You are on page 1of 18

‫موقف الستشراق من السنة والسيرة النبوية (*)‬

‫أ‪ .‬د أكرم ضياء العمري‬

‫( الامعة السلمية ‪ -‬بالدينة النورة ‪ -‬كلية الدعوة )‬

‫ملحوظة‪ :‬ألقى الدكتور أكرم العمري هذه الحاضرة ف الامعة السلمية فلم أتكن من حضورها ولكن حصلت‬
‫سرّ‬
‫على الشريط فنسخت الحاضرة من الشريط وقدمتها للدكتور أكرم الذي ل كان قد قدّم الحاضرة ارتالً ف ُ‬
‫كثيا با فعلت‪ ،‬ث بعد سنوات نشرها ف كتيب صغي بالعنوان الذكور أعله بينما كان عنوان الحاضرة‬
‫(الستشراق هل استنفد أغراضه؟) وقد نشر الحاضرة ملحق التراث بصحيفة الدينة النورة وأسقط الحرر سهوا أو‬
‫عمدا اسي من نسخ الحاضرة فسامه ال‪ .‬وهاهي بي أيديكم بعد أن نقلتها من أحد الواقع‪.‬‬

‫إن موضوع الستشراق ليس من الوضوعات الت تُطرق للمرة الول ‪ ،‬وإنا طرق ف العقدين‬
‫الخيين على وجه الصوص مرارا ف مؤلفات ‪ ،‬وكتب ‪ ،‬وماضرات ‪ ،‬ومقالت صحفية ‪،‬‬
‫وتقيقات ف الجلت والدوريات ‪ ،‬ولكن النظرة إل الستشراق كانت تتغي باستمرار حت انتهت‬
‫إل الصورة الت يكن أن تعتب واضحة ف أذهان الجيال ‪.‬‬

‫فعندما كنا نطلب العلم ف الرحلة الامعية ف مطلع المسينيات كنا نستمع إل آراء تتصل‬
‫بالعقيدة ‪ ،‬أو الشريعة ‪ ،‬أو التاريخ ‪ ،‬أو التفسي ‪ ،‬أو الثقافة السلمية ‪ ،‬وكانت هذه الراء تطرح‬
‫بلسان عرب من قِبل أساتذة ينتمون إل أمتنا ويتكلمون بلساننا ‪ ،‬وكنا نظن أن القوال هى‬
‫اجتهاداتم ف هذه الوضوعات الختلفة ‪ ،‬لكن بعضهم كان أحيانا يعزو ‪ ،‬فإذا ما عزا القول لصاحبه‬
‫عرفنا أنه يتبن رأيا لحد الدارسي الذين كانوا يسمون دارسي غربيي ‪ ،‬لكن معظم الراء ما كانت‬
‫تُعزى وهذا أخطر بالطبع ‪ ،‬لن الستاذ يتكلم وكأنه يتهد ف فهم النصوص فيوجهها ف حي أنه‬
‫يكون قد درس كتابا باللغة اللانية أو الفرنسية أو النكليزية ‪ ،‬وهو ياضرنا من خلل ذلك الكتاب‬
‫‪.‬‬
‫ومع مرور اليام بدأت صورة الستشراق تتضح وأبعاده تستبي ‪ ،‬ولكن بعض الدارسي يرى أن‬

‫‪1‬‬
‫ذلك ل يتم أو ل يصبح واضحا ف أذهان الثقفي من أبناء أمتنا إل قبل عقدين من الزمان فقط ‪ .‬ليس‬
‫معن ذلك أن اسم الستشراق ما كان يظهر على ألســـــنة الناس ‪ ،‬وما كانت بعض أقوال‬
‫الستشرقي التداولة ف الوساط الامعية وغيها لتعرف بأنا أفكار وآراء استشراقية ‪ ،‬ولكن معرفة‬
‫أن الستشراق ليس مشروعا فرديا وإنا هو مؤسسة متضامنة متعاونة على اختلف البلدان الت‬
‫ينتسب إليها الستشرقون ‪ ،‬وعلى اختلف اللغات الت ينطقها الستشرقون ‪ ،‬على اختلف سياسات‬
‫الدول الت ينتمون إليها تبقى الؤسسة من وراء ذلك تتسم بصفات ثابتة ف التعامل مع التراث‬
‫السلمي ‪.‬‬

‫منذ مائة وخسي سنة وحت الوقت الاضر يصدر ف أوروبا بلغاتا الختلفة كتاب كل يوم عن‬
‫السلم ‪ ،‬هذه الحصائية الت ننتهي إليها عندما نعرف أن ستي ألف كتاب قد صدرت بي ‪-1800‬‬
‫‪ 1950‬م أي عب قرن ونصف ‪ ،‬وعندما نعرف أن ف الوليات التحدة المريكية وحدها يوجد‬
‫حوال خسي مركزا متصا بالعال السلمي ‪ ،‬وأن الستشرقي يصدرون الن ثلثائة ملة متنوعة‬
‫بختلف اللغات كما قرر ذلك بوزورث ف (تراث السلم )‪ ،‬وأن الستشرقي عقدوا مؤترات دورية‬
‫خلل قرن واحد ‪ -‬هو الائة سنة الخية ‪ -‬ثلثي مؤترا‪ ،‬هذا سوى الؤترات القليمية ‪ ،‬وسوى‬
‫الندوات‪ ،‬وبعض هذه الؤترات مثل مؤتر وأكسفورد ضم قرابة تسعمائة عال‪ ،‬فلماذا كل هذا‬
‫الهتمام بالسلم‪ ،‬وبالشرق‪ ،‬وبالعَربِ‪ ،‬وبالقضايا الت تتصل بنطقة بعيدة عنهــــم ؟ ‪.‬‬

‫طبعا هناك بدايات لستشعار الغرب لقوته العسكرية والسياسية بعد أن استقرت فيه معال‬
‫نضته الفكرية والضارية عب القرن السابع عشر والقرن الثامن عشر ‪ ،‬ث بدأ ف اكتساح العال‬
‫خلل القرن التاسع عشر والنصف الول من القرن العشرين ‪ ،‬وكان هذا يقتضي أمرين ‪ :‬أن يُهيأ‬
‫الرأي العام الغرب لثل هذا العمل ‪ ،‬لن القتحام العسكري والختراق الثقاف والسياسى‬
‫والقتصادي سيكلف الغرب الكثي ‪ ،‬وينبغي أن يضحي من أجل ذلك بقوى عسكرية ‪ ،‬وبإمكانات‬
‫اقتصادية ‪ ،‬وبتسخي قدرة الجهزة العلمية ‪ -‬إل حي ‪ -‬لذه الشكلة الثارة ‪ .‬فالستشرقون هم‬
‫الذين صوروا الشرق أمام الغرب ‪ ،‬هم الذين قالوا من هم السلمون ماهي خصائصهم العقلية ‪ ،‬ما‬
‫هي ثقافتهم ‪ ،‬ما هي أعرافهم وتقاليدهم ‪ ،‬إل أي شيء يدفعهم السلم ‪ ،‬وكم يؤثر فيهم ‪ ،‬ف الوقت‬
‫الذي توضع فيه الطط العسكرية والقتصادية ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫هذا المر ‪ -‬تصوير الشرقيي أمام الغربيي ‪ -‬كان هدفا من الهداف الكبية لركة‬
‫الستشراق ‪ ،‬إذ كان الطلوب إعطاء صورة معينة تكن من الغزو العسكري ‪ ،‬والقتصـــادي ‪،‬‬
‫والثقاف ‪ ،‬وهكذا بدأت الدراسات الت اتسمت بطابع عرقي ف بدايات القرن التاسع عشر‬
‫اليلدي ‪ ،‬والت أدت أولً إل تقسيم البشر إل ساميي وآريي وحاميي ‪ ،‬وأن هؤلء البشر يتمايزون‬
‫تايزا عرقيا ‪ ،‬وأن خصائصهم العقلية والنسية تتباين ‪ ،‬فالساميون ل يتلكون القدرة على التفكي‬
‫البعيد ف الستقبل ‪ ،‬وهم أيضا ل يتلكون القدرة الكافية على التنظي العقلي والربط بي الزئيات ‪،‬‬
‫وهذا ما ساه الستشرق جب ‪ - Gib‬وهو يعتب معاصرا ‪ ،‬لنه إل سنة ‪ 1965‬م كان يدير مركز‬
‫دراسات الشرق الوسط ف جامعة هارفارد ‪ -‬عقلية ذرية تتسم بتجزئة الشياء وعدم القدرة ف‬
‫تميعها وتركيبها والنظر إليها بصورة شاملة ‪.‬‬

