You are on page 1of 209

‫تــولســـــــــــتوي‬

‫ودوســــتيفســـكي‬
‫ي‬
‫فـي الدب العربـ ّ‬
-2-
‫الدكتور ممدوح أبو الوي‬

‫تــولســـــــــــتو‬
‫ي‬
‫ودوســــتيفســـك‬
‫ي‬
‫ي‬
‫فـي الدب العربـ ّ‬
‫‪ -‬دراســــــــــــــــة ‪-‬‬

‫من منشورات اتحاد الكتاب العرب‬


‫‪1999‬‬

‫‪-3-‬‬
‫الحقوق كافة‬
‫مـحــــفــــوظـة‬
‫لتـحــاد الـكـتـاب‬
‫الــعـرب‬
‫‪Email : aru@net.sy‬‬ ‫البريد اللكتروني‪:‬‬
‫‪Enternet : unecriv@net.sy‬‬ ‫النتــرنيت ‪:‬‬

‫‪‬‬

‫‪-4-‬‬
‫الــبـاب الول‬
‫‪:‬‬
‫بببببب‬
‫بببببب‪ :‬ببب‬
‫بببببببب‬
‫والدب العربـــي فــي القــرن‬
‫العشـــرين‬
‫= دراســــــة تطبيقــــية‬
‫فـي الدب المقـارن =‬

‫‪-5-‬‬
-6-
‫مقـــدمــــــة‪:‬‬
‫ن تولستوي‪ ،‬إذ وصف هذه‬ ‫كتب فلديمير ايليتش لينين‪ ...":‬إ ّ‬
‫الحقبة التاريخية من الحياة الروسّية‪ ،‬قد استطاع أن يطرح فــي‬
‫مؤلفاته عددا ً كبيرا ً من المسائل الهامة‪ ،‬وأن يســمو إلــى درج ـ ٍ‬
‫ة‬
‫ن مؤلفــاته شــغلت إحــدى المراتــب‬ ‫من القــدرة الفنيــة بحيــث أ ّ‬
‫الولى في كنزِ الدب العالمي"‪39) .‬ص‪ -(69‬هذا ما كتبه لينين‬
‫فــي مقــالته‪" ،‬ل‪.‬ن‪.‬تولســتوي"‪ .‬عــام ‪ .1910‬ويتــابع لينيــن فــي‬
‫ن أدب تولستوي يعتبر خطوة ً إلى المام‬ ‫المقالة نفسها فيقول إ ّ‬
‫في مضمار التطور الفني للنسانية جمعاء‪.‬‬
‫ة فــي الدب العربـي‪ ،‬مقارنـة‬ ‫ة مرموقـ ً‬ ‫احتل تولستوي مكان ً‬
‫ة علــى‬ ‫ت ّ واضح ً‬ ‫مع الكّتاب الوروبيين الخرين‪ .‬وترك أدبه بصما ٍ‬
‫الدب العربي المعاصــر وعلــى الداب العالميــة كلهــا‪ .‬لقــد تــأثر‬
‫ر‪،‬‬‫ن‪ ،‬فحســب‪ ،‬ل بــل كمفك ـ ٍ‬ ‫الدب العربي بتولستوي ليس كفنــا ٍ‬
‫وهذا أمر طبيعي‪.‬‬
‫ن النزعة التولسـتوية بمضـمونها التـاريخي الحقيقـي‬ ‫"‪ ....‬إ ّ‬
‫هــي إيديولوجيــة النظــام الشــرقي‪ ،‬النظــام الســيوي")‪-39‬ص‬
‫‪ -. (85‬يكتب فلديمير ايليتش لينين في عام ‪ 1911‬في مقــالته‬
‫"تولستوي وعصره"‪.‬‬
‫تميز تولســتوي بإخلصــه لمصــالح الشــعب‪ ،‬وبإيمــانه بقــوى‬
‫الشعب وبمستقبله‪ ،‬وبإنسانيته الحقيقية‪ ،‬وبتطلعاته‪ ،‬إلى تصوير‬
‫الحيــاة تصــويرا ً صــادقًا‪ ،‬وبنضــاله‪ ،‬الــذي ل يعــرف الهــوادة ضــد‬
‫النظرية الرجعية "الفن مـن أجـل الفـن" جعلـت هـذه الميـزات‬
‫كّلها‪ ،‬التي تمّيز بها أدب تولستوي‪ ،‬جعلته أدبا ً عالميا ً وجماهيريـًا‪،‬‬
‫واسع النتشار‪ ،‬ليس في روسيا‪ ،‬وفي البلدان العربيــة فحســب‪،‬‬
‫بل في العالم كّله‪.‬‬
‫أبدى النقاد والدباء العــرب والســوفييت اهتمــامهم بحضــور‬
‫فكــر تولســتوي فــي الحيــاة الروحيــة للنســان العربــي‪ .‬تزايــد‬
‫وتعاظم الهتمام بموضوع العلقات الدبية المتبادلــة بيــن الدب‬
‫العربي والروسي بصورةٍ خاصةٍ وملحوظةٍ في الفــترة الخيــرة‪.‬‬
‫ترجم الكثير من مؤلفات ليف تولستوي إلى اللغــة العربيــة بعــد‬
‫ب الكـثير حـول أدب تولســتوي فــي‬ ‫كتـ َ‬‫الحرب العالمية الثانيــة‪ُ .‬‬
‫ن موضوع "تولستوي والدب العربي‬ ‫الوطن العربي‪ .‬ومع هذا فإ ّ‬
‫ة‪ ،‬ل فــي‬ ‫ة وافي ـ ً‬
‫ة كافي ً‬
‫س دراس ً‬ ‫في القرن العشرين"‪ ،‬غير مدرو ٍ‬
‫ن‬
‫التحاد السوفييتي السابق‪ ،‬ول في الوطن العربي‪ ،‬ولــذلك فــإ ّ‬
‫هذا الموضوع فّعال وحيوي‪.‬‬
‫يلقى موضوع التأثير المتبادل والعلقة المتبادلة بيــن الداب‬
‫ة‪،‬‬‫العالمية اهتماما ً متزايدا ً في الوقت الحاضــر‪ .‬ولســباب عديــد ٍ‬
‫وليس من قبيــل الصــدفة‪ ،‬أن يقــع إبــداع تولســتوي فــي مركــز‬
‫اهتمــام الشخصــيات الدبيــة والثقافيــة والجتماعيــة العربيــة‪.‬‬
‫ق وبل‬ ‫ـيــدالـ ٍ‬
‫ن تولســتوي انتقــد بص‬ ‫فالسباب واضحة وتتلخص فــي أ ّ‬
‫ـوقت‬ ‫ل أشــكالها ومظاهرهــا‪ ،‬وفـ‬ ‫رحمةٍ عيوب مجتمعه‪ .‬بك ـ ّ‬
‫ذاته دافع عن مصالح الجماهير الفلحية فـي روسـيا‪ ،‬وعّبـر عـن‬
‫آمالهم وطموحاتهم وتطلعاتهم‪.‬‬
‫ن بحــث موضــوع اســتيعاب إبــداع تولســتوي فــي البلــدان‬ ‫إ ّ‬
‫العربية ضروري لتوســيع المعلومــات حــول المضــمون العــالمي‬
‫‪-7-‬‬
‫لتراث تولستوي‪ ،‬وكــذلك ضــروري مــن أجــل دراســة العلقــات‬
‫الدبيــة المتبادلــة‪ .‬وبل دراســةٍ علمي ـةٍ جدي ـةٍ لــتراث تولســتوي‬
‫ف‬ ‫الفلسفي والفني في البلد العربية‪ ،‬ل يمكـن وضـع تصـورٍ كـا ٍ‬
‫دم‬ ‫ل حول المعنى العالمي لدب الكاتب الروسي‪ ،‬الــذي ق ـ ّ‬ ‫وكام ٍ‬
‫للنسانية‪ .‬كمــا يقــول فلديميــر ايليتــش لينيــن‪ ....":‬روائع الدب‬
‫العالمي"‪-40).‬ص‪. (11‬‬
‫أغنى تراث تولسـتوي الدب العربـي وتغلغــل إلـى أعمـاقه‪،‬‬
‫ولكن حتى الن ل يوجد فــي المكتبــة العربيــة‪ ،‬ول فــي المكتبــة‬
‫الروســية كتــاب بعنــوان "ل‪.‬ن‪ .‬تولســتوي والدب العربــي فــي‬
‫ن هـذه الدراسـة تحـاول سـد ّ هـذا‬ ‫القرن العشرين"‪ ،‬ولـذلك فــإ ّ‬
‫هذه الدراسة تعالج موضوعا ً جديــدا ً‬ ‫ن‬
‫النقص‪ .‬ونستطيع القول إ ّ‬
‫في مجال الدب المقارن‪.‬‬
‫ً‬
‫ة‪ ،‬تحليل ً موضــوعيا لســتيعاب إبــداع ليــف‬ ‫نقــدم‪ ،‬لول مــر ٍ‬
‫تولستوي ولمعرفته في البلد العربية‪.‬‬
‫ة‪ ،‬في أثناء دراسة تأثير أدب ليف تولستوي‬ ‫وكذلك لول مر ٍ‬
‫علــى الدب العربــي المعاصــر نقــدم تحليل ً لترجمــة مؤلفــات‬
‫تولستوي إلى اللغة العربّية‪ .‬ونقدم رسائل الشــيخ محمــد عبــده‬
‫إلى تولستوي‪.‬‬
‫لم يتطرق النقد الدبـي العربـي‪ ،‬وكـذلك لـم يتطـرق النقـد‬
‫الدبي الروســي إلــى موضــوع مقارنــة نظــرات ليـف تولســتوي‬
‫حول الديانات وحول رجال الدين مع نظرات الكت ّــاب والشــعراء‬
‫ن النقــد الدبــي‪ ،‬لــم‬‫العــرب حــول الموضــوع المــذكور‪ .‬كمــا أ ّ‬
‫يخصص موضــوعا ً لتـأثير فلســفة ليــف تولســتوي علــى فلســفة‬
‫ميخائيل نعيمة‪.‬‬
‫ن هذا العمل العلمي‪ ،‬يطرق بابًا‪ ،‬لم يطرق سابقا‪ً،‬‬ ‫وهكذا فإ ّ‬
‫وهو طرح ومعالجــة مســائل تــأثير إبــداع تولســتوي علــى الدب‬
‫العربي المعاصر‪.‬‬
‫ة‪ ،‬علــى اهتمــام المــواطنين‬ ‫تعرف القراء الروس‪ ،‬أول مــر ٍ‬
‫العـــرب بشخصـــية وبإبـــداع ل‪.‬ن‪ .‬تولســـتوي مـــن مـــذكرات‬
‫س‪.‬يا‪.‬يلباتيفسكي بعنوان "مصر" التي نشرها فـي عـام ‪،1909‬‬
‫والتي عّبر بها عن انطباعاته التي تركتها بنفســه زيــارته لمصــر‪.‬‬
‫ب روســي اهتــم‬ ‫يعتــبر‪ -‬ي‪ .‬يــو‪.‬كراتشكوفســكي أول مســتعر ٍ‬
‫ودرس الــدور‪ ،‬الــذي لعبــه ويلعبــه إبــداع تولســتوي فــي بلــدان‬
‫المشرق العربي‪ .‬نشر الكاديمي ي‪.‬يو‪.‬كراتشكوفسكي في عام‬
‫ة "في مجلة "الداب الجنبية" العــدد )‪ (12‬بعنــوان‬ ‫‪ 1910‬مقال ً‬
‫"الكّتاب الّروس في الدب العربــي"‪ .‬نشــرت المقالــة بمناســبة‬
‫وفاة الكاتب الروسي العظيم ليــف تولســتوي‪ .‬تتضــمن المقالــة‬
‫ة لترجمة مؤلفات الكّتاب الروس إلى اللغة العربيــة‪ ،‬ومــع‬ ‫دراس ً‬
‫تقديم بعض المعلومات عن المترجمين‪ .‬جديرة بالهتمام دراسة‬
‫أ‪.‬أ‪.‬ديميتريفسكي‪ ،‬بعنوان‪":‬الدب الروســي بالترجمــة العربيــة"‪،‬‬
‫التي نشرت في عام ‪ ،1915‬كما نشر الناقــد‪ :‬ب‪.‬ي‪.‬بيريوكــوف‬
‫دراسة" بعنوان "تولسـتوي والشــرق"‪ ،‬وذلــك فــي عـام ‪،1924‬‬
‫وبعد أقل من نصف قرن أصدر أ‪.‬ي‪.‬شيفمن كتابا ً بعنــوان "ليــف‬
‫تولســتوي والشــرق"‪ ،‬الــذي صــدر عــام ‪ ،1971‬كمــا أصــدرت‬
‫الــدكتورة آّنــا أركاييفنــا دالينينــا أكــثر مــن دراســةٍ حــول هــذا‬
‫الموضوع‪ ،‬نــذكر منهــا "الدب الروســي فــي البلــدان العربيــة"‪،‬‬
‫ة بعنــوان "مــن تاريــخ‬ ‫نشرت هذه الدراســة عــام ‪ .1960‬ومقالـ ً‬
‫العلقــات الدبيــة العربي ّــة الروس ـّية")‪ ،(1963‬وتــدرس المقالــة‬
‫مســرحية الكــاتب العربــي ميخائيــل نعيمــة )البــاء والبنــون( ‪.‬‬
‫ونشرت الدكتورة آنا دالينينا‪ -‬أســتاذة الدب العربــي فــي قســم‬
‫ة‬
‫اللغة العربية وآدابها بجامعة لينينغراد الحكوميــة‪ ،‬نشــرت مقالـ ً‬
‫"بعنــوان لحــن كريتســر‪ ،‬لتولســتوي وترجمــة هــذه القصــة مــن‬
‫‪-8-‬‬
‫مــا‬ ‫الروسية إلى العربية"‪ .‬نشرت هذه المقالة في عام ‪ .1973‬أ ّ‬
‫"لحن كريتسر" فترجمت إلى اللغة العربية في عام ‪ 1903‬فــي‬
‫القاهرة‪ .‬ترجمها من اللغة الروسّية سليم قبعين‪.‬‬
‫ة‪ ،‬سـاعدتني‬ ‫وجدت هذه العمال مـادة غنّيـة‪ ،‬وأفكـارا ً مهمـ ً‬
‫في دراسة موضوع‪ :‬ليف تولستوي والدب العربي‪.‬‬
‫وأثناء كتابة هذه الدراسة‪ ،‬استفدنا من أعمال الباحثين حول‬
‫حيــاة ليــف تولســتوي وإبــداعه‪ .‬نــذكر مــن هــؤلء البــاحثين‬
‫ن‪.‬ن‪.‬غوســـــيف ي‪.‬ي‪.‬زايـــــد نشـــــنور‪ ،‬ي‪.‬أ‪.‬كوبريـــــانوفي‪،‬‬
‫ك‪.‬ن‪.‬لومونوف‪ ،‬ي‪.‬أ‪.‬مايمين ل‪.‬د‪.‬اوبولسكي‪ ،‬م‪.‬ب‪.‬غرابتشــينكو‪.‬‬
‫وهناك مؤلفون وكتب كثيرة استفدنا منها‪ ،‬وبدونها مــن الصــعب‬
‫فهم واستيعاب روائع الكــاتب الروســي الخالــد‪ .‬واســتفدت مــن‬
‫البحوث والدراسات حــول الدب العربــي‪ ،‬لّنهــا ضــرورية لفهــم‬
‫ل أو بــآخر‪ ،‬لهــم علقــة بــأدب‬ ‫إبداع الدباء العرب‪ ،‬الــذين‪ ،‬بشــك ٍ‬
‫تولستوي وبأفكاره‪.‬‬
‫ة‬
‫ٍ‬ ‫ـ‬ ‫لغ‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫وبأي‬ ‫ـر‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الحاض‬ ‫وقتنا‬ ‫في‬ ‫ما‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫د‬‫بل‬ ‫في‬ ‫مايكتب‪،‬‬ ‫يجد ّ ك ّ‬
‫ل‬
‫تأثيرا ً له في البلد ًالخرى‪ ،‬وفي آداب الشعوب الخرى‪ ،‬وعــادةً‬
‫يكون التأثير سريعا‪ .‬تتــأثر آداب شــعوب الرض بكاملهــا بعضــها‬
‫ببعضــها الخــر ول يوجــد فــي زمننــا الحاضــر أدب منغلــق علــى‬
‫ة‪.‬‬‫ب كــثير ٍ‬ ‫نفسه‪ .‬ووقــع ليــف تولســتوي تحــت تــأثير آداب شــعو ٍ‬
‫والمواد الكثيرة التي نعالجها في دراستنا هــذه‪ ،‬تجمعهــا الفكــار‬
‫التي جمعت بين نظرات تولستوي ونظرات الكّتاب العرب إلــى‬
‫الوجود‪ ،‬وإلى الحياة‪ .‬يجرنا الحديث حول تولستوي إلى الحديث‬
‫حول الفلسفة‪ ،‬وحول التاريخ‪ ،‬وحول الدين وحول اللحاد‪ ،‬فهذه‬
‫العلوم النسانية مترابطة‪ ،‬ويتأثر بعضها ببعض ولها علقة وثيقــة‬
‫بالدب‪ .‬فهم الدبــاء والقــراء العــرب‪ ،‬تولســتوي فــي كــثيرٍ مــن‬
‫علــى أّنــه‬ ‫الحيان‪ ،‬على أّنه فيلسوف أو حكيم‪ ،‬أكثر مما فهموه‬
‫كاتب وفنان وأديب ومســرحي وروائي‪ ،‬فقــد رأى بعضــهم فيــه‪،‬‬
‫أحيانًا‪ ،‬مناضل ً في سبيل اليمــان الحقيقــي الصــحيح‪ ،‬أو مناضـل ً‬
‫ضــد الكنيســة‪ ،‬أو مناضــل ً فــي ســبيل حصــول الفلحيــن علــى‬
‫ب‬‫ق‪ ،‬أو على القل على جان ٍ‬ ‫حقوقهم‪ .‬وكان هؤلء جميعا ً على ح‬
‫يكـ ٍ‬
‫ـن فنان ـا ً فحســب‪ ،‬بــل كــان‬ ‫ن تولستوي لم‬ ‫كبيرٍ من الحق‪ ،‬ل ّ‬
‫إنسانًا‪ ،‬يعيش اهتمامات عصره ومشاكله‪.‬‬
‫حاولنــا فــي هــذا العمــل إثبــات قانونيــة عمليــة تــأثير إبــداع‬
‫وتعــاليم "ل‪.‬ن‪.‬تولســتوي علــى تطــور الدب العربــي‪ ،‬والنقــد‬
‫العربي‪ ،‬وكذلك على نشاط الترجمة‪ ،‬وبــوجهٍ خــاص فــي مطلــع‬
‫القرن العشرين‪ ،‬أيّ قبل الحــرب العالميــة الولــى‪ ٍ ،‬وقبــل قيــام‬
‫الثورة الشتراكية في روسيا‪ ،‬في عام ‪.1917‬‬
‫يمكن الستفادة من هذا العمل في عمليــة فهــم دور إبــداع‬
‫تولستوي فــي الدب العــالمي‪ ،‬كمــا يمكــن الســتفادة مــن هــذا‬
‫البحث في دراسة العلقات الدبية العربية‪-‬الروسية‪.‬‬
‫يتألف هذا البحث من مقدمة وثلثة أجزاء وخاتمة‪ ،‬وملحــق‪،‬‬
‫وقائمة بعناوين المصادر‪.‬‬
‫نتحدث في المقدمة حول تاريخ الموضــوع‪ ،‬وحــول البحــوث‬
‫في هذا الموضوع‪ ،‬كما نتحدث عن وظائف هذا البحث وأهــدافه‬
‫الرئيسية‪.‬‬

‫يخصص الجزء الول لدراسة تاريــخ معرفــة القــراء العــرب‬


‫ل‪ ،‬بل عرف فترات ل‬ ‫أدب تولستوي‪ ،‬لم يكن هذا التاريخ متواص ً‬
‫ط‪ ،‬وارتبــط ذلــك بالعلقــات السياســية بيــن البلد‬
‫مبــالة‪ ،‬وهبــو ٍ‬
‫العربيــة وبيــن روســيا‪ .‬وأتحــدث فــي هــذا الجــزء عــن علقــة‬
‫تولستوي بالدب العربي وبالكّتاب والقراء العرب‪.‬‬
‫‪-9-‬‬
‫تحدثنا في الجـزء الول عـن مقـالت الكّتـاب العـرب حـول‬
‫تولستوي كما تحدثنا عن الرسائل‪ ،‬التي وصــلت إلــى تولســتوي‬
‫من البلد العربية‪ ،‬كتب إلى تولستوي قراء عاديون مثل مواطنة‬
‫سورية اسمها رمزية‪ .‬كما كتــب لــه مفكــرون عــرب كبــار مثــل‬
‫الشيخ محمد عبــده‪ ،‬رئيــس جامعــة الزهــر‪ ،‬فــي مطلــع القــرن‬
‫العشــرين‪ ،‬مفــتي الــديار المصــرية‪ .‬وقي ّــم عالي ـا ً روائع الكــاتب‬
‫الروسي ليف تولستوي‪ ،‬وتفهم الكثير من أفكاره‪.‬‬
‫نتحدث في هذه الدراســة حــول رثــاء أميــر الشــعراء أحمــد‬
‫شــوقي لتولســتوي‪ ،‬وحــول رثــاء حــافظ إبراهيــم لتولســتوي‪،‬‬
‫ونتحدث حول رثاء جميل صدقي الزهاوي للكاتب الروسي‪ .‬كما‬
‫دم تحليل ً للدراسات العربية حول تولستوي‪ ،‬ونبدي ملحظاتنــا‬ ‫نق ّ‬
‫على ترجمة مؤلفات تولستوي إلى اللغة العربي ّــة‪ .‬ونــبّين ســبب‬
‫اختيار هذا المؤلف وليس غيره للترجمة ومدى تطــابق الترجمــة‬
‫خر‬ ‫ن المترجم يس ّ‬ ‫مع الصل‪ ،‬وسبب عدم التطابق أحيانًا‪ ،‬حيث أ ّ‬
‫ن وفــي بلـدٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ـ‬ ‫معي‬ ‫ن‬
‫ـيإذزمـ ٍ‬‫ة‪ ،‬فـ‬
‫أعمال تولستوي لنشر فكرةٍ معين ٍ‬
‫عنهــا الفكــرة‬ ‫تغيــب‬ ‫ن‪ .‬ونــبّين عيــوب هــذه الترجمــة‪،‬‬
‫معيــ ٍ‬
‫الساسية مــن العمــل البــداعي‪ ،‬أيّ الفكــرة الــتي يهــدف إليهــا‬
‫تولستوي من عمله‪ ،‬ونبّين سبب غيـاب الفكـرة الساسـية‪ .‬هـل‬
‫تعمد المترجم ذلك‪ ،‬أو أّنه لم يتفهم العمل الذي ترجمه؟‬
‫وكــان الجــزء الثــاني بعنــوان "الفكــار الفلســفية والغيبيــة‬
‫والدينية والجتماعية عند تولستوي وبعض الدباء العرب"‪ .‬انتقــد‬
‫ة‪،‬‬ ‫ـدورها‪ ،‬غيــر مباليـ ٍ‬ ‫ليف تولستوي الكنيسة ولم تكن الكنيسة‪ ،‬بـ‬
‫كل أحـد أسـباب‬ ‫بنقد تولستوي لها‪ .‬فعاقبته بالحرمان‪ ،‬الـذي شـ ّ‬
‫شــعبيته وجمــاهيريته‪ ،‬كتــب ب‪.‬ي‪.‬بيريوكــوف‪":‬أراد المجتمــع‬
‫المقدس‪ ،‬أن يقضي على تأثير تولستوي على الشــعب‪ ،‬فحرمــه‬
‫من الكنيسة‪ ،‬ولكن المجمع المقــدس أخطــأ بــذلك‪ ،‬لن ّــه ســاعد‬
‫تولستوي على كسب الشهرة العالمية"‬
‫)‪ -92‬ص ‪. (392‬‬
‫ة‪ ،‬بمــا فــي ذلــك‪،‬‬ ‫حازت أفكار تولستوي على شــهرةٍ عالميـ ٍ‬
‫ة‬‫انتشرت في البلد العربية‪ .‬ونلحظ في المشرق العربــي موجـ ً‬
‫ة في مطلع القرن العشرين للصلح‪ .‬عّبر عــن هــذا التجــاه‬ ‫قوي ً‬
‫الكاتب أمين الريحاني‪ ،‬وفرح أنطون‪ ،‬وميخائيل نعيمه‪ ،‬وجــبران‬
‫خليل جبران‪ ،‬ومصـطفى لطفـي المنفلـوطي واليـاس فرحـات‪،‬‬
‫وندره حداد‪.‬‬
‫نادى كثير من الدباء العرب بتخليــص الــدين مــن القشــور‪،‬‬
‫وبإعادة صفائه إليه‪ ،‬وبالتركيز على الحقائق‪ .‬فكان الجزء الثاني‬
‫من هذه الدراسة حـول هـذا الموضـوع‪ ،‬ومقارنـة هـذه الفكـار‬
‫بنظرات تولستوي حول هذا الموضوع الــذي طالمــا أقلقــه إلــى‬
‫آخر ساعات حياته‪.‬‬
‫وفي الجزء الثالث أجري مقارنة بين "ميخائيل نعيمة وليــف‬
‫تولستوي" وأتحدث فــي هــذا الجــزء عــن المــدارس الروســية‪،‬‬
‫التي افتتحتها الجمعية الروســية الفلســطينية فــي نهايــة القــرن‬
‫ل مــن ســوريا‬ ‫التاسع عشر وفي مطلع القرن العشــرين فــي كـ ّ‬
‫وفلسطين ولبنان‪ ،‬لعبت هــذه المــدارس دورا ً كــبيرا ً فــي نشــر‬
‫الدب الروســي فــي البلد العربيــة‪ .‬وتخــرج ميخائيــل نعيمــة )‬
‫‪ (1988-1889‬من إحدى هذه المدارس‪ .‬وعلى حد ّ قــوله‪ ،‬قــرأ‬
‫ل مــن‬ ‫وأعاد قراءة الكّتاب الــروس البــارزين جميعـًا‪ .‬ولحــظ كـ ّ‬
‫ي‪.‬يــو‪.‬كراتشكوفســكي وأ‪.‬أ‪.‬دالينينــا تــأثير الدب الروســي علــى‬
‫إبداعه‪.‬‬
‫حاولت في هـذا الجـزء الكشـف عـن تبنـي ميخائيـل نعيمـه‬
‫لفلســفة تولســتوي وللجــوانب اليجابيــة والســلبية فــي هــذه‬
‫الفلسفة‪ .‬تبني ميخائيل نعيمه نقاط الضعف‪ ،‬والقوة في فلسفة‬
‫‪- 10 -‬‬
‫دمنا تحليل ً لعمــاله مــن هــذه الزوايــة‪ .‬فتعرضــنا‬
‫تولســتوي‪ .‬وق ـ ّ‬
‫لمسرحيته "الباء والبنون")‪ (1917‬ولمجموعته القصصية "كان‬
‫ياما كان")‪ ، (1927‬ولكتابه "دوروب")‪ (1932‬ولكتابه "جــبران‬
‫خليل جبران")‪ (1934‬ولمؤلفاته "البيادر" )‪" (1945‬مــرداد" )‬
‫‪" ، (1947‬أكابر")‪" ، (1956‬أبعد من موسكو ومــن واشــنطن")‬
‫‪" ، (1957‬أبـــو بط ّـــه")‪" ، (1958‬ســـبعون")‪" ، (1959‬اليـــوم‬
‫الخير")‪. (1963‬‬
‫وفي نهاية الدراسة أقدم الستنتاجات‪ ،‬التي توصلت إليها‪.‬‬
‫وفــي الملحــق أقــدم انطباعــات الــزوار العــرب لمتحفــي‬
‫تولستوي في موسكو وفي قريته ياسنايا بوليانا‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪- 11 -‬‬
‫الجزء الول‪:‬‬
‫تاريخ معرفة القراء والكّتاب العرب‬
‫لبداع ليف تولستوي‬
‫يي ي ي ييي يييي ييي‪:‬‬
‫‪ - 1‬يييييي ييي ي‬
‫قبل أن أتحدث عـن تاريـخ معرفـة القـراء والكّتـاب العـرب‬
‫إبداع ليف تولستوي‪ ،‬لبأس فــي أن نتوقــف قليل ً عنــد موضــوع‬
‫علقة تولستوي بالدب العربي‪.‬‬
‫في أيلول من عام ‪ ،1844‬قبــل ليــف تولســتوي طالبـا ً فــي‬
‫جامعــة كــازان‪-‬كليــة اللغــات الشــرقية‪ ،‬قســم اللغــتين التركي ّــة‬
‫والعربّية‪ ،‬ولقد اختــار ليــف تولســتوي هــذا الختصــاص لســببين‪:‬‬
‫الول لّنه أراد أن يصبح دبلوماسيا ً في الشرق العربي‪ ،‬والثاني‪،‬‬
‫لّنه مهتم بآداب شعوب الشرق‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لقد أضمر الكــاتب الروســي احترامـا خاصـا للدب العربــي‪،‬‬
‫والثقافــة العربيــة‪ ،‬والدب الشــعبي العربــي‪ .‬فعــرف الحكايــات‬
‫العربيــة منــذ طفــولته‪ .‬عــرف حكايــة "علء الــدين والمصــباح‬
‫السحري"‪ .‬وقرأ "ألف ليلــة وليلــة"‪ ،‬وعــرف حكايــة "علــي بابــا‬
‫والربعون حرامي"‪ ،‬وحكاية "قمر الزمان بين الملك شهرمان"‪،‬‬
‫ولقد ذكر هاتين الحكايتين ضمن قائمــة الحكايــات‪ ،‬الــتي تركــت‬
‫في نفسه أثــرا ً كــبيرًا‪ ،‬قبــل أن يصــبح عمــره أربعــة عشــرعامًا‪.‬‬
‫وكتب حول هذا الموضوع في رسالته‬
‫)‪-114‬ص‪ ، (67‬إلى م‪.‬م‪ .‬ليدرلي بتاريـخ ‪ 25‬تشـرين الّول مـن‬
‫عام ‪.1891‬‬

‫وهنــاك دليــل آخــر علــى احــترام ليــف تولســتوي للــتراث‬


‫العربي‪ .‬فيـذكر الكــاتب‪ ،‬أن ّــه أمضــى إحــدى الليـالي فــي غرفــة‬
‫جدته‪ ،‬وأصغى إلى حكايات المحدث العمى ليف ستيبا نفتــش‪،‬‬
‫ة‪ ،‬ومنهــا حكايــة "قمــر‬ ‫ة كــثير ً‬
‫ت عربيـ ً‬ ‫الــذي كــان يعــرف حكايــا ٍ‬
‫الزمان بن الملك شهرمان"‪.‬‬
‫كتـــب ف‪.‬ف‪.‬لزورســـكي فـــي مـــذكراته‪":‬وحـــدثنا ليـــف‬
‫ة‪ ،‬من "ألــف ليلــة وليلــة"‪ ،‬حيــث تحــول‬ ‫ة عربي ً‬
‫نيكوليفتش حكاي ً‬
‫ب كــثيرا ً الحكايــات العربيــة‪،‬‬‫س‪ ،‬إّنه يح ـ ّ‬‫ٍ‬ ‫الساحرة المير إلى فر‬
‫ويقدّرها تقــديرا ً عالي ـًا‪.‬ويقــول‪ :‬يجــب معرفتهــا منــذ الطفولــة‪...‬‬
‫ويرى تولستوي إّنها نافعة أكــثر مــن مقالــة "مــاهي الليبراليــة"‪،‬‬
‫التي نشرت في مجلة "النقد الدبي")‪،162‬ص ‪. (460‬‬
‫من‬ ‫عتب ليف تولستوي على خ‪.‬د‪ .‬التشيفسكيا‪ ،‬لّنها لم تضــ ّ‬
‫قائمة الكتب المقترحة للقراءة الشعبية الحكايات العربية فكتب‬
‫ن الشــعب يرغــب‬ ‫لها‪" ،‬لماذا لم تقــترحي الحكايــات العربيــة؟ إ ّ‬
‫قراءتها! هذا تقصير من جانبك‪،‬‬
‫‪- 12 -‬‬
‫)‪ 84‬ص‪. (111-‬‬
‫ة‬
‫ً‬ ‫ـ‬ ‫طبع‬ ‫ـره‪،‬‬‫ـ‬ ‫عم‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـرة‬‫ـ‬ ‫الخي‬ ‫ـنة‬‫ـ‬ ‫الس‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـتوي‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫تولس‬ ‫اســتلم‬
‫ل سروٍر‪.‬‬ ‫ة جديدة ً "للف ليلة وليلة"‪ ،‬وقرأها من جديد ٍ بك ّ‬ ‫فرنسي ً‬
‫تعود علقة تولستوي الولى بــالدب الشــعبي العربــي إلــى‬
‫عام ‪ ،1882‬فلقــد نشـر فــي ملحــق مجلتــه التربويـة )يـا سـنايا‬
‫بوليانا( ‪ ،‬بعض الحكايات العربية الشعبية‪ ،‬منها حكاية "علي بابا‬
‫والربعين حرامي"‪.‬‬
‫يرى النقاد السوفييت‪ ،‬ومنهم أ‪.‬ي‪.‬شيفمن والناقــدة ي‪.‬زايــد‬
‫ة فــي الســبعينات مــن‬ ‫ت عربيـ ً‬ ‫ن تولستوي نشــر حكايــا ٍ‬ ‫نشنور أ ّ‬
‫القرن الماضي بعد أن أعطاها طابعا ً روســيًا‪ ،‬مثل ً غي ّــر الســماء‬
‫ة‪ ،‬محتفظـا ً بــالفكرة الساســية‪ ،‬وبالشــكل‬ ‫العربية بأسماء روسي ٍ‬
‫الفني للحكاية وبأحــداث الحكايــة‪ .‬واختــار تولســتوي الحكايــات‬
‫جــد العمــل‪ ،‬ولســيما العمــل بــالرض‪ ،‬وتــدين‬ ‫العربيــة‪ ،‬الــتي تم ّ‬
‫الملوك‪ ،‬ولسيما الظالمين منهم‪.‬‬
‫تذكرنا حكاية من حكايات "ألف ليلة وليلة" بقصة تولســتوي‬
‫"لحن كريتسر" وهي حكاية‪" :‬الملك شهريار وأخيه الملــك شــاه‬
‫ن زوجته مثل زوجة الملك‬ ‫زمان"‪ .‬فيقول بطل قصة تولستوي إ ّ‬
‫شهريار التي خانت زوجها مع عبده‪ ،‬والتي قتلت الملك شهريار‪،‬‬
‫ة عبـدا ً‬ ‫وقتل عبده لّنه" وجد زوجته راقــدةً فــي فراشــه‪ ،‬معانقـ ً‬
‫أسود من العبيد")‪1‬ص‪. (6‬‬
‫وذهب بعد ذلك إلى مدينة أخيه الملك شاه زمان‪ ...‬وعــرف‬
‫ن بطـل قصـة‬ ‫أيضا ً أن زوجة أخيه تخونه مع العبد مسعود‪...‬أيّ أ ّ‬
‫"لحن كريتسر" ‪ ،1889‬يتذكر مطلع "ألف ليلة وليلــة"‪ ،‬ويش ـّبه‬
‫حالته بحالة الملك شهريار‪.‬‬
‫ويذكر تولستوي مشهدا ً من مشاهد "ألف ليلة وليلـة"‪ ،‬وهـو‬
‫مشهد مــن الحكايــة الخامســة مــن حكايـات الســندباد البحــري‪،‬‬
‫يذكر مشهدا ً من هذه الحكاية في بحثه‪" ،‬عبودية عصرنا"‪ ،‬الـذي‬
‫أّلفه عام)‪. (1900‬‬
‫وتـرى الباحثـة أولغـا فرالوفـا‪ -‬رئيسـة قسـم اللغـة العربيـة‬
‫ن روايــة تولســتوي "آنــا‬ ‫وآدابها في جامعة لينينغراد الحكومية‪ ،‬أ ّ‬
‫كارينينا" التي كتبت مابين عام ‪ -1873‬وعــام ‪ 1877‬ذات طــابع‬
‫دل‬ ‫ب شــرقي‪ .‬بقــي فقــط أن نب ـ ّ‬ ‫شرقي‪ ،‬وكأنها كتبت بقلم كــات ٍ‬
‫ة‪ ،‬وكأّنهــا‬ ‫السماء‪ ،‬فالحداث تجري في الرواية بحماسـةٍ وحــرار ٍ‬
‫تجري تحت سماء الشرق‪ ،‬وتستمد قلوب البطال حرارتهــا مــن‬
‫شمس الشرق‪.‬‬
‫ن عقوبــة القتــل‬ ‫والملحظــة الثانيــة علــى هــذه الروايــة‪ ،‬أ ّ‬
‫القدري الذي تنتهي إليه بطلة الرواية‪ ،‬قلما نجــدها فــي روايــات‬
‫الكّتاب الغربييـن‪ .‬فبطلـة الروايـة )آّنـا كارنينـا( ‪ ،‬خـانت زوجهـا‪،‬‬
‫وتلقت عقوبتها من الحياة نفسها‪ .‬لم يقتلها زوجهــا‪ ،‬ولــم يقتلهــا‬
‫عشيقها فرونسكي‪ ،‬وإّنما رمــت بنفســها تحــت عجلت القطــار‪.‬‬
‫وتمزق جسدها بين عجلت القطار وسكة الحديد‪ .‬رمــت نفســها‬
‫دون أن يكون لديها عمد مسبق‪ .‬هكذا انتهــت حيــاة آنــا كارينينــا‬
‫ة‪ .‬تمزق جسدها تحت عجلت القطار‪ ،‬بعد أن‬ ‫ة قاسي ً‬ ‫ة مؤلم ً‬ ‫نهاي ً‬
‫مزقته الحياة‪ ،‬فخسرت ابنها أيّ فقدت جزءا ً منها من قلبها‪ ،‬من‬
‫جسدها‪ ،‬قبل أن تنتحر‪ ،‬أو تفكر بالنتحار‪ .‬فهذه النهايــة القاســية‬
‫لخطيئة الخيانة الزوجّية‪ ،‬قلما تتصف بها روايــة أوروبيــة‪ ،‬فكأنهــا‬
‫رواية شرقية‪.‬‬
‫كتب تولســتوي قصــة "الحــاج مــراد" مــابين عــامي ‪-1896‬‬
‫ن هناك تأثيرا ً للدب العربي‪ .‬ولكننــا‬ ‫‪ ،1905‬ول نستطيع القول إ ّ‬
‫ة مثــل مــراد‪ ،‬شــامل‪ ،‬محمــد‪ ،‬أحمــد‪ ،‬ســعدو‪،‬‬ ‫نقرأ أسماًء عربي ـ ً‬
‫ة‪ ،‬مثــل‪ ،‬الســلم عليكــم‪ ،‬ول إلــه إل الل ّــه‪.‬‬ ‫ت عربي ـ ً‬ ‫ونقــرأ عبــارا ٍ‬
‫‪- 13 -‬‬
‫ونتحسس تعاطف تولستوي مع الحاج مراد وتفهمه لشخصيته‪.‬‬
‫ن تولسـتوي نظـر إلـى شخصـية الرسـول‬ ‫والجدير بالـذكر أ ّ‬
‫العربي نظرة ً كّلها احترام وتقدير ولعل أكبر دليل على ذلك أّنــه‬
‫حكم النبي محمد" فــي عـام‬ ‫أصدر كتابا ً باللغة الّروسية بعنوان " ِ‬
‫ن كــاتب روســيا العظيــم‬ ‫د‪ ،‬إذ أ ّ‬‫‪ ،1909‬أيّ قبل وفاته بعــام ٍ واحـ ٍ‬
‫وقصد تولســتوي مــن كتــابه هــذا الــدفاع‬ ‫توفي في عام ‪،1910‬‬
‫عن السلم‪ .‬نقــل هـذا الكتــاب مــن اللغـة الروسـّية إلـى اللغـة‬
‫العربّية في عام ‪ ،1912‬خريج دار المعلمين الروسية في مدينــة‬
‫الناصرة بفلسطين واسمه سليم قبعين‪ ،‬الذي كان يعتــبر نفســه‬
‫حكــم‬ ‫من أتباع مذهب تولستوي واســتند تولســتوي فــي كتــابه " ِ‬
‫النبي محمد" على كتاب حول هــذا الموضــوع صــدر فــي الهنــد‬
‫باللغة النكليزية في عام ‪ 1908‬لمؤلفه عبد الله السهروردي‪.‬‬
‫ن تولســتوي قــرأ القــرآن الكريــم‬ ‫ولبد ّ مــن الشــارة إلــى أ ّ‬
‫باللغة الفرنسية وتوجد نســخة مــن القــرآن الكريــم فــي مكتبــة‬
‫ليف تولستوي في بيته في قريته "ياسنايا بوليانا"‪ .‬وترك الكاتب‬
‫الروســي بعــض الملحظــات‪ ،‬الــتي تــدل علــى قراءتــه للقــرآن‬
‫خة محفوظة في مكتبته البيتيــة الــتي تحــولت‬ ‫الكريم‪ .‬هذه النس ّ‬
‫ي‪.‬‬‫ف أدب ٍ‬ ‫في يومنا الحاضر إلى متح ٍ‬
‫ويــرى الــدكتور عبــد اللــه ركيــبي فــي مقــالته "تولســتوي‬
‫والسلم"‬
‫ن تولستوي من بيــن الــذين اعــترفوا بمــا فــي‬ ‫)‪ 80‬ص‪ ، (288‬أ ّ‬
‫تراثنا من قيـم ٍ إنســانيةٍ ودعــوةٍ إلــى المحبــة والتســامح والخيــر‬
‫والعدل والرحمة والعطاء والمساواة‪.‬‬
‫كتب ليف تولستوي إلى ابنه‪ ،‬الذي كان يزور مصر‪ ،‬ووصل‬
‫ة يطلــب يطلــب منــه‬ ‫إلى مدينة أسوان في عـام ‪ ،1904‬رسـال ً‬
‫فيها أن يزوده ببعض المعلومات حول الشرق‪.‬‬
‫جرت مراسلت في العام نفسه بين تولستوي وبين الشــيخ‬
‫محمد عبده مفتي الديار المصرية‪ ،‬ورئيس جامعة الزهر آنذاك‪.‬‬
‫كتب الشيخ محمد عبده إلى تولستوي وأجابه تولستوي‪ .‬ونشعر‬
‫ن نظرتهمــا إلــى أمــور الــدنيا‬ ‫مــن خلل قــراءة مراســلتهما أ ّ‬
‫متشابهة ومتقاربة‪.‬‬
‫توجــد فــي مكتبــة تولســتوي الخاصــة كتــب تاريخيــة‪ ،‬تثبــت‬
‫اهتمام الكاتب الروسي العظيم بالشرق‪ .‬من هذه الكتب "تاريخ‬
‫الدولة الشورية منذ قيامها حتى سقوط نينوى"‪ ،‬الذي صدر عام‬
‫‪ ،1902‬لمؤلفه روفــازيني وكتــاب للبرفســور اندرســون "تاريــخ‬
‫حضارات الشــرق المنــدثرة"‪ ،‬الــذي صــدر عــام ‪ .1904‬وكتــاب‬
‫للبرفسور استافييف "آثار بابل وآشــور‪ ،‬المكتشــفات الحديثــة"‪،‬‬
‫عام ‪ ،1882‬كما تحفظ مكتبة تولستوي كتابـا ً بعنــوان "القصــص‬
‫الســورية" لمــؤلفه كوندوروشــكين‪ ،‬صــدر عــام ‪ ،1908‬وكتاب ـا ً‬
‫بعنوان الساطير العربية "لمؤلفه ابن علي"‪.‬‬
‫م"‪،‬‬‫يو ٍ‬ ‫من تولستوي كتابا ً له بعنوان "أفكار الحكماء لك ّ‬
‫ل‬ ‫وض ّ‬
‫ـوال‬ ‫الــذي صــدر عـام ‪ ،1903‬كــثيرا ً مـن المثــال والحكـم والقـ‬
‫المأثورة العربية وأصدر بعد ذلك جزءا ً ثانيا ً لهــذا الكتــاب‪ ،‬الــذي‬
‫ة‪.‬‬‫منه أيضا ً أمثال ً عربي ً‬‫ألفه مابين عامي )‪ (1910-1906‬وض ّ‬
‫لقد أجاب تولستوي برسالته المؤرخــة بتاريــخ ‪ 8‬تمــوز عــام‬
‫‪ 1908‬مـــن قريتـــه "ياســـنايا بوليانـــا"‪ ،‬رجـــل الـــدين واســـمه‬
‫ســولوفيوف‪ ،‬الــذي طلــب منــه العــودة إلــى رحــاب الكنيســة‬
‫الروسية‪ ،‬أجابه بما يلي‪"-:‬فــي إحــدى الحكايــات العربيــة قــرأت‬
‫ة‬
‫ة عربي ـ ً‬ ‫مايلي‪ 108)...":‬ص‪ ، (178‬ويذكر هنــا تولســتوي حكاي ـ ً‬
‫ن الّله يتقبل الصلة‪ ،‬التي تصــدر مــن أعمــاق القلــب‪،‬‬ ‫خلصتها أ ّ‬
‫حتى وإن كانت بالشكل ل تتطابق مع الصلوات التقليدية ويقول‬
‫‪- 14 -‬‬
‫ن هذه الحكاية أعجبته كثيرًا‪.‬‬
‫تولستوي إ ّ‬
‫هذه المثلة‪ ،‬إن دلت على شيء‪ ،‬فإّنما تــدل علــى الحــترام‬
‫الكبير الذي تضمنه فكر كــاتب الرض الروســية العظيــم وتراثــه‬
‫للشعب وللتاريخ وللفكر وللدب وللتراث العربي‪.‬‬
‫***‬

‫‪ (2‬يييييي ييي ييييييي ي ي ييي يي‬


‫ييييي ييييي ييييي ييييييي‪.‬‬
‫لقد ترك ليف تولستوي أثــرا ً كــبيرا ً فــي الشــعب الروســي‪،‬‬
‫وفي الشعوب الجنبية‪ ،‬وله شعبية كبيرة في البلد الجنبية‪.‬‬
‫كتب الناقـد الروسـي الكـبير أ‪.‬س‪.‬سـوفورين فـي يوميـاته‪،‬‬
‫بتاريخ‬
‫‪ 29‬أيار ‪ 1901‬مايلي‪:‬‬
‫"يوجد عندنا‪ ،‬في روسيا‪ ،‬قيصــران‪ :‬نيكــولي الثــاني‪ ،‬وليــف‬
‫تولســتوي‪ ،‬مــن منهمــا القــوى؟ ل يســتطيع نيكــولي الثـاني أن‬
‫يفعل شيئا ً مع تولستوي‪ ،‬ل يســتطيع ه ـّز عرشــه‪ ،‬فــي حيــن أ ّ‬
‫ن‬
‫ك‪ ،‬يهّز عرش نيكولي وعــائلته")‪137‬ص‪(263‬‬ ‫تولستوي‪ ،‬وبل ش ٍ‬
‫‪.‬‬
‫بماذا نســتطيع تفســير ســر قــوة تولســتوي؟ رأى فلديميــر‬
‫ايليتش لينين قوة الفنان الروســي فــي كــوّنه عب ّــر عــن مصــالح‬
‫مليين الفلحين الروس‪ ...‬يكتب في مقالته "ليــف تولســتوي"‪)،‬‬
‫ة فحســب‪،‬‬ ‫ت فنيــ ً‬‫ن تولســتوي لــم يبــدع مؤلفــا ٍ‬ ‫‪": (1910‬وإ ّ‬
‫ستقدرها الجماهير وتقرأها دائمـا ً عنـدما تخلــق ظروفـا ً جـديرةً‬
‫بالنسان لحياتها‪ ،‬بعد أن تطيح بنير الملكين والرأســماليين بــل‪،‬‬
‫إّنه قـد عـرف أيضـا ً كيـف يعكـس بقـوةٍ رائعـةٍ الحالـة الفكريـة‬
‫للجماهير الواسّعة المظلومة مــن قبــل النظــام القــائم‪ ،‬ويصــف‬
‫وضــعها‪ ،‬ويعّبــر عــن مشــاعرها العفويــة‪ ،‬مشــاعر الحتجــاج‬
‫والغضب"‪-39)،‬ص‪. (70‬‬
‫ساعدت هذه الميزة الهامة من ميزات إبداع ليف تولستوي‬
‫على انتشار هــذا البــداع وعلــى جمــاهيريته وشــعبيته العالميــة‪.‬‬
‫ولكن في مطلع القرن العشرين‪ ،‬لقت اهتمام ـا ً خاص ـا ً تعــاليمه‬
‫الدينية والخلقية‪.‬‬
‫لقد كتب فلديمير ايليتش لينين حول تولستوي‪ ،‬في المقالة‬
‫ن تولستوي الفنان المعــروف لــدى أقليــة ضــئيلة‬ ‫النفة الذكر "إ ّ‬
‫فقط حتى في روسيا")‪-39‬ص‪ ، (69‬ونستطيع أن نتــابع الفكــرة‬
‫ن تولســتوي المفكــر والفيلســوف والــواعظ‬ ‫نفســها‪ ،‬فنقــول إ ّ‬
‫ما‬‫معروف ليس فقط في روسيا‪،‬وإّنما أيضا ً في البلد الجنبية‪ ،‬أ ّ‬
‫ن تولســتوي‬ ‫كروائي فهو غيرمعروف حتى في روسيا وكذلك فــإ ّ‬
‫ف وليس كروائي‪ ،‬وحــول هــذه‬ ‫اشتهر في البلد العربية كفيلسو ٍ‬
‫النقطة الدكتورة آنا اركاديفنا دالينينا‪ -‬أستاذة الدب العربي فــي‬
‫قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة لينينغراد الحكوميــة كتبــت‬
‫مــايلي‪" :‬فــي الســنوات الولــى مــن القــرن العشــرين‪ ،‬كــانت‬
‫ظ‪ ،‬أكـثر‬‫شهرة كبيرة في البلد العربية‪ ،‬كمفكرٍ وواعـ ٍ‬ ‫لتولستوي‬
‫من كونه فنانا ً )‪-123‬ص‪. (202‬‬
‫ن جمــاهير البلد العربيــة‪ ،‬كــانت بالدرجــة الولــى‪ ،‬مــن‬ ‫إ ّ‬
‫الفلحين المظلومين والمقهورين‪ ،‬ومـن الـذين لـم يصــل إليهـم‬
‫الوعي الثوري‪ ،‬فكانت نسبة المية في مطلـع القـرن العشـرين‬
‫ن هـذه الرضـّية كـانت‬ ‫عالية جـدا ً فـي البلد العربيـة ولـذلك فـإ ّ‬
‫ة‪ ،‬لن تلقى تعــاليم تولســتوي جماهيريــة واس ـّعة فــي البلد‬ ‫جيد ً‬
‫‪- 15 -‬‬
‫العربية آنذاك‪ .‬الظروف الحياتية للفلحيــن العــرب كــانت تشــبه‬
‫ظروف حياة الفلحين الروس‪.‬كتب فلديمير ايليتش لينيــن فــي‬
‫مقالته "تولستوي والنضال البروليتاري")‪ ، (1910‬مايلي‪:‬‬
‫"بلســان تولســتوي‪ ،‬كــانت تتكلــم الجمــاهير الغفيــرة مــن‬
‫الشعب الروسي التي صارت تكره سادة الحياة الراهنه‪ ،‬والــتي‬
‫ل حاسم ٍ ل هـوادة فيـه ضــد هــؤلء السـادة‪،‬‬ ‫لما تتوصل إلى نضا ٍ‬
‫ر‪ ،‬إلى النهاية")‪ 40‬ص‪. (13‬‬ ‫ب‪ ،‬سائ ٍ‬ ‫ل واٍع‪ ،‬دائ ٍ‬ ‫إلى نضا ٍ‬
‫مممم ممممم "ممممممم ممممممم" مم ممم ‪:1903‬‬
‫"أصــبحت مؤلفــات الكــونت ليــف تولســتوي مشــهورةً فــي‬
‫ت مــن مقــالته‪ ،‬الــتي‬ ‫سوريا‪ .‬تنشر المجلت السبوعية مقتطفا ٍ‬
‫جذبت انتباه السوريين بسبب صدقها‪ ،‬وأثارت نقاش المواطنين‬
‫السوريين في أثناء أيام العطلة وفي أثناء العمل‪ ،‬وبــوجه خــاص‬
‫حول المواضيع الدينية‪ .‬فلقد نشر رئيس تحرير مجلة "الجامعة"‬
‫سيرة حيــاة تولســتوي‪ ،‬وكتــب بإيجــاز عــن نظراتــه الفلســفية‪،‬‬
‫وآرائه‪ .‬ونشرت إحدى الجرائد العربيــة الترجمــة الكاملـة لقصـة‬
‫تولستوي "لحن كريتســر")‪-183‬ص‪) ، (5‬المقصــود هنــا ترجمــة‬
‫ســليم قبعيــن( ‪ ،‬ورئيــس تحريــر مجلــة "الجامعــة" هــو الكتــاب‬
‫والروائي فرح أنطون‪.‬‬
‫يــذكر أ‪.‬فيــدوروف فــي مقــالته "حكيــم مــن حيفــا" كلمــات‬
‫ي اسمه عباس الفنـدي‪ ،‬الـتي تشـهد علـى انتشـار‬ ‫مواطن عرب ّ‬
‫أفكــار ٍ تولســتوي بيــن الجمــاهير العربيــة فــي مطلــع القــرن‬
‫العشرين‪ .‬قال عباس الفندي لفيدوروف مايلي‪":‬يجب أن يكون‬
‫ن تولسـتوي منـه‪ ،‬ولكـن تولسـتوي‬ ‫الشعب الروسـي سـعيدًا‪ً ،‬ل ّ‬
‫ن‬
‫ّ‬ ‫ل‬ ‫روسـيا‪.‬‬ ‫ـل‬‫ـ‬ ‫مث‬ ‫ٍ‬ ‫د‬ ‫بلـ‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ولـد‬ ‫نه‬‫أيضا ً يجب أن يكون سعيدا‪ ،‬ل ّ‬
‫عظمــة روح الشــعب الحقيقــي تصــنع عظمــة الكــاتب‪ .‬ظهــرت‬
‫تعاليم تولستوي كعطاٍء من أعماق الرض‪ ،‬ولذلك فإّنهــا رجعــت‬
‫تولستوي‪.‬كلمات حكيم ٍ‬‫إلى الرض كمطرٍ معطاء"‪ 153)،‬ص‪ - (3‬هذه هي‬
‫من حيفا في مطلع القرن العشرين حول‬
‫شق مجد تولستوي طريقــه‪ ،‬فــي مطلــع القــرن العشــرين‬
‫إلى القرى المصرية النائيــة‪ .‬كتــب س‪.‬يلباتيفســكي فــي مقــالته‬
‫ن الفلحيــن المصــريين‬ ‫بعنــوان "مصــر" حــدثنا أحــد الصــدقاء أ ّ‬
‫طلبوا منه أن يحدثهم عن فلســفة تولســتوي وتعــاليمه وحيــاته‪،‬‬
‫ت متــأخرٍ مــن الليــل وكلمــا رغــب‬ ‫واستمعوا إلى حديثه حتى وق ٍ‬
‫فــي النصــراف‪ ،‬ألحــوا عليــه لمتابعــة الحــديث حــول الكــاتب‬
‫الروسي ")‪181‬ص‪. (135‬‬
‫وطالب الفلحون المصريون بإرســال صــور تولســتوي لهــم‬
‫ليروا وجه الرجل الحكيم‪ ،‬علما ً بــأن بعــض المــذاهب الســلمية‬
‫آنذاك كانت تحرم التصوير‪.‬‬
‫يمكــن تفســير انتشــار مؤلفــات ليــف تولســتوي فــي البلد‬
‫ن أفكـاره كـانت تلئم مرحلـة التطـور التاريخيـة الـتي‬ ‫العربية بأ ّ‬
‫كانت تمر بها البلد العربية‪.‬‬
‫فقد عّبر تولستوي عن كراهية الفلحيــن‪ ،‬للنظمــة القائمــة‪،‬‬
‫جهم السياسي‪ .‬وجــدت هــذه‬ ‫وفي الوقت ذاته عّبر عن عدم نض ّ‬
‫ة لهــا فــي البلد المســتعمرة والمقهــورة‬ ‫ة طيبــ ً‬ ‫الفكــار تربــ ً‬
‫والمستغلة ولدى الشعوب المظلومة التي تعاني من الســتعمار‬
‫الجنبي‪ ،‬والتي ترغب في التخلص من نير المحتــل‪ ،‬ولكنهــا لــم‬
‫تتفهــم بعــد الطريــق الثــوري‪ .‬وكمــا هــو معــروف‪ ،‬وقعــت‬
‫ن‬ ‫البلدالعربية تحت نير الستعمار العثماني أكثر من أربعـة قـرو ٍ‬
‫منذ مطلع القرن السادس عشر إلى مطلع القرن العشرين‪.‬‬
‫ما إن تحررت الدول المستعمرة من نير الستعمار التركي‪،‬‬
‫حتى سقطت دولــة تلــو الخــرى تحــت نيــر الســتعمار الغربــي‪.‬‬
‫‪- 16 -‬‬
‫فاستعمرت فرنسا المغرب والجــزائر وتــونس ولبنــان وســوريا‪،‬‬
‫واســتعمرت بريطانيــا مصــر والســودان والعــراق وفلســطين‪،‬‬
‫واستعمرت إيطاليا ليبيا‪ .‬وهكذا وقعت الدول العربيــة تحــت نيــر‬
‫الدول الثلث الجنبية المذكورة‪.‬‬
‫كان للثقافة الوروبية في الشرق العربي تأثير إيجابي علــى‬
‫ص ســـاعدت‬ ‫القـــل فـــي النـــواحي الثقافيـــة‪ ،‬وبـــوجهٍ خـــا‬
‫الثقافةالوروبية على تطور مايسمى بالدب العربي ٍالحديث في‬
‫مصر وسوريا‪.‬‬
‫ن الحملــة‬ ‫ولقد أوضــح الكــاديمي ي‪.‬يــو‪.‬كراتشكوفســكي أ ّ‬
‫الفرنسية عرفت العرب على المطبعــة‪ ،‬ويقصــد حملــة نــابليون‬
‫بونابرت على مصر مــا بيــن عــامي )‪ ، (1801-1798‬ونشــطت‬
‫حركة الترجمة في مصر‪ ،‬وبوجهٍ خاص فــي عهــد محمــد علــي )‬
‫‪ ، (1849-1805‬ولذلك فإّننا نستطيع ٍأن نســمي هــذه المرحلــة‬
‫مرحلة التنوير أكثر مما هي مرحلة البداع الدبي‪.‬‬
‫يتميز مطلع القــرن العشــرين بنهضـةٍ قويـةٍ لحركــة التحــرر‬
‫الوطني في بلد الشرق‪ .‬عمت موجة الحركة الوطنية التحرري ّــة‬
‫البلد العربية خصوصًا‪ ،‬تأسست أحزاب وطنّية‪ ،‬تهــدف بالدرجــة‬
‫الولى إلى تحرير الرض العربية من الحتلل الجنــبي‪ .‬فأســس‬
‫مصطفى كامل )‪ (1908-1874‬عام ‪ ،1907‬حزبًا‪ ،‬أطلق عليــه‬
‫اسم "الحزب الوطني" الذي كان يهدف إلــى تحريــر مصــر مـن‬
‫الحتلل النكليزي‪.‬‬
‫ولعل مصطفى كامل من أبرز المفكرين العــرب فــي نهايــة‬
‫ة مــن‬ ‫القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين‪ .‬نشر مجموع ً‬
‫مقالته في صحيفة "اللـواء" الـتي عمـل رئيسـا ً لهيئة تحريرهـا‪.‬‬
‫وفي القاهرة أيضا ً لعبت مجلـة "الخـاء" دورا ً كـبيرا ً فــي حركـة‬
‫ة مــن ترجمــة ســليم‬ ‫الترجمــة‪ .‬فنشــرت هــذه المجلــة مجموع ـ ً‬
‫قبعين‪ ،‬الذي عمــل رئيس ـا ً لتحريــر المجلــة المــذكورة وصــاحبها‬
‫اعتبارا ً من عام ‪.1924‬‬
‫تخرج سليم قبعين في الثانوية الروسية في مدينة الناصــرة‬
‫بفلسطين وكان من أوائل الذين تخرجوا في هذه الثانوية‪ .‬وكان‬
‫ة‪ .‬ولقلمــه‬ ‫يتقـن اللغـة الروسـية‪ ،‬ومتزوجـا ً مــن مواطنـةٍ روسـي ٍ‬
‫الفضل في ترجمـة العديـد مـن المؤلفـات الروسـية إلـى اللغـة‬
‫العربية‪ ،‬منها ترجمة "لحن كريتسر" لتولستوي عام ‪ ،1903‬كما‬
‫أّلف كتابا ً حول تولستوي بعنوان "تعاليم تولستوي"‪ ،‬وذلــك فــي‬
‫عام ‪.1901‬‬
‫تخرج في ثانوية الناصرة الروسية مترجم آخر اســمه خليــل‬
‫بيــدس الــذي أصــدر فــي حيفــا اعتبــارا ً مــن عــام ‪ 1909‬مجلــة‬
‫"النفائس" بدأت ترجمة مؤلفات تولستوي عــن اللغــة الروســية‬
‫إلى اللغة العربيــة‪ .‬وأصــبحت مؤلفــات الكــاتب الروســي تظهــر‬
‫ة بعد أخرى‪.‬‬ ‫باللغة العربية بصورةٍ متزايدةٍ سن ً‬
‫أخذت تتعزز في الدب العربي في مطلع القــرن العشــرين‬
‫النزعات الواقعية‪ ،‬نلحظ هذه التطلعات إلى الواقعية في الدب‬
‫العربي في المهجـر وفــي الدب العربـي المعاصـر‪ ،‬الـذي نشــر‬
‫على الرض العربية‪.‬‬
‫ظهــر الدب العربــي فــي المهجــر فــي النصـف الثـاني مـن‬
‫القــرن التاســع عشــر‪ ،‬واســتمر فــي النصــف الول مــن القــرن‬
‫العشــرين إلــى يومنــا الحاضــر‪ .‬ظهــر هــذا الدب فــي أمريكــا‬
‫الشمالية وفي أمريكا الجنوبية‪ ،‬ومن أبرز أدباء المهجــر‪ ،‬جــبران‬
‫خليــل جــبران)‪- (1931-1883‬عميــد الرابطــة القلميــة الــتي‬
‫تأسست في مدينة نيويورك‪ ،‬في الوليات المتحدة المريكية ما‬
‫بيــن عــامي )‪ . (1931-1920‬وميخائيــل نعيمــه )ولــد فــي عــام‬
‫‪- 17 -‬‬
‫‪ (1889‬مستشار الرابطة‪ ،‬ورشيد أيــوب‪ ،‬ونــدره حــداد‪ ،‬ووليــم‬
‫كاتسفليس‪ ،‬ووديع باحوط والياس عطا اللــه‪ ،‬ونســيب عريضــه‪،‬‬
‫وإيليا أبو ماضي‪ ،‬وعبد المسيح حداد وأمين الريحاني‪.‬‬
‫ة من الدبــاء المــذكورين وهــم‬ ‫ن ثلث ً‬‫ولبد ّ من الشارة إلى أ ّ‬
‫نسيب عريضه وعبد المسـيح حـداد‪ ،‬وميخائيـل نعيمـه‪ ،‬هـم مـن‬
‫خريجي دار المعلمين الروسية‪ ،‬في مدينة الناصره‪ ،‬بفلسطين‪.‬‬
‫يتميــز الدب المهجــري بســهولة التعــبير‪ ،‬وحلوة التلــوين‪،‬‬
‫ولطافة الوقع‪ ،‬وسلمة الذوق‪ ،‬فلقد اتخــذ الدب المهجــري مــن‬
‫الكلمة رسول ً ل معّرضا ً للزياء اللغوية والبهرجة العروضية‪ ،‬آمن‬
‫هــذا الدب بقدســية الكلمــة‪ ،‬فكــان أدب ـا ً صــادقًا‪ .‬ولعــل الميــزة‬
‫الساســية لهــذا الدب هــي محــاولته التجديــد فـــي الشــكل‬
‫والمضمون مع الحفاظ على الصالة‪.‬‬
‫هــدف الدب المهجــري إلــى بــث روٍح جديــدةٍ نشــيطة فــي‬
‫الخمــول والتقليــد‪ ،‬إلــى‬ ‫جسم الدب العربي وانتشاله من وهدة‬
‫ة في حيــاة المــة‪ ،‬يســتمد الدب الحقيقــي‬ ‫حيث يصبح قوة ً فعال ً‬
‫غذاءه من تربة الحياة ونورهــا وهوائهــا ‪ ...‬وهــذا يعنــي التجديــد‪،‬‬
‫وفي الوقت ذاته يعني الستفادة من تــراث فطاحــل المفكريــن‬
‫ب‬‫والشـعراء العـرب فـي العصـور الماضـية‪ .‬وكـان موضــوع حـ ّ‬
‫الرض وتقديسها‪ ،‬والحنين إلى الوطن من أهم المواضــيع الــتي‬
‫تطرق إليها الدب العربي في المهجر‪.‬‬
‫بــرزت هــذه الصــفات واضــحة جليــة فــي مؤلفــات الكــاتب‬
‫العربــي الكــبير أميــن الريحــاني )‪ ، (1940-1876‬ونجــد هــذه‬
‫الميزات المذكورة في مؤلفاته "الريحانيــات")‪" ، (1910‬ملــوك‬
‫العــــرب")‪" ، (1924‬فيصــــل الول")‪" ، (1933‬الــــرحلت")‬
‫‪ ، (1939‬ونجدها في آثار الريحاني الخرى‪.‬‬
‫برزت هذه الخصائص فــي أدب جــبران خليــل جــبران‪ ،‬فــي‬
‫بــاكورة أعمــاله "الموســيقى" )‪ ، (1905‬وفــي كتــابه‪" :‬الرواح‬
‫المتمردة")‪ ، (1908‬وفي قصته "الجنحة المتكسرة")‪، (1912‬‬
‫وفــي مجمــوعته "دمعــة وابتســامة" )‪ ، (1914‬ونجــدها فــي‬
‫قصيدته "المواكب" عام )‪ ، (1919‬وفي كتابه‪" :‬العواصف" عام‬
‫)‪ ، (1920‬وفي كتابه‪" :‬النبي" عام )‪ (1923‬وفي كتابه‪":‬يسوع‬
‫ابن النسان" عام)‪. (1928‬‬
‫نلحظ هـذه الصـفات فـي مؤلفـات الكـاتب العربـي الكـبير‬
‫ميخائيل نعيمـه الـتي سـبق ذكرهـا فـي مقدمـة هـذه الدراسـة‪.‬‬
‫ونذكر هنا مؤلفات نعيمة "الغربــال" عــام )‪ ، (1923‬و"الوثــان"‬
‫عام)‪ ، (1946‬و"هوامش" عام )‪. (1965‬‬
‫في الوقت ذاته‪ ،‬الذي كانت تنادي فيــه القلم العربيــة فــي‬
‫المهجر بتجديد الدب‪ ،‬كانت في مصر أقلم عربية تبث في أدبنا‬
‫ة‪ ،‬متـأثرة بنسـيمات الغـرب‪ .‬كـانت‬ ‫ة جديـد ً‬ ‫العربـي روحـا ً عربيـ ً‬
‫المحاولة الولى قبل حوالي مئة عام‪ .‬قام بها رفاعة الطهطاوي‬
‫)‪ ،(1873-1801‬الذي حاول نقل الثقافــة الغربيــة إلــى الثقافــة‬
‫العربية‪ ،‬لكي تستطيع الخيــرة تجاوزعصــور الظلم المملوكيــة‪-‬‬
‫العثمانيــة‪ .‬فهــو رائد‪ ،‬أو علــى القــل أحــد رواد حركــة النهضــة‬
‫العربية الحديثة‪ .‬وتظهر آراؤه في معظم مؤلفاته‪ ،‬ولســيما فــي‬
‫كتابه "تخليص البريز في تلخيص باريز"عام)‪(1834‬‬
‫وكان ناصيف اليازجي )‪ (1871-1800‬أحد الــذين أســهموا‬
‫إسهاما ً كبيرا ً في بعث اللغة العربية والدب العربي وأحد الــذين‬
‫دعوا للوحدة العربية‪.‬‬
‫ولعــل الكــاتب العربــي الكــبير بطــرس البســتاني )‪-1819‬‬
‫‪ ، (1883‬مــن أكــبر أعلم النهضــة العربيــة فــي القــرن التاســع‬
‫عشر‪.‬‬
‫‪- 18 -‬‬
‫كان علي مبارك )‪ ، (1893-1823‬أحــد أبــرز ص ـّناع تجربــة‬
‫المجتمع العصري على امتداد مايقرب من خمسين عامًا‪ ،‬فأنشأ‬
‫دار الكتب القومية في القاهرة في )‪. (1869‬‬
‫وهناك مفكرون كبار ساهموا في وضع اللبنــات الولــى فــي‬
‫النهضــة العربي ّــة‪ ،‬نــذكر منهــم جمــال الــدين الفغــاني )‪-1838‬‬
‫‪ ، (1897‬والمام محمد عبده )‪ ، (1905-1849‬الذي ســنتحدث‬
‫عـن مراسـلته مــع تولسـتوي فــي الصـفحات التاليـة مـن هـذه‬
‫الدراســة‪ .‬وعبــد الرحمــن الكواكــبي )‪ ، (1902-1854‬وقاســم‬
‫أمين‬
‫)‪ ، (1863-1908‬الذي نادى بتحرير المرأة‪.‬‬
‫ن طـــه حســـين )‪ (1973-1889‬خطـــا‬ ‫ونســـتطيع القـــول إ ّ‬
‫ة في مجال التنــوير‪ ،‬كمــا نســتطيع القــول إّنـه قــاد‬ ‫ت واسع ً‬ ‫خطوا ٍ‬
‫مشروع التنوير الثاني‪ ،‬فلقد أعاد النظر فــي تاريــخ الدب العربــي‬
‫في كتابيه "في الدب الجاهلي" و"حــديث الربعــاء" وفــي أعمـاله‬
‫البداعية "اليام" صدر الجزء الول منها فــي عــام ‪ ،1929‬وصــدر‬
‫الجزء الثاني في عام )‪ ، (1939‬وصدر الجــزء الثــالث فــي عــام )‬
‫‪ (1967‬وفي قصته "دعاء الكروان" عام )‪ ، (1934‬وفــي قصــته‬
‫"شجرة البؤس"‪ ،‬والتي صدرت عام )‪. (1954‬‬
‫بعد ذلك أخذ الدب العربــي الحــديث فــي القــرن العشــرين‬
‫يتطور علــى أيــدي كت ّــاب كبــار منهــم نجيــب محفــوظ‪ ،‬وتوفيــق‬
‫الحكيم‪ ،‬ويوسف إدريس ومحمود تيمور‪ ،‬وعبد السلم العجيلي‪،‬‬
‫وحنا مينه‪ ،‬وغيرهم كثير‪ .‬حاول هؤلء الدباء بث روح جديدةٍ في‬
‫الدب العربي‪ ،‬ترفعه إلى مستوى الداب العالميــة ٍالمعاصــرة‪.‬‬
‫فكان شعارهم تصوير الحياة تصــويرا ً واقعي ـًا‪ ،‬ولقــد عب ّــروا فــي‬
‫ة‬
‫أدبهم عن الشعار المــذكور‪ .‬فكــانت مواضــيع مؤلفــاتهم واقعيـ ً‬
‫ة‪ .‬واختاروا أبطالهم من الوسط العادي‪ .‬وكان تصويرهم‬ ‫وعصري ً‬
‫لهؤلء البطال ولحياتهم تصويرا ً مفصل ً وصادقًا‪ .‬قــاموا بتجــارب‬
‫التحليل النفسي واختاروا أسلوبا ً بعيــدا ً عــن الزخــارف اللفظيــة‬
‫ت‪ ،‬فكان أسلوبهم واضــحا ً‬ ‫ت واستعارا ٍ‬ ‫التقليدية من سجٍع وكنايا ٍ‬
‫أن نجد هذه الميــزات فــي قصــة حســين هيكــل‬ ‫وبسيطًا‪ .‬يمكن‬
‫"زينــب" عــام )‪ ، (1914‬وفــي أعمــال إبراهيــم المــازني‪ ،‬وفــي‬
‫أعمال غيرهما من الدباء العرب في القرن العشرين‪.‬‬
‫ومع كل هذا‪ ،‬يرى بعض النقــاد علــى هــذه المدرســة بعــض‬
‫الملحظات لّنها في تصويرها للواقع ل تعب ّــر عــن وجهّــة النظــر‬
‫ن هــذه المدرســة لــم تخــدم بالقــدر الكــافي‬ ‫الثورية‪ .‬ولــذلك فــإ ّ‬
‫حركــة النضــال التحــرري الثــوري الــوطني‪ .‬وتكمــن هنــا نقطــة‬
‫ور هؤلء الدباء الواقع‪ ،‬وكانت مؤلفــاتهم مــن صــميم‬ ‫ضعفها‪ .‬ص ّ‬
‫الحياة‪ ،‬إل أّنها لم تجد في نفسها القوة للجابة عن السئلة التي‬
‫كانت تقلق الشعب العربي‪.‬‬
‫ص‬‫خــافـ ٍ‬ ‫ن الدب الروســي‪ ،‬وبــوجهٍ‬ ‫ك فــي أ ّ‬‫ل يوجد أدنــى ش ـ ٍ‬
‫ـي‬ ‫أدب تولستوي لعب دورا ً هاما ً فــي تطـور التجــاه الــواقعي‬
‫الدب العربي المعاصر وكــذلك فــي طــرح الكــثير مــن الســئلة‬
‫وفي معالجتها‪.‬‬

‫‪ -3‬يي ييي ييي ييي ييي يي يي ي يي ي‬


‫ييي‪:‬‬ ‫يييي‬
‫اهتــم بشخصــية ليــف تولســتوي وبإبــداعه القــراء العــرب‬
‫العاديون والكّتاب والنقاد والمترجمون العرب‪ .‬بدأ هذا الهتمــام‬
‫بأدب تولستوي في مطلع القـرن العشـرين‪ ،‬ولـم يضـعف حـتى‬
‫يومنا الحاضر‪.‬‬

‫‪- 19 -‬‬
‫تبرهن على صحة هذا المر الرسائل‪ ،‬التي استلمها الكــاتب‬
‫الروسي العظيم من القراء العرب‪.‬‬
‫بدأت هذه الرسائل تصله منذ عام ‪ 1901‬من مصر‪ .‬وأجاب‬
‫تولستوي على معظمها‪ ،‬وأبدى تعاطفه مع أصحابها‪.‬‬
‫فاستلم ليف تولستوي في عام )‪ (1901‬في قريته )ياسنايا‬
‫ن مصري‪ ،‬اسمه جبرائيل ساس‪،‬‬ ‫مواط ٍ‬ ‫بوليانا( ثلث رسائل من‬
‫هذه الرسائل بشــيٍء مــن المحبــة‬ ‫وأجاب الكاتب الروسي على‬
‫والتفهم والتعاطف‪.‬‬
‫ففي رسالته الولى المؤرخة بتاريخ ‪ 26‬تمــوز ‪ 1901‬يقــول‬
‫جبرائيل ساس إّنه يتمنى أن تصل رسالته إلــى تولســتوي‪ ،‬وهــو‬
‫بتمــام الصــحة والعافيــة ويطلــب مــن الل ّــه الحفـاظ علــى حيــاة‬
‫تولستوي لحاجــة الفقــراء إليــه‪ .‬فلقــد أصــبح الشــعب الروســي‬
‫عظيمًا‪ ،‬برأي جبرائيل‪ ،‬لعتناقه المسيحية ولتخلصه من الوثنيــة‪،‬‬
‫ويستطيع الشعب الروسي الن التقدم بفضل تعاليم تولســتوي‪،‬‬
‫ن هذه الرسالة محفوظة في متحف تولســتوي‬ ‫والجدير بالذكر أ ّ‬
‫الدبــي فــي موســكو‪ ،‬فــي قســم المخطوطــات وتحمــل الرقـم‬
‫‪.6/237‬‬
‫أجاب ليف تولستوي على معظــم الرســائل‪ ،‬الــتي اســتلمها‬
‫مــن القــراء العــرب‪ ،‬مــن معلمــة مــن القــاهرة‪ ،‬الــتي تتمنــى‬
‫ب مصري يطلب مــن‬ ‫لتولستوي الصحة وطول العمر‪ ،‬ومن طال ٍ‬
‫ة من روايــة "آنــا كارينينــا"‪،‬‬ ‫كاتب الرض الروسية العظيم نسخ ً‬
‫مع الهداء على الصفحة الولى بخط تولستوي نفسه‪.‬‬
‫ة‬
‫ة مــن فتــاةٍ عربيـةٍ ســوريةٍ مؤرخـ ٍ‬ ‫واستلم تولستوي رســال ً‬
‫بتاريــخ ‪ 10‬تشــرين الول عــام ‪ ،1904‬تطلــب صــاحبة الرســالة‬
‫واســمها رمزيــة عــويفني فــي رســالتها مــن تولســتوي إرســال‬
‫صورته لتعليقها في بيوت السوريين‪ ،‬الذين يحبونه ولنشرها في‬
‫الجرائد والمجلت السورية‪.‬‬
‫ن رسالة رمزية عــويفني مكتوبــة‬ ‫ولبأس من الشارة إلى أ ّ‬
‫باللغة الروســية ومحفوظــة فــي متحــف تولســتوي الدبــي فــي‬
‫موسكو وتحمل رقم ‪ /1/146/204‬أجاب ليــف تولســتوي علــى‬
‫رسالة الفتـاة العربيـة السـورية بتاريـخ ‪ 11‬شـباط عـام ‪،1905‬‬
‫وســمع كــثير مـن مــواطني سـوريا برســالة تولسـتوي ونشــرت‬
‫المجلت والصحف‪ ،‬الصادرة في دمشق في ذلك الوقت صــورة‬
‫تولستوي وبعد ذلك كتبت رمزية عويفني رسـالتين إلـى الكـاتب‬
‫الروسي وشكرته على طيبه وعلى تلبية طلبها‪.‬‬
‫كتب إلى ليف تولستوي أحد الناشرين العرب في ‪ 16‬تمــوز‬
‫عام ‪ 1908‬يطلب في رسالته الموافقة على ترجمة روايــة "آن ّــا‬
‫كارينينا" ونشرها في القاهرة باللغة العربيــة‪ ،‬ورأى هــذا الناشــر‬
‫ن رواية "آّنا كارينينا" ستلقي نجاحا ً كبيرا ً في المجتمع العربي‪،‬‬ ‫أ ّ‬
‫حيث لم تتمكن أغلبية القراء العرب من التعرف جيدا ً على فــن‬
‫تولستوي الروائي‪ .‬أجاب الكاتب الروســي علــى هــذه الرســالة‪،‬‬
‫بأّنه يسمح لجميع المترجمين والناشرين ترجمة ونشــر مؤلفــاته‬
‫ي‬
‫ت وفــي أ ّ‬ ‫ل مادي ويستطيع المترجمون فــي أيّ وق ـ ٍ‬ ‫دون مقاب ٍ‬
‫ن نشر مؤلفاته دون موافقته‪.‬‬ ‫مكا ٍ‬
‫***‬

‫‪- 20 -‬‬
‫‪ - 4‬يييي ييي ييي يي ييي ي يي ييي‬
‫يييي يييييييييييييي ييييي يييي ي‬
‫يي‬ ‫ييييي‬
‫ييي‪.‬‬ ‫ي ييييييييي‬ ‫ييي‬
‫اهتــم بشخصــية تولســتوي وبــتراثه ليــس فقــط القــراء‬
‫العاديون‪ ،‬وإّنما أيضا ً كّتـاب عـرب كبـار‪ .‬ولعـل الكـاتب والشـيخ‬
‫محمد عبده )‪ (1905-1849‬رئيس جامعة الزهــر آنــذاك‪ ،‬كــان‬
‫أول الكّتاب العرب‪ ،‬الذين تبادلوا الرسائل مع الكــاتب الروســي‬
‫العظيم ليف تولستوي )‪ . (1910-1828‬فبعد أن حــرم المجمــع‬
‫الكنسي المقدس تولستوي عام ‪ ،1901‬من الكنيسة لنقده لهــا‬
‫ص فــي روايتــه‬ ‫بــوجهٍ عــام ٍ فــي مؤلفــاته العديــدة‪ ،‬وبــوجهٍ خــا‬
‫ـب ٍ‬
‫الشــيخ محمــد‬ ‫"البعث"‪ ،‬الــتي صــدرت فــي عــام ‪ .1899‬كتـ‬
‫ة لتولســتوي بتاريــخ ‪ 18‬نيســان عــام ‪ ،1904‬ويــرى‬ ‫عبده رســال ً‬
‫دوا المؤلفـات الكاملـة لتولسـتوي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الّنقاد السـوفييت‪ ،‬الـذين أعـ‬
‫ن رسـائل المفكـر العربـي‬ ‫والتي بلغ مجموعها تسعين مجلـدًا‪ ،‬أ ّ‬
‫ده إلــى تولســتوي مفقــودة‪ ،‬ويوجــد لــديهم جــواب‬ ‫محمــد عبــ ّ‬
‫تولستوي على رسالة محمد عبده‪ ،‬ومن خلل رســالة تولســتوي‬
‫ن رســالة‬ ‫قــاد الســوفييت أ ّ‬ ‫الجوابية إلــى محمــد عبــده يتوقــع الن ّ‬
‫قــاد الســوفييت رأيهــم‬ ‫محمد عبده تتعلق بأمور الــدين‪ .‬كتــب الن ّ‬
‫هذا في شرحهم لرسالة تولستوي الجوابية لمحمد عبــده )‪115‬‬
‫ن رسالة الشــيخ محمــد عبــده‪ ،‬إلــى تولســتوي‬ ‫ص‪ . (92‬علما ً بأ ّ‬
‫محفوظة بخط محمد عبده وباللغة العربية في متحف تولستوي‬
‫الدبي في موسكو‪ ،‬وتحمل الرقم )‪ . (204/5‬ونشرت الرســالة‬
‫المذكورة مع رسالة أخرى من محمد عبده إلــى تولســتوي فــي‬
‫المجلد الثاني من العمال الكاملة للمام محمد عبده‪.‬‬
‫يكتب محمد عبده في رسالته الولى إلــى تولســتوي‪" :‬أّيهــا‬
‫الحكيم الجليل‪ ،‬موسيوتولستوي‪ ....‬لم نحظ بمعرفــة شخصــك‪،‬‬
‫ولكنا لم نحرم التعارف بروحك‪ ،‬سطع علينــا نــور مــن أفكــارك‪،‬‬
‫وأشــرقت فــي آفاقنــا شــموس مــن آرائك‪ ،‬ألفــت بيــن نفــوس‬
‫العقلء ونفســك‪ .‬هــداك الل ّــه إلــى معرفــة الفطــرة الــتي فطــر‬
‫ن‬
‫الناس عليها‪ ،‬ووفقك إلىالغاية التي هدى البشر إليها فأدركت أ ّ‬
‫النسان جاء إلى هذا الوجـود لينبـت بـالعلم‪ ،‬ويتـم بالعمـل ولن‬
‫تكون ثمرته تعبا ً ترتـاح بـه نفسـه‪ ،‬وسـعيا ً يبقـى بـه ويرقـى بـه‬
‫جنسه وشعرت بالشقاء الذي نزل بالناس لما انحرفوا عن ســنة‬
‫الفطرة‪ ،‬واستعملوا قواهم‪ -‬التي لـم يمنحوهـا إل ليسـعدوا بهـا‪-‬‬
‫فيما كدر راحتهم‪ ،‬وزعزع طمأنينتهم‪ -29) .‬ص‪ ، (367‬ثــم يتــابع‬
‫محمـــد عبـــده رســـالته فيقـــول عـــن صـــراع تولســـتوي ضـــد‬
‫الغنياء‪ ......":‬وكما كان وجودك توبيخ ـا ً مــن الل ّــه للغنيــاء كــان‬
‫ن نفوسنا لشيقة إلى ما يتجدد‬ ‫مددا ً من عنايته للفقراء‪ ...‬هذا وإ ّ‬
‫من آثار قلمك‪ ،‬فيما تستقبل من أيام عمرك‪ ،‬وإّنا نسأل الّله أن‬
‫يمد في حياتك‪ ،‬ويحفظ عليك قواك‪ ،‬ويفتح أبواب القلوب لفهــم‬
‫ماتقول ويسوق النفوس إلى القتداء بك فيما تعمل‪ ،‬والسلم‪.‬‬
‫مممم مممممم ممممممم مممم‬
‫مممم‬
‫) ‪ 29‬م ‪. (368 -367‬‬
‫ما الرسالة الثانية فل تختلــف كــثيرا ً عــن الرســالة الولــى‪،‬‬
‫أ ّ‬
‫ويخاطب فيها محمد عبده تولســتوي قــائ ً‬
‫ل‪ :‬أّيهــا الــروح الــذكي‪،‬‬
‫صدرت من المقام العلي إلى العــالم الرضــي‪ ،‬وتجســدت فيمــا‬
‫سموه بتولستوي‪ ،‬قوي فيك اتصال روحك بمبدئه‪ ،‬فلــم تشــغلك‬
‫ن النســان‬ ‫حاجات جسدك عما تسمو إليه نفسك‪ .....‬وأدركت أ ّ‬
‫‪- 21 -‬‬
‫خلق ليتعلم فيعلم فيعمل‪ ،‬ولم يخلق ليجهــل ويكســل ويهمــل")‬
‫‪-29‬ص‪. (369‬‬
‫وما إن استلم ليــف تولســتوي رســالة الشــيخ محمــد عبــده‬
‫حتى كتب مباشرة ً إلى الناقد النكليزي كوكريلو بتاريخ ‪ 12‬أيــار‬
‫عــام )‪" : (1904‬الن اســتلمت رســالة المفــتي واعــترف لــك‬
‫ن المفــتي‬ ‫بالجميل والمتنان‪ .‬لنك حملــت لــي هــذه الرســالة‪ .‬إ ّ‬
‫يمتــدحني كــثيرا ً فــي رســالته علــى الطريقــة الشــرقية‪ ،‬ولــذلك‬
‫ة في الجابة على هذه الرسالة‪ ،‬وإّنني مسرور‬ ‫فإّنني أجد صعوب ً‬
‫جدًا‪ ،‬بمعرفتي بهذا النسان اللطيف")‪115‬ص‪. (89‬‬
‫أجاب ليف تولسـتوي علـى رسـالة محمـد عبـده وجـاء فـي‬
‫جوابه‪" :‬أّيهــا الصــديق العزيــز‪ ،‬لقــد اســتلمت رســالتك الطيبــة‬
‫والمليئة بالمديح وأجيبــك عليهــا مباشــرة ً لكــي أؤكــد لــك بــأّنني‬
‫سررت بها كثيرًا‪ ،‬أعتقــد‪ ،‬ول ُأخطــئ فــي اعتقــادي‪ ،‬وذلــك مــن‬
‫ن العقيدة التي أؤمن بها‪ ،‬وهي العقيدة‬ ‫خلل قراءتي لرسالتك‪ ،‬أ ّ‬
‫الــتي تــؤمن بهــا نفســها‪ ،‬وتتلخــص فــي العــتراف بوجــود الل ّــه‬
‫وقوانينه")‪-115‬ص‪. (92‬‬
‫ن هنــاك ديانــات كــثيرةً‬ ‫يــرى ليــف تولســتوي فــي رسـالته أ ّ‬
‫ة‪ ،‬وهــي تتلخــص فــي‬ ‫ولكن هناك عقيدة ً واحدة ً حقيقي ـ ً‬ ‫ة‬
‫ومختلف ً‬
‫اليمان بالّله الواحد وبمحبــة الخريــن‪ ،‬وبمطالبــة النــاس بعمــل‬
‫ن جــوهر الــديانات الثلث‬ ‫الخير بعضهم لبعض‪ ،‬ويرى تولستوي أ ّ‬
‫أيّ اليهودية والمسيحية والسلمية واحد‪ ،‬ويرى الكاتب الروسي‬
‫ضرورة ابتعاد الديانات عــن الطقــوس الشــكلية لكــي يســتطيع‬
‫أتباعهــا التقــرب مــن بعــض وعنــدما تبــدأ المؤسســات الدينيــة‬
‫بالبساطة‪ ،‬آنذاك تصل إلى توحيد قلوب المؤمنين‪ ،‬وينهــي ليــف‬
‫تولستوي رسالته بالتعبير عــن المشــاعر الصــادقة تجــاه الشــيخ‬
‫ن الشيخ محمد عبــده تــوفي‬ ‫محمد عبده‪ .‬ولكن مما يؤسف له أ ّ‬
‫في تموز عام ‪ 1905‬ولذلك لم تستمر هذه المراسلة‪.‬‬
‫***‬

‫‪ - 5‬يي يي يي ييي ييي ي يييييي ييي‬


‫يي‬ ‫ي‬
‫ييي‪:‬‬ ‫ي يييي‬ ‫يي‬
‫تابع الكتاب العرب تطورات حياة تولستوي وتراثه‪ ،‬ونعــرف‬
‫مقالت مصطفى لطفي المنفلوطي وأميــن الريحــاني وقصــائد‬
‫أحمد شــوقي وحـافظ إبراهيــم وجميــل صــدقي الزهــاوي حــول‬
‫تولستوي‪.‬‬
‫أرسل مصطفى لطفي المنفلــوطي )‪ ، (1924-1876‬وهــو‬
‫ممن تلقوا علومهم في جامعة الزهر التي كــان يرأســها الشــيخ‬
‫ة إلــى تولســتوي فــي عــام )‪(1910‬‬ ‫ة مفتوحـ ً‬ ‫محمد عبده رسال ً‬
‫ن تولســتوي تــرك منزلــه‬ ‫بعــد أن عــرف مــن وســائل العلم أ ّ‬
‫ة واحــدةً‬
‫ليعتزل الناس‪ .‬فابتدأ رســالته هــذه بقــوله "قــف ســاع ً‬
‫نودعــك فيهــا قبــل أن ترحــل لطيتــك‪ ،‬وتتخــذ الســبيل إلــى دار‬
‫عزلتك‪ ،‬فقد عشنا في كنفك على مابيننا وبينك مــن بعــد الــدار‪،‬‬
‫وشـط المـزار‪ ،‬عهـدا ً طــويل ً كنـا فيـه أصـدقاءك‪ ،‬وإن لـم نـرك‬
‫وأبناءك‪ ،‬وإن كان لنا آباء من دونك‪ ،‬وعزيز علينا أن تفارقنا قبل‬
‫أن نقضي حق عشــرتك بدمعـةٍ نــذرفها بيــن يــديك فــي موقــف‬
‫الوداع")‪44‬ص‪. (417‬‬
‫ثم يتحدث المنفلوطي في رسالته عن صراع تولستوي ضــد‬
‫القيصر‪" :‬قلت لقيصر‪":‬أّيها الملك‪ ،‬إّنك صنيعة الشعب وأجيــره‪،‬‬
‫ل إلهه ومعبوده‪ ،‬وإّنك في مقعـدك فـوق عرشـك ل فـرق بينـك‬
‫‪- 22 -‬‬
‫وبين ذلك الكار في المزرعة وذلك العامل في المصنع‪ ،‬كلكمــا‬
‫ن مايعمــل‪ ،‬فكمــا‬ ‫ل يعمله‪ ،‬وكلكما مأخوذ بإتقــا ٍ‬ ‫مأجور على عم ٍ‬
‫ن صاحب المصــنع يســأل العامــل هــل وفــى عملــه ليــوفي لــه‬ ‫أ ّ‬
‫أجره‪ ،‬كذلك يسألك الشعب‪ :‬هــل قمــت بحمايــة القــانون الــذي‬
‫ل؟ هــل‬ ‫ل ول تأوي ٍ‬ ‫ل إليك حراسته فأنفذته كما هو من غيرتبدي ٍ‬ ‫وك ّ‬
‫عدلت بين الناس وآسيت بين قويهم وضعيفهم‪،‬‬
‫وغنيهم وفقيرهم‪ ،‬وقريبهم وبعيدهم؟)‪44‬ص‪. (418‬‬
‫ً‬
‫ويتحدث المنفلوطي عن ملحقة القيصر لتولستوي بدل من‬
‫إصغائه لنصائحه‪.‬‬
‫ثــم يتحــدث المنفلــوطي ضــد القــوة الثانيــة الــتي تضــطهد‬
‫الشعب وهي قوة القطاع‪":‬وقلت للغرندوق الروسي‪ :‬ليس من‬
‫العدل أن تملك وحدك وأنــت نــائم فــي ســريرك‪ ،‬بيــن روضــك‪،‬‬
‫ونسيمك وظلك ومــائك‪ -‬هــذه الرض الــتي تضــم بيــن أقطارهــا‬
‫ن‪ ،‬ول يملك أحد من هؤلء المليين‪ -‬الــذين يفلحونهــا‬ ‫مليون فدا ٍ‬
‫ويحرثونهــا‪ ،‬ويبــذرون بــذورها ويســتنبتون نباتهــا‪ ،‬ويســوقون‬
‫ماشيتها‪ ،‬ويتقلبــون بيــن حرهــا وبردهــا وأجيجهــا وثلجهــا ‪-‬شــبرا ً‬
‫واحدا ً فيها‪ ،‬فاعرف لهم حقهم وأحســن القســمة بينــك وبينهــم‪،‬‬
‫وأشعر قلبك الخجل مــن منظــر شــقائهم فــي ســبيل ســعادتك‪،‬‬
‫وموتهم في سبيل حياتك‪44)....‬ص‪. (419‬‬
‫ويتحــدث المنفلــوطي عــن الحيــاة البســيطة الــتي كــان‬
‫تولسـتوي يعيشــها فلقــد كــان يعمــل فــي الحقـل مــع الفلحيـن‬
‫ويرتدي الملبس التي يرتدونها‪ ،‬ولكن القطاع لم يستمعوا إلــى‬
‫نصائحه ولم يتخذوا منه قدوة"‪.‬‬
‫ويكتب المنفلوطي عن صراع تولستوي ضد قوةٍ ثالثــةٍ هــي‬
‫قــوة رجــال الــدين‪ ،‬فكــان جــواب رجــال الــدين فــي روســيا أن‬
‫ن تولســتوي طــالبهم‬ ‫أرسلوا له كتاب الحرمان مــن الكنيســة‪ ،‬ل ّ‬
‫ن الــدين‬ ‫بتأييــد الشــعب الفقيــر ضــد الغنيــاء وضــد الملــوك‪ ،‬ل ّ‬
‫يقضي بهذا‪ ،‬وليس اللهث وراء الدنيا وزخرفها‪.‬‬
‫ويتحدث المنفلوطي عن تنديد تولستوي بتعذيب المســاجين‬
‫والمنفيين في سيبيريا‪ ،‬واستنكاره للحروب وويلتها‪ ،‬وعن دعوته‬
‫للمحبة والتسامح‪.‬‬
‫ن المنفلوطي يرى عظمـة تولسـتوي فـي صـراعه‬ ‫وهكذا فإ ّ‬
‫ل أشكالها‪ ،‬وهو ل يتطرق في رســالته‬ ‫وحيدا ً ضد قوى الشر بك ّ‬
‫هذه إلى الروايات الخالدة العالمية الــتي كتبهــا تولســتوي وهــي‬
‫رواية "الحرب والسلم" ورواية "آّنا كارينينا" ورواية "البعث"‪ ،‬ل‬
‫يتحدث المنفلــوطي عــن تولســتوي الفنــان‪ ،‬وإّنمــا يتحــدث عــن‬
‫تولستوي المصلح الجتماعي ل بل الثائر‪ ،‬فتولستوي كما حــاول‬
‫أن يفهمه المنفلوطي يشبه إلــى حـد ّ مــا البطــال الرومانســيين‬
‫الذين يقاتلون حتى آخر سهم ٍ في كنانتهم أعداءهم الكثيرين‪.‬‬
‫ن الدباء العرب جميعـًا‪ ،‬فـي مطلـع القـرن‬ ‫نستطيع القول إ ّ‬
‫العشرين لم يتطرقوا في مقالتهم حول تولستوي إلى مؤلفــاته‬
‫ص تحــدث‬ ‫الفنية‪ ،‬وإّنما اهتمــوا بمؤلفــاته الفلســفية‪ ،‬وبــوجهٍ خــا‬
‫الغنيــاء ٍ‬
‫والملكيــة‬ ‫الدبــاء العــرب عــن نضــال تولســتوي ضــد‬
‫ل‬‫الخاصة‪ ،‬ولعل مقالة الديب العربي أميــن الريحــاني خيــر دلي ـ ٍ‬
‫على صحة ذلك‪.‬‬
‫***‬
‫‪ - 6‬ييي ييي ييي ي ييييي ييي ي يي‬
‫ييي‪:‬‬ ‫يييي‬
‫نشر أمين الريحاني )‪ (1940-1876‬في عــام ‪ ،1910‬فــي‬
‫‪- 23 -‬‬
‫ة بعنــوان "تولســتوي"‪ .‬كتبــت‬ ‫المجلد الّول من الريحانيات مقال ً‬
‫هذه المقالة في العام نفسه الذي نشر فيه المنفلــوطي مقــالته‬
‫ن تولستوي ينتقد المدنية المعاصرة‪ ،‬وعلى‬ ‫المذكورة وقد فهم أ ّ‬
‫مــا‬ ‫هذا الساس يفسر ابتعاد تولستوي عن بيتــه إلــى الريــاف‪ ،‬أ ّ‬
‫ن تولستوي أدرك التنـاقض القـائم بيــن الحيـاة‬ ‫الحقيقة فكانت أ ّ‬
‫ن‬‫المترفة التي يعيشها في بيته وبين المبادئ الــتي ينــادي بهــا‪ .‬إ ّ‬
‫أمين الريحاني مثله مثل مصطفى المنفلوطي فهم فــي مقــالته‬
‫ل شـيٍء‪ ،‬ناقـد للمدنيـة المعاصـرة ولـذلك‬ ‫ن تولستوي‪ ،‬قبل كـ ّ‬ ‫أ ّ‬
‫ن الريحاني يقارن في مقالته بيــن تولســتوي وبيــن المليــونير‬ ‫فإ ّ‬
‫المريكــي مــورغن‪ ،‬أيّ أّنــه يقــارن بيــن إيــديولوجيتين‪ :‬بيــن‬
‫اليديولوجية الرأسمالية الل إنسانية وبين إيديولوجيــة تولســتوي‬
‫ن الحكومة الروسية تخاف تولستوي‪ ،‬وتخاف‬ ‫النسانية‪ ،‬ويقول إ ّ‬
‫الحكومــة المريكيــة مــورغن ولكــن أســباب الخــوف مختلفــة‪،‬‬
‫ما‬ ‫تولستوي‪ ،‬حسب وجهة نظر الريحاني عظيم في الروحيات‪ ،‬أ ّ‬
‫مــورغن فهــو عظيــم فــي الماديــات‪" .‬الول جبــار فــي الحكمــة‬
‫والثــاني جبــار فــي التجـارة والمـال")‪22‬ص‪ ،(180‬هكــذا يكتــب‬
‫أمين الريحاني مقارنا ً بين تولستوي وبين مورغن‪.‬‬
‫ن تولستوي أشهر كّتاب هــذا العصــر‪،‬‬ ‫ويرى أمين الريحاني أ ّ‬
‫وأّنــه ولــد أميــرا ً فجعــل نفســه فلحــا ً ويمثــل الحريــة والخــاء‬
‫والمحبة‪.‬‬
‫تخشــى الحكومــة الروســية تولســتوي وتهــابه علم ـا ً بــأّنه ل‬
‫يشتري نفوذه بالمال ول يعــزز قــوته الدبيــة وســلطته الروحيــة‬
‫بالجنــد والســلح ول بالجهــل والخرافــة ومــع هــذا تتعامــل معــه‬
‫حكومته كما لوكان حكومـة "أوروبيـة أخـرى مسـتقلة"‪ .‬ويكتـب‬
‫ن الحكومـــة وتولســـتوي متســـاويان ل بـــل‬ ‫الريحـــاني‪":‬نعـــم إ ّ‬
‫الفيلسوف الشهير هو أعظم مــن حكــومته وأقــوى‪ .‬فهــو يكتــب‬
‫إليها طالبا ً منها أن تقاضيه وتضــطهده إذا كــان مــايقوله ويعملــه‬
‫شــرا ً ولكــن الحكومــة الجبانــة‪ ،‬الحكومــة المســحوقة‪ ،‬بزواجــر‬
‫النفس وقوارع الضمير‪ ،‬تغض الطرف عــن تولســتوي وتضــطهد‬
‫الضــعفاء والفقــراء الــذين ينتحلــون مــذهبه ويقــرؤون كتبــه‬
‫وينصرون مبادئه")‪22‬ص‪. (182‬‬
‫ن تولســتوي يمثــل قــوة الخيــر بل‬ ‫ول تفعل الحكومة ذلك ل ّ‬
‫ن أعمـاله تنســجم مــع‬ ‫ة‪ ،‬لّنه مسلح بـالحق‪ ،‬ل ّ‬ ‫تصنٍع وتكبرٍ وأناني ٍ‬
‫ب الشــامل‬ ‫ّ‬ ‫شر بــالح‬‫ن تولستوي ب ّ‬ ‫ّ‬ ‫ويرى أمين الريحاني أ‬ ‫أقواله‪.‬‬
‫والحقـوق المتسـاوية والسـلم العـام وكـان أخـا ً للفلح وخادمـا ً‬
‫للنسانية التي تتألم من الظلم والستعباد‪" ،‬إن عظمة تولستوي‬
‫مثال حقيقـي لعظمـة المسـيح‪ ،‬هـي قائمـة بـالخلص والصـدق‬
‫والســتقامة‪ ،‬قائمــة بالعمــل الصــالح والمثــل الصــالح والفكــر‬
‫السديد فالثنان قال وفعل‪ ،‬وما المصلحون الصغار سوى أقــزام‬
‫بالنسبة إلى المصلح الحقيقي‪22)،‬ص‪. (186‬‬
‫وكان الديب أمين الريحاني قد كتب في مقال ـةٍ لــه بعنــوان‬
‫ن كتابات تولستوي تســر‬ ‫"أبناء البؤس" حول تولستوي‪":‬لشك أ ّ‬
‫المليين وتسليهم إذا لم نقل تفيدهم وتهذبهم أيضًا‪ ،‬ومن جملــة‬
‫المعجبين بهذا الرجل العظيم كثيرون من النواب ورجال الدولــة‬
‫في روسيا‪ .‬ولكن لو انتخـب تولسـتوي ليجلـس مـع المشـرعين‬
‫ونهض ليقترح على المجلــس ســن شــريعةٍ فيهــا صــيانة حقــوق‬
‫الجمهور ل حقوق الفراد‪ ،‬لو نهض فقرأ على زملئه فصــل ً مــن‬
‫ة مـن مقـالته فــي السياسـة والجتمــاع‬ ‫إحدى روايـاته‪ ،‬أو مقالـ ً‬
‫وطلـب إليهـم العمـل بمـا جـاء فيهـا فمـاذا تراهـم يفعلــون؟ أل‬
‫يضحكون في وجهه‪...‬؟")‪24‬ص‪. (146‬‬
‫ن تولســتوي‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ـها‬‫ـ‬ ‫نفس‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫المقال‬ ‫ويــرى أميــن الريحــاني فــي‬
‫يطالب بالمساواة بين الفقير والغني‪.‬‬

‫‪- 24 -‬‬
‫ن الّول‬ ‫يقــارن الريحــاني بيــن تولســتوي والقيصــر ويــرى أ ّ‬
‫أعظم من الثاني‪ .‬فيكتب في مقــالته‪":‬الحــظ والكتســاب" فــي‬
‫عام ‪..."1898‬تولستوي ل يســتطيع أن يمنــح القيصــر الروســي‬
‫شيئا ً من عقله")‪-23‬ص‪. (17‬‬
‫وبعد عام ٍ واحد ٍ فقط من كتابة المقالة المذكورة يكتــب أميــن‬
‫الريحاني مقالة بعنوان "الزواج بيـن تولسـتوي وزول"‪ ،‬وينـدد فــي‬
‫ن‬
‫هــذه المقالــة بروايــة تولســتوي‪" ،‬لحــن كريتســر"‪ ،‬ويفهــم أ ّ‬
‫م‪ ،‬وهنــا برأيــي يخطــئ أميــن‬ ‫تولســتوي يــدين الــزواج بــوجهٍ عــا‬
‫ل ٍعلـى أّنـه مـن أنصـار العفـة‬ ‫ن أعمـال تولسـتوي تـد ّ‬ ‫الريحاني ل ّ‬
‫والخلص‪ .‬ويقارن أمين الريحاني في مقــالته المــذكورة بيــن آراء‬
‫الكاتب الفرنسي زول وآراء تولستوي حول الزواج‪ ،‬كما يقارن بين‬
‫آراء الكاتب الروسي المــذكور وبيــن آراء الشــاعرالعربي العظيــم‬
‫أبــي العلء المعــري حــول الســرة‪ ،‬ويخلــص إلــى أن آراءهمــا‬
‫متشابهة‪.‬‬
‫ن أمين الريحاني من أوائل الكت ّــاب العــرب الــذين‬ ‫وهكذا فإ ّ‬
‫كتبوا حول تولستوي‪ ،‬فلقد كتب عنــه فــي نهايــة القــرن التاســع‬
‫عشر وفهم عظمة هذا الكاتب وأّنه بعظمته وقــوته ل يقــل عــن‬
‫قيصر روسيا ل بل تولستوي أكبر وأعظم وأقوى‪.‬‬
‫ق‪ ،‬إذ بالفعــل كــانت‬ ‫ولـى حـ ٍ‬ ‫بالحقيقة كان أميــن الريحــاني علـ‬
‫تلحقه خوفا ً منــه وليــس‬ ‫الحكومة الروسية تخاف تولستوي‪،‬‬
‫ن‬‫ة عليــه‪ ،‬ورأى وزيــر الداخليــة آنــذاك "ي‪.‬ن‪.‬دورنوفــا" أ ّ‬ ‫شــفق ً‬
‫اســتدعاء ليــف تولســتوي بهــدف اســتجوابه قــد يــؤدي إلــى‬
‫ت في الدولة"‪ .‬ووافقه القيصر الكسندر الثالث فكتــب‬ ‫اضطرابا ٍ‬
‫حول استنكار ليف تولستوي للمجاعة في روسيا‪:‬‬
‫"يجب غض النظر عنــه وعــدم ملحقتــه فــي هــذه المــرة")‬
‫‪147‬ص‪ ، (66‬كتب الكاتب‪".‬أ‪.‬س‪.‬سوفورين" إلى بليشــيف فــي‬
‫ن الدولـة الروسـية تلحـق‬ ‫‪ 25‬كانون الثـاني فـي عـام ‪ ،1892‬إ ّ‬
‫تولستوي لنشره مقالته في الجرائد الجنبية‪....":‬ولكنها تخطــئ‬
‫بعملها هذا‪ ،‬لّنه ل يجوز مس تولستوي‪ ،‬وإذا فعلت ذلــك‪ ،‬فهــذا‬
‫ي؟ لمــاذا‬ ‫لصالحه لّنه قال لي مرارًا‪":‬لماذا ل يلقون القبض علــ ّ‬
‫ل يلقون بي في ظلمات السجون؟ إّننـي أحسـد السـجناء علـى‬
‫ن تولســتوي‬ ‫قــدرهم")‪-87‬ص‪ ، (254‬وكتــب ف‪.‬غ‪.‬كورولينكــو‪ :‬إ ّ‬
‫د‪ :‬إّنـك عـانيت الكـثير بسـبب‬ ‫ن سـعي ٍ‬ ‫قال لـه‪" :‬يالـك مـن إنسـا ٍ‬
‫عقيدتك‪ .‬ل يسعدني الّله بمثل هذا النصيب‪ .‬ينفون أنصــاري‪ ،‬ول‬
‫يهتمون بي"‪-156).‬ص‪. (116‬‬
‫ن تولســتوي ذهــب إلــى قســم‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫"ل‪.‬ب‪.‬نيكيفــروف‬ ‫ويــذكر‬
‫الشرطة‪ ،‬حيث كان المعلم ميخائيل نوفوسيلوف معتقل ً وطلــب‬
‫منهم إخلء سبيل المعلم المذكور واعتقــاله بــدل ً عنــه‪ ،‬لن ّــه هــو‬
‫الــذي أّلــف مقــاله "نيكــولي ذو العصــا" الــتي وزعهــا المعلــم‬
‫ونت‪ ،‬مجــدك‪،‬‬ ‫المذكور‪ .‬فأجابوه في قسم الشرطة‪":‬يا أّيهــا الك ـ ّ‬
‫ن سجننا أصغر من أن يتسع لــه")‪-178‬ص‬ ‫عظيم وكبير‪ ،‬حتى أ ّ‬
‫‪. (35-34‬‬
‫***‬

‫يي‪:‬‬ ‫ييي ييييي‬ ‫‪ - 7‬يييي‬


‫ن هنــاك شــبها ً بيــن‬ ‫لقــد لحــظ الديــب أميــن الريحــاني أ ّ‬
‫تولستوي وبين الشاعر العربي أبي العلء المعري‪.‬‬
‫قــاد بيــن‬‫وكــثيرا ً مــا قــارن الكتــاب العــرب والشــعراء والن ّ‬
‫تولســتوي والمعــري‪ .‬هــل هنــاك شــبه بيــن الكــاتب الروســي‬
‫والشاعر العربي؟ يوجد ول شــك‪ ،‬عــاش أبــو لعلء فــي ســجون‬
‫‪- 25 -‬‬
‫ثلثة‪:‬‬

‫تســأل عــن الخــبر‬ ‫فل‬


‫النبيث‬ ‫في الثلثــة مــن‬ ‫أراني‬
‫سجوني‬
‫س فـــي‬ ‫الخبيـــ ِ‬
‫ث ِ‬ ‫ــون النف‬‫وكـ‬
‫الجسم‬ ‫لفقدي ناظري ولزوم‬ ‫بيتي‬
‫وحــاول أبــو العلء المعــري اعــتزال النــاس فــأخفق بعــض‬
‫الخفــاق‪ ،‬يكتــب طــه حســين"‪ ....‬ولكــن داره لــم تلبــث أن‬
‫استحالت إلى مدرسة يؤمها الطلب الكثيرون من أبعد القطــار‬
‫السلمية وأدناها! منهم من يأتي من خراسان‪ ،‬ومنهم من يــأتي‬
‫من اليمن‪ ،‬ومنهم من يأتي مـن غيـر هـذين القطريـن‪ ...‬وكلهـم‬
‫يطلب عنده العلم والدب)‪19‬ص‪. (376‬‬
‫ويتابع طه حسين حول هذا الموضوع‪":‬ولكنه على كل حــال‬
‫قد حقق بعض ماكان يريد‪ ،‬وعصم نفسه مما كان يخشاه‪ ،‬فلــم‬
‫يتصل بالمراء ول بالرؤساء‪19)،‬ص‪. (377‬‬
‫لــزم أبــوالعلء داره ل يبرحهــا نصــف قــرن‪ ،‬وكــذلك فعــل‬
‫تولستوي الذي لزم بيته وسكن في قريته حيــث أمضــى معظــم‬
‫وقته‪ .‬لم يثق أبو العلء إل بالعقل‪:‬‬

‫ينــــص وتــــوراه‬
‫وإنجيل‬‫ن‬ ‫وكفــر وأنبــاء‬ ‫ديــن‬
‫تقص وقرآ‬
‫رد يومـــا ً‬
‫بالهدىتفـــ ّ‬
‫فهـــل‬ ‫ل‬‫جيــــ ٍ‬ ‫أباطيلكــــ ّ‬
‫ل‬ ‫فــــي‬
‫جيل‬ ‫ملفقة‬
‫رفض أبو العلء الكتب الدينية كافة‪ ،‬وجعلها أباطيــل ملفقــة‬
‫ل‪ .‬وكان أبو العلء المعري في حيرة‪.‬‬ ‫ل تثبت حقا ً ول تنفي باط ً‬
‫يقول أبو العلء في تناسخ الرواح‪:‬‬

‫غيـــره حـــتى‬
‫إلـــى النقل‬
‫يهذبه‬ ‫ن الجســم‬ ‫يقولــون إ‬
‫روحه ّ‬ ‫ينقل‬
‫يؤيد مــا أتــوك‬ ‫إذا لم‬
‫العقل‬ ‫به‬ ‫فل تقبلن مايخبرونك‬ ‫ّبه‬
‫ن تولستوي رفــض فكــرة تناســخ الرواح الــتي‬ ‫وكما نعلم فإ ّ‬
‫دعاه إليها المهاتما غاندي‪.‬‬
‫دعا سخط أبي العلء على ما رأى وقــرأ مــن ظلــم الملــوك‬
‫والمراء إلى التفكير في مصدر السلطة التي أتيحت لهــم‪ ،‬فلــم‬
‫مة التي استأجرت حكامها ليقوموا بمصالحها‬ ‫ير لها مصدرا ً إل ال ّ‬
‫العامة‪.‬‬
‫وكره أبوالعلء المعري تقسـيم النـاس إلـى فقـراء وأغنيـاء‪،‬‬
‫وكذلك كان المفكر الروسي تولستوي‪.‬‬
‫ن تكريــم الميــت فــي دفنــه مباشــرة بل‬ ‫ورأى أبــو العلء أ ّ‬
‫طقوس وتقاليد معتادة‪ ،‬وكذلك أوصى تولستوي بدفنه بعد موته‬
‫مباشرة ودون اهتمام زائد‪ .‬وبالفعل هكــذا دفــن تولســتوي كمــا‬
‫أوصى في قــبر متواضــع وبــدون صــلة علــى جثتــه ودون وضــع‬
‫صليب على قبره‪.‬‬
‫أخذ أبــو العلء مــن أهــل الهنــد تحريــم لحــم الحيــوان‪ ،‬فلــم‬
‫يتنــاول لحــم الحيوانــات والطيــور وحــرم ذبحهــا‪ ،‬وكــذلك كــان‬
‫تولستوي نباتيًا‪.‬‬
‫لقد مرض أبوالعلء فوصفوا له الدجاج فامتنع وألحــوا عليــه‬
‫‪- 26 -‬‬
‫حتى أظهــر الرضـا فلمـا قـدم إليـه لمسـه بيـده فجـزع‪ ،‬وقـال‪:‬‬
‫استضــعفوك فوصــفوك‪ ،‬هل وصــفوا شــبل الســد! ثــم أبــى أن‬
‫يطعمه‪.‬‬
‫آمن كل من أبي العلء وتولستوي بوجود خالق لهذا الكــون‪،‬‬
‫ولكنهما انتقدا رجال الدين‪.‬‬
‫كثيرا ً ما نظر إلى أبــي العلء المعــري علــى أن ّــه فيلســوف‪،‬‬
‫وكــذلك فهــم تولســتوي مــع أن كليهمــا أديبــان عالميــان‪ .‬ومــن‬
‫ن المعــري اســتقى الكــثير مــن آرائه مــن الفلســفة‬ ‫المعــروف أ ّ‬
‫الهندية وكذلك تولستوي‪.‬‬
‫ن تولستوي قــرأ "رســالة‬ ‫ويؤكد الدكتور نزار عيون السود أ ّ‬
‫الغفران" للمعري‪ ،‬التي كما يــذكر البــاحث ترجمــت إلــى اللغــة‬
‫الروسية في عام )‪80) (1903‬ص‪. (87‬‬
‫ة بيــن ليــف تولســتوي وبيــن أبــي العلء‬‫وكثيرا ً ما نجد موازن ً‬
‫المعري في مقدمات ترجمات مؤلفات ليف تولستوي إلى اللغة‬
‫العربية‪.‬‬
‫***‬

‫‪ - 8‬يي يي ييي ي ي ييي ييييي ييي‪:‬‬


‫بنى الشــاعر أحمــد شــوقي )‪ ، (1932-1868‬الــذي عاصــر‬
‫مصطفى لطفي المنفلوطي رثاءه لتولستوي على شــكل حــوار‬
‫بين الكاتب الروسي وبين الشاعر العربي أبي العلء المعري‪.‬‬
‫يصف أحمد شوقي الكــاتب الروســي بالحكمــة والشــجاعة‪،‬‬
‫فعليـه يحــزن الفقـراء والمسـاكين‪ ،‬لّنـه نصـير الضـعفاء‪ ،‬ومـن‬
‫الصــعب علــى النســان الفقيــر أن يجــد لنفســه نصــيرًا‪ .‬يبكيــه‬
‫الفقراء لن ّــه منــارتهم ويبكيــه المؤمنــون‪ ،‬لن ّــه أخــذ مــن الــدين‬
‫جوهره‪ ،‬وإذا كان لبد ّ مــن طقــس العــتراف فيجــب أن نــذهب‬
‫ونعترف بخطايانا إلى تولستوي وليس إلــى الكــاهن‪ ،‬لن ّــه دافــع‬
‫عن الفقراء‪ ،‬ضد ظلم الغنياء‪ ،‬ولّنه ناضل ضــد الحــروب بكــل‬
‫أشكالها‪ ،‬ونادى بالمحبة‪ ،‬يكتب أحمد شوقي في مطلع قصــيدته‬
‫التي بعنوان "تولستوي"‪:‬‬

‫عليـــك‪ ،‬ويبكـــي‬ ‫ودمعهـــا‬


‫وفقير‬ ‫بائس‬ ‫)تولستوي( ‪ُ ،‬تجري آية‬
‫العلم‬
‫نصير كــل يــوم للضــعيف‬
‫ومــا‬ ‫ضـعيف الركـن‬ ‫وشـعب‬
‫نصيره‬ ‫زال‬
‫ـراج غيبــوه منيــر)‬
‫صسـ‬
‫‪(80‬‬ ‫وأنت‬
‫‪28‬‬ ‫وينــدب فلحــون أنــت‬
‫منارهم‬
‫ن تولستوي يشبه السّيد المسيح فيقول‪:‬‬
‫ّ‬ ‫أ‬ ‫شوقي‬ ‫ويرى‬

‫عليهم‪ ،‬وتغشى دورهم وتزور‬ ‫وبالرضى كعيــــس بالحنــــان‬


‫تطــــوف‬
‫) ‪-28‬م ‪(80‬‬
‫ن تولســتوي يخــدم لــب الــدين‪ ،‬ويخــدم‬
‫ويــرى شــوقي أ ّ‬
‫الناقمون عليه قشور الـدين‪ ،‬ولعـل كـل كتـاب مـن كتبـه يشـبه‬
‫النجيل في قدسيته‪ ،‬وســمع شــوقي عــن هــرب تولســتوي مــن‬
‫بيته‪.‬‬
‫ً‬
‫ويتابع قوله فيرى في تولستوي علما مثله مثــل أبــي العلء‬
‫المعري‪:‬‬
‫‪- 27 -‬‬
‫)رضــوى( فــي‬
‫وجــاور)ُتبير(‬
‫التراب‬ ‫جـــــــاورت‬
‫في الثرى‬ ‫أنـــــــت‬
‫)المعري(‬ ‫إذا‬
‫) ‪-28‬م ‪. (80‬‬
‫ويجري أحمد شــوقي حــوارا ً بيــن أبــي العلء المعــري وبيــن‬
‫تولستوي الــذي زهــد بالمــال وهــو لــديه وفيــر‪ ،‬وبالشــهرة وهــو‬
‫كالشمس معروف في كل بلدة‪ ،‬وعاش طويل ً متمسكا ً بأفكــاره‬
‫النسانية ويسأل المعري الكاتب الروسي‪ :‬هل حل الخير مكــان‬
‫الشر‪ .‬والمحبــة مكــان الكراهيــة؟ وهــل انتهــى الفقــر؟ ويجيــب‬
‫تولستوي أن الحياة مازالت كما كانت في أيام المعري‪ .‬ومازال‬
‫الغش والفك والزور سائدًا‪ ،‬وما زال هناك عبد وسّيد ومستأجر‬
‫وأجير‪ .‬وحكم اســتبدادي‪ ،‬والحكــم لمــن يملــك المــال‪ .‬ومــازال‬
‫السلح هو السيد‪ .‬يشترونه ويصنعونه على حساب قوت الفقير‪.‬‬
‫وبعــد أن ملــؤوا الرض والبحــر بأســلحتهم‪ ،‬يريــدون الن ملــء‬
‫السماء بها‪.‬‬
‫ن القصــيدة المــذكورة ترجمــت إلــى‬ ‫ومــن الجــدير بالــذكر أ ّ‬
‫اللغــة الروســية‪ ،‬ونقلهــا إلــى الروســية الشــاعر جورافيلــوف‪،‬‬
‫ونشرت في "مختارات من الشعر العربي في مصــر"‪ .‬صــدرت‬
‫في موسكو في عام ‪.1956‬‬
‫كتب المستشرق السوفييتي المعاصر شــيفمن‪ ،‬الــذي كــان‬
‫يعمل في معهد تولستوي الدبي في موسكو‪ ،‬حــول رثــاء أحمــد‬
‫شوقي لتولستوي "عنــدما نقــرأ رثــاء الشــاعرالعربي نتحســس‪،‬‬
‫مشــاعر الحــترام العميــق الــتي يحملهــا أحمــد شــوقي لــتراث‬
‫تولستوي الذي يتميز بنزعته النسانية )‪139‬ص‪. (390‬‬
‫كمــا كتبــت حــول القصــيدة المــذكورة الباحثــة الســوفييتية‬
‫ة‬
‫شوســتر‪" :‬إن رثــاء أحمــد شــوقي لتولســتوي ذو أهمي ـةٍ كــبير ٍ‬
‫بالنسبة لنا‪ ،‬لن ّــه يكتــب حــول الكــاتب الروســي العظيــم‪ ،‬الــذي‬
‫كرس حياته من أجل سعادة النسانية")‪-138‬ص‪. (145-144‬‬
‫***‬

‫‪ - 9‬يي يي ييي ييي ي ييي يييييي ي‬


‫ييي‪:‬‬ ‫ييييي‬
‫نشــر حــافظ إبراهيــم )‪ (1932-1872‬رثــاءه لتولســتوي‬
‫مباشرة ً بعد سماعه بوفاة الكاتب الروسي وبعد أن سمع برثــاء‬
‫أحمد شوقي له‪ .‬فلقد توفي تولســتوي فــي ‪ 21‬تشــرين الثــاني‬
‫عام ‪ 1910‬وفي الشهر نفسه نشر حافظ إبراهيم ‪-‬شاعر النيــل‬
‫رثاءه لتولستوي‪ .‬وبعد ثلثة أيام فقط من وفاة الكاتب الروسي‬
‫أيّ في ‪ 24‬تشرين الثاني كتب الستاذ أحمد لطفي السّيد مقال ً‬
‫في صحيفة "الجريدة" بعنوان "مات الرجل"‪.‬‬
‫ً‬
‫كان رثاء حافظ إبراهيم لتولستوي ل يختلف كثيرا من حيـث‬
‫الشكل والمضمون عن رثاء أحمد شوقي لــه‪ .‬حــتى أن القافيــة‬
‫واحدة‪.‬‬
‫ويبدأ قصيدته فيقول‪:‬‬

‫كبيرمــن كّتــاب‬
‫لمــدحك‬
‫مصر‬ ‫الشــعر فــي‬ ‫الشرقأميــر‬
‫وانبرى‬ ‫رثــاك‬
‫صغيرعنــي قــد‬
‫رثاهقيــل‬
‫إذا‬ ‫ولست أبالي حيــن أرثيــك‬
‫بعده‬
‫) ‪-2‬م ‪. (164‬‬
‫‪- 28 -‬‬
‫ن تولســتوي كــان عونــا ً‬
‫ويتــابع حــافظ إبراهيــم فيقــول إ ّ‬
‫للضعيف‪ ،‬ول يهم الشاعر أكان تولستوي في الجنة أم في النــار‬
‫فحسـبه أّنـه عـالم مفكـر وأّنـه دعـا إلـى المعـروف ونهـى عـن‬
‫المنكر‪.‬‬
‫ن علوم تولستوي وأملكـه خلصـته مـن كيـد‬ ‫ويرى الشاعر أ ّ‬
‫أعداء فكره وسلوكه‪.‬‬
‫ويقارن الشاعر بين المعري وبين تولستوي كما فعل أحمــد‬
‫شوقي فكلهما كان زاهدا ً ناسكًا‪ ،‬فيقول‪:‬‬

‫و والـذكاء‬
‫ستيرالزهـد ثـا ٍ‬
‫بهـا‬ ‫رهـــــــــــــن‬
‫ة‬ ‫إذا زرت‬
‫المحبسين بحفر ٍ‬
‫)‪ -2‬ص‪. (165‬‬
‫فيدور حديث بين المعــري وتولســتوي ويقــول الول للثــاني‬
‫تريد الحياة سلما ً وهــي حــرب وكفــاح‪ .‬لقــد ســلوت عــن الــدنيا‬
‫وتهالك غيرك عليها‪ .‬تحاول رفع الشر‪ ،‬وهو واقع‪.‬‬
‫ويقول المعــري‪ :‬لقــد نــاديت بمــا نــاديت بــه‪ ،‬ولكــن النــاس‬
‫ت ومطــامع الجشــعين لــم‬ ‫يلهثون وراء الملذات والطيبــات‪ ،‬ومـ ّ‬
‫تمت‪ ،‬ويتابع قوله‪:‬‬

‫دورفوق أكتاف الكواكب‬


‫له‬ ‫هدمت للظلم دور‬ ‫إذا‬
‫تشيدت‬
‫) ‪2‬م‪. (166 -‬‬
‫فقلوب الناس من صخر جبلت‪ ،‬فل تــؤثر فيهــا نصــائح شــيخ‬
‫المعرة ول أفكار كاتب الرض الروسية العظيم‪.‬‬
‫هذا هو مضمون رثاء شاعر النيــل لكــاتب الرض الروســية‪،‬‬
‫ن حافظ إبراهيــم مثلــه مثــل شــوقي والمنفلــوطي‬ ‫وكما نرى فإ ّ‬
‫وأمين الريحاني ومثل كل من كتبوا حول تولستوي مــن الكتــاب‬
‫العــرب فــي مطلــع القــرن العشــرين نظــر إليــه نظرتــه إلــى‬
‫ف الروائع الدبية‪ ،‬والرثــاء‪،‬‬‫ف أكثر مما هو أديب عظيم أل ّ‬ ‫فيلسو ٍ‬
‫ن ذرفهــا شــاعر رقيــق علــى إنســان كتــب‬‫ٍ‬ ‫ـز‬‫ـ‬ ‫ح‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫ّ‬ ‫ع‬‫دم‬ ‫نرى‪،‬‬ ‫كما‬
‫مدافعا ً عن طبقة الفلحين في روسيا القيصرية وعّبر عن وجهة‬
‫نظرهم في شؤون الحياة‪.‬‬
‫***‬

‫‪ - 10‬يي يي ييي ي ي ييي يييي ييي‬


‫ييي‪:‬‬ ‫ييييي‬
‫ويرثــي تولســتوي الشــاعر العربــي الكــبير جميــل صــدقي‬
‫الزهاوي‬
‫)‪ (1863-1936‬الذي عاصر شوقي وحافظ‪ .‬والــذي كتــب عنــه‬
‫المستشـــرق الســـوفييتي الكـــبير إيغنـــاتي كراتشكوفســـكي‬
‫بأّنه‪":‬شاعر عربي كبير يعيش في العـراق فـي وقتنـا الحاضـر )‬
‫‪-159‬ص‪ . (415‬وقافية قصــيدته )الــراء( ‪ ،‬مثــل قافيــة قصــيدة‬
‫ن الموضــوع نفسـه‪ .‬يقــول فــي‬ ‫وحـافظ إبراهيـم كمــا أ ّ‬ ‫شـوقي‬
‫قصيدته مخاطبا ً الكاتب الروسي‪:‬‬
‫ـاش بيــن النــاس‬ ‫ـن عـ‬
‫فقير‬ ‫وهو‬‫لمـ‬ ‫ـت عمــرا ً أنــت‬
‫لقد عشـ‬
‫ظهير‬ ‫فيه‬
‫به لعقول الناشئين تنير‬ ‫مصـــباح مـــن‬
‫ساطع‬‫بكفـــك‬
‫العلم‬
‫‪- 29 -‬‬
‫تدور مــع النصــاف حيــث‬
‫تدور‬ ‫حــرا ً فــي‬ ‫ت‬
‫حياتككنــ َ‬
‫مصلحا ً‬ ‫وقــد‬
‫)‪-25‬ص‪. (168‬‬
‫ن تولستوي وعظ أصحاب الزعامة وذكرهم‬ ‫ويرى الزهاوي أ ّ‬
‫ن الحياة فانية ونهاهم عن الظلم‪ .‬وتذكرنا فكرة الزهاوي هــذه‬ ‫أ ّ‬
‫ن تولســتوي واجــه الظلــم‬
‫بفكــرة المنفلــوطي الــذي يــرى أ ّ‬
‫والسلطة المستبدة‪ .‬ويقول‪:‬‬

‫فــأنت بأســرار الحيــاة‬


‫خبير‬ ‫دراية بأسرار الحيــاة‬
‫أفذنا‬
‫)‪25‬ص‪. (169‬‬
‫ويتابع قوله إن الحياة بقيت كما هي ولم يتغيــر فيهــا شــيء‪،‬‬
‫وإذا تبدل في الحياة أمر فهو يتبدل من سيء إلى أسوأ‪.‬‬
‫***‬

‫‪ -11‬ييي ييييي ييييي يي ييي ييييي‬


‫يي ي ييي ييي ييييي ي ييي ييي‬
‫ييي ي ييي ي ييي يي ييي ي ) ‪-1872‬‬
‫ي‬ ‫‪(1963‬‬
‫في جريدة "الجريدة" بتاريخ ‪ 24‬تشرين الثاني عام ‪،1910‬‬
‫العدد ‪ ،1127‬بعنوان "مات الرجــل" يــرى أحمــد لطفــي الس ـّيد‬
‫باشــا فــي تولســتوي صــفات الهــادي إلــى الفضــيلة والــواعظ‬
‫يقول‪":‬المصيبة بفقدان هذا الحكيم مصيبة كبيرة")‪4‬ص‪. (192‬‬
‫ن تولسـتوي كـان يكـره الحـرب سـواء‬ ‫ويذكر فـي مقـالته أ ّ‬
‫كانت الغلبة فيها لقومه أو على قومه‪ ،‬يحب الســلم‪ ،‬يــرى فــي‬
‫الدين أّنه طهر للنفس والمشاعر وحب القريب والغريب‪.‬‬
‫"فإذا كان تولســتوي ليــس رجــل روســيا وحــدها‪ ،‬بــل رجــل‬
‫العــالم والســلم‪ ،‬وإذا كــان تولســتوي ليــس مســيحيا ً محــدودا ً‬
‫ن متعصبا ً له‪ ،‬بل متسامحا ً يقبل دين الفضيلة حيثمــا‬ ‫ب معي ٍ‬‫بمذه ٍ‬
‫فأخلق بمصيبة تولســتوي أن تكــون كمــا قــدمنا خســارةً‬ ‫وجد‪...‬‬
‫ة‪ ،‬ل خسارة روسية أو خسارة مسيحية")‪-4‬ص‪. (193‬‬ ‫عالمي ً‬
‫وقــف تولســتوي بــوجه الظلــم والبــؤس والعقــاب علىغيــر‬
‫جريرة‪ ،‬اشتغل بالفلسفة فلم يكن ماديـا ً ول مثاليـا ً لن ّــه يرفــض‬
‫القيود المذهبية الـتي يسـتحيل أن تخلـو مـن التعسـف‪ .‬اشـتغل‬
‫بالسياسة فكان يكــره الســتبداد وينفــر منــه‪ ،‬وبالقتصــاد فكــان‬
‫اشتراكيا ً وعمل بالدين فرفض قشوره‪.‬‬
‫ن تولستوي كتب رواية "البعــث"‬ ‫ويرى أحمد لطفي السيد أ ّ‬
‫ه‪ ،‬لحظ فيها‬ ‫بواقعيةٍ لم يكن منها عن الشهوات إل حقائق عريان َ‬
‫تغليب الشهوة على النبل في نفس بطل الرواية‪ ،‬ووصف فساد‬
‫العدالة‪ ،‬وبعث أخلق بطل الرواية‪ .‬ويتحدث أحمد لطفي الســّيد‬
‫باشـــا عـــن روايـــة "لحـــن كريتســـر"‪ .‬ويكتـــب عـــن الكـــاتب‬
‫الروســي‪":‬حســب تولســتوي فــي أن ّــه خالــد الثــر فــي حكمتــه‬
‫ة إّنمــا قضــاها فــي صــرف ملكــاته‬ ‫ن حياته الطويلـ َ‬‫وتعاليمه‪ ....‬إ ّ‬
‫وماله لخير الناس")‪ 4‬ص‪. (196‬‬
‫***‬

‫‪- 30 -‬‬
‫يي‬ ‫يي‬ ‫يييي ييييييي‬ ‫‪ -12‬ييي‬
‫ييي‪:‬‬ ‫يييي‬
‫كمــا ذكرنــا رثــى الكــاتب الروســي العظيــم نخبــة الكتــاب‬
‫والشــعراء العــرب فــي مطلــع القــرن العشــرين‪ .‬وكــذلك رثتــه‬
‫الصحافة العربية‪ .‬فلقد ذكر مراسل جريــدة "الخبــار الروســية"‬
‫في بيروت‪" :‬كل الصحافة العربية‪ ،‬بغض النظر عــن التجاهــات‬
‫السياســية والعقــائد الدينيــة‪ ،‬الصــحافة المســيحية والســلمية‬
‫والماسونية والنجيلية‪ ،‬المعتدلة والمتطرفة‪ -‬المجلت والجــرائد‬
‫كلها‪ ،‬حــتى المنشــورات المتواضــعة كلهــا‪ ،‬بــدون اســتثناء رثــت‬
‫تولستوي "حكيم موسكو العظيم" أحـد عظمـاء العـالم القلئل"‬
‫مي‬ ‫"المعلم والواعظ والفيلسوف")‪-184‬ص‪ . (7‬وبعد ذلـك يسـ ّ‬
‫المؤلــف الجــرائد والمجلت الــتي رثــت تولســتوي‪":‬المراقــب"‬
‫"الحضــارة"‪" ،‬الهــرام"‪" ،‬الزهــور"‪" ،‬لســان الحــال"‪" ،‬الــبرق"‪،‬‬
‫ذكرت الصحافة العربية شمائل ليف تولستوي الحميدة وطالبت‬
‫الشعراء والكّتاب الدفاع عنه بكلمتهم‪ .‬ويعلل مراسل "جريــدة"‬
‫الخبار الروسية" شعبية تولستوي بين القراء العرب بــأّنه كــاتب‬
‫واسع الفق ومعتدل الرأي فنجد في نظراته إلــى الحيــاة بعــض‬
‫الفكار المســيحية والســلمية والماســونية والشــتراكية‪ .‬ويــرى‬
‫ن تولستوي جعــل مكانــة الشــعب‬ ‫مراسل الجريدة المذكورة‪ ،‬بأ ّ‬
‫الروسي لدى شعوب الشرق أكثر احتراما ً من ذي قبل‪.‬‬
‫***‬

