You are on page 1of 100

‫قررت وزارة الرتبية والتعليم تدريس‬

‫هذ ا ا لكتا ب و طبعه عىل نفقتها‬

‫األدب الـ َعـربــي‬


‫ُ‬
‫للصـف األول الثانـوي‬
‫ّ‬
‫رايس الـثـانـي‬
‫ُّ‬ ‫الفصـل الـدِّ‬
‫ْ‬

‫(تعليم عام ‪ -‬حتفيظ قرآن)‬

‫تـعـديــــل‬
‫ا أل ستا ذ ‪ :‬إ بر ا هيم بن حسن ا لد ر يعي‬
‫ا أل ستـا ذ ‪ :‬أ حـمد بن سليام ن ا ملشعـيل‬
‫ا أل ستـا ذ ‪ :‬محـو د بن عبد ا هلل ا لسال مـة‬

‫طـبـعـة ‪1428‬هـ ـ ‪1429‬هـ‬


‫‪2007‬م ـ ‪2008‬م‬
‫ح وزارة الرتبية والتعليم ‪1419 ،‬هـ‬
‫فهرسة مكتبة امللك فهد الوطنية أثناء النرش‬
‫ ‬
‫السعودية ‪ -‬وزارة الرتبية والتعليم‬
‫األدب العريب ‪ :‬للصف األول الثانوي ‪ :‬الفصل الثاين ‪ - .‬ط ‪ - . 8‬الرياض‪.‬‬
‫‪ ...‬ص ـ ‪ ...‬سم‬
‫ردمك ‪8 :‬ـ ‪ 181‬ـ ‪ 19‬ـ ‪( 9960‬جمموعة)‬
‫‪ 4‬ـ ‪ 183‬ـ ‪ 19‬ـ ‪( 9960‬ج‪)2‬‬ ‫ ‬
‫‪1‬ـ األدب العريب ‪ -‬كتب دراسية‬
‫أ ـ العنوان‬ ‫ ‬ ‫‪ 2‬ـ التعليم الثانوي ـ السعودية ـ كتب دراسية ‪ .‬‬
‫‪1983/19‬‬ ‫ديوي ‪712،810‬‬

‫رقـم اإليـداع ‪1983/19 :‬‬


‫ردمك ‪8 :‬ـ ‪ 181‬ـ ‪ 19‬ـ ‪( 9960‬جمموعة)‬
‫ ‪ 4‬ـ ‪ 183‬ـ ‪ 19‬ـ ‪9960‬‬ ‫ ‬
‫(ج‪)2‬‬

‫مهمة وفائدة كبرية فحافظ عليه واجعل نظافته‬


‫هلذا الكتاب قيمة ّ‬
‫تشهد عىل حسن سلوكك معه‪...‬‬

‫إذا مل حتتفظ هبذا الكتاب يف مكتبتك اخلاصة يف آخر العــام‬


‫لالستفادة فاجعل مكتبة مدرستك حتتفظ به‪...‬‬

‫موقع الوزارة‬
‫‪www.moe.gov.sa‬‬ ‫حقوق الطبع والنرش حمفوظة‬
‫موقع اإلدارة العامة للمناهج‬
‫‪www.moe.gov.sa/curriculum/index.htm‬‬
‫لوزارة الرتبية والتعليم‬
‫الربيد اإللكرتوين لإلدارة العامة للمناهج‬ ‫باململكة العربية السعودية‬
‫‪curriculum@moe.gov.sa‬‬
‫مـقــدمـــة‬

‫احلمد للهّ رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم عىل نبيه األمني‪ ،‬وعىل آله وصحابته‬
‫أمجعني‪.‬‬
‫وبعد ‪ :‬فهذا كتاب األدب العريب للصف األول الثانوي للفصل الدرايس الثاين‪،‬‬
‫ِّ‬
‫نقدمه يف طبعته اجلديدة املعدَّ لة‪ ،‬آملني أن يكون ثقافة أدبية مشوقة حتقق املتعة والفائدة‬
‫ونصوصا ـ‬
‫ً‬ ‫مع ًا‪ .‬وهو يتناول بالدراسة رَّ‬
‫امليسة والعرض الدقيق األدب العريب ـ تار ًخيا‬
‫يف عصوره الثالثة األوىل ‪ :‬العرص اجلاهيل‪ ،‬وعرص صدر اإلسالم‪ ،‬والعرص األموي‪.‬‬
‫ونحن إذ نقدم بني أيدي أبنائنا الطالب وبناتنا الطالبات هذا الكتاب يف طبعته‬
‫اجلديدة نرجو أن يكون حمقق ًا ملا أريد به من تبصري الطالب والطالبات بوجدان األمة‪،‬‬
‫وتربية ملكة البيان والتذوق األديب‪ ،‬وتعزيز القيم العربية واإلسالمية لدهيم‪.‬‬
‫ريا نسأل اللهّ أن ينفع هبذا الكتاب ناشئة اإلسالم؛ ليعيدوا بالعزائم املؤمنة سرية‬
‫وأخ ً‬
‫السلف الصالح‪ ،‬وأجماد ُ‬
‫الغ ِّر امليامني؛ إنه سميع جميب الدعاء‪.‬‬
‫ ‬
‫املعـدلـون‬

‫‬
‫مـحـتـــويـــــات الـكـــتــــــاب‬

‫الصفحـة‬ ‫الــمـــــوضــــــــــــــــــوع‬ ‫الصفحـة‬ ‫الــمـــــوضــــــــــــــــــوع‬

‫‪23‬‬ ‫حـال الشعـر يف هـذا العصـر‪.‬‬ ‫‪4‬‬ ‫املـقـدمــة‪:‬‬


‫‪24‬‬ ‫أسـلـوبالشعـرومعـانيـه‪.‬‬ ‫‪8‬‬ ‫عـصـر صــدر اإلســالم ‪:‬‬
‫‪26‬‬ ‫نامذج من الشعر يف عرص صدر اإلسـالم ‪:‬‬ ‫‪8‬‬ ‫أثـر اإلسـالم فـي الــعـرب‪.‬‬
‫‪26‬‬ ‫‪ 1‬ـ حسان بن ثابت يفخر باإلسالم ويرد عىل املرشكني‪.‬‬ ‫‪11‬‬ ‫مصادر األدب يف عرص صدر اإلسالم‪.‬‬
‫‪31‬‬ ‫‪ 2‬ـ كعـب بن زهيـر يمـدح ويعتـذر‪.‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪ 1‬ـ الـقـرآن الكـريـم ‪:‬‬
‫‪36‬‬ ‫‪ 3‬ـ احلطيئـة يصـف قصـة كريـم‪.‬‬ ‫‪11‬‬ ‫مـوضـوعـاتـه‪.‬‬
‫‪41‬‬ ‫النثـر يف عصـر صـدر اإلسـالم ‪:‬‬ ‫‪12‬‬ ‫لـغـتــه‪.‬‬
‫‪41‬‬ ‫‪ 1‬ـ اخلـطـابــة ‪:‬‬ ‫‪12‬‬ ‫إعـجــازه‪.‬‬
‫‪41‬‬ ‫عـوامـل ازدهـارهـا‪.‬‬ ‫‪13‬‬ ‫أسلـوبــه‪.‬‬
‫‪42‬‬ ‫أنـواعـهـا‪.‬‬ ‫‪15‬‬ ‫نمـاذج من آيـات القـرآن الكـريـم‪.‬‬
‫‪42‬‬ ‫خصـائصـهـا‪.‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪ 2‬ـ احلـديـث الشـريـف ‪:‬‬
‫‪44‬‬ ‫نامذج من اخلطابة يف عرص صدر اإلسالم ‪:‬‬ ‫‪18‬‬ ‫وظيفـة احلديـث الرشيـف‪.‬‬
‫‪44‬‬ ‫‪ 1‬ـ من خطبـة الرسول بعد معركـة حنني‪.‬‬ ‫‪18‬‬ ‫خصائـص أسلـوب احلديـث الرشيـف‪.‬‬
‫‪47‬‬ ‫‪ 2‬ـ من خطبـة الرسـول يف حجـة الوداع‪.‬‬ ‫‪19‬‬ ‫نمـاذج احلديـث الرشيـف‪.‬‬
‫‪52‬‬ ‫‪ 3‬ـ خطبـة أيب بكـر بعـد توليـه اخلالفـة‪.‬‬ ‫‪22‬‬ ‫الشعـر يف عـصـر صـدر اإلسـالم ‪:‬‬
‫‪45‬‬ ‫‪ 4‬ـ خطبة عيل بن أيب طالب يف احلث عىل اجلهاد‪.‬‬ ‫‪22‬‬ ‫مـوقـف اإلسـالم مـن الشعـر‪.‬‬

‫‬
‫الصفحـة‬ ‫الــمـــــوضــــــــــــــــــوع‬ ‫الصفحـة‬ ‫الــمـــــوضــــــــــــــــــوع‬

‫‪83‬‬ ‫النثـر فـي عصـر بنـي أميـة ‪:‬‬ ‫‪59‬‬ ‫‪ 2‬ـ الـرسـائـل ‪:‬‬

‫‪83‬‬ ‫‪ 1‬ـ اخلـطـابـة ‪:‬‬ ‫‪59‬‬ ‫نشـأةالكتـابـة‪.‬‬

‫‪83‬‬ ‫عـوامـل ازدهـارهـا وأنـواعهـا‪.‬‬ ‫‪59‬‬ ‫خصـائصالرسـائـل‪.‬‬

‫‪84‬‬ ‫نمـاذج من اخلطـابـة يف العصـر األمـوي ‪:‬‬ ‫‪60‬‬ ‫نمـاذج من الرسائـل يف هـذا العصـر ‪:‬‬

‫‪84‬‬ ‫‪ 1‬ـ مـن اخلطبـة البتـراء لزيـاد بن أبـيـه‪.‬‬ ‫‪60‬‬ ‫رسـالـة النبـي ﷺ إىل النجـايش‪.‬‬

‫‪88‬‬ ‫‪ 2‬ـ صفـة املؤمـن للحسـن البصـري‪.‬‬ ‫‪60‬‬ ‫رسـالـة النبـي ﷺ إىل كسـرى‪.‬‬

‫‪91‬‬ ‫‪ 2‬ـ الكتـابـة الفنيـة يف العصـر األمـوي ‪:‬‬ ‫‪62‬‬ ‫عـصـر بنـي أمـيـة ‪:‬‬

‫‪92‬‬ ‫عبـد احلميـد بـن حيـيى الكـاتـب ‪:‬‬ ‫‪62‬‬ ‫احليـاة السياسيـة واالجتامعيـة والعقليـة‪.‬‬

‫‪92‬‬ ‫نشـأتـهوحيـاتـه‪.‬‬ ‫‪64‬‬ ‫الشـعـر يف عصـر بنـي أمـيـة ‪:‬‬

‫‪92‬‬ ‫صـفـاتـه‪.‬‬ ‫‪64‬‬ ‫أغـراضـه واجتـاهـاتـه‪.‬‬

‫‪93‬‬ ‫مصـادرثقـافـتـه‪.‬‬ ‫‪65‬‬ ‫اخلصـائـص الفنيـة للشعـر األمـوي‪.‬‬

‫‪94‬‬ ‫نمـاذج مـن رسائـلـه ‪:‬‬ ‫‪67‬‬ ‫نمـاذج من الشعـر يف عصـر بني أمـيـة ‪:‬‬

‫‪94‬‬ ‫‪ 1‬ـ من رسالتـه إىل زمالئـه ُ‬


‫الكتَّـاب‪.‬‬ ‫‪67‬‬ ‫‪ 1‬ـ معـن بن أوس يف مكـارم األخـالق‪.‬‬

‫‪96‬‬ ‫‪ 2‬ـ رسـالتـه إىل أهلـه‪.‬‬ ‫‪70‬‬ ‫‪ 2‬ـ مجيـل بن معمـر فـي الـغـزل‪.‬‬

‫‪97‬‬ ‫اخلصائـص الفنية ألسلوب عبـداحلميـد‪.‬‬ ‫‪74‬‬ ‫‪ 3‬ـ الـفـرزدق يف الفخـر واهلـجـاء‪.‬‬

‫‪78‬‬ ‫‪ 4‬ـ جـريـر فـي املـدح‪.‬‬

‫‬
‫تـوزيـع املقـرر عىل أسـابيـع الفصـل الـدراسـي‬

‫الــمـــــوضــــــــــــــــــوع‬ ‫األســبـــــوع‬

‫عرص صدر اإلسالم ـ مصادر األدب ‪:‬‬ ‫األول‬


‫‪ 1‬ـ القرآن الكريم وحيفظ من اآليات املكية من أول النص إىل قوله ‪« :‬ملن خيشى»‬
‫وحيفظ من اآليات املدنية من أول اآليات إىل قوله ‪« :‬املفلحون»‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ احلديث الرشيف ـ الشعر يف عرص صدر اإلسالم مع حفظ حديث «إنام أهلك‬ ‫الثاين‬
‫من كان قبلكم‪ »...‬وحديث «ال يكن أحدكم إمعة»‪.‬‬
‫نامذج من الشعر يف عرص صدر اإلسالم ـ حسان بن ثابت يفخر باإلسالم مع‬ ‫الثالث‬
‫حفظ مخسة أبيات من أول النص‪.‬‬
‫كعب بن زهري يمدح ويعتذر‪ .‬مع حفظ عرشة أبيات من أول النص‪.‬‬ ‫الرابع‬
‫احلطيئة يروي قصة كريم‪.‬‬ ‫اخلامس‬
‫النثر يف عرص صدر اإلسالم ‪ :‬اخلطابة‪ ،‬خطبتا الرسول بعد حنني ويف حجة الوداع‪،‬‬ ‫السادس‬
‫وحيفظ من أول خطبة حجة الوداع إىل قوله ‪« :‬عبداملطلب»‪.‬‬
‫خطبة أيب بكر ـ خطبة عيل يف احلث عىل اجلهاد‪.‬‬ ‫السابع‬
‫الرسائل ـ عرص بني أمية ـ الشعر يف عرص بني أمية‪.‬‬ ‫الثامن‬
‫ً‬
‫كامال‪.‬‬ ‫معن بن أوس يف مكارم األخالق‪ .‬مع حفظ النص‬ ‫التاسع‬
‫مجيل بن معمر يف الغزل‪ .‬مع حفظ مخسة أبيات من أول النص‪.‬‬ ‫العارش‬
‫ً‬
‫كامال‪.‬‬ ‫الفرزدق يف الفخر واهلجاء‪ .‬مع حفظ النص‬ ‫احلادي عرش‬
‫جرير يمدح عبدامللك‪.‬‬ ‫الثاين عرش‬
‫اخلطابة يف العرص األموي ـ اخلطبة البرتاء لزياد بن أبيه‪ .‬وحيفظ من أول النص‬ ‫الثالث عرش‬
‫إىل قوله ‪« :‬معصيته»‪.‬‬
‫صفة املؤمن للحسن البرصي‪.‬‬ ‫الرابع عرش‬
‫الكتابة الفنية يف العرص األموي ـ عبداحلميد الكاتب حياته وأدبه مع حفظ‬ ‫اخلامس عرش‬
‫رسالة عبداحلميد إىل زمالئه الكتاب من أول النص إىل قوله ‪« :‬وال يوجد كاف‬
‫إال منكم»‪.‬‬

‫‬
‫عـصـــر صـــدر اإلســــالم‬

‫ُي ْقصد بعرص صدر اإلسالم تلك الفرتة املمتدة من بعثة الرسول ﷺ إىل آخر أيام اخللفاء‬
‫الراشدين‪ ،‬وذلك عندما ُقتِ َل عيل بن أيب طالب ـ ريض اللهّ عنه ـ سنة ‪40‬هـ ‪.‬‬
‫أثــر اإلســالم فـي الـعــرب‬

‫كان العرب قبل اإلسالم ـ كام عرفتهم يف اجلاهلية ـ أمة ممزقة ال تنتظمها وحدة‪ ،‬تكاد‬
‫تفنيها احلروب واملنازعات‪ ،‬وكانوا أمة جاهلة تسودها اخلرافة وتتقاسمها العقائد الفاسدة‪،‬‬
‫وكانوا أمة معظمها يدين بالوثنية ويسجد للحجارة ويعبد آهلة متعددة ال ترض وال تنفع‪.‬‬
‫تلك كانت حاهلم‪ ،‬فام اآلثار التي تركها اإلسالم يف العرب ؟‬
‫نستطيع أن نقول بأوجز عبارة ‪ :‬إن اإلسالم أخرج العرب من الظلامت إىل النور‪ ،‬وكان‬
‫له تأثري كبري يف وثبة العرب العظمى يف شتى جوانب احلياة‪ ،‬وإليك حماولة لرصد بعض‬
‫هذه اجلوانب ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ اجلانـب السيـايس ‪ :‬كان العرب يف مؤخرة الركب بني األمم‪ ،‬بسبب تفرقهم‪،‬‬
‫ومخود نشاطهم يف اجلنوب‪ ،‬وتضعضع أمرهم يف الشامل‪ .‬ثم جاء اإلسالم فجعلهم خري‬
‫أمة ُأخرجت للناس‪ ،‬ومحَّلهم رسالة اهلل إىل عباده‪ ،‬ووحدهم حتت لواء واحد‪ ،‬فإذا األعداء‬
‫املتناحرون يتحولون إىل جيوش موحدة خيفق عليها علم اإلسالم‪ ،‬وقد اجتهت تلك اجليوش‬
‫إىل ميادين الفتوحات فأسقطت أعظم إمرباطوريتني يف ذلك العرص فارس والروم‪ ،‬وبذلك‬
‫هُ ِد َمت رصوح الظلم والفساد والعبودية‪ُ ،‬‬
‫وأ ِقيم عىل أنقاضها رصوح العدالة والنظام‬
‫واألخالق‪.‬‬
‫وتكونت اخلالفة اإلسالمية فأصبحت ذات نفوذ سيايس شامل‪ ،‬وأصبح العرب سادة‬ ‫َّ‬
‫‬
‫العامل بام نرشوا من دين ودعوا إىل إصالح‪ ،‬وبلغ هذا النفوذ السيايس ً‬
‫مبلغا جعلهم من الكون‬
‫مجيعه يف موضع املنارة اهلادية‪ ،‬والكوكب امليضء‪.‬‬
‫وأقر مكارم‬
‫اجتث اإلسالم من العرب كل العادات اخلبيثة‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫‪ 2‬ـ اجلـانـب االجتمـاعـي ‪:‬‬
‫أقر الكرم والوفاء والشجاعة والنجدة وإباء الضيم‪ ...‬حارب اخلمر‬ ‫األخالق‪ .‬ففي حني َّ‬
‫وامليرس واملنافرة واملفاخرة وحرم الربا وأكل أموال الناس بالباطل‪ ...‬كام أنه قلب موازين‬
‫املجتمع اجلاهيل الذي كان يقيس الناس بأنساهبم‪ ،‬فجعل أكرم الناس أتقاهم‪ ،‬وجعل الزنجي‬
‫التقي أكرم من اهلاشمي الكافر‪.‬‬
‫}(‪ ،)1‬كام‬ ‫املجتمع عىل اإلخاء والتضحية فقال تعاىل‪{ :‬‬
‫َ‬ ‫اإلسالم‬
‫ُ‬ ‫وقد بنى‬
‫بنى املجتمع عىل املساواة واحلرية واإليثار‪ ،‬حتى إن الواحد منه ليؤْ ثِر أخاه برشبة ماء مع أنه‬
‫يف أشد احلاجة إليها؛ لكونه يف آخر رمق من احلياة‪.‬‬
‫ومل هيمل اإلسالم املرأة فقد أعطاها دورها يف بناء املجتمع اإلسالمي‪ ،‬حني أنقذها من‬
‫وكلفها ما كلف به‬‫عبوديتها‪ ،‬ومنع وأدها‪ ،‬وكفل هلا حق العلم واملرياث واختيار الزوج‪َّ ،‬‬
‫الرجال من أمور الدين‪.‬‬
‫وحكم العقل؛ وذلك‬ ‫‪ 3‬ـ اجلـانـب العقلـي ‪ :‬حما اإلسالم اخلرافة واستبدل هبا نور العلم‪ّ ،‬‬
‫رية والتشاؤم والتنجيم‪،‬‬ ‫حني حما الوثنية ومجيع املعتقدات الباطلة كالكهانة والعرافة َّ‬
‫والط َ‬
‫وأحل مكاهنا التوحيد اخلالص‪ ،‬وكان ذلك إيذا ًنا ببداية عرص العلم وانتهاء عرص اجلهل‪.‬‬ ‫َّ‬
‫سن اإلسالم ُس ُبل التفكري السليم وحذر من التقليد األعمى‪ ،‬ودعا املسلمني إىل‬
‫وقد َّ‬
‫النظر يف ملكوت السامء واألرض‪ ،‬ونادى بالتأمل يف مشاهد الليل والنهار‪ ،‬واختالف الطبائع‬
‫واألجناس‪.‬‬

‫(‪ )1‬سورة احلجرات ‪. 10 :‬‬

‫‬
‫وعندما فتح املسلمون األمصار وانترشوا يف اآلفاق درسوا أحوال األمم املغلوبة وعلومها‬
‫امتزاجا عمي ًقا ّ‬
‫تولدت‬ ‫ً‬ ‫واقتبسوا من حضارهتا‪ ،‬فامتزجت العقلية العربية بتلك العقليات‬
‫منه الفنون األدبية‪ ،‬واحلضارة اإلسالمية التي طبقت األرض‪ ،‬و َم َّهدت ُلر ِق ِّي اإلنسان‬
‫احلديث‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ اجلـانـب اللغـوي واألدبـي ‪ :‬اللغة واألدب مظهران من مظاهر احلياة املختلفة‪ ،‬ومن ثم‬
‫فالبد أن يكون لإلسالم تأثري فيهام‪.‬‬
‫أما اللغة فقد خ ّلد اإلسالم اللغة العربية حني نزل القرآن بلسان عريب مبني‪َ ،‬‬
‫وض ِمن اهلل تعاىل‬
‫وحفـظ القـرآن يستلـزم حفظ‬ ‫}(‪ِ ،)1‬‬ ‫هلا ذلك اخللـود بقولـه ‪{ :‬‬
‫لغته التي نزل هبا‪ .‬ومن أثر اإلسالم يف لغة العرب أنه جعلها لغة عاملية غري مقصورة عىل إقليم معني‪،‬‬
‫تعلمها‪ ،‬ليقرأ هبا القرآن يف صالته‪ .‬ومن أثره فيها‬‫حيث حيرص كل مسلم عىل وجه األرض عىل ُّ‬
‫أيضا أنه ر َّقق ألفاظها‪ ،‬وأبعدها عن اجلفاء والغلظة‪ ،‬كام حول أساليبها إىل العذوبة والسالسة‪.‬‬
‫ً‬
‫أيضا‪ ،‬حيث رسم اإلسالم الطريق لألدب ووضحه‬ ‫أثرا ً‬
‫بالغا ً‬ ‫وأما األدب فكان أثر اإلسالم فيه ً‬
‫ووسعه‪ ،‬فأصبح واسع املعاين متعدد األفكار؛ وذلك بسبب شمولية اإلسالم‪ .‬كام أن اإلسالم أ َّثر‬ ‫ّ‬
‫يف األدب من خالل القرآن واحلديث حيث اقتفى األدباء أثرمها‪ ،‬واقتبسوا من أسلوهبام‪ ،‬مما جعل‬
‫ريا يف النفس‪ .‬ومن أثر اإلسالم يف األدب أنه أمدّ ه بكثري من‬
‫نتاجهم األديب أشد روعة‪ ،‬وأكثر تأث ً‬
‫األلفاظ التي مل يكن له عهد هبا‪ ،‬كاجلنة والنار‪ ،‬وامليزان والرصاط‪ ،‬والبعث والنشور‪ ،‬والصالة‬
‫والزكاة‪ ،‬وأسامء اهلل احلسنى وصفاته العىل‪.‬‬
‫ريا فإن اإلسالم خ ّلص األدب ونقاه من الشوائب التي كانت عالقة به كالشعر الذي‬ ‫وأخ ً‬
‫يدعو إىل العصبية‪ ،‬وكاهلجاء ُامل ْق ِذع‪ ،‬والغزل الفاحش‪ ،‬ووصف اخلمر‪ ،‬وغريها مما يتناىف مع‬
‫مبادئ اإلسالم وتعاليمه‪.‬‬
‫(‪ )1‬سورة احلجر‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫مـصـادر األدب يف عـصـر صـدر اإلســالم‬

‫نستطيع أن نحرص هذه املصادر يف القرآن الكريم‪ ،‬واحلديث الرشيف‪ ،‬واألدب اجلاهيل‪،‬‬
‫اس َت ْلهم األدب اإلسالمي أفكاره وأساليبه من هذه املصادر الثالثة‪ .‬وسوف نتحدث‬ ‫فقد ْ‬
‫هنا عن القرآن واحلديث‪ ،‬أما األدب اجلاهيل فقد أملمنا به إملامة تغنينا عن استئناف البحث‬
‫فيه‪.‬‬
‫‪ 1‬ــ الـقــرآن الـكـريــم‬

‫واجلن‪ ،‬وهو ُح َّجة اهلل عىل الناس‬


‫ِّ‬ ‫هو كالم اهلل ومعجزة حممد ﷺ‪ ،‬حتدّ ى هبا بالغة اإلنس‬
‫كافة وعىل العرب خاصة؛ ألنه نزل بلغة العرب‪ .‬فيه تبيان لكل يشء‪.‬‬
‫فرط اهلل فيه من يشء‪ ،‬والتزال األيام تكشف‬ ‫والقرآن كنز احلكمة والعلم واملعرفة‪ ،‬ما ّ‬
‫املزيد من معجزاته وعجائبه‪.‬‬
‫مـوضـوعــات الـقــرآن ‪:‬‬
‫السور املكية ُّ‬
‫كلها تدور حول توحيد اهلل تعاىل وإثبات وحدانيته بأدلة من آياته وخملوقاته‪،‬‬
‫وتعظيم أمر التوحيد والرتغيب فيه باجلنة‪ ،‬وهتويل أمر الرشك وإنذار املرشكني بعذاب‬
‫جهنم‪.‬‬
‫أما السور املدنية ففيها ترشيعات سياسية وقضائية واجتامعية وعسكرية‪ ،‬تكفل سعادة‬
‫أيضا آداب ترسم طرق األخالق الكريمة‪ ،‬وتأمر بكل معروف وتنهى‬ ‫الفرد واملجتمع‪ ،‬وفيها ً‬
‫توضح فروض العبادات واملعامالت‪.‬‬ ‫عن كل منكر‪ ،‬ثم إهنا ّ‬

‫‪11‬‬
‫لــغـــة الـقــرآن ‪:‬‬
‫نزل القرآن بلغة قريش وفيه بعض ألفاظ من لغات(‪ )1‬القبائل ُاملضرَ ِ َّية واليمنية‪ .‬فقد ذكروا أن‬
‫األرسة هي ً‬
‫أيضا يمن ّية‬ ‫َّ‬ ‫كلمة «فشل» بمعنى َج ُب َن هي من لغة حمِ ْ يرَ ‪ ،‬وأن كلمة «األرائك» بمعنى‬
‫وأن كلمة «املوئل» بمعنى امللجأ هي من لغة كنانة‪ ،‬وأن كلمة «السائح» بمعنى الصائم هي من‬
‫لغة هُ ذيل‪.‬‬
‫والسن ُْدس واإلستربق والكافور واألكواب‬ ‫أما األلفاظ التي قيل إهنا أعجم ّية كاإلبريق ُّ‬
‫والقوارير فاملعتقد أهنا يف حكم العرب ّية وأهنا كانت جز ًءا من لغة العرب قبل نزول القرآن بقرون‬
‫}(‪.)2‬‬ ‫طويلة والدليل قوله تعاىل ‪{ :‬‬

‫إعـجــاز الـقــرآن ‪:‬‬


‫كل رسول من جنس ما حيسنه قومه‪ ،‬فلام كان‬ ‫لقد أ َّيد ُر ُسله بمعجزات‪ ،‬وكانت معجزة ِّ‬
‫منترشا يف زمن موسى ـ عليه السالم ـ جاءت معجزته بام هو أعظم من أعامل السحرة‬ ‫ً‬ ‫السحر‬
‫وهو العصا‪ ،‬وانفجار الصخر‪ ،‬وانفالق البحر‪ .‬وملا كان قوم عيسى بارعني يف الطب جاءت‬
‫معجزته ـ عليه السالم ـ بإبراء األكمه واألبرص‪ ،‬وإحياء املوتى‪ .‬وملا كان العرب يف اجلاهلية‬
‫يتباهون بالبيان والبالغة جاءت معجزة حممد ﷺ بالقرآن‪.‬‬
‫حتدى اهلل العرب أن يأتوا بمثله‪ ،‬بام فيه من بديع نظم؛ وحسن تأليف‪ ،‬وروعة‬ ‫فقد َّ‬
‫أسلوب‪ ،‬ودقة عرض‪ .‬ولذا فعندما سمعه العرب وهم أمراء البيان أكربوه وعجزوا عن أن‬
‫يردوه إىل نوع من أنواع الكالم املعروفة‪ ،‬فقالوا مضطربني ‪ :‬إنه شعر شاعر‪ ،‬أو فعل ساحر‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫وو ْص ُف ُهم إ ّياه بأنه نوع من هذه األنواع التي تشرتك يف فتنة العقل دليل‬
‫أو سجع كاهن‪َ ...‬‬
‫وتسمى اللهجات‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(‪)1‬‬
‫(‪ )2‬سورة يوسف‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫عىل فعله القوي يف نفوسهم‪.‬‬
‫وببالغة القرآن حتدى اهلل العرب‪ ،‬إال أن هناك وجوهً ا أخرى إلعجاز القرآن مل يقع فيها‬
‫التحدي وهي ‪ :‬اإلخبار عن َ‬
‫الغ ْيبِ َّيات واألمور املستقبلية‪ ،‬واإلخبار عن األمم املاضية‪ ،‬كام‬
‫ولكل من هذه الوجوه‬ ‫ٍّ‬ ‫سمى باإلعجاز العلمي‪،‬‬ ‫ظهر يف هذا العرص وجه جديد وهو ما ُي َّ‬
‫أمثلة ال يتَّسع املقام لذكرها‪.‬‬

‫أسـلــوب الـقــرآن ‪:‬‬


‫ألفاظ القرآن هلا نسق بالغي حيرّ العقول وأعجز البلغاء‪ ،‬فام تستطيع مهام أوتيت من‬
‫بالغة أن تستبدل بكلمة واحدة من القرآن كلم ًة مثلها يف بالغتها‪.‬‬
‫واآليات القرآنية مسجوعة الفواصل غال ًبا‪ ،‬وهذا من حكمة اهلل ّ‬
‫جل وعال وفضله؛ ألن‬
‫سهل عىل ُ‬
‫الق ّراء حفظها‪.‬‬ ‫السجع ّ‬
‫ولكل من السور املكية واملدنية خصائص تتميز هبا غال ًبا‪ ،‬فالسور املكية قصرية االيات‪،‬‬
‫حارة اللهجة فيها هتويل وتكرار وجدل‬ ‫معا‪ ،‬وهي ّ‬ ‫أسلوهبا يثري العواطف والعقول ً‬
‫وإقناع‪.‬‬
‫والسور املدنية طويلة اآليات‪ ،‬هادئة اللهجة‪ ،‬عذبة األلفاظ‪ ،‬فيها وضوح يناسب التعليم‬
‫ودقة تناسب الترشيع‪.‬‬
‫ومن اخلصائـص العا ّمـة ألسلـوب الـقـرآن الكريـم مـا يأتـي ‪:‬‬
‫‪ )1‬التـكـرار ‪ :‬وذلك لتثبيت املعنى يف النفوس‪ ،‬ومن السور التي يتضح فيها التكرار‬
‫البليغ سورة القمر‪ ،‬وسورة الرمحن‪ ،‬وسورة املرسالت‪.‬‬
‫‪ )2‬االلتـفـات ‪ :‬وهو االنتقال من ضمري إىل ضمري كأن ينتقل من ضمري الغائب إىل املخاطب‬
‫أو املتكلم كقوله تعاىل‪{ :‬‬
‫‪13‬‬
‫}(‪.)1‬‬
‫فقد تكلم اهلل عن املرشكني بضمري الغائب يف قوله ‪( :‬وحرشناهم) ثم بضمري املخاطب‬
‫جل وعال عن نفسه فقال ‪( :‬وحرشناهم) بضمري املتكلم‬ ‫يف قوله ‪( :‬جئتمونا)‪ .‬وتك ّلم ّ‬
‫والس يف بالغة االلتفات أن إطالة اإلنصات إىل أسلوب‬‫ثم قال‪( :‬وعرضوا عىل ر ّبك)‪ .‬رّ‬
‫ً‬
‫مزيال لتلك الرتابة وجمد ًدا لنشاط‬ ‫واحد تأيت بالرتابة عىل املعنى‪ ،‬ومن ثم فهو يأيت‬
‫السامع‪.‬‬
‫‪ )3‬اإليـجـاز ‪ :‬ولذلك فقد اجتمع بني َد ّفتي املصحف من أمر الترشيع والعقيدة والعلوم‬
‫ما مل تتسع له جملدات التفسري الكبرية‪.‬‬
‫‪ )4‬ضـرب املـثـل ‪ :‬ومعظم أمثال القرآن حمسوسة؛ وذلك لتثبيت األمور املعنوية‬
‫وتوضيحها يف األذهان‪.‬‬

‫(‪ )1‬سورة الكهف‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫نـمـــاذج مــن آيــات الــقـــرآن‬

‫(‪ )1‬منـوذج من اآليـات املكـيـة ‪:‬‬


‫قال تعاىل يف سورة النازعـات ‪:‬‬
‫{‬

‫}‪.‬‬
‫طاهرا نق ًّيا‪.‬‬
‫ً‬ ‫(‪ )18‬هل لك إىل أن تزكى ‪ :‬أال ترغب يف أن تصبح‬ ‫ ‬ ‫(‪ )16‬طوى ‪ :‬اسم واد بطور سيناء‪.‬‬
‫(‪ )23‬فحرش فنادى ‪ :‬فجمع الناس ونادي فيهم‪.‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )20‬اآلية الكربى ‪ :‬العصا‪.‬‬
‫(‪ )28‬سمكها ‪ :‬علوها وارتفاعها‪.‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )25‬النكال ‪ :‬العذاب للعربة‪.‬‬
‫(‪ )30‬دحاها ‪ :‬بسطها‪.‬‬ ‫ ‬ ‫ماً‬
‫(‪ )29‬أغطش الليل ‪ :‬جعله مظل ‪.‬‬
‫(‪ )34‬الطامة ‪ :‬املصيبة العامة‪ .‬والطامة الكربى من أسامء يوم القيامة‪.‬‬
‫(‪ )35‬ما سعى ‪ :‬سعيه وعمله‪.‬‬
‫ورسوها معناه انتهاء‬
‫ُّ‬ ‫(‪ )42‬أيان مرساها ‪ :‬متى رسوها أي حدوثها ويف الكالم استعارة مجيلة كأن الساعة سفينة‪،‬‬
‫رحلتها‪.‬‬
‫(‪ )43‬فيم أنت من ذكراها ‪ :‬أين أنت من حتديد موعدها ؟‬
‫(‪ )46‬يذهلون لرؤيتها وكأن كل حياهتم الدنيا مل تكن سوى بعض يوم‪.‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )44‬منتهاها ‪ :‬هناية عملها‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫(‪ )2‬منـوذج من اآليـات املـدنيـة ‪:‬‬
‫قـال تعـاىل يف سـورة آل عمـران ‪:‬‬
‫{‬

‫}‪.‬‬
‫(‪ )103‬اعتصموا ‪ :‬متسكوا‪ ،‬واملراد بحبل اهلل دينه أو كتابه‪.‬‬
‫مثال للقرب من اهلالك‪.‬‬ ‫(‪ )103‬شفا حفرة ‪ :‬حافتها‪ ،‬ويرضب ً‬
‫(‪ )106‬أكفرتم ‪ :‬أي فيقال هلم ‪ :‬أكفرتم‪.‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )105‬البينات ‪ :‬اآليات الواضحات‪.‬‬
‫(‪ )110‬أهل الكتاب ‪ :‬اليهود والنصارى‪ ،‬واملقصود هبم هنا اليهود‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫(‪ )112‬ث ِقفوا ‪ُ :‬و ِجدوا‪.‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )112‬الذلة ‪ :‬اهلوان‪.‬‬
‫(‪ )112‬باؤوا ‪ :‬رجعوا‪.‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )112‬بحبل من اهلل ‪ :‬بعونه ومساعدته‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫الـمـنـاقـشـــة ‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ ما حال العرب قبل اإلسالم ؟ وما أعظم أثر تركه فيهم ؟‬
‫‪ 2‬ـ ما اآلثار التي أحدثها اإلسالم يف لغة العرب وأدهبم ؟‬
‫‪ 3‬ـ ما املوضوعات التي تناوهلا القرآن الكريم ؟ وبأية لغة نزل ؟‬
‫‪ 4‬ـ ما وجوه إعجاز القرآن ؟ وبأهيا وقع التحدي ؟ وملاذا ؟‬
‫‪ 5‬ـ لكل من السور املكية واملدنية خصائص تتميز هبا غال ًبا‪ .‬فام تلك اخلصائص ؟‬
‫‪ 6‬ـ ما اآلية التي تكررت يف سورة الرمحن ؟ وما تلك التي تكررت يف سورة املرسالت‬
‫؟ وما سبب التكرار ؟‬
‫ضب املثل‪ .‬أبينِّ فائدته‪ ،‬ثم أذكر ً‬
‫مثاال يوضح‬ ‫‪ 7‬ـ من اخلصائص العامة ألسلوب القرآن رَ ْ‬
‫ما أقوله‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ ما نوع األسلوب الذي ُب ِدئت به سورة النازعات ؟ وما فائدته ؟‬
‫حاال أهنا مكية‪ .‬أذكر أربعة أسباب لذلك‪.‬‬ ‫‪ 9‬ـ إذا قرأت سورة النازعات عرفت ً‬
‫}‪.‬‬ ‫‪ 10‬ـ أوضح الصورة البيانية الرائعة يف قوله تعاىل ‪{ :‬‬
‫‪ 11‬ـ ما األمر الذي أمر اهلل املؤمنني بالتمسك به ؟ وبم ا ْمت ََّن عليهم ؟ وملاذا كانت أمة‬
‫(أجيب من خالل اآليات املدنية)‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫حممد أفضل أمة بعثت للناس ؟‬
‫} وقولـه‪:‬‬ ‫‪ 12‬ـ أوضح الصورتني البيانيتني يف قـولـه تعـاىل ‪{ :‬‬
‫}‪ ،‬وأبينِّ ُ فائدهتام ‪.‬‬ ‫{‬
‫‪ 13‬ـ يف اآلية (‪ )104‬عُ ِطف اخلاص عىل العام‪ .‬أحددُ موضع العطف‪ ،‬وأبينِّ فائدته‬
‫البالغية‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫‪ 2‬ــ الـحـديـــث الــشـــريف‬

