Professional Documents
Culture Documents
وسلم
1
وإذا كان الغرب -أدعياء الرية الزائفة -قد كشفوا عن وجههم القبيح ...وصالوا
وجالوا ف دول العال يوزعون التامات ...وياسبون القصرين من ينتسبون إليهم
ويتلقون تعليماتم ..وبالمس القريب يصدر الكم على الكاتب والؤرخ البيطان
«إيرل» بالبس ثلث سنوات لجرد إدانته بإنكار الحرقة اليهودية والتشكيك ف تعداد
من قُتلوا ف مرقة النازي ضد اليهود إنا الرية المريكية؛ تامًا كما فعلت وما تزال ف
العراق تت وهم تصدير الرية وإحلل الديقراطية المريكية ديقراطية رعاة البقر
والعنصريي الغربيي !!
فالن تضع الساءة الوربية والدث الشنيع الذي سخر من نبينا صلى ال عليه وسلم
واستهزأ به قيمة الرية الزائفة ف ماكمة تكشف عن الزي والعار ،فأين حرية الرأي
وأياديكم ملطخة بالدماء ..ف أبشع صور كشفت عن تصرف تتري هجمي ،وإن شئت
دقة ف التعبي فإنه تصرف حيوانات مسعورة فقدت كل الشاعر ،ومن قبلها ماتت
الضمائر ف سجن أبو غريب ،بل ف كل بقعة من أرض العراق وفلسطي وأفغانستان ،وإن
أردت القيقة ففي كل بقعة من أرض السلمي دنسها الحتلون العنصريون من عميت
بصائرهم ،وخُتم على قلوبم ،وأساعهم ،ويأب ال إل أن يتم نوره ولو كره الكافرون .
هذا هو النب ممد صلى ال عليه وسلم !!
لقد بعث اللّه تعال رسوله ممدًا صلى ال عليه وسلم شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا ،وداعيًا إل
اللّه بإذنه وسراجًا منيًا ،بعثه اللّه ف الميي على حي فترة من الرسل :يتلو عليهم آياته
ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلل مبي [المعة.]2 :
ولقد علم اللّه سبحانه ،وهو اللطيف البي ،أن الرسول البعوث من ِقبَله لبدّ أن يكون
موصوفًا بكري الخلق وجيل الصفات حت يُقبل الناسُ عليه ،ويتعلموا منه ،لذلك وضع
ف شخص ممد صلى ال عليه وسلم الصورة الكاملة للشخصية السلمة الت يريدها اللّه
تعال ،لتظل دائمًا صورة حية خالدة مرئية لكل من أراد أن ينهج نج السلم ،ويتبع النب
عليه الصلة والسلم ،وجعله اللّه القدوة الطيبة ،والسوة السنة ،والثل العلى ،والمام
العظم ،فقال :لقد كان لكم ف رسول ال أسوة حسنة لن كان يرجو ال واليوم الخر
وذكر ال كثيا [الحزاب.]21 :
2
النب صلى ال عليه وسلم السوة
فهو السوة السنة صلى ال عليه وسلم ف عبادة اللّه عز وجل ،فلقد كان أعلم الناس
بال ،وأتقاهم له وأخشاهم ومع ذلك كان يصوم ويفطر ،ويقوم ويرقد ،ويأت النساء ،ول
يؤثر ذلك ف كونه أعبد الناس؛ ولذلك لا جاء ثلثة رهط إل بيوت أزواج النب صلى ال
عليه وسلم يسألون عن عبادته ،فلما أخبوا با كأنم تقالّوها ،فقالوا :وأين نن من النب
صلى ال عليه وسلم وقد غفر اللّه له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ؟! فقال أحدهم :أما أنا
فأصوم الدهر ل أفطر .وقال الثان :وأنا أقوم الليل ل أرقد .وقال الثالث :وأنا أعتزل
النساء فل أتزوج أبدًا .فبلغ ذلك النب صلى ال عليه وسلم ،فخرج إليهم فقال« :أنتم
الذين قلتم كذا وكذا ؟ وال إن لتقاكم ل وأخشاكم له ،ولكن أصوم وأفطر ،وأقوم
وأرقد ،وأتزوج النساء ،فمن رغب عن سنت فليس من».
[متفق عليه]
وقد أرسلت إليه إحدى بناته تقول له« :إن ابن قد احتُضر فاشهدنا ،فأرسل إليها يقول:
«إن ل ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى ،فمُرها فلتصب ولتحتسب».
ب وَنفْسُه تُ َق ْعقِعُ،
فأرسلت تلف عليه ليأتينّها ،فقام ومعه نفر من أصحابه ،فرُفع إليه الص ّ
ففاضت عيناه ،فقال بعض أصحابه :ما هذا يا رسول اللّه ؟ قال« :هذه رحة جعلها اللّه
ف قلوب من شاء من عباده ،وإنا يرحم اللّه من عباده الرحاء»[ .متفق عليه]
وهو صلى ال عليه وسلم السوة السنة ف الصب على موت الولد؛ فقد ُرزِق سبعة من
الولد؛ ثلثة ذكور ،وأربع إناث ،مات الصبيان الثلثة صغارًا ،وماتت ثلث بناتٍ ف
حياته صلى ال عليه وسلم ،ول تعمّر بع َدهُ إل فاطمة ،رضي اللّه عنها ،فإنا عاشت بعده
ستة أشهر ،فصب على موت أولده واحتسبهم عند اللّه رب العالي.
وكان صلى ال عليه وسلم السوة السنة ف معاملة اليان ،وكان يقول« :ما زال
جبيل يوصين بالار حت ظننت أنه سيورّثه»[ .متفق عليه]
وهو صلى ال عليه وسلم السوة السنة ف معاملة الناس؛ فلقد باع واشترى ،وكان سحًا
إذا باع ،سحًا إذا اشترى ،وكان إذا استسلف من رجل سلفًا قضاه إياه ودعا له ،فقال:
3
«بارك اللّه لك ف أهلك ومالك ،إنا جزاء السلف المد والداء» .حديث حسن أخرجه
النسائي وابن ماجه.
وكان صلى ال عليه وسلم السوة السنة ف التواضع؛ فلقد كانت الَ َمةُ من إماء الدينة
تأخذ بيده فتنطلق به حيث شاءت فما يتركها حت يقضي لا حاجتها[ .رواه البخاري]
وكان إذا دخل عليهم ل يقومون له لا يعلمون من كراهيته لذلك[ .حديث صحيح]
وهو صلى ال عليه وسلم السوة السنة ف الشجاعة؛ فلقد دوى صوت ف الدينة ذات
ليلة ،فهرع الناس إليه ،فلقيهم رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو يقول« :ل تراعوا».
[متفق عليه]
وهو صلى ال عليه وسلم السوة السنة ف السلم والرب ،واحترام العهود ،والوفاء با؛
دخل صلى ال عليه وسلم الدينة رافعًا رأيه السلم ،ودخل يقول« :يا أيها الناس ،أفشوا
السلم ،وأطعموا الطعام ،وصلّوا بالليل والناس نيام ،تدخلوا النة بسلم».
[حديث صحيح]
الخلق الحمدية
ل يُكتب لحد من البشر من الثر واللود والعظمة ما كتب لصاحب اللق العظيم صلى
ال عليه وسلم ،وإن لذوي الخلق الفاضلة منلة عالية ،ففي الديث الصحيح« :أكمل
الؤمني إيانًا أحسنهم أخلقًا»[ .رواه أحد والترمذي]
وقال صلى ال عليه وسلم« :إن من خياركم أحاسنكم أخلقًا»[ .البخاري ومسلم]
وسُئل صلى ال عليه وسلم عن الب؛ فقال« :حسن اللق»[ .أخرجه مسلم]
وكان صلى ال عليه وسلم أحسن الناس خلقًا وأدبًا وأكرمهم وأتقاهم معاملة ،قال عنه
ربه عز وجل مادحًا خلقَه الكري صلى ال عليه وسلم :وإنك لعلى خلق عظيم [القلم:
.]4
وعن عائشة رضي اللّه عنها لا سُئلت عن خلق النب صلى ال عليه وسلم قالت« :كان
خُلقه القرآن»[ .صحيح مسلم]
وعن أب هريرة رضي ال عنه قال« :كان صلى ال عليه وسلم يدعو فيقول« :اللهم إن
أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الخلق»[ .رواه أبو داود والنسائي]
4
كرمه صلى ال عليه وسلم
ل وهو واجد ما كان كرمه مضرب المثال ،وقد كان صلى ال عليه وسلم ل يردّ سائ ً
يعطيه ،فقد سأله رجل حُّل ًة كان يلبسها ،فدخل بيته فخلعها ،ث خرج با ف يديه وأعطاه
إياها .وف صحيح البخاري ومسلم عن جابر بن عبد اللّه رضي ال عنهما قال« :ما سُئل
رسول ال صلى ال عليه وسلم شيئًا على السلم إل أعطاه» ،وحسبنا ف الستدلل على
كرم رسول ال صلى ال عليه وسلم حديث البخاري عن ابن عباس رضي اللّه عنهما،
وقد سئل عن جود الرسول صلى ال عليه وسلم وكرمه فقال :كان رسول ال صلى ال
عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون ف شهر رمضان حي يلقاه جبيل بالوحي
فيدارسه القرآن ،ولِمَ ل وهو القائل« :ما من يوم يصبح العباد فيه إل وملكان ينلن يقول
أحدها :اللهم أعط منفقًا خلفًا ،ويقول الخر :اللهم أعط مسكًا تلفًا»[ .البخاري
ومسلم]
حلمه وصبه صلى ال عليه وسلم
كان صلى ال عليه وسلم ف ذلك مضرب الثل ،فعن أنس بن مالك رضي ال عنه قال:
«كنت أمشي مع رسول ال صلى ال عليه وسلم وعليه رداء نران غليظ الاشية فأدركه
أعراب فجبذه بردائه جبذة شديدة ،نظرت إل صفحة عنق رسول ال صلى ال عليه وسلم
وقد أثرت با حاشية الرداء من شدة جبذته ،ث قال :يا ممد مر ل من مال اللّه الذي
عندك ،فالتفت إليه رسول ال صلى ال عليه وسلم فضحك ث أمر له بعطاء»[ .رواه
البخاري ومسلم]
عفوه صلى ال عليه وسلم
وقد أمر اللّه تعال به رسوله الكري ف قوله من سورة العراف :خذ العفو وأمر بالعرف
وأعرض عن الاهلي [العراف.]199 :
فعن أنس بن مالك رضي ال عنه قال :بينما نن ف السجد مع رسول ال صلى ال عليه
وسلم إذ جاء أعراب ،فقام يبول ف السجد ،فقال أصحاب رسول ال صلى ال عليه
وسلم :مَ ْه مَهْ ،قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :ل تزرموه ،دعوه» ،فتركوه
حت بال ،ث إن رسول ال صلى ال عليه وسلم دعاه فقال له« :إن هذه الساجد ل تصلح
5
لشيء من هذا البول ،ول القذر ،إنا هي لذكر اللّه ،والصلة ،وقراءة القرآن ،قال :فأمر
رجلً من القوم فجاء بدلو من ماء فشنّه عليه»[ .رواه مسلم]
عدله صلى ال عليه وسلم
أمر اللّه بالعدل ف القول والكم ،فقال تعال :وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قرب ،وإذا
حكمتم بي الناس أن تكموا بالعدل ،وعلى العدل قام أمر السماء والرض ،فكيف ل
يكون رسول ال صلى ال عليه وسلم عاد ًل وهو القائل« :إن من إجلل اللّه إكرام ذي
الشيبة السلم وحامل القرآن غي الغال فيه والاف عنه ،وإكرام ذي السلطان القسط».
[رواه أبو داود ،وحسنه اللبان]
وذكر أن سبعة يظلهم اللّه ف ظل عرشه يوم ل ظل إل ظله ،وعد منهم المام العادل،
وقال« :إن القسطي على منابر من نور يوم القيامة»[ .رواه مسلم]
أخلق النب صلى ال عليه وسلم مع الطفال
فعن أنس رضي ال عنه قال :كان صلى ال عليه وسلم ير بالصبيان فيسلم عليهم[ .رواه
البخاري] ،وكان صلى ال عليه وسلم يقول« :إن لقوم ف الصلة أريد أن أطول فيها
فأسع بكاء الصب فأتوز ف صلت كراهية أن أشق على أمه»[ .البخاري]
حسن معاملته وعشرته صلى ال عليه وسلم
إن من كمال خلق الرء حسن صحبته ومعاشرته لهله وكمال أدبه ف مالطته لغيه ،وقد
كان البيب صلى ال عليه وسلم مضرب الثل ف حسن الصحبة وجيل العاشرة وأدب
الخالطة ،وكان صلى ال عليه وسلم يازح أصحابه ويالطهم ويادثهم ويداعب
صبيانم ،ويلسُهم ف حِجره ،وييب دعوة ال ّر والعبد والسكي ويعود الرضى أقصى
الدينة ويقبل عذر العتذر.
وحسبنا ف جيل مالطته وبيان أدبه وحسن عشرته صلى ال عليه وسلم قول ربه عز وجل
فيه :فبما رحة من ال لنت لم ولو كنت فظا غليظ القلب لنفضوا من حولك فاعف
عنهم واستغفر لم وشاورهم ف المر ،وقد فعل صلى ال عليه وسلم ،فجزاه اللّه عن
أمته خي الزاء.
تواضعه صلى ال عليه وسلم
6
وقد أخب صلى ال عليه وسلم أنه ُخيّر بي أن يكون نبيًا ملكًا ،أو نبيًا عبدًا ،فاختار أن
يكون نبيًا عبدًا ،وأخب أن اللّه تعال كافأه على اختياره العبودية بأن يكون سيد ولد آدم،
وأول من تنشق عنه الرض ،وأول شافع ،فاختياره العبودية على اللك أكب مظهر من
مظاهر التواضع الحمدي.
قال صلى ال عليه وسلم ف الديث الصحيح« :ل تطرون كما أطرت النصارى ابن
مري :وإنا أنا عبد ،فقولوا عبد اللّه ورسوله».
وكان صلى ال عليه وسلم سيد التواضعي ،يتخلق ويتمثل بقوله تعال :تلك الدار
الخرة نعلها للذين ل يريدون علوا ف الرض ول فسادا والعاقبة للمتقي [القصص:
.]83
وهذا فيض من غيض ،فداك أب وأمي وأهلي ونفسي يا رسول اللّه ،وآخر دعوانا أن
المد ل رب العالي.
http://www.altawhed.com/Detail.asp?InNewsItemID=18
3165
=================
وهذه مموعة طيبة وكبية حول فضائل ومناقب حبيبنا ممد صلى ال عليه وسلم عليه
وسلم ،التقطتها من هنا وهناك ،وخاصة من الواقع التالية :
.1اللجنة العالية لنصرة خات النبياء صلى ال عليه وسلم
.2دفاعا عن الصطفى صلى ال عليه وسلم
.3إل رسول ال صلى ال عليه وسلم
.4الدفاع عن جناب النب صلى ال عليه وسلم
.5اللجنة الوروبية لنصرة خي البية
.6ل للدنارك
.7الصنوعات الدناركية
.8عذرا رسول ال
.9الملة العالية لقاومة العدوان
.10حلة مليار مع ممد صلى ال عليه وسلم
7
.11حلة الدفاع عن الناب النبوي
.12موقع الملة العالية لنصرة النب صلى ال عليه وسلم
-13موقع صيد الفوائد
وما سواها كثي
،وقد قسمتها حسب موضوعاتا لعدة أباث ،بلغت (( عشرة ملدات كبية ))
وذلك على الشكل التال :
أول -مقدمة عن الوسوعة
ثانيا -قد قسمتها إل أحد عشر بابا على الشكل التال :
الباب الول -الشمائل الحمدية
الباب الثان -هدي خي العباد
الباب الثالث-حقوقه صلى ال عليه وسلم
الباب الرابع-قالوا عن ممد صلى ال عليه وسلم
الباب الامس -النصفون .
الباب السادس -دلئل ومعجزات النبوة
الباب السابع -الحتفال بالولد النبوي
الباب الثامن -شبهات وردود
الباب التاسع -التطاولون وعاقبتهم
الباب العاشر – ما قيل فيه من شعر صلى ال عليه وسلم
الباب الادي عشر – مقالت وخطب حول ردود فعل السلمي
*************
ومناسبة ذلك ما فعله بعض فنان الدانرك من إساءة للرسول صلى ال عليه وسلم
وهذا الذي حدث سببه بالدرجة الول حقد وحسد أهل الكتاب للنب صلى ال عليه
وسلم ولتباعه .
ب هَ ْل َتنْقِمُونَ مِنّا إِلّا َأنْ َآ َمنّا بِاللّ ِه َومَا ُأنْزِلَ إَِليْنَا َومَا ُأنْزِلَ
قال تعال {:قُ ْل يَا َأهْ َل الْ ِكتَا ِ
مِنْ َقبْ ُل َوأَنّ أَ ْكثَرَكُمْ فَا ِسقُونَ ([ )59الائدة} ]59/
8
س عَلَى مَا َآتَاهُمُ اللّ ُه مِنْ َفضْلِهِ َفقَدْ َآَتْينَا آَلَ ِإبْرَاهِي َم
وقال تعال َ { :أمْ يَحْسُدُونَ النّا َ
حكْ َم َة وَ َآَتْينَاهُ ْم مُ ْلكًا عَظِيمًا (َ )54ف ِمْنهُمْ مَنْ َآمَ َن بِهِ َو ِمْنهُ ْم مَنْ صَ ّد َعنْهُ ب وَالْ ِالْ ِكتَا َ
ج َهنّ َم َسعِيًا ([ )55النساء} ]55 ،54/ وَ َكفَى بِ َ
ب وَلَا الْمُشْرِ ِكيَ أَ ْن ُينَزّ َل عََلْيكُ ْم مِنْ وقال تعال { :مَا َيوَ ّد الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ َأهْ ِل اْلكِتَا ِ
ص بِرَ ْح َمتِهِ مَ ْن يَشَا ُء وَاللّهُ ذُو اْل َفضْ ِل الْعَظِيمِ ([ )105البقرة/ خَت ّ َخيْ ٍر مِنْ َربّكُ ْم وَاللّ ُه يَ ْ
} ]105
سدًا مِنْ وقال تعال { :وَدّ َكثِ ٌي مِنْ َأهْلِ الْ ِكتَابِ َل ْو يَ ُردّوَنكُمْ مِنْ بَعْدِ ِإيَانِكُمْ ُكفّارًا حَ َ
صفَحُوا َحتّى َي ْأتِيَ اللّ ُه ِبأَمْ ِرهِ ِإنّ اللّ َه عَلَى سهِ ْم مِ ْن َبعْ ِد مَا تََبيّنَ َلهُ ُم الْحَقّ فَاعْفُوا وَا ْعِنْدِ َأْنفُ ِ
كُ ّل َشيْءٍ َقدِيرٌ ([ )109البقرة} ]109/
--------------------
إنم يعادون السلمي لنم مسلمون لنم ليسوا يهودا ول نصارى ولن أهل الكتاب
فاسقون منحرفون عما أنزله ال إليهم ; وآية فسقهم وانرافهم أنم ل يؤمنون بالرسالة
الخية وهي مصدقة لا بي أيديهم ل ما ابتدعوه وحرفوه ول يؤمنون بالرسول الخي
وهو مصدق لا بي يديه ; معظم لرسل ال أجعي إنم ياربون السلمي هذه الرب
الشعواء ; الت ل تضع أوزارها قط ول يب أوارها طوال ألف وأربعمائة عام ; منذ أن
قام للمسلمي كيان ف الدينة ; وتيزت لم شخصية ; وأصبح لم وجود مستقل ; ناشى
ء من دينهم الستقل وتصورهم الستقل ونظامهم الستقل ف ظل منهج ال الفريد إنم
يشنون على السلمي هذه الرب الشبوبة لنم قبل كل شيء مسلمون ول يكن أن
يطفئوا هذه الرب الشبوبة إل أن يردوا السلمي عن دينهم ; فيصبحوا غي مسلمي ذلك
أن أهل الكتاب أكثرهم فاسقون ; ومن ث ل يبون الستقيمي اللتزمي من السلمي وال
سبحانه يقرر هذه القيقة ف صورة قاطعة وهو يقول لرسوله ص ف السورة الخرى ولن
ترضى عنك اليهود ول النصارى حت تتبع ملتهم ويقول له ف هذه السورة أن يواجه أهل
الكتاب بقيقة بواعثهم وركيزة موقفهم قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إل أن آمنا
بال ; وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون وهذه القيقة الت يقررها ال
سبحانه ف مواضع كثية من كلمه الصادق البي هي الت يريد تييعها وتلبيسها وتغطيتها
9
وإنكارها اليوم كثيون من أهل الكتاب وكثيون من يسمون أنفسهم مسلمي باسم
تعاون التديني ف وجه الادية واللاد كما يقولون أهل الكتاب يريدون اليوم تييع هذه
القيقة بل طمسها وتغطيتها لنم يريدون خداع سكان الوطن السلمي أو الذي كان
إسلميا بتعبي أصح وتدير الوعي الذي كان قد بثه فيهم السلم بنهجه الربان القوي
ذلك أنه حي كان هذا الوعي سليما ل يستطع الستعمار الصليب أن يقف للمد
السلمي فضل على أن يستعمر الوطن السلمي ول يكن بد لؤلء بعد فشلهم ف
الروب الصليبية السافرة وف حرب التبشي السافرة كذلك أن يسلكوا طريق الداع
والتخدير فيتظاهروا ويشيعوا بي ورثة السلمي أن قضية الدين والرب الدينية قد انتهت
وأنا كانت مرد فترة تاريية مظلمة عاشتها المم جيعا ث تنور العال و تقدم فلم يعد من
الائز ول اللئق ول الستساغ أن يقوم الصراع على أساس العقيدة وأنا الصراع اليوم
على الادة على الوارد والسواق والستغللت فحسب وإذن فما يوز للمسلمي أو
ورثة السلمي أن يفكروا ف الدين ول ف صراع الدين وحي يطمئن أهل الكتاب وهم
الذين يستعمرون أوطان السلمي إل استنامة هؤلء لذا التخدير ; وحي تتميع القضية ف
ضمائرهم ; فإن الستعمرين يأمنون غضبة السلمي ل ; وللعقيدة الغضبة الت ل يقفوا لا
يوما ويصبح المر سهل بعد التنوي والتخدير ول يكسبون معركة العقيدة وحدها بل
يكسبون معها ما وراءها من السلب والغان والستثمارات والامات ; ويغلبون ف
معركة الادة بعدما يغلبون ف معركة العقيدة فهما قريب من قريب وعملء أهل الكتاب
ف الوطن السلمي من يقيمهم الستعمار هنا وهناك علنية أو ف خفية يقولون القول
نفسه لنم عملء يؤدون الدور من داخل الدود وهؤلء يقولون عن الروب الصليبية
ذاتا إنا ل تكن صليبية ويقولون عن السلمي الذين خاضوها تت راية العقيدة إنم ل
يكونوا مسلمي وإنا هم كانوا قوميي وفريق ثالث مستغفل مدوع ; يناديه أحفاد
الصليبي ف الغرب الستعمر أن تعالوا إلينا تعالوا نتمع ف ولء ; لندفع عن الدين غائلة
اللحدين فيستجيب هذا الفريق الستغفل الخدوع ; ناسيا أن أحفاد الصلييبي هؤلء
وقفوا ف كل مرة مع اللحدين ; صفا واحدا حينما كانت الواجهة للمسلمي على مدار
القرون وما يزالون وأنم ل يعنيهم حرب الادية اللادية قدر ما تعنيهم حرب السلم
10
ذلك أنم يعرفون جيدا أن اللادية الادية عرض طارى ء وعدو موقوت ; وأن السلم
أصل ثابت وعدو مقيم وإنا هذه الدعوة الموهة لتمييع اليقظة البادئة عند طلئع البعث
السلمي ; وللنتفاع بهد الستغفلي الخدوعي ف الوقت ذاته ليكونوا وقود العركة مع
اللحدين لنم أعداء الستعمار السياسيون وهؤلء كهؤلء حرب على السلم والسلمي
حرب ل عدة فيها للمسلم إل ذلك الوعي الذي يربيه عليه النهج الربان القوي إن هؤلء
الذين تدعهم اللعبة أو يتظاهرون بالتصديق فيحسبون أهل الكتاب جادين إذ يدعونم
للتضامن والولء ف دفع اللاد عن الدين إنا ينسون واقع التاريخ ف أربعة عشر قرنا ل
استثناء فيها كما ينسون تعليم ربم لم ف هذا المر بالذات وهو تعليم ل مواربة فيه ول
مال للحيدة عنه وف النفس ثقة بال ويقي بدية ما يقول إن هؤلء يتزئون فيما يقولون
ويكتبون باليات القرآنية والحاديث النبوية الت تأمر السلمي أن
يسنوا معاملة أهل الكتاب ; وأن يتساموا معهم ف العيشة والسلوك ويغفلون التحذيرات
الاسة عن موالتم ; والتقريرات الواعية عن بواعثهم والتعليمات الصرية عن خطة
الركة السلمية وخطة التنظيم الت ترم التناصر والوالة لن التناصر والوالة ل يكونان
عند السلم إل ف شأن الدين وإقامة منهجه ونظامه ف الياة الواقعية وليست هناك قاعدة
مشتركة يلتقي عليها السلم مع أهل الكتاب ف شأن دينه مهما يكن هناك من تلق ف
أصول هذه الديان مع دينه قبل تريفها إذ هم ل ينقمون منه إل هذا الدين ول يرضون
عنه إل بترك هذا الدين كما يقول رب العالي إن هؤلء من يعلون القرآن عضي ;
يزئونه ويزقونه فيأخذون منه ما يشاءون ما يوافق دعوتم الغافلة الساذجة على فرض
براءتا ويدعون منه ما ل يتفق مع اتاههم الغافل أو الريب ونن نؤثر أن نسمع كلم ال
ف هذه القضية على أن نسمع كلم الخدوعي أو الادعي وكلم ال سبحانه ف هذه
القضية حاسم واضح صريح مبي ونقف وقفة قصية ف هذا الوضع عند قوله تعال بعد
تقرير أن سبب النقمة هو اليان بال وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل أن بقية السبب وأن
أكثركم فاسقون فهذا الفسق هو شطر الباعث فالفسق يمل صاحبه على النقمة من
الستقيم وهي قاعدة نفسية واقعية ; تثبتها هذه اللفتة القرآنية العجيبة إن الذي يفسق عن
الطريق وينحرف ل يطيق أن يرى الستقيم على النهج اللتزم إن وجوده يشعره دائما
11
بفسقه وانرافه إنه يتمثل له شاهدا قائما على فسقه هو وانرافه ومن ث يكرهه وينقم عليه
يكره استقامته وينقم منه التزامه ; ويسعى جاهدا لره إل طريقه ; أو للقضاء عليه إذا
استعصى قياده إنا قاعدة مطردة تتجاوز موقف أهل الكتاب من الماعة السلمة ف الدينة
إل موقف أهل الكتاب عامة من السلمي عامة إل موقف كل فاسق منحرف من كل
عصبة ملتزمة مستقيمة والرب الشبوبة دائما على اليين ف متمع الشرار وعلى
الستقيمي ف متمع الفاسقي وعلى اللتزمي ف متمع النحرفي هذه الرب أمر طبيعي
يستند إل هذه القاعدة الت يصورها النص القرآن العجيب ولقد علم ال سبحانه أن الي
ل بد أن يلقى النقمة من الشر وأن الق ل بد أن يواجه العداء من الباطل وأن الستقامة
ل بد أن تثي غيظ الفساق وأن اللتزام ل بد أن ير حقد النحرفي وعلم ال سبحانه أن
ل بد للخي والق والستقامة واللتزام أن تدفع عن نفسها وأن توض العركة التمية مع
الشر والباطل والفسق والنراف وأنا معركة ل خيار فيها ول يلك الق أل يوضها ف
وجه الباطل لن الباطل سيهاجه ول يلك الي أن يتجنبها لن الشر ل بد سيحاول
سحقه وغفلة أي غفلة أن يظن أصحاب الق والي والستقامة واللتزام أنم متروكون
من الباطل والشر والفسق والنراف ; وأنم يلكون تنب العركة ; وأنه يكن أن تقوم
هناك مصالة أو مهادنة وخي لم أن يستعدوا للمعركة الحتومة بالوعي والعدة ; من أن
يستسلموا للوهم والديعة وهم يومئذ مأكولون مأكولون ث نضي مع السياق القرآن ف
توجيه ال سبحانه لرسوله ص لواجهة أهل الكتاب بعد تقرير بواعثهم واستنكار هذه
البواعث ف النقمة على السلمي فإذا هو يبههم بتاريخ لم قدي وشأن لم مع ربم
وعقاب أليم قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند ال من لعنه ال وغضب عليه وجعل
منهم القردة والنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل وهنا
تطالعنا سحنة يهود وتاريخ يهود إنم هم الذين لعنهم ال وغضب عليهم وجعل منهم
القردة والنازير إنم هم الذين عبدوا الطاغوت وقصة لعنة ال لم وغضبه عليهم واردة ف
مواضع شت من القرآن الكري ; وكذلك قصة جعله منهم القردة والنازير فأما قضية
عبادتم للطاغوت فتحتاج إل بيان هنا لنا لفتة ذات دللة خاصة ف سياق هذه السورة
إن الطاغوت هو كل سلطان ل يستمد من سلطان ال وكل حكم ل يقوم على شريعة ال
12
وكل عدوان يتجاوز الق والعدوان على سلطان ال وألوهيته وحاكميته هو أشنع العدوان
وأشده طغيانا وأدخله ف معن الطاغوت لفظا ومعن وأهل الكتاب ل يعبدوا الحبار
والرهبان ; ولكن اتبعوا شرعهم وتركوا شريعة ال فسماهم ال عبادا لم ; وساهم
مشركي وهذه اللفتة هنا ملحوظ فيها ذلك العن الدقيق فهم عبدوا الطاغوت أي
السلطات الطاغية التجاوزة لقها وهم ل يعبدوها بعن السجود لا والركوع ولكنهم
عبدوها بعن التباع والطاعة وهي عبادة ترج صاحبها من عبادة ال ومن دين ال وال
سبحانه يوجه رسوله ص لجابة أهل الكتاب بذا التاريخ وبذلك الزاء الذي استحقوه
من ال على هذا التاريخ كأنا هم جيل واحد با أنم جبلة واحدة يوجهه ليقول لم إن
هذا شر عاقبة قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند ال أي شر من نقمة أهل الكتاب
على السلمي وما يكيدون لم وما يؤذونم بسبب إيانم وأين نقمة البشر الضعاف من
نقمة ال وعذابه وحكمه على أهل الكتاب بالشر والضلل عن سواء السبيل أولئك شر
مكانا وأضل عن سواء السبيل الدرس الامس ناذج من كفريات وتلعب اليهود ويضي
السياق ف التنفي من موالتم بعرض صفاتم وساتم بعد عرض تاريهم وجزائهم وييء
التحذير والتوعي ة منهم بكشف ما يبيتون ويبز اليهود كذلك ف الصورة لن الديث
عن وقائع جارية ومعظم الشر كان ييء من قبل يهود وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا
بالكفر وهم قد خرجوا به وال أعلم با كانوا يكتمون وترى كثيا منهم يسارعون ف
الث والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون لول ينهاهم الربانيون والحبار عن
قولم الث وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون وقالت اليهود يد ال مغلولة غلت
أيديهم ولعنوا با قالوا ; بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيا منهم ما أنزل
إليك من ربك طغيانا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إل يوم القيامة كلما أوقدوا
نارا للحرب أطفأها ال ويسعون ف الرض فسادا وال ل يب الفسدين إنا عبارات
تنشى ء صورا متحركة مشاهد حية على طريقة التعبي القرآنية الفريدة ومن وراء القرون
يلك قارى ء هذه اليات أن يشهد بعي التصور هؤلء القوم الذين يتحدث عنهم القرآن
من يهود على الرجح فالسياق يتحدث عنهم وإن كان من الائز أنه يعن كذلك بعض
النافقي ف الدينة يشهدهم ييئون للمسلمي فيقولون آمنا ويشهد ف جعبتهم الكفر وهم
13
يدخلون به ويرجون ; بينما ألسنتهم تقول غي ما ف العبة من كفر يملونه داخلي
خارجي ولعلهم من يهود أولئك الذين كانوا يبيتون البلبلة وهم يقولون بعضهم لبعض
آمنوا بذا القرآن وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون أي لعل السلمي يرجعون عن
دينهم بسبب هذه البلبلة والتشكيك البيث اللئيم وال أعلم با كانوا يكتمون
يقولا ال سبحانه لنا القيقة ; ث لكي يطمئن الؤمنون إل كلءة ربم لم وحفظهم من
كيد عدوهم ; وإحاطته علما بذا الكيد الكتوم ث ليهدد أصحاب هذا الكيد لعلهم
ينتهون ويضي السياق يرسم حركاتم كأنا منظورة تشهد وتلحظ من خلل التعبي
وترى كثيا منهم يسارعون ف الث والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون
والسارعة مفاعلة تصور القوم كأنا يتسابقون تسابقا ف الث والعدوان وأكل الرام وهي
صورة ترسم للتبشيع والتشنيع ولكنها تصور حالة من حالت النفوس والماعات حي
يستشري فيها الفساد ; وتسقط القيم ; ويسيطر الشر وإن النسان لينظر إل الجتمعات
الت انتهت إل مثل هذه الال فيى كأنا كل من فيها يتسابقون إل الشر إل الث
والعدوان قويهم وضعيفهم سواء فالث والعدوان ف الجتمعات الابطة الفاسدة ل
يقتصران على القوياء ; بل يرتكبهما كذلك الضعفاء فحت هؤلء ينساقون ف تيار الث
وحت هؤلء يلكون العتداء ; إنم ل يلكون العتداء على القوياء طبعا ولكن يعتدي
بعضهم على بعض ويعتدون على حرمات ال لنا هي الت تكون ف الجتمعات الفاسدة
المى الستباح الذي ل حارس له من حاكم ول مكوم ; فالث والعدوان طابع الجتمع
حي يفسد ; والسارعة فيهما عمل هذه الجتمعات وكذلك كان متمع يهود ف تلك
اليام وكذلك أكلهم للحرام فأكل الرام كذلك سة يهود ف كل آن لبئس ما كانوا
يعملون ويشي السياق إل سة أخرى من سات الجتمعات الفاسدة ; وهو يستنكر
سكوت الربانيي القائمي على الشريعة والحبار القائمي على أمر العلم الدين سكوتم
على مسارعة القوم ف الث والعدوان وأكل السحت ; وعدم نيهم عن هذا الشر الذي
يتسابقون فيه لول ينهاهم الربانيون والحبار عن قولم الث وأكلهم السحت لبئس ما
كانوا يصنعون فهذه السمة سة سكوت القائمي على أمر الشريعة والعلم الدين عما يقع
ف الجتمع من إث وعدوان هي سة الجتمعات الت فسدت وآذنت بالنيار وبنو إسرائيل
14
كانوا ل يتناهون عن منكر فعلوه كما حكى عنهم القرآن الكري إن سة الجتمع الي
الفاضل الي القوي التماسك أن يسود فيه المر بالعروف والنهي عن النكر أن يوجد فيه
من يأمر بالعروف وينهى عن النكر ; وأن يوجد فيه من يستمع إل المر بالعروف
والنهي عن النكر ; وأن يكون عرف الجتمع من القوة بيث ل يرؤ النحرفون فيه على
التنكر لذا المر والنهي ول على إيذاء المرين بالعروف الناهي عن النكر وهكذا وصف
ال المة السلمة فقال كنتم خي أمة أخرجت للناس تأمرون بالعروف وتنهون عن النكر
وتؤمنون بال ووصف بن إسرائيل فقال كانوا ل يتناهون عن منكر فعلوه فكان ذلك
فيصل بي الجتمعي وبي الماعتي أما هنا فينحي باللئمة على الربانيي والحبار
الساكتي على السارعة ف الث والعدوان وأكل السحت ; الذين ل يقومون بق ما
استحفظوا عليه من كتاب ال وإنه لصوت النذير لكل أهل دين فصلح الجتمع أو فساده
رهن بقيام الفظة على الشريعة والعلم فيه بواجبهم ف المر بالعروف والنهي عن النكر ;
والمر كما قلنا من قبل ف الظلل يقتضي سلطة تأمر وتنهى والمر والنهي أمر غي
الدعوة فالدعوة بيان والمر والنهي سلطان وكذلك ينبغي أن يصل المرون بالعروف
الناهون عن النكر على السلطان الذي يعل لمرهم ونيهم قيمته ف الجتمع ; فل يكون
مطلق كلم وكنموذج من قولم الث ف أبشع صوره يكي القرآن الكري قول اليهود
الغب اللئيم وقالت اليهود يد ال مغلوله غلت أيديهم ولعنوا با قالوا بل يداه مبسوطتان
ينفق كيف يشاء وذلك من سوء تصور يهود ل سبحانه فقد حكى القرآن الكري الكثي
من سوء تصورهم ذاك وقد قالوا إن ال فقي ونن أغنياء عندما سئلوا النفقة وقالوا يد ال
مغلولة يعللون بذلك بلهم ; فال بزعمهم ل يعطي الناس ول يعطيهم إل القليل فكيف
ينفقون وقد بلغ من غلظ حسهم وجلفة قلوبم أل يعبوا عن العن الفاسد الكاذب الذي
أرادوه وهو البخل بلفظه الباشر ; فاختاروا لفظا أشد وقاحة وتجما وكفرا فقالوا يد ال
مغلولة وييء الرد عليهم بإحقاق هذه الصفة عليهم ولعنهم وطردهم من رحة ال جزاء
على قولم غلت أيديهم ولعنوا با قالوا وكذلك كانوا فهم أبل خلق ال بال ث يصحح
هذا التصور الفاسد السقيم ; ويصف ال سبحانه بوصفه الكري وهو يفيض على عباده
من فضله بل حساب بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وعطاياه الت ل تكف ول تنفد
15
لكل ملوق ظاهرة للعيان شاهدة باليد البسوطة والفضل الغامر والعطاء الزيل ناطقة بكل
لسان ولكن يهود ل تراها ; لنا مشغولة عنها باللم والضم وبالكنود وبالحود وبالبذاءة
حت ف حق ال ويدث ال رسوله ص عما سيبدو من القوم وعما سيحل بم بسبب
حقدهم وغيظهم من اصطفاء ال له بالرسالة ; وبسبب ما تكشفه هذه الرسالة من أمرهم
ف القدي والديث وليزيدن كثيا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرًا فبسبب من
القد والسد وبسبب من افتضاح أمرهم فيما أنزل ال إل رسوله سيزيد الكثيون منهم
طغيانا وكفرا لنم وقد أبوا اليان ل بد أن يشتطوا ف الانب القابل ; ول بد أن يزيدوا
تبجحا ونكرا وطغيانا وكفرا فيكون الرسول ص رحة للمؤمني ووبال عن النكرين ث
يدثه عما قدر ال لم من التعادي والتباغض فيما بينهم ; ومن إبطال كيدهم وهو ف
أشد سعيه تلهبا ; ومن عودتم باليبة فيما يشنونه من حرب على الماعة السلمة وألقينا
بينهم العداوة والبغضاء إل يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفاها ال وما تزال
طوائف اليهود متعادية وإن بدا ف هذه الفترة أن اليهودية العالية تتساند ; وتوقد نار
الرب على البلد السلمية وتفلح ولكن ينبغي أل ننظر إل فترة قصية من الزمان ول
إل مظهر ل يشتمل على القيقة كاملة ففي خلل ألف وثلثائة عام بل من قبل السلم
واليهود ف شحناء وف ذل كذلك وتشرد ومصيهم إل مثل ما كانوا فيه مهما تقم
حولم السناد ولكن مفتاح الوقف كله ف وجود العصبة الؤمنة الت يتحقق لا وعد ال
فأين هي العصبة الؤمنة اليوم الت تتلقى وعد ال وتقف ستارا لقدر ال ويقق ال با ف
الرض ما يشاء ويوم تفيء المة السلمة إل السلم تؤمن به على حقيقته ; وتقيم حياتا
كلها على منهجه وشريعته يومئذ يق وعد ال على شر خلق ال واليهود يعرفون هذا
ومن ث يسلطون كل ما ف جعبتهم من شر وكيد ; ويصبون كل ما ف أيديهم من بطش
وفتك على طلئع البعث السلمي ف كل شب من الرض ويضربون ل بأيديهم ولكن
بأيدي عملئهم ضربات وحشية منكرة ; ل ترعى ف العصبة الؤمنة إل ول ذمة ولكن ال
غالب على أمره ووعد ال ل بد أن يتحقق وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إل يوم القيامة
كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها ال إن هذا الشر والفساد الذي تثله يهود ل بد أن يبعث
ال عليه من يوقفه ويطمه ; فال ل يب الفساد ف الرض ; وما ل يبه ال ل بد أن
16
يبعث عليه من عباده من يزيله ويعفي عليه ويسعون ف الرض فسادا وال ل يب
الفسدين الدرس
*******************
وسببه الثان ضعف السلمي وتشرذمهم ف الرض ،والضعيف ل يلتفت إليه أحد :
فعَ ْن َثوْبَا َن َموْلَى َرسُولِ اللّهِ -صلى ال عليه وسلم -قَالَ قَالَ َرسُولُ اللّهِ -صلى ال عليه
ص َعِتهَا ». وسلم « -يُوشِكُ َأنْ تَدَاعَى عََلْيكُ ُم ا ُلمَمُ مِنْ كُلّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الُكََل ُة عَلَى َق ْ
قَالَ ُق ْلنَا يَا َرسُولَ اللّهِ َأمِنْ ِقّل ٍة بِنَا َي ْو َمئِذٍ قَا َل « َأنْتُ ْم َي ْو َمئِذٍ َكثِ ٌي وََلكِنْ تَكُونُو َن غُثَاءً َك ُغثَاءِ
جعَلُ فِى ُقلُوبِكُ ُم اْلوَهَنَ » .قَالَ ُق ْلنَا َومَا اْل َوهَنُ ب عَ ُدوّكُ ْم َويَ ْ السّيْ ِل َيْنتَ ِزعُ الْ َمهَاَب َة مِنْ قُلُو ِ
ت » رواه أحد وابو داود وسنده صحيح حيَاةِ وَكَرَا ِهَيةُ الْ َموْ ِ ب الْ َ
قَالَ « ُح ّ
الوهن وباء خطي ومرض قاتل
بسم ال الرحن الرحيم
يتعرض الفرد والجتمع والمة دائما وباستمرار إل عوارض متعددة ،وظروف طارئة،
وتطورات كثية ،وأمراض متلفة ،ويتفاوت أثر ذلك بسب طبيعة الؤثر الديد ،وبنيان
الفرد والجتمع ،والعوامل الساعدة ،وقد ينتاب الفرد أو الجتمع مرض عارض ،ويزول
بسرعة دون أن يترك أثرا ما ،وقد يصاب الفرد برض معي ،فيقتصر عليه ول يتد إل
الجتمع ،ول تس به المة ،وقد يتحول الرض من الفرد إل الجتمع ،فيصبح مرضا قاتل،
ووباء فتاكا ،ويكون أثره إزهاق الفرد ،وإبادة المة وسحق الجتمع.
وإن أمراض النسان كثية ،منها عضوية ،ومنها نفسية ومنها اجتماعية ،وهي ف معظمها
أمراض عامة ل تص فردا أو متمعا أو أمة ،فإذا حلت ف فرد أو متمع أو أمة فل بد أن
تظهر أعراضها ،وينتشر خطرها ،ويس بآلمها الصاب وغيه ،وقد تفتك بالريض،
وتؤدي إل العدوى ،لتفتك بالجموع.
ومن هنا تقوم الديانات السماوية ،والفكرون ف كل أمة ،والصلحون ف كل متمع،
بجابة هذه المراض ،ووصف الدوية لا ،بل يسارعون إل التحذير منها لخذ الوقاية
والناعة قبل أن تل وتستشري بي الناس ،لن الوقاية خي من العلج ،وبذلك ينقذون
أمتهم ومتمعهم من الخطار الحدقة ،وينبون الفراد ويلت تيق بم ،وتدد وجودهم.
17
ومن هذه المراض الفتاكة الت يشترك فيها الفرد والجتمع ،وتنذر المة بالويل والدمار
مرض الوهن الذي بي لنا رسول ال صلى ال عليه وسلم أعراضه وأسبابه ،وحذر منه.
والوهن ف اللغة العربية الضعف ،سواء أكان ماديا أم معنويا ،وسواء أكان ف الفرد أم ف
الجتمع ،من وهن يهن وهنا أي ضعف ،ويقال وهن عظمه ،واسم التفضيل أوهن،
ويقال :وهن الرجل أي جب عن لقاء عدوه ،وهذا داخل ف الضعف ،وقد استعمل القرآن
الكري هذا العن ف عدة آيات ،فقال تعال{ :قال رب إن وهن العظم من واشتعل الرأس
شيبا} مري ،4 /وقال تعال{ :فما وهنوا لا أصابم ف سبيل ال} آل عمران ،146 /
وقال تعال{ :ول تنوا ف ابتغاء القوم إن تكونوا تألون فإنم يألون كما تألون} النساء/
104أي ل تبنوا ،وقال تعال{ :ول تنوا ول تزنوا وأنتم العلون إن كنتم مؤمني}
آل عمران ،139 /وقال تعال{ :ووصينا النسان بوالديه حلته أمه وهنا على وهن}
لقمان ،14 /وقال عز وجل{ :وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت} العنكبوت .41/
ولكن الوهن القصود ف هذا القال هو مرض عضال ،ووباء عام بينه لنا رسول ال صلى
ال عليه وسلم فيما رواه المام أحد وأبو داود عن أب هريرة وثوبان قال ،قال رسول ال
صلى ال عليه وسلم" :يوشك أن تداعى عليكم المم من كل أفق ،كما تداعى الكلة إل
قصعتها" ،قيل :يا رسول ال :فمن قلة نن يومئذ؟ قال :ل ،بل أنتم يومئذ كثي،ولكنكم
غثاء كغثاء السيل،ولينعن ال من صدور عدوكم الهابة منكم ،وليقذفن ال ف قلوبكم
الوهن" فقال قائل :يا رسول ال ،وما الوهن؟ قال" :حب الدنيا ،وكراهية الوت".
وهكذا يكشف الرسول صلى ال عليه وسلم أعراض الوهن الذي يبدأ من الفرد ،وينتهي
بالجتمع ،هذا الرض الذي يصيب المم والشعوب فيقضي عل كيانا ،ويهدم وجودها،
ويسقط هيبتها ،ويحو أثرها ،ويزلزل أركانا ،ويطم دعائمها ،فتهوى من عليائها
وكرامتها واستعلئها إل أن تركع أمام المم الخرى ،وتستخذل أمام الشعوب الجاورة،
وتصبح لقمة سائغة للطامعي فيها ،بل يكثر الكلة حولا ،ويتمعون على اقتسامها
والقضاء عليها ،كما يتمع الياع حول الطعام ليتناولوه ،ويأخذوه ،ويقتسموه ،فل
يرفعون أيديهم عنه ،وف القصعة أثر لوجوده.
18
هذا الرض بأعراضه وأسبابه يصيب الدول ف القدي والديث ،ويؤدي إل سقوطها
وانيارها ،وهو اليوم مقيم بي السلمي ،وقد حط بكلكله عليهم ،ونزل بم الوهن منذ
أمد ،وكأن الرسول صلى ال عليه وسلم ينظر بعي الغيب (الذي يطلعه عليه الوحي)
ويصور حال السلمي ،وقد تداعت عليهم المم الستعمارية ،والشعوب العادية وتكالبت
على أرضهم وبلدهم ،وجزأت أوطانم وديارهم ،وسلبت نصيبا كبيا وعزيزا من
مقدساتم ،وتآمرت ،ول تزال تتآمر ،عليهم ف كل قطر وجانب ،وتيك لم الؤامرة تلو
الؤامرة للطاحة بم ،وفرض الستسلم عليهم ،وضمان الستذلل والستسلم لم،
وتنوع عليهم أساليب الستغلل والبتزاز لثرواتم واقتصادهم ،وتفرض عليهم الفكار
البيثة ،والبادئ الباقة ،والقيم الدخيلة ،والقواني الوضعية ،وتغزوهم فكريا وثقافيا
وسياسيا واقتصاديا ف عقر دارهم ،وتتقاسهم النفوذ ومناطق السيطرة ،وتتقاذفهم ذات
اليمي وذات اليسار ،وتفر لم الفر ليسقطوا فيها ،وترى القطر الواحد يوما مع الشرق
ويوما مع الغرب ،وتارة يستورد أفكاره وقيمه ومواده وأسلحته من هنا ،وتارة من هناك،
والسلمون اليوم ف ضياع وتزق ،وتردد واضطراب ،ل يعرفون ذاتا لنفسهم ،ول
يعلمون هوية لشخصيتهم ،ويهلون السفينة الت تملهم ،وهم نائمون عن الرياح الت
تتقاذفهم ،وقد تكسرت السواري ،وسقطت الراية ،وهم ف بر لي ،ف ظلمات بعضها
فوق بعض ،إذا أخرجوا أصابعهم ل يكادون يرونا من الجب الكثيفة ،والنظارات
السوداء الت أحكم العدو ربطها على أعينهم ،وشدد الناق فيها على رقابم ،لكن
أعدادهم كثية ،وثرواتم ضخمة ،ومركزهم استراتيجي ،وهم مليي ومليي ،ولكنهم
غثاء كغثاء السيل ،ل قيمة له ،ول يثبت على حال ،ويقذفه السيل إل الضيض ،ولذلك
فقدوا هيبتهم ،وطمع بم القريب والبعيد ،والقوى والضعيف ،وسامهم الذل والوان على
أيدي عصابات صهيون ،وجنود الرتزقة ،وتسلط العملء.
حب الدنيا وكراهية الوت:
وقد شخص رسول ال صلى ال عليه وسلم الرض ،فبي أنه الوهن ،ث شرح أعراضه
الظاهرة وأسبابه القريبة والبعيدة ،وهي حب الدنيا ،والتعلق با ،والفتتان بزينتها ،والسعي
وراءها ،والطمع فيها ،وقصور المال عليها ،واعتبارها البدأ والنتهى ،والظن باللود فيها،
19
وحب الستزادة من البقاء فيها ،وبالتال كراهية الوت ،لنه يقطع هذه ا لمال والمان
وكأن لسان حال القوم يردد سخافات الاهلية من الدهريي وغيهم ،حي يقولون{ :إن
هي إل حياتنا الدنيا نوت ونيا وما نن ببعوثي} الؤمنون{ ،37/وقالوا إن هي إل
حياتنا الدنيا وما نن ببعوثي} النعام{ ،29 /وقالوا ما هي إل حياتنا الدنيا نوت ونيا
وما يهلكنا إل الدهر وما لم بذلك من علم إن هم إل يظنون} الاثية . 24 /
إن الرض واحد ،ولكن له وجهان متقابلن ،وصفتان متلزمتان ،وعرضان متحدان ،وها
حب الدنيا وكراهية الوت ،وهذان العرضان نشيطان ومؤثران ،ويتركان الثار العظيمة،
والنتائج الطية ،ويدفعان إل أعمال جة.
فمن آثار حب الدنيا أن تبدأ من الفرد لتصل إل الجتمع ،فتصبغه با ،وينتشر الرص
على جع الال ،والنكباب على كسبه بالطرق الشروعة وغي الشروعة ،ويظهر التقاتل
والتخاصم ،والشح والبخل ،والشع والطمع ،واللف والدوران ف التعامل ،والتحايل
والتهرب ،والسرقة والغصب ،ث يعقب ذلك التخاذل والب والوف والضطراب،
والقلق الشديد من الستقبل.
ومن آثار كراهية الوت أن يعب النسان من طيبات الياة ما استطاع إل ذ لك سبيل،
وأل يعد للموت عدته ،ول يقدم شيئا أمامه ،ويسرف ف اللذات ،ويسعى لشباع
الشهوات ،وينقاد وراء الغرائز ،ولو قتل نفسه بنفسه ،ث يهلك ذاته بيده.
ويشرح القرآن الكري هذا الرض بشقيه ،مبينا أثره وخطره وعاقبته ،فيقول تعال:
{ألاكم التكاثر حت زرت القابر كل سوف تعلمون ث كل سوف تعلمون كل لو
تعلمون علم اليقي لترون الحيم ث لترونا عي اليقي ث لتسألن يومئذ عن النعيم}
التكاثر.
حقيقة الدنيا:
وإن حب الدنيا وكراهية الوت يعن أن النسان يهل حقيقة الدنيا ،ويغتر بظاهرها،
ويفتت بغرياتا ،وأن صاحبها قصي النظر ،كليل البصر ،ينظر بي رجليه ،ول يستعد
لبعد من ذلك ،ول يهيء نفسه لستقبل أيامه ،ول يدخر سلحه وقوته لوقت حاجته،
لذلك حرص القرآن الكري على أن يكشف للمسلم حقيقة الدنيا ،وييط له اللثام عن
20
مفاتنها ،ويذره من الغترار فيها ،وذلك ف آيات كثية ،قال تعال{ :اعلموا أنا الياة
الدنيا لعب ولو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر ف الموال والولد كمثل غيث أعجب
الكفار نباته ث يهيج فتراه مصفرا ث يكون حطاما وف الخرة عذاب شديد ومغفرة من
ال ورضوان وما الياة الدنيا إل متاع الغرور} الديد .20 /وقال تعال{ :زين للناس
حب الشهوات من النساء والبني والقناطي القنطرة من الذهب والفضة واليل السومة
والنعام والرث ذلك متاع الياة الدنيا وال عنده حسن الآب} آل عمران ،14 /ويبي
القرآن حقيقة الياة ،ويذر من فتنتها ،فيقول تعال{ :يا أيها الناس إن وعد ال حق فل
تغرنكم الياة الدنيا ول يغرنكم بال الغرور} فاطر ،5 /كما يقرر القرآن الكري أشياء
كثية من زينة الياة الدنيا ،ث يدعو الناس إل عدم الوقوف عندها ،ويطلب منهم تاوزها
إل ما هو خي وأشل ،وأحسن وأدوم وأثن وأبقى ،فيقول تعال{ :الال والبنون زينة
الياة الدنيا والباقيات الصالات خي عند ربك ثوابا وخي أمل} الكهف.46/
فالدنيا جيلة ،وفيها من السليات واللهي الشيء الكثي ،ولكن ذلك إل زوال ،وأن
الياة القيقية ،والسعادة القة هي ف الدار الخرة ،فيقول تعال{ :وما هذه الياة الدنيا
إل لو ولعب وإن الدار الخرة لي اليوان لو كانوا يعلمون} العنكبوت ،64 /ث يذر
الرسول الكري من مفاتن الدنيا ،والنشغال بالا وخياتا ،والتنافس فيها ،والغفلة عن ال
والخرة ،فيقول عليه الصلة والسلم ف حديث طويل رواه البخاري ومسلم عن عمرو
بن عوف النصاري" :فوال ما الفقر أخشى عليكم ،ولكن أخشى أن تبسط الدنيا
عليكم ،كما بسطت على من كان قبلكم ،فتنافسوها كما تنافسوها ،فتهلككم كما
أهلكتهم" ،وبي رسول ال صلى ال عليه وسلم قيمة الدنيا ،وهوانا عند ال تعال ،وأنه
ل قدر لا إذ ا قصدت لذاتا ،وإنا تظهر قيمتها إذا جعلت طريقا إل الخرة ،ومزرعة
للعمال ،فقال عليه الصلة و السلم -فيما رواه الترمذي وابن ماجه عن سهل بن سعد
الساعدي" :لو كانت الدنيا تعدل عند ال جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء "،
وحذر الرسول الكري الؤمني من استعباد الدنيا وزينتها لم ،فالعاقل ل يكون عبدا
للدرهم والدينار ،وإل استحق السخط والغضب ،يروي البخاري عن أب هريرة عن النب
صلى ال عليه وسلم قال " :تعس عبد الدينار والدرهم ،والقطيفة والميصة ،إن أعطي
21
رضي ،وإن ل يعط ل يرض" ،وروى مسلم عن أب سعيد الدري أن رسول ال صلى ال
عليه وسلم قال " :إن الدنيا حلوة خضرة ،وإن ال تعال مستخلفكم فيها ،فينظر كيف
تعملون ،فاتقوا الدنيا ،واتقوا النساء" وروى البخاري ومسلم عن أنس رضي ال عنه أن
النب صلى ال عليه وسلم قال " :اللهم ل عيش إل عيش الخرة" ،وهذه اليات
والحاديث ،وغيها كثي ،تذير للمسلمي من الفتنة بالدنيا ،والتعلق با ،والغترار
بزينتها ،وليكون ذ لك وقاية لم من النغماس فيها ،ولكن ذ لك ل يعن التخلي عن
الدنيا وترك ما فيها ،واعتبارها نسا كما يلو لتباع بعض الديانات الحرفة ،بل الدنيا
مزرعة للخرة ،وأن الدنيا مياث وتركة للمؤمن ،ينفقها ف سبيل الخرة ،ويشترى با
الدرجات العليا ف النة ،روى الترمذي عن أب ذر رضي ال عنه عن النب صلى ال عليه
وسلم قال " :الزهادة ف الدنيا ليست بتحري اللل ،ول إضاعة الال ،ولكن الزهادة ف
الدنيا أل تكون با ف يديك أوثق ما ف يد ال ،وأن تكون ف ثواب الصيبة اذا أنت
أصبت با أرغب فيها لو أنا أبقيت لك".
الستعداد للموت:
وهذه النظرة القيقية للدنيا ،وعدم التعلق با ،وسيلة تربوية حت يكون الال وغيه ف يد
الؤمن والعاقل ،وليس ف قلبه ،فل يستأسره ويسيطر عليه ،وإنا يستخدمه لنفع العباد
والبلد ،ويسخر ما ف يده من خي ليكون أمامه يوم الدين والساب ،وليبقى ذكرا له،
وعمل نافعا ،وأجرا دائما بعد وفاته ،وأن الدخار والبخل ،والكتناز والشح ل يعود عليه
بشيء ،ولن يلد ف الدنيا ،وسوف ينقل إل القب ،ويدفن تت التراب ،ويبقى الال لغيه،
ويكشف لنا رسول ال صلى ال عليه وسلم ،هذه القيقة ،مبينا حظ النسان من ماله،
فيما يرويه مسلم وأحد والترمذي والنسائي عن عبد ال بن الشخي أن رسول ال صلى
ال عليه وسلم قال " :يقول ابن آدم :مال مال ،وهل لك من مالك إل ما تصدقت
فأمضيت ،أو أكلت فأفنيت ،أو لبست فأبليت" ولذلك يستعد العاقل للموت - ،ويهيئ
له السباب الحمودة ،فإن جاءه الوت كان عل خي حال ،دون أن يغفل عن هذه القيقة
الت تلزم البشرية ،وأن الدنيا ليست مقرا ول مستقرا ،ول يلد فيها إنسان ،والوت حق
يقين ،ومهما جع النسان ف هذه الياة ،فإن متطلباته منها مدودة ،وحصيلته مقررة،
22
وانتفاعه مصور ،والزائد عنه سيبقى لغيه من الحياء ،ويروح الرء إل مصيه الحتوم
شاء أم أب ،وإن أنفق ماله ف الشر واليذاء فسوف ياسب عليه ،وإن كان رشيدا أنفقه
ف الي ،واستعد لا بعد الوت ،لا روي المام أحد والترمذي وابن ماجه والاكم أن
رسول ال صلى ال عليه وسلم قال" :الكيس (وف رواية العاقل) من دان نفسه ،وعمل لا
بعد الوت ،والعاجز من أتبع نفسه هواها وتن على ال المان" ،وقد خلق ال الياة
ابتلء للنسان واختبارا له ،ليستعد إل لقاء ربه ،ويغتنم الفرصة ف حياته ،لا رواه المام
أحد والاكم أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال " :اغتنم خسا قبل خس :حياتك
قبل موتك ،وصحتك قبل سقمك ،وفراغك قبل شغلك ،وشبابك قبل هرمك ،وغناك
قبل فقرك" .وكان اليهود يدعون أنم أبناء ال وأحباؤه ،فوضعهم ال على الحك
القيقي،وطلب منهم تن الوت إن كانوا صادقي ف لقاء ال ،فقال تعال{ :قل يا أيها
الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء ل من دون الناس فتمنوا الوت إن كنتم صادقي}
المعة.6 /
وف هذا التوجيه ،والتربية السلمية يكون النسان سويا وقويا ،ويضمن لنفسه العزة
والكرامة ،ويقق لمته النصر والياة العزيزة ،ويغرس ف نفسه الناعة والوقاية من الوهن،
ويطلب الوت لتوهب له الياة ،وينع من قلبه حب الدنيا ،ويضع الوت نصب عينيه
ليحاسب نفسه قبل أن تاسب ،وفقنا ال لا يبه ويرضاه ،وردنا إل دينه ردا جيل،
والمد ل رب العالي.
الدكتور /ممد الزحيلي
******************
وال تعال قد بي أن أهل الكتاب يعلمون علم اليقي أن ممدا (( صلى ال عليه وسلم
)) هو خات النبياء والرسلي .
شهَدُونَ ([ )70آل عمران/ قال تعال { :يَا َأهْ َل الْ ِكتَابِ لِ َم َتكْفُرُو َن بِ َآيَاتِ اللّ ِه َوَأْنتُ ْم تَ ْ
} ]70
وقال تعال { :يَا َأهْلَ اْل ِكتَابِ ِل َم تَ ْلبِسُو َن الْحَ ّق بِاْلبَاطِلِ َوَت ْكتُمُو َن الْحَ ّق َوَأْنتُ ْم َتعْلَمُونَ (
[ )71آل عمران} ]72 ،71/
23
ب َيعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ َأبْنَا َءهُ ْم َوِإنّ َفرِيقًا ِمْنهُ ْم
وقال تعال { :الّذِينَ َآَتيْنَاهُ ُم الْ ِكتَا َ
ح ّق مِنْ َربّكَ فَلَا َتكُونَنّ مِ َن الْ ُم ْمتَرِينَ ()147 ح ّق َوهُمْ َيعَْلمُونَ ( )146الْ َ َليَ ْكتُمُونَ الْ َ
[البقرة} ]148-146/
سهُمْ
سرُوا َأْنفُ َ ب َيعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ َأبْنَا َءهُ ُم الّذِينَ خَ ِ وقال تعال { :الّذِينَ َآَتيْنَاهُ ُم الْ ِكتَا َ
َفهُمْ لَا ُي ْؤمِنُونَ ([ )20النعام} ]20/
إن الحنة الت يكنها أهل الكتاب للجماعة السلمة هي الحنة التعلقة بالعقيدة .إنم
يكرهون لذه المة أن تتدي .يكرهون لا أن تفيء إل عقيدتا الاصة ف قوة وثقة
ويقي .ومن ث يرصدون جهودهم كلها لضللا عن هذا النهج ،واللواء با عن هذا
الطريق :
{ ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم } . .
فهو ود النفس ورغبة القلب والشهوة الت تفو إليها الهواء من وراء كل كيد ،وكل
دس ،وكل مراء ،وكل جدال ،وكل تلبيس .
وهذه الرغبة القائمة على الوى والقد والشر ،ضلل ل شك فيه .فما تنبعث مثل هذه
الرغبة الشريرة الثة عن خي ول عن هدى .فهم يوقعون أنفسهم ف الضللة ف اللحظة
الت يودون فيها إضلل السلمي .فما يب إضلل الهتدين إل ضال يهيم ف الضلل
البهيم :
{ وما يضلون إل أنفسهم .وما يشعرون } . .
والسلمون مكفيون أمر أعدائهم هؤلء ما استقاموا على إسلمهم وما لم عليهم من سبيل
.وال سبحانه يتعهد لم أل يصيبهم كيد الكائدين ،وأن يرتد عليهم كيدهم ما بقي
السلمون مسلمي .
هنا يقرع أهل الكتاب بقيقة موقفهم الريب العيب :
{ يا أهل الكتاب ل تكفرون بآيات ال وأنتم تشهدون؟ يا أهل الكتاب ل تلبسون الق
بالباطل وتكتمون الق وأنتم تعلمون؟ } .
ولقد كان أهل الكتاب وقتها -وما يزالون حت اليوم -يشهدون الق واضحا ف هذا
الدين .سواء منهم الطلعون على حقيقة ما جاء ف كتبهم عنه من بشارات وإشارات -
24
وكان بعضهم يصرح با يد من هذا كله وبعضهم يسلم بناء على هذا الذي يده ف كتبه
ويشهده متحققا أمامه -وسواء كذلك غي الطلعي ،ولكنهم يدون ف السلم من
الق الواضح ما يدعو إل اليان . .غي أنم يكفرون . .ل لنقص ف الدليل .ولكن
للهوى والصلحة والتضليل . .والقرآن يناديهم { :يا أهل الكتاب } . .لنا الصفة
الت كان من شأنا أن تقودهم إل آيات ال وكتابه الديد .
كذلك يناديهم مرة أخرى ليفضح ما يقومون به من لبس الق بالباطل لخفائه وكتمانه
وتضييعه ف غمار الباطل ،على علم وعن عمد وف قصد . .وهو أمر مستنكر قبيح!
وهذا الذي ندد ال به -سبحانه -من أعمال أهل الكتاب حينذاك ،هو المر الذي
درجوا عليه من وقتها حت اللحظة الاضرة . .فهذا طريقهم على مدار التاريخ . .
اليهود بدأوا منذ اللحظة الول .ث تابعهم الصليبيون!
وف خلل القرون التطاولة دسوا -مع السف -ف التراث السلمي ما ل سبيل إل
كشفه إل بهد القرون! ولبسوا الق بالباطل ف هذا التراث كله -اللهم إل هذا الكتاب
الحفوظ الذي تكفل ال بفظه أبد البدين -والمد ل على فضله العظيم .
دسوا ولبسوا ف التاريخ السلمي وأحداثه ورجاله .ودسوا ولبسوا ف الديث النبوي
حت قيض ال له رجاله الذين حققوه وحرروه إل ما ند عن الهد النسان الحدود .
ودسوا ولبسوا ف التفسي القرآن حت تركوه تيها ل يكاد الباحث يفيء فيه إل معال
الطريق .ودسوا ولبسوا ف الرجال أيضا .فالئات واللوف كانوا دسيسة على التراث
السلمي -وما يزالون ف صورة الستشرقي وتلميذ الستشرقي الذين يشغلون مناصب
القيادة الفكرية اليوم ف البلد الت يقول أهلها :إنم مسلمون .والعشرات من
الشخصيات الدسوسة على المة السلمة ف صورة أبطال مصنوعي على عي الصهيونية
والصليبية ،ليؤدوا لعداء السلم من الدمات ما ل يلك هؤلء العداء أن يؤدوه
ظاهرين!
وما يزال هذا الكيد قائما ومطردا .وما تزال مثابة المان والنجاة منه هي اللياذ بذا
الكتاب الحفوظ؛ والعودة إليه لستشارته ف العركة الناشبة طوال هذه القرون .
25
كذلك يعرض بعض الحاولت الت يبذلا فريق من أهل الكتاب لبلبلة الماعة السلمة ف
دينها ،وردها عن الدى ،من ذلك الطريق الاكر اللئيم :
{ وقالت طائفة من أهل الكتاب :آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا
آخره لعلهم يرجعون .ول تؤمنوا إل لن تبع دينكم . . } . . .
وهي طريقة ماكرة لئيمة كما قلنا .فإن إظهارهم السلم ث الرجوع عنه ،يوقع بعض
ضعاف النفوس والعقول وغي التثبتي من حقيقة دينهم وطبيعته .
يوقعهم ف بلبلة واضطراب .وباصة العرب الميي ،الذين كانوا يظنون أن أهل
الكتاب أعرف منهم بطبيعة الديانات والكتب .فإذا رأوهم يؤمنون ث يرتدون ،حسبوا
أنم إنا ارتدوا بسبب اطلعهم على خبيئة ونقص ف هذا الدين .وتأرجحوا بي اتاهي
فلم يكن لم ثبات على حال .
وما تزال هذه الدعة تتخذ حت اليوم .ف شت الصور الت تناسب تطور اللبسات
والناس ف كل جيل . .ولقد يئس أعداء السلمي أن تنطلي اليوم هذه الدعة ،فلجأت
القوى الناهضة للسلم ف العال إل طرق شت ،كلها تقوم على تلك الدعة القدية .
إن لذه القوى اليوم ف أناء العال السلمي جيشا جرارا من العملء ف صورة أساتذة
وفلسفة ودكاترة وباحثي -وأحيانا كتاب وشعراء وفناني وصحفيي -يملون أساء
السلمي ،لنم اندروا من سللة مسلمة! وبعضهم من « علماء » السلمي!
هذا اليش من العملء موجه للخلة العقيدة ف النفوس بشت الساليب ،ف صورة بث
وعلم وأدب وفن وصحافة .وتوهي قواعدها من الساس .والتهوين من شأن العقيدة
والشريعة سواء .وتأويلها وتميلها ما ل تطيق .والدق التصل على « رجعيتها »!
والدعوة للتلفت منها .وإبعادها عن مال الياة إشفاقا عليها من الياة أو إشفاقا على
الياة منها! وابتداع تصورات ومثل وقواعد للشعور والسلوك تناقض وتطم تصورات
العقيدة ومثلها .وتزيي تلك التصورات البتدعة بقدر تشويه التصورات والثل اليانية .
وإطلق الشهوات من عقالا وسحق القاعدة اللقية الت تستوي عليها العقيدة النظيفة
لتخر ف الوحل الذي ينثرونه ف الرض نثرا! ويشوهون التاريخ كله ويرفونه كما
يرفون النصوص!
26
وهم بعد مسلمون! أليسوا يملون أساء السلمي؟ وهم بذه الساء السلمة يعلنون
السلم وجه النهار .وبذه الحاولت الجرمة يكفرون آخره . .ويؤدون بذه وتلك
دور أهل الكتاب القدي . .ل يتغي إل الشكل والطار ف ذلك الدور القدي!
وكان أهل الكتاب يقول بعضهم لبعض :تظاهروا بالسلم أول النهار واكفروا آخره
لعل السلمي يرجعون عن دينهم .وليكن هذا سرا بينكم ل تبدونه ول تأتنون عليه إل
أهل دينكم :
{ ول تؤمنوا إل لن تبع دينكم } . .
وفعل اليان حي يعدّى باللم يعن الطمئنان والثقة .أي ول تطمئنوا إل لن تبع
دينكم ،ول تفضوا بأسراركم إل لؤلء دون السلمي!
وعملء الصهيونية والصليبية اليوم كذلك . .إنم متفاهون فيما بينهم على أمر . .هو
الجهاز على هذه العقيدة ف الفرصة السانة الت قد ل تعود . .وقد ل يكون هذا
التفاهم ف معاهدة أو مؤامرة .ولكنه تفاهم العميل مع العميل على الهمة الطلوبة
للصيل! ويأمن بعضهم لبعض فيفضي بعضهم إل بعض . .ث يتظاهرون -بعضهم على
القل بغي -ما يريدون وما يبيتون . .والو من حولم مهيأ ،والجهزة من حولم
معبأة . .والذين يدركون حقيقة هذا الدين ف الرض كلها مغيبون أو مشردون!
{ الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ،وإن فريقا منهم ليكتمون الق
وهم يعلمون } . .
ومعرفة الناس بأبنائهم هي قمة العرفة ،وهي مثل يضرب ف لغة العرب على اليقي الذي
ل شبهة فيه . .فإذا كان أهل الكتاب على يقي من الق الذي جاء به النب -صلى ال
عليه وسلم -ومنه هذا الذي جاء به ف شأن القبلة ،وكان فريق منهم يكتمون الق
الذي يعلمونه علم اليقي . .فليس سبيل الؤمني إذن أن يتأثروا با يلقيه أهل الكتاب
هؤلء من أباطيل وأكاذيب .
وليس سبيل الؤمني أن يأخذوا من هؤلء الذين يستيقنون الق ث يكتمونه شيئا ف أمر
دينهم ،الذي يأتيهم به رسولم الصادق المي .
27
وهنا يوجه الطاب إل النب -صلى ال عليه وسلم -بعد هذا البيان بشأن أهل الكتاب
:
{ الق من ربك فل تكونن من المترين } . .
ورسول ال -صلى ال عليه وسلم -ما امترى يوما ول شك .وحينما قال له ربه ف
آية أخرى { :فإن كنت ف شك ما أنزلنا إليك فاسأل الذي يقرأون الكتاب من قبلك }
.قال « :ل أشك ول أسأل » .
ولكن توجيه الطاب هكذا إل شخصه -صلى ال عليه وسلم -يمل إياء قويا إل من
وراءه من السلمي .سواء منهم من كان ف ذلك الي يتأثر بأباطيل اليهود وأحابيلهم ،
ومن يأت بعدهم من تؤثر فيهم أباطيل اليهود وغي اليهود ف أمر دينهم .
وما أجدرنا نن اليوم أن نستمع إل هذا التحذير؛ ونن -ف بلهة منقطعة النظي -
نروح نستفت الستشرقي -من اليهود والنصارى والشيوعيي الكفار -ف أمر ديننا ،
ونتلقى عنهم تارينا ،ونأمنهم على القول ف تراثنا ،ونسمع لا يدسونه من شكوك ف
دراساتم لقرآننا وحديث نبينا ،وسية أوائلنا؛ ونرسل إليهم بعثات من طلبنا يتلقون
عنهم علوم السلم ،ويتخرجون ف جامعاتم ،ث يعودون الينا مدخول العقل والضمي .
إن هذا القرآن قرآننا .قرآن المة السلمة .وهو كتابا الالد الذي ياطبها فيه ربا با
تعمله وما تذره .وأهل الكتاب هم أهل الكتاب ،والكفار هم الكفار ،والدين هو
الدين!
000000000000
{ الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ،الذين خسروا أنفسهم فهم ل
يؤمنون } . .
لقد تكرر ف القرآن الكري ذكر معرفة أهل الكتاب -وهم اليهود والنصارى -لذا
القرآن؛ أو لصحة رساله ممد -صلى ال عليه وسلم -وتنيل هذا القرآن عليه من عند
ال . .تكرر ذكر هذه القيقة سواء ف مواجهة أهل الكتاب أنفسهم ،عندما كانوا
يقفون من النب -صلى ال عليه وسلم -ومن هذا الدين وقفة العارضة والنكار والرب
والعداء ( وكان هذا غالبا ف الدينة ) أو ف مواجهة الشركي من العرب؛ لتعريفهم أن
أهل الكتاب ،الذين يعرفون طبيعة الوحي والكتب السماوية ،يعرفون هذا القرآن ،
28
ويعرفون صدق رسول ال -صلى ال عليه وسلم -ف أنه وحي أوحى به ربه إليه كما
أوحى إل الرسل من قبله .
وهذا الية -كما رجحنا -مكية .وذكر أهل الكتاب فيها على هذا النحو -إذن -
يفيد أنا كانت مواجهة للمشركي بأن هذا القرآن الذي ينكرونه ،يعرفه أهل الكتاب
كما يعرفون أبناءهم؛ وإذا كانت كثرتم ل تؤمن به فذلك لنم خسروا أنفسهم ،فهم
ل يؤمنون .
شأنم ف هذا شأن الشركي ،الذين خسروا أنفسهم ،فلم يدخلوا ف هذا الدين!
والسياق قبل هذه الية وبعدها كله عن الشركي .ما يرجح مكيتها كما قلنا من قبل ف
التعريف بالسورة . .
وقد جرى الفسرون على تفسي مثل هذا التقرير { :الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما
يعرفون أبناءهم } . .
على أنم يعرفون أنه منل من عند ال حقا؛ أو على أن النب -صلى ال عليه وسلم -
رسول من عندال حقا ،يوحى إليه بذا القرآن . .
وهذا جانب من مدلول النص فعلً ،ولكنا نلمح -باستصحاب الواقع التاريي وموقف
أهل الكتاب من هذا الدين فيه -أن هناك جانبا آخر من مدلول النص؛ لعل ال -
سبحانه -أراد أن يعلمه للجماعة السلمة ،ليستقر ف وعيها على مدار التاريخ ،وهي
تواجه أهل الكتاب بذا الدين . .
إن أهل الكتاب يعرفون أن هذا الكتاب حق من عند ال؛ ويعرفون -من ث -ما فيه من
سلطان وقوة؛ ومن خي وصلح؛ ومن طاقة دافعة للمة الت تدين بالعقيدة الت جاء با؛
وبالخلق الت تنبثق منها؛ وبالنظام الذي يقوم عليها .ويسبون كل حساب لذا
الكتاب وأهله؛ ويعلمون جيدا أن الرض ل تسعهم وتسع أهل الدين! . .إنم يعرفون ما
فيه من حق ،ويعرفون ما هم فيه من باطل . .ويعرفون أن الاهلية الت صاروا إليها ،
وصارت إليها أوضاع قومهم وأخلقهم وأنظمتهم ،ل يكن أن يهادنا هذا الدين ،أو
يبقي عليها . .وأنا -من ث -معركة ل تدأ حت تلو الاهلية عن هذه الرض ،
ويستعلي هذا الدين ،ويكون الدين كله ل . .أي أن يكون السلطان ف الرض كله ل؛
29
وأن يطارد العتدون على سلطان ال ف الرض كلها .وبذلك وحده يكون الدين كله ل
..
إن أهل الكتاب يعلمون جيدا هذه القيقة ف هذا الدين . .ويعرفونه با كما يعرفون
ل بعد جيل يدرسون هذا الدين دراسة دقيقة عميقة؛ وينقبون عن أبناءهم . .وهم جي ً
أسرار قوته؛ وعن مداخله إل النفوس ومساربه فيها؛ ويبحثون بد :كيف يستطيعون أن
يفسدوا القوة الوجهة ف هذا الدين؟ كيف يلقون بالريب والشكوك ف قلوب أهله؟ كيف
يرفون الكلم فيه عن مواضعه؟ كيف يصدون أهله عن العلم القيقي به؟ كيف يولونه
من حركة دافعة تطم الباطل والاهلية وتسترد سلطان ال ف الرض وتطارد العتدين
على هذا السلطان ،وتعل الدين كله ل . .إل حركة ثقافية باردة ،وإل بوث نظرية
ميتة ،وإل جدل لهوت أو فقهي أو طائفي فارغ؟ كيف يفرغون مفهوماته ف أوضاع
وأنظمة وتصورات غريبة عنه مدمرة له ،مع إيهام أهله أن عقيدتم مترمة مصونة؟! كيف
ف النهاية يلون فراغ العقيدة بتصورات أخرى ومفهومات أخرى واهتمامات أخرى ،
ليجهزوا على الذور العاطفية الباقية من العقيدة الباهتة؟!
إن أهل الكتاب يدرسون هذا الدين دراسة جادة عميقة فاحصة؛ ل لنم يبحثون عن
القيقية -كما يتوهم السذج من أهل هذا الدين! -ول لينصفوا هذا الدين وأصله -
كما يتصور بعض الخدوعي حينما يرون اعترافا من باحث أو مستشرق بانب طيب ف
هذا الدين! -كل! إنا هم يقومون بذه الدراسة الادة العميقة الفاحصة ،لنم يبحثون
عن مقتل لذا الدين! لنم يبحثون عن منافذه ومساربه إل الفطرة ليسدوها أو ييعوها!
لنم يبحثون عن أسرار قوته ليقاوموه منها! لنم يريدون أن يعرفوا كيف يبن نفسه ف
النفوس ليبنوا على غراره التصورات الضادة الت يريدون ملء فراغ الناس با!
وهم من أجل هذه الهداف واللبسات كلها يعرفونه كما يعرفون أبناءهم!
ومن واجبنا نن أن نعرف ذلك .
وأن نعرف معه أننا نن الوْل بأن نعرف ديننا كما نعرف أبناءنا!
إن الواقع التاريي من خلل أربعة عشر قرنا ينطق بقيقة واحدة . .هي هذه القيقة الت
يقررها القرآن الكري ف هذه الية { :الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم
30
} . .ولكن هذه القيقة تتضح ف هذه الفترة وتتجلى بصورة خاصة . .إن البحوث الت
تكتب عن السلم ف هذه الفترة تصدر بعدل كتاب كل أسبوع؛ بلغة من اللغات
الجنبية . .وتنطق هذه البحوث بدى معرفة أهل الكتاب بكل صغية وكبية عن طبيعة
هذا الدين وتاريه ،ومصادر قوته ،ووسائل مقاومته ،وطرق إفساد توجيهه! ومعظمهم
-بطبيعة الال -ل يفصح عن نيته هذه؛ فهم يعلمون أن الجوم الصريح على هذا الدين
كان يثي حاسة الدفاع والقاومة؛ وأن الركات الت قامت لطرد الجوم السلح على هذا
الدين -المثل ف الستعمار -إنا كانت ترتكز على قاعدة من الوعي الدين أو على
القل العاطفة الدينية؛ وأن استمرار الجوم على السلم -ولو ف الصورة الفكرية -
سيظل يثي حاسة الدفاع والقاومة! لذلك يلجأ معظمهم إل طريقة أخبث . .يلجأ إل
إزجاء الثناء لذا الدين ،حت ينوم الشاعر التوفزة ،ويدر الماسة التحفزة ،وينال ثقة
القارىء واطمئنانه . .ث يضع السم ف الكأس ويقدمها مترعة . .هذا الدين نعم عظيم .
.ولكنه ينبغي أن يتطور بفهوماته ويتطور كذلك بتنظيماته ليجاري الضارة « النسانية
» الديثة! وينبغي أل يقف موقف العارضة للتطورات الت وقعت ف أوضاع الجتمع ،
وف أشكال الكم ،وف قيم الخلق! وينبغي -ف النهاية -أن يتمثل ف صورة عقيدة
ف القلوب ،ويدع الياة الواقعية تنظمها نظريات وتارب وأساليب الضارة « النسانية
» الديثة! ويقف فقط ليبارك ما تقرره الرباب الرضية من هذه التجارب والساليب .
.وبذلك يظل دينا عظيما !!! . .