‫‪ -13‬يييي يييي يييي يييي ي ي ي ييي‬


‫ييي‪:‬‬ ‫ييي‬
‫"يييييييي ييييي ييييي ييييييي‬
‫ي ي ي ييييي يييي ي يييييي‬
‫ييي"‪.‬‬ ‫ييييي‬
‫ما النقاد العرب فلقد كتبوا عن تولســتوي بعــض المقــالت‬ ‫أ ّ‬
‫النقدية في مطلع القرن العشرين‪ .‬وظهرت هذه المقـالت فــي‬
‫الجــرائد والمجلت وكــان مؤلفوهــا يتحــدثون عــن تولســتوي‬
‫الفيلسوف والمفكر والواعظ ولكنهــا أهملــت تولســتوي الفنــان‬
‫المبدع‪.‬‬
‫ولعل كتاب "تولستوي‪ ،‬ترجمة حيــاته‪ ،‬منتخبــات مــن تــآليفه‬
‫وقصصه‪ ،‬وآرائه الفلسفية"‪ ،‬الذي نشره محمد المشــيرفي فــي‬
‫تــونس عــام ‪ 1911‬مــن أهــم المؤلفــات الــتي ظهــرت حــول‬
‫تولستوي باللغة العربية في مطلع القرن العشرين‪.‬‬
‫يبدأ محمد المشيرقي كتــابه‪ ،‬بمقدمــة كتــب فيهــا‪":‬معشــر‬
‫ل‪ ،‬حــار‬‫ض عضــا ٍ‬ ‫الدباء‪ ،‬لقد امتحننــي الل ّــه عــز وجــل وعل بمـ‬
‫ـانتـر ٍ‬
‫نفســي مشــغوفة‬ ‫مهرة الطباء في علجــه‪ ...‬ولكــن لمــا كـ‬
‫بـــالدب‪ ....‬عزمـــت علـــى تحريـــر كلمـــة فـــي ترجمـــة هـــذا‬
‫ة‪ ،‬للتونسيين خصوصا ً وللمة العربية عمومـًا")‬ ‫الفيلسوف‪...‬خدم ً‬
‫‪-43‬ص‪. (1‬‬
‫بعــد ذلــك يتحــدث محمــد المشــيرقي عــن حيــاة تولســتوي‬
‫فيكتب عن صراعه ضـد الكنيســة وخلفـه مــع زوجتــه ومــن ثـم‬
‫يّزين كتابه برثاء أمير الشــعراء أحمــد شــوقي لتولســتوي ورثــاء‬
‫حافظ إبراهيم للكاتب الروسي المذكور وبصورة لتولستوي‪.‬‬
‫يقسم محمد المشــيرقي مؤلفــات تولســتوي إلــى قســمين‬
‫‪- 31 -‬‬
‫أدبية وفلسفية ويكتــب المشــيرقي عــن تولســتوي‪ ....":‬وتخلــى‬
‫عن مخالطة الناس ونبـذ أكـل اللحـوم وتحلـى بلبـس القروييـن‬
‫وباشر عمل اليد وصنع نعليه بنفسه")‪-43‬ص‪. (11‬‬
‫ن فلســفة تولســتوي ترتكــز علــى‬ ‫ويرى محمد المشيرقي أ ّ‬
‫فلسفة جان جاك روســو فطــالب بقســمة الراضــي بيــن جميــع‬
‫الفلحين وطالب بعدم مقاومة الظلم بالظلم ولم يــؤمن بفــائدة‬
‫الثورات القسرية‪.‬‬
‫يعــرض محمــد المشــيرقي بعــض النصــوص مــن روايــة‬
‫تولستوي‪" :‬الحرب والسلم"‪ ، (1869-1863) ،‬ومن رواية "آّنــا‬
‫كارينينا" )‪ . (1877 -1873‬ومــن روايــة "البعــث" )‪(1899‬ـ ‪،‬‬
‫ويترجم بعض القاصيص الشــعبية الــتي ألفهــا تولســتوي والــتي‬
‫تعّبر عن آرائه الفلسفية ومنها حكاية "كــم يكفــي النســان مــن‬
‫ن بطلهــا بــاخوم اتفــق مــع أصــحاب الرض علــى أن‬ ‫الرض" فإ ّ‬
‫يملــك الرض الــتي يســتطيع أن يــدور حولهــا مــن الفجــر حــتى‬
‫الغروب ولكنه لم يرجع إلى النقطة التي انطلق منهــا إل والــدم‬
‫ينزف منه‪ ،‬فمات فحفروا لــه قــبرًا‪ ،‬مســاحته ثلثــة أمتــاٍر‪ ،‬وهــو‬
‫المقدار من الرض التي يحتاج إليها النسان‪.‬‬
‫يتحدث محمد المشيرقي في هذا الكتاب عن آراء تولستوي‬
‫الفلسفية حـول الـدين والسـلطان والوطنيـة والجنديـة والـثروة‬
‫والعلــم والفــن والحريــة والكحــول والــزواج والتربيــة والخيــر‬
‫والمســاواة والحــق والحــب والمــوت ويختتــم كتــابه بترجمــة‬
‫مسرحية تولستوي "سلطان الظلل" أو "ســلطة الظلم"‪ .‬يقــع‬
‫الكتاب في )‪ ، (211‬صفحة‪.‬‬
‫***‬

‫‪ -14‬ييييي ييييي ييي ي ييي ي ييي يي‬


‫ييي‬ ‫يييي‬
‫ييي‪:‬‬ ‫يي يييي‬ ‫ي‬
‫قـاد العـرب‪ .‬فبـدأ الهتمـام بـتراث‬ ‫كتب حـول تولسـتوي الن ّ‬
‫تولستوي بصورةٍ واضحةٍ في المشرق العربي في مطلع القرن‬
‫العشرين فظهرت مجموعة من الدراسات والمقالت حول حياة‬
‫الكاتب الروســي ونشــاطه ولكــن هــذه الدرســات تنــاولت فكــر‬
‫تولستوي وفلسفته أكثر مما تناولت أدبه وفنه‪.‬‬
‫في عام )‪ ، (1907‬ترجم رشيد حداد روايــة "البعــث" الــتي‬
‫صدرت فــي عــام )‪ (1899‬إلــى اللغــة العربيــة وكتــب مقدمــة‬
‫ة"‪.‬‬
‫"للترجمة يذكر فيها أن مؤلف الرواية أكثر الحكماء حكم ً‬
‫ونجد رأيا ً آخـر مخالفـا ً لـرأي رشـيد حـداد فـي مجلـة "لغـة‬
‫العرب" عدد آذار لعام )‪ ، (1912‬التي كانت تصــدر فــي بغــداد‪،‬‬
‫يعتبر صــاحب الدراســة تولســتوي رجل ً غريــب الطــوار‪ ،‬وآراءه‬
‫ة‪ ،‬ويرى أن سلوكية تولستوي تتناقض مــع مبــادئه‪ .‬وكــانت‬ ‫خيالي ً‬
‫المقالة ردا ً على كتاب المشيرقي الذي صدر قبل عـام‪ ،‬أيّ فــي‬
‫عام )‪ (1911‬في تونس‪ ،‬والذي تحدثنا عنه قبل قليل‪.‬‬
‫ُيعتقد بأن سبب النقد السلبي لتراث تولســتوي‪ ،‬مــن قبــل‬
‫محــرري مجلــة "لغــة العــرب" هــو التنــاقض القــائم بيــن فكــر‬
‫تولستوي وفكر هيئة تحرير المجلة الــتي كــان معظــم محريرهــا‬
‫من الرهبان‪ ،‬والذين لم يتقبلوا نقد تولستوي للكنيسة‪.‬‬
‫إن الوساط المســيحية فــي المشــرق العربــي وقفــت ضــد‬
‫ن موقــف الوســاط‬ ‫المبــادئ الساســية لفكــر تولســتوي‪ .‬أيّ إ ّ‬
‫المسيحية كان متطابقا ً مع موقــف الكنيســة‪ .‬يشــهد علــى ذلــك‬
‫‪- 32 -‬‬
‫كتــاب مــوجه ضــد رســائل تولســتوي "حــول العقــل‪ ،‬واليمــان‪،‬‬
‫والصــلة"‪ ،‬وعنــوان الكتــاب‪":‬كتــاب كنــوز الفكــار فــي جــواب‬
‫الغســاني علــى رســائل ثلث "للفيلســوف الروســي الشــهير‬
‫الكونت ليف تولستوي‪ ،‬صدر الكتــاب فــي مدينــة نيويــورك فــي‬
‫عام )‪. (1913‬‬
‫مــع أن مؤلــف الكتــاب يقــف موقــف العــداء مــن تعــاليم‬
‫تولستوي‪ ،‬فإّنه ينشر في كتابه صورة تولستوي وقصيدة حــافظ‬
‫إبراهيم التي رثى بها تولستوي في عام ‪ ،1910‬وبعد ذلك ينشر‬
‫الرسـائل الثلث الـتي يناقشـها وترجمـة هـذه الرسـائل دقيقـة‪،‬‬
‫فهي بدون حذف أو تشويه‪ .‬وبعــد ذلــك يسردالغســاني الســس‬
‫ل‬‫التي يراعيها نقاشه‪ .‬فيناقش الرسائل الثلث بصورة عامة وك ّ‬
‫ن تولســتوي‬ ‫رسالة علــى حــدة‪ .‬وتتلخــص اتهامــات الغســاني بــأ ّ‬
‫وه النجيل ويذكره بالعقاب الليم‪.‬‬ ‫ملحد وبأّنه ش ّ‬
‫كما نرى‪ ،‬فإن محاربة تولستوي كانت من وجهة نظــر دينيـة‬
‫خالصة‪ .‬والجـدير بالـذكر‪ ،‬أّننـا ل نعــرف مؤلفـات أخـرى شـبيهة‬
‫ن المؤلف المذكور كان يتيمــا ً‬ ‫بالمؤلف المذكور‪ ،‬لكننا ل نظن بأ ّ‬
‫في النقد الدبي العربي‪ .‬فلقد كانت فلسـفة تولسـتوي مـع كـل‬
‫جوانبها السلبية‪ ،‬على مايبـدو‪ ،‬كـانت خطـرة لّنهـا تنـدد بـالظلم‬
‫الجتماعي القائم ولّنها تطالب بالعدالة الجتماعية‪.‬‬
‫***‬

‫‪ -15‬يييي ي يييي يي يييي ييي‬


‫يي يييي ييي يي يييي ييي‪:‬‬
‫تشهد الترجمات المتعددة لمؤلفات تولستوي على الهتمــام‬
‫الكبير بتراث تولستوي في المنطقة العربية‪ .‬فلقد ترجــم ســليم‬
‫قبعين إلى اللغــة العربيــة ومــن اللغــة الروســية مباشــرة روايــة‬
‫"لحن كريتسر" وذلك في عام )‪ . (1904‬كما ترجم فــي عــام )‬
‫‪" ، (1909‬تهديم الجحيم وإعادة بنائه‪" ،‬وكما ذكرنــا فــإن رشــيد‬
‫حداد ترجم في عــام )‪ (1907‬روايــة "البعــث" )‪ . (1899‬كمــا‬
‫ترجـــم أنطـــوان بلن فـــي عـــام )‪ (1913‬القصـــص الشـــعبية‬
‫لتولستوي‪ ،‬أما عصام ناصيف فلقد ترجــم "والنــور فــي الظلمــة‬
‫يضيء"‪.‬‬
‫والجدير بالــذكر‪ ،‬أننــا لــم نســتطع الحصــول علــى ترجمــات‬
‫ن أدب‬ ‫مؤلفــات تولســتوي إلىاللغــة العربيــة بكاملهــا‪ .‬فمــع أ ّ‬
‫ن نقــد ترجمــة هــذه‬ ‫تولستوي معروف في البلــدان العربيــة إل أ ّ‬
‫ف‪ .‬فل توجد مكتبة معينة تحتوي هذه‬ ‫المؤلفات حتى الن غير كا ٍ‬
‫الترجمات كافة‪ ،‬فنجد بعضها في مكتبة السد بدمشــق وبعضــها‬
‫في مكتبة لينين في موســكو وبعضــها الخــر فــي مكتبــة الداب‬
‫الجنبية في موسكو‪ ،‬وبعضها في المكتبة العربية فــي لينينغــراد‬
‫وبعضــها فــي المكتبــة الظاهريــة بدمشــق‪ ،‬وبعضــها فــي مكتبــة‬
‫متحف تولستوي في ياسنايا بوليانا‪ ،‬وفي المكتبات الخرى‪.‬‬
‫ل يوجد تنسيق وتكامل بين الدول العربية في مجال الدب‪.‬‬
‫فقد تنشر دولة عربية معينــة كتاب ـا ً معين ـا ً فل نجــده فــي الدولــة‬
‫ن معظم دور النشر في الــدول العربيــة‬ ‫العربية المجاورة‪ .‬كما أ ّ‬
‫خاصة‪ ،‬فهي تهتم بالمردود المــادي أكــثر مــن اهتمامهــا بالقيمــة‬
‫ن دور النشر عندما تصــدر كتاب ـا ً معين ـا ً‬ ‫الدبية لكتاب معين‪ ،‬أيّ أ ّ‬
‫ن‬‫ة‪ ،‬إذ أ ّ‬ ‫فإّنها تنطلق مــن منطلــق تجــاري‪ .‬ويــزداد المــر صــعوب ً‬
‫مؤلفات تولسـتوي باللغـة العربيـة تصـدر فـي البلـدان العربيـة‪،‬‬
‫وفي روسيا وفي عواصم الــدول الجنبيــة الخــرى حيــث تعيــش‬
‫جاليات عربية‪ ،‬فلذلك من الصعب الحاطة بكل هذه الترجمات‪.‬‬
‫ولذلك فلبد من وجود نقص كبير في عملنا‪ ،‬وفي عمل كل مــن‬
‫‪- 33 -‬‬
‫يحــاول دراســة ومعالجــة هــذا الموضــوع‪ ،‬ومعظــم الترجمــات‬
‫المعروفة لدينا صـدرت فــي دمشـق وبيــروت والقـاهرة وبغـداد‬
‫والجزائر وتونس وفي التحاد السوفييتي‪.‬‬
‫نهدف من دراسة الترجمة إلى الجابة عن مدى صدق نقــل‬
‫الفكار الساسية للصل‪ .‬ولكي نجيب عن هذا السؤال فلبد لنــا‬
‫من طرح سؤال عن لغة الترجمة‪ .‬لن الفكار ل توجــد منفصــلة‬
‫عن اللغة‪ ،‬ولذلك فعنـدما نـدرس الترجمـة نعيـر اهتمامـا ً خاصـا ً ً‬
‫ن الشــكل‬ ‫للشكل اللغوي‪ ،‬الذي يحتوي فكر المــادة الصــلية‪ ،‬ل ّ‬
‫اللغــوي المكــافئ للصــل يســتطيع أن ينقــل بدقــةٍ المضــمون‬
‫الفكري للصل‪.‬‬
‫كما هــو معــروف‪ ،‬إن النقــل غيــر الــدقيق للشــكل اللغــوي‪،‬‬
‫وعــدم القــدرة‪ ،‬أو عــدم رغبــة المــترجم فــي اختبــار الوســائل‬
‫اللغوية‪ ،‬التي تقوم بالدور العــاطفي والفكــري الــذي قــامت بــه‬
‫الوسائل اللغوية في الصل‪ ،‬يؤدي إلى فقـر وأحيانـا ً إلـى تزويـر‬
‫جم )بفتح الجيم( ‪.‬‬ ‫فكر الكاتب المتر َ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ويزداد المر تعقيدا‪ ،‬عنـدما نـترجم كتابـا معينـا ترجمـة غيـر‬
‫مباشــرة وإنمــا عــن طريــق إحــدى اللغــات الوروبيــة‪ .‬فمعظــم‬
‫الدبــاء الــروس ترجمــوا إلــى اللغــة العربيــة مــن الفرنســية أو‬
‫النكليزية ودون الشارة إلى العنوان الصــلي الــذي ترجــم عنــه‬
‫ن الترجمــة‬ ‫المترجم‪ .‬وفي حالت نــادرة يشــير المــترجم إلــى أ ّ‬
‫تمت مــن النكليزيــة مثل ً أو مــن الفرنســية‪ .‬ومــن الطــبيعي أن‬
‫يفقد العمل الدبي الكثير من ميزاته الفكرية والعاطفيــة عنــدما‬
‫ينقل من لغة أخرى غير لغته الصلية‪.‬‬
‫ن بعــض‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫إلــى‬ ‫نشــير‪،‬‬ ‫أن‬ ‫أضــف إلــى ذلــك‪ ،‬أننــا يجــب‬
‫المــترجمين العــرب‪ ،‬حــتى يومنــا الحاضــر‪ ،‬ل يتفهمــون مهمــة‬
‫المترجم الحقيقية ولكن تظهر بعض الترجمات‪ ،‬التي ليست في‬
‫الحقيقــة ترجمــات بــالمعنى الــدقيق لهــذه الكلمــة‪ ،‬وإّنمــا هــي‬
‫تحريف لعمال ليف تولستوي أو نقــل مضــمونها بصــورة عامــة‬
‫فقط‪ .‬وفي مثل هذه الحالت‪ ،‬من الصعب الحديث عـن مقارنـة‬
‫جادة بين لغة الترجمة وبين لغة الصــل‪ ،‬ونضــطر إلــى الكتفــاء‬
‫بالوصف العام للعمل الدبي وللترجمة‪.‬‬
‫ة‪ ،‬فلبد ّ مــن الخــذ بعيــن العتبــار‬ ‫ة معين ً‬‫عندما ندرس ترجم ً‬
‫الظروف التاريخية المحددة‪ ،‬التي في ظلها تمت الترجمة‪ ،‬ومن‬
‫الضروري كذلك إعارة النتباه إلــى شخصــية المــترجم واتجــاهه‬
‫الفكري الذي ينعكس عادة على مضمون الترجمة وشكلها‪.‬‬
‫وعنــدما نحلــل ترجمــة تــراث ليــف تولســتوي مــن اللغــة‬
‫الروسية‪ ،‬فمن الضروري أن نعير اهتمامنا لكيفية نقل المــترجم‬
‫ن‬ ‫لخصوصية الشكل القومي للصل‪ ،‬وكــذلك يجــب الهتمــام بــأ ّ‬
‫المترجم إلى اللغة العربية كثيرا ً مــا يلــون المؤلفــات المترجمــة‬
‫بصبغةٍ قومية جديدة‪.‬‬
‫بدأت ترجمات الدباء الروس من اللغــة الروســية مباشــرة‬
‫إلــى اللغــة العربيـة‪ ،‬وذلـك لوجــود عـدد مــن المختصــين باللغــة‬
‫الروســية فــي المشــرق العربــي فــي مطلــع القــرن العشــرين‬
‫والذين تخرجوا من المدارس الروسية‪ ،‬الــتي افتتحتهــا الجمعيــة‬
‫الروسية‪ -‬الفلسطينية‪.‬‬
‫وقعت معظـم الـدول العربيـة فـي العشـرينات مـن القـرن‬
‫العشــرين تحــت النتــداب الفرنســي والنكليــزي‪ ،‬فلقــد وقعــت‬
‫سوريا تحت النتداب الفرنسي في عام ‪ 1920‬وكــان لبنــان قــد‬
‫ن ترجمات تولستوي التي تمت فــي‬ ‫احتل قبل ذلك‪ ....‬ولذلك فإ ّ‬
‫هــذه الفــترة كــانت مــن الفرنســية أو النكليزيــة‪ ،‬فــي أغلــب‬
‫الحالت‪ ،‬وأحيانا ً من اللمانية‪.‬‬
‫‪- 34 -‬‬
‫واســتمر هــذا التجــاه‪ ،‬حــتى بعــد أن نــالت الــدول العربيــة‬
‫الستقلل مـن الـدول الغربيـة‪ .‬أمـا دار اليقظـة العربيـة للنشـر‬
‫والتوزيع بدمشق فلقد اتخذت طريقــة" جديــدة" فــي الترجمــة‪،‬‬
‫وتتلخص بأن تقوم مجموعة من الختصاصيين باللغــة الفرنســية‬
‫أو النكليزية بترجمة النص الروســي مــن إحــدى هــاتين اللغــتين‬
‫إلى اللغة العربية وبعد ذلك يقوم أحد المختصين باللغة الروسية‬
‫بمراجعــة الترجمــة وبمطابقتهــا علــى النــص الصــلي الروســي‪،‬‬
‫وهكذا على سبيل المثال قامت دار اليقظة العربيــة فــي عــام )‬
‫مــا دور‬‫‪ (1953‬بدمشــق بإصــدار روايــة "الحــرب والســلم"‪ ،‬أ ّ‬
‫النشر الروسية فتقوم بالترجمة المباشرة مــن اللغــة الروســية‪،‬‬
‫فلقد أصدرت على سبيل المثال رواية "القوزاق" لتولستوي في‬
‫عام )‪ ، (1981‬الـتي صـدرت عـن "دار التقـدم" بموسـكو‪ ،‬كمـا‬
‫صـــدرت عـــن الـــدار نفســـها مجموعـــة قصـــص لفيـــودور‬
‫دوستويفســـكي وذلـــك فـــي عـــام )‪ ، (1982‬وتتضـــمن هـــذه‬
‫المجموعة رواية "الفقراء" )‪ (1846‬وقصــة "الليــالي البيضــاء"‬
‫عام )‪ (1848‬وقصة "القلب الضعيف"‪ ،‬وقصة "حادثة شــنيعة"‪،‬‬
‫وقصة "الوديعة" )‪ . (1876‬وقصة "حلم رجل مضحك"‪.‬‬
‫كمــا أصــدرت الــدار نفســها مجموعــة قصــص لبوشــكين )‬
‫‪ ، (1837-1799‬وذلـــك فـــي عـــام ‪ ،1974‬وهـــي "الطلقـــة"‪،‬‬
‫"عاصــفة ثلجيــة"‪" ،‬صــانع التــوابيت"‪" ،‬نــاظر المحطــة"‪" ،‬ابنــة‬
‫السيدة الفلحة"‪" ،‬ملكة البستوني"‪" ،‬ابنة المر"‪.‬‬
‫وبعد عشر سنوات قامت "دار رادوغا" بإعادة نشر القصص‬
‫المذكورة‪ ،‬وأضافت إليها قصة "دوبروفسكي"‪.‬‬
‫كما أصدرت الدار المذكورة فــي العــام ذاتــه أيّ فــي عــام‬
‫‪ 1984‬رواية‬
‫"بطل من هذا الزمان" عام )‪ (1840‬للشاعرالروسي ميخائيــل‬
‫لير مونتوف )‪. (1841-1814‬‬
‫كما أصدرت الدار نفسها في عام ‪ 1985‬مختارات للشــاعر‬
‫السكندر بلوك )‪ . (1921-1880‬وفي العام ذاته أصــدرت الــدار‬
‫نفسها رواية "البله" )‪ (1868‬لفيــدور دوستويفســكي )‪-1821‬‬
‫‪ . (1881‬كما أصدرت الدار نفسها قصص ـا ً مختــارة لفســيفولود‬
‫غارشن )‪ ، (1888-1855‬تضم هــذه المجموعــة إحــدى عشــرة‬
‫قصة ممــا خطــه يــراع الكــاتب خلل الحقبــة )‪(1887-1877‬ـ ‪،‬‬
‫وهي‪":‬أربعــة أيــام"‪" ،‬الجبــان"‪" ،‬لقــاء"‪" ،‬رســامان"‪" ،‬مــذكرات‬
‫الجنــدي إيفــانوف"‪" ،‬الزهــرة الحمــراء"‪" .‬الــوردة والضــفدع"‪،‬‬
‫"ناديجــدا نيكوليفنــا"‪" ،‬الشــارة"‪" ،‬الضــفدعة الرحالــة"‪ .‬كمــا‬
‫أصدرت الدار المذكورة المؤلفات المختارة ليفــان تورغينيــف )‬
‫‪ (1883-1818‬فــي خمســة مجلــدات وذلــك فــي عــام ‪1985‬‬
‫وأصدرت دار التقدم مؤلفــات أنطــون تشــيخوف المختــارة فــي‬
‫أربعة مجلدات مابين عامي )‪ . (1982-1981‬وبعد ذلك مباشرة‬
‫أصدرت الدار المذكورة مؤلفات مكسيم غوركي المختــارة فــي‬
‫ستة مجلدات‪ .‬وأصدرت الدار نفسها مختارات جنكيز آيتماتوف‪.‬‬
‫وهناك مؤلفــات كــثيرة صــدرت فــي التحــاد الســوفييتي باللغــة‬
‫العربية لكّتاب روس وســوفييت مــن الصــعب الن حصــرها‪ ،‬ول‬
‫نرى ضرورة إلى ذلك‪.‬‬
‫دار "التقدم" أكبر دار نشر في العالم‪ ،‬عمـل فيهــا أربعمـائة‬
‫مترجم أجنبي‪ ،‬وثلثة آلف محرر روسي‪ ،‬كانوا ينقلون مؤلفــات‬
‫في الدب والسياسة والقتصــاد وحقــول المعرفــة الخــرى مــن‬
‫اللغة الروسية إلى تسع وأربعين لغة‪ ،‬من بينها العربية‪.‬‬
‫وكما أشــارت صــحيفة "الحيــاة" اللبنانيــة فــي عــددها رقــم‬
‫‪ 11477‬وبتاريخ ‪ 21‬تموز ‪ ،1994‬بــأن الــدار تأسســت لغــراض‬
‫‪- 35 -‬‬
‫إيديولوجية‪ ،‬ولكنها تحولت مع مرور الزمن إلى مؤسسة ثقافيــة‬
‫كبرى‪.‬‬
‫وعمل في الدار‪ ،‬أدباء عــرب معروفــون‪ ،‬بينهــم الســوريون‬
‫مواهب الكيــالي‪ ،‬وحســيب الكيــالي‪ ،‬ووصــفي البنــي‪ ،‬والــروائي‬
‫العراقي غائب طعمة فرمان‪ ،‬والشاعر المصــري عبــد الرحمــن‬
‫الخميسي‪ ،‬والسودانيان تاج السر الحسن‪ ،‬وجيلي عبد الرحمن‪.‬‬
‫وكانت الدار تصدر باللغة العربية سنويا ً مــابين أربعيــن إلــى‬
‫خمســين كتاب ـًا‪ .‬ولقــد نقــل الديــب المصــري الــدكتور أبــو بكــر‬
‫اليوسف مؤلفات أنطون تشيخوف في أربعة مجلــدات‪ ،‬ويعمــل‬
‫الن الدكتور أبو بكــر اليوســف فــي الســفارة الليبيــة بموســكو‪،‬‬
‫ولقدأصدرت الدار بعض روايــات فيــدور دوستيفســكي )‪-1821‬‬
‫‪ (1881‬باللغــة العربيــة‪ ،‬بترجمــة الــدكتور ســامي الــدروبي‬
‫ومراجعة الدكتور أبو بكر اليوسف‪.‬‬
‫ولقدأصدرت الدار ثلثيــة "درب اللم" للكســي تولســتوي‪،‬‬
‫بترجمة غائب طعمة فرمان‪.‬‬
‫وكانت دار التقدم توزع منشوراتها في الدول العربية‪ ،‬وفــي‬
‫التحادالسوفييتي‪ ،‬وكــانت مطبوعاتهــا تــوزع بشــكل خــاص فــي‬
‫الجمهورية العربية السورية‪ ،‬وفي جمهورية مصر العربية‪ ،‬وفــي‬
‫العراق والسودان والردن واليمن ولبنان‪.‬‬

‫ولكن بعد تفكك التحاد السوفييتي‪ ،‬أصبحت دار التقدم فــي‬


‫حال يرثى لها‪ .‬وتوفي بعض مــترجمي الــدار فــي موســكو مثــل‬
‫مواهب كيالي وغائب طعمه فرمان‪ ،‬وعبد الرحمن الخميسي‪.‬‬
‫نعود الن إلى تراث ليف تولستوي وإلى تاريخ نشره باللغــة‬
‫ن مؤلفــات الكــاتب الروســي العظيــم المترجمــة إلــى‬ ‫العربية‪ ،‬إ ّ‬
‫اللغــة العربيـة مباشـرة مــن اللغــة الروســية قليلــة جـدًا‪ ،‬وهـذه‬
‫حقيقة نأسف لذكرها‪.‬هذا‪ ،‬رغم أن العلقــات الثقافيــة والعلميــة‬
‫والدبيـة بيــن البلــدان العربيــة والتحــاد السـوفييتي كـانت فــي‬
‫الفترة الخيرة تنمو وتتوسع وتتعمق بسرعة ملحوظة‪ ،‬مــع هــذا‬
‫فإّننا ل نجــد عمل ً نقــديا ً باللغــة العربيــة حــول أعمــال تولســتوي‬
‫المترجمــة إلــى اللغــة العربيــة وذلــك لفقــر المكتبــة العربيــة‬
‫بالمؤلفــات المتخصصــة فــي المكتبــات وفــي الرشــيف‪ ،‬فلقــد‬
‫ذكرت المستشرقة المعروفة‪ ،‬أستاذة الدب العربي في جامعــة‬
‫لينينغــراد الــدكتورة آنــا أركاديفنــا دالينينــا فــي مقالتهــا "الدب‬
‫الروسي في البلدان العربية" )‪123‬ـ ـ ص‪ ، (203‬بــأن مــترجمي‬
‫أعمال ليف تولستوي والدباء الروس الخرين في مطلع القــرن‬
‫العشرين حاولوا تزييــن الترجمــة وتقريبهــا‪ ،‬قــدر المكــان‪ ،‬إلــى‬
‫الســلوب التقليــدي‪ ،‬فلقــد حــاول المــترجمون العــرب تعزيــز‬
‫مــواقفهم الفكريــة مســتندين بــذلك علــى موقــف تولســتوي‬
‫الفكري‪.‬‬
‫ترجمــت فــي مطلــع القــرن العشــرين مؤلفــات تولســتوي‬
‫الفكريــة والفلســفية والدينيــة‪ .‬ول نجــد بيــن الترجمــات العربيــة‬
‫آنذاك رواية "الحرب والســلم" )‪ ، (1869-1863‬أو روايــة "آنــا‬
‫كارينينــا" )‪ . (1877-1873‬أو فــي أعمــال تولســتوي البداعيــة‬
‫التي ألفها في الخمسينيات من القرن الماضي‪.‬‬
‫ويسمي المترجمون العرب ليف تولستوي معلما ً وفيلسوفا ً‬
‫عظيمًا‪ ،‬مع تطور الدب العربي‪ ،‬يتطور تدريجيا ً الهتمــام بــتراث‬
‫تولســتوي‪ ،‬ففــي الــوقت الحاضــر يهتــم المــترجمون والكت ّــاب‬
‫والقــراء والنقــاد العــرب بــتراث تولســتوي البــداعي أكــثر مــن‬
‫اهتمامهم بمقالته الفكرية‪.‬‬
‫***‬
‫‪- 36 -‬‬
‫ي‪:‬ي‬ ‫ي ‪ -‬ييييي‬ ‫ييي يييي‬ ‫‪ -16‬ي‬
‫ولعل سليم قبعين ‪-‬خريج دارالمعلمين الروسية فــي مدينــة‬
‫الناصــرة بفلســطين فــي مطلــع القــرن العشــرين مــن أنشــط‬
‫المترجمين العــرب الــذين نقلــوا بعــض مؤلفــات تولســتوي مــن‬
‫اللغة الروسية إلى اللغة العربية مباشرة"‪.‬‬
‫والمترجم سليم قبعين من رجال الفكر في مصر في مطلع‬
‫القرن العشرين‪ .‬تعلق بأفكار تولستوي وبشر بفكــرة تولســتوي‬
‫ة‬
‫حول الكمال الروحي‪ .‬وحاول أن يقيم في مصر مزارع جماعي ـ ً‬
‫على طريقة كومونة تولستوي التي انتشرت آنــذاك فــي روســيا‬
‫ويعتبر كتابه "مذهب تولستوي"عام )‪ . (1901‬أّول كتــاب صــدر‬
‫باللغة العربية حول تولستوي‪.‬‬
‫يكتب سليم قبعين في الصفحة الولى من الكتاب‪" :‬مذهب‬
‫تولستوي يحتوي على مختصر ترجمة حيــاته‪ ،‬ووصــف معيشــته‪،‬‬
‫وآدابــه وفلســفته وآرائه الدينيــة‪ .‬وحــرم المجمــع المقــدس لــه‬
‫واعتراضه واحتجاج زوجته على مضمون الحرم ثــم ردود رجــال‬
‫الدين الروس على آرائه الدينية )‪. (1-36‬‬
‫ن هــذا الرجــل العظيــم‬ ‫ما في مقدمة الكتاب فيكتــب ‪":‬فــإ ّ‬ ‫أ ّ‬
‫أدهش علماء أوروبا بفلسفته الصائبه وأفكاره الثاقبة‪ ،‬فـاعترفوا‬
‫له بسمو المــدارك‪ ،‬وأقــروا بــأّنه مــن أشــهر فلســفة العــالم" )‬
‫‪36‬ص‪. (3-2 -‬‬
‫ما في الفصل الول فيعرض سليم قبعين سيرة حياة ليــف‬ ‫أ ّ‬
‫ن تولســتوي‬ ‫تولستوي حتى نهاية القرن التاسع عشر‪ .‬في ـ ّ‬
‫ذكر بــأ ّ‬
‫من مواليد ‪ -1828‬ومن أسرة عريقة‪ ،‬تــوفيت والــدته فــي عـام‬
‫‪ ،1830‬وتوفي والداه قبل بلــوغه العاشــرة‪ .‬وفــي عــام ‪1837‬‬
‫انتقل والده إلى موسكو حيث توفي فيها في العام ذاته‪.‬‬
‫وفــي عــام ‪ 1841‬انتقلــت الســرة إلــى كــازان‪ ،‬وفــي عـام‬
‫‪ 1843‬انتسب تولستوي إلى كلية اللغات الشرقية بكازان‪ .‬ومن‬
‫الواضح ميــل ســليم قبعيــن لجعــل تولســتوي فــي شــبابه مثــال ً‬
‫ن تولستوي في شــبابه لــم يكــن‬ ‫للخلق الحسنة العالية‪ ،‬علما ً بأ ّ‬
‫ذلك النسان الذي يصفه ســليم قبعيــن‪ ،‬غــادر تولســتوي مدينــة‬
‫ب الفســاد الــذي‬ ‫كازان‪ ،‬كما يقول سليم قبعين‪ ،‬نظرا ً لّنه ل يحـ ّ‬
‫كان منتشرًا‪ ،‬في الوسط البورجوازي هنــاك‪ .‬ورجــع إلــى قريتــه‬
‫ياسنايا بوليانا‪ .‬وفي عام ‪ 1851‬انخرط تولستوي فــي صــفوف‬
‫الجيش‪ .‬واشترك تولستوي في الــدفاع عــن مدينــة سيباســتبول‬
‫وهنـــاك فـــي الجنـــوب أل ّـــف تولســـتوي قصـــص "الطفولـــة"‬
‫و"المراهقــة" و"الشــباب"‪ ،‬و"سيباســتبول"‪ ،‬و"قطــع الغابــة"‪،‬‬
‫"ولمــا انتهــت الحــرب المشــؤومة ورأى الفيلســوف عاقبتهــا‬
‫الوخيمة التي كانت سببا ً لهرق دماء ألوف مــن الرجــال البريــاء‬
‫صار منذ ذلك الحين يكره الحرب كرها ً شديدًا")‪-36‬ص‪. (9‬‬
‫وفي عام ‪ 1862‬تزوج‪ ،‬وبعد ذلك أيّ في عام ‪ 1863‬شــرع‬
‫يكتب رواية "الحرب والسلم"‪.‬‬
‫ويرى سليم قبعين أن الصفات القبيحة بنظر تولستوي هــي‬
‫مــا‬
‫القساوة والنانيــة والكــذب وقلــة الدب والبلدة والكبريــاء‪ .‬أ ّ‬
‫الصفات الحسنة فهي‪ :‬البساطة وطهارة القلب وعــدم العتمــاد‬
‫على الغير‪.‬‬
‫ما المواضيع التي بحثها الفيلسوف العظيم فهي أربعة‪:‬‬ ‫أ ّ‬
‫‪ - 1‬بحــث بحثـا ً مفصـل ً فــي عيشــة الطبقــة‬
‫العليا الروسية‪.‬‬
‫‪ - 2‬صور الحياة السرية‪.‬‬
‫‪- 37 -‬‬
‫‪ - 3‬وصف فساد الحياة العسكرية‪.‬‬
‫‪ - 4‬وصف بعدل حياة الفلح الروسي‪.‬‬
‫يتحــدث ســليم قبعيــن فــي الفصــل الثــاني عــن طفولــة‬
‫تولستوي وفي الفصل الثالث عن شباب الكاتب الروسي‪ .‬ونرى‬
‫من خلل مطالعتنــا لهــذه الفصــول محبــة ســليم قبعيــن لكــاتب‬
‫روســيا العظيــم‪ ،‬إذ يــرى أن تولســتوي وصــف الفلح الروســي‬
‫بالطيب وبالبطولة وبالشجاعة وبالصــبر ويتــوخى تولسـتوي مـن‬
‫ة‪.‬‬
‫مؤلفاته مساعدة الخرين‪ ،‬وجعل حياتهم أكثر سعاد ً‬
‫ويختتــم ســليم قبعيــن الفصــل الثــالث بقــوله‪":‬هــذا مــاكتبه‬
‫الفيلســوف عــن نفســه فــي كتــاب عنــوانه "فتــوة"‪ ،‬و"صــبوة"‬
‫ن‬
‫و"شبيبة تولستوي"‪ ،‬نقلناه عنــه باختصــار‪-36) ،‬ص‪ ، (62‬أيّ أ ّ‬
‫سليم قبعين يعتبر ثلثية ليف تولستوي "الطفولة" و"المراهقـة"‬
‫ن تولســتوي كــان‬ ‫و"الشباب" سيرة ذاتية للكاتب ذاته‪ .‬علم ـا ً بــأ ّ‬
‫ينظر إلى هذه الثلثيــة علــى أّنهــا معالجــة أدبيــة لســيرة حيــاته‪.‬‬
‫والمعالجة الدبية ليســت ســيرة حياتيــة‪ ،‬بــالمعنى الــدقيق لهــذا‬
‫المفهوم‪ .‬ولذلك فإن اسم بطل قصة "الطفولة" في الصل هــو‬
‫مــا فــي الترجمــة فهــو )ليــف( وبمــا أن المــترجم‬ ‫)نيكولينكو( أ ّ‬
‫يحاول جعل تولستوي في شبابه مثال ً للخلق الحسنة فإّنه مــن‬
‫أجــل تحقيــق هــذا الهــدف يحــذف الكــثير مــن ثلثيــة تولســتوي‬
‫ن سـليم قبعيــن فــي‬ ‫ويضيف من عنده بعض المــور‪ .‬وهكــذا فــإ ّ‬
‫فصل "تأملت"‪ .‬يجبر تولستوي الفتى على تعليم رفــاقه الكــبر‬
‫ن المترجم يصور الخ الكبر )فالوديا( أنانيا ً على‬ ‫منه سنًا‪ .‬كما أ ّ‬
‫ن‬‫عكس أخيه الصغر الذي ينطق بالحكمـة منـذ طفـولته‪ ،‬كمـا أ ّ‬
‫المترجم يغّير علقة بطل الثلثية )بنخليودوف( ‪ .‬يكتب تولستوي‬
‫فــي ثلثيتــه‪" :‬كــان نيخليــودوف بحضــور الخريــن ل يعيرنــي أي‬
‫اهتمــام")‪94‬ص‪ . (73‬أمــا فــي كتــاب ســليم قبعيــن فــإن هــذه‬
‫الجملــة غيــر موجــودة لّنهــا تتضــمن بعــض التقليــل مــن قيمــة‬
‫تولستوي ومكانته الذي هو في نظـر المـترجم‪ ،‬يفـوق الخريـن‪،‬‬
‫منذ طفولته‪ ،‬وكما أن سليم قبعيـن يحـذف نهايـة الفصـل حيـث‬
‫يتحدث تولستوي عن تأثير نيخليودوف على بطل القصــة‪ ،‬الــذي‬
‫اســتوعب علــى نحــو غيــر إرادي اتجــاه نيخلــودوف كمــا يقــول‬
‫تولستوي في قصته‪ .‬أما المترجم فيصور تولستوي منذ طفــولته‬
‫فيلسوفا ً ينتقد الخريــن‪ .‬فهــو ل يتــأثر بــالخرين وإّنمــا يتــأثر بــه‬
‫الخرون‪ ،‬حتى نيخليودوف يتأثر بالحكيم الصغير‪.‬‬
‫ويصل ســليم قبعيــن إلــى هــدفه وهــو وصــف بطــل القصــة‬
‫بالكمــال عــن طريــق الحــذف والضــافة‪ .‬وبــذلك فــإن قصــة‬
‫تولستوي تفقد ميزة من أهـم ميزاتهـا وهـي "معرفــة الحركــات‬
‫ة عميقـة"‪) .‬‬ ‫الخفية للجانب النفسي مــن حيـاة النسـان معرفـ ً‬
‫‪-119‬ص‪. (428‬‬
‫يرى الكاتب الروسـي تشيرنيشفسـكي )‪ (1889-1828‬أن‬
‫التحليل النفسي قد يتخذ اتجاهات مختلفة‪ ،‬أمــا عنــد تولســتوي‪،‬‬
‫كما يرى الكاتب المذكور‪ ،‬فهو يتخذ شكل ً معيينا ً وهو تصــوير"‪...‬‬
‫العملية النفسية ذاتها ‪ ،‬أشــكالها‪ ،‬قوانينهــا‪ ،‬جدليــة الــروح‪ ،‬لكــي‬
‫نعبر عن فكرتنا بمصطلح محدد" ) ‪-119‬ص‪.. (423-422‬‬
‫في الفصل الرابع يصف ســليم قبعيــن البسـاطة الـتي كـان‬
‫يعيش فيها تولسـتوي فــي قريتـه ياسـنايا بوليانـا‪ .‬وفــي الفصـل‬
‫الخامس يتحدث قبعين عن فلسفة تولستوي‪.‬‬
‫ما القسم الثاني من الكتاب فيخصصه سليم قبعيــن لقــرار‬ ‫أ ّ‬
‫المجمع المقـدس بحرمـان ليـف تولسـتوي مـن الكنيسـة الـذي‬
‫صدر في ‪ 20‬شباط عام ‪ 1901‬والذي نشر فــي جريــدة "أخبــار‬
‫الكنيسة" وجاء في القرار‪ ...":‬وفي أيامنا هذه ظهر معلم كاذب‬
‫مــه‬‫هــو الكــونت تولســتوي‪ ...‬وقــد أنكــر علنيــة أمــام الجميــع أ ّ‬
‫‪- 38 -‬‬
‫الكنيسة الرثوذكسية التي هذبته وثقفته وكــرس جميــع مــواهبه‬
‫وقواه العلمية لنشر التعاليم المضادة للمسيح والكنيســة ليزيــل‬
‫من عقول الناس وقلوبهم إيمان آبائهم‪ ....‬وهو ينكر الل ّــه الحــي‬
‫في الثالوث القـدس الممجـد خـالق وضـابط المسـكونة وينكـر‬
‫الرب يسوع المسـيح اللـه والنسـان‪ ....‬ول يعتقـد بالحيـاة بعـد‬
‫الموت ول بالعقاب والثواب")‪ 36‬ص‪. (54-53‬‬
‫وقع على القــرار كــل مــن المطارنــة‪ :‬مطــران بطرســبورغ‬
‫ومطران كييف ومطران موسكو ومطران وارسو وغيرهم‪.‬‬
‫ما عن ردة الفعل التي أحدثها القرار المذكور فلقــد قــامت‬ ‫أ ّ‬
‫المظــاهرات وطــالب الكــثيرون مــن أتبــاع تولســتوي المجمــع‬
‫مــا الكــثير مــن الشــعب فوقــف مــع‬ ‫المقدس بحرمــانهم معــه‪ .‬أ ّ‬
‫المجمع المقدس وضــد تولســتوي ولــذلك فلقــد أرســلت زوجــة‬
‫الكاتب الروسي رسالة إلى مطران بطرســبورج بصــفته رئيــس‬
‫المجمع المقدس قالت فيها مدافعة عن زوجها‪.....":‬أما إذا كان‬
‫القصــد مــن حرمــان ليــف نيكــوليفتش تنفيــر النــاس منــه‬
‫واستمالتهم عنه‪ ،‬فهو خطأ واضح لن جميــع النــاس زادوا تعلق ـا ً‬
‫به وميل ً إليه وسخطوا من هذا الحــرم ول تــزال تردنــا الشــواهد‬
‫على ذلك من جميع أقطار العالم‪-36).".‬ص‪. (58‬‬
‫واستنكرت صوفيا أندريفنا زوجة تولســتوي القــرار الســري‬
‫الذي أصدره المجمع المقدس والـذي يمنــع الكهنــة مـن الصــلة‬
‫على جثــة تولسـتوي بعــد ممــاته ويمنــع دفنـه بمــوجب طقــوس‬
‫الكنيسة‪ .‬وأجابها مطران بطرسبورج بما يلي‪ ....":‬ولذلك نقــدر‬
‫أن نقول كلمة "واحدة" عمن ينكر المسيح وهو أن ّــه ينتقــل مــن‬
‫الحياة إلى الموت وعلى ذلك يتوقف هلك زوجــك‪ 36)".....‬ص‬
‫‪ . (61‬ويرى المطران المــذكور أن تولســتوي نفســه ل يريــد أن‬
‫يدفن بحسب الديانة المسيحية‪ .‬ورد ليف تولستوي علــى قــرار‬
‫المجمــع المقــدس لن ّــه اســتلم مجموعــة مــن الرســائل تهــدده‬
‫بالقتل‪ .‬فكتب له أحد الناس‪":‬ستموت الن كــالكلب‪-36) .".....‬‬
‫ص‪ (66‬وكتب له آخرون بأن على الحكومة زجك فــي الســجن‬
‫وإن لــم تفعــل ذلــك فنحــن نجــبرك علــى الســكوت‪ .‬ويكتــب‬
‫تولستوي أّنه خرج إلى الساحة العامة في موسكو في الخامس‬
‫والعشرين من شهر شـباط‪ ،‬وهـو اليـوم الـذي أذاع بـه المجمــع‬
‫المقدس قرار الحرمان فاستقبله الجمهور باللعنات والشــتائم‪،‬‬
‫وضربه بعضهم‪.‬‬
‫ن‬‫ول ينكــر تولســتوي فــي رده علــى المجمــع المقــدس أ ّ‬
‫الكنيســـة أخفـــت إخفـــاًء تامـــا ً جـــوهر التعليـــم المســـيحي‪.‬‬
‫ويذكرتولســتوي أن ّــه كتــب لجميــع أقــاربه لكــي يطرحــوا جثتــه‬
‫الجامدة بعد مــوته بــدون أن يصــلي عليهــا أحــد كمــا يطرحــون‬
‫الشيء الفاسد الذي ل لزوم له لكي ل يزعج الناس بوجوده‪.‬‬
‫سليم قبعين أول من ترجم مـن اللغــة الروســية إلــى اللغــة‬
‫العربية قصة تولستوي "لحن كريتسر" )‪. (1889‬‬
‫ن ســليم قبعيــن يعتــبر نفســه مــن أتبــاع تولســتوي‬ ‫مــع أ ّ‬
‫المخلصين لمبادئه‪ ،‬فهو يفهم الدب الروسي على أّنه قوة حيــة‬
‫فعاله ولذلك فهو يسخر الدب الروسي من أجل حل المشــاكل‬
‫المعاصرة لواقعه العربـي‪ ،‬ولـذلك فأحيانـا ً يغيـر فـي النصـوص‪.‬‬
‫وكانت هذه الحقيقة واضحة في ترجمته لقصة تولسـتوي "لحـن‬
‫كريتســر"‪ .‬الـتي نشــرت فــي القـاهرة فــي عـام ‪ .1903‬ويــرى‬
‫المستشرق الروسي دميتريفسكي إن هذه القصة ترجمت إلــى‬
‫اللغة العربية من اللغة الفرنسية في عام ‪1902‬‬
‫)‪-132‬ص‪ . (13‬وقــام بالترجمــة فــي البرازيــل الكــاتب رفــول‬
‫أفندي سعادة‪ .‬ويشير كتــاب "ترجمــة مؤلفــات ل‪.‬ن‪ .‬تولســتوي‬
‫إلى اللغات الجنبية"‪ ،‬إلى هذه النقطة‬
‫‪- 39 -‬‬
‫)‪-170‬ص‪. (291‬‬
‫ويشــير الكــاتب المــذكور إلــى أن قصــة "لحــن كريتســر"‬
‫صدرت مرة ثانية في القاهرة في عام ‪.1913‬‬
‫كتب مقدمة ترجمة قصــة "لحــن كريتســر" رفــول ســعادة‪.‬‬
‫والجدير بالذكر أن عنوان الرواية بالترجمة هو‪":‬الوفاق والطلق‬
‫أو لحن كريتسر"‪ .‬وبعد ذلك وعلى الصـفحة الولـى نجـد وصـفا ً‬
‫للرواية بأّنها رواية اجتماعية غرامية أدبية‪.‬‬
‫كان سليم قبعين مــن أنصــار تحريــر المــرأة فــي المشــرق‬
‫العربي ولذلك قام بترجمة قصة "لحن كريتسر" التي كــان لهــا‬
‫صدى اجتماعي آنــذاك‪ .‬وبــوجه خــاص بعــد صــدور كتــب قاســم‬
‫أميــن" تحريــر المــرأة" )‪ (1899‬وكتــاب "المــرأة الجديــدة")‬
‫‪ (1901‬والكتب الخرى التي تنادي بتحرير المرأة في المشرق‬
‫العربي‪.‬‬
‫أحدثت كتب قاسم أمين )‪ ، (1908-1865‬ضــجة اجتماعيــة‬
‫كبيرة في ذلك الوقت‪.‬‬
‫فلقد كان قاسم أمين كما كتب عنه ي‪.‬يو‪.‬كراتشكوفســكي‪:‬‬
‫"أول مسلم فــي مصــر يرفــع بقــوة صــوته مــدافعا ً عــن حقــوق‬
‫المـــرأة المشـــروعة" )‪160‬ص‪ ، (127‬ويكتـــب المستشـــرق‬
‫الكــاديمي‪ ،‬رئيــس قســم اللغــة العربيــة فــي جامعــة لينينغــراد‬
‫الحكومية ي‪.‬يو‪.‬كراتشكوفسكي‪:‬‬
‫"إن الصحفي الجيد ســليم قبعيــن الــذي قــدم الكــثير للدب‬
‫العربــي المعاصــر فــي مجــال تعريــف القــراء العــرب بــالدب‬
‫الروسي‪ .‬والذي قام فــي عــام ‪ 1903‬بترجمــة قصــة تولســتوي‬
‫"لحن كريتسر" قد وسع أفق المسألة التي طرحها قاسم أميــن‬
‫حول تحرير المرأة")‪-160‬ص‪. (134-133‬‬
‫قامت أستاذة الدب العربي بجامعة لينينغراد ا لــدكتورة آنــا‬
‫أركاديفنا دالينينا بتحليل ترجمــة ســليم قبعيــن لقصــة تولســتوي‬
‫"لحن كريتسر"‪ ،‬وذلك في مقالة نشرتها تحت عنوان "الترجمــة‬
‫العربية لقصة "لحن كريتسر"‪ ،‬وأثبتــت فــي مقالتهــا بــأن ســليم‬
‫قبعين قد أجرى قاصدا ً ومتعمدا ً تغييرات كثيرة في نص القصــة‪.‬‬
‫فكمــا هــو معــروف فــإن الفكــرة الساســية فــي قصــة "لحــن‬
‫كريتسر" هي بأن المثال المسيحي هو إقامة ملكوت الّله على‬
‫الرض‪ ،‬وأن العفة أحد الشروط الساســية فــي هــذا الملكــوت‪.‬‬
‫فعلى النسان كبح شهواته الجنســية‪ .‬ويــرى بوزنيشــوف ‪-‬بطــل‬
‫القصة‪ -‬أن هــدف وجــود النســان علــى الرض هــو زرع الخيــر‪.‬‬
‫وهناك قانون لتحقيق هذا الهدف‪ ،‬ويتلخــص بوحــدة البشــر‪ ،‬وأن‬
‫الدافع الجنسي هو الذي يفرق ويبعد الناس بعضهم عــن بعــض‪،‬‬
‫فهو من أقوى الدوافع النسانية‪ ،‬فهو من أقوى الشــهوات الــتي‬
‫تفرق وحدة الجنس البشري‪.‬‬
‫ً‬
‫أما سليم قبعين فإنه يغير الفكرة المذكورة سـابقا بالشـكل‬
‫التالي‪ ....":‬هـدف النسـانية هـو الخيـر ومـن أجـل تحقيـق هـذا‬
‫الهدف هناك تعاليم وسلوك معين يقود النسان إلــى الســعادة‪،‬‬
‫وأما البتعاد عن هذه القوانين فيؤدي إلــى العبوديــة"‪-127)....‬‬
‫ص‪ . (120‬فلقد حول ســليم قبعيــن "لحــن كريتســر"‪ ..‬بصــورة‬
‫عقلنية بمـا يتناسـب ومسـائل العصـر‪ .‬فبـدل وعـظ تولسـتوي‬
‫حول العفة إلى نداء لتحرير المرأة الذي كان المشــرق العربــي‬
‫بــأمس الحاجــة إليــه‪ .‬يبــدل ســليم قبعيــن حــتى عنــوان القصــة‬
‫فأصــبحت عنــده "الوفــاق والطلق أو لحــن كريتســر"‪ ،‬فلــذلك‬
‫يقترح بطل القصة بالترجمــة العربيــة أن تصــبح المــرأة صــديقا ً‬
‫وعونا ً للرجل بدل ً من أن تبقــى مــادة لملــذاته وشــهواته‪ .‬وهــذه‬
‫المثــل مــا هــي إل صــدى لراء قاســم أميــن الــذي كــان يعمــل‬
‫‪- 40 -‬‬
‫مستشــارا ً بمحكمــة الســتئناف والــذي اهتــم بموضــوع تحريــر‬
‫المرأة العربية‪ .‬ورأى قاسم أمين أن الــدين الســلمي ل يلزمنــا‬
‫التشديد في الحجاب‪ ،‬ويكتــب قاســم أميــن فــي كتــابه "المــرأة‬
‫الجديدة"‪" :‬فإذا أراد المصريون أن يصلحوا أحوالهم فعليهــم أن‬
‫يبدأوا الصلح من أوله‪ .‬يجب عليهم أن يعتقدوا بأن ل رجاء في‬
‫أن يكونوا أمــة حيــة ذات شــأن بيــن المــم الراقيــة‪ ....‬قبــل أن‬
‫تكون بيوتهم وعــائلتهم وســطا ً صــالحا ً لعــداد رجــال متصــفين‬
‫بتلك الصفات التي يتوقف عليها النجاح‪ .‬ول رجاء في أن تصــير‬
‫الــبيوت والعــائلت ذلــك الوســط الصــالح إل إذا تربــت النســاء‪،‬‬
‫وشــاركن الرجــال فــي أفكــارهم وآمــالهم وآلمهــم‪ ،‬إن لــم‬
‫يشاركنهم في جميع أعمالهم")‪ 3‬ص‪ . (125‬تقارن آّنا اركاديفنــا‬
‫دالينينا بين الفكار والستنتاجات التي يصل إليها كل مــن بطــل‬
‫"لحن كريتسر" في الصل وبطل "لحن كريتسر" في الترجمــة‪.‬‬
‫يقول بوزنيشوف في النــص الروســي‪" :‬عرضــت القضــية علــى‬
‫المحكمة كما يلي‪ :‬كل ماحدث‪ ،‬حدث بسبب الغيرة‪ ،‬ولكـن هـذا‬
‫ليس صحيحًا‪ .‬فلقد أقرت المحكمــة بــأنني زوج مخــدوع‪ ،‬وأننــي‬
‫قتلــت دفاع ـا ً عــن شــرفي المــدنس ولــذلك بــرأت المحكمــة‬
‫تصرفي‪ ،‬وحاولت في جلسة المحكمة أن أشرح معنى القضــية‪،‬‬
‫ولكنهم فهموا أنني أرغب في رد اعتبار شرف زوجتي‪.‬‬
‫فعلقة زوجتي بهذا الموسيقي‪ ،‬مهما كان نوعها‪ ،‬لمعنى لها‬
‫بالنسبة لي‪ ،‬وبالنســبة لهــا أيضـًا‪ ....‬فلــو لــم تكــن حجــة الغيــرة‬
‫ل‬‫ن كـ ّ‬ ‫لكانت هنــاك حجــة أخــرى‪ .‬إننــي أصــر وأنــا متأكــد فــي أ ّ‬
‫الزواج‪ ،‬الــذين يعيشــون كمــا أعيــش‪ ،‬ينبغــي إمــا أن يمارســوا‬
‫الزنى‪ ،‬وإما أن يطلقوا زوجاتهم‪ ،‬وإما أن ينتحــروا‪ ،‬أو أن يقتلــوا‬
‫ن تولســتوي‬ ‫زوجــاتهم‪ ،‬كمــا فعلــت"‪ 103).‬ص ‪ (50- 49‬أيّ أ ّ‬
‫ينتقد المجتمع الذي يؤدي بأفراده إلى حالت معينة يضطر فيهــا‬
‫الفرد إلى ارتكاب جريمة القتل أو الزنى‪ ،‬بطل قصــة تولســتوي‬
‫يلوم نفسه ويلوم القضاء الذي برر جريمتــه فــي حيــن أن بطــل‬
‫القصة فــي الترجمــة العربيــة ل يلــوم نفســه وإّنمــا يطلــب مــن‬
‫الخرين تبرئته‪ ،‬كما برأته المحكمة‪ ،‬لّنه فــي نظـر القضـاء قـام‬
‫بجريمة القتل دفاعا ً عن شرفه المدنس‪ .‬وترى المستشرقة آّنــا‬
‫أركاديفنا دالينينا‪":‬نهاية الترجمة العربية تبتعــد عــن نهايــة النــص‬
‫الروسي )‪ (180‬درجة أي تصير عكسها تمامـًا‪ ...‬وهكــذا أمامنــا‬
‫"لحن كريتسر"‪ ،‬رأسها إلــى الســفل وقــدماها إلــى العلــى"‪) ،‬‬
‫‪ 127‬ص‪ . (123‬إن قصة "لحن كريتسر" باللغة العربية تهــدف‬
‫إلى تحرير المرأة والتجــاوب مــع صــرخة أطلقهــا فــي المجتمــع‬
‫العربــي قاســم أميــن‪ ،‬ولــذلك كتــب ســليم قبعيــن فــي قصــته‬
‫المترجمة‪ ...." :‬يجب على المرأة أن ل تخدع زوجهــا ول تغشــه‬
‫مطلق ـا ً كمــا يجــب علــى الرجــل أيض ـا ً النتبــاه التــام لئل يكــون‬
‫مخدوعا ً من امرأته")‪-5‬ص‪. (22‬‬
‫يفضح بطل قصة تولستوي السر الطفيليــة حيــث ينظــرون‬
‫ن‬
‫إلى المرأة كما ينظرون إلى أداة للملذات الجسدية‪ .‬وبهذا فــإ ّ‬
‫تولستوي ينادي المجتمع بالرجوع إلى المبادئ المسيحية‪.‬‬

‫م مممممم مممم ممم‪:‬‬ ‫مممم مممم ممممم‬


‫"ي ي يي ي يي ي يي ييي ييي ييييي يي ي يي ي يي ي‬
‫ييييي"‪ .‬يي يي ييييييي يي ييي ييييي ي ييييي يييي‬
‫ييي ي ييي ي ي ييي ي ييي يي يييي يي‪ .‬يي يي يييي ييي‬
‫يي ي ي ي يي ييي ييييييي ي ييييي ي يييي ي "ييييي ي‬
‫يي يي يي ييي يي يي يي ييي يي ييي ي يي ي يييي يي‬
‫يييييي ييييييييي") ‪-165‬ي ‪. (209‬‬
‫بطل قصة "لحن كريتسر" التي ترجمها سليم قبعين يــدافع‬
‫عن السرة‪ .‬ل يتصف بوزنيشف بالشهوات الحيوانية الــتي كــان‬
‫‪- 41 -‬‬
‫يكرهها تولستوي‪ .‬يتحمل مسؤولية الفساد‪ ،‬بنظر سليم قبعيــن‪،‬‬
‫كل من الرجال والنساء ول يتصرف الزوج في الترجمة العربيــة‬
‫بصورة حيوانية كمـا يتصــرف فــي الصــل الروســي‪ .‬إن ترجمـة‬
‫قصة "لحن كريتسر" ضرورية بالنسبة لســليم قبعيــن مــن أجــل‬
‫حــل مشــكلة الســرة والــزواج والطلق فــي الشــرق‪ ،‬أيّ أن‬
‫الترجمــة كــانت تهــدف لتحقيــق أهــداف عمليــة‪ .‬ول بــأس مــن‬
‫الشارة إلى أن الدكتور طه حسين كتب في تشرين الثاني مــن‬
‫عام ‪ 1924‬مقــال ً عــن قصــة ليــف تولســتوي "لحــن كريتســر"‪،‬‬
‫وذلك لّنه شاهدها بشكل تمثيلية في أحد مسارح بــاريس‪ ،‬وقــد‬
‫أعــدها للمســرح كاتبــان فرنســيان همـا فرنــان نــوزير‪ ،‬والفريــد‬
‫ســافوار‪ ،‬ويبــدو أن الــدكتور طــه حســين كــان يرتــاد المســرح‬
‫الفرنسـي فــي بـاريس‪ ،‬علـى الرغـم مـن أّنـه كفيـف‪ ،‬كمـا هـو‬
‫ن أحدا ً كان يساعده‪.‬‬
‫معروف‪ ،‬إل أ ّ‬
‫يكتــب الــدكتور طــه حســين‪":‬موضــوع هــذه القصــة الغيــرة‬
‫الزوجية أو قل موضوعها الزواج السيء‪ ،‬أو قــل إن موضــوعها‬
‫اللم الذي تشعر بــه امــرأة رقيقــة‪ ،‬دقيقــة الحــس‪ ،‬لــم يفهمهــا‬
‫زوجها‪ ،‬أو قل إن هذا كّله هو موضـوع هـذه القصـة‪ .‬فـأنت تجـد‬
‫فيها تمثيل ً متقنا ً للزوج الغيران‪ ،‬قد عذبته الغيرة أشــد العــذاب‪،‬‬
‫وكلفته ألوانا ً من اللم‪-20)"....‬ص‪. (287‬‬
‫تجري أحداث القصة في مدينة بطرسبورج ‪ -‬عاصمة روسيا‬
‫القيصرية في بيت رجل غني‪ ،‬واسع الثروة‪ ،‬متوسط العمر‪ ،‬لــم‬
‫يكد يبلــغ الربعيــن‪ ،‬اســمه بوزنيشــف مــتزوج مــن فتــاة ل يزيــد‬
‫عمرها عن ثمانية عشر عامًا‪ .‬وأحبــت الزوجــة موســيقيًا‪ ،‬عــزف‬
‫في بيتها‪" ،‬لحن كريتسر" اسمه تروكاسنسكي‪ ،‬وأنجبت طفلين‪،‬‬
‫ولقد اتهمها زوجها بالخيانة وخنقها‪.‬‬
‫يسرد الدكتور طــه حســين أحــداث القصــة‪ ،‬لكنــه يفهــم أن‬
‫تولســتوي ينــدد بــالغيرة‪ ،‬فــي حيــن أن تولســتوي ينــدد بالخيانــة‬
‫الزوجية ويدعو إلى الخلص والعفة ولقــد عالــج هــذا الموضــوع‬
‫في قصته "السعادة الزوجية"‪ ،‬وفي روايته آّنا كارينينــا")‪-1873‬‬
‫‪. (1877‬‬
‫بعد مرور عام واحد على صدور رواية "لحن كرتيسر" الــتي‬
‫نشــرها ليــف تولســتوي فــي عــام ‪ ،1889‬وترجمهــا مــن اللغــة‬
‫الروسية إلى اللغة العربية مباشرة سليم قبعين في عام ‪1903‬‬
‫في القاهرة‪ .‬قام المترجم المذكور في عام ‪ 1904‬بنقــل كتــاب‬
‫ليف تولستوي "إنجيل تولستوي وديانته" من اللغة الروسية إلى‬
‫اللغة العربية ويكتـب فـي مقدمـة الكتـاب أن تولسـتوي أصـبح‬
‫مشهورا ً في الكرة الرضية كلها‪ ،‬حــتى أن بعــض أعمــاله تصــدر‬
‫في العام الواحد أكثر من خمس مرات‪ .‬ويتضــمن الكتــاب آراء‬
‫تولستوي في الدين المسيحي‪ ،‬وفي النجيــل ويكتــب تولســتوي‬
‫في الكتاب المذكور‪.‬‬
‫‪ - 1‬إن النسان هو ابن الزلي الــذي ل بدايــة لــه ول نهايــة أو‬
‫بعبارة أخرى ابن الّله بالروح وليس بالجسد‪.‬‬
‫‪ - 2‬ولذلك يتحتم على النسان أن يخدم ذلك الزلــي بــالروح‬
‫فقط‪.‬‬
‫ن‬ ‫ّ‬
‫‪ - 3‬أصل حياة جميع البشر صادر مـن عنـد اللـه ولـذلك فـإ ّ‬
‫هذه الحياة مقدسة طاهرة‪.‬‬
‫‪ - 4‬إرادة أبي البشر تنحصر في أّنه ينبغي علــى النســان أن‬
‫يخدم جميع الناس لن حياته وحيــاتهم مــأخوذة مــن أصــل‬
‫واحد")‪ 6‬ص‪. (28‬‬
‫ويرى تولستوي أن الحياة الجسدية ماهي إل طعــام للحيـاة‬
‫الروحية أو مواد مادية لها‪ .‬ويرى تولستوي أن المسيح لم يكتب‬
‫‪- 42 -‬‬
‫ن ســقراط كــان يعلــم تلميــذ‬ ‫شــيئا ً مثلــه مثــل ســقراط‪ ،‬إل أ ّ‬
‫ن السيد المسيح كان يعلم الشعب البسيط‪.‬‬ ‫متنورين في حين أ ّ‬
‫وفي عام ‪ 1909‬ترجم سليم قبعين من اللغة الروسية إلــى‬
‫اللغة العربية أسطورة تولستوي "تهديم الجحيــم وإعــادة بنــائه"‬
‫وأعاد نشرها مرة "ثانية" في عام ‪ .1926‬وكان في ذلك الوقت‬
‫يصدر مجلة "الخاء" التي كــانت تســتقي موادهــا مــن المصــادر‬
‫الروسية‪.‬‬
‫مممم م م م مممم م ممممم م مممممم م مممم مممم‬
‫مممممممم‪:‬‬
‫"يييييييي يييييي يييييييييييي ييي يي ي يي يي‬
‫يي يييي يييييي ي ييي ييي ي ي ييي ي ييييي ييي‬
‫ييييي يي ييييي يي ييييي يي ييييي ي ييي ي ييي يي‬
‫يييي ي يييي ي يييي ي ييي يي ييييي يييي ي يييي ي‬
‫ييييي يييي ي ي يييي يييي يي ي ييي يييييي يييي يي‬
‫يي ييييييي يي يي يي ي ي ييي ييي ي ييييي ي يي يييي‬
‫ييي يي يييي ييي ييييي ييي ييييي يي ييييييي يي ي‬
‫ييييي يييي يي ييييييي ييييي يي يي يي ييي ييي ي ي‬
‫ييي ي ييييي يي يييييي يي"‪7) .‬ص ‪ . (4-3‬وفـــي هـــذه‬
‫السطورة يندد تولسـتوي بالحكـام ويتهمهـم بالسـرقة والنهـب‬
‫وسفك الدماء وبأنهم يسيرون بمشيئة الشيطان وليس بمشــيئة‬
‫الل ّــه‪ .‬فقلــوبهم مليئة بالكبريــاء والنتقــام والبغضــاء والكنيســة‬
‫تدعم الحكام وتقف ضد الشعب البسيط وضــد كــل مــن يطلــق‬
‫صرخة الحق‪ .‬ففي هذه السطورة هناك رئيس للشياطين ينفــذ‬
‫أوامره كل من الشياطين الــذين يــثيرون الحــروب بيــن النـاس‬
‫والذين يعملون على قتــل النفــوس وعلــى النهــب وعلــى نشــر‬
‫اليمان بالخرافــات بــدل اليمــان بالتعــاليم الواضــحة البســيطة‪.‬‬
‫وهكذا فإن ســليم قبعيــن عنــدما قــام بترجمــة "لحــن كريتســر"‬
‫حــاول أن يســتغل القصــة المــذكورة مــن أجــل تحريــر المــرأة‬
‫ما عندما قام بترجمـة "هـدم مملكـة جهنـم وتجديـدها‬ ‫العربية‪ .‬أ ّ‬
‫"فإن هذه الترجمة كانت هدفا ً بحد ذاتهــا وليســت وســيلة لغايــة‬
‫أخــرى‪ ،‬أي أن ســليم قبعيــن هــدف مــن ترجمــة الســطورة‬
‫المذكورة إلى نشــر آراء تولســتوي‪ .‬ولــذلك فــإن ســليم قبعيــن‬
‫حافظ في ترجمته للســطورة المــذكورة علــى الراء الساســية‬
‫فيها‪.‬‬
‫ولقد ذكر المستشرق أ‪.‬ي‪ .‬شــيفمن الــذي كــان يعمــل فــي‬
‫متحف تولستوي الدبي في كتابه "تولستوي والشرق" أن سليم‬
‫قبعين قام بترجمة مسـرحية ليـف تولسـتوي "سـلطة الظلمـة"‬
‫من اللغة الروسية إلى اللغة العربية‪ .‬وذلك في عام )‪) (1909‬‬
‫‪ 139‬ص‪. (392‬‬
‫وفي عام ‪ 1912‬ترجم سليم قبعيــن كتــاب ليــف تولســتوي‬
‫ييي ييييي يييي "‪ .‬والكتاب أصل ً هو ترجمة لحـاديث نبويـة‬ ‫" ي‬
‫كما يظهر عنوانه‪ ،‬ترجمها تولستوي مــن اللغــة النكليزيــة إلــى‬
‫اللغة الروسية عن كتاب ألفه عبد الله السهروردي‪ .‬ومن أقوال‬
‫النبي العربي الكريم الــتي اختارهــا تولســتوي‪" :‬قــل الحــق وإن‬
‫كان مرا"‪.‬‬
‫)ليؤمن أحدكم حتى يحب لخيه مايحب لنفسه( ‪" .‬ارحمــوا‬
‫من في الرض يرحمكم من في السماء"‪ .‬ويكتب تولستوي في‬
‫الكتاب المذكور‪":‬ومما ل ريـب فيـه أن النـبي محمـدا ً كـان مـن‬
‫عظام الرجال المصلحين")‪ 8‬ص‪. (58‬‬
‫يذكر "كتاب أعمال تولسـتوي البداعيـة الـتي ترجمـت إلـى‬
‫اللغات الجنبية"‪ ،‬وفي فصــل بعنــوان "العنــاوين الغامضــة"‪ ،‬أن‬
‫سليم قبعين نقل إلى اللغة العربية في القاهرة في عام ‪1926‬‬
‫‪- 43 -‬‬
‫مقالة تحمــل عنــوان "الخمـر" وهـي عبـارة عــن مقالـة نشــرها‬
‫تولســـتوي فـــي عـــام )‪ (1890‬وذلـــك لســـتنكاره تعـــاطي‬
‫المشروبات الكحولية )‪-170‬ص‪. (492‬‬
‫وهكذا فإن سليم قبعين أول من ترجم تولستوي إلى اللغــة‬
‫العربية مباشرة من اللغة الروسية‪ .‬وكان غزير النتاج‪ ،‬ومخلصا ً‬
‫لمبــادئ تولســتوي ومعروفــا ً فــي الوســاط الدبيــة والثقافيــة‬
‫والعلمية‪.‬‬
‫***‬

‫ي‪:‬ي‬ ‫يي‪ -‬ييييي‬ ‫ي يي‬ ‫‪ - 17‬ييي‬


‫وتخــرج مــن دار المعلميــن الروســية فــي مدينــة الناصــرة‬
‫بفلسطين أديب آخر وهو خليل بيدس الذي أخذ يترجم مؤلفــات‬
‫ليف تولســتوي إلــى اللغــة العربيــة‪ .‬والجــدير بالــذكر أن خليــل‬
‫بيدس أصدر ما بين عامي )‪ ، (1914 - 1908‬مجلة "شهرية"‬
‫بعنوان "النفائس"‪.‬‬
‫ولقد التقى أ‪.‬فيدوروف بخليل بيـدس وكتــب عنـه فــي عـام‬
‫‪" 1910‬خليــل بيــدس ‪ -‬واحــد مــن أفضــل مدرســي الجمعيــة‬
‫الفلسطينية‪ .‬يقضي وقته في مجلته وفي المدرسة‪ .‬يتقن اللغة‬
‫الروسية وترجم الكثير من الكتاب الروس")‪-152‬ص‪. (2‬‬
‫وبعد مرور ستة وثلثين عاما ً على ظهــور مقالــة فيــدوروف‬
‫التقى جورج ميرينز بخليل بيدس في القدس وكتب عنــه مقالــة‬
‫فــي "الجريــدة الدبيــة" بعنــوان "النســان الــذي عـّرف العــرب‬
‫بروسيا"‪ .‬يقول في مقالته على لسان خليل بيدس‪ .....":‬ومنــذ‬
‫ذلك الوقت ‪-‬يتذكر خليــل بيــدس‪ -‬ترجمــت الكــثير مــن قصــص‬
‫ليف تولستوي‪ ،‬وإنني متأكد من أن ليف تولستوي‪ ،‬مفهوم أكثر‬
‫من غيره من الكتاب الروس في البلد العربية لّنه كتب الكــثير‬
‫من المثال‪ ،‬والمثل شكل أدبي‪ ،‬معروف لدى القارئ العربــي")‬
‫‪ 172‬ص‪. (4‬‬
‫وفي أثناء الحرب العالمية الثانية‪ ،‬عندما كــان خليــل بيــدس‬
‫يعيش سنواته الخيرة ترجم رواية تولستوي "الحرب والسلم"‬
‫وقال خليل بيدس بهذا الصدد‪":‬سأكرس السنوات المتبقية مــن‬
‫عمــري لترجمــة عمــل هــام وهــو روايــة "الحــرب والســلم"‪،‬‬
‫لتولستوي )‪-172‬ص‪ . (8‬ولقــد صــدرت الروايــة المــذكورة فــي‬
‫بيروت فــي عــام ‪ 1953‬بترجمــة ابــن خليــل بيــدس وهــو إميــل‬
‫بيدس‪.‬‬
‫***‬

‫‪ -18‬ييييي ييييي "ييييي" ) ‪ (1899‬ي‬


‫ي‬ ‫ي ييييييي‬ ‫يي‬
‫ييييييييييي‪:‬‬
‫كــانت القــاهرة فــي مطلــع القــرن العشــرين مركــزا ً أدبي ـا ً‬
‫مرموقًا‪ ،‬وهناك نشر سليم قبعين ترجمــاته وهنــاك نشــر رشــيد‬
‫حــداد فــي عــام ‪ 1907‬ترجمتــه لروايــة تولســتوي "البعــث")‬
‫‪ . (1899‬ويشــير المــترجم إلــى أن ّــه ترجــم الروايــة مــن اللغــة‬
‫النكليزية‪ .‬ويعتبرها رواية "اجتماعيــة وأدبيــة"‪ ،‬ويــرى المــترجم‬
‫أن الرواية مفيدة للشباب والفتيات‪ ،‬لن تولستوي يصــف فيهــا‬
‫كبرياء المجتمع البورجوازي ويفضح عيوبه ويمزق القنعــة عــن‬
‫وجوه الغنياء فيبين حقيقتهــم ويحــارب الســلبيات ويــدافع عــن‬
‫‪- 44 -‬‬
‫الخير بلغــة بســيطة سلســة‪ .‬فهــي روايــة جذابــة حــتى الكلمــة‬
‫الخيرة‪ .‬هكذا يصف رشيد حداد الرواية في المقدمة التي كتبهــا‬
‫للترجمة العربية‪ .‬ولكن رشيد حداد لم يعرف أو لــم يرغــب فــي‬
‫معرفة هدف تولستوي من نقده للنظــام الجتمــاعي القــائم‪ .‬إن‬
‫رواية تولستوي تهدف لتكريس التعليم النجيلــي‪ ،‬فــي حيــن أن‬
‫الرواية في نظر المــترجم‪ ،‬ليسـت أكــثر مــن روايــة اجتماعيــة‪،‬‬
‫ولــذلك يتجاهــل نهائيــا ً النقــد اللذع للكنيســة‪ ،‬الــذي يقــوم بــه‬
‫تولستوي في روايتـه الخالـدة‪ .‬ويمـر المـترجم‪ ،‬مـرور الكـرام‪،‬‬
‫على علقة الكاهن بالمؤمنين‪ .‬كما أن المــترجم لــم ينقــل إلــى‬
‫اللغة العربية التصدير الذي يلقي ضوءا ً على مضــمون الروايــة‪،‬‬
‫والذي أخذه تولستوي من النجيل والذي يدعو إلى العفة‪.‬‬
‫حــافظ المــترجم بل حــذف أو تغييــر علــى التغييــر الروحــي‬
‫الذي طرأ على كاتيوشــا ماســلوفا‪ ،‬كمــا يصــف البعــث الروحــي‬
‫الذي طرأ على نيخليودوف‪ .‬ويحافظ المترجم علــى شخصــيات‬
‫ن المترجم يصور الثوريين بتعاطف أكثر ممــا‬ ‫الثوريين‪ ،‬ويلحظ أ ّ‬
‫ل‪ ،‬يهتــم المــترجم‪ ،‬بالدرجــة الولــى‪،‬‬ ‫تولســتوي قلي ً‬ ‫يصــورهم‬
‫بتصوير مصير أبطال الرواية أكثر مــن أي أمــر آخــر‪ ،‬كمــا يهتــم‬
‫المــترجم بــالعيوب الجتماعيــة‪ ،‬أكــثر مــن اهتمــامه بالتعــاليم‬
‫المسيحية‪ ،‬جذبت اهتمام المترجم بعض اللحظات فــي الروايــة‪،‬‬
‫وبالدقة‪ ،‬حيث يبّين تولستوي زيف وعيوب المجتمــع المعاصــر‪.‬‬
‫ففي الفصل الثالث عشر من الجزء الول من الرواية يتحــدث‬
‫تولستوي عن التأثير المفسد للخدمة اللزامية في الجيش على‬
‫الناس البسطاء وغير البسطاء‪ .‬يحــذف المــترجم هــذا المقطــع‪،‬‬
‫وكذلك يحذف المــترجم تصــوير تولســتوي للقضــاء وللمحكمــة‬
‫تصويرا ً كوميديا ً وفضحه للقضاء البورجوازي‪ ،‬وكــأن المــترجم ل‬
‫يجرؤ على ترجمة الرواية بدقة معتبرا ً نقــد تولســتوي للمحكمــة‬
‫نقــدا ً حــادا ً ولذعـًا‪ .‬وبــذلك يختفــي مــن النــص العربــي تصــوير‬
‫تولستوي لرجال القضــاء‪) .‬الجــزء الول‪ ،‬الفصــل الســابع( ‪.‬كمــا‬
‫يحذف قسما ً كبيرا ً من الجزء الول‪ ،‬الفصل الثــالث والعشــرين‬
‫حيث يجري الحديث عن أن الحكم ضد كاتيوشا ماسلوفا كان ل‬
‫يستند على القوانين بقدر اســتناده علــى المصــادفة فمثل ً ألقــى‬
‫رئيس المحكمة خطبته المطولة ولكنه أهمل أن ينبه المحلفيــن‬
‫ن الجابة حول كاتيوشا ماسلوفا يمكن صـياغتها بــ "نعـم‪،‬‬ ‫إلى أ ّ‬
‫ولكن دون قصد"‪ ،‬فحكم على ماسلوفا بالعمال الشــاقة مــدة‬
‫أربع سنوات‪ .‬وكان لديها إحساس بالظلم‪ ،‬فأخذت تبكي وتصــيح‬
‫إنها بـريئة‪ ،‬وكـان وضـعها مثـل وضـع العصـفور الجريــح‪ ،‬الـذي‬
‫يتخبــط فــي جعبــة الصــياد‪ ،‬وكــان وكيــل النيابــة‪ ،‬كمــا يصــفه‬
‫مــا رئيــس محكمــة الجنايــات كمــا يصــفه‬ ‫تولســتوي‪ ،‬غبيــًا‪ ،‬أ ّ‬
‫تولسـتوي فـي روايتـه المـذكورة فمـتزوج‪ ،‬يعيـش حيـاة ماجنـة‬
‫وتفعل امرأته مثلــه‪ ،‬وكــان مبــدؤهما أل يضــايق أحــدهما الخــر‪.‬‬
‫تلقى بطاقة من مربية سويسرية عملت قديما ً فــي بيتــه‪ ،‬وهــي‬
‫تمر الن في المدينــة قاصــدة إلــى بطرســبورج‪ ،‬اســمها "كلرا"‬
‫ولذلك أراد أن يبدأ وينهي الجلسـة بأسـرع مـايمكن لكـي يلقـى‬
‫"كلرا" فــي السـاعة السادســة لّنهــا أعجبتـه عنــدما بــدأ معهــا‬
‫مغامراته في الصيف الماضي‪.‬‬
‫أما الكاهن‪ ،‬الذي أدى أمامه المحلفون القسم‪ ،‬فلقد أمضى‬
‫في خدمة الكهنوت سبعا ً وأربعين سنة"‪ ،‬جنى خللها مــا ل يقــل‬
‫عن ثلثين ألف روبل‪ ،‬وبنى منز ً‬
‫ل‪.‬‬
‫تعرضت للتغيير المكنة كلها الــتي لهــا علقــة بالــدين وهــي‬
‫بوجه خاص في الفصل السابع من الجزء الول‪ ،‬ويحــذف رشــيد‬
‫حداد المقطع الذي يتحدث فيه الكــاتب عــن طقــس العــتراف‬
‫وتناول الجسد‪ .‬كما أن المترجم يغير كل المكنة الــتي تتعــرض‬
‫للدين ولرجال الدين‪ ،‬يحذف المترجم الفصل ‪ -23-‬مــن الجــزء‬
‫الثاني حيث يعرض المؤلــف تــأملت "ســيلينين" وبــذلك تــذوب‬
‫‪- 45 -‬‬
‫قوة استنكار تولستوي لنقــد الكنيســة‪ .‬ويحــذف المــترجم بعــض‬
‫الفصول حيث يصور المؤلف حياة كاتيوشــا ماسـلوفا فــي بيـت‬
‫الدعارة‪.‬‬
‫يضــيف المــترجم أن التربيــة ضــرورية للفتيــات مــن أجــل‬
‫مستقبلهن علما بأن تولستوي ل يكتب ذلك في روايته "البعث"‪.‬‬
‫قــد تكــون هــذه التغييــرات موجــودة فــي النــص النكليــزي‬
‫فالمترجم رشيد حداد ل يشير بدقــة إلــى المصــدر الــذي ترجــم‬
‫عنه رواية "البعث" وقد تكون الرقابة فــي مصــر قــامت بحــذف‬
‫المكنة المحذوفة في النص العربي‪ .‬ولبأس فــي الشــارة إلــى‬
‫أن روايــة البعــث بترجمــة رشــيد حــداد محفوظــة فــي متحــف‬
‫تولستوي في قريته يا سنايا بوليانا‪.‬‬
‫***‬

‫‪ -19‬يييي ي يي يييي "ي ييي يييييي"‪:‬‬


‫فـــي تـــونس فـــي عـــام ‪ 1911‬ظهـــرت مســـرحية ليـــف‬
‫تولســـتوي"ســـلطة الظلم")‪ (1886‬وقـــد أشـــرنا إلـــى هـــذه‬
‫الترجمة‪ ،‬عندما تحدثنا عــن النقــد العربــي حــول تولســتوي فــي‬
‫مطلــع القــرن العشــرين‪ .‬كمــا أن مجلــة "شــهرزاد" فــي عــام‬
‫‪ ،1912‬فــي تــونس نشــرت قصــة تولســتوي الشــعبية "حاجــة‬
‫النسان إلى الرض"‪.‬‬
‫في القاهرة وفي عام ‪ 1913‬قام بباوي غالي الدويري بنقل‬
‫كتاب "فلسفة الحيـاة" إلـى اللغـة العربيـة وأعـاد ببـاوي غـالي‬
‫الدويري طباعة الكتاب المذكور‪ .‬ولبأس فــي الشــارة إلــى أن‬
‫كتــاب "فلســفة الحيــاة"‪ ،‬لتولســتوي وبترجمــة ببــاوي غــالي‬
‫الدويري محفوظة بالمكتبة الظاهرية بدمشق‪.‬‬

‫ويكتب بباوي غالي الدويري مقدمــة جيــدة ً للطبعــة الثانيــة‬


‫وكذلك للولى يصف تولســتوي فيهــا بــالمعلم وبالمثــال العلــى‬
‫في المبادئ والداب‪.‬‬
‫يكتب تولستوي في الفصل الول من الكتاب المذكور‪" :‬كل‬
‫امرئ يعيش لسعادة نفسه‪ ،‬ويسخر أفكــاره لخيــره الشخصــي‪،‬‬
‫ومتى كــف عــن الســعي وراء النفــع الــذاتي يشــعر بــأن حيــاته‬
‫عــدم‪ ...‬إذا ً فالحيــاة عنــد كــل إنســان مرادفــة للســعي وراء‬
‫السعادة والعزم على نيلها‪ .‬هذا هو معنى الحياة"‪ 9).‬ص ‪. (37‬‬
‫وبعد ذلك في الفصل الرابع يعرف تولستوي الحياة بأّنها كل ما‬
‫يحدث للكائن الحي من وقت ولدته إلى مماته‪ .‬وخلصة القول‬
‫أن تولستوي يفهم أن الحياة تعني الحب والتضحية فــي ســبيل‬
‫الخرين‪.‬‬
‫كما قام بباوي غالي الدويري في عام ‪ 1924‬بنقل "سعادة‬
‫الحياة" لتولستوي إلى اللغة العربية‪ .‬يقول المترجم في مقدمــة‬
‫الكتاب‪":‬إن تولستوي بشر‪ ،‬ولكنه فوق البشرية‪ ،‬إن صوته الذي‬
‫أوقع الرعب في قلوب أصحاب التيجان لهو صدى لذلك الصوت‬
‫العذب الذي رن في فضاء هـذا العـالم منـذ ألفـي سـنة تقريبـا ً‬
‫من المــترجم‬ ‫يقول ل تقاوموا الشر بالشر")‪10‬ـ ص‪ ، (3‬كما ض ّ‬
‫الكتاب عمل تولستوي "والمسير مع الضوء طالما كان الضــوء"‬
‫)‪ ، (1893‬والكتاب محفوظ بالمكتبة الظاهرية بدمشق‪.‬‬
‫***‬

‫‪- 46 -‬‬
‫‪ - 20‬ييييي يي ي يييي ييي ييي يييي‪:‬‬
‫في عام ‪ ،1913‬في مدينة حمص أصدر أنطون بلن بعــض‬
‫ن أنطون بلن مثلــه مثــل‬ ‫قصص تولستوي الشعبية أول مرة‪ .‬إ ّ‬
‫معظم مترجمي الدب الروسي في مطلع القرن العشرين كان‬
‫مــن خريجــي دار المعلميــن الروســية فــي مدينــة الناصــرة‬
‫بفلسطين التي افتتحتها الجمعية الروسية الفلسطينية‪.‬‬
‫ولقد أصدر جريدة بعنوان "حمص"‪ ،‬كانت تصدر في مدينــة‬
‫حمــص‪ ،‬وكــان ينشــر ترجمــاته فــي الجريــدة ذاتهــا‪ .‬مــن بيــن‬
‫القصــص الشــعبية الــتي نشــرها أنطــون بلن "حاجــة النســان‬
‫للرض" )‪ ، (1886‬و"مقهى سورات" )‪ ، (1893‬وقصصا ً أخرى‪.‬‬

‫حافظ أنطون بلن في أثناء ترجمته على الفكرة الساســية‬


‫لهــذه القصــص الشــعبية وحــذف المكنــة الــتي يصــف فيهــا‬
‫تولستوي حياة الفلح الروسي بالتفصــيل‪ .‬علــى ســبيل المثــال‬
‫فــي قصــة "شــيخان" يختفــي حــديث يليســي مــع يفيــم حــول‬
‫الواجبــات البيتيــة‪ .‬كمــا أن المــترجم يحــذف وصــف تولســتوي‬
‫للحج‪ .‬على مايبدو قام المترجم بهذا الحــذف مــن أجــل الــتركيز‬
‫على فكرة النص الصلية‪.‬‬
‫ل يغي ّــر المــترجم فــي قصــة "مقهــى ســورات" وذلــك لن‬
‫ة‪ ،‬ول يوجــد‬ ‫أحداثها تجري في الشرق ويتحدث أبطالها بلغةٍ أدبي ٍ‬
‫في هذه القصة وصف للبيئة الروسية‪.‬‬
‫هنــاك ترجمــة أخــرى متــأخرة لقصــص تولســتوي الشــعبية‪،‬‬
‫صدرت في القاهرة في عام ‪ 1919‬وُأعيدت طباعتهــا فــي عــام‬
‫‪ 1922‬وفي عام ‪ .1926‬وكان عنوانها "بــدائع الخيــال" وضــمت‬
‫عشر قصص‪ .‬وقــام بترجمتهــا فــي القـاهرة عبــد العزيــز أميــن‬
‫الخــانجي مــن اللغــة النكليزيــة‪ ،‬ثلث قصــص منهــا قــام ســابقا ً‬
‫أنطون بلن بترجمتها فــي عــام ‪ 1913‬فــي حمــص‪ .‬تعب ّــر هــذه‬
‫القصــص عــن آراء تولســتوي وفلســفته الــتي تتلخــص بالمحبــة‬
‫والقناعـة ومحاربـة الطمـع والجشـع‪ ،‬فعلــى سـبيل المثـال فـي‬
‫قصة )حاجة النسان للرض( ‪ ،‬يقتل الجشع باخوم بطل القصــة‬
‫الذي يحاول أن يحصل علــى أكــبر قطعــة أرض فيلهــث حولهــا‬
‫حتى ينزف دما ً ويموت‪.‬‬
‫ولقت هذه القصص نجاحا ً كبيرًا‪ .‬ونعرف أن قصــة "مقهــى‬
‫سورات" ترجمت سابقا ً إلى اللغة العربية من اللغــة الفرنســية‬
‫ن عبد العزيــز‬ ‫من قبل أحمد كرمه وذلك في عام ‪ .1921‬كما أ ّ‬
‫أمين الخانجي في ترجمته لهذه القصة الشعبية يصدرها بأبيــات‬
‫شعر لبي العلء المعري الذي عاش في نهايــة القــرن العاشــر‬
‫وفي النصف الول من القرن الحادي عشر‪ ،‬يكتب عبــد العزيــز‬
‫أمين مقدمــة لــترجمته‪ ،‬يعتــبر فيهــا تولســتوي مــن القلئل فــي‬
‫ة‪ .‬ويرى أن البشرية يحق‬ ‫العالم الذين يولدون مرة ً في مئة سن ٍ‬
‫لها أن تفتخر بتولستوي‪ .‬ويضع اسم تولستوي إلــى جـانب اســم‬
‫الشافعي وابن رشــد والمــالكي وغيرهــم مــن مفكــري العــرب‪.‬‬
‫ويقارن عبد العزيز أمين بين تولستوي وبين المعري كما قــارن‬
‫ل مــن أميــر الشــعراء أحمــد‬ ‫بينهمــا ســابقا ً فــي عــام ‪ 1910‬كـ ّ‬
‫شوقي ‪ ،1932 -1868‬وشاعر النيـل حـافظ إبراهيـم ‪-1872‬‬
‫ن كل ً مــن تولســتوي‬ ‫‪ 1932‬ويكتب عبد العزيز أميــن الخــانجي أ ّ‬
‫ن أحد مصادر العيــوب‬ ‫والمعري ندد بالنظام السياسي القائم وأ ّ‬
‫الجتماعية هو النظام الجتمـاعي وعلقتـه برجــال الــدين الــذين‬
‫ن كل ً من تولستوي والمعري أحب‬ ‫يعيثون في الرض فسادًا‪ ،‬وأ ّ‬
‫العزلة وقرأ كل منهما الكثير لشباع تعطشهما للمعرفة‪.‬‬
‫‪- 47 -‬‬
‫ن عبد العزيز أميــن‪ ،‬يحــافظ فــي ترجمتــه‬ ‫والجدير بالذكر بأ ّ‬
‫لهذه القصص الشعبية على الفكرة الساسية التي تتضمنها هذه‬
‫القصص باستثناء قصــة "مـا يعيــش بــه النـاس")‪ (1885‬فيــرى‬
‫ن الل ّــه‬
‫ب فــي حيــن فــي الترجمــة أ ّ‬ ‫ن اللــه هــو الحـ ّ‬
‫تولســتوي أ ّ‬
‫ب‪ ،‬فــي الترجمــة‪ ،‬فــي قلــب‬ ‫والمحبة ل يتطابقان ول يوجد الح ـ ّ‬
‫ن الحيـاة هـي المحبـة‬ ‫ن تولســتوي يــرى أ ّ‬ ‫النسان‪ .‬فــي حيــن أ ّ‬
‫ب نرى على‬ ‫ب ل يحيا ومن يح ّ‬ ‫والكراهية هي الموت ومن ل يح ّ‬
‫وجهه الّله ومن يكره نرى علــى وجهــه المــوت‪ .‬وبــذلك يحــاول‬
‫المترجم تجاهل فكرة تولستوي‪.‬‬
‫يكتب تولستوي قصصه بلغةٍ بسيطةٍ في حيــن أن المــترجم‬
‫يزين اللغة بالسجع وبالتطابق والستعارات والكنايات‪ ،‬فإذا كتب‬
‫تولستوي"‪ ،‬ولد عند فلح ولد" ففي حالة الترجمة يضاف علــى‬
‫ر‪ ،‬فرزقــه الّلــه‬ ‫هــذه الجملــة "ابتســم القــدر لفلٍح فقيــ ٍ‬ ‫ذلــك‬
‫طف ً‬
‫ل"‪....‬‬
‫ترجمت قصص تولستوي الشــعبية إلــى اللغــة العربيــة فــي‬
‫ذلــك الــوقت الــذي كــانت تقــوم فيــه حــرب أهليــة فــي وطــن‬
‫تولستوي‪ ،‬وبعد أن انتصــرت الثــورة الشــتراكية أول مـرة فــي‬
‫تاريخ البشرية‪ ،‬وبعد أن بدأت روسيا البناء الشــتراكي‪ ،‬فل يجــد‬
‫القارئ العربي في القاصيص المذكورة تولســتوي الــذي يكــره‬
‫الســتبداد‪ ،‬ويعــبر عــن كراهيــة الجمــاهير لــه وتطلعهــا إلــى‬
‫المســتقبل الفضــل‪ ،‬وعــن رغبتهــا فــي التخلــص مــن الماضــي‬
‫المظلم‪ .‬نرى فــي هــذه القصــص فقــط تولســتوي الــذي ينــادي‬
‫بالتســامح وعــدم مقاومــة الشــر بالشــر وبــالعنف‪ ،‬ومــن أجــل‬
‫ن تولســتوي كــان‬ ‫النصــاف نقــول إن المــترجم هنــا يكتــب بــأ ّ‬
‫مكافحا ً ضد القسوة والستبداد وضــد عيــوب وســلبيات الثقافــة‬
‫المعاصرة‪ .‬ويذكر المترجم أّنه اختار القصص العشــر المــذكورة‬
‫ة‪ .‬ويعــبر‬ ‫من كتاب باللغــة النكليزيــة يضــم ثلث ـا ً وعشــرين قص ـ ً‬
‫المترجم عن سروره لقبال القراء على قراءة كتــابه‪ ،‬فصــدرت‬
‫منه الطبعة الثالثة" أما الغتباط فلرواج الكتاب فــي زمــن كــثر‬
‫فيــه تهــافت القــراء علــى الغــث مــن القصــص الموضــوعة أو‬
‫المعربــة‪ 11)"....‬ص‪ ، (1‬فالخــانجي مســرور لقبــال القــارئ‬
‫العربي على قراءة كاتب رفيع المســتوى ومـن عظمـاء الكتـاب‬
‫في العالم بأسره‪.‬‬
‫والقصــص العشــر الــتي يضــمها الكتــاب هــي‪":‬بــم يعيــش‬
‫النــاس"؟ "مقهــى ســورات"‪" ،‬حاجــة النســان للرض"‪" ،‬ابــن‬
‫العــراب"‪" ،‬ثلثــة أســئلة"‪" ،‬اليـاس"‪" ،‬قمحــة فــي حجــم بيــض‬
‫الدجاج"‪" ،‬ثمن بــاهظ"‪" ،‬العمــل والمــرض والمــوت"‪" ،‬مكيــدة‬
‫شيطانية"‪ ،‬يبدأ المترجم الحكاية الخيــرة‪ ،‬أي مكيــدة شــيطانية‪،‬‬
‫بأبيات شعرٍ لبي العلء المعري حول الخمرة )‪11‬ـ ص‪. (97‬‬

‫ـــت بــــه مغــــالق‬


‫فتحـ‬
‫مبهمات‬ ‫عقل الخمر فهي تزيل‬ ‫وأما‬
‫متندماتعـــن حملهـــا‬
‫عـــدت‬ ‫ناجتـــك أقـــداح‬ ‫ولـــو‬
‫الندامى‬
‫ــرب عـــن كنـــائن‬ ‫وتعـ‬
‫معجمات‬ ‫تــذيع الســر مــن حــر‬
‫وعبد‬
‫ولبــأس فــي الشــارة إلــى أن الكتــاب محفــوظ بالمكتبــة‬
‫الظاهرية بدمشق‪.‬‬
‫***‬

‫‪- 48 -‬‬
‫‪ -21‬ي ييي يييي ييي ي ي يي ييي‬
‫يييييي ييي ييي يي ييييييي ي ييييي ي‬
‫ي‪:‬‬ ‫ي يييييي‬ ‫يي ييييييي‬ ‫يييي‬
‫كما نرى‪ ،‬ترجمت مؤلفات تولستوي إلى اللغة العربّية‪ ،‬في‬
‫مطلع القرن العشرين بوجه عـام مباشــرة مــن اللغــة الروســية‬
‫نظرا ً لوجود عدد كبير مــن المختصــين بهــا مــن الــذين تخرجــوا‬
‫في المدارس الروسية المنتشرة آنذاك في كــل مــن فلســطين‬
‫وسوريا ولبنان‪ ،‬كما كان الهتمام بتراث تولستوي كــبيرًا‪ .‬ولكــن‬
‫بعد أن بدأت الحرب العالمية الولى التي وقفت فيها تركيا إلــى‬
‫جانب ألمانيا في حين كانت روسيا القيصرية إلى جــانب فرنســا‬
‫وبريطانيا‪ ،‬قامت تركيا بإغلق المدارس الروســية فــي البلــدان‬
‫التابعة لها‪.‬‬
‫وبذلك أغلقت المدارس الروسية في كل من سوريا ولبنــان‬
‫وفلســطين كمــا أن المرحلــة الــتي ولــدت تولســتوي كظــاهرة‬
‫وكفلســفة مضــت دون رجعــة إلــى الماضــي‪ ،‬فلــم تصــبح تلــك‬
‫الفلسفة الــتي لهــا أتبــاع يتناقشــون حولهــا ويحــاولون نشــرها‪،‬‬
‫فتغير وتبدل الهتمام بتولستوي بما في ذلك في الدول العربية‪.‬‬
‫لنعرف أعمال ً كثيرة حول تولستوي ومؤلفاته صــدرت فــي‬
‫الوطن العربي مابين الحرب العالمية الولــى والحــرب العالميــة‬
‫الثانية‪.‬‬
‫***‬

‫‪ -22‬ييي ي "يييي يي" ي يي يييي ييي‪:‬‬


‫يكتب سليم قبعين في مجلة "الخاء" التي كان يصدرها في‬
‫القــاهرة مقالــة "بعنــوان "حــديث مــع تولســتوي" عــن دعــوة‬
‫تولستوي إلى محبة الخرين‪ .......":‬غدا كل فرد منهم ل يعــرف‬
‫من الحياة غير كلمة "أنا" وهذه اللغة تجر وراءها جيشـا ً جــرارا ً‬
‫من المطالب الخذة برقاب بعض فل ينتهي النســان مــن أرب‬
‫إل إلى أرب آخر‪ ...‬وكل ذلك يصدر عن ميــل النســان الغريــزي‬
‫إلى المجد الباطل ومحبة الذات والظهور)‪67‬ص‪. (71‬‬
‫ويرى الكاتب الروسي‪....":‬أن ّــه ل وجــود للمــوت الشخصــي‬
‫ن وجودنا الوقتي في هذه الحياة هو مظهر مــن‬ ‫المادي‪ ،‬ذلك ل ّ‬
‫مظاهر الحياة الروحية الخالدة‪ ،‬وإذا انقضت هذه الحياة الماديــة‬
‫انقضت معها اختصاصات الجسد وعندما ندخل بوساطة الموت‬
‫إلى شكل حياة جديد نفقد تلك النانية‪ ،‬التي تعلقنا بها في هــذه‬
‫الحياة وندرك إذ ذاك أننــا دخلنـا فــي طــور جديـد مـن الحيـاة ل‬
‫انقضاء له ول انتهاء"‪-67)..‬ص‪. (73‬‬
‫وبعد عام واحــد مــن نشــر المقالــة المــذكورة نشــر ســليم‬
‫قبعين مقالة أخرى لتولســتوي بعنــوان "الــزواج والحــب" يــرى‬
‫فيها الكاتب الروسي الشهير بأن الهدف الساسي مــن الــزواج‬
‫هو إنجاب الطفال ولذلك على الرجل البتعاد عن فراش زوجته‬
‫في أثناء الحمل وبعد الولدة وفي أثناء الرضاع‪.‬‬
‫وما على الناس للنقطاع عــن ذلــك إل أن يفهمــوا ويــدركوا‬
‫بأن العفة قبل الزواج من مطالب الحياة الضــرورية ومــن أهــم‬
‫مواد نواميس الفضيلة الواجب علىالناس التصاف بها")‪-68‬ص‬
‫‪. (149‬‬
‫‪- 49 -‬‬
‫وفي عدد حزيران من عام ‪ ،1925‬يكتب سليم قبعيــن عــن‬
‫معنى الحياة عند تولستوي فيقول‪" :‬إننا نظن أن تولستوي كان‬
‫ســعيدا ً لحــرازه الصــحة الجيــدة والــثروة الواســعة والمجــد‬
‫والمحبة والعلم والحسب الرفيع ولكــن تولســتوي اســتنتج بــأن‬
‫سعادة النسان تتكون ليس مــن الهتمـام والعنايــة بنفسـه بــل‬
‫بعنايته واهتمامه بغيره")‪69‬ص‪. (174‬‬
‫وفــي عــدد آب تنشــر المجلــة ذاتهــا خــواطر تينــا كريمــة‬
‫تولستوي عن أبيها‬
‫)‪ 70‬ص‪. (357‬‬
‫وفــي العــدد الثــاني لعــام ‪ 1928‬أي فــي عــدد أيــار‪ ،‬إذ أن‬
‫المجلة المذكورة تبدأ عامهــا بشــهر نيســان نشــر ســليم قبعيــن‬
‫‪-‬صاحب المجلة مقالة تؤكد تواضع تولستوي )‪ 71‬ص ‪. (131‬‬
‫وبمناسبة مرور عشــرين عام ـا ً علــى وفــاة تولســتوي كتــب‬
‫سليم قبعين مقالة "بعنوان" الفيلسوف تولســتوي" وذلــك فــي‬
‫عدد شباط من عــام ‪ ،1931‬يتحــدث فــي المقالــة عــن بســاطة‬
‫حياة تولستوي وافتتاحه مدرسة للفلحين وإصداره مجلــة لبنــاء‬
‫الفلحين تتضمن قصصا ً للطفال‬
‫ونــادى تولســتوي بإزالــة الفــوارق الكــبيرة بيــن الغنيــاء‬
‫والفقراء لن الغنى يدفع النسان إلى ارتكــاب الموبقــات‪ ،‬وأمــا‬
‫الفقر فيدفع صاحبه إلى ارتكاب الجرائم‪.‬‬
‫ولبأس في الشارة إلى أن أعداد مجلــة "الخــاء" لصــاحبها‬
‫سليم قبعين محفوظة بالمكتبة الظاهرية بدمشق‪.‬‬
‫ويدعو الفيلسوف إلــى اســتبدال القــوانين القائمــة بقــوانين‬
‫أكثر صلحية‪ .‬ويرى تولستوي أن الفلح الــذي يفلــح أرض غيــره‬
‫ويبتاع ضروريات الحياة بالثمن الذي يطلب منه‪ ،‬ليستطيع أبــدا ً‬
‫أن يصير غنيا ً مهما كان مجتهدا ً ومقتصدًا‪ ،‬وأما الرجل المسرف‬
‫المبذر الذي يتسلل إلى مناصب الحكومة أو ينال الخطــوة لــدى‬
‫أربابها أو يصير مرابيا ً أو صاحب معمل أو بنــك أو تــاجر خمــر أو‬
‫ينشىء بيتا ً للمومسات فهذا ينال الغنى من أقرب طريق وأمثلة‬
‫ذلك كثيرة حولنا‪.‬‬
‫ويكتب سليم قبعيــن فــي مقــالته‪" :‬وقــد صــار العمـال آلت‬
‫لقهر إخوانهم بصيرورتهم جنودا ً للحكومة وآلت في يدها للقتــل‬
‫والفتك‪ ....‬وأصل كل الشرور مارسخ في الذهان من أن تجنيــد‬
‫الجنود لقتل الناس ليس إثما ً بــل هــو شـرف كــبير وعمـل نبيــل‬
‫لذلك لتزول الشرور من الدنيا بتحرير الفلحين ورفع الضــرائب‬
‫وتكــثير اللت والدوات ول بإبطــال الحكومــات الحاضــرة بــل‬
‫بابطال كل تعليـم دينـي يجيـز للنـاس أن يحملـوا السـلح لقتـل‬
‫غيرهم" )‪72‬ص‪. (873‬‬
‫ونجد في كل عدد من أعداد مجلة "الخــاء" أو علــى القــل‬
‫فـي أكـثر أعـدادها زاويـة "كلمـات تولسـتوي" يختارهـا صـاحب‬
‫المجلة سليم قبعين أو غيره‪ ،‬وكلهـا تنـادي بالتواضــع والحسـان‬
‫للخريــن وينــادي تولســتوي فــي هــذه الكلمــات بعمــل الخيــر‬
‫للخرين وبالحرية وبعدم مقاومة الشر بالشر‪.‬‬
‫وفي عام ‪ ،1933‬في عدد شباط نشرت المجلــة المــذكورة‬
‫مقال ً عن آراء غوركي حول تولستوي‪ ،‬وغوركي كما هو معروف‬
‫معجب بتولستوي إلى حــد التقــديس‪ ،‬ولكنــه ليتفــق وإيــاه فــي‬
‫بعض المسائل منها مبدأ تولستوي )عدم مقاومة الشر بالشر( ‪.‬‬
‫***‬

‫‪- 50 -‬‬
‫ي ييييييي ي‬ ‫ي يييييي‬ ‫‪ (23‬ييي‬
‫يييي‪:‬‬ ‫ييي‬
‫قام وفد سوري من جمعية الصداقة والعلقات الثقافية مــع‬
‫التحاد السـوفييتي بزيــارة موســكو أول مـرة فــي عـام ‪،1947‬‬
‫وأحضر الوفد معــه مجموعــة قصــائد ومقــالت لشــعراء وكتــاب‬
‫عــرب حــول ليــف تولســتوي‪ ،‬ليســت هنــاك إشــارة إلــى مكــان‬
‫النشر‪ ،‬أغلب الظن‪ ،‬أن المجموعة صــدرت فــي بيــروت أو فــي‬
‫دمشـق‪ ،‬وصـدرت المجموعــة فــي عـام ‪ 1928‬وذلــك بمناسـبة‬
‫الــذكرى المئويــة الولــى لــولدة الكــاتب العظيــم‪ ،‬والمجلــة‬
‫المذكورة محفوظة في مكتبة جامعة موسكو الحكومية‪.‬‬
‫وصــدرت المجموعــة فــي عــدد ممتــاز مــن مجلــة "التربيــة‬
‫والتعليــم" لتخليــد ذكــرى الكــاتب الروســي العظيــم‪ .‬وأصــدرت‬
‫المجلة عددا ً مماثل ً في العام ذاتــه مخصصــا للكــاتب الفرنســي‬
‫جان جاك روسو‪ .‬تتحدث المقالة الولــى عــن شــعبية تولســتوي‬
‫لدى القراء العرب وتفســر ذلــك بســبب تعــبيره عــن طموحــات‬
‫وآمال الشعب البسيط الكادح‪ ،‬يتحدث العدد عن آراء تولســتوي‬
‫حول الدين والسلطة والثروة والسعادة والعلم والفن والســرة‪.‬‬
‫ويضم العدد رثاء أحمد شوقي لتولستوي ورثــاء حــافظ إبراهيــم‬
‫للكاتب الروسي ومقــالت أميــن الريحــاني والمنفلــوطي ورثــاء‬
‫جميل صدقي الزهاوي‪ ،‬كما يضم العدد نبــذة عــن حيــاة المفكــر‬
‫العظيم‪.‬‬
‫ومن بين مؤلفات تولستوي التي ترجمت إلى اللغة العربّيــة‬
‫في هذه الفترة قصصــه الشــعبية الــتي تعــبر عــن تعــاليمه وقــد‬
‫كتبـت فــي فـترة متـأخرة مـن حيـاته‪ .‬كمـا ترجمـت إلـى اللغـة‬
‫العربية قصة "السعادة الزوجية" ورواية" آنا كارينينا" التي كتبها‬
‫تولستوي مابين عــامي )‪ (1877 -1873‬وممــا يؤســف لــه أن‬
‫مؤلفات تولستوي ترجمت إلى اللغــة العربيــة فــي هــذه الفــترة‬
‫من اللغات الفرنسية والنكليزية واللمانية وقلمــا ترجمــت مــن‬
‫الروسية‪.‬‬
‫***‬

‫‪ (24‬يييي ي يي يييي يييي ييي "‬


‫ييييي ييييي يي يييييي"‪:‬‬
‫كتب تولستوي المسرحية المذكورة في عام ‪ 1902‬أي بعـد‬
‫صدور قرار حرمانه من الكنيســة الــذي صــدر فــي عــام ‪.1901‬‬
‫ترجــم عصــام الــدين ناصــيف المســرحية المــذكورة إلــى اللغــة‬
‫العربية من اللغة اللمانية في عام ‪ 1926‬وصدرت في القاهرة‪.‬‬
‫لقــد شــاهدها عصــام الــدين ناصــيف علــى أحــد مســارح برليــن‬
‫وأعجبته‪ .‬وهذه المسرحية فكرية أكثر ممــا هــي فنيــة ويبــدو أن‬
‫المترجم أعجب بتولستوي المفكر أكثر مــن إعجــابه بتولســتوي‬
‫الفنــان‪ .‬ويتضــح مــن المقدمــة أن المــترجم يعــرف مؤلفــات‬
‫ة ســطحية" فهــو يــرى أن بطــل المســرحية‬ ‫تولســتوي معروف ـ ً‬
‫سارينتســوف‪ -‬تبنــى أفكــارا ً اشــتراكية متطرفــة وأوصــى بهــذه‬
‫الفكار إلى المير باريس الذي‪ ،‬بتأثير هذه الفكار‪ ،‬رفــض تأديــة‬
‫الخدمة العسكرية‪ ،‬وهـذه المبـادئ فــي نهايـة المطـاف لتصـلح‬
‫للحياة العملية فهي بعيدة عن الواقع العملي‪.‬‬
‫يتحدث عصام الدين ناصـيف عــن أفكــار تولســتوي‪ ،‬فيشــير‬
‫إلى أن تولسـتوي كـان يحتقـر ملـذات الحيـاة الـدنيا باعتبـار أن‬
‫الحياة نفسها فانية‪ ،‬وكان تولستوي يحــب البحــث عــن الحقيقــة‬
‫وينادي بالخلق العالية السامية‪ .‬ولكن عصام الدين ناصــيف لــم‬
‫‪- 51 -‬‬
‫يكتــب عــن تنديــد تولســتوي باســتغلل الطبقــات البورجوازيــة‬
‫للكادحين‪.‬‬
‫يحــذف عصــام الــدين ناصــيف مــن مســرحية تولســتوي‬
‫"ويضيء النور في الظلم" المكنة الــتي تنتقــد الحكومــة‪ ،‬وهــو‬
‫بذلك يشبه رشيد حداد مترجم روايــة "البعــث" فيحــذف عصــام‬
‫الدين ناصيف مقطعا كبيرا مـن المشـهد السـادس مـن الفصـل‬
‫الثالث من الجزء الثالث الذي ينــدد باســتخدام الحكومــة العنــف‬
‫ويندد بمخالفة الدولـة للنظمـة والقـوانين‪ ،‬وكـذلك فـإن عصـام‬
‫الدين ناصيف مثله مثل رشيد حداد يحذف المقــاطع الــتي تنــدد‬
‫بالخدمــة العســكرية علــى ســبيل المثــال يحــذف المــترجم مــن‬
‫المشــهد الثـاني مـن الفصـل الول مـن الجـزء الثـالث عبـارات‬
‫نيكولي ايفانوفتش حول الخدمة العســكرية الــتي تعلــم النــاس‬
‫س وليقره القـانون‬ ‫وقا ٍ‬ ‫فن قتل بعضهم بعضا ً فهي فن متوحش‬
‫ومثلـه مثــل مــترجم‬ ‫النساني ويدعو باريس إلـى القـاء السـلح‬
‫رواية "البعث" يكتب عن الحياة الطفيليــة للطبقــة البورجوازيــة‬
‫بلهجة أقل عنفا ً من لهجة تولستوي‪.‬‬
‫يقــول بطــل المســرحية لزوجتــه‪" :‬لتريــدين أن تفهمينــي‬
‫ولذلك نحــن نبتعــد احــدنا عــن الخــر أكــثر فــأكثر‪ ...‬الحيــاة هنــا‬
‫فاسدة" )المشهد الخامس‪ ،‬الفصل الثاني‪ ،‬الجزء الرابع( وبعــد‬
‫ذلك يقول إن الحياة مبنية على النهب والسلب‪ ،‬إنهــم يفســدون‬
‫الطفال‪ .‬كل هذه الفكار محذوفة في الترجمة‪.‬‬
‫وكما هي الحال في ترجمة رواية "البعث" تتعرض لتغييرات‬
‫كبيرة المكنة التي تتعلــق بالــدين فتحــذف المكنــة الــتي تنتقــد‬
‫أسرار الكنيسة تحــذف فكــرة نيكــولي ايفــانفتش حــول ملكيــة‬
‫الرض‪ ،‬إذ أن البطل المذكور كان ينادي بتوزيــع الراضــي علــى‬
‫الفلحين‪ .‬ولكن من الــذي قــام بهــذا الحــذف كلــه؟ أهــو عصــام‬
‫الدين ناصيف؟ أم أنها كانت محذوفة في النص اللماني؟‬
‫أو قد تكون هذه المكنة محذوفة من قبل الرقابة في مصر‬
‫***‬

‫ييي‪:‬‬ ‫يييي يييي‬ ‫ي يي‬ ‫‪ (25‬يييي‬


‫أصــدر الرشــمندريت انطونيــوس بشــير‪ -‬صــاحب مجلــة‬
‫"الخالدات" في عام ‪ 1930‬كتابا ً بعنوان "اعــتراف تولســتوي" )‬
‫ب‬‫ل مــن يح ـ ّ‬‫‪ . (1883‬يهــدي انطونيــوس بشــير كتــابه" إلــى ك ـ ّ‬
‫الحق‪ ،‬ويعرف الحــق وليخــاف فــي ســبيل الحــق لومــة لئم" ‪.‬‬
‫ويكتب الناشر في المقدمة بأّنه ليتقيــد بأفكــار تولســتوي‪ ،‬فهــو‬
‫حر في معتقده‪ .‬ويكتب تولستوي فـي اعـترافه أنـه بـدأ الكتابـة‬
‫طمعا ً في الشهرة وفي المال ويعترف تولستوي بمحبته لسرته‬
‫وللفن‪ ،‬يتعرض تولستوي في اعترافه إلى شريعة النمــو‪ ،‬ويــرى‬
‫أن النسان ينمــو إلــى مرحلــة معينــة‪ ،‬وبعــد ذلــك يبــدأ الــتراجع‬
‫فيضعف وتسقط أضراسـه ويهـزل وبعـد ذلـك يمـوت‪ .‬وينـاقش‬
‫تولستوي فــي اعــترافه فلســفة شــوبنهاور الــذي كــان يــرى أن‬
‫الحياة تعني الرادة وأن كل شيء سينتهي إلى العــدم فــي يــوم‬
‫من اليام‪ .‬وبعد ذلك يتعرض لراء النبي سليمان الذي قــال بــأن‬
‫ل شيء باطل‪ ،‬ولفائدة للبشر من تعبهم الــذي يعــانونه تحــت‬ ‫ك ّ‬
‫الشمس‪ .‬جيل يمضي وجيل يأتي والرض قائمة مــدى الــدهر‪...‬‬
‫ماكان فهو الذي سـيكون‪ ،‬وماصـنع فهــو الـذي سيصــنع‪ ،‬فليــس‬
‫تحت الشمس شيء جديد‪ ....‬ويرى النبي سليمان أن في كــثرة‬
‫الحكمة كثرة الغمة‪ ،‬ومن ازداد علم ـا ً فقــد ازداد كرب ـًا‪ .‬ويمــوت‬
‫الحكيم كما يموت الجاهــل‪ .‬ويــرى الميــر ســيكامون أن الحيــاة‬
‫التي يتخللها المرض وتنتهي بالشيخوخة والمــوت باطلــة‪ .‬ويــرى‬
‫‪- 52 -‬‬
‫تولستوي أن أبناء الطبقات الراقية يلجؤون إلى بعــض الوســائل‬
‫للهرب من الحياة منها الجهل ومنها النغماس في اللــذة‪ .‬ومنهــا‬
‫النتحــار‪ ،‬إن لــم تنفــع الوســائل النفــه الــذكر فــي الهــرب مــن‬
‫الشعور بالحياة‪.‬‬
‫ثم أخــذ تولســتوي يفكــر فــي حيــاة الكــادحين‪" :‬لجــل هــذا‬
‫شــرعت للحــال أدرس حيــاة العامــة وعقــائدهم‪ ،‬وكنــت كلمــا‬
‫تعمقت في الدرس ازداد اقتناعا ً بأن اليمان الحقيقي كائن فــي‬
‫قلوبهم‪ ،‬وأنهم يعتقدون فــي أعمــاق نفوســهم‪ ،‬أن هــذا اليمــان‬
‫جــزء مكمــل لحيــاتهم‪ ،‬ولــوله ليجــدون معنــى لوجــودهم علــى‬
‫الرض‪ ..‬فكـان مـارأيته فـي عامـة الشـعب مناقضـا ً علـى خـط‬
‫مستقيم لما رأيتــه بيــن الخاصــة مــن أبنــاء الشــراف والغنيــاء‪،‬‬
‫ة جــدا ً عليهــم‪12) "...‬ص ‪(84‬‬ ‫الذين كانت حياتهم بل إيمان سهل ً‬
‫ومع أن هؤلء الفقراء حرمــوا مــن جميــع الملــذات الــتي تجعــل‬
‫الحياة ذات قيمة في نظر سليمان ونظرنــا‪ ،‬فهــم يعيشــون فــي‬
‫وسط سعادة لم يحلم بها سليمان في مجده‪ ،‬ولم يعــرف مثلهـا‬
‫أعظــم عظمــاء الرض‪12) ".‬ص‪ (85‬ولــذلك فــإن تولســتوي‬
‫أحبهم واتخذ من حياتهم قدوة له‪.‬‬
‫***‬

‫يي‬ ‫ي "ييييي‬ ‫ي يييي‬ ‫‪ (26‬يييي‬


‫ي"‪:‬‬ ‫ييييي‬
‫في أثناء الحرب العالميــة الثانيــة‪ ،‬فــي عــام ‪ 1941‬صــدرت‬
‫في بيــروت قصــة تولســتوي بعنــوان "المجنــون العاقــل" وكمــا‬
‫كتبت لجنة المنشورات في مشروع انعاش القــرى فــي مقدمــة‬
‫القصــة‪ ،‬بــأن القصــة مخصصــة للفلح مــن أجــل رفــع مســتواه‬
‫الثقافي‪ .‬والقصة‪ ،‬كما هــو معــروف‪ ،‬تمجــد العمــل فــي الرض‪،‬‬
‫ففي القصة أخوة ثلثة‪ ،‬فالخ الذي خاض حروب ـا ً كــثيرة وانتصــر‬
‫فيها أصبح فقيرًا‪ ،‬لّنه سلك طريقا ً خاطئا ً وهو طريق الحرب‪ ،‬إذ‬
‫أن الشيطان كان يسيره في كل حروبــه وخســر كــل ممتلكــاته‬
‫وخسر الحرب‪ .‬وخسر الخ التاجر أمواله كلها‪ ،‬لنه طمع كــثيرًا‪،‬‬
‫مــا الخ الفلح فلقــد‬ ‫فهــو أيضـا ً كــان يســير بــأوامر الشــيطان‪ .‬أ ّ‬
‫انتصر على تجارب الشيطان كلها‪ ،‬لنه يعمــل بالحقــل وليطمــع‬
‫بأكثر من حاجاته الضرورية‪.‬‬
‫***‬

‫‪ (27‬ييي يييي يييييي ي ييييي ييي‬


‫ييي يييييي ييي يي ييييييي ي‬
‫ي‪:‬‬ ‫يييييي‬
‫وبعد انتصار التحاد السوفيتي على المحتلين الفاشيين وبعد‬
‫أن تعززت حركة التحرر الوطنيه في الوطن العربي‪ ،‬الذي أخــذ‬
‫يحصل على الســتقلل بعــد الحــرب العالميــة الثانيــة‪ .‬فحصــلت‬
‫سوريا على استقللها من الستعمار الفرنسي في عام ‪، 1946‬‬
‫وحصل لبنان على اســتقلله مــن الســتعمار نفســه عــام ‪1947‬‬
‫وكذلك حصلت الجزائر على استقللها في عام ‪ 1962‬أما مصر‬
‫فحصــلت علــى اســتقللها مــن الســتعمار النكليــزي فــي عــام‬
‫‪ .1954‬فأخــذت الــدول العربيــة تهتــم بالنظــام الشــتراكي فــي‬
‫التحــاد الســوفييتي وبحيــاة المــواطنين الســوفييت وبالثقافــة‬
‫والدب الروسيين‪.‬‬
‫قدم التحاد السوفييتي كافة أنـواع الـدعم للشـعب العربـي‬
‫‪- 53 -‬‬
‫ولمطــالبه العادلــة فــي هيئة المــم المتحــدة‪ .‬وتــزداد رغبــة‬
‫المواطنين العــرب بمعرفــة الحيــاة المعيشــية لــدى المــواطنين‬
‫السوفييت‪ .‬فتأسست بعض المجلت التقدمية‪ ،‬التي تهدف إلــى‬
‫نشر الدب الروسي بين المواطنين العرب‪ .‬على ســبيل المثــال‬
‫مجلــة "الطريــق" الــتي تأسســت فــي بدايــة الحــرب العالميــة‬
‫الثانية‪.‬‬
‫بالضافة إلى مجلة "الطريق" لعبت بعض المجلت الخــرى‬
‫دورا ً بارزا ً في نشر الدب الروسي مثل مجلة "المقتطف" التي‬
‫أسسها في عام ‪ 1876‬الديب المعروف يعقوب صروف والــتي‬
‫مــازالت تصــدر حــتى يومنــا الحاضــر‪ .‬كمــا قــامت بنشــر الدب‬
‫الروسي المجلت الخرى وبقي ليــف تولســتوي فــي الســنوات‬
‫التي تلت الحرب العالمية الثانية من أشهر الكّتاب الــروس فــي‬
‫الوطن العربي‪.‬‬
‫قّيم عاليا الكّتاب العرب في نهاية النصف الول من القــرن‬
‫العشـرين إبـداع تولسـتوي‪ .‬فلقـد قّيـم الكـاتب العربـي‪" -‬عمـر‬
‫فاخوري )‪ (1946-1895‬تقييما ً عاليا ً تــراث تولســتوي‪ .‬ويعتقــد‬
‫الصحفي المشهور عمر فاخوري بأن روح تولستوي نظيفـة مـن‬
‫الدجل والرياء ولتعرف إل الصدق فكل مايقوله تولستوي صادر‬
‫من أعماق قلبه" )‪180‬ص ‪. (134‬‬
‫مما كتب عن تولستوي في أقطارعربية مختلفة في النصف‬
‫الثاني من القرن العشرين‪:‬‬
‫في القاهرة كتب الديب العربي المعروف محمــود تيمــور )‬
‫‪ (1973-1894‬حــول روايــة تولســتوي "آنــا كارينينــا" )‪-1873‬‬
‫‪" : (1877‬أبطــال روايــات تولســتوي وبــوجه خــاص روايــة "آنــا‬
‫كارينينا" يشبهون أبطـال الروايــات العربيــة‪ ،‬وكـأنهم شخصـيات‬
‫عربية‪ ،‬الفـرق بيـن أبطـال روايـة تولسـتوي المـذكورة وأبطـال‬
‫القصــص العربيــة هــي الســماء فقــط‪ .‬فنجــد فــي شخصــية آنــا‬
‫كارينينا بعــض الصــفات العربيــة مثــل الصــدق فــي التعــبير عــن‬
‫العواطف وقوة العواطف وغيرتها‪ ،‬وحبها الرومانسي‪ ،‬كــل هــذه‬
‫الصفات‪ ،‬تترك لدى القارئ العربي انطباعا ً وكأن البطلة تعيــش‬
‫وتتنفس تحت سماء الشرق" )‪185‬ص‪. (66‬‬
‫ولقد كتب محمود تيمور في عام ‪ 1939‬في مجلــة الثقافــة‬
‫عــدد اكتــوبر عــن القصــة الروســية‪" :‬يمتــاز القصــص الروســي‬
‫بعنصــر الصــدق والبســاطة فمــا القصــة الروســية غيــر قطعــة‬
‫منتزعة‪ ،‬من نفس صاحبها‪ ،‬ومـن مشـاهداته‪ ،‬يعرضـها فـي غيـر‬
‫كلفة‪ ،‬ولزخرف‪ ،‬وقد يقرأ النســان أقصوصــة مــن القاصــيص‪،‬‬
‫فليرى فيها موضوعا ً تامًا‪ ،‬لــه بــدايته ونهــايته‪ ،‬بــل يــرى صــفحة‬
‫ســاذجة مــن الحيــاة‪ ،‬ولكــن تــتراءى لــه‪ ،‬خلــف هــذه الســذاجة‬
‫الظاهرة‪ ،‬صفحات من صميم المآسي البشرية لــذلك نعتقــد أن‬
‫قــوة القصــة ليســت فــي حوادثهــا الثــائرة الفاجعــة‪ ،‬ول فــي‬
‫مشــوقاتها‪ ،‬المبتــذله‪ ،‬الــتي يتعمــد القــاص أن يســردها‪ ،‬ليســتر‬
‫ضعفه وراءهــا‪ ،‬بــل إن قوتهــا الحقيقيــة فــي بســاطتها وصــدقها‬
‫وصوغها في قالب فني رفيع"‪.‬‬
‫نشـرت مجلــة "المقتطـف" الــتي أسســها الــدكتور يعقــوب‬
‫صروف والتي صــدرت فــي القــاهرة بعــدد تشــرين الثــاني عــام‬
‫‪ 1945‬مقالة "للديب سعادة خوري بعنــوان "تولســتوي" يربــط‬
‫المؤلف في مقالته تولستوي بروسيا المعاصرة‪ ،‬الــتي انتصــرت‬
‫في عاصفة الحرب الهائجة‪.‬‬
‫إن تولستوي‪ ،‬برأي المؤلف‪ ،‬تطلع إلى الحقيقة التي تطلبت‬
‫منــه أن يــوزع أراضــيه الواســعة علــى الفلحيــن‪ .‬ولقــد حــاول‬
‫تولستوي القيام بمثل هذا العمل ولكن أسرته مانعت‪.‬‬

‫‪- 54 -‬‬
‫وبعد ذلك يتحــدث المؤلــف عــن حيــاة تولســتوي البســيطة‬
‫التي اختارها بنفســه‪ ،‬فهــو يعيــش كمــا يعيــش الفلحــون‪ ،‬وعــن‬
‫نشاطه التربوي في القرية‪ .‬ويحاول المؤلف أن يجعل تولستوي‬
‫مثال ً للكمال في شبابه‪ ،‬فهو‪ ،‬برأي المؤلف‪ ،‬ترك جامعة كــازان‬
‫لكي يدافع عن وطنه ويشترك في حرب القــرم‪ .‬وعلــى مايبــدو‬
‫فإن المؤلف تأثر بسـيرة حيـاة الكتـاب السـوفييت الـذي تركـوا‬
‫أعمالهم المدنيــة وذهبـوا إلـى الجبهـة للــدفاع عـن الــوطن مـن‬
‫المعتدين الفاشيين‪.‬‬
‫وهكذا يقــارن المؤلــف بيــن شخصــية نــابليون الــذي صــوره‬
‫تولســـتوي فـــي روايتـــه "الحـــرب والســـلم" )‪(1869-1863‬‬
‫وشخصية هتلــر فكلهمــا مســتعد لغــراق الشــعوب بالــدماء إذا‬
‫ماتطلبت مصــالحهم الشخصــية ذلــك وكلهمــا دمــر الكــثير مــن‬
‫المدن والقرى‪ ،‬فيندد المؤلف بهتلر عندما يتحدث عــن نــابليون‪.‬‬
‫وبذلك فإن المؤلف يحاول أن يقّرب الكتاب الروس في القــرن‬
‫التاسع عشر إلى العصر الحديث‪ .‬وهـذه الميـزة كـانت منتشـرة‬
‫في السنوات التي تلت الحرب‪.‬‬
‫يبدأ الكاتب مقالته‪" :‬إن البلد الروسية الــتي خاضــت غمــار‬
‫حرب طاحنة كانت ولتزال وطن الدباء ومنبت الكتبة والشعراء‬
‫الذين ظهروا كواكب لمعة فأناروا حالك ليل مــن الجهــل‪ ،‬خيــم‬
‫على تلك البلد طويل‪79) "...‬ص ‪ " (279‬وإذا ذكــر أدبــاء المــة‬
‫الروســية وفلســفتها كــان تولســتوي الزعيــم المقــدم" )‪79‬ص‬
‫‪. (297‬‬
‫نشرت مجلة "الطريق" التي أسسها أنطون ثابت في عــام‬
‫‪ 1941‬عــدد شــباط مقالـة بعنــوان "كــاتب روســيا الكـبير ليـون‬
‫تولستوي" بقلم ل‪.‬ميخايلوفسكيا تتأثر المجلة بآراء لينيــن حــول‬
‫تولستوي فتقول "بّين فلديمير لينين بقوة عبقري‪ ،‬التناقض في‬
‫أدب تولستوي وأخضع لنقد لذع النواحي الضعيفة لفهمه الحيــاة‬
‫وتحريضه على عدم الصمود فــي وجــه الشــر"‪76) ..‬ص ‪. (12‬‬
‫ذكر المجلــة بــأن يوســف ســتالين ذكــر تولســتوي بيــن أولئك‬ ‫وت ّ‬
‫الذين يمثلون عظمة روسيا‪ .‬وتشير المقالـة إلـى أثـر تولسـتوي‬
‫في الداب الخرى‪ .‬الذي أعطى العالم الدبي نماذج أدبيــة تكــاد‬
‫تكون فريدة مثل شخصية نتاشا فــي روايــة "الحــرب والســلم"‬
‫وشخصية" آنا كارينينا" في الرواية التي تحمل اسمها وشخصــية‬
‫كاتيوشا في رواية "البعث" وتتعرض المقالة لتحليــل روايــة "آنــا‬
‫كارينينا" ‪" :‬إن كارينين‪ :‬الرجل الــذي لــه قلــب الرجــل الجــاف‪،‬‬
‫المائع‪ ،‬ممثل البيروقراطية القيصرية‪ ،‬لم يكن يستطيع أن يكون‬
‫رفيق حياة جديرا ً بآنا" )‪76‬ص‪. (16‬‬
‫وفي عام ‪1951‬وفي عــدد شــباط كتبــت مجلــة "الطريــق"‬
‫مقال ً حول تولســتوي بمناســبة مــرور أربعيــن عام ـا ً علــى وفــاة‬
‫الكاتب الروسي العظيم‪ .‬ونتحسس في هذه المقالة وفي غيرها‬
‫تأثير أفكار لينين حول تولستوي‪ .‬فهذه المجلة التي كانت لسان‬
‫حال أنصار السلم في سوريا ولبنان تبنت آراء لينين حول الدب‬
‫والفــن وبــوجه خــاص مقــالته "ليــف تولســتوي كمــرآة للثــورة‬
‫الروسية" ويؤكد المقــال بــأن تولســتوي يشــكل مفخــرةً للدب‬
‫الروسي" )‪77‬ص ‪. (68‬‬
‫في بيروت وبمناسبة مرور خمسين عاما على وفاة الكــاتب‬
‫الروسي الكبير ليف تولستوي احتفلت جمعية العلقات الثقافيــة‬
‫بين لبنان والتحاد السوفييتي فــي شــهر كــانون الول مــن عــام‬
‫‪ 1960‬بهذه الذكرى في قاعــة الجتماعــات فــي وزارة التربيــة‪.‬‬
‫وقامت مجلة "الطريق" بنشر الكلمات في عدد شباط الممتــاز‬
‫المكــرس لهــذه الكلمــات مــن عــام ‪ 1961‬وزود العــدد بصــور‬
‫لتولستوي وبصور لبعض مخطوطاته‪.‬‬

