أمسية في برية الجبل المقدس آثوس - حوار مع ناسك حول صلاة يسوع

‫حوار مع ناسك حول الصالة يسوع‬ ‫أمسية في برية الجبل المقدس آثوس‬
‫المتروبوليت إيروثيوس فالخوس‬
‫ من أحد األخوة‬Word ‫ بل قد وصل إلينا نسخة‬.‫إف ىذا الكتاب غَت متوفر لدينا بشكل مطبوع‬
‫ وال عن وجود أي ىفوات يف‬،‫ أننا غَت مسؤولُت عما وبتويو ىذا الكتاب‬،‫ لذلك ننوه‬.‫لكي ننشره‬
.‫الطباعة اإللكًتونية‬
.‫ ويبكنك قراءة اؼبقدمة واؼبدخل ىنا‬،‫ ما يأٌب باللوف األضبر‬،‫ حبسب النسخة اإلقبليزية‬،‫والكتاب ينقصو‬
 Foreword
 Preface
 Introduction
1. Silence, Speech and the Life of the monks

2. Sunset on Mt. Athos
3. Ascending to my own Tabor
4. Encounter with the Hermit
5. Discussion with the Gerondas on the Jesus Prayer
1. The Significance of the Jesus Prayer
2. The Stages of the Jesus prayer
3. Ways of the "Jesus Prayer"
4. The War of the Devil and Coping with it
5. The Advent and Withdrawal of Grace
6. The Fruits of the Jesus Prayer
7. Errors in practising the Jesus Prayer and How we Cope with
them
8. The Jesus Prayer is necessary for Clergy and Laymen who live
in the World
9. Saying the Jesus Prayer for Others
6. The Requests of the Hermit
7. Midnight in the Desert of Mt. Athos
8. Celebration of Divine Liturgy
9. Descent from my own Tabor
 Epilogue
 Glossary
‫أرثوذكس تيوب‬ ‫منتدى الشبيبة األرثوذكسية‬ ‫أرثوذكس أونالين‬

http://www.orthodoxtube.org/ http://vb.orthodoxonline.org/ http://web.orthodoxonline.org/
‫الرهبان‪ ،‬كالمهم وحياتهم‬

‫صمت ُ‬
‫سر‪ ،‬ينطق يف الصمت فيقوؿ كثَتاً‪ .‬وىذا الصمت ىو األزلية بعينها‪ ،‬ألنو‬
‫اعببل اؼبقدَّس “آثوس” مكاف ّ‬
‫لغة الدىر اآلٌب‪ .‬فكما أ ّف للمبلئكة القديسُت قدرة عقلية أخرى‪ ،‬يتع ّذر علينا فهمها‪ ،‬ينقل ّٔا أحدىم‬
‫إذل اؼبعاشل ا ِإلؽبية‪ ،‬على ح ّد قوؿ القديس باسيليوس الكبَت‪ ،‬ىكذا اغباؿ أيضاً عند اؼببلئكة األرضيُت‪،‬‬
‫العائشُت يف اعببل اؼبق ّدس “آثوس”‪ .‬فإهنم هباىدوف مع السماوين ‪-‬الذين ال جسم ؽبم‪ -‬يف اغبياة‬
‫والصبلة‪ ،‬وؽبم قدرة أخرى ينقلوف ّٔا اذل سواىم اؼبعاشل اإلؽبية اليت يعيشوف‪ ،‬وىذه القدرة ىي الصمت‪.‬‬
‫ص ٌح صامت”‪ .‬فهناؾ ال‬ ‫ِ‬

‫أي بياف‪ .‬ألنو “ف ْ‬ ‫والصمت يف اعببل اؼبق ّدس‪ ،‬بنوع خاص‪ ،‬أفصح من ّ‬
‫يتكلموف كثَتاً‪ ،‬وإمبا يعيشوف أسرار اهلل يف صمت‪ ،‬ووبيوف اػبربة السلبية للثيولوجيا (علم البلىوت)‬
‫األرثوذكسية‪ .‬وىم ال يسمعوف صوت اهلل ّٔذا الصمت وحسب‪ ،‬بل يكتسبوف بو الفضيلة أيضاً‪.‬‬
‫قاؿ القديس ظبعاف البلىوٌب اعبديد‪“ :‬إ ّف للمبتدئُت طريقاً سريعةً المتبلؾ الفضيلة‪ ،‬أال وىي صمت‬
‫الشفتُت‪ ،‬وإغماض العينُت‪ ،‬وصم األذنُت”‪.‬‬
‫وصمت الرىباف يعلّمك‪ .‬نقرأ يف كتاب “الشيوخ” اؼبعروؼ باليونانية بالػ“غَتونديكوف” إ ّف ثيوفيلوس‬
‫رئيس األساقفة ذىب يوماً اذل اإلسقيط فالتأـ ؾبمع اإلخوة بكامل أعضائو‪ ،‬وقالوا لؤلنبا بامبو‪“ :‬قل‬
‫كلمة ما للبابا لكي يستفيد”‪ .‬فرد الشيخ قائبلً‪“ :‬إف دل يستفد بصميت‪َّ ،‬‬
‫تعذر عليو اإلنتفاع بكبلمي”‪.‬‬
‫عرفت التعلُّم على ىذا‬

‫ينبغي أف تقصد اعببل اؼبق ّدس ؿبموالً بالرغبة يف أف ذبٍت من الصمت نفعاً‪ .‬فإف َ‬
‫النحو َح َّدثػَْتك األشياء كلها‪.‬‬
‫أجل‪ .‬ستح ّدثك وجوه الرىباف الصامتة‪ ،‬وكهوؼ اؼبعتزلُت اؼبنسحبُت اذل الرباري‪ ،‬واألديرة آّلّلة‬
‫باػبشوع‪ ،‬وستهمس لك الطبيعة‪ ،‬وحىت األشياء اعبامدة‪ .‬ستحكي لك ىذه كلها قصصاً تارىبية كثَتة‪،‬‬
‫وتنقل إليك تعاليم رأئعة‪.‬‬
‫فهذا ىو هنج اعببل اؼبق ّدس‪ .‬إنو هبري حواره“ يف صمت”‪.‬‬
‫ث أحياناً أ ّف الرىباف يتكلّموف فينفعوف‪ ،‬أل ّف حياهتم حسنة‪ .‬قاؿ إيسيذوروس البيلوسي‪“:‬إ ّف‬
‫وبد ُ‬
‫وقد ُ‬
‫حياة (حسنة) ببل كبلـ تنفع بطبيعتها أكثر فبا ينفع الكبلـ ببل حياة (حسنة)‪ .‬فإ ّف األوذل تنفع وىي‬

‫‪http://www.orthodoxtube.org/‬‬ ‫‪http://vb.orthodoxonline.org/‬‬ ‫‪http://web.orthodoxonline.org/‬‬
‫صامتة‪ .‬أما الثاشل فيزعج وىو يصرخ‪ .‬لكن إذا اجتمعت اغبياة والكبلـ معاً “صارت مثاالً لكل‬
‫الفلسفة”‪ ،‬فإذا تكلّم الرىباف نفعوا‪ ،‬كيفما كاف األمر – كوهنم يعيشوف عيشة قداسة‪ .‬وقد أمسوا‬
‫يتفوىوف‬
‫سرية للثالوث القدوس‪" :‬احملبة‪ ،‬والكلمة‪ ،‬واغبكمة"‪ .‬فلهم أقواؿ ّ‬
‫قيثارات للروح القدس‪ ،‬وأبواقاً ّ‬
‫ّٔا‪ ،‬ذلك أهنم يقوموف بأعماؿ كثَتة متواصلة‪ ،‬وينطقوف بالقوؿ إذا سئلوا”‪.‬‬
‫الربية‬
‫قل قوالً ترشدشل بو كيف أخلص”‪ .‬والقوؿ يف لغة ّ‬
‫وشبة سؤاؿ نعرفو من كتب اآلباء‪“ :‬أيها األنبا‪ْ ،‬‬
‫ىو القوؿ الفصل الصادر عن قلب اؼبعتزؿ فيها وىو وليد الروح القدس‪ .‬ويقبلو السائل من أبيو الروحي‬
‫باعتباره َجٌت النعمة اإلؽبية‪ُ ،‬يب ّحصو بالنطق‪ ،‬وىو ضروري لو‪ ،‬لكي وبيا‪.‬‬
‫فالقوؿ يصدر إذا عن نفس ُِؿببَّة هلل‪ ،‬جرحها العشق اإلؽبي‪ .‬وىو يُقاؿ بقدر ما يبدو على السائل من‬
‫لدت يسوع‬
‫حبلت السيدة العذراء الفائقة القداسة بكلمة اآلب من الروح القدس وو ْ‬
‫ْ‬ ‫تعطش إليو‪ .‬وكما‬
‫فعم الفرح اػبليقة كلها‪ ،‬كذلك اآلباء‪ .‬فإهنم بسبب نقاوهتم‪ ،‬حبلوا بالقوؿ وىم ينقلونو‬
‫اإللو‪-‬اإلنساف‪َّ ،‬‬
‫إذل اؼبتعطشُت إليو‪ ،‬وبذلك يُفرحوهنم‪.‬‬
‫جاء يف كتاب “شيوخ الرىباف” (الغَتونديكوف)‪“ :‬تق ّدـ بعض اإلخوة اذل األنبا فيلكس ومعهم بعض‬
‫لكن الشيخ صمت‪ .‬فلما أ ّغبوا عليو قاؿ ؽبم‪:‬‬
‫العلمانيُت‪ ،‬وتوسلوا إليو كثَتاً ليقوؿ ؽبم شيئاً نافعاً‪ّ .‬‬
‫“أتريدوف أف تسمعوا قوالً؟” قالوا‪ :‬نعم أيها األنبا‪ .‬قاؿ الشيخ‪“ :‬دل يعد شبة ؾباؿ للقوؿ‪ .‬فإنو عندما‬
‫كاف اإلخوة يسألوف شيوخهم‪ ،‬وين ّفذوف ما يقولونو ؽبم‪ ،‬كاف اهلل يبنحهم نعمة من العلى‪ ،‬لكي يعرفوا‬
‫إسًتد اهلل نعمة القوؿ من‬
‫كيف يتكلموف‪ .‬أما اآلف فإهنم يسألوف وال يفعلوف وفقاً ؼبا يسمعوف‪ .‬لذلك ّ‬
‫موجود”‪ .‬فلما‬
‫ً‬ ‫الشيوخ‪ ،‬فبل هبدوف ما ينطقوف بو‪ ،‬طاؼبا أ ّف من كاف عليو أف يفعل دبوجب األقواؿ ليس‬
‫صل من أجلنا أيها األب‪.”...‬‬
‫ظبع اإلخوة ىذا الكبلـ تنهدوا وقالوا‪ّ :‬‬
‫وذبسد‬
‫يُستدؿ من ىذه اغبادثة أ ّف القوؿ إستنارةٌ من فعل النعمة اإلؽبية‪ .‬فهي تنَت أناساً قديسُت أنقياء‪ّ ،‬‬
‫اغبياة بأقواؿ‪ .‬كذلك يُنطق بالقوؿ بقدر تعطّش السائل باإلضافة اذل أ ّف الرىباف يعرفوف كيف هبذبوف اذل‬
‫اػبَت أصحاب القلوب آّمدة الباردة مذيبُت ذبمدىا ولو بتوبيخ ُفبيّز‪.‬‬
‫فإف تسأؽبم ببساطة واتضاع ورغبة صادقة تسمع منهم “إشراقات النعمة” أقواالً بسيطة‪ ،‬متواضعة‬
‫ولكنها فبلوءة باغبكمة والنعمة‪.‬‬

‫اؼبدوي وىو يف الوقت عينو‪ ،‬الصمت العميق‪.‬‬

‫وإهنم ّٔذا ليقتدوف باؼبسيح رّّٔم‪ ،‬فهو كلمة اهلل الصارخ ّ‬
‫كشف‬
‫فقد كاف يتكلم‪ ،‬لكنو كاف يصمت أيضاً‪ .‬فليس ربرؾ اهلل كبو اإلنساف على وجو التدقيق‪ُ “ ،‬‬
‫ٍ‬
‫كلمة وحسب‪ ،‬بل ىو إفصاح عن اؽبدوء” أيضاً‪ .‬وىكذا فإ ّف اذباه اإلنساف إذل اهلل من جهة‪ ،‬وإذل‬
‫أخيو اإلنساف من جهة أخرى‪ ،‬ينبغي أف يتميّز ّٔذين العنصرين أيضاً‪.‬‬
‫وأنت فإذا زرت اعببل اؼبق ّدس بغية التعلّم‪ ،‬تتعلّم بالصمت أكثر‪ ،‬وبالقوؿ أقل‪.‬‬
‫اؼبغردة يعيشوف “اغبياة” عيشة اختبار‪،‬‬

‫الربية ّْ‬
‫إ ّف الرىباف سكاف الرباري يف اعببل اؼبق ّدس‪ ،‬ىذه الطيور ّ‬
‫ويسبحوف يف الفردوس‪ .‬ىوالء ىم الذين يتأؽبوف حقاً‪ ،‬ووبيوف حياة اؼبسيح كلها “يف أواف خزفية”‪.‬‬
‫مرىقة‪ ،‬أهنكتها الرياضة واػبدمة‪.‬‬
‫أعٍت يف أجساد َ‬
‫ىناؾ يشاىد اؼبرء ما يبكن تسميتو “تأؽباً” عملياً ال نظرياً‪ .‬فالتألو النظري يعلّمو من ال يتذوؽ العلم‬
‫اإلؽبي (الثيولوجيا)‪ .‬إهنم وبيوف اإليباف واألعماؿ – ذلك أ ّف اإليباف ببل أعماؿ ؾبرد زبّيل‪ ،‬واألعماؿ ىي‬
‫تسمت نعمة اهلل وصورة اؼبسيح بعد أف ىجروا العادل وما يصحبو‬
‫عبادة أصناـ‪ .‬وعلى أبداهنم اػبشنة ار ْ‬
‫من لطف منافق‪ .‬قاؿ القديس نيقوذيبوس األغيورييت (أحد رىباف اعببل اؼبق ّدس آثوس)‪“ :‬مصاؼ‬
‫النساؾ قد رباشواما ىبالف الطبيعة واحتفظوا دبا يوافق الطبيعة فاستحقوا اؼبواىب اليت تفوؽ‬
‫القديسُت ّ‬
‫الطبيعة”‪.‬‬
‫يقع نظرؾ عليهم فتظن ألوؿ وىلة أهنم ناعسوف مكتئبوف ولكن مىت فاض صفاؤىم الباطٍت وتدفّق‬
‫فسرعاف ما يغمرؾ!‬
‫ت ىذه‬
‫وىم أشبو بالسدود العظيمة اليت زبزف مياىاً كثَتة يف حاؿ من الصفاء واؽبدوء‪ .‬حىت إذا انش ّق ْ‬
‫السدود‪ ،‬برز ما كانت زبفيو من قوة شديدة‪ ،‬أل ّف مياىها تندفع لتغمر ما حوؽبا‪.‬‬
‫وإذا فتح الناسك فاه‪ ،‬مشلك بالطيب الذكي‪ ،‬فإ ّف أفواه الرىباف القديسُت “ينابيع عسل جارية” تفيض‬
‫باؼبياه النقية (يوحناالذىيب الفم)‪.‬‬
‫وقد يبدو لك أ ّف ىؤالء الرىباف ال نفع فيهم‪ .‬لكنك سرعاف ما تتي ّقن أهنم “أشجار باسقة تناطح‬
‫السماء‪ ،‬ذات أوراؽ وارفة الظبلؿ” تظلّلك وتنعشك‪.‬‬

‫وتظن أهنم البسو ِخرؽ بالية‪ ،‬يتع ّذر اإلقًتاب منهم‪ ،‬بسبب عدـ نظافتهم اؼبطلوبة‪ ،‬المتناعهم عن‬
‫اإلغتساؿ‪ .‬لكنك سرعاف ما تدرؾ اهنم “نباتات ذات شبار يانعة‪ ،‬ال تذبل‪ ،‬وزنابق غضة متع ّددة‬
‫يغمرؾ عبَتىا‪.‬‬
‫الطيوب الذكية‪ُ ،‬‬
‫كل ىذا‪ ،‬أل ّف اؼبسيح وبيا فيهم‪ ،‬وىو اغبياة اغبقة‪“ .‬أل ّف حياهتم مستًتة يف اؼبسيح”‪.‬‬
‫تتبُت وجود حاالت ؾبتمعة معاً‪ ،‬متناقضة يف الظاىر‪ ،‬عند كل راىب آثوسي‬
‫إ ْف كاف فيك روح اهلل‪َّ ،‬‬
‫يقتفي خطوات اآلباء القديسُت ويعيش التقليد اآلبائي‪ .‬إهنا حاالت اؼبوت واغبياة‪.‬‬
‫اؼبوت اكثر‪ .‬وبقدر ازدياد موت اؼبوت‬

‫ات ُ‬ ‫فعن اؼبوت تصدر اغبياة صدورىا عن نبع‪ .‬وبالتمتع باغبياة ُيب ُ‬
‫(اػبطيئة) يزداد اختيار حياة اغبياة (اؼبسيح) اؼبعاشة اذل ح ّد حياة اؼبرء قيامة اؼبسيح وصعوده‪ .‬أعٍت أ ّف‬
‫ات واغبياة تولد‪ .‬وىكذا نستطيع القوؿ إ ّف الرىباف يلبسوف اؼبوت كالرداء ينعموف باغبياة‪ .‬يقوؿ‬
‫اػبطيئة ُسب ُ‬
‫الرسوؿ بولس يف رسالتو اذل أىل رومية‪“ :‬بعدما قاـ اؼبسيح من بُت األموات‪ ،‬لن يبوت ثانية‪ ،‬ولن يكوف‬
‫للموت عليو من سلطاف” (رومية ‪.)9 :6‬‬
‫وكتب القديس نيكيتا إستيثاتوس يقوؿ إ ّف ىذا عينو ما وبدث لئلنساف القديس‪ ،‬أي اإلنساف الذي‬
‫صارمسيحاً ألنو إذا أميت ومات حسب العادل وبيا حياة اؼبسيح‪“ :‬إ ّف الذي قاـ من أعماؿ مائتة‪ ،‬قد‬
‫قاـ مع اؼبسيح‪ .‬فإف كاف قد قاـ مع اؼبسيح بواسطة اؼبعرفة –واؼبسيح لن يبوت بعد– فلن يتسلّط عليو‬
‫أيضاً موت اعبهالة‪ ،‬وال يعيش بعد باعبسد والعادل‪ ،‬ذلك أنو قد أميت يف أعضاء جسده ويف أمور‬
‫لكن اؼبسيح وبيا فيو‪ ،‬دبا أنو صار بنعمة الروح القدس‪ ،‬غَت خاضع لناموس اعبسد‬
‫اغبياة(الدنيوية) ّ‬
‫وصارت أعضاؤه أسلحة بّر‪ ،‬أي صارمقًتباً من اهلل اآلب”‪.‬‬
‫وإنك لتجد أيضاً عند أقطاب الرىباف السكوف واغبركة قائمُت معاً‪.‬‬
‫فإهنم وبيوف “يف سكوف دائم اغبركة” و“يف حركة ساكنة”‪ ،‬كما قاؿ القديس مكسيموس اؼبعًتؼ‪.‬‬
‫أعٍت أهنم قائموف يف اؼبسيح ويتحركوف على الدواـ من أجل أف ينعموا بو بطريقة أكمل‪ .‬أل ّف اؼبسيح ىو‬
‫اعبوىرة اعبزيلة الثمن ذات األبعاد الكثَتة‪ .‬ىذا ما يشرحو بوضوح القديس غريغوريوس أسقف نيصص‬
‫بقولو‪“ :‬واألعجب من كل شيء ىو أ ّف السكوف واغبركة متطابقاف‪ .‬فإف الصاعد ال يقف على كل‬
‫حاؿ‪ ،‬وأما الواقف فبل ينحدر‪ .‬أما ىنا فبالوقوؼ يصَت الصعود‪ .‬فبقدر ما يكوف اؼبرء ثابتاً يف اػبَت وغَت‬

‫منتقل‪ ،‬يقطع مسافة أكرب يف طريق الفضيلة”‪ .‬أي أنو يبقى ثابتاً يف اؼبسيح‪ .‬ىذا ىو التعطش إذل‬
‫اؼبسيح‪ ،‬تعطشاً ال ينتهي وىو الشبع اإلؽبي يف الوقت عينو‪.‬‬
‫قاؿ أحد الرىباف‪“ :‬وبدث رل أمر غريب‪ .‬فإشل أجوع لكٍت أشعر بالشبع”! إالّ أ ّف ىذا ليس غريباً عند‬
‫السلَّمي‪.‬‬
‫رجل اهلل‪ .‬أل ّف ىذه اغباؿ ىي“كماؿ الكاملُت الذي ال يكمل” على حد قوؿ القديس يوحنا ُّ‬
‫إ ّف حياة الرىباف ىي يف صَتورة مستديبة‪ .‬إهنا تصَت كلمة‪ ،‬تصَت مسيحاً‪ .‬والراىب آّاىد وبيا كل أدوار‬
‫عمر اؼبسيح أل ّف اؼبسيح يتجسد داخلو‪ ،‬يصنع عجائب‪ ،‬يتحمل األدل‪ ،‬يقوـ من جديد ويستعد قوتو‪.‬‬
‫ودبا أنو يعيش يف اؼبسيح فهو يصل اذل توحيد عاؼبو كلو‪ ،‬الباطٍت واػبارجي ويتخطى كل التمييزات‪،‬‬
‫ويعود اذل ارتقاء أعلى مقاـ كاف لئلنساف قبل السقوط‪ ،‬حيث كاف آدـ يف البدء‪.‬‬
‫يذكر القديس مكسيموس اؼبعًتؼ طبسة سبييزات فشل آدـ يف زبطيها‪ ،‬وىي اليت يستطيع اإلنساف اآلف‬
‫النجاح يف زبطيها دبعونة آدـ اعبديد أعٍت اؼبسيح‪ .‬وىي كما يلي‪“ :‬التمييز بُت غَت ـبلوؽ وـبلوؽ”‪،‬‬
‫“التمييز بُت عقلي وحسي”‪“ ،‬التمييز بُت ظباء وأرض”‪“ ،‬التمييز بُت فردوس ومسكونة”‪“ ،‬التمييز‬
‫بُت ذكر وأنثى”‪ .‬ومن زبطى التمييز األخَت يتق ّدـ اذل زبطي التمييز األوؿ أيضاً وىو التمييز بُت غَت‬
‫ـبلوؽ وـبلوؽ‪ .‬أعٍت أ ّف اإلنساف قديس اهلل يق ّدـ ذاتو والعادل كلها بكاملو اذل اهلل‪ ،‬وؽبذا فإ ّف قديساً‬
‫واحداً ىو أعظم ؿبسن لئلنسانية‪.‬‬
‫ينعم‬
‫اقًتبت يوماً من راىب شيخ قديس من ىذا النوع‪ ،‬يف اعببل اؼبقدَّس ‪-‬آثوس‪، -‬وىو شيخ َ‬ ‫ُ‬ ‫لقد‬
‫بالشبع من رضبة اهلل اليت اليُشبَع منها يف ما يشبو اعبحر‪ ،‬وقد زبطّى كل شكليّات العادل وال توجد‬
‫قلت إنو ؾبنوف لقصر الوصف عن إبراز‬
‫عبانبت الصواب‪ .‬ولو َ‬
‫َ‬ ‫قلت إنو حكيم‬
‫كلمات تفي بوصفو‪ .‬فلو َ‬
‫أفلت من أشكاؿ العادل‬ ‫حجم جنونو الروحي سباماً‪ .‬وإنك ال تدري ما يبكن وصفو بو‪ ،‬كونو قد َ‬
‫ومظاىره‪ ،‬ومضى قدماً يف أعماؽ األبدية! إنو يلحس النار اإلؽبية‪ ،‬وىو يف الواقع ُمت َِّقد قد أحاطتو النار‬
‫من كل كانت‪ .‬إنو يشتعل اآلف‪ ،‬بالشعلة غَت اؼبخلوقة‪.‬‬
‫وخلت أنو سيغادرؾ جبسده كما حدث إليليا النيب يوـ‬

‫َ‬ ‫ظننت أنو سيتّقد ووبًتؽ كلّياً‬
‫ربدثت معو َ‬ ‫َ‬ ‫إذا‬
‫غادر األرض بالعربة النارية!‬

‫وتظن ساعة احملادثة معو أنو سيصعد اذل السماء كما صعد الرب‪“ ،‬فيما ىو يباركهم انفرد عنهم وأُصعد‬
‫اذل السماء” (لو‪.)15: 42‬‬
‫يتم‪ .‬ويب ّدد ظنك حدث آخر ىو شعور اػبشوع واإلنسجاـ إبَّاف‬
‫ولكن ما يبدو لك أنو سيحدث‪ ،‬ال ّ‬
‫رب ّدثو إليك يف قضايا روحية وىذا اػبشوع أشبو بتلك الدىشة اليت اعًتت تبلميذ السيد اؼبسيح على‬
‫جبل ثابور حُت “ظلّلتهم سحابة نَّتة‪ ،‬وصوت من السحابة يقوؿ‪ :‬ىذا ىو إبٍت اغببيب الذي بو‬
‫سررت‪ .‬لو اظبعوا‪ .‬وؼبا ظبع التبلميذ سقطوا على وجوىهم وخافوا جداً” (مىت‪.)6 – 1 :51‬‬
‫ُ‬
‫وأثناء حديثك معو ينزؿ الروح القدس ووبيط بك‪ ،‬ويهيمن عليك‪ ،‬فيعًتيك خوؼ‪ .‬إالّ أنك ترغب يف‬
‫البقاء‪ .‬وفيما يلقي الناسك القديس عليك كلماتو البسيطة الكافية‪ ،‬البلزمة‪ ،‬تتذكر اؼبسيح يوـ كاف‬
‫وب ّدث تبلميذه من اعببل أو من البحر‪ .‬ويف اغبق إ ّف الناسك القديس وب ّدئك من جبل الثاوريا (الرؤيا)‬
‫ومن حبر األبدية‪ ،‬بعيداً عن أمور البشر السطحية‪ ،‬وبعيداً أيضاً عن ىذا الذي ىو أنت!‬
‫كنت أعلم أنو الىوٌب حقيقي‪ .‬ودل يكن لديو معلومات عن اهلل‪ .‬لكنو كاف‬
‫بت يوماً من ىذا الشيخ‪ ،‬و ُ‬
‫إقًت ُ‬
‫على معرفة باهلل “وىي معرفة غَت مدركة عند اعبمهور الغفَت”‪ .‬قاؿ القديس غريغوريوس أسقف‬
‫نيصص‪“ :‬الثاولوجيا (العلم باهلل) جبل صاعد صعوداً عامودياً مفاجئاً‪ ،‬ويف اغبق إدراكو صعب‪ ،‬وصبهور‬
‫الشعب يكاد أف يصل اذل سفح ىذا اعببل فقط”‪.‬‬
‫عرفت أ ّف ىذا الشيخ ىو موسى‬

‫إ ّف موسى النيب ىو وحده يصعد اذل جبل الرؤية فيصَت معايناً اهلل‪ ،‬وقد ُ‬
‫معاين اهلل‪.‬‬
‫شعرت ألوؿ وىلة بارتباؾ‪ .‬فبماذا يستطيع اؼبرء أف يناقش؟ وأي اتفاؽ كاف بيٍت وبينو؟ وما ىو القاسم‬
‫ُ‬
‫اؼبشًتؾ بيننا؟ كبن يف الرحلة األوذل للفلسفة العملية‪ .‬أما ىو‪ ،‬فقد انتقل من اؼبشاىدة الطبيعية اذل‬
‫الثاولوجيا السريّة‪ ،‬وىي اؼبعرفة اليت ال تنتسى‪ .‬كبن تكتفنا األىواء أما ىو فعرش ذىيب للملك‪ .‬وكبن‬
‫اعبحيم أماىو فإنو الفردوس!‬
‫لكن الناسك نزؿ أ ثناء احملادثة من مقامو الرفيع ورفعٍت اذل مقاـ أرفع‪ .‬فقد أخلى ذاتو وأغناشل“لقد كاف‬
‫ّ‬
‫غنياً فافتقر لكي أغتٍت بفقره” وىذا وبدث دائماً‪ ،‬فإ ّف الوحدة تتطلّب خروج اإلثنُت‪ ،‬كما وبصل يف‬
‫اإلتصاؿ باهلل‪“ :‬خروج اهلل وخروج اإلنساف”‪ ،‬ونبا الصفة اؼبميّزة للعشق اإلؽبي‪ .‬يقوؿ القديس‬

‫يسموف“اإلؽبي” عشقاً تارة وحباً طوراً‪ ،‬وحيناً آخر معشوقاً‬

‫مكسيموس اؼبعًتؼ‪“ :‬إ ّف البلىوتيُت ّ‬
‫كل‬
‫وؿببوباً‪ .‬وؽبذا يتحرؾ كعشق وحب من جهة‪ ،‬وكمعشوؽ وؿببوب من جهة أخرى‪ ،‬فيحرؾ كبو ذاتو َّ‬
‫من يستطيع أف يت ّقبل العشق واحملبة”‪ .‬ويقوؿ أيضاً “إ ّف العشق اإلؽبي َّ‬
‫جذاب ألنو ال يًتؾ العشاؽ‬
‫ملكاً لذواهتم‪ ،‬بل ِملك اؼبعشوقُت”‪.‬‬
‫ويضيف القديس مكسيموس يف شرحو قوالً لديونيسيوس األريوباغي فيقوؿ‪“ :‬إ ّف العشق اإلؽبي قادر‬
‫على جذب اؼبرء من موقعو ألنو ال يًتؾ العشاؽ ملكاً لذواهتم‪ ،‬بل ؼبعشوقيهم‪ .‬ويؤكد ىذا األمر أولئك‬
‫الذين صاروا أرفع مقاماً بعنايتهم دبن ىم أقل منهم‪ ،‬ويظهره اؼبتوافقوف‪ ،‬بالًتابط فيما بينهم‪ ،‬ويربزه‬
‫ؽبي”‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫األولُت‪ ،‬عود ًة َّ‬
‫أشد ارتباطاً باإل ّ‬ ‫اؼبتخلّفوف يف الدركات السفلى‪ ،‬بعودهتم كبو ّ‬
‫كل شيء‪ ،‬ليس يف ذاكرٌب وحسب‪ ،‬بل يف أعماؽ قليب أيضاً‪ .‬وىا أنا أروي لكم كيف‬ ‫حفظت َّ‬
‫ُ‬ ‫لقد‬
‫قابلت الشيخ القديس‪ ،‬واغبديث الذي دار بيننا‪.‬‬
‫ُ‬

‫في الجبل عند األصيل‬

‫مالت الشمس إذل الغروب‪ .‬أماَ ساعات الصباح يف اعببل اؼبقدَّس‪ ،‬فهي عامرة بالطيوب‪ ،‬يكتنفها البهاء‬
‫الساحر‪ ،‬وتتبدَّد ظلمة الليل‪ ،‬فيما الرىباف يرّمبوف يف قاعات أديرهتم اؼبقدَّسة‪“ ،‬آّد لك أيها اؼبظهر‬
‫النور‪ ”....‬فكأهنم يطردوف الدجى بأصواهتم الرخيمة وىي ترتل هلل سبحاً‪ ،‬وبدقّات نواقيسهم ذات‬
‫وبتوسبلهتم اغبارة يقرعوف ّٔا أبواب اؼبلكوت بقدر ما ؽبم من مواىب‪.‬‬
‫األغباف العذبة‪ّ ،‬‬
‫وساعات ما بعد الظهَتة يف اعببل اؼبقدَّس مفعمة أيضاً باؽبدوء والصفاء‪ .‬فلقد مر يوـ صراع‪ .‬أما الليل‬
‫فآف لو أف يرخي سدولو‪ ،‬وفيو ىبفي الراىب الكثَت من جهاداتو‪ ،‬والغزير من دموعو‪ ،‬والعديد من‬
‫لكن الشمس القائمة يف أفئدة اؼبتقشفُت آّاىدين لن‬ ‫رياضاتو‪ .‬والشمس آخذة يف اؽببوط لتتوارى‪ّ .‬‬
‫هنارمقيم ال يزوؿ‪ ،‬متؤلذلء بالنور وال تع ّكره سحب‬
‫تنطفىء‪ .‬ويف قلب كل منهم‪ ،‬القلب الكلي النقاوة‪ٌ ،‬‬
‫األىواء‪.‬‬
‫فيا لو من أصيل مدىش يف اعببل اؼبقدَّس‪ .‬أصيل عامر “بالسحر”‪ ،‬مليء بالروعة واعبماؿ والعذوبة‪،‬‬
‫أصيل يلفُّو الصمت‪.‬‬
‫***‬
‫بعد اؼبساء ىبرج بعض آّاىدين حبركات بطيئة ووجو مطرؽ اذل األرض‪ ،‬من القاعات العامة يف األديرة‬
‫ومن الكنائس الصغَتة يف بيوهتم‪ ،‬اذل الطبيعة‪ ،‬طلباً لراحة قصَتة‪ ،‬فيجلسوف على مقاعد حجرية ويبعنوف‬
‫ويصروف أف يسطّروه على صفحات قلؤّم‬
‫يف الصبلة ذاكرين اسم اؼبسيح الكلي اغببلوة‪ .‬وإهنم لَتيدوف ّ‬
‫بأحرؼ صبلة من ذىب‪ .‬ذبذبٍت ساعات الصفاء ىذه إليها جذباً‪ .‬حيث هتدأ الطبيعة إالَّ من صخب‬
‫تلوف الشمس وجو السماء بعديد األلواف‪.‬‬
‫البحر يُسمع أحياناً وىو يداعب الصخور‪ ،‬وحيث ّْ‬
‫للطبيعة يف اعببل اؼبقدَّس نعمة أخرى‪ .‬فإهنا موقع إشراؽ للصبلة والقداسة‪ .‬أجل‪ ،‬إ ّف النعمة غَت اؼبخلوقة‬
‫تعرب من النفس اذل اعبسد ٍب سبتد اذل الطبيعة‪ ،‬غَت العاقلة‪ ،‬واذل كل اػبليقة‪ .‬ولن ذبد ىناؾ شيئاَ‬
‫متوحشاً‪ ،‬أو إنك على األقل ال تراه كأنو وحشي أل ّف كل األشياء فيو ىادئة‪ .‬فاعببل اؼبقدَّس يظل طواؿ‬
‫الليل وأثناء النهار مشتعبلً بالصبلة‪ .‬والطبيعة ذاهتا هت ّذّٔا أصوات الرىباف العذبة الشجيّة‪ ،‬وأغباف‬
‫النواقيس اغبلوة‪ ،‬وكذلك الطاعة‪.‬‬

‫قاؿ أفجانيوس البلغاري‪“ :‬ىا ىناؾ اؼبياه تتدفق با ُغبسن‪ ،‬واؽبواء شديد اإلعتداؿ‪ ،‬والندى الرطب‬
‫ينعشنا‪ ،‬أحراج وارفة‪ ،‬وظبلؿ يف كل مكاف‪ ،‬وأعشاب خضراء يانعة تبهج النظر‪ ،‬ونبات من كل األنواع‪،‬‬
‫أصمت عن أغراس أخرى‪ ،‬بعضها لؤلكل والبعض‬
‫وأشجار زيتوف وكروـ عنب‪ ،‬واآلس والغار والروباف‪ ،‬و ُ‬
‫القربة‬
‫اؼبغردة الص ّداحة‪ ،‬بينها البلبل والوروارو َّ‬
‫اآلخر ؼبتعة النظر وكلّها من أرض خصبة‪ ،‬ورفوؼ من الطيور ّ‬
‫تتبارى وىي عابرة ىنا وىناؾ وأصوات الفتياف من ؿبيب اؼبوسيقى الذين يتعلَّموف ىناؾ بتصريح خاص‪”.‬‬
‫***‬
‫ال ذبذبٍت الطبيعة كثَتاً‪ ،‬غَت أ ّف لطبيعة اعببل اؼبق ّدس حبلوة وصباالً من نوع آخر‪ .‬وقد يكوف سبب ىذا‬
‫أ ّف اؼبرء يشاىد الطبيعة ىنا من خبلؿ رؤيتو للرىباف اؼبتأؽبُت فيستنَت‪ ،‬أو ألنو ال يبصرىا بالعُت أو بالعقل‬
‫وإمبا بالقلب اؼبتألو‪ .‬والقلب يعرؼ أف وبب ويق ّدر‪ .‬وقد يساعد اؽبدوء على ىذا‪ ،‬أل ّف العيش‪ ،‬على حد‬
‫ذبرد من اإلنكباب على اإلىتمامات الدنيوية‪ ،‬إبتغاء الرجاء يف‬
‫قوؿ القديس غريغوريوس باالماس‪ ،‬إذا ّ‬
‫اهلل‪ ،‬حفز النفس بطريقة طبيعية اذل فهم خبلئق اهلل”‪.‬‬

‫الصعود الى ثابور‪ ...‬جبلي‪..‬‬

‫كنت أشق دريب صعوداً إذل فوؽ‪ ،‬لكي‬
‫كانت ساعة األصيل‪ .‬وبينما الشمس يف طريقها اذل اؼبغيب ُ‬
‫كنت متجهاً‬
‫أشرؽ بالنور فيبلقيٍت غروب الشمس وأنا أصعد على درب ضيّقة يصعب اؼبرور عليها‪ .‬و ُ‬
‫كبو الشرؽ!‬
‫وكبن بإيباننا الضئيل نستصعب صعوداً كهذا‪ ،‬فيما يفرح بو اؼبؤمنُت الذين جعلوا قرارىم البطورل فعبلً‪،‬‬
‫التنسك‪.‬‬
‫فأنكروا العادل‪ ،‬بكل ما فيو من مغريات وافراح‪ ،‬وأحبوا ّ‬
‫أردت تطبيق قوؿ يوحنا الذىيب الفم “طاؼبا أ ّف‬
‫كنت صاعداً اذل اعبانب الشمارل من اعببل اؼبقدَّس‪ ،‬و ُ‬
‫ُ‬
‫وزده حرارة‪ ،‬فإ ّف الكبلـ الذي لدينا يعجز عن إيقادؾ كما‬
‫فاذبو صوب اؼببلئكة ْ‬‫عشقك اليزاؿ حاراً‪ّ ،‬‬
‫تشعلك رؤية األمور اغباصلة”‪.‬‬
‫تشق عناف السماء كما تشقُّها أيضاً‬

‫ترتفع اذل اليمُت واليسار صخور مشّاء‪ ،‬رؤوسها حادة مسنَّنة‪ ،‬كأهنا ُّ‬
‫حياة ساكٍت اعببل وترانيمهم‪.‬‬
‫كنت أسَت حاشل الرأس‪ ،‬والدعاء على شفيت ويف قليب وعقلي‪ .‬فبمثل ىذه الطريقة ينبغي على اؼبرء أف‬
‫و ُ‬
‫يزور اعببل اؼبقدَّس وأف تكوف مشاعره مشاعر اغباج البسيط‪.‬‬
‫وإنك لتشهد داخل الصخور على مسافة قصَتة من الدرب بيوتاً صغَتة‪ ،‬ىي قبلرل الرىباف اآلباء‬
‫النساؾ اؼبعتزلُت‪ .‬ترى إحداىا داخل كهف‪ ،‬وأخرى بارزة قليبلً‪ ،‬زباؿ وأنت تتأملها أهنا موشكة على‬
‫السقوط يف البحر‪ .‬يف ىذه الكهوؼ الصغَتة‪ ،‬يعيش النحل الروحي الذي يصنع عسل اؽبدوء الكلي‬
‫اغببلوة‪.‬‬
‫َّس‪.‬فأخذت أرتلها‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ذكرت الًتنيمة اليت نظمها القديس نيقوذيبوس لئلشادة برىباف اعببل اؼبقد‬
‫ولقد ت ُ‬
‫أيتها اػبلية اليت صبعها اهلل يف جحوراعببل وكهوفو‪،‬‬
‫تصنع عسل اؽبدوء الكلي العذوبة‪ ،‬كأنو يف قفَت عقلي‪.‬‬
‫وذبد مثل ىذه القبلرل يف اعبانب اعبنويب من اعببل يف ما يسمونو بالكاروليا‪ .‬ىناؾ اؼبشهد أشد إثارة‬
‫وروعة‪ .‬يقوؿ الرساـ اؼبعروؼ فوٌب كوندوغلو‪“ :‬ىناؾ الصخور ذات السطح األضبر اليت يظن الناظر‬
‫إليها أهنا مطلية بالصدأ‪ ،‬وقد امتد فوقها عدد ضخم من البيوت حىت أعاليها‪ ،‬وبعضها كهوؼ ُّ‬
‫سدوا‬
‫مداخلها جبدراف‪ ،‬تاركُت ؽبا باباً صغَتاً‪ .‬ويف مكاف آخر موقع بارز من الصخر ُظبح ألحد النساؾ‬
‫آّازفُت أف يبٍت عليو كنيسة صغَتة ذات قبة‪ ،‬مع قبلية أو قبليتُت وحديقة صغَتة ضبل ؽبا ترأّا من‬
‫ـبضرة تضفي على اؼبوقع شكبلً باعثاً على‬
‫مكاف آخر‪ .‬وىي تطل عليك بباقة من الورود يف شجَتات ّ‬
‫ت بو كل ىذه اؼبآوي اػبفية فيدعو اؼبرء اذل تشبيهها بأعشاش‬ ‫ِ‬
‫الدىشة‪ .‬أما اللوف الظاىر الذي نُس َج ْ‬
‫حجل البحر‪.‬‬
‫ويتَّصل النساؾ فيما بينهم‪ ،‬بواسطة دروب صغَتة‪ ،‬ال تّتسع إالَّ لشخص واحد‪ ،‬خطر اإلنزالؽ فيها‬
‫شديد‪ ،‬وال يبكن تبيُّنها من ناحية البحر‪ .‬ووبتاج من يرغب يف تسلّقها اذل ازباذ قرار جريء ويف غاية‬
‫اػبطورة‪ .‬وىناؾ العديد من النساؾ قبع كل واحد منهم يف مسكنو الضيق ال يرضى عن يديبلً‪ ،‬ودل َّ‬
‫يتخط‬
‫عتبة داره الضيّقة طواؿ سنُت‪ .‬لذلك ذبد مقابر يف مناسك أوسع من ىذه ومراقد داخل الكهوؼ حيث‬
‫ُربفظ عظاـ اإلخوة‪ ،‬وعلى رأس كل صبجمة ُح ِفَر إسم صاحبها وتاريخ رقاده‪.‬‬
‫َّت يبيناً ومشاالً وىي تعيش اهلل‪ ،‬وسبضي صعداً‪ ،‬حىت‬

‫إ ّف ىذه اغبجبلف الروحية‪ ،‬ضبائم السماء‪ ،‬قد انبث ْ‬
‫السماء الثالثة”‪.‬‬
‫***‬
‫ت فيو‬ ‫ِ‬
‫ىذا اؼبشهد يراه أيضاً من يصعد على الدَّرب الضيّق‪ ،‬يف اعبانب الشمارل للجبل‪ .‬وىو الذي س ْر ُ‬
‫ليهز الكياف ىزاً عنيفاً‪ ،‬إذ وبس اؼبرء فيو بنعمة اهلل تنعشو وتنشطو‪،‬‬
‫صاعداً يف ذلك األصيل‪ .‬وإنو ُّ‬
‫واألحرى أف يقاؿ إهنا تلذعو بنارىا‪ ،‬وىي أشبو بعليقة موسى اؼبلتهبة‪ .‬لكنها غَت ؿبًتقة‪ .‬وسبدُّه الذاكرة‬
‫مروا من ذلك اؼبكاف‪ ،‬وىم يرقدوف ّٔدوء وسكوف‪ ،‬يف انتظار صوت‬ ‫دبشاىد من حياة آباء سابقُت‪ّ ،‬‬
‫رئيس اؼببلئكة وؾبيء اػبنت الذي يتقدـ كل منهم إليو كعروس‪ .‬ويف اغبق‪ ،‬إ ّف ىذا اؼبشهد ليقطع القلب‬
‫عن العادل بكل حسناتو‪ .‬فلقد جاىد ىؤالء اآلباء طواؿ اغبياة‪ ،‬من أجل اغبصوؿ على السبلـ‪ ،‬فنالوه‬
‫ونعموا بو‪ ،‬وىم اآلف يسًتوبوف يف أحضاف إبراىيم‪ .‬وإ ّف صوت اؼبسيح اؼبنادي‪“ :‬دل يبت وإمبا ىو نائم”‬
‫سم ُع صداه بقوة يف تلك األماكن النائية‪...‬‬
‫ليدوي ويُ َ‬
‫ّ‬
‫***‬

‫ويف صعودي كانت أفكاري ومشاعري مغايرة‪ .‬فاؽبدوء ناموس اؼبنطقة‪ ،‬لكنك تسمع ىنا وىنالك بعض‬
‫مغردة قاؿ القديس نيقوذيبوس‪“ :‬إ ّف آثوس‬
‫العصافَت اؼبتوحشة‪ ،‬تصرخ ؿبلّقة‪ ،‬أو تنتهي إليك أنغاـ ببلبل ّْ‬
‫وحثثت السَت اذل أف‬
‫ُ‬ ‫يغذي العديد من الببلبل الصاغبة”‪ .‬وكانت تُسمع بُت حُت وآخر طرقة قوية‪.‬‬
‫وصلت اذل بيت صغَت حيث رأيت ناسكاً بدا رل ىادئاً‪ ،‬وىو هبهد نفسو ليحطّم صخرة كبَتة‪.‬‬
‫ُ‬
‫قلت لو‪“ :‬بارؾ أيها الشيخ ” (إفلوغيتِو غَتونْدا)‪.‬‬
‫فأجاب‪ :‬الرب‪( ...‬كَتيوس‪.) ...‬‬
‫ىذه ىي التحية‪ ....‬اؼبعتادة يف اعببل اؼبقدَّس‪ .‬فإذا سألتهم بركة أجابوا‪ :‬الرب‪( ...‬أي ليباركك الرب)‪،‬‬
‫ألهنم يعرفوف أنبية اؼبسيح للحياة الروحية ويدركوف عجزىم‪ .‬ولكنهم يكرروف اسم الرب‪ ،‬موضع شوقهم‬
‫وحنينهم‪ ،‬بصورة مستمرة‪ ،‬طاؼبا أهنم يعيشوف حضوره‪ .‬فهو ماكث وقائم معهم‪ ،‬وبلّي القلب ويبهجو‬
‫بتعزية الروح القدس‪.‬‬
‫قلت للشيخ‪“ :‬ماذا تعمل ىناؾ أيها الشيخ”؟‬

‫ُ‬
‫بٍت أحاوؿ ربطيم ىذه الصخرة لكي أبٍت بركة صغَتة أصبع فيها ماء مطر لكي أشرب‬
‫فأجاب‪ :‬ىا إشل يا ّ‬
‫عانيت يف العاـ اؼباضي من العطش كثَتاً‪.‬‬
‫ُ‬ ‫قليبلً‪ ،‬فإشل‬
‫يتأتى لك من دوف العدة اؼبناسبة؟‬

‫لكن ىذا عمل شديد الصعوبة مرىق‪ ،‬فكيف ّ‬
‫قلت‪ :‬و ّ‬
‫ُ‬
‫الربية‪.‬‬
‫قاؿ‪ :‬ماذا أفعل؟ طاؼبا أ ّف اعبسد وبتاج اذل اؼباء‪ .‬إ ّف اهلل يساعدشل‪ .‬هبب أالّ مبلك شيئاً ىنا يف ّ‬
‫أدخل اذل القبلية لكي تباركها لنا!‬
‫لكن القليل من اؼباء ضروري‪ْ .‬‬ ‫و ّ‬
‫اؼببارؾ”؟ وىل أنا اؼبلطَّخ بالدَّنس أُبارؾ الُ َّ‬

‫مطهر؟‬ ‫فكرت يف داخلي‪“ :‬أأنا أبارؾ قبلية َ‬
‫ُ‬
‫***‬
‫سر‪ .‬كانت القبلية‬

‫دخلت باحًتاـ عميق اذل القبلية‪ .‬وإنك تدخل اذل قبلية ناسك بورع‪ ،‬كأهنا مكاف ّ‬
‫ُ‬
‫لكن ىذه تفاصيل دقيقة يف اعباىد الروحي‪ .‬فأين الوقت ؼبثل ىذه‬ ‫َّ‬
‫غَت مكنسة وينقصها الًتتيب‪ .‬و ّ‬
‫األشغاؿ؟‬

‫للمودة‪ .‬وإنك لتحس إحساساً حقيقياً‬

‫أحضر رل الشيخ قليبلً من اؼباء وقطعة من راحة اغبلقوـ إظهاراً ّ‬
‫الربية باغبب الصادؽ الربيء ال غش فيو‪ .‬ففي الطبق الصغَت‪ ،‬ومع القليل من اؼباء وقطعة اغبلوى‬ ‫يف ّ‬
‫الصغَتة شبة قلب الراىب بكاملو‪ .‬ألنو يقدّْـ لك كل ما لديو‪.‬‬
‫قاؿ‪ :‬أأنت قادـ من العادل؟‬
‫قلت‪ :‬أجل‪.‬‬
‫قاؿ‪ :‬كيف حاؿ العادل؟‬
‫ىذا ىو السؤاؿ الذي تسمعو عادة يف اعببل اؼبقدَّس‪ .‬لكنو ىذه اؼبرة ذو مغزى عظيم‪ ،‬أل ّف الراىب‬
‫السائل قد ىجر العادل منذ طبسُت عاماً من دوف أف يعود إليو! والناسك يعلم أيضاً معٌت العادل‪ .‬إنو‬
‫خليقة اهلل ويصَت يف الوقت عينو خدعة الشرير‪ .‬أفلم ىبدع الشيطاف آدـ بالكائنات؟ وكم منا من ال‬
‫يصاب دبثلو؟‬
‫قلت‪ :‬العادل أيها الشيخ نأى كثَتاً عن اهلل‪ .‬إنو ال يذكر اهلل أبداَ وال يعيش كما يليق بو تعاذل‪ .‬فقد‬
‫ت‬‫فغص ْ‬
‫رت الكنائس من العابدين وامتؤلت بؤر الشيطاف‪ .‬لقد ىجر العا َدل اآلباءُ الروحُت‪ّ ،‬‬ ‫أقْػ َف ْ‬
‫مستشفيات األمراض النفسية باؼبرضى‪ .‬العادل تقلقو أشغالو‪ ،‬واهنماكاتو منحصرة يف األمور الدنيوية‬
‫وحدىا‪ .‬اليوـ عندنا إنتخابات‪ ،‬وغداً تسقط اغبكومة وبعد غد تعقد مؤسبرات‪ ،‬اخل‪ ..‬ال يقرأ سوى‬
‫اعبرائد اليومية‪ ،‬أما الكتاب اؼبقدَّس فيجهلونو‪ .‬وىم يقضوف الساعات الطواؿ يف مشاىدة أفبلـ الشيطاف‬
‫اليت زبدرىم‪ ،‬وال يشاىدوف حياة القديسُت‪...‬‬
‫كل يوـ حباالت‬ ‫قاؿ الناسك القديس‪“ :‬ياللعادل َّ‬

‫اؼبعذب الشقي‪ .‬إ ّف الشيطاف وبكمو‪ ،‬وىو يأتيو َّ‬
‫وحوادث لكي يسلبو اإلىتماـ بتذ ّكر يسوع‪ ،‬فيكف عن رؤية ذاتو وجراحو الباطنية‪ ،‬ويكوف اآلخروف‬
‫موضع اىتمامو‪ ،‬من دوف نفسو‪ .‬ىذا اؽبرب ينشىء الصراع الباطٍت الذي ذكرسبوه‪ .‬إ ّف آدـ قد أخطأ‬
‫فتوارى‪ ،‬وىرب من أماـ اهلل فتوالت عليو النوائب بعد ذلك‪ .‬وىذا ما يفعلو البشر‪ .‬إشل أصلي طويبلً من‬
‫أجل خبلص كل العادل‪“ :‬ياريب يسوع اؼبسيح إرضبٍت وارحم عاؼبك”‪ ،‬وأقضي الليل كلّو مصلّياً‪ ،‬لكي‬
‫ِ‬
‫ت علينا القرعة‪ ،‬لنكوف شهود‪...‬‬‫يرأؼ اهلل بو‪ .‬ىذه ىي رسالتنا يف ىذا العصر اؼبضطرب‪ .‬وقد أُلْقيَ ْ‬

‫لقد قاؿ رل ذلك الناسك أشياء كثَتة‪ .‬وزائر اعببل اؼبقدَّس يسمع يف كل خطوة مثل ىذه األقواؿ‬
‫اغبكيمة‪.‬‬
‫اتو‪.‬وخرجت من قبليتو مفكراً‪ .‬وىذه القبلية ىي‬

‫ُ‬ ‫سبنيت أف يذكرشل يف صلو‬
‫التمست دعاءه‪ ،‬و ُ‬
‫ُ‬ ‫شكرتُو و‬
‫اآلف قربه‪ .‬لكنو سيقوـ من ىناؾ اذل اغبياة اغبقة‪.‬‬

‫البرية‬
‫المقابلة مع رجل ّ‬
‫فوصلت بعد قليل‪ ،‬لكن جبهد كبَت‪ ،‬اذل البيت الذي أروـ‬
‫ُ‬ ‫تابعت مسَتٌب كبو األعارل‪ ،‬قاصداً جبل ٍ‬
‫ذبل‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ألنشف عرقي‪.‬‬
‫ووقفت برىة ّ‬
‫ُ‬ ‫زيارتو‪.‬‬
‫للسر وحسب‪ ،‬بل ىي أيضاً‬

‫الربية ليست خدراً ّ‬
‫وجالت يف ذىٍت فكرة‪ ،‬ىي أ ّف قبلية الناسك اؼبعتزؿ يف ّ‬
‫خدر ظباوي‪ .‬والساكن فيها ىناؾ‪ ،‬الشاغل ذاتو باؽبدوء والصبلة‪ ،‬ىو رسوؿ للمسيح‪ .‬ىذا ما يقولو‬
‫القديس غريغوريوس باالماس يف عظة لو ألقاىا يف مدينة سالونيك‪ ،‬وقد انتهز فرصة الكبلـ عند ذكر‬
‫حاؿ الرسوؿ توما الذي دل ينُػ َعم عليو برؤية السيد اؼبسيح القائم من اؼبوت يوـ ظهوره للتبلميذ يف أحد‬
‫القيامة‪ ،‬لغيابو‪ .‬لكنو بعد شبانية أياـ فيما كاف مع زمبلئو التبلميذ “رأى الرب”‪ .‬ورجل اهلل القديس يق ّدـ‬
‫النصح للمؤمن قائبلً “فليفتش باجتهاد‪ ،‬بعد القداس اإلؽبي يوـ األحد‪ ،‬عن شخص ٍ‬
‫مقتد بأولئك‬ ‫ّ ْ‬
‫الرسل يقيم منعزالً مغلقاً على نفسو مدة طويلة يقضيها مشتعل الشوؽ اذل اؼبسيح بالصبلة والًتنيم يف‬
‫ظباوي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫فليدخل اذل بيتو الصغَت بٍإيباف‪ ،‬كأنو داخل اذل خدر‬
‫ْ‬ ‫ىدوء وبتناوؿ طعاـ مناسب‪ .‬ومىت وجده‬
‫ليجلس اذل جانب الساكن فيو‪ ،‬وليُ ِق ْم عنده ما‬
‫وبوي يف داخلو قوة التقديس‪ ،‬أي قوة الروح القدس‪ .‬و ْ‬
‫ليتحدث معو عن اهلل واألموراإلؽبية‪ ،‬سائبلً ومتعلّماً باتضاع‪ ،‬وملتمساً اؼبعونة بالدعاء‪ .‬فمن‬
‫ْ‬ ‫استطاع و‬
‫يأت اؼبسيح إليو بصورة غَت مرئية‪ ،‬ويهبو سبلماً داخل نفسو ويدفعو اذل التقدـ‬ ‫ينسج على ىذا اؼبنواؿ ِ‬
‫باإليباف ويبنحو أيضاً دعمو ويرتبو مع اؼبختارين‪ ،‬يف زمن ملكوت السماوات‪”...‬‬
‫***‬
‫السماوي‪ .‬وقد تولَّد يف داخلي شعور‬

‫ّ‬ ‫بت من تلك القبلية عمبلً بوصية القديس‪ ،‬معترباً إياىا اػبدر‬
‫اقًت ُ‬
‫بأ ّف ذلك الشيخ ىو رسوؿ للمسيح قد شاىد الرب القائم من اؼبوت‪ ،‬وىو اآلف موجود يف علية‬
‫أورشليم‪ .‬فهو إذاً قد تألّو‪ ،‬ولو كل ما هلل ماخبل جوىره‪ .‬قاؿ القديس غريغوريوس باالماس‪“ :‬كل ما هلل‬
‫يكوف أيضاً للمتألّو بالنعمة‪ ،‬بدوف التطابق حسب اعبوىر”‪.‬‬
‫فكيف رل أف تكوف نظرٌب إليو نظرة ـبالفة طاؼبا أ ّف القديس غريغوريوس مشاىد اهلل يدعوه ىكذا؟ وقد‬
‫فازبذت قراري‪ ،‬بتواضع عميق وانسسحاؽ‪ ،‬أف أسألو‪ ،‬وأف أعيش‬
‫ُ‬ ‫كنت مثل توما أشتهي أف أرى الرب‪.‬‬
‫ُ‬

‫أحسست بسبلـ‬
‫ُ‬ ‫ما سيقولو رل‪ .‬وسيدرؾ قارىء كتايب ىذا أشل بتلك احملادثة عن اهلل واألمور اإلؽبية‪ ،‬قد‬
‫عميق يغمر نفسي‪...‬‬
‫***‬
‫يف شيئاً من الرعب‬

‫قرعت باب كوخو اػبارجي‪ .‬وكاف اؽبدوء البلهنائي مهيمناً على اؼبكاف‪ ،‬فأثار َّ‬
‫ُ‬
‫وظبعت خطوات بطيئة‪ ،‬وانفتح الباب ّٔدوء وبرز أمامي أحد مريدي الشيخ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫فارذبفت‪،‬‬
‫ُ‬
‫فقلت‪ :‬باركوا‪...‬‬
‫أجاب‪ :‬الرب‪...‬‬
‫قلت‪ :‬أسبٌت أف أقابل الشيخ إف كاف ىذا فبكناً‪ .‬فهل ىو منهمك اآلف يف العمل؟‬
‫ُ‬
‫فاحرص على أف تكوف شديد التمييز‪ .‬فقد توقفو عن متابعة‬

‫ْ‬ ‫الربية‬
‫زرت أحد النساؾ من اؼبعتزلُت يف ّ‬
‫إذا َ‬
‫تعج‬
‫إؽبي على جبل ثابور‪ ،‬وأنت هتبط بو إذل األرض اليت ّ‬ ‫صبلتو‪ .‬وقد يكوف يف حاؿ اختطاؼ ّ‬
‫بالضجيج فيكوف ىذا أعظم شر ارتكبتو ضدَّه‪ .‬وىو ال تضايقو شتائمك‪ ،‬وإمبا ربزنو فقط دعوتك لو إذل‬
‫النزوؿ من اعببل‪ .‬غَت أنك يف الوقت عينو ذبلب لنفسك أعظم خَت‪ ،‬ألنو إذا حضر ؼبقابلتك مؤلؾ‬
‫إؽبي‪ ،‬زكي الرائحة‪ ،‬ؤّرؾ بالنور الساطع الذي صبعو فتعمى‪ .‬فهو كما يقوؿ القديس غريغوريوس‬
‫بطيب ّ‬
‫باالماس “ىبرج من الصبلة وكأنو ملتهب بالنار‪ ،‬كما حدث ؼبوسى‪ .‬فقد كاف يسطع نوراً يوـ ىبط من‬
‫جبل سيناء فلم يقدر اإلسرائيليوف أف ينظروا إليو ألنو كاف كاغبديد احملمر حُت ىبرج تواً من النار‪ .‬وإنك‬
‫لتشم “رائحة اػبلود”‪.‬‬
‫ُّ‬
‫قاؿ رل التلميذ‪ :‬سأسأؿ‪ .‬وذىب ٍب عاد بعد دقائق‪ ،‬وقاؿ رل‪ :‬إ ّف الشيخ مريض‪ ،‬لكنو سينهض لكي‬
‫شئت يبكننا اإلنتقاؿ إذل الداخل‪.‬‬
‫يراؾ‪ .‬فإف َ‬
‫جلست بعض الوقت مع ىذا الراىب الشاب‪.‬وقد أثّر يف نفسي تأثَتاً عميقاً شبابو وحياتو يف ىذا اؼبكاف‬
‫ُ‬
‫فأعجبت بو عن غَت سابق معرفة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫النائي‪ ،‬اؼبوحش‪ ،‬القاسي‪،‬‬
‫سألتو‪“ :‬ىل عددكم كبَت ىنا”؟‬

‫قاؿ‪ :‬الشيخ ومريدوه الثبلثة‪.‬‬
‫جئت إذل ىذا اؼبكاف القفر ؽبذه الغاية‪.‬‬

‫قلت‪ :‬أريد أف أتناقش يف بعض األمور اليت تشغل فكري وقد ُ‬
‫لكن بعضهم‬
‫حسن ما تفعلوف‪ .‬أما اغبجاج فينبغي أف يأتوا إذل ىنا ؿبمولُت دبثل ىذا الشعور‪ .‬و ّ‬
‫قاؿ‪ٌ :‬‬
‫يأٌب إذل ىنا بدافع الفضوؿ وحب اإلستطبلع اػبارجي‪ .‬فإهنم هبيئوف لكي يروا الشيخ يف الظاىر‬
‫وحسب‪ ،‬ليعودوا بعد ذلك‪ ،‬ويفتخروا بأهنم قابلوه‪ ...‬إ ّف ىؤالء لَتىقونو إذل أبعد حد‪ .‬فهو يشعر ّٔم‬
‫وكأهنم زائرو حديقة حيوانات أو سائحوف‪ ...‬فيحسن بكم إذاً أف تسألوه يف موضوعات ومسائل روحية‬
‫تشغلكم‪ ،‬وهبدر بكم أف تضعوا يف اعتباركم أنو ال تُ َكرز ىنا نظريات‪ .‬فإ ّف ما يقاؿ معاش‪ .‬إنو اختبارات‬
‫حياتية‪ ،‬يعيشها الشيخ‪ ،‬وىو يفصح عن القليل منها ؼبنفعة زائريو‪..‬‬
‫أشرقت فجأة‪ ،‬وربيع أشاع الفرح‪ ،‬وبرؽ‬

‫ْ‬ ‫وما كاد اؼبريد يُتِ ُّم كبلمو حىت ظهر أمامي األب‪ ...‬كأنو مشس‬
‫ت من وجهو غبيتو الناصعة البياض كأهنا شبلؿ‪ .‬أما عيناه فبلمعتاف‪،‬‬ ‫ساطع يف دجى الليل‪ ،‬وقد تدلَّ ْ‬
‫ت باصرتُت متجلّيتُت مثلهما‪.‬‬
‫التغوريف األعماؽ‪ ،‬ونادراً ما شاىد ُ‬
‫نَّتتاف‪ ،‬سابرتاف‪ ،‬قادرتاف على ّ‬
‫يقوؿ القديس غريغوريوس باالماس إ ّف الرسل قد شاىدوا النور غَت اؼبخلوؽ‪ ،‬على جبل ثابور‪ ،‬بعد أف‬
‫ذبلّت أعينهم قبل ذلك بقوة الروح القدس فصارت قادرة على رؤيتو‪.‬‬
‫حس ّي‪ ،‬فبل‬

