمد نبي السلم في •
التوراة والنجيل والقرآن ،القاهرة :مكتبة النور ،د.
ت.
محمد علي الخطيب :رسول الله صلى الله •
عليه وسلم الرحمة المهداة ،البحث الفائز بالجائزة
الرابعة بمسابقة موقع اللوكة) :انصر نبّيك وكن
داعيًا( ،فرع البحث العلمي 28/11/2006 .م -
8/11/1427هي.
محمد فتح الله كولن :النور الخالد محمد صلى •
الله عليه وسلم مفخرة النسانية ،ترجمة و تحقيق:
لينا عبد القدوس أبو صالح ،بيروت :مؤسسة
الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع1999 ،
محمد مسعد ياقوت " :دور النبي صلى الله •
عليه وسلم في تحضر العرب" ،المقالة الفائزة
بمسابقة " انصر نبيك وكن داعيا ً " من الموقع
292
السلمي " اللوكة " ..فرع المقالة الصحفية-
.2006
محمد مسعد ياقوت :حوار الحضارات : •
الموجود والمفقود والمنشود ،القاهرة :منظمة الكتاب
الفريقيين والسيويين ،أغسطس 2005م ي مسابقة
مبارك العالمية للسلم والتنمية.
محمد مسعد ياقوت :دور السلم في مشروع •
حوار الحضارات،مجلة المجتمع ،الكويت ،العدد
،1677بتاريخ 19/11/2005
محمد مسعد ياقوت :السلم والغرب ..حوار •
وصدام ،جريدة السرة العربية ،العدد ،59بتاريخ :
2005\11\14م.
محمد مصطفى الزحيلي :التدرج في التشريع •
والتطبيق في الشرعية السلمية ،الكويت :ادارة
البحوث والدراسات ،اللجنة الستشارية العليا للعمل
على استكمال تطبيق أحكام الشريعة السلمية،
سلسلة تهيئة الجواء ،العدد 2007 ،14م.
محمود شيت خطاب :الرسول القائد ،بيروت : •
دار الفكر ،الطبعة السادسة1422 ،هي 2002 -م
مسلم بن الحجاج :صحيح مسلم ،بيروت :دار •
إحياء التراث العربي.
ممدوح إبراهيم الطنطاوي :أخلقيات الحرب •
في السلم ،مجلة الجندي المسلم :العسكرية
السلمية العدد .112
منير محمد الغضبان :المنهج الحركي للسيرة •
النبوية ،المنصورة :الطبعة الخامسة عشرة1427 ،هي
2006م .
موسوعة تاريخ الحضارات العام ،ترجمة :فريد •
م .داغر ،فؤاد ج .أبو ريحان ،إشراف :موريس
كروزيه ،عويدات للطباعة والنشر ،الطبعة الولى ،
2003م.
مولنا محمد علي :حياة محمد وسيرته، •
ترجمة :منير البعلبكي ،بيروت :دارالعلم للمليين،
1397هي1977 -م
مونتجمري وات :محمد في المدينة ،ترجمة : •
شعبان بركات ،بيروت :منشورات المكتبة العصرية ،
د .ت
293
مونتجمري وات :محمد في مكة ،ترجمة: •
شعبان بركات ،بيروت :منشورات المكتبة العصرية ،
د .ت
مونتجمري وات :تأثير السلم في أوربا في •
العصر الوسيط .ترجمة :حسين أحمد أمين ،بعنوان
"فضل السلم على الحضارة الغربية" دار الشروق.
بيروت.1983 .
مونتجمري وات:السلم والمسيحية في العالم •
المعاصر ،ترجمة :عبد الرحمن عبد الله ،القاهرة:
الهيئة المصرية العامة للكتاب1998 ،م
ناصر بن سليمان العمر :الوسطية في ضوء •
الكتاب والسنة ،د.ط
نصري سلهب :في خطى محمد ،بيروت :دار •
الكتاب العربي1970 ،م
نظمي لوقا :محمد في حياته الخاصة ،القاهرة: •
دار الكتب الحديثة 1969 ،م.