‫احلديث الرشيف ـ أو السنَّة النبوية ـ هو قول الرسول ﷺ‪ ،‬أو فعله‪ ،‬أو تقريره‪.‬‬

‫وظـيـفــة الـحـديــث الـشـريــف ‪:‬‬


‫احلديث الرشيف هو املصدر الثاين من مصادر الترشيع يف اإلسالم بعد القرآن‪ ،‬ألن اهلل قد أعطى‬
‫ونص‬
‫لنب ِّيه حق الترشيع يف بعض األمور‪ ،‬فالقرآن احتوى عىل أصول الدين وقواعد األحكام العامة َّ‬
‫عىل بعضها وترك بيان البعض الباقي للرسول ﷺ‪.‬‬
‫وتتلخصوظائفاحلديثيفتوضيحالقرآن‪،‬وتفصيلإمجاله‪،‬وتقييدإطالقه‪،‬وختصيصعمومه‪.‬‬ ‫َّ‬

‫خـصـائـص أسـلــوب الـحـديــث ‪:‬‬


‫وقمة يف البيان‪ ،‬وهو أبلغ كالم صدر عن‬ ‫كالم النبي ﷺ آية يف الفصاحة والبالغة‪ّ ،‬‬
‫برش‪ ،‬ولكن بالغة القرآن يف أفق ال تناله بالغة اإلنسان(‪ .)1‬وترجع بالغة النبي ﷺ إىل‬
‫عدة أسباب ‪ :‬أوهلا ‪ :‬أنه ُم َؤ َّيد بالوحي واإلهلام‪ ،‬وثانيها ‪ :‬موهبته الفطرية‪ ،‬وثالثها ‪ :‬نشأته‬
‫يف قريش واسرتضاعه يف بني سعد وهم أفصح العرب‪ ،‬ورابعها ‪ُّ :‬‬
‫تضلعه من لغة القرآن‬
‫وعلمه بلغة العرب‪.‬‬
‫ويمتـاز احلـديـث الشـريـف بمـا يأتـي ‪:‬‬
‫معان كثرية‪ ،‬كقوله ﷺ ‪ُ « :‬ق ْل‬
‫ٍ‬ ‫إجيازا ً‬
‫بليغا‪ ،‬فاأللفاظ القليلة تشتمل عىل‬ ‫ً‬ ‫موجزٌ‬‫‪ 1‬ـ أنه َ‬
‫اس َت ِق ْم»‪ .‬وهلذا ُس ِّمي جوامع َ‬
‫الك ِلم‪.‬‬ ‫آ َمن ُْت بِاللهَّ ِ ُث َّم ْ‬
‫(‪ )1‬جعل بعض علامء البالغة الكالم البليغ عىل ثالث مراتب‪ .‬األوىل ‪ :‬القرآن الكريم‪ ،‬الثانية ‪ :‬احلديث الرشيف‪،‬‬
‫ونثرا‪.‬‬
‫شعرا ً‬ ‫الثالثة‪ :‬كالم فصحاء العرب ً‬

‫‪18‬‬
‫ٍ‬
‫صاف‪.‬‬ ‫ينساب من طبع صادق ونبع غزير‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫والزخ ُرف‬ ‫ف‬ ‫خال من ُّ‬
‫التكل ِ‬ ‫‪ 2‬ـ أنه ٍ‬
‫‪ 3‬ـ أن معانيه مستقاة من معاين القرآن العظيمة ومقاصده الكريمة‪ ،‬ولذلك فإن أغلب‬
‫أحكامه ما هي إال صدى لصوت القرآن الكريم‪.‬‬
‫اطب‪.‬‬‫واخلاصة مع مالءمته حلالة ُامل َخ َ‬
‫ّ‬ ‫اطب يف سهولته العا ّمة‬
‫ُ‬ ‫‪ 4‬ـ أ َّنه َس ْهل اللفظ يخُ‬
‫وتقربه إىل األذهان‪.‬‬
‫ريا من األمثال التي توضح املعنى ِّ‬ ‫‪ 5‬ـ أن فيه كث ً‬

‫نـمــاذج مـن كــالم الـنبـي صـلى اللّـه عـليه وسلـم ‪:‬‬

‫‪ 1‬ــ قـال رسـول اهلل [ يف املسـاواة ‪:‬‬


‫الض ِع ُ‬
‫يف‬ ‫ان َق ْب َل ُك ْم أنهَّ ُْم َكا ُنوا َإذا سرَ َ َق ِف ْي ِه ُم الشرَّ ِ ْي ُف َت َر ُكوه‪َ ،‬‬
‫وإذا سرَ َ ق َّ‬ ‫أه َل َك َم ْن َك َ‬
‫«إ َّنام ْ‬
‫أ َق ُاموا عَ َل ْي ِه َ‬
‫احل َّد»‪.‬‬
‫النـاس مع الـقـرآن الكـريـم ‪:‬‬
‫ِ‬ ‫‪ 2‬ــ وقـال يف أحـوا ِل‬
‫آن َك َم َثلِ ُ‬
‫األ ْت ُر َّجة؛ ِر ُحي َها َط ِّي ٌب َو َط ْع ُم َها َط ِّي ٌب‪َ .‬و َم َث ُل المْ ُؤْ ِمنِ‬ ‫ثل ُاملؤْ ِمنِ ال ِذ ْي َي ْق َر ُأ ا ْل ُق ْر َ‬ ‫« َم ُ‬
‫وط ْع ُم َها ُح ْل ٌو‪ .‬و َم َث ُل المْ ُنَا ِف ِق ال ِذي َي ْق َر ُأ ا ْل ُق َ‬
‫رآن‬ ‫آن َك َم َثلِ الت َْم َر ِة؛ ال ِر ْي َح لهَ َا َ‬ ‫ال َي ْق َر ُأ ا ْل ُق ْر َ‬‫ال ِذي َ‬
‫رآن َك َم َثلِ َ‬
‫احلن َْظ َل ِة؛‬ ‫وط ْع ُم َها ُم ٌّر‪ .‬و َم َث ُل ُاملنَا ِف ِق ال ِذي ال َي ْق َر ُأ ا ْل ُق َ‬
‫الريحْ َ ا َن ِة؛ ِر ُحي َها َط ِّي ٌب َ‬ ‫َك َم َثلِ َّ‬
‫وط ْع ُم َها ُم ٌّر»‪.‬‬ ‫س لهَ َا ِر ْي ٌح َ‬ ‫َل ْي َ‬
‫‪ 3‬ــ وقـال يف وحـدة املسلمـني واتـحـاد مشـاعـرهـم ‪:‬‬
‫اشت ََكى ِمنْهُ عُ ْض ٌو َت َداعَ ى‬ ‫اط ِف ِه ْم َم َث ُل َ‬
‫اجل َس ِد‪َ ،‬إذا ْ‬ ‫« َم َث ُل املؤ ِمنِينْ َ فيِ َت َوا ِّد ِه ْم َو َت َراحمُ ِ ِه ْم َو َت َع ُ‬
‫احل َّمى»‪.‬‬ ‫الس َه ِر َو ُ‬ ‫اجل َس ِد بِ َّ‬‫ائر َ‬ ‫َلهُ َس ُ‬

‫‪19‬‬
‫الـخـيـر الـبـ ّنــاء ‪:‬‬
‫‪ 4‬ــ وقال يف االستـقـالل بـالـرأي ِّ‬
‫أس ْأ ُت‪َ .‬و َل ِك ْن‬
‫اؤوا َ‬ ‫أس ُ‬
‫وإن َ‬ ‫أح َسن ُْت ْ‬ ‫َّاس ْ‬
‫أح َس َن الن ُ‬
‫إن ْ‬ ‫«ال َي ُك ْن َ‬
‫أح ُد ُك ْم َّإم َع ًة‪َ ،‬ي ُق ُ‬
‫ول ْ‬ ‫َ‬
‫أن تجَ ْ َتنِ ُبوا َ‬
‫إسا َءتهَ ُم»‪.‬‬ ‫اؤوا ْ‬
‫أس ُ‬ ‫أن تحُ ْ ِسنُوا‪ْ ،‬‬
‫وإن َ‬ ‫َّاس ْ‬
‫أح َس َن الن ُ‬ ‫إن ْ‬ ‫َو ِّطنُوا(‪َ )1‬أ ْن ُف َس ُك ْم ْ‬
‫‪ 5‬ــ ومـن أحـاديثـه املـوجـزة اجلامـعـة لكثيـر مـن املعـانـي اجلليـلـة ‪:‬‬
‫الر ْكب»‪.‬‬ ‫ري َّ‬ ‫يف أ ِم ُ‬ ‫«الض ِع ُ‬‫َّ‬
‫ِئ َما َن َوى»‪.‬‬ ‫ات‪َ ،‬وإ َّنماَ لِ ُك ِّل ا ْمر ٍ‬ ‫«إ َّنماَ َ‬
‫األ ْعماَ ُل بِال ِّن َّي ِ‬
‫الق»‪.‬‬ ‫األ ْخ َ‬ ‫«إ َّنماَ ُب ِع ْث ُت ُألتمَ ِّ َم َم َكا ِر َم َ‬
‫الس ُيوف»‪.‬‬ ‫ال ِل ُّ‬ ‫«اجلن َُّة تحَ ْ َت ِظ َ‬‫َ‬
‫ض(‪َ ،)2‬و َل ِك َّن ال ِغنَى ِغنَى ال َّن ْفس»‪.‬‬ ‫الع َر ِ‬ ‫س ال ِغنَى عَ ْن َك ْث َر ِة َ‬ ‫«ل ْي َ‬ ‫َ‬
‫اجلا ِر َحتَّى َظ َنن ُْت أ َّنه َس ُي َو ِّر ُثه»‪.‬‬ ‫وصينِي بِ َ‬ ‫ِيل ُي ِ‬ ‫ال ِجبرْ ُ‬ ‫« َما َز َ‬
‫«الع َلماَ ُء َو َر َث ُة َ‬
‫األ ْنبِ َياء»‪.‬‬ ‫ُ‬
‫أن ُي ْب َس َط َله يف ِر ْز ِق ِه‪َ ،‬و ُين َْس َأ(‪َ )3‬لهُ يف َأ َج ِل ِه َف ْل َي ِص ْل َرحمِ َه»‪.‬‬ ‫« َم ْن سرَ َّ ُه ْ‬

‫الـمـنـاقـشـــة ‪:‬‬

‫أرجع إىل أحد كتب احلديث‪ ،‬أو إىل أستاذ مادة‬


‫ُ‬ ‫‪ 1‬ـ ما وظائف احلديث الرشيف ؟‬
‫احلديث‪ ،‬ألتعرف عىل مثال ِّ‬
‫لكل وظيفة‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ يف أي مرتبة يقع احلديث بني مراتب الكالم البليغ ؟‬

‫عودوا‪.‬‬ ‫(‪ِّ )1‬‬


‫وطنوا ‪ِّ :‬‬
‫الع َرض ‪ :‬املال‪.‬‬
‫(‪َ )2‬‬
‫(‪ )3‬ينسأ ‪ :‬يمد له يف عمره‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫‪ 3‬ـ إالم ترجع بالغة النبي ﷺ ؟‬
‫استقم»‪ .‬ما املراد بجوامع الكلم ؟‬
‫ْ‬ ‫ثم‬ ‫‪ 4‬ـ من جوامع َك ِل ِم ِه ﷺ قوله ‪ُ « :‬ق ْل ُ‬
‫آمنت باهللِ َّ‬
‫وما األفكار التي اشتمل عليها هذا احلديث ؟‬
‫أختار حدي ًثا تظهر فيه خاصية رضب األمثال وأرشحه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫‪5‬ـ‬
‫‪ 6‬ـ كيف يستفيد األديب املسلم من احلديث الرشيف ؟‬

‫‪21‬‬
‫الـشـعــر فـي عـصــر صــدر اإلســـالم‬

‫مـوقـف اإلســالم مـن الـشـعــر ‪:‬‬


‫يظن بعض داريس األدب أن اإلسالم حارب الشعر‪ ،‬بينام الصحيح أنه مل حياربه لذاته وإنام حارب‬
‫ُّ‬
‫الفاسد من مناهج الشعراء‪ ،‬ويتمثل هذا املعنى يف اآلية الكريمة التي صنّفت الشعراء إىل فئتني ‪ :‬فئة‬
‫ضالة‪ ،‬وأخرى مهتدية‪ ،‬حيث يقول تعاىل ‪{ :‬‬
‫ ‬
‫}(‪.)1‬‬ ‫ ‬
‫سالحا من أسلحة الدعوة‪ ،‬وعدّ ه نوعً ا‬ ‫ً‬ ‫بل إن اإلسالم ذهب إىل أبعد من هذا حني اختذ الشعر‬
‫من أنواع اجلهاد‪ ،‬فجعل الشاعر عىل ثغرة من ثغور اإلسالم ال يسدُّ ها إال هو وأمثاله من األدباء‪.‬‬
‫يشجع الشعر اجليد‬ ‫وقد أدرك اإلسالم قيمة الكلمة الشعرية وشدة تأثريها‪ ،‬ولذا كان النبي ﷺ ّ‬
‫املنطوي عىل ُم ُثلٍ عليا‪ ،‬وكان يستمع إليه ويعجب بام اشتمل عليه من حكمة‪ ،‬حتى لقد قال ‪« :‬إن‬
‫لسحرا‪ ،‬وإن من الشعر حلكمة»‪ ،‬وملا استأذن حسان بن ثابت ـ ريض اهلل عنه ـ يف الرد‬ ‫ً‬ ‫من البيان‬
‫س» كام كان ﷺ يستزيد اخلنساء من الشعر‬ ‫روح ُ‬
‫الق ُد ِ‬ ‫َ‬
‫ومعك ُ‬ ‫عىل املرشكني أذن له وقال ‪ُ « :‬ا ْه ُج ُه ْم‬
‫َاس»‪.‬‬ ‫فيقول ‪ِ « :‬هي ِه‪ ،‬هيه يا ُخن ُ‬
‫تبعا ملا جاء به الرسول ﷺ‪ ،‬فقد‬ ‫وهكذا كان الصحابة رضوان اهلل عليهم‪ ،‬حيث كانت سريهتم ً‬
‫وحتروا سنته‪ ،‬فام نفع من الشعر أو َح ُسن قبلوه وشجعوه عليه‪ ،‬وماكان فيه رضر أو قبح‬ ‫اقتفوا أثره‪َّ ،‬‬
‫نبذوه وحاسبوا عليه‪.‬‬
‫ً‬
‫وسطا‪ ،‬فلم يؤيده ومل يعارضه‪ ،‬وإنام عدَّ ه‬ ‫وخالصة القول أن اإلسالم وقف من الشعر موق ًفا‬
‫(‪ )1‬سورة الشعراء‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫كأي كالم فحسنُه حسن وهو مقبول‪ ،‬وسيئه سيئ وهو مرفوض‪ ،‬وما يقال عن الشعر يقال‬
‫كال ًما ِّ‬
‫عن بقية فنون األدب األخرى‪.‬‬

‫حال الشعر يف عصر صدر اإلسالم ‪:‬‬


‫وتعرض لفرتة من‬ ‫َّ‬ ‫يذكر بعض داريس األدب أن الشعر يف هذا العرص قد أصيب َّ‬
‫بالض ْعف‪،‬‬
‫الركود‪ .‬ويف هذا الكالم يشء من اخلطأ‪ ،‬ويشء من الصواب‪.‬‬
‫أما أنه ُأصيب بالضعف فكالم غري صحيح؛ ألنه مبني عىل خلط بني الضعف من جهة وبني اللني‬
‫والسهولة من جهة أخرى‪ ،‬وذلك ألن اإلسالم صادف يف العرب قلو ًبا قاسية فأالهنا‪ ،‬وطباعً ا جافية فر ّققها‪،‬‬
‫ومن ثم أصبح الشعراء خيتارون من الكلامت أ ْل َينَها‪ ،‬ومن األساليب أسهلها‪ ،‬وابتعدوا عن األلفاظ اجلافة‬
‫الغليظة‪ ،‬والرتاكيب الوعرة‪ ،‬وشعر حسان يف اجلاهلية واإلسالم خري شاهد عىل ما نقول‪.‬‬
‫تعرض لفرتة من الركود فصحيح وذلك لألسباب التالية ‪:‬‬ ‫وأما أنه َّ‬
‫نفوسهم عقيد ُة اإلسالم وآدا ُبه‪ .‬ويف أثناء ذلك ُشغلوا‬ ‫َ‬ ‫القرآن‪ ،‬ومألت‬‫‪ 1‬ـ بهُ ر العرب ببالغة ُ‬
‫بالفتوحات فرصفهم كل ذلك عن قول الشعر إال ً‬
‫قليال‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ سقوط منزلة الشعرا ِء لِت ََك ُّسبهم بالشعر وخضوعهم يف سبيل العطاء للممدوحني‪ ،‬وبذلك‬
‫وخصوصا بعد أن صارت اخلطابة هي الوسيلة‬ ‫ً‬ ‫عال شأن اخلطابة وانخفض شأن الشعر‪،‬‬
‫الط ِّيعة املرنة لنرش دعوة اإلسالم‪.‬‬
‫نفرا من الشعراء الذين ظ ّلوا عىل الرشك من أمثال عبداهلل بن الزِّ َب ْع َرى هجوا رسول اهلل‬‫‪ 3‬ـ أن ً‬
‫ﷺ فأمر النبي ﷺ برتك رواية شعرهم‪.‬‬
‫يل املقذع‪َ ،‬‬
‫والغزَ ل الفاحش‪،‬‬ ‫وحرم اخلمر‪ ،‬وقاوم اهلجاء القب ّ‬
‫‪ 4‬ـ أن اإلسالم حارب العصبيات‪َّ ،‬‬
‫ً‬
‫جزال لشعلة الشعر‪ ،‬فلام‬ ‫وكل هذه األمور كانت َو ُقودًا‬
‫ومل يشجع رحالت اللهو والقنص‪ُّ .‬‬

‫‪23‬‬
‫قاومها اإلسالم اقترصت أغراض شعر ُامل َخضرْ َ ِمني(‪ )1‬عىل مناقضة شعراء املرشكني وعىل‬
‫مدح رسول اهلل ﷺ وأصحابه‪...‬‬
‫ومع هذا فلم يخَ ْ ُل هذا العرص من أصوات شاعرية عذبة انبعثت من أمثال لبيد بن ربيعة واخلنساء‬
‫وحسان بن ثابت وكعب بن زهري وعبداهلل بن رواحه وكعب بن مالك وغريهم‪.‬‬
‫ّ‬

‫أسـلــوب الـشـعــر ومـعـانـيــه ‪:‬‬


‫ُيعدُّ الشعر يف عرص صدر اإلسالم امتدادًا لسابقه يف العرص اجلاهيل؛ ألن شعراء هذا العرص هم‬
‫سمون باملخرضمني‪ .‬إال أن هذا ال يمنع أن يكون‬
‫أنفسهم شعراء العرص اجلاهيل‪ ،‬وهلذا فقد كانوا ُي َّ‬
‫قد حدث يشء من التغيري يف أسلوب الشعر ومعانيه‪.‬‬
‫أما أسلوب الشعر يف هذا العرص فقد اختلف بشكل يسري عن أسلوب الشعر اجلاهيل‪ ،‬وذلك‬
‫من خالل تأثره بأسلوب القرآن وأسلوب احلديث وتأثره بعاطفة املسلم الرقيقة؛ فالورع والتقوى‬
‫وخمافة اهلل أوجدت أسلو ًبا يبتعد عن اجلفاء والغلظة واخلشونة التي هي أبرز سامت الشعر اجلاهيل‪،‬‬
‫ومن هنا فقد أصبح الشاعر اإلسالمي خيتار األلفاظ اللينة والرتاكيب السهلة الواضحة التي تؤدي‬
‫املعنى بشكل دقيق‪ .‬أما أوزان الشعر وأخيلته ونظام القصيدة فقد بقيت عىل ما كانت عليه يف العرص‬
‫اجلاهيل‪ ،‬ألن مثل هذا التغيري يتطلب وقتًا ليس بالقصري‪.‬‬
‫وأما معاين الشعر فقد اختلفت بشكل كبري عن معاين الشعر اجلاهيل الذي مل يكن يقف عند حد‬
‫معينّ أو فكر حمدَّ د‪ ،‬ومن َّ‬
‫ثم أصبح الشاعر يف هذا العرص خيتار من املعاين ما خيدم اإلسالم ويدعو‬
‫إليه‪ ،‬مستق ًيا معظم هذه املعاين من القرآن الكريم واحلديث الرشيف‪.‬‬
‫تاما عن معاين الشعر‬ ‫ً‬
‫انفصاال ًّ‬ ‫ولكن من غري املقبول أن يقال إن معاين الشعر اإلسالمي انفصلت‬

‫(‪ )1‬الشاعر املخرضم ‪ :‬هو الذي عاش يف اجلاهلية وأدرك اإلسالم‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫اجلاهيل؛ ألن األدب اجلاهيل ـ كام ُذ ِكر ساب ًقا ـ هو املصدر الثالث من املصادر التي يستقي منها األدب‬
‫اإلسالمي أفكاره وأساليبه‪.‬‬
‫وهلذا فإن املعاين التي أمهلها الشعر هي املعاين التي نفاها اإلسالم فلم َت ُعدْ صاحلة للبقاء‪ ،‬كالشعر‬
‫الذي يدعو للعصبية‪ ،‬وكالغزل الفاحش‪ ،‬واهلجاء املقذع‪ ،‬واملدح الكاذب‪ ،‬ووصف اخلمر‪ ،‬أما املعاين‬
‫التي مل َي ْن ِفها اإلسالم فقد بقيت متداولة لدى الشعراء‪ ،‬مع تغيرُّ ال ِق َيم التي يعتمدون عليها يف تلك املعاين‪،‬‬
‫فإذا كانت قيم املدح يف اجلاهلية هي الشجاعة والكرم واجلود فإهنا يف اإلسالم تعني التمسك بالدين‬
‫والتحليِّ بحسن اخللق والورع والزهد‪ ،‬وإذا كانت قيم الفخر يف اجلاهلية هي األحساب والقبيلة فإهنا‬
‫يف اإلسالم تعني االنتساب لإلسالم واتباع الرسول‪ ،‬وهكذا يف بقية األغراض‪ ،‬إال أن هذا ال يمنع أن‬
‫جيمع الشاعر بني القيم القديمة‪ ،‬والقيم اجلديدة التي جاء هبا اإلسالم‪.‬‬
‫ٍ‬
‫موضوعات جدَّ ت وطرأت يف هذا العرص كشعر الدعوة ونرش عقائد‬ ‫ريا نشري إىل أن هناك‬
‫وأخ ً‬
‫اإلسالم‪ ،‬ووصف الفتوحات اإلسالمية وأماكن اجلهاد‪ ،‬كام وجدت يف هذا العرص البذرة األوىل‬
‫للشعر السيايس الذي برز فيام بعد يف عرص بني أمية‪ ،‬بسبب تعدد األحزاب السياسية‪.‬‬

‫الـمـنـاقـشـــة ‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ ما موقف اإلسالم من الشعر ؟ أذكر أدلة من سرية الرسول ﷺ توضح ما أقول‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ أذكر رأيي فيام يقال من أن الشعر يف عرص صدر اإلسالم قد ُأصيب بالضعف ؟‬
‫‪ 3‬ـ مااألسباب التي َّأدت إىل ركود الشعر يف هذا العرص ؟‬
‫ُ‬
‫أحتدث عن أثر اإلسالم يف أسلوب الشعر اجلاهيل‪.‬‬ ‫‪4‬ـ‬
‫‪ 5‬ـ أ َّثر اإلسالم يف معاين الشعر وموضوعاته فألغى بعضها‪ ،‬وأبقى بعضها‪ .‬أرشح هذه العبارة‪.‬‬
‫جدت يف الشعر يف عرص صدر اإلسالم ؟‬ ‫‪ 6‬ـ ما املوضوعات التي َّ‬

‫‪25‬‬
‫نـمـاذج مـن الـشعـر فـي عـصـر صــدر اإلســالم‬

‫‪ 1‬ــ حـســان بـن ثـابــت‬


‫يفـخـر بـاإلســالم ويـرد علـى املشـركيـن‬

‫التـعـريـف بالـشـاعـر ‪:‬‬


‫ً‬
‫طويال‪ ،‬اتصل يف اجلاهلية بملوك‬ ‫حسان بن ثابت بن املنذر اخلزرجي‪ ،‬من أعرق بيوت األنصار‪ ،‬عُ ِّمر‬
‫الغساسنة واملناذرة ومدحهم‪ ،‬وملا هاجر النبي ﷺ إىل املدينة سارع حسان إىل الدخول يف اإلسالم‪ ،‬وأصبح‬
‫كف برصه‪.‬‬‫بحق شاعر اإلسالم والرسول‪ .‬تويف ريض اهلل عنه سنة ‪40‬هـ بعد أن َّ‬

‫مـنـاسـبــة الـنــص ‪:‬‬


‫قام شعراء املرشكني هبجاء النبي ﷺ‪ ،‬وكان من أشدّ هم عدا ًء ونكاية أبو سفيان ابن‬
‫حسان لرسول اهلل ﷺ ‪:‬‬ ‫احلارث بن عبداملطلب وشاعر آخر يقال له ابن الزِّ َب ْع َرى‪ ،‬فقال ّ‬
‫أس ُّلك‬
‫حسان ‪ُ :‬‬
‫أهجوهم ؟ فقال النبي ﷺ ‪« :‬كيف هتجوهم وأنا منهم؟» فقال ّ‬ ‫َ‬ ‫أتأذن يل أن‬
‫روح ُ‬
‫الق ُدس‬ ‫ومعك ُ‬‫َ‬ ‫منهم كام ُت َس ُّل الشعرة من العجني‪ .‬فوافق النبي الكريم وقال ‪ُ « :‬اهُ ُج‬
‫وس ْل أبابكر»‪ ،‬أي استرشه ملعرفته باأليام واألنساب‪.‬‬ ‫َ‬
‫قصائد يف هجاء املرشكني‪ ،‬ويبدو أنه قال هذه القصيدة ُقبيل فتح مكة‬ ‫َ‬ ‫حسان ِعدّ ة‬
‫فنظم ّ‬
‫وحسن إسالمه‪ ،‬فشارك يف أجماد الفتوح‬ ‫ردا عىل أيب سفيان بن احلارث الذي أسلم بعد ذلك ُ‬ ‫ًّ‬
‫اإلسالمية حتى است ُْش ِهد بأجنادين‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫الـــنـــــــص ‪:‬‬
‫ُتثِيرْ ُ ا ل َّن ْق َع َم ْو ِع ُد هَ ا َك َد ا ُء‬ ‫إن لمَ ْ َت َر ْو ها‬ ‫‪ 1‬ـ عَ ِد ْمنَا َخ ْي َلنَا ْ‬
‫لظماَ ُء‬ ‫أل َس ُل ا ِّ‬ ‫عَ لىَ َأ ْكتَا ِف َها ا َ‬ ‫ات‬ ‫األس َّن َة ُم ْص ِع َد ٍ‬ ‫ِ‬ ‫‪ 2‬ـ ُي َبا ِر ْي َن‬
‫خل ُم ِر ا لن َِّسا ُء‬ ‫ُت َل ِّط ُم ُه َّن بِا ُ‬ ‫ت‬ ‫‪ 3‬ـ َت َظ ُّل ِج َيا دُ َنا ُمت ََم ِّطر ا ٍ‬
‫اء‬‫ف ال ِغ َط ُ‬ ‫ان ال َفت ُْح وا ْن َك َش َ‬ ‫َو َك َ‬ ‫اعت ََم ْر نا‬ ‫إما ُت ْع ِر ُضوا عَ نَّا ْ‬ ‫‪ 4‬ـ َف َّ‬
‫ُي ِعزُّ ا للهَّ ُ ِفي ِه َم ْن َي َشا ُء‬ ‫ال ِد َي ْو ٍم‬ ‫جل َ‬
‫اصبرِ ُ وا ِ‬ ‫وإال َف ْ‬ ‫َّ‬ ‫‪ 5‬ـ‬
‫س َلهُ ِك َفا ُء‬ ‫س َل ْي َ‬ ‫َو ُر و ُح ا ُلقدْ ِ‬ ‫ني ا للهَّ ِ ِفينَا‬ ‫يل أ ِم ُ‬ ‫‪ 6‬ـ َو ِجبرْ ِ ٌ‬
‫ال ُء‬‫حل َّق إ ْن َن َف َع ا ل َب َ‬ ‫َي ُقو ُل ا َ‬ ‫ال ا للهَّ ُ َقدْ َأ ْر َس ْل ُت عَ ْب ًد ا‬ ‫‪ 7‬ـ َو َق َ‬
‫َف ُق ْلت ُْم ‪ :‬ال َن ُقو ُم و ال َن َشا ُء‬ ‫وموا َص ِّد ُقو ُه‬ ‫‪ 8‬ـ َش ِهدْ ُت بِ ِه َف ُق ُ‬
‫هُ ُم ا أل ْن َصا ُر عُ ْر َضت َُها ا ِّلل َقا ُء‬ ‫س ُت ُجن ًْد ا‬ ‫ال ا للهَّ ُ َقدْ َي رَّ ْ‬ ‫‪ 9‬ـ َو َق َ‬
‫ِس َبا ٌب أ و ِقتَا ٌل َأ و ِه َجا ُء‬ ‫‪ 10‬ـ َلنَا فيِ ُك ِّل َي ْو ٍم ِم ْن َم َع ٍّد‬
‫لد َما ُء‬ ‫ني تخَ ْ َت ِل ُط ا ِّ‬ ‫َو َنرضِ ُب ِح َ‬ ‫‪ 11‬ـ َفن َْح ُك ُم بِال َق َو ا فيِ َم ْن هَ َجا َنا‬
‫َس َو ا ُء‬ ‫َو َي ْنصرُ ُ ُه‬ ‫َو َي ْم َد ُحهُ‬ ‫ول اهللِ ِمن ُْك ْم‬ ‫‪ 12‬ـ َو َم ْن يهَ ْ ُجو َر ُس َ‬
‫ض محُ َ َّم ٍد ِمن ُْك ْم ِف َد ا ُء‬ ‫لِ ِع ْر ِ‬ ‫‪ 13‬ـ َف َّ َ‬
‫إن أ بيِ َو َو ا لِ َد ُه و ِع ْر ضيِ‬
‫لد َ‬
‫ال ُء‬ ‫َو َب ْح ِر ي ال ُت َك ِّد ُر ه ا ِّ‬ ‫‪ 14‬ـ لِ َسا نيِ َصا ِر ٌم ال عَ ْي َب ِف ْي ِه‬
‫(‪ )1‬النقع ‪ :‬غبار احلرب‪ .‬كداء ‪ :‬موضع بأعىل مكة قرب اجلمرات‪.‬‬
‫ُ‬
‫األسل ‪ :‬الرماح اجليدة‪ .‬األسنة ‪ :‬أطراف الرماح‪.‬‬ ‫(‪ )2‬مصعدات ‪ :‬مرسعات يف الصعود‪.‬‬
‫(‪ )3‬متمطرات ‪ :‬مرسعات متحفزات‪ .‬اخلمر ‪ :‬مجع مخار وهو ما تغطي به املرأة رأسها‪.‬‬
‫(‪ )4‬الفتح ‪ :‬يعني فتح مكة‪ .‬انكشف الغطاء ‪ :‬انجيل األمر‪ )5( .‬اجلالد ‪ :‬املصابرة يف القتال‪.‬‬
‫(‪ )7‬نفع البالء ‪ :‬نفع االختيار ونفعت الذكر‪.‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )6‬روح القدس ‪ :‬جربيل‪ .‬كفاء ‪ :‬نظري وشبيه‪.‬‬
‫(‪ )9‬عرضتها ‪ :‬مهتها‪ )10(.‬معد ‪ :‬قريش ألهنم عدنانيون‪.‬‬
‫(‪ )11‬نحكم ‪ :‬نمنع‪ )12( .‬صارم ‪ :‬قاطع‪ .‬تكدره ‪ :‬تعكره‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫الــشــــــرح ‪:‬‬

‫مكة (وهذا ما‬ ‫يقول الشاعر يف األبيات ‪ 1‬ـ ‪ : 5‬ال عاشت خيلنا إن مل هتامجكم من أعىل ّ‬
‫فعال يوم الفتح) وسيكون عىل أكتافها رماحنا املتعطشة إىل دمائكم‪ ،‬وستنهزمون فال‬ ‫حدث ً‬
‫تم الفتح وانكشفت ُ‬
‫الغ ّمة وإال‬ ‫بخ ُمرهن‪ ،‬فإن استسلمتم َّ‬ ‫نجد إال نساءكم حياولن َر َّد خيولنا ُ‬
‫مريرا ينرص اهلل فيه املؤمنني‪.‬‬ ‫فانتظروا ً‬
‫قتاال ً‬
‫ويف األبيات ‪ 6‬ـ ‪ 12‬يفخر الشاعر بأن مالئكة اهلل تؤيد جيش املسلمني وعىل رأسهم‬
‫جربيل روح القدس الذي ال ينهض لقوته نِدّ من البرش‪ ،‬ويعيرّ املرشكني بأهنم مل يستجيبوا‬
‫لدعوة حممد كام أمرهم اهلل بذلك‪ ،‬ويفتخر بأن اهلل قد ه َّيأ هلذا الدين جنودًا أقوياء عىل القتال‪،‬‬
‫للسب والقتال من‬‫ِّ‬ ‫معتادين عىل لقاء األعداء وهم األنصار‪ ،‬الذين يتعرضون يف كل يوم‬
‫قبل املرشكني‪ ،‬ولكنهم ال يستكينون وال يضعفون‪ ،‬بل يقابلون هجاءهم بقوافيهم الالذعة‬
‫املفحمة‪ ،‬ومن صمد منهم للقتال رضبوه وعصفوا به‪ .‬ثم إنكم يا كفار قريش ال وزن لكم‬
‫وال قيمة‪ ،‬وما نبايل أن متدحوا ً‬
‫حممدا أو هتجوه‪.‬‬
‫ريا يذكر الشاعر يف البيتني ‪ 13‬ـ ‪ 14‬مقدار إخالصه لرسول اهلل‪ ،‬ومدى ما يتمتع به‬ ‫وأخ ً‬
‫حممدا بأيب وعريض‪ ،‬وأمتتع بلسان صارم‪ ،‬كام أنني بالنسبة‬ ‫من قدرة شعرية فيقول ‪ :‬إين أفدي ً‬
‫لشعراء قريش كالبحر الذي ال تعكره الدالء‪.‬‬

‫الـتـعـلــيــــق ‪:‬‬
‫إذا أمعنت النظر يف أبيات حسان وجدت فيها ثالث خصائص ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ أن فخره وهجاءه خيتلفان عن الفخر واهلجاء عند اجلاهليني‪ .‬فلم يعد الفخر‬
‫حس َ‬
‫ان‬ ‫باألحساب والقبيلة‪ ،‬ومل يعد اهلجاء بام كان يتهاجى به اجلاهليون‪ ،‬وإنام نرى ّ‬
‫‪28‬‬
‫ـ ريض اهلل عنه ـ يفتخر باإلسالم وبا ّتباع رسول اهلل‪ ،‬وهيجو املرشكني بإعراضهم‬
‫عن اإلسالم وتكذيبهم لرسول اهلل ﷺ ويعيرّ هم باهلزائم يف معارك اإلسالم‪.‬‬
‫القرآن الكريم ومصطلحات اإلسالم‪ ،‬ويبدو‬ ‫شديدا بألفاظ ُ‬
‫ً‬ ‫تأثرا‬
‫حسان متأثر ً‬ ‫‪ 2‬ـ أن شعر ّ‬
‫واضحا يف قوله ‪( :‬اعتمرنا‪ ،‬يعز اهلل من يشاء‪ ،‬جربيل أمني اهلل‪ ،‬روح القدس‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ذلك‬
‫وقال اهلل قد أرسلت ً‬
‫عبدا‪ ،‬يقول احلق‪ ،‬وعند اهلل يف ذاك اجلزاء)‪.‬‬
‫الصادقة‪ ،‬وال عجب فهو خملص‬ ‫حسان هو العاطفة احلارة َّ‬ ‫‪ 3‬ـ أن أبرز عنرص فني يف شعر ّ‬
‫حمب لرسول اهلل ﷺ‪ ،‬وحسبك أن تتأمل البيت الثالث عرش لرتى مقدار‬ ‫لإلسالم ٌّ‬
‫حسان أن يقدّ مها للحفاظ عىل عرض رسول اهلل ﷺ‪ .‬كام أن يف‬ ‫حيب ّ‬
‫التضحية التي ُّ‬
‫البيت الثاين عرش سخرية شديدة الذعة؛ ألنه هتكم هبم وجعل هجاءهم ومدحهم‬
‫سواء‪ ،‬إذ ال قيمة لكالمهم وال أمهية له‪ ،‬فكالمهم كعدمه‪.‬‬
‫وصوره إذا استثنينا منها املصطلحات اإلسالمية نراها بدوية عىل الرغم‬ ‫حسان ُ‬ ‫‪ 4‬ـ ألفاظ ّ‬
‫حسان للملوك يف اجلاهلية‪ ،‬وذلك كام يف البيت الثاين‪ ،‬والبيت الرابع عرش‬ ‫من خمالطة ّ‬
‫الذي حيتوي عىل أكثر من صورة شعرية رائعة‪.‬‬