‫قاؿ حرفياً‪“ :‬أترى؟ إ ّف األعُت اليت تنظر حسب الطبيعة إذل ذلك النور ىي عمياء‪ ،‬ألنو غَت ّ‬
‫َتت وىكذا‬
‫يراه الناظروف إليو بأعينهم اغبسية‪ ،‬وإمبا تراه األعُت اليت أعيد تركيبها بقوة الروح اإلؽبي‪ ،‬فتغّ ْ‬
‫تأؽبت باإلرباد بكلمة اهلل”‪.‬‬
‫شاىدت التغَت‪ ،‬ال التغَت الذي جرى أخَتاً بل طرأ على طينتنا مذ ْ‬
‫ْ‬
‫الكلي اعبماؿ‬
‫ّ‬ ‫تبُت ىذا التغَت‬
‫متغَتتاف‪ ،‬بسبب كثرة مشاىدتو لنور ثابور‪ ،‬ويبكن ُّ‬
‫وللشيخ ىنا عيناف ّ‬
‫بوضوح‪.‬‬
‫اكبنيت يف الوقت عينو لكي أعمل اؼبطانية وأُقّبل يده اؼبقدَّسة َّ‬
‫آّرحة‪ ..‬اليت أدمتها‬ ‫قلت‪“ :‬باركوا‪ ”...‬و ُ‬
‫ُ‬
‫قلت لو‪ :‬لكن‬
‫فوقفت مبهوتاً‪ .‬و ُ‬
‫ُ‬ ‫السجدات العميقة‪ .‬إالّ أ ّف الشيخ أسرع إذل اإلكبناء أكثر مٍت ولثم يدي‬
‫َّ‬
‫العامي؟‬
‫ّ‬ ‫أيها الشيخ‪...‬أأنتم تفعلوف ىذا ألجلي‪ ،‬أنا عبداهلل البطّاؿ‪،‬‬
‫فقاؿ‪ :‬لكنك كاىن حائز على نعمة اهلل‪ .‬وىل أطلب منك شيئاً أكثر من ىذا؟‬

‫الربية حيث يبلؤىا‬

‫السيء السمعة” بينما ربيوف أنتم يف ّ‬
‫قلت‪ :‬كبن فبلؤوف باػبطايا‪ .‬ألننا كببا يف العادل “ ّ‬
‫ُ‬
‫حضوراهلل نعمة‪ ،‬فصرًب ىياكل اهلل‪ ،‬وعرشاُ ذىبياً للملك‪ .‬البل أنتم شاروبيم ناري وكما قاؿ القديس‬
‫سجلتم األسفار اؼبقدَّسة ثبلثاً صفحات القلب‪ ،‬فأصبح لكم ذىن اؼبسيح‬
‫غريغوريوس البلىوٌب“قد ّ‬
‫وصرًب مسكناً حيّاً للمسيح يف الروح”‪ ،‬فلماذا تعاملونٍت ىكذا؟‬
‫ٍ‬
‫نار‬ ‫قلت ىذا بصوت شاؾ كأشل ُى ِزْم ُ‬
‫ت‪ .‬واغبقيقة أ ّف قداستو وتواضعو قد ىزماشل‪ .‬فكثَتاً ما تلسعك ُ‬ ‫ُ‬
‫تواضع اآلخر أكثر من كبلمو‪ ،‬ويهزؾ ىزاً حببو أكثر من توبيخو‪.‬‬
‫الربية‪ .‬فإ ّف إحدى ميزات اؽبدوء الشعور اغبياٌب‬

‫قاؿ وىو ىبفض رأسو‪ :‬آه‪ ...‬يبدوأنكم ذبهلوا طابع ّ‬
‫باػبطيئة‪ .‬فإذا يأمل اؼبرء ذاتو يومياً وجد حاالت اػبطيئة قابعة يف داخلو وأحس بتحركات الشرير فبل‬
‫يلبث أف يشعر شعوراً حقيقياً بأنو أسوأ اػبطأة‪ .‬أريد أف تص ّدقٍت يا ِ‬
‫أبت‪ :‬إ ّف كل من يدخل إذل قبلييت‬
‫ىو أقدس مٍت‪ .‬إنو أحد مبلئكة اهلل‬
‫***‬
‫دل أقل شيئاً‪ .‬وقبض على يدي‪ ،‬ودبزيد من احملبة قادشل كما يقود األعمى وأرشدشل إذل الكنيسة الصغَتة‪.‬‬
‫فشعرت يف تلك الساعة أشل أعمى أماـ نور الشمس اؼببهر‪ ،‬وأشل ضعيف أماـ اعببار‪ ،‬وطفل صغَت أماـ‬
‫ُ‬
‫الشيخ اغبكيم‪ .‬وما كاف عملو ىذا سوى سبهيد إلرشاد آخر سيق ّدمو رل بعد قليل‪ ،‬أوه‪...‬إنك تشعر‬
‫ألحس حبرارة يده اآلف!‬
‫ّ‬ ‫عنده باألماف وبنعمة ال يبكن وصفها‪ ،‬وإشل‬
‫يدؿ على اإلتضاع‪ .‬فيجب أف‬

‫مررنا من بابُت صغَتين‪ ،‬البد لك أف تنحٍت لكي تعربنبا‪ .‬كل شيء ىنا ّ‬
‫كنت أو ماذا تكوف‪ ،‬فاؼبكاف ىنا ال يتسع‬
‫الربية وأنت منحن وأف تنسى كيف َ‬
‫تدخل قبلية ناسك ّ‬
‫للمتكربين اؼبتعالُت واألنانيُت‪.‬‬
‫دخلنا الكنيسة الصغَتة فدعاشل إذل السجود أماـ أيقونات األيقونسطاس واؼبائدة اؼبقدسة يف اؽبيكل فيما‬
‫أخذ يشعل القناديل ويرتل يف الوقت عينو طروبارية القديس شفيع الكنيسة‪.‬‬
‫***‬

‫دخلت ديراً أو قبلية ىو أف تسجد أماـ أيقونات الكنيسة‪ .‬وأوؿ ؾباملة من‬
‫َ‬ ‫أوؿ ما يقولونو لك إذا‬
‫جانبهم ىي أف يتيحوا لك السجود أماـ الرفات الشريفة‪ .‬فهذه ىي األمور األىم عندىم يف كوخ فقَت‪.‬‬
‫تدؿ على‬
‫وىم يعَتوهنا كل اإلىتماـ‪ .‬إ ّف رفات القديسُت اليت وبافظوف عليها بكثَت من الورع واإلحًتاـ‪ّ ،‬‬
‫غياب القديسُت من العادل وعلى حضورىم فيو أيضاً بالنعمة‪ .‬فمنذ خروج نفس القديس من جسده من‬
‫بعد اكتماؽبا تستلم النعمة اإلؽبية جسده أيضاً‪ .‬وىذا ما يفسر عجائب رفات القديسُت ورائحتها الذكية‬
‫كما يقوؿ القديس ظبعاف البلىوٌب اعبديد‪.‬‬
‫السري‪.‬‬
‫يف ىذه الكنيسة يشعر الشيخ ومريدوه بصبلح اهلل ويشًتكوف يف العشاء ّ‬
‫***‬
‫قادشل بعد ذلك‪ ،‬إذل مكاف قريب‪ ،‬قاؿ إنو غرفة إستقباؿ‪ ،‬ربتوي على بعض اؼبقاعد الصغَتة‪ .‬وكاف على‬
‫رفوؼ أحد جدراهنا بعض اآلباء‪ :‬فيلوكاليا (أقواؿ كبار النساؾ وشيوخهم واآلباء الصاحُت)‪،‬‬
‫السرياشل‪ ،‬وغريغوريوس‬ ‫ِ‬
‫السرياشل‪ ،‬وأفراـ ّ‬
‫غَتونديكوف (قصص شيوخ الرىباف وح َك ُمهم)‪ ،‬مقاالت إسحق ّ‬
‫باالماس‪ ،‬وسواىم‪ .‬جلسنا على مقعدين صغَتين وجذبٍت إذل مقربة منو واستغرؽ يف صمت‪ .‬وكاف‬
‫واضحاً أنو يصلي من أجل أف ينَتشل اهلل فأكشف ىناؾ عن ذاٌب‪ ،‬ومن أجل أف ينَته اهلل ىو أيضاً لكي‬
‫يقوؿ رل ما هبب قولو‪.‬‬

‫مباحثة مع الشيخ في الصالة‬

‫علي يف ىذه األياـ رغبة‬
‫لت ّ‬ ‫بدأت الكبلـ بصوت منخفض قائبلً‪ :‬أيها الشيخ القديس‪ ،‬لقد استو ْ‬ ‫ُ‬
‫يعج باألىواء‪ ،‬وأشاىد قليب‬
‫شديدة أعتقد أ ّف اهلل قد زرعتها يف نفسي‪ .‬إشل أريد أف أطهر‪ .‬أرى داخلي ُّ‬
‫كأنو غابة مدغلة متوحشة تأوي العديد من الوحوش الضارية والشيطاف فيو سيّد يعيث فساداً كيفما‬
‫التحرر من ىذه اغباؿ الرىيبة بتقدصل ذاٌب بكاملها هلل لكي ينَتىا‪ ،‬فتكوف لو‪ .‬فقد سطا‬
‫شاء‪ .‬أجل أريد ّ‬
‫عليها الشيطاف الشرير كثَتاً‪ .‬إشل أريد أف أطهر‪ ،‬ولكٍت ال أعرؼ كيف أحقق ذلك‪ .‬اظبعٍت أيها الشيخ‪،‬‬
‫إشل أريد أف أطهر‪ ،‬فأرشدشل إذل الطرؽ الناجعة وأنا مستعد لقبوؽبا‪ ،‬ولتنفيذ كل ما تقولو رل‪ ،‬بطاعة‬
‫عمياء‪.‬‬
‫أت الكبلـ بصوت منخفض لكٍت ختمتُو بنربة عالية‪ ،‬باكية‪ .‬وال بد أ ّف كلماٌب األخَتة‬ ‫كنت قد بد ُ‬
‫ُ‬
‫إرل دبحبة بالغة شأهنا شأف احملبة اليت يعرؼ الرىباف وحدىم‬ ‫أذشل الشيخ كالصاعقة‪ .‬فنظر ّ‬
‫لت على َ‬‫نز ْ‬
‫إظهارىا وترؾ يف نفسي انطباعاً بأنو ينبغي أالَّ أنزعج من ىذا القلق فإنو قلق مبارؾ‪.‬‬
‫قاؿ‪ :‬من الواضح َّ‬

‫أف الروح القدس يكوف حاضراً ويعمل يف داخلنا عندما نعيش ىذه اغباالت‪ .‬فنحن‬
‫بذلك نكوف قد شرعنا يف التق ّدـ يف طريق مشاىدة اهلل‪ .‬ىذا ىو اؼبقاـ األوؿ يف طريق اؼبشاىدة‪ .‬وإذا‬
‫ويبث فيها اؽبدوء‪ ،‬فإ ّف التوبة وشعورنا بأنّنا‬
‫كانت الرؤية الكاملة للنور غَت اؼبخلوؽ نوراً يلطّف النفس ُّ‬
‫نور يوقد النفس ويلهبُها‪ .‬فالتوبة والرغبة يف تطهَت النفس من األىواء نبا ساعة النعمة‬ ‫ٍ‬
‫يف حاؿ خطيئة ٌ‬
‫اإلؽبية‪ .‬فهي وحدىا اليت إف حلَّت يف داخلنا ذبعلنا قادرين على الشعور بعزلتنا‪ُّ ،‬‬
‫فنحن إذل العودة اهلل‬
‫وقباىد لكي نتّحد بو‪ .‬ومن احمل اؿ أف ذبوؿ يف ذىننا مثل ىذه األفكار وأف تكوف لنا ىذه الرغبة إف دل‬
‫ِ‬
‫تأت نعمة اهلل‪.‬‬
‫ت فيو نعمة اهلل‪ .‬وىو كالطبيب اؼباىر‬‫إنو مرشد حكيم‪ ،‬واسع اػبربة‪ ،‬ورحي‪ .‬ومن اغبق أنو رجل حلّ ْ‬
‫يعلم كيف يطمئِ ُن وكيف يبث فيك السبلـ‪ ،‬ويعطيك دواء مه ّدئاً ال لَتوبك راحة تغلب عليها األنانية‪،‬‬
‫اؼبضي يف اؼبعاعبة حىت إجراء العملية فيشفيك‪ .‬وتابع كبلمو فقاؿ‪:‬‬
‫بل ليتسٌت لو ّ‬

‫ؾبرد طريقة‬
‫علي أف أنصحك بانتهاج بعض الطرائق أو باألحرى َّ‬
‫‪ -‬بعد أف نوضح ىذه النقطة‪ ،‬سيكوف ّ‬
‫واحدة يف غاية البساطة‪ .‬فبل تنتظر مٍت أف أكلفك القياـ بأمور ثقيلة جداً‪ .‬عليك فقط بالصبلة إذل‬
‫يطهر نفسنا‪.‬‬
‫يسوع‪“ :‬يا ريب يسوع اؼبسيح‪ ،‬إبن اهلل‪ ،‬إرضبٍت ” فإنو ّ‬
‫وأعٍت ّٔذه الصبلة صرخة استغاثة ببل توقف ترفعها إذل اهلل ـبلّصنا‪ .‬فإ ّف يف استدعاء يسوع واإلرباد بو‬
‫يبكن خبلصنا كلو‪ .‬وما علينا إالَّ أف نناديو لكي يوافينا‪ ،‬فإذا أتى شفانا‪ .‬كبن نصرخ كمرضى‪ ،‬وىو يأٌب‬
‫ليطهر جراحنا‬
‫ؿبب كالساقط بُت اللصوص‪ ،‬علينا أف نستغيث‪ ،‬فيأٌب السامري الصاحل ّ‬
‫ؼبعونتنا‪ ،‬كطبيب ّ‬
‫ويقودنا إذل الفندؽ‪ ،‬أعٍت مشاىدة النور الذي يشعل كياننا كلو‪ .‬حُت يأٌب اهلل قلبنا‪ ،‬يقهر الشيطاف‬
‫ويص ّده وين ّقينا من األدناس اليت أحدثها الشرير فينا‪ .‬يتضح من ىذا أ ّف األنتصار على الشيطاف ىو نصر‬
‫للمسيح بواسطتنا‪ .‬فنحن علينا القياـ باعبانب البشري وىو أف نستدعي اؼبسيح‪ .‬أما ىو فيقوـ باعبانب‬
‫اإلؽبي ليهزـ الشيطاف وين ّقينا‪.‬‬
‫لذا ينبغي أالّ نرغب كبن يف عمل اعبانب اإلؽبي ويف أف يعمل اهلل اعبانب البشري‪ .‬هبب أف نفهم ىذا‬
‫جيداً وىو أف نقوـ من جانبنا البشري بالصبلة واهلل يعمل اعبانب اإلؽبي أال وىو اػببلص‪...‬ويف اغبق أف‬
‫كل ؿباولة تقوـ ّٔا الكنيسة ىي إؽبية وبشربَّة معاً‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -1‬قيمة الصالة‬
‫فهمت جيداً‪ ،‬فهذا يتم ربقيقو بصورة مؤَّكدة بالتنسك والصحو والصبلة إذل‬
‫ُ‬ ‫كنت قد‬
‫قلت لو‪ :‬إف ُ‬
‫ُ‬
‫يسوع‪ .‬لكن إظبحوا رل بسؤاؿ‪ ،‬ألشل أؤمن بو‪ ،‬بل ألشل أظبع دائماً إعًتاضات على “ىذه الصبلة اليت‬
‫ربمل النعمة” من أناس ـبتلفي اؼبشارب يف عصرنا‪ ،‬فهم يقولوف إ ّف الصبلة والطريقة اليت تتم ّٔا ليست‬
‫إال “يوغا” مسيحية مرتبطة بنماذج فباثلة يف الديانات الشرقية‪ .‬فماذا تقولوف يف ىذا؟‬
‫أجاب‪ :‬يبدو أ ّف القائلُت هبهلوف سباماً اغبالة النعمويَّة (الكارزماتية) يف كنيستنا‪ .‬فنحن كبصل على النعمة‬
‫اإلؽبية بالصبلة وىم دل يعيشوا ىذه اغبالة لذلك ال يعلموف‪ .‬لكن ينبغي أالَّ يضعوا أصحاب اػبربة يف‬
‫موضع اإلهتاـ‪ .‬إهنم هب ّدفوف على اآلباء القديسُت فالعديد من ىؤالء اآلباء جاىدوا من أجل ىذا الدعاء‬
‫ضل القديس غريغوريوس باالماس؟ وىم‬
‫ربدثوا عنو وعن قيمتو حبرارة وقوة‪ ،‬فهل سقطوا يف ضبلؿ؟ وىل ّ‬
‫هبهلوف أيضاً الكتاب اؼبق ّدس‪ .‬فإ ّف عبارة “يا ابن داود إرضبنا” ومعناىا يا يسوع ارضبنا‪ ،‬قاؽبا عمياف‬
‫فوجدوا النور‪ ،‬وقاؽبا بُرص فطهروا من برصهم اخل‪..‬‬
‫إ ّف الصبلة‪“ :‬يا ريب يسوع اؼبسيح ابن اهلل إرضبٍت” تتألّف من أمرين أساسيُت‪ ،‬األوؿ عقائدي‪ :‬إعًتاؼ‬
‫تضرع من أجل خبلصنا‪ .‬والصبلة بكبلـ آخر ىي اعًتاؼ إيباف باهلل‪-‬‬
‫توسلي‪ّ :‬‬
‫ببلىوت اؼبسيح‪ ،‬والثاشل ّ‬
‫اإلنساف‪ ،‬مرتبط بعجزنا عن اغبصوؿ على اػببلص دبفردنا‪ .‬ىذا ما تقولو الصبلة‪ ،‬وعلى ىذين األمرين‬
‫يرتكز جهاد اؼبسيحي كلو‪ :‬إيباف باهلل‪-‬اإلنساف‪ ،‬وشعور بسقوطنا يف حالة اػبطيئة‪ .‬فالصبلة تُعبَّػ ُر‬
‫تلخص عقيدة كنيستنا األرثوذكسية كلها‪.‬‬
‫بكلمات وجيزة عن ؿباولة اؼبؤمن بكاملها كما إهنا ّ‬
‫وكبصل بالصبلة على معرفة مزدوجة‪ .‬يقوؿ القديس مكسيموس اؼبعًتؼ‪“ :‬إ ّف ىوى الكربياء يقوـ على‬
‫مشوشاً‪.‬‬
‫جهلُت‪ ،‬نبا جهل للقدرة اإلؽبية وجهل للعجز البشري‪ .‬وىذا اعبهل اؼبزدوج ينشىء ذىناً َّ‬
‫فاؼبتكرب إذاً ىو إنساف اعبهل‪ ،‬أما اؼبتواضع فهو إنساف اؼبعرفة اؼبزدوجة‪ ،‬ال يعرؼ عجزه الذاٌب وحسب‬
‫نقر بقوة اؼبسيح ونعًتؼ ّٔا‪ :‬ياريب يسوع اؼبسيح إبن اهلل‪،‬‬
‫بل قوة اؼبسيح أيضاً‪ .‬فبالصبلة إذل اؼبسيح ّ‬
‫ونقر ونعًتؼ أيضاً بعجزنا إذ نقوؿ‪ :‬إرضبٍت‪ّٔ .‬ذا كبصل على حاؿ اإلتضاع اؼبغبوط‪ .‬فحيث التواضع‬ ‫ّ‬
‫تكوف نعمة اؼبسيح أيضاً‪ .‬وىذه النعمة ىي ملكوت السماوات‪ .‬أترى إذاً قيمة “الصبلة” وكيف يبكننا‬
‫بقوهتا اغبصوؿ على ملكوت اهلل؟‬
‫ّ‬
‫نفرؽ أبداً اؼبسيح عن‬
‫للخلُق األرثوذكسي‪ ،‬ىو أف ال ّْ‬
‫‪ -‬إشل أعلم أيها الشيخ أ ّف ىناؾ شرطاً ضرورياً ُ‬
‫أقنومي الثالوث الفائق القداسة‪ .‬ؽبذا نستدعي يف القداس اإلؽبي‪ ،‬بصورة دائمة‪ ،‬الثالوث القدوس ومبجده‬
‫يف كل الطلبات مشَتين يف خاسبتها إذل دواعي الطلب‪“ :‬ألنو ينبغي لك كل ؾبد وإكراـ وسجود أيها‬
‫اآلب واإلبن والروح القدس اآلف وكل آف‪“ .”...‬نعمة ربنا يسوع اؼبسيح‪ ،‬وؿببة اهلل اآلب‪ ،‬وشركة الروح‬
‫اؼبوجهة فقط إذل األقنوـ الثاشل للثالوث القدوس‬
‫القدس‪ ،‬لتكن مع صبيعكم” اخل‪ .‬فهل “الصبلة” َّ‬
‫تنحرؼ عن التعليم القوصل؟‬
‫وسأتوسع يف شرح ذلك‪ .‬إ ّف الصبلة تُسمى“صبلة يسوع” لكنها تقوـ على‬ ‫ّ‬ ‫‪ -‬إهنا ال تنحرؼ البتة‬
‫أساس ثالوثي اؼبعٌت‪ .‬فمما ال ريب فيو أ ّف اؼبسيح ىو “أحد الثالوث القدوس” فهو ال يوجد أبداً بدوف‬
‫اآلب والروح القدس‪ ،‬ألنو ىو واألقنوماف اآلخراف “ثالوث قائم يف اعبوىر ذاتو وغَت منفصل”‪.‬‬
‫واػبريستولوجيا (الدراسة حوؿ اؼبسيح) ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالثالوثيات (ترياذولوجيا)‪.‬‬
‫فسماهُ‬
‫ولنع ْد إذل موضوع الصبلة‪ .‬إ ّف اآلب أمر يوسف بواسطة اؼببلؾ أف يطلق على اؼبسيح إسم يسوع َّ‬
‫يسوع (مىت‪ .)45 :5‬أطاع يوسف أمر اهلل وأطلق على ابن البتوؿ إسم“يسوع”‪ .‬كما أ ّف الروح القدس‬
‫رب‪ ،‬إالَّ بالروح القدس” (‪5‬كو‬

‫أنار الرسوؿ بولس فكتب يقوؿ‪“ :‬ال يستطيع أحد أف يقوؿ يسوع ّ‬
‫نتعرؼ على اآلب من جديد ونُظهر‬
‫‪ .)3 :54‬فبًتديدنا الصبلة (ياريب يسوع اؼبسيح‪ ،‬إبن اهلل إرضبٍت) ّ‬
‫كبس بأفعاؿ الروح القدس وشركتو‪ .‬واآلباء القديسوف قد أنارىم الروح‬
‫لو الطاعة‪ ،‬باإلضافة إذل أننا ّ‬
‫القدس‪ ،‬فقالوا لنا “إ ّف اآلب يفعل كل ااألشياء بواسطة اإلبن يف الروح القدس”‪ .‬فالثالوث القدوس‬
‫بكاملو قد خلق العادل وصنع اإلنساف‪ .‬والثالوث القدوس أعاد خلق اإلنساف والعادل من جديد‪( .‬لقد‬
‫دبسرة‬
‫ُسَّر اآلب‪ ،‬والكلمة صار جسداً) و(صار جسداً من الروح القدس)‪ .‬أي إ ّف تأنُّس اؼبسيح قد ًبَّ “ ّ‬
‫الفعل” ؽبذا نقوؿ أيضاً إ ّف خبلص اإلنساف واغبصوؿ على النِ َعم اإلؽبية‬
‫اآلب ودبشاركة الروح القدس يف ْ‬
‫عمل مشًتؾ للثالوث القدوس‪ .‬وسأذكر لكم تعليمُت فبيَّزين علّمهما اآلباء‪:‬‬
‫كتب القديس ظبعاف البلىوٌب اعبديد‪ ،‬يقوؿ إ ّف ابن اهلل وكلمتو ىو باب اػببلص‪ ،‬حسب إعبلنو “أنا‬
‫الباب‪ ،‬إف دخل أحد يب ىبلص ويدخل وىبرج وهبد مرعى” ( يو ‪ .)9 :.5‬فٍإف كاف اؼبسيح ىو الباب‪،‬‬
‫كاف األب ىو البيت “يف بيت أيب منازؿ كثَتة” (يو ‪ .)4 :52‬فنحن ندخل إذل لدف اآلب بواسطة‬
‫اؼبسيح‪ .‬ولكي يُفتح الباب ال بد لنا من اؼبفتاح‪ .‬واؼبفتاح ىو الروح القدس‪ ،‬ألننا بفعل الروح القدس‬
‫نعرؼ اغبق‪ .‬واغبق ىو اؼبسيح‪ .‬إ ّف اآلب قد أرسل ابنو إذل العادل‪ ،‬وابن اهلل وكلمتو يكشف لنا اآلب‪ .‬أما‬
‫صور اؼبسيح “يف قلوبنا”‪ .‬وىكذا نعرؼ‬
‫الروح القدس اؼبنبثق من اآلب واؼبرسل بواسطة اإلبن فإنو ي ّ‬
‫اآلب بواسطة اإلبن يف الروح القدس”‪.‬‬
‫السرية‪ .‬وقد كتب يقوؿ يف‬

‫والقديس مكسيموس اؼبعًتؼ يتحدث كثَتاً يف كتبو عن الكلمة يف ذبسداتو ّ‬
‫أحد مؤلفاتو إنو “كما كانت أقواؿ الناموس واألنبياء سابقة غبضور الكلمة باعبسد‪ ،‬ىكذا حدث حُت‬
‫الروحي‪..‬مؤدباً النفوس بأقواؿ مناسبة لقبوؿ‬
‫َّ‬ ‫ذبسد ابن اهلل وكلمتو فقد صار بتجسده سابقاً غبضوره‬
‫حضوره اإلؽبي آّيد”‪.‬‬
‫وبكبلـ آخر ينبغي أف يتجسد اؼبسيح يف داخلنا‪ ،‬وبدوف ذلك يتعذر علينا أف نرى ؾبده يف السماوات‪.‬‬
‫دبسرة اآلب ومشاركة الروح القدس يف الفعل‪.‬‬
‫غَت أ ّف ذبسد اؼبسيح يف داخلنا يصَت ّ‬
‫السر العظيم ونعًتؼ بو‪ ،‬وىو السر‬
‫نتبُت َّ‬
‫عرب عن فعل الثالوث القدوس اؼبشًتؾ وكيف َّ‬
‫أرأيتم كيف يُ َّ‬
‫الذي أظهره الرب بتجسده؟‬

‫فمن يرفض إذاً الصبلة إذل يسوع وال يعًتؼ ّٔا يرتكب خطأ كبَتاً‪ .‬فإنو ينكر الثالوث القدوس ويعصى‬
‫اآلب وال يتقبّل إشراقات الروح القدس‪ ،‬وىو إذاً ليس على صلة حقيقية باؼبسيح‪ ،‬وعليو أف يساوره‬
‫الشك يف أنو مسيحي أرثوذكسي‪.‬‬
‫‪ -‬أسبٌت أيها الشيخ أف سبدوشل دبزيد من التفسَت وتتوسعوا يف شرح ما سألتكم عنو سابقاً‪ ،‬أعٍت ما الفرؽ‬
‫وظبوىا على الديانات الشرقية األخرى‪ ،‬طاؼبا‬
‫بُت الصبلة وطريقة اليوغا وأف تبينّوا رل أفضيلة الصبلة ّ‬
‫أخص اؼبزيد من اػبربة يف ىذا اؼبوضوع‪.‬‬
‫لديكم بنوع ّ‬
‫‪ -‬إ ّف ىذا اؼبوضوع‪ ،‬يا بٍت‪ ،‬واسع جداً‪ .‬ويبكن أف يُقاؿ فيو الكثَت‪ .‬وفبا قلتُو تظهر بعض النقاط‪.‬‬
‫تعرب بشدة عن اإليباف باهلل الذي خلق العادل ووبكمو ووببو‪ .‬فهو األب اغبنوف اؼبهتم بأف‬
‫أوالً‪ :‬الصبلة ّ‬
‫يتم “يف اهلل”‪ .‬ؽبذا نتوسل يف الصبلة قائلُت “إرضبٍت”‪.‬‬
‫ىبلّص خليقتو‪ .‬واػببلص ّ‬
‫إ ّف زبليص اؼبرء نفسو بذاتو‪ ،‬وتأليهو لذاتو‪ ،‬نبا أمراف بعيداف عن آّاىد بالصبلة العقلية ألهنما كانا‬
‫اػبطيئة اليت سقط فيها آدـ‪ .‬فقد أراد أف يصَت إؽباً خارج اإلطار الذي حدَّده اهلل لو‪ .‬واػببلص ال يتم‬
‫يتم يف اهلل‪.‬‬
‫“بواسطة الذات ومن الذات” وىو ما تقوؿ بو النظم البشرية وإمبا ُّ‬
‫ثانياً‪ :‬كبن ال قباىد بالصبلة من أجل أف نقابل إؽباً غَت شخصي‪ ،‬ألننا ال نبتغي اإلرتفاع إذل العدـ‬
‫اؼبطلق‪ ،‬وصبلتنا تًتكز على إلو شخصي ىو يسوع اإللو – األنساف وؽبذا نناديو بالصبلة “يا ريب يسوع‬
‫اؼبسيح‪ ،‬إبن اهلل”‪ .‬وتلتقي يف اؼبسيح الطبيعتاف اإلؽبية واإلنسانية‪ ،‬أعٍت اهلل الكلمة واإلنساف بكاملو‬
‫(يسكن فيو كل ملء البلىوت جسدياً)‪ .‬ولذلك يرتبط تعليم الرىبنة األرثوذكسية عن األنساف واػببلص‬
‫ونصر على‬
‫كبب اؼبسيح وكبفظ وصاياه‪ ،‬ونعطي ؽبذا أنبية كربى‪ّ ،‬‬
‫بالتعليم عن اؼبسيح برباط وثيق‪ .‬كبن ّ‬
‫تنفيذ وصايا اؼبسيح‪ .‬وقد قاؿ ىو نفسو “إف كنتم رببونٍت فاحفظوا وصاياي” (يوحنا ‪ )51 :52‬وحببنا‬
‫للمسيح وحفظنا وصاياه نتحد بالثالوث بكاملو‪.‬‬
‫نًتدى يف حاؿ الكربياء‪ ،‬أما النظم اليت ذكرهتا رل سابقاً فتسودىا‬

‫ثالثاً‪ :‬بالصبلة العقلية اؼبتواصلة ال ّ‬
‫الكربياء‪ ،‬ولكننا كبصل بالصبلة على حاؿ التواضع اؼبغبوطة‪ .‬وإذ نقوؿ “إرضبٍت”‪ .‬نعتربذاتنا أسوأ الناس‬
‫أصبعُت‪ ،‬وال كبتقر أحداً من اإلخوة‪ .‬وآّاىد بالصبلة تنأى عنو كل أنواع الكربياء‪ .‬أما من عنده الكربياء‬
‫فهو أضبق‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬ليس اػببلص فكرة ؾبردة ‪-‬كما قلنا‪ -‬وإمبا ىي إرباد باهلل‪ ،‬اؼبثلّث األقانيم‪ ،‬يف شخص“ربنا‬
‫لكن ىذا اإلرباد ال يبطل العامل البشري‪ .‬فنحن ال نفٌت يف اهلل ما دمنا كبن أيضاً‬
‫يسوع اؼبسيح”‪ّ .‬‬
‫أشخاصاً‪.‬‬
‫ُت الضبلؿ‪ ،‬فنرى ومبيّز حركات الشيطاف‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬إننا كبصل خبلؿ مضيّنا يف الصبلة على قدرة تَػبَ ُّ‬
‫ولكننا يف الوقت عينو مبيّز أفعاؿ اؼبسيح أيضاً‪ ،‬أعٍت أننا نعرؼ بوضوح روح الضبلؿ الذي كثَتاً ما‬
‫يتش ّكل يف صورة مبلؾ نور‪ .‬وىكذا مبيّز بُت الصاحل والشرير‪ ،‬وبُت غَت اؼبخلوؽ واؼبخلوؽ‪.‬‬
‫سادساً‪ :‬إ ّف اعبهاد من أجل “الصبلة” مرتبط بتطهَت النفس واعبسد من تأثَت األىواء القتّاؿ‪ .‬لسنا‬
‫نسعى إذل الوصوؿ إذل التجرد من اإلنفعاؿ (األباثيا) تقوؿ بو الفلسفة الرواقية‪ ،‬بل نبتغي البلوغ إذل‬
‫(أباثيا) ديناميكية‪ ،‬أعٍت أننا ال هندؼ إذل إماتة اإلنفعاؿ (‪ )Pathos‬وإمبا إذل ذبلّيو (إعادة تشكيلو) أو‬
‫هتذيبو‪ .‬فبدوف اإلنفعاؿ البل إنفعارل ال يبكن أف وبب أحد اهلل وال أف ىبلص‪ .‬لكن دبا أ ّف ىذه احملبة قد‬
‫ت‪ ،‬فِإننا نسعى إذل التجلّي‪ ،‬قباىد من أجل ربرير صورتنا من اغباالت الشاذة ّْ‬
‫اؼبشوىة‬ ‫اعوج ْ‬
‫فسدت و َّ‬
‫ْ‬
‫ؽبا‪ ،‬واليت أحدثها الشيطاف‪.‬‬
‫بدوف ىذا اعبهاد الشخصي الذي يتم بنعمة اؼبسيح ال يبكننا أف لبلص‪ .‬يقوؿ القديس مكسيموس‬
‫اؼبعًتؼ “إ ّف اؼبعرفة غَت اؼبقرونة بالعمل ؽبي ثيولوجيا شياطُت”‪.‬‬
‫سابعاً‪ :‬ال نبتغي بالصبلة قيادة العقل إذل العدو اؼبطلق‪ ،‬بل توجيهو إذل القلب ونقل نعمة اهلل إذل داخل‬
‫النفس‪ ،‬وامتدادىا إذل اعبسد أيضاً‪“ .‬إ ّف ملكوت اهلل داخلكم ” واعبسد حسب تعليم الكنيسة ليس‬
‫لكن التفكَت ذا النزعة اعبسدية شر‪ .‬واعبسد ليس “رداء النفس” كما تسميو بعض النظم‬ ‫شراً و ّ‬
‫الفلسفية‪ ،‬لذلك هبب علينا أف لبلّصو ال أف نلغيو‪ .‬كما أ ّف اػببلص يعٍت خبلص اإلنساف بكاملو‪ ،‬نفساً‬
‫وجسداً‪ .‬ولذلك كبن ال نسعى من أجل تدمَت اعبسد‪ ،‬ولكننا نقاوـ عبادة اعبسد‪ ،‬وال نريد ىدـ اغبياة‬
‫وال نسعى إذل الوصوؿ إذل عدـ الرغبة يف اغبياة حبيث يتوقف األدل‪ .‬ومبارس“الصبلة” ألننا متعطشوف‬
‫إذل اغبياة‪ ،‬ونريد أف كبيا مع اهلل إذل األبد‪.‬‬

‫ثامناً‪ :‬ليس لدينا عدـ اكًتاث بالعادل من حولنا‪ .‬إ ّف ـبتلف النظم اليت ذكرهتا تتجنب التفكَت يف مشاكل‬
‫التجرد من اإلنفعاؿ‪ .‬أما كبن فنعمل نقيض ذلك ألننا نصلي‬
‫الناس ليحفظ أصحأّا ألنفسهم السبلـ و ّ‬
‫نتضرع إذل اهلل من أجل العادل كلّو‪.‬‬
‫من أجل اعبميع ّ‬
‫أخص اإلرباد باؼبسيح‪ .‬لذلك نكوف على صلة إجتماعية بأشخاص آخرين فنحن ال‬ ‫ّ‬ ‫واػببلص بنوع‬
‫يبكن أف لبلص وحدنا‪ ،‬وال يكوف فرحنا فرحاً حقيقياً إف اكبصر فينا ودل يكن فرحاً للعادل أيضاً‪.‬‬
‫تاسعاً‪ :‬كبن ال نعَت الطرؽ النفسية أنبية كربى وال نكًتث ألوضاع اعبسم اؼبختلفة‪ ،‬ونرى أ ّف يف بعض‬
‫ىذه الطرائق وسائل تساعدنا على تركز العقل يف القلب‪ ،‬أي يف بعض جوىره‪ .‬ومن بعد استخدامنا ؽبا‬
‫التجرد من اإلنفعاؿ بل إذل نيل النعمة اإلؽبية‪.‬‬
‫ؽبذه الغاية نًتكها فوراً‪ .‬وأ ّكرر القوؿ‪ ،‬إننا النسعى إذل ُّ‬
‫قلت‪ :‬أق ّدـ لك أيها الشيخ جزيل الشكر على ىذه األفكار اؼبرشدة اؼبوضحة‪ ،‬وىي على جانب كبَت‬
‫ُ‬
‫من األنبية ألهنا صادرة عنكم‪ ،‬وأنتم تعيشوهنا باإلختبار‪ .‬لكن اظبحوا رل بسؤاؿ‪ :‬ىل الصلوات األخرى‬
‫غَت مؤلئمة؟ أفبل تساعد ىي أيضاً؟‬
‫التوسل‪ .‬أكانت صبلة‬

‫‪ -‬كل صبلة عظيمة‪ .‬فهي صرخة نفس‪ .‬والعوف اإلؽبي يأٌب دبقدار اإليباف وحرارة ّ‬
‫عبادة صباعية أـ صبلة فردية اخل‪ .‬أما “صبلة يسوع” فهي ذات قيمة كبَتة ألهنا‪ ،‬كما قاؿ القديس‬
‫إسحق السرياشل‪ ،‬اؼبفتاح الصغَت الذي بو نستطيع الولوج إذل األسرار“اليت دل ترىا عُت‪ ،‬ودل تسمع ّٔا‬
‫أذف‪ ،‬ودل تصعد إذل قلب إنساف”‪ .‬فهي ذبمع العقل وتزيد من ضبطو‪ ،‬وتدفعو إذل الصبلة بقوة أشد‪ ،‬ال‬
‫يبكن تصورىا‪ .‬اعٍت أهنا ذبعلو “ؾبرداً من اللوف‪ ،‬والنوعية‪ ،‬والشكل”‪ .‬وسرعاف ما ذبلب لو نعمة غزيرة‬
‫وىي ربمل إليو اؼبزيد من النعمة‪ ،‬أكثر كثَتاً فبا يأٌب بو الًتتيل‪ ،‬ألهنا وثيقة الصلة بالتواضع ودبعرفتنا‬
‫خبطايانا معرفة أكيدة‪ .‬ىذا ما يقولو اآلباء القديسوف‪ .‬وقد تكلّم يف اؼبوضوع عينو القديس غريغوريوس‬
‫السينائي فقاؿ‪“ :‬إ ّف الًتتيل ىو عملياً للممارسُت واؼببتدئُت‪ .‬أما الصبلة فهي ألولئك الذين ذاقوا النعمة‬
‫اإلؽبية أعٍت ّٔم اؽبدوئيُت”‪.‬‬
‫“‪...‬أما أنت فبل ترتّل يف أحياف كثَتة‪ ..‬أل ّف يف ذلك تشويشاً‪ ...‬فما الًتتيل الكثَت إال للعمليُت بسبب‬
‫عدـ اؼبعرفة والتعب‪ ،‬وليس للهدوئيُت الذين اكتفوا“يف اهلل” لكي يتوسلوا إليو يف القلب ويبتعدوا عن‬
‫األفكار‪. ..‬ومن ذاؽ النعمة فلَتتّل باعتداؿ‪ -‬حسب تعليم اآلباء‪ -‬وما عليو إالَّ قضاء معظم وقتو يف‬

‫الصبلة‪ .‬أما إذا كاف يف اإلسًتاحة واإلسًتخاء فلَتتّل أو يطالع اؼبؤلفات العملية‪ ،‬اليت وضعها اآلباء‬
‫القديسوف”‪.‬‬
‫تتسرب معو أيضاً األنانية والكربياء‬ ‫ِ‬

‫وأضاؼ قائبلً‪ :‬وبدث يا أبت مع الًتتيل عادة حصوؿ فوضى ال بل ّ‬
‫ردد الراىب “الصبلة”‬
‫بسبب رخامة الصوت وحسنة‪ ،‬وما يفصح عنو سامعوه من انطباعات‪ .‬أما إذا َّ‬
‫يف قبليتو قائبلً “إرضبٍت” فإنو يكوف يف منأى عن العوامل اػبارجية اليت تدفع إذل بروز الكربياء‪ .‬ؽبذا‬
‫يكثر اؽبدوئيوف فبارسة ىذا النوع الذي علّمنا إيَّاه آباؤنا‪ ،‬فيصلّوف صبلة السحر وصبلة اؼبساء‪،‬‬
‫ومرددين “الصبلة”‪.‬‬
‫مستعملُت اغببل اؼبعقود ّْ‬
‫لكن ىذه الصبلة قصَتة جداً وشديدة اإلقباز‪ .‬فهل هبب أف يػُثَّبت العقل فيها؟‬
‫‪ّ -‬‬
‫‪ -‬العقل يتعلّق باعبُمل القصَتة تعلُّقاَ شديداً‪ ،‬يفوؽ تعلُّقو بسواىا‪ .‬إالَّ أ ّف للصبلة عمقاً بعيداً الغور‬
‫تتعذر رؤيتو من اػبارج‪ .‬ومن صفات العقل أنو حيث يفق يتغلغل يف العمق ومن ىناؾ يقود الرغبة‬ ‫َّ‬
‫التوسع يف األمور اليت‬
‫واحملبة‪ .‬ىذا ما عناه القديس مكسيموس اؼبعًتؼ بقولو‪“ :‬إف العقل قد اعتاد ّ‬
‫ويوجههما َّإما إذل األمور اإلؽبية‬
‫يتوسع فيهما ّ‬
‫يستقر عليها زمناً‪ ،‬ومن ىذه األمور الرغبة واحملبة فهو ّ‬
‫وإما إذل أمور اعبسد واألىواء”‪.‬‬
‫والواجبة والعقلية‪َّ ،‬‬
‫أخص‪ .‬فإ ّف أمراً بسيطاً واحداَ يبدو من أوؿ نظرة أ ّف يف اإلمكاف‬

‫ّ‬ ‫مثل ىذا وبدث للمعرفة أيضاً بنوع‬
‫وضعو موضع درس وحبث طواؿ سنُت‪ .‬فكم باغبري لو كاف ىذا األمر إسم “يسوع” الكلي اغببلوة‪.‬‬
‫فبل ريب أ ّف اؼبرء يبكن أف يواظب على درسو طواؿ حياتو‪.‬‬
‫‪ -‬طاؼبا َّ‬
‫أف ؽبذا اإلسم قوة ّٔذا اؼبقدار‪ ،‬فاظبحوا رل أيها الشيخ أف أسألكم‪ :‬كيف يتم ذلك؟ وكيف‬
‫يتسٌت للمرء أف ينعم بو؟ أعرؼ أشل أضايقكم بأسئليت ألنكم تدركوف أ ّف أمامكم إنساناً هبهل ىذه‬
‫ّ‬
‫اؼبوضوعات وال خربة لو فيها‪ .‬غَت أشل قلت يف نفسي إنكم ستساعدونٍت كثَتاَ‪.‬‬
‫ٍت ىي العلم األعظم‪ ،‬وال يستطيع أحد شرحها على الوجو الدقيق‪ ،‬وال ربديدىا ربديداً‬
‫‪ -‬الصبلة يا بُ َّ‬
‫كامبلً‪ .‬ألنو قد يُساء فهمو ولن يدرؾ قصده من ليس لديو أدسل اػبربات‪ .‬والصبلة أيضاً فوزجهاد‬

‫حقيقي‪ .‬ويبكنٍت القوؿ إهنا الصورة القصوى اليت كبصل منها على الثيولوجيا (علم اإلْؽبيات) أوباألحرى‬
‫نكتسب منها رؤية اهلل‪.‬‬
‫الربية الكلية‬
‫والثيولوجيا وليدة الصبلة النقية اػبالصة‪ ،‬وىي َجْنػيُها اؼببارؾ وشبرىا اؼبستطاب‪ .‬أما ىدوء ّ‬
‫التطهرمن األىواء‪.‬‬
‫الفعاؿ‪ .‬وىي أيضاً وليدة ّ‬
‫مبوىا وعيشها باإلختبار‪ ،‬بكل ؿبتواىا َّ‬ ‫اغببلوة فهو مناخ ّ‬
‫أت اؼبفعم بالنعمة‪ ،‬عمل اؽبدوء العقلي‪ ،‬أعٍت بو استدعاء إسم‬
‫‪ -‬لقد سبق رل‪ ،‬أيها الشيخ‪ ،‬أف قر ُ‬
‫يسوع‪ .‬غَت أشل‪ ،‬بعد أف أوضحتم رل قيمتو‪ ،‬أريد أف [أعرؼ] اؼبوضوع من خربتكم الشخصية‪ .‬فإشل ال‬
‫استطعت إذل‬
‫ُ‬ ‫أرغب يف ىذه اؼبعرفة ّٓرد الفضوؿ اإلستطبلع‪ ،‬وإمبا أريد أف أعيش ىذه اغباؿ اؼبباركة ما‬
‫ذلك سبيبلً‪ .‬وعسى أالَّ ترفضوا ىذه الرغبة‪.‬‬
‫‪ -2‬مر ِ‬
‫اح ُل الصالة‬
‫ذكرت فيما سبق‪ ،‬أ ّف الصبلة العقلية تتطلَّب بصورة رئيسية رفضاً للعادل‪ ،‬وطاعة للشيخ‪ ،‬وقراراً‬ ‫ُ‬ ‫‪ -‬لقد‬
‫بتصميم الراىب على البقاء يف الغربة‪ ،‬واحملافظة على تنفيذ وصايا اؼبسيح ؼبدة (زمنية) طويلة يًتّكز انتباىنا‬
‫يف البدء على ربقيق اؼبسيح وعلى اإلىتماـ باؼبنجزات النسكية‪ ،‬وىي اإلمساؾ والطاعة‪ .‬ونعلم من آبائنا‬
‫اعبو اؼبناسب لذلك ٍب تأٌب‬
‫توحد اإلنساف مع اهلل توحيداً كامبلً بل تنشىء ّ‬‫القديسُت أ ّف الفضائل ال ّ‬
‫ويتوحد اإلنساف مع اهلل القدوس اؼبثلّث األقانيم‪.‬‬
‫الصبلة ّ‬
‫والفضائل شرط سابق ال بد منو لنواؿ اؼبزيد من النعمة وىي يف الوقت عينو تضفي على صاحبها نعمة‪.‬‬
‫وتطهر من أىوائو الثقيلة‪ّ ،‬قرر أف‬
‫فإذا تأكد الشيخ اػببَت يف الصبلة‪ ،‬أ ّف مريده قد زبلى عن إرادتو الذاتية َّ‬
‫يتحملو ووب ّققو‪ ،‬فَتشده‬
‫كل شىء فوراً‪ ،‬ويكتفي دبا يستطيع أف ّ‬
‫سر صبلة يسوع‪ .‬لكنو ال يقوؿ لو َّ‬
‫يعلّمو َّ‬
‫يتعرض اؼبريد غباؿ من اليأس أو الضبلؿ وىو أمر يتحمل حدوثو أحياناً‪.‬‬
‫تدرهباً لئبل ّ‬
‫السرية اليت تؤدي إذل اإلرباد الكامل باؼبسيح‪ ،‬بالنعمة اؼبؤّؽبة؟‬
‫‪ -‬ما ىذه اؼبراحل وما ىي درجات اؼبراقي ّ‬
‫‪ -‬إ ّف غاية الصبلة األساسية ىي توحيد اإلنساف اؼبتفتّت تفتّت الفخار‪.‬‬
‫‪ -‬إظبحوا رل أف أستوقفكم ألسأؿ ما معٌت توحيد اإلنساف؟‬

‫‪ -‬إ ّف اإلنساف حبسب صيغة الكتاب اؼبق ّدس ـبلوؽ على صورة اهلل‪ ،‬واهلل مثلّث األقانيم ولكنو جوىر‬
‫موحدة ويف‬
‫واحد (اآلب واالبن والروح القدس)‪ .‬والنفس ىي أيضاً كذلك ألهنا على صورة اهلل‪ ،‬فهي َّ‬
‫الوقت عينو متع ّددة القوى وقواىا ثبلث‪ :‬العقل والشهوة واإلرادة‪ .‬وينبغي أف تكوف ىذه القوى الثبلث‬
‫التطور الطبيعي ؽبذه القوىالثبلث حسب قوؿ القديس مكسيموس‬
‫يف وحدة وأف تتجو صوب اهلل‪ .‬ويقوـ ّ‬
‫على مايلي‪ :‬أف يعرؼ العقل اهلل وأف تشتهي شهوة اؼبرء اهلل ورببو وحده دوف سواه‪ .‬أما اإلرادة فينبغي‬
‫ربب الرب إؽبك من كل قلبك‪...‬ومن كل عقلك‪...‬ومن‬
‫أف تفعل مشيئة الرب‪ّٔ .‬ذا تطبّق الوصية “أف ّ‬
‫كل قوتك‪.”...‬‬
‫فإف بقي العقل عند اهلل أثار الشهوة لكي رببَّو تعاذل‪ ،‬وحفَّز الوجداف إذل اعبهاد ض ّد األرواح الشريرة‬
‫التطهر‪ .‬وتبقى الوحدة قائمة ما داـ اإلنساف متجهاً صوب اهلل‪.‬‬ ‫َّ‬
‫وجد مبتغياً ّ‬
‫أما اػبطيئة فإهنا ربطّم وحدة قوى النفس الثبلث‪ .‬ويف ىذه اغباؿ ‪-‬حاؿ السقوط يف اػبطيئة‪ -‬ينتهي‬
‫العقل إذل عدـ معرفة اهلل وتتجو الشهوة إذل حب اؼبخلوقات ال إذل حب اػبالق وتقع اإلرادة ربت‬
‫طغياف األىواء‪ ،‬وبذلك يتم استعباد النفس استبعاداً كامبلً‪ .‬ولقد أجاد القديس غريغوريوس باؼباس يف‬
‫وصف ىذه اغباؿ فقاؿ‪:‬‬
‫أوالً‪ ،‬إ ّف عقل اإلنساف ينأى عن اهلل ويتجو صوب اؼبخلوقات‪“ .‬فإف فتحنا لؤلىواء باباً‪ ،‬يتشتّت العقل‬
‫كل ساعة حوؿ األمور اعبسدية واألرضية وحوؿ اؼبلذات اؼبتنوعة األشكاؿ‪ ،‬وما يدور فيها من‬
‫فوراً‪ ،‬تائهاً َّ‬
‫ىواجس مضطربة”‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬إ ّف العقل النائي عن اهلل هبرؼ الشهوة بعيداً عن اهلل وعن وصاياه “فإذا تشتّت (العقل) انتشرت‬
‫تضاءلت قدرة‬
‫ْ‬ ‫(الشهوة) يف الزسل واغبماقة‪ ،‬متقاظبة ما يف كل منهما من شرور‪ ...‬ومىت ضعف العقل‪،‬‬
‫النفس على اغبب اغبقيقي‪ ،‬فتسقط من اشتهاء ما هبب اشتهاؤه وتلتصق دبختلف اؼبيوؿ اؼبندفعة إذل‬
‫فتتوزع ما بُت اشتهاء أطعمة غَت ضرورية واشتهاء أجساـ غَت شريفة ٍب تتجو طوراً‬
‫طلب التمتع باللذة ّ‬
‫إذل اشتهاء أشياء غَت نافعة وتنجذب تارًة إذل الرغبة يف ؾبد باطل ال ؾبد فيو”‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬تُستعبَد ا ِإلرادة لؤلىواء وترزح ربت طغياهنا‪ .‬أعٍت أهنا تتوحش “فبل ُيبسي اؼبرء‪ ،‬ذاؾ الذي ُرتّب لو‬
‫أف يكوف بُت أبناء اهلل‪ ،‬شبيهاً باغبيوانات البهم غَت العاقلة وحسب‪ ،‬بل يكوف أشبو بالزواحف السلمة‬
‫أيضاً كالعقرب واألفعى وليدة األفاعي”‪.‬‬
‫ّٔذا إذا تبتعد قوى اإلنساف الثبلث عن اهلل فتفقد الوحدة القائمة يف ما بينها‪ .‬واؼببلحظ أ ّف الشهوة إذا‬
‫أرادت العودة إذل اهلل منعتها اإلرادة‪ .‬وإف أرادت الشهوة العودة إليو تعاذل رغب العقل عن حب اهلل‬
‫وذلك بسبب جحوده وإغباده‪.‬‬
‫إننا نبتغي ىذه العودة وننجح يف ربقيقها هنائياً بواسطة الصبلة وابتغاء العودة يبدأ بانصراؼ العقل إذل‬
‫فيتم بانفصالو عما حولو وعودتو إذل ذاتو‪ .‬وبعد ذلك مباشرة يقوـ بِإعادة‬
‫ذبميع قواه‪ .‬أما التحقيق ّ‬
‫الشهوة‪.‬‬
‫‪ -‬إشل أعتقد أنكم شرحتم اؼبوضوع بأجلى بياف ففهمتُو‪.‬‬
‫بٍت بل اآلباء ىم الذين شرحوه‪.‬‬

‫‪ -‬ليست أنا يا ّ‬
‫‪ -‬بعد اؼبقاطعة وما تبلىا من الشرح أرجو أف تذكروه رل بتحليل أدؽ مراحل الصبلة‪ ،‬ومن أين يبدأ‬
‫اؼبرء‪ ،‬وكيف هبب أف يتق ّدـ فيها؟‬
‫ونكررىا بشفتينا ونسعى يف الوقت‬

‫أخص‪.‬األوذل‪ :‬صبلة يسوع بالفم‪ّ .‬‬
‫‪ -‬ىناؾ طبس مراحل رئيسة بنوع ّ‬
‫عينو إذل تركيز انتباىنا على كلماهتا‪.‬‬
‫وينصب كل‬
‫ّ‬ ‫رفت بالصبلة العقلية‪.‬‬
‫ويرددىا ذىنياً ومن ىنا عُ ْ‬
‫ثانياً‪ :‬يباشر العقل “الصبلة”‪ ،‬بعد ذلك‪ّ ،‬‬
‫ذبمعت يف العقل‪ .‬وحُت يتعب العقل نشرع ؾب ّدداً يف‬
‫انتباىنا على الكلمات من جديد‪ ،‬لكنها تكوف قد ّ‬
‫نبس “الصبلة” بالشفتُت‪.‬‬
‫وىذه الطريقة ‪-‬إضافة إذل استعماؿ اغببل اؼبعقود‪ -‬ىي دبثابة الدرس األوؿ للصبلة‪ .‬فمن ىناؾ هبب‬
‫األقل كماالً ىناؾ‪.‬‬
‫البدء‪ .‬ولكن مىت جاء دور األكمل بَطُل ّ‬

‫ثالثاً‪ :‬تنحدر “الصبلة” بعد ذلك إذل القلب فيتّحد العقل والقلب ويًتابطاف‪ .‬أما اإلنتباه فيكوف يف‬
‫أخص يف إسم يسوع البعيد الغور‪...‬‬
‫ّ‬ ‫يتعمق من جديد يف كلمات “الصبلة”‪ ،‬وبنوع‬
‫القلب حيث ّ‬
‫الذي تتع ّذررؤيتو‪.‬‬
‫تستمر بينما اؼبرتاض (الناسك) يعمل أو يأكل أو‬

‫ُّ‬ ‫رابعاً‪ :‬تصَت الصبلة يف ىذه اغباؿ فاعلة بذاهتا‪ .‬فهي‬
‫يتحادث أو يوجد يف الكنيسة أو حىت إبّاف نومو‪ ،‬كما جاء يف الكتاب اؼبق ّدس‪ :‬أنا أىجع وقليب‬
‫ساىر”‪.‬‬
‫ربل‬
‫خامساً‪ :‬يشعر اؼبرء بعد ذلك بشعلة إؽبية لطيفة داخل نفسو‪ ،‬فتشعلها وتفرحها أل ّف نعمة اؼبسيح ّ‬
‫يف نفسو‪ ،‬ويسكن فيو الثالوث القدوس‪.‬‬
‫يقوؿ القديس باسيليوس الكبَت“ىذه ىي سكٌت اهلل وىي أف وبظى اؼبرء باهلل مقيماً يف ذاتو بواسطة‬
‫ال ّذكر‪ .‬ىكذا نصَت ىيكبلً هلل عندما ال يتقَّطع الذكر اؼبتواصل باإلىتمامات الدنيوية أو يضطرب العقل‬
‫ؿبب اهلل حُت يتجنَّب ىذه األمور كلّها أف يسَت كبو اهلل‪ ،‬طارداً‬
‫باألىواء اؼبفاجئة غَت اؼبنتظرة‪ .‬وعلى ّ‬
‫األىواء اليت تد عوىا إذل اإلكبراؼ وعدـ اإلنضباط وأف يبارس األعماؿ اؼبؤدية إذل الفضيلة ”‪ .‬فيشعُر يف‬
‫داخلو باغبضور اإلؽبي‪ ،‬وسبت ّد ىذه النعمة إذل اعبسد الذي ُيبات ويُصلب حسب العادل‪ .‬ىذه اؼبرحلة‬
‫لكل‬
‫تطور “الصبلة” تقريباً و ّ‬
‫اى َدة النور غَت اؼبخلوؽ‪ .‬وىذه ىي مسَتة ّ‬
‫مش َ‬
‫النهائية تصاحبها أحياناً َ‬
‫نعمة مناسبة‪.‬‬
‫‪ -‬إظبحوا رل أيها الشيخ ببعض األسئلة اليت نشأت إبَّاف رب ّدثكم عن مراحل الصبلة‪ .‬ماذا تعنوف بكلمة‬
‫قلب؟‬
‫‪ -‬القلب حبسب تعليم اآلباء ىو مركز العادل الروحي‪ .‬ومن بُت اآلراء اآلبائية الكثَتة يف ىذا اؼبوضوع‬
‫أذكر رأي القديس إبيفانيوس أسقف قسطندية يف قربص‪ .‬فقد قاؿ‪“ :‬هبب أالَّ يزعم أحد أو وب ّدد َّ‬
‫أي‬
‫يتم فيو ملءُ ما ىو حبسب الصورة‪ ...‬إمبا ينبغي أف نعًتؼ أ ّف ما ىو حبسب الصورة قائم يف‬ ‫جزء ُّ‬
‫اإلنساف‪ ،‬ولكن ال نرفض النعمة اإلؽبية ونفقد إيباننا باهلل‪ .‬فإ ّف كل ما يقولو اهلل حق ولو نأى كبلمو قليبلً‬
‫يعرب عنها الوجود البشري كلو ومثلها مثل الشعاع‪ ،‬فِإذا سقط على مرآة شفافة‬ ‫عن فهمنا”‪ .‬والنفس ّ‬
‫إنتشر وذبلّى يف كل ا ِإلذباىات‪ .‬إالَّ أننا نرّكز انتباىنا إبَّاف “الصبلة” على القلب كعضو جسدي فنعزلو‬

‫عن األشياء اػبارجية ونعيده إذل داخلنا‪ ،‬إذل القلب العميق‪ .‬ؤّذه العودة يرجع العقل‪ ،‬أحد قوى‬
‫النفس‪ ،‬إذل سكنو حيث يتّحد مع القوى األخرى للنفس”‪.‬‬
‫‪ -‬رل سؤاؿ ٍ‬
‫ثاف‪ :‬ىل يتبع ىذه السَتة اليت شرحتموىا صبيع الذين ؽبم التنعُّم باهلل؟‬
‫يوحدوا العقل والقلب‪ .‬وىم يتوسلوف‬

‫‪... -‬أكثرىم يفعلوف ولكن شبة من وباولوف ‪-‬وحىت منذ البدء‪ -‬أف ّ‬
‫إذل ذلك طريق الشهيق والزفَت‪ ،‬فيشهقوف عند ترديد الكلمات“يا ريب يسوع اؼبسيح ” ٍب يزفروف على‬
‫كلمة “إرضبٍت” ويراقبوف اؽبواء أيضاً حُت يدخل بطريق األنف إذل القلب‪ ،‬وىناؾ يتوقفوف قليبلً‪.‬‬
‫وال ريب َّأهن ُم يفعلوف ىذا على وجو التدقيق‪ ،‬لكي يًتكزانتباه العقل (بعيداً عن التشتت)‪ .‬وقد سلَّ َمنا‬
‫سبارس‬
‫اآلباء أيضاً طريقة أخرى ىي أف نشهق عند قولنا“الصبلة” بكاملها ونزفر فيما نقوؽبا بكاملها‪ .‬و َ‬
‫ىذه الطريقة عند اؼبتقدمُت يف ىذه الرياضة‪ .‬إالَّ َّ‬
‫أف ىذه الطريقة بواسطة التنفس قد ربدث صعوبات‬
‫كثَتة ومشاكل ّصبة‪ ،‬ولذلك هبب ذبنّب فبارستها إال بإشراؼ الشيخ وتوجيهو‪ .‬ويبكن استعماؽبا ّٓرد‬
‫أكرر القوؿ‪ ،‬إ ّف ىذا يتطلّب بركة خاصة‬
‫تركيز الذىن على كلمات “الصبلة” فقط‪ ،‬لكي ال يتشتَّت‪ ،‬و ّ‬
‫من شيخ يتحلى بفضيلة التمييز‪.‬‬
‫‪ -‬قلتم سابقاً‪ ،‬أيها الشيخ‪ ،‬إ ّف غاية“الصبلة” ىي إعادة العقل إذل القلب‪ ،‬إي إعادة الفعل إذل اعبوىر‪.‬‬
‫أخص يف اؼبرحلة الثالثة من ىذه اؼبسَتة الشريفة‪ .‬لكنّكم عند شرحكم اؼبرحلة‬
‫ّ‬ ‫يبكننا أف نعيشها بنوع‬
‫ؿبب اهلل – حُت يتجنَّب ىذه كلها –‬
‫اػبامسة ذكرًب قوالً للقديس باسيليوس الكبَت جاء فيو “وعلى ّ‬
‫أف يسَت كبو اهلل‪ .”..‬فكيف يأٌب العقل إذل القلب وينطلق كبو اهلل؟ وىل يف ىذا تناقض؟‬
‫أجاب الناسك قائبلً‪ :‬كبل‪ ،‬ليس فيو تناقض‪ .‬يعلّم اآلباء القديسوف اؼبتو ّشحوف باهلل أ ّف ىناؾ مراحل(أي‬
‫مقامات) ـبتلفة للمصلُّت‪ .‬فهناؾ اؼببتدئُت واؼبتق ّدموف‪ ،‬وبتعبَت أفضل يستعملو التعليم اآلبائي ىناؾ‬
‫العمليوف والنظريوف‪ .‬فعند العمليُت تنشأ الصبلة عن خوؼ من اهلل وعن الرجاء الصاحل‪ .‬أما عند‬
‫تطهر يبلغ اغبد األقصى‪.‬‬
‫النظريُت فتنشأ عن عشق إؽبي وعن ُّ‬
‫وتتميّز الدرجة األوذل‪ ،‬أي درجة العمليُت بًتّكز العقل يف القلب‪ ،‬ومنو يقوـ العقل بالصبلة إذل اهلل بدوف‬
‫انقطاع‪ .‬أما الدرجة الثانية للصبلة أي درجة النظريُت فتتميّز باختطاؼ النور اإلؽبي للعقل فينعدـ‬
‫إحساسو بأي شيء من العادل ويفقد أيضاً شعوره بذاتو‪ .‬وىذا ىو اقبذاب العقل‪ .‬ويف ىذه اغباؿ نقوؿ‬

‫إ ّف العقل م ِ‬
‫نطلق إذل اهلل‪ .‬واآلباء اؼبتو ّشحوف باهلل‪ ،‬الذين عاشوا ىذه األحواؿ اؼبباركة وصفوا ىذا اعبذب‬ ‫ُ‬
‫اإلؽبي‪ .‬قاؿ القديس مكسيموس اؼبعًتؼ “إ ّف ىو البطاؼ العقل بالنور اإلؽبي غَت احملدود‪ ،‬فبل يشعر‬
‫بذاتو‪ ،‬وال بأي كائن آخر من الكائنات صبيعها ما خبل إحساسو دبن تصدر عنو ىذه اإلنارة باحملبة”‪.‬‬
‫لكن قليب ساىراً” إنفحوشل‬