وف أثناء عرض مواضع القوة والعمق ف هذا الدين -وهي ظاهريا تبدو ف صورة
النصاف الادع والثناء الخدر -يقصد الؤلف قومه من أهل الكتاب؛ لينبههم إل
خطورة هذا الدين ،وإل أسرار قوته؛ ويسي أمام الجهزة الدمرة بذا الضوء الكشاف ،
ليسددوا ضرباتم على الدف
وليعرفوا هذا الدين كما يعرفون أبناءهم!
إن أسرار هذا القرآن ستظل تتكشف لصحابه؛ جديدة دائما؛ كلما عاشوا ف ظلله؛
وهم يوضون معركة العقيدة؛ ويتدبرون بوعي أحداث التاريخ؛ ويطالعون بوعي أحداث
الاضر .ويرون بنور ال .الذي يكشف الق ،ويني الطريق (. .الظلل)
31
****************
ودعاهم إل كلمة سواء فأبوا :
ب َتعَاَلوْا إِلَى كَِل َم ٍة َسوَا ٍء َبْينَنَا َوَبيَْنكُمْ أَلّا نَ ْعبُدَ إِلّا اللّ َه وَلَا
قال تعال { :قُلْ يَا َأهْ َل اْلكِتَا ِ
ضنَا َبعْضًا أَ ْربَابًا مِنْ دُونِ اللّهِ َفِإنْ َتوَّلوْا َفقُولُوا ا ْشهَدُوا ِبأَنّا خ َذ َبعْ ُنُشْ ِركَ بِهِ َشْيئًا وَلَا َيتّ ِ
مُسْلِمُونَ ([ )64آل عمران} ]65 ،64/
وإنا لدعوة منصفة من غي شك .دعوة ل يريد با النب -صلى ال عليه وسلم -أن
يتفضل عليهم هو ومن معه من السلمي . .كلمة سواء يقف أمامها الميع على مستوى
واحد .ل يعلو بعضهم على بعض ،ول يتعبد بعضهم بعضا .دعوة ل يأباها إل متعنت
مفسد ،ل يريد أن يفيء إل الق القوي .
إنا دعوة إل عبادة ال وحده ل يشركون به شيئا .ل بشرا ول حجرا .ودعوة إل أل
يتخذ بعضهم بعضا من دون ال أربابا .ل نبيا ول رسولً .فكلهم ل عبيد .إنا
اصطفاهم ال للتبليغ عنه ،ل لشاركته ف اللوهية والربوبية .
{ فإن تولوا فقولوا :اشهدوا بأنا مسلمون } .
فإن أبوا عبادة ال وحده دون شريك .والعبودية ل وحده دون شريك .وها الظهران
اللذان يقرران موقف العبيد من اللوهية . .إن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون . .
وهذه القابلة بي السلمي ومن يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون ال ،تقرر بوضوح
حاسم من هم السلمون .
هذا الشوط من السورة ما يزال يري مع الط الول الساسي العريض فيها . .خط
العركة بي أهل الكتاب والماعة السلمة . .معركة العقيدة ،وما يبذل أعداء هذا الدين
من جهد ومن حيلة ومن مكيدة ومن خداع ،ومن كذب ،ومن تدبي ،للبس الق
بالباطل ،وبث الريب والشكوك ،وتبييت الشر والضر لذه المة بل وناة ول انقطاع .
.ث مواجهة القرآن لذا كله ،بتبصي الؤمني بقيقة ما هم عليه من الق؛ وحقيقة ما
عليه أعداؤهم من الباطل؛ وحقيقة ما يبيته لم هؤلء العداء . .وأخيا بتشريح هؤلء
العداء . .طباعهم وأخلقهم وأعمالم ونياتم . .على مشهد من الماعة السلمة .
لتعريفها حقيقة أعدائها ،وفضح ما يضفونه على أنفسهم من مظاهر العلم والعرفة ،
32
وتبديد ثقة الخدوعي من السلمي فيهم ،وتنفيهم من حالم وإسقاط دسائسهم بتركها
مكشوفة عوراء ،ل تدع أحدا ول تنطلي على أحد!
ويبدأ هذا الشوط بواجهة أهل الكتاب -اليهود والنصارى -بسخف موقفهم وهم
ياجون ف إبراهيم -عليه السلم -فيزعم اليهود أنه كان يهوديا ،ويزعم النصارى أنه
كان نصرانيا .على حي أن إبراهيم سابق لليهودية والنصرانية ،سابق للتوراة والنيل .
والجاج فيه على هذا النحو مراء ل يستند إل دليل . .ويقرر حقيقة ما كان عليه
إبراهيم . .لقد كان على السلم . .دين ال القوي .وأولياؤه هم الذين يسيون على
نجه .وال ول الؤمني أجعي . .ومن ث تسقط ادعاءات هؤلء وهؤلء؛ ويتبي خط
السلم الواصل بي رسل ال والؤمني بم على توال القرون { :إن أول الناس بإبراهيم
للذين اتبعوه ،وهذا النب ،والذين آمنوا .وال ول الؤمني } . .
يلي ذلك ف السياق كشف الدف الصيل الكامن وراء ماراة أهل الكتاب ف إبراهيم
وغي إبراهيم -ما سبق ف السورة وما سيجيء -فهو الرغبة اللحة ف إضلل السلمي
عن دينهم -وتشكيكهم ف عقيدتم . .ومن ث يتجه بالتقريع إل الضللي { :يا أهل
الكتاب ل تكفرون بآيات ال وأنتم تشهدون؟ يا أهل الكتاب ل تلبسون الق بالباطل
وتكتمون الق وأنتم تعلمون؟ } . .
ث يطلع الماعة السلمة على لون من تبييت أعدائهم وتدبيهم ،لزعزعة ثقتهم ف
عقيدتم ودينهم بطريقة خبيثة ماكرة لئيمة .ذلك أن يعلنوا إيانم بالسلم أول النهار ،
ث يكفروا بالسلم آخره . .كي يلقوا ف روع غي التثبتي ف الصف السلم -ومثلهم
موجود دائما ف كل صف -أنه لمر ارتد أهل الكتاب ،البيون بالكتب والرسل
والديانات { :وقالت طائفة من أهل الكتاب :آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه
النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون } . .وهو كيد خبيث لئيم!
********************
استفتاحهم على الكفار قبل السلم ث كفرهم بالرسول صلى ال عليه وسلم بعد ميئه
33
قال تعال { :وَلَمّا جَا َءهُمْ ِكتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللّ ِه ُمصَ ّدقٌ لِمَا َم َعهُ ْم وَكَانُوا مِنْ َقبْ ُل
ستَ ْفتِحُونَ عَلَى الّذِينَ َكفَرُوا َفلَمّا جَا َءهُ ْم مَا عَرَفُوا َكفَرُوا بِهِ فََل ْعَنةُ اللّ ِه عَلَى اْلكَافِرِينَ (
يَ ْ
[ )89البقرة} ]90 ،89/
وهو تصرف يستحق الطرد والغضب لقبحه وشناعته . .ومن ث يصب عليهم اللعنة
ويصمهم بالكفر { :فلعنة ال على الكافرين } . .
ويفضح السبب الفي لذا الوقف الشائن الذي وقفوه؛ بعد أن يقرر خسارة الصفقة الت
اختاروها { :بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا با أنزل ال ،بغيا أن ينل ال من
فضله على من يشاء من عباده .فباؤوا بغضب على غضب ،وللكافرين عذاب مهي } .
.
بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا . . .لكأن هذا الكفر هو الثمن القابل لنفسهم!
والنسان يعادل نفسه بثمن ما ،يكثر أو يقل .أما أن يعادلا بالكفر فتلك أبأس
الصفقات وأخسرها ولكن هذا هو الواقع .وإن بدا تثيلً وتصويرا .لقد خسروا أنفسهم
ف الدنيا فلم ينضموا إل الوكب الكري العزيز ولقد خسروا أنفسهم ف الخرة با
ينتظرهم من العذاب الهي .وباذا خرجوا ف النهاية؟ خرجوا بالكفر ،هو وحده الذي
كسبوه وأخذوه!
وكان الذي حلهم على هذا كله هو حسدهم لرسول ال -صلى ال عليه وسلم -أن
يتاره ال للرسالة الت انتظروها فيهم ،وحقدهم لن ينل ال من فضله على من يشاء من
عباده .وكان هذا بغيا منهم وظلما فعادوا من هذا الظلم بغضب على غضب؛ وهناك
ينتظرهم عذاب مهي ،جزاء الستكبار والسد والبغي الذميم .
وهذه الطبيعة الت تبدو هنا ف يهود هي الطبيعة الكنود ،طبيعة الثرة الضيقة الت تيا ف
نطاق من التعصب شديد؛ وتس أن كل خي يصيب سواها كأنا هو مقتطع منها؛ ول
تشعر بالوشيجة
وهكذا عاش اليهود ف عزلة ،يسون أنم فرع مقطوع من شجرة الياة؛ ويتربصون
بالبشرية الدوائر؛ ويكنون للناس البغضاء ،ويعانون عذاب الحقاد والضغائن ،ويذيقون
البشرية رجع هذه الحقاد فتنا يوقدونا بي بعض الشعوب وبعض ،وحروبا يثيونا
34
ليجروا من ورائها الغان ،ويروون با أحقادهم الت ل تنطفىء ،وهلكا يسلطونه على
الناس ،ويسلطه عليهم الناس . .وهذا الشر كله إنا نشأ من تلك الثرة البغيضة { :بغيا
. .أن ينل ال من فضله على من يشاء من عباده } . .
{ وإذا قيل لم :آمنوا با أنزل ال قالوا :نؤمن با أنزل علينا ،ويكفرون با وراءه وهو
الق مصدقاَ لا معهم } . .
وكان هذا هو الذي يقولونه إذا دعوا إل اليان بالقرآن وبالسلم .كانوا يقولون
{ نؤمن با أنزل علينا } . .ففيه الكفاية ،وهو وحده الق ،ث يكفرون با وراءه .
سواء ما جاءهم به عيسى عليه السلم ،وما جاءهم به ممد خات النبيي .
------------
لقد استقبل اليهود رسول ال -صلى ال عليه وسلم -ودينه ف الدينة شر ما يستقبل
أهل دين ساوي رسولً يعرفون صدقه ،ودينا يعرفون أنه الق . .
استقبلوه بالدسائس والكاذيب والشبهات والفت يلقونا ف الصف السلم ف الدينة بكافة
الطرق اللتوية الاكرة الت يتقنها اليهود . .شككوا ف رسالة رسول ال -صلى ال عليه
وسلم -وهم يعرفونه؛ واحتضنوا النافقي وأمدوهم بالشبهات الت ينشرونا ف الو
وبالتهم والكاذيب .وما فعلوه ف حادث تويل القبلة ،وما فعلوه ف حادث الفك ،
وما فعلوه ف كل مناسبة ،ليس إل ناذج من هذا الكيد اللئيم . .وف مثل هذه الفاعيل
كان يتنل القرآن الكري .وسور البقرة وآل عمران والنساء والائدة والشر والحزاب
والتوبة وغيها تضمنت من هذا الكثي :
{ ولا جاءهم كتاب من عند ال مصدق لا معهم -وكانوا من قبل يستفتحون على
الذين كفروا -فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ،فلعنة ال على الكافرين ،بئسما اشتروا
به أنفسهم أن يكفروا با أنزل ال -بغيا أن ينل ال من فضله على من يشاء من عباده -
فباءوا بغضب على غضب ،وللكافرين عذاب مهي } [ البقرة . ] 90 - 89 :
{ ولا جاءهم رسول من عند ال مصدق لا معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب
كتاب ال وراء ظهورهم كأنم ل يعلمون } [ البقرة . ] 101 :
35
{ سيقول السفهاء من الناس :ما ولهم عن قبلتهم الت كانوا عليها .قل :ل الشرق
والغرب يهدي من يشاء إل صراط مستقيم } [ البقرة . ] 142 :
{ يا أهل الكتاب ل تكفرون بآيات ال وأنتم تشهدون .يا أهل الكتاب ل تلبسون الق
بالباطل وتكتمون الق وأنتم تعلمون؟ } [ آل عمران . ] 71 - 70 :
{ وقالت طائفة من أهل الكتاب :آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا
آخره لعلهم يرجعون } [ آل عمران . ] 72 :
{ وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ،
ويقولون هو من عند ال ،وما هو من عند ال ويقولون على ال الكذب وهم يعلمون }
[ آل عمران . ] 78 :
{ قل :يا أهل الكتاب ل تكفرون بآيات ال وال شهيد على ما تعملون؟ قل يا أهل
الكتاب ل تصدون عن سبيل ال من آمن تبغونا عوجا وأنتم شهداء وما ال بغافل عما
تعملون } [ آل عمران . ] 99 - 98 :
{ يسألك أهل الكتاب أن تنل عليهم كتابا من السماء! فقد سألوا موسى أكب من
ذلك ،فقالوا :أرنا ال جهرة ،فأخذتم الصاعقة بظلمهم؛ ث اتذوا العجل من بعد ما
جاءتم البينات } . . .
[ النساء . ] 153 :
{ يريدون أن يطفئوا نور ال بأفواههم ،ويأب ال إل أن يتم نوره ولو كره الكافرون } .
[ . .التوبة . ] 32 :
كذلك شهد التاريخ نقض اليهود لعهودهم مرة بعد مرة وترشهم بالسلمي ،ما أدى إل
وقائع بن قينقاع وبن النضي وبن قريظة وخيب .كما شهد تأليب اليهود للمشركي ف
الحزاب ،ما هو معروف مشهور .
ث تابع اليهود كيدهم للسلم وأهله منذ ذلك التاريخ . .كانوا عناصر أساسية ف إثارة
الفتنة الكبى الت قتل فيها الليفة الراشد عثمان بن عفان -رضي ال عنه -وانتثر بعدها
شل التجمع السلمي إل حد كبي . .
36
وكانوا رأس الفتنة فيما وقع بعد ذلك بي علي -رضي ال عنه -ومعاوية . .وقادوا
حلة الوضع ف الديث والسية وروايات التفسي . .وكانوا من المهدين لملة التتار
على بغداد وتقويض اللفة السلمية . . .
فأما ف التاريخ الديث فهم وراء كل كارثة حلت بالسلمي ف كل مكان على وجه
الرض؛ وهم وراء كل ماولة لسحق طلئع البعث السلمي؛ وهم حاة كل وضع من
الوضاع الت تتول هذه الحاولة ف كل أرجاء العال السلمي!
ذلك شأن اليهود ،فأما شأن الفريق الخر من أهل الكتاب ،فهو ل يقل إصرارا على
العداوة والرب من شأن اليهود!
لقد كانت بي الرومان والفرس عداوات عمرها قرون . .ولكن ما إن ظهر السلم ف
الزيرة؛ وأحست الكنيسة بطورة هذا الدين الق على ما صنعته هي بأيديها وسته «
السيحية » وهو ركام من الوثنيات القدية ،والضاليل الكنسية ،متلبسا ببقايا من
كلمات السيح -عليه السلم -وتاريه . .حت رأينا الرومان والفرس ينسون ما بينهم
من نزاعات تارييه قدية وعداوات وثارات عميقة ،ليواجهوا هذا الدين الديد .
ولقد أخذ الروم يتجمعون ف الشمال هم وعمالم من الغساسنة لينقضوا على هذا الدين .
وذلك بعد أن قتلوا الارث بن عمي الزدي رسول رسول ال -صلى ال عليه وسلم -
إل عامل بصرى من قبل الروم -وكان السلمون يؤمنون الرسل ولكن النصارى غدروا
برسول النب صلى ال عليه وسلم وقتلوه -ما جعل رسول ال -صلى ال عليه وسلم -
يبعث بيش المراء الشهداء الثلثة :زيد بن حارثة ،وجعفر بن أب طالب ،وعبد ال بن
رواحة ف غزوة « مؤتة » فوجدوا تمعا للروم تقول الروايات عنه :إنه مائة ألف من
الروم ومعه من عملئهم ف الشام من القبائل العربية النصرانية مائة ألف أخرى؛ وكان
جيش السلمي ل يتجاوز ثلثة آلف مقاتل .وكان ذلك ف جادى الول من السنة
الثامنة للهجرة .
ث كانت غزوة تبوك الت يدور عليها معظم هذه السورة ( وسيجيء تفصيل القول فيها ف
موضعه إن شاء ال تعال ) .
37
ث كان جيش أسامة بن زيد الذي أعده رسول ال -صلى ال عليه وسلم -قبيل وفاته؛
ث أنفذه الليفة الراشد أبو بكر -رضي ال عنه -إل أطراف الشام؛ لواجهة تلك
التجمعات الرومانية الت تستهدف القضاء على هذا الدين!
ث اشتعل مرجل القد الصليب منذ موقعة اليموك الظافرة ،الت أعقبها انطلق السلم
لتحرير الستعمرات المباطورية الرومانية ف الشام ومصر وشال إفريقية وجزر البحر
البيض .ث بناء القاعدة السلمية الوطيدة ف الندلس ف النهاية .
إن « الروب الصليبية » العروفة بذا السم ف التاريخ ،ل تكن هي وحدها الت شنتها
الكنيسة على السلم ،لقد كانت هذه الروب مبكرة قبل هذا الوعد بكثي . .لقد
بدأت ف القيقة منذ ذلك التاريخ البعيد . .منذ أن نسي الرومان عداواتم مع الفرس؛
وأخذ النصارى يعينون الفرس ضد السلم ف جنوب الزيرة .ث بعد ذلك ف « مؤتة »
.ث فيما تل موقعة اليموك الظافرة . .ث تلت ضراوتا ووحشيتها ف الندلس عندما
زحفت الصليبية على القاعدة السلمية ف أوربة ،وارتكبت من الوحشية ف تعذيب
مليي السلمي وقتلهم هناك ما ل يعرف التاريخ له نظيا من قبل . .وكذلك تلت ف
الروب الصليبية ف الشرق بثل هذه البشاعة الت ل تتحرج ول تتذمم؛ ول تراعي ف
السلمي إِلّ ول ذمة .
وما جاء ف كتاب « حضارة العرب » لوستاف لوبون -وهو فرنسي مسيحي : -
« كان أول ما بدأ به ريكاردوس النليزي أنه قتل أمام معسكر السلمي ،ثلث آلف
أسي سلموا أنفسهم إليه ،بعد أن قطع على نفسه العهد بقن دمائهم .ث أطلق لنفسه
العنان باقتراف القتل والسلب ،ما أثار صلح الدين اليوب النبيل ،الذي رحم نصارى
القدس ،فلم يسهم بأذى ،والذي أمد فيليب وقلب السد بالرطبات والدوية
والزواد ،أثناء مرضهما » .
كذلك كتب كاتب مسيحي آخر ( اسه يورجا ) يقول :
« ابتدأ الصليبيون سيهم على بيت القدس بأسوأ طالع ،فكان فريق من الجاج
يسفكون الدماء ف القصور الت استولوا عليها .وقد أسرفوا ف القسوة فكانوا يبقرون
البطون .ويبحثون عن الدناني ف المعاء! أما صلح الدين ،فلما استرد بيت القدس
38
بذل المان للصليبيي ،ووف لم بميع عهوده ،وجاد السلمون على أعدائهم ووطأوهم
مهاد رأفتهم ،حت أن اللك العادل ،شقيق السلطان ،أطلق ألف رقيق من السرى ،
ومنّ على جيع الرمن ،وأذن للبطريرك بمل الصليب وزينة الكنيسة ،وأبيح للميات
واللكة بزيارة أزواجهن » .
ول يتسع الجال ف الظلل لستعراض ذلك الط الطويل للحروب الصليبية -على مدار
التاريخ -ولكن يكفي أن نقول :إن هذه الرب ل تضع أوزارها قط من جانب الصليبية
.ويكفي أن نذكر ماذا حدث ف زنبار حديثا .حيث أبيد السلمون فيها عن بكرة
أبيهم ،فقتل منهم اثنا عشر ألفا وألقي الربعة اللف الباقون ف البحر منفيي من
الزيرة! ويكفي أن نذكر ماذا وقع ف قبص ،حيث منع الطعام والاء عن الهات الت
يقطنها بقايا السلمي هناك ليموتوا جوعا وعطشا ،فوق ما سلط عليهم من التقتيل
والتذبيح والتشريد! ويكفي أن نذكر ما تزاوله البشة ف اريترية وف قلب البشة ،وما
تزاوله كينيا مع الائة ألف مسلم الذين ينتمون إل أصل صومال ،ويريدون أن ينضموا
إل قومهم السلمي ف الصومال! ويكفي أن نعلم ماذا تاوله الصليبية ف السودان النوب!
ويكفي لتصوير نظرة الصليبيي إل السلم أن ننقل فقرة من كتاب لؤلف أورب صدر
سنة 1944يقول فيه؟
لقد كنا نوّف من قبل بالطر اليهودي ،والطر الصفر ،وبالطر البلشفي .إل أن هذا
التخويف كله ل يتفق كما تيلناه .إننا وجدنا اليهود أصدقاء لنا ،وعلى هذا يكون كل
مضطهد لم عدونا اللد! ث رأينا أن البلشفة حلفاء لنا ،أما الشعوب الصفراء فهنالك
دول ديقراطية كبى تقاومها .ولكن الطر القيقي كامن ف نظام السلم ،وف قوته
على التوسع والخضاع ،وف حيويته . .إنه الدار الوحيد ف وجه الستعمار الورب «
.
ول نستطيع أن نضي أبعد من ذلك ف استعراض تاريخ تلك الرب العاتية الت أعلنتها
الصليبية على السلم وما تزال . .وقد تدثنا من قبل مرارا ف أجزاء الظلل السابقة -
بناسبة النصوص القرآنية الكثية -عن طبيعة هذه العركة ،الطويلة ،ومسائلها وأشكالا
.فحسبنا هذه الشارات السريعة هنا بالحالة على بعض الراجع الخرى القريبة .
39
وهكذا نرى من هذا الستعراض السريع -بالضافة إل ما قلناه من قبل عن طبيعة
العلن السلمي العام بتحرير النسان .وتفز الاهلية ف الرض كلها لسحق الركة
الت تمل هذا العلن العام وتنطلق به ف الرض كلها -أن هذه الحكام الخية
الواردة ف هذه السورة ،هي التقضى الطبيعي لذه القائق كلها متمعة؛ وأنا ليست
أحكاما مددة بزمان ،ول مقيدة بالة .وإن كان هذا ف الوقت ذاته ل ينسخ الحكام
الرحلية السابقة النسخ الشرعي الذي ينع العمل با ف الظروف واللبسات الت تشابه
الظروف واللبسات الت تنلت فيها .فهناك دائما طبيعة النهج السلمي الركية ،الت
تواجه الواقع البشري مواجهة واقعية ،بوسائل متجددة ،ف الراحل التعددة ( .الظلل)
****************
وقد أعلنوا الرب على السلم والسلمي منذ اليوم الول الذي سعوا بالسلم ،
ونب السلم (( ممد صلى ال عليه وسلم ))
40
ح ّق وَلَا َتتِّبعُوا َأ ْهوَاءَ َق ْومٍ َقدْوقال تعال { :قُ ْل يَا َأهْ َل الْ ِكتَابِ لَا َتغْلُوا فِي دِيِنكُ ْم غَيْ َر الْ َ
سبِيلِ (ُ )77لعِ َن الّذِينَ َكفَرُوا مِ ْن َبنِي ضلّوا عَ ْن َسوَاءِ ال ّ ضَلّوا مِنْ َقبْ ُل َوأَضَلّوا َكثِيًا وَ َ
ك بِمَا َعصَوْا وَكَانُوا يَ ْعتَدُونَ ( )78كَانُوا ِإسْرَائِي َل عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْ ِن مَ ْريَمَ ذَلِ َ
لَا َيتَنَا َهوْ َن عَ ْن ُمنْكَرٍ َف َعلُوهُ َلِبْئسَ مَا كَانُوا َي ْفعَلُونَ ( )79تَرَى َكثِيًا ِمْنهُ ْم َيتَوَّل ْونَ الّذِينَ
سهُمْ َأنْ سَخِطَ اللّهُ عََلْيهِمْ وَفِي اْلعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ ()80 َكفَرُوا َلِبْئسَ مَا َق ّد َمتْ َلهُمْ َأْنفُ ُ
خذُوهُمْ َأوْلِيَا َء وََلكِنّ َكثِيًا مِْنهُمْ فَا ِسقُونَ وََلوْ كَانُوا ُي ْؤ ِمنُو َن بِاللّ ِه وَالّنِبيّ َومَا ُأنْزِلَ إَِليْ ِه مَا اتّ َ
س عَدَاوَةً لِلّذِينَ َآ َمنُوا الَْيهُو َد وَالّذِينَ َأشْرَكُوا وََلتَجِ َدنّ أَقْ َرَبهُ ْم َموَ ّدةً (َ )81لتَجِ َدنّ َأشَ ّد النّا ِ
ستَ ْكبِرُونَ ( ي وَ ُر ْهبَانًا َوَأّنهُمْ لَا يَ ْ
ك ِبَأنّ ِمْنهُمْ قِسّيسِ َ لِلّذِينَ َآ َمنُوا الّذِينَ قَالُوا إِنّا َنصَارَى ذَلِ َ
[ )82الائدة} ]82-77/
قال ممد بن إسحاق :حدثن ممد بن أب -مول زيد بن ثابت -حدثن سعيد بن
جبي -أو عكرمة -عن ابن عباس -رضي ال عنهما -قال :اجتمعت نصارى نران
وأحبار يهود عند رسول ال -صلى ال عليه وسلم -فتنازعوا عنده .فقالت الحبار :
ما كان إبراهيم إل يهوديا .وقالت النصارى :ما كان إبراهيم إل نصرانيا .فأنزل ال
تعال { :يا أهل الكتاب ل تاجون ف إبراهيم } . . .الية .
وسواء كانت هذه هي مناسبة نزول الية أو ل تكن ،فظاهر من نصها أنا نزلت ردا
على ادعاءات لهل الكتاب ،وحجاج مع النب -صلى ال عليه وسلم -أو مع بعضهم
البعض ف حضرة الرسول -صلى ال عليه وسلم -والدف من هذه الدعاءات هو
احتكار عهد ال مع إبراهيم -عليه السلم -أن يعل ف بيته النبوة؛ واحتكار الداية
والفضل كذلك .ث -وهذا هو الهم -تكذيب دعوى النب -صلى ال عليه وسلم -
أنه على دين إبراهيم ،وأن السلمي هم ورثة النيفية الول؛ وتشكيك السلمي ف هذه
القيقة ،أو بث الريبة ف نفوس بعضهم على القل . .
ومن ث يندد ال بم هذا التنديد؛ ويكشف مراءهم الذي ل يستند إل دليل .
فإبراهيم سابق على التوراة وسابق على النيل .فكيف إذن يكون يهوديا؟ أو كيف إذن
يكون نصرانيا؟ إنا دعوى مالفة للعقل ،تبدو مالفتها بجرد النظرة الول إل التاريخ :
41
{ يا أهل الكتاب ل تاجون ف إبراهيم وما أنزلت التوراة والنيل إل من بعده؟ أفل
تعقلون؟ } .
ث يضي ف التنديد بم؛ وإسقاط قيمة ما يدلون به من حجج وكشف تعنتهم وقلة
اعتمادهم على منهج منطقي سليم ف الدل والوار :
{ ها أنتم هؤلء حاججتم فيما لكم به علم ،فلم تاجون فيما ليس لكم به علم؟ وال
يعلم وأنتم ل تعلمون؟ } .
وقد جادلوا ف أمر عيسى عليه السلم؛ كما يبدو أنم جادلوا ف بعض الحكام التشريعية
حي دعوا إل كتاب ال ليحكم بينهم ،ث تولوا وهم معرضون . .وكان هذا وذاك ف
دائرة ما يعلمون من المر ،أما أن يادلوا فيما هو سابق على وجودهم ،ووجود كتبهم
ودياناتم . .فهو المر الذي ل سند له ولو كان سندا شكليا . .فهو الدل إذن لذات
الدل .وهو الراء الذي ل يسي على منهج ،وهو الغرض إذن والوى . .ومن كان هذا
حاله فهو غي جدير بالثقة فيما يقول .بل غي جدير بالستماع أصل لا يقول!
حت إذا انتهى السياق من إسقاط قيمة جدلم من أساسه ،ونزع الثقة منهم وما يقولون ،
عاد يقرر القيقة الت يعلمها ال .فهو -سبحانه -الذي يعلم حقيقة هذا التاريخ البعيد؛
وهو الذي يعلم كذلك حقيقة الدين الذي نزله على عبده إبراهيم .وقوله الفصل الذي ل
يبقى معه لقائل قول؛ إل أن يادل وياري بل سلطان ول دليل :
{ ما كان إبراهيم يهوديا ول نصرانيا .ولكن كان حنيفا مسلما .وما كان من
الشركي } . .
فيؤكد ما قرره من قبل ضمنا من أن إبراهيم -عليه السلم -ما كان يهوديا ول نصرانيا
.وما أنزلت التوراة والنيل إل من بعده .ويقرر أنه كان مائلً عن كل ملة إل السلم
.فقد كان مسلما . .مسلما بالعن الشامل للسلم الذي مر تفصيله وبيانه . .
{ وما كان من الشركي } . .
وهذه القيقة متضمنة ف قوله قبلها { ولكن كان حنيفا مسلما } . .ولكن إبرازها هنا
يشي إل عدة من لطائف الشارة والتعبي :
42
يشي أولً إل أن اليهود والنصارى -الذين انتهى أمرهم إل تلك العتقدات النحرفة -
مشركون . .ومن ث ل يكن أن يكون إبراهيم يهوديا ول نصرانيا .ولكن حنيفا
مسلما!
ويشي إل أن السلم شيء والشرك شيء آخر .فل يلتقيان .السلم هو التوحيد الطلق
بكل خصائصه .وكل مقتضياته .ومن ث ل يلتقي مع لون من ألوان الشرك أصلً .
ويشي ثالثا إل إبطال دعوى الشركي من قريش كذلك أنم على دين إبراهيم ،وسدنة
بيته ف مكة . .فهو حنيف مسلم ،وهم مشركون { .وما كان من الشركي } !
وما دام أن إبراهيم -عليه السلم -كان حنيفا مسلما وما كان من الشركي ،فليس
لي من اليهود أو النصارى -أو الشركي أيضا -أن يدعي وراثته ،ول الولية على
دينه ،وهم بعيدون عن عقيدته .
والعقيدة هي الوشيجة الول الت يتلقى عليها الناس ف السلم .حي ل يلتقون على
نسب ول أرومة ول جنس ول أرض ،إذا أنبتت تلك الوشيجة الت يتجمع عليها أهل
اليان .فالنسان ف نظر السلم إنسان بروحه .بالنفخة الت جعلت منه إنسانا .ومن
ث فهو يتلقى على العقيدة أخص خصائص الروح فيه .ول يلتقي على مثل ما تلتقي عليه
البهائم من الرض والنس والكل والرعى والد والسياج! والولية بي فرد وفرد ،وبي
مموعة ومموعة ،وبي جيل من الناس وجيل ،ل ترتكن إل وشيجة أخرى سوى
وشيجة العقيدة .يتلقى فيها الؤمن والؤمن .والماعة السلمة والماعة السلمة .
واليل السلم والجيال السلمة من وراء حدود الزمان والكان ،ومن وراء فواصل الدم
والنسب ،والقوم والنس؛ ويتجمعون أولياء -بالعقيدة وحدها -وال من ورائهم ول
الميع :
{ إن أول الناس بإبراهيم للذين اتبعوه ،وهذا النب ،والذين آمنوا .وال ول الؤمني }
..
فالذين اتبعوا إبراهيم -ف حياته -وساروا على منهجه ،واحتكموا إل سنته هم أولياؤه
.ث هذا النب الذي يلتقي معه ف السلم بشهادة ال أصدق الشاهدين .ث الذين آمنوا
43
بذا النب -صلى ال عليه وسلم -فالتقوا مع إبراهيم -عليه السلم -ف النهج والطريق
.
44
أيضا .وهو يزق عنهم الردية الت يتخفون تتها ،فيقفهم أمام الماعة السلمة عراة
مفضوحي :
{ ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم .وما يضلون إل أنفسهم وما يشعرون .يا
أهل الكتاب ل تكفرون بآيات ال وأنتم تشهدون؟ يا أهل الكتاب ل تلبسون الق
بالباطل وتكتمون الق وأنتم تعلمون؟ وقالت طائفة من أهل الكتاب :آمنوا بالذي أنزل
على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون .ول تؤمنوا إل لن تبع دينكم
-قل :إن الدى هدى ال -أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو ياجوكم عند ربكم -قل
:إن الفضل بيد ال يؤتيه من يشاء ،وال واسع عليم .يتص برحته من يشاء ،وال ذو
الفضل العظيم } .
إن الحنة الت يكنها أهل الكتاب للجماعة السلمة هي الحنة التعلقة بالعقيدة .إنم
يكرهون لذه المة أن تتدي .يكرهون لا أن تفيء إل عقيدتا الاصة ف قوة وثقة
ويقي .ومن ث يرصدون جهودهم كلها لضللا عن هذا النهج ،واللواء با عن هذا
الطريق :
{ ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم } . .
فهو ود النفس ورغبة القلب والشهوة الت تفو إليها الهواء من وراء كل كيد ،وكل
دس ،وكل مراء ،وكل جدال ،وكل تلبيس .
وهذه الرغبة القائمة على الوى والقد والشر ،ضلل ل شك فيه .فما تنبعث مثل هذه
الرغبة الشريرة الثة عن خي ول عن هدى .فهم يوقعون أنفسهم ف الضللة ف اللحظة
الت يودون فيها إضلل السلمي .فما يب إضلل الهتدين إل ضال يهيم ف الضلل
البهيم :
{ وما يضلون إل أنفسهم .وما يشعرون } . .
والسلمون مكفيون أمر أعدائهم هؤلء ما استقاموا على إسلمهم وما لم عليهم من سبيل
.وال سبحانه يتعهد لم أل يصيبهم كيد الكائدين ،وأن يرتد عليهم كيدهم ما بقي
السلمون مسلمي .
هنا يقرع أهل الكتاب بقيقة موقفهم الريب العيب :
45
{ يا أهل الكتاب ل تكفرون بآيات ال وأنتم تشهدون؟ يا أهل الكتاب ل تلبسون الق
بالباطل وتكتمون الق وأنتم تعلمون؟ } .
ولقد كان أهل الكتاب وقتها -وما يزالون حت اليوم -يشهدون الق واضحا ف هذا
الدين .سواء منهم الطلعون على حقيقة ما جاء ف كتبهم عنه من بشارات وإشارات -
وكان بعضهم يصرح با يد من هذا كله وبعضهم يسلم بناء على هذا الذي يده ف كتبه
ويشهده متحققا أمامه -وسواء كذلك غي الطلعي ،ولكنهم يدون ف السلم من
الق الواضح ما يدعو إل اليان . .غي أنم يكفرون . .ل لنقص ف الدليل .ولكن
للهوى والصلحة والتضليل . .والقرآن يناديهم { :يا أهل الكتاب } . .لنا الصفة
الت كان من شأنا أن تقودهم إل آيات ال وكتابه الديد .
كذلك يناديهم مرة أخرى ليفضح ما يقومون به من لبس الق بالباطل لخفائه وكتمانه
وتضييعه ف غمار الباطل ،على علم وعن عمد وف قصد . .وهو أمر مستنكر قبيح!
وهذا الذي ندد ال به -سبحانه -من أعمال أهل الكتاب حينذاك ،هو المر الذي
درجوا عليه من وقتها حت اللحظة الاضرة . .فهذا طريقهم على مدار التاريخ . .
اليهود بدأوا منذ اللحظة الول .ث تابعهم الصليبيون!
وف خلل القرون التطاولة دسوا -مع السف -ف التراث السلمي ما ل سبيل إل
كشفه إل بهد القرون! ولبسوا الق بالباطل ف هذا التراث كله -اللهم إل هذا الكتاب
الحفوظ الذي تكفل ال بفظه أبد البدين -والمد ل على فضله العظيم .
دسوا ولبسوا ف التاريخ السلمي وأحداثه ورجاله .ودسوا ولبسوا ف الديث النبوي
حت قيض ال له رجاله الذين حققوه وحرروه إل ما ند عن الهد النسان الحدود .
ودسوا ولبسوا ف التفسي القرآن حت تركوه تيها ل يكاد الباحث يفيء فيه إل معال
الطريق .ودسوا ولبسوا ف الرجال أيضا .فالئات واللوف كانوا دسيسة على التراث
السلمي -وما يزالون ف صورة الستشرقي وتلميذ الستشرقي الذين يشغلون مناصب
القيادة الفكرية اليوم ف البلد الت يقول أهلها :إنم مسلمون .والعشرات من
الشخصيات الدسوسة على المة السلمة ف صورة أبطال مصنوعي على عي الصهيونية
46
والصليبية ،ليؤدوا لعداء السلم من الدمات ما ل يلك هؤلء العداء أن يؤدوه
ظاهرين!
وما يزال هذا الكيد قائما ومطردا .وما تزال مثابة المان والنجاة منه هي اللياذ بذا
الكتاب الحفوظ؛ والعودة إليه لستشارته ف العركة الناشبة طوال هذه القرون .
------------
{ يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا ،يبي لكم كثيا ما كنتم تفون من الكتاب ويعفو
عن كثي } . .
فهو رسول ال إليكم .ودوره معكم أن يبي لكم ويوضح ويكشف ،ما تواطأت على
إخفائه من حقائق كتاب ال الذي معكم . .سواء ف ذلك اليهود والنصارى . .وقد
أخفى النصارى الساس الول للدين . .التوحيد . .وأخفى اليهود كثيا من أحكام
الشريعة؛ كرجم الزان ،وتري الربا كافة .كما أخفوا جيعا خب بعثة النب المي
{ الذي يدونه مكتوبا عندهم ف التوراة والنيل } كما أنه -صلى ال عليه وسلم -
يعفو عن كثي ما أخفوه أو حرفوه؛ ما ل يرد به شرعه .فقد نسخ ال من أحكام الكتب
والشرائع السابقة ما ل يعد له عمل ف الجتمع النسان ،ما كانت له وظيفة وقتية ف
الجتمعات الصغية الاصة ،الت بعث إليها الرسل من قبل ولفترة مدودة -ف علم ال
-من الزمان ،قبل أن تيء الرسالة الشاملة الدائمة ،وتستقر -وقد أكملها ال وأت با
نعمته ورضيها للناس دينا -فلم يعد فيها نسخ ول تبديل ول تعديل .
ويبي لم طبيعة ما جاء به هذا الرسول ،ووظيفته ف الياة البشرية ،وما قدر ال من أثره
ف حياة الناس .
{ قد جاءكم من ال نور وكتاب مبي .يهدي به ال من اتبع رضوانه سبل السلم .
ويرجهم من الظلمات إل النور بإذنه ،ويهديهم إل صراط مستقيم } . .
وليس أدق ول أصدق ول أدل على طبيعة هذا الكتاب . .القرآن . .وعلى طبيعة هذا
النهج .
.السلم . .من أنه { نور } . .
47
إنا حقيقة يدها الؤمن ف قلبه وف كيانه وف حياته وف رؤيته وتقديره للشياء
والحداث والشخاص . .يدها بجرد أن يد حقيقة اليان ف قلبه { . .نور } نور
تشرق به كينونته فتشف وتف وترف .ويشرق به كل شيء أمامه فيتضح ويتكشف
ويستقيم .
ثقلة الطي ف كيانه ،وظلمة التراب ،وكثافة اللحم والدم ،وعرامة الشهوة والنوة . .
كل أولئك يشرق ويضيء ويتجلى . .تف الثقلة ،وتشرق الظلمة ،وترق الكثافة ،
وترف العرامة . .
واللبس والغبش ف الرؤية ،والتأرجح والتردد ف الطوة ،والية والشرود ف التاه
والطريق البهيم الذي ل معال فيه . .كل أولئك يشرق ويضيء ويتجلى . .يتضح الدف
ويستقيم الطريق إليه وتستقيم النفس على الطريق . .
{ نور .وكتاب مبي } . .وصفان للشيء الواحد . .لذا الذي جاء به الرسول الكري
..
{ يهدي به ال -من اتبع رضوانه -سبل السلم .ويرجهم من الظلمات إل النور
بإذنه ،ويهديهم إل صراط مستقيم } .
لقد رضي ال السلم دينا . .وهو يهدي من يتبع رضوانه هذا ويرتضيه لنفسه كما
رضيه ال له . .يهديه { . .سبل السلم } . .
وما أدق هذا التعبي وأصدقه؛ إنه { السلم } هو ما يسكبه هذا الدين ف الياة كلها . .
سلم الفرد .وسلم الماعة .وسلم العال . .سلم الضمي ،وسلم العقل ،وسلم
الوارح . .سلم البيت والسرة ،وسلم الجتمع والمة ،وسلم البشر والنسانية . .
السلم مع الياة .والسلم مع الكون .والسلم مع ال رب الكون والياة . .السلم
الذي ل تده البشرية -ول تده يوما -إل ف هذا الدين؛ وإل ف منهجه ونظامه
وشريعته ،ومتمعه الذي يقوم على عقيدته وشريعته .
حقا إن ال يهدي بذا الدين الذي رضيه ،من يتبع رضوان ال { ،سبل السلم } . .
سبل السلم كلها ف هذه الوانب جيعها . .ول يدرك عمق هذه القيقة كما يدركها
من ذاق سبل الرب ف الاهليات القدية أو الديثة . .ول يدرك عمق هذه القيقة كما
48
يدركها من ذاق حرب القلق الناشئ من عقائد الاهلية ف أعماق الضمي .وحرب القلق
الناشئ من شرائع الاهلية وأنظمتها وتبطها ف أوضاع الياة .
وقد كان الخاطبون بذه الكلمات أول مرة يعرفون من تربتهم ف الاهلية معن هذا
السلم .إذ كانوا يذوقونه مذاقا شخصيا؛ ويلتذون هذا الذاق الريح . .
وما أحوجنا نن الن أن ندرك هذه القيقة؛ والاهلية من حولنا ومن بيننا تذيق البشرية
الويلت . .من كل ألوان الرب ف الضمائر والجتمعات قرونا بعد قرون!
ما أحوجنا نن الذين عشنا ف هذا السلم فترة من تارينا؛ ث خرجنا من السلم إل
الرب الت تطم أرواحنا وقلوبنا ،وتطم أخلقنا وسلوكنا ،وتطم متمعاتنا وشعوبنا .
.بينما نلك الدخول ف السلم الت منحها ال لنا؛ حي نتبع رضوانه؛ ونرضى لنفسنا ما
رضيه ال لنا!
إننا نعان من ويلت الاهلية؛ والسلم منا قريب .ونعان من حرب الاهلية وسلم
السلم ف متناول أيدينا لو نشاء .
فأية صفقة خاسرة هذه الت نستبدل فيها الذي هو أدن بالذي هو خي؟ ونشتري فيها
الضللة بالدى؟ ونؤثر فيها الرب على السلم؟
إننا نلك إنقاذ البشرية من ويلت الاهلية وحربا الشبوبة ف شت الصور واللوان .
ولكننا ل نلك إنقاذ البشرية ،قبل أن ننقذ نن أنفسنا ،وقبل أن نفيء إل ظلل
السلم ،حي نفيء إل رضوان ال ونتبع ما ارتضاه .فنكون من هؤلء الذين يقول ال
عنهم إنه يهديهم سبل السلم .
{ ويرجهم من الظلمات إل النور بإذنه } . .
والاهلية كلها ظلمات . .ظلمة الشبهات والرافات والساطي والتصورات .وظلمة
الشهوات والنعات والندفاعات ف التيه .وظلمة الية والقلق والنقطاع عن الدى
والوحشة من الناب المن الأنوس .وظلمة اضطراب القيم وتلخل الحكام والقيم
والوازين .والنور هو النور . .هو ذلك النور الذي تدثنا عنه آنفا ف الضمي وف العقل
وف الكيان وف الياة وف المور . .
{ ويهديهم إل صراط مستقيم } . .
49
مستقيم مع فطرة النفس ونواميسها الت تكمها .مستقيم مع فطرة الكون ونواميسه الت
تصرفه .مستقيم إل ال ل يلتوي ول تلتبس فيه القائق والتاهات والغايات . .
إن ال الذي خلق النسان وفطرته؛ وخلق الكون ونواميسه؛ هو الذي وضع للنسان هذا
النهج؛ وهو الذي رضي للمؤمني هذا الدين .فطبيعي وبديهي أن يهديهم هذا النهج إل
الصراط الستقيم .حيث ل يهديهم منهج غيه من صنع البشر العاجزين الهال الفاني!
وصدق ال العظيم .الغن عن العالي .الذي ل يناله من هداهم أو ضللم شيء ولكنه
بم رحيم!
ذلك هو الصراط الستقيم .فأما القول بأن ال هو السيح بن مري فهو الكفر؛ وأما القول
بأن اليهود والنصارى هم أبناء ال وأحباؤه ،فهو الفتراء الذي ل يستند إل دليل . .
وهذا وذلك من مقولت أهل الكتاب ،الت تفي نصاعة التوحيد؛ والت جاءهم الرسول
الخي ليكشف عن القيقة فيها ،ويرد الشاردين النحرفي عن هذه القيقة إليها :
{ لقد كفر الذين قالوا :إن ال هو السيح بن مري .قل :فمن يلك من ال شيئا إن أراد
أن يهلك السيح ابن مري وأمه ومن ف الرض جيعا؟ ول ملك السماوات والرض وما
بينهما ،يلق ما يشاء وال على كل شيء قدير } . .
إن الذي جاء به عيسى -عليه السلم -من عند ربه هو التوحيد الذي جاء به كل
رسول .
والقرار بالعبودية الالصة ل شأن كل رسول . .ولكن هذه العقيدة الناصعة أدخلت
عليها التحريفات؛ بسبب دخول الوثنيي ف النصرانية؛ وحرصهم على رواسب الوثنية الت
جاءوا با ومزجها بعقيدة التوحيد ،حت ل يعد هناك إمكان لفصلها وفرزها وتنقية
جوهر العقيدة منها .
ول تئ هذه النرافات كلها دفعة واحدة؛ ولكنها دخلت على فترات؛ وأضافتها الجامع
واحدة بعد الخرى؛ حت انتهت إل هذا الليط العجيب من التصورات والساطي ،
الذي تار فيه العقول .
حت عقول الشارحي للعقيدة الحرفة من أهلها الؤمني با!
50
وقد عاشت عقيدة التوحيد بعد السيح -عليه السلم -ف تلمذته وف أتباعهم .وأحد
الناجيل الكثية الت كتبت -وهو إنيل برنابا -يتحدث عن عيسى -عليه السلم -
بوصفه رسولً من عند ال .ث وقعت بينهم الختلفات .فمن قائل :إن السيح رسول
من عند ال كسائر الرسل .ومن قائل :إنه رسول نعم ولكن له بال صلة خاصة .ومن
قائل :إنه ابن ال لنه خلق من غي أب ،ولكنه على هذا ملوق ل .ومن قائل :إنه ابن
ال وليس ملوقا بل له صفة القدم كالب . .
ولتصفية هذه اللفات اجتمع ف عام 325ميلدية « ممع نيقية » الذي اجتمع فيه
ثانية وأربعون ألفا من البطارقة والساقفة .قال عنهم ابن البطريق أحد مؤرخي النصرانية
:
« وكانوا متلفي ف الراء والديان .فمنهم من كان يقول :إن السيح وأمه إلان من
دون ال .وهم » الببرانية « . .ويسمون » :الريتيي « .ومنهم من كان يقول :إن
السيح من الب بنلة شعلة نار انفصلت من شعلة نار ،فلم تنقص الول بانفصال الثانية
منها .وهي مقالة » سابليوس « وشيعته .ومنهم من كان يقول :ل تبل به مري تسعة
أشهر ،وإنا مر ف بطنها كما ير الاء ف اليزاب ،لن الكلمة دخلت ف أذنا ،
وخرجت من حيث يرج الولد من ساعتها .وهي مقالة » إليان « وأشياعه .ومنهم من
كان يقول :إن السيح إنسان خلق من اللهوت كواحد منا ف جوهره ،وإن ابتداء البن
من مري ،وإنه اصطفي ليكون ملصا للجوهر النسي ،صحبته النعمة اللية ،وحلت
فيه بالحبة والشيئة ،ولذلك سي » ابن ال « ويقولون :إن ال جوهر قدي واحد ،
وأقنوم واحد ،ويسمونه بثلثة أساء ،ول يؤمنون بالكلمة ،ول بروح القدس .وهي
مقالة » بولس الشمشاطي « بطريرك أنطاكية وأشياعه وهم » البوليقانيون « .ومنهم من
كان يقول :إنم ثلثة آلة ل تزل :صال ،وطال ،وعدل بينهما .وهي مقالة »
مرقيون « اللعي وأصحابه! وزعموا أن » مرقيون « هو رئيس الواريي وأنكروا »
بطرس « .ومنهم من كانوا يقولون بألوهية السيح .وهي مقالة » بولس الرسول «
ومقالة الثلثائة وثانية عشر أسقفا . .
51
وقد اختار المباطور الرومان » قسطنطي « الذي كان قد دخل ف النصرانية من الوثنية
ول يكن يدري شيئا من النصرانية! هذا الرأي الخي وسلط أصحابه على مالفيهم ،
وشرد أصحاب سائر الذاهب؛ وباصة القائلي بألوهية الب وحده ،وناسوتية السيح .
وقد ذكر صاحب كتاب تاريخ المة القبطية عن هذا القرار ما نصه :
» إن الامعة القدسة والكنيسة الرسولية ترم كل قائل بوجود زمن ل يكن ابن ال
موجودا فيه .
وأنه ل يوجد قبل أن يولد .وأنه وجد من ل شيء .أو من يقول :إن البن وجد من
مادة أو جوهر غي جوهر ال الب .وكل من يؤمن أنه خلق ،أو من يقول :إنه قابل
للتغيي ،ويعتريه ظل دوران « .
ولكن هذا الجمع بقراراته ل يقض على نلة الوحدين أتباع » آريوس « وقد غلبت على
القسطنطينية ،وأنطاكية ،وبابل ،والسكندرية ،ومصر .
ث سار خلف جديد حول » روح القدس « فقال بعضهم :هو إله ،وقال آخرون :
ليس بإله! فاجتمع » ممع القسطنطينية الول « سنة 381ليحسم اللف ف هذا المر
.
وقد نقل ابن البطريق ما تقرر ف هذا الجمع ،بناء على مقالة أسقف السكندرية :
» قال ثيموثاوس بطريك السكندرية :ليس روح القدس عندنا بعن غي روح ال .
وليس روح ال شيئا غي حياته .فإذا قلنا إن روح القدس ملوق ،فقد قلنا :إن روح ال
ملوق .وإذا قلنا :إن روح ال ملوق ،فقد قلنا :إن حياته ملوقة .وإذا قلنا :إن
حياته ملوقة ،فقد زعمنا أنه غي حي .وإذا زعمنا أنه غي حي فقد كفرنا به .ومن كفر
به وجب عليه اللعن «!!!
وكذلك تقررت ألوهية روح القدس ف هذا الجمع ،كما تقررت ألوهية السيح ف ممع
نيقية .وت » الثالوث « من الب .والبن .وروح القدس . .
ث ثار خلف آخر حول اجتماع طبيعة السيح اللية وطبيعته النسانية . .أو اللهوت
والناسوت كما يقولون . .فقد رأى » نسطور « بطريرك القسطنطينية أن هناك أقنوما
وطبيعة .فأقنوم اللوهية من الب وتنسب إليه؛ وطبيعة النسان وقد ولدت من مري ،
52
فمري أم النسان -ف السيح -وليست أم الله! ويقول ف السيح الذي ظهر بي الناس
وخاطبهم -كما نقله عنه ابن البطريق :
» إن هذا النسان الذي يقول :إنه السيح . .بالحبة متحد مع البن . .ويقال :إنه ال
وابن ال ،ليس بالقيقة ولكن بالوهبة « . .
ث يقول » :إن نسطور ذهب إل أن ربنا يسوع السيح ل يكن إلا ف حد ذاته بل هو
إنسان ملوء من البكة والنعمة ،أو هو ملهم من ال ،فلم يرتكب خطيئة ،وما أتى أمرا
إدا « .
وخالفه ف هذا الرأي أسقف رومه ،وبطريرك السكندرية ،وأساقفة أنطاكية ،فاتفقوا
على عقد ممع رابع .وانعقد » ممع أفسس « سنة 431ميلدية .وقرر هذا الجمع -
كما يقول ابن البطريق : -
» أن مري العذراء والدة ال .وأن السيح إله حق وإنسان ،معروف بطبيعتي ،متوحد ف
القنوم « . .ولعنوا نسطور!
ث خرجت كنيسة السكندرية برأي جديد ،انعقد له » ممع أفسس الثان « وقرر :
» أن السيح طبيعة واحدة ،اجتمع فيها اللهوت بالناسوت « .
ولكن هذا الرأي ل يسلم؛ واستمرت اللفات الادة؛ فاجتمع ممع « خلقيدونية » سنة
451وقرر :
« أن السيح له طبيعتان ل طبيعة واحدة .وأن اللهوت طبيعة وحدها ،والناسوت طبيعه
وحدها ،التقتا ف السيح » . .ولعنوا ممع أفسس الثان!
ول يعترف الصريون بقرار هذا الجمع .ووقعت بي الذهب الصري « النوفيسية »
والذهب « اللوكان » الذي تبنته الدولة المباطورية ما وقع من اللفات الدامية ،الت
سبق أن أثبتنا فيها مقالة « :سي .ت .و .أرنولد » ف كتابه « الدعوة إل السلم »
ف مطالع تفسي سورة آل عمران . .
ونكتفي بذا القدر ف تصوير ممل التصورات النحرفة حول ألوهية السيح؛ واللفات
الدامية والعداوة والبغضاء الت ثارت بسببها بي الطوائف ،وما تزال إل اليوم ثائرة . .
53
وتيء الرسالة الخية لتقرر وجه الق ف هذا القضية؛ ولتقول كلمة الفصل؛ وييء
الرسول الخي ليبي لهل الكتاب حقيقة العقيدة الصحيحة :
{ لقد كفر الذين قالوا :إن ال هو السيح بن مري } { . .لقد كفر الذين قالوا :إن
ال ثالث ثلثة } ( كما سيجيء ف السورة ) .
ويثي فيهم منطق العقل والفطرة والواقع :
{ قل :فمن يلك من ال شيئا إن أراد أن يهلك السيح بن مري ،وأمه ،ومن ف الرض
جيعا؟ } .
فيفرق تفرقة مطلقة بي ذات ال سبحانه وطبيعته ومشيئته وسلطانه ،وبي ذات عيسى -
عليه السلم -وذات أمه ،وكل ذات أخرى ،ف نصاعة قاطعة حاسة .فذات ال -
سبحانه -واحدة .ومشيئته طليقة ،وسلطانه متفرد ،ول يلك أحد شيئا ف رد مشيئته
أو دفع سلطانه إن أراد أن يهلك السيح ابن مري وأمه ومن ف الرض جيعا . .
وهو -سبحانه -مالك كل شيء ،وخالق كل شيء ،والالق غي الخلوق .وكل
شيء ملوق :
{ ول ملك السماوات والرض وما بينهما ،يلق ما يشاء ،وال على كل شيء قدير }
..
وكذلك تتجلى نصاعة العقيدة السلمية ،ووضوحها وبساطتها . .وتزيد جلء أمام
ذلك الركام من النرافات والتصورات والساطي والوثنيات التلبسة بعقائد فريق من أهل
الكتاب وتبز الاصية الول للعقيدة السلمية .ف تقرير حقيقة اللوهية ،وحقيقة
العبودية ،والفصل التام الاسم بي القيقتي .بل غبش ول شبهة ول غموض . .
واليهود والنصارى يقولون :إنم أبناء ال وأحباؤه :
{ وقالت اليهود والنصارى :نن أبناء ال وأحباؤه } . .
فزعموا ل -سبحانه -أبوة ،على تصور من التصورات ،إل تكن أبوة السد فهي أبوة
الروح .وهي أيا كانت تلقي ظلً على عقيدة التوحيد؛ وعلى الفصل الاسم بي اللوهية
والعبودية .هذا الفصل الذي ل يستقيم التصور ،ول تستقيم الياة ،إل بتقريره .كي
تتوحد الهة الت يتوجه إليها العباد كلهم بالعبودية؛ وتتوحد الهة الت تشرع للناس؛
54
وتضع لم القيم والوازين والشرائع والقواني ،والنظم والوضاع ،دون أن تتداخل
الختصاصات ،بتداخل الصفات والصائص ،وتداخل اللوهية والعبودية .
فالسألة ليست مسألة انراف عقيدي فحسب ،إنا هي كذلك فساد الياة كلها بناء
على هذا النراف!
واليهود والنصارى بادعائهم أنم أبناء ال وأحباؤه ،كانوا يقولون -تبعا لذا -إن ال
لن يعذبم بذنوبم! وإنم لن يدخلوا النار -إذا دخلوا -إل أياما معدودات .ومعن هذا
أن عدل ال ل يري مراه! وأنه سبحانه -ياب فريقا من عباده ،فيدعهم يفسدون ف
الرض ث ل يعذبم عذاب الفسدين الخرين! فأي فساد ف الياة يكن أن ينشأ عن مثل
هذا التصور؟ وأي اضطراب ف الياة يكن أن ينشئه مثل هذا النراف؟
وهنا يضرب السلم ضربته الاسة على هذا الفساد ف التصور ،وكل ما يكن أن ينشئه
من الفساد ف الياة ،ويقرر عدل ال الذي ل ياب؛ كما يقرر بطلن ذلك الدعاء :
{ قل :فلم يعذبكم بذنوبكم؟ بل أنتم بشر من خلق ،يغفر لن يشاء ويعذب من
يشاء } . .
بذلك يقرر القيقة الاسة ف عقيدة اليان .يقرر بطلن ادعاء البنوة؛ فهم بشر من خلق
.ويقرر عدل ال وقيام الغفرة والعذاب عنده على أصلها الواحد .على مشيئته الت تقرر
الغفران بأسبابه وتقرر العذاب بأسبابه .ل بسبب بنوة أو صلة شخصية!
ث يكرر أن ال هو الالك لكل شيء ،وأن مصي كل شيء إليه :
{ ول ملك السماوات والرض وما بينهما وإليه الصي } . .
والالك غي الملوك .تتفرد ذاته -سبحانه -وتتفرد مشيئته ،ويصي إليه الميع . .
وينهي هذا البيان ،بتكرار النداء الوجه إل أهل الكتاب ،يقطع به حجتهم ومعذرتم
ويقفهم أمام « الصي » وجها لوجه ،بل غبش ول عذر ،ول غموض :
{ يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبي لكم على فترة من الرسل . .أن تقولوا ما
جاءنا من بشي ول نذير . .فقد جاءكم بشي ونذير .وال على كل شيء قدير } . .
وبذه الواجهة الاسة ،ل تعود لهل الكتاب جيعا حجة من الجج . .ل تعود لم
حجة ف أن هذا الرسول المي ل يرسل إليهم .فال -سبحانه -يقول :
55
{ يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا } . .
ول تعود لم حجة ف أنم ل ينبهوا ول يبشروا ول ينذروا ف مدى طويل؛ يقع فيه
النسيان ويقع فيه النراف . .فقد جاءهم -الن -بشي ونذير . .
ث يذكرهم أن ال ل يعجزه شيء . .ل يعجزه أن يرسل رسولً من الميي .ول يعجزه
كذلك أن يأخذ أهل الكتاب با يكسبون :
{ وال على كل شيء قدير } . .
وتنتهي هذه الولة مع أهل الكتاب؛ فتكشف انرافاتم عن دين ال الصحيح الذي
جاءتم به رسلهم من قبل .وتقرر حقيقة العتقاد الذي يرضاه ال من الؤمني .وتبطل
حجتهم ف موقفهم من النب المي؛ وتأخذ عليهم الطريق ف العتذار يوم الدين .
-----------
{ قل :يا أهل الكتاب ل تغلوا ف دينكم غي الق ،ول تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من
قبل ،وأضلوا كثيا .وضلوا عن سواء السبيل } .
فمن الغلو ف تعظيم عيسى -عليه السلم -جاءت كل النرافات .ومن أهواء الكام
الرومان الذين دخلوا النصرانية بوثنيتهم ،ومن أهواء الجامع التناحرة كذلك دخلت كل
تلك القولت على دين ال الذي أرسل به السيح ،فبلغه بأمانة الرسول ،وهو يقول لم
{ :يا بن إسرائيل اعبدوا ال رب وربكم .إنه من يشرك بال فقد حرم ال عليه النة ،
ومأواه النار ،وما للظالي من أنصار } .
وهذا النداء الديد هو دعوة النقاذ الخية لهل الكتاب؛ ليخرجوا با من خضم
النرافات والختلفات والهواء والشهوات الذي خاض فيه أولئك الذين ضلوا من قبل
وأضلوا كثيا وضلوا عن سواء السبيل . .
ونقف من هذا القطع الذي انتهى بذا النداء أمام ثلث حقائق كبية ،يسن اللام با ف
إجال :
القيقة الول :هي حقيقة هذا الهد الكبي ،الذي يبذله النهج السلمي ،لتصحيح
التصور العتقادي ،وإقامته على قاعدة التوحيد الطلقة؛ وتنقيته من شوائب الوثنية
56
والشرك الت أفسدت عقائد أهل الكتاب ،وتعريف الناس بقيقة اللوهية؛ وإفراد ال -
سبحانه -بصائصها ،وتريد البشر وسائر اللئق من هذه الصائص . .
وهذا الهتمام البالغ بتصحيح التصور العتقادي ،وإقامته على قاعدة التوحيد الكامل
الاسم ،يدل على أهية هذا التصحيح .وأهية التصور العتقادي ف بناء الياة النسانية
وف صلحها ،كما يدل على اعتبار السلم للعقيدة بوصفها القاعدة والحور لكل نشاط
إنسان ،ولكل ارتباط إنسان كذلك .
والقيقة الثانية :هي تصريح القرآن الكري بكفر الذين قالوا :إن ال هو السيح ابن مري؛
أو قالوا :إن ال ثالث ثلثة :فلم يعد لسلم -بعد قول ال سبحانه -قول .ول يعد
يق لسلم أن يعتب أن هؤلء على دين ال .وال سبحانه يقول :إنم كفروا بسبب هذه
القولت .
وإذا كان السلم -كما قلنا -ليكره أحدا على ترك ما هو عليه ما يعتقده لعتناق
السلم ،فهو ف الوقت ذاته ل يسمي ما عليه غي السلمي دينا يرضاه ال .بل يصرح
هنا بأنه كفر ولن يكون الكفر دينا يرضاه ال .
والقيقية الثالثة :الترتبة على هاتي القيقتي ،أنه ل يكن قيام ولء وتناصر بي أحد من
أهل الكتاب هؤلء وبي السلم الذي يدين بوحدانية ال كما جاء با السلم ،ويعتقد
بأن السلم ف صورته الت جاء با ممد صلى ال عليه وسلم هو وحده « الدين » عند
ال . .
ومن ث يصبح الكلم عن التناصر بي أهل « الديان » أمام اللاد كلما ل مفهوم له ف
اعتبار السلم! فمت اختلفت العتقدات على هذا النحو الفاصل ،ل يعد هناك مال
لللتقاء على ما سواها .فكل شيء ف الياة يقوم أولً على أساس العقيدة . .ف اعتبار
السلم . .
وف النهاية ييء ذلك التقرير الشامل عن موقف أنبياء بن إسرائيل من كفار بن إسرائيل ،
على مدى التاريخ؛ مثلً ف موقف داود وموقف عيسى -عليهما السلم -وكلها لعن
كفار بن إسرائيل ،واستجاب ال له .بسبب عصيانم وعدوانم ،وبسبب انللم
57
الجتماعي ،وسكوتم على النكر يفشو فيهم فل يتناهون عنه؛ وبسبب توليهم الكافرين؛
فباءوا بالسخط واللعنة ،وكتب عليهم اللود ف العذاب .
{ لعن الذين كفروا من بن إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مري .
ذلك با عصوا وكانوا يعتدون .كانوا ل يتناهون عن منكر فعلوه .لبئس ما كانوا
يفعلون! ترى كثيا منهم يتولون الذين كفروا .لبئس ما قدمت لم أنفسهم :أن سخط
ال عليهم ،وف العذاب هم خالدون .ولو كانوا يؤمنون بال والنب وما انزل إليه ما
اتذوهم أولياء .ولكن كثيا منهم فاسقون } . .
وهكذا يبدو أن تاريخ بن إسرائيل ف الكفر والعصية واللعنة عريق .وأن أنبياءهم الذين
أرسلوا لدايتهم وإنقاذهم ،هم ف النهاية الذين تولوا لعنتهم وطردهم من هداية ال؛
فسمع ال دعاءهم وكتب السخط واللعنة على بن إسرائيل .
والذين كفروا من بن إسرائيل هم الذين حرفوا كتبهم النلة؛ وهم الذين ل يتحاكموا إل
شريعة ال -كما مر ف الواضع القرآنية التعددة ف هذه السورة وف السور غيها -وهم
الذين نقضوا عهد ال معهم لينصرنّ كل رسول ويعزرونه ويتبعونه :
{ ذلك با عصوا وكانوا يعتدون } . .
فهي العصية والعتداء؛ يتمثلن ف كل صورها العتقادية والسلوكية على السواء .وقد
حفل تاريخ بن إسرائيل بالعصية والعتداء . .كما فصل ال ف كتابه الكري .
ول تكن العصية والعتداء أعمالً فردية ف متمع بن إسرائيل .ولكنها انتهت إل أن
تصبح طابع الماعة كلها؛ وأن يسكت عنها الجتمع .ول يقابلها بالتناهي والنكي :
{ كانوا ل يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون! } . .
إن العصيان والعدوان قد يقعان ف كل متمع من الشريرين الفسدين النحرفي .فالرض
ل تلو من الشر؛ والجتمع ل يلو من الشذوذ ،ولكن طبيعة الجتمع الصال ل تسمح
للشر والنكر أن يصبحا عرفا مصطلحا عليه؛ وأن يصبحا سهلً يترئ عليه كل من يهم
به . .وعندما يصبح فعل الشر أصعب من فعل الي ف متمع من الجتمعات؛ ويصبح
الزاء على الشرك رادعا وجاعيا تقف الماعة كلها دونه؛ وتوقع العقوبة الرادعة عليه .
.عندئذ ينوي الشر ،وتنحسر دوافعه .وعندئذ يتماسك الجتمع فل تنحل عراه .
58
وعندئذ ينحصر الفساد ف أفراد أو مموعات يطاردها الجتمع ،ول يسمح لا بالسيطرة؛
وعندئذ ل تشيع الفاحشة .ول تصبح هي الطابع العام!
والنهج السلمي -بعرضه لذه الظاهرة ف الجتمع السرائيلي -ف صورة الكراهية
والتنديد ،يريد للجماعة السلمة أن يكون لا كيان حي متجمع صلب؛ يدفع كل بادرة
من بوادر العدوان والعصية ،قبل أن تصبح ظاهرة عامة؛ ويريد للمجتمع السلمي أن
يكون صلبا ف الق ،وحساسا تاه العتداء عليه؛ ويريد للقائمي على الدين أن يؤدوا
أمانتهم الت استحفظوا عليها ،فيقفوا ف وجه الشر والفساد والطغيان والعتداء . .ول
يافوا لومة لئم .سواء جاء هذا الشر من الكام التسلطي بالكم؛ أو الغنياء التسلطي
بالال؛ أو الشرار التسلطي بالذى؛ أو الماهي التسلطة بالوى .فمنهج ال هو منهج
ال ،والارجون عليه علو أم سفلوا سواء .
والسلم يشدد ف الوفاء بذه المانة؛ فيجعل عقوبة الماعة عامة با يقع فيها من شر إذا
هي سكتت عليه؛ ويعل المانة ف عنق كل فرد ،بعد أن يضعها ف عنق الماعة عامة .
روى المام أحد -بإسناده -عن عبدال بن مسعود ،قال :قال رسول ال ممد صلى
ال عليه وسلم « :لا وقعت بنو إسرائيل ف العاصي نتهم علماؤهم فلم ينتهوا
فجالسوهم ف مالسهم ،وواكلوهم وشاربوهم .فضرب ال بعضهم ببعض .ولعنهم
على لسان داود وعيسى بن مري { . .ذلك با عصوا وكانوا يعتدون } وكان الرسول
ممد -صلى ال عليه وسلم -متكئا فجلس ،فقال :ول والذي نفسي بيده حت
تأطروهم على الق أطرا » .
وروى أبو داود -بإسناده -عن عبدال بن مسعود قال :قال رسول ال -صلى ال
عليه وسلم « -إن أول ما دخل النقص على بن إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل ،
فيقول :يا هذا اتق ال ودع ما تصنع فإنه ل يل لك .ث يلقاه من الغد ،فل ينعه ذلك
أن يكون أكيله وشريبه وقعيده .فلما فعلوا ذلك ضرب ال قلوب بعضهم ببعض ث قال :
» لعن الذين كفروا من بن إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مري « إل قوله
{ فاسقون } ث قال :كل وال لتأمرن بالعروف ولتنهون عن النكر ،ولتأخذن على يد
الظال ،ولتأطرنه على الق أطرا -أو تقصرنه على الق قصرا » -
59
فليس هو مرد المر والنهي ،ث تنتهي السأله ،إنا هو الصرار ،والقاطعه ،والكف
بالقوة عن الشر والفساد والعصية والعتداء .
وروى مسلم -بإسناده -عن أب سعيد الدري قال :قال رسول ال -صلى ال عليه
وسلم « -من رأى منكم منكرا فليغيه بيده؛ فإن ل يستطع فبلسانه ،فإن ل يستطع
فبقلبه . .وذلك أضعف اليان » .
وروى المام أحد -بإسناده -عن عدي بن عمية قال -سعت رسول ال -صلى ال
عليه وسلم -يقول « :إن ال ل يعذب العامة بعمل الاصة ،حت يروا النكر بي
ظهرانيهم -وهم قادرون على أن ينكروه -فل ينكرونه .فإذا فعلوا عذب ال العامة
والاصة » .
وروى أبو داود والترمذي -بإسناده -عن أب سعيد قال :قال رسول ال -صلى ال
عليه وسلم « : -أفضل الهاد كلمة حق عند إمام جائر » .
وتتوارد النصوص القرآنية والنبوية تترى ف هذا العن؛ لن هذا التماسك ف كيان الماعة
بيث ل يقول أحد -فيها وهو يرى النكر يقع من غيه : -وأنا مال؟! وهذه المية
ضد الفساد ف الجتمع ،بيث ل يقول أحد -وهو يرى الفساد يسري ويشيع -وماذا
أصنع والتعرض للفساد يلحق ب الذى؟! وهذه الغية على حرمات ال ،والشعور
بالتكليف الباشر بصيانتها والدفع عنها للنجاة من ال .
هذا كله هو قوام الماعة السلمة الذي ل قيام لا إل به . .
وهذا كله ف حاجة إل اليان الصحيح بال؛ ومعرفة تكاليف هذا اليان .وإل الدراك
الصحيح لنهج ال؛ ومعرفة أنه يشمل كل جوانب الياة .وإل الد ف أخذ العقيدة بقوة
،والهد لقامة النهج الذي ينبثق منها ف حياة الجتمع كله . .فالجتمع السلم الذي
يستمد قانونه من شريعة ال؛ ويقيم حياته كلها على منهجه؛ هو الجتمع الذي يسمح
للمسلم أن يزاول حقيقة المر بالعروف والنهي عن النكر؛ بيث ل يصبح هذا عملً
فرديا ضائعا ف الضم؛ أو يعله غي مكن أصلً ف كثي من الحيان! كما هو الال ف
الجتمعات الاهلية القائمة اليوم ف أرجاء الرض؛ والت تقيم حياتا على تقاليد
ومصطلحات اجتماعية تسترذل تدخل أحد ف شأن أحد؛ وتعتب الفسق والفجور
60
والعصية « مسائل شخصية »! ليس لحد أن يتدخل ف شأنا . .كما تعل من الظلم
والبطش والعتداء والور سيفا مصلتا من الرهاب يلجم الفواه ،ويعقد اللسنة ،
وينكل بن يقول كلمة حق أو معروف ف وجه الطغيان . .
إن الهد الصيل ،والتضحيات النبيلة يب أن تتجه أولً إل إقامة الجتمع الي . .
والجتمع الي هو الذي يقوم على منهج ال . .قبل أن ينصرف الهد والبذل والتضحية
إل إصلحات جزئية ،شخصية وفردية؛ عن طريق المر بالعروف والنهي عن النكر .
إنه ل جدوى من الحاولت الزئية حي يفسد الجتمع كله؛ وحي تطغى الاهلية ،
وحي يقوم الجتمع على غي منهج ال؛ وحيت يتخذ له شريعة غي شريعة ال .فينبغي
عندئذ أن تبدأ الحاولة من الساس ،وأن تنبت من الذور؛ وأن يكون الهد والهاد
لتقرير سلطان ال ف الرض . .وحي يستقر هذا السلطان يصبح المر بالعروف والنهي
عن النكر شيئا يرتكن إل أساس .
وهذا يتاج إل إيان .وإل إدراك لقيقة هذا اليان وماله ف نظام الياة .فاليان على
هذا الستوى هو الذي يعل العتماد كله على ال؛ والثقة كلها بنصرته للخي -مهما
طال الطريق -واحتساب الجر عنده ،فل ينتظر من ينهض لذه الهمة جزاء ف هذه
الرض ،ول تقديرا من الجتمع الضال ،ول نصرة من أهل الاهلية ف أي مكان!
إن كل النصوص القرآنية والنبوية الت ورد فيها المر بالعروف والنهي عن النكر كانت
تتحدث عن واجب السلم ف متمع مسلم .متمع يعترف ابتداء بسلطان ال ،ويتحاكم
إل شريعته ،مهما وجد فيه من طغيان الكم ،ف بعض الحيان ،ومن شيوع الث ف
بعض الحيان . .وهكذا ند ف قول الرسول -صلى ال عليه وسلم « -أفضل الهاد
كلمة حق عند إمام جائر »
فهو « إمام » ول يكون إماما حت يعترف ابتداء بسلطان ال؛ وبتحكيم شريعته .فالذي
ل يكم شريعة ال ل يقال له « :إمام » إنا يقول عنه ال -سبحانه { -ومن ل يكم
با أنزل ال فأولئك هم الكافرون } فأما الجتمعات الاهلية الت ل تتحاكم إل شريعة
ال ،فالنكر الكب فيها والهم ،هو النكر الذي تنبع منه كل النكرات . .هو رفض
ألوهية ال برفض شريعته للحياة . .وهذا النكر الكبي الساسي الذري هو الذي يب
61
أن يتجه إليه النكار ،قبل الدخول ف النكرات الزئية ،الت هي تبع لذا النكر الكب ،
وفرع عنه ،وعرض له . .
إنه ل جدوى من ضياع الهد . .جهد اليين الصالي من الناس . .ف مقاومة
النكرات الزئية ،الناشئة بطبيعتها من النكر الول . .منكر الرأة على ال وادعاء
خصائص اللوهية ،ورفض ألوهية ال ،برفض شريعته للحياة . .ل جدوى من ضياع
الهد ف مقاومة منكرات هي مقتضيات ذلك النكر الول وثراته النكدة بل جدال .
على أنه إلم ناكم الناس ف أمر ما يرتكبونه من منكرات؟ بأي ميزان نزن أعمالم لنقول
لم :إن هذا منكر فاجتنبوه؟ أنت تقول :إن هذا منكر؛ فيطلع عليك عشرة من هنا ومن
هناك يقولون لك :كل! ليس هذا منكرا .لقد كان منكرا ف الزمان الال! والدنيا «
تتطور » ،والجتمع « يتقدم » وتتلف العتبارات!
فل بد إذن من ميزان ثابت نرجع إليه بالعمال ،ول بد من قيم معترف با نقيس إليها
العروف والنكر .فمن أين نستمد هذه القيم؟ ومن أين نأت بذا اليزان؟
من تقديرات الناس وعرفهم وأهوائهم وشهواتم -وهي متقلبة ل تثبت على حال؟ إننا
ننتهي إذن إل متاهة ل دليل فيها ،وإل خضم ل معال فيه!
فل بد ابتداء من إقامة اليزان . .ول بد أن يكون هذا اليزان ثابتا ل يتأرجح مع الهواء
..
هذا اليزان الثابت هو ميزان ال . .
فماذا إذا كان الجتمع ل يعترف -ابتداء -بسلطان ال؟ ماذا إذا كان ل يتحاكم إل
شريعة ال؟ بل ماذا إذا كان يسخر ويهزأ ويستنكر وينكل بن يدعوه إل منهج ال؟
أل يكون جهدا ضائعا ،وعبثا هازلً ،أن تقوم ف مثل هذا الجتمع لتأمر بالعروف
وتنهى عن النكر ،ف جزئيات وجانبيات من شئون الياة ،تتلف عليها الوازين
والقيم ،وتتعارض فيها الراء والهواء؟!
إنه ل بد من التفاق مبدئيا على حكم ،وعلى ميزان ،وعلى سلطان ،وعلى جهة يرجع
إليها الختلفون ف الراء والهواء . .
62
ل بد من المر بالعروف الكب وهو العتراف بسلطان ال ومنهجه للحياة .والنهي عن
النكر الكب وهو رفض ألوهية ال برفض شريعته للحياة . .وبعد إقامة الساس يكن أن
يقام البنيان! فلتوفر الهود البعثرة إذن ،ولتحشد كلها ف جبهة واحدة ،لقامة الساس
الذي عليه وحده يقام البنيان!
وإن النسان ليثي أحيانا ويعجب لناس طيبي ،ينفقون جهدهم ف « المر بالعروف
والنهي عن النكر » ف الفروع؛ بينما الصل الذي تقوم عليه حياة الجتمع السلم؛ ويقوم
عليه المر بالعروف والنهي عن النكر ،مقطوع!
فما غناء أن تنهى الناس عن أكل الرام مثلً ف متمع يقوم اقتصاده كله على الربا؛
فيستحيل ماله كله حراما؛ ول يلك فرد فيه أن يأكل من حلل .
لن نظامه الجتماعي والقتصادي كله ل يقوم على شريعة ال .لنه ابتداء يرفض
ألوهية ال برفض شريعته للحياة؟!
وما غناء أن تنهى الناس عن الفسق مثلً ف متمع قانونه ل يعتب الزنا جرية -إل ف حالة
الكراه -ول يعاقب حت ف حالة الكراه بشريعة ال . .لنه ابتداء يرفض ألوهية ال
برفض شريعته للحياة؟!
وما غناء أن تنهى الناس عن السكر ف متمع قانونه يبيح تداول وشرب المر ،ول
يعاقب إل على حالة السكر البي ف الطريق العام .وحت هذه ل يعاقب فيها بد ال .
لنه ل يعترف ابتداء باكمية ال؟!
وما غناء أن تنهى الناس عن سب الدين؛ ف متمع ل يعترف بسلطان ال؛ ول يعبد فيه
ال .إنا هو يتخذ أربابا من دونه؛ ينلون له شريعته وقانونه؛ ونظامه وأوضاعه ،وقيمه
وموازينه .والساب والسبوب كلها ليس ف دين ال .إنا ها وأهل متمعهما طرا ف
دين من ينلون لم الشرائع والقواني؛ ويضعون لم القيم والوازين؟!
ما غناء المر بالعروف والنهي عن النكر ف مثل هذه الحوال؟ ما غناء النهي عن هذه
الكبائر -فضلً عن أن يكون النهي عن الصغائر -والكبية الكبى ل ني عنها . .
كبية الكفر بال؛ برفض منهجه للحياة؟!
63
إن المر أكب وأوسع وأعمق ،ما ينفق فيه هؤلء « الطيبون » جهدهم وطاقتهم
واهتمامهم . .إنه -ف هذه الرحلة -ليس أمر تتبع الفرعيات -مهما تكن ضخمة حت
ولو كانت هي حدود ال .فحدود ال تقوم ابتداء على العتراف باكمية ال دون سواه
.فإذا ل يصبح هذا العتراف حقيقة واقعة؛ تتمثل ف اعتبار شريعة ال هي الصدر الوحيد
للتشريع؛ واعتبار ربوبية ال وقوامته هي الصدر الوحيد للسلطة . .فكل جهد ف الفروع
ضائع؛ وكل ماولة ف الفروع عبث . .والنكر الكب أحق بالهد والحاولة من سائر
النكرات . .
والرسول -صلى ال عليه وسلم -يقول « :من رأى منكم منكرا فليغيه بيده .فإن ل
يستطع فبلسانه ،فإن ل يستطع فبقلبه .وذلك أضعف اليان » .
وقد ييء على السلمي زمان ل يستطيعون فيه تغيي النكر بأيديهم؛ ول يستطيعون فيه
تغيي النكر بألسنتهم؛ فيبقى أضعف اليان؛ وهو تغييه بقلوبم؛ وهذا ما ل يلك أحد أن
يول بينهم وبينه ،إن هم كانوا حقا على السلم!
وليس هذا موقفا سلبيا من النكر -كما يلوح ف بادئ المر -وتعبي الرسول -صلى
ال عليه وسلم -بأنه تغيي دليل على أنه عمل إياب ف طبيعته .
فإنكار النكر بالقلب ،معناه احتفاظ هذا القلب بإيابيته تاه النكر . .إنه ينكره ويكرهه
ول يستسلم له ،ول يعتبه الوضع الشرعي الذي يضع له ويعترف به . .وإنكار
القلوب لوضع من الوضاع قوة إيابية لدم هذا الوضع النكر ،ولقامة الوضع «
العروف » ف أول فرصة تسنح ،وللتربص بالنكر حت توات هذه الفرصة . .وهذا كله
عمل إياب ف التغيي . .وهو على كل حال أضعف اليان .فل أقل من أن يتفظ
السلم بأضعف اليان! أما الستسلم للمنكر لنه واقع ولن له ضغطا -قد يكون
ساحقا -فهو الروج من آخر حلقة ،والتخلي حت عن أضعف اليان!
هذا وإل حقت على الجتمع اللعنة الت حقت على بن إسرائيل :
{ لعن الذين كفروا من بن إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مري .ذلك با عصوا
وكانوا يعتدون .كانوا ل يتناهون عن منكر فعلوه .لبئس ما كانوا يفعلون! } . .