‫الـمـنـاقـشـــة ‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ ما معنى النقع ؟ وما مراد الشاعر بقوله ‪ :‬عدمنا خيلنا ؟‬


‫حسان يف وصف رسعة اخليل وقوهتا‪ .‬فبِ َم وصفها ؟ وملاذا يهُ َ ِّول يف وصفها ؟‬ ‫‪ 2‬ـ بالغ ّ‬
‫وأوضح األمرين‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪ 3‬ـ خيرَّ حسان املرشكني يف بيتني من القصيدة بني أمرين‪ .‬أذكر البيتني‬
‫حسان بمعاين اإلسالم وألفاظه ؟ أستشهد عىل ذلك من شعره‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ ما مدى تأثر ّ‬

‫‪29‬‬
‫صور هذا احلب‪.‬‬‫أوضح كيف َّ‬‫ُ‬ ‫‪ 5‬ـ ظهر ُح ُّب حسان لنبي اإلسالم‪.‬‬
‫أوضح الصورتني الواردتني يف البيت الرابع عرش‪.‬‬‫ُ‬ ‫‪6‬ـ‬
‫‪ 7‬ـ ملاذا كان البيت الثاين عرش الذع السخرية ؟‬
‫‪ 8‬ـ يف أحد األبيات إشارة إىل هزيمة املرشكني‪ِّ .‬‬
‫أحددُ البيت وأرشحه‪.‬‬
‫أحددُ البيت الذي أعتقد أن حسان بلغ فيه قمة الفخر‪ ،‬وأذكر السبب‪.‬‬‫‪ 9‬ـ ِّ‬
‫ُ‬
‫أحتدث عن عاطفة الشاعر يف هذه األبيات‪.‬‬ ‫‪ 10‬ـ‬

‫‪30‬‬
‫‪ 2‬ــ كـعــب بـن زهــيـــر‬

‫يـمــدح ويـعـتـــذر‬

‫التـعـريـف بالـشـاعـر ‪:‬‬


‫هو كعب بن زهري بن أيب ُس ْلمى املزين‪ ،‬شاعر خمرضم‪ ،‬عاش مع أبيه زهري يف قبيلة غطفان‬
‫التي كانت تقيم رشقي املدينة‪ .‬كان كعب وأخوه ُب َجيرْ يرعيان الغنم فسمعا بخرب الرسول‬
‫ﷺ ومها قريبان من املدينة‪ ،‬فذهب ُب َجيرْ يستطلع األمر فدخل اإليامن قلبه فلم َي ُعد إىل أخيه‪،‬‬
‫فلام سمع كعب بأمره غضب عليه وأرسل إليه رسالة يلومه فيها وهيجو الرسول ﷺ‪ .‬وكعب‬
‫املقدمني؛ ألنه نشأ يف أعرق بيوتات الشعر‪ ،‬فأبوه زهري وأخوه بجري‬ ‫من شعراء اجلاهليني َّ‬
‫وأختاه سلمى واخلنساء كلهم شعراء‪.‬‬

‫مـنـاسـبــة الـنــص ‪:‬‬


‫هجا كعب بن زهري الرسول ﷺ واملسلمني‪ ،‬فغضب النبي ﷺ وأهدر دمه فهام عىل‬
‫ريا بليل واستشاره‪ ،‬فأشار عليه أن يمدح‬ ‫وجهه‪ ،‬ثم ملا ضاقت به األرض جاء أخاه بج ً‬
‫كعب‬
‫رسول اهلل ﷺ بقصيدة ويلقيها بني يديه يف املسجد بعد أن ينتهي من صالته‪ ،‬فنظم ٌ‬
‫هذه القصيدة الشهرية وفعل ما أشار به أخوه فعفا عنه رسول اهلل ﷺ وخلع عليه بردته‬
‫قبت قصيدته «بالبرُ ْ دَة»‬
‫ول ْ‬‫حلة جمد التبىل ُ‬
‫التي كان يلبسها‪ .‬وقد اكتسى كعب بتلك البرُ ْ دة َّ‬
‫من أجل بردة الرسول ﷺ‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫الـــنـــــــص ‪:‬‬

‫ُم َت َّي ٌم إ ْث َر هَ ا لمَ ْ ُي ْف َد َم ْك ُبو ُل‬ ‫ول‬ ‫‪ 1‬ـ َبا َن ْت ُس َعادُ َف َق ْلبِي ال َي ْو َم َم ْت ُب ُ‬
‫ال ُأ لهْ ِ َينَّك إ نيِّ عَ ن َْك َم ْش ُغو ُل‬ ‫آم ُلهُ‬ ‫يق ُكن ُْت ُ‬ ‫ال ُك ُّل َص ِد ٍ‬ ‫‪ 2‬ـ َو َق َ‬
‫َف ُك ُّل َما َق َّد َر ا َّلر حمْ َا ُن َم ْف ُعو ُل‬ ‫ال أ َب َال ُك ُم‬ ‫‪ 3‬ـ َف ُق ْل ُت َخ ُّلوا َسبِ ْيليِ َ‬
‫َي ْو ًما عَ لىَ آ َل ٍة َحدْ با َء محَ ُْمو ُل‬ ‫ال َمتُهُ‬‫وإن َط َال ْت َس َ‬ ‫‪ 4‬ـ ُك ُّل ابنِ ُأ ْن َثى ْ‬
‫ول‬‫ول ا هللِ َم ْأ ُم ُ‬ ‫والع ْف ُو ِعن َْد َر ُس ِ‬
‫َ‬ ‫ول ا هللِ َأ ْو عَ َد نيِ‬ ‫أن َر ُس َ‬ ‫ئت َّ‬ ‫‪ 5‬ـ ُن ِّب ُ‬
‫يل‬ ‫ُقر آ ِن ِف َيها َم َو ا ِع ٌظ َو َت ْف ِص ُ‬ ‫اك َنا ِف َل َة ا ْلـ‬ ‫أع َط َ‬ ‫اك ال ِذي ْ‬ ‫ال هَ َد َ‬ ‫‪ 6‬ـ َم ْه ً‬
‫يل‬ ‫ُأ ْذ نِ ْب َو َل ْو َك ُث َر ْت فيِ َّ األ َقا ِو ُ‬ ‫الو َشا ِة َو لمَ ْ‬ ‫ال ُ‬ ‫ال َت ْأ ُخ َذ نيِّ بِأ ْق َو ِ‬ ‫‪7‬ـ َ‬
‫ول‬ ‫الليلِ َم ْس ُب ُ‬ ‫ال ِم َو َث ْو ُب َّ‬ ‫ُجن َْح َّ‬
‫الظ َ‬ ‫‪ 8‬ـ َما ِز ْل ُت أ ْقت َِط ُع ال َب ْي َد ا َء ُم َّد رعً ا‬
‫يل‬ ‫ت َق ْو لهُ ال ِق ُ‬ ‫ف ِذ ي َن ِقماَ ٍ‬ ‫فيِ َك ِّ‬ ‫‪ 9‬ـ َحتَّى َو َض ْع ُت َي ِمينِي َما ُأ َنا ِزعُ َها‬
‫ول‬ ‫وف ا هللِ َم ْس ُل ُ‬ ‫َو َصا ِر ٌم ِم ْن ُس ُي ِ‬ ‫تض ُاء بِ ِه‬ ‫ُور ُي ْس َ‬ ‫ول َلن ٌ‬ ‫الر ُس َ‬ ‫إن َّ‬ ‫‪ 10‬ـ َّ‬
‫ولوا‬ ‫بِ َب ْطنِ َم َّك َة ملَّا َأ ْس َل ُموا ‪ُ :‬ز ُ‬ ‫ال َقائِ ُل ُه ْم‬ ‫يش َق َ‬ ‫‪ 11‬ـ فيِ عُ ْص َب ٍة ِم ْن ُق َر ٍ‬
‫يل َم َعا ِز ْي ُل‬ ‫ِعن َْد ا ِّلل َقا ِء و ال ِم ٌ‬ ‫ال ُك ُش ٌف‬ ‫اس َو َ‬ ‫ال أ ْن َك ٌ‬ ‫‪ 12‬ـ َز َالوا َفماَ َز َ‬

‫(‪ )1‬بانت ‪ :‬رحلت‪ .‬متبول ‪ :‬مريض من احلب‪ .‬متيم ‪ :‬مستعبد للحب‪ .‬إ ْثرها ‪ :‬بعدها‪ .‬مكبول ‪ :‬مقيد‪.‬‬
‫(‪ )5‬أوعدين ‪ :‬هددين‪ .‬مأمول ‪ :‬مرجو ومنتظر‪.‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )4‬آلة حدباء ‪ :‬النعش‪.‬‬
‫(‪ )6‬نافلة ‪ :‬عطية‪ .‬تفصيل ‪ :‬تبيني‪.‬‬
‫(‪ )8‬مدَّ رعً ا ‪ً :‬‬
‫البسا‪ .‬مسبول ‪ :‬مسدل ُم ْرخي‪ .‬البيداء ‪ :‬الصحراء‪.‬‬
‫(‪ )10‬صارم ‪ :‬سيف قاطع‪.‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )9‬ما أنازعها ‪ :‬أي مستسلماً ‪ .‬نقامت ‪ :‬جزاء عىل الرش‪.‬‬
‫(‪ )11‬عصبة من قريش ‪ :‬يعني املهاجرين‪ .‬زولوا ‪ :‬هاجروا‪.‬‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫(‪ )12‬أنكاس ‪ :‬مجع نكس وهو الضعيف‪ُ .‬ك ُشف ‪ :‬مجع أكشف وهو الذي ال ترس له‪ِ .‬ميل ‪ :‬مجع أ ْم َيلِ وهو اجلبان‪.‬‬
‫معازيل ‪ :‬مجع ِم ْعزَ ال وهو من ال سالح له‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫َ ا بِ ُ‬
‫يل‬ ‫او َد فيِ َ‬
‫اهل ْي َجا سرَ‬ ‫ِم ْن َن ْس ِج َد ُ‬ ‫وس ُه ُم‬‫ال َل ُب ُ‬‫ني أ ْب َط ٌ‬ ‫‪ 13‬ـ ُش ُّم َ‬
‫الع َرانِ ِ‬
‫ُ‬
‫نيلوا‬ ‫إذ ا‬‫َق ْو ًما َو َل ْي ُسوا مجَ َ ا ِز ًيعا َ‬ ‫اح ُه ُم‬ ‫ون إذا َن َال ْت ِر َم ُ‬ ‫‪ 14‬ـ َ‬
‫ال َي ْف َر ُح َ‬
‫يل‬‫تهَ ْ ِل ُ‬ ‫ت‬ ‫اض املَ ْو ِ‬‫َو َما لهَ ُ ْم عَ ْن ِح َي ِ‬ ‫الط ْع ُن إال فيِ ُن ُحو ِر ِه ُم‬ ‫‪ 15‬ـ َ‬
‫ال َي َق ُع َّ‬

‫الــشــــــرح ‪:‬‬

‫بدأ الشاعر يف األبيات ‪ 1‬ـ ‪ 4‬بمقدمة غزلية عىل عادة الشعراء‪ ،‬حتدث فيها عن رحيل‬
‫األحباب وذهول قلبه بعد الفراق‪ ،‬ثم انتقل إىل وصف حاله يف أثناء ترشده فقال ‪ :‬لقد تبرَّ أ‬
‫مني كل صديق وقال يل ‪ :‬ال تض ّيع وقتك فإين مشغول عنك‪ ،‬وحينئ ٍذ قلت هلم ‪ :‬أتركوين‬
‫فاملقدر كائن ومصري كل إنسان إىل املوت‪.‬‬‫َّ‬
‫ويف األبيات ‪ 5‬ـ ‪ 10‬يمدح الرسول ﷺ ويستشفعه ويصف الرهبة التي تتملكه فيقول ‪:‬‬
‫علمت أن الرسول ﷺ قد هدّ دين ولكن العفو منه مأمول فهو األليق بفضائله العظيمة‪ .‬ويقول‬
‫متهل هداك اهلل وال تنتقم وال تأخذين بام يقول الوشاة مهام كثرت أباطيلهم‪.‬‬ ‫خماط ًبا رسول اهلل‪ّ .‬‬
‫وضعت يدي يف يد رجل عظيم السطوات نافذ‬ ‫ُ‬ ‫لقد قطعت إليك الصحراء مسترت ًا بالليل حتى‬
‫القول‪.‬‬
‫ويف األبيات ‪ 11‬ـ ‪ 15‬يمدح املهاجرين كيف تنادوا للهجرة يف سبيل اهلل فهاجروا أقوياء‬
‫السابغة‪ ،‬وأهنم ال َي ْغترَ ُّ ون بالنّرص وال جيزعون‬
‫مسلحني‪ ،‬ومدحهم بأهنم أعزّ ة لباسهم الدروع ّ‬
‫للهزيمة‪ ،‬وأهنم ذوو إقدا ٍم يف احلرب‪ ،‬لذلك ال يقع الطعن إال يف َّ‬
‫مقدم رقاهبم‪.‬‬

‫(‪ُ )13‬ش ُّم َ‬


‫الع َرانني ‪ :‬أنوفهم عالية من العزة واإلباء‪ ،‬من نسج داود ‪ :‬كناية عن الدروع القوية‪ .‬اهليجاء ‪ :‬احلرب‪ .‬رسابيل ‪ :‬مجع‬
‫رسبال واملقصود به هنا الدرع‪.‬‬
‫(‪ )14‬جمازيع ‪ :‬شديدو اجلزع‪ .‬نيلوا ‪ :‬هزموا‪.‬‬
‫(‪ )15‬النحور ‪ :‬مجع نحر وهو موضع القالدة من أسفل العنق وأعىل الصدر‪ ،‬حياض املوت ‪ :‬ميادين احلرب‪ .‬هتليل ‪ :‬فرار‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫الـتـعـلــيــــق ‪:‬‬
‫الشاعر ذو قدرة عىل َن ْسج العبارة‪ ،‬فهو خيتار األلفاظ القوية‪ ،‬ويوفق إىل متانة الرتكيب‬
‫ومتاسكه اتباعً ا ملذهب أبيه يف تنقيح شعره‪ .‬وإذا أمعنت النظر يف أبيات كعب وجدت فيها‬
‫ما ييل ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ أن عاطفة الشاعر عظيمة الصدق واحلرارة وهي عاطفة يمتزج فيها اخلوف والرجاء‬
‫واإلعجاب‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ يف القصيدة تأثر بألفاظ القرآن الكريم ومصطلحات اإلسالم كام ترى يف األبيات ‪، 3‬‬
‫‪ . 10 ، 6 ، 5‬وقد برع الشاعر يف استعامل املعاين اجلديدة التي تتصل بالدين كحديثه‬
‫عن نافلة القرآن‪ ،‬وأن رسول اهلل نور يستضاء به‪ ،‬وأنه مهند من سيوف اهلل‪ ،‬وهي‬
‫براعة تدل عىل رسعة تمَ َ ُّثله للمعاين‪ ،‬وقوة اقتداره عىل اإلفصاح عام يريد‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ تأثر الشاعر باعتذارات النابغة الذبياين يف املعنى والصياغة‪ ،‬فقد أخذ البيت اخلامس‬
‫معتذرا من ملك احلرية ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫من قول النابغة الذبياين‬
‫ار عَ لىَ َز ْأ ٍر ِم َن َ‬
‫األ َس ِد‬ ‫َو َ‬
‫ال َق َر َ‬ ‫س أ ْو عَ َد نيِ‬‫ُن ِّبئ ُْت َأ َّن َأ َبا َقا ُبو َ‬
‫بل إنه بدأ البيتني السادس والسابع بام بدأ به النابغة‪ ،‬ويف هذا ما يوحي بالتصنُّع‬
‫وإعداد القصيدة قبل إلقائها أكثر مما يوحي بالطبع واالرجتال‪ ،‬ولعله متأثر يف هذا‬
‫بأبيه الذي كان من أصحاب احلوليات‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ أجاد الشاعر يف التقاط املعاين والصور املالئمة ملوقف االستعطاف فقد وصف حالته‬
‫النفس ّية ثم مدح رسول اهلل ﷺ ومدح املهاجرين من رفقته‪ .‬ومن الصور املؤثرة ما‬
‫تراه يف األبيات‪. 14 ، 13 ، 10 ، 9 ، 8 ، 4 ،‬‬

‫‪34‬‬
‫الـمـنـاقـشـــة ‪:‬‬

‫أوضح ذلك‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪ 1‬ـ هل خيتلف هنج قصيدة كعب هذه عن هنج القصيدة اجلاهلية ؟‬
‫‪ 2‬ـ يشري الشاعر يف البيت الثالث إىل ركن من أركان اإليامن‪ .‬فام هو ؟‬
‫‪ 3‬ـ ملاذا يكرر كلمة رسول اهلل يف البيت اخلامس ؟‬
‫‪ 4‬ـ يف القصيدة تأثر واضح بألفاظ القرآن ومعاين اإلسالم‪ .‬أورد أمثلة لذلك‪ ،‬ثم أبينِّ ُ‬
‫عالم يدل استخدام تلك األلفاظ واملعاين ؟‬
‫‪ 5‬ـ ما الصفات والفضائل التي نسبها الشاعر للمهاجرين ؟‬
‫‪ 6‬ـ يف أحد األبيات وصف ملا يسمى (الروح الرياضية) ألتقط البيت وأرشحهُ ‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ يف البيت العارش صورتان مجيلتان أوضحهام‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ ماذا يقصد الشاعر بقوله ‪( :‬ال يقع الطعن إال يف نحورهم) ؟‬
‫ُ‬
‫أقارن بني البيت األخري وبني قول الشاعر ‪:‬‬ ‫‪9‬ـ‬
‫الد ما‬‫ولكن عىل أقدا ِمنا َت ْق ِطر ِّ‬‫ْ‬ ‫اب َتدْ َمى ُك ُل ُ‬
‫ومنا‬ ‫َفلسنا عىل ْ‬
‫األع َق ِ‬
‫‪ 10‬ـ قال كعب ‪:‬‬
‫ُ‬
‫األقاويل‬ ‫رت َّ‬
‫يف‬ ‫أذنب ولو َك ُث ْ‬
‫ْ‬ ‫بأقوال الوشا ِة ومل‬
‫ِ‬ ‫ال َت ْأ َخ َذ نيِّ‬
‫وقال النابغة منشئ فن االعتذار ‪:‬‬
‫وأكذب‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫أغش‬ ‫لمَ ُ ْب ِل ُغ َك الوايش‬ ‫كنت قد ُب ِّلغت عَ نِّي وشاي ًة‬
‫لئن َ‬
‫أي البيتني أقرب إىل نفيس ؟ وملاذا ؟‬

‫‪35‬‬
‫‪ 3‬ــ الـحـطـيـئــــــة‬

‫يــروي قـصــة كـريــم‬

‫التـعـريـف بالـشـاعـر ‪:‬‬

‫العبيس ولقبه احلطيئة ومعناه القصري الدميم‪.‬‬‫ّ‬ ‫ُ‬


‫جرول بن أوس بن مالك‬ ‫هو أبو مليك َة‬
‫حاقدا عىل املجتمع‪ ،‬حتى‬ ‫ً‬ ‫سفيها‬
‫ً‬ ‫كان دع ًّيا يف نسبه‪ ،‬حتى لقد ختلىّ عن نسبه ً‬
‫مرارا‪ .‬وكان‬
‫لقد هجا نفسه وأ ّمه وأباه وزوجته‪ .‬وأكثر من هجاء سيد من سادات متيم اسمه الزِّ ْب ِر َقان‬
‫بن بدر‪ ،‬فشكاه إىل عمر ـ ريض اهلل عنه ـ‪ ،‬فسجنه مدة‪ ،‬غري أن احلطيئة نظم قصيدة مؤثرة‬
‫استعطف هبا عمر عىل أوالده‪ ،‬فأطلق رساحه وهناه عن هجاء الناس‪ .‬فقال احلطيئة ‪ :‬إذن‬
‫هيج‬
‫وفعال مل ُ‬ ‫ً‬ ‫يموت عيايل جوعً ا‪ ،‬فاشرتى عمر منه أعراض املسلمني بثالثة آالف درهم‪،‬‬
‫احلطيئة أي إنسان طوال حكم عمر‪.‬‬
‫ولوال بذاءة احلطيئة وسوء سريته لكان أشعر املخرضمني ألن طاقته الشعر ّية جبارة ولو‬
‫كان قد وجهها إىل الطرق الرشيفة لتمكن من أن خيدم هبا اإلسالم أعظم اخلدمات‪.‬‬

‫مـنـاسـبــة الـنــص ‪:‬‬


‫للتكسب‪ ،‬وهو هنا يروي قص َة كرم‬
‫ُّ‬ ‫من املعروف أن احلطيئة كان متكس ًبا بشعره‪ ،‬حمرت ًفا‬
‫مثايل ربام يكون الشاعر نفسه هو الضيف فيها‪ ،‬وربام كانت خيالية نسجها من قرحيته لكي‬
‫حذوه‪.‬‬
‫مثال أعىل يف الكرم ليحذوا َ‬‫يرسم للناس ً‬

‫‪36‬‬
‫الـــنـــــــص ‪:‬‬
‫بِ َب ْي َد ا َء لمَ ْ َي ْع ِر ْف بهِ َ ا َسا ِك ٌن َر ْسماَ‬ ‫ب ال َب ْطنِ ُم ْر ِملٍ‬ ‫ث عَ ِ‬
‫اص ِ‬ ‫ال ٍ‬‫‪ 1‬ـ َو َطا ِوي َث َ‬
‫استِ ِه ُن ْع َمى‬ ‫س ِف َيها ِم ْن شرَ َ َ‬ ‫َي َر ى ال ُبؤْ َ‬ ‫س َو ْح َش ٌة‬ ‫أخي َج ْف َو ٍة ِفي ِه ِم َن اإل ْن ِ‬ ‫‪2‬ـ ِ‬
‫ال َث ُة أ ْش َبا ٍح تخَ َ ا لهُ ُ ُم بهَ ْ ماَ‬ ‫َث َ‬ ‫إز ا َء هَ ا‬ ‫وز ا َ‬ ‫ب عَ ُج ً‬ ‫‪ 3‬ـ وأ ْف َر َد فيِ ِش ْع ٍ‬
‫ال عَ َر ُفوا لِ ْلبرُ ِّ ُم ْذ ُخ ِل ُقوا َط ْعام‬ ‫َو َ‬ ‫اغت ََذ ْو ا ُخ ْبزَ َم َّل ٍة‬ ‫‪ 4‬ـ ُح َفا ًة عُ َر ا ًة َما ْ‬
‫َف َلماَّ َر َأ ى َض ْي ًفا َت َش َّم َر و ا ْه َتماَّ‬ ‫الظال ِم َف َراعَ هُ‬ ‫‪ 5‬ـ َر َأى َش َب ًحا َو ْس َط َّ‬
‫ال تحَ ْ ِر ْمهُ َتا َّلل ْي َل ِة ا َّلل ْحماَ‬ ‫بِ َح ِّق َك َ‬ ‫ال ِق َرى‬ ‫ال ‪ :‬هَ َيا َر َّبا ُه َض ْي ٌف َو َ‬ ‫‪ 6‬ـ َف َق َ‬
‫س َلهُ ُط ْعماَ‬ ‫ت ا ْذ َب ْحنِ ْي و َي رِّ ْ‬ ‫َأ َيا َأ َب ِ‬ ‫ال ا ْبنُهُ لمَ َّا َر آ ُه بِ َحيرْ ٍة ‪:‬‬ ‫‪ 7‬ـ َف َق َ‬
‫ال َف ُيو ِس َعنَا ذ َّما‬ ‫َي ُظ ُّن َلنَا َما ً‬ ‫عل ال ِذي َترى‬ ‫بالعدْ ِم َّ‬
‫ال َت ْع َت ِذ ْر ُ‬ ‫‪ 8‬ـ َو َ‬
‫و إ ْن هُ َو لمَ ْ َي ْذ َب ْح َفتَا ُه َف َقدْ همَ َّ ا‬ ‫أح َج َم ُب ْر هَ ًة‬ ‫يال ُث َّم ْ‬ ‫‪ 9‬ـ َف َر ّو ى َق ِل ً‬
‫ف ِم ْس َح ِل َها َن ْظماَ‬ ‫َق ِد ا ْنت ََظ َم ْت ِم ْن َخ ْل ِ‬ ‫َّت عَ لىَ ال ُب ْع ِد عَ ا َن ٌة‬ ‫‪ 10‬ـ َف َب ْينَا همُ َ ا عَ ن ْ‬
‫عىل أ ّنه ِمن َْها إ لىَ َد ِم َها أ ْظماَ‬ ‫نحوها‬ ‫اب َ‬ ‫ِيد املَا َء َفأ ْن َس َ‬
‫اشا ُتر ُ‬ ‫‪ 11‬ـ ِع َط ً‬
‫َفأ ْر َس َل ِف َيها ِم ْن ِكنَا َنتِ ِه َس ْهماَ‬ ‫اش َها‬ ‫‪ 12‬ـ فأ ْم َه َل َها َحتَّى َت َر َّو ْت ِع َط ُ‬

‫(‪ )1‬طاوي ثالث ‪ :‬جائع ثالث ليال‪ .‬عاصب البطن ‪ :‬عصب عىل بطنه حزا ًما من اجلوع‪ .‬مرمل ‪ :‬شديد الفقر‪.‬‬
‫رسماً ‪ً :‬‬
‫أثرا للعمران‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخي جفوة ‪ :‬ذي خشونة‪ .‬الرشاسة ‪ :‬سوء اخللق‪.‬‬
‫(‪ )3‬البهم ‪ :‬صغار الغنم‪ .‬ثالثة أشباح ‪ :‬يعني أوالده‪ .‬الشعب ‪ :‬الطريق يف اجلبل‪.‬‬
‫تشمر ‪ :‬استعد‪.‬‬
‫(‪ )5‬راعه ‪ :‬أخافه‪َّ .‬‬ ‫ ‬‫(‪ )4‬خبز امللة ‪ :‬قرص خيبز يف الرماد احلار‪.‬‬
‫ُ‬
‫(‪ )7‬طعم ‪ :‬طعام‪.‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )6‬القرى ‪ :‬طعام الضيف‪ .‬تالليلة ‪ :‬هذه الليلة‪.‬‬
‫ ‬ ‫(‪ )9‬أحجم ‪ :‬تقهقر‪.‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )8‬العدم ‪ :‬الفقر‪ .‬يوسعنا ذ ًما ‪ :‬يكثر من سبنا‪.‬‬
‫(‪ )10‬عنّت ‪ :‬الحت‪ .‬العانة ‪ :‬القطيع من محر الوحش‪ .‬مسحلها ‪ :‬فحلها‪.‬‬
‫(‪ )12‬الكنانة ‪ :‬جعبة السهام‪.‬‬ ‫(‪ )11‬انساب نحوها ‪ :‬توجه بحذر‪ .‬‬

‫‪37‬‬
‫اك َتنَزَ ْت لحَ ْماً َو َقدْ َط َّب َق ْت َش ْحماَ‬
‫َق ِد ْ‬ ‫ش َس ِم ْين ٌَة‬‫ات َج ْح ٍ‬ ‫وص َذ ُ‬‫خر ْت َن ُح ٌ‬ ‫‪ 13‬ـ َف َّ‬
‫َو َيا ُبشرْ َ هُ م لمَ َّا َر ْ‬
‫أو ا َك ْل َم َها َيدْ َمى‬ ‫‪ 14‬ـ َف َيا ُبشرْ َ ُه إ ْذ َج َّر هَ ا َن ْح َو َق ْو ِم ِه‬
‫َو َما َغ ِر ُموا ُغ ْر ًما و َقدْ َغنِ ُموا ُغ ْنماَ‬ ‫‪ 15‬ـ َو َبا ُتوا ِك َرا ًما َقدْ َق َض ْوا َح َّق َض ْي ِف ِه ْم‬
‫لِ َض ْي ِف ِه ُم َو ا ُأل ُّم ِم ْن ُبشرْ ِ هَ ا ُأ َّما‬ ‫اشتِ ِه أ ًبا‬ ‫ات َأ ُبوهُ ْم ِم ْن َب َش َ‬ ‫‪ 16‬ـ َو َب َ‬

‫الــشــــــرح ‪:‬‬

‫ليصور معاين الكرم‪ ،‬ويبعث دوافعه يف النفوس‪ ،‬والقصيدة‬


‫ِّ‬ ‫هذا النص عبارة عن قصة شعرية ختيلها احلطيئة‬
‫تؤلف وحدة متامسكة تشتمل عىل ثالث فقرات يف ِّ‬
‫كل منها فكرة رئيسة ‪:‬‬
‫الفقرة األوىل تشمل األبيات ‪ 1‬ـ ‪ 4‬وموضوعها وصف لعيش الرجل الكريم وعائلته يف الصحراء املوحشة‪.‬‬
‫الرجل يف ِقراه إىل أن ّ‬
‫هم بذبح‬ ‫وحيرْ ة َّ‬
‫الفقرة الثانية وتشمل األبيات ‪ 5‬ـ ‪ 9‬وموضوعها مقدم الضيف َ‬
‫ولده‪.‬‬
‫والفقرة الثالثة وتشمل األبيات ‪ 10‬ـ ‪ 16‬وفيها ُّ‬
‫حل للعقدة حني اصطاد الرجل إحدى بقر الوحش‬
‫وجرها إىل أهله وضيفه وبات اجلميع عىل خري حال‪.‬‬
‫ّ‬
‫يقول احلطيئة عن ذلك األعرايب الكريم ‪ :‬إنه أعرايب خشن العيش مل يذق الطعام من ثالث ليال يعيش‬
‫ريا يف صحراء ال أثر فيها للعمران‪ ،‬وهو خلشونته يستوحش من معارشة الناس‪ ،‬ويرى عيش احلرمان يف‬
‫فق ً‬
‫الصحراء نعمة جليلة‪ .‬وقد أسكن يف شعب منعزل زوجته وحوهلا أوالده الثالثة كأهنم صغار الغنم فهم ُحفاة‬
‫عراة ال يعرفون اخلبز وال ذاقوا طعم البرُ ِّ ‪.‬‬
‫مقبال‪ ،‬فخاف أول األمر‪ ،‬ولكنه حني عرفه ضي ًفا بدأ يستعد‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ويف ليلة ُمظلم ٍة رأى ً‬
‫شبحا‬

‫(‪ )13‬نحوص ‪ :‬بقرة سمينة‪ .‬اكتنزت ‪ :‬امتألت‪( .‬ومثلها طبقت) وذات جحش ‪ :‬أي ذات ولد‪.‬‬
‫(‪ )14‬كلمها ‪ :‬جرحها‪.‬‬
‫(‪ )16‬بشاشته ‪ :‬فرحته‪.‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )15‬غرموا ‪ :‬خرسوا‪ .‬الغنم ‪ :‬املكسب‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫قرى له‪ ،‬فأدعوك بعظمتك ّ‬
‫أال حترمه هذه الليلة من‬ ‫وناجى ر َّبه ً‬
‫قائال ‪ :‬يا رباه هذا ضيف ليس عندنا ً‬
‫اللحم‪ .‬وهنا أقبل ولده فقال له ‪ :‬يا أبت اذبحني ِق ًرى للضيف‪ .‬وال تعتذر بالفقر‪ ،‬فلربام َّ‬
‫ظن ضيفنا أننا‬
‫وهم أن يذبح ولده‪ ،‬وإذا ال َف َر ُج القريب يلوح يف‬ ‫ذوو مال‪َ ،‬ف َنشرَ َّ‬
‫ذمنا يف الناس‪ .‬وهنا بدأ الرجل يفكر‪ّ ،‬‬
‫األفق حني بدا من بعيد قطيع من بقر الوحش كأنه العقد املنتظم يسري خلف قائده وكان القطيع ظمآن‬
‫يريد املاء‪ ،‬فا ْن َس َّل الرجل‪ ،‬وهو إىل دمها أظمأ منها إىل املاء‪ ،‬فأمهلها حتى رشبت ومألت بطوهنا وثقلت‬
‫حركتها يف اجلري‪ ،‬وعندئذ أطلق عليها سهماً من جعبته‪ .‬فسقطت بقرة هائلة سمينة‪ ،‬وكم كان رسوره‬
‫ورسورهم وهو جيرها إىل مجاعته‪ ،‬وباتوا كرا ًما‪ ،‬قضوا حقّ الضيف دون أن خيرسوا‪ ،‬وكأن الرجل ٌ‬
‫أب‬
‫للضيوف‪ ،‬والزوجة ٌّأم هلم‪.‬‬

‫الـتـعـلــيــــق ‪:‬‬
‫نالحظ يف هذه القصيدة اخلصائص التالية ‪:‬‬
‫مشوق وتشتمل القصيدة عىل العنارص الفن ّية اجليدة وهي‬ ‫‪ 1‬ـ األسلوب قصيص رائع ِّ‬
‫وصورت الشخصيات‪ ،‬والعرض املنطقي املتسلسل‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫املقدمة التي َّ‬
‫حددت املكان‬
‫وحل العقدة حني اصطاد الرجل‬ ‫الرجل بذبح ولده‪ُّ ،‬‬ ‫والع ْقدة التي تع ّقدت حني ّ‬
‫هم َّ‬ ‫ُ‬
‫بقرة الوحش‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ ألفاظ القصيدة يف غاية اجلزالة والروعة واملوسيقا العذبة‪ ،‬انظر إىل قوله ‪ :‬هيا رباه‪،‬‬
‫أيا أبت اذبحني‪ ،‬عنّت عىل البعد عانة‪ ،‬انساب نحوها‪ ،‬وما غرموا غر ًما وقد غنموا‬
‫ُغنْام‪.‬‬
‫جمرد أمثله‪ ،‬ولو درست ألفاظ هذه القصيدة لوجدت لكل لفظ من‬ ‫وهذه فقط َّ‬
‫ألفاظها جزالته وقوته‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ الصور اخليالية رائعة ومؤثرة‪ ،‬فالشاعر يصور عاطفته بريشة فنَّان‪ ،‬ومن الصور‬
‫‪39‬‬
‫التي تستلفت النظر قوله ‪ :‬وطاوى ثالث‪ ،‬عاصب البطن‪ ،‬ومها كنايتان عن شدة‬
‫اجلوع‪ ،‬والصحراء ال يعرف فيها ساكن رسماً ‪ ،‬واألوالد كال َبهم‪ ،‬وهم حفاة عراة‬
‫واألب يف بشاشته وعطفه‬‫ُ‬ ‫ال يعرفون اخلبز‪ ،‬وقطيع بقر الوحش كالعقد النظيم‪،‬‬
‫األم يف أمومتها هلم وعطفها عليهم‪ .‬وكل هذه‬ ‫كاألب بالنسبة للضيوف‪ ،‬ومثله ُّ‬
‫الصور رائعة تدل عىل طول باع الشاعر يف فنّه‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ يبدو يف القصيدة أثر التنقيح والرو َّية‪ ،‬ويظهر ذلك يف الطريقة الرائعة التي ينتقي به‬
‫الشاعر ألفاظه ويرتب هبا معانيه‪ ،‬وال عجب فاحلطيئة من عبيد الشعر الذين عرفوا‬
‫بتنقيح شعرهم ومراجعته قبل عرضه‪ ،‬من أمثال زهري بن أيب سلمى‪ ،‬وأوس بن‬
‫حجر وغريمها‪.‬‬
‫أي أثر‬
‫‪ 5‬ـ الظاهر أن احلطيئة قال هذه األبيات يف اجلاهلية ألننا ال نكاد نلمح فيها َّ‬
‫ملصطلحات اإلسالم وألفاظ القرآن ومعانيه‪.‬‬