‫‪- 55 -‬‬
‫كانت الكلمة الولى لجورج حنا الذي بي ّــن أن تولســتوي هــو‬
‫رسول المحبة والسلم‪ .‬وبين تقييم كل من تورغينيف وغــوركي‬
‫والمهاتمـــا غانـــدي وفلديميـــر إيليتـــش لينيـــن )‪(1924-1870‬‬
‫لتولســتوي الــذي كــان‪ ،‬بــرأي جــورج حنــا‪ ،‬مــن أنصــار الحــرب‬
‫الدفاعية وضد الحرب الهجومية ويبرهن على رأيه بأن تولستوي‬
‫كتب رواية "الحرب والسلم" التي يمجد فيها بطــولت الشــعب‬
‫الروسي في أثناء دفاعه عن أرضه‪ .‬وكــذلك اشــتراك تولســتوي‬
‫في حرب القرم‪ .‬ولكــن جــورج حنــا يتناســى أن تولســتوي فــي‬
‫الخمســينيات والســتينيات مــن القــرن الماضــي يفــترق عــن‬
‫تولستوي في الثمانينيات‪ .‬وبكلمة واحدة فإن جورج حنــا يحــاول‬
‫أن يرى تولستوي بالشكل الذي يتمنى أن يراه وليس تولســتوي‬
‫كما هو على حقيقته‪.‬‬
‫أما رئيس الجامعة اللبنانية فؤاد البستاني فقــد ألقــى كلمــة‬
‫ن السلطات‬ ‫حول تولستوي النسان والفنان‪ ،‬ويقول في كلمته إ ّ‬
‫لحقت أنصار تولستوي ولم تلحقه لعلقته الخاصــة مــع القصــر‬
‫والقيصـر ) ‪78‬ص ‪ (21‬أمـا فـي الحقيقـة فـإن السـلطات فـي‬
‫روسيا لم تلحق تولستوي ليس لوجود علقات خاصة طيبة بينه‬
‫وبينها‪ ،‬وإنما لنها خافت انفجار الغضب الشــعبي مــن ملحقتهــا‬
‫للكاتب العظيم‪.‬‬
‫وتحدثت الدراسات الخرى فــي العــدد ذاتــه عــن تولســتوي‬
‫الــذي جســد فــي أدبــه وشخصــه صــفات المــة الروســية لبــل‬
‫النسانية بأسرها‪ .‬واستعمل أســلوب المبالغــة إذ يقــول بعضــهم‬
‫ن بين الفنانين تولستوي وحــده يســتحق لقــب الخــالق‪ .‬ويــذكر‬ ‫إ ّ‬
‫المحاضــرون عمــق وبعــد نظــر تولســتوي فــي إبــداعه‪ ،‬ويكــرر‬
‫بعضهم فكرة فلديمير إيليتش لينين أن إبداع تولســتوي يتصــف‬
‫بالتناقض ولكن سبب هــذا التنــاقض‪ ،‬بــرأي لينيــن هــو أن إبــداع‬
‫تولستوي يعكس الثورة الروسية وتناقضاتها‪ ،‬في حين أن ســبب‬
‫التناقض‪ ،‬بــرأي النقــاد العــرب‪ ،‬أن تولســتوي يعكــس تناقضــات‬
‫البشرية منذ ظهورها إلى يومنا الحاضر‪ ،‬لنه يعبر عــن تطلعــات‬
‫واهتمامات ليس المة الروسية فحسب‪ ،‬بل النسانية بأســرها )‬
‫‪78‬ص ‪ (31‬وتفتخر المجلة بأن البشرية أنجبــت هــذه العبقريــة‬
‫هذا النسان‪ ،‬وكتبت المجلة أن تولستوي ليعرف الرياء ويعيش‬
‫حياةً بسيطة" وينشر العدد المذكور من المجلة بعــض المقــاطع‬
‫من مؤلفات لينين حــول تولســتوي وكــذلك مــن مقالــة غــوركي‬
‫حــوله‪ .‬وكــذلك تتحــدث المجلــة حــول كتــاب الكــاتب الفرنســي‬
‫الشهير رومان رولن حــول تولســتوي‪ ،‬وكــذلك نشــرت المجلــة‬
‫قصة تولستوي" كم يحتاج النسان من الرض"‪..‬‬
‫وبهذه المناسبة ألقى الكاتب العربي الكبير ميخائيــل نعيمــه‬
‫كلمة نشرتها المجلة نفسها فــي عــدد شــباط‪ ،‬يــرى نعيمــه فــي‬
‫تولستوي عملقا روحــا وقلمــا‪ ،‬ويــدرس نعيمــه حيــاة تولســتوي‬
‫وإبداعه ويقارنه بالنبي البوذي بوذا ويرى بــأن الكــاتب الروســي‬
‫خالد بسيرة حياته وبإبداعه الدبي وبتعاليمه‪ ،‬وفــي الــوقت ذاتــه‬
‫يلوم نعيمه الكاتب الروسي لن ابتــدأ تعــاليمه منــذ عــام ‪1862‬‬
‫فقط أي عندما تجاوز الثلثين من عمــره ويلــومه علــى ســلوكه‬
‫في شبابه‪ .‬ويبارك نعيمه خروج تولستوي من بيتــه ويلــومه لنــه‬
‫لم يترك بيته منذ شبابه لن الكاتب الروسي ترك بيته عندما بلغ‬
‫عمره ‪82‬سنة‪.‬‬
‫ويذكر شيفمن المستشرق الروسي المعــروف أن ميخائيــل‬
‫مــا‬
‫نعيمه ترجم الكثير من مؤلفات تولســتوي )‪140‬ص‪ (551‬وأ ّ‬
‫في الحقيقة فــإن نعيمــه لــم يمــارس الترجمــة فــي حيــاته‪ ،‬لن‬
‫أفكاره الخاصة كانت كثيرة فاكتفى بنقل أفكــاره للقــارئ علم ـا ً‬
‫بأن نعيمه كان يتقن الروسية والفرنسية والنكليزية إضافة إلــى‬
‫اللغة العربية‪ ،‬لغته الم‪ .‬فلم يكن لديه وقت للترجمة‪ ،‬مع تــوفر‬
‫المكانيــات‪ ،‬ذكــرت هــذه الملحظــة المستشــرقة آن ّــا أركاديفنــا‬
‫‪- 56 -‬‬
‫دالينينا إذ سألته في نيسان في بيروت عام ‪ ،1967‬فأجابها بــأنه‬
‫لــم يعمــل بالترجمــة أبــدا ً ســوى أن ّــه نقــل كتــابه "مــرداد" مــن‬
‫النكليزية إلى العربّية أيّ أّنه ترجم مؤلفات ولم يترجم لغيره‪.‬‬
‫وبهذه المناســبة ألقــى كلمــة ســعيد عقــل الشــاعر العربــي‬
‫المعروف فرأى الشــاعر أن تولســتوي كــان قلقــا‪ ،‬ودائمــا كــان‬
‫يطرح سؤال واحدا "لماذا" ولمــاذا ولــم يجــد عــن هــذا الســؤال‬
‫جوابــًا‪ .‬لمــاذا نعيــش؟ لمــاذا نتعلــم؟ لمــاذا نــؤدي الخدمــة‬
‫العسكرية؟ لماذا العالم مبني هكذا؟‬
‫وبذلك فــإن الكت ّــاب العــرب قيمــوا تولســتوي تقييم ـا ً عاليـا ً‬
‫كفنان وككاتب‪ ،‬لنه نادى بأفكــار إنســانية عظيمــة وناضــل مــن‬
‫أجــل تحقيقهــا‪ .‬وذكــر هــذه النقطــة شــيفمن فــي كتــابه "ليــف‬
‫تولستوي والشرق" )‪139‬ص‪. (408‬‬
‫وبعد الحــرب العالميــة الثانيــة كتبــت الكــثير مــن المؤلفــات‬
‫النقدية حول تولستوي وأخذت هـذه المؤلفـات تـدرس العمـال‬
‫ة مفصلة" في حيــن أن العمــال قبــل‬ ‫البداعية لتولستوي دراس ً‬
‫الحــرب العالميــة الثانيــة كــانت تــدرس أفكــار تولســتوي فقــط‪.‬‬
‫فبدأنا نــرى دراســات حــول "الحــرب والســلم" و"آن ّــا كارينينــا"‬
‫و"البعث"‪.‬‬
‫واحتفلت القاهرة بمناسبة الذكرى الخمسين لوفــاة الكــاتب‬
‫الروسي العظيم باجتماع كبير لمثقفي القاهرة وألقيــت كلمــات‬
‫حول سيرة الكاتب العظيم وإبداعه وتحــدث المحاضــرون حــول‬
‫تأثير إبداع تولستوي على إبداع الكّتاب العــرب‪ ،‬ويرجــع الســبب‬
‫إلى تشابه الواقع العربي مع الواقع الروسي‪ .‬فلقد عالج الكتاب‬
‫العــرب والــروس مســائل واحــدة‪ .‬فـــالفلح العربـــي والفلح‬
‫الروسي يتعبان في أرض غيرهما‪ ،‬ولذلك فمســألة الرض مــادة‬
‫في الدبين العربي والروسي‪ .‬فالفلح العربي مثلــه مثــل الفلح‬
‫الروسي يحلم بالحصول على الرض التي يزرعها ويحصدها في‬
‫حين تذهب ثمار عمله لصاحب الرض‪.‬‬
‫وكذلك تحدث المحاضرون عن أهميــة روايــة "آن ّــا كارينينــا"‬
‫وأثرها في الدب العربي‪ ،‬فقد أثرت فــي حركــة تحريــر المــرأة‬
‫ومساواتها بالرجل وحقها في العمل وفي التعبير عــن المشــاعر‬
‫والعواطف‪ .‬فالمرأة نصف المجتمــع ولهــا كامــل الحقــوق مثلهــا‬
‫مثل الرجل‪.‬‬
‫كما تحدث المحاضرون عن خصائص مسرحيات تولســتوي‪،‬‬
‫وعقــد اجتمــاع آخــر فــي القــاهرة فــي مبنــى جمعيــة الصــداقة‬
‫والعلقــات الثقافيــة مــع البلــدان الجنبيــة‪ .‬فلقــد تحــدث بهــذه‬
‫المناسبة الناقد الكبير محمد مندور حول إبداع تولستوي‪ .‬وبهذه‬
‫المناســبة أقيــم معــرض لمنشــورات مؤلفــات تولســتوي باللغــة‬
‫العربية وعرضت في القاهرة بهذه المناسبة مسرحية تولســتوي‬
‫"سلطة الظلمة" وكذلك عرض فيلم "نهر الحب" المقتبس عــن‬
‫رواية تولستوي" آنا كارينينا" )‪. (1877-1873‬‬

‫‪ (28‬ييي يي "يي يي" ييي يي ‪ 57‬ي ي‬


‫يي ‪1947‬‬ ‫ي‬
‫ييي ي يي ي ييي يي ي يي‬
‫ييي‪:‬‬ ‫يييي‬
‫ي‬
‫وفي القاهرة وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية مباشرة أ ّ‬
‫في عام ‪ 1947‬وفي سلسلة "اقــرأ" العــدد )‪ (57‬كتــب حســن‬
‫محمــود عمل حــول إبــداع تولســتوي‪ .‬يغــض النظــر هــذا العمــل‬
‫‪- 57 -‬‬
‫النقــدي عــن التناقضــات الموجــودة فــي إبــداع تولســتوي أو‬
‫ليتفهمها تفهما ً كافيــا وتعتــبر الدراســة مــن أفضــل الدراســات‬
‫حــول تولســتوي فــي ذلــك الــوقت لنهــا وافيــة وكافيــة‪ ،‬وتقــدم‬
‫حقائق جيدة حول إبداع تولستوي‪.‬‬
‫وفي خاتمة الكتــاب توجــد قائمــة بأســماء الدراســات حــول‬
‫تولستوي فتذكر مختارات تولستوي الــتي صـدرت فــي موســكو‬
‫باشراف ب‪.‬ي بيريوكوف )‪ ، (1913‬والتي صدرت فــي بــاريس‬
‫في عام ‪ ،1902‬والتي صدرت في لندن في عام ‪ .1928‬وتشير‬
‫الدراسة إلى الترجمات الفرنسية والنكليزية ليوميات تولستوي‬
‫ورسائله‪ ،‬وذكريات ويوميات أبناء تولســتوي‪ ،‬وذكريــات غــوركي‬
‫وغولدنفيزر وآخرين مثل رومان رولن وتشرتكوف وإيلمار مود‪.‬‬
‫تتوفر كافة الدلة التي تثبت أن حسن محمــود اســتفاد مــن‬
‫بعض المصادر التي يذكرها حين وضــع دراســته عــن تولســتوي‪.‬‬
‫وتــدل الدراســة علــى أن حســن محمــود اطلــع علــى يوميــات‬
‫تولستوي وعلى يوميات زوجته واستفاد من اعتراف "تولســتوي‬
‫ومن" ما العمل؟" حيث يستشهد بهما‪.‬‬
‫يحاول حسن محمود ربط مراحل حياة تولســتوي بالحــداث‬
‫التي كانت تجري آنذاك في روسيا‪ .‬فيتحدث بالتفصيل عــن نبلء‬
‫روسيا وعن حياتهم في القرن الماضي‪ .‬ويتحــدث عــن الحــروب‬
‫الــتي خاضــتها روســيا ضــد انتفاضــات ســكان الجبــال‪ .‬وعــن‬
‫المرسوم الصلحي الذي صدر فــي عــام ‪ 1861‬والــذي أعطــى‬
‫الفلحين حريتهم‪ ،‬ويربط حياة تولستوي بهذه الحداث‪ .‬ويتحدث‬
‫حسن محمــود بالتفصــيل عــن علقــة تولســتوي بزوجتــه‪ .‬وعــن‬
‫أسباب خلفهما حديثا ً مفصل ً وحتى عن الخلفات البسيطة التي‬
‫تحدث بين الزواج أحيانـًا‪ ،‬ونســتغرب مــن أيــن اســتطاع الناقــد‬
‫الحصــول علــى هــذه المعلومــات كلهــا‪ .‬وليــذكر الناقــد روايــة‬
‫"البعث" نهائيــا‪ .‬ويكتــب قليل عــن صــراع تولســتوي ضــد رجــال‬
‫الــدين وليــذكر حرمــان تولســتوي مــن الكنيســة إل فــي نهايــة‬
‫الكتاب‪.‬‬
‫ن حسن محمود ليعير أفكار تولستوي الدينية‬ ‫وبوجه عام فإ ّ‬
‫اهتماما ً خاصا‪ .‬وعنــدما يتحــدث عــن "اعــتراف" تولســتوي فــإنه‬
‫ن البـاحث‬ ‫يهتم بأفكاره الفلسفية أكثر من أفكــاره الدينيــة‪ .‬أي أ ّ‬
‫يتحدث عن نظرات تولســتوي الدينيــة ولكــن باختصــار‪ .‬وعنــدما‬
‫يتحدث حسن محمود عن فلســفة تولســتوي فــإنه يتحــدث عــن‬
‫نــواحي القــوة‪ ،‬وقلمــا يكتــب عــن نــواحي الضــعف فــي هــذه‬
‫ل‪ ،‬عن عمــل تولســتوي "ماالعمــل؟" لن‬ ‫الفلسفة‪ .‬ويكتب مفص ً‬
‫تنديد تولستوي باستغلل النسان لخيه النسان يبلغ ذروته فــي‬
‫هذا الكتاب‪.‬‬
‫ن تولســتوي تنبــأ بحتميــة قيــام الثــورة‬
‫يرى حسن محمــود أ ّ‬
‫العمالية في روسيا في أقرب وقت ممكـن‪ ،‬وبـذلك فـإن نظـرة‬
‫تولستوي‪ ،‬بــرأي المؤلــف‪ ،‬إلــى الحيــاة الروســية لتختلــف عــن‬
‫نظرة كارل ماركس وفريــد ريــك إنجلــس‪ ،‬إذ أصــبحت مؤلفــاته‬
‫فــي نظــر النــاس مثــل النجيــل مقدســة‪ ،‬فقــوة التعــبير عنــد‬
‫تولســتوي بلغــت الــذروة‪ .‬لقــد رســم لوحــة "مروعــه" لحــوال‬
‫الفلحين الروس وقارنها ببذخ الطبقات الحاكمة الذين يتلــذذون‬
‫بالحياة‪ ،‬ويقدم الكاتب الروسي العظيم الحل للخلص مــن هــذا‬
‫التناقض العجيب المعيب الغريب فيقترح على الطبقــات الغنيــة‬
‫التي يمثلها‪ ،‬إذ أنه من أسرة غنية‪ ،‬تجنب الكارثة‪ ،‬والتخلص مــن‬
‫المصيبة القادمة حتما بتوزيع أملكهم على الفقراء والتنازل عن‬
‫الملكية الخاصة طوعا‪ ،‬لكــي لتؤخــذ منهــم عــن طريــق العنــف‬
‫والقوة‪ .‬ولكن هذه الفكرة التي تعبر عن قلب طيب يــؤمن بــأن‬
‫الخرين طيبون لتتفق مع آراء كارل ماركس‪ ،‬وفلديمير لينيــن‪،‬‬
‫وفريــدريك انجلــس الــذين آمنــوا بــالثورة وســيلة وحيــدة لخلــق‬
‫‪- 58 -‬‬
‫المناخ المناسب للحياة النسانية الكريمة‪ ،‬وللعدالــة الجتماعيــة‬
‫ولتحقيق الملكية العامة لوسائل النتاج‪.‬‬
‫وهكــذا فــإن حســن محمــود يبــدأ نقــده لنظــرات تولســتوي‬
‫ولفكاره الطوباوية‪ ،‬مع أن حسن محمــود يحـاول أن يـبرهن أن‬
‫تولستوي كان كاتبا ً تقدميا لنه يمثل الشعب الروسي الذي قــام‬
‫بأول ثورة اشتراكية في العالم‪.‬‬
‫من خصائص كتاب حسن محمود حول تولستوي أن ّــه يكتــب‬
‫عن أعمال تولستوي البداعيــة مثــل "الحــرب والســلم" ومثــل‬
‫ل‪ ،‬عن رواية "الحرب والسلم"‬ ‫رواية "آنا كارينينا"‪ ،‬ويكتب مفص ً‬
‫فهــي ملحمــة مثلهــا مثــل "إليــاذة" هــوميروس‪ .‬خالــدة مثلمــا‬
‫"اللياذة" خالدة‪ .‬وهي للعالم بأســره كمــا أن "الليــاذة" للعــالم‬
‫بأسره‪ .‬يصور تولستوي في روايته الخالدة العظيمة التي ليوجد‬
‫لهــا مثيــل فــي الدب العــالمي حيــاة الشــعب‪ ،‬وســير الحــداث‬
‫التاريخية في المراحل الحرجة من تاريـخ الشـعوب حيـن يتقـرر‬
‫مصيرها بالبقاء أو بالموت‪ .‬يصور تولستوي قادة الشــعوب أثنــاء‬
‫الحــرب والنــاس البســطاء‪ ،‬والغنيــاء فالروايــة لوحــة لشــعب‬
‫بكامله‪ ،‬لبلد بكامله‪ ،‬فــي مرحلــة تقريــر المصــير‪ .‬يكتــب حســن‬
‫محمود عن رواية "الحرب والســلم" تلــك القصــة الــتي صــاغها‬
‫مؤلفها في عمل فني عظيم ليس له مثيل مــن قبــل وربمــا لــن‬
‫يأتي له فيما بعد مثيل‪ ،‬ليست علــى حـد قــول تولسـتوي نفسـه‬
‫رواية قصصية " ولهي قصيدة ولهي سجل تاريخي بل إنه اتخذ‬
‫الشـــكل النســـب للموضـــوع"‪73) ...‬ص‪ (46‬ويكتـــب عـــن‬
‫"اعترافاته"‪" :‬أن يكون الرجل واسع الضياع كــبير الــثروة‪ ،‬ذلــك‬
‫أكثر مايرجوه النــاس فــي حيــاتهم‪ ،‬وأن تكــون لــه زوجــة محبــة‬
‫وأسرة في نمو دائم فينعم بالمال والبنيـن ذلــك أقصــى مـاتقف‬
‫ما أن يؤلف تلك القصص الخالدة فيبلــغ بهــا‬ ‫عنده آمال الناس‪ ،‬أ ّ‬
‫ذروة المجد في بلده وتدر عليه إلى جانب ذلــك أمــوال ً لحاجــة‬
‫به إليها‪ ،‬فذلك مايعمل له الناس في حياتهم فل يصلون إليه وقد‬
‫وصل إليه تولستوي" )‪73‬ص ‪. (57‬‬
‫***‬

‫‪ (29‬يييي يي يييي ي ي يي يييي ييي‬


‫ي ي يييي ي ييي ييي ي ي ييي يي‬
‫ييي‪:‬‬ ‫يييي‬
‫وفي القاهرة صـدر كتـاب بل تاريـخ عـن دار مكتبـة النجلــو‬
‫المصــرية يقــع فــي ‪240‬صــفحة بعنــوان "تولســتوي‪ -‬حيــاته‪-‬‬
‫فلســفته‪ -‬اعترافــاته"‪ -‬كتبــه المحــامي صــادق مرجــان‪ .‬يتصــدر‬
‫الكتاب قول تولســتوي" نحــن بالحقيقــة فــي حاجــة إلــى ثــورة‪،‬‬
‫ولكنها ليست ثورة دموية‪ ،‬بــل ثــورة فــي ضــمائر الغنيـاء وفــي‬
‫قلوبهم" وكذلك قول برنارد شو‪ -‬المسرحي النكليــزي الســاخر‬
‫الشهير "لن تستطيع أبدا أن تســتغني عــن قــراءة تولســتوي" )‬
‫‪42‬ص‪ (1‬ويقول المؤلــف فــي مقدمــة كتــابه‪" :‬كــان تولســتوي‬
‫رجل ً قوي العاطفــة والعقــل‪ ،‬مخلصــا إلــى أقصــى حــد‪ ،‬فكــانت‬
‫ة نفــاذة"‪ ،‬تصــل إلــى قلــوب النــاس‪،‬‬‫الكلمات الــتي يكتبهــا قويـ ً‬
‫وتعتمــل فــي نفوســهم‪ ،‬وتتفاعــل مــع تفكيرهــم فتجعــل منهــم‬
‫أشخاصا آخرين متجددين‪ ،‬وكان الفيلســوف الــذي طــابق قــوله‬
‫فعله" )‪42‬ص‪. (1‬‬
‫وفــي الســبعينيات مــن هــذا القــرن أخــذت تظهــر بعــض‬
‫المؤلفات حول تولستوي باللغة العربية‪ ،‬وقد تأثرت بآراء النقــاد‬
‫الــروس حــول كــاتب الرض الروســية العظيــم‪ .‬مــن بيــن هــذه‬
‫العمال‪ ،‬كتاب الدكتورة حياة شرارة بعنوان " تولســتوي فنان ـًا"‬
‫‪- 59 -‬‬
‫تكتب الــدكتورة فــي فصــل بعنــوان" الروافــد الدبيــة" ‪" :‬درس‬
‫تولســـتوي أعمـــال وانتـــاج العديـــد مـــن الكتـــاب والفلســـفة‬
‫والمؤرخين الروس والجانب وأحاط بأفكارهم وطرقهــم الدبيــة‬
‫وآرائهم الفلسفية والجتماعية وبرامجهم الصلحية في حــداثته‪،‬‬
‫قرأ بوشكين وجوجول وليرمنتوف وتورجينيف وغيرهم" )‪27‬ص‬
‫‪. (6‬‬
‫ويمكن القــول إن كتــاب الــدكتورة حيــاة شــرارة مــن أكــثر‬
‫الكتــب النقديــة عــن إبــداع ليــف تولســتوي جديــة‪ ،‬وذلــك لن‬
‫الدكتورة المؤلفة تتقــن اللغــة الروســية وتســتند فــي مصــادرها‬
‫على العمال النقدية الروسية حول الكاتب العظيم‪ .‬ولكن يجب‬
‫القول إن الدكتور حياة شراره لم تأت بشيء مــن عنـدها أو لـم‬
‫تأت بجديد‪ ،‬لن الفكار المطروقة فــي الكتــاب ترجــع للبــاحثين‬
‫الروس‪ .‬وقامت الدكتورة حياة شرارة بنقلها بأمانة‪.‬‬
‫يشير عنوان الكتاب إلى أن الباحثة ستتناول الجــانب الفنــي‬
‫في إبداع تولســتوي أكــثر مــن تناولهــا الجــانب الفكــري مــع أن‬
‫الباحثة تؤكد في مقدمــة الكتـاب أنهـا تتنـاول الجـانبين الفكـري‬
‫والفني‪.‬‬
‫وعلى أية حال فإن الكتــاب ذو طــابع جديــد وذلــك لــتركيزه‬
‫على الجانب الفني‪ .‬فتتناول الباحثة تولستوي كما هو عليــه فــي‬
‫الواقع وليس كما يريده بعضهم‪.‬‬
‫ن تولستوي بــدأ إبــداعه فــي مطلــع النصــف‬ ‫وتذكر الباحثة أ ّ‬
‫ون فيــه التجــاه‬ ‫الثاني مــن القــرن الماضــي‪ ،‬أي فــي وقــت تك ـ ّ‬
‫الــواقعي فــي الدب الروســي‪ .‬فلقــد ســبق تولســتوي كــل مـن‬
‫بوشكين وليرمنتوف وغوغــول وتورغينيــف ودوستيفســكي‪ .‬كمــا‬
‫تذكر الباحثة تأثير جان جاك روسو على تولستوي وتــأثير ديكنــز‬
‫وغيرهمــا‪ .‬وتشــير الباحثــة إلــى أن أبطــال روايــات وقصــص‬
‫تولستوي يبحثون عن الحقيقة بل تعب وبل ملــل وكــذلك يبحــث‬
‫البطل في تراث تولستوي عن العدالة الجتماعيــة وعــن الخيــر‪،‬‬
‫فمن هؤلء البطال نيكولينكــا بطــل قصــة "الطفولــة" وأولينيــن‬
‫بطــل قصــة "القــوزاق" وبييــر مــن روايــة "الحــرب والســلم"‬
‫وأندريه بولكونسكى من الرواية ذاتها وكارينين مــن روايــة " آنــا‬
‫كارينينا" وغيرهــم‪ .‬وتــذكر الباحثــة أن أســلوب تولســتوي يعتمــد‬
‫علــى جدليــة الــروح الــتي تعتــبر الميــزة الساســية فــي إبــداع‬
‫تولستوي‪ ،‬وتركز الباحثة على آراء تشرنيشفســكى حــول إبــداع‬
‫تولستوي‪ ،‬وتدرس "آنا كارينينا" دراسة مفصلة‪.‬‬

‫تدرس حياة شرارة رواية "آنا كارينينا" كرواية عن المجتمــع‬


‫الروسي بعد الصلح‪ ،‬لن تولســتوي عنــدما تحــدث عــن الحــب‬
‫والسرة فإنما كان يقصد المجتمع بكــامله حيــث الســرة خليتــه‬
‫الولى‪ ،‬فلقــد بــدأت العلقــات الرأســمالية تتغلغــل إلــى أعمــاق‬
‫المجتمع الروســي بعــد اصــلح عــام ‪ ،1861‬الــذي نــال بمــوجبه‬
‫الفلحون الحرية‪ .‬فأحد أبطــال روايــة "آنــا كارينينــا" فرونســكي‬
‫ضابط في الجيش من أسرة غنية يحمل لقب كونت‪ ،‬يطمح إلى‬
‫الحصول على المجد العسـكري‪ ،‬وحيـاته مليئة بـالفرح والمـرح‪،‬‬
‫وكان يستطيع الحصول على أهدافه كلها؛ ولكن بعد علقتــه مــع‬
‫آّنا كارينينــا يشــعر بــأن أهــدافه قــد ســقطت مــع ســقوطه فــي‬
‫الخطيئة‪ ،‬إذ بنى سعادته على حساب سعادة آنا وزوجهــا وابنهــا‪،‬‬
‫لقد دمر بيتا ليشبع غرائزه‪ .‬أما آنا كارينينا فلقد تنبــأت بمأســاتها‬
‫منذ وصولها إلى بيت أخيها أو بلونسكي أي مــن بدايــة الروايــة‪،‬‬
‫فلقــد تعرفــت علــى الضــابط فرونســكي فــي محطــة الســكك‬
‫الحديدية فـي الـوقت ذاتـه‪ ،‬الـذي عرفـت فيـه أن أحـد العمـال‬
‫سقط تحت عجلت القطار‪ ،‬وترى في هذه الحادثــة نــذير شــؤم‬
‫بدأت ترى أن من الواجب أن تنتهي حياتها نهاية مأساوية‪.‬‬
‫‪- 60 -‬‬
‫أما الطريق السليم فيسلكه ليفـن الــذي تشــبه حيـاته حيـاة‬
‫تولستوي نفسه‪ .‬فيعمل في أرضــه مــع الفلحيــن ويهتــم بحيــاته‬
‫الخاصة وبحبه المقدس النزيه وبحياة الفلحين وبروسيا بكاملها‪،‬‬
‫ويعرف ليفــن أن روســيا تمــر فــي مرحلــة جديــدة تختلــف عــن‬
‫المرحلة السابقة‪.‬‬
‫وكان من المتوقع أن تولستوي الــذي كتــب روايــة "الحــرب‬
‫والسلم" سيكتب بعدها رواية ذات مضمون تاريخي‪ ،‬لنــه وفــق‬
‫في هذا الجنس الروائي‪ ،‬إل أنه كتب رواية "آن ّــا كارينينــا" حــول‬
‫السرة وحول روسيا بعد اصلح عام ‪ ،1861‬وتقارن الباحثة بين‬
‫الروايــتين فــترى أن روايــة "آن ّــا كارينينــا" أكــثر مأســاوية" مــن‬
‫سابقتها‪ ،‬فبطلها ليفن يفكر بالنتحار‪ ،‬ولــذلك فــإن روح التفــاؤل‬
‫تخيم على رواية "الحرب والسلم" أكثر من رواية "آنا كارينينــا"‬
‫مع أن موضوع الروايــة الولــى هــو الحــرب وتجربتهــا القاســية‪.‬‬
‫ويقع بيير بيزوخوف أكثر من مرة بمــأزق ومــع هــذا يوجــد لــديه‬
‫شعور دائم بأنه سيخرج من أزمته‪ ،‬ويبدأ حياته من جديد‪ ،‬ويحب‬
‫ناتاشا روستوفا التي لم تفقد أملها فــي الســعادة‪ ،‬علــى الرغــم‬
‫من أنها فقدت أخاها وخطيبها أندريه بولكونسكي‪.‬‬

‫وبعد ذلــك تتطــرق الباحثــة إلــى مراحــل تــأليف روايــة "آنــا‬


‫كارينينا" ففي البداية لم تكن في الرواية بعض الشخصيات مثل‬
‫شخصية ليفن وكيتي وكان كارينين أكثر جاذبية‪ ،‬أمــا آنــا فكــانت‬
‫أقل جاذبية مما صارت إليه في الشكل النهائي للرواية‪.‬‬
‫وتتطـرق الباحثـة إلـى روايـة "آّنـا كارينينـا" فـي الصـفحات‬
‫الخيرة من كتابها‪ ،‬وترى بأن فرونسـكي اسـتطاع جـذب كيـتي‪،‬‬
‫وتغلب على منافسة ليفن الذي كان يتمنــى الــزواج مــن كيــتي‪،‬‬
‫ولكن علقته مـع آّنـا كارينينـا قلبـت المـوازيين فاسـتطاع ليفـن‬
‫الزواج من كيتي بسبب ابتعاد فرونسكي عنها واقــترابه مــن آن ّــا‬
‫كارينينا‪ ،‬إل أن كيتي كانت تفضل فرونســكي علــى ليفــن‪ .‬ولقــد‬
‫قضى فرونسكي على حياة كارينينا وعلى أسرتها وكان كــارينين‬
‫قد قضى قبله على شبابها‪.‬‬
‫ويــبرهن الكتــاب علــى معرفــة المؤلفــة بأعمــال البــاحثين‬
‫الروس قبل الثورة عن تولستوي مثل "ل‪.‬ن تولستوي ودراســة‬
‫أعماله من الناحية النفســية "للبــاحث ســتراخوف ي‪.‬ف وعمــل‬
‫للمؤلف ب‪ .‬ايخنباوم بعنوان " ليف تولستوي في الخمســينات"‬
‫وكتاب ن‪.‬ن‪ .‬غوسف بعنوان "ل‪.‬ن تولستوي‪ .‬مواد لسيرة حيــاة‬
‫تولســـتوي ‪" 1855-1828‬ومؤلفـــات أخـــرى" تولســـتوي فـــي‬
‫ذكريات المعاصرين "تاريخ إبــداع روايــة" آنــا كارينينــا " كمــا أن‬
‫المؤلفـة تسـتند فــي كتابــة عملهـا علــى أعمـال النقـاد الــروس‬
‫الخرين‪ ،‬وهي بذلك تأتي بشيء جديد‪ .‬لم يعرفه النقــد العربــي‬
‫في الماضي‪.‬‬
‫وفي مجلة "الثقافــة الجنبيــة" الــتي تصــدر فــي بغــداد فــي‬
‫العدد الثالث عام ‪ 1981‬تعرفنا علــى دراســة لســيرجى زاليفــن‬
‫بعنوان " الروح النسانية في إبــداع تولســتوي" قــام بترجمتهــا"‬
‫يوسف ساردات من اللغة النكليزية‪ .‬وفــي العــدد ذاتــه نشــرت‬
‫المجلــة مقالــة "لجــورج أوريــل بعنــوان "تولســتوي والبهلــوان‬
‫والملك لير" قام بترجمتها مــن اللغــة النكليزيــة حســن حســن‪،‬‬
‫وفي هذه الدراسة يــبين المؤلــف آراء تولســتوي الســلبية حــول‬
‫مسرح شكسبير ويستند على مقالة تولسـتوي "حـول شكسـبير‬
‫والمســرحية" )‪ (1906‬ويــذكر المؤلــف أن تولســتوي ينتقــد‬
‫شكسبير وبعض روائعه مثل "الملك لير" وتراجيديات شكســبير‬
‫الخرى‪ ،‬ولعل السبب أن ميزات مســرحيات تولســتوي تختلــف‬
‫عن خصائص مسرحيات شكسبير‪ .‬فتولستوي أيضا ً انتقد مسرح‬
‫أنطون تشيخوف ) ‪ (1904-1860‬ومســرح الكــاتب النكليــزي‬
‫‪- 61 -‬‬
‫برنارد شو لنه كان يكتب عن مواضيع جادة بطريقة ساخرة‪.‬‬

‫يرى مؤلف المقالة أن تولستوي انتقــد شكســبير لنــه كــان‬


‫يلهث وراء الشـهرة‪ ،‬ولكـن المقالـة سـاذجة لن تولسـتوي فـي‬
‫عام ‪ 1906‬كان على قدر كبير جدا مــن الشــهرة وكــان يكرههــا‬
‫ويبتعــد عنهــا وليــس بحاجــة إليهــا فكــان كمــا ذكرنــا أقــوى مــن‬
‫القيصر‪ .‬ولكن علقة تولستوي بشكســبير علقــة فنيــة ومعقــدة‬
‫ودراسة جورج أوريل لهذه العلقة ساذجة وغير كافية‪.‬‬
‫وكتبت جريدة "الجمهوريــة" الــتي تصــدر فــي بغــداد فــي ‪22‬‬
‫كانون الثاني عام ‪ 1982‬عدد ‪ 4526‬دراسة عـن الكّتـاب الـروس‬
‫وخصوصـا ً عــن ليــف تولســتوي‪ ،‬ويــبرز المؤلــف قصــة تولســتوي‬
‫"موت إيفان ايليتش" إذ يعتبرها من روائع الدب العالمي‪.‬‬
‫وصدر عن وزارة الثقافة والرشــاد القــومي بدمشــق كتــاب‬
‫بعنــوان "تولســتوي مقدمــة نقديــة" تــأليف رد‪.‬ف كريســتان‪.‬‬
‫ترجمة‪ :‬عبد الحميد الحسن من اللغة النكليزية يعــرض الكتــاب‬
‫مؤلفــات تولســتوي وأهــم مراحــل حيــاته‪ .‬وجــاء فــي مقدمــة‬
‫الكتــاب‪":‬ولقــد أفســحت مجــال كــبيرا لعظــم عمليــن روائييــن‬
‫لتولستوي )هما‪ :‬الحرب والسلم‪ ،‬وآنا كارينينا( وكــان لبــد منــه‬
‫لحقيتهما‪ ،‬ولمناص‪ ،‬إذ ليمكن الحديث عنهما بأقل منه‪ .‬لكننــي‬
‫تعرضت أيضا ً لمعظم كتاباته السردية والدرامية المعتــبر منهمــا‬
‫رديئا والجيد‪ .‬لكنني تجاهلت مقالته الجدلية ودراسـاته الدينيـة ‪-‬‬
‫على أهميتها فــي فهــم تولســتوي‪ -‬لنهــا تقــع خــارج مجــال هــذا‬
‫الكتاب )‪38‬ص‪. (5‬‬
‫***‬

‫‪ (30‬يييي ي يييي يي يييي ييي‬


‫ي ي يييي ي ييي ييي ي ي ييي يي‬
‫ييي‪:‬‬ ‫يييي‬
‫بعــد انتهــاء الحــرب العالميــة الثانيــة‪ ،‬ترجمــت الكــثير مــن‬
‫مؤلفات ل‪ .‬تولســتوي‪ .‬قبــل عــام ‪ 1946‬حســب كتــاب يوســف‬
‫أسد داغر ‪ -‬أمين المكتبة الوطنية في بيروت‪ ،‬صدرت عشــرون‬
‫ترجمة لمؤلفات ليف تولستوي‪ ،‬ويبدو أن هذا الرقم غير دقيــق‪،‬‬
‫واستمرت الترجمة فــي الســنوات الــتي تلــت الحــرب العالميــة‬
‫الثانية‪ .‬ولقد أشار الكاديمي كراتشكوفسكى إلى كتاب يوســف‬
‫أسد داغر في بحثه الذي يحمل عنوان "كتاب عربي جديد حــول‬
‫الدب الروسي" )‪161‬ص‪. (330‬‬
‫صدرت معظم الترجمات فــي لبنـان وفــي ســوريا‪ ،‬وبعضــها‬
‫ذات طابع تجاري‪ ،‬وبوجه خاص في بيروت‪ ،‬ترجمــات مختصــرة‬
‫لمؤلفات تولستوي وتتغير السماء فتصبح عربية‪ .‬وصــدرت فــي‬
‫دمشق بعض الترجمات الجيدة‪ ،‬ولكن مع السف‪ ،‬معظمها مــن‬
‫اللغة الفرنسية أو من اللغة النكليزية‪ .‬وكما ذكرنا صدرت بعض‬
‫الترجمات مباشرة من اللغة الروسية وخصوصا ً في موسكو‪.‬‬
‫في هذه السنوات ظهرت ترجمة روايات تولستوي العظيمة‬
‫مثــل "الحـرب والسـلم" و"آنـا كارينينـا" وكــذلك ترجمــة بعـض‬
‫أقاصيص تولستوي‪.‬‬
‫وظهرت ترجمة بعض مؤلفات تولستوي في العــراق‪ .‬فلقــد‬
‫ترجــم أميــر عبــد اللــه قصــة "كــورني فاســيليف" مــن اللغــة‬
‫النكليزيـــة ونشـــرها فـــي مجموعـــة قصصـــية ضـــمت قصـــة‬
‫"المعطف" لغوغول و"المستنقع" لكوبرين وصدرت المجموعــة‬
‫‪- 62 -‬‬
‫في بغداد في عام ‪ ،1946‬وجاء فــي مقدمــة المجموعــة أن دار‬
‫النشر راعت وحدة المضــمون والشــكل لكــي ليطغــى أحــدهما‬
‫على الخر‪.‬‬
‫وكــذلك تــرى دار النشــر أن ســبب نجــاح الدب الروســي‬
‫وانتشاره في العالم العربي هو ارتباطه الوثيــق بالحيــاة‪ ،‬ويجــب‬
‫العتقاد بأن سبب اختيار قصة "كورني فاسيليف" هو موضوعها‬
‫ن تولستوي ينادي في هذه القصــة‬ ‫حول حياة الفلحين‪ ،‬وليس ل ّ‬
‫بالتسامح والمحبة‪.‬‬
‫أصدرت دار الهلل في عدد حزيران من عــام ‪ 1951‬مــوجز‬
‫رواية "آنا كارينينا" وهي ترجمــة حــرة مختصــرة تقــع فــي ‪160‬‬
‫ن الروايــة تتحــدث‬ ‫صفحة من الحجم الصغير‪ .‬ويــرى المــترجم أ ّ‬
‫ث‪ ،‬يخون الزوج في الســرة الولــى زوجتــه ولــذلك‬ ‫عن أسرٍ ثل ٍ‬
‫سعادة زوجية‪ .‬وفي السرة الثانية تخون الزوجــة زوجهــا‬ ‫لتوجد‬
‫ولذلك لتعرف هذه السرة السعادة‪ ،‬ويسود النســجام الســرة‬
‫الثالثة لوجود الخلص‪.‬‬
‫كما تذكر دار الهلل باختصــار ســيرة حيــاة تولســتوي‪ ،‬لكــن‬
‫المؤلف يتنــاول تولســتوي المفكــر وليتنــاول تولســتوي الفنــان‪.‬‬
‫ويرى المؤلف أن تولستوي منذ طفولته كان متشائما ً من الحياة‬
‫وبذلك ينظر المؤلف إلى الكاتب الروسي وكــأّنه نــبي‪ ،‬فالنبيــاء‬
‫مون من كان أكبر منهم سنًا‪ .‬فتولستوي بــرأي‬ ‫منذ طفولتهم يعل ّ‬
‫المؤلف‪ ،‬منذ طفولته يعرف الحقائق التي نادى بها في كهولته‪.‬‬
‫ظ‬‫وبذلك تضّيق المقدمة أهمية تولستوي فتتحدث عنه كواع ٍ‬
‫م" وكنـبي يبشـر بـالخير وبـذلك يتـابع المـترجم التقاليـد‬ ‫"وكمعل‬
‫القديمة‪ٍ ،‬إذ يتحدث عن تولستوي الواعظ وليس عــن تولســتوي‬
‫الروائي‪ ....‬صاحب الترجمة لم يكتب اسمه‪ ،‬ولنستطيع معرفــة‬
‫اللغــة الــتي ترجمــت منهــا الروايــة‪ .‬الترجمــة ضــعيفة‪ ،‬يــذهب‬
‫ســم‬ ‫المترجم التصدير "لي النقمة‪ ،‬وسأجازي ‪ -‬قال الرب" وليق ّ‬
‫المترجم الرواية إلى أجزاٍء‪ ،‬ويحذف المترجم الكثير من المــور‬
‫الهامة في الرواية‪.‬‬
‫يحاول تولستوي أن يبّين فــي روايتــه إلــى أي ّــة هاوي ـةٍ تقــود‬
‫الشهوات‪ .‬فليس النــاس هــم الــذين حــاكموا آن ّــا كارينينــا وإّنمــا‬
‫ة‪،‬‬‫الحياة نفسها أصــدرت بحقهــا الحكــم‪ .‬ليجــوز أن نعيــش حيــا ً‬
‫تخـالف وصـايا الّلـه‪ .‬فكيـف نعيـش؟ ومـن أجـل مـاذا يجـب أن‬
‫نعيش؟ يرى تولستوي أنــه يجــب أن نعيــش بمخافــة الل ّــه ولل ّــه‬
‫ومن أجل محبة الّله‪ .‬إلـى هـذه النتيجـة توصـل ليفـن فـي هـذه‬
‫ن المــترجم ليهتــم نهائيـا ً بهــذه الفكــرة‪،‬‬ ‫الرواية‪ .‬ويجب القول إ ّ‬
‫ب‪ .‬هل ياترى لم يفهم المترجم‬ ‫يركّز المترجم على موضوع الح ّ‬
‫ن المترجم فهــم الفكــرة‬ ‫الفكرة الساسية في الرواية؟ أعتقد أ ّ‬
‫الساسية التي يعالجها تولستوي‪ ،‬لكنه لــم يحــب التطــرق إليهــا‬
‫ن القارئ العربي أو أكثريــة القــراء العــرب يرغبــون الروايــات‬ ‫ل ّ‬
‫ذات موضوع الحب‪ ،‬ويبتعد القارئ عن الروايات ذات المواضــيع‬
‫الفلسفية الجادة الهادفة‪ .‬وبــذلك فأمامنــا ترجمــة تجاريــة علــى‬
‫ن دار الهلل ذات شهرة واسعة‪.‬‬ ‫الرغم من أ ّ‬
‫يحذف المترجم وصف الكاتب الروسي للعصر الــذي عــاش‬
‫فيه وكذلك يحذف موضوع الموسم الزراعي وأجور العمال‪.‬‬
‫وإليكــم بعــض كلمــات ليفــن الــتي يحــذفها المــترجم حــول‬
‫التحولت التي حدثت في روسيا بعد اصلح عام ‪ ....:1861‬هذه‬
‫ة‬
‫ة في ظل النظام القطاعي‪ ،‬وليست مهم ً‬ ‫المسألة ليست مهم ً‬
‫في بريطانيـا‪ .‬فـي الحـالتين كـانت الظـروف مسـتقرة"‪ .‬ولكـن‬
‫عندنا انقلب كل شيء رأسا على عقب‪ ،‬والمــور بــدأت تســتقر‬
‫لكنها لم تستقر بعد‪ .‬ومسألة كيف ستستقر المور‪ -‬هذه مسألة‬
‫هامة طبيعية في روسيا" فكر ليفــن‪ .‬هــذا الســؤال الهــام الــذي‬
‫‪- 63 -‬‬
‫تحدث عنه فلديمير إيليتش لينين فــي مقــالته "ل‪.‬ن‪ .‬تولســتوي‬
‫وعصــره" )‪ - (1911‬يحــذف فــي الترجمــة العربيــة‪ ،‬جــاء فــي‬
‫ب والحيــاة العائليــة‬ ‫ور الحـ ّ‬ ‫تعريف الرواية‪ :‬قصــة اجتماعيــة تص ـ ّ‬
‫والخيانة الزوجية وحياة المجتمع الرستقراطية في روســيا خلل‬
‫ق للغــرائز‬ ‫دقيــ ٍ‬ ‫ل‬
‫القــرن الماضــي فــي دراســةٍ عميقــةٍ وتحليــ ٍ‬
‫مؤلف هــذه‬ ‫والعواطف والخلق‪ ،‬وفي المقدمة‪ :‬كان تولستوي‪-‬‬
‫الرواية من الشخصيات النادرة في التاريخ النساني‪ ...‬امتاز منذ‬
‫صــغره بنظرتــه الجديــة للحيــاة فوصــفها وهــو فــي الخامســة‪:‬‬
‫"ليست الحياة متعة وإّنما هي عبء ثقيل )‪81‬ص‪. (7‬‬
‫ت لروايــة "آنــا‬ ‫ن هنــاك أربــع ترجمــا ٍ‬ ‫يــذكر أ‪.‬ي‪ .‬شــيفمن أ ّ‬
‫كارينينا" صــدرت إحــدى هــذه الترجمــات فــي دمشــق بمناســبة‬
‫مرور خمسين عامـا ً علــى وفــاة ليــف تولســتوي )‪139‬ص‪(395‬‬
‫وكذلك معروفـة ترجمـة إميـل خليــل بيـدس الـتي صـدرت فـي‬
‫بيروت )‪170‬ص ‪. (117‬‬
‫وفي عــام ‪ 1960‬نشــرت دار الكــاتب العربــي فــي بيــروت‬
‫ترجمة أحمد أكرم الطّباع لرواية "آّنا كارينينا‪ ،‬التي صــدرت فــي‬
‫ة‪ ،‬فكانت الطبعة الخامسة فــي عــام ‪ 1968‬وفــي‬ ‫أكثر من طبع ٍ‬
‫هذه الترجمة لنستطيع معرفة اللغة التي أخذت منهــا الترجمــة‪.‬‬
‫وتتعرض الترجمة للسلبيات نفسها التي تعرضت لها ترجمــة دار‬
‫ة‪ .‬ولتوجــد مقدمــة‬ ‫الهلل‪ ،‬فهي مختصرة وتقع فــي ‪ 287‬صــفح ً‬
‫لهـذه الترجمـة‪ ،‬وليوجـد تقسـيم الروايـة إلـى أجـزاء وفصــول‪.‬‬
‫وحذف المــترجم تصــدير الروايــة‪ .‬تتصــف بهــذه الصــفة معظــم‬
‫الترجمات العربية لّنها لتحافظ على الفكرة الساسية للرواية‪.‬‬
‫يبدل المترجم معاني جمل كثيرة‪ ،‬حتى الجملـة الولـى فـي‬
‫الروايــة يتغيــر معناهــا‪ .‬فيضــيف المــترجم مــايحلو لــه إضــافته‬
‫ويختصر مايحلو له اختصاره‪ .‬فالترجمة حرة اعتبارا ً من الصفحة‬
‫الولى‪.‬‬
‫ففي هذه الترجمة مثل الترجمــات العربيــة الخــرى ليوجــد‬
‫وصــف تولســتوي لروســيا بعــد اصــلح عــام ‪ .1861‬ويبســط‬
‫المترجم شخصية ليفن‪ ،‬الــذي يتأمــل روســيا بكاملهــا قبــل كــل‬
‫شيء وبعد ذلك يفكر بأسرته‪ .‬لنـرى فــي الترجمـة ليفـن الـذي‬
‫يتأمل في أحوال الفلحين والنبلء وروسيا بكاملها‪ .‬لنجد حــديث‬
‫ليفن مع اوبلونسكي‪ ،‬حيث يقنع الول الثاني بضــرورة الوقــوف‬
‫إلى جانب الفلحيــن )الجــزء الثــاني‪ ،‬الفصــل العاشــر( يتحــدث‬
‫تولستوي في الجــزء الول‪ ،‬الفصــل الســابع عشــر‪ ،‬عــن علقــة‬
‫ليفن ببيته الكبير القديم وبأسرته‪ .‬أيضا ً تحذف هذه الفكرة‪.‬‬
‫لنجد في الترجمة شخصية افلطون فاكــانيتش‪ -‬الشخصــية‬
‫المهمة والرائعة‪ .‬الشيخ الصادق الــذي أهــدى ليفــن إلــى معنــى‬
‫الحياة النسانية وأنقذه من القدام على النتحار‪ ،‬وبكلمة واحدة‬
‫فل نجد في الترجمة موضــوعا ً هامـا ً إلــى أبعــد الحــدود بالنســبة‬
‫لتولستوي لنه توسع في هذا الموضوع في "اعترافه" الشــهير‪.‬‬
‫وتابع هذا الموضوع فــي دراسـاته الفلسـفية والجتماعيـة‪ ،‬الـتي‬
‫عكست النقلب الروحي الذي طرأ علــى حيـاة ليـف تولسـتوي‬
‫وعلى نظراته إلى الحياة موضــوع نظــرة الكــاتب إلــى الشــعب‬
‫على أّنه الينبوع الصيل لفلسفته‪.‬‬
‫ســط شخصــية آنــا كارينينــا"‪ ،‬إذ حــذف‬ ‫ن المــترجم يب ّ‬
‫كمــا إ ّ‬
‫ن أمامنا أيضا ً‬ ‫التفسير الديني الغيبي لمأساتها‪ .‬ونستطيع القول إ ّ‬
‫ترجمة تجارية الكتاب محفوظ فــي مكتبــة ســالتيكوف شــيدرين‬
‫فــي بطرســبرج‪ ،‬فــي عــام ‪ ،1960‬قــامت دار القلــم بــبيروت‬
‫بترجمــة روايــة "آن ّــا كارينينــا" ولكــن بــدون الشــارة إلــى اســم‬
‫المــترجم وبلــغ عــدد طبعــات هــذه الترجمــة مــن عــام ‪-1960‬‬
‫‪1977‬عشر طبعات‪.‬‬
‫‪- 64 -‬‬
‫ليوجد في هذه الترجمة مثــل الترجمــات الخــرى التصــدير‬
‫لرواية تولستوي‪ .‬وليوجد تقســيم إلــى أجــزاء وفصــول وكــذلك‬
‫تحذف الجملــة الولـى مـن الروايــة‪ ".‬تشـبه العـائلت السـعيدة‬
‫بعضها بعضا ً أما العــائلت الشــقية‪ .‬فشــقاء كــل منهــا لــه ســبب‬
‫خاص يختلــف عــن أســباب شــقاء الســر الخــرى " فــي الجــزء‬
‫ن ليفــن وصــل إلــى‬ ‫الول‪ ،‬الفصــل الســابع‪ ،‬يكتــب تولســتوي أ ّ‬
‫موسكو وزار أخاه‪ ،‬ووجد عنده أستاذًا‪ ،‬جاء من مدينة خاركوف‪.‬‬
‫هــذا المقطــع محــذوف فــي هــذه الترجمــة‪ .‬وكــذلك ليتحــدث‬
‫المترجم عن عودة ليفن إلى بيته في الفصلين الســادس عشــر‬
‫والسابع عشر من الجزء الول‪ .‬وليكتــب عــن لقــاء آنــا كارينينــا‬
‫بابنها ويحذف الفصول الثلثة الخيرة من الجــزء الول‪ .‬ليكتــب‬
‫المـترجم عـن بيـع الشــجار والخشـب وعـن زيـادة فقـر طبقـة‬
‫النبلء‪ ،‬ليس بسبب البذخ وليس بسبب تحسن أحــوال الفلحيــن‬
‫ولكن بسبب أن التجار والوسطاء يغتنون على حساب النبلء‪.‬‬
‫في الجزء الثاني‪ ،‬الفصل الثامن عشــر يكتــب تولســتوي أن‬
‫والدة الضابط فرونسكي كانت مرتاحة لعلقة ابنها بآنــا كارينينــا‬
‫ن ابنها تخلــى عــن منصــبه لكــي‬ ‫لكنها فيما بعد‪ ،‬بعد أن عرفت أ ّ‬
‫يبقى في الفوج قريبا ً من آنا كارينينا غضبت‪ .‬أما النــص العربــي‬
‫لهذه الفكرة فهو أن والدة فرونسكي لم تعرف عن علقة ابنهــا‬
‫بآنا كارينينا ولو عرفت لغضبت‪.‬‬
‫في الجزء الثاني من الفصل الثلثين وحتى الفصل الخامس‬
‫والثلثين يكتب تولستوي عن ســفر آل شرباتســكي إلــى الميــاه‬
‫اللمانية‪ ،‬تحذف هذه الفصول الخمسة في الترجمــة‪ .‬وكــذلك ل‬
‫نتعرف على شخصية فارنكا ومــدام شــتال فــي النــص العربــي‪.‬‬
‫وكذلك ليوجد في النص العربي الفصول الثنا عشر الولى مــن‬
‫الجزء الثـالث‪ ،‬حيـث يـدور الحـديث عـن علقـة ليفـن بالشـعب‬
‫وبالقرية وبكوزينشوف‪ .‬ويحذف وصف اوبلونسكى الــذي يميــل‬
‫إلى الحياة الفردية ويكره الحياة الزوجية‪ .‬تقريب ـا ً يحــذف الجــزء‬
‫الثالث بكامله‪ .‬ولنرى شخصية سفياجيسكى وحــديثه مــع ليفــن‬
‫حول القتصاد‪ ،‬ويحذف وصف تولستوي للصيد‪ ،‬وكذلك رحلة آنا‬
‫كارينينا وفرونسكي إلــى خــارج الحــدود‪ .‬يبتــدأ الجــزء الخــامس‬
‫بوصف عرس ليفن‪ .‬وهذا ليوجد في النص العربي‪ .‬هنــاك نقــرأ‬
‫فقط الحديث الــذي دار بيــن دولــي وآنــا حــول أن ليفــن مرتــاح‬
‫لحياته السرية وفي النص العربي لنجــد غولينشــوف‪ -‬رفيــق أو‬
‫زميل فرونسكي في الخدمة العســكرية ولنــرى الحــديث الــذي‬
‫دار بينهمــا حــول لوحــة ميخــالوف "المســيح أمــام بيلطــوس‬
‫البنطــي" ولنــرى ميخـالوف فــي النــص العربــي وكـذلك لنــرى‬
‫الجزء الخامس‪ ،‬الفصل العشرين حيث يدور الحديث عــن وفــاة‬
‫نيكولي ليفن‪ .‬ولتوجد كلمة واحدة عــن فيسلوفســكي‪ -‬ولعــن‬
‫كوتا فاسوف‪ ،‬وميتروف‪ ،‬وليفوف‪.‬‬
‫ن رواية "آنا كارينينا" تتحول في الترجمــة العربيــة‬ ‫وبذلك فإ ّ‬
‫إلى رواية حول السرة والحب وتحذف الفكار الفلسفية الغيبية‬
‫والمســائل المتعلقــة بالعصــر وبالقتصــاد ويحــذف المــترجم‬
‫الشخصيات الثانوية‪ ،‬فتخلو الرواية من كــل تعقيــداتها‪ ،‬وبالتــالي‬
‫من كل ما يجعلها رواية عالمية‪.‬‬
‫ما الترجمة الكاملة فصــدرت عــن وزارة الثقافــة والرشــاد‬ ‫أ ّ‬
‫القومي بدمشق‪ ،‬وقـام بنقلهـا مـن اللغـة الفرنسـية إلـى اللغـة‬
‫العربية الستاذ صّياح الجهيم‪.‬‬
‫قامت دار القلم فــي بيــروت فــي عـام ‪ 1958‬بنشــر روايــة‬
‫"الحرب والسلم" وكان قد قام بهذا العمل ســابقا ً إميــل خليــل‬
‫بيدس‪ -‬ابن خليــل بيــدس‪ .‬وذلــك فــي عــام ‪ .1954‬ولــم يوضــح‬
‫المترجم كيفية الترجمة ومـن أيـة لغـة؟‪ ...‬وكتـب مقدمـة لهـذه‬
‫الترجمة الدكتور جــورج حنــا حيــث تحــدث عــن فهــم تولســتوي‬
‫‪- 65 -‬‬
‫للــدين المســيحي‪ ،‬وعــدم مقاومــة الشــر بــالعنف وعــن الطــابع‬
‫النساني لتعاليم تولستوي‪ .‬وبكلمة واحدة فالمقدمه عن فلسفة‬
‫تولستوي وليس عــن خصــائص إبــداعه الفنيــة‪ ،‬وهــذا كمــا نــرى‬
‫مايميز العمال الدبية النقدية عن تولستوي باللغة العربيــة فــي‬
‫ذلك الوقت‪.‬‬
‫ترجمة الرواية جيدة من الناحية اللغوية‪ ،‬تقرأ بسهولة ولكن‬
‫المترجم يحذف الكثير‪ .‬يكتب باختصــار عــن وداع الميــر الكهــل‬
‫لبنه المير أندريه عنــدما أرســله إلــى الحــرب فــي عــام ‪1805‬‬
‫وكلماته الشهيرة بأن سيتألم كثيرا ً فيما لو مات ابنه فـي سـاحة‬
‫المعركة‪ ،‬ولكنه سيخجل فيما لو كان ابنه جبانا‪ .‬وكــذلك اختصــر‬
‫المترجم لقاء المير أندريه مع الديبلوماسي بيليبين فــي النمسـا‬
‫ويحذف المترجم المقاطع التي ليراها مناســبة للقــارئ العربــي‬
‫أو يرى أنها غير هامة‪.‬‬
‫والكتاب محفوظ في مكتبة أكاديمية العلوم في مدينة بطــر‬
‫سبرج‪ ،‬تقع رواية "الحرب والسلم" فــي أربعــة مجلــدات‪ ،‬ولهــا‬
‫خاتمة وتقسم هــذه المجلــدات إلــى أجــزاء تقســم بــدورها إلــى‬
‫فصول‪ ،‬أما في الترجمــة العربيــة فتقســم الروايــة إلــى عشــرة‬
‫أجزاء وكــذلك تقســم الجــزاء إلــى فصــول‪ .‬ويبــدأ الجــزء الول‬
‫بحفلة في صــالون الكونتيســه شــيرر وينتهــي بمراســلت ماريــا‬
‫بولكونسكى مــع صــديقتها جــولى‪ .‬ويبــدأ الجــزء الثــاني بحشــود‬
‫الجيــوش فــي النمســا وينتهــي بالمعركــة حيــث جــرح نيكــولي‬
‫روستوف‪ .‬أما الجزء الثالث فيبتــدأ بمحاولــة الميــر فاســيلي أن‬
‫يــزوج بييــر وهيلنــه وينتهــي فــي المعركــة الــتي وقعــت قــرب‬
‫اوستيرليتز‪ .‬أما الجزء الرابع فيبدأ بعودة نيكولي روستوف إلــى‬
‫الــبيت فــي عــام ‪ 1806‬وينتهــي بانتســاب بييــر إلــى الجمعيــة‬
‫الماسونية‪ .‬ويبــدأ الجــزء الخــامس بوصــف للمحفــل الماســونى‬
‫وينتهي بحب أندريه لناتاشا روستوفا‪ .‬وفي الجزء السادس نجــد‬
‫وصفا للعلقات الغراميــة بيــن الميــر أنــدريه وناتاشــا روســتوفا‬
‫وتنتهي بمحاولة أنا تولي خطف ناتاشا وفشله بذلك‪ .‬أمــا الجــزء‬
‫السابع فكان من المفروض أن يصدر في عام ‪ ،1954‬لكنني لم‬
‫أستطع الحصول عليه وعلــى الجــزاء الخــرى ولــم نعــرف هــل‬
‫صدر هذا الجزء أم ل؟‪.‬‬
‫في السنة ذاتها صدرت في دمشق عن دار اليقظة العربيــة‬
‫رواية "الحرب والسلم" ولتوجــد مقدمــة لهــذه الترجمــة وفــي‬
‫الصفحة الولى كتبت دار النشر بــأن مجموعــة مــن المختصــين‬
‫باللغتين الفرنسية والنكليزيــة قــامت بالترجمــة وراجــع مختــص‬
‫باللغة الروسية الترجمة وطابقها مع النص الروسي‪.‬‬
‫إن هذه الترجمة تقع في أربعة مجلدات وهــي بــدون حــذف‬
‫أو اختصــار‪ ،‬ولكــل فصــل مــن الفصــول عنــوان‪ ،‬لكــن الفصــول‬
‫العربية لتتطابق تماما مع الروسية‪ ،‬على سبيل المثال‪ :‬الفصــل‬
‫السادس من الجزء الول يبــدأ بــأن ضــيوف آنــا بافلوفنــا أخــذوا‬
‫يغادرون بيتها‪ ،‬أما هذه فهي بداية الفصــل الخــامس فــي النــص‬
‫الروسي‪ ،‬إن الفصول بالنص العربي أقصر من الفصــول بــالنص‬
‫الروسي‪ ،‬وكذلك تتغير بعض السماء فتصبح قريبة من الســماء‬
‫العربية‪.‬‬
‫هناك ترجمــة أخـرى "للحــرب والسـلم "صــدرت فــي عـام‬
‫‪ 1957‬فــي عــدد نيســان لــدار الهلل وتتحــدث المقدمــة عــن‬
‫شخصية تولســتوي‪ ،‬ووقعــت الترجمــة فــي ‪ 162‬صــفحة بحجــم‬
‫صغير‪ .‬ويقسم النص إلى عشـرين فصـل ً تحمـل عنـاوين‪ .‬وهـذه‬
‫ليست ترجمة‪ ،‬بقدر ماهي نقل لهم أحداث الرواية‪ .‬كمــا توجــد‬
‫بعض التشويهات‪ ،‬على سبيل المثال بيير يصبح ابنا غير قانوني‪..‬‬
‫لسرة بولكونسكي )‪82‬ص‪ (9‬في حين أنه ابن بيزوخوف وهــو‬
‫غير شرعي‪ .‬وكذلك فإن المير فاسيلي في هذه الترجمة وزير‪،‬‬
‫‪- 66 -‬‬
‫وحذف المترجم أمورا كثيرة مثل طلب آنا ميخايلوفنا من المير‬
‫فاســيلي تــأمين ابنهــا فــي الجيــش فــي مكــان أميــن وهــادئ‪،‬‬
‫وليتحــدث عــن أحــوال آنــا ميخايلوفنــا الماديــة الســيئة‪ ،‬إذ أنهــا‬
‫طلبت من الكونتيسه روستافا بعض النقود لشراء ملبس لبنهــا‬
‫بــاريس‪ .‬كتــب القليــل حــول الميــر بولكونســكي المتقــدم فــي‬
‫السن‪ .‬لتوجد إشارة إلــى الماســونية الــتي تولــع بهــا بييــر فــي‬
‫فترة معينة من حياته وبالدقة بعد مبارزته مع دولوخوف تحــذف‬
‫كل تأملت بيير الفلسفية التي تعبر أحيانا عن فلسفة تولســتوي‬
‫نفسه‪ .‬لتوجد فكرة تحرير الفلحين‪ ،‬التي جـالت ببـال كــل مـن‬
‫بيير بيزوخوف والمير اندريه بولكونسكي‪ .‬ليكتب المترجم أبــدا‬
‫عن الشخصيات الثانويــة مثــل الديبلوماســي بيليــبين وبينفســين‬
‫وسبيرانسكي وابنتــه‪ ،‬وعــن الخريــن‪ .‬وليتحــدث المــترجم عــن‬
‫فهم تولستوي لحركة التاريخ‪.‬‬
‫هنــاك ترجمــة أخــرى صــدرت فــي مصــر لروايــة "الحــرب‬
‫والســلم" قــام بهــا ادوارد خــراط‪ ،‬ولتوجــد إشــارة إلــى تاريــخ‬
‫النشر‪.‬‬
‫ومما يؤسف لــه أنــه حــتى الن ل توجــد ترجمــة مــن اللغــة‬
‫الروسية إلى اللغة العربية مباشرة‪ .‬ومعظم هــذه الترجمــات بل‬
‫مسؤولية إذ أنها تخلو من الدقة‪ ،‬فهي ترجمات حرة ولها أهداف‬
‫تجارية واضحة‪.‬‬
‫في عام ‪ 1947‬ترجم إلى اللغة العربية "اعــتراف" تولســتوي‬
‫وفي دمشق صدرت بعض مؤلفات تولستوي مثل رواية "البعــث"‬
‫و"الطفولة" والمراهقة" و "الشباب"‪.‬‬
‫فــي عــام ‪ 1959‬أصــدرت دار الهلل ثلثيــة تولســتوي أي‬
‫"الطفولة" والمراهقة" و والشباب"‪ .‬وفي المقدمة لهذه الطبعة‬
‫يحاول المؤلـف تعظيـم تولسـتوي لنـه كمـا يقـول وزع أراضـيه‬
‫علــى الفلحيــن ولــم يــترك لنفســه ســوى قطعــة تســد حاجــاته‬
‫الضرورية )‪83‬ص‪. (9‬‬
‫فتولستوي من الشخصيات النادرة‪ ،‬لتوجد إشارة إلى اســم‬
‫المترجم‪ .‬إنها ليست ترجمــة الثلثيــة‪ ،‬وإنمــا هــي ترجمــة بعــض‬
‫مقاطعهــا‪ .‬ولكــل فصــل مــن فصــول الروايــة تســميته‪ .‬ليــذكر‬
‫المــترجم شــيئا ً عــن المعلــم كــارل ايفــانوفتش‪ ،‬ولعــن ناتاليــا‬
‫سافيشــينا ول عــن أم نيكولينكــا‪ .‬حــذفت الكــثير مــن الفصــول‪.‬‬
‫وتوجد إضافات قام بها المترجم الذي يعرف بصورة جيدة سيرة‬
‫حياة تولستوي‪ ،‬وبذلك فإن الثلثية أقرب إلى ســيرة حيــاة ليــف‬
‫تولستوي ولكنها مختصرة‪.‬‬
‫وكذلك صدرت في بيــروت فــي عـام ‪ 1958‬ترجمـة لثلثيــة‬
‫تولســتوي مــن اللغــة النكليزيــة ولتخلــو مــن الســلبيات الــتي‬
‫تعرضت لها الترجمات الخرى‪.‬‬
‫فــي القــاهرة فــي عــام ‪ 1950‬صــدرت قصــة تولســتوي‬
‫"القوزاق" وأعاد المترجم اصدراها في عام ‪ ،1958‬وكذلك قــام‬
‫الدكتور سامي الــدروبي بترجمــة "القــوزاق" وصــدرت عــن دار‬
‫الشرق في عام ‪.1975‬‬
‫وصدرت في الخمسينات في القاهرة روايــة "البعــث"‪" ،‬آنــا‬
‫كارينينــا" "العــتراف" ‪" ،‬لحــن كريتســر" ‪" ،‬القصــص الشــعبية‪،‬‬
‫وبعض المسرحيات لتولستوي‪.‬‬
‫في عام ‪ 1961‬صدرت مختارات ليف تولستوي‪ ،‬وبعــد عـام‬
‫أي فــي عــام ‪ 1962‬صــدرت "الســعادة الســرية"‪ ،‬وفــي العــام‬
‫نفسه صدرت قصة "العامــل وصـاحب الملــك" وكــذلك صــدرت‬
‫"القــوزاق" فــي عـام ‪ 1967‬وروايــة "البعــث" فــي عـام ‪1969‬‬
‫ومعظم هذه المؤلفات صدر في القاهرة ودمشق وبيروت‪.‬‬
‫‪- 67 -‬‬
‫صدرت ترجمة قصة "لحن كريتســر" فــي حيفــا إلــى اللغــة‬
‫العربية في عام ‪ 1960‬وبدون مقدمة‪ .‬وصــدرت ترجمــة أخــرى‬
‫لهــذه القصــة فــي عــام ‪ ،1967‬دون الشــارة لمكــان النشــر‪.‬‬
‫وترجمت قصة "السعادة الزوجية" إلى اللغة العربيــة أكــثر مــن‬
‫مرة‪ .‬ولعل أول ترجمــة صــدرت فــي القــاهرة فــي عــام ‪1934‬‬
‫وهناك ترجمات أخرى‪ ،‬صدرت إحداها في عــام ‪) 1964‬الروايــة‬
‫محفوظة في مكتبة الداب الجنبية في موسكو( باللغة العربية‬
‫ن اسم الشخصــية الساســية‬ ‫ولكنها تحت عنوان )كاتيا( علما بأ ّ‬
‫هي ماريا الكسندروفنا‪ ،‬وأما كاتيا فهي المربيــة‪ .‬لتوجــد إشــارة‬
‫إلــى اســم المــترجم‪ .‬ويــأتي فــي المقدمــة أن تولســتوي خالــد‬
‫بمؤلفاته البداعية وليس بأفكاره الفلسفية ول في نقده الدبــي‬
‫)‪13‬ص‪. (8‬‬
‫وتستمر ترجمة مؤلفات تولســتوي بنشــاط فــي الســبعينات‬
‫من هذا القرن‪.‬‬
‫صدرت ترجمة ثلثية تولستوي في القاهرة في عــام ‪1973‬‬
‫ل! إن الســرة أي أســرة‬ ‫وفي هــذه الترجمــة بعــض الخطــاء مث ً‬
‫تولستوي انتقلت من المانيا إلى روسيا في أيام بطــر س الول‪.‬‬
‫وهناك عدم الدقة والخطاء في ترجمة بعض المقاطع‪.‬‬
‫هناك ترجمة دقيقة وجيــدة لثلثيــة ليــف تولســتوي قــام بهــا‬
‫الدكتور سامي الدروبي من اللغة الفرنسـية إلـى اللغـة العربيـة‬
‫وصدرت بدمشق عن وزارة الثقافــة والرشــاد القــومي‪ ،‬وتجــدر‬
‫ن ســامي الــدروبي‪ .‬دبلوماســي عربــي ســوري‬ ‫الشــارة إلــى أ ّ‬
‫وأديب وناقد ولد في عام ‪ ،1921‬بمدينة حمص في الجمهوريــة‬
‫العربيــة الســورية‪ .‬عمــل مدرسـا ً للفلســفة بمدينــة حمــص‪ ،‬ثــم‬
‫عميدا ً لكلية التربية بجامعة دمشق‪ ،‬فأســتاذا ً للفلســفة‪ ،‬فــوزيرا ً‬
‫للتربية والتعليـم‪ ،‬ثـم سـفيرا ً للجمهوريـة العربيـة السـورية فـي‬
‫المغرب ويوغوسلفيا‪ ،‬ومندوبا ً دائما ً للجمهورية العربية السورية‬
‫في جامعة الدول العربية‪.‬‬
‫وثم سفيرا ً في الجمهورية العربية المتحدة‪ ،‬وثم سفيرا ً فــي‬
‫اسبانيا‪.‬‬
‫ترجم أعمال ً لبوشكين وليرمنتــوف وتورغينيــف وكورولينكــو‬
‫ومؤلفات لمولود ياسين من الجزائر‪ ،‬ومؤلفـات للمفكـر والنـاثر‬
‫الفريقي فرانس فانون‪ ،‬وللديب اليوغوســلفي ايفــو انــدريتش‬
‫ولدباء آخرين‪.‬‬
‫قام سابقا ً بترجمة المؤلفات الساسية لفيدور دوستيفسكي‬
‫)‪ (1881 -1821‬من اللغة الفرنسية بتكليف من وزارة الثقافة‬
‫في مصر وبــدأ بترجمــة مؤلفــات تولســتوي فــي خمســة عشــر‬
‫مجلدا ً ولكنه قام بترجمة أربعة مجلدات وحــال مــوت د‪ .‬ســامي‬
‫الدروبي فــي ‪ 1976‬دون ترجمــة العمــال الخــرى لتولســتوي‪،‬‬
‫منح جائزة لوتس بعد مــوته‪ ،‬وذلــك فــي عـام ‪ 1978‬وتــابع هــذا‬
‫العمل الكبير الستاذ صياح الجهيم‪ ،‬مدرس اللغة العربية سابقًا‪،‬‬
‫في مدينة السويداء فترجم المجلدين الثالث والرابع مــن روايــة‬
‫"الحرب والسلم" ورواية آنا كارينينا" في ثلثة مجلدات‪ ،‬ورواية‬
‫"البعث" وحكايات تولستوي الشعبية‪ ،‬ومسرحيات تولستوي‪.‬‬
‫وكتب مقدمــة المجلــد الول لمؤلفــات تولســتوي فــي عــام‬
‫‪ 1974‬فــوزي الكيــالي‪ -‬وزيــر الثقافــة والرشــاد القــومي فــي‬
‫دمشق‪ ،‬وبعد ذلك تأتي ترجمـة مقالـة للناقـد أ‪.‬ف‪ .‬سـولوفيوف‬
‫حول إبداع تولستوي ونشاطه‪ .‬فكانت المقالة حول سيرة حيــاة‬
‫تولستوي وإبداعه وتضمن المجلد مذكرات تولســتوي فــي عــام‬
‫‪.1905‬‬
‫قام الدكتور سامي الدروبي بترجمــة المؤلفــات الــتي كتبهــا‬
‫‪- 68 -‬‬
‫تولستوي في خمسينات القرن الماضي‪ .‬وصــدر المجلــد الثــاني‬
‫في عام ‪ 1974‬وتضمن بعـض قصـص تولسـتوي‪ .‬وفـي مقدمـة‬
‫هذا المجلد نلحظ محاولة الناقد لوصف تولستوي بالكمال‪ .‬فهو‬
‫كما يكتب الناقد فــي المقدمــة بــأن تولســتوي تــرك بيتــه حيــث‬
‫يعيش حياة بذخ والتحق بالجيش عندما كــان عمــره ‪ 23‬ســنة إذ‬
‫أن الــوطن نــادى فلـــبى النــداء )‪14‬ص ‪ . (13‬وهنــاك بعــض‬
‫المعلومات عن كل عمل أدبي لتولستوي ومكان النشر وتاريخه‬
‫والفكار الساسية لهذا العمل أو ذاك‪ ،‬ومكانة قصص تولســتوي‬
‫في إبداعه‪.‬‬
‫وصدر في عام ‪ 1975‬بترجمة الدكتور سامي الدروبي وعن‬
‫وزارة الثقافــة والرشــاد القــومي بدمشــق المجلــد الثــالث مــن‬
‫مؤلفات ليف تولستوي الذي تضمن بعض قصص تولستوي مثل‬
‫"القــوزاق" و "الســعادة الزوجيــة" و "الديســمبريون" وغيرهــا‬
‫ويتضـمن هـذا المجلـد بعـض المعلومـات عـن مؤلفـات الكـاتب‬
‫الروسي‪.‬‬
‫وفي عام ‪ 1977‬صدر المجلد الرابع من مؤلفات تولســتوي‬
‫في دمشق ويتضمن المجلد الول من رواية "الحرب والســلم"‬
‫وكذلك يتضمن مقدمة وملحظات‪.‬‬
‫فــي الجـزائر صـدرت ترجمـة مسـرحية تولسـتوي "سـلطة‬
‫الظلم" وذلك فـي عـام ‪ 1976‬وتتضـمن الترجمـة مقدمـة غيـر‬
‫دقيقة إذ تذكر أن تولستوي تزوج في عــام ‪ 1872‬فــي حيــن أن‬
‫تولستوي تزوج قبل ذلك بعشر سنوات‪.‬‬

‫صــدرت فــي موســكو فــي عــام ‪ 1966‬قصــص تولســتوي‬


‫للطفـال باللغــة العربيــة وقـام بالترجمـة غـائب طعمــه فرمـان‬
‫وأعيدت الطبعة في عام ‪ 1973‬وكــذلك فــي عــام ‪ 1975‬وفــي‬
‫عام ‪.1979‬‬
‫قام غائب طعمه فرمان بنقل قصص تولستوي التاليــة إلــى‬
‫اللغة العربية وقد صدرت عن دار التقدم في موســكو فــي عــام‬
‫‪" 1981‬سيباستوبول في شهر كانون الول "سيباســتوبول فــي‬
‫أيار" ‪" ،‬سيباستوبول في آب ‪" ، "1855‬القــوزاق" وكتــب علــى‬
‫غلف الكتاب "إن بطل قصتي هذه‪ ،‬البطل الــذي أعشــقه بكــل‬
‫روحي‪ ،‬والذي حاولت أن انقله بكل جمــاله‪ ،‬والــذي كــان رائع ـًا‪،‬‬
‫ومايزال وسيظل إلى البـد‪ ،‬هـو الحقيقـة" بهـذه الفقـرة يختتـم‬
‫الكاتب الروسي العظيم ل‪.‬ن‪ .‬تولستوي‬
‫)‪ (1910 -1828‬إحدى صــوره القلميــة‪ .‬وجــاءت علــى الغلف‬
‫الخير كلمات غوركي حول تولستوي التالية‪ “ :‬لكي تعيش بنقاء‬
‫ضمير يجب أن تقتحم‪ ،‬أن تتعثر‪ ،‬أن تصارع‪ ،‬أن تقــع فــي خطــأ‪،‬‬
‫أن تبدأ في أمــر‪ ،‬وتــتركه‪ ،‬ثــم تبــدأ مــن جديــد‪ ،‬ثــم تــتركه مــرة‬
‫أخرى‪ ،‬وأن تكافح أبدا‪ ،‬وتعاني من الحرمان‪ .‬أما الطمأنينة فهي‬
‫دناءة روحيـة"‪ .‬إن هـذه الكلمـات الـتي قالهـا الكـاتب الروسـي‬
‫العظيـم ليـف نيكــوليفتش تولسـتوي )‪ (1910 -1828‬تشـرح‬
‫الكثير من حياة هذا الكاتب وإبداعه‪.‬‬
‫قال غوركي )) تولستوي عالم كامل‪ ...‬إن هـذا الرجــل قـام‬
‫بعمل ضخم حقًا‪ :‬قدم حصيلة حياة قــرن كامــل‪ ،‬قــدمها بصــدق‬
‫مذهل وقوة( (‬
‫وجاء في مقدمة هذه المجموعة القصصية التي كتبها ك‪.‬ن‪.‬‬
‫لومونوف الدكتور في العلوم اللغوية‪" :‬كان غوركي لدى تعرفــه‬
‫بليف تولســتوي فــي مســتهل القــرن الحــالي مبهــورا بــالروابط‬
‫العالمية الواسعة لهذا الكــاتب العظيــم‪ ،‬وبــالنمو غيــر العتيــادي‬
‫في شعبيته ومجده ومنزلته‪.‬‬

‫‪- 69 -‬‬
‫فكتب باعجاب‪" :‬إن العالم كّله‪ ،‬الدنيا كّلها تنظر إليه وتمتــد‬
‫إليه خيوط حية خفاقة مــن الصــين والهنــد وأمريكــا‪ ،‬ومــن كــل‬
‫مكان‪ ،‬إن روحه لكل الناس‪ ،‬وإلى البد" )‪15‬ص ‪. (5‬‬
‫اطلع غائب طعمــه فرمــان ولريــب‪ ،‬علــى ترجمــة الــدكتور‬
‫سامي الدروبي لهذه القصــص‪ ،‬ولكــن ترجمتــه تتميــز بأنهــا مــن‬
‫اللغة الروسية مباشرة‪ ،‬وغــائب طعمــه فرمــان كــاتب معــروف‬
‫وحــاول فــي أثنــاء ترجمتــه تجنــب اســتعمال العبــارات الــتي‬
‫استعملها الدكتور سامي الدروبي‪.‬‬

‫فــي موســكو وفــي عــام ‪ 1960‬صــدرت ترجمــة مقــالت‬


‫فلديمير لينين حول تولستوي‪ .‬وصدرت هذه المقالت فــي عــام‬
‫‪.1980 ،1974 ،1968‬‬
‫كما نلحظ أن القارئ العربــي ينتظــر وجــود ترجمــة أفضــل‬
‫باللغة العربية لمؤلفات تولســتوي‪ .‬وقــررت القيــام بهــذا العمــل‬
‫وزارة الثقافة والرشاد القومي بدمشق‪ .‬ولكنها حتى الن تقــوم‬
‫بهذا العمل من اللغة الفرنسية‪ ،‬وأننا‪ ،‬ولشك نحتاج إلى ترجمــة‬
‫تولستوي من اللغة الروسية مباشرة‪.‬‬
‫إن المادة التي قدمتها عن مؤلفات تولستوي المترجمة إلى‬
‫اللغــة العربيــة وعــن العمــال النقديــة العربيــة حــول الكــاتب‬
‫الروسي ومقالت الكتاب العرب حوله غير كاملة‪ .‬لكنهــا تعطــي‬
‫صورة واضحة حول هذا الموضوع‪.‬‬
‫وحاولت أن أقســم عملــي إلــى مراحــل ثلث قبــل الحــرب‬
‫العالمية الولى‪ ،‬بين الحربين العــالميتين‪ ،‬بعــد الحــرب العالميــة‬
‫الثانية‪ ،‬وإلى يومنا الحاضر‪.‬‬

‫***‬

‫‪ (31‬يييي ي يي ي ييي يي ي يييي ي‬


‫يي‪:‬‬ ‫ييي‬
‫وهكذا فــإن ليــف تولســتوي‪ ،1910 -1828 ،‬الــذي احــترم‬
‫الدب العربـــي‪ ،‬وآداب الشـــعوب الخـــرى‪ ،‬واحـــترم الشـــعب‬
‫الروسي وأضمر الكبار والجلل للشعوب الخرى‪ ،‬عــادت هــذه‬
‫الشعوب فكرمته واحترمته‪ .‬فكما اعتبر تولستوي أدب الشعوب‬
‫الخرى قوة فعالــة فــي المجتمــع المعاصــر‪ ،‬اعتــبرت الشــعوب‬
‫الجنبية أدبه قوة فعالة في مجتمعاتهــا‪ .‬ولعــل أكــبر دليــل علــى‬
‫احترام تولستوي للدب العربي تسخيره للحكايات العربيــة فــي‬
‫مجال التربية‪ ،‬فلقد نشر تولســتوي قصــة "دونياشــكا والربعيــن‬
‫حرامي" في المجلة التربوية التي كــان يصــدرها‪ ،‬والــتي تحمــل‬
‫اسم "ياسنايا بوليانا"‪ ،‬أي اســم قريتــه الــتي بنــى فيهــا مدرســة‬
‫لبنــاء الفلحيــن‪ ،‬وكــان يقــوم بنفســه بتعليــم أطفــال الفلحيــن‬
‫بمساعدة مجموعة من المعلمين‪.‬‬
‫تتحدث حكاية "دونياشكا والربعون حرامي" عــن شــقيقين‪،‬‬
‫اسم الول أنطون‪ ،‬واسم الثاني سيمون يعمل أنطون بالتجارة‪،‬‬
‫وهو موسر الحال‪ ،‬في حين يعمــل ســيمون حطابــا فــي الغابــة‪،‬‬
‫وهو فقير‪.‬‬

‫وذات مرة‪ ،‬وبينما كان ســيمون يتــأهب للرحيــل مــن الغابــة‬


‫‪- 70 -‬‬
‫شاهد غبارًا‪ ،‬فاختبأ تحت غصــن شــجرة كــبيرة‪ ،‬فشــاهد أربعيــن‬
‫لصا ً وتقدم قائدهم من الشجرة‪ ،‬وقال‪ :‬افتح ياسمسم‪ ،‬فانشــق‬
‫باب في الجبل‪ ،‬دخل منه اللصوص‪.‬‬
‫وبعد فترة خرج اللصوص‪ ،‬وقال قــائدهم‪ :‬اقفــل ياسمســم‪.‬‬
‫واقفل الباب‪ .‬ورحل اللصوص على ظهور جيادهم‪.‬‬
‫بعد أن رحل اللصوص‪ ،‬نزل ســيمون مــن الشــجرة‪ ،‬ووقــف‬
‫أمام الباب‪ ،‬وقال‪ :‬افتــح ياسمســم! فانفتــح البــاب ودخــل منــه‪،‬‬
‫ووجد الكثير من الذهب والفضة والحجــار الثمينــة‪ .‬فمل جيــوبه‪،‬‬
‫وطاقيته وخرج‪ ،‬وقال‪ :‬اقفل ياسمســم! فــانغلق البــاب‪ ،‬ورحــل‬
‫سيمون إلى المدينة‪.‬‬
‫وأخبر سيمون زوجته‪ ،‬وطلب منها أل تبلغ أحدا‪ ،‬إل أن الخبر‬
‫تطاير إلى أخيه انطون‪ ،‬الذي أسرع إلــى المغــارة‪ .‬وفتــح البــاب‬
‫مستخدما عبارة‪ ،‬افتح ياسمســم‪ ،‬ومل جيــوبه ذهبـا إل أنــه حيــن‬
‫أراد الخــروج نســي عبــارة افتــح ياسمســم‪ .‬فلــم يتمكــن مــن‬
‫الخروج‪ ،‬فجاء اللصوص‪ ،‬ووجدوه في المغارة وقتلوه‪.‬‬
‫وحين عرف سيمون ذهب إلى المغارة‪ ،‬ونقل جثمــان أخيــه‬
‫ودفنه حسب التقاليد‪ ،‬وساعدته بــذلك الجاريــة دونياشــكا‪ ،‬الــتي‬
‫أحضرت الخياط لكي يساعد سيمون في دفن أخيه‪.‬‬
‫فلما عاد اللصوص إلــى المغـارة لـم يجــدوا جثمـان أنطــون‬
‫فعرفوا أن أحــدا ً كشــف ســرهم‪ .‬فعقــدوا العــزم علــى معرفتــه‬
‫واستدل اللصوص على بيت سيمون‪ ،‬ووضعوا عليه إشارة‪ ،‬لكي‬
‫يعودوا ويقتلوه‪.‬‬
‫وعندما رأت الجاريــة دونياشــكا الشــارة‪ ،‬وضــعت إشــارات‬
‫مشابهة على المنازل الخرى‪ ،‬ولم يتمكن اللصوص من معرفــة‬
‫منزل سيمون وحاولوا مرة ثانية وضع إشــارات إل أن دونياشــكا‬
‫أحبطت مخططاتهم‪.‬‬
‫ً‬
‫وفي المرة الثالثة حضر قــائد اللصــوص‪ ،‬متنكــرا بــزي فلح‬
‫ل‪ ،‬وكــان فــي داخــل البراميــل لصــوص‪،‬‬ ‫ومعه تسعة عشر بــرمي ً‬
‫فعرفت دونياشكا بالمر وقتلت اللصوص بالزيت المغلي‪.‬‬
‫وهــرب قــائد اللصــوص‪ ،‬وعــاد بــزي تــاجر‪ ،‬إل أن دونياكشــا‬
‫عرفته وقتلته بالسكين‪.‬‬
‫شــكر ســيمون الجاريــة دونياشــكا وّزوجهــا مــن ابنــه‪ .‬غي ّــر‬
‫تولستوي السماء العربية بأسماء روسية فأصبح اسم على بابــا‪-‬‬
‫سيمون واسم الجارية مرجانه‪ -‬دونياشكا‪.‬‬
‫ولحظــت الــدكتورة مكــارم الغمــري فــي كتابهــا "مــؤثرات‬
‫عربّية وإسلمّية في الدب الروسي" في فصل "مؤثرات عربية‬
‫في أدب تولســتوي" أن تولســتوي غي ّــر عنــوان الحكايــة فجعلــه‬
‫دونياشكا والربعين حرامــي نظــرا ً لــدورها الهــام فــي الحكايــة‪:‬‬
‫"ويبدو أن تولستوي وجد هذا التغيير ملئمـًا‪ ،‬نظـرا للــدور الهـام‬
‫الذي تلعبه الجارية في الحداث‪ ،‬فهي في حقيقــة المــر البطــل‬
‫الرئيســي للقصـة‪ ،‬والـدور الــذي يلعبـه علـى بابـا يبــدو هامشــيا‬
‫بالنسبة لدورها في القصة‪ ،‬فهي الــتي قضــت علــى مخططــات‬
‫اللصوص‪ ،‬وتمكنت من التخلص منهم‪ ،‬وانقاذ معلمها "‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪- 71 -‬‬
‫الجزء الثاني‬
‫الفكار الفلسفية والغيبية والدينية‬
‫والجتماعية عــند تولستوي‬
‫وبعض الكتاب العرب‬
‫ييي‪:‬‬ ‫يي ييي‬ ‫ي ييي‬ ‫يييي‬
‫نستطيع أن نقول إن التــأثير والتــأثر المتبــادلين بيــن الداب‬
‫المختلفة أمر حتمي ودائم‪ ،‬فل نستطيع الزعــم بـأن أدبـا ً حـديثًا‪،‬‬
‫مهما كانت أصالته وعراقته‪ ،‬يخلو من التــأثر بــآداب أمــم أخــرى‬
‫غريبة عنه‪.‬‬
‫وبقــدر ماينفتــح أدب قــومي معيــن علــى الداب العالميــة‬
‫الخــرى‪ ،‬تتوســع آفــاقه‪ ،‬وتتعمــق جــذوره ويكفــي أن نــذكر أن‬
‫العصر الذهبي لدبنا العربي كان العصر العباسي‪ ،‬حيث ترجمت‬
‫الكثير من الثار الفارسية‪ ،‬وحيث ترجمــت مؤلفــات الفيلســوف‬
‫اليوناني أرســطو إلــى لغتنــا العربيــة‪ ،‬الــتي قــامت بحفــظ هــذه‬
‫المؤلفات من الضياع‪ ،‬إذ فقد في مرحلة معينة أصلها اليونــاني‪،‬‬
‫وحفظت باللغة العربية‪ ،‬وترجمت ثانيـة مـن اللغـة العربيـة إلـى‬
‫لغات العالم كله‪.‬‬
‫وعندما انغلق الدب العربي علـى ذاتـه فـي مرحلـة الحكـم‬
‫المملوكي والعثماني‪ ،‬انخفض عدد المؤلفــات الدبيــة المترجمــة‬
‫من اللغات الجنبية إلى اللغة العربية‪ ،‬وكذلك قل عــدد العمــال‬
‫المترجمة عن اللغة العربية إلى اللغات الجنبية‪ ،‬وكان ذلك أحــد‬
‫السباب في انحطاط مستوى الدب العربي في تلك المرحلة‪.‬‬

‫ونستطيع أن نعمم هذا الستنتاج على آداب عالميــة أخــرى‪.‬‬


‫فعلى سبيل المثال‪ ،‬يعتبر القرن التاسع عشر مرحلة ذهبية فــي‬
‫تاريخ الدب الروسي‪ ،‬ففي هذا القرن أصبح الدب الروسي أدبا ً‬
‫عالميًا‪ ،‬وترجمت مؤلفات الشاعر الروسي الكسندر بوشــكين )‬
‫‪ (1837 -1799‬إلــى لغــات عالميــة كــثيرة وكــذلك مؤلفــات‬
‫الشاعر ميخائيل ليرمنتوف )‪ (1841 -1814‬ومؤلفات نيكولي‬
‫غوغول )‪ (1852 -1809‬ومؤلفــات إيفــان تورغينيــف )‪-1818‬‬
‫‪ ، (1883‬ومؤلفـــات فيـــدور دوستيفســـكي )‪(1881 -1821‬‬
‫ومؤلفــــات ليــــف تولســــتوي )‪ (1910 -1828‬ومؤلفــــات‬
‫ســالتيكوف‪ -‬شــيدرين )‪ (1889 -1826‬ومؤلفــات فيســاريون‬
‫بيلينســكي ‪ 1848 -1811‬ومؤلفــات غيرتســن ‪1870 -1812‬‬
‫ومؤلفات الناقد الدبي دوبرولوبوف )‪ (1861 -1836‬وقصــائد‬
‫نيكراســوف ومســرحيات اوستروفســكي وقصــص ومســرحيات‬
‫انطـــون تشـــيخوف )‪ (1904 -1860‬ومؤلفـــات كورولنيكـــو‬
‫وغيرهم‪ .‬وكذلك ترجمت فــي هــذا القــرن إلــى اللغــة الروســية‬
‫مؤلفــات كــثيرة عــن اللغــات العالميــة النكليزيــة والفرنســية‬
‫‪- 72 -‬‬
‫والسبانية واللمانية والعربية وغيرها‪.‬‬
‫وعلى أية حال ليوجد أدب منغلق على ذاته تمامًا‪ ،‬فبشــكل‬
‫أو بآخر‪ ،‬لبد من أن يتأثر أدب قومي معين بــآداب العــالم ولبـد ّ‬
‫من أن يؤثر في هذه الداب‪ ،‬حــتى وإن بــدا للوهلــة الولــى أنــه‬
‫منعزل انعزال ً تاما ً عن غيــره مــن الداب‪ .‬فعلــى ســبيل المثــال‬
‫يظن بعضهم أن الدب العربــي قبــل الســلم كــان أدبـا ً منعــزل ً‬
‫ولذلك لم يتأثر ولم يؤثر بغيره من الداب‪.‬‬
‫أمـا فـي الحقيقـة فلقـد أقـام العـرب قبـل السـلم صـلت‬
‫ثقافية بينهم وبين الشعوب المجاورة‪ ،‬على الرغم من الظــروف‬
‫المادية الصعبة‪ ،‬التي من شأنها أن تعيق قيــام علقــات منظمــة‬
‫بين المم القديمة‪.‬‬
‫فلقد قــامت بيــن العــرب وبيــن الفــرس والــروم والحبــاش‬
‫علقــات اقتصــادية وثقافيــة وسياســية ول شــك فــي أن هــذه‬
‫العلقات تركت آثارها على اللغة العربية وعلــى الشــعر العربــي‬
‫قبل السلم‪ ،‬وليوجد شك في أن العــرب القــدماء تركــوا آثــارا ً‬
‫ملموسة في الداب المجاورة‪.‬‬
‫ولقــد اســتفاد العــرب مــن الدب اليونــاني القــديم بســبب‬
‫احتكاكهم بالروم‪ ،‬الذين وقعوا تحت تأثير الدب اليوناني القديم‪،‬‬
‫بعد أن انتصروا على اليونان في عام ‪ 146‬قبل الميلد‪ ،‬انتصـارا ً‬
‫عسكريا ً إل أنهم عادوا وهزموا ثقافيًا‪ ،‬وأصبحت روما المنتصــره‬
‫عســكريا ً تابعــة لليونــان ثقافيـا ً وأدبيـًا‪ .‬فأصــبح الدب الرومــاني‬
‫محاكي ـا ً للدب اليونــاني‪ .‬ودعــا هــوراس إلــى محكــاة الغريــق‪:‬‬
‫ل‪ ،‬واعكفوا على‬ ‫"اتبعوا أمثلة الغريق‪ ،‬واعكفوا على دراستها لي ً‬
‫دراستها نهارا "كتب ذلك هوراس في رسالة لحد أصدقائه فــي‬
‫عام ‪ 20‬قبل الميلد‪.‬‬
‫إل أن المحاكــاة الــتي تحــدث عنهــا هــوراس‪ ،‬تختلــف عــن‬
‫المحاكاة التي قصدها أرسطو في كتابة "فن الشعر" فلقد نادى‬
‫أرســطو بمحاكــاة الطبيعــة‪ ،‬فــي حيــن نــادى هــوراس بمحاكــاة‬
‫اليونان‪.‬‬
‫ومن الذين طالبوا الرومان بمحاكاة اليونان الناقد كونتيليان‬
‫في كتاب ألفه ليتركه لبنه‪ ،‬إل أن البن مــات قبــل أبيــه‪ .‬ويــرى‬
‫كونتيليـان أن المحاكـاة أمـر صـعب‪ ،‬ليسـلم مـن يمارسـه مـن‬
‫الوقوع في أخطاء جسيمه‪ ،‬إذا لم تتوفر له القدرة على التــذوق‬
‫الفني‪ ،‬والتمييز بين النصوص لمعرفة جيــدها‪ ،‬مــن رديئهــا‪ ،‬وهــو‬
‫يراها في نهاية المطاف‪ ،‬تشبه محاكاة الطبيعة‪ ،‬من حيث عمــق‬
‫الرؤية‪.‬‬
‫***‬

‫‪ (1‬ييييي يييي ييي ييييي ي ييي يي‬


‫ي‪:‬‬ ‫ييي ي‬ ‫ييي‬
‫لقد عرف مصطلح الدب المقارن في فرنسا أول مرة منــذ‬
‫عام ‪ ،1827‬بفضل فيلمان الستاذ بجامعة السوربون‪ ،‬الذي أخذ‬
‫منذ هذا التاريخ يستخدمه في محاضراته‪ .‬ولقد ظهرت منذ ذلك‬
‫الحين دراسات بعنوان تاريخ الدب المقــارن‪ ،‬أو التاريــخ الدبــي‬
‫المقارن‪.‬‬
‫وهناك علقة بين النقد الدبي الحديث وبين الدب المقــارن‬
‫إل أن الول يســعى للكشــف عــن القيــم الفنيــة الكامنــة فــي‬
‫العمال الدبيــة البداعيــة ويفســرها‪ ،‬وليســتطيع الناقــد الدبــي‬
‫الوصول إلى غايته إل إذا كشــف عــن المنــابع والمــؤثرات الــتي‬
‫‪- 73 -‬‬
‫انتقلت إلى الكاتب أو الشــاعر مــن الداب الخــرى ولمــا كــانت‬
‫العمال الدبية البداعية بطبيعتها الفنية ليســت تعــبيرا ً مباشــرًا‪،‬‬
‫وإنما يغلــب عليهــا طــابع الرمــز‪ ،‬فــإن هـذا الناقــد أو ذاك‪ ،‬يبيــح‬
‫لنفسه أن يعيد صياغة النص في لغة نقدية وبذلك يفــك رمــوزه‪،‬‬
‫وبهذا يصبح العمل النقــدي عمل ً أدبي ـا ً آخــر‪ ،‬وبــذلك فــإن الــذين‬
‫يتشــبثون بمصــطلح "الدب المقــارن" يــرون فــي الدراســات‬
‫المقارنة عمل ً إبداعيا ً يصح أن نسميه "الدب المقارن"‪.‬‬
‫وإذا ماانتقلنا من العام إلى الخاص‪ ،‬فإننــا نجــد أن العلقـات‬
‫الدبية العربية والروسية قوية‪ ،‬منذ أقــدم الزمنــة‪ .‬فلقــد وصــل‬
‫العرب إلى المنـاطق الجنوبيـة لروسـيا الـتي شـكلت فيمـا بعـد‬
‫جزءا ً من التحاد السوفييتي‪ ،‬وكانت أبجدية بعض هذه الشــعوب‬
‫هي البجدية العربية‪ ،‬وأصبحت الثقافة العربية جزءا ً ليتجزأ مــن‬
‫ثقافة تلك البلد‪ ،‬التي شكلت جسرا ً لعبور الثقافــة العربيــة إلــى‬
‫روسيا نفسها‪ ،‬وإذا لم يصل إليهــا العــرب إل أنهــم‪ ،‬وصــلوا إلــى‬
‫البلد‪ ،‬التي فيما بعد أصبحت جزءا ً من روسيا‪ ،‬قال شاعر الهنــد‬
‫رابندرانات طاغور فــي عــام ‪ .... "1908‬فعلينــا أن نجاهــد كــي‬
‫ل‪ ،‬وننظــر فــي هــذا الكــل‬ ‫ننظر في عمل كــل مؤلــف بوصــفه ك ً‬
‫بوصفه جزءا ً من خلق النسان العالمي‪ ،‬وننظر إلى هــذا الــروح‬
‫العالمي في مظاهره من خلل الدب العالمي‪ .‬وهذا هــو مــا آن‬
‫لنا الن أن نفعله"‪.‬‬
‫أما في العصر الحديث فلقد انعكس المــر‪ .‬فبعــد أن كــانت‬
‫المة العربيــة هــي الــتي تبــدع وتصــدر إبــداعها لشــعوب الرض‬
‫قاطبة‪ ،‬فهي التي وصلت إلى إسبانيا‪ ،‬ونقلت تراثها الغنــي عــبر‬
‫اسبانيا إلى الشعوب الوروبية ومن اسبانيا انتقل الفكر العربــي‬
‫إلى أمريكا اللتينيه‪.‬‬
‫أصبحنا نستعين بخبرات المم الخرى الدبية‪ ،‬فنحــن عرفنــا‬
‫فن القصة القصيرة عنــد الكــاتب الروســي انطــون تشــيخوف )‬
‫‪ (1904 -1860‬وعرفنــا الفــن المســرحي بعــد حملــة نــابليون‬
‫بونابرت علــى مصــر ‪ ،1801-1798‬وبعــد الصــلحات الجذريــة‬
‫التي قام بها حاكم مصر آنذاك محمد علي منذ عام ‪ 1805‬وبعد‬
‫عـودة الموفـدين مــن الــدول الوروبيــة وفــي مقـدمتها فرنسـا‪.‬‬
‫وعرفنا الرواية بعد أن اطلعنا على الرواية الوروبية‪.‬‬
‫والن لدينا أدباء نستطيع أن نفخر بهم‪ .‬يأتي فــي مقــدمتهم‬
‫الروائي العربي نجيب محفوظ الــذي حصــل علــى جــائزة نوبــل‬
‫للداب في عام ‪ ،1988‬والذي حاز على جائزة الدولة التقديرية‪.‬‬
‫وإننا ببحثنا هذا‪ ،‬نحاول أن نســاهم مســاهمة متواضــعة فــي‬
‫إغناء الدب المقارن العربي‪ ،‬الذي أصبح من أهــم الختصاصــات‬
‫الدبية في المرحلة الخيرة‪.‬‬
‫وأريد أن انتقل إلى صلب الموضوع‪ ،‬وهو هل وجــود تشــابه‬
‫بين أفكــار تولســتوي الغيبيــة والدينيــة وأفكــار بعــض المفكريــن‬
‫العرب مثل جبران خليل جبران ‪ 1931 -1883‬وميخائيل نعيمه‬
‫‪ 1988 -1889‬وأمين الريحاني ومصطفى لطفي المنفلــوطي‪،‬‬
‫واليــاس فرحــات‪ ،‬ومظفــر النــواب‪ ،‬وعبــد المعيــن الملــوحي‪،‬‬
‫وغيرهم‪ .‬هل يعد التشابه من أبواب الدب المقارن؟‬
‫يجيبنا عن هذا التســاؤل الــدكتور محمــد غنيمــي هلل الــذي‬
‫يعتبر بحق‪ ،‬من أكبر علمــاء الدب المقــارن فــي وطننــا العربــي‬
‫حتى يومنا الحاضــر‪ ،‬يكتــب الــدكتور غنيمــي فــي كتــابه الشــهير‬
‫"الدب المقــارن" "مــدلول الدب المقــارن تــاريخي‪ ،‬ذلــك أنــه‬
‫يدرس مواطن التلقي بين الداب في لغاتها المختلفة‪ ،‬وصــلتها‬
‫الكثيرة المعقدة‪ ،‬في حاضرها أو في ماضيها‪ ،‬ومالهــذه الصــلت‬
‫من تأثير أو تأثر‪ ،‬أيا كانت مظاهر ذلك التأثير أو التأثر بــه ســواء‬
‫تعلقت بالصول الفنية العامــة للجنــاس والمــذاهب أو التيــارات‬
‫‪- 74 -‬‬
‫الفكرية‪ ،‬أو اتصلت بطبيعة الموضوعات والمواقــف والشــخاص‬
‫التي تعالج أو تحاكي في الدب‪ ،‬أو كانت تمس مسائل الصــياغة‬
‫الفنية والفكار الجزئية في العمل الدبي‪...‬‬
‫إذن لقد فهم الدكتور غنيمــي الدب المقــارن فهم ـا ً واســعًا‪،‬‬
‫ومن خلل هذا الفهم نعتــبر الدراســة المقدمــة تــدخل فــي أحــد‬
‫أبواب الدب المقارن‪.‬‬
‫***‬

‫ي‪ -2‬ي يييي ي ي ييي يي يي ي يييي ييي‬


‫ي‪:‬‬ ‫يييييي‬
‫آمن ليف تولستوي بالّله‪ ،‬واحترم الديانات السماوية إل أّنــه‬
‫ن بعــض المؤسســات‬ ‫انتقــد النظــام الجتمــاعي القــائم‪ ،‬ورأى أ ّ‬
‫الدينية تقـدم خـدمات للسـلطات الحاكمـة أحيانـا ً علـى حسـاب‬
‫الفقراء والكادحين‪ ،‬أي أنه آمن بالغيب‪ ،‬إيمانا ً كبيرًا‪ ،‬إل أنه انتقد‬
‫بعض رجال الدين‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ن وجهة نظره تختلــف اختلفـا جــذريا عــن وجــه نظــر‬ ‫ومع أ ّ‬
‫لينين‬
‫الخيــر كــان ماديــا ً ملحــدًا‪ ،‬فــي حيــن أ ّ‬
‫ن‬ ‫)‪ (1870-1924‬لن‬
‫در لينيــن موقــف‬ ‫تولســتوي لــم يكــن ملحــدا ً مــع هــذا‪ ،‬فلقــد ق ـ ّ‬
‫تولستوي من رجال الدين تقديرا ً عاليًا‪ ،‬فكتــب فــي عــام ‪1910‬‬
‫في مقــالته )ل‪.‬ن‪ .‬تولســتوي( ‪" :‬حــرم المجمــع المقــدس ليــف‬
‫تولستوي من الكنيسة‪ ،‬هذا أفضل" )‪166‬ص ‪(22‬‬
‫انتقد ليــف تولســتوي رجـال الــدين الكاثوليــك والرثــوذكس‬
‫والخرين لبتعادهم عن جوهر الدين وذلــك فــي بحثــه "ملكــوت‬
‫الّله في داخلكم" )‪104‬ص ‪. (63 -62‬‬
‫ما عملق الرواية الروسية دوستيفســكي )‪(1881 -1821‬‬ ‫أ ّ‬
‫الذي تبادل مع تولستوي الحترام والمحبة‪ ،‬ومع أنهما عاشا فــي‬
‫فترة واحدة وفي دولة واحدة‪ ،‬فإن أحدهما لم ير الخــر‪ ،‬ومــات‬
‫دوستيفسكي دون أن يلتقي تولستوي‪.‬‬
‫وكانت هناك نقاط مشتركة في نظرتهما إلى الــدين ونقــاط‬
‫خلف‪ .‬فكان دوستيفسكي متعصبا ً لقــوميته الروســية ولطــائفته‬
‫الرثوذكســية‪ ،‬ولــذلك انتقــد الطــوائف المســيحية الخــرى مثــل‬
‫الكاثوليكية والبروتستانتية‪ ...‬على سبيل المثال انتقـد فــي بحثـه‬
‫"مــذكرات شــتوية عــن انطباعــات صــيفية" )‪ (1863‬الكنيســة‬
‫النجيلية التي رآها في أثناء زيــارته لبريطانيــا‪ ،‬لنهــا برأيــه تعــبر‬
‫عن مصالح الغنياء )‪131‬ص‪(73‬‬
‫وبعد مرور خمس سنوات من كتابته "مذكرات شــتوية عــن‬
‫انطباعات صيفية" أي في عام ‪ 1868‬أصدر دوستيفسكي رواية‬
‫"البله"‪ ،‬ينتقد بطل الرواية المــذكورة واســمه الميــر ميشــكين‬
‫الكنيســة الكاثوليكيــة )‪ ،131‬المجلــد الثــامن ص‪ (450‬وكــذلك‬
‫يتكرر النتقاد في روايــة "الشــياطين" ‪ 1871‬علــى لســان أحــد‬
‫أبطــال الروايــة واســمه شــاتوف‪ .‬واســتمر دوستيفســكي فــي‬
‫انتقاده للكنائس غير الرثوذكسية فــي روايتــه الخيــرة "الخــوة‬
‫كارامازوف" التي نشرها في عام ‪ ،1880‬أما تولســتوي فانتقــد‬
‫الكنائس كّلها بما في ذلك الرثوذكسية لتضامنها مع الغنياء ضد‬
‫الفقراء‪ ،‬ولتعاطفها مع الحاكم ضد المحكوم‪.‬‬
‫وبدأت هذه الفكار لــدى تولســتوي منــذ شــبابه‪ .‬يقــول فــي‬
‫قصته "المراهقة" ‪" :‬وأستطيع أن أقول مؤكــدًا‪ ،‬بــأنني خطــوت‬
‫الخطوة الولى في مجــال الشــك الــديني فــي شــبابي" )‪94‬ص‬
‫‪- 75 -‬‬
‫‪ (44‬وصدرت هذه القصة‪ ،‬كمــا هــو معــروف فــي عــام ‪.1854‬‬
‫في أثناء دراسته في جامعة كازان‪ ،‬كانت تراود تولستوي بعــض‬
‫الفكار التي لتنسجم مع تعاليم الكنيسة‪.‬‬
‫وكذلك نجد مثل هذه الفكار في رواية "الحرب والسلم" )‬
‫‪ (1869 -1863‬على لسان بيير بيزوخوف‪ ،‬الشخصية الرئيسية‬
‫في الرواية المذكورة‬
‫)‪97‬ص ‪. (297‬‬
‫ونجد مثل هــذه الفكــار فــي مســرحية تولســتوي "ويضــيء‬
‫النور في الظلمة" التي كتبها فــي عــام ‪1902‬إذ يطــالب بطلهــا‬
‫واسمه باريس بتوحيد الكنائس من أجل توحيد قلوب المؤمنين‪،‬‬
‫ويركز على الدعوة إلى المحبة والتسامح‪.‬‬
‫لعــل أحــد المؤلفــات الفكريــة الرئيســية لتولســتوي هــو‬
‫"اعترافه" الذي كتبه في عام ‪ ،1880‬وكتب تولستوي أن إيمان‬
‫الوسط المتعلم ليس إيمانًا‪ ،‬وماهو إل وسيلة من أجل الوصــول‬
‫إلــى بعــض الهــداف الحياتيــة المؤقتــة‪ .‬ولمعنــى لحيــاة هــؤلء‬
‫الناس‪ ،‬لبل فإن حياتهم هي جريمة بحد ذاتها‪.‬‬
‫هكذا كانت حياة المير ‪-‬ابن الملك بوذا‪ ،‬وكذلك كـانت حيـاة‬
‫الملك سليمان‪ ،‬وحتى حيــاة تولســتوي نفســه الــذي يكتــب فــي‬
‫"اعترافه" أنه أراد النتحار لنه لم يجد جوابا ً عن معنــى الحيــاة‪،‬‬
‫أي لم يجد جوابا ً عن سؤال‪ :‬لماذا الحياة؟‬
‫لم يجد تولستوي جوابا ً عن سؤال معنى الحياة‪،‬ولذلك التجأ‬
‫إلى التاريخ والفلسفة‪ .‬ففي حكمــة النــبي ســليمان لــم يســتطع‬
‫تولستوي أن يجد اليمان الذي يخلصه من فكــرة النتحــار الــتي‬
‫كانت تراوده‪ ،‬لن النبي سليمان نفسه رأى أن الحياة كلها تعــب‬
‫وأفكار مقلقة ولفائدة للنسان من أتعابه تحت الشمس‪ .‬اعتــبر‬
‫سليمان الحكيــم أن لجديــد تحــت الشــمس‪ ،‬كــل شــيء يــذوب‬
‫تحتها‪.‬‬
‫لذكرى للسلف ولن يكون ذكرى للجيل الحالي ولللجيــال‬
‫القادمة‪ .‬سينسى التاريخ جميعهم‪ .‬وجد تولستوي في آراء النــبي‬
‫سليمان صدى لرائه‪ .‬فلقد كانت تجول بباله الفكار ذاتهــا الــتي‬
‫كانت تراود النبي سليمان حول عدم جدوى الحياة‪ .‬ولذلك حاول‬
‫أن يجد معنى الحياة فــي تعــاليم الملــك بــوذا‪ -‬مؤســس الديانــة‬
‫البوذية‪ ،‬ولكن النبي بوذا قال إن الحيــاة شــقاء وتعــب وتتخللهــا‬
‫المراض والصعوبات وتنتهي بالشيخوخة والمــوت‪ .‬وقــال النــبي‬
‫بوذا لعزاء في الحياة بل الحيــاة شــر كــبير بحــد ذاتهــا‪ ،‬ولــذلك‬
‫يجب علينـا أن نتخلــص منهــا‪ ،‬وهكـذا فـإن إيمــان وعقيـدة بــوذا‬
‫والنبي سليمان لم تجيبــا علــى تســاؤلت تولســتوي عــن معنــى‬
‫الحياة ومضمونها‪ ،‬كما لــم تجــب عــن هــذه التســاؤلت فلســفة‬
‫سقراط وشبنهاور‪ ،‬أي الفلسفة في قديمها وفي حاضرها‪.‬‬
‫رأى تولســتوي أن حيــاة النــاس فــي الوســط البورجــوازي‬
‫فارغة وغير منطقيــة وغيــر عقلنيــة وتعنــي لشــيء أي تســاوي‬
‫الصفر‪ .‬ولذلك أخذ تولستوي يفتش عن معنى الحياة عند أولئك‬
‫الــذي يصــنعون الحيــاة أي يصــنعون أســباب العيــش لنفســهم‬
‫ولغيرهم‪ ،‬أي عند الشعب الكـادح‪ ،‬ووجـد تولسـتوي أن الشـعب‬
‫الكــادح يحمــل اليمــان المســيحي الحقيقــي الصــادق‪ ،‬وليــس‬
‫اليمان المزيف الكاذب أو كل مايموه ويغطي اليمان الحقيقي‪.‬‬
‫تمــر حيــاة الشــعب الكــادح كلهــا بالعمــال الصــعبة وبــالظروف‬
‫المعيشية الفقيـرة ومـع هـذا فـإنه أقـل تـذمرا ً مـن الحيـاة مـن‬
‫الناس الغنياء‪.‬‬
‫"يعمــل الفلحــون‪ ،‬ويتحملــون الحرمــان واللــم‪ ،‬يعيشــون‬
‫ويموتون ويرون في هذه الحياة الخيــر وليــس الشــر" )‪100‬ص‬
‫‪- 76 -‬‬
‫‪ . (40‬كما أنه كرر الفكار ذاتها في بحثه بعنــوان‪" :‬ماالعمــل؟"‪.‬‬
‫وفي كلمة له عن قصته "لحن كريتســر" )‪100‬ص ‪ (464‬ولقــد‬
‫أشار أحد النقاد واسمه كاشيرين إلى أن رواية "البعــث" ‪1899‬‬
‫هي الكثر انتقادا ً لرجال الدين )‪155‬ص ‪. (15‬‬
‫موقف رجال الدين من أفكار تولستوي‪:‬‬
‫ل مــن انتقــادات الكــاتب‬ ‫لم تقف الكنيســة موقفـا ً غيــر مبــا ٍ‬
‫الروسي الكبير لتعاليم الكنيسة‪ .‬ولذلك فلقد انبرى للدفاع عنهــا‬
‫من كان مؤمنا ً بهذه التعاليم ومنهم كونســتانتين ليونــتيف‪ ،‬الــذي‬
‫ألف كتابا ً بعنوان "مسيحيونا الجدد" ينتقــد كونســتانتين ليونــتيف‬
‫في كتابه كل ً من فيدور دوستيفسكي وليف تولستوي لبتعادهما‬
‫عن الكنيسة‪ ،‬ويرى ليونتيف أن كل ً من تولستوي ودوستيفسكي‬
‫يبشر بالمسيحية الرومانسية أو الورديــة وعلــى أيــة حــال فهمــا‬
‫بعيدان عن الكنيســة‪ ،‬وبــدون الكنيســة ليمكــن‪ ،‬برأيــه ‪ ،‬إدراك‬
‫جوهر المسيحية‪ ،‬ويرى أن الكنيسة عرفــت فــي الماضــي مثــل‬
‫هذه الظواهر‪.‬‬
‫ينتقد كونستانتين ليونتيف فهم تولستوي للديانــة المســيحية‬
‫ويعتبره فهما خـاطئا ويـرى أن تولسـتوي يتجاهـل بعـض المـور‬
‫الدينيــة‪ ،‬ويســتبعد بعضــها الخــر ويرفــض قبــول بعــض المــور‬
‫الدينية‪ ،‬ولــذلك فالمســيحية تتلئم مــع أفكــاره‪ ،‬أي مــاتبقى مــن‬
‫المســيحية يتناســب مــع أفكــار تولســتوي‪ .‬ويحلــل ليونــتيف‬
‫السطورة التي ألفهـا تولسـتوي بعنــوان "بـم يعيـش النـاس؟"‪.‬‬
‫ت إنجيليــة حــول‬ ‫در أسطورته بآيا ٍ‬ ‫ن تولستوي ص ّ‬ ‫يقول ليونتيف إ ّ‬
‫ب‪ ،‬مع العلم أّنه توجد في النجيل آيــات تحــث النــاس علــى‬ ‫الح ّ‬
‫ب في نظر تولســتوي‬ ‫التواضع والخوف والخضوع‪ .‬ويرى أن الح ّ‬
‫ب مجرد‪ ،‬أي بعيد عن الواقع‪ ،‬ومثل هذا الحــب يــؤذي وليفيــد‬ ‫ح ّ‬
‫لنه ليؤدي إلى نتائج إيجابية‪ ،‬وإّنما إلى نتائج سلبية وإلى عكس‬
‫ب‬‫ب يؤدي إلى الكراهيــة" الح ـ ّ‬ ‫النتائج المرجوة‪ ،‬أيّ مثل هذا الح ّ‬
‫ب غير المــوجه مــاهو إل‬ ‫المطلق الكامل للنسانية‪ ،‬مثل هذا الح ّ‬
‫كذب وخداع للنفس" )‪164‬ص‪ (53‬وبعد ذلــك يكتــب ليونــتيف‪:‬‬
‫ب للنسانية خطوة بعد خطـوة‪ ...‬بسـهولة يمكـن أن يـؤدي‬ ‫"الح ّ‬
‫إلى نسيان جوانب الشخصــية الخــرى‪ .‬وحــتى يمكــن أن يــؤدي‬
‫إلى كراهية هذه الجوانب"‬
‫)‪164‬ص ‪. (54‬‬
‫يعترف ليونتيف بأن السيد المسيح لــم يعــد النــاس بانتشــار‬
‫ب على الرض وسيادة الحق عليها‪ ،‬بل العكس هو الصحيح‪،‬‬ ‫الح ّ‬
‫ب‪ .‬ويعتقــد ليونــتيف بــأن‬ ‫فلقد تنبأ السّيد المسيح باضمحلل الح ّ‬
‫من الواجب حب الكنيسة ورجال الــدين‪ ،‬لنهــا تعكــس الحقيقــة‬
‫المسيحية "محبة القريب القائمة على محبة الكنيسة وتعاليمهـا‪،‬‬
‫ب المسيحي الحقيقي" )‪164‬ص ‪. (61‬‬ ‫هذا هو الح ّ‬
‫وبعــد مــرور بضــع ســنوات علــى صــدور كتــاب ليونــتيف‬
‫"مسيحيونا الجدد" التقى تولستوي به‪ ،‬وتحــدث معــه‪ ،‬فقــال لــه‬
‫ليونتيف‪" :‬أنت لأمل منك يرجى" فأجـابه تولسـتوي‪" :‬أمـا أنـت‬
‫أيرجى منك المل!"‬
‫ففي رسالة إلى ت‪.‬ي‪ .‬فيليبوف كتب ك‪ .‬ن‪ .‬ليونتيف حــول‬
‫حديثه مع ل‪.‬ن‪ .‬تولستوي‪ ،‬نرى من خلل قراءتنا لهــذه الرســالة‬
‫ن ليونتيف قال لتولستوي ‪" :‬آسـف‪ ،‬يـاليف نيكــوليفتش لّننـي‬ ‫أ ّ‬
‫متردد وغير حازم‪ .‬ولو كنــت حازم ـا ً لكتبــت إلــى بطــر ســبورج‪،‬‬
‫حيــث توجــد عنــدي مجموعــة مــن الصــدقاء والعلقــات‪ ،‬لكــي‬
‫يرســلوك إلــى تومســك‪ ،‬مــع عــدم الســماح لزوجتــك ولبناتــك‬
‫بزيارتــك‪ ،‬ولكــي يرســلوا لــك نقــودا ً قليلــة لنــك بالفعــل مــؤٍذ!‬
‫"وأجاب عن هذا ليف نيكوليفيتش بحرارة‪" :‬عزيزي كونستانتين‬
‫نيكوليفيتش اكتب‪ ،‬من أجـل الّلـه‪ ،‬بـالّله عليـك أن تكتـب لكـي‬
‫‪- 77 -‬‬
‫ل ماأستطيع لكي لترضــى‬ ‫ينفوني‪ .‬هذا هو حلمي‪ .‬إّنني أقوم بك ّ‬
‫الحكومة عني‪ ،‬لكنني لأحصل على نتيجة‪ ،‬أرجــوك أن تكتــب" )‬
‫‪137‬ص ‪. (135‬‬
‫ظهرت أفكار تولستوي المذكورة عن الكنيسة فــي نهايــات‬
‫السبعينات وبداية الثمانينات ولكن الرضية لظهور هــذه الفكــار‬
‫كانت جاهزة في فجر إبداع الكــاتب‪ .‬كتــب ليــف تولســتوي فــي‬
‫وصــيته لقــاربه لكــي ليســمحوا لرجــال الــدين بالصــلة علــى‬
‫جثمانه‪ .‬رأى تولستوي أن تعاليم الكنيسة حول الخطيئة الصلية‬
‫التي وقع بها آدم في الجنة غير صحيحة‪.‬‬
‫وعندما نتحدث عن انتشار أفكار ل‪ .‬تولســتوي فــي الشــرق‬
‫ن آراءه الدينيــة لقيــت صــدى لهــا‬ ‫نعني انتشار فكره الديني أو أ ّ‬
‫في المشرق العربي‪ .‬فكما أكــدت الــدكتورة آن ّــا دالينينــا‪ :‬لقــت‬
‫أفكار تولستوي رواجا ً واهتمامًا" "لدى المسيحيين والمسلمين‪،‬‬
‫الذين ينادون بالصلح الديني‪ ،‬والذين يقفــون ضــد المؤسســات‬
‫الدينية وضد الخرافات‪126) ،‬ص ‪. (232‬‬
‫ظهــرت جماعــة مــن الكتــاب العــرب منــذ مطلــع القــرن‬
‫العشــرين‪ ،‬نــددوا باســتغلل رجــال الــدين للشــعب وانتقــدوا‬
‫الخرافات الغيبية‪ .‬فانتقد هؤلء الكتاب رجال الدين لنهــم باســم‬
‫الدين يستغلون الناس البسطاء‪ .‬وليوجد أدنى شــك بــأن هــؤلء‬
‫الكتاب على معرفة تامة بأفكار تولستوي‪ .‬وعلى كل حال يوجــد‬
‫شبه بين أفكارهم وأفكار ليف تولستوي الدينية‪ .‬من بيــن هــؤلء‬
‫الكتــاب فــرح أنطــون‪ ،‬أميــن الريحــاني‪ ،‬جــبران خليــل جــبران‪،‬‬
‫ميخائيل نعيمه‪ ،‬اليــاس فرحــات‪ ،‬مصــطفى لطفــي المنفلــوطي‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫***‬

‫ي‪ -3‬ي يي ييي يي ييي ي يييي ييي‪:‬‬


‫كــان الكــاتب العربــي فــرح أنطــون )‪ (1922-1874‬أحــد‬
‫الكتاب الذي تقبلوا نقد تولستوي للكنيسة‪ .‬يرى فرح أنطون أن‬
‫الكنيسة في الزمنة الغابرة وفي الــوقت الحاضــر تعلــم النــاس‬
‫القناعة‪ ،‬ولقد نقل إلى اللغة العربية من اللغــة الفرنســية كتــاب‬
‫المفكر الفرنسي المشهور رينان "حياة يسوع" ومن المعــروف‬
‫أن الكاتب الفرنسـي المـذكور نظـر إلــى حيـاة السـيد المســيح‬
‫ة‪ .‬ولذلك انتقد الشيخ محمد عبــده ) ‪(1905-1849‬‬ ‫نظرة واقعي ً‬
‫مفــتي الــديارة المصــرية‪ ،‬رئيــس جامعــة الزهــر‪ ،‬فــرح أنطــون‬
‫لترجمته "حياة يسوع" لرينان‪ ،‬ولنشاطاته الخرى‪.‬‬
‫لقــد عــبر فــرح أنطــون عــن آرائه الدينيــة فــي مؤلفــاته‬
‫المختلفة‪ ،‬ففي كتابه "ابن رشد وفلسفته" )‪ (1903‬يؤكد فــرح‬
‫أنطون أن الهام في الدين هو الجوهر وليس الطقوس‪ .‬كما أكد‬
‫في مقالته حول عمر الخيام أن عمر الخيــام كــان حكيم ـا ً فمــن‬
‫المعروف أن عمر الخيام كان سكيرًا‪ ،‬ومنح ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ويعبر كليم ‪ -‬أحد أبطال قصته "الوحش‪ ،‬الوحش‪ ،‬الــوحش‪،‬‬
‫أو سياحة في أرز لبنان" )‪ (1903‬عن أفكار فرح أنطون‪ .‬ولقد‬
‫أكدت آّنا دالينينا أن هذه الروايــة تعكــس آراء تولســتوي‪" :‬يــرى‬
‫فرح انطون مثله مثل تولستوي أن السعادة لصــحاب النفــوس‬
‫القويــــة والمســــتقيمة والمخلصــــة" )‪128‬ص‪ (186‬وكتبــــت‬
‫المستشرقة السالفة الذكر‪:‬‬
‫"ويرى فرح أنطون أن محاربة الشر يحب أن تتــم بوســائل‬
‫طيبة مثل الوداعة والتسامح‪ ،‬وهنــا أيضــا يمكــن أن نــرى صــدى‬
‫أفكار تولستوي" )‪128‬ص ‪. (185‬‬
‫‪- 78 -‬‬
‫ففي روايته التاريخية "اورشليم الجديدة أو فتح العرب بيت‬
‫المقـدس" )‪ (1904‬يعــبر فــرح أنطــون عــن فكرتــه بـأن علـى‬
‫النســان محاربــة الشــر بكــل الوســائل ماعــدا وســائل الشــر‬
‫والعنف‪ ،‬لن العمل الطيب يولد عمل ً طيبا ً فــي حيــن أن العمــل‬
‫الشرير يولد عمل ً شريرا ً أي بعمل الخيـر ينتشـر الخيـر وبالشـر‬
‫ينتشر الشر‪ .‬ويطــالب النســان بتلبيــة الحاجــات الروحيــة وبعــد‬
‫الهتمام بالحاجات المادية والجسدية‪ ،‬ويرى فرح أنطون أن الّله‬
‫يطالب النسان بعمل الخير‪ ،‬وهنا يمكــن أن نــرى أصــداء أفكــار‬
‫تولستوي الذي انتقد بعض جوانب حياة رجال الدين‪.‬‬
‫على الرغم من أن أحداث رواية " أورشليم الجديدة أو فتح‬
‫العرب بيت المقــدس" تجــري فــي القــرن الســابع‪ ،‬إل أن فــرح‬
‫أنطون أراد أن ينتقد المجتمع المعاصر‪ .‬فــالراهب ميخائيــل فــي‬
‫رواية "أورشليم الجديدة أو فتـح العـرب بيـت المقـدس" يعتقـد‬
‫بأن الكنيسة تخطئ عندما تعلم الناس القناعــة وعــدم الهتمــام‬
‫بالحياة الدنيا والهتمـام فقــط بالحيـاة الخــرة‪ .‬وينــادي الراهــب‬
‫ميخائيل بضرورة بناء المجتمع العادل حيــث يعيــش فيــه النــاس‬
‫بالمحبة وكأنهم في أسرة واحدة‪.‬‬
‫يرى المستشرق أ‪.‬ي‪ .‬شيفمن الذي كان يعمل فــي متحــف‬
‫ن روايــة "أورشــليم الجديــدة أو‬ ‫تولستوي الدبي فــي موســكو أ ّ‬
‫فتح العرب بيــت المقــدس" تــذكرنا بروايــة تولســتوي "الحــرب‬
‫والسلم" ‪:‬‬
‫" ومن هنا نرى في إبـداع فــرح أنطـون الهتمـام بالحـداث‬
‫التاريخية الكبيرة التي تعكس حركة الجماهير الشعبية‪ ،‬ومشاعر‬
‫أفراد عاديين‪ .‬والرواية مفعمة بالفكــار الفلســفية وبــذلك فهــي‬
‫تشبه رواية "الحرب والسلم" )‪139‬ص‪. (393‬‬
‫***‬

‫ييي‪:‬‬ ‫ييي ييييي‬ ‫ي ييييي‬ ‫‪ -4‬ييي‬


‫كرس أمين الريحاني إحــدى مقـالته لتولســتوي كمـا ذكرنــا‬
‫في الفصل الول‪ .‬وعبر عن آرائه الدينية في أعمــاله المختلفــة‪.‬‬
‫فهي تتفق مــع آراء تولســتوي‪ ،‬فــي كتــابه "الريحانيــات"‪ ،‬حيــث‬
‫نشر مقالته عــن تولســتوي نشــر أيضـا ً مقالــة بعنــوان" خطــاب‬
‫المسيح )‪ (1910‬يقول إن اتباع المسيح ليطبقون تعاليمه‪..‬‬
‫ويقــول الســيد المســيح فــي خطــابه‪" :‬فيــا ملــوك الزمــان‬
‫وياسادة الرض‪ .‬لقد بشرت منذ تسعة عشر قرنا بالسلم علــى‬
‫الرض والرجــاء الصــالح لبنــي البشــر‪ .‬فهــل تفهمــون بالســلم‬
‫الحــروب‪ .‬وهــل تظهــرون رجــاءكم الصــالح بمــدافعكم القتالــة‬
‫ومدرعاتكم الهائلة! )‪22‬ص‪. (145‬‬
‫وفـي شـهر شـباط مـن عـام ‪ 1900‬فـي الـذكرى السـنوية‬
‫الولى لتأسيس الجمعيــة المارونيــة فــي مدينــة نيويــورك ألقــى‬
‫أمين الريحاني )‪ (1940-1876‬كلمة نادى فيهــا بعــدم التفرقــة‬
‫الطائفية وبالصبر والتسامح وبالمحبة‪.‬‬
‫وفي الوقت نفسه الذي حرمــت فيــه الكنيســة فــي روســيا‬
‫تولستوي لعن فيــه أحــد الســاقفة الريحــاني وحرمــه مــن لقــاء‬
‫المؤمنين‪ ،‬وكان الريحــاني مؤمنـا ً ومــن أنصــار اليمــان الســليم‬
‫الحقيقــي فكــان يــؤمن بــالّله ويــرى أن اليمــان هــو ســلوكية‬
‫النسان‪.‬‬
‫وفي بعض أعمال الريحاني البداعية يرى ضرورة مســاعدة‬
‫الشعب الفقير الذي يعاني الكثير من ضائقة العيش‪.‬‬
‫‪- 79 -‬‬
‫كان أمين الريحاني يناضل من أجل اليمان الحقيقــي الــذي‬
‫يتلخــص فــي المحبــة والعمــل النســاني وتقــديم المســاعدة‬
‫للخرين‪ .‬وبذلك فإن نظرة الريحــاني إلــى الــدين تتفــق ونظــرة‬
‫ليــف تولســتوي‪ .‬فلقــد صــور ريبــن الرســام الروســي الشــهير‬
‫تولستوي وهو يصلي في الغابة‪ .‬فهذه اللوحة تــدل علــى إيمــان‬
‫تولســتوي بــأنه يمكــن الصــلة فــي الغابــة‪ ،‬وكــذلك كــان يــؤمن‬
‫ه هو المحبة‪.‬‬ ‫الريحاني الذي يرى أن الل ّ‬
‫والدين هو الستقامة والخلص والصبر والمعاملة‪ .‬من آمـن‬
‫بالمحبة آمن بالّله وهذه هي أعلى درجات اليمان‪.‬‬
‫ولكــن الفــرق الساســي بيــن أميــن الريحــاني وبيــن ليــف‬
‫تولســتوي هــو أن الريحــاني لــم يكــن متناقض ـا ً مــع ذاتــه مثــل‬
‫تولستوي ولم تكن في تعـاليمه نقـاط ضـعف فهـو يـؤمن بمبـدأ‬
‫تطبيق العنف مــن أجــل الوصــول إلــى الخيــر‪ .‬فهــو مــن أنصــار‬
‫الثورة‪ .‬كتــب فــي عـام ‪ 1910‬قصــيدة بعنــوان "الثــورة"‪ ،‬نــادى‬
‫بقصيدته بالثورة وبالنصر‪ ،‬ومع هــذا فقلــد كتــب عنــه الكــاديمي‬
‫كراتشوفسكي‪" :‬بأن المسائل الروحية والخلقية تهمه أكثر من‬
‫المسائل الجتماعية" )‪161‬ص‪. (139‬‬
‫ولقد كتبت الــدكتورة آن ّــا دالينينــا فــي مقدمــة كتــاب "النــثر‬
‫العربي المعاصـر" وفــي كتـاب "النـثر الرومانسـي العربــي" أن‬
‫الريحــاني يطــالب بتحســين العــالم عــن طريــق تحســين أخلق‬
‫الفراد وعن طريق التعليم‪ .‬ويــذكرنا هــذا بمــواعظ تولســتوي )‬
‫‪124‬ص‪. (9‬‬
‫***‬