‫إن الدراسات ذات الطابع العرقي قام با أو ًل أرنست رينان ‪ ،‬حيث كتب عدة مؤلفات عن‬
‫أصول الساميي وعن فقه اللغات السامية ‪ ،‬وفقه اللغات كان يتجه نو تكريس الفرق بي الساميي‬
‫والريي أو بي الشرق والغرب ‪.‬‬

‫ويعتب العرب والسلمون هم الركز الذي تدور حوله دراسات الستشراق أكثر من بقية‬
‫المم والشعوب ‪ ،‬والدراسات الت تناولت السلم والسلمي تتلف عن تلك الدراسات لبقية أرجاء‬
‫الشرق ‪ ،‬ولعل هذا لفت للنظر ‪ ،‬لاذا تتسم الدراسات التعلقة بالسلم والسلمي بالتحيز والتعصب‬
‫والغضب ؟ ولاذا ل تتسم بذلك الدراسات عن البوذية مثلً ‪ ،‬أو الندوسية ‪ ،‬أو الثقافات الخرى أو‬
‫ل ؟ ولاذا عندما تتص القضية بانب إسلمي ‪ ،‬أو بانب يتصل‬
‫الضارات الخرى كالصي مث ً‬
‫بجتمعات إسلمية عندئذ تظهر جذور النفعالت الختلفة والعصبيات التنوعة والغيظ ؟ هذه إحدى‬
‫اللحظات الت سجلها إدوارد سعيد ‪ ،‬وهي ف القيقة تستحق النتباه إليها خاصة إذا راجعنا‬
‫الستشراق ف بدايات نشاطه ‪ ،‬لن بداياته الول ترجع إل فترات مبكرة أكثر وترتبط بقصة‬
‫الصراع بي السلمي والغرب من خلل فتح الندلس ‪ ،‬ومن خلل الروب الصليبية ومن خلل‬
‫الصراع ف صقلية وجنوب أوربا ‪ ،‬وهذا المر كان يعل السلم يتك بصورة مباشرة بالنصرانية‬
‫الت كانت مؤسساتا الكنسية تسود العال الغرب ‪ ،‬وكانت هى الت تتوج الباطرة واللوك ‪ ،‬وتتمتع‬
‫بلكية أرض واسعة ما جعلها القوة الرئيسية ف الغرب ‪ ،‬وهذا كله كان يعل السلم ف مواجهة مع‬
‫الكنيسة النصرانية ‪ ،‬ومن ث اندفعت أعداد من القسس لدراسة السلم ‪ .‬فهذه البدايات الدينية‬

‫‪3‬‬
‫كانت تتسم بالتشنج والعاطفية ‪ ،‬والدراسات فيها اتامات مجوجة ‪ ،‬وهي من السخف بيث أن‬
‫ذكرها ف مثل هذا العصر ليس له من أثر وإنا يدل على طبيعة العلقات النفعلة والتسمة بالطوابع‬
‫الذاتية ف تلك الدراسات الستشراقية الول ‪.‬‬

‫والبعض يرى أن أوربا كانت تشى من غزو إسلمي فكري ف تلك الفترة ‪ ،‬لن السلمي‬
‫نقلوا الفكر اليونان إل أوروبا ‪ -‬أقصد عن طريق حفظ الكتب اليونانية الت ترجت إل اللغات‬
‫الوروبية عن العربية ‪ .‬هذا الانب ل يهمنا بوصفنا السلمي ‪ ،‬ولكنه حدث وحدث معه أن ذهب‬
‫أوروبيون ربا لطلب مثل هذه العلوم ابتداءً ‪ ،‬ولكنهم احتكّوا ببيئة إسلمية ف الندلس ‪ ،‬وكان‬
‫البابوات يرصدون هذه الركة ‪ ،‬ويرون أنا خطرة على أوربا ‪ ،‬وأنا تثل غزوا حضاريا فكريا‬
‫إسلميا ‪ .‬ومن هنا أنشئت مراكز الدراسات الستشراقية الختلفة ف أوربا بإذن من البابوات ‪،‬‬
‫وبتنسيق الجالس الكنسية ‪ ،‬ووضعت ف كمبدج وأوكسفورد وف مراكز أخرى مثل ألانيا ‪.‬‬
‫كانت هناك قضية الصراع الفكري الدين واستمر هذا التيار إل أن ظهرت الرحلة الديدة القترنة‬
‫بالتوسع الستعماري ‪ ،‬عندئذ صار من مهام الكومات أن تسخر عددا كبيا من الباحثي ليكتبوا‬
‫عن السلم والسلمي باللغات الوروبية ‪ ،‬إذن الطاب ل يكن موجها ابتداءً لناطقى العربية أو‬
‫اللغات الشرقية وإل لكانت الكتابة باللغة العربية ‪ ،‬بل كان موجها لوروبا ‪ ،‬أن هذه هي صورة‬
‫السلم فل تتحولوا إليه ‪ ،‬وإذا كانت هذه هى صورة السلمي فل تلوموننا إذا اقتحمنا ديارهم ‪ ،‬ول‬
‫تلوموننا إذا استنفنا خياتم ‪ ،‬ول تلوموننا إذا تعصبنا ضدهم ‪ ،‬لن هؤلء القوم يتسمون بصائص‬
‫عقلية وجنسية وثقافية ل تكنهم من النهوض بأنفسهم ‪ ،‬وهم باجة إل عوننا والدور الذي سنقوم به‬
‫والذي سنحدثه إنا هو لصال الضارة النسانية ‪ .‬ويستمر هذا الطاب عب قرن من الزمان‬
‫وهوالقرن التاسع عشر ‪ ،‬وهو القرن الذي اشتد فيه الستشراق واشتدت فيه مؤسساته وأوزرت من‬
‫قبل الكومات الختلفة الوروبية ‪.‬‬

‫ومنذ مطلع القرن العشرين وإل الوقت الاضر نعلم كيف برزت منطقة الشرق الوسط ‪،‬‬
‫وأهية هذه النطقة استراتيجيا واقتصاديا وبالتال فإن الدراسات الستشراقية استمرت واتصلت ‪،‬‬
‫كما أن مؤترات الستشرقي واصلت طريقها بدعم من الكومات ومن الؤسسات ومن الغنياء‬
‫( الفراد ) من المريكيي والوروبيي ‪ .‬وند أن الستشراق الروسي يبز بشكل أقوى منذ الثوره‬
‫البلشفية سنة ‪ 1917‬م ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫إذ ل بد من دراسة القوم الذين يراد لم أن يُستعمروا ‪ ،‬ول بد أن يعتقد الغرب أن العمل‬
‫إنسان وحضاري وكيف مُثّل السلم أمام الغرب ؟‬