‫‪ -‬إظبحوا رل بسؤاؿ آخر‪ .‬إشل دل أفهم معٌت اآلية اليت ذكرًب “أنا أناـ و ّ‬
‫عطفكم بشرح ىذه اآلية‪ .‬كيف يناـ ويظل قلبو مصلياً هلل يف الوقت عينو؟‬
‫‪ -‬إ ّف ىذه اآلية قد وردت يف سفر نشيد األناشيد يف العهد القدصل‪ ،‬وليس شرحها عسَتاً‪ .‬لقد ذكر النيب‬
‫داود يف سفر اؼبزامَت إ ّف قلب اإلنساف عميق‪ ،‬وكل أحداث النهار وانطباعاتو ومشاغل العقل تنطلق إذل‬
‫أعماؽ القلب‪ ،‬إذل ما “ربت الشعور” كما نقوؿ اليوـ‪ .‬فما يشغل اإلنساف يف النهار عادة يشغل قلبو‬
‫أثناء الليل أيضاً‪ ،‬حُت يهدأ العقل وتسًتيح قوى اإلنساف‪ .‬وىذا واضح يف األحبلـ اليت نشاىدىا‪ .‬يقوؿ‬
‫القديس باسيليوس الكبَت “إ ّف التخيّبلت خبلؿ النوـ ما ىي يف الغالب إالَّ صدى ألفكار النهار” وىو‬
‫يعٍت بذلك أ ّف معظم التخيّبلت “األحبلـ” أثناء النوـ ىي صدى الفكر اليومي‪ .‬واؼبشاغل الشريرة‬
‫واألفكار الشريرة يف النهار تنشىء األحبلـ الشريرة‪ .‬وبدث ىذا األمر كذلك يف األعماؿ الصاغبة‪.‬‬
‫فممارس الرياضة “الروحية” وإنساف اهلل إصباالً‪ ،‬يشغل فكره يف الصبلة إذل اهلل طواؿ النهار‪ِ ،‬‬
‫وذ ْك ُر اهلل‬
‫مع تكرار الصبلة َّلذتو وشغلُو الشاغل‪ ،‬وكذلك األمر يف أعمالو األخرى سواء أكل أـ شرب‪ .‬فهو‬
‫يعملها كلها ّٓد اهلل وفقاً لقوؿ الرسوؿ‪ .‬فمن الطبيعي أف يف ّكر قلبو باهلل وأف يصلي إليو تعاذل أثناء‬
‫ساعات راحتو الليلية القليلة‪ .‬إنو يسهر‪...‬‬
‫‪ -3‬طرق ((الصالة))‬
‫استطعت حىت اآلف أف أتتبّعكم إذل‬
‫ُ‬ ‫أشكركم شكراً جزيبلً‪ ،‬أيها الشيخ‪ ،‬على ىذه الشروح اؼبسهبة‪ .‬فقد‬
‫سبكنت من إدراؾ مقامات “الصبلة”‪ ،‬أعٍت كيفية تطور ىذا العمل الشريف‪ .‬ولكن أريد أف‬
‫ح ّد ما‪ ،‬و ُ‬
‫يتم العمل من غَت جهد؟ أفبل وبتاج إذل جهاد وقهر؟ وإذا كاف ملكوت اهلل يغتصب‬ ‫أسأؿ‪ :‬ىل ّ‬
‫والغاصبوف ىبتطفونو ( مىت ‪ )54 :55‬أفبل ينبغي أف يكوف يف “الصبلة” اغتصاب أيضاً‪ ،‬طاؼبا أ ّف اؼبرء‬
‫أت ذلك يف‬
‫يذوؽ ّٔا ملكوت اهلل؟ أل ّف مشاىدة النور غَت اؼبخلوؽ ىي ملكوت السماوات‪ ،‬وقد قر ُ‬
‫مؤلف للقديس غريغوريوس باالماس‪ .‬فأين يكوف اعبهاد إذاً؟‬

‫‪ -‬قاؿ الشيخ اغبكيم (ساكن اعببل اؼبق ّدس)‪ :‬ال ريب أ ّف اغباجة توجب اعبهاد‪ ،‬وال بد للمجاىد من‬
‫بذؿ دـ غزير‪ .‬وىنا يصدؽ‪ ،‬بنوع خاص‪ ،‬القوؿ اآلبائي “ ِ‬
‫أعط دماً وخذ روحاً” فإف آدـ نفسو بدوف‬
‫اعبهاد قد خسر الفردوس‪ ،‬مع أنو كاف يف ؾباؿ مشاىدة اهلل‪ .‬فكم باألحرى يكوف جهادنا ضرورياً‪،‬‬
‫لكي كبوز النعمة اإلؽبية‪ .‬ىبطئ الذين يقولوف بعدـ ضرورة اعبهاد‪ .‬قاؿ القديس مكسيموس اؼبعًتؼ‬
‫“إ ّف اؼبعرفة بدوف العمل ىي ثيولوجيا شياطُت”‪ .‬كانت الصبلة قبل السقوط ذبري ببل ك ّد‪ ،‬شأهنا شأف‬
‫سبجيد اؼببلئكة الذي ال يهدأ‪ .‬لكنها بعد السقوط تتطلَّب كداً وجهاداً‪ .‬أما الص ّديقوف يف ملكوت اهلل‬
‫فسيعودوف إذل اغباؿ اليت كانت قبل السقوط‪.‬‬
‫‪ -‬أسبٌت لو تشرحوف رل ىذا اعبهاد‪.‬‬
‫‪ -‬إ ّف اعبهاد األوؿ واألكرب ىو قياـ اؼبرء بتجميع عقلو وفصلو عما يربطو دبا حولو من أشياء وأحواؿ‬
‫وحوادث وأفكار شريرة‪ ،‬أل ّف العقل إذا نأى عن اهلل مات‪ .‬فهو كالسمكة إذا خرجت من البحر ومن‬
‫اؼباء‪ .‬قاؿ القديس اسحق السرياشل “ما وبدث للسمكة إذا خرجت من البحر‪ ،‬وبدث للعقل إذا نكر‬
‫اهلل وانغمس يف ذكر العادل”‪ .‬والعقل بعد السقوط أشبو بكلب سريع اغبركة يف اؽبرب ويريد الركض على‬
‫الدواـ‪ .‬فهو كاالبن الشاطر ا لذي ذكر اؼبثل أنو أراد مغادرة منزؿ أبيو فأخذ معو ثروتو (= الشهوة ‪-‬‬
‫اإلرادة ) ٍب بدَّدىا وأنفقها عائشاً يف الضبلؿ‪ .‬وىذا ما قالو اآلباء الذين عاشوا اغبياة الروحية العميقة‬
‫وخباصة القديس غريغوريوس باالماس‪.‬‬
‫يتجمع العقل؟‬
‫قلت‪ :‬إهنا فكرة حسنة! ولكن كيف ّ‬
‫يفضل عنو‬
‫‪ -‬كما حدث لبلبن الشاطر سباماً‪ .‬يقوؿ اؼبثل‪“ :‬فرجع إذل نفسو وقاؿ‪ :‬كم من أجَت أليب ُ‬
‫اػببز‪ ،‬أما أنا فأىلك جوعاً‪ .‬أقوـ وأذىب إذل أيب‪ ...‬وقاـ وجاء إذل أبيو‪ ..‬وقاؿ األب لعبيده‪ ...‬ق ّدموا‬
‫اؼبسمن واذحبوه فنأكل ونفرح‪ .‬أل ّف ابٍت ىذا كاف ميتاً فعاش‪ ،‬وضاالً ُفوجد‪ .‬فابتدأوا يفرحوف”‬
‫العجل َّ‬
‫(لوقا ‪.)42-51 :51‬‬
‫والعقل الضاؿ أيضاً وبتاج إذل العودة إذل ذاتو من تشتّت‪ .‬فإذا عاوده الشعور حببلوة بيت أبيو وبالسعادة‬
‫سمع حينذاؾ‬
‫اليت تغمره ورغب يف العودة إليو يكوف االحتفاؿ بقدومو عظيماً‪ ،‬فيفرح فرحاً عميقاً‪ ،‬ويُ َ‬
‫صوت يقوؿ “إ ّف ابٍت كاف ميتاً فعاش‪ ،‬وكاف ضاالً ُفوجد” ويُعطى العقل اؼبائت حياة‪ .‬ومىت جاء العقل‬

‫ٍ‬
‫فحينئذ فقط يصَت الفرح‪ ،‬كما وبدث عند عودة اؼبغًتب إذل بيتو‪ .‬ويف ىذا يقوؿ نيكيفورس‬ ‫إذل القلب‬
‫اؼبتوحد “كما أ ّف الرجل اؼبغًتب إذا عاد إذل بيتو‪ ،‬فرح دل يكن لو‪ ،‬ألنو استحق االجتماع بأوالده‬
‫ّ‬
‫وامرأتو‪ ،‬ىكذا وبدث للعقل أيضاً‪ ،‬فإنو حُت يتّحد بالنفس يفعم بلذة ؤّجة يتعذر وصفها”‪ .‬وذبميع‬
‫يتم بتأجيج القلب قببلً‪ .‬إ ّف شيخي الدائم الذكر‪ ،‬كاف هبلس قليبلً عند غروب الشمس فيستعرض‬
‫العقل ُّ‬
‫صوراً من حالو الداخلية ومن الطبيعية‪ٍ ،‬ب يشرع يف تبلوة “الصبلة” ‪-‬بعد أف يكوف قلبو قد تأجج‪-‬‬
‫ويستمر يف ترداده حىت ساعات السحر‪ ،‬موعد خدمة القداس اإلؽبي‪ .‬حينذاؾ‪...‬‬
‫‪ -‬أيها الشيخ أعذروشل لقطع حديثكم‪ .‬إشل دل أستطع متابعة كبلمكم جيداً‪ .‬ماذا تعنوف بتأجيج القلب‪.‬‬
‫كيف يتم تأجيجو وما حاجة “الصبلة” إليو؟‬
‫‪ -‬سيساعدؾ مثل اإلبن الشاطر‪ :‬فقط “عاد إذل نفسو وقاؿ‪ :‬كم أجَت أليب يفضل عند اػببز‪ ،‬وأنا‬
‫فتحرؾ‬
‫أموت جوعاً‪ .‬أقوـ وأذىب إذل أيب‪ ”...‬أعٍت أنو ف ّكر يف سعادة بيت أبيو‪ ،‬ويف شقائو ىو أيضاً‪ّ .‬‬
‫فوراً للعودة إذل أبيو‪ .‬لقد قاـ دبحاولة مضنية لَتغم إرادتو ورغبتو على ازباذ قرار بالعودة‪ ...‬وىذا ما نفعلو‬
‫يف “الصبلة” ‪ ،‬فنحاوؿ التأكد من أننا نعيش يف حاؿ اػبطيئة‪ ،‬حاؿ شقائنا‪ .‬إننا نرى اكبرافاتنا اليومية‬
‫يتم من الناحية اػبارجية فقط‪ ،‬ونشعر كأننا يف ؿبكمة‬ ‫فنفحص ـبتلف اغبوادث واػبطايا‪ ،‬ل ّكن ىذا ّ‬
‫حيث ذبري ؿباكمتنا‪ ،‬وأ ّف اهلل جالس على كرسي القضاء وكبن على مقعد اؼبتَّهم‪ .‬ومىت شعرنا ّٔذا يبدأ‬
‫صراخنا “ارضبٍت”‪ .‬ويف ىذه اغباؿ هبب أف نبكي أل ّف الصبلة اػبالصة القويبة تصدر عن البكاء‪.‬‬
‫يقوؿ اآلباء‪ :‬إف أراد أحد أف يكتسب صبلة عميقة وحياة رىبانية صادقة هبب أف يعرؼ كيف يبكي‬
‫وكيف يعيش شعور من يتّهم ذاتو وبكل قوة‪ ،‬وأف يعترب نفسو أسوأ من اآلخرين‪ ،‬وأنو حيواف قذر وبيا يف‬
‫دياميس الضبلؿ ودياجَت اعبهل‪ ،‬وأف يتحلى بنعمة اؼبتّهم نفسو َّأوالً‪ .‬كما يقوؿ باسيليوس “‪ ...‬أف‬
‫يتّهم ذاتو باآلثاـ غَت منتظر اهتاـ اآلخرين لو لكي يصَت تب ّدؿ اؼبتّهم األوؿ لنفسو”‪ ..‬وباهتامو لذاتو أوالً‬
‫كما يف أمثاؿ سليماف‪ ،‬يستع ّد للصبلة‪ .‬قاؿ القديس اسحق السرياشل‪ :‬إننا قبل الصبلة قبثو على ركبنا‬
‫ونرجع أيدينا إذل الوراء ونعترب ذاتنا مذنبة فيسيطر علينا حينذاؾ ىاجس توبيخ الذات‪ ،‬ويكوف يف كل‬
‫مرة جديداً‪ .‬علينا أف نتوقّف أمامو لكي نتأملو بدوف زبيّل‪ .‬عندىا ينزؿ العقل إذل القلب تائباً‪ ،‬ونشرع يف‬
‫البكاء ونصلي صبلة ثابتة واعية وببل اكبراؼ‪ .‬سأستعمل ىنا مثبلً من اغبياة العاؼبية‪ .‬ما يكاد أحد‬
‫الدنيويُت يتذ ّكر فكرة إىانتو أحد األشخاص حىت يف ّكر فيها ويشعر بانقباض يف قلبو ويشرع فوراً‬

‫بالبكاء‪ .‬ووبدث ىذا أيضاً ؼبن يبارس الصبلة مع الفارؽ بأ ّف مثل ىذه األفكار العالَّمية ذات الدوافع‬
‫ونأيت عن النعمة اإلؽبية اخل‪ ..‬وقد ينجرح‬
‫ُ‬ ‫نت اؼبسيح‬
‫األنانية ال تأسره وإمبا يفكر يف نفسو قائبلً لقد أحز ُ‬
‫شعور بالتوبة ‪-‬وليس بضغط خارجي‪ -‬فإنو‬
‫قلبو يف أعماقو بسبب ىذا اإلحساس‪ .‬وإذا ما جرح القلب ٌ‬
‫أي أدل آخر ينجم عن جرح يف بدنو‪ .‬وىذا اعبرح يف القلب يضبط العقل ويربطو‬
‫ينجرح ويتأدل أكثر من ّ‬
‫باهلل بصورة دائمة‪ ،‬و“آّروح” ال يطيق النوـ حىت يف الليل ألنو يشعر وكأنو قائم فوؽ صبر متّقد‪ .‬وقد‬
‫يقوـ على أثر ىذا بالصبلة بقوة ؼبدة ربع ساعة‪ .‬أما قلبو آّروح فيظل ليل هنار يذكر يسوع وىذا ما‬
‫ندعوه بالصبلة اؼبتواصلة ببل انقطاع‪ .‬أ ّكرر القوؿ إنو يستطيع ربقيق ىذا لبضع دقائق بصبلة قوية مقرونة‬
‫بدموع‪ ،‬فيشعر بفعل “الصبلة” يف داخلو طواؿ أياـ‪.‬‬
‫وهبب أف أنبّو إذل أ ّف شعورنا بعدـ استحقاقنا شرط الزـ لنواؿ فعل“الصبلة”‪ .‬ويتوقّف التق ّدـ األكرب‬
‫قرف الصبلة‬‫على ازدياد وعينا غبالتنا اػباطئة‪ .‬فبل صبلة حقة بدوف ىذا الوعي‪ .‬وهبب واغباؿ ىذه أف تُ َ‬
‫باغبزف‪ .‬واآلباء يف الواقع يعلموف أ ّف الصعود إذل السماء مرتبط باؽببوط إذل ذواتنا‪ .‬فكلما زدنا تركيز‬
‫فيتحوؿ إذل‬
‫ّ‬ ‫انتباىنا على أعماؽ ذواتنا زاد اكتشافنا ػبفاياىا‪ .‬وبالتوبة ينزؿ ملكوت اهلل إذل القلب‬
‫فردوس‪ ،‬وإذل ظباء قلبيَّة‪ .‬ودعوة الرب“توبوا فقد اقًتب ملكوت السماوات” ما تزاؿ حيّة ونافذة يف كل‬
‫حُت‪ .‬وبالتوبة وحدىا هنتدي إذل اؼبلكوت‪.‬‬
‫مًتد يف اػبطيئة حىت يتوالّه إحساس باػبيبة فيًتؾ‬

‫‪ -‬أفبل توجد حالة ما‪ ،‬يكاد اؼبرء يشعر فيها بأنو ّ‬
‫اعبهاد؟‬
‫دس لئلنساف فكرة كونو‬ ‫حدثت لدلَّ ْ‬

‫ت على أ ّف الشيطاف ىو الذي َّ‬ ‫ْ‬ ‫‪ -‬توجد ببل ريب حالة كهذه‪ .‬فلو‬
‫يف حاؿ خطيئة‪ ،‬لكي يقوده إذل شهور باليأس وخيبة الرجاء‪ .‬أما إذا عدنا إذل اهلل والتمسنا بالصبلة‬
‫نعمتو اإلؽبية على أثر شعورنا حباؿ اػبطيئة‪ ،‬فإ ّف اذباىنا ىذا يكوف عطية اهلل‪ ،‬وفعل نعمة اؼبسيح‪.‬‬
‫ؤجج ّٔا القلب‪ .‬فمنها‬

‫واستأنف الشيخ كبلمو فقاؿ‪ :‬وىناؾ إذل جانب الشعور باػبطيئة طرؽ أخرى يُ َّ‬
‫ذكر اؼبوت إذ يفكر اؼبرء قائبلً‪“ :‬إشل أعيش ساعاٌب األخَتة‪ ،‬وبعد قليل يأٌب األبالسة ليأخذوا‬
‫ودفعت إذل الصبلة‪.‬‬
‫ْ‬ ‫نفسي‪...‬فإذا جالت ىذه الفكرة يف الذىن بدوف زبيّل‪ ،‬أثارت الورع‬

‫أي خوؼ‬
‫وردت يف كتاب الشيوخ نصيحة لؤلنبا ثيوفيلوس تدلّنا كيف يبكننا أف نفكر وقد جاء فيها‪ّ “ :‬‬
‫ْ‬
‫ذعر وقهر يتملّكنا حُت تنفصل النفس عن اعبسد؟ فإ ّف القوات اؼبعادية تأٌب إلينا حينذاؾ بكامل‬
‫جحافلها‪ ...،‬رؤساء الظبلـ‪ ،‬أسياد عادل الشر‪ ،‬السبلطُت والسيادات وأرواح اػبطيئة‪ ،‬يقبضوف على‬
‫النفس وكأهنم يعاقبوهنا مظهرين ؽبا كل ما ارتكبت من خطايا‪ ،‬دبعرفة أو جبهل‪ ،‬منذ صباىا حىت عمرىا‬
‫اغباضر‪ .‬وستُتَّم بكل معاصيها‪ .‬فيا لو من ىوؿ يستورل على النفس يف تلك الساعة إذل أف يصدر اغبكم‬
‫وتتحرر‪ .‬ىذه ىي ساعة قهرىا‪ ،‬إذل أف ترى ما ستؤوؿ إليو‪.‬‬
‫َّ‬
‫إالّ أ ّف القوات اإلؽبية ستقف ىي أيضاً يف مواجهة القوات اؼبعادية وستظهر األعماؿ الصاغبة‪ ،‬وتدرؾ‬
‫النفس وىي واقفة يف الوسط ما يشؤّا من ذعر وخوؼ‪ ،‬إذل أف يصدر القاضي العادؿ حكمو‪ .‬فإف‬
‫ىم وباألحرى تسكن‬
‫طفت منهم‪ .‬وتصبح من ذلك اغبُت ببل ّ‬‫كانت مستحقة عوقب األبالسة واختُ ْ‬
‫وفقاً ؼبا ورد يف الكتاب‪“ .‬إ ّف السكٌت فيك ىي عبميع اؼببتهجُت”‪ .‬وسيتم اؼبكتوب “يزوؿ الوجع‬
‫فتتحرر النفس وتسَت كبو ذلك الفرح وآّد اللذين يتعذر وصفهما‪،‬‬
‫التنهد” (إشعياء‪ّ ).5 :31‬‬
‫واغبزف و ُّ‬
‫وىناؾ تستقر‪.‬‬
‫أما إذا كانت قد عاشت يف التواشل فإهنا تسمع األقواؿ الرىيبة “ ُلَتفع الشرير‪ ،‬لكي ال يرى ؾبد الرب”‪،‬‬
‫فيستورل عليها فجأة يوـ غضب‪ ،‬يوـ ضيق وقهر‪ ،‬يوـ ظلمة وضباب وتُسلَّم إذل الظلمة الربَّانية‪ُ ،‬‬
‫ووبكم‬
‫عليها بالنار األبدية فتتعذب إذل دىور ال حصر ؽبا‪ .‬وحينذاؾ‪ :‬أين فخر اغبرب؟ أين آّد الفارغ؟ أين‬
‫االرتياح واللذة؟ أين اغبياة اؼببهرجة؟ أين الراحة‪ ،‬وأين الكربياء؟ أين اؼباؿ؟ وأين التمايز االجتماعي؟ أين‬
‫األب؟ أين األـ؟ أين األخ؟ من يستطيع أف ىبرجها فيما النار ربرقها وىي ترزح يف العذاب الشديد؟”‪.‬‬
‫إال أ ّف ىناؾ أيضاً أفكاراً أخرى مناسبة‪ ،‬ىي شعور النفس حببلوة الفردوس وؾبد القديسُت وؿببة اهلل‪ ،‬ال‬
‫الرب ودمو الطاىرين‪.‬‬
‫سيما إذا كاف اإلنساف قد حضر القداس اإلؽبي يف ذلك اليوـ واشًتؾ يف جسد ّ‬
‫‪ -‬أيها الشيخ إف ظبع العادل مثل ىذه األفكار يشك فيها وال يص ّدقها‪ .‬وىناؾ العديد من البلىوتيُت‪،‬‬
‫زعمهم‬
‫والروحانيُت أيضاً‪ ،‬يعارضوف ىذه النقاط فيزعموف أهنا ليست مناسبة للناس يف العادل ويدعموف َ‬
‫أخص باآلباء القديسُت‪ .‬وىم يقسموهنم إذل آباء صحويُت وآباء اجتماعيُت‪ ،‬ويربزوف للعادل اآلباء‬
‫بنوع ّ‬
‫االجتماعيُت أل ّف تعليمهم ‪ -‬كما يزعموف‪ -‬أكثر التصاقاً باألرض‪ ،‬أما تعليم اآلباء الصحويُت‪ ،‬فإنو‬
‫الصحة‪.‬‬
‫يصلح لؤلديرة‪ .‬ولست أدري ما نصيب ىذه اآلراء من َّ‬
‫‪ -‬إنكم تطرقوف موضوعاً كبَتاً‪ ،‬متع ّدد اعبوانب واسعاً ويتطلب زمناً طويبلً‪ .‬إالَّ أشل ال أمتنع عن تقدصل‬
‫بعض األجوبة العامة‪ .‬وأوؿ ما أنبو إليو ىو أنو ال يبكن تقسيم اآلباء إذل آباء صحو أو صوفيُت‪ ،‬وإذل‬
‫آباء اجتماعيُت‪ .‬كما أنو ال يبكن تقسيم علم البلىوت إذل صويف وغَت صويف أو تقسيم اغبياة الروحية‬
‫ـبصصة للعادل‪ ،‬وأخرى ـبصصة للراىب‪ .‬إ ّف ثيولوجيا‬
‫إذل علمانية ورىبانية أي القوؿ بأ ّف بعض التعاليم ّ‬
‫تقشفية ولآلباء القديسُت صبيعاً‬
‫ي‪ ،‬واغبياة الروحية كلها ّ‬
‫سر ّ‬
‫الكنيسة الشرقية األرثوذكسية ذات طابع ّ‬
‫معتقد مشًتؾ وحياة مشًتكة‪ ،‬وتعليم مشًتؾ‪ ،‬وقد حصلوا صبيعاً على اغباؿ اؼبغبوطة‪ ،‬حاؿ التألو ‪،‬إذ‬
‫صاروا أحياء يف اؼبسيح واؼبسيح وبيا فيهم‪ ،‬ويف داخلهم يعمل الروح القدس‪ .‬وؽبذا فإ ّف اآلباء الصحويُت‬
‫ىم دائماً ويف الوقت عينو آباء اجتماعيوف أيضاً كما َّ‬
‫أف اآلباء االجتماعيُت ىم دائماً ويف الوقت عينو‬
‫آباء صحويوف‪ .‬أعٍت أ ّف اجتماعية اآلباء ما ىي إال فيض من صحو اآلباء‪ .‬من اىتم منهم باؼبوضوعات‬
‫االجتماعية ليس عاؼباً اجتماعياً أو عاؼباً نفسياً أو عاؼباً أخبلؽ أو مربيّاً وحسب بل إنو عادل الىوٌب‬
‫أيضاً بكل ما يف ىذه الكلمة من معٌت‪ .‬وىؤالء اآلباء يعيشوف‪ ،‬ىم َّأوالً‪ ،‬اهلل اختيارياً ٍب وباولوف أف‬
‫يساعدوا اإلنساف لكي يعيش اهلل أيضاً‪ .‬فاجتماعية اآلباء بناء على ما سبق ليست سوى بعد من أبعاد‬
‫الثيولوجيا‪ ،‬أي أبعاد اغبياة يف اؼبسيح “اليت ىي يف الوقت عينو حياة يف الروح القدس وحياة يف الكنيسة‬
‫أيضاً”‪ .‬فالكنيسة‪ ،‬يف الواقع‪ ،‬ىي حيّز الثيولوجيا األرثوذكسية‪ ،‬والثيولوجيا ىي صوت الكنيسة‪ .‬وعبميع‬
‫اآلباء نقاط مشًتكة‪ ،‬أعٍت أ ّف الثيولوجيا اليت انتهجوىا كانت أرثوذكسية‪ ،‬وكذلك اؼبعتقد الكنسي‪،‬‬
‫واغبياة الكهنوتية والرىبانية معاشة عندىم‪ ،‬فمن اػبطأ تقسيمهم إذل آباء صحويُت وإذل آباء اجتماعيُت‬
‫أل ّف فصلهم على ىذا النحو ذو نتائج وبيلة يف اغبياة الروحية وينتهي إذل التجديف على الروح القدس‪.‬‬
‫‪ -‬أال تظنوف أ ّف بعض اآلباء‪ ،‬كالقديس باسيليوس الكبَت أو القديس يوحنا الذىيب الفم‪ ،‬اللذين تكلّما‬
‫كثَتاً على مسائل اجتماعية كانوا أقرب إذل الشعب؟‬
‫‪ -‬بكل تأكيد‪ .‬لكٍت أرى ‪-‬كما قلت سابقاً‪ -‬ضرورة بعض التوضيحات‪ .‬فأوالً‪ ،‬إ ّف ىذا ال يعٍت أ ّف‬
‫ىؤالء اآلباء دل يعيشوا بالدموع والصحو والصبلة‪ ،‬أعٍت أنو هبب أف ال نفصل تعليمهم االجتماعي عن‬
‫حياهتم الداخلية‪ .‬هبب أالَّ يُ َّ‬
‫فكك األب القديس وإالَّ فإنو قد يُعترب عاؼباً اجتماعياً أو عادل أخبلؽ‬
‫وحسب‪ .‬والفرؽ شاسع بُت العادل االجتماعي والبيولوجي أل ّف كبلً منهما ينطلق من دوافع وأسس‬
‫ـبتلفة‪ ،‬واألنثروبولوجيا (علم اإلنساف) زبتلف كثَتاً عند كل منهما‪.‬‬

‫ثانياً‪ -‬إذا كاف بعض اآلباء القديسُت قد تكلّم على اؼبسائل االجتماعية أكثر من سواه فما ذلك إالَّ‬
‫معُت‪ .‬وهبب أالَّ ننسى أ ّف كبلـ النيب أو‬
‫ألهنم تلقوا من اهلل إعبلناً بأهنم هبب أف يتكلّموا مع إنساف َّ‬
‫اؼبوجة إليو حسب درجة نضجو وروحانيتو‪ .‬فإف بدا يف‬
‫كبلـ الرسوؿ أو كبلـ القديس يقاؿ للشعب َّ‬
‫كبلـ أحد اآلباء نقص‪ ،‬فهذا ال يعود إذل نقص يف ؾبأّة األب للموضوع وعجز يف عقليتو‪ ،‬بل إذل‬
‫عجز العادل عن فهم شيء ذي مستوى أعلى فاألب القديس ال هبهل الكبلـ على مستوى ٍ‬
‫عاؿ لكنو‬
‫يتقيّد بقدرة الرعيّة على االستيعاب‪ .‬كما أ ّف الروح اؽبدوئية تتجلى يف كثَت من اؼبؤلفات االجتماعية اليت‬
‫كتبها اآلباء القديسوف‪ .‬وللمزيد من اإليضاح نأخذ حاؿ القديس يوحنا الذىيب الفم الذي ذكرتو‪ .‬فإ ّف‬
‫ىذا األب القديس كاتب اجتماعي‪ ،‬وكتبو صاغبة ألف يقرأىا الناس يف العادل‪ .‬ويذكر كثَتوف تعليمو يف‬
‫ـبتلف اؼبوضوعات االجتماعية واألخبلقية‪ ،‬لكنهم ينسوف أنو ىو نفسو قد عاش اؽبدوئية والتنسك‬
‫بالصحو والدموع واغبزف والصبلة اؼبتواصلة وذكر اؼبوت اخل‪ ...‬وإذا قرأ أحد الرىباف اؽبدوئيُت كتبو أدرؾ‬
‫فوراً أنو أب ىدوئي‪.‬‬
‫سأذكر لكم فقرة من تعليمو ٍب أحاوؿ إبداء بعض اؼببلحظات‪ .‬فهو يتح ّدث عن “صبلة يسوع” (وعن‬
‫الصبلة بوجو أعم) وعن قيمتها فيقوؿ‪“ :‬هبب أف سبارس “الصبلة” بعقل مرّكز‪ ،‬غَت مشتّت‪ ،‬وبقلب‬
‫ؾبروح بشعور التوبة‪ ،‬لكي يكوف مثمراً‪“ .‬إ ّف “الصبلة” سبلح عظيم وكنز ال ينقص‪ ،‬وثروة ال تُستنفد‬
‫متموج‪ ،‬وشرط صفاء وأصل خَتات ال ربصى‪ .‬وىي أقوى من اؼبلك نفسو‪ ...‬وإذ‬ ‫أبداً وميناء غَت ّ‬
‫ُ‬
‫أقوؿ“الصبلة” فبل أقصد صبلة ىزيلة مفعمة بالتواشل‪ ،‬بل أعٍت صبلة فبت ّدة بنفس متوجعة‪ ،‬وعقل‬
‫كُت إذاً حرارة الوجداف ولنحزنَ َّن النفس بذكر‬
‫متوتّر‪ .‬فهذه ىي “الصبلة” الصاعدة كبو السماء‪ .‬فلنز َ َّ‬
‫اػبطايا‪ .‬لنحزنػَنَّها‪ ،‬ال لكي نضايقها بل لكي نعدَّىا لكي يستجاب ؽبا‪ ،‬وقبعلها تصحو وتستيقظ‬
‫وبالصحو واليقظة قبعلها تلمس السماوات‪...‬فما من شيء يطرد التواشل وعدـ االكًتاث كاألدل واغبزف‪،‬‬
‫ألهنما هبمعاف العقل من كل مكاف‪ ،‬ويعيدانو إذل ذاتو‪ .‬فإ ّف اؼبتضايق اؼبصلّي على ىذا النحو يستطيع‬
‫بعد“الصبلة” أف هبلب إذل نفسو اؼبزيد من اللذة فتستقر فيها”‪ .‬وىو يضيف قائبلً “إف أقنع اؼبرء نفسو‬
‫أنو أسوأ الناس أصبعُت وبصل فوراً على دالَّة يف الصبلة”‪.‬‬
‫واستأنف الشيخ قائبلً‪ّٔ ،‬ذه الطريقة عينها‪ :‬يا ِ‬

‫أبت‪ ،‬كاف يبكن أف يتكلّم كبَت اؽبدوئيُت‪ .‬ونستطيع ىنا‬
‫أف نبلحظ بعض النقاط‪:‬‬

‫أوالً‪ -‬إ ّف القديس يوحنا الذىيب الفم يربط الصبلة بالنفس اؼبتأؼبة والعقل اؼبتوتر(اليقظ) وال بد أف يعود‬
‫العقل من تشتّتو إذل ذاتو لكي تتم الصبلة اؼبتكاملة‪.‬‬
‫يؤجج القلب قبل الصبلة وىو‬

‫ثانياً‪ -‬من الضرورة دبكاف لكي يكوف للصبلة فعالية ذات نتائج ناجعة أف َّ‬
‫ما ربدثنا عنو آنفاً‪ .‬فإ ّف القلب يتأجج والعقل يعود‪ ،‬وبذلك تكوف الصبلة منتجة‪.‬‬
‫يؤجج القلب بتذ ّكر اػبطايا‪ ،‬وبتوبيخ الذات‪ ،‬والشعور بأننا أسوأ الناس‪“ ،‬أحط من كل خليقة”‪.‬‬
‫ثالثاً‪َّ -‬‬
‫فإف عشنا ىذه الصبلة وفقاً ؽبذا النهج فقط‪ ،‬نستطيع اغبصوؿ على اللذة الروحية‪ ،‬نعمة اؼبسيح‪ .‬أرأيتم‬
‫األب اؽبدوئي؟‬
‫‪ -‬لقد أدىشتٍت قراءة ىذه الفقرة من أقواؿ القديس يوحنا الذىيب الفم وربليلكم ؽبا وقد ترؾ رأي األب‬
‫القديس يف نفسي أثراً طيباً‪.‬‬
‫‪ -‬أتسمح رل بتصحيح؟‬
‫‪ -‬بالتأكيد‪.‬‬
‫‪ -‬ليس ىذا رأياً شخصياً للقديس يوحنا الذىيب الفم‪ ،‬وإمبا ىو تعليم الكنيسة‪ .‬فنحن ال نستطيع أف‬
‫نتح ّدث عن آراء لآلباء القديسُت‪ ،‬وكأننا نعتربىم فبلسفة وعلماء اجتماعيُت وعلماء أخبلؽ‪ ،‬بل‬
‫نتح ّدث عن تعليم اآلباء من حيث أهنم أعضاء جسد اؼبسيح آّيد‪ ،‬يتقبّلوف إشراقات نور الروح‬
‫القدس‪ .‬وكبن إذا عشنا يف داخل الكنيسة نبطل الفرد أشخاصاً وموضع أفعاؿ الثالوث‪ ،‬فيستنَت العقل‬
‫ويصَت منرباً للروح القدس‪ .‬وكل عمل عظيم يف الكنيسة ينطلق من الطاعة‪ .‬وقد أطاع اآلباء القديسُت‬
‫فتغَتوا وصاروا آنية هلل‪ ،‬وعاشوا ٍب تكلّموا لكي يساعدوا اآلخرين أيضاً‪.‬‬
‫اهلل دبلء اغبرية َّ‬
‫‪ -‬أشكركم على التصحيح‪ ،‬وأسألكم أف تتعطفوا فتشرحوا رل شيئاً آخر‪ ،‬فقد ذكرنا قببلً أ ّف الراىب‬
‫فلم ال نستطيع كبن سبييز ذلك‪،‬‬
‫صحوي‪َ .‬‬
‫ّ‬ ‫اؽبدوئي إذا قرأ القديس يوحنا آراء الذىيب الفم أدرؾ انو أب‬
‫ؾبرد علماء اجتماع وغرباء عن ىذه اغبياة الداخلية؟‬
‫ونعترب اآلباء الذين كتبوا يف موضوعات اجتماعية ّ‬
‫‪ -‬وبدث ىذا أل ّف الروح القدس ال يعمل يف داخلنا عمبلً كافياً‪ .‬والكتاب اؼبق ّدس ومؤلفات اآلباء‬
‫القديسُت قد ُكتبت بإنارة الروح القدس‪ ،‬وىي بالتارل تُشرح وتصَت مفهومة بإنارتو فقط‪ .‬فمن لو معتقد‬

‫ؼ الرب‬
‫الصحوي الذي َعَر َ‬
‫ّ‬ ‫اآلباء‪ ،‬وعنده الروح القدس‪ ،‬يقرأ كتاب أي أب فيعرؼ فيو األب اؽبدوئي‪،‬‬
‫الروح القدس‪ .‬فإف القديسُت فقط‪ ،‬أل ّف حياهتم متطابقة واختباراهتم مشًتكة وطرؽ تعبَتىم واجدة‪ .‬فهم‬
‫يدركوف النعمة اليت تعمل داخل نفوس اآلباء القديسُت وفكرىم‪ ،‬من الكلمات اليت يستعملوهنا‪ ،‬وأحياناً‬
‫من طريقة تعبَتىم‪ .‬فإف قرأ أحد معايٍت اهلل أفاشُت القديس باسيليوس الكبَت يف خدمة القداس اإلؽبي‬
‫يدرؾ فوراً أ ّف باسيليوس قد رأى النور غَت اؼبخلوؽ مع أنو ال يذكر ذلك حرفياً‪.‬‬
‫أما إذا درس علماء اجتماع أو علماء أخبلؽ مؤلفات اآلباء اؼبختلفة بدوف أف يكونوا حاصلُت على‬
‫يعززوهنا ويف ّككوهنا‪ .‬ويبدو رل أ ّف استعمالنا مقتطفات منفردة من مؤلفات اآلباء‬
‫الروح القدس‪ ،‬فإهنم ّ‬
‫على اؼبنواؿ أب خارج الروح النسكية لكي نؤيد ّٔا أفكارنا الدنسة اؼبركزة على اإلنساف‪ ،‬ؽبو ىرطقة‬
‫(بدعة) كربى‪ .‬فعندما ننظر إذل أحد اآلباء القديسُت خارج إطار روح التقشف والتوبة اخل‪ ..‬فإننا‬
‫نف ّككو‪ .‬وكل تفكيك ىو تغَت‪ .‬وىذا ما فعلو اؽبراطقة صبيعاً‪ .‬فقد استعملوا عبارات من كتب اآلباء‬
‫بدوف أف يفهموىا‪ ،‬وبدوف أف يكونوا حائزين مسبقاً على شروط تفسَتىا تفسَتاً صحيحاً‪.‬‬
‫ولذا فإ ّف شعار العودة إذل اآلباء‪ ،‬الذي يُعلن اليوـ‪ ،‬يقتضي منا أف كب ّققو ال باالكتفاء بدرس النصوص‬
‫اآلبائية وحسب بل ببذؿ اعبهد بغية اكتساب حياة اآلباء القديسُت أيضاً‪ ،‬فنحيا يف كنيستنا اؼبق ّدسة‬
‫وباألسرار اؼبق ّدسة والفضائل اؼبق ّدسة‪ ،‬باإلضافة إذل أنو هبب علينا أف ال نبقى ؾبرد أفراد بل أف كبيا‬
‫مكرمُت‪.‬‬
‫كأشخاص‪ ،‬كأعضاء للمسيح ّ‬
‫***‬
‫يف تلك اللحظة دخل علينا اؼبريد اؼبه ّذب‪ ،‬ليسأؿ عما يق ّدمو رل‪ .‬أما الشيخ فكاف منهمكاً كلّياً يف‬
‫احملادثة‪ ،‬وقد نسي مراعاة عادة الرىباف يف آّاملة اؼبه ّذبة اؼبتّعبة عندىم‪ ،‬وىي أف يق ّدموا للضيف شيئاً‬
‫على سبيل الربكة‪ .‬فقد كانت احملادثة الروحية من القوة حبيث أهنا أنستو كل شيء سواىا‪.‬‬
‫أحضر شيئاً لؤلب‪...‬‬

‫ْ‬ ‫‪ -‬أجل‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا أحضر أيها الشيخ؟ أأقدـ لو قطعة من اؼبلنب‪ ،‬أو قليبلً من اؼبرىب‪ ،‬أو شيئاً آخر؟‬

‫بعد أف أمر الشيخ تلميذه دبا يلزـ‪ ،‬أخذ يشيد بو فقاؿ‪ :‬إشل يف اغبق دل أكن جديراً بأف يكوف رل مثل‬
‫لكن اهلل قد رأؼ حبارل فأرسل رل مبلئكة صغاراً‪ .‬فليس رل يف الواقع مريدوف‪ ،‬إمبا ىؤالء‬
‫ىؤالء اؼبريدين‪ّ .‬‬
‫مبلئكة ىبدمونٍت‪ .‬فكيف رل أف أرفع شكري العميق إذل اهلل الكلي القداسة؟ وىذا اؼبريد بالذات قد قدـ‬
‫إرل أخَتاً‪ ،‬وأفكاره أفكار طفل صغَت‪ .‬وىذا أمر ضروري لعمل الصبلة العقلية موضوع حديثنا‪ .‬إ ّف آباء‬
‫َّ‬
‫الكنيسة يعلّموف قائلُت‪ :‬إف أراد أحد اػببلص وجب عليو أف يصَت جاىبلً أي أبلو حسب اؼبسيح (كبن‬
‫جهاؿ من أجل اؼبسيح)‪ ،‬أو طفبلً “إف دل تعودوا وتصَتوا مثل األطفاؿ‪ ،‬فلن تدخلوا ملكوت‬
‫السماوات”‪ .‬وكلنا نستطيع بنعمة الروح القدس اكتساب اؼبراىقة الروحية والذىبية الطفولية إزاء الشر‪،‬‬
‫ولو سبق لنا ارتكاب أعظم اػبطايا‪.‬‬
‫يتحوؿ الفىت شيئاً فشيئاً‬

‫إ ّف ناموس اغبياة الروحية مناقض لناموس اغبياة اعبسديَّة‪ .‬ففي اغبياة اعبسديَّة ّ‬
‫يتحوؿ‬
‫إذل شيخ‪ .‬أما يف اغبياة الروحية فاألمر ىبتلف‪ ،‬أل ّف اإلنساف الذي صار شيخاً بسبب اػبطيئة‪ّ ،‬‬
‫أمسكت كأس‬
‫ُ‬ ‫طفل‪.‬أحضر اؼبريد بركة الكوخ على صينيَّة‪ ،‬وىي قطعة من اؼبلنب‪ ،‬مع قليل من اؼباء‪.‬‬
‫َ‬ ‫إذل‬
‫التمست من الشيخ بركتو‪ ،‬قائبلً‪ :‬أدعوا رل لكي أصَت طفبلً أو أبْػلَو‪...‬‬
‫ُ‬ ‫اؼباء بيدي و‬
‫ىناؾ غبظات ال تستطيع فيها أف تصلّي أل ّف الكبلـ يتوقّف وربس يف قرارة نفسك بأنك يف مسيس‬
‫اغباجة إذل طلب األدعية والربكات وإنك لتعيش ىذا يف اعببل اؼبق ّدس “آثوس”‪.‬وؽبذا ال تدعو‪ ،‬ولكنك‬
‫تلتمس الدعاء‪.‬‬
‫‪ -‬باركوا‪...‬‬
‫‪ -‬الرب‪...‬‬
‫ىذه ىي التحية ىنا‪ .‬فبل يقاؿ صباح اػبَت‪ ،‬وال مساء اػبَت‪ ،‬وال ليلة سعيدة‪ .‬إالّ انو هبري أحياناً بعض‬
‫التعديل يف التعبَت كقوؽبم‪“ :‬أسبٌت لكم صرباً صبيبلً‪ ،‬أو سهراً حسناً‪ ،‬أو ‪..‬فردوساً رائعاً‪ ،‬أو‪...‬هناية‬
‫صاغبة”‪.‬‬
‫قلت يف نفسي‪ :‬أسبٌت أف تعيش أيها‬‫كنت أقوؿ “باركوا” وأتناوؿ قطعة اؼبلنب الشديدة اغببلوة ُ‬
‫بينما ُ‬
‫الشيخ إذل سنُت عديدة‪ ،‬أجل أف تعيش عمراً مديداً لكي نعيش كبن اػبطأة أيضاً‪...‬‬

‫يردد “الصبلة” َّ‬

‫ودؿ وضعو على أنو كاف يف حاؿ‬ ‫والحظت أ ّف الشيخ كاف ّ‬
‫ُ‬ ‫وساد صمت عميق‪.‬‬
‫فقلت‪:‬‬
‫ووجدت صعوبة كربى يف الكبلـ‪ .‬ولكن كاف من الواجب أف أتكلّم‪ُ ...‬‬
‫ُ‬ ‫فتهيبت‬
‫ُ‬ ‫إؽبي‪.‬‬
‫اختطاؼ ّ‬
‫‪ -‬أريد أيها الشيخ أف أستوقفكم لكي أستأنف‪ .‬إشل أعرؼ أ ّف حضوري إذل ىنا يف ىذا احمليط غريب‬
‫إذل حد ما‪ .‬فما أنا سوى متط ّفل يُصعَّب عليكم حياتكم‪...‬‬
‫تقل ىذا‪ .‬فإننا نستقبلك كأخ لنا تعيش يف العادل‪ ،‬وذباىد اعبهاد اغبسن‪ ،‬ولك نعمة من اهلل‪.‬‬
‫‪ -‬ال‪..‬ال ْ‬
‫‪ -‬ال يبكن اؼبقارنة بُت النعمة اليت لنا دبا لكم‪.‬‬
‫ازدادت النعمة جدداً”‬

‫ْ‬ ‫كثرت اػبطيئة‬
‫‪ -‬ومع ذلك فإ ّف النعمة اإلؽبية تغدؽ عليكم أكثر “ألنو حيث ْ‬
‫(رومية ‪ .)4 :1‬واهلل ينعم عليكم مزيداً من الرضبة‪ ،‬لكي وبفظكم يف ؿببتو‪ .‬إ ّف اهلل ليحبّكم أكثر‪...‬‬
‫ىزمٍت حبُّو وتواضعو‪ -‬ولكٍت أريد أف أتابع‬

‫كمجرد تعبَت عن اتضاعكم ‪ -..‬قلت ىذا وقد َ‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬أقبل ىذا‬
‫ألننا جئنا إذل ىنا‪ ،‬لكي نستفيد كل الوقت‪ ،‬وآلخر دقيقة‪ .‬لقد تكلّمتم سابقاً عن تأجيج القلب وقلتم‬
‫نًتدى فيها اخل‪ ،..‬أفما ُوب ِدث‬
‫إنو يتح ّقق بالتأمل يف العقاب األبدي‪ ،‬والفردوس‪ ،‬ويف حاؿ اػبطيئة اليت َّ‬
‫ؾبرداً من‬
‫ىذا بعض اؼبشاكل؟ لقد قلتم إنو هبب أف نقوـ بصبلة غَت ظاىرة‪ ،‬لكي يكوف العقل خبلؽبا َّ‬
‫كل شكل‪ .‬فهل ىذه األشكاؿ تُعيق الصبلة النقية‪.‬‬
‫‪ -‬بادئ ذي بدء أف أنّبو إذل أ ّف ىذه األفكار ليست أفكاراً ؿبضة وليست زبيّبلً وإمبا ىي عمل عقلي‪.‬‬
‫فنحن ال نفكر وحسب‪ ،‬إمبا نعيش‪.‬‬
‫كنت يوماً أتأمل اعبحيم بضع غبظات قائبلً يف نفسي إشل جدير ّٔذا اؼبكاف‬
‫أذكر على سبيل اؼبثاؿ أشل ُ‬
‫وجدت ذاٌب يف تلك الظلمة اؼبوحشة‬
‫ُ‬ ‫بسبب كثرة خطاياي فما كاد هبوؿ يف نفسي ىذا الفكر حىت‬
‫أفقت من ىذه اغباؿ كانت قبلييت تفوح‬
‫وذقت آالمها اليت ال تطاؽ وأوجاعها اليت تفوؽ الوصف‪ .‬وؼبا ُ‬
‫ُ‬
‫منها روائح كريهة‪ ..‬ال يبكنكم أف تدركوا مدى قذارة اعبحيم وما يعانيو اؼبعاقَبوف فيها من أدل‪...‬‬
‫لقد زاد شعوري اآلف أشل أماـ شيخ قديس يرّكز ذىنو على اعبحيم‪ .‬فًتكتو يكمل حديثو بدوف أي‬
‫تعليق‪...‬‬

‫يتم ّٔذه األفكار‪ ،‬قبل الصبلة‪ .‬فإذا بدأنا الصبلة ذلك وجب أف مبتنع‬
‫‪ٍ -‬ب إ ّف تأجيج القلب مسبَّقاً ُّ‬
‫عن إشغاؿ فكرنا يف ىذه اؼبوضوعات‪ ،‬وعلينا أف نصب اىتماـ عقلنا وقلبنا على كلمات “الصبلة”‬
‫التجرد من‬
‫نتصوره‪ ،‬وىو ما نّبو إليو اآلباء كثَتاً‪ ،‬أعٍت أ ّف العقل يصَت إذل حاؿ ُّ‬
‫لنتوصل إذل أمر دل نكن ّ‬
‫الشكل والتخيّل‪.‬‬
‫تعزز اؼبؤمن يف جهاده ضد الشيطاف‪ ،‬وىي يف الوقت عينو جهاد ٍ‬

‫داـ مؤدل‪.‬‬ ‫الصبلة جهاد ومن شأهنا أف ّ‬
‫أصم وأخرس إزاء كل فكر‬
‫فيجب أف نعمل على تركيز ذىننا على كلمات “الصبلة”‪ ،‬وقبعل عقلنا ّ‬
‫الرد‬
‫خَتاً أو شريراً‪ ،‬يأٌب بو الشيطاف‪ .‬أعٍت أف مبتنع عن ظباع األفكار الواردة من اػبارج وعن ّ‬
‫سواء كاف ّ‬
‫عليها‪ ،‬وأف كبتقرىا ونرفض اؼبناقشة فيها‪ .‬هبب علينا أف نتوخى بكل وسيلة إسكات العقل إسكاتاً‬
‫كامبلً‪ ،‬ألننا ّٔذا وحده نستطيع أف كبفظ ذاتنا يف سكينة حبيث يكوف “للصبلة” فعلها الناجع‪.‬‬
‫ومن اؼبعلوـ أ ّف األفكار تتجو من العقل إذل القلب فتشيع فيو االضطراب‪ .‬والعقل اؼبضطرب ينقل‬
‫العدوى إذل النفس فلو َّىبت رياح األفكار ألثارت يف النفس أمواجاً كما تثَت الرياح أمواج البحر‪.‬‬
‫واالنتباه أمر ضروري للصبلة‪ .‬ؽبذا يتح ّدث اآلباء عن الًتابط بُت الصحو والصبلة‪ .‬فإ ّف الصحو وبفظ‬
‫نتوصل إذل ىذه الغاية‬
‫العقل يف يقظة واستعداد مستمرين‪ ،‬أما الصبلة فتحمل إلينا النعمة اإلؽبية‪ ،‬وكبن ّ‬
‫لنضع يف اعتبارنا قبل الشروع يف عمل “الصبلة” الشريفة‪ ،‬أنّو يتطلّب منا أف تكوف لنا‬
‫بطرؽ عديدة‪ْ .‬‬
‫خبللو رغبة ملتهبة وترقُّب مفعم باألمل ومرارة شديدة وصرب صبيل طويل مقروف بالرجاء يف ؿببة اهلل‪.‬‬
‫نبدأ بػ “تبارؾ اهلل إؽبنا كل حُت‪ٍ ”...‬ب “أيها اؼبلك السماوي‪ ”...‬وبعدىا “قدوس اهلل‪ ”...‬ونتلو‬
‫بعدىا اؼبزمور اػبمسُت‪ ،‬مزمور التوبة‪ ،‬بورع وخشوع‪ٍ ،‬ب دستور اإليباف‪ .‬وننتقل إذل عملية تركيز عقلنا‬
‫باؽبدوء والصمت‪ ،‬ونؤجج عقلنا باألفكار كما قلنا سابقاً ومىت التهب ‪-‬وقد يتم ذلك مقروناً بذرؼ‬
‫دموع‪ -‬نشرع يف “الصبلة” فنتلو كلماهتا ببطء‪ ،‬ونتدارؾ يف الوقت عينو شرود العقل لكي يتابع مسَتة‬
‫لتسرب أفكار أو حوادث‬
‫الكلمات‪ .‬أما الكلمات فينبغي أف تكوف متواصلة بدوف أف يفسح آّاؿ ّ‬
‫أُخرى وبعد كلمة “إرضبٍت” نتلو الصبلة من جديد “يا ريب‪ ،‬يسوع اؼبسيح‪ ”...‬وىكذا حبيث تصَت‬
‫تدخل إبليس‪.‬‬
‫دورة كاملة ونتحاشى ّ‬

‫هبب أف تعلموا أ ّف الشيطاف سيحاوؿ بكل وسيلة أف يفصم وحدة الكلمات وأف يقتحم العقل والقلب‬
‫ويدمرىا‬
‫لعلّو يفتح ثغرة صغَتة يضع فيها قنبلة (لغماً) ىي عبارة عن فكرة ينسف ّٔا ؿباولتنا الشريفة ّ‬
‫كلها‪ .‬فعلينا أالَّ نسمح لو بذلك‪ .‬ويف ىذه اغباؿ هبب أف نتلو الصبلة بصوت عاؿ بالفم لتسمعو‬
‫األذناف‪ ،‬فيساعد ىذا العقل على اؼبزيد من الًتّكز‪.‬‬
‫وىناؾ طريقة أخرى ىي نتلو الصبلة بالعقل أو بالقلب ببطء شديد‪ .‬وبعد كلمة “إرضبٍت” نتوقّف قليبلً‬
‫إذل أف يضعف انتباىنا‪ٍ ،‬ب نعود إذل تبلوتو من جديد‪ .‬وينصح اآلباء القديسوف أف نضيف عبارة‬
‫“إرضبٍت أنا اػباطئ” إذل الصبلة يف األحواؿ اليت نقصد فيها تأجيج القلب مسبقاً بأفكار تدور حوؿ‬
‫نًتدى فيها‪.‬‬
‫موضوع حياة اػبطيئة اليت ّ‬
‫وإذا تعب العقل من تكرار الصبلة بكاملها يبكن اختصارىا ىكذا “يا ريب يسوع اؼبسيح ارضبٍت” أو“يا‬
‫جاز لو اختصار كلماهتا‪.‬‬
‫رب ارضبٍت” أو “يا ريب يسوع”‪ .‬وكلما مضى اؼبسيحي يف تبلوة الصبلة َ‬
‫فيكرره ىكذا‪ :‬يسوع‪ ،‬يسوع‪ ،‬يسوع‪ ،‬يسوع‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وبإمكانو أحياناً أف يكتفي باسم “يسوع”‬
‫فتهب موجة من الصفاء والفرح لتشيع يف كيانو‪ .‬ومن اؼبستحسن أف يبقى يف ىذه‬
‫يسوع‪...‬يسوعي‪ّ .‬‬
‫اغباؿ اغبلوة اليت انتقل إليها وأالَّ َّ‬
‫يكف عن الصبلة ولو كاف فرضو احملدَّد قد انتهى‪ .‬وعليو أف يُبقي على‬
‫حرارة قلبو ثابتة كأنو ىبتطفها اختطافاً‪ ،‬ويستغل ىذه العطية اإلؽبية‪ ،‬فما ىي إالّ ىبة كربى نفحو اهلل ّٔا‬
‫وينصب عليها انصباباً‬
‫ّ‬ ‫من األعارل‪ .‬وىذه اغبرارة تساعد العقل مساعدة ناجعة فيتعلّق بكلمات الصبلة‬
‫ويهبط إذل القلب ليبقى فيو‪.‬‬
‫فليعمل بنصح اآلباء فيصلّي ساعة ٍب يقرأ ساعة‪ ،‬يستأنف بعدىا‬

‫ْ‬ ‫ومن أراد تكريس يومو كلّو للصبلة‬
‫الصبلة ساعة أخرى‪ .‬وعليو أالَّ يتواسل عن ترديد “الصبلة” إبَّاف مزاولة عملو اليدوي‪.‬‬
‫وينصح اآلباء أيضاً بوضع مناسب للجسم ليساعد آّاىد يف الصبلة‪ ،‬وذلك بأف هبلس اؼبصلّي‪،‬‬
‫ساعات طويلة‪ ،‬على مقعد‪ ،‬مقفبلً عينيو أو مرّكزاً إيانبا على نقطة ثابتة‪ .‬ومن األفضل أف يثّبتهما على‬
‫الصدر من جهة القلب‪ .‬ويرى القديس غريغوريوس باالماس أ ّف النيب إيليا مبوذج يف ىذا‪ .‬فإنّو ‪-‬كما‬
‫وخر إذل األرض وجعل وجهو بُت ركبتيو‪ ،‬وأخذ‬
‫يقوؿ الكتاب اؼبق ّدس‪ -‬قد صعد إذل رأس جبل الكرمل ّ‬
‫يصلي‪ ،‬فزاؿ اعبفاؼ (اؼبلوؾ األوؿ ‪ 21 -24 : 51‬يف الًتصبة الربوتستانتية العربية)‪.‬‬

‫أجل‪ ،‬يا ِ‬
‫أبت‪ ،‬إ ّف النيب قد فتح السماوات بصبلتو‪ ،‬فيما كاف متَّخذاً ىذا الوضع اعبسماشل‪ .‬وكبن أيضاً‬
‫نفتح السماوات بالطريقة عينها‪ ،‬فتهبط إذل قلبنا اعباؼ غيوث النعمة اإلؽبية‪.‬‬
‫أت بعد زمن ىذه الفقرة من أقواؿ القديس غريغوريوس باالماس اليت ذكرىا رل الشيخ اعبليل يف‬
‫لقد قر ُ‬
‫اعببل اؼبقدَّس‪ .‬وقد كتبها رداً على الفيلسوؼ برلعاـ‪ ،‬الذي كاف يسخر من الرىباف اؽبدوئيُت وعملهم‪،‬‬
‫صَّرة البطن”‪ .‬قاؿ ىذا األب اؼبتوشح باهلل “إ ّف إيليا نفسو‬
‫ويطلق عليهم ّٔزء لقب “حاصري النفس يف ُ‬
‫الذي كاف األكمل يف رؤية اهلل‪ ،‬قد أزاؿ اعبفاؼ‪ ،‬الذي ظل قائماً سنُت كثَتة‪ ،‬وذلك حُت أخفض‬
‫ووجهو إذل اهلل باجتهاد‪ .‬وينصح ىذا األب اؼبتوشح باهلل أيضاً بازباذ‬
‫رأسو إذل ركبتيو‪ ،‬وصبع عقلو يف ذاتو َّ‬
‫تتجوؿ العُت ىنا وىناؾ وإمبا‬
‫طريقة صاغبة تساعد اؼبصلّي‪ ،‬أال وىي تثبيت العينُت فيقوؿ “وهبب أال ّ‬
‫صَّرة البطن‪ ،‬وأف تػَُرَّد إذل القلب قوةُ العقل الشاردة يف األمور‬
‫ينبغي أف يًتّكز نظرىا على الصدر أو على ُ‬
‫اػبارجية‪ ،‬بوضع اعبسم على ىذا النحو‪.‬‬
‫وتابع الشيخ كبلمو قائبلً‪ :‬أما اؼبكاف فيلعب ىو أيضاً دوراً ىاماً يف ىذا‪ .‬فيجب أف يتوفَّر فيو اؽبدوء‬
‫والصفاء اػبارجي‪ .‬وكذلك الزمن ينبغي أف يكوف مناسباً‪ ،‬فإف العقل تشغلو عادة أمور كثَتة بعد العمل‬
‫طواؿ النهار‪ .‬ؽبذا ينصح اآلباء أف تت ّم رياضة الصبلة العقلية يف الفجر قبل طلوع الشمس بساعتُت‪.‬‬
‫ففي ىذا الوقت يكوف اعبسم كلّو مسًتوباً والعقل غَت شارد‪ ،‬فتأٌب الصبلة فيو بثمر كثَت‪.‬‬
‫‪ -‬ما الطريقة اليت يبكن أف نستعملها‪ ،‬أيها الشيخ‪ ،‬لضبط العقل يف حاؿ شروده‪ ،‬طاؼبا أنو أمر كثَتة‬
‫اغبدوث؟‬
‫‪ -‬شبة أياـ وساعات ؾبدبة ألسباب عديدة‪ ،‬تعسر فيها الصبلة‪ .‬وعمل الصبلة يف ىذه األوقات مض ٍن‬
‫وصعب‪ .‬غَت أننا إذا أصررنا على أدائو ساعدتنا النعمة اإلؽبية على مواصلة الصبلة والتق ّدـ يف طريق‬
‫تأؽبنا حسب النعمة‪ .‬سأذكر لكم بعض الطرؽ اليت تعيننا يف زبطّي ىذه الساعات واألياـ اعبدباء‪.‬‬
‫ينبغي أوالً أالَّ نفقد شجاعتنا‪ ،‬مهما كانت األسباب‪ .‬وعلينا يف ىذه الساعات بالذات أف ّ‬
‫نردد صبلتنا‬
‫بالشفتُت‪ .‬وقد يكوف من امتيازات األقوياء اؼبنعم عليهم‪ ،‬أهنم يستطيعوف أف يثبتوا عقوؽبم بسهولة على‬
‫الكلمات‪ ،‬وأف يصلوا بدوف تلكؤ‪ .‬أما كبن فضعفاء وخطأة واكتظت نفوسنا باألىواء فغدونا يف مسيس‬
‫اغباجة إذل بذؿ كل جهد ال بل إذل إراقة دمنا فعبلً يف سبيل الوصوؿ إذل ذلك‪ .‬وإذا رأينا عقلنا يشرد‬

‫باستمرار ويفقد انتباىو‪ ،‬فليس لنا إالَّ أف نلتمس اؼبعونة من عند اهلل‪ ،‬كما فعل الرسوؿ بطرس حُت رأى‬
‫رب قبٍت” (مىت ‪.).3 :52‬‬
‫الريح شديدة‪ ،‬وقد أوشك على الغرؽ‪ ،‬فصرخ إذل ربو مستغيثاً‪“ :‬يا ّ‬
‫ت فينا ريح اؽبواجس والضجر‪ ،‬فما لنا سوى الصراخ مثل بطرس مستنجدين‪ ،‬فيكوف لنا ما‬ ‫وإذا ىبّ ْ‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‪ ،‬دبعونة اهلل‪،‬‬ ‫حدث لو “ويف اغباؿ َّ‬
‫مد يسوع يده وأمسك بو”‪ .‬أعٍت أنو بعد صبلة متعبة‪ ،‬تتبدَّد‬
‫كل ىذه التخيّبلت اليت تأٌب لتشغل العقل‪ ،‬ألف اسم اؼبسيح ىبرقها بطريقة غَت منظورة‪.‬‬
‫أعود إذل القوؿ إنو هبب أالَّ يستورل علينا الذعر يف ىذه األحواؿ‪ ،‬وما علينا سوى مواصلة اؼبقاومة‪.‬‬
‫وهبب أف تكوف مقاومتنا من القوة حبيث تضارع شدة االعتداء الذي يشنّو الشيطاف علينا ويف ساعة‬
‫الصبلة هبب أالَّ نستقبل َّ‬
‫أي فكر ولو كاف صاغباً‪ ،‬أل ّف األفكار شريرة أيضاً‪ .‬أعٍت أ ّف األفكار الصاغبة‬
‫إباف الصبلة تفتح الطريق للشيطاف لكي يدخل ويقطع عمل الصبلة اؼبق ّدس وبذلك نسقط يف خطيئة‬
‫الزسل الروحي‪ .‬فإ ّف اآلباء يقولوف‪ :‬إف ابتعد العقل عن ذكر اهلل خبلؿ الصبلة وشرد ىنا وىناؾ ارتكب‬
‫ّ‬
‫زسلَّ روحياً‪ .‬فهو ىبوف اهلل ويرفضو‪ .‬وىل ىناؾ أعظم من خطيئة خيانة يسوع اغبلو وجحده ؼبصلحة‬
‫إبليس عدو اػبَت اغبسود؟‬
‫ورده عن تشتّتو‪ ،‬بات من الضروري القياـ دبزيد من اعبهاد اؼبضٍت‪ .‬فإ ّف‬
‫فإ ّف عجزنا عن ضبط العقل ّ‬
‫سهلت قيادهتا‬ ‫أليم بالشراع يف حاؿ ىبوب الرياح‪ ،‬وإذا كاف البحر ىادئاً‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫السفينة يا أبت تشق غمار ّ‬
‫مؤلت حرارة نعمة اؼبسيح كياننا سارت “الصبلة” إذل‬
‫بآّداؼ‪ .‬ووبدث مثل ىذا يف “الصبلة” فإ ّف ْ‬
‫التحرؾ بواسطة آّاديف أي اؼبزيد من‬
‫ذبشم مشاؽ ّ‬
‫غايتها بسهولة‪ .‬أما إذا غابت النعمة فبل بدلنا من ّ‬
‫اعبهاد‪ .‬ويف ىذه اغباؿ ال بد لنا من درس كتب اآلباء اليت ذبمع العقل وترد الفكرة من شروده‪ .‬ومىت‬
‫ف عن اؼبطالعة ونستأنف ترديد “الصبلة”‪.‬‬
‫شعرنا خبلؿ الدرس باػبشوع لنتوقّ ْ‬
‫ىكذا هبب أف نفهم ما قيل عن وجوب قراءة كتب اآلباء بقلب متألو ال باؼبنطق اعباؼ‪ .‬علينا أف نقرأ‬
‫اؼبؤلفات اليت كتبت بالقلب‪ ،‬والقلب يقرأ ىذه الكتب بارتياح‪ .‬ومعٌت ىذا أنو هبب اعبمع بُت القراءة‬
‫والصبلة‪.‬‬
‫علينا أف نتلو بعض مزامَت داود أو أف نلجأ إذل الًتنيم أيضاً‪ .‬ومن اؼبستحسن أف نكوف قد أعددنا من‬
‫قبل بعض الطروباريات اػبشوعية اليت تذكر ؿببة اهلل وتشَت إذل حياتنا يف اػبطيئة‪ ،‬وإذل اغبضور الثاشل‬