هيي .أ .ر .جب :المحمدية ،طبعة لندن 1953 ، •
م.
هربرت جورج ولز :معالم تاريخ النسانية، •
ترجمة عبد العزيز توفيق جاويد ،القاهرة :الهيئة
المصرية العامة1967 ،م
هنري ماسيه :السلم ،بيروت :منشورات •
عويدات1988 ،م.
ول ديورانت :قصة الحضارة ،بيروت :مؤسسة •
الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع ،الطبعة الولى،
2003م.
ياقوت بن عبد الله الحموي أبو عبد الله :معجم •
البلدان ،بيروت :دار الفكر ،د.ت .
يوسف القرضاوي :السلم و العلمانية وجها ً •
لوجه ،القاهرة :دار الصحوة للنشر و التوزيع ،
1408هي ،1987 -ط 1
يوسف القرضاوي :الخصائص العامة للسلم ، •
القاهرة ،مكتبة وهبة،الطبعة الرابعة1409 ،هي-
1989م
يوسف القرضاوي :الوسطية ودور العلم في •
إبرازها ،بحث مقدم لندوة اقرأ الفقهية )رمضان
1427هي(
294
يوسف القرضاوي :خطابنا السلمي في عصر •
العولمة ،القاهرة :دار الشروق ،الطبعة الولى1424 ،هيي -
2004م ،ص . 41 ، 40
يوسف القرضاوي :اليمان والحياة :القاهرة :مكتبة •
وهبة ،الطبعة التاسعة1410 ،هي1990 -م .
يوسف القرضاوي :مشكلة الفقر وكيف عالجها •
السلم ،القاهرة :مكتبة وهبة ،الطبعة الخامسة1406 ،هي
1986 -م.
295
المحتويات
الهداء
¤12
4 المقدمة
19 الفصل الول :من هو محمد ؟
20 مة ح َ
م بنبي الَر ْ
ف عا ٌ
المبحث الول :تعري ٌ
20 المطلب الول :الميلد والنشأة
20 المطلب الثاني :أخلق وصفات محمد
22 المطلب الثالث :حال العالم عشية البعثة
23 المطلب الرابع :النبوة والوحي
23 أول ً :شهادة الكتب السماوية السابقة
24 ثانًيا :شهادات علماء الغرب :
24 -1شهادة واشنجتون إيرفنج
24 -2شهادة مارسيل بوازار
25 -3شهادة إميل درمنغم
25 -4شهادة ليتنر
26 -5شهادة لورافيشيا فاغليري
26 -6شهادة روم لندو
27 المطلب الخامس :لمحة مختصرة عن سيرة النبي :
27 :أول ما نزل عليه أول ً
ثانًيا :إسلم العالم والكاتب النصراني ورقة بن نوفل 27
27 ثاًلثا:أول من أسلم
27 رابًعا :إيذاء المسلمين
28 سا :الهجرة إلى الحبشة وإسلم ملك نصارى خام ً
الحصار وعام الحزن الحبشة
سا:
28 ساد ً
29 سابًعا :دعوة القبائل ولقاء النصار
29 ثامًنا :الهجرة إلى المدينة المنورة
31 تاسًعا :الفتح وانتشار الدعوة
296
32 عاشًرا :حجة الوداع ،ووفاة النبي
مة للعالم في أدبيات 33 ح َ
المبحث الثاني :محمد َر ْ
الغرب
المطلب
الول:شهادة إنجيل برنابا
33
34 المطلب الثاني :شهادة الراهب النصراني بحيرا
35 المطلب الثالث :شهادة العلمة توماس كارليل
35 المطلب الرابع :شهادة المفكر البريطاني لين بول
35 المطلب الخامس :شهادة السير وليم موير
36 المطلب السادس :شهادة القسيس السابق د ُّراني
المطلب السابع :شهادة الكاتب السباني "جان ليك" 36
36 المطلب الثامن :شهادة العلمة واشنجتون ايرفنج
المطلب التاسع :شهادة الباحث الفرنسي جوستاف لوبون 37
37 المطلب العاشر :شهادة المؤرخ الشهير جيمس متشنر
38 المبحث الثالث :خصائص رحمته