‫أولً ل وجود حقيقي للسلم ف الغرب لعدم وجود الؤسسات القوية القادرة على تثيله ‪،‬‬
‫وهذا ولّد فراغا ومكّن الؤسسات الستشراقية ومن ورائها عدد كبي من الدارسي الغربيي الذين ل‬
‫يعرفون العربية ‪ ،‬ولكنهم يتلقون الصورة من خلل الؤلفات الستشراقية ‪.‬‬
‫لقد ظهرت دراسات تليلية كثية ف القرن العشرين عن السلم والسلمي وعن القرآن الكري ‪،‬‬
‫وعن السنة النبوية ‪ ،‬وعن السية النبوية ‪ ،‬وعن الثقافة السلمية وعن الشريعة السلمية ‪ ،‬وهذه‬
‫الؤلفات قامت بعقد دراسات مقارنة ‪ ،‬والقارنات منذ القدي تستهدف شيئا أساسيا وهو تصوير‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم أنه مصلح اجتماعي عكس ضرورات البيئة العربية ف مكة ‪ .‬ويقول‬
‫جب ‪ " : Gib‬إنه نح لكونه أحد الكيي " بعن أنه عبّر عن الاجيات الحلية ‪ ،‬ومهما اختلفت‬
‫العبارات ما بي قسوة كاملة تتسم بسوء الدب عند ذكر الرسول ‪ ،‬عليه الصلة والسلم ‪ -‬وهذا‬
‫ما يقوله الستشرقون التأخرون عن التقدمي بأنم أساءوا جدا ‪ -‬وبي دراسات أكثر موضوعية‬
‫وحيادا ‪ .‬ومهما اختلفت الصورة تبقى هناك قضية أساسية وهي أن جيع الستشرقي ‪ -‬متسامهم‬
‫ومتعصبهم ‪ -‬يتأثرون بوسطهم الثقاف العادي للسلم إل من أسلم منهم ‪ ،‬وهم قلة كما تعلمون‬
‫مثل " أتي دينيه " ‪ ،‬صاحب " ممد رسول ال " و " أشعة من نور السلم " وهو فرنسي ‪ ،‬ومثل "‬
‫موريس بوكاي " الذي قارن بي القرآن والنيل والتوراة ‪ ،‬ولا تبي له أن الكتب السماوية الحرفة‬
‫تتناقض مع العلم ‪ ،‬وأن القرآن ل يتناقض مع أية حقيقة علمية ثابتة عندئذ أعلن تشهده وإيانه بنبوة‬
‫ممد صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وبأن القرآن كلم ال ‪ ،‬وهو من كبار العلماء الفرنسيي ف الطبيعيات ‪،‬‬
‫وهؤلء قلة أمام الكثرة الكاثرة الت استمرت تصور الرسالة السلمية على أنا هرطقة ‪ -‬هرطقة ‪:‬‬
‫اصطلح يطلق على النشقي عن الكنيسة النصرانية ‪ -‬فهم يرون أن السلم هرطقة وحركة خارجة‬
‫عن النصرانية ‪ ،‬وأن الرسول عليه الصلة والسلم ل يكن نبيا موحى إليه وإنا كان على حد أحسن‬
‫تعبياتم وهو ما يقوله مونتغمري وات ‪ -‬أستاذ الدراسات السلمية بامعة لندن ‪ ،‬وهو من أحدث‬
‫الذين كتبوا ف السية النبوية من الستشرقي ف كتابيه ‪ " :‬ممد ف مكة ‪ ،‬ممد ف الدينة " وهو‬
‫يقول ‪ " :‬إن ممدا صادق ‪ ،‬لنه ييل إليه أنه بعث نبيا ‪ ،‬وأنه يمل رسالة ‪ ،‬وأنه يوحـى إليه "‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫هذا الستشرق‪ ،‬لنه يعيش ف هذا القرن الذي تبلورت فيه علوم جديدة ل تكن موجودة‬
‫عند الستشرقي ف القرن التاسع عشر أو القرن الثامن عشر أو القرن السابع عشر أو مع البدايات‬
‫الستشراقية ‪ ،‬مثل علم النفس التحليلي ‪ ،‬علم الجتماع والعلوم القتصادية والجتماعية الديثة‪،‬‬
‫لذلك ند أن تقنية البحث عند مونتغمري وات تتلف عن التقنية القدية من حيث أنه يزج دراسته‬
‫بذه اللوان الديدة من العلم ‪ ،‬وهذا قد يولد قناعة عند بعض القارئي من ل يعرفون السية النبوية‬
‫معرفة دقيقة ‪ ،‬أو من ل يعرفون السلم بصورة تفصيلية ‪ ،‬فهو يزعم أن عملية الوحي إنا هي‬
‫استشعار داخلي ولكن بصدق ‪ ،‬فهو ل يشكك بصدق شعور النب صلى ال عليه وسلم بالنبوة ‪،‬‬
‫ولكنه يظن أن هذا إنا هو استشعار داخلي وقناعة ذاتية دون أن يكون هناك شيء خارجي اسه‬
‫الوحي ‪.‬‬

‫وعندما يأت إل قضية الختلف بي أسلوب الرسول صلى ال عليه وسلم ف أحاديثه وبي‬
‫أسلوب القرآن التميز هنا يلجأ إل علم النفس التحليلي ‪ ،‬فيقول إن النب عندما يقرأ القرآن على‬
‫الناس يكون ف حال يضعف فيها الوعي الارجي ويعمل وينشط اللشعور أو العقل الباطن ‪ ،‬فعندئذ‬
‫يكون السلوب مغايرا لسلوبه عندما يكون ف يقظته العقلية الكاملة أو وعيه الظاهر الكامل ‪ ،‬ومن‬
‫هنا يأت أسلوب الديث مغايرا لسلوب القرآن ‪ .‬نن نعلم أن مغايرة أسلوب القرآن لسلوب‬
‫الديث هو أحد الوسائل الت بنيت عليها موضوعات العجاز القرآن ‪ ،‬باعتبار أن أسلوب القرآن‬
‫أسلوب فريد متميز عن الساليب البشرية ‪ ،‬وأن السلم تدى العرب ‪ -‬وهم أساطي البلغة ‪ -‬بأن‬
‫يأتوا بسورة من مثله فعجزوا ‪ ،‬وأن عدم استجابتهم للتحدي مع رغبتهم ف ذلك يدل على أن المر‬
‫كان عندهم ظاهرا بيث تيزت أمامهم القيقة وهي أن هذا أسلوب مغاير لساليب البشر ‪ .‬ومن هنا‬
‫تبز أهية هذه " الفذلكة " الت يقدمها مونتغمري وات لنا تستهدف نقض قضية العجاز باعتبار‬
‫أن هناك أساليب متغايرة تنجم إحداها عن الوعي الظاهر والثانية عن اللشعور‪ ،‬بالطبع مثل هذا إذا‬
‫قُيِل ينبغي أن يطبق على سائر الساليب لسائر الكتاب والشعراء والفكرين ف‬
‫أرجــــــــاء الدنيا ‪ ،‬وإل لاذا يتص ممد صلى ال عليه وسلم وحده بالسلوبي ؟ ونن‬
‫نعلم أن الدراسات القارنة والدراسات الدبية النقدية كلها مبنية على وحدة السلوب بيث يقال إن‬
‫هذا الكلم ليس من كلم فلن لنه مغاير لسلوبه ‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫إن ماولت إلقاء الرؤى الثقافية العاصرة على السلم ‪ ،‬منهج خطي ‪ ،‬ومن الناحية العلمية‬
‫ل يكن قبوله لنه مرد إسقاط تاريى لرؤية ثقافية حديثة ‪ ،‬فقبل مونتغمري وات كان الستشرقون‬
‫يتارون ف تفسي ظاهرة الوحي قبل أن تبز فكرة التحليل النفسي الت جاء با فرويد الطبيب‬
‫الشهور ف مطلع هذا القرن والت أخذت مالا ف الدراسات النفسية والجتماعية وف عال الرواية‬
‫الدبية ‪.‬‬