‫للمسيح‪ ،‬وتنطوي أيضاً على التماس العوف اإلؽبي اخل‪...‬وهبب أف نتلوىا قراءة ال ترنيماً‪..‬أو أف نردد‬
‫صلوات أخرى نظمها اآلباء القديسوف كالقديس إسحق السرياشل‪ .‬ىذه كلها ينبغي يف ىذه األحواؿ أف‬
‫نتلوىا بالفم كما قلت آنفاً‪ .‬أما “الصبلة” فيجب أف تُتلى مصحوبة (باغببل اؼبعقود)‪.‬‬
‫التنعم بو مهما‬
‫وال شك أننا قبٍت بعض الثمار ّٔذه الطريقة والقليل منها على كل حاؿ خَت من حرماف ّ‬
‫كاف ضئيبلً‪.‬‬
‫فأكرر القوؿ إ ّف اؼبرء يف ىذه األحواؿ وبتاج إذل اؼبزيد من الصرب والثبات‪ .‬وقد تغدو األفكار اليت‬
‫أعود ّ‬
‫زبطر على ذىننا مفيدة يف استعماؽبا من أجل تطهَتنا‪.‬‬
‫‪ -‬أتساعد يف التطهَت؟ كيف يكوف ذلك؟‬
‫‪ -‬ال يكاد الشيطاف يرانا وكبن نصلي ونسعى إذل تركيز الذىن على “الصبلة” حىت يعمل ما يف وسعو‬
‫كل شيء‪ ،‬وخباصة األفكار اليت تشغلنا أكثر من سواىا‪ ،‬ويضرب‬
‫يستغل ّ‬
‫ّ‬ ‫لكي وبوؿ دوف ذلك‪ .‬وىو‬
‫ويصوب سهمو‬
‫ؿبب اؼبلذات فيقذفو بأفكار شهوانية‪ّ ،‬‬
‫فيوجو قوسو إذل ّ‬
‫على وتر ضعفنا الذي يؤؼبنا كثَتاً ّ‬
‫فيصب عليو رشقات من سهاـ أفكار‬
‫ّ‬ ‫ؿبب آّد‬
‫ؿبمبلً بأفكار تذكي فيو الطمع‪ .‬أما ّ‬
‫ؿبب اؼباؿ َّ‬
‫إذل ّ‬
‫اؽبوس بالعظمة والرفعة‪.‬‬
‫ومن األفكار اليت ذبوؿ يف ذىننا خبلؿ الصبلة ندرؾ ما فينا من نقاط الضعف‪ ،‬وما يبكن داخلنا من‬
‫وكبس دبواطن الداء فنستطيع بعد ذلك أف نعَتىا انتباىنا وقباىد للخبلص منها‪.‬‬
‫قباسات‪ّ ،‬‬
‫بالتدخل‪ ...‬أعًتؼ بأشل قليل اػبربة يف موضوع “صبلة يسوع” غَت أشل‪ ،‬حُت‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬اظبحوا رل أيها الشيخ‬
‫أجاىد لكي أمارسها وبدث رل أدل يف الدماغ وكثَتاً ما يبتد إذل القلب أيضاً من شدة التعب‪ .‬فما ىذا؟‬
‫وما هبب عملو يف مثل ىذه اغباالت؟‬
‫‪ -‬إ ّف وجع الدماغ والقلب يصيباف اؼبؤمن يف بدء ىذا اعبهاد الروحي‪ ،‬فيظن أحياناً أ ّف دماغو سينفلق‬
‫سيتمزؽ‪ .‬ويزداد الوجع يف الدماغ إذل ح ّد يظن فيو أنو موشك على اؼبوت‪ .‬وىذا األدل طبيعي‬
‫ّ‬ ‫وأ ّف قلبو‬
‫تعود العقل على فبارسة مثل ىذا العمل وإذل وضع اعبسم أيضاً‪ .‬إالَّ أ ّف ىذا‬
‫ومرده إذل عدـ ّ‬
‫إذل ح ّد ما‪ُّ ،‬‬
‫كثَتاً ما يكوف موضع استغبلؿ الشيطاف لكي يوفق الصبلة‪ .‬ويف حاؿ وجع القلب فيجب أف يتأكد من‬

‫سببو فقد يعود إذل أنو مضى يف ىذا العمل قدماً قبل األواف واستعمل طرقاً ال تناسبو‪ .‬عدا ىذا فإ ّف‬
‫وجع القلب قد ساعده ألنو يبكن أف يصَت سباً مباشرة لًتكيز العقل على موضع األدل وقيامو بصبلة‬
‫متواصلة‪.‬‬
‫‪ -‬إ ّف فكرتكم ىذه مقتضبة جداً وإشل ألرغب يف اؼبزيد من شرحكم ؽبا‪ .‬وأريد أف أعلم على وجو‬
‫التحديد ؼباذا ينبغي اإلصرار على الصبلة فيما يكوف العقل متأؼباً؟‬
‫‪ -‬أل ّف تطهَته يبدأ بعد ذلك مباشرة‪ .‬وسيتجلّى ىذا التطهَت يف الدموع إذ تبدأ باؽببوط بغزارة‪ ،‬كالنهر‬
‫ويكف االنزعاج‪ .‬وىي دموع ال يبكنو‬
‫ّ‬ ‫اؼبتدفق‪ ،‬ويتن ّقى العقل وينزؿ إذل القلب وحينذاؾ يتوقّف األدل‬
‫ضبطها‪ ،‬وال تفسَتىا‪ ،‬ودل يبذؿ أي جهد من ذرفها‪.‬‬
‫ودمعت عيناي أيضاً‬

‫ْ‬ ‫فأضاءت وجهو‪.‬‬
‫ْ‬ ‫حملت دمعة كثيفة تتدحرج من عينيو‬
‫توقّف الشيخ عن الكبلـ‪ .‬و ُ‬
‫تذكرت القديس أرسانيوس الذي كتب عنو‬
‫ُ‬ ‫اؼبتحجر‪،‬‬
‫ّ‬ ‫النَتة قليب‬
‫عفوياً‪ ،‬وقد حطم صوتو وأفكاره ّ‬
‫كتاب“الشيوخ” (الغَتونديكوف) ما يلي‪“ :‬لقد قالوا إنو قضى حياتو منكبّاً على عملو اليدوي وعلى‬
‫كتفو قطعة من القماش يسمح ّٔا دموعو اؽباطلة من مقلتيو‪ .‬ويوـ ظبع األنبا بيمُت برقاده اغرورقت‬
‫عيناه وقاؿ‪:‬‬
‫“مغبوط أنت أيها األب أرسانيوس ألنك بكيت على نفسك ىنا يف العادل‪ .‬ومن ال ِ‬
‫يبك على نفسو ىنا‬ ‫َ‬
‫مفر من بكاء اؼبرء سواء ىنا بإرادتو أو ىناؾ بسبب‬
‫سيبكي عليها ىناؾ يف العادل اآلخر أبدياً‪ .‬وال َّ‬
‫العذاب”‪.‬‬
‫علي تفكَتي فقاؿ‪ -‬وىو أشبو باػبارج من حبر دموع ال تنفد‪ -‬ال حاجة إذل التوقّف فوراً‬
‫وقطع الشيخ َّ‬
‫يدسها الشيطاف اػببيث آّرـ لكي يقضي علينا‪ .‬غَت أ ّف آّاىد يف‬
‫حل بنا أدل‪ .‬فإ ّف ىذه األفكار ُّ‬
‫إذا ّ‬
‫ف عن الصبلة‪ ،‬وإالّ فإنك‬
‫الصبلة يعلم حيل الشرير وأفكاره‪ ...‬والشيطاف يهمس لو قائبلً‪ُ “ :‬ك َّ‬
‫ستتعرض للجنوف أو لداء القلب”‪.‬‬
‫ّ‬
‫سأقرأ لك مبوذجاً من كتاب“الشيوخ”‪“ .‬كاف أحد الرىباف‪ ،‬إذا ما حاف وقت صبلتو‪ ،‬تعًتيو قشعريرة‬
‫وضبى ووجع يف الدماغ‪ .‬فكاف يقوؿ يف نفسو‪:‬ىا إشل مريض موشك على اؼبوت‪ ،‬فؤلهنض للصبلة قبل‬
‫ّ‬
‫أف يدنبٍت اؼبوت‪ .‬وكاف يرغم ذاتو ّٔذه الفكرة ويُقبل على الصبلة‪ .‬وما يكاد ينتهي منها حىت تزوؿ‬

‫اغبّمى‪ّٔ .‬ذه الفكرة صمد األخ يف وجو إبليس الشرير وقاومو بالصبلة فانتصر عليو وىزمو”‪ .‬ؽبذا هبب‬
‫ض النظر عن أي أ ٍدل يعًتضو وأف يتخطَّاه‪.‬‬
‫فبارس رياضة الصبلة” أف يػَغُ َّ‬
‫خصوا ىذا األدل باؼبزيد من‬

‫‪ -‬أرغب أيها الشيخ أف تفيضوا يف شرح أدل القلب‪ .‬فإشل أعلم أ ّف اآلباء قد ُّ‬
‫األنبية العتبارىم إياه طريقاً مبلئماً ذبتازه“الصبلة”‪ .‬وإشل ألطمع يف أف تذكروا رل بعض أفكارىم يف‬
‫ىذا اؼبوضوع‬
‫إف ما قلتو أنت سابقاً حقيقة ال ريب فيها‪ ،‬فإ ّف اآلباء حُت اهنمكوا يف درس“صبلة يسوع” أو‬
‫مروا ّٔذا اؼبقاـ‪ .‬ولذلك أعطوه ىذه األنبية الكربى‪ .‬فبل بد أف يصيب ىذا األدل على‬
‫باألحرى عاشوا‪ّ ،‬‬
‫وجو التأكيد اؼبنهمكُت باستمرار بصبلة يسوع‪ .‬إهنم يعلّقوف عليو أنبية كربى أل ّف حلوؿ ىذا األدل يعٍت‬
‫أ ّف العقل يهبط إذل القلب ويتم ارباده بو بفعل الروح القدس‪ ،‬فيشيع صفاء يف النفس واعبسد ويتنقى‬
‫اعبانب اؼبف ّكر يف النفس ويبسي التمييز بُت األفكار واضحاً‪ .‬ويف ىذه اغباؿ يبكننا سبييز األفكار جيداً‬
‫تطورىا وهنايتها‪ .‬ؤّذا يستطيع الناسك اؽبدوئي أف يعرؼ حالة أحد اػبطأة بدوف أف يرتكب ىو‬
‫وندرؾ ّ‬
‫نفسو إحدى اػبطايا‪ .‬وىذا وبدث ألنو يعرؼ بعلمو الرياضي (النسكي) ذىنية اؽباجس ومسَتتو وهنايتو‪.‬‬
‫وشبة حقيقية واقعية يف ىذا اإلطار وىي أ ّف فعل الصبلة يف قلب الناسك هبعلو شديد اغبساسيَّة فيستطيع‬
‫أثناء صبلتو من أجل شخص ما يدرؾ بصورة تكاد أف تكوف مباشرة حالتو‪ ،‬وىكذا يصبح بصَتاً‪.‬‬
‫وحد اإلنساف كلو‪،‬‬

‫قلت آنفاً‪ ،‬أف يُ َّ‬
‫ولكي أضع األمور يف نصأّا أقوؿ إ ّف من أىداؼ“الصبلة”‪ ،‬كما ُ‬
‫أعٍت توحيد قوى نفسو الثبلث‪ ،‬بًتكيز االنتباه على القلب‪ ،‬ليشعر(القلب) يف البدء بفعل الصبلة ٍب‬
‫وبرؾ‬
‫يتّحد العقل والقلب معاً‪ .‬فالقلب حسب رأي اآلباء يشعر أوالً حبضور اهلل أي نعمتو اإلؽبية ٍب ّ‬
‫العقل أيضاً‪ .‬وقد عاش اآلباء اختبارياً (اغبياة الروحية) أوالً ٍب َّ‬
‫فكروا إؽبياً(ثيولوجياً) لكي يصونوا اغبياة‪.‬‬
‫وعلى ىذا فإ ّف القلب يشعر أوالً حبرارة حضور الروح القدس وحبلوتو‪ .‬ووبدث نقيض ذلك إذا غابت‬
‫وبب اهلل‬
‫أكرر القوؿ إ ّف اإلنساف ّ‬
‫النعمة اإلؽبية عن حياة اإلنساف ويتضح ذلك من صبود قلبو وبرودتو‪ .‬و ّ‬
‫بقلبو أوالً ٍب بعقلو‪ .‬ووصية اهلل جليّو “أحبب الرب إؽبك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك‬
‫ومن كل فكرؾ” (لو‪.)41 :.5‬‬

‫لعلكم تعرفوف أ ّف اؼبنطق غَت مرفوض يف الكنيسة‪ .‬غَت أنو من بعد السقوط أمسى عاجزاً إذل حد كبَت‬
‫يتبُت‬
‫ربرؾ العقل إذل إدراكو تعاذل‪ .‬فالقلب إذاً َّ‬
‫عن إدراؾ اهلل‪ .‬ولكن إذا مبا اإلحساس الباطٍت الروحي َّ‬
‫يتم إالّ بفعل‬
‫لكن ارباد العقل والقلب ال ّ‬
‫حقيقية حالنا إذا كنا ـبطئُت أو ؿبافظُت على وصايا اهلل‪ّ .‬‬
‫الروح الكلي قدسو‪.‬‬
‫وكبصل على النعمة اإلؽبية بالتوبة وحبفظ وصايا اؼبسيح‪ .‬أما العقل فهو َِهب ُد القلب ويتَّحد بو بفعل‬
‫النعمة‪ .‬وال ريب أ ّف ىذه خطوة ىامة يف سبيل“صبلة يسوع” والتألو‪ .‬وؽبذا هبب على القلب البشري‬
‫أف ينسحق‪“ ،‬فالقلب اؼبنسحق اؼبتواضع ال يرذلو اهلل”‪ .‬ال ريب أ ّف كثَتين يستعملوف طرقاً عديدة‬
‫متنوعة من أجل ىبوط العقل إذل القلب‪ ،‬إال أ ّف التوبة آمنها وأقبعها‪ .‬من اؼبفيد جداً أف نشعر بأدل يف‬
‫وربسو‪ .‬غَت‬
‫ربركو ّ‬
‫تدب إليو‪ ،‬وأف ندرؾ إصباالً ّ‬
‫كبس أحياناً باغبرارة ُّ‬
‫القلب بينما نبكي على خطايانا وأف ّ‬
‫يتم شيئاً فشيئاً‪ ،‬أل ّف حدوث ىذا الفعل فجأة عند ذوي القلوب الضعيفة غَت اؼبعتادة‬
‫أ ّف ىذا ينبغي أف ّ‬
‫تطورات خطَتة‪ ،‬لكن من شأنو‬
‫على مثل ذلك قد يؤدي إذل نشوء حاؿ من االكبراؼ البسيط بدوف أي ّ‬
‫أف يوقف الصبلة‪ .‬ربسن فبارسة الصبلة بالشفتُت يف حاؿ حدوث مثل ىذا األدل‪ .‬وىذا األمر يتبيّنو‬
‫على وجو التدقيق مرشدنا الروحي اؼبتّشح بالروح‪ .‬وما ىذا األدل إالّ آية كماؿ الصحة وىو أدل طبيعي‬
‫سباماً وخبلصي‪.‬‬
‫يظن كثَت من اؼبتنسكُت أهنم قد أُصيبوا بداء القلب فيًتددوف على األطباء‪ ،‬وىؤالء ال هبدوف عندىم أثراً‬
‫للمرض‪ ،‬أل ّف ىذا األدل ىو أدل تسبغو النعمة اإلؽبية على اإلنساف وىو دليل على أ ّف الصبلة قد غارت‬
‫إذل أعماؽ القلب حيث استقرت لتؤدي فعلها‪ ،‬وىي خطوة ىامة إذل األماـ‪.‬‬
‫أحسوا“بالصبلة” تُتِ ُّم فعلها يف القلب‪ ،‬يف غبظة‬

‫ظبعت أ ّف العديد من القديسُت ُّ‬
‫ُ‬ ‫‪ -‬لقد سبق أف‬
‫أخص بأ ّف اللحظة عطية من اهلل بشفاعات السيدة والدة اإللو‪ .‬فهل ىذا‬
‫ّ‬ ‫معطاة‪ ،‬وىم يشعروف بنوع‬
‫صحيح؟‬
‫حق العلم باللحظة اليت تبدأ“الصبلة” فيها‬

‫‪ -‬أجل‪ .‬إ ّف كثَتين من النساؾ اؽبدوئيُت القديسُت يعملوف َّ‬
‫بأي عمل‪ .‬وىم‬
‫بإسباـ فعلها داخل القلب فيقبلوف على ترديدىا بصورة متواصلة حىت خبلؿ قيامهم ّ‬
‫يشعروف أيضاً بأ ّف ما حدث ؽبم إمبا ىو عطية من السيدة الكلية القداسة‪ .‬وكاف القديس غريغوريوس‬
‫باالماس يصلي أماـ أيقونة السيدة والدة اإللو قائبلً “أنَتي ظلميت” فناؿ موىبة التكلّم باإلؽبيات‪.‬‬
‫وهبب أف يقاؿ إ ّف حبّنا للسيدة والدة اإللو وثيق االرتباط حببّنا للسيد اؼبسيح‪ .‬فنحن كبب والدة اإللو‬
‫ألننا كبب اؼبسيح أو أننا كببها لكي نصل إذل حب اؼبسيح أيضاً‪.‬‬
‫عربوا عن ىذا بأجلى بياف‪ .‬يقوؿ القديس جرمانوس بطريرؾ القسطنطينية “لو دل‬
‫واآلباء القديسوف قد ّ‬
‫تكوشل أنت السابقة يا والدة اإللو ؼبا ًبَّ أي أمر روحي‪ ...‬وال أحد ُـبلَّص إال بك يا والدة اإللو”‪ .‬أما‬
‫القديس غريغوريوس باالماس فقاؿ‪“ :‬أفليست ىي وحدىا على اغبدود بُت الطبيعة اؼبخلوقة وغَت‬
‫اؼبخلوقة‪ ،‬وال أحد يبكنو أف يأٌب إذل اهلل إالَّ ّٔا وبواسطة اؼبولود منها‪ ،‬وال يُعطي اؼببلئكة والبشر ّ‬
‫أي ىبة‬
‫من ىبات اهلل إالَّ ّٔا؟” فنحن نناؿ الكثَت من العطايا بواسطة السيدة والدة اإللو‪ .‬وىي اليت أعطتنا‬
‫وجهنا إليها الصبلة فلنقل “يا والدة اإللو‬
‫اؼبسيح‪ ،‬أعظم ىدية‪ ،‬أفبل تعطينا العطايا األخرى أيضاً؟‪ .‬فإذا ّ‬
‫الفائقة القداسة خلّصينا” غَت مكتفُت بالقوؿ“تشفَّعي من أجلنا”‪.‬‬
‫َّ‬
‫ألعودف إذل أمر نشأ يف ذىٍت عند رب ّدثكم عن ارباد القلب والعقل‪ .‬ىل يبقى العقل يف القلب بعد أف‬‫‪-‬‬
‫يهبط إليو؟ ويف حالة كهذه كيف يعمل اإلنساف؟ وىل يبكنو أف يؤدي وظيفتو‪...‬اخل؟‬
‫لنسجل أوالً أ ّف العقل ال يذوب وال يزوؿ وإمبا يتكامل ويعود إذل حالو الطبيعية‪ ،‬وىو يكوف غَت‬
‫‪ّ -‬‬
‫بت إليو‪.‬‬
‫تسر ْ‬
‫طبيعي حُت يكوف خارج جوىره (أي قلبو)‪ .‬كما يطرد“بالصبلة” كل العناصر الغربية اليت ّ‬
‫صغَت منو زائداً‪ -‬اظبحوا رل ّٔذا التعبَت‪ -‬ؤّذه الفضلة‬
‫قسم ٌ‬‫ٍب إ ّف العقل إذا ىبط إذل القلب يبقى ٌ‬
‫الزائدة يبكنو االهنماؾ يف أعماؿ أخرى من غَت أف يؤدي ىذا إذل عزؿ العقل عن القلب‪.‬‬
‫يظل منتبهاً ؼبا‬

‫نذكر على سبيل اؼبثاؿ أ ّف الكاىن اؽبدوئي يبكنو خبلؿ قيامو خبدمة القداس اإلؽبي أف ّ‬
‫يقوـ بو يف أداء اػبدمة اإلؽبية حسب ترتيبها‪ ،‬أو أف يتح ّدث إذل كاىن و إذل مشاس عن شيء متعلّق‬
‫بسر الشكر دوف أف ينفصل عقلو عن قلبو‪ .‬ولكن إف اهنمكت ىذه الفضلة الزائدة من العقل بأمور غَت‬
‫الئقة‪ ،‬فقد ينتج عن ذلك فصل العقل عن جوىره فصبلً تاماً‪ .‬ؽبذا كاف أحد النساؾ‪ ،‬إذا أقبل على‬
‫شراً‪ .‬ولعلكم قد‬
‫تبلوة“الصبلة”‪،‬وبصي ُع َق َد حبلو‪ ،‬حبيث يشغل ىذه الفضلة من عقلو لئبل ُربدث لو ّ‬
‫ليشن علينا حرباً ىوجاء‪...‬‬
‫أدركتم أ ّف الشيطاف وباوؿ استخداـ ىذه الفضلة من العقل‪َّ ،‬‬

‫‪ -4‬حرب الشيطان ومجابهته‬

‫يشن علينا حرباً شرسة ال ىوادة فيها‪ .‬فلِ َم وباربنا؟ وما ىي خطتو‬
‫‪-‬إنكم تكشفوف رل اآلف أ ّف الشيطاف ّ‬
‫ومنهجو؟ إشل ؼبتعطش جداً إذل ظباع رأيكم‪ ،‬لكي نتمكن من سبييز ما يبدي الناس من آراء يف‬
‫ودسو‪.‬‬
‫موضوع“الصبلة”‪ ،‬أل ّف للعديدين مزاعم كثَتة وال نعلم ما فيها من أفكار من صنع الشيطاف ّ‬
‫دل ينبس الناسك القديس اغبكيم ببنت شفة وعاد إذل كتاب “الشيوخ” وفتحو ببطء ٍب أخذ يقرأ‪:‬‬
‫أي فضيلة – أيها األب – يف الديار النسكية ربتاج إذل مزيد من‬
‫“سأؿ اإلخوة األنبا أغاثوف قائلُت‪ُّ :‬‬
‫اعبهد؟ فقاؿ ؽبم‪ :‬إنكم ترأفوف يب‪ .‬لكٍت أعتقد أنو ليس ىناؾ جهد يضاىي جهد صبلة اؼبرء إذل اهلل‪،‬‬
‫اؼببلحظ دائماً أ ّف اؼبرء إذا أراد الصبلة تألَّب عليو األعداء لكي يُثنوه عن تأدية ىذا االلتزاـ‪ ،‬فإهنم‬
‫أل ّف َ‬
‫ربمل اؼبرء أي طريقة حياة بصرب وثبات‬
‫يعلموف أ ّف الصبلة ىي أعظم العوائق اليت تعًتضهم‪ .‬وإذا ّ‬
‫اكتسب راحة‪ .‬غَت أ ّف الصبلة تتطلّب منا جهداً حىت آخر نسمة من حياتنا”‪.‬‬
‫وأغلق الشيخ الكتاب ٍب استأنف الكبلـ فقاؿ‪ :‬لقد علَّم اآلباء القديسوف قائلُت إف دل يكن اإلنساف‬
‫واقعاً ربت سيطرة الشيطاف بصورة دائمة‪ ،‬فهو كيفما كاف اغباؿ قائم يف نطاؽ نفوذه ويف متناوؿ‬
‫ىجماتو اعبنونية‪ .‬واألبالسة وبوموف دائماً حوؿ النفس يًتصدوهنا ووباولوف إسقاط اؼبؤمن يف اػبطيئة عن‬
‫طريق اغبواس تارة (عندما يكوف موضوع اػبطيئة قريباً) وعن طريق اؼبخيلة طوراً (حُت يكوف الشيء أو‬
‫الشخص بعيداً) ووباوؿ األبالسة إسقاطو أيضاً عن طريق ثورات اعبسد‪ .‬واإلنساف بكاملو نفساً وجسداً‬
‫الًتدي يف أسره‪.‬‬
‫يبكن أف يقع ربت تأثَت الشيطاف و ّ‬
‫أي وقت آخر‪ .‬وآّاىدوف يف‬

‫إالّ أ ّف خطة الشيطاف اغبربية تكوف خبلؿ الصبلة أش ّد وضوحاً منها يف ّ‬
‫الصبلة‪ ،‬ىذا اعبهاد العقلي‪ ،‬يروف الشيطاف جلياَ وىو وبارّٔم بشراسة يف كل خطوة ىبطوهنا ويبصرونو‬
‫وتتكشف ؽبم حبائل إبليس اػببيث‪ ،‬قاتل اإلنساف‬
‫ّ‬ ‫وىو يلجأ إذل كل وسيلة ليعزؿ ذاكرهتم عن ذكر اهلل‪،‬‬
‫وعدو اػبَت‪.‬‬
‫ّ‬
‫ؿبملة‬
‫قاؿ القديس مرقس الناسك “إذا رأى الشيطاف العقل مصلّياً من القلب ىجم عليو بتجارب َّ‬
‫بالشر”‪ .‬فهو يكره الناس كراىية ليس ؽبا حد‪ .‬وإذا رآىم يقبلوف على الصبلة بغية أف يصَتوا مبلئكة‬
‫ويسًتجعوا ما كاف ؽبم من منزلة قبل السقوط‪ ،‬ازداد حقده عليهم‪ .‬وقد وصف القديس غريغوريوس‬
‫يتحرؽ‬
‫أسقف نيصص حسد الشيطاف لئلنساف على تأؽبو فقاؿ “إف ابتغينا كبن البشر القرىب من اهلل ّ‬
‫األبالسة حسداً وغَتة ألهنم سقطوا من قرابتهم للخَت”‪ .‬فكل ناسك يبكنو أف وبكي الكثَت عن ىذه‬
‫اغبرب اليت يشنُّها الشيطاف‪ .‬وإذا رأى النساؾ الشيطاف أشفقوا عليو‪.‬‬
‫أبت‪ ،‬ألشل ال أستطيع أف أفهم كيف وِدلَ يشفق النساؾ على‬

‫سألت‪ :‬أيشفقوف عليو؟ أغفروا رل‪ ،‬يا ِ‬
‫ُ‬
‫الشيطاف‪.‬‬
‫‪ -‬إهنم يشفقوف عليو ؼبا آلت إليو حالو‪ ،‬ولسقوطو‪ .‬فقد ُخلق لكي ىبدـ اهلل ويبجده‪ .‬أما اآلف فقد بلغ‬
‫حداً يقف فيو معادياً لعمل اهلل وؿبارباً اإلنساف الذي أحبو اهلل كثَتاً‪.‬‬
‫والشيطاف ىو اآلف روح ىدـ وتدمَت متواصل لكل ارباد صاحل‪ .‬ىو زعيم االنقساـ وقائده‪ .‬واهلل يريد أف‬
‫التمرد‬
‫وبرص اإلنساف يف كل آف على ّ‬
‫فيخرب‪ .‬وىو ّ‬
‫يوحد أما ىو فيفرؽ‪ .‬واهلل يريد أف ُىبلّص أما ىو ّ‬
‫ّ‬
‫على اهلل وعلى الكنيسة‪...‬‬
‫‪ -‬وأين هبد النساؾ كل ىذه القدرة لكي وببُّوا؟‬
‫‪ -‬هبدوهنا يف عطية النعمة اليت يبلكوف‪ .‬والنعمة ىي من الغزارة يف داخلهم حبيث أهنم يريدوف أف وببوا‬
‫ضم اعبميع هلل‪.‬‬
‫كل حُت‪ ،‬بعد أف اكتسب قلبهم اتساعاً‪ ،‬بطرح األىواء وأمسى شديد الرغبة يف ّ‬
‫اعبميع َّ‬
‫تطهروا‪ ،‬الثالوث القدوس‪ ،‬والسيدة الفائقة القداسة‪ ،‬والقديسُت‪ ،‬واػبطأة‪،‬‬
‫وؽبذا وبب النساؾ‪ ،‬الذين َّ‬
‫يظل قلبهم الواسع مكاف‪ ،‬فيحبوف الشيطاف أيضاً‪ ...‬وىم يشعروف بأنو‬
‫والطبيعة‪ ،‬واغبيوانات‪ ،‬ومع ىذا ّ‬
‫ليس سوى روح مائت ابتعد عن النعمة احمليية‪ .‬وىو ينقل اؼبوت إذل أولئك الذين يقًتبوف منو أو أنو‬
‫وباوؿ نقلو إذل كل من يبتغي اػببلص‪.‬‬
‫اؼبفعموف دبحبة إؽبية يفكروف يف عذاب اعبحيم الرىيب الذي أُع ّد للشيطاف‬
‫ىؤالء النساؾ القديسوف‪َ ،‬‬
‫ومبلئكتو وتستورل عليهم الدىشة‪ .‬فكيف ال يشفقوف؟‬
‫فقلت‪ :‬كبن‪ ،‬استبدَّت بنا أىواء اعبسد‪ ،‬فأناخت علينا بظلماهتا‪ ،‬وأعمتنا ذىنية الدنيا‪ ،‬واستوذل علينا‬
‫ُ‬
‫الشرير‪ ،‬ولذلك قبهل نواياه‪ .‬ودل كبصل بعد على نعمة اؼبسيح بغزارة حىت نتمكن بنور ىذه النعمة‪ ،‬من‬

‫مراقبة كل ربركات الشيطاف الشريرة آّرمة‪ .‬أما أنتم فإنكم تروف ما يدأب عليو من ُجهد وتدركوف قلقو‪.‬‬
‫فهل يبكنكم أف تذكروا لنا الطرائق اليت تؤدي بو فعبلً إذل اإلرباد باهلل؟‬
‫‪ -‬ما سأقولو لكم يا ِ‬

‫أبت يصعب عليكم فهمو‪ .‬فقد يبدو لكم غريباً ومبالغاً فيو‪ .‬وحىت الرىباف أنفسهم‬
‫الذين يعيشوف يف العادل يعجزوف ىم أيضاً عن فهم جهاد رىباف اعببل اؼبق ّدس (آثوس) وما يواجهوف من‬
‫ىجومي شرس شنَّو إبليس الشرير عليهم‪ .‬وإننا لنراه يف كل خطوة لبطوىا وسأذكر لكم بعض‬
‫ّ‬ ‫نشاط‬
‫األمور لكي أساعدكم وأفيدكم‪.‬‬
‫وفتحت أذشل ألظبع حكمة الشيخ وأطّلع على أحابيل الشيطاف الشرير‬ ‫ُ‬ ‫صبدت يف مكاشل ببل حراؾ‪،‬‬‫ُ‬
‫توصل إليو باالختبار‪،‬‬
‫الكثَتة التعقيد‪ .‬أما الشيخ فإنو من غَت أف يًتؾ ؾباالً لبلنطباع بأ ّف ما يقولو قد ّ‬
‫علي ما يلجأ إليو الشيطاف من حيل خبيثة ضد من تستهويو صبلة يسوع‪.‬‬
‫أخذ يقص َّ‬
‫‪ -‬ما نكاد نستعد للصبلة حىت يستعد الشيطاف ىو أيضاً يف الوقت عينو ؼبعارضة ذلك باؼبقاومة‬
‫واؽبجوـ‪ .‬ىذا ما هبب على مزاوؿ رياضة الصبلة أف يعرفو‪ ،‬لكي ال يضطرب حُت يتل ّقى أوذل ىجمات‬
‫اجو يف ما بعد بعملياتو اغبربية الشديدة اليت يضع فيها كل ما لديو من معدات‬
‫الشرير اؼبفاجئة أو يو َ‬
‫القتاؿ‪.‬‬
‫خلت نفسي أماـ قائد ؿبنّك يف اعبهاد الروحي حامل العديد من‬
‫(بينما كاف الناسك اؼبعتزؿ يتحدث ُ‬
‫األوظبة وحائز على انتصارات كثَتة ومكلَّل بالعديد من أكاليل الظفر)‪.‬‬
‫‪-‬إ ّف الشيطاف وباوؿ يف البدء ثنيو عن الصبلة فينصحو باالهنماؾ يف عمل اجتماعي آخر‪ٍ .‬ب يستحضر‬
‫لو حوادث وأشخاص وحاالت‪...‬‬
‫‪ -‬إشل شديد الفضوؿ‪ ...‬فأريد أف أظبع عن طرؽ ؿبدَّدة قبهلها كبن العائشُت يف العادل‪ .‬أأبوح لكم‬
‫بسر؟ لقد دفعتموشل يف ىذه اللحظة إذل كره الشيطاف وباألحرى كره عملو وإذل الشفقة عليو يف الوقت‬
‫ّ‬
‫عينو‪.‬‬
‫‪ -‬أجل‪ .‬يا ِ‬
‫أبت‪ .‬إننا كبن أيضاً نعيش ىذا كل يوـ‪ .‬إننا نشعر بالكراىية ذباه ما يعمل‪ .‬ونشعر حببنا لو‬
‫اؼبضل! ولكي أرد على سؤالك أقوؿ إ ّف غاية “صبلة‬
‫ّ‬ ‫ونعرب عن ىذا اغبب حبزننا على‬
‫يف الوقت عينو ّ‬

‫يسوع” ىي استدعاء يسوع اؼبسيح اؼبلك إذل القلب‪ ،‬لكي يظهر ملكوت اهلل داخلنا وتشتعل شرارة‬
‫النعمة اؼبغطّاة اآل ّف برماد اػبطيئة‪ .‬ؤّذا يتحقق نداؤنا‪-‬طلبنا “ ِ‬
‫ليأت ملكوتك”‪ .‬إالَّ أ ّف القلب ىو اآلف‬
‫قلت آنفاً‪ -‬يف حلكة من ضباب اػبطيئة‪ ،‬واألبالسة يعملوف فوقو‪ .‬أقوؿ فوؽ القلب ال يف مركزه‪،‬‬
‫‪-‬كما ُ‬
‫ذلك أل ّف الفعل غَت اؼبخلوؽ‪ ،‬فعل الروح القدس‪ ،‬ىو وحده الذي يستطيع اإلرباد بالنفس‪ .‬أما الشيطاف‬
‫فقد أقاـ سيطرتو فوؽ القلب‪ ،‬ومن ىناؾ يراقب كل شيء‪.‬‬
‫ص ّدقٍت يا ِ‬
‫أبت‪ .‬إشل أشعر بُت ساعة وأخرى بأ ّف قليب قد غدا شبيهاً حبديقة حيوانات‪ .‬فاألىواء كلها‬
‫شبيهة حبيوانات موجودة فيو‪ ،‬وىي تعوي وتزأر‪ .‬وقد أجاد القديس غريغوريوس باالماس اؼبتوشّْح باهلل‬
‫وصف ذلك بقولو‪“ :‬يصَت اإلنساف‪ -‬ويا لؤلسف‪ -‬قاتل بشر‪ ،‬ال حُت يصَت شبيهاً باغبيوانات البهم‬
‫السامة أيضاً كاألفعى أو العقرب‪ .‬ذاؾ الذي‬
‫اليت ال عقل ؽبا وحسب‪ ،‬بل حُت يصَت شبيهاً بالزواحف َّ‬
‫كاف قد ُرتّْب لو ليكوف بُت أبناء اهلل يصَت وليد األفاعي”‪.‬‬
‫العقل اسم يسوع الكلّي اغببلوة‪ -‬إذل نزوؿ اؼبسيح‪ ،‬بكل‬

‫فنحن إذاً نطمح“بالصبلة” ‪-‬بعد أف يتمثَّل ُ‬
‫ما لو من ؾبد وجبلؿ‪ ،‬إذل القلب‪ ،‬وإذل طرده الشيطاف الذي يُظلم النفس دبختلف األىواء بعد أف‬
‫يُسدؿ غشاوة على النعمة اؼبوجودة‪ .‬فبحضور اؼبسيح يف القلب تستنَت النفس‪ ،‬إذ تتلقى نعمة فوؽ‬
‫وتأوه ؼبا نزؿ‬
‫نعمة‪ ،‬وىكذا دبقدار نزوؿ اؼبسيح إذل القلب ينهزـ الشيطاف وىبتفي ويصاحب ىربو صراخ ّ‬
‫بو من ىزيبة ساحقة‪ .‬وما التجارب اليت وبدثها سوى أصداء ؽبا‪.‬‬
‫‪ -‬فيما كنتم تشرحوف ىذا‪ ،‬تذ ّكرت‪ ،‬يا ِ‬

‫أبت‪ ،‬اؼبع ّذبُت بأرواح قبسة‪ .‬فإهنم ما كادوا يروف اؼبسيح حىت‬ ‫ُ‬
‫أجئت إذل ىنا قبل الوقت لتع ّذبنا” (مىت ‪)49 : 1‬؟‬
‫َ‬ ‫أخذوا يصرخوف“ما لنا ولك يا يسوع ابن اهلل؟‬
‫األصم‪ ،‬أنا‬ ‫اؼبعذب بروح قبس‪ .‬وقد قاؿ الرب “أيها الروح األخرس‬ ‫وتذكرت أيضاً حادث الشاب َّ‬
‫ُ‬
‫ّ‬
‫آمرؾ‪ ،‬أخرج منو وال تدخلو أيضاً‪ .‬فصرخ الروح النجس وصرعو شديداً وخرج(مرقس‪ .)46 -1 :9‬أظن‬
‫أ ّف ؼبا قلتموه عبلقة ّٔاتُت اغبالتُت فهل أنا ـبطئ؟‬
‫حرر األبرار‬
‫تبُت ذلك‪ .‬فإ ّف الرب حُت نزؿ إذل اعبحيم َّ‬
‫‪ -‬ال‪ ،‬أنتم على حق‪ .‬وىناؾ حاالت أخرى ّ‬
‫ترزل قائلة‪“ :‬اليوـ اعبحيم يتنهد‬
‫معربة لعذاب اعبحيم‪ ،‬فهي ّ‬
‫الذين آمنوا بو‪ .‬ويف عبادة كنيستنا صورة ّ‬
‫فحل سلطاشل وحطّم أبوايب‬
‫صارخاً‪ :‬لقد كاف األصلح رل أالّ استقبل اؼبولود من مرصل‪ .‬فإنو جاء َّ‬

‫كنت قد ابتلعتهم باقتداري قذفهم عٍت‬ ‫ِ‬

‫كنت ملكاً عليهم حرمٍت منهم‪ .‬والذين ُ‬
‫النحاسية‪ ...‬والذين ُ‬
‫صلب قد أخلى القبور‪.”...‬‬
‫صبيعاً‪ ...‬إ ّف الذي ُ‬
‫وعدا ىذا‪ ،‬أدل يقل اؼبسيح نفسو “كيف يستطيع أحد أف يدخل بيت القوي وينهب أمتعة إف دل يربط‬
‫القوي أوالً‪ .‬وحينئذ ينهب بيتو” (مىت‪)49 :54‬؟ ومعٌت ىذا أ ّف نزوؿ اؼبسيح إذل القلب ‪-‬حيث ينشط‬
‫ّ‬
‫الشيطاف ويعمل اآلف‪ -‬يرتبط ّٔرب الشيطاف وتقييده فيمسي طبيعياً أف يزأر ويهيج ويصرخ عالياً‪ ،‬أل ّف‬
‫وردت العبارة‬
‫ليحل أعماؿ الشيطاف‪ .‬ويف مزمور صبلة الغروب “باركي يا نفسي الرب” ْ‬
‫اؼبسيح قد جاء ّ‬
‫ضت”‪ .‬ويعلّم اآلباء‬
‫فاجتمعت (اغبيوانات اؼبتوحشة) وإذل صَتىا رب ْ‬
‫ْ‬ ‫التالية‪“ :‬أشرقت الشمس‬
‫الصحويوف قائلُت “إذا أشرقت الشمس اختبأت اغبيوانات الضارية يف الكهوؼ وبُت الصخور أي يف‬
‫أوكارىا‪ .‬وىذا عينو هبري عندما تشرؽ مشس النعمة يف قلبنا‪ .‬فإ ّف الشياطُت هترب وتتوارى‪.‬‬
‫‪ -‬إذا ما ُربط الشيطاف‪ ،‬فمن الطبيعي أف يهدأ‪.‬‬
‫‪ -‬ما وبدث ىو عكس ذلك سباماً‪ .‬فإنو يزداد حقداً ويعمل اآلف من اػبارج بكل وسيلة للتغلّب على‬
‫انطفأت فيو نعمة اهلل (ودبعٌت آخر إذا ما أُسدؿ عليها ستار)‪ .‬فهو‬
‫ْ‬ ‫اؼبؤمن والعودة إذل قلبو إذا ما‬
‫“يذىب ويأخذ معو سبعة أرواح أُش ّد شراً منو” لكي وبارب‪ .‬ويف ىذه النقطة على وجو التدقيق يكمن‬
‫معٌت التجارب كلّو‪ .‬واػبياؿ ىو أدؽ وسيلة حرب للشيطاف‪ ،‬زبيّل اؼباضي وزبيّل اؼبستقبل‪ ،‬زبيّل األعماؿ‬
‫فيكف عن اللهج باسم يسوع‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الصاغبة‪ ،‬وزبيّل األعماؿ الشريرة‪ .‬تتوارد خواطر ـبتلفة تشعل العقل‬
‫ويبعن الشيطاف يف ؿباوالتو لكي يثٍت اإلنساف عن إبداء أي اىتماـ باهلل‪ ،‬وليصرفو عن إظهار حبو لو‬
‫تعاذل‪ .‬وأىم ما يثَته فيو أنو وبمل إليو ذكريات زالَّت ـبتلفة ارتكبها أخَتاً أو من قبل يف حياتو‪.‬‬
‫واآلباء القديسوف يقولوف إ ّف اغبرب تكوف عادة شديدة دبقدار قوة األىواء يف السابق‪ .‬واغباجة تقضي‬
‫بأف يدفع اإلنساف شبن كل لذة دبا يوازيها من عذاب‪.‬‬
‫ويف حياة اآلباء النسكية يف النعمة عبلقة وثيقة بُت اللذة واألدل‪ .‬فإ ّف اللذة قد جلبت السقوط والعذاب‪.‬‬
‫وعلى ىذا فإ ّف العذاب (األدل) يعيد اإلنساف إذل حالو األصيلة ويشفيو‪ .‬فبل بد لو أف يتأدل كثَتاً‪.‬‬
‫حدثت لو‬
‫ْ‬ ‫وسيدفع شبن كل لذة شريرة دبا يوازيها من عذاب لكي وبدث توازف‪ .‬واغبوادث اليت سبق أف‬
‫بت لو التمتع باللذة وكاف قد نسيها‪ ،‬ال بد اليأس والقنوط‪.‬‬
‫من أعواـ كثَتة فسبَّ ْ‬

‫وأضاؼ الشيخ قائبلً‪ :‬ستثور يف ذىن آّاىد أيضاً خواطر ذبديف‪ .‬منها عدـ تصديق موضوعات اإليباف‬
‫الكربى‪ ،‬والشك يف ألوىة السيدة اؼبسيح‪ ،‬ويف صحة نقاوة السيدة العذراء الكلية القداسة‪ ،‬ويف قداسة‬
‫يعرب عنها‬
‫القديسُت اخل‪ ...‬وكثَتاً ما تتوارد ىذه الشكوؾ ساعة الصبلة وتشت ّد إذل حد أ ّف آّاىد ّ‬
‫بالشفتُت أيضاً بدوف إدراؾ ما يفعل‪ ،‬أو بغَت إرادة منو‪.‬‬
‫ملحة‪ ،‬ىي‬
‫وشبة حاالت أخرى فيها شيطاف الكسل والضجر وعدـ االكًتاث‪ .‬فتسيطر على آّاىد فكرة َّ‬
‫فكرة مغادرة اؼبكاف واالبتعاد عن شيخو اؼبرشد‪ ،‬بفكرة أ ّف ىناؾ شيخاً أفضل منو ووبدث كثَتاً أ ّف‬
‫الشيطاف يضرـ يف نفس آّاىد نار الكراىية َّ‬
‫ضد شيخو‪.‬‬
‫وشبة حاالت يأٌب فيها اؼبريد إذل شيخو ليقوؿ لو بدموع وتنهد “ال أستطيع التعبَت جيداً‪ .‬ولكٍت سأفصح‬
‫لتهب يف داخلي عندما أراؾ”! وكثَتاً‬
‫لك عما أشعر بو‪ .‬إشل أكرىك‪ ،‬وال أريد أف أراؾ‪ .‬وإ ّف ثورة رىيبة ُّ‬
‫ما يستورل النوـ على آّاىد ليوقف صبلتو‪.‬وىناؾ ذبارب أخرى عديدة إال أشل أكتفي دبا ذكرت‪.‬‬
‫سألتو‪ ..:‬كيف للناسك أف يقوى على ّربمل ىذه الكثرة من اؼبشقات وكيف لو أف يصمد أماـ ىذا‬
‫تصمت‪...‬‬
‫ْ‬ ‫قل رل أيها الشيخ‪ .‬ال‬
‫اؽبجوـ اعبنوشل الشرس؟ ْ‬
‫لكن الشيخ آّاىد بػ‪ ....‬سكت‪ ،‬فقد استغرؽ يف صمت عميق‪ .‬ومن يدري ما أصابو من نَتاف العدو؟‬
‫ّ‬
‫مت بو؟‬
‫ومن يعلم كم ذبربة ألّ ْ‬
‫‪ -‬أيها الشيخ‪ ،‬ال تتوقف! أذكر رل الطرائق الناجعة ّٓأّة ىذا الشر‪.‬‬
‫‪ -‬ىنا وبتاج آّاىد إذل صرب وشجاعة‪ .‬وخباصة الشجاعة‪ .‬وينبغي أالّ يتزعزع وعليو أف هبابو اػبياؿ‬
‫باستدعاء متواصل السم يسوع‪ ،‬وأف وبصر فكره يف كلمات“الصبلة” ويثبت عليها‪ ،‬وأالّ يفكر يف‬
‫شيء آخر خبلؿ الصبلة سواء كاف شراً أو عمبلً صاغباً‪ .‬وإذا أحاط بو األدل فيما عليو إالّ أف يكوف‬
‫على يقُت بأ ّف شفاءَه قد بدأ‪ .‬كما قلنا آنفاً “فإ ّف اؼبرأة وىي تلد ربزف‪ ،‬أل ّف ساعتها قد جاءت‪ .‬ولكن‬
‫مىت ولدت الطفل ال تعود تذكر الشدة لسبب الفرح‪ .‬ألنو قد ولد إنساف يف العادل” (يو ‪.) 45 : 56‬‬
‫مثل ىذا وبدث ىنا‪ .‬فإ ّف اإلنساف اعبديد ّىبلق بواسطة األدل‪ .‬إ ّف حياة جديدة تولد‪ ،‬ىي حياة‬
‫اؼبسيح‪...‬‬

‫يقوؿ اآلباء القديسوف اؼبتوشحوف باهلل إ ّف على آّاىد أف يقاوـ التجديف باالحتقار‪ .‬فإ ّف التجديف ال‬
‫يزوؿ إالّ ّٔذا النهج‪ .‬واألفكار آّ ّدفة ليست منا وإمبا ىي ىواجس الشرير‪ .‬ويبكن القوؿ إ ّف ىذا ينطبق‬
‫عليو قوؿ الرب‪“ :‬ال تستطيعوف أف تعبدوا اهلل واؼباؿ” أي أف العقل ال يستطيع القياـ بعملُت يف آف‬
‫واحد‪ .‬فبل يبكنو أف يلت ّذ بشهد“الصبلة” الكلي اغببلوة من جهة وأف يشك من جهة أخرى إباف‬
‫الصبلة يف قوة الصبلة شيء آخر‪ .‬وما ىذا الشك إالّ ىجوـ يشنو الشيطاف‪ .‬فيجب أف هبابَو‬
‫استمر ىاجس التجديف‪ ،‬وجب إفشاء أمره إذل األب الروحي‪ .‬حينذاؾ يزوؿ فوراً‪ .‬كما‬
‫باالحتقار‪ .‬وإذا َّ‬
‫تزوؿ أيضاً على النمط صبيع ىواجس التجديف اؼبزمنة‪ .‬واؽباجس اؼبزمن الذي يثور خبلؿ الصبلة بنوع‬
‫خاص ال بد للمجاىد من يفشي أمره باالعًتاؼ بوجوده أماـ أبيو الروحي‪ ،‬وحينذاؾ ىبتفي الشيطاف‬
‫اختبأت ربتو‪.‬‬
‫ْ‬ ‫اؼبختبئ ربت ىذا اؽباجس‪ ،‬كما زبتفي األفعى إذا ما رفعنا اغبجر الذي‬
‫وأما مقاومة النعاس الشديد‪ ،‬فتتطلّب جهاداً خاصاً‪ .‬يف ىذا اعببل اؼبق ّدس صنع كثَت من اآلباء مقعداً‬
‫دب إليهم النعاس انقلب ّٔم اؼبقعد وسقطوا معو إذل األرض وحينذاؾ يستيقظوف‪.‬‬
‫برجل واحدة‪ ،‬فإذا َّ‬
‫وما ىذا يف حقيقة األمر إالَّ مظهر من مظاىر صراعهم مع الشيطاف‪ُ .‬‬
‫عرفت راىباً وضع يف قبليتو إناء‬
‫فبلوءاً باؼباء‪ .‬فكاف إذا نعس ضبل اإلناء ونقلو إذل موضع آخر يف قبليتو‪ .‬وعلى ىذا اؼبنواؿ كاف يقاوـ‬
‫روح النعاس الشيطاشل‪...‬‬
‫وعلى آّاىد أف يعترب شيخو اؼبرشد“صورة اؼبسيح” وأنو ؼبثل موسى‪ .‬وبقدرتو وأدعيتو سيخرج من‬
‫ويتحرر من طغياف فرعوف“األىواء” وعليو أف يُقبل على آّاىدة‪ ،‬متغاضياً عن نقاط‬
‫ّ‬ ‫عبودية مصر‬
‫يضخمها لو الشيطاف‪ .‬وعليو أف يرى ما يبدي من حب هلل وما يتحلّى‬
‫الضعف عند شيخو‪ ،‬وىي اليت ُ‬
‫تبُت صدفةً أ ّف لشيخو خطايا كثَتة وأىواء متع ّددة فعلية أف يتجنَّب‬
‫بو من نبيل اؼبناقب‪ .‬وإذا حدث أف ّ‬
‫ليعترب خطايا شيخو اؼبرشد‪ ،‬خطاياه الشخصيّة‪ .‬وليذرؼ الدمع الكثَت بسببها‪.‬‬
‫انتقاده و ْ‬
‫كنت مقيماً يف دير‬
‫وقد شرح القديس ظبعاف البلىوٌب اعبديد ىذا السلوؾ بأجلى بياف بقولو‪“ :‬إذا َ‬
‫ترغنب يف ازباذ موقف األب الذي قص شعر رأسك (شرطنك راىباً) حىت لو رأيتو‬
‫صباعي لئلخوة‪ ،‬فبل َّ‬
‫يزشل أو يسكر‪ ،‬وال ضد أمور الدير اليت يبدو لك أهنا ذبري بطريقة سيئة‪ .‬وليس ىذا فقط بل عليك أالّ‬
‫ذبلسن مع الذين‬
‫َّ‬ ‫ضت للكثَت من اؼبضايقات‪ .‬وال‬ ‫وتعر َ‬
‫وخبك وأىانك ّ‬ ‫تقف موفقاً مضاداً حىت لو َّ‬
‫ض ْع يف‬
‫تشغلن فكرؾ يف سيئاتو‪َ .‬و َ‬
‫َّ‬ ‫تسلكن مع اؼبتآمرين عليو‪ .‬واصرب عليو حىت النهاية وال‬
‫َّ‬ ‫يشتمونو وال‬

‫ألزـ نفشك ُّ‬

‫بتذكرىا وحدىا فقط‪ .‬وأما ما تراه من أمور غَت الئقة‪ ،‬أو‬ ‫خَتة‪ ،‬و ْ‬
‫قلبك ما يفعل من أعماؿ ّ‬
‫سج ْلها على نفسك واعتربىا خطايا ارتكبتها‬
‫شرور تصدر عنو سواء كانت بالفعل أو بالقوؿ‪ ،‬فهذه ّ‬
‫التمس دعاءَه”‪.‬‬
‫احسبو قديساً و ْ‬
‫ب ذارفاً الدَّمع‪ .‬و ْ‬
‫أنت وتُ ْ‬
‫يُطلب منو ىذا ليمتنع عن انتقاد شيخو‪ .‬أل ّف ىذا االنتقاد من شأنو أف تزوؿ معو الطاعة واالتضاع‪.‬‬
‫واالتضاع أساس الطاعة وغايتها النهائية‪ .‬فإذا زاؿ تع ّذر اػببلص‪.‬‬
‫سألتو‪ :‬ىجمات شخصيَّة؟ ما ىذه اؽبجمات وماذا تعنوف ّٔا؟‬
‫‪ -‬ىنا أسألك أف تدعٍت أكمل حديثي‪ .‬فإنكم ال تستطيعوف أف تفهموشل‪ .‬وقد يبدو لك ما أقولو‬
‫مدعاة لبلستغراب ألننا ال ندرؾ اغبياة النسكية‪.‬‬
‫وجدت اآلف‬
‫ُ‬ ‫‪ -‬أيها الشيخ‪ ،‬إشل لفي ؽبفة إذل اؼبعرفة‪ .‬فأسألك باسم يسوع اؼبسيح أف تعلّمٍت‪ .‬فقد‬
‫قل رل‪...‬‬
‫أود أالّ أظل يف اغبرماف‪ْ .‬‬
‫مبتغاي و ّ‬
‫شعرت دبا يعًتضو من صعوبة‪ .‬فماذا كاف يبكن أف يقوؿ لنا كبن الذين لنا مبلبس جلدية‬
‫ُ‬ ‫قلت ىذا وقد‬
‫ُ‬
‫للمنطق؟‬
‫‪ -‬لن أقوؿ لكم أموراً كثَتة‪ .‬وسأكتفي ببعضها‪ ...‬تُسمع أصوات وضحك‪ ،‬ومشادات كبلمية عنيفة‬
‫خارج القبلية‪ ..‬كأ ّف اؼبكاف مزدحم بالناس‪ .‬وما ذلك إالَّ ليصرؼ الشيطاف انتباه آّاىد عن‬
‫“الصبلة”‪ .‬وكثَتاً ما يقًتب منو فيشعر برعب رىيب ويستحوذ على نفسو وجسده أدل شديد ال يقاس‬
‫دبا يصيب اؼبرء من خوؼ يف حضور آّرمُت‪ .‬أل ّف اعبحيم بكاملو يقًتب منو‪ .‬ويتخذ الشيطاف أشكاؿ‬
‫حيوانات متنوعة لكي ىبيفو‪ .‬ويف سَتة القديس سابا قبد الشيطاف يتش ّكل يف صورة أفعى أو عقرب أو‬
‫أسد اخل‪“ ...‬وبينما كاف جالساً على األرض يف منتصف الليل كاف الشيطاف يتش ّكل أمامو يف صور‬
‫األفاعي والعقارب ؿباوالً إرىابو‪ .‬ويظهر لو الشيطاف أحياناً أخرى بشكل أسد مرعب يه ّدده باالفًتاس‪.‬‬
‫ويظهر األبالسة يف ظروؼ أخرى وىم وبملوف بأيديهم ناراً ويه ّددوف آّاىد باغبرؽ”‪ .‬وقد ذكر القديس‬
‫ظبعاف حادثاً فباثبلً فقاؿ‪“ :‬كانوا واقفُت بعيداً عٍت ووباولوف أف ىبيفوشل‪ ،‬ووبملوف ناراً بأيديهم‬
‫ويهددوشل باغبرؽ‪ .‬وكانوا يصرخوف بأصوات عالية وىم وبدثوف قرقعات‪.”...‬‬

‫ووبدث أيضاً أ ّف الناسك يشعر بيدين تستعداف ػبنقو فيما يكوف جالساً على مقعد وىو يردد“صبلة”‬
‫يسوع‪ ،‬فتقبضاف على عنقو بشدة لتمنعاه من متابعة“الصبلة”‪ .‬فإذا بو يشرع فيها قائبلً‪ :‬يا رب‪..‬‬
‫ويصعب عليو االنتقاؿ إذل ذكر اسم“يسوع” اػببلصي‪ .‬فيتمتم ببطء‪ :‬ي‪ ..‬س‪ ..‬و‪ ..‬ع‪ ...‬وما يكاد‬
‫أف يكمل حروؼ ىذا االسم الكرصل بعد جهد حىت ىبتفي الشيطاف‪.‬‬
‫يشن عليهم ىجمات صباعية ليخيفهم ويرعبهم‪،‬‬

‫إرل رىباف أديرة ـبتلفة ويذكروف رل أ ّف الشيطاف ّ‬
‫ويأٌب ّ‬
‫وعلى وجو التحديد فيما يستعدوف لصبلة السهرانية (األغربينا)‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا تقصد باؽبجمات اعبماعية؟‬
‫‪ -‬إ نو يهاجم يف الوقت عينو راىبُت أو طبسة أو عشرة ووباوؿ خنقهم أو إحداث أي ضرر ؽبم‪ .‬وقد‬
‫حل بو رعب شديد‪ ،‬فهرب من القبلية ووقف مذعوراً أماـ قبلية الشيخ اؼبرشد ينتظر‬ ‫حصل َّ‬
‫أف راىباً َّ‬
‫هنوضو من النوـ‪ .‬ؽبذا ال يستطيع الناس العاؼبيوف أف يفهموا ما لصبلة األغربينا من قيمة‪ .‬فإهنا ربرؽ‬
‫يتم ذلك ألنو يعلم أ ّف فبارسة الصلوات‬
‫كل ما وسعو لكي ال ّ‬
‫الشيطاف اػببيث وتسحقو‪ .‬أما ىو فيعمل ّ‬
‫طوؿ الليل تضربو ضربة قاصمة‪.‬‬
‫والشيطاف يوحي بأفكار إذل صحفيُت وسواىم لكي وبولوا دوف ربقيق ىذه الصلوات‪ .‬ؽبذا أرجوا منكم‬
‫تؤدوف فيها خدمتكم الكهنوتية‪ ،‬فإهنم وسيلة ناجعة‬
‫أف ال هتملوا إقامة سهرانيات كثَتة يف األبرشية اليت ّ‬
‫ؼبقاومة الشيطاف‪.‬‬
‫‪ -‬كبن‪ ،‬أيها الشيخ‪ ،‬خطأة إذل حد أننا دل نعد نشعر ّٔذه اؽبجمات اليت يشنّها الشيطاف علينا‪ .‬وطاؼبا‬
‫فلم يهاصبنا‪..‬؟‬
‫أنو يعتربنا لو وقد أمعنّا كثَتاً يف اػبطيئة‪َ ،‬‬
‫‪ -‬أتسمح رل بأف أسدي إليك نصيحة؟‬
‫أتوسل إليكم أيضاً‪...‬‬

‫لست ألظبح لكم بذلك وحسب بل إشل ّ‬
‫‪ -‬بالتأكيد‪ ،‬و ُ‬
‫‪ -‬ال تقولوا ىذه الفكرة‪ :‬إنكم خطأة وإ ّف الشيطاف ال يهاصبكم شخصياً‪ ،‬ألهنا فكرة م ِ‬
‫ضلَّة قد يستغلّها‬ ‫ُ‬
‫الشيطاف ضدكم‪.‬‬
‫‪ -‬كيف؟‬

‫قلت إنك غَت مستحق بسبب اػبطيئة قد يستغل الشيطاف ذلك فيهاصبك شخصياً ألنو يسمع ما‬
‫‪ -‬إف َ‬
‫قمت بعمل صاحل أو دبمارسة إحدى الفضائل قد ينتهز ىذه الناسبة للظهور لكي يثَت لك‬
‫تقوؿ‪ .‬فإذا َ‬
‫معناه أنك ذو شأف‪ ،‬ويوسوس لك بالكربياء وحب آّد الفارغ‪...‬‬
‫وقبضت على يده وقبلتُها دبحبة واحًتاـ‪ ،‬تقديراً مٍت ؼبا يتحلّى‬
‫ُ‬ ‫اكبنيت بسرعة بدوف أف وبس يب جيداً‪،‬‬
‫ُ‬
‫بو من حكمة روحية اكتسبها بعد آّاىدة طواؿ سنُت‪...‬‬
‫هبره إذل‬
‫واستأنف الشيخ حديثو قائبلً‪ :‬إ ّف الشيطاف كثَتاً ما يظهر للمجاىد ويكلّمو ويتح ّداه لكي ّ‬
‫ويفسر لو بعض اغبوادث تفسَتاً خاطئاً حيناً آخر‬
‫ؿبادثتو‪ ،‬فيتّهمو تارة‪ ،‬ويبدحو طوراً ويهزأ بو حيناً‪ّ ،‬‬
‫ويردوف على أسئلتو‬
‫اخل‪ ..‬أما عديبو اػبربة يف ىذا اعبهاد الروحي فإهنم يشرعوف يف ؿبادثة الشيطاف‪ّ ،‬‬
‫لكن ىذا ضبلؿ‪ ،‬وخباصة عند اؼببتدئُت (من اؼبريدين) أل ّف عديبي اػبربة يف مثل ىذه األحواؿ‬
‫وإىاناتو‪ّ .‬‬
‫وذل أماـ معارضتهم‪ .‬وزبلّف ىذه احملادثة يف نفوسهم‬
‫يصابوف باؽبزيبة‪ ،‬حىت ولو بدا ؽبم أ ّف الشيطاف قد ّ‬
‫اضطراباً وخوفاً‪ .‬وإذا تذ ّكروا بعد زمن ىا اؼبشهد وما جرى فيو من حديث مع الشيطاف اعًتهتم قلقلة‬
‫واضطراب‪ .‬وينصح اآلباء القديسوف أولئك الذين تنقصهم القدرات البلزمة وال تتوفّر فيهم شروط‬
‫يرد وا على الشيطاف‪ .‬وأف يواجهوه بعدـ االكًتاث ووبتقروه‪ .‬وهبب أف يقفوا منو‬
‫األىلية الواجبة‪ ..‬بأف ال ّ‬
‫ىذا اؼبوقف يف حرب اؽبواجس أيضاً‪ .‬فاؼبطلوب إذا ىو احتقار الشيطاف ويف الوقت عينو اإلصرار على‬
‫مواصلة“صبلة يسوع”‪.‬‬
‫وبعد برىة صمت استأنف قائبلً‪:‬‬
‫نصر على مواصلة “الصبلة”‪،‬وأف نكوف إصباالً يف ىذه حاؿ صبلة‪.‬‬ ‫كل ىذه التجارب أف ّ‬ ‫‪ -‬يلزـ يف ّ‬
‫وعندما نقوؿ حاؿ صبلة فإمبا نقصد ّٔا صوماً ىادفاً وسهراً للصبلة (أغربينا) ومش ّقة جسدية‪ ،‬وصمتاً‪.‬‬
‫تتم يف مناخ الطاعة‪ .‬وأف كبققها مقرونة بربكات مرشدنا الروحي‪.‬‬
‫وكل ىذه هبب أف ّ‬
‫قلت‪َِ :‬دل ترتبط الرياضة اعبسدية (أي الصوـ والسهر والصمت واؼبطانيات) بالصبلة ارتباط وثيقاً إذل ىذا‬
‫ُ‬
‫اغبد‪ ،‬وتُعترب حاؿ صبلة؟‬
‫‪ -‬إ ّف اعبسد يشارؾ يف عمل الصبلة‪ .‬ودبا أنو ىو أيضاً يناؿ النعمة اإلؽبية لذلك هبب أف هباىد‪ .‬وعدا‬
‫ىذا‪ ،‬فإننا بالرياضات واآلالـ ننشئ الشروط البلزمة لنواؿ النعمة اإلؽبية‪.‬‬

