You are on page 1of 48

‫المركب الفارغ‬

‫أوشو راجدينش‬

‫محاضرات عن أقوال الحكيم تشجوان تزي‬


‫المحاضرات ألقيت في ‪ 1974‬وترجمت إلى‬
‫الروسية عام ‪1994‬‬
‫ترجمة‪ :‬د‪ .‬محمد ياسر حسكي‬

‫لغة الفيلسوف أوشو لغة ل يمكن تكرارها‪ ،‬ومع‬


‫أن محاضراته كانت بسيطة وقليلة الكلمات‪،‬‬
‫ولكنها كانت مليئة بالمعاني العميقة البعيدة‬
‫الحدود‪ .‬لهذا السبب قد ل نستطيع أن ننقل‬
‫بترجمتنا كل الموسيقى التي كانت تمل كلماته‪،‬‬
‫ولكن هذا لم يمنعنا من الحفاظ على المعاني‬
‫الخارجية بحذافيرها‪ ،‬وعلى الفكرة بسطحها‬
‫الظاهر‪ ،‬مما أدى أحيانا إلى تهديم ذلك العمق‬
‫الكبير للمعنى الروحي الذي كان ُيعبر عنه‬
‫الفيلسوف أوشو بكلمات قليلة جدا‪ .‬وهذا‬
‫يضطرني للعتذار من القارئ الكريم عن أي‬
‫فشل في التعبير عن تلك الفكار العميقة في‬
‫روحانيتها‪ ،‬والتي كانت تنبع من قلب ملئ بالنور‪.‬‬
‫لقد كان أوشو يتكلم في عمق صمته بالكثير‪،‬‬
‫مما ل يمكن صياغته في كلمات كما كان يتحدث‬
‫‪.‬طلبه‬
‫كيف يمكن حقيقة للكلمات أن توصل تلك‬
‫الرسالة التي ل يمكن التعبير عنها بكلمات؟ ما‬
‫الذي نستطيع أن نقوله عن المعلم الروحاني‬
‫العرفاني؟؟ لقد كان محتوى الرسالة التي كان‬
‫يريد هذا المعلم إيصالها فوق مستوى الكلمات‪،‬‬
‫وكانت تستدعي لفهمها أن يترك النسان‬
‫تفكيره والمور المنطقية ليصبح فارغا من‬
‫الداخل‪ ،‬وهذا يسمح للنسان أن يتخلص من‬
‫الشروط التي يضعها هو أو يضعها غيره لحياته‪،‬‬
‫ويسمح له أن يتخلص من النتظار والتمني المر‬
‫المرتبط بالنا المزيفة‪ ،‬ويجعل العرفان الذي‬
‫يحاول المعلم الروحي أن يوصله شيئا قريبا‬
‫‪.‬وملموسا لنا‬
‫أوشو وكل المعلمين الروحيين قبله يريدون‬
‫جعلنا أواني فارغة قادرة على قبول تلك البدية‬
‫الروحية‪ ،‬التي ل يمكن التعبير عنها بكلمات‬
‫‪.‬والتي يستمتعون بها هم أنفسهم‬
‫في هذه المحاضرات يوضح أوشو الفكرة القائلة‬
‫بأنه مادمنا في حالتنا الروتينية الحياتية الراهنة‬
‫فليس هنالك مكان للشيء الروحي الذي ل يعبر‬
‫عنه بكلمات في داخلنا‪ ،‬نعم ل يمكن للبذرة‬
‫الروحية أن تجد فسحة في تربتنا غير الصالحة‪،‬‬
‫وهي مازالت في حالة من النتظار في داخلنا‬
‫تتأمل فسحة أو زاوية فارغة من عالمنا الداخلي‬
‫الذي تملؤه الهموم‪ ،‬وخطط المستقبل المر‬
‫الذي يقفل الباب أمام أي شيء روحي‪ .‬ولكن‬
‫هذا ل يعني أن نبذل الجهد لنصل إلى هذا الفراغ‬
‫وإل اصطدمنا مع المفارقة بأن اشتداد الجهد‬
‫والعزم يغذي النا المزيفة‪ ،‬مما يجعلنا فاشلين‬
‫بشكل كامل‪ ،‬إذن ماذا يمكن أن نفعل؟؟‬
‫أوشو يقول لنا أنه علينا أن ل نفعل شيئا لن‬
‫الفعل يصدر من النا المزيفة‪ ،‬وأنه علينا أن‬
‫نكون منفتحين وأن نقبل كل الوجود حولنا‪ ،‬وكل‬
‫ما يجري فيه‪ ،‬متجاوزين بذلك تفكيرنا الذي يحب‬
‫التقييم‪ .‬كلمات أوشو ترشح إلى داخلنا‪ ،‬إلى‬
‫أعماق وجودنا وروحنا لنصبح أشبه ما نكون‬
‫‪.‬بالمركب الفارغ‬
‫عندما نتأمل هذه الكلمات بمعانيها العميقة‪،‬‬
‫فسوف نفهم أنها قد تكون طريقا إلى الجنون‪،‬‬
‫ولكن أوشو يستعمل هذا التناقض كتقنية‬
‫يستطيع بمساعدتها أن يصل إلى كل أنواع‬
‫‪.‬الشخصيات المحيطة به‬
‫أوشو يعلم كل خدع النا المزيفة وحيلها‪ ،‬ويعلم‬
‫كل أساليب تفكيرنا‪ ،‬لنه قد مشى في هذا‬
‫الطريق وتجاوز هذه المرحلة ليكون أمامنا‪ ،‬دليل‬
‫‪.‬لنا‬
‫أوشو ل يحاول أن يجعلنا عبيدا لقواعده الخاصة‬
‫فهو ليس عدوا لنا‪ ،‬ولنه يمتلك الكثير من الحب‬
‫لفطرتنا الداخلية‪ ،‬نراه ُيوجه كل جهوده‬
‫لمساعدتنا في أن نعي عبوديتنا لكثير من‬
‫الشياء والشخاص‪ ،‬ونراه ُيحاول مساعدتنا في‬
‫‪.‬التخلص من هذه العبودية وسيطرتها على حياتنا‬
‫أوشو يقوم بمفاجأتنا بمبدأ الصدمة الذي‬
‫يستعمله كثيرا‪ ،‬وهو بذلك ينفضنا من قلب‬
‫الخليا المغلقة والقوالب التي وضعنا أنفسنا‬
‫فيها‪ ،‬لكي نستطيع من خلل الصحو الناشئ‬
‫‪.‬والوعي أن نفهم ونغير من وضعنا‬
‫كون فيه ولكنهم‬ ‫أوشو يقول إن الناس حوله يش ّ‬
‫كون في أنفسهم أبدا‪ ،‬لنه في تلك‬ ‫ل يش ّ‬
‫اللحظة التي يبدأ فيها التفكير بالشك في نفسه‬
‫يتوقف عن الوجود‪ .‬ظهور الشك يعتبر تربة‬
‫خصبة لكي ُيضيع التفكير ثقته بنفسه‪ ،‬وسوف‬
‫يؤدي ذلك آجل أو عاجل إلى السقوط في هاوية‬
‫‪.‬التأمل‬
‫عندما نقرأ أفكار أوشو فإن أكثر شيء نستطيع‬
‫أن نفعله هو أن نفتح أبوابنا للسماح لتلك‬
‫الرسالة التي ل يمكن صياغتها في قالب‬
‫الكلمات والتي تختبئ بين الكلمات بأن تخترقنا‬
‫‪.‬وتصل إلى أعماقنا‬
‫ل مقتنعا إنني يمكن أن‬ ‫أوشو يقول‪ ":‬ولكِني َأقو ُ‬
‫أساعدك ل بصفتي خبيرا ً ول مختصا‪ ،‬ول إنسانا‬
‫غريبا ً عنك‪ ،‬بل لنني كنت مسافرا على نفس‬
‫الطريق الذي تسلكه‪ ،‬ومررت بنفس الجنون‬
‫ت من خلل نفس البؤس‬ ‫الذي تمر به‪ ،‬ومرر ُ‬
‫واللم والعذاب الذي ُتعاني منه الن‪ ،‬لقد مررت‬
‫بنفس الكوابيس الليلية‪ ،‬ومهما فعلت معك فإن‬
‫‪".‬ذلك لقناعك بالتخلص من جنونك‬
‫ت‬‫ت أو ستكون فقد كن ُ‬ ‫ويقول أيضا‪ ":‬حيثما كن َ‬
‫كون‪.‬‬ ‫ن لك أن ت َ ُ‬ ‫َ‬
‫ت أنا فُيمك ُ‬
‫أنا هناك‪ ،‬وحيثما كن ُ‬
‫انظر إلي بعمق قدر المكان وستشعر بي بشكل‬
‫عميق وستشعر أنني مستقبلك وفرصتك‬
‫‪".‬المتاحة‬
‫الكثير منا يعيش في عالم الزمن‪ ،‬في ذكريات‬
‫الماضي أو أمنيات المستقبل‪ ،‬وقد نلمس أحيانا‬
‫ذلك التدفق اللزمني الذي نسميه تدفق الحاضر‪:‬‬
‫في لحظات الجمال المفاجئة أو في لحظات‬
‫الخطر المباغتة أو عند لقاء من نحب أو مشاهدة‬
‫‪.‬الشئ غير المنتظر‬
‫لقد استطاع القليل من الناس أن يغادروا عالم‬
‫الزمن والتفكير‪ ،‬عالم المنافسة والنزوات‪،‬‬
‫وحاول عدد ل يتجاوز أصابع اليد من هؤلء أن‬
‫يشاركوا غيرهم في خبرتهم الروحية هذه‪.‬‬
‫الناس المعاصرون كانوا يعدون هؤلء‬
‫الروحانيون مجانين‪ ،‬وبعد موتهم كانوا يطلقون‬
‫عليهم الفلسفة‪ .‬ولكن مع مضي الوقت أصبح‬
‫هؤلء الفلسفة أسطورة‪ ،‬حيث استطاع هؤلء‬
‫البشر المخلوقون من لحم ودم أن يكونوا‬
‫انعكاسا لمانينا في الخروج من حدود هذا‬
‫الجسد‪ ،‬وهذا التفكير‪ ،‬وهذه الحياة المليئة‬
‫‪.‬بالروتين عديم المعنى‬
‫لقد كان أوشو واحدا من هؤلء حيث فتح بابه‬
‫الموصل إلى التدفق اللزمني للحاضر‪ ،‬وقد‬
‫وهب هذا النسان الذي كان يسمي نفسه‬
‫)النسان الذي يحيا بشكل حقيقي( حياته ليقاظ‬
‫الخرين للبحث عن هذا الباب حيث ل نعيش في‬
‫الماضي ول في المستقبل ونفتح في أنفسنا‬
‫‪.‬عالم البدية‬
‫ولد أوشو ‪ 1931-12-11‬في قرية كوتشافادا من‬
‫مقاطعة ماديا براديش في الهند‪ .‬أظهر أوشو‬
‫منذ نعومة أظافره روحا ثائرة تحب الستقلل‪،‬‬
‫وتفضل المعاناة الخاصة والبحث الذاتي عن‬
‫الحقيقة‪ ،‬وقد وضع هذه المعاناة أعلى بكثير من‬
‫المعلومات النظرية والمعتقدات التي كان‬
‫‪.‬المجتمع المحيط يحاول أن يفرضها عليه‬
‫أصبح أوشو عارفا روحانيا أو متنورا في سن‬
‫الحادية والعشرين‪ ،‬ثم أنهى دراسته الكاديمية‪،‬‬
‫ثم مارس مهنة التعليم لعدة سنوات في قسم‬
‫الفلسفة في جامعة مدينة جبالبور‪ ،‬في هذه‬
‫الفترة كان يسافر كثيرا في كل أنحاء الهند‪،‬‬
‫لُيحاضر وُيناقش وُيناظر الكثيرين من رجال‬
‫الدين حيث كان يضع الكثير من المعتقدات‬
‫المسلم بها تحت الشك‪ ،‬وكان يتصل بكل طبقات‬
‫المجتمع المختلفة‪ .‬لقد قرأ أوشو في هذه‬
‫الفترة الكثير مما ساعد على توسيع فهمه‬
‫لنظمة المعتقدات ونفسية النسان المعاصر‪.‬‬
‫في نهاية الستينيات بدأ أوشو بتطوير طرقه‬
‫الخاصة للتأمل الحركي حيث كان يقول‪ :‬النسان‬
‫المعاصر يحمل الكثير من التقاليد المتخلفة‬
‫المتجمدة‪ ،‬إضافة إلى ثقل الروتين الحياتي‬
‫اليومي‪ ،‬ولذلك عليه أن يمر خلل عملية‬
‫التنظيف الداخلي العميق قبل أن يكون عنده‬
‫أمل بدخول ذلك العالم المتحرر من الفكار‬
‫‪.‬والذي نسميه بعالم التأمل والسترخاء‬
‫في بداية السبعينيات بدأ أوائل الغربيين بالسفر‬
‫ون حوله في مدينة‬ ‫إلى أوشو وفي عام ‪ 1974‬تك ّ‬
‫بونا مجتمع بسيط مما حول ذلك النهر الصغير‬
‫من الناس القادمين للستفادة من هذا المعلم‬
‫الروحي إلى طوفان‪ .‬كان أوشو من خلل عمله‬
‫مع الناس المحيطين به يمس كل اتجاهات تطور‬
‫الوعي البشري‪ ،‬ويستخلص ويعطي لمن حوله‬
‫جوهر البحث الروحي للنسان المعاصر‪ ،‬وكان‬
‫يعتمد ليس على فهمه الفكري وإنما على خبرته‬
‫‪.‬الوجدانية الخاصة‬
‫لم يكن أوشو تابعا لي من التقاليد الموجودة‬
‫وكان يردد دائما )أنا بداية لوعي ديني جديد‬
‫بشكل مطلق(‪ .‬وقد جمعت محاضرات الفيلسوف‬
‫أوشو التي ألقاها على طلبه وعلى الباحثين عن‬
‫الحقيقة من كل أنحاء العالم في أكثر من‬
‫ستمائة مجلد وقد ترجم معظمها إلى أكثر من‬
‫‪.‬ثلثمائة لغة‬
‫كان أوشو يقول‪" :‬رسالتي ليست فلسفة معينة‬
‫وإنما كيمياء معينة‪ ،‬علم لتحويل النسان إلى‬
‫إنسان آخر‪ ،‬حيث يستطيع النسان الجاهز‬
‫للموت أن يولد بشكل جديد ل يمكن حتى أن‬
‫يتصوره في الوقت الحاضر‪ ،‬ولكن هذا يحتاج‬
‫لشجاعة لنها مخاطرة عظيمة ومغامرة ل يقدم‬
‫عليها إل القلئل‪ .‬إن من يسمعني يقوم‬
‫بالخطوة الولى للولدة من جديد‪ ،‬فلذلك ل‬
‫تستخدموا كلماتي كفلسفة تقوم بحمايتكم‬
‫بشكل آمن أو تستعملونها للتفاخر على غيركم‪.‬‬
‫كلماتي ليست قواعد معينة تعطيكم الجوبة‬
‫الجاهزة على السئلة الملحة التي تقلقكم‪...‬‬
‫رسالتي ليست نوعا من التخاطب الكلمي‬
‫المعروف‪ ،‬وإنما هي أخطر من ذلك بكثير فهي‬
‫‪ ".‬موت للولدة في حياة جديدة‬
‫توفي أوشو في ‪ ،1990-1-19‬وبقي المجتمع‬
‫المحيط به من أكبر المراكز العالمية التي تساعد‬
‫على النمو الروحي لكل المهتمين والباحثين عن‬
‫الحقيقة من كل أنحاء العالم‪ ،‬الذين يأتون‬
‫للمشاركة في طرق التأمل‪ ،‬مجموعات علج‬
‫الجسد‪ ،‬مجموعات البرامج البداعية حيث‬
‫يجربون بأنفسهم ماذا يعني أن يعيش النسان‬
‫‪.‬في العالم الروحي‬
‫الفصل الول‬
‫الحلوة المالحة‬
‫م الناس يعيش دائما حياة مليئة‬ ‫حك ُ‬
‫الذي ي َ ْ‬
‫بالضطرابات‬
‫حزن‬‫‪.‬الذي يحكم الناس يعيش في ال ُ‬
‫لن الداو ل تريد‬
‫أن نؤثر على الخرين‬
‫‪.‬ول أن نصبح متأثرين بسلطتهم‬
‫إن الطريق للتخلص من الضطرابات والحزن‬