38 المطلب الول :ربانية الرحمة
39 المطلب الثاني :دعوية الرحمة
40 المطلب الثالث :عالمية الرحمة
42 المطلب الرابع :عبقرية الرحمة
42 المطلب الخامس :وسطية الرحمة
43 المطلب السادس :عملية الرحمة
44 الفصل الثاني :رحمته للعالمين في مجال
والحضارة:
التنوير والتوحيد: التنوير
المبحث الول:
45
45 المطلب الول :محمد تنويريا ً عملًقا :
48 المطلب الثاني :نضاله في إخراج الناس من الظلمات
النور
الثالث :نجاح حركة التنوير إلى
المطلب
49
51 المبحث الثاني :التحضر والرقي
المطلب الول :العرب من القبيلة إلى الدولة والمة51 :
أو ً
51 ل :العرب لم يعرفوا الوحدة الحضارية قبل محمد
297
52 ثانًيا :جهود مضنية من النبي :
53 ثالًثا :تميز فكرة المة السلمية
54 المطلب الثاني :إشادة العلماء الغربيين بجهود النبي
55 المطلب الثالث :فضل النبي في تحضر العالم
58 المبحث الثالث :التسامح الديني
58 [الحاكم المتسامح الحكيم المطلب الول :محمد]
59 المشرع
جاالمطلب الثاني :دستور المدينة نموذ ً
60 المطلب الثالث :استقبال الوفود النصرانية
61 المطلب الرابع :الحرية في العتقاد وممارسة الشعائر
63 المبحث الرابع :رعاية العلم والمعرفة
63 المطلب الول :بداية عصر العلم والمعرفة
64 المطلب الثاني :القرأة أولي تعاليم محمد r
64 المطلب الثالث :احترام العقل
65 المطلب الرابع :حثه على طلب العلم
66 المطلب الخامس :العلم من وظائف رسالته
68 المطلب السادس :من توجيهات محمدr
70 المبحث الخامس :الخطاب التربوي
70 المطلب الول :المعلم الرحيم
71 المطلب الثاني :نماذج رحمته للمتعلمين
72 المطلب الثالث :أساليبه في الخطاب التربوي:
أو ً
72 ل :التمهيد والتهيئة
73 ثانًيا :التكرار والعادة
73 ثالًثا :التأني أثناء العرض
73 رابًعا :مراعاة طاقة المتعلمين
73 سا :ضرب المثال خام ً
74 سا :استخدام الوسائط المتعددة
ساد ً
74 -1التعبير بحركة اليد والصابع
298
74 -2التعبير بالرسم والمجسمات :
74 أ( الرسم
74 ب( المجسمات
74 -3التعليم التطبيقي العملي
75 المبحث السادس :خدمة النسانية
75 المطلب الول :محمد خادم النسانية
76 المطلب الثاني :خطبة الوداع :الميثاق السلمي لحقوق
النسان
المطلب
الثالث :توجيهات إنسانية
78
79 الفصل الثالث :رحمته للعالمين في مجال
الخلق:
الول :الرفق واللين المبحث
80
80 المطلب الول :طريق محمد ..طريق الرفق
81 المطلب الثاني :حثه على الرفق :
81 أول ً :الرفق يحبه الله
81 ثانًيا :الرفق جمال وذوق
81 ثالًثا :الرفق يجلب الخير
81 المطلب الثالث :نماذج رفقه:
أو ً
81 ل :الرفق بالمتعلمين:
82 ثانيًا :الرفق بالسفهاء :
ثالًثا :الرفق بالعصاة :
82 رابًعا :الرفق بالشعب والرعية:
سا :الرفق بالمستفتي وصاحب المسألة خام ً
سا :الرفق بالحيوانات ساد ً
300
97 أو ً
ل :في البيع والشراء والقضاء
97 ثانًيا :التيسير على المعسر
97 المطلب الثاني :نماذج سماحته في المعاملت المالية