‫ييي‬ ‫يييي ييييي‬ ‫‪ -5‬ي‬


‫جـــبران خليـــل جـــبران )‪ (1931-1883‬رئيـــس الرابطـــة‬
‫القلمية التي قــامت فــي مدينــة نيويــورك مــابين عــامي ‪-1920‬‬
‫‪ 1931‬ولم يكن يعرف اللغة الروسية ولكنه تعــرف علــى الدب‬
‫الروسي عن طريق اللغة النكليزيـة الـتي أتقنهـا وكتـب نصـفها‬
‫مؤلفاته بها‪ .‬وكان يقدر تقديرا ً عاليا ً الدب الروســي‪ .‬حــول هــذا‬
‫الموضوع كتب صديقه ميخائيل نعيمة في كتــابه "جــبران خليــل‬
‫جبران" )‪ ....": (1934‬وعندما جئنــا علــى ذكــر الدب الروســي‬
‫أدهشني جبران بقوله إنه من المعجبين به‪.‬‬
‫ولسيما بتورغينيف وتولستوي ودوستيفسكي‪ ،‬وبالخير بنوع‬
‫خاص‪ ،‬مع أن روحه تناقض روح نيتشه على خط مســتقيم‪ .‬غيــر‬
‫أني اشتممت من كلمه الجمالي عن هؤلء الكتبة المشاهير أنه‬
‫قرأ عنهم ولم يقرأهم‪.‬‬
‫ولعلــــه أحــــب أن يجــــاملني فيجــــاريني فــــي إعجــــابي‬
‫بدوستويفسكي عندما رآني أضعه فوق كل كّتاب الزمان الخيــر‬
‫ن جبران خليــل جــبران‬ ‫بدون استثناء"‪53) .‬ص‪ (140‬ولعجب أ ّ‬
‫تأثر بتولستوي‬
‫جــبران خليــل جــبران‪ -‬شــاعر ورســام وأديــب معــروف‬
‫وفيلســوف احــترم شخصــية الســيد المســيح وتعــاليمه احترامــا‬
‫عميقــا‪ ،‬وانعكــس المــر فــي تراثــه "المجنــون" )‪(1918‬ـ ‪،‬‬
‫"والعواصــــف" )‪" ، (1920‬الســــابق" )‪ (1920‬ففــــي هــــذه‬
‫المؤلفات نرى يسوع ابنا للحرية‪ ،‬وينتظــر جــبران خليــل جــبران‬
‫ن المستشــرق‬ ‫قــدوم ابــن آخــر للحريــة‪ .‬والجــدير بالــذكر أ ّ‬
‫السوفييتي فولساتوف كتب حول كتاب "السابق" لجبران خليل‬
‫جبران )‪150‬ص‪(11‬‬
‫في السنوات الخيرة من حياته كتــب جــبران خليــل جــبران‬
‫‪- 80 -‬‬
‫كتاب "يسوع ابن النسان" )‪ (1928‬وينــدد المؤلـف فــي كتــابه‬
‫بالفهم التقليــدي لشخصــية الســيد المســيح‪ .‬فيســوع فــي نظــر‬
‫جبران‪ ،‬إنسان‪ ،‬إل أّنه يتميــز عــن غيــره مــن النــاس بشخصــيته‬
‫ب الكبير والتضحية ‪ .‬وجعل جــبران بنــاء كتــاب‬ ‫القادرة على الح ّ‬
‫"يسوع ابن النسان” على شكل تأملت معاصــري يســوع‪ .‬كــل‬
‫حســب منــازعه ومــداركه يتحــدث عنــه‪ ،‬ومــن أحــاديثهم تتكــون‬
‫صورة يسوع كما يراه جبران خليل جبران‪ ،‬وهو أسلوب يناســبه‬
‫كل المناسبة‪.‬‬
‫وفي هذا الكتاب يستنطق جبران الموات عن يسوع‪ ،‬وفــي‬
‫الواقع ليستنطق إل ّ قلبه وليحكم إل فكره‪ .‬يسوع في النجيــل‬
‫يبكــي ويتـألم‪ ،‬أمـا يســوع جـبران فيضـحك‪ ،‬وهـو فــوق الـدموع‬
‫واللم‪ .‬ويتحدث عن المسيح في كتــاب جـبران ســبعة وســبعون‬
‫إنسانا ً من معاصري المسيح بعضهم من الشخصــيات النجيليــة‪،‬‬
‫وبعضــهم اختلقتــه مخيلــة جــبران‪ ،‬منهــم مــن كــان مــع الســيد‬
‫المسيح مثل مريم المجدليـة وزوجـة بيلطـوس البنطـي‪ .‬وكـان‬
‫بعضهم غير مبـال بالسـيد المسـيح مثـل الـذين لـم يحبــوه ولـم‬
‫يكرهوه وبعضهم كره السيد المسيح وعلى رأسهم رجال الــدين‬
‫اليهودي الذين اعتبروه سارقا ودجال‪...‬‬
‫أما في الفصل الخير فإن جبران خليل جبران يتحــدث مــن‬
‫خلل نظــرة النــاس فــي القــرن العشــرين إلــى تعــاليم الســيد‬
‫المسيح أي بعد مرور عشرين قرنا ً على ميلد الناصــري‪ .‬فيــرى‬
‫أن النـاس كمـا كـانوا فــي القـرن الول منهــم مــن يتبــع الســيد‬
‫المسيح ومنهم من يصلبه ومنهم من ليهتمون بتعاليمه‪.‬‬
‫يــذكرنا هــذا الكتــاب بكتــاب الفيلســوف الفرنســي الشــهير‬
‫ارنست رينان "حياة المسيح" وأحيانا ً يشبه فهــم جــبران للســيد‬
‫المسيح فهم تولســتوي لــه‪ ،‬وقــد حــاول أن يطهــر النجيــل مــن‬
‫الخرافات‪.‬‬
‫عندما كتب جبران خليل جبران كتاب "يسوع ابن النســان"‬
‫كان مريضا ً مرضا مميتا وهو عليم بــذلك ورأى أن تكــون إحــدى‬
‫كلماته الخيرة عن السيد المسيح‪.‬‬
‫كتب جبران خليــل جــبران فــي عــام ‪ 1923‬كتــاب "النــبي"‬
‫الــذي يعتــبر مــن أشــهر كتبــه‪ .‬لقــد خلــق جــبران رجل دعــاه‬
‫ن ســامعيه كــانوا‬ ‫"المصــطفى" وجعـ ّـل روحــه نيــرة إلــى حــد أ ّ‬
‫ب النــبي" ترجــم‬ ‫ن كتــا ٍ‬
‫يخاطبونه "يانبي الله" والجــدير بالــذكر أ ّ‬
‫إلى اللغة الروسية )‪178‬ص‪ (239‬ويعتبر الكتاب ثمــرة تــأملت‬
‫جبران في سنوات عديدة‪ .‬يـأتي المصـطفى مـن مدينـة اسـمها‬
‫"اورفليس" صرف فيها اثنتي عشرة سنة" في انتظار الســفينة‬
‫التي كانت قادمة لتعود به إلى الجزيرة التي هي مسقط رأسه‪.‬‬
‫وإذ يبصره أهل مدينة غربتــه ويــدركون أنــه مــودع يــتركون كــل‬
‫أعمــالهم ويســير وإيــاهم إلــى الســاحة الكــبيرة أمــام الهيكــل ‪.‬‬
‫وهناك تخرج من الهيكل رائية اسمها "الميترا" فتطلــب إليــه أن‬
‫يحدثهم قبل الوداع عن الحياة‪ .‬ويلقي عليهم المصطفى خمســا ً‬
‫س وعشرين جهـة مـن جهـات الحيـاة‬ ‫خم ٍ‬ ‫وعشرين موعظة في‬
‫وداعا ً مؤثرا ً وينصرف عنهم إلى بلده‪.‬‬ ‫النسانية‪ ،‬وبعدها يودعهم‬
‫في النبي أشرف جبران بخياله على الحيــاة فــرأى جوهرهــا‬
‫واحدا ً وهو المحبة‪ .‬ويقول المصـطفى لهــل اورفليــس‪" :‬إذا مــا‬
‫ن اللــه فــي قلوبنــا‪ ،‬بــل الحــرى بكــم أن‬ ‫أحببتــم فل تقولــوا ‪ :‬إ ّ‬
‫تقولوا‪ :‬إننا في قلب الّله" ومن كان "في قلــب الل ّــه‪ -‬كــذلك فل‬
‫يقول أعطيت فلنا ً أو أخذت من فلن‪ .‬فهو الخذ عنــدما يعطــي‬
‫وهو المعطي عندما يأخذ‪ .‬وإذ ذاك ففضل من يأخذ كفضــل مــن‬
‫يعطي" ويقول‪" :‬أنتم لتقدرون أن تفصلوا بين العادل والظالم‪،‬‬
‫وبين الصالح والشرير‪ ،‬مــن شــاء منكــم أن يرفــع الفــأس علــى‬
‫‪- 81 -‬‬
‫شجرة ليقطعها باسم الصلح عليه أن يتفقد جذورها أول‪ .‬الحــق‬
‫أقول لكم إنه يجد الجذور الصــالحة والطالحــة‪ ،‬والمثمــرة وغيــر‬
‫المثمرة‪ ،‬ملتفة معا ً في قلب الرض الصامت"‬
‫ن فهم جبران لنواٍح كثيرةٍ من الحيــاة غيــر عــادي بالنســبة‬ ‫إ ّ‬
‫لنا‪ .‬فهو يشبه فهم ليف تولسـتوي‪ .‬ولكنـه ليتطـابق معــه‪ .‬يــرى‬
‫جبران أنه ليوجد ناس أشرار وآخــرون أبــرار‪ .‬ويــرى تولســتوي‬
‫وجبران أن عبادة الله تتلخص في المحبة وخدمة الخرين‪.‬‬
‫يتحدث جبران خليل جبران في كتابه عن "المحبة"‪:‬‬
‫إذا اشارت المحبة إليكم فاتبعوها‬
‫وإن كانت مسالكها صعبة متحدرة‬
‫وإذا ضمتكم بجناحيها‪ ،‬فاطيعوها‪،‬‬
‫وإن جرحكم السيف المستور بين ريشها‪.‬‬
‫وإن خاطبتكم المحبة‪ ،‬فصدقوها‪،‬‬
‫وإن عطل صوتها أحلمهم وبددها كما تجعل الريح الشمالية‬
‫قاعا ً صفصفا"‪.‬‬
‫"المحبة لتعطي إل ذاتها‪ ،‬ولتأخذ إل من نفسها‪.‬‬
‫المحبة لتملك شيئًا‪ ،‬ولتريد أن يملكها أحد"‬
‫لن المحبة مكتفية بالمحبة"‬
‫هنا مفهوم المحبة مفهوم مطلق‪ .‬فكل إنسان‪ ،‬عندما يحــب‬
‫الخرين فإنه يحب ذاتــه وعنــدما يحــب ذاتــه يحــب الخريــن فل‬
‫تقل‪ :‬إن الّله في قلبي بل قل‪ :‬إّنني في قلب الّله‪.‬‬
‫فعلى الناس أن يتحــرروا مــن كــل شــيء أرضــي ويرتبطــوا‬
‫بحب الله‪ ،‬أي بالحب المطلق‪ .‬وبذلك يتفق جبران مع تولستوي‬
‫الذي آمن بالحب المطلق والذي قال الكلم ذاتــه حــول الحــب‪.‬‬
‫ويبارك نبي جبران خليل جــبران الــزواج‪ ،‬ولكنــه يــرى أن يبقــى‬
‫الزوج مستقل عن زوجته يحمل معهــا حمــل الســرة ولكــن كل ً‬
‫ل على حدة‪.‬‬ ‫على حدة مثلما أعمدة المعبد ك ّ‬
‫في هذا الكتاب جبران مثله مثل تولستوي يطــالب بالعطــاء‬
‫المطلق‪ ،‬وبدون ألم‪ ،‬وبدون أمــل بالمكافــأة‪" .‬إنــك إذا أعطيــت‬
‫فإنما تعطي القليل من ثروتك‪ .‬ولكــن لقيمــة لمــا تعطيــه مــالم‬
‫يكن جزءا ً من ذاتك‪ .‬لنه أي شيء هي ثروتك؟‬
‫أليست مادة فانية تخزنها في خزائنك وتحافظ عليها جهــدك‬
‫خوفا ً من أن تحتاج إليها غدا؟‪."...‬‬
‫" ومن الناس من يعطون بفرح‪ ،‬وفرحهم مكافأة لهم‪.‬‬
‫ومنهم من يعطون بألم‪ ،‬وألمهم معمودية لهم"‪.‬‬
‫وأراء جبران حول العطاء تتفق مع آراء تولستوي الذي كـان‬
‫يؤمن بالعدالة الجتماعية‪ ،‬والذي بذل الكثير لمســاعدة الفقــراء‬
‫والجياع‪.‬‬
‫ويمتدح نبي جبران العمــل‪ " :‬الحركــة تكــون عميــاء لبركــه‬
‫فيها إن لم ترافقهــا المعرفــة‪ ،‬والمعرفــة تكــون ســقيمة إن لــم‬
‫يرافقهــا العمــل والعمــل يكــون بــاطل وبل ثمــر إن لــم يقــترن‬
‫بالمحبــة‪ ،‬لنكــم إذا اشــتغلتم بمحبــة فإنمــا تربطــون وأفرادكــم‬
‫بعضها ببعض‪ ،‬وترتبطون كل واحــد منكــم بربــه"‪ .‬وبــذلك يتفــق‬
‫جبران برأيه حول العمـل مـع ليـف تولسـتوي‪ ،‬يكفـي أن نتـذكر‬
‫شخصــية أفلطــون كاراتــايف فــي روايــة "الحــرب والســلم"‬
‫‪- 82 -‬‬
‫وشخصـية أفلطــون فـاكونيتش فــي روايـة "آنـا كارينينـا" وآراء‬
‫تولستوي في"اعترافه" حول العمل‪.‬‬
‫ورأي جبران في القضاء ليختلــف عــن رأي تولســتوي فيــه‪،‬‬
‫والــذي عــبر عنــه فــي روايتــه "البعــث" )‪ (1899‬حيــث يــدين‬
‫المجرم ضحيته إذ أن نيخليودوف يدين كاتيوشا ماسلوفا بعد أن‬
‫اغواها وشردها‪.‬‬
‫ً‬
‫وكذلك يرى جبران خليل جبران أن القتيل ليــس بــريئا مــن‬
‫جريمة القتل وليس المسروق بل لــوم فــي ســرقته‪ ،‬ليســتطيع‬
‫البار أن يتبرأ من أعمال الشرير‪..‬‬
‫في هذا الكتاب يكتــب جــبران خليــل جــبران حــول الســئلة‬
‫التي أثارت قلق ليف تولستوي‪ .‬فهل هناك فهــم مشــترك لهــذه‬
‫ن‬ ‫ل من جبران وتولستوي‪ .‬يوجــد قاســم وذلــك ل ّ‬ ‫السئلة عند ك ّ‬
‫الكاتبين فهما صعوبة هذه السئلة وعدم إمكانيــة الوصــول إلــى‬
‫حل لها‪ ،‬وحاول كل منهما فهم أسرار الحياة وأنشدا لحن جمال‬
‫ل منهمــا الظلــم الجتمــاعي وبشــر بالحيــاة‬ ‫الحيــاة‪ ،‬وفضــح كــ ّ‬
‫الجديــدة‪ ،‬المحــررة مــن القــوانين البديــة والحقــائق المطلقــة‬
‫للدين" )‪167‬ص‪ (101‬على حد ّ تعبير فلديمير لينين في مقــاله‬
‫"ليف تولستوي وعصره"‪.‬‬
‫ن‬
‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬ ‫فه‬ ‫ـتوي‬‫ـ‬ ‫تولس‬ ‫وليف‬ ‫جبران‬ ‫خليل‬ ‫ما الفرق بين جبران‬ ‫أ ّ‬
‫الول كاتب رومانســي‪ ،‬فــي حيــن أن الثــاني كــاتب واقعــي‪ .‬فل‬
‫جــه الثــاني‬ ‫تتوفر عند الول حقائق مادية ملموسة‪ ،‬وفي حيــن و ّ‬
‫جهوده لنقد الكنيسة الروسية ‪ ،‬وجه جبران خليــل جــبران نقــده‬
‫بالدرجــة الولــى للنظــام القــائم علــى الظلــم ولكــل مــن يؤيــد‬
‫الظالمين والمستغلين‪ ،‬ووقف في أدبــه إلــى جــانب المقهــورين‬
‫والمذلين والمهـانين‪ ،‬ولقـد أشـار المستشـرق فولسـاتوف إلـى‬
‫هذه النقطة في أدب جبران )‪151‬ص‪ (11‬كمــا أشــار ميخائيــل‬
‫نعيمــة إلــى تنديــد جــبران بــالظلم الجتمــاعي )‪47‬ص‪ (13‬نــدد‬
‫جبران بالستغلل فــي قصــته "يوحنــا المجنــون" مــن مجموعــة‬
‫"عرائس المروج"‪ ،‬التي صدرت فــي مدينــة نيويــورك فــي عــام‬
‫‪ 1906‬يؤمن بطل القصة بأن جوهر الدين إلى جانب الفقــراء )‬
‫‪16‬ص‪ (46‬ويقول بطل القصة مخاطبا ً السـيد المسـيح‪" :‬مـاهو‬
‫السلم يايسوع الحلو؟ هل هو في أعين الطفال المتكئين علــى‬
‫صدور المهات الجائعات في المنازل المظلمة البــاردة؟ أم فــي‬
‫أجساد المعوزين النائمين على أسرة حجرية يتمنــون القــوت" )‬
‫‪16‬ص ‪ (57‬بطل القصة إنسان فقير يعمل راعيًا‪.‬‬
‫وكذلك ينــدد جـبران خليــل جــبران بـالظلم الجتمــاعي فــي‬
‫قصة "مرتا البانية"‪ ،‬فبطلة القصة امرأة فقيرة‪ ،‬مظلومة أغواها‬
‫أحد الغنياء‪ ،‬ثم اشترى رفاقه جسدها بمالهم‪" ،‬ولم يشيعها إلى‬
‫تلك الحفرة البعيدة غيــر ابنهــا وفــتى آخــر كــانت مصــائب هــذه‬
‫الحياة قد عّلمته الشفقة" )‪16‬ص ‪. (38‬‬
‫يتابع جبران خليل جبران موضوع التنديد بالظلم الجتمــاعي‬
‫فــي مجموعــة "الرواح المتمــردة" الــتي صــدرت فــي مدينــة‬
‫النيويورك في عــام ‪ ،1908‬يكتــب فــي قصــة "صــراخ القبــور"‪،‬‬
‫"عن فقير بائس‪ ،‬طلب الخبز لصــغاره فلــم يجــده بالعمــل‪ ،‬ثــم‬
‫رجــاه بالتســول فلــم ينلــه‪ ،‬وأخــذ أطفــاله يتلــوون جوع ـا ً علــى‬
‫التراب" )‪17‬ص ‪ (42‬أما في قصة "مضــجع العــروس" فتقــوم‬
‫العروس بقتل نفسها وقتل حبيبها‪ ،‬لّنها لم تستطع الزواج منــه‪،‬‬
‫لسباب اجتماعية‪ ،‬ولتريد العيش مع من لتحب‪.‬‬
‫وفـــي قصـــة "خليـــل الكــافر" يــدين بطلهــا القطــاعيين‬
‫لستغللهم البسطاء والفقراء‪ ،‬ويقف إلى جانبه الفلحون‪ ،‬الذين‬
‫بحاجة إلى من يشعل الشرارة‪ ،‬فثاروا وانتصروا‪ ،‬ويكتب جــبران‬
‫عن علقة الفلحين بالقطاع‪" :‬وهكذا كان يبقى هــؤلء التعســاء‬
‫‪- 83 -‬‬
‫مثقلين بــديون الشــيخ عبــاس‪ ،‬مكبليــن بحــاجتهم إليــه‪ ،‬خــائفين‬
‫غضبه‪ ،‬طالبين رضاه" )‪17‬ص ‪. (59‬‬
‫ولقد أصبح خليل النســان الـذي يسـتطيع أن يشـعل نيـران‬
‫الغضب في قلــوب الفلحيــن‪ ،‬لن روحــه المتمــردة لــم تتحمــل‬
‫ة‪،‬‬‫الكذب والدجل والرياء‪ ،‬وهو منحدر من أسرةٍ فقيرةٍ متواضــع ٍ‬
‫وثار ضــد القطــاع لّنهــم يمتصــون دمــاء المحتـاجين والفلحيــن‬
‫والفقراء والمساكين‪.‬‬
‫وقفت إلى جانب خليل أرملة كان القطاعي قد قتل زوجها‬
‫فيما مضى‪ ،‬وانتصر خليل على القطــاعي‪ ،‬أي انتصــر المظلــوم‬
‫علــى الظـالم‪ .‬وشخصـية خليــل تشـبه بتمردهـا شخصــية يوحنـا‬
‫المجنون‪ ،‬الذي اعتبره الفلحون مجنونًا‪ ،‬ولم يقفوا إلــى جــانبه‪،‬‬
‫فــي حيــن وقفــوا إلــى جــانب خليــل وانتصــروا علــى الظلــم‬
‫والظالمين ولقد أشارت إلى هذه النقطة المستشرقة الروســية‬
‫ايمانغوليفا في كتابها "الرابطة القلمية وميخائيل نعيمة" )‪88‬ص‬
‫‪. (29‬‬
‫نجــد التنديــد بــالظلم الجتمــاعي فــي الروايــة المشــهورة‬
‫لجبران خليل جبران أل وهي رواية "الجنحــة المتكســرة" الــتي‬
‫صدرت في عام ‪ .1912‬يرى المستشرق الروســي فولســاتوف‬
‫أن البطل هو نفسه جبران خليل جبران )‪150‬ص‪ ، (7‬كان عمر‬
‫البطل ثمانية عشر عاما ً عندما أحب سلمى كرامي ابنــة فــارس‬
‫كرامي‪ ،‬وأراد الزواج منها‪ ،‬إل أن النظام الجتماعي القائم علــى‬
‫القهــر والظلــم والســتبداد حــال دون انتصــار الحــب‪ .‬فــتزوجت‬
‫سلمى من منصــور بيــك‪ .‬الجــدير بالــذكر أن الروايــة المــذكورة‬
‫ترجمت إلى اللغة الروسية)‪. (120‬‬
‫ترمز سلمى كرامي إلـى المـة المظلومـة‪ ،‬ويرمـز منصـور‬
‫بيك إلى القطاعيين‪ ،‬الذين يهجمــون علــى ضــحيتهم‪ ،‬ويفتكــون‬
‫بها‪ ،‬ويمتصون دمها‪.‬‬
‫نجد مثل الفكار النفة الذكر فـي كتـاب لتولسـتوي بعنـوان‬
‫"الكنيسة والدولة" كتبه فــي عــام ‪ ،1879‬حيــث يــدين الشــرار‬
‫والقتلة أمثال نابليون بونــابرت‪ ،‬الــذي تســبب بقتــل اللف مــن‬
‫أجل الوصول إلى مجده الشخصي )‪100‬ص ‪. (480‬‬
‫ويتألم أبطال قصــص جــبران خليــل جــبران ويناضــلون ضــد‬
‫الظلم الجتماعي‪ ،‬فإما أن يحصلوا على حقهم في الســعادة‪ ،‬أو‬
‫يستشهدوا في أثناء النضـال‪ ،‬فلقـد كتبـت الباحثـة نـادرة جميـل‬
‫ن جبران بهذه القصة بدأ نضال ً‬ ‫سراج في قصة "خليل الكافر" أ ّ‬
‫ليعرف الهوادة ضد القوانين التقليدية والسلطات الظالمة‬
‫)‪26‬ص ‪. (288‬‬
‫وقد يتساءل المــرء‪ :‬أيــن الحــل؟ إلــى أيــن يرحــل النســان‬
‫النظيف في هذا المجتمع القائم على القهر والظلم والستبداد؟‬
‫يرى جبران أن طريق الخلص هو طريق الجمال الروحي‪ ،‬فهــو‬
‫المخل ّــص والمنقــذ‪ .‬ففــي قصــيدته الشــهيرة "المــواكب" الــتي‬
‫نظمهــا فــي عــام ‪ ،1919‬يــرى جــبران أن الخلص فــي الغنــاء‬
‫والموسيقا والهرب إلــى الغــاب لن الغنـاء والموســيقا هنـا همـا‬
‫رمز الجمال‪ ،‬والغاب رمز الطهارة‪ ،‬حيث لظلم ولقهر‪ ،‬لظالم‬
‫ولمظلوم‪ ،‬ولحاكم ولمحكوم‪ ،‬يقول جبران في القصيدة النفة‬
‫الذكر‪:‬‬

‫فالغنـــــا يرعـــــى‬
‫العقول‬ ‫أعطنــــي النــــاي‬
‫وغن‬
‫من مجيد وذليل‬ ‫وأنين الناي أبقى‬

‫‪- 84 -‬‬
‫فالغنا يمحو المحن‬ ‫أعطنــــي النــــاي‬
‫وغن‬
‫بعـــــد أن يفنـــــى‬
‫الزمن‬ ‫وأنين الناي يبقى‬
‫فالغنا خير الشراب‬ ‫أعطنــــي النــــاي‬
‫وغن‬
‫الهضابأن تفنـــــى‬
‫بعـــــد‬ ‫وأنين الناي يبقى‬
‫فالغنا غير الصلة‬ ‫أعطنــــي النــــاي‬‫وغن‬
‫بعـــــد أن تفنـــــى‬
‫الحياة‬ ‫وأنين الناي يبقى‬
‫ويتابع الموضوع ذاته في مجموعته "العواصف" التي نشرها‬
‫بعد مرور عــام علــى قصــيدة "المــواكب" أي فــي عــام ‪،1920‬‬
‫وينادي في هذه المجموعة بالمحبة‪ ،‬ومســاعدة الفقــراء‪ ،‬الــذين‬
‫يعيشون فــي الــبيوت المظلمــة البــاردة البســيطة‪ .‬وأشــار إلــى‬
‫الفكرة المذكورة المستشرق الروسي فولســاتوف )‪151‬ص‪(9‬‬
‫الذي عـبر عـن إعجـابه بالمجموعــة المـذكورة‪ ،‬ولسـيما بقصــة‬
‫"الشيطان" كما كتبت عن المجموعة المذكورة وعــن مجموعــة‬
‫"المجنون" التي صدرت في عام ‪ 1918‬المستشــرقة الروســية‬
‫إيما نغوليفا )‪88‬ص‪. (48‬‬
‫والجدير بالذكر أن جبران خليل جبران دفن فــي لبنــان فــي‬
‫مسقط رأسه‪ ،‬بلدة بشري‪ ،‬في دير مارسركيس حسب وصيته‪،‬‬
‫ل على شيء‪ ،‬فإنما يدل على إيمانه بالّله‪ ،‬ولقد صرح‬ ‫وهذا إن د ّ‬
‫بــذلك لصــديقه ميخائيــل نعيمــه )‪ (1988-1889‬ولكنــه إيمــان‬
‫خاص به‪ .‬وهذا واضح في مؤلفاته‪.‬‬
‫ن أهالي بلــدة بشــري‬ ‫‪ (1952-1886‬أ ّ‬ ‫وكتب مارون عبود )‬
‫يعتبرونه مؤمنا ً إيمانا ً عميقًا‪:‬‬
‫"يرى البشراويون جبران غير مانراه نحن الدباء‪ ،‬يرون فيـه‬
‫دسون لراحة نفســه‬ ‫مسيحيا ً مخلصا ً حتى للطقسيات‪ ،‬ولذلك يق ّ‬
‫ما الترحم عليه فل ينقطــع" )‬ ‫كل أحد‪ ،‬على مذبح مارسركيس‪ ،‬أ ّ‬
‫‪30‬ص‪. (106‬‬
‫ً‬
‫ن "يســوع جــبران يختلــف تمامـا عــن‬ ‫ورأى حنا الفــاخوري أ ّ‬
‫يسوع النجيل" )‪ (1096-31‬ولعل رأي حنا الفاخوري على قدر‬
‫ن جــبران نفســه يــؤمن إيمان ـا ً خاصـا ً بــه‪،‬‬ ‫كبير مــن الصــواب‪ ،‬ل ّ‬
‫يختلف عن اليمان التقليدي‪.‬‬
‫ولقد تركت أفكار جبران خليل جبران المذكورة آثارها على‬
‫أعضاء الرابطة القلمية التي تأسست في مدينة نيويورك مــابين‬
‫عــامي ‪ 1931-1921‬ومــن بيــن هــؤلء الشــاعر نــدرة حــداد )‬
‫‪ (1950-1881‬وهــو مــن مواليــد مدينــة حمــص‪ ،‬هــاجر إلــى‬
‫الوليات المتحــدة المريكيــة عنــدما بلــغ السادســة عشــرة مــن‬
‫عمره‪ ،‬أيّ في عام ‪ ،1897‬وأصدر هناك في عام ‪ 1914‬ديــوانه‬
‫ن فكــر النســان ومعتقــداته‬ ‫"أوراق الخريف"‪ .‬ويــرى الشــاعر أ ّ‬
‫يجب أل تنتقل بالوراثة عن الوالدين‪ ،‬وإنمــا يحــق للبنــاء اختيــار‬
‫الفكر الذي يرونه مناسبا ً لعصرهم وللمكان الذي يعيشون فيــه‪.‬‬
‫ويندد في قصائده بالظلم الجتماعي‪.‬‬

‫يي‪:‬‬ ‫يي ييي‬ ‫‪ -6‬ييي‬


‫يمكن أن نجد الفكار التي نادى بها تولستوي وجبران خليــل‬
‫وة فــي‬
‫جبران عن العدالة الجتماعية والتســامح والمحبــة والخـ ّ‬
‫‪- 85 -‬‬
‫شعر الياس فرحات‪ ،‬الذي ولد في لبنان في عام ‪ 1893‬وهــاجر‬
‫إلى البرازيــل فــي عــام ‪ ،1910‬وأصــدر "الرباعيــات" فــي عــام‬
‫‪ 1925‬وديوان "الربيع" في عـام ‪ ،1945‬و"أحلم الراعــي" فــي‬
‫عام ‪ .1952‬فنادى برباعياته بالعيش المشترك والحرية الفكرية‬
‫فيقول‪:‬‬

‫ـــت بــــالّله أم آمنــــت‬


‫آمنـ‬
‫بالحجر‬ ‫محترمــا ً حقــي‬
‫مادمتأخي‬
‫فأنت‬
‫)‪- 32‬ص‪(49‬‬
‫والــدين بــرأي اليــاس فرحــات معاملــة طيبــة وقلــب نقــي‪،‬‬
‫ة‬
‫ولذلك يطلب من ابنتـه‪ ،‬واسـمها ليلـى أن تعيـش حيـاة ً صـالح ً‬
‫فيقول‪:‬‬

‫ـي كــل مــاللنفس‬ ‫من تبلغـ‬


‫وطر‬ ‫أن‬ ‫ت‬
‫كفيل إذا ماعش ِ‬ ‫ة‬ ‫إني‬
‫صالح ً‬
‫والهذر والزيــت والتغريــم‬
‫بالملح‬ ‫قلــــب نقــــي‬ ‫الــــدين‬
‫لاتصال له‬
‫)‪ -32‬ص‪(54‬‬
‫ويّبشر الياس فرحات بالعدالة الجتماعية‪ ،‬ويذكر اسم لينين‬
‫)‪ ، (1924-1870‬مؤسس الدولة الشتراكية الولى في العــالم‪،‬‬
‫قائد ثورة أكتوبر الشتراكية في روسيا فيقول‪:‬‬

‫دســـوه فـــي‬
‫الصناديقماك ّ‬
‫توزيـــع‬ ‫لينيــن يــدعو‬
‫ـامإلى‬
‫قــد قـ‬
‫الغنياء‬
‫)‪32‬ص ‪(55‬‬
‫وينتقــد اليــاس فرحــات النــاس لعــدم تقــديرهم الشــعر‬
‫والشعراء‪ ،‬ولسيما المعــري‪ ،‬الــذي نــادى بالتســامح‪ ،‬وبتقــديس‬
‫العقل‪ ،‬ولذلك نظم اليــاس فرحــات قصــيدة بعنــوان "المعــري"‬
‫الــذي عــاش الفــترة الممتــدة مــابين )‪ ، (1058-973‬ومــازالت‬
‫أفكاره صالحة إلى يومنا الحاضر‪ ،‬وانتشرت في العالم كله‪ .‬لن‬
‫الياس فرحات يرى أن العمل الصالح خير من الكلم الجيد الذي‬
‫ليقترن بالعمل الطيب‪:‬‬

‫لربك من شريف ملحــد‬ ‫ص‪(158‬‬ ‫أدنى‬


‫)‪32‬‬ ‫لأصدق أن لصا ً‬ ‫مؤمنا ً‬‫أنا‬
‫م بالفعال ل بالقوال‪ ،‬فمــا أكــثر القــوال‬ ‫ن الشاعر يهت ّ‬‫أي ّ أ ّ‬
‫الصـائبة الـتي ليطبقهـا أصــحابها‪ .‬وهـذا ليعنــي أبـدا ً أن اليـاس‬
‫فرحات لم يكن مؤمنًا‪ ،‬بل كان مؤمن ـا ً إيمان ـا ً حقيقي ـًا‪ ،‬ويــرى أن‬
‫موعظة السيد المسيح على الجبل تعتبر حجر الزاوية في الفكر‬
‫المسيحي‪ ،‬لنهــا نــادت بالتســامح المطلــق‪ ،‬والمحبــة الخالصــة‪،‬‬
‫والعطاء غير المحدود للخرين‪ .‬فيخاطب الشاعر موعظة السيد‬
‫المسيح على الجبل قائ ً‬
‫ل‪:‬‬
‫جريحوداوي القلــــب‬ ‫نفســــي‬ ‫فهو‬ ‫الجبــــل‬ ‫خطبــــة‬
‫جاوري‬ ‫الشريفة‬ ‫يــــا‬
‫ف والســـلم‬
‫ــب صـــا ٍ‬
‫الحـ‬
‫صريح‬ ‫فيـــك الحيـــاة رضـــية‬
‫ونقية‬
‫)‪32‬ص‪(161‬‬
‫فهو مثل تولستوي يــرى فــي الموعظــة المــذكورة عصــارة‬
‫تعاليم السيد المسيح رسول المحبة والتســامح والسـلم‪ .‬ويــرى‬
‫ن النجيل كتاب نقلته شعوب هذه المنطقة إلــى الغــرب‪ ،‬فهــو‬
‫أ ّ‬
‫‪- 86 -‬‬
‫بالتالي كتابنا أكثر مما هو كتابهم‪ ،‬فيقول مخاطبا ً شعوب الغرب‬
‫في قصيدة بعنوان‪" :‬أيها الغرب" من ديوانه "الربيع" الذي صدر‬
‫في عام ‪:1945‬‬
‫ـــراه فــــي‬
‫اليمانالكـ‬
‫كفرا‬ ‫يــــرى‬ ‫ولتدعوا إلــى اليمــان‬
‫شعبا ً‬
‫كتبنـــاهً لكـــم ســـطرا ً‬ ‫ولتتلوا لنا النجيل إّنـا‬
‫فسطرا‬
‫)‪33‬ص‪(145‬‬
‫ويقترح الشاعر السماح بزواج المســلمين مــن المســيحيات‬
‫والعكس‪:‬‬

‫ولو كان عابد الوثان‬ ‫وجوا الحــرة الكريمــة‬


‫ز ّ‬
‫بالحر‬
‫لئيــم يغــوص فــي‬ ‫مــن‬
‫اليمان‬ ‫ـافر يعشــق المكــارم‬ ‫كـ‬
‫خير‬
‫)‪33‬ص‪(278‬‬
‫ويشيد الشاعر فـي الجـزء الثـاني مـن ديـوانه وهـو بعنـوان‬
‫ة فــي‬‫فافـ ً‬
‫مة العربّيـة‪ ،‬الـتي حملـت رايـة العلـم خ ّ‬‫"الصيف" بال ّ‬
‫مرحلــة هامــة مــن تاريــخ النســانية فيقــول عــن المــة العربيــة‬
‫العظيمة‪:‬‬

‫أنجماــــا فــــي‬
‫ـــان بنوه‬
‫وكـ‬
‫الدياجر‬ ‫لها الدينا وكانت‬ ‫فكانت‬
‫العلى‬ ‫لها‬
‫)‪34‬ص ‪(67‬‬
‫ويتابع الفكار ذاتها في الجزء الثالث من ديوانه الذي يحمــل‬
‫عنـــوان "الخريـــف" )‪35‬ص‪ (151‬وينـــادي بتطـــبيق العدالـــة‬
‫الجتماعية والمساواة‪.‬‬

‫‪ -7‬يييي يييييي ييييي ي ي ييييي يي‬


‫يي‬ ‫ييي‬
‫ي‬ ‫ييي ييييييي‬ ‫ييييي‬
‫ي‬ ‫ييييييييي‬
‫أي بالفكار ذاتها التي نــادى بهــا ليــف تولســتوي نــذكر مــن‬
‫هــؤلء الدبــاء مصــطفى لطفــي المنفلــوطي )‪(1924-1876‬ـ ‪،‬‬
‫الذي كما ذكرنا‪ ،‬اهتم كــثيرا ً بــأدب تولســتوي وبشخصــه‪ ،‬وكتــب‬
‫في عام ‪ 1910‬مقال ً عنه‪ ،‬عندما سمع بمغادرة تولستوي بيته‪.‬‬
‫وبل أدنـى شـك فـإن المنفلـوطي الـذي اطلـع علـى الداب‬
‫الوربية وقام بترجمة بعض العمـال عـن اللغـة الفرنسـية مثـل‬
‫رواية "ماجدولين أو تحــت ظلل الزيزفــون" للكــاتب الفرنســي‬
‫الفونس كار‪ ،‬اطلع أيضا ً على أدب تولستوي‪ ،‬ومقالته عنه تثبــت‬
‫ذلك‪.‬‬
‫والجــدير بالــذكر أن المنفلــوطي درس فــي جامعــة الزهــر‬
‫الشهيرة في القاهرة‪ ،‬وكان الشيخ محمد عبده رئيس ـا ً للجامعــة‬
‫المذكورة‪ ،‬والذي نادى بالفكار الصلحية‪ ،‬وكتب الشــيخ محمــد‬
‫عبــده رســالتين لتولســتوي‪ ،‬وكــان مــن الممكــن أن تســتمر‬
‫المراسلة لول وفاة الشيخ عبده في عام ‪.1905‬‬
‫ونشر المنفلوطي بعض أعماله في جريدة "المؤيد" ويكتــب‬
‫في مقالة له بعنوان "دمعة على السلم"‪:‬‬
‫‪- 87 -‬‬
‫" أيّ قلــب يســتطيع أن يســتقر بيــن جنــبي صــاحبه ســاعة‬
‫واحدة فل يخفق وجدا ً أو يطيــر جزعـًا‪ ،‬حينمــا يــرى المســلمين‪،‬‬
‫أصحاب دين التوحد‪45) "...‬ص‪. (17‬‬
‫ويتابع لومه للمة العربية والسلمية لنها تخلت عن المكانة‬
‫العظيمــة الــتي تليــق بهــا‪ ،‬ولنهــا فقــدت بعــض القيــم الســامية‬
‫والمثل العليا التي تبنتها خلل عصور طويلة‪.‬‬
‫بهــذه المناســبة يمكــن أن نتــذكر بعــض قصــائد الشــاعر‬
‫واب‪ ،‬التي منعت في بعض القطــار العربيــة‪،‬‬ ‫العراقي م ّ‬
‫ظفر الن ّ‬
‫فهو شاعر موهوب وصريح وصــادق ومتأجــج العاطفــة وملتهــب‬
‫المشــاعر‪ ،‬يــدافع عــن الجيــاع والمقهــورين والمظلــومين‪ ،‬وهــو‬
‫مثقــف واســع الطلع علــى الداب العربيــة والجنبيــة‪ ،‬ويــؤمن‬
‫بالصراع الطبقي ويقدس الخليفة العربي الراشدي الرابــع علــى‬
‫بن أبي طالب‪ ،‬فيخاطبه قائل ً فــي قصــيدته الــتي تحمــل عنــوان‬
‫"شهوات"‪:‬‬

‫لو جئت الن لحاربك الداعون إليك‬


‫)‪46‬ص‪(22‬‬ ‫وسموك شيوعيا ً‬
‫يقف الشــاعر إلــى صــف الفلحيــن والعمــال مــادام الصــف‬
‫الخر يسرق وينهب البلد والعباد‪.‬‬
‫ولبأس من الشارة إلى قصيدتي الشاعر العربــي الســوري‬
‫عبد المعين الملوحي‪ ،‬الذي عمل فــترة طويلــة مــديرا ً للمراكــز‬
‫الثقافية والمكتبات بوزارة الثقافــة والرشــاد القــومي بدمشــق‪،‬‬
‫ودّرس اللغــة العربيــة فــي جمهوريــة الصــين الشــعبية‪ ،‬وقــام‬
‫بترجمة عدد كبير من الكتب‪ ،‬وأهتــم بــأدب تولســتوي‪ ،‬ولســيما‬
‫بترجمة سليم قبعين لهــذا الدب‪ .‬ورثــى زوجتــه بهيــرة بقصــيدة‬
‫غير تقليدية بعنــوان "بهيــرة"‪ ،‬وزوجتــه عــروس عــام‪ ،‬وأم ثلثــة‬
‫شهور‪ ،‬فيقول في رثائها‪ ،‬الذي يتألم بــه للم الثكــالى واليتــامى‬
‫والشعوب المضطهدة وأوجاع المرضى‪ ،‬وتحطم المال والحلم‬
‫فيقول‪:‬‬
‫أبهيرتي لتزعمي أن قد عرفت الحق بعدي‬
‫أنا صنته وبذلت في تعليمه عرقي وجهدي‬
‫أبهيرتي ماالحق تحت الرض‪ ،‬أو بعد الممات‬
‫الحق‪ ،‬فوق الرض‪ ،‬في النسان‪ ،‬في هذي الحياة‬
‫أحبيبتي العدل أن نبغي الوجود كما نشاء‬
‫س نادى الســما‍ء! فهــل أجــابته الســماء؟ )‪41‬ص‪-23‬‬ ‫‪(25‬كم بائ ٍ‬
‫ن أفكـــار عبـــد المعيـــن أقـــرب مـــاتكون إلـــى أفكـــار‬
‫إ ّ‬
‫دوستيفسكي )‪ (1881-1821‬منها إلى أفكار تولستوي‪ .‬يكفــي‬
‫أن نتذكر ثورة أوبيليــت‪ -‬أحــد شخصــيات روايــة "البلــه" ‪1868‬‬
‫لدوستيفســكي أو آراء إيفــان ‪ -‬أحــد شخصــيات روايــة "الخــوة‬
‫كارامازوف" ‪ 1880‬للكاتب نفسه‪ .‬فكان تولستوي مؤمنا ً إيمانــا ً‬
‫حقيقيًا‪ ،‬ويتبع جوهر الدين وليس قشوره‪ .‬وناضــل ضــد الفســاد‪،‬‬
‫أينمــا كــان فــي العــالم المعاصــر‪ ،‬فنضــاله ضــد الفســاد نضــال‬
‫متكامــل وليقبــل التفريــط بجــزء مــن أجــزائه‪ ،‬أو بجــانب مــن‬
‫خــدرة فــي كافــة أنحــاء‬
‫جــوانبه‪ ،‬وأيقظــت أفكــاره الضــمائر الم ّ‬
‫العالم‪.‬‬

‫‪- 88 -‬‬
‫ي‬ ‫يييي‬
‫ولعل خير مانختم به هذا الفصل كلمات الكــاتب الســوفيتي‬
‫الكـبير مكسـيم غـوركي )‪ (1936-1868‬الـتي تتضـمن حقيقـة‬
‫ن العالم كّله‪ ،‬الرض كّلها‪ ،‬تنظر إليه‪ ،‬وتمتد إليــه مــن‬ ‫عميقة‪" :‬إ ّ‬
‫ن‬‫الصين والهند وأمريكا ومـن كـل مكـان خيـوط حّيـة خفاقـة‪ ،‬إ ّ‬
‫روحه للجميع وللبــد " )‪144‬ص‪ (291‬وينهــي مكســيم غــوركي‬
‫مقاله بعنــوان "ليــف تولســتوي" بهــذه الكلمــات الرائعــة‪" :‬هــذا‬
‫النسان يشبه الله"‬
‫)‪144‬ص ‪. (312‬‬
‫ن معظــم الدبــاء‬ ‫ولبــأس فــي الختــام مــن الشــارة إلــى أ ّ‬
‫المذكورين في هذا الجزء هم مــن أدبــاء المهجــر‪ ،‬الــذين رحلــوا‬
‫من أوطانهم إل أنهم حملوا حبهم لوطنهم فــي أعمــاق قلــوبهم‪،‬‬
‫وآمنوا بأن الدين لّله والـوطن للجميـع‪ .‬فوجـدنا أميـن الريحـاني‬
‫ة‪" :‬كلنا ندين بدين التوحيد‪ ،‬وماموســى‬ ‫يخطب في حفلةٍ مدرسي ٍ‬
‫وعيسى ومحمد غير رسل الله الواحد‪ ،‬فــإذا كــان إلهنــا واحــدا‪،‬‬
‫وبلدنا في سهولها وجبالها وصحاريها واحدة‪ ،‬ومصائبنا السياسية‬
‫كلها واحدة‪ ....‬أفل ينبغي أن يكــون الــوطن كــذلك واحــدا ً فــردا ً‬
‫لتقسم فيه ولتجزئة‪"....‬‬
‫وكان الدباء العرب في المهجر‪ ،‬بغض النظــر عــن انتمــائهم‬
‫الطائفي يحتفلون بعيد المولد النبوي‪ ،‬فقدموا بذلك برهانا ً علــى‬
‫شدة التلحم الوطني‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪- 89 -‬‬
‫الجزء الثالث‬
‫الباب الول‬
‫ميخائيل نعيمه وليف‬
‫تولستوي‬
‫يي ي يييي ييي ييييييي ي يييي ي‬
‫ن تأثير الكّتاب الروس على الكـاتب‬ ‫ة‪ ،‬إ ّ‬
‫‪ -1‬يبدو لنا لول وهل ٍ‬
‫ن الكاتب العربي‬ ‫ب‪ ،‬ولكننا نرى أ ّ‬ ‫العربي ميخائيل نعيمه أمٌر غري ٌ‬
‫المعاصر ميخائيل نعيمه وقع تحت تأثير الكت ّــاب الــروس وبــوجهٍ‬
‫ص ليف تولستوي‪ .‬وتدل على ذلك مسيرة حياته ومؤلفاته‪.‬‬ ‫خا ٍ‬
‫ولد ميخائيل نعيمه في عــام ‪ 1889‬وتعلــم فــي قريتــه فــي‬
‫ة‪ ،‬واسم قريته بسكنتا‪ .‬افتتحــت روســيا‬ ‫لبنان في مدرسةٍ روسي ٍ‬
‫ل من فلسطين ولبنان وســوريا‪،‬‬ ‫آنذاك عددا ً من المدارس في ك ّ‬
‫بهدف نشر الثقافة الروسية في المشرق العربي‪.‬‬
‫فلقد ضعفت تركيا في نهايــة القــرن التاســع عشــر ومطلــع‬
‫القرن العشرين‪ ،‬وكانت الدول العربية تحت سيطرتها آنذاك‪.‬‬
‫واعتبرت تركيا إنسانا ً مريضًا‪ ،‬فموتهــا أصــبح قريبـًا‪ ،‬وأيامهــا‬
‫معدودة‪ ،‬وكانت فرنسا وبريطانيا وروسيا تنــوي اقتســام ثروتهــا‬
‫فيما بينها‪ ،‬ولذلك أخذت الدول الثلث المــذكورة تفتــح مــدارس‬
‫ومؤسسات أخرى في المشرق العربي بهدف التمهيد للسيطرة‬
‫الثقافية واليديولوجية والسياسية‪.‬‬
‫يكتــب ميخائيــل نعيمــه فــي الجــزء الول مــن ســيرة حيــاته‬
‫ن ســكان‬ ‫"سبعون" الــذي صــدر فــي بيــروت فــي عــام ‪ 1959‬أ ّ‬
‫لبنان ارتاحوا لفتتاح المدارس الروسية وقالوا‪:‬‬
‫"جاي المسكب يفتح مدرسة ببسكتنا الل ّــه ينصــرو" )‪48‬ص‬
‫‪(74‬‬
‫والمسكب نسبة إلى موسكو‪.‬‬
‫قـــامت بـــإدارة المـــدارس الروســـية الجمعيـــة الروســـية‪-‬‬
‫ســر المؤلــف ســبب فــرح اللبنــانيين بافتتــاح‬ ‫الفلســطينية‪ .‬ويف ّ‬
‫مدرسة روسية‪" :‬انتشر الخبر في البلدة انتشار النور عند انبلج‬
‫الفجــر‪ .‬فاســتقبلته الطائفــة الرثوذكســية بالتهليــل والتكــبير‬
‫سلم به عنــد ســكان لبنــان فــي عهــد‬ ‫ولعجب‪ .‬فقد كان من الم ّ‬
‫ن روسيا هي الحامية التقليدية للروم" )‪48‬ص ‪(74‬‬ ‫المتصرفية أ ّ‬
‫ل مــن فلســطين‬ ‫ة فــي ك ـ ّ‬
‫‪ .‬وكانت روسيا تفتــح مــدارس مجاني ـ ً‬
‫وسـوريا ولبنـان‪ ،‬وكـانت تنسـق برامجهـا وإدارتهـا علـى أحـدث‬
‫طراز‪ .‬ولم تكن تشترط على السكان إل أن يتبرعوا بتشييد بناء‬
‫ما المعلمون والكتب والدفاتر والثــاث والحــبر‬ ‫لئق بالمدرسة‪ .‬أ ّ‬
‫‪- 90 -‬‬
‫والقلم وتكاليف الدارة فجميعهم وجميعها بالمجان‪.‬‬
‫كان ذلك في عام ‪ ،1899‬ولول مرةٍ في تاريخ بسكنتا تفتح‬
‫مدرسة مثالية‪ ،‬يدرس فيها البنات والبنون على قدم المســاواة‪.‬‬
‫وضمت المدرسة خمسة معلمين وثلث معلمات وعلى رأســهم‬
‫مــدير تخــرج مــن دار المعلميــن الروســية بمدينــة الناصــرة‬
‫بفلســطين‪ .‬وأخــذت التلميــذ نشــوة مــن العــتزاز بالمدرســة‬
‫الجديدة‪ ،‬إذ كانوا يشعرون أن مــن ورائهــا دولــة عظيمــة تهابهــا‬
‫الدول‪.‬‬
‫أنهــى ميخائيـل نعيمـة المدرسـة الروسـية فـي صــيف عـام‬
‫‪ ،1902‬ولتفــوقه ولســلوكه ُقبــل فــي دار المعلميــن بمدينــة‬
‫الناصرة‪ ،‬الـتي افتتحتهـا أيضـا ً الجمعيـة الفلسـطينية‪ -‬الروسـية‪.‬‬
‫فأتيحت لنعيمة فرصة الدراسة المجانية‪ ،‬وبذلك وّفر على والده‬
‫مصاريف الدراسة‪.‬‬
‫كــان ســكان مدينــة الناصــرة يطلقــون علــى دار المعلميــن‬
‫الروسية اسم "المدرسة الروسية"‪.‬‬
‫وطلب دار المعلميــن مــن منــاطق مختلفــة مــن فلســطين‬
‫وسوريا ولبنان ومنهم من المدن ومنهم من الريف‪ .‬بعضهم مــن‬
‫أبناء الفلحين وآخرون أبناء الحرفيين والتجار ورجال الدين‪...‬‬
‫كــانت المدرســة الروســية فــي الناصــرة تتمــول مــن قبــل‬
‫تبرعات المــؤمنين فــي روســيا‪ .‬وكــان المــدير يشــير إلــى هــذه‬
‫النقطة أكثر من مرة‪ .‬وكان الطلب يرتدون اللباس العربي بدل ً‬
‫من البذلة الوروبية وذلـك لنهـم اعتـادوا علـى اللبـاس العربــي‬
‫ولّنه أقل كلفة من البذلة الغربية‪.‬‬
‫كــان عــدد الطلب فــي دار المعلميــن بالناصــرة حــوالي‬
‫الربعين طالبًا‪ .‬وكان المعلمون من الروس والعرب‪ .‬وكان على‬
‫نعيمة أن يعد نفسه ليصــبح مــديرا ً لحــدى المــدارس الروســية‪.‬‬
‫وكان اسكندر جبرائيل كزما الدمشــقي المولــد والمنبــت مــديرا ً‬
‫لدار المعلمين الروسية بالناصـرة منـذ تأسيسـها وحـتى الحـرب‬
‫العالمية الولى واغلق المدارس الروسية فــي الشــرق العربــي‬
‫بسبب الحرب والعداء بين روسيا وتركيا‪.‬‬
‫وعقد ميخائيل نعيمة في أثناء دراسته في الناصرة علقــات‬
‫مودة وصداقة بينه وبين اثنين من طلبهــا‪ ،‬وكلهمــا مــن حمــص‬
‫وهما نسيب عريضة وميخائيل اسكندر‪ .‬وكان الحلم بالسفر إلى‬
‫روسيا يساور ميخائيل نعيمــة منــذ ســنته الولــى فــي الناصــرة‪.‬‬
‫والشروط من أجل متابعة الدراسة معروفة‪ ،‬وهي التفوق علــى‬
‫الخرين جميعهم في الدرس وفي السلوك‪ .‬وإن تعــادل طالبــان‬
‫فقد تختار المدرســة الثنيــن مع ـًا‪ ،‬وذلــك فــي الســنة الدراســية‬
‫الرابعة‪.‬‬
‫ولقد تحقق حلم ميخائيل نعميه‪ ،‬ففي عام ‪ 1906‬وصل إلى‬
‫بولتافا لمتابعة دراسته في روسيا وكان عمره آنذاك ستة عشــر‬
‫عامًا‪.‬‬
‫الســمنار الروحــي حيــث كــان يــدرس ميخائيــل نعيمــه هــي‬
‫مدرســة ثانويــة أو فــوق الثانويــة بقليــل‪ ،‬يمتــد برنامجهــا ســت‬
‫كرســة للــدروس العلماّنيــة وبعــض‬ ‫سنوات‪ ،‬الربع الولى منها م ّ‬
‫المواد الدينّية‪.‬‬
‫والثنتان الخيرتان للطقوس والعقـائد الكنسـية‪ .‬وكـان مـن‬
‫حسن حظ ميخائيل نعيمه أن سبقه إلى بولتافا ميخائيل اسكندر‬
‫الذي كان يدرس معه في الناصرة وهـو مـن سـوريا مـن مدينـة‬
‫حمص‪.‬‬
‫والمدرسة مثلها مثل مدرسة الناصرة داخلية وحيــاتهم فيهــا‬
‫‪- 91 -‬‬
‫تشبه حياة الرهبان في الديرة‪.‬‬
‫وعــدد الطلب كــان فــي مدرســة بولتافــا حــوالي )‪(500‬‬
‫ب‪ ،‬وينفق عليها المجمع المقدس‪ ،‬وهي مدرسة من الدرجة‬ ‫طال ٍ‬
‫درس اللهـوت قبـل كـ ّ‬
‫ل‬ ‫ما مدارس الدرجـة الولـى فتـ ّ‬ ‫الثانية‪ ،‬أ ّ‬
‫شيء‪.‬‬
‫كتـــب الكـــاديمي إيغنـــاتي كراتشكوفســـكي فـــي مـــؤلفه‬
‫"المخطوطات العربية‪ ،‬ذكريات الكتــب والنــاس" )‪ (1945‬أن ّــه‬
‫أثناء جولته في بلدان المشرق العربي مابين عام ‪1910-1908‬‬
‫قام بزيارة عددٍ من المدارس الروسـية الـتي افتتحتهـا الجمعيـة‬
‫الروسية ‪ -‬الفلسـطينية‪ ،‬ورأى عنـد الكـثير مـن المعلميـن كتـب‬
‫تورغينيف وتشيخوف‪ ،‬وكــان الكــثيرون يســتلمون مجلــة "نيفــا"‬
‫ة‪ ،‬ومجلدات "المعرفة" ذات اللــون الخضــر‪ .‬ولقــد‬ ‫بصورةٍ دائم ٍ‬
‫ترك التصال بالثقافة الروسية وبــالدب الروســي أثــرا ً ليمحــى‬
‫لـــدى خريجـــي المـــدارس الروســـية‪ .‬ويلحـــظ الكـــاديمي‬
‫كراتشكوفســكي أن الكــثير مــن خريجــي المــدارس الروســية‬
‫أصبحوا كّتابا ً مشهورين في كل القطـار العربيـة‪ ،‬لنهــم أعطــوا‬
‫الدب العربي روحا ً جديدة ً ونفسا ً معاصرا ً )‪157‬ص‪. (55‬‬
‫قام الكاديمي إيغناتي كراتشكوفسكي بزيارة قرية بســكنتا‬
‫حيث ولد وعاش ومات ميخائيل نعيمه‪ ،‬وذلك في الــوقت الــذي‬
‫كان فيه نعيمه يدرس في بولتافــا‪ ،‬ويــذكر كراتشكوفســكي أن ّــه‬
‫ب أن يعيش ويعمل في بسكنتا‪.‬‬ ‫أح ّ‬
‫صدر كتاب ميخائيل نعيمه "الغربال" في القـاهرة فــي عـام‬
‫ة‪،‬‬‫ت نقديــ ٍ‬‫‪ 1923‬ويتضــمن الكتــاب المــذكور مجموعــة مقــال ٍ‬
‫ن‬‫وعنــدما قــرأ كراتشكوفســكي الكتــاب المــذكور تــراءى لــه أ ّ‬
‫مؤلفه متأثر بأراء الناقد الروســي بيلينســكي النقديــة‪ ،‬الــتي لــم‬
‫ة كثيرا ً في البلد العربية آنذاك‪ .‬في ذلك الوقت لــم‬ ‫تكن معروف ً‬
‫يكن يعرف كراتشكوفسكي شيئا ً عــن مؤلــف "الغربــال"‪ ،‬وبعــد‬
‫مرور عدة ســنوات قــامت بيــن الناقــد الكــبير كراتشكوفســكي‬
‫والديب ميخائيل نعيمه مراسلت‪.‬‬

‫‪ -2‬يييي يييي ي ي ي ييييي ييييي ي‪:‬‬


‫أرسل ميخائيل نعيمه لكراتشكوفسكي سيرته الذاتية‪ ،‬حيث‬
‫كتب‪" :‬غرفت الكــثير مــن الدب الروســي فــي الســمنار‪ ،‬فلقــد‬
‫افتتــح أمــامي عــالم جديــد‪ ،‬مليــء بالعجــائب‪ ،‬فقــرأت بشــغف‬
‫الكّتاب الروس‪ ،‬وليكاد يوجد كاتب روسي إل وأعــدت قراءتــه )‬
‫‪159‬ص‪ (57‬ويــرى فــي ســيرته الذاتيــة أن ّــه تربــى علــى ذوق‬
‫الشاعر الروسي بوشــكين )‪ (1837-1799‬الرفيــع وعلــى أدب‬
‫ليرمنتوف وتورغينيف وعلى سخرية غوغول عبر الدموع‪ ،‬وعلى‬
‫واقعية تولستوي الجذابـة‪ ،‬وعلـى مبـادئ بيلينسـكي الدبيـة‪...".‬‬
‫وتربيــت علــى المبــادئ النســانية الســامية الــتي نــادى بهــا‬
‫دوستيفســكي الــذي يعتــبر أكــثر الكت ّــاب الــروس قــوة ً وعمق ـًا‪،‬‬
‫وأكثرهم قدرةً علــى التغلغــل فــي أعمــاق النفــس النســانية" )‬
‫‪158‬ص ‪. (225‬‬
‫يكتب كراتشكوفسكي في كتابه " الدب العربي في القرن‬
‫ن ميخائيــل نعيمــه‪ :‬عليــم بــالدب الروســي‪ ،‬ومتــأثر‬ ‫العشرين" إ ّ‬
‫بالشخصــيات الدبيــة فــي القــرن الماضــي‪ ،‬وبــآراء بيلينســكي‬
‫الدبية‪158) "...‬ص‪. (94‬‬
‫مـــا تلميـــذة الكـــاديمي كراتشكوفســـكي‪ ،‬أســـتاذة الدب‬ ‫أ ّ‬
‫العربي فــي قســم اللغــة العربيــة وآدابهــا بجامعــة لينينغــراد آن ّــا‬
‫أركاديفنا دالينينا‪ ،‬التي زارت فـي نيسـان ‪ 1967‬مـع وفـد يمثـل‬
‫جمعية الصداقة مع البلدان العربية ميخائيـل نعيمـه فـي بيــروت‬
‫‪- 92 -‬‬
‫تكتــب‪" :‬وبــدون شــك‪ ،‬فــي هــذه الحيـاة البســيطة‪ ،‬فــي حضــن‬
‫الطبيعة‪ ،‬وفي البتعاد عن مباهج الحياة‪ ،‬التي يســتطيع ميخائيــل‬
‫نعيمـه الن أن يصـل إليهـا بعـد أن أصـبح كاتبـا ً مشـهورًا‪ ،‬وفـي‬
‫أحاديثه الفلســفية الخلقيــة يــذكرنا بحيــاة ليــف تولســتوي فــي‬
‫ن التشابه ليس صــدفة‪ .‬يكفــي‬ ‫ياسنايا بوليانا‪ ،‬ويجب أن نعتقد بأ ّ‬
‫أن نتذكر الكلمات التي ذكرها نعيمه حول تولستوي في يومياته‬
‫عندما كان شابًا" )‪129‬ص‪. (234‬‬
‫يعّبــر ميخائيــل نعيمــه عــن محبتــه لروســيا فــي مؤلفــاته‬
‫المختلفة‪ ،‬ففي عام ‪ 1956‬التقى الســفير الســوفييتي بــبيروت‪.‬‬
‫وعندما سأله السفير عن مدى رغبته واستعداده لزيــارة التحــاد‬
‫السوفييتي فيما لو وجهــت لــه الــدعوة‪ ،‬أجــاب الكــاتب العربــي‬
‫ل‬‫الكبير أّنه مستعد لزيارة التحاد السوفييتي‪ ،‬ويلبي الدعوة بكــ ّ‬
‫سرور‪ .‬وبعد مرور مدة قصــيرة تلقــى نعيمــه الــدعوة مــن قبــل‬
‫اتحاد الكتاب في التحاد السوفييتي وقام نعيمــة بزيــارة التحــاد‬
‫الســوفييتي فــي عــام ‪ ،1956‬وزار مدرســته فــي بولتافــا حيــث‬
‫ة‪ ،‬بــدل صــور‬ ‫درس قبل الثورة‪ .‬ورأى صور لينين وستالين معلق ً‬
‫السّيد المسيح ومريــم العــذراء‪ ،‬ولــم ينــدهش بــل أعجبتــه هــذه‬
‫الظاهرة‪ ،‬لن الماركسية برأيه ماهي إل ديانة أرضية‪.‬‬
‫وكان كتــاب "أبعــد مــن موســكو ومــن واشــنطن" )‪(1957‬‬
‫ثمــرة لزيــارته لموســكو‪ .‬ويعــترف الكــاتب فــي عملــه الدبــي‬
‫المــذكور أن لحظــة وصــوله إلــى روســيا كــانت أســعد لحظــات‬
‫حياته‪.‬‬
‫ويقــول فــي هــذا الكتــاب إّنــه قــرأ بوشــكين وليرمنتــوف‬
‫وتورغينيف وغوغول ودوستيفسكي ونيكراسوف وغيرهم‪.‬‬
‫ويكتــب عــن روايــات دوستيفســكي‪" :‬وتحسســت إيمــان‬
‫ل‬ ‫دوستيفسكي بالمــة الســلفية ورســالتها النســانية‪ ،‬وبمســتقب ٍ‬
‫ســر‬ ‫م فيــه أظفــار الظلــم والســتبداد‪ ،‬وتتك ّ‬ ‫أفضل لروسيا‪ ،‬تتقل ـ ّ‬
‫أنياب الحاجة والمذلة‪ ،‬فيتنفس الشعب‪ ،‬بملء رئتيه‪ ،‬وتكون لــه‬
‫الثقة بأّنه لن يعــرق ليهــزل‪ ،‬وليســمن غيــره بنتــاج عرقــه‪ ،‬ولــن‬
‫يسكن الكواخ ويلبس السمال لينعم غيره بالقصور ويرفل فــي‬
‫الديباج" )‪60‬ص ‪. (210-209‬‬
‫ن ثقافــة الــروس تغلغلــت فــي دمــه‬ ‫وكــان الكــاتب يشــعر أ ّ‬
‫وارتسمت مناظر تلك البلد وأغانيها ومشكلتها في ذهنه فكأنهــا‬
‫ق بروســيا‪،‬‬ ‫وثي ـ ٍ‬ ‫ط‬
‫بعــض منــه‪ .‬ولــذلك بقــي الكــاتب علــى ارتبــا ٍ‬
‫تتفجــر فيهـا‬ ‫ويصف ثورتها الشتراكية‪" :‬إنها المرة الولــى الـتي‬
‫ل في صــدور العــاملين‬ ‫ل وأجيا ٍ‬
‫المظالم المكبوتة على مدى أجيا ٍ‬
‫وينطلــق صــوتهم مطالبــا ً‬ ‫فــي الرض والمعامــل والمنــاجم‪،‬‬
‫بقسطهم العادل من ثمرات أعمالهم‪ ،‬ومن الكرامة النسانية" )‬
‫‪60‬ص‪. (231‬‬
‫وفي كتابه "النور والديجور" )‪ (1948‬يكتب ميخائيل نعيمــه‬
‫عن روسيا‪" :‬وأنــا كلمــا ذكرتهــا فكمــا يــذكر الولــد البــار أبــاه أو‬
‫ي‪"...‬‬ ‫مه‪ ...‬لن أنسى بلد ً هي روسيا وشعبا ً هو الشـعب الروسـ ّ‬ ‫أ ّ‬
‫)‪58‬ص ‪. (574‬‬
‫ويكتب في مقالته "ماهية الدب ومهمته" التي نشــرها فــي‬
‫مجموعة "دروب" عام ‪:1932‬‬
‫ن جيشا ً من رجال الــدين‪ ،‬وعلمــاء النفــس‪ ،‬وأســاتذة‬ ‫"ولو أ ّ‬
‫الجتمــاع‪ .‬وأســاطين القــانون تجمعــوا مع ـا ً لمــا اســتطاعوا أن‬
‫يؤلفوا لنــا روايــة "كروايــة دوستيفســكي" الخــوة كارامــازوف"‬
‫ففي هذه الرواية نرتفع مع الب "زوسيما" إلى درجة الشــراق‬
‫الروحي والنخطاف بنور اللوهة‪ .‬وننحدر مــع "ســمر ديــاكوف"‬
‫إلى حالة البهيمية‪59) "...‬ص‪. (34‬‬
‫‪- 93 -‬‬
‫اغتنم ميخائيل نعيمه الفرص كّلها ليكتب عن روســيا معــبرا ً‬
‫عن حبه لها‪ ،‬وأثناء الحرب العالمية الثانية أقلقــه مصــير روســيا‪،‬‬
‫وحلم بنصرها‪ ،‬وكتب مقالة "حلم مع موسوليني" في مجموعــة‬
‫"البيادر"‪.‬‬
‫وانتهــز مناســبة انطلق رائدة الفضــاء الســوفييتية فالنتينــا‬
‫تيرشكوفا في مركبتها لتدور حول الرض عدة أيام‪ ،‬ليكتب عنهــا‬
‫ة بعنوان‪" :‬فتــاة وفتــاة"‪ ،‬وذلــك فــي مجموعــة “هــوامش"‬ ‫مقال ً‬
‫ويعّبر نعيمــه فــي هــذه المقالــة عــن ســروره للحــدث‪ ،‬العظيــم‬
‫ويطالب المرأة العربية بالحصول على الحرية‪ .‬ويقــارن الكــاتب‬
‫بين المرأة العربية والمرأة الروسية التي اســتطاعت أن تخــرج‬
‫ة فــي‬ ‫إلى خارج الكرة الرضية‪ ،‬في حيــن تعــاني الولــى صــعوب ً‬
‫الخروج من بيتها‪.‬‬
‫بدأ ميخائيل نعيمه في الســنة الدراســة الولــى فــي روســيا‬
‫ينظم الشعر باللغة الروسية وكانت قصيدته النهر المتجمــد أول‬
‫ة‪ ،‬حــتى كأّنهــا كــانت‬ ‫إنتاج أدبي له‪ .‬وقد نظمهــا بســهولةٍ متناهي ـ ٍ‬
‫تملى عليه‪ .‬وكان الذي أوحاها إليه منظر نهر "صـول" المتجمـد‪.‬‬
‫ن نعيمــه مشــى علــى وجهــه‪ .‬واختتــم‬ ‫فكان النهر متجمدا ً حتى أ ّ‬
‫ل يوجهه إلى روسيا‪ ،‬فيسألها وقــد كبّلهــا الجليــد‪،‬‬ ‫القصيدة بسؤا‬
‫كهـا مـن عقـال‬ ‫مثلما كّبل نهـر ٍ"صـول" ‪ .‬مـتى يـأتي الربيـع ويف ّ‬
‫فلح شـيئا ً مـن‬ ‫الجليد؟ وهل يـأتي زمـن يتـذوق فيـه العامـل وال ّ‬
‫الفرح والسعادة؟‬
‫ً‬
‫ن سؤاله ســيلقى جواب ـا بعــد‬ ‫ولم يكن يدور في خلد نعيمه أ ّ‬
‫ن الحكم سينتقل من أيدي القيصــر والشــراف‬ ‫سبع سنوات‪ ،‬وأ ّ‬
‫والقطاعيين ورجال الـدين إلـى أيـدي العمـال والفلحيـن‪ .‬نقــل‬
‫نعيمه القصيدة بعد سنين غير قليلــة إلــى اللغــة العربيــة وجعــل‬
‫خاتمتها خطابا ً يوجهه إلى قلبه بدل ً من روسيا‪.‬‬
‫صـت فيهـا‬ ‫فقد كان يشعر أّنه في الواقع يعيش في دنيـا تقل ّ‬
‫الجمــالت النســانية‪ .‬فل رأفــة‪ ،‬ولمحبــة‪ ،‬ول إخلص‪ ،‬ولعــدل‪،‬‬
‫ن هذه باتت صفائح مــن جليــد تنســاب مــن تحتهــا‬ ‫ولحرية‪ ،‬بل إ ّ‬
‫الحقاد والضغائن والمطامع والمظــالم ومـا تجــره ّ علــى النـاس‬
‫من الوجاع والمآسي‪.‬‬
‫نالت هذه القصيدة العجاب من رفــاقه ومــن النقــد الدبــي‬
‫ة‪.‬‬‫ونظمهـا نعيمـه شـعرا ً باللغـة العربي ّــة وكــانت الترجمــة ناجحـ ً‬
‫وتتضمن بعض المناهج الدراسية في القطــار العربيــة القصــيدة‬
‫المذكورة‪.‬‬
‫ة‪ ،‬ولعجب أن ينظم‬ ‫ولذلك فالقصيدة معروفة بصورةٍ واسع ٍ‬
‫ة‪ ،‬فلقــد اشــترك أثنــاء دراســته فــي‬ ‫ميخائيل نعيمه قصيدة ً ثوريـ ً‬
‫ن الطلب‬ ‫ّ‬ ‫ة‪ ،‬قال فيهــا إ‬ ‫ً‬ ‫الضراب الطلبي في بولتافا وألقى كلم‬
‫ة بدل ً من السمكة‪ ،‬وحجــرا ً‬ ‫دمون لهم حي ً‬ ‫ة يق ّ‬
‫حين يطلبون سمك ً‬
‫بدل ً من الخبز‪ .‬وبسبب هذه الكلمة وقفت ضــده الدارة ومنعتــه‬
‫من تقديم المتحان‪ ،‬واستطاع تقديم المتحان فقط فــي صــيف‬
‫ة‪.‬‬
‫‪ 1911‬وبصورةٍ استثنائي ٍ‬

‫‪ -3‬يي يييي " يييي يي ييييي يي"‬


‫ييي‪:‬‬ ‫ي ييييي‬ ‫ييييي‬
‫ن لفكار تولستوي تأثيرا ً كبيرا ً على أفكــار‬ ‫ولبد ّ من القول إ ّ‬
‫نعيمه‪ .‬وهذا واضح في مسرحية "الباء والبنون" التي ألفها عام‬
‫‪ ،1917‬بطــل هــذه المســرحية واســمه داود يعلــق فــي غرفتــه‬
‫صورة ليف تولستوي وينادي بأفكاره‪ ،‬فهو ليصلي في الكنيســة‬
‫ويؤمن بإلهٍ واحدٍ للجميع‪ .‬هذا اللــه ليــس مســيحيا ً وليهوديـا ً ول‬
‫‪- 94 -‬‬
‫دمه للخريـن مـن‬ ‫ن قيمة النسـان بمـا يقـ ّ‬ ‫مسلمًا‪ .‬يؤمن داود بأ ّ‬
‫ر‪.‬‬
‫ل وخدمةٍ وخي ٍ‬ ‫عم ٍ‬
‫تأثر ميخائيل نعيمه بتورغينيــف حــتى‪ ،‬أن ّــه عن ّــون مســرحيته‬
‫بعنــوان "البــاء والبنــون"‪ .‬العنــوان نفســه الــذي اختــاره إيفــان‬
‫تورغينيف لحدى رواياته‪ ،‬وعالج في هــذه المســرحية الموضــوع‬
‫نفســه الــذي عــالجه إيفــان تورغينيــف )‪ ، (1883-1818‬فــي‬
‫روايته‪ ،‬وهو صراع الجيال‪ .‬ينظر الباء إلى الحياة نظرةً تختلــف‬
‫عن نظرة البناء‪ ،‬الذين رغم خبرتهم المحددة في الحيــاة‪ ،‬أكــثر‬
‫صوابا ً من الباء فهم بحسهم السليم وقلبهم الني ّــر يهتــدون إلــى‬
‫الصراط المستقيم‪.‬‬
‫في مقالةٍ هامةٍ مكرسةٍ لمسرحية ميخائيل "الباء والبنــون"‬
‫ن بيـن روايـة "البـاء والبنـون" لتورغينيـف )‬ ‫كتبـت آنـا دالينينـا أ ّ‬
‫ل‬ ‫ة‪" :‬كـ ّ‬‫‪ (1883-1818‬ومسرحية نعيمــه أمــورا ً كــثيرة ً مشــترك ً‬
‫من المؤلفين يتحدث عن صراع الجيال فـي مراحـل هامـةٍ مـن‬
‫تاريخ الشعبين‪ ،‬وهــي مراحــل التحــولت‪ .‬عنــد تورغينيــف قبيــل‬
‫الستينات‪ ...‬وعند نعيمة تجري الحــداث فــي ســوريا المعاصــرة‬
‫ن الحداث‬ ‫للمؤلف‪ ،‬وبما أّنه ليذكر الحرب أبدًا‪ ،‬مما يدل على أ ّ‬
‫تجري قبيل الحرب العالمية الولى" )‪125‬ص‪. (66‬‬
‫ن تورغينيف ونعيمه لم يصورا‬ ‫ولحظت آنا أركاديفنا دالينينا أ ّ‬
‫ن بطليهما يفغيني بازاروف وداود سلمه مــن‬ ‫النضال الثوري‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن داود مــن أنصــار‬ ‫أسرٍ متوسطة الحــال‪ .‬وتؤكــد المستشــرقة أ ّ‬
‫ن اللــه واحــد فــي العــالم‬ ‫تولستوي‪ .‬فهو يعتقد مثل تولســتوي أ ّ‬
‫كّله‪ ،‬وللجميع وهو للمسيحيين وللمسلمين ولليهــود‪ ،‬وبهــذا فهــو‬
‫ليتفق مع يفغيني بازاروف الملحد‪ ،‬ولكنه يشبهه بـأن نظرتيهمـا‬
‫إلى الحياة تختلف عن نظرة الخريــن اختلف ـا ً كــبيرًا‪ .‬وآراء داود‬
‫الدينية تشبه إلى حد كبير أفكار تولستوي‪ .‬وهكذا فإن داود فــي‬
‫أثناء حـديثه مــع والـدة صـديقه اليـاس يقـول إنـه ليـس شـرقيا ً‬
‫ولكاثوليكيًا‪.‬‬
‫ل‪ :‬هل هــو ملحــد؟ يجيــب داود عــن‬ ‫وعندما تطرح عليه سؤا ً‬
‫هذا السؤال بأّنه يؤمن بالّله وبأنبيــائه مــن أعمــاق قلبــه‪ ،‬ولــذلك‬
‫ن النســان برأيهـا ليمكـن أن‬ ‫لتستطيع والــدة اليـاس فهمــه‪ ،‬ل ّ‬
‫يكون مسيحيا ً ومسلما ً ويهوديا ً في الوقت ذاتــه‪ .‬وعنــدما تســأله‬
‫أين يصلي‪ ،‬في المسجد أم في الكنيسة أم فــي الكنيــس؟ فــي‬
‫كنيسة الكاثوليك أم في كنيسة الرثوذكس؟ يجيب داود عن هذا‬
‫السؤال بأّنه يصلي في قلبه‪ .‬وعندما يســألونه لمــاذا إذن رجــال‬
‫الدين‪ ،‬المطارنة والكّهان والكنائس‪ ،‬إذا كان الناس يســتطيعون‬
‫ما من‬ ‫الصلة دونهم؟ يجيب داود بأّنه يستطيع الستغناء عنهم‪ ،‬أ ّ‬
‫ليستطع الستغناء عنهم فليذهب إليهــم‪ .‬ولــذلك فــإن داود فــي‬
‫نظر أم الياس شخصية غريبة وغيــر مفهومــة‪ .‬مفهومــة ظــواهر‬
‫ن أكثريــة النــاس‬ ‫الحياة الكثيرة بالنسبة لداود‪ ،‬على الرغم من أ ّ‬
‫ليستطيعون فهمها‪ ،‬فهو يؤمن بقوةٍ عظيمةٍ تّنظم هذه الظواهر‬
‫لمصــلحة النــاس‪ ،‬ولــذلك فهــو يعلــق صــورة تولســتوي والسـّيد‬
‫المسيح في غرفته مؤمنا ً بأفكارهما النّيرة‪.‬‬
‫ن داود بالفعل يؤمن بالس ـّيد المســيح‬ ‫كما نرى‪ ،‬مما تقدم فإ ّ‬
‫وبأفكار تولستوي‪ ،‬ويتصرف حسب مبادئه‪ ،‬فحيــاته ذات معنــى‪،‬‬
‫يعمل معّلما كما عمل تولستوي‪ ،‬الذي قام بتعليم أولد الفلحين‬
‫في مدرسة ياسنايا بوليانا‪.‬‬
‫يتطرق ميخائيل نعيمة في هذه المسرحية إلى موضوٍع آخر‬
‫الحيـاة‬ ‫مهـم جـدًا‪ ،‬أثـار اهتمـام تولسـتوي كـثيرًا‪ ،‬وهـو موضــوع‬
‫والموت‪ .‬وفي حالة يأس يقرر الياس وهو صديق داود النتحــار‪،‬‬
‫ن الحيــاة بل معنــى‪ .‬ولكــن‬ ‫لن ّــه ليفهــم معنــى الحيــاة‪ ،‬فيــرى أ ّ‬
‫ن الحياة رائعة وكاملــة‪ ،‬فيتخلــى عــن‬ ‫شهيدة أخت داود تقنعه بأ ّ‬
‫‪- 95 -‬‬
‫فكــرة النتحــار‪ ،‬ولكــن ليســتطيع الجميــع فهــم روعــة الحيــاة‬
‫وكمالها‪ ،‬فالنــاس المؤمنــون وحــدهم‪ ،‬يســتطيعون رؤيــة جمــال‬
‫الحيــاة‪ ،‬وحــتى مصــائب الحيــاة هــي لصــالح النــاس‪ ،‬فــي نظــر‬
‫شهيدة‪.‬‬
‫ن السئلة الـتي أقلقـت اليـاس‪ ،‬هـي نفسـها الـتي أقلقـت‬ ‫إ ّ‬
‫ســابقا ً ليفــن أحــد أبطــال روايــة "آن ّــا كارينينــا" والــتي أقلقــت‬
‫تولستوي نفسه‪ ،‬الذي تحدث عن هذا الموضوع في "اعترافه" )‬
‫‪ (1880‬فــي مســرحية "البــاء والبنــون" )‪ (1917‬تفكــر أخــت‬
‫اليــاس أيضـا ً بالنتحــار‪ ،‬واســمها زينــه‪ ،‬وتحضــر الســم‪ ،‬ويقنعهــا‬
‫بالقلع عن هذه الفكرة داود الذي يعمل معلم ـًا‪ ،‬وأختــه معّلمــة‬
‫ومفهوم من قبلهما معنى الحيــاة‪ ،‬الــذي يتلخــص بــأنه يجــب أن‬
‫نعيش من أجل الخرين )‪66‬ص‪ (67‬ولذلك لتخطــر علــى بــال‬
‫داود وأخته شهيدة فكرة النتحار‪ .‬وأما الياس وأخته زينة‪ ،‬اللذان‬
‫ة‪ ،‬يفكران بالنتحار‪.‬‬ ‫يعيشان حياة ً فارغ ً‬
‫ن فكرة معنى الحياة الـذي يتلخـص فـي العمـل مـن أجـل‬ ‫إ ّ‬
‫الخرين وليس من أجــل الــذات‪ ،‬هــذه الفكــرة هــي مــن أفكــار‬
‫تولستوي‪ ،‬وسيجري الحديث مفصل ً عنها‪ ،‬ويعّبر ميخائيــل نعيمــه‬
‫في مسرحيته‪ ،‬وهي من أعماله الدبية الولى عن هــذه الفكــار‬
‫التي استقاها من نبع تولستوي‪.‬‬
‫ن الشخصــيات اليجابيــة فــي مؤلفــات تولســتوي ســلبية‪،‬‬ ‫إ ّ‬
‫بمعنى أنها لتأخذ إصلح كل شيء على عاتقهـا‪ ،‬ليمانهـا بوجــود‬
‫خــالق وهــو يــدين الخريــن‪ ،‬مثلهــا مثــل شخصــيات روايــات‬
‫دوستيفسكي‪ ،‬وأما الشخصــيات اليجابيــة فــي مســرحية نعيمــه‬
‫ل الوســائل‪ .‬فهــؤلء البطــال يعملــون‬ ‫فإنهــا تقــاوم الشــر بكــ ّ‬
‫ويكــدحون ويحــاربون العــداء الشــرار‪ ،‬الــذين يعيشــون حيــاةً‬
‫ة‪ ،‬ويـــدمنون علـــى المشـــروبات الكحوليـــة‪ ،‬ويقـــترفون‬ ‫فارغـــ ً‬
‫الموبقات‪ ،‬ويلعبون القمار‪ ،‬يتظاهر أحد هؤلء الفاسدين باليمان‬
‫بالّله‪ ،‬ويتردد على الكنيسة‪ ،‬ويتظاهر بعضــهم بــالغنى الفــاحش‪،‬‬
‫في حين كانوا يغرقون فــي الـد َْين‪ .‬ومــن أجــل تحســين أحــواله‬
‫يقــرر ناصــيف الــزواج مــن زينــة‪ ،‬الــتي تحــب داود‪ ،‬ومــن أجــل‬
‫الوصول إلى هدفه القذر الوصولي الناني يتبــع أســاليب قــذرة‪،‬‬
‫ن داود يعيش مع عشيقة له‪ ،‬وليس مع أختــه‬ ‫منها نشر إشاعة بأ ّ‬
‫ن والد داود يقيم في‬ ‫ويساعده على ذلك والده‪ ،‬وينشر إشاعة بأ ّ‬
‫مشفى المراض العقلية‪ .‬وترغب أم الياس في أن تتزوج ابنتهــا‬
‫ة أخــرى‬ ‫ن داود بروتستانتي أيّ من طائف ً‬ ‫من ناصيف لعتقادها بأ ّ‬
‫ن يكلل الكاهن حنا‪ ،‬ابنتها علــى ناصــيف‪،‬‬ ‫غير طائفتها‪ ،‬وترغب بأ ّ‬
‫حتى بدون موافقة زينه‪.‬‬

‫‪ -4‬ي ييييي ييي ي ي ي يييي ييي‬


‫ن ميخائيــل نعيمــة كــان‬‫نلحظ من الحقائق الــتي أوردناهــا أ ّ‬
‫دائمــا ً يقــدر تقــديرا ً عاليــا ً الدبــاء الــروس وعبقريتهــم‪ .‬كــان‬
‫ل أنحاء العالم‪ ،‬في الهند كــان مــن أتبــاعه‬ ‫لتولستوي أتباع في ك ّ‬
‫الزعيم الهندي المهاتما غانــدي )‪ (1948-1869‬الــذي كتــب لــه‬
‫حــول ذلــك‪ .‬وفــي فرنســا كــان الكــاتب رومــان رولن )‪-1866‬‬
‫مـا فـي الـوطن العربـي‬ ‫ف كتابـا ً عنـه‪ ،‬أ ّ‬
‫‪ (1944‬من أنصاره وأل ّ‬
‫فلعــل ميخائيــل نعيمــة أقــرب الكّتــاب إلــى أفكــار تولســتوي‬
‫وسلوكيته‪ ،‬ولقد قرأ ميخائيــل نعيمــه مؤلفــات تولســتوي باللغــة‬
‫الروسية عندما كان يدرس في المدرسة الّروسية الداخلية فــي‬
‫الناصرة‪ .‬وتابع قراءة تولستوي عندما كـان يـدرس فــي روسـيا‪.‬‬
‫ويكتب في يومياته أّنه أنهى قراءة "الحــرب والســلم" )‪-1863‬‬
‫‪ (1869‬ويوافــق تولســتوي فــي رأيــه عــن نــابليون بونــابرت )‬
‫ل مــن يشــعلها‪ .‬ولكنــه ل‬ ‫‪ ، (1821-1769‬لنه يكره الحرب وك ـ ّ‬
‫‪- 96 -‬‬
‫ل شــيء يختــص بنــابليون وكوتــوزوف )‬ ‫يوافق تولستوي فــي كـ ّ‬
‫‪ ، (1813-1745‬القائد الروسي‪ ،‬فنعيمـه يـرى تناقضـا ً فـي آراء‬
‫تولستوي عن نابليون وعن كوتوزوف‪.‬‬
‫وكان نابليون يتحرك ليــس بــإرادته ولكــن بــإرادة الظــروف‬
‫والشعوب‪ ،‬فــي حيـن أن كوتــوزوف الحكيـم اسـتطاع أن يحــرز‬
‫النصر على المعتدي نابليون‪ .‬ويتـابع قــوله عـن تولسـتوي‪" :‬إّنـه‬
‫ليضحكني أن أراني أناقش مفكرا ً عظيمـا ً مــن عيـار تولسـتوي‪،‬‬
‫عفوا ً يا ليف نيكوليفتش فأنا مدين لك بأفكارٍ كــثيرةٍ أنــارت مــا‬
‫حـي‪ .‬ففــي كــثير مـن منشـوراتك‬ ‫كان مظلمـا ً فــي عـالمي الرو ّ‬
‫الخيرة التي طالعتها في العالم الماضي قد وجدت نــورا ً أهتـدي‬
‫ل خطوةٍ من خطواتي‪ ..‬أجل‪ .‬فأنت من هذا القبيل‪ ،‬قد‬ ‫به في ك ّ‬
‫أصبحت معلمي ومرشدي من حيث ل تدري"‪.‬‬
‫)‪49‬ص ‪. (189‬‬
‫يكتــب ميخائيــل نعيمــه بعــد ذلــك فــي مــذكراته عــن ليــف‬
‫تولستوي‪" :‬في الجرائد أخذ ورد ّ عنيفان لمناسبة بلوغ تولستوي‬
‫الثمانين من عمره‪ .‬فاليسارية تطالب الحكومة بالحتفاء احتفــاءً‬
‫رسميا ً بيوبيل الكــاتب العظيــم‪ ،‬واليمينيــة تــأبى علــى الحكومــة‬
‫ن تلقي أيّ بال إلى يوبيل رجل تفسد تعــاليمه العقــول‪.‬‬ ‫والبلد أ ّ‬
‫وعلــى رأس المعارضــين الكنيســة الــتي رشــقت بحرمهــا س ـّيد‬
‫ملت وزارة المعارف على إصــدار تعميــم‬ ‫ياسنايا بوليانا‪ ،‬والتي ح‬
‫لب من الحتفــاء فــي أيّ شــكل‬ ‫ذر ّفيه الط ّ‬ ‫لجميع المدارس‪ ،‬تح ّ‬
‫باليوبيل‪ .‬ياللعار أن يكــون فــي روســيا مــن يحــاول إطفــاء هــذا‬
‫المشعل الذي يتألق نوره اليوم في جميــع أقطــار الرض‪49) ".‬‬
‫ص‪ . (214‬وفي مكان آخر يكتب‪ ..." :‬ما أفقرك يــا بلدي حــتى‬
‫المشاعل العالمّية من طراز تولســتوي لــم يخــترق ســواد ليلــك‬
‫بعد‪49) "....‬ص‪ . (233‬وبعد ذلك يكتب ميخائيل نعيمة عن ليف‬
‫تولستوي‪" :‬لقد استهواني تولستوي المفتش عن حقيقــة نفســه‬
‫وحقيقة العالم من حواليه‪49) " .‬ص‪. (271‬‬
‫ويقول عنه‪ ..." :‬وكانت يده القوية تسندني من حيــث أدري‬
‫ول يدري‪ .‬فقد كان ل يعرف شــيئا ً عنــي‪ ،‬وأعــرف عنــه الشــيء‬
‫الكثير‪ .‬وكنت أتتبع بلهفةٍ صراعه العنيف مع نفسه ومــع العــالم‪.‬‬
‫ة شعرت‬ ‫ة شعرت كأّنني ربحتها‪ .‬وإذا خسر معرك ً‬ ‫فإذا ربح معرك ً‬
‫كأنني الذي خسرها‪ .‬ذلك الصديق لم يكن غيــر نمــرود "ياســنايا‬
‫بوليانا" ليف نيكوليفتش تولستوي" )‪49‬ص‪. (371‬‬
‫ن ليــف تولســتوي غــادر بيتــه‬ ‫وعندما سمع ميخائيل نعيمة بأ ّ‬
‫فــي شــهر تشــرين الثــاني مــن عــام ‪ 1910‬ارتــاح لهــذا الخــبر‬
‫واعتبره انتصارا ً في صراع الكاتب الروســي مــع نفســه‪ ،‬ويعنــي‬
‫تصرف تولستوي‪ ،‬بنظر ميخائيــل نعيمــة‪ ،‬رفــض العــالم ومجــده‬
‫ومغرياته لكي يربح نفسه‪ ،‬لّنه ماذا ينفع النسان لو ربح العــالم‬
‫وخسر نفسه‪.‬‬
‫في العشرين من تشرين الثاني عام ‪ 1910‬ســمع ميخائيــل‬
‫ن تولستوي تــوّفي‪.‬‬ ‫نعيمة صراخ بائع الجرائد الذي كان يصرخ بأ ّ‬
‫ن تولستوي توّفي في محطــة قطــار‬ ‫وعرف نعيمة من الجرائد أ ّ‬
‫صغيرة‪ .‬بسبب مرض التهاب الصدر‪ .‬وهّز موت ليــف تولســتوي‬
‫ميخائيل نعيمة‪ ،‬الذي كان يتتبع خطاه ويحبه إلى درجــة العبــادة‪،‬‬
‫ن خطــوته هــذه‬ ‫ويعظم خطوته الخيرة في أيامه الخيرة‪ ،‬ومع أ ّ‬
‫ة‪ ،‬ولم تحقق هدفها‪.‬‬ ‫كانت متأخر ً‬
‫ن‪ ،‬كتــب ميخائيــل نعيمــة فــي‬ ‫وبعد مرور حوالي نصــف قــر ٍ‬
‫كتابه "أبعد من موسكو ومن واشنطن" )‪ (1957‬أّنه عرف من‬
‫سـي بـدمه فــي‬ ‫مؤلفـات تولســتوي‪ ،‬كيـف ضــحى الشــعب الرو ّ‬
‫سبيل الدفاع عن الــوطن‪ ،‬وعــرف اللم الــتي تســببها الحــرب‪،‬‬
‫ب والتســامح‬ ‫ن الروح الّروسية تتطلع إلى السلم والح ـ ّ‬ ‫وعرف أ ّ‬
‫‪- 97 -‬‬
‫وعدم مقاومة الشر بالشــر‪ ،‬والبحــث عــن الحيــاة فــي المــوت‪،‬‬
‫والنظام في الفوضــى‪ ،‬وحــتى ياســنايا بوليانــا‪ ،‬قريــة تولســتوي‪،‬‬
‫أصبحت منارة ً لميخائيل نعيمة‪ ،‬تضيء أيامه‪ ،‬وطريقــه للوصــول‬
‫إلــى الخيــر والشــر والحيــاة والمــوت "ووجــدت فيــه الركيــزة‪،‬‬
‫والبرهــان علــى إمكانيــة وصــول النســان المخلــص لنفســه‬
‫والمتفهــم لقــوانين الحيــاة‪ ،‬إلــى التخلــص مــن شــباك وأحابيــل‬
‫العالم‪ ،‬ولقد ارتفع فوق هذا العالم بتعاليمه وقلمه وحيــاته الــتي‬
‫ة" )‪60‬ص‪. (210‬‬ ‫يمكن اتخاذها قدو ً‬
‫عاش ميخائيل نعيمة في لبنان‪ ،‬الذي كان حـتى عـام ‪1918‬‬
‫يرضخ تحـت نيـر السـتعمار الـتركي‪ ،‬وقـع بعـد ذلـك تحـت نيــر‬
‫الستعمار الفرنسي‪ ،‬وكان ذا بنيةٍ اقتصاديةٍ متخلفةٍ وتمر ثقافته‬
‫ط‪ ،‬في حين ولد تولستوي فــي روســيا وهــي بلــد‬ ‫بمرحلة انحطا ٍ‬
‫كــبير قــوي مســتقل‪ ،‬ذو حضــارة وثقافــة عريقــة وممتــازة ولــه‬
‫علقات وثيقة مع الغرب‪ .‬ولــد ميخائيــل نعيمــة فــي أســرةِ فلح‬
‫فقير‪ ،‬واضطر والده إلى الهجرة إلى أمريكــا لكــي يــؤمن لقمــة‬
‫العيــش لســرته‪ .‬وبفضــل الصــدفة وبفضــل روســيا اســتطاع‬
‫مــا تولســتوي "بــتربيته‬ ‫ميخائيل نعيمة الحصــول علــى التعليــم‪ ،‬أ ّ‬
‫ة" )‪167‬‬ ‫وولدته فانتمى إلى أسرةٍ ارستقراطيةٍ عريقةٍ إقطاعيــ ٍ‬
‫ن نظرتهمــا إلــى الحيــاة‬ ‫ل هذه الفــوارق فــإ ّ‬ ‫ص‪ . (40-39‬ومع ك ّ‬
‫وإلى التعاليم المسيحية واحدة ومتطابقة‪.‬‬
‫كتب ميخائيـل نعيمـة فـي الجـزء الول مـن سـيرته الذاتيـة‬
‫"سبعون"‪ ...." :‬فأنا كذلك كنت قد بــدأت أفتــش بمنتهــى الجــد‬
‫عن حقيقة نفسي‪ ،‬وحقيقة العالم الذي أعيــش فيــه‪ ،‬والمصــباح‬
‫الوحيد الذي كنت أهتدي بنوره هو المصباح الذي سار على نوره‬
‫تولستوي‪ .‬وأعني النجيل" )‪ 49‬ص‪. (371‬‬
‫ن النجيــل كــان‬ ‫ويؤكد ميخائيــل نعيمــة فــي أكــثر مؤلفــاته أ ّ‬
‫ويبقى العزاء الوحيد له‪ .‬وفهم تولســتوي ونعيمــة تعــاليم الس ـّيد‬
‫المسيح بأّنه ل يجوز مقاومة الشر بالشر وبعدم الدانة‪ ،‬ول يحق‬
‫لحدٍ الحكم على آخــر بالعــدام‪ .‬ويجــب التواضــع‪ ،‬وعــدم إهانــة‬
‫الخرين‪ ،‬وعــدم إهانــة الــذات‪ ،‬وعــدم اســتغلل تعــب الخريــن‪،‬‬
‫ويجب مساعدة النسان لخيه النســان‪ ،‬وعــدم جمــع الــثروات‪،‬‬
‫ومن يطلب قميصا ً فأعطه الرداء‪ ،‬بالضافة إلى القميص‪ ،‬يجــب‬
‫أن نحيا بمحبة الخرين‪ ،‬والتخلي عن كل الثروات‪ ،‬والبحث عــن‬
‫ن آخر‪.‬‬ ‫ملكوت الّله في القلب وليس في أيّ مكا ٍ‬
‫وفــي كتــابه "جــبران خليــل جــبران" ‪ 1934‬كتــب ميخائيــل‬
‫ن موضــوع يســوع ل ينضــب‪ ،‬ومهمــا عــالجته اللغــات‬ ‫نعيمــة أ ّ‬
‫والقلم واللسن‪ ،‬ومهما كثرت المؤلفات حـول هـذا الموضـوع‪،‬‬
‫يبقى هناك مكان لكتاب جديد‪ 53) .‬ص‪. (254‬‬
‫لم يكن عند السّيد المسيح بيت ول ثروة ول أسرة ول مجــد‬
‫وكان يتجول‪ .‬ويرى تولستوي ونعيمة أن ّــه يجــب أخــذ قــدوة مــن‬
‫السيد المسيح فــي هــذا النمــوذج مــن الحيــاة‪ .‬فانعكســت هــذه‬
‫الراء في إبداعهما‪ .‬إن تعاليم السيد المسيح في نظرهما هامــة‬
‫ل بحد ذاتها‪ ،‬وإّنما كإرشادات عملية للحياة‪.‬‬
‫ن أفكارهمـا‬ ‫اهتم كلهما بأخلقّيـة النـاس وبإنسـانيتهم‪ ،‬ولكـ ّ‬
‫كانت أوسع من المسيحية‪ ،‬لّنها نبعت من النجيل ومن البوذيــة‬
‫ومــن الــديانات الخــرى ومــن الفلســفة القــدماء والمعاصــرين‪،‬‬
‫در تقــديرا ً عالي ـا ً الفكــار الشــتراكية‪ .‬فلــذلك‬ ‫فنعيمة كما رأينا ق ّ‬
‫انتشــرت أفكارهمــا بيــن شــعوب كــثيرة ذات أنظم ـةٍ سياســيةٍ‬
‫ة‪.‬‬
‫ت مختلف ٍ‬
‫ة‪ ،‬وذات قوميا ٍ‬ ‫متباين ٍ‬
‫ن عودة تولستوي إلى الفكر المســيحي تمثــل عــودته إلــى‬ ‫إ ّ‬
‫ة‪ ،‬وكأّنها عودة إلى طفولة البشــرية‪ ،‬حيــث‬ ‫فلسفةٍ شرقيةٍ قديم ٍ‬
‫كان الخلص والمحبة التي ل تعرف الحدود‪ ،‬أيّ الصــفات الــتي‬
‫‪- 98 -‬‬
‫درها تقديرا ً عاليًا‪ .‬مازال الشعب يحــافظ‬ ‫لحظها في طفولته وق ّ‬
‫على هذا الخلص والصدق‪ .‬هذا ما نلحظه فــي روايــة "الحــرب‬
‫والســلم" )‪ (1869-1863‬وفــي روايــة "آن ّــا كارينينــا" )‪-1873‬‬
‫‪ (1877‬ويعود نيخليودوف بطل روايــة "البعــث" )‪ (1899‬إلــى‬
‫طهارة الشعب‪.‬‬
‫لكي نتخلص من عيوب البشــرية‪ ،‬بــرأي تولســتوي ونعيمــة‪،‬‬
‫يجــب أن نبــدأ بتخليــص أنفســنا مــن العيــوب‪ .‬ولقــد كتــب ليــف‬
‫تولســتوي فــي عـام ‪ 1854‬فــي قصــته "المراهقــة"‪" :‬وبصــورةٍ‬
‫ة‪ ،‬وبتأثير نيخليودوف‪ ،‬وبصورةٍ ل إراديةٍ استوعبت مذهبه‪،‬‬ ‫طبيعي ٍ‬
‫ن قـدر‬‫الخيـر للخريـن‪ ،‬العتقـاد بـأ ّ‬ ‫الـذي يتضـمن عبـادة عمـل‬
‫النسان هــو أن يحــاول دائمـا ً تصــعيد إمكانيــاته‪ .‬وآنــذاك يمكــن‬
‫ل عيـوب النسـانية ومصـائبها‪ ،‬وهــو عمــل ســهل‬ ‫القضاء على ك ّ‬
‫ل فــردٍ بالقضـاء علــى عيــوبه‪ ،‬وأن‬ ‫جدًا‪ ،‬وفقط يجب أن يقوم كـ ّ‬
‫يعمل الخير‪ ،‬فيصبح سعيدًا" )‪94‬ص‪. (75‬‬
‫ة "صــبيحة إقطــاعي" )‬ ‫فــي قصــته الــتي تعتــبر ســيرة ً ذاتيـ ً‬
‫ن هدف حياته مساعدة فلحيــه‪ ،‬مــع‬ ‫‪ (1858‬يعتبر نيخليودوف أ ّ‬
‫أّنهم ل يفهمونه‪ .‬ويكتب المير نيخليــودوف إلـى عمتــه "دعــوتي‬
‫هي أن أعمل الخير وأتمناه وأحبــه" )‪107‬ص‪ (123‬ومــن أجــل‬
‫ذلــك يــترك نيخليــودوف الجامعــة‪ ،‬وللســبب ذاتــه تــرك ليــف‬
‫تولستوي جامعة كازان في عام ‪.1847‬‬
‫ونقرأ الفكرة ذاتها في قصــة "الســعادة الزوجيــة" )‪(1859‬‬
‫فالسعادة‪ ،‬ل شك‪ ،‬تتلخص في أن يحيا النسان مــن أجــل أخيــه‬
‫النسان‪ ،‬ومن أجل الخرين‪.‬‬

‫‪ -5‬يييي ييي ي ي ي ييي يييييي ي‬


‫يي ي يييي ييي ييييي ي‪:‬‬
‫ونجد الفكرة ذاتهــا فــي قصــة "القــوزاق" )‪ . (1863‬يكتــب‬
‫ن الســعادة حاجــة فطريــة لــدى‬ ‫تولســتوي فــي هــذه القصــة‪ ،‬أ ّ‬
‫النسان ولذلك فتلبيتها أمر ضروري ومشــروع‪ ،‬ولكــن إذا لــبيت‬
‫ن الظــروف‬ ‫ة‪ ،‬أي في البحث عن الثروة والمجد‪ ،‬فــإ ّ‬ ‫بصورةٍ أناني ٍ‬
‫يمكن أن تتكون ّبشــكل ل يســتطيع فيــه النســان أن يلــبي كـ ّ‬
‫ل‬
‫ن هذه الماني غير مشــروعة‪ .‬ويمكــن تلبيــة‬ ‫أمانيه‪ ،‬وهذا يعني أ ّ‬
‫حاجة النسان إلى محبة الخرين والتضحية بالــذات مــن أجلهــم‬
‫ة‪ ،‬إذ أن الحيــاة قصــيرة‪ ،‬ومــا‬ ‫"وهل يجوز أن نعيش بصورةٍ أناني ٍ‬
‫معناها إن لم نعمل فيها الخيــر ول يعــرف أحــد أننــا قمنــا بعمــل‬
‫الخير" )‪96‬ص‪ . (87‬توصل أولينين بطل القصة‪ ،‬في تأملته عن‬
‫معنى الحياة إلى الفكرة المذكورة‪.‬‬
‫نجد في مؤلفات ميخائيــل نعيمــه مثــل هــذه الفكــار‪ .‬ففــي‬
‫قصة "ويذوب الجليد" التي نشــرها الكــاتب فــي مجموعــة "أبــو‬
‫بطة" )‪ (1958‬يكتب‪" :‬مني قشة ومنــك قشــة" )‪ 50‬ص‪(564‬‬
‫م‪ ،‬يــده‬ ‫ومــن الخــر قشــة‪ ،‬فأنــا ل أســتطيع أن أعيــش فــي عــال‬
‫ونظراته وهواؤه وقلبه من جليد‪ ،‬فمني قشة‪ ،‬ومنك قشة ٍومــن‬
‫ن الكاتب ينادي في هــذه‬ ‫ل إنسان قشة‪ ،‬ويذوب الجليد‪ .‬نرى أ ّ‬ ‫ك ّ‬
‫القصة بالتعاون‪ ،‬والمحبة لكي نشعر بدفء العالم‪.‬‬
‫وتـــذكرنا هـــذه القصـــة بقصـــة ليـــف تولســـتوي "المّعلـــم‬
‫والعامل"‪ (1895) .‬يشعر المعلم بدفء من عامله‪ ،‬ويتحســس‬
‫ن عاش العامل‪ ،‬عــاش المعلــم‪ ،‬وإن مــات‬ ‫أّنه يعيش بسببه‪ ،‬فإ ّ‬
‫العامل‪ ،‬مات المعلــم‪ .‬فــالمعلم هــو العامــل‪ ،‬والعكــس صــحيح‪.‬‬
‫ففي هاتين القصتين نــرى أفكــار نعيمــه وتولســتوي عــن الــروح‬
‫الخوية التي يجب أن تخّيم على البشرية‪.‬‬

‫‪- 99 -‬‬
‫وفي قصة "شهيدة الشهد" مــن المجموعــة ذاتهــا‪ ،‬حصــلت‬
‫خيزران على العسل من أجل أخيها المريض‪ .‬من خلّيــة النحــل‪،‬‬
‫مهــا النــاس عنهــا‪.‬‬ ‫فلسعها النحل‪ ،‬فمــاتت‪ ،‬وحــتى الن تحــدث أ ّ‬
‫وفي قصة "جهنم" كان على عدنان إخلء الــبيت الــذي يســكنه‪،‬‬
‫ل ماعنده حتى توصل إلى صــورة عشــيقته‪ ،‬الــتي‬ ‫فأخذ يحرق ك ّ‬
‫كانت تخون زوجها معه‪ .‬وعندما أحــرق نصــف صــورته معهــا‪ ،‬إذ‬
‫ة‪ ،‬ول‬ ‫بجرس الهاتف‪ ،‬وإذا بها تناديه‪ .‬ويشعر عدنان بــآلم ٍ عظيمـ ٍ‬
‫فتخلص منها فقــط‬ ‫توجد لديه وسيلة يتخلص بها من هذه اللم‪،‬‬
‫ن الجنــة‬ ‫ب‪ ،‬يــرى المؤلــف أ ّ‬ ‫عندما تحسس في قلبــه بعــض الحـ ّ‬
‫والجحيم هما حالتان من حالت القلب النساني‪ ،‬ومكانهما فيــه‪،‬‬
‫وليس في أيّ مكان آخر‪.‬‬
‫وفي مجموعة "النور والــديجور" )‪ ، (1948‬يكتــب ميخائيــل‬
‫ن علــى النــاس مســاعدة بعضــهم‬ ‫ن‪ ،‬أ ّ‬ ‫نعيمه في ّأكــثر مــن مكــا ٍ‬
‫ل الكائنات الحّية يســاعد بعضــها بعضــها الخــر‪ .‬تطيــر‬ ‫بعضًا‪ .‬فك‬
‫الطيور أسرابا ً لكي يدافع بعضــها عــن بعضــها الخــر ويســاعده‪،‬‬
‫كما تتحسس أعضاء الجسد بعضها آلم بعضها الخر فإن تألمت‬
‫يد النسان أو قلبه أو عينه تألم الجسد كّله‪ ،‬وتغير عمله بســبب‬
‫م بأحــد أعضــائه‪ .‬فحيــاة النســان تتــأثر وتــؤثر بحيــاة‬ ‫مــرض أل ـ ّ‬
‫ب نفسه‪،‬‬ ‫ب أحد أفراد المجتمع قريبه‪ ،‬فإنما أح ّ‬ ‫الخرين‪ ،‬فإن أح ّ‬
‫ب الخرين‪ .‬الكون بكامله مترابط‪ .‬الماضــي‬ ‫وإن أحب نفسه أح ّ‬
‫يؤثر على الحاضــر‪ ،‬والحاضــر علــى المســتقبل‪ ،‬الشــمس تــؤثر‬
‫ل ذرةٍ في الكــون متــأثرة‬ ‫على الرض‪ ،‬وعلى كواكب أخرى‪ ،‬فك ّ‬
‫ومؤثرة فالكون وحدة متكاملة‪.‬‬
‫ة فقــط‪،‬‬ ‫ة ســلبي ً‬ ‫ن النانية‪ ،‬أية كانت‪ ،‬ليست صف ً‬ ‫يرى نعيمه أ ّ‬
‫وإّنما هي أيضا ً صفة غبّية ول فائدة منها‪ ،‬حياة الفرد تشبه المياه‬
‫في المحيط الذي يعطي مياهه عن طريــق التبخــر‪ ،‬وهــي تعــود‬
‫إليــه بوســاطة النهــار‪ .‬كتــب عــن هــذا الموضــوع فــي ســيرته‬
‫ن النــاس‬ ‫الذاتية"سبعون" )‪ (1960‬وكتب في كتــابه "مــرداد" أ ّ‬
‫ل أعمــالهم وأفكــارهم ونيــاتهم وأقــوالهم‬ ‫ن كـ ّ‬ ‫يجب أن يعرفوا أ ّ‬
‫تعود إليهم‪ .‬ولذلك يجــب معاملــة الخريــن كمــا نعامــل أنفســنا‪،‬‬
‫ل نيـة سـوداء شـريرة‪ ،‬وآنـذاك‬ ‫ويجب أن ننظـف قلوبنـا مـن كـ ّ‬
‫تختارنــا الرادة الكليــة لتخليــص البشــرية مــن آلمهــا‪ ،‬ولكــي‬
‫نستطيع أن نصل إلى المحبة وإلى الفهــم الكامــل‪ .‬كــذلك كــان‬
‫مرداد يعّلم نوحا ً وكذلك عّلم الخرين‪ .‬كذلك كان يقــول الخــادم‬
‫مــرداد لتلميــذه‪ 61) .‬ص‪ (564‬ومــرداد فــي كتــاب نعيمــه هــو‬
‫خلص‪ ،‬الذي يساعد نوحا ً في فترة الفيضانات‪ ،‬وبعد ذلك جاء‬ ‫الم ّ‬
‫إلى الدير الذي بناه سام بن نوح‪ ،‬لكنهــم فــي الــدير لــم يقبلــوه‬
‫ن ملبسه كانت باليــة‪،‬‬ ‫كأحد أعضاء الدير‪ ،‬وحرم من حقوقهم‪ ،‬ل ّ‬
‫وشــكله يشــبه المتسـول‪ .‬فقبلــوه بصــفة خـادم‪ .‬فأصـبح‪ ،‬بــرأي‬
‫الرهبــان‪ ،‬قديسـا ً ومعلمـا ً ونبي ـًا‪ .‬فكتــب كلمــاته أصــغرهم ســنًا‪.‬‬
‫فكتاب "مرداد" هو عبـارة عـن كلمـات مـرداد ومـواعظه وهــي‬
‫ل المكنة والزمنة والشعوب‪.‬‬ ‫صالحة لك ّ‬
‫ن‬‫وعندما ذكر رئيس الدير مرداد بأّنه خادم‪ ،‬أجابه مــرداد بــأ ّ‬ ‫ّ‬
‫عند رئيــس الــدير أكــثر مــن خــادم‪ ،‬النجــوم والكــواكب والبحــار‬
‫والمحيطات والطيور والغابات‪ .‬وعنده أيضا ً رؤساء كثيرون‪ ،‬فهم‬
‫دام‪ .‬الفرد‬ ‫ل ما في العالم هم سادة وخ ّ‬ ‫اللصوص والمتسولون ك ّ‬
‫يخـدم الجميــع‪ ،‬والجميــع يخــدمون الفـرد‪ ،‬رأس النسـان يخـدم‬
‫المعدة‪ ،‬مثلما هي تخدم الــرأس‪ 61) .‬ص‪ (610‬ولــذلك يقــترح‬
‫ب أنفســنا‬ ‫ل‪ .‬لكــي نح ـ ّ‬ ‫مرداد إلغاء كلمة "أنا" لّنها جزء من الك ـ ّ‬
‫ب‬ ‫ب‪ ،‬ونحـ ّ‬ ‫ـش لكــي نــدرك الحـ ّ‬ ‫ب الخرين‪ .‬إّننــا نعيـ‬ ‫يجب أن نح ّ‬
‫ب‬ ‫لكي ندرك الحياة‪ .‬والمحبة هي الّلـه‪ ،‬ووصـيته‪ .‬وكـل مـن يحـ ّ‬
‫ن محبتـه محكـوم عليهـا بـالموت‪ ،‬فكيـف‬ ‫الجزء‪ ،‬ويترك الك ّ‬
‫ل فإ ّ‬
‫ب الشجر نفسه‪.‬‬ ‫ب الوراق على الشجر ول نح ّ‬ ‫نح ّ‬
‫ة‬
‫ن القاتل والقتيل شركاء في جريم ً‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫نعيمه‬ ‫ميخائيل‬ ‫يستنتج‬
‫‪- 100 -‬‬
‫ة‪ ،‬مثــل الســارق والمســروق‪ ،‬فالمســروق مــذنب مثــل‬ ‫واحــد ٍ‬
‫ة‪ ،‬ولذلك ل يحق لحــ ًدٍ‬ ‫وليست بسيط ً‬ ‫السارق‪ ،‬فالمور متشابكة‬
‫ب بعضــنا بعض ـا‪،‬‬ ‫أن يــدين الخريــن ولكننــا جميعـا ً يجــب أن نح ـ ّ‬
‫ل مــافي العــالم‪ ،‬أن نتخلــى عــن ذواتنــا ونــذوب فــي‬ ‫ونحــب ك ـ ّ‬
‫الخرين‪ .‬وآنذاك تســتطيع النســانية أن تصــل إلــى حلمهــا وهــو‬
‫ب وحده‪ ،‬وبالقلب وحده يمكن أن نــدرك‬ ‫ل شيء‪ .‬بالح ّ‬ ‫معرفة ك ّ‬
‫ن المحبــة هــي الل ّــه‪ ،‬والل ّــه محبــة‪ .‬وتــذكرنا هــذه‬ ‫ل شــيء‪ ،‬ل ّ‬ ‫كـ ّ‬
‫الكلمات بكلمات تولستوي في أســطورة "بــم يعيــش النـاس؟"‬
‫ن الّلـه هـو‬ ‫من كان فــي المحبـة‪ ،‬كـان فـي الّلـه‪ ،‬والّلـه فيـه‪ ،‬ل ّ‬
‫ب بعمل الخيــر‪ ،‬وبرفــض‬ ‫المحبة" )‪ 101‬ص‪ . (25‬ونعّبر عن الح ّ‬
‫الشــر‪ ،‬ويمكــن أن نجــد هــذه الفكــار فــي مؤلفــات تولســتوي‪،‬‬
‫وميخائيل نعيمه‪.‬‬
‫روايــة "الحــرب والســلم" )‪ (1869-1863‬ذات مواضــيع‬
‫كثيرة ومتعددة الفكار‪ .‬من بين الفكار البســيطة لهــذه الروايــة‬
‫أننا يجب أن نعمل الخير ول يجوز أن نعمل الشر‪ .‬يحاول الميــر‬
‫فاسيلي في هذه الرواية أن يســرق وصــية الكــونت بيزوخــوف‪،‬‬
‫التي بموجبها يحصل بيير على ثــروةٍ كــبيرةٍ وعلــى لقــب كــونت‬
‫بيزوخــوف‪ ،‬ولكــن آّنــا ميخايلوفنــا حــالت دون تحقيــق نوايــاه‬
‫الشريرة‪ .‬يتخلـص بييــر مـن الفــخ الول الــذي نصـبه لــه الميــر‬
‫فاسيلي‪ ،‬لكنه يقع في الثاني‪ ،‬إذ اضطر إلى أن يتزوج من إيلين‬
‫ن أفكــار الميــر‬ ‫ابنة المير فاسيلي‪ .‬ولم يكن معها ســعيدًا‪ .‬ولك ـ ّ‬
‫فاســيلي النانيــة لــم تعطــه الــثروة أو الكرامــة‪ .‬وفــي ســنواته‬
‫الخيرة أصبح شيخا ً متقدما ً في الســن‪ ،‬يســتحق الشــفقة‪ .‬ولــم‬
‫يستطع أن يزّوج ابنــه أنــاتولي مــن ماريــا بولكونســكي‪ ،‬وأصــبح‬
‫أناتولي بعد معركــة بــاردينو مشــوهًا‪ .‬ومــاتت إيليــن فــي صــباها‬
‫بسبب حياتها الفاسدة‪.‬‬
‫ة‬‫فاسـيلي عنـد بييـر فكـرة ً تشـاؤمي ً‬ ‫وّلدت تصـرفات الميـر‬
‫ة عــن‬ ‫ولعلها أكثر أفكار الرواية تشــاؤمًا‪ ،‬فلقــد ســمع بييــر قص ـ ً‬
‫الجنود الذين كانوا أثنــاء الحــرب فــي الخنــدق وتحــت القصــف‪،‬‬
‫والذين اختلقـوا وسـائل كـثيرة للتسـلية‪ ،‬لكـي يتحملــوا الحـرب‬
‫بصورةٍ أسهل‪ ،‬ولكي يتناسوا الخطر المحدق بهم‪ ،‬ورأى بيير أن‬
‫الناس كلهم يشبهون هؤلء الجنــود الــذين يحتمــون مــن الحيــاة‬
‫ويتناســونها ويتجاهلونهــا‪ ،‬بعضــهم بحّبهــم للشــرف‪ ،‬وبعضــهم‬
‫بانشغالهم بالسياسة‪ ،‬وبعضهم بهواية الصيد‪ ،‬وبعضــهم بالدمــان‬
‫ل‬‫على المشروبات الكحولية‪" .‬ليوجد عمل هام وآخر وضيع‪ ،‬كــ ّ‬
‫العمـال متسـاوية الهميــة‪ ،‬فقـط المهــم أن أحتمـي منهــا كمــا‬
‫أستطيع! ‪-‬فكر بيير‪ -‬فقط المهـم أل ألحظهـا‪ ،‬هـذه المخيفـة" )‬
‫ن‬ ‫‪ 97‬ص‪ . (297‬ويقصــد بكلمــة المخيفــة أن الحيــاة مخيفــة‪ .‬إ ّ‬
‫تأملت بيير حول الحياة تشبه تأملت تولستوي نفسه‪ .‬يكفي أن‬
‫ن النســان ل‬ ‫نتذكر ما كتبه تولستوي فــي اعــترافه )‪ (1880‬بــأ ّ‬
‫مــا‬ ‫يعيش إل حين تسكره الحياة وتغشــي بصــيرته‪ ،‬أ ّ‬ ‫يستطيع أن‬
‫حين يكون صاحيًا‪ ،‬فيستحيل عليه إل أن يرى أّنها زيــف محــض‪،‬‬
‫ن ليس فيها شيء مسل أو ذكي‪ ،‬إّنها غبيــة‪،‬‬ ‫زيف غبي! فالحق أ ّ‬
‫بكل بساطة قاسية‪.‬‬
‫ويكتــب تولســتوي الســطورة الشــرقية الــتي تتحــدث عــن‬
‫مسافر اعترضه فــي الـوعر الفســيح وحـش مفـترس‪ ،‬فاضــطر‬
‫ة‪ ،‬لكنــه رأى مــن بعيــد فــي قــاع‬ ‫للهرب منه والقفز في بئرٍ جاف ٍ‬
‫ة‪ ،‬لكنــه‬ ‫البئر تنينًا‪ ،‬قد فتح فكيه لفتراسه‪ ،‬فتمسك بغصن شــجر ٍ‬
‫رأى جرذيـن أبيـض وأسـود‪ ،‬يـدوران حـول الغصـن‪ ،‬ويقضـمانه‪.‬‬
‫فعرف أّنه ل محالة هالك‪.‬‬
‫حالـة بييـر بيزوخـوف غيـر طبيعيـة‪ .‬فهـو غنـي ومتعلـم وذو‬
‫ن زوجتــه‬ ‫ف السعادة ويثير الســخرية ل ّ‬ ‫ة‪ ،‬ولكنه ل يعر ُ‬ ‫صحةٍ جيد ٍ‬
‫ل فلح من فلحيه سعيد أكثر منه‪ .‬وحصل بيير‬ ‫خائنة‪ ،‬ولتحبه‪ ،‬ك ّ‬
‫على السعادة في نهاية المطاف‪ ،‬فتزوج مــن ناتاشــا روســتوفا‪.‬‬
‫‪- 101 -‬‬
‫فاستحق بيير السعادة لقلبه الــذهبي‪ .‬فــإذا كــان زواج بييــر مــن‬
‫ن زواجــه مــن ناتاشــا روســتوفا‬ ‫إيلين قد أدى به إلى التشاؤم فإ ّ‬
‫أنقذه منه وخلصه من الفكار السوداوية‪.‬‬
‫ما دولوخوف ‪-‬أحد أبطال الرواية‪ ،‬الذي أصبح عشيقا ً ليلين‬ ‫أ ّ‬
‫زوجة بيير "فلعب في حياة بيير الدور نفسه‪ ،‬الذي لعبــه أنــاتول‬
‫في حياة أندريه بولكونسكي‪86) "...‬ص‪ (76‬وعنــدما يقــع بييــر‬
‫في السر‪ ،‬وتظهر جانبه ناتاشا روستوفا‪ ،‬وآنذاك كــان المخل ّــص‬
‫هو أفلطون كاراتايوف‪ ،‬الذي ترك انطباعا ً كبيرا ً على بيير ليس‬
‫بكلماته وإنمــا بتصــرفاته‪ .‬وتــم لقــاء بييــر بــأفلطون كاراتــايوف‬
‫عنــدما تحط ّــم إيمــان بييــر بعدالــة النظــام الــذي يســود العــالم‪،‬‬
‫وبالّله‪ ،‬وتغلغلت أفكار أفلطون كاراتايوف إلى أعماق قلب بيير‬
‫ة‪ ،‬وإّنمــا كإحســاس بالحيــاة‬ ‫ة‪ ،‬كمنظومــةٍ فكريــ ٍ‬ ‫ليــس كنظريــ ٍ‬
‫المحيطة المفقودة المعقولة‪ .‬أحب أفلطون كاراتايوف الجميــع‬
‫ب‪ ،‬وبقوة هذا الحب كان أفلطون كاراتــايوف يحــس‬ ‫وعاش الح ّ‬
‫أنــه جــزء ل يتجــزأ مــن العــالم كل ّــه‪ .‬كاراتــايوف ابــن الطبيعــة‬
‫العظيم‪ .‬وعندما يموت فإّنما يرجع إلى حضن الطبيعة‪.‬‬
‫ن موقف تولستوي من شخصياته هو موقف‬ ‫ويرى غالغان أ ّ‬
‫أخلقــي )‪ 142‬ص‪ (77‬يحــاول أن يظهــر الحــداث مــن خلل‬
‫تجربة الخير والشر ومن خلل القــانون الخلقــي‪ .‬وهــذا واضــح‬
‫في مخطوطات "الحرب والسلم"‬
‫)‪ ، (1863-1869‬فهذه الروايــة يمكــن فهمهــا علــى أّنهــا روايــة‬
‫أخلقية‪ ،‬أكثر مما هي رواية تاريخيــة‪ .‬ولعــل نــابليون بونــابرت )‬
‫‪ (1821-1769‬هو الشخصية المروعة في الرواية‪ ،‬الـذي أقـدم‬
‫علــى عــدد ل يحصــى مــن الجــرائم‪ ،‬الــتي أدت إلــى أن دخلــت‬
‫القوات الروسية إلى قلــب بلــده‪ ،‬إلــى بــاريس‪ .‬ويفهــم الكــاتب‬
‫ر‬ ‫الحتفــالت الشــعبية‪ ،‬والنصــر علــى نــابليون مــن وجهــة نظ ـ‬
‫ـيٍ‬‫ة‪ ،‬أيّ انتصــار العدالــة علــى الظلــم والشــر فـ‬ ‫فلسفيةٍ أخلقي ـ ٍ‬
‫الحياة‪ .‬وهزيمة نابليون هــي هزيمــة فلســفته فــي الحيــاة‪ ،‬فهــو‬
‫لد‪ ،‬لكنه يحاول أن يقنــع نفســه بــأّنه يهــدف إلــى‬ ‫يقوم بدور الج ّ‬
‫خير الشعوب‪.‬‬
‫قائد الجيوش الروسية ما بيــن عــام ‪ 1812-1805‬الجنــرال‬
‫كوتــوزوف )‪ (1813-1745‬هــو الشخصــية المضــادة لشخصــية‬
‫ل شيء‪ .‬فلديه حــس شــعبي‪ ،‬ســاعده علــى‬ ‫نابليون بونابرت بك ّ‬
‫التعمق في مجريات الحداث‪ ،‬وفهم مضــمونها ونهايتهــا‪ .‬ويبــدي‬
‫ن الصــبر والزمــن شــرطان‬ ‫ة ويعتقــد بــأ ّ‬‫ة شــعبي ً‬
‫كوتوزوف حكمـ ً‬
‫ضــروريان لتحقيـق النصــر‪ ،‬ولتجـاوز الزمـة‪ .‬يتصــف كوتــوزوف‬
‫ببعض الصفات الشعبية العفوية‪ .‬وتؤدي هذه الروح العفوية إلى‬
‫البطولــة الشــعبية النســانية‪ ،‬الــتي حققهــا النــاس العــاديون‬
‫البسطاء‪ ،‬وليـس القـادة‪ ،‬حـتى ناتاشـا روسـتوفا‪ ،‬الـتي ل تفكـر‬
‫بالقرارات التاريخية المصيرية‪ ،‬وإّنما تطيــع إحساســاتها العفويــة‬
‫الفطرية‪ ،‬تقــوم بالمسـاعدة علــى نقــل الجرحــى مـن موسـكو‪،‬‬
‫وعملها هذا عمل تاريخي‪ .‬ومثل هذه العمال البسيطة العفويــة‬
‫أدت في نهاية المطاف إلــى النصــر التــاريخي علــى النابليونيــة‪.‬‬
‫تتصف ناتاشــا روســتوفا بالصــفات الشــعبية البســيطة الطبيعيــة‬
‫ل مــن الميــر أنــدريه بولكونســكي‬ ‫العفوية ولذلك يتعلــق بهــا كـ ّ‬
‫والكونت بيير بيزوخوف‪ ،‬الشخصية القريبة إلى قلــب تولســتوي‬
‫فقد ظهر في بداية الرواية‪ ،‬واستمر حتى نهايتها‪ ،‬كأنه يرمز إلى‬
‫الشعب الذي لن يموت‪.‬‬
‫في الحادي عشــر مــن نيســان عــام ‪ 1908‬أيّ عنــدما كــان‬
‫عمره أقل من عشرين عاما ً يكتب ميخائيل نعيمــه فــي يوميــاته‬
‫التي نشر بعضها في الجزء الول من سيرته الذاتية "سبعون" )‬
‫ة‪ ،‬لن ّــه قرأهــا خلل فــترةٍ‬ ‫‪ (1959‬عن هذه الرواية أكثر من مر ٍ‬
‫ن الرواية‪ ،‬كمـا هـو معـروف كـبيرة الحجـم‪ ،‬وتتضـمن‬ ‫ة‪ ،‬ل ّ‬
‫طويل ٍ‬
‫ة‪ ،‬وتتحــدث عــن مصــائر أوروبــا فــي زمــن نــابليون‬ ‫أفكارا ً عميق ً‬
‫‪- 102 -‬‬
‫بونابرت )‪.(1821-1769‬‬

‫ي‪-6‬ييييي يييي ي ي يي ي يييي ييي‬


‫ي‪:‬‬ ‫ييييي‬
‫عندما كــان ميخائيــل نعيمــه يعيــش فــي الوليــات المتحــدة‬
‫المريكيــة‪ ،‬انتســب إلــى محفــل ماســوني لكنــه توصــل إلــى‬
‫الســتنتاج ذاتــه الــذي توصــل إليــه بييــر بيزوخــوف فــي روايــة‬
‫"الحرب والسلم" وهو أن كثيرا ً مــن رجــال السياســة والتجــارة‬
‫ة‬
‫والقضــاء والمحامــاة يتخــذون مــن المحافــل الماســونية وســيل ً‬
‫ة‬
‫ف أنانيـ ٍ‬‫ة‪ ،‬أو إلــى أهــدا ٍ‬ ‫للوصــول إلــى مناصــب حكومي ـةٍ رفيع ـ ٍ‬
‫ة‪ ،‬لــذلك أنهــى ميخائيــل نعيمــه نشــاطه فــي المحافــل‬ ‫ضــيق ٍ‬
‫الماسونية‪ ،‬مع أّنه انتسب إليها‪ ،‬وتوصل إلى مركز رفيع فيهــا‪) .‬‬
‫‪ 49‬ص‪. (346‬‬
‫في رواية "الحرب والسلم" )‪ (1869-1863‬ينتسب بييــر‪،‬‬
‫بعد خلفه مع زوجته إيلين‪ ،‬إلـى المحافــل الماســونية‪ ،‬لعتقـاده‬
‫ن هدفها تخليص الذات‪ ،‬وفي نهاية المطــاف تخليــص الجنــس‬ ‫بأ ّ‬
‫ن بييــر يئس بعــد ذلــك مــن المحافــل‬ ‫ّ‬ ‫البشــري بكــامله‪ ،‬ولكــ‬
‫مــا تولســتوي‬ ‫الماسونية‪ .‬وكذلك نعيمه ًتعل ّــق بهــا ويئس منهــا‪ ،‬أ ّ‬
‫نفسه‪ ،‬فلم يرتبط بها أبدا في حياته‪.‬‬
‫يتحــدث تولســتوي فــي روايتــه الخالــدة عــن التاريــخ وعــن‬
‫الشعب والسلم والحرب‪ ،‬وكذلك عن الخير والشـر‪ ،‬وأن الخيـر‬
‫يولد الشر‪ ،‬والشر يولد الشر‪ ،‬ومن يصنع الشر يبتلــي بـه‪ .‬ومـن‬
‫سم بلعه‪.‬‬ ‫حفر حفرة ً لخيه وقع فيها‪ ،‬ومن طبخ ال ّ‬
‫يمكن أن نجد هذه الفكار في رواية "آن ّــا كارينينــا" )‪-1873‬‬
‫‪ . (1877‬تبتدئ الرواية بالتصدير‪ :‬لــي النقمــة‪ ،‬وســأجازى‪ ،‬قــال‬
‫الرب‪ .‬ويعتبر هذا التصدير مفتاحا ً لفهم الرواية‪ .‬ل يحق للنسان‬
‫إدانة أخيه النسان‪ .‬يحاكمنا جميعا ً الخالق‪ .‬من يعمل مثقال ذرة‬
‫ن نظـام‬ ‫خيرا ً يــره‪ ،‬ومــن يعمــل مثقـال ذرة شـرا ً يــره‪ .‬ليـس ل ّ‬
‫يّ الــروحٍ‬
‫م‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫نظ‬ ‫المجتمع غير طبيعي وغير عادل فحســب‪ ،‬وإنمــا فــي أ‬
‫اجتماعي ل يجوز إدانــة بعضــهم بعضـًا‪ ،‬لن "‪ ....‬قــوانين‬
‫النســانية مجهولــة ليعرفهــا العلــم‪ ،‬وغيــر محــددة‪ ،‬ومحاطــة‬
‫بالسرار‪ ،‬ولذلك ليوجد‪ ،‬ول يمكــن أن يوجــد حكمــاء ول قضــاة‪،‬‬
‫وإنمــا يوجــد مــن يقــول‪ :‬لــي النقمــة وســأجازى"‪ .‬كتــب فيــدور‬
‫دوستيفســكي )‪ (1881-1821‬عــن روايــة "آّنــا كارينينــا" فــي‬
‫ســر ليــف تولســتوي نفســه‬ ‫يوميات كــاتب فــي عــام ‪ .1877‬وف ّ‬
‫اختياره للتصدير‪ 131) :‬المجلد الحادي عشــر ص‪" (210‬ليؤكــد‬
‫ن الشر الذي يقوم به النسان‪ ،‬يترك نتــائجه وهــي اللم‬ ‫فكرة أ ّ‬
‫التي تقع على النسان‪ ،‬ليس من المجتمع ول من الناس‪ ،‬وإّنمــا‬
‫من الّله‪ .‬وهذا ما حدث مع آّنا كارينينا )‪. (498-153‬‬
‫ضمن فلسـفة ميخائيـل نعيمـه وليـف تولسـتوي الخلقيـة‬ ‫تت ّ‬
‫فكرة عدم إدانــة النــاس بعضــهم بعضـًا‪ ،‬وبــالعكس يجــب علــى‬
‫الناس مساعدة بعضهم بعضًا‪ ،‬ويجــب علــى النســان أن يرغــب‬
‫الخير للخرين مثلما يرغبه لنفسه‪.‬‬

‫ي‪ -7‬يييي ييي يي ي يييي ييي ييييي ي‪:‬‬


‫ويكتــب نعيمــه فــي الفصــل العاشــر مــن كتــابه "مــرداد" )‬
‫‪" : (1947‬لدينونة في فمي‪ .‬بل في فمي فهم مقدس‪ .‬فأنا مــا‬
‫ن الجهــل‬ ‫جئت لدين العالم‪ ،‬بل بالحرى لرفع عنه الدينونة‪ .‬إذ أ ّ‬
‫وحده فخور بحّبه القضاء وولوع بشرح القانون وإنزال العقوبات‬
‫بالناس‪ .‬والجهل يدين ذاته بذاته‪ .‬وليس أقسى من الجهل دّيانــا ً‬
‫‪- 103 -‬‬
‫للجهل )‪61‬ص‪" . (627‬إنكم يوم تعرفون كل ما يعرفه الكــون‪،‬‬
‫تعدلون عن إصدار حكمكــم علــى أيّ شــيء فــي الكــون‪ .‬ويــوم‬
‫يصــبح فــي إمكــانكم أن تجمعــوا العــوالم‪ ،‬تحجمــون مــن تلقــاء‬
‫أنفسكم عن أن تدينوا حتى الذين دأبهم التفرقة‪ .‬وبــدل ً مــن أن‬
‫تــدينوا الــذين قضــوا علــى أنفســهم بــالموت‪ ،‬تســعون جهــدكم‬
‫لنقاذهم من الدينونة" )‪61‬ص‪ . (627‬ولقد قال السـّيد المسـيح‬
‫في النجيل حول الدينونة "ما بالك تنظر القذى الذي فــي عيــن‬
‫ل ماتريــدون أن‬ ‫أخيك ول تفطن للخشبة التي في عينــك؟‪ ....‬ك ـ ّ‬
‫ن‬‫يفعل الناس بكم فافعلوه أنتم بهــم"‪ .‬ويــرى ميخائيــل نعيمـه أ ّ‬
‫ن قــانونه واحــد‪ .‬ول يحتــاج الخــالق إلــى مســاعدة‬ ‫الّله واحد‪ ،‬وأ ّ‬
‫النسان في تطبيق قانونه ومعاقبــة مــن يخــالفه‪ .‬فمــا القاضــي‬
‫والمتهم إل شركاء في كل شيء‪ ،‬ومع هذا أحدهما يحاكم الخر‪،‬‬
‫كما يحاكم الشريك شريكه‪.‬‬
‫يحاكم النسان نفسه وتعود أفكــاره وأعمــاله وأقــواله إليــه‪.‬‬
‫فكما قطرة الماء تتبخــر مــن المحيــط وتعــود إليــه عــن طريــق‬
‫النهار‪ ،‬كذلك يحدث مع أعمالنــا‪ ،‬فهــي تصــدر عنــا وتعــود إلينــا‪.‬‬
‫ل عمــل‬ ‫ل عمل شرير نقوم به‪ ،‬تعود نتائجه علينا‪ ،‬وكــذلك ك ـ ّ‬ ‫فك ّ‬
‫خيــر نقـوم بــه تعــود ثمــاره إلينـا‪ .‬ولكـن النـاس بسـبب غبـائهم‬
‫سمون العالم كّله إلى "أنا" وليس "أنا" أو إلــى "لــي" وليــس‬ ‫يق ّ‬
‫مــا‬ ‫ل مــاله‪ ،‬ويحــاول زيــادته‪ ،‬أ ّ‬ ‫"لــي"‪ ،‬يحــافظ النســان علــى ك ـ ّ‬
‫ما تجاهله‪ ،‬لّنه ل يخصه أو الساءة إليــه‪ ،‬أو‬ ‫ماليس له‪ ،‬فيحاول إ ّ‬
‫ن هذا التقسيم غبي وليس صــحيحًا‪ .‬فلــو‬ ‫مه إلى ماله‪ .‬علما ً بأ ّ‬ ‫ض ّ‬
‫ســـألوا الرض‪ :‬مـــن ترغـــبين أن يعيـــش عليـــك؟ النســـان أم‬
‫الحيوان؟ "ابن الوطن أم الجنبي؟ لقهقهت وضحكت وســخرت‬
‫ن لفرق لــديها بيــن هــذا وذاك‪ .‬وأنهــا تعطــي خيراتهــا‬ ‫وأجابت بأ ّ‬
‫للجميع بل تمييز‪ ،‬وهي ل تحتاج لمن يدافع عنها ويحميهــا‪ .‬تطب ّــق‬
‫الحياة قوانينها بنفسها‪ ،‬ولكن النســان أخــذ علــى عــاتقه الكــثير‬
‫فهو يكافئ ويعاقب‪ ،‬ولكنه في الحقيقــة مــاهو إل ّ أداة للمكافــأة‬
‫وللعقــاب‪ ،‬وهــذه الداة تحــت تصــرف الرادة الكليــة أو اليــد‬
‫ي تمام ـا ً هــذه‬ ‫ن النســان نس ـ ّ‬ ‫الس ـّرية‪ ،‬وكمــا يقــول نعيمــه فــإ ّ‬
‫الحقائق فلذلك يكــرر دائمـا ً "أنــا"‪" ،‬أنــا"‪ ،‬أبــي‪ ،‬وجــدي‪ ،‬وطنــي‬
‫شــعبي‪ ،‬ومــن أجــل تعليــم النســان التواضــع يرســل لــه الل ّــه‬
‫المصــائب والمــرض والحــروب والمــوت الــتي تصــيب شخص ـا ً‬
‫ة‪ ،‬أو شــعبا ً بكــامله أو مجموعــة مــن‬ ‫واحــدًا‪ ،‬أو أســرة ً واحــد ً‬
‫الشعوب‪ ،‬وذلك عندما ينتشر الفساد‪.‬‬
‫يخون أوبلونسكي زوجتــه فــي روايــة "آنــا كارينينــا" أيّ أن ّــه‬
‫ة مــن الوصــايا العشــر‪" .‬ل‬ ‫ر‪ ،‬أيّ يخــالف وصــي ً‬ ‫ل شــري ٍ‬ ‫يقوم بعم ٍ‬
‫ة‪ ،‬يولد من الشر الذي قام بــه أوبلونســكي‬ ‫تزن" وبصورةٍ طبيعي ٍ‬
‫ن‬ ‫شر آخر‪ ،‬أكبر من الشر الوالد‪ ،‬الشر الصل‪ ،‬هذا قانون‪ ،‬كما أ ّ‬
‫اثنين ضرب اثنين يساوي أربعة قانون أيضًا‪ .‬ويختلف مع زوجتــه‬
‫فتأتي أخته لتصلح بينهما‪ ،‬من بطرسبرج وتتعــرف فــي موســكو‬
‫في محطة القطار بفرونسكي‪ .‬فأقدمت آنا علــى الخطيئة الــتي‬
‫أقدم عليها قبلها أخوهــا أوبلونســكي‪ ،‬أيّ قــامت بخيانــة زوجهــا‪.‬‬
‫وعاقبتها الحياة عقابا ً أليمًا‪ ،‬موتا ً بطيئًا‪ ،‬ففي البدء خسرت ابنها‪،‬‬
‫أيّ خسرت جزءا ً منها‪ .‬وبعد ذلك أقدمت على النتحــار‪ ،‬فرمــت‬
‫ور تولســتوي آن ّــا كارينينــا بعــد‬ ‫بنفسها تحت عجلت القطار‪ .‬يص ـ ّ‬
‫ل‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫كقات‬ ‫فرونسكي‬ ‫ور‬‫ّ‬ ‫ويص‬ ‫ة‪،‬‬
‫ً‬ ‫مقتول‬ ‫ور امرأة ً‬ ‫خيانة زوجها كما يص ّ‬
‫وبدأت مأساتها منذ خيانتها لزوجها‪ ،‬فبــدأت تضــايقها فكــرة أّنهــا‬
‫د‪.‬‬
‫ن واح ٍ‬ ‫زوجة لرجلين في آ ٍ‬
‫تحلم ناتاشا روستوفا في رواية "الحرب والسـلم" )‪-1863‬‬
‫د‪ ،‬وهما أناتولي كوراغين‪،‬‬ ‫ن واح ٍ‬ ‫‪ (1869‬بأن تتزوج رجلين في آ ٍ‬
‫د‪" .‬لمــاذا‬ ‫ت واح ٍ‬ ‫فهي تحبّهما في وق ٍ‬ ‫والمير أندريه بولكونسكي‪،‬‬
‫ة‪ ،‬آنذاك فقــط‬ ‫‪-‬كانت تفكر أحيانا ً وكأّنها في غيبوب ٍ‬ ‫ل يحدث هذا؟‬
‫أكون سعيدة ً تمامًا"‪97) .‬ص‪. (345‬‬
‫‪- 104 -‬‬
‫أما إيلين فلم تتألم أبدا ً من علقتها بــدولوخوف‪ ،‬وبعــد ذلــك‬
‫بباريس دروبيتسكي‪ .‬ولم تطرح على نفسها أبدا ً السئلة التالية‪:‬‬
‫ب زوجها أم ل تحّبه؟ هل تحــب دولوخــوف أم بــاريس؟ لــم‬ ‫"تح ّ‬
‫تفكر إيلين باّلحب‪ .‬واعتنقت المذهب الكــاثوليكي لكــي تتخلــص‬
‫من زوجها‪ ،‬وتتزوج أحد المقربيــن مــن القيصــر المتقــدمين فــي‬
‫السن‪ ،‬وبعد مــوته تــتزوج مــن أمي ـرٍ أجنــبي‪ ،‬لكنهــا لــم تســتطع‬
‫المفاجئ‪ ،‬وعرف سكان بطرسبرج‬ ‫تحقيق نواياها بسبب مرضها‬
‫ت‬‫إيلين عــدم إمكانيــة الحصــول فــي وقـ ٍ‬ ‫ن سبب مرض‬ ‫كلهم‪ ،‬أ ّ‬
‫واحد ٍ على زوجين‪ ،‬علما ً بأّنها ل تحب هذا ول ذاك‪ .‬وماتت إيليــن‬
‫ة‪ .‬أراد أخوها أناتولي أيضا ً الحصول علــى زوجــتين‬ ‫بصورةٍ مفاجئ ٍ‬
‫د‪ ،‬فلقد كان متزوجا ً سّرًا‪ ،‬عنــدما حــاول اختطــاف‬ ‫ت واح ٍ‬ ‫في وق ٍ‬
‫ناتاشا روستوفا‪ .‬ولقد ساعدته أخته إيليــن بــالتقرب مــن ناتاشــا‬
‫روستوفا‪ .‬لم يعرف أناتولي وإيلين تقريع الضــمير‪ ،‬لكــن الحيــاة‬
‫لم تتركهما بل عقــاب‪ .‬فلقــد عاقبهمــا النظــام الكــوني‪ ،‬والرادة‬
‫الكلية‪ .‬فلم يعرفا السعادة والهدوء والنسجام مع الذات‪.‬‬
‫ة من وضع ناتاشــا روســتوفا‬ ‫كان وضع آّنا كارينينا أقل صعوب ً‬
‫ب عشــيقها فرونســكي‪ ،‬ولــذلك لــم‬ ‫ب زوجهــا‪ ،‬وتح ـ ّ‬ ‫لّنهــا لتح ـ ّ‬
‫تراودها الفكار التي راودت ناتاشــا‪ ،‬ولــم تتحســس أحاسيســها‪،‬‬
‫ة‪ ،‬كمــا كــانت علــى ســبيل المثــال‬ ‫ة مخلصـ ً‬ ‫ولكنها لم تكن زوجـ ً‬
‫تاتيانا في )يفغيني أوينغن( )‪ (1831-1823‬لبوشكين )‪-1799‬‬
‫ة عــن‬ ‫‪ ، (1837‬هل أخطأت آّنا في اختيارها؟ أعطتها الحياة إجاب ً‬
‫هــذا الســؤال‪ .‬ويؤكــد تولســتوي فــي روايــتيه "آّنــا كارينينــا" و‬
‫دم لهــم الخيــر‪،‬‬ ‫ب النــاس الــذين نقـ ّ‬ ‫"الحرب والســلم" أّننــا نحـ ّ‬
‫ونكره الذين نسبب لهم الشر‪ ،‬ويكــرر تولســتوي هــذه الفكــرة‪،‬‬
‫ن العمــل يســبق الحســاس‬ ‫ل علــى اقتنــاعه بهــا‪ .‬أيّ أ ّ‬ ‫ممــا يــد ّ‬
‫والشعور بالكراهية أو المحبة‪.‬‬
‫إذا كانت آنا كارينينا حلت بســهولة المشــكلة الولــى‪ ،‬وهــي‬
‫ما أن تختار الزوج الذي لتحبه أو العشيق الذي تحبه‪ ،‬فاختارت‬ ‫إ ّ‬
‫مــا العشــيق‬ ‫الثاني‪ ،‬فقــد اعترضــتها المشــكلة الثانيــة القاســية إ ّ‬
‫ل ومريــر‪ ،‬اختــارت‬ ‫صــراع طويــ ٍ‬ ‫فرونســكي وإمــا ابنهــا‪ .‬وبعــد‬
‫ل‪ .‬وبعــد أن يئســت مــن النــاس‬ ‫عشيقها بعد أن أنجبت منــه طف ً‬
‫ومن الحياة قررت آّنا كارينينـا النتحـار‪ ،‬ل لكـي تعـاقب نفسـها‪،‬‬
‫وإنما لكي تعاقب الخرين‪ ،‬لّنها كانت تنظــر إلــى المــوت كخيـر‬
‫ر‪ .‬ولقد انتظر ليفن النهايــة ذاتهــا‪ ،‬فلقــد فك ّــر طــويل ًٍ‬ ‫كش"إ ٍ‬ ‫وليس‬
‫ل‬‫ن خطيئتي الكبرى هي الشك‪ .‬إننــي أشــك فــي ك ـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫بالنتحار‪.‬‬
‫شيء‪ .‬وأقضي أكثر أوقاتي في الشك‪ ...‬وأحيانا ً أشك في وجود‬
‫الّله )‪99‬ص‪ (706‬يقول ليفن في الرواية المذكورة‪ .‬ولقد أنقــذ‬
‫ليفن من القدام على النتحار إيمانه العميق في حكمــة تنظيــم‬
‫الكون‪ ،‬ومحبته للعمل‪.‬‬
‫تتكرر فكرة الحض على اليمان بعدالة الحياة فــي مؤلفــات‬
‫ميخائيل نعيمــه‪ .‬فيقــول مــرداد فــي كتـاب "مــرداد" )‪: (1947‬‬
‫"اعتصموا باليمان‪ ،‬واليمان يجترح المعجزة التي تتمنون‪.‬‬
‫هكذا علمت نوحًا‪.‬‬
‫وهكذا أعلمكم" )‪61‬ص‪. (762‬‬
‫وفي مسرحية "الباء والبنون" ‪ 1917‬تتجاوز شهيدة ‪-‬بطلــة‬
‫مــا‬ ‫المسرحية‪ ،‬الشك في عدالة الكون‪ ،‬وتؤمن بكمال الحياة‪" :‬أ ّ‬
‫أنا فأتقبل علقمها بالشكر طمعا ً بشهدها‪ .‬وأشهى شهدها عنــدي‬
‫أن أعمل وأن أقول مايجلب الراحة والسرور لغيــري‪ .‬ذلــك هــو‬
‫سروري الكبر" ‪-‬تقول شهيدة في المسرحية المذكورة‪.‬‬
‫ن الحياة رائعة ومن ل ير روعتهــا‪،‬‬ ‫)‪ 61‬ص‪ (179‬وترى شهيدة أ ّ‬
‫فليتأكد من سلمة رؤيته‪ ،‬وليست الحياة مذنبــة‪ .‬فنحــن الســبب‬
‫ل المــراض واللم والعــذاب تمــر فــي حيــاة‬ ‫وليست الحياة‪ .‬فك ّ‬
‫‪- 105 -‬‬
‫شهيدة مرور الكرام ليمانها بعدالة الحياة‪.‬‬
‫يعرض بطل مسرحية تولستوي "ويضيء النور فــي الظلم"‬
‫ة لفكــرة شــهيدة فــي‬ ‫)‪ (1902‬نيكولي إيفانوفتش فكرة ً مماثل ً‬
‫مســرحية "البــاء والبنــون" يقــول‪" :‬يجــب أن نــؤمن‪ ،‬اليمــان‬
‫ضروري‪ ،‬ل يجوز أن نعيش بل إيمان‪ ،‬ولكن ل نــؤمن بمــا يقــول‬
‫الخرون‪ ،‬وإّنما نؤمن بما تقنعنا به عقولنا‪ ...‬اليمان بــالّله‪ ،‬وفــي‬
‫الحياة البدية الحقيقية‪105) ".‬ص‪. (130‬‬
‫ن آّنا تقدم على النتحــار‪ ،‬فــي‬ ‫في رواية "آنا كارينينا" نرى أ ّ‬
‫كرنا هــذا الجــانب فــي‬‫ـار‪ .‬ويــذ ّ‬ ‫حين ينقذ اليمان ليفن من النتحـ‬
‫روايــة "آّنــا كارينينــا" بروايــة فيــدور دوستيفســكي "الجريمــة‬
‫والعقاب" ‪ .1866‬كان ينتظر راسكولنيكوف المصير نفسه الذي‬
‫انتظر سفيدر يغاليوف‪ ،‬الــذي أقــدم علــى النتحــار فــي الروايــة‬
‫المذكورة‪ ،‬ولقد أنقذ راسكولنيكوف من النتحار بعثــه الروحــي‪،‬‬
‫الذي ساعدته فيه سونيا بإيمانهـا بضــرورة حمـل صــليب الفـداء‬
‫واللم والتضحية من أجل الخرين‪.‬‬