‫ش مع الداو في عالم الفراغ‬ ‫‪.‬أن نعي َ‬
‫عبُر النهر‬ ‫إذا كان الرجل ي َ ْ‬
‫وهو سّيئ الطباع‬
‫واصطدم مركب فارغ بزورقه الصغير الخاص‬
‫ن يكون غاضبا جدا ً‬ ‫‪.‬فهو ل َ ْ‬
‫‪،‬ولكنه لو رأى رجل في ذلك المركب‬
‫فسيصرخ حتما عليه بأن يقود بشكل أحسن‬
‫وإذا لم يكن صياحه مسموعا فسيصرخ من جديد‬
‫وسيصرخ ثانية ثم يبدأ بإمطار ذاك الرجل‬
‫باللعنات‬
‫ل ذلك لنه هناك شخص ما في ذلك المركب‬ ‫‪.‬وك ُ ّ‬
‫‪،‬فيما لو كان المركب فارغا‬
‫‪،‬لم يكن ليصيح‬
‫‪.‬ولم يكن ليغضب‬
‫ص‬ ‫غ مركب َ َ‬ ‫ن ُتفر َ‬ ‫َ‬
‫ك الخا َ‬ ‫إذا استطعت أ ْ‬
‫‪،‬وأنت تعبر خلل نهر الحياة‬
‫‪،‬فلن يعارضك أي أحد‬
‫‪.‬ولن يجلب لك الذى أي أحد‬
‫ة تقطع أول‬ ‫‪،‬الشجرةَ المستقيم َ‬
‫الجداول العالية تجف أول‬
‫عندما تريد مضاعفة حكمتك‬
‫‪،‬فستجلب العار للجهل‬
‫وتتمكن من الحصول على سمعة جيدة‪ ،‬وتتمكن‬
‫‪،‬من تجاوز الخرين‬
‫وسيشرق النور حولك‬
‫س والقمر‬ ‫‪-‬كما لو أنك ابتلعت الشم َ‬
‫ن َتتفادى المصائب‬ ‫‪.‬ول ْ‬
‫‪:‬الرجل الحكيم قا َ‬
‫ل‬
‫وهو راض عن نفسه‬
‫ة‬
‫‪.‬لقد قمت بعمل عديم القيم َ‬
‫‪،‬لن النجاز هو ِبداية الفشل‬
‫والشهرة هي بداية الفضيحة‬
‫سَتطيع َتحرير نفسه من النجاز والشهرة‬ ‫ن يَ ْ‬
‫م ْ‬
‫َ‬
‫وأن ينزل بعد ذلك ليصبح مفقودا ً‬
‫وسط جماهير الناس‬
‫فسوف يستطيع السباحة مثل الداو بشكل غير‬
‫‪،‬مرئي‬
‫وسيمشي بحرية في كل مكان كما هي الحياة‬
‫بحد ذاتها‬
‫‪.‬بدون اسم ول بيت‬
‫‪،‬هو إنسان بسيط وبدون علمات‬
‫‪.‬وكيفما نظرت إليه فستقول إنه أحمق‬
‫‪.‬ولن يبقى وراءه أي أثر‪ .‬فهو ل يملك السلطة‬
‫ول يريد إنجاز أي شيء‪ ،‬ويعبر المجد من فوقه‬
‫‪.‬دون أن يلتفت إليه‬
‫م عليه‬ ‫حك ُ‬ ‫حكم على أحد‪ ،‬فل أحد ي َ ْ‬ ‫‪.‬ولنه ل ي ْ‬
‫هذا هو النسان الكامل‬
‫‪.‬مركبه فارغ‬
‫عندما أتيت إلي‪ ،‬قمت بخطوة خطيرة‪ ،‬فيها من‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫نأ ْ‬‫المجازفة الشيء الكبير‪ ،‬لنك بقربي يمك ُ‬
‫ُتفقدَ إلى البد‪ .‬إن القتراب مني يمكن أن يعني‬
‫ت وليس أي شيء آخر‪ ،‬لنني ُأشبه الهاوية‪.‬‬ ‫المو َ‬
‫ط في أعماقي‪ .‬لقد‬ ‫ب مني أكثر وسَتسق ُ‬ ‫اقتر ْ‬
‫حضرت لهنا بمجرد سماعك لصوتك الداخلي‬
‫‪.‬الذي كان وما يزال يدعوك لذلك‬
‫ن تنجز أو‬ ‫يجب أن تعلم وتدرك أنك من خللي ل ْ‬
‫ن َتفقد‬ ‫َ‬
‫نأ ْ‬ ‫مك ُ‬ ‫تحصل على أي شيء‪ ،‬بالعكس ي ُ ْ‬
‫كل شيء‪ ،‬وما لم تفقد كل شيء فلن تنمو بذرة‬ ‫ُ‬
‫الربانية عندك‪ ،‬وما لم َتختف كليًا‪ ،‬فل يمكن أن‬
‫يظهر في داخلك أي شيء حقيقي‪ .‬النا ُتشكل‬
‫‪.‬مانعا وحاجزا أمام كل ذلك‬
‫الحقيقة أنك مليء بشكل كبير‪ ،‬وعنادك يزيدك‬
‫ن معه أن‬ ‫مك ُ‬ ‫امتلء‪ ،‬النا تملؤك بشكل ل ي ُ ْ‬
‫قك أو يدخل إليك أي شيء! نعم إن أبوابك‬ ‫يختر َ‬
‫مغلقة‪ ،‬ول يمكن فتحها إل عندما َتختفي أناك‬
‫المزيفة‪ ،‬وعندما تفتح أبواب عالمك الداخلي‬
‫لُتصبح مثل السماء اللنهائية الواسعة‪ .‬هذه هي‬
‫‪.‬طبيعتك وهذا هو عالم الداو‬
‫قب َ َ‬
‫ن نبدأ بالحديث عن الحكم الرائعة‬ ‫لأ ْ‬ ‫َ ْ‬
‫ب الفارغ للحكيم تشجوان‬ ‫الموجودة في المرك ِ‬
‫ع‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة أخرى‪ ،‬لنها سَتض ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ن أْروي لكم ق ّ‬ ‫ودّ أ ْ‬‫تزي ‪ ،‬أ َ‬
‫‪.‬اتجاها لمعسكر التأمل الذي تشاركون فيه‬
‫يقولون أنه في يوم من اليام في قديم الزمان‪،‬‬
‫ة البعيدة‪ ،‬فقد المير‬ ‫عض البلِد المجهول ِ‬ ‫في ب َ ْ‬
‫عقله فجأة‪ ،‬وكان أبوه الملك متضايقا جدا‬
‫وحزينا عليه‪ ،‬فقد كان المير ابنه الوحيد‪ ،‬ولذلك‬
‫استدعى كل السحرة‪ ،‬وصناع الخوارق والطباء‬
‫الذين حاولوا فعل كل الشياء الممكنة‪ ،‬ولكن كل‬
‫جهودهم كانت دون جدوى وباءت بالفشل‪ .‬لم‬
‫ب الذي بقي‬ ‫َ‬
‫ن ُيساعدَ الميَر الشا َ‬ ‫يستطع أحد أ ْ‬
‫‪.‬مجنونا ً‬
‫في ذلك اليوم الذي فقد المير فيه عقله‪ ،‬طرح‬
‫ملبسه وبقي عاريا‪ ،‬واستلقى تحت منضدة‬
‫عْيش هناك‪ .‬لقد كان‬ ‫كبيرة وأعلن أنه يريد ال َ‬
‫يعتقد بأنه ديك‪ ،‬وفي النهاية كان ل ب ُدّ للملك من‬
‫ل حقيقة أنه ل يمكن تطبيب المير وأنه‬ ‫قب َ‬ ‫ن يَ ْ‬
‫أ ْ‬
‫ل أمل في شفائه‪ ،‬وأنه سيبقى مجنونا ً بشكل‬
‫‪.‬دائم‪ ،‬وأن محاولت كل الخبراء فاشلة‬
‫ولكن في يوم مشرق انبعث المل من جديد‪،‬‬
‫حيث طرق أبواب القصر الملكي شيخ متصوف‪،‬‬
‫جة المير‬ ‫عال َ َ‬‫م َ‬‫"‪.‬وقال‪" :‬أعطوني فرصة واحدة ل ُ‬
‫كان الملك يشك في المر ويشتم منه شيئا‬
‫مريبا‪ ،‬لن هذا الشيخ في ظاهره كان يشبه‬
‫ن المير‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫المجانين‪ ،‬بل إنه ليظهر أكثر جنونا ً ِ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫نأ ْ‬ ‫مك ِ ُ‬
‫لكن الحكيم الصوفي قال‪" ،‬أنا فقط ي ُ ْ‬
‫ُ‬
‫جة مجنون نحتاج لمجنون أكثر‬ ‫عال َ َ‬
‫م َ‬
‫جه‪ .‬لنه ل ُ‬
‫أعال َ‬
‫منه‪ .‬وكل الشخصيات المهمة‪ ،‬وصناع الخوارق‬
‫عرفون ألف باء‬ ‫والطباء فشلوا لنهم ل ي َ ْ‬
‫الجنون‪ ،‬ولنهم لم يقوموا أبدا بأية خطوة على‬
‫‪.‬طريقه‬
‫كان هذا المر منطقيا ففكر الملك‪" :‬ليس هناك‬
‫أذى ولن يصبح المر أكثر سوءا مما هو عليه‬
‫الن فلم ل نقوم بالمحاولة؟ " وهكذا ُأعطي‬
‫الحكيم الصوفي فرصة للتجربة‪ ،‬وفي تلك‬
‫اللحظة التي قال فيها الملك‪" :‬موافق‪ ،‬عليك‬
‫قفَز تحت‬ ‫بالمحاولة " طرح الصوفي ملبسه‪ ،‬و َ‬
‫‪.‬المنضدة وبدأ يصيح مثل الديك‬
‫ن أنت؟ ولماذا تصيح‬ ‫م ْ‬
‫استغرب المير وسأله‪َ " :‬‬
‫" مثل الديك؟‬
‫فأجاب الرجل العجوز‪َ" :‬أنا ديك‪ ،‬وبالمناسبة أنا‬
‫أكثر تجربة منك‪ .‬أنت ل شيء في الحقيقة‪،‬‬
‫وجديد على هذه الصنعة‪ ،‬وربما تصبح في أحسن‬
‫أحوالك تلميذ لي‪ ".‬فقال المير‪ " :‬المور بخير‬
‫"‪!.‬إذا كنت أنت أيضا ً ديك‪ ،‬وَلكَنك ت َْبدو مثل الناس‬
‫فأجابه الرجل العجوز‪" :‬ل تلق بال للمظاهر‬
‫الخارجية‪ ،‬انظر إلى روحي وداخليتي‪َ ،‬أنا ديك‬
‫"‪.‬مثلك‬
‫أصبح الحكيم الصوفي والمير أصدقاء‪ .‬وأقسموا‬
‫لبعضهم بعضا أن يعيشوا سويا ويقاوموا هذا‬
‫‪.‬العالم الذي ل يحب الديوك‬
‫وبعد مضي عدة أيام‪ ،‬بدأ الرجل العجوز فجأة‬
‫بالِلبس‪،‬وبعد أن لبس القميص سأله المير‬
‫متعجبا‪" :‬ما الذي تفعله؟ هل جننت‪ ،‬الديك ُيحاو ُ‬
‫ل‬
‫"اللباس كالناس؟‬
‫ل فقط‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫فأجاب الرجل العجوز مقاطعا‪" :‬أنا أحاو ُ‬
‫أن أخدع هؤلء الحمقى‪ ،‬الذين يسمون أنفسهم‬
‫بشرا‪ .‬وتذكر بأنه إذا كنت في ثيابي أو بدونها‬
‫فهذا ليغير أي شيء‪ ،‬لن الديك الذي في داخلي‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫سيبقى دائما معي ولن يستطيع أي أحد أ ْ‬
‫ُيغي َّره‪ .‬هل تظن أنني عندما ألبس مثل النسان‬
‫‪.‬فسأتغير؟" وافق المير على ذلك‬
‫بعد بضعة أيام أقنع الرجل العجوز المير بأن‬
‫ب وأصبح الجو أكثر‬ ‫ن َيقتر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫يلبس لن الشتاءَ َ‬
‫ة‬
‫‪.‬برود َ‬
‫ب الحكيم الصوفي غذاءا ً‬ ‫م بعد فترة فجأة طل َ‬ ‫ث ّ‬
‫ن القصر‪ .‬فارتعب الميُر جدا ً وصاح به‪" :‬ماذا‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ل تريد ان َتأكل مثل‬ ‫ه ْ‬ ‫تفعل أيها التعيس؟ َ‬
‫ل‬‫ن ن َأك َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫بأ ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫ة وي َ ِ‬ ‫المخلوقات البشرية؟ نحن ديك َ‬
‫ة‬
‫"‪.‬مثل الديك ِ‬
‫فأجاب الرجل العجوز‪" :‬بالنسبة إلي لفارق ول‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ن ت َْأك َ‬ ‫َ‬
‫نأ ْ‬ ‫مك ِ ُ‬ ‫ئ‪ ،‬وي ُ ْ‬ ‫يش َ‬ ‫لأ ّ‬ ‫نأ ْ‬ ‫مك ِ ُ‬‫إختلف‪ ،‬أنت ي ُ ْ‬
‫ش‬ ‫َ‬
‫عي َ‬ ‫تفعل أي شيء يعجبك‪ ،‬حتى إنه يمكنك أن ت َ ِ‬
‫مثل الناس وَتبقى وفيا لطبيعة الديك الموجودة‬
‫"‪.‬في داخلك‬
‫ع الرجل العجوُز الميَر‬ ‫وهكذا خطوة خطوة أقن َ‬
‫ح وضعه‬ ‫ة‪ .‬حيث أصب َ‬ ‫جوع إلى عالم ِ النساني ِ‬ ‫بالُر ُ‬
‫‪.‬طبيعي بشكل مطلق‬
‫هذه نفس الحالة بيني وبينكم‪ .‬تذكروا أنكم‬
‫د‬
‫ق ْ‬ ‫مبتدئون فقط وجدد في هذا الطريق‪ .‬أنت َ‬
‫َ‬
‫ة‪ .‬أنا‬ ‫م عندي البجدي َ‬ ‫َتعتقدُ بأّنك ديك لكَنك َتتعل ُ‬
‫كل الخبراء‬ ‫دك‪ُ .‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن أساع َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫مك ِ ُ‬ ‫خبير‪ ،‬وأنا فقط ي ُ ْ‬
‫فشلوا في علجك‪ ،‬فلذلك أنت هنا‪ .‬لقد طرقت‬ ‫َ‬
‫ب في حياتك‪ ،‬لقد قضيت الكثير‬ ‫الكثير من البوا ِ‬
‫من الوقت في البحث ولم يستطع أي أحد‬
‫‪.‬مساعدتك‬
‫دك‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ولكِني َأقو ُ‬
‫ن أساع َ‬ ‫نأ ْ‬‫مك ِ ُ‬‫ل مقتنعا أنني ي ُ ْ‬
‫ت خبيرا ً ول مختصا‪ ،‬ول انسانا غريبا ً‬ ‫لنني لس ُ‬
‫عنك‪ .‬لقد كنت مسافرا على نفس الطريق الذي‬
‫تسلكه‪ ،‬ومررت بنفس طريق الجنون الذي تمر‬
‫ت من خلل نفس البؤس واللم‬ ‫به‪ ،‬لقد مرر ُ‬
‫والعذاب الذي تعاني منه الن لقد مررت بنفس‬
‫الكوابيس الليلية‪ .‬ومهما فعلت معك فإن ذلك‬
‫ك‬ ‫ن جنون ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫‪.‬لقناعك بالتخلص ِ‬
‫عندما تعتقد أنك ديك فهذا جنون؛ وعندما تعتقد‬
‫أنك جسد فهذا جنون أيضا ً وبشكل أشد وأقوى‬
‫من العتقاد الول‪ .‬عندما تعتقد أنك ديك فهذا‬
‫جنون؛ ولكن اعتقادك بأنك إنسان )كجسد‬
‫فحسب( جنون أعظم‪ ،‬لنك ل تتنتمي للشكل‬
‫الخارجي‪ .‬فليس هنالك فارق أن تكون ديكا َأو‬
‫إنسانا بالشكل‪ ،‬هذا كله دون معنى لنك تنتمي‬
‫إلى عالم الحقيقة الكاملة الواحدة حيث ل شكل‬
‫ول مادة ول مظاهر خارجية‪ .‬وعندما تصر أن‬
‫تكون أي شكل خارجي فهذا سيؤدي بك إلى‬
‫الجنون‪ .‬أنت لتنتمي لعالم الجسد ولتنتمي إلى‬
‫عرق معين ول إلى مذهب معين‪ ،‬أنت ل َتنتمي‬
‫ح بل اسم وبل شكل‪،‬‬ ‫ي اسم‪ .‬ومالم ُتصب ُ‬ ‫إلى أ ّ‬
‫ن صحيحا من الناحية النفسية‬ ‫ن تَ ُ‬
‫كو َ‬ ‫‪.‬فل ْ‬
‫الصحة النفسية تعني التحرك إلى الشيء‬
‫الطبيعي‪ ،‬التحرك إلى أهم شيء فيك‪ ،‬إلى‬