‫كانت مشكلة الوحي تواجه الستشرقي ول يتمكنون من إعطاء تفسي لا إل باللجوء إل‬
‫التامات الت سبق أن ذكرت على لسان الاهلي ف مكة عنـــــــد نزول السلم ‪،‬‬
‫وللسف ف دراساتنا الامعية ‪ ،‬وربا الرحلة الثانوية كانت تطالعنا أساء لدارسي يسمون دارسي‬
‫غربيي ‪ ،‬وهذه الساء أصبح يطلق عليها فيما بعد اسم الستشراق أو الستشرقون ‪ ،‬وكانت‬
‫انطباعاتنا عن البعض أنه معتدل ‪ ،‬فكان يقال لنا مثل إن دانت له تأثي كبي على نشوء الثورة‬
‫الفرنسية ‪ ،‬والتمهيد لا ‪ ،‬ومعاداة الراء الكنسية الباطلة والخالفة للعلم ‪ ،‬ودانت الذي أُبرز والذي‬
‫يعرفه ربا الكثي من العرب والسلمي لنه يأت ف الناهج الثانوية ف كثي من الدول السلمية ‪،‬‬
‫ودانت الذي ظهر لنا بظهر الشاعر النابه صاحب الكوميديا اللية الت ربطت عن طريق الدراسات‬
‫القارنة بقصة السراء والعراج ‪ ،‬وربطت أحيانا ف الدراسات الدبية برسالة العري "‬
‫رســــــــــــالة الغفران " ‪ ،‬ودانت قيل لنا إنه شاعر نابه وإن له تأثيا ف مرى‬
‫التاريخ النسان ‪ ،‬وإنه أحد المهدين للثورة الفرنسية ‪ -‬ف رأيهم ‪ -‬مصدر الرية والساواة والتحرر‬
‫النسان الذي يظنون أنه شل أهل الرض خلل القرون الخية على إثر ظهور تلك الثورة ‪.‬‬
‫موقف دانتي من الرسول صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫دانت يضع النب عليه الصلة والسلم ف طبقة متأخرة من طبقات الحيم ‪ ،‬هذا الوجه الخر من‬
‫العملة ل يقولوه لنا ‪ ،‬وإنا فقط قالوا لنا إن له أثرا إيابيا ‪ ،‬وعندما يقتنع النسان وهو صغي بأن‬
‫هؤلء هم ناذج البطال ف التاريخ النسان ‪ ،‬وإنم هم رجال الفكر ورجال التحرر ‪ ،‬ث يأت بعد‬
‫ذلك ‪ -‬بعد أن يشب ‪ -‬ويقرأ مثل هذا الكلم لدانت لن يغضب كثيا ‪ ،‬لن ماعرفه عن دانت يفف‬
‫من هذا العمل ‪ ،‬ولنه ل يعرف شيئا عن ممد صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فلماذا يغضب ؟ ولكن يبقى أن‬
‫أشي إل ما ذكرته ف البداية من كون خطاب دانت بالفرنسية العالية الستوى ليس موجها للعرب‬
‫ول للمسلمي ‪ ،‬إنا هو ف الصل موجه لقراء الفرنسية ‪ ،‬وأن الراد تشويه صورة ممد صلى ال‬

‫‪7‬‬
‫عليه وسلم بغية اللص ما كانت تظنه الكنيسة ويظنه مفكرو الغرب حت أعداء الكنيسة غزوا‬
‫فكريا إسلميا ‪.‬‬

‫َنسْبُ حسنات السلم إلى اليهودية والنصرانية ‪:‬‬

‫إنّ تلمس كل حسنات السلم وماوله نسبتها إل أصول يهودية أو نصرانية ‪ ،‬هذا النهج‬
‫كان منذ البدء معمولً به ول يزال حت الوقت الاضر يظهر ف عبارات الستشرقي العاصرين ‪،‬‬
‫فالقضايا الت تتصل بتوحيد الله ‪ ،‬وبطرح العقيدة الدينية يشار فيها إل أثر بيا الراهب ‪ ،‬وأثر ورقة‬
‫بن نوفل ‪ ،‬فكتب الداد الذي ل نعرف اسه ‪ -‬لنه ل يصرح به ‪ -‬سواء ف كتابه عن " السيح‬
‫والقرآن " أو " ممد والقرآن " أو كتبه الخرى الت ظهرت حديثا ‪ ،‬وهذه الدراسات الت قيل إنا‬
‫للستاذ الداد ركزت كثيا على هذا الانب وهو أن ممدا صلى ال عليه وسلم كان على صلة‬
‫بورقة بن نوفل خلل خسة عشر عاما ‪ ،‬وكان هذا الوقت منذ زواجه بدية الذي يزعم الكاتب أن‬
‫ورقة زوجه با ‪ ،‬وهو أمر طبعا منقوض تارييا لنه معروف أن الذي زوجها هو عمها عمرو بن‬
‫أسد ‪ ،‬ولكن الهم إياد الصلة بورقة الذي يقول إنه كان نصرانيا وكان على ثقافة كتابية ‪ ،‬وأن‬
‫ممدا صلى ال عليه وسلم تلقى عنه الوحي الول ‪ ،‬ث جاء الوحي الثان ف الغار ‪.‬‬
‫هذه الكتابات الديثة ‪ ،‬هذه الرؤى ليست جديدة ‪ ،‬وإنا منذ البداية كان النهج يركز على أن‬
‫حسنات السلم مقتبسة من سواه ‪ ،‬لعدم إمكان إنكارها لن القرآن جاء با ولن السنة أثبتتها ‪ ،‬إذا‬
‫ل يوجد إل طريق واحد وهو أن يقال ‪ :‬نعم إن السلم فيه هذا الانب ولكنه مأخوذ عن النصرانية‬
‫بواسطة ورقة بن نوفل ‪ ،‬والسلم فيه هذه السنة ولكن الذي أوحى با إنا هو بيا الراهب‬
‫وبعضهم يريد أن ينسب المر إل بعض اليهود الذين كانوا ف شبه الزيرة العربية ‪ ،‬ونن نعرف تاما‬
‫أن مكة ل يكن فيها يهود ‪.‬‬

‫القصص الديني ‪:‬‬

‫نعم هناك أوجه تشابه ف القصص الدين بي ماورد ف التوراة وشرحه التلمود ‪ ،‬والنيل ‪،‬‬
‫وبي ما ورد ف القرآن الكري ‪ ،‬ولكن هذا التشابه ل يعود إل كون القرآن اقتبس تلك الصور عن‬
‫التوراة والنيل ‪ ،‬وإنا لكون الصل واحد ‪ ،‬نن ل ننكر أن النيل وأن التوراة من عند ال ‪،‬‬
‫ولكننا نقول ما أثبته القرآن من كون النيل والتوراة ل يعودا كلمة ال تعال بسبب التحريف الذي‬

‫‪8‬‬
‫وقع والذي ل يكن تييزه وتديده وتليصه بدقة من الق ‪ ،‬فكون الوحي اللي واحدا وكون‬
‫العقائد الدينية واحدة والشرائع هى الت تتلف ‪ ،‬هذا المر يؤدي بالطبع إل أن يلتقي الوحي اللي‬
‫للنبياء جيعا ف بعض الوانب ‪.‬‬

‫ترجمات معاني القرآن ‪:‬‬

‫هناك ترجات كثية لعان القرآن الكري قام با الستشرقون وهي تزيد على خس وسبعي‬
‫ترجة ‪ ،‬ونن ل نعرف هذه التراجم ‪ ،‬بل ل تكاد تتمع ف مكتبة من مكتبات العال السلمي ‪ ،‬وهذا‬
‫بلشك تقصي كبي ‪ ،‬إننا ل نعرف ماذا يكتب عنا ‪ ،‬وكيف يترجم كتاب ال تعال ‪ ،‬وماذا يقال ف‬
‫تصديره للعال الغرب ‪ ،‬لبد أن نثل أنفسنا وخاصة بعد أن أصبح عندنا العديد من الثقفي والكتاب‬
‫من يعرفون اللغات الجنبية ‪ ،‬يب أن نتكلم عن أنفسنا ‪ ،‬ول ندع الستشرقي يتكلمون عنا ويثلوننا‬