‫والقديس غريغوريوس باالماس يذكر حالة سر الكهنوت لكي يؤيّد ىذه اغبقيقة‪ .‬فيقوؿ إ ّف النعمة اإلؽبية‬
‫تنتقل إذل الشماس (اؼبرشح) أو إذل الكاىن أو إذل األسقف‪ ،‬يف سر الكهنوت “ليس بطريق الصبلة اليت‬
‫تتلى بالذىن وحسب بل أيضاً عن طريق اعبسد الذي يشًتؾ بواسطة اللمس”‪ .‬ويقصد بذلك أ ّف رئيس‬
‫ربل النعمة اإلؽبية احمليية وإمبا يضع يده أيضاً على رأس اؼبتق ّدـ‬
‫الكهنة ال يكتفي بالصبلة من أجل أف ّ‬
‫نردد الصبلة بالذىن لكي‬
‫للشرطونية (الرسامة)‪ .‬وىذا عينو وبدث يف “صبلة يسوع”‪ .‬فبل يكفي أف ّ‬
‫نناؿ النعمة وإمبا هبب أف يشًتؾ اعبسد أيضاً أل ّف اإلنساف مؤلف من نفس وجسد واعبسد هبب أف‬
‫ىبلص أيضاً‪ ،‬ولذا فإننا باستنادنا إذل اآلباء نستطيع أف نؤكد أ ّف من يرفض مبدأ الصبلة‪ :‬الورع والدموع‪،‬‬
‫تتم بربكات‬
‫أكرر القوؿ إ ّف كل ىذه هبب أف ّ‬
‫الوجع والتنهد والصمت‪ ،‬ينكر كياف الصبلة نفسو‪ .‬و ّ‬
‫مرشدنا الروحي لكي ال يستغلَّها الشيطاف‪.‬‬
‫هت الكبلـ إذل الشيخ قائبلً‪ :‬إ ّف عمل الصبلة كما‬

‫ووج ُ‬
‫ح ّدثت نفسي‪“..‬إ ّف ىذه آّاىدة عسَتة‪ّ ”..‬‬
‫معرضوف ؽبجمات ضارية إذل ىذا اغبد من جانب العدو‪ ،‬وتصدمنا‬ ‫شرحتموه رل صعب‪ .‬وطاؼبا أننا ّ‬
‫أمواج الشرير العاتية حاملة إلينا شرور فبلكتو الشيطانية‪ ،‬فكيف يقوى اؼبرء على مقاومتها؟‬
‫‪َ -5‬م ِجيء النِّعمة َوتَ َوا ِريها‬

‫‪ -‬أرى من الواجب أف أزيد يف توضيح ىذه النقطة‪ .‬إ ّف النساؾ يعرفوف خبث الشيطاف‪ ،‬ويعرفوف أيضاً‬
‫‪1‬‬
‫ىزيبتو وضعفو‪ .‬يعلموف باػبربة حقد الشيطاف‪ ،‬لكننهم يعرفوف أيضاً معرفة جيدة إحساف [اؼبسيح]‬
‫يتفوؽ إحساف اؼبسيح وحبّو لئلنساف‪ .‬فإ ّف الرب يأٌب‬
‫كلي اغببلوة‪ .‬ويف ىذه اغبرب ّ‬
‫وحبّو لئلنساف حباً ّ‬
‫إذل النفس رويداً رويداً‪ ،‬وكلما زاد اقًتابو منها زادىا نعمة وفرحاً‪ .‬فبعد كل معركة ذبيء إذل النفس نعمة‬
‫إؽبية‪ :‬فرح وسكينة وصفاء‪ ،‬وىي نعمة غَت مدركة‪ ،‬يعجز البياف عن وصفها‪.‬‬
‫قاؿ القديس غريغوريوس السينائي إ ّف اؼببدأ اغبقيقي للصبلة حرارة قلب ربرؽ األىواء‪ ،‬وتنشئ يف النفس‬
‫بِ ْشراً فضبلً عن الفرح”‪ .‬إننا لنشعر ّٔذا جيداً‪ ،‬ألننا نعيش حالة دل تكن لنأمن قبل‪ ،‬هتدأ فيها كل‬
‫األمور داخلنا ويسودىا السكوف‪ .‬أما “صبلة يسوع” “يا ريب يسوع اؼبسيح ارضبٍت” فتصَت سبجيداً‬
‫(ذوكصولوجية) “آّد لك يا اهلل”‪ .‬حينذاؾ نواظب بنوع أخص على ترديد اسم يسوع‪ ،‬أل ّف “يسوع‬
‫يكوف ىهنا” (يو ‪.)41 :55‬‬
‫ما جاء بين قوسين [] غير موجود في النسخة االلكترونية التي أُرسلت لنا‪ .‬ولكننا وضعناها ألن هذا هو سياق النص بحسب ما يتضح‬
‫‪1‬‬
‫لنا‪ .‬ونرجو ممن لديه نسخة مطبوعة من الكتاب‪ ،‬أن يقوم بعمل ‪ Scan‬للصفحة ويرسلها لنا لنقوم بتعديلها‪( ....‬الشبكة)‬

‫وذكر اسم يسوع بالعقل اؼبًتكز يف القلب يتم برغبة شديدة وبدوف جهد‪ .‬وىو يف كل مرة يُذكر فيها‬
‫وكبن إليها غاية اغبنُت‪.‬‬
‫ملحة يف أف لبسر ىذه الساعة اإلؽبية‪ُّ ،‬‬
‫وبلّي القلب‪ ،‬ونشعر برغبة َّ‬
‫مردداً“صبلة يسوع” ولكنو كاف يقوؿ إنو دل ِ‬

‫يقض‬ ‫إ ّف شيخي الدائم الذكر كاف يقضي ست ساعات ّ‬
‫يف ىذه الصبلة سوى ربع الساعة‪...‬وفيها يأٌب الفرح متدفّقاً كاألمواج‪ ،‬وحينذاؾ يدؽ القلب دقاً‪ .‬وقد‬
‫تكلّم كثَتاً من اآلباء عن وثبة القلب ىذه‪.‬‬
‫‪ -‬إشل أذكر أيها الشيخ أ ّف البار نيقوديبوس أيضاً يشرح على ىذا اؼبنواؿ صبلة السيدة العذراء الكلية‬
‫الرب‪ ،‬وتبتهج روحي باهلل ـبلّصي”‪.‬‬
‫القداسة‪“ :‬تعظّم نفسي ّ‬
‫رت فعبلً يف تلك اللحظة تعليم القديس نيقوذيبوس حيث يقوؿ‪“ :‬ذاؾ يبتهج‪ ،‬من يثب قلبو‬
‫فقد تذ ّك ُ‬
‫يتحمس بطريقة ما وؽبذا يسمي اآلباء‬
‫ويقفز ويرقص من الفرح اؼبمتد‪ ،‬البالغ أقصى غايتو‪ ،‬فهو ّ‬
‫الصحويوف ىذه البهجة رقصة القلب أو وثبتو‪ ،‬من فعل النعمة اإلؽبية ويضيف القديس نيقوذيبوس‬
‫سرياً داخل‬
‫قائبلً“إ ّف قلبك يرقص إذا أرادت النعمة أف تفتقدؾ وكلما شاء الروح القدس أف ُهبري فعلو ّ‬
‫اؼبسماة بالصبلة القلبية”‪.‬‬
‫نفسك‪ ،‬خبلؿ الصبلة الشريفة ّ‬
‫ورب ّدث العديد من آباء كنيستنا عن وثبة القلب ورقصو‪ .‬نذكر على سبيل اؼبثاؿ القديس غريغوريوس‬
‫باالماس‪ ،‬الذي قاؿ“‪...‬إ ّف رقص القلب أشبو دبن يثبوف حبماسة احملبة للخَت‪ ،‬ويعترب باسيليوس الكبَت‬
‫وأثناسيوس العظيم أ ّف ىذا ىو آية النعمة”‪.‬‬
‫‪ -‬أجل –قاؿ الناسك القديس ذو اػبربة الواسعة– إ ّف األمر لكذلك‪ .‬فإ ّف نعمة اؼبسيح تأٌب إذل قلبنا‬
‫بطورل مرير مفعم باألدل فتضفي عليو السكينة والصفاء‪ .‬لكنها ال تأٌب إذل كل شخص‬ ‫ّ‬ ‫بعد جهاد‬
‫بالطريقة عينها‪ .‬األمر يتوقّف على تق ّدـ اؼبرء روحياً‪ ،‬وعلى فعل الروح القدس‪ ،‬الذي يفعل كما يشاء ما‬
‫ىو موافق‪“...‬إ ّف بدء النعمة يتجلّى يف الصبلة للبعض بصورة متفارقة وتوزيع الروح يتم ٍ‬
‫بطرؽ‬ ‫ّ‬
‫أحس بروح عظيم قدير يب ّدد‬
‫شاىد ويُعرؼ حسبما يشاء ىو” مثاؿ ذلك إيليا النيب‪ .‬فقد ّ‬ ‫كثَتة‪...‬ويّ َ‬
‫الرب”‪.‬‬
‫اعبباؿ‪ ،‬عقبو زلزاؿ‪ ،‬وحفيف نسيم لطيف“وىناؾ كاف ّ‬
‫ويشرح البار غريغوريوس السينائي ىذا فيقوؿ“إنو يأٌب كروح خوؼ إذل البعض‪ ،‬وخباصة إذل اؼببتدئُت‪،‬‬
‫اؼبتحجرة القاسية(يعٍت توبة ودموعاً يذرفها اؼبرء بسبب حياة‬
‫ّ‬ ‫يب ّدد جباؿ األىواء‪ ،‬ويسحق القلوب‬

‫اػبطيئة اليت سبق لو أف عاشها يف ما انقضى من عمره) أما اؼبتق ّدموف فيأٌب إليهم كزلزاؿ يعٍت‬
‫ابتهاجاً(وىذا ىو الرقص الذي ذكرناه آنفاً)وإؽباباً ؿبرقاً للقلب‪ .‬وىو يأٌب أيضاً إذل األكثر تقدماً كنسيم‬
‫لطيف“يشيع سبلـ نور”‪.‬‬
‫فاؼببتدئوف يتقبّلوف بعض أفعاؿ النعمة‪ .‬أما اؼبتق ّدموف فيحظوف دبلء النعمة‪ .‬سأقرأ لك ىذه الفقرة من‬
‫أقواؿ البار غريغوريوس‪:‬‬
‫“‪..‬على النمط الذي ظهر فيو إليليا التسبييت يظهر فينا أيضاً‪ .‬فيأٌب إذل البعض روح خوؼ‪ُ ،‬مب ّدداً‬
‫متجمداً من اؽبلع‪ ،‬ويبسي‬
‫جباؿ أىواء‪ ،‬ساحقاً صخوراً ىي القلوب القاسية حبيث هبعل اؼبرء يستمر ّ‬
‫اعبسد مائتاً‪ .‬ويأٌب أيضاً إذل آخرين كزلزاؿ عنيف‪ ،‬يعٍت ابتهاجاً(وىو ما دعاه اآلباء رقصاً) يُستقبل يف‬
‫أعماؽ الذات قبل كل شيء وىو غَت مادي وجوىري‪ .‬أل ّف ما ليس جوىر وال كياف ىو أيضاً موجود‪.‬‬
‫وأخَتاً يفعل اهلل سرياً حُت يظهر بالروح يف آخرين وخباصة اؼبتق ّدمُت يف الصبلة كنسيم لطيف“يشيع‬
‫الرب ليس ىنا أو ىناؾ يف بعض األفعاؿ (اإلؽبية)‬
‫سبلـ نور”‪ ،‬وؽبذا قاؿ اهلل إيليا يف جبل حوريب إ ّف ّ‬
‫الكامل يف الصبلة”‪.‬‬
‫َ‬ ‫اعبانب‬
‫َ‬ ‫اليت تُعطى للمبتدئُت وحسب بل يف نسيم نور‪ ،‬لطيف أيضاً‪ ،‬مبيّناً ّٔذا‬
‫ومعٌت ىذا أ ّف جهاد شخصي‪ ،‬وما نُظهر من اتضاع‪.‬‬
‫‪ -‬فهل تأٌب النعمة إذاً ٍب تذىب من جديد؟‬
‫يسًتدىا‪ .‬ويف بدء‬

‫‪ -‬أجل‪ .‬إ ّف النعمة تأٌب وتذىب لكي تأٌب من جديد‪ٍ ،‬ب تتوارى‪ .‬اهلل يَرسل نعمتو ٍب ُّ‬
‫ىذا اعبهاد العقلي تكوف اؼبسافات اليت تفصل بُت اسًتداد النعمة وعودهتا أكرب‪ .‬إالّ أ ّف اؼبسافة تقصر‬
‫بعد الرياضة لفًتة طويلة‪ .‬وآّاىد يعرؼ ىذا االفتقاد اؼبتع ّدد من جانب النعمة واختفاءاهتا‪.‬‬
‫‪ -‬لكن‪...‬ؼباذا وبدث ىذا؟ وما الغاية من ؾبيئها ٍب ذىأّا؟‬
‫‪ -‬تأٌب النعمة لتعزية آّاىد وإسعاده‪ٍ .‬ب تذىب لتتوفّر لو إمكانية التمثل والطلب والتذلّل‪ .‬أعٍت لكي‬
‫يدرؾ آّاىد أ ّف ما حدث ىو عطية إؽبية‪ ،‬وأننا بالتارل غَت مستحقُت سباماً لقبوؽبا‪ .‬وكثَت من الرىباف‬
‫يعرفوف جيداً“لعبة النعمة” ىذه من اختباراهتم‪ ،‬وقد تدوـ سنوات طويلة بُت ؾبيء وذىاب‪ .‬ففي اغبالة‬
‫تعزز النعمة اإلؽبية الراىب دبجيئها‪ ،‬وتفعم نفسو بتعزية إؽبية‪ ،‬وكأهنا تقوؿ لو“ىا إشل ىنا)! ويف‬
‫األوذل ّ‬
‫اغبالة الثانية تذىب النعمة لكي يتمثّلها‪ .‬وىذا ىو العمل األصعب‪ .‬ووبتاج إذل جهد كثَت وصبلة حارة‬

‫لكي يتمثّل اؼبرء النعمة اليت ناؽبا‪ .‬أل ّف شبة حاالت تل ّقى فيها بعض الرىباف النعمة اإلؽبية ولكنهم سرعاف‬
‫ما رفضوىا‪ .‬أفلم وبدث ىذا األمر عينو للرسوؿ بطرس؟‪ .‬فلقد تلقَّى على جبل ثابور نعمة غزيرة إال أنو‬
‫دل يكن حىت ذلك اغبُت جديراً بتمثُّلها‪ .‬فانتهى بو اغباؿ على إنكار اؼبسيح‪.‬‬
‫إ ّف مرحلة التمثُّل ىذه مرتبط بطلب مؤدل‪ .‬فآّاىد يدرؾ اآلف أ ّف النعمة موجودة (بظهورىا) وىذا ما‬
‫يدفعو إذل طلبها من جديد‪ ،‬باكياً‪ .‬إنو ينتحب كطفل يفتّش عن أمو اؼبتوارية‪.‬‬
‫أنت‪ ،‬يا نوري؟‬

‫“أين َ‬
‫أنت يا فرحي؟‬
‫أين َ‬
‫َدل تركتٍَت وقليب يتأدل؟‬
‫يت عٍت ونفسي تنتحب؟‬

‫َدل توار َ‬
‫أحرقت خطاياي‪.‬‬
‫َ‬ ‫جئت إذل نفسي‬
‫عندما َ‬
‫تعاؿ اآلف أيضاً إذل نفسي‬

‫َ‬
‫وأحرؽ خطاياي منم جديد‪،‬‬
‫خطاياي اليت أخفتك عٍت‬
‫الشمس‪.‬‬
‫َ‬ ‫الغيوـ‬
‫كما زبفي ُ‬
‫إرل‪ ،‬وأّٔجٍت حبضورؾ‪.‬‬

‫تعاؿ َّ‬
‫َ‬
‫َدل تبطئ يا رب؟‬
‫أنت ترى أ ّف نفسي تشقى مكدورة‬
‫وأشل أعود إذل طلبك بعربات‬
‫فأين زبتفي؟‬

‫وكيف ال تراؾ نفسي‬
‫وأنت اغباضر يف كل مكاف‪.‬‬
‫إشل ألطلبك بقلب قد أناخ عليو األدل بكبلكلو‪.‬‬
‫ىكذا كانت العذراء الكلية الطهارة مع يوسف‬
‫يفتشاف عنك يوـ كنت غبلماً فتياً‪ .‬وقد أضنانبا اغبزف‪.‬‬
‫ترى دباذا ف ّكرت إبَّاف حزهنا‬
‫حُت دل تعثر على ابنها اغببيب؟‪”..‬‬
‫غضب القديس سَتافيم ساروؼ على أحد اإلخوة وحزف‪ ،‬ففارقتو نعمة اهلل‪ .‬فاستفدح اغبرماف منها‬
‫واعتربه أعظم كارثة حلَّت بو وحينذاؾ فقط عرؼ عذاب آدـ وكبيبو لفقده االتصاؿ باهلل وخروجو من‬
‫يتضرع طالباً النعمة اإلؽبية‪ .‬ودل‬
‫الفردوس‪ .‬وأقاـ القديس سَتافيم على صخرة لزمها ألف يوـ وألف ليلة‪ّ ،‬‬
‫ينزؿ عنها إالَّ بعد أف استعاد النعمة‪.‬‬
‫وتابع الشيخ الروحاشل كبلمو قائبلً‪:‬‬
‫يتبُت من ىذا أ ّف النعمة تنكفئ لكي تتيح للقلب أف وبب حباً أكثر‪ ،‬ويتعطّش تعطشاً أشد بعد خرب‬
‫‪ّ -‬‬
‫تذوؽ أيضاً مرارة اػبطيئة يعود إذل طلب النعمة‬
‫حبلوة النعمة وعرؼ ما ىبلّفو غيأّا من فراغ‪ .‬وبعد أف ّ‬
‫من جديد‪ ،‬فبل وبدث ذلك عنده شعوراً باػبيبة أو نقصاً يف اإليباف وهبب أف أضيف إذل ىذا أ ّف النعمة‬
‫الغزيرة بعد أف تكتنف العقل‪ ،‬وتقوده إذل اعبذب‪ ،‬سرعاف ما تفارقو(وخباصة يف البدء“لكي ال يبوت”‬
‫ويكوف أشبو برضيع قد أسرؼ يف الطعاـ وتقيأه‪ .‬ىذا ما يقولو القديس ظبعاف‪ٍ “ :‬‬
‫حينئذ بعد أف‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫تكتنف(النعمة) العقل فجأة لوقت قصَت زبطفو إياه إذل حاؿ جذب‪ٍ ،‬ب تًتُكو بسرعة‪ -‬لكي ال يبوت‪-‬‬
‫حبيث ال يفهم شيئاً فبا حدث بسبب السرعة القصوى وال يتذ ّكر صباالً أبصره‪ ،‬وال وبتويو لئبل يأكل وىو‬
‫يتضرر ويتقيَّأ فإهنا (النعمة) من ذلك اغبُت ترشد‬
‫رضيع غذاء الرجاؿ الكاملُت فيصاب فوراً باهنيار أو ّ‬
‫وتقوي وتعلّم آتية ومغادرة‪ ،‬فنحتاج إليها‪ .‬لكنها ال تأٌب لعوننا مىت أردنا كبن‪ -‬فإف ىذا للكاملُت – بل‬
‫ّ‬
‫أحس ّٔا يف قليب”‪.‬‬
‫عندما نعجز وننهار سباماً فتشرؽ من بعيد وذبعلٍت ُّ‬
‫فتطهر اإلنساف من أحد األىواء ٍب تذىب‪.‬‬

‫إ ّف ّٓيء النعمة وذىأّا ميزة خبلصية أيضاً‪ .‬فهي تأٌب قليبلً ّ‬
‫لتطهره من ىوى آخر‪ .‬وتظل تعمل على ىذا اؼبنواؿ إذل أف يتم ّكن اؼبرء دبساعدة‬
‫ولكنها تعود من جديد ّ‬
‫النعمة اإلؽبية احمليية من تطهَت اعبانب االنفعارل يف النفس وبعد جهد كثَت وتضحيات عديدة ربُت‬
‫اللحظة اليت فيها تثبت النعمة تقريباً يف القلب فيغمره صفاء مستدصل‪ .‬وسكينة غَت منقطعة‪ ،‬وشعور‬
‫باغببلوة أبدي‪ .‬فإ ّف جبل ثابور يكوف يف النفس‪..‬السماء على األرض‪ ...‬ملكوت يبؤل القلب‪...‬الثالوث‬
‫القدوس داخلنا‪...‬اإلنساف حسب صورة اهلل ومثالو!‪...‬‬
‫أت أخَتاً يف كتاب روحي ما يتفق وكبلـ‬

‫تأملت يف ما بلغو حب اهلل لنا‪ ،‬ذلك اغبب العظيم!‪ .‬لقد قر ُ‬
‫ُ‬
‫الشيخ‪ ،‬وقد جاء فيو ما يلي‪“ :‬ما دل زبترب بنفسك أفعاؿ الشيطاف وحبائلو وىجماتو فإنك لن تدرؾ ال‬
‫بل إنك لن ت ْق ُدر إحسانات الروح اؼبعزي اليت يبنحك إياىا‪ .‬وما دل تعرؼ الروح الذي يقتل فلن تعرؼ‬
‫الذي ُوبيي‪ .‬ولن تعرؼ اؼبسيح معطي اغبياة معرفة حقو”‪.‬‬
‫ما أعظم حب اؼبسيح لنا! فإنو يعرؼ مؤامرات الشرير ويعلم كيف يستعملها للخَت‪ .‬فهو يستخرج من‬
‫حب هلل‪ .‬ؤّذا ندرؾ أ ّف الشيطاف‪ ،‬مهما فعل‪ ،‬فسينتهي أخَتاً إذل‬
‫ووبوؿ حقد الشيطاف إذل ّ‬
‫اؼبر حبلوة ّ‬
‫ّ‬
‫ىدـ ذاتو‪ .‬وال ريب أنو وبارب الناس‪ .‬أما اهلل فيدعو حراً ألنو شخص وىو بالتارل ذو حرية وبًتمها اهلل‪،‬‬
‫إال أ ّف اهلل حببو وإحسانو للبشر وب ّد من عمل الشيطاف اؽبدَّاـ‪.‬‬
‫القليل من الكربياء إذل اتضاع هبذب نعمتو اإلؽبية‪ .‬وىذا‬

‫وبوؿ حببّو َ‬
‫ظبعت ذات يوـ ناسكاً يقوؿ إ ّف اهلل ّ‬
‫ُ‬
‫حل بو السقوط تواً‪ .‬فإذا تقبّل النعمة اإلؽبية بعد السقوط تاب واتضع أكثر‪.‬‬
‫تكرب ّ‬
‫يعٍت أ ّف اؼبسيحي إذا ّ‬
‫يطهر ذاتو تدرهباً من خطيئة الكربياء الشيطانية الدنسة‪ .‬ؤّذا يبكننا القوؿ من جديد إ ّف‬
‫وىكذا ّ‬
‫الشيطاف يهدـ ذاتو ويتبلشى‪.‬‬
‫بعد ىذا وقف الشيخ وقاؿ‪:‬‬
‫اذىب إذل تلك‬

‫‪ -‬لقد حانت ساعة صبلة اؼبساء‪ .‬فهيَّا بنا لنتلو الصبلة باغببل اؼبعقود( كومبو سيخٍت) ْ‬
‫مردداً الصبلة إذل أف أدعوؾ لكي نستأنف اغبديث‪ .‬هبب أالَّ ننسى “صبلتنا ”الصغَتة‬
‫وصل ّ‬
‫الغرفة ّ‬
‫أبداً‪.‬‬

‫كف عن اؼبسَت‬
‫دخلت القبلية اليت أشار إليها‪ .‬أصعدشل إذل مكاف عاؿ جداً‪ .‬وقد أحسن صنعاً حُت َّ‬
‫ُ‬
‫فوجدت الفرصة مؤاتية رل لكي أسًتيح‪ .‬وكانت القبلية عبارة عن غرفة ضيقة جداً كسائر قبلرل اعببل‬
‫ُ‬
‫اؼبق ّدس (آثوس)‪ .‬وكاف يف داخلها سرير صغَت خشن مصنوع من بعض األلواح اػبشبية اؼبستندة إذل‬
‫رجلُت خشبيتُت‪ .‬وكاف فوؽ األلواح غطاء (بطانيَّة)‪ .‬وليس فيها شيء يذ ّكرنا بالعادل‪ .‬وكاف يف داخل‬
‫ت بلورتو‪ ،‬ومقعد صغَت يستخدمو الراىب أثناء‬ ‫اسود ْ‬
‫القبلية أيضاً طاولة صغَتة عليها قنديل كاز ّ‬
‫قت على اعبدار أيقونة للسيد اؼبسيح وإذل جانبها أيقونة‬
‫الصلوات الليلية اؼبتواصلة لفًتة طويلة‪ .‬وقد عُلّ ْ‬
‫للسيدة والدة اإللو اليت وببها رىباف اعببل اؼبقدس بنوع خاص‪ .‬وىي قائدة اعببل وحاميتو وسيّدتو‪.‬‬
‫أسل للشيخ‬
‫بعض العناكب وخباصة يف زوايا الغرفة‪ .‬و َّ‬
‫وال بد أف نذكر أ ّف من اؼبتممات الضرورية للقبلية َ‬
‫ىبصصها للتنظيف الدقيق؟‬
‫أف هبد ساعة من الوقت ّ‬
‫سقطت على أرضها فأحدث سقوطي دوياً‪.‬‬

‫ُ‬ ‫كدت أدخل القبلية وأجيل فيها نظري بسرعة حىت‬
‫وما ُ‬
‫أردد “صبلة يسوع” تارة‬
‫أخذت ّ‬
‫ووضعت رأسي فوقهما‪ .‬و ُ‬
‫ُ‬ ‫كفي وأسندهتما إذل أرض القبلية‪،‬‬
‫وضممت َّ‬
‫ُ‬
‫أردد “الصبلة”كاملة‪ ،‬مع التشديد أحياناً على كلمة“يا ريب” وعلى اسم‬
‫بتمتمة وطوراً بقوة‪ .‬وكنت ّ‬
‫يسوع أحياناً أخرى‪ ،‬وعلى لفظ اؼبسيح‪ ،‬أو على عبارة“ارضبٍت ” وذلك بقصد تركيز عقلي جيّداً يف‬
‫“الصبلة”‪...‬‬
‫علي من الوقت وأنا منطرح على أرض القبلية‪ .‬فإ ّف الزمن يتوقف يف ىذه‬
‫دل أعرؼ كم مضى َّ‬
‫وقلت من أعماؽ‬
‫الساعات‪ ...‬كنت أتأمل يف خطيئيت‪ ،‬ويف حضوري بُت آباء قديسُت متأؽبُت‪ ،‬فأبكي‪ُ .‬‬
‫قليب قوالً للق ديس يوحنا الذىيب الفم‪ ،‬الذي أساء فهمو البعض ظانُت أنو أراد بو أف ال يسكن الرىباف‬
‫األديرة‪“ :‬طوىب لكواكب اؼبسكونة‪ ،‬أل ّف غرفتهم نقية خالية من كل ضجة‪ ،‬ونفسهم ُمص ّفاة من كل‬
‫ومتحررة من كل مرض‪ .‬وىي رقيقة‪ ،‬خفيفة‪ ،‬وأنقى بكثَت من ىواء عليل‪ .‬أما العمل عندىم فهو‬
‫ّ‬ ‫ىوى‪،‬‬
‫ما كاف آلدـ يف البدء قبل اػبطيئة‪ ،‬يوـ كاف متسرببلً آّد ويكلّم اهلل بدالّة‪ ،‬مقيماً يف ذلك اؼبكاف اؼبفعم‬
‫غبطة”‪.‬‬
‫فعدت من‬
‫ُ‬ ‫ظبعت صوت اؼبريد ىبربشل أف الشيخ ينتظرشل الستئناؼ اغبديث‪.‬‬
‫ُ‬ ‫بعد مرور وقت غَت قليل‬
‫جديد إذل الناسك اؼبعتزؿ ويف نفسي مزيج من آيات الفرح واغبزف بسبب قطع صبلٌب‪.‬‬

‫سألٍت‪ :‬كيف بدا لك ىذا التوقُّف؟‬
‫فقلت‪ :‬ال أستطيع أف أكلّمكم وأف أجيب على سؤالكم‪( ...‬من يدري! فلعلو كاف يصلي من أجلي‬‫ُ‬
‫علي من انسحاؽ)‪.‬‬
‫فقط إبَّاف وجودي يف القبلية‪ .‬فحدث يف نفسي من أثر ذلك ما بدا ّ‬
‫قلت بعد غبظات‪:‬‬
‫ُ‬
‫امتؤلت يف الوقت‬
‫ُ‬ ‫أحسست بصفاء يهيمن على نفسي‪ ،‬وبشعور من األسى بسبب اػبطيئة‪ .‬وقد‬
‫ُ‬ ‫‪ -‬لقد‬
‫إرل أنكم‬
‫عينو فرحاً ألجل ؿببة يسوعي‪ .‬أجل إ ّف يسوع وببٍت حباً صباً‪ ،‬فوؽ ما كنت أظن‪ .‬وىبيل ّ‬
‫تشعروف دائماً دبثل ىذا‪ ،‬وقد يكوف نتيجة افتقاد نعمة اؼبسيح‪ ،‬اليت تأٌب بقوة بعد سنوات طويلة من‬
‫الصعود إذل جبل يسوع‪ ،‬وبعد ترديد“الصبلة”‪ .‬اغباملة اغبياة‪ ،‬ترديداً متواصبلً‪.‬‬
‫لكن شبرات“الصبلة”‪ ،‬ىي من الكثرة حبيث يتع ّذر على اؼبرء إحصاؤىا كلّها‪.‬‬ ‫‪ -‬إ ّف األمر لكذلك‪ّ .‬‬
‫فإ ّف“الصبلة” أشبو بشجرة مثقلة بثمار يف غاية من اغببلوة‪ ،‬والواحدة فيها خَت من األخرى‪.‬‬
‫‪ -‬أعطٍت أنا احملروـ من النعمة اإلؽبية بعض ىذه الثمرات من شبار“الربية اؼبمتلئة نعمة”‪ ، ...‬قم من‬
‫أجلي بعمل قطاؼ روحي‪ ،‬لكي أعرفها على األقل‪...‬‬
‫‪ -6‬ثمار ((الصالة))‬
‫إرل ‪ .‬إ ّف “الصبلة” ىي يف البدء خبز‬
‫دمت ترغب يف االستماع ّ‬
‫‪ -‬سأذكر لك بعض ىذه األشبار ما َ‬
‫يسند قلب آّاىد ٍب تصَت زيتاً وبلّي قلبو‪ ،‬وبعدىا ُسبسي طبرة‪“ ..‬ذبذبو”‪ ..‬فيحدث االقبذاب واإلرباد‬
‫اؼبسيح لئلنساف اؼبصلّي ىي معرفة يقينية‬
‫ُ‬ ‫باهلل‪ .‬وللمزيد من التحديد أقوؿ إ ّف العطية األوذل اليت يعطيها‬
‫فيكف عن االعتقاد بأنو صاحل ويعترب نفسو “رجسا اػبراب فيما ىو واقف يف‬
‫ُّ‬ ‫بأنو يف حاؿ خطيئة‪،‬‬
‫مكاف مق ّدس”‪ .‬وتضرب حفَّارة النعمة عمق النفس وربفره فما أكثر األقذار يف داخلنا! إ ّف نفسنا لنتنة!‬
‫خبثت رائحتهم‪ ...‬الصادرة عن قباسات داخلية‪..‬أجل‪ ،‬إ ّف‬

‫ْ‬ ‫يأٌب البعض إذل قبلييت أحياناً وىم منتنوف‬
‫لكن آّاىد يكتشفها اآلف“بالصبلة” وتكوف نتيجة ىذا االكتشاؼ أنو‬
‫ىذه تكوف ؾبهولة من قبل‪ّ ،‬‬
‫يعترب نفسو أقل صبيع الناس وأ ّف اعبحيم ىي مثواه األبدي فيشرع يف البكاء ندماً‪ .‬أجل إنو يذرؼ الدمع‬
‫ىتوناً على ذاتو اؼبائتة‪ .‬وىل يبكي اؼبرء على ميت يف بيت جاره وال يبكي على ميت يف بيتو ىو؟‬
‫ىذا ما وبدث للمجاىد يف “الصبلة”‪ .‬فهو ال يرى خطيئة اآلخرين وإمبا يرى ما حل بو نفسو من‬
‫إماتة‪ ،‬فتمسي عيناه ينبوع دموع تصدر عن قلب عصره العذاب‪ .‬وىو يبكي كما يبكي احملكوـ عليو‪،‬‬
‫ويصرخ يف الوقت عينو حبرارة “ارضبٍت”‪“ ،‬أرضبٍت”‪“ ،‬أرضبٍت”‪ّٔ ...‬ذه الدموع‪ -‬كما يُن ّقي اؼباء ألشياء‬
‫يص ّفي اؼبطر السماء من الغيوـ ويُنظّف األرض من األقذار‪ .‬فليست ىذه الدموع إالَّ ماء‬
‫اؼبوسخة‪ ،‬وكما َ‬
‫َّ‬
‫اؼبعمودية الثانية‪ .‬فالصبلة إذاً تأٌب بثمرة التطهَت الكلية اغببلوة‪.‬‬
‫هر اؼبرء تطهَتاً تاماً إذا افتقدتو النعمة اإلؽبية؟‬

‫‪ -‬أيَطْ ُ‬
‫‪ -‬ال يطهر سباماً ‪ ،‬إمبا هبري تطهره بصورة دائمة‪ ،‬أل ّف التطهَت “ال ينتهي”‪ .‬يذكر القديس يوحنا‬
‫السلَّمي قوالً ظبعو من راىب عدصل اؽبوى جاء فيو‪“ :‬ىذا ىو كماؿ الكاملُت‪ ،‬كماؿ ال ينتهي”‪ .‬فبقدر‬
‫ت رؤيتو طبقات اػبطيئة السفلى‪ ،‬فيشعر من جديد‬
‫كثرت تنقيتو اشت ّد ْ‬
‫ما يبكي اؼبرء يزداد طهراً‪ .‬وكلما ْ‬
‫باغباجة إذل البكاء‪ .‬وىكذا دواليك‪..‬وقد أحسن القديس ظبعاف البلىوٌب شرح ىذا بقولو‪“ :‬إ ّف ىؤالء‬
‫تتطهر‬
‫يطهروف النفس بأدعية متواصلة‪ ،‬وأصوات ال يُنطق ّٔا‪ ،‬وباهنيار دموع‪ .‬وحُت يراىا ىؤالء وىي َّ‬ ‫ّ‬
‫مطهرة تطهَتاَ كامبلً‪ .‬لكنهم ما داموا عاجزين عن العثور‬
‫تتملّكهم نار الشوؽ‪ ،‬ونار الرغبة يف أف يروىا َّ‬
‫التطهر واالستنارة‬
‫بلغت‪ ،‬أنا الشقي‪ ،‬من ّ‬
‫التطهر عندىم غَت منتو‪ .‬فإشل مهما ُ‬
‫على النور مكتمبلً يكوف ّ‬
‫التطهر والرؤية‪ .‬فمن يستطيع‬
‫ومهما زاد الروح الذي ين ّقيٍت وضوحاً أماـ عيٍت فما ذلك سوى بدء رل يف ّ‬
‫علو غَت قابل للقياس؟”‬
‫إذاً أف يعثر على مكاف وسط أو هناية يف عمق غَت ؿبدود‪ ،‬ويف ّ‬
‫ويتطهر باضطّراد‪ .‬فيتن ّقى أوالً اعبانب االنفعارل‬
‫يتكمل َّ‬ ‫ِ‬
‫وىذا يعٍت – كما تفهموف يا أبت – أ ّف اإلنساف ّ‬
‫يف النفس (اعبانب الغضيب‪ -‬الشهوات‪ -‬الرغبات)‪ٍ ،‬ب يتلوه اعبانب العقلي يف النفس‪.‬‬
‫ينعتق اؼبؤمن من األىواء اعبسدية (اعبانب الشهواشل) ٍب من أىواء البغض‪ ،‬والغضب‪ ،‬واغبقد(اعبانب‬
‫يتم باإلكثار من الصبلة ودبجاىدة أش ّد‪ .‬ومىت سب ّكن آّاىد من االنعتاؽ من الغضب‬
‫لكن ىذا ّ‬
‫الغضيب) ّ‬
‫تطهر تقريباً‪ٍ .‬ب تتبع ىذا حرب‬
‫واغبقد كاف ذلك دليبلً بيّناً على أ ّف اعبانب االنفعارل يف نفسو قد َّ‬
‫كل اؽبواجس الباطلة‪.‬‬
‫وحب آّد الفارغ اخل‪..‬و َّ‬
‫العقلي‪ .‬فيحارب آّاىد الكربياء ّ‬
‫ّ‬ ‫تنحصر كلّها يف اعبانب‬

‫وتبلزـ ىذه اغبرب اؼبؤمن حىت هناية حياتو‪ .‬إالَّ أ ّف ىذه اؼبسَتة كلّها‪ ،‬مسَتة التطهَت‪ّ ،‬‬
‫تتم دبساعدة النعمة‬
‫اإلؽبية وفعلها‪ ،‬بقصد أف يصَت اؼبؤمن إناء يتَّسع للنعمة الغزيرة‪ .‬ويف ىذا يقوؿ القديس ظبعاف البلىوٌب‬
‫أيضاً‪:‬‬
‫“فلن يستطيع اإلنساف التغلّب على األىواء ما دل يكن ىذا (النور) إذل جانبو للمساعدة‪ .‬وىو ال يطرد‬
‫األىواء كلّها (من النفس) دفعو واحدة‪ .‬فإ ّف اإلنساف النفساشل ال يصَت جديراً بتقبُّل الروح كلو فجأة‪ ،‬وال‬
‫ىبصو‪،‬‬
‫كل شيء‪ :‬من عري‪ ،‬وعدـ سعي‪ ،‬وانفصاؿ عما ّ‬
‫يصَت عدصل اؽبوى إالّ مىت فعل بقدر اؼبستطاع َّ‬
‫وربمل للتجارب‪ ،‬وصبلة وحزف‪ ،‬وفقر واتضاع‪ .‬وذلك بقدر‬
‫وذبرد من اإلرادة الذاتية‪ ،‬وإنكار للعادل‪ّ ،‬‬
‫ُّ‬
‫استطاعتو‪” ...‬‬
‫التطهر؟ أجاب الناسك اغبكيم‪:‬‬

‫‪ -‬وكيف يدرؾ اإلنساف أ ّف نفسو آخذة يف ُّ‬
‫‪ -‬ىذا أمر سهل ويبكن إدراكو بسرعة‪ .‬يستعمل إيسيخيوس الكاىن صورة لبياف ذلك‪ .‬فهو يقوؿ‪:‬‬
‫“كما أ ّف األطعمة اليت ربمل اؼبرض إذا دخلت اؼبعدة أزعجت وآؼبت‪ ،‬لكنها زبرج منها بتناوؿ الدواء‬
‫فتسًتيح‪ ،‬ويشعر اؼبرء باالرتياح‪ ،‬ىكذا يكوف األمر يف اغبياة الروحية‪ .‬فإ ّف اإلنساف حُت يتلقَّى أفكاراً‬
‫شريرة يشعر باؼبرارة وبثقلها‪ ،‬وىذا أمر طبيعي‪ .‬غَت أنو بواسطة “الصبلة” يطردىا هنائياً متقيئاً بسهولة‪.‬‬
‫بالتطهر‪ ،‬أل ّف اعبراح الداخلية الناشئة عن األىواء‬
‫ّ‬ ‫ووبس اؼبصلي‬
‫ويشعر بعدىا بالتطهر إذل حد بعيد‪ُّ .‬‬
‫يتوقف نزفها فوراً‪.‬‬
‫ومست ىدب ثوبو وللحاؿ توقف‬

‫نقرأ يف إقبيل لوقا عن اؼبرأة النازفة الدـ “اليت جاءت من خلف يسوع َّ‬
‫شف فوراً (يتوقف نزؼ الدـ ) أي‬ ‫نزؼ دمها” (لوقا ‪ )22: 1‬فأ ّف اقًتاب اؼبرء من يسوع اؼبسيح يُ َ‬
‫يتوقف نزؼ دـ األىواء‪ .‬أريد القوؿ أيضاً إ ّف الصور والرسوـ واألشخاص الذين كانوا يعثروننا قببلً يك ّفوف‬
‫أبت أنو إذا أزعجنا بعض األشخاص أو األشياء كاف ذلك دليبلً على أننا‬ ‫عن إعثارنا‪ .‬وىذا يعٍت يا ِ‬
‫التطهر‬
‫ّ‬ ‫ؾبروحوف‪ ،‬وقد جرحنا الشيطاف ّٔجماتو والعثرة قائمة يف داخلنا‪ .‬إالَّ أ ّف اؼبرء بعد‬
‫دبساعدة“الصبلة” يرى صبيع الناس وكل األشياء كائنات خلقها اهلل‪ ،‬ال بل أنو يعترب األشخاص بنوع‬
‫أخص صوراً هلل احملب‪.‬‬
‫ّ‬

‫فمن كاف متسرببلً نعمة اؼبسيح يرى اآلخرين أيضاً متشحُت ولو كانوا عراة جسدياً‪ .‬أما من دل وب َظ‬
‫بالنعمة اإلؽبية فإنو ينظر إذل البلبسُت جسدياً فيحسبهم عراة‪.‬‬
‫وددت أيها اغببيب عند ىذه النقطة أف أقرأ لك من أقواؿ القديس ظبعاف البلىوٌب اعبديد‪.‬‬
‫ُ‬
‫أت بعض كتبو فتحمست!‬

‫قلت‪ :‬إنو يف اغبقيقة الىوٌبّ وقد قر ُ‬
‫ُ‬
‫تذوقاً للثيولوجيا الصوفية‪ ،‬الطريق السلبية‬

‫‪ -‬أنصحك بقراءة كتبو كلّها‪ .‬ألنك بذلك تستطيع أف تقتٍت ّ‬
‫لبلختبار النسكي‪ .‬يقوؿ ىذا األب معاين اهلل يف إحدى قصائده‪..“ :‬إ ّف ظبعاف القديس الورع‬
‫كل إنساف وال أف يشاىدىم عُراة وال أف يُرى ىو أيضاً عارياً‬
‫األستوذييت ما كاف يستحي أف يرى أعضاء ّ‬
‫‪ .‬فقد كاف لو اؼبسيح كلو‪.‬ىو كلّو كاف مسيحاً‪ .‬أعضاؤه كلها‪ ،‬وأعضاء كل شخص آخر‪ ،‬كل واحد‬
‫متضرر‪،‬‬
‫دبفرده‪ ،‬والكل معاً كاف ينظر إليهم على الدواـ فيحسبهم مسيحاً‪ .‬وكاف يبقى ببل حركة‪ ،‬غَت ّ‬
‫وعدصل اؽبوى‪ .‬فكأنو كاف بكاملو مسيحاً‪ .‬وىو يرى صبيع اؼبعمدين متشحُت باؼبسيح بكاملو‪ .‬فإ ّف‬
‫فلم ذبرؤ على التطاوؿ‬
‫وصرت مهووساً باألنثى كحمار أو حصاف َ‬
‫َ‬ ‫جدت عارياً وجسد يبلمس جسداً‬
‫ُو َ‬
‫التحرر من‬
‫على القديس واهتامو زوراً‪ ،‬والتجديف على اؼبسيح اؼبتَّحد فينا اؼبعطي عبيده القديسُت موىبة ّ‬
‫اؽبوى؟”‪.‬‬
‫وأضاؼ الشيخ قائبلً‪:‬‬
‫تطهر بواسطة “الصبلة” ال يعثره شيء فبا يرى‪ .‬والشيطاف‬

‫‪ -‬إ ّف اإلنساف اؼبتحرر من اؽبوى‪ ،‬الذي َّ‬
‫ينهزـ يف الوقت عينو‪ ،‬وىذا من شبار الصبلة أيضاً‪ .‬ينكشف العدو وشباكو بسرعة فُيطرد من النفس‬
‫بسهولة‪ .‬ويشعر آّاىد يف “الصبلة”بتأىب الشيطاف حملاربتو من جديد‪ ،‬فيتخذ اإلجراءات اؼبضادة‬
‫سبسها‪.‬‬
‫صوب إذل النفس لكنها تنطفئ قبل أف ّ‬
‫البلزمة يف الوقت اؼبناسب‪ .‬وىو يرى سهاـ الشرير تُ َّ‬
‫يقوؿ القديس ذياذوخوس “إذا ما وصلت السهاـ إذل موضع ما يف اعبزء اػبارجي للقلب تبدَّد ىناؾ أل ّف‬
‫نعمة اهلل تكمن داخل القلب‪ .‬األبالسة‪ ،‬النارية‪ ،‬تنطفئ فوراً عند مراكز اإلحساس اػبارجية يف اعبسم‪.‬‬
‫يهز القلب برياح سبلمية ويطفئ سهاـ الشيطاف حامل النار‪ ،‬اليت ظلت باقية يف‬
‫أل ّف ندى الروح القدس ّ‬
‫اؽبواء‪...‬‬

‫ويتم – كما قلنا سابقاً‪ -‬توحيد اإلنساف بكاملو‪ :‬العقل والرغبة واإلرادة‪ ،‬وتتناسق كلها معاً يف اهلل”‪.‬‬
‫ّ‬
‫ىتفت‪ :‬التطّهر من اؽبوى‪ .‬إنو عطية عظمى!‬
‫ُ‬
‫التطهر‬
‫حق إ ّف التحرر من اؽبوى ىو عطية النعمة‪ .‬والتحرر من اؽبوى يفًتض وجود ُّ‬
‫قاؿ‪ :‬أجل‪ ،‬ىذا ّ‬
‫واحملبة‪ .‬وىو يزيد احملبة صقبلً‪.‬‬
‫وقديس اهلل ظبعاف يساعدنا يف فهم ىذه النقطة‪ .‬فإنو يستعمل صورة صبيلة فيقوؿ إننا يف ليلة صافية ال‬
‫سحب فيها نشاىد صفحة القمر يف السماء متؤللئة بالنور اػبالص الكلي النقاوة‪ .‬وكثَتاً ما نشاىد‬
‫اؼبتحرر من‬
‫اؼبطهر تاماً‪ ،‬و ّ‬
‫ينسق القديس بُت ىذه الصورة وصورة اإلنساف َّ‬
‫لنر كيف ّ‬
‫حوؽبا ىالة من نور‪ .‬و َ‬
‫اؽبوى‪ .‬فهو يقوؿ إ ّف أجساد القديسُت ىي السماء أما قلبهم حامل البلىوت فإنو أشبو بصفحة القمر‪.‬‬
‫تطهر‪ ،‬وتأٌب‬
‫واغبب اؼبق ّدس ىو النور الفعَّاؿ الكلي القدرة الذي يبؤل القلب يومياً بقدر ما أصابو من ّ‬
‫بعد ذلك غبظة يبتلئ فيها القلب بنور اغبب الساطع فيصبح بدراً‪ .‬إالَّ أ ّف ىذا النور ال يتناقص مثلما‬
‫وبدث للقمر ألنو يتغذى باالجتهاد واعبهاد والعمل الصاحل‪..‬‬
‫“‪...‬يظل القلب مفعماً كلّو بالنور فيما َّ‬

‫يغذى باجتهاد القديسُت وإحساهنم‪ ”...‬وموىبة التحرر من‬
‫اؽبوى (األباثيا) دائرة فبتلئة كلها بالنور ربيط بالقلب وتصونو ساؼباً من ىجمات الشرير الشرسة‪“ .‬إهنا‬
‫تسًت(القديسُت) على الدواـ وربرسهم وربفظهم ساؼبُت من كل فكرة شريرة وتصوهنم ببل مضرة وأحراراً‬
‫وتستعيدىم من كل األعداء‪ .‬ليس ىذا وحسب بل إهنا تعمل أيضاً عبعلهم بعيدين عن متناوؿ‬
‫اؼبضادين‪”..‬‬
‫التحرر من اؽبوى ضرورية سباماً إالَّ أهنا ليست عطية “الصبلة” األخَتة كما أهنا ليست‬
‫ومع أ ّف موىبة ّ‬
‫إمتبلؾ كل شيء‪ .‬فإ ّف ما وبدث بعد ذلك ىو البدء يف الصعود كبو اهلل‪ .‬ويصف اآلباء القديسوف ىذا‬
‫وتكمل‪ .‬سأذكر لك مبوذجُت من الكتاب اؼبق ّدس بغية‬
‫تطهر واستنارة‪ُّ ،‬‬
‫الصعود الروحي كبو التألو بأنو ُّ‬
‫اإليضاح‪ .‬أوؽبما حالة صعود موسى النيب إذل جبل سيناء لكي يتسلم الشريعة‪ ،‬والثاشل مسَتة الشعب‬
‫اإلسرائيلي كبو أرض اؼبيعاد‪.‬‬
‫يشرح القديس غريغوريوس أسقف نيصص اغبالة األوذل‪ .‬أما الثانية فيشرحها القديس مكسيموس‬
‫اؼبعًتؼ‪.‬‬

‫يفسروف كبلـ اهلل تفسَتاً صحيحاً‪ .‬وؽبذا أود ظباع شروح‬

‫وبمسونٍت على الدواـ‪ .‬فإهنم ّ‬
‫‪ -‬إ ّف اآلباء ّ‬
‫اآلباء‪.‬‬
‫طهر العربانيوف أوالً ثيأّم َّ‬

‫ونقوا ذواهتم امتثاالً ألمر اهلل‪“ .‬ن ّقهم وليغسلوا الثياب‪ ،‬وليكونوا‬ ‫‪ -‬لقد َّ‬
‫متأىبُت يف اليوـ الثالث”‪.‬‬
‫ويف اليوـ الثالث ظبع الشعب كلو األصوات “وصوت البوؽ” ورأى الربوؽ والسحب الضبابية على جبل‬
‫يدخن كلو”‪ .‬وتق ّدـ الشعب إذل أسفل اعببل‪ .‬أما موسى النيب فقد دخل‬
‫سيناء‪“ .‬كاف جبل سيناء ّ‬
‫وحده يف السحاب اؼبنَت‪ٍ .‬ب وصل بعد ذلك إذل القمة حيث تسلّم ألواح الناموس‪.‬‬
‫ويشرح القديس غريغوريوس أسقف نيصص ىذا‪ ،‬فيقوؿ إ ّف الطريق إذل اؼبعرفة اإلؽبية ىي طهارة اعبسد‬
‫والنفس‪ .‬واؼبزمع الصعود هبب أف يكوف‪ ،‬بقدر اؼبستطاع‪ ،‬نقياً ببل دنس نفساً وجسداً‪ .‬وهبب أف يغسل‬
‫ثيابو حسب الوصية اإلؽبية‪ ،‬ال ثيابو اؼبادية‪ ،‬ألهنا ليست عائقاً ؼبن يريدوف التألو‪ ،‬إمبا هبب غسل مئزر‬
‫اؼبشاغل حبسب ىذه اغبياة‪ ،‬يعٍت كل أعماؿ اغبياة اليت ربيط بنا كالثوب‪ .‬هبب أف يبعد أيضاً عن اعببل‬
‫اغبس”‪ ،‬أف يتخطَّى كل معرفة‬
‫اغبيوانات البهم اليت ال عقل ؽبا‪ ،‬أي يتخطى “اؼبعرفة اؼبكتسبة بطريق ّ‬
‫حسية” وغَت عاقلة‪ ،‬وأف يغسل الذىن‪ ،‬أي أف‬
‫يتطهر من كل حركة “ ّ‬
‫تقدمها أدوات اغبواس‪ .‬وعليو أف ّ‬
‫ويتطهر على ىذا‬
‫ينفصل الذىن عن رفيقو أي “اإلحساس” اؼببلزـ لو وليجرؤ‪ -‬بعد أف يتأىب ويستعد َّ‬
‫اؼبنواؿ‪ -‬على االقًتاب من اعببل اؼبو ّشح بالضبَّاب‪.‬‬
‫يضاؼ إذل ىذا أ ّف الشعب يصعب عليو صعود اعببل‪ .‬ودبا أ ّف الشعب يصعب عليو االقًتاب من اعببل‬
‫وكاف على موسى النيب وحده أف يبضي فيو قدماً‪ ،‬أي كاف مدعواً إذل الصعود‪ ،‬يتبُت من ىذا‪ ،‬يا ِ‬
‫أبت‪،‬‬ ‫ّ‬
‫أ ّف التطهر كما يبدو ىنا ىو ضروري مق ّدماً ٍب يتبعو الصعود من أجل اؼبشاىدة‪ .‬فإ ّف أعظم اػبَتات‪،‬‬
‫التطهر شرط ضروري للحصوؿ عليها‪.‬‬
‫التطهر‪ .‬وإ ّف ىذا ُّ‬
‫بناء على ما تق ّدـ‪ ،‬تأٌب بعد ُّ‬
‫ورب ّدث الناسك معاين اهلل عن النموذج الثاشل فقاؿ‪ :‬لقد كتب القديس مكسيموس اؼبعًتؼ أ ّف ىناؾ‬
‫السري كبو اهلل‪:‬‬
‫ثبلث مراحل للصعود ّ‬
‫التطهر من األىواء) وإهبابية‪( :‬اكتساب الفضائل)‪.‬‬
‫‪ +‬الفلسفة العلمية وىي سلبية‪ّ ( :‬‬

‫‪ +‬واؼبشاىدة الطبيعية ىي اليت يشاىد إباهنا العقل احملض‪ ،‬الطاىر‪ ،‬اػبليقة كلها واؼبعاشل الباطنية‬
‫فيتعرؼ على اؼبعٌت الروحي للكتب اؼبق ّدسة‪ ،‬ويرى اهلل يف الطبيعة ويصلي إليو‪ٍ .‬ب تأٌب بعدىا‬
‫لؤلشياء‪ّ ،‬‬
‫اؼبرحلة الثالثة واألخَتة ىي‪:‬‬
‫توحد اؼبؤمن آّاىد باهلل‪ .‬وىذه اؼبراحل الثبلث تتجلى بوضوح يف مسَتة الشعب‬
‫السرية اليت ّ‬
‫‪+‬الثيولوجيا ّ‬
‫اإلسرائيلي‪.‬‬
‫لقد ىرب اإلسرائيليوف أوالً من عبودية مصر بعد أف عربوا البحر األضبر الذي غرؽ فيو اعبيش اؼبصري‪.‬‬
‫ٍب وصلوا إذل الربية حيث تلقوا بطرؽ ـبتلفة عطايا ؿببة اهلل لئلنساف (اؼبن اؼباء وسحابة النور والشريعة‬
‫والنصر على األعداء)‪ .‬وبعد جهاد داـ سنُت كثَتة دخلوا أرض اؼبيعاد‪.‬‬
‫وبدث مثل ىذا أيضاً للمجاىد “بالصبلة”‪ .‬فإنو ىبرج أوالً من عبودية األىواء (اؼبشاىدة الطبيعية)‬
‫السرية)‪ :‬اإلرباد‬
‫حيث يتقبّل عطايا ؿببة اهلل‪ .‬وبعد ؾباىدة بطولية يصَت مستحقاً أرض اؼبيعاد (اليولوجيا ّ‬
‫التاـ باهلل والتنعم باألزلية الذي وبدث دبشاىدة النور غَت اؼبخلوؽ‪.‬‬
‫وفبا ال ريب فيو أ ّف ىذه اؼبراحل حبسب رأي اآلباء ليست منفصلة عن بعضها انفصاالً تاماً‪ .‬فإننا بعد‬
‫السرية‪ ،‬ال نًتؾ الرياضة واالنسحاؽ أي الفلسفة العلمية‪ .‬أل ّف‬
‫وصولنا إذل الرؤية الطبيعية وإذل الثيولوجيا ّ‬
‫اؼبضي صعوداً إذل األعلى‪ ،‬يتابع جهاده أيضاً لكي ال ىبسر الرضبة اليت ناؽبا‪.‬‬
‫اإلنساف وىو يواصل ّ‬
‫صرت جديراً باؼبشاىدة اإلؽبية السامية‪ ،‬وجب عليك أف تزيد من‬
‫وينصح اآلباء القديسوف قائلُت‪ :‬مىت َ‬
‫اجتهادؾ يف فبارسة احملبة واإلمساؾ‪ .‬يقوؿ القديس مكسيموس اؼبعًتؼ‪ :‬يكوف ّٔاء نفسك عدصل الزواؿ‬
‫ما دمت تصوف اعبانب االنفعارل (يف النفس) خالياً من اإلضراب”‪.‬‬
‫ومن الضرورة أف يبضي اؼبرء يف مسَتتو الروحية على الدواـ خبوؼ‪ .‬فيجب أف يتملكو أوالً خوؼ من‬
‫العذاب والعقاب‪( .‬وىذا ىو اػبوؼ التمهيدي)‪ٍ .‬ب يعقبو اػبوؼ من فقداف النعمة والسقوط منها‬
‫(وىذا ىو اػبوؼ الكامل)‪ .‬يقوؿ الرسوؿ بولس‪“ :‬إعملوا ػببلص ذواتكم خبوؼ ورعدة”‪.‬‬
‫تطهره وقبل أف يتمتّع‬

‫‪ -‬ح ّدثٍْت اآلف أيها الشيخ عن العطايا اليت يتل ّقاىا آّاىد “بالصبلة” بعد ّ‬
‫باإلرباد التاـ باهلل‪ .‬وأكمل رل وصف ما “للصبلة” من شبار أخرى‪.‬‬

‫‪ -‬يشعر الراىب آّاىد بالتعزية اإلؽبية يف حضور اؼبسيح الذي يشيع ىدوءاً عذباً وسبلماً غَت متزعزع‪،‬‬
‫تكل‪ .‬وال ريب أ ّف ىذه التعزية الناصبة عن اغبضور اإلؽبي ال يبكن‬
‫واتضاعاً‪ ،‬وؿببة كبو اعبميع ال ّ‬
‫مقارنتها بأي شيء بشري‪.‬‬
‫عرفت ناسكاً مرض مرضاً شديداً فدخل إحدى اؼبستشفيات للمعاعبة‪ .‬وقد أحاطو أطباء بارعوف‬
‫لقد ُ‬
‫بعنايتهم لتقديرىم الشخصي لو‪ .‬وشفي وشكر أطباءه وعاد إذل قبليتو‪ .‬لكن سرعاف ما عاوده اؼبرض‪.‬‬
‫ودل يعرؼ إخوتو الرىباف دبا لو ألنو كاف يعيش منعزالً يف خلوة‪ .‬فكاف يتوجع كثَتاً‪ ،‬لكنو كاف يشعر‬
‫بتعزية عميقة ال مثيل ؽبا يفيضها اهلل عليو وال يبكن مقارنتها دبا بذؿ األطباء لو من براعة طبّهم وكرصل‬
‫أحس مثلها من‬
‫أحس براحة دل يسبق لو أف ّ‬ ‫فعالة‪ .‬وقد َّ‬ ‫إحساهنم وال مقارنتها دبا تناوؿ من أدوية شافية َّ‬
‫قبل‪ .‬ؽبذا وبرص بعض النساؾ باجتهاد على رباشي التعزية البشرية ( وىذا طبعاً سلوؾ غريب عن عقلية‬
‫العادل) وقصدىم من وراء ذلك أف وبسوا بالعذوبة اؼبسكرة والبهجة اؼبقيمة اليت تتصف ّٔا التعزية‬
‫اإلؽبية‪...‬‬
‫قلت‪ :‬إ ّف ىذا عبٍت عجيب‪ ،‬شبر الصبلة العقلية‪...‬أكمل يا ِ‬

‫أبت ‪..‬أكمل‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫‪ -‬يكتسب اإلنساف الغبطة يف التجارب اليت وبدثها أناس يعيش معهم‪ .‬فهو وبلّق يف أجواء اغبياة‬
‫الروحية اؽبادئة اؼبتؤللئة بالنور‪ ،‬حيث ال تطالو سهاـ البشر وىو ال يتضايق منها بل إنو ال يشعر ّٔا البتة‪.‬‬
‫وكما أنك ال تستطيع إسقاط طائرة بضرّٔا باغبصى‪ ،‬وىي بدورىا ال تشعر ّٔا‪ ،‬كذلك وبدث ؽبذا‬
‫اإلنساف‪ .‬فهو ال يتضايق من االفًتاء عليو‪ ،‬وال من االضطهاد‪ ،‬وال من االحتقار‪ ،‬وال من التهم‪ .‬فما‬
‫وبزنو ىو سقوط أخيو‪ .‬ولو نشأ عنده ضيق فإنو يعرؼ كيف يتخلّص منو‪.‬‬
‫ومثل ىذا ما جاء يف كتاب “الغَتونديكوف” أ ّف أحد الشيوخ ذىب إذل األنبا أخيلبلس فوجده يبصق‬
‫أبت؟‪..‬فأجاب الشيخ قائبلً‪ :‬ما حدث ىو كبلـ قالو أحد اإلخوة أحزنٍت وقد‬
‫دماً‪ .‬فسألو‪ :‬ما ىذا يا َ‬
‫فتحوؿ الكبلـ‬
‫وبررشل من ذلك الكبلـ‪ُ .‬‬
‫وسألت اهلل أف ّ‬
‫ُ‬ ‫جاىدت من أجل االمتناع عن إعبلف ما قاؿ‬
‫ُ‬
‫ونسيت حزشل”‪.‬‬
‫ُ‬ ‫فوجدت السكينة‬
‫ُ‬ ‫صائراًكالدـ يف فمي وقد بصقتو‬
‫‪ -‬يف اغبق إ ّف ىذه ؿببة كاملة كبو األخ‪ ،‬ؿببة تصفح عن كل شيء‪ ،‬وىو ال يريد حىت تذ ّكر الكبلـ‪.‬‬
‫ّٔذا السلوؾ نكوف قد بلغنا الكماؿ!‬