‫الشيء المختفي داخلك وراء شكلك الخارجي‪.‬‬
‫هذا المر يتطلب جهدا كثيرا لن قطع الصلة مع‬
‫الشكل الخارجي ورميها شيء صعب جدًا‪ ،‬لنك‬
‫متعلق جدا ً بهذا الشكل الخارجي ومتحد بشكل‬
‫‪.‬شبه كامل معه‬
‫ل هذا موجود لقناعك بأن تسعى‬ ‫معسكر التأم ِ‬
‫إلى عالم الل شكل‪ ،‬لتعليمك أن تكون خارج‬
‫الصيغ المختلفة‪ ،‬لن أي صيغة تعني النا‬
‫المزيفة‪ :‬حتى الديك يملك أنا مزيفة‪ ،‬والنسان‬
‫عْندهُ أنا مزيفة‪ .‬فكل صيغة أو شكل تتمركز في‬
‫النا‪ ،‬أما العالم الذي يفتقد الصيغة والشكل فهو‬
‫يعني اختفاء النا‪ ،‬وهذا يعني أن مركزك‬
‫َ‬
‫ونقطتك الوسطى الساسية في كل مكان أول‬
‫تنتمي لعالم المكان‪ .‬هذا محتمل مع انه يبدو‬
‫ث لي‪ .‬وعندما‬ ‫شبه المستحيل ولكن هذا ماحد َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م من خلل تجربتي‬ ‫م عن ذلك فأنا أتكل ّ ُ‬ ‫‪.‬أتكل ُ‬
‫حيثما كنت أو ستكون فقد كنت أنا هناك‪ ،‬وحيثما‬
‫ن هناك‪ .‬انظر إلي‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كو َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫كنت أنا فأنت ُيمك ُ‬
‫بعمق قدر المكان وستشعر بي بشكل عميق‬
‫‪.‬وستشعر أنني مستقبلك وفرصتك المتاحة‬
‫ل إستسلم لي‪ ،‬فهذا يعني الستسلم‬ ‫حينما َأقو ُ‬
‫لهذه المكانية واستخدام هذه الفرصة حيث‬
‫ك هو مجرد فكرة‪.‬‬ ‫ض َ‬‫ج‪ ،‬لن مر َ‬ ‫َ‬
‫ن ُتعال َ‬‫نأ ْ‬ ‫مك ِ ُ‬
‫يُ ْ‬
‫المير أصيب بالجنون لنه وحد نفسه مع فكرة‬
‫كل شخص منا مجنون‪ ،‬مالم يفهم بأّنه‬ ‫أنه ديك‪ُ .‬‬
‫ي شكل أو صيغة‪ ،‬وعند ذلك‬ ‫ليس متحدا مع أ ّ‬
‫‪.‬يصبح الشفاء النفسي أمرا ممكنا‬
‫ن أي أحد بشكل‬ ‫ن يَ ُ‬
‫كو َ‬ ‫لذلك الشخص العاقل ل ْ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫نأ ْ‬ ‫خاص‪ ،‬ولن يملك أي شكل او صيغة‪ ،‬ول ُيمك ُ‬
‫ن‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫َ‬ ‫ي ُ‬
‫كو َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫كون أو يملك‪ .‬الشخص المجنون ُيمك ُ‬
‫أحدا ما ‪ -‬سواء ديكا َأو إنسانا أو رئيسا لشركة‪،‬‬
‫َأو أي أحد آخرمطلقًا‪ .‬الشخص العاقل يشعر‬
‫‪.‬باللجسدية وهنا يكمن الخطر الرئيس‬
‫لقد أتيت لعندي كأحد ما‪ ،‬أو لأحد ولكن إذا‬
‫سمحت لي وأعطيتني فرصة‪ ،‬فستصبح لأحد أو‬
‫سيختفي هذا اللأحد‪ .‬كل الجهود موجهة لجعلك‬
‫لأحد‪ ،‬ولكن لماذا؟ لماذا الطموح بان تصبح ل‬
‫ح ل أحد‪ ،‬فلن تستطيع‬ ‫أحد؟ لنه مالم ُتصب ُ‬
‫الستمتاع بالسعادة الروحية‪ ،‬مالم تحصل على‬
‫حل‬ ‫ذلك فلن تذوق النشوة الحقيقية‪ ،‬مالم ُتصب ُ‬
‫ت لك‪ -‬أنت َتستمربانفاق عمرك‬ ‫أحد فالبركة ليس ْ‬
‫‪.‬الغالي هباء‬
‫في الحقيقة انت لتحيا‪ ،‬أنت َتجر نفسك‬
‫ل نفسك كعبء ثقيل وتتجه‬ ‫حم ُ‬ ‫ببساطة‪ ،‬أنت ت َ ْ‬
‫نحو القبر‪ ،‬معانيا من لحظات اللم الكثيرة‪،‬‬
‫س هناك ولو‬ ‫ولحظات اليأس والحزن الكثر‪ ،‬ولي َ‬
‫ن نعمة السعادة‪ ،‬ليس لشيء إل‬ ‫شعاع واحد م ْ‬
‫ع العبور إليك‪ .‬إذا كنت‬ ‫لن هذا الشعاع لَيستطي ُ‬
‫ة‪،‬‬‫ن الحجار ِ‬
‫م ْ‬
‫أحدا ما‪ ،‬فأنت مثل كتلة صلبة ِ‬
‫ن َيخترقها أي شيء ليدخل فيها‪ .‬عندما‬ ‫َ‬
‫نأ ْ‬ ‫مك ِ ُ‬‫لي ُ ْ‬
‫تكون لأحد فستبدأ ثقوب صغيرة بالظهور لتكبر‬
‫فيما بعد وتسمح للنور بالعبور إلى عالمك‬
‫الداخلي‪ .‬عندما تكون لأحد‪ ،‬فأنت فارغ‪ ،‬شفاف‪،‬‬
‫عبرمن خللك‪ ،‬لنه ليس‬ ‫َ‬ ‫ويمكن ل ُ‬
‫ني ْ‬
‫كل شيء أ ْ‬
‫‪.‬هنالك عائق يمانع ذلك وليس هنالك مقاومة‬
‫عني‬ ‫أنت الن تشبه الحائط‪ ،‬والحائط في داخلك ي ْ‬
‫هذا ال )أحد(‪ ،‬أما عندما تصبح بابا مفتوحا فأنت‬
‫لأحد‪ .‬الباب يعني الفراغ‪ ،‬حيث يمكن لي شخص‬
‫عبر‪ ،‬بدون ان يشعر بالمقاومة‪ ،‬أو‬ ‫أو شيء أن ي َ ْ‬
‫الموانع‪ ،‬او بوجود شخص ما‪ .‬أنت مجنون‪ ،‬أنت ل‬
‫ح صحيحا من الناحية النفسية‬ ‫أحد‪ .‬وهكذا سُتصب ُ‬
‫‪.‬للمرة الولى‬
‫ولكن المجتمع المحيط بنا وأنظمة التعليم‬
‫والحضارة والثقافة‪ ،‬كلها تزرع في داخلك هذا‬
‫ن تصبح أحدا ما من‬ ‫َ‬
‫)الحد( وتساعدك أ ْ‬
‫الشخصيات المهمة‪ .‬فلذلك أنا َأقول‪ :‬أن الدين‬
‫ضد الحضارة‪ ،‬والتعليم‪ ،‬والثقافة‪ ،‬لن الدين مع‬
‫‪.‬الفطرة ومع عالم الداو‬
‫ل الحضارات ضد الفطرة الطبيعية للنسان‪،‬‬ ‫كُ ّ‬
‫لنها تطمح أن تجعل منك إنسانا مهما بشكل‬
‫خاص‪ .‬وكلما تبلورت شخصيتك في هذه‬
‫الشخصية المهمة كلما تناقص قسط الربانية‬
‫ن يمر إليك‬‫‪.‬الذي يمكن أ ْ‬
‫ب إلى المعابد‪ ،‬والكنائس‪ ،‬وإلى رجال‬ ‫ذه ُ‬ ‫أنت ت َ ْ‬
‫الدين‪ ،‬ولكنك هناك أيضا ً تبحث عن طريقة‬
‫لتصبح شخصا ما مهما في العالم الخر‪ ،‬إن‬
‫التفكير الغارق في دوامة الطموحات وتحقيق‬
‫النجاح يمشي في أثرك ويتبعك كظلك‪ .‬وحيثما‬
‫تذهب فسيكون تفكيرك حائما حول فكرة الربح‬
‫والنجاح‪ ،‬والحصول على شيء ما‪ .‬إذا جاء أحد‬
‫منك إلى هنا ليحقق واحد من هذه الهداف‬
‫فليسافر وكلما كان سفره أسرع كلما كان‬
‫أفضل له‪ ،‬عليه أن يهرب مني بأسرع ما يمكن‪،‬‬
‫ح شخص ما‬ ‫َ‬
‫دتك لتصب َ‬ ‫ع َ‬
‫سا َ‬
‫م َ‬
‫ع ُ‬
‫‪.‬لنني ل أستطي ُ‬
‫دك‬ ‫ُ‬ ‫ت عدو َ‬
‫مكنني أن أساع ُ‬ ‫ك‪ .‬ولكن أنا ي ْ‬ ‫أنا لس ُ‬
‫لكي تصبح لأحد‪ .‬أنا أستطيع دفعك للسقوط‬
‫في الهاوية‪ ،‬في واد بل قعر‪ .‬أنت لن تحصل‬
‫معي على أي شيء‪ ،‬أنت ستذوب ببساطة‪ .‬أنت‬
‫ط وَتسقط وتذوب‪ ،‬وفي تلك اللحظة‬ ‫ستسق ُ‬
‫عندما تذوب بشكل كامل فسيشعر كل وجودك‬
‫الدااخلي بالنشوة‪ ،‬وسيحتفل الوجود كله بهذا‬
‫‪.‬الحدث‬
‫بوذا وصل إلى هذا‪ ،‬وأنا أستعمل فعل "وصل"‬
‫لغويا‪ ،‬لنه ليس هنالك كلمة تعبر عن الفعل‬
‫بشكل أحسن‪ ،‬ومع ذلك فهي كلمة غير جيدة ول‬
‫تعبر عن الشيء الحقيقي‪ ،‬لنه لم يكن هناك‬
‫وصول ول حصول على شيء ما‪ ،‬ولكنك توصلك‬
‫لفهم ماذا أقول‪ .‬نعم لقد وصل بوذا إلى هذا‬
‫الفراغ‪ ،‬هذا العدم‪ .‬لقد جلس بوذا صامتا‬
‫لسبوعين‪ ،‬لربعة عشر يوم بشكل مستمر‪،‬‬
‫عمل أي شئ‬ ‫ليتحرك‪ ،‬ل يقول أي شيء‪ ،‬ول ي ْ‬
‫يقال بأن العالم العلوي قد فرح بهذا الحدث‪،‬‬
‫فمن النادر أن يحدث لشخص ما أن يصبح فراغا‬
‫كليا‪ ،‬لقد شعر كل وجوده بالسعادة والفرح وعند‬
‫ذلك أتته الملئكة الربانية وسجدوا له وقالوا‪:‬‬
‫"عليك أن تقطع صمتك وتحدث من حولك عن‬
‫الشيء الذي وصلت إليه‪ .‬ضحك بوذا وأجاب‪" :‬أنا‬
‫لم أصل إلى أي شئ‪ ،‬بالعكس لقد أضعت‬
‫"بسبب هذا التفكير الذي يحاول دائما ً َأن يصل‬
‫‪.‬لشيء" كل شيء‬
‫أنا لم أصل إلى أي شئ‪ ،‬ولم أحصل على أي‬
‫شيء بل بالعكس‪ ،‬لقد اختفى من كان يريد‬
‫الوصول‪ .‬لقد اختفيت للبد ولحظوا كم من‬
‫الجمال يحتوي اختفائي‪ ،‬لقد كنت بائسا عندما‬
‫كنت موجودا‪ ،‬وعندما اختفيت وفنيت‪ ،‬غمرت‬
‫السعادة كل شيء وفاضت النشوة واستمرت‬
‫ي‪ ،‬وعلى كل شيء‬ ‫تنهمر بشكل غير منقطع عل ّ‬
‫"‪.‬حولي‪ .‬لقد اختفى البؤس والعذاب إلى البد‬
‫قبل ذلك كان بوذا يقول‪ :‬الحياة بؤس وعذاب‪،‬‬
‫ل شيء يمتلئ‬ ‫الولدة بؤس‪ ،‬والموت شقاء وك ّ‬
‫بالبؤس‪ .‬نعم هكذا كان لن النا المزيفة كانت‬
‫مازالت موجودة‪ ،‬ولن مركبه لم يكن فارغا‪ .‬أما‬
‫الن فالمركب فارغ‪ ،‬ولم يعد هناك بؤس ول‬
‫حزن ول عذاب‪ ،‬وأصبح الوجود كله كما لو أنه‬
‫‪.‬يحتفل بالعيد احتفال لنهائيا إلى البد‬
‫ل أن قدومك إلي شيء فيه خطر‪،‬‬ ‫لذلك أنا َأقو ُ‬
‫وأنك قمت بخطوة مليئة بالمغامرة‪ .‬إذا كنت‬
‫‪.‬شجاعا‪ ،‬فستكون جاهزا للقفز في الهاوية‬
‫كل الجهود موجهة لقتلك‪ ،‬كل الجهود موجهة‬
‫لتهديمك وتحطيمك‪ .‬وعندما تتهدم فسيظهر‬
‫الشيء الداخلي الذي ل يمكن هدمه‪ ،‬هذا الشيء‬
‫موجود الن في داخلك بشكل مختف‪ .‬عندما‬
‫نقتلع جذور الشياء غير المهمة في عالمك‬
‫ونفسيتك فستعود للحياة وتعود شعلتك للتوقد‬
‫‪.‬واصل إلى الحتفال المطلق‬
‫هذه حكمة رائعة للحكيم تشوجوان تسزي‪ ،‬فهو‬
‫‪.‬يشبه الرجل الحكيم بالمركب الفارغ‬
‫ل الكامل‪ ،‬مركبه فارغ‪ ،‬حيث‬ ‫هكذا يكون الرج ُ‬
‫لأحد في الداخل‬
‫عندما يصادفك الحظ وتجتمع مع إنسان رباني‬
‫كالحكيم تشجوان تزي‪ ،‬أو الحكيم لو تزي‪ ،‬أو‬
‫حتى معي‪ ،‬فسترى أن هناك مركب‪ ،‬ولكنه فارغ‬
‫ول أحد فيه‪ .‬إذا نظرت ببساطة إلى السطح‪،‬‬
‫فسيخيل إليك أنه هناك شخص ما‪ ،‬لن المركب‬
‫موجود ولبد من وجود من يقوده‪ .‬ولكن إذا‬
‫نظرت بانتباه أكبر‪ ،‬واقتربت بشكل حقيقي إلي‪،‬‬
‫ناسيا عالم الجسد‪ ،‬وأن هناك مركب‪ ،‬فستقترب‬
‫‪.‬للقاء العدم‬
‫الحكيم تشجوان تزي ازدهار نادر‪ ،‬لنه من‬
‫ح النسان "ل أحد"‪ ،‬ومع ذلك فهو‬ ‫َ‬
‫ن ُيصب َ‬
‫الصعب أ ْ‬
‫شيء ممكن ومن أكثر الشياء العجيبة في‬
‫‪.‬العالم‬
‫التفكير العادي يريد بنهم أن يكون شيئا‬
‫استثنائيا‪ ،‬هذه المنية هي جزء من بساطته‬
‫ودليل على عموميته‪ .‬نعم أنت تستطيع أن ُتصبح‬
‫الكسندرالمقدوني‪ ،‬وَلكنك سَتبقى انسانا عاديا‬
‫مشوها‪ ،‬فمن سيكون غير عادي إذن؟ إن الشيء‬
‫غير العادي والروعة َتبدأ فقط عندما ل تريد ول‬
‫تتمنى أن تصبح انسانا غير عادي‪ ،‬هنا تبدأ الرحلة‬
‫وتبدأ البذور الجديدة بالعطاء والتفتح على شكل‬
‫‪.‬نبات جديد‬
‫هذا الذي يعنيه الحكيم تشجوان تزي عندما يقول‬
‫أن الرجل الكامل يشبه المركب الفارغ‪ ،‬وهذه‬
‫الكلمات تحمل أوجها عديدة ومعاني كثيرة‪:‬‬
‫فالمركب الفارغ أول‪ ،‬ل يطمح للوصول إلى أي‬
‫مكان‪ ،‬وهو ل يملك هدفا‪ ،‬لنه ليس هناك من‬
‫يوجهه أو يقوده للتوجه إلى مكان ما‪ .‬المركب‬
‫الفارغ موجود ببساطة دون أن يتوجه إلى أي‬
‫مكان‪ ،‬وحتى عندما َيتحرك فحركته غير موجهة‬
‫ي مكان‬ ‫‪.‬إلى أ ّ‬
‫ن‬‫عندما يختفي التفكير تبقى الحركة‪ ،‬وَلكنها ل َ ْ‬
‫ن شبيها‬ ‫ك‪ ،‬وَتتغي ُّر‪ ،‬وت َ ُ‬
‫كو ُ‬ ‫تكون موجهة‪ .‬أنت تتحّر ُ‬
‫ي‬
‫بتدفق النهر‪ ،‬ولكن ل تطمح للذهاب إلى أ ّ‬
‫مكان‪ ،‬ول يكون لك أي هدف منظور‪ .‬الرجل‬
‫الكامل يعيش بدون أمنيات‪ ،‬ويتحرك ولكن بدون‬
‫ي غرض‪ ،‬وبدون أي دافع‪ .‬إذا سألت الرجل‬ ‫أ ّ‬
‫الكامل‪" :‬ماذا تفعل؟ " فسيهز كتفيه ويجيبك‪:‬‬
‫ف‪ ،‬لكن هناك شيء ما يحدث‪ ".‬إذا‬ ‫عر ُ‬ ‫"ل أ َ ْ‬
‫سألتني لماذا َأتحدث معكم الن فسأجيب ‪:‬‬