‫يقول جورج سيل ف مقدمة الترجة النكليزية لعان القرآن الكري سـنة ‪ 1736‬م ‪ " :‬أما أن ممدا‬
‫كان ف القيقة مؤلف القرآن والخترع الرئيسي له فأمر ل يقبل الدل ‪ ،‬وإن كان من الرجح مع‬
‫ذلك أن العاونة الت حصل عليها من غيه ف خطته هذه ل تكن معاونة يسية ‪ ،‬وهذا واضح ف أن‬
‫مواطنيه ل يتركوا العتراض عليه بذلك ‪ ،‬يشي إل آيات القرآن ( إن هذا إل إفك افتراه وأعانه عليه‬
‫قوم آخرون ) وقول الق تعال ‪ ( :‬إنا يعلمه بشر ) القصود أن هذه مقدمة لترجة لعان القرآن إل‬
‫النكليزية ‪ ،‬وهي من أقدم الترجات !!‪.‬‬

‫هناك دراسة لالك بن نب وهي " الظاهرة القرآنية " وفيها مناقشة دقيقة ومنطقية لا قيل من‬
‫تشابه بي القصص الدين القرآن والقصص الدين التورات ‪.‬‬

‫وينبغى أيضا أن نلحظ أن تثيل الستشراق للسلم وللمسلمي بالنسبة للغرب ينعكس‬
‫على قضايانا السياسية ‪ ،‬وعلى علقاتنا مع الغرب حيث يتصور الرأي العام الغرب أننا أمة هجية وأننا‬
‫برابرة كما تزعم كثي من الدراسات ‪ ،‬وأننا ل نتلك مقومــــــــات حضارية ‪ ،‬ول‬
‫نتلك عقلية منطقية ‪ ،‬ول نفكر ف الستقبل ‪ ،‬هذا كله يكن أن يؤدي إل مشكلة ف نطاق العلقات‬
‫السياسية والقتصادية والعسكرية ‪ ،‬والصراع بي الشرق والغرب ‪ ،‬لذلك فإن قيامنا بتمثيل أنفسنا‬
‫هو الل المثل ‪ ،‬نن الذين نطرح فكرنا وديننا وعاداتنا لكنه ينبغي أن نعترف أننا حت الن ل نثل‬

‫‪9‬‬
‫أنفسنا أمام أنفسنا ‪ ،‬أقصد لزلنا ندرس السلم ‪ ،‬ولزلنا ندرس أوضاع السلمي وندرس شرائح‬
‫كثية تاريية ‪ ،‬وجغرافية ‪ ،‬واقتصادية ‪ ،‬واجتماعية ‪ ،‬وثقافية ‪ ،‬من خلل الدراسات الغربية‬
‫والستشراقية ‪ ،‬وأن مناهج جامعاتنا ف أرجاء العال السلمي مليئة بثل هذه الكتب وحت تلك‬
‫الكتب الت ألفها عرب لو قارناها بدقة فإننا سنجد أن كثيا من الفكار مترجة دون عزو عن‬
‫الستشراق ‪.‬‬

‫فلبد إذا من أن نبن صرحنا الثقاف الفكري الدين بأنفسنا وأن تكون دراستنا مستقلة ذات‬
‫مناهج مستقلة ‪ ،‬ورؤى مستقلة ‪ ،‬وأن هذا الذي يطرح ل يكون متأثرا وغارقا ف بؤرة الستشراق ‪.‬‬
‫أن نثل أنفسنا أولً عن طريق بناء الصرح العلمي والرؤى السلمية الالصة النبثقة عن كتاب ال‬
‫تعال وسنة ممد صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ث أن نعكس هذا على الغرب بترجات إل اللغات العالية‬
‫الختلفة ‪ ،‬لكن الذي حدث أن الستشرقي مثلونا أمام الغرب وبعد أن شوهوا الصورة تاما خلل‬
‫قرني من الزمان وعادوا إل عكس الصورة ‪ ،‬فبدل أن يكون النشاء ياطب به الغرب باللغة اللانية‬
‫أو الفرنسية أو النكليزية صار الطاب ‪ -‬بعد الترجة للعرب وللمسلم الذي يقرأ العربية أو بعض‬
‫اللغات السلمية الخرى ‪ -‬إذن عكس الطاب الذي شوّه الصورة أمام الغرب ‪ ،‬بيث قبل أن‬
‫نُستعمر " لننا باجة إل الستعمار ‪ ،‬قبِل أن نُخترق لننا ل نستطيع النهوض بأنفسنا ولئل نبقى‬
‫بعيدين عن الياة الطيبة الت ل بد أن تكون ثرة من ثرات الستعمار وخياته علينا !! " ‪.‬‬
‫وتعكس الصور منذ مطلع القرن العشرين إل الن بشكل ترجة إل لغاتنا فتحول الطاب القدي ‪-‬‬
‫إل الورب ‪ -‬إل خطاب جديد للمسلم وبنفس الفكار والتوجيهات الت تولّد الشك ف نفس السلم‬
‫‪.‬‬
‫أولً ‪ :‬لن التربة صالة لبذر أية فكرة فل توجد تربية إسلمية مو جهة لكل أبناء العال السلمي ‪،‬‬
‫ولجياله الصاعدة ‪ ،‬ول يوجد تغذية بالقرآن والسنة ومفاهيم السلم بشكل يصن الشاب السلم‬
‫عن تقبل مثل هذه الفكار ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬هذا الطاب يطم المة لن العنوية الت تأتيها من صلتها بالقرآن ‪ ،‬بالوحي اللى‬
‫كتابا وسنة ‪ ،‬واستشعارها بأنا المة الوحيدة الت تمل وحيا إليا خالصا من التحريف ‪ ،‬هذا‬
‫الستشعار يكن أن يعيدها إل مد حضاري جديد ‪ ،‬والجد الضاري الديد معناه وقف الصال‬

‫‪10‬‬
‫للعال الغرب ‪ ،‬معناه توجه النطقة توجها مستقلً يفظ كرامتها وشخصيتها وهويتها السلمية‬
‫وثقافتها التاريية وتطلعاتا نو مستقبل أفضل ‪.‬‬

‫قبل ثلثة عقود ف الرحلة الامعية كان الستاذ يتكلم بلسان الخرين ‪ ،‬وطبعا هناك أناس‬
‫متدينون ف القاعة ‪ ،‬ولزالت الطينة بصورة عامة فيها بقايا خي كثي ‪ ،‬ولزالت ل تتسخ كثيا ‪ ،‬من‬
‫الصعب أن يقول النسان ائتمر أبوبكر وعمر وأبو عبيدة على انتزاع اللفة ‪ ،‬ولكن يستطيع أن‬
‫يقول ذلك على لسان الب " ل مانس " ويسوق هذا الكلم ث يسكت ‪ .‬والهم أن الصورة الت‬
‫تكونت ف أذهان الطلبة الامعيي أن هؤلء الصحابة أناس يأترون بينهم على انتزاع سلطة وخلفة‬
‫دنيوية ‪ ،‬وأنم ليس كما يقول السلمون عنهم من كونم ربوا على عي النبوة ‪ ،‬ونشأوا مع آيات‬
‫ل وبا أنم ناذج السلم الول فل يعقل أن آخرين سيأتون بعدهم‬
‫الوحي وتثلوها قولً وعم ً‬
‫يصبحون ناذج أفضل ‪ .‬وهكذا فإن السلم ليس دينا واقعيا يرب رجالً نظيفي وأقوياء ‪ ،‬وإنا مرد‬
‫خيال ومثاليات ‪.‬‬