‫‪ -‬ىذا مؤكد‪ .‬وىو يتح ّقق بصبلة يسوع‪ .‬فهذه احملبة ىي نتيجة اغبياة اإلختبارية الرباد اعبنس البشري‪.‬‬
‫وىي شبرة “للصبلة”‪ ،‬حسنة اؼبذاؽ‪ .‬فاإلنساف الذي بلغ ىذه اغباؿ من التق ّدـ الروحي ال تتوحد ذاتو‬
‫ىو نفسو وحسب بل إنو ليشعر بوحدة اعبنس البشري أيضاً‪.‬‬
‫واستأنف الناسك قائبلً‪ :‬إنكم تعلموف أ ّف وحدة الطبيعة البشرية قد تص ّدعت وتفككت فور عصياف‬
‫آدـ‪ .‬واهلل من بعد خلقو آدـ جبل حواء من جنبو‪ .‬وقد أفرحو خلق حواء وشعر بأهنا لو (من جسده)‬
‫لكن آدـ بعد سقوطو‬
‫ؽبذا قاؿ “ىذه اآلف عظم من عظامي وجسد من جسدي‪( ”..‬تكوين‪ّ .)43 :4‬‬
‫فأكلت” (تكوين‪: 3‬‬
‫ُ‬ ‫أجاب على سؤاؿ اهلل قائبلً “اؼبرأة اليت جعلتها معي ىي اليت أعطتٍت من الشجرة‬
‫‪ .)54‬فحواء كانت قبل السقوط عظماً من عظامو‪ .‬أما بعد السقوط فقد صارت “إمرأة أعطاه اهلل‬
‫إياىا”!‬
‫يتجلَّى ىنا بوضوح تف ّكك الطبيعة البشرية من بعد اػبطيئة وقد وضح ىذا يف ما بعد عند أبناء آدـ يف‬
‫كل التاريخ‪ ،‬تاريخ إسرائيل وتاريخ البشرية كلها‪ .‬وىذا أمر طبيعي أل ّف اإلنساف فقد اهلل فخسر ذاتو أيضاً‬
‫حدثت‬
‫ْ‬ ‫كت حياتو عزلةُ عن اآلخرين وعبودية‪ .‬أما إعادة توحيد الطبيعة فقد‬
‫وانفصل عن الناس‪ .‬وقد سبلّ ْ‬
‫متفرقاً فصار بإمكانو كل إنساف أف‬
‫ووحد ما كاف من قبل ّ‬ ‫“يف اؼبسيح”‪ .‬فهو نفسو قد بسط ك ّفيو ّ‬
‫يتَّحد بو فيحيا وحدة الطبيعة البشرية أيضاً‪.‬‬
‫الناسك إذاً يكتسب “بالصبلة” حباً عظيماً ليسوع اؼبسيح‪ .‬ؤّذا اغبب يتّحد بو‪ .‬ومن الطبيعي بعدىا‬
‫اغبق‬
‫أف وبب ما وببو اهلل وأف يريد ما يريده تعاذل‪ .‬واهلل “يريد أف صبيع الناس ىبلصوف‪ ،‬وإذل معرفة ّ‬
‫يُقبلوف”‪ .‬وىذا عينو ما يريده ؾباىد الصبلة‪ .‬لذلك يزعجو وجود الشر يف العادل ووبزننا كثَتاً ىبلؾ‬
‫كل العادل‪ ،‬كاف طبيعياً أف وبيا‬
‫اإلخوة كجهلهم‪ .‬ودبا أ ّف للخطيئة أبعاداً أكليسيولوجية وعاؼبية تؤثّر يف ّ‬
‫الرب يسوع يف اعبشمانية‪ .‬وينتهي بو‬
‫اؼبصلّي مأساة البشرية كلها‪ ،‬وأف يتأدل كثَتا بسببها ووبيا اكتئاب ّ‬
‫الكف عن الصبلة من أجل نفسو ىو لكي يصلّي باستمرار من اجل اآلخرين‪ ،‬لكي يأتوا إذل‬
‫اغباؿ إذل ّ‬
‫معرفة اهلل‪.‬‬
‫تطهره من األىواء‪ ،‬وحصولو على نعمة اهلل احمليية‪ ،‬والصبلة من أجل اآلخرين بدافع من شعوره بوحدة‬
‫إ ّف ُّ‬
‫اعبنس البشري كلّو يف اؼبسيح يسوع ؽبو أعظم رسالة دينية‪ .‬ىذه كانت نظرة اآلباء القديسُت إذل عمل‬
‫يطهر ُيبسي عامبلً‬
‫الرسالة الدينية‪ ،‬باعتبارىا َع َمبلً لتجديد الكياف البشري وتوحيد الطبيعية‪ .‬وكل إنساف ّ‬
‫صاغباً ألجل آّموع االجتماعي طاؼبا أننا كلّنا نؤلف جسد اؼبسيح اؼببارؾ‪( .‬فإ ّف فرح أحد األعضاء فرح‬
‫معو كل األعضاء) كما قاؿ الرسوؿ بولس وىذا ما نراه بوضوح يف شخص العذراء الفائقة القداسة‪ .‬فإهنا‬
‫ومطهرة تصلي‬
‫قد امتؤلت بالنعمة فأعطت الطبيعة البشرية كلها نعمة وزيّنتها ّٔا‪ .‬ودبا أهنا مفعمة نعمة َّ‬
‫من أجل العادل كلو‪ .‬ؤّذا نستطيع القوؿ إ ّف السيدة الكلية القداسة تقوـ بأداء رسالة دينية كربى وتفيد‬
‫اعبنس البشري فائدة ناجعة‪.‬‬
‫وصمت الشيخ برىة ٍب استأنف كبلمو‪ :‬لكنو يشعر بوحدة الطبيعة كلّها أيضاً‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا يعٍت ىذا؟‬
‫‪ -‬إ ّف الطبيعة كلها تعًتؼ بو‪ .‬فقد كاف آدـ قبل سقوطو ملكاً للخليقة كلها وكانت صبيع اغبيوانات‬
‫تعًتؼ بو ملكاً عليها‪ ،‬ولكن بعد سقوطو تقطّع ىذا الرباط أيضاً وبطُل االعًتاؼ بو‪ .‬وقد حلَّل نيقوال‬
‫كاباسيبلس ىذه اغباؿ بوضوح بقولو‪ :‬إ ّف اإلنساف ـبلوؽ على صورة اهلل‪ .‬وما ىو حسب الصورة اإلؽبية‬
‫عند آدـ كاف اؼبرآة الصافية اليت يضفي منها نور اهلل أشعتو على الطبيعة‪ .‬وكانت الطبيعة كلها ُمنارة ما‬
‫بقيت اؼبرآة غَت ؿبطَّمة‪ .‬ولكن ما كادت ىذه اؼبرآة تتحطّم (وتتفتّت) حىت أُسدؿ على اػبليقة كلها فوراً‬
‫ظبلـ كثيف‪ .‬حينذاؾ ثارت الطبيعة على اإلنساف وك ّفت عن االعًتاؼ بو وىي تريد أالَّ تعطيو شباراً‪ .‬ودل‬
‫أخذت تعتدي عليو كثَتاً‪.‬‬
‫يعد قادراً على اكتساب قوتو إال بالقلق والعناء‪ .‬وصارت اغبيوانات زبشاه و ْ‬
‫تتوحد قوى نفسو كلها‪ ،‬ويصَت“حسب صورة‬

‫لكن اإلنساف حُت يتقبل نعمة اؼبسيح“يف الروح القدس” ّ‬
‫ّ‬
‫شع أيضاً النعمة اإلؽبية على الطبيعة غَت العاقلة‪ .‬ويف ىذه اغباؿ تعًتؼ‬
‫اهلل ومتأؽباً” أي أنو يصَت نوراً ويُ ُّ‬
‫بو اغبيوانات سيّداً ؽبا وزبضع لو وربًتمو‪ .‬وىناؾ أحواؿ ليست قليلة عاش فيها الناسك‪ -‬اؼبنعزؿ ويف‬
‫رفقتو دببة وحيوانات أخرى متوحشة‪ ،‬يق ّدـ ؽبا الطعاـ وىي زبدمو‪.‬‬
‫وىكذا إذا ما اكتسب النعمة اإلؽبية“بالصبلة”يصَت من جديد ملكاً على الطبيعة حىت أنو يرتقي إذل‬
‫مرتبة أعلى من اؼبرتبة اليت كانت آلدـ‪ .‬أل ّف آدـ‪ ،‬كما يقوؿ اآلباء كاف لو ما ىو حسب الصورة اإلؽبية‬
‫وكاف من الواجب عليو أف يصَت حسب مثاؿ اهلل “وذلك بالطاعة‪ .‬فما كاف متأؽباً إمبا كانت عنده‬
‫إمكانية التألو”‬

‫أما فبارس الرياضة (الروحية) فإنو يكتسب دبساعدة النعمة اإلؽبية‪ ،‬وبقدر اإلمكاف‪ ،‬ما ىو“حسب مثاؿ‬
‫اهلل” أي(التألو) ولكن بدوف أف يدخل يف اعبوىر اإلؽبي‪ .‬وىو وبوز على أفعاؿ اهلل غَت اؼبخلوقة‪ .‬أذكر‬
‫لك على سبيل اؼبثاؿ حادثاً يتجلى فيو اعًتاؼ اغبيوانات ؾبدداً بسيادة اإلنساف وخضوعها لو‪.‬‬
‫الربية تقف على شباؾ قبليتو‬

‫فيما كاف شيخي الدائم الذكر يصلي“صبلة يسوع” كانت العصافَت ّ‬
‫لكن اغبقيقة‬
‫وتنقر الزجاج دبناقَتىا‪ .‬حىت ليظن اؼبرء أ ّف ذلك من فعل الشيطاف لكي يثنيو عن الصبلة‪ .‬و ّ‬
‫الربية كانت ذبذّٔا صبلة الشيخ”‪.‬‬
‫ىي أ ّف العصافَت ّ‬
‫‪ -‬يا لك من شيخ حكيم‪ .‬فلقد أرشدشل إذل الكماؿ‪ ،‬إذل غاية اغبياة الروحية‪ .‬ؤّذا يصبح اؼبرء ملكاً‪...‬‬
‫ابتسم الناسك الشيخ ابتسامة خفيفة ٍب استأنف اغبديث‪:‬‬
‫‪ -‬شبة أمور أخرى أظبى وأرقى‪ .‬فإ ّف آّاىد بعد اعبهاد الكثَت الذي ح ّدثتك عنو منذ قليل قد ينتقل إذل‬
‫حاؿ اإلقبذاب‪ ،‬اإللبطاؼ اإلؽبي‪ ،‬ويدخل أورشليم اعبديدة‪ ،‬أرض اؼبيعاد اعبديدة‪.‬‬
‫يف صبلة مساء عيد التجلّي نرزل الطروبارية التالية‪“ :‬حُت َشاىد متقدمو الرسل على اعببل ما ال يُطاؽ‬
‫تغَتوا إذل حاؿ االقبذاب اإلؽبي”‪.‬‬
‫من انبعاث نورؾ وما يتع ّذر الدنو منو يف الىوتك َّ‬
‫واالقبذاب واؼبشاىدة مًتابطاف‪ .‬وبقولنا االقبذاب ال نعٍت عدـ اغبركة وإمبا نقصد بو حضوراً إؽبياً وحركة‬
‫روحية‪ .‬فليس ىذا سكوناً وحاؿ موت إمبا حياة يف اهلل‪.‬‬
‫كف عن تبلوهتا بشفتيو‪ .‬فإ ّف الفم‬

‫يقوؿ اآلباء إنو إذا احتل النور اإلؽبي اإلنساف خبلؿ “الصبلة”‪ّ ،‬‬
‫واللساف يصمتاف‪ ،‬ويكوف القلب أيضاً صامتاً‪ .‬حينذاؾ وبظى آّاىد دبشاىدة نور ثابور‪ .‬يشاىد فعل‬
‫اهلل‪ ،‬الفعل غَت اؼبخلوؽ‪ ،‬وىو كما يقوؿ غريغوريوس باالماس“ؾبد طبيعي هلل وشعاع طبيعي لبلىوت ال‬
‫بدء لو وصباؿ هلل جوىري‪ ،‬وحسن يفوؽ الكماؿ”‪ .‬إنو األزلية‪ .‬وىذا نور جبل ثابور الذي رآه التبلميذ‪،‬‬
‫وىو ملكوت اهلل‪ .‬إنو األزلية‪ .‬وىذا النور يف رأي القديس غريغوريوس باالماس ىو “صباؿ الدىر اآلٌب‬
‫”وأقنوـ اػبَتات اؼبستقبلية “وغاية الكماؿ يف رؤية اهلل” و“طعاـ السماويُت”‪ .‬وأولئك الذين يصَتوف‬
‫مستحقُت مشاىدة النور غَت اؼبخلوؽ ىم أنبياء العهد اعبديد‪ .‬فكما أ ّف أنبياء العهد القدصل كانوا‬

‫يتخطّوف الزمن ويشاىدوف ذبسد اؼبسيح يف ؾبيئو األوؿ‪ ،‬ىكذا يتخطى الزمن أيضاً مشاىدو ىذا النور‬
‫ويروف ؾبد اؼبسيح يف ملكوت السماوات‪.‬‬
‫وصمت الشيخ قليبلً واستنشق اؽبواء بعمق ٍب استأنف حديثو قائبلً‪ :‬حينذاؾ وبتل النور اإلؽبي كياف‬
‫السكر الصحوي‪ ،‬ويرى اهلل غَت اؼبنظور‪.‬‬
‫اإلنساف كلو‪ ،‬وينَت حضور اؼبسيح قبليتو‪ .‬أما ىو فينعم ّٔذا ُّ‬
‫يقوؿ ظبعاف البلىوٌب اعبديد“إ ّف اهلل نور‪ .‬ورؤيتو ىي رؤية نور”‪ .‬ويف رأي باالماس احملامي عن‬
‫البلىجُت باإلؽبيات “إ ّف الراىب يف تلك الساعة يراقب نوراً إؽبياً ويا لو من مشهد مق ّدس مبهج!‪”...‬‬
‫ويصف مكاريوس خريسوكيفالوس ىذه اؼبشاىدة بقولو‪“ :‬ما أصبل أف يكوف اؼبرءُ ؾبتمعاً مع اؼبسيح؟‬
‫وىل شبة أعظم من اإلشتياؽ إذل ؾبده اإلؽبي؟ فإنو ليس ىناؾ ما ىو أحلى من نوره الذي يستمد منو‬
‫النور ك ل مصاؼ اؼببلئكة والبشر‪ ،‬فبل يوجد ما ىو أحب من تلك اغبياة اليت كبيا فيها ونتحرؾ ونوجد‪،‬‬
‫وال أعذب من اعبماؿ اغبي الباقي‪ ،‬وال أطرب من البهجة اليت ال يُنطق ّٔا‪ ،‬وال يوجد أعظم من التوؽ‬
‫إذل الفرح اؼبقيم الذي ال يزوؿ وإذل اعبماؿ البالغ غاية اعبماؿ‪ ،‬وإذل الغبطة اليت ال ربد”‪.‬‬
‫ىذا يعٍت أ ّف الفرح والبهجة يكوناف ٍ‬

‫حينئذ ببل حدود‪ .‬وال هبد اؼبرء كبلماً لوصف ىذه األحواؿ‪.‬‬
‫سأذكر لك كيف يصف القديس ظبعاف البلىوٌب اعبديد ىذه اغباؿ على وجو التقريب‪ .‬وأخذ الشيخ‬
‫أحد الكتب ٍب فتحو وقرأ ما يلي‪:‬‬
‫“إشل أجلس على السرير خارج العادل‪ .‬وفيما أنا يف وسط قبلييت أرى الكائن خارج العادل قد حضر‬
‫فأتكلم معو‪ .‬وأجرؤ على القوؿ إشل أحبو وىو أيضاً وببٍت وإشل كل وأتغذى جيداً باؼبشاىدة وحدىا‪.‬‬
‫عرفت أ ّف ىذا حق‪ ،‬ووجوده مؤّكد‪ .‬وأين يكوف اعبسد آنئذ؟ لست‬
‫وأذباوز السماوات باربادي بو‪ .‬وقد ُ‬
‫وىبفيٍت‬
‫عرفت أ ّف اؼبنفصل عن كل خليقة يأخذشل يف داخلو ُ‬
‫عرفت أ ّف من ال يُرى يصَت رل مرئياً‪ُ .‬‬
‫أعلم‪ُ .‬‬
‫يف أحضانو‪ .‬فأكوف حينذاؾ خارج كل العادل وقد وأنا أيضاً اؼبائت‪ ،‬اغبقَت من العادل أشاىد يف داخلي‬
‫نلت يف باطٍت حياة‪ .‬واغبياة تفيض يف داخلي”‪.‬‬
‫عرفت أشل لن أموت إذ ُ‬
‫مبدع العادل وقد ُ‬
‫ت نربات صوتو عن شديد ضباستو‪ .‬وؼبعت عيناه‪ .‬وارتسم على‬

‫قرأ الشيخ ىذه الفقرة بشوؽ عميق وقد ّمب ْ‬
‫بدت عليو واغرورقت عيناي‬
‫فهزشل صوتو اؼبته ّدج والبهجة الروحية اليت ْ‬
‫وجهو فرح بعيد عن الوصف‪ّ ،‬‬
‫بالدمع‪.‬‬

‫وأضاؼ الشيخ‪:‬‬
‫‪-‬إ ّف اغبضور اإلؽبي ينَت حينذاؾ وجو آّاىد‪ ،‬ويدخل مثل موسى النيب يف ضباب البلمعرفة‪“ ،‬الضباب‬
‫اؼبتؤللئ بالنور الفائق” فيحصل ىكذا على اؼبعرفة اليت [ال] تنسى‪ ،‬وعلى العلم اإلؽبي الذي يعجز البياف‬
‫عن التعبَت عنو‪.‬‬
‫أصبت‬
‫ُ‬ ‫وعاد الشيخ إذل التوقّف ىنيهة‪ .‬وكنت أراقبو وأنا يف حاؿ اقبذاب تقريباً وقد ضاؽ تنفُّسي وكأشل‬
‫بالربو‪.‬‬
‫يتغَت يف ىذه اللحظات‪.‬‬

‫‪ -‬ىذه اغببلوة‪ ،‬حبلوة النور‪ ،‬يشعر ّٔا اعبسد أيضاً وىو ّ‬
‫‪ -‬ماذا تعنوف ّٔذا؟‬
‫‪ -‬إ ّف اعبسد ىو أيضاً يتقبّل‪ ،‬بصورة ما‪ ،‬النعمة اليت تؤدي فعلها يف العقل وينتظم معها فيتلقى شعوراً‬
‫وتدب فيو اغبرارة بطريقة غريبة”‬
‫ّ‬ ‫ىبف اعبسم‬
‫يعرب عنو‪ ،‬والقائم يف النفس‪ ،‬وحينذاؾ “ ّ‬ ‫بالسر الذي ال ّ‬
‫ّ‬
‫أي أنو يشعر حبرارة غريبة نتيجة ؼبشاىدتو النور ااإلؽبي ومثلو يف ىذا مثل الشمعة فهي حُت تشتعل سبتد‬
‫اغبرارة إذل جسمها فتنار‪.‬‬
‫التغَت الذي وبدث‬

‫‪ -‬لكن‪...‬اظبحوا رل ىنا بسؤاؿ قد يكوف ذبديفاً‪ .‬لكٍت سأوجهو إليكم‪..‬ىل ىذا ّ‬
‫ؾبرد خياؿ أو حرارة ونبية؟‬
‫للجسم ىو حقيقة واقعية أـ ّ‬
‫لكن‬ ‫ِ‬
‫‪ -‬ال‪ ،‬يا أبت‪ ،‬إنو حقيقة واقعية‪ .‬فإ ّف اعبسد يشًتؾ يف كل أحواؿ النفس‪ .‬وليس اعبسد شراً‪ .‬و ّ‬
‫الذىنية اعبسدية تكوف شراً عندىا يستعبد اعبسد للشيطاف‪ .‬وعدا ىذا فإ ّف مشاىدة النور ىي مشاىدة‬
‫وقوهتما فصارتا جديرتُت برؤية النور غَت اؼبخلوؽ‪ ،‬ويف‬
‫بالعينُت بعد أف أجرت النعمة اإلؽبية فيهما تغيَتاً َّ‬
‫الكتاب اؼبق ّدس أمثلة عديدة تدؿ على أ ّف نعمة اهلل سبتد من النفس إذل اعبسد أيضاً فيشعر بفعل النعمة‬
‫اإلؽبية احمليية‪.‬‬
‫‪ -‬أتستطيعوف أف تذكروا رل بعضها؟‬
‫‪ -‬ىناؾ العديد من األبيات يف مزامَت داود تؤيد ذلك‪ .‬فمثبلً “إ ّف قليب وجسدي قد ابتهجا باإللو اغبي(‬
‫ت وأحيي جسدي” (مز‪ .)41‬ويف اؼبزمور‪“ 551‬ما أعذب أقوالك‬ ‫ِ‬
‫مز‪“ .)13‬وعليو اتّكل قليب فأُعْن ُ‬
‫يف حلقي‪ ،‬أحلى من الشهد يف فمي”‪ .‬وىناؾ حالة النيب موسى‪ .‬فإنو حُت نزؿ من سيناء حامبلً‬
‫الناموس كاف وجهو مضيئاً‪“ .‬وكاف ؼبا نزؿ موسى من جبل سيناء ولَ ْوحا الشهادة يف يده دل يعلم أ ّف‬
‫لكن ىاروف وصبيع بٍت إسرائيل رأوا أ ّف وجهو كاف يلمع‬
‫جلد وجهو صار يلمع فيما كاف اهلل يتكلم معو‪ّ .‬‬
‫ويرسل أشعة نور‪ ،‬فخافوا أف يقًتبوا إليو” (سفر اػبروج‪.).3 -49 :32‬‬
‫بدت ىذه الظاىرة‪ .‬فإهنم حُت قادرة إذل آّمع “رأوا وجهو كأنو‬
‫ويف حالة استفانوس رئيس الشمامسة ْ‬
‫الرب يسوع حُت كاف يصلي يف‬ ‫وجو مبلؾ” (أعماؿ ‪ .)1 :6‬والقديس غريغوريوس باالماس يرى أ ّف ّ‬
‫بستاف اعبشمانية يعلّْم أ ّف اغبرارة اليت أحس ّٔا اعبسد قد نشأت فقط عن الصبلة الطويلة إذل اهلل”‪.‬‬
‫‪ -‬أطلب عفوكم يا ِ‬
‫أبت فإشل قد أتعبتكم بسؤارل آّ ّدؼ‪ ،‬الدنيوي‪ .‬فنحن ال نستطيع أف نفهم ألننا‬
‫فيتغَتوف ويشاىدوف‬
‫نعيش يف “العادل”‪...‬لكن اظبحوا رل بسؤاؿ آخر‪ .‬ىل يوجد اليوـ رىباف يصلّوف َّ‬
‫النور غَت اؼبخلوؽ؟‬
‫ابتسم الشيخ وقاؿ‪:‬‬
‫‪ -‬لو توقّف الروح القدس عن العمل يف الكنيسة ؼبا بقي ؼبشاىدي النور غَت اؼبخلوؽ وجود‪ .‬إ ّف اعببل‬
‫اؼبق ّدس (آثوس) ىبفي كنوزاً عظيمة‪ .‬فليس الذين وباربونو‪ ،‬بأي طريقة كانت‪ ،‬سوى أخصاـ وأعداء هلل‪.‬‬
‫كاف بعض الناس يف زمن القديس أثناسيوس الكبَت ينكروف الىوت السيد اؼبسيح‪ .‬ويف عهد القديس‬
‫غريغوريوس باالماس كاف بعض الناس أيضاً يش ّكوف يف ألوىية األفعاؿ غَت اؼبخلوقة‪ .‬ونقع اليوـ يف‬
‫فنشك يف حقيقة وجود أشخاص متأؽبُت يشاىدوف النور اإلؽبي‪ .‬يوجد اليوـ رىباف‬
‫ّ‬ ‫اػبطيئة عينها تقريباً‪.‬‬
‫مقدَّسوف ىم آؽبة حبسب النعمة‪ .‬ويعود الفضل يف بقاء األرض إذل ىؤالء النساؾ اؼبتأؽبُت‪ .‬فإهنم ينَتوف‬
‫األرض اغبالية اليت أناخت عليها الظلمة بسبب اػبطيئة‪.‬‬
‫شاىدت النور اإلؽبي أنت أيها الشيخ بالذات؟‬

‫َ‬ ‫‪ -‬رل سؤاؿ آخر قد بكوف صادراً عن عدـ سبييز‪ .‬ىل‬
‫أردت إخفاءه وراء‬

‫ليسمح رل قارئ ىذا البحث الصغَت أال أصف ىذا اؼبوقف اؼبؤثر وما قيل فيو‪ .‬وقد ُ‬
‫ْ‬
‫ستار من الصمت‪ .‬ولعلو يعذرشل‪...‬‬

‫توقّف الشيخ طويبلً عن الكبلـ فساد السكوف‪ .‬إالَّ أشل ُ‬

‫عدت بعد قليل إذل إزعاج الناسك يف صمتو‪.‬‬
‫أردت استغبلؿ ىذا األب‬
‫فقد كاف ذلك ضرورياً أل ّف الوقت ضيق وأنا ؿبتاج إذل اؼبزيد من العلم وقد ُ‬
‫الشيخ الرائي واإلفادة منو بقدر اؼبستطاع‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫‪ -‬أسألكم يا ِ‬
‫أبت من جديد أف تغفروا رل‪ ،‬لقد قلتم إنو ال يزاؿ حىت اآلف يف اعببل اؼبق ّدس (آثوس)‬
‫رىباف يشاىدوف النور غَت اؼبخلوؽ‪ .‬وأعتقد أ ّف الراىب نفسو ال بد أف يشاىده مرات عديدة‪ .‬فهل‬
‫يكوف ؼبعاف ىذا النور ىو عينو كل مرة يُشاىد فيها؟‬
‫روحي‪ ،‬ونور يراه اؼبرء بعينيو الطبيعيتُت بعد أف وبدث فيهما تغيَت ويػُ َعدَّا‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬يبكننا القوؿ بوجود نور‬
‫لرؤيتو‪.‬‬
‫لرجلي ونور لسبلي”‪..‬إ ّف‬

‫ّ‬ ‫رب إ ّف شريعتك سراج‬
‫والنور الروحي ىو الوصايا‪ ،‬ويتلقاه من وبفظها‪“ .‬يا ّ‬
‫وصايا اؼبسيح ىي “كبلـ حياة أبدية” وليست ؾبرد أوامر خليقة خارجية‪ .‬والفضائل اليت تكتسب يف‬
‫ؿباولة اؼبرء تطبيق وصايا اؼبسيح ىي أنوار‪ .‬واإليباف نور شأنو شأف الرجاء واحملبة‪ .‬واهلل ىو النور اغبقيقي‬
‫و“نور العادل”‪ .‬واسم اهلل ىو احملبة أيضاً‪“ .‬إ ّف اهلل ؿببة”‪ .‬ؽبذا نقوؿ إ ّف احملبة نور أسطع من سائر‬
‫طهر‬
‫الفضائل‪ .‬والتوبة أيضاً ىي نور يضيء يف نفس اإلنساف ويقوده إذل جرف اؼبعمودية الثانية حيث يُ ّ‬
‫الشبلَّؿ الروحي األعُت‪.‬‬
‫التطهر من‬
‫إ ّف ىذا النور يتمتع بو صبيع اؼبسيحيُت الذين هباىدوف “اعبهاد اغبسن” وخباصة من ابتغى ُّ‬
‫األىواء‪ .‬وذلك طبعاً يكوف بقدر ما يبذؿ كل واحد منهم من جهد يف ىذا السبيل‪.‬‬
‫التطهر فهناؾ االستنارة الساطعة والثانية ال تُعطى‬

‫ويقوؿ القديس غريغوريوس البلىوٌب “حيث يكوف ّ‬
‫بدوف األوذل”‪ .‬ؤّذا اؼبعٌت ينبغي تفسَت قوؿ القديس ظبعاف البلىوٌب اعبديد‪ :‬ما دل ير اإلنساف‬
‫يؤىل البعض – بسبب‬
‫النور(اإلؽبي) يف اغبياة اغباضرة فلن يراه يف اغبياة األخرى‪ .‬وقد وبدث أحياناً أف َّ‬
‫ما يتحلّوف بو من من نقاوة بالغة وما يظهروف من شديد آّاىدة باإلضافة إذل سبب آخر ىو رضى اهلل‬
‫أخص – لرؤية النور(اإلؽبي) بأعينهم الطبيعية‪ ،‬كما رآه تبلميذ السيد اؼبسيح الثبلثة على جبل‬‫ّ‬ ‫بنوع‬
‫ثابور‪ .‬وىنا يوجد فارؽ‪ .‬فإهنم عند رؤيتهم النور للمرة األوذل يشاىدونو “نوراً عظيماً يشيع الفرح يف كل‬
‫شيء داخلهم‪ .‬غَت أهنم يف الواقع ال يروف سوى نور خافت‪ .‬إمبا يعتربونو كما قلت “نوراً عظيماً” إذا‬

‫لكن آّاىد يرى النور يف اؼبرة الثانية أكثر حيوية ألنو يكوف‬
‫ما قيس بالظلمات اليت كانوا فيها سابقاً‪ّ .‬‬
‫قد توافق وتبلءـ مع اؼبشاىدة‪ .‬وىو بقدر ما يزداد اقًتاباً من اعبوىر اإلؽبي تشتد رؤية ؼبا ىو غَت مرئي‬
‫من الطبيعة اإلؽبية وىو ما يسميو اآلباء “الضباب”ذا النور األظبى”‪.‬‬
‫‪ -‬دل افهم الكثَت فبا قلتم‪.‬‬
‫‪ -‬سأساعد على الفهم بذكر حاؿ النيب موسى مشاىد اهلل كما يعرضها القديس غريغوريوس أسقف‬
‫نيصص‪.‬‬
‫“إ ّف موسى النيب عندىا دعاه اهلل على جبل حوريب ليقود الشعب إذل أرض اؼبيعاد‪ ،‬رأى يف البدء النور‬
‫يف شكل العليّقة اؼبلتهبة‪ .‬أما يف اؼبرة الثانية‪ ،‬فقد دعاه اهلل ليدخل يف الضباب ويقابلو ىناؾ‪ .‬فالنور ّأوالً‬
‫ٍب الضباب‪.‬‬
‫ويعلّق القديس غريغوريوس على ىذا قائبلً إ ّف اإلنساف يرى يف البدء النور(اإلؽبي) ألنو كاف يعيش قببلً‬
‫يف الظلمات‪ .‬لكنو كلما زاد اقًتاباً من اعبوىر اإلؽبي مع مرور الزمن زادت رؤية للغماـ (بطريقة غَت‬
‫تتعذر رؤية يف اعبوىر اإلؽبي‪ .‬سأقرأ لك نص األب القديس غريغوريوس بكاملو‪:‬‬‫مرئية) وىو ما َّ‬
‫“ماذا يعٍت دخوؿ موسى الغماـ لَتى – وىو يف ىذه اغباؿ – اهلل فيو؟ وما يرد ذكره اآلف يبدو أنو‬
‫نقيض للظهور اإلؽبي األوؿ‪ .‬فإ ّف البلىوت قد ظهر ىناؾ يف نور‪ .‬أما اآلف ففي غماـ‪ .‬نعتقد بأ ّف ىذا‬
‫تدرجها الصاعد‪ .‬ويعلمنا كبلـ اهلل ّٔذه األمور أ ّف معرفة التقوى‬
‫ينسجم واألمور الواقعة ربت نظرنا يف ّ‬
‫تصَت نوراً يف اغباؿ األوذل عند من يكونوف فيها‪ .‬أل ّف ما يُفهم أنو ـبالف للتقوى فهو ظبلـ‪ .‬واالبتعاد‬
‫عن الظبلـ يتم بالتمتّع بالنور والبقاء فيو‪ .‬وإذا تق ّدـ العقل وصار‪ ،‬بواسطة انتباه أعظم وأكمل ومتزايد‬
‫على الدواـ‪ ،‬قادراً على االستيعاب العميق لئلدراؾ حبق‪ ،‬زادت رؤية ؼبا ىو غَت قابل للمشاىدة يف‬
‫كل ما يدركو اإلحساس‬‫كل ىو ظاىر‪ ،‬ال ّ‬ ‫اعبوىر‪ ،‬وذلك كلما زاد اقًتاباً منو باؼبشاىدة ألنو يًتؾ ّ‬
‫التعمق يف الباطن إذل ما ىو أبعد‪ ،‬حىت‬
‫وحسب‪ ،‬بل ما يظن العقل أنو يراه أيضاً‪ .‬وىو يتّجو دوماً إذل ّ‬
‫يصل خبربة الذىن الكبَتة إذل ما ال يبكن رؤية وال إدراكو وىناؾ يرى اهلل‪ .‬ويف ىذا يكوف اػبرب اغبق‬
‫اؼبطلوب رؤية ما ىو ىذا‪ ،‬يف عدـ الرؤية أل ّف اؼبطلوب يفوؽ كل خرب‪ ،‬وكأنو ضباب ؿباط بعدـ اإلدراؾ‬
‫من كل جانب”‪.‬‬

‫وأضاؼ قائبلً‪:‬‬
‫‪ -‬ىذا ما وبدث عادة‪ .‬اإلنساف يتق ّدـ من مشاىدة نور ضئيل خافت إذل مشاىدة نور(كبَت) أسطع‪،‬‬
‫إذل أف يصل الضباب ذي النور الذي يفوؽ النور‪ ،‬كما يصفو القديس غريغوريوس‪ .‬ولكي نفهم ىذه‬
‫ذكرت فهما أرثوذكسياً يلزمنا معرفة التعليم اآلبائي عن رؤية الضباب ذي النور الفائق األظبى من‬
‫ُ‬ ‫اعبملة‬
‫النور”‪ .‬إ ّف اهلل يف نظر اآلباء القديسُت يظهر دائماً كنور وال يظهر البتة كضباب‪ .‬غَت أنو حُت يكوف‬
‫عقل الناسك آّاىد الرائي يف حاؿ مشاىدة يرغب يف الدخوؿ إذل اعبوىر اإلؽبي أيضاً فيقابل ما يتعذر‬
‫التغلغل فيو أي الغماـ اإلؽبي ذا النور األظبى من النور‪ .‬فالغماـ بناء على ما تق ّدـ ليس ظهور اهلل‬
‫كغماـ‪ .‬ولكن ىناؾ عجز اإلنساف عن رؤية جوىر اهلل “أل ّف اهلل نور ال يدسل منو”‪ .‬أي أ ّف الغماـ‬
‫اإلؽبي ىو نور وكنو نور ال يراه اإلنساف وال يدنو منو‪ .‬إ ّف اهلل نور‪ .‬لقد قاؿ “أنا نور العادل” ودل يقل أنا‬
‫ضباب العادل‪ .‬وكما يقوؿ القديس ديونيسيوس األريوباغي “إ ّف الضباب اإلؽبي ىو النور الذي ال يدسل‬
‫منو ويقاؿ إ ّف اهلل يسكن فيو‪ .‬وىو يظل غَت منظور بسبب سطوعو الفائق‪ .‬وال يدسل منو أيضاً بسبب‬
‫انبعاث نوره اؼبفرط الفائق اعبوىر‪ .‬وكل من يصَت مستأىبلً أل ّف يعرؼ اهلل ويراه يصل فيو إذل حاؿ ال‬
‫يرى فيها وال يعرؼ‪!”...‬‬
‫لكن اآلباء كثَتاً ما يتحدثوف عن الدخوؿ إذل الضباب‬

‫ّٔذا اؼبعٌت إذاً نقوؿ إ ّف الضباب ىو ما بعد النور ّ‬
‫اإلؽبي وإذل رؤية إؽبية للضباب ذي النور األظبى‪ .‬نذكر على سبيل اؼبثاؿ ما قالو القديس غريغوريوس‬
‫أسقف نيصص عن أخيو القديس باسيليوس الكبَت قائبلً‪“ :‬إننا كثَتاً ما عرفنا أنو كاف يصل إذل داخل‬
‫لكن اآلباء ال يقصدوف ّٔذا‪ ،‬الدخوؿ إذل اعبوىر اإلؽبي‪ ،‬وإمبا يريدوف بو أف‬
‫الضباب‪ ،‬حيث كاف اهلل”‪ّ .‬‬
‫تفوؽ النور غَت اؼبخلوؽ إزاء “نور اؼبعرفة الطبيعيَّة”‪ .‬فإ ّف التعليم األرثوذكسي يقوؿ إ ّف البشر‬
‫ينبهوا إذل ّ‬
‫ورب‬
‫يشاركوف يف التمتع بأفعاؿ اهلل غَت اؼبخلوقة وليس جبوىره اإلؽبي‪ .‬قاؿ الرسوؿ بولس“‪..‬ملك اؼبلوؾ ُّ‬
‫األرباب‪ ،‬الذي وحده لو عدـ اؼبوت ساكناً يف نور ال يدسل منو‪ .‬الذي دل يره أحد من الناس وال يقدر أف‬
‫يراه‪( ”...‬تيمو‪.)51 :6‬‬
‫لبلص إذل القوؿ يا ِ‬

‫أبت إ ّف الضباب ذا النور األظبى ىو يف نظر اآلباء نور اعبوىر اإلؽبي الذي ال يُدسل‬
‫منو‪ .‬وعندىا يتحدثوف أيضاً عن قيمة رؤية النور األظبى للضباب ال يريدوف التعبَتعن قيمة الضباب إزاء‬
‫مشاىدة النور غَت اؼبخلوؽ بل قيمتو إزاء نور اؼبعرفة الطبيعية وىي اؼبعرفة العقلية‪.‬‬

‫‪ -‬رل سؤاؿ يا ِ‬
‫أبت‪ ،‬ىل يتابع اإلنساف صبلتو مىت شاىد النور؟‬
‫متحولة على مشاىدة‪ .‬فإف اإلنساف يشاىد اؼبسيح‪،‬‬

‫‪ -‬ال‪ .‬يبكننا أف نسمي الصبلة حينذاؾ صبلة ّ‬
‫وحضوره اإلؽبي يبهجو‪ .‬وعندىا تستمر الصبلة ولكن بدوف كبلـ‪ .‬يقوؿ القديس إسحق‪ :‬إذا كانت‬
‫الصبلة ىي البذار‪ ،‬فإ ّف االقبذاب حصادىا‪ .‬وكما يذىل اغبصادوف إذا رأوا البذرة الصغَتة قد أتت جبٍت‬
‫كثَت‪ ،‬يذىل النساؾ من أصحاب الرؤية اإلؽبية حُت يروف حصاد “الصبلة”‪ .‬فإنو وليد الصبلة‪ .‬والعقل‬
‫على حد قوؿ القديس إسحق أيضاً‪ ،‬ال يصلّي آنذاؾ أي صبلة وإمبا يصل إذل حاؿ اقبذاب يف األمور‬
‫السري”‪.‬احملجوب وخرس الروح‪.‬‬
‫غَت اؼبدركة‪ .‬وىذه ىي جهل أظبى من اؼبعرفة وىي أيضاً “السكوف ّ‬
‫يُسمى اآلباء القديسوف ىذه اغباؿ صبلة ألهنا العطية الكربى اليت تُعطى إبَّاف الصبلة وُسبنح للقديسُت‪.‬‬
‫يكف حينذاؾ عن الصبلة ويرتفع فوؽ األقواؿ واؼبعاشل‪ .‬ؽبذا‬ ‫لكن اإلنساف هبهل اظبها اغبقيقي ألنو ّ‬ ‫ّ‬
‫يسمي كثَت من اآلباء ىذه اغباؿ أسباتاً إؽبياً أو أسبات العقل‪ .‬دبعٌت أنو كما كاف العربانيوف قد أمروا أف‬
‫سبت نفس إذ هتدأ وتسًتيح من كل‬
‫يسًتوبوا يوـ السبت‪ ،‬ىكذا ىي ىذه اغباؿ الروحية‪ .‬فهي ُ‬
‫األعماؿ‪.‬‬
‫كل‬
‫يقوؿ القديس مكسيموس‪“ :‬إ ّف سبت السبوت ىو ىدوء روحي للنفس العاقلة‪ ،‬يسًتد العقل من ّ‬
‫شيء‪ ،‬حىت من األقواؿ األكثر إؽبية أيضاً ويوجهو بكاملو كبو اهلل وحده يف حاؿ اقبذاب عشقي‪ ،‬وهبعلو‬
‫السري‪ ”!..‬واؼبرء يف ىذه اللحظة ال يفعل شيئاً‬
‫ثابتاً يف اهلل وغَت متزعزع‪ ،‬وذلك بواسطة العلم اإلؽبي ّ‬
‫غَت البكاء إنو يذرؼ الدمع ىتوناً ال بسبب شعوره باػبطيئة اليت كانت تدفعو على البكاء ندماً يف البدء‬
‫وإمبا بسبب مشاىدتو فعل اهلل‪ ،‬غَت اؼبخلوؽ‪ .‬إنو يذرؼ اآلف الدموع‪ ،‬دموعاً مبهجة‪ ،‬تفعم النفس‬
‫مسرة‪ .‬إهنا دموع من غَت أدل ودموع مرضية للنفس‪ ،‬تن ّدي القلب وتعزيو‪ .‬أجل إهنا‬
‫فرحا‪ ،‬دموعاً إؽبية‪ّ ،‬‬
‫وتكوف أهناراً وقنوات ويكوف اؼبرء حينذاؾ يف حاؿ البطاؼ‪ .‬وىو ال‬
‫دموع سبؤل العينُت وزبدش الوجو ّ‬
‫يعلم ىل ىذا اإللبطاؼ يف اعبسد أـ خارج اعبسد وتفعم النفس واعبسد بفرح يعجز اللساف عن‬
‫وصفو‪.‬‬
‫ويشرح القديس غريغوريوس باالماس فقرة من كبلـ القديس غريغوريوس األريوباغي فيقوؿ إ ّف عاشق‬
‫يفك النفس من كل رباط‪ ،‬ويعقد العقل بالصبلة اؼبتواصلة‪ ،‬يرتفع صاعداً إذل‬
‫العيش مع اهلل حُت ّ‬
‫السماوات صعوداً ال ينطق بو‪ ،‬ويرقى بالسكينة والصمت عن الكبلـ فوؽ األشياء اؼبخلوقة كلها‪....“ .‬‬

‫يربط العقل بالصبلة إذل اهلل‪ ،‬صبلة غَت منقطعة‪ ،‬ومىت وصل بكل ذاتو‪ ،‬بواسطة “الصبلة”‪ ،‬إذل صعود‬
‫السري‬
‫يسمى بالضباب أي ضباب السكوف ّ‬ ‫جديد – ال يُنطق بو – إذل السماوات‪ ،‬هبد ما يبكن أف ّ‬
‫اػبفي‪ ،‬فَتتقي فوؽ كل اؼبخلوقات مركزاً عليو انتباه العقل على وجو التدقيق‪ ،‬بلذة ال يُنطق ّٔا‪ ،‬ويف فاء‬
‫ّ‬
‫كلي‪ ،‬غاية يف البساطة واغببلوة‪ ،‬وسكوف وصمت عن الكبلـ”‪.‬‬
‫ّ‬
‫حينذاؾ تصبح األمور األرضية كلها كالرماد والزبر‪ ،‬وكأهنا نفايات‪ .‬فبل يعود اؼبرءيشعر باضطراب اؽبوى‪،‬‬
‫أي معرفة أخرى‪.‬‬
‫بل ينسى حياتو ذاهتا‪ ،‬ذلك أل ّف ؿببة اهلل أحلى من اغبياة ومعرفة اهلل أعذب من ّ‬
‫فيا لو من مهد صبيل مق ّدس‪.‬‬
‫يا ؽبا من سرمدية إؽبية!‬
‫يا لو من صفاء عذب!‬
‫ويا ؽبا من ؿببة إؽبية!‬
‫تكف عن الكبلـ‪ ...‬فلقد أصابٍت دوار شديد‪ ،‬وإشل ألشعر باإلجهاد‪.‬‬

‫‪ -‬أيها الشيخ‪ :‬أرجو منك أف ّ‬
‫وما عدت أستطيع تتبُّع صعودؾ‪..‬إشل ال أحتمل‪....‬‬
‫اقًتب مٍت الشيخ‪ ،‬وأمسك بيدي‪ ،‬وقاؿ رل بصوت ملؤه اغبناف غٍت أفهمك‪...‬ولكنك أنت طلبت أف‬
‫مت‪.!.‬إشل أفهم صرختك‪ ،‬طاؼبا أننا كبن أيضاً بعد مشاىدة‬
‫أمضي متق ّدماً يف الكبلـ‪...‬وىاأنذا قد تكلّ ُ‬
‫النور نكوف يف غاية اإلعياء‪ ،‬منهارين سباماً‪...‬حُت تأٌب النعمة تبدو كأهنا ربمل سوطاً ذبلد بو جسدناً‬
‫يتحملو جسدنا الضعيف‪ .‬ؽبذا يركع ٍب يعود تدرهباً إذل حالو الطبيعية‪.‬‬
‫الفاشل‪ .‬وإهنا لثقل ال ّ‬
‫كنت أشعر بعد خدمة القداس اإلؽبي باالهنيار وباغباجة اؼباسة إذل الراحة‪ ،‬وحينذاؾ‬
‫أعًتؼ بأشل كثَتاً ما ُ‬
‫فقط يبدأ اعبسم يف اسًتداد قواه تدرهباً وىو أشبو بعشب تدوسو بقدمك فينحٍت‪ٍ ،‬ب ال يلبث أف يعود‬
‫فَتتفع شيئاً فشيئاً إذل حالو السابقة ولو كنا رأينا النعمة اإلؽبية بكاملها ؼبتنا! إالَّ أ ّف ؿببة اهلل تدبّر األمور‬
‫كلها!‪.‬‬
‫سكتنا وتوقفنا عن الكبلـ‪ ..‬وكاف الصمت يلف أرجاء اؼبنطقة‪ ،‬فبل يقطعو سوى صوت أحد اؼبريدين‬
‫بُت وقت وآخر وىو يردد بشفتيو صبلة يسوع‪ ،‬يف حديقة ىذا الكوخ فيما كاف يكنس األرض‪ .‬وكنت‬

‫بت من قدس‬
‫علي ّضبى‪ ،‬فقد اقًت ُ‬
‫أتنفَّس بعمق‪ .‬وكاف قليب ريع النبض حىت ليكاد أف ينفجر‪...‬واستولت َّ‬
‫اؼبكرسُت (اؼبطّلعُت على السر)‪.‬‬
‫السرية‪..‬من األقداس اليت ال يقًتب منها غَت َّ‬
‫أقداس الثيولوجيا ّ‬
‫وىناؾ من بعيد‪ ،‬يف البحر‪ ،‬كاف قرص الشمس قد غاص يف اؼباء فبدا البحر من الكوخ موشَّى بالذىب‪.‬‬
‫اؼبذىب وغائصاً فيو‬
‫أيت من شباؾ القبلية الكبَت قطيعاً من الدلفُت يلهو قافزاً فوؽ سطح اؼباء ّ‬
‫ور ُ‬
‫(وظهور الدلفُت يف البحر بالقرب من جبل آثوس أمر عادي)‪ .‬قلت يف نفسي إ ّف ىؤالء الرىباف عشاؽ‬
‫السماء أشبو بالدلفُت‪ ،‬فإهنم يعيشوف غائصُت يف ماء النعمة‪ ،‬وال ىبرجوف منها الَّ قليبلً‪ ،‬لكي يشعرونا‬
‫بوجودىا وحسب‪ٍ ،‬ب يعودوف إذل الغوص من جديد إذل “مشاىدة” اهلل‪.‬‬
‫كاف القديس ظبعاف اؼبستنَت باهلل يعيش داخل نور ثابور غَت اؼبخلوؽ‪ ،‬لذلك يغبط عشاؽ اهلل قائبلً‬
‫“طوىب للذين اتشحوا اآلف بنوره‪ ،‬ألهنم قد تسربلوا ثوب العرس‪ ،‬الذين لن يػُقَّيدوا بأيديهم أو بأرجلهم‬
‫ولن يطرحوا يف النار األبدية‪...‬‬
‫“ طوىب للذين أضاءوا من اآلف النور يف قلبهم وحافظوا عليو ببل انطفاء‪ ،‬فإهنم عند اػبروج من اغبياة‬
‫سيستقبلوف العريس فرحُت‪ ،‬ويدخلوف معو على العرس حاملُت اؼبصابيح‪...‬‬
‫“طوىب للذين دنوا من النور اإلؽبي ووعبوا إذل داخلو فصاروا بكاملهم نوراً وتبلضبوا بو ألهنم خلعوا الثوب‬
‫البارل كلّياَ ولن يذرفوا فيما بعد دموعاً ُمَّرة ‪“ ...‬طوىب لذلك الراىب الذي يبثل أماـ اهلل يف “الصبلة”‪،‬‬
‫فَتى اهلل ويراه اهلل ويشعر بأنو قد أمسى خارج العادل‪ ،‬وأنو كائن يف اهلل وحده‪ ،‬وال يستطيع أف يعلم ىل‬
‫حدث ىذا باعبسد أـ خارج اعبسد‪ ،‬ألنو سيسمع كلمات ال يُنطق ّٔا وليس يف قدرة إنساف أف‬
‫ظبعت بو أذف‪ ،‬وال خطر على قلب إنساشل غبمي‪...‬‬
‫يتح ّدث عنها‪ ،‬وسَتى ما دل تره عُت‪ ،‬وال ْ‬
‫“طوىب ؼبن شاىد نور العادل متَّخذاً شكبلً يف ذاتو‪.‬ألنو سيعترب أُماً للمسيح دبا أنو يكوف حائزاً على‬
‫اؼبسيح كجنُت‪ .‬وقد أعلن الرب نفسو ىذا وىو ال يكذب”‪.‬‬
‫كنت حقاً إذل جانب جبل ملتهب‪ ،‬إذل جانب راىب كاف يعيش واقع اغبياة السماوية بداء من ىذه‬
‫لقد ُ‬
‫اغبياة األرضية‪ .‬ويف اػبارج ساد سكوف يف الطبيعة‪ ،‬أما نفسي فقد غمرىا اؽبدوء‪ .‬إ ّف اهلل‪ ...‬الفردوس‪...‬‬
‫خارج الزمن أيضاً‪ .‬وىو قريب منّا جداً‪ .‬إنو داخلنا‪ ،‬يقطع الزمن والتاريخ‪.‬‬

‫ىلم بنا ِ‬
‫نقض بعض الوقت خارجاً‪...‬‬ ‫ف عن اغبديث‪َ ...‬‬
‫قاؿ‪ ....‬لنتوقّ ْ‬
‫قلت‪ :‬ال‪ ...‬ال‪ ...‬إشل أريد أف أتعلَّم أموراً أخرى‪ .‬فقد قلتم إ ّف“ الصبلة” علم‪ ،‬جامعة بكاملها‪ .‬وإشل‬
‫ألرغب رغبة ملحة أف ذبعلوشل يف ىذا اؼبساء عاؼباً!!‪.‬‬
‫‪ -7‬أخطاء أثناء ((الصالة)) ومجابهتها‬

‫‪ -‬إنك تطلب الكثَت‪ .‬ال يبكن أف يصَت اؼبرء عادل “صبلة” ما دل هباىد ىو شخصياً فيبدأ ىذا العمل‬
‫العقلي بنفسو‪ .‬ومهما قاؿ اآلخروف لو إال ؾبرد مدخل يفتح لو الشهية الروحية‪ .‬وقد يكوف من الواجب‪،‬‬
‫تكملة ألفكاري عن “الصبلة”‪،‬أف أربدث قليبلً أيضاً عن األخطار واألخطاء اليت قد تنشأ إبَّاف السَت‬
‫فيها‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ىذه حق‪ .‬فقد تكلّمنا سابقاً عن الرىباف إهنم يتحاشوف نزوؿ العقل مباشرة إذل القلب‬
‫ويستعملوف وسائل متنوعة للحيلولة دوف ذلك ذبنباً لنشوء أخطار‪ ،‬فما ىذه األخطار وىذه األخطاء؟‬
‫‪ -‬يبدأ اػبطأ من فكرة وجوب حصولو على النعمة اإلؽبية يف فًتة زمنية قصَتة‪ .‬يبارس كثَتوف عمل‬
‫“الصبلة” اؼبق ّدس‪ ،‬ويريدوف أف يدخلوا يف “مشاىدة” النور يف وقت قريب‪ .‬ودبا أ ّف ىذا ال يبكن أف‬
‫يتم فوراً عند اعبميع‪ ،‬يقلقوف ويشعروف باػبيبة‪.‬‬
‫من البلزـ أف يتخذ آّاىد قراره‪ ،‬أف هباىد طواؿ سنُت كثَتة‪ .‬فإف اهلل ال هبرب إراداتنا‪ ،‬ذلك ألننا‬
‫لندعو يأٌب‬
‫أشخاص وبالتارل أحرار كما هبب علينا كبن أيضاً أالّ نعتدي على حرية اهلل ألنو شخص أي ْ‬
‫إلينا مىت شاء وارتضى‪.‬‬
‫وتوقّف الشيخ قليبلً ٍب استأنف الكبلـ قائبلً‪:‬‬
‫‪ -‬نرتكب خطأ آخر إذا أعطينا أنبية كربى للطرؽ النفسية الفنَّية‪ .‬فما ىذه الطرؽ (من شهيق أو زفَت أو‬
‫نبض قلب اخل) سوى وسائل مساعدة لكي نتمكن من ضبط الذىن وزبليصو من عناصر غريبة‪ .‬أريد أف‬
‫أقوؿ إنو ليست ؽبذه الطرؽ قوة سحرية‪ .‬غَت أهنا مفيدة لكي نتحاشى ّٔا تشتّت الذىن‪ .‬ومىت انضبط‬
‫العقل وعاد بسهولة إذل ذاتو وجب التخلي عن كل الوسائل اؼبساعدة‪.‬‬
‫‪ -‬وىل ىناؾ أخطاء أخرى؟‬

‫تطور‬
‫‪ -‬بالتأكيد‪ .‬ىناؾ أخطاء حُت نقوـ بالقفز يف مسَتة الصبلة لقد ذكرنا قليل أ ّف ىناؾ مراحل ّ‬
‫ػبصناىا يف طبس مراحل‪.‬أوالىا أف نتلو “الصبلة” بالشفتُت‪ .‬ثانيتها أف كبفظ ذكر يسوع يف‬ ‫ـبتلفة ّ‬
‫لكن البعض يبدأوف فوراً من اؼبرحلة الثانية وال وبصلوف على أشياء‬
‫العقل وبعدىا ينزؿ وحده إذل القلب‪ّ .‬‬
‫كثَتة‪ .‬وآ خروف ينتقلوف من اؼبرحلة األوذل إذل اؼبرحلة الثالثة ووباولوف ذلك على األكثر بالتنفس‪ ،‬وىذا‬
‫قلت سابقاً‪ -‬على وجع يف القلب ألسباب طبيعية فيكوف سبباً إليقاؼ‬
‫خطر ألنو قد يؤدي ‪-‬كما ُ‬
‫“الصبلة”‪ .‬ومن اؼبؤكد أ ّف ىذا ال يكوف مرضاً غَت أنو على كل حاؿ قد يؤدي إذل إيقاؼ ىذا العمل‬
‫اؼبق ّدس‪ .‬وأضاؼ‪ .‬قد تنشأ أيضاً بعض اؼبشكبلت حوؿ الدموع‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا تعنوف ّٔذا؟‬
‫إف العينُت تُبلَّبلف بالدمع‪ٍ ،‬ب ينهمر ىتوناً فيما يبقى الدعاء يف العقل‪ّ .‬‬
‫لكن ىذا ال يكوف‬ ‫‪ -‬قلنا سابقاً َّ‬
‫ضرورياً بصورة دائمة‪ .‬فإ ّف الصبلة يبكن اف تسَت سَتاً حسناً بدوف الدموع‪ .‬فبل لزوـ للشعور باػبيبة يف‬
‫حاؿ عدـ وجود الدموع‪ .‬وستذرؼ تلقائياً إف ظبح اهلل بذلك‪ .‬وحىت إذا غرقنا يف فيض من الدموع‬
‫فينبغي أالّ نعَتىا التفاتاً‪ .‬وال لزوـ لشرح ىذه األحواؿ آلخرين‪ ،‬واػبربة النسكية تقوؿ إننا حُت نذكر ىذه‬
‫األحواؿ لآلخرين تتوقّف فوراً ٍب تتأخر يف العودة‪.‬‬
‫يكفي أف أنّبو إذل أننا إذا عرفنا مراحل الصبلة العقلية وجب علينا رباشي التفكَت يف أية مرحلة كبن‬
‫قلت‬
‫موجودوف‪ .‬وعلينا أف نكمل اؼبسَتة بتواضع‪ .‬وعدا ىذا فإ ّف الكربياء يف الصبلة ضباقة وأظنٍت قد ُ‬
‫ىذا من قبل‪ .‬أجل إهنا غبماقة‪ .‬واإلنساف يف مثل ىذه اغباؿ يشبو مستعطياً يطلب قطعة من اػبز ٍب‬
‫تكرب ألنو حصل عليها‪ .‬وما ىذا إالّ ضباقة وسقوط‪.‬‬
‫َّ‬
‫‪ -‬أرى االتضاع يلعب ىنا أيضاً دوراً ىاماً‪.‬‬
‫‪ -‬ىنا ويف كل مكاف‪ .‬فإف القديس باسيليوس يقوؿ إ ّف التواضع خزانة صبيع الفضائل‪ .‬فهو ىبفي‬
‫الفضائل كلها داخلو وأخَتاً ىو أيضاً‪ .‬ويف اغبياة الروحية إصباالً ينبغي رباشي الكربياء باجتهاد‪ ،‬وخباصة‬
‫ازبذت مظهر حب ؾبد فارغ‪.‬وال ريب أنكم‬
‫ْ‬ ‫إذا‬
‫تعلموف أ ّف حب آّد الفارغ يبكن أف يظهر يف كل فضيلة سواء يف الكبلـ‪ ،‬أو الصمت ‪ ،‬أو الصوـ‪ ،‬أو‬
‫السهر هلل وحىت يف “الصبلة” أيضاً ويف اؽبدوء وطوؿ األناة ويقوؿ اآلباء ّف حب آّد الفارغ أشبو‬

‫باػبائن الذي يفتح أبواب اؼبدينة خفية ليدخلها العدو‪ .‬حينذاؾ يقتحمها ووبتلُّها مهما كانت حسناهتا‬
‫ومهما بلغت قوة دفاعها من دقة التنظيم والشدة واؼبنعة‪ .‬ووبدث ىذا عينو يف اغبياة الروحية أل ّف حب‬
‫آّد الفارغ يسلّمنا للشرير مهما كاف لنا من الفضائل ومهما بلغت قدرتنا من الشدة‪ .‬وينصح اآلباء‬
‫القديسوف بأف ال يتوذل اؼبرء عمبلً يؤدي بو إذل حب آّد الفارغ‪.‬‬
‫علي دبزيد من الشرح؟‬

‫‪-‬إشل دل أفهم ىذا جيداً‪ .‬فهل تتكرموف ّ‬
‫‪ -‬لنع ْد على موضوع الصبلة‪ ...‬ينبغي على اؼبؤمن أف ال يفرط يف عمل الصبلة‪ ،‬أل ّف إفراطو يؤكد بأ ّف‬
‫هبره الشيطاف‬
‫الشيطاف هبذبو‪ .‬وحينذاؾ يكوف كل ما يفعلو فوؽ طاقتو من فعل الشيطاف وقدرتو‪ ،‬فيما ّ‬
‫ويدمر بكل ما يف ىذه الكلمة‬
‫ٍب يًتكو ويدفعو يف الوقت عينو من اػبلف فيسقط إذل عمق بعيد األغوار َّ‬
‫من معٌت‪.‬‬
‫‪ -‬وكيف يبكن ذبنّب ىذا السقوط الرىيب؟‬
‫‪ -‬اغبزف والطاعة نبا طريق اػببلص‪ .‬هبب أف تُربط الصبلة باغبزف برباط وثيق أل ّف الشيطاف إذا رأى‬
‫شخصاً يسلك حبزف أخلى اؼبكاف وىرب‪ ،‬ذلك ألنو ىباؼ من االتضاع الذي ينشأ عن اغبزف‪.‬‬
‫يقوؿ القديس غريغوريوس السينائي‪“ :‬ؽبذا فإ ّف اغبزف ىو أعظم سبلح وبملو اؼبرء يف الصبلة لكي ال‬
‫لتكرب بسبب فرح الصبلة ولكنو إذا اختار لنفسو الفرح اؼبقروف باغبزف‪ ،‬حفظها بدوف ضرر”‪.‬‬
‫يسقط يف ا ّ‬
‫فمن الضروري مبلزمة اغبزف والشعور حباؿ اػبطيئة للصبلة اػبالصة يف مسَتهتا‪ .‬وعلى آّاىد أف يرّكز‬
‫عقلو يف التفكَت باعبحيم بدوف يأس‪ .‬ومن جهة أخرى فإ ّف الشعور باػبطيئة وبعدـ القيمة والرجاء‬
‫بيسوع احملب البشر ميزة تتميّز ّٔا األرثوذكسية وىي ميزة أساسية أيضاً لكل الطروباريات ( أناشيد النصر‬
‫اليت ترمبها كنيستنا األرثوذكسية)‪.‬‬
‫وهبدر اإلشارة إذل أ ّف اغبزف الشديد يتميّز بو القليلوف‪ .‬فليس كل الناس قادرين على العيش ّٔذا اغبزف‬
‫وتذوؽ سابق للنعمة اإلؽبية لكي ال يتزعزعوا‪ .‬إالّ‬
‫العميق‪ ،‬ولكي يصمدوا فيو وبتاجوف إذل قدرة عظيمة ّ‬
‫أننا ينبغي أف نعيش صبيعاً ىذا اغبزف اؼبغبوط‪ ،‬كل منا يقدر استطاعتو‪ .‬كما أ ّف الطاعة للشيخ ىي أيضاً‬
‫الزمة‪ ،‬لكي ذبري كل أعمالنا ‪-‬ال يُستثٌت منها أي عمل مهما كاف بسيطاً‪ -‬بربكة الشيخ وإرشاد‬
‫اغبكيم‪ .‬وكذلك ما يتعلّق دبشاىدة النور غَت اؼبخلوؽ‪.‬‬

‫سألتو وأنا مندىش فبا قاؿ‪ :‬ما عبلقة الطاعة للشيخ برؤية النور غَت اؼبخلوؽ؟‬
‫التزود بالربكة البلزمة يدفعو الشيطاف‪ ،‬كما ذكرنا آنفاً‪ ،‬فيما تعتلج يف‬
‫فقاؿ‪ :‬إذا مشى اؼبرء وحده بدوف ّ‬
‫داخلو رغبة‪ ،‬ال هتدأ‪ ،‬يف رؤية النور غَت اؼبخلوؽ‪ .‬فيؤمن أ ّف ىذا كماؿ يريد الوصوؿ إليو بسرعة‪...‬‬
‫قلت‪ :‬أوليس ىذا حسناً؟‬
‫فقاؿ‪ :‬ال‪ .‬ليس ىذا حسناً‪ .‬فإ ّف القديس ذياذوخوس ينصح الناسك بأف ال يقضي حياتو النسكية راجياً‬
‫رؤية النور غَت اؼبخلوؽ “لكي ال هبد الشيطاف النفس مستعدة لبلختطاؼ من ىناؾ”!‬
‫إ ّف اؼبرء ينطلق يف عمل “الصبلة” مقروناً حببو هلل والطاعة ؼبشيئتو اإلؽبية اؼبق ّدسة‪ .‬وقد يظهر لو الشيطاف‬
‫بصورة مبلئكة صاغبُت وبًتمونو أل ّف الشيطاف يبكنو أف يتش ّكل يف صورة مبلؾ نور‪ ،‬كما يقوؿ الكتاب‬
‫اؼبق ّدس‪ ،‬فيظن اؼبصلّي اؼبسكُت أنو وصل إذل عارل درجات الكماؿ طاؼبا أنو وبيا مع اؼببلئكة وال يدري‬
‫أنو يف الواقع يتحادث مع األبالسة!‬
‫ويتعرض الناسك آّاىد لتجربة أخرى حُت يوسوس لو األبالسة أثناء الصبلة ّٔواجس تدفعو إذل الظن‬
‫ّ‬
‫بأنو سَتى النور غَت اؼبخلوؽ بعد قليل‪ .‬إ ّف ىذه اغباؿ الدقيقة اػبطرة لتتطلّب منو اغبذر الشديد‬
‫يكف عن الصبلة فوراً ليؤنّب نفسو تأنيباً عنيفاً قائبلً‪ :‬أتريد أيها التاعس القذر أف‬
‫واالنتباه‪ .‬وعليو أف َّ‬
‫ترى النور غَت اؼبخلوؽ‪..‬؟‬
‫ىذا ما هبب أف يعلمو يا ِ‬

‫أبت ألنو ليس ىناؾ أخطر من فكرة ذبعلو يظن أنو جدير برؤية النور غَت‬
‫اؼبخلوؽ‪ .‬ويبكنو يف ىذه اغباؿ أف يقوؿ أيضاً‪“ :‬الويل رل‪ ،‬ماأشقاشل! فقد جاء األبالسة القتلة لكي‬
‫يقضوا على نفسي ويزيلوىا”‪ .‬وحينذاؾ ىبتفي الشيطاف العدو فوراً‪ .‬وكثَتاً ما وبدث أ ّف الشيطاف يأٌب‬
‫بنور إذل قلية الراىب لكي يشبع ما يف نفسو من حب للمجد ويزيد من سيطرتو عليو وأسره لو‪ .‬إالَّ ا ّف‬
‫ىذا النور ليس النور غَت اؼبخلوؽ‪ ،‬وإمبا ىو نور شيطاشل ـبلوؽ من صْنع إبليس‪.‬‬
‫‪ -‬وكيف يبكن سبييزه عن النور غَت اؼبخلوؽ؟‬
‫‪ -‬ىناؾ طرؽ كثَتة تساعد الناسك على التمييز بُت النورين‪ .‬سأذكر لك يف ما يلي بعض األحكاـ‬
‫اؼبميزة‪.‬‬