99 الفصل الرابع :رحمته للعالمين في مجال
التشريع :
الول :المرونة والتجديد: المبحث
100
100 المطلب الول – شهادة علماء الغرب
101 المطلب الثاني :الشريعة السلمية :ثوابت و متغيرات
102 المطلب الثالث :في مجال الثابت و مجال المتغير
103 المطلب الرابع :منطقة الفراغ التشريعي والنصوص
المحتملة:
منطقة الفراغ التشريعي أول ً :
103
104 ثانًيا :المتشابهات
104 المطلب الخامس :صيانة الثابت و تجديد المرن
107 المبحث الثاني :الوسطية والعتدال:
107 المطلب الول :شهادة علماء الغرب
107 المطلب الثاني :حثه على الوسطية وتحذيره من
التشدد
المطلب الثالث :وسطية السلم في الحكام
109
110 المبحث الثالث :التيسير:
110 المطلب الول – شهادة علماء الغرب
111 المطلب الثاني :نماذج التيسير
113 المطلب الثالث :حثه على التيسير
114 المبحث الرابع :الرخص الشرعية:
114 المطلب الول :الرخص الشرعية :ماهيتها وشرعيتها
115 المطلب الثاني :نماذج الرخص الشرعية
116 المبحث الخامس :التدرج في التشريع:
116 المطلب الول :التدرج في التشريع :مفهومه والحكمة
ل: :مفهومه
منه ً
116 أو
117 ثانًيا :الحكمة منه
301
117 المطلب الثاني :نماذج للتدرج في التشريع :
أو ً
117 ل :تحريم الخمور
118 ثانًيا :تحريم الربا
119 الفصل الخامس :رحمته للعالمين في ميدان
والعسكرية: السياسية
الحوار ل الصدام الول: الصراعات
المبحث
120
120 المطلب الول :الحوار مظهر من مظاهر الرحمة
121 المطلب الثاني :السلم يرفض المركزية الحضارية
123 المطلب الثالث :نماذج عملية من سيرة النبي
126 المبحث الثاني :حرصه على نشر السلم
126 المطلب الول :محمد رجل السلم
127 المطلب الثاني :نموذج في حادث بناء الكعبة
المطلب الثالث :نماذج المعاهدات مع القبائل المجاورة
للمدينة :
مَرةَ
ض ْ
ة ب َِني َ
واد َع َ ُ أول ً ُ :
م َ
128 المطلب الرابع :نموذج في معركة الحزاب
129 المطلب الخامس :نموذج معاهدة الحديبية
130 المطلب السادس :نموذج الصلح مع أهل خيبر
131 المبحث الثالث :رحمته للخصوم والعداء
131
المطلب الول :لماذا القتال ؟
ل :مصادرة أموال المسلمين وعقاراتهم : أو ً
ثانًيا :إعلن الحرب على الدولة السلمية الناشئة:
ثالًثا :تهديد أمن المسلمين
المطلب الثاني :محمد القائد الرحيم
133 المطلب الرابع :فرية العنف ونشر السلم بالسيف
133 أول ً :رد العلمة لويس سيديو
133 ثانًيا :رد الدكتورة كارين أرمسترونج
134 ثالًثا :رد الكاتب اللماني ديسون
134 رابًعا :رد المستشرق الهولندي دوزي
134 سا :رد المؤرخ الكبير جوستاف لوبون
خام ً
302
135 سا :رد الكاتبة اليطالية لورافيشيا فاغليري
ساد ً
135 سابًعا :رد العلمة توماس كارليل
136 المطلب الخامس :فرية :القتل الجماعي ليهود بني
المبحث الرابع :رحمته للسرى قريظة
140
140 المطلب الول :نماذج في معركة بدر
142 المطلب الثاني :نموذج معركة بني المصطلق
142 المطلب الثالث :نموذج معركة حنين
143 المطلب الرابع :نماذج أخرى.