‫ي‪-8‬ييييييي ي ي يييي يي يييييي ي‬


‫يي ي يييي ي ييييي ييي‪:‬‬
‫ل من ميخائيل نعيمه وليف تولســتوي بوصــية "ل‬ ‫لقد آمن ك ّ‬
‫ن احترام هذه الوصية يعني احترام السرة‪ ،‬التي يشكل‬ ‫تزن" ل ّ‬
‫الخلص حجــر الزاويــة فــي بنائهــا‪ ،‬وإذا خــالف النســان هــذه‬
‫الوصية فإنما يسيء لنفسه وللخرين‪.‬‬
‫ة كثيرةً فــي هــذا‬ ‫ة وإبداعي ً‬‫ت نقدي ً‬
‫كتب ليف تولستوي مؤلفا ٍ‬
‫الموضــوع‪ .‬ورأى ضــرورة الحفــاظ علــى العفــة قبــل الــزواج‬
‫وأثناءه‪ .‬والهدف من الزواج برأيه إنجاب الطفال الذي يخدمون‬
‫الّله والناس في المستقبل‪.‬‬
‫تزوجــت بطلــة قصــة "الســعادة الســرية" )‪ (1859‬رجل ً‬
‫أكبرمنها كثيرًا‪ .‬عدد سنوات عمره ضعف عـدد سـنوات عمرهـا‪.‬‬
‫وعندما كانت في بلد ٍ أجنبي‪ ،‬كادت أن تخون زوجها مـع إيطـالي‬
‫اســمه مــاركيز‪ ،‬لكنهــا لــم تقــدم علــى الخيانــة‪ ،‬وبــذلك أنقــذت‬
‫أسرتها‪ ،‬وأنقذت حيــاة النــاس الخريــن‪ ،‬الــذين ارتبطــت حياتهــا‬
‫بحياتهم‪.‬‬
‫كرنا قصــة "الســعادة الســرية" )‪ (1859‬بــأمور كــثيرة‬ ‫تــذ ّ‬
‫برواية "آّنا كارينينا" )‪ ،(1877‬التي صدرت بعد مرور مــا يقــارب‬
‫العشــرين عام ـا ً علــى صــدور قصــة "الســعادة الســرية" فلقــد‬
‫تزوجت آّنا كارينينا إنسانا ً أكبر منها سنا ً بكــثير‪ ،‬كمــا هــي الحــال‬
‫في قصة "السعادة السرية" وكان عند بطلة القصة طفل واحد‬
‫ل‬‫مثلما عند بطلة "آّنا كارينينا" طفــل واحــد‪ ،‬عنــدما تعرضــت كـ ّ‬
‫منهما لتجربة الخيانة الزوجية‪.‬‬
‫في قصــة "الســعادة الســرية" لــم تحــدث الخيانــة‪ ،‬ولــذلك‬
‫سارت الحياة مسارها الطبيعي‪ .‬وهذه الحالة الولى من حــالت‬
‫الحياة السرية‪ .‬وأما الحالة الثانية فهي فيمــا لــو أقــدمت بطلــة‬
‫قصــة "الســعادة الســرية" علــى الخيانــة الزوجيــة‪ .‬مــاذا كــان‬
‫سيحدث؟ ونجد الجابة عن هذا السؤال في رواية "آّنا كارينينا"‪.‬‬
‫فلم تستطع آّنا كارينينا فهم قوانين الحياة الواضحة والمستقيمة‬
‫مثل سكة الحديـد‪ ،‬وقــوانين الحيـاة رحيمـة لمـن يحـافظ عليهـا‬
‫ويصونها‪ ،‬وقاسية على الذين ل يصونونها‪.‬‬
‫قضت آّنا كارينينا على حياتها وعلى حياة ابنها وابنتها‪ ،‬وعلى‬
‫حياة زوجها كارينين‪ ،‬وبعد انتحارها التحق فرونسكي بالقطعــات‬
‫العسكرية المشـاركة فــي الحـرب متطوعـًا‪ ،‬وكـأّنه يقـدم علـى‬
‫‪- 106 -‬‬
‫ن مــوت آن ّــا‬ ‫النتحار‪ ،‬وتــرك والــدته تعــاني اللم والشــقاء‪ .‬أيّ أ ّ‬
‫ل النــاس المحيطيــن بهــا‪ ،‬علــى‬ ‫كارينينا سّبب اللم والوجاع لك ّ‬
‫قدر علقتهم بها‪ ،‬وعلى قدر تسببهم في موتها‪ .‬لّنه ل توجد في‬
‫ل المــور فــي الحيــاة متشــابكة‬ ‫الحيــاة تصــرفات منعزلــة‪ .‬كــ ّ‬
‫ومترابطة ولها علقة بعضها ببعضها الخــر ولــذلك فــإن الجميــع‬
‫مســؤولون عــن خطيئة آن ّــا كارينينــا مثلمــا هــي مســؤولة عــن‬
‫ل هو نتيجة‬ ‫خطاياهم‪ .‬ففي الحياة توجد علقات سببية‪ .‬فكل عم ٍ‬
‫للعمال التي سبقته وسبب للعمال التي تليه‪.‬‬
‫كانت علقة كارينين بأسرته مثلما هــو بــوظيفته‪ .‬وهــذا أحــد‬
‫ن العقل والخلق ضروريان في الحيــاة‬ ‫أسباب مأساة أسرته‪ .‬ل ّ‬
‫السرية ولكنهما ل يكفيان فل بد ّ من القلب والحب‪.‬‬
‫ن إيفــان‬ ‫في قصــة "مــوت إيفــان إيليتــش" )‪ (1886‬نــرى أ ّ‬
‫يشبه كارينين‪" :‬وكان يطلب من الحيــاة الســرية فقــط وســائل‬
‫الراحة مثــل الفــراش والخدمــة والحفــاظ علــى الخلق العامــة‬
‫أمام المجتمع للحصول على احترام الخرين" )‪102‬ص‪(75-74‬‬
‫ونتيجــة لنظرتــي إيفــان وكــارينين إلــى الحيــاة الســرية‬
‫الخاطئتين‪ ،‬لم يتوصل إلى السعادة السرية‪ ،‬فلكــي تتخلــص آن ّــا‬
‫كارينينا من خشونة معاملة كــارينين لهــا‪ ،‬التجــأت إلــى الضــابط‬
‫ن آن ّــا ابتعــدت عــن‬ ‫فرونسكي‪ ،‬المــر الــذي انتهــى بانتحارهــا‪ ،‬ل ّ‬
‫ة‪ ،‬عقوبتها الموت‪.‬‬ ‫خطيئة زوجها‪ ،‬فارتكبت خطيئ ً‬
‫يقتل بوزنيشوف زوجته في قصة "لحـن كريتسـر" )‪(1889‬‬
‫ن بوزنيشــوف لــم يكــن عفيفـا ً فــي‬ ‫ومصدر شقاء هذه السرة أ ّ‬
‫حياته قبل الزواج‪ ،‬ولكنه لم يتوقع أبدا ً أّنه سيدفع ثمنا ً باهظا ً بعد‬
‫ن سلوكيته قبل الزواج ستترك آثارها ونتائجها‪ .‬فكانت‬ ‫الزواج‪ ،‬وأ ّ‬
‫د‪ ،‬فــي أيّ‬ ‫عواقب هذه السلوكية أّنه أصبح ظنينًا‪ ،‬ولــم يثــق بأحـ ٍ‬
‫ر‪ .‬وانتهى أمره بقتل زوجته‪ ،‬وأراد أن يقتل الموسيقي ويقدم‬ ‫أم ٍ‬
‫على النتحار‪.‬‬
‫ونرى في قصة "الشيطان" التي كتبها تولستوي فــي العــام‬
‫نفسه‪ ،‬الذي كتب فيه قصة "لحن كريتسر" أيّ في عام ‪،1889‬‬
‫جريمــة قتــل تمــت بسـبب الزنــى‪ .‬وتبـدأ القصـة بتصــدير حــول‬
‫مــا أنــا‬
‫الخلص في الحياة الزوجية "سمعتم أّنه قيــل‪ ،‬ل تــزن‪ .‬أ ّ‬
‫ل من نظر إلى امرأة حتى ليشتهيها‪ ،‬فقد زنى‬ ‫نك ّ‬
‫فأقول لكم‪ ،‬إ ّ‬
‫بها في قلبه‪ .‬فإن أعثرتك عينك اليمنـى فاقلعهـا‪ ،‬وانتبـذها عنـك‬
‫بعيدًا‪ ،‬فإّنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك‪ ،‬ول يلقى جسدك كله‬
‫في جهّنم‪ ،‬وإن أعثرتك يــدك اليمنــى فاقطعهــا‪ ،‬واطرحهــا عنــك‬
‫بعيدًا‪ ،‬فإنه خير لك أن يهلــك أحــد أعضــائك‪ ،‬ول يــذهب جســدك‬
‫كّله إلى جهنم" )‪.(37‬‬
‫ة‪.‬‬‫كان لبطل القصة علقــة قبــل الــزواج مــع فلحـةٍ متزوجـ ٍ‬
‫وكان المجتمع يبّرر مثل هذه العلقات‪ ،‬ولذلك فإن ارتينييف‪ ،‬لم‬
‫ر‪ .‬وكـان يأمــل أل تـترك هـذه‬ ‫يتحسس أيّ ذنـب أو تقريــع ضــمي‬
‫ن ٍالمور سارت بصــورةٍ أخــرى‪.‬‬ ‫العلقة عواقبها بعد الزواج‪ ،‬ولك ّ‬
‫ل أمـرٍ يــترك عــواقبه‬ ‫ن كـ ّ‬‫فجرت الرياح بما لتشتهي السفن‪ ،‬ل ّ‬
‫وآثاره في نظر تولستوي‪.‬‬
‫وكان ليف تولستوي قــد كتــب قبــل ذلــك بعــامين مســرحية‬
‫"سلطة الظلم" وأخــذ التصــدير لهــذه المســرحية مــن النجيــل‬
‫حول تحريم الزنـى‪ .‬بطـل هـذه المسـرحية نيكيتـا عامـل أغـوى‬
‫ة‪ ،‬اسمها مارينا وبعد ذلــك مــارس الحــب مــع زوجــة معلمــه‬ ‫فتا ً‬
‫أنيسا‪ ،‬وأقدم على قتل زوجهـا بطـرس‪ ،‬وبعـد ذلـك يقـدم علـى‬
‫قتل ابنه الطفــل‪ .‬ل يرتــاح والــده أكيــم الــذي يخــاف الل ّــه‪ ،‬مــن‬
‫تصــرفات ابنــه‪ ،‬ولــذلك ينّبهــه والــده‪" :‬نيكيتــا تســتطيع إخفــاء‬
‫تصرفاتك عن الناس‪ ،‬ولكنك لن تستطيع إخفاءها عن الّله‪ .‬أنــت‬
‫نيكيتا لن تستطيع الكذب‪102) " ...‬ص‪.(141‬‬
‫‪- 107 -‬‬
‫ن ابنــه يســير نحــو الهلك‪،‬‬ ‫يرى الوالد المتقدم فــي الســن أ ّ‬
‫ن‬
‫تجر الخرى‪ .‬ويقــع البــن فــي الشــبكة‪ .‬ويتــبين أ ّ‬ ‫ن الخطيئة‬ ‫ل ّ‬
‫الوالد كان محقًا‪ .‬فلم يستطع نيكيتا في نهاية المسرحية تحمــل‬
‫الخطيئة‪ ،‬فيعترف أمام الجميع بخطيئته‪.‬‬
‫يتحــدث تولســتوي عــن فســاد العــالم المعاصــر فــي قصــة‬
‫"فرانسوازا"‪ ،‬التي كتبهـا فـي عـام ‪ 1890‬واقتبسـها عـن قصـة‬
‫الكاتب الفرنسي موباسان "المرفأ"‪ ،‬خلل مدة أربعة أعوام لـم‬
‫حار ديو كلو وطنه‪ ،‬وفي إحدى المــرات ذهــب إلــى مقهــى‬ ‫ير الب ّ‬
‫ن هذه الفتــاة أختــه‪ ،‬وفهــم بطــل‬ ‫والتقى فتاة ً وعرف فيما بعد أ ّ‬
‫ن لهذه النساء أخوة مثله‪.‬‬ ‫القصة سيليستين ديو كلو أ ّ‬
‫كتــب ليــف تولســتوي حــول قصــة موباســان‪ ...." :‬تتصــف‬
‫ة‪ .‬فهي عميقة وذات تــأثير أخلقــي‪118) ".‬ص‬ ‫القصة بقوةٍ هائل ٍ‬
‫‪.(51‬‬
‫وأصدر تولستوي رواية "البعث" في عام ‪ ،1899‬وهــي تبــدأ‬
‫بتصدير من النجيل‪ ،‬الذي يعّبر عن الفكــرة الساســية للروايــة‪.‬‬
‫مثله مثل التصدير لرواية "آّنا كارينينا"‪ ،‬يتضمن التصدير المعنــى‬
‫التالي‪ :‬ل يحق للنسان إدانة أخيه النسان‪ ،‬لّنه مــن أجــل ذلــك‬
‫ن الناس كلهّــم خــاطئون وحــتى‬ ‫ي وهو الّله‪ ،‬ل ّ‬ ‫ض أساس ّ‬ ‫قا ٍ‬ ‫يوجد‬
‫خاطئون أمام المتهمين‪.‬‬ ‫القضاة‬
‫ل يحــق لنيخليــودوف إدانــة كاتيوشــا ماســلوفا‪ ،‬لّنهــا كــانت‬
‫ضحية جريمته‪ .‬وشاء القدر أن يحاكمها نيخليودوف الــذي أســاء‬
‫ن كاتيوشا ماسلوفا‬ ‫إليها‪ ،‬وهي أحق بمحاكمته منه بمحاكمتها‪ ،‬ل ّ‬
‫ما هو فقضى على حياتهــا‪.‬‬ ‫لم تسيء إلى نيخليودوف أو لغيره‪ ،‬أ ّ‬
‫فهم نيلخيودوف هذا المر‪ ،‬وحاول مساعدة كاتيوشا ماسلوفا‪.‬‬
‫نظر نيخليودوف إلى الزنــى كوســيلةٍ للــترفيه عــن النفــس‪،‬‬
‫ن الزنــى‬‫مثل بطل قصــة "فرانســوازا"‪ ،‬لكنــه فهــم فيمــا بعــد أ ّ‬
‫خطيئة عظيمة لبد ّ من دفع ثمن عظيم للتكفير عنها‪.‬‬
‫ل تختلف أفكــار ميخائيــل نعيمــه حــول هــذا الموضــوع عــن‬
‫ن النســان يعــاقب إذا نظــر إلــى‬ ‫أفكار ليف تولســتوي‪ ،‬ويــرى أ ّ‬
‫امرأة واشتهاها‪ ،‬فيكتب في كتابه "سبعون" عام ‪ 1959‬أّنه فــي‬
‫إحدى المرات فقـد محفظـة نقـوده‪ ،‬ويفهـم هـذه الحادثـة بأّنهـا‬
‫عقوبة من الّله‪ .‬سرقت المحفظـة فـي الـوقت الـذي كـان فيـه‬
‫ة‪ .‬كتــب نعيمــه فــي‬ ‫ت جائع ـ ً‬ ‫ميخائيل ينظر إلى فتاةٍ قرويةٍ نظرا ٍ‬
‫الجزء الول من سيرته الذاتيـة "ألعـل قـدرة ً أجهلهـا شـاءت أن‬
‫تقتــص منــي لــذنب اقــترفته فاتخــذت مــن ذلــك الســارق أداةً‬
‫ل من ينظر‬ ‫نك ّ‬ ‫سيد المسيح‪ :‬إ ّ‬ ‫لقصاصي؟ أجل‪ .‬أجل‪ .‬أما قال ال ّ‬
‫إلى امرأةٍ لكي يشتهيها فقد زنى بها في قلبــه‪ .‬ألــم أنظــر مثــل‬
‫ة فـي الصـف‬ ‫تلك النظرة إلى الفتاة القرويـة الـتي كـانت واقفـ ً‬
‫أمامي‪ .‬سبحان من ليفوته علم شيء‪ .‬والذي يجري العدل فــي‬
‫ل شيء" )‪48‬ص‪.(245‬‬ ‫ك ّ‬
‫وعندما كان يدرس ميخائيل نعيمه في السمنار الداخلي في‬
‫بولتافا في روسيا‪ ،‬ذهب من أجل النزهة مع فتاة‪ .‬وعنــدما بقــي‬
‫ن شــرف هــذه‬ ‫س داخلــي‪ ،‬ل ّ‬ ‫ويمكنٍعأنقــا ٍ‬
‫وإياها وحــدهما‪ ،‬أحــس بصــرا‬
‫يبعث بها إلى طريق الــدعارة‪،‬‬ ‫الفتاة أمانة في عنقه‪،‬‬
‫ويستطيع أن يحافظ على شرفها‪ .‬وقـرر الصـمود حـتى النهايـة‪:‬‬
‫"أنا ورفيقتي مستلقيان على العشاب الطرية‪ .‬القمر يطل مـن‬
‫م يغيب‪ .‬إّنه يترصدنا‪ .‬رفيقتي بجانبي تتململ‪ .‬وأنــا‬ ‫بين الغيوم‪ ،‬ث ّ‬
‫ن فــي داخلــي‬ ‫ن الــذي بــي مثــل الــذي بهــا‪ .‬ولكـ ّ‬ ‫أدري ًمابهــا‪ ً .‬ل ّ‬
‫صراعا عنيفا‪ :‬أمامك تجربة قاسية ‪-‬بل معركة ضارية‪ -‬ياميشــيا‪.‬‬
‫فهل تنتصر؟ أم هل تستسلم‪ .‬بل عليك أن تبرهن لنفســك أّنــك‬
‫أقوى من التجربة‪ .‬فشرفك أمانة في عنقك‪ .‬وهذه الفتاة أمانــة‬
‫بين يديك‪ ...‬وقر رأيي على الصمود حتى النهاية"‪48) .‬ص‪-192‬‬
‫‪- 108 -‬‬
‫‪.(193‬‬
‫ب ميخائيل نعيمه فيمــا بعــد أخــت صــديقه فــي الســمنار‬ ‫أح ّ‬
‫ة‪ .‬ويعــترف الكـاتب بهــذه الخطيئة‬ ‫واسمها ماريا‪ ،‬وكانت متزوجـ ً‬
‫للقارئ كما يعترف الخاطئ للكاهن‪ .‬ميخائيل نعيمــه مثلــه مثــل‬
‫ن النــاس ل‬ ‫تولتسوي ليريد أن يخفي شيئا ً من ســيرة حيــاته‪ .‬ل ّ‬
‫يستطيعون محــاكمته‪ ،‬فــإن الّلـه‪ -‬يحــاكم الجميــع‪ ،‬وعــن الل ّــه ل‬
‫نستطيع إخفاء أّية حقيقة‪ .‬قال ليــف تولســتوي لــبيريوكوف فــي‬
‫آب عام ‪" :1910‬أنت تكتب عني فقــط الشــياء اليجابيــة‪ .‬هــذا‬
‫غير صحيح وغير كامل‪ .‬يجب كتابة الشياء السيئة‪ .‬كانت حيــاتي‬
‫ة جدًا‪ .‬وحادثتان من حيــاتي تؤلمــاني خصوص ـًا‪.‬‬ ‫في الشباب سيئ ً‬
‫إنني أخبرك لنك تكتب سيرة حياتي‪ .‬وأرجوك أن تسجلهما فــي‬
‫سيرة حيــاتي‪ .‬هاتــان الحادثتــان همــا‪ :‬العلقــة مــع الفلحــة مــن‬
‫قريتي وقبل زواجي‪ ،...‬والحادثة الثانية التي أقدمت عليهــا هــي‬
‫علقتي مع الخادمة غاشيا التي كانت تعيش مــع عمـتي‪ ،‬وكـانت‬
‫ة‪ ،‬ولقد أغويتها‪ ،‬ولذلك طردتها عمتي من بيتها‪ ،‬وسببت لهــا‬ ‫بريئ ً‬
‫الهلك‪91) .‬ص‪.(317‬‬
‫يكتب ميخائيل نعيمة في الجزء الثاني من كتــاب "ســبعون"‬
‫ة‪ ،‬وتــألم‬ ‫‪ 1960‬عن علقته مــع بيل‪ ،‬إذ كتــب عنهــا قصــائد كــثير ً‬
‫للم زوجها‪ ،‬فكانت سعادة ميخائيل نعيمه مبنيــة علــى آلم زوج‬
‫ما بعد عودته من أمريكا إلى لبنان‪ ،‬فقــرر ميخائيــل نعيمــه‬ ‫بيل‪ .‬أ ّ‬
‫البتعاد عن النساء‪ ،‬ولذلك لم يتزوج‪ .‬ينتقد ميخائيــل نعيمــه فــي‬
‫كتابه "جبران خليل جبران" )‪ (1934‬علقة جبران المتحررة مع‬
‫ب‬‫ن جــبران نحــر حبــه بنفســه وبشــهواته‪ .‬فــالح ّ‬ ‫النساء‪ .‬ويرى أ ّ‬
‫ما الشهوات فهـي مـن الـتراب وإلـى الـتراب‪.‬‬ ‫نفس سماوي‪ .‬وأ ّ‬
‫انتقــد الكــاتب أميــن الريحــاني كتــاب ميخائيــل نعيمــه المــذكور‬
‫لصراحته فيه‪ .‬ولفضحه أسرار جبران‪ ،‬وبخاصة علقة جبران مع‬
‫النساء‪ .‬فكتب رسالة إلى ميخائيــل نعيمــه‪ ،‬نشــرها فــي جريــدة‬
‫"البلد" دافع فيها عن جبران‪ .‬واتهم نعيمه بالنانيــة‪ ،‬الــتي تنخــر‬
‫مثل السوس في شجرة أدبه‪ .‬ورد نعيمه على الريحاني برسالةٍ‬
‫ة‪ ،‬نشرها فـي الجريـدة المـذكورة يـرى نعيمـه فـي هـذه‬ ‫مفتوح ٍ‬
‫الرسالة أّنه ل يخاف الناس وإّنما يخاف الل ّــه‪ ،‬والل ّــه عليــم بكـ ّ‬
‫ل‬
‫ب ميخائيــل نعيمــه‬ ‫شيء‪ ،‬ول ضرورة لخفــاء شــيء عنــه‪ .‬ل يحـ ّ‬
‫ل شــيء فــي كتــابه‬ ‫إخفاء الحقائق عن القـّراء‪ .‬فتحــدث عــن كـ ّ‬
‫"سبعون"‪ ،‬حيث كتب بصراحةٍ تامةٍ عن نفسه‪ .‬ولــذلك ل عجــب‬
‫إذا كتب بصــراحةٍ عــن صــديقه جــبران خليــل جــبران‪ .‬فيتلخــص‬
‫مبدأه في مخافة الّله‪ ،‬وعدم مخافة الناس‪ ،‬ومخافة الشــهوات‪،‬‬
‫لكي ل تستطيع القضاء على طموحات الروح النسانية في بلوغ‬
‫ن هــذه‬ ‫الهــدف الســامي مــن وجــود النســان علــى الرض‪ ،‬ول ّ‬
‫الشهوات ل تستحق أن يكّرس النسان حياته من أجلها‪.‬‬
‫وفي الوقت ذاته ليحق للنسان إدانة أخيـه النســان‪ ،‬الـذي‬
‫ن الحياة تدينه‪ ،‬ولقـد علمنـا السـيد المسـيح‬ ‫يقع في الخطيئة‪ ،‬ل ّ‬
‫التسامح‪" :‬وجاء الكتبة والفريســيون بــامرأة بــوغتت فــي زنــى‪،‬‬
‫ن هــذه المــرأة قــد‬ ‫وألقوها في الوسط‪ ،‬وقالوا له‪" :‬يــا معلــم‪ ،‬إ ّ‬
‫أخذت في فعل الزنــى؛ وقــد أوصــانا موســى فــي النــاموس أن‬
‫ترجم أمثال هذه المرأة‪ ،‬فأنت ماذا تقول؟ " قالوا هذا ليجربوه‪،‬‬
‫انتصب‪ ،‬وقال لهم‪" :‬من منكم بل خطيئةٍ فليبــدأ ويرمهــا بحجــر"‬
‫ما ســمعوا طفقــوا يخرجــون‬ ‫أكب أيضا ً ً يخط على الرض‪ .‬فل ّ‬ ‫ثم‬
‫شــيوخ‪ ،‬وبقــي هــو وحــده‪ ،‬والمــرأة‬ ‫واحدا ً فواحدا‪ ،‬ابتــداًء مــن ال ّ‬
‫قائمة في الوسط‪ .‬فانتصــب يســوع‪ ،‬وقــال لهــا‪" :‬يــاامرأة‪ ،‬أيــن‬
‫هم؟ ألم يحكــم عليــك أحــد؟ قــالت‪" :‬ل أحــد‪ ،‬ياســيدي"‪ .‬فقــال‬
‫يسوع‪" :‬ول أنا أحكم عليك؟ اذهبي ولتعودي إلــى الخطيئة مــن‬
‫بعد" )‪73‬ص‪.(194‬‬
‫ّ‬
‫ن كلهــم كــانوا‬ ‫ر‪ ،‬ليــس ل ّ‬ ‫بحج ٍ‬ ‫لم يرجم أحد المرأة الخاطئة‬
‫مســؤول عــن خطيئة هــذه‬ ‫ن المجتمــع بكــامله‬ ‫خطــاة‪ ،‬وإّنمــا ل ّ‬
‫‪- 109 -‬‬
‫المــرأة‪ ،‬لّنــه أدى إلــى ســقوط المــرأة‪ ،‬وبعــد ذلــك يحــاول‬
‫محاكمتها‪ .‬فل يحق له محاكمة من كان سببا ً في خطيئته‪ .‬فكــل‬
‫من يعش في مجتمع الخطيئة فهو خاطئ‪ ،‬وحتى لو لــم يقــترف‬
‫ن المجتمــع مســؤول عــن‬ ‫ن السيد المسيح يرى أ ّ‬ ‫إثمًا‪ .‬فبذلك فإ ّ‬
‫الفرد مثلما الفرد مسؤول عن مجتمعه‪.‬‬
‫ن تطبيق وصايا السّيد المسيح شيء جميل‪،‬‬ ‫يرى تولستوي أ ّ‬
‫ولكــه يــرى أيض ـا ً ضــرورة البتعــاد عــن المجتمــع البورجــوازي‪،‬‬
‫ويستند بذلك أيضا ً على النجيل فلنتذكر قصة السّيد المسيح مع‬
‫الشاب الغني‪ ،‬الذي جاء إلى الســيد المســيح وســأله مــا العمــل‬
‫لكي يستطيع دخول ملكوت السماء‪ ،‬بعد أن حافظ على الوصايا‬
‫ن عليــه توزيــع ممتلكــاته علــى‬ ‫العشر‪ ،‬فأجابه السيد المسيح بــأ ّ‬
‫الفقراء‪ ،‬وحمل الصليب والســير وراء المســيح‪ ،‬لنــه أســهل أن‬
‫يــدخل جمــل مــن ثقــب البــرة مــن أن يــدخل غنــي ملكــوت‬
‫السموات‪.‬‬
‫ظهرت هذه الفكار عند تولستوي بصــورةٍ أساســيةٍ بعــد أن‬
‫كتب رواية "آّنا كارينينا"‪ ،‬وبدأ يكتــب "العــتراف" ورافقتــه إلــى‬
‫آخر أيام حياته‪ .‬فلقد كتب تولســتوي فــي عــام ‪ 1906‬عــن هــذا‬
‫النقلب الذي طــرأ علــى أدبــه‪" :‬لقــد شــعرت بوحشــية النــاس‬
‫وفزعــت منهــا منــذ خمســة وعشــرين عامـًا‪ ،‬عنــدما جــرى فــي‬
‫أعمــاقي هــذا النقلب‪ ،‬الــذي بي ّــن لــي معنــى الحيــاة النســانية‬
‫ن حياتنا‪ ،‬أيّ حياة الطبقات الغنية‪،‬‬ ‫الحقيقية وهدفها‪ .‬واتضح لي أ ّ‬
‫فارغة المضمون‪ ،‬لبل هي بحـد ذاتهـا جريمـة بحــق أخوتنـا مـن‬
‫الطبقــات الخــرى لّنهــا مبنيــة علــى أوجــاعهم وعلــى آلمهــم )‬
‫‪116‬ص‪.(76-75‬‬
‫كتــب ليــف تولســتوي فــي عــام ‪" 1880-1879‬اعــترافه"‬
‫الشهير‪ ،‬لكنه لم يعلـم أن هـذا المؤلـف سـيرى النـور مباشـرة‪،‬‬
‫ن هذا المؤلف ّ سينشر يومـا ً مـا لن ّــه يتضـمن أفكـار ًا ً‬ ‫لكنه رأى أ ّ‬
‫ة‪.‬‬
‫صحيح ً‬
‫ويكتب تولستوي في "اعترافه" أن ّــه لــم يســتطع أن يعــرف‬
‫ن حياة طبقته شبيهة بالحياة وليســت‬ ‫معنى الحياة في طبقته‪ ،‬ل ّ‬
‫ة‪ .‬فهذه الطبقة قليلة العدد وشاذة‪ ،‬ولــذلك تــوجه تولســتوي‬ ‫حيا ً‬
‫ن معنى الحياة هو تطبيق‬ ‫ّ‬ ‫إلى الشعب الكادح‪ ،‬الذي كان يفهم‪ ،‬أ‬
‫إرادة الّله‪ ،‬لننا جئنا إلــى هــذا الكــون بــإرادته‪ .‬ولقــد خلــق الل ّــه‬
‫النسان خلقـا ً يجعلــه يســتطيع أن يخلـص نفســه‪ .‬ويســتطيع أن‬
‫ن الّله ترك للنسان حق الختيار‪ .‬فرســالة النســان‬ ‫يهلكها‪ ،‬أيّ أ ّ‬
‫في هذه الحياة تتلخص بإنقاذ روحه‪ ،‬ولذلك يجب عليه أن يعيش‬
‫بمخافة الّله‪ ،‬أيّ يجب عليــه أن يعمــل ويصــبر ويتواضــع ويرحــم‬
‫الخرين‪.‬‬
‫تثير النتباه نهاية "العتراف" حيــث يتحــدث تولســتوي عــن‬
‫حلم وجد نفسه على حافة منحـدٍر‪ ،‬فنظـر إلـى السـفل وخـاف‬
‫من السقوط‪ .‬ونظر آنــذاك إلــى العلــى ورأى الســماء الكــبيرة‬
‫اللمتناهيــة‪ .‬وجــذبته الســماء بعظمتهــا‪ ،‬وزال الخــوف‪ .‬وأكــد‬
‫تولستوي أن ّــه رأى هــذا الحلــم‪ ،‬ولــم يتخيلــه‪ .‬فلقــد ســأله ن‪.‬ن‪.‬‬
‫ة؟ وذك ّــره بــالحلم‬ ‫غوسيف في عام ‪ :1908‬هل رأى أحلما ً مهم ً‬
‫ة" نعم لقد‬ ‫وره في "العتراف" فأجاب تولستوي بحيوي ٍ‬ ‫الذي يص ّ‬
‫رأيت هذا الحلم‪ ،‬ولم أصوره من خيالي )‪145‬ص‪.(86‬‬
‫ما فــي كتــابه "بمــا أومــن؟" الــذي كتبــه فــي عــام ‪،1884‬‬ ‫أ ّ‬
‫فيلخــص تولســتوي مضــمون الوصــايا النجيليــة الخمــس‪ ،‬أو‬
‫القواعد التي تتضمن جوهر الدين المسيحي‪ ،‬كما فهمه‪.‬‬
‫ل النـاس‪ .‬ولتظــن‬ ‫الوصية الولى‪" :‬عش في العـالم مــع كـ ّ‬
‫غضبك علــى النــاس عــادل ً أبــدًا‪ ،‬ول تعتــبر أيّ إنســان ضــائعا ً أو‬
‫مجنونًا‪ ،‬مهما كان‪ ،‬واعتبر غضبك على الخريــن ظلم ـًا‪ ،‬وغضــب‬
‫‪- 110 -‬‬
‫ل" )‪100‬ص‪.(351‬‬ ‫الخرين عليك عاد ً‬
‫وتحرم الوصية الثانية ليس الزنى فحســب‪ ،‬بــل النظــر إلــى‬
‫ة‪.‬‬
‫ت شهواني ٍ‬ ‫المرأة نظرا ٍ‬
‫أما الوصية الثالثة فتتلخص بعدم جــواز تأديــة القســم مهمــا‬
‫ن القسم يتنـاقض مـع العقـل‪ ،‬ويعنـي التخلـي‬ ‫كانت السباب‪ ،‬ل ّ‬
‫عن العقل‪.‬‬
‫وتتخلص الوصية الرابعة بعدم مقاومة الشر بالشــر‪ ،‬وبعــدم‬
‫مقاومة العنف بالعنف‪ .‬أيّ يجــب مقاومــة الشــر بكــل الوســائل‬
‫ما العنف أيضا ً فيجــب مقــاومته لكــن‬ ‫ماعدا الوسائل الشريرة‪ .‬أ ّ‬
‫ليس بالعنف‪.‬‬
‫ب‬‫ما الوصية الخامسة فتنص على عــدم التفرقــة بيــن شــع ٍ‬ ‫أ ّ‬
‫وآخر ومعاملة الناس الغرباء مثل القرباء ومعاملة الخرين كمــا‬
‫تحب أن يعاملك الخرون‪.‬‬
‫ن النــاس يســتطيعون بنــاء مملكــة‬‫ويرى الكاتب الروســي أ ّ‬
‫الّله على الرض‪ ،‬فيما لو طبقوا الوصايا الخمس المذكورة‪.‬‬
‫ويبلور تولستوي مبادئ نظراته النسانية بمايلي‪ :‬الحياة من‬
‫أجل الذات أنانية‪ ،‬وغبيــة‪ .‬وحيــاة النســان فــي الحاضــر متصــلة‬
‫بحيــاته الماضــية والمقبلــة‪ ،‬وهــي صــلة وصــل بينهمــا‪ ،‬ولــذلك‬
‫فالنسان في الحاضر يتمتع بــالخيرات الــتي تركهــا لــه أســلفه‪،‬‬
‫ويجب أن يترك خيرات للناس الذين سيعيشون بعده‪.‬‬

‫ي‪-9‬يي يي يييي ييي ييييي ي يي ي‬


‫ي‪:‬‬ ‫ييييي يييييي‬ ‫يي‬
‫ن الغنــى ل يجلــب الســعادة‬ ‫يؤمن تولستوي بصورةٍ أكيدةٍ بأ ّ‬
‫ة‪" :‬تلميــذ‬ ‫ً‬ ‫ن المسيحي المثالي يجب أن يعيش حياة ً فقير‬ ‫ويرى أ ّ‬
‫المسيح يجب أن يكون فقيرًا‪ ..‬يجب أن يكون فقيرا ً ومتشــردًا‪..‬‬
‫بهذا بالذات عّلمنا السّيد المسيح‪ ،‬وبدون هــذا ل يمكــن الــدخول‬
‫إلى ملكوت السماوات‪ .‬وبدون هذا ل يمكن أن نكون سعداء هنا‬
‫على الرض" )‪100‬ص‪.(427-426‬‬
‫ويؤمن تولستوي بالتخلي عــن الملكيــة الخاصــة‪ ،‬وبضــرورة‬
‫ن الناس العاطلين ل معنى لحيــاتهم‪ ،‬والخــرون بغنــى‬ ‫العمل‪ ،‬ل ّ‬
‫عن حياتهم‪ ،‬حتى هم بغنى عن أنفسهم‪.‬‬
‫ة‪ ،‬وكنــا‬‫كتب تولستوي مؤلفه "بمــا أومــن؟" بحماس ـةٍ كــبير ٍ‬
‫ل سطرٍ إيمانا ً ثابتا ً بالفكر الذي يدعو الناس إليه‪.‬‬‫نتحسس في ك ّ‬
‫ل فلســفي‬ ‫ن هذا المؤلف أقــوى عم ـ ٍ‬ ‫لحظ ب‪.‬ي‪ .‬بيريوكوف‪" :‬أ ّ‬
‫لتولستوي من بين أعمال تولستوي الدينية" )‪90‬ص‪.(216‬‬

‫‪- 111 -‬‬


‫كتب تولستوي في عام ‪ 1886‬كتاب "وهكذا‪ ،‬ما الذي يجب‬
‫علينا عمله؟" ويبدأ بتصــديرٍ مــن أناجيــل مــتى ولوقــا ومرقــس‪.‬‬
‫واضحًا‪ ،‬ل يعرف ازدواجية الفهــم‪ .‬ويــدعو‬ ‫وكان التصدير بسيطا ً‬
‫فيهــا الس ـّيد المســيح الغنيــاء لتوزيــع ثرواتهــم علــى الفقــراء‪،‬‬
‫ويطلب من الغنياء عدم اللهث وراء الــثروة لن قلــب النســان‬
‫ما الل ّــه وإ ّ‬
‫مــا‬ ‫يكون حيث ثروته‪ .‬ول يحق للنسان عبادة إلهين فإ ّ‬
‫المال‪.‬‬
‫وعنــدما رأى تولســتوي شــقاء النــاس فــي الملجــئ‪ ،‬اعتــبر‬
‫نفسه شريكا ً في الجريمة التي تنفذ ضد هؤلء الفقراء‪ .‬ويجيــب‬
‫عن سؤال "مــا العمــل؟" مقــدما ً الحلــول الثلثــة التاليــة‪ :‬الحــل‬
‫الول‪ :‬ل يجــوز الكــذب علــى النفــس وعلــى الخريــن‪ ،‬والحــل‬
‫الثاني‪ ،‬العتراف بالذنب أمــام الخريــن وعــدم اعتبـار تصــرفاتنا‬
‫ة‪ .‬والحـل الثـالث‪ :‬ضــرورة العمـل والكـدح والتعـب وعـدم‬ ‫محق ً‬
‫الخجل من أيّ عمل كان‪.‬‬
‫ومن أجل الحصول علــى الســعادة الكاملــة مــن الضــروري‬
‫تغيير الحياة بصورةٍ ترضي الضمير والوجدان‪.‬‬
‫ة مــن القصــص‬ ‫كتــب تولســتوي فــي الثمانينيــات سلســل ً‬
‫ة فــي تراثــه وتهــدف هــذه‬ ‫ة مرموق ـ ً‬ ‫الشعبية‪ ،‬الــتي تحتــل مكانـ ً‬
‫القصص إلى نشر الفكار الخلقية التي نادت بها تعــاليم الس ـّيد‬
‫المسيح‪ ،‬مســتخدما ً مــن أجــل ذلــك الفــن القصصــي‪ ،‬والصــورة‬
‫الفنية البسـيطة‪ ،‬بحيـث يسـتطيع قراءتهـا الشـيخ المتقـدم فــي‬
‫ل الناس‪ ،‬وبعد قراءتها تــدخل نســمة‬ ‫ن والمرأة والطفل وك ّ‬ ‫الس ّ‬
‫ب الخيــر إلــى قلــب القــارئ‪ -‬كتــب‬ ‫مــن الرحمــة والمحبــة وح ـ ّ‬
‫تولستوي )‪ 113‬ص‪ (326‬تتضمن هذه القصص تعاليم تولستوي‬
‫حول عدم مقاومة الشر بالشر‪ ،‬والعنف بالعنف‪ .‬وتنـادي بسـعي‬
‫النسان نحــو الكمــال عــن طريــق تحســين الــذات مــن الناحيــة‬
‫الخلقية‪.‬‬
‫ور تولستوي شخصيات إيجابّية يعيشــون حســب مبــادئه‬ ‫وص ّ‬
‫الخلقية‪ ،‬مـن بيـن هـؤلء بطـل السـطورة أو القصـة الشـعبية‬
‫"كان في القرية إنسان صادق" )‪" (1882‬الــذي عــاش بمخافــة‬
‫الّله مدة ثلثين عامًا‪ ،‬ولم يتخاصــم مــع أحــد‪ ،‬ولــم يشــتم أحــدًا‪،‬‬
‫وعاش متواضعًا‪ ،‬وطلب الحسنة‪ ،‬ومنذ شبابه لم يقــرب النســاء‬
‫ماعدا زوجته" )‪102‬ص‪.(326‬‬
‫فــي عــام ‪ 1881‬فــي مجلــة "اســتراحة الطفــال" نشــر‬
‫تولســتوي أســطورة "بــم يعيــش النــاس؟" وأخــذ التصــدير مــن‬
‫الكتــاب المقــدس‪ .‬وتنــادي اليــات النجيليــة الــتي تصــدرت‬
‫السطورة بضــرورة المحبــة ومسـاعدة النـاس بعضــهم لبعــض‪،‬‬
‫ومن يرفض مساعدة الخريــن‪ ،‬يحكــم علــى حيــاته بــالموت‪ ،‬أو‬
‫الحيــاة نفســها تحــاكمه‪ ،‬وتحكــم عليــه بــالموت‪ ،‬ويشــرح بطــل‬
‫ل إنســان يعيــش‬ ‫ن كـ ّ‬
‫السطورة ميخائيل لســيمون أنــه عــرف أ ّ‬
‫ب‪101) "...‬ص‪.(24‬‬ ‫ليس باهتمامه بذاته وإّنما بالح ّ‬
‫وفــي قصــة "الخــوان والــذهب" )‪ (1885‬كــانت عواطــف‬
‫تولستوي إلى جانب الخ الصغر‪ ،‬الذي هرب من مناجم الذهب‪،‬‬
‫وليس إلى جـانب الخ الكــبر الـذي اســتخدم الـذهب مـن أجــل‬
‫ن"‪ ...‬العمل النبيــل يرضــي الل ّــه ويخــدم النــاس‬ ‫ة‪ ،‬ل ّ‬
‫أهداف نبيل ٍ‬
‫وليس الذهب" )‪101‬ص‪. (30‬‬
‫وتتحدث قصة "الياس" )‪ (1885‬حول الفلح‪ ،‬الذي اغتنــي‪،‬‬
‫وعاش خمسين عاما ً في الــثروة والرفاهيــة‪ ،‬ولــم يــر الســعادة‪.‬‬
‫ورأى السعادة عندما فقد ثروته‪.‬‬
‫ّ‬
‫ب‪ ،‬هناك الله" التي كتبها تولســتوي‬ ‫ما في قصة "حيث الح ّ‬ ‫أ ّ‬
‫فــي عــام ‪ ،1885‬فيفقــد مــارتين‪ ،‬الــذي يعمــل حــدادًا‪ ،‬أقــاربه‪،‬‬
‫‪- 149 -‬‬
‫وأصدقاءه‪ ،‬ويبقى وحيدا ً وآنذاك ييأس مــن الحيــاة‪ .‬وطلــب مــن‬
‫كرنا هذه الشخصية بشخصية أيــوب فــي العهــد‬ ‫الّله الموت‪ .‬وتذ ّ‬
‫القديم‪.‬‬
‫ن ميخائيـل نعيمـه كتــب فــي عـام ‪1967‬‬ ‫والجـدير بالـذكر أ ّ‬
‫ة بعنوان "أيوب" وكتب في مقدمتها أّنه اهتـم بشخصـية‬ ‫مسرحي ً‬
‫أيــوب مــن الناحيــة الفلســفية‪ ،‬فلقــد تعــرض أيــوب فــي حيــاته‬
‫ن الّلـه أراد أن يعـاقبه بسـبب خطايـاه‪،‬‬ ‫لمصائب كثيرة‪ ،‬ليـس ل ّ‬
‫فلقد كان بارًا‪ ،‬وإّنما أراد الّله أن يجربه‪.‬‬
‫وتتضمن قصة تولستوي الفكار التالية‪" :‬مــن أراد منكــم أن‬
‫ن من يتواضع يكبر‪ .‬أنتم تسمونني سـيد ًّا‪ ،‬وأنـا‬ ‫يكبر فليتواضع‪ ،‬ل ّ‬
‫أغســل أقــدامكم )‪101‬ص‪ (40‬ســيد القــوم خــادمهم‪ ،‬طــوبى‬
‫للفقراء والمساكين والودعاء والرحماء والمتواضعين‪.‬‬
‫أما في قصة "ل تشــعل النــار لنــك ل تســتطيع إطفاءهــا" )‬
‫‪ (1885‬فيطلب المؤلف مسامحة الناس‪ ،‬فهم بطل القصة أن ّــه‬
‫ل يجوز معاقبــة الخريــن وإنمــا مســامحتهم ومغفــرة خطايــاهم‬
‫وإصــلحهم‪ .‬ول يجــوز اســتعمال الكلمــات النابيــة‪ ،‬وإنمــا يجــب‬
‫محاولة إقناع الخرين‪ ،‬لكي يستعمل النــاس بعضــهم مــع بعــض‬
‫فقط الكلمات الجميلة المريحة‪ .‬وهكذا كان يعلــم بطــل القصــة‬
‫الخرين‪.‬‬
‫وقام ميخائيل نعيمه بنشر الفكار نفسها التي نشــرها ليــف‬
‫تولســتوي‪ ،‬يقــول فــي كتــابه "زاد المعــاد" )‪ (1936‬إن العــالم‬
‫كامل للذين يسعون إلى الكمال‪ ،‬والحياة طيبة للطيبين‪58) .‬ص‬
‫‪. (199‬‬
‫مــا فــي أســطورة "حــول إيفــان المجنــون‪(1885) "...‬‬ ‫أ ّ‬
‫فيبــارك تولســتوي عمــل الفلحيــن‪ ،‬وبنيــة القصــة تشــبه بنيــة‬
‫القصص الشعبية الروسية‪ .‬يصور المؤلف فيها ثلثة أخوة‪ ،‬الكبر‬
‫والوســط ذكيــان فــي حيــن يعتــبر الصــغر مجنون ـًا‪ .‬يحــب الخ‬
‫الصغر إيفان العمل‪ ،‬ومتعلق بالرض‪ .‬ولذلك يخرج منتصرا ً في‬
‫كل التجارب الصــعبة‪ .‬ول توجــد فــي مملكتــه نقــود‪ ،‬ول جيــوش‬
‫ويتبادل السكان في المملكة السلعة بسلعةٍ أخــرى‪ ،‬أو يــدفعون‬
‫ل‪ .‬ولم يدفع السكان ضرائب أو إتاوات‪ .‬وتبارك‬ ‫ثمن السلعة عم ً‬
‫الســطورة مملكــة إيفــان وأنظمتــه "وكــان فــي مملكتــه عــادة‬
‫واحدة وهي من يعمل يأكل‪ ،‬ومن ل يعمــل ل يأكــل‪ ،‬مــن كــانت‬
‫يــداه خشــنتين بســبب العمــل يحتــل المكانــة الولــى" )‪101‬ص‬
‫‪. (138‬‬
‫ما في قصة "الخاطئ التائب" )‪ (1880‬فيكتــب تولســتوي‬ ‫أ ّ‬
‫ن ً عاش سبعين عامـا ً فــي ّ الخطيئة‪ ،‬ولــم يقــم بأعمــا ٍ‬
‫ل‬ ‫عن إنسا ٍ‬
‫صالحةٍ أبدا‪ ،‬وطلب المغفرة من الله عنــدما كــان علــى فــراش‬
‫ن الّلـه رحيـم غفـور ويتقبـل توبـة‬ ‫الموت فقـط‪ ،‬إذ كـان يعلـم أ ّ‬
‫التائبين ويغفر الخطايا‪ .‬ويأمر الناس بمسامحة بعضهم بعضًا‪.‬‬
‫فلقد كان الرسل والقديسون خاطئين في حياتهم‪ ،‬ومع هذا‬
‫ن الروح النسانية واسعة‬ ‫فلقد تابوا وأصبحوا رسل ً وقديسين‪ ،‬ل ّ‬
‫وتستطيع أن ترتفع أحيانـا ً إلـى السـماوات وأحيانـا ً تسـقط إلـى‬
‫الرضيات‪ ،‬أحيانا ً تقوم بأنبل العمال‪ ،‬وأحيانا ً أخــرى تقــدم علــى‬
‫أسقط العمال‪ .‬فلقد أنكر القديس بطرس السّيد المسيح ثلث‬
‫مرات قبل أن يصيح الديك‪ ،‬أيّ قبل أن يطلع الفجــر‪ ،‬ومــع هــذا‬
‫وجد فــي نفسـه المقـدرة علـى القيـام ببطولـة مرافقـة السـّيد‬
‫المسيح في يومه الخير‪ ،‬في حين هرب بقية التلميذ‪ .‬فلقد رفع‬
‫القــديس بطــرس ســيفه مــدافعا ً عــن الســيد المســيح‪ ،‬ولكــن‬
‫المسيح قال له‪ :‬مايؤخذ بالســيف بالســيف يــرد‪ ،‬أي لــم يســمح‬
‫المسيح باســتخدام العنــف‪ .‬وكــان النــبي داود غنيـا ً وملكـًا‪ ،‬ولــم‬
‫ر‪،‬‬
‫ن فقي ـ ٍ‬ ‫يحرمه الّله من السعادة‪ ،‬ومع هــذا طمــع بــامرأة إنســا ٍ‬
‫‪- 150 -‬‬
‫وأخذها وقتل زوجها‪ ،‬وبعد ذلك تاب واعترف بخطاياه‪.‬‬
‫ويطالب تولستوي بالقناعة في قصــة "كــم يحتــاج النســان‬
‫مــن الرض؟" وينــادي بــالتخلي عــن الملكيــة الخاصــة‪ ،‬والقصــة‬
‫موجهة ضد الطمع‪ ،‬الــذي يــودي بالنســان إلــى الهلك‪ .‬وتركــت‬
‫القصة أثرا ً كبيرا ً على الكّتاب الجانب ‪-‬كتب ت‪ .‬ماتيليوفا )‪169‬‬
‫ص‪" (189‬جــذبت هــذه القصــة هنــري مــان‪ ،‬الــذي كــان يكــره‬
‫الملكية البورجوازية‪ ،‬لّنها واضحة وصريحة‪ ،‬وأعجبه شكلها"‪.‬‬
‫دعا تولســتوي النــاس إلــى المحبــة والتســامح‪ ،‬وليــس إلــى‬
‫النتقـام‪ .‬وكـانت فكـرة التسـامح الفكـرة الساسـية فـي قصــة‬
‫"الشبين" )‪. (1886‬‬
‫وعب ّــر عــن أفكــاره الغيبيــة الخلقيــة الفلســفية فــي قصــة‬
‫"كارما" )‪ (1894‬ففي مقدمة هـذه القصـة كتـب‪" :‬تلقـي هـذه‬
‫القصة ضــوءا ً علــى اكتشـاف الــدين المســيحي للحقيقــة‪ ،‬وهـي‬
‫ل شيء وخيــر النــاس‬ ‫ل شيء‪ ،‬يربح ك ّ‬ ‫إنكار الذات‪ ،‬من يخسر ك ّ‬
‫في وحدتهم مع الّله‪ ،‬ومــع ذاتهــم بــالّله‪ .‬فــأنت لــي وأنــا لــك" )‬
‫‪105‬ص‪. (47‬‬
‫يمكن أن نجد نداء تولستوي إلى التخلي عن الثروة والمجد‬
‫ونداءه في الحياة من أجل الخرين‪ ،‬وليس من أجل الذات‪ ،‬في‬
‫مؤلفاته الكثيرة‪ ،‬على سبيل المثال "حلم الملك الشاب"‪" ،‬الب‬
‫سيرغي" )‪ ، (1898‬مسرحية "الجثــة الحيــة" ‪ ،1902‬مســرحية‬
‫"سلطة الظلم" )‪" ، (1895‬هدم جهنم وإعادة بنائها"‪" ،‬ملكوت‬
‫الّله في داخلكم" )‪. (1893‬‬
‫يجتمــع أشــخاص مــن قوميــات وأديــان مختلفــة فــي قصــة‬
‫"مقهى سـورات" ‪ 1887‬منهـم المسـلم والمسـيحي الكاثوليـك‬
‫والبروتســتانت واليهــودي‪ ،‬ويتحــدثون عــن جــوهر الل ّــه وكيفيــة‬
‫ل واحد منهم ديانته الصحيحة‪ ،‬فــي حيــن كــانت‬ ‫عبادته‪ .‬ويعتبر ك ّ‬
‫الديانات الخرى على ضلل‪ .‬وعّبر أحدهم أن الّله واحد للجميع‪،‬‬
‫ن عــدو النســان كبريــاؤه‪ ،‬الــذي يحــول دون وحــدة النــاس‬ ‫وأ ّ‬
‫ويفرقهم‪ .‬فلقد أمر الّله الجميــع بالرحمــة والمحبــة‪ ،‬لن ّــه رحيــم‬
‫ومحب للبشر‪ ،‬وغفور وتواب‪.‬‬
‫ويعّبر ميخائيل نعيمـه عـن مثـل هـذه الفكـار بلسـان بطـل‬
‫مسرحية "الباء والبنون" )‪ ، (1917‬يقول بطل المســرحية داود‬
‫مخاطبا ً أم الياس‪:‬‬
‫‪ :‬ييي يييييييي يي ييي ييي يييييي‪.‬‬ ‫"يييي‬
‫‪ :‬ييي ييي يييي ييييييي‪.‬ي‪.‬‬ ‫يي ييييي‬
‫ييييي ي يييي ييي يي ي ي يييي ي ييي يييي ي‬
‫يييييي‪.‬‬
‫يييي ‪ :‬ييي ييييي يي ييييي يي يييييي يي ي ييي ي‬
‫ي ييييي يييييييي يي يي يييي‪.‬‬ ‫ييييي‬
‫‪ :‬يييي يي ييي يييي يييييي ييي‬ ‫يي ييييي‬
‫ييي يي يييي ييييي يييييي‪.‬‬
‫يييي ‪ :‬ييي ي يي يي يي يي ي ييي يي يي يي يييي ي‬
‫يييييييييي يييييي‪ .‬يي يييييي ييي ييي ي‪-‬‬
‫يي ي يي ي ييييي ي‪ .‬يي ي يي يييييييي يي يييي‬
‫ييي يييييي‪.‬ي‬
‫‪ :‬يييييي يييييي يييييييي‬ ‫يي ييييي‬
‫يي ييي ييي ييييي" يي ي ييي ييي‬ ‫يييييي "يي ي‬
‫ييييي ي يي ييي ييي ييييي يي ي ييي يييي"‬
‫يييي ييييييييييي ييي يييييييي‬
‫‪- 151 -‬‬
‫يييي ‪ :‬يي يي ي ي يي يي ي ي ي يييي‪ -‬يي ي ي يييي ي‬
‫ييييي ييي يييييييي ييي ييييييييييي ييي‬
‫يي يييييي‪.‬‬

‫‪ :‬يي ييي يييييييي ييي ييي ييي‬ ‫يي ييييي‬


‫ي ييي يي يي يييييي يي ي ي يي ي يييييييي ي‬
‫يييييييييي‬
‫يييي ‪ :‬يي يي يييي يي يييي يي ي ييي ي ي يييييي ي‬
‫يييييي ييي ييييييي‪ .‬ييي يييييي يي ييييي‬
‫ي يييي ي يي ييي يي ي ييي يي ي يي ييييي ي‬
‫ي يييي يي ييي‪ .‬يي ي يي ي ي ييييي ي ي يي ي‬
‫ييييي‪65 ) " .‬ي ‪. (31 -30‬‬
‫ويكتب ميخائيل نعيمه فــي كتــابه "صــوت العــالم" )‪(1947‬‬
‫أّنــه ينظــر إلــى الــديانات الثلث الســماوية ويقصــد اليهوديــة‬
‫والمسيحية والسلمية نظــرة احــترام ٍ لن هــذه الــديانات الثلث‬
‫متفقة في أصل النسان وفي مصيره )‪56‬ص‪. (355‬‬
‫كتب ميخائيل نعيمه مثله مثل تولستوي قصص ـا ً كــثيرةً ذات‬
‫ل شيء فكــرة‬ ‫طابع إنساني‪ ،‬تعّبر عن أفكاره النسانية‪ ،‬وقبل ك ّ‬
‫وة بيــن جميــع النــاس‪ ،‬وفكــرة العدالــة الجتماعيــة‪ .‬ولعــل‬ ‫الخ ـ ّ‬
‫مجموعة "أكابر" دليل على ذلك‪ .‬صــدرت هــذه المجموعــة فــي‬
‫عام ‪.1956‬‬
‫في قصة "أكابر" عند أبــي رشــيد وأم رشــيد ثلث دجاجــات‬
‫وديك وجدي ورشيد‪ .‬توفي صاحب الرض‪ ،‬الذي يزرعون أرضه‪،‬‬
‫فزارهـم ابنـه مـن أجـل القسـمة ومعـه زوجتـه والسـائق‪ ،‬ولـم‬
‫يدخلوا الخيمة التي يعيش فيها أبو رشيد وأســرته‪ ،‬ولــم يتنــاولوا‬
‫ن أبا رشـيد ذبـح لهـم إحـدى دجاجـاته‪.‬‬ ‫الطعام على الرغم من أ ّ‬
‫فأرادت ابنتهم الجدي والديك‪ .‬فـأمرت أمهــا أبــا رشــيد أن يضــع‬
‫ور ميخائيــل‬ ‫الديك والجدي في السيارة‪ .‬وكانا تعزية رشــيد‪ .‬يص ـ ّ‬
‫نعيمه قساوة صاحب الرض‪ .‬وهي القصة الولى فــي مجموعــة‬
‫"أكابر" أكابرهم المحامي وزوجتــه‪ .‬أفكــارهم بعيــدة عــن أفكــار‬
‫الشعب‪ .‬يتكلمون اللغــة الفرنســية فيمــا بينهــم‪ ،‬وكــأنهم شــعب‬
‫آخر‪ .‬لهم لغتهم الخاصة بهــم‪ ،‬ليفهمــا الفلحــون‪ .‬لن الفلحيــن‬
‫يتكلمون اللغة العربية‪ ،‬ويعيشون حيــاة فقــر مــدقع فــي أســفل‬
‫السلم الجتماعي‪ .‬وتقول عنهم زوجة المحامي "‪-‬إّنهم يعيشــون‬
‫في "الصيف" كالذئاب‪ ،‬وفي الشتاء كالدببــة‪ (50) " ...‬وتنتهــي‬
‫القصة ببكاء وصراخ رشيد على الجدي والديك‪ ،‬وكــانت الســماء‬
‫تسمع الصراخ‪ ،‬والوادي يردد صداه" )‪. (50‬‬
‫يندد ميخائيل نعيمه مثله مثل تولستوي بالقسوة‪ ،‬والكبرياء‪.‬‬
‫ن الكابر في السلم الجتماعي يقفون في أسفل السلم‬ ‫ويرى أ ّ‬
‫الخلقي لبعدهم عن شعبهم‪.‬‬
‫م" فــي هــذه‬ ‫م وليســت بــأ ّ‬‫تتضمن مجموعة "أكابر" قصة "أ ّ‬
‫القصة تكره الخالة رشا الولد‪ .‬كلفتها جارتها في إحدى المرات‬
‫أن تحمل ابنها ريثما تنقل إلى زوجها الزاد‪ .‬وأعطت الطفل ثديا ً‬
‫من ثدييها المتهدلين الفارغين‪ ،‬فكانت العجيبة إذ سكت الطفل‪،‬‬
‫ب تجاهه‪ ،‬وأخذت تداعبه‪ ،‬إلى أن‬ ‫وأخذت تشعر بحنو نحوه‪ ،‬وبح ٍ‬
‫طردتها أمه من البيت‪ ،‬لنها تدلع الطفــل‪ ،‬ومــات الطفــل‪ ،‬وم ـّر‬
‫الزمان بأصابعه السحرية على قلب الوالدة فبلســم جراحــه‪ ،‬إذ‬
‫عوضها عن الزغلول زغلول ً آخر‪ .‬أما الخالة رشا فبقيت حبيســة‬
‫البيت‪ .‬يقول نعيمه في قصته هذه‪ ،‬ساعدوا حتى عندما ل يوجــد‬
‫لديكم ما تساعدون به الخريــن‪ .‬فــالّله يعطيكــم‪ .‬فالخالــة رشــا‬
‫بدأت بإرضاع الطفل ورزقها الّله الحليــب‪ ،‬علمـا ً بأّنهــا لــم تكــن‬
‫أمًا‪.‬‬
‫‪- 152 -‬‬
‫وفي قصة "عابر سبيل" من المجموعة ذاتهــا‪ ،‬ســمعت ربــة‬
‫البيت في الصباح الباكر ابنتهــا تناديهــا وتقــول لهــا‪ :‬هــذه أجمــل‬
‫صورةٍ رسمتها حتى الن ولقد أنهيتها في أقـل مـن ربــع سـاعة‪.‬‬
‫ن هذه الصورة هي صورة عابر السبيل الذي جاءنا‬ ‫فقالت الم‪ :‬إ ّ‬
‫أمس يطلب مأوى فما أويناه‪ .‬فقالت البنــة لقــد زارنــي الرجــل‬
‫ن ابنتهما الكسيحة ستشفى في حال ذهاب والــدها‬ ‫في المنام‪ .‬إ ّ‬
‫للتفتيش عن عــابر الســبيل‪ .‬وذهــب الوالــد‪ ،‬وبــرئت البنــت مــن‬
‫ن هذه القصــة تشــبه قصــة "اليــوم الخيــر" لميخائيــل‬ ‫مرضها‪ .‬إ ّ‬
‫نعيمه‪ ،‬كما تشبه أسطورة تولستوي "بم يعيش الناس؟ " ولكن‬
‫عابر السبيل عند تولستوي هو ملك‪ .‬وقصة نعيمــه هـذه متــأثرة‬
‫بقصص تولستوي الشعبية‪.‬‬
‫وفي قصة "على الّله" من المجموعة ذاتهــا‪ ،‬يرفــض التـاجر‬
‫مساعدة الفقراء‪ ،‬ولذلك يخسر أمواله‪ ،‬التي كانت مودعــة فــي‬
‫ك‪ ،‬أعلن إفلسه‪ .‬ومرةً أخرى رفض مساعدة الفقراء‪ ،‬وآنذاك‬ ‫بن ٍ‬
‫مات‪ .‬فبنت أرملته بيتا ً لليتامى‪ .‬وتشبه هذه القصة أيضا ً قصــص‬
‫تولستوي الشعبية‪.‬‬
‫أما في قصة "صادق" من المجموعة ذاتها فل يعرف البطل‬
‫ن يقــول‬ ‫الكذب أبدًا‪ .‬وطرد من أعمال مختلفة‪ ،‬لّنه في ك ّ‬
‫ل مكا ٍ‬
‫م‪ ،‬وفي إحدى المرات قــاد‬ ‫محا ٍ‬ ‫الحقيقة‪ .‬عمل صادق سائقا ً عند‬
‫ل‪ ،‬ولــم يوقــف ســيارته‪،‬‬ ‫طف ً‬ ‫الســيارة المحــامي نفســه ودهــس‬
‫ليحمله إلى المشفى‪ ،‬ولكن البستاني رأى رقم السيارة‪ ،‬ودّونــه‬
‫ونقله إلى الشرطة‪ .‬فــاتهمت الصــحف الســائق بالحــادث‪ ،‬وأن ّــه‬
‫كان وحده في السيارة مع عشيقته‪ ،‬دون علم المحامي‪ ،‬فحكــم‬
‫على صادق بالسجن عشر سنوات‪ .‬وانتحر في الســجن بعــد أن‬
‫ة كتب عليها "تبا ً لــدنيا ل مجــال فيهــا لصــادق"‪ .‬وتعب ّــر‬ ‫ترك ورق ً‬
‫هذه القصــة أيضـا ً عــن أفكــار ليــف تولســتوي‪ ،‬فلــم تعــرف آن ّــا‬
‫ة ولــذلك لــم تســتطع العيــش فــي‬ ‫كارينينا الكذب وكانت صــادق ً‬
‫مجتمــٍع ل يعــرف إل الريــاء‪ ،‬ولعــل ميزتهــا هــذه أحــد أســباب‬
‫مأساتها‪.‬‬
‫وفــي قصــة "هديــة" أراد عامــل البنــاء مســعود أن يشــتري‬
‫ة‪ ،‬ول نقود لديه‪ .‬فاستدان واشــترى مــرآة‪ ،‬فــوقعت‬ ‫لزوجته هدي ً‬
‫وكسرت‪ .‬لم تقدر له الســعادة‪ .‬تشــبه هــذه القصــة قصــة ليــف‬
‫تولســــتوي "بوليكوشــــكا" )‪" . (1863‬بطل قصــــتي نعيمــــه‬
‫وتولستوي ناس فقراء‪ .‬فقد أحدهم النقود‪ ،‬وسرقت نقود الخر‪.‬‬
‫نصيبهما هكذا‪ .‬السعادة بعيدة عن دربهمــا‪ .‬وقــع مســعود مغميـا ً‬
‫ش عــن‬ ‫ـدفء مــده ٍ‬ ‫عليه‪ ،‬وانتحر بوليكوشــكا‪ ،‬يتحــدث الكــاتب بـ‬
‫الساذجة‪ ،‬عن‬ ‫ط‪ ،‬اسمه مسعود‪ ،‬عن حبه وأحلمه‬ ‫رجل بناٍء بسي ٍ‬
‫ف كــبير عــن‬ ‫الهديــة الرائعــة لزوجتــه الحبيبــة‪ .‬ويتحــدث بتعــاط ٍ‬
‫مـا‬ ‫صادق‪ ،‬الذي من الناحية العمليـة هـو إنسـان غريـب ومـؤٍذ‪ ،‬أ ّ‬
‫ة‪ ." ...‬هــذا ممــا‬ ‫بالمفهوم النساني فيتصف بروح إنسانية ســامي ٍ‬
‫تكتبــه آّنــا دالينينــا عــن علقــة ميخائيــل نعيمــه ببطلــي هــاتين‬
‫القصتين‪124) .‬ص‪. (19‬‬
‫في قصــة "المســيو الفــونس" مــن مجموعــة "أبــو بطــة" )‬
‫ن هناك علقة بين الخ وأختــه‪ ،‬فأنــذر‬ ‫‪ (1958‬شعر موسيقي بأ ّ‬
‫الزوج‪ ،‬الذي قتل فيما بعد من قبل أخ الزوجة‪ ،‬الــذي قتلــه لنــه‬
‫أراد أن يرثــه‪ .‬فعنــد الموســيقي إحســاس بــاطني‪ ،‬ولكنــه ل‬
‫يســتطيع أن يــبرهن علــى آرائه الصــحيحة‪ ،‬ولــذلك بــدت آراؤه‬
‫ة‪ ،‬وغير معقولة‪.‬‬ ‫مضحك ً‬
‫وكمــا نــرى‪ ،‬فــإن قصــص ميخائيــل نعيمــه فــي مجموعــتي‬
‫"أكابر" و "أبو بطة" تشبه قصص تولستوي الشعبية‪ .‬توجــد فــي‬
‫قصص ميخائيل نعيمه قوة خفيــة تطبــق العدالــة‪ .‬نلحــظ وجــود‬
‫ل‬‫هذه القوة‪ ،‬فكأنها أحد أبطـال أقاصيصــه‪ .‬وهـي أقــوى مــن كـ ّ‬
‫ســرية الــتي تس ـّير حيــاة‬ ‫ن القــوة الخفيــة‪ ،‬أو اليــد ال ّ‬ ‫البطــال‪ .‬إ ّ‬
‫‪- 153 -‬‬
‫الناس ‪-‬هي البطــل الساســي فــي قصــص ميخائيــل نعيمــه‪ .‬ول‬
‫نرى هذا البطل الخفي ولكننا نرى أعماله‪.‬‬
‫ور النسـان‬ ‫وكما نرى فإن ميخائيل نعيمـه فـي قصصـه يصـ ّ‬
‫البسـيط مثلمـا يفعـل ليـف تولسـتوي فــي أقاصيصـه الشـعبية‪.‬‬
‫ور حيــاة فلٍح فقيــر‪ .‬ويتعــاطف نعيمــه دائم ـا ً مــع أبطــاله‬ ‫فيصــ ّ‬
‫البسطاء‪" .‬لقد تأثر ميخائيل نعيمه بالدب الروسي‪ ،‬وهذا واضــح‬
‫في فنه القصصـي‪ ،‬إذ تعل ّــم فــن القصـة علــى يـد كبــار الكّتـاب‬
‫الروس في القـرن الماضـي "‪-‬كتبـت أ‪.‬ن‪ .‬إيمانفوليفـا‪ 88) .‬ص‬
‫‪. (130‬‬
‫كثير من قصص تولستوي الشــعبية هــي مــن حيــث الشــكل‬
‫والمضمون ل تختلف عن المثال‪ ،‬وكان هذا الجنس الدبي مهما ً‬
‫دث النــاس‬ ‫بالنســبة لتولســتوي لن الســّيد المســيح نفســه حــ ّ‬
‫بالمثال‪ .‬كتب تولســتوي فــي أحــد المثــال عــن النســان الــذي‬
‫دث الفلحين عــن ضــرورة قلــع النبــات الطفيلــي مــن جــذره‪.‬‬ ‫ح ّ‬
‫وحارب السّيد المسيح عيوب الناس من جـذورها‪" .‬سـمعتم أّنـه‬
‫ل مــن نظــر إلــى امــرأة‬ ‫ن كـ ّ‬‫ما أنا فأقول لكــم‪ .‬إ ّ‬ ‫قيل‪ :‬ل تزن‪ .‬أ ّ‬
‫حتى ليشتهيها فقد زنى بها فـي قلبــه" )‪ 37‬مـن ‪" (10‬سـمعتم‬
‫مــا‬ ‫ن من قتل يستحق المحاكمة‪ .‬أ ّ‬ ‫أّنه قيل للقدمين‪ :‬ل تقتل‪ ،‬فإ ّ‬
‫ل من غضب على أخيه يستحق المحاكمـة"‬ ‫نك ّ‬ ‫أنا فأقول لكم‪ :‬إ ّ‬
‫ن الغضب هو شروع في القتل‪.‬‬ ‫)‪ 37‬ص‪ (9‬ل ّ‬
‫"قلت ‪-‬كتب ليف تولســتوي عــن نفســه‪ -‬إن الشــر بمــوجب‬
‫ن معالجــة الشــر‬ ‫تعاليم السيد المسيح‪ ،‬ل يعالج بالشر نفسه‪ .‬وإ ّ‬
‫بالعنف تزيد من الشر نفسه‪ ،‬فبموجب تعــاليم الســيد المســيح‪،‬‬
‫ن تعاليم السيد المســيح‪،‬‬ ‫يقتلع الشر بالعمل الطيب‪ ....‬وقلت‪ ،‬إ ّ‬
‫ن الحياة كّلها صراع ضد الشر بالعقــل وبالمحبــة"‪) .‬‬ ‫تنص على أ ّ‬
‫‪ 105‬ص‪. (59‬‬
‫نشر تولستوي في عام ‪ 1889‬مثال "البناء الثلثــة" ويرمــز‬
‫الكاتب بشخصــية الب إلــى الل ّــه وبالبنــاء إلــى النــاس‪ .‬فعــاش‬
‫البنان الكبر والوسط ليس كما يحب الب‪ .‬عاش الكبر للمرح‬
‫ة مـن‬ ‫ل أرزاقه‪ .‬وعاش الوسط حياة ً أنانيـ ً‬ ‫وحده‪ ،‬ولذلك خسر ك ّ‬
‫أجل نفسه فقط‪ ،‬فقتل نفسه‪ ،‬دون أن يفهــم إرادة الب‪ .‬البــن‬
‫الصغر وحده كان يعمل الخير للناس‪ ،‬وثبت أّنه عاش كما كــان‬
‫ل ما نعرفه عــن الب أو عــن الل ّــه‬ ‫يريد الب‪ .‬وهذا يعني‪" :‬إن ك ّ‬
‫أّنه يعطي للناس الخير‪ ،‬ويطلــب منهــم أن يفعلــوا مثلــه‪ ،‬أيّ أن‬
‫يقــدموا الخيــر للخريــن"‪102) .‬ص‪ (304‬تــذكرنا هــذه القصــة‬
‫ن فيهــا ثلثــة أخــوة‪ .‬والخ‬ ‫بأســطورة "إيفــان المجنــون‪ "....‬ل ّ‬
‫الصغر يعيش بمخافة الّله‪ .‬هو مع الّله‪ ،‬والّله معه‪.‬‬
‫حاول ميخائيل نعيمه أن يتخذ من السّيد المسيح قــدوةً لــه‪،‬‬
‫وأراد أن تشــبه حيــاته إضــافة إلــى الس ـّيد المســيح حيــاة ليــف‬
‫تولسـتوي‪ ،‬تحتـل التعـاليم المسـيحية فـي أدب ميخائيـل نعيمـه‬
‫ة‪.‬‬
‫ة مرموق ً‬ ‫مكان ً‬
‫وعندما قرر ميخائيل نعيمه العـودة مـن أمريكـا إلـى لبنـان‪.‬‬
‫ة قرأ في التوراة جملة تتضمن ضرورة العودة إلى شــعبه‪،‬‬ ‫صدف ً‬
‫لكي يتحدث عن ماذا صنع الرب له‪ .‬وعندما بدأ يبني بيته الجديد‬
‫في بسكنتا كتب‪" :‬أخذت التوراة وفتحتها كيفما اّتفق‪ ،‬ووضــعت‬
‫ن من الصفحة التي انفتحت عليه‪ ،‬وإذ بي أقرأ‬ ‫إصبعي على مكا ٍ‬
‫مايلي من سفر عزرا‪ ،‬الفصل الثالث‪ ،‬والعدد الحادي عشر‪:‬‬
‫"ولما أسس البناؤون هيكل الرب‪ ،‬قام الكهنة في ملبسهم‬
‫ون بنــو أســاف بالصــنوج‪ ،‬وهتــف الشــعب هتاف ـا ً‬ ‫بالبواق واللوي ّ‬
‫ب" )‪49‬ص‬ ‫حون الرب لجل تأسيس بيــت الــر ّ‬ ‫عظيمًا‪ ،‬وهم يسب ّ‬
‫‪ . (757‬كتب حول هذا الموضوع نعيمه في المرحلة الثالثـة مـن‬
‫كتاب "سبعون"‪ ،‬يتــذكر نعيمــه كــثيرا ً كلمــات التـوراة حــول‪ :‬إذا‬
‫‪- 154 -‬‬
‫الرب لم يبين الــبيت فعبثـا ً يحــاول البنــاؤون‪ ،‬ويتــذكر قصــة آدم‬
‫وحواء التي ترمز إلــى حــب البشــرية المعرفــة والعلــم‪ .‬ويتــذكر‬
‫ن الدب الرائع ل يهرم‪،‬‬ ‫نوحًا‪ ،‬ويتذكر مزامير داود فعندما يقول إ ّ‬
‫يتذكر مزامير النبي داود فهي مازالت رائعة كما كانت سابقًا‪.‬‬
‫يرى نعيمه ضــرورة التخلــي عــن الــثروة‪ ،‬لّنهــا مصــدر مــن‬
‫مصادر الشر والستغلل فالغنياء رهائن ثروتهم‪:‬‬

‫ل ما يملكني‬ ‫ق َ‬ ‫"ق ّ‬
‫ل ما أملكه‬
‫زاد ما يملكني‬ ‫زاد ما أملكه‬
‫زاد قدري‬ ‫ل ما يملكني‬‫ق ّ‬
‫ل قدري‬ ‫ق ّ‬ ‫زاد ما يملكني‬
‫عســـــر كـــــان‬ ‫ب‬ ‫ر ّ‬ ‫ب يسر كان عسرا ً‬ ‫ر ّ‬
‫يسرًا"‬
‫)‪62‬ص‪(22‬‬
‫ويكتب في الكتاب ذاته‪:‬‬

‫عاش في كـ ّ‬
‫ل الــديار" )‪62‬ص‬ ‫" من عاف دارا ً‬
‫‪(24‬‬
‫ويعّرف المال‪" :‬إذ مــاهو المــال؟ إّنمــا المــال عــرق النــاس‬
‫ودماؤهم‪ ،‬يصكها الدهاة دراهم ودنانير ليكّبلوا بها الناس‪ .‬وما هو‬
‫الغنى؟ إنما الغنى عرق النــاس‪ ،‬ودمــاؤهم يختزنهــا أقــل النـاس‬
‫عرقا ً ونزيف دم‪ ،‬ليرهقوا بها ظهور من كانوا أكثر النــاس عرق ـا ً‬
‫‪62‬ص‪. (128‬‬ ‫ونزيف دم" ) ٍ‬
‫ويكتب في كتــابه "الوثــان" )‪" : (1958‬يــاللحيف أن يجــوع‬
‫مـن يــزرع‪ ،‬ويعــرى مـن ينسـج‪ ،‬ويبقـى بـدون مـأوى مـن يبنـي‬
‫القصور" )‪63‬ص‪. (16‬‬
‫وفــي كتــابه "الوثــان" ينــدد ميخائيــل نعيمــه بأوثــان القــرن‬
‫العشــرين وهــي المــال والقــوة‪ ،‬والســلطان‪ ،‬والــرأي العــام‪،‬‬
‫والقومية‪ ،‬والكلمة الســوداء‪ ،‬والعلــم‪ ،‬ويســتغرب القــارئ لمــاذا‬
‫ن العلــم ل يــؤمن إل بمــا يــرى‪.‬‬‫يعتبر نعيمه العلم من الوثان‪ ،‬ل ّ‬
‫ما الحدس‪ ،‬وأما التأمل الباطني‪ ،‬وأما الوحي فل يقيم لها وزنـًا‪،‬‬ ‫أ ّ‬
‫في حين أن لهذه كلها أثرا ً كبيرا ً في تطور العلم الحديث‪.‬‬
‫ن نعيمه مثله مثــل الســيد المســيح ينــدد بالملكيــة‬ ‫وبذلك فإ ّ‬
‫الخاصة أو بالمال‪ .‬ويخصص جزءا ً من كتابه "المراحل" )‪(1933‬‬
‫للسيد المسيح بعنوان "وجه يسوع" يكتــب تحــت هــذا العنــوان‪:‬‬
‫مرا ً على الصليب‪ ،‬ودمه القــاني الســخين يتــدفق مــن‬ ‫"آراه مس ّ‬
‫يديه ورجليه‪ .‬ويقطر من جبينه وشاربيه‪ ....‬وعلى رأسه المحني‬
‫فوق صدره أبصر أكليل ً من شــوك" )‪64‬ص‪ (28‬وحــول الســيد‬
‫المسيح كان جنود روما العاتية‪ ،‬تحيــط بهــم جمــاهير مــن أحفــاد‬
‫إبراهيــم وإســرائيل ويعقــوب ورؤســاء الكهنــة وتجــار وعمــال‬
‫وفلحون وعشارون‪ .‬فيهم السادة وفيهم العبيــد الــذين يعضــون‬
‫اليد التي تحاول فك قيودهم‪ .‬ويسمع نعيمه صوت المخلص وهو‬
‫يقول‪" :‬أبتاه اغفر لهـم لّنهـم ل يعلمــون مـاذا يفعلــون"‪ .‬ولكـن‬
‫الذين لهم عيون ول يبصرون‪ ،‬لنهــا مــن زجــاج‪ ،‬ولهــم قلــوب ل‬
‫تعرف إل الخــوف والكراهيــة‪ ،‬هــؤلء ل يمكــن أن يفهمــوا ســمو‬
‫ن العمــال‬ ‫حكمة السيد المســيح‪" :‬ل تقــاوموا الشــر بالشــر"‪ .‬إ ّ‬
‫والقوال والفكار تحبل وتلد كما تحبل النســاء وتلــد‪ .‬فــإن حبــل‬
‫الشر بالشر ولد شرًا‪ ،‬وإن حبل الخير بالخير ولد خيــرًا‪ .‬وإن لــم‬
‫يكن للشر ما يحبل به من جنسه انقرض من تلقاء ذاته‪ .‬وكــانت‬
‫‪- 155 -‬‬
‫ما نفســه فمــا قــدر أن‬ ‫ة "خلص الخرين وأ ّ‬ ‫الجماهير تضحك قائل ً‬
‫ل زمــان يطلبــون‬ ‫يخلصها"‪ .‬أغنيــاء ذلــك الزمــان مثــل أغنيــاء كـ ّ‬
‫السعادة في الملذات‪ .‬وصــرخ المصــلوب "إلهــي! إلهــي! لمــاذا‬
‫ن السـّيد المســيح بعــد أن قــرر الشــعب صــلبه‪،‬‬ ‫تركتنــي؟" أيّ أ ّ‬
‫وبيلطس البنطي اتخذ قراره‪ ،‬لم يبق له سوى الّله‪ ،‬ولكن الّلــه‬
‫لم يجبه‪.‬‬
‫يرى ميخائيل نعيمه أن قصة صلب السّيد المسيح من أكــثر‬
‫ن هذه الصفحات في النجيل‬ ‫ة‪ ،‬وأ ّ‬
‫قصص الدب العالمي مأساوي ً‬
‫مؤلمة للغاية‪ ،‬فبالفعل لقد ترك جميع التلميــذ معّلمهــم بعــد أن‬
‫خانه يهوذا‪ ،‬والشعب أخذ يصرخ "اصلبوه" وبقي هناك أمل بــأن‬
‫يخلوا سبيله قبل العيــد حســب التقاليــد‪ ،‬الــتي بموجبهــا يخلــون‬
‫سبيل أحد المحكوم عليهم بالموت‪ ،‬فأخلوا سبيل اللــص‪ .‬وحــتى‬
‫الّله لــم يجــب علــى صــرخات يســوع‪ .‬هـذه نهايــة رحلــة يســوع‬
‫المسّيح على الرض‪ ،‬رحلة اللم والوجاع‪.‬‬
‫وكتب ميخائيل نعيمه المثال والحكم‪ ،‬وقد سـبقه إلـى ذلـك‬
‫تولستوي‪ ،‬وكذلك فالدب العربي غنــي بــالحكم‪ .‬يــدعو ميخائيــل‬
‫نعيمــه فــي حكمــه وأمثــاله مثلــه مثــل تولســتوي إلــى المحبــة‬
‫ن الســلم‬ ‫والتسامح‪ .‬ويدعو الناس إلى التخلــي عــن الســلح‪ ،‬ل ّ‬
‫الحقيقي ل يحتاج لمــن يحميــه‪ .‬ولــن يكــون ســلم مــادام هنــاك‬
‫جندي واحد مسلح‪ .‬ويرى أن الصداقة الحقيقية تعنــي أن يــذوب‬
‫النسان في الخرين وينسى ذاته وآنذاك يدرك معنى الصداقة‪.‬‬
‫في كتابه "كرم على درب" )‪ (1946‬يكتب ميخائيـل نعيمـه‬
‫مجموعة من المثال التي يعّبر عن فلسفته في الحيــاة مثــل أن‬
‫آدم لم يمت‪ ،‬فإن مات آدم فمن أنا ومن أنت )‪54‬ص‪. (607‬‬

‫ي‪ -10‬يي يي يييي ييي ييييي ي يي ي‬


‫يي‪:‬‬ ‫ييي‬
‫ل مــن تولســتوي وميخائيــل نعيمــه الحــرب وجريمــة‬ ‫أدان ك ّ‬
‫القتــل‪ ،‬عــاش تولســتوي فــي القوقــاز فــي بدايــة الخمســينات‪،‬‬
‫وانخــرط فــي السـلك العسـكري‪ .‬واشـترك فـي مجموعـة مـن‬
‫المعارك‪ ،‬التي قدمت مادة ً جيدةً لمؤلفاته‪ ،‬مثــل "سيباســتوبول‬
‫في شهر كــانون الول" )‪" ، (1855‬وسيباســتوبول فــي أيــار" )‬
‫‪ " (1855‬وسيباســـتوبول فـــي آب" )‪" ، (1856‬القـــوزاق" )‬
‫‪" (1863‬الغارة" )‪ (1853‬و "قطــع أشـجار الغابـات" )‪(1855‬‬
‫وراويته الخالدة "الحرب والسلم" )‪. (1869-1863‬‬
‫كتب ليــف تولســتوي فــي مطلــع حيــاته الدبيــة فــي قصــته‬
‫"المراهقــة" )‪ (1854‬بلســان نيكولينكــا‪ -‬بطــل القصــة حــول‬
‫الحرب‪" :‬هل يعقل أّنك أنت حاربت‪ -‬سألت بدهشة‪ -‬هــل يعقــل‬
‫ب كـارل‬ ‫أنك أنت أيضا ً قتلـت النـاس؟ سـأل نيكولينكـا باسـتغرا ٍ‬
‫إيفانوفتش" )‪94‬ص‪ . (27‬انتقل تولستوي في عــام ‪ 1854‬إلــى‬
‫جيش دوناي‪ ،‬ومن ثم إلــى سيباســتوبول‪ ،‬المحاصــرة مــن قبــل‬
‫الجيوش الفرنسية والنكليزية‪ .‬واشترك ليف تولستوي في هذه‬
‫المعارك وكان في الموقع الرابع‪ ،‬أكثر المواقــع خطــورة‪ ،‬وأدان‬
‫تولستوي الحرب الدفاعية والهجوميــة‪ ،‬وتبلــورت هــذه الفكــار‪،‬‬
‫خصوصًا‪ ،‬في السبعينات لكن بــذورها كــانت موجــودةً فــي أدب‬
‫تولستوي منذ أيامه الولى‪.‬‬
‫ل‬ ‫تأثر ميخائيل نعيمه‪ ،‬بآراء تولستوي وأدان الحــرب فــي ك ـ ّ‬
‫مؤلفــاته‪ ،‬نــذكر بعضــها مثــل قصــة "شــورتي" )‪ (1919‬مــن‬
‫مذكرات جندي مجهول‪ .‬يقول هذا الجنــدي عــن نفســه" ‪ ....‬أنــا‬
‫ة‬
‫جيفة حية بين أجيــاف متحركــة‪ ،‬ويــداي ملطختــان بــدماٍء بــريئ ٍ‬
‫لني جندي وعمل الجندي القتل‪ .‬لقــد حرمــت أكــثر مــن زوج ـةٍ‬
‫‪- 156 -‬‬
‫لقاء زوجها‪ ،‬وحبيبةٍ لقاء حبيبيهــا‪ .‬وقــد أوجــدت فــي هــذا العــالم‬
‫ة‪ .‬ولقـد بعــثرت أكــثر مــن‬ ‫أكثر من ثكلى وأكثر مــن يــتيم ٍ ويتيمـ ٍ‬
‫ت‪ .‬لذاك دعــاني‬ ‫ٍ‬ ‫ودمرت اكثر من بي‬ ‫أمل‪ ،‬وفقأت أكثر من عين‪،‬‬
‫الناس شــجاعًا‪ ،‬وكافــأونيٍ بجرمــي‪ ،‬ول أطلــب صــفحًا‪ ،‬فطلــبي‬
‫الصفح منك هو إهانة لك‪50) " ...‬ص‪ . (383-382‬استعمل ليف‬
‫تولستوي عبارة جيفة حّية وهي العبارة التي يستعملها ميخائيــل‬
‫ن تولسـتوي إحـدى مسـرحياته بعنـوان "الجيفـة‬ ‫نعيمه ولقد عنو ّ‬
‫الحّية"‪ .‬شورتي جندي مريــض فــي مشــفى المــراض الجلديــة‪.‬‬
‫ول الكحــول إلــى وســكي‪ .‬وبهــذا‬ ‫وهم‪ ،‬وح ـ ّ‬ ‫غّير على المرضى ج ّ‬
‫ول المــاء إلــى خمــر‪ .‬يطلــق عليــه‬ ‫يشبه السّيد المسيح الذي ح ـ ّ‬
‫الرصــاص ويمــوت لكنــه قبــل مــوته يــوجه رســالته إلــى امــرأةٍ‬
‫ة‪.‬‬
‫مجهول ٍ‬
‫ويكتب ميخائيل نعيمــه الــذي شــارك فــي الحــرب العالميــة‬
‫الولــى جنــديا ً فــي الجيــش المريكــي علــى الرض الوروبيــة‪:‬‬
‫"ألعلني وإياهم سلع رخيصة في أيــدي عب ّــاد الفلــس؟ ذلــك هــو‬
‫الصح‪ .‬فهؤلء‪ ،‬بأساليبهم الشيطانية يغـدقون علـى تلـك السـلع‬
‫أشرف النعوت‪ .‬فتبدو وكأّنها الجواهر النادرة‪:‬‬
‫"حمــاة الــوطن‪ .‬جنــود الحريــة‪ .‬أبطــال العدالــة النســانية‪.‬‬
‫الغاسلون العار بدمائهم الزكية‪ .‬شهداء الواجب‪ .‬بناة المستقبل‪.‬‬
‫الظافرون‪ .‬الصالحون‪ .‬الخالدون إلخ إلخ" )‪49‬ص‪. (373-372‬‬
‫ممممم مم مممم ممم‪:‬‬
‫ّ‬
‫ن النســان أح ـط مــن‬ ‫"اشــهد ياليــل‪ .‬اشــهدي يــا نجــوم‪ .‬إ ّ‬
‫ن الذي يزهو بعقله يغدو في الحرب بدون عقل‪ .‬فهــو‬ ‫الحيوان‪ .‬إ ّ‬
‫وه‪ .‬وهو يقتل الحي‬ ‫وه الصحيح ثم يعود فيحاول تصحيح ما ش ّ‬ ‫يش ّ‬
‫مره‪.‬‬ ‫مم الذي د ّ‬ ‫دمر ما بناه ليعود فير ّ‬ ‫ي‪ .‬وهو ي ّ‬‫ليعود فيندب الح ّ‬
‫هاهنا ما قيمة المحبة؟ ‪-‬ل شيء‪ .‬ما قيمة الحــق؟ ‪-‬لشــيء‪.‬‬
‫ل القيمة ‪-‬للفلس‪.‬‬ ‫ما قيمة العدل؟ ‪-‬لشيء‪ .‬هاهنا القيمة ك ّ‬
‫لماذا؟ لماذا؟؟؟ لماذا؟؟؟‪.‬‬
‫وإلى متى هذا الجنون؟" )‪49‬ص‪. (398‬‬
‫مــا فكــرت فــي الحــرب الــتي‬ ‫وبعد ذلــك يكتــب‪" :‬فكنــت كل ّ‬
‫انتهت‪ ،‬وفي نصيبي منها‪ ،‬شــعرت بفداحــة الشــرور الــتي يــرزح‬
‫تحت أثقالهــا‪ .‬فمــاذا كــانت حصــيلة أربــع ســنوات مــن القتــال؟‬
‫عشـــرات الملييـــن مـــن القتلـــى والجرحـــى‪ ،‬والمشـــوهين‬
‫والمعتوهين واليتامى والرامل‪ ،‬والــدور والمــزارع العـامرة وقــد‬
‫باتت خرابا ً يبابًا" )‪49‬ص‪. (414‬‬
‫ويكتب عن أحد الضباط‪" :‬فهذا الضابط الكبير فــي الجيــش‬
‫ن له دينا ً فــي ذمــة الكــون‪ ،‬بــل فــي‬ ‫‪-‬لماذا يتبختر في مشيته كأ ّ‬
‫ذمة الّله؟ إّنه ل ينتج أيّ خير‪ .‬فبأي حق يتبختر ويتكبر؟" )‪19‬ص‬
‫‪. (221‬‬
‫وتتضــمن مجموعــة "أبــو بطــة" )‪ (1958‬قصــة "جنــديان"‬
‫ن عّباس يدعى إلى ميدان القتال من الحقــل‪ .‬وكــان‬ ‫وخلصتها أ ّ‬
‫والــده قــد قتــل فــي ســاحة "الشــرف" هكــذا بســخرية يســمى‬
‫ة‬
‫ميخائيــل نعيمــه ســاحة المعركــة‪ .‬فتكــون هــذه الــدعوة مصــيب ً‬
‫بالنسبة له ولسرته‪ ،‬ويرى عباس علــى الطريــق جنــديا ً قطعــت‬
‫يده ورجله وفقئت عينه‪ .‬فينصــح الجنــديّ عبــاس بــالرجوع إلــى‬
‫القرية لكي يعمــل فــي الحقــل‪ .‬وليــس صــعبا ً علــى القــارئ أن‬
‫يتحسس أفكار تولستوي في هذه القصة الذي كان يقدس عمل‬
‫الحقل‪ ،‬ويكره الحرب‪.‬‬

‫‪- 157 -‬‬


‫ي‬ ‫ي يييي‬ ‫ي يييييي‬ ‫ي‪ -11‬يييي‬
‫ييي‬ ‫ييييي‬
‫يي‪:‬‬ ‫ييي يييي‬ ‫يي‬
‫كان ميخائيل نعيمه ينظر إلى تراث تولستوي نظرة احــترام‬
‫منذ بداية حيــاته‪ ،‬لكنــه أصــبح مــن أتبــاع تولســتوي بكــل معنــى‬
‫الكلمة فقط بعد عودته إلى وطنه في عام ‪ .1932‬فيحــرم ذبــح‬
‫ن الّله خلقه‪ ،‬وحياته يجب أن تكون بيد خالقه‪ ،‬وليس‬ ‫الحيوان‪ ،‬ل ّ‬
‫بيد النسان‪ .‬وهو ضد استخدام العنف حتى ولو كان موجها ً ضــد‬
‫الحيوانات‪ .‬ويصف مشاعره عندما حاول صيد السمكة في كتابه‬
‫"سبعون" )‪" : (1959‬فــي تلــك اللحظــة وجــدتني هــدفا ً لشــتى‬
‫ة مــن كــل جــانب‪ ،‬مــن الســماء‪ ،‬مــن‬ ‫صــب علــي بغت ّـ ً‬ ‫التقاريع تن ّ‬
‫ة‪،‬‬‫ل حصــاةٍ وعشــبةٍ وشــجر ٍ‬ ‫الهواء‪ ،‬من التراب‪ ،‬من النهر‪ ،‬من ك ّ‬
‫ص‪،‬‬ ‫ل قطرة دم ٍ في عروقي‪ :‬مجــرم‪ ،‬مجــرم‪ ،‬مجــرم‪ ،‬ل ـ ّ‬ ‫ومن ك ّ‬
‫ة‬
‫ص! خسيس‪ ،‬خسيس‪ ،‬خســيس‪ ،‬خســيس‪ !،‬أيّ البطول ـ ِ‬ ‫ص‪ ،‬ل ّ‬‫ل ّ‬
‫هي هذه البطولة تحملك‪ ،‬وأنت علــى مــا أنــت مــن قــوة البــدن‬
‫ة‪ ،‬تفتش عــن عيشــها فــي مثــل‬ ‫ة صغير ً‬ ‫والعقل‪ ،‬أن تنازل سمك ً‬
‫هذا النهر الصغير‪ ،‬فتبطش بها مثل هذا البطش المريع؟ وما هو‬
‫الجوع الذي دفعك إلى البطش بهــا‪ ،‬بــل البطــر وحــب الرياضــة‬
‫والسلوى‪ .‬ل كانت رياضــتك تأتيــك مــن عــذاب المخلوقــات‪ .‬ول‬
‫كانت سلوى تصرفك عن همومك بسلبك الحياة لكائنات ليســت‬
‫لها همومك‪ .‬ما دمت تعرف قيمة الحياة لنفسك فكيــف تنكرهــا‬
‫على غيرك؟ وما دمت تكره اللم لنفسك فكيف تنزله بســواك؟‬
‫ص! خسيس أنت‪،‬‬ ‫ص‪ ،‬ل ّ‬
‫ص أنت‪ ،‬ل ّ‬ ‫مجرم أنت‪ ،‬مجرم‪ ،‬مجرم‪ ،‬ول ّ‬
‫خسيس‪ ،‬خسيس! " )‪49‬ص‪. (535‬‬
‫ويكتــب حــول الموضــوع نفســه فــي الكتــاب نفســه‪" :‬وإن ّــه‬
‫الخزي والعار أن ليكون أحفاد الذين قضوا على أرز لبنان أكــثر‬
‫إحساسا ً بالجمال من أسلفهم‪ .‬لئن قضى أسلفهم علــى الرزة‬
‫واللزاجــة فهــم جــادون فــي القضــاء علــى الحجــل والحســون‬
‫والشحرور والبلبل وأبي البلق وأبــي الحن ّــاء وجميــع المجنحــات‬
‫الصغيرة والكبيرة التي تضــفي علــى جبـالهم ألوانـا ً مــن النــس‬
‫والرقة والعذوبة والبهجة والطمأنينة والسلم ليســت ليــة بقعــة‬
‫من بقاع الرض‪ .‬فهناك اليوم مناطق واسعة في لبنان بات مــن‬
‫السهل أن تبصر فيها عنقاء‪ ....‬من أن تبصر أو تسمع عصــفورا ً‬
‫ولماذا؟ لكثرة الذين ل يجدون لهم متعــة فــي الصــيف ألــذ مــن‬
‫صيد العصفور" )‪49‬ص‪. (699‬‬
‫وتتضمن مجموعة "أكابر" قصة "عصفور وإنسان" الموجهة‬
‫ضد صيادي الطيور‪ ،‬وتعّبر إلى حد ٍ مــا عــن أفكــار الكــاتب‪ .‬قتــل‬
‫صبحي الرجل الذي قتل عصفوره الحبيب لّنـه يقـدس الطيـور‪:‬‬
‫"‪ ...‬لعشت تأكل العصافير" )‪50‬ص‪ ..." (444‬لو كنتما والذين‬
‫على شاكلتكما تعرفــون الل ّــه أو تخشــونه لمــا قتلتــم العصــافير‬
‫ة لكم‪ ..‬تأكلون لحم العصــافير وهــو ل يســد‬ ‫التي خلقها الّله بهج ً‬
‫جوع فأرة‪ .‬كلوا أغــانيه‪ .‬كلــوا ألــوانه‪ .‬كلــوا خفــق جنــاحيه‪ .‬كلــوا‬
‫وداعته وطهارته‪50) "..‬ص‪. (442‬‬
‫ل ل يعــرف‬ ‫وبذلك يعّبر ميخائيل نعيمه عن آرائه بلسان طفـ ٍ‬
‫إل الطهارة والصدق‪ .‬وهو بذلك يشبه تولستوي الــذي عب ّــر عــن‬
‫آرائه بلسان نيكولينكا في ثلثيته‪ ،‬وهي المؤلف الول له‪.‬‬
‫وفــي قصــة "لقــاء" )‪ (1946‬يكتــب ميخائيــل نعيمــه حــول‬
‫الموضوع ذاته‪" :‬وبعد قليل وّدعنــي أبــو منصــور‪ .‬وكــدت أخســر‬
‫ل‪ :‬إنني‬ ‫ة منه قائ ً‬‫صداقته عندما رفضت قبول الحجل الجريح هدي ً‬
‫أوثر التمتع بمنظر الحجل دارجا ً علــى الصــخور وبكــرات صــوته‬
‫مناجيا ً خليلته مع الفجــر وبعــد الغــروب‪ ،‬علــى التمتــع بــه جيفــة‬
‫محشوة باللم أحشو بها جانبا ً من جوفي" )‪50‬ص‪. (263‬‬
‫‪- 158 -‬‬
‫وبهذا فميخائيل نعيمه يشبه ليف تولستوي الذي حرم تناول‬
‫اللحوم في السنوات الخيرة من حيــاته مــا بيــن عــامي ‪-1885‬‬
‫ل مؤلفاته ففي مجموعة‬ ‫‪ .1910‬وندد نعيمه بصيد الطيور في ك ّ‬
‫"أبو بطة" توجد "التوبة"‪ ،‬صياد يصــيد ول يتنــاول مايصــيده‪ ،‬إن ّــه‬
‫ة فقتلهــا فــإذا بفمهــا حجــل فأخــذه‪،‬‬ ‫يصيد لولده‪ .‬رأى مرة ً ثعلب ً‬
‫فكاد ابنه يموت أثناء تنــاوله للحجــل بســبب عظمـةٍ وحــرم بعــد‬
‫ذلك الصيد‪.‬‬
‫ً‬
‫أما بالنســبة لتولســتوي فلقــد عــاش ربــع قــرن نباتيـا وهــي‬
‫السنوات الخمس والعشرون الخيرة من حيـاته‪ ،‬وحـاول القلع‬
‫عن التــدخين‪ ،‬وحقــق ذلــك‪ ،‬وكــذلك حـّرم تعــاطي المشــروبات‬
‫الكحولية وكتب في هذا المضمون في أكثر من مكان‪.‬‬
‫وهكذا فإن كل ً من ميخائيل نعيمه وليف تولستوي حــاول أن‬
‫يعيش كما عــاش ســابقا ً السـّيد المســيح‪ ،‬حــاول أن يقتربــا مــن‬
‫الكمــال‪ ،‬وأن يعلمــا النــاس بالكلمــة وبالقــدوة‪ ،‬واســتندا فــي‬
‫تعاليمهما إلــى تعــاليم الس ـّيد المســيح‪ ،‬الــتي تتــوجه إلــى قلــب‬
‫النسان وعواطفه ومشاعره وإلى الجانب الروحي في النسان‬
‫أكثر مــن توجههــا إلــى الجــانب المــادي‪ .‬حــاول ميخائيــل نعيمــه‬
‫وتولستوي أن يكونا كالمسيح‪ ،‬ولكن في القرن العشرين‪.‬‬
‫ما جبران خليل جــبران وفيــدور دوستيفســكي فلقــد اهتمــا‬ ‫أ ّ‬
‫بشخصية السّيد المســيح وبتعــاليمه ولكــن حياتهمــا الخاصــة لــم‬
‫تتأثر بشخص المسيح كما تأثرت حياة نعيمــه وتولســتوي‪ .‬فلقــد‬
‫ور النسان الرائع في‬ ‫تأثر بالسّيد المسيح دوستيفسكي الذي ص ّ‬
‫ور النسان الذي يضحي بحياته من‬ ‫روايته "البله" )‪ (1868‬وص ّ‬
‫ور المســيح‬ ‫أجل الخرين في "الجريمة والعقاب" )‪ ، (1866‬وص ّ‬
‫نفسه في رواية "الخوة كارامازف" )‪. (1880‬‬
‫وكتب جبران خليل جبران "يسوع‪ -‬ابن النسان" في عــام )‬
‫ور الســيد ّ المســيح‬ ‫‪ . (1928‬وكتاب "النبي" )‪ (1923‬حيث يص ـ ّ‬
‫لن المسيح‪ ،‬برأيّ جبران خليل جبران يعني الكمال‪.‬‬
‫ل مــن نعيمــه وتولســتوي الكنيســة والمؤسســات‬ ‫وطالب ك ّ‬
‫الدينيــة بــأن تأخــذ دورهــا‪ ،‬لكــي ل تصــبح أداة بأيــدي الغنيــاء‬
‫والسلطات‪ ،‬وإنما تقوم بدورها الحقيقي وهو الدفاع عن الفقراء‬
‫والمظلومين والمقهورين في العالم كّله‪.‬‬

‫ي‬ ‫يييييي‬
‫وخلصــة القــول‪ .‬لقــد قمنــا فــي عملنــا هــذا بتحليــل بعــض‬
‫مؤلفات ليف تولستوي المترجمـة إلـى اللغـة العربيـة‪ ،‬وبتحليـل‬
‫ن‬‫العمال النقدية حول تراث تولســتوي‪ .‬ويجــب الشــارة إلــى أ ّ‬
‫مؤلفاته انتشرت فــي مصــر ولبنــان وســوريا أكــثر مــن البلــدان‬
‫العربيــة الخــرى‪ ،‬أيّ فــي البلــدان العربيــة المتقدمــة اقتصــاديا ً‬
‫وثقافيًا‪ .‬ففي هذه القطار العربية ظهر الدب العربي الحــديث‪،‬‬
‫الذي تطلع إلى تقديم الجديد في مجال الدب‪ ،‬لتكون له كلمتــه‬
‫وأدبه المستقل المميز‪ ،‬ولكنه لم يستطع أن يقوم بهذه المهمــة‬
‫لـــول التـــوجه إلـــى الدب الغربـــي ولـــول ترجمـــة روائع الدب‬
‫الروسي‪.‬‬
‫ن الهتمــام بــروائع ليـف تولســتوي )‪-1828‬‬ ‫كما لحظنـا فــإ ّ‬
‫‪ (1910‬ازداد مع اليــام‪ .‬بــدأ هــذا الهتمــام فــي مطلــع القــرن‬
‫العشرين‪ ،‬وازداد وتوسـع بعـد ثـورة اكتـوبر عـام ‪ ،1917‬وشـق‬
‫طريقه‪ ،‬فتجاوز كافة الصــعوبات‪ ،‬وتعــزز بصــورةٍ ملحوظ ـةٍ بعــد‬
‫ب مقهــورٍ مــن‬ ‫الحرب العالمية الثانية‪ ،‬فأصبح وكأنه اهتمام شــع ٍ‬
‫الستعمار الغربي بأدب ليف تولستوي‪ ،‬ابــن الشــعب الروســي‪،‬‬
‫الشعب الذي انتصر على الفاشية وحّرر البشرية من عبوديتها‪.‬‬
‫‪- 159 -‬‬
‫وكما أشرنا فلقد تطور وتوســع الهتمــام بالكــاتب الروســي‬
‫خلل النصــف الول مــن القــرن العشــرين‪ .‬وهكــذا فــإذا كــان‬
‫الكاتب الروسي في مطلع القرن العشرين معروفا ً بصفة مفكر‬
‫ظ‪ ،‬فـــإنه بعـــد ثـــورة أوكتـــوبر‬ ‫أو حكيـــم ٍ أو فيلســـوف أو واعـــ ٍ‬
‫الشتراكية أخذ تولستوي الواعظ يتراجع أمام تولستوي الفنــان‪.‬‬
‫وبســبب المســتوى الدبــي والثقــافي المتخلــف نســبيا ً للقطــار‬
‫العربية في مطلع القرن العشرين‪ ،‬نجد أحيانا ً عدم فهم وظيفــة‬
‫ه‬
‫المترجم الحقيقيــة‪ .‬وهــذا واضــح فــي مطلــع هــذا القــرن بــوج ٍ‬
‫خاص‪ .‬فلقد حاول المترجمون تقريب تولستوي من زمننــا لكــي‬
‫يقــدموا الحلــول للمشــاكل الجتماعيــة الملحــة‪ .‬ولــذلك كــانوا‬
‫يبدلون ويغيرون في مؤلفاته بشكل يلئم الوظيفة التي يرغبون‬
‫في تحقيقها‪ .‬ولذلك كـان المـترجمون يحـذفون بعـض المقـاطع‬
‫الــتي يــرون أنهــا تعيــق الوصــول إلــى هــدفهم‪ ،‬وأحيان ـا ً أخــرى‬
‫يضيفون إلى مؤلفات تولستوي بعض المقاطع التي يرغبون في‬
‫أن ينطق بها تولستوي‪ ،‬على الرغم من أّنه لم ينطق بهــا‪ ،‬لكــي‬
‫يعززوا بلسانه مواقفهم الفكرية‪.‬‬
‫ة‬‫ً‬ ‫ـ‬ ‫وأمين‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫ـ‬ ‫دقيق‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫ترجم‬ ‫ـت‬ ‫ـ‬ ‫ليس‬ ‫ن هــذه الترجمــة‬‫وطبع ـًا‪ ،‬فــإ ّ‬
‫ن الهدف الساســي لهــذه التغييــرات فــي النــص‬ ‫ة‪ ،‬مع أ ّ‬ ‫وصحيح ً‬
‫ة وأكــثر‬ ‫الصلي يتلخص في جعل مؤلفات تولستوي أكــثر فعالي ـ ً‬
‫ة ومن أجل توظيفها في حل بعض المشــاكل الملحــة مثــل‬ ‫عملي ً‬
‫تحريــر المــرأة العربيــة‪ ،‬ومــن أجــل تحقيــق بعــض الهــداف‬
‫الجتماعية الخرى‪.‬‬
‫ة‪ ،‬فــي الســنوات‬ ‫حاول المترجمون الكفــاء‪ ،‬وبصــورةٍ خاصـ ٍ‬
‫ة‪،‬‬ ‫الخيرة نقل مؤلفات تولستوي إلى اللغة العربية بأمان ـةٍ وبدق ـ ٍ‬
‫ة‪.‬‬‫لما في هذه المؤلفــات مــن غنــى فكــري‪ ،‬ومهــارة فنيــة رائعـ ٍ‬
‫ونخــص بالــذكر ترجمــة وزارة الثقافــة والرشــاد القــومي فــي‬
‫الجمهوريــة العربيــة الســورية وترجمــة دار اليقظــة العربيــة‬
‫ل من القراء وزرعت فيهم‬ ‫بدمشق‪ .‬التي ساعدت على تربية جي ٍ‬
‫روح النضال من أجل السلم والحرية والمستقبل الزاهر للــدول‬
‫العربية‪ .‬ولكــن ممــا يؤســف لــه أن هــذه الترجمــات نقلــت مــن‬
‫اللغــتين الفرنســية والنكليزيــة‪ ،‬وليــس مــن اللغــة الروســية‪،‬‬
‫وبالتأكيــد مــن الضــروري نقــل مؤلفــات تولســتوي مــن اللغــة‬
‫ة‪.‬‬‫الروسية مباشر ً‬
‫كان تولستوي ومازال الكاتب الروسي العظيــم الــذي تــرك‬
‫بصماته التي ل تمحى في مسيرة الدب العــالمي‪ ،‬والــذي خلــق‬
‫ة‪ ،‬تأثر بها الدب العربي مثلما تــأثرت بهــا‬ ‫ة خالد ً‬ ‫صورا ً فنية رائع ً‬
‫ة إلــى المــام فــي‬ ‫ت واسع ً‬ ‫الداب العالمية الخرى‪ ،‬وخطا خطوا ٍ‬
‫ت‪ ،‬ل تقـل مـن حيـث‬ ‫مسيرة الدب العـالمي‪ ،‬إذ قـدم لـه روايـا ٍ‬
‫الهميــة التاريخيــة‪ ،‬عــن "اليــاذة" هــوميروس مثــل "الحــرب‬
‫والسلم" )‪ (1869-1863‬وكان لهــذا الكــاتب أتبــاع فــي شــتى‬
‫ن‪.‬‬
‫أصقاع المعمورة في فرنسا والهند وفي كل مكا ٍ‬
‫من بين أتباعه في الوطن العربي‪ ،‬الكــاتب العربــي الشـهير‬
‫ميخائيــل نعيمــه‪ ،‬الــذي تــأثر بحيــاة الكــاتب الروســي العظيــم‬
‫وأفكاره ول شك في أن أفكار ميخائيل نعيمــه وليــف تولســتوي‬
‫رائعة ولصالح البشرية جمعاء‪ .‬يكفي أن نتـذكر نـداءهما للمحبـة‬
‫والسلم‪ ،‬الذي يهمنا كــثيرا ً فــي أيامنــا هــذه‪ ،‬إذ ترتعــد البشــرية‬
‫خوفا ً من الحــرب النوويــة الــتي تهــدد بــدمار البشــرية بأســرها‪.‬‬
‫"الرض ‪-‬بيتنا‪ ،‬ماضينا‪ ،‬وحاضرنا‪ ،‬ول توجــد مهمــة أســمى وأنبــل‬
‫من الحفاظ على كوكبنا‪ ،‬وحمــايته مــن حريــق الحــرب النوويــة‪،‬‬
‫والحفاظ على جماله‪ ،‬وزيادة ثروته"‪ .‬كتبت جريدة البرافدا إلــى‬
‫المشــاركين فــي المــؤتمر الخــامس لمدرســي اللغــة الروس ـّية‬
‫وآدابهــا )‪-182‬ص‪ (1‬إن تــأثير تولســتوي علــى الدب العربــي‬
‫المعاصر يحتاج إلـى أعمـال علميـة أخـرى‪ .‬وقمـت بعملـي هـذا‬
‫بقرع باب هذا الموضــوع‪ .‬ومـازال البحـث يحتـاج إلـى دراسـات‬
‫‪- 160 -‬‬
‫ل‪.‬‬
‫أخرى تحتاج إلى أكثر من عم ٍ‬
‫ي‬ ‫ييييي‬
‫‪-‬انطباعات الزوار العرب لمتحف ليف تولستوي فــي قريتــه‬
‫ياسنايا بوليانا‪:‬‬
‫يلحظ زائر متحف تولستوي في ياسنايا بوليانا عــدد النــاس‬
‫الكبير الذين يحجون إلى قرية ليف تولستوي‪ .‬يأتون لزيارته من‬
‫ل أنحـاء‬ ‫ل أنحــاء روسـيا ومــن الـدول المجـاورة لهـا‪ ،‬ومــن كـ ّ‬ ‫ك ّ‬
‫العالم‪ ،‬مثلما يحج الناس إلـى المـاكن المقدسـة‪ .‬يــزور متحــف‬
‫تولســتوي فــي ياســنايا بوليانــا زوار مــن ســوريا ولبنــان ومصــر‬
‫والعراق والجزائر واليمن والســودان‪ .‬يكتــب بعضــهم انطباعــاته‬
‫في سجل التشريفات في المتحف وبعضهم يكتب في مذكراته‬
‫وبعضهم ل يكتب شيئا ً ول نعرف شيئا ً عن زيارتهم‪.‬‬
‫يــــزور متحــــف تولســــتوي طلب ومهندســــون وأطبــــاء‬
‫ة‬
‫قاد‪ ،‬وبكلمةٍ واحــد ٍ‬ ‫درسون ون ّ‬ ‫وديبلوماسيون وكّتاب وشعراء وم ّ‬
‫ب معرفــة‬ ‫يزور المتحف نــاس لهــم مهــن مختلفــة‪ .‬يجمعهــم حـ ّ‬
‫المكان والتربة الـتي نمــت فيهــا أفكــار ليـف تولســتوي الكــاتب‬
‫العظيم والمعروف في العالم كله‪.‬‬
‫ً‪-1‬هذه بعض النطباعات التي تركهــا الــزوار العــرب لمتحــف‬
‫تولستوي في قريــة ياســنايا بوليانــا‪ .‬قــام بزيــارة متحــف‬
‫تولستوي موظفــو الســفارة العراقيــة فــي موســكو فــي‬
‫الخامس مــن حزيــران عــام ‪ . 1951‬وكتبــوا فــي ســجل‬
‫التشريفات‪" :‬موظفو السفارة العراقيــة بموســكو قــاموا‬
‫بزيارة متحف تولستوي ورأوا بيته والطبيعة التي ألهمته"‬
‫)‪196‬ص‪. (155‬‬
‫ً‪-2‬وفي الصفحة نفسها نجد انطباع دكتور مــن ســوريا "كنــت‬
‫دس ليف تولســتوي لكنــه الن ازداد فــي نظــري‬ ‫دائما ً أق ّ‬
‫ة بعد زيارتي لبيته"‪ .‬ولكن الزائر لم يترك اســمه‪) .‬‬ ‫قدسي ً‬
‫‪196‬ص‪. (155‬‬
‫ً‪-3‬وكتبت منيبة كيلني من العراق أّنهــا مســرورة جــدا ً لرؤيــة‬
‫أشياء استعملها الكاتب العبقــري‪ ،‬والمكــان الــذي عــاش‬
‫فيه‪196) .‬ص‪. (155‬‬
‫ً‪-4‬زارت المتحــف المــذكور مجموعــة مــن الديبلوماســيين‬
‫العرب منهم محمد سعيد من مصر في السابع عشر من‬
‫آب‪ ،‬في عام ‪197) 1958‬ص‪. (155‬‬
‫ً‪-5‬قــامت مجموعــة مــن الطلب العــرب مــن العــراق فــي‬
‫السـابق والعشـرين مـن حزيــران فــي عـام ‪1960‬ممــن‬
‫يدرســون فــي معهــد الطاقــة وفــي جامعــة موســكو‬
‫الحكومية‪ ،‬بزيــارة متحــف تولســتوي فــي ياســنايا بوليانــا‬
‫بدعوةٍ من اتحاد الشبيبة اللينينية في تلك المنطقة لرؤية‬
‫المتحف المذكور ويــرون فــي زيــارتهم إشــارة ً للصــداقة‬
‫العربية‪ -‬السوفييتية ولخدمة السلم الذي يتطلعون إليــه‪،‬‬
‫والذي تتطلع إليه شعوب الرض كافة )‪. (202‬‬
‫ن الطالب العراقي كــاظم جــم فــي عــام ‪ 1961‬فــي‬ ‫ً‪-6‬كما أ ّ‬
‫‪ 27‬تموز قام بزيــارة المتحــف المــذكور وتــرك الكلمــات‬
‫التاليــة‪" :‬قمــت بزيــارة متحــف الكــاتب الروســي ليــف‬
‫تولسـتوي الـذي يعتـبر منـارةً للجيـال القادمـة‪ ...‬المجـد‬
‫والخلود للكاتب الروسي" )‪. (203‬‬
‫ً‪-7‬قام أحد الزوار العرب في ‪ 8‬تشرين الول من عام ‪1961‬‬
‫‪- 161 -‬‬
‫بــترك الكلمــات التاليــة فــي ســجل التشــريفات‪" :‬زرت‬
‫ط!‬
‫متحف ليف تولستوي‪ ،‬وزرت قبره‪ .‬ياله من قبرٍ بســي ٍ‬
‫وأعجبتني مكتبته البيتية" )‪. (204‬‬
‫ً‪-8‬زار المتحف ديبلوماسي عربــي مــن العــراق‪ ،‬إذ كــان أحــد‬
‫أعضاء المؤتمر الدولي لنزع السلح‪ ،‬وتــرك هنــاك بعــض‬
‫الكلمــات الــتي تعب ّــر عــن انطباعــاته الطيبــة فــي الرابــع‬
‫والعشرين من حزيران عام ‪. (205) 1962‬‬
‫ً‪-9‬زارت المتحف المذكور في الثامن عشر من شهر أيار في‬
‫عام ‪ 1963‬مجموعة من المهندسين السوريين وســجلت‬
‫انطباعاتها في سجل التشريفات‪. (206) .‬‬
‫ً‪-10‬وفي التاسع والعشرين من تشرين الول عام ‪ 1963‬قام‬
‫بعــض الطلب الســوريين ومنهــم الــدكتور عمــاد حــاتم‪-‬‬
‫رئيــس قســم اللغــة الروســية فــي جامعــة الفاتــح فــي‬
‫طرابلــس ليبيــا الن بزيــارة المتحــف المــذكور وســجلوا‬
‫انطباعاتهم حول بيت عملق الدب الروسي والعــالمي )‬
‫‪. (198‬‬
‫ً‪-11‬كما زار المتحف الدكتور موســى صــادق نقــاش فــي ‪14‬‬
‫حزيران ‪ ،1974‬وفي ســجل التشــريفات تــرك الكلمــات‬
‫التالية‪" :‬زرت المكان الذي عاش فيه تولستوي العظيــم‪،‬‬
‫ن الطبيعة ساعدت هذا النسان علــى البــداع‬ ‫وشعرت بأ ّ‬
‫والتأمل والعمل" )‪. (206‬‬
‫ً‪-12‬وهناك أحد الزوار العرب ترك لنا الكلمات التالية‪" :‬العــم‬
‫تولستوي سمعنا عنك الكثير‪ ،‬ويطيب لي أن أرى بيتك" )‬
‫‪199‬ص‪. (5‬‬
‫ً‪-13‬فــي عــام ‪ 1975‬تــرك لنــا خليــل كمــال الــدين الديــب‬
‫العراقــي‪ ،‬الناقــد ومــدرس الدب الروســي فــي جامعــة‬
‫بغداد‪" :‬ليف تولستوي راية مـن رايـات الواقعيـة النقديـة‬
‫في الدب العالمي المعاصر‪ ،‬وله علينا حقوق كثيرة نحن‬
‫الدباء العرب‪ .‬ولقد قّيم عالي ـا ً لينيــن إبــداع تولســتوي" )‬
‫‪. (207‬‬
‫ً‪-14‬أما محفوض جميل من سوريا في عــام ‪ 1977‬وفــي ‪22‬‬
‫كانون الول فكتب "شكرا ً للشعب السوفييتي الذي أتــاح‬
‫لنــا فرصــة رؤيــة بيــت وضــريح ليــف تولســتوي الديــب‬
‫العالمي الكبير )‪202‬ص‪. (75‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ن عددا كبيرا من الــزوار‬ ‫وقال لنا موظفو متحف تولستوي إ ّ‬
‫العـرب لـم يــتركوا فــي ســجل التشــريفات انطباعـاتهم ومنهــم‬
‫الشعراء والكتاب‪.‬‬
‫انطباعات الــزوار العــرب لمتحفــي تولســتوي فــي موســكو‬
‫)بيته الذي كان يقيم فيه بموسكو‪ ،‬والمتحف الثاني هو المتحــف‬
‫الدبي الذي أقامته الدولة تكريما ً له( ‪.‬‬
‫ً‪-1‬انطــــون المقدســــي‪ ،‬الجمهوريــــة العربيــــة الســــورية‪،‬‬
‫‪ .7/9/1978‬عرفنا تولستوي في كتابته‪ ،‬والن نعرفه في‬
‫الرض التي أنبتته وفي الشعب الذي كونه‪ ،‬ونعــرف الن‬
‫كيف يخلد ذكره في التحاد السوفييتي‪.‬‬
‫ً‪-2‬عبد النبي حجازي‪ -‬سوريا ‪ 7/9/1978‬لم أسعد في حيــاتي‬
‫كما سعدت بهذه الساعات مع تولستوي الذي قرأته منــذ‬
‫الطفولــة‪ .‬هنيئا ً للنسـانية لجميـع الشـعوب بهــذا الكـاتب‬
‫الخالد أبدًا‪.‬‬
‫ً‪-3‬عبد الرحيـم الحصـني‪ -‬أيهـا الفيلسـوف الكـبير‪ ....‬خلـودك‬
‫‪- 162 -‬‬
‫أكبر من كلماتي‪.‬‬
‫التوقيع‬
‫ب فـي كـل‬ ‫ب عظيـم ٍ ومحبــو ٍ‬ ‫ً‪-4‬هذا بالفعل متحـف رائع لكـات ٍ‬
‫ة‪ .‬وأشــكر‬ ‫العــالم ويقــوم المتحــف بعملــه بصــورةٍ رائع ـ ٍ‬
‫القائمين على إدارته‪.‬‬
‫من السودان محمد خير الدين‬
‫ب كــبيرٍ رعــى‬ ‫ً‪-5‬في هذه المناسبة الجليلــة لــذكرى وفـاة قلـ ٍ‬
‫النســانية وغــذى أبناءهــا بــأطيب الثمــار‪ ،‬أحيــي وأشــكر‬
‫الشعب الروسي المعطاء الذي منحنــا نحــن البشــر قلب ـا ً‬
‫كهذا‪ ،‬وأحّيي وأشكر اتحاد الكتاب الســوفييت الــذي أتــاح‬
‫لنا الفرصة لكي نعيش في جزئيات تولستوي‪ ،‬كما نعيش‬
‫ن تولستوي سيبقى حيا ً فــي‬ ‫كلماته في مختلف اللغات‪ .‬إ ّ‬
‫قلوب قّراء العربية‪.‬‬
‫مممم‪ -‬مممم مممممم‬
‫مم ‪16/11/1960‬‬
‫ً‪-6‬زرت هذا المتحف وقــد أعجبــت بــه جــدا ً كمــا أننــي أشــكر‬
‫الفتــاة الــتي رافقتنــا فــي أثنــاء الجولــة بــالمتحف والــتي‬
‫شــرحت لنــا باســلوب ممتــع جــدًا‪ .‬كمــا تغيــرت نظرتــي‬
‫لتولستوي‪.‬‬
‫مممم‬
‫مممممم مم ‪16/11/1960‬‬
‫ً‪-7‬وفــي اليــوم ذاتــه قــام بزيــارة المتحــف أحــد المــواطنين‬
‫السودانيين‪.‬‬
‫ً‪-8‬زرت في هذا اليوم متحف تولستوي وأعجبنــي وأعــبر عــن‬
‫شكري وامتناني‬
‫ممم مممممم‬
‫مم ممممممممم ممممممم ممممممم ‪1/12/1970‬‬
‫ً‪-9‬نحن طلب من العراق بكل سرور زرنــا متحــف تولســتوي‬
‫ن تولســتوي قــدم الكــثير‬‫وأعجبنا كثيرا ً هذا المتحــف ‪-‬فــإ ّ‬
‫للبشرية لكها‪.‬‬
‫باسم عبد الكريم الذاتي‪ ،‬زياد طارق الحيدر‪ ،‬أمير بنهان‪،‬‬
‫نجاة شكواتا‬
‫ً‪-10‬نحن لفيف من رابطة الطلبة العراقييــن الــذين يدرســون‬
‫في معاهد موسكو قمنا بزيارة متحــف الكــاتب الروســي‬
‫العظيم ليــف تولســتوي‪ ،‬وأعجبنــا بمــا شــاهدناه‪ ،‬وإن د ّ‬
‫ل‬
‫على شيء فإّنما يدل على تشجيع العلم والدب والثقافة‬
‫وازدهارها في عصر الشتراكية أمل البشرية جمعاء‪.‬‬
‫مم ‪30/10/1960‬‬
‫مممم ممم ممم مممممم‬
‫ً‪-11‬تأثرت تأثرا ً عميقا ً أثناء زيارتي إلى بيت تولستوي العظيم‬
‫ودارت فــي مخيل ّــتي صــور مــن حيـاته الطويلــة العــامرة‬
‫بالعمال الكبيرة التي تركت أثرهــا فــي نفســية الشــعب‬
‫الروسي‪ ،‬ومؤلفاته الضخمة التي مهدت الطريــق للثــورة‬
‫الشتراكية التي قامت في عام ‪ 1917‬والتي تعتبر بحــق‬
‫أعظم ثورة اجتماعية في تاريخ البشرية‪.‬‬
‫ممممممم مممم‬
‫ممممم مممممممم ممممممم مممممم ممممممم‬
‫‪- 163 -‬‬
‫ن‬
‫ة علــى أ ّ‬
‫ن زيارة متحف تولستوي تعطي فكرةً عظيم ـ ً‬ ‫ً‪-12‬إ ّ‬
‫النســان الشــريف والمفكــر المخلــص لب ـد ّ وأن يعــترف‬
‫بإفلس المجتمع البورجوازي وضرورة النضال في سبيل‬
‫السلم من أجل خير الشعوب‪.‬‬
‫)ممم مممممم ممم ) ‪ (181‬مممم ‪ 1975‬مم ممممم مممم‬
‫مممم(‬
‫ً‪-13‬إننــي زرت هــذا المتحــف فــي ‪ 13/8/1957‬وكــان مــن‬
‫أجمل المتاحف التي زرتها في حياتي في موسكو‪...‬‬
‫)ممم مممم ممممم ممم ) ‪ (183‬مممم ‪. (1957‬‬
‫ن روح تولستوي التي تطوف في هــذا الــبيت المتواضــع‬ ‫ً‪-14‬إ ّ‬
‫تــوحي بعظمــة هــذا الكــاتب العظيــم الــذي وهــب حيــاته‬
‫للناس البسطاء وللنسانية جمعاء‪.‬‬
‫مم ‪/12‬مم‪ 1957 /‬مممممم ممممممم مممم ممممممم‬
‫)ممم ممممممممم ) ‪ (183‬مممم ‪(1957‬‬
‫ن الوقت الذي قضيته هنا‪ ،‬في بيت العظيم الخالـد ليـف‬ ‫ً‪-15‬إ ّ‬
‫تولستوي‪ ،‬من أسعد الوقــات الـتي قضـيتها فــي حيـاتي‪.‬‬
‫تولستوي عنـدي هـو أسـتاذ أسـاتذة الفـن والقصـة‪ ،‬وأنـا‬
‫مدين له‪ ...‬بأكثر ماحصلته من معرفــة بالنســان‪ ،‬ولــذلك‬
‫ل لحظة مرت في هذا البيت‪ ،‬الذي ضم هــذا‬ ‫لن أنسى ك ّ‬
‫الرسول‪ ،‬ولول ضيق الوقت وظروف الرحلة لقضيت هنا‬
‫الساعات‪ ،‬ولترددت عليــه مــرات‪ ،‬ولتجــولت فيــه وحيــدا ً‬
‫أفكر في "آنا كارينينا" و "البعث" و "الحرب والســلم" و‬
‫"سلطة الظلم" و "ماهو الفن"‪.‬‬
‫مممم ممممم‬
‫)ممم ممممممممم ) ‪ (183‬مممم ‪ 1957‬مممممم ‪. (19‬‬
‫ً‪-16‬في يــوم ‪ 15‬مــايو لعــام ‪ 1977‬أتيحــت الفرصــة للطلبــة‬
‫اليمنييــن ولبعــض الطلبــة العــرب بزيــارة هــذا المتحــف‬
‫العظيم للديب الكــبير وللكــاتب المبــدع تولســتوي الــذي‬
‫ة عــن الدب الروســي والــذي يعكــس‬ ‫أعطانا نبذة ً تاريخي ً‬
‫حياة الشعب في عهد القياصرة وعن كفاح هــذا الشــعب‬
‫العظيــم الــذي كافــح طــويل ً مــن أجــل الحريــة والعدالــة‬
‫والمساواة حتى تحققت الثورة الشتراكية العظمــى فــي‬
‫عــام ‪1917‬بقيــادة زعيــم العمــال والفلحيــن فلديميــر‬
‫إيلتش لينين ولقد أعجبنا هذا المتحف إعجابا ً ل مثيل له‪.‬‬
‫مم ممممممم ممم ممممم مممم‬
‫مممم ممممم مممممم ممم مم م‬
‫مممم ‪15/5/1977‬‬
‫ً‪-17‬نحن طلبــة مــن اليمــن مــن كليــة الطــب‪ ،‬الســنة الثانيــة‬
‫بجامعة الصداقة‪ ،‬قمنا بزيارة هذا المتحف وأعجبنا به‪.‬‬
‫ممم ممممممم ممممم ‪.24/12/1984‬‬