‫ث‪،‬‬ ‫حد ُ‬ ‫"اسأل الزهرةَ لماذا ُتزهر وتتفتح‪ ".‬هذا ي َ ْ‬
‫وهو شيء ل يمكن توجيهه‪ ،‬لنه ليس هناك من‬
‫يؤثر على الوضع‪ ،‬لن المركب فارغ‪ .‬عندما يكون‬
‫ن بائسا بشكل دائم‪،‬‬ ‫سَتكو ُ‬ ‫لك غرض أو هدف ف َ‬
‫هل تعرف لماذا؟‬
‫ل الناس ذات مرة رجل بخيل بشكل ل‬ ‫سأ َ‬‫عندما َ‬
‫ت في َتجميع هذه الثروة‬ ‫ف َنجح َ‬
‫يوصف‪" :‬كي َ‬
‫الكبيرة؟ " أجاب موضحا‪" :‬بفضل شعاري‪ :‬كل‬
‫شيء يمكن أن ُيفعل غدا ً افعله اليوم‪ ،‬وأجل‬
‫ن شعاَري‪ ".‬هذا‬ ‫متعة اليوم إلى الغد‪ .‬هذا كا َ‬
‫النسان كان ناجحا في َتجميع ثروة طائلة‪،‬‬
‫والناس جميعا هكذا ينجحون في َتجميع كل أنواع‬
‫!الهراء‬
‫لقد كان البخيل بائسا أيضا‪ ،‬لنه من جهة نجح‬
‫في تجميع الثروة والنقود‪ ،‬ولكنه من ناحية‬
‫ح في َتجميع البؤس‪ .‬إن الشعار الذي‬ ‫أخرى نج َ‬
‫استخدمه لَتجميع المال‪ُ ،‬يستخدم أيضا لَتجميع‬
‫الشقاء‪" :‬كل شيء يمكن عمله غداً‪ ،‬اعمله‬
‫اليوم‪ ،‬الن مباشرة‪ ،‬ل تؤجله‪ .‬وكل شيء يعطي‬
‫السرور والسعادة الن ل تفعله‪ ،‬ل تتمتع أبدا‬
‫‪".‬الن‪ ،‬وأجل ذلك ليوم غد‬
‫خول في الجحيم‪ ،‬مع أنها‬ ‫هذه طريقة رائعة للد ُ‬
‫طريقة توصل النسان للنجاح دائمًا‪ ،‬ولم يسبق‬
‫َأن فشلت‪ .‬نعم بامكانك أن تحاول تطبيق هذه‬
‫الطريقة وستصل إلى النجاح‪ ،‬بل ربما كنت‬
‫تستعملها دون أن تعي ذلك فوصلت إلى النجاح‬
‫كن أن ُيشعرك بالسعادة‬ ‫م ِ‬‫بعد أن أجلت كل ما ي ْ‬
‫‪.‬والمتعة إلى الغد‬
‫لهذا السبب أراد اليهود صلب عيسى وليس‬
‫لسبب آخر‪ ،‬فالمسألة لم تكن أنهم ضده‪ ،‬فقد‬
‫كان السيد المسيح رجل كامل رائعا‪ ،‬فلماذا كان‬
‫ده؟‬ ‫على اليهود أن يفكروا بصلبه ويكونوا ض ّ‬
‫ن هذا الرجل‪ .‬لقد‬ ‫بالعكس‪ ،‬لقد كانوا ينتظرو َ‬
‫كانوا يأملون لقرون وينتظرون‪ ،‬متى يجئ‬
‫المسيح المنتظر؟‬
‫َ‬
‫وبعد ذلك كله فجأة هذا المسيح يعلن‪" :‬أنا‬
‫المسيح المنتظر الذي تنتظرونه‪ ،‬لقد أتيت الن‪،‬‬
‫"‪.‬انظروا إلي‬
‫ن َينتظَر‪،‬‬ ‫َ‬
‫نأ ْ‬‫مك ِ ُ‬
‫لقد انزعج القوم‪ ،‬لن التفكير ي ُ ْ‬
‫ع‬‫ع بالنتظار دائمًا‪ ،‬ولكنه ل َيستطي ُ‬ ‫وهو يستمت ُ‬
‫ع مقابلة‬ ‫ة وجها لوجه‪ ،‬ول َيستطي ُ‬ ‫هة الحقيق ِ‬ ‫ج َ‬
‫وا َ‬
‫م َ‬ ‫ُ‬
‫‪.‬اللحظة الراهنة‬
‫ل هذا المر دائما ً‬ ‫ج َ‬‫لقد كان من الممكن أن ُيؤ ّ‬
‫سيأتي قريبًا‪،‬‬ ‫وبكل سهولة‪ ،‬المسيح المنتظر َ‬
‫نعم لقد أصبح موعد قدومه قريبا‪ .‬لقد انشغل‬
‫ن‬
‫تفكير اليهود لقرون عديدة بذلك وكانوا َيعتقدو َ‬
‫م‬ ‫جلون‪ ،‬وفجأة أتى هذا الرجل لُيحط َ‬ ‫بذلك وُيؤ ّ‬
‫َ‬
‫كل آمالهم وُيعلن‪" :‬أنا هنا" لقد تزعزع تفكيرهم‬ ‫ُ‬
‫وكان لبد أن يفكروا بقتله‪ ،‬لكي يستطيعوا‬
‫‪.‬متابعة العيش مع المل في يوم غد‬
‫لقد أعلن الكثيرون وَليس فقط السيد المسيح‬
‫منذ ذلك الحين‪َ" :‬أنا هنا‪َ ،‬أنا صاحب رسالة "‬
‫وكان اليهود دائما ً ينكرونه‪ ،‬لنهم لو اعترفوا به‬
‫فلن يقدروا على المل بيوم غد ولن يتمكنوا من‬
‫التأجيل! لقد كانوا يعيشون مع هذا المل الذي‬
‫كان يتوهج في تفكيرهم‪ ،‬وكانوا يعتقدون بإيمان‬
‫عميق يصعب تصديقه! لقد كان من اليهود من‬
‫ي ََنام في الليل وكله أمل بأن هذه هي الليلة‬
‫الخيرة‪ ،‬وفي الصباح سيأتي المسيح‬
‫‪!. . . .‬المنتظر‬
‫ت عن حبر كان يقول لزوجته‪ " :‬إذا‬ ‫لقد سمع ُ‬
‫ظهر المسيح المنتظر في الليل فل تنتظري ول‬
‫ثانية وأيقظيني مباشرة‪ ،‬المسيح يقترب أكثر‬
‫‪".‬فأكثر ويمكن أن يظهر في أي لحظة‬
‫ت عن حبر آخر كان ابنه يزمع على الزواج‪،‬‬ ‫وسمع ُ‬
‫فأرسلوا الدعوات إلى الصدقاء‪ ،‬و َ‬
‫كتبوا عليها‪:‬‬
‫ج في القدس في هذا التاريخ وهذه‬ ‫و ُ‬ ‫سُيتز ّ‬ ‫"ابني َ‬
‫الساعة‪ ،‬ولكن إذا لم يظهر المسيح المنتظر‬
‫حتى ذلك الوقت فإن ابني سيتزوج في هذه‬
‫عرف؟ ربما ريثما يأتي يوم العرس‬ ‫القرية‪ ".‬من ي َ ْ‬
‫يظهر المسيح المنتظر وعند ذلك لن نكون هنا‬
‫ن في القدس للحتفال بقدومه!‪ .‬وإذا‬ ‫وإنما نكو ُ‬
‫لم يظهر حتى ذلك الوقت فعند ذلك سنكون هنا‬
‫‪.‬في هذه القرية‬
‫ن وكلهم أحلم‬ ‫ن وَينتظرو َ‬ ‫لقد كانوا َينتظرو َ‬
‫مليئة بالمل‪ .‬لقد كان تفكير اليهود مشغول‬
‫دائما بالفكرة المتكررة عن قدوم المسيح‬
‫المنتظر‪ .‬ولكن عند قدوم المسيح‪" ،‬أي مسيح‬
‫على مرور التاريخ" كانوا ينكرونه على الفور‪.‬‬
‫م ذلك جيدا‪ .‬هكذا يعمل التفكير‪ :‬أنتم‬ ‫ه َ‬ ‫عليكم ف َ‬
‫تعيشون في انتظار السعادة والسرور وعندما‬
‫‪!!.‬تأتي تنكرونها وتديرون ظهوركم إليها‬
‫ل‪ ،‬ولكنه‬ ‫َ‬
‫ش في المستقب ِ‬ ‫عي َ‬ ‫ن يَ ِ‬
‫التفكير يستطيع أ ْ‬
‫ع أن يعيش في الحاضر‪ ،‬نحن نستخدم‬ ‫ل َيستطي ُ‬
‫الحاضر لكي نتمنى ونأمل‪ ،‬مما يجعل بؤسنا‬
‫عْيش في هذه اللحظة‬ ‫مستمرا‪ .‬عندما نبدأ بال َ‬
‫بالذات‪ ،‬الن – هنا‪ ،‬فسوف َيختفي البؤس من‬
‫‪.‬حياتنا‬
‫ولكن هل يناسب ذلك النا؟ النا هي التراكمات‬
‫الموجودة من الماضي‪ ،‬وهي كل ما عرفناه‬
‫ث معنا في‬ ‫وعشناه وقرأناه وهي كل ما حد َ‬
‫الماضي‪ ،‬كل هذا متراكم في النا المزيفة التي‬
‫‪.‬تعتبرونها شخصيتكم‬
‫ن ينعكس في المستقبل‪ ،‬لن‬ ‫َ‬
‫نأ ْ‬ ‫مك ِ ُ‬ ‫الماضي ي ُ ْ‬
‫المستقبل ما هو إل امتداد للماضي ولكن‬
‫مواجهة الحاضر‪ .‬الحاضر‬ ‫الماضي ل يملك القوة ل ُ‬
‫شيء مختلف كليًا‪ ،‬فهو يملك نوعية التواجد في‬
‫حالة "الن – هنا"‪ ،‬أما الماضي فهو ميت دائما‪.‬‬
‫كل شيء‬ ‫الحاضر شيء حي‪ ،‬بل هو منبع الحياة ل ُ‬
‫حي‪ .‬الماضي والمستقبل ل َيستطيعان مواجهة‬
‫الحاضر وجها لوجه وهما في الحقيقة ميتان‬
‫‪.‬وغير موجودان‬
‫ك المزيفة‪ ،‬هي ماضيك‪ ،‬وما لم ُتصبح‬ ‫إن أنا َ‬
‫فارغا منها فلن تستطيع أن َتكون "هنا"‪ ،‬وما لم‬
‫‪.‬تكن "هنا" فلن تستطيع أن تكون حيا‬
‫ة الحياة وسعادتها التي تنساب‬ ‫كيف َتعرف نعم َ‬
‫عليك في كل لحظة وأنت َتتجاوز كل ذلك وتمر‬
‫‪.‬دون الشعور به؟‬
‫يقول تشجوان تزي‪ :‬النسان الكامل ‪ -‬مركبه‬
‫‪.‬فارغ‬
‫ولكن السؤال المركب فارغ من ماذا؟ فارغ من‬
‫‪.‬النا المزيفة‪ ،‬فارغ من أي شخص في الداخل‬
‫م الناس يعيش دائما حياة مليئة‬ ‫حك ُ‬
‫الذي ي َ ْ‬
‫بالضطرابات ؛‬
‫حزن‬ ‫‪.‬الذي يحكم الناس يعيش في ال ُ‬
‫م الناس دائما حياة مليئة‬ ‫حك ُ‬
‫لماذا يعيش الذي ي َ ْ‬
‫بالضطرابات؟ الرغبة بالسيطرة َتجيء من النا‬
‫المزيفة؛ الرغبة بالمتلك‪ ،‬وبأن تكون قويا‪ ،‬وأن‬
‫تؤثر على من حولك تجيء من النا‪ .‬كلما كانت‬
‫المملكة التي تسيطر عليها وتملكها أكبر كلما‬
‫كانت النا التي تسمح بنموها أكبر‪ .‬مع ازدياد‬
‫أملكك يصبح ال "لأحد" الداخلي أكبر وأكبر‬
‫وأكبر‪ .‬حتى ان المركب كثيرا مايصبح صغيرا جدا ً‬
‫‪.‬لن النا المزيفة تصبح كبيرة لدرجة مخيفة‬
‫هذا هو الشيء الذي يحدث مع السياسيين‪ ،‬ومع‬
‫الناس المهوسون بالثروة‪ ،‬والسمعة‪ ،‬والسلطة‪.‬‬
‫لقد أصبحت النا المزيفة عندهم نامية بشكل‬
‫كبير‪ ،‬بحيث أن مراكبهم لم تعد َتستطيع حملهم‪.‬‬
‫هؤلء الناس يعيشون دائما على وشك الغرق‪،‬‬
‫وهم دائما خائفون ويملؤهم الرعب لدرجة‬
‫مميتة‪ .‬الحقيقة أنه كلما خاف النسان أكثر‪،‬‬
‫كلما أصبح يعتني بالخصوصيات أكثر‪ ،‬لنه يظن‬
‫أنه بمساعدة الملك أو السلطة يستطيع أن‬
‫يصل لحالة من المن‪ .‬كلما خاف النسان أكثر‪،‬‬
‫ن َأن يجلب إليه‬ ‫كلما أعتقد أن اتساع مملكته يمك ُ‬
‫‪.‬المن أكثر وأكثر‬
‫م الناس يعيش دائما حياة مليئة‬ ‫حك ُ‬‫الذي ي َ ْ‬
‫بالضطرابات‬
‫الحقيقة أن الرغبة في السلطة وأن تكون زعيما‬
‫للناس تنبع من الضطراب الداخلي‪ ،‬لنك عندما‬
‫تقود الناس‪ ،‬فسيساعدك ذلك على نسيان‬
‫الضطراب الداخلي‪ ،‬نعم هذا نوع من الهروب‪,‬‬
‫والخداع‪ ،‬لن المريض عندما يعتني بمريض آخر‬
‫‪.‬فهو ينسي مرضه الخاص‬
‫يقولون أن بيرناردشو اتصل بطبيبه الخاص‬
‫وقال‪" :‬أنا في حالة سيئة لنني أشعر أن قلبي‬
‫" !سيتوقف‪ ،‬تعال فورا ً‬
‫صعدَ الثلثة‬
‫ركض الطبيب وكان ل بد له أن ي َ ْ‬
‫سللم لعند مريضه بشكل سريع مما أدى لتعرقه‬
‫وتسرع نبض قلبه وفور دخوله لعند المريض‬
‫ودون أن يتكلم ول بكلمة سقط على أول كرسي‬
‫قفز بيرناردشو من سريره‬ ‫ق عينيه‪َ .‬‬ ‫وجده وأغل َ‬
‫حدث معك؟ " فأجاب‬ ‫وسأل برعب‪" :‬ماذا ي ْ‬
‫َ‬
‫الطبيب‪" :‬ل شيء لشيء‪ ،‬يبدو أنني أموت‪،‬‬
‫"‪.‬وأنني أعاني من نوبة قلبية‬
‫دته‪ ،‬وجلب له كأس من‬ ‫ع َ‬
‫سا َ‬‫م َ‬
‫بدأ بيرناردشو ب ُ‬
‫الشاي‪ ،‬وبضعة حبوب من السبيرين‪ ،‬وفعل كل‬
‫مافي وسعه أن يفعل‪ .‬وبعد مضي نصف ساعة‪،‬‬
‫عاد الطبيب لوعيه‪ ،‬وقال فجأة‪" :‬الن علي‬
‫"!المغادرة‪ ،‬أرجو أن تعطيني أجري‬
‫فصاح بيرناردشو‪" :‬ياللهول! أنت يجب َأن َتدفع‬
‫ض حولك لمدة نصف ساعة‪ ،‬ثم‬ ‫َ‬
‫لي! لقد كنت أرك ُ‬
‫"!إنك لم تسألني حتى عن صحتي وبماذا أشعر‬
‫ب قال‪" :‬لقد عالجتك‪ ،‬هذا هو علجي‬ ‫لكن الطبي َ‬
‫"‪.‬لك وعليك أن َتدفع لي أجرتي‬
‫عندما يكون النسان مهتما ً بمرض شخص آخر‬
‫فهو ينسى مرضه الخاص‪ ،‬فلذلك نجد هذا العدد‬
‫الكبير من الزعماء‪ ،‬والمسؤولين والمعلمين‬
‫الروحيين‪ .‬لن ذلك يشغلهم عن مشاكلهم‬
‫الخاصة‪ .‬عندما تكون حياتك مليئة بالعناية بالناس‬
‫الخرين‪ ،‬وبخدمة الشعب‪ ,‬عندما تكون موظفا‬
‫للخدمات الجتماعية‪ ،‬وتكون تساعد الخرين‪،‬‬
‫فستنسى اضطرابك الداخلي الخاص‪ ،‬وستصبح‬
‫مشغول عن عدم الترتيب والفوضى الداخلية في‬
‫‪.‬عالمك الروحي‬
‫الطباء النفسانيون ليصابون بالجنون أبدًا‪ ،‬ل‬
‫ده‪ ،‬ولكن لنهم مشغولون‬ ‫لنهم محصنون ض ّ‬
‫معالجتهم ومساعدتهم‬ ‫كثيرا ً بجنون الخرين وب ُ‬
‫على تجاوز المرض‪ ،‬مما يجعلهم ينسون بالكامل‬
‫َ‬
‫ن يصابوا بالجنون‬ ‫نأ ْ‬‫مك ِ ُ‬‫‪.‬أنهم أيضا ً ي ُ ْ‬
‫ت على العديد من موظفي الخدمات‬ ‫لقد َتعّرف ُ‬
‫الجتماعية‪ ،‬ومع الزعماء‪ ،‬والسياسيون‪،‬‬
‫والمعلمون الروحيون‪ ،‬ووجدت أنهم يبقون‬
‫‪.‬أصحاء لنهم مليئون بالهتمام بالخرين‬
‫ولكن عندما تقود الخرين خلفك‪ ،‬وتجعل نفسك‬
‫فوقهم‪ ،‬فستكون النتيجة أن اضطرابك الداخلي‪،‬‬
‫سيولد الضطراب في حياتهم‪ .‬نعم قد تكون أنت‬
‫قد تماثلت للشفاء‪ ،‬وقد يكون هذا مخرج مريح‬
‫لمشاكلك الداخلية ولكنه نشر لمرضك‪ ،‬ونقل‬