64
ث يضي السياق إل ناية هذا القطع ف الديث عن بن إسرائيل ،وهو ناية هذا الزء .
فيصف حالم على عهد الرسول -صلى ال عليه وسلم -وهي حالم ف كل زمان وف
كل مكان ،فهم يتولون الذين كفروا ،ويتناصرون معهم ضد الماعة السلمة .وعلة
ذلك -مع أنم أهل كتاب -أنم ل يؤمنوا بال والنب وأنم ل يدخلوا ف دين ال الخي
. .فهم غي مؤمني .ولو كانوا مؤمني ما تولوا الكافرين :
{ ترى كثيا منهم يتولون الذين كفروا .لبئس ما قدمت لم أنفسهم :أن سخط ال
عليهم ،وف العذاب هم خالدون .ولو كانوا يؤمنون بال والنب وما أنزل إليه ما
اتذوهم أولياء .ولكن كثيا منهم فاسقون } . .
وهذا التقرير كما ينطبق على حال اليهود -على عهد رسول ال -صلى ال عليه وسلم
-ينطبق على حالم اليوم وغدا ،وف كل حي .كذلك ينطبق على الفريق الخر من
أهل الكتاب ف معظم أرجاء الرض اليوم . .ما يدعو إل التدبر العميق ف أسرار هذا
القرآن ،وف عجائبه الدخرة للجماعة السلمة ف كل آن . .
لقد كان اليهود هم الذين يتولون الشركي؛ ويؤلبونم على السلمي { ،ويقولون للذين
كفروا :هؤلء أهدى من الذين آمنوا سبيلً } كما حكى عنهم القرآن الكري .وقد
تلى هذا كله على أته ف غزوة الحزاب ،ومن قبلها ومن بعدها كذلك؛ إل اللحظة
الاضرة . .وما قامت إسرائيل ف أرض فلسطي أخيا إل بالولء والتعاون مع الكافرين
الدد من الاديي اللحدين!
فأما الفريق الخر من أهل الكتاب ،فهو يتعاون مع الادية اللادية كلما كان المر أمر
السلمي! وهم يتعاونون مع الوثنية الشركة كذلك ،كلما كانت العركة مع السلمي!
حت و « السلمون » ل يثلون السلم ف شيء .
إل ف أنم من ذراري قوم كانوا مسلمي! ولكنها الحنة الت ل تدأ على هذا الدين؛
ومن ينتمون إليه ،ولو كانوا ف انتمائهم مدعي!
وصدق ال العظيم { :ترى كثيا منهم يتولون الذين كفروا } . .
{ لبئس ما قدمت لم أنفسهم :أن سخط ال عليهم ،وف العذاب هم خالدون } . .
65
فهذه هي الصيلة الت قدمتها لم أنفسهم . .إنا سخط ال عليهم .وخلودهم ف
العذاب .فما أبأسها من حصيلة! وما أبأسها من تقدمة تقدمها لم أنفسهم؛ ويا لا من
ثرة مرة .ثرة توليهم للكافرين!
فمن منا يسمع قول ال سبحانه عن القوم؟ فل يتخذ من عند نفسه مقررات ل يأذن با
ال :ف الولء والتناصر بي أهل هذا الدين؛ وأعدائه الذين يتولون الكافرين!
وما الدافع؟ ما دافع القوم لتول الذين كفروا؟ إنه عدم اليان بال والنب :
{ ولو كانوا يؤمنون بال والنب وما أنزل إليه ما اتذوهم أولياء .ولكن كثيا منهم
فاسقون } . .
هذه هي العلة . .إنم ل يؤمنوا بال والنب . .إن كثرتم فاسقة . .إنم يتجانسون -
إذن -مع الذين كفروا ف الشعور والوجهة؛ فل جرم يتولون الذين كفروا ول يتولون
الؤمني . .
وتبز لنا من هذا التعقيب القرآن ثلث حقائق بارزة :
القيقة الول :أن أهل الكتاب جيعا -إل القلة الت آمنت بحمد صلى ال عليه وسلم
-غي مؤمني بال .لنم ل يؤمنوا برسوله الخي .ول ينف القرآن الكري عنهم اليان
بالنب وحده .بل نفى عنهم اليان بال كذلك { .ولو كانوا يؤمنون بال والنب وما
أنزل إليه ما اتذوهم أولياء } وهو تقرير من ال -سبحانه -ل يقبل التأويل .مهما
تكن دعواهم ف اليان بال . .وباصة إذا اعتبنا ما هم عليه من انراف التصور
للحقيقة اللية كما سلف ف آيات هذا الدرس وف غيها من آيات القرآن الكري .
والقيقة الثانية :أن أهل الكتاب جيعا مدعوون إل الدخول ف دين ال ،على لسان
ممد -صلى ال عليه وسلم -فإن استجابوا فقد أمنوا ،وأصبحوا على دين ال .وإن
تولوا فهم كما وصفهم ال .
والقيقة الثالثة :أنه ل ولء ول تناصر بينهم وبي السلمي ،ف شأن من الشئون .لن
كل شأن من شئون الياة عند السلم خاضع لمر الدين .
ويبقى أن السلم يأمر أهله بالحسان إل أهل الكتاب ف العشرة والسلوك؛ وبماية
أرواحهم وأموالم وأعراضهم ف دار السلم؛ وبتركهم إل ما هم فيه من عقائدهم كائنة
66
ما تكون؛ وإل دعوتم بالسن إل السلم ومادلتهم بالسن كذلك .والوفاء لم -ما
وفوا -بعهدهم ومسالتهم للمسلمي . .وهم -ف أية حال -ل يكرهون على شيء ف
أمر الدين . .
هذا هو السلم . .ف وضوحه ونصاعته .وف بره وساحته . .
وال يقول الق .وهو يهدي السبيل .
------------
ف ظلل القرآن ( -ج / 2ص )412
{ لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا } . . .
إن صيغة العبارة تتمل أن تكون خطابا للرسول -صلى ال عليه وسلم -وأن تكون
كذلك خطابا عاما خرج مرج العموم ،لنه يتضمن أمرا ظاهرا مكشوفا يده كل
إنسان .وهي صيغة لا نظائرها ف السلوب العرب الذي نزل به القرآن الكري . .وهي
ف كلتا الالتي تفيد معناها الظاهر الذي تؤديه . .
فإذا تقرر هذا فإن المر الذي يلفت النظر ف صياغة العبارة هو تقدي اليهود على الذين
أشركوا ف صدد أنم أشد الناس عداوة للذين آمنوا؛ وأن شدة عداوتم ظاهرة مكشوفة
وأمر مقرر يراه كل من يرى ،ويده كل من يتأمل!
نعم إن العطف بالواو ف التعبي العرب يفيد المع بي المرين ول يفيد تعقيبا ول ترتيبا .
ولكن تقدي اليهود هنا ،حيث يقوم الظن بأنم أقل عداوة للذين آمنوا من الشركي -
با أنم أصل أهل كتاب -يعل لذا التقدي شأنا خاصا غي الألوف من العطف بالواو
ف التعبي العرب! إنه -على القل -يوجه النظر إل أن كونم أهل كتاب ل يغي من
القيقة الواقعة ،وهي أنم كالذين أشركوا أشد عداوة للذين آمنوا! ونقول :إن هذا «
على القل » .ول ينفي هذا احتمال أن يكون القصود هو تقديهم ف شدة العداء على
الذين أشركوا . .
وحي يستأنس النسان ف تفسي هذا التقرير الربان بالواقع التاريي الشهود منذ مولد
السلم حت اللحظة الاضرة ،فإنه ل يتردد ف تقرير أن عداء اليهود للذين آمنوا كان
دائما أشد وأقسى وأعمق إصرارا وأطول أمدا من عداء الذين أشركوا!
67
لقد واجه اليهود السلم بالعداء منذ اللحظة الول الت قامت فيها دولة السلم بالدينة .
وكادوا للمة السلمة منذ اليوم الول الذي أصبحت فيه أمة .وتضمن القرآن الكري من
التقريرات والشارات عن هذا العداء وهذا الكيد ما يكفي وحده لتصوير تلك الرب
الريرة الت شنها اليهود على السلم وعلى رسول السلم -صلى ال عليه وسلم -
وعلى المة السلمة ف تاريها الطويل؛ والت ل تبُ لظة واحدة قرابة أربعة عشر قرنا ،
وما تزال حت اللحظة يتسعر أوارها ف أرجاء الرض جيعا
لقد عقد الرسول -صلى ال عليه وسلم -أول مقدمه إل الدينة ،معاهدة تعايش مع
اليهود؛ ودعاهم إل السلم الذي يصدق ما بي أيديهم من التوراة . .ولكنهم ل يفوا
بذا العهد -شأنم ف هذا كشأنم مع كل عهد قطعوه مع ربم أو مع أنبيائهم من قبل ،
حت قال ال فيهم { :ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر با إل الفاسقون .أو كلما
عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم؟ بل أكثرهم ل يؤمنون .ولا جاءهم رسول من عند ال
مصدق لا معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب ال وراء ظهورهم كأنم ل
يعلمون } ولقد أضمروا العداء للسلم والسلمي منذ اليوم الول الذي جع ال فيه
الوس والزرج على السلم ،فلم يعد لليهود ف صفوفهم مدخل ول مرج ،ومنذ اليوم
الذي تددت فيه قيادة المة السلمة وأمسك بزمامها ممد رسول ال -صلى ال عليه
وسلم -فلم تعد لليهود فرصة للتسلط!
ولقد استخدموا كل السلحة والوسائل الت تفتقت عنها عبقرية الكر اليهودية ،وأفادتا
من قرون السب ف بابل ،والعبودية ف مصر ،والذل ف الدولة الرومانية .
ومع أن السلم قد وسعهم بعد ما ضاقت بم اللل والنحل على مدار التاريخ ،فإنم
ردوا للسلم جيله عليهم أقبح الكيد وألم الكر منذ اليوم الول .
ولقد ألبوا على السلم والسلمي كل قوى الزيرة العربية الشركة؛ وراحوا يمعون
القبائل التفرقة لرب الماعة السلمة { :ويقولون للذين كفروا :هؤلء أهدى من
الذين آمنوا سبيل } ولا غلبهم السلم بقوة الق -يوم أن كان الناس مسلمي -
استداروا يكيدون له بدس الفتريات ف كتبه -ل يسلم من هذا الدس إل كتاب ال الذي
تكفل بفظه سبحانه -ويكيدون له بالدس بي صفوف السلمي ،وإثارة الفت عن
68
طريق استخدام حديثي العهد بالسلم ومن ليس لم فيه فقه من مسلمة القطار .
ويكيدون له بتأليب خصومه عليه ف أناء الرض . .حت انتهى بم الطاف أن يكونوا
ف العصر الخي هم الذين يقودون العركة مع السلم ف كل شب على وجه الرض؛
وهم الذين يستخدمون الصليبية والوثنية ف هذه الرب الشاملة ،وهم الذين يقيمون
الوضاع ويصنعون البطال الذين يتسمون بأساء السلمي ،ويشنونا حربا صليبية
صهيونية على كل جذر من جذور هذا الدين!
وصدق ال العظيم { :لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا } .
.
إن الذي ألب الحزاب على الدولة السلمة الناشئة ف الدينة؛ وجع بي اليهود من بن
قريظة وغيهم؛ وبي قريش ف مكة ،وبي القبائل الخرى ف الزيرة . .يهودي . .
والذي ألب العوام ،وجع الشراذم ،وأطلق الشائعات ،ف فتنة مقتل عثمان -رضي ال
عنه -وما تلها من النكبات . .يهودي . .
والذي قاد حلة الوضع والكذب ف أحاديث رسول ال -صلى ال عليه وسلم -وف
الروايات والسي . .يهودي . .
ث إن الذي كان وراء إثارة النعرات القومية ف دولة اللفة الخية؛ ووراء النقلبات
الت ابتدأت بعزل الشريعة عن الكم واستبدال « الدستور » با ف عهد السلطان
عبدالميد ،ث انتهت بإلغاء اللفة جلة على يدي « البطل » أتاتورك . .يهودي . .
وسائر ما تل ذلك من الرب العلنة على طلئع البعث السلمي ف كل مكان على وجه
الرض وراءه يهود!
ث لقد كان وراء النعة الادية اللادية . .يهودي . .ووراء النعة اليوانية النسية
يهودي . .ووراء معظم النظريات الدامة لكل القدسات والضوابط يهود!
ولقد كانت الرب الت شنها اليهود على السلم أطول أمدا ،وأعرض مال ،من تلك
الت شنها عليه الشركون والوثنيون -على ضراوتا -قديا وحديثا . .إن العركة مع
مشركي العرب ل تتد إل أكثر من عشرين عاما ف جلتها .وكذلك كانت العركة مع
69
فارس ف العهد الول .وأما ف العصر الديث فإن ضراوة العركة بي الوثنية الندية
والسلم ضراوة ظاهرة؛ ولكنها ل تبلغ ضراوة الصهيونية العالية .
( الت تعد الاركسية مرد فرع لا ) وليس هناك ما ياثل معركة اليهود مع السلم ف
طول المد وعرض الجال إل معركة الصليبية ،الت سنتعرض لا ف الفقرة التالية .
فإذا سعنا ال -سبحانه -يقول :
{ لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا } . .
ويقدم اليهود ف النص على الذين أشركوا . .ث راجعنا هذا الواقع التاريي ،فإننا ندرك
طرفا من حكمة ال ف تقدي اليهود على الذين أشركوا!
إنم هذه البلة النكدة الشريرة ،الت ينغل القد ف صدورها على السلم ،وعلى نب
السلم ،فيحذر ال نبيه وأهل دينه منها . .ول يغلب هذه البلة النكدة الشريرة إل
السلم وأهله يوم أن كانوا أهله! . .ولن يلص العال من هذه البلة النكدة إل السلم
يوم يفيء أهله إليه . .
{ ولتجدن أقربم مودة للذين آمنوا الذين قالوا :إنا نصارى .ذلك بأن منهم قسيسي
ورهبانا ،وأنم ل يستكبون .وإذا سعوا ما أنزل إل الرسول ترى أعينهم تفيض من
الدمع ما عرفوا من الق ،يقولون :ربنا آمنا ،فاكتبنا مع الشاهدين .وما لنا ل نؤمن
بال وما جاءنا من الق ،ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالي .فأثابم ال با قالوا
جنات تري من تتها النار خالدين فيها ،وذلك جزاء الحسني .والذين كفروا
وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الحيم } . .
إن هذه اليات تصور حالة ،وتقرر حكما ف هذه الالة . .تصور حالة فريق من أتباع
عيسى -عليه السلم { : -الذين قالوا :إنا نصارى } . .وتقرر أنم أقرب مودة
للذين آمنوا . .
ومع أن متابعة مموع اليات ل تدع مال للشك ف أنا تصور حالة معينة ،هي الت
ينطبق عليها هذا التقرير العي ،فإن الكثيين يطئون فهم مدلولا ،ويعلون منها مادة
للتميع الؤذي ف تقدير السلمي لوقفهم من العسكرات الختلفة ،وموقف هذه
70
العسكرات منهم . .لذلك ند من الضروري -ف ظلل القرآن -أن نتابع بالدقة
تصوير هذه اليات لذه الالة الاصة الت ينطبق عليها ذلك الكم الاص :
إن الالة الت تصورها هذه اليات هي حالة فئة من الناس ،قالوا :إنا نصارى .هم
أقرب مودة للذين آمنوا { :ذلك بأن منهم قسيسي ورهبانا وأنم ل يستكبون } . .
فمنهم من يعرفون حقيقة دين النصارى فل يستكبون على الق حي يتبي لم . .
ولكن السياق القرآن ل يقف عند هذا الد ،ول يدع المر مهل ومعمما على كل من
قالوا :إنا نصارى . .إنا هو يضي فيصور موقف هذه الفئة الت يعنيها :
{ واذا سعوا ما أنزل إل الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع ما عرفوا من الق ،
يقولون ربنا آمنا ،فاكتبنا مع الشاهدين .وما لنا ل نؤمن بال وما جاءنا من الق ،
ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالي } . .
فهذا مشهد حي يرتسم من التصوير القرآن لذه الفئة من الناس ،الذين هم أقرب مودة
للذين آمنوا .
إنم إذا سعوا ما أنزل إل الرسول من هذا القرآن اهتزت مشاعرهم ،ولنت قلوبم ،
وفاضت أعينهم بالدمع تعبيا عن التأثر العميق العنيف بالق الذي سعوه .والذي ل
يدون له ف أول المر كفاء من التعبي إل الدمع الغزير -وهي حالة معروفة ف النفس
البشرية حي يبلغ با التأثر درجة أعلى من أن يفي با القول ،فيفيض الدمع ،ليؤدي ما
ل يؤديه القول؛ وليطلق الشحنة البيسة من التأثر العميق العنيف .
ث هم ل يكتفون بذا الفيض من الدمع؛ ول يقفون موقفا سلبيا من الق الذي تأثروا به
هذا التأثر عند ساع القرآن؛ والشعور بالق الذي يمله والحساس با له من سلطان . .
إنم ل يقفون موقف التأثر الذي تفيض عيناه بالدمع ث ينتهي أمره مع هذا الق! إنا هم
يتقدمون ليتخذوا من هذا الق موقفا إيابيا صريا . .موقف القبول لذا الق ،واليان
به ،والذعان لسلطانه ،وإعلن هذا اليان وهذا الذعان ف لجة قوية عميقة صرية :
{ يقولون :ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين .وما لنا ل نؤمن بال وما جاءنا من الق ،
ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالي؟ } . .
71
إنم أو ًل يعلنون لربم إيانم بذا الق الذي عرفوه .ث يدعونه -سبحانه -أن يضمهم
إل قائمة الشاهدين لذا الق؛ وأن يسلكهم ف سلك المة القائمة عليه ف الرض . .
المة السلمة ،الت تشهد لذا الدين بأنه الق ،وتؤدي هذه الشهادة بلسانا وبعملها
وبركتها لقرار هذا الق ف حياة البشر . .فهؤلء الشاهدون الدد ينضمون إل هذه
المة السلمة؛ ويشهدون ربم على إيانم بالق الذي تتبعه هذه المة؛ ويدعونه -
سبحانه -أن يكتبهم ف سجلها . .
ث هم بعد ذلك يستنكرون على أنفسهم أن يعوقهم معوق عن اليان بال؛ أو أن يسمعوا
هذا الق ث ليؤمنوا به ،ول يأملوا -بذا اليان -أن يقبلهم ربم ،ويرفع مقامهم
عنده ،فيدخلهم مع القوم الصالي :
{ وما لنا ل نؤمن بال وما جاءنا من الق ،ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم
الصالي؟ } . .
فهو موقف صريح قاطع تاه ما أنزل ال إل رسوله من الق . .موقف الستماع والعرفة
،ث التأثر الغامر واليان الاهر ،ث السلم والنضمام إل المة السلمة ،مع دعاء ال
-سبحانه -أن يعلهم من الشاهدين لذا الق؛ الذين يؤدون شهادتم سلوكا وعملً
وجهادا لقراره ف الرض ،والتمكي له ف حياة الناس .ث وضوح الطريق ف تقديرهم
وتوحده؛ بيث ل يعودون يرون أنه يوز لم أن يضوا إل ف طريق واحد :هو طريق
اليان بال ،وبالق الذي أنزله على رسوله ،والمل -بعد ذلك -ف القبول عنده
والرضوان .
ول يقف السياق القرآن هنا عند بيان من هم الذين يعنيهم بأنم أقرب مودة للذين آمنوا
من الذين قالوا :إنا نصارى؛ وعند بيان سلوكهم ف مواجهة ما أنزل ال ال الرسول -
صلى ال عليه وسلم -من الق؛ وف اتاذ موقف إياب صريح ،باليان العلن ،
والنضمام إل الصف السلم؛ والستعداد لداء الشهادة بالنفس والهد والال؛ والدعاء
إل ال أن يقبلهم ف الصف الشاهد لذا الق على هذا النحو؛ مع الطمع ف أن يتم لم
بالنضمام إل موكب الصالي .
72
ل يقف السياق القرآن عند هذا الد ف بيان أمر هؤلء الذين يقرر أنم أقرب مودة للذين
آمنوا .بل يتابع خطاه لتكملة الصورة ،ورسم الصي الذي انتهوا إليه فعلً :
{ فأثابم ال با قالوا جنات تري من تتها النار خالدين فيها .وذلك جزاء
الحسني } . .
لقد علم ال صدق قلوبم وألسنتهم؛ وصدق عزيتهم على الضي ف الطريق؛ وصدق
تصميمهم على أداء الشهادة لذا الدين الديد الذي دخلوا فيه؛ ولذا الصف السلم الذي
اختاروه ،واعتبارهم أن أداء هذه الشهادة -بكل تكاليفها ف النفس والال -منة ين ال
با على من يشاء من عباده؛ واعتبارهم كذلك أنه ل يعد لم طريق يسلكونه إل هذا
الطريق الذي أعلنوا الضي فيه؛ ورجاءهم ف ربم أن يدخلهم مع القوم الصالي . .
لقد علم ال منهم هذا كله؛ فقبل منهم قولم ،وكتب لم النة جزاء لم؛ وشهد لم -
سبحانه -بأنم مسنون ،وأنه يزيهم جزاء الحسني :
{ فأثابم ال -با قالوا -جنات تري من تتها النار خالدين فيها . .وذلك جزاء
الحسني . } . .
والحسان أعلى درجات اليان والسلم . .وال -جل جلله -قد شهد لذا الفريق
من الناس أنه من الحسني .
هو فريق خاص مدد اللمح هذا الذي يقول عنه القرآن الكري :
{ ولتجدن أقربم مودة للذين آمنوا الذين قالوا :إنا نصارى } . .
هو فريق ل يستكب عن الق حي يسمعه ،بل يستجيب له تلك الستجابة العميقة
الاهرة الصرية .وهو فريق ل يتردد ف إعلن استجابته للسلم ،والنضمام للصف
السلم؛ والنضمام إليه بصفة خاصة ف تكاليف هذه العقيدة؛ وهي أداء الشهادة لا
بالستقامة عليها والهاد لقرارها وتكينها .وهو فريق علم ال منه صدق قوله فقبله ف
صفوف الحسني . .
ولكن السياق القرآن ل يقف عند هذا الد ف تديد ملمح هذا الفريق القصود من
الناس الذين تدهم أقرب مودة للذين آمنوا .بل إنه ليمضي فيميزه من الفريق الخر من
73
الذين قالوا :إنا نصارى .من يسمعون هذا الق فيكفرون به ويكذبون ،وليستجيبون
له ،ول ينضمون إل صفوف الشاهدين :
{ والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الحيم } . .
والقصود قطعا بالذين كفروا وكذبوا ف هذا الوضع هم الذين يسمعون -من الذين قالوا
إنا نصارى -ث ل يستجيبون .
والقرآن يسميهم الكافرين كلما كانوا ف مثل هذا الوقف .سواء ف ذلك اليهود
والنصارى؛ ويضمهم إل موكب الكفار مع الشركي سواء؛ ما داموا ف موقف التكذيب
لا أنزل ال على رسوله من الق؛ وف موقف المتناع عن الدخول ف السلم الذي ل
يقبل ال من الناس دينا سواه . .ند هذا ف مثل قول ال سبحانه :
{ ل يكن الذين كفروا -من أهل الكتاب والشركي -منفكي حت تأتيهم البينة }
{ إن الذين كفروا من -أهل الكتاب والشركي -ف نار جهنم خالدين فيها أولئك هم
شر البية } { لقد كفر الذين قالوا :إن ال ثالث ثلثة } { لقد كفر الذين قالوا :إن
ال هو السيح ابن مري } { لعن الذين كفروا من بن إسرائيل على لسان داود وعيسى
ابن مري } فهو تعبي مألوف ف القرآن ،وحكم معهود . .وهو يأت هنا للتفرقة بي
فريقي من الذين قالوا :إنا نصارى؛ وللتفرقة بي موقف كل فريق منهما تاه الذين
آمنوا؛ وللتفرقة كذلك بي مصي هؤلء وأولئك عند ال . .هؤلء لم جنات تري من
تتها النار خالدين فيها وذلك جزاء الحسني .وأولئك أصحاب الحيم . .
وليس كل من قالوا :إنم نصارى إذن داخلي ف ذلك الكم { :ولتجدن أقربم مودة
للذين آمنوا } . .كما ياول أن يقول من يقتطعون آيات القرآن دون تامها . .إنا هذا
الكم مقصور على حالة معينة ل يدع السياق القرآن أمرها غامضا ،ول ملمها مهلة ،
ول موقفها متلبسا بوقف سواها ف كثي ول قليل . .
ولقد وردت روايات لا قيمتها ف تديد من هم النصارى العنيون بذا النص :
أورد القرطب ف تفسيه « :وهذه الية نزلت ف النجاشي وأصحابه ،لا قدم عليهم
السلمون ف الجرة الول -حسب ما هو مشهور ف سية ابن اسحاق وغيه -خوفا
من الشركي وفتنتهم؛ وكانوا ذوي عدد .ث هاجر رسول ال -صلى ال عليه وسلم -
74
إل الدينة بعد ذلك فلم يقدروا على الوصول إليه ،حالت بينهم وبي رسول ال صلى ال
عليه وسلم الرب .فلما كانت وقعة بدر وقتل ال فيها صناديد الكفار ،قال كفار
قريش :إن ثأركم بأرض البشة .فأهدوا إل النجاشي وابعثوا له برجلي من ذوي
رأيكم يعطيكم من عنده ،فتقتلونم بن قتل منكم ببدر .فبعث كفار قريش عمرو بن
العاص وعبدال بن أب ربيعة بدايا .فسمع رسول ال صلى ال عليه وسلم بذلك ،فبعث
رسول ال -صلى ال عليه وسلم -عمرو بن أمية الضمري وكتب معه إل النجاشي؛
فقدم على النجاشي ،فقرأ كتاب رسول ال -صلى ال عليه وسلم -ث دعا جعفر بن
أب طالب والهاجرين ،وأرسل إل الرهبان والقسيسي فجمعهم .ث أمر جعفر أن يقرأ
عليهم القرآن ،فقرأ سورة » مري « فقاموا تفيض أعينهم من الدمع .
فهم الذين أنزل ال فيهم { :ولتجدن أقربم مودة للذين آمنوا الذين قالوا :إنا
نصارى } وقرأ إل { الشاهدين } ( رواه أبو داود .قال :حدثنا ممد بن مسلمة
الرادي ،قال :حدثنا ابن وهب .قال :أخبن يونس عن ابن شهاب ،عن أب بكر
عبدالرحن بن الرث بن هشام .وعن سعيد بن السيب وعن عروة بن الزبي :أن الجرة
الول هجرة السلمي إل أرض البشة .وساق الديث بطوله .
« وذكر البيهقي عن ابن إسحاق قال :قدم على النب -صلى ال عليه وسلم -عشرون
ل وهو بكة ،أو قريب من ذلك ،من النصارى حي ظهر خبه ،من البشة ، رج ً
فوجدوه ف السجد ،فكلموه وسألوه ،ورجال من قريش ف أنديتهم حول الكعبة .فلما
فرغوا من مسألتهم رسول ال -صلى ال عليه وسلم -عما أرادوا ،دعاهم رسول ال
-صلى ال عليه وسلم -إل ال عز وجل ،وتل عليهم القرآن .فلما سعوه فاضت
أعينهم من الدمع ،ث استجابوا له وآمنوا به وصدقوه ،وعرفوا منه ما كان يوصف لم ف
كتابم من أمره .فلما قاموا من عنده اعترضهم أبو جهل ف نفر من قريش فقالوا :
خيبكم ال من ركب! بعثكم من وراءكم من أهل دينكم ترتادون لم فتأتونم بب الرجل
،فلم تطل مالستكم عنده حت فارقتم دينكم وصدقتموه با قال لكم ،ما نعلم ركبا
أحق منكم -أو كما قال لم -فقالوا :سلم عليكم ل ناهلكم ،لنا أعمالنا ولكم
أعمالكم ،ل نألو أنفسنا خيا . .فيقال :إن النفر النصارى من أهل نران .ويقال :إن
75
فيهم نزلت هؤلء اليات { :الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون } إل قوله :
{ ل نبتغي الاهلي } » وقيل :إن جعفرا وأصحابه قدم على النب صلى ال عليه وسلم
ل عليهم ثياب الصوف ،فيهم اثنان وستون من البشة وثانية من أهل ف سبعي رج ً
الشام وهم بياء الراهب وإدريس وأشرف وأبرهة وثامة وقثم ودريد وأين .فقرأ عليهم
رسول ال صلى ال عليه وسلم سورة « يس » إل آخرها ،فبكوا حي سعوا القرآن
وآمنوا به ،وقالوا :ما أشبه هذا با كان ينل على عيسى .فنلت فيهم { لتجدن أشد
الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ،ولتجدن أقربم مودة للذين آمنوا الذين
قالوا :إنا نصارى } . .يعن وفد النجاشي .وكانوا أصحاب الصوامع .وقال سعيد بن
جبي :وأنزل ال فيهم أيضا { الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون } إل قوله {
أولئك يؤتون أجرهم مرتي } إل آخر الية .وقال مقاتل والكلب كانوا أربعي رجلً من
أهل نران من بن الرث بن كعب ،واثني وثلثي من البشة ،وثانية وستي من أهل
الشام .وقال قتادة :نزلت ف ناس من أهل الكتاب كانوا على شريعة من الق ما جاء به
عيسى ،فلما بعث ال ممدا صلى ال عليه وسلم آمنوا به فأثن ال عليهم « .
وهذا الذي نقرره ف معن هذا النص؛ والذي يدل عليه السياق بذاته ،وتؤيده هذه
الروايات الت أسلفنا ،هو الذي يتفق مع بقية التقريرات ف هذه السورة وف غيها عن
موقف أهل الكتاب عامة -اليهود والنصارى -من هذا الدين وأهله .كما أنه هو الذي
يتفق مع الواقع التاريي الذي عرفته المة السلمة خلل أربعة عشر قرنا .
إن السورة وحدة ف اتاهها وظللا وجوها وأهدافها؛ وكلم ال سبحانه ل يناقض بعضه
بعضا { .ولو كان من عند غي ال لوجدوا فيه اختلفا كثيا } وقد وردت ف هذه
السورة نفسها نصوص وتقريرات ،تدد معن هذا النص الذي نواجهه هنا وتلوه . .
نذكر منها :
{ يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ،بعضهم أولياء بعض ،ومن
يتولم منكم فإنه منهم ،إن ال ل يهدي القوم الظالي } { قل :يا أهل الكتاب لستم
على شيء حت تقيموا التوارة والنيل وما أنزل إليكم من ربكم .وليزيدن كثيا منهم ما
أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا ،فل تأس على القوم الكافرين } كذلك جاء ف سورة
76
البقرة { :ولن ترضى عنك اليهود ول النصارى حت تتبع ملتهم .قل :إن هدى ال هو
الدى؛ ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من ال من ول ول نصي }
كذلك صدّق الواقع التاريي ما حذر ال المة السلمة إياه؛ من اليهود ومن النصارى
سواء .وإذا كان الواقع التاريي قد حفظ لليهود وقفتهم النكدة للسلم منذ اليوم الول
الذي دخل فيه السلم عليهم الدينة؛ ف صورة كيد ل ينته ول يكف حت اللحظة
الاضرة؛ وإذا كان اليهود ل يزالون يقودون الملة ضد السلم ف كل أرجاء الرض
اليوم ف حقد خبيث وكيد لئيم . .فإن هذا الواقع قد حفظ كذلك للنصارى الصليبيي
أنم اتذوا من السلم موقف العداء منذ واقعة اليموك بي جيش السلمي وجيوش الروم
-فيما عدا الالت الت وقع فيها ما تصفه اليات الت نن بصددها فاستجابت قلوب
للسلم ودخلت فيه .وفيما عدا حالت أخرى آثرت فيها طوائف من النصارى أن
تتمي بعدل السلم من ظلم طوائف أخرى من النصارى كذلك؛ يلقون من ظلمها
الوبال! -أما التيار العام الذي يثل موقف النصارى جلة فهو تلك الروب الصليبية الت
ل يب أوارها قط -إل ف الظاهر -منذ التقى السلم والرومان على ضفاف اليموك!
لقد تلت أحقاد الصليبية على السلم وأهله ف الروب الصليبية الشهورة طوال قرني
من الزمان ،كما تلت ف حروب البادة الت شنتها الصليبية على السلم والسلمي ف
الندلس ،ث ف حلت الستعمار والتبشي على الماليك السلمية ف إفريقية أولً ،ث
ف العال كله أخيا .
ولقد ظلت الصهيونية العالية والصليبة العالية حليفتي ف حرب السلم -على كل ما
بينهما من أحقاد -ولكنهم كانوا ف حربم للسلم كما قال عنهم العليم البي :
{ بعضهم أولياء بعض } حت مزقوا دولة اللفة الخية .ث مضوا ف طريقهم ينقضون
هذا الدين عروة عروة .وبعد أن أجهزوا على عروة « الكم » ها هم أولء ياولون
الجهاز على عروة « الصلة »!
ث ها هم أولء يعيدون موقف اليهود القدي مع السلمي والوثنيي .فيؤيدون الوثنية
حيثما وجدت ضد السلم .عن طريق الساعدات الباشرة تارة ،وعن طريق الؤسسات
77
الدولية الت يشرفون عليها تارة أخرى! وليس الصراع بي الند وباكستان على كشمي
وموقف الصليبية منها ببعيد .
وذلك فوق إقامة واحتضان وكفالة الوضاع الت تتول سحق حركات الحياء والبعث
السلمية ف كل مكان على وجه الرض .وإلباس القائمي بذه الوضاع أثواب البطولة
الزائفة ودق الطبول من حولم ،ليستطيعوا الجهاز على السلم ،ف زحة الضجيج
العالي حول القزام الذين يلبسون أردية البطال!
هذا موجز سريع لا سجله الواقع التاريي طوال أربعة عشر قرنا؛ من مواقف اليهودية
والصليبية تاه السلم؛ ل فرق بي هذه وتلك؛ ول افتراق بي هذا العسكر وذاك ف
الكيد للسلم ،والقد عليه ،والرب الدائبة الت ل تفتر على امتداد الزمان .
وهذا ما ينبغي أن يعيه الواعون اليوم وغدا؛ فل ينساقوا وراء حركات التمييع الادعة أو
الخدوعة؛ الت تنظر إل أوائل مثل هذا النص القرآن -دون متابعة لبقيته؛ ودون متابعة
لسياق السورة كله ،ودون متابعة لتقريرات القرآن عامة ،ودون متابعة للواقع التاريي
الذي يصدق هذا كله -ث تتخذ من ذلك وسيلة لتخدير مشاعر السلمي تاه
العسكرات الت تضمر لم القد وتبيت لم الكيد؛ المر الذي تبذل فيه هذه العسكرات
جهدها ،وهي بصدد الضربة الخية الوجهة إل جذور العقيدة .
إن هذه العسكرات ل تشى شيئا أكثر ما تشى الوعي ف قلوب العصبة الؤمنة -مهما
قل عددها وعدتا -فالذين ينيمون هذا الوعي هم أعدى أعداء هذه العقيدة .وقد يكون
بعضهم من الفرائس الخدوعة؛ ولكن ضررهم ل يقل -حينئذ -عن ضرر أعدى العداء
،بل إنه ليكون أشد أذى وضرا ( .الظلل)
*******************
وحرم علينا ربنا سبحانه وتعال طاعتهم والستماع لراجيفهم :
ب يَ ُردّوكُ ْم َبعْدَ
قال تعال { :يَا َأّيهَا الّذِينَ َآ َمنُوا ِإنْ تُطِيعُوا َفرِيقًا مِ َن الّذِينَ أُوتُوا اْلكِتَا َ
إِيَاِنكُمْ كَافِرِينَ ([ )100آل عمران} ]100/
78
لقد جاءت هذه المة السلمة لتنشىء ف الرض طريقها على منهج ال وحده ،متميزة
متفردة ظاهرة .لقد انبثق وجودها ابتداء من منهج ال؛ لتؤدي ف حياة البشر دورا خاصا
ل ينهض به سواها .لقد وجدت لقرار منهج ال ف الرض ،وتقيقه ف صورة عملية ،
ذات معال منظورة ،تترجم فيها النصوص إل حركات وأعمال ،ومشاعر وأخلق ،
وأوضاع وارتباطات .
وهي ل تقق غاية وجودها ،ول تستقيم على طريقها ،ول تنشىء ف الرض هذه
الصورة الوضيئة الفريدة من الياة الواقعية الاصة التميزة ،إل إذا تلقت من ال وحده ،
وإل إذا تولت قيادة البشرية با تتلقاه من ال وحده .قيادة البشرية . .ل التلقي من أحد
من البشر ،ول اتباع أحد من البشر ،ول طاعة أحد من البشر . .إما هذا وإما الكفر
والضلل والنراف . .
هذا ما يؤكده القرآن ويكرره ف شت الناسبات .وهذا ما يقيم عليه مشاعر الماعة
السلمة وأفكارها وأخلقها كلما سنحت الفرصة . .وهنا موضع من هذه الواضع ،
مناسبته هي الناظرة مع أهل الكتاب ،ومواجهة كيدهم وتآمرهم على الماعة السلمة ف
الدينة . .ولكنه ليس مدودا بدود هذه الناسبة ،فهو التوجيه الدائم لذه المة ،ف كل
جيل من أجيالا ،لنه هو قاعدة حياتا ،بل قاعدة وجودها .
لقد وجدت هذه المة لقيادة البشرية .فكيف تتلقى إذن من الاهلية الت جاءت لتبدلا
ولتصلها بال ،ولتقودها بنهج ال؟ وحي تتخلى عن مهمة القيادة فما وجودها إذن ،
وليس لوجودها -ف هذه الال -من غاية؟!
لقد وجدت للقيادة :قيادة التصور الصحيح .والعتقاد الصحيح .والشعور الصحيح .
واللق الصحيح .والنظام الصحيح .والتنظيم الصحيح . .وف ظل هذه الوضاع
الصحيحة يكن أن تنمو العقول ،وأن تتفتح ،وأن تتعرف إل هذا الكون ،وأن تعرف
أسراره ،وأن تسخر قواه وطاقاته ومدخراته .
ولكن القيادة الساسية الت تسمح بذا كله ،وتسيطر على هذا كله وتوجهه لي البشر
ل لتهديدهم بالراب والدمار ،ول لتسخيه ف الآرب والشهوات . .ينبغي أن تكون
79
لليان ،وأن تقوم عليها الماعة السلمة ،مهتدية فيها بتوجيه ال .ل بتوجيه أحد من
عبيد ال .
وهنا ف هذا الدرس يذر المة السلمة من اتباع غيها ،ويبي لا كذلك طريقها لنشاء
الوضاع الصحيحة وصيانتها .ويبدأ بتحذيرها من اتباع أهل الكتاب ،وإل فسيقودونا
إل الكفر ل مناص .
{ يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيانكم كافرين
.وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات ال وفيكم رسوله؟ ومن يعتصم بال فقد هدي
إل صراط مستقيم } . .
إن طاعة أهل الكتاب والتلقي عنهم ،واقتباس مناهجهم وأوضاعهم ،تمل ابتداء معن
الزية الداخلية ،والتخلي عن دور القيادة الذي من أجله أنشئت المة السلمة .كما
تمل معن الشك ف كفاية منهج ال لقيادة الياة وتنظيمها والسي با صعدا ف طريق
النماء والرتقاء .وهذا بذاته دبيب الكفر ف النفس ،وهي ل تشعر به ول ترى خطره
القريب .
هذا من جانب السلمي .فأما من الانب الخر ،فأهل الكتاب ل يرصون على شيء
حرصهم على إضلل هذه المة عن عقيدتا .فهذه العقيدة هي صخرة النجاة؛ وخط
الدفاع ،ومصدر القوة الدافعة للمة السلمة .وأعداؤه يعرفون هذا جيدا .يعرفونه قديا
ويعرفونه حديثا ،ويبذلون ف سبيل تويل هذه المة عن عقيدتا كل ما ف وسعهم من
مكر وحيلة ،ومن قوة كذلك وعُدة .وحي يعجزهم أن ياربوا هذه العقيدة ظاهرين
يدسون لا ماكرين .وحي يعييهم أن ياربوها بأنفسهم وحده ،يندون من النافقي
التظاهرين بالسلم ،أو من ينتسبون -زورا -للسلم ،جنودا مندة ،لتنخر لم ف
جسم هذه العقيدة من داخل الدار ،ولتصد الناس عنها ،ولتزين لم مناهج غي منهجها ،
وأوضاعا غي أوضاعها ،وقيادة غي قيادتا . .
فحي يد أهل الكتاب من بعض السلمي طواعية واستماعا واتباعا ،فهم ول شك
سيستخدمون هذا كله ف سبيل الغاية الت تؤرقهم ،وسيقودونم ويقودون الماعة كلها
من ورائهم إل الكفر والضلل .
80
ومن ث هذا التحذير الاسم الخيف :
{ يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيانكم كافرين
}..
وما كان يفزع السلم -حينذاك -ما يفزعه أن يرى نفسه منتكسا إل الكفر بعد اليان
.وراجعا إل النار بعد ناته منها إل النة .وهذا شأن السلم الق ف كل زمان ومن ث
يكون هذا التحذير بذه الصورة سوطا يلهب الضمي ،ويوقظه بشدة لصوت النذير . .
ومع هذا فإن السياق يتابع التحذير والتذكي . .فيا له من منكر أن يكفر الذين آمنوا بعد
إيانم ،وآيات ال تتلى عليهم ،ورسوله فيهم .
ودواعي اليان حاضرة ،والدعوة إل اليان قائمة ،ومفرق الطريق بي الكفر واليان
مسلط عليه هذا النور :
{ وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات ال وفيكم رسوله؟ }
أجل .إنا لكبية أن يكفر الؤمن ف ظل هذه الظروف العينة على اليان . .وإذا كان
رسول ال -صلى ال عليه وسلم -قد استوف أجله ،واختار الرفيق العلى ،فإن آيات
ال باقية ،وهدى رسوله -صلى ال عليه وسلم -باق . .ونن اليوم ماطبون بذا
القرآن كما خوطب به الولون ،وطريق العصمة بي ،ولواء العصمة مرفوع :
{ ومن يعتصم بال فقد هدي إل صراط مستقيم } . .
أجل .إنه العتصام بال يعصم .وال سبحانه باق .وهو -سبحانه -الي القيوم .
ولقد كان رسول ال -صلى ال عليه وسلم -يتشدد مع أصحابه -رضوان ال عليهم
-ف أمر التلقي ف شأن العقيدة والنهج ،بقدر ما كان يفسح لم ف الرأي والتجربة ف
شؤون الياة العملية التروكة للتجربة والعرفة ،كشؤون الزرع ،وخطط القتال ،وأمثالا
من السائل العملية البحتة الت ل علقة لا بالتصور العتقادي ،ول بالنظام الجتماعي ،
ول بالرتباطات الاصة بتنظيم حياة النسان . .وفرق بي هذا وذلك بي .فمنهج
الياة شيء ،والعلوم البحتة والتجريبية والتطبيقية شيء آخر .والسلم الذي جاء ليقود
الياة بنهج ال ،هو السلم الذي وجه العقل للمعرفة والنتفاع بكل إبداع مادي ف
نطاق منهجه للحياة . .
81
قال المام أحد « :حدثنا عبد الرازق ،أنبأنا سفيان ،عن جابر ،عن الشعب ،عن عبد
ال بن ثابت .قال » :جاء عمر إل النب -صلى ال عليه وسلم -فقال :يا رسول ال
.إن أمرت بأخ يهودي من بن قريظة ،فكتب ل جوامع من التوراة .أل أعرضها
عليك؟ قال :فتغي وجه رسول ال -صلى ال عليه وسلم -قال عبد ال بن ثابت :
قلت له :أل ترى ما وجه رسول ال -صلى ال عليه وسلم -؟ فقال عمر :رضيت بال
ربا ،وبالسلم دينا ،وبحمد رسولً .قال :فسري عن النب -صلى ال عليه وسلم -
وقال :والذي نفسي بيده لو أصبح فيكم موسى -عليه السلم -ث اتبعتموه وتركتمون
لضللتم .إنكم حظي من المم ،وأنا حظكم من النبيي « .
وقال الافظ أبو يعلى :حدثنا حاد عن الشعب عن جابر .قال :قال رسول ال -صلى
ال عليه وسلم » -ل تسألوا أهل الكتاب عن شيء .فإنم لن يهدوكم وقد ضلوا .
وإنكم إما أن تصدقوا بباطل ،وإما أن تكذبوا بق .وإنه وال لو كان موسى حيا بي
أظهركم ما حل له إل أن يتبعن « . .وف بعض الحاديث » :لو كان موسى وعيسى
حيي لا وسعهما إل اتباعي « .
هؤلء هم أهل الكتاب .وهذا هو هدى رسول ال -صلى ال عليه وسلم -ف التلقي
عنهم ف أي أمر يتص بالعقيدة والتصور ،أو بالشريعة والنهج . .ول ضي -وفق روح
السلم وتوجيهه -من النتفاع بهود البشر كلهم ف غي هذا من العلوم البحتة ،علما
وتطبيقا . .مع ربطها بالنهج اليان :من ناحية الشعور با ،وكونا من تسخي ال
للنسان .ومن ناحية توجيهها والنتفاع با ف خي البشرية ،وتوفي المن لا والرخاء .
وشكر ال على نعمة العرفة ونعمة تسخي القوى والطاقات الكونية .شكره بالعبادة .
وشكره بتوجيه هذه العرفة وهذا التسخي لي البشرية . .
فأما التلقي عنهم ف التصور اليان ،وف تفسي الوجود ،وغاية الوجود النسان .وف
منهج الياة وأنظمتها وشرائعها ،وف منهج الخلق والسلوك أيضا . .أما التلقي ف
شيء من هذا كله ،فهو الذي تغي وجه رسول ال -صلى ال عليه وسلم -ليسر
شيء منه .وهو الذي حذر ال المة السلمة عاقبته .وهي الكفر الصراح . .
82
هذا هو توجيه ال -سبحانه -وهذا هو هدى رسوله -صلى ال عليه وسلم -فأما نن
الذين نزعم أننا مسلمون ،فأرانا نتلقى ف صميم فهمنا لقرآننا وحديث نبينا -صلى ال
عليه وسلم -عن الستشرقي وتلمذة الستشرقي! وأرانا نتلقى فلسفتنا وتصوراتنا
للوجود والياة من هؤلء وهؤلء ،ومن الفلسفة والفكرين :الغريق والرومان
والوروبيي والمريكان! وأرانا نتلقى نظام حياتنا وشرائعنا وقوانيننا من تلك الصادر
الدخولة! وأرانا نتلقى قواعد سلوكنا وآدابنا وأخلقنا من ذلك الستنقع السن ،الذي
انتهت إليه الضارة الادية الجردة من روح الدين . .أي دين . .ث نزعم -وال -أننا
مسلمون! وهو زعم إثه أثقل من إث الكفر الصريح .فنحن بذا نشهد على السلم
بالفشل والسخ .حيث ل يشهد عليه هذه الشهادة الثة من ل يزعمون -مثلنا -أنم
مسلمون!
إن السلم منهج .وهو منهج ذو خصائص متميزة :من ناحية التصور العتقادي ،ومن
ناحية الشريعة النظمة لرتباطات الياة كلها .ومن ناحية القواعد الخلقية ،الت تقوم
عليها هذه الرتباطات ،ول تفارقها ،سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية .
وهو منهج جاء لقيادة البشرية كلها .فل بد أن تكون هناك جاعة من الناس تمل هذا
النهج لتقود به البشرية .وما يتناقض مع طبيعة القيادة -كما أسلفنا -أن تتلقى هذه
الماعة التوجيهات من غي منهجها الذات . .
ولي البشرية جاء هذا النهج يوم جاء .ولي البشرية يدعو الدعاة لتحكيم هذا النهج
اليوم وغدا .بل المر اليوم ألزم ،والبشرية بجموعها تعان من النظم والناهج الت انتهت
إليها ما تعان .وليس هناك منقذ إل هذا النهج اللي ،الذي يب أن يتفظ بكل
خصائصه كي يؤدي دوره للبشرية وينقذها مرة أخرى .
لقد أحرزت البشرية انتصارات شت ف جهادها لتسخي القوى الكونية .وحققت ف عال
الصناعة والطب ما يشبه الوارق -بالنسبة للماضي -وما تزال ف طريقها إل انتصارات
جديدة . .ولكن ما أثر هذا كله ف حياتا؟ ما أثره ف حياتا النفسية؟ هل وجدت
السعادة؟ هل وجدت الطمأنينة؟ هل وجدت السلم؟ كل! لقد وجدت الشقاء والقلق
والوف . .والمراض العصبية والنفسية ،والشذوذ والرية على أوسع نطاق! . .إنا ل
83
تتقدم كذلك ف تصور غاية الوجود النسان وأهداف الياة النسانية . .وحي تقاس
غاية الوجود النسان وأهداف الياة النسانية ف ذهن الرجل التحضر العاصر ،إل
التصور السلمي ف هذا الانب ،تبدو هذه الضارة ف غاية القزامة! بل تبدو لعنة تط
من تصور النسان لنفسه ومقامه ف هذا الوجود وتسفل به ،وتصغر من اهتماماته ومن
أشواقه! . .والواء يأكل قلب البشرية الكدود ،والية تد روحها التعبة . .إنا ل تد
ال . .لقد أبعدتا عنه ملبسات نكدة .والعلم الذي كان من شأنه ،لو سار تت منهج
ال ،أن يعل من كل انتصار للبشرية ف ميدانه خطوة تقربا من ال ،هو ذاته الذي تبعد
به البشرية أشواطا بسبب انطماس روحها ونكستها . .إنا ل تد النور الذي يكشف لا
غاية وجودها القيقية فتنطلق إليها مستعينة بذا العلم الذي منحه ال لا ووهبها الستعداد
له .ول تد النهج الذي ينسق بي حركتها وحركة الكون ،وفطرتا وفطرة الكون ،
وقانونا وناموس الكون .ول تد النظام الذي ينسق بي طاقاتا وقواها ،وآخرتا ودنياها
،وأفرادها وجاعاتا ،وواجباتا وحقوقها . .تنسيقا طبيعيا شاملً مريا . .
وهذه البشرية هي الت يعمل ناس منها على حرمانا من منهج ال الادي .وهم الذين
يسمون التطلع إل هذا النهج « رجعية! » ويسبونه مرد حني إل فترة ذاهبة من فترات
التاريخ . .وهم بهالتهم هذه أو بسوء نيتهم يرمون البشرية التطلع إل النهج الوحيد
الذي يكن أن يقود خطاها إل السلم والطمأنينة ،كما يقود خطاها إل النمو والرقي .
.ونن الذين نؤمن بذا النهج نعرف إل ماذا ندعو .إننا نرى واقع البشرية النكد ،
ونشم رائحة الستنقع السن الذي تتمرغ فيه .ونرى .نرى هنالك على الفق الصاعد
راية النجاة تلوح للمكدودين ف هجي الصحراء الحرق والرتقى الوضيء النظيف يلوح
للغارقي ف الستنقع؛ ونرى أن قيادة البشرية إن ل ترد إل هذا النهج فهي ف طريقها إل
الرتكاس الشائن لكل تاريخ النسان ،ولكل معن من معان النسان!
وأول الطوات ف الطريق أن يتميز هذا النهج ويتفرد ،ول يتلقى أصحابه التوجيه من
الاهلية الطامة من حولم . .كيما يظل النهج نظيفا سليما .إل أن يأذن ال بقيادته
للبشرية مرة أخرى .وال أرحم بعباده أن يدعهم لعداء البشر ،الداعي إل الاهلية من
هنا ومن هناك! .
84
وهذا ما أراد ال سبحانه أن يلقنه للجماعة السلمة الول ف كتابه الكري؛ وما حرص
رسول ال -صلى ال عليه وسلم -أن يعلمها إياه ف تعليمه القوي ( . .الظلل)
************************
وحرم سبحانه وتعال توليهم :
قال تعال {:يَا َأّيهَا الّذِينَ َآ َمنُوا لَا َتتّخِذُوا عَ ُدوّي َوعَ ُدوّكُمْ َأوْلِيَا َء تُ ْلقُونَ إَِلْيهِ ْم بِالْ َموَ ّد ِة
ح ّق يُخْ ِرجُونَ ال ّرسُو َل َوِإيّاكُمْ أَ ْن ُت ْؤمِنُوا بِاللّهِ َرّبكُمْ إِنْ ُكْنتُمْ وَقَدْ َكفَرُوا بِمَا جَاءَكُ ْم مِ َن الْ َ
َخرَ ْجتُمْ ِجهَادًا فِي َسبِيلِي وَابِْتغَا َء مَرْضَاتِي تُسِرّونَ إَِلْيهِ ْم بِالْ َموَ ّد ِة َوَأنَا َأعْلَ ُم بِمَا أَ ْخ َفيْتُ ْم َومَا
سبِيلِ (ِ )1إنْ َيْثقَفُوكُ ْم َيكُونُوا َلكُمْ َأعْدَاءً ض ّل َسوَاءَ ال ّ َأعَْلنْتُ ْم َومَ ْن َي ْفعَلْ ُه ِمنْكُمْ َفقَدْ َ
َويَبْسُطُوا إِلَْيكُمْ َأيْ ِدَيهُ ْم َوأَلْسَِنَتهُ ْم بِالسّوءِ َووَدّوا َل ْو َتكْفُرُونَ ( )2لَ ْن َتْنفَ َعكُمْ أَرْحَا ُمكُ ْم وَلَا
سَنةٌ َأوْلَادُكُ ْم َي ْومَ اْل ِقيَا َمةِ َي ْفصِلُ بَْيَنكُمْ وَاللّ ُه بِمَا تَعْ َملُونَ َبصِيٌ ( )3قَدْ كَاَنتْ َلكُمْ ُأ ْس َوةٌ حَ َ
فِي ِإبْرَاهِيمَ وَالّذِي َن َمعَهُ إِذْ قَالُوا ِل َقوْ ِمهِمْ ِإنّا بُرَآَ ُء ِمنْكُ ْم َومِمّا َت ْعبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ َكفَ ْرنَا
بِكُ ْم َوبَدَا َبيَْننَا َوبَْيَنكُمُ الْعَدَا َوةُ وَاْلبَ ْغضَاءُ َأبَدًا َحتّى ُت ْؤمِنُوا بِاللّ ِه َوحْ َدهُ إِلّا َق ْولَ ِإبْرَاهِيمَ ِلأَبِيهِ
ك َتوَكّ ْلنَا َوإِلَيْكَ َأنَْبنَا َوإِلَيْكَك مِنَ اللّ ِه مِ ْن َشيْءٍ َرّبنَا عََليْ َ ك َومَا َأمْلِكُ لَ َ َلأَ ْسَت ْغفِ َرنّ لَ َ
حكِيمُ ()5 جعَ ْلنَا ِفْتَنةً لِلّذِينَ َكفَرُوا وَا ْغفِرْ َلنَا َرّبنَا ِإنّكَ َأْنتَ اْلعَزِي ُز الْ َ الْ َمصِيُ (َ )4ربّنَا لَا تَ ْ
سَنةٌ لِ َمنْ كَانَ يَ ْرجُو اللّ َه وَاْلَي ْومَ الْآَ ِخ َر َومَ ْن يََتوَلّ فَِإنّ اللّ َه ُهوَ َلقَدْ كَانَ َلكُمْ فِيهِمْ ُأ ْس َوةٌ حَ َ
حمِيدُ ( )6المتحنة} الْ َغِنيّ الْ َ
ضبَ اللّ ُه عََلْيهِمْ َق ْد َيئِسُوا مِ َن الْآَخِ َرةِ قال تعال { :يَا َأّيهَا الّذِينَ َآ َمنُوا لَا َتَتوَّلوْا َق ْومًا َغ ِ
ب اْل ُقبُورِ ( )13المتحنة} كَمَا َيِئسَ اْل ُكفّا ُر مِنْ أَصْحَا ِ
ضهُمْ َأوِْليَاءُ َب ْعضٍ وقال تعال { :يَا َأّيهَا الّذِينَ َآ َمنُوا لَا َتتّخِذُوا الَْيهُو َد وَالنّصَارَى َأوِْليَاءَ بَ ْع ُ
َومَ ْن يََتوَّلهُ ْم ِمنْكُمْ فَِإنّ ُه ِمْنهُمْ ِإنّ اللّهَ لَا َيهْدِي اْل َق ْومَ الظّالِ ِميَ ([ )51الائدة} ]51/
إن العال الذي يريده السلم عال ربان إنسان .ربان بعن أنه يستمد كل مقوماته من
توجيه ال وحكمه ،ويتجه إل ال بكل شعوره وعمله .وإنسان بعن أنه يشمل النس
النسان كله ف رحاب العقيدة وتذوب فيه فواصل النس والوطن واللغة والنسب .
وسائر ما ييز إنسانا عن إنسان ،عدا عقيدة اليان .وهذا هو العال الرفيع اللئق أن
يعيش فيه النسان الكري على ال ،التضمن كيانه نفحة من روح ال .
85
ودون إقامة هذا العال تقف عقبات كثية كانت ف البيئة العربية وما تزال ف العال كله
إل اليوم عقبات من التعصب للبيت ،والتعصب للعشية ،والتعصب للقوم ،والتعصب
للجنس ،والتعصب للرض .كما تقف عقبات من رغائب النفوس وأهواء القلوب ،من
الرص والشح وحب الي للذات ،ومن الكبياء الذاتية واللتواءات النفسية . .وألوان
غيها كثيمن ذوات الصدور!
وكان على السلم أن يعال هذا كله ف الماعة الت يعدها لتحقيق منهج ال ف الرض
ف صورة عملية واقعة .وكانت هذه الصورة حلقة ف سلسلة هذا العلج الطويل .
وكان بعض الهاجرين الذين تركوا ديارهم وأموالم وأهليهم ف سبيل عقيدتم ،ما تزال
نفوسهم مشدودة إل بعض من خلفوا هنالك من ذرية وأزواج وذوي قرب .وعلى الرغم
من كل ما ذاقوا من العنت والذى ف قريش فقد ظلت بعض النفوس تود لو وقعت بينهم
وبي أهل مكة الحاسنة والودة؛ وأن لو انتهت هذه الصومة القاسية الت تكلفهم قتال
أهليهم وذوي قرابتهم ،وتقطع ما بينهم وبينهم من صلت!
وكان ال يريد استصفاء هذه النفوس واستخلصها من كل هذه الوشائج ،وتريدها
لدينه وعقيدته ومنهجه .وهو سبحانه يعلم ثقل الضغط الواقع عليها من اليول الطبيعية
ورواسب الاهلية جيعا وكان العرب بطبيعتهم أشد الناس احتفالً بعصبية القبيلة
والعشية والبيت فكان يأخذهم يوما بعد يوم بعلجه الناجع البالغ ،بالحداث
وبالتعقيب على الحداث ،ليكون العلج على مسرح الوادث وليكون الطرق والديد
ساخن!
وتذكر الروايات حادثا معينا نزل فيه صدر هذه السورة .وقد تكون هذه الروايات
صحيحة ف سبب النول الباشر .ولكن مدى النصوص القرآنية دائما أبعد من الوادث
الباشرة .
ل من الهاجرين .وكان من وقد قيل ف هذا الادث :إن حاطب بن أب بلتعة كان رج ً
أهل بدر أيضا .وكان له بكة أولد ومال ،ول يكن من قريش أنفسهم بل كان حليفا
لعثمان .
86
فلما عزم رسول ال صلى ال عليه وسلم على فتح مكة لا نقض أهلها عهد الديبية أمر
السلمي بالتجهيز لغزوهم ،وقال « :اللهم عَمّ عليهم خبنا » .وأخب رسول ال صلى
ال عليه وسلم جاعة من أصحابه بوجهته ،كان منهم حاطب .فعمد حاطب فكتب
كتابا وبعثه مع امرأة مشركة قيل من مزينة جاءت الدينة تسترفد إل أهل مكة يعلمهم
بعزم رسول ال صلى ال عليه وسلم على غزوهم ،ليتخذ بذلك عندهم يدا .فأطلع ال
تعال رسوله على ذلك استجابة لدعائه .وإمضاء لقدره ف فتح مكة .فبعث ف أثر
الرأة ،فأخذ الكتاب منها .
وقد روى البخاري ف الغازي ،ورواه مسلم ف صحيحه من حديث حصي بن عبد
الرحن ،عن سعد ابن عبيدة عن أب عبد الرحن السلمي ،عن علي رضي ال عنه قال :
« بعثن رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبا مرثد والزبي بن العوام وكلنا فارس وقال :
انطلقوا حت تأتوا روضة خاخ ،فإن با امرأة من الشركي معها كتاب من حاطب بن
أب بلعتة إل الشركي » .فأدركناها تسي على بعي لا حيث قال رسول ال صلى ال
عليه وسلم فقلنا :الكتاب؟ فقالت ما معي كتاب .فأنناها فالتمسنا فلم نر كتابا .فقلنا
:ما كذب رسول ال صلى ال عليه وسلم لتخرجن الكتاب أو لنجردنك .فلما رأت
الد أهوت إل حجزتا ،وهي متحجزة بكساء ،فأخرجته .فانطلقنا به إل رسول ال
صلى ال عليه وسلم فقال عمر :يا رسول ال .قد خان ال ورسوله والؤمني ،فدعن
فلضربن عنقه .فقال النب صلى ال عليه وسلم « :ما حلك على ما صنعت؟ » قال
حاطب :وال ما ب إل أن أكون مؤمنا بال ورسوله صلى ال عليه وسلم أردت أن
تكون ل عند القوم يد .يدفع ال با عن أهلي ومال ،وليس أحد من أصحابك إل له
هناك من عشيته من يدفع ال به عن أهله وماله .فقال « :صدق ل تقولوا إل خيا »
فقال عمر :إنه قد خان ال ورسوله والؤمني ،فدعن فلضرب عنقه .فقال « :أليس
من أهل بدر؟ فقال :لعل ال اطلع إل أهل بدر فقال :اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم
النة أو قد غفرت لكم » فدمعت عينا عمر ،وقال :ال ورسوله أعلم « .وزاد
البخاري ف كتاب الغازي :فأنزل ال السورة { :يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا عدوي
87
وعدوكم أوليآء تلقون إليهم بالودة } وف رواية أخرى أن الذين أرسلوا كانوا هم علي
والزبي والقداد .
والوقوف قليلً أمام هذا الادث وما دار بشأنه ل يرج بنا عن « ظلل القرآن » والتربية
به وبالحداث والتوجيهات والتعقيبات عن طريق رسول ال صلى ال عليه وسلم القائد
الرب العظيم . .
واول ما يقف النسان أمامه هو فعلة حاطب ،وهو السلم الهاجر ،وهو أحد الذين
أطلعهم رسول ال صلى ال عليه وسلم على سر الملة . .وفيها ما يكشف عن
منحنيات النفس البشرية العجيبة ،وتعرض هذه النفس للحظات الضعف البشري مهما
بلغ من كمالا وقوتا؛ وأن ل عاصم إل ال من هذه اللحظات فهو الذي يعي عليها .
ث يقف النسان مرة أخرى أمام عظمة الرسول صلى ال عليه وسلم وهو ل يعجل حت
يسأل « :ما حلك على ما صنعت » ف سعة صدر وعطف على لظة الضعف الطارئة
ف نفس صاحبه ،وإدراك ملهم بأن الرجل قد صدق ،ومن ث يكف الصحابة عنه « :
صدق ل تقولوا إل خيا » .ليعينه وينهضه من عثرته ،فل يطارده با ول يدع أحدا
يطارده .بينما ند اليان الاد الاسم الازم ف شدة عمر « :إنه قد خان ال ورسوله
والؤمني .فدعن فلضرب عنقه » . .فعمر رضي ال عنه إنا ينظر إل العثرة ذاتا فيثور
لا حسه الاسم وإيانه الازم .أما رسول ال صلى ال عليه وسلم فينظر إليها من خلل
إدراكه الواسع الشامل للنفس البشرية على حقيقتها ،ومن كل جوانبها ،مع العطف
الكري اللهم الذي تنشئه العرفة الكلية .ف موقف الرب الكري العطوف التأن الناظر إل
جيع اللبسات والظروف . .
ث يقف النسان أمام كلمات حاطب ،وهو ف لظة ضعفه ،ولكن تصوره لقدر ال
وللسباب الرضية هو التصور اليان الصحيح . .ذلك حي يقول « :أردت أن تكون
ل عند القوم يد . .يدفع ال با عن أهلي ومال » . .فال هو الذي يدفع ،وهذه اليد
ل تدفع بنفسها ،إنا يدفع ال با .ويؤكد هذا التصور ف بقية حديثه وهو يقول « :
وليس أحد من أصحابك إل له هناك من عشيته من يدفع . .ال . .به عن أهله وماله »
فهو ال حاضر ف تصوره ،وهو الذي يدفع ل العشية .إنا العشية أداة يدفع ال با . .
88
ولعل حس رسول ال اللهم قد راعى هذا التصور الصحيح الي ف قول الرجل ،فكان
هذا من أسباب قوله صلى ال عليه وسلم « : -صدق .ل تقولوا إل خيا » .
وأخيا يقف النسان أمام تقدير ال ف الادث؛ وهو أن يكون حاطب من القلة الت يعهد
إليها رسول ال صلى ال عليه وسلم بسر الملة .
وأن تدركه لظة الضعف البشري وهو من القلة الختارة .ث يري قدر ال بكف ضرر
هذه اللحظة عن السلمي .كأنا القصد هو كشفها فقط وعلجها! ث ل يكون من
الخرين الذين ل يعهد إليهم بالسر اعتراض على ما وقع ،ول تنفج بالقول :ها هو ذا
أحد من استودعوا السر خانوه ،ولو أودعناه نن ما بنا به! فلم يرد من هذا شيء .ما
يدل على أدب السلمي مع قيادتم ،وتواضعهم ف الظن بأنفسهم ،واعتبارهم با حدث
لخيهم . .
والادث متواتر الرواية .أما نزول هذه اليات فيه فهو أحد روايات البخاري .ول
نستبعد صحة هذه الرواية؛ ولكن مضمون النص القرآن كما قلنا أبعد مدى ،وأدل على
أنه كان يعال حالة نفسية أوسع من حادث حاطب الذي تواترت به الروايات ،بناسبة
وقوع هذا الادث ،على طريقة القرآن .
كان يعال مشكلة الواصر القريبة ،والعصبيات الصغية ،وحرص النفوس على مألوفاتا
الوروثة ليخرج با من هذا الضيق الحلي إل الفق العالي النسان .
وكان ينشئ ف هذه النفوس صورة جديدة ،وقيما جديدة ،وموازين جديدة ،وفكرة
جديدة عن الكون والياة والنسان ،ووظيفة الؤمني ف الرض ،وغاية الوجود النسان
.
وكان كأنا يمع هذه النبتات الصغية الديدة ف كنف ال؛ ليعلمهم ال ويبصرهم
بقيقة وجودهم وغايته ،وليفتح أعينهم على ما ييط بم من عداوات ومكر وكيد ،
وليشعرهم أنم رجاله وحزبه ،وأنه يريد بم أمرا ،ويقق بم قدَرا .ومن ث فهم
يوسون بسمته ويملون شارته ،ويعرفون بذه الشارة وتلك السمة بي القوام جيعا .ف
الدنيا والخرة .وإذن فليكونوا خالصي له ،منقطعي لوليته ،متجردين من كل وشيجة
غي وشيجته .ف عال الشعور وعال السلوك .
89
والسورة كلها ف هذا التاه .حت اليات التشريعية التنظيمية الواردة ف آخرها عن
معاملة الهاجرات الؤمنات ،ومبايعة من يدخلن ف السلم ،والفصل بي الؤمنات
وأزواجهن من الكفار .وبي الؤمني وزوجاتم من الكوافر . .فكلها تنظيمات منبثقة
من ذلك التوجيه العام .
ث ختام السورة كما بدأت بالنهي عن موالة أعداء ال ،من غضب عليهم ال ،سواء
من الشركي أو من اليهود .ليتم التميز والنفراد والفاصلة من جيع الوشائج والروابط
غي رابطة العقيدة وغي وشيجة اليان . .
{ يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالودة ،وقد كفروا
با جاءكم من الق ،يرجون الرسول وإياكم ،أن تؤمنوا بال ربكم .إن كنتم خرجتم
جهادا ف سبيلي وابتغاء مرضات تسرون إليهم بالودة وأنا أعلم با أخفيتم وما أعلنتم؛
ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل .إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ،ويبسطوا
إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء ،وودوا لو تكفرون } . .
تبدأ السورة بذلك النداء الودود الوحي { :يا أيها الذين آمنوا } . .نداء من ربم الذي
آمنوا به ،يدعوهم باسم اليان الذي ينسبهم إليه .
يدعوهم ليبصرهم بقائق موقفهم ،ويذرهم حبائل أعدائهم ،ويذكرهم بالهمة اللقاة
على عاتقهم .
وف مودة يعل عدوهم عدوه ،وعدوه عدوهم :
{ ل تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالودة } . .
فيشعر الؤمني بأنم منه وإليه .يعاديهم من يعاديه .فهم رجاله النتسبون إليه الذين
يملون شارته ف هذه الرض ،وهم أوداؤه وأحباؤه .فل يوز أن يلقوا بالودة إل
أعدائهم وأعدائه .
ويذكرهم بريرة هؤلء العداء عليهم وعلى دينهم وعلى رسولم ،وعدوانم على هذا
كله ف تن وظلم :
{ وقد كفروا با جاءكم من الق .يرجون الرسول وإياكم .أن تؤمنوا بال ربكم } .
.
90
فماذا أبقوا بعد هذه الرائر الظالة للموالة والودة؟ كفروا بالق .وأخرجوا الرسول
والؤمني ،ل لشيء إل لنم آمنوا بال ربم؟ إنه يهيج ف قلوب الؤمني هذه الذكريات
الرتبطة بعقيدتم .وهي الت حاربم الشركون من أجلها ،ل من أجل أي سبب آخر .
ويبز القضية الت عليها اللف والصومة والرب .فهي قضية العقيدة دون سواها .
قضية الق الذي كفروا به والرسول الذي أخرجوه ،واليان الذي من أجله أخرجوهم .
وإذا تحضت القضية هكذا وبرزت ،ذكّرهم بأنه ل مل إذن للمودة بينهم وبي
الشركي إن كانوا قد خرجوا من ديارهم ابتغاء رضوان ال وجهادا ف سبيله :
{ إن كنتم خرجتم جهادا ف سبيلي وإبتغاء مرضات } . .
فما يتمع ف قلب واحد أن يهاجر جهادا ف سبيل ال ابتغاء مرضاة ال ،مع مودة لن
أخرجه من أجل إيانه بال ،وهو عدو ال وعدو رسول ال!
ث يذرهم تذيرا خفيا ما تكن قلوبم ،وما يسرون به إل أعدائهم وأعداء ال من
الودة ،وهو مطلع على خفية القلوب وعلنيتها :
{ تسرون إليهم بالودة وأنا أعلم با أخفيتم وما أعلنتم } .
ث يهددهم تديدا ميفا ،يثي ف القلب الؤمن الوجل والخافة :
{ ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل } . .
وهل ييف الؤمن شيء ما ييفه أن يضل سواء السبيل بعد الداية والوصول؟!
وهذا التهديد وذلك التحذير يتوسطان تبصي الؤمني بقيقة أعدائهم وما يضمرون لم
من الشر والكيد .ث تيء البقية :
{ إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطون إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء } . .
فل تعرض لم فرصة يتمكنون فيها من السلمي حت يتصرفوا معهم تصرف العدو الصيل
.ويوقعوا بم ما يلكون من أذى ومن تنكيل باليدي وباللسنة وبكل وسيلة وكل سبيل
.
والدهى من هذا كله والشد والنكى :
{ وودوا لو تكفرون } . .
91
وهذه عند الؤمن أشد من كل أذى ومن كل سوء يصيبه باليد أو اللسان .فالذي يود له
أن يسر هذا الكن العزيز .كن اليان .ويرتد إل الكفر ،هو أعدى من كل عدو يؤذيه
باليد وباللسان!
والذي يذوق حلوة اليان بعد الكفر ،ويهتدي بنوره بعد الضلل ،ويعيش عيشة
الؤمن بتصوراته ومداركه ومشاعره واستقامة طريقه وطمأنينة قلبه يكره العودة إل الكفر
كما يكره أن يلقى ف النار .
أو أشد .فعدو ال هو الذي يود أن يرجعه إل جحيم الكفر وقد خرج منه إل جنة
اليان ،وإل فراغ الكفر الاوي بعد عال اليان العمور .
لذا يتدرج القرآن ف تييج قلوب الؤمني ضد أعدائه وأعدائهم حت يصل إل قمته بقوله
لم عنهم { :وودوا لو تكفرون } . .
هذه هي الولة الول بلمساتا التعددة .ث تليها جولة ثانية بلمسة واحدة تعال مشاعر
القرابة ووشائجها التأصلة؛ والت تشتجر ف القلوب فتجرها جرا إل الودة؛ وتنسيها
تكاليف التميز بالعقيدة :
{ لن تنفعكم أرحامكم ول أولدكم .يوم القيامة يفصل بينكم .وال با تعملون
بصي } .
إن الؤمن يعمل ويرجو الخرة .ويزرع هنا وينتظر الصاد هناك .فلمسة قلبه با يكون
ف الخرة من تقطيع وشائج القرب كلها إذا تقطعت وشيجة العقيدة ،من شأنا أن تون
عنده شأن هذه الوشائج ف فترة الياة الدنيا القصية؛ وتوجهه إل طلب الوشيجة الدائمة
الت ل تنقطع ف دنيا ول ف آخرة :
ومن ث يقول لم { :لن تنفعكم أرحامكم ول أولدكم } . .الت تفون إليها وتتعلق
قلوبكم با؛ وتضطركم إل موادة أعداء ال وأعدائكم وقاية لا كما حدث لاطب ف
حرصه على أولده وأمواله وكما تيش خواطر آخرين غيه حول أرحامهم وأولدهم
الذين خلفوهم ف دار الجرة .لن تنفعكم أرحامكم ول أولدكم .ذلك أنه { يوم
القيامة يفصل بينكم } . .لن العروة الت تربطكم مقطوعة .وهي العروة الت ل رباط
بغيها عند ال .
92
{ وال با تعملون بصي } . .مطلع على العمل الظاهر والنية وراءه ف الضمي .
ث تأت الولة الثالثة فتصل السلمي بأول هذه المة الواحدة :أمة التوحيد .وهذه القافلة
الواحدة :قافلة اليان .فإذا هي متدة ف الزمان ،متميزة باليان ،متبئة من كل
وشيجة تناف وشيجة العقيدة . .إنا المة المتدة منذ إبراهيم .أبيهم الول وصاحب
النيفية الول .وفيه أسوة ل ف العقيدة وحدها ،بل كذلك ف السية ،وف التجارب
الت عاناها مع عاطفة القرابة ووشائجها؛ ث خلص منها هو ومن آمن معه ،وترد لعقيدته
وحدها :
{ قد كانت لكم أسوة حسنة ف إبراهيم والذين معه؛ إذ قالوا لقومهم :إنا برآء منكم ،
وما تعبدون من دون ال ،كفرنا بكم ،وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حت
تؤمنوا بال وحده .إل قول إبراهيم لبيه ،لستغفرن لك ،وما أملك لك من ال من
شيء .ربنا عليك توكلنا ،وإليك أنبنا ،وإليك الصي .ربنا ل تعلنا فتنة للذين كفروا ،
واغفر لنا ربنا ،إنك أنت العزيز الكيم . .لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لن كان
يرجو ال واليوم الخر .
وينظر السلم فإذا له نسب عريق ،وماض طويل ،وأسوة متدة على آماد الزمان ،وإذا
هو راجع إل إبراهيم ،ل ف عقيدته فحسب ،بل ف تاربه الت عاناها كذلك .فيشعر
أن له رصيدا من التجارب أكب من رصيده الشخصي وأكب من رصيد جيله الذي يعيش
فيه .إن هذه القافلة المتدة ف شعاب الزمان من الؤمني بدين ال ،الواقفي تت راية
ال ،قد مرت بثل ما ير به ،وقد انتهت ف تربتها إل قرار اتذته .فليس المر جديدا
ول مبتدعا ول تكليفا يشق على الؤمني . .ث إن له لمة طويلة عريضة يلتقي معها ف
العقيدة ويرجع إليها ،إذا انبتت الروابط بينه وبي أعداء عقيدته .فهو فرع من شجرة
ضخمة باسقة عميقة الذور كثية الفروع وارفة الظلل . .الشجرة الت غرسها أول
السلمي . .إبراهيم . .
مر إبراهيم والذين معه بالتجربة الت يعانيها السلمون الهاجرون .وفيهم أسوة حسنة { :
إذ قالوا لقومهم :إنا برآء منكم وما تعبدون من دون ال ،كفرنا بكم ،وبدا بيننا
وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حت تؤمنوا بال وحده } . .
93
فهي الباءة من القوم ومعبوداتم وعباداتم .وهو الكفر بم واليان بال .وهي العداوة
والبغضاء ل تنقطع حت يؤمن القوم بال وحده .وهي الفاصلة الاسة الازمة الت ل
تستبقي شيئا من الوشائج والواصر بعد انقطاع وشيجة العقيدة وآصرة اليان .وف هذا
الفصل الطاب ف مثل هذه التجربة الت ير با الؤمن ف أي جيل .وف قرار إبراهيم
والذين معه أسوة للفائهم من السلمي إل يوم الدين .
ولقد كان بعض السلمي يد ف استغفار إبراهيم لبيه وهو مشرك ثغرة تنفذ منها
عواطفهم البيسة ومشاعرهم الوصولة بذوي قرباهم من الشركي .فجاء القرآن ليشرح
لم حقيقة موقف إبراهيم ف قوله لبيه { :لستغفرن لك } . .
فلقد قال هذا قبل أن يستيقن من إصرار أبيه على الشرك .قاله وهو يرجو إيانه ويتوقعه :
{ فلما تبي له أنه عدو ل تبأ منه } . .كما جاء ف سورة أخرى .
ويثبت هنا أن إبراهيم فوض المر كله ل ،وتوجه إليه بالتوكل والنابة والرجوع إليه
على كل حال :
{ وما أملك لك من ال من شيء .ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك الصي } . .
وهذا التسليم الطلق ل ،هو السمة اليانية الواضحة ف إبراهيم يبزها هنا ليوجه إليها
قلوب أبنائه السلمي .كحلقة من حلقات التربية والتوجيه بالقصص والتعقيب عليه ،
وإبراز ما ف ثناياه من ملمح وسات وتوجيهات على طريقة القرآن الكري .
ويستطرد لذا ف إثبات بقية دعاء إبراهيم ونواه لوله :
{ ربنا ل تعلنا فتنة للذين كفروا } . .
فل تسلطهم علينا .فيكون ف ذلك فتنة لم ،إذ يقولون :لو كان اليان يمي أهله ما
سلطنا عليهم وقهرناهم! وهي الشبهة الت كثيا ما تيك ف الصدور ،حي يتمكن
الباطل من الق ،ويتسلط الطغاة على أهل اليان لكمة يعلمها ال ف فترة من الفترات
.
والؤمن يصب للبتلء ،ولكن هذا ل ينعه أن يدعو ال أل يصيبه البلء الذي يعله فتنة
وشبهة تيك ف الصدور .
وبقية الدعاء :
94
{ واغفر لنا } . .
يقولا إبراهيم خليل الرحن .إدراكا منه لستوى العبادة الت يستحقها منه ربه ،وعجزه
ببشريته عن بلوغ الستوى الذي يكافئ به نعم ال وآلءه ،ويجد جلله وكبياءه
فيطلب الغفرة من ربه ،ليكون ف شعوره وف طلبه أسوة لن معه ولن يأت بعده .
ويتم دعاءه وإنابته واستغفاره يصف ربه بصفته الناسبة لذا الدعاء :
{ ربنا إنك أنت العزيز الكيم } . .
العزيز :القادر على الفعل ،الكيم :فيما يضي من تدبي .
وف ناية هذا العرض لوقف إبراهيم والذين معه ،وف استسلم إبراهيم وإنابته يعود فيقرر
السوة ويكررها؛ مع لسة جديدة لقلوب الؤمني :
{ لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لن كان يرجو ال واليوم الخر .ومن يتول فإن ال
هو الغن الميد } . .
فالسوة ف إبراهيم والذين معه متحققة لن كان يرجو ال واليوم الخر .هؤلء هم الذين
يدركون قيمة التجربة الت عاناها هذا الرهط الكري ،ويدون فيها أسوة تتبع ،وسابقة
تدي .فمن كان يرجو ال واليوم الخر فليتخذ منها أسوة . .وهو تلميح موح
للحاضرين من الؤمني .
فأما من يريد أن يتول عن هذا النهج .من يريد أن ييد عن طريق القافلة .من يريد أن
ينسلخ من هذا النسب العريق .فما بال من حاجة إليه سبحانه { فإن ال هو الغن الميد
}..
وتنتهي الولة وقد عاد الؤمنون أدراجهم إل أوائل تاريهم الديد ،ورجعوا بذكرياتم
إل نشأتم ف الرض؛ وعرفوا تاربم الذخورة لم ف الجيال التطاولة ،ورأوا القرار
الذي انتهى إليه من مروا بذه التجربة؛ ووجدوها طريقا معبدة من قبل ليسوا هم أول
السالكي فيها .
والقرآن الكري يؤكد هذا التصور ويكرره ليتصل ركب الؤمني ،فل يشعر بالغربة أو
الوحشة سالك ولو كان وحده ف جيل! ول يد مشقة ف تكليف نض به السالكون معه
ف الطريق!
95
بعدئذ يعود فينسم على هذه القلوب الت يعلم ال ما با من حني ورغبة ف زوال حالة
العداء والفوة الت تكلفهم هذه الشقة .ينسم عليها بنسمة المل الندية ف أن ينضم
هؤلء العداء إل راية السلم ،وإل صفوف السلمي؛ فيكون هذا هو الطريق لزوال
الفوة وقيام الود على أساسه الركي . .ث يفف عنهم مرة أخرى وهو يضع القاعدة
السلمية الكبى ف العلقات الدولية بي السلمي وغيهم ،فيجعل القاطعة والصومة
خاصة بالة العداء والعدوان .