‫كم أُثن على " توماس كارليل صاحب البطال الذي ترجم إل العربية ‪ ،‬إنه جعل النب بطلً‬
‫تارييا وأنه مستشرق منصف ‪ ،‬والن اقرأوا فقرة من كلم كارليل عن القرآن ‪ ،‬يقول ‪ " :‬هو خليط‬
‫مهلهل مشوش ‪ ،‬مل خام ‪ ،‬مستغلق تكرار ل ناية له ‪ ،‬وإسهاب وإطناب ومعاضلة ‪ ،‬خام إل أقصى‬
‫الدرجات ‪ ،‬ومستغلق وبإياز غباء فارغ ل يطاق " ‪ .‬هذا الكلم نقله إدوارد سعيد ‪ -‬وهو أستاذ‬
‫جامعي أمريكي نصران من أصل عرب ‪ -‬نقله عن كارليل ف كتابه " الستشراق " وكتاب "‬
‫الستشراق " هذا يعد من أقوى ما كتب ف فضح الستشرقي ومناهجهم وتعريتهم ‪ ،‬ووضعهم ف‬
‫الطار الكلي من قبل رجل ليس مسلما ليقال إنه يتعصب للسلم وللمسلمي ‪ ،‬وإنا هو رجل‬
‫صدّر إل أسواقنا بالعربية سنة ‪ 1981‬م تتالت كتابات‬
‫نصران ‪ ،‬ومنذ أن كُتب هذا الكتاب و ُ‬
‫مسلمي أستثيوا ‪ ،‬فظهرت عدة دراسات أثارت نفس القضايا الكبى سواءً ما تعرض له إدوارد‬
‫سعيد أو أخذت ناذج من الستشراق كالولندي ‪ ،‬كما فعل الدكتور قاسم‬
‫الســـــــامرائي ف " الستشراق بي الوضوعية والفتعالية " ‪ ،‬وكما فعل الدكتور زقزوق‬
‫ف ماضرته الت نشرت ف سلسلة كتب ملة " المة " عن الستشراق ‪ ،‬وثة كتاب يستحق أن يشار‬
‫إليه وهو " مناهج الستشرقي " الذي طبعه مكتب التربية لدول الليج العرب والذي يقع ف ملدين‬
‫تت عنوان " مناهج الستشرقي ف الدراسات العربية والسلمية " فل شك أن هذا الكتاب يعد‬

‫‪11‬‬
‫عملً نقديا رائعا ف ماله ‪ ،‬ولكن الكُتّاب ل يتمكنوا أن يقولوا كل مايريدون لنم كتبوا بوثا‬
‫ومقالت اجتمعت ف الجلدين ‪ ،‬والمر يتاج إل جهد أكب ليُفحص كلم الستشراق وكيف طُرح‬
‫على الغرب وكيف تكونت صورة العرب والسلم ف ذهن الغرب العاصر ‪ .‬ث إذا ما ُعدّل الخاطب‬
‫أو الراد بالطاب إل الشرقي السلم العرب ما الذي سينتج بعد ربع قرن إذا ترجم ستون ألف كتاب‬
‫أو عشرون ألف منها إل لغات العرب والسلمي ‪ .‬ل ينظر إل المر من زوايانا ونن ندرس ف كلية‬
‫قرآن وكلية حديث وكلية شريعة وكلية لغة عربية ‪ ،‬ل ينظر المر من هذه الزاوية ‪ ،‬وإنا ينبغي أن‬
‫ننظر برؤية واسعة إل العال السلمي إل تلك الجيال الت تعد بالليي والت ل تعرف عن السلم‬
‫إل الشهادة وإل بعض الظاهر العامة ‪ .‬ماذا لو نوقشت قضية الوحي اللي ‪ ،‬وتطبيقات علم النفس‬
‫التحليلي عليه ؟ أل يتسرب الشك إل عقل خال وليس عنده من تصور لقضية الوحــــــي‬
‫الِلي ؟ بالطبع ليس معن ذلك أن هذه القضية هي من بنات أفكار هذا القرن ‪ ،‬نعم إن استخدام‬
‫التحليل النفسي هو من أفكار القرن لرتباطه بعلم معي أو فرع معي من فروع علم النفس ولكن‬
‫صرَع ‪ ،‬ولكن الستشرقي الذين تأخروا لا‬
‫قبل ذلك ماذا قيل ؟ قيل إن النب عليه الصلة والسلم ُي ْ‬
‫صرَع من الناحية الطبية وجدوا أن الدعوى ل يكن أن تقبل لن الصروع يفقد عقله‬
‫درسوا ظاهرة ال ّ‬
‫‪ ،‬أما رسول ال صلى ال عليه وسلم فكان على أت اليقظة والوعي واستحضار العقل بل شدة‬
‫التركيز ‪ ،‬بيث قال له ال تعال أل يفعل ذلك إشفاقا عليه ( ل ترك به لسانك لتعجل به ‪ .‬إن علينا‬
‫جعه وقرآنه ‪ .‬فإذا قرأناه فاتّبِــــــع قرآنــه ‪ .‬ث إن علينا بيانه ) ‪ .‬وعده ال تعال بأن‬
‫يمع ذلك له ‪ ،‬بأن يُحفظهُ إياه دون هذا التركيز العقلي الشدود ‪ ،‬فأين هذا من حال الصروع ؟‬
‫فالصروع كما نعلم يهذي لكنه ل يأت بقرآن مبي ل يتناقض إطلقا ‪ ،‬وعدم التناقض إطلقا ليس إل‬
‫من صفات ال سبحانه وتعال ‪ ،‬ولذلك قال الق ‪ ( :‬ولو كان من عند غي ال لوجدوا فيه اختلفا‬
‫كثيا ) ‪.‬‬

‫أيضا قالوا لنا بأن " جوستاف لوبون " الفرنسى الذي كتب " حضارة العرب " رجل‬
‫حصيف ‪ ،‬ورجل عادل وهو يثن على العرب وحضارتم ‪ ،‬وكتابه هذا اعترف بكاننا ‪ ،‬ولكنهم ل‬
‫يقولوا لنا ماذا يقول جوستاف لوبون عن القرآن ‪ ،‬يقول ‪ " :‬ليس ف عامية القرآن ول صوتيته أو‬
‫هويته الصبيانية الت هي من صفات الديان السماوية ما يقاس بنظريات الندوس " ‪ .‬يعن لوبون يرى‬
‫أن القرآن الكري ف لغته وف أفكاره ل يرقي إل الندوسية ‪ ،‬ث ينكر شولية القرآن ‪ ،‬ويرى أنه‬