‫‪.‬للعدوى إلى المحيطين‬
‫م الناس يعيش دائما حياة مليئة‬ ‫حك ُ‬ ‫الذي ي َ ْ‬
‫بالضطرابات‬
‫س هو فقط يعيش بشكل مباشر في‬ ‫ولي َ‬
‫الضطراب‪ ،‬ولكنه يستمر بنشر الضطراب إلى‬
‫الخرين‪ ،‬لن الضطراب ل يولد إل الضطراب‪.‬‬
‫لذلك عليك أن تذكر دائما عندما تكون في حيرة‬
‫وتشتت القاعدة التالية‪ :‬ل تساعد أي أحد‪ ،‬لن‬
‫مساعدَتك تتحول إلى سم قاتل‪ .‬عندما تكون‬
‫مضطربا فل تعمل مع الخرين‪ ،‬لنك تتحول إلى‬
‫منبع للمشاكل ويصبح مرضك معديا‪ .‬ل َتعطي‬
‫نصيحتك لي أحد‪ ،‬وإذا كان عندك ولو قطرة من‬
‫الفهم فل َتأخذ النصيحة من شخص متحير أو‬
‫‪.‬مضطرب‬
‫ق في حالة يقظة وحذر‪ ،‬لن الناس‬ ‫إب َ‬
‫ن دائما ً أن يعطوا النصائح‪،‬‬‫المضطربون يحبو َ‬
‫وهم يعطونها مجانا‪ ،‬ويوزعونها بسخاء وكرم!‬
‫‪.‬خذ حذرك! فالضطراب ل يولد إل الضطراب‬
‫حزن‬ ‫‪.‬الذي يحكم الناس يعيش في ال ُ‬
‫عندما تتعالى على الناس فأنت تعيش في‬
‫اضطراب‪ ،‬وعندما تسمح للغير بالتعالي عليك‬
‫‪:‬فأنت َتعيش في الحزن‪ ،‬لن الداو تريد‬
‫أن ل نؤثر على الخرين‬
‫‪.‬ول أن نصبح متأثرين بسلطتهم‬
‫ليس من الحكمة أن نحاول الَتأثير على الخرين‪،‬‬
‫ن منتبهين ويقظين لكي ل نقع‬ ‫والفضل أن نكو َ‬
‫تحت تأثير الخرين‪ .‬النا المزيفة ذات مقدرة‬
‫على التأثر والتأثير ولكنها ل تستطيع البقاء في‬
‫المنتصف‬
‫النا المزيفة تحاول الَتأثير على الناس مما‬
‫يجعلها تشعُر بالرتياح‪ ،‬لنها تتعالى في ذلك عن‬
‫ن النا المزيفة‬ ‫المحيط‪ ،‬ولكن يجب أن نتذكر أ ّ‬
‫تشعر بأنها في وضع ليس بالسيء عندما تكون‬
‫تحت سيطرة شخص أو شيء ما‪ .‬العبيد يشعرون‬
‫‪.‬بالرتياح عندما يخضعون لوامر سيدهم‬
‫هناك نوعان للتفكير في هذا العالم‪ :‬التفكير‬
‫الذي ُيحب السيطرة‪ ،‬وهو في الغلب تفكير‬
‫ذكري‪ ،‬والتفكير الذي ُيحب أن ُيسيطر عليه‪ ،‬وهو‬
‫في الغالب تفكير أنثوي‪ ،‬وعندما أقول أنثوي‬
‫فأنا ل أقصد النساء فقط وعندما أقول ذكري‬
‫فأنا ل أقصد الرجال فقط‪ .‬لنه هناك نساء ذوات‬
‫‪.‬تفكير ذكري‪ ،‬وهناك رجال ذوي تفكير أنثوي‬
‫ب السيطرة‪،‬‬ ‫هذان هما نوعا التفكير‪ :‬الول ُيح ّ‬
‫ب أن ُيسيطَر عليه‪ ،‬وفي كلتي‬ ‫والثاني ُيح ّ‬
‫الحالتين تكون النا المزيفة في وضع جيد لنه‬
‫ليس من المهم أن ُتسيطر على أحد أو ُيسيطر‬
‫عليك‪ ،‬المهم هو أنت‪ .‬فعندما ُيسيطُر عليك‬
‫شخص ما‪ ،‬فأنت أيضا ً شيء مهم‪ ،‬لن هيمنَته‬
‫وسيطرته َتعتمد عليك‪ ،‬فهو بدونك‪ ،‬على من‬
‫سيسيطر؟ وكيف ستكون مملكَته‪ ،‬وهيمنته‪،‬‬
‫‪.‬وامتلكه؟ فهو بدونك‪ ،‬سيصبح ل أحد‬
‫في كلتي الحالتين تشعر النا المزيفة أنها في‬
‫وضع جيد‪ ،‬لنها ل تموت إل في المنتصف‪ .‬ل‬
‫َتكن تحت السيطرة‪ ،‬ول ُتحاول السيطرة على‬
‫‪.‬أحد‬
‫ث في تلك‬ ‫عليك أن تتخيل ببساطة ماذا سيحد ُ‬
‫الحالة التي تصبح فيها غير مهم‪ ،‬وغير ذي قيمة‬
‫في أية حال‪ ،‬سواء كنت سيدا أو عبدا‪ .‬السادة ل‬
‫يستطيعون العيش بدون عبيد‪ ،‬والعبيد ل‬
‫ن العيش بدون سادة‪ ،‬لن كل الطرفين‬ ‫يستطيعو َ‬
‫محتاجون لبعضهم البعض‪ ،‬وهم مكملون لبعضهم‬
‫البعض‪ ،‬كما في حالة الرجل والمرأة ُيكمل كل‬
‫‪.‬طرف منهما الخر بشكل أكيد‬
‫ن أنت‬ ‫م ْ‬
‫عندما ل َتكون ل هذا الطرف ول ذاك ف َ‬
‫عند ذلك؟ فجأة سَتختفي‪ ،‬لنه في هذه الحالة‬
‫أنت غير مهم مطلقًا‪ ،‬ليس هناك أحد مرتبط بك‪،‬‬
‫‪.‬وليس هناك من يحتاج إليك‬
‫هناك احتياج كبير عند معظم الناس لن يكون‬
‫هناك من يحتاج إليه‪ ،‬نعم تذكر دائما أنك َتشعر‬
‫بالرتياح عندما تكون مطلوبا‪ ،‬وهناك من يحتاج‬
‫ب لك هذا الوضع البؤس‪ ،‬ولكنك‬ ‫إليك‪ .‬أحيانًا‪ ،‬يجل ُ‬
‫رغم ذلك تحاول أن تبقى في وضعية يحتاج فيها‬
‫‪.‬أحد ما إليك‬
‫الطفل المشلول الذي ل يستطيع مفارقة‬
‫السرير‪ ،‬تبقى أمه بشكل دائم قلقة بشأنه‬
‫وتتسائل ما العمل؟ هي تقول لنفسها دائما‬
‫م وأعتني بهذا الطفل‪ ،‬ولكن حياتي‬ ‫يجب أن أخد َ‬
‫تضيع بدون معنى حيث ل أجد المجال لبناء‬
‫ت هذا الطفل‪،‬‬ ‫حياتي الخاصة‪ .‬ولكن عندما يمو ُ‬
‫فستشعر الم أنها ضائعة‪ ،‬وغير سعيدة لن هذا‬
‫الطفل كان يحتاجها بشكل شديد‪ ،‬بحيث أصبحت‬
‫‪.‬مهمة للغاية‬
‫عندما ل يكون هناك من يحتاجك فمن أنت عند‬
‫ذلك؟ نحن نطمح دائما لنشاء حالة يكون فيها‬
‫من يحتاجنا‪ ،‬فحتى العبيد مطلوبون في مستوى‬
‫‪.‬معين‬
‫فلذلك الداو ل تريد‬
‫أن نؤثر على الخرين‬
‫‪.‬ول أن نصبح متأثرين بسلطتهم‬
‫إن الطريق لكي نتخلص من الضطرابات والحزن‬
‫ش مع الداو في عالم الفراغ‬ ‫‪.‬أن نعي َ‬
‫ض الفراغ‪،‬‬ ‫هذه النقطة هي في الوسط وهي أر ُ‬
‫أو الباب إلى أرض الفراغ‪ ،‬عندما ل تكون‬
‫موجودا‪ ،‬ول يكون هناك من يحتاجك‪ ،‬ولست‬
‫بحاجة إلى أي أحد‪ .‬أنت موجود كما لو أنك غير‬
‫موجود‪ .‬عندما تكون غير مهم فلن تستطيع النا‬
‫بالستمرار والعناد‪ .‬فلذلك يستمر كل الناس‬
‫بالطموح بأن يكونوا مهمين بشكل أو بآخر‪،‬‬
‫وحينما يشعرون بذلك فهم يشعرون بالرتياح‪،‬‬
‫ولكن الحقيقة أن في هذا عذابك وشقائك‬
‫‪.‬وحيرتك‪ ،‬وامتداد لجذور جحيمك‬
‫ف يمكن أن تتحرر؟ يجب أن َتنظر إلى هاتين‬ ‫ك َي ْ َ‬
‫النهايتين‪ .‬بوذا سمى ديانته "الطريق المتوسط"‪،‬‬
‫ن التفكير يعيش على طرفي نقيض‪،‬‬ ‫لنه لحظ أ ّ‬
‫ولكن عندما نقف في المنتصف‪ ،‬فسوف يختفي‬
‫‪.‬التفكير‬
‫ت رياضيا يمشي على الحبل؟ عندما‬ ‫هل رأي َ‬
‫تذهب في المرة القادمة إلى السيرك حاول أن‬
‫تراقب الماشي على الحبل‪ ،‬فهو حينما يميل‬
‫إلى اليسار‪ ،‬يتحرك فورا ً نحو اليمين للموازنة‪،‬‬
‫وعندما يشعر بأنه مال كثيرا ً إلى اليمين‪ ،‬يميل‬
‫‪.‬فورا إلى اليسار للموازنة‬
‫من الضروري أن تتحرك إلى الجهة المقابلة وأن‬
‫تميل إلى الجهة المعاكسة التي تحفظ التوازن‪.‬‬
‫ن عبيدا‪،‬‬
‫فلذلك يحدث كثيرا أن السادة ُيصبحو َ‬
‫ة‪ ،‬وكثيرا ما يتحول‬‫وأن العبيد يصبحون ساد َ‬
‫أصحاب السيطرة إلى خاضعين‪ ،‬والخاضعون إلى‬
‫أصحاب سلطة ونفوذ وهكذا حتى اللنهاية يبقى‬
‫القانون الشامل هو "العودة إلى التوازن‬
‫‪".‬والحفاظ عليه‬
‫هل لحظت هذا القانون في علقاتك؟ عندما‬
‫تكون متزوجا‪ ،‬فهل أنت حقا "زوج" في مدة‬
‫الربع وعشرين ساعة؟ إن لم تلحظ ذلك فأنت‬
‫قليل النتباه‪ ،‬ففي مدة الربع وعشرين ساعة‪،‬‬
‫ث التغير أربع وعشرين مرة على القل‪،‬‬ ‫يحد ُ‬
‫حيث تصبح الزوجة هي الزوج ‪ ،‬والزوج هو‬
‫الزوجة أحيانا‪ ،‬ثم يعود الزوج ليكون زوجا‬
‫‪.‬والزوجة زوجة في أحيان أخرى‬
‫وهكذا يستمر الَتغير من اليسار إلى اليمين‪ ،‬ومن‬
‫اليمين إلى اليسار‪ ،‬وتستمر الحياة كالذي يمشي‬
‫على حبل مشدود‪ ،‬عليه أن ُيحافظ على التوازن‪.‬‬
‫وتستمر عملية الحذر والحفاظ على التوازن بين‬
‫الزوجين بشكل مستمر‪ ،‬دون أن يسمح أحدهما‬
‫للخر بخرق هذا القانون وتجاوزه لكي ل تتحطم‬
‫‪.‬العلقة ثم تتوقف‬
‫عندما ل تكون في وضعية البهلوان الذي يمشي‬
‫على الحبل فمن الصعب أن تلحظ كيف يبقى‬
‫في توازن مستمر في المنتصف‪ ،‬بدون أن يميل‬
‫إلى اليمين ول إلى اليسار‪ .‬لقد كان المشي‬
‫على الحبل في جبال التبيت ُيستعمل للتأمل‪،‬‬
‫لنه في المنتصف‪ ،‬وعند التوازن يختفي‬
‫التفكير‪ .‬وهو يعود إلى التواجد والظهور عندما‬
‫َتميل إلى اليمين‪ ،‬محذرا إياك‪" :‬وازن‪ ،‬عليك‬
‫"‪.‬بالميل إلى اليسار‬
‫عندما تظهر المشكلة‪ ،‬يظهر التفكير‪ .‬وعندما ل‬
‫يكون هناك مشاكل‪ ،‬ل يستطيع التفكير أن‬
‫يظهر؟ عندما تكون في المنتصف بشكل ثابت‬
‫ومتوازن كليًا‪ ،‬لن يكون هناك تفكير‪ .‬الموازنة‬
‫‪َ.‬تعني اختفاء التفكير‬
‫ت عن أم كانت قلقة جدا بشأن ابنها‪،‬‬ ‫لقد سمع ُ‬
‫الذي بلغ عشر سنوات ولم يتكلم حتى الن ول‬
‫كلمة واحدة‪ .‬لقد حاول الطباء بكل جهدهم‬
‫إيجاد السبب ولكنهم فشلوا في ذلك وقرروا‪:‬‬
‫"كل شيء على ما يرام‪ ،‬إن وضع الدماغ عادي‪،‬‬
‫والجسم ينمو بشكل جيد‪ ،‬وليس هنالك أي نقص‬
‫فيزيائي‪ ،‬إن الطفل يتمتع بصحة جيدة ونحن ل‬
‫نستطيع أن نفعل شيئا تجاه حالته‪ ،‬نعم لو كان‬
‫هنالك شيء خاطئ‪ ،‬كان من الممكن أن نفعل‬
‫"‪.‬شيئا‬
‫وبينما كانت حالة الصبي مستمرة هكذا بدون‬
‫كلم‪ ،‬إذا به فجأة‪ ،‬في صباح أحد اليام يتكلم‬
‫ويقول‪ " :‬أمي‪ ،‬حلوة السميد هذه مالحة جدا‪،‬‬
‫"‪.‬ول يمكن أكلها‬
‫م أن تصدق ما تسمعه أذناها‪،‬‬ ‫لم تستطع ال ّ‬
‫وصرخت بتعجب وقالت‪" :‬ماذا! هل َتتكلم؟‬
‫وتنطق بهذا الشكل الجيد! لماذا كنت صامتا‬
‫دائمًا؟ لقد حاولنا إقناعك بكل جهدنا ولكنك لم‬
‫"‪.‬تَتكلم ول كلمة‬
‫أجاب الطفل‪":‬كل شيء كان على ما يرام ولكن‬
‫هذه المرة الولى التي تكون فيها الحلوة‬
‫"‪.‬مالحة‬
‫إذا كان كل شيء على ما يرام فلماذا يجب أن‬
‫َنتكلم؟‬
‫الناس يأتون لعندي وُيبدون ملحظتهم‪ " :‬أنت‬
‫َتستمّر بالكلم كل يوم" فأجيب‪ " :‬نعم‪ ،‬لن‬
‫الكثير من الناس الذين يمشون على الطريق‬
‫ن بالمجيء إلى هنا‪ .‬هناك‬ ‫الخطأ مازالوا يستمرو َ‬
‫الكثير من الشياء الخاطئة مما يضطرني للكلم‪،‬‬
‫إذا كان كل شيء على ما يرام فليس هنالك‬
‫حاجة للكلم‪ .‬أنا َأتكلم بسببك‪ ،‬لن حلوتك مالحة‬
‫"‪.‬جدا‬
‫التفكير يختفي عندما يصل للمنتصف بين أي‬
‫طرفين َأو قطبين‪ .‬حاول بنفسك المشي على‬
‫الحبل فهو تمرين رائع جميل‪ ،‬وهو أحد الطرق‬
‫الدقيقة للتأمل‪ .‬ليس هنالك حاجة لي شيء‬
‫ن تراقب نفسك أو ُتراقب‬ ‫َ‬
‫نأ ْ‬ ‫مك ِ ُ‬‫آخر‪ ،‬أنت ي ُ ْ‬
‫غيرك وهو يمشي على الحبل وسوف ترى كيف‬
‫‪.‬يحدث كل هذا‬
‫يجب أن نتذكر أن التفكير يتوقف على الحبل‪،‬‬
‫لن النسان يشعر بالخطر‪ ،‬وفي تلك اللحظة‬
‫‪.‬التي يعمل فيها تفكيره نراه يسقط‬
‫الماشي على الحبل ل يستطيع التفكير‪ ،‬لنه‬
‫ل لحظة‪ ،‬ويجب أن‬ ‫ظا في ك ُ ّ‬ ‫ق َ‬ ‫ني ِ‬ ‫عليه أن يكو َ‬
‫يحافظ على التوازن بشكل مستمر‪ .‬الماشي‬
‫س‬
‫ع الشعور بالمان‪ ،‬لنه لي َ‬ ‫على الحبل ل يستطي ُ‬
‫ع الشعور بأنه محمي‪ ،‬لنه‬ ‫آمنا‪ ،‬وهو ل َيستطي ُ‬
‫س محميا‪ ،‬الخطر موجود دائما ً وأي اختلل في‬ ‫لي َ‬
‫ي لحظة يعرضه للسقوط حيث‬ ‫التوازن في أ ّ‬
‫‪.‬ينتظره الموت ل محالة‬
‫عندما تمشي على الحبل فستجد شيئين‪ :‬يتوقف‬
‫التفكير لن هنالك خطر‪ ،‬وحينما َتكون في‬