----------
الوسيط لسيد طنطاوي ( -ج / 1ص )4181
س الْ ُكفّارُ
يَا أَّيهَا الّذِينَ َآ َمنُوا لَا َتتَوَّلوْا َق ْومًا َغضِبَ اللّ ُه عََلْيهِمْ قَ ْد َيئِسُوا مِ َن الْآَ ِخ َرةِ كَمَا يَِئ َ
ب اْل ُقبُورِ ()13 مِنْ أَصْحَا ِ
الراد بالقوم الذين غضب ال عليهم :الشركون ،بصفة عامة ،ويدخل فيهم دخول أوليا
اليهود ،لن هذا الوصف كثيا ما يطلق عليهم .
فقد ذكروا ف سبب نزول هذه الية ،أن قوما من فقراء الؤمني ،كانوا يواصلون اليهود
.ليصيبوا من ثارهم ،وربا أخبوهم عن شىء من أخبار السلمي ،فنلت الية لتنهاهم
عن ذلك .
أى :يا من آمنتم بال -تعال -حق اليان ،ينهاكم ال -تعال -عن أن تتخذوا
القوام الذين غضب ال عليهم أولياء ،وأصفيا ،بأن تفشوا إليهم أسرار السلمي ،أو
بأن تطلعوهم على مال يصح الطلع عليه .
ب القبور } تعليل صحَا ِوقوله -تعال َ { : -ق ْد يَئِسُواْ مِنَ الخرة َكمَا َيِئسَ الكفار مِنْ أَ ْ
للنهى عن موالتم ،وتنفي من الركون إليهم .
واليأس :فقدان المل ف الصول على الشىء ،أو ف توقع حدوثه .
والكلم على حذف مضاف ،أى قد يئس هؤلء اليهود من العمل لللخرة وما فيها من
ثواب ،وآثروا عليها الياة الفانية . . .كما يئس الكفار من عودة موتاهم إل الياة مرة
أخرى للحساب والزاء ،لعتقادهم بأنه ل بعث بعد الوت ،ول ثواب ول عقاب -
كما حكى القرآن عنهم ذلك ف آيات كثية منها قوله -تعال { -قالوا َأإِذَا ِمْتنَا وَكُنّا
96
تُرَابا َوعِظَاما َأإِنّا لَ َمْبعُوثُونَ } فالقصود من الية الكرية ،تشبيه حال هؤلء اليهود ف
شدة إعراضهم عن العمل للخرة . . .بال أولئك الكفار الذين أنكروا إنكارا تاما ،أن
هناك بعثا للموات الذين فارقوا الياة ،ودفنوا ف قبورهم .
ب القبور } متعلق بقوله
وعلى هذا الوجه يكون قوله -تعال { : -مِنْ أَصْحَا ِ
{ يَئِسُواْ } و { مِ ْن } لبتداء الغاية .
ويصح أن يكون قوله -تعال { : -مِنْ أَصْحَابِ القبور } بيانا للكفار ،فيكون العن :
قد يئسوا من الخرة ،وما فيها من جزاء . .كما يئس الكفار الذين ماتوا وسكنوا القبور
،من أن ينالوا شيئا -ولو قليل -من الرحة ،أو تفيف العذاب عنهم ،أو العودة إل
الدنيا ليعملوا عمل صالا غي الذى أرداهم وأهلكهم .
وعلى كل القولي ،فالية الكرية تنهى الؤمني عن موالة قوم غضب ال عليهم ،بأبلغ
أسلوب ،وأحكم بيان .
حيث وصفت هؤلء القوم ،بأنم قد أحاط بم غضب ال -تعال -بسبب فسوقهم
عن أمره ،وإعراضهم عن طاعته ،وإنكارهم للدار الخرة وما فيها من جزاء .
-------------
{ يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء .بعضهم أولياء بعض .ومن
يتولم منكم فإنه منهم .إن ال ل يهدي القوم الظالي .فترى الذين ف قلوبم مرض
يسارعون فيهم ،يقولون :نشى أن تصيبنا دائرة .فعسى ال أن يأت بالفتح أو أمر من
عنده فيصبحوا على ما أسروا ف أنفسهم نادمي :ويقول الذين آمنوا أهؤلء الذين
أقسموا بال جهد أيانم إنم لعكم؟ حبطت أعمالم ،فأصبحوا خاسرين } . .
ويسن أن نبي أولً معن الولية الت ينهى ال الذين آمنوا أن تكون بينهم وبي اليهود
والنصارى . .
إنا تعن التناصر والتحالف معهم .ول تتعلق بعن اتباعهم ف دينهم .فبعيد جدا أن
يكون بي السلمي من ييل إل اتباع اليهود والنصارى ف الدين .إنا هو ولء التحالف
والتناصر ،الذي كان يلتبس على السلمي أمره ،فيحسبون أنه جائز لم ،بكم ما كان
97
واقعا من تشابك الصال والواصر ،ومن قيام هذا الولء بينهم وبي جاعات من اليهود
قبل السلم ،وف أوائل العهد بقيام السلم ف الدينة ،حت ناهم ال عنه وأمر بإبطاله .
عد ما تبي عدم إمكان قيام الولء والتحالف والتناصر بي السلمي واليهود ف الدينة . .
وهذا العن معروف مدد ف التعبيات القرآنية .وقد جاء ف صدد الكلم عن العلقة بي
السلمي ف الدينة والسلمي الذين ل يهاجروا إل دار السلم .فقال ال سبحانه { :ما
لكم من وليتهم من شيء حت يهاجروا } .وطبيعي أن القصود هنا ليس الولية ف
الدين .فالسلم ول السلم ف الدين على كل حال .إنا القصود هو ولية التناصر
والتعاون .فهي الت ل تقوم بي السلمي ف دار السلم والسلمي الذين ل يهاجروا
إليهم . .وهذا اللون من الولية هو الذي تنع هذه اليات أن يقوم بي الذين آمنوا وبي
اليهود والنصارى بال ،بعد ما كان قائم َا بينهم أول العهد ف الدينة .
إن ساحة السلم مع أهل الكتاب شيء ،واتاذهم أولياء شيء آخر ،ولكنهما يتلطان
على بعض السلمي ،الذين ل تتضح ف نفوسهم الرؤية الكاملة لقيقة هذا الدين
ووظيفته ،بوصفه حركة منهجية واقعية ،تتجه إل إنشاء واقع ف الرض ،وفق التصور
السلمي الذي يتلف ف طبيعته عن سائر التصورات الت تعرفها البشرية؛ وتصطدم -من
ث -بالتصورات والوضاع الخالفة ،كما تصطدم بشهوات الناس وانرافهم وفسوقهم
عن منهج ال ،وتدخل ف معركة ل حيلة فيها ،ول بد منها ،لنشاء ذلك الواقع الديد
الذي تريده ،وتتحرك إليه حركة إيابية فاعلة منشئة . .
وهؤلء الذين تتلط عليهم تلك القيقة ينقصهم الس النقي بقيقة العقيدة ،كما
ينقصهم الوعي الذكي لطبيعة العركة وطبيعة موقف أهل الكتاب فيها؛ ويغفلون عن
التوجيهات القرآنية الواضحة الصرية فيها ،فيخلطون بي دعوة السلم إل السماحة ف
معاملة أهل الكتاب والب بم ف الجتمع السلم الذي يعيشون فيه مكفول القوق ،وبي
الولء الذي ل يكون إل ل ورسوله وللجماعة السلمة .ناسي ما يقرره القرآن الكري
من أن أهل الكتاب . .بعضهم أولياء بعض ف حرب الماعة السلمة . .وأن هذا شأن
ثابت لم ،وأنم ينقمون من السلم إسلمه ،وأنم لن يرضوا عن السلم إل أن يترك دينه
98
ويتبع دينهم .وأنم مصرون على الرب للسلم وللجماعة السلمة .وأنم قد بدت
البغضاء من أفواهم وما تفي صدورهم أكب . .إل آخر هذه التقريرات الاسة .
إن السلم مطالب بالسماحة مع أهل الكتاب ،ولكنه منهي عن الولء لم بعن التناصر
والتحالف معهم .وإن طريقه لتمكي دينه وتقيق نظامه التفرد ل يكن أن يلتقي مع
طريق أهل الكتاب ،ومهما أبدى لم من السماحة والودة فإن هذا لن يبلغ أن يرضوا له
البقاء على دينه وتقيق نظامه ،ولن يكفهم عن موالة بعضهم لبعض ف حربه والكيد له
..
وسذاجة أية سذاجة وغفلة أية غفلة ،أن نظن أن لنا وإياهم طريقا واحدا نسلكه للتمكي
للدين! أمام الكفار واللحدين! فهم مع الكفار واللحدين ،إذا كانت العركة مع
السلمي!!!
وهذه القائق الواعية يغفل عنها السذج منا ف هذا الزمان وف كل زمان؛ حي يفهمون
أننا نستطيع أن نضع أيدينا ف أيدي أهل الكتاب ف الرض للوقوف ف وجه الادية
واللاد -بوصفنا جيعا أهل دين! -ناسي تعليم القرآن كله؛ وناسي تعليم التاريخ كله
.
فأهل الكتاب هؤلء هم الذين كانوا يقولون للذين كفروا من الشركي { :هؤلء أهدى
من الذين آمنوا سبيلً } .وأهل الكتاب هؤلء هم الذين ألبوا الشركي على الماعة
السلمة ف الدينة ،وكانوا لم درعا وردءا .وأهل الكتاب هم الذين شنوا الروب
الصليبية خلل مائت عام ،وهم الذين ارتكبوا فظائع الندلس ،وهم الذي شردوا العرب
السلمي ف فلسطي ،وأحلوا اليهود ملهم ،متعاوني ف هذا مع اللاد والادية! وأهل
الكتاب هؤلء هم الذين يشردون السلمي ف كل مكان . .ف البشة والصومال
واريتريا والزائر ،ويتعاونون ف هذا التشريد مع اللاد والادية والوثنية ،ف يوغسلفيا
والصي والتركستان والند ،وف كل مكان!
ث يظهر بيننا من يظن -ف بعد كامل عن تقريرات القرآن الازمة -أنه يكن أن يقوم
بيننا وبي أهل الكتاب هؤلء ولء وتناصر .ندفع به الادية اللادية عن الدين!
99
إن هؤلء ل يقرأون القرآن .وإذا قرأوه اختلطت عليهم دعوة السماحة الت هي طابع
السلم؛ فظنوها دعوة الولء الذي يذر منه القرآن .
إن هؤلء ل يعيش السلم ف حسهم ،ل بوصفه عقيدة ل يقبل ال من الناس غيها ،
ول بوصفه حركة إيابية تستهدف إنشاء واقع جديد ف الرض؛ تقف ف وجه عداوات
أهل الكتاب اليوم ،كما وقفت له بالمس .الوقف الذي ل يكن تبديله .لنه الوقف
الطبيعي الوحيد!
وندع هؤلء ف إغفالم أو غفلتهم عن التوجيه القرآن ،لنعي نن هذا التوجيه القرآن
الصريح :
{ يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء . .بعضهم أولياء بعض . .ومن
يتولم منكم فإنه منهم .إن ال ل يهدي القوم الظالي } . .
هذا النداء موجه إل الماعة السلمة ف الدينة -ولكنه ف الوقت ذاته موجه لكل جاعة
مسلمة تقوم ف أي ركن من أركان الرض إل يوم القيامة . .موجه لكل من ينطبق عليه
ذات يوم صفة { :الذين آمنوا } . .
ولقد كانت الناسبة الاضرة إذ ذاك لتوجيه هذا النداء للذين آمنوا ،أن الفاصلة ل تكن
كاملة ول حاسة بي بعض السلمي ف الدينه وبعض أهل الكتاب -وباصه اليهود -
فقد كانت هناك علقات ولء وحلف ،وعلقات اقتصاد وتعامل ،وعلقات جيه
وصحبه . .وكان هذا كله طبيعيا مع الوضع التاريي والقتصادي والجتماعي ف الدينة
قبل السلم ،بي أهل الدينة من العرب وبي اليهود بصفة خاصة . .وكان هذا الوضع
يتيح لليهود أن يقوموا بدورهم ف الكيد لذا الدين وأهله؛ بكل صنوف الكيد الت عددتا
وكشفتها النصوص القرآنية الكثية؛ والت سبق استعراض بعضها ف الجزاء المسة
الاضية من هذه الظلل؛ والت يتول هذا الدرس وصف بعضها كذلك ف هذه النصوص .
ونزل القرآن ليبث الوعي اللزم للمسلم ف العركة الت يوضها بعقيدته ،لتحقيق منهجه
الديد ف واقع الياة .ولينشئ ف ضمي السلم تلك الفاصلة الكاملة بينه وبي كل من ل
ينتمي إل الماعة السلمة ول يقف تت رايتها الاصة .الفاصلة الت ل تنهي السماحة
اللقية .فهذه صفة السلم دائما .ولكنها تنهي الولء الذي ل يكون ف قلب السلم إل
100
ل ورسوله والذين آمنوا . .الوعي والفاصلة اللذان ل بد منهما للمسلم ف كل أرض
وف كل جيل .
{ يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء . .بعضهم أولياء بعض .ومن
يتولم منكم فإنه منهم .إن ال ل يهدي القوم الظالي } .
بعضهم أولياء بعض . .إنا حقيقة ل علقة لا بالزمن . .لنا حقيقة نابعة من طبيعة
الشياء . .إنم لن يكونوا أولياء للجماعة السلمة ف أي أرض ول ف أي تاريخ . .وقد
مضت القرون تلو القرون ترسم مصداق هذه القولة الصادقة . .لقد ول بعضهم بعضا ف
حرب ممد -صلى ال عليه وسلم -والماعة السلمة ف الدينة .وول بعضهم بعضا
ف كل فجاج الرض ،على مدار التاريخ . .ول تتل هذه القاعدة مرة واحدة؛ ول يقع
ف هذه الرض إل ما قرره القرآن الكري ،ف صيغة الوصف الدائم ،ل الادث الفرد .
.واختيار الملة السية على هذا النحو . .بعضهم أولياء بعض . .ليست مرد تعبي!
إنا هي اختيار مقصود للدللة على الوصف الدائم الصيل!
ث رتب على هذه القيقة الساسية نتائجها . .فإنه إذا كان اليهود والنصارى بعضهم
أولياء بعض فإنه ل يتولهم إل من هو منهم .والفرد الذي يتولهم من الصف السلم ،
يلع نفسه من الصف ويلع عن نفسه صفة هذا الصف « السلم » وينضم إل الصف
الخر .لن هذه هي النتيجة الطبيعية الواقعية :
{ ومن يتولم منكم فإنه منهم } . .
وكان ظالا لنفسه ولدين ال وللجماعة السلمة . .وبسبب من ظلمه هذا يدخله ال ف
زمرة اليهود والنصارى الذين أعطاهم ولءه .ول يهديه إل الق ول يرده إل الصف
السلم :
{ إن ال ل يهدي القوم الظالي } . .
لقد كان هذا تذيرا عنيفا للجماعة السلمة ف الدينة .ولكنه تذير ليس مبالغا فيه .فهو
عنيف .نعم؛ ولكنه يثل القيقة الواقعة .فما يكن أن ينح السلم ولءه لليهود
والنصارى -وبعضهم أولياء بعض -ث يبقى له إسلمه وإيانه ،وتبقى له عضويته ف
الصف السلم ،الذين يتول ال ورسوله والذين آمنوا . .فهذا مفرق الطريق . .
101
وما يكن أن يتميع حسم السلم ف الفاصلة الكاملة بينة وبي كل من ينهج غي منهج
السلم؛ وبينه وبي كل من يرفع راية غي راية السلم؛ ث يكون ف وسعه بعد ذلك أن
يعمل عملً ذا قيمة ف الركة السلمية الضخمة الت تستهدف -أول ما تستهدف -
إقامة نظام واقعي ف الرض فريد؛ يتلف عن كل النظمة الخرى؛ ويعتمد على تصور
متفرد كذلك من كل التصورات الخرى .
إن اقتناع السلم إل درجة اليقي الازم الذي ل أرجحة فيه ول تردد بأن دينه هو الدين
الوحيد الذي يقبله ال من الناس بعد رسالة ممد ص وبأن منهجه الذي كلفه ال أن يقيم
الياة عليه منهج متفرد ; ل نظي له بي سائر الناهج ; ول يكن الستغناء عنه بنهج آخر
; ول يكن أن يقوم مقامه منهج آخر ; ول تصلح الياة البشرية ول تستقيم إل أن تقوم
على هذا النهج وحده دون سواه ; ول يعفيه ال ول يغفر له ول يقبله إل إذا هو بذل
جهد طاقته ف إقامة هذا النهج بكل جوانبه العتقادية والجتماعية ; ل يأل ف ذلك
جهدا ول يقبل من منهجه بديل ول ف جزء منه صغي ول يلط بينه وبي أي منهج آخر
ف تصور اعتقادي ول ف نظام اجتماعي ول ف أحكام تشريعية إل ما استبقاه ال ف هذا
النهج من شرائع من قبلنا من أهل الكتاب إن اقتناع السلم إل درجة اليقي الازم بذا
كله هو وحده الذي يدفعه للضطلع بعبء النهوض بتحقيق منهج ال الذي رضيه للناس
; ف وجه العقبات الشاقة والتكاليف الضنية والقاومة العنيدة والكيد الناصب والل الذي
يكاد ياوز الطاقة ف كثي من الحيان وإل فما العناء ف أمر يغن عنه غيه ما هو قائم ف
الرض من جاهلية سواء كانت هذه الاهلية مثلة ف وثنية الشرك أو ف انراف أهل
الكتاب أو ف اللاد السافر بل ما العناء ف إقامة النهج السلمي إذا كانت الفوارق بينه
وبي مناهج أهل الكتاب أو غيهم قليلة ; يكن اللتقاء عليها بالصالة والهادنة إن الذين
ياولون تييع هذه الفاصلة الاسة باسم التسامح والتقريب بي أهل الديان السماوية
يطئون فهم معن الديان كما يطئون فهم معن التسامح فالدين هو الدين الخي وحده
عند ال والتسامح يكون ف العاملت الشخصية ل ف التصور العتقادي ول ف النظام
الجتماعي إنم ياولون تييع اليقي الازم ف نفس السلم بأن ال ل يقبل دينا إل السلم
وبأن عليه أن يقق منهج ال المثل ف السلم ول يقبل دونه بديل ; ول يقبل فيه تعديل
102
ولو طفيفا هذا اليقي الذي ينشئه القرآن الكري وهو يقرر إن الدين عند ال السلم ومن
يبتغ غي السلم دينا فلن يقبل منه واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل ال إليك يا
أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولم منكم
فإنه منهم وف القرآن كلمة الفصل ول على السلم من تيع التميعي وتييعهم لذا اليقي
ويصور السياق القرآن تلك الالة الت كانت واقعة ; والت ينل القرآن من أجلها بذا
التحذير فترى الذين ف قلوبم مرض يسارعون فيهم يقولون نشى أن تصيبنا دائرة روى
ابن جرير قال حدثنا أبو كريب حدثنا إدريس قال سعت أب عن عطية بن سعد قال جاء
عبادة بن الصامت من بن الارث بن الزرج إل رسول ال ص فقال يا رسول ال إن ل
موال من يهود كثي عددهم ; وإن أبرأ إل ال ورسوله من ولية يهود وأتول ال ورسوله
فقال عبد ال بن أب رأس النفاق إن رجل أخاف الدوائر ل أبرأ من ولية موال فقال
رسول ال ص لعبد ال بن أب « يا أبا الباب ما بلت به من ولية يهود على عبادة ابن
الصامت فهو لك دونه » قال قد قبلت فأنزل ال عز وجل يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا
اليهود والنصارى أولياء وقال ابن جرير حدثنا هناد حدثنا يونس بن بكي حدثنا عثمان بن
عبد الرحن عن الزهري قال لا انزم أهل بدر قال السلمون لوليائهم من اليهود أسلموا
قبل أن يصيبكم ال بيوم مثل يوم بدر فقال مالك بن الصيف أغركم أن أصبتم رهطا من
قريش ل علم لم بالقتال أما لو أصررنا العزية أن نستجمع عليكم ل يكن لكم يد أن
تقاتلونا فقال عبادة بن الصامت يا رسول ال إن أوليائي من اليهود كانت شديدة أنفسهم
كثيا سلحهم شديدة شوكتهم وإن أبرأ إل ال ورسوله من ولية يهود ول مول ل إل
ال ورسوله فقال عبد ال بن أب لكن ل أبرأ من ولية يهود إن رجل ل بد ل منهم فقال
رسول ال ص « يا أبا الباب أرأيت الذي نفست به من ولية يهود على عبادة ابن
الصامت فهو لك دونه » فقال إذن أقبل قال ممد بن إسحق فكانت أول قبيلة من اليهود
نقضت ما بينها وبي رسول ال ص بنو قينقاع فحدثن عاصم بن عمر بن قتادة قال
فحاصرهم رسول ال ص حت نزلوا على حكمه فقام إليه عبدال بن أب بن سلول حي
أمكنة ال منهم فقال يا ممد أحسن ف موال وكانوا حلفاء الزرج قال فأبطأ عليه
رسول ال صلى ال عليه وعلى آله وسلم فقال يا ممد أحسن ف موال قال فأعرض عنه
103
قال فأدخل يده ف جيب درع رسول ال ص فقال له رسول ال ص « أرسلن » وغضب
رسول ال ص حت رأوا لوجهه ظلل ث قال « ويك أرسلن » قال ل وال ل أرسلك
حت تسن ف موال أربعمائة حاسر وثلثائه دارع قد منعون من الحر والسود
تصدهم ف غداة واحدة إن امرؤ أخشى الدوائر قال فقال رسول ال ص « هم لك »
قال ممد بن إسحق فحدثن أب إسحق بن يسار عن عبادة عن الوليد بن عبادة بن
الصامت قال لا حاربت بنو قينقاع رسول ال ص تشبث بأمرهم عبدال بن أب وقام
دونم ; ومشى عبادة بن الصامت إل رسول ال ص وكان أحد بن عوف بن الزرج له
من حلفهم مثل الذي لعبد ال بن أب فجعلهم إل رسول ال ص وتبأ إل ال ورسوله من
حلفهم وقال يا رسول ال أبرأ إل ال ورسوله من حلفهم وأتول ال ورسوله والؤمني
وأبرأ من حلف الكفار ووليتهم ففيه وف عبدال بن أب نزلت الية ف الائدة يا أيها الذين
آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض إل قوله ومن يتول ال
ورسوله والذين آمنوا فإن حزب ال هم الغالبون وقال المام أحد حدثنا قتيبة بن سعيد
حدثنا يي بن زكريا بن أب زيادة عن ممد بن إسحاق عن الزهري عن عودة عن أسامة
بن زيد قال دخلت مع رسول ال ص على عبدال بن أب نعوده فقال له النب ص « قد
كنت أناك عن حب يهود » فقال عبدال فقد أبغضهم أسعد بن زرارة فمات وأخرجه
أبو داود من حديث ممد بن إسحق فهذه الخبار ف مموعها تشي إل تلك الالة الت
كانت واقعة ف الجتمع السلم ; والتخلفة عن الوضاع الت كانت قائمة ف الدينة قبل
السلم ; وكذلك عن التصورات الت ل تكن قد حسمت ف قضية العلقات الت يكن
أن تقوم بي الماعة السلمة واليهود والت ل يكن أن تقوم غي أن الذي يلفت النظر أنا
كلها تتحدث عن اليهود ول يى ء ذكر ف الوقائع للنصارى ولكن النص يمل اليهود
والنصارى ذلك أنه بصدد إقامة تصور دائم وعلقة دائمة وأوضاع دائمة بي الماعة
السلمة وسائر الماعات الخرى سواء من أهل الكتاب أو من الشركي كما سيجيء ف
سياق هذا الدرس ومع اختلف مواقف اليهود من السلمي عن مواقف النصارى ف
جلتها ف العهد النبوي ومع إشارة القرآن الكري ف موضع آخر من السورة إل هذا
الختلف ف قوله تعال لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا
104
ولتجدن أقربم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ال مع هذا الختلف الذي كان
يومذاك فإن النص هنا يسوي بي اليهود والنصارى كما يسوي النص القادم بينهم جيعا
وبي الكفار فيما يتص بقضية الحالفة والولء ذلك أن هذه القضية ترتكز على قاعدة
أخرى ثابتة هي أن ليس للمسلم ولء ول حلف إل مع السلم ; وليس للمسلم ولء إل
ل ولرسوله وللجماعة السلمة ويستوي بعد ذلك كل الفرق ف هذا المر مهما اختلفت
مواقفهم من السلمي ف بعض الظروف على أن ال سبحانه وهو يضع للجماعة السلمة
هذه القاعدة العامة الازمة الصارمة كان علمه يتناول الزمان كله ل تلك الفترة الاصة
من حياة رسول ال ص وملبساتا الوقوتة وقد أظهر التاريخ الواقع فيما بعد أن عداء
النصارى لذا الدين وللجماعة السلمة ف معظم بقاع الرض ل يكن أقل من عداء اليهود
وإذا نن استثنينا موقف نصارى العرب ونصارى مصر ف حسن استقبال السلم فإننا ند
الرقعة النصرانية ف الغرب قد حلت للسلم ف تاريها كله منذ أن احتكت به من
العداوة والضغن وشنت عليه من الرب والكيد ما ل يفترق عن حرب اليهود وكيدهم ف
أي زمان حت البشة الت أحسن عاهلها استقبال الهاجرين السلمي واستقبال السلم
عادت فإذا هي أشد حربا على السلم والسلمي من كل أحد ; ل ياريها ف هذا إل
اليهود وكان ال سبحانه يعلم المر كله فوضع للمسلم هذه القاعدة العامة بغض النظر
عن واقع الفترة الت كان هذا القرآن يتنل فيها وملبساتا الوقوتة وبغض النظر عما يقع
مثلها ف بعض الحيان هنا وهناك إل آخر الزمان وما يزال السلم والذين يتصفون به
ولو أنم ليسوا من السلم ف شيء يلقون من عنت الرب الشبوبة عليهم وعلى عقيدتم
من اليهود والنصارى ف كل مكان على سطح الرض ما يصدق قول ال تعال بعضهم
أولياء بعض وما يتم أن يتدرع السلمون الواعون بنصيحة ربم لم بل بأمره الازم ونيه
القاطع ; وقضائه الاسم ف الفاصلة الكاملة بي أولياء ال ورسوله وكل معسكر آخر ل
يرفع راية ال ورسوله إن السلم يكلف السلم أن يقيم علقاته بالناس جيعا على أساس
العقيدة فالولء والعداء ل يكونان ف تصور السلم وف حركته على السواء إل ف العقيدة
ومن ث ل يكن أن يقوم الولء وهو التناصر بي السلم وغي السلم ; إذ أنما ل يكن أن
يتناصرا ف مال العقيدة ول حت أمام اللاد مثل كما يتصور بعض السذج منا وبعض
105
من ل يقرأون القرآن وكيف يتناصران وليس بينهما أساس مشترك يتناصران عليه إن بعض
من ل يقرأون القرآن ول يعرفون حقيقة السلم ; وبعض الخدوعي أيضا يتصورون أن
الدين كله دين كما أن اللاد كله إلاد وأنه يكن إذن أن يقف التدين بملته ف وجه
اللاد لن اللاد ينكر الدين كله ويارب التدين على الطلق ولكن المر ليس كذلك
ف التصور السلمي ; ول ف حس السلم الذي يتذوق السلم ول يتذوق السلم إل
من يأخذه عقيدة وحركة بذه العقيدة لقامة النظام السلمي إن المر ف التصور
السلمي وف حس السلم واضح مدد الدين هو السلم وليس هناك دين غيه يعترف به
السلم لن ال سبحانه يقول هذا يقول إن الدين عند ال السلم ويقول ومن يبتغ غي
السلم دينا فلن يقبل منه وبعد رسالة ممد ص ل يعد هناك دين يرضاه ال ويقبله من
أحد إل هذا السلم ف صورته الت جاء با ممد ص وما كان يقبل قبل بعثة ممد من
النصارى ل يعد الن يقبل كما أن ما كان يقبل من اليهود قبل بعثة عيسى عليه السلم ل
يعد يقبل منهم بعد بعثته ووجود يهود ونصارى من أهل الكتاب بعد بعثه ممد ص ليس
معناه أن ال يقبل منهم ما هم عليه ; أو يعترف لم بأنم على دين إلي لقد كان ذلك
قبل بعثة الرسول الخي أما بعد بعثته فل دين ف التصور السلمي وف حس السلم إل
السلم وهذا ما ينص عليه القرآن نصا غي قابل للتأويل إن السلم ل يكرههم على ترك
معتقداتم واعتناق السلم لنه ل إكراه ف الدين ولكن هذا ليس معناه أنه يعترف با هم
عليه دينا ويراهم على دين ومن ث فليس هناك جبهه تدين يقف معها السلم ف وجه
اللاد هناك دين هو السلم وهناك ل دين هو غي السلم ث يكون هذا اللدين عقيدة
أصلها ساوي ولكنها مرفه أو عقيده أصلها وثن باقيه على وثنيتها أو إلادا ينكر الديان
تتلف فيما بينها كلها ولكنها تتلف كلها مع السلم ول حلف بينها وبي السلم ول
ولء والسلم يتعامل مع أهل الكتاب هؤلء ; وهو مطالب بإحسان معاملتهم كما سبق ما
ل يؤذوه ف الدين ; ويباح له أن يتزوج الحصنات منهن على خلف فقهي فيمن تعتقد
بألوهية السيح أو بنوته وفيمن تعتقد التثليث أهي كتابيه تل أم مشركة ترم وحت مع
الخذ ببدأ تليل النكاح عامه فإن حسن العامله وجواز النكاح ليس معناها الولء
والتناصر ف الدين ; وليس معناها اعتراف السلم بأن دين أهل الكتاب بعد بعثة ممد ص
106
هو دين يقبله ال ; ويستطيع السلم أن يقف معه ف جبهه واحدة لقاومة اللاد إن
السلم قد جاء ليصحح اعتقادات أهل الكتاب ; كما جاء ليصحح اعتقادات الشركي
والوثنيي سواء ودعاهم إل السلم جيعا لن هذا هو الدين الذي ل يقبل ال غيه من
الناس جيعا ولا فهم اليهود أنم غي مدعوين إل السلم وكب عليهم أن يدعوا إليه
جابهم القرآن الكري بأن ال يدعوهم إل السلم فإن تولوا عنه فهم كافرون والسلم
مكلف أن يدعوا أهل الكتاب إل السلم كما يدعو اللحدين والوثنيي سواء وهو غي
مأذون ف أن يكره أحدا من هؤلء ول هؤلء على السلم لن العقائد ل تنشأ ف
الضمائر بالكراه فالكراه ف الدين فوق أنه منهي عنه هو كذلك ل ثره له ول يستقيم
أن يعترف السلم بأن ما عليه أهل الكتاب بعد بعثة ممد ص هو دين يقبله ال ث يدعوهم
مع ذلك إل السلم إنه ل يكون مكلفا بدعوتم إل السلم إل على أساس واحد ; هو
أنه ل يعترف بأن ما هم عليه دين وأنه يدعوهم إل الدين وإذا تقررت هذه البديهيه فإنه
ل يكون منطقيا مع عقيدته إذا دخل ف ولء أو تناصر للتمكي للدين ف الرض مع من
ل يدين بالسلم إن هذه القضيه ف السلم قضيه اعتقاديه إيانيه كما أنا قضيه تنظيميه
حركيه من ناحيه أنا قضيه إيانيه اعتقاديه نسب أن المر قد صار واضحا بذا البيان
اذي أسلفناه وبالرجوع إل النصوص القرآنيه القاطعه بعدم قيام ولء بي السلمي وأهل
الكتاب ومن ناحية أنا قضية تنظيمية حركية المر واضح كذلك فإذا كان سعي الؤمن
كله ينبغي أن يتجه إل إقامة منهج ال ف الياة وهو النهج الذي ينص عليه السلم كما
جاء به ممد ص بكل تفصيلت وجوانب هذا النهج وهي تشمل كل نشاط النسان ف
الياة فكيف يكن إذن أن يتعاون السلم ف هذا السعي مع من ل يؤمن بالسلم دينا
ومنهجا ونظاما وشريعة ; ومن يتجه ف سعيه إل أهداف أخرى إن ل تكن معادية
للسلم وأهدافه فهي على القل ليست أهداف السلم إذ السلم ل يعترف بدف ول
عمل ل يقوم على أساس العقيدة مهما بدا ف ذاته صالا والذين كفروا أعمالم كرماد
اشتدت به الريح ف يوم عاصف والسلم يكلف السلم أن يلص سعيه كله للسلم ول
يتصور إمكان انفصال أية جزئية ف السعي اليومي ف حياة السلم عن السلم ل يتصور
إمكان هذا إل من ل يعرف طبيعة السلم وطبيعة النهج السلمي ول يتصور أن هناك
107
جوانب ف الياة خارجة عن هذا النهج يكن التعاون فيها مع من يعادي السلم أو ل
يرضى من السلم إل أن يترك إسلمه كما نص ال ف كتابه على ما يطلبه اليهود
والنصارى من السلم ليضوا عنه إن هناك استحالة اعتقادية كما أن هناك استحالة عملية
على السواء ولقد كان اعتذار عبدال بن أب بن سلول وهو من الذين ف قلوبم مرض عن
مسارعته واجتهاده ف الولء ليهود والستمساك بلفه معها هي قوله إنن رجل أخشى
الدوائر إن أخشى أن تدور علينا الدوائر وأن تصيبنا الشدة وأن تنل بنا الضائقة وهذه
الجة هي علمة مرض القلب وضعف اليان فالول هو ال ; والناصر هو ال ;
والستنصار بغيه ضللة كما أنه عبث ل ثرة له ولكن حجة ابن سلول هي حجة كل بن
سلول على مدار الزمان ; وتصوره هو تصور كل منافق مريض القلب ل يدرك حقيقة
اليان وكذلك نفر قلب عبادة بن الصامت من ولء يهود بعد ما بدا منهم ما بدا لنه
قلب مؤمن فخلع ولء اليهود وقذف به حيث تلقاه وضم عليه صدره وعض عليه
بالنواجذ عبدال بن أب بن سلول إنما نجان متلفان ناشئان عن تصورين متلفي وعن
شعورين متبايني ومثل هذا الختلف قائم على مدار الزمان بي قلب مؤمن وقلب ل
يعرف اليان ويهدد القرآن الستنصرين بأعداء دينهم التألبي عليهم النافقي الذين ل
يلصون ل اعتقادهم ول ولءهم ول اعتمادهم يهددهم برجاء الفتح أو أمر ال الذي
يفصل ف الوقف ; أو يكشف الستور من النفاق فعسى ال أن يأت بالفتح أو أمر من
عنده فيصبحوا على ما أسروا ف أنفسهم نادمي وعندئذ عند الفتح سواء كان هو فتح
مكة أو كان الفتح بعن الفصل أو عند ميء أمر ال يندم أولئك الذين ف قلوبم مرض
على السارعة والجتهاد ف ولء اليهود والنصارى وعلى النفاق الذي انكشف أمره
وعندئذ يعجب الذين آمنوا من حال النافقي ويستنكرون ما كانوا فيه من النفاق وما
صاروا إليه من السران
ويقول الذين آمنوا أهؤلء الذين أقسموا بال جهد أيانم إنم لعكم حبطت أعمالم
فأصبحوا خاسرين ولقد جاء ال بالفتح يوما وتكشفت نوايا وحبطت أعمال وخسرت
فئات ونن على وعد من ال قائم بأن ييء الفتح كلما استمسكنا بعروة ال وحده ;
وكلما أخلصنا الولء ل وحده وكلما وعينا منهج ال وأقمنا عليه تصوراتنا وأوضاعنا
108
وكلما تركنا ف العركة على هدى ال وتوجيهه فلم نتخذ لنا وليا إل ال ورسوله والذين
آمنوا الدرس الثان صفات الذين ينصرون دين ال الديرين بالولية وإذ ينتهي السياق من
النداء الول للذين آمنوا أن ينتهوا عن موالة اليهود والنصارى وأن يذروا أن يصيوا
منهم بالولء لم وأن يرتدوا بذلك عن السلم وهم ل يشعرون أو ل يقصدون يرسل
بالنداء الثان يهدد من يرتد منهم عن دينه بذا الولء أو بسواه من السباب بأنه ليس عند
ال بشيء وليس بعجز ال ول ضار بدينه وأن لدين ال أولياء وناصرين مدخرين ف علم
ال إن ينصرف هؤلء ييء بؤلء ويصور ملمح هذه العصبة الختارة الدخرة ف علم ال
لدينه وهي ملمح مببة جيلة وضيئة ويبي جهة الولء الوحيدة الت يتجه إليها السلم
بولئه ويتم هذا النداء بتقرير النهاية الحتومة للمعركة الت يوضها حزب ال مع
الحزاب والت يتمتع با من يلصون ولءهم ل ولرسوله وللمؤمني يا أيها الذين آمنوا
من يرتد منكم عن دينه فسوف يأت ال بقوم يبهم ويبونه أذلة على الؤمني أعزة على
الكافرين ياهدون ف سبيل ال ول يافون لومة لئم ذلك فضل ال يؤتيه من يشاء وال
واسع عليم إنا وليكم ال ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلة ويؤتون الزكاة وهم
راكعون ومن يتول ال ورسوله والذين آمنوا فإن حزب ال هم الغالبون إن تديد من يرتد
عن دينه من الذين آمنوا على هذه الصورة وف هذا القام ينصرف ابتداء إل الربط بي
موالة اليهود والنصارى وبي الرتداد عن السلم وباصة بعد ما سبق من اعتبار من
يتولهم واحدًا منهم منسلخا من الماعة السلمة منضما إليهم ومن يتولم منكم فإنه
منهم وعلى هذا العتبار يكون هذا النداء الثان ف السياق توكيدا وتقريرا للنداء الول
يدل على هذا كذلك النداء الثالث الذي يلي هذا النداء والسياق وهو منصب على النهي
عن موالة أهل الكتاب والكفار يمع بينهم على هذا النحو الذي يفيد أن موالتم
كموالة الكفار سواء وأن تفرقة السلم ف العاملة بي أهل الكتاب والكفار ل تتعلق
بقضية الولء إنا هي ف شئون أخرى ل يدخل فيها الولء يا أيها الذين آمنوا من يرتد
منكم عن دينه فسوف يأت ال بقوم يبهم ويبونه أذلة على الؤمني أعزة على الكافرين
ياهدون ف سبيل ال ول يافون لومة لئم ذلك فضل ال يؤتيه من يشاء وال واسع عليم
إن اختيار ال للعصبة الؤمنة لتكون أداة القدر اللي ف إقرار دين ال ف الرض وتكي
109
سلطانه ف حياة البشر وتكيم منهجه ف أوضاعهم وأنظمتهم وتنفيذ شريعته ف أقضيتهم
وأحوالم وتقيق الصلح والي والطهارة والنماء ف الرض بذلك النهج وبذه الشريعة
إن هذا الختيار للنهوض بذا المر هو مرد فضل ال ومنته فمن شاء أن يرفض هذا
الفضل وأن يرم نفسه هذه النة فهو وذاك وال غن عنه وعن العالي وال يتار من عباده
من يعلم أنه أهل لذلك الفضل العظيم والصورة الت يرسها للعصبة الختارة هنا صورة
واضحة السمات قوية اللمح وضيئة جذابة حبيبة للقلوب فسوف يأت ال بقوم يبهم
ويبونه فالب والرضى التبادل هو الصلة بينهم وبي ربم الب هذا الروح الساري
اللطيف الرفاف الشرق الرائق البشوش هو الذي يربط القوم بربم الودود وحب ال لعبد
من عبيده أمر ل يقدر على إدراك قيمته إل من يعرف ال سبحانه بصفاته كما وصف
نفسه وإل من وجد إيقاع هذه الصفات ف حسه ونفسه وشعوره وكينونته كلها أجل ل
يقدر حقيقة هذا العطاء إل الذي يعرف حقيقة العطي الذي يعرف من هو ال من هو
صانع هذا الكون الائل وصانع النسان الذي يلخص الكون وهو جرم صغي من هو ف
عظمته ومن هو ف قدرته ومن هو ف تفرده ومن هو ف ملكوته من هو ومن هذا العبد
الذي يتفضل ال عليه منه بالب والعبد من صنع يديه سبحانه وهو الليل العظيم الي
الدائم الزل البدي الول والخر والظاهر والباطن وحب العبد لربه نعمة لذا العبد ل
يدركها كذلك إل من ذاقها وإذا كان حب ال لعبد من عبيده أمرا هائل عظيما وفضل
غامرا جزيل فإن إنعام ال على العبد بدايته لبه وتعريفه هذا الذاق الميل الفريد الذي
الذي ل نظي له ف مذاقات الب كلها ول شبيه هو إنعام هائل عظيم وفضل غامر جزيل
وإذا كان حب ال لعبد من عبيده أمرا فوق التعبي أن يصفه فإن حب العبد لربه أمر قلما
استطاعت العبارة أن تصوره إل ف فلتات قليلة من كلم الحبي وهذا هو الباب الذي
تفوق فيه الواصلون من رجال التصوف الصادقي وهم قليل من بي ذلك الشد الذي
يلبس مسوح التصوف ويعرف ف سجلهم الطويل ول زالت أبيات رابعة العدوية تنقل إل
حسي مذاقها الصادق لذا الب الفريد وهي تقول فليتك تلو والياة مريرة وليتك
ترضى والنام غضاب وليت الذي بين وبينك عامر وبين وبي العالي خراب إذا صح
منك الود فالكل هي وكل الذي فوق التراب تراب وهذا الب من الليل للعبد من
110
العبيد والب من العبد للمنعم التفضل يشيع ف هذا الوجود ويسري ف هذا الكون
العريض وينطبع ف كل حي وف كل شيء فإذا هو جو وظل يغمران هذا الوجود ويغمران
الوجود النسان كله مثل ف ذلك العبد الحب الحبوب والتصور السلمي يربط بي
الؤمن وربه بذا الرباط العجيب البيب وليست مرة واحدة ول فلتة عابرة إنا هو أصل
وحقيقة وعنصر ف هذا التصور أصيل إن الذين آمنوا وعملوا الصالات سيجعل لم
الرحن ودًا إن رب رحيم ودود وهو الغفور الودود وإذا سألك عبادي عن فإن قريب
أجيب دعوة الداع إذا دعان والذين آمنوا أشد حبا ل قل إن كنم تبون ال فاتبعون
يببكم ال وغيها كثي وعجبا لقوم يرون على هذا كله ليقولوا إن التصور السلمي
تصور جاف عنيف يصور العلقة بي ال والنسان علقة قهر وقسر وعذاب وعقاب
وجفوة وانقطاع ل كالتصور الذي يعل السيح ابن ال وأقنوم الله فيبط بي ال والناس
ف هذا الزدواج إن نصاعة التصور السلمي ف الفصل بي حقيقة اللوهية وحقيقة
العبودية ل تفف ذلك الندى البيب بي ال والعبيد فهي علقة الرحة كما أنا علقة
العدل وهي علقة الود كما أنا علقة التجريد وهي علقة الب كما أنا علقة التنية إنه
التصور الكامل الشامل لكل حاجات الكينونة البشرية ف علقتها برب العالي وهنا ف
صفة العصبة الؤمنة الختارة لذا الدين يرد ذلك النص العجيب يبهم ويبونه ويطلق
شحنته كلها ف هذا الو الذي يتاج إليه القلب الؤمن وهو يضطلع بذا العبء الشاق
شاعرا أنه الختيار والتفضل والقرب من النعم الليل ث يضي السياق يعرض بقية السمات
أذلة على الؤمني وهي صفة مأخوذة من الطواعية واليسر واللي فالؤمن ذلول للمؤمن غي
عصي عليه ول صعب هي لي ميسر مستجيب سح ودود وهذه هي الذلة للمؤمني وما
ف الذلة للمؤمني من مذلة ول مهانة إنا هي الخوة ترفع الواجز وتزيل التكلف وتلط
النفس بالنفس فل يبقى فيها ما يستعصي وما يتجز دون الخرين إن حساسية الفرد بذاته
متحوصلة متحيزة هي الت تعله شوسا عصيا شحيحا على أخيه فأما حي يلط نفسه
بنفوس العصبة الؤمنة معه فلن يد فيها ما ينعه وما يستعصي به وماذا يبقى له ف نفسه
دونم وقد اجتمعوا ف ال إخوانا ; يبهم ويبونه ويشيع هذا الب العلوي بينهم
ويتقاسونه أعزة على الكافرين فيهم على الكافرين شاس وإباء واستعلء ولذه الصائص
111
هنا موضع إنا ليست العزة للذات ول الستعلء للنفس إنا هي العزة للعقيدة والستعلء
للراية الت يقفون تتها ف مواجهة الكافرين إنا الثقة بأن ما معهم هو الي وأن دورهم
هو أن يطوعوا الخرين للخي الذي معهم ل أن يطوعوا الخرين لنفسهم ول أن يطوعوا
أنفسهم للخرين وما عند الخرين ث هي الثقة بغلبة دين ال على دين الوى ; وبغلبة قوة
ال على تلك القوى ; وبغلبة حزب ال على أحزاب الاهلية فهم العلون حت وهم
ينهزمون ف بعض العارك ف أثناء الطريق الطويل ياهدون ف سبيل ال ول يافون لومة
لئم فالهاد ف سبيل ال لقرار منهج ال ف الرض وإعلن سلطانه على البشر وتكيم
شريعته ف الياة لتحقيق الي والصلح والنماء للناس هي صفة العصبة الؤمنة الت يتارها
ال ليصنع با ف الرض ما يريد وهم ياهدون ف سبيل ال ; ل ف سبيل أنفسهم ; ول
ف سبيل قومهم ; ول ف سبيل وطنهم ; ول ف سبيل جنسهم ف سبيل ال لتحقيق منهج
ال وتقرير سلطانه وتنفيذ شريعته وتقيق الي للبشر عامة عن هذا الطريق وليس لم ف
هذا المر شيء وليس لنفسهم من هذا حظ إنا هو ل وف سبيل ال بل شريك وهم
ياهدون ف سبيل ال ول يافون لومة لئم وفيم الوف من لوم الناس وهم قد ضمنوا
حب رب الناس وفيم الوقوف عند مألوف الناس وعرف اليل ومتعارف الاهلية وهم
يتبعون سنة ال ويعرضون منهج ال للحياة إنا يشى لوم الناس من يستمد مقاييسه
وأحكامه من أهواء الناس ; ومن يستمد عونه ومدده من عندالناس ; أما من يرجع إل
موازين ال ومقاييسه وقيمه ليجعلها تسيطر على أهواء الناس وشهواتم وقيمهم ; وأما من
يستمد قوته وعزته من قوة ال وعزته فما يبال ما يقول الناس وما يفعلون كائنا هؤلء
الناس ما كانوا ; وكائنا واقع هؤلء الناس ما كان وكائنة حضارة هؤلء الناس وعلمهم
وثقافتهم ما تكون إننا نسب حسابا لا يقول الناس ; ولا يفعل الناس ; ولا يلك الناس ;
ولا يصطلح عليه الناس ; ولا يتخذه الناس ف واقع حياتم من قيم واعتبارات وموازين
لننا نغفل أو نسهو عن الصل الذي يب أن نرجع إليه ف الوزن والقياس والتقوي إنه
منهج ال وشريعته وحكمه فهو وحده الق وكل ما خالفة فهو باطل ; ولو كان عرف
مليي الليي ولو أقرته الجيال ف عشرات القرون إنه ليست قيمة أي وضع أو أي
عرف أو أي تقليد أو أية قيمة أنه موجود ; وأنه واقع ; وأن مليي البشر يعتنقونه
112
ويعيشون به ويتخذونه قاعدة حياتم فهذا ميزان ل يعترف به التصور السلمي إنا قيمة
أي وضع وأي عرف وأي تقليد وأية قيمة أن يكون لا أصل ف منهج ال الذي منه وحده
تستمد القيم والوازين ومن هنا تاهد العصبة الؤمنة ف سبيل ال ول تاف لومة لئم
فهذه سة الؤمني الختارين ث إن ذلك الختيار من ال وذلك الب التبادل بينه وبي
الختارين وتلك السمات الت يعلها طابعهم وعنوانم وهذا الطمئنان إل ال ف نفوسهم
والسي على هداه ف جهادهم ذلك كله من فضل ال ذلك فضل ال يؤتيه من يشاء وال
واسع عليم يعطي عن سعة ويعطي عن علم وما أوسع هذا العطاء ; الذي يتار ال له من
يشاء عن علم وعن تقدير ويدد ال للذين آمنوا جهة الولء الوحيدة الت تتفق مع صفة
اليان ; ويبي لم من يتولون إنا وليكم ال ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلة
ويؤتون الزكاة وهم راكعون هكذا على وجه القصر الذي ل يدع مال للتمحل أو التأول
; ول يترك فرصة لتمييع الركة السلمية أو تييع التصور ول يكن بد أن يكون المر
كذلك لن السألة ف صميمها كما قلنا هي مسألة العقيدة ومسألة الركة بذه العقيدة
وليكون الولء ل خالصا والثقة به مطلقة وليكون السلم هو الدين وليكون المر أمر
مفاصلة بي الصف السلم وسائر الصفوف الت ل تتخذ السلم دينا ول تعل السلم
منهجا للحياة ولتكون للحركة السلمية جديتها ونظامها ; فل يكون الولء فيها لغي
قيادة واحدة وراية واحدة ول يكون التناصر إل بي العصبة الؤمنة ; لنه تناصر ف النهج
الستمد من العقيدة ولكن حت ل يكون السلم مرد عنوان أو مرد راية وشعار أو مرد
كلمة تقال باللسان أو مرد نسب ينتقل بالوراثة أو مرد وصف يلحق القاطني ف مكان
فإن السياق يذكر بعض السمات الرئيسية للذين آمنوا الذين يقيمون الصلة ويؤتون
الزكاة وهم راكعون فمن صفتهم إقامة الصلة ل مرد أداء الصلة وإقامة الصلة تعن
أداءها أداء كامل تنشأ عنه آثارها الت يقررها قوله تعال إن الصلة تنهي عن الفحشاء
والنكر والذي ل تنهاه صلته عن الفحشاء والنكر ل يقم الصلة ; فلو أقامها لنهته كما
يقول ال ومن صفتهم إيتاء الزكاة أي أداء حق الال طاعة ل وقرب عن رضى نفس
ورغبة فليست الزكاة مرد ضريبة مالية إنا هي كذلك عبادة أو هي عبادة مالية وهذه هي
ميزة النهج السلمي الذي يقق أهدافا شت بالفريضة الواحدة وليس كذلك النظمة
113
الرضية الت تقق هدفا وتفرط ف أهداف إنه ل يغن ف إصلح حال الجتمع أن يأخذ
الجتمع الال ضريبة مدنية أو أن يأخذ الال من الغنياء للفقراء باسم الدولة أو باسم
الشعب أو باسم جهة أرضية ما فهي ف صورتا هذه قد تقق هدفا واحدا ; وهو إيصال
الال للمحتاجي فأما الزكاة فتعن اسها ومدلولا إنا قبل كل شيء طهارة وناء إنا زكاة
للضمي بكونا عبادة ل وبالشعور الطيب الصاحب لا تاه الخوان الفقراء با أنا عبادة
ل يرجو عليها فاعلها حسن الزاء ف الخرة كما يرجو منها ناء الال ف الياة الدنيا
بالبكة وبالنظام القتصادي البارك ث بالشعور الطيب ف نفوس الفقراء الخذين أنفسهم
; إذ يشعرون أنا فضل ال عليهم إذ قررها لم ف أموال الغنياء ; ول يشعرون معها
بالقد والتشفي من إخوانم الغنياء مع تذكر أن الغنياء ف النظام السلمي ل يكسبون
إل من حلل ول يورون على حق أحد وهم يمعون نصيبهم من الال وف النهاية تقق
هدف الضريبة الالية ف هذا الو الراضي الي الطيب جو الزكاة والطهارة والنماء وأداء
الزكاة سة من سات الذين آمنوا تقرر أنم يتبعون شريعة ال ف شئون الياة ; فهي إقرار
منهم بسلطان ال ف أمرهم كله وهذا هو السلم وهم راكعون ذلك شأنم كأنه الالة
الصلية لم ومن ث ل يقف عند قوله يقيمون الصلة فهذه السمة الديدة أعم وأشل إذ
أنا ترسهم للخاطر كأن هذا هو شأنم الدائم فأبرز سة لم هي هذه السمة وبا يعرفون
وما أعمق إياءات التعبيات القرآنية ف مثل هذه الناسبات وال يعد الذين آمنوا ف مقابل
الثقة به واللتجاء إليه والولء له وحده ولرسوله وللمؤمني بالتبعية ومقابل الفاصلة
الكاملة بينهم وبي جيع الصفوف إل الصف الذي يتمحض ل يعدهم النصر والغلبة ومن
يتول ال ورسوله والذين آمنوا فإن حزب ال هم الغالبون وقد جاء هذا الوعد بالغلب بعد
بيان قاعدة اليان ف ذاتا وأنا هي الولء ل ورسوله وللمؤمني ; وبعد التحذير من
الولء لليهود والنصارى واعتباره خروجا من الصف السلم إل صف اليهود والنصارى
وارتدادا عن الدين وهنا لفتة قرآنية مطردة فال سبحانه يريد من السلم أن يسلم لجرد أن
السلم خي ل لنه سيغلب أو سيمكن له ف الرض ; فهذه ثرات تأت ف حينها ; وتأت
لتحقيق قدر ال ف التمكي لذا الدين ; ل لتكون هي بذاتا الغراء على الدخول ف هذا
الدين والغلب للمسلمي ل شيء منه لم ل شيء لذواتم وأشخاصهم وإنا هو قدر ال
114
يريه على أيديهم ويرزقهم إياه لساب عقيدتم ل لسابم فيكون لم ثواب الهد فيه ;
وثواب النتائج الت تترتب عليه من التمكي لدين ال ف الرض وصلح الرض بذا
التمكي كذلك قد يعد ال السلمي الغلب لتثبيت قلوبم ; وإطلقها من عوائق الواقع
الاضر أمامهم وهي عوائق ساحقة ف أحيان كثية فإذا استيقنوا العاقبة قويت قلوبم على
اجتياز الحنة ; وتطي العقبة والطمع ف أن يتحقق على أيديهم وعد ال للمة السلمة
فيكون لم ثواب الهاد وثواب التمكي لدين ال وثواب النتائج الترتبة على هذا التمكي
كذلك يشي ورود هذا النص ف هذا الجال بالة الماعة السلمة يومذاك وحاجتها إل
هذه البشريات بذكر هذه القاعدة من غلبة حزب ال ما يرجح ما ذهبنا إليه من تاريخ
نزول هذا القطاع من السورة ث تلص لنا هذه القاعدة ; الت ل تتعلق بزمان ول مكان
فنطمئن إليها بوصفها سنة من سنن ال الت ل تتخلف وإن خسرت العصبة الؤمنة بعض
العارك والواقف فالسنة الت ل تنقض هي أن حزب ال هم الغالبون ووعد ال القاطع
أصدق من ظواهر المور ف بعض مراحل الطريق وأن الولء ل ورسوله والذين آمنوا هو
الطريق الؤدي لتحقق وعد ال ف ناية الطريق الدرس الثالث دعوة السلمي لعدم موالة
الكافرين وبعد فلقد سلك النهج القرآن ف هذا السياق طرقا منوعة لنهي الذين آمنوا عن
تول الخالفي لم ف عقيدتم من أهل الكتاب والشركي ولتقرير هذه القاعدة اليانية ف
ضمائرهم وإحساسهم وعقولم ما يدل على أهية هذه القاعدة ف التصور السلمي ;
وف الركة السلمية على السواء وقد رأينا من قبل أنه سلك ف النداء الول طريق النهي
الباشر وطريق التخويف من أن يأت ال بالفتح أو أمر من عنده فينكشف ستر النافقي
وسلك ف النداء الثان طريق التحذير من الردة بوالة أعداء ال ورسوله والؤمني ;
وطريق التحبيب ف أن يكونوا من العصبة الختارة من يبهم ال ويبونه ; وطريق الوعد
بالنصر لزب ال الغالب فالن نده ف النداء الثالث ف هذا الدرس للذين آمنوا يثي ف
نفوسهم المية لدينهم ولعبادتم ولصلتم الت يتخذها أعداؤهم هزوا ولعبا ونده يسوي
ف النهي عن الوالة بي أهل الكتاب والكفار وينوط هذا النهي بتقوى ال ; ويعلق على
الستماع إليه صفة اليان ; ويقبح فعلة الكفار وأهل الكتاب ويصفهم بأنم ل يعقلون يا
أيها الذين آمنوا ل تتخذوا الذين اتذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من
115
قبلكم والكفار أولياء واتقوا ال إن كنتم مؤمني وإذا ناديتم إل الصلة اتذوها هزوا
ولعبا ذلك بأنم قوم ل يعقلون وهي ملبسة مثية لكل من له حية الؤمن ; الذي ل يرى
لنفسه كرامة إذا أهي دينه وأهينت عبادته وأهينت صلته واتذ موقفه بي يدي ربه مادة
للهزء واللعب فكيف يقوم ولء بي الذين آمنوا وبي أحد من هؤلء الذين يرتكبون هذه
الفعلة ; ويرتكبونا لنقص ف عقولم فما يستهزى ء بدين ال وعبادة الؤمني به إنسان
سوي العقل ; فالعقل حي يصح ويستقيم يرى ف كل شيء من حوله موحيات اليان
بال وحي يتل وينحرف ل يرى هذه الوحيات لنه حينئذ تفسد العلقات بينه وبي هذا
الوجود كله فالوجود كله يوحي بأن له إلا يستحق العبادة والتعظيم والعقل حي يصح
ويستقيم يستشعر جال العبادة لله الكون وجللا كذلك فل يتخذها هزوا ولعبا وهو
صحيح مستقيم ولقد كان هذا الستهزاء واللعب يقع من الكفار كما كان يقع من اليهود
خاصة من أهل الكتاب ف الفترة الت كان هذا القرآن يتنل فيها على قلب رسول ال ص
للجماعة السلمة ف ذلك الي ول نعرف من السية أن هذا كان يقع من النصارى ولكن
ال سبحانه كان يضع للجماعة السلمة قاعدة تصورها ومنهجها وحياتا الدائمة وكان ال
سبحانه يعلم ما سيكون على مدار الزمان مع أجيال السلمي وها نن أولء رأينا ونرى
أن أعداء هذا الدين وأعداء الماعة السلمة على مدار التاريخ أمس واليوم من الذين قالوا
إنم نصارى كانوا أكثر عددا من اليهود ومن الكفار متمعي فهؤلء كهؤلء قد ناصبوا
السلم العداء وترصدوه القرون تلو القرون وحاربوه حربا ل هوادة فيها منذ أن اصطدم
السلم بالدولة الرومانية على عهد أب بكر وعمر رضي ال عنهما حت كانت الروب
الصليبية ; ث كانت السألة الشرقية الت تكتلت فيها الدول الصليبية ف أرجاء الرض
للجهاز على اللفة ; ث كان الستعمار الذي يفي الصليبية بي أضلعه فتبدو ف فلتات
لسانه ; ث كان التبشي الذي مهد للستعمار وسانده ; ث كانت وما تزال تلك الرب
الشبوبة على كل طلئع البعث السلمي ف أي مكان ف الرض وكلها حلت يشترك
فيها اليهود والنصارى والكفار والوثنيون وهذا القرآن جاء ليكون كتاب المة السلمة ف
حياتا إل يوم القيامة الكتاب الذي يبن تصورها العتقادي كما يبن نظامها الجتماعي
كما يبن خطتها الركية سواء وها هو ذا يعلمها أل يكون ولؤها إل ل ولرسوله
116
وللمؤمني ; وينهاها أن يكون ولؤها لليهود والنصارى والكافرين ويزم ذلك الزم
الاسم ف هذه القضية ويعرضها هذا العرض النوع الساليب إن هذا الدين يأمر أهله
بالسماحة وبسن معاملة أهل الكتاب ; والذين قالوا إنم نصارى منهم خاصة ولكنه
ينهاهم عن الولء لؤلء جيعا لن السماحة وحسن العاملة مسألة خلق وسلوك أما الولء
فمسألة عقيدة ومسألة تنظيم إن الولء هو النصرة هو التناصر بي فريق وفريق ; ول تناصر
بي السلمي وأهل الكتاب كما هو الشأن ف الكفار لن التناصر ف حياة السلم هو كما
أسلفنا تناصر ف الدين ; وف الهاد لقامة منهجه ونظامه ف حياة الناس ; ففيم يكون
التناصر ف هذا بي السلم وغي السلم وكيف يكون إنا قضية جازمة حاسة ل تقبل
التميع ول يقبل ال فيها إل الد الصارم ; الد الذي يليق بالسلم ف شأن الدين الدرس
الرابع بيان حقيقة كفر أهل الكتاب ونقمتهم على السلمي وحي تتم النداءات الثلثة
للذين آمنوا يتوجه الطاب إل الرسول ص ليواجه أهل الكتاب فيسألم ماذا ينقمون من
الماعة السلمة وهل ينقمون منها إل اليان بال وما أنزل إل أهل الكتاب ; وما أنزله
ال للمسلمي بعد أهل الكتاب هل ينقمون إل أن السلمي يؤمنون وأنم هم أهل الكتاب
أكثرهم فاسقون وهي مواجهة مجلة ولكنها كذلك كاشفة وحاسة ومددة لصل
العداوة ومفرق الطريق قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إل أن آمنا بال وما أنزل إلينا
وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند ال من
لعنه ال وغضب عليه وجعل منهم القردة والنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا
وأضل عن سواء السبيل إن هذا السؤال الذي وجه ال رسوله إل توجيهه لهل الكتاب
هو من ناحية سؤال تقريري لثبات ما هو واقع بالفعل منهم ; وكشف حقيقة البواعث
الت تدفع بم إل موقفهم من الماعة السلمة ودينها وصلتا وهو من ناحية سؤال
استنكاري لستنكار هذا الواقع منهم واستنكار البواعث الدافعة عليه وهو ف الوقت ذاته
توعية للمسلمي وتنفي لم من موالة القوم وتقرير لا سبق ف النداءات الثلثة من ني عن
هذه الوالة وتذير إن أهل الكتاب ل يكونوا ينقمون على السلمي ف عهد الرسول ص
وهم ل ينقمون اليوم على طلئع البعث السلمي إل أن هؤلء السلمي يؤمنون بال ;
وما أنزله ال إليهم من قرآن ; وما صدق عليه قرآنم ما أنزله ال من قبل من كتب أهل
117
الكتاب إنم يعادون السلمي لنم مسلمون لنم ليسوا يهودا ول نصارى ولن أهل
الكتاب فاسقون منحرفون عما أنزله ال إليهم ; وآية فسقهم وانرافهم أنم ل يؤمنون
بالرسالة الخية وهي مصدقة لا بي أيديهم ل ما ابتدعوه وحرفوه ول يؤمنون بالرسول
الخي وهو مصدق لا بي يديه ; معظم لرسل ال أجعي إنم ياربون السلمي هذه
الرب الشعواء ; الت ل تضع أوزارها قط ول يب أوارها طوال ألف وأربعمائة عام ;
منذ أن قام للمسلمي كيان ف الدينة ; وتيزت لم شخصية ; وأصبح لم وجود مستقل ;
ناشى ء من دينهم الستقل وتصورهم الستقل ونظامهم الستقل ف ظل منهج ال الفريد
إنم يشنون على السلمي هذه الرب الشبوبة لنم قبل كل شيء مسلمون ول يكن أن
يطفئوا هذه الرب الشبوبة إل أن يردوا السلمي عن دينهم ; فيصبحوا غي مسلمي ذلك
أن أهل الكتاب أكثرهم فاسقون ; ومن ث ل يبون الستقيمي اللتزمي من السلمي وال
سبحانه يقرر هذه القيقة ف صورة قاطعة وهو يقول لرسوله ص ف السورة الخرى ولن
ترضى عنك اليهود ول النصارى حت تتبع ملتهم ويقول له ف هذه السورة أن يواجه أهل
الكتاب بقيقة بواعثهم وركيزة موقفهم قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إل أن آمنا
بال ; وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون وهذه القيقة الت يقررها ال
سبحانه ف مواضع كثية من كلمه الصادق البي هي الت يريد تييعها وتلبيسها وتغطيتها
وإنكارها اليوم كثيون من أهل الكتاب وكثيون من يسمون أنفسهم مسلمي باسم
تعاون التديني ف وجه الادية واللاد كما يقولون أهل الكتاب يريدون اليوم تييع هذه
القيقة بل طمسها وتغطيتها لنم يريدون خداع سكان الوطن السلمي أو الذي كان
إسلميا بتعبي أصح وتدير الوعي الذي كان قد بثه فيهم السلم بنهجه الربان القوي
ذلك أنه حي كان هذا الوعي سليما ل يستطع الستعمار الصليب أن يقف للمد
السلمي فضل على أن يستعمر الوطن السلمي ول يكن بد لؤلء بعد فشلهم ف
الروب الصليبية السافرة وف حرب التبشي السافرة كذلك أن يسلكوا طريق الداع
والتخدير فيتظاهروا ويشيعوا بي ورثة السلمي أن قضية الدين والرب الدينية قد انتهت
وأنا كانت مرد فترة تاريية مظلمة عاشتها المم جيعا ث تنور العال و تقدم فلم يعد من
الائز ول اللئق ول الستساغ أن يقوم الصراع على أساس العقيدة وأنا الصراع اليوم
118
على الادة على الوارد والسواق والستغللت فحسب وإذن فما يوز للمسلمي أو
ورثة السلمي أن يفكروا ف الدين ول ف صراع الدين وحي يطمئن أهل الكتاب وهم
الذين يستعمرون أوطان السلمي إل استنامة هؤلء لذا التخدير ; وحي تتميع القضية ف
ضمائرهم ; فإن الستعمرين يأمنون غضبة السلمي ل ; وللعقيدة الغضبة الت ل يقفوا لا
يوما ويصبح المر سهل بعد التنوي والتخدير ول يكسبون معركة العقيدة وحدها بل
يكسبون معها ما وراءها من السلب والغان والستثمارات والامات ; ويغلبون ف
معركة الادة بعدما يغلبون ف معركة العقيدة فهما قريب من قريب وعملء أهل الكتاب
ف الوطن السلمي من يقيمهم الستعمار هنا وهناك علنية أو ف خفية يقولون القول
نفسه لنم عملء يؤدون الدور من داخل الدود وهؤلء يقولون عن الروب الصليبية
ذاتا إنا ل تكن صليبية ويقولون عن السلمي الذين خاضوها تت راية العقيدة إنم ل
يكونوا مسلمي وإنا هم كانوا قوميي وفريق ثالث مستغفل مدوع ; يناديه أحفاد
الصليبي ف الغرب الستعمر أن تعالوا إلينا تعالوا نتمع ف ولء ; لندفع عن الدين غائلة
اللحدين فيستجيب هذا الفريق الستغفل الخدوع ; ناسيا أن أحفاد الصلييبي هؤلء
وقفوا ف كل مرة مع اللحدين ; صفا واحدا حينما كانت الواجهة للمسلمي على مدار
القرون وما يزالون وأنم ل يعنيهم حرب الادية اللادية قدر ما تعنيهم حرب السلم
ذلك أنم يعرفون جيدا أن اللادية الادية عرض طارى ء وعدو موقوت ; وأن السلم
أصل ثابت وعدو مقيم وإنا هذه الدعوة الموهة لتمييع اليقظة البادئة عند طلئع البعث
السلمي ; وللنتفاع بهد الستغفلي الخدوعي ف الوقت ذاته ليكونوا وقود العركة مع
اللحدين لنم أعداء الستعمار السياسيون وهؤلء كهؤلء حرب على السلم والسلمي
حرب ل عدة فيها للمسلم إل ذلك الوعي الذي يربيه عليه النهج الربان القوي إن هؤلء
الذين تدعهم اللعبة أو يتظاهرون بالتصديق فيحسبون أهل الكتاب جادين إذ يدعونم
للتضامن والولء ف دفع اللاد عن الدين إنا ينسون واقع التاريخ ف أربعة عشر قرنا ل
استثناء فيها كما ينسون تعليم ربم لم ف هذا المر بالذات وهو تعليم ل مواربة فيه ول
مال للحيدة عنه وف النفس ثقة بال ويقي بدية ما يقول إن هؤلء يتزئون فيما يقولون
ويكتبون باليات القرآنية والحاديث النبوية الت تأمر السلمي أن يسنوا معاملة أهل
119
الكتاب ; وأن يتساموا معهم ف العيشة والسلوك ويغفلون التحذيرات الاسة عن
موالتم ; والتقريرات الواعية عن بواعثهم والتعليمات الصرية عن خطة الركة السلمية
وخطة التنظيم الت ترم التناصر والوالة لن التناصر والوالة ل يكونان عند السلم إل ف
شأن الدين وإقامة منهجه ونظامه ف الياة الواقعية وليست هناك قاعدة مشتركة يلتقي
عليها السلم مع أهل الكتاب ف شأن دينه مهما يكن هناك من تلق ف أصول هذه
الديان مع دينه قبل تريفها إذ هم ل ينقمون منه إل هذا الدين ول يرضون عنه إل بترك
هذا الدين كما يقول رب العالي إن هؤلء من يعلون القرآن عضي ; يزئونه ويزقونه
فيأخذون منه ما يشاءون ما يوافق دعوتم الغافلة الساذجة على فرض براءتا ويدعون منه
ما ل يتفق مع اتاههم الغافل أو الريب ونن نؤثر أن نسمع كلم ال ف هذه القضية على
أن نسمع كلم الخدوعي أو الادعي وكلم ال سبحانه ف هذه القضية حاسم واضح
صريح مبي ونقف وقفة قصية ف هذا الوضع عند قوله تعال بعد تقرير أن سبب النقمة
هو اليان بال وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل أن بقية السبب وأن أكثركم فاسقون فهذا
الفسق هو شطر الباعث فالفسق يمل صاحبه على النقمة من الستقيم وهي قاعدة نفسية
واقعية ; تثبتها هذه اللفتة القرآنية العجيبة إن الذي يفسق عن الطريق وينحرف ل يطيق أن
يرى الستقيم على النهج اللتزم إن وجوده يشعره دائما بفسقه وانرافه إنه يتمثل له شاهدا
قائما على فسقه هو وانرافه ومن ث يكرهه وينقم عليه يكره استقامته وينقم منه التزامه ;
ويسعى جاهدا لره إل طريقه ; أو للقضاء عليه إذا استعصى قياده إنا قاعدة مطردة
تتجاوز موقف أهل الكتاب من الماعة السلمة ف الدينة إل موقف أهل الكتاب عامة
من السلمي عامة إل موقف كل فاسق منحرف من كل عصبة ملتزمة مستقيمة والرب
الشبوبة دائما على اليين ف متمع الشرار وعلى الستقيمي ف متمع الفاسقي وعلى
اللتزمي ف متمع النحرفي هذه الرب أمر طبيعي يستند إل هذه القاعدة الت يصورها
النص القرآن العجيب ولقد علم ال سبحانه أن الي ل بد أن يلقى النقمة من الشر وأن
الق ل بد أن يواجه العداء من الباطل وأن الستقامة ل بد أن تثي غيظ الفساق وأن
اللتزام ل بد أن ير حقد النحرفي وعلم ال سبحانه أن ل بد للخي والق والستقامة
واللتزام أن تدفع عن نفسها وأن توض العركة التمية مع الشر والباطل والفسق
120
والنراف وأنا معركة ل خيار فيها ول يلك الق أل يوضها ف وجه الباطل لن الباطل
سيهاجه ول يلك الي أن يتجنبها لن الشر ل بد سيحاول سحقه وغفلة أي غفلة أن
يظن أصحاب الق والي والستقامة واللتزام أنم متروكون من الباطل والشر والفسق
والنراف ; وأنم يلكون تنب العركة ; وأنه يكن أن تقوم هناك مصالة أو مهادنة
وخي لم أن يستعدوا للمعركة الحتومة بالوعي والعدة ; من أن يستسلموا للوهم
والديعة وهم يومئذ مأكولون مأكولون ث نضي مع السياق القرآن ف توجيه ال سبحانه
لرسوله ص لواجهة أهل الكتاب بعد تقرير بواعثهم واستنكار هذه البواعث ف النقمة
على السلمي فإذا هو يبههم بتاريخ لم قدي وشأن لم مع ربم وعقاب أليم قل هل
أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند ال من لعنه ال وغضب عليه وجعل منهم القردة والنازير
وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل وهنا تطالعنا سحنة يهود وتاريخ
يهود إنم هم الذين لعنهم ال وغضب عليهم وجعل منهم القردة والنازير إنم هم الذين
عبدوا الطاغوت وقصة لعنة ال لم وغضبه عليهم واردة ف مواضع شت من القرآن الكري
; وكذلك قصة جعله منهم القردة والنازير فأما قضية عبادتم للطاغوت فتحتاج إل بيان
هنا لنا لفتة ذات دللة خاصة ف سياق هذه السورة إن الطاغوت هو كل سلطان ل
يستمد من سلطان ال وكل حكم ل يقوم على شريعة ال وكل عدوان يتجاوز الق
والعدوان على سلطان ال وألوهيته وحاكميته هو أشنع العدوان وأشده طغيانا وأدخله ف
معن الطاغوت لفظا ومعن وأهل الكتاب ل يعبدوا الحبار والرهبان ; ولكن اتبعوا
شرعهم وتركوا شريعة ال فسماهم ال عبادا لم ; وساهم مشركي وهذه اللفتة هنا
ملحوظ فيها ذلك العن الدقيق فهم عبدوا الطاغوت أي السلطات الطاغية التجاوزة
لقها وهم ل يعبدوها بعن السجود لا والركوع ولكنهم عبدوها بعن التباع والطاعة
وهي عبادة ترج صاحبها من عبادة ال ومن دين ال وال سبحانه يوجه رسوله ص
لجابة أهل الكتاب بذا التاريخ وبذلك الزاء الذي استحقوه من ال على هذا التاريخ
كأنا هم جيل واحد با أنم جبلة واحدة يوجهه ليقول لم إن هذا شر عاقبة قل هل
أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند ال أي شر من نقمة أهل الكتاب على السلمي وما
يكيدون لم وما يؤذونم بسبب إيانم وأين نقمة البشر الضعاف من نقمة ال وعذابه
121
وحكمه على أهل الكتاب بالشر والضلل عن سواء السبيل أولئك شر مكانا وأضل عن
سواء السبيل الدرس الامس ناذج من كفريات وتلعب اليهود ويضي السياق ف التنفي
من موالتم بعرض صفاتم وساتم بعد عرض تاريهم وجزائهم وييء التحذير والتوعي
ة منهم بكشف ما يبيتون ويبز اليهود كذلك ف الصورة لن الديث عن وقائع جارية
ومعظم الشر كان ييء من قبل يهود وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد
خرجوا به وال أعلم با كانوا يكتمون وترى كثيا منهم يسارعون ف الث والعدوان
وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون لول ينهاهم الربانيون والحبار عن قولم الث
وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون وقالت اليهود يد ال مغلولة غلت أيديهم ولعنوا
با قالوا ; بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيا منهم ما أنزل إليك من ربك
طغيانا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إل يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب
أطفأها ال ويسعون ف الرض فسادا وال ل يب الفسدين إنا عبارات تنشى ء صورا
متحركة مشاهد حية على طريقة التعبي القرآنية الفريدة ومن وراء القرون يلك قارى ء
هذه اليات أن يشهد بعي التصور هؤلء القوم الذين يتحدث عنهم القرآن من يهود على
الرجح فالسياق يتحدث عنهم وإن كان من الائز أنه يعن كذلك بعض النافقي ف
الدينة يشهدهم ييئون للمسلمي فيقولون آمنا ويشهد ف جعبتهم الكفر وهم يدخلون به
ويرجون ; بينما ألسنتهم تقول غي ما ف العبة من كفر يملونه داخلي خارجي
ولعلهم من يهود أولئك الذين كانوا يبيتون البلبلة وهم يقولون بعضهم لبعض آمنوا بذا
القرآن وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون أي لعل السلمي يرجعون عن دينهم
بسبب هذه البلبلة والتشكيك البيث اللئيم وال أعلم با كانوا يكتمون
يقولا ال سبحانه لنا القيقة ; ث لكي يطمئن الؤمنون إل كلءة ربم لم وحفظهم من
كيد عدوهم ; وإحاطته علما بذا الكيد الكتوم ث ليهدد أصحاب هذا الكيد لعلهم
ينتهون ويضي السياق يرسم حركاتم كأنا منظورة تشهد وتلحظ من خلل التعبي
وترى كثيا منهم يسارعون ف الث والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون
والسارعة مفاعلة تصور القوم كأنا يتسابقون تسابقا ف الث والعدوان وأكل الرام وهي
صورة ترسم للتبشيع والتشنيع ولكنها تصور حالة من حالت النفوس والماعات حي
122
يستشري فيها الفساد ; وتسقط القيم ; ويسيطر الشر وإن النسان لينظر إل الجتمعات
الت انتهت إل مثل هذه الال فيى كأنا كل من فيها يتسابقون إل الشر إل الث
والعدوان قويهم وضعيفهم سواء فالث والعدوان ف الجتمعات الابطة الفاسدة ل
يقتصران على القوياء ; بل يرتكبهما كذلك الضعفاء فحت هؤلء ينساقون ف تيار الث
وحت هؤلء يلكون العتداء ; إنم ل يلكون العتداء على القوياء طبعا ولكن يعتدي
بعضهم على بعض ويعتدون على حرمات ال لنا هي الت تكون ف الجتمعات الفاسدة
المى الستباح الذي ل حارس له من حاكم ول مكوم ; فالث والعدوان طابع الجتمع
حي يفسد ; والسارعة فيهما عمل هذه الجتمعات وكذلك كان متمع يهود ف تلك
اليام وكذلك أكلهم للحرام فأكل الرام كذلك سة يهود ف كل آن لبئس ما كانوا
يعملون ويشي السياق إل سة أخرى من سات الجتمعات الفاسدة ; وهو يستنكر
سكوت الربانيي القائمي على الشريعة والحبار القائمي على أمر العلم الدين سكوتم
على مسارعة القوم ف الث والعدوان وأكل السحت ; وعدم نيهم عن هذا الشر الذي
يتسابقون فيه لول ينهاهم الربانيون والحبار عن قولم الث وأكلهم السحت لبئس ما
كانوا يصنعون فهذه السمة سة سكوت القائمي على أمر الشريعة والعلم الدين عما يقع
ف الجتمع من إث وعدوان هي سة الجتمعات الت فسدت وآذنت بالنيار وبنو إسرائيل
كانوا ل يتناهون عن منكر فعلوه كما حكى عنهم القرآن الكري إن سة الجتمع الي
الفاضل الي القوي التماسك أن يسود فيه المر بالعروف والنهي عن النكر أن يوجد فيه
من يأمر بالعروف وينهى عن النكر ; وأن يوجد فيه من يستمع إل المر بالعروف
والنهي عن النكر ; وأن يكون عرف الجتمع من القوة بيث ل يرؤ النحرفون فيه على
التنكر لذا المر والنهي ول على إيذاء المرين بالعروف الناهي عن النكر وهكذا وصف
ال المة السلمة فقال كنتم خي أمة أخرجت للناس تأمرون بالعروف وتنهون عن النكر
وتؤمنون بال ووصف بن إسرائيل فقال كانوا ل يتناهون عن منكر فعلوه فكان ذلك
فيصل بي الجتمعي وبي الماعتي أما هنا فينحي باللئمة على الربانيي والحبار
الساكتي على السارعة ف الث والعدوان وأكل السحت ; الذين ل يقومون بق ما
استحفظوا عليه من كتاب ال وإنه لصوت النذير لكل أهل دين فصلح الجتمع أو فساده
123
رهن بقيام الفظة على الشريعة والعلم فيه بواجبهم ف المر بالعروف والنهي عن النكر ;
والمر كما قلنا من قبل ف الظلل يقتضي سلطة تأمر وتنهى والمر والنهي أمر غي
الدعوة فالدعوة بيان والمر والنهي سلطان وكذلك ينبغي أن يصل المرون بالعروف
الناهون عن النكر على السلطان الذي يعل لمرهم ونيهم قيمته ف الجتمع ; فل يكون
مطلق كلم وكنموذج من قولم الث ف أبشع صوره يكي القرآن الكري قول اليهود
الغب اللئيم وقالت اليهود يد ال مغلوله غلت أيديهم ولعنوا با قالوا بل يداه مبسوطتان
ينفق كيف يشاء وذلك من سوء تصور يهود ل سبحانه فقد حكى القرآن الكري الكثي
من سوء تصورهم ذاك وقد قالوا إن ال فقي ونن أغنياء عندما سئلوا النفقة وقالوا يد ال
مغلولة يعللون بذلك بلهم ; فال بزعمهم ل يعطي الناس ول يعطيهم إل القليل فكيف
ينفقون وقد بلغ من غلظ حسهم وجلفة قلوبم أل يعبوا عن العن الفاسد الكاذب الذي
أرادوه وهو البخل بلفظه الباشر ; فاختاروا لفظا أشد وقاحة وتجما وكفرا فقالوا يد ال
مغلولة وييء الرد عليهم بإحقاق هذه الصفة عليهم ولعنهم وطردهم من رحة ال جزاء
على قولم غلت أيديهم ولعنوا با قالوا وكذلك كانوا فهم أبل خلق ال بال ث يصحح
هذا التصور الفاسد السقيم ; ويصف ال سبحانه بوصفه الكري وهو يفيض على عباده
من فضله بل حساب بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وعطاياه الت ل تكف ول تنفد