المبحث الخامس :رحمته لقتلى العدو
المطلب الول :مواراة جيف قتلى العدو في بدر
المطلب الثاني :جثة نوفل بن عبد الله
المطلب الثالث :جثة عمرو بن ود
144 المبحث السادس :رحمته لهل الذمة
144 المطلب الول :من هم أهل الذمة وما موقف الدولة
منهم :؟ شهادات علماء الغرب :
السلميةالثاني
144 المطلب
أو ً
144 ل :حرية أهل الذمة في العتقاد
145 ثانًيا :حرية أهل الذمة في ممارسة الشعائر
145 ثالًثا :رعاية المسلمون لهل الذمة
146 رابًعا :الستعانة بهم في أجهزة الدولة
146 المطلب الثالث :وصايا النبي بأهل الذمة والتحذير من
حرمة قتل الذمي بغير حقإيذائهم:
أو ً
ل:
146
146 ثانًيا :حرمة قذف الذمي
303
146 ثالًثا :تحريم ظلمه
المبحث السابع :قيم حضارية في غزوة بدر
جا[الكبرى] نموذ ً
المطلب الول :ل نستعين بمشرك على مشرك :
المطلب الثاني :مشاركة القائد جنوده في الصعاب:
المطلب الثالث الشورى :
المطلب الرابع :النهي عن استجلب المعلومات بالعنف :
المطلب الخامس :احترام آراء الجنود:
المطلب السادس :العدل بين القائد والجندي :
المطلب السابع :الحوار قبل الصدام :
المطلب الثامن :الوفاء مع المشركين :
المطلب التاسع :حفظ العهود :
في مجال بالسير رحمته المثلة
للعالمين النهي عن الفصل العاشر :
السادس: المطلب
148
والطفل :تحرير المرأة من الجاهلية: المرأة
149 المبحث الول –
149 المطلب الول :محمد منقذ المرأة
150 المطلب الثاني :افتراءات وردود
150 الفرية الولى :حول تعدد الزوجات
أو ً
150 ل :فيما يخص تعدد الزوجات الخاص بشخص النبي
151 ثانًيا:فيما يخص تعدد الزوجات العام
152 الفرية الثانية :قول أحدهم :إن السلم ل يسوي بين
والرجل قول أحدهم :إن السلم ل يهتم بتعليم
المرأة الثالثة :
152 الفرية
المرأة الرابعة :حول ضرب الزوج لزوجته
153 الفرية
154 الفرية الخامسة :حول الحجاب وحق المرأة في ستر
عورتها
المبحث الثاني :مميزات المرأة في السلم
154
154 المطلب الول :الستقلل الفكري للمرأة
155 المطلب الثاني :حقوق المرأة في أمور الزواج
156 المطلب الثالث :حقوق المرأة في الميراث والتملك
156 المطلب الرابع :حق المرأة في العمل
157 المطلب الخامس :تقدير الدور السياسي للمرأة
158 المطلب السادس :إحترام جوار المرأة
304
158 المطلب السابع :تأملت في هذه المميزات
159 المبحث الثاني :رحمته للبنات
159 المطلب الول :فضل محمد على البنات
160 المطلب الثاني :نماذج رحمته للبنات:
أو ً
160 ل :حثه على الحسان إليهن
160 ثانًيا :عطفه على البنات
161 ثالًثا :إكرامه لعائل البنات
161 المبحث الثالث :رحمته للطفال
161 المطلب الول :شهادة علماء الغرب
162 المطلب الثاني :نماذج رحمته للطفال :
162 أول ً :أرحم البشر بالعيال
163 ثانًيا :توبيخه للغلظ مع الطفال
163 ثالًثا :دعاؤه للطفال
163 عا :سلمه على الطفال وعطفه عليهم راب ً
164 سا :رفقه بالطفال إذا صلى بهم
خام ً
164 سا :تعزيزه للطفل الصادق
ساد ً
164 سابًعا :ملطفته للطفال
165 ثامًنا :رحمته بغلم يهودي
165 المبحث الرابع :رحمته لليتام
165 المطلب الول :محمد اليتيم
166 المطلب الثاني :نماذج في رحمته لليتيم:
أو ً
166 ل:ترغيبه في كفالة اليتيم
166 ثانًيا:مواساته اليتامى
167 ثالًثا :ترغيب النساء في تربية اليتام
167 رابًعا :تحذيره من العتداء على مال اليتيم
167 المبحث الخامس :رحمته للرامل
168 المطلب الول :حثه على السعي على الرامل
305
168 المطلب الثاني :سعيه على الرامل
169 الفصل السابع :رحمته للضعفاء
170 المبحث الول :رحمته للفقراء
170 المطلب الول :فضل محمد على الفقراء
171 جا
المطلب الثاني :نظام الزكاة – نموذ ً
173 المطلب الثالث :دوره في مكافحة البطالة :
173 أول ً :ترسيخ قيم العمل والنتاج
175 ثانًيا :قضاء حوائج العاطلين
175 ثالًثا :تحريمه البطالة
175 رابًعا :ترغيبه في الزراعة
175 سا :ترغيبه في الصناعة
خام ً
175 سا :ترغيبه في التجارة
ساد ً
176 المبحث الثاني :رحمته للعبيد والخدم
176 المطلب الول :تحرير العبيد
177 المطلب الثاني :فرية سن السترقاق
178 المطلب الثالث :نماذج رحمته للعبيد :
179 أول ً :وصيته بالعبيد والماء
179 ثانًيا :تحذيره من إيذاء العبيد والماء
179 ثالًثا :أمره بالحسان إلى العبيد
180 رابًعا :التعاون في تحرير العبيد
180 سا :كفارة ضرب العبد عتقه خام ً
سا :ألطف الناس بالعبيد :
ساد ً
سابًعا :كفالة الدولة السلمية للعبد المعاق أو المريض:
180 أو ً
ل :سلوكه مع خادمه
306
181 ثانًيا :حثه على العفو عن الخادم
181 ن ضرب الخادم ثالًثا :توبيخه َ
م ْ
181 رابًعا :ترغيبه في إطعام الخادم
182 سا :نهيه عن الدعاء على الخادم خام ً
182 المبحث الثالث :رحمته بذوي الحتياجات
الخاصة :
المطلب الول :الفئات الخاصة في المجتمعات الجاهلية182 :
المطلب الثاني :رعاية النبي لذوي الحتياجات الخاصة182 :
182 المطلب الثالث :الولوية لهم في الرعاية وقضاء
الرابع :عفوه عن سفهائهم وجهلئهم : احتياجاتهم:
المطلب
183
183 المطلب الخامس :تكريمه وموساته لهم :
184 المطلب السادس :زيارته لهم
184 المطلب السابع :الدعاء لهم :
184 المطلب الثامن :تحريم السخرية منهم
184 المطلب التاسع :رفع العزلة والمقاطعة عنهم
المطلب العاشر :التيسير على ذوي الحتياجات الخاصة
307
187 المبحث الخامس :رحمته بالموات:
187 المطلب الول :زيارته لقبور الموات
188 المطلب الثاني :مشاركته في دفن الموات بنفسه :
188 أول ً :جنازة عدو من أعدائه
188 ثانًيا :جنازة حبيب من أحبابه
189 المطلب الثالث :حزنه إذا فاتته جنازة وصلته عليها
189 المطلب الرابع :توقيره للجنائز والقبور ولو كانت لغير
189 قيامه :إذا مرت الجنازة
المسلمين
أول ً :
190 ثانًيا :وضعه الجريد الخضر على القبر
190 ثالًثا :أمره بعدم إيذاء الميت
191 المطلب الخامس :دعاؤه للموات
192 المطلب السادس :بكاؤه على الموات وعند القبور:
192 أول ً :في وفاة عثمان بن مظعون
192 ثانًيا :في وفاة سعد بن عبادة
192 ثالًثا :في وفاة طفله إبراهيم
192 رابًعا :بكاءه عند قبر أمه
194 الخاتمة
194 أول ً :ملخص البحث
195 ثانًيا :نتائج البحث
198 ثالًثا :التوصيات
رابًعا :أفكار عملية لنصرة نبي الرحمة :
308
الكاتب في سطور
محمد مسعد ياقوت – كاتب وداعية إسلمي مقيم في مصر .