‫المنتصف بشكل أكيد بدون ميل إلى اليسار ول‬
‫إلى اليمين‪ ،‬فسوف تلحظ أن هناك صمت‬
‫عظيم يتنزل عليك‪ ،‬صمت لم تكن تتوقع وجوده‬
‫ث في كل شيء‪ ،‬كل‬ ‫سابقا قبل ذلك‪ .‬وهكذا يحد ُ‬
‫‪.‬الحياة عبارة عن مشي على الحبل‬
‫لذلك رغبت الداو أن نبقى في المنتصف‪ ،‬وأن ل‬
‫كون‬ ‫كون مسيطرين أو تحت السيطرة‪ ،‬وأن ل ن ُ‬ ‫ن ُ‬
‫كون سيدا ول عبدا‬ ‫‪.‬زوج ول زوجة‪ ،‬وأن ل ن ُ‬
‫إن الطريق لكي نتخلص من الضطرابات والحزن‬
‫ش مع الداو في عالم الفراغ‬ ‫‪.‬أن نعي َ‬
‫ح الباب إلى أرض الفراغ‪.‬‬ ‫في المنتصف‪ ،‬يفت ُ‬
‫عندما ل تكون موجودا‪ ،‬يختفي العالم بأكمله‪،‬‬
‫لن العالم المحيط بك يعتمد عليك‪ ،‬نعم كل‬
‫العالم الذي أنشأته حولك يعتمد عليك‪ ،‬واختفاؤك‬
‫‪.‬يعني زواله بأكمله‬
‫أنا ل أقول أن الحياة تذهب في عالم اللوجود‪،‬‬
‫ولكن العالم المحيط يختفي وتظهر الحياة‪ .‬هذا‬
‫العالم الذي ُننشؤه بأفكارنا يذهب وتبقى الحياة‬
‫‪.‬الحقيقة في حيز الوجود‬
‫ن لك‪.‬‬ ‫كو َ‬‫ن موجودا‪ ،‬ولكنه لن ي َ ُ‬ ‫كو ُ‬ ‫سي َ ُ‬‫هذا البيت َ‬
‫ح بل‬ ‫سُتصب ُ‬ ‫ن موجودة ولكنها َ‬ ‫كو ُ‬ ‫ست َ ُ‬ ‫هذه الزهرة َ‬
‫كون جميلة ول قبيحة‪.‬‬ ‫اسم‪ .‬هذه الوردة لن ت ُ‬
‫ن موجودة‪ ،‬ولكن وجودها لن يحفز‬ ‫كو ُ‬‫الزهرة ست ُ‬
‫أية تعاريف أو مفاهيم في تفكيرك‪ .‬سيختفي‬
‫كل الهيكل التصوري لتفكيرنا‪ .‬وستبقى الحياة‬
‫بدون الصباغ التي نضعها عليها‪ ،‬عارية عن‬
‫تصوراتنا‪ ،‬بريئة عن أوهامنا‪ ،‬نظيفة صافية‬
‫كانعكاس لهذا الوجود‪ ،‬ولكل هذا الكون المحيط‪.‬‬
‫غ تختفي كل المفاهيم‪،‬‬ ‫ض الفرا ِ‬ ‫في أر ِ‬
‫‪.‬والتخيلت‪ ،‬والحلم‬
‫عبُر النهر‬‫إذا كان الرجل ي َ ْ‬
‫واصطدم مركب فارغ بزورقه الصغير الخاص‬
‫فلو أنه كان رجل سّيئ الطباع‬
‫ن يكون غاضبا جدا ً‬ ‫‪.‬فهو ل َ ْ‬
‫‪،‬ولكنه لو رأى رجل في ذلك المركب‬
‫فسيصرخ حتما عليه بأن يقود بشكل أحسن‬
‫وإذا لم يكن صياحه مسموعا فسيصرخ من جديد‬
‫وسيصرخ ثانية ثم يبدأ بإمطار ذاك الرجل‬
‫عنات‬‫بالل ْ‬
‫ل ذلك لنه هناك شخص ما في ذلك المركب‬ ‫‪.‬وك ُ ّ‬
‫‪،‬على الرغم من أنه لو كان المركب فارغا‬
‫‪،‬فلم يكن ليصيح‬
‫‪.‬ولم يكن ليغضب‬
‫عندما يستمر الناس بالصطدام بك والشجار‬
‫معك‪ ،‬عندما يكون الناس غاضبين منك‪ ،‬تذكر أن‬
‫س‬
‫هذا ليس خطأهم‪ ،‬وأن هذا يعني أن مركبك لي َ‬
‫فارغا‪ .‬الناس غاضبون لنك مازلت موجودا‪ .‬أما‬
‫عندما يكون المركب فارغا‪ ،‬فهم سيبدون‬
‫كالحمقى‪ ،‬لن توجيه الغضب على المركب‬
‫‪.‬الفارغ يدل على جهل وحماقة كبيرين‬
‫أحيانا يغضب الناس القريبون جدا مني‬
‫والحقيقة أنهم يبدون في غضبهم حمقى جدًا!‬
‫عندما يكون المركب فارغ‪ ،‬فقد تستمتع بغضب‬
‫الخرين‪ ،‬لنه ليس هنالك من يغضبون منه‪ ،‬نعم‬
‫هؤلء لم ينظروا هل يوجد الشخص الذي‬
‫!يسلطون عليه غضبهم أم ل‬
‫تذكر أنه عندما يستمر الناس بالصطدام بك‬
‫والشجار معك‪ ،‬فهذا يعني أنك موجود أكثر من‬
‫اللزم‪ ،‬وأنك حائط صلب ل يمكن عبوره‪ .‬يجب‬
‫أن تكون بابا‪ ،‬ويجب أن تصبح فارغًا‪ ،‬وأن تترك‬
‫ن من خللك‬‫‪.‬الناس يعبرو َ‬
‫ومع ذلك سيكون الناس غاضبون منك أحيانا‪،‬‬
‫الناس يحنقون ويصبون غيظهم حتى على بوذا‪،‬‬
‫لنه هناك أناس حمقى ل ينظرون عند اصطدام‬
‫مركبهم بمركب فارغ‪ ،‬ليستوضحوا هل هناك‬
‫شخص ما فيه أم ل‪ .‬هؤلء يبدأون بالصراخ‪،‬‬
‫لنهم مستاؤون جدا ضمن أنفسهم على كل‬
‫شيء‪ ،‬وغير قادرين على رؤية هل هناك شخص‬
‫‪.‬أمامهم أم ل‬
‫وفي هذه اللحظات المركب الفارغ يستطيع أن‬
‫يستمتع بكل ما يجري‪ ،‬لن الغضب ليمسه‪ ،‬ول‬
‫يخصه‪ ،‬ول يجرحه‪ ،‬أنت غير موجود فمن الذي‬
‫سينجرح؟‬
‫في الحقيقة إن رمز المركب الفارغ جميل جدًا‪.‬‬
‫الناس يغضبون لنك موجود أكثر من اللزم‪ ،‬لنك‬
‫ن العبور من‬ ‫ثقيل وصلب جدا ً بحيث ل يستطيعو َ‬
‫خللك‪ .‬الحياة متشابكة وتربطك مع كل شيء‬
‫حولك‪ ،‬وعندما تكون موجودا أكثر من اللزم‬
‫فسوف يحدث الصطدام وينشأ الغضب والكآبة‬
‫والعدوانية والعنف في كل مكان‪ ،‬وسيستمر‬
‫‪.‬النزاع‬
‫َ‬
‫عندما تلحظ أن شخصا ما غاضب منك‪ ،‬أو تراه‬
‫وقد اصطدم بك‪ ،‬فأنت َتعتقد دائما ً أنه المسؤول‬
‫وأن الوزر يقع عليه‪ .‬هكذا يصنع جهلنا النتائج‬
‫ويفسرها معلنا دائمًا‪" :‬هو المسؤول وهو‬
‫الظالم!" الحكمة تقول دائمًا‪" :‬إذا كان هنالك‬
‫شخص مسؤول عما يحدث‪ ،‬فهو أنا‪ ،‬والطريقة‬
‫الوحيدة لمنع الصطدام هي أن ل أكون‬
‫"‪.‬موجودا‬
‫َأنا مسؤول" ل َتعني أنني فعلت شيئا أثار"‬
‫‪.‬غضب من حولي‪ ،‬ل إن المر ليس كذلك‬
‫ي شيء‪ ،‬ولكن مجرد حقيقة أنك‬ ‫لأ ّ‬‫عم ُ‬ ‫َ‬
‫قد ل ت َ ْ‬
‫موجود كافية لثارة غضب الناس‪ .‬المشكلة‬
‫ليست أن تفعل شيئا جيدا أو سيئا‪ ،‬المشكلة في‬
‫‪.‬أنك موجود‬
‫هذا هو الختلف بين الداو والديان الخرى‪.‬‬
‫الديان الخرى َتقول جازمة‪" :‬كن جيدًا‪ ،‬وتصرف‬
‫ل‪" :‬ل‬ ‫ب أحد منك" أما الداو فيقو ُ‬‫بحيث ل يغض ُ‬
‫‪َ".‬تكن‬
‫المشكلة ليست في أنك َتتصرف بشكل حسن أو‬
‫بشكل قبيح‪ ،‬المشكلة ليست في ذلك‪ .‬لن‬
‫الرجل الجيد‪ ،‬حتى الرجل القديس قد يولد‬
‫الغضب‪ ،‬لنه موجود‪ .‬أحيانا ً قد ينشأ الرجل الجيد‬
‫غضبا أكبر من الرجل السيئ‪ ،‬لن الرجل الجيد‬
‫يعني رجل أناني ولكن بشكل دقيق ليمكن‬
‫ملحظته‪ .‬الرجل السيئ يشعر بنفسه مذنبا‪ ،‬نعم‬
‫قد يكون مركبه ممتلئا‪ ،‬ولكنه يشعر بالذنب‬
‫ويفهم أنه سيئ‪ .‬في الحقيقة مثل هذا النسان‬
‫ليشغل مكانا كبيرا على المركب‪ ،‬لن شعوره‬
‫ده على النكماش‪ .‬أما الرجل الجيد‬ ‫بالذنب ُيساع ُ‬
‫فهو يشعر بأنه جيد بحيث يمل المركب‬
‫‪.‬بالكامل‪،‬وقد يزيد عنه‬
‫لذلك حينما تكون بقرب رجل جيد‪ ،‬فأنت سَتشعر‬
‫بأنك تتعذب دائما‪ ،‬ومع أنه ليقوم بتعذيبك إل أن‬
‫وجوده يعذبك جدا‪ .‬مع الناس الجيدين بين‬
‫قوسين ستشعر بالحزن دائمًا‪ ،‬وستفضل أن‬
‫َتتفاداهم‪ ،‬لن التواجد معهم مسألة ثقيلة جدًا‪،‬‬
‫حيث أن التحادث معهم يجعلك تشعر بعدم‬
‫الرتياح‪ ،‬واَلضغط الداخلي‪ ،‬وستحاول أن َتتركهم‬
‫‪.‬بأسرع ما يمكن‬
‫الفلسفة الخلقيون‪ ،‬المستقيمون‪ ،‬فاعلوا‬
‫الخير كلهم ثقيلون‪ ،‬وهم يجلبون عدم الرتياح‬
‫والضغط النفسي لكل من حولهم‪ ،‬ملقين بظلل‬
‫مظلمة كثيفة حولهم‪ ،‬وليمكن لحد أن يحبهم أو‬
‫‪.‬يعجب بهم‬
‫ن أن ي َ ُ‬
‫كونوا أصدقاء ول‬ ‫هؤلء الناس ل يمك ُ‬
‫رفاقا جيدين‪ .‬دعونا نقول أن الصداقة مع الرجل‬
‫الجيد مسألة شبه مستحيلة‪ ،‬لن نظراته تدينك‬
‫دائمًا‪ ،‬وفي تلك اللحظة التي تقترب فيها منه‪،‬‬
‫فستعلم أن جل اهتمامه منحصر في أنه جيد‬
‫وأنك سيئ‪ .‬ومع أنه ليفعل أي شئ بشكل‬
‫خاص‪ ،‬إل أن حقيقة وجوده تنشأ شيئا غير‬
‫‪.‬مفهوم يحفز عندك الغضب والنزعاج‬
‫الداو مختلفة كليًا‪ ،‬فهي تمتلك نوعية مختلفة‪،‬‬
‫وبالنسبة إلي الداو هي الدين العمق من بين‬
‫كل الديان التي وجدت على هذه الرض‪ ،‬وليس‬
‫هنالك مقارنة بينها وبين أي دين آخر‪ .‬نعم لقد‬
‫كانت هنالك لمحات مشعة تشبه الداو في أقوال‬
‫حات‬‫م َ‬‫‪.‬عيسى وبوذا وكريشنا ولكنها مجرد ل ْ‬
‫رسالة لو تسزي أو تشوجوان تسزي هي‬
‫الرسالة الصفى‪ ،‬وهي نقية ونظيفة جدًا‪ ،‬ولم‬
‫يلوثها أي شيء‪ .‬هذه الرسالة كانت‪ :‬كل مايحدث‬
‫معك نتيجة لن هناك شخص ما في المركب‪،‬‬
‫‪.‬وكل هذا الجحيم لن مركبك غير فارغ‬
‫‪،‬على الرغم من أنه لو كان المركب فارغا‬
‫‪،‬فلم يكن ليصيح‬
‫‪.‬ولم يكن ليغضب‬
‫ص‬ ‫غ مركب َ َ‬‫ن ُتفر َ‬ ‫َ‬
‫ك الخا َ‬ ‫إذا استطعت أ ْ‬
‫‪،‬وأنت تعبر خلل نهر الحياة‬
‫‪،‬فلن يعارضك أي أحد‬
‫‪.‬ولن يجلب لك الذى أي أحد‬
‫ة تقطع أول‬ ‫‪،‬الشجرةَ المستقيم َ‬
‫الجداول العالية تجف أول‬
‫عندما تريد مضاعفة حكمتك‬
‫‪،‬فستجلب العار للجهل‬
‫‪،‬وتتمكن من الحصول على سمعة جيدة‬
‫‪،‬وتتمكن من تجاوز الخرين‬
‫وسيشرق النور حولك‬
‫س والقمر‬ ‫‪-‬كما لو أنك ابتلعت الشم َ‬
‫ن َتتفادى المصائب‬ ‫‪.‬ول ْ‬
‫هذا هو مايجعل رسالة تشجوان تسزي فريدة من‬
‫نوعها فهو يقول أن وجود الهالة حولك يشير‬
‫إلى أنك ما زلت موجودا‪ ،‬وأن مركبك ممتلئ‪ .‬إن‬
‫اشعاع "أنك جيد" ستولد بكل تأكيد المصائب في‬
‫حياتك وستجلب الكوارث لكل من المحيطين بك‬
‫أيضا‪ .‬لو تسزي وتشوجوان تسزي أستاذ وطالب‬
‫لم يرسمهم من تبعهم مع هالت نورانية تحيط‬
‫بهم‪ ،‬على خلف عيسى وزرادشت وكريشنا‬
‫وبوذا وماهافيرا الذين رسموا مع هالت تحيط‬
‫بالرأس وكانوا يبررون ذلك أن النسان الجيد‬
‫لبد أن تظهر هالة حول رأسه‪ ،‬ولكني أقول‬
‫بالعكس إن الرأس لبد أن يختفي عند النسان‬
‫الجيد فأين يمكن أن ترسم الهالة؟‬
‫ل الهالت َترتبط مع النا المزيفة بطريقة ما‪.‬‬‫كُ ّ‬
‫ولكن الحقيقة أن كريشنا لم يرسم صورة‬
‫لنفسه‪ ،‬وإنما فعل ذلك أتباعه الذين لم يكونوا‬
‫قادرين على تصوره بدون هالة حول رأسه‪ ،‬وإل‬
‫‪.‬لم يكن ليبدوا انسانا إستثنائيا‬
‫تشجوان تزي يقول‪" :‬أن تكون انسانا عاديا فهذا‬
‫يعني أنك انسان حكيم‪ ،‬نعم ل أحد يعرفك‪ ،‬ول‬
‫أحد يشعر بأنك شخص إستثنائي" ويضيف‪ :‬أنت‬
‫َتدخل في جمهور الناس وتختلط معهم ولكن ل‬
‫أحد يلحظ بأن بوذا قد دخل بينهم‪ ،‬ول يظهر‬
‫عند أي أحد شعوربأن هناك شخص ما مختلف‬
‫بشكل ما ‪ ،‬لنه إذا شعر شخص ما باختلف هذا‬
‫الحكيم فل مفر من الغضب والستياء‪ .‬عندما‬
‫يلحظ شخص ما بأنك متميز بشكل ما فسوف‬
‫يثير ذلك غضبه‪ ،‬لن أناه المزيفة ستتعرض‬
‫للمساس مما يجعله ينفعل ويتأثر ويرد عليك‬
‫‪.‬بهجوم معاكس‬
‫لذلك ينصح تشوجان تسزي‪" :‬يجب أن ل نسعى‬
‫لمتلك سمعة جيدة تشهرنا‪ ،‬لن السمعة‬
‫الممتازة نوع من الثروة‪ .‬ولكن الناس المتدينون‬
‫يستمرون بتعليم الناس‪ :‬كن ايجابيا‪ ،‬وفاعل‬
‫‪.‬خير‪ ،‬وازرع المبادىء الخلقية‪ ،‬وكن مستقيما‬
‫ولكن لماذا؟ لماذا عليك أن تكون فاعل خير؟‬
‫لماذا يجب ان نكون ضد المذنبين؟ الحقيقة أن‬
‫تفكيرنا يحب الفعل‪..‬أي فعل وأننا مازلنا تابعين‬
‫لنفعالتنا وطموحاتنا‪ .‬وعندما َتصل إلى الجنة‬
‫وَترى المذنبين هناك يجلسون حول الله‪ ،‬فسوف‬
‫بالستياء بشكل كبير‪ ،‬لنك ستشعر أن حياتك قد‬
‫ت بشكل كامل‪ .‬لقد حصلت على المزايا‬ ‫ُ‬
‫أهدر ْ‬