لكل ملوق ظاهرة للعيان شاهدة باليد البسوطة والفضل الغامر والعطاء الزيل ناطقة بكل
لسان ولكن يهود ل تراها ; لنا مشغولة عنها باللم والضم وبالكنود وبالحود وبالبذاءة
حت ف حق ال ويدث ال رسوله ص عما سيبدو من القوم وعما سيحل بم بسبب
حقدهم وغيظهم من اصطفاء ال له بالرسالة ; وبسبب ما تكشفه هذه الرسالة من أمرهم
ف القدي والديث وليزيدن كثيا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرًا فبسبب من
القد والسد وبسبب من افتضاح أمرهم فيما أنزل ال إل رسوله سيزيد الكثيون منهم
طغيانا وكفرا لنم وقد أبوا اليان ل بد أن يشتطوا ف الانب القابل ; ول بد أن يزيدوا
تبجحا ونكرا وطغيانا وكفرا فيكون الرسول ص رحة للمؤمني ووبال عن النكرين ث
يدثه عما قدر ال لم من التعادي والتباغض فيما بينهم ; ومن إبطال كيدهم وهو ف
أشد سعيه تلهبا ; ومن عودتم باليبة فيما يشنونه من حرب على الماعة السلمة وألقينا
124
بينهم العداوة والبغضاء إل يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفاها ال وما تزال
طوائف اليهود متعادية وإن بدا ف هذه الفترة أن اليهودية العالية تتساند ; وتوقد نار
الرب على البلد السلمية وتفلح ولكن ينبغي أل ننظر إل فترة قصية من الزمان ول
إل مظهر ل يشتمل على القيقة كاملة ففي خلل ألف وثلثائة عام بل من قبل السلم
واليهود ف شحناء وف ذل كذلك وتشرد ومصيهم إل مثل ما كانوا فيه مهما تقم
حولم السناد ولكن مفتاح الوقف كله ف وجود العصبة الؤمنة الت يتحقق لا وعد ال
فأين هي العصبة الؤمنة اليوم الت تتلقى وعد ال وتقف ستارا لقدر ال ويقق ال با ف
الرض ما يشاء ويوم تفيء المة السلمة إل السلم تؤمن به على حقيقته ; وتقيم حياتا
كلها على منهجه وشريعته يومئذ يق وعد ال على شر خلق ال واليهود يعرفون هذا
ومن ث يسلطون كل ما ف جعبتهم من شر وكيد ; ويصبون كل ما ف أيديهم من بطش
وفتك على طلئع البعث السلمي ف كل شب من الرض ويضربون ل بأيديهم ولكن
بأيدي عملئهم ضربات وحشية منكرة ; ل ترعى ف العصبة الؤمنة إل ول ذمة ولكن ال
غالب على أمره ووعد ال ل بد أن يتحقق وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إل يوم القيامة
كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها ال إن هذا الشر والفساد الذي تثله يهود ل بد أن يبعث
ال عليه من يوقفه ويطمه ; فال ل يب الفساد ف الرض ; وما ل يبه ال ل بد أن
يبعث عليه من عباده من يزيله ويعفي عليه ويسعون ف الرض فسادا وال ل يب
الفسدين الدرس السادس أثر اليان وتطبيق شرع ال ف الرخاء العيشي وف ناية الدرس
تيء القاعدة اليانية الكبى قاعدة أن إقامة دين ال ف الرض معناها الصلح والكسب
والفلح ف حياة الؤمني ف هذه الدنيا وف الخرة على السواء ل افتراق بي دين ودنيا
ول افتراق بي دنيا وآخرة فهو منهج واحد للدنيا وللخرة ; للدنيا وللدين تيء هذه
القاعدة اليانية الكبية بناسبة الديث عن انراف أهل الكتاب عن دين ال ; وأكلهم
السحت ; وتريفهم الكلم من بعد مواضعه لينالوا عرضا من أعراض هذه الرض واتباع
دين ال كان أجدى عليهم ف الرض والسماء وف الدنيا والخرة لو أنم اختاروا الطريق
ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتم ; ولدخلناهم جنات النعيم ولو
أنم أقاموا التوراة والنيل وما أنزل إليهم من ربم لكلوا من فوقهم ومن تت أرجلهم
125
منهم أمة مقتصدة وكثي منهم ساء ما يعملون إن هاتي اليتي تقرران أصل كبيا من
أصول التصور السلمي ومن ث فهما تثلن حقيقة ضخمة ف الياة النسانية ولعل
الاجة إل جلء ذلك الصل وإل بيان هذه القيقة ل تكن ماسة كما هي اليوم ; والعقل
البشري والوازين البشرية والوضاع البشرية تتأرجح وتضطرب وتتوه بي ضباب
التصورات وضلل الناهج بإزاء هذا المر الطي إن ال سبحانه يقول لهل الكتاب
ويصدق القول وينطبق على كل أهل كتاب إنم لو كانوا آمنوا واتقوا لكفر عنهم سيئاتم
ولدخلهم جنات النعيم وهذا جزاء الخرة وإنم لو كانوا حققوا ف حياتم الدنيا منهج
ال المثل ف التوراة والنيل وما أنزله ال إليهم من التعاليم كما أنزلا ال بدون تريف
ول تبديل لصلحت حياتم الدنيا ونت وفاضت عليهم الزراق ولكلوا من فوقهم ومن
تت أرجلهم من فيض الرزق ووفرة النتاج وحسن التوزيع وصلح أمر الياة ولكنهم ل
يؤمنون ول يتقون ول يقيمون منهج ال إل قلة منهم ف تاريهم الطويل مقتصدة غي
مسرفة على نفسها وكثي منهم ساء ما يعملون وهكذا يبدو من خلل اليتي أن اليان
والتقوى وتقيق منهج ال ف واقع الياة البشرية ف هذه الياة الدنيا ل يكفل لصحابه
جزاء الخرة وحده وإن كان هو القدم وهو الدوم ولكنه كذلك يكفل صلح أمر الدنيا
ويقق لصحابه جزاء العاجلة وفرة وناء وحسن توزيع وكفاية يرسها ف صورة حسية
تسم معن الوفرة والفيض ف قوله لكلوا من فوقهم ومن تت أرجلهم وهكذا يتبي أن
ليس هنالك طريق مستقل لسن الزاء ف الخرة ; وطريق آخر مستقل لصلح الياة ف
الدنيا إنا هو طريق واحد تصلح به الدنيا والخرة فإذا تنكب هذا الطريق فسدت الدنيا
وخسرت الخرة هذا الطريق الواحد هو اليان والتقوى وتقيق النهج اللي ف الياة
الدنيا وهذا النهج ليس منهج اعتقاد وإيان وشعور قلب وتقوى فحسب ولكنه كذلك
وتبعا لذلك منهج حياة أنسانية واقعية يقام وتقام عليه الياة وإقامته مع اليان والتقوى
هي الت تكفل صلح الياة الرضية وفيض الرزق ووفرة النتاج وحسن التوزيع حت
يأكل الناس جعيا ف ظل هذا النهج من فوقهم ومن تت أرجلهم إن النهج اليان للحياة
ل يعل الدين بديل من الدنيا ; ول يعل سعادة الخرة بديل من سعادة الدنيا ول يعل
طريق الخرة غي طريق الدنيا وهذه هي القيقة الغائمة اليوم ف أفكار الناس وعقولم
126
وضمائرهم وأوضاعهم الواقعية لقد افترق طريق الدنيا وطريق الخرة ف تفكي الناس
وضميهم وواقعهم بيث أصبح الفرد العادي وكذلك الفكر العام للبشرية الضالة ل يرى
أن هنالك سبيل لللتقاء بي الطريقي ويرى على العكس أنه إما أن يتار طريق الدنيا
فيهمل الخرة من حسابه ; وإما أن يتار طريق الخرة فيهمل الدنيا من حسابه ; ول
سبيل إل المع بينهما ف تصور ول واقع لن واقع الرض والناس وأوضاعهم ف هذه
الفترة من الزمان توحي بذا حقيقة إن أوضاع الياة الاهلية الضالة البعيدة عن ال وعن
منهجه للحياة اليوم تباعد بي طريق الدنيا وطريق الخرة وتتم على الذين يريدون البوز
ف الجتمع والكسب ف مضمار النافع الدنيوية أن يتخلوا عن طريق الخرة ; وأن يضحوا
بالتوجيهات الدينية والثل اللقية ; والتصورات الرفيعة والسلوك النظيف الذي يض عليه
الدين كما تتم على الذين يريدون النجاة ف الخرة أن يتجنبوا تيار هذه الياة وأوضاعها
القذرة والوسائل الت يصل با الناس ف مثل هذه الوضاع إل البوز ف الجتمع والكسب
ف مضمار النافع لنا وسائل ل يكن أن تكون نظيفة ول مطابقة للدين واللق ول
مرضية ل سبحانه ولكن تراها ضربة لزب ترى أنه ل مفر من هذا الال التعيس ول
سبيل إل اللقاء بي طريق الدنيا وطريق الخرة كل إنا ليست ضربة لزب فالعداء بي
الدنيا والخرة ; والفتراق بي طريق الدنيا وطريق الخرة ليس هو القيقة النهائية الت ل
تقبل التبديل بل إنا ليست من طبيعة هذه الياة أصل إنا هي عارض ناشى ء من انراف
طارى ء إن الصل ف طبيعة الياة النسانية أن يلتقي فيها طريق الدنيا وطريق الخرة ;
وأن يكون الطريق إل صلح الخرة هو ذاته الطريق إل صلح الدنيا وأن يكون النتاج
والنماء والوفرة ف عمل الرض هو ذاته الؤهل لنيل ثواب الخرة كما أنه هو الؤهل
لرخاء هذه الياة الدنيا ; وأن يكون اليان والتقوى والعمل الصال هي أسباب عمران
هذه الرض كما أنا هي وسائل الصول على رضوان ال وثوابه الخروي هذا هو
الصل ف طبيعة الياة النسانية ولكن هذا الصل ل يتحقق إل حي تقوم الياة على
منهج ال الذي رضيه للناس فهذا النهج هو الذي يعل العمل عبادة وهو الذي يعل
اللفة ف الرض وفق شريعة ال فريضة واللفة عمل وإنتاج ووفرة وناء وعدل ف
التوزيع يفيض به الرزق على الميع من فوقهم ومن تت أرجلهم كما يقول ال ف كتابه
127
الكري إن التصور السلمي يعل وظيفة النسان ف الرض هي اللفة عن ال بإذن ال
وفق شرط ال ومن ث يعل العمل النتج الثمر وتوفي الرخاء باستخدام كل مقدرات
الرض وخاماتا ومواردها بل الامات والوارد الكونية كذلك هو الوفاء بوظيفة اللفة
ويعتب قيام النسان بذه الوظيفة وفق منهج ال وشريعته حسب شرط الستخلف طاعة
ل ينال عليها العبد ثواب الخرة ; بينما هو بقيامه بذه الوظيفة على هذا النحو يظفر
بيات الرض الت سخرها ال له ; ويفيض عليه الرزق من فوقه ومن تت رجليه كما
يصور التعبي القرآن الميل ووفق التصور السلمي يعتب النسان الذي ل يفجر ينابيع
الرض ول يستغل طاقات الكون السخرة له عاصيا ل ناكل عن القيام بالوظيفة الت
خلقه ال لا وهو يقول للملئكة إن جاعل ف الرض خليفة وهو يقول كذلك للناس
وسخر لكم ما ف السماوات وما ف الرض جيعا منه ومعطل لرزق ال الوهوب للعباد
وهكذا يسر الخرة لنه خسر الدنيا والنهج السلمي بذا يمع بي العمل للدنيا
والعمل للخرة ف توافق وتناسق فل يفوت على النسان دنياه لينال آخرته ول يفوت
عليه آخرته لينال دنياه فهما ليسا نقيضي ول بديلي ف التصور السلمي هذا بالقياس إل
جنس النسان عامة وبالقياس إل الماعات النسانية الت تقوم ف الرض على منهج ال
فأما بالقياس إل الفراد فإن المر ل يتلف إذ أن طريق الفرد وطريق الماعة ف النهج
السلمي ل يتلفان ول يتصادمان ول يتعارضان فالنهج يتم على الفرد أن يبذل أقصى
طاقته السمية والعقلية ف العمل والنتاج ; وأن يبتغي ف العمل والنتاج وجه ال فل
يظلم ول يغدر ول يغش ول يون ول يأكل من سحت ول يتجز دون أخيه الحتاج ف
الماعة شيئا يلكه مع العتراف الكامل له بلكيته الفردية لثمرة عمله والعتراف
للجماعة بقها ف ماله ف حدود ما فرض ال وما شرع والنهج يسجل للفرد عمله ف
هذه الدود ووفق هذه العتبارات عبادة ل يزيه عليها بالبكة ف الدنيا وبالنة ف
الخرة ويربط النهج بي الفرد وربه رباطا أقوى بالشعائر التعبدية الت يفرضها عليه ;
ليستوثق بذا الرباط من تدد صلته بال ف اليوم الواحد خس مرات بالصلة وف العام
الواحد ثلثي يوما بصوم رمضان وف العمر كله بج بيت ال وف كل موسم أو ف كل
عام بإخراج الزكاة ومن هنا قيمة هذه الفرائض التعبدية ف النهج السلمي إنا تديد
128
للعهد مع ال على الرتباط بنهجه الكلي للحياة وهي قرب ل يتجدد معها العزم على
النهوض بتكاليف هذا النهج الذي ينظم أمر الياة كلها ويتول شئون العمل والنتاج
والتوزيع والكم بي الناس ف علقاتم وف خلفاتم ويتجدد معها الشعور بعون ال
ومدده على حل التكاليف الت يتطلبها النهوض بذا النهج الكلي التكامل والتغلب على
شهوات الناس وعنادهم وانرافهم وأهوائهم حي تقف ف الطريق وليست هذه الشعائر
التعبدية أمورا منفصلة عن شئون العمل والنتاج والتوزيع والكم والقضاء والهاد لقرار
منهج ال ف الرض وتقرير سلطانه ف حياة الناس إنا اليان والتقوى والشعائر التعبدية
شطر النهج العي على أداء شطره الخر وهكذا يكون اليان والتقوى وإقامة منهج ال
ف الياة العملية سبيل للوفرة والفيض كما بعد ال الناس ف هاتي اليتي الكريتي إن
التصور السلمي وكذلك النهج السلمي النبثق منه ل يقدم الياة الخرة بديل من
الياة الدنيا ول العكس إنا يقدمهما معا ف طريق واحد وبهد واحد ولكنهما ل يتمعان
كذلك ف حياة النسان إل إذا اتبع منهج ال وحده ف الياة دون أن يدخل عليه
تعديلت مأخوذة من أوضاع أخرى ل تنبثق من منهج ال أو مأخوذة من تصوراته الذاتية
الت ل تضبط بذا النهج ففي هذا النهج وحده يتم ذلك التناسق الكامل والتصور
السلمي وكذلك النهج السلمي النبثق منه ل يقدم اليان والعبادة والصلح والتقوى
بديل من العمل والنتاج والتنمية والتحسي ف واقع الياة الادية وليس هو النهج الذي
يعد الناس فردوس الخرة ويرسم لم طريقه ; بينما يدع الناس أن يرسوا لنفسهم الطريق
الؤدي إل فردوس الدنيا كما يتصور بعض السطحيي ف هذا الزمان فالعمل والنتاج
والتنمية والتحسي ف واقع الياة الدنيا تثل ف التصور السلمي والنهج السلمي فريضة
اللفة ف الرض واليان والعبادة والصلح والتقوى تثل الرتباطات والضوابط والدوافع
والوافز لتحقيق النهج ف حياة الناس وهذه وتلك معا هي مؤهلت الفردوس الرضي
والفردوس الخروي معا ; والطريق هو الطريق ول فصام بي الدين والياة الواقعية الادية
كما هو واقع ف الوضاع الاهلية القائمة ف الرض كلها اليوم والت منها يقوم ف أوهام
الواهي أنه ل مفر من أن يتار الناس الدنيا أو يتاروا الخرة ول يمعوا بينهما ف تصور
أو ف واقع لنما ل تتمعان إن هذا الفصام النكد بي طريق الدنيا وطريق الخرة ف حياة
129
الناس وبي العمل للدنيا والعمل للخرة وبي العبادة الروحية والبداع الادي وبي النجاح
ف الياة الدنيا والنجاح ف الياة الخرى إن هذا الفصام النكد ليس ضريبة مفروضة على
البشرية بكم من أحكام القدر التمية إنا هو ضريبة بائسه فرضتها البشرية على نفسها
وهي تشرد عن منهج ال وتتخذ لنفسها مناهج أخرى من عند أنفسها معادية لنهج ال ف
الساس والتاه وهي ضريبة يؤديها الناس من دمائهم وأعصابم ف الياة الدنيا فوق ما
يؤدونه منها ف الخرة وهو أشد وأنكى إنم يؤدونا قلقا وحية وشقاء قلب وبلبلة خاطر
من جراء خواء قلوبم من طمأنينة اليان وبشاشته وزاده وريه إذا هم آثروا اطراح الدين
كله على زعم أن هذا هو الطريق الوحيد للعمل والنتاج والعلم والتجربة والنجاح
الفردي والماعي ف العترك العالي ذلك أنم ف هذه الالة يصارعون فطرتم يصارعون
الوعة الفطرية إل عقيدة تل القلب ول تطيق الفراغ والواء وهي جوعة ل تلؤها
مذاهب اجتماعية أو فلسفية أو فنية على الطلق لنا جوعة النعة إل إله وهم يؤدونا
كذلك قلقا وحيدة وشقاء قلب وبلبلة خاطر إذا هم حاولوا الحتفاظ بعقيدة ف ال
وحاولوا معها مزاولة الياة ف هذا الجتمع العالي الذي يقوم نظامه كله وتقوم أوضاعة
وتقوم تصوراته وتقوم وسائل الكسب فيه ووسائل النجاح على غي منهج ال وتتصادم
فيه العقيدة الدينية واللق الدين والسلوك الدين مع الوضاع والقواني والقيم والوازين
السائدة ف هذا الجتمع النكود وتعان البشرية كلها ذلك الشقاء سواء اتبعت الذاهب
الادية اللادية أو الذاهب الادية الت تاول استبقاء الدين عقيدة بعيدة عن نطام الياة
العملية وتتصور أو يصور لا أعداء البشرية أن الدين ل وأن الياة للناس وأن الدين عقيدة
وشعور وعبادة وخلق والياة نظام وقانون وإنتاج وعمل وتؤدي البشرية هذه الضريبة
الفادحة ضريبة الشقاء والقلق والية والواء لنا ل تتدي إل منهج ال الذي ل يفصل
بي الدنيا والخرة بل يمع ; ول يقيم التناقض والتعارض بي الرخاء ف الدنيا والرخاء ف
الخرة بل ينسق ول يوز أن تدعنا ظواهر كاذبة ف فترة موقوتة إذ نرى أما ل تؤمن ول
تتقي ول تقيم منهج ال ف حياتا وهي موفورة اليات كثية النتاج عظيمة الرخاء إنه
رخاء موقوت حت تفعل السنن الثابتة فعلها الثابت وحت تظهر كل آثار الفصام النكد بي
البداع الادي والنهج الربان والن تظهر بعض هذه الثار ف صور شت تظهر ف سوء
130
التوزيع ف هذه المم ما يعل الجتمع حافل بالشقاء وحافل بالحقاد وحافل بالخاوف
من النقلبات التوقعة نتيجة هذه الحقاد الكظيمة وهو بلء على رغم الرخاء وتظهر ف
الكبت والقمع والوف ف المم الت أرادت أن تضمن نوعا من عدالة التوزيع واتذت
طريق التحطيم والقمع والرهاب ونشر الوف والذعر لقرار الجراءات الت تأخذ با
لعادة التوزيع وهو بلء ل يأمن النسان فيه على نفسه ول يطمئن ول يبيت ليلة ف سلم
وتظهر ف النلل النفسي واللقي الذي يؤدي بدوره إن عاجل أو آجل إل تدمي الياة
الادية ذاتا فالعمل والنتاج والتوزيع كلها ف حاجة إل ضمانة الخلق والقانون
الرضي وحده عاجز كل العجز عن تقدي الضمانات لسي العمل كما نرى ف كل مكان
وتظهر ف القلق العصب والمراض النوعة الت تتاح أمم العال وباصة أشدها رخاء ماديا
ما يهبط بستوى الذكاء والحتمال ويهبط بعد ذلك بستوى العمل والنتاج وينتهي إل
تدمي القتصاد الادي والرخاء وهذه الدلئل اليوم واضحة وضوحا كافيا يلفت النظار
وتظهر ف الوف الذي تعيش فيه البشرية كلها من الدمار العالي التوقع ف كل لظة ; ف
هذا العال الضطرب ; الذي توم حوله نذر الرب الدمرة وهو خوف يضغط على
أعصاب الناس من حيث يشعرون أو ل يشعرون ; فيصيبهم بشت المراض العصبية ول
ينتشر الوت بالسكتة وانفجار الخ والنتحار كما انتشر ف أمم الرخاء وتظهر هذه الثار
كلها بصورة متقدمة واضحة ف ميل بعض الشعوب إل الندثار والدمار وأظهر المثلة
الاضرة تتجلى ف الشعب الفرنسي وليس هذا إل مثل للخرين ف فعل الفتراق بي
النشاط الادي والنهج الربان ; وافتراق الدنيا والخرة وافتراق الدين والياة ; أو اتاذ
منهج للخرة من عند ال واتاذ منهج للدنيا من عند الناس ; وإيقاع هذا الفصام النكد
بي منهج ال وحياة الناس وقبل أن ننهي هذا التعليق على التقرير القرآن لتلك القيقة
الكبية نب أن نؤكد أهية التناسق ف منهج ال بي اليان والتقوى وإقامة النهج ف
الياة الواقعية للناس وبي العمل والنتاج والنهوض باللفة ف الرض فهذا التناسق هو
الذي يقق شرط ال لهل الكتاب ولكل جاعة من الناس أن يأكلوا من فوقهم ومن تت
أرجلهم ف الدنيا وأن تكفر عنهم سيئاتم ويدخلوا جنات النعيم ف الخرة ; وأن يتمع
لم الفردوس الرضي بالوفرة والكفاية مع السلم والطمأنينة وفردوس الخرة با فيه من
131
نعيم ورضوان ولكننا مع هذا التوكيد ل نب أن ننسى أن القاعدة الول والركيزة
الساسية هي اليان والتقوى وتقيق النهج الربان ف الياة الواقعية فهذا يتضمن ف ثناياه
العمل والنتاج والترقية والتطوير للحياة فضل على أن للصلة بال مذاقها الذي يغي كل
طعوم الياة ; ويرفع كل قيم الياة ; ويقوم كل موازين الياة فهذا هو الصل ف التصور
السلمي وف النهج السلمي وكل شيء فيه ييء تبعا له ومنبثقا منه ومعتمدا عليه ث
يتم تام المر كله ف الدنيا والخرة ف تناسق واتساق وينبغي أن نذكر أن اليان والتقوى
والعبادة والصلة بال وإقامة شريعة ال ف الياة كل أولئك ثرته للنسان وللحياة النسانية
فال سبحانه غن عن العالي وإذا شدد النهج السلمي ف هذه السس وجعلها مناط
العمل والنشاط ; ورد كل عمل وكل نشاط ل يقوم عليها وعده باطل ل يقبل وحابطا
ل يعيش وذاهبا مع الريح فليس هذا لن ال سبحانه يناله شيء من إيان العباد وتقواهم
وعبادتم له وتقيق منهجه للحياة ولكن لنه سبحانه يعلم أن ل صلح لم ول فلح إل
بذا النهاج ف الديث القدسي عن أب ذر رضي ال عنه عن النب ص فيما روى عن ربه
تبارك وتعال أنه قال « يا عبادي إن حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم مرما فل
تظالوا يا عبادي كلكم ضال إل من هديته فاستهدون أهدكم يا عبادي كلكم جائع إل
من أطعمته فاستطعمون أطعمكم يا عبادي كلكم عار إل من كسوته فاستكسون
أكسكم يا عبادي إنكم تطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جيعا فاستغفرون أغفر
لكم يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضرون ولن تبلغوا نفعي فتنفعون يا عبادي لو أن
أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك ف
ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل
واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم
قاموا ف صعيد واحد فسألون فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك ما عندي إل
كما ينقص الخيط إذا أدخل البحر يا عبادي إنا هي أعمالكم أحصيها لكم ث أوفيكم
إياها فمن وجد خيا فليحمد ال ; ومن وجد غي ذلك فل يلومن إل نفسه » رواه مسلم
وعلى هذا الساس ينبغي أن ندرك وظيفة اليان والتقوى والعبادة وإقامة منهج ال ف
الياة والكم بشريعة ال فهي كلها لسابنا نن لساب هذه البشرية ف الدنيا والخرة
132
جيعا وهي كلها ضروريات لصلح هذه البشرية ف الدنيا والخرة جيعا ونسب أننا
لسنا ف حاجة لن نقول إن هذا الشرط اللي لهل الكتاب غي خاص بأهل الكتاب
فالشرط لهل الكتاب يتضمن اليان والتقوى وإقامة منهج ال التمثل ف ما أنزل إليهم ف
التوراة والنيل وما أنزل إليهم من ربم وذلك بطبيعة الال قبل البعثة الخية فأول
بالشرط الذين أنزل إليهم القرآن أول بالشرط الذين يقولون إنم مسلمون فهؤلء هم
الذين يتضمن دينهم بالنص اليان با أنزل إليهم وما أنزل من قبل والعمل بكل ما أنزل
إليهم وما استبقاه ال ف شرعهم من شرع من قبلهم وهم أصحاب الدين الذي ل يقبل
ال غيه من أحد وقد انتهى إليه كل دين قبله ; ول يعد هناك دين يقبله ال غيه أو يقبل
من أحد غيه فهؤلء أول أن يكون شرط ال وعهده لم وهؤلء أول أن يرتضوا ما
ارتضاه ال منهم وأن يستمتعوا با يشرطه ال لم من تكفي السيئات ودخول النة ف
الخرة ; ومن الكل من فوقهم ومن تت أرجلهم ف الدنيا إنم أول أن يستمتعوا با
يشرطه ال لم بدل من الوع والرض والوف والشظف الذي يعيشون فيه ف كل أرجاء
الوطن السلمي أو الذي كان إسلميا بتعبي أصح وشرط ال قائم ; والطريق إليه
معروف لو كانوا يعقلون الوحدة السادسة الوضوع بيان كفر وانراف وإفساد أهل
الكتاب مقدمة الوحدة تقرير نوع العلقة بي الماعة السلمة وأهل الكتاب يضي هذا
الدرس ف بيان حال أهل الكتاب من اليهود والنصارى وكشف النراف فيما يعتقدون
وكشف السوء فيما يصنعون ; ف تاريهم كله وباصة اليهود كما يضي ف تقرير نوع
العلقة بنيهم وبي الرسول ص والماعة السلمة ; وواجب الرسول ص ف تعامله معهم
وواجب السلمي ذلك إل تقرير حقائق أساسية ضخمة ف أصول التصور العتقادي ;
وف أصول النشاط الركي للجماعة السلمة تاه العتقدات النحرفة وتاه النحرفي لقد
نادى ال سبحانه الرسول ص وكلفه تبليغ ما أنزل إليه من ربه كل ما أنزل إليه ل يستبقي
منه شيئا ول يؤخر منه شيئا مراعاة للظروف واللبسات أو تنبا للصطدام بأهواء الناس
وواقع الجتمع وإن ل يفعل فما يكون قد بلغ ومن هذا الذي كلف الرسول ص تبليغه أن
يابه أهل الكتاب بأنم ليسوا على شيء حت يقيموا التوراة والنيل وما أنزل إليهم من
ربم هكذا قاطعة جازمة صرية جاهرة وأن يعلن كذلك كفر اليهود بنقضهم اليثاق
133
وقتلهم النبياء وكفر النصارى بقولم إن ال هو السيح عيسى بن مري وقولم إن ال
ثالث ثلثة كما يعلن أن السيح عليه السلم أنذر بن إسرائيل عاقبة الشرك وتري ال
النة على الشركي وأن بن إسرائيل لعنوا على لسان داود وعيسى بن مري بعصيانم
وعدوانم وينتهي الدرس بكشف موقف أهل الكتاب من مظاهرة الشركي على السلمي
وإعلن أن هذا ناشيء من عدم إيانم بال والنب وأنم مدعوون إل اليان با جاء به
ممد ص وإل فما هم بالؤمني ونأخذ بعد هذا الجال ف مواجهة النصوص بالتفصيل
الدرس الول وجوب التبليغ وبيان الؤمن من الكافر يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من
ربك وإن ل تفعل فما بلغت رسالته وال يعصمك من الناس إن ال ل يهدي القوم
الكافرين قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حت تقيموا التوراة والنيل وما أنزل إليكم
من ربكم وليزيدن كثيا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا فل تأس على القوم
الكافرين إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بال واليوم الخر
وعمل صالا فل خوف عليهم ول هم يزنون (الظلل)
**************************
وأمر سبحانه وتعال بقتالم حت يؤمنوا أو يعطوا الزية عن يد وهم صاغرون :
قال تعال { :قَاتِلُوا الّذِينَ لَا ُي ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَلَا بِاْلَي ْومِ الْآَ ِخ ِر وَلَا يُحَ ّرمُونَ مَا حَ ّرمَ اللّ ُه
ج ْزَيةَ عَ ْن يَ ٍد َوهُمْ
وَ َرسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَ ّق مِ َن الّذِينَ أُوتُوا الْ ِكتَابَ َحتّى ُيعْطُوا الْ ِ
صَاغِرُونَ ([ )29التوبة} ]30 ،29/
وقد حدد السياق من هذه الصفات القائمة :
أولً :أنم ل يؤمنون بال ول باليوم الخر .
ثانيا :أنم ل يرمون ما حرم ال ورسوله .
ثالثا :أنم ل يدينون دين الق .
ث بي ف اليات التالية كيف أنم ل يؤمنون بال ول باليوم الخر ،ول يرمون ما حرم
ال ورسوله ول يدينون دين الق .
وذلك بأنم :
134
أولً :قالت اليهود عزير ابن ال وقالت النصارى السيح ابن ال؛ وأن هذا القول يضاهئ
قول الذين كفروا من قبلهم من الوثنيي .فهم مثلهم ف هذا العتقاد الذي ل يعد صاحبه
مؤمنا بال ول باليوم الخر ( .وسنبي بالضبط كيف أنه ل يؤمن باليوم الخر ) .
ثانيا :اتذوا أحبارهم ورهبانم أربابا من دون ال ،والسيح ابن مري .وأن هذا مالف
لدين الق . .وهو الدينونة ل وحده بل شركاء . .فهم بذا مشركون ل يدينون دين
الق . .
ثالثا :يريدون أن يطفئوا نور ال بأفواههم .فهم ماربون لدين ال .ول يارب دين ال
مؤمن بال واليوم الخر يدين دين الق أبدا .
رابعا :يأكل كثي من أحبارهم ورهبانم أموال الناس بالباطل .فهم إذن ل يرمون ما
حرم ال ورسوله ( سواء كان القصود برسوله رسولم أو ممد صلى ال عليه وسلم ) :
وهذه الصفات كلها كانت واقعة بالقياس إل نصارى الشام والروم .كما أنا واقعة
بالقياس إل غيهم منذ أن حرفت الجامع القدسة دين السيح عليه السلم؛ وقالت ببنوة
عيسى عليه السلم ،وبتثليث القانيم -على كل ما بي الذاهب والفرق من خلف
يلتقي كله على التثليث! -على مدار التاريخ حت الن!
وإذن فهو أمر عام ،يقرر قاعدة مطلقة ف التعامل مع أهل الكتاب ،الذين تنطبق عليهم
هذه الصفات الت كانت قائمة ف نصارى العرب ونصارى الروم . .ول ينع من هذا
العموم أن الوامر النبوية استثنت أفرادا وطوائف بأعيانا لتترك بل قتال كالطفال والنساء
والشيوخ والعجزة والرهبان الذين حبسوا انفسهم ف الديرة . . .بوصفهم غي ماربي
-فقد منع السلم أن يقاتل غي الحاربي من أية ملة -وهؤلء ل تستثنهم الوامر
النبوية لنم ل يقع منهم اعتداء بالفعل على السلمي .ولكن لنه ليس من شأنم أصلً
أن يقع منهم العتداء .فل مل لتقييد هذا المر العام بأن القصود به هم الذين وقع منهم
اعتداء فعلً -كما يقول الهزومون الذين ياولون أن يدفعوا عن السلم التام! -
فالعتداء قائم ابتداء .العتداء على ألوهية ال! والعتداء على العباد بتعبيدهم لغي ال!
والسلم حي ينطلق للدفاع عن ألوهية ال -سبحانه -والدفاع عن كرامة النسان ف
135
الرض ،ل بد أن تواجهه الاهلية بالقاومة والرب والعداء . .ول مفر من مواجهة
طبائع الشياء!
إن هذه الية تأمر السلمي بقتال أهل الكتاب { الذين ل يؤمنون بال ول باليوم الخر }
. .والذي يقول ببنوة عزير ل أو بنوة السيح ل ل يكن أن يقال عنه :إنه يؤمن بال .
وكذلك الذي يقول :إن ال هو السيح ابن مري .أو إن ال ثالث ثلثة .أن إن ال
تسد ف السيح . . .إل آخر التصورات الكنسية الت صاغتها الجامع القدسة على كل
ما بينها من خلف! .
والذين يقولون :إنم لن يدخلوا النار إل أياما معدودات مهما ارتكبوا من آثام بسبب
أنم أبناء ال وأحباؤه وشعب ال الختار ،والذين يقولون :إن كل معصية تغفر بالتاد
بالسيح وتناول العشاء القدس؛ وأنه ل مغفرة إل عن هذا الطريق! هؤلء وهؤلء ل يقال
:إنم يؤمنون باليوم الخر . .
وهذه الية تصف أهل الكتاب هؤلء بأنم { ل يرمون ما حرم ال ورسوله } .وسواء
كان القصود بكلمة { رسوله } هو رسولم الذي أرسل إليهم ،أو هو النب -صلى ال
عليه وسلم -فالفحوى واحدة .ذلك أن اليات التالية فسرت هذا بأنم يأكلون أموال
الناس بالباطل .وأكل أموال الناس بالباطل مرم ف كل رسالة وعلى يد كل رسول . .
وأقرب النماذج لكل أموال الناس بالباطل هو العاملت الربوية .وهو ما يأخذه رجال
الكنيسة مقابل « صك الغفران »! وهو الصد عن دين ال والوقوف ف وجهه بالقوة وفتنة
الؤمني عن دينهم .وهو تعبيد العباد لغي ال وإخضاعهم لحكام وشرائع ل ينلا ال .
.فهذا كله ينطبق عليه { :ول يرمون ما حرم ال ورسوله } . .وهذا كله قائم ف
أهل الكتاب ،كما كان قائما يومذاك!
كذلك تصفهم الية بأنم { ل يدينون دين الق } . .وهذا واضح ما سبق بيانه .فليس
بدين الق أي اعتقاد بربوبية أحد مع ال .كما أنه ليس بدين الق التعامل بشريعة غي
شريعة ال ،وتلقي الحكام من غي ال ،والدينونة لسلطان غي سلطان ال .وهذا كله
قائم ف أهل الكتاب ،كما كان قائما فيهم يومذاك . .
136
والشرط الذي يشترطه النص للكف عن قتالم ليس أن يسلموا . .فل إكراه ف الدين .
ولكن أن يعطوا الزية عن يد وهم صاغرون . .فما حكمة هذا الشرط ،ولاذا كانت
هذه هي الغاية الت ينتهي عندها القتال؟
إن أهل الكتاب بصفاتم تلك حرب على دين ال اعتقادا وسلوكا؛ كما أنم حرب على
الجتمع السلم بكم طبيعة التعارض والتصادم الذاتيي بي منهج ال ومنهج الاهلية
المثلة ف عقيدة أهل الكتاب وواقعهم -وفق ما تصوره هذه اليات -كما أن الواقع
التاريي قد أثبت حقيقة التعارض وطبيعة التصادم؛ وعدم إمكان التعايش بي النهجي؛
وذلك بوقوف أهل الكتاب ف وجه دين ال فعلً ،وإعلن الرب عليه وعلى أهله بل
هوادة خلل الفترة السابقة لنول هذه الية ( وخلل الفترة اللحقة لا إل اليوم أيضا! )
.
والسلم -بوصفه دين الق الوحيد القائم ف الرض -ل بد أن ينطلق لزالة العوائق
الادية من وجهه؛ ولتحرير النسان من الدينونة بغي دين الق؛ على أن يدع لكل فرد
حرية الختيار ،بل إكراه منه ول من تلك العوائق الادية كذلك .
وإذن فإن الوسيلة العملية لضمان إزالة العوائق الادية ،وعدم الكراه على اعتناق السلم
ف الوقت نفسه ،هي كسر شوكة السلطات القائمة على غي دين الق؛ حت تستسلم؛
وتعلن استسلمها بقبول إعطاء الزية فعلً .
وعندئذ تتم عملية التحرير فعلً ،بضمان الرية لكل فرد أن يتار دين الق عن اقتناع .
فإن ل يقتنع بقي على عقيدته ،وأعطى الزية .لتحقيق عدة أهداف :
أولا :أن يعلن بإعطائها استسلمه وعدم مقاومته بالقوة الادية للدعوة إل دين ال الق .
وثانيها :أن يساهم ف نفقات الدفاع عن نفسه وماله وعرضه وحرماته الت يكفلها
السلم لهل الذمة ( الذين يؤدون الزية فيصبحون ف ذمة السلمي وضمانتهم ) ويدفع
عنها من يريد العتداء عليها من الداخل أو من الارج بالجاهدين من السلمي .
وثالثها :الساهة ف بيت مال السلمي الذي يضمن الكفالة والعاشة لكل عاجز عن
العمل ،با ف ذلك أهل الذمة ،بل تفرقة بينهم وبي السلمي دافعي الزكاة .
137
ول نب أن نستطرد هنا إل اللفات الفقهية حول من تؤخذ منهم الزية ومن ل تؤخذ
منهم .ول عن مقادير هذه الزية .ول عن طرق ربطها ومواضع هذا الربط . .ذلك أن
هذه القضية برمتها ليست معروضة علينا اليوم ،كما كانت معروضة علىعهود الفقهاء
الذين أفتوا فيها واجتهدوا رأيهم ف وقتها .
إنا قضية تعتب اليوم « تاريية » وليست « واقعية » . .إن السلمي اليوم ل ياهدون! .
.ذلك أن السلمي اليوم ل يوجدون! . .إن قضية « وجود » السلم ووجود السلمي
هي الت تتاج اليوم إل علج!
والنهج السلمي -كما قلنا من قبل مرارا -منهج واقعي جاد؛ يأب أن يناقش القضايا
العلقة ف الفضاء؛ ويرفض أن يتحول إل مباحث فقهية ل تطبق ف عال الواقع -لن
الواقع ل يضم متمعا مسلما تكمه شريعة ال ،ويصرّف حياته الفقه السلمي -ويتقر
الذين يشغلون أنفسهم ويشغلون الناس بثل هذه الباحث ف أقضية ل وجود لا بالفعل؛
ويسميهم « الرأيتيي » الذين يقولون « :أرأيت لو أن كذا وقع فما هو الكم؟ » .
إن نقطة البدء الن هي نقطة البدء ف أول عهد الناس برسالة السلم . .أن يوجد ف
بقعة من الرض ناس يدينون دين الق؛ فيشهدوا أن ل إله إل ال وأن ممدا رسول ال .
.ومن ث يدينون ل وحده بالاكمية والسلطان والتشريع؛ ويطبقون هذا ف واقع الياة .
.ث ياولون أن ينطلقوا ف الرض بذا العلن العام لتحرير النسان . .ويومئذ -
ويومئذ فقط -سيكون هناك مال لتطبيق النصوص القرآنية والحكام السلمية ف مال
العلقات بي الجتمع السلم وغيه من الجتمعات . .ويومئذ -ويومئذ فقط -يوز
الدخول ف تلك الباحث الفقهية ،والشتغال بصياغة الحكام ،والتقني للحالت
الواقعة الت يواجهها السلم بالفعل ،ل ف عال النظريات!
وإذا كنا قد تعرضنا لتفسي هذه الية -من ناحية الصل والبدأ -فإنا فعلنا هذا لنا
تتعلق بسألة اعتقادية وترتبط بطبيعة النهج السلمي .
*************************
وحرم علينا الدعوة إل السلم ونن العلون :
138
قال تعال ِ { :إ ّن الّذِينَ َكفَرُوا وَصَدّوا عَ ْن َسبِيلِ اللّ ِه ثُ ّم مَاتُوا َوهُمْ ُكفّارٌ فََل ْن َيغْفِرَ اللّ ُه
َلهُمْ (َ )34فلَا َت ِهنُوا َوتَدْعُوا إِلَى السّلْ ِم َوَأْنتُمُ اْلَأعَْلوْ َن وَاللّ ُه َمعَكُ ْم وَلَ ْن َيتِرَكُمْ َأعْمَاَلكُمْ (
[ )35ممد} ]35 ،34/
فالفرصة متاحة فقط للمغفرة ف هذه الدنيا؛ وباب التوبة يظل مفتوحا للكافر والعاصي
حت يغرغر .فإذا بلغت الروح اللقوم فل توبة ول مغفرة ،فقد ذهبت الفرصة الت ل
تعود .
ومثل هذه الية ياطب الؤمني كما ياطب الكفار .فأما هؤلء فهي نذارة لم ليتداركوا
أمرهم ويتوبوا قبل أن تغلق البواب .وأما أولئك فهي تذير لم وتنبيه لتقاء كافة
السباب الت تقرب بم من هذا الطريق الطر الشؤوم!
ندرك هذا من ترتيب النهي عن الوهن والدعوة إل السلم ف الية التالية على ما ورد ف
الية السابقة من بيان لصي الكافرين الشاقي :
{ فل تنوا وتدعوا إل السلم ،وأنتم العلون وال معكم ،ولن يتركم أعمالكم } . .
فهذا هو الذي يذر الؤمني إياه ،ويضع أمامهم مصي الكفار الشاقي للرسول ،
ليحذروا شبحه من بعيد!
وهذا التحذير يشي بوجود أفراد من السلمي كانوا يستثقلون تكاليف الهاد الطويل
ومشقته الدائمة؛ وتن عزائمهم دونه؛ ويرغبون ف السلم والهادنة ليستريوا من مشقة
الروب .وربا كان بعضهم ذوي قرابة ف الشركي ورحم ،أو ذوي مصال وأموال؛
وكان هذا ينح بم إل السلم والهادنة .فالنفس البشرية هي هي؛ والتربية السلمية
تعال هذا الوهن وهذه الواطر الفطرية بوسائلها .وقد نحت ناحا خارقا .ولكن هذا
ل ينفي أن تكون هنالك رواسب ف بعض النفوس ،وباصة ف ذلك الوقت البكر من
العهد الدن .وهذه الية بعض العلج لذه الرواسب .فلننظر كيف كان القرآن يأخذ
النفوس .فنحن ف حاجة إل تري خطوات القرآن ف التربية .والنفوس هي النفوس :
{ فل تنوا وتدعوا إل السلم .وأنتم العلون .وال معكم .ولن يتركم أعمالكم } . .
أنتم العلون .فل تنوا وتدعوا إل السلم .أنتم العلون اعتقادا وتصورا للحياة .وأنتم
العلون ارتباطا وصلة بالعلي العلى .وأنتم العلون منهجا وهدفا وغاية .وأنتم
139
العلون شعورا وخلقا وسلوكا . .ث . .أنتم العلون قوة ومكانا ونصرة .فمعكم
القوة الكبى { :وال معكم } . .فلستم وحدكم .إنكم ف صحبة العلي البار القادر
القهار .وهو لكم نصي حاضر معكم .يدافع عنكم .فما يكون أعدائكم هؤلء وال
معكم؟ وكل ما تبذلون ،وكل ما تفعلون ،وكل ما يصيبكم من تضحيات مسوب لكم
،ل يضيع منه شيء عليكم { :ولن يتركم أعمالكم } . .ولن يقطع منها شيئا ل يصل
إليكم أثره ونتيجته وجزاؤه .
فعلم يهن ويضعف ويدعو إل السلم ،من يقرر ال -سبحانه -له أنه العلى .وأنه
معه .وأنه لن يفقد شيئا من عمله .فهو مكرم منصور مأجور؟
-----------
أضواء البيان ( -ج / 7ص )449
ل َت ِهنُوا } أي ل تضعفوا وتذلوا ،ومنه قوله تعال َ { :فمَا َوهَنُواْ ِلمَآ
وقوله تعال { َف َ
أَصَاَبهُمْ فِي َسبِيلِ ال } [ آل عمران . ] 146 :
وقوله تعال { :ذلكم َوأَنّ ال مُوهِنُ َكيْدِ الكافرين } [ النفال ] 18 :أي مضعف
كيدهم ،وقول زهي بن أب سلمى :
وأخلفتك ابنة البكري ما وعدت ...فأصبح البل منها واهنا خلقا
وقوله تعال َ { :وأَنتُ ُم العلون } جلة حالية فل تضعفوا عن قتال الكفار وتدعوا إل
السلم ،اي تبدؤوا بطلب السلم أي الصلح والهادنة وأنتم العلون .أي والال أنكم
انتم العلون أي القهرون والغلبون لعدائكم ،ولنكم ترجون من ال من النصر
والثواب ما ل يرجون .
وهذا التفسي ف قوله { َوأَنتُمُ العلون } هو الصواب .
وتدل عليه آيات من كتاب ال كقوله تعال بعده { وَاللّ ُه َمعَكُمْ } لن من كان ال معه
هو العلى وهو الغالب وهو القاهر النصور الوعود بالثواب .
فهو جدير بأن ل يضعف عن مقاومة الكفار ول يبدأهم بطلب الصلح والهادنة .
وكقوله تعال َ { :وِإنّ جُن َدنَا َلهُ ُم الغالبون } [ الصافات ، ] 173 :وقله تعال ِ { :إنّا
َلنَنصُرُ ُر ُسَلنَا والذين آ َمنُواْ فِي الياة الدنيا } [ غافر ] 51 :الية ،وقوله { وَكَانَ َحقّا
140
عََلْينَا َنصْ ُر الؤمني } [ الروم ] 47 :وقوله تعال { قَاتِلُوهُ ْم ُيعَ ّذبْهُمُ ال ِبَأيْدِيكُمْ
َويُخْ ِزهِ ْم َوَيْنصُرْكُ ْم عََلْيهِمْ } [ التوبة ] 14 :الية .
وما يوضح معن آية القتال هذه قوله تعال { :وَ َل َتهِنُواْ فِي ابتغآء القوم إِن َتكُونُواْ
تَأْلَمُونَ فَِإّنهُ ْم يَأْلَمُونَ كَمَا َتأْلَمو َن َوتَرْجُونَ مِنَ ال مَا َل يَرْجُونَ } [ النساء ] 104 :
الية ،لن قوله تعال { َوتَرْجُو َن مِنَ ال مَا َل يَرْجُونَ } من النصر الذي وعدكم ال به
والغلبة وجزيل الثواب .
وذلك كقوله هنا { َوأَنتُ ُم العلون } وقوله { :وال َم َعكُم } أي بالنصر والعانة
والثواب .
واعلم أن آية القتال هذه ل تعارض بينها وبي آية النفال حت يقال إن إحداها ناسخة
للخرى ،بل ها ممتان وكل واحدة منهما منلة على حال غي الال الت نزلت عليه
الخرى .
ل َت ِهنُوْا وتدعوا إِلَى السلم } إنا هو عن فالنهي ف آية القتال هذه ف قوله تعال َ { :ف َ
البتداء بطلب السلم .
والمر بالنوح إل السلم ف آية النفال مله فيما إذا ابتدأ الكفار بطلب السلم والنح
لا ،كما هو صريح قوله تعال َ { :وإِن َجنَحُواْ لِلسّلْمِ فاجنح َلهَا َوَتوَكّلْ عَلَى ال }
[ النفال ] 61 :الية .
وقوله تعال ف هذه الية الكرية { وال َمعَكُمْ } قد قدمنا اليات الوشحة له ف آخر
سنُو َن } [سورة النحل ف الكلم على قوله تعال { ِإنّ ال مَعَ الذين اتقوا والذين هُم مّحْ ِ
النحل ] 128 :وهذا الذي ذكرنا ف معن هذه الية أول وأصوب مام فسرها به ابن
كثي رحه ال .
وهو أن العن :ل تدعوا إل الصلح والهادنية وأنتم العلون أي ف حال قوتكم وقدرتكم
على الهاد .
أي ،وأما إن كنتم ف ضعف وعدم قوة فل مانع من أن تدعوا إل السلم أي الصلح
والهادنة ،ومنه قول العباس بن مرداس السلمي :
السلم تأخذ منها ما رضيت به ...والرب تكفيك من أنفساها جرع
141
وقوله تعال ف هذه الية الكرية { وَلَن َيتِرَكُمْ َأعْمَاَلكُمْ } أي لن ينقصكم شيئا من
ثواب أعمالكم .
وهذا العن الذي تضمنته هذه الية الكرية من عدم نقصه تعال شيئا من ثواب العمال
جاء موضحا ف آيات أخر كقوله تعال { َوإِن تُطِيعُواْ ال وَ َرسُولَهُ لَ يَِلتْكُ ْم مّنْ َأعْمَاِلكُمْ
َشيْئا } [ الجرات ] 14 :أي ل ينقصكم من ثوابا شيئا .
ل تُظَْل ُم َن ْفسٌ َشيْئا َوإِن كَا َن ِمْثقَالَ
وقوله تعال َ { :وَنضَ ُع الوازين القسط ِلَي ْومِ القيامة َف َ
ي } [ النبياء . ] 47 : َحّب ٍة مّنْ َخرْدَلٍ َأَتْينَا ِبهَا وكفى ِبنَا حَا ِسبِ َ
واليات بثل ذلك كثية معلومة ،وقد قدمناها مرارا .
وقوله تعال ف هذه الية الكرية { وَلَن َيتِرَكُم } أصله من التواتر ،وهو الفرد .
فأصل قوله :لن يتركم لن يفردكم ويردكم من أعمالكم بل يوفيكم إياها .
***********************
وحرم أسرهم حت نثخن فيهم ونقضي على قوتم :
خنْتُمُوهُمْ فَشُدّوا اْلوَثَا َ
ق ال تعال { :فَإِذَا َلقِيتُ ُم الّذِينَ َكفَرُوا َفضَرْبَ الرّقَابِ َحتّى إِذَا َأثْ َ
حرْبُ َأوْزَارَهَا ذَلِكَ وََلوْ يَشَاءُ اللّهُ لَاْنَتصَ َر ِمنْهُ ْم وََلكِنْ
فَِإمّا َمنّا َبعْ ُد َوِإمّا فِدَاءً َحتّى َتضَ َع الْ َ
ِليَبُْل َو َب ْعضَكُ ْم ِبَب ْعضٍ وَالّذِينَ ُقتِلُوا فِي َسبِيلِ اللّهِ فَلَ ْن ُيضِلّ َأعْمَاَلهُمْ ([ )4ممد} ]4/
واللقاء القصود ف الية هنا هو اللقاء للحرب والقتال ل مرد اللقاء .فحت نزول هذه
السورة كان الشركون ف الزيرة منهم الحارب ومنهم العاهد؛ ول تكن بعد قد نزلت
سورة « براءة » الت تنهي عهود الشركي الحددة الجل إل أجلها ،والطلقة الجل إل
أربعة أشهر؛ وتأمر بقتل الشركي بعد ذلك أن وجدوا ف أناء الزيرة -قاعدة السلم
-أو يسلموا .كي تلص القاعدة للسلم .
وضرب الرقاب الأمور به عند اللقاء ييء بعد عرض السلم عليهم وإبائهم له طبعا .
وهو تصوير لعملية القتل بصورتا السية الباشرة ،وبالركة الت تثلها ،تشيا مع جو
السورة وظللا .
{ حت إذآ أثخنتموهم فشدوا الوثاق } . .
142
والثخان شدة التقتيل ،حت تتحطم قوة العدو وتتهاوى ،فل تعود به قدرة على هجوم
أو دفاع .وعندئذ -ل قبله -يؤسر من استأسر ويشد وثاقه .فأما والعدو ما يزال قويا
فالثخان والتقتيل يكون الدف لتحطيم ذلك الطر .
وعلى هذا ل يكون هناك اختلف -كما رأى معظم الفسرين -بي مدلول هذه الية ،
ومدلول آية النفال الت عاتب ال فيها الرسول -صلى ال عليه وسلم -والسلمي
لستكثارهم من السرى ف غزوة بدر .والتقتيل كان أول .وذلك حيث يقول تعال :
{ ما كان لنب أن يكون له أسرى حت يثخن ف الرض تريدون عرض الدنيا وال يريد
الخرة وال عزيز حكيم .لول كتاب من ال سبق لسكم فيما أخذت عذاب عظيم }
فالثخان أولً لتحطيم قوة العدو وكسر شوكته؛ وبعد ذلك يكون السر .
والكمة ظاهرة ،لن إزالة القوة العتدية العادية للسلم هي الدف الول من القتال .
وباصة حي كانت القوة العددية للمة السلمة قليلة مدودة .وكانت الكثرة للمشركي
.وكان قتل مارب يساوي شيئا كبيا ف ميزان القوى حينذاك .والكم ما يزال ساريا
ف عمومه ف كل زمان بالصورة الت تكفل تطيم قوة العدو ،وتعجيزه عن الجوم
والدفاع .
فأما الكم ف السرى بعد ذلك ،فتحدده هذه الية .وهي النص القرآن الوحيد
التضمن حكم السرى :
{ فإما منّا بعد وإما فداء } . .
أي إما أن يطلق سراحهم بعد ذلك بل مقابل من مال أو من فداء لسرى السلمي .وإما
أن يطلق مقابل فدية من مال أو عمل ف نظي إطلق سراح السلمي الأسورين .
وليس ف الية حالة ثالثة .كالسترقاق أو القتل .بالنسبة لسرى الشركي .
ولكن الذي حدث فعلً أن رسول ال -صلى ال عليه وسلم -واللفاء من بعده
استرقوا بعض السرى -وهو الغالب -وقتلوا بعضهم ف حالت معينة .
ونن ننقل هنا ما ورد حول هذه الية ف كتاب ( أحكام القرآن للمام الصاص
النفي ) ونعلق على ما نرى التعليق عليه ف ثناياه .قبل أن نقرر الكم الذي نراه :
143
* قال ال تعال { :فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب } قال أبو بكر قد اقتضى
ظاهره وجوب القتل ل غي إل بعد الثخان .وهو نظي قوله تعال { :ما كان لنب أن
يكون له أسرى حت يثخن ف الرض } ( وهذا صحيح فليس بي النصي خلف ) .
* حدثنا ممد بن جعفر بن ممد بن الكم قال :حدثنا جعفر بن ممد بن اليمان .قال
:حدثنا أبو عبيد قال :حدثنا عبد ال بن صال ،عن معاوية بن صال ،عن علي بن أب
طلحة .عن ابن عباس ف قوله تعال { :ما كان لنب أن يكون له أسرى حت يثخن ف
الرض } قال :ذلك يوم بدر والسلمون يومئذ قليل ،فلما كثروا واشتد سلطانم أنزل
ال تعال بعد هذا ف السارى { :فإما منّا بعد وإما فداء } . .فجعل ال النب والؤمني
ف السارى باليار .إن شاءوا قتلوهم ،وإن شاءوا استعبدوهم ،وإن شاءوا فادوهم .
شك أبو عبيد ف . .وإن شاءوا استعبدوهم ( . .والستعباد مشكوك ف صدور القول به
عن ابن عباس فنتركه .وأما جواز القتل فل نرى له سندا ف الية وإنا نصها الن أو
الفداء ) .
* وحدثنا جعفر بن ممد قال :حدثنا أبو عبيد ،قال :حدثنا أبو مهدي وحجاج ،
كلها عن سفيان .قال :سعت السدي يقول ف قوله { :فإما منّا بعد وإما فداء } . .
قال :هي منسوخة ،نسخها قوله { :فاقتلوا الشركي حيث وجدتوهم } قال أبو بكر
:أما قوله { :فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب } . .وقوله { :ما كان لنب أن
يكون له أسرى حت يثخن ف الرض } .وقوله { :فإما تثقفنّهم ف الرب فشرد بم
من خلفهم }
فإنه جائز أن يكون حكما ثابتا غي منسوخ .وذلك لن ال تعال أمر نبيه -صلى ال
عليه وسلم -بالثخان ف القتل وحظر عليه السر -إل بعد إذلل الشركي وقمعهم -
وكان ذلك وقت قلة عدد السلمي وكثرة عدد عدوهم من الشركي ،فمت أثخن
الشركون وأذلوا بالقتل والتشريد جاز الستبقاء .فالواجب أن يكون هذا حكما ثابتا إذا
وجد مثل الال الت كان عليها السلمون ف أول السلم ( .ونقول :إن المر بقتل
الشركي حيث وجدوا خاص بشركي الزيرة .بينما النص ف سورة ممد عام .فمت
تقق الثخان ف الرض جاز أخذ السارى .وهذا ما جرى عليه اللفاء بعد رسول ال
144
-صلى ال عليه وسلم -وبعد نزول سورة براءة بطبيعة الال ،ول يقتلوهم إل ف
حالت معينة سيأت بيانا ) . .
* وأما قوله { :فإما منّا بعد وإما فداء } . .ظاهره يقتضي أحد شيئي :من أو فداء .
وذلك ينفي جواز القتل .وقد اختلف السلف ف ذلك .حدثنا حجاج عن مبارك بن
فضالة عن السن أنه كره قتل السي ،وقال :م ّن عليه أو فاده .وحدثنا جعفر قال :
حدثنا أبو عبيد قال :أخبنا هشيم .قال :أخبنا أشعث قال :سألت عطاء عن قتل
السي فقال :م ّن عليه أو فاده قال :وسألت السن .قال :يصنع به ما صنع رسول ال
-صلى ال عليه وسلم -بأسارى بدر ،ين عليه أو يفادي به .وروي عن ابن عمر أنه
دفع إليه عظيم من عظماء اصطخر ليقتله ،فأب أن يقتله ،وتل قوله { :فإما منّا بعد
وإما فداء } . .وروي أيضا عن ماهد وممد بن سيين كراهة قتل السي .وقد روينا
عن السدي أن قوله { :فإما منّا بعد وإما فداء } منسوخ بقوله { :فاقتلوا الشركي
حيث وجدتوهم } وروي مثله عن ابن جريج .حدثنا جعفر قال :حدثنا أبو عبيد قال :
حدثنا حجاج ،عن ابن جريج ،قال :هي منسوخة .وقال :قتل رسول ال -صلى ال
عليه وسلم -عقبة ابن أب معيط يوم بدر صبا ،قال أبو بكر :اتفق فقهاء المصار على
جواز قتل السي ل نعلم بينهم خلفا فيه ،وقد تواترت الخبار عن النب -صلى ال
عليه وسلم -ف قتله السي ،منها قتله عقبة بن أب معيط ،والنضر بن الارث بعد
السر يوم بدر .وقتل يوم أحد أبا عزة الشاعر بعدما أسر .وقتل بن قريظة بعد نزولم
على حكم سعد بن معاذ ،فحكم فيهم بالقتل وسب الذرية .ومنّ على الزبي بن باطا من
بينهم ،وفتح خيب بعضها صلحا وبعضها عنوة ،وشرط على ابن أب القيق أل يكتم
شيئا ،فلما ظهر على خيانته وكتمانه قتله .وفتح مكة وأمر بقتل هلل بن خطل ،
ومقيس بن حبابة ،وعبد ال بن أب سرح ،وآخرين ،وقال :
« اقتلوهم وإن جدتوهم متعلقي بأستار الكعبة » وم ّن على أهل مكة ول يغنم أموالم .
وروي عن صال ابن كيسان عن ممد بن عبد الرحن عن أبيه عبد الرحن بن عوف ،أنه
سع أبا بكر الصديق يقول « :وددت أن يوم أتيت بالفجاءة ل أكن أحرقته ،وكنت
قتلته سريا ،أو أطلقته نيحا » .وعن أب موسى أنه قتل دهقان السوس بعدما أعطاه
145
المان على قوم ساهم ونسي نفسه فلم يدخلها ف المان فقتله .فهذه آثار متواترة عن
النب -صلى ال عليه وسلم -وعن الصحابة ف جواز قتل السي وف استبقائه .واتفق
فقهاء المصار على ذلك ( .وجواز القتل ل يؤخذ من الية ،ولكن يؤخذ من عمل
رسول ال -صلى ال عليه وسلم -وبعض الصحابة .وتتبع الالت الت وقع فيها القتل
يعطي أنا حالت خاصة ،وراءها أسباب معينة غي مرد التعرض للقتال والسر .فالنضر
بن حارث وعقبة بن أب معيط كلها كان له موقف خاص ف إيذاء رسول ال -صلى
ال عليه وسلم -وإيذاء دعوته .وكذلك أبو عزة الشاعر ،ولبن قريظة كذلك موقف
خاص بارتضائهم حكم سعد بن معاذ سلفا .وهكذا ند ف جيع الالت أسبابا معينة
تفرد هذه الالت من الكم العام للسرى الذي تقرره الية { :فإما منّا بعد وإما
فداء } ) . .
* وإنا اختلفوا ف فدائه ،فقال أصحابنا جيعا ( يعن النفية ) :ل يفادى السي بالال ،
ول يباع السب من أهل الرب فيدوا حربا .وقال أبو حنيفة :ل يفادون بأسرى
السلمي أيضا ،ول يردون حربا أبدا .وقال أبو يوسف وممد :ل بأس أن يفادى
أسرى السلمي بأسرى الشركي .وهو قول الثوري والوزاعي ،وقال الوزاعي :ل
بأس ببيع السب من أهل الرب ،ول يباع الرجال إل أن يفادى بم السلمون .وقال
الزن عن الشافعي :للمام أن ين على الرجال الذين ظهر عليهم أو يفادي بم ،فأما
الجيزون للفداء بأسرى السلمي وبالال فإنم احتجوا بقوله { :فإما منّا بعد وإما فداء }
وظاهره يقتضي جوازه بالال وبالسلمي؛ وبأن النب -صلى ال عليه وسلم -فدى
أسارى بدر بالال .ويتجون للفداء بالسلمي با روى ابن البارك ،عن معمر ،عن
أيوب ،عن أب قلبة ،عن أب الهلب ،عن عمران ابن حصي .قال « :أسرت ثقيف
رجلي من أصحاب النب -صلى ال عليه وسلم -وأسر أصحاب النب -صلى ال عليه
وسلم -رجلً من بن عامر ابن صعصعة؛ فمر به النب -صلى ال عليه وسلم -وهو
موثق ،فناداه ،فأقبل إليه رسول ال -صلى ال عليه وسلم -فقال :علم أحبس؟ قال
» :بريرة حلفائك « .فقال السي :إن مسلم ،فقال النب -صلى ال عليه وسلم : -
» لو قلتها وأنت تلك أمرك لفلحت كل الفلح « .ث مضى رسول ال -صلى ال
146
عليه وسلم -فناداه أيضا ،فأقبل ،فقال :إن جائع فأطعمن .فقال النب -صلى ال
عليه وسلم » : -هذه حاجتك « .ث إن النب -صلى ال عليه وسلم -فداه بالرجلي
اللذين كانت ثقيف أسرتما »
( وحجة القائلي بالفداء أرجح ف تقديرنا من حجة أصحاب المام الصاص على
الختلف ف الفداء بالال أو بأسرى السلمي ) .
* وقد ختم المام الصاص القول ف السألة بترجيح رأي أصحابه النفية قال :وأما ما
ف الية من ذكر الن والفداء ،وما روي ف أسارى بدر فإن ذلك منسوخ بقوله :
{ فاقتلوا الشركي حيث وجدتوهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لم كل مرصد فإن
تابوا وأقاموا الصلة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم } وقد روينا ذلك عن السدي وابن
جريج .وقوله تعال { :قاتلوا الذين ل يؤمنون بال ول باليوم الخر } إل قوله :
{ حت يعطوا الزية عن يد وهم صاغرون } فتضمنت اليتان وجوب القتال للكفار حت
يسلموا أو يؤدوا الزية .والفداء بالال أو بغيه يناف ذلك .ول يتلف أهل التفسي
ونقلة الثار أن سورة « براءة » بعد سورة « ممد » -صلى ال عليه وسلم -فوجب
أن يكون الكم الذكور فيها ناسخا للفداء الذكور ف غيها ( . .وقد سبق القول بأن
هذا القتل للمشركي -أو السلم -مقصود به مشركو الزيرة فهو حكم خاص بم .
أما غيهم خارجها فتقبل منهم الزية كما تقبل من أهل الكتاب .وقبول الزية عند
التسليم ل ينفي أن يقع السرى ف أيدي السلمي من قبل التسليم .فهؤلء السرى ما
الكم فيهم؟ نقول :إنه يوز الن عليهم إذا رأى المام الصلحة ،أو الفداء بم بالال أو
بالسلمي ،إذا ظل قومهم قوة ل تستسلم بعد ول تقبل الزية .فأما عند الستسلم
للجزية فالمر منته بطبيعته وهذه حالة أخرى ،فحكم السرى يظل ساريا ف الالة الت
ل تنته بالزية )
واللصة الت ننتهي إليها أن هذا النص هو الوحيد التضمن حكم السرى .وسائر
النصوص تتضمن حالت أخرى غي حالة السر .وأنه هو الصل الدائم للمسألة .وما
وقع بالفعل خارجا عنه كان لواجهة حالت خاصة وأوضاع وقتية .فقتل بعض السرى
كان ف حالت فردية يكن أن يكون لا دائما نظائر؛ وقد أخذوا بأعمال سابقة على
147
السر ،ل بجرد خروجهم للقتال .ومثال ذلك أن يقع جاسوس أسيا فيحاكم على
الاسوسية ل على أنه أسي .وإنا كان السر وسيلة للقبض عليه ( .الظلل)
00000000000000
إن أهل الكتاب ل يكونوا ينقمون على السلمي ف عهد الرسول صلى ال عليه وسلم
وهم ل ينقمون اليوم على طلئع البعث السلمي -إل أن هؤلء السلمي يؤمنون بال ;
وما أنزله ال إليهم من قرآن ; وما صدق عليه قرآنم ما أنزله ال من قبل من كتب أهل
الكتاب . .
إنم يعادون السلمي لنم مسلمون !
لنم ليسوا يهودا ول نصارى .ولن أهل الكتاب فاسقون منحرفون عما أنزله ال إليهم
; وآية فسقهم وانرافهم أنم ل يؤمنون بالرسالة الخية وهي مصدقة لا بي أيديهم -ل
ما ابتدعوه وحرفوه -ول يؤمنون بالرسول الخي ,وهو مصدق لا بي يديه ; معظم
لرسل ال أجعي .
إنم ياربون السلمي هذه الرب الشعواء ; الت ل تضع أوزارها قط ,ول يب أوارها
طوال ألف وأربعمائة عام ; منذ أن قام للمسلمي كيان ف الدينة ; وتيزت لم شخصية ;
وأصبح لم وجود مستقل ; ناشى ء من دينهم الستقل ,وتصورهم الستقل ,ونظامهم
الستقل ,ف ظل منهج ال الفريد .
إنم يشنون على السلمي هذه الرب الشبوبة لنم -قبل كل شيء -مسلمون ول
يكن أن يطفئوا هذه الرب الشبوبة إل أن يردوا السلمي عن دينهم ; فيصبحوا غي
مسلمي . .
ذلك أن أهل الكتاب أكثرهم فاسقون ; ومن ث ل يبون الستقيمي اللتزمي من السلمي
!
وال -سبحانه -يقرر هذه القيقة ف صورة قاطعة ,وهو يقول لرسوله صلى ال عليه
وسلم ف السورة الخرى( :ولن ترضى عنك اليهود ول النصارى حت تتبع ملتهم) . .
ويقول له ف هذه السورة أن يواجه أهل الكتاب بقيقة بواعثهم وركيزة موقفهم:
(قل:يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إل أن آمنا بال ; وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن
أكثركم فاسقون ?) . .
148
وهذه القيقة الت يقررها ال سبحانه ف مواضع كثية من كلمه الصادق البي ,هي الت
يريد تييعها وتلبيسها وتغطيتها وإنكارها اليوم كثيون من أهل الكتاب ,وكثيون من
يسمون أنفسهم "مسلمي" . .باسم تعاون "التديني" ف وجه الادية واللاد كما
يقولون !
أهل الكتاب يريدون اليوم تييع هذه القيقة بل طمسها وتغطيتها ,لنم يريدون خداع
سكان الوطن السلمي -أو الذي كان إسلميا بتعبي أصح -وتدير الوعي الذي كان
قد بثه فيهم السلم بنهجه الربان القوي .ذلك أنه حي كان هذا الوعي سليما ل
يستطع الستعمار الصليب أن يقف للمد السلمي ,فضل على أن يستعمر الوطن
السلمي . .
ول يكن بد لؤلء -بعد فشلهم ف الروب الصليبية السافرة ,وف حرب التبشي السافرة
كذلك -أن يسلكوا طريق الداع والتخدير ,فيتظاهروا ويشيعوا بي ورثة السلمي ,
أن قضية الدين والرب الدينية قد انتهت ! وأنا كانت مرد فترة تاريية مظلمة عاشتها
المم جيعا ! ث تنور العال و"تقدم" فلم يعد من الائز ول اللئق ول الستساغ أن يقوم
الصراع على أساس العقيدة . .
وأنا الصراع اليوم على الادة !
على الوارد والسواق والستغللت فحسب ! وإذن فما يوز للمسلمي -أو ورثة
السلمي -أن يفكروا ف الدين ول ف صراع الدين !
وحي يطمئن أهل الكتاب -وهم الذين يستعمرون أوطان السلمي -إل استنامة هؤلء
لذا التخدير ;وحي تتميع القضية ف ضمائرهم ; فإن الستعمرين يأمنون غضبة السلمي
ل ; وللعقيدة . .الغضبة الت ل يقفوا لا يوما . .ويصبح المر سهل بعد التنوي
والتخدير . .ول يكسبون معركة العقيدة وحدها .بل يكسبون معها ما وراءها من
السلب والغان والستثمارات والامات ; ويغلبون ف معركة "الادة " بعدما يغلبون ف
معركة "العقيدة " . .فهما قريب من قريب . .
وعملء أهل الكتاب ف الوطن السلمي ,من يقيمهم الستعمار هنا وهناك علنية أو ف
خفية ,يقولون القول نفسه . .
149
لنم عملء يؤدون الدور من داخل الدود . .وهؤلء يقولون عن "الروب الصليبية "
ذاتا:إنا ل تكن "صليبية " !!! ويقولون عن "السلمي" الذين خاضوها تت راية
العقيدة:إنم ل يكونوا "مسلمي" وإنا هم كانوا "قوميي" !
وفريق ثالث مستغفل مدوع ; يناديه أحفاد "الصليبي" ف الغرب الستعمر:أن تعالوا إلينا
.تعالوا نتمع ف ولء ; لندفع عن "الدين" غائلة "اللحدين" ! فيستجيب هذا الفريق
الستغفل الخدوع ; ناسيا أن أحفاد الصلييبي هؤلء وقفوا ف كل مرة مع اللحدين ;
صفا واحدا ,حينما كانت الواجهة للمسلمي ! على مدار القرون ! وما يزالون !
وأنم ل يعنيهم حرب الادية اللادية قدر ما تعنيهم حرب السلم ,ذلك أنم يعرفون
جيدا أن اللادية الادية عرض طارى ء وعدو موقوت ; وأن السلم أصل ثابت وعدو
مقيم ! وإنا هذه الدعوة الموهة لتمييع اليقظة البادئة عند طلئع البعث السلمي ;
وللنتفاع بهد الستغفلي الخدوعي -ف الوقت ذاته -ليكونوا وقود العركة مع
اللحدين لنم أعداء الستعمار السياسيون !
وهؤلء كهؤلء حرب على السلم والسلمي . .
حرب ل عدة فيها للمسلم إل ذلك الوعي الذي يربيه عليه النهج الربان القوي . .
إن هؤلء الذين تدعهم اللعبة أو يتظاهرون بالتصديق ,فيحسبون أهل الكتاب جادين إذ
يدعونم للتضامن والولء ف دفع اللاد عن "الدين" إنا ينسون واقع التاريخ ف أربعة
عشر قرنا -ل استثناء فيها -كما ينسون تعليم ربم لم ف هذا المر بالذات ,وهو
تعليم ل مواربة فيه ,ول مال للحيدة عنه ,وف النفس ثقة بال ويقي بدية ما يقول !
إن هؤلء يتزئون فيما يقولون ويكتبون باليات القرآنية ,والحاديث النبوية ,الت تأمر
السلمي أن يسنوا معاملة أهل الكتاب ; وأن يتساموا معهم ف العيشة والسلوك .
ويغفلون التحذيرات الاسة عن موالتم ; والتقريرات الواعية عن بواعثهم ,والتعليمات
الصرية عن خطة الركة السلمية ,وخطة التنظيم ,الت ترم التناصر والوالة ,لن
التناصر والوالة ل يكونان عند السلم إل ف شأن الدين وإقامة منهجه ونظامه ف الياة
الواقعية ,وليست هناك قاعدة مشتركة يلتقي عليها السلم مع أهل الكتاب ف شأن دينه
-مهما يكن هناك من تلق ف أصول هذه الديان مع دينه قبل تريفها -إذ هم ل
150
ينقمون منه إل هذا الدين ,ول يرضون عنه إل بترك هذا الدين . .كما يقول رب
العالي . .
إن هؤلء من يعلون القرآن عضي ; يزئونه ويزقونه ,فيأخذون منه ما يشاءون -ما
يوافق دعوتم الغافلة الساذجة على فرض براءتا -ويدعون منه ما ل يتفق مع اتاههم
الغافل أو الريب !
ونن نؤثر أن نسمع كلم ال ,ف هذه القضية ,على أن نسمع كلم الخدوعي أو
الادعي ! وكلم ال -سبحانه -ف هذه القضية حاسم واضح صريح مبي . .
ونقف وقفة قصية ف هذا الوضع عند قوله تعال -بعد تقرير أن سبب النقمة هو اليان
بال وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل -أن بقية السبب:
(وأن أكثركم فاسقون)
فهذا الفسق هو شطر الباعث ! فالفسق يمل صاحبه على النقمة من الستقيم . .وهي
قاعدة نفسية واقعية ; تثبتها هذه اللفتة القرآنية العجيبة . .
إن الذي يفسق عن الطريق وينحرف ل يطيق أن يرى الستقيم على النهج اللتزم . .إن
وجوده يشعره دائما بفسقه وانرافه .إنه يتمثل له شاهدا قائما على فسقه هو وانرافه . .
ومن ث يكرهه وينقم عليه .يكره استقامته وينقم منه التزامه ; ويسعى جاهدا لره إل
طريقه ; أو للقضاء عليه إذا استعصى قياده !
إنا قاعدة مطردة ,تتجاوز موقف أهل الكتاب من الماعة السلمة ف الدينة ,إل موقف
أهل الكتاب عامة من السلمي عامة .إل موقف كل فاسق منحرف من كل عصبة
ملتزمة مستقيمة . .والرب الشبوبة دائما على اليين ف متمع الشرار ,وعلى
الستقيمي ف متمع الفاسقي ,وعلى اللتزمي ف متمع النحرفي . .
هذه الرب أمر طبيعي يستند إل هذه القاعدة الت يصورها النص القرآن العجيب . .
ولقد علم ال -سبحانه -أن الي ل بد أن يلقى النقمة من الشر ,وأن الق ل بد أن
يواجه العداء من الباطل ,وأن الستقامة ل بد أن تثي غيظ الفساق ,وأن اللتزام ل بد
أن ير حقد النحرفي .
151
وعلم ال -سبحانه -أن ل بد للخي والق والستقامة واللتزام أن تدفع عن نفسها وأن
توض العركة التمية مع الشر والباطل والفسق والنراف .وأنا معركة ل خيار فيها ,
ول يلك الق أل يوضها ف وجه الباطل .لن الباطل سيهاجه ,ول يلك الي أن
يتجنبها لن الشر ل بد سيحاول سحقه . .
وغفلة -أي غفلة -أن يظن أصحاب الق والي والستقامة واللتزام أنم متروكون من
الباطل والشر والفسق والنراف ; وأنم يلكون تنب العركة ; وأنه يكن أن تقوم هناك
مصالة أو مهادنة ! وخي لم أن يستعدوا للمعركة الحتومة بالوعي والعدة ; من أن
يستسلموا للوهم والديعة . .وهم يومئذ مأكولون مأكولون !
***********************
لقد بي سبحانه وتعال أنم لن يرضوا عنه ول عنا حت نتبع ملتهم :
قال تعال { :وَلَ ْن تَ ْرضَى َعنْكَ الَْيهُو ُد وَلَا النّصَارَى َحتّى َتتّبِ َع مِّلَتهُمْ ُقلْ إِ ّن هُدَى اللّ ِه ُه َو
ك مِنَ اللّ ِه مِنْ وَلِ ّي وَلَا َنصِيٍ ( اْلهُدَى وَلَئِ ِن اّتبَ ْعتَ أَ ْهوَاءَهُ ْم َبعْ َد الّذِي جَا َءكَ مِ َن اْلعِلْ ِم مَا لَ َ
[ )120البقرة} ]121 ،120/
لقد حذر ال المة السلمة إياه؛ من اليهود ومن النصارى سواء .وإذا كان الواقع التاريي
قد حفظ لليهود وقفتهم النكدة للسلم منذ اليوم الول الذي دخل فيه السلم عليهم
الدينة؛ ف صورة كيد ل ينته ول يكف حت اللحظة الاضرة؛ وإذا كان اليهود ل يزالون
يقودون الملة ضد السلم ف كل أرجاء الرض اليوم ف حقد خبيث وكيد لئيم . .فإن
هذا الواقع قد حفظ كذلك للنصارى الصليبيي أنم اتذوا من السلم موقف العداء منذ
واقعة اليموك بي جيش السلمي وجيوش الروم -فيما عدا الالت الت وقع فيها ما
تصفه اليات الت نن بصددها فاستجابت قلوب للسلم ودخلت فيه .وفيما عدا
حالت أخرى آثرت فيها طوائف من النصارى أن تتمي بعدل السلم من ظلم طوائف
أخرى من النصارى كذلك؛ يلقون من ظلمها الوبال! -أما التيار العام الذي يثل موقف
النصارى جلة فهو تلك الروب الصليبية الت ل يب أوارها قط -إل ف الظاهر -منذ
التقى السلم والرومان على ضفاف اليموك!
152
لقد تلت أحقاد الصليبية على السلم وأهله ف الروب الصليبية الشهورة طوال قرني
من الزمان ،كما تلت ف حروب البادة الت شنتها الصليبية على السلم والسلمي ف
الندلس ،ث ف حلت الستعمار والتبشي على الماليك السلمية ف إفريقية أولً ،ث
ف العال كله أخيا .
ولقد ظلت الصهيونية العالية والصليبة العالية حليفتي ف حرب السلم -على كل ما
بينهما من أحقاد -ولكنهم كانوا ف حربم للسلم كما قال عنهم العليم البي :
{ بعضهم أولياء بعض } حت مزقوا دولة اللفة الخية .ث مضوا ف طريقهم ينقضون
هذا الدين عروة عروة .وبعد أن أجهزوا على عروة « الكم » ها هم أولء ياولون
الجهاز على عروة « الصلة »!
ث ها هم أولء يعيدون موقف اليهود القدي مع السلمي والوثنيي .فيؤيدون الوثنية
حيثما وجدت ضد السلم .عن طريق الساعدات الباشرة تارة ،وعن طريق الؤسسات
الدولية الت يشرفون عليها تارة أخرى! وليس الصراع بي الند وباكستان على كشمي
وموقف الصليبية منها ببعيد .
وذلك فوق إقامة واحتضان وكفالة الوضاع الت تتول سحق حركات الحياء والبعث
السلمية ف كل مكان على وجه الرض .وإلباس القائمي بذه الوضاع أثواب البطولة
الزائفة ودق الطبول من حولم ،ليستطيعوا الجهاز على السلم ،ف زحة الضجيج
العالي حول القزام الذين يلبسون أردية البطال!
-------------
تاريخ أهل الكتاب مع المة السلمية
لقد استقبل اليهود رسول ال -صلى ال عليه وسلم -ودينه ف الدينة شر ما يستقبل
أهل دين ساوي رسولً يعرفون صدقه ،ودينا يعرفون أنه الق . .
استقبلوه بالدسائس والكاذيب والشبهات والفت يلقونا ف الصف السلم ف الدينة بكافة
الطرق اللتوية الاكرة الت يتقنها اليهود . .شككوا ف رسالة رسول ال -صلى ال عليه
وسلم -وهم يعرفونه؛ واحتضنوا النافقي وأمدوهم بالشبهات الت ينشرونا ف الو
وبالتهم والكاذيب .وما فعلوه ف حادث تويل القبلة ،وما فعلوه ف حادث الفك ،
153
وما فعلوه ف كل مناسبة ،ليس إل ناذج من هذا الكيد اللئيم . .وف مثل هذه الفاعيل
كان يتنل القرآن الكري .وسور البقرة وآل عمران والنساء والائدة والشر والحزاب
والتوبة وغيها تضمنت من هذا الكثي :
{ ولا جاءهم كتاب من عند ال مصدق لا معهم -وكانوا من قبل يستفتحون على
الذين كفروا -فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ،فلعنة ال على الكافرين ،بئسما اشتروا
به أنفسهم أن يكفروا با أنزل ال -بغيا أن ينل ال من فضله على من يشاء من عباده -
فباءوا بغضب على غضب ،وللكافرين عذاب مهي } [ البقرة . ] 90 - 89 :
{ ولا جاءهم رسول من عند ال مصدق لا معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب
كتاب ال وراء ظهورهم كأنم ل يعلمون } [ البقرة . ] 101 :
{ سيقول السفهاء من الناس :ما ولهم عن قبلتهم الت كانوا عليها .قل :ل الشرق
والغرب يهدي من يشاء إل صراط مستقيم } [ البقرة . ] 142 :
{ يا أهل الكتاب ل تكفرون بآيات ال وأنتم تشهدون .يا أهل الكتاب ل تلبسون الق
بالباطل وتكتمون الق وأنتم تعلمون؟ } [ آل عمران . ] 71 - 70 :
{ وقالت طائفة من أهل الكتاب :آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا
آخره لعلهم يرجعون } [ آل عمران . ] 72 :
{ وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ،
ويقولون هو من عند ال ،وما هو من عند ال ويقولون على ال الكذب وهم يعلمون }
[ آل عمران . ] 78 :
{ قل :يا أهل الكتاب ل تكفرون بآيات ال وال شهيد على ما تعملون؟ قل يا أهل
الكتاب ل تصدون عن سبيل ال من آمن تبغونا عوجا وأنتم شهداء وما ال بغافل عما
تعملون } [ آل عمران . ] 99 - 98 :
{ يسألك أهل الكتاب أن تنل عليهم كتابا من السماء! فقد سألوا موسى أكب من
ذلك ،فقالوا :أرنا ال جهرة ،فأخذتم الصاعقة بظلمهم؛ ث اتذوا العجل من بعد ما
جاءتم البينات } . . .