‫‪‬‬

‫‪- 164 -‬‬


‫يي‬
‫ييييييي يييييي ييييي ي‬ ‫‪‬‬

‫‪ (1‬ألف ليلة وليلة‪ .‬المجلد الول‪ .‬بيروت‪ .‬المكتبة الثقافية‪.‬‬


‫‪ (2‬إبراهيم‪ ،‬حافظ‪ ،‬ديوان حافظ إبراهيم‪ .‬بيروت‪ ،‬دار العودة الجزء الثاني‪.‬‬
‫‪ (3‬أمين‪ ،‬قاسم‪ ،‬المرأة الجديدة‪ ،‬القاهرة‪.1911 ،‬‬
‫‪ (4‬باشــا‪ ،‬أحمــد لطفــي الســيد‪ ،‬المنتخبــات‪ ،‬المجلــد الول‪ ،‬دار النشــر الحــديث‪،‬‬
‫‪.1937‬‬
‫‪ (5‬تولستوي‪ ،‬ليف‪ ،‬الوفــاق والطلق‪ ،‬أو لحــن كريتســر‪ ،‬القــاهرة‪ 1903 ،‬ترجمــة‬
‫سليم قبعين‪.‬‬
‫‪ (6‬تولستوي‪ ،‬ليف‪ ،‬إنجيل تولستوي وديانته‪ ،‬القاهرة‪ ،1904 ،‬ترجمة قبعين‪.‬‬
‫‪ (7‬تولستوي‪ ،‬ليف‪ ،‬هدم مملكة جهنم وتجديدها‪ ،‬الطبعة الثانية القاهرة ‪.1926‬‬
‫حكم النبي محمد‪ ،‬القاهرة‪ ،1912 ،‬ترجمة سليم قبعين‪.‬‬ ‫‪ (8‬تولستوي‪ ،‬ليف‪ِ ،‬‬
‫‪ (9‬تولستوي‪ ،‬ليف‪ ،‬فلسفة الحياة‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬القاهرة ‪ ،1913‬ترجمــة ببــاوي‬
‫غالي الدويري‪.‬‬
‫‪ (10‬تولستوي‪ ،‬ليف‪ ،‬سعادة الحياة الزوجية لتولســتوي‪ ،‬القــاهرة ‪ ،1924‬ترجمــة‬
‫بباوي غالي الدويري‪.‬‬
‫‪ (11‬تولستوي‪ ،‬ليف‪ ،‬بدائع الخيال‪ ،‬القــاهرة‪ ،‬الطبعــة الثالثــة ‪ ،1926‬ترجمــة عبــد‬
‫العزيز أمين الخانجي‪.‬‬
‫‪ (12‬تولستوي‪ ،‬ليف‪ ،‬اعتراف تولستوي‪ ،‬القاهرة‪.1930 ،‬‬
‫‪ (13‬تولستوي‪ ،‬ليف‪ ،‬كاتيا‪.1964 ،‬‬
‫‪ (14‬تولستوي‪ ،‬ليف‪ ،‬المؤلفــات الكاملــة‪ ،‬المجلــد الثــاني‪ ،‬دمشــق وزارة الثقافــة‬
‫والرشاد القومي‪,1974 ،‬‬
‫‪ (15‬تولستوي‪ ،‬ليف‪ ،‬القوزاق‪ ،‬موسكو‪ ،‬دار التقدم‪.1981 ،‬‬
‫‪ (16‬جبران‪ ،‬خليل جبران‪ ،‬عرائس المروج‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ (17‬جبران‪ ،‬خليل جبران‪ ،‬الرواح المتمردة‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار صادر ‪.1965‬‬
‫‪ (18‬جبران‪ ،‬خليل جبران‪ ،‬المواكب‪ ،‬القاهرة‪.1923 ،‬‬
‫‪ (19‬حســين‪ ،‬د‪.‬طــه‪ .‬المجموعــة الكاملــة‪ ،‬المجلــد العاشــر‪ ،‬بيــروت‪ ،‬دار الكتــاب‬
‫اللبناني‪،1974 ،‬‬
‫الطبعة الولى‪.‬‬
‫‪ (20‬حســين‪ ،‬د‪ .‬طــه‪ ،‬المجموعــة الكاملــة‪ ،‬لحــن كريتســر‪ .‬المجموعــة الكاملــة‪،‬‬
‫المجلد الثالث عشر‪ ،‬القسـم الثـاني‪ ،‬بيــروت‪ ،‬دار الكتـاب اللبنــاني‪ ،‬الطبعــة‬
‫الولى‪.1974 ،‬‬
‫‪ (21‬الخوري‪ ،‬الب يوحنا‪ ،‬رد على ميخائيل نعيمه في مرداد صيدا ‪.1956‬‬
‫‪ (22‬الريحاني‪ ،‬أمين‪ ،‬الريحانيات‪ ،‬الجزء الول‪ ،‬الطبعــة الثانيــة بيــروت‪ ،‬المطبعــة‬
‫العلمية‪.1922 ،‬‬
‫‪ (23‬الريحــاني‪ ،‬أميــن‪ .‬العمــال الكاملــة‪ ،‬المجلــد الســادس‪ ،‬بيــروت المؤسســة‬
‫العربية للدراسات والنشر‪.1981 ،‬‬
‫‪ (24‬الريحاني‪ ،‬أمين‪ ،‬العمال الكاملة‪ ،‬المجلد السابع‪ ،‬بيروت المؤسســة العربيــة‬
‫للدراسات والنشر‪.1982 ،‬‬
‫‪ (25‬الزهاوي‪ ،‬جميل صدقي‪ ،‬ديوان جميــل صــدقي‪ ،‬بيــروت‪ ،‬دار العــودة الطبعــة‬
‫الثانية‪.1979 ،‬‬
‫‪ (26‬سراج‪ ،‬نادرة جميل‪ ،‬شعراء الرابطة القلمية‪.‬‬
‫‪ (27‬شرارة‪ ،‬د‪ .‬حياة‪ .‬تولستوي‪ -‬فنانًا‪ ،‬بغداد‪ ،‬جامعة بغداد ‪.1971‬‬
‫‪ (28‬شوقي‪ ،‬أحمد‪ ،‬الشوقيات‪ ،‬الجزء الثالث‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الكتاب العربي‪.‬‬
‫‪ (29‬عبــده‪ ،‬المــام محمــد‪ ،‬العمــال الكاملــة‪ .‬الطبعــة الثانيــة‪ ،‬بيــروت ‪،1980‬‬
‫المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬المجلد الثاني‪.‬‬
‫‪ (30‬عبود‪ ،‬مارون‪ .‬جدد وقدماء‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الثقافة‪.1954 ،‬‬
‫‪ (31‬الفاخوري‪ ،‬حنــا‪ .‬تاريــخ الدب العربــي‪ ،‬بيــروت‪ ،‬المطبعــة البوليســية الطبعــة‬
‫السادسة‪.‬‬
‫‪ (32‬فرحات‪ ،‬الياس‪ .‬الرباعيات‪ ،‬سان باولو‪ ،‬الطبعة الثانية ‪.1954‬‬
‫‪- 165 -‬‬
‫فرحات‪ ،‬الياس‪ ،‬الربيع‪ ،‬سان باولو‪.1954 ،‬‬ ‫‪(33‬‬
‫فرحات‪ ،‬الياس‪ ،‬الصيف‪ ،‬سان باولو‪.1954 ،‬‬ ‫‪(34‬‬
‫فرحات‪ ،‬الياس‪ ،‬الخريف‪ ،‬سان باولو‪.1954 ،‬‬ ‫‪(35‬‬
‫قبعين‪ ،‬سليم‪ ،‬مذهب تولستوي‪ ،‬مصر‪ ،‬المكتبة الشرقية‪.1901 ،‬‬ ‫‪(36‬‬
‫الكتاب المقدس‪ .‬لبنان‪ 1982 ،‬ص ‪ 10‬من ‪44-23 :5‬‬ ‫‪(37‬‬
‫كريستيان‪ ،‬ر‪.‬ف‪ .‬تولستوي‪ .‬مقدمة نقدية‪ ،‬دمشــق‪ -‬وزارة الثقافــة والرشــاد‬ ‫‪(38‬‬
‫القومي‪.1983 ،‬‬
‫لينين في اليديولوجيا والثقافة الشتراكية‪ ،‬موسكو‪ ،‬دار التقدم ‪.1974‬‬ ‫‪(39‬‬
‫لينين‪ ،‬فلديمير إيليتش‪ -‬مقالت حول تولستوي‪ .‬موسكو‪ ،‬دار التقدم‪.‬‬ ‫‪(40‬‬
‫الملوحي‪ ،‬عبد المعين‪ ،‬قصيدتان‪ ،‬دار لسان العرب‪.1970 ،‬‬ ‫‪(41‬‬
‫مرجان‪ ،‬المحامي صادق‪ .‬تولستوي‪ ،‬القاهرة‪.‬‬ ‫‪(42‬‬
‫المشيرقي‪ ،‬محمد‪ .‬تولستوي‪ .‬ترجمة حياته‪ ،‬منتخبــات مــن تــأليفه وقصصــه‪.‬‬ ‫‪(43‬‬
‫آراؤه الفلسفية‪ .‬تونس‪ .‬مطبعة التقدم السلمية‪.1911 ،‬‬
‫المنفلوطي‪ ،‬مصطفى لطفي‪ ،‬المؤلفات الكاملة‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الجيل ‪.1980‬‬ ‫‪(44‬‬
‫المنفلــوطي‪ ،‬مصــطفى لطفــي‪ ،‬النظــرات‪ ،‬الجــزء الثــاني‪ ،‬القــاهرة الطبعــة‬ ‫‪(45‬‬
‫الثالثة‪.1920 ،‬‬
‫النواب‪ ،‬مظفر‪ ،‬الشهوات‪ ،1975 ،‬الطبعة الثانية‪.‬‬ ‫‪(46‬‬
‫نعيمه‪ ،‬ميخائيل مقدمــة مختــارات جــبران خليــل جــبران‪ ،‬بيــروت دار صــادر‪،‬‬ ‫‪(47‬‬
‫‪.1961‬‬
‫نعيمه‪ ،‬ميخائيل‪ ،‬سبعون‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار صادر‪ ،‬طبعة ثالثة ‪.1967‬‬ ‫‪(48‬‬
‫نعيمه‪ ،‬ميخائيل‪ ،‬المؤلفات الكاملة‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار العلم للمليين المجلد الول‪،‬‬ ‫‪(49‬‬
‫‪.1970‬‬
‫نعيمه ميخائيل‪ ،‬أكابر‪ ،‬المؤلفات الكاملة‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار العلم للمليين‪ ،‬المجلــد‬ ‫‪(50‬‬
‫الثاني‪.1970 ،‬‬
‫نعيمه‪ ،‬ميخائيل‪ ،‬أبو بطــة‪ ،‬المؤلفــات الكاملــة‪ ،‬بيــروت‪ ،‬دار العلــم للملييــن‪،‬‬ ‫‪(51‬‬
‫المجلد الثاني‪.1970 ،‬‬
‫نعيمه‪ ،‬ميخائيل‪ ،‬كان ياما كان‪ ،‬المؤلفات الكاملة‪ .‬بيروت دار العلم للمليين‪،‬‬ ‫‪(52‬‬
‫المجلد الثاني‪.1970 ،‬‬
‫نعيمه‪ ،‬ميخائيل‪ ،‬جبران خليــل جــبران‪ ،‬بيــروت‪ ،‬دار العلــم للملييــن‪ ،‬المجلــد‬ ‫‪(53‬‬
‫الثالث‪ .1971 ،‬وطبعــة الكتــاب المــذكور المســتقلة‪ ،‬الرابعــة الصــادرة فــي‬
‫بيروت عن دار صادر في عام ‪.1960‬‬
‫نعيمــه‪ ،‬ميخائيــل‪ ،‬كــرم علــى درب‪ ،‬المؤلفــات الكاملــة‪ ،‬بيــروت دار العلــم‬ ‫‪(54‬‬
‫للمليين‪ ،‬المجلد الثالث ‪.1971‬‬
‫نعيمــه‪ ،‬ميخائيــل‪ ،‬المؤلفــات الكاملــة‪ ،‬المجلــد الرابــع‪ ،‬بيــروت دار العلــم‬ ‫‪(55‬‬
‫للمليين‪ .1971 ،‬البيادر‪.‬‬
‫نعيمه‪ ،‬ميخائيل‪ ،‬صوت العالم‪ ،‬المؤلفات الكاملة‪ ،‬المجلد الخــامس‪ ،‬بيـروت‪،‬‬ ‫‪(56‬‬
‫دار العلم للمليين ‪.1971‬‬
‫نعيمــه‪ ،‬ميخائيــل‪ ،‬النــور والــديجور‪ ،‬المؤلفــات الكاملــة‪ ،‬المجلــد الخــامس‪،‬‬ ‫‪(57‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار العلم للمليين ‪.1971‬‬
‫نعيمه‪ ،‬ميخائيل‪ ،‬زاد المعاد‪ ،‬المؤلفات الكاملة‪ ،‬المجلد الخامس بيــروت‪ ،‬دار‬ ‫‪(58‬‬
‫العلم للمليين‪.1971 ،‬‬
‫نعيمه‪ ،‬ميخائيل‪ ،‬ماهية الدب ومهمته‪ ،‬المؤلفات الكاملــة المجلــد الســادس‪،‬‬ ‫‪(59‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار العلم للمليين ‪.1972‬‬
‫نعيمه‪ ،‬ميخائيل‪ ،‬أبعد من موسكو ومن واشنطن‪ ،‬المؤلفات الكاملــة المجلــد‬ ‫‪(60‬‬
‫السادس‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار العلم للمليين‪.1972 ،‬‬
‫نعيمه‪ ،‬ميخائيل‪ ،‬كتاب مرداد‪ ،‬المؤلفات الكاملة‪ ،‬المجلــد الســادس‪ ،‬بيـروت‪،‬‬ ‫‪(61‬‬
‫دار العلم للمليين ‪.1972‬‬
‫نعيمه‪ ،‬ميخائيل‪ ،‬كتاب مرداد‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار صادر‪.1952 ،‬‬ ‫‪(62‬‬
‫نعيمه‪ ،‬ميخائيل‪ ،‬الوثان‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار صادر‪.1958 ،‬‬ ‫‪(63‬‬
‫نعيمه‪ ،‬ميخائيل‪ ،‬المراحل‪ .‬بيروت‪ ،‬دار صادر‪ ،‬الطبعة الثالثة‪.‬‬ ‫‪(64‬‬
‫نعيمه‪ ،‬ميخائيل‪ ،‬الباء والبنون‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار صادر ‪ ،1953‬الطبعة الثانية‪.‬‬ ‫‪(65‬‬
‫نعيمه‪ ،‬ميخائيل‪ ،‬الباء والبنون‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار صادر‪.1962 ،‬‬ ‫‪(66‬‬

‫‪- 166 -‬‬


‫مممممممم مممممم ممممممم‬
‫مجلة "الخاء"‪ ،‬القاهرة‪ ،1924 ،‬عدد أيار‪.‬‬ ‫‪(67‬‬
‫مجلة " الخاء"‪ ،‬القاهرة‪ ،1925 ،‬عدد أيار‪.‬‬ ‫‪(68‬‬
‫ب لتولستوي"‪.‬‬
‫مجلة "الخاء"‪ ،‬القاهرة‪ ،1925 ،‬عدد حزيران‪" ،‬الزواج والح ّ‬ ‫‪(69‬‬
‫مجلة "الخاء"‪ ،‬القاهرة‪ ،1925 ،‬عدد آب‪.‬‬ ‫‪(70‬‬
‫مجلة "الخاء"‪ ،‬القاهرة‪ ،1928 ،‬عدد أيار‪.‬‬ ‫‪(71‬‬
‫مجلة "الخاء" القاهرة‪ ،1931 ،‬عدد شباط‪.‬‬ ‫‪(72‬‬
‫سلسلة "اقرأ" ‪ ،1947‬العدد ‪ 54‬بقلم حسن محمود حول تولستوي‪.‬‬ ‫‪(73‬‬
‫مجلة التربية والتعليم ‪ 1928‬العددان التاسع والعاشر‪.‬‬ ‫‪(74‬‬
‫جريدة "الجريدة"‪ ،1910 ،‬عدد ‪ 24‬تشرين الثاني‪.‬‬ ‫‪(75‬‬
‫مجلة "الطريق"‪ ،1949 ،‬شباط‪ ،‬بيروت‪.‬‬ ‫‪(76‬‬
‫مجلة "الطريق"‪ ،1951 ،‬عدد شباط‪ ،‬بيروت‪.‬‬ ‫‪(77‬‬
‫مجلة "الطريق"‪ ،1961 ،‬عدد شباط‪ ،‬بيروت‪.‬‬ ‫‪(78‬‬
‫مجلة "المقتطف"‪ ،1945 ،‬تشرين الثاني‪.‬‬ ‫‪(79‬‬
‫مجلــة "المعرفــة"‪ ،‬دمشــق‪ ،‬وزارة الثقافــة والرشــاد القــومي ‪ ،1978‬عــدد‬ ‫‪(80‬‬
‫شباط‪.‬‬
‫الهلل ‪ ،1951‬العدد الثلثون‪ .‬حزيران‪.‬‬ ‫‪(81‬‬
‫الهلل ‪ ،1957‬العدد التاسع‪ ،‬نيسان‪.‬‬ ‫‪(82‬‬
‫الهلل ‪ ،1959‬عدد آب‪.‬‬ ‫‪(83‬‬

‫ممممممم مممممم ممممممم‪.‬‬


‫ألتشيفسكايا‪ ،‬خ‪ .‬د‪ .‬المعاناة‪ .‬موسكو‪.1917 ،‬‬ ‫‪(84‬‬
‫أميـــن‪ ،‬قاســـم‪ ،‬المـــرأة الجديـــدة‪ ،‬الطبعـــة الثانيـــة‪ ،‬مقدمـــة الكـــاديمي‬ ‫‪(85‬‬
‫كراتشكوفسكي‪ .‬بطرسبرج‪.1912 ،‬‬
‫أودينوفيك‪ ،‬ف‪.‬غ‪ .‬الخصائص الفنية لروايات ليــف تولســتوي نوفوسيبيرســك‪،‬‬ ‫‪(86‬‬
‫دار العلم‪.1978 ،‬‬
‫أوبولسكايا‪ ،‬ل‪.‬د‪ .‬ليف نيكوليفتش تولســتوي‪ ،‬مــواد لســيرة حيــاة تولســتوي‬ ‫‪(87‬‬
‫من عام ‪ ،1892 -1886‬موسكو‪ ،‬دار العلم ‪.1979‬‬
‫إيمانغوليفــا‪ ،‬أ‪.‬ن‪ .‬الرابطــة القلميــة وميخائيــل نعيمــه‪ ،‬موســكو دار العلــم‪،‬‬ ‫‪(88‬‬
‫‪.1975‬‬
‫بورتســكوف‪ .‬غ‪.‬ى‪ .‬دوستيفســكي والشــتراكية المســيحية‪ ،‬فــي مجموعــة‬ ‫‪(89‬‬
‫دوستيفسكي‪ ،‬مواد وبحوث‪ ،‬المجلد الول‪ ،‬لينيغراد‪ ،‬دار العلم ‪.1974‬‬
‫بيريوكوف‪ .‬ب‪.‬ن‪ .‬سيرة حياة تولســتوي‪ .‬المجلــد الثــاني موســكو‪ ،‬دار الدب‬ ‫‪(90‬‬
‫البداعي‪.1923 ،‬‬
‫بيريوكوف‪ ،‬ب‪.‬ن‪ .‬سيرة حياة ليــف تولســتوي‪ ،‬المجلــد الثــالث موســكو‪ ،‬دار‬ ‫‪(91‬‬
‫الدب البداعي‪.1923 ،‬‬
‫بيريوكــوف‪ ،‬تولســتوي والشــرق‪ .‬مجلــة "الشــرق الجديــد"‪ 1924 ،‬العــدد‬ ‫‪(92‬‬
‫السادس‪.‬‬
‫تولستوي‪ ،‬ل‪.‬ن‪ .‬المؤلفات الكاملة في تسعين مجلدًا‪ .‬المجلد الول موسكو‪-‬‬ ‫‪(93‬‬
‫لينينغراد‪.1928 ،‬‬
‫تولســتوي‪ ،‬ل‪.‬ن‪ .‬المؤلفــات الكاملــة فــي تســعين مجلــدًا‪ .‬المجلــد الثــاني‬ ‫‪(94‬‬
‫موسكو‪ -‬لينينغراد‪ ،1930 ،‬دار الدب البداعي‪.‬‬
‫تولستوي‪ ،‬ل‪.‬ن‪ .‬المؤلفات الكاملة في تسعين مجلدًا‪ .‬المجلد الرابع موسكو‪،‬‬ ‫‪(95‬‬
‫لينينغراد‪.1932 ،‬‬
‫تولســتوي‪ ،‬ل‪.‬ن‪ .‬المؤلفــات الكاملــة فــي تســعين مجلــدًا‪ .‬المجلــد الســادس‬ ‫‪(96‬‬
‫موسكو‪ -‬لينينغراد‪.1929 ،‬‬
‫تولســتوي‪ ،‬ل‪.‬ن المؤلفــات الكاملــة فــي تســعين مجلــدًا‪ .‬المجلــد العاشــر‬ ‫‪(97‬‬
‫موسكو‪ -‬لينينغراد‪1930 ،‬‬
‫تولستوي‪ ،‬ل‪.‬ن‪ .‬المؤلفات الكاملة في تسعين مجلدًا‪ .‬المجلد الســابع عشــر‪،‬‬ ‫‪(98‬‬
‫موسكو‪ -‬لينينغراد‪.1933 ،‬‬
‫تولســتوي‪ ،‬المؤلفــات الكاملــة فــي تســعين مجلــدًا‪ .‬الملجــد التاســع عشــر‪.‬‬ ‫‪(99‬‬

‫‪- 167 -‬‬


‫موسكو‪ -‬لينينغراد‪.1935 ،‬‬
‫‪ (100‬تولســتوي‪ ،‬ل‪.‬ن‪ .‬المؤلفــات الكاملــة فــي تســعين مجلــدًا‪ .‬المجلــد الثــالث‬
‫والعشرون‪ -‬موسكو‪ -‬لينينغراد‪.1975 ،‬‬
‫‪ (101‬تولستوي‪ ،‬ل‪.‬ن‪ .‬المؤلفات الكاملــة فــي تســعين مجلــدًا‪ .‬المجلــد الخــامس‬
‫والعشرون‪ .‬موسكو‪ -‬لينينغراد‪.1937 ،‬‬
‫‪ (102‬تولستوي‪ ،‬ل‪.‬ن‪ .‬المؤلفات الكاملــة فــي تســعين مجلــدًا‪ .‬المجلــد الســادس‬
‫والعشرون‪ .‬موسكو‪ -‬لينينغراد ‪.1936‬‬
‫‪ (103‬تولستوي‪ ،‬المؤلفات الكاملة في تسعين مجلدًا‪ .‬المجلد السابع والعشرون‪.‬‬
‫موسكو‪-‬لينينغراد‪.1933 ،‬‬
‫‪ (104‬تولســتوي‪ ،‬ل‪.‬ن‪ .‬المؤلفــات الكاملــة فــي تســعين مجلــدًا‪ ،‬المجلــد الثــامن‬
‫والعشرون‪ ،‬موسكو‪-‬لينينغراد‪.1957 ،‬‬
‫‪ (105‬تولســتوي‪ ،‬ل‪.‬ن‪ .‬المؤلفــات الكاملــة فــي تســعين مجلــدًا‪ .‬المجلــد الواحــد‬
‫والثلثون‪ ،‬موسكو‪ -‬لينينغراد‪.1954 ،‬‬
‫‪ (106‬تولســتوي‪ ،‬ل‪.‬ن المؤلفــات الكاملــة فــي تســعين مجلــدًا‪ .‬المجلــد الثــاني‬
‫والثلثون‪ .‬موسكو‪ .‬لينينغراد‪.1936 ،‬‬
‫‪ (107‬تولســتوي‪ ،‬ل‪.‬ن‪ .‬المؤلفــات الكاملــة فــي تســعين مجلــدًا‪ .‬المجلــد الرابــع‬
‫والثلثون‪ ،‬موسكو‪-‬لينينغراد‪.1956 ،‬‬
‫‪ (108‬تولستوي‪ ،‬ل‪.‬ن‪ .‬المؤلفــات الكملــة فــي تســعين مجلــدًا‪ .‬المجلــد الربعــون‬
‫موسكو‪ -‬لينينغراد‪.1956 ،‬‬
‫‪ (109‬تولســتوي‪ ،‬ل‪.‬ن‪ .‬المؤلفــات الكاملــة فــي تســعين مجلــدًا‪ ،‬المجلــد الواحــد‬
‫والربعون‪ -‬موسكو‪ -‬لينينغراد‪.1957 ،‬‬
‫‪ (110‬تولســتوي‪ ،‬ل‪.‬ن‪ .‬المؤلفــات الكاملــة فــي تســعين مجلــدًا‪ .‬المجلــد الرابــع‬
‫والربعون ‪ ،‬موسكو‪ -‬لينينغراد‪.1932 ،‬‬
‫‪ (111‬تولستوي‪ ،‬ل‪.‬ن‪ .‬المؤلفات الكاملة في تسعين مجلدًا‪ ،‬المجلد الخمسـون ‪،‬‬
‫موسكو‪ -‬لينينغراد‪.1952 ،‬‬
‫‪ (112‬تولســتوي‪ ،‬ل‪.‬ن‪ .‬المؤلفــات الكاملــة فـي تســعين مجلــدًا‪ ،‬المجلــد الواحــد‬
‫والخمسون ‪ ،‬موسكو‪ -‬لينينغراد‪.1952 ،‬‬
‫‪ (113‬تولســتوي‪ ،‬ل‪.‬ن‪ .‬المؤلفــات الكاملــة فــي تســعين مجلــدًا‪ ،‬المجلــد الثــالث‬
‫والستون‪ ،‬موسكو‪ -‬لينينغراد‪.1934 ،‬‬
‫‪ (114‬تولستوي‪ ،‬ل‪.‬ن‪ .‬المؤلفات الكاملة في تســعين مجلــدًا‪ ،‬المجلــد الســادس‬
‫والستون‪ ،‬موسكو‪ -‬لينينغراد‪.1953 ،‬‬
‫‪ (115‬تولستوي‪ ،‬ل‪.‬ن‪ .‬المؤلفات الكاملة فــي تســعين مجلــدًا‪ ،‬المجلــد الخــامس‬
‫والسبعون‪ ،‬موسكو‪ -‬لينينغراد‪.1956 ،‬‬
‫‪ (116‬تولستوي‪ ،‬ل‪.‬ن‪ .‬المؤلفات الكاملة في تســعين مجلــدًا‪ ،‬المجلــد الســادس‬
‫والسبعون‪ ،‬موسكو‪ -‬لينينغراد‪.1956 ،‬‬
‫‪ (117‬تولســتوي‪ ،‬ل‪.‬ن‪ .‬المؤلفــات الكاملــة فـي تســعين مجلــدًا‪ ،‬المجلــد الثــامن‬
‫والسبعون‪ ،‬موسكو‪ -‬لينينغراد‪.1937 ،‬‬
‫‪ (118‬تولستوي‪ ،‬ل‪.‬ن‪ .‬المؤلفــات الكاملــة فــي تســعين مجلــدًا‪ ،‬المجلــد الســابع‬
‫والثمانون‪ ،‬موسكو‪ -‬لينينغراد‪.1937 ،‬‬
‫‪ (119‬تشير نيشيفسكي‪ ،‬ن‪.‬غ‪ .‬المؤلفات الكاملــة‪ ،‬المجلــد الثــالث‪ ،‬موســكو دار‬
‫الدب البداعي‪.1947 ،‬‬
‫‪ (120‬جبران‪ ،‬خليــل جــبران‪ ،‬الجنحــة المتكســرة‪ ،‬موســكو‪ ،‬دار الداب الجنبيــة‪،‬‬
‫‪.1962‬‬
‫‪ (121‬جـبران‪ ،‬خليــل جـبران‪ ،‬الكــافر‪ ،‬فــي كتــاب "القمــة العربيــة"‪ ،‬موســكو دار‬
‫الداب الجنبية‪.1963 ،‬‬
‫‪ (122‬جــبران‪ ،‬خليــل جــبران‪ ،‬دمعــة وابتســامة‪ ،‬موســكو‪ ،‬دار الدب البــداعي‪،‬‬
‫‪.1976‬‬
‫‪ (123‬دالينينا‪ ،‬أ‪.‬أ‪ .‬الدب الروسي في البلــدان العربيــة‪ -‬مجلــة "الدب الروســي"‪،‬‬
‫لينينغراد‪ ،1960 ،‬العدد الول‪.‬‬
‫‪ (124‬دالينينيا‪ ،‬أ‪.‬أ‪ .‬مقدمة في كتاب "النثر العربي المعاصر"‪ ،‬موســكو لينينغــراد‪،‬‬
‫دار الدب البداعي‪.1961 ،‬‬
‫‪ (125‬دالينينا‪ ،‬أ‪.‬أ‪ .‬الباء والبنـون لميخائيــل نعيمـه‪ -‬مجلــة أنبـاء جامعــة لينينغـراد‬
‫الحكومية‪ ،1963 ،‬العدد العشرون‪ ،‬الجزء الرابع‪.‬‬
‫‪ (126‬دالينينا‪ ،‬أ‪.‬أ‪ .‬المجموعة الولى لمؤلفات مكسيم غوركي باللغة العربية‪ ،‬فــي‬
‫كتاب‪ ،‬غوركي والدب الجنبي في الشرق‪ ،‬موسكو ‪.1968‬‬
‫‪ (127‬دالينينا‪ ،‬أ‪.‬أ‪ .‬الترجمة العربية لرواية تولستوي "لحن كريتسر" الــتي صــدرت‬
‫في القاهرة في عام ‪ -1903‬مجلة مسائل الدب في بلــدان آســيا وأفريقيــا‪،‬‬

‫‪- 168 -‬‬


‫تصدر عن جامعة لينينغراد الحكومية ‪ ،1973‬الجزء الثاني‪.‬‬
‫‪ (128‬دالينينا‪ ،‬أ‪.‬أ‪ .‬موجز تاريخ الدب العربي المعاصر‪ ،‬في سورية ومصر‪ ،‬الرواية‬
‫العربية من بداية عصــر النهضــة العربيــة ‪ 1914 -1870‬موســكو‪ ،‬دار العلــم‪،‬‬
‫‪.1973‬‬
‫‪ (129‬دالينينا‪ ،‬أ‪.‬أ‪ .‬خاتمة لكتــاب ميخائيــل نعيمــه "ســبعون"‪ ،‬موســكو دار العلــم‪،‬‬
‫‪.1980‬‬
‫‪ (130‬دالينينا‪ ،‬أ‪.‬أ‪ .‬مقدمة في كتاب "النثر العربي الرومانسي في القرنين التاسع‬
‫عشر والعشرين‪ ،‬لينينغراد‪ ،‬دار الدب البداعي ‪,1981‬‬
‫‪ (131‬دوستيفسكي‪ ،‬فيدور "مذكرات شتوية حول انطباعات صــيفية"‪ ،‬المؤلفــات‬
‫الكاملة‪ ،‬المجلد الخامس‪ ،‬لينينغراد‪ ،‬دار العلم‪.1973 ،‬‬
‫‪ (132‬ديمتريفسكي‪ ،‬أ‪.‬أ‪ .‬الدب الروسي في الترجمة العربية‪ ،‬بتروغراد ‪.1915‬‬
‫‪ (134‬رولن‪ ،‬رومان‪ ،‬رسالة إلى ل‪.‬ن‪ .‬تولستوي‪ ،‬مجلة التراث الدبــي المجلــدان‬
‫‪ ،32 -31‬موسكو‪.1937 ،‬‬
‫‪ (134‬الريحاني‪ ،‬أمين‪ ،‬المؤلفات المختارة‪ ،‬بتروغراد‪ ،‬دار النار ‪.1917‬‬
‫‪ (135‬زايــد نشــنور‪ ،‬ي‪.‬ي‪ .‬فلكلــور شــعوب الشــرق فــي تــراث ل‪.‬ن تولســتوي‬
‫مجموعة ياسنايا بوليانا‪ ،‬تول‪.1960 ،‬‬
‫‪ (136‬زوبوفسكي‪ ،‬ي‪ .‬ليف تولستوي والشرطة بالمســيح‪ ،‬مجلــة الملحــد ‪،1940‬‬
‫العددان العاشر والحادي عشر ‪.‬‬
‫‪ (137‬سوفورين‪ ،‬أ‪.‬س يوميات‪ ،‬موسكو‪ ،‬بتروغراد‪.1923 ،‬‬
‫‪ (138‬شوستر‪ ،‬ب‪ .‬ملحظات حول الدب العربي‪ ،‬مجلة "نجمة الشرق" ‪،1958‬‬
‫العدد الثالث‪.‬‬
‫‪ (139‬شيفمن‪ ،‬أ‪.‬ي‪ .‬ليف تولستوي والشرق‪ .‬الطبعة الثانيــة‪ ،‬موســكو دار العلــم‪،‬‬
‫‪.1971‬‬
‫‪ (140‬شيفمن‪ ،‬أ‪.‬ي‪ .‬العالم يحتفل بالذكرى الخمسين لوفاة ل‪.‬ن تولستوي مجلــة‬
‫"التراث الدبي"‪ ،‬العدد الخامس والسبعون الكتاب الثاني‪.‬‬
‫‪ (141‬غاندي‪ ،‬المهاتما‪ ،‬رسالة إلى ل‪.‬ن تولستوي‪ ،‬مجلة التراث الدبي‪ ،‬موسكو‪،‬‬
‫‪ ،1939‬المجلدان ‪.38 -37‬‬
‫‪ (142‬غالغــان‪ ،‬غ‪.‬يــا‪ .‬ليــف تولســتوي‪ ،‬والبحــوث الفنيــة والدينيــة‪ .‬لينينغــراد‪ ،‬دار‬
‫العلم‪.1981 ،‬‬
‫‪ (143‬غالدينفيزر‪ ،‬أ‪.‬ب قرب تولستوي‪ .‬دار الدب البداعي ‪.1959‬‬
‫‪ (144‬غوركي‪ ،‬مكسيم‪ ،‬المؤلفات الكاملة‪ ،‬المجلد السادس عشــر‪ ،‬موســكو‪ ،‬دار‬
‫العلم‪.1973 ،‬‬
‫‪ (145‬غوسوف‪ ،‬ن‪.‬ن‪ .‬سنتان مع ليف تولستوي‪ .‬موسكو‪.1929 ،‬‬
‫‪ (146‬غوسوف‪ ،‬ن‪.‬ن‪ .‬ليف نيكوليفتش تولستوي‪ .‬مواد من أجل سيرة حياته من‬
‫عام ‪-1885 -1881‬موسكو‪ ،‬دار العلم‪.1970 ،‬‬
‫‪ (147‬غوسوف‪ ،‬ن‪.‬ن‪ .‬تاريخ حياة وإبداع ليــف تولســتوي ‪ ،1910 -1891‬موســكو‬
‫دار الدب البداعي‪.1960 ،‬‬
‫‪ (148‬غوسوف‪ ،‬ن‪.‬ن‪ .‬تولستوي ورجــال الــدين‪ ،‬مجلــد الملحــد‪ ،1940 ،‬العــددان‬
‫العاشر والحادي عشر‪.‬‬
‫‪ (149‬غوسوف‪ ،‬ن‪.‬ن‪ .‬حياة ليف تولستوي وتعاليمه‪ ،‬موسكو‪.1920 ،‬‬
‫‪ (150‬فولســـاتوف‪ ،‬ف‪ .‬مقدمـــة فـــي كتـــاب جـــبران خليـــل جـــبران "الجنحـــة‬
‫المتكسرة"‪ .‬موسكو‪ ،‬دار الدب البداعي‪.1963 ،‬‬
‫‪ (151‬فولساتوف‪ ،‬ف‪ .‬مقدمة في كتاب جبران خليــل جــبران "دمعــة وابتســامة"‬
‫موسكو‪ ،‬دار الدب البداعي‪.1976 ،‬‬
‫‪ (152‬فيدوروف‪ ،‬أ‪.‬حكيم من حيفا‪ ،‬مجلة "شمس روسيا"‪ ،1910 ،‬العــدد الواحــد‬
‫والثلثون‪.‬‬
‫‪ (153‬فيريســايوف‪ ،‬مــذكرات‪ ،‬الطبعــة الثالثــة‪ ،‬موســكو‪ -‬لينينغــراد‪ ،‬دار الدب‬
‫البداعي‪.1946 ،‬‬
‫‪ (154‬قصائد شعراء‪ ،‬مصر‪ ،‬ترجمة ف‪ .‬جورافيلوف‪ ،‬موسكو ‪.1956‬‬
‫‪ (155‬كاشــيرين‪ ،‬ب‪ .‬لينيــن حــول تولســتوي وإبــداعه‪ .‬مجلــة "الملحــد" ‪،1940‬‬
‫العددان العاشر والحادي عشر‪.‬‬
‫‪ (156‬كوريلينكا‪ ،‬ف‪.‬غ‪ .‬المؤلفــات الكاملــة‪ ،‬المجلــد الثــاني‪ ،‬موســكو ‪ ،‬دار الدب‬
‫البداعي‪.1955 ،‬‬
‫‪ (157‬كراتشكوفسكي‪ .‬ي‪.‬يو‪ .‬فــي المخطوطــات العربيــة‪ ،‬ذكريــات حــول النــاس‬
‫والكتب‪ ،‬المختارات‪ ،‬المجلد الول‪ .‬موســكو‪ -‬لينينغــراد دار أكاديميــة العلــوم‬
‫في التحاد السوفييتي‪.1956 ،‬‬

‫‪- 169 -‬‬


‫‪ (158‬كراتشكوفسكي‪ ،‬ي‪.‬يو‪ .‬رسالة ميخائيل نعيمه إلى ي‪.‬يــو‪ .‬كراتشكوفســكي‪.‬‬
‫المختارات‪ ،‬المجلد الثالث‪ .‬موسكو‪ -‬لينينغــراد أكاديميــة العلــوم فــي التحــاد‬
‫السوفييتي‪.1959 ،‬‬
‫‪ (159‬كراتشكوفســكي‪ ،‬ي‪.‬يــو‪ .‬مختــارات المجلــد الثــاني‪ ،‬موســكو‪ -‬لينينغــراد‬
‫أكاديمية العلوم في التحاد السوفييتي‪.1956 ،‬‬
‫‪ (160‬كراتشكوفسكي‪ ،‬ي‪.‬يو‪ .‬مقدمــة فــي كتــاب قاســم أميــن‪ ،‬المــرأة الجديــدة‬
‫المختارات‪ ،‬المجلد الثالث‪ ،‬موسكو‪ ،‬لينينغراد‪ ،‬أكاديميــة العلــوم فــي التحــاد‬
‫السوفييتي‪.‬‬
‫‪ (161‬كراتشكوفسـكي‪ ،‬ي‪.‬يــو‪ .‬الدب العربــي فـي القـرن العشـرين‪ .‬المختــارات‬
‫المجلد الثالث‪ ،‬موسكو‪ ،‬لينينغراد‪ ،‬أكاديمية العلوم فــي التحــاد الســوفييتي‪،‬‬
‫‪.1956‬‬
‫‪ (162‬لزورسكي‪ .‬ف‪.‬ف‪ .‬يوميات‪ .‬مجلة التراث الدبي‪ .‬العددان السابع والثلثون‬
‫والثامن والثلثــون‪ .‬موســكو‪ ،‬دار أكاديميــة العلــوم فــي التحــاد الســوفييتي‪،‬‬
‫‪.1939‬‬
‫‪ (163‬لندا‪ ،‬ر‪.‬ن‪ .‬عند عرب آسيا‪ ،‬موسكو‪ ،‬دار العلم‪.1969 ،‬‬
‫‪ (164‬ليونتيف‪ ،‬ك‪.‬ن‪ .‬مسيحيونا الجدد‪ ،‬موسكو‪.1982 ،‬‬
‫‪ (165‬لينين‪ ،‬فلديمير‪ ،‬المؤلفات الكاملة‪ ،‬المجلد السـابع عشـر‪ ،‬ليـف تولسـتوي‪،‬‬
‫كمرآةٍ للثورة الروسية‪.‬‬
‫‪ (166‬لينين‪ ،‬فلديمير‪ ،‬المؤلفات الكاملة‪ ،‬المجلد العشرون‪ .‬ل‪.‬ن‪ .‬تولستوي‪.‬‬
‫‪ (167‬لينين‪ ،‬فلديمير‪ ،‬المؤلفات الكاملة‪ .‬المجلد العشــرون‪ .‬تولســتوي والنضــال‬
‫البروليتاري‪ .‬وليف تولستوي وعصره‪.‬‬
‫‪ (168‬مايمين‪ .‬ي‪.‬أ‪ .‬ليف تولستوي‪ ،‬موسكو‪ ،‬دار العلم‪.1980 ،‬‬
‫‪ (169‬موتيليوفــا‪ ،‬ت‪.‬تولســتوي والبحــوث الفنيــة للكّتــاب الجــانب فــي القــرن‬
‫العشرين‪ ،‬مجلة "الداب الجنبية"‪ ،‬موسكو‪.1961 ،‬‬
‫‪ (170‬المؤلفات الدبية لتولستوي في الترجمة للغات الجنبية‪ ،‬موسكو ‪.1961‬‬
‫‪ (171‬مجموعة ياسنايا بوليانا‪ ،‬تول‪.1960 ،‬‬
‫‪ (172‬ميرينــز‪ ،‬جــورج‪ ،‬النســان الــذي عـّرف العــرب بروســيا "الجريــدة الدبيــة"‬
‫‪ ،1946‬عدد ‪ (2281) 18‬تاريخ ‪ 27‬نيسان‪.‬‬
‫‪ (173‬من أجل ذكرى كونستانتين ليونتيف‪ ،‬سان بطرسبرج‪.1911 ،‬‬
‫‪ (174‬نعيمه‪ ،‬ميخائيل‪ ،‬القصة اللبنانية‪ ،‬موسكو‪ ،‬دار الداب الجنبية ‪.1959‬‬
‫‪ (175‬نعيمه‪ ،‬ميخائيل‪ ،‬قصة صادق" في مجموعة النثر العربي المعاصر موسكو‪،‬‬
‫لينينغراد‪ ،‬دار الدب البداعي‪.1961 ،‬‬
‫‪ (176‬نعيمه‪ ،‬ميخائيل‪ ،‬سبعون‪ ،‬موسكو‪ ،‬دار العلم‪.1980 ،‬‬
‫‪ (177‬النثر العربي المعاصر‪ ،‬موسكو‪ -‬لينينغراد‪ ،‬دار الدب البداعي ‪.1961‬‬
‫‪ (178‬النثر العربــي الرومانســي‪ ،‬فــي القرنيــن التاســع والعشــرين لينينغــراد‪ ،‬دار‬
‫الدب البداعي‪.1981 ،‬‬
‫‪ (179‬نيكيفروف‪ ،‬ل‪.‬ب ذكريات عن ليف تولســتوي‪" ،‬ليــف تولســتوي‪ -‬مجموعــة‬
‫بمناسبة الذكرى المئوية لولدته‪ ،‬موسكو‪ -‬لينينغراد‪.1928 ،‬‬
‫‪ (180‬يوســوبوف‪ ،‬د‪.‬ي‪ .‬عمــر فــاخوري كــاتب عربــي بــارز‪ -‬مجلــة "الستشــراق‬
‫السوفييتي"‪ 1956 ،‬العدد الثالث‪.‬‬
‫‪ (181‬يلباتيفسكي‪ ،‬س‪.‬مصر‪ ،‬مجلة "الــثروة الروســية" ‪ ،1909‬العــددان العاشــر‬
‫والحادي عشر‪.‬الدوريات الروسية‬
‫‪ (182‬جريدة "البرافدا" ‪-‬العدد ‪ (23389) ،228‬عام ‪.1982‬‬
‫‪ (183‬جريدة "الخبار الروسية‪ ،1903 ،‬العدد التاسع والربعون‪.‬‬
‫‪ (184‬جريدة الخبار الروسية "عام ‪ ،1910‬العــدد ‪ .287‬الصــحافة العربيــة حــول‬
‫موت تولستوي‪.‬‬
‫‪ (185‬الشرق المعاصر ‪ ،1958‬العدد التاسع‪.‬‬
‫مواد من الرشيف )متحف تولستوي الدب في موسكو(‬
‫‪ (186‬سجل الشرف خلل فترة ‪ 1958 -1957‬الملف رقم ‪.183‬‬
‫‪ (187‬سجل الشرف خلل عام ‪ 1958‬الملف رقم ‪.653‬‬
‫‪ (188‬سجل الشرف خلل فترة ‪ 1962 -1959‬الملف رقم ‪.687‬‬
‫‪ (189‬سجل الشرف خلل فترة ‪ 1964 -1960‬الملف رقم ‪.699‬‬
‫‪ (190‬سجل الشرف خلل فترة ‪.1971 -1969‬‬
‫‪ (191‬سجل الشرف لعام ‪.1984‬‬
‫‪- 170 -‬‬
‫‪ (192‬رسالة مفتي الديار المصرية‪ ،‬رئيس جامعة الزهر‪ ،‬الشيخ والكــاتب محمــد‬
‫عبده إلى ليف تولستوي رقم الملف ‪.5/204‬‬
‫‪ (193‬رســالة مــن معلمــة مــن تــونس إلــى ليــف تولســتوي الملــف رقــم ت س‬
‫‪.74/243‬‬
‫‪ (194‬رســالة مــن فتــاةٍ عربي ـةٍ مــن ســوريا اســمها رمزيــة عــويني رقــم الملــف‬
‫‪.1/146/204‬‬
‫‪ (195‬رسالة من المترجم كاريو أفريكانو‪ ،‬رقم الملف ‪.255/116‬‬
‫مواد من الرشيف "متحف ليف تولستوي في قريته ياسنايا بوليانا"‬
‫‪ (196‬سجل زوار متحف تولستوي في ياسنايا بوليانا من ‪4‬حزيران ‪-1938‬تمــوز‬
‫‪ ،1952‬رقم ‪/223‬‬
‫‪ (197‬سجل زوار متحف تولستوي فــي ياســنايا بوليانــا مــن تمــوز ‪1958 -1953‬‬
‫رقم ‪.269‬‬
‫‪ (198‬سجل زوار متحف تولستوي في ياسنايا بوليانــا مــن تشــرين الول ‪،1962‬‬
‫تشرين الول ‪.1964‬‬
‫‪ (199‬سجل زوار متحف تولســتوي فــي ياســنايا بوليانــا مــن عــام ‪1974 -1970‬‬
‫الرقم ‪.138‬‬
‫‪ (200‬سجل زوار متحف تولستوي في ياسنايا بوليانا من عام ‪.1975 -1970‬‬
‫‪ (201‬سجل زوار متحف تولستوي في ياسنايا بوليانا من ‪.1977 -1974‬‬

‫‪- 171 -‬‬


‫‪‬‬

‫الباب الثاني‪:‬‬
‫دوسـتيفســــكي‬
‫فـــي الدب العــــربـــــ ّ‬
‫ي‬

‫‪- 172 -‬‬


- 173 -
‫الفصل الول‬
‫رواية الخوة كارامازوف‬
‫لدوستيفسكي‬
‫وكتاب النبي لجبران ومرداد لنعيمه‬
‫ي‪:‬‬ ‫ي يييي‬ ‫ييي‬
‫وجدت في مذكرات الب زوسيما وهو أحد شخصيات رواية‬
‫ل من كتــابي النــبي لجــبران‬ ‫"الخوة كارامازوف" شبها ً كبيرا ً بك ٍ‬
‫ومرداد لنعيمــه‪ ،‬ولســيما مــن حيــث البنيــة الفنيــة‪ ،‬والمضــمون‬
‫ل بـاب عنـوانه‬ ‫سمة إلى أبواب‪ ،‬ولك ِ‬ ‫الفكري فهذه المذكرات مق ّ‬
‫وموضوعه فباب بعنوان "حديث عن السادة والخدم" وآخر عــن‬
‫المحبة‪ ،‬وثالث عن الدينونة ورابع عن الجنة والنار‪....‬‬
‫ل من جـبران ونعيمـه‬ ‫وهو بذلك يشبه التقسيم الذي اتبعه ك ّ‬
‫شــبه فــي مفهــوم‬ ‫في كتابيهما المذكورين آنفًا‪ ،‬كتبت عن وجود َ‬
‫المحبة في العمال الثلثة المذكورة‪ ،‬فهي عنــد هــؤلء العبــاقرة‬
‫مفهوم مطلــق خــارج حــدود الزمــان والمكــان وتحــدثت ببعــض‬
‫التفصيل عن رواية "الخوة كارامازوف"‪ ،‬وأهم أفكارها وأحداثها‬
‫وشخصياتها‪ ،‬نظرا ً لقلة الدراسات المتوفرة في المكتبة العربية‬
‫عن هذه الرواية‪ ،‬ولسيما تلك التي تعرض وجهة نظر النقاد عن‬
‫ت عن الخوة الثلثة وهم ديمــتري‬ ‫عملق الرواية الروسية‪ ،‬فكتب ُ‬
‫وإيفان والكســي وعــن البــن اللشــرعي ســمير ديــاكوف وعــن‬
‫شخصية الب فيدور كارامازوف‪.‬‬
‫كما كتبت عن موضوع الباء والبنين في العمــال المـذكورة‬
‫ولسيما أن الموضوع المذكور على قــدمه فــي الدب مــازال ذا‬
‫أهمية كبرى‪ ،‬فلقـد كتـب عنـه كبـار الدبـاء مثـل سـوفوكليس )‬
‫‪406-496‬ق‪.‬م( فــــي مأســــاة أوديــــب ملكــــًا‪ ،‬وشكســــبير‬
‫في"هاملت" ‪.1601‬‬
‫وتناول الموضوع المذكور العالم النفساني فرويد فــي أكــثر‬
‫مــن عمــل ولســيما فــي كتــابه "تفســير الحلم" )‪ (1900‬مــن‬
‫ســر تصــرفات المــرء مــن خلل عــالم‬ ‫وجهة نظر خاصةٍ به إذ ّ يف ّ‬
‫اللشعور ٍوالدوافع المكبوتة‪.‬‬
‫روايــة الخــوة كارامــازوف لدوستيفســكي‪ ،‬وكتــاب النــبي‬
‫لجبران خليل جــبران‪ ،‬وكتــاب مــرداد لميخائيــل نعيمــه )دراســة‬
‫مقارنة( ‪.‬‬

‫‪- 174 -‬‬


‫ي‪:‬‬ ‫يييي‬
‫درس ميخائيل نعيمه )‪ (1988-1889‬في مدرس ـةٍ ابتدائي ـةٍ‬
‫روس ـّية افتتحــت فــي نهايــة القــرن التاســع عشــر فــي قريتــه‬
‫)بسكنتا( بهدف نشر الثقافة الروس ـّية فــي الشــرق‪ ،‬علــى أثــر‬
‫الضعف الذي أصيبت به الدولة العثمانيــة‪ .‬فأخــذت تتســابق كـ ّ‬
‫ل‬
‫من فرنسا وروسيا وبريطانية علــى نشــر ثقافتهــا ونفوذهــا عــن‬
‫طريق افتتاح المدارس وغيرها من المؤسسات‪.‬‬
‫قــامت الجمعيــة الّروســية ‪-‬الفلســطينية بــإدارة المــدارس‬
‫ل من فلسطين وسوريا ولبنان‪ .‬وكانت المدارس‬ ‫الروسّية في ك ّ‬
‫ة‪.‬‬
‫الروسّية مجاني ً‬
‫درس ميخائيــل نعيمــه فــي المــدارس الروسـّية فــي قريتــه‬
‫)بســكنتا( مــا بيــن عــامي )‪ (1902-1899‬وتــابع دراســته فــي‬
‫الناصرة ما بين عامي‬
‫)‪. (1902-1906‬‬
‫ثم تــابع دراســته فــي بولتافــا فــي روســيا مــا بيــن عــامي )‬
‫‪ . (1911-1906‬ولبد ّ من أن تترك هذه الثقافة التي تلقاها فــي‬
‫المدارس الروسّية فــي لبنــان وفلســطين وروســيا نفســها أثــرا ً‬
‫كبيرا ً على أدب ميخائيل نعيمه‪.‬‬
‫وقــرا ميخائيــل نعيمــه فــي أثنــاء دراســته فــي المــدارس‬
‫الروســـّية الدبـــاء الـــروس مثـــل بوشـــكين )‪(1837-1799‬‬
‫وليرمنتـــــــوف )‪ (1841-1812‬وغوغـــــــول )‪(1852-1809‬‬
‫وتشرنيشيفسكي )‪ (1889-1828‬وبيلينســكي )‪(1848-1811‬‬
‫ودبــر الوبــوف )‪ (1861-1836‬وغانتشــيروف )‪(1891-1812‬‬
‫وتورغينيـــف )‪ ، (1883-1818‬واستروفســـكي )‪(1886-1823‬‬
‫وسالتيكوف شيدرين )‪ ، (1889-1826‬وليف تولستوي )‪-1828‬‬
‫‪ (1910‬وأنطون تشيخوف )‪. (1904-1860‬‬
‫وبعــد انتهــاء دراســته فــي بولتافــا فــي عــام ‪ 1911‬ســافر‬
‫ميخائيل نعيمه إلى الوليات المتحدة المريكية‪ ،‬حيث أقام هناك‬
‫عشرين عامًا‪ .‬أيّ عاد من الوليات المتحدة المريكية فــي عــام‬
‫‪ ،1932‬أيّ بعــد وفــاة صــديقه جــبران خليــل جــبران فــي عــام‬
‫‪.1931‬‬
‫وعاش في لبنــان‪ ،‬وبالتحديــد فــي قريتــه بســكنتا منــذ عــام‬
‫‪ 1932‬إلى عام ‪ ،1988‬إذ توفي في العام المـذكور‪ .‬وفـي عـام‬
‫‪ 1956‬التقى السفير السوفييتي ببيروت وعندما ســأله الســفير‬
‫عن مدى رغبته واستعداده لزيارة التحــاد الســوفياتي‪ ،‬فيمــا لــو‬
‫وجهت له الــدعوة‪ ،‬أجــاب الكــاتب العربــي الكــبير‪ ،‬أن ّــه مســتعد‬
‫ل سروٍر‪.‬‬ ‫لزيارة التحاد السوفييتي‪ ،‬وسيلبي الدعوة بك ّ‬
‫ة‪ ،‬تلقى الدعوة من قبل اتحاد الكّتاب‬ ‫وبعد مرور مدةٍ قصير ٍ‬
‫السوفييت‪ ،‬في عــام ‪ ،1956‬وزار مدرســته فــي بولتافــا‪ ،‬حيــث‬
‫درس قبل الثورة‪ ،‬ورأى صور لينين وستالين معلقــة بــدل صــور‬
‫السّيد المسيح ومريم العذراء‪ ،‬ولم يستغرب‪.‬‬
‫وكان كتابه "أبعد من موسكو‪ ،‬ومــن واشــنطن"‪ ،‬الــذي رأى‬
‫النور فــي عــام ‪ ،1957‬أي بعــد مــرور عــام ٍ واحـدٍ علــى زيــارته‬
‫لموسكو‪ ،‬ثمرة ً لزيارته المذكورة‪.‬‬
‫ن لحظــة‬ ‫ويعــترف الكــاتب فــي عملــه الدبــي المــذكور‪ ،‬أ ّ‬
‫وصوله إلى روسيا‪ ،‬كانت أسعد لحظات حياته‪.‬‬
‫ويكتب في الكتاب النف الذكر عن روايــات دوستيفســكي‪:‬‬
‫"وتحسســت إيمــان دوستيفســكي بالمــة الســلفية ورســالتها‬
‫ل أفضل لروسيا‪ ،‬تتقلـم فيـه أظـافر الظلـم‪،‬‬ ‫النسانية‪ ،‬وبمستقب ٍ‬
‫‪- 175 -‬‬
‫والستبداد‪ ،‬وتتكسـر أنيـاب الحاجـة والمذلـة‪ ،‬فيتنفـس الشـعب‬
‫ملء رئتيه‪ ،‬وتكون له الثقة بأّنه لن يعرق ليهزل‪ ،‬وليسمن غيره‪،‬‬
‫بنتاج عرقه‪ ،‬ولن يسكن الكــواخ ويلبــس الســمال لينعــم غيــره‬
‫بالقصور‪ ،‬ويرفل في الديباج" )‪(1‬‬
‫ويكتب ميخائيل نعيمه في مقــالته‪" :‬ماهيــة الدب ومهمتــه"‬
‫الــتي نشــرها فــي مجموعــة "دروب"‪ ،‬الــتي صــدرت فــي عــام‬
‫ن جيشا ً من رجال الدين‪ ،‬وعلماء النفس وأساتذة‬ ‫‪" :1932‬ولو أ ّ‬
‫الجتمــاع‪ ،‬وأســاطين القــانون تجمعــوا مع ـا ً لمــا اســتطاعوا أن‬
‫يؤلفـوا لنـا روايـة‪ ،‬كروايــة دوستيفسـكي "الخـوة كارامـازوف"‬
‫ففي هذه الرواية نرتفع مع الب "زوسيما" إلى درجة الشــراق‬
‫الروحي‪ ،‬والنخطاف بنور اللوهية‪ .‬وننحدر مع "سمير دياكوف"‬
‫إلى الحالة البهيمية‪. (2) "....‬‬

‫ييييي ييييي ي ي ي يييي ي يييييي ي‪:‬‬


‫‪-1‬ممممم مممممم مم مممممم‬
‫مممم مممممم‬
‫وهكذا فإن ميخائيل نعيمه يقّيم تقييم ـا ً عالي ـا ً شخصــية الب‬
‫زوســيما‪ .‬فمــا هــو مفهــوم الب زوســيما للمحبــة؟ يقــول الب‬
‫زوسيما‪" :‬ياأخوتي‪ ،‬ل تحتقروا البشـر لخطايـاهم‪ ،‬أحّبـوهم رغـم‬
‫خطياهم‪ ،‬فتلك هي قمة المحبة الرضية‪ ،‬التي هي علــى صــورة‬
‫ل ذرةٍ مــن الرمــل‬ ‫ة‪ ،‬وأحّبوا ك ـ ّ‬ ‫محبة الرب‪ .‬أحّبوا خلق الّله جمل ً‬
‫ل شــعاع ضــوء‪ .‬أحّبــوا‬ ‫ل ورقــة شــجرة‪ ،‬وكــ ّ‬ ‫علــى حــدة‪ ،‬وكــ ّ‬
‫ل موجوٍد‪ .‬إّنكــم حيــن تحب ّــون‬ ‫الحيوانات‪ ،‬أحّبوا النباتات‪ ،‬أحّبوا ك ّ‬
‫منه‪ ،‬والمعرفــة الــتي‬ ‫الخليقة تنفذون إلى السر اللهي الذي تضـ ّ‬
‫تحصلون عليها بهذا ستنمو بعد ذلك‪ ،‬ثم ما تنفك تكــبر فــي ك ـ ّ‬
‫ل‬
‫م الكون بأسره‪ ،‬ويصبح شام ً‬
‫ل‪.‬‬ ‫ن حبكم يع ّ‬ ‫م‪ ،‬فإ ّ‬ ‫يو ٍ‬
‫ن الرب قد وهب لها بذرة فكر‪ ،‬وأودع قلبهــا‬ ‫أحّبوا البهائم ل ّ‬
‫فرحا ً بريئا ً )‪ ، (3‬ويطالب الب زوسيما بمحبة الطفال‪ ،‬لّنهم بل‬
‫ة‪ ،‬لّنهــم أشــبه بالملئكــة‪ ،‬لّنهــم يعيشــون لفرحــة قلوبنــا‪،‬‬ ‫خطيئ ٍ‬
‫وتطهير نفوسنا‪.‬‬
‫ويرى الب زوســيما أن نــرد علــى الخطيئة بــالرفق والليــن‬
‫ب قوة هائلة أقوى من ســائر القــوى‪،‬‬ ‫ن الح ّ‬
‫ب المتواضع‪ ،‬ل ّ‬ ‫والح ّ‬
‫ب معّلم كبير‪ ،‬ولكّنــه ل يكتســب‬ ‫ليس لها مثيل في العالم‪ .‬والح ّ‬
‫ل‬‫ظ‪ ،‬بجه ـدٍ متص ـ ٍ‬ ‫ن بــاه ٍ‬ ‫بـ ٍ‬
‫بسهولة‪ ،‬وإّنما يحصل عليه النسان بثم‬
‫حب ّـا ً مســتمرا ً ومط ّــردًا‪.‬‬ ‫وفي زمن طويل‪ .‬لّننــا يجــب أن نح ـ ّ‬
‫ة في‬ ‫ن حرك ً‬ ‫ط‪ ،‬وأ ّ‬‫ن الكون أشبه ببحرٍ محي ٍ‬ ‫ويرى الب زوسيما أ ّ‬
‫ن ما من الكرة الرضية تــترجع آثارهــا فــي أقصــى الطــرف‬ ‫مكا ٍ‬
‫الخر من الرض‪.‬‬
‫يجــب علــى النســان أن يعتــبر نفســه مســؤول ً عــن خطايــا‬
‫ن المر هو كذلك حقًا‪.‬‬ ‫البشر كّلهم‪ .‬ل ّ‬
‫هذا هو رأي الب زوسيما بالمحبــة عب ّــر عنــه فــي مــذكراته‬
‫جلها الكسي فهل رأي ميخائيل نعيمــه شــبيه بــرأي الب‬ ‫التي س ّ‬
‫زوسيما‪ ،‬لنر ذلك في كتابه "مرداد"‬

‫‪- 176 -‬‬


‫‪-2‬ممممم مممممم مم مممم ممممم‪:‬‬
‫يرى مرداد في كتــاب ميخائيــل نعيمــه الــذي يحمــل عنــوان‬
‫ن المحبة هــي نــاموس الحيــاة‪ .‬وإذا قارنــا بيــن أفكــار‬ ‫"مرداد" أ ّ‬
‫الب زوســيما فــي "الخــوة كارامــازوف" لدوستيفســكي حــول‬
‫المحبة‪ ،‬وبين مفهــوم المحبــة لــدى مــرداد فــي كتــاب "مــرداد"‬
‫ب‬ ‫لميخائيل نعيمه‪ ،‬نجد أّنها متشابهة‪ .‬وتتلخص بأّننا يجب أن نحــ ّ‬
‫ل‬‫ب كـ ّ‬ ‫ل ذرةٍ من ذرات هذا الكون دون تميي ـز‪ .‬ويجــب أن نح ـ ّ‬ ‫ك ّ‬
‫ورق ـةٍ علــى الشــجار‪ ،‬دون تميي ـزٍ بيــن ٍورق ـةٍ صــحيحةٍ وأخــرى‬
‫ن نضــارة‬ ‫ة‪ ،‬ل ّ‬‫ة‪ ،‬وكــبيرةٍ صــغير ٍ‬‫مريضــة‪ ،‬وبيــن جميلــةٍ وقبيحــ ٍ‬
‫ن البشــاعة ليســت‬ ‫الصحيح ليست إل من شحوب المريــض‪ ،‬ول ّ‬
‫ة‪ ،‬إّنها لضرورة أشد من‬ ‫غير مرود الجمال‪ .‬المحبة ليست بفضيل ٍ‬
‫ب بك ـ ّ‬
‫ل‬ ‫ل مــا نح ـ ّ‬‫ضرورة ّالخبز والماء والنور والهواء‪ .‬ويرتبط ك ّ‬
‫ل مــا‬ ‫ب كـ ّ‬ ‫ل ما نكره مثلمــا نح ـ ّ‬ ‫بك ّ‬ ‫مانكره‪ ،‬ولذلك علينا أن نح ّ‬
‫ب‪.‬‬‫نح ّ‬
‫ومثلما يفرغ النهــر العظيــم ذاتــه فــي البحــر‪ ،‬فيعــود البحــر‬
‫ن المحبــة ترجــع لنــا‬ ‫ويملؤه‪ ،‬هكذا يجب أن نهب ذاتنا للمحبة‪ ،‬ل ّ‬
‫ذواتنا‪ ،‬كما يرجع البحر إلى النهر ماءه‪ .‬فالحوض الذي ل يعطــي‬
‫ماءه للبحر يصبح آسنًا‪.‬‬
‫بالمحبة‪.‬ــدما تطهـر المحبــة أبصـارنا‪ ،‬لــن نــرى شـيئا ً غيــر جــدي ٍ‬
‫ر‬ ‫وعن‬
‫هذه أفكار ميخائيل نعيمــه حــول المحبــة‪ ،‬عب ّــر عنهــا مــرداد‬
‫وهــي متطابقــة مــع أفكــار دوستيفســكي فــي روايتــه "الخــوة‬
‫كارامازوف"‪ ،‬التي صدرت في عام ‪ ،1880‬وكذلك متطابقة مــع‬
‫أفكار جبران خليل جبران‪ ،‬الــتي عب ّــر عنهــا فــي كتــابه "النــبي"‬
‫الذي صدر في عام ‪ 1923‬باللغــة النكليزيــة‪ ،‬ونقلــه إلــى اللغــة‬
‫العربية الرشمندريت أنطونيوس بشير‪.‬‬
‫‪-3‬ممممم مممممم مم مممم ممممم‪:‬‬
‫يقول جبران خليل جبران في كتابه "النبي" مناديــا ً بالمحبــة‬
‫الشاملة التي ل تعرف التمييز والتفرقة بين الغريب والقريب‪:‬‬
‫"إذا أشارت المحبة إليكم فاتبعوها‬
‫وإن كانت مسالكها صعبة متحدرةً‬
‫وإذا ضمتكم بجناحها فأطيعوها‪،‬‬
‫وإن جرحكم السيف المستور بين ريشها‪.‬‬
‫وإذا خاطبتكم المحبة فصدقوها‬
‫وإن عطل صوتها أحلمكم وبددها‪. (4) " ....‬‬
‫ن المحبــة تغربــل النــاس لكــي‬ ‫ويرى جبران خليــل جــبران أ ّ‬
‫تحررهم من قشورهم‪ ،‬وتطحنهم لكي تجعلهم أنقياء كالثلج‪.‬‬
‫ويتابع قوله‪:‬‬
‫ّ‬
‫"المحبة ل تعطي إل نفسها‪ .‬ول تأخذ إل من نفسها‪.‬‬
‫المحبة ل تملك شيئًا‪ .‬ول تريد أن يملكها أحد‬
‫ن المحبة مكتفية بالمحبة‪.‬‬ ‫ل ّ‬
‫***‬
‫ّ‬
‫ن اللــه فــي قلــبي "بــل قــل‬ ‫أما أنــت إذا أحببــت فل تقــل‪ :‬إ ّ‬
‫‪- 177 -‬‬
‫بالحرى‪" :‬أنا في قلب الّله )‪(5‬‬
‫وهكذا فإن دوستيفسكي وجــبران خليــل جــبران‪ ،‬وميخائيــل‬
‫نعيمه يؤمنون بالمحبة اللمحدودة‪ ،‬وبذوبان الذات في الخرين‪،‬‬
‫ن محبة الخرين تعني محبة الذات‪ ،‬التي هي جزء ل يتجزأ من‬ ‫ل ّ‬
‫ب نفســه علــى حســاب الخريــن يحكــم علــى‬ ‫الخرين‪ ،‬ومن يح ّ‬
‫محبته بالموت‪ .‬ويطالب هؤلء الدباء بالعطاء الدائم للجميع كما‬
‫تعطي الشمس نورها للجميع‪.‬‬
‫‪-4‬ممممم مممممم مم مممممم‬
‫مممم مممممم‪:‬‬
‫عّبـر الب زوســيما عــن مفهــومه للمحبــة كمــا أســلفنا فــي‬
‫أحاديثه التي سجلها الكسي كارامازوف أحد أبطال الرواية‪ ،‬كما‬
‫عّبر عن مفهومه للمحبة في ًمواعظه للناس‪ .‬فلقد زارته ســيدةٍ‬
‫إقطاعيــة‪ ،‬وبكــت بكــاء هــادئا وهــي امــرأة مــن الطبقــة العليــا‬
‫وحساسة جدًا‪ ،‬وصادقة‪.‬‬
‫وقد زارته لّنه شفى ابنتها ليزا‪ ،‬فلــدى الب زوســيما قــدرة‬
‫ن الســبب‬ ‫على شــفاء المــرض‪ ،‬ومعرفــة أغــوار النفــس‪ .‬كمــا أ ّ‬
‫الثاني لزيارتها هو عدم إيمانها‪ ،‬أو على القــل أّنهــا تشــكك فــي‬
‫ن فكرة الحياة الخرة تؤلمها إلــى حــد العــذاب‬ ‫الحياة البدية‪ ،‬وأ ّ‬
‫واليأس والرعب‪.‬‬
‫ويجيبها الب زوســيما‪ :‬أن النســان يســتطيع الوصــول إلــى‬
‫ب‬‫اليقين بوجــود الحيــاة الثانيــة‪ ،‬وذلـك عـن طريــق معانـاة الحـ ّ‬
‫الحقيقي‪ ،‬وينصــحها بمحبــة الخريــن حبـا ً فعــال ً بل كلــل‪ ،‬فكلمــا‬
‫ازدادت حبا ً ازدادت اقتناعا ً بوجود الّلـه‪ ،‬وازدادت اقتناعـا ً بخلــود‬
‫ب‬ ‫الروح‪ .‬ويتابع ًقوله‪" ً:‬متى وصلت إلى ًنســيان نفســك فــي حـ ّ‬
‫ل‪ ،‬فل يســاور نفســك بعــد‬ ‫الخرين نسيانا تاما‪ ،‬أصبح يقينك كــام‬
‫ذلك أيّ شك‪ ،‬تلك حقيقة مجربة مؤكدة" )‪. (7‬‬
‫ب‪ ،‬وأنها مستعدة للعمل‬ ‫وتؤمن السيدة القطاعية بقوة الح ّ‬
‫مد جــروح الخريــن‪ ،‬وتغســلها بيــديها‪ ،‬وأن تقب ّــل‬ ‫ة‪ ،‬تض ـ ّ‬
‫ممرض ـ ً‬
‫الجروح‪ ،‬ول تريد أجرا ً إل مديح وثناء المرضى‪ ،‬ومــالم تنــل هــذا‬
‫ب أيّ إنسان‪.‬‬ ‫الجزاء ل تستطيع أن تح ّ‬
‫ن الله غفور رحيم وحب ّــه للبشــر يفــوق‬ ‫ّ‬ ‫ويرى الب زوسيما أ ّ‬
‫ن الل ّــه‬
‫الذنوب كّلها‪ ،‬ولذلك يجب طرد الخــوف مــن القلــوب‪ ،‬ل ّ‬
‫يحبنــا حــتى فــي خطايانــا‪ ،‬ورغــم الخطيئة‪ .‬ولكــن يجــب النــدم‬
‫ل شيء‪ ،‬فــإذا كــان النــاس‬ ‫ب قادر على أن ينقذ ك ّ‬ ‫والتوبة‪ ،‬والح ّ‬
‫يشارك بعضهم بعضهم الخر اللم‪ ،‬فما بالك بالرب‪ .‬وعب ّــر الب‬
‫زوسيما عن آرائه النفة الذكر فــي حــديثه مــع إحــدى الســيدات‬
‫التي وقعت في الخطيئة‪ ،‬ويقلقها الخوف من غضب الّله‪.‬‬
‫وفي بداية الجــزء الثــاني مــن روايــة "الخــوة كارامــازوف"‬
‫يصف دوستيفسكي لقاء الب زوسيما بالرهبــان وتعــاليمه لهــم‪.‬‬
‫ب بعضــهم بعضــهم‬ ‫فيطلــب الب زوســيما مــن الرهبــان أن يحـ ّ‬
‫الخر‪ ،‬وأن يحّبوا جميع أبنــاء الــرب‪ ،‬وأن يبتعــدوا عــن الكبريــاء‪،‬‬
‫وأن يعتبروا أنفسهم أقل من الخرين‪.‬‬
‫ويجــب عليهــم أن يتحملــوا المســؤولية عــن جميــع البشــر‪،‬‬
‫ب الشــامل ويتــابع قــوله‪" :‬ل تكرهــوا‬ ‫آنذاك تنفتــح قلــوبهم للح ـ ّ‬
‫أولئك الـذين ينبـذونكم ويهينــونكم ويهـاجمونكم ويغتــابونكم‪ ،‬ول‬
‫تكرهوا الملحدين ودعاة الشر والماديين‪ ،‬ل تكرهــوا حــتى أســوأ‬
‫هؤلء وأخبثهم" )‪. (8‬‬

‫‪- 178 -‬‬


‫يي ييي يي‬ ‫يي‬ ‫يي ييييي‬ ‫ييي‬
‫يييي‬ ‫ييييي‬
‫ن إحدى وصايا الب زوسيما لتلميذه وللرهبان هي‬ ‫وهكذا فإ ّ‬
‫أل يكرهوا المــاديين والملحــدين ويمثــل إيفـان كارامــازوف فــي‬
‫هذه الرواية الفكر المادي الملحد‪.‬‬
‫إيفان كارامازوف هو ابن فيــدور كارامــازوف‪ ،‬ويبلــغ عمــره‬
‫أثناء وقوع أحداث الرواية أربعـا ً وعشــرين ســنة وهــو أكــبر مــن‬
‫أخيــه ألكســي بــأربع ســنوات وأصــغر مــن أخيــه ديمــتري بــأربع‬
‫سنوات ولقد أنهى إيفان كارامازوف دراســته الثانويــة وانتســب‬
‫إلى الجامعة‪ :‬وحصل على شهادةٍ جامعيةٍ فــي العلــوم الطبيعيـة‬
‫إل أّنه كان ينشر بعض الدراســات فــي العلــوم النســانية‪ .‬فلقــد‬
‫نشر بعض المقالت فــي إحــدى الجــرائد اليوميــة‪ ،‬عــن حــوادث‬
‫ة بتوقيع "شــاهد عيــان"‪ ،‬وقــد دلــت علــى فكــره‬ ‫الشوارع‪ ،‬مذيل ً‬
‫المتوقد والفكاهة اللذعة‪.‬‬
‫ونشر في يوم من اليام مقال ً هاما ً حول القضاء الكليركي‪.‬‬
‫ن أحـــداث روايـــة )الخـــوة‬ ‫ولبـــأس مــن الشــارة إلـــى أ ّ‬
‫كرامازوف( بدأت فــي الســاعة الحاديــة عشــرة والنصــف فــي‬
‫أواخر شهر آب‪ ،‬وفي يوم حار‪.‬‬
‫وبهذا يشبه زمــن روايــة "الخــوة كارامــازوف" زمــن روايــة‬
‫ن حارٍ وفي‬ ‫في زم ٍ‬ ‫"الجريمة والعقاب" فتجري أحداث الروايتين‬
‫والعقـاب" فــي‬ ‫فصل الصــيف‪ .‬تجــري أحـداث روايـة "الجريمــة‬
‫ق‪ ،‬وهذا واضح من الجملة الولى لهــذه‬ ‫خان ٍ‬ ‫فالجملة حرٍ‬
‫شهر تموز‪ ،‬وفي‬
‫في الرواية المذكورة "في اليام الولى‬ ‫الولى‬ ‫الرواية‪،‬‬
‫من شهر تموز‪ ،‬أثناء حرٍ شديد ٍ للغاية" )‪(9‬‬
‫وإيفان ملحد‪ ،‬ويجيب بصراحةٍ عن ســؤال والــده‪ :‬هــل الل ّــه‬
‫موجود أم ل؟‬
‫"‪-‬ل‪ ...‬ل يوجد إله‪.‬‬
‫ً‬
‫ويتابع والده يطرح عليه سؤال آخر‪:‬‬
‫‪"-‬سؤال آخر يا إيفان‪ :‬هل هناك خلود؟ هل هنـاك أيّ خلـود‪،‬‬
‫ولو صغير صغير جدًا؟‬
‫‪-‬ل يوجد خلود كذلك‪.‬‬
‫‪-‬أيا كان؟‬
‫‪-‬أيا كان؟‬
‫ً‬
‫‪-‬أهو العــدم المطلــق إذا؟ أم يوجــد شــيء مــا؟ ربمــا يوجــد‬
‫شيء ما مع ذلك؟‬
‫‪-‬ل يوجد إل العدم الكامل‪(10) ".‬‬
‫ن الّله‪ ،‬قد اخترع من قبل النسان‪ ،‬ولــول هــذا‬ ‫ويرى إيفان أ ّ‬
‫الختراع لما وجدت المدينة‪.‬‬
‫***‬
‫وفي اليوم التالي يلتقــي إيفــان أخــاه أليوشــا فــي المطعــم‬
‫ويتــابع معــه الحــديث الــذي شــاركهما فيــه والــدهما فــي اليــوم‬
‫السابق‪ .‬ويقول إيفان للكسي إّنه ل يؤمن بحكمة نظام الكــون‪،‬‬
‫ب وريقات الشجار الطريات النديات حيــن تطلــع فــي‬ ‫ولكنه يح ّ‬
‫ب الحياة ينبع من‬ ‫نح ّ‬ ‫ب البطولت النسانية‪ ،‬ويرى أ ّ‬ ‫الربيع‪ ،‬ويح ّ‬
‫ب الحيــاة‪،‬‬ ‫ن على النسان تعلم ح ّ‬ ‫قرارة الرحام‪ .‬ويتابع فيقول إ ّ‬
‫‪- 179 -‬‬
‫ب مغزاها‪ ،‬وبهذا يصل النسان إلى معنى الحياة‪.‬‬ ‫أكثر من ح ّ‬
‫وكما أسلفنا يمثل إيفان كارامازوف الجيــل المــادي الملحــد‬
‫الشتراكي الروسي ويبحث هــذا الجيــل فــي فكــرة وجــود الل ّــه‬
‫س‬‫وخلودة‪.‬الروح وفي إعادة بناء النســانية بنــاًء كــامل ً علــى أسـ ٍ‬
‫جديد ٍ‬
‫ة‪.‬‬‫ٍ‬ ‫حيوي‬ ‫ٍ‬ ‫ة‬ ‫أهمي‬ ‫ذات‬ ‫الروس‬ ‫بنظر‬ ‫المسائل‬ ‫هذه‬ ‫ن‬
‫ل ّ‬
‫ّ‬
‫ن النسان هو الذي اخترع الله‪ ،‬ويعفــي نفســه‬ ‫ويرى إيفان أ ّ‬
‫مــن التفكيــر بهــذه المســألة‪ ،‬مســألة هــل الل ّــه هــو الــذي صــنع‬
‫ن النسان هو الذي اخترع فكرة وجود الّله‪.‬‬ ‫النسان أم أ ّ‬
‫ويخاطب إيفان كارمازوف أخاه ألكسي كارامازوف "لســت‬
‫أرفض الّله‪ ...‬افهمني جيدًا‪ ..‬وإنما أن أرفض العالم الــذي خلقــه‬
‫ول أستطيع الموافقــة علــى قبــوله")‪ (11‬ويــؤمن إيفــان إيمانـا ً‬
‫ن التناقضـات‬ ‫ن آلم العالم ستخف شـيئا ً بعـد شـيء‪ .‬وأ ّ‬ ‫جازما ً بأ ّ‬
‫ة عليــا ســتنبثق‬ ‫ن حقيقـ ً‬ ‫ّ‬ ‫وأ‬ ‫ل‪،‬‬‫ٍ‬ ‫ـ‬ ‫باط‬ ‫ب‬
‫ٍ‬ ‫ـرا‬‫ـ‬ ‫س‬ ‫تبدد‬ ‫ستتبدد‬ ‫النسانية‬
‫أخيرا ً في خاتمة الحياة الدنيا‪ ،‬حين يتأكد النسجام البــدي‪ ،‬فــإذا‬
‫كن‬ ‫هي تبلغ من السمو والنقاء أّنها تهديء جميــع القلــوب‪ ،‬وتس ـ ّ‬
‫فر عن جميع جــرائم النســانية‪ ،‬وتفــدي‬ ‫جميع أنواع الغضب‪ ،‬وتك ّ‬
‫الدم كله الذي سفح على الرض‪.‬‬
‫ولكنه يتابع فيقول "حتى فــي هــذه الحالـة فــإّنني لــن أقبــل‬
‫ن إيفــان كارامــازوف ل‬ ‫المر ولن أريد أن أقبله" )‪ (12‬وذلك ل ّ‬
‫يريد أن تلتقي الخطوط المتوازية‪ .‬ويتابع إيفان فيقــول إن ّــه أراد‬
‫ن النسان يكون أقــرب‬ ‫ي جدًا‪ ،‬ل ّ‬ ‫أن يجري الحديث على نحو غب ّ‬
‫إلى الصدق عندما يكون غبيًا‪ ،‬فالغباء يمشي إلى الهــدف رأس ـًا‪.‬‬
‫ن الفكر الــذكي‬ ‫الغباء بساطة وإيجاز أما الذكاء فمكر ومخاتلة‪ .‬إ ّ‬
‫فاجر فاسد أما الغباء فمستقيم شريف‪.‬‬
‫ب‬ ‫ن النســان ل ً يســتطيع أن يح ـ ّ‬ ‫ويرى إيفــان كارامــازوف أ ّ‬
‫ب‬ ‫إنسانا ً معينًا‪ ،‬إل إذا بقي هذا النسان مختفيـا عــن نظــر المحـ ّ‬
‫فمتى لمـح وجهـه اختفـى الحـب‪ ،‬ولقـد رّدد الفكـرة ذاتهـا الب‬
‫زوسيما‪.‬‬
‫ً‬
‫ن وجه النسان يخلق حاجزا‪ ،‬فــي كــثير مــن الحيــان دون‬ ‫ل ّ‬
‫ن في النسانية كثيرا ً من المحبة‪.‬‬ ‫الحب‪ .‬ومع ذلك فإ ّ‬
‫ب الطفال‪ ،‬فهم لم يأكلوا تفاحة الخيــر‬ ‫ويمكن للمرء أن يح ّ‬
‫والشر‪ ،‬وبراءتهم سليمة لم يمسها سوء‪ ،‬ومن الظلم أن يعــذب‬
‫ب إيفـان كارامـازوف‬ ‫ب اقـترفه غيرهـم‪ .‬ويحـ ّ‬ ‫الطفـال عـن ذنـ ٍ‬
‫ن طبيعــة الطفــال‬ ‫الطفــال‪ً ،‬ل ّ‬ ‫الطفال‪ ،‬وحتى القســاة يحب ّــون‬
‫تختلف عــن طبيعــة الكبــار اختلفـا ً عظيمـا‪ .‬ولــذلك ينــدد إيفــان‬
‫بتعـذيب الطفـال‪ ،‬فيـروي إيفـان قصصـا ً عـن تعـذيب الطفـال‬
‫تفوق الخيــال‪ ،‬مثل ً أن بعــض الــدول‪ ،‬عنــدما تحتــل أرض الغيــر‪،‬‬
‫الشــعوب المســتعمرة‪ ،‬مثل ً أنهــم تــارةً‬ ‫تعمد إلى تعذيب أطفال‬
‫ينــتزعون بالخنــاجر صــغارا ً مــن أرحــام أمهــاتهم‪ ،‬وتــارة ً أخــرى‬
‫يرمون رضعا ً إلى فوق ويتلقفــونهم بــالحراب‪ ،‬علــى مــرأى مــن‬
‫أمهاتهم‪ ،‬اللواتي يعــد حضــورهن أهــم عنصـرٍ مــن عناصــر هــذه‬
‫المتعة‪.‬‬
‫ولقد حفظت ذاكرة إيفان مشهدًا‪ :‬أم ترتجــف جزعـا ً وهلعـا ً‬
‫وفي يديها ابنها‪ ،‬والخرون يلعبونه‪ ،‬ثم يتناول أحــدهم مسدسـًا‪،‬‬
‫شم جمجمة‬ ‫ة‪ ،‬فيضغط الغريب على الزناد ويه ّ‬ ‫ويظنه الطفل لعب ً‬
‫الصبي‪ .‬فالنسان الذي خلق الشيطان‪ ،‬قد خلقـه علـى صــورته‪،‬‬
‫ن النســان‬ ‫كما خلق الّله أيضا ً على صــورته‪ ،‬يســتخلص إيفــان أ ّ‬
‫يجمع التناقضات ويتصف بالرحمة والقسوة‪.‬‬
‫فإذا كان الطفال أبرياء‪ ،‬لذلك يجب العطف عليهم فكــذلك‬
‫‪- 180 -‬‬
‫المخلوقات الخرى تستحق العطف‪.‬‬
‫ويــذكر إيفــان قصــيدة للشــاعر الروســي الشــهير نيكــولي‬
‫نكراسوف‬
‫)‪ (1821-1878‬نشرها في عام ‪ 1859‬بعنوان "قبيل الغســق"‬
‫ن فلح ـا ً ضــرب حصــانه ضــربا ً مبرح ـًا‪ .‬هنــاك أشــخاص‬ ‫كيــف أ ّ‬
‫يسكرون من الضربات التي يكيلونها‪ ،‬ويبلغون مــن النشــوة بهــا‬
‫حد اللذة الجسدية ويتمتعون بالضرب تمتعا ً وحشيا ً متزايدًا‪.‬‬
‫ويثــور إيفــان كارامــازوف ضــد الظلــم‪ ،‬ويختــار أمثلتــه مــن‬
‫قصص ظلم النسان للطفال لكي يكون برهانه أكثر إقناعًا‪.‬‬
‫ن الرض تتبلــل مــن قشــرتها إلــى وســطها‬ ‫ولكنــه يــرى أ ّ‬
‫ن الخيــر‬ ‫بالدموع النسانية‪ .‬فلقد أعطى الّله للنسان الجنة إل ّ أ ّ‬
‫آثر أن ينال حريته‪ ،‬وسرق النار من السماء‪ ،‬وهو يعلم أّنه يجلب‬
‫لنفسه الشرور‪.‬‬
‫ويــرى إيفــان ضــرورة معاقبــة الظــالمين‪ ،‬ويجــب أن يحــل‬
‫العقاب بالظـالمين ليـس فــي الحيـاة البديـة وإّنمـا فـي الحيـاة‬
‫الدنيا‪.‬‬
‫ويذكر إيفان بعــض الحــوادث عــن أبــوين عــذبا طفلتهمــا أو‬
‫طفلهما‪ ،‬وبعد ذلك يســرد قصــة قرأهــا فــي مجلــة "الرشــيف"‬
‫وقعت هذه القصة فـي بدايـة القـرن الثـامن عشـر‪ ،‬فـي أحلـك‬
‫عهود القنانة‪ ،‬التي خلص روسيا منها القيصر ألكســندر الثــاني )‬
‫‪ (1881-1818‬الملقب بمحرر الشعب لن ّــه ألغــى القنانــة فــي‬
‫‪ 19‬شباط ‪ ،1861‬وتتحدث القصة عن جنرال له علقات رفيعــة‬
‫ويملــك أطيان ـا ً واســعة‪ .‬ويملــك قريــة يعيــش فيهــا ألفيــن مــن‬
‫القنان‪ ،‬ويملك بضع مئات من كلب الصيد ‪ ،‬لها مــا يقــرب مــن‬
‫مئة خادم يجرون وراءها على خيولهم‪.‬‬
‫في يوم من اليام كان قن صغير‪ ،‬هو صبي في الثامنة مــن‬
‫عمره يتســلى برمــي الحجــارة فــإذا هــو يصــيب بإحــداها ســهوا ً‬
‫ة‪ ،‬الكلب الثير لــدى الجنــرال‪ ،‬يســأل الجنــرال مســتطلعًا‪:‬‬ ‫وغفل ً‬
‫لماذا يعرج هذا الكلب؟ فقيل له إن ّــه جــرح بحصــى رماهــا ذلــك‬
‫مــه‪ ،‬وألقــى‬ ‫الصبي فأمر الجنرال بحبس الصبي‪ ،‬وانتزاعه مــن أ ّ‬
‫بالصبي في زنزانةٍ مظلمةٍ طوال الليل‪ .‬وفي اليوم التالي أخرج‬
‫الصبي من زنزانتــه‪ ،‬وأمــر الكلب بتمزيــق جســد الطفــل علــى‬
‫مرأى من والدته‪.‬‬
‫ف لمثل هذا الجنرال ول‬ ‫ٍ‬ ‫كا‬ ‫غير‬ ‫جنهم‬ ‫عذاب‬ ‫ن‬
‫ويرى إيفان أ ّ‬
‫يجوز أن تسامح والدة الطفل الجنرال في يوم من اليام‪.‬‬
‫ل‪" :‬لـو كنـت مهنـدس‬ ‫ويطرح إيفان على أخيه ألكسي سـؤا ً‬
‫المصائر النســانية وأحببــت أن تبنــي عالمـا ً تجــد فيــه النســانية‬
‫السعادة والهـدوء والمـن أخيـرًا‪ ،‬أفتشـرع فـي هـذا العمـل إذا‬
‫علمت أّنه لن يتحقق إل إذا كان العذاب ثمنــه‪ ،‬ولــو لــم يكــن إل‬
‫عذاب واحــد صــغير‪ ...‬لــو كــان ذلــك ضــرورةً ل منــاص منهــا‪ ،‬ل‬
‫يمكن أن يتحقق الهدف بـدونها‪ ،‬أفتظـل توافـق علـى أن تكـون‬
‫مهندس الكون في تلك الشروط؟")‪.(13‬‬
‫ويؤلف إيفان قصيدة "المفتش الكبر" ويسردها علــى أخيــه‬
‫ن قصائد كثيرةً كتبت مثل قصيدته‪ ،‬حيــث‬ ‫ألكسي ويقول إيفان إ ّ‬
‫يظهــر فيهــا يســوع أو العــذراء‪ ،‬كتبــت مثــل هــذه القصــائد فــي‬
‫روسيا‪ ،‬وفرنسا ولقد وصف الروائي الفرنسي فيكتور هيجو في‬
‫روايته "أحدب نوتردام" إحدى هذه التمثيليات‪.‬‬
‫تجري أحداث قصــيدة "المفتــش الكــبر" فــي إســبانيا‪ ،‬فــي‬
‫مدينة إشبيليا في أحلك عصــور التفــتيش فــي القــرن الســادس‬
‫عشر‪ ،‬عندما كان المفتش الكــبر يــأمر بحــرق مئات الخــارجين‬
‫‪- 181 -‬‬
‫عــن طاعــة الكنيســة‪ .‬وفجــأة يظهــر الس ـّيد المســيح ويشــفي‬
‫ن المفتــش الكــبر يــأمر بســجنه‪،‬‬ ‫المرضى‪ ،‬ويبعث الموتى‪ .‬إل أ ّ‬
‫ويسجنه‪ ،‬ويأتي يزوره في زنزانته في ظلمة الليل ويســأله عــن‬
‫التجارب الثلث التي جرب بها الشيطان السّيد المســيح وطلــب‬
‫الشيطان في التجربة الولى من السّيد المسـيح تحويــل الحجـر‬
‫ز‪ ،‬فرفض السّيد المسيح وأجابه ليس بالخبز وحــده يحيــا‬ ‫إلى خب ٍ‬
‫النسان‪.‬‬
‫المعجزة الثانية "إذا أردت أن تتأكــد أن ّــك ابــن الــرب‪ ،‬فــألق‬
‫بنفسك في الفضاء‪ ،‬لّنه كتب بــأن الملئكــة ســتتلقفه وتســنده‪،‬‬
‫فل يقع ول يتحطم‪ ،‬وعندئذ تعلم أّنك ابن الّله‪ ،‬وتبرهن على قوة‬
‫إيمانك بأبيك"‪.‬‬
‫أمــا المعجــزة الثالثــة‪ ،‬أو التجربــة الثالثــة الــتي عرضــها‬
‫الشيطان على السّيد المسيح‪ ،‬والتي رفض بهــا الســيد المســيح‬
‫ممالك الرض كّلها‪.‬‬

‫ييي يي يييي يي يييييي ي ي ي يييي ي‬


‫ي‪:‬‬ ‫يييييي‬
‫يقـــرر إيفـــان كارامـــازوف الســـفر إلـــى قريـــة والـــده‬
‫"تشرماشينا" ولكنه عندما وصل إلــى المحطــة قــرر أن يســافر‬
‫بالقطار إلى موسكو‪ ،‬وبذلك لم يسافر إلى تشرماشينا‪.‬‬
‫تشرماشينا هي قرية والد دوستيفســكي‪ ،‬الــذي كــان يعمــل‬
‫طبيبا ً في موسكو في مشفى للفقراء‪ ،‬حيث ولــد دوستيفســكي‬
‫نفسه في عام ‪ .1821‬واستطاع والــده بعــد خدمـةٍ طويلــة فــي‬
‫المشفى أن يجني ثمن قرية تشرماشينا واشــتراها‪ ،‬ولكنــه كــان‬
‫ذا طبع صعب‪ ،‬فقتله فلحوه في عام ‪ 1839‬أيّ عندما بلغ عمــر‬
‫دوستيفسكي ثمانية عشر عاما ً وبعد وفــاة والــدة دوستيفســكي‬
‫بعامين إذ توفيت والدته في عام‪.1837‬‬
‫ولــم تعــرض قضــية والــده علــى القضــاء لتجنــب النفقــات‬
‫الماديــة‪ ،‬ولمحاولــة نســيان القضــية المؤلمــة‪ ،‬وقــد ســبب هــذا‬
‫الحادث لدوستيفسكي آلما ً نفسية شــديدة ً و "هنــاك رأي يؤكــد‬
‫أن نبأ مقتــل أبيــه قــد أحــدث عنــده أولــى نوبــات الصــرع الــتي‬
‫رافقت الديب حتى وفاته" )‪. (15‬‬
‫قد يكون هذا الرأي صــحيحًا‪ ،‬ولكــن الســنوات العشــر الــتي‬
‫قضاها دوستيفسكي في العمال الشاقة فـي سـيبيريا كـان لهـا‬
‫أثرها أيضا ً في إصابته بمرض الصرع‪.‬‬
‫فكما هو معروف‪ ،‬لقد انضم دوستيفسكي فــي عــام ‪1847‬‬
‫ة إلـى‬ ‫إلى منظمةٍ اشتراكيةٍ تدعى منظمة بتراشيفسـكي‪ ،‬نسـب ً‬
‫رئيس المنظمة‪ .‬وكان الكاتب قد بــدأ يشــق طريقــه فــي عــالم‬
‫الدب‪ ،‬فلقد صدرت روايته الولى "الفقراء في عام ‪ 1846‬وقد‬
‫لقت استحسان كبير النقاد الــروس آنــذاك بيلينســكي )‪-1811‬‬
‫‪ ،(1848‬الذي عندما قرأ مخطوط الروايــة قــال لدوستيفســكي‬
‫مـا‬
‫كثيرين‪ ،‬إل أّنهـا ستنسـى معظمهـم‪ ،‬أ ّ‬ ‫بأّنه سترى روسيا كتابا ً‬
‫أنت فلن تنساك روسيا أبدًا‪.‬‬
‫وبســبب انتمــائه إلــى منظمــة بتراشيفســكي الشــتراكية‪،‬‬
‫اعتقل الكاتب في عام ‪ 1849‬وحكم عليه وعلى رفاقه بالعدام‬
‫رمي ـا ً بالرصــاص‪ ،‬وفــي اللحظــات الخيــرة مــن مراســم تنفيــذ‬
‫العــدام يســتبدل القيصــر نيكــولي الول الحكــم بــالنفي مــع‬
‫ن للعمــال الشــاقة فــي‬ ‫العمال الشاقة إلــى ســيبيريا‪ .‬ويبــدو أ ّ‬
‫سيبيريا تأثيرا ً كبيرا ً على تطــور الحالــة المرضــية لــدى الكــاتب‪.‬‬
‫فكان مريضـا ً بمــرض الصــرع‪ .‬وهــو المــرض نفســه الــذي كــان‬
‫‪- 182 -‬‬
‫مصــابا ً بــه ســمير ديــاكوف‪ ،‬أحــد أبنــاء كارامــازوف وهــو البــن‬
‫اللشرعي‪ ،‬الذي قام فيما بعد بقتل والده‪ ،‬ليمــانه بأفكــار أخيــه‬
‫ل شيء مادام الّله غير موجــود‪.‬‬ ‫إيفان كارامازوف حول إباحية ك ّ‬
‫وبالتالي مباح قتل البن لبيه‪.‬‬
‫فأقدم على هذه الجريمــة‪ ،‬وســرق ثلثــة آلف روبــل‪ ،‬كــان‬
‫والده فيدور كارامازوف قد خبأها خلـف صــورة العـذراء‪ ،‬لفتـاة‬
‫اسمها غروشنكا‪ ،‬سيقدم لها هذه النقود في حال زيارتها له‪.‬‬
‫مممم مممممم مممممم ممممم‪:‬‬
‫وموضوع قتل البن لبيه‪ ،‬موضوع قديم في الدب العالمي‪،‬‬
‫لعل الشــاعر اليونــاني ســوفوكليس )‪406-496‬ق‪.‬م( أول مــن‬
‫طرح هذا الموضوع في مأساته الشهيرة "أوديب الملك"‪.‬‬
‫تتحدث المأساة عن الملــك ليــوس‪ ،‬ملــك طيبــة‪ ،‬الــذي لــم‬
‫يرزق أطفال ً خلل فترة طويلة من الزمن‪ .‬فذهب إلى الكــاهن‪،‬‬
‫مـه"‪ .‬وعنـدما‬ ‫الكاهن‪" :‬ستنجب طفل ً يقتلـك‪ ،‬ويـتزوج أ ّ‬ ‫فقال له‬
‫ل‪ ،‬أمر الملك ليوس‪ ،‬ملك طيبة راعيا ً من الرعاة‪،‬‬ ‫رزقه الّله طف ً‬
‫د‪ ،‬كـي يمـوت الطفـل هنـاك‪ ،‬أو‬ ‫ل بعيـ ٍ‬‫أن يأخذ الطفـل إلـى جبـ ٍ‬
‫يفترسه وحش‪ .‬ولكن الراعي أشفق على الطفل وأسلمه لــراٍع‬
‫آخر مـن مملكـة كــورنته‪ ،‬وكمــا يقـول الراعـي مخاطبـا ً أوديــب‬
‫الملك‪" :‬الراعي‪ :‬بل هــي الحقيقــة‪ ...‬وفــي مقــدورك أن تســأل‬
‫ل شــيء فــي حضــورها‬ ‫الملكــة "جوكاســتا"‪ ....‬فقــد كــان كــ ّ‬
‫ي بالطفل لهلكه‪ ،‬ولكن قلبي لــم يجــرؤ‬ ‫وبعلمها‪ ...‬لقد دفعوا إل ّ‬
‫على إهلكه‪ ..‬وسلمته إلى هذا الرجل‪. (16) "...‬‬
‫وقام الراعي الخر وسلمه بدوره إلى الملك يوليبوس ملــك‬
‫مملكة كورنته‪ ،‬المحروم من البنين‪ ،‬فرباه وهيأه لولية عهده‪.‬‬
‫وعندما كبر أوديب أنبأته العرافة بأنه سيقتل والــده ويــتزوج‬
‫مه‪ ،‬ولكي يهرب من قدره‪ ،‬هرب مــن ّمملكــة كــورنته متوجه ـا ً‬ ‫أ ّ‬
‫إلى مملكة طيبة‪ ،‬وهو ليعلــم أن ّــه متــوجه إلــى والــده‪ ،‬ووالــدته‬
‫الحقيقيين‪ ،‬وأّنه متوجه إلى وطنه الحقيقي‪.‬‬
‫ل‪ ،‬معــه خمســة مــن أتبـاعه‪ ،‬ومعــه‬ ‫ويلتقي في الطريـق رج ً‬
‫ن عدد مرافقيه ستة إضافة إليــه‪ ،‬وكــان‬ ‫أيضا ً سائق العربة‪ ،‬أيّ أ ّ‬
‫هذا الرجل هو الملك ليوس ملك طبية‪ ،‬دون أن يعلم‪ .‬ويختلــف‬
‫ل‪ ،‬فيقتلــه أوديـب‬ ‫أوديب معه حول من الذي سـيعبر الطريــق أو ً‬
‫ة من أتبــاعه‪ ،‬ويســتطيع واحــد فقــط مــن‬ ‫بالهراوة‪ ،‬ويقتل خمس ً‬
‫أتباع الملك ليوس الهرب‪ ،‬وكان هذا المرافــق الــذي هــرب هــو‬
‫ذلك الراعي الذي حمل أوديب طفل ً إلى الجبل ليتركه هناك‪.‬‬
‫ش‬
‫هـذاـن وح ـ ٍ‬‫ويدخل أوديب مدينة طيبة‪ ،‬فيجد أهلها في فزٍع مـ‬
‫الـوحش‬ ‫ن‬
‫ة‪ .‬أيّ أ ّ‬
‫له جسم أسـد ٍ وجناحـا نسـرٍ ووجـه امـرأ ٍ‬
‫ـوى مــافي المخلوقــات وجــه المــرأة‬ ‫يجمع في ذاتــه أجمــل وأقـ‬
‫وجسم السد وجناحي النسر‪.‬‬
‫يطرح هذا الوجه الغريب على أدويب اللغــز‪ ،‬الــذي يطرحــه‬
‫على الناس كّلهم‪:‬‬
‫ل‪ ..‬إذا عجزت عن جــوابه فــإني افترســك‪ :‬مــاهو‬ ‫"إليك سؤا ً‬
‫الحيوان الذي يعيش في الصباح على أربــع‪ ،‬وفــي الظهــر علــى‬
‫اثنين‪ ،‬وفي المساء على ثلث؟‪. (17) "....‬‬
‫ن النسان هو الذي فــي الصــغر يحبــو‬ ‫ويحل أوديب اللغز‪ ،‬بأ ّ‬
‫على يديه وقدميه‪ ،‬وفي الكبر يستوي ماشيا ً على قدميه‪ ،‬ويتوكأ‬
‫على العصا شيخًا‪.‬‬
‫ن معظم الناس ل يرون أنفسهم ولذلك‬ ‫الجواب واضح‪ ،‬إل أ ّ‬
‫‪- 183 -‬‬
‫عجزوا عن حل اللغز‪ ،‬ووقعوا ضحية الوحش‪ ،‬أما أوديب الباحث‬
‫عن ذاته فحــل اللغــز وأخــرس الــوحش‪ ،‬وقتلــه وألقــى بــه فــي‬
‫البحــر‪ .‬ودخــل مدينــة طيبــة‪ ،‬الــتي اســتقبلته‪ ،‬وأجلســته علــى‬
‫عرشها‪ ،‬ومنحته يد ملكتها‪ .‬دون أن يدري أحد أّنه يتزوج والــدته‪.‬‬
‫ل‪ ،‬أنجــب منهــا طفليــن وطفلــتين‪ ،‬كــانت‬ ‫وينجب منها نسـل ً جمي ً‬
‫انتيغونا إحداهن‪ .‬وعاش أوديب مع زوجته جوكاســتا أمــه ســابقا ً‬
‫ة‪ ،‬حتى كانت تظن إّنها فعلت‬ ‫قرابة سبعة عشر عاما ً حياة ً سعيد ً‬
‫خيرا ً بأّنها ألقت بابنها الول على الجبل لّنه لو كان مازال علــى‬
‫ن ابنهــا‬
‫لنغص عليها حياتها مع أوديب‪ ،‬دون أن تدري أ ّ‬ ‫قيد الحياة‬
‫عاد إليها زوجًا‪.‬‬
‫تغضب اللهة على المدينة‪ ،‬وتصــيبها بوبــاء الطــاعون وأخــذ‬
‫الموت يطيح بالقطعان فــي المراعــي‪ ،‬ويبطــش بالطفــال فــي‬
‫المهود‪ ،‬ويحصد الرواح ويثير الدمار‪.‬‬
‫ن الخلص فــي الرجـوع إلــى اللـه‪ .‬ويـذهب‬ ‫ويرى الكــاهن أ ّ‬
‫الكاهن مع كريون‪ ،‬وهو أخو الملكة جوكاستا إلى معبــد "دلــف"‬
‫ن الوباء لن يــزول مــا لــم‬ ‫لمعرفة سبب الوباء‪ .‬ويعرف الكاهن أ ّ‬
‫يعرف من قتل الملك ليوس‪ .‬ويطلب من الملك أوديب معرفــة‬
‫القاتل‪.‬‬
‫ويكتشف أوديب من أقـوال الراعـي الـذي حملـه طفل ً مـن‬
‫طيبة والراعي الـذي حملـه إلـى كـورنته أّنـه هـو ابـن جوكاسـتا‬
‫ن أولده الربعة هم في الوقت ذاتــه‬ ‫وليوس وأّنه هو القاتل‪ .‬وأ ّ‬
‫مه ذاتها‪.‬‬ ‫ن زوجته هي أ ّ‬ ‫مه وأ ّ‬‫أخوته من أ ّ‬
‫خنقـت جوكاســتا نفســها‪ ،‬وفقـأ أوديــب عينيـه لكــي ل يــرى‬
‫مه ولكي يبكي جوكاستا بدموع مــن‬ ‫الناس وثمرات زواجه من أ ّ‬
‫دم‪.‬‬
‫ة‪ ،‬وأنــا أب لخــوتي" )‬ ‫ٍ‬ ‫ـ‬ ‫دنس‬ ‫م‬ ‫أ‬ ‫سليل‬ ‫أنا‬ ‫"‪....‬‬ ‫أوديب‬ ‫ويقول‬
‫‪ (18‬ويقول أيض ـا ً مخاطبـا ً ابنــتيه ٍبعــد أن فقــأ عينيــه‪" :‬وكــذلك‬
‫أخرجتكما من الحشاء التي خرجت منها‪ ،‬وإنــي لبكــي عليكمــا‪،‬‬
‫ل‬‫در ك ـ ّ‬‫بعد أن حيل بيني وبين رؤيتكما‪ ،‬أبكــي عليكمــا‪ ،‬حيــن أق ـ ّ‬
‫اللم المرة التي يجب أن تلقياها طوال حياتكمــا مــن النــاس‪...‬‬
‫وإذن فــأي النــاس يســتطيع أن يتزوجكمــا؟ لــن يتزوجكمــا أحــد‬
‫يابنتي‪ ،‬إلى أن تفنيا حياتكما في العقم والوحدة" )‪. (19‬‬
‫وهام أوديب على وجهه‪ .‬وبذلك ل ينجــو أوديــب والــداه مــن‬
‫القدر‪ .‬ويقدم أوديب على أكثر من جريمة دون قصدٍ أو عمــد ٍ أو‬
‫دون أن يدري‪ ،‬الولـى قتـل الوالـد والثانيـة الزنـى فـي الوالـدة‬
‫والثالثة التسبب في العار والذل لذريته‪.‬‬
‫ة كــبرى‬ ‫وقد يكون الملك ليوس والملكــة قــد ارتكبــا جريمـ ً‬
‫عندما قررا قتل ولدهما أوديب لكي ينجوا مــن قــدرهما‪ ،‬وبــذلك‬
‫قد يستحقا الموت‪.‬‬
‫أما أوديب فما هي جريمته؟ لماذا كان هذا هــو قــدره؟ أرى‬
‫ن الثم الذي اقترفه أوديب هو محـاولته البحـث عـن الحقيقـة‬ ‫أ ّ‬
‫ولذلك أنزل مـن عرشـه بعـد أن عـرف الحقيقـة وأمضــى بقيـة‬
‫حياته في الشقاء‪.‬‬
‫فهو بذلك‪ ،‬أيّ في هذه النقطة فقــط يشــبه آدم الــذي أكــل‬
‫من تفاحة المعرفة‪ ،‬فحرم من الفردوس وأخذ يأكل خبزه بعرق‬
‫ن‬‫جبينه‪ .‬ولكن آدم لم يستطع أن يفعل إل ذلك وكذلك أوديب ل ّ‬
‫ب المعرفــة موجــود فــي دمهمــا‪ ،‬وســيبحثان عــن الحقيقــة‬ ‫حــ ّ‬
‫والمعرفة حــتى ولــو كلفهمــا ذلــك فقــدان الفــردوس أو الحيــاة‬
‫الهادئة السعيدة وهذا ماحصل لهما‪.‬‬
‫والصراع في المأساة النفــة الــذكر بيــن حكــم القــدر وبيــن‬
‫‪- 184 -‬‬
‫محــاولت النســان التغلــب علــى قــدره‪ ،‬وكمــا نــرى فــي هــذه‬
‫المأســاة‪ ،‬للقــدر ســلطان ســاحق علــى النســان‪ .‬تتحــول بــه‬
‫انتصارات المرء إلى هزائم‪ ،‬وهزائمه إلى انتصارات‪.‬‬
‫ممم ممممم مم ممممم "ممممم‬
‫ممممم"‪.‬‬
‫يـــرى الفيلســـوف الغريقـــي المعـــروف أرســـطو )‪-384‬‬
‫‪322‬ق‪.‬م( في كتابه "في الشعر" وهو من الكتــب الولــى فــي‬
‫ن موضــوع مأســاة "أوديــب الملــك" هــو ســلطان‬
‫النقد الدبي أ ّ‬
‫النسان واعتبر أرسطو الشاعر سوفوكليس عملق ـا ً‬ ‫القدر على‬
‫في مجال الشعر المسرحي )‪. (20‬‬
‫ممم ممممم مم ممممم "ممممم‬
‫ممممم"‬
‫أعتقد أن رأي أرســطو )‪322-384‬ق‪.‬م( ســليم إل ّ أن رأي‬
‫عالم النفس المعروف فرويد‪ ،‬مغاير لهذا الــرأي‪ .‬ففــي الفصــل‬
‫الخامس من كتابه "تفسير الحلم" الذي صدر فــي عــام ‪1900‬‬
‫باللغة اللمانية والذي صدرت الطبعة الولى منه باللغــة العربيــة‬
‫ن مأســاة "أوديــب‬ ‫في ‪ 1958‬يعــارض فرويــد الــرأي الســائد بــأ ّ‬
‫الملك" هي من مأساويات القدر‪.‬‬
‫ً‬
‫يرى عالم النفس المذكور أن مأساةٍ أوديب ملكا تهّز اليــوم‬
‫معاصرينا مثلما هّزت من عاصرها من الغريق‪ .‬فل تفسير لذلك‬
‫ن وقعها ل يقــوم علــى مــا بيــن القــدر وإرادة النســان مــن‬ ‫إل أ ّ‬
‫التضاد‪ ،‬وإّنما ينبغي علينا أن نلتمس سر هذا الواقع فــي طبيعــة‬
‫المادة التي تشخص بها هذا التضاد‪ ..‬فما يحركنا مصيره إل لّنــه‬
‫مصير قد كان يمكن أن يصير إليه‪ ،‬لن النبوءة قد صــبت علينــا‪،‬‬
‫ولما نولد‪ ،‬تلك الدعوة التي صبت عليه‪ ،‬فلقد قدر علينا أجمعين‬
‫أن نتجه بأول نزوعنــا الجنســي جهــة الم بــأول البغضــاء ورغبــة‬
‫ن المر كذلك")‪. (21‬‬ ‫الدمار جهة الب‪ .‬وأحلمنا تقنعنا بأ ّ‬
‫وذكر فرويد عبـارة مـن نـص مأسـاة سـوفوكليس إذ تقـول‬
‫الملكة جوكاستا لبنها الملك أوديب محاولة التخفيف من ألمــه‪:‬‬
‫ما أنت فل‬ ‫"والخير في أن يستسلم النسان للحظ ما استطاع‪ ،‬أ ّ‬
‫مك‪ ،‬فكثير مــن النــاس مــن ضــاجعوا‬ ‫تخف من فكرة القتران بأ ّ‬
‫أمّهاتهم في أحلمهم‪ ،‬ولكن يسهل عبء العيــش لمــن لــم يلــق‬
‫إلى ذلك با ً‬
‫ل")‪. (22‬‬
‫ولقد عّبر فرويد عن آرائه المذكورة فــي رســائله إلــى أحــد‬
‫أصدقائه في عام ‪ ،1897‬أيّ قبل صدور كتابه "تفســير الحلم"‬
‫بثلث سنوات" كما يشير جان ستاروبنســكي فــي كتــابه "النقــد‬
‫والدب")‪ (23‬إذ يرى فرويــد أن هــذا الشــعور تجــاه الم يظهــر‬
‫لدى الطفل عندما يبلــغ الثانيــة أو الثانيــة والنصــف مــن عمــره‪.‬‬
‫ن السطورة الغريقية المذكورة عالجت غريزة‪ ،‬يعــترف‬ ‫ويرى أ ّ‬
‫ل مــن‬ ‫سوا بها في قرارة أنفســهم وك ـ ّ‬ ‫بها الناس كّلهم‪ ،‬لّنهم اح ّ‬
‫رأى المأساة كان قــد شــب فــي يــوم مــن اليــام علــى عاطفــة‬
‫أوديب‪ ،‬أو أّنها اختلجت في خاطره وخياله‪ ،‬ولذلك يعتريه الجزع‬
‫حين يرى هواجسه الخفية‪ ،‬تنتقل إلى حيز الواقع‪ ،‬ويتم تنفيذها‪.‬‬
‫ولكن النقد الدبــي يرفـض فكــرة فرويــد‪ ،‬وهــذا المســرحي‬
‫ن مأساة أوديب في بحثــه عــن‬ ‫توفيق الحكيم يرد عليه‪ ،‬ويفهم أ ّ‬
‫الحقيقة‪ ،‬وفي خروجه عن النظام العام‪ ،‬فهو ترك مدينة كورنته‬
‫باحثا ً عن الحقيقة)‪. (24‬‬

‫‪- 185 -‬‬


‫فهــم فرويـد بعـض المسـائل الدبيـة مـن وجهـة نظـر علـم‬
‫النفس‪ ،‬مركزا ً اهتمامه على نقطتين‪:‬‬
‫‪-1‬تأثير الدوافع الجنسية في تصرفات النسان‪.‬‬
‫‪-2‬تأثير الجانب اللشعوري على حياة الفرد‪.‬‬
‫وبكلمة أخرى حاول فرويد تصوير النسان‪ ،‬كمــا هــو‪ ،‬أي بل‬
‫مكيـاج‪ ،‬فتنـاول بعـض العمـال الدبيـة مثـل "هملـت" )‪(1601‬‬
‫لشكسبير )‪ (1616-1564‬وكذلك الخوة كارامازوف "للـروائي‬
‫الروسي دوستيفسكي )‪. (1881-1821‬‬

‫ييي يي يييي يي يييييي ي ي ي ييي يي‬


‫يييي‪:‬‬ ‫ي‬
‫م خــانت‬ ‫ن جانبا ً من جوانب مأســاة أوديــب أن ّــه ولــد مــن أ ّ‬ ‫إ ّ‬
‫ما أحد‬‫زوجها المقتول مع أقرب الناس إليه دون أن تعلم ذلك‪ .‬أ ّ‬
‫م خـانت زوجهـا مـع أقــرب‬ ‫جوانب مأساة هاملت أّنه ولـد مـن أ ّ‬
‫ن والدة هاملت كــانت تعــرف‬ ‫الناس إليه مع أخيه ولكن الفرق أ ّ‬
‫أّنها خائنة‪ ،‬فلقد خانت زوجها وهو على قيــد الحيــاة‪ ،‬وبعــد قتلــه‬
‫سه في أذنه‪ ،‬وتولى العرش‬ ‫تزوجت من أخيه‪ ،‬الذي قتله بسم د ّ‬
‫ن الملك مات بسبب لسعة ثعبــان‪،‬‬ ‫بعده‪ ،‬وتزوج الملكة‪ .‬وزعم أ ّ‬
‫وهو نائم‪.‬‬
‫ن طيف والـده المقتــول أخـذ‬ ‫تبدأ مأساة "هاملت" ‪ 1601‬بأ ّ‬
‫يظهر للحــرس فــي منتصــف الليــل‪ .‬فــي إحــدى المــرات ظهــر‬
‫للحرس عندما كان هاملت معهم فيقول الطيــف لهــاملت كيــف‬
‫قتل‪ ..." :‬ذلك الــوحش الفاســد‪ ..‬تصــيد قلــب مليكــتي‪ ،‬وأنزلهــا‬
‫على حكم شهوته‪ ،‬مع ما كان يبدو عليهــا مــن المانــة‪ ..‬وأنــدس‬
‫عمك في خلوتي‪ ،‬ساعة أمنــي وراحــتي‪ ،‬وبيــده قــارورة‪ ..‬أفــرغ‬
‫منها سما ً زعافا ً في أذني‪ ..‬ذلك ما أصابني في نــومي بيــد أخــي‬
‫فحرمت حياتي‪ ،‬وتاجي‪ ،‬ومليكتي‪ ،‬وقضيت نحبي")‪. (25‬‬
‫ويقسم هاملت لطيف والده بأّنه سيأخذ بثأره‪ ،‬ولكنــه يقتــل‬
‫في البداية بولونيوس رئيس الديوان الملكــي لن ّــه تصــنت علــى‬
‫حديثه‪.‬‬
‫وفي نهاية المأســاة أثنــاء مبــارزة هــاملت مــع ليرتــس بــن‬
‫ة إذ تشرب من‬ ‫بولونيوس‪ ،‬تموت الملكة‪ -‬والدة هاملت مسموم ً‬
‫ن هاملت يجرح بسيف‬ ‫س مسموم أعده الملك لهاملت‪ ،‬كما أ ّ‬ ‫كأ ٍ‬
‫ليرتس المسموم ويتبــادلن الســيوف فيجــرح هــاملت ليرتــس‬
‫ن الملك هو المجــرم الحقيقــي‬ ‫بالسيف ذاته‪ ،‬ويكشف ليرتس أ ّ‬
‫فيقتل هاملت عمه الملك بالسيف المسموم‪.‬‬
‫ص قتــل فــي هــذه المأســاة‪ :‬وأكــثرهم مــات‬ ‫شــخ ٍ‬ ‫كــم مــن‬
‫الول والملك القاتل والملكة وهاملت وليرتــس‬ ‫مسموما ً الملك‬
‫سم‪ .‬بــدأت المأســاة بقتــل الملــك‪ ،‬وانتهــت بقتــل‬ ‫كلّهم ماتوا بال ّ‬
‫الملك القاتل‪.‬‬
‫كتب حول مأســاة "هــاملت" الكــثير وســيكتب الكــثير‪ ،‬وقــد‬
‫تكون العمــال النقديــة الــتي تتنــاول المؤلفـات الدبيــة متنوعــة‬
‫ومختلفة ومتناقضة أحيانـًا‪ ،‬فنظــرة النــاس إلــى الحيــاة متنوعــة‬
‫ل نظــرة لنفســها‬ ‫ومختلفة ومتناقضة‪ ،‬وفي الوقت ذاتــه تجــد ك ـ ّ‬
‫المبررات الكافية‪ ،‬ومــن العمــال النقديــة الهامــة حــول مأســاة‬
‫"هاملت" تلك التي كتبهــا الــروائي الروســي إيفــان تورغينيــف )‬
‫‪ (1883- 1818‬بعنوان "هاملت ودونكيشوت" إذ يقارن بها بين‬
‫ن هذين العملين هاملت ودونكيشوت‬ ‫هاتين الشخصيتين‪ ،‬ويرى أ ّ‬
‫ن مؤلفيهمــا توفيــا فــي يــوم‬ ‫صدرا في العام ذاته فــي ‪ 1601‬وأ ّ‬
‫‪- 186 -‬‬
‫واحد في ‪ 26‬نيسان عام ‪ 1616‬ويقول إيفان تورغينيف‪:‬‬
‫"رأينا فــي هــذين النمــوذجين تجســيدا ً لطبيعــتين إنســانيتين‬
‫متناقضتين تناقضا ً جـذريًا‪ ،‬إّنهمـا نهايتـان لمحـور واحـد‪ ،‬تـدوران‬
‫ل إنسان ينتهي بنسبةٍ أو بأخرى إلى واحد من‬ ‫نك ّ‬
‫حوله‪ .‬ورأينا أ ّ‬
‫مــا يشــبه دون‪-‬‬ ‫ل واحــد ٍ منــا إ ّ‬ ‫ن كــ ّ‬
‫هــذين النمــوذجين‪ ،‬بحيــث أ ّ‬
‫ما يشبه هاملت"‪. (26).‬‬ ‫كيشوت‪ ،‬وإ ّ‬
‫ن دونكيشوت يمثل النــاس‬ ‫ويرى الكاتب الروسي المذكور أ ّ‬
‫الذين يعيشون لغيرهم‪ ،‬في حين يمثل هــاملت النســان النــاني‬
‫ن النــاس كّلهــم خلقــوا لتلبيــة‬ ‫الذي يعيش لنفسه فقط‪ ،‬ويظن أ ّ‬
‫حاجاته‪ ،‬ول توجد لدى هؤلء الناس متطلبات خاصة بهم‪ .‬وعلــى‬
‫عكس ذلك الشخصـية الـتي أبـدعها الكـاتب السـباني ميخائيـل‬
‫سيرفانتس‪.‬‬
‫ممم ممممم مم ممممم ممممم‪:‬‬
‫ومن بيـن وجهـات النظـر الهامـة تلــك الـتي جـاء بهـا عـالم‬
‫ن مأساة هاملت تضرب جذورها فــي‬ ‫النفس فرويد‪ ،‬الذي يرى أ ّ‬
‫ذات التربة التي تضرب بها مأساة أوديب الملك فمأساة هاملت‬
‫تقــوم علــى تــردد هــاملت‪ ،‬فهــو ل ينفــذ المهمــة الموكلــة إليــه‬
‫مباشرة‪.‬‬
‫ويرد فرويد على وجهة نظر الشاعر اللمــاني غــوته ‪-1749‬‬
‫ن هـاملت يمثــل ذلـك النمـوذج مـن الرجـال‬ ‫‪ 1832‬الـذي رأى أ ّ‬
‫الذين شـلت عنـدهم القـدرة علـى العمـل مباشـرة‪ :‬شـلها نمـو‬
‫ن هــاملت ليــس مشــلول‬ ‫العقل نموا ً مفرطا ً ولكن فرويد يرى أ ّ‬
‫الحركة‪ ،‬فلقد استطاع قتل بولونيوس لنه تنصت عليـه‪ ،‬وكـذلك‬
‫استطاع أن يرسل برجلين من رجــال البلط بمك ـرٍ وخبــث إلــى‬
‫الهلك‪ .‬فما الذي يمنعه من تنفيذ المهمة التي طلبها منه طيــف‬
‫أبيه؟‬
‫ن هــاملت يســتطيع أن يقــوم بــأي عمــل إل أن‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫فرويد‬ ‫يرى‬
‫مــه‪ .‬الرجــل‬ ‫يثأر من الرجل الذي أزاح أباه واحتل مكــانته عنــد أ ّ‬
‫الذي يريه‪ -‬إذن‪ -‬رغبــاته الطفوليــة وقــد تحققــت")‪ (27‬ويشــير‬
‫فرويد في كتابه "تفسير الحلم")‪ (1900‬إلى نقطة هامة وهي‬
‫ن والد شكسبير مات في العام نفسه الذي كتب فيه شكســبير‬ ‫أ ّ‬
‫ن أحــد أســباب تلكــؤ‬ ‫ّ‬ ‫هاملت‪ ،‬أي في عام ‪ .1601‬ويرى فرويد أ‬
‫هاملت أّنه يعلم في قرارة نفسه أّنه ليس أفضل حال ً مــن ذلــك‬
‫ن عم هــاملت اقــترف الثــم الــذي‬ ‫الرجل الذي تجب معاقبته‪ ،‬ل ّ‬
‫ن إدانــة هــاملت‬ ‫كان يريد هاملت نفســه أن يقــترفه‪ ،‬ولــذلك فــإ ّ‬
‫لعمه إدانة ضعيفة‪ ،‬ويكرر فرويــد رأيــه النــف الــذكر فــي كتــابه‬
‫"المدخل إلى التحليل النفسـي" الصـادر فـي عـام ‪ 1916‬وفـي‬
‫رسائله لصدقائه‪.‬‬
‫وكذلك في سيرته الذاتية الصادرة في عام ‪ .1925‬وأغــرب‬
‫ن فرويــد فــي نهايــة حيــاته يأخــذ بفرضــية الناقــد‬ ‫ما في المــر أ ّ‬
‫ن الكاتب الحقيقي للمســرحيات المنســوبة إلــى‬ ‫لوني‪ ،‬القائلة بأ ّ‬
‫شكسـبير قـد يكــون إدوار دوفيــر أميــر اكســفورد‪ ،‬وبــذلك فهــو‬
‫ن شكســبير كتــب‬ ‫ينسف نظريته السابقة‪ ،‬والــتي تســتند علــى أ ّ‬
‫هاملت في عــام ‪ 1601‬أيّ فــي العــام نفســه الــذي تــوفي فيــه‬
‫والده‪ ،‬لّنـه بـدأ يشـكك فــي أن شكسـبير ل علقـة لـه بمأسـاة‬
‫هاملت لّنها كتبت بقلم غير قلم شكسبير‪.‬‬
‫ن فرويد تعرض لفكــرة أن المســرحيات المنســوبة‬ ‫صحيح أ ّ‬
‫إلى شكسبير هي من تأليف كاتب آخر ولكنه بوجه عام ل يؤمن‬
‫بهذه الفكــرة‪ ،‬لن ّــه علــى مــدى عشــرات الســنوات كتــب حــول‬
‫مأساة "هاملت" وذكــر أّنهــا لشكســبير‪ ،‬وعــاد فــي عــام ‪1938‬‬
‫‪- 187 -‬‬
‫فترك لنا كتابا ً بعنوان "معالم التحليل النفسي"‪.‬‬
‫ويكتب فرويد ‪ 1939-1856‬كتابا ً بعنوان ليوناردودافنشي‬
‫)‪ (1452-1519‬الذي لم يعترف به أبوه لّنه ابــن غيــر شــرعي‬
‫له من فلحة فتزوج أبوه فتاة تنتمي لعائلــة محترمــة ولكنــه لــم‬
‫ل‪ ،‬فعاد وطــالب بــابنه اللشــرعي وانــتزعه مــن‬ ‫ينجب منها أطفا ً‬
‫مه‪ ،‬بعد أن تخلى عنه مدة خمس سنوات‪.‬‬ ‫أ ّ‬
‫ً‬
‫ب ليوناردو دافنشي والدته حب ّا ل مثيل له حتى أّنه رفض‬ ‫أح ّ‬
‫الزواج أو إقامـة أّيـة علقـة عاطفيـة مـع أّيـة امـرأة وعّبـر عـن‬
‫مــه فــي لوحــاته الكــثيرة‪ .‬إن المعلومــات الــتي‬
‫عــاطفته تجــاه أ ّ‬
‫جمعها فرويد حول الرسام اليطالي العظيــم ليونــاردو دافنشــي‬
‫ن ليوناردوا دافنشي‬ ‫صحيحة‪ ،‬ولكن الستنتاجات غير صحيحة‪ ،‬ل ّ‬
‫شغله الفن عن الزواج ولم تشغله قصته الشخصية أّنه ابن غيــر‬
‫شرعي‪.‬‬
‫موضوع الب وأبنائه في رواية "الخوة كارامــازوف "‪1880‬‬
‫لدوستيفسكي ‪.1881-1821‬‬
‫ممممم مممم‪:‬‬
‫إن الب في روايــة الخــوةٍ كارامــازوف "شخصــية فاســدة‪.‬‬
‫ويك ـّرس دوستيفســكي الفصــل الول مــن هــذه الروايــة حــول‬
‫شخصـية الب الفاسـدة "فيـدور كارامـازوف "ويقـول إّنـه كـان‬
‫إنسانا ً عجيبًا‪ ،‬وينتمي إلى ذلك النوع من الفراد الشــاذين يجمــع‬
‫بين طبيعة منحطة ولكن هــذه الطبيعــة المنحطــة ل تمنعــه مــن‬
‫تصريف أعماله المادية تصــريفا ً جيـدًا‪ ،‬ل يعــوزه الــذكاء والـدهاء‬
‫والمكر‪ ،‬فلقد ترك بعد وفاته مئة ألف روبل‪.‬‬
‫تزوج مرتين‪ ،‬وأنجب ثلثة أبناء‪ .‬واسم ابنــه الكــبر ديمــتري‪،‬‬
‫وهو من زوجتـه الولـى‪ .‬وأنجـب مـن زوجتـه الثانيـة ابنيـن همـا‬
‫إيفان وألكسي‪ .‬كانت زوجتــه الولــى غنيــة وتنتمــي إلــى أســرة‬
‫نبيلة‪ .‬ومن الصعب الجابة عـن سـؤال‪ :‬لمـاذا قبلـت بـه زوجتـه‬
‫ما بالنسبة له فإن زواجه من إنسانة غنيــة كــان فرصــة‬ ‫الولى‪ .‬أ ّ‬
‫العمـر الـتي خلصـته مـن الفقـر‪ .‬ولكنـه لـم يحّبهـا‪ ،‬وكـان لـديه‬
‫ة‪ ،‬لن ّــه شـهواني‪ ،‬إل زوجتـه‬ ‫الستعداد‪ ،‬لن يلهث وراء أّيـة امـرأ ٍ‬
‫فإّنه لم يحبها‪.‬‬
‫ّ‬
‫استطاع أن يحتال علــى زوجتــه‪ ،‬وأن ينقــل ممتلكاتهــا كلهــا‬
‫إلى اسمه‪ ،‬وعاملهــا معاملــة ســيئة فهربــت منــه إلــى العاصــمة‬
‫مــا بســبب الجــوع تاركــة لــه‬ ‫مــا بســبب المــرض وإ ّ‬
‫حيث ماتت إ ّ‬
‫الطفل )ميتيا( الذي يبلغ عمره ثلث سنوات‪.‬‬
‫ن لديه ابنا ً نسيانا ً تاما ً فـاهتم بـأمر‬ ‫نسي فيدور كارامازوف أ ّ‬
‫الطفل الخادم غريغوري‪ ،‬وبعد ذلك أخذ أحد أقرباء الصــبي مــن‬
‫مه تربيته على عاتقه‪ ،‬وبعد ذلك تولت تربيته امرأة أخرى‪،‬‬ ‫جهة أ ّ‬
‫بسبب سفر المربي الول ميوسوف إلى باريس‪ ،‬أما والده فلــم‬
‫يره إل بعد بلوغ الصبي سن الرشد‪.‬‬
‫وتزوج فيدور كارامــازوف مــن فتــاةٍ صــغيرة الســن ل يزيــد‬
‫عمرها عن ستة عشر عامًا‪ ،‬وقبلته لّنها يتيمة وتريد أن تتخلــص‬
‫من السرة التي تعيــش فــي كنفهــا‪ ،‬وعــاش مــع زوجتــه الثانيــة‬
‫قرابة ثماني سنوات‪ ،‬وأنجب منهــا طفليــن الول إيفـان والثـاني‬
‫ألكسي‪.‬‬
‫وأخــذ فيــدور كارامــازوف يســتغل زوجتــه الثانيــة أبشــع‬
‫استغلل‪ ،‬إذ كان يمارس الفجور على مرأى منهــا‪ ،‬مــاتت زوجــة‬
‫فيــدور كارامــازوف الثانيــة‪ ،‬وربــى الخــادم الطفليــن‪ ،‬إلــى أن‬
‫ظهرت امرأة محسنة أخذتهما إليها‪.‬‬
‫‪- 188 -‬‬
‫وكان فيدور كارامازوف وهو في حالة سكر قد ضاجع امرأة‬
‫خرساء‪ ،‬وحملت منه ابنه سميردياكوف الذي عــاش عنــد والــده‬
‫ولكن بصــفة خــادم‪ .‬فكــانت هــذه المــرأة والــدة ســميردياكوف‬
‫تمشي شبه عاريــة فــي شــوارع المدينــة وتنــام علــى الرصــفة‪،‬‬
‫وكانت تتبرع بما تحصل عليه من تبرعات إلــى الكنســية أو إلــى‬
‫صــندوق الســجن وكــان غــذاؤها الوحيــد المــاء والخــبز الســود‪،‬‬
‫ن والــد‬ ‫وكانت ل تعــرف الســرقة ولقــد عــرف أهــالي المدينــة أ ّ‬
‫سميردياكوف إّنما هو فيدور كارامازوف‪.‬‬
‫وماتت والدة سميردياكوف بعد أن ولدته مباشرة‪:‬‬
‫عاش سميردياكوف مع أخوته‪ ،‬وكان غريب الطوار ومصابا ً‬
‫بمـــرض الصـــرع‪ ،‬المـــرض نفســـه‪ ،‬الـــذي كـــان مصـــابا ً بـــه‬
‫دوستيفسكي‪ .‬وآمن بأفكار أخيه إيفان الملحدة‪ ،‬وكـان يــردد مـا‬
‫ل شيء مباح‪.‬‬ ‫دام الّله غير موجود فك ّ‬
‫وأراد قتل والــده‪ ،‬وكــان يأمــل أن يقـوم بهــذا العمـل أخــوه‬
‫ن ديمتري تــردد فــي اللحظــة الخيــرة‪ ،‬ولــم يقــدم‬ ‫ديمتري‪ ،‬إل أ ّ‬
‫علــى هــذا العمــل القــذر‪ ،‬فأقــدم ســميردياكوف‪ ،‬وقتــل والــده‪،‬‬
‫وسرق منه ثلثة آلف روبــل‪ ،‬وأصــيب بنوبــة صــرع‪ ،‬وبعــد ذلــك‬
‫اعترف لخيه إيفان بجريمته‪ ،‬وشنق نفسه‪ ،‬دون أن يترك ورقــة‬
‫تثبت أّنه المجرم والسارق‪.‬‬
‫ولكن القضاء اتهم ديمتري بأّنه القاتل وحكم عليه بالعمــال‬
‫الشاقة‪ .‬إن هذا الب الفاجر الذي ل يتصف بصفةٍ واحدة تجعلــه‬
‫ك‪ .‬ولكــن مــن الــذي‬ ‫شخصا ً محبوبًا‪ ،‬يستحق الموت‪ ،‬بل أدنى ش ٍ‬
‫ن دوستيفســكي ذلــك الفنــان العبقــري جعــل‬ ‫يقدم على قتله؟ إ ّ‬
‫ابنه اللشرعي يقدم على قتله‪ .‬فأقدم سميردياكوف علــى قتــل‬
‫أبيه‪ ،‬حين أحجــم ديمـتري‪ .‬ولقـد قــدم دوستيفسـكي التــبريرات‬
‫الكافية لقتل العجوز فهو فاسق ضار‪ ،‬يعيش للــذة والفســاد‪ ،‬ول‬
‫فائدة ترجى منه‪ ،‬حتى لقرب الناس إليه‪ ،‬حــتى لبنــائه‪ .‬وعــاش‬
‫في كنفه ابنه اللشرعي سميردياكوف بصفة خــادم‪ ،‬وهــو يعلــم‬
‫ن ديمتري وإيفان وألكسي أخوته‪ ،‬ويعمل لدى‬ ‫ن هذا هو أبوه وأ ّ‬ ‫أ ّ‬
‫أبيه وأخوته خادمًا‪ .‬ولذلك يحقــد علــى المجتمــع وعلــى أســرته‪.‬‬
‫فالتناقض في وضعه واضح فهــو مــن جهــة ابــن وأخ ومــن جهــة‬
‫أخــرى خــادم لبيــه ولخــوته‪ ،‬ول يجــرؤ علــى أن يصــرح لخــوته‬
‫ولبيه بأّنه أخ وابن‪.‬‬
‫ً‬
‫يعتنق أفكار أخيــه إيفــان لّنهــا الفكــار الكــثر انســجاما مــع‬
‫وضعه‪ ،‬لّنها أفكار ثورية على الكون بكــامله‪ ،‬وعلــى خــالق هــذا‬
‫الكون‪ ،‬وعلى النظام الجتماعي القــائم علــى التمييــز والتفرقــة‬
‫والقهر‪ .‬ولذلك فإّنه يتمنى أن يقــوم ديمــتري بقتــل أبيــه‪ ،‬ولكــن‬
‫عندما حاول ديمتري تنفيذ جريمته وتراجع في اللحظــة الخيــرة‬
‫أقدم هو ونفذ الجريمة إل أّنه مرض بعد ذلك‪ ،‬وشنق نفسه‪.‬‬
‫ة‬
‫ً‬ ‫ـ‬ ‫ميت‬ ‫ة‪ ،‬وكــذلك مــات فيــدور كارامــازوف‬ ‫مــات ميتــة بشــع ً‬
‫بشعة‪ .‬حــاول أحــد أبنــائه قتلــه‪ ،‬وتمنــى ابنــه إيفــان مــوته‪ ،‬لن ّــه‬
‫بالفعل قام بأعمــال يســتحق عليهــا عقوبــة المــوت فمــات كمــا‬
‫مــا البطــال‬ ‫يموت البطال الشرار في روايات دوستيفســكي‪ ،‬أ ّ‬
‫ة‪ ،‬وقد يستغرب المرء هـل هنـاك‬ ‫ة جميل ً‬ ‫البرار فإّنم يموتون ميت ً‬
‫ل الحوال قبيح‪ .‬ولكن‬ ‫ميتة جميلة وأخرى قبيحة‪ .‬فالموت في ك ّ‬
‫عنــد دوستيفســكي يميــت البطــال البــرار وكــأنهم نــائمون‪ ،‬ل‬
‫بشاعة في موتهم‪ ،‬فمثل ً "الوديعة" فــي قصـة "الوديعـة" مـاتت‬
‫وكأّنها نائمة‪ ،‬وكذلك ماتت إحــدى بطلت روايــة "البلــه" ‪1868‬‬
‫واسمها ناستاسيا فيليبوفنا فعلى الرغم من أّنهــا مــاتت مقتولــة‬
‫ة‪ .‬لّنهــا‬ ‫بيد راغوجين إل ّ أّنها لم تنزف أكثر من ملعقــة دم ٍ واحــد ٍ‬
‫أل يكــون موتهــا‬ ‫ن دوستيفســكي أراد‬ ‫ف داخلــي‪ ،‬ل ّ‬ ‫أصيبت بنزي ـ ٍ‬
‫بشعًا‪.‬‬
‫‪- 189 -‬‬
‫ور دوستيفسـكي فـي روايـاته السـابقة مثـل هـذه‬ ‫ولقـد صـ ّ‬
‫ور مثــل هــذه الشخصــية فــي‬ ‫الشخصية فعلى سبيل المثال‪ ،‬يص ّ‬
‫رواية "الجريمة والعقاب" التي صدرت في عام ‪.1866‬‬
‫ن شخصية العجوز المرابية في الرواية النفة الذكر شبيهة‬ ‫إ ّ‬
‫بشخصــية فيــدور كارامــازوف فــي روايــة "الخــوة كارامــازوف‬
‫حــرم ومكــروه فــي الـديانات السـماوية‬ ‫"فهي مرابيــة‪ ،‬والربــا م ّ‬
‫والتشريعات الرضية‪ ،‬وتسـتغل العجــوز المرابيــة النـاس كّلهــم‪،‬‬
‫حتى أختها‪ ،‬ول يوجد لديها وريث ولقد أوصت بأموالها كّلها لحــد‬
‫الديرة من أجل الصلوات الدائمة على روحها‪ .‬إّنها عجــوز غبيــة‬
‫سخيفة شريرة خبيثة مريضة‪ ،‬ل قيمة لها‪ ،‬ول فائدة منهــا لحــد‪،‬‬
‫بل هي ضارة لجميع الناس‪ ،‬ول تعرف لحياتها هدفًا‪.‬‬
‫إن العجـــوز فـــي روايـــة "الجريمـــة والعقـــاب" وفيـــدور‬
‫كارامــازوف فــي روايــة "الخــوة كارامــازوف" يمثلــون النظــام‬
‫القديم الفاسد الذي يجب أن ينتهي‪.‬‬
‫ولقد كتب حول شخصية فيدور كارامازوف الناقــد الروســي‬
‫ســتيبانوف‪" :‬لقــد فضــح دوستيفســكي فــي شخصــية فيــدور‬
‫ســد القــذارة‬ ‫كارامــازوف النظــام الجتمــاعي القــائم‪ ،‬لّنــه يج ّ‬
‫والتعفن والفساد‪ ،‬الذي تراكم في المجتمع الروسي القائم على‬
‫سلطة أصحاب المــوال‪ .‬إنــه دجــال وكــذاب وعاشــق للملــذات‬
‫الجسدية‪ ،‬ووقح‪ -‬هذه هي صفاته‪. (29)".‬‬
‫وتمثل ســاعة قتــل العجــوز المرابيــة فــي روايــة "الجريمــة‬
‫والعقــاب" ‪ 1866‬وســاعة قتــل فيــدور كارامــازوف فــي روايــة‬
‫"الخوة كارامــازوف" ‪ ،1880‬ســاعة الصــفر‪ ،‬أيّ ســاعة القيــام‬
‫بالثورة على النظام الفاســد البغيــض‪ .‬وينفــذ الثــورة فــي روايــة‬
‫ســد الفكــرة‬ ‫"الجريمــة والعقــاب" راســكو لنيكــوف أيّ أن ّــه يج ّ‬
‫ن‬‫ما في رواية "الخــوة كارامــازوف" فــإ ّ‬ ‫الثورية ويجسد أداتها‪ .‬أ ّ‬
‫مـا‬ ‫إيفان كارامازوف هو المفكر‪ ،‬هـو صـاحب الفكـرة الثوريـة‪ ،‬أ ّ‬
‫الداة التي نفذتها فكان ســميردياكوف‪ .‬كمــا أشــرنا كــان إيفــان‬
‫كارامازوف يتمنى موت والده الفاسد‪ ،‬وترك البيت عندما عرف‬
‫ن والده في خطر‪ ،‬لكي يساعد في تنفيذ الجريمة‪ ،‬وابتعد كثيرا ً‬ ‫أ ّ‬
‫عن البيت فقـرر أن يسـافر إلـى قريـة تشرماشـنيا )وهـو اسـم‬
‫قرية والد دوستيفسكي الحقيقــي( ولكنــه اســتبدل قــراره فــي‬
‫أثناء الطريــق بالســفر إلــى موســكو‪ ،‬بقــرار البتعــاد أكــثر أثنــاء‬
‫سفره لكي يفسح المجال لتنفيذ الجريمة‪.‬‬
‫ويقــول دوستيفســكي فــي روايـة "الخــوة كارامـازوف" إن‬
‫إيفان كارامازوف كان يكره سميردياكوف كره ـا ً شــديدًا‪ .‬وذلــك‬
‫ن سميردياكوف يؤمن بأفكار إيفان‪ ،‬إّنه الــوجه الخــر ليفــان‪،‬‬ ‫ل ّ‬
‫إّنه أفكار إيفان المتجسدة في شخصه‪.‬‬
‫ن إيفـان‬ ‫وكذلك يتمنى إيفان المـوت لوالـده لفسـاده‪ ،‬مــع أ ّ‬
‫ووالــده وســميردياكوف يؤمنــون بأفكــار واحــدةٍ فهــم يؤمنــون‬
‫بالعدم ول يؤمنون بوجود خالق لهذا الكــون‪ ،‬ول يؤمنــون بخلــود‬
‫الروح ويكرهون روسيا والفلح الروسي والشعب الروسي‪.‬‬
‫ن دوستيفسكي يدين أفكار إيفان‪ ،‬كما هو واضــح مــن‬ ‫ومع أ ّ‬
‫ن الكــاتب العظيــم يــؤمن ببعــض هــذه‬ ‫سير أحداث ً الرواية‪ ،‬إل أ ّ‬
‫الفكار‪ ،‬مثل يؤمن بضــرورة الــدفاع عــن الطفــال المظلــومين‪،‬‬
‫الذين دافع عنهم إيفان في حديثه مع أخيــه الكســي‪ ،‬كمــا دافــع‬
‫عن المظلومين في روسيا وفي البلد الجنبية‪.‬‬
‫وكما أشار مكسيم غوركي ‪ 1936-1868‬مؤسس المدرسة‬
‫ور آلم النســان عــبر‬ ‫الواقعية الشتراكية فإن "دوستيفسكي ص ّ‬
‫قرون طويلة‪ ،‬آلم المظلومين والمقهورين والمذلين والمهــانين‬
‫ن عبقريتــه يمكــن مقارنتهــا فقــط بعبقريــة الشــاعر‬ ‫ولــذلك فــإ ّ‬
‫‪- 190 -‬‬
‫النكليزي شكسبير‪ -".‬قال مكسـيم غـوركي ذلـك فـي المـؤتمر‬
‫الول للكّتاب في التحاد السوفييتي)‪. (30‬‬
‫ن دوستيفسكي يدين الجانب اللحادي فــي فكــر‬ ‫ومع هذا فإ ّ‬
‫ن جــذور هــذا الفكــر هــي جــذور‬ ‫ّ‬ ‫إيفــان كارامــازوف‪ ،‬ويــرى أ‬
‫شيطانية‪ ،‬تمتد إلــى تســعة عشــر قرنـا ً مضــت‪ ،‬فالشــيطان أبــو‬
‫اللحاد‪ ،‬وهو الصوت الخر النقيض لصــوت السـّيد المســيح فــي‬
‫النجيل‪ .‬والـذي رفضـه السـّيد المسـيح رفضـا ً قاطعـا ً ودون أ ّ‬
‫ي‬
‫تردد لنه صوت الجسد‪ ،‬فــي حيــن كــان السـّيد المســيح صــوت‬
‫الروح‪ .‬ولكن الروح تحتاج إلى الجسد كحاجة الجسد إلى الروح‪،‬‬
‫ل يحتاج للخر‪ ،‬ويحــدث الخلــل عنــدما يطغــى أحــدهما علــى‬ ‫فك ّ‬
‫الخر‪ ،‬ول سيما إذا طغى صوت الجسد على صوت الروح‪ ،‬ففي‬
‫ل‬‫هذه الرواية يطغى صوت الجسد علــى صــوت الــروح لــدى كـ ّ‬
‫من سميردياكوف وإيفان كارامازوف‪ ،‬وفيدور كارامازوف‪.‬‬
‫ن شخصية إيفان لها جذورها في أدب دوستيفسكي نفسه‪،‬‬ ‫إ ّ‬
‫فهذه الشخصية شبيهة بشخصية بطل رواية "في القبــو" ‪1864‬‬
‫وهــي أيضــا ً شــبيهة بشخصــية راســكولنيكوف‪ ،‬بطــل روايــة‬
‫ن كل ً منهما اشــتراكي‪ ،‬وصــاحب نظريــة‪،‬‬ ‫"الجريمة والعقاب" ل ّ‬
‫وكاتب‪ ،‬وينشر مؤلفاته في الدوريات‪ ،‬وينظر إلى الحيــاة نظــرة‬
‫مادية‪ ،‬ولكن ثورة راسكولنيكوف ثورة اجتماعية‪ ،‬إنها ثورة على‬
‫ن ثــورة إيفـان ثــورة علــى النظــام‬ ‫الظلم الجتماعي‪ ،‬في حين أ ّ‬
‫الكوني‪ ،‬بالضافة إلى طابعها الجتماعي‪.‬‬
‫ن أفكار راســكولنيكوف بطــل روايــة "الجريمــة والعقــاب"‬ ‫إ ّ‬
‫‪ 1866‬وأفكار ايبوليت فــي روايــة "البلــه" ‪ 1868‬أفكــار ماديــة‬
‫شيطانية‪.‬‬
‫ن الشــبيه الساســي‬ ‫ما في رواية "الخوة كارامــازوف" فــإ ّ‬ ‫أ ّ‬
‫لشخصية إيفــان هــو الشــيطان نفســه‪ .‬فلقــد ســعى إيفــان فــي‬
‫تهريب أخيه ديمتري إلى خارج الحدود‪ ،‬لّنه كان متأكدا ً مــن أن ّــه‬
‫القاتل‪ .‬وكان يــرى ضــرورة دفــع عشــرة آلف روبــل مــن أجــل‬
‫ن‬ ‫تهريبه‪ ،‬وتزويده بعشرين ألفا ً لكي يعيش بها في أمريكــا‪ ،‬إل أ ّ‬
‫ديمتري رفض هذا العرض لقتناعه ببراءته‪ ،‬ولّنه ل يســتطيع أن‬
‫يعيش في أمريكا‪.‬‬
‫ن ســميردياكوف‬ ‫بعد ذلك يعرف إيفان مــن ســميردياكوف أ ّ‬
‫ن إيفان نفسه هو أراد ذلك وهو صاحب نظرية "مــا‬ ‫هو القاتل وأ ّ‬
‫دام الّلــه غيــر موجــود فكــل شــيء مبــاح" الــتي آمــن بهــا‬
‫سميردياكوف‪ ،‬وليمــانه بهــا أقــدم علــى جريمــة القتــل والنهــب‬
‫وبالتالي النتحار شنقًا‪.‬‬
‫يقول سميردياكوف مخاطب ـا ً إيفــان‪" :‬أصــبحت ل أريــد هــذا‬
‫المال! لقد قــدرت خلل مــدة معينــة أن أبــدأ بهــذا المــال حيــاة‬
‫جديدة في موسكو‪ ،‬أو قل أيضا ً أن أسافر إلى الخارج‪ .‬كان لــي‬
‫ن كــل شــيء مبــاح‬ ‫هذا المل‪ .‬ول سيما أّنك كنت تقــول لــي‪" :‬أ ّ‬
‫ن أقضي في هذه المــور‬ ‫"أنت علمتني أن أفكر هذا التفكير‪ .‬وأ ّ‬
‫علــى هــذا النحــو‪ .‬كنــت تقــول لــي دائم ـًا‪":‬إذا لــم يوجــد اللــه‬
‫اللنهائي‪ ،‬فالفضيلة باطل ل جــدوى منــه ول داعــي إليــه "هكــذا‬
‫كنت تفكر أنت‪ .‬ولقد تقبلت أنا أراءك هذه‪.‬‬
‫سأله إيفان‪ ،‬وهو يبتسم ابتسامة ساخرة‪:‬‬
‫‪-‬ثم توليت تطبيق التفكير بنفسك في هذه الجريمــة‪ ،‬أليــس‬
‫كذلك؟‬
‫ً‬
‫‪-‬نعم‪ ،‬مستوحيا آراءك‪.‬‬
‫ي المال؟‬ ‫ّ‬ ‫إل‬ ‫ترد‬ ‫دمت‬ ‫ما‬ ‫ّ‬
‫له‪،‬‬ ‫بال‬ ‫اليمان‬ ‫‪-‬والن هل عدت إلى‬
‫دمدم سميردياكوف‪:‬‬
‫‪- 191 -‬‬
‫‪-‬ل‪ ،‬أنا ل أومن بالّله)‪(31‬‬
‫ويتابع سميردياكوف قوله مخاطبا ً إيفان‪" :‬أنت تشبه فيــدور‬
‫بافلوفتش‪ ،‬أنت من سائر أبنائه أكثرهم شبها ً به‪. (32).‬‬
‫ن سمير دياكوف صادق في ملحظته النفــة‬ ‫ويلحظ إيفان أ ّ‬
‫الذكر‪.‬‬
‫وبعد ذلك يشــعر إيفـان أن ّــه مــرض‪ ،‬وأن ّــه بحاجــة إلــى علج‬
‫ويراجع الطبيب‪ ،‬ويشخص الطبيب مرض إيفان بأّنه اضــطرابات‬
‫ن الزمــة ســتتفاقم‪.‬‬ ‫ذهنية وأّنه بحاجة إلى العلج الفوري وإل فإ ّ‬
‫ولم يتعالج إيفان‪ .‬وأخذ يــتراءى لــه أن ّــه يــرى الشــيطان ويقــول‬
‫إيفان مخاطبـا ً الشـيطان‪" :‬أنـت أنـا‪ ..‬مـا أنـت إل أنـا ول شـيء‬
‫أكثر‪ ...،‬أنت حقارة‪ ،‬أنت ثمرة خيالي أنا!‬
‫ن فلسفتي هي فلسفتك‪ ،‬ذلك أصوب‪. (33)".‬‬ ‫‪-‬بل قل إ ّ‬
‫ف إيفان في الماضي أسطورة المفتش العظم‪ ،‬ولم‬ ‫لقد أل ّ‬
‫يكــن المفتــش العظــم إل صــورة أو وجــه مــن أوجــه إيفــان‬
‫كارامازوف والن يتراءى له الشيطان وهو وجه من أوجه إيفــان‬
‫أيضًا‪ ،‬إّنه من صنع خياله المريـض فــي تلـك الونـة ويشـهد فـي‬
‫ن المحكمــة ل تصــدقه‪،‬‬ ‫المحكمــة بــبراءة أخيــه ديمــتري‪ ،‬إل ّ أ ّ‬
‫واعتبرته مريضًا‪ ،‬وحكمت على ديمتري بالعمال الشاقة‪.‬‬