‫الـمـنـاقـشـــة ‪:‬‬

‫‪ 1‬ـمااهلدفالذيقصدإليهالشاعريفقصيدته؟‬
‫‪ 2‬ـماالصورةاملتكاملةالتيرسمهااحلطيئةألرسةاألعرايبالكريم؟ومااألسلوبالذيسلكهفيه؟‬
‫‪ 3‬ـمامدىتأ ُّثراحلطيئةباأللفاظالقرآنيةواملعايناإلسالميةيفهذهالقصيدة؟وملاذا؟‬
‫‪ 4‬ـيفاألبياتالثالثةاألخريةبيتمنأروعاألبياتالتيصورتعواطفالكرم‪.‬فامهو؟ومامعناه؟‬
‫أستخرجمنالنصثالثصورخياليةوأرشحها‪،‬وأبنيأثرهايفاألسلوب‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫‪5‬ـ‬
‫قمةاألزمةيفالقصيدة؟وماالبيتالذيأرشفتفيهطالئعاألمل؟‬ ‫يصور ّ‬
‫‪ 6‬ـماالبيتالذي ِّ‬
‫دورا؟وملاذا؟‬
‫‪ 7‬ـماالشخصياتالتيدارتعليهاأحداثالقصة؟ومنأبرزهم ً‬
‫نثرابطريقةاحلوار‪،‬وأراعيعنارصالقصة(املقدمة‪،‬العقدة‪،‬‬
‫‪ 8‬ـأكتبهذهاألبياتبأسلويباخلاص ً‬
‫احلل)‪.‬‬
‫‪40‬‬
‫الـنـثــر فـي عـصــر صــدر اإلســالم‬
‫كان الشعر يف العرص اجلاهيل موضع العناية وحده‪ ،‬فلام جاء القرآن أصبح موضع‬
‫العناية بالدرجة األوىل وتطلب من يرشح معانيه‪ ،‬ويبني مقاصده وأدوات ذلك من النثر ال‬
‫من الشعر‪َ ،‬ف َخطب الرسول وأصحابه خط ًبا قوية‪ ،‬وراسلوا امللوك بكتب واضحة حمددة‪،‬‬
‫وكتبوا العهود واملواثيق‪ ،‬وتركوا الوصايا احلافلة بالنظرات الثاقبة‪.‬‬
‫قدرا‪ ،‬وأسمى منزلة‪ ،‬وأكثر‬
‫واخلطابة والرسائل أهم تلك األنواع‪ ،‬إال أن اخلطابة أجل ً‬
‫ريا كام أهنا النوع األديب الشامل‪ .‬ولذا فسوف نبدأ هبا‪.‬‬
‫تأث ً‬
‫‪ 1‬ــ الـخـطــابـــة‬

‫عوامل ازدهار اخلطابة يف هذا العصر ‪:‬‬


‫يف عرص النبي ﷺ واخللفاء الراشدين عال شأن اخلطابة وازدهر‪ ،‬فنهضت هنضة قوية‪.‬‬
‫وتبوأت منزلة رفيعة‪ .‬ونفخ فيها اإلسالم من روحه‪ ،‬فأمدها بألفاظه ومعانيه ومقاصده‬ ‫َّ‬
‫العظيمة‪ .‬وقد كان النبي ﷺ وخلفاؤه وكبار الصحابة والقادة ُخطباء زانوا املنابر وهزوا‬
‫بالبالغة أوتار القلوب‪.‬‬
‫وترجع أسباب هنضة اخلطابة يف هذا العرص إىل مجلة عوامل أمهها ما ييل ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ أهنا أصبحت لسان الدعوة اإلسالمية ووسيلة نرشها‪ ،‬فهي أكثر مرونة من الشعر‬
‫ٍ‬
‫ومناقشات ألنه‬ ‫َ‬
‫وبراهني‬ ‫حججا‬
‫ً‬ ‫حتمل املعاين‪ ،‬وليس من السهل أن نودع الشعر‬‫يف ُّ‬
‫مقيد باألوزان والقوايف‪ ،‬أما اخلطابة فهي ال تعجز عن ذلك‪.‬‬
‫شجع الوعظ واألمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬وجعل اخلطابة البليغة‬ ‫‪ 2‬ـ أن اإلسالم ّ‬
‫من شعائره يف اجلمعة والعيدين‪ ،‬ويف يوم احلج األكرب‪ ،‬فأصبح اخللفاء والقادة‬
‫واألمراء خطباء بالرضورة؛ ألهنم مضطرون ألن يقفوا أمام اجلامهري يف كل مجعة‬
‫‪41‬‬
‫وعيد ومناسبة‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ استُعملت اخلطابة يف حتميس اجلنود يف معارك الفتوحات‪ ،‬ومن املعروف أن العرص‬
‫اإلسالمي كان عرص فتوحات‪ ،‬ومعارك خالدة‪ ،‬كمعركة القادسية والريموك‬
‫وغريمها‪ ،‬وكان األبطال خيطبون إبان املعارك إلثارة روح اجلهاد‪.‬‬
‫وتشعبت املذاهب‬
‫َّ‬ ‫‪ 4‬ـ ثارت الفتن السياس ّية والدينية ُمنذ مقتل عثامن ـ ريض اهلل عنه ـ‬
‫واملعتقدات والفرق‪ ،‬فكان لكل منها خطباء ينرشون دعايتها ويرفعون صوهتا‪.‬‬

‫أنــواع الـخـطـابــة ‪:‬‬


‫للخطابة يف عرص صدر اإلسالم أربعة أنواع هي ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ اخلطابة الدينية ‪ :‬كخطب اجلمعة والعيدين ويوم عرفة‪ ،‬وخطب الوعظ واإلرشاد‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ اخلطب السياسية ‪ :‬كخطب عيل ـ ريض اهلل عنه ـ يف أعقاب التحكيم‪.‬‬
‫وخاصة يوم‬
‫َّ‬ ‫‪ 3‬ـ خطب املعـارك ‪ :‬كخطب األبطال التي روهتا الكتب إبان املعارك‪،‬‬
‫الريموك‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ خطب الوفود ‪ :‬وهي اخلطب التي كان يلقيها رؤساء القبائل والوافدون عىل النبي‬
‫ﷺ‪ ،‬وعىل اخللفاء من بعده للمبايعة أو الشكوى‪.‬‬

‫خصائص الـخـطـابــة ‪:‬‬


‫إذا تأملت النُّصوص اخلطاب َّية‪ ،‬رأيت فرو ًقا واضحة بني اخلطابة اجلاهلية واخلطابة‬
‫ً‬
‫متاسكا وقويت الروابط املعنوية بني‬ ‫نسجا وأكثر‬
‫اإلسالمية‪ ،‬فقد أصبحت اخلطب أقوى ً‬
‫ً‬
‫وأمثاال ُت ْن َثر دونام روابط‪.‬‬ ‫أجزائها‪ ،‬فلم تعد ِح َكماً‬
‫وتتميز اخلطابة يف عرص صدر اإلسالم باخلصائص الفن َّية اآلتية ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ أصبحت مجيع اخلطب ُت ْفتَتح بحمد اهلل والثناء عليه والصالة عىل نبيه‪ ،‬ومل يكن ألي‬
‫‪42‬‬
‫يشذ عن هذه اخلاص ّية املتعارف عليها‪.‬‬ ‫خطيب أن َّ‬
‫اخلطب فقل أن نرى ُخطبة مل ُت َو َّش ْح بآي الذكر‬ ‫واضحا يف ُ‬
‫ً‬ ‫‪ 2‬ـ ظهر أثر القرآن واإلسالم‬
‫احلكيم وحديث الرسول الكريم‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ أصبحت ألفاظ اخلطابة اإلسالمية أكثر رقة وعذوبة وأهدأ موسيقا وأحسن مالءمة‬
‫للمعاين‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ أصبحت اخلطبة اإلسالمية متامسكة األجزاء‪ ،‬تكاد تدور حول موضوع واحد بعد‬
‫أن كانت يف اجلاهلية فقرات متقطعة‪.‬‬
‫عفوا‪ ،‬وهو سجع يف غاية اجلامل‬ ‫قل السجع يف اخلطب اإلسالمية‪ ،‬إال ما جاء ً‬ ‫‪5‬ـ ّ‬
‫أال يوطئن ُف ُرشكم‬ ‫عليهن َّ‬
‫َّ‬ ‫واألصالة‪ ،‬كام يف قول رسول اهلل ﷺ يف خطبة الوداع ‪ :‬لكم‬
‫أحدا تكرهونه بيوتكم‪ .‬وكقول عيل ريض اهلل عنه ‪ُ :‬يغار عليكم‬ ‫غريكم‪ ،‬وال ُيدْ ِخ ْل َن ً‬
‫وال تغريون‪ ،‬و ُتغزون وال تغزون‪ ،‬و ُيعىص اهلل وترضون‪.‬‬
‫كلها يف فلك الدعوة إىل‬ ‫‪ 6‬ـ أصبحت معاين اخلطابة وأهدافها ومقاصدها سامية تدور ُّ‬
‫اإليامن والفضائل واجلهاد‪.‬‬
‫َت اخلطابة باحلجة والربهان املستمدين من اإلسالم؛ ألهنا ختاطب العقول أكثر‬ ‫‪ 7‬ـ ْاغ َتن ْ‬
‫مما ختاطب العواطف‪ ،‬وترمي إىل القناعة املنطقية‪ ،‬ليكون تبني املبادئ أكثر عم ًقا يف‬
‫النفوس‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫نـمــاذج مـن الـخطـابـة يف عـصـر صـدر اإلســالم‬

‫خـطبـة لـرسـول اللـه [ بعـد معـركـة حـنـني‬

‫مـنـاسـبــة الـخطـبــة ‪:‬‬


‫ملا انترص النبي ﷺ يف معركة ُحنَني وهزم قبيلتي هوازن وثقيف‪ ،‬مجع الفيء والغنائم‪،‬‬
‫املؤلفة قلوهبم من‬‫أهل مكة ممن دخلوا يف اإلسالم حدي ًثا‪ ،‬وتزاحم ّ‬ ‫فازدحم عىل الغنائم ُ‬
‫أمثال أيب سفيان زعيم قريش‪ ،‬واألقرع بن حابس زعيم متيم‪ ،‬وعُ يينة بن حصن زعيم فزارة‪،‬‬
‫فوزع النبي ﷺ مجيع الغنائم عىل قريش وقبائل العرب‪ ،‬ومل يقسم لألنصار منها شي ًئا فوجد‬ ‫ّ‬
‫األنصار يف أنفسهم حتى كثرت منهم القالة‪.‬‬
‫فخصهم‬
‫رسول اهلل قو َمه (أي فرح بلقائهم بعد غيبته الطويلة عنهم‪ّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫وقال بعضهم ‪ :‬لقي‬
‫بالغنائم) ثم دخل عىل النبي زعيم اخلزرج سعد بن عبادة ـ ريض اهلل عنه ـ فأبلغه تألمُّ األنصار‬
‫و َم ْو ِج َدهتم‪ .‬فأمر النبي ﷺ‪ ،‬فاجتمعوا ريض اهلل عنهم يف مكان واحد‪ ،‬ثم ألقى فيهم هذه‬
‫اخلطبة التي اخرتنا معظمها‪.‬‬

‫الـــنـــــــص ‪:‬‬
‫الة َب َل َغ ْتنِي عَ ن ُْك ْم َو َم ْو ِج َد ٌة(‪َ )1‬و َجدْ تمُ وهَ ا يف أ ْن ُف ِس ُك ْم ؟ َألمَ ْ آتِ ُك ْم‬
‫« َيا َم ْعشرَ َ األ ْن َصا ِر‪َ ،‬ما َم َق ٌ‬
‫اهلل َبينْ َ ُقلوبِ ُك ْم ؟ َق ُالوا ‪َ :‬بلىَ للِهَّ ِ‬‫ف ُ‬ ‫أع َدا ًء َف َّأل َ‬ ‫داك ُم اللهَّ ؟ َوعَ َال ًة(‪َ )2‬ف َأ ْغن ُ‬
‫َاك ُم اللهَّ ؟ َو ْ‬ ‫ال َف َه ُ‬ ‫ال ً‬
‫ُض َّ‬
‫ولِ َر ُسول ِه المْ َ ُّن وال َف ْضل‪.‬‬
‫(‪ )2‬عالة ‪ :‬فقراء‪.‬‬ ‫(‪ )1‬موجدة ‪ :‬أمل وغضب‪ .‬‬

‫‪44‬‬
‫ال تجُ ِي ُبو َننِي َيا َم ْعشرَ َ األ ْن َصا ِر ؟ قالوا ‪َ :‬وبِماَ َذا ُن ِجي ُب َك َيا َر ُس َ‬
‫ول اللهَّ ِ ؟ للِهَّ ِ َولِ َر ُسولِ ِه‬ ‫ال ‪َ :‬أ َ‬
‫َف َق َ‬
‫َاك‪،‬‬ ‫ال ‪ :‬أ َما َواللهَّ ِ َل ْو ِش ْئت ُْم َل ُق ْلت ُْم َف َص َّد ْقت ُْم َو َل ُص ِّد ْقت ُْم ‪َ :‬أ َت ْي َتنَا ُم َك َّذ ًبا َف َص َّد ْقن َ‬ ‫المْ َ ُّن وال َف ْض ُل‪َ .‬ق َ‬
‫َاك(‪َ .)2‬و َجد ُت ْم يف أ ْن ُف ِس ُك ْم َيا َم ْعشرَ َ‬ ‫فآس ْين َ‬‫ائال َ‬ ‫َاك‪ ،‬وعَ ً‬ ‫فآو ْين َ‬ ‫ِيدا َ‬ ‫اك‪َ ،‬وطر ً‬ ‫وال(‪َ )1‬ف َنصرَ ْ َن َ‬
‫َومخَ ْ ُذ ً‬
‫ال‬‫إسال ِم ُك ْم ؟ أ َف َ‬ ‫األ ْن َصا ِر يف َل َعاعَ ٍة(‪ِ )3‬م َن الدُّ ْن َيا َت َّأل ْف ُت هبا َق ْو ًما ل ُي ْسلموا َو َو ِك ْلت ُُك ْم(‪ )4‬إىل ْ‬
‫ول اللهَّ ِ إىل ِر َحالِ ُك ْم‬ ‫ري و َت ْر ِج ُعوا بِ َر ُس ِ‬ ‫بالشا ِء َوال َب ِع ِ‬‫َّاس َّ‬ ‫أن َي ْذهَ َب الن ُ‬ ‫َت ْر َض ْو َن َيا َم ْعشرَ َ األ ْن َصا ِر ْ‬
‫األ ْن َصا ِر‪َ ،‬و َل ْو َس َل َك الن ُ‬ ‫رأ ِم َن َ‬ ‫ال اهلِ ْج َر ُة(‪َ )5‬ل ُكن ُْت ا ْم ً‬ ‫س محُ َ َم ٍد بِ َي ِد ِه َل ْو َ‬
‫(‪)6‬‬
‫َّاس ِش ْع ًبا‬ ‫؟ َف َوال ِذي َن ْف ُ‬
‫اللهم ْار َحم َ‬ ‫َ‬
‫ار وأ ْبنَا َء األ ْن َصا ِر وأ ْبنَا َء‬ ‫األ ْن َص َ‬ ‫ِ‬ ‫َو َس َل َك األ ْن َص ُار ِش ْع ًبا َل َس َل ْك ُت ِش ْع َب األ ْن َصا ِر‪َّ ُ .‬‬
‫أ ْبنَا ِء األ ْن َصا ِر‪.‬‬
‫ول اللهَّ ِ َق َسماً َو َح ًّظا»‪.‬‬ ‫أخ َض ُلوا(‪ )7‬لحِ َ اهُ ْم َو َقالوا ‪َ :‬ر ِضينَا بِ َر ُس ِ‬ ‫َف َب َكى ال َق ْو ُم حتّى ْ‬

‫الـتـعـلــيــــق ‪:‬‬

‫أسلوب الدعوة إىل اإلسالم عىل َح َسب حالة املَدْ ّ‬


‫عو‪ ،‬فحديثي‬ ‫َ‬ ‫كان رسول اللهّ ﷺ ِّ‬
‫ينوع‬
‫العهد باإليامن من املؤلفة قلوهبم‪ ،‬كان يغرهيم باملال‪ ،‬أ ّما املؤمنون الصادقون فكان‬
‫يمنّيهم اآلخرة وثواب اهلل‪ .‬وهلذا أعطى الغنائم حلديثي العهد باإليامن َو َو َكل األنصار إىل‬
‫إسالمهم‪.‬‬

‫ً‬
‫مرتوكا بال نصري‪.‬‬ ‫ً‬
‫خمذوال ‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫(‪ )2‬آسيناك ‪ :‬أنلناك من أموالنا‪.‬‬
‫(‪ )3‬لعاعة ‪ :‬جرعة‪.‬‬
‫ً‬
‫معتمدا عىل إسالمكم‪.‬‬ ‫(‪ )4‬وكلتكم إىل إسالمكم ‪ :‬تركتكم‬
‫(‪ )5‬لوال اهلجرة ‪ :‬لوال ثواب اهلجرة إىل اهلل ورسوله‪.‬‬
‫(‪ )6‬شع ًبا ‪ :‬واد ًيا‪.‬‬
‫(‪ )7‬أخضلوا ‪ :‬بلوا‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫جدا حلال املخاطبني‪ ،‬فلقد جلأ النبي ﷺ‬ ‫مناسب ًّ‬
‫ٌ‬ ‫وهذه اخلطبة ِخ ٌ‬
‫طاب للعواطف املؤمنة‬
‫إىل أسلوب االستفهام البليغ ليحدث بينه وبني األنصار جتاو ًبا فكر ًّيا وعاطف ًّيا‪ ،‬وبطريقة رائعة‬
‫ذكرهم بفضل الدعوة اإلسالمية عليهم‪ ،‬وكيف أنقذهتم من ظلامت الرشك والعداوة‪ ،‬إىل‬ ‫ّ‬
‫أنوار اإليامن واهلدى واإلخاء‪ .‬ولكنه عاد فذكر أفضال األنصار عليه بأسلوب طريف يزينه‬
‫ريا أشاد بعظمة األنصار ومنزلتهم يف نفسه‪ ،‬حتى إذا طابت نفوسهم أعلن هلم‬ ‫االعرتاف‪ .‬وأخ ً‬
‫أهنم كسبوا أكثر من أصحاب الغنائم‪ .‬كسبوا رسول اللهّ ﷺ وبلغ قمة اإلقناع وهو يستفهم‬
‫نو وحم ّبة ‪ :‬أال ترضون أن يذهب الناس بالشاء والبعري وترجعون أنتم برسول اهلل‬ ‫منهم يف ُح ٍّ‬
‫إىل رحالكم ؟ فال عجب أن بكى األنصار‪ ،‬وب ّلوا بالدموع حلاهم؛ ألن النبي ﷺ كان يعرف‬
‫ببالغته حقيقة قلوب األنصار‪ ،‬فخاطبها باألسلوب الذي يالئمها‪.‬‬
‫الـمـنـاقـشـــة ‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ ما االستفهامات البليغة التي وجهها النبي ﷺ إىل األنصار ؟ وبم أجابوا عنها ؟‬
‫‪ 2‬ـ ما اجلواب الذي كان من حق األنصار أن جييبوه ؟ وملاذا مل يفعلوا ؟‬
‫‪ 3‬ـ ما معنى قوله ﷺ ‪ :‬لوال اهلجرة لكنت امرأ من األنصار ؟‬
‫‪ 4‬ـ ملاذا مل ُيقم النبي ﷺ بمكة عند أقاربه بعد الفتح ؟‬
‫‪ 5‬ـ لو خطب النبي مثل هذه اخلطبة خماط ًبا هبا أبا سفيان واملؤلفة قلوهبم‪ ،‬فهل يكون هلا‬
‫هذا األثر ؟ وملاذا ؟‬
‫‪ 6‬ـ عُ ّرفت البالغة بأهنا مطابقة الكالم حلال املخاطبني‪ .‬أوضح مدى انطباق هذا التعريف‬
‫عىل هذه اخلطبة‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫(‪ )2‬مـن خـطـبــة الــوداع‬
‫لـرســول ّ‬
‫الـلــه ﷺ‬

‫مـنـاسـبــة الـخـطـبـة ‪:‬‬


‫حج النبي ﷺ حجته الوحيدة يف السنة العارشة للهجرة‪ ،‬واستصحب معه مجيع أهله‬ ‫ّ‬
‫وانضم إليهم َخ ْل ٌق كثري حتى احتشد يف املوسم أكثر من ِم َئ ِة ألف‪ ،‬ويف يوم ّ‬
‫احلج‬ ‫َّ‬ ‫وأصحابه‪،‬‬
‫األكرب وقف النبي ﷺ خيطب الناس ويف كالمه هلجة املو ّدع‪ ،‬املوقن بقرب األجل‪ ،‬وهلذا‬
‫كان يسأل الناس عقب كل مقطع ً‬
‫قائال ‪ :‬أال هل ب ّلغت ؟ ثم يقول أللهم اشهد‪ .‬وألن النبي‬
‫ﷺ تويف بعدها بثالثة أشهر‪ ،‬فقد ُس ِّميت خطبة الوداع‪.‬‬

‫الـــنـــــــص ‪:‬‬
‫ال أ ْد ِري َل َعليِّ ال أ ْل َق ُاك ْم َب ْع َد عَ ا ِمي‬ ‫اس َمعوا ِمنِّي ُأبينِّ ْ َل ُك ْم‪ ،‬فإين َ‬ ‫َّاس‪ْ ،‬‬ ‫«أما َب ْع ُد ‪ :‬أيهُّ َ ا الن ُ‬ ‫َّ‬
‫هَ َذا‪ ،‬فيِ َم ْو ِقفي هَ َذا‪.‬‬
‫إن دما َء ُك ْم وأ ْم َو َال ُك ْم َح َر ٌام عَ َل ْي ُك ْم إىل أن َت ْل َق ْوا ر َّب ُك ْم‪َ ،‬ك ُح ْر َم ِة َي ْو ِم ُك ْم هَ َذا‪،‬‬ ‫َّاس ‪َّ :‬‬
‫أيهَّ َ ا الن ُ‬
‫اش َهدْ ‪.‬‬ ‫ال هَ ْل َب ّل ْغ ُت ؟ َّ‬
‫ألل ُه َّم ْ‬ ‫يف َش ْهر ُِك ْم هَ َذا‪ ،‬يف َب َل ِد ُك ْم هَ َذا‪َ .‬أ َ‬
‫َف َم ْن َكا َن ْت ِعن َْد ُه َأ َما َن ٌة َف ْل ُي َؤدِّهَ ا إلىَ َمنِ ا ْئت ََم َنهُ عَ َل ْي َها‪.‬‬
‫ون َق ىَض‬ ‫ال ُت ْظ َل ُم َ‬ ‫ون َو َ‬‫ؤوس أ ْم َوالِ ُك ْم ال َت ْظ ِل ُم َ‬ ‫اجلا ِه ِل َّي ِة َم ْو ُضوعٌ (‪َ ،)1‬و َل ِك ْن َل ُك ْم ُر ُ‬ ‫إن ِر َبا َ‬‫َو َّ‬
‫َ ِ ِ ِ (‪)2‬‬
‫وإن ِدما َء اجلاهل َّية‬ ‫ب‪َّ .‬‬ ‫اس ْبنِ عَ ْب ِد ُامل َّط ِل ِ‬ ‫وإن َّأو َل ر ًبا أ ْب َد ُأ بِ ِه ِر َبا عَ ِّم َي َ‬
‫الع َّب ِ‬ ‫اللهَّ ُ أن ال ِر َبا‪َّ ،‬‬

‫(‪ )2‬دماء اجلاهلية ‪ :‬دماء القتىل الذين قتلوا يف اجلاهلية‪.‬‬ ‫ ‬


‫(‪ )1‬موضوع ‪ :‬ملغى‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫وش ْبهُ‬ ‫والع ْم ُد َق َودٌ (‪ِ ،)3‬‬ ‫والس َقا َي ِة(‪َ )2‬‬ ‫الس َدا َن ِة ِّ‬ ‫اجلا ِه ِل َّي ِة َم ْو ُضوعَ ٌة َغيرْ َ ِّ‬ ‫وإن َمآثِ َر(‪َ )1‬‬ ‫َم ْو ُضوعَ ٌة‪َّ ...‬‬
‫اجلا ِه ِل َّي ِة‪.‬‬ ‫واحل َجرِ‪ ،‬و ِفي ِه ِم ُئة َب ِعريٍ‪َ ،‬ف َم ْن َزا َد َف ُه َو ِم ْن أهَ لِ َ‬ ‫الع َصا َ‬ ‫الع ْم ِد َما ُقتِ َل بِ َ‬ ‫َ‬
‫أن ُي َطاعَ ِفيماَ‬‫أن ُي ْع َب َد يف ْأر ِض ُك ْم هَ ِذ ِه‪َ ،‬و َل ِكنَّهُ َقدْ َرضيِ َ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫ان َقدْ َيئِ َ‬ ‫الش ْي َط َ‬
‫إن َّ‬ ‫َّاس ‪َّ :‬‬ ‫أيهُّ َ ا الن ُ‬
‫أعماَ لِ ُك ْم‪.‬‬ ‫ون ِم ْن ْ‬ ‫ِس َوى َذلِ َك مما تحُ َ ِّق ُر َ‬
‫أال ُي َو ِّطئ َْن ُف ُر َش ُك ْم‬ ‫إن لِنِ َسائِ ُك ْم عَ َل ْي ُك ْم َح ًّقا‪َ ،‬و َل ُك ْم عَ َل ْي ِه َّن َح ٌّق‪َ ،‬ل ُك ْم عَ َل ْي ِه َّن َّ‬ ‫َّاس ‪َّ :‬‬ ‫أيهُّ َ ا الن ُ‬
‫إن‬ ‫إن َف َع ْل َن َف َّ‬ ‫ني بِ َف ِ‬
‫اح َش ٍة ُم َب ِّي َن ٍة‪َ .‬ف ْ‬ ‫ال َي ْأتِ َ‬
‫إال بِإ ْذنِ ُك ْم‪َ ،‬و َ‬ ‫أح ًدا َت ْك َرهُ و َنهُ ُب ُيو َت ُك ْم َّ‬ ‫ال ُيدْ ِخ ْل َن َ‬ ‫َغيرْ َ ُك ْم‪َ ،‬و َ‬
‫ض ًبا َغيرْ َ ُمبرَ ِّ ٍح(‪،)5‬‬ ‫اج ِع‪ ،‬و َتضرْ ِ ُبوهُ َّن رَ ْ‬ ‫أن َت ْع ُض ُلوهُ َّن(‪َ ،)4‬وتهَ ْ ُج ُروهُ َّن يف املَ َض ِ‬ ‫اللهَّ َ َقدْ َأ ِذ َن َل ُك ْم ْ‬
‫واست َْو ُصوا‬ ‫وف‪َ ،‬فا َّت ُقوا اللهَّ َ فيِ النِّسا ِء‪ْ ،‬‬ ‫أط ْعن َُك ْم َف َع َل ْي ُك ْم ِر ْز ُق ُه َّن َو ِك ْس َوتهُ َُّن بِاملَ ْع ُر ِ‬ ‫إن ا ْنت ََهينْ َ َو َ‬
‫َف ْ‬
‫اش َهدْ ‪.‬‬ ‫ال هَ ْل َب َّل ْغ ُت ؟ َّ‬
‫الل ُه َّم ْ‬ ‫بهِ َِّن َخيرْ ً ا‪َ .‬أ َ‬
‫س ِمنْهُ ‪َ .‬أ َ‬
‫ال‬ ‫ب َن ْف ٍ‬ ‫إال عَ ْن ِط ْي ِ‬ ‫أخ ْي ِه َّ‬‫ال ِ‬ ‫ِئ َم ُ‬ ‫ال يحَ ِ ُّل ال ْمر ٍ‬‫إخ َو ٌة‪َ ،‬ف َ‬ ‫ُون ْ‬ ‫َّاس ‪ :‬إ َّنماَ ُاملؤْ ِمن َ‬ ‫أيهُّ َ ا الن ُ‬
‫اش َهدْ ‪.‬‬ ‫الل ُه َّم ْ‬ ‫هَ ْل َب َّل ْغ ُت ؟ َّ‬
‫إن‬‫يك ْم َما ْ‬ ‫ض(‪ ،)6‬فإنيِّ َقدْ َت َر ْك ُت ِف ُ‬ ‫اب َب ْع ٍ‬ ‫ارا َيضرْ ِ ُب َب ْع ُض ُك ْم ِر َق َ‬ ‫ال َت ْر ِج ُع َّن َب ْع ِدي ُك َّف ً‬ ‫َف َ‬
‫اش َهد‪.‬‬ ‫ال هَ ْل َب َّل ْغ ُت ؟ َّ‬
‫الل ُه َّم ْ‬ ‫َاب اللهَّ ِ َو ُس َّنتِي‪َ .‬أ َ‬ ‫َأ َخ ْذ ُت ْم بِ ِه َل ْن َت َض ُّلوا َب ْع َد ُه؛ ِكت َ‬
‫اب‪َ ،‬أ ْك َر َم ُك ْم‬ ‫واح ٌد‪ُ ،‬ك ُّل ُك ْم آلد ََم‪ ،‬وآد َُم ِم ْن ُت َر ٍ‬ ‫وإن َأ َب ُاك ْم ِ‬ ‫اح ٌد‪َّ ،‬‬ ‫إن َر َّب ُك ْم َو ِ‬ ‫َّاس ‪َّ :‬‬ ‫أيهُّ ا الن ُ‬
‫اش َهدْ ‪.‬‬ ‫ال هَ ْل َب َّل ْغ ُت ؟ َّ‬
‫ألل ُه َّم ْ‬ ‫إال بِال َّت ْق َوى‪َ .‬أ َ‬ ‫أع َج ِم ٍّي َف ْض ٌل َّ‬ ‫س لِ َع َربيِ ٍّ عَ لىَ ْ‬ ‫ِعن َْد اللهَّ ِ أ ْت َق ُاك ْم‪َ ،‬و َل ْي َ‬
‫الم عَ َل ْي ُك ْم َو َرحمْ َُة اللهَّ ِ َو َب َر َكا ُتهُ »‪.‬‬
‫والس ُ‬ ‫الغائِ ُب‪َّ ،‬‬ ‫الشا ِه ُد َ‬ ‫َف ْل ُي َب ِّل ِغ َّ‬

‫(‪ )1‬مآثر ‪ :‬ماكانوا يتوارثونه من عادات وتقاليد‪.‬‬


‫(‪ )2‬السدانة والسقاية ‪ :‬حراسة البيت وخدمته‪ ،‬وإسقاء احلجيج‪.‬‬
‫(‪ )3‬العمد قود ‪ :‬أي القتل العمد جييب فيه القصاص‪.‬‬
‫(‪ )4‬تعضلوهن ‪ :‬تضيقوا عليهن‪.‬‬
‫(‪ )5‬غري مربح ‪ :‬غري شديد‪.‬‬
‫(‪ )6‬أي تعودون للغارات والسلب كام كنتم يف اجلاهلية‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫الـتـعـلــيــــق ‪:‬‬
‫يضع األسس القو ّية لبناء املجتمع‬ ‫تضمنت من األحكام ما ُ‬ ‫هذه اخلطبة الكريمة عىل إجيازها ّ‬
‫وجتمله الفضائل واألخالق‪ .‬ولقد كان هلذه‬ ‫املسلم القوي الصالح املتعاون‪ .‬الذي يسوده األمن ِّ‬
‫اخلطبة أثرها‪ ،‬ألهنا ألقيت يف مجوع احلجيج يف يوم احلج األكرب‪ ،‬وكانت تلك ُس َّن ًة كريمة رشعها‬
‫احلج فإنهّ ا حتقق لإلسالم‬‫الرسول الكريم ﷺ‪ .‬وإذا استغ ّلها أئمة املسلمني يف كل زمان يف موسم ّ‬
‫فوائد عظيمة‪.‬‬
‫وقد اشتملت خطبة الوداع عىل األحكام واآلداب اآلتية ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ ُح ْرمة األموال والدماء وقداستها‪ ،‬فمن أكل مال مسلم أو سفك دمه‪ ،‬فكأنام انتهك حرمة‬
‫يوم عرفة يف الشهر احلرام‪ ،‬ويف البلد احلرام‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ وجوب أداء األمانات إىل أهلها‪.‬‬
‫إلغاء الربا وثارات اجلاهلية وتراثها غري خدمة البيت احلرام وسقاية احلجيج‪.‬‬ ‫‪3‬ـ ُ‬
‫عمدا ُيقتَل‪ ،‬والقتل شبه العمد يكون بأداة غري حادة‪ ،‬وفيه دية مغ ّلظة وهي ِم َئ ٌة‬
‫‪ 4‬ـ أن القاتل ً‬
‫من اإلبل‪.‬‬
‫أن ترك الرشك وحده ال يكفي‪ ،‬وإنام جيب أن يرتك املؤمن سائر الذنوب‪.‬‬ ‫‪5‬ـ ّ‬
‫النساء بحقوق الرجال‪.‬‬
‫ُ‬ ‫تقوم‬
‫‪ 6‬ـ عىل الرجال أن يقوموا بحقوق النساء وأن َ‬
‫والصف ألن الفرقة كفر‪.‬‬ ‫احلث عىل وحدة الكلمة ّ‬ ‫‪7‬ـ ّ‬
‫الضالل‪.‬‬‫‪ 8‬ـ وجوب االعتصام بكتاب اهلل مهام فشا يف العامل َّ‬
‫تفاضل‬ ‫‪ 9‬ـ تأكيد معنى اإلخاء واملساواة بني الناس عا ّمة واملؤمنني خاصة‪ ،‬فال عنرصية وال ُ‬
‫إال بالتقوى‪.‬‬
‫و ُت َعـدُّ خطبـة الـوداع من أعظـم اخلطـب يف أدبنـا‪ ،‬وقـد امتـازت بام يـأيت ‪:‬‬
‫‪49‬‬
‫أ ـ اإلجياز البليغ‪ ،‬الذي جيمع املعاين العظيمة الواسعة يف األلفاظ القليلة‪.‬‬
‫ب ـ هلجة املو ّدع‪ ،‬فقد افتتحها ﷺ بام يوحي أنه قد يموت فال يلقاهم بعد عامه ذلك‪ .‬وكان‬
‫بني اآلونة واألخرى ُيش ِهد اهلل عىل أ ّنه ب ّل َغ الرسالة بعد أن يسأهلم ‪ :‬أال هل ب ّلغت ؟‬
‫جـ ـ البساطة يف األلفاظ‪ ،‬وذلك ألن اخلطبة تعليمية واألسلوب التعليمي جيب أن خيلو من‬
‫الصعوبة والتعقيد والتكلف‪.‬‬
‫د ـ حالوة النغمة ومجال التقسيم يف اجلمل‪ ،‬مع وقوع بعض السجع يف غري ُّ‬
‫تكلف أو إكثار‪.‬‬
‫هـ ـ االستفادة الواضحة من ألفاظ القرآن‪ ،‬ومن معانيه العظيمة ومقاصده الكريمة فقوله ﷺ‬
‫‪« :‬أكرمكم عنـد اهلل أتقاكم» هـو ترديـد لـآليـة {‬
‫}(‪ )1‬ومجيع األحكام التي أوردها ما هي إال صدى لصوت القرآن الكريم‪.‬‬
‫و ـ التكرار البليغ الذي هيدف إىل التأكيد واإلقناع امللزم‪ ،‬لكي يقفل باب اللجاج‪ ،‬ولكيال‬
‫يكون للناس حجة‪.‬‬

‫الـمـنـاقـشـــة ‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ ملاذا ُس ِّميت خطبة الوداع هبذا االسم ؟‬


‫‪ 2‬ـ ما البداية املؤثرة التي بدأ هبا النبي ﷺ خطبته ؟ وملاذا اختار هذه البداية ؟‬
‫‪ 3‬ـ كيف عبرّ النبي ﷺ عن قداسة أموال املسلمني وحرمتها ؟‬
‫‪ 4‬ـ ملاذا اختار ربا العباس بن عبداملطلب ليكون أول ر ًبا ُملغى ؟‬
‫ُ‬
‫وأبني هدف‬ ‫ً‬
‫ألفاظا بعينها ع ِقب كل عبارة‪ .‬أحددُ هذه العبارات‪،‬‬ ‫كرر الرسول ﷺ‬ ‫‪5‬ـ ّ‬
‫(‪ )1‬سورة احلجرات‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫التكرار‪.‬‬
‫أذكر ما يدل عىل ذلك‪.‬‬‫‪ 6‬ـ تظهر بعض عبارات القرآن واضحة يف اخلطبة‪ُ .‬‬
‫ترجع َّن بعدي ُك َّف ً‬
‫ارا»؟ وملاذا يشبه النزاع والشقاق‬ ‫ُ‬ ‫‪ 7‬ـ ما معنى قول النبي ﷺ ‪« :‬ال‬
‫بالكفر ؟‬
‫‪ 8‬ـ ما مقياس الكرامة‪ ،‬كام رسمه النبي ﷺ يف هناية اخلطبة ؟ وكيف أثبت النبي ﷺ أن‬
‫الناس سواسية ؟‬
‫‪ 9‬ـ ما األمر الذي ال ُّ‬
‫يضل املسلمون ما متسكوا به ؟‬

‫‪51‬‬
‫(‪ )3‬خطـبـة أبـي بـكـر الصـديـق رضـي اللـه عـنـه‬

‫بـعـد تـولـيــه الـخـالفــة‬

‫مـنـاسـبــة اخلـطـبــة ‪:‬‬


‫هذه اخلطبة املوجزة هي ّأول ُخطبة ألقاها أبوبكر ريض اهلل عنه بعد ّ‬
‫توليه اخلالفة وهي‬
‫عىل اختصارها تضع أعظم أساس للعالقة بني احلاكم والرع ّية‪.‬‬