‫‪12‬‬
‫مؤقت لعصره ‪ ،‬وأنه ل يقق حاجات الفرد ف عصور لحقة بل يعله سبب تلف السلمي ‪.‬‬
‫إن خلط السم بالدسم ‪ ،‬بالثناء على الضارة العربية وأنا تستحق الشادة با ‪ ،‬ومن ناحية ثانية‬
‫الطعون ف القرآن والرسول صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وف ظاهرة الوحي يعن أن القصود هو الطعن ‪،‬‬
‫وأما الطار بالثناء على حضارة العرب فهو للتخدير ‪ ،‬لنه ف حالة الوعي الكامل سيفض القارىء‬
‫الشتم ‪ ،‬ولكن إذا قيل له إنك إنسان نبيل ونابغة ومهذب ول ينقصك إل كذا ‪ -‬وهذا " الكذا "‬
‫يفقد النسان قيمته ‪ -‬هذا هو السلوب والنهج التبع ف معظم الدراسات الستشراقية ف القرن‬
‫العشرين ‪ ،‬فهي ل تتجه إل الساليب الباشرة ‪ ،‬وإنا تتجه إل تغليف الكلم ‪.‬‬
‫وقد كتب جولد زيهر مئات البحوث عن السلم والسلمي وعشرات الكتب الكبية ‪ ،‬وأشهر كتبه‬
‫" مذاهب التفسي السلمي " الذي يثل نضجه الثقاف حيث كتب قبل ذلك " دراسات إسلمية " و‬
‫" العقيدة والشريعة " ‪ ،‬وهذا الؤلف الجري اليهودى أثر على كثي من أساتذتنا الذين تكلموا عن‬
‫تاريخ الديث النبوي ف مطلع القرن ‪ ،‬واستمرت آراؤه تظى باحترام العديد من الدارسي ف‬
‫الغرب هو و" شاخت " صاحب كتاب " أصول الفقه السلمي " ‪ .‬ول يكن ف هذا البحث الوجيز‬
‫استعراض كل ما قيل ف هذا الجال وإنا الراد هو إيضاح أن الستشراق وإن كان قد بدأ حركة‬
‫دينية ث تول إل حركة مقترنة بالسياسية بيث اشتغل معظم الستشرقي بل كلهم إل اليسي ف‬
‫دوائر الخابرات الجنبية وخدموا وزارات الارجية ‪ ،‬وهذا معروف عن أساطينهم ما ل يولد الشك‬
‫ف اقترانم بالسياسة وأن ما يكتبونه يراد منه خدمة واقع سياسي ‪ ،‬وأنه حت بعد التطور الديث من‬
‫مطلع القرن العشرين وحت الن لزال يواصل خطاه ‪ ،‬وأن مايبدو عليه من تعميق لبحوثه بالفادة‬
‫والستثمار للعلوم الديثة لن يلصه من الطار القدي الرسوم له ‪ ،‬فأهداف طرح الشرق أمام الغرب‬
‫بصورة مشوهة ث عكس القضية لضعاف ثقة السلمي بأنفسهم ‪ ،‬بدينهم ‪ ،‬باضيهم ‪ ،‬هذا كله‬
‫إضافة إل زرع بذور العنصرية والتفرقة بي المة السلمية بشت الطرق ‪.‬‬
‫وفيما يلى عرض لملة من آراء الستشرقي ف السنة النبوية ‪:‬‬

‫المستشرقون والسنة ‪:‬‬

‫ل يفرد الستشرقون القدامى السنة بدراسات مستقلة بل ركزوا على العقيدة والقرآن‬
‫والسية والتاريخ ‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫ف ناية القرن السابع عشر كتب هربلو وهو فرنسي ( ‪ 1695 - 1635‬م ) صاحب‬
‫الكتبة الشرقية وهي دائرة معارف عن الشرق نُشرت ‪ 1738‬م ‪ -‬بثا ف ( حديث ‪ ،‬قصة ‪ ،‬خب‬
‫مسموع مقول ‪ ،‬أحاديث الرسول ‪ ،‬حديث عن أشياء قالا الرسول الزائف وقد نقل من فم إل فم‬
‫ومن شخص إل آخر ) ‪.‬‬

‫وخلصة رأيه أن جلة الحاديث الت ف الكتب الستة والوطأ والدارمي والدارقطن والبيهقي‬
‫والسيوطى مأخوذة إل حد كبي من التلمود ‪.‬‬

‫ويلحظ أنه يفرق بي السنة الت التزم السلمون بتطبيق أحكامها وبي الديث الذي هو‬
‫مرد خب تاريى غي موثوق ‍‍!! ‪.‬‬

‫كذلك يلحظ ف دراسة هربلو التكذيب للرسول صلى ال عليه وسلم واتامه بالزيف‬
‫واللقاب الخرى الشائنة ‪ .‬والزعم بأن الحمدية مستقاة من التلمود ‪ ،‬واليهود الذين دخلوا ف‬
‫السلم ‪ ،‬ما سيتطور فيما بعد إل الستقاء من عدة ديانات وحضارات كانت على صلة بزيرة‬
‫العرب ‪.‬‬

‫وكذلك اتام السلمي بعدم التمييز ف دراسة أصول شريعتهم ‪ ،‬ما تبناه " جولد تسيهر " و"‬
‫شاخت " وها أبرز من تناول موضوع السنة من الستشرقي ‪\ .‬‬

‫وقد جعل الزهري أول من جع الديث ‪،‬ما يولد فجوة تاريية بي مرحلة النطق بالحاديث‬
‫وتدوينها ما يشكك ف إمكانية الثقة با ‪.‬‬

‫وف القرن الثامن عشر قسم الستشرقون حقول الدراسات الشرقية بصورة موضوعية ‪ ،‬وف‬
‫( ت ‪ 1905‬م ) وشبنر‬ ‫ناية القرن برز المي كايتان ( ‪ 1926 - 1869‬م ) وميور‬

‫‪ (Sprenger‬ت ‪ 1893‬م ) ‪ .‬وكانوا مهتمي بتاريخ السنة واعتقدوا الشك ف صحة‬


‫الحاديث وسعوا للكشف عما أسوه " الادة الصلية للحديث " ‪.‬‬
‫أفاد من الثلثة أحد التضلعي بأصول اللغات السامية والتاريخ السلمي هو إجناس جولد تسيهر (‬
‫‪ 1921 - 1850‬م ) الذي درس بالزهر ‪ ،‬وهو مري النسية يهودي الديانة ‪ ،‬وقد اعتبه‬

‫‪14‬‬
‫الستشرقون ‪ -‬ومن تأثر بم ‪ -‬الرائد الول ف دراسة الديث ونقده بالستعانة بنهج النقد‬
‫التاريي ‪ ،‬حيث توصل إل فكرة تطور السانيد والتون ف الفكر السلمي ‪ ،‬ول شك ف أهية تأثيه‬
‫على سي الدراسات الستشراقية ف حقل السنة ‪ ،‬ويرى أن وضع الديث بدأ ف جيل الصحابه‬
‫البكر ‪ ،‬وإن كان يثبت وجود مادة أصلية ‪ ،‬فهو يعترف بوجود أحاديث مكتوبة ف الصحف ف ايدي‬
‫الصحابة ‪ ،‬لكنه رغم ذلك يرى أن التدوين للسنة ل يبدأ إل ف القرن الثان ‪ .‬وأن معظم الحاديث‬
‫‪ -‬ف رأي جولد تسيهر ‪ -‬وضعتها الفرق السياسية الكلمية والذهبية ف القرني الثان والثالث ‪،‬‬
‫لذلك هى تعكس تطور السلمي السياسي والفكري خلل القرني ول تت غالبا إل القرن الول‬
‫بصلة ‪ ،‬ويركز على الصراع بي المويي الذين يصورهم بصورة الطغاة الهلة وبي العلماء التقياء‬
‫وأنصار أهل البيت ‪ ،‬ويتهم الزهري بوضع حديث " ل تشد الرحال إل إل ثلثة مساجد " ‪ .‬وقد‬
‫عزا جولد تسيهر أصول السلم إل اليهودية والسيحية ‪ ،‬وأكد على تأثي اللينية ف تطور السلم ‪،‬‬
‫وتأثي القانون الرومان ف نو التشريع السلمي ‪.‬‬

‫لقد صارت دراساته دستورا للمستشرقي من بعده ‪ ،‬وقليل منهم انتقد بعض آرائه أو عدّل‬
‫فيها مثل فيوك ‪ ( Fueck‬ت ‪ 1939‬م ) وهوروفتس ‪ ( Horovitz‬ت ‪ 1931‬م ) ‪ ،‬أما‬
‫الكثرية الساحقة فاكتفوا بتعميق آرائه بإضافة براهي جديدة أو تعميمها على حقول جديدة مثل‬
‫كيوم ونيكلسون وهاملتون كـــــــــب وواط وفنسنك ( ت ‪ 1939‬م ) ‪.‬‬
‫وقد ركز فنسنك على أحاديث العقيدة ف كتابه العقيدة السلمية ف حي ركز جوزيف شاخت‬
‫( ولد ‪ 1902‬م ) على أحاديث الحكام ف كتابه أصول الشريعة الحمدية وكتابه الخر مقدمة ف‬
‫الفقه السلمي ‪ ،‬وهو يهودي الديانة بريطان النسية ‪ ،‬وقد أكد شاخت على اختلق الحاديث ‪،‬‬
‫وأثن كيب وسافوري على كتابه ‪ ،‬واعتبه كيب أساسا لكافة الدراسات ف الضارة السلمية‬
‫والتشريع السلمي ف الغرب ‪ -‬على القل ‪ -‬ف حي عده سافوري من أكب علماء الشريعة‬
‫السلمية ف العال وقد درس شاخت ف مؤلفه ( أصول الشريعة الحمدية ) كتاب " الوطأ "‬
‫لــــــالك و" الم " للشافعي ث عمم نتائج دراسته على كتب الديث والفقه الخرى ‪،‬‬
‫فقال بنظرية " القذف اللفي " لتفسي تطور السانيد ‪ ،‬وتتلخص آراؤه ف زعمه اختلق الزء‬
‫الكب من السانيد ‪ ،‬واعتقاده أن أقدم الحاديث ل يرقى إل ما قبل سنة ‪150‬هـ ‪ ،‬وأن الحاديث‬