‫اليجابية‪ ،‬وعلى السمعة الجيدة‪ ،‬بينما كان هؤلء‬
‫الناس يقضون أوقاتهم باستمتاع وكانوا يفعلون‬
‫مدانة‪ ،‬وفجأة هاهم‬ ‫كل الشياء التي كانت ُ‬
‫يجلسون حول الله‪ .‬عندما َترى القديسين‬
‫والمذنبين سوية في الجنة فسوف تكون مستاء‬
‫ح حزينا وبائسا جدًا‪ ،‬لن‬ ‫بشكل كبير‪ ،‬وسوف تصب ُ‬
‫مزاياك وسمعتك أيضا جزء من أناك المزيفة‪.‬‬
‫كثير من الناس تحاول الحصول درجة روحانية‬
‫لكي َتتعالى على الخرين‪ ،‬حيث يبقى تفكيرها‬
‫كالسابق جل همه أن يتعالى او بكلمات أخرى أن‬
‫يخفض من شأن الخرين‪ ،‬هذه هي حقيقة‬
‫‪.‬مايدفعنا في معظم المجالت الروحية‬
‫إذا تمكنت من َتجميع ثروة كبيرة‪ ،‬فسوف تكون‬
‫الفكرة الطاغية في رأسك "هم فقراء وأنا‬
‫ح ألكساندر‬ ‫غني"‪ .‬عندما تكون قادرا على أن ُتصب َ‬
‫المقدوني‪ ،‬فسوف تكون الفكرة الطاغية في‬
‫رأسك "أنا امبراطور وهم شعب وعبيد"‪ .‬عندما‬
‫تكون لديك القدرة لتصبح عالما عظيما‪ ،‬فسوف‬
‫تكون الفكرة الطاغية في رأسك‪" :‬أنا ملئ‬
‫ميون جهلة"‪.‬‬ ‫بالمعرفة وواسع الطلع وهم أ ّ‬
‫عندما ُتصبح متدينا مستقيما وفاعل خير فأنت‬
‫ترفض من حولك وُتدينهم لنهم مذنبون بفعل‬
‫المعاصي‪ .‬ويستمر هذا الشرخ الثنائي‪ ،‬وهذه‬
‫الحرب ضدّ الخرين‪ ،‬ومحاولة التعالي والتفوق‬
‫‪.‬على الغير‬
‫تشجوان تزي يقول‪" :‬إذا كنت تريد ان تملك‬
‫السمعة والشهرة مع تهميش الخرين وتجاوزهم‬
‫ل َتجاوز الخرين‪،‬‬ ‫فلن َتتفادى المصائب‪ .‬ل تحاو ْ‬
‫ول تحاول أن تحصل على السمعة والشهرة‬
‫‪.‬لغراض أنانية‬
‫وهكذا هناك سمعة وحيدة عند الحكيم تشجوان‬
‫تزي تستحق الذكر‪ ،‬وهي اختفاء النا وانعدامها‬
‫وكل الشياء الخرى نتائج ثانوية‪ ،‬وبدون هذه‬
‫السمعة فالشياء الخرى لتساوي شيئا‪ .‬نعم قد‬
‫تشتهر وتصل لسمعة النسان الرباني ولكن إذا‬
‫كانت النا موجودة في داخلك‪ ،‬فكل ربانيتك‬
‫توظف في خدمة الشيطان‪ ،‬وكل مزاياك قناع‬
‫مزيف تختبئ انت خلفه كشخص آثم‪ .‬النسان‬
‫الثم في داخلك ليمكن تغييره من خلل فعل‬
‫ي طريقة اخرى للتطور‬ ‫الخير أو من خلل أ ّ‬
‫والتربية‪ ،‬وإنما يذوب ويختفي في تلك الحالة‬
‫‪.‬عندما تختفي أنت فقط‬
‫ل‬‫‪:‬الرجل الحكيم قا َ‬
‫وهو راض عن نفسه‬
‫ة‬
‫‪.‬لقد قمت بعمل عديم القيم َ‬
‫‪،‬لن النجاز هو ِبداية الفشل‬
‫والشهرة هي بداية الفضيحة‬
‫هذه القوال غير عادية‪ ،‬ويجب أن َتكون يقظا‬
‫جدا ً لفهمها‪ ،‬ومحاولة قبولها وبدون ذلك فانت‬
‫‪.‬تخاطر بفهمها على الشكل غير الصحيح‬
‫ل‬ ‫‪:‬الرجل الحكيم قا َ‬
‫وهو راض عن نفسه‬
‫ة‬‫‪.‬لقد قمت بعمل عديم القيم َ‬
‫س المتدينون يستمرون بَتعليم من حولهم‪:‬‬ ‫النا ُ‬
‫كن قنوعا وراضيا عن نفسك‪ .‬ولكن ذلك الذي‬
‫يجب أن يبقى راضيا مازال موجودا! فلذلك‬
‫ن موجودا‪ ،‬عند‬ ‫يلحظ تشوجان تسزي‪" :‬ل ت َك ُ ْ‬
‫ذلك لن يكون هناك سؤال عن القناعة والرضى‬
‫أو عدمهما"‪ .‬نعم هذا هو الرضى الحقيقي‪،‬عندما‬
‫لتكون موجودا‪ .‬ولكن عندما َتشعُر بالرضى‬
‫والسعادة فهذه مشاعر كاذبة‪ ،‬لنه إن كنت‬
‫موجودا فمشاعرك هذه مشبعة بالنا‪،‬وأنت تظن‬
‫‪.‬أنك حصلت على شيء ما أو وصلت إلى الهدف‬
‫ن النسان الذي يظن أنه قد‬ ‫نظرية الداو تقول أ ّ‬
‫وصل إلى شيء ما فهو قد أضاعه في نفس‬
‫اللحظة‪ .‬والذي يظن أنه قد وصل للهدف فقد‬
‫أضاعه في الحقيقة‪ ،‬فالنجاح هو بداية الفشل‪.‬‬
‫النجاح والفشل نقطتان موجودتان على دائرة‬
‫ل النجاح إلى ذروَته‪ ،‬نجد أن‬ ‫واحدة‪ .‬حينما يص ُ‬
‫الفشل موجود هناك أيضا‪ ،‬عندما يصبح القمر‬
‫بدرا كامل يتوقف نمو القمر وتتوقف كل تغيراته‬
‫المتقدمة ليتراجع في حركة عكسية من اليوم‬
‫‪.‬التالي‪ ،‬حيث يصبح القمر أقل فأقل‬
‫الحياة تتحرك في فواصل دائرية‪ ،‬وفي تلك‬
‫شعُر بها أنك قد حصلت على شيء‬ ‫اللحظة التي ت َ ْ‬
‫ما‪ ،‬تتحرك العجلة لتدور فتفقد ماحصلت عليه‪.‬‬
‫نعم قد يحتاج فهم هذا المر وقتا‪ ،‬لن من‬
‫‪.‬طبيعة التفكير النغلق‬
‫إن فهم هذا المر يحتاج لوضوح التفكير‬
‫والشجاعة مما يجعلنا مستعدين لرؤية الشياء‬
‫على حقيقتها عندما تحدث‪ .‬إن من المؤسف أن‬
‫يحدث معنا شيء ما ثم يتطلب وعي ذلك الذي‬
‫حدث العديد من اليام‪ ،‬وأحيانا ً العديد من‬
‫الشهور أو السنوات‪ .‬وأحيانا ً يأخذ المر عدة‬
‫‪.‬أعمار وأجيال لكي نعي ماحدث‬
‫هل تتذكر ماضيك؟ عندما اعتبرت بأنك حصلت‬
‫على النجاح‪ ،‬فجأة تغيرت كل الشياء حولك‪ ،‬وبدأ‬
‫سقوطك‪ ،‬لن النا المزيفة جزء من العجلة‬
‫الدائرة‪ ،‬فهي "أي النا المزيفة" تحاول الحصول‬
‫على النجاح لنها يمكن أن تفشل‪ ،‬ولول امكانية‬
‫الفشل لم يكن هنالك إمكانية للنجاح‪ .‬النجاح‬
‫‪.‬والفشل وجهان لعملة واحدة‬
‫‪:‬تشجوان تسزي يقول‬
‫‪:‬الرجل الحكيم قا َ‬
‫ل‬
‫وهو راض عن نفسه‬
‫ة‬
‫‪.‬لقد قمت بعمل عديم القيم َ‬
‫لنه ما زال موجودا‪ ،‬المركب الفارغ غير موجود‬
‫بل على العكس المركب ممتلئ‪ ،‬لن النا‬
‫س هناك‪ ،‬وهي مازالت تقود هذا‬ ‫المزيفة تجل ُ‬
‫‪.‬المركب‬
‫‪،‬لن النجاز هو ِبداية الفشل‬
‫والشهرة هي بداية الفضيحة‬
‫نعم ليس هنالك شيء يمكن خسرانه‪ .‬فلذلك‪،‬‬
‫نرى أن معظم الربانيون )الذين وصلوا لدرجة‬
‫بوذا( فقراء‪ ،‬يعيشون بل اسم‪ ،‬ول بيت‪،‬‬
‫وليملكون أي شيء يدافعون عنه‪ ،‬أو يحمونه‪.‬‬
‫هؤلء الناس أحرار في الحركة ويمكنهم أن‬
‫يتحركوا إلى أي مكان‪ ،‬مثل الغيوم في السماء‪،‬‬
‫ليس لها بيت ول تعلق بأي شيء تسبح في‬
‫السماء دون هدف أو عمل أو غرض‪ ،‬أو أنا‬
‫‪.‬مزيفة‬
‫فسوف يستطيع السباحة مثل الداو بشكل غير‬
‫‪،‬مرئي‬
‫وسيمشي بحرية في كل مكان كما هي الحياة‬
‫بحد ذاتها‬
‫‪.‬بدون اسم ول بيت‬
‫هذا هو معنى كلمة "مريد" بالنسبة لي‪ ،‬فعندما‬
‫أؤهلك لكي تصبح مريدا فأنا أؤهلك لتدخل في‬
‫هذا لحالة الموت التي ل اسم فيها ول بيت‪ .‬أنا‬
‫ي‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل أعطيك أي مفتاح سري للنجاح‪ ،‬ول أعطيك أ ّ‬
‫‪.‬صيغة سرية للوصول للى الطموحات‬
‫إذا كنت َأعطي أي شئ‪ ،‬فهو المفتاح لكي‬
‫ن غير ناجح دون أن‬ ‫لتصل إلى النجاح‪ ،‬لكي تكو َ‬
‫تقلق بشأن ذلك‪ ،‬كيف تتحرك بل اسم‪ ،‬ول بيت‪،‬‬
‫وبدون أية أهداف‪ ،‬كيف تكون فقيرا كالذي كان‬
‫يدعوه السيد المسيح "فقراء الروح"‪ .‬النسان‬
‫فقير الروح يعيش بدون النا المزيفة أو بالحرى‬
‫‪.‬هو المركب الفارغ‬
‫‪.‬هو انسان بسيط وبدون علمات‬
‫من هو الذي تسمونه بسيطًا؟ هل تستطيعون أن‬
‫تطوروا وتربوا البساطة؟‬
‫أنت ترى رجل يأكل مرة واحدة كل يوم‪ ،‬ويلبسَ‬
‫خرقا بالية تكاد تجعل معظم جسمه عاريا‪ ،‬أنت‬
‫تقارن ذلك الذي يعيش في قصر‪ ،‬وذلك الذي‬
‫يعيش تحت شجرة‪ ،‬فتقول أن الذي يعيش تحت‬
‫الشجرة بسيط‪ .‬هل هذه هي البساطة؟ أنت‬
‫يمكن أن تعيش تحت شجرة ولكن نمط حياتك‬
‫سيكون نتيجة للتعود وتربية النفس على ذلك‪.‬‬
‫نعم لقد تربى ذلك الشخص على أن يكون‬
‫بسيطا‪ ،‬لقد قام من حوله بحساباتهم لكي تكون‬
‫قد‬ ‫النتيجة أن يكون هذا النسان بسيط‪ .‬أنت َ‬
‫َتأكل مرة واحدة في اليوم‪ ،‬ولكن ذلك يكون‬
‫طبق لحسابات معينة‪ ،‬أنت تفعل ذلك تطبيقا‬
‫لوامر التفكير! أنت تستطيع أن َتبقى عاريا‪،‬‬
‫ولكن ذلك ل يجعلك أكثر بساطة‪ .‬البساطة‬
‫‪.‬تستطيع أن َتحدث بدون حسابات مسبقة‬
‫‪.‬هو انسان بسيط وبدون علمات‬
‫لكنك تعتبر نفسك قديسا لنك تعيش تحت‬
‫الشجرة‪ ،‬وَتأكل مرة واحدة في اليوم‪ ،‬وتقتصر‬
‫على الكل النباتي‪ ،‬وتمشي بدون ثياب أو بثياب‬
‫مهترئة‪ ،‬ول َتمتلك المال‪ ،‬هل أنت قديس بذلك؟‬
‫وبعد ذلك عندما يمر بجانبك رجل يمتلك ما ً‬
‫ل‪،‬‬
‫فهو يحفز على ظهور الدانة والستياء في‬
‫أعماقك‪ ،‬ثم تبدأ بخطاب نفسك‪" :‬ماذا سيحدث‬
‫لهذا الثم؟ لبد أن يكون مصيره إلى الجحيم"‪.‬‬
‫ثم تشعر بالشفقة تجاه هذا الثم! انت في هذه‬
‫ت بسيطا‪ ،‬لن الفوراق والختلفات‬ ‫الحالة لس َ‬
‫تلعب هنا دورا مهما‪ ،‬ولنك تشعر أنك انسان‬
‫‪.‬مختلف‬
‫طبعا من غير المهم من أين أتت هذه الفوارق‪.‬‬
‫ش في القصروهو يختلف عن أولئك‬ ‫الملك يعي ُ‬
‫الذين يعيشون في الكواخ‪ .‬الملك يلبس‬
‫الملبس التي ل يستطيع النسان العادي لبسها‪،‬‬
‫وهذه الثياب ثمينة جدًا‪ ،‬مما يجعله متميزا عن‬
‫!غيره‬
‫أنت ترى الرجل الذي يعيش عاريا ً في الشارع‪،‬‬
‫ع أن تعيش مثله‪ ،‬وهذا يعني أنه‬ ‫وأنت ل َتستطي ُ‬
‫مختلف‪ .‬حيثما يظهر الختلف والمتياز فهناك‬
‫أنا مزيفة‪ ،‬وعندما تختفي المتيازات والفوارق‬
‫‪.‬تختفي النا المزيفة‪ ،‬واللأنا وهذه هي البساطة‬
‫‪.‬هو انسان بسيط وبدون علمات‬
‫‪.‬وكيفما نظرت إليه فستقول أنه أحمق‬
‫هذا هو القول العمق والصعب للفهم من‬
‫أقوال تشجوان تسزي‪ ،‬هذا القول صعب على‬
‫الفهم لننا نعتقد دوما أننا متنورين‪ ،‬وأناس‬
‫كاملين ومثاليين‪ ،‬وأننا حكماء‪ .‬ولكن تشجوان‬
‫تسزي يقول‪ :‬وكيفما نظرت إليه فستقول أنه‬
‫‪.‬أحمق‬
‫لكن هذا هو الشيء الصحيح‪ ،‬وهكذا يجب أن‬
‫يكون الم‪ ،‬فبين هذا العدد الكبير من الحمقى‪،‬‬
‫كيف يمكن لرجل حكيم أن يكون مختلفا عنهم؟‬
‫كيفما ومن أي جهة نظرت إليه فوف يظهر كأنه‬
‫أحمق وليس أي شيء آخر‪ .‬كيف سيستطيع هذا‬
‫الحكيم أن يغير هذا العالم الحمق من حوله وأن‬
‫يعيد هذا العدد الكبير من الحمقى‪ ،‬إلى سلمة‬
‫العقل؟ نعم سيضطر أن يخلع ثيابه ويذهب لتحت‬
‫المنضدة ليصيح مثل الديك‪ .‬في هذه الحالة فقط‬
‫ح‬
‫هو سيستطيع أن ُيغّيرك‪ .‬هو يجب أن ُيصب َ‬
‫ح لك‬ ‫مجنونا مثلك‪ ،‬وأن يصبح أحمق مثلك ويسم َ‬
‫بالسخرية والضحك منه‪ .‬عند ذلك فلن َتشعر‬
‫بالغيرة منه‪ ،‬ولن َتشعر بأنه يمسك او يؤذيك‪،‬‬
‫ولن تكون غاضبا عليه‪ ،‬وستستطيع أن َتتحمله‪،‬‬
‫وأن تتنساه وان تغفر له‪ ،‬ويمكن أن تتركه يعيش‬
‫‪.‬في هدوء مع نفسه‬
‫هناك العديد من الحكماء العظماء الذين تصرفوا‬
‫كالمجانين‪ ،‬وكان معاصروهم مرتبكين وفي‬
‫تشتت كامل عندما يحاولون فهم حياتهم التي‬
‫كانت مليئة بالحكمة العظيمة‪ .‬كان الحكيم يحدث‬
‫نفسه‪":‬أن أكون حكيما بينكم فهذا حمق بحد‬
‫ذاته‪ ،‬ولن يكون هنالك نتيجة اذا تصرفت كذلك‬
‫ة‬
‫‪".‬معكم‪ ،‬فانتم ستكونون سببا لمشاكل كثير َ‬
‫م سقراط لنه لم يكن يعرف تشجوان‬ ‫م َ‬
‫س ّ‬