‫الـــنـــــــص ‪:‬‬
‫حق َفأ ِعي ُنونيِ ‪،‬‬
‫ٍّ‬ ‫فإن َر َأ ْيت ُُمونيِ عَ لىَ‬
‫يت عَ َل ْي ُك ْم َو َل ْس ُت بِ َخيرْ ُِك ْم‪ْ ،‬‬‫َّاس ‪ :‬إنيِّ َقدْ ُو ِّل ُ‬ ‫«أيهُّ َ ا الن ُ‬
‫أط ْع ُت اللهَّ َ ِف ْي ُك ْم‪َ ،‬ف َإذا عَ َص ْيتُهُ َف َ‬
‫ال َطاعَ َة ليِ‬ ‫أط ُيعونيِ َما َ‬ ‫اطلٍ َف َس ِّددُ ونيِ (‪ِ .)1‬‬ ‫إن َرأ ْيت ُُمونيِ عَ لىَ َب ِ‬ ‫َو ْ‬
‫أض َع َف ُك ْم ِعن ِد َي ال َقو ُِّي َحتَّى‬ ‫آخ َذ َ‬
‫احل َّق َلهُ ‪َ ،‬و ْ‬ ‫يف َحتَّى ُ‬ ‫الض ِع ُ‬ ‫إن َأ ْق َو ُاك ْم ِع ْن ِد َي َّ‬ ‫عَ َل ْي ُك ْم‪َ ،‬أ َ‬
‫ال َّ‬
‫يم ليِ َو َل ُكم»‪.‬‬ ‫وأست َْغ ِف ُر اللهَّ َ َ‬
‫الع ِظ َ‬ ‫آخ َذ َ‬
‫احل َّق ِمنْهُ ‪ ،‬أ ُق ْو ُل َق ْوليِ هَ َذا ْ‬ ‫ُ‬

‫الـتـعـلــيــــق ‪:‬‬
‫ُيدْ ِهشك يف هذه اخلطبة هذا اإلجياز البليغ الذي يستعمل الكلمة‪ ،‬فيمتد ظالهلا إىل بعيد‪،‬‬
‫و ُيو ِدع العبارة القصرية من املقاصد العظيمة ما حيتاج يف رشحه إىل كتاب‪.‬‬
‫رسى هنا‪ ،‬واحلاكم املسلم‪ ،‬كام يمثله أبوبكر الصديق يمتاز‬ ‫س الشورى ُت َ‬ ‫إن أعظم ُأ ُس ِ‬
‫بأعظم ما يتحلىَّ به احلاكم العادل الرشيد ‪:‬‬
‫(‪ )1‬سدّ ده ‪ّ :‬‬
‫قوم اعوجاجه‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫‪ 1‬ـ فهو يعتقد أنه ليس أ ْف َضل املسلمني وأن يف املسلمني من هو أفضل منه‪ ،‬وهذا االعتقاد‬
‫متواضعا لشعبه متق ّب ً‬
‫ال منهم‬ ‫ً‬ ‫يبعد به عن طبيعة االستبداد والطغيان‪ ،‬وجيعله ً‬
‫أبدا‬
‫مشورتهَ م وآرا َءهم البنَّا َءة‪.‬‬
‫حق فأعينوين‪ ،‬وإن رأيتموين عىل باطل فسددوين يفتح‬ ‫‪ 2‬ـ ويف قوله ‪ :‬فإن رأيتموين عىل ٍّ‬
‫هذا اخلليفة الراشد للمسلمني باب النقد والثناء عىل مرصاعيه‪ ،‬فهو يطلب تشجيعه‬
‫السداد لدى اخلطأ‪.‬‬‫لدى اإلحسان وإرشادَه إىل ّ‬
‫ض عنه الضمري‬ ‫الق َّوة والضعيف‪ ،‬فأروع ما يمكن أن َ‬
‫يتمخ َ‬ ‫‪ 3‬ـ أما كالمه عن مقياس ُ‬
‫احلي املنصف‪ ،‬ألنه يعلم أن أقوى الناس عنده هو الضعيف املظلوم‪ ،‬وأن أضعف‬ ‫ّ‬
‫حقه‪ ،‬ويتخلىَّ الثاين عن باطله‪.‬‬
‫الناس عنده هو القوي الظامل‪ ،‬إىل أن يعود لألول ُّ‬
‫هنالك يعودان يف منزلة واحدة من املساواة‪.‬‬

‫الـمـنـاقـشـــة ‪:‬‬

‫هاما من أسس احلكم‪ .‬فام هو ؟‬ ‫يؤسس أبوبكر ـ ريض اهلل عنه ـ يف هذه اخلطبة مبدأ ًّ‬ ‫‪ 1‬ـ ِّ‬
‫وكيف دعا إليه ؟‬
‫‪ 2‬ـ َمنِ القوي ؟ و َمنِ الضعيف عند أيب بكر ؟ وملاذا ؟‬
‫ُ‬
‫الطاعة يف املعروف» ألتقط من اخلطبة ما يتوافق مع هذه القاعدة اإلسالمية اجلليلة‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ «إ َّنام‬
‫‪ 4‬ـ من أي أنواع اخلطابة اإلسالمية تكون خطبة الصديق ريض اهلل عنه ؟‬
‫‪ 5‬ـ ما أبرز سامت أسلوب اخلطابة ؟‬
‫‪ 6‬ـ إذا قيل ‪ :‬إن خطبة الصديق ـ ريض اهلل عنه ـ من جوامع الكلم‪ ،‬فلامذا ؟ وما األفكار التي‬
‫اشتملت عليها ؟‬

‫‪53‬‬
‫(‪ )4‬خطـبـة علـي رضـي اللـه عنـه‬

‫ِّ‬
‫الـحــث عـىل الـجـهــاد‬ ‫فــي‬

‫مـنـاسـبــة اخلـطـبــة ‪:‬‬


‫يف خالفة عيل ـ ريض اهلل عنه ـ بلغه أن ً‬
‫خيال قد أغارت عىل مدينة األنبار وقتلت أمريها‪ ،‬ودخل‬
‫الرعاع من اجلنود الدور‪ ،‬فنهبوا ُح َّ‬
‫يل النساء املسلامت واملعاهدات‪ ،‬ثم عادت الكتيبة الغازية دون أن‬ ‫ُّ‬
‫تلقى مقاومة تذكر‪ ،‬أو تصاب بأي أذى‪ .‬فلام بلغ اخلرب عل ًّيا ـ ريض اهلل عنه ـ خرج غاض ًبا‪ ،‬وألقى هذه‬
‫يتفجر من األسى والغضب‪ .‬ومن هنا كانت هذه اخلطبة من أشدّ خطب عيل ـ ريض‬ ‫اخلطبة وهو يكاد َّ‬
‫قسماً إىل ِّ‬
‫ست فقرات ‪:‬‬ ‫ونحن نورد معظمها ُم ّ‬
‫ُ‬ ‫وج ْر ًسا‪.‬‬
‫ريا َ‬‫اهلل عنه ـ هلجة وتأث ً‬

‫الـــنـــــــص ‪:‬‬
‫اس‬ ‫أولِ َيائِ ِه‪َ ،‬وهُ َو لِ َب ُ‬
‫اص ِة ْ‬ ‫اجل َّن ِة‪َ ،‬فت ََحهُ اللهَّ لخِ َ َّ‬ ‫اب َ‬ ‫اب ِم ْن أ ْب َو ِ‬ ‫إن ا ِ‬
‫جل َها َد َب ٌ‬ ‫«أما َب ْع ُد‪َ ،‬ف َّ‬
‫‪ 1‬ـ َّ‬
‫الوثِي َقة‪َ ،‬ف َم ْن َت َر َكهُ َر ْغ َب ًة عَ نْهُ أ ْل َب َسهُ اللهَّ ُ َث ْو َب ُّ‬
‫الذ ِّل‪،‬‬ ‫ال َّت ْق َوى‪َ ،‬و ِد ْرعُ اللهَّ ِ َ‬
‫احل ِصينَة‪َ ،‬و ُج َّنتُهُ (‪َ )1‬‬
‫يل َ‬
‫احل ُّق‬ ‫األس َدا ِد(‪ُ ،)3‬‬
‫وأ ِد َ‬ ‫وض َب عَ لىَ َق ْلبِ ِه بِ ْ‬ ‫الص َغا ِر(‪ )2‬وال َقماَ َء ِة‪ ،‬رُ ِ‬ ‫ال ُء‪ ،‬ودُ ِّي َث بِ َّ‬‫َو َش ِم َلهُ ال َب َ‬
‫ومنِ َع الن ََّصف(‪.)6‬‬ ‫اخل ْسف(‪ُ ،)5‬‬ ‫يم َ‬ ‫جل َهاد‪ِ ،‬‬
‫وس َ‬ ‫يع ا ِ‬‫ِمنْهُ (‪ )4‬بِت َْضيِ ِ‬
‫وإعال ًنا‪َ ،‬و ُق ْل ُت َل ُك ْم‬
‫ورسا ْ‬
‫َارا‪ًّ ،‬‬
‫ال َونهَ ً‬ ‫َال هَ َ‬
‫ؤال ِء ال َق ْوم َل ْي ً‬ ‫ال وإنيِّ َقدْ دَعَ ْو ُت ُك ْم إىل ِقت ِ‬‫‪ 2‬ـ َأ َ‬
‫(‪ُ )1‬جنَّة ‪ :‬وقاية‪ .‬الوثيقة ‪ :‬املنيعة‪.‬‬
‫الصغار والقامءة ‪ :‬الذل والضعة‪.‬‬
‫(‪ )2‬دُ ِّيث ‪ :‬ذلل‪َّ .‬‬
‫(‪ )3‬رضب عىل قلبه باألسداد ‪ :‬سدت عليه الطرق وعميت مذاهبه‪ )4( .‬أديل احلق منه ‪ :‬ضاع‪.‬‬
‫(‪ُ )6‬منِ َع الن ََّصف ‪ :‬حرم العدل‪.‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )5‬سيم اخلف ‪ :‬نزل به الذل‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫ذلوا‪َ ،‬فت ََو َاك ْلت ُْم‬ ‫وك ْم‪َ ،‬ف َواللهَّ ِ َما ُغز َِي َق ْو ٌم َق ُّط يف عُ ْق ِر دَا ِر ِه ْم(‪َّ )1‬‬
‫إال ُّ‬ ‫أن يغزُ ُ‬ ‫‪ْ :‬اغزُ وهُ ْم َق ْب َل ْ‬
‫ان‪.‬‬ ‫وم ِل َك ْت عَ َلي ُك ُم َ‬
‫األ ْو َط ُ‬ ‫ات‪ُ ،‬‬ ‫ار ُ‬ ‫َّت عَ َل ْي ُك ُم َ‬
‫الغ َ‬ ‫َوتخَ َ َاذ ْلت ُْم(‪َ )2‬حتَّى ُشن ْ‬
‫ْ‬
‫املعاهَ َد ِة‪َ ،‬ف َي ْن ِزعُ‬
‫واألخ َرى َ‬ ‫ْ‬ ‫ان َيدْ ُخ ُل عىل املَ ْرأة ُامل ْس ِل َم ِة‪،‬‬
‫الر ُج َل ِمن ُْهم َك َ‬ ‫‪ 3‬ـ َو َل َقدْ َب َل َغنِي َّ‬
‫أن َّ‬
‫واالسترِ ْ َحام‪ُ ،‬ث َّم‬ ‫الئِ َدهَ ا َو ِرعَ ا َث َها(‪َ ،)4‬ما تمُ ْن َُع ِمنْهُ إال بِ َّ‬
‫ِح ْج ُل َها و ُق ْل َب َها(‪ ،)3‬و َق َ‬
‫ْ‬ ‫(‪)5‬‬
‫االسترِ ْ َج ِ‬
‫اع‬ ‫ْ‬
‫ات‬ ‫أن ا ْم َر ًأ ُم ْس ِلماً َم َ‬
‫يق لهَ ُ ْم دَم‪َ .‬ف َل ْو َّ‬ ‫ال ُأ ِر َ‬
‫ال ِمن ُْه ْم َك ْلم(‪َ ،)6‬و َ‬
‫ِين‪َ ،‬و َما َنال َر ُج ً‬ ‫ا ْنصرَ َ ُفوا َوا ِفر َ‬
‫ان بِ ِه َم ُلو ًما‪َ ،‬ب ْل َك َ‬
‫ان بِ ِه ِع ْن ِدي َج ِد ًيرا‪.‬‬ ‫أس ًفا َما َك َ‬‫ِم ْن َب ْع ِد هَ َذا َ‬
‫(‪)7‬‬
‫اط ِل ِه ْم‪ ،‬و َف َش ُل ُك ْم‬
‫اجتِماَ عُ هَ ؤال ِء عَ لىَ َب ِ‬ ‫اهل َّم؛ ْ‬ ‫يت ال َق ْل َب‪َ ،‬ويجَ ْ ِل ُب َ‬ ‫‪ 4‬ـ َف َيا عَ َج ًبا واللهّ ِ ُي ِم ُ‬
‫ون‪،‬‬‫ري َ‬ ‫عَ ْن َح ِّق ُك ْم‪َ ،‬ف ُق ْب ًحا َل ُك ْم َو َت ْر ًحا(‪ِ )8‬حينْ َ صرِ ْ ُت ْم َغ َر ًضا(‪ُ )9‬ي ْر َمى‪ُ ،‬ي َغ ُار عَ َل ْي ُك ْم َو َ‬
‫ال ُت ِغ ُ‬
‫رض ْون‪.‬‬ ‫ُ‬
‫اهلل و َت َ‬ ‫ال َت ْغزُ ون‪ ،‬و ُي ْعصىَ‬ ‫َو ُت ْغزَ ون َو َ‬
‫َار ُة ال َق ْي ِظ(‪ ،)10‬أ ْم ِه ْلنَا َين َْس ِل ُخ‬
‫ف ُق ْلت ُْم ‪ :‬هَ ِذ ِه حمَ َّ‬ ‫السيرْ ِ َإل ْي ِه ْم يف أ َّيا ِم َّ‬
‫الص ْي ِ‬ ‫‪ 5‬ـ َف َإذا أ َم ْر ُت ُك ْم بِ َّ‬
‫السيرْ ِ َإل ْي ِه ْم يف ِّ‬
‫الشتاء ُق ْلت ُْم ‪ :‬هَ ِذ ِه َص َب َّار ُة ُ‬
‫الق ِّر(‪ ،)11‬أ ْم ِه ْلنَا َين َْس ِل ْخ‬ ‫وإذا أ َم ْر ُت ُك ْم بِ َّ‬ ‫عَ نَّا َ‬
‫احل ُّر‪َ ،‬‬
‫ف أ َف ّر‪.‬‬ ‫والق ّر‪َ ،‬فأ ْنت ُْم واهللِ ِم َن َّ‬
‫الس ْي ِ‬ ‫احل ِّر ُ‬ ‫عَ نَّا البرَ ْ د‪ُ ،‬ك ُّل هَ َذا ِف َر ًارا ِم َن َ‬
‫حل َجال(‪َ ،)13‬لو َد ْد ُت أنيِّ‬ ‫ات ا ِ‬ ‫األط َفال(‪ ،)12‬وعُ ُق ُ‬
‫ول ر َّب ِ‬ ‫وم ْ‬ ‫ال ِر َجال‪ُ ،‬ح ُل ُ‬ ‫الر َجال َو َ‬ ‫‪ 6‬ـ يا ْ‬
‫أش َبا َه ِّ‬
‫وأع َق َب ْت َس َد ًما(‪َ ،)14‬قا َت َل ُك ْم اللهّ ُ ‪َ ،‬ل َقدْ َمأل ُت ْم‬ ‫لمَ ْ َأ َر ُك ْم َولمَ ْ ْ‬
‫أع ِر ْف ُك ْم‪َ ،‬م ْع ِر َف ٌة واللهّ ِ َج َّر ْت َن َد ًما‪ْ ،‬‬
‫الق ُلب ‪ :‬السوار‪.‬‬
‫(‪ )3‬احلجال ‪ :‬اخلالخيل‪ُ .‬‬ ‫(‪ )1‬عقر الدار ‪ :‬وسطها‪ )2( .‬ختاذلتم ‪ :‬خذل كل منكم اآلخر‪ .‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫(‪ )6‬الكلم ‪ :‬اجلرح‪.‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )4‬الرعاث ‪ :‬األقراط‪ )5( .‬االسرتجاع ‪ :‬قول إنا هلل وإنا إليه راجعون‪.‬‬
‫(‪ )9‬الغرض ‪ :‬اهلدف‪.‬‬ ‫ ‬ ‫ترحا لكم ‪ :‬يدعو عليهم باملصائب‪.‬‬ ‫(‪ً )8‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )7‬فشلكم ‪ :‬جبنكم‪.‬‬
‫(‪ )12‬حلوم ‪ :‬عقول‪.‬‬ ‫ ‬ ‫صبارة القر ‪ :‬شدة الربد‪.‬‬
‫َّ‬ ‫محارة القيظ ‪ :‬شدة احلر‪)11( .‬‬
‫(‪َّ )10‬‬
‫(‪ )14‬السدم ‪ :‬اهلم واألسف‪.‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )13‬ربات احلجال ‪ :‬كناية عن النساء‪.‬‬
‫(‪ )16‬التهامم ‪ :‬اهلم‪.‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )15‬شحنتم ‪ :‬مألتم‪ .‬نغبة ‪ :‬جرعة‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫اسا‪ ،‬وأ ْف َسدْ ُت ْم‬ ‫وش َح ْنت ُْم(‪َ )15‬صدْ ِري َغ ْي ًظا‪َ ،‬‬
‫وج َّر ْعت ُُمونيِ ُن َغ َب الت َّْهماَ ِم(‪ )16‬أ ْن َف ً‬ ‫َق ْلبِي َق ْي ًحا‪َ ،‬‬
‫ب َر ُج ٌل ُش َجاعٌ ‪،‬‬ ‫إن ا ْب َن أبيِ َطالِ ٍ‬ ‫الن‪َ ،‬حتَّى َل َقدْ َق َال ْت ُقر ْيش ‪َّ :‬‬ ‫خل ْذ َ‬
‫ان وا ِ‬‫يل َرأيِي بِال ِع ْص َي ِ‬‫عَ َّ‬
‫اسا‪ ،‬وأ ْق َد ُم ِف َيها َم َقا ًما‬ ‫أشدُّ لهَ َا ِم َر ً‬‫أح ٌد ِمن ُْه ْم َ‬
‫ب‪ ،‬هللِ أ ُبوهُ ْم !! َوهَ ْل َ‬ ‫ال ِع ْل َم َلهُ بِ َ‬
‫احل ْر ِ‬ ‫َو َل ِك ْن َ‬
‫ال َر ْأ َي‬
‫ول ِك ْن َ‬
‫الستِّني‪َ ،‬‬
‫ِمنِّي ؟ َل َقدْ نهَ ْض ُت بهِ َ ا َو َما َب َل ْغ ُت ال ِعشرْ ِ ْي َن‪َ ،‬وهَ أ َن َذا َقدْ َن َّي ْف ُت عَ لىَ ِّ‬
‫لمِ َن ال ُي َطاع»‪.‬‬

‫الـتـعـلــيــــق ‪:‬‬
‫َّص الذي أثبتناه من اخلطبة ست فقرات تشتمل عىل ست فكر رئيسة ‪:‬‬ ‫الن ُّ‬
‫‪ 1‬ـ ِعظم شأن اجلهاد يف سبيل اهلل وكيف أنه باب من أبواب اجلنة يلجهُ أولياء اهلل‪ ،‬وكيف‬
‫الذل واملهانة ووقوع الظلم‪.‬‬ ‫ويعقب ّ‬
‫ُ‬ ‫أمورا خطرية‪،‬‬
‫أن ترك اجلهاد يعقب ً‬
‫‪ 2‬ـ تذكري لرعيته بام كان َأ َم َرهم به من صائب الرأي‪ ،‬وأهنم لو تكاسلوا هامجهم العدو‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ إخبارهم بام كان من إغارة تلك اخليل عىل األنبار‪ ،‬والفظائع التي اقرتفتها هناك‪ ،‬وما‬
‫كان من عودهتا إىل قواعدها ساملة‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ إظهار األسف والعجب هلذا الوضع املخجل الذي جعل أصحاب ع ّ‬
‫يل هد ًفا للغارات‪،‬‬
‫عدوهم حول باطله وتفرقهم هم من حول حقهم‪.‬‬ ‫وذلك لسبب واحد هو التفاف ّ‬
‫‪ 5‬ـ فضح ما كان من مواقف أصحابه وقعودهم عن اجلهاد والتسترُّ وراء املعاذير الكاذبة‪ ،‬كاحلر‬
‫والربد‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ توبيخ عنيف ألصحابه عىل ما كان من عصياهنم وخمالفتهم‪ ،‬وكيف أن كثرة متردهم‬
‫عىل األوامر أثارت الشكوك حول قائدهم البطل‪.‬‬

‫وبتأمـل اخلطبـة ي ّت ُ‬
‫ضـح لنـا اخلصـائـص التـالـيـة ‪:‬‬

‫‪56‬‬
‫‪ 1‬ـ ألفاظ عيل ـ ريض اهلل عنه ـ ذات موسيقا مؤثرة‪ ،‬وهي ألفاظ منتقاة ينظمها يف عبارات‬
‫مجيل غري ُمت ََك َّلف‪.‬‬
‫سجع ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫رائعة التقسيم‪ ،‬يقع فيها أحيا ًنا‬
‫‪ 2‬ـ ظهور أثر الثقافة الواسعة يف كالمه ريض اهلل عنه‪ ،‬الثقافة القرآنية‪ ،‬والثقافة اللغوية‬
‫حل َكم‪ ،‬وقد يتم ّثل‬
‫فهو إىل جانب استشهاده بالقرآن وأحكام الدين يستعمل األمثال وا ِ‬
‫بالشعر‪ .‬فمن احلكم التي وردت يف خطبته قوله ‪ :‬ما ُغزِي قوم قط يف عقر دارهم إال‬
‫ذلوا‪ .‬وقوله ‪ :‬ال رأي ملن ال يطاع‪...‬‬‫ّ‬
‫‪ 3‬ـ خطبة عيل ـ ريض اهلل عنه ـ كل ال يتجزأ؛ ألن مصدرها شخصية منسجمة يف أفكارها وعواطفها‬
‫حتدد اجتاهها‪ ،‬وترسم طريقها‪ ،‬ومتيل عليه سلوكها‪.‬‬ ‫وميوهلا‪ ،‬هتيمن عليها مبادئ واحدة ِّ‬
‫‪ 4‬ـ تدرجه من اللني إىل العنف‪ ،‬فقد بدأ هاد ًئا نسب ًيا وهو يتحدث عن اجلهاد وفضله‪ ،‬ثم‬
‫تعرض لقصة اخليل التي أغارت عىل األنبار‪ ،‬حتى بلغ ذروة‬ ‫اندفع كالربكان الثائر حني َّ‬
‫العنف حني رمى أصحابه بأوصاف النساء واألطفال‪ .‬وهذه اخلاص ّية يف استعامل العنف‬
‫نقلها عنه ـ فيام بعد ـ خطباء العرص األموي وبالغوا فيها‪ ،‬كاحلجاج وزياد‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ قدرته ريض اهلل عنه عىل إثارة احلامسة بوسائله البالغية املختلفة‪ ،‬فكالمه يبعث‬
‫خصوصا وهو يتحدث عن استباحة النساء ورصاخهن‬ ‫ً‬ ‫الغضب حتى يف قلب اجلبان‪،‬‬
‫واسرتجاعهن‪ ،‬وكيف متكن اجليش الغازي من استباحة احلرمات وقتل أمري األنبار‪،‬‬
‫وعادوا غانمني ساملني مل يمسهم سوء‪.‬‬

‫الـمـنـاقـشـــة ‪:‬‬

‫صورها عيل ريض اهلل عنه ؟‬ ‫‪ 1‬ـ ما منزلة اجلهاد عند اهلل تعاىل كام ّ‬
‫كل من ترك اجلهاد كراهية له ؟ أوضحه كام ذكره ريض‬ ‫‪ 2‬ـ ما املصري املظلم الذي ينتظر ّ‬
‫اهلل عنه‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ يف الفقرة الثانية حكمة عسكرية تتعلق بزمام املبادرة يف اهلجوم‪ ،‬أذكرها‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫‪ 4‬ـ لمِ َ ذكر ريض اهلل عنه النساء املسلامت ُ‬
‫واملعا ِهدات يف هذا املقام ؟‬
‫قمة العنف‪.‬‬‫عيل ـ ريض اهلل عنه ـ ّ‬ ‫العبارات التي بلغ فيها ٌّ‬
‫ِ‬ ‫ذكر‬ ‫َ‬
‫‪5‬ـأ ُ‬
‫عيل ـ ريض اهلل عنه ـ وينفيها عن نفسه ؟ وكيف أثبت‬ ‫‪ 6‬ـ ما التهمة التي يرفضها ٌّ‬
‫كذهبا؟‬
‫أوضح هذا القول وأورد من كالمه‬
‫ُ‬ ‫‪ 7‬ـ يظهر يف كالمه ـ ريض اهلل عنه ـ أثر الثقافة األدبية‪.‬‬
‫ما يؤيد ذلك‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ يقع السجع أحيا ًنا يف كالم عيل‪ ،‬ريض اهلل عنه‪ .‬أورد ثالثة مواطن من سجعه وأوضح‬
‫طبيعة هذا السجع من حيث العفوية أو ُّ‬
‫التكلف‪.‬‬
‫ً‬
‫وألفاظا مرتادفة‪ .‬أستخرج من القطعة مخسة‬ ‫عيل ـ ريض اهلل عنه ـ ً‬
‫ألفاظا غريبة‬ ‫‪ 9‬ـ يستعمل ٌّ‬
‫يدل استعامله للغريب واملرتادف‪.‬‬ ‫أوضح عالم ُّ‬ ‫ألفاظ غريبة وأربعة من املرتادفات‪ .‬ثم ّ‬
‫‪ 10‬ـ ما اللهجة السائدة يف اخلطبة ؟ وهل هي مناسبة للمقام أم ال ؟ وملاذا ؟‬
‫أوضح الصورة يف قوله ‪« :‬ألبسه اهلل ثوب الذل»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫‪ 11‬ـ‬

‫‪58‬‬
‫الــرســـائـــــل‬
‫‪ 2‬ــ َّ‬

‫نـشــأة الـكـتـابــة الـعـربـيــة ‪:‬‬


‫كانت الكتابة موجودة قبل اإلسالم ولكنها قليلة ًّ‬
‫جدا‪ ،‬فلم يكن يعرفها إال النَزْر اليسري من‬
‫رجال من قريش خاصة‪ .‬فلام انترص الرسول ﷺ عىل قريش يف يوم بدر‬ ‫ً‬ ‫العرب عامة وبضعة عرش‬
‫أرس منهم مجاعة كان فيهم بعض الكتاب‪ ،‬فقبل الرسول أن يفتدي كل منهم نفسه بتعليم عرشة‬
‫من صبيان املسلمني الكتابة‪ ،‬فكثر سواد الكاتبني‪ ،‬وانترشت الكتابة بعد ذلك يف العرب‪.‬‬
‫وكان النبي ﷺ وخلفاؤه ُيملون كتبهم عىل كتَّاهبم بعباراهتم‪ ،‬وبعضهم يكتبها بيده‪ .‬فلام‬
‫اتسعت رقعة الدولة كان البد أن ُيعتمد عىل الرسائل بينها وبني عامهلا يف األمصار‪ ،‬وكانت تدور‬
‫حول شؤون احلكم واإلدارة‪ ،‬ورشح بعض مبادئ الدين‪ ،‬ثم أصبحت احلاجة ُم ِل ّحة إىل إنشاء‬
‫دوهنا‪ ،‬وكان كتّاب الرسائل‬ ‫الدواوين لضبط موارد الفيء‪ ،‬وكان عمر ـ ريض اهلل عنه ـ أول من َّ‬
‫يكتبون بالعربية أما كتّاب اخلراج فكانوا يكتبون بلغة أهل اإلقليم‪ ،‬حتى حذقها العرب فحولت‬
‫كلها إىل العربية يف عهد عبدامللك بن مروان‪.‬‬

‫الـرسـائــل ‪:‬‬
‫خـصـائــص أسـلــوب َّ‬
‫ويوضحه دون مبالغة أو‬ ‫ِّ‬ ‫متيز أسلوب الرسائل باإلجياز واالقتصار عىل ما يؤدي املعنى‬
‫حمددة واضحة‪ ،‬إذ مل يكن من شأن الكتاب أن يكثروا القول تز ُّي ًدا‬
‫هتويل أو زخرفة‪ ،‬فاأللفاظ َّ‬
‫أو مباهاة‪ ،‬ولكن كان من شأهنم أن يفصحوا عن خواطرهم بوضوح تام‪ ،‬ولذا مل يكن هناك‬
‫َت َفنُّن يف البدء واخلتام‪ ،‬فكانت أشبه بالربقيات يف العرص احلارض‪ ،‬حتى جاء عبداحلميد الكاتب‬
‫آخر الدولة األموية فأسهب فيها‪ ،‬وأطال التحميدات يف ّأوهلا‪ ،‬وسلك طريقه من أتى بعده‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫الـرسـائــل ‪:‬‬
‫نـمــاذج مـن َّ‬

‫‪ 1‬ــ رسـالـة النبـي ﷺ إلـى النجـاشـي ‪:‬‬


‫«من حممد رسول اهلل إىل النجايش ملك احلبشة ‪:‬‬
‫أن ِع ْي َسى‬ ‫وأش َه ُد َّ‬‫ال َم ُاملؤ ِم َن ُامل َه ْي ِم َن‪ْ ،‬‬ ‫الس َ‬ ‫وس َّ‬ ‫القدُّ َ‬ ‫ِس ْل ٌم أ ْن َت‪َ ،‬فإنيِّ أحمْ َُد َإل ْي َك اللهَّ َ املَ ِل َك ُ‬
‫يسى َف َح َم َلتْهُ ِم ْن ُر ْو ِح ِه‬‫الط ِّي َب ِة‪َ ،‬ف َح َم َل ْت بِ ِع َ‬ ‫وح اللهَّ ِ َو َك ِل َمتُهُ أ ْل َقاهَ ا إىل َم ْر َي َم ا ْل َبت ِ‬
‫ُول َّ‬ ‫ابن َم ْر َي َم ُر ُ‬
‫َ‬
‫صح ُت‪،‬‬ ‫وك َو ُجنُود ََك إلىَ اللهَّ ِ َت َعالىَ ‪َ ،‬ف َقدْ َب َّل ْغ ُت َو َن ْ‬‫َو َن ْف ِخ ِه َكماَ َخ َل َق آد ََم بِ َي ِد ِه َو َن ْف ِخ ِه‪ ،‬وإنيِّ أدْعُ َ‬
‫اهل َدى»‪.‬‬ ‫ال ُم عَ لىَ َمنِ ا َّت َب َع ُ‬ ‫والس َ‬ ‫َفا ْق َب ُلوا ُن ْص ِحي‪َّ ،‬‬
‫‪ 2‬ـ وأرسـل رسـالـة إىل كسـرى فقـال ‪:‬‬
‫«من حممد رسول اهلل إىل كرسى عظيم فارس ‪:‬‬
‫ال شرَ ِ َ‬
‫يك‬ ‫إال اللهَّ ُ َو ْح َد ُه َ‬
‫اهلدى َوآ َم َن بِاللهَّ ِ َو َر ُسولِ ِه َو َش ِه َد أن ال َإل َه َ‬ ‫ال ٌم عَ لىَ َمنِ ا َّت َب َع ُ‬ ‫َس َ‬
‫ول اللهَّ ِ إىل الن ِ‬
‫َّاس َكا َّف ًة‪،‬‬ ‫وك بِ ُدعَ ا ِء اللهَّ ِ َت َعالىَ ‪ ،‬فإنيِّ أ َنا َر ُس ُ‬ ‫ولهُ ‪َ ،‬‬
‫وأدْعُ َ‬ ‫َلهُ ‪َّ ،‬‬
‫وأن محُ َ َّم ًدا عَ ْب ُد ُه َو َر ُس ُ‬
‫وس‬‫إن إ ْث َم املَ ُج ِ‬ ‫إن َأ َب ْي َت َف َّ‬
‫أس ِل ْم َت ْس َل ْم‪َ ،‬ف ْ‬
‫ِين‪َ .‬ف ْ‬ ‫الكا ِفر َ‬ ‫ان َح ًّيا َويحَ ِ ُّق ال َق ْو ُل عَ لىَ َ‬ ‫َ‬
‫أل ْن ِذ َر َم ْن َك َ‬
‫عَ َل ْيك»‪.‬‬

‫الـتـعـلــيــــق ‪:‬‬
‫عندما ننظر يف هاتني الرسالتني اللتني أرسلهام الرسول ﷺ إىل ملكي احلبشة وفارس يدعومها‬
‫إىل اإلسالم نجد أهنام متتازان باإلجياز الشديد فليس فيهام إطالة‪ ،‬لسبب واحد فهو يريد منهام أن‬
‫يشهدا أن ال إله إال اهلل وأنه رسول اهلل‪ ،‬وهلذا ـ ً‬
‫أيضا ـ متيزتا بالوضوح التام‪ ،‬فجاءتا أشبه بالربقيات‬
‫يف عرصنا احلارض‪ ،‬التي هتدف إىل إيصال معنى حمدد‪ ،‬دون أن تكون هناك ألفاظ زائدة عليه‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫الـمـنـاقـشـــة ‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ ما األسباب التي أدت إىل ازدهار اخلطابة يف عرص صدر اإلسالم ؟‬
‫‪ 2‬ـ أذكر ً‬
‫مثاال لكل من اخلطابة الدينية‪ ،‬والسياسية‪ ،‬واحلربية‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ أصبحت اخلطابة يف عرص صدر اإلسالم متامسكة األجزاء فام السبب ؟‬
‫‪ 4‬ـ ملاذا أصبحت احلاجة ُم ِل َّحة إىل وجود الرسائل يف عرص صدر اإلسالم ؟‬
‫‪ 5‬ـ بم كان يتميز أسلوب الرسائل يف هذا العرص ؟‬
‫‪ 6‬ـ ماالغرض الذي من أجله أرسل الرسول ﷺ رسالتيه إىل النجايش وكرسى ؟‬

‫‪61‬‬
‫ـصـــ ُر بـنـي أمــيــــة‬
‫َع ْ‬

‫احلـيـاة السـياسيـة واالجتمـاعـيـة والـعـقلـيــة‬

‫‪ 1‬ــ احلـيـاة السياسيـة ‪:‬‬


‫ابتدأ العرص األموي بِتَوليِّ معاوية ـ ريض اهلل عنه ـ اخلالفة سنة ‪40‬هـ وانتهى سنة ‪132‬هـ‬
‫امتد ُق َرابة تسعني‬
‫بسقوط الدولة األموية عىل يد بني العباس‪ ،‬وهبذا يكون العرص األموي قد َّ‬
‫سنة‪ ،‬وكان اخللفاء يف مطلع الدولة أقوياء‪ ،‬وبخاصة معاوية ومروان بن احلكم وابنه عبدامللك‪،‬‬
‫وأحفاده الوليد وسليامن وعمر بن عبدالعزيز ولكن جاء بعد هؤالء خلفاء ضعفاء فكان ذلك‬
‫سب ًبا من أسباب سقوط الدولة األموية عىل أيدي العباسيني بقيادة أيب مسلم اخلراساين‪.‬‬
‫وقد مت ّيز العرص األموي باالنقسامات احلزبية واألحزاب السياسية املتعددة‪ ،‬ابتداء من عهد‬
‫الع َلوِيون‪ ،‬والزُّ َبيرْ ِيون‪َ ،‬‬
‫واخل َوارج‪.‬‬ ‫يزيد بن معاوية‪ ،‬وأبرز تلك األحزاب َ‬

‫‪ 2‬ــ احلياة االجتماعية ‪:‬‬


‫لقد شاعت حياة الرتف عىل مجيع البالد‪ ،‬وتدفقت األموال من مجيع أنحاء الدولة إىل‬
‫فعم الرخاء حتى إن الرجل يطوف بزكاة ماله فال جيد من يأخذها يف عهد اخلليفة‬ ‫الشام‪ّ ،‬‬
‫األشج عمر بن عبدالعزيز ـ ريض اهلل عنه ـ واتخّ ذ العرب القصور ّ‬
‫وخططوا املدن اجلديدة‬
‫الرصافة‪.‬‬ ‫كمدينة واسط ومدينة ُّ‬
‫اللد ومدينة ُّ‬
‫ومن مظاهر احلياة االجتامعية يف هذا العرص عودة العصبيات القبلية إىل سابق عهدها‬
‫يف العرص اجلاهيل‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫‪ 3‬ــ احلـيـاة العقليـة والثقـافيـة ‪:‬‬
‫تطورت احلركة العلمية يف عرص بني أمية‪ ،‬فنبغ علامء يف النحو واللغة‪ ،‬ويف الفقه‬ ‫َّ‬
‫واحلديث والتفسري وكذلك يف الطب‪ .‬وبام أن األحزاب السياسية املختلفة تبنّت لنفسها‬
‫كل فريق أن‬ ‫أفكارا دينية متباينة‪ ،‬فقد نشأ بينها َج َدل عُ قدت له جمالس خاصة حاول فيها ُّ‬ ‫ً‬
‫ُي ْثبِت صحة مبدئه وفلسفة حزبه‪.‬‬
‫بعيدا‪ ،‬وذلك ألن األمويني مل خيتلطوا‬ ‫س ً‬
‫شوطا ً‬ ‫ولكن احلركة العلمية يف عرص بني أمية مل َت رِ ْ‬
‫ّ‬
‫قارصا‬
‫ً‬ ‫باألمم األخرى ذات احلضارات العريقة‪ ،‬ولذا َّ‬
‫ظل االجتاه العلمي يف عرص بني أم ّية‬
‫عىل الثقافة العربية‪.‬‬
‫ومما ينبغي أن نشري إليه أن احلركة األدبية ازدهرت يف هذا العرص يف بيئات خمتلفة؛ بسبب‬
‫تشجيع األمويني‪ ،‬وبسبب الرصاعات السياسية والدينية والقبلية‪ ،‬فأصبحت سوق «امل ِ ْربد»‬
‫مثال وقصور اخللفاء وجمالس األدباء منتديات لغوية وفكرية وأدبية‪.‬‬ ‫ً‬