المشرف العام على موقع نبي الرحمة
www.nabialrahma.com
البريد اللكتروني yakoote@gmail.com :
المدونة الشخصية yakut.blogspot.com :
جوال (002)0104420539
العمال التي قام بها:
-باحث متفرغ لعداد مشروع علمي في مؤسسة أحمد بهاء
الدين الثقافية.
-يكتب في العديد من المجلت العربية والسلمية كمجلة
المجتمع الكويتية ،ومجلة المعرفة السعودية ،ومجلة الرسالة
المصرية ،ومجلة آراء حول الخليج الماراتية ،ويكتب في شبكة
إسلم أون لين .نت.
-قدم سلسلة حلقات عن الثقافة العلمية وأزمة البحث العلمي،
في القناة السادسة المصرية
-أعد سلسلة حلقات عن أخلقيات الحرب في السلم .في قناة
المة الفضائية .
-يمارس الخطابة الدينية في مساجد مصر .
-ألقى العديد من المحاضرات الفكرية والثقافية في العديد من
المحافل.
المؤلفات :
-الختلط وأثره على التحصيل العلمي والبتكار -رؤية شرعية ، -
البحث الفائز بجائزة موقع المرأة " لها أون لين" للثقافة و
البداع ،عام 2004
-حوار الحضارات :الموجود والمفقود والمنشود ،بحث مقدم
إلى منظمة الكتاب الفريقيين والسيويين ،أغسطس 2005م ي
.
-هروب النخب العلمية ،بين واقع النزيف وسبل العلج :بحث
مقدم إلى المؤتمر العالمي العاشر للندوة العالمية للشباب
السلمي " ،الشباب وبناء المستقبل" .
-صفات رجل البر ،لم يطبع بعد .
-عناية الكتاب والسنة بالمسجد القصى المبارك ،لم يطبع بعد .
-حق النصرة للشعب الفلسطيني مادًيا ومعنوًيا ،لم يطبع بعد .
-التجديد والمجددون في السلم ،لم يطبع بعد .
-أخلقيات الحرب في السيرة النبوية ،لم يطبع بعد .
-الرقائق والخواطر ،تحت العداد
309
-الحوار في السيرة النبوية ،تحت العداد.
-مشاركة الشباب العربي في العمل السياسي – بين الواقع
والمأمول ،تحت العداد
-قيم حضارية في السيرة النبوية ،كتاب إلكتروني.
-قصص قصيرة منشورة في المجلت المواقع ] بار أحرنوت –
سجين رأي – المسكن الشعبي – على الطريقة الفيدرالية –
السجينة – طوابير النهضة – ملحمة شاعر [
-صنائع المعروف ،ثلثون باًبا من أبواب الخير ،القاهرة ،دار
النشر للجامعات2007 ،
-أزمة البحث العلمي في مصر والوطن العربي ،القاهرة :دار
النشر للجامعات ،الطبعة الولى ،يناير 2007م
www.nabialrahma.com
310