[ النساء . ] 153 :
154
{ يريدون أن يطفئوا نور ال بأفواههم ،ويأب ال إل أن يتم نوره ولو كره الكافرون } .
[ . .التوبة . ] 32 :
كذلك شهد التاريخ نقض اليهود لعهودهم مرة بعد مرة وترشهم بالسلمي ،ما أدى إل
وقائع بن قينقاع وبن النضي وبن قريظة وخيب .كما شهد تأليب اليهود للمشركي ف
الحزاب ،ما هو معروف مشهور .
ث تابع اليهود كيدهم للسلم وأهله منذ ذلك التاريخ . .كانوا عناصر أساسية ف إثارة
الفتنة الكبى الت قتل فيها الليفة الراشد عثمان بن عفان -رضي ال عنه -وانتثر بعدها
شل التجمع السلمي إل حد كبي . .
وكانوا رأس الفتنة فيما وقع بعد ذلك بي علي -رضي ال عنه -ومعاوية . .وقادوا
حلة الوضع ف الديث والسية وروايات التفسي . .وكانوا من المهدين لملة التتار
على بغداد وتقويض اللفة السلمية . . .
فأما ف التاريخ الديث فهم وراء كل كارثة حلت بالسلمي ف كل مكان على وجه
الرض؛ وهم وراء كل ماولة لسحق طلئع البعث السلمي؛ وهم حاة كل وضع من
الوضاع الت تتول هذه الحاولة ف كل أرجاء العال السلمي!
ذلك شأن اليهود ،فأما شأن الفريق الخر من أهل الكتاب ،فهو ل يقل إصرارا على
العداوة والرب من شأن اليهود!
لقد كانت بي الرومان والفرس عداوات عمرها قرون . .ولكن ما إن ظهر السلم ف
الزيرة؛ وأحست الكنيسة بطورة هذا الدين الق على ما صنعته هي بأيديها وسته «
السيحية » وهو ركام من الوثنيات القدية ،والضاليل الكنسية ،متلبسا ببقايا من
كلمات السيح -عليه السلم -وتاريه . .حت رأينا الرومان والفرس ينسون ما بينهم
من نزاعات تارييه قدية وعداوات وثارات عميقة ،ليواجهوا هذا الدين الديد .
ولقد أخذ الروم يتجمعون ف الشمال هم وعمالم من الغساسنة لينقضوا على هذا الدين .
وذلك بعد أن قتلوا الارث بن عمي الزدي رسول رسول ال -صلى ال عليه وسلم -
إل عامل بصرى من قبل الروم -وكان السلمون يؤمنون الرسل ولكن النصارى غدروا
برسول النب صلى ال عليه وسلم وقتلوه -ما جعل رسول ال -صلى ال عليه وسلم -
155
يبعث بيش المراء الشهداء الثلثة :زيد بن حارثة ،وجعفر بن أب طالب ،وعبد ال بن
رواحة ف غزوة « مؤتة » فوجدوا تمعا للروم تقول الروايات عنه :إنه مائة ألف من
الروم ومعه من عملئهم ف الشام من القبائل العربية النصرانية مائة ألف أخرى؛ وكان
جيش السلمي ل يتجاوز ثلثة آلف مقاتل .وكان ذلك ف جادى الول من السنة
الثامنة للهجرة .
ث كانت غزوة تبوك
ث كان جيش أسامة بن زيد الذي أعده رسول ال -صلى ال عليه وسلم -قبيل وفاته؛
ث أنفذه الليفة الراشد أبو بكر -رضي ال عنه -إل أطراف الشام؛ لواجهة تلك
التجمعات الرومانية الت تستهدف القضاء على هذا الدين!
ث اشتعل مرجل القد الصليب منذ موقعة اليموك الظافرة ،الت أعقبها انطلق السلم
لتحرير الستعمرات المباطورية الرومانية ف الشام ومصر وشال إفريقية وجزر البحر
البيض .ث بناء القاعدة السلمية الوطيدة ف الندلس ف النهاية .
إن « الروب الصليبية » العروفة بذا السم ف التاريخ ،ل تكن هي وحدها الت شنتها
الكنيسة على السلم ،لقد كانت هذه الروب مبكرة قبل هذا الوعد بكثي . .لقد
بدأت ف القيقة منذ ذلك التاريخ البعيد . .منذ أن نسي الرومان عداواتم مع الفرس؛
وأخذ النصارى يعينون الفرس ضد السلم ف جنوب الزيرة .ث بعد ذلك ف « مؤتة »
.ث فيما تل موقعة اليموك الظافرة . .ث تلت ضراوتا ووحشيتها ف الندلس عندما
زحفت الصليبية على القاعدة السلمية ف أوربة ،وارتكبت من الوحشية ف تعذيب
مليي السلمي وقتلهم هناك ما ل يعرف التاريخ له نظيا من قبل . .وكذلك تلت ف
الروب الصليبية ف الشرق بثل هذه البشاعة الت ل تتحرج ول تتذمم؛ ول تراعي ف
السلمي إِلّ ول ذمة .
وما جاء ف كتاب « حضارة العرب » لوستاف لوبون -وهو فرنسي مسيحي : -
« كان أول ما بدأ به ريكاردوس النليزي أنه قتل أمام معسكر السلمي ،ثلث آلف
أسي سلموا أنفسهم إليه ،بعد أن قطع على نفسه العهد بقن دمائهم .ث أطلق لنفسه
العنان باقتراف القتل والسلب ،ما أثار صلح الدين اليوب النبيل ،الذي رحم نصارى
156
القدس ،فلم يسهم بأذى ،والذي أمد فيليب وقلب السد بالرطبات والدوية
والزواد ،أثناء مرضهما » .
كذلك كتب كاتب مسيحي آخر ( اسه يورجا ) يقول :
« ابتدأ الصليبيون سيهم على بيت القدس بأسوأ طالع ،فكان فريق من الجاج
يسفكون الدماء ف القصور الت استولوا عليها .وقد أسرفوا ف القسوة فكانوا يبقرون
البطون .ويبحثون عن الدناني ف المعاء! أما صلح الدين ،فلما استرد بيت القدس
بذل المان للصليبيي ،ووف لم بميع عهوده ،وجاد السلمون على أعدائهم ووطأوهم
مهاد رأفتهم ،حت أن اللك العادل ،شقيق السلطان ،أطلق ألف رقيق من السرى ،
ومنّ على جيع الرمن ،وأذن للبطريرك بمل الصليب وزينة الكنيسة ،وأبيح للميات
واللكة بزيارة أزواجهن » .
ول يتسع الجال ف الظلل لستعراض ذلك الط الطويل للحروب الصليبية -على مدار
التاريخ -ولكن يكفي أن نقول :إن هذه الرب ل تضع أوزارها قط من جانب الصليبية
.ويكفي أن نذكر ماذا حدث ف زنبار حديثا .حيث أبيد السلمون فيها عن بكرة
أبيهم ،فقتل منهم اثنا عشر ألفا وألقي الربعة اللف الباقون ف البحر منفيي من
الزيرة! ويكفي أن نذكر ماذا وقع ف قبص ،حيث منع الطعام والاء عن الهات الت
يقطنها بقايا السلمي هناك ليموتوا جوعا وعطشا ،فوق ما سلط عليهم من التقتيل
والتذبيح والتشريد! ويكفي أن نذكر ما تزاوله البشة ف اريترية وف قلب البشة ،وما
تزاوله كينيا مع الائة ألف مسلم الذين ينتمون إل أصل صومال ،ويريدون أن ينضموا
إل قومهم السلمي ف الصومال! ويكفي أن نعلم ماذا تاوله الصليبية ف السودان النوب!
ويكفي لتصوير نظرة الصليبيي إل السلم أن ننقل فقرة من كتاب لؤلف أورب صدر
سنة 1944يقول فيه؟
« لقد كنا نوّف بشعوب متلفة ،ولكننا بعد اختبار ،ل ند مبرا لثل هذا الوف .
لقد كنا نوّف من قبل بالطر اليهودي ،والطر الصفر ،وبالطر البلشفي .إل أن هذا
التخويف كله ل يتفق كما تيلناه .إننا وجدنا اليهود أصدقاء لنا ،وعلى هذا يكون كل
مضطهد لم عدونا اللد! ث رأينا أن البلشفة حلفاء لنا ،أما الشعوب الصفراء فهنالك
157
دول ديقراطية كبى تقاومها .ولكن الطر القيقي كامن ف نظام السلم ،وف قوته
على التوسع والخضاع ،وف حيويته . .إنه الدار الوحيد ف وجه الستعمار الورب «
ول نستطيع أن نضي أبعد من ذلك ف استعراض تاريخ تلك الرب العاتية الت أعلنتها
الصليبية على السلم وما تزال . .
********************
قادة الغرب يقولون دمّروا السلم أبيدوا أهله ()2
للستاذ جلل العال
الطبعة التاسعة وفيها زيادات هامة
بسم ال الرحن الرحيم
صرخة
إل كل ملص ف هذه المة:
إل القادة والزعماء ف كل مكانٍ من العال السلمي ،والعرب منهم خاصة:
أعداؤنا يقولون :يب أن ندمّر السلم لنه مصدر القوة الوحيد للمسلمي ،لنسيطر
عليهم ،السلم ييفنا ،ومن أجل إبادته نشد كل قوانا ،حت ل يبتلعنا ..
فماذا تفعلون أنتم أيها القادة والزعماء ؟!!..
بالسلم تكتسحون العال – كما يقول علماء العال وسياسيوه – فلماذا تترددون ..؟!
خذوه لعزتكم ،ل تقاوموه فيهلككم ال بعذابه ،ول بد أن ينتصر الؤمنون به … اقرأوا
إن شئتم حديث رسول ال صلى ال عليه وسلم:
"تكون نبوة ما شاء ال لا أن تكون ث تنقضي ث تكون خلفة راشدة على منهاج النبوة
ما شاء ال لا أن تكون ث تنقضى ث يكون ملكا عضوضا (وراثيا) ما شاء ال له أن
يكون ث ينقضى ،ث تكون جبية (ديكتاتوريات) ما شاء ال لا أن تكون ث تنقضى ،ث
تكون خلفة راشدة على منهاج النبوة تعم الرض".
أيها السادة والقادة ف دول العال السلمي ،والعرب منهم خاصة:
كونوا أعوان السلم ل أعداءه ..يرضى ال عنكم ،ويرضي الناس عنكم ،وتسعدوا ..
وتلتف حولكم شعوبكم لتقودوها نو أعظم ثورة عالية عرفها التاريخ.
158
أيها السادة والقادة:
رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يدعو قريشا لتكون معه ،كان َيعِد رجالتا أن يرثوا
بالسلم الرض ،فأب من أب ،وماتوا تت أقدام جيوش العدل النصورة الت انساحت ف
الرض … وخلدهم التاريخ ،لكن أين ...ف أقذر مكان منه ،يلعنهم الناس إل يوم
الدين ،وعذاب جهنم أشد وأنكى …
ووعدنا رسول ال أن يعم ديننا الرض ،وسيعم بدون شك.
فل تكونوا مع من سيكتبهم التاريخ من اللعوني أبد الدهر ،بل كونوا مع النصورين
الالدين.
وال غالب على أمره … ولكن أكثر الناس ل يعلمون.
طرابلس ف 15/8/1974
أنظروا كيف يقدون !!..
إن التتبع لتاريخ العلقات ما بي الغرب وشعوب السلم ،يلحظ حقدا مريرا يل صدر
الغرب حت درجة النون ،يصاحب هذا القد خوف رهيب من السلم إل أبعد نقطة
ف النفسية الوروبية.
هذا القد ،وذلك الوف ،ل شأن لنا بما إن كانا مرد إحساس نفسي شخصي ،أما إذا
كانا من أهم العوامل الت تبلور مواقف الضارة الغربية من الشعوب السلمية ،سياسيا،
واقتصاديا ،وحت هذه الساعة ،فإن موقفنا يتغي بشكل حاسم.
سوف تشهد لنا أقوال قادتم أن للغرب ،والضارة الغربية بكل فروعها القومية ،وألوانا
السياسية موقفا تاه السلم ل يتغي ،إنا تاول تدمي السلم ،وإناء وجود شعوبه دون
رحة.
حاولوا تدمي السلم ف الروب الصليبية الرهيبة ففشلت جيوشهم الت هاجت بلد
السلم بالليي ،فعادوا يططون من جديد لينهضوا ..ث ليعودوا إلينا ،بيوش حديثة،
وفكر جديد ..وهدفهم تدمي السلم من جديد ..
كان جنديهم ينادى بأعلى صوته ،حي كان يلبس بذة الرب قادما لستعمار بلد
السلم:
159
أماه …
أتى صلتك ..ل تكب ..
بل اضحكي وتأملي ..
أنا ذاهب إل طرابلس …
فرحا مسرورا ..
سأبذل دمي ف سبيل سحق المة اللعونة …
سأحارب الديانة السلمية …
سأقاتل بكل قوت لمو القرآن … (.القومية والغزو الفكري – ص ).208
***
وانتصرت جيوش القد هذه على أمة السلم الت قادها أسوأ قادةٍ عرفهم التاريخ …
اضطهدوا أمهم حت سحقوها ..
انتصرت جيوش الغرب بعد أن ذلل لا هؤلء الكام السبيل …
فماذا فعلت هذه اليوش؟..
استباحت المة كلها ،هدمت الساجد ،أو حولتها إل كنائس ،ث أحرقت مكتبات
السلمي ..ث أحرقت الشعوب نفسها.
لنقرأ ما كتبه كتّابم أنفسهم حول ما فعلوه أو يفعلونه بالسلمي ،ولن نستعرض هنا إل
بعض النماذج فقط ..من أناء متلفة من عالنا السلمي الستباح:
-1ف الندلس :
تقول الدكتورة سيجريد هونكه:
ف 2يناير 1492م رفع الكاردينال (دبيدر) الصليب على المراء ،القلعة اللكية للسرة
الناصرية ،فكان إعلنا بانتهاء حكم السلمي على أسبانيا.
وبانتهاء هذا الكم ضاعت تلك الضارة العظيمة الت بسطت سلطانا على أوربا طوال
العصور الوسطى ،وقد احترمت السيحية النتصرة اتفاقاتا مع السلمي لفترة وجيزة ،ث
باشرت عملية القضاء على السلمي وحضارتم وثقافتهم.
160
لقد ُحرّم السلم على السلمي ،وفرض عليهم تركه ،كما ُحرّم عليهم استخدام اللغة
العربية ،والساء العربية ،وارتداء اللباس العرب ،ومن يالف ذلك كان يرق حيّا بعد أن
يعذّب أشد العذاب ( .القومية– ص ) .174
وهكذا انتهى وجود الليي من السلمي ف الندلس فلم يبق ف أسبانيا مسلم واحد يُظهر
دينه.
لكن كيف كانوا يعذبون؟!! ..هل سعت بدواوين التفتيش ..إن ل تكن قد سعت فتعال
أعرفك عليها.
بعد مرور أربعة قرون على سقوط الندلس ،أرسل نابليون حلته إل أسبانيا وأصدر
مرسوما سنة 1808م بإلغاء دواوين التفتيش ف الملكة السبانية.
تدث أحد الضباط الفرنسيي فقال:
"أخذنا حلة لتفتيش أحد الديرة الت سعنا أن فيها ديوان تفتيش ،وكادت جهودنا تذهب
سدى ونن ناول العثور على قاعات التعذيب ،إننا فحصنا الدير ومراته وأقبيته كلها.
فلم ند شيئا يدل على وجود ديوان للتفتيش .فعزمنا على الروج من الدير يائسي ،كان
الرهبان أثناء التفتيش يقسمون ويؤكدون أن ما شاع عن ديرهم ليس إل تما باطلة،
وأنشأ زعيمهم يؤكد لنا براءته وبراءة أتباعه بصوت خافت وهو خاشع الرأس ،توشك
عيناه أن تطفر بالدموع ،فأعطيت الوامر للجنود بالستعداد لغادرة الدير ،لكن اللفتنانت
"دي ليل" استمهلن قائلً :أيسمح ل الكولونيل أن أخبه أن مهمتنا ل تنته حت الن؟!!.
قلت له :فتشنا الدير كله ،ول نكتشف شيئا مريبا .فماذا تريد يا لفتنانت؟! ..قال :إنن
أرغب أن أفحص أرضية هذه الغرف فإن قلب يدثن بأن السر تتها.
عند ذلك نظر الرهبان إلينا نظرات قلقة ،فأذنت للضابط بالبحث ،فأمر النود أن يرفعوا
السجاجيد الفاخرة عن الرض ،ث أمرهم أن يصبوا الاء بكثرة ف أرض كل غرفة على
حدة – وكنا نرقب الاء – فإذا بالرض قد ابتلعته ف إحدى الغرف .فصفق الضابط "دي
ليل" من شدة فرحه ،وقال ها هو الباب ،انظروا ،فنظرنا فإذا بالباب قد انكشف ،كان
قطعة من أرض الغرفة ،يُفتح بطريقة ماكرة بواسطة حلقة صغية وضعت إل جانب رجل
مكتب رئيس الدير.
161
أخذ النود يكسرون الباب بقحوف البنادق ،فاصفرت وجوه الرهبان ،وعلتها الغبة.
وفُتح الباب ،فظهر لنا سلم يؤدي إل باطن الرض ،فأسرعت إل شعة كبية يزيد طولا
على متر ،كانت تضئ أمام صورة أحد رؤساء ماكم التفتيش السابقي ،ولا همت
بالنول ،وضع راهب يسوعى يده على كتفي متلطفا ،وقال ل :يابن :ل تمل هذه
الشمعة بيدك اللوثة بدم القتال ،إنا شعة مقدسة.
قلت له ،يا هذا إنه ل يليق بيدي أن تتنجس بلمس شعتكم اللطخة بدم البرياء ،وسنرى
من النجس فينا ،ومن القاتل السفاك!؟!.
وهبطت على درج السلم يتبعن سائر الضباط والنود ،شاهرين سيوفهم حت وصلنا إل
آخر الدرج ،فإذا نن ف غرفة كبية مرعبة ،وهي عندهم قاعة الحكمة ،ف وسطها عمود
من الرخام ،به حلقة حديدية ضخمة ،وربطت با سلسل من أجل تقييد الحاكمي با.
وأمام هذا العمود كانت الصطبة الت يلس عليها رئيس ديوان التفتيش والقضاة لحاكمة
البرياء .ث توجهنا إل غرف التعذيب وتزيق الجسام البشرية الت امتدت على مسافات
كبية تت الرض.
رأيت فيها ما يستفز نفسي ،ويدعون إل القشعريرة والتقزز طوال حيات.
رأينا غرفا صغيةً ف حجم جسم النسان ،بعضها عمودي وبعضها أفقي ،فيبقى سجي
الغرف العمودية واقفا على رجليه مدة سجنه حت يوت ،ويبقى سجي الغرف الفقية
مدا با حت الوت ،وتبقى الثث ف السجن الضيق حت تبلى ،ويتساقط اللحم عن
العظم ،وتأكله الديدان ،ولتصريف الروائح الكريهة النبعثة من جثث الوتى فتحوا نافذة
صغية إل الفضاء الارجي.
وقد عثرنا ف هذه الغرف على هياكل بشرية ما زالت ف أغللا.
كان السجناء رجا ًل ونساءً ،تتراوح أعمارهم ما بي الرابعة عشرة والسبعي ،وقد استطعنا
إنقاذ عدد من السجناء الحياء ،وتطيم أغللم ،وهم ف الرمق الخي من الياة.
كان بعضهم قد أصابه النون من كثرة ما صبوا عليه من عذاب ،وكان السجناء جيعا
عرايا ،حت اضطر جنودنا إل أن يلعوا أرديتهم ويستروا با بعض السجناء.
162
أخرجنا السجناء إل النور تدرييا حت ل تذهب أبصارهم ،كانوا يبكون فرحا ،وهم
يقبّلون أيدي النود وأرجلهم الذين أنقذوهم من العذاب الرهيب ،وأعادوهم إل الياة،
كان مشهدا يبكي الصخور.
ث انتقلنا إل غرف أخرى ،فرأينا فيها ما تقشعر لوله البدان ،عثرنا على آلت رهيبة
للتعذيب ،منها آلت لتكسي العظام ،وسحق السم البشري ،كانوا يبدؤون بسحق عظام
الرجل ،ث عظام الصدر والرأس واليدين تدرييا ،حت يهشم السم كله ،ويرج من
الانب الخر كتلة من العظام السحوقة ،والدماء المزوجة باللحم الفروم ،هكذا كانوا
يفعلون بالسجناء البرياء الساكي،
ث عثرنا على صندوقٍ ف حجم جسم رأس النسان تاما ،يوضع فيه رأس الذي يريدون
تعذيبه بعد أن يربطوا يديه ورجليه بالسلسل والغلل حت ل يستطيع الركة ،وف أعلى
الصندوق ثقب تتقاطر منه نقط الاء البارد على رأس السكي بانتظام ،ف كل دقيقة نقطة،
وقد ُج ّن الكثيون من هذا اللون من العذاب ،ويبقى العذب على حاله تلك حت يوت.
وآلة أخرى للتعذيب على شكل تابوت تثبت فيه سكاكي حادة.
كانوا يلقون الشاب العذب ف هذا التابوت ،ث يطبقون بابه بسكاكينه وخناجره .فإذا
أغلق مزق جسم العذب السكي ،وقطعه إربا إربا.
كما عثرنا على آلت كالكلليب تغرز ف لسان العذب ث تشد ليخرج اللسان معها،
ليقص قطعة قطعة ،وكلليب تغرس ف أثداء النساء وتسحب بعنفٍ حت تتقطع الثداء أو
تبتر بالسكاكي.
وعثرنا على سياط من الديد الشائك يُضرب با العذبون وهم عراة حت تتفتت عظامهم،
وتتناثر لومهم( (ماكم التفتيش للدكتور علي مظهر .نقل عن كتاب التعصب والتسامح
للستاذ ممد الغزال .صفحات 318-311باختصار.).
هذا العذاب كان موجها ضد الطوائف الخالفة من السيحيي فماذا كانوا يفعلون
بالسلمي؟؟ … أشد وأنكى ل شك.
***
-2دواوين التفتيش ف البلد السلمية :
163
ويبدو أن دواوين التفتيش هذه قد انتقلت إل بقاع العال السلمي ،ليسلطها حكام
مرمون فجرة على شعوبم .فقد ذكر ل شاهد عيان بعض أنواع التعذيب الت كانت
تنفذ ف أحد البلدان السلمية ضد مموعة من العلماء الجاهدين فقال:
بعد يوم من التعذيب الشديد ساقنا الزبانية بالبسياط إل زنزاناتنا ،وأمرنا اللدون أن
نستعد ليوم آخر شديد ..صباح اليوم التال أمرنا اللدون أن نرج فورا ،كنا نستجمع
كل قوتنا ف أقدامنا الواهنة هربا من السياط الت كانت تنل علينا من حرس كان عددهم
أكب منا.
وأخيا أوقفونا ف سهل صحراوي ،تت أشعة الشمس اللهبة ،حول كومةٍ من الفحم
اليي ،كان يعمل الرس جاهدين لشعاله ،وقرب النار مصلبة خشبية تستند إل ثلثة
أرجل.
اشتعلت كومة الفحم الجري حت احرت ،فجأة سعنا شتائم تأت من بعيد ،التفتنا
فوجدنا خسة من الرس يقودون شابا عرفه بعضنا ،كان اسه "جاويد خان إمامي" أحد
علماء ذلك البلد.
امتل الفق بنباح كلب منونة ،رأينا عشرة من الرس يقودون كلبي ،يبلغ ارتفاع كل
واحد منهما مترا ،علمنا بعد ذلك أنما قد حرما من الطعام منذ يومي.
اقترب الرس بالشاب جاويد من كومة النار المراء ..وعيونه مغمضة بزام سيك.
كنا نتفرج ..أكثر من مائة سجي ،ومعنا أكثر من مائة وخسي من الرس ،معهم
البنادق والرشاشات .فجأة اقترب من الشاب جاويد عشرة من الراس ،أجلسوه على
الرض ،ووضعوا ف حضنه مثلثا خشبيا ،ربطوه إليه ربطا مكما ،بيث يبقى قاعدا ،ل
يستطيع أن يتمدد ،ث حلوه جيعا ،وأجلسوه على المر الحر ،فصرخ صرخة هائلة ،ث
أغمى عليه.
سقط منا أكثر من نصفنا مغمى عليهم ..كانوا يصرخون متألي ..وعمت رائحة شواء
لم جاويد النطقة كلها ،ومن حسن حظي أنن بكيت بكاء مرا .لكنن ل أصب
بالغماء ..لرى بقية القصة الت هي أفظع من أولا.
164
حُمل الشاب ،وفكت قيوده وهو غائب عن وعيه ،وصلب على الصلبة الشبية ،وربط با
بإحكام ،واقترب اللدون بالكلبي الائعي ،وفكوا القيود عن أفواههما ،وتركوها
يأكلن لم ظهر جاويد الشوى .بدأت أشعر بالنيار ،وجننت عندما سعت صرخة
خافتة تصدر عن جاويد ..إنه لزال حيا والكلب تأكل لمه فقدت وعيي بعدها ..
ل أفق إل وأنا أصرخ ف زنزانت كالجنون ..دون أن أشعر ..جاويد ..جاويد..
أكلتك الكلب يا جاويد ..جاويد … كان إخوان ف الزنزانة قد ربطون وأحاطوا
رأسي وفمي بالربطة حت ل يسمع اللدون صوت فيكون مصيي كمصي جاويد ،أو
كمصي شاهان خان الذي أصيب بالستييا مثلي ،فأصبح يصرخ جاويد ..جاويد ..
فأخذه اللدون ووضعوا فوقه نصف برميل ملوء بالرمل ،ث سحبوه على السلك
الشائكة الت ربطوها صفا أفقيا ،فمات بعد أن تقطع لمه ألف قطعة ،وهو يصرخ :ال
أكب ..ال أكب ..لبد أن ندوسكم أيها الظالون.
وأخيا أغمى عليّ.
فتحت عيون ..فوجئت أنن ف أحد الشاف ،وفوجئت أكثر من ذلك بسفي بلدي يقف
فوق رأسي ،قال ل :كيف حالك ..يبدو أنك ستشفى إن شاء ال .لو ل تكن غريبا عن
هذه البلد لا استطعت إخراجك ..فاجأن سائلً :لكن بال عليك ،قل ل ،من هو هذا
جاويد الذي كنت تصرخ باسه .أخبته بكل شيء ،فامتقع لونه حت خشيت أن يغمى
عليه.
ل نكمل حديثنا إل والشرطة تسأل عن ..اقترب من سريري ضابط بوليس ،وسلمن
أمرا بغادرة البلد فورا .ول تنجح تدخلت السفي ف ضرورة إبقائي حت أشفى ،حلون
ووضعون ف باخرة أوصلتن إل ميناء بلدي ،كنت بثياب الستشفى ،ليس معي أي وثيقة
تثبت شخصيت ،اتصلت بأهلي تليفونيا ،فلما حضرا ل يعرفون لول وهلة ،حلون إل
أول مستشفى ،بقيت فيه ثلثة أشهر ف بكاء مستمر ،ث شفان ال …
وأنى السكي حديث قائلً:
بقى أن تعرف أن مدير السجون يهودي ،والسؤول عن التعذيب خبي ألان نازي،
أطلقت تلك الكومة ف ذلك البلد السلمي يده يفعل ف علماء السلمي كيف يشاء.
165
***
-3ومن البشة أمثلة أخرى:
استولت البشة على أرتييا السلمة بتأييد من فرنسا وانكلترا ..فماذا فعلت فيها؟!!..
صادرت معظم أراضيها ،وأسلمتها لقطاعيي من البشة ،كان القطاعي والكاهن مولي
بقتل أي مسلم دون الرجوع إل السلطة ،فكان القطاعي أو الكاهن يشنق فلحيه أو
يعذبم ف الوقت الذي يريد …
فُتحت للفلحي السلمي سجون جاعية رهيبة ،يلد فيها الفلحون بسياطٍ تزن أكثر من
عشر كيلوا غرامات ،وبعد إنزال أفظع أنواع العذاب بم كانوا يلقون ف زنزانات بعد أن
تربط أيديهم بأرجلهم ،ويتركون هكذا لعشر سني أو أكثر ،عندما كانوا يرجون من
السجون كانوا ل يستطيعون الوقوف ،لن ظهورهم قد أخذت شكل القوس.
كل ذلك كان قبل استلم هيلسيلسي السلطة ف البشة ،فلما أصبح إمباطور البشة
وضع خطة لناء السلمي خلل خسة عشر عاما ،وتباهى بطته هذه أمام الكونغرس
المريكى.
سن تشريعات لذلل السلمي منها أن عليهم أن يركعوا لوظفى الدولة وإل يقتلوا.
أمر أن تستباح دماؤهم لقل سبب ،فقد وجد شرطى قتيلً قرب قرية مسلمة ،فأرسلت
الكومة كتيبة كاملة قتلت أهل القرية كلهم وأحرقتهم مع قريتهم ،ث تبي أن القاتل هو
صديق القتول ،الذي اعتدى على زوجته حاول أحد العلماء واسه الشيخ عبد القادر أن
يثور على هذه البادة فجمع الرجال ،واختفى ف الغابات ،فجمعت الكومة أطفالم
خ من الشيش والقصب ،وسكبت عليهم البنين وأحرقتهم ونساءهم وشيوخهم ف أكوا ٍ
جيعا.
ومن قبضت عليه من الثوار كانت تعذبه عذابا رهيبا قبل قتله ،من ذلك إطفاء السجائر ف
عينيه وأذنيه ،وهتك عرض بناته وزوجته وأخواته أمام عينيه ،ودق خصيتيه بأعقاب
البنادق ..وجره على السلك الشائكة حت يتفتت ،وإلقاؤه جريا قبل أن يوت لتأكله
اليوانات الارحة ،بعد أن تربطه بالسلسل حت ل يقاوم.
166
أصدر هيلسيلسى أمرا بإغلق مدارس السلمي وأمر بفتح مدارس مسيحية وأجب
السلمي على إدخال أبنائهم فيها ليصبحوا مسيحيي.
عي حُكاما فجرة على مقاطعات أرتييا منهم واحد عينه على مقاطعة جَمَة ،ابتدأ عمله
بأن أصدر أمرا أن ل يقطف الفلحون ثار أراضيهم إل بعد موافقته ،وكان ل يسمح
بقطافها إل بعد أن تتلف ،وأخيا صادر %90من الراضي ،أخذ هو نصفها وأعطى
المباطور نصفها .ونب جيع متلكات الفلحي السلمي..
أمرهم أن يبنوا كنيسة كبى ف القليم فبنوها ..ث أمرهم أن يعمروا كنسية عند مدخل
كل قرية أو بلدة ول يكتف بذلك بل بن دورا للعاهرات حول الساجد ومعها الانات
الت كان يسكر فيها النود ،ث يدخلون إل الساجد ليبولوا با ويتغوطوا ،ولياقصوا
العاهرات فيها وهم سكارى .
كما فرض على الفلحي أن يبيعوا أبقارهم لشركة أنكودا اليهودية .
كافأه المباطور على أعماله هذه بأن عينه وزيرا للداخلية .
كانت حكومة المباطور تلحق كل مثقف مسلم .لتزجه ف السجن حت الوت ،أو
تبه على مغادرة البلد حت يبقى شعب أرتييا السلم مستعبدا جاهلً .وغي ذلك كثي(
كفاح دين للستاذ ممد الغزال ،صفحات .80 - 60
-4ومن بنغلديش :
قتل اليش الندي الذي كان يقوده يهود عشرة آلف عالٍ مسلم بعد انتصاره على جيش
باكستان عام 1971وقتل مائة ألف من طلبة العاهد السلمية ،وموظفي الدولة ،
وسجن خسي ألف من العلماء وأساتذة الامعات وقتل ربع مليون مسلم هندي هاجروا
من الند إل باكستان قبل الرب وسلب اليش الندي ما قيمته ( ) 30مليار روبية من
باكستان الشرقية الت سقطت من أموال الناس والدولة ( مأسات بنكلديش ( ممد خليل
ال ) صفحات . ) 23 ، 22 ، 20 ، 19 ، 7 :
ولن نتعرض هنا لشكال التعذيب الت صبها اليش الندي على السلمي العزل ف ما
دعي بعد ذلك ببنغلديش .
***
167
والمثلة من كل مكان من العال السلمي ،يكاد الصدر يتفجر ضيقا من تذكرها ..
لكنها بداية اللص إن شاء ال ..إنا سياط اليقظة الت ستُذهب نوم القرون ،وتُخرج
من تت الرض سكان القبور.
وما ذلك على ال بعزيز.
نتساءل أخيا:
هل مواقف الغرب وأتباعه الت رأيناها هي مواقف عاطفية استثنائية ؟!..
ل ..إنا مواقف مقررة مسبقا ف فكر الغرب وعقول قادته ..يارسها الغربيون وأتباعهم
عن تصميم واقتناع كامل ،وبإرادة واعية تاما … وعن عمدٍ ..
ولاذا ذلك كله … ؟!!…
هذا ما سنبينه بوضوح ف هذه الدراسة الت سنبنيها على أقوال قادة الغرب فقط ..دون
أن نُدخل فيها أي اجتهاد أو استنتاج لتسهل الجة ،ويظهر الق ،ويستني طريق الضللي
الذين يارسون بأيديهم إبادة مقومات القوة ف أمهم ليسهلوا على العدو الكبي التربص
التهامها.
وما أفظعها من مهمة يارسها العملء ..حي يدمرون أمهم ،ث يدفعونا ف فم الغول
الستعماري البشع … ليلتهمها … فيارب مت ينتبهون … ؟!!..
***
موقف الغرب من السلم
الروب الصليبية مستمرة:
يبن الغرب علقاته معنا على أساس أن الروب الصليبية ل تزال مستمرة بيننا وبينه:
-1فسياسة أمريكا معنا تطط على هذا السس :
يقول أيوجي روستو رئيس قسم التخطيط ف وزارة الارجية المريكية ومساعد وزير
الارجية المريكية ،ومستشار الرئيس جونسون لشؤون الشرق الوسط حت عام
1967م يقول:
"يب أن ندرك أن اللفات القائمة بيننا وبي الشعوب العربية ليست خلفات بي دول
أو شعوب ،بل هي خلفات بي الضارة السلمية والضارة السيحية" .لقد كان
168
الصراع متدما ما بي السيحية والسلم منذ القرون الوسطى ،وهو مستمر حت هذه
اللحظة ،بصور متلفة .ومنذ قرن ونصف خضع السلم لسيطرة الغرب ،وخضع التراث
السلمي للتراث السيحي .
ويتابع :
إن الظروف التاريية تؤكد أن أمريكا إنا هي جزء مكمل للعال الغرب ،فلسفته،
وعقيدته ،ونظامه ،وذلك يعلها تقف معادية للعال الشرقي السلمي ،بفلسفته وعقيدته
التمثلة بالدين السلمي ،ول تستطيع أمريكا إل أن تقف هذا الوقف ف الصف العادي
للسلم وإل جانب العال الغرب والدولة الصهيونية ،لنا إن فعلت عكس ذلك فإنا
تتنكر للغتها وفلسفتها وثقافتها ومؤسساتا .إن روستو يدد أن هدف الستعمار ف
الشرق الوسط هو تدمي الضارة السلمية ،وأن قيام إسرائيل ،هو جزء من هذا
الخطط ،وأن ذلك ليس إل استمرارا للحروب الصليبية ( .معركة الصي – صفحات
) .94-87
-2والرب الصليبية الثامنة قادها اللنب :
يقول باترسون سث ف كتابه "حياة السيح الشعبية" باءت الروب الصليبية بالفشل ،لكن
حادثا خطيا وقع بعد ذلك ،حينما بعثت انكلترا بملتها الصليبية الثامنة ،ففازت هذه
الرة ،إن حلة اللنب على القدس أثناء الرب العالية الول هي الملة الصليبية الثامنة،
والخية ( .ملة الطليعة القاهرية ،مقال وليم سليمان ،عدد ديسمب عام – 1966
صفحة ).84
لذلك نشرت الصحف البيطانية صور اللنب وكتبت تتها عبارته الشهورة الت قالا
عندما فتح القدس:
اليوم انتهت الروب الصليبية.
ونشرت هذه الصحف خبا آخر يبي أن هذا الوقف ليس موقف اللنب وحده بل موقف
السياسة النكليزية كلها ،قالت الصحف :
هنأ لويد جورج وزير الارجية البيطان النرال اللنب ف البلان البيطان ،لحرازه النصر
ف آخر حلة من الروب الصليبية ،الت ساها لويد جورج الرب الصليبية الثامنة.
169
-3والفرنسيون أيضا صليبيون:
فالنرال غورو عندما تغلب على جيش ميسلون خارج دمشق توجه فورا إل قب صلح
الدين اليوب عند الامع الموي ،وركله بقدمه وقال له:
"ها قد عدنا يا صلح الدين" (.القومية والغزو الفكري – ص ) .84
ويؤكد صليبية الفرنسيي ما قاله مسيو بيدو وزير خارجية فرنسا عندما زاره بعض
البلانيي الفرنسيي وطلبوا منه وضع حد للمعركة الدائرة ف مراكش أجابم:
"إنا معركة بي اللل والصليب" (.مأساة مراكش – روم رولند – ص ).310
-4وحزب الكتائب وشعون يعتبون أن حرب لبنان هي حرب صليبية :
صفحة من جريدة العمل ف خدمة لبنان يشرف على سياستها بيي الميل كما هو
مكتوب ف الصفحة .
-5وقالوا عام 1967م بعد سقوط القدس:
قال راندولف تشرشل:
لقد كان إخراج القدس من سيطرة السلم حلم السيحيي واليهود على السواء ،إن
سرور السيحيي ل يقل عن سرور اليهود .إن القدس قد خرجت من أيدي السلمي ،وقد
أصدر الكنيست اليهودي ثلثة قرارات بضمها إل القدس اليهودية ولن تعود إل السلمي
ف أية مفاوضات مقبلة ما بي السلمي واليهود ( .راندولف تشرشل ،حرب اليام الستة
– ص 129من الترجة العربية).
-6والصهاينة أيضا:
عندما دخلت قوات إسرائيل القدس عام 1967تمهر النود حول حائط البكى،
وأخذوا يهتفون مع موشى دايان:
هذا يوم بيوم خيب … يالثارات خيب.
وتابعوا هتافهم:
حطوا الشمش عالتفاح ،دين ممد ول وراح ..
وهتفوا أيضا:
ممد مات ..خلف بنات ..
170
كل ذلك دعا الشاعر ممد الفيتورى إل تنظيم قصيدته الرائعة ماطبا نبينا ممدا صلى ال
عليه وسلم:
يا سيدي ..
عليك أفضل الصلة والسلم ..
من أمة مُضاعة ..
تقذفها حضارة الراب والظلم ..
يا سيدي … منذ ردمنا البحر بالسدود ..
وانتصبت ما بيننا وبينك الدود ..
متنا ..
وداست فوقنا ماشية اليهود ( ..الشعب والرض – ج -1ص – 34ودرس من النكبة
الثانية – ص .).76
-6واستغلت إسرائيل صليبية الغرب :
خرج أعوانا بظاهرات قبل حرب الـ 1967تمل لفتات ف باريس ،سار تت هذه
اللفتات جان بول سارتر ،كتبت على هذه اللفتات ،وعلى جيع صناديق التبعات
لسرائيل جلة واحدة من كلمتي ،ها:
"قاتلوا السلمي"
فالتهب الماس الصليب الغرب ،وتبع الفرنسيون بألف مليون فرنك خلل أربعة أيام
فقط … كما طبعت إسرائيل بطاقات معايدات كتبت عليها "هزية اللل" .بيعت
بالليي … لتقوية الصهاينة الذين يواصلون رسالة الصليبية الوروبية ف النطقة ،وهي
ماربة السلم وتدمي السلمي ( طريق السلمي إل الثورة الصناعية – ص .).21- 20
***
الدَار الصلب
نتساءل هنا:
هل يشن الغرب حربا صليبيةً على العال السلمي استجابةً لظروف تاريية التحم فيها
السلم مع السيحية ،وانتزع من السيحية أمها وعواصمها ؟؟
171
أم أن هناك عوامل أخرى تدفع الغرب إل شن حروبه الصليبية ضد عال السلم ؟ …
يبدو من تصريات قادة الغرب أنم يشنون الرب على السلم لعوامل أخرى …
إنم يرونه الدار الصلب الذي يقف ف وجه سيطرتم على العال واستغللم له :
-1فهم يرونه الدار الوحيد أمام الستعمار :
يقول لورنس براون:
"إن السلم هو الدار الوحيد ف وجه الستعمار الورب"( التبشي والستعمار – ص
.) .104
ويقول غلدستون رئيس وزراء بريطانيا سابقا :
ما دام هذا القرآن موجودا ف أيدي السلمي فلن تستطيع أوربة السيطرة على الشرق .
( السلم على مفترق الطرق ،لحمد أسد – ص ).39
ويقول الاكم الفرنسي ف الزائر ف ذكرى مرور مائة سنة على استعمار الزائر:
إننا لن ننتصر على الزائريي ما داموا يقرؤون القرآن ،ويتكلمون العربية ،فيجب أن نزيل
القرآن العرب من وجودهم ،ونقتلع اللسان العرب من ألسنتهم( ( النار – عدد
.).9/11/1962
-2ويرون أن السلم هو الدار الذي يقف ف وجه انتشار النفوذ الشيوعي :
ف افتتاحية عدد 22أيار عام 1952من جريدة "كيزيل أوزباخستان" الريدة اليومية
للحزب الشيوعي الورباخستان ذكر الحرر ما يلي:
من الستحيل تثبيت الشيوعية قبل سحق السلم نائيا ( .السلم والتنمية القتصادية –
جاك أوسترى ).56 -
-3ويرون أنه الدار الذي يول دون انتشار السيحية وتكن الستعمار من العال
السلمي :
يقول أحد البشرين :
إن القوة الكامنة ف السلم هي الت وقفت سدا منيعا ف وجه انتشار السيحية ،وهي
الت أخضعت البلد الت كانت خاضعة للنصرانية( جذور البلء – ص .).201
ويقول أشعياء بومان ف مقالة نشرها ف ملة العال السلمي التبشيية:
172
ل يتفق قط أن شعبا مسيحيا دخل ف السلم ث عاد نصرانيا( .التبشي والستعمار
للخالدين وفورخ – ص – 131الطبعة الرابعة) .
-4ويرون أن السلم هو الطر الوحيد أمام استقرار الصهيونية وإسرائيل :
يقول بن غوريون ،رئيس وزراء إسرائيل سابقا :
إن أخشى ما نشاه أن يظهر ف العال العرب ممد جديد( ( .جريدة الكفاح السلمي
لعام – 1955عدد السبوع الثان من نيسان).
وحدّث ضابط عرب كبي وقع أسيا ف أيدي اليهود عام 1948أن قائد اليش اليهودي
دعاه إل مكتبه قبيل إطلق سراحه ،وتلطف معه ف الديث.
سأله الضابط الصري :هل أستطيع أن أسأل لاذا ل تاجوا قرية صور باهر ؟0
وصور باهر قرية قريبة من القدس.
أطرق القائد السرائيلي إطراقة طويلة ث قال :أجيبك بصراحة ،إننا ل ناجم صور باهر
لن فيها قوة كبية من التطوعي السلمي التعصبي.
دهش الضابط الصرى ،وسأل فورا :وماذا ف ذلك ،لقد هجمتم على مواقع أخرى فيها
قوات أكثر ..وف ظروف أصعب ؟!.
أجابه القائد الٍسرائيلي :إن ما تقوله صحيح ،لكننا وجدنا أن هؤلء التطوعي من
السلمي التعصبي يتلفون عن غيهم من القاتلي النظاميي ،يتلفون تاما ،فالقتال
عندهم ليس وظيفة يارسونا وفق الوامر الصادرة إليهم ،بل هو هواية يندفعون إليها
بماس وشغف جنون ،وهم ف ذلك يشبهون جنودنا الذين يقاتلون عن عقيدة راسخة
لماية إسرائيل.
ولكن هناك فارقا عظيما بي جنودنا وهؤلء التطوعي السلمي .إن جنودنا يقاتلون
لتأسيس وطن يعيشون فيه ،أما النود التطوعون من السلمي فهم يقاتلون ليموتوا ،إنم
يطلبون الوت بشغف أقرب إل النون ،ويندفعون إليه كأنم الشياطي ،إن الجوم على
أمثال هؤلء ماطرة كبية ،يشبه الجوم على غابة ملوءة بالوحوش ،ونن ل نب مثل
هذه الغامرة الخيفة ،ث إن الجوم عليهم قد يثي علينا الناطق الخرى فيعملون مثل
عملهم ،فيفسدوا علينا كل شيء ،ويتحقق لم ما يريدون.
173
دهش الضابط الصرى لجابة القائد السرئيلي ،لكنه تابع سؤاله ليعرف منه السبب
القيقي الذي ييف اليهود من هؤلء التطوعي السلمي.
قال له :قل ل برأيك الصريح ،ما الذي أصاب هؤلء حت أحبوا الوت ،وتولوا إل قوة
ماردة تتحدى كل شي ٍء معقول؟!!.
أجابه السرائيلي بعفوية :إنه الدين السلمي يا سيادة الضابط .ث تلعثم ،وحاول أن يفى
إجابته ،فقال:
إن هؤلء ل تتح لم الفرصة كما أتيحت لك ،كي يدرسوا المور دراسة واعية تفتح
عيونم على حقائق الياة ،وتررهم من الرافة وشعوذات التاجرين بالدين ،إنم ل
يزالون ضحايا تعساء لوعد السلم لم بالنة الت تنتظرهم بعد الوت.
وتابع مسترسلً :إن هؤلء التعصبي من السلمي هم عقدة العقد ف طريق السلم الذي
يب أن نتعاون عليه وهم الطر الكبي على كل جهد يبذل لقامة علقات سليمة واعية
بيننا وبينكم.
وتابع مستدركا ،وكأنه يستفز الضابط الصرى ضد هؤلء السلمي ،تصور يا سيدي أن
خطر هؤلء ليس مقتصرا علينا وحدنا ،بل هو خطر عليكم أنتم أيضا .إذ أن أوضاع
بلدكم لن تستقر حت يزول هؤلء ،وتنقطع صرخاتم النادية بالهاد والستشهاد ف
سبيل ال ،هذا النطق الذي يالف رقى القرن العشرين ،قرن العلم وهيئة المم والرأي
العام العالي ،وحقوق النسان.
واختتم القائد السرائيلي حديثه بقوله:
يا سيادة الضابط ،أنا سعيد بلقائك ،وسعيد بذا الديث الصريح معك ،وأتن أن نلتقى
لقاءً قادما ،لنتعاون ف جو أخوى ل يعكره علينا التعصبون من السلمي الهووسي
بالهاد وحب الستشهاد ف سبيل ال ( .ملة السلمي – العدد الول من الجلد الثامن
– شهر توز عام ،1963مع بعض الختصار با يناسب القام ،مع رجائنا عفو الكاتب
وإخوانه).
-5ويرون أن بقاء اسرائيل مرهون بازالة التمسكي بالسلم :
174
يقول الكاتب الصهيون (( إيرل بوغر )) ف كتابه العهد والسيف الذي صدر عام
1965ما نصه بالرف :
(( ان البدأ الذي قام عليه وجود اسرائيل منذ البداية هو أن العرب ل بد أن يبادروا ذات
يوم إل التعاون معها ،ولكي يصبح هذا التعاون مكنا فيجب القضاء على جيع العناصر
الت تغذي شعور العداء ضد اسرائيل ف العال العرب ،وهي عناصر رجعية تتمثل ف رجال
الدين والشائخ ( السلم ف معترك الاضري ص ( 28عمر باء الدين الميي – طبعة
دار الفتح ،بيوت عام . ). 1968
-6ويقول اسحاق رابي غداة فوز جيمي كارتر برئاسة الوليات التحدة ،ونقلت قوله
جيع وكالت النباء :
ان مشكلة الشعب اليهودي هي أن الدين السلمي ما زال ف دور العدوان والتوسع ،
وليس مستعدا لواجهة الول وان وقتا طويل سيمضي قبل أن يترك السلم سيفه ( العدد
( ) 324من ملة الجتمع الكويتية 9 /نوفمب . ). 1976
***
العدو الوحيد
إنم ل يرون السلم جدارا ف وجه مطامعهم فقط ،بل يعتقدون جازمي أنه الطر
الوحيد عليهم ف بلدهم.
-1يقول لورانس براون :
كان قادتنا يوفننا بشعوب متلفة ،لكننا بعد الختبار ل ند مبرا لثل تلك الخاوف.
كانوا يوفنا بالطر اليهودي ،والطر اليابان الصفر ،والطر البلشفي.
لكنه تبي لنا أن اليهود هم أصدقاؤنا ،والبلشفة الشيوعيون حلفاؤنا ،أما اليابانيون ،فإن
هناك دولً ديقراطية كبية تتكفل بقاومتهم.
لكننا وجدنا أن الطر القيقي علينا موجود ف السلم ،وف قدرته على التوسع
والخضاع ،وف حيويته الدهشة ( .الجلد الثامن صحفة ،10لورانس بروان نقلً عن
التبشي والستعمار ،صفحة ) .184
-2ونكرر هنا قول غلدستون :
175
ما دام هذا القرآن موجودا ف أيدي السلمي ،فلن تستطع أوربة السيطرة على الشرق،
ول أن تكون هي نفسها ف أمان ( .السلم على مفترق الطرق – ص ).39
-3ويقول الستشرق غاردنر:
إن القوة الت تكمن ف السلم هي الت تيف أوربة ( .التبشي والستعمار – ص – 36
طبعة رابعة).
-4ويقول هانوتر وزير خارجية فرنسا سابقا:
ل يوجد مكان على سطح الرض إل واجتاز السلم حدوده وانتشر فيه ،فهو الدين
الوحيد الذي ييل الناس إل اعتناقه بشدة تفوق كل دين آخر ( .الفكر السلمي
الديث ،وصلته بالستعمار الغرب ،ص ).18
-5ويقول الب مشادر:
من يدري؟! ربا يعود اليوم الذي تصبح فيه بلد الغرب مهددة بالسلمي ،يهبطون إليها
من السماء ،لغزو العال مرة ثانية ،وف الوقت الناسب.
ويتابع :لست متنبئا ،لكن المارات الدالة على هذه الحتمالت كثية ..ولن تقوى
الذرة ول الصواريخ على وقف تيارها.
إن السلم قد استيقظ ،وأخذ يصرخ ،ها أنذا ،إنن ل أمت ،ولن أقبل بعد اليوم أن أكون
أداة تسيها العواصم الكبى ومابراتا ( .ل هذا الرعب كله من السلم – للستاذ
جودت سعيد).
-6ويقول أشعيا بومان ف مقال نشره ف ملة العال السلمي التبشيية:
إن شيئا من الوف يب أن يسيطر على العال الغرب من السلم ،لذا الوف أسباب،
منها أن السلم منذ ظهر ف مكة ل يضعف عدديا ،بل إن أتباعه يزدادون باستمرار ،من
أسباب الوف أن هذا الدين من أركانه الهاد ( .التبشي والستعمار ).131 -
-7ويقول أنطون ناتنج ف كتابه "العرب"
منذ أن جع ممد صلى ال عليه وسلم أنصاره ف مطلع القرن السابع اليلدي ،وبدأ أول
خطوات النتشار السلمي ،فإن على العال الغرب أن يسب حساب السلم كقوة
176
دائمة ،وصلبة ،تواجهنا عب التوسط ( .وليم بولك .الوليات التحدة والعال الغرب –
والفقومية والغزو الفكر ص ).42
-8وصرح سالزار ف مؤتر صحفي قائلً:
إن الطر القيقي على حضارتنا هو الذي يكن أن يُحدثه السلمون حي يغيون نظام
العال.
فلما سأله أحد الصحفيي :لكن السلمي مشغولون بلفاتم ونزاعاتم ،أجابه :أخشى
أن يرج منهم من يوجه خلفهم إلينا ( .جند ال ص ).22
-9ويقول مسؤول ف وزارة الارجية الفرنسية عام :1952
ليست الشيوعية خطرا على أوربة فيما يبدو ل ،إن الطر القيقي الذي يهددنا تديدا
مباشرا وعنيفا هو الطر السلمي ،فالسلمون عال مستقل كل الستقلل عن عالنا
الغرب ،فهم يلكون تراثهم الروحي الاص بم .ويتمتعون بضارة تاريية ذات أصالة،
فهم جديرون أن يقيموا قواعد عال جديد ،دون حاجة إل إذابة شخصيتهم الضارية
والروحية ف الضارة الغربية ،فإذا تيأت لم أسباب النتاج الصناعي ف نطاقه الواسع،
انطلقوا ف العال يملون تراثهم الضاري الثمي ،وانتشروا ف الرض يزيلون منها قواعد
الضارة الغربية ،ويقذفون برسالتنا إل متاحف التاريخ.
وقد حاولنا نن الفرنسيي خلل حكمنا الطويل للجزائر أن نتغلب على شخصية الشعب
السلمة ،فكان الخفاق الكامل نتيجة مهوداتنا الكبية الضخمة.
إن العال السلمي عملق مقيد ،عملق ل يكتشف نفسه حت الن اكتشافا تاما ،فهو
حائر ،وهو قلق ،وهو كاره لنطاطه وتلفه ،وراغب رغبةً يالطها الكسل والفوضى ف
مستقبل أحسن ،وحرية أوفر …
فلنعط هذا العال السلمي ما يشاء ،ولنقو ف نفسه الرغبة ف عدم النتاج الصناعي،
والفن ،حت ل ينهض ،فإذا عجزنا عن تقيق هذا الدف ،بإبقاء السلم متخلفا ،وترر
العملق من قيود جهله وعقدة الشعور بعجزه ،فقد بؤنا بإخفاق خطي ،وأصبح خطر
العال العرب،وما وراءه من الطاقات السلمية الضخمة خطرا داها ينتهي به
177
الغرب،وتنتهي معه وظيفته الضارية كقائد للعال ( .ملة روز اليوسف ف عددها الصادر
بتاريخ ).29/6/1963
-10ويقول مورو بيجر ف كتابه "العال العرب العاصر":
إن الوف من العرب ،واهتمامنا بالمة العربية ،ليس ناتا عن وجود البترول بغزارة عند
العرب ،بل بسبب السلم .
يب ماربة السلم ،للحيلولة دون وحدة العرب ،الت تؤدي إل قوة العرب ،لن قوة
العرب تتصاحب دائما مع قوة السلم وعزته وانتشاره.
إن السلم يفزعنا عندما نراه ينتشر بيسر ف القارة الفريقية ( .الفكر السلمي وصلته
بالستعمار الغرب – ص ).19
-11ويقول هانوتو وزير خارجية فرنسا :
رغم انتصارنا على أمة السلم وقهرها ،فإن الطر ل يزال موجودا من انتفاض القهورين
الذين أتعبتهم النكبات الت أنزلناها بم لن هتهم ل تمد بعد… ( الفكر السلمي
وصلته بالستعمار الغرب – ص . ) .19
-12بعد استقلل الزائر ألقى أحد كبار الستشرقي ماضرة ف مدريد عنوانا :لاذا كنا
ناول البقاء ف الزائر.
أجاب على هذا السؤال بشرح مستفيض ملخصه :
إننا ل نكن نسخر النصف مليون جندي من أجل نبيذ الزائر أو صحاريها ..أو زيتونا
..
إننا كنا نعتب أنفسنا سور أوربا الذي يقف ف وجه زحف إسلمي متمل يقوم به
الزائريون وإخوانم من السلمي عب التوسط ،ليستعيدوا الندلس الت فقدوها ،وليدخلوا
معنا ف قلب فرنسا بعركة بواتيه جديدة ينتصرون فيها ،ويكتسحون أوربا الواهنة،
ويكملون ما كانوا قد عزموا عليه
أثناء حلم المويي بتحويل التوسط إل بية إسلمية خالصة.
من أجل ذلك كنا نارب ف الزائر ( .جريدة اليام – سنة ).1963
178
-13ف أول الشهر الادي عشر من عام 1974ذكرت إذاعة لندن مساء زيارة وزير
خارجية فرنسا سوفانيارك لسرائيل .واجتماعه بقياداتا ،بعد أن اجتمع ف بيوت
برئيس منظمة التحرير الفلسطينية .ما جرى ف آخر اجتماع عقد بي القادة السرائيليي
وسوفانيارك ،وانتقاداتم للسياسة الفرنسية لنا تقف إل جانب العرب ضد اسرائيل ،
وتؤيد الفلسطينيي ،وهاجوا سوفانيارك شخصيا لنه اجتمع بياسر عرفات .عندها
غضب وزير الارجية الفرنسية وصرخ ف وجوههم :إما أن تعترفوا بنظمة التحرير ،أو
أن يعلن العرب كلهم عليكم الهاد ..
والعجب أن اذاعة لندن ل تعد إل اذاعة هذا الب مرة أخرى ،كما أن جيع اذاعات
العرب ل تذكره .
ففرنسا حي تتحرك إل جانب العرب ل تتحرك إل خوفا من أن يثي عداء العال الغرب
للعرب روح الهاد ف السلمي ،فيعلنوه ويشنوا حربا على الضارة الغربية تؤدي إل
دمار الغرب ويقظة السلمي وهذا وحده كاف أن يدفع فرنسا إل مهادنتهم ودعوة
الخرين لهادنتهم !!! .
-14قالت اذاعة لندن صباح 10/4/1976بناسبة افتتاح مهرجان العال السلمي ف
لندن :
ان الشعور العام السائد ف الغرب أن السيحية اذا ل تغي موقفها من السلم بيث تتعاون
معه للقضاء على الشر ف العال ،ل أن تعتب السلم مصدرا من مصادر الشر ،إن ل
تفعل ذلك فان الستقبل ل يؤذن بي بالنسبة للمسيحية والعال .
***
دمروا السلم
كيف يعملون إذن :
ليس أمامهم إل حل واحد هو تدمي السلم:
"-1ها قد هبت النصرانية والوسوية لقاتلة الحمدية .وها تأملن أن تتمكنا من تدمي
عدوتما" (.استعباد السلم – ص ).44
-2يقول غاردنر:
179
إن الروب الصليبية ل تكن لنقاذ القدس ،إنا كانت لتدمي السلم ( .التبشي
والستعمار ص – 115جذور البلء ص ).201
-3ونشيد جيوش الستعمار كان يقول:
أنا ذاهب لسحق المة اللعونة،
لحارب الديانة السلمية،
ولمو القرآن بكل قوتى.
-4وشعار "قاتلوا السلمي" الذي وزعته إسرائيل ف أوربا عند حرب الـ ،67لقى
تاوبا ل نظي له ف دول الغرب كلها …
-5يقول فيليب فونداسي:
إن من الضروري لفرنسا أن تقاوم السلم ف هذا العال وأن تنتهج سياسة عدائية
للسلم ،وأن تاول على القل إيقاف انتشاره ( .الستعمار الفرنسي ف أفريقيا السوداء،
تأليف فيليب فونداسى – ص ).2
-6يقول الستشرق الفرنسي كيمون ف كتابه "باثولوجيا السلم":
"إن الديانة الحمدية جذام تفشى بي الناس ،وأخذ يفتك بم فتكا ذريعا ،بل هو مرض
مريع ،وشلل عام ،وجنون ذهول يبعث النسان على المول والكسل ،ول يوقظه من
المول والكسل إل ليدفعه إل سفك الدماء ،والدمان على معاقرة المور ،وارتكاب
جيع القبائح .وما قب ممد إل عمود كهربائي يبعث النون ف رؤوس السلمي ،فيأتون
بظاهر الصرع والذهول العقلي إل ما ل ناية ،ويعتادون على عادات تنقلب إل طباع
أصيلة ،ككراهة لم النير ،والمر والوسيقي.
إن السلم كله قائم على القسوة والفجور ف اللذات.
ويتابع هذا الستشرق الجنون:
اعتقد أن من الواجب إبادة خُمس السلمي ،والكم على الباقي بالشغال الشاقة ،وتدمي
الكعبة ،ووضع قب ممد وجثته ف متحف اللوفر ( .التاهات الوطنية ج – 1ص 321
،وتاريخ المام ج -2ص ،409والفكر السلمي الديث ص ،51والقومية والغزو
الفكري – ص ).192
180
ويبدو أن قائد اليوش النكليزية ف حلة السودان قد طبق هذه الوصية ،فهجم على قب
الهدى الذي سبق له أن حرر السودان وقتل القائد النكليزي غوردون ،هجم القائد
النكليزي على قب الهدي ،ونبشه ،ث قطع رأسه وأرسله إل عاهر إنكليزي وطلب إليه
أن يعله مطفأة لسجائره ( .القومية والغزو الفكري ،ص ).222
-6صرّح الكاردينال بور ،كاردينال برلي لجلة تابلت النكليزية الكاثوليكية يوم سقوط
القدس عام 1967بعد أن رعى صلة السيحيي مع اليهود ف كنيس يهودي لول مرة
ف تاريخ السيحية قال :إن السيحيي ل بد لم من التعاون مع اليهود للقضاء على
السلم وتليص الرض القدسة ( .نشرة التعايش الشبوه – ص ) 4
-8قال لويس التاسع ملك فرنسا الذي أسر ف دار ابن لقمان بالنصورة ،ف وثيقة
مفوظة ف دار الوثائق القومية ف باريس :
إنه ل يكن النتصار على السلمي من خلل حرب وانا يكن النتصار عليهم بواسطة
السياسة باتباع ما يلي :
-إشاعة الفرقة بي قادة السلمي ،واذا حدثت فليعمل على توسيع شقتها ما أمكن حت
يكون هذا اللف عاملً ف اضعاف السلمي .
-عدم يكي البلد السلمية والعربية أن يقوم فيها حكم صال .
-إفساد أنظمة الكم ف البلد السلمية بالرشوة والفساد والنساء ،حت تنفصل القاعدة
عن القمة .
-اليلولة دون قيام جيش مؤمن بق وطنه عليه ،يضحي ف سبيل مبادئه .
-العمل على اليلولة دون قيام وحدة عربية ف النطقة .
-العمل على قيام دولة غربية ف النطقة العربية تتد ما بي غزة جنوبا ،انطاكية شالً ،ث
تتجه شرقا ،وتتد حت تصل إل الغرب ( العدد 2106آخر ساعة 5 ،آذار 1975
من خطبة أمي الاج الصري لعام 1975الوزير أحد كمال وزير الري الصري ) .
***
خططهم لتدمي السلم
181
بعد فشل الروب الصليبية الول الت استمرت قرني كاملي ف القضاء على السلم،
قاموا بدراسة واعية لكيفية القضاء على السلم وأمته ،وبدؤوا منذ قرني يسعون بكل قوة
للقضاء على السلم.
كانت خطواتم كما يلي:
أولً :القضاء على حكم السلمي :
بإناء اللفة السلمية التمثلة بالدولة العثمانية ،الت كانت رغم بعد حكمها عن روح
السلم ،إل أن العداء كانوا يشون أن تتحول هذه اللفة من خلفة شكلية إل خلفة
حقيقية تددهم بالطر.
كانت فرصتهم الذهبية الت مهدوا لا طوال قرن ونصف هي سقوط تركيا مع حليفتها
ألانيا خاسرة ف الرب العالية الول.
دخلت اليوش النكليزية واليونانية ،واليطالية ،والفرنسية أراضي الدولة العثمانية،
وسيطرت على جيع أراضيها ،ومنها العاصمة استانبول.
ولا ابتدأت مفاوضات مؤتر لوزان لعقد صلح بي التحاربي اشترطت إنكلترا على تركيا
أنا لن تنسحب من أراضيها إل بعد تنفيذ الشروط التالية:
أ -إلغاء اللفة السلمية ،وطرد الليفة من تركيا ومصادرة أمواله.
ب -أن تتعهد تركيا بإخاد كل حركة يقوم با أنصار اللفة.
ج -أن تقطع تركيا صلتها بالسلم.
د – أن تتار لا دستورا مدنيا بدلً من دستورها الستمد من أحكام السلم ( .الرض
والشعب – ص – 46ملد أول).
فنفذ كمال أتاتورك الشروط السابقة ،فانسحبت الدول الحتلة من تركيا.
ولا وقف كرزون وزير خارجية إنكلترا ف ملس العموم البيطان يستعرض ما جرى مع
تركيا ،احتج بعض النواب النكليز بعنف على كرزون ،واستغربوا كيف اعترفت إنكلترا
باستقلل تركيا ،الت يكن أن تمع حولا الدول السلمية مرة أخرى وتجم على
الغرب.
182
فأجاب كرزون :لقد قضينا على تركيا ،الت لن تقوم لا قائمة بعد اليوم ..لننا قضينا
على قوتا التمثلة ف أمرين :السلم واللفة.
فصفق النواب النكليز كلهم وسكتت العارضة ( .كيف هدمت اللفة ص )190
ثانيا :القضاء على القرآن وموه:
لنم كما سبق أن قلنا يعتبون القرآن هو الصدر الساسي لقوة السلمي ،وبقاؤه بي
أيديهم حيا يؤدي إل عودتم إل قوتم وحضارتم.
-1يقول غلدستون :ما دام هذا القرآن موجودا ،فلن تستطيع أوربة السيطرة على
الشرق ،ول أن تكون هي نفسها ف أمان ( .السلم على مفترق الطرق – ص ) .39
-2ويقول البشر وليم جيفورد بالكراف:
مت توارى القرآن ومدينة مكة عن بلد العرب ،يكننا حينئذ أن نرى العرب يتدرج ف
طريق الضارة الغربية بعيدا عن ممد وكتابه ( .جذور البلء – ص ).201
-3ويقول البشر تاكلي:
يب أن نستخدم القرآن ،وهو أمضى سلح ف السلم ،ضد السلم نفسه ،حت نقضى
عليه تاما ،يب أن نبي للمسلمي أن الصحيح ف القرآن ليس جديدا ،وأن الديد فيه
ليس صحيحا( .التبشي والستعمار – ص ( 40طبعة رابعة)) .
-4ويقول الاكم الفرنسي ف الزائر بناسبة مرور مائة عام على احتللا :يب أن نزيل
القرآن العرب من وجودهم ..ونقتلع اللسان العرب من ألسنتهم ،حت ننتصر عليهم.
( النار عدد ).9/11/1962
وقد أثار هذا العن حادثةً طريفةً جرت ف فرنسا ،وهي إنا من أجل القضاء على القرآن
ف نفوس شباب الزائر قامت بتجربة عملية ،قامت بانتقاء عشر فتيات مسلمات
جزائريات ،أدخلتهن الكومة الفرنسية ف الدارس الفرنسية ،وألبستهن الثياب الفرنسية،
ولقنتهن الثقافة الفرنسية ،وعلمتهن اللغة الفرنسية ،فأصبحن كالفرنسيات تاما.
وبعد أحد عشر عاما من الهود هيأت لن حفلة ترج رائعة دعى إليها الوزراء
والفكرون والصحفيون … ولا ابتدأت الفلة ،فوجيء الميع بالفتيات الزائريات
يدخلن بلباسهن السلمي الزائري …
183
فثارت ثائرة الصحف الفرنسية وتساءلت :ماذا فعلت فرنسا ف الزائر إذن بعد مرور مائة
وثانية وعشرين عاما !!! ؟؟
أجاب لكوست ،وزير الستعمرات الفرنسى :وماذا أصنع إذا كان القرآن أقوى من
فرنسا؟!! (.جريدة اليام – عدد ،7780الصادر بتاريخ 6كانون أول )..1962
ثالثا :تدمي أخلق السلمي ،وعقولم ،وصلتهم بال ،وإطلق شهواتم:
-1يقول مرماديوك باكتول:
إن السلمي يكنهم أن ينشروا حضارتم ف العال الن بنفس السرعة الت نشروها با
سابقا.
بشرط أن يرجعوا إل الخلق الت كانوا عليها حي قاموا بدورهم الول ،لن هذا العال
الاوي ل يستطيع الصمود أمام روح حضارتم ( .جند ال -ص ).22
-2يقول صموئيل زوير رئيس جعيات التبشي ف مؤتر القدس للمبشرين النعقد عام
1935م:
إن مهمة التبشي الت ندبتكم دول السيحية للقيام با ف البلد الحمدية ليست ف إدخال
السلمي ف السيحية ،فإن ف هذا هداية لم وتكريا ،إن مهمتكم أن ترجوا السلم من
السلم ليصبح ملوقا ل صلة له بال ،وبالتال ل صلة تربطه بالخلق الت تعتمد عليها
المم ف حياتا ،ولذلك تكونون بعملكم هذا طليعة الفتح الستعماري ف المالك
السلمية ،لقد هيأت جيع العقول ف المالك السلمية لقبول السي ف الطريق الذي
سعيتم له ،أل يعرف الصلة بال ،ول يريد أن يعرفها ،أخرجتم السلم من السلم ،ول
تدخلوه ف السيحية ،وبالتال جاء النشء السلمي مطابقا لا أراده له الستعمار ،ل يهتم
بعظائم المور ،ويب الراحة ،والكسل ،ويسعى للحصول على الشهوات بأي أسلوب،
حت أصبحت الشهوات هدفه ف الياة ،فهو إن تعلم فللحصول على الشهوات ،وإذا جع
الال فللشهوات ،وإذا تبوأ أسى الراكز ففي سبيل الشهوات ..إنه يود بكل شيء
للوصول إل الشهوات ،أيها البشرون :إن مهمتكم تتم على أكمل الوجوه ( .جذور
البلء – ص ) .275
-3ويقول صموئيل زوير نفسه ف كتاب الغارة على العال السلمي :
184
إن للتبشي بالنسبة للحضارة الغربية مزيتان ،مزية هدم ،ومزية بناء
أما الدم فنعن به انتزاع السلم من دينه ،ولو بدفعه إل اللاد ..
وأما البناء فنعن به تنصي السلم إن أمكن ليقف مع الضارة الغربية ضد قومه ( .الغارة
على العال السلمي – ص ) .11
-4ويقولون إن أهم الساليب للوصول إل تدمي أخلق السلم وشخصيته يكن أن يتم
بنشر التعليم العلمان.
أ -يقول البشر تكلى:
يب أن نشجع إنشاء الدارس على النمط الغرب العلمان ،لن كثيا من السلمي قد
زعزع اعتقادهم بالسلم والقرآن حينما درسوا الكتب الدرسية الغربية وتعلموا اللغات
الجنبية ( .التبشي والستعمار – ص ).88
ب -ويقول زوير :مادام السلمون ينفرون من الدارس السيحية فل بد أن ننشيء لم
الدارس العلمانية ،ونسهل التحاقهم با ،هذه الدارس الت تساعدنا على القضاء على
الروح السلمية عند الطلب ( .الغارة على العال السلمي – ص ).82
ج -يقول جب :لقد فقد السلم سيطرته على حياة السلمي الجتماعية ،وأخذت دائرة
نفوذه تضيق شيئا فشيئا حت انصرت ف طقوس مددة ،وقد ت معظم هذا التطور تدرييا
عن غي وعي وانتباه ،وقد مضى هذا التطور الن إل مدى بعيد ،ول يعد من المكن
الرجوع فيه ،لكن ناح هذا التطور يتوقف إل ح ٍد بعي ٍد على القادة والزعماء ف العال
السلمي ،وعلى الشباب منهم خاصة .كل ذلك كان نتيجة النشاط التعليمي والثقاف
العلمان ( .التاهات الوطنية ف الدب العاصر – ج – 2ص ،206 – 204تأليف
ممد حسي).
رابعا :القضاء على وحدة السلمي:
-1يقول القس سيمون:
إن الوحدة السلمية تمع آمال الشعوب السلمية ،وتساعد التملص من السيطرة
الوربية ،والتبشي عامل مهم ف كسر شوكة هذه الركة ،من أجل ذلك يب أن نوّل
بالتبشي اتاه السلمي عن الوحدة السلمية ( .كيف هدمت اللفة – ص ).190
185
-2ويقول البشر لورنس براون:
إذا اتد السلمون ف إمباطورية عربية ،أمكن أن يصبحوا لعن ًة على العال وخطرا ،أو
أمكن أن يصبحوا أيضا نعمة له ،أما إذا بقوا متفرقي ،فإنم يظلون حينئذ بل وزن ول
تأثي ( .جذور البلء – ص ).202
ويكمل حديثه:
يب أن يبقى العرب والسلمون متفرقي ،ليبقوا بل قوة ول تأثي.
-3ويقول أرنولد توينب ف كتابه السلم والغرب والستقبل ( :السلم والغرب
والستقبل – ص ).73
إن الوحدة السلمية نائمة ،لكن يب أن نضع ف حسابنا أن النائم قد يستيقظ.
-4وقد فرح غابرائيل هانوتو وزير خارجية فرنسا حينما انل رباط تونس الشديد
بالبلد السلمية ،وتفلتت روابطه مع مكة ،ومع ماضيه السلمي ،حي فرض عليه
الفرنسيون فصل السلطة الدينية عن السلطة السياسية ( .هانوتو – ص ).21
-5من أخطر ما نذكره من أخبار حول هذه النقطة هو ما يلي:
ف سنة 1907عقد مؤتر أورب كبي ،ضم أضخم نبة من الفكرين والسياسيي
الوربيي برئاسة وزير خارجية بريطانيا الذي قال ف خطاب الفتتاح:
إن الضارة الوروبية مهددة بالنلل والفناء ،والواجب يقضى علينا أن نبحث ف هذا
الؤتر عن وسيلة فعالة تول دون انيار حضارتنا.
واستمر الؤتر شهرا من الدراسة والنقاش.
واستعرض الؤترون الخطار الارجية الت يكن أن تقضى على الضارة الغربية الفلة،
فوجدوا أن السلمي هم أعظم خطر يهدد أوربة.
فقرر الؤترون وضع خطة تقضي ببذل جهودهم كلها لنع إياد أي اتاد أو اتفاق بي
دول الشرق الوسط ،لن الشرق الوسط السلم التحد يشكل الطر الوحيد على
مستقبل أوربة.
وأخيا قرروا إنشاء قومية غربية معادية للعرب والسلمي شرقي قناة السويس ،ليبقى
العرب متفرقي.
186
وبذا أرست بريطانيا أسس التعاون والتحالف مع الصهيونية العالية الت كانت تدعو إل
إنشاء دولة يهودية ف فلسطي ( .الؤامرة ومعركة الصي – ص ) .25
خامسا :تشكيك السلمي بدينهم:
ف كتاب مؤتر العاملي السيحيي بي السلمي يقول:
إن السلمي يدّعون أن ف السلم ما يلب كل حاجة اجتماعية ف البشر ،فعلينا نن
البشرين أن نقاوم السلم بالسلحة الفكرية والروحية ( .التبشي والستعمار – ص
) .191
تنفيذا لذلك وضعت كتب الستشرقي التربصي بالسلم ،الت ل تد فيها إل الطعن
بالسلم ،والتشكيك ببادئه ،والغمز بنبيه ممد صلى ال عليه وسلم.
سادسا :إبقاء العرب ضعفاء:
يعتقد الغربيون أن العرب هم مفتاح المة السلمية يقول مورو بيجر ف كتابه "العال
العرب":
لقد ثبت تارييا أن قوة العرب تعن قوة السلم فليدمر العرب ليدمروا بتدميهم السلم.
سابعا :إنشاء ديكتاتوريات سياسية ف العال السلمي:
يقول الستشرق و .ك .سيث المريكي ،والبي بشؤون الباكستان:
إذا أعطى السلمون الرية ف العال السلمي ،وعاشوا ف ظل أنظمة ديقراطية ،فإن
السلم ينتصر ف هذه البلد ،وبالديكتاتوريات وحدها يكن اليلولة بي الشعوب
السلمية ودينها.
وينصح رئيس ترير ملة تاي ف كتابه "سفر آسيا" الكومة المريكية أن تنشئ ف البلد
السلمية ديكتاتوريات عسكرية للحيلولة دون عودة السلم إل السيطرة على المة
السلمية ،وبالتال النتصار على الغرب وحضارته واستعماره ( .جند ال – ص ).29
لكنهم ل ينسوا أن يعطوا هذه الشعوب فترات راحة حت ل تتفجر.
يقول هانوتو وزير خارجية فرنسا:
إن الطر ل يزال موجودا ف أفكار القهورين الذين أتعبتهم النكبات الت أنزلناها بم،
لكنها ل تثبط من عزائهم( .الفكر السلمي وصلته بالستعمار الغرب ) .19 -
187
ثامنا :إبعاد السلمي عن تصيل القوة الصناعية وماولة إبقائهم مستهلكي لسلع الغرب:
يقول أحد السؤولي ف وزارة الارجية الفرنسية عام 1952إن الطر القيقي الذي
يهددنا تديدا مباشرا عنيفا هو الطر السلمي … (ويتابع):
فلنعط هذا العال ما يشاء ،ولنقو ف نفسه عدم الرغبة ف النتاج الصناعي والفن ،فإذا
عجزنا عن تقيق هذه الطة ،وترر العملق من عقدة عجزه الفن والصناعي ،أصبح
خطر العال العرب وما وراءه من الطاقات السلمية الضخمة ،خطرا داها ينتهي به
الغرب ،وينتهي معه دوره القيادي ف العال ( .جند ال – ص ).22
تاسعا :سعيهم الستمر لبعاد القادة السلمي القوياء عن استلم الكم ف دول العال
السلمي حت ل ينهضوا بالسلم:
-1يقول الستشرق البيطان مونتجومري وات ف جريدة التايز اللندنية ،ف آذار من عام
:1968
إذا وجد القائد الناسب ،الذي يتكلم الكلم الناسب عن السلم ،فإن من المكن لذا
الدين أن يظهر كإحدى القوى السياسية العظمى ف العال مرة أخرى (.اللول الستوردة
– ص ).11
-2ويقول جب:
إن الركات السلمية تتطور عادة بصورة مذهلة ،تدعو إل الدهشة ،فهي تنفجر انفجارا
مفاجئا قبل أن يتبي الراقبون من أماراتا ما يدعوهم إل السترابة ف أمرها ،فالركات
السلمية ل ينقصها إل وجود الزعامة ،ل ينقصها إل ظهور صلح الدين جديد.
( التاهات الديثة ف السلم – ص ( ،365عن التاهات الوطنية ف الدب العاصر)
ج – 2ص ) .206
-3وقد سبق أن ذكرنا قول بن غوريون رئيس وزراء إسرائيل السابق:
" إن أخشى ما نشاه أن يظهر ف العال العرب ممد جديد".
-4كما ذكرنا قول سالزار ،ديكتاتور البتغال السابق:
أخشى أن يظهر من بينهم رجل يوجه خلفاتم إلينا.
عاشرا :إفساد الرأة ،وإشاعة النراف النسي:
188
-1تقول البشرة آن ميليغان:
لقد استطعنا أن نمع ف صفوف كلية البنات ف القاهرة بنات آباؤهن باشاوات وبكوات،
ول يوجد مكان آخر يكن أن يتمع فيه مثل هذا العدد من البنات السلمات تت النفوذ
السيحى ،وبالتال ليس هناك من طريق أقرب إل تقويض حصن السلم من هذه
الدرسة ( .التبشي والستعمار ).87 -
ماذا يعنون بذلك ؟ إنم يعنون أنم بإخراج الرأة السلمة من دينها يرج اليل الذي تربيه
ويرج معها زوجها وأخوها أيضا وتصبح أداة تدمي قوية لميع قيم الجتمع السلمي
الذي ياولون تدميه وإلغاء دوره الضاري من العال .
-2حكى قادم من الضفة الغربية أن السلطات الصهيونية تدعو الشباب العرب بملت
منظمة وهادئة إل الختلط باليهوديات وخصوصا على شاطئ البحر وتتعمد اليهوديات
دعوة هؤلء الشباب إل الزنا بن ،وأن السلطات اليهودية تلحق جيع الشباب الذين
يرفضون هذه العروض ،بجة أنم من النتمي للحركات الفدائية ،كما أنا ل تُدخل إل
الضفة الغربية إل الفلم النسية الليعة جدا ،وكذلك تفتح على مقربة من العامل
الكبية الت يعمل فيها العمال العرب الفلسطينيون دورا للدعارة مانية تقريبا ،كل ذلك
من أجل تدمي أخلق أولئك الشباب ،لضمان عدم انضمامهم إل حركات القاومة ف
الرض الحتلة.
***
هل هناك تغيي ف موقف الغرب تاه السلم وأهله ؟! ..
ظهرت ف السنوات الربع ألخية بعض الواقف ف الغرب تتميز بروح العتدال ،وتدعو
إل التأمل .سنستعرض هذه الواقف ،ث نلل ما تعنيه ..
-1أذاعت إذاعة صوت العرب الب التال :
قررت الكومة الفرنسية ما يلي :
أ -منح الديانة السلمية فترة إذاعية ف إذاعتها .
ب -فتح مساجد ف الشاف والسجون الفرنسية .
ت -منح العمال السلمي إجازات بناسبة العياد السلمية .
189
-2أقيم ف لندن ف نيسان 1976مهرجان اسه مهرجان العال السلمي .
حدد الدير العام للمهرجان بول كيلر أهداف الهرجان كما يلي :
إن النسان ف الغرب يعان فراغا ثقافيا وروحيا ،ومن هنا كان رحيله الستمر إل
الشرق على صورة موجات (( هيبية )) باحثا عن ثقافة جديدة يواجه با أزمته الروحية
الت يعان منها .