‫‪63‬‬
‫الـشـعــر فـي عـصــر بـنـي أمـيــة‬

‫أغـراضـه واتـجـاهاتـه ‪:‬‬

‫لقد كان من أثر احلياة العامة التي أوضحنا بعض جوانبها أن سار الشعر يف اجتاهات ثالثة ‪:‬‬
‫االتـجـاه األول ‪ :‬الشعر السيايس وهو لون من الشعر خيتلط فيه املدح والفخر واهلجاء واإلقناع‪،‬‬
‫مثال يدعو إىل بني أمية‪ُ ،‬‬
‫والك َم ْيت‬ ‫وكان رجاله يدعون إىل مذاهبهم السياسية وأحزاهبم‪ ،‬فاألخطل ً‬
‫الرق َّيات يدعو إىل الزبرييني و َق َطر ُِّي بن ُ‬
‫الف َجاءة يدعو إىل‬ ‫يدعو إىل بني هاشم‪ .‬وعبداهلل بن قيس ُّ‬
‫اخلوارج وهكذا‪.‬‬
‫االتـجـاه الثاني ‪ :‬شعر اهلجاء وأقطابه جرير‪ ،‬والفرزدق‪ ،‬واألخطل‪ .‬وهؤالء الشعراء الثالثة‬
‫هم أهم شعراء هذا العرص وهم شعراء النقائض‪ ،‬والنقائض معناها أن َين ِْظم الشاعر قصيدة يف‬
‫فريد عليه شاعر آخر بقصيدة أخرى ينقض هبا فخره وهجاءه‬ ‫الفخر أو اهلجاء عىل وزن وقافية َّ‬
‫بنفس الوزن والقافية‪.‬‬
‫وإليك هذه الكلمة املوجزة عن نشأة النقائض يف العرص األموي ‪:‬‬
‫السليطي‪ .‬فلام انترص عليه‬ ‫غسان ُّ‬‫حدث أول اشتباك يف النقائض بني جرير وشاعر يقال له ّ‬
‫جريرا‪.‬‬
‫لغسان وهجا ً‬ ‫جرير انربى شاعر من قوم الفرزدق يقال له ال ُب َع ْيث فانترص ّ‬
‫وتعرضيفشعرهلقبيلةالفرزدقونساءجماشع‪،‬فذهبت‬ ‫فصبعليهجريرصاعق ًةمنهجائه‪َّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫فانضم‬
‫َّ‬ ‫جريرا وهيجوه‪ ،‬وظل اهلجاء ُم ْس َت ِع ًرا بينهام‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فهب يناقض‬ ‫النساء إىل الفرزدق واستغثنه‪ّ ،‬‬
‫انقض عليه جرير وهجاه‪ ،‬وأكثر من‬ ‫وفضله عىل جرير وعندئذ َّ‬ ‫األخطل التغلبي إىل الفرزدق َّ‬
‫تعيريه بالكف ِر وأكلِ حلم اخلنزير؛ ألن األخطل كان نرصان ًّيا‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫شاعرا يقال له الراعي الن َُّميرْ ِي يف عداء جرير؛ ألنه فضل الفرزدق عىل‬‫ً‬ ‫وقد أوقع سوء احلظ‬
‫جرير‪ ،‬فهجاه جرير بقصيدة هدم فيها قبيلته مع أنه من بيت عزٍّ ورشف ومنها قوله ‪:‬‬
‫الناس َّ‬
‫كل ُه ُم ِغ َضا َبا‬ ‫َ‬ ‫َح ِس ْب َت‬ ‫إ ذ ا َغ ِض َب ْت عَ َل ْي َك َبنُو تمَ ِ ٍ‬
‫يم‬
‫ال ِك َ‬
‫ال َبا‬ ‫ال َك ْع ًبا َب َل ْغ َت َو َ‬ ‫َف َ‬ ‫الط ْر َف إ َّن َك من ُن َميرْ ٍ‬
‫ض َّ‬ ‫َف ُغ َّ‬
‫اللهو والرتف وتفرع الغزل يف‬ ‫االتـجـاه الثالث ‪ :‬شعر الغزل وقد شاع يف احلجاز بسبب حياة َّ‬
‫هذا العرص إىل قسمني ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ الغزل العذري يف البداية ‪ :‬وهو غزل عفيف طاهر ال هيتم بجامل املرأة بقدر ما هيتم بشفافية‬
‫امللوح‪ُ ،‬‬
‫وك َثيرِّ عزة‪ ..‬وغريهم‪.‬‬ ‫روحها وعفافها‪ .‬ومن رواده مجيل ُب َث ْينَة‪ ،‬وقيس بن َّ‬
‫‪ 2‬ـ الغزل الرصيح ‪ :‬الذي هيتم بمحاسن املرأة ومجاهلا‪ ،‬وهو غزل قصيص حيكي مغامرات‬
‫غرامية وأشهر رواده عمر بن أيب ربيعة وهو زعيم هذا النوع من الشعر بدون منافس‪،‬‬
‫والع ْرجي وغريمها‪.‬‬
‫األح َوص َ‬ ‫ومن شعرائه ـ ً‬
‫أيضا ـ ْ‬

‫الفنيـة للشعـر األموي ‪:‬‬


‫اخلصائص َّ‬
‫وسيرْ‬
‫ظل الشعر األموي يف خصائصه الفنية‪ ،‬وكأنه امتداد للشعر اجلاهيل يف لفظه ومعناه َ‬ ‫َّ‬
‫واحدا طرأ عىل الشعر العريب منذ ظهور اإلسالم‪َّ ،‬‬
‫وظل حتى يومنا هذا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أمرا‬
‫القصيدة‪ ،‬ولكن ً‬
‫واضحا‪ ،‬وهو تأ ُّثر الشعر بألفاظ القرآن الكريم‪ ،‬واملعاين اإلسالمية وكان‬
‫ً‬ ‫وظهر يف الشعر األموي‬
‫وضوحا‬
‫ً‬ ‫شائعا لدى مجيع الشعراء حتى شعراء البادية كالفرزدق ولكنه كان َّ‬
‫أشد‬ ‫التأثر باإلسالم ً‬
‫يف شعر بعض الفرق كاخلوارج‪.‬‬
‫وهناك خاصية أخرى أللفاظ الشعر اجلديد وهي ميله إىل السهولة والرقة عمو ًما‪ ،‬اللهم‬
‫إال يف شعر الرجز(‪ ،)1‬فقد كان خشن األلفاظ غريبها‪.‬‬
‫العجاج وابنه ُر ْؤبة وأبو النجم العجيل‪.‬‬
‫الر ّجاز ّ‬
‫توسع فيه الشعراء‪ ،‬وأبرز ُّ‬
‫(‪ )1‬الرجز ‪ :‬أحد بحور الشعر العريب‪ ،‬وقد َّ‬

‫‪65‬‬
‫وفيام عدا هاتني اخلاصتني‪ ،‬فقد ظل الشعر يف خصائصه كالشعر اجلاهيل من حيث جزالة‬
‫اللفظ‪ ،‬وقوة الرتاكيب‪ ،‬واملعاين السطحية‪ ،‬ونظام القصيدة‪ ،‬وتفكك الروابط املعنوية غري‬
‫أن قصائد الغزل يف هذا العرص كانت تتمتَّع بِ َو ْحدة املعنى وترابطه‪.‬‬

‫الـمـنـاقـشـــة ‪:‬‬

‫امتد العرص األموي ؟ وهل كان خلفاء بني أمية أقوياء يف حكمهم طيلة هذا‬ ‫‪ 1‬ـ كم سن ًة َّ‬
‫العرص؟ أوضح ما أقول‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ بم مت ّيز العرص األموي ؟ ومتى سقطت الدولة األموية ؟ وعىل يد َم ْن ؟‬
‫‪ 3‬ـ ما أبرز مظاهر احلياة االجتامعية يف هذا العرص ؟‬
‫‪ 4‬ـ ماالشعر السيايس ؟ وما سبب وجوده ؟ و َم ْن أبرز شعرائه ؟‬
‫‪ 5‬ـ َم ْن ِم ْن شعراء بني أمية اشتهر بفن النقائض الشعرية ؟ وما املقصود بالنقائض‬
‫الشعرية ؟‬
‫‪ 6‬ـ أعودُ إىل أحد املعاجم وأبينِّ معنى (النقض) الذي اشتقت منه كلمة (النقائض)‪.‬‬
‫ليتفوق عىل خصومه ؟‬‫‪ 7‬ـ ما الذي جيب أن ُي ِل َّم به شاعر النقائض َّ‬
‫كل من النوعني ؟‬ ‫رواد ٍّ‬
‫‪ 8‬ـ ما الفرق بني الغزل العذري والغزل الرصيح ؟ ومن هم َّ‬
‫‪ 9‬ـ ما اخلصائص الفنية للشعر األموي ؟‬

‫‪66‬‬
‫نـمـاذج مـن الـشـعـر يف عـصـر بـين أمـيـة‬
‫أوس‬‫ـعــن بـن ْ‬‫(‪َ )1‬م ْ‬
‫فـي مـكــارم األخــالق‬

‫التـعـريـف بالـشـاعـر ‪:‬‬


‫هو معن بن أوس بن نرص املزين‪ ،‬شاعر فحل خمرضم‪ ،‬له مدائح يف مجاعة من الصحابة‪ ،‬وله أخبار‬
‫مع عمر ريض اللهّ عنه‪ ،‬وكان معاوية بن أيب سفيان ـ ريض اهلل عنه ـ يفضله يف الشعر ويقول ‪ :‬أشعر‬
‫أهل اإلسالم كعب بن زهري ومعن بن أوس‪.‬‬
‫رحل معن إىل الشام والبرصة‪ ،‬وكف برصه يف آخر حياته‪ ،‬وعاد إىل املدينة ومات فيها سنة ‪64‬هـ‪.‬‬

‫مـنـاسـبــة الـنــص ‪:‬‬


‫تعمقت مبادئ الدين اإلسالمي‬
‫ليس هلذا النص مناسبة معينة‪ ،‬ولكن الشاعر قاله بعد أن ّ‬
‫الر َي ِ‬
‫ب‬ ‫يف قلبه‪ ،‬حيث افتخر بأخالقه السامية وخصاله العالية كام افتخر ببعده عن مواطن ِّ‬
‫َ‬
‫املحامد واملكرمات‪.‬‬ ‫واجتناب الفواحش واملنكرات‪ ،‬و ِف ْع ِله‬

‫الـــنـــــــص ‪:‬‬

‫اح َش ٍة ِر ْجليِ‬‫ال حمَ ََل ْتنِي َن ْح َو َف ِ‬‫َو َ‬ ‫‪ 1‬ـ َل َع ْم ُر َك َما ْ‬


‫أه َو ْي ُت َك ِّفي لِرِي َب ٍة‬
‫ال َد َّلنِي َر أ يِي عَ َل ْي َها َو َ‬
‫ال عَ ْقليِ‬ ‫َو َ‬ ‫ال بَصرَ ِ ي لهَ َا‬‫ال َقا َدنيِ َس ْم ِعي َو َ‬‫‪ 2‬ـ َو َ‬
‫أصا َب ْت َفتًى َق ْبليِ‬‫الد ْه ِر َّإال َقدْ َ‬
‫ِم َن َّ‬ ‫أع َل ُم أ نيِّ لمَ ْ ُت ِص ْبنِي ُم ِصي َب ٌة‬
‫‪ 3‬ـ َو ْ‬

‫‪67‬‬
‫ِم ْث ِل ِه ِم ْثليِ‬ ‫ِم َن األ ْم ِر َ‬
‫ال َي ْم يِش إ لىَ‬ ‫يت لمِ ُن َْك ٍر‬
‫ش َما َحيِ ُ‬ ‫‪ 4‬ـ َو َل ْس ُت بِماَ ٍ‬
‫أهليِ‬ ‫عَ لىَ ْ‬ ‫َو ُأ و ثِ ُر َض ْي ِفي َما أ َق َ‬
‫ام‬ ‫‪ 5‬ـ َو َ‬
‫ال ُمؤثِ ًرا َن ْفسيِ عَ لىَ ِذ ْي َق َرا َب ٍة‬

‫الــشــــــرح ‪:‬‬

‫يفتخر الشاعر بالفضائل اإلسالمية ِّ‬


‫ويركز عىل خلقه النبيل ومكارم أخالقه فيقول ‪ :‬إين‬
‫زلة‪ ،‬ومل حتملني رجيل إىل فاحشة‪ ،‬ومل‬‫مل أضع نفيس يف موقف ُأالم عليه‪ ،‬فلم تقرتف يدي ّ‬
‫يقدْ ين سمعي وال برصي وال عقيل إىل منكر أندم عليه‪.‬‬
‫ثم يقول ‪ :‬إن املصائب التي ُّ‬
‫حتل عىل اإلنسان يف حياته مقدّ رة عليه وعىل غريه‪ ،‬ومن ثم‬
‫فال داعي للجزع والفرار من قضاء اهلل وقدره‪.‬‬
‫فيتعهد نفسه بأنه لن يميش إىل منكر‪ ،‬إذ ال‬
‫َّ‬ ‫ويعود الشاعر إىل التمدُّ ح بمكارم األخالق‪،‬‬
‫ريا يبني لنا الشاعر يف البيت األخري مدى إيثاره‪ ،‬حيث يؤثر‬ ‫يليق بمثله فعل املنكرات‪ .‬وأخ ً‬
‫وحسن خلقه‪.‬‬ ‫أقاربه عىل نفسه‪ ،‬كام يؤثر ضيفه عىل أهله وقرابته‪ ،‬وهذا يدل عىل كرمه ُ‬

‫الـتـعـلــيــــق ‪:‬‬
‫معن بن أوس ـ كام يبدو من هذه املقطوعة ـ رجل عفيف يتميز بحسن اخللق والرت ُّفع‬
‫عن الدنايا‪ .‬وإذا عدنا إىل قصيدته تلك وجدنا فيها ما ييل ‪:‬‬
‫أن األفكار تتميز بالوضوح وعدم التعقيد‪ ،‬كام تتميز بأهنا سامية ومؤثرة‪ ،‬وال‬ ‫‪ 1‬ـ َّ‬
‫عجب يف ذلك فهي مستمدّ ة من اإلسالم الذي جاء إلصالح البرشية‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ أن عاطفة الشاعر عاطفة دينية‪ ،‬تتمثل يف خلقه النبيل وسلوكه الط ِّيب الذي‬
‫أوىص به اإلسالم‪ ،‬وهي بالشك عاطفة صادقة قوية‪ ،‬استشعر فيها الشاعر‬
‫بعض معاين القرآن‪ ،‬كالذي جتده يف البيت الثاين حيث متثل اآليـة القرآنية ‪:‬‬
‫‪68‬‬
‫}(‪.)1‬‬ ‫{‬
‫‪ 3‬ـ أن اخليال يف هذه القصيدة نادر؛ ألن هذا النوع من الشعر يركز عىل األفكار واملعاين‬
‫عفوا كام يف البيت الثاين‪.‬‬
‫أكثر من الرتكيز عىل اخليال والصور‪ ،‬إال ما جاء منها ً‬

‫الـمـنـاقـشـــة ‪:‬‬

‫أوضح هذه العبارة‪.‬‬ ‫‪ 1‬ـ تتجلىَّ يف هذه القصيدة شخصية الشاعر‪ّ .‬‬
‫‪ 2‬ـ ما األخالق التي افتخر هبا الشاعر ؟ أوضحها وأبينِّ رأيي فيها‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ ما نوع العاطفة يف هذا النص ؟ وهل هي قوية أم ضعيفة ؟ ّ‬
‫أوضح ما أقول‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ أعلل ندرة وجود اخليال يف هذا النص‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ يف القصيدة ما يدل عىل إيامن الشاعر بالقضاء والقدر‪ .‬أحدّ د البيت وأرشحه بأسلوب‬
‫أديب‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫}‬ ‫‪ 6‬ـ يقول اهلل تعاىل ‪{ :‬‬
‫(‪)3‬‬
‫}‬ ‫ويقول يف آيـة أخرى ‪{ :‬‬
‫أستخرج من النص ما يتفق مع هاتني اآليتني‪.‬‬

‫(‪ )1‬سورة اإلرساء‪.‬‬


‫(‪ )2‬سورة اإلرساء‪.‬‬
‫(‪ )3‬سورة احلرش ‪. 9 :‬‬

‫‪69‬‬
‫(‪ )2‬جـمـيـــل بـن َمـ ْعـ َمــــر‬

‫فــي الــغــــزل‬

‫التـعـريـف بالـشـاعـر ‪:‬‬


‫هو مجيل بن َم ْع َمر بن عبداهلل و ُيكنّى أبا عمرو‪ .‬وهو أحد عشاق العرب املشهورين؛ من‬
‫قبيلة عُ ْذرة القضاعية القحطانية املشتهرة بطهارة احلب و ِع َّفته وكانت تقيم يف وادي القرى‬
‫بمنطقة املدينة‪ .‬وقد ُل ّق َب مجيل ُب َث ْينَة ألنه ُأ َ‬
‫ولع بابنة عمه بثينة‪ ،‬وملا تزوجت غريه مأل شعره‬
‫بغزل عذب رقيق يف غاية الروعة واجلامل‪ ،‬ولذلك يعد مجيل زعيم الشعراء العذريني‪ .‬وقد‬
‫رحل مجيل إىل مرص حيث مدح واليها عبدالعزيز ابن مروان‪ ،‬ولكنه مرض هناك ومات عىل‬
‫ما يبدو وهو عائد من مرص‪.‬‬

‫مـنـاسـبــة الـنــص ‪:‬‬


‫تزوجت بثينة من رجل من قبيلتها اسمه ُنبيه بن األسود‪ ،‬لكن ً‬
‫مجيال َّ‬
‫ظل يقول فيها الشعر‪،‬‬
‫فهدّ ده أمري وادي القرى‪ ،‬فخاف مجيل ورحل عن وادي القرى ولكنه ظل يتشوق إىل وادي القرى‪،‬‬
‫ويتمنى لو يبيت فيه ولو ليل ًة‪ .‬ويبدو أنه قال هذه القصيدة وهو مرشد عن وادي القرى‪.‬‬

‫الـــنـــــــص ‪:‬‬
‫َي ُعو دُ‬ ‫َيا ُب َثينْ ُ‬ ‫َو َد ْه ًر ا َت َو لىَّ‬ ‫اب َج ِد ُيد‬ ‫ان َّ‬
‫الش َب ِ‬ ‫‪1‬ـ َ‬
‫أال َل ْي َت َر ْي َع َ‬

‫(‪ )1‬ريعان الشباب ‪ :‬أوله وأفضله‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫يد‬ ‫بِ َو ا د ي ا ُلق َر ى إ نيِّ إ ًذ ا َل َس ِع ُ‬ ‫‪ 2‬ـ َو َيا َل ْي َت ِش ْع ِر ي هَ ْل أ بِيت ََّن َل ْي َل ًة‬
‫تجَ ُ و دُ َلنَا ِم ْن ِو ِّد هَ ا َو َن ُجو دُ‬ ‫‪ 3‬ـ َو هَ ْل أ ْل َفينَ ْ َف ْر ًد ا ُب َث ْي َن َة َم َّر ًة‬
‫يد‬ ‫وه َي َب ِع ُ‬‫ات ْ‬ ‫اج ُ‬ ‫احل َ‬‫َو َقدْ ُت ْط َل ُب َ‬ ‫ات ِم ْن َب ْع ِد َي ْأ َس ٍة‬ ‫اج ُ‬ ‫‪ 4‬ـ َف َقدْ َت ْل َت ِقي َ‬
‫احل َ‬
‫إ لىَ ا ل َي ْو ِم َي ْن ِمي ُح ُّبها َو َي ِز ُيد‬ ‫اهل َوى ِمن َْها َولِ ْي ًدا َف َل ْم َيزَ ْل‬ ‫‪ 5‬ـ عَ ِل ْق ُت َ‬
‫الد ْه َر َو ْه َو َج ِد ُيد‬ ‫و أ ْب َل ْي ُت ِف َيها َّ‬ ‫‪ 6‬ـ َو أ ْف َن ْي ُت عُ ْمرِي فيِ ا ْنتِ َظا ِر َن َو ا لهِ َا‬
‫إال ُق ْل ُت َس ْو َف تجَ ُ ودُ‬ ‫وال ال ُب ْخ ُل َّ‬ ‫إال َذ َكرتهُ َا‬ ‫اب َّ‬ ‫األح َب ُ‬
‫ْ‬ ‫‪ 7‬ـ َفماَ ُذ ِك َر‬
‫ال ْت ‪َ :‬ثا بِ ٌت َو َي ِز ُيد‬ ‫ِم َن ُ‬
‫احل ِّب َق َ‬ ‫إذ ا ُق ْل ُت َما بيِ َيا ُب َث ْين َُة َقا تِليِ‬ ‫‪ 8‬ـ َ‬
‫يد‬ ‫اك ِمن َْك َب ِع ُ‬ ‫َّاس َق َال ْت ‪َ :‬ذ َ‬ ‫َم َع الن ِ‬ ‫ض عَ ْقليِ أ ِعش بِ ِه‬ ‫وإن ُق ْل ُت ُردِّي َب ْع َ‬ ‫‪9‬ـ ْ‬
‫يد‬ ‫يد َيبِ ُ‬ ‫َيبِ ُ‬ ‫ُح ُّب َها ِفيماَ‬ ‫َو َ‬
‫ال‬ ‫ال أ َنا َم ْر دودٌ لمِ َا ِجئ ُْت َطا لِ ًبا‬ ‫‪ 10‬ـ َف َ‬
‫َو يحَ ْ َيا إ َذ ا َفا َر ْقت َُها َف َي ُعو دُ‬ ‫اهل َوى ِمنِّي َإذا َما َل ِقيت َُها‬ ‫وت َ‬ ‫‪ 11‬ـ َي ُم ُ‬

‫الــشــــــرح ‪:‬‬

‫يتمنّى الشاعر لو يعود له الشباب واأل َّيام املاضية التي كان يلتقي فيها ببثينة‪ .‬ويتساءل يف َحيرْ ة ‪:‬‬
‫وأبيت فيه ولو ليلة واحدة ؟ ًإذا لنلت السعادة كلها‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫هل أعود إىل وادي القرى حيث تسكن بثينة‪،‬‬
‫وهل س ُيتَاح يل أن ألقى بثينة ولو مرة فتبادلني مودة بمودة ؟ لن نيأس من هذا‪ ،‬فاحلاجات قد تقىض‬
‫قت هوى بثينة منذ ولدت‪ ،‬وظل ح ّبها يكرب ويزداد إىل اليوم‪،‬‬ ‫بعد يأس وتدنو وهي بعيدة‪ .‬لقد تع ّل ُ‬
‫وأصبحت أذكرها كلام ُذ ِكر‬
‫ُ‬ ‫وض ّيعت عمري يف انتظار وصلها‪ ،‬وأفنيت أ ّيامي يف غري جدوى‪،‬‬
‫األحباب‪ ،‬وأنتظر حناهنا عىل الرغم من بخلها‪.‬‬
‫وإذا قلت هلا يو ًما إن ح ّبك قد قتلني قالت ‪ :‬عسى أن يدوم ويزداد‪ .‬وإن طلبت منها أن تر ّد عقيل الذي‬
‫أخذته قالت ‪ :‬هذه أمنية بعيدة‪ .‬فال أنا فائزٌ منها بام أرجوه وال ح ُّبها يزول مع األشياء التي تزول‪.‬‬
‫احلب إذا التقينا متوت وتنطفئ‪ ،‬ولكنها ال تلبث أن تشتعل حاملا نفرتق‪.‬‬ ‫ريا يقول ‪ :‬إن نار ّ‬ ‫وأخ ً‬
‫‪71‬‬
‫الـتـعـلــيــــق ‪:‬‬
‫يتميز غزل مجيل بام يأيت ‪:‬‬
‫أن ألفاظ مجيل يف غاية العذوبة والرقة والسهولة‪ ،‬حتى ال جتد فيها ً‬
‫لفظا حيتاج إىل قاموس‪.‬‬ ‫‪1‬ـ ّ‬
‫واحلب العفيف الطاهر‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وهي هبذا تناسب موضوع الغزل‬
‫تتعرض ألوصاف اجلسم املحسوسة‪ ،‬ولكنها تقترص عىل وصف آالم‬
‫‪ 2‬ـ معاين شعر مجيل ال َّ‬
‫احلب والفراق والشوق واهلجر‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ شعر مجيل ُم ْل َت ِهب العاطفة‪ ،‬وهلذا فهو يؤثر يف النفس حتى لقد عُ َّد أمجل شعر عُ ٍّ‬
‫ذري عفيف‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ يصور شعر مجيل حياة البدويات وما َّ‬
‫يتحلني به من ذكاء وعفاف‪ ،‬كام ترى يف احلوار الذي‬
‫دار بينهام‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ وخيال مجيل ممتع مع أنه قليل‪ ،‬كام ترى يف البيت األخري الذي يعترب من أمجل أبيات الغزل‪.‬‬

‫الـمـنـاقـشـــة ‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ ملاذا ُس ِّم َي الغزل العفيف عُ ذر ًّيا ؟‬


‫‪ 2‬ـ ما األمنيات الثالث التي يتمناها مجيل ؟‬
‫مجيل يف غزله ؟‬ ‫‪ 3‬ـ ما املعاين التي يطرقها ٌ‬
‫‪ 4‬ـ يف األبيات اخلمسة األوىل بيت اشتمل عىل حكمة‪ .‬أع ِّينه وأرشحه‪ .‬وأبينِّ ملاذا نتأثر‬
‫بِ ِح َك ِم الشعراء أكثر مما نتأثر بِ ِح َك ِم الفالسفة ؟‬
‫‪ 5‬ـ يف األبيات حوار‪ .‬أنثره بأسلوب مجيل‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫‪ 6‬ـ ما معنى قوله ‪ :‬يموت اهلوى وحييا ؟ وهل هذا الكالم حقيقة أم خيال ؟ وملاذا ؟‬
‫‪ 7‬ـ ملاذا كانت ألفاظ مجيل يف غاية العذوبة مع أنه بدوي ؟‬
‫‪ 8‬ـ أوضح رأيي بعاطفة الشاعر ‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫(‪ )3‬الـــفـــــرزدق‬
‫فـي الـفـخــر والـهـجــاء‬

‫التـعـريـف بالـشـاعـر ‪:‬‬


‫مهام بن غالب وهو من أرشف بيوت متيم بن جماشع بن درام‪ ،‬فقد عُ ر َ‬
‫ِف َجدُّ ه َص ْع َصعة‬ ‫اسمه ّ‬
‫بن جماشع بأنه حميي املوءودات؛ ألنه كان يف اجلاهلية يفتدي كل فتاة يهَ ُ ُّم أبوها بأن يئدها‪ .‬أما‬
‫أبوه غالب‪ ،‬فكان بدو ًيا صاحب إبل وأنعام‪ ،‬ثم نزل البرصة وسكنها واشتهر بكرمه‪.‬‬
‫ولد الفرزدق بكاظمة وهي التي تسمى حال ًّيا اجلهرة رشق مدينة الكويت‪ ،‬وكانت والدته‬
‫يف خالفة عمر ـ ريض اهلل عنه ـ‪ ،‬ونشأ نشأة بدوية‪ ،‬وقد غلب عليه لقب الفرزدق لقبح وجهه‪،‬‬
‫ألن الفرزدق معناها الرغيف‪.‬‬
‫وملا بدأ ينظم الشعر محله أبوه وهو يف اخلامسة عرشة من عمره إىل عيل ـ ريض اهلل عنه ـ‬
‫وهو يف البرصة وجعله ينشد أمامه شي ًئا من شعره فنصحه عيل ـ ريض اهلل عنه ـ بحفظ القرآن‬
‫فحفظه‪ .‬وقد تويف الفرزدق سنة ‪110‬هـ‪.‬‬

‫مـنـاسـبــة الـنــص ‪:‬‬


‫من املعروف أن العرص األموي متيز بإثارة النعرات القديمة والعصبيات القبلية‪ ،‬فشاع اهلجاء ال َق َبيل‬
‫والشخيص بني الشعراء‪ ،‬وكان أبرز أعالم اهلجاء ثالثة ‪ :‬جرير‪ ،‬والفرزدق‪ ،‬وكالمها من متيم‪َّ ،‬‬
‫إال أن‬
‫جريرا من بني كليب‪ ،‬والثاين من بني دارم‪ .‬أ ّما الشاعر الثالث فاألخطل‪ ،‬وكان تغلب ًّيا نرصان ًّيا‪.‬‬
‫ً‬
‫وقد نشأ بني شعراء اهلجاء َف ُّن النقائض‪ ،‬وهذه القصيدة للفرزدق يفتخر فيها ببني جماشع بن‬
‫دارم‪ ،‬وهيجو قوم جرير‪.‬‬
‫‪74‬‬
‫الـــنـــــــص ‪:‬‬
‫َب ْيتًا َد عَ ا ئِ ُمهُ أ عَ زُّ و َأ ْط َو ُل‬ ‫السماَ َء َبنَى َلنَا‬ ‫إن ال ِذ ي َس َم َك َّ‬ ‫‪ 1‬ـ َّ‬
‫ال ُي ْن َق ُل‬ ‫َ‬ ‫لسماَ ِء َفإ َّنهُ‬
‫حك ُم ا َّ‬ ‫َ‬ ‫يك َو َما َبنَى‬ ‫‪ 2‬ـ َب ْيتًا َبنَا ُه َلنَا املَ ِل ُ‬
‫س نهَ ْ َش ُل‬ ‫َو مجُ َ ا ِش ٌع و أ ُبو ا ل َف َو ا ِر ِ‬ ‫َب بِ ِفنَا ئِ ِه‬ ‫‪ 3‬ـ َب ْيتًا ُز َر ا َر ُة محُ ْ ت ٍ‬
‫و ا أل ْك َر ُمو َن إ َذ ا ُي َعدُّ ا أل َّو ُل‬ ‫إذ ا ُي َعدُّ َح َصاهُ ُم‬ ‫ون َ‬ ‫األك َث ُر َ‬
‫ْ‬ ‫‪ 4‬ـ‬
‫أ َب ًد ا إ ذ ا عُ َّد ا ل ِف َعا ُل ا أل ْف َض ُل‬ ‫‪ 5‬ـ ال يحَ ْ َتبِي بِ ِفنَا ِء َب ْيتِ َك ِم ْث ُلهُ‬
‫َس َب ُل‬‫الو َغى َنت رَ ْ‬ ‫ات َل َد ى َ‬ ‫والسا بِ َغ ِ‬
‫َّ‬ ‫أر ِضنَا‬ ‫اسنَا فيِ ْ‬ ‫وك لِ َب ُ‬ ‫‪ 6‬ـ ُح َل ُل ُ‬
‫امل ُل ِ‬
‫َو تخَ َ ا ُلنَا ِجنًّا إ َذ ا َما َن ْج َه ُل‬ ‫ال َر َز ا َن ًة‬ ‫جل َب َ‬‫ال ُمنَا َت ِز ُن ا ِ‬ ‫أح َ‬‫‪ 7‬ـ ْ‬
‫ف َأ َتا نِ ِه َي َت َق َّم ُل‬ ‫و أ ُبو َك َخ ْل َ‬ ‫س ُك ِّل َقبِ َيل ٍة‬ ‫‪ 8‬ـ إ َّنا َل َنضرْ ِ ُب َر ْأ َ‬
‫لكتَا ُب ا ُملنْزَ ُل‬ ‫َو َقىض عَ َل ْي َك بِ ِه ا ِ‬ ‫وت بِن َْس ِج َها‬ ‫العن َْك ُب ُ‬‫يك َ‬ ‫ض َب ْت عَ َل َ‬ ‫‪ 9‬ـ رَ َ‬
‫يم عَ نِ ا ملَ َكا ِر ِم ُي ْش َغ ُل‬ ‫إ َّن ا َّللئِ َ‬ ‫ب ِ‬
‫الك َرا ِم َو َما َبن َْوا‬ ‫‪ 10‬ـ َو ُش ِغ ْل َت عَ ْن َح َس ِ‬

‫الــشــــــرح ‪:‬‬

‫يقول الفرزدق ُم َف ِ‬
‫اخ ًرا بقبيلته بني جماشع بن دارم ‪ :‬إن اهلل الذي رفع السامء هو الذي بنى جمد‬
‫قومي‪ ،‬فجاء عايل البناء‪ ،‬قوي الدعائم‪ ،‬طويل العمد‪ ،‬وهذا الرشف بناه اهلل‪ ،‬وما يبنيه اهلل ال يستطيع‬
‫(‪ )1‬سمك السامء ‪ :‬رفعها‪ .‬دعائمه ‪ :‬أعمدته‪ .‬بيتًا ‪ :‬رش ًفا ونس ًبا‪.‬‬
‫(‪ )2‬املليك ‪ :‬اهلل جل جالله‪.‬‬
‫(‪ )3‬احتبى ‪ :‬جلس راكزً ا ساقيه أمامه‪ .‬زرارة وجماشع وهنشل ‪ :‬من أجداد الفرزدق ومن سادة متيم‪.‬‬
‫(‪ )4‬حصاهم ‪ :‬عددهم‪.‬‬
‫(‪ )6‬السابغات ‪ :‬الدروع الضافية‪ .‬نترسبل ‪ :‬نلبس‪.‬‬
‫(‪ )7‬أحالمنا ‪ :‬عقولنا‪ .‬نجهل ‪ :‬نسفه وننتقم‪.‬‬
‫(‪ )7‬يتقمل ‪ :‬ينتزع القمل‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫أحد أن يحُ َ ْل ِح َله‪.‬‬
‫إن بيت قبيلتي جيلس فيه أجدادي الكرام جماشع وهنشل وزرارة الذين كانوا أكثر الناس عد ًدا‬
‫وأعظمهم كر ًما‪ .‬أما قبيلتك يا جرير فليس فيها أبطال كهؤالء إذا تذاكر الناس املعروف والفضائل‪.‬‬
‫إننا يف السلم نلبس ُح َلل امللوك‪ ،‬ويف احلرب نترسبل الدروع السابغة‪ .‬ثم إننا يف حالة حلمنا نكون‬
‫كاجلبال الراسية‪ ،‬أما حني نثور ونجهل فإننا نتحول جنًّا‪.‬‬
‫وحني نشتغل نحن بقتال األبطال من رؤوس القبائل يكون أبوك خلف محاره يلتقط القمل‪ ،‬إن‬
‫قبيلتكم ذات جمد واهن أوهن من بيت العنكبوت‪ ،‬وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت‪.‬‬
‫ً‬
‫مشغوال عن بناء الفضائل‪.‬‬ ‫وأنت يا جرير مشغول عن بناء املجد‪ ،‬ألن اللئيم يكون دو ًما‬

‫الـتـعـلــيــــق ‪:‬‬
‫عندما ننظر يف قصيدة الفرزدق هذه نجد فيها امليزات التالية ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ أنه يف الفخر ال ُي َش ُّق له غبار‪ ،‬وذلك ألنه ينتمي إىل قبيلة ذات رشف وأصل ونسب‪ ،‬ويف‬
‫شبيها‪.‬‬
‫قل أن نجد له ً‬ ‫األبيات ‪ 7 ، 6 ، 1‬فخر قوي َّ‬
‫جريرا إال بِ ُلؤْ م‬
‫ً‬ ‫حظا من الفخر‪ ،‬ولعلك تالحظ أنه مل يهَ ْ ُج‬ ‫أما يف اهلجاء فالفرزدق أقل ًّ‬
‫أصله‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ ألفاظ الفرزدق فيها خشونة ووعورة‪ ،‬وهي ال تظهر يف هذه األبيات وإنام تظهر يف غريها‪،‬‬
‫ولعل هذه اخلشونة ناجتة من حياة البداوة التي كان يعيشها الفرزدق‪ ،‬لذا فإن علامء اللغة‬
‫الو ِع َر من األلفاظ يفضلون الفرزدق عىل جرير‪.‬‬ ‫الذين ينشدون الغريب َ‬
‫‪ 3‬ـ والعاطفة يف األبيات السابقة عاطفة الفخر واالعتزاز والزهو من قبل الشاعر بقبيلته التي بلغت‬
‫بعيدا يف الكرم والسؤدد‪ ،‬أما العاطفة يف األبيات التي هجا فيها الشاعر خصمه فهي‬ ‫شأوا ً‬‫ً‬