‫‪15‬‬
‫اختلقها الفقهاء وأصحاب الفرق ‪ ،‬وأن الشافعى هو الذي استحدث مبدأ حجية السنة ‪ ،‬وكان العمل‬
‫قبله على السنة الذهبية ‪ ،‬وقد كان أثره كبيا على جيله من الستشرقي ‪.‬‬

‫لقد طعن شاخت ف سند مالك عن نافع عن ابن عمر بأن نافعا مات ومالك صغي ‪ ،‬وهذا‬
‫خطأ ‪ ،‬فمالك كان صاحب حلقة ف مسجد الدينة ف حياة نافع ‪ .‬وقد رد روبسون على شاخت ف‬
‫هذا السند ف مقاله " السناد ف الديث النبوي " وف هذه القالة عدل عن آرائه الت تابع فيها‬
‫شاخت عندما نشر بثه ‪ ،‬حيث كان يشك ف جلة الحاديث ويرى أن ما يكن عزوه إل الرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم هو القرآن وحده ‪ .‬واللحظ أن كيوم وواط وروبسون كلهم من رجال‬
‫الكنيسة ‪.‬‬

‫وقد ظهر توجه نو دراسة موارد الديث ونقد بعض وثائقه عند روبسون ( ولد ‪ 1890‬م )‬
‫الستاذ ف مانشستر منذ سنة ‪ 1949‬م ‪ ،‬وقد أثبت أن ثة مادة أصلية من الحاديث خلفا لا ذهب‬
‫إليه شاخت ومن قبله جولد تسيهر ‪ ،‬كما أنه ل يوافق كايتان وشبنر ( ‪ 1893 - 1813‬م ) ف‬
‫القول بأن أسانيد عروة بن الزبي ( ت ‪ 93‬هـ ) متلقة ألصقها به الصنفون التأخرون ‪.‬‬
‫ل سندا ومتنا‬
‫لقد أشار شبنر ( ت ‪ 1893‬م ) إل تعاسة نظام السناد وأن اعتبار الديث شيئا كام ً‬
‫قد سبّب ضررا كثيا وفوضى عظيمة ‪ ،‬وأن أسانيد عروة متلقة ألصقها به الصنفون التأخرون ‪.‬‬
‫وكذلك مقاله " أصول تدوين الوثائق عند السلمي " ‪ .‬ولكنه أثبت تدوين الديث ف عهد النب‬
‫صلى ال عليه وسلم بالعتماد على كتاب " تقييد العلم " للخطيب ‪ .‬وهذا ما خالفه فيه جولد‬
‫تسيهر فيما بعد ‪.‬‬

‫أما ميور معاصر شبنر فينتقد طريقة اعتماد السانيد ف تصحيح الديث لحتمال الدس ف‬
‫سلسلة الرواة ‪ ،‬ورغم أنه مثل شبنر أقر بأن ثة مادة أصلية ف الديث لكنه اعتب نصف أحاديث‬
‫صحيح البخاري ليست أصلية ول يوثق با ‪.‬‬

‫وأما كايتان ( ت ‪ 1926‬م ) فقد ذكر ف حولياته أن السانيد أضيفت إل التون فيما بعد‬
‫بتأثي خارجي لن العرب ل يعرفون السناد ‪ ،‬وأنا استعملت مابي عروة وابن اسحق ‪ ،‬وأن عروة ل‬
‫يستعمل السناد مطلقا ‪ ،‬وابن إسحق استعملها بصورة ليست كاملة ‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫وقد أثبت هوروفتس ( ‪ 1931 - 1874‬م ) معرفة عروة للسناد ‪ ،‬وأن السناد دخل ف‬
‫الديث منذ الثلث الخي من القرن الول ‪ .‬وألح إل السناد المعي عند الزهري حيث يفيد وقوفه‬
‫على عدة أسانيد للمت الواحد ‪.‬‬

‫ولكن هوروفتس يرى أن العرب أخذوا فكرة السناد عن الدارس التلمودية عند اليهود ‪.‬‬
‫ويرى ‪ -‬ويوافقه كيوم ‪ -‬تشابه السلمي واليهود ف نسبة شرائعهما إل نبييهما ‪.‬‬
‫ورد فيوك ‪ (Fueck‬ت ‪ 1939‬م ) على جولد تسيهر فبأ الحدثي والفقهاء من تمة وضع‬
‫الحاديث ‪ ،‬وكشف عن منهج جولد تسيهر ف التعامل مع السلم وأنه يستخدم الذهب الادي لنقد‬
‫التاريخ ومنهج الشك فانتهى إل أن كل أحاديث الحكام تعتب زائفة حت يثبت العكس ‪.‬‬
‫أما مرجليوث العاصر لولد تسيهر ( ‪ 1940 - 1858‬م ) فقد تابع جولد تسيهر بل ذهب إل أن‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم ل يترك أوامر ول أحكاما سوى القرآن !!‬
‫ويرى كيوم أنه ل يكن إثبات صحة نسبة الحاديث ف الكتب الستة إل الصحابة ولكن لعل بعضها‬
‫تسلم نسبته ‪.‬‬

‫ويفسر كيوم قول الزهري ‪ " :‬إن هؤلء المراء أكرهونا على كتابة الحاديث " تفسيا‬
‫خاطئا ليدلل على وضعه للحاديث وهو فهم جولد تسيهر من قبله ‪.‬‬
‫ويتشبث نيكلسون بقول أب عاصم النبيل ‪ " :‬ما رأيت الصال يكذب ف شيء أكثر من الديث " ‪.‬‬
‫فذهب إل أن شواهده ف " دراسات ممدية " لولد تسيهر وأن أتقى العلماء كان يستعمل الغش ف‬
‫الديث لتأييد أغراض سياسية ومذهبية ‪.‬‬

‫وقد بي المام مسلم أن الكذب يري على لسانم ول يتعمدونه ‪ .‬وقال يي بن سعيد‬
‫القطان ‪ " :‬ما رأيت الكذب ف أحد أكثر منه فيمن ينسب إل الي والزهد" والكذب هنا على لغة‬
‫أهل الجاز وهو مطلق الطأ ‪.‬‬

‫ويرى كولسون وكيوم أن الحدثي يبحثون ف السانيد شكليا بدون الهتمام بنقد التون ‪.‬‬
‫يقول كولسون ‪ " :‬إذا كانت سلسلة السناد متصلة ‪ ،‬وكان كل فرد من أفراده عد ًل ‪ -‬من وجهة‬
‫نظرهم ‪ -‬فحينئذ قبلوا الديث وصار شرعا واجبا ‪ ،‬ول يكن بسبب اليان السؤال عن مت‬
‫الديث لنه وحي إلى فل يقبل أي نقد تاريي " ‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫ويقول كيوم ‪ " :‬مت اقتنع البخاري بتحديد بثه ف سلسلة الرواة ف السند مفضلً ذلك‬
‫على نقد الت ‪ ،‬صار كل حديث مقبول الشكل حتميا بكم الطبع"‪.‬‬

‫‪18‬‬

You might also like