‫أوالً‪ -‬إذا كاف قد وصل بالطاعة إذل مشاىدة النور غَت اؼبخلوؽ‪ ،‬فإ ّف طرؽ الطاعة الكاملة اػبالصة ىي‬
‫اليت تؤمن وتضمن اؼبشاىدة الصحيحة‪ .‬والناسك آّاىد ملزـ بأف يعرض كل اؼبوضوعات اليت ؽبا عبلقة‬
‫اؼبتحرر من اؽبوى‪ ،‬وأف يسألو عنها‪ .‬فلو جالت يف فكرة عدـ سؤاؿ‬
‫باؼبشاىدة على شيخو البصَت‪ّْ ،‬‬
‫مرشده الشيخ لكاف مصدرىا الشيطاف‪ ،‬الساعي أبداً إذل تقييد الناسك آّاىد يف دياجَت الظبلـ وجعلو‬
‫غارقاً يف الضبلؿ ورازحاً يف العبودية‪.‬‬
‫الرب عن األنبياء الكذبة‪ ،‬فقاؿ “من شبارىم تعرفوهنم”‪ .‬وينطبق ىذا القوؿ على ما وبدث‬
‫ثانياً‪ -‬رب ّدث ّ‬
‫ىنا‪ .‬فإ ّف التمييز بُت النور غَت اؼبخلوؽ والنور اؼبخلوؽ يظهر يف شبار كل منهما‪ .‬فالنور غَت اؼبخلوؽ‬
‫َظبَى‬
‫يبعث يف النفس ىدوءاً وصفاء واتضاعاً ومعرفة اختيارية حباؿ الشقاء‪ .‬يوـ استحق إبراىيم أف يكلّم أ ْ‬
‫ريب وأنا أرض ورماد” (تك‪ ) 41 :51‬وقاؿ أيوب “ظبعتُك‬ ‫شرعت أكلّم ّ‬
‫ُ‬ ‫ذاتو أرضاً ورماداً‪“ .‬إشل قد‬
‫وذبت وأشعر أشل يف الواقع أرض‬
‫فشكوت من شقائي ُ‬ ‫ُ‬ ‫من قبل ظبع األذف‪ ،‬أما اآلف فقد رأتك عيٍت‬
‫ورماد” (سفر أيوب يف السبعينية ‪ .)6 :24‬والنيب إشعياء رأى ؾبد اهلل فهتف قائبلً‪“ :‬ويل رل إشل‬
‫رب‬
‫عيٍت قد رأتا اؼبلك َّ‬
‫ىلكت‪ ،‬إشل إنساف قبس الشفتُت‪ ،‬وأنا ساكن بُت شعب قبس الشفتُت‪ ،‬أل ّف ّ‬
‫ُ‬
‫اعبنود” (إشعياء‪ .)1 :6‬أما مشاىدة النور الشيطاشل فتنشأ عنها الكربياء وحب آّد الفارغ وفكرة‬
‫اكتساب الكماؿ‪.‬‬
‫إعلم إذاً أ ّف مفاعيل النعمة واضحة‪ ،‬وال يقدر الشيطاف أف‬‫يقوؿ القديس غريغوريوس السينائي‪ْ “ :‬‬
‫يبنحها‪ .‬فهو ال يهب وداعة وال تساؿباً وال اتضاعاً وال بغضاً للعادل‪ ،‬وال وبرؽ لذات وأىواء وىذه كلها‬
‫مفاعيل النعمة‪ .‬أما فعل الشيطاف فهو ىوس حبب آّد الفارغ وكربياء‪ ،‬وجنب‪ ،‬وكل شر” وال يعرؼ اؼبرء‬
‫التكرب وحسب بل من االضطراب أيضاً‪ .‬إ ّف فعل الروح القدس يق ّدـ للنفس واعبسد‬
‫أفعاؿ الشيطاف من ّ‬
‫وذبرداً من اػبوؼ واالضطراب ‪.‬‬
‫سبلماً ُّ‬
‫والقديس إسحق يبدي رأيو يف ىذا اؼبوضوع فيقوؿ إ ّف التشويش والفوضى مركبة الشيطاف ألنو ينقل ما‬
‫يف طبعو إذل اآلخرين‪ .‬والروح القدس ىو بطبعو روح سبلـ وؽبذا يعطي السبلـ‪ .‬يف حُت أ ّف الشيطاف ىو‬
‫بالطبع روح اضطراب واػبوؼ‪.‬‬
‫تًتدد يف قبولو يف البدء‪ .‬يف حُت أف رؤية النور غَت‬

‫ثالثاً‪ -‬إ ّف النفس ال تتقبّل النور الشيطاشل فوراً بل ّ‬
‫اؼبخلوؽ تنشئ يف النفس منذ البدء تقريباً يقيناً وقبوالً‪.‬‬
‫يقوؿ القديس غريغوريوس السينائي‪ :‬يذكر اآلباء أ ّف كل ما يأٌب إذل النفس سواء كاف حسياً أو عقلياً‪،‬‬
‫فيًتدد القلب إزاءه وال يقبلو‪ ،‬يكوف غَت صادر عن اهلل بل مرسل من قبل العدو”‪.‬‬
‫ّ‬
‫وقد يأٌب النور غَت اؼبخلوؽ يف غبظة ال تنتظرىا ولكنك ال ترتاب يف صحتو‪.‬‬
‫رابعاً‪ -‬شبة فارؽ يف اللوف أيضاً‪ .‬فقد شاىد التبلميذ يف جبل ثابور أثناء ذبلّي السيد اؼبسيح أ ّف وجهو‬
‫أضاء كالشمس وصارت ثيابو بيضاء كالنور(مىت ‪ )4 :51‬أما لوف النور الشيطاشل فهو‪ ،‬على العكس‪،‬‬
‫أضبر حبسب شهادة آباء كثَتين ربققوا من ىذا الفارؽ‪.‬‬
‫خامساً‪ -‬ىناؾ االختبلؼ يف الشكل أيضاً‪ .‬قاؿ القديس ظبعاف البلىوٌب اعبديد إ ّف مشاىدي النور غَت‬
‫اؼبخلوؽ “ال يروف شكبلً أو نوعاً أو رظباً بل نوراً ال شكل لو”‪ .‬ولو كاف لو شكل لكاف قريب الشبو‬
‫بقرص الشمس‪ .‬فإ ّف اهلل يظهر كشمس أو كقرص مشس‪ ،‬كروياً ‪ ،‬بارزاً‪ ،‬مشعشعاً بالنور‪،‬كشعلة ال‬
‫شكل ؽبا وال نوع‪ .‬على عكس ما وبدث يف مشاىدة النور الشيطاشل اؼبخلوؽ‪ .‬وقد ذكر القديس‬
‫غريغوريوس ىذه اغباؿ فقاؿ إ ّف أكينذينوس ذىب ذات يوـ إذل اعببل (آثوس) وأقاـ فيو بضعة أياـ‬
‫وأخربه أنو فيما كاف وباوؿ أف يصلي رأى نور “وؼبا انفتح النور بكثافة من اعبانب األسفل بدا لو من‬
‫الداخل وجو بشري” أي رأى داخل الثغرة وجو إنساف‪ .‬وإذا دل يكن النور بدوف شكل ح ّذره القديس‬
‫أبديت لو رأيي بأ ّف ىذا ضبلؿ مشُت وىزء وؽبو‬
‫ُ‬ ‫باالماس منو ألنو نور شيطاشل فقاؿ‪“ :‬أما أنا‬
‫شيطاشل‪ ...‬ال بل إنو على األكثر فخ خبيث‪.”...‬‬
‫وأضاؼ الناسك الواسع اػبربة قائبلً‪ :‬إ ّف اآلباء يعلّْموف أنو ينبغي أالَّ نقبل َّ‬
‫كل ما هبري خبلؿ الصبلة‪...‬‬
‫إحرص على االحتفاظ باغبسن بعد االمتحاف الكثَت‪ ”...‬وعلينا أف نسأؿ شيخنا يف كل ىذه األمور‪.‬‬
‫“ ْ‬
‫فإ ّف القدرة على التمييز بُت الضبلؿ واغبق ال تتاح لنا إالّ بعد جهاد طويل األمد وعلى قدر النعمة‬
‫تفرؽ بُت النبيذ واػبل من حيث اؼبظهر‪ ،‬لكنهما ـبتلفاف يف‬
‫اإلؽبية اليت كبصل عليها‪ .‬وإنك تكاد أالّ ّ‬
‫اؼبذاؽ‪ .‬ىكذا يكتسب آّاىد مع مرور الزمن إمكانية الشعور بالفارؽ‪..‬‬
‫يت أالَّ‬ ‫كاف يتكلّم ببل توقُّف‪ .‬وكاف رأسو منحنياً كبو األرض‪ .‬أما أنا فقد ُ‬
‫كنت أصغي إليو مندىشاً‪ .‬وسبنّ ُ‬
‫أقطع ىذه األفكار اآلبائية األرثوذكسية‪ .‬وقد انتشر صفاء وىدوء فيما كاف يتح ّدث ويف ىذا دليل على‬
‫أ ّف تعليمو كاف أرثوذكسياً بكاملو‪.‬‬

‫‪ -‬كل ما قلتو لك يتجلى وضوح يف ؿبادثة عرفها القديس ظبعاف البلىوٌب اعبديد حيث يظهر اهلل فيها‬
‫كنور ينشئ عذوبة‪ .‬ويسأؿ اؼبريد شيخو البصَت‪ ،‬عارؼ اهلل‪ ،‬عنها فيؤكد لو أ ّف ما رآه ىو اهلل‪.‬‬
‫سأقرأ لك النص لًتى كيف يعرضو ىذا األب الرائي القديس‪ ...‬وأخذ الكتاب وقرأ‪:‬‬
‫“اهلل نور ومنظره نور‪ ،‬عندما يراه أحد ‪-‬حُت يكشف ذاتو‪ -‬يرى نوراً فيعجب فبا رأى‪ ،‬لكنو ال يعرؼ‬
‫أي كاف على رفع عينيو لَتاه؟ وىو‬
‫فوراً من الظاىر وال هبرؤ على سؤالو‪ ،‬إذ كيف يسألو من ال يقدر ّّ‬
‫يصوب نظره كبو رجليو عارفاً أ ّف الذي ظهر أماـ وجهو ىو شيء‬
‫ينظر فقط ّٔلع وخوؼ شديدين كأمبا ّ‬
‫بكاملو‪ .‬فإف كاف أح ٌد قد شرح لو ىذه األمور من قبل دبا أنو عارؼ هلل‪ ،‬يذىب إليو ويقوؿ لو‪“ :‬لقد‬
‫أيت فيجيبو‪ :‬ماذا يا بٍت؟‪ -‬نوراً‪ -‬أيها األب‪ -‬نوراً حلواً‪ ،‬حلواً‪ .‬إ ّف ذىٍت لعاجز عن اإلفصاح عن‬
‫ر ُ‬
‫شيء‪.‬‬
‫وفيما يقوؿ ىذا يرقص قلبو يف اغباؿ وينتفض ويتوقّد شوقاً إذل اؼبرئي ٍب يستأنف الكبلـ بدموع حارة‬
‫ووذل العادل على ما أظن‪،‬‬
‫غزيرة قائبلً‪ :‬لقد ظهر رل أيها األب ذلك النور فارتفع يف اغباؿ بيت قبلييت ّ‬
‫وبقيت أنا وحدي موجوداً مع النور وحده ودل أعلم أيها األب ىل اعبسد موجوداً ىناؾ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ىارباً من وجهو‬
‫نعمت‬
‫ُ‬ ‫صرت أنا خارجو‪ .‬ودل أد ِر ّ‬
‫أشل أرتدي جسداً وبيط يب‪ .‬ولقد‬ ‫كنت قد ُ‬
‫يف ذلك الوقت‪ ،‬وأجهل إف ُ‬
‫يعرب عنو وتدفعٍت ؿببة وشوؽ شديد إذل ذرؼ الدموع أهناراً وىو ما تراه‬
‫أنعم بالفرح الذي ال َّ‬
‫لت ُ‬ ‫وما ز ُ‬
‫اآلف أيضاً‪.‬‬
‫فرد عليو قائبلً‪“ :‬إنو ‪ .‬يا ولدي”‪.‬‬
‫يتطهر يتشجع ويسألو قائبلً‪“ :‬ىل‬

‫تطهراً تاماً‪ .‬وفيما ىز ّ‬
‫ويتطهر شيئاً فشيئاً ُّ‬
‫ومع الكبلـ يراه من جديد ّ‬
‫أنت إؽبي؟‪ .‬فيجيبو قائبلً‪ :‬نعم “أنا اهلل صار إنساناً من أجلك وقد جعلتك كما ترى‪ .‬وسأجعلك‬
‫إؽباً”‪.‬‬
‫وبعد أف يقضي زمناً حزيناً باكياً وراكعاً أمامو متذلبلً يبدأ يف معرفة اهلل قليبلً…”‪.‬‬
‫غرت منو ألنو وجد مرشداً حكيماً واسع اػبربة‪-‬‬

‫يف تلك الساعة ظهر أمامي الراىب اؼببتدئ‪ -‬وقد ُ‬
‫وسأؿ شيخو قائبلً‪:‬‬

‫‪ -‬طلبتم مٍت أف أسقي اعبرة الصغَتة األخرى؟‬
‫التفت إليو وقاؿ‪ :‬أجل اسقها ٍب قاؿ رل‪ :‬ىذه ىي الطاعة اليت حدثتك عنها منذ‬ ‫َّ‬
‫فكر الشيخ ىنيهة ٍب َ‬
‫قليل‪ .‬فمن يظهرىا بسؤالو مرشده عن كل أمر‪ ،‬يتق ّدـ روحياً‪ ،‬فهو أوالً‪ ،‬ال يًتؾ ؼبخيلتو أف تق ّدـ لو‬
‫يطهر ذىنو من اؽبواجس الثقيلة منها والبسيطة‪،‬‬
‫حلوالً‪ .‬وقد أحسن ىذا الراىب صنعاً‪ ،‬ألنو ّٔذه الطريقة ّ‬
‫وينقطع “للصبلة” دبزيد من االنتباه‪ .‬ثانياً‪ :‬يتعلّم أف يسأؿ‪ .‬ويف سؤالو أباه الروحي خبلص‪ .‬فإ ّف‬
‫التواضع يكوف حيث تكوف الطاعة‪ ،‬ألنو قاعدة الطاعة‪.‬‬
‫التكرب‪ ،‬ويصده عن الدخوؿ إذل نفس الراىب‪ ،‬ليحدث فيها حاالت شاذة‬ ‫وىذا يبنع الشيطاف‪ ،‬روح ّ‬
‫ورىيبة‪ .‬ويف مسَتة ىذا العمل إصباالً ال بد من الطاعة‪ .‬لكن علينا أالّ مبضي فيها ببل مرشد أل ّف الشيخ‬
‫يعُت حدود مسَتتنا‪ ،‬وينظّم برنامج حياتنا الروحية‪ ،‬وىو الذي سيأمرنا بوقف‬
‫مرشدنا الروحي‪ ،‬ىو الذي ّ‬
‫أحد األعماؿ وىبربنا ىل نتق ّدـ تق ّدماً حسناً مرضياً هلل‪.‬‬
‫واهلل نفسو موجود يف شخص الشيخ‪ .‬فهو “رسم اؼبسيح”‪ .‬ومقامو بالنسبة إذل الرىباف الذين يتوذل‬
‫إرشادىم ىو مقاـ األسقف يف رعيتو‪ ،‬واإليغومانس يف ديره‪.‬‬
‫الشيخ ىذه األنبية؟‬

‫َ‬ ‫‪ -‬أإذل ىذا اغبد يعطي التن ُّسك‬
‫‪ -‬بالتأكيد‪ ،‬فبل يستطيع أحد التق ّدـ بدوف الشيخ‪ .‬وبدونو أيضاً ال يقدر أف وبيا حياة التقليد الصحيح‪.‬‬
‫فاغبياة الروحية تنتقل على غرار اغبياة اعبسدية من جيل إذل جيل‪ .‬والشيخ ىو حامل التقليد ومالكو‪،‬‬
‫ينقلو إذل ولده الروحي‪ ،‬وبلده حبسب اؼبسيح‪ .‬إنو ينقلو إذل من يريد أف يكتسبو‪ .‬ويف ىذا بالذات يبكن‬
‫معٌت الطاعة‪ ،‬اػببلصي‪ .‬إشل أُمارس الطاعة ال لكي أزوؿ من الوجود‪ ،‬وإمبا أمارسها لكي أُميت ذاٌب‬
‫يف‪ .‬إشل أطيع لكي أُولد‪ .‬والطاعة‬
‫يتصور اؼبسيح َّ‬
‫أربرر من إرادٌب اػباصة وأتقبَّل التقليد‪ ،‬ولكي َّ‬
‫الشريرة‪ ،‬و ّ‬
‫ىنا الزمة وضرورية بسبب وجود خطر الضبلؿ‪ .‬ؽبذا كتب األنبا ذوروماوس “ليس أشقى وأسهل‬
‫فسر األب نفسو اآلية “حيث ال‬ ‫اقتحاماً واحتبلالً فبن ليس ؽبم من يقودىم يف طريق اهلل”‪ .‬وقد ّ‬
‫حكومة يسقطوف كاألوراؽ” ( سفر األمثاؿ ‪ )52 :4‬فقاؿ إ ّف الورقة تكوف يف البدء خضراء طريَّة‪،‬‬
‫وربتقر وتُداس‪ .‬وىذا عينو وبدث ؼبن ليس لو مرشد روحي فإنو‬ ‫ذبف وتيبس وتسقط ُ‬ ‫لكنها بعد وقت ّ‬
‫سرعاف ما ييبس ويقع يف متناوؿ األعداء‪ .‬إ ّف الورقة تكوف دائماً يف البدء خضراء طرية‪ٍ ،‬ب تيبس شيئاً‬

‫فشيئاً‪ ،‬وتسقط وربتقر وتداس‪ .‬ىكذا يكوف حاؿ اإلنساف الذي ال وبكمو أحد‪ .‬فهو يف أوؿ األمر‬
‫لكن حرارتو تتضاءؿ‬
‫يكوف دائماً حاراً يف الصوـ والسهر واؽبدوء والطاعة‪ ،‬ويف بعض اػبَتات األخرى‪ .‬و ّ‬
‫وزبمد شيئاً فشيئاً‪ .‬ودبا أنو ليس لو من من وبكمو‪ ،‬لكي يثبّتو‪ ،‬ويذكي حرارتو‪ ،‬لذلك ييبس بدوف أف‬
‫وبس ويسقط‪ .‬وىكذا يبسي يف األعداء فيفعلوف بو ما يشاؤوف”‪.‬‬
‫ّ‬
‫عرفت راىباً شعر أثناء الصبلة بأدل‬
‫سأذكر لك مثبلً لتدرؾ ضرورة وجود الشيخ‪ ،‬ذبنُّباً للضبلؿ‪ .‬فلقد ُ‬
‫شديد يف قلبو‪ ،‬فأفضى فوراً بأمره إذل شيخو‪ .‬وقلق الشيخ‪ ،‬ودفعتو خربتو‪ ،‬اليت يتميّز ّٔا‪ ،‬إذل سؤاؿ‬
‫الراىب عن موضوع األدل يف القلب‪ .‬فأجاب أنو يشعر بوجع يف أسفل القلب من اػبارج فأمره الشيخ‬
‫ف فوراً عن تبلوة “الصبلة” ؼبدة أسبوع‪ .‬ألنو كاف ينبغي أف تشعر باألدل يف اعبانب األعلى‬
‫قائبلً‪ُ :‬ك َّ‬
‫داخل القلب‪ .‬ذلك أل ّف األىواء تنشط يف اعبانب األسفل من القلب‪ .‬ىذا يؤكد أ ّف الشيطاف الشرير‬
‫يُعِ ّد لك أمراً‪ .‬ىكذا قبا الراىب من ضبلؿ الشيطاف الشرير الذي كاف تأثَته قد بدأ يظهر فيو واآلباء‬
‫القديسوف يعلّموننا من اختبارىم قائلُت “إف رأيت شاباً يصعد إذل السماء بإرادتو ىو‪ ،‬فاقبض على‬
‫رجلو واجذبو إذل أسفل‪ .‬أل ّف ذلك لن يفيده”‪.‬‬
‫ذكرت قصيدة‬
‫طت ذلك اؼبريد‪ ،‬لتواضعو اعبم‪ ،‬وغبصولو على مثل ىذا اؼبرشد القديس‪ .‬وت ُ‬ ‫لقد غبّ ُ‬
‫إرل تعاؿ بقلب حار واح ِن كتفيك بطاعة حسنة‬
‫ىلم ّ‬
‫لثيوذوروس اإلستوذييت جاء فيها‪ :‬إذل مريد‪ّ ...‬‬
‫كنت تصر‬‫متواضعاً بكل جوارحك‪ ،‬ومائتاً من حيث اإلرادة وكاشفاً عن كل فكرة كامنة يف القلب‪ .‬إف َ‬
‫أي نظاـ غبياة السالكُت يف طريق اهلل‪،‬‬ ‫على البقاء هنائياً يف ميداف اعبهاد‪ ،‬فبل ُِزب ْف َ‬
‫ك ّبرية وال عمود وال ُّ‬
‫وإنك لتعلم كل شيء كما ىو مكتوب إؽبياً ألنك تسلك طريق أوؿ الشهداء”‪.‬‬
‫قلت‪:‬‬
‫مغردة‪ ،‬مغبوطة‪ ،‬تنعم بندى الربيع‪...‬‬

‫‪ -‬إ ّف ىؤالء الرىباف آّاىدين يف اغبياة الروحية سعداء ألهنم طيور ّ‬
‫باهلل! أما كبن فبل نستطيع أف نعيش ىذه اغباالت‪ .‬وإننا لنبتلع غازات قذارتنا‪ ،‬ونأكل من تراب األرض‪.‬‬
‫أال إننا لنأكل ذاتنا عينها‪.‬‬

‫‪ -‬ولكنكم تقدروف أنتم أيضاً أف تنعموا بأشعة آّد اإلؽبي‪ ،‬من انبعاث النور اإلؽبي‪ .‬وإف شئتم أف‬
‫تصَتوا الىوتيُت حقيقيُت وجب عليكم أف تصلّوا‪ .‬فإ ّف الروح القدس يكوف حينذاؾ حاضراً ىناؾ‬
‫ويفعل‪...‬‬
‫صل حبق”‪.‬‬
‫“إف كنت الىوتياً ّ‬
‫تصل تكن يف اغبقيقة الىوتياً”‪.‬‬
‫“فإف ّْ‬
‫أخص)‬
‫ّ‬ ‫سأذكر لك فكرة يبكن أف تساعدنا على الفهم‪ .‬إ ّف اؼبرء بعد ارتكابو خطيئة (جسدية بنوع‬
‫يقدر أف يؤلّف حبوثاً الىوتية‪ ،‬وأف ينهمك يف ربليل كتب لآلباء القديسُت‪ .‬غَت أنو يعجز فبارسة‬ ‫ُ‬
‫الصبلة‪ ،‬أل ّف سقوطو يف اإلٍب يُفقده النعمة اإلؽبية‪ .‬فالصبلة تتوقّف بدوف أف يتوقّف التأليف‪.‬‬
‫ستدؿ على أ ّف البلىوٌب اغبقيقي ىو الذي وبيا “الصبلة” اختبارياً‪ .‬وبناء على ىذا يبكنكم‬
‫من ىذا يُ ّ‬
‫أنتم أيضاً أف تتقبّلوا طَْرقات ّٔية‪ ،‬يطرقها اإلشراؽ اإلؽبي الساطع الضياء‪.‬‬
‫‪ -‬كيف يتم ذلك؟ إنكم ستساعدونٍت كثَتاً يف ىذا اؼبوضوع سيكوف ما تقولونو درساً عملياً الزماً‪.‬‬
‫‪ (( -8‬الصالة)) الزمة لإلكليروس والعلمانيين الذين يعيشون في العالم‬

‫التطهر من األىواء وأالَّ تكتفوا دبعاعبة اآلخرين وإمبا هبب أف‬
‫ينبغي أف يبؤل وعيكم شعور باغباجة إذل ُّ‬
‫تؤمنوا أنكم‪ -‬بل كبن كلنا أيضاً‪ -‬مفعموف باألىواء‪ .‬وكل ىوى ىو جحيم‪.‬‬
‫ويطهرىا ال‬
‫وينبغي أف تعلموا أيضاً ‪-‬وفقاً ؼبا ذكرنا آنفاً‪ -‬أ ّف “الصبلة” ىي الدواء الذي يشفي النفس ّ‬
‫وتوحده‬
‫طهر أو تنَت دبعٌت أهنا ترفع اإلنساف ّ‬
‫يعٍت إ ّف “الصبلة” كل شيء‪ ،‬ولكننا نستطيع القوؿ إهنا تُ ّ‬
‫يطهر وينَت‪ .‬وىو وحده طبيب النفوس واألجساد وىو النور اغبقيقي‬
‫باهلل ىو وحده واهلل ىو وحده الذي ّ‬
‫الذي ينَت كل إنساف آتياً إذل العادل‪ .‬وكما أ ّف األدوية اليت ذبعل البصر قادراً على رؤية األشياء اؼبختلفة‬
‫التطهر وتغيَت ذاتكم وطلبتم االستنارة من اهلل بواسطة “الصبلة”‪.‬‬
‫تسمى“منَتة” ىكذا وبدث إف أردًب ّ‬
‫‪ -‬أتعتقدوف أننا كبن الذين نعمل يف العادل نستطيع أف نقوـ ّٔذا العمل اإلؽبي‪ ،‬عمل الصبلة مثلما يقوـ‬
‫الرىباف؟‬

‫التوصل إذل الكثَت‪ ،‬وأنتم‬

‫تتوخوا ّ‬
‫‪ -‬إف دل يكن ذلك على غرارىم سباماً فعلى كل حاؿ هبب عليكم أف ّ‬
‫يف كل األحواؿ قادروف على ذلك‪ .‬وهبب التمييز بُت الصبلة العقلية و“صبلة يسوع”‪ .‬فإ ّف الصبلة‬
‫العقلية اليت يقوـ ّٔا الرىباف اؽبدوئيوف تتطلّب حياة ؾبردة من االىتماـ الدنيوي اؼبقلق وثابتة غَت مشتتة‪.‬‬
‫يلزمها ىدوء وأشياء أخرى كثَتة سبق لنا ذكرىا‪ .‬فإف عجزًب يف العادل عن فبارسة الصبلة العقلية ووجدًب‬
‫مرددين “صبلة يسوع” أو تبلوهتا كلما‬
‫ذلك يف غاية الصعوبة فما عليكم إالّ الصبلة يف ساعات معيّنة ّ‬
‫أتيحت لكم الفرصة وىذا يفيدكم كثَتاً‪.‬‬
‫‪ -‬ىل تنصحونٍت دبمارسة بعض الطرؽ العملية النافعة؟‬
‫خصصوا ساعات خاصة ؼبمارسة “صبلة‬

‫‪ -‬باإلضافة إذل ما تقوموف بو من صلوات كنسية طقسية ّْ‬
‫يسوع” “لًتديد اسم يسوع”‪ .‬اشرعوا يف التق ّدـ قليبلً قليبلً بقدر تعطّشكم وإحساسكم بالنعمة‪.‬‬
‫ويبكن أف يقوـ اؼبرء ّٔذه “الصبلة” مدة نصف ساعة يف الصباح قبل شروؽ الشمس‪ ،‬ونصف ساعة‬
‫يف اؼبساء من بعد صبلة النوـ وقبل الرقاد‪ .‬ومن الضروري زبصيص موعد ثابت ؽبذه الصبلة فبل يلغيو‬
‫شيء ولو كاف القصد من ىذا اإللغاء القياـ بأعماؿ صاغبة وقد يأٌب إليك يف تلك الساعة شخص يريد‬
‫أي مانع قاىر يبنع تأجيل االعًتاؼ إذل موعد آخر‪ ،‬فبل‬
‫االعًتاؼ‪ .‬فإف دل يكن مريضاً‪ ،‬وليس ىناؾ ّ‬
‫تؤجل ساعة فبارسة الصبلة حىت لو كاف القصد من ىذا التأجيل أداء عمل صاحل‪.‬‬
‫ّ‬
‫وينبغي الشروع يف فبارسة “الصبلة” يف غرفة ىادئة بعيدة عن الضوضاء بالطريقة اليت ذكرنا‪ ،‬أي بتأجيج‬
‫التخشع ٍب نتلو بعد ذلك صبلة‬
‫القلب أو بقراءة كتاب ألحد اآلباء القديسُت وب ّفز على االنسحاؽ و ّ‬
‫اؼبخصص “للصبلة” دبرور‬
‫َّ‬ ‫يسوع بالشفتُت أو بالعقل أو بالقلب بقدر ما بلغنا من تق ّدـ وسيزداد الوقت‬
‫الزمن ليُسعد القلب فننتظره دبزيد من الشوؽ واغبنُت‪ ...‬وأعود إذل القوؿ أيضاً إ ّف اإلنساف وبتاج إذل قهر‬
‫نفسو يف البدء‪ ،‬لفًتة وجيزة‪ ،‬فيجٍت من ذلك نفعاً عظيماً‪.‬‬
‫‪ -‬ىل ىذه الفًتة الوجيزة كافية؟‬
‫لكن اهلل يكمل ما يف الصبلة من نقص إذا توفَّرت لدى اؼبصلّي الرغبة الصادقة يف‬
‫‪ -‬ليست كافية‪ .‬و ّ‬
‫إسبامها‪ ،‬مع االتضاع وإذا كاف اهلل يرأؼ بنا يف أحواؿ سقوطنا‪ ،‬أفما يكوف رحيماً إزاء سعينا من اجل‬

‫كل منا‪ .‬فقد تقضوف ساعة واحدة يف‬ ‫كل نقص فينا‪ .‬وىو يعرؼ ظروؼ ّ‬ ‫تغَتنا؟ فإنو سبحانو يكمل َّ‬
‫ّ‬
‫الصبلة تفيض عليكم فيها بركة إؽبية أعظم فبا يصيبو منها الراىب بعد أف يقضي يف الصبلة زمناً أطوؿ‪.‬‬
‫وذلك ألنكم ملزموف باالنشغاؿ يف أعماؿ أخرى‪.‬‬
‫… لقد أعجبتٍت ىذا الراىب اآلثوسي اؼببلؾ يف اعبسد بتمييزه‪ .‬فهو يبيّز كل اؼبسائل بقدرة مدىشة‬
‫ويرتب القضايا اؼبختلفة ويضع كبلً منها يف موضعها‪.‬‬
‫قلت لكم آنفاً‬

‫وأضاؼ الشيخ قائبل‪ :‬إ ّف الشيطاف يأتيكم بالعديد من التجارب خبلؿ الصبلة كما ُ‬
‫فتنهاؿ عليكم حوادث متع ّددة لكي تضطركم إذل وقف الصبلة‪ .‬ولكن عليكم أف تعلموا أ ّف اهلل يسمح‬
‫بذلك امتحاناً لرغبتكم يف “الصبلة”‪ .‬فإف كانت ىذه الرغبة صادقة وحاولتم مواصلة “الصبلة” يأٌب‬
‫اهلل ؼبساعدتكم ويذلل أمامكم كل الصعوبات ويزيل كل العراقيل‪.‬‬
‫كنت خبلؿ الصبلة أف ّكر يف شيء آخر كإعداد أو خطبة دينيَّة مثبلً أويف أداء‬
‫‪ -‬لكٍت أيها الشيخ لو ُ‬
‫خدمة ألخ رل بدافع احملبة فهل هبب أف أزبلّى عن ىذا العمل الصاحل؟‬
‫‪ -‬أجل هبب التخلي عنو‪ .‬ذلك أل ّف أفكارنا الصاغبة اليت تتوارد على ذىننا خبلؿ “الصبلة” تأٌب إلينا‬
‫تبُت للشيطاف أننا مستعدوف لًتؾ “الصبلة” من أجل ىذه‬
‫أو يستعملها الشيطاف لكي ال نصلي‪ .‬وإذا ّ‬
‫األفكار‪ ،‬أرسل إلينا الكثَت مثلها وكذلك يف الساعة اليت أرجأنا إليها صبلتنا‪ .‬فإف ًبَّ لو ذلك مبتنع عن‬
‫التطهر‪ ...‬واإلخوة ىم أيضاً ال ينتفعوف منا‪ .‬فإ ّف العظة الدينية مثبلً اليت‬
‫الصبلة وبذلك نفقد السبيل إذل ّ‬
‫ت الصبلة من أجل إعدادىا لن تكوف مثمرة‪ ،‬وبالتارل لن يكوف لئلخوة أي فائدة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ُكبيَ ْ‬
‫دب نعاس ثقيل‪ ،‬فبل‬

‫‪ -‬وبدث أحياناً أننا نعود إذل قبليتنا بعد فقداف العديد من قوانا‪ ،‬ؾبهدين وقد ّ‬
‫نقوى على الصبلة وال على القياـ بفرضنا اؼبعتاد‪ ،‬فماذا نعمل يف مثل ىذه األحواؿ؟‬
‫‪ -‬ينبغي عدـ إنباؿ “الصبلة” حىت يف ىذه األحواؿ‪ .‬والقديس ظبعاف ينصح بأالّ قبعل من خدمتنا‬
‫لئلخوة سبباً وبرمنا من فبارسة “الصبلة”‪ .‬وإالَّ فإننا لبسر الكثَت وعلينا أف ننأى عن استعماؿ األعذار‬
‫لئلمتاع عنها‪ .‬وىو يقوؿ‪:‬‬

‫“ ينبغي بذؿ اعبهد‪ ،‬بقدر اإلمكاف‪ ،‬يف اػبدمة‪ ،‬أما يف القبلية فيجب الثبات يف “الصبلة” خبشوع‬
‫تعبت اليوـ تعباً يفوؽ اغب ّد‪ -‬سأقلل‬
‫وانتباه مع دموع متواصلة‪ .‬فبل تضع يف ذىنك فكرة قائبلً إشل ‪-‬وقد ُ‬
‫من تبلوة “الصبلة” ‪ ،‬بسبب اإلهناؾ اعبسدي‪ .‬فإشل أقوؿ لك إف اؼبرء مهما بالغ يف قهر ذاتو يف‬
‫اػبدمة‪ ،‬فإنو يف رأيي ىبسر شيئاً عظيماً إذا ُحرـ من “الصبلة”‪ ..‬واألمر ىو كذلك إ ّف نصف ساعة‬
‫نقضيها يف “الصبلة” لتضارع ثبلث ساعات نقضيها يف نوـ يريح من العناء‪ .‬و“الصبلة” يف صورة‬
‫منشط عبهاز اإلنساف‪.‬‬
‫متق ّدمة تريح اإلنساف من التعب وذبلب الصفاء‪ .‬فهي من ىذه الناحية دواء ّ‬
‫أجل أيها األب‪ ،‬لُّفوا كل أعمالكم داخل الغطاء الذىيب “الصبلة”‪ .‬فبينما نسلك دبشقات كثَتة‪،‬‬
‫ويتضايق العديد من اإلخوة ويستورل عليهم القلق من العمل الروحي فما ذلك إالَّ ألهنم يعملوف كثَتاً‬
‫باؼبنطق العقلي ال بالقلب‪ .‬وىم يتعبوف لكي يصلوا إذل التفكَت فيما هبب أف يقولوه‪ .‬أما كبن فإ ّف‬
‫األفكار تنبع عندنا كالنهر اؼبندفع بقوة بينا نعيش النعمة اإلؽبية‪.‬‬
‫وإف كاف اإلخوة يتخاصموف فيما بينهم ويتع ّذر سيادة السبلـ فيهم‪ ،‬وإف كنا نتضايق من االعتداءات‬
‫اؼبتكررة علينا وال نفرح بسببها‪ ،‬حسب وصية اؼبسيح‪ ،‬فما ذلك إالَّ لعدـ ارتباطنا و“الصبلة” بصبلت‬
‫ّ‬
‫حسنة‪.‬‬
‫والقديس نيقوذيبوس األغيورييت (اآلثوسي) يريد أف يُنتخب األسقف من مصاؼ الرىباف‪ ،‬متّبعاً بذلك‬
‫التقليد اؼبرعي طواؿ قروف‪ .‬وذلك ألنو سيكوف لو وجداف رىباشل فبل تضايقو االضطهادات وال الوشايات‬
‫وال االهتامات وال اإلىانات طاؼبا أنو ىو نفسو‪ ،‬أوؿ من يضطهد ذاتو اػباطئة ويتهمها‪ .‬وىكذا هبٍت كل‬
‫الثمار اليت ذكرنا وأخصها احملبة اؼبرتبطة بالنعمة اإلؽبية الغزيرة ودبوىبة يسميها اآلباء موىبة عدـ السقوط‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا تعنوف يا ِ‬
‫أبت بالوجداف الرىباشل؟‬
‫‪ -‬أعٍت بو طاعة‪ ،‬واتضاعاً‪ ،‬وتوبيخ اؼبرء لذاتو‪ ،‬وتعطشاً شديداً إذل “الصبلة”‪ .‬طاعة للشيخ ولؤلب‬
‫التطهر من األىواء‪.‬‬
‫أخص مرتبطاً باعبهاد من أجل ُّ‬
‫الروحي اػباص‪ ،‬واتضاعاً إزاء اعبميع‪ ،‬واتضاعاً بنوع ّ‬
‫رت فينا لؤلسف بدع أخرى ـبتلفة‪ .‬والعمل األعظم‬
‫وأالّ نعمل أعماالً كثَتة ألننا يف ىذا اؼبوضوع قد أثّ ْ‬
‫ىو أف نتوخى اكتساب االتضاع والقداسة‪ .‬فإ ْف اكتسبنانبا نكوف أغنياء حقاً‪.‬‬

‫إ ّف الكنيسة ليست وزارة شؤوف اجتماعية‪ .‬وإمبا ىي “خزانة النعمة اإلؽبية” وليس الكهنة موظفُت أو‬
‫ذوي ٍ‬
‫عمل اجتماعي رظب ّي للعموـ‪ .‬وإمبا ىم رعاة يرعوف شعب اهلل‪ .‬وعملهم الرعائي ىذا ال يبكن أف‬
‫يتم إالّ باإلتضاع والقداسة‪ .‬وكل عمل اجتماعي ال يتم بالقداسة واالتضاع سرعاف ما يزوؿ‪ ،‬يف حُت‬
‫يبقى العمل االجتماعي مهما كاف صغَتاً ويتَّخذ لو أبعاداً عظيمة إذا الزمتو حياة مفعمة بالقداسة‬
‫واالتضاع‪.‬‬
‫وهبب أف يبلزـ االتضاع توبيخ اؼبرء لذاتو‪ .‬فعلينا كبن أوالً أف نضع أنفسنا موضع اهتاـ‪ .‬وأما احًتاـ‬
‫اآلخرين لنا فيجب أف ننسبها إذل ذاتنا اػباطئة ال إذل الكهنوت فنحظى بسبلـ ونعمة جزيلُت يغدؽ اهلل‬
‫ونتوخى استبعاد كل سبب يدفعنا إذل ُك ْره أخينا‪.‬‬
‫علينا ّٔما َّ‬
‫ؾبرد مناسبة بل نعتربىا‬

‫كبسنب الصبلة َّ‬
‫َّ‬ ‫وينبغي أيضاً أف نُقبل على “الصبلة” دبزيد من التعطش فبل‬
‫فنتحرؾ داخل الصبلة‪ .‬وليج ِر خوضنا يف علم اإلؽبيات‪ ،‬وكرازتنا يف ؿبيط الصبلة اؼبق ّدس‪.‬‬
‫ّ‬ ‫حياتنا‪،‬‬
‫وليكن لنا قانوننا أي فرض صبلتنا نؤديو كل يوـ‪ .‬فلو عاش اؼبرء على ىذا النحو لتحقَّق لو منو نفع‬
‫التصور‪ .‬ومهما صار اؼبرء‪ ،‬سواء قساً أو أسقفاً‪ ،‬فعليو أف يضع نصب عينيو نباً يشغلو وىو‬
‫يفوؽ حدود ّ‬
‫أف وبذر فقداف صفة الراىب‪ .‬فقد جاء يف كتاب الشيوخ (الغَتونديكوف) مايلي‪:‬‬
‫“ ُروي عن األنبا نيطرا تلميذ األنبا سلوانوس أنو حُت كاف يقيم يف قبليتو يف جبل سيناء كاف ينظّم‬
‫حياتو بالتناسق مع حاجات جسده‪ .‬وؼبا صار أسقفاً لفاراف أخذ يقهر ذاتو كثَتاً وهبهدىا يف التقشف‬
‫الربية فلم سبارس كل ىذه الرياضة القاسية‪ .‬فقاؿ‬
‫القاسي‪ .‬فقاؿ لو تلميذه‪ :‬أيها األنبا‪ ،‬كنا مقيمُت يف ّ‬
‫الشيخ‪ :‬ىناؾ ّبرية وعوز حيث ال مبلك شيئاً‪ ،‬وكنت ملزماً بالعناية باعبسد‪ ،‬لكي ال أمرض‪ ،‬فأطلب ما‬
‫وجدت من يعتٍت يب‪ .‬لذلك‬
‫ُ‬ ‫مرضت ىنا‬
‫ُ‬ ‫ليس عندي أما اآلف فالعادل موجود واألسباب متوفرة‪ ،‬فإف‬
‫أمارس كل ىذه الرياضات لكي ال أفقد الراىب!”‬
‫واغبائزوف على الوجداف الرىباشل‪ ،‬يشعروف عند كل عمل يعملونو‪ ،‬أهنم يف حاجة إذل نواؿ الربكة‪،‬‬
‫ويلجأوف خبلؿ العمل‪ ،‬أو بعد إقبازه‪ ،‬إذل األسقف وإذل اؼبرشد الروحي ذي اػبربة‪ ،‬لكي يتفحصو‪،‬‬
‫كرـ أكثر فبا يستحق‬
‫ويبدي رأيو فيو‪ ،‬ويصلحو عند اللزوـ‪ .‬وىم ال يبتغوف مدحاً ؼبا يفعلوف‪ .‬أل ّف من يُ َ‬
‫ىبسر كثَتاً”‪.‬‬

‫رددوا صبلة يسوع يف أي م كاف تكونوف فيو سواء يف الطريق أو يف السيارة أو يف أي‬ ‫أبت‪ّ ،‬‬‫أجل يا ِ‬
‫ورددوا أيضاً “ياوالدة اإللو الفائقة القداسة خلّصيٍت”‪.‬‬
‫مكاف آخر‪ ،‬قائلُت“يا ريب يسوع اؼبسيح ارضبٍت” ّ‬
‫وهبب أف تقوموا خبدمة القداس اإلؽبي باستمرار بعد استعداد كبَت وأف تشًتكوا يف تناوؿ األسرار‬
‫يرزل هلل ويبجده‪ .‬والكاىن الذي ال يقوـ خبدمة القداس اإلؽبي إف ىو إالَّ‬
‫الطاىرة‪ .‬إ ّف كل ما يف اػبليقة ّ‬
‫نغمة شاذة يف ىذا الًتنيم اؼبمتاز! ووبسن أف ترتلوا بُت وقت وآخر القانوف اؼبوضوع يف التوسل إذل ربنا‬
‫يسوع اؼبسيح وسبجيده (اؼبوجود يف كتاب السواعي الكبَت) وكذلك مدائح الرب يسوع (اؼبوجود يف آخر‬
‫كتاب “اغبرب غَت اؼبنظورة ” الذي وضعو القديس نيقوذيبوس األغيورييت) من أجل أف وبفزنا على‬
‫التأمل على الدواـ يف اسم ربنا يسوع اؼبسيح اػببلصي‪ ،‬الكلّي اغببلوة‪ ،‬اؼبانح الفرح‪ ،‬وباعث كل‬
‫نردده بالفم فقط‪ ،‬بل بالقلب والعقل أيضاً”‪.‬‬
‫الصاغبات‪ ،‬وأف ال ّ‬
‫عليكم واجب الصبلة أيضاً من أجل اآلخرين‪ ،‬أل ّف اهلل أوكل غليكم شعبو وؽبذا انتم ملزموف باالختبلء‬
‫للصبلة من أجل أف يبنح اهلل شعبو السبلـ واإلنارة كما فعل موسى العظيم أيضاً‪...‬‬
‫‪(( -9‬الصالة)) من أجل اآلخرين‬

‫‪ -‬ىذا حق أيها الشيخ‪ .‬إننا دل نقل حىت اآلف شيئاً عن “الصبلة” من أجل اآلخرين فكيف يبكن‬
‫للمرء استخدامها يف ىذا السبيل؟‬
‫‪ -‬يف العادل يا ِ‬
‫أبت الكثَت من الشقاء والضبلؿ وعدـ معرفة اهلل‪ ،‬واآلباء القديسوف يعتربوف جهل‬
‫اإلنساف هلل أعظم خطيئة‪ ،‬وؽبذا أنتم ملزموف بأف تبكوا وتصلّوا‪.‬‬
‫السلَّمي (صاحب كتاب سلّم الفضائل) كتب خطاباً ّ‬

‫وجهو إذل الراعي‪ ،‬أي إذل رئيس‬ ‫إ ّف القديس يوحنا ُّ‬
‫روحي‪ ،‬أل ّف اؼبرشد الروحي ىو أسقف‬
‫يوجو أيضاً إذل كل أسقف وإذل كل مرشد ّ‬
‫دير‪ ،‬وىو يصلح أف َّ‬
‫كل نفس‪ .‬قاؿ فيو‪“ :‬هبب على الكاىن أف يفعل ما يفعلو الراعي حُت تسًتيح األغناـ‪ .‬فإنو يطلق‬
‫ربرس القطيع من الذئاب ففيما يناـ اؼبسيحيوف هبب على الكاىن أف‬
‫اغبرية للكبلب حوؿ الصَتة لكي َ‬
‫يسهر وأف يطلق عقلو حراً مستيقظاً ال يناـ لكي يصرخ إذل اهلل من أجل شعبو‪ .‬فكم منهم يف تلك‬
‫الساعة يسلك طريق الضبلؿ؟ وكم منهم من يرغب يف االنتحار‪ .‬وكم منهم من يعد العدة الرتكاب‬
‫جرائم رىيبة؟ وكم منهم من استحوذ عليو القنوط والشعور باػبيبة وفقد اػبَتات؟ من أجل ىؤالء ينبغي‬

‫أف تتلوا “الصبلة” ىكذا‪“ :‬يا ريب يسوع اؼبسيح خلّص عبيدؾ أو عبدؾ” إف كانت ىناؾ حالة فريدة‬
‫معيَّنة‪.‬‬
‫تتم بدوف زبيبلت‪ .‬واآلف‬

‫‪ -‬أتسمحوف رل بسؤاؿ؟‪ ...‬لقد قلتم قبل قليل إ ّف “الصبلة” ينبغي أف َّ‬
‫تقولوف بضرورة الصبلة من أجل اآلخرين الذين ينوءوف ربت اؼبشاكل‪ .‬ولكن‪ ...‬أما تُشغل أمورىم ىذه‬
‫ورده‬
‫اؼبخيّلة وتنميّها فتكوف سبباً لتشتّت العقل يف وقت هبب علينا أف نتوخى فيو تركيز العقل يف ذاتو ّ‬
‫من شتاتو ليستقر يف القلب أيضاً؟‬
‫رل‪ ،‬أل ّف اؼبزيد من الشرح والتوضيح ضروري ىنا‪ .‬هبب علينا حُت‬
‫أحسنت بتوجيو ىذا السؤاؿ إ َّ‬
‫َ‬ ‫‪ -‬لقد‬
‫نصلي من أجل اآلخرين أف نتلو “الصبلة” خارجياً‪ ،‬أعٍت أننا إذا ما أردنا الصبلة لفًتة وجيزة بواسطة‬
‫“صبلة يسوع” من أجل اآلخرين فعلينا أف نقوؿ يف اؼبرة األوذل “يا ريب يسوع اؼبسيح خلّص عبيدؾ‪،‬‬
‫أو عبدؾ (ونذكر أظباءىم)‪ .‬وبعد ذلك نواصل ترديد الدعاء عينو بدوف ذكر األظباء‪ ،‬متوخُت إبقاء‬
‫عقلنا يف منأى عن اإلطبلؽ إليها‪ .‬إ ّف اهلل يعرؼ من نصلي من أجلو‪ .‬فيجب أالَّ نفكر إبَّاف “الصبلة”‬
‫يف اؼبشاكل اليت تشغلو‪ ،‬ويكفي أف نذكره قائلُت“خلّص عبدؾ” لَتسل اهلل نعمتو اإلؽبية‪ .‬فإف كاف‬
‫اؼبصلّى من أجلو مستحقاً للنعمة تفعل ويبنحو اهلل مفاعليها حسب حالتو‪.‬‬
‫ُ‬
‫إ ّف النعمة اإلؽبية يا ِ‬
‫أبت‪ ،‬مثلها مثل اؼباء ما يكاد يأٌب إذل اغبقل حىت سبتصو جذور النباتات ويعطي ُك َّل‬
‫شجرة ما ربتاج إليو‪ .‬أو لسنا كبافظ على ىذا اؼببدأ يف خدمة القداس اإلؽبي أيضاً؟ فإننا نصلّي من أجل‬
‫يردد قائبلً‪“ :‬يا ريب أرحم” أل ّف رضبة اهلل إذا حلِّت أعطت اإلنساف ما ىو يف‬
‫كل األمور‪ ،‬والشعب ّ‬
‫ّ‬
‫حاجة ماسة إليو‪ .‬وعدا ىذا فإ ّف الصبلة من أجل اآلخرين ىي عمل رعائي الزـ لسبب وجيو‪.‬‬
‫‪ -‬وما ىو يا ِ‬
‫أبت؟‬
‫‪ -‬فيما كبن نصلّي من أجل شخص آخر‪ ،‬نتلقى من اهلل يف اغباؿ خرباً عن حاجتو اػباصة‪ ،‬وعندىا‬
‫نتم ّكن من العمل‪ ،‬بطريقة فعالة ناجعة‪ ،‬من أجل خبلصو‪.‬‬
‫حضر إذل قبلَّييت‪ ،‬ذات يوـ‪ ،‬شخص‪ ،‬فمدح مسيحياً تبدو عليو ظبات النجاح ظاىرياً‪ .‬وؼبا كانت آراء‬
‫ألت اهلل أف يكشف رل‬
‫انطلقت يف اغباؿ إذل الكنيسة الصغَتة‪ ،‬وس ُ‬
‫ُ‬ ‫الشخص اؼبمدوح غَت أرثوذكسية‪،‬‬
‫قلت لك‪....‬‬
‫حقيقة أمره‪ ..‬ولن تصدؽ إذا ُ‬

‫‪ -‬معاذ اهلل يا ِ‬
‫أبت‪ ...‬كيف تقولوف رل ىذا؟ ودلَ ال أص ّدؽ؟‬
‫‪ ...-‬لقد امتؤلت الكنيسة الصغَتة فوراً برائحة كريهة‪ .‬فقلت يف نفسي إ ّف ىذا اإلنساف ليس صاغباً‬
‫ؾبرد من النعمة اإلؽبية احمليية‪ .‬ولذا فهو مائت أيضاً‪“ .‬إنو ذو اسم‬
‫وليس عنده نعمة اؼبسيح‪ .‬أجل إنو َّ‬
‫حي ولكنو مائت”‪ .‬ومثل اإلنساف مثل النفس إذا غادرت اعبسد مات وأننت‪ .‬فإف غادرتو النعمة‬
‫ألنو ّ‬
‫اإلؽبية ماتت نفسو وخلّفت رائحة روحية نتنة!‬
‫لقد أرعدشل كبلمو إذ كشف رل حىت اآلف الكثَت بطريقة ال يبكن وصفها بأهنا موسومة باألنانية‪ .‬فإ ّف‬
‫القديسُت قد زبطوا كل ىذه األشكاؿ‪ .‬فهم ليسوا أنانيُت وال وضعاء‪ ،‬وإمبا ىم رجاؿ اهلل‪ .‬ويقولوف ىذه‬
‫األمور ال بقصد االستعراض الذاٌب‪ ،‬بل من أجل إسداء النفع وما ذلك كلو إالَّ من أجل ؾبد اهلل‪ .‬فإ ّف‬
‫ناموس اهلل أمسى ناموسهم وقد ُخ َّ‬
‫ط عميقاً ‪ -‬عميقاً يف كل سَتهتم‪.‬‬
‫وأضاؼ قائبلً‪ :‬يبكن القوؿ‪ ،‬على وجو اإلصباؿ‪ ،‬يا ِ‬

‫أبت‪ ،‬إ ّف صبلة يسوع الزمة لعملكم‪ .‬فا ّف تصلّوا‬
‫تبُت حركات الشرير اػببيث داخل قلبكم‪ .‬فإ ّف القلب يصَت بواسطة “الصبلة” شديد‬‫تستطيعوف ّ‬
‫اإلحساس‪ ،‬ثاقب البصر‪ ،‬عليماً قادراً‪ ،‬يعي وجود الشيطاف فيو و“الصبلة” تضفي عليو‪ ،‬يف الوقت‬
‫عينو‪ ،‬قوة زائدة سب ّكنو من طرد الشيطاف‪ .‬وىكذا يبسي إناء يتقبّل الروح القدس‪.‬‬
‫حينذاؾ تستطيعوف – دبا لكم من خربة حصلتم عليها يف حربكم ضد الشيطاف‪ ،‬ودبعرفة النعمة اإلؽبية‪-‬‬
‫أف تدخلوا بسهولة نفس اؼبتق ّدـ إذل االعًتاؼ أمامكم‪ ،‬وأف تتعمقوا يف عاؼبو الباطٍت‪ ،‬فتكوف الفائدة‬
‫جزيلة‪ ،‬ألنو سيخرج إنساناً آخر بعد فبارسة سر االعًتاؼ‪ ،‬متحرراً من األىواء‪ ،‬ما كاف منها معروفاً أو‬
‫ؾبهوالً على السواء‪.‬‬
‫وأضاؼ قائبلً‪ :‬إشل أرغب يف أف أسألكم أف ربققوا رل التماسات ثبلثة‪ .‬وأعتقد أنكم تستجيبوف‪.‬‬
‫فإشل موقن أنو سيكوف قاببلً للتحقيق‪.‬‬

‫قلت‪ :‬أطلبوا ما تشاؤوف ّ‬
‫‪ُ -‬‬

‫االلتماسات الثالثة‬
‫يدمروف خططو‬
‫وىبربوهنا‪ّ ،‬‬
‫األوؿ‪ :‬إ ّف الرىباف آّاىدين “بالصبلة” يلجوف بنعمة اؼبسيح فبلكة الشيطاف ّ‬
‫سبر دقيقة واحدة ال يُسمع فيها نداء إذل‬
‫كلها‪ .‬وىم يزعجونو بالصبلة اؼبتواصلة‪ .‬ففي اعببل اؼبق ّدس ال ُّ‬
‫يسوع وإذل السيدة والدة اإللو‪ .‬والشيطاف يرتعب ألهنم يزعجونو‪ .‬ومن أعمالو الرئيسة ؿباوالتو إيقاؼ‬
‫تلج بنفس إنساف ينشد اؽبدوء‪ .‬ؽبذا أسألك أالّ تنسى يف صبلتك الرىباف واؼبرشحُت‬
‫الرغبة الصاغبة اليت ّ‬
‫ردد من أجلهم “يا ريب يسوع اؼبسيح خلّص عبيدؾ” وأيضاً “يا والدة اإللو الفائقة القداسة‬
‫للرىبنة‪ّ .‬‬
‫خلّصي عبيدؾ”‪.‬‬
‫إذا رأى الشيطاف أشخاصاً يستع ّدوف لبللبراط يف سلك الرىبنة ضبل إليهم حب الناس ؽبم‪ ،‬ذلك اغبب‬
‫الذي دل يكًتثوا لو من قبل‪.‬فيأٌب إليهم أقرباء وأصدقاء وآباء روحيوف أيضاً ليظهروا ؽبم حبّهم بكلمات‬
‫منمقة واىتماـ بارز‪.‬‬
‫صبيلة وعبارات َّ‬
‫والناس ال يصلّوف يف ىذه األياـ‪ ،‬كما أهنم ال يدعوف الراغبُت يف الصبلة وشأهنم‪ .‬ويريدوف أف أف‬
‫يعايشهم الناس صبيعاً يف آّتمع بدوف صبلة إالّ أ ّف العادل لفي ضياع‪ ،‬وىو يعاشل بسبب عدـ وجود من‬
‫يهتم حباجاتو بل بسبب ضآلة عدد اؼبصلُّت فيو‪.‬‬
‫اؼبنصب معظمو على الصبلة ىو عمل تافو ال نقع فيو‪ .‬وما دروا أ ّف‬
‫ّ‬ ‫ويظن كثَتوف أ ّف عمل الرىباف‬
‫صاح ال ينعس‪ .‬كما أهنم ال يريدوف أف يعلموا أ ّف‬
‫الصبلة عمل روحي ىادؼ‪ ،‬وؾباىدة دموية‪ ،‬وحضور ٍ‬
‫ىناؾ أشخاصاً يصلّوف من أجل حل مشاكلهم‪ .‬وىم يقاوموف اؼبيوؿ الرىبانية وبذلك يبسوف أدوات‬
‫للشيطاف‪.‬‬
‫جر الذين يتأىبوف لبللبراط يف الرىبنة إذل خطايا شنيعة تنجس اعبسد‪.‬‬
‫والشيطاف اػببيث وباوؿ أيضاً ّ‬
‫وعسر أمورىم يف اغبياة الرىبانية‪ .‬ذلك ألنو – كما قلنا –‬
‫قص أجنحتهم ّ‬‫حىت إذا قبح يف إسقاطهم َّ‬
‫التطهر‪.‬‬
‫دبقدار ما يشعر اؼبرء باللذة يف العادل‪ ،‬يذوؽ والعذاب واألدل يف الرىبنة وىو يف طريق ّ‬
‫الثاشل‪ :‬أذكرشل يف أدعيتك لكي يرضبٍت اهلل‪ .‬فإشل أخشى أف أفقد النعمة اإلؽبية بسبب هتاوشل‪ ،‬لئبل أغرؽ‬
‫يف ىذا اؼبيناء الصغَت اؽبادئ‪.‬‬

‫صل من أجل أف يهبٍت اهلل بقية زماف حياٌب مسيحية سبلمية ببل وجع وال خزي وجواباً حسناً لدى منرب‬
‫ّ‬
‫اؼبسيح اؼبرىوب‪.‬‬
‫أتوسل إليها كل مساء بنوع خاص‪ ،‬من‬

‫تقويٍت إشل ّ‬
‫تعزيٍت وأف ّ‬
‫صل إذل السيدة والدة اإللو من أجل أف ّ‬
‫ّ‬
‫أجل أف ترعاشل وتساعدشل يف اغبياة الراىنة‪ ،‬وأف تطرد األبالسة ‪-‬ساعة خروج نفسي‪ -‬الذين يريدوف أف‬
‫تؤىلٍت للتمتع ببهجة الفردوس‪.‬‬
‫ىبطفوىا‪ .‬وأف زبلّصٍت يف يوـ الدينونة الرىيب من العذاب األبدي وأف ّ‬
‫صل أنت من أجلي لكي أتوب‪ .‬إشل أريد أف أبكي بسبب خطاياي‪ ،‬ومن أجل أف أصَت مستحقاً لرضبة‬
‫ّ‬
‫ربنا‪.‬‬
‫استعمل لنفسك يا أخي سوط يسوع واجل ْد باسم يسوع ؿباربيك [راجع أفسس ‪-51 :6‬‬
‫ْ‬ ‫الثالث‪:‬‬
‫رب‪.‬‬
‫إتل “صبلة يسوع” لتجد رضبة لدى ال ّ‬
‫‪( ...51‬الشبكة)]‪ُ .‬‬
‫أي ؾبد يع ّد الرب يف السماء حملبيّو؟ وىل تدرؾ أي حفل ّٔيج متؤللئ بالنور ينتظر الصدَّيقُت؟‬
‫أتعلم َّ‬
‫ْ‬
‫لكي ال تبقى خارج خدر اؼبسيح ولكي ال تسمع قولو‪“ :‬إشل ال أعرفكم”‪.‬‬
‫تنهد الناسك ٍب قاؿ “يا ريب يسوع اؼبسيح ارضبٍت أنا اػباطئ‪ ،‬وارحم عبدؾ‪“ ...‬يا والدة اإللو الكلية‬
‫ّ‬
‫القداسة خلّصيٍت وخلّصي عبدؾ‪ .”...‬بعدىا أحٌت رأسو واستغرؽ يف صمت‪...‬‬
‫‪ -‬إشل أعدؾ باستجابة مطالبك الثبلثة أيها الشيخ القديس‪ ،‬أنت الذي صرت رل يف ىذا اؼبساء نور‬
‫نفسي‪ ...‬مهما كاف األمر فإشل سأحقق مطلبك األوؿ‪ٍ ،‬ب الثاشل‪ ،‬ولو أنو ال لزوـ لو‪ .‬أما اؼبطلب الثالث‬
‫فإشل أُعيده إليك‪...‬‬
‫وصرخت بدموع ملتهبة‪:‬‬

‫ُ‬ ‫سقطت على ركبتيو‬
‫وجدت اآلف‬
‫ُ‬ ‫‪ -‬احتف ْظ يب بقربك معيناً رل‪ ،‬لكي أخلص‪ .‬لست أرغب يف العودة إذل العادل‪ ،‬فلقد‬
‫السرية‪ ،‬درجات التألو‪ .‬افتح رل‬
‫خبلصي‪ .‬خذشل إذاً أيها األب القديس وعلّمٍت‪ .‬دلٍّت على الدرجات ّ‬
‫ببلط اسم يسوع وأظهر رل كل أجنحتو فإشل أعمى وأصرخ “ارضبٍت”‪ .‬وأنا عشار دفَّعتٍت اػبطيئة‬
‫عشورىا وأصرخ “ارضبٍت”‪ ...‬وإشل لغريب اعبنس كاؼبرأة الكنعانية‪ ،‬لكٍت أجرؤ على االستغاثة ارضبٍت‪...‬‬
‫ليت بربص األىواء وأصرخ من كل نفسي “ارضبٍت”‪ ...‬وأنا االبن الضاؿ‪ ،‬طالب العودة‪ ...‬أنا‪...‬‬
‫وقد بُ ُ‬

‫أنا‪ ...‬أنا لست ابناً هلل وإمبا أنا ابن الشيطاف‪ ...‬اقبلٍت عندؾ أيها الشيخ‪ ..‬ال تدعٍت أغادر ىذا‬
‫اؼبكاف‪ ..‬أريد أف أموت ىنا‪ .‬يف ىذا اؼبكاف اؼبوحش آّدب‪ ،‬لكي تفوح نفسي باؼبسك وأشاىد اهلل‪.‬‬
‫أود أف تصَت دموعي غذائي وأف أمسي قيثارة هلل‪ ،‬ألرّزل كما ترّمبوف يف كل صبلة سحر‪:‬‬
‫ّ‬
‫أكلت الرماد‬
‫ُ‬ ‫اؼبتوحد على السطح وصارت دموعي خبز النهار والليل إشل‬
‫وصرت كالعصفور ّ‬
‫ُ‬ ‫سهرت‬
‫“ ُ‬
‫ذىلت عن أكل‬
‫ُ‬ ‫أبل فراشي كل ليلة ألشل‬
‫تعبت يف تنهدي وبدموعي ّ‬
‫ومزجت شرايب بالنحيب‪ُ ،‬‬
‫ُ‬ ‫مثل اػببز‬
‫حفظت طرقاً صعبة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫خبزي‪ ،‬من صوت تنهدي التصق عظمي بلحمي‪ ،‬من أجل كبلـ شفتيك أنا‬
‫علي”‪.‬‬
‫شت نفسي إليك كثَتاً يف أرض بريّة وعديبة اؼباء‪ .‬يا ّٔجيت خلّصٍت من احمليطُت يب اؼبتآمرين ّ‬
‫تعطّ ْ‬
‫أتسمع أيها الشيخ؟ لن أذىب‪ ...‬وسأبقى ىنا‪ .‬أجل إشل سأعيش ىنا وأموت ىنا‪ .‬ومن ىنا أيضاً‬
‫سأصعد إذل السماء فاقبلٍت يا ِ‬
‫أبت‪...‬‬
‫أستطع أف أظبع شيئاً‪ .‬ظبعتو أخَتاً يقوؿ‪:‬‬

‫ْ‬ ‫أما ىو فقد صمت‪ .‬ورَّدبا كاف يتكلّم‪ .‬لكنٍت دل‬
‫ث‬
‫أعلن إرادة اهلل‪“ ...‬إذىب إذل بيتك وح ّد ْ‬
‫اعمل و ْ‬
‫اذىب إذل العادل و ْ‬
‫‪ -‬يا ولدي إ ّف العادل يف حاجة‪ْ .‬‬
‫دبا صنع اهلل بك”‪.‬‬
‫ووجدتٍت ملزماً باالمتثاؿ لنصيحة الشيخ‪ ،‬على األقل يف الوقت اغباضر‪ ،‬فهذه ىي مشيئة اهلل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ولكن‪ ...‬أعطٍت وعداً بقبولك رل للبقاء عندؾ بضعة شهور‪ ،‬لكي أتتلمذ يف ملكوت اهلل‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ -‬أجل إنك ستكوف مقبوالً مىت شئت‪ ،‬قم اآلف واسًتح قليبلً‪ .‬فقد اقًتب منتصف الليل‪ ،‬وسنقوـ بعد‬
‫قليل خبدمة القداس اإلؽبي‪ .‬استعد اليوـ لتتوذل خدمة القداس‪.‬‬
‫اعتمدت‪.‬‬
‫ُ‬ ‫لدت يف ىذا اؼبساء و‬
‫‪ -‬إ ّف النوـ لن يروبٍت يف ىذه الليلة بالذات‪ ،‬والقبلية ال تسعٍت‪ .‬فلقد و ُ‬
‫فهبٍت بركتك ألبقى خارجاً‪ ،‬يف اغبديقة‪ ،‬إذل أف وبُت موعد القداس إ ّف السهر يف مثل ىذه الساعات‬
‫يتيح للمرء التمتع بأفضل راحة‪ .‬والقائموف حبراسات الليل يسمعوف صوت رئيس اؼببلئكة‪ ،‬ويسجدوف‬
‫لئللو اإلنساف ويصَتوف أناساً متأؽبُت!‬
‫‪ -‬فليكن مباركاً‪ ...‬اهلل معك‪.‬‬