‫لقد ُ‬
‫ي حاجة‬‫تسزي‪ ،‬لنه لو عرفه لم يكن هناك أ ّ‬
‫لتسميمه‪ .‬لقد حاول سقراط أن يتصرف كرجل‬
‫حكيم بين معاصريه الحمقى فكانت النتيجة هي‬
‫‪.‬موته مقتول بالسم‬
‫ل تشجوان تسزي ‪ :‬من حيثما نظرت إلى‬ ‫يقو ُ‬
‫‪.‬الرجل الحكيم فستراه كالحمق‬
‫لقد عاش تشجوان تسزي نفسه كالحمق‪،‬‬
‫يرقص ويغني ويضحك‪ ،‬ويتعامل مع الناس من‬
‫‪.‬النكات والحكايات والطرف‬
‫لم يكن هنالك أحد يشك أنه جدي‪ ،‬مع أنك قد‬
‫لتجد أحدا أكثر اخلصا وأكثر جدّية منه‪ .‬ولكن لم‬
‫يكن هنالك أحدا يرى فيه الجدية‪.‬كان الناس‬
‫يفرحون به ويحبونه ومن خلل هذا الحب كان‬
‫تشجوان تسزي ينشر بذور حكمته‪ ،‬وقد استطاع‬
‫‪.‬أن يغير الكثيرين ويحولهم روحيا‬
‫ولكن لكي نؤثر على مجنون من الضروري أن‬
‫ب أن نصبح‬ ‫نتعلم لغَته‪ ،‬وان نخاطبه بلغَته‪ .‬يج ُ‬
‫مثله‪ ،‬وأن ننزل لمستواه‪ .‬أما إذا استمررنا‬
‫بالصعود على سلمنا فلن يكون هناك تخاطب‬
‫‪.‬أبدا‬
‫هذا ماحدث مع سقراط‪ ،‬ولم يكن إل ليحدث في‬
‫اليونان‪ ،‬لن العقل اليوناني كان هو العقل‬
‫الكثر نضوجا في العالم آنذاك‪ ،‬والعقل الناضج‬
‫يحاول دائما ان ليصبح في موقع له علقة‬
‫بالحماقة‪ .‬لقد أغضب سقراط كل شخص حوله‪،‬‬
‫وكان لبد للناس أن يقتلوه حقيقة‪ ،‬وإل كان‬
‫سيتابع طرح أسئلتة الصعبة التي كانت تجعل كل‬
‫شخص يشعر بأنه أحمق‪ .‬لقد ضيق على الجميع‬
‫وحصر كل منهم في زاوية‪ ،‬لنه ليمكن الجابة‬
‫حتى على السئلة العادية إذا كان الشخص‬
‫‪.‬يسألها لغرض ما أو بطريقة امتحانية استفزازية‬
‫إذا كنت تؤمن بالله‪ ،‬فسيسألك سقراط حتما‬
‫شيئا ما عن الله‪ ،‬وسوف يطلب منك الدلة‪.‬‬
‫طبعا أنت لن َتستطيع الجابة‪ ،‬لنك لم ترى‬
‫الله ‪ .‬وكيف يمكن البرهان؟ الله شيء بعيد‬
‫بالنسبة لك‪ ،‬إن كنت لتستطيع اثباتها الشياء‬
‫العادية حتى‪ .‬لقد َتركت زوجَتك في البيت‪ ،‬كيف‬
‫تستطيع أن تثبت أنك حقا ً َتركت زوجتك في‬
‫البيت‪ ،‬أو أن لك زوجة في الصل؟ ربما يكون‬
‫ذلك كله في ذاكرتك فقط ومجرد تخيل وتوهم‬
‫منك‪ ،‬ولربما كان ذلك مجرد حلم رأيته‪ ،‬وعندما‬
‫!تعود للواقع فلن تجد ل بيت ول زوجة‬
‫لقد كان سقراط يسأل السئلة‪ ،‬ثم يغوص في‬
‫أعماق الجوبة ليحلل كل شيء فيها‪ ،‬مما أدى‬
‫لستياء كل شخص في أثينا منه‪ .‬لقد حاول‬
‫سقراط أن يثبت أنهم جميعا حمقى‪ ،‬فلذلك‬
‫قتلوه‪ .‬ولو أن سقراط اجتمع مع تشجوان تسزي‬ ‫َ‬
‫في ذلك الوقت لكان الوضع مختلفا‪ .‬لقد عاش‬
‫تشجوان تسزي في تلك الفترة في الصين‪ ،‬ولو‬
‫اجتمع هؤلء الحكيمان لخبر تشجوان تسزي‬
‫سقراط بالسر‪ :‬ل تحاول أن تثبت لي شخص‬
‫أحمق بأنه أحمق لن ذلك لن يعجبه حتما‪،‬‬
‫وسيغضبه ذلك ويجعله يشعر بالتكبر والغطرسة‬
‫والعدوانية‪ .‬وعندما تصل لعماق الحقيقة التي‬
‫‪.‬تثبت أنه أحمق فهو سينتقم منك ويقتلك حتما‬
‫تشجوان تسزي كان سيقول‪" :‬من الفضل أن‬
‫أكون أنا أحمقا‪ ،‬مما يجعل الناس يفرحون بي‪،‬‬
‫وبعد ذلك بمساعدة الطرق غير الملحوظة أنا‬
‫سأستطيع أن أساعدهم على التغّير‪ ،‬وفي هذه‬
‫‪".‬الحالة لن يقوموا ضدي أبدا‬
‫لهذا السبب لم يحدث أبدا في الشرق‪ ،‬وخاصة‬
‫في الهند والصين واليابان‪ ،‬مثل هذه الظاهرة‬
‫سمم‬‫القبيحة كما حدث في اليونان حيث ُ‬
‫قتل‪ ،‬وكما حدث في القدس حيث‬ ‫سقراط و ُ‬
‫حاولوا قتل السيد المسيح وصلبه‪ .‬وكما حدث‬
‫في إيران ومصر وكثير من البلدان الخرى‪ ،‬لقد‬
‫تم قتل الكثير من الرجال الحكماء‪ .‬لقد فهم‬
‫الحكماء في الهند والصين واليابان‪ ،‬أن الَتصرف‬
‫كرجل حكيم وسط الحمقى يقرب من وقوع‬
‫‪.‬الكوارث والمصائب‬
‫ف مثل الحمق‪ ،‬أو المجنون‪ ،‬هذه هي‬ ‫تصّر ْ‬
‫الخطوة الولى التي يفعلها الرجل الحكيم‪ ،‬لكي‬
‫‪ُ.‬يهدء من روعة من حوله ويجعلهم ل يخافونه‬
‫لهذا أخبرتك بقصة الصوفي مع المير‪ ،‬حيث‬
‫أصبح المير والصوفي أصدقاء في حين أنه كان‬
‫يخاف من الطباء والمختصين والخبراء الخرين‪.‬‬
‫لقد حاول هؤلء َتغييره‪ ،‬ومعالجته‪ ،‬ولكنه لم يكن‬
‫مجنونا‪ ،‬أو بالحرى لم يكن يعتقد أنه مجنون‪.‬‬
‫ليس هنالك ول مجنون واحد يعتقد أنه مجنون‪،‬‬
‫لنه عندما يفهم المجنون وُيدرك أنه مجنون‪،‬‬
‫‪.‬يختفي الجنون فورا‬
‫لذلك أنا اعتبر كل أولئك الرجال الحكماء‪ ،‬الذين‬
‫حاولوا معالجة المير حمقى‪ ،‬وأن هذا الشيخ‬
‫الصوفي أكثر حكمة منهم كلهم‪ .‬لقد َتصرف‬
‫بجنون‪ ،‬وكان كل من في القصر يضحك عليه‪،‬‬
‫الملك والملكة ضحكوا منه وقالوا‪ " :‬ماذا؟ هل‬
‫سيعالج هذا الرجل المير؟ هو نفسه مجنون‪ ،‬بل‬
‫‪.‬إنه في مظهره يبدو أكثر جنونا من المير ذاته‬
‫م المير وقال‪" :‬من انت؟ وماذا َتفعل؟"‬ ‫د َ‬
‫ص ِ‬
‫لقد ُ‬
‫‪.‬لكن هذا الرجل على ماأظن كان حكيما ربانيا‬
‫إن الحكيمة تشجوان تسزي يتكلم عن هذه‬
‫‪.‬الظاهرة وعن هذا الرجل الرائع‬
‫‪.‬وكيفما نظرت إليه فستقول أنه أحمق‬
‫‪.‬ولن يبقى ورائه أي أثر‪ .‬فهو ل يملك السلطة‬
‫ع إتباع‬
‫أنت ل َتستطيع إتباعه‪ .‬أنت ل َتستطي ُ‬
‫الرجل الرباني أبدًا‪ ،‬لنه ليترك أي أثر‪ ،‬وليس‬
‫هناك طريق‪ .‬هذا الرباني هو كالطير في‬
‫‪.‬السماء‪ ،‬يتحرك ول يبقى ورائه أي أثر‬
‫لماذا ل يترك الرجل الحكيم أثرا؟ لكي ل‬
‫تستطيع أن تتبعه‪ ،‬ولن تجد رجل حكيما يحب أن‬
‫يتبعه الناس‪ ،‬لن التباع ينقلب في كثير من‬
‫‪.‬الحيان ليصبح تقليدا أعمى‬
‫الرجل الحكيم يتحرك في طريق متعرج لكي ل‬
‫تستطيع المضي في أثره‪ ،‬وعندما تحاول إتباعه‪،‬‬
‫فأنت ستضيعه حتما‪ .‬هل تستطيع أن تتبعني؟‬
‫هذا شيء مستحيل‪ ،‬لنك ل َتعرف ماذا سأفعل‬
‫غدًا‪ .‬إذا كنت َتستطيع التنبؤ وتوقع ماذا سيجري‬
‫غدا فسوف تستطيع أن ُتخطط‪ ،‬وأن تعرف‬
‫التجاه إلى أين سأذهب‪ ،‬وأن تتنبأ بخطواَتي‪ .‬قد‬
‫ج‬
‫تكون َتعرف ماضيي‪ ،‬ومنه يمكن أن َتستنت َ‬
‫‪.‬مستقبلي‪ ،‬ولكني غير منطقي‬
‫ج ماذا‬ ‫َ‬
‫ن َتستنت َ‬‫نأ ْ‬‫مك ِ ُ‬
‫عندما أكون منطقيا ي ُ ْ‬
‫ت في‬ ‫ل غدًا‪ .‬عندما تدرس ماذا قل ُ‬ ‫سأقو ُ‬
‫محاضراتي الماضية‪ ،‬تستطيع أن َتستنتج منطقيا ً‬
‫ل غدًا‪ ،‬ولكن هذا كله شيء غير‬ ‫ماذا سأقو ُ‬
‫ض نفسي‬ ‫محتمل معي‪ ،‬لنني كثيرا ما أناق ُ‬
‫بالكامل‪ .‬واليوم القادم عندي لبد أن يناقض‬
‫اليوم السابق‪ ،‬فكيف ستتبعني؟ لبد أن تقع في‬
‫‪.‬الجنون إذا حاولت إتباعي‬
‫ك بأنك يجب أن َتكون‬ ‫لبد عاجل ً أم آجل أن ُتدر َ‬
‫‪.‬نفسك‪ ،‬وأنه يجب أن ل تقلد أحدا‬
‫‪.‬ولن يبقى ورائه أي أثر‬
‫الرجل الحكيم غير ثابت‪ ،‬وغير منطقي‪ ،‬وهو‬
‫‪.‬يشبه المجنون‬
‫‪.‬فهو ل يملك السلطة‬
‫طبعا من الصعب أن نوافق على وجهة النظر‬
‫هذه لننا نعتقدُ أن الرجل الحكيم لبد أن يملك‬
‫قوة كبيرة‪ ،‬تجعله القوى بين الناس‪ .‬نحن نعتقد‬
‫أن هذا الرجل بمجرد لمسه لعيوننا العمياء ل بد‬
‫أن تتفتح لنصبح قادرين على الرؤية‪ ،‬وأنه‬
‫يستطيع اعادتنا للحياة عندما نكون أمواتا‪،‬‬
‫‪.‬الحكيم بالنسبة لنا هو من يفعل المعجزات‬
‫ل‪ :‬الرجل الحكيم ل يملك‬ ‫ولكن تشجوان تزي يقو ُ‬
‫السلطة‪ ،‬لن استعمال السلطة مظهر من‬
‫مظاهر النا المزيفة‪ ،‬التي تريد دائما أن تكون‬
‫قوية‪ .‬أنت ل َتستطيع إقناع رجل حكيم‬
‫باستعمال سلطته أو قوته‪ ،‬هذا شيء مستحيل‪.‬‬
‫وإذا استطعت فهذا يعني أن هناك جزء من أناه‬
‫‪.‬المزيفة مازال موجودا ول بد أن يموت‬
‫وَته أبدا‪ ،‬لنه في‬ ‫الرجل الحكيم لن يستعم َ‬
‫لق ّ‬
‫داخله ليس هنالك من يستعمل هذه القوة أو‬
‫يوجهها‪ .‬لقد اختفت النا المزيفة التي كانت‬
‫‪ُ.‬توجه‪ ،‬فمن سيقود المركب؟ الجواب ل أحد‬
‫الرجل الحكيم ذي سلطة كبيرة ولكنه ل يملك‬
‫السلطة‪ ،‬وهو قوي ولكنه ل يملك القوة‪ ،‬لن‬
‫النا المزيفة التي كانت مسيطرة لم تعد هناك‪.‬‬
‫الرجل الحكيم ممتلئ بالطاقة التي تفيض على‬
‫من حوله‪ ،‬ولكنها ل تنتمي لحد وهي غير‬
‫موجهة‪ ،‬لنه ليس هناك من يوجهها‪ .‬نعم قد‬
‫قد َتتفتح عيونك‪ ،‬ولكنه ل‬ ‫تتشافى في حضرته‪ ،‬و َ‬
‫يعتقد أنه فتح لك عينيك أو عالجك بلمساته‪،‬‬
‫وعندما يعتقد هو بأّنه شفاك‪ ،‬فهو حتما مريض‬
‫ت" مرض يحمل‬ ‫أكثر منك‪ .‬شعور النا " أنا شفي ُ‬
‫‪.‬من الخطر أضعاف العمى المخيف‬
‫‪.‬فهو ل يملك السلطة‬
‫‪،‬ول يريد إنجاز أي شيء‬
‫‪.‬ويعبر المجد من فوقه دون أن يلتفت إليه‬
‫حكم على أحد‬ ‫‪،‬ولنه ل ي ْ‬
‫م عليه‬ ‫حك ُ‬
‫‪.‬فل أحد ي َ ْ‬
‫هذا هو النسان الكامل‬
‫‪.‬مركبه فارغ‬
‫غ مركب َ َ‬
‫ك‪.‬‬ ‫قك‪ ،‬أفر ْ‬‫هكذا يجب أن يكون طري َ‬
‫استمر برمي كل ما تجده في المركب إلى أن‬
‫مى كل شيء ول يبقى أي شيء‪ ،‬حتى أنت‬ ‫ي ُْر َ‬
‫تكون قد ُرميت‪ ،‬ولم يبق منك أي شيء‪ ،‬وعندها‬
‫‪.‬ستصبح على الفور فارغا‬
‫المسألة الولى والخيرة أن تكون فارغا‪ .‬وفي‬
‫تلك اللحظة عندما تصبح فارغا فسَتمتل‪ .‬كل‬
‫ل عليك عندما تكون فارغا‪ ،‬الفراغ‬ ‫شيء سينز ُ‬
‫فقط يستطيع تقبل كل شيء‪ ،‬وليس هنالك أي‬
‫شيء آخر يمكنه فعل ذلك‪ ،‬لنه لكي نتقبل كل‬
‫ن فارغين‪ ،‬بشكل غير محدود‬ ‫‪.‬شيء يجب أن ن ُ‬
‫كو َ‬
‫إن تفكيرنا وعقولنا صغيرة جدًا‪ ،‬ونحن ل‬
‫نستطيع باستعمالها تقبل الشياء الربانية‪ .‬إن‬
‫غرفنا صغيرة جدا ً بحيث ل نستطيع دعوة الربانية‬
‫للحضور إلينا‪ .‬يجب أن نحطم البيت بالكامل‪،‬‬
‫لنصبح بمساحة السماء‪ ،‬الفضاء‪ ،‬بل الكون كله‪،‬‬
‫‪.‬هذه المساحة ضرورية لقبول الربانية‬
‫يجب أن يصبح الفراغ طريقك وهدفك‪ .‬ابدء من‬
‫صباح الغد بتفريغ داخلك من كل شيء‪ :‬من‬
‫البؤس والغضب‪ ،‬من النا المزيفة والغيرة‬
‫واللم والرغبات‪ .‬يجب أن ترمي بكل ما تجده‪،‬‬
‫وكل ما تقع عليه يداك بدون مساومة‪ ،‬أفرغ‬
‫نفسك‪ ،‬وفي تلك اللحظة عندما تصبح فارغا‬
‫كليًا‪ ،‬ستفهم فجأة أنك كامل وأنك كل شيء‪.‬‬
‫‪.‬لبد للوصول إلى الكمال من الفراغ‬
‫التأمل ل شيء سوى محاولة للتفريغ‪ ،‬ولن‬
‫نصبح ل أحد‪ .‬يجب علينا أن نتصرف في معسكر‬
‫التأمل هذا كأننا ل أحد‪ ،‬وعندما ننشأ الغضب في‬
‫شخص ما‪ ،‬ونصطدم ونتشاجر معه علينا أن‬
‫نتذكر أن ذلك يعني أن هناك شخص ما في‬
‫مركبنا‪ ،‬فلذلك يجري ما يجري معنا‪ .‬وعندما‬
‫نفرغ مركبنا فستختفي الصطدامات ولن يكون‬
‫‪ .‬هناك نزاعات ول غضب ول عنف ول شيء‬

You might also like