‫‪76‬‬
‫عاطفة النقمة ُ‬
‫والك ْره هلذا املنافس الذليل الذي حياول أن يصل إىل مكانة شاعر عظيم‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ لقد ُو ِصف الفرزدق بأنه ينحت من صخر‪ ،‬وجرير بأنه يغرف من بحر مشريين هبذا إىل‬
‫جريرا كان سلس القوايف سهل األلفاظ طويل النفس‪ ،‬يف حني كان الفرزدق َو ْعر‬ ‫ً‬ ‫أن‬
‫القوايف‪ ،‬صعب األلفاظ‪ ،‬قصري القصائد نسب ًّيا‪.‬‬
‫صورا يف‬
‫ً‬ ‫‪ 5‬ـ هذا والفرزدق جيد التصوير‪ ،‬بارع يف ابتكار الصور‪ ،‬كام جتد يف البيتني ‪9 ، 7‬‬
‫غاية اجلامل واحلسن والروعة‪.‬‬
‫قليال بسبب بداوته‪ ،‬ومع هذا فشعره ال خيلو من ذلك‪،‬‬ ‫‪ 6‬ـ لقد تأثر الفرزدق بألفاظ اإلسالم ً‬
‫كام يف أبياته ‪. 9 ، 2 ، 1‬‬
‫الـمـنـاقـشـــة ‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ ماذا أعرف عن نشأة الفرزدق ؟ ومل ُس ِّمي هبذا االسم ؟‬


‫جريرا ؟‬
‫ً‬ ‫متدح هبا الفرزدق ؟ وما الصفات التي هجا هبا‬ ‫‪ 2‬ـ ما الصفات التي َّ‬
‫‪ 3‬ـ أقارن بني أبيات الفخر وأبيات اهلجاء‪ ،‬وأبينِّ سبب تفوق الفرزدق يف إحدامها دون‬
‫األخرى‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ ما مدى تأثر الفرزدق بألفاظ الدعوة اإلسالمية ؟ ِّ‬
‫وأعلل ذلك‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ أستخرج من األبيات السابقة تراكيب يظهر فيها أثر اإلسالم‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ الفرزدق جيد التصوير‪ .‬أستخرج بعض الصور التي أعجبتني‪ ،‬وأوضحها‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ أحتدث عن عاطفة الشاعر يف األبيات السابقة‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ قال النقاد ‪ :‬الفرزدق ينحت من صخر‪ ،‬وجرير يغرف من بحر‪ .‬فام معنى هذه العبارة ؟‬
‫‪ 9‬ـ يمثل شعر النقائض ـ ومنه هذه القصيدة ـ عَ ْو َد ًة إىل ماكان اإلسالم قد قىض عليه‪ .‬أوضح هذه‬
‫العبارة‪.‬‬
‫‪77‬‬
‫(‪ )4‬جـــريــــــر‬

‫فــي الـمــــدح‬

‫التـعـريـف بالـشـاعـر ‪:‬‬


‫اخل َط َفى بطن من بطون متيم ُيدعون كليب بن يربوع ولد خد ًجيا(‪ )1‬يف‬ ‫جرير بن عط ّية َ‬
‫خالفة عثامن ـ ريض اهلل عنه ـ ويروى أن أمه رأت يف املنا ِم‪ ،‬وهي حامل به أهنا ولدت َح ْب ً‬
‫ال‬
‫جريرا‪ .‬وقد نشأ بالياممة بنجد ـ حيث‬
‫ً‬ ‫يلتف عىل أوساط الناس فيقطعها‪ ،‬فلام ولدته سمته‬
‫ً‬
‫بخيال وقومه بنو كليب بن يربوع‬ ‫ريا‬‫كانت تقيم قبيلته ـ نشأة فقرية يرعى اإلبل‪ .‬وكان أبوه فق ً‬
‫من البطون الضعيفة يف متيم‪.‬‬
‫بدأ ينظم الشعر َر َجزً ا‪ ،‬ثم مدح يزيد بن معاوية بقصيدة نال عليها أول جائزة حيرزها‪،‬‬
‫ومل يزل بعد ذلك ينظم حتى شاع ذكره‪ ،‬فاتصل بعبد امللك بن مروان ومدحه‪ ،‬ونال احلظوة‬
‫قليال‪ .‬ثم عاد فمدح عمر بن عبدالعزيز‪،‬‬‫لديه ولدى ابنه الوليد‪ ،‬ولكنه مل يتصل بسليامن إال ً‬
‫ونال جوائزه‪ ،‬مع أن عمر ـ ريض اهلل عنه ـ مل يكن جيزل املكافأة للشعراء‪ ،‬ويبدو أن عمر كان‬
‫يرى يف غزل جرير ِع َّف ًة‪ ،‬وكان يعلم أنه أكثر من الفرزدق استقامة‪ ،‬ولذا أذن له بالدخول‬
‫عليه وحجب بقية الشعراء الذين حرضوا معه كاألخطل والفرزدق واألحوص وغريهم‪،‬‬
‫جريرا كان تق ًّيا طيب العبادة‪.‬‬
‫ً‬ ‫واحلق أن‬
‫وكانت وفاة جرير بالياممة سنة ‪114‬هـ ‪.‬‬

‫(‪ )1‬اخلديج هو املولود قبل متام أيام محله‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫مـنـاسـبــة الـنــص ‪:‬‬
‫للتكسب‪ ،‬فقصدوا به اخللفاء واألمراء‬ ‫ُّ‬ ‫األموي شعرهم وسيل ًة‬
‫ّ‬ ‫اختذ الشعراء يف العرص‬
‫يمدحوهنم‪ ،‬وكان عبدامللك بن مروان يجُ زل هلم املكافأة‪ ،‬وجرير يف هذه القصيدة يمدح‬
‫عبدامللك وجياهر بطلب العطاء ويشكو فقره إىل اخلليفة بطريقة مل ُت ْعهد عند الشعراء القدامى‪،‬‬
‫وال يرتضوهنا ألنفسهم‪.‬‬

‫الـــنـــــــص ‪:‬‬

‫اح ؟‬ ‫الر َو ِ‬‫عَ ِش َّي َة هَ َّم َص ْح ُب َك بِ َّ‬ ‫اح‬‫أم ُف َؤ ادُ َك َغيرْ ُ َص ِ‬ ‫‪ 1‬ـ َأ َت ْص ُحو ْ‬
‫احي ؟‬ ‫الش ْي ُب َي ْمن َُعنِي َم َر ِ‬ ‫أهَ َذ ا َّ‬ ‫ال َك َش ْي ٌب‬ ‫ال ُت عَ َ‬ ‫العا ِذ َ‬
‫ول َ‬ ‫‪ 2‬ـ َت ُق ُ‬
‫ُر ما ِح‬ ‫ئن يجَ ْ َت ِز ْع َن عَ لىَ‬ ‫َظ َعا َ‬ ‫‪ 3‬ـ ُي َك ِّل ُفنِي ُف َؤ ا ِد ي ِم ْن هَ َو ا ُه‬
‫ك ا ل َقر ا ِح‬ ‫َو لمَ ْ َي ْأ ُك ْل َن ِم ْن َس َم ِ‬ ‫ار ى‬ ‫‪ 4‬ـ ِع َر ا ًبا لمَ ْ َي ِد َّن َم َع الن ََّص َ‬
‫اح‬‫ين َذ ِو ي ا ْمتِ َي ِ‬ ‫الو ا ِر ِد َ‬
‫َر أ ْي ُت َ‬ ‫أم َحزْ َر َة ُث َّم َق َال ْت‬ ‫‪ 5‬ـ َت َعزَّ ْت ُّ‬
‫لشبِ ِم ا ل َق َر ا ِح‬ ‫س ِم َن ا َّ‬ ‫بِأ ْن َفا ٍ‬ ‫‪ 6‬ـ ُت َع ِّل ُل َو ْه َي َسا ِغ َب ٌة بِنِ َيها‬
‫احي‬ ‫الل ْو ِم وا ْنت َِظ ِر ي ا ْمتِ َي ِ‬ ‫أذ ا َة َّ‬ ‫َ‬ ‫‪ 7‬ـ َس َأ ْمتَا ُح ا ل ُب ُحو َر َفج ِّنبِينِي‬
‫خل ِلي َف ِة بِا لن ََّجا ِح‬ ‫َو ِم ْن ِع ْن ِد ا َ‬ ‫يك‬ ‫س َلهُ شرَ ِ ٌ‬ ‫‪ 8‬ـ ثِ ِقي بِا هللِ َل ْي َ‬
‫ظعائن ‪ :‬نساء يسافرن عىل مجال جيتزعن ‪ :‬يقطعن املسافة‪ .‬رماح ‪ :‬بلد معروف يبعد عن الرياض بـ‪ً 120‬‬
‫كيال رش ًقا‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫(‪)3‬‬
‫(‪ )4‬عرا ًبا ‪ :‬حمببات لألزواج (مجع عروب)‪ .‬مل يدن مع النصارى‪ ،‬ومل يأكلن من سمك القراح ‪ :‬لسن من جواري الشام وال من جواري‬
‫البحرين بل هن عربيات أصيالت‪.‬‬
‫(‪ )5‬أم حزرة ‪ :‬زوجة جرير‪ .‬أمتاح ‪ :‬كسب العطاء‪ .‬الواردين ‪ :‬الذين يسوقون اإلبل نحو املاء‪.‬‬
‫(‪ )6‬ساغبة ‪ :‬جائعة‪ .‬أنفاس من الشيم القراح ‪ :‬جرعات من املاء البارد العذب‪.‬‬
‫(‪ )7‬أمتاح ‪ :‬أطلب العطاء‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫ذ و ا ر تيا ِح‬ ‫منك إ َّن َك‬ ‫َ‬ ‫بِ َس ْي ٍ‬
‫ب‬ ‫داك َأ يب وأ ِّمي‬ ‫‪ 9‬ـ أ ِغ ْثني يا ِف َ‬
‫فيِ َجنَا ِحي‬ ‫بت ا ل َق َو ا ِد َم‬ ‫و أ ْن َّ‬ ‫يش‬ ‫يل ِر يِ‬ ‫أش ُك ُر ْ‬
‫إن َر َد ْد َت عَ َّ‬ ‫‪ 10‬ـ َس ْ‬
‫ُب ُطو َن َر ا ِح‬ ‫و أ ْن َد ى ا َلعا لمَ ِينْ َ‬ ‫‪ 11‬ـ َأ َل ْست ُْم َخيرْ َ َم ْن َر ِك َب املَ َطا َيا‬
‫و َما شيَ ْ ٌء حمَ َ ْي َت بِ ُم ْس َت َبا ِح‬ ‫‪ 12‬ـ حمَ َ ْي َت حمِ َى تهِ َا َم َة َب ْع َد َن ْج ٍد‬

‫الــشــــــرح ‪:‬‬

‫خياطب الشاعر نفسه يف البيت األول فيقول ‪ :‬هل أنت يف كامل وعيك‪ .‬أم ترى غاب فؤادك‬
‫عندما فارقك أحبابك ؟‬
‫يلمنني ويق ْلن يل ‪ :‬لقد شاب رأسك فام لك واحلب‪ ،‬ولكن هل الشيب يمنع‬ ‫إن الالئامت ْ‬
‫اللهو ؟ إن قلبي حيملني هوى نسا ٍء مجيالت يتجهن نحو ُرماح إهنن نساء عربيات أصيالت مل‬
‫ختالط دماءهن دماء الروم وال العجم‪ .‬ثم ملا انتهى الشاعر من مقدمته الغزلية انتقل إىل غرضه‬
‫األصيل وهو مدح اخلليفة فيقول ‪:‬‬
‫إنني عندما مهمت بالذهاب إليك جزعت زوجتي (أم حزرة)‪ ،‬ثم ما لبثت أن صربت‬
‫وجت ّلدت‪ ،‬وقالت ‪ :‬إن من يرد حوض اخلليفة لن يعود خائ ًبا بل سينال العطاء‪ ،‬ولقد تركتُها يف‬
‫حالة من التفرد والعوز إىل حد أهنا ُت َسليِّ أوالدها بجرعات من املاء البارد لتصربهم عن الطعام‬
‫وقلت هلا ‪ :‬سأقصد الكرماء فال تؤذيني باللوم وانتظري حتى أعود إليك بالعطاء‪ ،‬وثقي باهلل‬
‫أن رحلتي ستكون ناجحة‪.‬‬
‫الشاعر ُي ِل ُّح وجياهر بطلب العطاء وإنام دفعه إىل ذلك فقره املدقع‪ ،‬فأنت أهيا اخلليفة‬
‫ُ‬ ‫ثم أخذ‬
‫يف الدفء واحلياة‪ .‬ثم يستخدم الشاعر‬ ‫وبعثت َّ‬
‫َ‬ ‫ذو كرم وأرحيية‪ ،‬ولسوف أشكرك إذا كسوتني‬

‫(‪ )10‬القوادم ‪ :‬الريش الكبري يف اجلناح‪.‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )9‬سيب ‪ :‬عطاء‪ ،‬ارتياح‪ ،‬كرم‪.‬‬
‫(‪ )11‬راح ‪ :‬مجع راحة وهي باطن الكف‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫أسلوب االستفهام الذي أراد به أن حيمل اخلليفة عىل االعرتاف بفضله وكرمه فالغرض من‬
‫مجيعا وأكرمهم قاطبة‬
‫االستفهام التقرير‪( ،‬ألستم خري من ركب املطايا ؟) أي أنتم خري الناس ً‬
‫ثم أخذ يمدحه بأنه محى اجلزيرة‪ ،‬وأنه ما من قوة يف األرض تستطيع أن تستبيح محاها‪.‬‬

‫الـتـعـلــيــــق ‪:‬‬
‫بدأ الشاعر قصيدته بالغزل عىل عادة الشعراء القدامى فذكر حبيبته وهي زوجته ‪ :‬ألنه‬
‫كان حيبها ح ًّبا عظيماً ‪ ،‬وهو غزل عذب رقيق‪.‬‬
‫ولقد انتقد اخلليفة مطلع القصيدة الذي يوهم أن املقصود به املخاطب الذي هو اخلليفة‬
‫لذا قال‪« :‬بل فؤادك أنت يا ابن املراغة»(‪ ،)1‬ويبدو أن اخلليفة غضب لذلك‪ ،‬إال أنه طرب طر ًبا‬
‫شديدا عندما سمع الشاعر يقول ‪( :‬ألستم خري من ركب املطايا‪ ...‬إلخ)‪ ،‬إذ قال ‪« :‬كذلك‬ ‫ً‬
‫نحن ومازلنا كذلك» وأشار إىل بعض جلسائه فقال ‪« :‬بمثل هذا فليأتني املادحون»‪ .‬غري‬
‫أن الشاعر مل يكن موف ًقا عندما جاهر بالتكسب وطلب العطاء وإراقة ماء الوجه بدون حياء‬
‫كام نلحظ ذلك يف البيت التاسع وما بعده‪.‬‬
‫(رماح)‬‫وهن يتجهن إىل ُ‬
‫‪ 1‬ـ أجاد الشاعر يف خياله عندما وصف النساء األعرابيات َّ‬
‫وو ْصفه لعروبتهن التي ال ختالطها عجمة‪ ،‬ومن وصفه اجلميل تشبيه الواردين عىل‬ ‫َ‬
‫جملس اخلليفة بالواردين عىل البحر‪.‬‬
‫ويف تشبيهه نفسه بالطائر الذي ُنتف ريشه‪ .‬كام أن قوله ‪( :‬ألستم خري من ركب املطايا)‬
‫كناية عن موصوف وهم العرب‪ ،‬ويف (أندى العاملني بطون راح) كناية عن صفة‬
‫وهي الكرم‪ ،‬وقد أورده يف صورة استفهام تقريري مجيل‪.‬‬

‫(‪ )1‬يقصد أم جرير‪ .‬واملراغة األتان‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫‪ 2‬ـ أما عاطفة الشاعر يف مطلع القصيدة يف األبيات التي حتدث فيها عن ُح ِّبه لزوجته‬
‫فهي عاطفة ذاتية صادقة عميقة؛ ألهنا تكشف عن حب طاهر يربطه برشيكة حياته‬
‫وأم أوالده التي تعاين ما يعاين من شظف العيش والفاقة‪ ،‬أما عاطفة املديح والسيام‬
‫مثل هذا املديح الذي جياهر الشاعر فيه بطلب العطاء فعاطفته أقل صد ًقا‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ وأما ألفاظ القصيدة فهي كام تشاهد ألفاظ رقيقة عذبة السيام يف شعره الذي يتغزل‬
‫فيه‪ ،‬وهي ألفاظه خالية من الغرابة أو ما يوجب ثقلها عىل السمع‪ ،‬ولشدة تناغم هذه‬
‫ً‬
‫مجيال‪.‬‬ ‫جرسا موسيق ًّيا‬
‫األلفاظ مع بعضها وانسجامها كونت ً‬

‫الـمـنـاقـشـــة ‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ أذكر نبذة خمترصة عن نشأة جرير‪ ،‬وأبني سبب تسميته هبذا االسم‪.‬‬
‫جريرا عىل سائر وفود الشعراء وأذن له بالدخول‪ .‬فلامذا ؟‬ ‫ً‬ ‫فضل عمر بن عبدالعزيز‬‫‪ 2‬ـ َّ‬
‫‪ 3‬ـ كيف استقبل عبدامللك بن مروان مطلع القصيدة التي مدحه هبا جرير ؟ وملاذا ؟‬
‫‪ 4‬ـ ما الوصف الذي وصف به جرير البدويات الظاعنات ؟‬
‫صور جرير احتياج زوجته وأطفاله ؟‬ ‫‪ 5‬ـ كيف َّ‬
‫‪ 6‬ـ ما رأيك يف البيت التاسع ؟ وما مدى تناسبه مع اخللق اإلسالمي ؟‬
‫‪ 7‬ـ ما الصورة التي صور هبا جرير نفسه يف البيت العارش ؟‬
‫‪ 8‬ـ ما البيت الذي أثار إعجاب اخلليفة ؟ أذكر ثالث حماسن هلذا البيت‪.‬‬
‫للتحس‬
‫رُّ‬ ‫‪ 9‬ـ يف القصيدة ثالثة استفهامات رائعة‪ ،‬أحدها يفيد النفي والثاين للتقرير والثالث‬
‫ّ‬
‫وأوضح كال منها‪.‬‬ ‫واحلرية‪ .‬أستخرجها‬

‫‪82‬‬
‫الـنـثــر فـي عـصــر بنـي أمـ ّيــة‬
‫‪ 1‬ــ الـخـطــابــــة‬

‫عـوامــل ازدهـارهــا ‪:‬‬


‫هناك عوامل عدة شجعت اخلطابة يف عرص بني أمية منها ‪:‬‬
‫أ ـ كثرة األحزاب السياسة واملذاهب الدين ّية وتنافس هذه األحزاب واملذاهب ليثبت‬
‫كل منها أنه عىل حق وأن منافسه عىل باطل‪.‬‬
‫ب ـ ازدهار الوعظ الديني وبروز وعاظ متخصصني يف هذا الفن‪ ،‬وهؤالء كانوا ينتهزون‬
‫كل ُفرصة للخطابة الدينية‪ ،‬باإلضافة إىل اخلطب التي سنّها اإلسالم احلنيف شعائر‬
‫من شعائره كخطب اجلمع واألعياد ومواسم احلج‪.‬‬
‫جـ ـ كثرة الوفود التي كانت تفد عىل اخللفاء واألمراء من األقاليم لتعرض أحواهلا‬
‫ومشكالهتا عىل املسؤولني‪ ،‬وكان ذلك العرض يتم عىل هيئة ُخطب‪.‬‬

‫أنــواعـهــــا ‪:‬‬
‫كانت اخلطابة يف العرص األموي عىل أربعة أنواع ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ اخلطب السياسيـة ‪ :‬وكان أهم خطبائها زياد بن أبيه‪ ،‬واحلجاج بن يوسف‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ اخلطب الـدينيـة ‪ :‬وكان رجاهلا هم الوعاظ والعلامء والفقهاء كاحلسن البرصي‪ ،‬ومالك‬
‫بن دينار‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ خطب املحافل والوفـود ‪ :‬وقد نبغ فيها سحبان وائل‪ ،‬واألحنف بن قيس وغريمها‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ خطب املعـارك ‪ :‬واشتهر فيها قواد اجليوش كقتيبة بن مسلم الباهيل‪ ،‬وطارق بن زياد‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫نـمــاذج من الـخطـابــة يف الـعـصــر األمــوي‬

‫أ ــ مـن اخلطـبـة البتـراء لـزيـاد بن أبـيـه‬

‫التـعـريـف بـاخلطيـب ‪:‬‬


‫ولد زياد بمكة من جارية فارسية اسمها ُسم ّية‪ ،‬كانت أمة للحارث بن َك َل َدة الثقفي‪،‬‬
‫فس ِّمي زياد بن أبيه‪ .‬وقد حاول أبو سفيان أن ينسبه‬ ‫طبيب العرب‪ ،‬ومل يكن أبوه معرو ًفا؛ ُ‬
‫إىل نفسه يف عهد عمر ملا رأى من نجابته وصواب رأيه‪.‬‬
‫يل ـ ريض اهلل عنه ـ‬ ‫وكان عمر ـ ريض اهلل عنه ـ يعجب به وبكالمه وعقله‪ .‬ويف عهد ع ٍّ‬
‫مناصب رفيعة‪ ،‬وأبىل يف خدمة أمري املؤمنني بال ًء حسنًا‪.‬‬
‫َ‬ ‫تولىَّ زياد‬
‫وملا توىل معاوية بن أيب سفيان اخلالفة استدعى زيادًا وعرض عليه أن يعرتف بنسبه إىل‬
‫أخا للخليفة‪ ،‬وقد حرص زياد عىل وحدة املسلمني فلم َي ُشقّ عىل‬ ‫أيب سفيان وهبذا يصبح ً‬
‫معاوية عصا الطاعة‪ ،‬وريض أن ينسلك يف خدمته‪ ،‬وأخلص فيها‪ ،‬كام أخلص يف خدمة عيل‬
‫واله معاوية البرصة‪ ،‬ثم َض َّم إليه الكوفة‪ ،‬فأصبح بذلك وايل العراق كله‪ ،‬وهناك متكن‬ ‫وقد ّ‬
‫من إقرار األمن يف السنوات اخلمس التي توىل فيها العراق‪ .‬وتويف بالطاعون يف الكوفة سنة‬
‫‪ 53‬للهجرة‪.‬‬
‫وزياد من أشهر خطباء العرص األموي‪ ،‬وكان داهية حليماً ذك ًّيا‪ ،‬وأسلوبه يف اخلطابة جزل‬

‫مـنـاسـبــة اخلـطـبــة ‪:‬‬


‫اختار معاوية زيادًا وال ًيا عىل البرصة‪ ،‬وكانت الثورات عىل بني أم ّية تنبع منها‪ .‬فلام وصل‬
‫زياد إىل البرصة صعد املنرب‪ ،‬ومل يبدأ بحمد اهلل والثناء عليه‪ ،‬كالعادة‪ ،‬وإنام اندفع كالصاعقة‬
‫‪84‬‬
‫يصب كال ًما كاحلجارة عىل رؤوس البرصيني‪ ،‬وهلذا ُس ِّميت خطبته «بالبرتاء»؛ خللوها من‬
‫ُّ‬
‫املقدمة اإلسالمية املعروفة‪ ،‬وقد تركت هذه اخلطبة أثرها يف نفوس مثريي الفتن‪ ،‬وكذا‬
‫الوالة الذين جاءوا بعد زياد فقلدوا زيادًا يف هلجة اإلرهاب التي اختارها وهو خياطب أهل‬
‫البرصة‪ ،‬فأصبح العنف والتهديد من سامت خطابة هذا العرص‪.‬‬

‫الـــنـــــــص ‪:‬‬

‫أه ِل ِه عَ لىَ النَّا ِر‪َ ،‬ما ِفي ِه‬‫والغ َّي ُاملوفيِ َ بِ ْ‬


‫الع ْم َياء‪َ ،‬‬ ‫ال َل َة َ‬
‫والض َ‬ ‫الء‪َّ ،‬‬ ‫اجل َه َال َة َ‬
‫اجل ْه َ‬ ‫إن َ‬ ‫«أما َب ْعد ‪َ :‬ف َّ‬ ‫َّ‬
‫ؤكم‪ِ ،‬م َن ُ‬
‫اشى عَ ن َْها‬ ‫الص ِغريِ‪ ،‬وال َيت ََح َ‬ ‫األ ُم ْو ِر التي َي ُش ُّب ِف َيها َّ‬ ‫اؤك ْم‪َ ،‬و َي ْش َت ِم ُل عَ َل ْي ِه ُح َلماَ ُ ْ‬ ‫فه ُ‬ ‫ُس َ‬
‫الك ِر ْيم َ‬ ‫َاب اللهَّ ِ‪َ ،‬ولمَ ْ َت ْس َم ُعوا َما َأعَ َّد ِم َن ال َّث َو ِ‬
‫أل ْهلِ َطاعَ تِ ِه‪،‬‬ ‫اب َ ِ‬ ‫الكبِريِ‪َ ،‬كأ َّن ُك ْم لمَ ْ َت ْقرؤوا ِكت َ‬ ‫َ‬
‫أل ْهلِ َم ْع ِص َيت ِه‪.‬‬ ‫اب األلِيم َ‬ ‫والع َذ ِ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫اف عَ ا ِق َب ًة‬ ‫ِئ ِمن ُْك ْم َي ُذ ُّب عَ ْن َس ِفيه ِه ُصن َْع َم ْن َ‬
‫ال يخَ َ ُ‬ ‫ين‪ُ ،‬ك ُّل ا ْمر ٍ‬ ‫الد َ‬ ‫َق َّر ْبت ُُم ال َق َرا َب َة َو َب َّعدْ ُت ُم ِّ‬
‫احل َلماَ ِء‪َ ،‬و َق ِد ا َّت َب ْعت ُُم ُّ‬
‫الس َف َها َء‪.‬‬ ‫ال َي ْر ُجو َم َعادًا‪َ ،‬ما أ ْنت ُْم بِ ُ‬ ‫َو َ‬
‫آخ َر هَ َذا‬ ‫وإح َرا ًقا‪ ،‬إين َر َأ ْي ُت ِ‬‫ض هَ دْ ًما ْ‬ ‫اب‪َ ،‬حتَّى ُأ َس ِّو َهيا بِ َ‬
‫األ ْر ِ‬ ‫الط َع ُام والشرَّ َ ُ‬ ‫يل َّ‬ ‫َح َر ٌام عَ َّ‬
‫وش َّد ٌة يف َغيرْ عُ نْف‪َ .‬وإين ُأ ْق ِس ُم‬ ‫لني يف َغيرْ ِ َض ْعف‪ِ ،‬‬ ‫أو ُلهُ ‪ٌ ،‬‬ ‫إال بِماَ َص ُل َح بِ ِه َّ‬ ‫ال َي ْص ُل ُح َّ‬ ‫األ ْم َر َ‬ ‫َ‬
‫يح‬ ‫والص ِح َ‬ ‫اص‪َّ ،‬‬ ‫بالظا ِعنِ ‪ ،‬وامل ْقبِ َل بِاملدْ بِرِ‪ِ ،‬‬
‫واملط ْي َع بِ َ‬
‫الع يِ‬ ‫يم َّ‬ ‫املولىَ ‪َ ،‬وامل ِق َ‬ ‫الوليِ َّ بِ ْ‬ ‫آلخ َذ َّن َ‬ ‫باهللِ ُ‬
‫يم‬‫أو َت ْس َت ِق َ‬ ‫ول ‪ُ « :‬ا ْن ُج َس ْع ُد‪َ ،‬ف َقدْ هَ َل َك ُس َع ْي ٌد» ْ‬ ‫أخا ُه َف َي ُق َ‬ ‫الر ُج ُل ِمن ُْك ْم َ‬ ‫يم‪َ ،‬حتَّى َي ْل َقى َّ‬ ‫الس ِق ِ‬ ‫بِ َّ‬
‫اي َود َْع َوى َ‬
‫اجلا ِه ِل َّي ِة‬ ‫إال َس َف ْك ُت َد َمه‪ ،‬وإ َّي َ‬ ‫اي َود ََل َج الل ْيلِ ‪َ ،‬فإين ال ُأو َتى بِ ُمدْ لِ ٍج َّ‬ ‫َقنَا ُت ُك ْم‪ ،‬وإ َّي َ‬
‫أح َد ْثنَا لِ ُك ِّل‬ ‫أح َدا ًثا لمَ ْ َت ُك ْن؛ َو َل َقدْ ْ‬‫أح َد ْثت ُْم ْ‬‫إال َق َط ْع ُت لِ َسا َنه‪َ .‬و َل َقدْ ْ‬ ‫أج ُد دَا ِع ًيا بهِ َ ا َّ‬ ‫ال ِ‬ ‫َفإنيِّ َ‬
‫أح َر ْقنَاه‪َ ،‬و َم ْن َن َق َب َب ْيتًا َن َق ْبنَا عَ ْن‬ ‫أح َر َق َق ْو ًما ْ‬‫ب عُ ُقو َب ًة‪َ ،‬ف َم ْن َغ َّر َق َق ْو ًما َغ َّر ْقنَاه‪َ ،‬و َم ْن ْ‬ ‫َذ ْن ٍ‬
‫ش َقبرْ ً ا َد َفنَّا ُه ِف ْي ِه َح ًّيا‪.‬‬ ‫َق ْلبِه‪َ ،‬و َم ْن َن َب َ‬
‫‪85‬‬
‫أن َي ُك َ‬
‫ون ِم ْن صرَ ْ عَ اي»‪.‬‬ ‫إن ليِ ِف ْي ُك ْم َلصرَ ْ عَ ى َكثِ َ‬
‫ري ًة‪َ ،‬ف ْل َي ْح َذ ْر ُك ٌّل ِمن ُْك ْم ْ‬ ‫َوا ْي ُم اهللِ َّ‬

‫الـتـعـلــيــــق ‪:‬‬

‫تشتمل اخلطبة البرتاء عىل جمموعة من األفكار الرئيسة وهي ‪:‬‬


‫‪ 1‬ـ توبيخ ملثريي الفتن بسبب تعاوهنم عىل الفتنة وتفضيلهم القرابة عىل الدين‪.‬‬
‫سمى باألحكام العرفية‬ ‫بأشد أنواع العقوبات‪ ،‬أو ما ُي َّ‬ ‫ِّ‬ ‫‪ 2‬ـ هتديد للعصاة بأن يؤخذوا‬
‫العصاة‪.‬‬‫التي تأخذ الطائعني بذنب ُ‬
‫التجول)‪ ،‬وحتذير من دعوى اجلاهلية‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫‪ 3‬ـ حتذير من السري ً‬
‫ليال (وهذا هو منع‬
‫وفرض لعقوبات تناسبها‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫‪ 4‬ـ تنديد باجلرائم التي ابتكرها مثريو الفتن‬
‫كل مواطنٍ أن يكون ضح ّية للفتنة‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ خامتة عنيفة حتذر ّ‬
‫اخلطبة من أبلغ اخلطب العرب ّية‪ .‬وهي تستمدُّ روعتها من األمور اآلتية ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫و ُتعدُّ هذه‬
‫ووقعا ً‬
‫بليغا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪ 1‬ـ التقسيم الرائع إىل فقرات مناسبة متوازنة حتدث موسيقا مؤثرة‬
‫َّ‬
‫والشدة ومن‬ ‫‪ 2‬ـ التأ ُّثر الواضح بأسلوب عيل ـ ريض اهلل عنه ـ من حيث الرصاحة‬
‫حيث البالغة والتأثري‪.‬‬
‫وخصوصا يف اجلزء األول من اخلطبة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪ 3‬ـ التأثر العميق باأللفاظ اإلسالمية‬
‫مؤثرا‪ .‬كقوله ‪« :‬ما فيه‬‫مجل األسلوب وجعل له رنينًا ً‬ ‫‪ 4‬ـ السجع غري املتكلف الذي ّ‬
‫سفهاؤكم‪ ،‬ويشتمل عليه حلامؤكم»‪ ،‬وقوله ‪« :‬ما أعدّ من الثواب الكريم ألهل‬
‫طاعته‪ ،‬والعذاب األليم ألهل معصيته»‪ .‬والطباق يف قوله ‪« :‬حلامؤكم‪ ،‬سفهاؤكم‪.‬‬
‫الصغري‪ ،‬الكبري‪ ،‬ثواب‪ ،‬عذاب»‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫الـمـنـاقـشـــة ‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ ما مناسبة اخلطبة البرتاء ؟ ومل ُس ِّميت هبذا االسم ؟‬


‫‪ 2‬ـ ملاذا كانت اخلطبة البرتاء مطابقة للمقام واحلال ؟‬
‫التجول‪ ،‬أذكر من اخلطبة ما يشري إىل ذلك‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫‪ 3‬ـ يف اخلطبة إعالن حلالة الطوارئ ومنع‬
‫‪ 4‬ـ ما السياسة التي سيحكم هبا زياد العراق ؟ َأهي الشدة أم اللني ؟ وكيف عرفت‬
‫ذلك ؟‬
‫مثال من األمثال يقال عندما تستحكم الشدّ ة‪ .‬فام هو وعالم ُّ‬
‫يدل‬ ‫‪ 5‬ـ استعمل زياد ً‬
‫استعامل زياد لألمثال ؟‬
‫‪ 6‬ـ يوجد يف اخلطبة بعض اإلشارات الدينية‪ .‬أستخرجها‪ ،‬ثم ّ‬
‫أوضح أثرها‪.‬‬
‫ّ‬
‫وأوضح أثرها‪.‬‬ ‫‪ 7‬ـ أستخرج من اخلطبة أساليب الطباق والسجع‬
‫‪ 8‬ـ ُي ْكثِر زياد من القسم‪ ،‬أستخرج ثالثة مواضع من القسم وأذكر ملاذا يكرر القسم ؟‬
‫‪ 9‬ـ من أين تستمدُّ هذه اخلطبة موسيقاها املؤثرة ؟‬
‫‪ 10‬ـ ما األثر الذي تركته هذه اخلطبة يف أساليب اخلطباء الذين جاؤوا بعد زياد ؟‬
‫‪ 11‬ـ تربز يف هذه اخلطبة شخصية زياد‪ .‬أوضح معامل هذه الشخصية‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫ب ــ صـفــة الـمـؤمــن لـلـحـســن الـبـصــري‬

‫التـعـريـف بـاخلطيـب ‪:‬‬


‫ولد احلسن البرصي ـ رمحه اهلل ـ يف بيئة معطرة بقراءة القرآن الكريم وأنفاس النبوة‪ ،‬وكانت‬
‫فتمر به عىل زوجات رسول اهلل ﷺ وكانت أم سلمة ـ ريض اهلل عنها ـ كث ًريا ما حتمله‪،‬‬‫أمه حتمله ُّ‬
‫فدر باللبن وكان ذلك رش ًفا وبركة حظى هبام احلسن ـ رمحه اهلل ـ إذ ترضعه‬‫إذا بكى أعطته ثدهيا َّ‬
‫أم املؤمنني‪.‬‬
‫كان احلسن يرت ّدد عىل مسجد رسول اهلل ﷺ وجيلس يف حلقات الصحابة املحدثني‪ .‬فحفظ‬
‫منارا‬
‫ظل احلسن ـ رمحه اهلل ـ ً‬ ‫القرآن َّ‬
‫وتعلم الكتابة وظهرت عليه أمارات النبوغ والعبقرية‪َّ .‬‬
‫للعلم هيتدي به الساري‪ .‬ومل ُيقبل عىل قصور اخللفاء ما عدا عمر بن عبدالعزيز‪ ،‬فهو اخلليفة‬
‫الوحيد الذي َس ِعد احلسن بخالفته وزاره وراسله وبعث إليه املواعظ والوصايا العظيمة‪.‬‬
‫تويف رمحه اهلل سنة ‪110‬هـ‪ ،‬عن عمر يقارب التسعني‪.‬‬