‫ممممم مممممم ممممممممم‪:‬‬


‫ديمتري كارامازوف بريء من دم أبيه‪ ،‬وهذا واضح للقــارئ‪،‬‬
‫ولكن النائب العام وأجهزة القضــاء كّلهــا أدانتــه‪ .‬وحكمــت عليــه‬
‫بالعمال الشاقة‪.‬‬
‫لقد اتبع المحقق فــي روايــة "الخــوة كارامــازوف")‪(1880‬‬
‫في تحقيقه مع ديمتري كارامازوف الســلوب ذاتــه الــذي اتبعــه‬
‫المحقق بورفيري في رواية "الجريمة والعقاب" ‪ 1866‬وتوصل‬
‫ن راسكولنيكوف هــو‬ ‫المحقق بورفيري إلى نتائج صحيحة وهي أ ّ‬
‫القاتل وهو السارق‪ .‬وفهــم المحقــق شخصــية راســكو لنيكــوف‬
‫فهما ً صحيحًا‪ .‬ولكن المحقــق فــي روايــة "الخــوة كارامــازوف"‬
‫ن ديمـتري هـو‬ ‫توصـل إلـى اسـتنتاجات خـاطئة‪ .‬فكـان متأكـدا ً أ ّ‬
‫ن القاتل هو سميردياكوف‪.‬‬ ‫القاتل‪ ،‬في حين أ ّ‬
‫ن شخصية ديمتري في رواية "الخــوة‬ ‫لقد أخفق المحقق ل ّ‬
‫كارامازوف" تختلف عــن شخصــية راســكولنيكوف بطــل روايــة‬
‫"الجريمة والعقاب" وقد يفكر ديمتري بالقــدام علــى الجريمــة‪،‬‬
‫ولكنــه فــي نهايــة المطــاف لــن يقــترف مثــل هــذه الجريمــة‬
‫ما راسكو لنيكوف وأمثاله‬ ‫وسيتراجع عنها في اللحظة الخيرة‪ .‬أ ّ‬
‫فإنهم يقدمون على الجريمة‪ ،‬الفرق بين ديمــتري وبيــن راســكو‬
‫ن الول ابن تربة وطنية معينة في حين أن الثاني ابــن‬ ‫لنيكوف أ ّ‬
‫وسط اجتماعي معيــن‪ ،‬للول جــذور فــي أعمــاق تربــة الــوطن‪،‬‬
‫والثاني ريشة في مهب التغييرات الجتماعية‪ .‬إّنه ابــن المجتمــع‬
‫وليس ابن تربة الوطن‪ .‬ولذلك فل يتصف بجذور عميقة تضــرب‬
‫في أعماق تــراب الــوطن‪ ،‬ولــن تســتطيع الريــاح ول العواصــف‬
‫اقتلعها‪.‬‬
‫فكــان الحكــم علــى راســكو لنيكــوف عــادل ً وكــان حكــم‬
‫المحكمة على ديمتري ظالما ً فأرسل إلى سيبيريا إلــى العمــال‬
‫ن القاتـل انتحــر ليلـة‬ ‫الشاقة‪ ،‬لّنه اتهم بــأنه القاتــل فــي حيـن أ ّ‬
‫صدور الحكم‪.‬‬
‫كان إيفان يتمنى أن يكون ديمتري هو القاتل لّنه فــي هــذه‬
‫‪- 192 -‬‬
‫ن سميردياكوف هو القاتل‬ ‫الحالة بريء من دم أبيه‪ ،‬ولكنه تأكد أ ّ‬
‫ن نظريته أيّ نظرية إيفان‪ ،‬هي الســبب‪ ،‬ولــذلك فهــو شــريك‬ ‫وأ ّ‬
‫في الجريمة‪.‬‬
‫كان يريــد فــي أعمــاقه‪ ،‬فــي عــالمه اللشــعوري‪ ،‬أن يكــون‬
‫ديمتري القاتل لكي يرسل ديمتري إلى العمال الشاقة‪ ،‬ولكــي‬
‫يتفرد بكاترينا‪ ،‬التي يزاحمه عليهــا ديمــتري‪ ،‬ولكــي يتفــرد أيضـا ً‬
‫بميراث والده‪ ،‬كما قال لــه أخــوه اللشــرعي ســميردياكوف‪ .‬إل‬
‫ن المــور ســارت ل كمــا يشــتهي إيفــان فأصــيب باضــطرابات‬ ‫أ ّ‬
‫دماغية لنه شعر بهول المصيبة التي كان يتمنى حــدوثها‪ ،‬فقتــل‬
‫والده‪ ،‬وكان يتمنى ذلك ولكن أرسل أخوه البريء ديمــتري إلــى‬
‫العمال الشاقة وانتحر القاتــل‪ ،‬إن إيفــان هــو القاتــل الحقيقــي‬
‫وإن لم يلطخ يديه بدم أبيه‪.‬‬
‫ن الب فيــدور كارامــازوف فاســد‬ ‫وحــدثت جريمــة القتــل ل ّ‬
‫ن الظلم الجتماعي ل بد ّ وأن يعّبر عن ذاته‪.‬‬ ‫ويستحق القتل‪ .‬ول ّ‬
‫ديمتري كارامازوف هو البن البكر لفيدور كارامازوف‪ ،‬وهــو‬
‫ابنه من زوجته الولى‪ ،‬التي ورث عنها فيدور كارامازوف أرزاقه‬
‫والــتي ضــايقها‪ ،‬فهربــت ومــاتت تاركــة لــه ديمــتري‪ ،‬وعمــره ل‬
‫يتجـاوز الثالثـة‪ .‬وتربـى ديمـتري فـي البدايـة فــي كنـف الخـادم‬
‫غريغوري‪ ،‬واهتم به الخادم مدة عام كامل‪ ،‬وبعد ذلــك اهتــم بــه‬
‫أحد أقربائه من جهة والدته‪ .‬وبعــده ربتــه إحــدى السـّيدات وثــم‬
‫أعطته لغيرها وهكذا وكان ديمتري يعتقد عندما بلغ سن الرشــد‬
‫أن لديه أرزاقا ً ل بــأس بهــا‪ ،‬يحــق لــه وراثتهــا فجــاء إلــى والــده‬
‫ن والده حــاول التخلــص مــن مطــالب ابنــه‪،‬‬ ‫يطالبه بالرزاق إل أ ّ‬
‫مبلغ من المــال إليــه شــهريًا‪ ،‬وأعطــاه مبلغ ـا ً‬ ‫بأن وعده بارسال‬
‫معينا ً مباشرة‪ .‬وكره البن أباه والب ابنه منــذ اللحظــة الولــى‪.‬‬
‫فغاب البن عن أبيه مدة أربع سنوات وعــاد إليــه ليطــالبه ثانيــة‬
‫ن أبــاه‬
‫ن ديمــتري صــعق حيــن علــم أ ّ‬ ‫بحصته مــن الميــراث إل أ ّ‬
‫يدعي أّنه أرسل إليه أموال ً تقدر بقيمـة الميـراث بكاملهـا ل بــل‬
‫ن للب ديونا ً على ابنه‪.‬‬ ‫أ ّ‬
‫ولدى ديمتري خطيبــة اســمها كاترينــا‪ .‬كــان ديمــتري يخــدم‬
‫برتبة ملزم في كتيبة ترابـط علـى الحـدود‪ ،‬وكـان والـد كاترينـا‬
‫قائدا ً لهذه الكتيبة‪ ،‬وبرتبة مقدم‪ .‬وكــان المقـدم يسـتثمر أمــوال‬
‫الكتيبة‪ ،‬فيعطيها لتاجر يعيدها إليه في وقت معيــن مــع الفــوائد‪،‬‬
‫ن هذا التاجر‪ ،‬في أحد العوام أخذ النقود ولم يرجعها‪ ،‬فوقع‬ ‫إل أ ّ‬
‫دم ديمــتري خمســة آلف روبــل لبنتــه‬ ‫قائد الكتيبة في ورطة‪ .‬ق ّ‬
‫كاترينا حين جاءته بناء علــى طلبــه‪ ،‬وأنقــذ بــذلك والــدها‪ ،‬الــذي‬
‫مات متأثرا ً بهذه المصيبة‪ ،‬ولكن ديمتري لم يستغل وضع كاترينا‬
‫مع أّنه فكر بذلك‪ ،‬وكانت هي مستعدة لتلبية رغبــاته لكــي تنقــذ‬
‫والدها‪ .‬وبعد وفاة والدها ورثــت كاترينــا ميراثـا ً ل بــأس بــه مــن‬
‫إحــدى قريباتهــا وأعــادت لــديمتري أمــواله‪ ،‬وبعــد ذلــك خطبهــا‬
‫ديمتري‪.‬‬
‫وأعطته في إحــدى المــرات ثلثــة آلف روبــل لكــي يرســل‬
‫النقــود لختهــا إل أّنــه بــدد نصــفها علــى فتــاة طائشــة اســمها‬
‫ب هذه الخيرة‪ ،‬واحتفــظ بالنصــف الخــر‬ ‫غروشنكا‪ ،‬ووقع في ح ّ‬
‫من أجل الزواج من غروشنكا‪ ،‬وهو بحاجة للنقــود‪ ،‬لكــي يعيــدها‬
‫لخطيبته كاترينا‪.‬‬
‫ب إيفان وكذلك وقــع إيفــان فــي‬ ‫ما كاترينا فوقعت في ح ّ‬ ‫وأ ّ‬
‫ن حّبهما ما زال في عالم‬ ‫حبها دون أن يصرح أحدهما للخر‪ ،‬ولك ّ‬
‫اللشعور‪ ،‬الذي سينفجر في ساعة التجربــة‪ ،‬فــي تلــك الســاعة‬
‫التي حكمت فيها المحكمة على ديمتري بالعمال الشاقة كــانت‬
‫كاترينا تريد أن يرسل ديمتري إلى العمــال الشــاقة‪ ،‬وأن تثبــت‬
‫‪- 193 -‬‬
‫براءة إيفان وقدمت للمحكمة وثيقة بــذلك‪ .‬وبهــذا أثبتــت أّنهــا ل‬
‫ب أخــاه إيفــان‪ .‬ولقــد عــرف ألكســي‬ ‫ب ديمــتري وإّنمــا تح ـ ّ‬ ‫تح ـ ّ‬
‫ب ديمــتري وصــرح بــذلك لهــا‪" :‬أنــا‬ ‫ن كاترينا ً ل تحـ ّ‬ ‫كارامازوف أ ّ‬
‫نفسي ل أعرف تماما‪ ..‬لقد تراءت لي الحقيقة فجأة‪ ،‬كأنما فــي‬
‫ضوء برق‪..‬‬
‫ً‬
‫ت يختلج ألما حتى ليوشك أن‬ ‫ويتابع أليوشا كلمه يقول بصو ٍ‬
‫ينكسر‪:‬‬
‫س أّننــي ارتكبــت خطــأ إذ عب ّــرت عــن مشــاعري‪،‬‬ ‫‪-‬أنــا أح ـ ّ‬
‫ولكنني سأقول ما بنفسي مع ذلك‪ .‬إليك الضوء الذي رأيته‪ :‬إّنك‬
‫ل تحبين أخي ديمتري‪ ..‬ولعلك ما أحببته أبدًا‪ ..‬حتى منذ البداية‪..‬‬
‫ن ديمتري ل يحّبك‪ ..‬فيما أظن")‪. (34‬‬ ‫مإ ّ‬ ‫ث ّ‬
‫ويتــابع ألكســي كارامــازوف ويصــرح بــأن ديمــتري يحــترم‬
‫كاترينا لكنه ل يحّبها ولم يحّبها في الماضي‪ .‬وهي كذلك ل تحبه‪،‬‬
‫ب‬‫ب أيضـًا‪ .‬ولكــن حـ ّ‬ ‫ب أخــاه إيفــان الــذي يبادلهــا الحـ ّ‬ ‫وإّنما تح ّ‬
‫كاترينا ليفان ما زال في عالم اللشعور‪ .‬هــي نفســها ل تعــرف‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ب ديمــتري غروشــنكا‪ ،‬الفتــاة الطائشــة‪ ،‬الــتي يفكــر‬ ‫يحــ ّ‬
‫بالوصول إليها والده‪ .‬وحضر لهــا مقابــل ذلــك ثلثــة آلف روبــل‬
‫وضعها خلف صورة العذراء ســيقدم لهــا هــذه النقــود فــي حــال‬
‫مجيئها إليه‪.‬‬
‫ب غروشنكا ديمتري كمــا ثبــت أثنــاء المحكمــة‪ ،‬وتســافر‬ ‫تح ّ‬
‫معــه إلــى العمــال الشــاقة‪ .‬وكــانت النقــود الــتي حصــل عليهــا‬
‫ديمتري من كاترينا لكي يرسلها لختها ولم يرسلها‪ ،‬وبقــي معــه‬
‫ن ديمــتري هــو القاتــل‬ ‫نصــفها‪ ،‬دليل ً بــرأي المحقــق علــى أ ّ‬
‫والسارق‪.‬‬
‫ن القاتــل والســارق هــو‬ ‫وعــرف ديمــتري أثنــاء التحقيــق بــأ ّ‬
‫سميردياكوف‪ ،‬ولكن القضاء لم يأخذ كلمه بعين العتبار‪ .‬حــاول‬
‫ديمتري الحصول على الثلثة آلف روبل التي أخذها من كاترينــا‬
‫ن هــذا الغنــي رفــض‪،‬‬ ‫مــن أحــد الغنيــاء عشــيق غروشــنكا‪ ،‬إل أ ّ‬
‫وكذلك حاول الحصول عليها من غني آخر ورفض الغني الثــاني‪،‬‬
‫ولذلك اضطر ديمتري لصرف ما بقي لديه من نفــوذ‪ ،‬مــن أجــل‬
‫غروشنكا‪ ،‬وهي بالصل نقود لكاترينا‪.‬‬
‫لم يقتل ديمتري والده‪ ،‬لكنه حاول‪ ،‬ولول محاولته لمــا قتــل‬
‫ن البن اللشــرعي ســميردياكوف‬ ‫سميردياكوف سيده ووالده ل ّ‬
‫هو ابــن وبــالوقت ذاتــه خــادم‪ .‬واســتغل ســميردياكوف محاولــة‬
‫ديمتري لقتـل والـده‪ ،‬ولكـن ديمـتري تراجـع‪ ،‬ولـم ينفـذ مـأربه‪،‬‬
‫فأقدم سميردياكوف على ما لــم يقــدم عليــه ديمــتري أيّ علــى‬
‫جريمــة قتــل الوالــد‪ ،‬الــذي دفــع بنفســه وأولده لتنفيــذ جريمــة‬
‫ل‪ ،‬وحرمهم من الميراث كبـارا ً وحـاول أن‬ ‫القتل‪ ،‬فشردهم أطفا ً‬
‫ينتزع من ديمتري حبيبته وأن يشتريها بالنقود‪ ،‬وقد يفكر بالزواج‬
‫منها مزاحما ً بذلك ديمتري عليها‪.‬‬
‫ن الجريمة ليست جريمة شخص واحد بل اشــترك‬ ‫وهكذا فإ ّ‬
‫فيها أكثر من شخص وتلقى الجميع عقوبات تتناسب مع دورهــم‬
‫في الجريمة‪ ،‬فقتل الب‪ ،‬لنه شريك في جريمة القتل‪ ،‬وهو في‬
‫الــوقت ذاتــه الضــحية‪ .‬أيّ أنــه هــو المقتــول‪ .‬وانتحــر البــن‬
‫اللشرعي سميردياكوف لّنه نفذ جريمة القتل‪ ،‬وأرسل ديمتري‬
‫ن المحكمــة رأت أنــه هــو القاتــل والســارق‪،‬‬ ‫للعمال الشاقة‪ ،‬ل ّ‬
‫وهو يستحق العقوبة‪ ،‬لّنه حاول قتل والده وبــذلك ســاعد علــى‬
‫تنفيذ الجريمة‪ .‬وفقد إيفـان عقلـه لّنـه المفكـر المحـرض علـى‬
‫الجريمة‪.‬‬

‫‪- 194 -‬‬


‫ممممم ممممم ممممممممم‪:‬‬
‫قد يكون دور ألكسي كارامازوف هو أقــل أدوار أخــوته فــي‬
‫الجريمة‪ ،‬ولكنه دور سلبي بمعنى أّنه لم يستطع أن يقف بــوجه‬
‫الجريمة‪ ،‬وأن يمنع وقوعها‪ ،‬وكان متأكدا ً من براءة أخيه ديمتري‬
‫من جريمة قتل والده‪ ،‬وحاول قبــل المحكمــة أن يجمــع الدلــة‪،‬‬
‫وكان الجميع يتوقعون أن ألكسي سيثبت براءة أخيه‪ ،‬ولكنه لــم‬
‫يثبت ذلك‪ ،‬وعندما سأله وكيل النيابة‪" :‬وما الــذي يحملــك علــى‬
‫هذا القتناع كله ببراءة أخيك؟" أجاب‪" :‬ل أملــك إل أن أصــدقه‪.‬‬
‫أنا أعلم أّنه لن يكذب بحال مــن الحــوال‪ .‬ثــم إّننــي رأيــت فــي‬
‫عينيه أّنه كان يقول الحقيقة‪.‬‬
‫‪-‬في عينيه فقط‪ :‬أليس لديك براهين أخرى؟‬
‫‪-‬ليس لدي براهين أخرى‪. (35).‬‬
‫وألكسي هو البن الصغر لفيـدور كارامـازوف‪ .‬يحّبـه والـده‬
‫ويحبه إيفان وديمتري‪ .‬وهــو بطــل روايــة "الخــوة كارامــازوف"‬
‫التي ّ تجري أحداثها قبل تاريخ كتابتها بثلثة عشر عاما ً أي تقريبـا ً‬
‫في عام ‪ ،1866‬في ذلك العام الذي كتـب فيـه المؤلـف روايتـه‬
‫الشهيرة "الجريمة والعقاب" والــتي شــقت طريقهــا إلــى الدب‬
‫العالمي‪ ،‬وكــانت بدايــة شــهرة دوستيفســكي العالميــة‪ .‬وتــوفي‬
‫دوستيفسكي بعــد أن أنهــى كتابــة روايــة "الخــوة كارامــازوف"‬
‫ي‬
‫بعام ٍ واحد ٍ ولو أّنه عاش لكتب الجزء الثاني من هذه الروايــة أ ّ‬
‫أّننا نقرأ الن الجزء الول من الرواية‪ ،‬لّنه ضروري لفهم الجــزء‬
‫الثاني الذي لم يكتبه دوستيفسكي إل أّنه أراد كتابته وحال موته‬
‫دون ذلك‪ ،‬وفي الجزء الثاني كان من المقرر أن تجري الحداث‬
‫فــي الزمــن المعاصــر للكــاتب أيّ فــي عــام ‪ ،1880‬وأن يكــون‬
‫الكسي كارامازوف هو بطل هذا الجزء بعد أن صقلته اليام‪.‬‬
‫إذا كان ديمتري ابن الوطن أو ابـن تـراب الـوطن وإذا كـان‬
‫ن الكســي هــو‬ ‫إيفان ابن المجتمع أو ابن الوسط الجتماعي‪ .‬فــإ ّ‬
‫ن عالمه أرقى من عالم ديمــتري‬ ‫ابن النسانية جمعاء‪ ،‬وبذلك فإ ّ‬
‫ن عــالم ديمــتري أنقــى مــن عــالم إيفــان‪.‬‬ ‫ومــن عــالم إيفــان وأ ّ‬
‫وشخصية ألكســي هــي الشخصــية القــرب إلــى الكمــال‪ .‬فهــي‬
‫شــبيهة بشخصــية ســونيا مــارميلدوف فــي روايــة "الجريمــة‬
‫والعقــاب" وبشخصــية الميــر ميشــكين فــي روايــة "البلــه")‬
‫‪.(18680‬‬
‫في نهاية الرواية يحكم على ديمتري بالعمال الشـاقة مــدة‬
‫عشــرين عام ـًا‪ ،‬ويمــرض إيفــان‪ ،‬وتبقــى المــال معقــودة علــى‬
‫ألكسي وعلى أطفال روسيا‪.‬‬
‫نــرى هــذه الروايــة‪ ،‬كمــا أشــار النــائب العــام‪ ،‬قصــة أســرة‬
‫د‪ .‬ولكــن‬ ‫روســية‪ ،‬تــدين تصــرفات الب والبنــاء فــي آن واحــ ٍ‬
‫ور روســيا‬ ‫دوستيفســكي أراد بتصــويره لهــذه الســرة أن يصــ ّ‬
‫بكاملها‪.‬‬
‫ن دوستيفســكي ســمى أحــد‬ ‫ول بــأس مــن الشــارة إلــى أ ّ‬
‫أبطال روايته باسم ألكسي‪ ،‬وهو اسم ابنه الذي مـات فـي عـام‬
‫‪ ،1878‬وهو العام نفسه الذي شرع به دوستيفسكي فــي كتابــة‬
‫الرواية‪.‬‬
‫ن دوستيفســكي حيــن رســم صــورة ألكســي تــأثر‬ ‫ول شك أ ّ‬
‫ببعض سير حياة القديسين‪ .‬كما أّنه عندما أعد هذه الرواية تــأثر‬
‫أيضا ً ببعض الساطير الــتي تــروي حكايــة الخــوة الثلثــة‪ ،‬وفــي‬
‫ن الصغر أكثرهم حكمة‪.‬‬ ‫نهايتها يتضح أ ّ‬
‫ن الحيــاة‬ ‫ويؤمن البن الصغر بالتضحية من أجل الخريــن ل ّ‬
‫‪- 195 -‬‬
‫قصـيرة‪ ،‬فـإن عاشـها النسـان لنفسـه‪ ،‬فل تسـتحق أن تعـاش‪،‬‬
‫فيجــب أن يعيشــها مــن أجــل الخريــن‪ .‬ويــؤمن علــى مــا يبــدو‬
‫دم لروايتــه تصــديرا ً‬ ‫دوستيفسكي نفسه بهذا المبدأ بدليل أّنه ق ـ ّ‬
‫من النجيل "ما من حبة قمح تسقط علــى الرض ول تمــوت إل‬
‫مـا إن مـاتت فتعطـي حبـا ً كـثيرًا"‪ .‬ولهـذا الكلم‬ ‫وتبقى وحدها‪ ،‬أ ّ‬
‫ن حبة القمح إن لم تمـت تبقـى حبـة‬ ‫معنى حقيقي‪ ،‬أيّ بالفعل إ ّ‬
‫ن الحبـة عنـدما تنبـت وتنمــو‪ ،‬وتصـبح‬ ‫ما إن ماتت‪ ،‬أيّ إ ّ‬ ‫واحدة‪ ،‬أ ّ‬
‫سنبلة تعطي حبا ً كثيرًا‪ ،‬ولكنها نفسها تموت تحت الرض‪.‬‬
‫ن النسان الذي ل يضحي مــن أجــل‬ ‫المجازي فإ ّ‬ ‫ما المعنى‬ ‫أ ّ‬
‫ما إذا ضحى فإّنه سيجد أتباعا ً كثيرين‪.‬‬ ‫الخرين يبقى وحيدًا‪ ،‬أ ّ‬
‫يييي ي "يييي يي ييييي يي" يييي يي‬
‫ي ‪1862‬‬ ‫ييييييي‬
‫عالــج إيفــان تورغينيــف ‪ 1883-1818‬فــي روايــة "البــاء‬
‫والبنيــن "موضــوع صــراع الجيــال‪ .‬ل نجــد فــي روايــة "الخــوة‬
‫كارامـــازوف" صـــراعا ً للجيـــال وإّنمـــا هنـــاك صـــراع الفكـــار‬
‫والمواقف والشخصيات وإن كان الب يرمز إلى روسيا القديمة‬
‫التي ل بد ّ مـن أن تــزول ويرمــز الولد إلـى روسـيا المســتقبل‪،‬‬
‫بتفرعاته المتعددة‪ ،‬روسيا المؤمنــة‪ ،‬وروســيا الملحــدة‪ ،‬وروســيا‬
‫ن المستقبل هو لروسيا اليمان‪.‬‬ ‫الرض والتراب‪ ،‬ويرى الكاتب أ ّ‬
‫ما في رواية "الباء والبنين" ليفان تورغينيف وهــو الكــاتب‬ ‫أ ّ‬
‫الروسي الذي التقى بدوستيفسكي وتبادل معه الرسائل وكتــب‬
‫عنــه دوستيفســكي فــي روايــة "الشــياطين" ‪ 1872‬وإن كــان‬
‫دوستيفســكي ل يتقبــل آراء تورغينيــف‪ ،‬واتضــح عــداؤها فــي‬
‫الحتفال‪ ،‬الذي أقيم في عام ‪ 1880‬في موسكو بمناسبة إزاحة‬
‫الستار عن تمثال للشاعر الروسي الكســندر بوشــكين )‪-1799‬‬
‫ل منهمــا كلمــة‪ ،‬وكــان النصــر فــي هــذه‬ ‫‪ (1837‬حيث ألقــى كـ ّ‬
‫الحتفالت حليف دوستيفسكي يبّين إيفان تورغينيف في روايتــه‬
‫النفة الذكر صراع الجيال ويرمز بافل كيرســانوف إلــى الجيــل‬
‫القديم البالي المتعفن‪ .‬وكذلك نيكولي كيرسانوف‪ ،‬ويقف بوجه‬
‫مــا آركــادي كيرســانوف فهــو شخصــية‬ ‫أفكارهمــا بــازاروف‪ .‬أ ّ‬
‫سطحية‪ ،‬كسول ومتردد‪.‬‬
‫ن الشخصية اليجابية هـي شخصـية بـازاروف فلقـد حـاول‬ ‫إ ّ‬
‫تورغينيف أن يبّين خصائص الجيل الجديد‪ .‬وعّبر المؤلــف نفســه‬
‫عن تعاطفه مع شخصية بازاروف‪ .‬وأشار إلى هذه النقطــة فــي‬
‫إحــدى رسـائله إلـى الكــاتب المعـروف غيرتســن )‪ (36‬ولـذلك‬
‫فلقد أخطأ الناقد انتــونيفتش عنــدما اتهــم تورغينيــف بالكراهيــة‬
‫تجــاه بــازاروف‪ .‬بــازاروف شخصــية مســتقلة‪ ،‬ينتقــد النظمــة‬
‫خص المــراض الجتماعيــة‪ ،‬ويقــدم العلج لهــذه‬ ‫القديمــة‪ ،‬يشــ ّ‬
‫المــراض‪ .‬ويحــاول اقتلع الفــات الجتماعيــة مــن جــذورها‪ .‬ل‬
‫يرغب بازاروف في الصلح‪ ،‬بل يريد الحلــول الجذريــة‪ ،‬وينــادي‬
‫بـالكثير مــن العمــل وبالقليــل مــن الكلم‪ .‬ويعب ّــر بـازاروف عـن‬
‫الفكار التي ينادي بها الشــعب البســيط‪ .‬ولقــد أشــار إلــى هــذه‬
‫النقطة الناقد غيرتسن في مقالته "عــودة إلــى بــازاروف" الــتي‬
‫نشرها في جريدته "الناقوس" التي كانت تصدر في لندن )‪(37‬‬
‫‪ .‬فلقد آمن بازاروف بضرورة هدم القديم‪ ،‬من أجل بناء الجديد‪.‬‬

‫يي"‬ ‫يي ييييي‬ ‫يييي "يييي‬ ‫يي‬


‫ي‪:‬‬ ‫ي يييي‬ ‫ييييييي‬
‫كتب ميخائيل نعيمه )‪ (1988-1889‬مسرحيته النفة الذكر‬
‫‪- 196 -‬‬
‫في عام ‪ 1917‬في مدينة نيويــورك بطـل هـذه المســرحية داود‬
‫يؤمن بأفكار تولستوي‪.‬‬
‫عالج ميخائيل نعيمه في هــذه المســرحية الموضــوع نفســه‬
‫الذي عالجه تورغينيف فــي روايتــه‪ ،‬وهــو صــراع الجيــال‪ .‬ينظــر‬
‫الباء إلى الحياة نظــرة تختلـف عــن نظـرة البنـاء‪ ،‬الــذين رغـم‬
‫خــبرتهم المحــدودة فــي الحيــاة‪ ،‬أكــثر صــوابا ً مــن البــاء‪ ،‬فهــم‬
‫بحسهم السليم‪ ،‬وقلبهم النير يهتدون إلى الصراط المستقيم‪.‬‬
‫ومع أن ميخائيل نعيمه ينكر وجــود تــأثير لتــور غينيــف علــى‬
‫ن الدكتورة دالينينا أثبتــت وجــود هــذا التــأثر فــي‬ ‫مسرحيته‪ ،‬إل أ ّ‬
‫مقال لها نشرته جامعة لينينغراد‪. (38).‬‬
‫موضــوح "البــاء والبنيــن" فــي كتــاب النــبي لجــبران خليــل‬
‫جبران‪:‬‬
‫خصــص جــبران خليــل جــبران )‪ (1931-1883‬فــي كتــابه‬
‫"النبي")‪ (1923‬فصل ً عن البناء ويقول النبي عن الولد‪:‬‬
‫ن أولدكم ليسوا أولدا ً لكم‪.‬‬ ‫"إ ّ‬
‫إّنهم أبناء وبنات الحياة المشتاقة إلى نفسها‪..‬‬
‫أنتم القواس‪ ،‬وأولدكم سهام مرمية قــد رمــت بهــا الحيــاة‬
‫عن أقواسكم‪.(39)".‬‬
‫ممممم‪ :‬وهكذا فإن البناء هم المستقبل‪ ،‬وإن كانت لهــم‬
‫علقة بالماضي الذي صنعه الباء‪ .‬وسيصبح البناء آباًء‪ .‬كما كــان‬
‫ن المواضيع المشــتركة فــي الكتــب الثلثــة‬ ‫الباء أبناء‪ .‬وهكذا فإ ّ‬
‫"الخــوة كارامــازوف" "والنــبي"‪" ،‬مــرداد" كــثيرة‪ .‬فلقــد عالــج‬
‫الكتاب الثلثة موضوع المحبة والعطاء والتضحية من وجهة نظر‬
‫ل واحدٍ منهــم أصــالته وخصوصــيته‪.‬‬ ‫تكاد تكون واحدة‪ .‬وتبقى لك ّ‬
‫ولقــد اطلــع هــؤلء الكت ّــاب علــى الثقافــة الغربيــة فلقــد أتقــن‬
‫دوستيفسكي اللغة الفرنسية وترجم منها أحــد مؤلفــات بلــزاك‪،‬‬
‫وكانت هذه الترجمة جيدة‪ ،‬وهي فاتحة نشاطه الدبي‪ ،‬كما أتقن‬
‫جبران خليــل جـبران اللغـة النكليزيــة وكتـب قسـما ً كـبيرا ً مـن‬
‫مؤلفاته باللغة النكليزية المذكورة‪ .‬وأتقن ميخائيل نعيمـه اللغـة‬
‫الروســية‪ ،‬ونظــم قصــيدة "النهــر المتجمــد" باللغــة المــذكورة‪،‬‬
‫وكذلك أتقن اللغة النكليزية‪ ،‬وبها كتــب "مــرداد" وكــذلك أتقــن‬
‫اللغة الفرنسية‪ ،‬أيّ أنهم كّتاب منفتحون على الغرب غرفوا من‬
‫ثقافة عصــرهم المتعــددة والواســعة‪ .‬أمــا التــأثير المباشــر فهــو‬
‫قليل‪ ،‬وذلك بسبب أصــالة هــؤلء الكت ّــاب‪ ،‬فلــم يكــن جــبران أو‬
‫نعيمه كاتبين مقلدين‪.‬‬
‫‪‬‬
‫ييي‪:‬‬ ‫يييي‬ ‫‪‬‬
‫‪-1‬نعيمه‪ ،‬ميخائيل‪ ،‬أبعد من موسكو ومن واشــنطن‪ ،‬المؤلفــات الكاملــة‪ ،‬المجلــد‬
‫السادس‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار العلم للمليين‪ 1972 ،‬ص ‪210‬‬
‫‪-2‬نعيمــه‪ ،‬ميخائيــل‪ ،‬دروب‪ ،‬ماهيــة الدب ومهمتــه‪ ،‬المؤلفــات الكاملــة المجلــد‬
‫السادس‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار العلم للمليين‪ 1972 ،‬ص ‪34‬‬
‫‪-3‬دوستيفسكي‪ ،‬فيدور‪ ،‬الخوة كارامازوف‪ ،‬المجلــد الول موســكو دار رادوغــا‪) ،‬‬
‫‪(1988‬‬
‫ص) ‪(664 -663‬‬
‫‪-4‬جبران‪ ،‬خليل جبران المؤلفات الكاملة المعربة‪ .‬النبي‪ .‬بيروت ‪ 1964‬ص ‪87‬‬
‫‪-5‬المصدر السابق ص ‪88‬‬

‫‪- 197 -‬‬


‫‪-6‬دوستيفسكي‪ ،‬الخــوة كارامـازوف‪ ،‬المجلـد الول‪ .‬موسـكو‪ ،‬دار رادوغــا ‪1988‬‬
‫ص ‪154‬‬
‫‪-7‬المصدر السابق ‪127‬‬
‫‪-8‬المصدر السابق ص ‪35‬‬
‫‪-9‬دوستيفســكي‪ ،‬فيــدور‪ ،‬الجريمــة والعقــاب الجــزء الول‪ ،‬موســكو دار رادوغــا‪،‬‬
‫‪ 1989‬ص ‪14‬‬
‫‪-10‬دوستيفسكي‪ ،‬الخوة كارامازوف‪ ،‬المجلد الول مصدر سابق ص ‪291 -290‬‬
‫‪-11‬المصدر السابق ص ‪499‬‬
‫‪-12‬دوستيفسكي‪ .‬الخوة كارامازوف‪ ،‬المجلد الول ص ‪500‬‬
‫‪-13‬المصدر نفسه ص ‪520‬‬
‫‪-14‬المصدر نفسه ص ‪536‬‬
‫‪-15‬أ‪.‬أ‪ .‬روما يانتسفا‪ ،‬فيدور ميخــايلوفيتش دوستيفســكي‪ .‬لينينغــراد‪ 1971 ،‬ص ‪8‬‬
‫)باللغة الروسية( ‪.‬‬
‫‪-16‬توفيق الحكيم‪ .‬الملك أوديب القاهرة الطبعة التاسعة ‪ 1985‬ص ‪140‬‬
‫‪-17‬المصدر نفسه ص ‪64‬‬
‫‪-18‬سوفوكليس أوديب‪ -‬ملكـًا‪ .‬ترجمــة الــدكتور طــه حســين‪ .‬القــاهرة ‪ 1972‬ص‬
‫‪153‬‬
‫‪-19‬المصدر نفسه ص ‪158‬‬
‫‪-20‬أرسطو‪ ،‬في الشعر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬وزارة الثقافة ‪ 1967‬ص ‪ 106‬وكذلك ص ‪156‬‬
‫‪-21‬فرويد‪ .‬تفسير الحلم‪ .‬القاهرة دار المعارف‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1969‬ص ‪278‬‬
‫‪-22‬سوفوكليس‪ .‬أدويب‪ .‬ملكـًا‪ .‬ترجمــة الــدكتور طــه حســين القــاهرة ‪ 1972‬ص‬
‫‪.140‬‬
‫‪-23‬ستارويفسكي‪ .‬النقد والدب‪ .‬دمشق‪ ،‬وزارة الثقافة والرشاد القــومي ‪1976‬‬
‫ص ‪272‬‬
‫‪-24‬توفيق الحكيم‪ ،‬أوديب الملك‪ .‬القاهرة الطبعة التاسعة ‪ 1985‬ص ‪194‬‬
‫‪-25‬شكسبير‪ ،‬هاملت‪ ،‬ترجمة خليل مطران‪ .‬القاهرة‪ .‬دار المعارف ص ‪46‬‬
‫‪-26‬الداب الجنبية‪.‬اتحاد الكتاب العرب العدد ‪ 71‬عام ‪ 1992‬ص ‪67‬‬
‫‪-27‬فرويد‪ ،‬تفسير الحلم‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار المعارف الطبعة الثانية ‪ 1969‬ص ‪280‬‬
‫‪-28‬فرويــد‪ .‬معــالم التحليــل النفســي‪ .‬القــاهرة‪ .‬دار الشــروط الطبعــة السادســة‬
‫‪ 1986‬ص ‪114‬‬
‫‪-29‬تاريــخ الدب الروســي فـي القـرن التاســع عشـر الجــزء الثــاني‪ .‬موســكو دار‬
‫التنوير‪ 1971 ،‬ص ‪113‬‬
‫‪-30‬مكسيم غوركي‪ .‬المؤلفات الكاملة في ثلثين مجلدًا‪ .‬المجلد ‪ 27‬ص ‪514‬‬
‫‪-31‬دوستيفسكي الخوة كارامازوف‪ ،‬موسكو المجلد الثاني ص ‪614‬‬
‫‪-32‬المصدر نفسه ص ‪615‬‬
‫‪-33‬المصدر نفسه ص ‪638‬‬
‫‪-34‬المصدر نفسه المجلد الول ص ‪409‬‬
‫‪-35‬المصدر نفسه المجلد الثاني ص ‪709‬‬
‫‪-36‬رسائل كافيلين وتورغينيف إلى غيرتسن‪ ،‬جنيف ‪ 1898‬ص ‪146‬‬
‫‪-37‬غيرتسن‪ ،‬المؤلفات الكاملة‪ ،‬المجلد الثامن موسكو ‪ 1858‬ص ‪379‬‬
‫‪-38‬دالينيا الباء والبنــون لميخائيــل نعيمــه‪ .‬مجلــة جامعــة لينينغــراد ‪ 1946‬العــدد‬
‫‪20‬ص ‪66‬‬
‫‪-39‬جبران خليل جبران‪ ،‬المؤلفات الكاملة‪ ،‬بيروت ‪ 1964‬ص ‪91-90‬‬

‫‪‬‬

‫‪- 198 -‬‬


‫الفصل الثاني‬
‫بعض مؤثرات رواية‬
‫"الجريمة والعقاب"‬
‫لدوستيفسكي‬
‫في رواية نجيب محفوظ "اللص‬
‫والكلب"‬
‫صدرت رواية "اللص والكلب" في عام ‪ 1961‬أيّ بعد ثورة‬
‫‪ 23‬تمــوز بتســع ســنوات وبعــد صــدور روايــة دوستيفســكي‬
‫ن الرواية الروســّية‬ ‫"الجريمة والعقاب" بخمسة وتسعين عاما ً ل ّ‬
‫المذكورة صدرت في عام ‪.1866‬‬
‫‪-1‬صدرت الروايتان في مرحلتين تاريخيتين متشابهتين فلقد‬
‫صدرت الولى بعـد إلغـاء نظـام القنانـة بمـوجب القـانون الـذي‬
‫أصدره القيصر في شباط عام ‪ 1861‬وبموجبه حصل الفلحــون‬
‫على حريتهم الجزئية ويعد هذا القانون الجديد ثــورة ولكــن قــام‬
‫بها القيصر نفسه متفادي ـًا‪ ،‬بــذلك الثــورة كــان يمكــن أن تنفجــر‬
‫وتقضي على حكمه وامتيازات القطاع المستفيدين مـن الحكـم‬
‫ة‬
‫فأقدم القيصر على ثورةٍ أجراها بنفسه لكي يتخلــص مــن ثــور ٍ‬
‫كان يمكن أن يقوم بها الشعب نفسه‪.‬‬
‫ولو أّنها قــامت لقتلعــت النظــام مــن جــذوره‪ ،‬إذن صــدرت‬
‫رواية دوستيفسكي )‪ (1881-1821‬في بدايــة مرحلــة تاريخيــة‬
‫جديدة في حياة الشعب الروسي‪.‬‬
‫وكذلك فلقد صدرت رواية نجيب محفوظ في بداية مرحلــةٍ‬
‫جديدةٍ في حياة الشعب العربي في مصر‪ ،‬وهي المرحلــة الــتي‬
‫ن تحقيــق‬‫أعقبت الثورة التي أطاحت بالنظام الملكي وأعلنــت أ ّ‬
‫ل غيــر‬
‫موزعة بشك ٍ‬ ‫الشتراكية من بين أهدافها وأن ثروات البلد‬
‫ل ول بد من إعادة توزيع هذه الثروات توزيعا ً يضمن لغلبيــة‬ ‫عاد ٍ‬
‫السكان حياة كريمة وقسمه عادلة من ثروات مصر‪.‬‬
‫وبكلمةٍ واحـدةٍ نـادت فـي تلـك الفـترة شـريحة كـبيرة مـن‬
‫مثقفي مصر بتطبيق الشتراكية‪.‬‬
‫وكذلك كان المر في الفــترة الـتي كتــب بهــا دوستيفسـكي‬
‫روايته ففــي تلــك الفــترة كــانت تنظيمــات سياســية كــثيرة فــي‬
‫روسيا تنادي بالنظام الشتراكي‪.‬‬
‫‪-2‬فمــا هــو موقــف دوستيفســكي مــن الشــتراكية؟ وكيــف‬
‫طرح هذا الموضوع في روايته؟ وما موقف نجيب محفــوظ مــن‬
‫الشتراكية؟ وكيف عالج الموضوع في روايته؟‬
‫ما موقف دوستيفسكي من الشتراكية فنستطيع أن نعرفه‬ ‫أ ّ‬
‫من سيرة حياته ومن خلل إطلعنا على مقالته الجتماعية التي‬
‫‪- 199 -‬‬
‫ت ثلث وهــي "العصــر" و"الزمــن" و"يوميــات‬ ‫نشرها فــي مجل ٍ‬
‫كاتب"‪.‬‬
‫وكذلك نستطيع أن نعرف موقف الكاتب المذكور من خلل‬
‫قراءتنا لعمــاله البداعيــة وهــي الروايــات والقصــص القصــيرة‪،‬‬
‫التي تركها لنا وتأتي رواية الجريمة والعقاب في مقدمة روايــاته‬
‫الفكرية‪.‬‬
‫أما موقفه من الفكر الشتراكي في تلك الفترة الــتي كتــب‬
‫فيها الرواية المذكورة فهو يشكك في صحة هذا الفكر‪.‬‬
‫ن دوستيفسكي يدين الممارسات الخاطئة‬ ‫وهناك من يرى أ ّ‬
‫باسم تطبيق الشتراكية ولكن الحقيقــة أن دوستيفســكي يــدين‬
‫الشتراكية والشتراكيين وليس فقــط الممارســات الخــاطئة ول‬
‫يكتفي بإدانة الساليب التي قد يمارســها بعــض الشــتراكيين إل‬
‫أّنه يدين الشتراكية بحد ّ ذاتها‪ .‬مع احترامه العظيم لبواعثها‪.‬‬
‫وقــد يتســاءل البعــض هــل يعقــل هــذا‪ ،‬بعــد أن انضــم‬
‫ة‬
‫دوستيفســكي فــي فــترةٍ معينـةٍ مــن حيــاته لمنظمــة اشــتراكي ٍ‬
‫متطرفة وقضى فترة ً من حياته بسببها في السجن وحكم عليــه‬
‫بالعدام؟ وكاد أن ينفـذ حكـم العـدام ورأى المـوت بـأم عينيـه‬
‫وبعد ذلك حكم عليه بالعمال الشاقة في ســبيريا‪ ،‬مــدة عشــرة‬
‫أعــوام ونفــذ الحكــم‪ .‬قضــى منهــا أربعــة أعــوام فــي العمــال‬
‫الشاقة‪ ،‬وستة أعوام في الجنديــة بعيــدا ً عــن الوســاط الدبيــة‪.‬‬
‫يجيب دوستيفسكي عن هذا التساؤل بــأّنه بعــد تنفيــذه العمــال‬
‫الشاقة بد ّ‬
‫ل معتقداته‪.‬‬
‫ما نجيب محفوظ ذلك الكاتب الــذي ل تشــبه ســيرة حيــاته‬ ‫أ ّ‬
‫دل‬‫ب الحيــاة الهــادئة ول يريــد أن يب ـ ّ‬ ‫دوستيفسكي فهو يح ـ ّ‬ ‫حياة‬
‫فيها شيئا ً حتى إّنه رفض السفر إلى السويد لتسلم جائزة نوبــل‬
‫للداب في عام ‪ 1988‬لكي ل يغيــر ولــو ليــوم ٍ واحــد شــيئا ً مــن‬
‫بالسـفر إلـى السـويد‬ ‫نظام حياته الرتيب‪ ،‬وكلـف أفـراد أسـرته‬
‫لتسـّلم جــائزة نوبــل أي أنــه لــم يتســلم الجــائزة بنفســه‪ ،‬لكنــه‬
‫أعطاها لسرته وبذلك فإن حيــاته الهــادئة الرتيبــة‪ ،‬تختلــف عــن‬
‫حياة دوستيفسكي المتقلبة والصاخبة والمتناقضة‪.‬‬
‫ما موقف نجيــب محفــوظ مــن الشــتراكية فهــو ل يختلــف‬ ‫أ ّ‬
‫كثيرا ً عن موقف دوستيفسكي الذي يدين الشتراكية بحد ّ ذاتهــا‪،‬‬
‫ول يعقل أنه يدين فقط الممارسات الخاطئة باسم الشــتراكية‪،‬‬
‫ن مــاركس )‬ ‫لّنه لو كان كذلك لما اختلــف عــن الماركســيين‪ ،‬ل ّ‬
‫‪ (1883-1818‬نفســه أدان ممارســات المتطرفيــن الفوضــوية‬
‫لبعــض التنظيمــات الشــتراكية‪ .‬ولينيــن نفســه انتقــد مثــل هــذه‬
‫الممارسات في كتابه "مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية"‬
‫ولكان موقف دوستيفسكي من أخطاء الشيوعيين متطابق ـا ً مــع‬
‫موقف كارل ماركس )‪ (1883-1818‬وفلديمير لينين‬
‫)‪ (1870-1924‬إل أّنه ليس كذلك لنه يدين الشتراكية نفســها‬
‫ول يكتفي بإدانة بعض أساليب تطبيقها‪.‬‬
‫‪-3‬بنيت رواية "الجريمــة العقــاب" علــى أســاس حــوارٍ بيــن‬
‫مؤلفها وبين أحد كبار الشــتراكيين الروســي آنــذاك وهــو تشــير‬
‫نيشيفسكي )‪ (1889-1828‬ولقد بدأ دوستيفسكي حــواره مــع‬
‫تشير نيشيفسكي في روايته السابقة في القبو التي صدرت في‬
‫عام ‪ 1864‬واستمر يحاوره في روايــة الجريمــة والعقــاب الــتي‬
‫صدرت بعد عامين من صدور رواية "في القبو"‪.‬‬
‫كــان تشــير نيشيفســكي يــرى ضــرورة بنــاء المجتمــع علــى‬
‫أساس معطيات العلم والعقل ويرى ضــرورة تجاهــل العواطــف‬
‫ن هـذا البنـاء‬ ‫ل مـا لــه علقــة بـالقلب وكــان يــرى أ ّ‬ ‫النسانية وك ّ‬
‫يمكن تحقيقه ومن الضروري الوصول إليه‪.‬‬
‫‪- 200 -‬‬
‫كان دوستيفسكي يرى أن الحياة النسانية ل يمكن أن تبنى‬
‫ن الســلوك النســاني ل‬ ‫ـدهما‪ ،‬ل ّ‬ ‫على أساس العلــم والعقــل وحـ‬
‫القلــب‪ ،‬وتحركــه أحيانـا ً‬ ‫يخضع دائما ً للعقل وإّنما ينبع أحيانا ً مــن‬
‫دوافع اللشعور التي ل يستطيع العقل والعلم معرفتها وبالتــالي‬
‫ل يعرفان كيفية التحكم بها والسيطرة عليها‪.‬‬
‫ن النجـازات العلميـة‪ ،‬حـتى زمننـا‬ ‫ويـؤمن دوستيفسـكي بـأ ّ‬
‫ل شــيء عــن النفــس البشــرية‬ ‫الحاضر لم تتمكن من معرفة كـ ّ‬
‫ن سـلوك النسـان غـامض‬ ‫عنهـا فــي المســتقبل‪ ،‬ل ّ‬ ‫ولن تعــرف‬
‫وسيبقى غامضًا‪.‬‬
‫ن‬‫ويتابع دوستيفسكي جدله مع تشــير نيشيفســكي‪ ،‬ويــرى أ ّ‬
‫المجتمع الذي يبنى على معطيـات العقــل والعلــم وحــدهما‪ ،‬هــو‬
‫ن النسان الذي يتصف بالوجــدان والضــمير‬ ‫مجتمع ل أخلقي وأ ّ‬
‫ل يقبــل أن يبنــى المجتمــع دون الخــذ بعيــن العتبــار عواطــف‬
‫القلب وعالم اللشعور وحول هذا الجدل تدور روايــة "الجريمــة‬
‫والعقاب"‪.‬‬
‫‪-4‬اســم بطــل الروايــة راســكو لنيكــوف كــان قبــل قيــامه‬
‫بجريمته طالبا ً في الجامعــة‪ ،‬بكليــة الحقــوق ول بــأس بالشــارة‬
‫ن رؤوف علوان أحد الشخصيات الرئيسية في رواية اللص‬ ‫إلى أ ّ‬
‫والكلب أيضا ً كان طالبا ً في كلية الحقوق‪.‬‬
‫ومـا حاجـة الكـاتبين إلـى هـذا الختصـاص؟ أي لمـاذا جعـل‬
‫نجيب محفوظ أحد أبطال روايته‪ ،‬وهو المحــرض علــى الســرقة‬
‫ن الموضوع فــي الروايــة يــدور حــول‬ ‫طالبا ً في كلية الحقوق؟ ل ّ‬
‫الجريمــة والعقــاب ولهــذا الموضــوع صــلة وثيقــة بــالعلوم الــتي‬
‫يدرسها طلب كلية الحقوق‪.‬‬
‫راسكو لنيكوف مثقف قرأ الكثير مــن الكتــب ويســتطيع أن‬
‫يقوم بالترجمة كما هو واضح من أحداث الرواية‪ ،‬وكما أنـه قبــل‬
‫إقدامه على جريمة القتل والسـرقة والنهـب نشـر مقالـة هامـة‬
‫في جريدة "الحديث الدوري" وكانت رأس الخيــط الــذي عــرف‬
‫من خلله المحقق بور فيري بتروفتش‪ .‬أّنه هو القاتل والســارق‬
‫وكان يعطــي دروسـا ً خصوصــية بهــدف الحصــول علــى النقــود‪،‬‬
‫وبطل رواية "اللص والكلب" أيضا ً مثقف ولنر مــاذا يقــول عــن‬
‫نفسه مخاطبا ً رؤوف علــوان الــذي شــجعه فــي الماضــي علــى‬
‫السرقة‪" :‬أنا مثقف وتلميــذ قــديم لــك قــرأت تلل ً مــن الكتــب‪،‬‬
‫بارشادك وطالما شهدت لي بالنجابة‪. (1)".‬‬
‫إذا ً هو يعتبر نفسه مثقفًا‪ ،‬ويقول إّنه قرأ تلل ً من الكتب‪.‬‬
‫‪-5‬راســكو لينكــوف لــص غيــر عــادي أقــدم علــى الســرقة‬
‫والنهب والقتل‪ ،‬قتل العجوز المرابية وأختها‪.‬‬
‫وسعيد مهران بطــل روايــة اللــص والكلب أيض ـا ً لــص غيــر‬
‫عادي أقدم على عدد من السرقات‪ ،‬ولكنه مثل راسكو لينكوف‬
‫لص غير عادي‪ ،‬لّنه ل يريــد الســرقة مــن أجــل الحصــول علــى‬
‫ل ومعقول‪.‬‬ ‫ل عاد ٍ‬
‫المال بقدر ما يريد إعادة توزيع الثروات بشك ٍ‬
‫ن الــدوافع الــتي دفعــت راســكو لينكــوف بطــل روايــة‬ ‫‪-6‬إ ّ‬
‫الجريمــة والعقــاب شــبيهة بالــدوافع الــتي كــانت وراء جــرائم‬
‫ن أســباب‬ ‫وسرقات سعيد مهران بطل رواية "اللص والكلب" إ ّ‬
‫قيام راسكو لينكوف بجريمته كثيرة جدا ً ول تحصى وتكاد تكــون‬
‫غيبية أو قدرية‪ ،‬وكأن القــدر أراد أن يقــوم هــذا الشــاب بالــذات‬
‫بهذه الجريمة‪ ،‬ولننظر إلى الدوافع‪ :‬إن دوافع قتل العجــوز لــدى‬
‫راسكو لينكوف موجودة منذ الصفحة الولى من الرواية‪.‬‬
‫فيــذهب فــي الفصــل الول ليــرى بيــت العجــوز المرابيــة‬
‫مـا فـي الفصـل الثـاني فيتعـرف‬ ‫وليعرف كيفية تنفيذ الجريمـة أ ّ‬
‫‪- 201 -‬‬
‫على أسرة مـارميلدوف‪ ،‬إذ تضـطر ابنـة مــارميلدوف إلــى بيــع‬
‫ن الفتــاة الشــريفة ل‬ ‫جسدها من أجل الحصول علــى النقــود‪ ،‬ل ّ‬
‫تستطيع أن تكسب مال ً كثيرا ً إذا كانت شريفة‪ ،‬وذهبــت وبــاعت‬
‫ن أخوتها الصغار لــم يــذوقوا طعــم الغــذاء خلل ثلثــة‬ ‫جسدها ل ّ‬
‫ن أخوتها هم من زوجــة أبيهــا‪ ،‬فهــي‬ ‫أيام ول بأس بالشارة إلى أ ّ‬
‫ضحت بنفسها من أجل صغار امرأة أبيها‪.‬‬
‫إذن هذا هو الدافع الول وهــو تخليــص أســرة مــارميلدوف‪،‬‬
‫وابنته بالذات من الوضع المهين المذل‪ ،‬فلذلك فهو يحتــاج إلــى‬
‫نقود العجوز المرابية‪ ،‬لنقاذ ابنـة مـارميلدوف وأسـرته بكاملهـا‬
‫من البؤس والفقر والحرمان‪.‬‬
‫ما الدافع الثاني فكانت الرسالة التي اســتلمها مــن والــدته‬ ‫أ ّ‬
‫وتتحدث فيها عن وضع أخته دونيا الـتي تعمـل خادمـة فـي بيـت‬
‫سفيد ريغالوف‪ ،‬ومحاولة هذا الخير الساءة إليهــا وقــد طردتهــا‬
‫صاحبة البيت وحرمت من تربية الطفال ومن التدريس مع أنهــا‬
‫بريئة ومظلومة وبعد ذلك تقدم لطلب يدها محام ٍ اسمه لوجين‪،‬‬
‫ووافقت علـى الرغـم مـن أّنهـا غيـر مقتنعـة بـه‪ ،‬فشـعر أخوهـا‬
‫ن هذا الزوج الشرعي ل يختلف كثيرا ً عن بيــع‬ ‫راسكو لنيكوف بأ ّ‬
‫الجسد الذي أقدمت عليه صونيا مارميلدوف‪ ،‬تلك أقدمت علــى‬
‫هذا العمل المهين لتنقذ الطفال من الموت جوعًا‪ ،‬ودونيا تقــدم‬
‫على الزواج من هذا المحامي المتقــدم فــي الســن‪ ،‬والوصــولي‬
‫لتنقذ أسرتها مـن الفقـر‪ ،‬فــرأى راسـكو لنيكـوف ضـرورة قتــل‬
‫العجوز المرابية لتخليص أسرته وأسرة مارميلدوف مــن العــوز‬
‫والحرمان والجوع بنقود العجوز المرابية‪.‬‬
‫ب‬‫ط وطــال ٍ‬ ‫الــدافع الثــالث هــو الحــديث الــذي دار بيــن ضــاب ٍ‬
‫وسمعه راسكولينسكوف قال الطالب عن العجوز المرابية‪ ،‬إنها‬
‫غنية ول تقرض مــن المــال إل مبلغـا ً يســاوي ربــع قيمــة الرهــن‬
‫وتتقاضى فائدة شهرية عن أموالها مقدارها خمســة فــي المــائة‬
‫بل وسبعة وعندها أخت غير شقيقة تستغلها العجوز كما تستغل‬
‫الناس كّلهم ولقد أوصت بأموالها بعد موتها لحد الديرة‪ ،‬وذلــك‬
‫من أجل الصــلوات الدائمــة علــى روحهــا‪ ،‬وطلــب الطـالب مــن‬
‫الضابط أن يفكر قليل ً بالمعادلــة التاليــة‪ :‬هنــاك مــن جهــة أولــى‬
‫امرأة عجوز غبية سخيفة شريرة خبيثة مريضــة ل قيمــة لهــا ول‬
‫فائدة منها لحد بل هي ضارة لجميــع النــاس ول تعــرف لحياتهــا‬
‫هدفًا‪ ،‬وستموت في القريب ميتتها الطبيعية‪.‬‬
‫"وهناك من جهة ثانيـة قـوى فتيـة شـابة نضـرة تضـيع لّنهـا‬
‫مة مئة‬ ‫ن إن ث ّ‬ ‫ل مكا ٍ‬‫محرومة من المساعدة وتعد باللوف في ك ّ‬
‫ل خيـرٍ أو مبـادرة رائعـة يمكـن التحريـض عليهـا أو‬ ‫أو ألـف عمـ ٍ‬
‫ر‪.‬‬‫إصلح حالها بمال العجوز‪ ،‬وبهذا المال الموقوف على دي ٍ‬
‫ت وربما ألوفا ً من الفراد الــذين يمكــن وضــعهم‬ ‫ن ثمة مئا ٍ‬ ‫إ ّ‬
‫ت مــن الســر‬ ‫بهذا المال على الطريق القــويم‪ .‬إن ثمــة عشــرا ٍ‬
‫يمكن إنقاذها بهذا المال مــن الفقــر المــدقع والتحلــل الخلقــي‬
‫والــدمار والفســاد ومستشــفيات المــراض التناســلية فمــاذا لــو‬
‫قتلت هذه العجوز وأخذ مالهــا ثــم وقــف علــى خدمــة النســانية‬
‫ن‬
‫بأسرها‪ ،‬علــى خدمــة قضــية جميــع البشــر؟ مــاذا؟ أل تعتقــد أ ّ‬
‫جريمة طفيفة كهذه الجريمة ستمحوها ألوف العمال الخيرة؟‬
‫ف غيــره مــن‬ ‫إننا بقتل فرد واحد نستطيع أن ننقذ حيــاة ألــو ٍ‬
‫الفسـق والفسـاد والتحلــل يمــوت واحـد ليعيـش مئات‪ ،‬مسـألة‬
‫حسابية")‪. (2‬‬
‫ن نظــام الطبيعــة يحميهــا ويــرد الطــالب‬ ‫ّ‬ ‫ـأ‬
‫ـ‬ ‫ب‬ ‫ـابط‬ ‫ـ‬ ‫الض‬ ‫ويجيبه‬
‫يجب تقــويم نظــام الطبيعــة وإل غرقنــا فــي الوهــام والباطيــل‬
‫وأعجبت راسكو لينكــوف هــذه المعادلــة الحســابية‪ ،‬واقتنــع بهــا‬
‫ن العجوز ستكون وحيدة في اليوم التالي فــي‬ ‫وعرف بالصدفة أ ّ‬
‫‪- 202 -‬‬
‫تمام الساعة السابعة‪ ،‬وبذلك حدد ســاعة الصــفر وهــي بالفعــل‬
‫ن دوستيفسكي يرمز بشخصية العجوز المرابية‬ ‫ساعة الصفر‪ ،‬ل ّ‬
‫إلى النظام القديم الفاسد المهترئ والذي سيموت حتما ً بشــكل‬
‫طبيعي‪.‬‬
‫وترمــز شخصــية راســكو لنيكــوف إلــى المســتقبل أو إلــى‬
‫الجيل الثـائر الــذي يقضــي علــى الماضــي ويــدمره ليبنــي علــى‬
‫أنقاضه المستقبل العادل‪.‬‬
‫ن ساعة قتل العجوز تعنــي ســاعة القيــام بــالثورة‬ ‫وبذلك فإ ّ‬
‫الشتراكية‪ ،‬الــتي تحقــق العــدل وتعيــد توزيــع الــثروات الماديــة‬
‫ن المعادلة التي يطرحهــا الطــالب علــى الضــابط‬ ‫توزيعا ً عادل ً وإ ّ‬
‫والتي تقول بإن قتل عجــوز مرابيــة شــريرة‪ ،‬لتخليــص بأموالهــا‬
‫آلف النــاس المظلــومين‪ ،‬هــي المعادلــة ذاتهــا الــتي نــادى بهــا‬
‫الشتراكيون‪ ،‬وهي القضاء على مصالح القطــاع والرأســماليين‬
‫من أجل إنصاف العمال والفلحين المظلومين والذين يشــكلون‬
‫الغلبية الساحقة من أبناء المجتمع‪.‬‬
‫وتتطلب الثـورة الفكـر والسـلح‪ ،‬وكمـا رأينـا فـإن الحـديث‬
‫سد‬‫ب وضابط ويج ّ‬ ‫الذي دار حول هذه المعادلة قد جرى بين طال ٍ‬
‫الطالب القــوة الفكريــة الــتي تحتــاج إليهــا الثــورة أمــا الضــابط‬
‫فيرمز إلى قوة السلح‪ ،‬التي ل يمكن للثورة أن تستغني عنها‪.‬‬
‫‪-7‬هذه هي بعض الدوافع التي بررت قيــام راســكو لنيكــوف‬
‫بالجريمة وهــي فــي مجملهــا تنــادي برفــع الظلــم عــن المــذلين‬
‫والمهانين في المجتمع‪ ،‬فهل هذه الدوافع تشبه تلك التي دفعت‬
‫سعيد مهران في رواية "اللص والكلب"‪ ،‬إلى القيام بالســرقة؟‬
‫ولنرجع إلى الرواية المذكورة‪.‬‬
‫ن ظــروف الحيــاة الصــعبة‪ ،‬والحاجــة الماســة هــي الــتي‬ ‫إ ّ‬
‫أجبرت سعيد مهران‪ :‬على السرقة ولم تكن الحاجة وحدها هــي‬
‫السبب في إقـدام سـعيد مهـران علـى السـرقة‪ ،‬فكـانت هنـاك‬
‫مــبررات فكريــة أقنعــه بهــا رؤوف علــوان الطــالب فــي كليــة‬
‫ب كــثيرة تـدين الوضـاع‬ ‫الحقوق الـذي شـجّعه علـى قــراءة كتـ ٍ‬
‫الجتماعيــة والقتصــادية وتنــادي بإعــادة أرزاق المقهــورين فــي‬
‫ن الغنيــاء ســلبوا أرزاق الفقــراء‪ ،‬وتقضــي العدالــة‬ ‫المجتمــع ل ّ‬
‫ن سعيد مهــران يعب ّــر‪،‬‬ ‫بسلب الغنياء‪ ،‬لعادة الحق إلى نصابه‪ ،‬إ ّ‬
‫كما يقول عن مطالب المليين فيقول‪" :‬ومأساتي الحقيقية أنّني‬
‫رغم تأييد المليين أجدني‪ ،‬فــي وحــدة مظلمــة بل نصــير‪ ،‬ضــياع‬
‫غير معقول")‪. (3‬‬
‫ّ‬
‫ولقد قال رؤوف علوان وهو المنظر فـي هـذه الروايـة عـن‬
‫وضون الركان")‪. (4‬‬ ‫سعيد مهران‪" :‬سيكون ممن يق ّ‬
‫ة‬
‫فإذن يدور الحديث حول هــذا النظــام‪ ،‬وليــس حــول ســرق ٍ‬
‫ة‪ ،‬ويصف ســعيد مهــران كلمــات رؤوف علــوان بأنهــا تــد ّ‬
‫ل‬ ‫فردي ٍ‬
‫على أّنه "الطالب الثائر‪ ،‬الثورة في شكل طالب")‪. (5‬‬
‫ن السرقات الفردية ل قيمة لها‪،‬‬ ‫وتوصل إلى نتيجةٍ مفادها أ ّ‬
‫ل بد ّ من التنظيم)‪ . (6‬لحظوا بأن الحديث يــدور حــول ضــرورة‬
‫التنظيم‪ ،‬وكما نعلم فإّنه جزء ل يتجزأ من الفكر الشتراكي قال‬
‫ن مـا يؤخـذ بالســرقة فبالسـرقة‬ ‫رؤوف علـوان‪" :‬أليــس عـدل ً أ ّ‬
‫يجب أن يسترد؟")‪. (7‬‬
‫ويقول أيضـا ً مخاطبـا ســعيد مهــران‪" :‬المســدس أهــم مــن‬
‫ً‬
‫الرغيف يا سعيد مهران‪ ،‬المسدس أهم مــن حلقــة الــذكر الــتي‬
‫تجري إليها وراء أبيك‪ ..‬ماذا يحتاج الفتى في هذا الوطن؟‪ ..‬إلـى‬
‫المســدس والكتــاب‪ ،‬والمســدس يتكفــل بالماضــي والكتــاب‬
‫بالمستقبل‪ ،‬تدرب واقرأ‪. (8).‬‬

‫‪- 203 -‬‬


‫ويتابع قوله‪" :‬سرقت؟ هل امتدت يدك إلــى الســرقة حقـًا؟‬
‫برافــو‪ ،‬كــي يتخفــف المغتصــبون مــن بعــض ذنبهــم‪ ،‬إن ّــه عمــل‬
‫مشروع يا سعيد")‪. (9‬‬
‫ن الحديث يدور حول قلــب النظــام‪،‬‬ ‫واضح من هذا الكلم‪ ،‬أ ّ‬
‫وليس حول السرقة بحد ّ ذاتها‪ ،‬والســارق هنــا ومعلمــه مثقفــان‬
‫الول قرأ تلل ً من الكتب‪ ،‬والثاني خريج كلية الحقوق‪ ،‬وصــحفي‬
‫كبير أو أصبح صحفيا ً كبيرا ً فيما بعد‪.‬‬
‫ن الـدوافع الــتي دفعـت راسـكو لينكــوف وســعيد‬ ‫وبذلك فــإ ّ‬
‫مهران للسرقة متشابهة فهي الحاجة الشخصية والنظرية الــتي‬
‫تنادي بقلب النظام الفاسد وإقامة النظام العــادل علــى أنقــاض‬
‫الماضي‪.‬‬
‫‪-8‬إن مكان أحداث رواية دوستيفسكي المــذكورة‪ ،‬ومعظــم‬
‫رواياته الخرى هو العاصمة بطرسبرج‪.‬‬
‫وكذلك المر بالنبسة لرواية نجيب محفوظ‪ ،‬تجري الحــداث‬
‫في رواية "اللص والكلب" في القاهرة عاصــمة مصــر‪ ،‬وكــذلك‬
‫تجري فيها أحداث معظم رواياته‪.‬‬
‫ما الزمان فأحداث رواية "الجريمة والعقاب" تجري فــي‬ ‫‪-9‬أ ّ‬
‫شهر تموز‪ ،‬تبدأ الرواية بالعبارة التالية" فــي اليــام الولــى مــن‬
‫شهر تموز في أثناء حرٍ شديد للغاية")‪. (10‬‬
‫وتجري أحــداث روايــة "اللــص والكلب" فــي الشــهر ذاتــه‪،‬‬
‫ن بطل الرواية أخلي سبيله من الســجن‬ ‫نستدل على ذلك من أ ّ‬
‫بمناسبة عيد ثورة ‪ 23‬تمــوز وبعــد إخلء ســبيله‪ ،‬تجــري أحــداث‬
‫الرواية‪ ،‬وتبدأ روايــة اللـص والكلب بالعبـارة ذاتهــا تقريبـا ً الــتي‬
‫بدأت بها رواية "الجريمة والعقاب" ولكن الجو غبار فائق‪ ،‬حر ل‬
‫يطــاق")‪ (11‬ل أدري لمــاذا أختــار الكاتبــان شــهر تمــوز زمن ـا ً‬
‫لحداث روايتيهما‪ ،‬يبدو أن الحر برأيهما تأثيرا ً على حدوث بعض‬
‫الجرائم‪.‬‬
‫‪-10‬يقتل راسكو لينكوف العجوز عــن عمـد ٍ وســابق إصــرار‬
‫وقصد دون أن يقّرعه ضميره‪ ،‬وهي برأيه تستحق الموت‪.‬‬
‫ولكن ما الذي حدث؟ لقد عادت أختها فــي اللحظــة الولــى‬
‫الـتي تلـت تنفيـذ جريمـة قتـل العجـوز‪ ،‬فـتزعزع إيمـانه بصــحة‬
‫نظريته‪ ،‬لنه أراد أن يقتل الظالمين فقط فقتل معهم البرياء‪.‬‬
‫أراد أن يقتل فقط العجوز فاضطر لقتل أختها أيض ـًا‪ .‬ويريــد‬
‫دوستيفسكي أن يقول في سـاعة قيــام الثــورة ضــد الظـالمين‪،‬‬
‫تهرق دمــاء كــثيرة بــريئة تهــرق دمــاء أولئك الــذين مــن أجلهــم‬
‫وباسمهم قامت الثورة‪.‬‬
‫والشـيء الثـاني الـذي أراد دوستيفسـكي أن يقـوله هـو أن‬
‫النسان ل يستطيع أن يعيش بالعقل والعلــم وحــدهما‪ ،‬لن ّــك إذا‬
‫عشت بالعقل وحده‪ ،‬وقلت إن اثنيــن زائد اثنيــن يســاوي أربعــة‬
‫فهذا صــحيح إذا درســنا الحسـاب‪ ،‬ولكـن هـذه المعادلـة ليسـت‬
‫دائما ً صحيحة في الحياة لن الحياة أوسع من الحساب‪.‬‬
‫خطط راسكو لنيكوف تخطيطا ً واضحا ً وسليما ً وصارما‪ ،‬كي‬
‫ً‬
‫ن الحسـاب ل يثبـت‬ ‫يقتل العجوز وحدها فاضـطر لقتـل أختهـا ل ّ‬
‫مصداقيته دائما ً في الحياة‪ ،‬ومن هنا نجــد مفاجــآت كــثيرة‪ ،‬فــي‬
‫ن الحياة تخرج خارج دوائر المخططات‬ ‫روايات دوستيفسكي‪ .‬ل ّ‬
‫كافة‪ ،‬وأنت كإنسان‪ ،‬تقرر شــيئًا‪ ،‬ولكــن هنــاك قــوى أقــوى مــن‬
‫النسان نفسه‪ ،‬أيضا ً تقرر أشياء أخرى ول يحسب النســان لهــا‬
‫حسابًا‪ ،‬ولذلك فل بد ّ من العيش ليس بالعقــل والعلــم وحــدهما‪،‬‬
‫وإنما أيضا ً بالقلب وبالعواطف‪.‬‬

‫‪- 204 -‬‬


‫ولهــذا يعــاني أبطــال دوستيفســكي الــذين يعتنقــون الفكــر‬
‫المادي الكثير من الحباط والفشل‪.‬‬
‫‪-11‬حدث مع ســعيد مهــران بطــل روايــة "اللــص والكلب"‬
‫المر ذاته الذي حدث مع راسكو لينكوف‪ .‬لقد أراد سعيد مهران‬
‫قتل عليش سدره‪ ،‬لّنه تزوج امرأتــه فــي أثنــاء اعتقــاله‪ ،‬فقتــل‬
‫بالخطأ شخصا ً آخر ليعرفه أبدا ً وهو شعبان حسين‪ .‬وهـو عامـل‬
‫فقير بمحــل الخــردوات‪ ،‬بعــد ذلــك أراد قتــل معلمــه‪ ،‬والطــالب‬
‫الثــائر ســابقًا‪ .‬والصــحفي الوصــولي حالي ـًا‪ ،‬لكنــه أخطــأ‪ .‬فقتــل‬
‫البواب المسكين‪ ،‬الــبريء الضــعيف وكمــا يقــول ســعيد مهــران‬
‫نفسه فإنه أراد زلزلة الكون من أساسه‪ ،‬فلم تصل يده إل إلــى‬
‫البرياء‪.‬‬
‫ً‬
‫ن المــر الثــاني الــذي جعــل كل مــن راســكو لينكــوف‬ ‫‪-12‬إ ّ‬
‫ن النــاس الــذين‬‫وسعيد مهران‪ ،‬يعيدان النظر في أفكارهما هو أ ّ‬
‫حمل السلح من أجلهم وباسمهم‪ ،‬يدينون سلوكيتهم‪.‬‬
‫ل يسـتطيع راســكو لينكــوف وسـعيد مهــران النســجام مــع‬
‫أقرب النــاس إليهمــا‪ ،‬ففــي روايــة "الجريمــة والعقــاب" يلتقــي‬
‫راسكو لينكوف‪ ،‬بعد تنفيذه جريمــة قتــل العجــوز وأختهـا يلتقــي‬
‫مه‪ ،‬وعلى الرغم من طول الفراق الذي طال مــدة ثلث‬ ‫أخته وأ ّ‬
‫سنوات‪ ،‬وهــو البــن الوحيــد والخ الوحيــد‪ ،‬وهــو متعلــم‪ ،‬وذكــي‬
‫وجميــل الطلعــة وتحب ّــه أمــه حب ّـا ً ل يوصــف‪ ،‬فلنــر كيــف التقــى‬
‫بوالــدته‪ ،‬كمــا يصــف اللقــاء دوستيفســكي‪" :‬كــانت أمــه وأختــه‬
‫ة‪ ،‬ولقد بكت المرأتــان كلتاهمــا‬ ‫تنتظران منذ ساعةٍ ونصف ساع ٍ‬
‫وعانتا عذابا ً شديدًا‪ ،‬خلل مدة النتظار هذه‪ ،‬التي دامــت ســاعة‬
‫ونصف ساعة‪.‬‬
‫ة‬
‫فلما ظهر راسكو لينكوف استقبلتاه بصيحات فرٍح ً وحماس ٍ‬
‫واندفعتا كلتاهما نحوه‪ ،‬لكن راسكو لينكوف لبث جامدا كجثة‪.‬‬
‫ن فكرة مفاجئة ل تطاق قد نزلــت عليــه نــزول الصــاعقة‪،‬‬ ‫إ ّ‬
‫ن ذراعيه لم ترتفعا لمعانقتهما فــإّنه لــم يكــن يملــك مــن‬ ‫حتى أ ّ‬
‫القوة ما يمكنه من ذلك‪.‬‬
‫م والخت إلى صــدريهما‪ ،‬وأغرقتــاه بالقبــل‪ ،‬وكانتــا‬ ‫شدّته ال ّ‬
‫د‪ ،‬فتقدم خطــوة وترنــح‪ ،‬ثــم هــوى‬ ‫ن واح ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫آ‬ ‫في‬ ‫وتبكيان‬ ‫تضحكان‬
‫علــى الرض مغشــيا عليــه")‪ (12‬ل يســتطيع راســكو لينكــوف‬
‫الجلوس والتحدث مع أقرب النــاس إليــه‪ ،‬مــع أّنهــم ل يعرفــون‬
‫شيئا ً عن جريمته ول يتوقعون أّنه يستطيع القدام علــى جريمــة‬
‫ل‪.‬‬‫قت ٍ‬
‫مه وأخته ويقول لهما‪:‬‬ ‫وبعد ذلك ينوي البتعاد نهائيا ً عن أ ّ‬
‫"أقصد‪ ..‬حين جئت إلى هنا‪ ..‬كنت أريد أن أقول لك يا أمــاه‬
‫ولك أيضا ً يا دونيا أن من الفضــل أن نفــترق بعــض الــوقت‪ .‬أنــا‬
‫أحس بأّنني مريض‪ ،‬أنا لست هادئ البال سأرجع في المســتقبل‬
‫سـوف أجيـء بنفسـي‪ ،‬حيـن‪ ..‬حيـن يصـبح ذلـك بالمكـان‪ ،‬لـن‬
‫أنساكما وسأظل أحّبكما دومًا‪ ...‬ذلك ما كنت قــد قررتــه‪ .‬وقــد‬
‫ل الدراك!‪ ..‬أريــد أن أكــون‬ ‫قررته واعيا ً كــل الــوعي‪ ،‬مــدركا ً كـ ّ‬
‫وحيدا ً مهما يحــدث لــي‪ ،‬ســواء أهلكــت أم لــم أهلــك! أرجــو أن‬
‫تنسياني نسيانا ً تامًا‪ ،‬ذلكــم أفضــل‪ ..‬ل تســأل عنـي‪ ،‬ل تسـتطلعا‬
‫أخباري سوف أجيء من تلقاء نفسي متى وجــب أن أجيــء‪ ..‬أو‬
‫ل شــيء ســيبعث بعث ـا ً جديــدًا‪،‬‬ ‫ســوف أدعوكمــا إلــي‪ ،‬ولعــل ك ـ ّ‬
‫ما الن فاعدل عن رؤيتي وتنازل عن لقــائي‪ ،‬إذا كنتمــا‬ ‫حينذاك‪ ،‬أ ّ‬
‫ض‪ ،‬إنن ّــي أحــس بهــذا‪..‬‬‫وإل‪.‬شعرت نحوكما بكــره وبغ ـ ٍ‬ ‫تحبانني‪،‬‬
‫وداعًا")‪(13‬‬
‫إذن يصرح راسكو لينكوف بأّنه يشعر بكراهيــة تجــاه أقــرب‬
‫مه وأختــه وذلــك بعــد اقــدامه علــى جريمــة القتــل‬ ‫الناس إليه‪ ،‬أ ّ‬
‫‪- 205 -‬‬
‫والسرقة‪.‬‬
‫وكذلك يدينه صديقه الوحيد رازو ميخين حين يقول لراسكو‬
‫لينكوف‪" :‬ل يمكن أن يكون هذا تفكيرك")‪. (14‬‬
‫حدث المر ذاته‪ ،‬الذي حدث مع راسكو لينكوف‪ ،‬مــع ســعيد‬
‫ن نجيب محفوظ قلب الحداث رأسا ً علــى عقــب فهنــا‬ ‫مهران إ ّ‬
‫ليس سعيد مهران هو الذي ل يريد أن يــرى أقــرب النــاس إليــه‬
‫ن‬
‫وإّنما أقرب الناس إليه ل يريدون رؤيته‪ ،‬لنرجع إلى الروايــة‪ ،‬إ ّ‬
‫ســعيد مهــران يتعطــش لرؤيــة ابنتــه الوحيــدة ســناء‪ ،‬ويخطــط‬
‫للنتقام من زوجته التي استغلت فترة توقيفه‪ ،‬التي دامت مــدة‬
‫أربعــة أعــوام لتــتزوج مــن صــديقه‪ ،‬وبعــد إخلء ســبيله يتــوجه‬
‫مباشــرة لرؤيــة ابنتــه‪ ،‬ويــذكرها بالكلمــات التاليــة‪" :‬وســناء إذا‬
‫خطرت في النفس انجاب عنها الحـر والغبـار والبغضـاء والكـدر‬
‫وسطع الحنان فيهــا‪ ،‬مــاذا تعــرف الصــغيرة عــن أبيهــا؟‪ ..‬أربعــة‬
‫أعوام لم تغب عن باله‪ ،‬وتدرجت في النمو وهي صورة غامضة‪،‬‬
‫ب ينعــم فــي‬ ‫ن طيـب يصــلح لتبـادل الحـ ّ‬ ‫فهل يسمح الحظ بمكا ٍ‬
‫ظله بالسرور المظفر‪ ،‬ومن خلل هذا الكــدر المنتشــر ل يبســم‬
‫إل وجهك يا ســناء")‪ (15‬واســتطاع الوصــول إلــى بيــت عليــش‬
‫سدرة الشخص‪ ،‬الذي تزّوج امرأة ســعيد مهــران والــذي تعيــش‬
‫ت‪.‬‬
‫معه ابنته التي يبلغ عمرها ست سنوا ٍ‬
‫وسمح لــه برؤيــة ابنتــه‪ ،‬فظهــرت البنــت كمــا يقــول نجيــب‬
‫محفوظ‪ ..‬فالتهمتها روحه‪ ،‬وجعلت تقلب الوجــوه بغرابــة‪ ،‬وفــي‬
‫وجهه خاصة باستنكار شديد ٍ لشدة تحديقه ولشعورها‪ ،‬بأّنها تدفع‬
‫نحوه وإذا بها تفرمل ٍقدميها في البساط‪ ،‬وتميــل بجســمها إلــى‬
‫الوراء‪ ،‬لم ينزع منها عينيه ولكن قلبه انكســر‪ ،‬انكســر حـتى لـم‬
‫يبق فيه إل شعور بالضياع‪ ،‬كأّنها ليست بابنته")‪. (16‬‬
‫فطلب منها الجميـع أن تسـّلم علـى أبيهـا‪ ،‬وقـال لهـا أبوهـا‬
‫ثلث مرات أنا بابا ل تخافي‪ ،‬إل أّنها هربت وصرخت ماما‪ ،‬حاول‬
‫أن يقّبلها ولكنه لم يستطع تقبيل سوى ســاعدها المتحــرك فــي‬
‫ة‪.‬‬
‫عصبيةٍ غير راحم ٍ‬
‫هكذا استقبلته ابنته الطفلة بعد أن خانته زوجته ولم يبق له‬
‫أمل في الحياة‪.‬‬
‫مه وأختــه مشــابه‬ ‫ن مشــهد لقــاء راســكولينيكوف بــأ ّ‬ ‫وأرى أ ّ‬
‫ن المر معكوس‪.‬‬ ‫لمشهد لقاء سعيد مهران بابنته إل أ ّ‬
‫فهنــاك الخــت والم مشــتاقتان لرؤيــة راســكو لنيكــوف‬
‫ما هو فل يريــد رؤيــة أحــد علــى الرغــم‬ ‫السارق والقاتل والثائر أ ّ‬
‫ت‪.‬‬‫من أّنه لم ير والدته وأخته منذ ثلث سنوا ٍ‬
‫ما في رواية نجيب محفوظ فســعيد مهــران يريــد أن يــرى‬ ‫أ ّ‬
‫ابنته الوحيدة ولكنها تخافه وترفض التقــرب منــه‪ ،‬رغــم تشــجيع‬
‫الخريــن لهــا‪ .‬وهــو الــذي ســرق ونهــب مــن أجلهــا ومــن أجــل‬
‫ن هــذه الطفلــة‬ ‫ما هي فرفضته دون تــردد‪ .‬وهكــذا فــإ ّ‬ ‫الفقراء‪ ،‬أ ّ‬
‫البريئة بعفويتها تدين أباها وتعبر عن هذه الدانة بخوفها منه كما‬
‫مه وأخته فيمــا‬ ‫أدان أقرب الناس راسكو لينكوف مثل صديقه وأ ّ‬
‫بعد مما يجبره على التفكير في مدى صحة ثورته وسلوكيته‪.‬‬
‫‪-13‬هذا هو موقف القرباء فما هو موقف العداء؟ أو ما هو‬
‫موقف راسكو لنيكوف في "الجريمة والعقاب" وســعيد مهــران‬
‫في "اللص والكلب" من العداء؟‬
‫وهل العداء‪ ،‬أو الذين يظن راسكو لنيكــوف بــأّنهم أعــداؤه‬
‫ن‬‫هــم بالفعــل‪ ،‬أبعــد النــاس عــن ســلوكيته وتفكيــره أم يجــد بــأ ّ‬
‫أفكارهم ل تختلف كثيرا ً عــن أفكــاره‪ ،‬بــل هــي نفســها؟ وكيــف‬
‫حدث هذا مع راسكو لنيكوف ومع سعيد مهران؟‬
‫‪- 206 -‬‬
‫ن أعــداءه‬ ‫ـدامه علــى جريمتــه‪ ،‬أ ّ‬ ‫يجد راسكو لنيكوف بعد إقـ‬
‫بالفكر يعتنقون أفكارا ً قريبة جدا ً من أفكاره‪.‬‬
‫ن الذين يحاربهم يفكرون بالطريقة ذاتها‪ ،‬التي يفكــر‬ ‫ووجد أ ّ‬
‫بها‪ .‬فما جدوى هذه الحرب؟ إّنه أقدم علــى جريمتــه‪ ،‬مــن أجــل‬
‫ن الــذين يحــاربهم يهــدفون مثلــه إلــى‬ ‫إصلح المجتمــع‪ ،‬فوجــد أ ّ‬
‫إصلح المجتمع‪ ،‬ولديهم استعداد للقدام على جريمة القتــل‪ ،‬إن‬
‫ن لكل واحد ٍ طريقته في إصلح‬ ‫تطلب إصلح المجتمع ذلك‪ .‬ولك ّ‬
‫المجتمع‪.‬‬
‫فعلى سبيل المثال‪ ،‬تصــله رســالة‪ ،‬فــي بدايــة الروايــة مــن‬
‫ن الشخص الــذي تعمــل فــي بيتــه أختــه دونيــا‬ ‫والدته تبين فيها أ ّ‬
‫ن‬
‫حاول ًالوصول إلى حّبها‪ ،‬مع أّنه متزوج وعنــده أطفــال‪ ،‬كمــا أ ّ‬
‫محاميا اسمه لوجين طلب يدها ورأى راسكو لنيكوف في هذين‬
‫الشخصــين عــدوين لــدودين مــع أنــه ل يعرفهمــا فيحــاول الول‬
‫مـا المحـامي الـذي يزيـد‬ ‫الوصول إلى أختـه‪ ،‬والحتيـال عليهـا‪ .‬أ ّ‬
‫عمره عن خمسةٍ وأربعين عاما ً فيتقدم للــزواج منهــا مــع أن ّــه ل‬
‫يحّبهــا ول تحب ّــه‪ ،‬لكنــه أراد أن يــتزوج مــن إنســانة فقيــرة لكــي‬
‫يتحكم بها أيّ أّنه يريد شراءها باسم الزواج‪.‬‬
‫ويقــول راســكو لنيكــوف لختــه‪" :‬إذن أنــت تــبيعين نفســك‬
‫ل حال")‪. (17‬‬ ‫بالمال إذن أنت تتصرفين تصرفا ً دنيئا ً على ك ّ‬
‫وبعد أن التقى راسـكو لنيكـوف بالمحـامي لـوجين وجـد أن‬
‫نظرتهما إلى الحيــاة تلتقيــان فــي نقطــة حساســة‪ ،‬وهــي أنهمــا‬
‫يفكران بإصلح المجتمع‪.‬‬
‫ل فــرد ٍ مــن‬ ‫ويتم إصلح المجتمع بنظر لوجين حين يجنــي كـ ّ‬
‫ن المجتمــع مكــون مــن الفــراد فــإذا‬ ‫أفراده الخير لنفسه وبما أ ّ‬
‫ل فردٍ لخير نفسه‪ ،‬فيعم الخير للمجتمع كّله‪ .‬لننظر إلى‬ ‫سعى ك ّ‬
‫قول لوجين حول هذا الموضوع‪:‬‬
‫ب قريبك‪ ،‬فلنفرض أنّني أحّببته‪ ،‬فما‬ ‫قالوا لنا حتى الن‪" :‬أح ّ‬
‫الــذي يــترتب علــى ذلــك؟ يــترتب عليــه أن أشــطر معطفــي‬
‫شطرين‪ ،‬فأعطيه أحــدهما فنصــبح كلنــا عــاريين‪ ،‬نصــف عــري‪،‬‬
‫يقوله المثل الروسي‪" :‬من طارد أرنبين فــي آن واح ـدٍ‬ ‫وفقا ً لما‬
‫ب نفسك قبل سائر‬ ‫ما العلم فإّنه يقول‪ :‬أح ّ‬ ‫لم يدرك أي ّا ً منهما‪ .‬أ ّ‬
‫الناس لن كل شيء في العالم قائم علــى المنفعــة الشخصــية‪،‬‬
‫فإذا لم تحب إل نفسك صرفت شؤونك على نحــو مــا يجــب أن‬
‫تصرفها‪ ،‬ودبرت أمورك كمــا ينبغــي أن تــدبرها فبقــي معطفــك‬
‫كامل ً سليما ً لم يمزق‪.‬‬
‫وتضيف الحقيقة القتصادية إلى ذلك أن ّــه كلمــا ازداد وجــود‬
‫الثروات الفرديــة‪ ،‬فــي المجتمــع‪ ..‬ازدادت الســس الــتي يقــوم‬
‫ة وازدادت ثروة المجتمع‪.‬‬ ‫ة وصلب ً‬ ‫عليها المجتمع متان ً‬
‫صل‬ ‫ً‬
‫حين أجني خيرا لنفسي وحدي‪ ،‬فإّنما أح ّ‬ ‫معنى هذا أنّني‬
‫في الوقت نفسه خيرا ً لجميع الناس")‪. (18‬‬
‫ويسأله راسكو لنيكوف قد تصطدم مصالح الفرد مع مصالح‬
‫فرد آخر أو مصالح مجموعة من الفراد‪ ،‬فمــا العمــل فــي مثــل‬
‫هذه الحالة‪ :‬ويجيـب لـوجين أّنـه مسـتعد للقتـل إن اضـطر فـي‬
‫ســبيل تحقيــق مصــالحه الخاصــة‪ ،‬ويقــدم بالفعــل لــوجين علــى‬
‫ل سافلةٍ في سبيل الوصول إلى مصالحه‪.‬‬ ‫أعما ٍ‬
‫نجــد فــي نظريــة لــوجين النانيــة الفرديــة البــاردة العاقلــة‬
‫الهادئة نقاطا ً مشتركة مع نظرية راســكو لنيكــوف فهــو يســعى‬
‫لتحقيق المصلحة العامة‪ ،‬ولكن عــبر تحقيــق مصــلحته ومســتعد‬
‫للقدام على جريمة القتل إذا تطلبت مصلحته ذلك وبهــذا أيض ـا ً‬
‫يشترك مع راسكو لنيكوف في جريمة القتل‪.‬‬
‫‪- 207 -‬‬
‫ما الشبيه الحقيقي لراســكو لنيكــوف فهــو ســفيدريغاليوف‬ ‫أ ّ‬
‫الــذي ل يــتردد فــي القــدام علــى جريمــة القتــل مثــل راســكو‬
‫لنيكوف‪.‬‬
‫ولكن الفرق بينه وبين راسكو لنيكوف أّنه يقــدم علــى هــذه‬
‫الجريمة دون تردد ٍ وبل شعورٍ بالخوف أو تقريع الضــمير‪ ،‬ولــديه‬
‫ل‬
‫الستعداد الكامل لمساعدة الفقراء بأمواله‪ ،‬دون تفكي ـرٍ طوي ـ ٍ‬
‫الشخصـيتين‬ ‫ودون فلسفة ونظريات وحسابات وبهذا فإن هاتين‬
‫تشبهان شخصية راسكو لنيكوف ولقد اكتشف راســكو لنيكــوف‬
‫ذلك‪ ،‬مع أّنه كان في البداية يظن أنهما ألد أعدائه‪.‬‬
‫‪-14‬في رواية "اللــص والكلب" نجــد حالـة مشــابهة للحالــة‬
‫ن اللص سعيد مهران يعتبر أغلبية الناس كلب ـًا‪،‬‬ ‫التي ذكرناها إذ أ ّ‬
‫هكذا يعتبر زوجته السابقة نبويــة سـليمان‪ ،‬وهكـذا يعتـبر زوجهـا‬
‫الحالي عليش سدرة ويعتبر الصحفي الكبير رؤوف علوان كلب ـًا‪.‬‬
‫إّنهــم كلب ولكنهــم فــي الــوقت ذاتــه لصــوص فلقــد اســتطاع‬
‫ت كبيرٍ بأساليب مشبوهة فهــو لــص‬ ‫الصحفي أن يحصل على بي ٍ‬
‫وكذلك استطاع عليش ســدرة‪ ،‬أن يســرق منـه أمــواله وزوجتــه‬
‫وابنته فهو لص أيضًا‪.‬‬
‫إذن ينقسم معظم أبطــال الروايــة المــذكورة إلــى لصــوص‬
‫وكلب‪.‬‬
‫ً‬
‫ن الكلب هم أيضا لصــوص فــي الــوقت‬ ‫ولكن من الواضح أ ّ‬
‫ذاته‪.‬‬
‫ما سعيد مهران فهل هو لص فقط؟ أم هو لص وكلب فــي‬ ‫أ ّ‬
‫الوقت ذاته؟ إذا كانت الكلب تطارد اللصوص فهو مطارد كلص‬
‫ب‪ .‬وهكــذا يختلــط‬ ‫ولكنه في الــوقت ذاتــه يطــارد الخريــن ككلـ ٍ‬
‫المر‪ ،‬فــالكلب هـم فــي الـوقت ذاتـه لصـوص واللصــوص فــي‬
‫الوقت ذاته كلب ولقد شعر سعيد مهران بوجود شبهٍ بينه وبين‬
‫الصـــحفي رؤوف علـــوان‪ ،‬ورأى أن اســـمه يشـــبه اســـم هـــذا‬
‫الصحفي فاسم رؤوف علوان على وزن سعيد مهران‪.‬‬
‫يبرر ســعيد مهــران الســرقة‪ ،‬ولكنــه عنــدما ســرقه تلميــذه‬
‫عليش سدره فأخذ منه ابنته وزوجته وأمواله‪ ،‬التي حصل عليهــا‬
‫بالنهب والسرقة‪ ،‬اتهمه باللصوصــية فهــو يــبرر الســرقة عنــدما‬
‫يسرق هو الخرين أما عندما يتعرض هــو نفســه للســرقة فهــذه‬
‫جريمة‪ ،‬فهو الجلد والضحية في الوقت ذاته‪.‬‬
‫ويتضح المر أيضـًا‪ ،‬عنـدما يتعــرض الصــحفي الكـبير رؤوف‬
‫علــوان للســرقة‪ ،‬وكــان رؤوف علــوان يــبرر الســرقة والنهــب‬
‫ويعتبر السرقة عمل ً مشروعا ً وعظيما ً وضروريًا‪.‬‬
‫ما عندما تعرض نفسه للسرقة فلــم يرحــم الســارق الــذي‬ ‫أ ّ‬
‫كان سعيد مهران نفسه مع أّنه درّبه وشجعه في الماضي علــى‬
‫السرقة والنهب‪.‬‬
‫ن بعــض الشــتراكيين‪،‬‬ ‫وكأن نجيب محفوظ يريد أن يقــول إ ّ‬
‫مـا إذا‬ ‫مع الشتراكية مـا دامـت تعطيهـم‪ ،‬وتأخـذ مـن الخريـن أ ّ‬
‫انعكس المر فهم أعداؤها‪.‬‬
‫ن العــداء متشــابهون‪ ،‬كمــا‬ ‫وهكذا نجــد فــي هــذه الروايــة أ ّ‬
‫وجدنا في روايــة "الجريمــة والعقــاب" فهنــاك راســكو لنيكــوف‬
‫يشبه لوجين ويشبه سفيدريغالوف‪.‬‬
‫ً‬
‫وهنــا يشــبه ســعيد مهــران كل مــن عليــش ســدرة ورؤوف‬
‫علوان فالكلب يشبه اللص وكذلك يشبه اللص الكلب‪.‬‬
‫‪-15‬يعذب راسكو لنيكوف شعوره بــأّنه مطــارد‪ ،‬إن ّــه يطــارد‬
‫نفســه بنفســه‪ ،‬وكــذلك يطــارده القضــاء بالضــافة إلــى تقريــع‬
‫‪- 208 -‬‬
‫الضمير‪.‬‬
‫يتعذب سعيد مهران لشعوره بأّنه مطارد وأّنه محاصــر مــن‬
‫ن دم البريــاء الــذين قتلهــم يلحقــه‪،‬‬ ‫جميع الجهات بــالكلب وبــأ ّ‬
‫أضف إلى الصحافة ورجال المن‪.‬‬
‫‪-16‬يعتنــق راســكو لنيكــوف نظريــة خــاطئة وكــذلك يعتنــق‬
‫ن هــذه‬ ‫ة خــاطئة ويزيــد مــن ضــياعهما‪ ،‬أ ّ‬ ‫ســعيد مهــران نظريــ ً‬
‫النظرية المستوردة التي لم تنبت في تربة الوطن وصــلت إلــى‬
‫الوطن مشوشة‪ ،‬وزاد فــي تشويشــها الجــوع الــذي يعــاني منــه‬
‫راسكو لنيكوف وكذلك الفقر الذي يعاني منه سعيد مهران‪.‬‬
‫ولكن الفرق بين وضــع راسـكو لنيكــوف وبيـن وضــع ســعيد‬
‫ن يد المساعدة الجتماعية مدت إلــى راســكو لنيكــوف‬ ‫مهران أ ّ‬
‫فوقفت إلى جانبه والدته وأخته والمحقــق وصــونيا مــارميلدوف‬
‫التي لم تتركه وحيدا ً فــي العمــال الشــاقة الــتي حكمــت عليــه‬
‫المحكمة بها‪ ،‬بل ذهبت معه وشاركته آلمه‪.‬‬
‫أما سعيد مهران فكان وحيدًا‪.‬‬
‫‪-17‬إذا تأملنا في أسر أبطال دوستيفســكي وأبطــال نجيــب‬
‫ن أســر البطــال‬ ‫محفــوظ أقصــد فــي هــاتين الروايــتين‪ ،‬نجــد أ ّ‬
‫ممزقة‪ ،‬راسكو لنيكوف وحيد لم يــر أمــه وأختــه منـذ أكــثر مـن‬
‫ثلث ســنوات‪ ،‬فقيــر وكــذلك ســعيد مهــران وحيــد ل نعــرف إل‬
‫ب في مدينة الطلبة‪.‬‬ ‫القليل عن أسرته فهو ابن بوا ٍ‬
‫مــا أبطــال روايــة‬ ‫وكــذلك رؤوف علــوان يعيــش بل أســرة أ ّ‬
‫دوستيفسكي مثــل لــوجين‪ ،‬غيــر مــتزوج‪ ،‬كــذلك ســفيدريغالوف‬
‫مــا صــونيا مــارميلدوف فتعمــل‬ ‫لأ ّ‬‫أرمــل ومتهــم بجريمــة قتــ ٍ‬
‫بالدعارة‪.‬‬
‫ن لهذا الوضع السري الممزق علقــة بالجريمــة الــتي‬ ‫يبدو أ ّ‬
‫يقدم عليها أبطال الروايتين‪.‬‬
‫‪-18‬فــي نهايــة روايــة "الجريمــة والعقــاب" ل يجــد راســكو‬
‫لنيكــوف شخصــا ً يســتطيع أن يبــوح لــه بســره ســوى صــونيا‬
‫مارميلدوف‪ ،‬التي ضحت بحياتها وبشرفها من أجل إنقاذ أطفال‬
‫ل مــا تســتطيع أن تقــدمه‬ ‫دمت لــه كـ ّ‬ ‫زوجة أبيها من الجوع‪ .‬فقـ ّ‬
‫وســاعدته علــى البعــث الروحــي وســارت معــه إلــى العمــال‬
‫الشاقة‪.‬‬
‫وفي نهاية رواية "اللص والكلب" لم يجد سعيد مهران بيتــا ً‬
‫مت لــه‬ ‫يــأوي إليــه ســوى بيــت نــور الــتي تعمــل بالــدعارة فقــد ّ‬
‫المساعدة المؤقتة‪.‬‬
‫ن نهاية الروايتين متشــابهة‪ .‬يلجــأ راســكو لنيكــوف‬ ‫وهكذا فإ ّ‬
‫إلى صونيا مارميلدوف التي تعمل بالدعارة وكـذلك يلجـأ سـعيد‬
‫مهران إلى نور التي أيضا ً تعمل بالــدعارة‪ .‬هنــاك شخصــية يلجــأ‬
‫إليها أيضا ً سعيد مهران وهو الشيخ علــي الجنيــدي الــذي يصــلي‬
‫ويتعبد ربه كثيرًا‪.‬‬
‫فهاتان الشخصيتان في روايــة "اللــص والكلب" وهمــا نــور‬
‫والشيخ علي الجنيدي تقعان خارج إطار تقســيم أبطــال الروايــة‬
‫ب‪.‬‬‫ص وكل ٍ‬ ‫النفة الذكر إلى لصو ٍ‬
‫فهــل يوجــد شــبيه بشخصــية الشــيخ فــي روايــة "الجريمــة‬
‫والعقاب"؟‬
‫إّنه أول ً ليس شيخا ً بالمعنى المعروف‪ ،‬فهو يصلي فــي بيتــه‬
‫وليس في المسجد‪.‬‬
‫ل توجد في رواية "الجريمة والعقاب" شخصية رجل دين إل‬
‫‪- 209 -‬‬
‫ن صونيا مارميلدوف تلك النسانة التي تــؤمن بنظريــة مفادهــا‬ ‫أ ّ‬
‫إذا أردت إصلح المجتمع‪ ،‬فيجب أن تضحي بنفســك فــي ســبيل‬
‫الخرين فل يجوز قتل القلية من أجل الكثرية كما آمن راســكو‬
‫لنيكوف ول يجــوز الســعي لتحقيــق المصــلحة النانيــة‪ ،‬الفرديــة‬
‫الذاتية وبذلك نصل إلى المصلحة العامة كما آمن لوجين‪.‬‬
‫ول يجوز العيش دون هدف‪ ،‬كما عاش سفيدريغالوف‪ ،‬وإّنما‬
‫يجــب بــرأي صــونيا مــارميلدوف التضــحية بــالنفس مــن أجــل‬
‫الطفال‪ ،‬ومن أجل الخرين‪.‬‬
‫وتقرأ هذه النسانة التي امتهنت الدعارة‪ ،‬الكتب المقدســة‪،‬‬
‫وبذلك فهي تجمع المتناقضات‪ ،‬تضحي بنفسها من أجل الخرين‬
‫ولذلك تمتهن الدعارة‪ ،‬وبالوقت ذاته ل تكف عن الصلة وقراءة‬
‫الكتاب المقدس‪.‬‬
‫ن نور التي التجأ إليهــا ســعيد مهــران‪ ،‬فــي أيــامه‬ ‫في حين أ ّ‬
‫السوداء كانت إنسانة غير متناقضة مع ذاتها فهــي تحبــه ولــذلك‬
‫استقبلته‪ ،‬لكنها غير متدينةٍ ولعل نجيب محفوظ لم يجــرؤ علــى‬
‫ة متدينة تخاف الّله أكثر مما يخافه‬ ‫أن يجعل من المومس إنسان ً‬
‫معظم أفـراد المجتمــع العـاديين‪ ،‬وتبعـث فـي النفـس الحـترام‬
‫ة‬
‫والتقدير‪ ،‬فأخذ صفة التدين هــذه‪ ،‬وأعطاهــا لشخصــيةٍ مســتقل ٍ‬
‫وهي شخصية الشيخ علي الجنيدي‪.‬‬
‫ما دوستيفسكي فأقــدم علــى هـذا العمــل الشــجاع‪ ،‬وذلــك‬ ‫أ ّ‬
‫ن المجتمع الروسي يتقبــل مثــل هــذه الشخصــية‬ ‫على ما يبدو ل ّ‬
‫بشيء من التسامح أكثر من المجتمع الشرقي‪.‬‬
‫ن الروايـتين المـذكورتين روايتـان فكريتـان ونفسـيتان‬ ‫‪-19‬إ ّ‬
‫ور دوستيفسكي عالم اللشــعور عنــد‬ ‫ّ‬ ‫في الوقت نفسه‪ ،‬ولقد ص‬
‫ل منهمــا إلــى عــالم‬ ‫بطله‪ ،‬وكذلك فعل نجيب محفــوظ فلجــأ كـ ّ‬
‫الحلم‪ ،‬حيث يتحرر بطل الرواية من قيــود الــذات العليــا‪ ،‬الــتي‬
‫مــا الحلم فتقــع‬ ‫تخضع لها تصرفات المــرء فــي حالــة اليقظــة أ ّ‬
‫تحــت ســيطرة عــالم اللشــعور وكــانت الحلم فــي الروايــتين‬
‫متشابهة فهي عبارة عن كوابيس يراها البطل وبعــد اســتيقاظه‪،‬‬
‫ن هذا كله كان في الحلم وليس في اليقظة‪.‬‬ ‫يحمد الله على أ ّ‬
‫ولقد ذكــر فرويــد ‪ 1939-1856‬أحــد زعمــاء علــم النفــس‬
‫روايات دوستيفسكي‪ ،‬أكثر من مرة في كتابه" تفســيير الحلم"‬
‫"‪."1900‬مشيرا ً إلى أّنه استفاد من إنجازات دوستيفسكي فــي‬
‫مجال علم النفس‪.‬‬
‫نعود إلى الحلم التي رآها راســكو لنيكــوف فــي "الجريمــة‬
‫والعقاب" والتي رآها سعيد مهران فــي "اللــص والكلب" فنجــد‬
‫أّنها متشابهة‪.‬‬
‫يذكر دوستيفسكي في روايته حلمين رآهما راسكو لنيكـوف‬
‫قبل إقــدامه علــى جريمــة القتــل يجــد نفســه فــي الحلــم الول‬
‫س فــي القريــة‪ ،‬يجلــدها صــاحبها بالســوط‪،‬‬ ‫ل‪ ،‬يشهد جلد فر‬ ‫طف ً‬
‫وبقضيب الحديد حتى ٍالموت‪.‬‬
‫واستيقظ راسكو لنيكوف وتنفس ملء رئتيه وقال‪" :‬الحمــد‬
‫ن هذا لم يكن إل حلمًا!")‪. (19‬‬ ‫لله على أ ّ‬
‫ما الحلم الثاني فيرى نفسه فيه "فــي مكــان مــا بإفريقيــا‬ ‫وأ ّ‬
‫في مكان ما بمصر في واحــة مــن الواحــات‪ .‬القافلــة تســتريح‪،‬‬
‫الجمال راقدة بهــدوء‪ ،‬وســكون ومــن حــوله حلقــة مــن أشــجار‬
‫النخيل يأكل الناس كلهم‪ ،‬أما هو فل يزيد علــى أن يشــرب مــاًء‬
‫ل يجري هناك على مقربة منه مصطخبًا‪.‬‬ ‫من جدو ٍ‬
‫ما أعظم النتعاش الذي يشعر به المــرء حيــن يشــرب هــذا‬
‫الماء الزرق البارد العجيـب الــذي يســيل بيــن الحصــى المتعــدد‬
‫‪- 210 -‬‬
‫ن الحلــم‬ ‫اللوان فوق الرمل الملتمــع ّبلمعــان الــذهب!")‪ (20‬إ ّ‬
‫كرنا بحلـم البشــرية بالحيـاة الهـادئة‬ ‫ما الثاني فيذ‬ ‫الول كابوس أ ّ‬
‫التي كانت تعيشها النسانية في المجتمعات الولى اللطبقية‪.‬‬
‫يستلهم نجيب محفوظ هذين الحلمين ويجعــل منهمــا حلم ـا ً‬
‫واحدًا‪.‬‬
‫فلقد حلم سعيد مهران بأّنه يجلد في الســجن‪ ،‬رغــم حســن‬
‫سلوكه‪ ،‬و"حلم بأّنهم عقب الجلــد مباشــرة ســقوه حليب ـًا‪ ،‬ورأى‬
‫سناء الصغيرة تنهال بالسوط على رؤوف علوان")‪. (21‬‬
‫مــا فــي حلــم‬ ‫إذن في حلم راسكو لنيكوف تجلــد الفــرس‪ ،‬أ ّ‬
‫ســعيد مهــران فيجلــد فــي الســجن وتجلــد ابنتــه معلمــه رؤوف‬
‫علوان وكما نلحظ يوجد شبه بين الحلمين وبعد ذلك يرى سعيد‬
‫ي‬‫ـه فــي حلقــة الــذكر‪ ،‬الــتي يتوســطها الشــيخ علـ ّ‬ ‫مهــران نفسـ‬
‫كره سعيد مهران "بالنخلة والدوم واليــام الجميلــة‬ ‫الجنيدي‪ ،‬ويذ ّ‬
‫الماضية")‪. (22‬‬
‫كرنا هذا الجزء من حلــم ســعيد مهــران بحلــم راســكو‬ ‫أل يذ ّ‬
‫لنيكوف الثاني حين يتذكر اليام الجميلــة الماضــية حيــن شــرب‬
‫ن ما في مصــر‪ ،‬تحــت أشــجار‬ ‫من الجدول الماء العذب في مكا ٍ‬
‫النخيل‪.‬‬
‫ما نهاية حلم سعيد مهران فتشبه نهايــة الحلـم الول الـذي‬ ‫أ ّ‬
‫رآه راسكو لنيكوف‪ ،‬إذ قال له الشيخ علي الجنيدي‪:‬‬
‫"نمت نومـا ً طــويل ً ولكنــك ل تعــرف الراحــة كطفــل ملقــى‬
‫تحت نار الشمس‪ ،‬وقلبك المحترق يحن إلى الظل ولكن يمعــن‬
‫في السير تحت قذائف الشمس")‪.(23‬‬
‫‪-20‬شعور راسكو لنيكوف وســعيد مهــران بالعظمــة‪ :‬يقــول‬
‫نجيب محفوظ في روايته عن سعيد مهران‪:‬‬
‫ّ‬
‫"واشتد به الدوار فقضــى بــأّنه عظيــم بكـل معنــى الكلمــة‪،‬‬
‫ة هائلــة‪ ،‬ولكنهــا مجللــة بالســواد‪ ،‬عشــيرة للمقــابر ولكــن‬ ‫عظم ً‬
‫عزتها ستبقى بعد الموت‪ ،‬وجنونهــا تبــاركه القــوة الســارية فــي‬
‫جذور النبات وخليا الحيوان وقلب النسان")‪. (25‬‬
‫ن من يقتلنـي إنمـا يقتـل الملييـن‪ ،‬أنـا‬ ‫ويقول عن نفسه‪" :‬إ ّ‬
‫الحلم والمل وفدية الجبناء‪ ،‬وأنــا المثــل والعــزاء والــدمع الــذي‬
‫يفضح صاحبه")‪. (25‬‬
‫ن سعيد مهران رغــم الجــوع والتشــرد والمطــاردة‬ ‫وهكذا فإ ّ‬
‫وتمزق أسرته‪ ،‬يشعر بالعظمة والعــزة والكبريــاء ويعــبر مؤلــف‬
‫الرواية عــن هــذا الشــعور‪ ،‬وعــبر ســعيد مهــران عــن إحساســه‬
‫المذكور‪.‬‬
‫وفي رواية "الجريمة والعقاب" نجد الحالة ذاتها عند راسكو‬
‫لنيكوف فهو متخم بالنظريات والثقافات ولكنه يعاني من الجوع‬
‫والمطاردة والتمزق هناك تناقض بين وضعه كمثقف وبين حالــة‬
‫جسده الذي يتألم بسبب الجوع‪.‬‬
‫ومع هذا كّله يشعر بالعظمــة ويقــارن نفســه بــأولئك الــذين‬
‫قلبوا وجه التاريخ مثل نابليون بونابرت)‪. (1821-1769‬‬
‫يقول راســكو لنيكــوف مخاطب ـا ً صــونيا مــارميلدوف‪" :‬لقــد‬
‫أردت أن أصبح نابليون ومن أجل هــذا إّنمــا قتلــت فهــل فهمــت‬
‫الن؟‪ ...‬لقد ألقيت على نفسي في ذات يوم هــذا الســؤال‪ :‬مــا‬
‫ن نــابليون مثل ً وجــد فــي مكــاني؟ لشــك‬ ‫عسى كان يحدث لو أ ّ‬
‫ل آخر‪ ،‬كـان سـيقتل العجـوز دون‬ ‫ٍ‬ ‫ح‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫له‬ ‫في أّنه إذا لم يعرض‬
‫ر‪ .‬هكــذا خرجــت أنــا مــن الــتردد بيــن القــدام‬ ‫تفكيـ ٍ‬ ‫تــرددٍ ودون‬
‫مقتديا ً بذلك الرجل الذي هو حجــة نعــم‪ ،‬علــى‬ ‫والحجام فقتلت‬
‫‪- 211 -‬‬
‫ذلك النحو جرت المور")‪ (26‬إذن يقارن راسكو لنيكوف نفسه‬
‫بنابليون ويشعر بجنون العظمة‪ ،‬ذلك الشعور نفسه الذي أحــس‬
‫به سعيد مهران فــي روايــة "اللــص والكلب" ويســتنتج راســكو‬
‫ن‬ ‫ن الفرق بين أمثـاله وبيـن أمثـال نـابليون بونـابرت أ ّ‬ ‫لنيكوف أ ّ‬
‫الخير عديم الوجدان لنه يقتل ويأمر بالقتل دون ترّدد في حين‬
‫أن ّــه أيّ راســكو لنيكــوف أقــدم علــى قتــل عجــوز شــريرة فلــم‬
‫يتخلص من تقريع الضمير‪.‬‬
‫ويتابع قوله‪" :‬لئن ظللت أعــذب نفســي طــوال تلــك اليــام‬
‫ن معنــى‬ ‫كّلها بالتساؤل عن نابليون أكان يقتل العجــوز أم ل‪ ،‬فــإ ّ‬
‫ذلك أنّني كنت أشعر شعورا ً واضحا ً بأنّني لست نابليون")‪. (27‬‬
‫ن راسكو لنيكوف يريد السلطة والقضاء على الشــر‬ ‫واضح أ ّ‬
‫في العالم يقول‪:‬‬
‫ن السلطة ل توهب إل لمــن يجــرؤ‬ ‫"لقد أحسست يا صونيا أ ّ‬
‫علــى أن يطـأطئ ليتناولهـا تكفـي الجـرأة‪ ،‬الجــرأة كــل شــيء!‬
‫ووافتنى عندئذ ٍ لول مرةٍ في حياتي فكرة‪ ،‬ل شك أّنها لم تخطر‬
‫د‪ ..‬ما من أحد ٍ قد تجرأ ول يتجرأ‪ ،‬حين رأى بطلن العالم‬ ‫ببال أح ٍ‬
‫ما أنا‪،‬‬ ‫أن يمسك الشيطان من ذيله ببساطةٍ فيرسله إلى جهنم أ ّ‬
‫ما أنا‪ ...‬فقد أردت أن أجرؤ فقتلت‪ ..!..‬ذلك هــو الســبب الــذي‬ ‫أ ّ‬
‫جعلني أقتل")‪. (28‬‬
‫إذن أراد أن ينتزع الشر مــن جــذوره ويقضــي عليــه‪ ،‬ليبنــي‬
‫عليــه المجتمــع العــادل أو المجتمــع الشــتراكي الــذي نــادى بــه‬
‫بيلنيســـــكي )‪ ، (1848-1811‬ودبرولوبـــــوف )‪(1961-1839‬‬
‫وغيرهما من الفلسفة الروس في القرن التاسع عشر‪.‬‬
‫ويذكر بطل آخر من أبطال الرواية الذي يصرح علنيــة بــأّنه‬
‫اشتراكي‪ ،‬اســم هـذا البطــل ليبزيــا تنيكــوف الــذي يقــول‪" :‬إن ّــه‬
‫شــرعيا ً‬ ‫ليخطر ببالي أحيانا ً أنّني إذا تزوجت زواجا ً حرا ً أو زواجا ً‬
‫فلربما أجيء لمرأتي بعشيق‪ ،‬مــتى تــأخرت عــن إتخــاذ عشــيق‬
‫ذ‪:‬‬
‫من تلقاء نفسها ولقولن لها عندئ ٍ‬
‫"يا صديقتي أنا أحب ّــك ولكننــي أريــد بالضــافة إلــى ذلــك أن‬
‫تحترميني إنّني أحرص علـى هـذا‪ ،‬إليـك عشـيقًا! "ألسـت علـى‬
‫ق!")‪. (29‬‬ ‫حق؟ ألست على ح ٍ‬
‫هكــذا وصــلت الراء الشــتراكية حــول الســرة إلــى النــاس‬
‫البسـطاء‪ ،‬فطـالبوا بالفسـاد الخلقــي وأسـتطيع أن أقــول بـأن‬
‫فريدريدك انجلس في كتابه "أصــل الســرة والملكيــة‪ -‬الخاصــة‬
‫والدولة")‪ (1884‬يــرى أن الملكيــة الخاصــة‪ ،‬هــي الســبب فــي‬
‫ن السرة ستزول متى زالــت الملكيــة الخاصــة‬ ‫نشوء السرة وأ ّ‬
‫ن فردريــك انجلــس )‪-1820‬‬ ‫ومــتى اختفــى حــق الرث ومــع أ ّ‬
‫ة‪ ،‬إل أّنهــا فــي نهايــة‬ ‫دم معلومــات تاريخيــة قيمــ ً‬ ‫‪ (1895‬يقــ ّ‬
‫المطاف ضارة باستقرار السرة‪.‬‬
‫‪-21‬تشــبه بدايــة روايــة "اللــص والكلب" بدايــة "الجريمــة‬
‫والعقاب" فلقد ذهب راسكو لنيكوف إلى العجوز لمعرفة مــدى‬
‫إمكانية القيام بالجريمة‪.‬‬
‫ما في اللص والكلب فيقـول سـعيد مهــران إّنـه فـي هـذه‬ ‫أ ّ‬
‫ن نهايــة روايــة‬ ‫المــرة جــاء فقــط ليجــس الحصــون‪ ،‬وكــذلك فــإ ّ‬
‫"اللــص والكلب" تشــبه نهايــة روايــة "الجريمــة والعقـاب" فــي‬
‫الولى يستسلم سعيد مهران وفي الثانية يبعث راسكو لنيكــوف‬
‫ن الطريق الــتي‬ ‫ل منهما بأ ّ‬ ‫بعثا ً روحيا ً أي كأّنه يستسلم لشعور ك ّ‬
‫سلكاها وعرة‪.‬‬
‫ن‬‫ّ‬ ‫أ‬ ‫مــع‬ ‫المأساوي‬ ‫الطابع‬ ‫عليهما‬ ‫يغلب‬ ‫الروايتين‬ ‫ن‬‫ولذلك فإ ّ‬
‫نهاية "الجريمة والعقاب" تصطبغ ببعض التفاؤل إذ تــتزوج دونيــا‬
‫‪- 212 -‬‬
‫مــن رازوميخيــن‪ ،‬ويصــدق المحقــق مــع راســكو لنيكــوف ومــع‬
‫الطابع المأساوي لرواية "اللــص والكلب" إل أّننــا نشــعر أحيانـا ً‬
‫ببعض التفاؤل في أقوال علي الجنيدي الــذي يطــالب بالطهــارة‬
‫والقراءة بمعنى الدراك والفهم الصحيح للواقع‪.‬‬

‫يي‬ ‫يييييي‬
‫في نهاية هذا البحث أريد العودة إلى النقطة التي بدأت بهــا‬
‫بحثي‪ .‬وهي هل رواية "الجريمـة والعقـاب" موجهـة ضــد الفهـم‬
‫الخاطئ للشتراكية؟ كما يرى بعـض النقـاد؟ ولكننـي مـن أجـل‬
‫الجابة عن هذا التساؤل‪ ،‬أريد أن أطــرح التســاؤلت التاليــة‪ ،‬إذا‬
‫كان المر كذلك‪ ،‬لماذا منعت مؤلفات دوستيفسكي خلل فــترة‬
‫طويلة مــن النظــام الشــتراكي فــي روســيا؟ لمــاذا لــم تــدرس‬
‫روايـاته فـي المـدارس الثانويـة إل فــي الفـترة الخيـرة؟ لمـاذا‬
‫منعت رواية الشياطين )‪ (1872‬؟ لماذا لم يــذكره قــائد الثــورة‬
‫الشتراكية الولى في العالم فلديمــر لينيــن فــي مؤلفــاته الــتي‬
‫بلغــت خمســة وخمســين مجلــدًا‪ ،‬مــع أّنــه كتــب الكــثير مــن‬
‫الدراسات عن الدباء الروس؟‬
‫لماذا ل توجد في مكتبة لينين البيتية مؤلفات دوستيفسكي؟‬
‫ل توجد روايات دوستيفسكي في مكتبة لينين الخاصة في بيتــه‪،‬‬
‫مع أّنها‪ ،‬مكتبة غنّية‪.‬‬
‫واضح أن الشتراكيين‪ ،‬فهموا دوستفيسكي‪ ،‬علــى أن ّــه أحــد‬
‫أعدائهم ولذلك حاربوه أحيانًا‪ ،‬وتجاهلوه أحيانا ً أخرى‪.‬‬
‫ولكن إذا كان دوستيفسكي في المرحلة الثانية مــن إبــداعه‬
‫عدوا ً للفكر المادي الشتراكي‪ ،‬فهل هو نصــير للفكــر المثــالي؟‬
‫هل هو نصير للفكر المسيحي إذ أن الفكــر المســيحي هــو أحــد‬
‫فروع الفكر المثالي‪ ،‬لّنه ليس ماديا ً ويجيب عــن هــذا التســاؤل‬
‫كتاب أصدره أحد المدافعين عــن الكنيســة الرســمية الروســية‪،‬‬
‫مؤلــف الكتــاب كونســتانتين ليونــتيف )‪ (1891-1831‬وعنــوانه‬
‫"مسيحيونا الجدد" صدر في القرن التاسـع عشـر‪ ،‬ويسـخر فيـه‬
‫من موقف دوستيفسكي وتولستوي من الدين ويتهمهما باعتناق‬
‫الفكر الشتراكي)‪ (30‬فماهو فكر دوستيفسكي بعــد أن اتهمــه‬
‫المؤمنون باللحـاد والملحـدون باليمـان والتقـدميون بالرجعيـة‪،‬‬
‫دم هؤلء كّلهــم براهيــن‪ ،‬مــن مؤلفــات‬ ‫والرجعيون بالتقدمية‪ ،‬وق ّ‬
‫الكــاتب‪ ،‬تثبــت صــحة آرائهــم‪ ،‬لمــاذا جمعــت مؤلفــاته هــذه‬
‫التناقضات؟‬
‫يجيــب عــن هــذا التســاؤل كتــاب أصــدره الناقــد الروســي‬
‫الشـهير ميخائيـل بـاختين )‪ ، (1975-1895‬إذ يقـول فـي كتـابه‬
‫مسائل إبداع دوستيفسكي الذي صدر لول مرة في عام ‪1929‬‬
‫دم‬ ‫وصدرت الطبعة الرابعة في ‪ 1979‬يقول إن دوستيفسكي ق ـ ّ‬
‫لنــا شــكل ً جديــدا ً مــن الروايــة‪ ،‬وهــي الروايــة ذات الصــوات‬
‫المتعددة‪.‬‬
‫ً‬
‫أي أّننا نجد في هــذه الروايــة أفكــارا متصــارعة فيمــا بينهــا‪،‬‬
‫وتتصـارع فــي عـالم البطـل الواحـد‪ ،‬وعلـى قـدم المسـاواة ول‬
‫يتدخل الكاتب لصالح هذه الفكرة‪ ،‬أو تلك بل يعرضها كمــا هــي‪،‬‬
‫ن الخير والشـر موجـودان فـي داخـل النفـس البشـرية‬ ‫معتبرا ً أ ّ‬
‫ن المــادة والــروح‪ ،‬أو الجســد والــروح‪ ،‬ل‬ ‫ومنذ أقدم العصــور وأ ّ‬
‫غنى لحدهما عن الخر وأن الصوت المادي‪ ،‬هو صــوت الجســد‬
‫زٍ‬ ‫ول الحجــر إلــى خــب‬ ‫الذي عّبر عنه الشيطان إذ قال للمسيح‪ :‬ح ّ‬
‫وأجابه المسيح‪ ،‬الذي برأي دوستيفسكي يعّبر عن صوت الروح!‬
‫ليس بالخبز وحده يحيا النسان‪ .‬فتحويل الحجر إلــى خــبز ليــس‬
‫بالعمل السيء ولكــن النســان يحتــاج بالضــافة إلــى احتياجــاته‬
‫‪- 213 -‬‬
‫الجسدية والمادية‪ ،‬إلى تلبية الحاجات الروحية‪.‬‬
‫وموقف دوستيفسكي في نهاية المطاف أقرب إلــى الفكــر‬
‫الروحي منه إلى الفكر المادي‪.‬‬
‫ولكن ما هو موقف نجيب محفوظ؟ إّنه مــن الناحيــة الفنيــة‬
‫ينتمي إلى المدرسة الواقعية النقدية‪ ،‬مثل دوستيفسكي لكننــي‬
‫ت متعددةٍ لكنها بالتأكيــد كمــا‬ ‫ن رواياته أيضا ً ذات أصوا ٍ‬
‫دوستيفســكي‪ ،‬إل أن ّــه يبقــى كاتبـا ً‬ ‫ل أظن أ ّ‬
‫أوضحنا استفاد من انجــازات‬
‫عربيا ً أصــيل ً وعظيمـا ً اســتطاع أن يرقــى بالروايــة العربيــة إلــى‬
‫مســتوى العالميــة‪ ،‬وأن يحصــل علــى جــائزة نوبــل للداب عــام‬
‫‪ 1988‬وعلــى جــائزة الدولــة التقديريــة‪ ،‬وعلــى جــائزة الــدول‬
‫المطلة على البحر المتوســط‪ ،‬ومــوقفه مــن الشــتراكية يشــبه‬
‫موقــف دوستيفســكي بــأنه مــع وضــد فــي الــوقت ذاتــه مــع‬
‫اليجابيات وضد السلبيات‪.‬‬