يقول مدير الهرجان :
أنا أعتقد أن العصر الذي نعيش فيه هو عصر التاه إل حضارة الشرق ،والسلم
بصورة خاصة ل يتجه إليه الغرب ،وهو أغن حضارة بالقيم الروحية .فقلت لاذا ل نقيم
هذا التصال الثقاف والضاري مع السلم ،وخاصة وأن الدول السلمية بدأت تفرض
نفسها على العال بشت الصور ..لذلك فكرنا بإقامة مهرجان العال السلمي .
ويقول :يب اقتلع التعصب ضد الضارة السلمية ،ونن نتوقع أن يساهم الهرجان
بذه العملية .
ويقول :إن الغاية من الهرجان هي إيصال القيم السلمية إل جاهي الشعب البيطان ،
واننا نتوقع أن يري نقاش واسع حول القيم السلمية أثناء فترة الهرجان ،وهي فترة
طويلة – ثلثة أشهر – وهكذا تتهيأ الفرصة لشرح القيم السلمية بصورة وافية ،وان
الفرصة الت ستتاح لعلماء السلمي والختصي لشرح الضارة السلمية وإبرازها ،
وماولة مد السور بي الشرق والغرب ستكون كبية
وهذه هي الناسبة القيقية ل زالة الشبهات الت فرضت على الضارة السلمية من
مموعة من التعصبي السيحيي واليهود ،وقصة تعدد الزوجات ف السلم واحدة من
تلك القصص الت تشرح للرأي العام البيطان من قبل ( ملة السبوع العرب ،العدد
868الثني 9آذار . ). 1976
-3ف دراسة نشرها ف عام 1976الستشرق الصهيون النكليزي الشهور برنارد
لويس تت عنوان (( عودة السلم )) وبعد مقدمات تليلية واسعة للحركات السلمية
ف العال السلمي يقول :
190
ما تقدم تبز نتائج عامة مددة :فالسلم ل يزال الشكل الكثر فعالية ف الرأي العام ف
دول العال السلمي ،وهو يشكل اللون الساسي لماهي ،وتزداد فعاليته كلما كانت
أنظمة الكم أكثر شعبية .أي قائمة على أساس اعطاء الرية للشعوب ،ويكن للمرء أن
يدرك الفرق الواضح بي أنظمة الكم الالية ،وبي القيادات السياسية ذات الثقافة
الغربية الت أبعدت عن الكم .والت حكمت حت عشرات قليلة مضت من السني .
وكلمات التصقت الكومات أكثر بعامة الناس ،حت ولو كانت يسارية ،فانا تصبح
أكثر إسلمية .ولقد بنيت مساجد ف ظل أحد أنظمة الكم ف منطقة الواجهة مع
اسرائيل خلل ثلث سنوات أكثر ما بن ف السنوات الثلثي الت سبقتها .
إن السلم قوي جدا ،إل أنه ل يزال قوة غي موجهّة ف ميدان السياسة الداخلية .
وهو يبز كعامل أساسي متمل ف السياسة الدولية ،وقد جرت ماولت كثية ف سبيل
سياسة تضامن إسلمي أو جامعة إسلمية للدول السلمية ال أنا أخفقت كلها ف تقيق
تقدم نو إقامة هذا التضامن .وان أحد السباب الهمة هو عجز الذين قاموا بذه
الحاولت ف اقناع الشعوب السلمية بدية ما يريدون .
ول يزال الجال مفتوحا لبوز قيادات أكثر اقناعا وان هناك أدلة كافية ف كل الدول
السلمية قائمة فعل تدل على الشوق العميق الذي تكنه الشعوب السلمية لثل هذه
القيادة ،والستعداد العظيم للتجاوب معها
إن غياب القيادة العصرية الثقفة ،القيادة الت تدم السلم با يقتضيه العصر من تنظيم
وعلم .ان غياب هذه القيادة قد قيّد حركة السلم كقوة منتصرة ،ومنع غيابُ القيادة
العصرية الثقفة الركات السلمية من أن تكون منافسا خطيا على السلطة ف العال
السلمي .لكن هذه الركات يكن أن تتحول إل قوى سياسية ملية هائلة اذا تيأ لا
النوع الصحيح من القيادة ( صفحة 48من ملة commentaryعام . ). 1976
نقول ماذا تعن هذه الواقف ،وهذه القوال ؟! هل هي بداية توّل غرب تاه السلم ..
أم أنا مكر من نوع جديد !!!
إنا – فيما نعتقد – طلء لون به الغرب وجهه بعد أن برزت قوى العال السلمي
القتصادية والسياسية بشكل ضخم .
191
إن القوة القتصادية الت برزت لدول النفط قد أقضت مضاجع العال الغرب ،فان كان
تقرير البنك الدول صادقا ،وبأن السعودية وحدها سوف تلك عام 1980نصف النقد
التداول ف العال ،فان هذا خطر واضح .
واذا أضفنا إل ذلك الوقع الستراتيجي العجيب للعال السلمي ،اذ أن جيع مضائق
العال الساسية فيه ومعظم السهول الصبة الرخيصة فيه ،وجيع البحار الدافئة والت
تترقها طرق العال فيه ،وإن عدد سكانه يشكل ثلث سكان العال ..وهم معظم
الستهلكي لبضائع الغرب ،فرواج الصناعة الغربية كله قائم عليهم ،والواد الولية
متوفرة فيه بشكل هائل ،كما أن لسكانه أثرا هائل ف جيع شعوب العال فإننا بذلك
ندرك مدى الشعور بالطر الذي دفع الغرب إل ما سبق أن فعله .
إذا كان برنارد لويس ذلك الصهيون الستشرق قد اقتنع أن السلم ف طريقه إل العودة
إل العال كقوة مهيمنة ،فكأنه يقول للغربيي انتبهوا..السلمون قادمون ..دمروهم قبل أن
يكسروا قمقمهم ..
وما الدليل على ما نقول !؟! إن الدليل الواضح هو حرب الصومال الت تشبه إل حد كبي
حرب بنغلدش فالشيوعيون يقدمون السلحة والنود للحبشة والغربيون – أمريكا –
وانكلترا – وفرنسا – وألانيا تتنع عن تقدي الدعم للصومال ببيعها السلح ...فهو تآمر
مكشوف من كل الطرفي الشيوعي والرأسال لنقاذ البشة السيحية الصليبية .ولو كان
ذلك على حساب الشعبي السلمي الرتيي والصومال .
هذا يدل بوضوح على أن الغرب ل زال كما كان ..وإن ما يقوم به من أعمال تنبئ عن
مهادنة السلم ما هي ال ماولت للتغرير بالسلمي ...فلننتبه بشدة .
فان الغرب ل زال حريصا على شرب دمائهم وابتلع امكاناتم .ان آخر ما قام به
ضدهم هو قتل ألف مسلم ف مسجد مدينة ريرداد باقليم أوجادين الصومال ،حي فتح
الحباش نيان رشاشاتم الروسية ( ملة العتصام الصرية تشرين أول ). 1977على
الصلي فأبادوا منهم ألفا دفعة واحدة .ول تتحرك لذه الفعله الوحشية دولة من دول
الغرب كله ...فهل ف هذا ما يدل ...؟!! إنه أكب دليل ...
192
يب أن نكسر ما يقيدنا ..ونعود إل العال سادة له ،نرر من ظلم البارين ..وال
غالب أمره .
أخيا
يا ويح أعدائنا ما أقذرهم ،إنم يفرضون علينا أن نقد عليهم حي يرقصون على أشلئنا
بعد أن يزقوها ويطحنوها ويطعموها للكلب.
لقد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم لقادة أعدائه حي فتح مكة" :اذهبوا فأنتم
الطلقاء" ،وهم الذين ذبوا أهله وأصحابه …
وترك صلح الدين الصليبيي ف القدس بعد أن فتحها دون أن يذبهم كما ذبوا أهله
وإخوانه.
لكننا نتساءل:
إن أحقاد هؤلء وما فعلوه بأمة السلم من ذبح ،هل ستمكننا من العطف عليهم مرة
أخرى حي ننتصر ؟؟! ولبد أن ننتصر ،لن ال قدر هذا وانتهى ،هل سنبادلم حقدا
بقد ،وذبا بذبح ،ودما بدم ؟؟!!
إن ال سح لنا بذلك ،لكنه قال { فمن عفى وأصلح فأجره على ال } ،إننا ل نستطيع
إل أن نقول لم يومنا ذلك :اذهبوا أحرارا حيث شئتم ف ظل عدل أمة السلم – الذي
ل حد له – والمد ل رب العالي والصلة على نبيه ممد وآله ومن سار على درب
الهاد الذي خطّه إل يوم الدين .
3/1978
********************
إن جيع النبياء والرسلي قد أوذوا من قبل أقوامهم ومن قبل غيهم:
193
شفَاكَ َفقَالَ َرسُولُ اللّهِ -صلى ال عليه وسلم- الْحُمّى قُ ْلنَا يَا َرسُولَ اللّهِ َلوْ َد َعوْتَ اللّهَ فَ َ
س َبلَ ًء الَْنِبيَاءَ ثُ ّم الّذِي َن يَلُوَنهُ ْم ثُ ّم الّذِي َن يَلُوَنهُ ْم ثُ ّم الّذِي َن يَلُوَنهُمْ »
« ِإ ّن مِنْ َأشَ ّد النّا ِ
رواه أحد ف مسنده وهو صحيح
ى النّاسِ َأشَ ّد َبلَءً قَا َل « الَْنِبيَاءُ ت يَا َرسُولَ اللّهِ أَ ّ ص َعبِ بْ ِن َسعْ ٍد عَنْ َأبِيهِ قَالَ قُ ْل ُ وعَنْ ُم ْ
لؤُ ُه َوإِنْ كَانَص ْلبًا ا ْشتَ ّد َب َ
سبِ دِينِهِ فَِإنْ كَانَ دِينُهُ ُ ثُ ّم الَ ْمثَلُ فَا َل ْمثَلُ َفيُْبتَلَى الرّجُ ُل عَلَى حَ َ
ح اْلبَلَ ُء بِاْل َعبْدِ َحتّى َيتْرُكَ ُه يَمْشِى عَلَى الَ ْرضِ سبِ دِينِهِ فَمَا يَبْ َر ُ فِى دِينِهِ رِّقةٌ اْبتُِلىَ عَلَى حَ َ
مَا عََليْهِ خَطِيَئةٌ » .قَالَ َأبُو عِيسَى الترمذي هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
الصب ف القرآن الكري
اليان نصفان :صب وشكر،ولا كان كذلك كان حريا بالؤمن أن يعرفهما ويتمسك
بما ،و أن ل يعدل عنهما ،وأن يعل سيه إل ربه بينهما ومن هنا كان حديثنا عن الصب
ف القرآن الكري فقد جعله ال جوادا ل يكبو وصارما ل ينبو وجندا ل يهزم،وحصنا ل
يهدم .فالنصر مع الصب ،والفرج مع الكرب ،والعسر مع اليسر ،وهو أنصر لصاحبه من
الرجال بل عدة ول عدد ومله من الظفر كمحل الرأس من السد ،والديث عن مكانته
وفضيلته آتية بإذن ال الشارة إليه .فل تستعجلها قبل أوانا وقبل الشروع ف القصود
نبي السائل الت سيدور عليها حديثنا وهي:
-مقدمات ف تعريفه وضرورته وحكمه ودرجاته.
-فضله.
-مالته.
-الوسائل العينة عليه.
-ناذج من الصابرين.
-1القدمات :
أ – تعريفه:
الصب لغة :البس والكف ،قال تعال(( :واصب نفسك مع الذين يدعون ربم بالغداة
والعشي ))...الية ،أي احبس نفسك معهم.
194
واصطلحا :حبس النفس على فعل شيء أو تركه ابتغاء وجه ال قال تعال(( :والذين
صبوا ابتغاء وجه ربم)).
وقد أشرنا ف التعريف إل أنواع الصب الثلثة والباعث عليه.
أما أنواعه فهي :صب على طاعة ال ،وصب عن معصية ال ،وصب على أقدار ال الؤلة.
ففي قولنا (على فعل شيء) دخل فيه الول ،وف قولنا (أو تركه) دخل فيه النوعان الثان
والثالث :أما دخول الثان فظاهر لنه حبس للنفس على ترك معصية ال ،وأما دخول
الثالث فلنه حبس للنفس عن الزع والتسخط عند ورود القدار الؤلة.
أما الباعث عليه :فهو ف قولنا ((ابتغاء وجه ال)) قال تعال ((ولربك فاصب)) فالصب
الذي ل يكون باعثه وجه ال ل أجر فيه وليس بحمود ،وقد أثن ال ف كتابه على أول
اللباب الذين من أوصافهم ماذكره بقوله(( :والذين صبوا ابتغاء وجه ربم وأقاموا
الصلة ،وأنفقوا ما رزقناهم سرا وعلنية)).
وهذا النص يشي إل حقيقة هامة جدا وهي أن صبغة الخلق ربانية فيه ليست أخلقا
وضعية أو مادية وإنا ربانية سواء من جهة مصدر اللزام با أو من جهة الباعث على
فعلها ،فالعبد ل يفعلها تت رقابة بشرية حي تغيب ينفلت منها ،بل يفعلها كل حي
وعلى كل حال لن الرقابة ربانية ،والباعث إرادة وجه ال تعال.
ب – أهيته:
الصب :أبرز الخلق الوارد ذكرها ف القرآن حت لقد زادت مواضع ذكره فيه عن مائة
موضع ،وما ذلك إل لدوران كل الخلق عليه ،وصدورها منه ،فكلما قلبت خلقا أو
فضيلة وجدت أساسها وركيزتا الصب ،فالعفة :صب عن شهوة الفرج والعي الحرمة،
وشرف النفس :صب عن شهوة البطن ،وكتمان السر :صب عن إظهار مال يسن إظهاره
من الكلم ،والزهد :صب عن فضول العيش ،والقناعة :صب على القدر الكاف من الدنيا،
واللم :صب عن إجابة داعي الغضب ،والوقار :صب عن إجابة داعي العجلة والطيش،
والشجاعة :صب عن داعي الفرار والرب ،والعفو :صب عن إجابة داعي النتقام ،والود:
صب عن إجابة داعي البخل ،والكيس :صب عن إجابة داعي العجز والكسل وهذا يدلك
على ارتباط مقامات الدين كلها بالصب ،لكن اختلفت الساء واتد العن ،والذكي من
195
ينظر إل العان والقائق أولً ث ييل بصره إل السامي فإن العان هي الصول واللفاظ
توابع ،ومن طلب الصول من التوابع زل .ومن هنا ندرك كيف علق القرآن الفلح على
الصب وحده ((وجزاهم با صبوا جنة وحريرا)) ((أولئك يزون الغرفة با صبوا،
ويلقون فيها تية وسلما)) ((سلم عليكم با صبت فنعم عقب الدار)).
وترجع عناية القرآن البالغة بالصب إل ماله من قيمة كبية ف الياتي الدنيا والخرى،
فليس هو من الفضائل الثانوية ،بل من الضرورات اللزمة الت ل انفكاك للنسان عنها،
فل ناح ف الدنيا ول نصر ول تكي إل بالصب ،ول فلح ف الخرة ول فوز ول ناة
إل بالصب ،فلول صب الزارع والدارس والقاتل وغيهم ماظفروا بقاصدهم:
ولئن كان المر كذلك ف الدنيا ،فهو ف الخرة أشد وأوكد ،يقول أبو طالب الكي:
"اعلم أن الصب سبب دخول النة ،وسبب النجاة من النار لنه جاء ف الب "حفت النة
بالكاره ،وحفت النار بالشهوات" ،فيحتاج الؤمن إل صب على الكاره ليدخل النة،
وإل صب عن الشهوات لينجو من النار" .وقال" :اعلم أن كثرة معاصي العباد ف شيئي:
قلة الصب عما يبون ،وقلة الصب على مايكرهون".
وإذا كان هذا شأن الصب مع كل الناس ،فأهل اليان أشد الناس حاجة إليه لنم
يتعرضون للبلء والذى والفت ((أل ،أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم ل
يفتنون ،ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن ال الذين صدقوا وليعلمن الكاذبي)) ،وقال:
((أم حسبتم أن تدخلوا النة ولا يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء
والضراء ،وزلزلوا حت يقول الرسول والذين آمنوا معه مت نصر ال ،أل إن نصر ال
قريب)) ،وكان التأكيد أشد ف قوله(( :لتبلون ف أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين
أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيا ،وإن تصبوا وتتقوا فإن ذلك من
196
عزم المور)) ،لقد بينت الية أن قوى الكفر على ما بينها من اختلف متحدة ضد
السلم ،وقرنت لبيان موقف الؤمني بي الصب والتقوى فل يكتفوا بالصب وحده حت
يضيفوا إليه تقواهم ل بتعففهم عن مقابلة الصم بثل أسلحته الدنيئة فل يواجه الدس
بالدس لن الؤمني تكمهم قيمهم الخلقية ف السلم والرب والرخاء والشدة .ث
وصفت الية الذى السموع بأنه كثي ،فل بد أن يوطن السلمون أنفسهم على ساع
الفتراء والزور والتلفيق والبهتان من عدوهم حت يأت نصر ال.
ورسل ال صلوات ال وسلمه عليهم أشد أهل اليان حاجة إل الصب لنم الذين
يقومون أساسا بالدعوة ويابون المم بالتغيي وهم حي يقومون بذلك يكون الواحد
منهم فردا ف مواجهة أمة تعانده وتكذبه وتعاديه ،قال رسول ال صلى ال عليه وسلم:
"أشد الناس بلءً النبياء ث المثل فالمثل" ،وكلما كان القوم أشد عنادا وأكثر إغراقا ف
الضلل كانت حاجة نبيهم إل الصب أكثر كأول العزم مثلً ،نوح وإبراهيم وموسى
وعيسى عليهم الصلة والسلم.
لقد كانت أوامر الرب سبحانه لحمد عليه الصلة والسلم بالصب كثية ف القرآن وما
ذاك إل لنا دعوة شاملة تواجه أمم الرض كلها فخصومها كثيون وحاجة إمام الدعوة
إل الصب أعظم لقد واجه النب صلى ال عليه وسلم صنوف الذى البدن والنفسي والال
والجتماعي والدعائي وغيه ،وقاوم ذلك كله بالصب الذي أمره به ال ف عشرين موضعا
ف القرآن كلها إبان العهد الكي لنه عهد البلء والفتنة والضعف وتسلط الكافر ،وكان
ما قاله ال له(( :تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك .ما كنت تعلمها أنت ول قومك من
قبل هذا فاصب إن العاقبة للمتقي))(( ،واصب وما صبك إل بال ول تزن عليهم ول تك
ف ضيق ما يكرون ...الية))(( .واصب لكم ربك ،فإنك بأعيننا ،وسبح بمد ربك
حي تقوم)) .فأمر بالصب لكمه وهو سبحانه ل يكم إل بالق والعدل ،وقال له
((فإنك بأعيننا)) فصيغة المع لزيادة التثبيت والتأنيس ،وقال ال لوسى(( :ولتصنع على
عين)) ومن كان بعي ال ومرأى منه فلن يضيع ولن يغلب ،ث أمر بالتسبيح كما أمره به
ف جلة آيات على أعقاب أمره بالصب ،ولعل السر فيه أن التسبيح يعطى النسان شحنة
197
روحية تلو با مرارة الصب ،ويمل التسبيح بمد ال معنيي جليلي لبد أن يرعاها من
ابتلي:
-1تنيه ال تعال أن يفعل عبثا ،بل كل فعله موافق للحكمة التامة ،فبلؤه لكمة.
-2أن له تعال ف كل منة منحة وف كل بلية نعماء ينبغي أن تذكر فتشكر وتمد وهذا
هو سر اقتران التسبيح بالمد هنا .وف قوله (ربك) إيذان بكمال التربية ومزيد العناية.
ج – حكمه:
الصب من حيث الملة واجب ،ويدل لذلك:
أ -أمر ال به ف غي ما آية قال تعال(( :استعينوا بالصب والصلة)) ((اصبوا
وصابروا)).
ب -نيه عن ضده كما ف قوله ((فل تولوهم الدبار)) وقوله ((ول تبطلوا أعمالكم))
((ول تنوا ول تزنوا)) ((فاصب كما صب أولو العزم من الرسل ول تستعجل لم)).
ج -أن ال رتب عليه خيي الدنيا والخرة وما كان كذلك كان تصيله واجبا ،أما من
حيث التفصيل فحكمه بسب الصبور عنه أو عليه ،فهو واجب على الواجبات وواجب
عن الحرمات ،وهو مستحب عن الكروهات ،ومكروه عن الستحبات ،ومستحب على
الستحبات ،ومكروه على الكروهات ،وما يدل على أن الصب قد ل يكون لزما قوله
تعال ((وإن عاقبتم فعاقبوا بثل ما عوقبتم به ،ولئن صبت لو خي للصابرين)) ،فالصب
عن مقابلة السيئة بثلها ليس واجبا بل مندوبا إليه.
وقد أمر ال الؤمني بالصب والصابرة والرابطة فقال(( :ياأيها الذين آمنوا اصبوا وصابروا
ورابطوا واتقوا ال لعلكم تفلحون)) ،وصيغة الصابرة تفيد الفاعلة من الانبي ،والعن
هنا :مغالبة العداء ف الصب ،فإذا كنا نصب على حقنا ،فإن الشركي يصبون على
باطلهم؛ فل بد أن نغلبهم بصابرتنا ،ث أمرنا بالرابطة على تلك الصابرة والثبات عليها
لنحقق موعود ال ونظفر بالفلح ،فانتقلت الية بالمر من الدن إل العلى فالصب مع
نفسك ،والصابرة بينك وبي عدوك والرابطة :الثبات وإعداد العدة ،وكما أن الرباط
لزوم الثغر لئل يهجم منه العدو فكذلك الرباط أيضا لزوم ثغر القلب لئل يهجم منه
الشيطان فيملكه أو يربه أو يناله بأذى .وعليه فقد يصب العبد ول يصابر ،وقد يصابر ول
198
يرابط ،وقد يصب ويصابر ويرابط من غي تعبد بالتقوى ،فأخب سبحانه أن ملك ذلك كله
بالتقوى.
د – درجاته:
الصب نوعان ،بدن ونفسي وكل منهما قسمان :اختياري واضطراري ،فصارت أربعة:
أ -بدن اختياري ،كتعاطي العمال الشاقة.
ب -بدن اضطراري كالصب على أل الضرب.
ج -نفسي اختياري كصب النفس عن فعل مال يسن فعله شرعا ول عقلً.
د -نفسي اضطراري كصب النفس عن فقدان مبوبا الذي حيل بينها وبينه.
والبهائم تشارك النسان ف النوعي الضطراريي لكنه يتميز عليها بالنوعي الختياريي،
والصب الختياري أكمل من الضطراري ،فإن الضطراري يشترك فيه الناس ويتأتى من
ل يتأتى منه الصب الختياري ،ولذلك كان صب يوسف على مطاوعة امرأة العزيز وصبه
على ما ناله من السجن أعظم من صبه على ما ناله من إخوته لا ألقوه ف الب وفرقوا
بينه وبي أبويه ،وباعوه بيع العبد ،ومن الصب الختياري صبه على العز والتمكي الذي
أورثه ال إياه فجعله مسخرا لطاعة ال ول ينقله ذلك إل الكب والبطر ،وكذلك كان
صب نوح والليل وموسى الكليم والسيح وممد صلى ال عليه وسلم فإن صبهم كان
على الدعوة إل ال وماهدة أعداء ال ولذا سوا أول العزم ،وأمر ال رسوله أن يصب
كصبهم ((فاصب كما صب أولوا العزم من الرسل)) وناه عن أن يتشبه بصاحب الوت
حيث ل يصب فخرج مغاضبا قبل أن يؤذن له ((فاصب لكم ربك ول تكن كصاحب
الوت)) ولذا دارت قصة الشفاعة يوم القيامة على أول العزم حت ردوها إل خيهم
وأفضلهم وأصبهم.
واعلم أن الصب التعلق بالتكليف وهو صب إما على الطاعة أو عن العصية أفضل من الصب
على مر القدر فإن هذا الخي يأت به الب والفاجر والؤمن والكافر فلبد لكل أحد من
الصب على القدر اختيارا أو اضطرارا ،أما الصب على الوامر وعن النواهي فهو صب أتباع
الرسل ،والصب على الوامر أفضل من الصب عن النواهي لن فعل الأمور أحب إل ال
من ترك الحظور والصب على أحب المرين أفضل وأعلى
199
-2فضائل الصب ف القرآن الكري:
حديث القرآن عن فضائل الصب كثي جدا ،وهذه العجالة ل تستوعب كل ما ورد ف
ذلك لكن نتزىء منه با يلي:
-1علق ال الفلح به ف قوله(( :ياأيها الذين آمنوا اصبوا وصابروا ورابطوا واتقوا ال
لعلكم تفلحون)).
-2الخبار عن مضاعفة أجر الصابرين على غيه(( :أولئك يؤتون أجرهم مرتي با
صبوا)) وقال(( :إنا يوف الصابرون أجرهم بغي حساب)).
-3تعليق المامة ف الدين به وباليقي(( :وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لا صبوا،
وكانوا بآياتنا يوقنون)).
-4ظفرهم بعية ال لم (( :إن ال مع الصابرين)).
-5أنه جع لم ثلثة أمور ل تمع لغيهم(( :أولئك عليهم صلوات من ربم ورحة
وأولئك هم الهتدون)).
-6أنه جعل الصب عونا وعدة ،وأمر بالستعانة به (( :واستعينوا بالصب والصلة)).
-7أنه علق النصر بالصب والتقوى فقال(( :بلى إن تصبوا وتتقوا ويأتوكم من فورهم
هذا يددكم ربكم بمسة آلف من اللئكة مسومي)).
-8أنه تعال جعل الصب والتقوى جنة عظيمة من كيد العدو ومكره فما استجن العبد
بأعظم منهما(( :وإن تصبوا وتتقوا ليضركم كيدهم شيئا)).
-9أن اللئكة تسلم ف النة على الؤمني بصبهم ((واللئكة يدخلون عليهم من كل
باب سلم عليكم با صبت فنعم عقب الدار)).
-10أنه سبحانه رتب الغفرة والجر الكبي على الصب والعمل الصال فقال(( :إل الذين
صبوا وعملوا الصالات أولئك لم مغفرة وأجر كبي)).
-11أنه سبحانه جعل الصب على الصائب من عزم المور :أي ما يعزم من المور الت
إنا يعزم على أجلها وأشرفها(( :ولن صب وغفر إن ذلك من عزم المور)).
-12أنه سبحانه جعل مبته للصابرين(( :وال يب الصابرين)).
200
-13أنه تعال قال عن خصال الي :إنه ل يلقاها إل الصابرون(( :وما يلقاها إل الذين
صبوا وما يلقاها إل ذو حظ عظيم)).
-14أنه سبحانه أخب أنا ينتفع بآياته ويتعظ با الصبار الشكور(( :إن ف ذلك ليات
لكل صبار شكور)).
-15أنه سبحانه أثن على عبده أيوب أجل الثناء وأجله لصبه فقال(( :إنا وجدناه
صابرا نعم العبد إنه أواب)) ،فمن ل يصب فبئس العبد هو.
-16أنه حكم بالسران التام على كل من ل يؤمن ويعمل الصالات ول يكن من أهل
الق والصب(( :والعصر ،إن النسان لفي خسر إل الذين آمنوا ...السورة)).
قال المام الشافعي":لو فكر الناس كلهم ف هذه الية لوسعتهم ،وذلك أن العبد كماله ف
تكميل قوتيه :قوة العلم ،وقوة العمل ،وها :اليان والعمل الصال وكما هو متاج
لتكميل نفسه فهو متاج لتكميل غيه ،وهو التواصي بالق ،وقاعدة ذلك وساقه إنا يقوم
بالصب".
-17أنه سبحانه خص أهل اليمنة بأنم أهل الصب والرحة الذين قامت بم هاتان
الصلتان ووصوا بما غيهم فقال تعال(( :ث كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصب
وتواصوا بالرحة ،أولئك أصحاب اليمنة)).
-18أنه تبارك وتعال قرن الصب بقامات اليان وأركان السلم وقيم السلم ومثله
العليا ،فقرنه بالصلة ((واستعينوا بالصب والصلة)) وقرنه بالعمال الصالة عموما ((إل
الذين صبوا وعملوا الصالات)) ،وجعله قرين التقوى ((إنه من يتق ويصب)) ،وقرين
الشكر ((إن ف ذلك ليات لكل صبار شكور)) ،وقرين الق ((وتواصوا بالق وتواصوا
بالصب)) ،وقرين الرحة ((وتواصوا بالصب وتواصوا بالرحة)) ،وقرين اليقي ((لا صبوا
وكانوا بآياتنا يوقنون)) ،وقرين التوكل ((نعم أجر العاملي))(( ،الذين صبوا وعلى ربم
يتوكلون)) ،وقرين التسبيح والستغفار ((فاصب إن وعد ال حق واستغفر لذنبك وسبح
بمد ربك بالعشي والبكار)) ،وقرنه بالهاد ((ولنبلونكم حت نعلم الجاهدين منكم
والصابرين)).
201
-19إياب الزاء لم بأحسن أعمالم ((ولنجزين الذين صبوا أجرهم بأحسن ماكانوا
يعملون)).
وبعد ،فهذا غيض من فيض ف باب فضائل الصب ولول الطالة لسترسلنا ف ذكر تلك
الفضائل والنازل ،ولعل فيما ذكر عبة ودافع على الصب فال الستعان.
202
-4أن يصب عن صرفها ف الرام ،فل يكن نفسه من كل ما تريده منها ،فإنا توقعه ف
الرام ،فإن احترز كل الحتراز أوقعته ف الكروه ،ول يصب على السراء إل الصديقون
وإنا كان الصب على السراء شديدا لنه مقرون بالقدرة ،والائع عند غيبة الطعام أقدر
منه على الصب عند حضوره.
وما يدخل ف هذا النوع من الصب ،الصب عن التطلع إل مابيد الخرين من الدنيا ،والصب
عن الغترار با ينعمون به من مال وبني قال تعال(( :أيسبون أنا ندهم به من مال
وبني ،نسارع لم ف اليات بل ل يشعرون)) وقد نى ال ورسوله صلى ال عليه وسلم
عن ذلك بقوله(( :ول تدن عينيك إل ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الياة الدنيا لنفتنهم
فيه ،ورزق ربك خي وأبقى)) ،فالؤمن من يعتز بنعمة الداية ويعلم أنا هم فيه من الدنيا
ظل زائل وعارية مستردة ول يبال بظاهر الفخامة الت يتبجح با الطغاة ،لقد قال الذين
يريدون الياة الدنيا لا رأوا قارون ف زينته ((يا ليت لنا مثل ما أوت قارون ،إنه لذو حظ
عظيم)) ،أما أهل العلم واليان فقالوا(( :ويلكم ثواب ال خي لن آمن وعمل صالا ول
يلقاها إل الصابرون)).
ج -الصب على طاعة ال تعال:
إن الصب على طاعة ال أعظم مالت الصب وهو لذلك أشدها على النفوس وقد جاءت
صيغة المر بالصب على الطاعة مغايرة لغيها فقال تعال(( :رب السماوات والرض وما
بينهما فاعبده واصطب لعبادته ،هل تعلم له سيا)) ،وقال(( :وأمر أهلك بالصلة واصطب
عليها ،ل نسألك رزقا نن نرزقك والعاقبة للتقوى)) ،فاستخدم صيغة الفتعال وهو يدل
على البالغة ف الفعل إذ زيادة البن تدل على زيادة العن ،وما ذاك إل لشقة ماهدة
النفوس على القيام بق العبودية ف كل الحوال .واعلم أن الصب على الطاعة له ثلث
أحوال:
-1قبل الطاعة ،بتصحيح النية والصب على شوائب الرياء ،وعقد العزم على الوفاء ولعل
هذا يظهر سر تقدي الصب على العمل الصال ف قوله(( :إل الذين صبوا وعملوا
الصالات أولئك لم مغفرة وأجر كبي)).
203
-2حال الطاعة بأن ل يغفل عن ال فيها ،ول يتكاسل عن تقيق آدابا وسننها ،ولعله
الراد بقوله(( :نعم أجر العاملي ،الذين صبوا وعلى ربم يتوكلون)) صبوا إل تام
العمل.
-3بعد الفراغ منها فيصب على عدم افشائها والراءاة والعجاب با ،وترك ما يبطلها قال
تعال(( :ول تبطلوا أعمالكم)) ،وقال(( :ل تبطلوا صدقاتكم بالن والذى)).
د -الصب على مشاق الدعوة إل ال:
غي خاف عليك ضرورة صب الداعية على ما يلقيه ف دعوته ،فإنه يأت الناس با ل
يشتهونه ول يألفونه ،وبا يالف ما وجدوا عليه آباءهم ،فلذلك يقاومون الدعوة بكل ما
أوتوا من قوة ،ويوصلون الذى بالداعية ما استطاعوا إل ذلك سبيلً.
-إن اعراضهم عن الدعوة يتاج إل صب كصب نوح الذي بقي ف قومه يدعوهم ألف
سنة إل خسي عاما وحكى ال عنه قوله(( :رب إن دعوت قومي ليلً ونارا فلم يزدهم
دعائي إل فرارا ،وإن كلما دعوتم لتغفر لم جعلوا أصابعهم ف آذانم واستغشوا ثيابم،
وأصروا واستكبوا استكبارا ...الية)).
-وما ييكه الغرضون من مؤامرات الكيد الت تؤذي الداعية ف أهله ونفسه وماله تتاج
إل صب ،وهذا ما أكده ال تعال بقوله(( :لتبلون ف أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من
الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيا ،وإن تصبوا وتتقوا ،فإن
ذلك من عزم المور)) ،وقد أمر ال رسوله بقوله(( :واصب على ما يقولون واهجرهم
هجرا جيلً)) ،وقد أجع النبياء على رد أذى أقوامهم بالصب ((ولنصبن على ما
آذيتمونا ،وعلى ال فليتوكل التوكلون))(( ،ولقد كذبت رسل من قبلك فصبوا على ما
كذبوا وأوذوا حت أتاهم نصرنا ،ول مبدل لكلمات ال)) ،وسحرة فرعون لا وقر اليان
ف قلوبم قابلوا تديده بالقتل والصلب بقولم ((إنا إل ربنا منقلبون ،وما تنقم منا إل أن
آمنا بآيات ربنا لا جاءتنا ،ربنا أفرغ علينا صبا ،وتوفنا مسلمي)).
-إن طول الطريق ،واستبطاء النصر يتاج إل صب ،وصب حار شديد ولذا خوطب
الؤمنون ف القرآن بقوله تعال(( :أم حسبتم أن تدخلوا النة ولا يأتكم مثل الذين خلوا
من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا ،حت يقول الرسول والذين آمنوا معه مت نصر
204
ال ،أل إن نصر ال قريب)) ،وقوله(( :حت إذا استيأس الرسل وظنوا أنم قد كذبوا
جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ول يرد بأسنا عن القوم الجرمي)).
هـ الصب حي البأس :
أي الصب ف الرب وعند لقاء العدو والتحام الصفوف ،فالصب ثَ ّم شرط للنصر ،والفرار
كبية ،وقد أثن ال تعال على الصابرين ف ساعة القتال فقال ف آية الب(( :والصابرين ف
البأساء)) أي الفقر ((والضراء)) أي الرض ،وحي البأس(( ،أولئك الذين صدقوا وأولئك
هم التقون)) ويوجبه على عباده بقوله(( :ياأيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا
ال كثيا لعلكم تفلحون ،وأطيعوا ال ورسوله ول تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريكم
واصبوا ،إن ال مع الصابرين)).
وعندما تضطرب أمور العركة ،وينفرط عقدها تكون الاجة إل الصب أعظم وأشد كما
حدث ف أحد حي انكشف السلمون وشاع أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قتل،
انفل فريق من السلمي منهزمي ،وصب آخرون فنل من القرآن إشادة بن صبوا،
وإنكار على أولئك(( :أم حسبتم أن تدخلوا النة ولا يعلم ال الذين جاهدوا منكم ويعلم
الصابرين)) ث ل يعذرهم ف فرارهم وانزامهم ((وما ممد إل رسول قد خلت من قبله
الرسل ،أفإين مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ،ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر ال
شيئا ،وسيجزي ال الشاكرين)) إل أن قال(( :وكأين من نب قاتل معه ربيون كثي فما
وهنوا لا أصابم ف سبيل ال وما ضعفوا وما استكانوا وال يب الصابرين)).
وقد حدثنا عن الثلة الؤمنة مع طالوت عندما انتصرت لا اعتصمت بالصب ،وقد اختب
طالوت من معه بقوله(( :إن ال مبتليكم بنهر(( ))..فصب ثلة مؤمنة على ترك الشرب من
النهر إل غرفة باليد)) ((فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه ،قالوا ل طاقة لنا اليوم بالوت
وجنوده ،قال الذين يظنون أنم ملقوا ال ،كم من فئة قليلة غلبت فئة كثية بإذن ال
وال مع الصابرين ،ولا برزوا لالوت وجنوده قالوا :ربنا أفرغ علينا صبا ،وثبت أقدامنا
وانصرنا على القوم الكافرين)) ،لقد سألوا ال حي اللقاء صبا وأوعبوا ،فقالوا ((أفرغ))،
إذ هم باجة إل صب كثي ،وكانت النتيجة ((فهزموهم بإذن ال ،وقتل داود
جالوت.)) ..
205
و -الصب ف مال العلقات النسانية:
ل تستقيم الياة مع الناس إل بالصب بدءا بأقرب من يعاشرك وهي الزوجة وانتهاءً بأبعد
الناس عنك ،وقد قال ال تعال مبينا ما ينبغي أن يتحلى به الزوج من صب ف مواجهة
مشاكل الزوجية(( :وعاشروهن بالعروف ،فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويعل
ال فيه خيا كثيا)) ،أي فاصبوا فعاقبة الصب حيدة ،ويوصي ال عباده بالصب على ما
يلقونه من الناس من ضر ،وأن ل يقابلوا السيئة بثلها فيقول(( :ول تستوي السنة ول
السيئة ،ادفع بالت هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ول حيم ،وما يلقاها إل
الذين صبوا ،وما يلقاها إل ذو حظ عظيم)).
وما يُنظم ف هذا العقد صب التلميذ على التعلم والعلم ،وهذا ما حدثنا عنه ف القرآن
عندما ذهب موسى إل الضر ليعلمه ما علمه ال ،قال له الضر إما لن ال أخبه
بالقيقة أو تييجا على الصب -قال(( :إنك لن تستطيع معي صبا ،وكيف تصب على
مال تط به خبا)) ،فتعهد موسى بالصب -قال(( :ستجدن إن شاء ال صابرا))...
206
سرور الدنيا أحلم نوم أو كظل زائل ،إن أضحكت قليلً أبكت كثيا ،وإن سرت يوما
أساءت دهرا ،وإن متعت قليلً ،منعت طويلً."...
ب -معرفتك بأنك وما بيدك ملك ل تعال ومرجعك إليه:
قال تعال(( :ومابكم من نعمة فمن ال)) ،وقد علمنا ف كتاب ربنا أن نقول عند حلول
الصائب(( :إنا ل وإنا إليه راجعون)) ،يقول ابن القيم" :وهذه الكلمة من أبلغ علج
الصاب ،وأنفعه له ف عاجلته وآجلته ،فإنا تتضمن أصلي عظيمي ،إذا تقق العبد
بعرفتهما تسلى عن مصيبته:
أحدها :أن العبد وأهله وماله ملك ل عز وجل ،وقد جعل عند العبد عارية .وأيضا ،فإنه
مفوف بعدمي ،عدم قبله ،وعدم بعده حت يكون ملكه حقيقة ،ول هو الذي يفظه من
الفات بعد وجوده ،ول يبقى عليه وجوده ،فليس له فيه تأثي ول ملك حقيقي.
والثان :أن مصي العبد ومرجعه إل ال موله الق ،ولبد أن يلف الدنيا وراء ظهره.
وييء ربه فردا كما خلقه أول مرة ،بل أهل ول مال ول عشية ،ولكن بالسنات
والسيئات ،فإذا كانت هذه بدايته ونايته ،فكيف يفرح بوجود ويأسى على مفقود؟
ففكره ف مبدئه ومعاده أعظم علج هذا الداء« ولذلك يقال عند تعزية الصاب (إن ل
ماأخذ وله ما أعطى ،وكل شيء عنده بأجل مسمى) .وقد أدركت أم سليم هذا العن
عندما توف ابنها ،فلما جاء أبوه (أبو طلحة) يسأل عنه قالت :قد هدأت نفسه ،وأرجو أن
يكون قد استراح (تعن الوت ،وقد ظن أنا تريد النوم لجيء العافية) وكانت قد هيأت
نفسها لزوجها فتعرضت له فأصاب منها فلما أراد الروج لصلة الفجر ،قالت له :يا أبا
طلحة ،أرأيت لو أن قوما أعاروا أهل بيت عارية ،فطلبوا عاريتهم ،ألم أن ينعوهم؟ قال:
ل ،إن العارية مؤداة إل أهلها ،فقالت :إن ال أعارنا فلنا ث أخذه منه فاسترجع ...إل
آخر القصة.
ج -اليقي بسن الزاء عند ال تعال:
أن ما يرغب النسان ف العمل ،ويزيده ثباتا فيه علمه بسن جزائه ف الخرة ول ند ف
القرآن شيئا ضخم جزاؤه وعظم أجره مثل الصب فيقول نعم أجر العاملي الذين صبوا
وعلى ربم يتوكلون ويقول مبينا أن الصابرين يزون بأحسن ماعملوا(( :ما عندكم ينفد
207
وما عند ال باق ،ولنجزين الذين صبوا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)) ،ويصرح بأن
أجرهم غي معدود ول مدود فيقول(( :إنا يوف الصابرون أجرهم بغي حساب)) ،وقد
ذُكّر الؤمنون بذه القيقة ف الكلمة الت أمروا أن يقولوها عند حلول الصائب(( :إنا ل
وإنا إليه راجعون)) ،فيتذكرون أنم سيجعون إل ال فيجزيهم على عملهم وصبهم
أحسن الزاء وأوفاه.
يقول أبو طالب الكي" :وأصل قلة الصب :ضعف اليقي بسن جزاء من صبت له ،لنه
لو قوي يقينه ،كان الجل من الوعد عاجلً إذا كان الواعد صادقا ،فيحسن صبه لقوة
الثقة بالعطاء."...
د -الثقة بصول الفرج:
إن يقي العبد بأن النصر مقرون بالصب وأن الفرج آت بعد الكرب وأن مع العسر يسرا
يقويه على الصب على ما يلقيه ،وقد كثرت اليات الدالة على هذا العن لا له من أثر ف
مزيد التحمل والثبات ،قال تعال(( :فإن مع العسر يسرا ،إن مع العسر يسرا)) ،قال
بعضهم" :لن يغلب عسر يسرين" يقصد بذلك أن العسر ورد معرفة ف الوضعي والعرفة
إذا كررت ف الملة ل تفيد التعدد بلف النكرة وهي الت ورد به اليسر ف الوضعي،
فإذا قلت :جاء الرجل وأكرمت الرجل ،كان الرجل ف الواطني واحدا ،وإذا قلت :جاء
رجلٌ وأكرمت رجلً ،كان القصود رجلي .وقد جعل العسر ف اليتي مع العسر ل بعده
أو عقبه لينبه إل قرب تققه بعده حت كأنه معه ولينبه أيضا إل أن كل عسر مقرون
بيسر وأكثر فما من مصيبة يبتلى با عبد إل ول فيه إلطاف بأن ل يعلها على نو أعظم
أو أكب أو أطول ما هي عليه.
وقد تكرر ف القرآن المر بالصب مقرونا بالتذكي بأن وعد ال حق ل يتخلف أبدا قال
تعال(( :وعد ال ل يلف ال اليعاد)) ،وقال(( :فاصب إن وعد ال حق ،ول يستخفنك
الذين ل يوقنون)).
إن اشتداد الزمة ف سنن ال تعن قرب انبلج الفجر وظهور طلئع النصر كما قيل:
اشتدي أزمةُ تنفرجي قد آذن ليلك بالبلج
208
ولذا ند يعقوب يكون أمله ف العثور على يوسف أشد عندما أخذ ابنه الثان فيقول:
((فصب جيل عسى ال أن يأتين بم جيعا)) ،وقال لبنائه ((يا بن اذهبوا فتحسسوا من
يوسف وأخيه ،ول تيأسوا من روح ال ،إنه ل ييأس من روح ال إل القوم الكافرون)).
هـ -الستعانة بال:
ما يعي البتلى على الصب أن يستعي بال تعال ويلجأ إل حاه فيشعر بعيته سبحانه وأنه
ف حايته ورعايته ،ومن كان ف حى ربه فلن يضام ولذا قال موسى لقومه بعد أن هددهم
فرعون با هددهم به ((استعينوا بال واصبوا ،إن الرض ل يورثها من يشاء من عباده
والعاقبة للمتقي)).
إذا ل يكن عون من ال للفت فأكثر ما ين عليه اجتهاده
ولعل حاجة الصابرين إل الستعانة بال تعال والتوكل عليه هي بعض أسرار اقتران الصب
بالتوكل على ال ف آيات كثية كقوله ((نعم أجر العاملي ،الذين صبوا وعلى ربم
يتوكلون)) ،وقوله عن رسله(( :ولنصبن على ما آذيتمونا ،وعلى ال فليتوكل
التوكلون)).
و -القتداء بأهل الصب:
إن التأمل ف سي الصابرين يعطي النسان شحنة دافعة على الصب ،ومن هنا ندرك سر
حرص القرآن الكي على ذكر صب النبياء على ما لقوه من أمهم وهذا ما صرح ال به
ل نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك ف هذه الق ف قوله(( :وك ً
وموعظة وذكرى للمؤمني)) ،وقال ال(( :ولقد كذبت رسل من قبلك فصبوا على ما
كذبوا وأوذوا حت أتاهم نصرنا ،ول مبدل لكلمات ال ،ولقد جاءك من نبإي الرسلي))
[النعام ،]34/وجاء المر صريا لرسول ال صلى ال عليه وسلم بالقتداء بالصابرين
قبله(( :فاصب كما صب أولو العزم من الرسل ،ول تستعجل لم)) ،وحي نزل البلء
بأصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم جاءهم التذكي ببلء من كان قبلهم(( :أحسب
الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم ل يفتنون ،ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن ال
الذين صدقوا وليعلمن الكاذبي)) ،وقال لم(( :أم حسبتم أن تدخلوا النة ولا يأتكم مثل
209
الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حت يقول الرسول والذين آمنوا
معه مت نصر ال ،أل إن نصر ال قريب)).
ز -اليان بقدر ال:
إن إيان العبد بقدر ال النافذ واستسلمه له أكب عون على تشم مصاعب الصائب،
وعلم العبد بأن ما أصابه ل يكن ليخطئه ،وما أخطأه ل يكن ليصيبه برد من اليقي يصب
على فؤاده ،قال تعال(( :ما أصاب من مصيبة ف الرض ول ف أنفسكم إل ف كتاب من
قبل أن نبأها ،إن ذلك على ال يسي ،لكيل تأسوا على مافاتكم ول تفرحوا با آتاكم))،
وركون الؤمن إل قدر ال ف مثل هذا القام واحتجاجه به أمر ل غبار عليه لنه إحالة
على القدر فيما ل اختيار للعبد فيه.
واعلم أن الزع واللع والتبم والضيق ليرد من قدر ال شيئا فلبد من الصب أول المر
لئل يرم العبد من الثوبة ولئن ل يصب أول الصدمة فسيصب بعد ذاك رغم أنفه ول أجر
له ،قال حكيم" :العاقل يفعل ف أول يوم من الصيبة ما يفعله الاهل بعد السبعة أيام" .إن
البالغة ف التشكي والتبم ل يغي من الواقع شيئا بل يزيد النفس ها وكمدا ولذا قال ال
لرسوله(( :قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون ،فإنم ل يكذبوك ،ولكن الظالي بآيات ال
يحدون .ولقد كذبت رسل من قبلك فصبوا على ما كذبوا وأوذوا حت أتاهم نصرنا
ول مبدل لكلمات ال ،ولقد جاءك من نبأ الرسلي .وإن كان كب عليك إعراضهم فإن
استطعت أن تبتغي نفقا ف الرض أو سلما ف السماء فتأتيهم بآية ،ولو شاء ال لمعهم
على الدى فل تكونن من الاهلي)) [النعام ،]35-33/فأزال الوحشة عن قلب
الرسول صلى ال عليه وسلم ف أول آية بأن تكذيبهم ليس للرسول وإنا هو ل تعال ،ث
عزاه ف الثانية وسله با حدث لرسل ال فصبوا ،ث قال له :إن شق عليك إعراضهم
وذهبت نفسك عليهم حسرات وضاق صدرك فليس لك إل الصب ،وإل فافعل ما بدا لك
فإن استطعت أن تبتغي نفقا ف الرض ترب منه أو سلما ف السماء ،تصعد عليه فدونك
فافعل]1[ .
210
-1الستعجال :النفس موكولة بب العاجل ((خلق النسان من عجل)) ،فإذا أبطأ على
النسان ما يريد نفد صبه وضاق صدره واستعجل قطف الثمرة قبل أوانا فل هو ظفر
بثمرة طيبة ول هو أت السي ،ولذا قال ال تعال لنبيه صلى ال عليه وسلم((:فاصب كما
صب أولو العزم من الرسل ،ول تستعجل لم)) ،أي العذاب فإن له يوما موعودا.
لقد باءت بعض الدعوات بالفشل ول تؤت ثرتا الرجوة بعلة الستعجال ،ولو أنم
صبوا لكان خيا لم ،ثار بعضهم على الطغيان ولا يقم على ساقه ويشتد عوده وتكتمل
آلته وتنضج دعوته وتتد قاعدته فقضي على الدعوة ووئد الداعية وذهب الثنان ف خب
كان .والديث عن الستعجال أطول من هذا ولكن ف الشارة للبيب ما يغن عن
العبارة.
-2الغضب :قد يرى الداعية من الدعوين مال يليق فيستفزه الغضب فيدفعه إل مال
يسن به ما يسيء إل الدعوة ويلصق ببي حاملها وصمة عار تبقى الدهر كله ،ولذا
حذر ال رسوله من مغبة الغضب بأن ل يقع فيما وقع فيه يونس فقال :فاصب لكم
ربك ،ول تكن كصاحب الوت لقد فرغ صبه فضاق صدره فغادرهم غاضبا قبل أن
يأذن ال له ظنا منه أن ال لن يضيق عليه فضيق ال عليه بأن جعله ف بطن الوت(( :وذا
النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى ف الظلمات أن ل إله إل أنت
سبحانك إن كنت من الظالي)) ،فتاب ال عليه(( :فاستجبنا له ونيناه من الغم)).
-3اليأس :أعظم عوائق الصب وهو الذي حذر يعقوب أبناءه من الوقوع فيه مع تكرار
البحث عن يوسف وأخيه(( :يا بن اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ول تيأسوا من
روح ال إنه ل ييأس من روح ال إل القوم الكافرون)) ،وهو الذي حرص القرآن على
دفعه عن أنفس الؤمني فبذر المل ف صدورهم(( :ول تنوا ول تزنوا وأنتم العلون إن
كنتم مؤمني ،إن يسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله ،وتلك اليام نداولا بي
الناس)) ،وقال لم(( :ول تنوا وتدعوا إل السلم وأنتم العلون ،وال معكم ولن يتركم
أعمالكم)) ،إن إضاءة شعلة المل دواء اليأس وهذا ما ذكرت به اليات الؤمني وهو ما
ذكر به موسى قومه فقال(( :استعينوا بال واصبوا ،إن الرض ل يورثها من يشاء من
عباده والعاقبة للمتقي)) ،ولا شكا خباب إل رسول ال صلى ال عليه وسلم ما يلقيه
211
من أذى قريش قال له رسول ال صلى ال عليه وسلم بعد أن ذكره مصاب الصالي ف
المم قبله" :وال ليتمن ال هذا المر حت يسي الراكب من صنعاء إل حضرموت ل
ياف إل ال والذئب على غنمه ،ولكنكم تستعجلون".
-5ناذج للصابرين:
لقد ضُرب لنا ف القرآن ناذج رائعة تسدت فيهم حقيقة الصب ،واستحقوا أن يذكروا
بصبهم فيقتدى بم الصابرون ،وسنختار ف هذه العجالة ثلثة منها يتمثل ف كل واحد
منها لون من الصب.
أ -الصب على طاعة ال:
ف قصة إبراهيم وإساعيل الت حكاها ال لنا بقوله عن إبراهيم(( :وقال إن ذاهب إل رب
سيهدين ،رب هب ل من الصالي ،فبشرناه بغلم حليم ،فلما بلغ معه السعي ،قال يا
بن إن أرى ف النام أن أذبك فانظر ماذا ترى ،قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدن إن
شاء ال من الصابرين ،فلما أسلما وتله للجبي وناديناه أن يا إبراهيم ،قد صدقت الرؤيا
إنا كذلك نزي الحسني ،إن هذا لو البلء البي ،وفديناه بذبح عظيم ،وتركنا عليه ف
الخرين ،سلم على إبراهيم كذلك نزي الحسني ،إنه من عبادنا الؤمني.))...
من أيهما تعجب من الب الذي رأى ف النام أنه يذبح ابنه أم من البن الذي يستسلم
لمر ال طواعية واختيارا ،لقد كان البن وحيد إبراهيم ول يأته إل على كب فما ظنك
بتعلق الب بابنه ،إنه تعلق ل يوصف ،ولكن تعلقه بال أعظم وطاعته ل فوق كل ذلك،
لقد حطم إبراهيم كل نداءات الرض لا جاء المر من السماء ،وضرب للناس أروع
المثال ف الطاعة ،ولقد كان الوحي ف هذه الرة رؤيا فلم يتأولا إبراهيم لصاله بدافع
من غريزة البوة ،ولكنه امتثل وعرض على ابنه ما رأى عرضا ف غاية الياز والسهولة
ولكنه يتضمن أمرا ف غاية الطورة ،ول يكن البن صغيا بيث ل ير الب من جدواه
ما يعله شديد التعلق به والعتماد عليه ،ولكنه بلغ مع أبيه السعي فاصبح فت مفتول
العضلت ،قوي الساعد ،وكانت إجابة البن مية حقا ،لقد حسم الوقف بملتي قالما
لبيه خلدها التاريخ له ،وكانتا سببا ف تدوين اسه ف الصابرين(( :وإساعيل وإدريس وذا
الكفل،كل من الصابرين)) ،قال إساعيل(( :يا أبت افعل ما تؤمر ستجدن إن شاء ال من
212
الصابرين)) ،أي ل تأخذ رأيي ول تنتظر مشورت بل نفذ ما أمرت به ،ث ل ينسى أن
يستمد العون من ال على حاله بالصب فهو ل يعتمد على قوته وشدة جلده بل يسأله من
ربه ،وصدقا وأسلم الوالد ولده ،وتله أبوه للجبي ،وتيأ للذبح وجاءت البشرى عند ذاك
بعد أن حقق البتلء ثرته ((وناديناه أن ياإبراهيم ...اليات)).
ب -الصب عن معصية ال:
وأبرز المثلة وأشدها وضوحا صب يوسف عليه السلم على مراودة امرأة العزيز ،لقد
كان الصب ظهي يوسف ف منته الت ابتلي با اضطرارا واختيارا وكشف عن هذا حي
عثر إخوته عليه فقال(( :أنا يوسف وهذا أخي قد من ال علينا إنه من يتق ويصب فإن ال
ل يضيع أجر الحسني)) ،لقد رفض كل العروض والغراءات وخرج من الفتنة بإيانه
وصبه ،وكان صبه هذا أرقى من صب أبيه يعقوب على الفراق وأرقى من صب أيوب
على ما بلي به لن صبها كان اضطراريا ل حيلة لما ف رفعه ول دفعه بينما كان صب
ل عن يوسف اختيارا وحي تلك فلم يتكب ول يطغ صبا اختياريا ،يقول ابن القيم نق ً
شيخه ابن تيميه رحهما ال" :كان صب يوسف عن مطاوعة امرأة العزيز على شأنا أكمل
من صبه على إلقاء إخوته له ف الب وبيعه وتفريقهم بينه وبي أبيه ،فإن هذه أمور
جرت عليه بغي اختياره ل كسب له فيها ،ليس للعبد فيها حيلة غي الصب ،وأما صبه
عن العصية فصب اختيار ورضا ،وماربة للنفس ،ولسيما مع السباب الت تقوى معها
دواعي الوافقة:
-1فإنه كان شابا ،وداعية الشباب إليها قوية.
-2وعزبا ليس معه ما يعوضه ويرد شهوته.
-3وغريبا ،والغريب ل يستحي ف بلد غربته ما يستحي فيه بي أصحابه ومعارفه وأهله.
-4وملوكا ،والملوك أيضا ليس وازعه كوازع الر.
-5والرأة جيلة وذات منصب ،وهي سيدته.
-6وقد غاب الرقيب.
-7وهي الداعية إل نفسها والريصة على ذلك أشد الرص.
-8وتوعدته إن ل يفعل بالسجن والصغار.
213
ومع هذه الدواعي كلها صب اختياريا وإيثارا لا عند ال ،وأين هذا من صبه ف الب
على ما ليس من كسبه" ا هـ .
لقد ضحى بدنياه من أجل دينه ،وبريته من أجل عقيدته ،وقال قولته الشهورة(( :رب
السجن أحب إل ما يدعونن إليه ،وإل تصرف عن كيدهن أصب إليهن وأكن من
الاهلي)).
ولا أفرج عنه من السجن الطويل واستدعي لقابلة اللك ،ل يستفزه هذا الب بل طلب
التحقيق ف القضية حت تظهر براءته على الل وحدث ذلك فعلً وعند ذلك ازداد إعجاب
اللك به فقال(( :ائتون به استخلصه لنفسي)) ،وكان ف الرة الول قال ((ائتون به))،
فقط ((فلما كلمه قال :إنك اليوم لدينا مكي أمي)).
ج -الصب على أقدار ال الؤلة:
إن أشهر من يقرن اسه بذا اللون من الصب نب ال أيوب عليه السلم ،لقد أصابه ضر
عظيم ف بدنه وأهله وماله فصب ،فخلد ذكره ف القرآن فقال ال تعال(( :واذكر عبدنا
أيوب إذ نادى ربه أن مسن الشيطان بنصب وعذاب اركض برجلك هذا مغتسل بارد
وشراب ،ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحة منا وذكرى لول اللباب ،وخذ بيدك ضغثا
فاضرب به ول تنث ،إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب)) ،لقد ذكر له من ألوان
التكري وأوسة الشرف ما هو جدير بثله لعظيم صبه ،فأولما تكريه بتخليد ذكره
ومباهاة ال به عند رسوله ممد صلى ال عليه وسلم ،وثانيه :تكريه بقوله ((عبدنا))،
حيث أضافه إليه ،والعبودية من أشرف أوصاف النسان الت يتحلى با ،وثالثها :عندما
استجاب نداءه وكشف ضره ووهب له أهله ومثلهم معهم ،ورابعها :حينما جعل له
مرجا من يي حلفه على امرأته فكرمت وكرم با يلصه من مأزق النث ،وكانت خاتة
ذلك هذا الوسام من الشرف العريض ((إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب)) ،فوصفه
بالصب حت قرن الصب بأيوب فل يذكر إل وهو معه ،ث قال :نعم العبد فكانت شهادة
من ال بتمام عبوديته ،ث ختم ذلك بقوله إنه أواب ،والواب :البالغ ف شدة رجوعه إل
ال تعال.
214
وقد ذكر ال تعال صبه ف موطن آخر فقال(( :وأيوب إذ نادى ربه أن مسن الضر
وأنت أرحم الراحي ،فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر ،وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحة
من عندنا وذكرى للعابدين ،وإساعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين)) ،لقد كان
نداء أيوب ف ضرائه غاية ف اللطف والدب ولذا كانت الجابة آية ف التمام والكمال،
لقد نادى ربه ول يسأله شيئا بعينه من الهل والعافية وذكر ربه با هو أهله وبا اتصف به
((إن مسن الضر وأنت أرحم الراحي)) ،فاستجاب له دعاءه فكشف عنه الضر ورد عليه
الهل ومثلهم معهم وجعله ذكرى للعابدين وإماما من الصابرين.
جعلن ال وإياك منهم وحشرنا معهم وآجرنا بأجرهم إنه ول ذلك والقادر عليه...
----------------
الصب ..عنوان اليان ودليل الثقة بال
215
فما نص عليه القرآن من ثرات الصب أنه يعي على أداء الطاعات ،قال تعال“ :فاذكرون
أذكركم واشكروا ل ول تكفرون”.
والذكر والشكر وعدم الكفر طاعات ،ث قال سبحانه“ :يا أيها الذين آمنوا استعينوا
بالصب والصلة إن ال مع الصابرين” ،فعقب المر بالذكر والشكر والنهي عن الكفر،
أمر بالستعانة بالصب والصلة.
تمل البلء
والصب كذلك يثمر تمل البلء الذي ينل بالنسان ،فيزلزل بنيان غي الصابر ،وقد
يقضي عليه بالمراض الختلفة من شلل وجنون ،وقد يؤدي البلء الذي ينل بغي الصابر
إل النتحار وكل ذلك شائع بي غي الصابرين.
أما السلم الذي يصب على البلء ،فهو ف أمان من هذه البليا ،ثقة منه بال وواسع رحته،
وعظيم مثوبته على ما نزل به من بلء ،وعظيم ما عند ال من خي للصابرين ف دنياهم
وأخراهم ،يقول ال تعال مشيا إل ذلك كله“ :ولنبلونكم بشيء من الوف والوع
ونقص من الموال والنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا
ل وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربم ورحة وأولئك هم الهتدون”.
فقد جعت هذه اليات بي الوف وهو متعدد الشكال واللوان ،فهو يتسع للخوف من
العداء ،والوف من المراض ،والوف من الجهول ،وغي ذلك وبي الوع وخطره
معروف ،والكثي من الناس ف زمننا هذا وف غيه من الزمان يوتون من الوع ،ويتعذب
الكثيون من الوع إن ل ينته بم إل الوت ،ونقص الال بالسارة ف التجارة والصناعة
والفات ف الزراعة معروف ،ونقص النفس بفقد الحبة بالوت ،وفقد بعض أعضاء
السم وقواه بالرض ،كل ذلك واقع وشائع بي الناس.
ث تذكر هذه اليات أن علج جيع الالت السابقة الت تنل بالنسان فتزلزل بنيانه وقد
تقضي عليه ،هو الصب ،فمن صب ظفر ،وال سبحانه وتعال يقول بعد ذكره ما يتحن به
عباده من ألوان البلء“ :وبشر الصابرين” بشارة يثمرها الصب ،والبشارة تقاس بالبشر
با ،وبشارة من ال اللك الق البي الذي ل تنفد خزائنه ،دونا كل بشارة من ملوق،
ولو كان ملكا متوجا ،هذا مع قوله سبحانه“ :إن ال مع الصابرين”.
216
فمعية ال تذهب بالزن من القلوب وتذهب بالوف منها كذلك ،وتل القلوب أمنا
وأمانا واطمئنانا.
والصابر إذا نزلت به مصيبة عب عن صبه الذي وقر ف قلبه بقوله“ :إنا ل وإنا إليه
راجعون”.
ومع تلك العقيدة الت يتلئ با قلب السلم الصابر بأن الكل خلق ال وأن كل ملوق لبد
راجع إل موله ،مع تلك العقيدة يتلئ قلب الؤمن رضا عن قضاء ال وقدره ،فلله ما
أعطى وله ما أخذ ،وكل شيء عنده بقدار.
ويذكر ال سبحانه ف تلك اليات أن الصابرين يفوزون بثلث ثرات :أولها :أنم عليهم
صلوات من ربم ،أي غفران من ال لم وثناء عليهم.
ثانيها :أنم عليهم رحة من ربم ،وهي ما يكون مع الصيبة من لطف ال بم.
ثالثها :أنم مهتدون إل الق والصواب فيما ينبغي عمله ف أوقات الشدائد فل يستحوذ
الزع على نفوسهم ول يذهب البلء بالمل من قلوبم.
ومن ثرات الصب مبة ال للصابرين ،قال تعال “وكأين من نب قاتل معه ربيون كثي فما
وهنوا لا أصابم ف سبيل ال وما ضعفوا وما استكانوا وال يب الصابرين”.
---------------
صب الجاهدين
لئن كانت شرعتنا النيفة أوصت عموم الؤمني ،بامتثال قيمة الصب ،والتحلي به فيما
حزبم من أمور ؛ كالصب على الأمور والحذور والقدور ،فإنا اختصت جحافل
الجاهدين بأحوال من الصب الستبي ،فكان أن أوصتهم بالصب :قبل نشوب العركة
واحتدام الصراع ،وبالصب ف خضم النال والقراع ،وبالصب عقب جولة جهادية صار
غبارها ال انقشاع .
فهذه أحوال ومقامات من الصب ينعقد بنواصيها حكم بالغة نية ،وثرات
طيبة خية .
217
أما الصب قبل نشوب العركة فأثبته قوله تعال لسيد الجاهدين صلى ال عليه وآله وصحبه
أجعي ،بنص قرآن مبي ( .فاصب كما صب أولو العزم من الرسل ول تستعجل لم).
[ سورة الحقاف آية ] 35
فالوصية بالصب ف هذه الية الكرية حلت للمجاهدين بي طيّاتا لسة تربوية بارعة ،
مؤداها أنا تضبط مشاعرهم ،وتذب عواطفهم ،وتحص مواقفهم ،وتصفي نواياهم
وطواياهم وسرائرهم ؛ فصولتم وجولتم الهادية لتتأتى من باب ردود الفعال ،إنا
من جهة إرضاء الكبي التعال ،فهي ليست رهينة حظوظ النفس ،إنا من الظلم تقتص ،
تلقنهم ومن شايعهم ومشى مشاهم أعظم درس ،فدماؤها وأرواحها ف سبيل ال ترخص
،إعلء لراية التوحيد ،وتضيدا لشوكة الشرك العنيد .
واذكر للدعاة ف فلسطي حقبة زمنية ،انازوا فيها إل تربية النشئ على التوحيد
وصبغتهم بصبغة الكتاب والسنة ،فكان أن تطاولت عليهم اللسنة ،فانبى فريق يزاود
عليهم ،وراح يتمطى أن شهر ف وجه يهود السنة ،مروجي أن الدعاة بصنيعهم هذا
إنا تثاقلوا عن دروب الهاد والستشهاد ،ونأوا بأنفسهم عن نصرة العباد ،وتاذلوا عن
ترير البلد …!!
فما لبثت هذه الصوات أن خدت ،حينما أتى على الناس زمان تناحر فيه حلة
السلح ،وأثخنوا فيما بينهم الراح ،فتبي حينها أن العقيدة هي الت توحد السواعد
وليست البندقية ،وثبت أنه ليست القضية الرولة إل حل البندقية ،إنا هي النفوس البية
التقية ،الت ينبغي صناعتها وإشباعها بالبادئ النقية ،وإفعامها بالقيم القوية ،لتغدو لدماء
شهدائها وفية ،ويظل شعارها النية ل الدنية ،فمهما ادلمت
الطوب ،ونزلت ف ساحتها الكروب ،فنجم مبادئها وقيمها وثوابتها لن يسي إل أفول
وغروب ..وهذا ما كان للجيل الجاهد ف فلسطي .
وأما الصب ف خضم العركة فبيـنه قوله تعال
(يا أيها الذين آمنوا اصبوا وصابروا ورابطوا واتقوا ال لعلكم تفلحون) [ سورة آل
عمران آية ] 200
218
وقوله (ياأيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا ال كثيا لعلكم تفلحون ،وأطيعوا
ال ورسوله ول تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريكم واصبوا إن ال مع الصابرين ) [ سورة
النفال اليتان . ] 46 ،45
فما حلته هذه اليات الكرية بي ثناياها من دعوة الجاهدين إل التجلد وتشم الشاق ،
واستعذاب النايا ف سبيل اللك اللق ،وطلبها من مظانا بل وجل ول إشفاق ،من
شأنه أن يفرج كربتهم ،وينهي -باذن ال –غربتهم ،ف حي يضد لهل الزيغ والفساد
شوكتهم ،وقد قدمت غزوة حني للبشرية ف هذا الصدد أسى عظة ،صاغتها ثلة ماهدة
بصب لظة.
من هنا :فعلى الجاهدين ف فلسطي ف أتون معركتهم القدسة الت يذودون فيها عن
حياض المة ومقدساتا وحرماتا ..عليهم أل يقيلوا ول يستقيلوا عن درب قدموا فيه من
الدماء والشلء ما يعد ضريبة ل يستخف با ول يستهان على طريق نيل الرية وتقيق
الستقلل .
وعليهم أن يتفطنوا دوما أن كوكبة الشهداء الذين قضوا نبهم وجادوا من قبل ومن بعد
بأرواحهم إنا شيدوا منار هدى يهتدي به اليارى ،فل يليق بالموع الت أتت بعدهم
إل أن تذو حذوهم ،وتواصل زحفهم ،دونا أن تيد أو تتمارى ..نعوذ بال من الور
بعد الكور .
وأشد أحوال الصب ومقاماته لدى الجاهدين :الصب عقب العركة ؛ إثر انقشاع جولة ،
والفراغ من صولة ،كشف ذلك قوله تعال ( :ولنبلونكم حت نعلم الجاهدين منكم
والصابرين ونبلوا أخباركم )[ سورة ممد آية ،] 31فأخر الصب عن الهاد لن القصود
بالجاهدين هنا :القيمون عليه ،وبالصابرين :الثابتون عليه – على الهاد ، -ولوائه
دونا انزال أو انذال .
ذلك أن غبار العركة سوف ينجلي عن دماء تنف ،وأشلء تتناثر ،وأرواح تزهق ،من
فلذات الكباد ،وقادة الهاد ،وصناع الستشهاد ،فضل عما تلفه وراءها من نساء
ثكال ،وأطفال يتامى ،وأبنية تتهاوى ،ومقدرات وثروات وخيات ومزروعات ترى
العدو بإتلفها يتغاوى !!..
219
فهذا كله يتطلب من الجاهدين ومن آزرهم ،ومن أهل فلسطي ومن ساندهم ،استنفار
جهود كثيفة ،واستفراغ طاقات حثيثة ،بغية تضميد الرح ،وبلسمة القرح ،لكيل
يتوان أحد عن الزحف نو التحرير ،وانتزاع حق الرية وتقرير الصي .
ومتطلبات هذه الرحلة تنوء بالعصبة أول القوة ،إل من رحم ربك ،فبث فيه العزية
والمة .
لذا تد القرآن الكري قد أعلى من شأن رواد هذه الرحلة ،وأولهم عناية
فائقة ،وتوجيهات سامقة ،ففي مثل هذه الرحلة وما شاكلها نزل قوله تعال " من
الؤمنيَ رجالٌ صدقوا ما عاهدوا ال عليه فمنهم من قضى نبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا
تبديل [ سورة الحزاب آية . ] 23
ذلك أن التبديل والتغيي إنا يزينة الرجفون شياطي النس والن أجعون حينما يثخن
السد بالراح ،وتتناثر الشلء ف الساح ،وتسيل بالدم البطاح ..عندها تتكثف
جهودهم الذمومة ،وتنشط مساعيهم الحمومة ،وتتعال صيحاتم السمومة ،لغزو
النفوس بسوء الظنون ،واحرّقلباه !! فلهم ف ذلك دروب وفنون .
-----------------
صب الرسول (صلى ال عليه وسلم) عائض بن عبد ال القرنـــي
ب العالي. المد ل ر ِ
ت وَالنّورَ ثُمّ الّذِينَ َكفَرُوا بِ َرّبهِمْ
الْحَمْدُ ِللّ ِه الّذِي َخلَقَ السّمَاوَاتِ وَاْلأَ ْرضَ َو َجعَلَ الظّلُمَا ِ
َيعْدِلُونَ .
ح ٍة َمثْنَى َوثُلثَ الْحَمْدُ ِللّهِ فَاطِرِ السّمَاوَاتِ وَاْلأَ ْرضِ جَاعِ ِل الْمَلئِ َكةِ ُر ُسلً أُولِي أَ ْجنِ َ
خلْ ِق مَا يَشَاءُ ِإنّ اللّ َه عَلَى كُ ّل َشيْءٍ َقدِيرٌ .
وَ ُربَاعَ َيزِيدُ فِي الْ َ
المد لِ حدا حدا ،والشكرُ ل شكرا شكرا ،المد ل عبوديةً واعترافا ،المد ل
استخزاءً وذلة.
ع كيان الوثنية ،صلى ال والصلةُ والسلم على معلمِ البشرية ،وهادي النسانية ،ومزعز ِ
ق على شجر، وسلم على مم ٍد ما اتصل مرءأ بنظر ،وما اتصلت أذنُ بب ،وما هتفَ ور ُ
وما نزل مطر ،وما تلعلعَ الظلُ على الشجر ،وعلى آله وصحبِه وسلمَ تسليما كثيا.
220
أشهدُ أن ل إله إل ال ،وأشهدُ أن ممدا عبدُه ورسولُه ،أشهدُ أن ل غله غل اللهث على
رغمِ أنفِ من تكب وكفر ،وعلى رغمِ من جحد واستكب ،وعلى رغمِ من بع َد وتنكر.
أيها السلمون:
بشرى لنا معش ُر السلمِ إن لنا .......من العنايةِ ركنا غي منهدمِ
لا دعا الُ داعينا لطاعتِه ............بأكرمِ الرسلِ كنا أكرم الممِ
أخوك عيسى دعا ميتا فقامَ له .........وأنت أحييت أجيالً من الرممِ
مولي صلي وسلم ما أردتَ على ...نزيلِ عرشكَ خي الرسل كلهمِ
ل عليه وسلم) ،وعظمتُه تبهرُ ث عن جانبٍ من جوانبِ عظمتِه (صلى ا ُ ل يزا ُل الدي ُ
ب اللباب ،وتيُ الفكار ،إنهُ عظي ُم لنَه عظيم ،وإنه صادقُ لنَه صادق، العقول ،وتل ُ
بن رسالةً أرسى من البال ،وأسسَ مبادئ أعمقُ من التاريخ ،وبن جدارا ل يترقَه
ت عظمتَه ،فهيا بنا ل عليه وسلم) حيثما توجهتَ ف عظمتِه وجد َ الصوت ،إنه (صلى ا ُ
ل عليه وسلم).ب الصبِ ف حياتِه (صلى ا ُ إل جان ِ
ل الصابرين ،ومرةً يبُ الُ ي موضعا ،مرةً يدحُ ا ُ ذك َر الصبُ ف القرآنِ ف أكثرِ من تسع َ
ل عليه بثوابِ الصابرين ،ومرةً يذكرُ الُ عز وجل نتائجَ الصابرين ،يقولُ لرسولِه (صلى ا ُ
صبْرا جَمِيلً.
صبِرْ َ
وسلم) :فَا ْ
صبْرا جَمِيلً.صبِرْ َ
ت الباطلَ يتحدى ،وإذا رأيت الطغيانَ يتعدى :فَا ْ إذا رأي َ
صبْرا جَمِيلً.
صبِرْ َ
إذا قل مالُكَ وكثرَ فق ُر َك وعوزُك وتمعتَ هومُك وغمومُك :فَا ْ
صبْرا جَمِيلً.صبِرْ َإذا قتلَ أصحابُك وقل أصحابُك وتفرقَ أنصارُك :فَا ْ
صبِرْ
ك الاهليةُ الشنعاء :فَا ْ إذا كثُ َر عليك العداء ،وتكالبَ عليك البُغضاء وتمعت علي َ
صبْرا َجمِيلً.
َ
ت وأقبحَ
إذا وضعوا ف طريقِك العقبات ،وصنفوا لك الشكلت ،وتددوكَ بالسيئا ِ
صبْرا جَمِيلً.
صبِرْ َ
الفعلت :فَا ْ
صبْرا جَمِيلً.صبِرْ َإذا مات أبناؤكَ وبناتُك وتفرق أقرباءُك وأحباؤكَ :فَا ْ
221
فكا َن مثال للصبِ عليه السلم ،سكنَ ف مكةَ فعاداهُ القربا ُء والحباء ،ونبذَه العما ُم
والعمومةَ ،وقاتلَه القريبُ قبل البعيد فكانَ من أص ِب الناس ،أفتق َر وأشتكى ،ووضع الجرَ
على بطنِه من الوع وظمأَ فكان من أصبِ الناس.
ب القريبِ من القلبِ ،ودموعُ مات أبنَه بي يديه وعمرُه سنتان ،فكان ينظ ُر إل أبنِه البي ِ
الصطفى (صلى ال عليه وسلم) الار ُة تتساقطُ كالُمانِ أو كالدرِ على خدِ أبنِه وهو من
س يقول :تدمع العي ،ويز ُن القلب ،ول نقولُ إل ما يرضي ربَنا ،وإنا بفراقِك يا أصبُ النا ِ
إبراهيمُ لحزونون.
مات خديةُ زوجتُه وامرأتُه العاقلةُ الرشيدة ،العاقل ُة الازمةُ الربا ُة ف بيتِ النبوة ،الت
كانت تؤيدُه وتنصُره ،ماتت وقت الزمات ،ماتت ف العصرِ الكي يوم تألبت عليه
ل عنها ساعدَه الين. الاهليةُ ،وقد كانت رضي ا ُ
يشتكي إليه من كثرةِ العداء ،ومن الوفِ على نفسِه فتقول :كل والِ ل يزيكَ الُ
ي اللهوفَ ،وتطع ُم الضيفَ ،كل والِ ل أبدا ،إنك لتص ُل الرحم ،وتملُ الكلَ ،وتع ُ
صبِرْ
ل يقولُ له :فَا ْ ل أبدا .فتموتُ ف عام الز ِن فيكونُ من أصبِ الناسِ لن ا َ يزيكَ ا ُ
صبْرا َجمِيلً. َ
تمع عليه كفا ُر مكةَ ،أقاربُه وأعمامُه ،نصبوا له كمينا ليقتلوه ويغتالوه ،فدخلَ دارَه،
ب معَه سيفُ يقطرُ دما وحقدا وحسدا وموتا، وأتى خسونَ من شبابِ قريش ،كلُ شا ٍ
فلما طوقوا دارَه كان من أص ِب الناس ،خرج من الدارِ وهم ف نعاسٍ وسباتٍ فحثا على
صبْرا جَمِيلً. صبِرْ َ رؤوسِهم الترابَ لن الَ يقولُ له :فَا ْ
ولا حثا الترابَ على رؤوسِهم كانوا نياما قد تساقطت سيوفُهم من أياديهم ،والرسول
عليه الصلة والسل ُم يتلو عليهم :وَ َجعَ ْلنَا مِ ْن َبيْنِ َأيْدِيهِ ْم سَدّا َومِنْ َخ ْل ِفهِ ْم سَدّا
شْينَاهُمْ َفهُمْ ل ُيْبصِرُونَ.
َفأَغْ َ
ب عليه العداءُ وتمعوا على سط ِح الغار، خرج إل غا ِر ثورٍ ليختفي من العداء ،فتول َ
ونزلوا ف ميمنةِ الغار ،وأحاطوا بيسرةِ الغار ،وطوقوا الغار وأرادوا أن يدخلُوه فسخرَ الُ
عنكبوتا وحاما فعشعشت تلكَ ،وباضت تلك:
ظنوا الما َم وظنوا العنكبوتَ على ....خيِ البيةِ ل تنسج ول تمِ
222
عنايةُ ال أغنت عن مضاعفةٍ ........من الدروع وعن عال من الُط ِم
ل عليه فما دخلوا الغار ،يقو ُل أبو بكر رضي ال عنه وهو ف الغارِ مع الصطفى (صلى ا ُ
ل لو نظرَ أحدُهم إل موطن قدمِه لرآنا. وسلم) :يا رسولَ ال وا ِ
فيتبس ُم عليه الصلةُ والسلم ،يتبسمُ الزعيمُ العاليُ ،والقائدُ الربان ،الواثقُ بنصرِ الِ
ل ثالثُهما؟ ويقول :ل تَحْ َزنْ ِإنّ اللّ َه َم َعنَا. ويقول :يا أبا بكر ،ما ظنُك باثني ا ُ
وهي دستورُ للحياة ،إذا جعت وظمئت فقل :ل تَحْ َزنْ ِإنّ اللّ َه َم َعنَا.
ح َزنْ ِإنّ اللّ َه َمعَنَا.
إذا مات أبناؤكَ وبناتُكَ فقل :ل تَ ْ
ث والشكلت ِفقال :ل َتحْ َزنْ إِنّ اللّ َه َم َعنَا. وإذا أرصدت ف طريقِك الكوار َ
فكان عليه الصلةُ والسلمُ من أص ِب الناس ،ويرجُ من الغار ،والكفا ُر ل يدرونَ أنه كانَ
ف الغار ،فينسلُ إل الدينةِ وليتَهم تركوه ،بل يعلنونَ عن جائز ٍة عالي ٍة لن وجدَه ،جائزةَ
العارِ والدمارِ وقل ِة اليا ِء والروءة ،مئ ُة ناقةٍ حراء لن جاء به حيا أو ميتا ،فيلحقُوه سراقةُ
أبن مالكٍ بالرم ِح والسيف ،فياهُ (صلى الُ عليه وسلم) وهو يشي على الصحراءِ جائعا
ظمئنا قد فارقَ زوجتَه فارق بناتِه ،فارق بيتَه ،فارق جيانَه وأعمامَه وعمومتَه ،ليس له
س ول جنود ،ل رعايةُ ول موكب ،وسراقةُ يلحقوه بالسيف. حر ُ
ب منا. فيقو ُل أبو بكرٍ:يا رسولَ ال وال لقد اقتر َ
فيتبس ُم عليه الصلة والسلم مرةً ثانيةً لنَه يعلم عليه الصلةُ والسلمُ أن رسالتَه سوف
ت الجرمون ،وسوف تنتصرُ مبادئُه ت الكفار ،وسوف تبقى دعوتُه حيةً ويو ُ تبقى ويو ُ
ل ثالثَهما. وتنهز ُم الاهليةُ .فيقول :يا أبا بك ٍر ما ظنكَ باثني ا ُ
ع عليه الصطفى (صلى الُ عليه وسلم) فتسيخُ أقدامُ فرسِه ويسقط، ويقتربُ سراق ُة ويد ُ
ع عليه الصطفى (صلى الُ عليه وسلم) فيسقط ،ث يقولُ: فيقومُ ويركب ويقترب فيد ُ
يا رسولَ ال أعطن المان ،الن هو يطلبُ المان وأن يق َن الصطفى دمَه ،وهو بسيفٍ
ل عليه ت وف الوتِ وقع .فيعطيهِ الصطفى (صلى ا ُ والصطفى بل سيف ،ف َر من الو ِ
وسلم) أمانَه.