‫منتصف الليل في بريّة الجبل المق ّدس‬

‫وجلست على صخرة‪ .‬وكاف الليل قد أرخى سدولو‪ .‬أما البحر فكاف يرسل إلينا‬
‫ُ‬ ‫انسحبت إذل اػبارج‬
‫ُ‬
‫مؤلت حبلوة األبدية نفسي اؼبضطربة‪ .‬ىنا اؽبدوء يبسط السكينة بغَت‬
‫ْ‬ ‫أصداء صخبو من بعيد‪ ،‬وقد‬
‫أحسست حبضور اهلل‪-‬اإلنساف‪ ،‬العارؼ أف يبؤل اؼبكاف اػبارل والزماف الذاىب!‬
‫ُ‬ ‫حدود‪ ،‬لكٍت‬
‫دل أعش يف حياٌب مثل ىذه اللحظات السعيدة إالّ قليبلً‪ .‬مرتُت على وجو التحديد‪ .‬يف اؼبرة األوذل كنت‬
‫طردت الشيطاف لكي أصَت‬‫ُ‬ ‫ظبعت التعليم الديٍت‪ ،‬وبَِف ِم ِو‬
‫(عرايب) وقد ُ‬
‫طفبلً صغَتاً يف حضن أيب الروحي َّ‬
‫حدثت يف‬
‫ْ‬ ‫جديراً بدخوؿ جرف اؼبعمودية اؼبق ّدس وعضواً صاغباً يف جسد اؼبسيح‪ .‬أما اؼبرة الثانية فقد‬
‫ظبعت التعليم الديٍت من فم مبارؾ ال‬
‫ُ‬ ‫تلك األمسية يف مكاف منعزؿ يف اعببل اؼبق ّدس (آثوس) حيث‬
‫يكل ىو فم الشيخ‪ ،‬لكي أسبكن بعد ذلك من دخوؿ جرف معمودية ثاف ىو جرف التوبة‪ ،‬ومن مقابلة‬ ‫ّ‬
‫اهلل‪ .‬مع فارؽ واحد ىو أشل يف اؼبرة األوذل دل أكن أفهم شيئاً (ال شيء تقريباً)‪ ،‬وأما يف اؼبرة الثانية فقد‬
‫كنت عارفاً إذل حد ما باغبركة اؼبتجهة صوب اهلل‪ ...‬ولقد أرسل اهلل إرل ‪-‬يف تلك العشيَّة‪ -‬اؼب َّن َّ‬
‫وغذاشل‬ ‫ّ‬
‫بواسطة ذلك الشخص القديس الناسك‪.‬‬
‫يقوؿ النيب إشعياء “طوىب ؼبن لو يف صهيوف بذرة وأىل يف أورشليم”‪ .‬ويشرح إيغومانوس دير‬
‫ستافرونيكيتا األغيورييت (اآلثوسي) ىذه اآلية بفكرة عميقة قائبلً “يبكننا القوؿ إننا كلَّنا مغبوطوف‪ .‬أل ّف‬
‫لنا يف اعببل اؼبق ّدس (آثوس)‪ ،‬صهيوف األرثوذكسية‪ ،‬بذرة النساؾ القديسُت‪ ،‬ولنا أيضاً العديد من أىلنا‬
‫يف أورشليم العلوية‪ .‬وىؤالء يعيشوف من أجلنا‪ ،‬وىم نور ورجاء غبياتنا اغباضرة واآلتية”‪.‬‬
‫أردت أف أطبَّق بعض ما قالو رل الناسك الشيخ وىو الذي كاف رل خبلؿ مسَتة احملادثة كما وصفو األنبا‬
‫ُ‬
‫كبيت على غرار ما فعل‬
‫فأحنيت رأسي ووضعتو بُت ر ّ‬
‫ُ‬ ‫السر أكثر منو واضع ناموس”‪.‬‬
‫بيمُت “مرشداً إذل ّ‬
‫أخذت أؤجج قليب قبل الشروع يف“صبلة يسوع”‪.‬‬
‫النيب إيليا يف جبل الكرمل‪ .‬و ُ‬
‫إ ّف ساعات الليل مبعث حياة للرىباف ألهنا ربفزىم إذل “صبلة” ال تنقطع وتثَت فيهم أفكاراً عن يسوع‬
‫كلي ة العذوبة‪ .‬ولليل تأثَت حاسم يف نفوسهم إذ هبعل اغبياة اؼببلئكة معاشة فيهم‪ .‬بذلك يفضلوف‬
‫زبصيص الليل للعمل العقلي والصبلة‪ .‬والرىباف يلغوف الليل‪ ،‬طاؼبا أ ّف اغبياة الرىبانية تلغي كل شيء‪.‬‬
‫إلبطاؿ للموت أيضاً‪ ،‬أل ّف اغبياة تنتقل إذل اآلخرين بطريق الزواج وتنتقل بو اؼبوت أيضاً يف الوقت‬
‫ٌ‬ ‫وإهنا‬

‫عينو‪ ،‬فيولد كائن جديد‪ ،‬مزمع أف يبوت أيضاً‪ ،‬يف حُت أ ّف حياة البتولية توفق اؼبوت عن التح ّكم يف‬
‫البشرية وقهرىا‪ .‬فعند الراىب تبدأ األبدية وىي اغبياة اغبقة‪ ،‬وىو لذلك وبيا الواقع األُخروي‬
‫لكن الذين‬
‫الرب “أبناء ىذا الدىر يُ ّْزوجوف ويُ َّزوجوف‪ّ .‬‬
‫(اإلسخاتولوجي) والسَتة اؼببلئكية‪ .‬وقد قاؿ ّ‬
‫يزوجوف وال يُ َّزوجوف”‪( .‬لوقا ‪31 :41‬‬
‫ُحسبوا أىبلً للحصوؿ على ذلك الدىر والقيامة من األموات‪ ،‬ال ّْ‬
‫)‪ .‬فإ ّف حياهتم ىي حياة دىر آخر‪ .‬واغبياة اغباضرة سبسي عندىم أبدية‪ ،‬والزمن يغدو ال زمنياً‪.‬‬
‫قاؿ ميثوذيوس يف كتابو اؼبائدة “ينبغي التق ّدـ أوالً بسلوؾ البتولية على األرض من جهة‪ ،‬وااللتصاؽ‬
‫يتحوؿ‬
‫بالسماويات من جهة أخرى”‪ .‬وؽبذا يبكننا القوؿ إ ّف اغبياة البتولية ىي إبطاؿ لليل أيضاً‪ .‬والليل ّ‬
‫إذل هنار طاؼبا أهنم يعيشوف السَتة اؼببلئكية اإلسخاتولوجية عيشة إختبارية‪ .‬وحيث أنو حبسب سفر الرؤيا‬
‫“ال يكوف ىناؾ ليل”‪ .‬ىذا عينو هبب أف ال يكوف ليل عند ىؤالء الذين ىم مبلئكة يف اعبسم‪ ،‬فإ ّف‬
‫كل شيء والليل يف نظر اآلباء القديسُت مفيد للجميع‪ ،‬العمليُت منهم‬
‫اؼبسيح اغبمل والشمس‪ ،‬يُنَت َّ‬
‫والنظريُت على السواء‪ .‬والعمليوف ىم اؼببتدئوف الذي ال يزالوف يف اؼبرحلة األوذل من اغبياة الرىبانية‪،‬‬
‫واؼبلزموف بأف يقاوموا أىواءىم ويبذلوا جهدىم‪ ،‬لكي وبولوىا إذل عشق إؽبي!‪ .‬فإهنم “مربُّو ّٔائم”‬
‫ووباولوف أف يقودوا البهائم‪ .‬وما ىذه البهائم إالَّ حاالت منحرفة للنفس‪ .‬أما الرىباف النظريوف فهم الذين‬
‫قطعوا ىذه اؼبرحلة وقد انتقلوا من عبودية مصر(عبودية األىواء) إذل بريَّة البلَّىوى‪ .‬وىم رعاة يقودوف‬
‫غنماً‪ ،‬أعٍت ّٔا العقل النقي والقلب الطاىر‪ ،‬إذل جباؿ اؼبشاىدة‪ .‬يقوؿ اآلباء إ ّف الليل الزـ ونافع‬
‫للرىباف العمليُت والنظريُت على السواء‪ .‬فالعمليوف منهم يذكروف فيو ما ارتكبوا من خطايا خبلؿ النهار‬
‫وما يتبع انزالقهم إذل اؼبعاصي من تشويش واضطراب‪ .‬ودبؤازرة النعمة اؼبتدفقة حياة يكتشفوف ‪-‬باغبق ال‬
‫بالتخيّل‪ -‬بعد أخبلقيات النفس واعبسد فيأخذوف بعد ذلك بالصراخ “يا ريب يسوع اؼبسيح‪ ،‬ابن اهلل‪،‬‬
‫ارضبٍت”‪ .‬وال يًتكوف صبيع أفكارىم اؼبذنبة وشهواهتم البذيئة‪ ،‬وأعماؽبم اآلشبة‪ ،‬مقيَّدة يف أعماؽ كهوؼ‬
‫بت فيها‪ ،‬مؤ َازرين يف ذلك بقوة النعمة‬
‫كل ما ّك َ‬
‫وىبرجوف َّ‬
‫البلوعي بل يدخلوف بشجاعة ىذه الكهوؼ ُ‬
‫يطهروف القلب والعقل ال من اؽبواجس اؼبرّكبة وحسب بل اؽبواجس‬
‫اإلؽبية‪ ،‬ؤّذه الطريقة يُشفوف‪ ،‬إذ ّٔا ّ‬
‫البسيطة أيضاً‪.‬‬
‫تطهرىم من اغباالت اؼبخالفة‬

‫أما الرىباف النظريوف فإهنم يقضوف ساعات الليل بطريقة ـبتلفة‪ ،‬فقد سبق ّ‬
‫للطبيعة ولذلك ينصرفوف إذل اؼبزيد من سبجيد اهلل القدوس اؼبثلّث األقانيم‪ .‬وىم يهدأوف عقلياً ويقودوف‬

‫الفكر والقلب إذل جباؿ اؼبشاىدة‪ .‬فإذا سجا الليل فكروا يف يوـ خلق العادل‪ ،‬حُت كانت األرض غَت‬
‫مرئية‪ ،‬وغَت منظّمة‪ ،‬وىبيّم الظبلـ فوؽ اللجة‪ .‬وبعدىا تبدأ النجوـ بالربوز فيذكروف خلق النجوـ وكما‬
‫سبّح اؼببلئكة اهلل وقتئ ًذ ػبلقو العادل كلو‪ ،‬يسبّحوف ىم أيضاً اآلف اهلل على خلقو العادل كلو‪ .‬وبينما الناس‬
‫يبجده آدـ قبل أف ىبطأ‪.‬‬
‫يناموف كأهنم غَت موجودين‪ ،‬يسهر ىؤالء وحدىم مع اهلل ويبج ّدونو كما كاف ّ‬
‫وإذا ظهرت الربوؽ واشتد قصف الرعود تذ ّكروا يوـ الدينونة الرىيب‪ .‬وعند ظباعهم الطَت وىي تصدح‬
‫يشعروف بصوت األبواؽ وىي تدعوا األموات ليهبُّوا من قبورىم‪ .‬ويذ ّكرىم شروؽ قبمة الصبح وبزوغ‬
‫الفجر بظهور الصليب الكرصل احمليي‪ ،‬آية ابن اإلنساف‪ .‬ويذ ّكرىم سطوع نور الشمس دبجيء اؼبسيح‬
‫مشس الرب‪ ،‬دبجد عظيم والقديسوف ىم أولئك الذين ينهضوف حينذاؾ فوراً لكي يسبّحوا اؼبسيح‪ ،‬وىم‬
‫الذين ُىبْتَطَفوف يف السحب الستقباؿ الرب يف اؽبواء”‪ .‬أما الذين يتوانوف عند شروؽ الشمس مهملُت‬
‫التسبيح هلل فأولئك ىم اػبطأة الذين سيُدانوف‪...‬‬
‫أبث اغبرارة‬
‫ت ّٔذه األفكار‪ ،‬أف َّ‬
‫لت أف أعيش تلك األمسية على ىذا اؼبنواؿ إذل ح ّد ما وتوخيّ ُ‬
‫لقد حاو ُ‬
‫يت بكلمات‪ ،‬تكاد أف أف تلك الكلمات احملبوبة عينها اليت قاؽبا‬
‫ت فيو اغبرارة صلّ ُ‬
‫يف قليب البارد فلما دبّ ْ‬
‫القديس [اؼبغبوط‪( ..‬الشبكة)] أغوسطينوس‪“ :‬إنك أنت القوس اؼبختارة والسيف البتّار القادر على‬
‫اقبرحت‬
‫ُ‬ ‫اخًتاؽ شغاؼ القلب اإلنساشل الصلب‪ .‬اجر ْح قليب بسهم شوقك‪ ،‬لتقوؿ لك نفسي‪ :‬لقد‬
‫اضرب‬
‫ْ‬ ‫بعشقك فسالت دموعي مدراراً طوؿ الليل والنهار بسبب جرح حيب لك‪ .‬إشل أسألك‪ ،‬يا سيّد‪،‬‬
‫امنح رأسي ماء غزيراً بغَت‬
‫نفسي الصلبة بنصل سيف حبّك القوي‪ ،‬وأنف ْذ إذل أعماقها بقدرتك الفائقة‪ .‬و ْ‬
‫عيٍت ينابيع دموع تفيض على الدواـ مٍت أنا الذي ملكو اغبب والشوؽ ببل ح ّد إذل رؤية‬
‫ح ّد‪ ،‬ساكباً يف ّ‬
‫أوىل لرؤية‬
‫أي تعزية يف اغبياة اغباضرة‪ ،‬إذل أف ّ‬
‫وجهك الكلي اعبماؿ لكي أبكي على الدواـ‪ ،‬غَت قابل ّ‬
‫وريب‪...‬‬
‫اػبنت احملبوب الفائق اغبسن يف اؼبظاؿ السماوية إؽبي ّ‬
‫فم نفسي اؼبتعطشة إليك‪ ،‬كبو التيارات القائمة فوؽ األشياء‪ ،‬تيارات شعبك السرمدي‪،‬‬
‫ارفع إذل فوؽ َ‬
‫ْ‬
‫بت منو بقدر ما أستطيع‪ ،‬أحيا إذل‬
‫اغبي‪ ،‬إؽبي وحياٌب حىت إذا شر ُ‬
‫وباألحرى أجذّٔا إليك أيها الينبوع ّ‬
‫األبد‪ .‬يا ينبوع اغبياة‪ ،‬إمؤل ذىٍت من هنر نعيمك‪ ،‬وأسكر قليب سكراً بدوف طبر‪ ،‬ىو سكر عشقك‪،‬‬
‫فأنسى األباطيل والتوافو واألمور األرضية‪ ،‬وال يبقى يف ذاكرٌب على الدواـ سواؾ أنت وحدؾ‪.”...‬‬

‫استطعت إذل ذلك سبيبلً‪ ،‬وىي “الصبلة” اليت علّمٍت إياىا الناسك‪.‬‬
‫ُ‬ ‫دت “الصبلة” ما‬
‫رد ُ‬
‫بعد ذلك ّ‬
‫قضيت ىناؾ‪ .‬فإ ّف بعض اللحظات تتوقف عندىا عقارب الساعة وال تتحرؾ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ودل أد ِر كم من الوقت‬
‫واألبدية قد أوقفت الزمن‪...‬‬
‫وقطعت منتصف الليل من زمن‪ .‬وبدت رل أكواخ النساؾ وىي تضاء شيئاً فشيئاً‪،‬‬
‫ُ‬ ‫لقد انقضى الوقت‬
‫تغرد‪ .‬تنهض “ينابيع التخشع واالنسحاؽ” لتجري متدفقة ىنا‬‫أل ّف ببلبل الليل تستيقظ اآلف لكي ّ‬
‫يعم‬
‫هتب “أبراج اعببل الناريَّة” لكي تّنَت تتفتح “الزنابق العطرة” لكي ّ‬
‫وىناؾ فًتوي أرضاً عطشى ُّ‬
‫أرهبها اؼبسكونة‪.‬‬
‫بالتضرعات والًتانيم يف فيضاف من دموع التوبة واإلشراؽ‪ .‬إهنم يهبُّوف من‬‫ّ‬ ‫النساؾ‬
‫بعد قليل يصدح َّ‬
‫رقادىم ليسبّحوا اؼبسيح متوسلُت عليو أف يرسل نعمتو اإلؽبية ورضبتو الغنية‪.‬‬
‫يا يسوع‪ ،‬أيها اعبماؿ اؼبذىل‪ ،‬الذي يفوؽ كل حسن‪ ،‬أؾبَّدؾ يا من تبلزـ قدرتو إرادتو‪.‬‬
‫يا يسوع‪ ،‬العشق اعبنوشل اؼبشوؽ إليو أكثر من كل شيء‪ .‬أؾبّدؾ أيها القادر على حكم عوادل ال ربصى‪.‬‬
‫يا يسوع‪ ،‬الطريق واغبق واغبياة‪ ،‬أشكرؾ ألنك قدتٍت إذل حقيقة أقوالك اإلؽبية احمليية‪.‬‬
‫لت طبيعتنا غَت اؼبستحقة ؼبثل‬

‫يا يسوع أيها اؼبوضوع النهائي “ؼبشاىدة” اؼبغلوطُت‪ ،‬أشكرؾ ألنك ّأى َ‬
‫ىذا آّد‪ ،‬ؾبدؾ‪.‬‬
‫يا يسوع النور الذي يفوؽ كل نور‪ ،‬أعًتؼ لك بأشل أسَت يف ظلمة اػبطيئة‪ ،‬وقد غمرتٍت دياجَت الظبلـ‪.‬‬
‫رحت حببك كما هبب‪.‬‬

‫يا يسوع يا آخر القضاة‪ ،‬أعًتؼ لك بأنو دل يسبق رل أف ُج ُ‬
‫استحوذت عليو الربودة‪.‬‬

‫ْ‬ ‫يف أنا الذي‬
‫ث حرارتك ّ‬
‫يا يسوع اغبرارة احمليية الكلية العذوبة‪ ،‬بُ ّ‬
‫اؼبرصع بالنجوـ‪ ،‬اؼبتؤللئ بالنور‪ ،‬زيٍَّت أنا العرياف‪.‬‬

‫يا يسوع أيها الثوب ّ‬
‫طهر قليب‪ ،‬لكي أراؾ‪.‬‬

‫يا يسوع يا بدء حياٌب ومنتصفها وهنايتها‪ّ ،‬‬
‫يف وجهك‪ ،‬فأخلص‪.‬‬

‫أظهر َّ‬
‫يا يسوع‪ ،‬الكائن للجميع وفوؽ األشياء كلّها‪ .‬أنت إؽبي‪ْ .‬‬

‫يا يسوع‪ ،‬أيها الواحد الفائق العقل‪ ،‬اجعلٍت موحداًكلياً بذاٌب بعودة عقلي وهتذيبو‪.‬‬
‫حسي وعقلي‪.‬‬
‫سر السكوف آّهوؿ بصورة فائقة‪ ،‬اجعلٍت أظبى من كل شيء ّ‬
‫يا يسوع‪ ،‬يا ّ‬
‫يا يسوع ابن اهلل‪ ،‬ارضبٍت‪.‬‬
‫إ ّف اعببل (آثوس) يف ىذه الساعات ُؿباصر‪ ،‬والشيطاف يزأر‪ ،‬بيد أ ّف الرىباف يتأؽبوف حقاً‪...‬‬

‫خدمة القداس اإللهي‬

‫وشعرت يف‬
‫ُ‬ ‫وتذكرت أشخاصاً‪ ،‬إخوة رل وأصدقاء يعيشوف يف العادل‬
‫ُ‬ ‫اصلت تبلوة “الصبلة” طويبلً‬
‫و ُ‬
‫تلك الساعة باغباجة على التضرع من أجلهم حبرارة‪.‬‬
‫لقد دعوشل ذات يوـ للقيم خبدمة القداس اإلؽبي يف كنيسة صغَتة يف الكوخ‪ .‬ويا لو من قداس عظيم‪..‬‬
‫كنت أعلم أ ّف القداس ىو علم الىوت كامل ورؤية إؽبية وأ ّف القداس أيضاً ىو الفصح اغبقيقي‪:‬‬
‫كت أ ّف القداس‬
‫عشت ىذه اغبقيقة وفهمتها‪ .‬وقد أدر ُ‬
‫ُ‬ ‫واعبلجثة وقيامة اؼبسيح‪ .‬إالّ أشل يف تلك األمسية‬
‫ىو ُّ‬
‫اغبد األخَت غبياة اؼبؤمن يقوؿ نقوال كاباسيبلس‪ “ :‬ىذا ىو منتهى اغبياة فبل تبقى ىناؾ حاجة إذل‬
‫شيء يتعلّق بالسعادة اؼبنشودة”‪ .‬أجل إنو سعادة اؼبؤمن العظمى‪ .‬وىو ما عشتو ىناؾ يف تلك األمسية‪.‬‬
‫كانت بعض القناديل مضاءة يف تلك الكنيسة الصغَتة أماـ األيقونات لتربز وجوه القديسُت والسيدة‬
‫السر‬
‫الفائقة القداسة واؼبسيح وكاف اؼبريدوف الثبلثة والشيخ ثابتُت يف كراسيهم العتيقة وكانوا يعيشوف ّ‬
‫اإلؽبي (القداس اإلؽبي) وما كانوا يتابعوف اػبدمة وحسب بل كانوا يق ّدسوف معي أيضاً! وكانت صورىم‬
‫أشبو بأيقونات القديسُت اؼبرسومة على جدراف الكنيسة وكأهنم قد انفصلوا عن ىذه اعبدراف ليعيشوا‬
‫الفصح‪.‬‬
‫وكانت األصوات رقيقة‪ ،‬ضعيفة‪ ،‬ىبنقها اغبزف‪ .‬وكاف الًتتيل يصدر من أعماؽ النفس عن قلب جرحو‬
‫بالتنسك‬
‫ّ‬ ‫تبُت إنساف العادل بوضوح‪ ،‬ذلك اإلنساف الذي ال يعيش‬
‫العشق اإلؽبي وىناؾ يبكن ّ‬
‫واالنسحاؽ‪.‬‬
‫أعًتؼ أ ّف ذلك القداس اإلؽبي أوقعٍت يف مشكلة‪ .‬فإشل دل أشعر مرة يف حياٌب دبثل اغبَتة اليت انتابتٍت فيو‬
‫خرجت ألبارؾ قائبلً‪“ :‬السبلـ عبميعكم”‬
‫ُ‬ ‫كنت كلما‬
‫نعمت بو‪ .‬فقد ُ‬
‫ُ‬ ‫إذل جانب الفرح العميق الذي‬
‫ت يف مشكلة من الناحية البشرية‪ .‬فقد كاف هبوؿ يف ذىٍت أ ّف ىؤالء حائزوف على السبلـ‪ ،‬أما أنا‬
‫وقع ُ‬
‫كنت أوجو إليهم الربكة الرسولية “نعمة ربنا يسوع اؼبسيح‬
‫ففي مسيس اغباجة إذل حياة السبلـ‪ .‬وعندما ُ‬
‫كنت‬
‫كنت أعلم جيداً ما كنت أفعل‪ ...‬فلقد ُ‬
‫وؿببة اهلل اآلب وشركة الروح القدس لتكن مع صبيعكم” ُ‬
‫لنضع قلوبنا فوؽ” لقوـ وضعوا قلؤّم يف‬
‫كنت أقوؿ “ ْ‬
‫أرسل بركة ونعمة إذل ىؤالء اؼبمتلئُت نعمة‪ .‬و ُ‬

‫كنت أنا وحدي اإلنساف الذي ينبغي أف توجو إليو ىذه الدعوات يف‬
‫لتظل ىناؾ إذل األبد‪ .‬لقد ُ‬
‫السماء ّ‬
‫القداس‪.‬‬
‫شرعت يف تبلوة إفشُت “ ليس أحد من‬

‫ُ‬ ‫ولقد أدركت يف القداس أيضاً حقيقة وجودي يف اػبطيئة حُت‬
‫اؼبرتبطُت بالشهوات واللذات اعبسدانية مستحقاً أف يتق ّدـ إليك أو يدنو منك أو ىبدمك يا ملك‬
‫إرل أنا عبدؾ اػباطئ والبطَّاؿ‪ّ ،‬‬

‫وطه ْر نفسي‬ ‫أنظر ّ‬
‫قلت “ ْ‬
‫علي خشوع وانسحاؽ حُت ُ‬ ‫آّد‪ ”...‬واستوذل َّ‬
‫وقليب من الضمَت الشرير‪ ،‬واجعلٍت كفؤاً بقوة روحك القدوس أنا البلبس نعمة الكهنوت ألف أقف لدى‬
‫مائدتك اؼبق ّدسة‪ ،‬وأخدـ جسدؾ اؼبق ّدس الطاىر ودمك الكرصل‪ ،‬ألشل إليك أتقدَّـ حانياً وطالباً إليك‪،‬‬
‫تض أف تُقدَّـ لك ىذه القرابُت على يدي أنا‬ ‫تصرؼ وجهك عٍت‪ ،‬وال ترذلٍت من بُت عبيدؾ‪ ،‬لكن ار ِ‬
‫ْ‬ ‫فبل‬
‫عبدؾ اػباطئ وغَت اؼبستحق”‪.‬‬
‫رت من‬
‫تطه ْ‬
‫شعرت بالنعمة أيضاً وقد أضفى اغبضور اإلؽبي على نفسي لذة وعذوبة‪ ،‬بعد أف ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْبي َد أشل‬
‫قبل جيداً بإرشاد الناسك اغبكيم وبركتو وىي اآلف “تُقدَّـ” لتكوف مسكناً ؼبلك الكل‪...‬‬
‫عشت غبظات من التأثر العميق بلغ أقصى مداه‪ .‬فقد اقًتب أشخاص‬
‫ُ‬ ‫وؼبا حاف وقت “الشركة اإلؽبية”‬
‫متجردوف من اؼبادة بعد أف مارسوا رياضات التنسك‪ّ ،‬نَتوف إستمدوا نورىم من رؤيتهم للنور الذي‬ ‫ّ‬
‫عاشوه‪ ،‬اقًتبوا ليشًتكوا يف األسرار الطاىرة وليأخذوا نعمة من ملء جسد اؼبسيح‪.‬‬
‫إ ّف “الصبلة” تزيد احملبة قوة وتنميها وكلما زادت اشتعاالً دفعتهم دفعاً إذل مائدة احملبة وقادهتم إذل‬
‫اإلرباد باهلل – احملبة‪ .‬وبقدر ما يُكثروف من االشًتاؾ يف جسد الرب ودمو الكريبُت تزداد غَتهتم يف‬
‫“الصبلة”‪.‬‬
‫الرب ودمو ؼبغفرة اػبطايا وللحياة األبدية”‪ .‬أجل‪ ..‬أجل‪ .‬كانوا‬

‫“يتناوؿ عبد اهلل‪ ...‬الراىب جسد ّ‬
‫يأخذوف اغبياة األبدية‪ “ .‬ىذه ىي اغبياة األبدية أف يعرفوؾ أنت اإللو اغبقيقي وحدؾ ويسوع اؼبسيح‬
‫الذي أرسلتو” (يوحنا ‪.) 3 : 51‬‬
‫إهنا ؼبشكلة حقاً أف تقوـ خبدمة القداس اإلؽبي وتنقل اؼبسيح إذل آؽبة حبسب النعمة‪ .‬فإ ّف اؼبسيح حاضر‬
‫ىنا‪“ .‬إ ّف اهلل بُت آؽبة متأؽبُت من اهلل حقاً”‪.‬‬

‫اؼبن الروحي‪ ،‬ال‬

‫إ ّف أعضاء اإلنساف تصَت بالشركة اإلؽبية حاملة نور‪ .‬فنحن بتناولنا الغذاء السماوي‪َّ ،‬‬
‫كل شيء يصَت بو ّْنَتاً!‬
‫يتحوؿ إليو‪ .‬و ُّ‬
‫كبولو إذل جسد بل اعبسد ّ‬
‫ّ‬
‫بعد الشركة اإلؽبية يقوؿ القائم بوظيفة مرتل‪ ،‬حبسب ترتيب اعببل اؼبق ّدس (آثوس) من بعد “‪ ..‬كل‬
‫حُت اآلف وكل اآلف وكل أواف وإذل دىر الداىرين” ما يلي‪“ :‬آمُت‪ .‬آمُت‪ .‬لغفراف اػبطايا وللحياة‬
‫نًتزل دبجدؾ‪ .‬ألنك ّأىلتنا لبلشًتاؾ يف أسرارؾ اؼبق ّدسة‬
‫رب لكي ّ‬
‫األبدية‪ .‬ليمتلئ فمنا تسبيحاً يا ّ‬
‫الطاىرة‪ ،‬عديبة اؼبوت‪ ،‬فثبّْْتنا يف تقديسك لكي نتأمل عدلك كل النهار‪ .‬ىلليلويا‪ ..‬ىلليلويا‪..‬‬
‫ىلليلويا”‪ .‬فإهنم من أجل ىذا يشًتكوف (يتناولوف) لكي يعيشوا كل يومهم مع اؼبسيح ويتأملوا اظبو‬
‫القدوس اؼبشوؽ إليو جداً‪.‬‬
‫وعند هناية القداس يقرأ أحد الرىباف صبلة الشكر هلل بعد الشركة اؼبق ّدسة‪ .‬وفيها يدرؾ اؼبرء جيداً بعد‬
‫تلك اللحظات اؼبؤثرة معٌت األدعية اليت وضعها اآلباء القديسوف ومنها ما جاء يف التضرع إذل ربنا يسوع‬
‫ب أف تكوف ىذه رل أنا أيضاً الستنارة عيٍت قليب‪ ،‬ولبلزدياد من نعمتك اإلؽبية‪ ،‬والتأىل‬
‫اؼبسيح‪َ “ :‬ى ْ‬
‫ؼبلكوتك‪ ،‬حىت أذكر نعمتك على الدواـ وأنا ؿبفوظ ّٔا يف تقديسك‪ ،‬وال أعيش بعد اآلف لذاٌب‪ ،‬بل‬
‫إرل”‪.‬‬
‫لك يا سيّدي واحملسن ّ‬
‫يكرمها الرىباف بنوع خاص‪ ...“ :‬يا من‬‫التوسل إذل سيدتنا والدة اإللو الفائقة القداسة اليت ّ‬
‫ومنها ّ‬
‫لدت النور اغبقيقي‪ ،‬أنَتي عيٍت قليب العقليتُت‪ ،‬يا من و ِ‬
‫لدت ينبوع عدـ اؼبوت‪ ،‬أحييٍت أنا اؼبائت‬ ‫و ِ‬
‫باػبطيئة‪ ،‬يا َّأـ اهلل الرحيم‪ ،‬اغبنونة‪ .‬ارضبيٍت وأعطي قليب انسحاقاً‪ ،‬وزبشعاً‪ ،‬واتضاعاً يف أفكاري‪،‬‬
‫واستعادة يف حالة أسر ىواجس‪ ،‬واجعليٍت أىبلً‪ ،‬حىت آخر نسمة‪ ،‬لقبوؿ تقديس األسرار الطاىرة ببل‬
‫دينونة‪ .‬وىبيٍت دموع توبة واعًتاؼ‪ ،‬ألسبّحك وأؾبّدؾ كل أياـ حياٌب‪”...‬‬
‫إهنم يتحدثوف عن النور واغبياة‪ ،‬وعن دموع التوبة أيضاً‪.‬‬
‫ومن بعد الشركة اإلؽبية (اؼبناولة اؼبق ّدسة) تزداد اغبياة الروحية مبواً‪ .‬فإ ّف اؼبسيح الزـ وضروري ؼبواصلة‬
‫الرياضة والتقشف‪.‬‬

‫سر حضور اؼبسيح وسلَّم‬

‫إرل‪ ،‬األرثوذكسية بكاملها‪َّ ،‬‬
‫إ ّف الكنيسة الصغَتة يف تلك الليلة كانت بالنسبة َّ‬
‫ت صرخة “يا لو من مكاف رىيب‪ ،‬إنو بيت اهلل‪ .‬وىذا ىو باب السماء”‪،‬‬
‫ند ْ‬
‫يعقوب‪ .‬ومن أعماؽ قليب َ‬
‫من ىنا يصعد اآلباء األبرار إذل األبدية وينعموف ّٔا‪.‬‬
‫قبل قليل شفى اهلل شللي على يد الناسك القديس‪ .‬أما اآلف فإشل إباف خدمة القداس اإلؽبي يف الكنيسة‬
‫الرب عند الربكة ٍب رآه ىذا يف اؽبيكل فعرفو‬
‫وتعرفت عليو كما حدث للمخلّع سباماً‪ .‬فقد شفاه ّ‬
‫ُ‬ ‫أيت اهلل‬
‫ر ُ‬
‫وسجد لو‪.‬‬
‫يف تلك الليلة أشرقت‪ ...‬إهنا ليلة ليست كسائر الليارل‪ .‬دعنا نصورىا بكلمات أستَتيوس‪:‬‬
‫“أيتها الليلة األشد ّٔاء من النهار‪،‬‬
‫أيتها الليلة األسطع نوراً من الشمس‪،‬‬
‫أيتها الليلة األنصع بياضاً من الثلج‪،‬‬
‫أيتها الليلة األجلى بريقاً من الربؽ‪،‬‬
‫أيتها الليلة طاردة النوـ‪،‬‬
‫أيتها الليلة معلّمة السهر للصبلة مع اؼببلئكة‪.”...‬‬
‫إشل أعًتؼ بكل توكيد أ ّف يوماً واحداً نقضيو يف اعببل اؼبق ّدس (آثوس) أشبن من سنة بكاملها يف التأمل‬
‫والدرس‪ ،‬وأ ّف أمسية يف كوخ يف مكاف بعيد مقفر ألعظم قيمة من شهادة جامعية‪ .‬وأ ّف حديثاً مع أحد‬
‫النساؾ لبضع دقائق ؽبو ملعقة فيتامينات أشبن بكثَت من آالؼ التوافو اليت نأكلها يف العادل!‬
‫وأعترب اعببل اؼبق ّدس (آثوس) فلكاً لؤلرثوذكسية ال يقوؿ الكثَت وإمبا يعيش الكثَت‪ .‬وىو كما قاؿ‬
‫القديس غريغوريوس باالماس “قائم وراء حدود العادل وفوؽ العاؼبيات‪ .‬وآثوس ىذا موطن الفضيلة”‪ .‬إنو‬
‫ودياف خضراء يانعة للعادل األرثوذكسي‪ .‬وكل ناسك فيو مقاومة صامتة ضد روح علمنة إيباننا‪ .‬ؽبذا كاف‬
‫وال يزاؿ ما يق ّدـ من عطاء عظيماً جداً‪ .‬وىذا اؼبكاف صاحل للتوبة‪ ،‬وتتوفر فيو اإلمكانية ليعيش اإلنساف‬
‫األرثوذكسية عيشة اختبار‪ .‬وبذلك يق ّدـ آثوس خدمات جلّى للكنيسة وللناس العائشُت يف العادل‪.‬‬

‫كل ناسك يف آثوس ىو يوناف (النيب) دبعناه اغبسن‪ ،‬الذي يبدو أنو ذاىب إذل ترشيش (إذل الربية)‬
‫إف ّ‬
‫إال أ ّف “اغبوت البحري” أي (نعمة اهلل) يقوده إذل نينوى اؼبدينة العظيمة (أي إذل العادل) لكي يكرز‬
‫بالتوبة أي بالعودة إذل اهلل‪.‬‬
‫أخذت كنز‬
‫ُ‬ ‫“حسن أف نكوف ىنا ونصنع ثبلث مظاؿ”‪ ،‬أما أنا فلم يكن رل مظلَّة ىناؾ وبعد أف‬
‫علي أف أسرع إذل العادل الكبَت لكي أمطره بقدرة “الصبلة”‪،‬‬
‫“الصبلة” الذي شرحو الشيخ رل‪ ،‬كاف َّ‬
‫لست أقصد ّٔذا الكنز‬
‫معلناً يف كل أكباء اليوناف عن الكنز الثمُت الذي يبلكو اعببل اؼبق ّدس (آثوس)‪ .‬و ُ‬
‫ما يف آثوس من نفائس أثرية ذىبية رائعة ومن مبلبس كهنوتية مزركشة بالذىب وال من ـبطوطات قيّمة‬
‫مكتوبة بروائع اػبطوط وإمبا أقصد الكنز الذي سبلكو “الصبلة” اؼبفعمة بالنعمة اإلؽبية ذات القوة اليت‬
‫أبدعت كل ما سبق ذكره يف ىذا الكتاب‪.‬‬

‫النزول من ثابور‬
‫لنقل‬
‫أردت أف أستمد بركة األب ألىبط من اعببل إذل البحر أو ْ‬ ‫عندما أخذ نور الفجر ينبلج يف األفق ُ‬
‫يردد “الصبلة” فيما يزاوؿ حرفتو‬
‫من اعببل الروحي إذل خضم آّتمع‪ .‬وقد وجدتُو صايف الوجو‪ ،‬ىادئاً‪ّ ،‬‬
‫اليدوية اليت يؤمن بواسطتها طعامو اؼبؤلَّف من بعض قطع اػببز احملمص (البقسماط) وبعض اللوازـ‬
‫الضرورية األخرى‪.‬‬
‫لتكن سيدتنا‬
‫اكبنيت أللثم يبينو فأجاب قائبلً‪“ :‬وفّقك اهلل يا ولدي و ْ‬
‫ُ‬ ‫صل من أجلي” فيما‬
‫قلت لو‪ّْ “ :‬‬
‫ُ‬
‫شر ومن كل‬
‫ليقو َؾ الثالوث القدوس وليحفظ الرب اإللو نفسك وجسدؾ من كل ّ‬‫والدة اإللو معك و ّْ‬
‫وعزتك وإكليل ّٔجتك‬
‫أذى شيطاشل ومن كل زبيّل يثَت االضطراب‪ ،‬وليكن الرب نورؾ وسًتؾ وطريقك ّ‬
‫وصل من أجلي‬
‫إحرص على مراقبة نفسك واجعل “صبلة يسوع” رفيقاً مبلزماً لك ّْ‬
‫ْ‬ ‫وعوناً أبدياً لك‪.‬‬
‫لكي يرضبٍت اهلل‪”...‬‬
‫إ ّف صلوات الرىباف كلها تتدفق فيها اغبياة وتصدر عن قلب متألو‪.‬‬
‫صل من أجلي ومن أجل أصدقائي ومن أجل أبنائي‬

‫قلت‪ :‬أيها الشيخ‪ ،‬إشل لشاكر لك على كل شيء ّْ‬
‫ُ‬
‫صل أيها الكاىن القديس من أجل العادل كلو ألنك يف أعلى موقع منو‬
‫صل‪ ...‬أجل ّْ‬
‫الروحيُت وأىلي‪ّ .‬‬
‫يثمن‪،‬‬
‫صل أيها الشيخ فأنت أنبل إنساف يف البشرية‪ .‬ص ّْل ألنك كنز لؤلرثوذكسية ال ّ‬
‫كبو السماء‪ّْ ...‬‬
‫صل من أجلنا كبن‬
‫صل‪ ،‬أجل ّْ‬
‫ؿبفوظ يف ؾبموعة كنوز اعببل اؼبق ّدس (آثوس) شأنو شأف آخرين كثَتين‪ّْ .‬‬
‫اػبطأة‪ .‬فأنت اغبية النحاسية اليت ُرفعت يف الربيَّة وكبن اػبطأة الذين لسعتهم أفعى اػبطيئة وإننا لنلقي‬
‫بصرنا عليك فنشفى‪ .‬إنك النيب موسى لنا‪ .‬ترفع يديك من أعارل اعببل يف موقف صبلة وكبن ربت‬
‫صل أيها الشيخ‪...‬‬
‫فض يديك لئبل تسحقنا قوة الشيطاف عدونا‪ .‬أجل‪ّْ ،‬‬
‫ننتصر على العدو‪ .‬فبل ُزب ْ‬
‫‪ -‬لَتضبٍت اهلل يا ولدي‪.‬‬
‫‪ -‬باركوا‪.‬‬
‫إرل يف السنة القادمة‪...‬‬

‫الرب‪ .‬وإشل أنتظر ؾبيئك َّ‬
‫‪ -‬ليبارؾ ُ‬

‫كنت نازالً من اعببل إذل الشاطئ ألركب القارب كنت أشبو بعصفور ذي أجنحة كثَتة وبالنيب إيليا‬
‫فيما ُ‬
‫حامل النار‪ .‬وقد توقّف منطقي أما قليب فكاف مشتعبلً‪ .‬إنو كاف يطَت‪ .‬وبدوف أف أدرؾ جيداً ما يدور‬
‫أخذت أرزل بعض عبارات من اػبدمة الدينية ألّفها اآلثوسي اؼبميّز القديس نيقوذيبوس‬
‫ُ‬ ‫من حورل‬
‫األغيورييت لآلباء القديسُت األغيوريتيُت (الذين عاشوا يف جبل آثوس)جاء فيها‪“ :‬من وب ّدث عن‬
‫جهاداتكم أيها اآلباء اؼبغبوطوف؟ ومن يًتزل وينشد كما بإقبازاتكم اؼبمتازة يف الرياضات اليت قمتم ّٔا‬
‫ىنا؟ أيبدح ما لكم من صفاء العقل؟ أـ ديبومة الصبلة ببل انقطاع؟ أـ يتغٌت باستشهاد الوجداف آّهد‬
‫من أجل الفضيلة؟ أـ يذكر آّاىدات ضد األىواء؟ أـ سهركم واقفُت طواؿ الليل مصلُّت؟ أـ يُثٍت على‬
‫عرباتكم اؼبنهمرة على الدواـ؟ وىل يبدحكم كشراع تعمل يف اػبفاء؟ أو يلهج دبا لكم من اتضاع الفكر؟‬
‫أو يعدد انتصاراتكم الباىرة على الشياطُت؟‪ ...‬يا قافلة اؼبواىب‪ ،‬أيتها اعبموع‪ ،‬صبوع األبرار اؼبتقدسة‬
‫احملبوبة لدى اهلل‪ ،‬ويا أيها النحل الذي صبعو اهلل يف مغاور وكهوؼ اعببل اؼبق ّدس (آثوس) يصنع العسل‬
‫الكلي اغببلوة‪ ،‬عسل اؽبدوء‪ ،‬يف خبليا عقلية يا طيوب الثالوث ومباىج والدة اإللو ومفاخر آثوس‬
‫الرب لكي يرحم نفوسنا”‪.‬‬
‫وموضع تعظيم اؼبسكونة وإجبلؽبا‪ ،‬تشفعوا إذل ّ‬
‫يا ريب يسوع اؼبسيح‪ ،‬ابن اهلل‪ ،‬بشفاعات قديسيك‪ ،‬ارضبٍت أنا اػباطئ‪.‬‬
‫يا والدة اإللو الفائقة القداسة خلّصيٍت‪.‬‬

‫نظرة مجملة‬
‫أشرفت على النهاية‪ ،‬أشعر باغباجة إذل توجيو جزيل شكري وعميق إجبلرل إذل الثالوث الكلي‬
‫ُ‬ ‫اآلف وقد‬
‫عيٍت وأعانٍت لكي أرتبط روحياً باعببل اؼبق ّدس (آثوس) بيت الفضيلة‪ ،‬وأف أعرؼ فيو‬
‫القداسة‪ ،‬ألنو فتح ّ‬
‫وبتعريف عليهم‬
‫لكن سَتهتم يف السماء”‪ّ .‬‬
‫أناساً مقدَّسُت وبيوف حياة إؽبية بشرية‪“ ،‬وبيوف على األرض ّ‬
‫عرفت حرية الروح وفعالية‬
‫وجدت بُعد آخر يف اغبياة الروحية‪ .‬فلقد ُ‬
‫ُ‬ ‫وتزودي بنصائحهم‬
‫وحديثي معهم ّ‬
‫وشعرت يف قرارة نفسي برسالة‬
‫ُ‬ ‫خبلصي بعيداً عن الكبلـ باألخبلقيات والتقويات اؼبصطنعة العقيمة‪،‬‬
‫اؼبسيحي‪.‬‬
‫جرت يف جبل‬ ‫وإشل ؼبدين بشكر ال ُوبَ ّد للنعمة اإلؽبية‪ ،‬ألهنا جعلتٍت أىبلً لتدوين ىذه احملادثة اليت ْ‬
‫اغبي عرضاً وافياً‪،‬‬
‫اؼبدونة تقصر عن عرض ذلك اغبديث اؼبقدَّس ّ‬ ‫آثوس‪ .‬وال ريب أ ّف ىذه الكلمات ّ‬
‫لتعرب تعبَتاً كامبلً عما دار يف‬
‫طاؼبا أ ّف الكلمات ىي حبد ذاهتا ضعيفة‪ ،‬وكثَتاً ما تكوف غَت مناسبة ّ‬
‫يستشف إذل ح ّد ما‪ ،‬ما أثارتو تلك‬
‫ّ‬ ‫اؼبدوف يف ىذا الكتاب قد يتيح للقارئ أف‬
‫احملادثة‪ .‬بيد أ ّف القليل َّ‬
‫احملادثة اؼبق ّدسة من زبشع وانسحاؽ‪ .‬وإشل لعلى يقُت أ ّف ىذه األفكار القليلة قد تساعد البعض بطريقة‬
‫ما‪ ،‬ويقيٍت ىذا يؤكده ما حدث رل وىو أ ّف الشيطاف حاربٍت كثَتاً خبلؿ تدويٍت ؽبذه احملادثة‪ .‬فقد‬
‫شعرت بأنو موجود بالقرب مٍت وىو وباوؿ بكل حيلة أف يثنيٍت عن اؼبضي يف عملي ىذا‪ .‬غَت أ ّف النعمة‬
‫ُ‬
‫اإلؽبية قد آزرتٍت يف إقبازه‪.‬‬
‫إ ّف األرثوذكسيُت صبيعاً يعلموف أ ّف خبلصنا فبكن وتعود إمكانية التألو إذل أننا ـبلوقوف حبسب صورة‬
‫اهلل‪ ،‬وأ ّف صورة اهلل موجودة‪ .‬إهنا يسوع اؼبسيح اهلل‪ -‬اإلنساف‪.‬‬
‫وينبّو كثَت من البلىوتيُت األرثوذكسيُت إذل حقيقة ىامة‪ ،‬أال وىي أ ّف يسوع اهلل اإلنساف ىو اغبل لكل‬
‫اؼبعضبلت األنثروبولوجية واؼبسيحانية (اػبريستولوجيا) ىي قاعدة األنثروبولوجيا (علم اإلنساف)‪ .‬ويوـ‬
‫كاف اآلباء القديسوف يناضلوف ضد البدع‪ ،‬ما كانوا يفعلوف بدافع الكره لئلنساف‪ ،‬وإمبا كاف حافزىم‬
‫حب اإلنساف‪ .‬ويوـ كانوا هباىدوف يف سبيل صيانة التعليم عن اهلل‪ -‬اإلنساف خالياً من كل تزييف أو‬
‫ربريف‪ ،‬فإمبا كانوا يفعلوف ذلك من أجل خبلص اإلنساف‪ .‬وإالّ فإ ّف إمكانية خبلصنا تضيع بأضاليل‬
‫البدع وخباصة ما يدور منها حوؿ شخص اهلل‪ -‬اإلنساف‪.‬‬

‫لقد ّاربد‪ -‬حبسب التعليم األرثوذكسي‪ -‬يف أقنوـ اهلل‪ -‬اإلنساف‪ ،‬اهلل التاـ‪ ،‬اهلل اغبق واإلنساف اغبق‪.‬‬
‫وذلك “ببل اختبلط‪ ،‬وال تغَت”‪ .‬وارباد الطبيعيتُت ىذا يق ّدـ لنا إمكانية التألو والرجاء يف ربقيقو‪ .‬لقد‬
‫ألَّو يسوع اللُو اإلنساف‪ ،‬الطبيعةَ البشرية اليت أخذىا من مرصل البتوؿ(بدوف خطيئة) وؾبَّدىا‪ .‬ويبقى اآلف‬
‫أف يتألو البشر (من يريد منهم اػببلص)‪ .‬وىذا فبكن بالتوبة والسعي من أجل أف يرتبط اؼبرء بػ اإللو‪-‬‬
‫التطهر يأٌب بإشراؽ النور واإلرباد باؼبسيح‪ .‬يقوؿ القديس‬
‫اإلنساف‪ ،‬بيسوع اؼبسيح‪ ،‬ووبيا فيو‪ .‬و ّ‬
‫التطهر يكوف إشراؽ النور‪ ،‬وال يُعطي الثاشل بدوف األوؿ”‪ .‬وىذا على كل‬
‫غريغوريوس البلىوٌب “حيث ّ‬
‫حاؿ ىو معٌت التجسد اإلؽبي‪ ،‬ذبسد اهلل الكلمة‪ .‬دل تتجسد الطبيعة اإلؽبية وإمبا الذي ذبسد ىو أقنوـ‬
‫اهلل الكلمة‪ .‬قاؿ مرقس الناسك“إ ّف الكلمة صار جسداً (إنساناً) لكي يصَت اعبسد (اإلنساف) كلمة”‪.‬‬
‫سقطت منذ القدـ‪ .‬أجل إ ّف اإلنساف‬

‫ْ‬ ‫واهلل‪ -‬اإلنساف يستطيع أف ىبلّص اإلنساف ويقيم الصورة اليت‬
‫ليستطيع اآلف أف يصَت إؽباً‪ -‬إنساناً بواسطة اؼبسيح اهلل‪ -‬اإلنساف‪ .‬وكما أ ّف اهلل الكلمة صار إنساناً‬
‫حبسب التدبَت‪ ،‬يستطيع اإلنساف أف يصَت إؽباً‪ ،‬حبسب النعمة‪.‬‬
‫نبعت من مولد‬
‫وقد جرت العادة أف نشدّْد على الثمار األخبلقية يف عيد مولد اؼبسيح‪ ،‬تلك الثمار اليت ْ‬
‫اهلل‪ -‬إنساف أعٍت السبلـ واحملبة واالتضاع اخل‪ .‬وكل ىذه ال تزاؿ قائمة َّ‬
‫ألف الطبيعة البشرية اربدت‬
‫فحظيت بالسبلـ والفرح والنعمة‪ ،‬فاهلل‪ -‬اإلنساف فادينا قد ُولد‪“ .‬ألنو ُولد لنا ـبلّص”‪.‬‬
‫ْ‬ ‫بالطبيعة اإلؽبية‬
‫أجل لقد ُولد لنا اهلل‪-‬اإلنساف فيسوع ليس حامل نبأ خبلصنا وإمبا ىو اػببلص عينو‪ .‬وليس زائراً على‬
‫مر بأرضنا التاعسة‪ ،‬وإمبا ىو الرأس الذي هبتمع فيو الكل من جديد‪ .‬إنو خلق العادل من جديد‪.‬‬
‫عجل َّ‬
‫آدـ‪ ،‬اػباطئ‬
‫أصل َ‬
‫ىو األصل السليم اعبديد الذي وبيي الطبيعة البشرية بعد أف أسقطنا يف اؼبرض ُ‬
‫القدصل‪ .‬وقد نقل إلينا اغبياة‪ ،‬لكي نستطيع أف نكوف “زيتونة صاغبة”‪ .‬فبل خبلص للبشر خارج اهلل‪-‬‬
‫تغرب وحرماف وسقوط من األنسنة‪ .‬ومن ال يعيش مع اؼبسيح يبتعد‬
‫اإلنساف‪ .‬فإ ّف يف االبتعاد عنو تعاذل ّ‬
‫وتتحوؿ ذاتو إذل حيواف متوحش‪ .‬قاؿ‬
‫ّ‬ ‫عن اهلل‪ ،‬وعن ذاتو ىو‪ ،‬وعن قريبو ويعترب اهلل غريباً عنو وؾبهوالً‪،‬‬
‫القديس مكسيموس اؼبعًتؼ‪“ :‬إذا نأى العقل عن اهلل صار ؿبباً للشهوات ّٔيمياً أو متوحشاً وؽبذا‬
‫يبسي معادياً للناس”‪.‬‬

‫وال يكوف القريب بالنسبة إليو مصدر فرح لو بل سبب عذاب‪ .‬وىكذا يػَ ْف ُس ُد بعيداً عن اهلل‪-‬اإلنساف‬
‫ويتفكك‪ ،‬ويتج َّمع يف “ ُزَمر” ويبسي على صورة الوحش الذي ورد ذكره يف سفر الرؤيا وىذا الوحش ىو‬
‫الشيطاف‪ .‬وينتهي إذل حالة يشذ فيها عن الطبيعة وىي حالة الصفر”‪.‬‬
‫وقد وصف البلىوٌب الصويف نقوال كاباسيبلس اإلنساف اؼببتعد عن اهلل بأنو “غَت كائن” وىو أيضاً‬
‫“عدـ” ألنو مفتقر إذل “الوجود حبسب اؼبسيح”‪ .‬فمن يعيش يف اهلل‪-‬اإلنساف ىو اإلنساف الصحيح ‪.‬‬
‫وعلى ىذا نستطيع القوؿ إ ّف كل إنساف يقدر أف يكوف إؽباً وإنساناً أو وحشاً وإنساناً‪ .‬وىذا يكوف هناية‬
‫التاريخ أيضاً‪.‬‬
‫فيلزمنا أف نػَتَ َم ْس َحن وأف نتك ْلمن (أف نصَت مسيحاً وكلمة)‪ .‬ووبدث ىذا إف عشنا يف الكنيسة واشًتكنا‬
‫يف أسرارىا‪ .‬أل ّف الكنيسة‪ -‬كما يقوؿ كاباسيبلس‪ -‬يُفهم معناىا وتدرؾ أنبيتها يف األسرار اؼبق ّدسة ال‬
‫كرموز بل كأعضاء بالقلب وكأعضاء يف أصل نبات‪ ،‬وكما قاؿ الرب “كأعضاء يف كرمة”‪ .‬ويبكننا‬
‫التوصل إذل ىذا باللهج باسم يسوع يف تريدنا “للصبلة” “يا ريب يسوع اؼبسيح‪ ،‬ابن اهلل‪ ،‬ارضبٍت”‪،‬‬
‫أخص بالشركة اإلؽبية (اؼبناولة اؼبق ّدسة) ارتباطاً وثيقاً‪.‬‬
‫طاؼبا أ ّف ىذه “الصبلة” مرتبطة بنوع ّ‬
‫ىنا يف ىذه “الصبلة” القصَتة سبكن ثيولوجيا كنسيتنا اؼبق ّدسة األرثوذكسية‪ .‬ؽبذا ينبغي أف نذكر على‬
‫الدواـ اسم يسوع اؼبفرح‪ ،‬الكلي العذوبة‪.‬‬
‫وليست “الصبلة” وقفاً على الرىباف وحدىم دوف سواىم‪ .‬وال ريب أ ّف ؽبؤالء إمكانية جعل “صبلة‬
‫يسوع” مبلزمة غبياهتم باستمرار‪ .‬غَت أننا كبن اػبطأة قادروف أيضاً على ترديدىا‪.‬‬
‫لبصص للصبلة وقتاً ؿبدَّداً‪ ،‬وأف نشرع يف ترديدىا ؼبدة عشر دقائق يف الصباح‪ ،‬وعشر‬ ‫ومن اػبَت أف ّ‬
‫أخرى يف اؼبساء‪ ،‬بشرط أف يتم ذلك ببل توقف فإ ّف ؽبذا التحديد‪ ،‬ولو ؼبدة وجيزة ‪ ،‬أنبية كربى‪ٍ .‬ب تزداد‬
‫ىذه اؼبدة دبرور الزمن لكي سبؤل النفس والشفتُت حبلوة وعذوبة‪ ...‬ولنحاوؿ أف نتلو الصبلة أيضاً خبلؿ‬
‫سَتنا يف الطريق وقبيل النوـ وكلما سنحت لنا الفرص‪...‬‬
‫أما األزواج أو أفراد األسرة صبيعاً‪ ،‬فيحسن أف يتلو ا“الصبلة” يف الصباح واؼبساء ؼبدة ال تتجاوز الدقائق‬
‫ويقوـ أحد أعضاء األسرة بتبلوتو بصوت مسموع ىادئ‪ ،‬رصُت‪ .‬وقد مارس ىذا الدعاء كثَت من‬
‫فحدثت ؽبم عجائب‪...‬‬
‫ْ‬ ‫األزواج واألسر‬

‫ننسق يف الوقت‬
‫اؼبضي قُ ُدماً يف العمق أكثر‪ ،‬يلزمو مرشد من ذوي اػبربة‪ .‬وعلينا أف ّ‬
‫ومن يرغب يف ّ‬
‫عينو‪ ،‬حياتنا ووصايا اؼبسيح‪ ،‬أل ّف شخص اؼبسيح مرتبط بعملو وتعليمو‪ ،‬فإذا طبقنا وصاياه يف سلوكنا‬
‫نلنا النعمة وحظينا بالثالوث األقدس‪ .‬قاؿ القديس مكسيموس اؼبعًتؼ‪“ :‬من يقبل إحدى الوصايا‬
‫ويعمل دبوجبها كاف لو الثالوث األقدس سرياً”‪.‬‬
‫فتكرـ بالصبلة من أجلي أنا‬

‫وجدت يف األفكار الواردة يف ىذا الكتاب ما ينفعك َّ‬
‫َ‬ ‫كنت يا أخي قد‬
‫إف َ‬
‫إرل رضبة إؽبنا‪ ،‬وأحيا “يف اهلل‪-‬اإلنساف”‪ ،‬أحيا “يف الكنيسة”‬
‫كاتب ىذه اغبادثة‪ ،‬لكي أتوب وأجذب ّ‬
‫ولكي أعيش إؽبياً وإنسانياً‪ .‬إشل أتوسل إليك من كل نفسي‪.‬‬


أمسية في برية الجبل المقدس آثوس - حوار مع ناسك حول صلاة يسوع

Uploaded by

Document Information

Copyright

Available Formats

Share this document

Share or Embed Document

Sharing Options

Did you find this document useful?

Is this content inappropriate?

Copyright:

Available Formats

أمسية في برية الجبل المقدس آثوس - حوار مع ناسك حول صلاة يسوع

Uploaded by

Copyright:

Available Formats

‫حوار مع ناسك حول الصالة يسوع‬ ‫أمسية في برية الجبل المقدس آثوس‬

‫المتروبوليت إيروثيوس فالخوس‬

1. Silence, Speech and the Life of the monks

‫أرثوذكس تيوب‬ ‫منتدى الشبيبة األرثوذكسية‬ ‫أرثوذكس أونالين‬

‫الرهبان‪ ،‬كالمهم وحياتهم‬

‫ص ٌح صامت”‪ .‬فهناؾ ال‬ ‫ِ‬

‫عرفت التعلُّم على ىذا‬

‫فهذا ىو هنج اعببل اؼبق ّدس‪ .‬إنو هبري حواره“ يف صمت”‪.‬‬

‫أرثوذكس تيوب‬ ‫منتدى الشبيبة األرثوذكسية‬ ‫أرثوذكس أونالين‬

‫أرثوذكس تيوب‬ ‫منتدى الشبيبة األرثوذكسية‬ ‫أرثوذكس أونالين‬

‫اؼبدوي وىو يف الوقت عينو‪ ،‬الصمت العميق‪.‬‬

‫اؼبغردة يعيشوف “اغبياة” عيشة اختبار‪،‬‬

‫أرثوذكس تيوب‬ ‫منتدى الشبيبة األرثوذكسية‬ ‫أرثوذكس أونالين‬

‫اؼبوت اكثر‪ .‬وبقدر ازدياد موت اؼبوت‬

‫أرثوذكس تيوب‬ ‫منتدى الشبيبة األرثوذكسية‬ ‫أرثوذكس أونالين‬

‫وخلت أنو سيغادرؾ جبسده كما حدث إليليا النيب يوـ‬

‫أرثوذكس تيوب‬ ‫منتدى الشبيبة األرثوذكسية‬ ‫أرثوذكس أونالين‬

‫عرفت أ ّف ىذا الشيخ ىو موسى‬

‫أرثوذكس تيوب‬ ‫منتدى الشبيبة األرثوذكسية‬ ‫أرثوذكس أونالين‬

‫يسموف“اإلؽبي” عشقاً تارة وحباً طوراً‪ ،‬وحيناً آخر معشوقاً‬

‫أرثوذكس تيوب‬ ‫منتدى الشبيبة األرثوذكسية‬ ‫أرثوذكس أونالين‬

‫في الجبل عند األصيل‬

‫أرثوذكس تيوب‬ ‫منتدى الشبيبة األرثوذكسية‬ ‫أرثوذكس أونالين‬

‫أرثوذكس تيوب‬ ‫منتدى الشبيبة األرثوذكسية‬ ‫أرثوذكس أونالين‬

‫الصعود الى ثابور‪ ...‬جبلي‪..‬‬

‫تشق عناف السماء كما تشقُّها أيضاً‬

‫أيتها اػبلية اليت صبعها اهلل يف جحوراعببل وكهوفو‪،‬‬

‫تصنع عسل اؽبدوء الكلي العذوبة‪ ،‬كأنو يف قفَت عقلي‪.‬‬

‫َّت يبيناً ومشاالً وىي تعيش اهلل‪ ،‬وسبضي صعداً‪ ،‬حىت‬

‫أرثوذكس تيوب‬ ‫منتدى الشبيبة األرثوذكسية‬ ‫أرثوذكس أونالين‬

‫قلت لو‪“ :‬بارؾ أيها الشيخ ” (إفلوغيتِو غَتونْدا)‪.‬‬

‫فأجاب‪ :‬الرب‪( ...‬كَتيوس‪.) ...‬‬

‫قلت للشيخ‪“ :‬ماذا تعمل ىناؾ أيها الشيخ”؟‬

‫يتأتى لك من دوف العدة اؼبناسبة؟‬

‫اؼببارؾ”؟ وىل أنا اؼبلطَّخ بالدَّنس أُبارؾ الُ َّ‬

‫سر‪ .‬كانت القبلية‬

‫أرثوذكس تيوب‬ ‫منتدى الشبيبة األرثوذكسية‬ ‫أرثوذكس أونالين‬

‫للمودة‪ .‬وإنك لتحس إحساساً حقيقياً‬

‫قاؿ‪ :‬أأنت قادـ من العادل؟‬

‫قاؿ‪ :‬كيف حاؿ العادل؟‬

‫كل يوـ حباالت‬ ‫قاؿ الناسك القديس‪“ :‬ياللعادل َّ‬

‫أرثوذكس تيوب‬ ‫منتدى الشبيبة األرثوذكسية‬ ‫أرثوذكس أونالين‬

‫اتو‪.‬وخرجت من قبليتو مفكراً‪ .‬وىذه القبلية ىي‬

‫أرثوذكس تيوب‬ ‫منتدى الشبيبة األرثوذكسية‬ ‫أرثوذكس أونالين‬

‫للسر وحسب‪ ،‬بل ىي أيضاً‬

‫السماوي‪ .‬وقد تولَّد يف داخلي شعور‬

‫أرثوذكس تيوب‬ ‫منتدى الشبيبة األرثوذكسية‬ ‫أرثوذكس أونالين‬

‫يف شيئاً من الرعب‬

‫فاحرص على أف تكوف شديد التمييز‪ .‬فقد توقفو عن متابعة‬

‫سألتو‪“ :‬ىل عددكم كبَت ىنا”؟‬

‫أرثوذكس تيوب‬ ‫منتدى الشبيبة األرثوذكسية‬ ‫أرثوذكس أونالين‬

‫قاؿ‪ :‬الشيخ ومريدوه الثبلثة‪.‬‬

‫جئت إذل ىذا اؼبكاف القفر ؽبذه الغاية‪.‬‬

‫أشرقت فجأة‪ ،‬وربيع أشاع الفرح‪ ،‬وبرؽ‬

‫حس ّي‪ ،‬فبل‬

‫أرثوذكس تيوب‬ ‫منتدى الشبيبة األرثوذكسية‬ ‫أرثوذكس أونالين‬

‫الربية حيث يبلؤىا‬

‫الربية‪ .‬فإ ّف إحدى ميزات اؽبدوء الشعور اغبياٌب‬

‫يدؿ على اإلتضاع‪ .‬فيجب أف‬

‫أرثوذكس تيوب‬ ‫منتدى الشبيبة األرثوذكسية‬ ‫أرثوذكس أونالين‬

‫أرثوذكس تيوب‬ ‫منتدى الشبيبة األرثوذكسية‬ ‫أرثوذكس أونالين‬

‫مباحثة مع الشيخ في الصالة‬

‫قاؿ‪ :‬من الواضح َّ‬

‫أرثوذكس تيوب‬ ‫منتدى الشبيبة األرثوذكسية‬ ‫أرثوذكس أونالين‬