‫‪- 214 -‬‬


‫يييي ييي يي ي يييي ي ييييي ي‬ ‫‪‬‬
‫‪-1‬نجيب محفوظ‪ ،‬اللص والكلب‪ .‬القاهرة‪ .‬مكتبة مصر‪ .‬ص ‪35‬‬
‫‪-2‬فيــدور دوستيفســكي‪ ،‬الجريمــة والعقــاب‪ ،‬موســكو‪ .‬دار رادوغــا ‪ 1989‬الجــزء‬
‫الول‪ ،‬ترجمة الدكتور سامي الدروبي ص ‪132‬‬
‫‪-3‬اللص والكلب مصدر سابق ص ‪110‬‬
‫‪-4‬المصدر نفسه ص ‪98‬‬
‫‪-5‬المصدر نفسه‬
‫‪-6‬المصدر نفسه ص ‪99‬‬
‫‪-7‬المصدر نفسه ص ‪90‬‬
‫‪-8‬المصدر نفسه ص ‪48‬‬
‫‪-9‬المصدر نفسه ص ‪48‬‬
‫‪-10‬الجريمة والعقاب مصدر سابق المجلد الول ص ‪14‬‬
‫‪-11‬اللص والكلب مصدر سابق ص ‪7‬‬
‫‪-12‬الجريمة والعقاب مصدر سابق والمجلد الول ص ‪367 -366‬‬
‫‪-13‬الجريمة والعقاب مصدر سابق المجلد الثاني ص ‪65 -64‬‬
‫‪-14‬الجريمة والعقاب مصدر سابق المجلد الول ص ‪490‬‬
‫‪-15‬اللص والكلب ص ‪8‬‬
‫‪-16‬المصدر نفسه ص ‪14‬‬
‫‪-17‬الجريمة والعقاب المجلد الول ص ‪435‬‬
‫‪-18‬الجريمة والعقاب المجلد الول ص ‪285 -284‬‬
‫‪-19‬المصدر السابق ص ‪121‬‬
‫‪-20‬المصدر السابق ص ‪136‬‬
‫‪-21‬اللص والكلب ص ‪64‬‬
‫‪-22‬اللص والكلب ص ‪64‬‬
‫‪-23‬اللص والكلب ص ‪66‬‬
‫‪-24‬اللص والكلب ص ‪121 -120‬‬
‫‪-25‬اللص والكلب ص ‪120‬‬
‫‪-26‬الجريمة والعقاب الجزء الثاني ص ‪250 -249‬‬
‫‪-27‬الجريمة والعقاب الجزء الثاني ص ‪257‬‬
‫‪-28‬الجريمة والعقاب الجزء الثاني ص ‪255‬‬
‫‪-29‬الجريمة والعقاب الجزء الثاني ص ‪182‬‬
‫‪-30‬كونستانتين ليونتيف‪ ،‬مسيحيونا الجدد‪ ،‬موسكو‪ 1882 ،‬ص ‪.19 -18‬‬

‫‪- 215 -‬‬


‫الفصل الثالث‬
‫مؤثرات أدب دوستيفسكي في‬
‫رواية " قلب الليل "لنجيب محفوظ‬
‫ي‪:‬‬ ‫يييييييي‬
‫يعتبر دوستيفسكي مفخرة الدب الروسي‪ ،‬ل بــل العــالمي‪،‬‬
‫دم لنــا نمــاذج‬ ‫فهو الذي تغلغل إلى أعماق النفس البشــرية‪ ،‬وق ـ ّ‬
‫أدبية خالدة‪ .‬ولقد سجل نجيب محفوظ صفحة جديدة في تاريخ‬
‫الدب العربي والعالمي‪ .‬وحصل علــى جــائزة نوبــل للداب فــي‬
‫عام ‪1988‬م‪ ،‬وجائزة الدولة التقديرية‪ ،‬وجــائزة الــدول المطلــة‬
‫على البحر المتوسط‪ .‬ويتقـن نجيـب محفـوظ اللغـة النكليزيـة‪،‬‬
‫وبــدأ حيــاته الدبيــة بنشــر كتــاب كــان قــد ترجمــه عــن اللغــة‬
‫النكليزية‪ ،‬وشاءت القدار أن يشبه بذلك كل ً من دوستيفســكي‬
‫)‪ (1881-1821‬وليــف تولســتوي )‪ (1910-1828‬فلقــد بــدأ‬
‫دوستيفسكي حياته الدبية بــأن ترجــم روايــة "يــوجين غرانــديه"‬
‫للكاتب الفرنسي بلزاك إلــى اللغــة الروســية فــي عــام ‪،1844‬‬
‫وكذلك بدأ ليف تولســتوي حيــاته الدبيــة بترجمــة روايــة "رحلــة‬
‫عاطفية" لشتيرن وإنّني أذكر هذه الحقيقة من أجل التأكيد على‬
‫ن نجيــب محفــوظ قــرأ دوستيفســكي باللغــة النكليزيــة قبــل‬ ‫أ ّ‬
‫ترجمته إلى العربية‪ ،‬وقرأه باللغة العربية عندما ترجمه الــدكتور‬
‫سامي الــدروبي )‪ (1976-1921‬مــن الفرنســية إلــى العربيــة‪،‬‬
‫وتــأثر نجيــب محفــوظ بدوستيفســكي‪ ،‬وهــذا واضــح فــي روايــة‬
‫"اللص والكلب"‪ ،‬الــتي صــدرت فــي عــام ‪ ،1961‬وكــذلك فــي‬
‫رواية "قلب الليل" التي صدرت فــي عــام ‪ ،1975‬أو كمــا يحلــو‬
‫للبعض أن يسموها "ليل القلب" بمعنى ظلمة القلب وقساوته‪.‬‬
‫تجمــع دوستيفســكي بمحفــوظ)مواليــد ‪ (1911‬قواســم‬
‫مشتركة كثيرة منها أنهما أبدعا شخصيات أدبيــة فريــدة‪ ،‬صــحيح‬
‫ن دوستيفسكي اسـتوحى شخصـية راســكو لنيكـوف مــن خــبر‬ ‫أ ّ‬
‫قــرأه فــي إحــدى الجــرائد‪ ،‬وكــذلك نجيــب محفــوظ اســتوحى‬
‫شخصية سعيد مهران من تحقيق نشرته جريــدة "الخبــار" فــي‬
‫القاهرة في عام ‪ 1960‬عن المدعو محمــود أميــن ســليمان‪ ،‬إل‬
‫ن هاتين الشخصيتين المتشابهتين‪ ،‬هما مـن إبـداع خيـال وفكـر‬ ‫أ ّ‬
‫ل مــن دوستيفســكي ونجيــب‬ ‫عملقــي الدب العــالمي‪ .‬صــنع كـ ّ‬
‫محفوظ الرواية الفكرية‪ ،‬حيث يصبح البطل عبدا ً لفكــاره‪ ،‬فمــا‬
‫البطل إل جسد أو وعاء يحمــل فكــرةً تقــوده‪ ،‬كيفمــا يحلــو لهــا‪،‬‬
‫وللفكرة سيرة حياة‪ ،‬تولد في فــترة معينــة‪ ،‬وتنمــو وتنضــج فــي‬
‫فترة أخرى‪ ،‬وقد تموت‪ ،‬في مرحلة أخرى‪ ،‬مخلفة وراءها نتــائج‬
‫معينة‪ ،‬يتلخص السؤال الول فــي كيفيــة إطلع نجيــب محفــوظ‬
‫على أدب دوستيفسـكي‪ ،‬فلقــد اطلــع عليـه بـاللغتين النكليزيــة‬
‫والعربية‪.‬‬
‫أما السؤال الثاني‪ ،‬فهـو حـول مـدى حاجـة نجيـب محفـوظ‬
‫ن محفــوظ كــاتب عربــي‬ ‫لدب دوستيفســكي‪ ،‬فيــرى البعــض أ ّ‬
‫‪- 216 -‬‬
‫أصيل وأبطاله أبناء التربة العربية فــي مصــر‪ ،‬هــذا كلــه صــحيح‪،‬‬
‫ب‪ ،‬قــدم للدب‬ ‫ولكنه ل يمنع من أن يقع محفوظ تحت تأثير كــات ٍ‬
‫الكثير من النجــازات ول ســيما علــى صــعيد التغلغــل فــي ثنايــا‬
‫النفــس النســانية مثــل دوستيفســكي‪ .‬والســؤال الثــالث وهــو‬
‫المنهــج الــذي اتبعتــه فــي دراســتي‪ ،‬الــتي تقــع فــي مجــال مــن‬
‫مجـــالت الدب المقـــارن‪ ،‬فحـــاولت الســـتعانة بالمدرســـتين‬
‫الفرنسية )التأثير والتأثر( والمريكية )وجود تشابهات( ووجدت‬
‫تشابها ً بين الشخصيات التي أبدعها دوستيفسكي مثل شخصــية‬
‫راسكو لنيكوف )الجريمة والعقــاب( ‪ 1866‬وشخصــية أوبيليــت‬
‫في رواية )البله( ‪1868‬وشخصية إيفان كارامازوف في روايــة‬
‫)الخوة كارامازوف( ‪ 1880‬والشخصــيات الــتي أبــدعها نجيــب‬
‫محفوظ مثل سعيد مهران فــي روايــة )اللــص والكلب( ‪1961‬‬
‫وشخصية جعفر الراوي في رواية "قلب الليل" ‪.1975‬‬
‫وكذلك وجدت تشابها ً بين أحداث رواية "الجريمة والعقاب"‬
‫لدوستيفسكي‪ ،‬ورواية "اللص والكلب" لمحفــوظ لن الحــداث‬
‫تدور حول السرقة والفكار الخاطئة وبكلمة أخرى حول الثواب‬
‫والعقاب‪.‬‬

‫ي ييييي ييي ييييييي يي ي ي يييي ي‬


‫"يي ي يييي ي" يييي ي ييي يي‬
‫‪-1‬يقول راسكو لنيكــوف بطــل روايــة "الجريمــة والعقــاب"‬
‫الــتي صــدرت فــي عــام ‪ 1866‬مخاطبــا ً المحقــق بــورفيري‬
‫بتروفيتش‪" :‬اسمح لي أن ألفت نظرك إلى أنّني‪ ،‬ل أعد نفســي‬
‫ص مــن هــذا‬ ‫هـؤلء أيّ شــخ ٍ‬
‫ل مثل محمد‪ ،‬ول مثــل نــابليون‪ ..‬ول مثــل‬
‫الشـخاص‪ .‬فـإنّني ل‬ ‫النوع!‪ ..‬وإذ أنّني لسـت واحـدا ً مـن‬
‫دم جوابا ً مرضيا ً فــأقول لــك‪ ،‬مــا الــذي يمكــن أن‬ ‫أستطيع أن أق ّ‬
‫أفعله‪.‬‬
‫قال بوفيري بتروفيتش فجأة بألفةٍ مخيفة‪:‬‬
‫‪-‬دعــك مــن هــذا الكلم! أيّ واحــد منــا‪ ،‬فــي روســيا‪ ،‬ل يعــد‬
‫نفسه اليوم مثل نابليون"؟)‪. (1‬‬
‫ة‪ ،‬وبيــن‬
‫ن وجود شــبهٍ بيـن راسـكو لنيكــوف مـن جهـ ٍ‬ ‫إذن‪ ،‬إ ّ‬
‫الشــخاص الــذين قلبــوا وجــه التاريــخ‪ ،‬مثــل الرســول العربــي‬
‫الكريم‪ ،‬ونابليون بونابرت‬
‫‪ 1769-1821‬موضوع أساسي في روايــة "الجريمــة والعقــاب"‬
‫وهذا واضـح فــي كلمـات راسـكو لنيكـوف‪ ،‬وفـي مقـالته‪ ،‬الـتي‬
‫نشرها في إحدى الجرائد‪ ،‬وفي استجواب المحقق‪.‬‬
‫ولكن السؤال الذي يطرح نفسه‪ ،‬هل هناك شبه بين جعفــر‬
‫الراوي‪ ،‬بطل رواية "قلب الليل" التي صــدرت فــي عـام ‪1975‬‬
‫وبين الرسول العربي الكريم؟ وماهو هــذا الشــبه؟ للجابــة عــن‬
‫هذين السؤالين إجابة دقيقـة‪ .‬يجـب أن نعـود إلـى نـص الروايـة‬
‫نفسها‪.‬‬
‫نستشهد ببعض عبارات الرواية‪ .‬يقول جعفر الراوي‪:‬‬
‫ر‪ .‬لــم أبــح بــه لنســان‪ .‬ول لزوجــتي‬ ‫الصديقة‪.‬ــأعترف لــك بســ ٍ‬
‫"‪-‬س‬
‫‪-‬حقًا!‬
‫ة‪ ،‬أّنه توجد أوجــه شــبهٍ بيــن حيــاة النــبي‬ ‫‪-‬خطر لي ذات مر ٍ‬
‫وحياتي!‬
‫ل‪ ،‬ولكنني لم أعلق‪ ،‬فواصل حديثه‪:‬‬ ‫وتريث قلي ً‬
‫‪- 217 -‬‬
‫‪-‬فقد توفي والدي‪ ،‬وأنا دون الوعي‪ ،‬وتوفيت أمــي‪ ،‬وأنــا لــم‬
‫أكد أجـاوز الخامسـة مـن عمـري فتكفلنــي جـدي‪ ،‬ثـم تصــورت‬
‫خروجي من قصر جدي نوعا ً من الهجرة‪.‬‬
‫‪-‬ولكن النبي لم يهاجر من أجل المغامرة‪.‬‬
‫‪-‬كل‪ ..‬كل‪ ..‬إّنه تشابه‪ ،‬وليس تطابقـًا‪ ..‬ثـم جـاء زواجـي مـن‬
‫ب‪ ،‬وتكبرني في العمر وكيف وجدت في‬ ‫ب ونس ٍ‬ ‫سيدةٍ ذات حس ٍ‬
‫ة‪ ،‬للدراســة والتفكيــر تــأملت‬ ‫ً‬ ‫ة طيب ـ‬ ‫ً‬ ‫المناخ‪ ،‬الذي هيأته لي فرص‬
‫ذلك‪ ،‬فخطر لي أنّني سأكون صاحب رسالةٍ أيضًا")‪. (2‬‬
‫إذن‪ ،‬نجد في رواية "الجريمة والعقاب" شــبها ً بيــن راســكو‬
‫لنيكوف وبين النبي‪ ،‬وعظمــاء التاريــخ النســاني‪ .‬وكــذلك يش ـّبه‬
‫جعفر الــراوي‪ ،‬بطــل روايــة "قلــب الليــل" حيــاته بحيــاة النــبي‪.‬‬
‫ل من راسكو لنيكوف وجعفر الــراوي يشــبه‬ ‫وبالتالي فإذا كان ك ّ‬
‫ن كل ً منهما يشبه الخر‪.‬‬ ‫النبي‪ ،‬فإ ّ‬
‫‪-2‬في ذلك الوقت الذي كان فيــه راســكو لنيكــوف‬
‫مـه وأختـه‪ ،‬ول يســتطيع أن يــدفع أجــرة‬ ‫ة على أ ّ‬ ‫يعيش عال ً‬
‫غرفته الصغيرة‪ ،‬التي تشبه الصندوق أو التــابوت‪ ،‬وفــي الــوقت‬
‫الذي كان فيه يعاني من الجوع كان يعتبر نفســه مــن العظمــاء‪،‬‬
‫ومن الناس الــذين ولــدوا لكــي ينقــذوا المظلــومين مــن الظلــم‬
‫والقهر والفقر‪ ،‬ولكنه لم ينقد أحدًا‪ .‬بل سّبب المصــائب لنفســه‬
‫وللخرين‪ .‬تشبه حالته هذه‪ ،‬حالة سعيد مهران بطل رواية اللص‬
‫والكلب‪ ،‬وحالة جعفر الراوي بطل رواية "قلب الليل"‪.‬‬
‫يعتبر سعيد مهران نفسه من أولئك الذين يستطيعون قلــب‬
‫ة علــى مــن‬ ‫النظام الجتماعي‪ ،‬وفي نهايــة مغــامراته‪ ،‬كــان عالـ ً‬
‫حوله‪ ،‬وبعد ذلك استسلم لرجال المن‪.‬‬
‫ما جعفر الراوي‪ ،‬بطل رواية قلب الليل‪ ،‬التي صــدرت فــي‬ ‫أ ّ‬
‫عام ‪ ،1975‬فـإنه رفـض جـده الشـيخ الـراوي‪ ،‬ورفـض قصـره‪،‬‬
‫ة جديدة ً تتحاشــى‬ ‫دم نظري ً‬ ‫ونمط حياته‪ ،‬وظن أّنه يستطيع أن يق ّ‬
‫عيوب النظرية الماركسية‪ ،‬وتبتعد عــن عيــوب النظــام الغربــي‪،‬‬
‫وألف كتابًا‪ ،‬ضمّنه أفكاره‪ ،‬الــتي برأيــه تســتطيع إنقــاذ البشــرية‬
‫ة‬
‫ة نقديــ ً‬‫كّلها‪ ،‬وانتهى به المر إلى التشرد والتسكع‪ ،‬ل يجد قطع ً‬
‫في جيبه‪ ،‬ول مكانا ً ينام فيه إل الخراب‪ ،‬وهــو بقايــا قصــر جــده‪،‬‬
‫أيّ أّنه قبل أن يعيش في الخراب وهذا نوع في نهايــة المطــاف‬
‫من الستسلم‪ ،‬بعد أن رفض القصر عندما كان عامرًا‪ ،‬ويعيــش‬
‫في أطلله بعد أن أصبح خرابًا‪.‬‬
‫إّنه مجموعة من المتناقضات‪ ،‬كما يقولل عن نفســه "إنّنــي‬
‫حزمة من المتناقضات")‪. (3‬‬
‫ويجد الموظــف الــذي يســتمع إلــى أحــاديث جعفــر الــراوي‬
‫تناقضا ً حادا ً بين منظره التعيس وبين لهجته المتعالية‪.‬‬
‫هذه الصورة الفنية‪ ،‬وهي حزمة من المتناقضات‪ ،‬هـي الـتي‬
‫ن نجيــب‬ ‫ي المذكور اهتمــامه عليهــا‪ .‬ول بـد ّ أ ّ‬ ‫كز الكاتب الروس ّ‬ ‫ر ّ‬
‫ور الشخصية المتناقضة مع ذاتها‪ ،‬استفاد مــن‬ ‫ّ‬ ‫ص‬ ‫عندما‬ ‫محفوظ‬
‫تجربــة دوستيفســكي الــذي تعمــق فــي رســم صــوره الفنيــة‪،‬‬
‫فرسمها من جوانبها كافة‪.‬‬
‫إن دوستيفسكي ‪ 1881-1821‬مــن الكت ّــاب الــرواد‪ ،‬الــذين‬
‫غاصوا إلى أعماق النفــس البشــرية‪ ،‬فوصــفوا تناقضــاتها‪ ،‬ولقــد‬
‫ت متناقضــة مــع ذاتهــا‪ ،‬تشــبه تلــك‬ ‫ور نجيب محفوظ شخصيا ٍ‬ ‫ص ّ‬
‫التي رسمها دوستيفسكي في رواياته‪.‬‬
‫ن شخصــية ســعيد مهــران‪،‬‬ ‫فعلى سبيل المثال ل الحصر‪ ،‬فإ ّ‬
‫بطل رواية "اللص والكلب" )‪ (1961‬متناقضة مــع ذاتهــا‪ ،‬فهــو‬
‫يريد أن ينقذ الخرين من الفقر والجوع في حين ل يســتطيع أن‬
‫‪- 218 -‬‬
‫يجد رغيفا ً من الخبز‪ ،‬ول مأوى ول قرشا ً واحدًا‪.‬‬
‫وكـذلك رؤوف علـوان أحـد أبطـال هـذه الروايـة فهــو لـص‬
‫جع ســعيد مهــران علــى الســرقة‪،‬‬ ‫وكلب فــي الــوقت ذاتــه‪ ،‬يشـ ّ‬
‫وعندما يسرقه سعيد مهران يحارب السرقة بقواه كّلها‪ .‬وكذلك‬
‫د‪ .‬إّنه ينبح على اللــص‬ ‫ن واح ٍ‬‫ن عليش سدرة لص وكلب في آ ٍ‬ ‫فإ ّ‬
‫سعيد مهران‪ ،‬وفي الوقت ذاته إّنه لـص لن ّــه ســرق مـن سـعيد‬
‫مهران أمواله وكتبه وزوجته وابنته وبالتالي حياته كّلها‪.‬‬
‫ننتقل إلى روايةٍ أخرى أل وهي رواية "الســمان والخريــف"‬
‫التي صدرت بعـد مـرور عـام ٍ واحـد ٍ علـى صـدور روايـة "اللـص‬
‫والكلب" أي في عام ‪.1962‬‬
‫ً‬
‫ور ثــائرا فــي روايــة "اللــص‬ ‫إذا كان نجيب محفــوظ قــد ص ـ ّ‬
‫والكلب" في شخصية سعيد مهران‪ ،‬فإّنه فــي روايــة "الســمان‬
‫والخريف" يــذكر أحيانـا ً بعــض الحــداث التاريخيــة الــتي وقعــت‬
‫بالفعــل فــي مصــر ومنهــا ثــورة ‪ 23‬تمــوز عــام ‪ ،1952‬وكــذلك‬
‫العدوان الثلثي على مصر‪ ،‬الــذي أعقــب تــأميم قنــاة الســويس‬
‫في عام ‪.1956‬‬
‫ور نجيب محفــوظ فــي هــذه الروايــة شخصــية عيســى‬ ‫ويص ّ‬
‫المتناقضة مع ذاتها فيقول له إبراهيم خيرت‪:‬‬
‫‪"-‬إنك باعترافك منقسم الشخصية")‪. (4‬‬
‫يطرد عيسى فتاة ً حملــت منــه‪ ،‬اســمها ريــري‪ ،‬وبعــد مــرور‬
‫سنوات وبعد أن تحسنت أحـوال الفتـاة‪ ،‬وأصـبحت تمتلـك محل ً‬
‫تجاريًا‪ ،‬اسمه "خذ واشكر" أخذ يلهــث وراءهــا‪ ،‬ويطــالب بــابنته‪،‬‬
‫التي أنجبتها منه‪ ،‬في حين كان في الماضي ينكر ذلك‪.‬‬
‫ن شخصــية عثمــان بيــومي فــي روايــة "حضــرة‬ ‫وكــذلك فــإ ّ‬
‫المحترم" التي صدرت في عام ‪ 1975‬أيضا ً متناقضـة مــع ذاتهـا‬
‫يحمل عثمان بيومي شــهادة ليســانس باختصــاص حقــوق‪ ،‬ذلــك‬
‫الختصاص الذي يكثر في روايات نجيب محفوظ‪ ،‬فهو اختصاص‬
‫رؤوف علوان في رواية "اللص والكلب" وهـو اختصـاص جعفـر‬
‫الراوي في رواية "قلب الليل"‪.‬‬
‫ة‪ ،‬ويطمــع بمنصــب‬ ‫ويصل عثمان بيومي إلى وظيفةٍ محترم ٍ‬
‫ب موظفة اسمها أنيسة رمضــان ويرفــض الــزواج‬ ‫مدير عام‪ ،‬يح ّ‬
‫منها‪ ،‬لن ّــه يســعى نحــو المجــد الــوظيفي‪ ،‬ويرفــض الـزواج مـن‬
‫ناظرة‪ ،‬اسمها أصيلة حجازي ويخدعها وينتهي به المطــاف إلــى‬
‫أّنه يقرر فجأة الزواج من قدرية المومس التي كان يــتردد إليهــا‬
‫"كاللص متخفيا ً في الظلم")‪ (5‬مرةً في الشهر أو أكثر مقابــل‬
‫خمسين قرشًا‪ ،‬تزوجها بعــد أن لهــث مــدةٍ طويل ـةٍ وراء ســراب‬
‫المجد‪" ،‬أو تحقيق اللوهية على الرض")‪. (6‬‬
‫نجــد هــذه الشخصــية المتناقضــة مــع ذاتهــا فــي روايــات‬
‫ن شخصــية راســكو لنيكــوف بطــل‬ ‫دوستيفسكي فكما ذكرنا‪ ،‬فإ ّ‬
‫رواية "الجريمة والعقاب" متناقضة مع ذاتها‪ ،‬فهو كريــم‪ ،‬إل أن ّــه‬
‫دم المساعدات لسرة مارميلدوف‪ ،‬يندم على كرمه‪.‬‬ ‫بعد أن يق ّ‬
‫قتل راسكولنيكوف العجوز المرابية وأختهــا‪ ،‬ونهــب أموالهــا‬
‫ومجوهراتها‪ ،‬إل أّنه بدل ً من أن يستفيد مــن هــذه المســروقات‪،‬‬
‫ن مهجوٍر‪ ،‬وكاد أن يرمي بهــا فــي‬ ‫رمى بها تحت صخرة في مكا ٍ‬
‫ة‪،‬‬
‫ن حفــرة ً صــغير ً‬ ‫نهر النيفا‪" ...‬فزحزح الصــخرة مــن مكانهــا‪ ،‬إ ّ‬
‫كانت قد تشكلت تحت الصخرة فسرعان ما أخذ راسكولنيكوف‬
‫ل ما كــان فــي جيــوبه وكــانت حافظــة‬ ‫يرمي في هذه الحفرة ك ّ‬
‫النقود آخر شيٍء رماه")‪. (7‬‬
‫يقارن راسكو لنيكوف نفسه بعظمــاء التاريــخ مثــل نــابليون‬
‫بونابرت‬
‫‪- 219 -‬‬
‫)‪ (1769-1821‬ويقــول عنــه إن ّــه "يقصــف طولــون بالمــدافع‪،‬‬
‫ويقوم بمذبحـةٍ ببــاريس‪ ،‬وينســى جيشــه بمصــر‪ ،‬وينفــق نصــف‬
‫مليون من الرجال في حملة موسكو‪ ..‬ثم تقام له التماثيــل بعــد‬
‫ن أولئك الرجــال ليســوا مــن‬ ‫ل شيٍء مباح إذن لــه! إل أ ّ‬ ‫موته‪ .‬ك ّ‬
‫م‪ ،‬بل من برونز")‪. (8‬‬ ‫لح ٍ‬
‫ي‪" ..‬إل أنن ّــي لفهــم‬‫وبعد ذلــك يقــارن نفســه بــالنبي العرب ـ ّ‬
‫أعمق الفهم ذلك النبي‪ ،‬الممتطي صهوة جواده‪ ،‬المشهر سيفه‪،‬‬
‫القائل‪ :‬الّله يريد هذا‪ ،‬فأطع واخضع أّيها المخلوق المرتعــش‪)"..‬‬
‫‪. (9‬‬
‫يقارن راسكولنيكوف نفســه بالعظمــاء وفــي الــوقت ذاتــه‪،‬‬
‫ة")‪. (10‬‬ ‫يصف نفسه "ما أنا إل قملة محشوة بأفكارٍ فني ٍ‬
‫وكذلك تتصف بالتناقض سونيا مارميلدوف‪ ،‬التي يقــول لهــا‬
‫راسكولنيكوف‪.‬‬
‫‪"-‬ولكن قولي أخيرًا‪ :‬كيف يمكن أن يجتمع في نفسك مثــل‬
‫هــذا العــار ومثــل هــذه الحطــة‪ ،‬مــع أنبــل العواطــف وأقــدس‬
‫المشاعر؟")‪. (11‬‬
‫ن شخصـــية ســـفيدريغايلوف‪ ،‬الـــذي يشـــبه‬ ‫وكـــذلك فـــإ ّ‬
‫راســكولنيكوف‪ ،‬أيض ـا ً شخصــية متناقضــة مــع ذاتهــا يبلــغ عمــر‬
‫سفيدريغايلوف خمسين عامًا‪ ،‬ومع هذا فهو يخطب فتاة ً عمرهــا‬
‫ستة عشر عامًا‪ ،‬ويتلعب بعواطفها‪ ،‬وتوافــق هــذه الفتــاة علــى‬
‫الخطوبة بسبب عوز أسرتها إلى النقود‪ ،‬قضى سنتين في سلح‬
‫م تــزّوج مارفــا بتروفنــا‪،‬‬ ‫م تســكع ببطرســبرج‪ ،‬وث ـ ّ‬ ‫الفرســان‪ ،‬ث ـ ّ‬
‫مي نفسه‪ ،‬وقاتل‪،‬‬ ‫وعاش معها في الريف‪ ،‬وهو غشاش‪ ،‬كما يس ّ‬
‫م في الطعام‪ ،‬ويكذب‪ ،‬وفــاجر‪،‬‬ ‫س لها الس ّ‬ ‫فلقد قتل زوجته إذ د ّ‬
‫ويحاول اغتصاب دونيا أخت راسكولنيكوف إل أّنهــا تطلــق عليــه‬
‫النار دفاعا ً عن شرفها‪ ،‬وتجرحه ولم تقتله‪ .‬وهذا وجه من وجوه‬
‫سفيدريغا يلوف‪.‬‬
‫ب دونيـا حبـا ً‬ ‫ل قـواه‪ ،‬وأحـ ّ‬ ‫ب بكـ ّ‬ ‫ما الوجه الخـر‪ ،‬فـإّنه يحـ ّ‬ ‫أ ّ‬
‫صادقا ً جارفًا‪ ،‬فلما عرف أّنها ل تحّبه‪ ،‬ولــن تســتطيع فعــل ذلــك‬
‫أخلى سبيلها وقرر النتحار‪ ،‬وانتحر بالفعل‪ ،‬علما ً بأّنه في لحظـ ٍ‬
‫ة‬
‫معينةٍ من صراعه معها‪ ،‬كان يستطيع الحصول على جسدها‪ ،‬إل‬
‫ن هذا ل يكفيه‪ ،‬فهــو يريــد امتلك قلبهــا‪ ،‬ولــذلك رفــض امتلك‬ ‫أ ّ‬
‫جسدها‪ ،‬في لحظة استسلم وقعت بها دونيا‪.‬‬
‫وقبل إقدامه على انتحار بالمسدس ذاته‪ ،‬الذي كادت دونيــا‬
‫أن تقتله به‪ ،‬ذهب إلى صونيا مارميلدوف وقال لها‪:‬‬
‫ل‪ ،‬فيمــا يتعلــق بأختيـك الصـغيرتين‪ ،‬وأخيـك‬ ‫ل حا ٍ‬ ‫"‪ ..‬على ك ّ‬
‫ن مستقبلهم مؤمن‪ ،‬لقد توليت بنفســي دفــع المــال‪،‬‬ ‫الصغير‪ ،‬فإ ّ‬
‫الذي يجب أن ينتقل إليهم‪ ،‬وأخذت به إيصالت‪ ،‬خذي‪ ،‬إليك هذه‬
‫اليصالت‪ ،‬بهذا تســوى المســألة‪ .‬وإليــك ثلث ســندات‪ ،‬قيمتهــا‬
‫ل‪ .‬هذه لك أنت‪ .‬أرجو أن تبقي هذا المر سـرًا‪ ،‬ل‬ ‫ثلثة آلف روب ٍ‬
‫ن الحيـاة‪ ،‬الـتي عشـتها حـتى الن سـيئة‪ ،‬فلـن‬ ‫يعلم به أحد‪ ..‬فإ ّ‬
‫تضطري إليها بعد اليوم‪. (12)"..‬‬
‫فلقد تكفل سفيدريغايلوف بنفقات دفن زوجة مارميلدوف‪،‬‬
‫دم خمســة‬ ‫ل وقـ ّ‬
‫وتكفل بأطفاله وقــدم لصــوفيا ثلثــة آلف روب ـ ٍ‬
‫ل إلى أسرة الفتاة الصــغيرة الــتي خطبهــا‪ ،‬وبعــد‬ ‫عشر ألف روب ٍ‬
‫ذلك أقدم على النتحار‪.‬‬
‫وبعــد رواي ـةٍ الجريمــة والعقــاب كتــب دوستيفســكي روايــة‬
‫"البله" في عام ‪ ،1868‬أي بعد مرور عامين على صدور روايــة‬
‫"الجريمة والعقاب" وبطل هذه الرواية أيضا ً شخصــية متناقضــة‬
‫مع ذاتها‪ .‬يدل علــى هــذا التنــاقض اســمه‪ ،‬فاســمه الميــر ليــف‬
‫‪- 220 -‬‬
‫نيكول يفتش ميشــكين‪ .‬اســمه الول ليــف يعنــي الســد وكنيتــه‬
‫ميشكين‪ ،‬مـن كلمـة ميـش وتعنـي الفـأر‪ ،‬فهـو أسـد وفـأر فـي‬
‫الوقت ذاته‪ ،‬إّنه ضعيف وقوي‪ ،‬وفقير وغني‪ ،‬ل يملك شيئا ً ولكن‬
‫يحق له أن يرث أموال ً طائلة‪ ،‬وكأنه ذو طبيعتين‪.‬‬
‫ونجــد هــذه الشخصــية المتناقضــة فــي روايــة "الخــوة‬
‫كارامازوف" التي صدرت فــي عـام ‪ 1881‬أيّ قبــل مــرور عـام‬
‫على )‪ ،(1880‬الذي توفي فيه الكاتب المذكور فــالخوة الثلثــة‬
‫الشــرعيون ديمــتري وإيفــان وألكســي‪ ،‬بالضــافة إلــى أخيهــم‬
‫اللشرعي سميردياكوف‪ ،‬هم أخوة وأعداء في الوقت ذاته‪ .‬هــم‬
‫ن الـذي قتلـه‬ ‫البناء الذين يسـاهمون فـي قتـل أبيهـم‪ ،‬صـحيح أ ّ‬
‫بالفعل هو البن اللشرعي ولكــن لــول دور الخــوة الثلثــة‪ ،‬لمــا‬
‫استطاع سميردياكوف تنفيذ جريمته‪.‬‬
‫‪-3‬في رواية "قلب الليل" لنجيــب محفــوظ‪ ،‬الــتي‬
‫ة جديــدة ً فــي الدب‬ ‫صدرت فــي عــام ‪ 1975‬نجــد شخصــي ً‬
‫ة‪،‬‬
‫ة جديــد ً‬ ‫دم نظريـ ً‬ ‫ي أل وهــي شخصــية المفكــر الــذي يقـ ّ‬ ‫العرب ّ‬
‫يضعها في كتاب‪ ،‬أيّ أّننا نجد شخصية الكــاتب‪ ،‬الــذي يعب ّــر عــن‬
‫أفكاره بالقلم‪ ،‬وهذه الفكار ليســت هــي أفكــار مؤلــف الروايــة‬
‫دمها‬ ‫وإّنما هي أفكار أحد أبطال الرواية‪ .‬يصوغها هذا البطل ويق ـ ّ‬
‫للقارئ مكتوبة‪ ،‬إذن أمامنا شخصية جديدة هي شخصـية البطـل‬
‫الكاتب‪.‬‬
‫ّ‬
‫ور لنا دوستيفسكي هذه الشخصية في رواياته كلها‪.‬‬ ‫ولقد ص ّ‬
‫بـــدءا ً مـــن روايـــة "الفقـــراء")‪ (1846‬وحـــتى روايـــة الخـــوة‬
‫"كارامــازوف" ‪ 1880‬وســنتحدث عــن شخصــية الكــاتب فــي‬
‫روايات دوستيفسكي لحقًا‪.‬‬
‫ما في رواية "قلب الليـل" فيجسـد هـذه الشخصـية جعفـر‬ ‫أ ّ‬
‫الراوي‪ .‬منذ بداية الرواية‪ ،‬يقول جعفر الراوي‪:‬‬
‫‪-‬إذن سأشعل ثورة تقلب نظام الكون‪. (13)..‬‬
‫"هذه هي الفكرة المركزية التي ضـمّنها كتـابه‪ ،‬الـذي ألفـه‪.‬‬
‫فيما بعد ولم يستطع نشره‪.‬‬
‫وره‬ ‫إّنه في نهاية الرواية عجوز‪ ،‬ولكــن نجيــب محفــوظ يص ـ ّ‬
‫ة‪ ،‬مــات أبــوه‪ ،‬وقــامت‬ ‫ب فقي ـرٍ وأم ٍ فقيــر ٍ‬‫وهــو طفــل فقي ًــر‪ ،‬ل ٍ‬
‫الـراوي كـان غنيـًا‪ .‬وبعــد وفـاة‬ ‫ن جده الشيخ‬ ‫مه علما بأ ّ‬ ‫بتربيته أ ّ‬
‫أمه واسمها سكينة نقل إلى بيت جــده‪ ،‬الــذي علمــه أن النــاس‬
‫ينقسمون إلى نوعين "‪ ...‬النســان اللهــي‪ ،‬والنســان الــدنيوي‪،‬‬
‫النسان اللهي هو من يعايش الّله في كل حين‪ ،‬ولو كان قــاطع‬
‫طريـق‪ ،‬والـدنيوي هـو مـن يعـايش الـدنيا ولـو كـان مـن رجـال‬
‫الدين‪. (14)"..‬‬
‫دخل الزهر الشريف‪ ،‬وكان قلبه مترعا ً باليمــان والقداســة‬
‫ر‪ ،‬وكــانت تمــر بــه‬ ‫يقول‪:‬وشعر بسرورٍ كــبي ٍ‬ ‫وأخذ يغرف من المعارف‪،‬‬
‫ساعات سوداوية كما‬
‫ي مــن‬ ‫"ولكن كانت تمر بــي ســاعات ســوداوية‪ ،‬تتســلل إل ـ ّ‬
‫مكانها فتغير مذاق الحياة‪ ،‬وتغشــاني ســحب الــذكريات الســود‪،‬‬
‫مـي ذات التاريـخ‬ ‫فأفكر بحياة النفي التي عاناها أبـي‪ ،‬ومأسـاة أ ّ‬
‫الغامض المجهول‪ ،‬وعند ذاك يثور غضبي على جــدي‪ ،‬وأحاســبه‬
‫ك‪،‬‬‫في الخيال حسابا ً عسيرًا‪ ،‬ويتبدى لــي شــيطانا ً فــي ثــوب مل ٍ‬
‫ل طيب في الحيــاة‬ ‫وأقول ما هو إل رجل من العيان يستمتع بك ّ‬
‫ويزعم أّنه قديس إلهي‪. (15)"..‬‬
‫وبعد ذلك وبشكل مفاجئ‪ ،‬رأى راعيــة غنــم اســمها مروانــة‬
‫فسلبت عقله وتزوجها‪ ،‬وأنجب مها أربعة أطفــال‪ ،‬وأجــبرته بعــد‬
‫ذلك على الطلق‪.‬‬
‫‪- 221 -‬‬
‫وتعرف على هدى صدّيق الغنيــة فتزوجهــا‪ ،‬ودرس الحقــوق‬
‫ديق فكانت‬ ‫ما هدى ص ّ‬ ‫وهو في الخامسة والعشرين من عمره‪ ،‬أ ّ‬
‫تكبره سنًا‪ .‬وكانت غاية في الذكاء والســتيعاب والثقافــة‪ ،‬ونــال‬
‫الجازة فــي الحقــوق‪ ،‬وفتــح مكتب ـا ً للمحامــاة فــي ميــدان بــاب‬
‫الخلق‪.‬‬
‫وبدأ يفكر بمكانة العقل والغريزة فــي حيــاة النســان ورأى‬
‫ن العقل مخلوق حديث نسـبيًا‪ ،‬إذا قيـس بـالغرائز والعواطـف‪،‬‬ ‫أ ّ‬
‫فالذي يربط النسان بالحياة غريزة‪ ،‬ودور العقل هو دور الخادم‬
‫للغريزة‪.‬‬
‫ورأى جعفــر الــراوي ضــرورة أن ينقلــب الوضــع‪ ،‬فتصــبح‬
‫ة للعقــل‪ ،‬ورأى فــي تجربتــه مــع مروانــة‪ ،‬راعيــة‬ ‫الغــرائز خادم ـ ً‬
‫ب العمى سيظل أعمــى‪ ،‬ويتمخــض بعــد الشــباع‬ ‫ن الح ّ‬‫الغنم‪ ،‬أ ّ‬
‫عن خواء‪.‬‬
‫لقد كــان جعفــر الــراوي يحلــم عنــدما كــان فــي بيــت جــده‬
‫بانتصار النسان اللهي‪.‬‬
‫ما‬‫وعندما تزوج مروانة ‪-‬راعية الغنم سيطرت عليه الغرائز أ ّ‬
‫بعــد زواجــه مــن هــدى صــديق فــآمن بالعقــل‪" ،‬الــذي ســيغني‬
‫النسان ذات يوم عــن غــرائزه وعــواطفه‪ ،‬فتصــبح جميعـا ً مثــل‬
‫الزائدة الدودية")‪. (16‬‬
‫ن النســان‪ ،‬كــان يعيــش قبــل خلــق‬ ‫ويــرى جعفــر الــراوي أ ّ‬
‫مــا‬‫العقل‪ ،‬مثله مثل أي حيوان آخر‪ ،‬وكــان منســجما ً مــع ذاتــه‪ .‬أ ّ‬
‫بعد أن وهب نعمــة العقــل‪ ،‬فأخــذ المولــود الجديــد يتصــارع مــع‬
‫الغرائز‪ ،‬ويمر النسان الن بمرحلـةٍ انتقاليـة‪ ،‬إذ تتحكـم الغـرائز‬
‫والعقــل بتصــرفات النســان‪ ،‬فمــا يقــول بــه العقــل‪ ،‬تعارضــه‬
‫الغــرائز‪ ،‬ومــا زال النصــر حــتى يومنــا الحاضــر حليــف الغــرائز‪،‬‬
‫فاللغة التي تستجيب لها المليين هــي لغــة العواطــف والغــرائز‬
‫وهذه برأيه المأساة العامة‪.‬‬
‫ما مأساته الخاصة فنشأت مــن الصــراع بيــن العقــل وبيــن‬ ‫أ ّ‬
‫اليمان الراسخ بالّله‪.‬‬
‫وأراد أن يدرك بعقله وجود الّله‪ ،‬واثبات ذلــك كمــا يثبــت أ ّ‬
‫ن‬
‫ن‬‫ديق تناقشــه وتقــول لــه إ ّ‬ ‫صـ ّ‬
‫‪ 2=1+1‬وكــانت زوجتــه هــدى ِ‬
‫النسان العاقل هو وحده الــذي عبــد الل ّــه‪ ،‬فالعقــل هــو أســاس‬
‫اليمان‪.‬‬
‫ة فــي الســجن‪ ،‬لــم يبــت‬ ‫وحتى بعد أن أمضــى فــترةً طويل ـ ً‬
‫جعفر الراوي في مسألة وجود الّله‪ ،‬بــل قــال "إنــي عــاجز عــن‬
‫الكفر بالّله")‪. (17‬‬
‫وهذا الجواب ل يعني أنه يؤمن بالّله‪.‬‬
‫ب شـيوعي‬ ‫وبعد أن فتـح مكتبـا ً للمحامـاة تعـرف علـى شـا ٍ‬
‫اسـمه سـعد كـبير يــؤمن بالماديـة الجدليـة والماديـة التاريخيـة‪:‬‬
‫ن نظامنــا الجتمــاعي غيــر‬ ‫"ووصــلت إلــى أولــى النتــائج وهــي أ ّ‬
‫معقول‪ ،‬ظـالم‪ ،‬وأن ّــه مســؤول عـن أدوائنــا مــن الفقـر والجهــل‬
‫والمرض‪ ،‬وأنّني لست من الصفوة كمــا تــوهمت كــثيرا ً ولكننــي‬
‫ة‪ ..‬ولكنني أخذت فــي تحليـل أسـباب الـثراء مـن‬ ‫فرد من عصاب ٍ‬
‫الهبات والنتهازية والستغلل والعسف والقوة حتى اقتنعت بأّنه‬
‫ل يوجد ثراء مشــروع بــالمعنى الــدقيق لهــذه الكلمــة‪- (18)"..‬‬
‫يرى جعفر الراوي‪.‬‬
‫ة‪ ،‬ولّنهــا تفــرض‬ ‫وانتقد الماركسية لّنها تحــولت إلــى عقيــد ٍ‬
‫نفسها بالقوة والديكتاتورية‪.‬‬
‫ن الحداث‬ ‫وكتب جعفر الراوي أفكاره‪ ،‬إل أّنه لم ينشرها‪ ،‬ل ّ‬
‫‪- 222 -‬‬
‫سبقته ويقول عن كتابه‪:‬‬
‫"عرضت تاريخا ً موجزا ً للمذاهب السياسية والجتماعية‪ ،‬من‬
‫القطاع حتى الشيوعية‪ ،‬ثم عرضت مشروعي الذي يقوم علــى‬
‫ة‪ ،‬أســاس فلســفي مــذهب اجتمــاعي‪ ،‬أســلوب فــي‬ ‫أسس ثلث ـ ٍ‬
‫الحكم‪ ،‬أما الساس الفلسفي فمــتروك لجتهــاد المريــد‪ ،‬لــه أن‬
‫يعتنق المادية أو الروحية أو حتى الصوفية‪ ،‬والساس الجتماعي‬
‫شيوعي في جوهره‪ ،‬يقوم على الملكية العامــة وإلغــاء الملكيــة‬
‫الخاصة والتوريث والمساواة الكاملة‪ ،‬وإلغاء أيّ نوٍع للســتغلل‪،‬‬
‫ل على قــدر طــاقته‪،‬‬ ‫وأن يكون مثله العلى في التعامل "من ك ّ‬
‫ما أســلوب الحكــم فــديمقراطي يقــوم‬ ‫ل على قدر حاجته" أ ّ‬ ‫ولك ّ‬
‫على تعدد الحزاب وفصــل الســلطات وضــمان كافــة الحريــات‬
‫‪-‬عدا حرية الملكية‪ -‬والقيــم النســانية‪ ،‬وبصــفةٍ عامـةٍ يمكــن أن‬
‫ن نظامي هو الوريث الشرعي للسلم والثورة الفرنسية‬ ‫تقول إ ّ‬
‫ن‬
‫ديق أ ّ‬‫والثوريــة الشــيوعية‪ (19)"...‬ورأت زوجتــه هــدى صــ ّ‬
‫أفكاره في جوهرها شيوعية‪ ،‬لّنهــا كــذلك فــي المــر الجــوهري‬
‫الذي يهم من يملكون ومن ل يملكون‪.‬‬
‫وبعد ذلك قتــل جعفــر الــراوي أســتاذه ســعد كــبير بقطاعـة‬
‫الــورق فــي أثنــاء نقاشـهما‪ ،‬فــي الــوقت الــذي كــان ينــوي فيـه‬
‫تأسيس حزب لنشر أفكاره ولمحاربة اليمين واليسار‪.‬‬
‫وسجن‪ ،‬وخرج من السجن‪ ،‬ولم يبــق منــه إل الثــار‪ ،‬ولكنــه‬
‫استمر في الدعوة إلى مذهبه‪.‬‬

‫ارقون")‪. (20‬‬
‫ل‬‫منها مقــالته‪" :‬ك ـ ّ‬
‫ويقول راسكولنيكوف عن فكرته التي ض ّ‬
‫ن النســان الخــارق يملــك الحــق‪ ..‬ل الحــق‬ ‫ما أوحيــت بــه هــو أ ّ‬
‫الرسمي‪ ،‬بل الحــق الشخصــي فــي أن يــأذن لضــميره بتخطــي‬
‫ة‪ ،‬هي الحالة التي يتطلــب‬ ‫بعض الحواجز‪ ..‬وذلك في حالةٍ واحد ٍ‬
‫فيها تنفيذ فكرته هـذا التخطـي )وهـي فكـرة قـد يتوقــف عليهـا‬
‫سلم النوع النساني( ‪ ...‬أرى أّنه لــو كــانت اكتشــافات كبلــر أو‬
‫ة‪ ،‬ما كان لها أن تتحقق إل إذا‬ ‫ف معين ٍ‬
‫نيوتن‪ ،‬بسبب تضافر ظرو ٍ‬
‫ضحى في سبيلها بحياة فردٍ أو عشــرة أفــراٍد‪ ،‬أو مئة فــرٍد‪ ،‬بــل‬
‫بحياة عددٍ من الفــراد أكــبر‪ ،‬يعيقــون تحقيقهــا أو يقفــون حــائل ً‬
‫دونها‪ ،‬فإّنه يكــون مـن حـق نيــوتن‪ ،‬بــل ومــن واجبــه‪ ..‬أن يزيــح‬
‫أولئك الفــراد العشــرة أو المئة فــي ســبيل أن ينفــع النســانية‬
‫ن جميـــع‬ ‫باكتشـــافه‪ ..‬وأذكـــر أنن ّـــي أوضـــحت فـــي مقـــالتي أ ّ‬
‫المؤسسين والمشرعين في تاريخ النسانية‪ ،‬مــن أقــدمهم إلــى‬
‫أحدثهم‪ ،‬مرورا ً بأمثال ليسـورجوس وسـولون ومحمـد ونـابليون‬
‫وغيرهم‪ ،‬يمكن أن يوصفوا جميعا ً بــأّنهم مجرمــون‪ ،‬لّنهــم حيــن‬
‫أقاموا قانونًا‪ ،‬إّنما خالفوا بذلك قانون ـا ً قــديما ً كــان يعــد مقدس ـا ً‬
‫وكان موروثًا‪ ،‬عن السلف‪ ،‬وما كان لهم أن يمتنعوا عن ســفك‬
‫الدم"‪. (21)...‬‬
‫ويرى راسكولنيكوف أنه يحق للناس الخارقين ســفك الــدم‬
‫في سبيل النظام الجديد‪ ،‬الذي يسعون لفرضــه علــى الخريــن‪،‬‬
‫ويحق لهم سفك تلك الدماء‪ ،‬التي بذلت في سبيل إقرار النظام‬
‫ن أكــثر الــرواد الــذين أصــلحوا المجتمــع كــانوا أناسـا ً‬ ‫القديم‪ ،‬وأ ّ‬
‫دمويين‪.‬‬
‫ن الناس ينقسمون بحكم قوانين الطبيعة إلى فئتين‪،‬‬ ‫ويرى أ ّ‬
‫‪- 223 -‬‬
‫فئة دنيــا ليــس لهــم مــن وظيفــةٍ إل أن يتناســلوا‪ ،‬ويتكــاثروا‪،‬‬
‫ويعيشوا في الطاعة‪ ،‬ويحلو لهم أن يعيشوا في الطاعة‪ ،‬وليــس‬
‫في طاعتهم ما يسيء إليهم أو يذل كرامتهم‪.‬‬
‫ما الفئة الثانية التي تتميــز بأّنهــا تســتطيع خــرق القــوانين‬ ‫وأ ّ‬
‫القائمة‪ ،‬وتدمير الحاضر‪ ،‬في ســبيل شــيٍء أفضــل‪ ،‬فــإذا وجــب‬
‫عليهم من أجل تحقيق أفكـارهم أن يخطـوا فـوق جثـةٍ أو بركـة‬
‫م‪ ،‬فإّنهم يقومون بهذا العمل مرتاحي الضمير‪.‬‬ ‫د ٍ‬
‫فالعاديون هم أسياد الحاضر‪ ،‬والخارقون أســياد المســتقبل‪،‬‬
‫الولــون يحفظــون العــالم ويزيــدونه كم ـًا‪ ،‬والخــرون يحركــونه‬
‫ويقودونه إلى غايته المنشــودة‪ ،‬ولهــؤلء وأولئك حــق واحــد فــي‬
‫ة‪.‬‬‫ن لهم كّلهم حقوقا ً متساوي ً‬ ‫الحياة‪ ،‬أيّ أ ّ‬
‫ً‬
‫ن كــثيرا مــن هــؤلء العــاديين‪ ،‬رغــم‬ ‫ويــرى راســكولنيكوف أ ّ‬
‫ميلهم الفطري إلى الطاعة‪ ،‬يمكــن أن تلحــظ فيهــم نــزوة مــن‬
‫تلك النزوات التي نلحظهـا فــي الطبيعــة‪ ..‬فــإذا هـم يحبــون أن‬
‫يحسبوا أنفسهم رجال ً من الطليعــة وإذا هــم يقحمــون أنفســهم‬
‫في الدعوة إلى الكلمة الجديدة‪ ،‬ولكن هؤلء ل يقطعون شــوطا ً‬
‫بعيدا ً في يوم من اليام‪.‬‬
‫"‪ ..‬ول تولــد إل قلــة قليلــة جــدا ً مــن هــؤلء الفــراد‪ ،‬الــذين‬
‫يملكون فكرةً جديدة ً حقًا‪ ،‬أو يقدرون ولو قليل ً علــى أن يعّبــروا‬
‫ما العباقرة فل يوجد منهــم إل واحــد بيــن‬ ‫عن شيٍء ما جديد‪ ..‬وأ ّ‬
‫ما كبار العباقرة الذين هم قمة النوع النســاني‪ ،‬فل بــد ّ‬ ‫مليون‪ ،‬أ ّ‬
‫ان ننتظر أن تمر على الرض ألوف مليين الفــراد حــتى يظهــر‬
‫منهم واحد")‪ (22‬ويملك هــؤلء حــق ســفك الــدماء دون تقريــع‬
‫ضمير‪ ،‬فإن انتصروا أرسلوا أنصار النظام القديم إلى المعتقلت‬
‫وإن فشلوا تعرضوا للتعذيب والموت‪.‬‬
‫هذه فكرة راسكولنيكوف حول تقسيم الناس إلى فصيلتين‪،‬‬
‫عظماء وعاديين‪ ،‬ونشرها في إحدى الجرائد‪.‬‬
‫‪-5‬شخصــية البطــل الكــاتب فــي روايــة "البلــه"‬
‫‪ 1868‬بعد عامين من صدور رواية "الجريمة والعقاب" أيّ في‬
‫عام ‪ ،1868‬أصدر دوستيفسكي رواية "البله" ويعّبر أحد أبطال‬
‫ة وشخصية أو بليت هــي‬ ‫الرواية‪ ،‬واسمه أوبليت عن أفكاره كتاب ً‬
‫اســتمرار لشخصــية راســكولنيكوف بطــل روايــة "الجريمــة‬
‫ن أوبليت المريض بالســل وهــو مــرض قاتــل فــي‬ ‫والعقاب" إذ أ ّ‬
‫ذلك الوقت‪ ،‬ويعرف أّنه سيموت حتما ً خلل مــدةٍ قصــيرةٍ يــرى‬
‫ضرورة التمرد على الرادة اللهية‪ ،‬التي حكمــت عليــه بــالموت‬
‫عن طريق المرض‪ .‬ويقول إّنه يستطيع خلل اليام الخيرة مــن‬
‫ن القضاء النساني لن يحكم عليــه‬ ‫ة‪ ،‬ل ّ‬ ‫حياته أن يقوم بأيةِ جريم ٍ‬
‫بأخس مما حكم عليه به القضاء اللهي‪ ،‬أل وهي عقوبة بمــرض‬
‫السل‪ ،‬وهو في ريعان شبابه‪ ،‬ويتمرد على القــدرة اللهيــة الــتي‬
‫حكمت عليه بــالموت‪ ،‬دون ذنــب‪ ،‬ويقــرر وضــع حـدٍ لحيــاته‪ ،‬أي‬
‫يقرر النتحـار لكـي يمـوت بالسـاعة الـتي يحـددها‪ .‬وليـس فــي‬
‫الساعة التي تحددها له القدرة اللهيـة‪ .‬فهــو متمـرد وثـائر مثـل‬
‫ن ثــورته ليســت‬ ‫ة‪ .‬إل أ ّ‬‫راسكولنيكوف‪ ،‬ويعب ّــر عــن أفكــاره كتاب ـ ً‬
‫ثورة اجتماعية‪ .‬بل هي أبعــد مــن ذلــك‪ ،‬إّنهــا ثــورة ضــد قــوانين‬
‫الحيـاة نفسـها‪ .‬الــتي برأيـه فــي بعـض الحيـان تظلـم البريـاء‪،‬‬
‫ب‪.‬‬‫فيموت الشباب دون ذن ٍ‬
‫‪-6‬شخصــية البطــل الكــاتب فــي روايــة "الخــوة‬
‫كارامازوف" ‪1880‬‬
‫عالج نجيب محفوظ في روايته "قلب الليل" مســائل هامــة‬
‫مثل وجود خالق لهذا الكون‪ ،‬ومثل مسألة الدين ورجال الدين‪.‬‬
‫ن هذه المسائل عالجها دوستيفسكي‪ ،‬فــي روايــات كــثيرة‬ ‫إ ّ‬
‫‪- 224 -‬‬
‫فمثل ً في رواية "الجريمة والعقاب" يقول راسكولنيكوف لصونيا‬
‫المؤمنة بوجود الّله‪:‬‬
‫"ولكن قد ل يكون هناك إله!")‪ (23‬فهو يعّبر عن شكه في‬
‫وجود خالق لهذا الكون‪.‬‬
‫يتــابع دوستيفســكي هــذا الموضــوع فــي روايــة "الخــوة‬
‫كارامازوف "فإيفان وهو البن الثاني‪ ،‬هـو الــذي يمثــل شخصــية‬
‫ـةٍ‬‫البطل الكاتب‪ ،‬ولقد حصل على شهادةٍ جامعيةٍ باختصاص علوم‬
‫ة‪ .‬نشر في أثناء السنوات الخيرة مــن دراســته الجامعيـ‬ ‫طبيعي ٍ‬
‫ة‪ ،‬عرض فيها لنــواع شــتى مــن المؤلفــات وأصــبح‬ ‫ت ً نقدي ً‬ ‫مقال ٍ‬
‫ة بســبب‬ ‫معروفا في المحافل الدبية‪ .‬إل أّنه كسب شهرة ً واسع ً‬
‫ل له حول القضاء الكنســي‪ .‬نــاقش فــي هــذا المقــال الراء‬ ‫مقا ٍ‬
‫المختلفة حول الموضوع‪ ،‬وبعد ذلك أبدى رأيه الشخصـي وتميـز‬
‫المقال بالنتيجــة الــتي توصــل إليهــا إيفــان كارامــازوف‪ ،‬واعتــبر‬
‫ن‬‫العلمانيون المقال لصالحهم‪ ،‬وكــذلك اعتــبر أنصــار الكنيســة أ ّ‬
‫المقال لصالحهم‪.‬‬
‫ممممم ممممم ممممممممم مم ممممم ‪:‬‬
‫ن الجمــع بيــن العنصــرين‪ ،‬أيّ بيــن جــوهر‬ ‫ن فكرتي هي أ ّ‬ ‫"إ ّ‬
‫الكنيسة وجوهر الدولة‪ ،‬سيظل قائما ً إلــى البــد ول شــك‪ ،‬رغــم‬
‫أّنه مستحيل‪ ،‬ول يمكن أبدا ً أن يؤدي إلى جعل العلقــات بينهمــا‬
‫طبيعيــة‪ ،‬أو حــتى بقــدر مــا منســجمة والواقــع أن الكــذب هــو‬
‫الساس الذي تقوم عليه المسألة‪ ،‬وعندي أن تسوية بين الدولة‬
‫ل‪ ،‬أمــر مســتحيل ول‬ ‫والكنيسة في مسائل كمســائل القضــاء مث ً‬
‫ن رجل الكليروس الذي انتقدت نظرياته قــد‬ ‫يمكن تخيله أبدًا‪ .‬إ ّ‬
‫ن الكنيسة تحتل في داخل الدولة مكانا ً معينا ً واضــح‬ ‫ذهب إلى أ ّ‬
‫ن الكنيســة‪ ،‬يجــب علــى‬ ‫بأنّني‪ ،‬من جهتي‪ ،‬أرى أ ّ ّ‬ ‫الحدود‪ .‬فأجبته‬
‫عكس رأيه تماما ً أن تستغرق الدولة كلها‪ ،‬وأن ل تكتفي بمــأوى‬
‫ط تعتصم به في داخل التنظيم الجتماعي‪. (24)"...‬‬ ‫بسي ٍ‬
‫ن الل ّــه غيــر موجــوٍد‪ ،‬وينكــر خلــود‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫كارامازوف‬ ‫إيفان‬ ‫ويرى‬
‫الــروح ويعب ّــر عــن فكرتــه هــذه فــي حــواره مــع والــده فيــدور‬
‫كارامازوف ومــع أخيــه ألكســي كارامــازوف ويقــف والــده إلــى‬
‫جانب آرائه‪ ،‬في حين يؤمن ألكسي بخلــود الــروح وبوجــود إلــه)‬
‫‪. (25‬‬
‫ن نجيــب محفــوظ تطــرق إلــى‬ ‫ول بأس في الشــارة إلــى أ ّ‬
‫ق لهذا الكون في روايته "قلب الليــل" ‪1975‬‬ ‫وجود خال ٍ‬ ‫موضوع‬
‫الراوي "إّنه عاجز عــن الكفــر بــالّله" وهــو موقــف‬ ‫فيقول جعفر‬
‫قريب من موقف إيفان كارامازوف الــذي يتأرجــح بيــن اليمــان‬
‫واللحاد‪ ،‬والذي ينكر وجود الخالق في أغلب الحيان‪ ،‬إل أّنه لــم‬
‫ل حاسم لهذه المسألة‪.‬‬ ‫يتوصل إلى ح ٍ‬
‫ويؤلف إيفان كارامــازوف قصــيدة نثريــة بعنــوان "المفتــش‬
‫ن‬
‫الكــبر"‪ .‬ويقــول إيفــان كارامــازوف فــي مقدمــة قصــيدته إ ّ‬
‫ن أحـداث قصـيدته‬ ‫الحداث تجري في القرن السادس عشر‪ ،‬وإ ّ‬
‫تشــبه إلــى حـدٍ مــا أحــداث روايــة "أحــدب نوتــوردام" للــروائي‬
‫ب يظهــر فــي قصــتي ولكنــه ل‬ ‫ن الــر ّ‬‫الفرنسي فيكتور هيجو‪" :‬إ ّ‬
‫ة‪ ،‬ول يزيــد علــى أن يجتــاز المســرح‪(26)"...‬‬ ‫ينطق بكلمةٍ واحد ٍ‬
‫ويتابع‪" :‬تجري أحداث قصيدتي في إسبانيا‪ ،‬بمدينة إشبيلية‪ ،‬فــي‬
‫ب يسوع من السماء مــدةٍ‬ ‫أحلك عهود التفتيش")‪ (27‬ونزل الر ّ‬
‫ن شمس المحبة تتقد في قلبــه‪ ،‬ويمــد‬ ‫ة‪ ،‬وعرفه الناس‪ ،‬إ ّ‬ ‫قصير ٍ‬
‫ذراعيه نحو الشعب ليباركه‪ ،‬وشفى المــرض وأعــاد البصــر إلــى‬
‫المكفــوفين‪ ،‬وأحيــى فتــاة ً فــي الســابعة مــن عمرهــا‪ .‬وظهــر‬
‫الكاردينيال الكبر وأمر باعتقال السيد المسيح‪.‬‬
‫وزار الكاردينيال سجينه في منتصف الليل‪ ،‬وعاتب المســيح‬
‫‪- 225 -‬‬
‫ن النســان محمــول بطــبيعته علــى‬ ‫على عرقلة عمله‪ .‬وقال‪" :‬إ ّ‬
‫العصــيان والتمــرد ولكــن هــل يســتطيع المتمــردون أن يكونــوا‬
‫سعداء؟‪ ...‬فلمــاذا جئت تعرقــل عملنــا فــي هــذا العــالم؟")‪(28‬‬
‫ويســأل الكاردينيــال ســجينه عــن الســئلة الثلثــة الــتي طرحهــا‬
‫الشيطان على السّيد المسيح قبــل خمســة عشــر قرن ـا ً وكــانت‬
‫التجربة الولى طلب الشيطان من المسّيح تحويــل الحجــر إلــى‬
‫ل‪ :‬ليــس بــالخبز وحــده يحيــا‬ ‫خبزٍ حيث رفض السّيد المسيح قــائ ً‬
‫النسان‪ .‬وذكر الكاردينال سجينه بأّنه كان مــن الفضــل تحويــل‬
‫الحجر إلى خبز لكي تطعم الجيــاع‪ ،‬لنــك إن أطعمتهــم تجعلهــم‬
‫فاضلين‪.‬‬
‫وباسم هذا الخبز سيحمل الجياع رايتهم ضدك‪ ،‬وسيقوضون‬
‫معبدك وسيقيمون مكانه معبدا ً آخر‪ ،‬هو برج بابل آخر‪ ،‬وسيقول‬
‫الشعب إن الخبز أغلى مــن الحريــة‪ ،‬ولــن يتقاســم النــاس خــبز‬
‫الرض بالعــدل أبــدًا‪ ،‬وقــد يتنــازل اللف مــن النــاس عــن خــبز‬
‫ن المليين من الناس تفضــل‬ ‫الرض في سبيل خبز السماء‪ ،‬إل أ ّ‬
‫خبز الرض على خبز السماء‪ ،‬ويقول الكاردينال للسّيد المســيح‬
‫ة‪ ،‬ثــم تأخــذ تتشــاتم‪" :‬اتركــوا الهتكــم‬ ‫كانت الشعوب تصنع آلهـ ً‬
‫وتعــالوا اعبــدوا آلهتنــا‪ ،‬وإل فــالموت لكــم وللهتكــم! "وســيبقى‬
‫الحال على هذا المنوال إلى نهاية العالم‪ ،‬وحتى بعد زوال اللهة‬
‫ة‪ .‬ولقـد كنـت تعلــم هـذا السـر‬ ‫سيظلون يسجدون لصنام جديد ٍ‬
‫الساسي من أسرار الطبيعة النسانية")‪. (29‬‬
‫ويلوم المفتــش الكــبير الس ـّيد المســيح علــى الحريــة الــتي‬
‫ن على الرض قــوى ثلث‬ ‫منحها للبشر‪ ،‬ويقول المفتش الكبر إ ّ‬
‫تستطيع وحدها أن تتغلب على ضـمير هـؤلء المتمرديـن‪ .‬وهـذه‬
‫ن السّيد المسيح رفض‬ ‫القوى هي المعجزة‪ ،‬والسر والهيبة‪ ،‬إل ّ أ ّ‬
‫ن السّيد المســيح رفــض أن يلقــي بنفســه‬ ‫هذه القوى الثلث‪ ،‬ل ّ‬
‫من سطح المعبد‪ ،‬عندما طلب منــه ذلــك الشــيطان ورفــض أن‬
‫ينزل عن الصـليب‪ ،‬لكـي ل يســتعبد النـاس بــالمعجزة‪ .‬والنـاس‬
‫بطـــبيعتهم عبيـــد‪ ،‬ويبتهجـــون لرؤيـــة راٍع‪ ،‬يســـوقهم كقطيـــٍع‪،‬‬
‫ـير‬ ‫ويتحررون من عبء الحرية ويصرح المفتش الكــبر بــأّنه يسـ‬
‫مع الشيطان ضد المسيح‪ ،‬لن الشيطان طلب مــن المســيح أن‬
‫يملك العالم فرفض المسيح إذ قال‪ :‬ماذا ينفع النســان لــو ربــح‬
‫ما المفتش الكــبر فيريــد أن يصــبح ملك ـا ً‬ ‫العالم وخسر نفسه‪ ،‬أ ّ‬
‫على العالم‪ ،‬وآنذاك سيحقق السعادة للنسانية كّلها‪.‬‬
‫ويقول المفتش الكبر للسّيد المسيح‪" :‬لقد كان في وسعك‬
‫أن تقبل سيف قيصــر حــتى آنــذاك‪ ،‬فلمــاذا رفضــت تلــك الهبــة‬
‫الخيرة؟ لو اتبعت الوصية الثالثة التي نصحك بها الروح القــوي‪،‬‬
‫ل مــا يتمنــاه النســان علــى‬ ‫إذن لكان في وســعك أن تحقــق ك ـ ّ‬
‫الرض‪ ،‬وهو أن يعرف من يطيع‪ ،‬وإلى من يعهد بقيادة ضــميره‪،‬‬
‫حد جميع البشر في مجتمٍع كمجتمع النمــل واحـدٍ‬ ‫وبأيّ وسيلةٍ يو ّ‬
‫م")‪. (30‬‬ ‫كبيرٍ منظ ٍ‬
‫ز‪ ،‬وإّنما هو‬ ‫خب ٍ‬ ‫ول الحجر إلى‬ ‫ويقول المفتش الكبر أّنه ل يح ّ‬
‫ـوله لجعــل‬ ‫فقط يوزع الخبز الذي يصنعه الناس على الناس‪ ،‬ولـ‬
‫الناس الخبز الذي يصنعونه حجارة يضرب بعضهم بعضهم الخــر‬
‫بها‪.‬‬
‫وعنــدما يعــودون إلــى المفتــش العظــم يســتطيع إعــادة‬
‫الحجارة إلى خبز‪ .‬وآنذاك سينظر الناس إليه نظرتهم إلى محام‬
‫يدافع عنهم‪ ،‬وسوف يتراصون حوله كمــا تــتراص الفــراخ حــول‬
‫مها‪" ،‬وســنجبر هــذا القطيــع مــن النــاس علــى العمــل "‪-‬يقــول‬ ‫أ ّ‬
‫المفتش العظــم‪ ،‬وسيســمح لهــم بــالثم لّنهــم ضــعاف" ولننــا‬
‫نحّبهم‪ ،‬وسنعاقبهم مــتى شــئنا" وســيتحمل مســؤولية خطايـاهم‬
‫ب‪ .‬وحتى الحياة الخاصة مثل علقة الــزوج بالزوجــة أو‬ ‫أمام الر ّ‬
‫بالعشيقة فسيأخذها المفتش العظم على مسؤوليته‪.‬‬
‫‪- 226 -‬‬
‫ن الموضوعات المشتركة بيــن أدب دوستيفســكي‬ ‫وهكذا فإ ّ‬
‫ورواية "قلب الليل" لنجيب محفوظ كثيرة‪ ،‬يــأتي فــي مقــدمتها‬
‫ل أو كتاب مثــل‬‫الشخصية المفكرة‪ ،‬التي تدّون أفكارها في مقا ٍ‬
‫شخصـــية جعفـــر الـــراوي بطـــل "قلـــب الليـــل" وشخصـــية‬
‫راسكولنيكوف بطل "الجريمة والعقــاب" واوبليــت أحــد أبطــال‬
‫رواية "البله" وإيفان أحد أبطال رواية "الخوة كارامازوف"‪.‬‬

‫يي‬ ‫ييييييييي‬
‫حاولت في بحثي أن أثبت وجـود تشـابه بيـن بعـض الفكـار‬
‫ل من دوستيفسكي ونجيب محفــوظ‪ ،‬وأعتقــد أن‬ ‫التي طرحها ك ّ‬
‫ل منهمــا فــي جنــس الروايــة‪،‬‬ ‫عبقريتهما متشابهة‪ ،‬فلقد أبدع ك ـ ّ‬
‫وكتبا القصة القصيرة‪ ،‬ولكنهما لم يكتبا المســرحية‪ ،‬ولــم ينظمــا‬
‫ن‬ ‫الشعر‪ .‬وعلى الرغم من التصاق روحهما بــتراب الــوطن‪ ،‬إل أ‬
‫دما حلــول ّ ً‬ ‫المسائل الــتي طرحاهــا ذات طــابع عــالمي‪ ،‬ولــم يقـ ّ‬
‫ة‪ .‬ولكــن‬ ‫للمسائل ً المطروحة‪ ،‬إل أّنهما رفضا حلول ً معين ً‬ ‫معقولة‬
‫هناك أيضا ً فروقا واضحة المعالم في عالمهمــا البــداعي‪ ،‬فلقــد‬
‫طرح دوستيفسكي مسألة الفقر‪ ،‬ودافع عــن الفقــراء‪ ،‬وحملــت‬
‫روايته الولى عنــوان "الفقــراء" ‪1846‬م وكــذلك حملــت روايــة‬
‫أخرى عنوان "المذلون والمهانون" ‪1861‬م واستمر في الـدفاع‬
‫عن الطبقات المظلومة إلى آخر حياته‪ ،‬وهذا واضح فــي روايتــه‬
‫الخيرة "الخوة كارامازوف" ‪ 1880‬ففي روايــاته هنــاك ظــالم‪،‬‬
‫وهناك مظلوم‪ ،‬وهناك قــوة ثالثــة تشــهر ســلحها بــوجه الظــالم‬
‫ة عن المظلوم‪ ،‬ل نجد دائما ً مثل هذا الثالوث في روايات‬ ‫مدافع ً‬
‫ن بعض‬ ‫ّ‬ ‫نجيب محفوظ‪ .‬كتب دوستيفسكي الرواية المأساوية‪ ،‬ل‬
‫أبطاله يتبنـون نظريـات خـاطئة‪ ،‬تنتهـي حتمـا ً بالفشـل‪ ،‬وأحيانـا ً‬
‫بالجريمة والقتل والســرقة والنهــب‪ ،‬لقــد كتــب نجيــب محفــوظ‬
‫ة لروايــة دوستيفســكي فبعــض روايــاته ذات طــابع‬ ‫رواية مشابه ً‬
‫مأســاوي مثــل "اللــص والكلب" ‪ 1961‬وروايــة "قلــب الليــل"‬
‫ور‬ ‫‪ 1975‬ويحــاول الكاتبــان تنفيــر القــارئ مــن الجريمــة‪ ،‬ويص ـ ّ‬
‫دوستيفسكي بشاعتها وعواقبهــا مثــل العمــال الشـاقة والنفــي‬
‫إلــى ســيبيريا والســجن‪ .‬يقــوم ســمير ديــاكوف فــي "الخــوة‬
‫كارامازوف" بقتل أبيه‪.‬‬
‫مــا فــي روايــة "قلــب الليــل" فيقــوم جعفــر الــراوي بقتــل‬ ‫أ ّ‬
‫أستاذه سعد كبير بقطاعة الورق فــي أثنــاء نقاشــهما‪ ،‬والســتاذ‬
‫يكاد يشبه الب‪.‬‬
‫مـا روايـات نجيـب‬ ‫روايات دوستيفسـكي ً ذات حجـم كــبير‪ ،‬أ ّ‬
‫ن الرواية في القرن‬ ‫محفوظ فهي أصغر حجما‪ ،‬وهذا يعود إلى أ ّ‬
‫التاسع عشر كانت بوجهٍ عام ذات حجم كبير‪.‬‬
‫وليس غريبا ً أن يتأثر محفوظ بدوستيفسكي فمن المعروف‬
‫ن معظم التجاهات الدبية ظهــرت أول ً فــي الغــرب‪ ،‬وانتقلــت‬ ‫أ ّ‬
‫بعد ذلك إلينا‪ .‬مثل الكلسيكية والرومانسية والواقعيــة النقديــة‪،‬‬
‫وكذلك المسرح أخذناه عن الداب الوروبية وكذلك فن القصــة‪،‬‬
‫وبعد أن ظهرت الراوية لدينا مرت بمراحل ثلث الولى مرحلــة‬
‫الترجمة‪ ،‬والثانية التقليد والثالثة مرحلة البداع‪ ،‬وبل أدنى شــك‪،‬‬
‫تنتمي الرواية التي أبدعها نجيب محفوظ إلــى المرحلــة الثالثــة‪،‬‬
‫ن هذا ل يمنع أبدا ً مــن كــونه اســتفاد مــن انجــازات عمالقـة‬ ‫إل أ ّ‬
‫الدب العالمي‪ .‬وهذا ما حاولت اثباته فــي بحــثي‪ ،‬فهنــاك نقــاط‬
‫تشابه ونقاط اختلف كبيرة‪ .‬منها أن دوستيفسكي كتب روايــاته‬
‫بحــرارة وديناميكيــة‪ ،‬تجــري أحــداث روايــاته فــي فــترة زمنيــة‬
‫ل‪ ،‬في حين ل نجد مثل هذه الحرارة فــي‬ ‫قصيرة‪ ،‬مدة أسبوع مث ً‬
‫روايات نجيب محفوظ‪ ،‬وكـان دوستيفسـكي بـدوره قـد اسـتفاد‬
‫من الدباء الــروس والجــانب الــذين ســبقوه والــذين عاصــروه‪،‬‬
‫‪- 227 -‬‬
‫فالتأثير والتأثر عمليتان ضروريتان في عــالم البــداع‪ .‬وهــذا هــو‬
‫أحد البواب الرئيســية فــي الدب المقــارن‪ .‬ولقــد ســبقني إليــه‬
‫الدكتور حسام الخطيب إذ أثبت وجود مؤثرات أجنبية في تطور‬
‫القصة في سوريا‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪- 228 -‬‬


‫ممممممم‬ ‫‪‬‬
‫‪-1‬دوستيفســكي‪ ،‬فيــدور‪ ،‬الجريمــة والعقــاب‪ ،‬المجلــد الول‪ ،‬موســكو دار‬
‫رادوغا ‪ 1989‬ص‪494-493‬‬
‫‪-2‬محفوظ‪ ،‬نجيب‪ ،‬قلب الليل‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار مصر للطباعة ص‪132‬‬
‫‪-3‬محفوظ‪ ،‬نجيب‪ ،‬قلب الليل‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار مصر للطباعة ص‪10‬‬
‫‪-4‬محفوظ‪ ،‬نجيب‪ ،‬السمان والخريف‪ ،‬دار مصر للطباعة ص‪168‬‬
‫‪-5‬محفوظ‪ ،‬نجيب‪ ،‬حضرة المحترم‪ ،‬دار مصر للطباعة ص‪56‬‬
‫‪-6‬محفوظ‪ ،‬نجيب‪ ،‬حضرة المحترم‪ ،‬دار مصر للطباعة ص‪98‬‬
‫‪-7‬دوستيفســكي‪ ،‬فيــدور‪ ،‬الجريمــة والعقــاب‪ ،‬المجلــد الول‪ ،‬موســكو دار‬
‫رادوغا‪،‬‬
‫‪-1989‬ص‪210‬‬
‫‪-8‬المصدر نفسه ص‪509‬‬
‫‪-9‬المصدر نفسه ص‪511‬‬
‫‪-10‬المصدر نفسه ص‪510‬‬
‫‪-11‬دوستيفسكي‪ ،‬فيدور‪ ،‬الجريمة والعقــاب‪ ،‬المجلــد الثــاني‪ ،‬موســكو دار‬
‫رادوغا‪ 1989 ،‬ص‪84-83‬‬
‫‪-12‬المصدر نفسه ص‪404‬‬
‫‪-13‬محفوظ‪ ،‬نجيب‪ ،‬قلب الليل‪ ،‬ص‪11‬‬
‫‪-14‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪40‬‬
‫‪-15‬المصدر نفسه ص‪54‬‬
‫‪-16‬المصدر نفسه ص‪119‬‬
‫‪-17‬المصدر نفسه ص‪123‬‬
‫‪-18‬المصدر نفسه ص‪135‬‬
‫‪-19‬المصدر نفسه ص‪137‬‬
‫‪-20‬دوستيفسكي الجريمة والعقاب‪ ،‬المجلد الول ص‪482‬‬
‫‪-21‬دوستيفسكي‪ ،‬الجريمة والعقاب‪ ،‬المجلد الول ص‪483‬‬
‫‪-22‬دوستيفسكي‪ ،‬فيدور‪ ،‬الجريمة والعقاب‪ ،‬المجلد الول ص‪489-488‬‬
‫‪-23‬دوستيفسكي‪ ،‬فيدور‪ ،‬الجريمة والعقاب‪ ،‬المجلد الثاني ص‪81‬‬
‫‪-24‬دوستيفسكي‪ ،‬فيدور‪ ،‬الخوة كارامــازوف‪ ،‬المجلــد الول‪ ،‬موســكو دار‬
‫رادوغا‪،‬‬
‫‪ -1988‬ص‪137-136‬‬
‫‪-25‬المصدر نفسه ص‪290‬‬
‫‪-26‬المصدر نفسه ص‪524‬‬
‫‪-27‬المصدر نفسه ص‪526-525‬‬
‫‪-28‬المصدر نفسه ص‪532‬‬
‫‪-29‬المصدر نفسه ص‪537‬‬
‫‪-30‬المصدر نفسه ص‪543‬‬

‫‪- 229 -‬‬




- 230 -
‫ملحــــــق‬
‫ي ييي‬ ‫ييي‬ ‫ييييي ييييي ييييي‬ ‫ي‬
‫ييي‬ ‫ييي‬
‫نســتطيع القــول إن التــأثير والتــأثر المتبــادلين‪ ،‬بيــن الداب‬
‫المختلفة‪ ،‬أمر حتمي بحيث ل نســتطيع الزعــم بــأن أدب ـا ً حــديثًا‪،‬‬
‫مهما بلغت أصالته وعراقته‪ ،‬يخلو من التأثر بآداب أخرى غريبــة‬
‫عليه‪.‬‬
‫وبقدر ما ينفتح أدب قــومي علــى الداب العالميــة الخــرى‪،‬‬
‫بقدر ما تتسع آفاقه‪ ،‬وتتعمق جذوره‪ ،‬ويكفي أن نذكر أن العصر‬
‫الذهبي بالنسبة إلى أدبنا العربي‪ ،‬كــان العصــر العباســي‪ ،‬حيــث‬
‫ترجمت الكثير مــن الثــار الدبيــة والفكريــة الفارســية والهنديــة‬
‫واليونانية إلى لغتنا العربية‪ ،‬وحيث ترجمت مؤلفــات الفيلســوف‬
‫اليوناني أرســطو )‪ (322-384‬قبــل الميلد إلــى لغتنــا العربيــة‪،‬‬
‫التي قامت بحفظ هذه المؤلفات من الضياع‪ ،‬إذ فقد في مرحلةٍ‬
‫معينةٍ أصلها اليوناني‪ ،‬وحفظت باللغة العربية وترجمت ثانية من‬
‫اللغة العربية إلى لغات العالم كله‪ ،‬بما فيها اللغة اليونانية‪.‬‬
‫وعندما انغلق الدب العربي علـى ذاتـه فـي مرحلـة الحكـم‬
‫المملوكي والعثماني‪ ،‬انخفض عـدد المؤلفـات الدبيـة والفكريـة‬
‫المترجمة من اللغات الجنبية إلى اللغة العربية وكذلك قل عـدد‬
‫المؤلفات المترجمــة عــن اللغــة العربيــة إلــى اللغــات الجنبيــة‪.‬‬
‫وكان ذلك أحد أسباب انحطاط الدب العربي في تلك المرحلــة‬
‫الطويلة من تاريخ أمتنا العربية العظيمة‪.‬‬
‫ونستطيع أن نعمم هذا الستنتاج على آداب عالمي ـةٍ أخــرى‪،‬‬
‫فعلى سبيل المثال‪ ،‬يعتبر القرن التاسع عشر مرحلة ذهبية فــي‬
‫تاريخ الدب الروسي‪ .‬ففي هذا القرن أصبح الدب الروسي أدبا ً‬
‫عالميًا‪ ،‬وترجمت مؤلفات الشاعر الروسي الكسندر بوشــكين )‬
‫ة‪ ،‬وكــذلك ترجمــت‬ ‫ت عالميــةٍ كــثير ٍ‬
‫‪ (1837-1799‬إلــى لغــا ٍ‬
‫مؤلفات ميخائيل ليرمنتوف )‪ (1841-1814‬ومؤلفات نيكــولي‬
‫غوغــول )‪ (1852-1809‬ومؤلفــات إيفــان تورغينيــف )‪-1818‬‬
‫‪ ، (1883‬ومؤلفــــات فيــــدور دوستيفســــكي )‪(1881-1821‬‬
‫ومؤلفات ليف تولستوي )‪ (1910-1828‬ومؤلفات سالتيكوف‪-‬‬
‫شــيدرين )‪ ، (1889-1826‬ومؤلفــات فيســاريون بيلينســكي )‬
‫‪ ، (1848-1811‬ومؤلفات غيرتسين )‪ (1870-1812‬ومؤلفات‬
‫الناقد الدبي دوبرولوبوف )‪ (1861-1836‬وقصائد نيكراســوف‬
‫)‪ (1878-1821‬ومســـرحيات أوستروفســـكي )‪(1886-1823‬‬
‫وقصــــص ومســــرحيات أنطــــون تشــــيخوف )‪(1904-1860‬‬
‫ومؤلفات كورلينكو)‪ (1921-1853‬وغيرها‪ .‬وكذلك ترجمت في‬
‫هــذا القــرن إلــى اللغــة الروســية مؤلفــات كــثيرة عــن اللغــات‬
‫العالميــة النكليزيــة والفرنســية والســبانية واللمانيــة والعربيــة‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫وعلــى أيــة حــال‪ ،‬ل يوجــد أدب منغلــق علــى ذاتــه تمام ـا‪ً.‬‬
‫فبشكل أو بآخر‪ ،‬ل بد ّ أن يتأثر أدب قومي بآداب العــالم‪ ،‬ول بــد‬
‫من أن يؤثر في هذه الداب‪ ،‬حــتى وإن بــدا للوهلــة الولــى أنــه‬
‫منعزل انعزال ً تامًا‪ ،‬عن غيره مــن الداب‪ ،‬فعلــى ســبيل المثــال‬
‫يظن بعضهم أن الدب العربي قبــل الســلم كــان أدب ـا ً منعــز ً‬
‫ل‪،‬‬
‫‪- 231 -‬‬
‫ولذلك لم يتأثر ولم يـؤثر فــي غيـره مـن الداب‪ ،‬والحـق‪ ،‬فلقـد‬
‫ة‪ ،‬بينهــم وبيــن الشــعوب‬ ‫ت ثفافي ـ ً‬
‫أقام العرب قبل السلم صــل ٍ‬
‫المجاورة‪ ،‬على الرغم من الظروف المادية الصــعبة‪ ،‬الــتي مــن‬
‫ت منظمةٍ بين المم القديمة‪.‬‬ ‫شأنها أن تعوق قيام علقا ٍ‬
‫ولقد ترك الدب العربي الغنـي آثـاره علـى الداب العالميـة‬
‫كلها ونخص بالذكر الدبين التركي والفارسي‪ ،‬وكذلك في الدب‬
‫السباني نظرا ً للعلقات التاريخية الوثيقة بيــن الشــعب العربــي‬
‫وبين الشعوب الثلثة المذكورة‪ .‬وكذلك ترك الدب العربي آثاره‬
‫على الدبين الفرنسي والنكليزي ومن بين الداب الــتي تــأثرت‬
‫بــالدب العربــي يــأتي الدب الروســي‪ .‬ولقــد تــأثر مؤســس‬
‫المدرسة الواقعية النقدية الكسندر بوشكين بالدب العربي فــي‬
‫قصائده المختلفة نذكر منها‪:‬‬
‫‪-1‬مممم م ممم مممم "ممم ممم مم مممممم"م مم مم‬
‫ممممم ممممممم مممممم مم ممم ‪1820‬‬
‫وواضح تأثير "ألف ليلــة وليلــة" علــى بنيتهــا‪ .‬تــروي القصــة‬
‫الشعرية حكاية أمير شجاع اسمه روسلن‪ ،‬كان يزف إلى أميرة‬
‫ة‪ ،‬في مدينة كييـف‪ ،‬وهـي الميـرة لـودميل‪ ،‬الـتي يخطفهـا‬ ‫جميل ٍ‬
‫الجن في ليلة زفافها‪ ،‬يصف الكسندر بوشــكين )‪(1837-1799‬‬
‫في قصته الشعرية الرومنتيكية عالم الجن‪ ،‬ويســير بــذلك علــى‬
‫تقاليد قصص الجان في "ألف ليلة وليلة" ول تختلف حياة الجــن‬
‫كثيرا ً عن حياة النــس‪ ،‬ويشــبه القصــر الــذي يعيــش فيــه الجــن‬
‫الذي اختطف لودميل قصــور الملــوك‪ ،‬فهــو رائع وبهــي ومحــاط‬
‫ة‪ ،‬فيصــفه الشــاعر الكســندر بوشــكين )‪-1799‬‬ ‫بحديقــةٍ جميلــ ٍ‬
‫‪ ، (1837‬بأنه أروع من قصور النبي سليمان‪ ،‬وأجمل من قصور‬
‫المير تافريدي‪ ،‬ويوجد فــي قصــر الجــن‪ ،‬الــذي خطــف لــودميل‬
‫خدم‪ ،‬وجوار‪.‬‬
‫اقتربت إحدى الجواري من لودميل‪ ،‬وجدلت شعرها الــذهبي‬
‫بأناملها الرقيقة‪ ،‬وعدد الوصيفات ثلث‪ ،‬وهـو عـدد وثيـق الصـلة‬
‫بتقاليد الساطير‪ ،‬وتزخر "ألف ليلــة وليلــة" بوصــف الوصــيفات‬
‫الجميلت‪ ،‬على ســبيل المثــال‪ ،‬فــي الليلــة ‪ 279‬قــالت‪" :‬وممــا‬
‫يحكى أن اسحاق الموصلي قال‪...... :‬وإذا بأربع جوارٍ يقلن لــي‬
‫انزل علــى الرحــب والســعة‪ ،‬ومشــيت بيــن يــدي جاريــة‪ ،‬بيــدها‬
‫شمعة‪ ،‬حتى نزلت إلى داٍر‪ ،‬فيها مجالس مفروشة‪ ،‬لم أر مثلهــا‬
‫في دار الخلفة‪ ،‬فما شعرت بعــد ســاعةٍ إل بســتوٍر‪ ،‬قــد رفعــت‬
‫ـديهن الشــموع‬ ‫في ناحية الجدار‪ ،‬وإذا بوصيفات يتمايلن‪ ،‬وفي أيـ‬
‫ومباخر البخور‪ ،‬من العــود القــاقلي‪ ،‬وبينهــن جاريــة كأنهــا البــدر‬
‫الطالع‪. (1)"..‬‬
‫تشبه القصة الشــعرية "روســلن ولــودميل" حكايــات "ألــف‬
‫ليلة وليلة" بالمزج بيــن الواقــع والخيــال فنجــد فــي "ألــف ليلــة‬
‫وليلة" شخصيات تاريخية مثل الخليفة هــارون الرشــيد‪ ،‬ووزيــره‬
‫الفارسي جعفر البرمكي وغيرهما‪ ،‬ونجد شخصيات خيالية‪ ،‬يأتي‬
‫في مقدمتها الملك شهريار وجاريته شهرزاد‪ ،‬التي أصبحت فــي‬
‫نهايــة "ألــف ليلــة وليلــة" زوجتــه‪ ،‬كمــا يلعــب الجــن والســحر‬
‫والدوات السحرية دورا ً هاما ً جدا ً في أحداث حكايات "ألف ليلة‬
‫وليلة"‪.‬‬
‫إن "روسلن ولــودميل" هــي أول قصــة شــعرية رومانتيكيــة‬
‫لبوشكين‪ ،‬وقد احتاج الشاعر عند كتابتها إلى "ألف ليلــة وليلــة"‬
‫لن إحدى خصائص الرومانتيكية الخيال المجنح وهنا نجد خيال ً ل‬
‫حدود له‪.‬‬
‫‪-2‬ممممم مم ممم ممم ممممم م‪ .‬مم م ممم ممم م مم‬
‫ممممممم ممممم مم م مم ‪1924‬م وهي من أولــى قصــائد‬
‫مرحلة الواقعيــة النقديــة‪ ،‬نظــم قصــائده المــذكورة فــي منفــاه‬
‫‪- 232 -‬‬
‫الثاني‪ ،‬في قرية ميخائيلوفسكي‪ ،‬وأهداها لجارته‪ ،‬الــتي اهتمــت‬
‫به واسمها براسكونيا اوسيبافا‪ .‬ويســتلهم فــي القصــيدة الولــى‬
‫ما السائل فل تنهر‪ ،‬وأما‬ ‫سورة الضحى‪" :‬فأما اليتيم فل تقهر‪ ،‬وأ ّ‬
‫بنعمة ربك فحدث"‪.‬‬
‫ولقد لحظت الدكتورة الستاذة مكارم الغمري أن بوشكين‬
‫ة‪ ،‬ومن تفاسير‬ ‫استلهم قصائده التسع من القرآن الكريم مباشر ً‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬فعلى سبيل المثـال اسـتلهم بوشـكين القصـيدة‬
‫الخامسة مـن سـورة لقمـان‪ ،‬والقصــيدة السادسـة مـن سـورة‬
‫الفتح‪ ،‬والقصيدة التاسعة من سورة البقرة‪. (2).‬‬
‫‪-3‬ممم مم ممم ممممممم مم ) ‪ (1881 -1821‬م م‬
‫ممممم ممممممم مممممم ) ‪" (1837 -1799‬ممممم م م‬
‫مممممم مممممم‪.‬‬
‫ألقى الكاتب الروسي العظيم فيدور دوستيفسكي في عــام‬
‫‪ 1880‬كلمة حول إبداع الكسندر بوشكين بمناسبة إقامة نصــب‬
‫تذكاري للشاعر بوشكين‪ ،‬ول بأس من الشارة إلــى أن النصــب‬
‫التذكاري‪ ،‬ما زال قائما ً في ساحةٍ من ساحات موسكو‪ ،‬وتسمى‬
‫ساحة بوشكين‪ .‬وقال فيدور دوستيفسكي في كلمته الشــهيرة‪:‬‬
‫"عندما نقرأ قصيدة الكســندر بوشــكين "قبســات مــن القــرآن"‬
‫نشعر بأن الذي نظمها شاعر مسلم‪ ،‬لننا نتحسس روح القــرآن‬
‫الكريم بكبريائه‪ ،‬وبساطته‪ ،‬وسيف الحق المشرع على الباطــل‪،‬‬
‫وقوة اليمان‪ (3)"..‬ويريد دوستيفسكي أن يقــول إن بوشــكين‬
‫يســتطيع التعــبير عــن مشــاعر الشــعوب الخــرى‪ ،‬ويتقمــص‬
‫شخصياتها‪.‬‬
‫‪-4‬ممممم ممممم‪ :‬كان حسان بن ثــابت الشــاعر العربــي‬
‫المخضرم شاعر الرسول‪ ،‬إذ كان يمدحه‪ ،‬وقد خلــد الكــثير مــن‬
‫الشعراء العرب والجانب صفات النبي الكريمة‪.‬‬
‫نظم بوشكين قصيدة "النبي" في عام ‪ 1826‬أي بعد مــرور‬
‫عامين على نظمه قصيدة "قبســات مــن القــرآن"‪ ،‬وبعــد مــرور‬
‫عام ٍ واحد ٍ على حركة الديسمبيريين‪ ،‬التي قامت في عام ‪1825‬‬
‫وأشــارت الــدكتورة مكــارم الغمــري إلــى أن بوشــكين اســتلهم‬
‫قصيدة "النبي" من سورة "المدثر"‪" :‬يا أيها المدثر‪ ،‬قــم فأنــذر‪،‬‬
‫وربك فكبر"‪.‬‬
‫‪-5‬ممم ممممم ممممممم مم م م مم ممم "ممم مم"‪ :‬ل‬
‫بأس من الشارة إلــى أن دوستيفســكي فــي عـام ‪ ،1880‬وهــو‬
‫العام الذي سبق العام الذي توفي فيه‪ ،‬قرأ القصــيدة المــذكورة‬
‫ة‪ ،‬مكرس ـةٍ لتخليــد‬ ‫مرتيــن فــي أمســيةٍ أدبيــةٍ موســيقيةٍ واحــد ٍ‬
‫الشاعر بوشكين‪ ،‬وذلك في الثامن من حزيران عام ‪.1880‬‬
‫‪-6‬مممم ممم مممم ممم مممم ممم ) ‪ : (1826‬كتــب‬
‫ة قصــيرة ً بعنــوان "الليــالي المصــرية"‬ ‫الشــاعر بوشــكين قصــ ً‬
‫ب اســمه تشارســكي‪ ،‬كــان ينظــم‬ ‫يتحدث فيها الشاعر عــن كــات ٍ‬
‫الشعر من الصباح الباكر حتى المساء‪ ،‬واستمر على عملــه هــذا‬
‫إلــى أن زاره موســيقي إيطــالي‪ ،‬يعــزف علــى القيثــار عزفــا ً‬
‫ل‪ ،‬ونظمــت لـه حفلـة فــي مدينــة‬ ‫ارتجاليًا‪ .‬وينظم الشـعر ارتجــا ً‬
‫بطرســـبرج‪ ،‬وارتجـــل قصـــيدة بعنـــوان "كليوبـــترا وعاشـــقها"‬
‫واختارت إحدى السيدات هذا الموضوع‪ ،‬وطلب منها الشاعر أن‬
‫تسمي له العشيق‪ ،‬الذي تريد الحديث عنه‪ ،‬لن عشاق كليوبــترا‬
‫كثيرون‪ ،‬فاختار تشارسكي موضوع أن كليوبــترا اقــترحت علــى‬
‫بعضهم الموت ثمنا ً للحصول على حبها‪ ،‬فوجدت من يقدم علــى‬
‫الموت بشجاعة‪ ،‬في سبيل الحصول على حبها‪ ،‬وأخذت الفرقــة‬
‫الموسيقية تعزف‪ ،‬وأخذ الشــاعر اليطــالي يــردد أشــعاره أمــام‬
‫الحضــور‪ ،‬ويقــول الشــاعر فــي قصــيدته‪ ،‬إن كليوبــترا‪ ،‬أقــامت‬
‫ة‪ ،‬وفي ختام الحفلــة‪ ،‬بعــد أن كــاد النــاس يخرجــون‪ ،‬قــالت‬ ‫حفل ً‬
‫‪- 233 -‬‬
‫للحضور‪:‬‬
‫أل يسبب حبي لكم السعادة؟‬
‫تستطيعون شراء هذه السعادة‪..‬‬
‫إنني أعاملكم بالعدل‪..‬‬
‫من يقدم على هذه الصــفقة‪ ،‬إننــي أبيــع حــبي‪ ،‬فمــن بينكــم‬
‫يشتري‬
‫ً‬
‫ليلتي‪ ،‬على أن يدفع حياته ثمنا؟)‪. (4‬‬
‫ولقد أشارت الدكتورة مكارم الغمــري رئيســة قســم اللغــة‬
‫الروسية وآدابها بجامعة عين شمس بالقاهرة إلــى أن شخصــية‬
‫كليوبترا تشبه شهريار في "ألف ليلة وليلة" إذ أن شهريار يقتــل‬
‫عشيقته‪" ،‬وكان الملك شهريار‪ ،‬كلما أخذ بنتا ً بكرًا‪ ،‬يزيل بكارتها‬
‫ويقتلها من ليلتها‪ ،‬ولم يزل على ذلك مدة ثلثة سنوات‪. (5)"..‬‬
‫‪-7‬ممم ممممممم مم م م "مممم ممم مممم ممم"‬
‫ممممم ممممممممم‬
‫) ‪ (1821-1881‬م م مممم م م م ممم ممم ) ‪-1799‬‬
‫‪ (1837‬التي ألقاها في عام ‪" 1880‬الليالي المصرية"‪ ،‬ينتقد‬
‫كليوبــترا لغرقهــا فــي الملــذات‪ ،‬وحــب الــذات‪ ،‬تتلــذذ بأجســاد‬
‫الشباب‪ ،‬وبعد ذلك تقوم بقتلهم‪.‬‬
‫"‪ ..‬وهذا العالم القديم في "الليالي المصرية" هــؤلء اللهــة‬
‫الرضيون‪ ،‬الجالسون كحمل ثقيل على صــدر الشــعب‪ ،‬أصــبحوا‬
‫ة بالنسبة إلى الشعب‪ ...،‬لقد انعزل هؤلء الحكام ‪-‬اللهة عن‬ ‫آله ً‬
‫الشــعب‪ ..،‬وبســبب الضــجر والســأم والملــل‪ ،‬والتخلــص مــن‬
‫الكسل‪ ،‬وقلة العمل‪ ،‬يغرقون في الملذات الحيوانية‪ ،‬إنها تشــبه‬
‫انثى العنكبوت‪ ،‬التي تقتل ذكرها‪. (6)"..‬‬
‫ن الشـاعر النكليـزي العظيـم‬ ‫ول بـأس مـن الشـارة إلـى أ ّ‬
‫شكسبير )‪ (1616-1564‬عالج موضــوع كليوبــترا فــي مأســاته‬
‫"يوليوس قيصر" وكذلك عالج الموضوع نفسه الشــاعر العربــي‬
‫أحمد شــوقي )‪ (1932-1868‬فــي مأســاته "مصــرع كليوبــترا"‬
‫وواضح تأثر الكاتب الروسـي بوشــكين والشـاعر العربــي أحمـد‬
‫شوقي بمأساة شكسبير "يوليوس قيصر"‪.‬‬
‫ونعرف من خلل إطلعنا على سيرة حياة الشاعر الروسي‬
‫بوشكين أنه اهتم بالشرق‪ ،‬واستمع فــي عــام ‪ 1834‬لمحاضــرة‬
‫الكاتب الروسي الكــبير نيكــولي غوغــول )‪ (1852-1809‬عــن‬
‫الخليفة المأمون بــن هــارون الرشــيد وعصــره‪ ،‬اطلــع بوشــكين‬
‫علــى تاريــخ المشــرق العربــي وحــاول تعلــم الحــرف العربيــة‬
‫والرقام العربية‪.‬‬
‫فلقد اهتم الشاعر الكــبير منــذ نعومــة أظــافره بنســبه‪ ،‬لن‬
‫أصله يعود إلى أثيوبيا‪ ،‬وكتب عن هذا الموضوع في قصته "عبــد‬
‫بطرس العظيم" في عام ‪.1828‬‬
‫ومن الواضــح أن شـاعر روســيا العظيــم تــأثر فــي قصــائده‬
‫بالتراث العربي‪ ،‬ول ســيما بــالقرآن الكريــم‪ ،‬وبــألف ليلــة وليلــة‬
‫وهذا واضح من قصته الشعرية "أندجيلو" التي نظمها فــي عــام‬
‫‪.1833‬‬
‫وكــان يمكــن لهــذا الشــاعر أن يكتــب أكــثر‪ ،‬إل أن الضــابط‬
‫الفرنسي دونتيس قتله بالمبارزة بالمسدسات‪ ،‬وحرم الدب من‬
‫موهبةٍ عظيمةٍ وذلــك فــي عــام ‪ ،1837‬وكــانت الشــاعات عــن‬
‫ناتاليا غونتشاروف زوجة الشاعر سببا ً لهذه المبارزة‪.‬‬

‫‪- 234 -‬‬


‫‪‬‬

‫ييي‪:‬‬ ‫يييي‬ ‫‪‬‬


‫‪-1‬ألف ليلة وليلة بيروت ‪-‬دار مكتبة الحياة‪ ،‬المجلد الثاني ص ‪416‬‬
‫‪-2‬الدكتورة مكارم الغمري‪ ،‬مؤثرات عربية وإسلمية في الدب الروسي‪ ،‬عــالم‬
‫المعرفة‪ ،‬الكويت فالعدد ‪ 155‬ص ‪155‬‬
‫‪-3‬فيدور دوستيفسكي‪ ،‬مختــارات فــي عشـرة أجــزاء‪ ،‬كلمـة دوستيفسـكي عـن‬
‫بوشكين‪ ،‬المجلد العاشر‪ ،‬موسكو‪ ،‬دار الدب البداعي ‪ 1959‬ص ‪149‬‬
‫‪-4‬الكسندر بوشكين الليالي المصرية‪ ،‬مختــارات فــي عشـرة مجلــدات‪ ،‬المجلــد‬
‫الخامس‪ ،‬موسكو‪ ،‬دار الدب البداعي‪ 1960 ،‬ص ‪284‬‬
‫‪-5‬ألف ليلة وليلة‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار مكتبة الحياة‪ ،‬المجلد الول‪ ،‬ص ‪15‬‬
‫‪-6‬فيدور دوستيفسكي‪ ،‬مصدر سابق ص ‪458‬‬

‫‪‬‬

‫‪- 235 -‬‬


‫الفهـــــرس‬
‫الــبـاب الول ‪5.............................................................................................................:‬‬

‫الكاتب الروسي‪ :‬ليف تولسـتوي‪5........................................................................................‬‬

‫والدب العربـــي فــي القــرن العشـــرين‪5..............................................................................‬‬

‫= دراســــــة تطبيقــــية فـي الدب المقـارن =‪5......................................................................‬‬


‫مقـــدمــــــة‪7......................................................................................................... :‬‬
‫الجزء الول‪12.............................................................................................................:‬‬
‫تاريخ معرفة القراء والكّتاب العرب‬
‫لبداع ليف تولستوي‪12...............................................................................................‬‬
‫يي يي ييي ييييييي‪12 ..................................... :‬‬ ‫‪ - 1‬يييييي يييي‬
‫‪ (2‬يييييي ييي ييييييي يي ييييي‬
‫ييييي ييييي ييييي ييييييي‪15 ............................................ .‬‬
‫‪ -3‬ييييي يييييي ييييي ييي ييي ييييييي‪19 .................. :‬‬
‫‪ - 4‬ييييييي ييييي يييي ييييي‬
‫يييي يييييييييييييي ييييي ييييي ييييييي‬
‫يييي يييييييييييي‪21 .................................................................. .‬‬
‫‪ - 5‬يييي ييييي يييي ييييييييي ييي‬
‫ييي ييييييي‪22 ................................................................................... :‬‬
‫‪ - 6‬يييييي يييي يييييييي ييي ييييييي‪23 ..................... :‬‬
‫‪ - 7‬ييييييي ييييييي‪25 .....................................................................:‬‬
‫‪ - 8‬يييي يييي يييي يييييييي‪27 ................................................:‬‬
‫‪ - 9‬يييي يييييي يييي ييييييي يييييييي‪28 .................. :‬‬
‫‪ - 10‬يييي يييي يييي ييييييي يييييييي‪29 ..................... :‬‬
‫‪ -11‬ييي ييييي ييييي يي يييييييي‬
‫ييي يييييي يييييي يييييي‬
‫يييي يييي ييييي يييي ) ‪ (1963 -1872‬ي ‪30 .................................‬‬
‫يي ييي ييييييي‪31 .................................. :‬‬ ‫‪ -12‬ييييييي يييييي‬
‫‪ -13‬يييي يييي يييييييي يي يييي يييييي‪:‬‬
‫"يييييييي ييييي ييييي ييييييي‬
‫يي يييييي ييييي يييييي يييييييي"‪31 .......................... .‬‬
‫‪ -14‬ييييي يييييي يي يييي ييييي ييييييي‬
‫ييي ييييييي‪32 ................................................................................... :‬‬
‫‪ -15‬ييييي يييييي ييييييي‬
‫يي يييي ييييي ييييييي‪33 ......................................................... :‬‬
‫ي‪37 ............................................................ :‬‬‫‪ -16‬يييي ييييي ‪ -‬يييييي‬
‫ي‪44 ................................................................:‬‬ ‫‪ - 17‬يييي يييي‪ -‬يييييي‬
‫‪ -18‬ييييي ييييي "ييييي" ) ‪ (1899‬ي‬
‫ييي يييييييي ييييييييييي‪44 ............................................ :‬‬
‫‪ -19‬ييييي يييييي "يييي يييييي"‪46 ........................................ :‬‬
‫‪ - 20‬ييييي ييي ييييييي ييييييي‪47 ....................................... :‬‬

‫‪-8-‬‬
‫‪ -21‬يييي ييييييي يي ييييي يييييي ييي ييييي‬
‫يييييييي يييييي يييييي يييييييي ييييييي‪49 .... :‬‬
‫‪ -22‬يييي "يييييي" ييي ييييييي‪49 ........................................... :‬‬
‫‪ (23‬يييي ييييييي يييييييي ييييييي‪51 ........................... :‬‬
‫‪ (24‬ييييي يييييي ييييييي "‬
‫ييييي ييييي يي يييييي"‪51 ....................................................... :‬‬
‫‪ (25‬ييييي يييييي ييييييي‪52 ..................................................... :‬‬
‫‪ (26‬ييييي ييييي "ييييييي يييييي"‪53 ................................. :‬‬
‫‪ (27‬ييييييي ييييييي يييييييي‬
‫ييي يييييي ييييي يييييييي ييييييي‪53 ...................... :‬‬
‫‪ (28‬ييييي "يييي" ييييي ‪ 57‬يي ييي ‪1947‬‬
‫يييي ييي ييييي ييي ييييييي‪57 ............................................ :‬‬
‫‪ (29‬يييييي ييييي ييي ييييييي‬
‫يي ييييي يييييي يي ييييي ييييييي‪59 ........................... :‬‬
‫‪ (30‬ييييي يييييي ييييييي‬
‫يي ييييي يييييي يي ييييي ييييييي‪62 ........................... :‬‬
‫‪ (31‬ييييي يي يييي ييي ييييي ييييي‪70 ............................... :‬‬
‫الجزء الثاني‪72..............................................................................................................‬‬
‫الفكار الفلسفية والغيبية والدينية والجتماعية عــند تولستوي‬
‫وبعض الكتاب العرب ‪72.............................................................................................‬‬
‫ييييي ييييي يييييي‪72 ................................................................... :‬‬
‫‪ (1‬ييييي ييييييي يييييي ييييي يييييي يي‪73 ...........:‬‬
‫ي‪ -2‬ييييي يي ييييي ييي ييييييي ييييييي‪75 .................. :‬‬
‫ي‪ -3‬ييي ييييي يييي ييييييي‪78 ....................................................:‬‬
‫‪ -4‬يييي يييييييي يييييييي‪79 ..................................................:‬‬
‫‪ -5‬ييييي يييييييي ‪80 ..........................................................................‬‬
‫‪ -6‬ييييي ييييي‪85 ...................................................................................:‬‬
‫‪ -7‬يييي يييييي ييييي يي ييييييي ييييي‬
‫يييييييي يييييييي يييييييييي ‪87 .................................‬‬
‫ييييي ‪89 .........................................................................................................‬‬
‫الجزء الثالث‪90..............................................................................................................‬‬

‫الباب الول ‪90...............................................................................................................‬‬

‫ميخائيل نعيمه وليف تولستوي‪90.......................................................................................‬‬


‫ييي ييييييي يييييييي ييييي ‪90 .............................................‬‬
‫‪ -2‬يييي ييييي يي ييييي يييييي‪92 .........................................:‬‬
‫‪ -3‬يييييي " يييييي ييييييي" يييييي يييييييي‪94 . . :‬‬
‫‪ -4‬يييييي يييي يي ييييييي‪96 .....................................................‬‬
‫‪ -5‬ييييييي يي يييي ييييييي‬
‫ييي ييييييي يييييي‪99 ................................................................:‬‬
‫ي‪-6‬ييييييييي يي ييي ييييييي يييييي‪103 ......................... :‬‬
‫ي‪ -7‬ييييييي ييي ييييييي يييييي‪103 .....................................:‬‬
‫ي‪-8‬ييييييي يي يييييي ييييييي‬
‫ييي ييييي يييييييي‪106 .............................................................. :‬‬
‫ي‪-9‬يييي ييييييي يييييي ييي ييييييي ييييييي‪111 . :‬‬

‫‪-9-‬‬
‫ي‪ -10‬يييي ييييييي يييييي ييي ييييي‪156 ............................ :‬‬
‫ي‪ -11‬ييييي ييييييي ييييي يييييييي‬
‫ييييي يييييي‪158 ..............................................................................:‬‬
‫ييييييي ‪159 ................................................................................................‬‬
‫يييييي‪161 ....................................................................................................‬‬
‫يي‪165 .................................................‬‬ ‫‪ ‬ييييييي يييييي يييييي‬
‫الباب الثاني‪172............................................................................................................:‬‬

‫دوسـتيفســــكي ‪172........................................................................................................‬‬

‫ي‪172..............................................................................................‬‬
‫فـــي الدب العــــربـــــ ّ‬
‫الفصل الول‪174......................................................................................................‬‬
‫رواية الخوة كارامازوف لدوستيفسكي‪174.......................................................................‬‬
‫وكتاب النبي لجبران ومرداد لنعيمه ‪174...........................................................................‬‬
‫يييي ييييي‪174 .........................................................................................:‬‬
‫ييييي‪175 ...................................................................................................... :‬‬
‫ييييي يييييي يي ييييي ييييييي‪176 ................................... :‬‬
‫ييييي يييييي ييي ييييي ييييييييي ‪179 ...........................‬‬
‫ييييي يييييي ييييييي يي ييييي ييييييي‪182 ........... :‬‬
‫ييييي يييييي ييييييي يي ييييي ييييي‪186 ................. :‬‬
‫ييييي "يييييي ييييييي" يييييي يييييييي ‪196 . 1862‬‬
‫يييييي "يييييي ييييييي" يييييييي ييييي‪196 ........ :‬‬
‫‪ ‬ييييييي‪197 .......................................................................................... :‬‬
‫الفصل الثاني ‪199....................................................................................................‬‬
‫بعض مؤثرات رواية‬
‫"الجريمة والعقاب" لدوستيفسكي‬
‫في رواية نجيب محفوظ "اللص والكلب"‪199....................................................................‬‬
‫يييييييي ‪213 ..............................................................................................‬‬
‫‪ ‬ييييييي ييي ييييي يييييي ‪215 ............................................‬‬
‫الفصل الثالث ‪216....................................................................................................‬‬
‫مؤثرات أدب دوستيفسكي في رواية " قلب الليل "لنجيب محفوظ‪216..........................................‬‬
‫ييييييييي‪216 ......................................................................................... :‬‬
‫يييييي ييي ييييييييي يي ييييي‬
‫"ييي ييييي" ييييي ييييي ‪217 .....................................................‬‬
‫ييييييييييي ‪227 ....................................................................................‬‬
‫ملحــــــق ‪231........................................................................................................‬‬
‫يييييي ييييي يييييي يي ييي يييييي ‪231 ........................‬‬
‫‪ ‬ييييييي‪235 .......................................................................................... :‬‬
‫الــبـاب الول ‪5.............................................................................................................:‬‬

‫الكاتب الروسي‪ :‬ليف تولسـتوي‪5........................................................................................‬‬

‫والدب العربـــي فــي القــرن العشـــرين‪5..............................................................................‬‬

‫= دراســــــة تطبيقــــية فـي الدب المقـارن =‪5......................................................................‬‬


‫مقـــدمــــــة‪7......................................................................................................... :‬‬

‫‪- 10 -‬‬
‫الجزء الول‪12.............................................................................................................:‬‬
‫تاريخ معرفة القراء والكّتاب العرب‬
‫لبداع ليف تولستوي‪12...............................................................................................‬‬
‫يي يي ييي ييييييي‪12 ..................................... :‬‬ ‫‪ - 1‬يييييي يييي‬
‫‪ (2‬يييييي ييي ييييييي يي ييييي‬
‫ييييي ييييي ييييي ييييييي‪15 ............................................ .‬‬
‫‪ -3‬ييييي يييييي ييييي ييي ييي ييييييي‪19 .................. :‬‬
‫‪ - 4‬ييييييي ييييي يييي ييييي‬
‫يييي يييييييييييييي ييييي ييييي ييييييي‬
‫يييي يييييييييييي‪21 .................................................................. .‬‬
‫‪ - 5‬يييي ييييي يييي ييييييييي ييي‬
‫ييي ييييييي‪22 ................................................................................... :‬‬
‫‪ - 6‬يييييي يييي يييييييي ييي ييييييي‪23 ..................... :‬‬
‫‪ - 7‬ييييييي ييييييي‪25 .....................................................................:‬‬
‫‪ - 8‬يييي يييي يييي يييييييي‪27 ................................................:‬‬
‫‪ - 9‬يييي يييييي يييي ييييييي يييييييي‪28 .................. :‬‬
‫‪ - 10‬يييي يييي يييي ييييييي يييييييي‪29 ..................... :‬‬
‫‪ -11‬ييي ييييي ييييي يي يييييييي‬
‫ييي يييييي يييييي يييييي‬
‫يييي يييي ييييي يييي ) ‪ (1963 -1872‬ي ‪30 .................................‬‬
‫يي ييي ييييييي‪31 .................................. :‬‬ ‫‪ -12‬ييييييي يييييي‬
‫‪ -13‬يييي يييي يييييييي يي يييي يييييي‪:‬‬
‫"يييييييي ييييي ييييي ييييييي‬
‫يي يييييي ييييي يييييي يييييييي"‪31 .......................... .‬‬
‫‪ -14‬ييييي يييييي يي يييي ييييي ييييييي‬
‫ييي ييييييي‪32 ................................................................................... :‬‬
‫‪ -15‬ييييي يييييي ييييييي‬
‫يي يييي ييييي ييييييي‪33 ......................................................... :‬‬
‫ي‪37 ............................................................ :‬‬‫‪ -16‬يييي ييييي ‪ -‬يييييي‬
‫ي‪44 ................................................................:‬‬ ‫‪ - 17‬يييي يييي‪ -‬يييييي‬
‫‪ -18‬ييييي ييييي "ييييي" ) ‪ (1899‬ي‬
‫ييي يييييييي ييييييييييي‪44 ............................................ :‬‬
‫‪ -19‬ييييي يييييي "يييي يييييي"‪46 ........................................ :‬‬
‫‪ - 20‬ييييي ييي ييييييي ييييييي‪47 ....................................... :‬‬
‫‪ -21‬يييي ييييييي يي ييييي يييييي ييي ييييي‬
‫يييييييي يييييي يييييي يييييييي ييييييي‪49 .... :‬‬
‫‪ -22‬يييي "يييييي" ييي ييييييي‪49 ........................................... :‬‬
‫‪ (23‬يييي ييييييي يييييييي ييييييي‪51 ........................... :‬‬
‫‪ (24‬ييييي يييييي ييييييي "‬
‫ييييي ييييي يي يييييي"‪51 ....................................................... :‬‬
‫‪ (25‬ييييي يييييي ييييييي‪52 ..................................................... :‬‬
‫‪ (26‬ييييي ييييي "ييييييي يييييي"‪53 ................................. :‬‬
‫‪ (27‬ييييييي ييييييي يييييييي‬
‫ييي يييييي ييييي يييييييي ييييييي‪53 ...................... :‬‬
‫‪ (28‬ييييي "يييي" ييييي ‪ 57‬يي ييي ‪1947‬‬
‫يييي ييي ييييي ييي ييييييي‪57 ............................................ :‬‬
‫‪ (29‬يييييي ييييي ييي ييييييي‬
‫يي ييييي يييييي يي ييييي ييييييي‪59 ........................... :‬‬

‫‪- 11 -‬‬
‫‪ (30‬ييييي يييييي ييييييي‬
‫يي ييييي يييييي يي ييييي ييييييي‪62 ........................... :‬‬
‫‪ (31‬ييييي يي يييي ييي ييييي ييييي‪70 ............................... :‬‬
‫الجزء الثاني‪72..............................................................................................................‬‬
‫الفكار الفلسفية والغيبية والدينية والجتماعية عــند تولستوي‬
‫وبعض الكتاب العرب ‪72.............................................................................................‬‬
‫ييييي ييييي يييييي‪72 ................................................................... :‬‬
‫‪ (1‬ييييي ييييييي يييييي ييييي يييييي يي‪73 ...........:‬‬
‫ي‪ -2‬ييييي يي ييييي ييي ييييييي ييييييي‪75 .................. :‬‬
‫ي‪ -3‬ييي ييييي يييي ييييييي‪78 ....................................................:‬‬
‫‪ -4‬يييي يييييييي يييييييي‪79 ..................................................:‬‬
‫‪ -5‬ييييي يييييييي ‪80 ..........................................................................‬‬
‫‪ -6‬ييييي ييييي‪85 ...................................................................................:‬‬
‫‪ -7‬يييي يييييي ييييي يي ييييييي ييييي‬
‫يييييييي يييييييي يييييييييي ‪87 .................................‬‬
‫ييييي ‪89 .........................................................................................................‬‬
‫الجزء الثالث‪90..............................................................................................................‬‬

‫الباب الول ‪90...............................................................................................................‬‬

‫ميخائيل نعيمه وليف تولستوي‪90.......................................................................................‬‬


‫ييي ييييييي يييييييي ييييي ‪90 .............................................‬‬
‫‪ -2‬يييي ييييي يي ييييي يييييي‪92 .........................................:‬‬
‫‪ -3‬يييييي " يييييي ييييييي" يييييي يييييييي‪94 . . :‬‬
‫‪ -4‬يييييي يييي يي ييييييي‪96 .....................................................‬‬
‫‪ -5‬ييييييي يي يييي ييييييي‬
‫ييي ييييييي يييييي‪99 ................................................................:‬‬
‫ي‪-6‬ييييييييي يي ييي ييييييي يييييي‪103 ......................... :‬‬
‫ي‪ -7‬ييييييي ييي ييييييي يييييي‪103 .....................................:‬‬
‫ي‪-8‬ييييييي يي يييييي ييييييي‬
‫ييي ييييي يييييييي‪106 .............................................................. :‬‬
‫ي‪-9‬يييي ييييييي يييييي ييي ييييييي ييييييي‪111 . :‬‬
‫ي‪ -10‬يييي ييييييي يييييي ييي ييييي‪156 ............................ :‬‬
‫ي‪ -11‬ييييي ييييييي ييييي يييييييي‬
‫ييييي يييييي‪158 ..............................................................................:‬‬
‫ييييييي ‪159 ................................................................................................‬‬
‫يييييي‪161 ....................................................................................................‬‬
‫يي‪165 .................................................‬‬ ‫‪ ‬ييييييي يييييي يييييي‬
‫الباب الثاني‪172............................................................................................................:‬‬

‫دوسـتيفســــكي ‪172........................................................................................................‬‬

‫ي‪172..............................................................................................‬‬
‫فـــي الدب العــــربـــــ ّ‬
‫الفصل الول‪174......................................................................................................‬‬
‫رواية الخوة كارامازوف لدوستيفسكي‪174.......................................................................‬‬

‫‪- 12 -‬‬
‫وكتاب النبي لجبران ومرداد لنعيمه ‪174...........................................................................‬‬
‫يييي ييييي‪174 .........................................................................................:‬‬
‫ييييي‪175 ...................................................................................................... :‬‬
‫ييييي يييييي يي ييييي ييييييي‪176 ................................... :‬‬
‫ييييي يييييي ييي ييييي ييييييييي ‪179 ...........................‬‬
‫ييييي يييييي ييييييي يي ييييي ييييييي‪182 ........... :‬‬
‫ييييي يييييي ييييييي يي ييييي ييييي‪186 ................. :‬‬
‫ييييي "يييييي ييييييي" يييييي يييييييي ‪196 . 1862‬‬
‫يييييي "يييييي ييييييي" يييييييي ييييي‪196 ........ :‬‬
‫‪ ‬ييييييي‪197 .......................................................................................... :‬‬
‫الفصل الثاني ‪199....................................................................................................‬‬
‫بعض مؤثرات رواية‬
‫"الجريمة والعقاب" لدوستيفسكي‬
‫في رواية نجيب محفوظ "اللص والكلب"‪199....................................................................‬‬
‫يييييييي ‪213 ..............................................................................................‬‬
‫‪ ‬ييييييي ييي ييييي يييييي ‪215 ............................................‬‬
‫الفصل الثالث ‪216....................................................................................................‬‬
‫مؤثرات أدب دوستيفسكي في رواية " قلب الليل "لنجيب محفوظ‪216..........................................‬‬
‫ييييييييي‪216 ......................................................................................... :‬‬
‫يييييي ييي ييييييييي يي ييييي‬
‫"ييي ييييي" ييييي ييييي ‪217 .....................................................‬‬
‫ييييييييييي ‪227 ....................................................................................‬‬
‫ملحــــــق ‪231........................................................................................................‬‬
‫يييييي ييييي يييييي يي ييي يييييي ‪231 ........................‬‬
‫‪ ‬ييييييي‪235 .......................................................................................... :‬‬
‫الــبـاب الول ‪5.............................................................................................................:‬‬

‫الكاتب الروسي‪ :‬ليف تولسـتوي‪5........................................................................................‬‬

‫والدب العربـــي فــي القــرن العشـــرين‪5..............................................................................‬‬

‫= دراســــــة تطبيقــــية فـي الدب المقـارن =‪5......................................................................‬‬


‫مقـــدمــــــة‪7......................................................................................................... :‬‬
‫الجزء الول‪12.............................................................................................................:‬‬
‫تاريخ معرفة القراء والكّتاب العرب‬
‫لبداع ليف تولستوي‪12...............................................................................................‬‬
‫يي يي ييي ييييييي‪12 ..................................... :‬‬ ‫‪ - 1‬يييييي يييي‬
‫‪ (2‬يييييي ييي ييييييي يي ييييي‬
‫ييييي ييييي ييييي ييييييي‪15 ............................................ .‬‬
‫‪ -3‬ييييي يييييي ييييي ييي ييي ييييييي‪19 .................. :‬‬
‫‪ - 4‬ييييييي ييييي يييي ييييي‬
‫يييي يييييييييييييي ييييي ييييي ييييييي‬
‫يييي يييييييييييي‪21 .................................................................. .‬‬
‫‪ - 5‬يييي ييييي يييي ييييييييي ييي‬
‫ييي ييييييي‪22 ................................................................................... :‬‬
‫‪ - 6‬يييييي يييي يييييييي ييي ييييييي‪23 ..................... :‬‬

‫‪- 13 -‬‬
‫‪ - 7‬ييييييي ييييييي‪25 .....................................................................:‬‬
‫‪ - 8‬يييي يييي يييي يييييييي‪27 ................................................:‬‬
‫‪ - 9‬يييي يييييي يييي ييييييي يييييييي‪28 .................. :‬‬
‫‪ - 10‬يييي يييي يييي ييييييي يييييييي‪29 ..................... :‬‬
‫‪ -11‬ييي ييييي ييييي يي يييييييي‬
‫ييي يييييي يييييي يييييي‬
‫يييي يييي ييييي يييي ) ‪ (1963 -1872‬ي ‪30 .................................‬‬
‫يي ييي ييييييي‪31 .................................. :‬‬ ‫‪ -12‬ييييييي يييييي‬
‫‪ -13‬يييي يييي يييييييي يي يييي يييييي‪:‬‬
‫"يييييييي ييييي ييييي ييييييي‬
‫يي يييييي ييييي يييييي يييييييي"‪31 .......................... .‬‬
‫‪ -14‬ييييي يييييي يي يييي ييييي ييييييي‬
‫ييي ييييييي‪32 ................................................................................... :‬‬
‫‪ -15‬ييييي يييييي ييييييي‬
‫يي يييي ييييي ييييييي‪33 ......................................................... :‬‬
‫ي‪37 ............................................................ :‬‬‫‪ -16‬يييي ييييي ‪ -‬يييييي‬
‫ي‪44 ................................................................:‬‬‫‪ - 17‬يييي يييي‪ -‬يييييي‬
‫‪ -18‬ييييي ييييي "ييييي" ) ‪ (1899‬ي‬
‫ييي يييييييي ييييييييييي‪44 ............................................ :‬‬
‫‪ -19‬ييييي يييييي "يييي يييييي"‪46 ........................................ :‬‬
‫‪ - 20‬ييييي ييي ييييييي ييييييي‪47 ....................................... :‬‬
‫‪ -21‬يييي ييييييي يي ييييي يييييي ييي ييييي‬
‫يييييييي يييييي يييييي يييييييي ييييييي‪49 .... :‬‬
‫‪ -22‬يييي "يييييي" ييي ييييييي‪49 ........................................... :‬‬
‫‪ (23‬يييي ييييييي يييييييي ييييييي‪51 ........................... :‬‬
‫‪ (24‬ييييي يييييي ييييييي "‬
‫ييييي ييييي يي يييييي"‪51 ....................................................... :‬‬
‫‪ (25‬ييييي يييييي ييييييي‪52 ..................................................... :‬‬
‫‪ (26‬ييييي ييييي "ييييييي يييييي"‪53 ................................. :‬‬
‫‪ (27‬ييييييي ييييييي يييييييي‬
‫ييي يييييي ييييي يييييييي ييييييي‪53 ...................... :‬‬
‫‪ (28‬ييييي "يييي" ييييي ‪ 57‬يي ييي ‪1947‬‬
‫يييي ييي ييييي ييي ييييييي‪57 ............................................ :‬‬
‫‪ (29‬يييييي ييييي ييي ييييييي‬
‫يي ييييي يييييي يي ييييي ييييييي‪59 ........................... :‬‬
‫‪ (30‬ييييي يييييي ييييييي‬
‫يي ييييي يييييي يي ييييي ييييييي‪62 ........................... :‬‬
‫‪ (31‬ييييي يي يييي ييي ييييي ييييي‪70 ............................... :‬‬
‫الجزء الثاني‪72..............................................................................................................‬‬
‫الفكار الفلسفية والغيبية والدينية والجتماعية عــند تولستوي‬
‫وبعض الكتاب العرب ‪72.............................................................................................‬‬
‫ييييي ييييي يييييي‪72 ................................................................... :‬‬
‫‪ (1‬ييييي ييييييي يييييي ييييي يييييي يي‪73 ...........:‬‬
‫ي‪ -2‬ييييي يي ييييي ييي ييييييي ييييييي‪75 .................. :‬‬
‫ي‪ -3‬ييي ييييي يييي ييييييي‪78 ....................................................:‬‬
‫‪ -4‬يييي يييييييي يييييييي‪79 ..................................................:‬‬
‫‪ -5‬ييييي يييييييي ‪80 ..........................................................................‬‬
‫‪ -6‬ييييي ييييي‪85 ...................................................................................:‬‬
‫‪- 14 -‬‬
‫‪ -7‬يييي يييييي ييييي يي ييييييي ييييي‬
‫يييييييي يييييييي يييييييييي ‪87 .................................‬‬
‫ييييي ‪89 .........................................................................................................‬‬
‫الجزء الثالث‪90..............................................................................................................‬‬

‫الباب الول ‪90...............................................................................................................‬‬

‫ميخائيل نعيمه وليف تولستوي‪90.......................................................................................‬‬


‫ييي ييييييي يييييييي ييييي ‪90 .............................................‬‬
‫‪ -2‬يييي ييييي يي ييييي يييييي‪92 .........................................:‬‬
‫‪ -3‬يييييي " يييييي ييييييي" يييييي يييييييي‪94 . . :‬‬
‫‪ -4‬يييييي يييي يي ييييييي‪96 .....................................................‬‬
‫‪ -5‬ييييييي يي يييي ييييييي‬
‫ييي ييييييي يييييي‪99 ................................................................:‬‬
‫ي‪-6‬ييييييييي يي ييي ييييييي يييييي‪103 ......................... :‬‬
‫ي‪ -7‬ييييييي ييي ييييييي يييييي‪103 .....................................:‬‬
‫ي‪-8‬ييييييي يي يييييي ييييييي‬
‫ييي ييييي يييييييي‪106 .............................................................. :‬‬
‫ي‪-9‬يييي ييييييي يييييي ييي ييييييي ييييييي‪111 . :‬‬
‫ي‪ -10‬يييي ييييييي يييييي ييي ييييي‪156 ............................ :‬‬
‫ي‪ -11‬ييييي ييييييي ييييي يييييييي‬
‫ييييي يييييي‪158 ..............................................................................:‬‬
‫ييييييي ‪159 ................................................................................................‬‬
‫يييييي‪161 ....................................................................................................‬‬
‫يي‪165 .................................................‬‬ ‫‪ ‬ييييييي يييييي يييييي‬
‫الباب الثاني‪172............................................................................................................:‬‬

‫دوسـتيفســــكي ‪172........................................................................................................‬‬

‫ي‪172..............................................................................................‬‬
‫فـــي الدب العــــربـــــ ّ‬
‫الفصل الول‪174......................................................................................................‬‬
‫رواية الخوة كارامازوف لدوستيفسكي‪174.......................................................................‬‬
‫وكتاب النبي لجبران ومرداد لنعيمه ‪174...........................................................................‬‬
‫يييي ييييي‪174 .........................................................................................:‬‬
‫ييييي‪175 ...................................................................................................... :‬‬
‫ييييي يييييي يي ييييي ييييييي‪176 ................................... :‬‬
‫ييييي يييييي ييي ييييي ييييييييي ‪179 ...........................‬‬
‫ييييي يييييي ييييييي يي ييييي ييييييي‪182 ........... :‬‬
‫ييييي يييييي ييييييي يي ييييي ييييي‪186 ................. :‬‬
‫ييييي "يييييي ييييييي" يييييي يييييييي ‪196 . 1862‬‬
‫يييييي "يييييي ييييييي" يييييييي ييييي‪196 ........ :‬‬
‫‪ ‬ييييييي‪197 .......................................................................................... :‬‬
‫الفصل الثاني ‪199....................................................................................................‬‬
‫بعض مؤثرات رواية‬
‫"الجريمة والعقاب" لدوستيفسكي‬
‫في رواية نجيب محفوظ "اللص والكلب"‪199....................................................................‬‬

‫‪- 15 -‬‬
‫يييييييي ‪213 ..............................................................................................‬‬
‫‪ ‬ييييييي ييي ييييي يييييي ‪215 ............................................‬‬
‫الفصل الثالث ‪216....................................................................................................‬‬
‫مؤثرات أدب دوستيفسكي في رواية " قلب الليل "لنجيب محفوظ‪216..........................................‬‬
‫ييييييييي‪216 ......................................................................................... :‬‬
‫يييييي ييي ييييييييي يي ييييي‬
‫"ييي ييييي" ييييي ييييي ‪217 .....................................................‬‬
‫ييييييييييي ‪227 ....................................................................................‬‬
‫ملحــــــق ‪231........................................................................................................‬‬
‫يييييي ييييي يييييي يي ييي يييييي ‪231 ........................‬‬
‫‪ ‬ييييييي‪235 .......................................................................................... :‬‬
‫‪‬‬

‫‪- 16 -‬‬
‫رقم اليداع في مكتبة السد‬
‫الوطنية‪:‬‬
‫تولســـتوي ودوستيفســـكي فـــي الدب العربـــي‪:‬‬
‫دراســة‪ /‬ممــدوح أبــو الــوي‪ -‬دمشــق؛ اتحــاد‬
‫الكتاب العرب ‪265 -1999 ،‬ص؛ ‪24‬سم‪.‬‬

‫‪ 809 -1‬و ي ت‬
‫‪ -3‬أبو الوي‬ ‫‪ -2‬العنوان‬

‫مكتبــــــــة‬ ‫ع‪966/6/1999-‬‬
‫السد‬

‫‪‬‬
‫هذا الكتاب‬

‫دراسة هامة تقدم مــادة خصــبة لدارســي الدب‬


‫المقارن وتطلع القارئ العربي على أعمال وأفكــار‬
‫اثنيــن مــن عمالقــة الدب فــي العــالم‪ :‬تولســتوي‬
‫ودوستويفسكي وتبين أهمية الدب العربي‪ .‬وتأثيره‬
‫في الداب الجنبية ومنها الدب الروسي‪.‬‬
‫وتتضمن الدراســة خطوطـا ً عامــة لمنهــج معيــن‬
‫فــي مقاربــة موضــوع المقارنــة بيــن نتــاج أدبــاء‬
‫ومفكرين ينتمون إلى أمم مختلفة من حيث المنشأ‬
‫التــاريخي والثقافــة والــتراث الفكــري‪،‬ممــا يغنــي‬
‫الدراسات العربيــة فــي هــذا المجــال مــن مجــالت‬
‫المعرفة‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪- 18 -‬‬

You might also like