‫مـنـاسـبــة اخلـطـبــة ‪:‬‬


‫ً‬
‫واعظا يأمر باملعروف ويرشد املسلمني وكان ُي ْل ِقي العظات الدينية‬ ‫كان احلسن البرصي‬
‫وحيث عىل التقوى ويرشد املسلمني إىل ما جيب‬ ‫ُّ‬ ‫حافلة باحلكمة فهو ِّ‬
‫يذكر باهلل واليوم اآلخر‪،‬‬
‫أن يكونوا عليه من األخالق الكريمة وهذا النص مما قاله يف هذا الباب‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫الـــنـــــــص ‪:‬‬
‫ال‬‫ال عَ َمل‪َ ،‬و َم ْع ِر َف ٌة بغيرْ ِ َصبرْ ‪ ،‬وإ ْيماَ ٌن بِ َ‬ ‫َّاس األ َمانيِ ‪َ ،‬ق ْو ٌل بِ َ‬ ‫أه َل َك الن َ‬ ‫ات(‪ْ ،)1‬‬ ‫ات هَ ْي َه َ‬ ‫«هَ ْي َه َ‬
‫حل َساب ؟ َق َ‬
‫ال ‪َ :‬ن َع ْم‪.‬‬ ‫َي ِقينْ ‪ ،‬إ َّنماَ ِد ْي ُن َأ َح ِد َنا َل ْع َق ٌة عَ لىَ لِ َسانِ ِه‪َ ،‬إذا ُسئِ َل َأ ُمؤْ ِم ٌن َأ ْن َت بِ َي ْو ِم ا ِ‬
‫ال ِق ُاملؤْ ِمنِ ُق َّو ًة فيِ ِدين‪َ ،‬و َحزْ ًما فيِ لِني‪ ،‬وإيماَ ًنا يف‬ ‫أخ َ‬ ‫إن ِم ْن ْ‬ ‫الدينِ ؛ َّ‬ ‫َك َذ َب َو َمالِك َي ْو ِم ِّ‬
‫يف(‪ )2‬عَ لىَ َم ْن‬ ‫استِ َقا َمة‪َ .‬‬
‫ال يحَ ِ ُ‬ ‫َي ِقني‪َ ،‬و ِعلْماً فيِ ِح ْلم‪َ ،‬و ِحلْماً بِع ْلم‪َ ،‬و َذ َكا ًء فيِ ِر ْفق‪ ،‬وا ْن َصا ًفا يف ْ‬
‫ال َي ْل َعب‪َ ،‬و َ‬
‫ال َي َّتبِ ُع َما‬ ‫ال َي ْل ُهو َو َ‬ ‫ال َي ْل ِمز‪َ ،‬و َ‬‫ال يهَ ْ ِمزُ َو َ‬‫ض‪ ،‬وال َيأ َث ُم يف ُم َساعَ َدة َم ْن يحُ ّب‪َ ،‬و َ‬ ‫ُي ْب ِغ َ‬
‫س بِ َم ْع ِص َي ِة ِس َواه‪ .‬املؤْ ِم ُن‬ ‫وال َي ْش َم ُت بِ َف ِج َيع ِة َغيرْ ه َو َ‬
‫ال ُي رَ ُّ‬ ‫احل َّق ال ِذي عَ َل ْيه‪َ ،‬‬ ‫ال يجَ ْ َح ُد َ‬ ‫س َله‪َ ،‬و َ‬ ‫َل ْي َ‬
‫ات ُم َسا ِرع‪َ ،‬ق ْو ُلهُ ِش َفاء‪َ ،‬و َصبرْ ُ ه ُت َقى‪ُ ،‬س ُكو ُتهُ ِف ْك َرة‪َ ،‬و َن َظ ُر ُه‬ ‫احل ِ‬ ‫الص َ‬ ‫اشع‪ ،‬وإىل َّ‬ ‫الصال ِة َخ ِ‬ ‫فيِ َّ‬
‫است َْغ َفر‪َ ،‬‬
‫ال‬ ‫أسا َء ْ‬‫وإن َ‬ ‫اس َت ْبشرَ ‪ْ ،‬‬ ‫أح َس َن ْ‬ ‫إن ْ‬ ‫الع َلماَ َء لِ َي ْع َلم‪َ ،‬و َي ْس ُك ُت َب ْين َُه ْم لِ َي ْس َلم‪ْ ،‬‬‫ِعبرْ َ ة‪ ،‬يخُ َ الِ ُط ُ‬
‫اخل َ‬
‫ال(‪.)4‬‬ ‫ور فيِ َ‬ ‫ال(‪َ ،)3‬ش ُك ٌ‬ ‫ور فيِ املَ َ‬ ‫إال بِاللهَّ ِ‪َ .‬و ُق ٌ‬ ‫َيت ََع َّو ُذ بِ َغيرْ ِ اللهَّ ِ‪َ ،‬و َ‬
‫ال َي ْس َت ِعينْ ُ َّ‬
‫الذا ِكرِين»‪.‬‬ ‫الغا ِف ِلينْ َ ُكتِ َب ِم َن َّ‬‫س َم َع َ‬ ‫إن َج َل َ‬ ‫الء‪ْ ،‬‬ ‫الر َخا ِء‪َ ،‬صابِ ٌر عَ لىَ ال َب َ‬ ‫َحا ِم ٌد عَ لىَ َّ‬
‫ون ِم ْن‬ ‫ان ُامل ْس ِل ُم َ‬‫وج َّل‪َ ،‬وهَ َك َذا َك َ‬ ‫َبي ﷺ َحتَّى لحَ ُقوا بِاهللِ عَ زَّ َ‬ ‫اب الن ِّ‬ ‫أص َح ُ‬ ‫ان ْ‬ ‫هَ َك َذا َك َ‬
‫الصالِ ِح‪ ،‬وإنام ُغيرِّ َ بِنَا ِحينْ َ َغيرَّ ْ َنا‪.‬‬ ‫فك ْم َّ‬ ‫َس َل ُ‬
‫{‬
‫}(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬هيهات ‪ :‬يقصد بأنه من املستبعد أن يكون اإليامن بالكالم‪.‬‬


‫(‪ )2‬حييف ‪ :‬يظلم‪.‬‬
‫(‪ )3‬يف املال ‪ :‬يف حضور الناس‪.‬‬
‫(‪ )4‬يف اخلال ‪ :‬وهو خال وحده‪.‬‬
‫(‪ )5‬سورة الرعد‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫الـتـعـلــيــــق ‪:‬‬
‫اشتهر احلسن البرصي باملوعظة احلسنة الرفيعة وموعظته وليدة فكر متأ ِّمل‪ ،‬وقد بدأ احلسن‬
‫ـ رمحه اهلل ـ موعظته بلوم من يدّ عي اإليامن باليوم اآلخر‪ ،‬وأعامله ختالف أقواله‪ ،‬ثم أخذ يعدد ما‬
‫َ‬
‫فضائل كالصرب واليقني واحلزم واحللم والذكاء والرمحة وعفة اللسان‪...‬‬ ‫يتصف به املؤمن من‬
‫وتتجلىّ يف أسلوب احلسن خصائص جتعله يف غاية التأثري‪ ،‬كجامل التقسيم‪ ،‬وقرص اجلمل‬
‫وتوازهنا‪ ،‬واالستشهاد بآي الذكر احلكيم‪ ،‬وصدق اللهجة‪ ،‬وحرارة العاطفة‪ ،‬وعذوبة اللفظ‪،‬‬
‫واستعامل السجع يف غري ُّ‬
‫تكلف‪ ،‬رَ ْ‬
‫وضب األمثال‪ ،‬واستعامل التشبيه لتقريب املعنى‪.‬‬
‫والسنة‪.‬‬
‫أما معانيه فهي قبس من نور الكتاب ُّ‬

‫الـمـنـاقـشـــة ‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ يف أي بيئة عاش احلسن رمحه اهلل ؟ وما مدى تأثريها عىل حياته وعلمه ؟‬
‫‪ 2‬ـ َمنِ اخلليفة الذي سعد احلسن بخالفته ؟ وكيف كانت عالقته به ؟‬
‫‪ 3‬ـ ما الذي ينكره َ‬
‫احل َسن عىل الناس ؟ وإالم يدعوهم ؟‬
‫‪ 4‬ـ ما الفضائل التي ينبغي أن يتصف هبا املؤمن احلق ؟‬
‫‪ 5‬ـ ملاذا كانت موعظة احلسن هذه مؤثرة ؟‬
‫‪ 6‬ـ ملاذا استعمل احلسن التشبيه ؟ أذكر ً‬
‫مثاال من النص يوضح ما أقول‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ من أين استمد احلسن معانيه ؟ ِّ‬
‫أدلل عىل ما أقول‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ تتميز هذه اخلطبة بالوضوح التام‪ .‬أعلل ذلك‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫الـفـنـيــة يف الـعـصـر األمــوي‬
‫َّ‬ ‫‪ 2‬ــ الـكـتـابــة‬

‫كانت الكتابة الفنية يف العرص اإلسالمي ويف معظم العرص األموي ارجتال َّية غري مرسومة‬
‫األصول وال َّ‬
‫حمددة املعامل‪ ،‬إىل أن وضع أصوهلا وقواعدها عبداحلميد بن حييى الكاتب ـ رمحه‬
‫اهلل ـ وهو كاتب فاريس األصل يعترب بحق منشئ الكتابة العربية‪ ،‬ومؤسس بنائها‪ ،‬حتى لقد‬
‫قال النقاد ‪« :‬بدئت الكتابة بعبد احلميد‪ ،‬وانتهت بابن العميد»‪.‬‬
‫مفصلة لعبد احلميد‪ ،‬مع نامذج من أدبه الرفيع‪ ،‬لنتعرف‬ ‫وهلذا سوف نعرض ترمجة ّ‬
‫من خالهلا عىل اخلصائص العامة ألسلوبه التي هي نفسها خصائص الكتابة الفنية يف هذا‬
‫العرص‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫عـبـدالـحـمـيــد بـن يـحـيـى الـكـاتــب‬

‫نـشـأتــه وحـيـاتــه ‪:‬‬


‫عبداحلميد بن حييى الكاتب ولد حوايل سنة ‪ 60‬للهجرة يف مدينة األنبار عىل هنر الفرات‪،‬‬
‫ول ًدا من أصل فاريس أو آرامي‪.‬‬ ‫مل يكن عريب األصل بل كان ُم ّ‬
‫وقد اشتغل يف مستهل حياته معلماً للصبيان ثم ا َّتصل بسامل بن عبداهلل كاتب هشام بن عبدامللك‬
‫وقربه وقدّ مه فعرفه اخللفاء‪ ،‬ثم أصبح كاتب مروان بن‬ ‫ُ‬
‫فأعجب به سامل وأصهر إليه فتزوج شقيقته ّ‬
‫حممد أيام كان ول ًّيا للعهد‪ ،‬وملا تولىّ مروان اخلالفة أصبح عبداحلميد شيخ ُ‬
‫الكتاب يف عرصه‪.‬‬
‫ثم ملا قامت الدعوة العباسية وزحفت جيوش العباسيني وهُ زِم مروان بن حممد يف معركة‬
‫تعرضوا آلالم ومصائب حتى‬ ‫فر هو وكاتبه‪ ،‬وبعض املقربني منه إىل مرص‪ ،‬وهناك َّ‬ ‫الزَّ اب‪َّ ،‬‬
‫وس ِدل الستار عىل الدولة األموية سنة ‪ 132‬للهجرة‪.‬‬ ‫قتل مروان وكاتبه يف بوصري‪ُ ،‬‬

‫صـفـــاتــــه ‪:‬‬
‫كان عبداحلميد ـ رمحه اهلل ـ عىل جانب من األخالق الفاضلة‪ ،‬وكان ورعً ا تق ًّيا دينًا‬
‫مشهودًا له بالعفاف واالستقامة‪.‬‬
‫ومن أبرز صفاته الوفاء للصداقة‪ ،‬ومن أمثلة وفائه أن مروان بن حممد آخر خلفاء‬
‫رجل صاحب صناعة حتتاجها الدول يف كل زمان‪،‬‬ ‫األمويني قال له ‪ :‬يا عبداحلميد إنك ٌ‬
‫تتحول إىل بني العباس عسى أن تبلغ بكتابتك هلم منزلة قد تنفعني يف حيايت وتنفع‬
‫وأرى أن َّ‬
‫ذريتي بعد ممايت‪ .‬وهنا أطرق عبداحلميد‪ ،‬ثم رفع رأسه وقال ‪ :‬إن هذا الرأي الذي َ‬
‫رأيت‬
‫هو أحسن الرأيني لك وأقبحهام يل ثم أنشد ‪:‬‬
‫‪92‬‬
‫فمن يل بعذ ٍر يوسع الناس ظاهر ْه‬ ‫هر غد ر ًة‬ ‫رس و فا ًء ثم ُأ ْظ ُ‬
‫أ ُّ‬
‫ومل َيزَ ْل عىل وفائه للخليفة حتى ُقتِل معه‪ ،‬كام أسلفنا‪.‬‬
‫لكل من حيرتف حرفة الكتابة‪،‬‬‫أيضا ِّ‬‫ومن صفات عبداحلميد إخالصه يف عمله‪ ،‬وإخالصه ً‬
‫فقد كان يعلم يقينًا مدى أمهية الكتابة يف حياة األفراد واجلامعات‪ ،‬ويعرف أن الكتَّاب ذوو أثر‬
‫بالغ يف أخالق الناس‪ ،‬ويبدو أن الكتّاب كانوا ُي َق ِّدرون لعبد احلميد عواطف اإلخالص والوفاء‪،‬‬
‫فقد ُر ِوي أن عبداهلل بن املقفع حاول يو ًما أن يفديه بنفسه‪ ،‬وتروي كتب التاريخ أن جنود بني‬
‫العباس اقتحموا البيت الذي فيه عبداحلميد فوجدوه هو وعبداهلل بن املقفع‪ ،‬فسألومها من منكام‬
‫عبداحلميد؟ فجعل ٌ‬
‫كل منهام يقول ‪ :‬أنا هو وأخيرْ ً ا تقدم عبداحلميد وأثبت هلم بالشواهد واألدلة‬
‫أنه هو فأخذ وقتل‪.‬‬
‫ومن صفات عبداحلميد التي حتلىّ هبا أنه كان واسع الثقافة يف العلوم اإلسالمية والعربية‪،‬‬
‫عميق الفهم للقرآن الكريم‪ ،‬وكان إىل ذلك بعيد النظر يف شؤون السياسة واحلكم‪ .‬كام كان‬
‫عىل خربة ممتازة بوسائل تربية األبناء ووالة العهود‪.‬‬

‫مـصـادر ثـقـافـتــه ‪:‬‬


‫يمكن تلخيص املصادر التي استقى منها عبداحلميد ثقافته وأدبه فيام ييل ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ اطالعه عىل اآلداب العربية وبخاصة خطب عيل ريض اهلل عنه‪.‬‬
‫ويلم باألدب‬
‫فاريس األصل جييد لغة قومه ُّ‬ ‫َّ‬ ‫‪ 2‬ـ ثقافته الفارسية حيث كان عبداحلميد‬
‫الفاريس‪ ،‬ويعرف عادات أدباء الفرس من ميل إىل التفخيم‪ ،‬واإلطناب وختيرّ‬
‫العبارات‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ خمالطته للعلامء الفضالء من العرب‪ ،‬ألنه قىض مرحلة صباه يف الكوفة التي كانت‬

‫‪93‬‬
‫يف ذلك احلني مركزً ا من مراكز الثقافة واألدب‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ اتصاله باخللفاء وسع من آفاقه وجعله يطلع عىل أحوال الناس وجتارهبم‪ ،‬وعندما‬
‫عال شأنه عند اخللفاء أتيحت له فرصة التدرب واملران عىل أنواع خمتلفة من الرسائل‬
‫يف شتَّى شؤون الدولة‪.‬‬
‫نـمــاذج مـن رسـائـلــه ‪:‬‬
‫الكتَّـاب ‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ من رسالة عبداحلميـد إىل زمالئـه ُ‬
‫للكتّاب منهاج الفضائل التي َتليق بمركزهم يف‬ ‫كتب عبداحلميد هذه الرسالة يرسم ُ‬
‫توجه أخالق املجتمع‪ ،‬فقال بعد محد اهلل والثناء عليه ‪:‬‬
‫وأر َش َد ُك ْم‪َ .‬ل َقدْ َج َع َل ُكم‬ ‫وو َّف َق ُك ْم ْ‬ ‫اط ُك ْم َ‬ ‫الكتَا َب ِة‪َ ،‬و َح َ‬ ‫أه َل ِص َناعَ ِة ِ‬ ‫«أما َب ْع ُد‪َ ،‬ح ِف َظ ُك ُم اللهَّ ُ َيا ْ‬ ‫َّ‬
‫والر َزا َن ِة‪ ،‬بِ ُك ْم َت ْنت َِظ ُم‬
‫روءات وال ِع ْل ِم َّ‬ ‫ِ‬ ‫َب ُ‬
‫وامل‬ ‫أه َل األد ِ‬ ‫ات‪ْ ،‬‬ ‫جل َه ِ‬ ‫فا ِ‬ ‫َّاب يف أشرْ َ ِ‬ ‫الكت ِ‬ ‫اللهَّ ُ َيا َم ْعشرَ َ ُ‬
‫لق ُس ْل َطانهَ ُْم‪ ،‬و ُي َع ِّم ُر ُب ْل َدانهَ ُْم‬‫لخ ِ‬ ‫ائح ُك ْم ُي ْص ِل ُح ُ‬
‫اهلل لِ َ‬ ‫ورهَ ا‪ ،‬وبِن ََص ِ‬ ‫يم ُأم ُ‬ ‫ال َف ِة محَ َ ِ‬
‫اسن َُها‪ ،‬و َت ْس َت ِق ُ‬ ‫لِ ْل ِخ َ‬
‫إال ِمن ُْك ْم‪.‬‬‫اف َّ‬ ‫وج ُد َك ٍ‬ ‫ال ُي َ‬ ‫ال َي ْست َْغنِي ُامل ْل ُك عَ ن ُْك ْم‪َ ،‬و َ‬ ‫َ‬
‫الكاتِ َب‬ ‫فإن َ‬ ‫اخليرْ ِ ِمن ُْك ْم‪َّ ،‬‬ ‫ال ِل َ‬ ‫اجتِماَ ِع ِخ َ‬ ‫أح َو َج إلىَ ْ‬ ‫ات ِّ‬
‫كل َها ْ‬ ‫الص َناعَ ِ‬ ‫أهلِ ِ‬ ‫أح ٌد ِم ْن ْ‬ ‫س َ‬ ‫َو َل ْي َ‬
‫حل ْلم‪َ ،‬ف ِهيماً فيِ َم ْو ِض ِع ال َف ْهم‪ِ ،‬م ْق َدا ًما يف َم ْو ِض ِع اإل ْق َدام‪،‬‬ ‫ون َح ِليماً يف َم ْو ِض ِع ا ِ‬ ‫أن َي ُك َ‬ ‫َاج ْ‬ ‫يحَ ْ ت ُ‬
‫للع َفاف‪،‬‬ ‫الش َّدة‪ُ ،‬مؤْ ثِ ًرا َ‬ ‫وض ِع ِّ‬ ‫اللني‪َ ،‬ش ِد ْي ًدا فيِ َم ِ‬ ‫اإلح َجام‪َ ،‬ل ِّينًا يف َم ْو ِض ِع ِّ‬ ‫وض ِع ْ‬ ‫محِ َْجا ًما يف َم ِ‬
‫الشدائد‪.‬‬ ‫والعدْ ِل واإل ْن َصاف‪َ ،‬كتُو ًما لألسرْ َ ار‪َ ،‬و ِف ًّيا ِعن َْد َّ‬ ‫َ‬
‫َاب اللهَّ ِ عَ زَّ‬
‫الدين‪ ،‬وا ْب َدؤوا بِ ِع ْل ِم ِكت ِ‬ ‫اآلداب‪َ ،‬و َت َف َّق ُهوا يف ِّ‬
‫ِ‬ ‫َّاب يف ُصن ِ‬
‫ُوف‬ ‫الكت ِ‬ ‫َف َتنَا َف ُسوا َيا َم ْعشرَ َ ُ‬
‫وار ُووا‬ ‫اخل َّط َفإ َّنهُ ِح ْل َي ُة ُك ُتبِ ُك ْم‪ْ ،‬‬‫أج ُيدوا َ‬ ‫اف(‪ )1‬أ ْل ِس َنتِ ُك ْم‪ُ ،‬ث َّم ِ‬ ‫ض‪ُ ،‬ث َّم َ‬
‫الع َربِ َّي ِة َفإنهَّ َا ثِ َق ُ‬ ‫وج َّل وال َف َرائِ َ‬ ‫َ‬
‫ني‬ ‫إن َذلِ َك ُم ِع ٌ‬ ‫وأحا ِدي َث َها َو ِسيرَ َ هَ ا‪َ ،‬ف َّ‬ ‫والع َج ِم َ‬ ‫الع َر ِب َ‬ ‫واع ِر ُفوا َغرِي َب َها َو َم َعانِ َي َها‪ ،‬وأ َّي َام َ‬ ‫األش َع َار ْ‬ ‫ْ‬
‫اخل َراج‪.‬‬ ‫َّاب َ‬ ‫اب‪َ ،‬فإ َّنهُ ِق َو ُام(‪ُ )2‬كت ِ‬ ‫حل َس ِ‬ ‫َل ُك ْم عَ لىَ َما َت ْس ُمو َإل ْي ِه همِ َ َم ُك ْم‪ ،‬وال ُت َض ِّي ُعوا الن ََظ َر يف ا ِ‬
‫(‪ )2‬قوام ‪ :‬عامد‪.‬‬ ‫(‪ )1‬ثقاف ‪ُ :‬م َق ِّوم‪ .‬‬

‫‪94‬‬
‫واجل َه َال ِة‪ ،‬وإ َّي ُاك ْم ِ‬
‫والكبرْ َ‬ ‫الد َناء ِة َ‬ ‫أه ُل َّ‬ ‫يم ِة‪ ،‬و َما ِفي ِه ْ‬ ‫الس َعا َي ِة وال َّن ِم َ‬ ‫ونزِّ هُ وا ِص َناعَ ت َُك ْم عَ نِ ِّ‬
‫أهلِ‬ ‫يم ُة ْ‬ ‫واص ُلوا عَ َل ْي َها‪ ،‬فإنهَّ َا ِش َ‬ ‫وجل يف ِص َناعَ تِ ُك ْم‪َ ،‬و َت َ‬ ‫َّ‬ ‫والع َظ َمة‪ ،‬وتحَ َ ا ُّبوا يف اللهَّ ِ عَ زَّ‬ ‫ف َ‬ ‫والس ْخ َ‬ ‫ُّ‬
‫يف َر ِف ْي ًقا‪،‬‬ ‫الض ِع ِ‬ ‫ب اللهَّ َ‪ ،‬و ْل ُيؤْ ثِ ْر َطاعَ تَه‪َ ،‬و ْل َي ُك ْن عَ لىَ َّ‬ ‫الر ُج ُل ِمن ُْك ْم‪َ ،‬ف ْليرُ َ ا ِق ِ‬ ‫ال َف ْضل‪ .‬وإذا وليِّ َّ‬
‫ال اللهَّ ِ‪َ ،‬‬
‫وأح ُّب ُه ْم َإل ْي ِه ْأر َف ُق ُه ْم بِ ِع َيالِ ِه‪.‬‬ ‫فإن َ‬
‫اخل ْل َق ِع َي ُ‬ ‫ْص ًفا‪َّ ،‬‬ ‫ولِ ْل َم ْظ ُلو ِم ُمن ِ‬
‫فإن َذلِ َك َإل ْي ِه َوبِ َي ِد ِه‪.‬‬
‫الس َع َدا َء‪َّ ،‬‬ ‫والك َت َب ِة بِماَ َي َتولىَّ بِ ِه ُّ‬‫الط َل َب ِة َ‬ ‫النا اللهَّ ُ وإ َّي ُاك ْم َيا َم ْعشرَ َ َّ‬ ‫َت َو َّ‬
‫ال ُم عَ َل ْي ُك ْم َو َرحمْ َُة اللهَّ ِ َو َب َر َكا ُتهُ »‪.‬‬‫الس َ‬‫َو َّ‬

‫الـتـعـلــيــــق ‪:‬‬
‫اشتمل هذا النص عىل األفكار الرئيسة اآلتية ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ مكانة الكتَّاب العظيمة يف املجتمع‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ العلوم التي جيب أن يتحلىَّ هبا الكاتب ليتبوأ منزلة حمرتمة‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ الفضائل التي جيب أن يتحىل هبا الكاتب ليكسب سعادة الدارين‪.‬‬
‫بكل هذه الفضائل فال بد من أنه كان عىل قسط وافر منها‬ ‫وإذا كان عبداحلميد يويص ِّ‬
‫ألن اإلناء ينضح بام فيه‪.‬‬
‫مثال لألصالة الصافية التي ال يشوهبا ُّ‬
‫التكلف‪ ،‬فهو‬ ‫وأسلوب عبداحلميد يف هذه الرسالة ٌ‬ ‫ُ‬
‫هيتم باملعاين‪ ،‬وال ُيغ ِف ُل مجال األلفاظ‪ ،‬وتتجلىّ يف كالمه الثقافة اإلسالمية كام ترى يف روايته‬
‫للحديث الرشيف «اخللق عيال اهلل وأحبهم إليه أرفقهم بعياله»‪.‬‬
‫وخلوها من الغرابة والتعقيد‪ ،‬إضافة إىل أهنا‬
‫ِّ‬ ‫أيضا بحسن الصياغة‪،‬‬ ‫وتتميز هذه الرسالة ً‬
‫متامسكة األجزاء تشكل كال ال يتجزأ‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫‪ 2‬ـ رسالتـه إىل أهـلـه ‪:‬‬
‫فر هو وآخر خلفاء‬ ‫هذه الرسالة كتبها عبداحلميد إىل أهله أثناء وجوده يف مرص عندما ّ‬
‫بني أمية مروان بن حممد‪ ،‬بعد هزيمة مروان أمام جيوش العباسيني وفيها يعاين الكاتب آالم‬
‫الغربة ومصائب الزمان‪.‬‬
‫الك ْره والشرُّ ُ و ِر‪َ ،‬ف َم ْن َساعَ َد ُه َ‬
‫احل ُّظ ِف ْي َها َس َك َن‬ ‫فإن اللهَّ َ َت َعالىَ َج َع َل الدُّ ْن َيا محَ ُْفو َف ًة بِ ُ‬
‫«أما َب ْع ُد‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫ِيدا لهَ َا(‪.)2‬‬‫اخ ًطا عَ َل ْي َها‪َ ،‬و َش َكاهَ ا ُم ْس َتز ً‬ ‫َإل ْي َها(‪َ ،)1‬و َم ْن عَ َّضتْهُ َذ َّم َها َس ِ‬
‫است َْح َل ْي َناهَ ا‪ُ ،‬ث َّم جمَ ََح ْت بِنَا َنا ِف َرة‪َ ،‬و َرمحَ َ ْتنَا(‪ُ )4‬م َو ِّلية‪َ ،‬ف َم ُل َح‬ ‫يق(‪ْ )3‬‬ ‫َو َقدْ َكا َن ْت أذا َق ْتنَا أ َفا ِو َ‬
‫فالد ُار َنا ِز َحة(‪َّ ،)5‬‬
‫والطيرْ ُ‬ ‫اإلخ َوان‪َّ ،‬‬ ‫األو َطان‪َ ،‬و َف َّرق ْتنَا عَ نِ ْ‬ ‫وخ ُش َن ل ِّين َُها‪َ ،‬فأ ْب َع َد ْتنَا عَ نِ ْ‬ ‫عَ ْذبهُ َ ا‪َ ،‬‬
‫َبا ِر َحة(‪.)6‬‬
‫فإن َتتِ َّم ال َب ِل َّي ُة إلىَ أ ْقىص ُم َّدتهِ َا َي ُك ْن‬‫وج ًدا‪ْ ،‬‬ ‫ِيد َنا ِمن ُْك ْم ُب ْع ًدا َ‬
‫وإل ْي ُك ْم ْ‬ ‫َو َقدْ َك َت ْب ُت واأل َّي ُام َتز ُ‬
‫اإلسار‪،‬‬ ‫يك ْم(‪َ )7‬ن ْر ِج ْع َإل ْي ُك ْم بِ ُذ ِّل َ‬ ‫أظ َفا ِر َم ْن َي ِل ُ‬
‫إن َي ْل َح ْقنَا ُظ ْف ٌر َجا ِر ٌح ِم ْن ْ‬ ‫الع ْه ِد بِ ُك ْم َوبِنَا‪َ ،‬و ْ‬
‫آخ ُر َ‬ ‫ِ‬
‫والذ ُّل شرَ ُّ َجار‪.‬‬
‫ُّ‬
‫امعة‪ ،‬يف دَا ٍر آ ِمنَة‪،‬‬ ‫ول ُك ْم ُأ ْل َف ًة َج َ‬ ‫أن يهَ َ َب َلنَا َ‬ ‫أل اللهَّ َ ال ِذي ُي ِعزُّ َم ْن َي َشاء‪ ،‬و ُي ِذ ُّل َم ْن َي َشاء‪ْ ،‬‬ ‫َن ْس ُ‬
‫الراحمِ ِني»‪.‬‬ ‫وأر َح ُم َّ‬ ‫العالمَ ني ْ‬ ‫ان واأل ْد َيان‪َ ،‬فإ َّنهُ َر ُّب َ‬ ‫تجَ ْ َم ُع َس َ‬
‫ال َم َة األ ْب َد ِ‬

‫(‪ )1‬سكن إليها ‪ :‬أمنها واطمأن إليها‪.‬‬


‫ً‬
‫مستزيدا هلا ‪ :‬طال ًبا منها الزيادة من أمر اخلري‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫(‪ )3‬أفاويق ‪ :‬يقصد حلي ًبا‪ .‬‬
‫(‪ )4‬رحمتنا ‪ :‬رفستنا‪.‬‬
‫(‪ )5‬نازحة ‪ :‬نائية‪.‬‬
‫(‪ )6‬بارحة ‪ :‬مارة نحو اليسار كناية عن الشؤم وهو ما هنى عنه اإلسالم من التطري‪.‬‬
‫(‪ )7‬ظفر جارح ممن يليكم ‪ :‬قطعة من اجليش العبايس الذي عندكم‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫الـتـعـلــيــــق ‪:‬‬
‫اشتمل النص عىل األفكار التالية ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ أن الدنيا دار أمل ورسور‪ ،‬يطمئن إليها من تقبل عليه برسورها‪ ،‬و َيت ََذ َّمر منها من تسوق إليه‬
‫مصائبها‪.‬‬
‫تنكر األيام لعبد احلميد بعد أن كانت مجيلة سعيدة‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ ُّ‬
‫موت يف الغربة وفراق إىل األبد‪ ،‬وإما عودة‬ ‫‪ 3‬ـ احتامل أمر من اثنني بالنسبة لعبداحلميد ‪ :‬إما ٌ‬
‫ذل وإسار إذا حلق به اجليش العبايس‪.‬‬ ‫ٍّ‬
‫‪ 4‬ـ دعوات إىل اهلل تعاىل أن جيمع الشمل ويصلح أمر الدنيا والدين‪.‬‬
‫حارة‪ ،‬حيركها شوقه إىل أهله‪،‬‬ ‫تنبض بعاطفة صادقة َّ‬‫وعندما ننظر يف هذه الرسالة نجد أهنا ُ‬
‫وحنينه إىل موطنه‪ ،‬بام دعاه إىل أن يصوغ هذه الرسالة بأسلوب عذب‪ ،‬غاية يف الرقة‬
‫والسهولة‪ ،‬يتميز بقرص اجلمل وتوازهنا‪ ،‬إىل جانب السجع العفوي اجلميل‪.‬‬
‫وقدجلأعبداحلميدإىلاستخدامبعضالصوراخلياليةاجلميلة‪،‬كتشبيههالدنيامرةبالسبعومرة‬
‫بالناقة‪ ،‬وكتشبيهه الكتيبة من اجليش بالظفر اجلارح‪ ،‬وكالكناية التي ُّ‬
‫تدل عىل التشاؤم يف‬
‫قوله ‪« :‬والطري بارحة»‪.‬‬

‫اخلصائص الفنية ألسلوب عبداحلميد ‪:‬‬


‫اخت ََّط منهجها وطريقتها‬
‫إذا ذكرنا الكتابة الفنية يف العرص األموي فنحن نعني الكتابة التي ْ‬
‫عبداحلميد الكاتب وقد متيزت الكتابة عىل يده باخلصائص اآلتية ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ استهالل الرسائل باسم اهلل وبحمده ومتجيده‪ ،‬والصالة عىل نبيه الكريم‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ تزيني الرسالة بح ْلية من آيات القرآن الكريم واالقتباس من أسلوب القرآن وما‬
‫فيه من روائع املعاين والصور‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ إطالة عبداحلميد الرسائل إطالة مل تكن معهودة من قبل‪ ،‬ولذلك قال نقاد األدب‬
‫عنه ‪ :‬إنه أول من أطال الرسائل واستعمل التحميدات‪.‬‬
‫‪97‬‬
‫‪ 4‬ـ عُ ني عبداحلميد بتجويد العبارة وتفخيمها واالعتامد عىل السجع يف غري تك ّلف‪ ،‬وعىل‬
‫ُحسن تقسيم اجلمل وتوازهنا وترادف عباراهتا‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ ظهرت يف الكتابة بدايات من آثار الثقافة الفارسية‪ ،‬ولكن الطابع العام للكتابة يف‬
‫طابعا عرب ًّيا‪.‬‬
‫ظل ً‬ ‫العرص األموي ّ‬
‫‪ 6‬ـ معاين عبداحلميد متسلسلة ومرتابطة تسري يف نسق منطقي‪.‬‬
‫تكون فنًّا ومستوى يف الكتابة ً‬
‫ممتازا‪ ،‬مما جعل الشعراء يرضبون األمثال‬ ‫وهذه اخلصائص ِّ‬
‫ببالغة عبداحلميد‪ .‬كام جاء يف مدح البحرتي ملحمد بن عبدامللك الزيات‪ ،‬إذ يقول ‪:‬‬
‫فن عب ِد احلمي ِد‬
‫الناس َّ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫عط َل‬ ‫ْت يف ا لبال غ ِة حتَّى‬ ‫و تف ّنن َ‬

‫الـمـنـاقـشـــة ‪:‬‬

‫مأثورا يف النقد‪ ،‬سبق أن ذكرناه‪ ،‬وهو قوهلم ‪ُ « :‬ب ِدئت الكتابة بعبداحلميد‪،‬‬
‫ً‬ ‫وتداول النقاد ً‬
‫قوال‬
‫وانتهتبابنالعميد»‪.‬‬
‫عر ُف بنشأته‬‫‪ 1‬ـ عبداحلميد الكاتب هو الذي أنشأ الكتابة العربية ووضع أصوهلا وقواعدها‪ُ ،‬أ ِّ‬
‫وصفاته ؟ ومن أين استقى ثقافته وأدبه ؟‬
‫‪ 2‬ـتعترب الرسالة التي بعثهبا عبداحلميد إىل زمالئه ُ‬
‫الكتَّاب من الرسائل الفريدة يف الكتابة العربية‪،‬‬
‫فام األفكار الرئيسة التي اشتملت عليها هذه الرسالة ؟ وما سامت أسلوب هذه الرسالة ؟‬
‫‪ 3‬ـ كتب عبداحلميد الكاتب رسالة إىل أهله وهو يف مرص‪ ،‬فام األفكار الرئيسة التي اشتملت‬
‫عليها هذه الرسالة ؟‬
‫‪ 4‬ـ أصف شعور الكاتب يف الغربة ؟ (أجيب من خالل توضيح عاطفته يف الرسالة السابقة)‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ يف هذه الرسالة عىل قرصها جمموعة رائعة من الصور اخليالية‪ .‬أستخرجها وأوضح مجاهلا‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ ما خصائص الكتابة الفنية يف العرص األموي ؟‬

‫‪98‬‬
‫الـواجبـات املنـزليـة اليت كلـف بها الطـالـب والطـالبـة‬
‫إحـضــار الـواجــب‬ ‫رقـــم‬ ‫تـاريــخ‬
‫مـالحـظــات‬ ‫الدرجة‬ ‫مـوضـوع الـواجــب‬
‫الـتــاريــــخ‬ ‫اليوم‬ ‫الصفحة‬ ‫إعطـاء الواجـب‬
‫‪14 / /‬هـ‬ ‫‪14 / /‬هـ‬
‫‪14 /‬هـ‬ ‫‪/‬‬ ‫‪14 /‬هـ‬ ‫‪/‬‬
‫‪14 /‬هـ‬ ‫‪/‬‬ ‫‪14 /‬هـ‬ ‫‪/‬‬
‫‪14 /‬هـ‬ ‫‪/‬‬ ‫‪14 /‬هـ‬ ‫‪/‬‬
‫‪14 /‬هـ‬ ‫‪/‬‬ ‫‪14 /‬هـ‬ ‫‪/‬‬
‫‪14 /‬هـ‬ ‫‪/‬‬ ‫‪14 /‬هـ‬ ‫‪/‬‬
‫‪14 /‬هـ‬ ‫‪/‬‬ ‫‪14 /‬هـ‬ ‫‪/‬‬
‫‪14 /‬هـ‬ ‫‪/‬‬ ‫‪14 /‬هـ‬ ‫‪/‬‬
‫‪14 /‬هـ‬ ‫‪/‬‬ ‫‪14 /‬هـ‬ ‫‪/‬‬
‫‪14 /‬هـ‬ ‫‪/‬‬ ‫‪14 /‬هـ‬ ‫‪/‬‬
‫‪14 /‬هـ‬ ‫‪/‬‬ ‫‪14 /‬هـ‬ ‫‪/‬‬
‫‪14 /‬هـ‬ ‫‪/‬‬ ‫‪14 /‬هـ‬ ‫‪/‬‬
‫‪14 /‬هـ‬ ‫‪/‬‬ ‫‪14 /‬هـ‬ ‫‪/‬‬
‫‪14 /‬هـ‬ ‫‪/‬‬ ‫‪14 /‬هـ‬ ‫‪/‬‬
‫‪14 /‬هـ‬ ‫‪/‬‬ ‫‪14 /‬هـ‬ ‫‪/‬‬
‫‪14 /‬هـ‬ ‫‪/‬‬ ‫‪14 /‬هـ‬ ‫‪/‬‬
‫‪14 /‬هـ‬ ‫‪/‬‬ ‫‪14 /‬هـ‬ ‫‪/‬‬
‫‪14 /‬هـ‬ ‫‪/‬‬ ‫‪14 /‬هـ‬ ‫‪/‬‬
‫‪14 /‬هـ‬ ‫‪/‬‬ ‫‪14 /‬هـ‬ ‫‪/‬‬
‫‪14 /‬هـ‬ ‫‪/‬‬ ‫‪14 /‬هـ‬ ‫‪/‬‬
‫‪14 /‬هـ‬ ‫‪/‬‬ ‫‪14 /‬هـ‬ ‫‪/‬‬
‫‪14 /‬هـ‬ ‫‪/‬‬ ‫‪14 /‬هـ‬ ‫‪/‬‬
‫‪14 /‬هـ‬ ‫‪/‬‬ ‫‪14 /‬هـ‬ ‫‪/‬‬
‫‪14 /‬هـ‬ ‫‪/‬‬ ‫‪14 /‬هـ‬ ‫‪/‬‬

‫‪99‬‬

You might also like