يا حافظَ المالِ أنت ......حفظتن ونصرتن
وعدى الظلومُ علي .......كي يتاحن فنصرتَن
223
فأنقادَ ل متخشعا ..........لا رآك منعتن
ل عليه وسلم) إل الدينة ،ويشاركُ ف معركةِ بدر ،فيجوعُ حت يعلَ الجرَ يصلُ (صلى ا ُ
على بطنِه:
ت واللبس ،رسولُ النسانيةَ، يا أهل الوائدَ الشهية ،يا أهل التخ ِم والرطبات ،والشهيا ِ
صبْرا جَمِيلً.
صبِرْ َوأستا ُذ البشرية يوع حت ما يدُ دقل التمرِ وحشف التمر :فَا ْ
ت بناتُه الثلث هذه تلو الخرى ،تتُ الول فيغسلُها ويكفنُها ويدفنُها ويعودُ من تو ُ
صبْرا جَمِيلً.
صبِرْ َ
الق َبةِ وهو يتبسم :فَا ْ
صبِرْ
ت الثانية فيغسلُها ويكفنُها ويدفنُها ويعو ُد من القبَ ِة وهو يتبسم :فَا ْ وبعد أيامٍ تو ُ
صبْرا َجمِيلً.َ
صبْرا جَمِيلً. صبِرْ َ
ت الثالثةَ فيغسلُها ويكفنُها ويدفنُها ويعودُ من القبَ ِة وهو يتبسم :فَا ْ تو ُ
صبْرا
صبِرْ َ
ت أبنُه إبراهيم ،فيغسلُه ويكفنُه ويدفنُه ويعو ُد من القب ِة وهو يتبسم :فَا ْ يو ُ
جَمِيلً.
صبْرا َجمِيلً.صبِرْ َ
ل يقول لَه :فَا ْ عجبا من قلبِك الفذ الكبي .لن ا َ
يشاركُ ف معركةِ أحد ،فيه َزمُ أصحابُه ،ويقتلُ من قرابتِه ومن سادةِ أصحابِه ،ومن خيارِ
مقربيه سبعونَ رجل أولُهم حزة رضي الُ عنه ،عمُه سيفُه الذي بيمينِه ،أسدُ الِ ف
أرضِه ،سي ُد الشهداءِ ف النة ،ث يقفُ (صلى الُ عليه وسلم) على القتلى ،وينظرُ إل حزةَ
س اب ُن النظر وغيهم من وهو مقتولُ مقطعُ ،وينظرُ إل سعدَ أبنُ الربي ِع وهو مزق ،وأن ُ
أولئك النفر فتدمعُ عيناه ،وتسيلُ دموعُه الارة على ليتِه الشريفة ،ولكن يتبسم لن ال
صبْرا جَمِيلً.
صبِرْ َ
قال له :فَا ْ
ويعو ُد عليه الصل ُة والسلم فيسلُ قادتَه إل مؤتةَ ف أرض الردنَ ليقاتلواُ الروم ،فيقتلُ
الثلثةُ القوادُ ف ساعةٍ واحدة ،زيدُ أبنُ حارثة ،وجعفرُ الطيار أبي عمه ،وعبدُ ال أبن
رواحه ،ويراهم وينظرُ إليهم من مساف ِة مئاتِ الميال ،ويرى أسرتَهم من ذهب تدخلُ
صبْرا جَمِيلً.
صبِرْ َالنةَ ،فيتبس َم وهو يبكي لن الَ قال له :فَا ْ
يتجم ُع عليه النافقونَ ،والكفارَ ،والشركون ،واليهودَ ،والنصارى ،وإسرائيل ومن وراءَ
إسرائيلَ فيحيطون بالدينة ،فيحفرُ (صلى ال عليه وسلم) الندق ،ينلُ على الندقِ ويرفعُ
224
ق شذا النارِ ف الواءب الصخرةَ بالعولِ فيب ُ الثوب ،وعلى بطنِه حجرانِ من الوع ،فيضر ُ
فيقولُ:
ل سوف يفتحُها علي. ت قصورَها ،وإن ا َ هذه كنوزُ كسرى وقيصر ،والِ لقد رأي ُ
فيضحكُ النافقو َن ويقولون :ما يدُ أحدُنا حفنةً من التمر ،ويبشرُنا بقصور كسرى
وقيصر.
صبْرا َجمِيلً.
صِبرْ َل يقولُ له :فَا ْ فيتبسم لن ا َ
س وعشرين سنةً تذهبُ جيوشُه وكتائبُه من الدين ِة فتفتح أرض كسرى وقيصر، وبعد خ ٍ
وما وراء نر سيحو َن وجيحون ،وطاشكند وكابل وسرقن والسند والند وأسبانيا ،ويقفُ
جيشُه على نر اللوار ف شالِ فرنسا.
صبْرا جَمِيلً.صبِرْ َل يقولُ له :فَا ْ لاذا لن ا َ
فظلمُ ذوي القرب أشدُ مضمضةً ...على النفسِ من وق ِع السامِ الهندِ
يأتيه أبنُ العمَ ،فيتفل على الرسو ِل عليه الصلةُ والسلم ،يتفل على الرسول ،على معلمِ
الي ،على هادي البشريةَ ،فيتبسم عليه الصل ُة والسلم ول يقولُ كلمة ،ول يغضب ،ول
صبْرا جَمِيلً.
صبِرْ َ
ل يقولُ له :فَا ْ يتغيُ وجهَهُ لن ا َ
يأت أبو جهلٍ فيأخ َذ ابنةَ الصطفى ،طفلةُ وادعةُ أزكى من حام الرم ،وأطهر من ماء
الغمام فيضربُها على وجهِها ضربَه ال ،فيتبسم عليه الصل ُة والسلم ول يقولُ كلمةً
صبْرا َجمِيلً.صبِرْ َ
واحدة :فَا ْ
يأت العرابُ من الصحراء فيجرجرُه ببدتِه ،ويسحبَه أمامَ الناس ،وهو يتبسمُ (صلى الُ
صبْرا جَمِيلً. صبِرْ َ
عليه وسلم) :فَا ْ
أي ص ٍب هذا!
س لو وعتَها المم لكانت شعوبا من ال ِي والعدلِ والسلم ،لكن أين من إنا والِ درو ُ
يقرأُ سيتَه ،أين من يتعلم معاليه.
ي ُر عليه ف بيتِه ثلثةُ أيامٍ وأربعة فل ي ُد ما يُشب ُع بطنَه ،ل يدُ التمرَ ،ل يدُ اللب ،ل يد
صبْرا جَمِيلً.
صبِرْ َ
ل وبنعيم ال :فَا ْ خب َز الشعي ،وهو راضٍ برزقِ ا ِ
225
ينا ُم على الصيِ ،ويؤث ُر الصيُ ف جنبِه ،وينامُ على الترابِ ف شدةِ البد ،ول يدُ غطاءً:
صبْرا جَمِيلً.
صبِرْ َ
فَا ْ
بيتَه من طي ،إذا مدَ يدَه بلغتِ السقف ،وإذا اضطجعَ فرأسُه ف جدا ٍر وقدميه ف جدار
صبْرا جَمِيلً.
صبِرْ َ
لنَها دنيا حقية :فَا ْ
فرعونُ على منبِ الذهب ،وف إيوانِ الفضة ،ويلبسُ الرير .وكسرى ف عمالةِ الديباج،
صبْرا
صبِرْ َ
وف متاعِ الدر ِر والواهرِ ،وممدُ (صلى الُ عليه وسلم) على التراب :فَا ْ
جَمِيلً.
أتى جبيلُ بفاتيحِ خزائنِ الدنيا وسلمها إل الصطفى (صلى ال عليه وسلم) ،وقال له:
أتريدُ أن يولَ الُ لك جبالَ الدنيا ذهبا وفضة؟
فقال ل ،بل أشب ُع يوما وأجوعُ يوما حت ألقى ال.
حضرتَه الوفاة ،فقالوا له :أتري ُد الياة ،أتريدُ أن تبقى ونعطيكَ ملكا يقاربُ ملك سليمان
عليه السلم؟
قال ل بل الرفي ِق العلى ،بل الرفي ِق العلى.
أي عظمةٍ هذه العظمةُ ،أي إشراقٍ هذا الشراق ،أي إبداعٍ هذا البداع ،أي روعةٍ هذه
الروعة.
بشرى لنا معش ُر السلمِ إن لنا ...من العنايةِ ركنا غي منهدمِ
لا دعا الُ داعينا لطاعتِه ........بأكرمِ الرسلِ كنا أكرم الممِ
أقو ُل ما تسمعون وأستغفرُ ال ل ولكم ولسائر السلمي من كل ذنب ،فاستغفروه وتوبوا
إليه إن هو الغفور الرحيم.
................................
المد ل الذي كان بعبادِه خبيا بصيا ،وتبار الذي جعل ف السماء بروجا وجعل فيها
سراجا وقمرا منيا ،وهو الذي جعل الليل والنهارَ خلفة لن أراد أن يتذكر أو أراد
شكورا.
والصلةُ والسلم على من بعثَه ربُه هاديا ومبشرا ونذيرا ،وداعيا إل ال بأذنه وسراجا
منيا ،بلغ الرسالة وأدى المانة ،ونصح المة.
226
صبِ ْر عَلَى مَا َيقُولُو َن وَاهْجُ ْرهُ ْم هَجْرا جَمِيلً.
ل سبحانَه وتعال له :وَا ْ
يقولُ ا ُ
فأصب صبا جيل ........وَاهجرهم هجرا جيل.
ما هو الصبُ الميل الذي أمر الُ رسولَه (صلى ال عليه وسلم) أن يصبَه؟
الص ُب الميل هو الذي ل شكوى فيه ،أن تصبَ ول تشتكي على أحد ،فالشكوى على
ال ،ول يرفعُ الضرَ إل ال ،ول ييبُ دعا َء الضطرِ إل ال ،ول يغنيكَ من الفقرِ إل ال،
ول يشافيكَ من الرضِ إل ال ،ول ي ُب مصيبتَك إل ال.
فلذلك كان عليه الصلةُ والسلم ل يشكو هومَه وغمومَه إل على ال.
دخل عليه أبنُ مسعودٍ رضي الُ عنه فوجدَ الرسولُ (صلى اللهث عليه وسلم) مريضا على
الفراش ،سي ُد البشر ،خيُ من خلقَ ال أصابتهُ المى فصرعتُه على الفراش ،المى مع
مشاكلِ الدعوة ،مع هومِ الدعوة ،مع مارب ِة العداء ،مع الفقرِ ،مع الوع ،مع موتِ
الول ِد والبنات تصيبُه المى ف جسمِه.
يقول أبن مسعودٍ دخلتُ على الرسولِ (صلى ال عليه وسلم) وهو يوعَكُ وعكا شديدا،
أي يرتعدُ على الفراشِ من شدةِ المى ،فوضعتُ يدِ على جسمِه الشريف ،قلت يا رسولَ
ال بأب أنت وأمي ،يعن أفديك بأب وأمي ،وصدق رضي الُ عنه فقد فدوه بالباءِ
والمهات:
فدىً لك من يقص ُر عن مداكَ .....فما شهمُ إذا إل فِداك
أروحُ وقد ختمتُ على فؤادي ....ببِك أن ي َل به سواكَ
إذا اشتبكت دموعُ ف خدودٍ ......تبيَ من بكى من تباكى
قلت يا رسولَ ال بأب أنت وأمي ،يعن أفديك بأب وأمي إنك لتوعَكُ وعكا شديدا.
ك كما يوعَكُ رجل ِن منكم ،أي جع الُ عليه مرضي. قال نعم إن لوعَ ُ
لتُ يا رسول ال ذلك لن لك الجرُ مرتي؟
قال أجل.
ما من إنسا ٍن يصيبُه مرضُ أو ه ُم أو غمُ أو حزنُ إل كفرَ الُ به من خطاياه ،ف صحيحِ
البخاري باب :هل يقو ُل الرج ُل وا رأساه ،هل يتوجع ،يعن هل يقولُ آه من الرض؟
ع فقالت :وا رأساه! دخلت عائش ُة على البيبِ (صلى الُ عليه وسلم) وبا صدا ُ
227
ض الوت :بل أنا وا رأساه ،والِ لقد ل عليه وسلم) وهو ف مر ِ فقال الصطفى (صلى ا ُ
همتُ أن أدعو أباكِ وأخاكِ لكتبَ لم كتاب.
لنَه علم عليه الصل ُة والسلم أنه سوف يوتُ بعدَ أيام.
تأتيه المى فتهُزُه هزا عنيفا ،وف مرضِ موتِه مُرضَ مرضا عجيبا ،سعَ الذان ،سع بللُ
ب الية. يطل ُق التكبيَ من على النارة ،لكن ل يسم ُع بللً إل أهلُ القلو ُ
قال أجعلوا ل ماءً لغتسل وأصلي بالناس.
قالوا يا رسولَ ال إنك مريض.
قال أسعُ الذان واصلي ف البيت.
فوضعوا له قرب ًة فأغتسل ،فلما قام ليذهب إل السجدِ أغمي عليه ،فجعلوا له ماءً فأغتسل
أخرى فأغمي عليه ،فجعلوا له الاء ثالثةً فأغمي عليه ،ورابعةً وخامسة ،وف الخيِ لفظ
أنفاسَه وقال ودمعُه تارقُ على خدِه لنَه يريدُ الصلة :وجعلت قرةُ عين ف الصلة.
ب الدنيا ،ومشاك ِل الدنيا،كان يقول :أرحنا با يا بلل ،أرحنا با من هومِ الدنيا ،وتع ِ
ومالفةِ الدنيا.
وقل لبللِ العزمِ من قلبِ صادقٍ ...أرحنا با إن كنت حقا مصليا
ب النانِ الثمانياتوضأ باء التوبةِ اليومَ ملصا .....به ترقى أبوا َ
س فبكى قال أمروا أبا بكرٍ فليصلي بالناس ،فذهب بللُ إل أبا بكرٍ وأخبَه أن يصلي بالنا ِ
ل وإنا إليه راجعون. ل الستعان ،إن ِ أبو بكرٍ وقال ا ُ
صبْرا جَمِيلً.صبِرْ َ
ل عليه وسلم) على هذه الحداث :فَا ْ فصب (صلى ا ُ
ب وأتباع وتلميذ الرسولِ (صلى ال عليه وسلم) ،من أصيبَ فيا أيها السلمونَ ،يا أصحا َ
منكم بصيبة فليتعزى بالرسول عليه الصلةُ والسلم.
ئ الصيلة ،والهدافِ إن هذا دينُ العظماء ،إنه دي ُن العقلء ،إنه دينُ الشرفاء ،أهلُ الباد ِ
الليلة ،والخلقِ الميلة.
صبْرا َجمِيلً.
صِبرْ َت أبنُكَ :فَا ْ
يو ُ
صبْرا جَمِيلً.صبِرْ َ
ترض زوجتُك :فَا ْ
صبْرا َجمِيلً.
صبِرْ َ
تذهب عيناك ،أو يصمُ سعُك :فَا ْ
228
صبْرا جَمِيلً. صبِرْ َ تصابُ برضٍ أو حادثٍ :فَا ْ
صبْرا جَمِيلً.
صبِرْ َ يزلزلُ بيتُك أو يدم ُر عقارُك :فَا ْ
ل عنكَ فتصب ُح بعيدا ك ُل مصيب ٍة تون إل مصيبةُ الدين ،ك ُل مصيبةٍ سهلةٍ إل يوم يتخلى ا ُ
عن ال ،ك ُل شيءٍ سه ُل إل يومَ يصب ُح النسانُ فاجرا متنكرا للمسجد وللمصحفِ
ولذكرِ ال ،كلُ شيءٍ سهلُ إل هذا الدين أن ل يفوتُك من قلبِك.
ل بالصلةِ والسلمِ عليه فقالِ :إنّ اللّهَ عباد ال ،وصلوا وسلموا على من أمرَكم ا ُ
صلّوا عََليْ ِه َوسَلّمُوا تَسْلِيما.
َومَلِئكَتَ ُه ُيصَلّونَ عَلَى النِّبيّ يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا َ
ل عليه با عشرا. وقد قال عليه الصل ُة والسلم :من صلى علي صلةً واحده ،صلى ا ُ
اللهم صلي على عبدك وحبيبِك ممد ،وأعرض عليه صلتَنا وسلمَنا ف هذه الساعةِ
الباركة ،يا رب العالي.
ب الطهار ،من الهاجرين والنصار ،ومن تبعَهم بإحسانٍ إل يوم وأرضى اللهم عن أصحا ِ
الدين ،وعنا معهم بنك وكرمِك يا أكرم الكرمي.
اللهم أجع كلمةَ السلمي ،اللهم وحد صفوفَهم ،اللهم خذ بأيدِهم إل ما تبُه وترضاه يا
رب العالي.
اللهم أصلح أئمتَنا وول َة أمورِنا ،اللهم وفقِهم لا تبُه وترضاه ،اللهم أخرجهُم من
الظلماتِ إل النور ،اللهم أهدِهم سب َل السلم.
اللهم بعلمِك الغيب ،وبقدرتِك على اللق ،أحيينا ما كانت الياةُ خيا لنا،وتوفَنا إذا
كانت الوفاةُ خيا لنا.
ب والشهادة ،ونسألُكَ كلمةَ القِ ف الغضبِ والرضاء، ك خشيتَك ف الغي ِ اللهم إنا نسأل َ
ك والشوقَ إل لقاءِك ف غيِ ونسألُك القصدَ ف الغن والفقر ،ونسألُكَ لذةَ النظرِ إل وجه َ
ضراءَ مضرة ،ول فتنةً مظلة ،برحتِك يا أرحم الراحي.
اللهم أنصر كل من جاه َد لعلءِ كلمتِك ،ولرف ِع رايتكِ ،ف ب ِركَ وبرِك يا رب العالي.
ربنا إننا ظلمنا أنفسَنا ،وإن ل تغفر لنا وترجنا لنكونن من الاسرين
ربنا آتنا ف الدنيا حسنة ،وف الخرة حسنة وقنا عذاب النار.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون ،وسلم على الر سلي
229
==========
صب الرسول صلى ال عليه وسلم
الصب شعار الرسلي كما دل عليه قول ال تعال ( :ولقد كذبت رسل من قبلك فصبوا
على ما كـذّبوا … )(النعام ، )34/وقد رغــب الشرع النيف ف الصب وحث
عليه ،وأثن على أهله .
ولقد كان رسول ال ممد صلى ال عليه وسلم أكثر رسل ال دعوة وبلغـا وجهادًا ،
لذا كان أكثرهم إيذاءً وابتلءً ،منذ بزوغ فجر دعوته إل أن لق بربه جل وعل .
فقد لقى الذى بكة من قريش وغيهم ،وبعد أن هاجر إل الدينة لقي من الشركي
والنافقي واليهود أذىً شديدًا ،وما كانت تزيده هذه الشدائد والحن إل إصرارًا
وثباتــا ،با منّ ال تعال عليه من تثبيت قلبه ،وما آتاه ال عز وجل من الصب ،
وفيما يلي نستعرض ناذج من صبه صلى ال عليه وسلم .
صبه ف طريق الدعوة إل ال :
منذ بدأ رسول ال صلى ال عليه وسلم دعوته إل ال ،واجهه الشركون بشت أنواع
الذى ،من رميه بالسحر والكهانة والشعر والنون ،إل إيذائه جسديـا فرموه بالجارة
وشقوا وجهه ،ودبروا قتله ومن ذلك :
-1ما أخرجه البخاري رحه ال تعال من حديث عروة بن الزبي رحه ال قال :سألت
ابن عمرو بن العاص رضي ال عنهما فقلت :أخبن بأشد شيء صنعه الشركون بالنب
صلى ال عليه وسلم ؟ قال :بينا النب صلى ال عليه وسلم يصلي ف حجر الكعبة ،إذ
أقبل عقبة بن أب معيط ـ لعنه ال ـ فوضع ثوبه ف عنقه ،فخنقه خنقـا شديدًا فأقبل
أبو بكر رضي ال عنه حت أخذ بنكبه ودفعه عن النب صلى ال عليه وسلم قال :
( أتقتلون رجلً أن يقول رب ال )(غافر. )28/
-2وأخرج البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود رضي ال عنه قال " :بينا النب
صلى ال عليه وسلم ساجد وحوله ناس من قريش جاء عقبة بن أب معيط بسلى جزور
فقذفه على ظهر النب صلى ال عليه وسلم فلم يرفع رأسه ،فجاءت فاطمة عليها السلم
فأخذته من ظهره ،ودعت على من صنع ،فقال النب صلى ال عليه وسلم [ :اللهم
230
عليك الل من قريش أبا جهل بن هشام ،وعتبة من ربيعة ،وشيبة بن ربيعة ،وأمية بن
خلف ] أو [ أب بن خلف ] ـ شك الراوي ـ قال الراوي :فرأيتهم قتلوا يوم بدر ،
فألقوا ف بئر غي أمية أو أب تقطعت أوصاله فلم يلق ف البئر " .
هكذا عان صلى ال عليه وسلم من قومه الشدة والذى وهو صابر متسب ،فلما أيس
من ناح دعوته ف قومه مع ما هم عليه من العداء واليذاء ،طمع ف أن ينصره قوم
آخرون من غي قومه ،فعمد إل الطائف رجاء أن ُيؤْو ُه وينصروه على قومه وينعوه
منهم ،لنم " :كانوا أخواله ول يكن بينه وبينهم عداوة " إل أنم ردوا عليه أقبح رد
وأشده .
-1فقد أخرج الشيخان من حديث عائشة رضي ال عنها أنا قالت :يا رسول ال هل
أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟ فقال صلى ال عليه وسلم [ :لقد لقيت من
قومك ما لقيت ،وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد
ياليل بن عبد كلل :فلم يبن إل ما أردت ،فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم
أستفق إل بقرن الثعالب ،فرفعت رأسي فإذا بسحابة قد أظلتن فنظرت فإذا فيها جبيل ،
فنادان فقال :إن ال قد سع قول قومك لك وما ردوا عليك ،وقد بعث إليك ملك
البال لتأمره با شئت فيهم فنادان ملك البال ،فسلم عليّ ث قال :يا ممد إن ال قد
سع قول قومك لك ،وأنا ملك البال ،وقد بعثن ربك إليك لتأمرن بأمرك فما شئت ؟
،إن شئت أن أطبق عليهم الخشبي ،فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم :بل
أرجو أن يرج ال من أصلبم من يعبد ال تعال وحده ل يشرك به شيئـا "(البخاري
ومسلم ) .
وهكذا واجه النب هذا اليذاء والهل بالصب الميل ،حت أنه أب أن يدعو عليهم .
وقد انتهت هذه الرحلة بحاولة الشركي قتله صلى ال عليه وسلم كما أشار ال تعال
إل ذلك بقوله ( :وإذ يكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يرجوك ويكرون
ويكر ال وال خي الاكرين )(النفال. )30/
231
ولا هاجر صلوات ال وسلمه عليه إل الدينة ل يقل صبه عما كان عليه أمره ف مكة ،
فلئن كان ف مكة صابرًا على الشركي فحسب ،فإنه ف الدينة قد صب على مَنْ هم
أكثر أذية وعددًا وطوائف ،إنم النافقون ،واليهود والشركون ،فقد كانت كل واحدة
من هذه الطوائف تكيد للنب صلى ال عليه وسلم ودعوته كيدًا وتصطنع له أذية ل تألو
جهدًا ف ذلك ،وهو يتلقى ذلك كله بقلب راسخ باليان واثق بنصر ال ،ورباطة جأش،
ل يتزعزع من حوادث العداء وكيد اللداء .
صبه صلى ال عليه وسلم على النافقي ف الدينة :
أما النافقون فقد كان الصب عليهم مُرّا ،إذ ل حيلة له غي الصب ؛ لنم يزعمون السلم
،ويظهرون الولء ل تعال ولرسوله صلى ال عليه وسلم ،وهم ف القيقة يبطنون الكفر
ويتربصون بالنب صلى ال عليه وسلم والسلمي الدوائر ،وهم عيون للعداء الارجيي
يتتبعون عورات السلمي ،ويططون للقضاء عليهم ،ولكن ذلك ف السر ،إذ ل يعلم
ذلك أحد إل ال تعال ث رسوله صلى ال عليه وسلم بإعلم ال تعال له .
ولطالا كان السلمون يكتشفون رائحة النفاق من أحدهم ،فيستأذنون النب صلى ال عليه
وسلم ف قتله فيقول عليه الصلة والسلم [ :ل يتحدث الناس أن ممدًا يقتل أصحابه ]
(رواه البخاري ومسلم ) ..إن ذلك الصب ل متنفس فيه ،وهو أشد ما يكون على
الرء ،وسأذكر هنا قصة واحدة تبي مدى صبه صلى ال عليه وسلم على أذى النافقي :
فقد أخرج المامان البخاري ومسلم من حديث أسامة بن زيد رضي ال عنه أن النب
صلى ال عليه وسلم ركب حارًا عليه إكَاف ،تته قطيفة فدَ ِكيّة ،وأردف وراءه أسامة ،
وهو يعود سعد بن عبادة ف بن الارث بن الزرج ،وذلك قبل وقعة بدر ،حت مر
بجلس فيه أخلط من السلمي والشركي وعبدة الوثان واليهود ،فيهم عبد ال بن
أب ،وف الجلس عبد ال بن رواحة رضي ال عنه قال :فلما غشيت الجلس عجاجة
الدّابة ،خّر عبد ال بن أب أنفه ث قال :ل تغبّروا علينا ،فسلم عليهم النب صلى ال عليه
وسلم ث وقف فنل فدعاهم إل ال وقرأ عليهم القرآن ،فقال عبد ال بن أب :أيها الرء
ـ يريد النب صلى ال عليه وسلم ـ ل أحسن من هذا ،إن كان ما تقول حقـا فل
تؤذنا ف مالسنا ،وارجع إل رحلك ،فمن جاءك منا فاقصص عليه ،فقال عبد ال بن
232
رواحة :اغشنا ف مالسنا فإنا نب ذلك ،قال :فاستب السلمون والشركون واليهود
حت هـوا أن يتواثبوا ،فلم يزل النب صلى ال عليه وسلم يفضهم ،ث ركب دابته حت
دخل على سعد بن عبادة ،فقال :أي سعد ،أل تسمع إل ما قال أبو حباب ـ يريد
عبد ال بن أب ـ قال كذا وكذا ؟ فقال سعد ـ رضي ال عنه ـ :اعف عنه يا رسول
ال واصفح ،فوال لقد أعطاك ال الذي أعطاك ،ولقد اصطلح أهل هذه البـحية أن
يتوجوه فيعصّبوه بالعصابة ـ أي يعلوه ملكـا عليهم ـ فلما رد ال ذلك بالق الذي
أعطاكه شرق بذلك ،فلذلك فعل به ما رأيت ،قال :فعفا عنه النب صلى ال عليه
وسلم )(رواه البخاري وسلم ) .
فانظر أي صب يقدر على مثله أحد بيده القدرة على عقاب مثل هذا القائل غي النب صلى
ال عليه وسلم ،إذ يتجرأ هذا اللف على النتقاص من النب صلى ال عليه وسلم وهو
ذو الناب العظيم ،ويصده عن دعوته ،وهو الأمور بالبلغ البي .
صبه صلى ال عليه وسلم على اليهود :
وأما اليهود فقد كان صب النب صلى ال عليه وسلم عليهم شديدًا ،إذ أنم أهل خديعة
ومكر وحقد دفي ،فإنم ل يكتفوا بكتم صفاته الت يدونا ف التوراة ،والت يعرفونه با
كما يعرفون أبناءهم ،والت لو بينوها للناس لدخلوا ف دين ال أفواجـا من أول دعوته
صلى ال عليه وسلم ؛ لن الكل كان يسلم لليهود بأنم أهل كتاب ،وأن لم علمـا
برسل ال ،فلو أنم صدقوا ما عاهدوا ال عليه من بيان صفاته صلى ال عليه وسلم للناس
،وأشهروا ذلك ف الجتمعات ،لا تردد أحد ف الستجابة له صلى ال عليه وسلم .
بيد أنم غيوا صفاته عليه الصلة والسلم ،وجحدوا نبوته ،وأغروا به الشركي وقالوا
لم " :إنكم أهدى سبيلً من ممد وأصحابه " ما كان له أثر عائق ف صد الناس عن
دين ال تعال ،ومشجع لم على عداوة الؤمني ،كل ذلك والنب صلى ال عليه وسلم
صابر على معاملتهم وعلى خيانتهم وما يتوقعه من غدرهم حت حكم ال بينه وبينهم ،
وذلك ف يوم قريظة حي حكم سعد بن معاذ رضي ال عنه بكم ال تعال بأن تقتل
مقاتلتهم ،وتسب ذراريهم ،لا نقضوا العهد الذي بينهم وبينه ،وظاهروا الشركي يوم
233
الحزاب على قتاله صلى ال عليه وسلم ،وأجلى من أجلّى منهم من بن قينقاع وبن
قريظة ،ث فتح خيب فأبقى أهلها إل حي .
صبه صلى ال عليه وسلم على الشركي ف العهد الدن :
وأما صبه عليه الصلة والسلم على الشركي ف العهد الدن فلم يكن كصبه عليهم ف
العهد الكي ،فإن صبه عليهم ف هذا العهد كان صبًا ف ميادين القتال والنازلة ،صبًا
على كلوم السنة والرماح والسيوف الت ينفد معها صب أول العزم والقوة .
لكن النب صلى ال عليه وسلم ل ينفد صبه ،ول ينثن عزمه ،وهو يوض معركة بعد
أخرى ،ويهز جيشـا تلو آخر ،حت آتاه ال الفتح البي والعز والتمكي .
ى كبيًا ،حيث كسرت رباعيته ،وشج وجهه الشريف ف غزوة ولقد نال من ذلك أذ ً
أحد وأثخنته الراح ـ بنفسي هو وأب وأمي صلى ال عليه وسلم ـ وهو مع ذلك
صابر متسب ،ل يلوي ،ول يولّي الدبار ،كما يفعل كبار البطال ،فلم يزد على أن
قال [ :كيف يفلح قوم شجُوا نبيهم وكسروا رباعيته ،وهو يدعوهم إل ال ] فلم يلبث
أن أنزل ال عليه ( :ليس لك من المر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبم فإنم ظالون )
(آل عمران()128/رواه البخاري ومسلم ) .
يعاتبه ال على ذلك ،ومنه تعلم أن صبه عليه الصلة والسلم كان مُرادًا ل تعال لعظم
قدره عنده ،لن المتحان والبلء على قدر النلة كما جاء ف الديث [ :أشد الناس
بلءً النبياء ث المثل فالمثل ](الترمذي وقال :حسن صحيح ) .
ولعل هذا هو سر تكرار أوامر ال عز وجل له صلى ال عليه وسلم بلزوم الصب كما ف
قوله تعال ( :فاصب كما صب أولو العزم من الرسل )(الحقاف ، )35/وقوله تعال :
( واصب وما صبك إل بال )(النحل ، )127/وقوله سبحانه ( :فاصب على ما يقولون )
(طه )130/وقوله عز شأنه ( :فاصب إن وعد ال حقٌ )(الروم ، )60/وقوله تقدست
أساؤه ( :واصب لُكم ربك فإنك بأعيننا )(الطور ، )48/إل غي ذلك .
ولقد لبّى صلى ال عليه وسلم تكليف ربه له بذلك وطبقه أيا تطبيق ،كما علمته من
خلل هذه الواقف العظيمة ،القتطفة من مواقفه الكثية ف الصب ف كل مالت الياة ،
234
إذ ل يكن صبه صلى ال عليه وسلم قاصرًا على عناء الدعوة والهاد ،بل وعلى لواء
الياة كذلك .
صبه صلى ال عليه وسلم على لواء الياة وشدتا :
فقد جاء عن أنس رضي ال عنه أنه صلى ال عليه وسللم قال " :لقد أخِفتُ ف ال ،
وما ياف أحد ،وقد أوذيت ف ال ،وما يُؤذى أحد ،ولقد أتت عل ّي ثلثون ما بي
يوم وليلة وما ل طعام يأكله ذو كبد إل شيء يواريه إبط بلل " (رواه الترمذي وغيه
وهو حسن ) .
وقد روى البخاري -رحه ال -عن عروة عن عائشة -رضي ال عنها-أنا قالت لعروة
:ابن أخت ،إن كنا لننظر إل اللل ثلثة أهلة ف شهرين وما أوقدت ف أبيات رسول ال
صلى ال عليه وسلم نار .فقلت ما كان يعيشكم ؟ قالت :السودان ،التمر والاء ،إل أنه
قد كان لرسول ال صلى ال عليه وسلم جيان من النصار كان لم منائح ،وكانوا
ينحون رسول ال صلى ال عليه وسلم من أبياتم فيسقيناه .
صبه صلى ال عليه وسلم على فقد الولد :
فقد أخرج ابن سعد عن أنس رضي ال عنه قال [ :رأيت إبراهيم وهو يود بنفسه بي
يدي رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فدمعت عينا رسول ال صلى ال عليه وسلم ،
فقال [ :تدمع العي ،ويزن القلب ،ول نقول إل ما يرضي ربنا ،وال يا إبراهيم إنا
بك لحزونون ] .
بعد 00فهذه ناذج من صبه صلى ال عليه وسلم ،وهو من جلة شيمه النبيلة وأخلقه
الكرية الت أدبه با ربه تبارك وتعال .
الراجــع
-1حياة الصحابة " :الكاندهلوي " .
-2أخلق النب صلى ال عليه وسلم " :د .أحد عبد العزيز الدّاد " .
-3الرحيق الختوم " :الباركفوري " .
============
صب النب عليه الصلة والسلم على الدعوة
235
الكاتب :د.عبدالوهاب بن ناصر الطريري
أيها الخوة والخوات والبناء والبنات حياكم ال مع لقاء يتجدد نرحل به مع قلوبنا
أرواحنا وجداننا ،نرحل به إل هناك مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ،مع رسول ال ف
دعوته ،هذه الدعوة الت كان مقام رسول ال صلى ال عليه وسلم فيها ملحمة ف الصب،
دأب وطول المل واليقي والثبات ،هذه العان ليست معان مردة نذكرها سردا وعدا
لكنها حقائق تشرق من حال النب صلى ال عليه وسلم.
عندما نتقفى هذه السية نفوسنا ظمئة يرويها أن ترد معي السية ومعي حال النب صلى
ال عليه وسلم فتتروى من هديه وهداه ،نن أحوج ما نكون إل أن نورد قلوبنا الكدودة
معي سية رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فتجد هناك مستراحها وأنسها ،ولذلك
استنهض نفوسكم أيها الخوة والخوات والبناء والبنات أن نذهب إل هناك ،نرحل مع
خب تقصه علينا أمنا عائشة.
أمنا تستنطق به رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وتستروي خبه فيخبها رسول ال صلى
ال عليه وسلم وهي تستقرئه وتسترويه مسيته مع دعوته ،تستروي رسول ال صلى ال
عليه وسلم ما ل تضره من أحواله وقصته مع الدعوة ،تفتح وعي أمنا عائشة رضي ال
عنها مع الرسول والرسالة على حوادث وافتها لداثة سنها وصغر عمرها ،أحداث أخر
ولذلك كان أشد ما لقيه النب صلى ال عليه وسلم ما أدركه وعي عائشة يوم أحد وإذا
با تسأل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن ما قبل يوم احد ،فتقول له :يا رسول ال
هل مر عليك يوم هو أشد عليك من يوم أحد؟ سؤال من أمنا عائشة وكانت صغية
السن لكنها عبقرية ذكية ولاحة ،هي تعلم ماذا لقيه النب صلى ال عليه وسلم ف يوم
أحد ،ف يوم أحد شج جبي رسول ال صلى ال عليه وسلم ،كسرت رباعيته ،غاصت
حلقتان من حلقات الغفر ف وجنتيه صلى ال عليه وسلم.
صرع أصحابه حوله ،وقف على جثمان عمه حزة أحب الناس إليه وخية أهل بيته،
وقف رسول ال صلى ال عليه وسلم على جثمانه وقد بقر بطنه ،واستخرجت أحشائه،
ومثل به ،فوقف صلى ال عليه وسلم كاسفا حزينا على هذا الثمان الطاهر وهو يقول:
لن أصاب بعد اليوم بثل مصيبت فيك.
236
كل هذا أصاب النب صلى ال عليه وسلم ف أحد ،فهل أصاب النب صلى ال عليه وسلم
ما هو أشد من ذلك؟ يا رسول ال هل أصابك ما هو أشد عليك ما أصابك يوم أحد،
سؤال أمنا عائشة فما كان الواب ،ماذا كان جواب رسول ال صلى ال عليه وسلم،
كانت تسأل رسول ال صلى ال عليه وسلم وكأنا تنكأ جراحا غائرة ف نفس رسول ال
صلى ال عليه وسلم.
لقد لقيت من قومك أذا شديدا كأنا كان سؤال عائشة يسترجع ذكريات مضى عليها
زمن طمرتا السني ،فإذا بعائشة تستثيها وإذا بالنب صلى ال عليه وسلم ييب وكأنا
عادت هذه الشاهد حية أمام ناظريه صلى ال عليه وسلم ،لقد لقيت من قومك أذا كثيا
يعن نعم ،مر عليّ ما هو أشد من يوم أحد فما الذي كان أشد من يوم أحد ،ما الذي
كان أشد من جرح ف البي وكسر السن وأن تغار حلقتان من حلق الغفر ف وجنته،
وأن يرى أصحابه يصرعون حوله وأن يقف على جثمان عمه حزة مشوها مثلً به ،ما
هو أشد من ذلك أشد من ذلك ما سيويه رسول ال صلى ال عليه وسلم وكان أشد من
ذلك يوم عرضت دعوت على ابن عبد ياليل ابن عبد كلل ،ما هو خب هذه الدعوة وخب
هذا العرض ،نتاج أن نذكر ما ل يذكر ونظهر الضمر ،فنقول إن النب صلى ال عليه
وسلم قضى أزيد من عشر سني قبل الجرة وهو يدعو قريشا ويصب لا ويصابرها عشر
سني ف دعوة وثبات وصب على الذى ،حت جرأ سفهاء قريش وملؤها على أنواع من
أذى النب صلى ال عليه وسلم خصوصا بعد موت عمه أب طالب ،جرؤوا عليه جراءة
شديدة فإذا برسول ال صلى ال عليه وسلم بعد طول الصدود وكثرة الحود ،إذا به
يبحث عن تربة يلقي فيها بذرة دعوته لعله يستنبت هذه الدعوة ف أرض أخرى فتنمو
فيها وتورق.
خرج من مكة إل الطائف عله أن يد ف الطائف أذانا صاغية تستجيب لدعوته وتتبع
رسالته وتمل هديه وهداه ودينه ،خرج من مكة ماشيا إل الطائف يقطع طريقا يزيد
الن على مائة كيلو من الطريق العروف الن بطريق السيل ،وكان يسمى أول وادي
نلة ،طريق وادي نلة الذي هو طريق السيل الن ووادي نلة هو الذي يسمى الن
الزية ،قطعه النب صلى ال عليه وسلم ومعه موله زيد ابن حارثة مشيا على القدام ف
237
وقت الصيف القائض ،حت وصل إل الطائف وبقي هناك عشرة أيام يعرض فيها دينه
ويبلغ رسالته ،يغشاهم ف نواديهم ويغشاهم ف متمعاتم يقرأ عليهم القرآن حت قال
بعض أهل الطائف سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم ف الطائف يقرأ والسماء
والطارق فحفظتها وأنا مشرك وقرأتا وأنا مسلم.
عشرة أيام قضاها النب صلى ال عليه وسلم ل يواجه إل بالصدود والعراض فلما خشي
مل أهل الطائف من رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يستميل الناس إليه أغروا به
سفهائهم فردوا عليه أقبح الرد ،حت قال له بعضهم أما وجد ال غيك رسولً فيسله
إلينا ،فلما أغروا به سفهائهم فواجهوه بأقبح الرد إذا به صلى ال عليه وسلم وهو يواجه
بذا الصدود وهذا العراض يرجع حزينا مكلوم الفؤاد مغموم النفس ،وهو الذي خرج
من مكة بعد أن جحده قوم أهل الل فيها وجرؤوا عليه بالذى أملً أن يد ف الطائف
مستنبتاً لدعوته فيصد بذا الصدود ويقابل بذا الحود ،فإذا به صلى ال عليه وسلم وهو
الامل لم رسالته يغتم لذلك أشد الغم ،ويزن لذلك أشد الزن ،وتتراكب الموم على
القلب الكري الطيب فل يتنفس ول ينفس عن ذلك إل بدعوات يصدع با السماء "اللهم
أشكو إليك ضعف قوت وقلة حيلت وهوان على الناس أنت رب الستضعفي وأنت رب
إل من تكلن إل بعيد يتجهمن أم إل قريب ملكته أمري ،إن ل يكن بك غضب عل ّي فل
أبال غي أن عافيتك أوسع ل ،أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ،وصلح عليه
أمر الدنيا والخرة ،أن ينل ب غضبك أو يل ب سخطك ،لك العتبة حت ترضى ول
حول ول قوة إل بك".
دعاء مكروب مغموم يصدع السماء ،ث ينقلب النب صلى ال عليه وسلم بعد عشر ليال
طوال قضاها ف الدعوة والصابرة يرجع إل مكة لكن كيف كان الرجوع ،ويسي ف
الطريق ولكن كيف كان السي ،كيف قطع الطريق من الطائف عائدا إل مكة ،مكة الت
خرج منها وبرأى وبسمع من أهلها يرونه ويعلمون إل أين سيذهب وما هي قضيته وما
هو هدفه ف ذهابه إل الطائف ،وسيجع إليهم وقد سبقته إليهم أخبار أهل الطائف معه،
فكيف سيدخل إل بلد وكيف سيلقى قومه وهم الذين كانوا جرؤوا عليه فكيف سيكون
238
حاله بعد أن يرجع إليهم ،ولذلك عاد مكروبا مغموما فإل أي درجة بلغ غمه وعلى أي
حال كان حزنه.
يصف ذلك فيقول "فلم استفق إل وأنا ف قرن الثعالب" ،قرن الثعالب هو السيل الكبي
يبعد عن الطائف ستة وأربعي كيلو قطعها رسول ال صلى ال عليه وسلم مشيا ،ولكنه
كان ف حال من الستغراق مع غمه وهه وحزنه لجل دعوته بيث أنه ل يستفق ول
يشعر با حوله إل وهو ف قرن.
=================
( صب الرسول على الذى )
عناصر الوضوع :
.1أهية دراسة شخصية الرسول صلى ال عليه وسلم
.2صب النب صلى ال عليه وسلم على أذى الكفار
.3صور أخرى من صب النب على الذى يقتدى به فيها
صب الرسول على الذى:
ل تقم دعوة السلم ،ول تبلغ ما بلغت إل بعد تضحيات جسيمة ،وتمل صنوف من
الذى ،وأول من واجه ذلك وصب عليه هو إمام هذه الدعوة صلى ال عليه وآله وسلم،
وف ذلك للمسلم أسوة ف مواجهة الشاكل والذى الذي يعترضه خلل الدعوة إل دينه.
أهية دراسة شخصية الرسول صلى ال عليه وسلم:
إن المد ل ،نمده ونستعينه ونستغفره ،ونعوذ بال من شرور أنفسنا ومن سيئات
أعمالنا من يهده ال فل مضل له ،ومن يضلل فل هادي له ،وأشهد أن ل إله إل ال
وحده ل شريك له وأشهد أن ممدا عبده ورسوله .يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا اّتقُوا اللّهَ حَ ّق ُتقَاتِهِ
س اّتقُوا َرّبكُمُ الّذِي خََل َقكُمْ سلِمُونَ [آل عمران .]102:يَا َأّيهَا النّا ُ وَل تَمُوتُنّ إِلّا َوَأْنتُمْ مُ ْ
ث ِمْنهُمَا رِجَالً َكثِيا َونِسَاءً وَاّتقُوا اللّهَ الّذِي مِ ْن َن ْفسٍ وَاحِ َد ٍة وَ َخلَ َق ِمْنهَا َزوْ َجهَا َوبَ ّ
تَسَاءَلُو َن بِهِ وَاْلأَرْحَامَ ِإنّ اللّهَ كَا َن عََلْيكُمْ رَقِيبا [النساء .]1:يَا َأّيهَا الّذِينَ آمَنُوا اّتقُوا اللّهَ
وَقُولُوا َقوْلً سَدِيدا * ُيصْلِحْ َلكُمْ َأعْمَاَلكُ ْم َويَ ْغفِرْ َلكُمْ ُذنُوَبكُ ْم َومَ ْن يُطِعِ اللّ َه وَ َرسُولَهُ َفقَدْ
فَازَ َفوْزا عَظِيما [الحزاب .]71-70:أما بعد :فإن أصدق الديث كتاب ال ،وخي
239
الدي هدي ممد صلى ال عليه وسلم ،وشر المور مدثاتا ،وكل مدثة بدعة ،وكل
بدعة ضللة ،وكل ضللة ف النار .عباد ال :إن دراسة شخصية رسول ال صلى ال عليه
وسلم من المور الهمة للمسلم الذي يريد أن يطبق قول ال عز وجل :قُ ْل هَ ِذ ِه َسبِيلِي
أَ ْدعُو إِلَى اللّ ِه عَلَى َبصِ َيةٍ َأنَا َومَ ِن اتَّب َعنِي [يوسف ]108:ويريد أن يسي على تأثرٍ من نور
سَنةٌ [الحزاب .]21:وشخصية رسول هذه اليةَ :لقَدْ كَانَ َلكُمْ فِي َرسُولِ اللّهِ ُأ ْسوَةٌ حَ َ
ال صلى ال عليه وسلم فيها جوانب كثية من العظمة؛ تلك الوانب الت ل بد للداعية
إل ال ،ومن يريد أن يترب على طريق السلم أن يدرسها دراسة متأنية.
عظمة رسول ال صلى ال عليه وسلم وصبه على الستهزاء:
ونن نستعرض ف هذا القام جانبا من جوانب عظمة شخصية رسول ال صلى ال عليه
وسلم .كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يدعو إل ال على نورٍ من ربه ،ويصب على
الذى ف سبيل هذه الدعوة ،وصبه صلى ال عليه وسلم على الذى يتمثل ف أحداث
كثية تّت ف حياته صلى ال عليه وسلم؛ من مواجهته للكفار والشركي والنافقي ،وف
عامٍ واحد وهو العام العاشر من البعثة يتوف ال تعال خدية رضي ال عنها ويوت أبو
طالب ،فيطمع كفار قريش ف أذية رسول ال صلى ال عليه وسلم ما ل يكونوا يطمعون
قبل ذلك ،وأذية الكفار لرسول ال صلى ال عليه وسلم تتمثل ف جوانب كثية :أولً:
الستهزاء برسول ال صلى ال عليه وسلم ،يقول ال عز وجلَ :وإِذَا رَآكَ الّذِينَ َكفَرُوا إِنْ
َيتّخِذُونَكَ إِلّا هُزُوا َأهَذَا الّذِي يَذْكُرُ آِل َهتَكُ ْم َوهُ ْم بِذِكْرِ الرّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ [النبياء:
]36أن يهزأ البطل بالحق ،وأن يسخر السفيه بالعاقل ،تلك وال أذية كبية تقع
كالصخر على صدر الذي يتعرض لذا النوع من الذى ،رسول ال صلى ال عليه وسلم
يعلم أنه على الق وهم يستهزئون بهَ :وإِذَا َرَأ ْوكَ ِإ ْن َيتّخِذُونَكَ إِلّا هُزُوا َأهَذَا الّذِي بَ َعثَ
اللّهُ َرسُولً [الفرقان ]41:يستهزئون بشخصيته صلى ال عليه وسلم ،ولكنه يصب على
هذا الذى وهو يتفكر ف قول ال تعال يسري عن شخصه صلى ال عليه وسلم :وََلقَدِ
ستَهْ ِزئُونَ [النعام: خرُوا ِمْنهُ ْم مَا كَانُوا بِ ِه يَ ْ
ق بِالّذِي َن سَ ِ
ئ بِ ُرسُ ٍل مِنْ َقبْلِكَ فَحَا َ
اسُْتهْزِ َ
.]10لقد دارت دائرة السوء عليهم ،وهذا الستهزاء الذي استهزءوا به قد أصبح وبالً
عليهم.
240
للدعاة ف النب صلى ال عليه وسلم أسوة ف الصب على الستهزاء:
واليوم يقف الداعية إل ال سبحانه وتعال ،المر بالعروف والناهي عن النكر موقفا
حرجا أمام السهام الت توجه إليه من الستهزئي وهم يستهزئون بشخصيته ،أو يستهزئون
بظهره ،أو يستهزئون بالفكار الت يملها ،إنه يتأسى بوقف رسول ال صلى ال عليه
وسلم ،الصب على هذا الستهزاء .ولقد صب رسول ال صلى ال عليه وسلم على شت
التامات؛ فقد اتموه بأنه يقول الشعر ،وأن هذا القرآن إنا هو شعر ،وأنم أيضا شعراء
ولو شاءوا أن يأتوا بثل شعره لتوا ،يريدون أن يولوا هذا القرآن عن الجرى العظيم
والقالب الذي نزل به؛ لكي يقولوا للناس :نن نستطيع أن نصنع مثله قال تعال :بَلْ قَالُوا
ضغَاثُ َأحْلمٍ بَ ِل ا ْفتَرَاهُ بَ ْل ُه َو شَاعِرٌ [النبياء ]5:وقالواَ :أِإنّا َلتَارِكُو آِل َهِتنَا لِشَا ِعرٍ أَ ْ
ب الْ َمنُونِ [الطور: جنُو ٍن [الصافات ]36:وقال ال عنهمَ :أمْ َيقُولُو َن شَاعِ ٌر َنتَ َرّبصُ بِهِ َرْي َ مَ ْ
]30إنم ينتظرون نايته ،وينتظرون موته حت تدفن دعوته ف مهدها ،ول تقوم لا قائمة،
ولكن ال سبحانه وتعال تول الرد عليهم ،وتثبيت نبيه صلى ال عليه وسلم :فَل أُقْسِمُ
بِمَا ُتبْصِرُونَ * َومَا ل ُتبْصِرُونَ * ِإنّهُ َل َقوْلُ َرسُولٍ كَ ِريٍ * َومَا هُ َو ِب َقوْ ِل شَاعِرٍ قَلِيلً مَا
شعْ َر َومَا َيْنَبغِي لَ ُه [يس.]69: ُتؤْ ِمنُو َن [الاقة ،]41-38:وقال عز وجلَ :ومَا عَلّ ْمنَاهُ ال ّ
وكل عارف باللغة العربية؛ بنثرها وشعرها يعرف أن هذا القرآن ليس على وزن الشعر،
وليس شعرا كالذي يقوله الشعراء .واليوم يقف الدعاة إل ال عزوجل أمام الستهزئي
وهم يرمونم بتهم مثل هذه ،فليس لم وال إل الصب عليها ،والرد على هذه الشبهات
الت تطلق على الشريعة وأفكار الدين ،منتهجي نج القرآن ف الرد عليها .وأوذي عليه
س عَجَبا أَنْ َأوْ َحْينَا إِلَى رَجُلٍ مِْنهُمْ َأنْ أَنْ ِذرِ السلم باتامه بالسحر ،قال تعال :أَكَانَ لِلنّا ِ
ق عِنْدَ َرّبهِمْ قَا َل اْلكَافِرُونَ ِإنّ هَذَا لَسَا ِح ٌر ُمبِيٌ س َوبَشّ ِر الّذِينَ آ َمنُوا َأنّ َلهُمْ َق َدمَ صِ ْد ٍ
النّا َ
[يونس ..]2:وَقَا َل اْلكَافِرُونَ هَذَا سَا ِحرٌ كَذّابٌ [ص ..]4:وَقَالَ الظّالِمُونَ ِإنْ تَّتِبعُونَ إِلّا
ك مَا َأتَى الّذِي َن مِنْ َقبِْلهِمْ ل مَسْحُورا [الفرقان ]8:ولكن ال رد عليهم فقال :كَذَلِ َ رَ ُج ً
جنُو ٌن [الذاريات ]52:لاذا يريد الاهليون أن يصموا مِنْ َرسُولٍ إِلّا قَالُوا سَا ِحرٌ َأ ْو مَ ْ
شخصية رسول ال صلى ال عليه وسلم بالسحر؟ لنم رأوا أن لذا القرآن الذي يتلوه
صلى ال عليه وسلم أثرا عظيما على نفوس الناس؛ إنه يذب النظار ،ويأخذ بجاميع
241
القلوب ( إن عليه لطلوة ،وإن له للوة ) فهم يريدون أن يصرفوا أذهان الناس عن
سبب هذا التأثي؛ وسبب هذا التأثي أن القرآن كلم ال ،سبب هذا التأثي أنه نزل من
عند ال الذي خلق النفس ،ويعلم ما يؤثر بذه النفس ،وما تتأثر به هذه النفس ،إنم
يريدون أن يصرفوا سبب التأثي إل السحر الذي يؤثر -كذلك -ف الناس؛ إنا وال دعاية
إعلمية يريدون أن يلبسوا با على الناس الذين يتأثرون بكلم رسول ال صلى ال عليه
وسلم .ويقف الدعاة إل ال عزوجل اليوم أمام أولئك الشاتي الذين يريدون أن يلبسوا
الق بالباطل ،ويريدون أن يصرفوا الناس عن تأثي القرآن والسنة ،إنم يستخدمون وسائل
شت من التهويس والتهويل ،وصرف أنظار الناس عن هذا القرآن ،وعن الوحي ،وعن
التأثر بالشريعة ،فيستخدمون لذلك وسائل شت .إن على دعاة السلم أن يابوا هذه
الواقف ،وأن يُجَلّوا للناس أثر القرآن والسنة ،وأن يُروا الناس بأبصار قلوبم قبل أبصار
عيونم أن هذا القرآن وهذه السنة ذات أثر على الناس ،ماطبة الناس بالقرآن والسنة،
وربطهم با مباشرة من الواجبات اليوم ،حت يصل ذلك التأثي .وصب صلى ال عليه
جنُو ٌن [الجر]6: وسلم على اتامه بالنون :وَقَالُوا يَا َأيّهَا الّذِي نُزّلَ عََليْهِ الذّكْرُ إِنّكَ لَ َم ْ
جنُونٍ [الصافات ..]36:ثُمّ َتوَّلوْا َعنْ ُه وَقَالُوا ُمعَلّمٌ وقالواَ :أِإنّا َلتَارِكُو آِل َهِتنَا لِشَاعِ ٍر َم ْ
جنُونٌ [الدخان .]14:ليس أصعب على صاحب اليان ،والعقل الراجح ،والرأي مَ ْ
السديد ،والفكر الصائب ،من أن يتهم ف عقله ،وأن يوصف بالنون .وتول ال الرد على
هذه الفرية مثبتا رسوله صلى ال عليه وسلم :قُلْ ِإنّمَا َأعِ ُظكُ ْم ِبوَاحِ َدةٍ َأنْ َتقُومُوا لِلّ ِه َمْثنَى
ب شَدِيدٍ ي عَذَا ٍ وَفُرَادَى ثُ ّم َتَت َفكّرُوا مَا ِبصَا ِحبِكُ ْم مِنْ ِجّنةٍ ِإ ْن ُهوَ إِلّا نَذِيرٌ َلكُ ْم َبيْ َن يَدَ ْ
جنُونٍ [التكوير ،]22:وقال سبحانه وتعال: [سبأ ]46:وقال عز وجلَ :ومَا صَا ِحُبكُ ْم بِمَ ْ
جنُونٍ [القلم .]2-1:واليوم عندما ياول نْ وَاْلقَلَ ِم َومَا يَسْطُرُونَ * مَا َأْنتَ ِبِنعْ َمةِ َربّكَ بِمَ ْ
الداعية إل ال أن يبي للناس الق ،ويرجعهم إليه ،وأن يبي لم اليزان الصحيح ،ويزيل
عنهم الغشاوة الت رانت على قلوبم ،والجاب الذي غطى أبصارهم ،ويريد أن يرجعهم
إل الشريعة وإل الدين ،يقولون له :أأنت منون؟!! كيف تريدنا أن نرجع إل ذلك الواقع
وأنت ترى الغرب والشرق ،وترى القوى العظمى ،والواقع الستحكم ،ث تريد أن تنقلنا
إل عصر يطبق فيه السلم ()%100؟ هذا مستحيل! كن واقعيا ،دع هذه اليالت
242
جانبا ،إنك تلم! وعند ذلك يب أن يابه الداعية إل ال هذه السهام بواقعية السلم،
وأن يثبت للناس أنه يكن أن يطبق السلم ،وأن أفكار السلم ليست جنونا ول هوسا،
رغم تلك التامات الباطلة الت يتهم با أعداء السلم التمسكي بشرع ال ،إنم يرمونم
كما رمى الكفار رسول ال صلى ال عليه وسلم -قدوة هذا الداعية -رموه أول مرة
بالنون والوس واختلل العقل ،إنم كذلك اليوم يرمون من تسك بالدين بالسفه،
والنون ،والوس ،والوسوسة ...إل آخر تلك التهم ،إنم يتصورون أن تكيم ال ف
الشرع والواقع يؤدي إل جنوح النسان عن طريقة التفكي الصحيحة ،وعن الواقعية ،إن
واقعهم فاسد ،ولذلك يتصورون أنه واقع صحيح من شدة ضغطه عليهم ،ومن تشبعهم
بأفكار هذا الواقع ،ويتصورون أن تكيم السلم ف القواني والظاهر ،والعبادات
والعقائد؛ أنه جنون وهوس؛ لنم ل يعقلون ،فعقولم ل تتحمل عظمة تلك التكاليف،
ول يتصورون كيف يكن أن تطبق هذه التكاليف ف ظل الظلمات الاهلية الت يرزحون
اليوم تت نيها؛ ولنم ل يستطيعون أن يتصوروا الواقع كيف يكون إسلميا؛ يتهمون
من ينادي بالعودة إل الواقع السلمي الصحيح بالنون ،ول يكن أن تتصور عقولم
كيف يكن أن يطبق السلم ()%100؟ وهذه نقطة خطية أيها الخوة.
صب النب صلى ال عليه وسلم على أذى الكفار:
صبه على أنواع التهم ف عقله وعرضه:
وقد صب رسول ال صلى ال عليه وسلم على اتام كفار قريش له بالتكذيب :وَقَالَ
ب [صِ ..]4:إنْ هَذَا إِلّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ َوأَعَانَهُ عََليْهِ َق ْومٌ آ َخرُونَالْكَافِرُو َن هَذَا سَاحِرٌ كَذّا ٌ
[الفرقانَ ..]4:أ ْم َيقُولُو َن افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبا [الشورى ]24:يقولون هذا من جهة ف
مناسبات كثية ،ومواقف متعددة ،وهم ف مناسبة أخرى وف موقف آخر يعلمون
ويعترفون بأن رسول ال صلى ال عليه وسلم ليس بكذاب .وف صحيح البخاري لا سأل
هرقل أبا سفيان ف بداية مقابلته له ،قال :هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما
قال؟ فهذا هرقل جاءته لظات من التجرد والنصاف ،ولقد هم أن يدخل هذا الدين لول
جشع اللك وحب الرئاسة ،وخوفه من زوال سلطانه ،فرجع إل الكفر ،ولكنه قد رأى
الق بأم عينيه .قال أبو سفيان :ل .ث قال له ف آخر مقابلته :وسألتك هل كنتم تتهمونه
243
بالكذب قبل أن يقول ما قال ،فذكرت أن ل ،وأعرف أنه ل يكن ليذر الكذب على
الناس ويكذب على ال؛ أي :أنت تقول أن ممدا صلى ال عليه وسلم ما عهدت منه
ت أنه ل يكن ليذر الكذب على الناس ث يكذب على الكذب على الناس قبل البعثة ،فعلم ُ
ال ،والكذب على ال أصعب وأشد من الكذب على الناس ،فعلم أنه صادق .ولقد تول
القرآن الرد على هذه الزاعم فقالَ :أ ْم َيقُولُونَ ا ْفتَرَاهُ ُقلْ َفأْتُوا ِبعَشْ ِر ُسوَ ٍر ِمثْلِ ِه ُم ْفتَ َريَاتٍ
[هود ]13:أي :إذا زعمتم أنه كذاب فهاتوا عشر سور مثل سور القرآن :وَا ْدعُوا مَنِ
اسْتَ َط ْعتُ ْم مِنْ دُونِ اللّ ِه [هود ]13:لكي تألفوا هذه السور؛ من سائر عظماء الشعراء وأهل
النثر والبلغة :وَا ْدعُوا مَنِ ا ْستَ َط ْعتُ ْم مِنْ دُونِ اللّهِ إِنْ ُكْنتُمْ صَادِِقيَ [هود .]13:ث تنل
القرآن ف الرد عليهم إل ما هو أدن من ذلك ،فقال ال عزوجلَ :أ ْم َيقُولُونَ ا ْفتَرَاهُ ُقلْ
َفأْتُوا بِسُو َر ٍة ِمثْلِ ِه [يونس ]38:عظم التحدي ونقص القدار ،فظهر التحدي أعظمَ :أمْ
َيقُولُونَ ا ْفتَرَاهُ ُقلْ َفأْتُوا بِسُو َر ٍة ِمثْلِه [يونس ]38:فعجزوا ،ولا حاول الكذابون أن يأتوا
بسورة واحدة مثل سور القرآن؛ أتوا بأشياء مضحكة ليس هذا مال سردهاَ :أمْ يَقُولُونَ
ج ِرمُو َن [هودَ ،]35:أمْ يَقُولُونَ ا ْفتَرَاهُ افْتَرَاهُ قُلْ ِإنِ ا ْفتَ َرْيتُهُ َفعََليّ إِ ْجرَامِي َوَأنَا َبرِي ٌء مِمّا تُ ْ
بَ ْل ُهوَ الْحَقّ [السجدة .]3:ويسري القرآن عن نفس رسول ال صلى ال عليه وسلم،
ويثبت ال به قلب رسول ال صلى ال عليه وسلم فيقول :وََلقَدْ كُ ّذبَتْ ُرسُ ٌل مِنْ َقْبلِكَ
صبَرُوا عَلَى مَا كُ ّذبُوا َوأُوذُوا َحتّى َأتَاهُمْ نَصْ ُرنَا وَل ُمبَدّلَ ِلكَلِمَاتِ اللّ ِه وََلقَدْ جَا َءكَ مِنْ َف َ
َنبَِأ الْمُ ْرسَِليَ [النعام .]34:واليوم عندما يقف المر بالعروف والناهي عن النكر أمام
الناس ،ويدعوهم إل ال ،ويبي لم أحكام الدين؛ ويبي لم اللل والرام ،يقولون له:
أنت كذاب ،ل يكن أن يكون ف القرآن كذا ،ل يكن أن يكون ف السنة كذا ،ل يكن
أن يأمر الرسول صلى ال عليه وسلم بكذا ،هذا الذي تدعون إليه ليس بدين ،أنت
تكذب على الدين ،أنت جئت بدين جديد ،ليس هذا الدين الذي نعرفه ،لقد رأينا الدين
من آبائنا وأجدادنا ،ولقد رأينا الدين سني عديدة ما رأينا فيه مثل هذا الذي تدعو إليه،
فيتهمونه بالكذب على الشريعة ،وهم قد أتوا من قبل جهلهم؛ فلجهلهم رموه بالكذب،
وأتوا من قبل تقليدهم لبائهم وأجدادهم ،وعدم اتباع الق ،وأتوا من اتباع أهوائهم؛
لنك عندما تبهم بالق الذي يالف أهوائهم؛ إذا كان الق واضحا يقولون :أنت
244
كذاب ..فعليك أن تصب كما صب رسل ال صلوات ال وسلمه عليهم.
صب النب صلى ال عليه وسلم على تلقي الذى ف جسده:
ولقد صب عليه الصلة والسلم على أذى الشركي ف جسده صبا عظيما ،روى
البخاري رحه ال عن عروة بن الزبي قال :قلت لـعبد ال بن عمرو بن العاص :أخبن
بأشد شيءٍ صنعه الشركون برسول ال صلى ال عليه وسلم؟ قال( :بينا رسول ال صلى
ال عليه وسلم يصلي بفناء الكعبة؛ إذ أقبل عقبة بن أب معيط وهو من الكفار ،فأخذ
بنكب رسول ال صلى ال عليه وسلم ولوى ثوبه ف عنقه فخنقه خنقا شديدا) .عقبة بن
أب معيط يلوي الثوب حول رقبة رسول ال صلى ال عليه وسلم ،والرسول صلى ال عليه
وسلم يصلي( :ولوى ثوبه ف عنقه فخنقه خنقا شديدا ،فأقبل أبو بكر رضي ال عنه،
فأخذ بنكبه ودفع عن النب صلى ال عليه وسلم ث قالَ :أَت ْقتُلُونَ َر ُجلً أَ ْن َيقُولَ َربّيَ اللّهُ
وَقَدْ جَاءَ ُك ْم بِالَْبّينَاتِ مِنْ َرّبكُمْ [غافر .)]28:آذوه ف بدنه صلى ال عليه وسلم ،ولذا
أمثلة سنذكرها إن شاء ال .ف معركة أحد ماذا حصل للنب صلى ال عليه وسلم؟ الذي
حصل له أيها الخوة :أنه أُدمي حت سال الدم من وجهه ،وقد أخرج البخاري رحه ال
ف صحيحه ( :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم لا أصيب ف أحد فسال الدم على
وجهه ،رجع إل الدينة ول زال النف ف وجهه عليه الصلة والسلم ،فقام علي رضي
ال عنه على رأسه ،و فاطمة تأخذ من الناء ف يد علي فتغسل وجه رسول ال صلى ال
عليه وسلم بالاء ،ولكن الرح ل يرق ،فأخذت حصيا فأحرقته ووضعت رماده على
جرح رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فتماسك الرح قليلً حت وقف الدم).
للدعاة ف رسول ال أسوة ف الصب على الذى:
فهذا رسول ال صلى ال عليه وسلم يؤذى ف جسده ،واليوم يعان التمسكون بشرع ال
عز وجل أصناف العذاب ،وألوان الذى ف سبيل ال ،فيضربون بالسياط ،ويسحلون
بالشوارع ،ويرون على جلودهم فوق الجارة والشوك ،كما وقع بالنفر الول من
الصابرين الصادقي ،وأدن من ذلك تقع صور من العذاب ف داخل البيوت ،هل رأيتم أبا
تصل به الدناءة والسة أن يضرب ولده؛ لنه امتنع عن النكرات؟! هل رأيتم أبا تصل به
السة والدناءة أن يقفل الباب على ابنه حت ل يذهب لصلة الفجر؟! يقفل باب البيت
245
بالفتاح ويأخذ معه الفاتيح حت ل يرج الولد إل صلة الفجر .هل رأيتم خسة ودناءةً
مثل أن يأت أحد الباء بزيل للشعر فيضعه على لية ولده وهو نائم حت تسقط ليته
عداءً لسنة رسول ال صلى ال عليه وسلم؟! إن ألوان اليذاء أيها الخوة تتعاقب ،ويتفنن
أعداء ال ف إذاقة عباد ال العذاب أصنافا وألوانا ،فليس الل ف ذلك إل الصب على هذا
الذى ف سبيل ال ،ولقد سعى أعداء ال لخراج رسول ال صلى ال عليه وسلم من
خرِجُوكَ مِْنهَا َوإِذا ل يَ ْلَبثُونَ
ك مِ َن اْلأَ ْرضِ ِليُ ْ
ستَفِزّونَ َ
بلده ،فقال ال عزوجلَ :وإِنْ كَادُوا َليَ ْ
خِلفَكَ إِلّا قَلِيلً [السراء ]76:تآمروا على إخراج رسول ال صلى ال عليه وسلم من
بلده ،وخططوا لذلك حت اضطر رسول ال صلى ال عليه وسلم إل الروج ،فتهددهم
ال بذه اليةَ :وإِذا ل يَ ْلبَثُونَ خِلفَكَ إِلّا َقلِيلً وفعلً ما لبثوا ف مكة بعد إخراج الرسول
صلى ال عليه وسلم منها إل قليلً ،فأذاقهم ال العذاب ف معركة بدر وغيها من الواقع
حت فتح ال مكة ،ودخلها رسول ال صلى ال عليه وسلم منصورا .اللهم يا مقلب
القلوب ثبت قلوبنا على دينك ،اللهم واجعلنا من الصابرين ف البأساء والضراء وحي
البأس ،اللهم ثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين .أقول قول هذا وأستغفر ال ل
ولكم.
صور أخرى من صب النب على الذى يقتدى به فيها:
المد ل الذي ل إله إل هو وحده ل شريك له ،له اللك وله المد وهو على كل شيء
قدير ،وأشهد أن ممدا عبده ورسوله صلى ال عليه وسلم ،خات الرسل ،وأحب خلق ال
إل ال ،وخليل ال الذي اصطفاه ال على العالي ،أدى الرسالة ،وبلغ المانة ،ونصح
المة ،وصب على الذى ف سبيل ال حت كان مثالً حيا بسيته بي أظهرنا اليوم؛ كأنا
نرى تلك السية ،وتلك الحداث الت عاشها رسول ال صلى ال عليه وسلم .عن عائشة
رضي ال عنها أنا قالت للنب صلى ال عليه وسلم( :هل أتى عليك يوم أشد من يوم
أحد ،قال :لقد لقيت من قومك ما لقيت ،وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة؛ إذ
عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلل فلم يبن إل ما أردت) الرسول صلى
ال عليه وسلم ما وجد وليا ول نصيا ،يريد من كفار قريش أن ييبوه وينصروه فل يد.
(فلم يبن إل ما أردت ،فانطلقت وأنا مهموم على وجهي) .هذه اللفاظ أيها الخوة
246
تصور منة الداعية الت يعيشها حينما يعرض الناس عنه ،منة الداعية الت يعيشها حينما
يرفضه كل الناس ،حي يطرده جيع الناس ،عندما يوصدون البواب ف وجهه ،ول
يرضون بالق الذي يقول به ،ويعرضون عنه( .فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم
أستفق إل وأنا بـقرن الثعالب) وهو موضع قريب من مكة .الرسول صلى ال عليه وسلم
هام على وجهه من الغم ،وما أفاق إل نفسه ليعرف إل أين يسي إل ف قرن الثعالب ،
وليس ذلك لجل إفلس ،ول لذهاب تارة ،ول لسارة ف صفقة ،ول لفقد وظيفة،
كل( .فلم أستفق إل وأنا بـقرن الثعالب ،فرفعت رأسي فإذا بسحابة قد أظلتن،
فنظرت فإذا فيها جبيل فنادان فقال :إن ال قد سع قول قومك لك وما ردوا عليك،
وقد بعث ال إليك ملك البال لتأمره با شئت فيهم ،فنادان ملك البال فسلم عليّ ،ث
قال :يا ممد! إن شئت أن أطبق عليهم الخشبي -أي :البلي العظيمي اللذين تقع
بينهما مكة -فقال النب صلى ال عليه وسلم :بل أرجو أن يرج ال من أصلبم من
يعبد ال ل يشرك به شيئا) .وعندما يكون الظلم من القرباء يكون وقعه شديدا على
النفس.
وظلم ذوي القرب أشد مضاضة على النفس من وقع السام الهند
ك الْأَقْ َربِيَ
روى البخاري عن ابن عباس رضي ال عنهما قال :لا نزلتَ :وأَنْ ِذ ْر عَشِيَتَ َ
[الشعراء ]214:صعد النب صلى ال عليه وسلم على الصفا فجعل ينادي بطون قريش:
(يا بن عدي ...حت اجتمعوا ،فجعل الرجل إذا ل يستطع أن يرج أرسل رسولً لينظر
ف المر ،فجاء أبو لب وقريش فاجتمعوا -ورسول ال صلى ال عليه وسلم على الصفا-
فقال عليه السلم :أرأيتكم لو أخبتكم أن خيلً ببطن الوادي تريد أن تغي عليكم -جيش
قريب من مكة يريد أن يغي عليكم -أكنتم مصدقي؟ قالوا :نعم .ما جربنا عليك كذبا،
قال :إن نذير لكم بي يدي عذاب شديد ،فقال أبو لب :تبا لك سائر اليوم ..ألذا
جعتنا) .و أبو لب عم الرسول صلى ال عليه وسلم ،داعية إل ال يقوم يمع الناس
يأتون إليه ،يهددهم بعذاب ال عز وجل ويدعوهم إل ال ،فيقوم له واحد من الاضرين
فيقول له :تبا لك سائر اليوم! ألذا جعتنا؟ واليوم تعقد متمعات للدعوة إل ال ،وقد
يمع داعية إل ال الناس ف بيته ،أو يذهب إليهم ف بيوتم فينصحهم وينذرهم عذاب ال
247
،فتنطلق ألسنة الستهزئي به ،إنه يتذكر والوقف هذا رسول ال صلى ال عليه وسلم.
ولقد وصل المر إل أن ادعوا أنم أحق من رسول ال صلى ال عليه وسلم بالق وصلة
الرحم ،فهذا أبو جهل لعنه ال وقف يوم بدر يبتهل إل ال ويقول :اللهم أقطعنا للرحم
-يعن الرسول صلى ال عليه وسلم -وأتانا با ل نعرف فأحنه الغداة .يوم بدر يقف أبو
جهل لعنه ال يدعو ال أن يهزم رسول ال صلى ال عليه وسلم لنه قطع الرحم ،وأتاهم
سَت ْفتِحُوا َفقَدْ جَاءَكُ ُم اْلفَتْ ُح [النفال ]19:كما ف با ل يعرفوا ،فأنزل ال عز وجلِ :إنْ تَ ْ
الصحيح السند من أسباب النول .ولقد اتموا رسول ال صلى ال عليه وسلم حت ف
إنابه ،فعن ابن عباس قال( :لا قدم كعب بن الشرف مكة -وكان كعب بن الشرف
يهوديا -قالت له قريش :أنت خي أهل الدينة وسيدهم -وكان هذا قبل الجرة -قال:
نعم .قالوا أل ترى إل هذا الصنبور .)..يقصدون رسول ال صلى ال عليه وسلم،
فاستخدام اللفاظ الشينة؛ ألفاظ السب ،وانتقائها من قاموس السباب والشتائم للصاقها
بالدعاة إل ال قضية قدية؛ ليست حديث ًة ول وليدة هذا العصر .والصنبور ف لغة العرب:
هو الرجل الفرد الضعيف الذليل الذي ل أهل له ول عقب ،ول ناصر ينصره ،قالوا( :أل
ترى إل هذا الصنبور النبتر من قومه ،يزعم أنه خي منا ،ونن أهل الجيج ،وأهل
السدانة ،وأهل السقاية ،قال :أنتم خي منه .فأنزل ال عز وجلِ :إنّ شَاِنئَكَ ُه َو اْلأَْبتَرُ
[الكوثر )]3:أي :إن شانئك وسابك يا ممد هو البتر الذي ل عقب له .وأخيا هذا
ك الّذِينَ َكفَرُوا ِلُيْثبِتُوكَ َأ ْو َي ْقتُلُوكَ َأوْ
الوقف الذي تكيه لنا آية النفالَ :وإِ ْذ يَ ْمكُ ُر بِ َ
يُخْ ِرجُوكَ [النفال ]30:إن عقد الؤترات لجهاض الدعوة ،والؤامرات على دعاة
ك الّذِينَ َكفَرُوا [النفال ]30:لقد السلم ،وإلاق الذى بم قضية قديةَ .وإِ ْذ يَ ْمكُ ُر بِ َ
اجتمعوا ف حجر إساعيل بانب الكعبة ف مكة ؛ يدبرون ويططون لثلثة أشياءَ :وإِذْ
ك الّذِينَ َك َفرُوا ِلُيثِْبتُوكَ ومعن :يثبتوك :يقيدوك ويبسوك حت ل تقوم بالدعوة. يَ ْمكُ ُر بِ َ
َأوْ َي ْقتُلُوكَ ويضيع دمك بي القبائلَ .أ ْو يُخْ ِرجُوكَ من مكة ويطردوك حت ل تكون بينهم.
روى ابن حبان ف صحيحه و الاكم ف مستدركه من حديث عبد ال بن عثمان بن
خيثم عن سعيد بن جبي عن ابن عباس قال( :دخلت فاطمة على رسول ال صلى ال عليه
وسلم وهي تبكي ،فقال :ما يبكيك يا بنيه؟ قالت :يا أبت! ما ل ل أبكي وهؤلء الل
248
من قريش ف الجر يتعاقدون باللت والعزى ،ومناة الثالثة الخرى ،لو قد رأوك لقاموا
إليك ليقتلوك ،وليس منهم إل من قد عرف نصيبه من دمك ،فقال :يا بنيه! ائتين
بوضوئي ،فتوضأ رسول ال صلى ال عليه وسلم ث خرج إل السجد ،فلما رأوه قالوا:
إنا هو ذا ،فطأطئوا رءوسهم ،وسقطت أذقانم من بي أيديهم فلم يرفعوا أبصارهم
-أعماهم ال -فتناول رسول ال صلى ال عليه وسلم قبضة من تراب فحصبهم با وقال:
ل منهم حصاة من حصياته إل قتل يوم بدر كافرا) .قال شاهت الوجوه ،فما أصاب رج ً
ابن كثي رحه ال :قال الاكم :صحيح على شرط مسلم ول يرجاه ول أعرف له علة.
ولو استطردنا أيها الخوة ف ذكر ألوان الذى الت صب عليها رسول ال صلى ال عليه
وسلم لطالت بنا الجالس والوقات ،ولكن إنا هي تذكرة نذكر با أنفسنا ونسليها ونن
نواجه اليوم أعداء ال ،ونواجه مططاتم ،واتاماتم ،وسبابم ،وفسوقهم ،وأذاهم،
وحلتم علينا .إن النسان ليزداد مبة لرسول ال صلى ال عليه وسلم ،وإكبارا له عليه
الصلة والسلم وإجللً؛ حي يرى ف سيته صلى ال عليه وسلم من صبه على الذى،
ومن تمله ذلك ف سبيل ال لجل شيء واحد :أن يبلغ رسالة ال إل الناس ،أن يبلغ
الناس دين السلم؛ هذا هو الدف ،هذا هو الغرض من الياة ،وإل فإن الياة بغي هذا
الغرض حياة بيمية .اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك وطاعتك ،اللهم
واجعلنا من دعاتك وجندك ،اللهم وانصرنا على القوم الكافرين ،اللهم وآتنا الجة على
من عادانا ،اللهم وانصرنا على من بغى علينا ،اللهم أرنا الق حقا وارزقنا اتباعه ،وأرنا
الباطل باطلً وارزقنا اجتنابه .اللهم وص ّل على نبيك ممد صلى ال عليه وسلم صلةً تامّة
ما بدا الليل والنهار ،اللهم ص ّل عليه صلة تامة ما غربت شس وما شرقت .اللهم اجعلنا
من أهل شفاعته ،اللهم أوردنا حوضه ،اللهم وارزقنا مرافقته ف النة.
****************
وبي سبحانه وتعال أن العاقبة للمتقي :
ك مِنْ َقبْلِ
ك مِنْ َأْنبَا ِء الْ َغْيبِ نُوحِيهَا إَِليْكَ مَا ُكْنتَ َتعْلَ ُمهَا َأْنتَ وَلَا َق ْومُ َ
قال تعال { :تِلْ َ
صِبرْ إِ ّن اْلعَاِقبَةَ لِ ْل ُمّتقِيَ ([ )49هود} ]49/ هَذَا فَا ْ
249
وقال تعال { :وََلقَ ْد َسَبقَتْ كَلِ َمُتنَا ِل ِعبَا ِدنَا الْمُ ْرسَلِيَ (ِ )171إّنهُمْ َل ُه ُم الْ َمنْصُورُونَ (
سوْفَ َ )172وإِنّ ُجنْ َدنَا َلهُ ُم اْلغَاِلبُونَ (َ )173فَتوَ ّل عَْنهُمْ َحتّى ِحيٍ (َ )174وَأبْصِ ْرهُمْ فَ َ
ح الْ ُمنْذَرِينَ (
صبَا ُ
سَتعْجِلُونَ ( )176فَإِذَا نَزَلَ بِسَا َحِتهِمْ فَسَاءَ َ ُيبْصِرُونَ ( )175أََفبِعَذَاِبنَا يَ ْ
ف ُيبْصِرُونَ (ُ )179سبْحَانَ َربّكَ سوْ َ َ )177وَتوَلّ َعْنهُمْ َحتّى حِيٍ (َ )178وَأْبصِرْ فَ َ
ب اْلعَالَمِيَ صفُونَ (َ )180وسَلَا ٌم عَلَى الْمُ ْرسَِليَ ( )181وَالْحَمْدُ ِللّهِ رَ ّ ب اْلعِ ّزةِ عَمّا يَ ِ
رَ ّ
([ )182الصافات} ]182-171/
النصورون ف ميزان ال..
ممد بولوز-الوسط التونسية:
النصر من ال كما الرزق الذي هو منة وعطاء منه عز وجل ومع ذلك يتحرك عباده لنيله
والظفر به،من خلل ركوب أسبابه وإتيان مقدماته.فال يريد من عباده التيان بأسباب
النصر اختبارا وابتلء،قال تعال ":ذلك ولو يشاء ال لنتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم
ببعض والذين قتلوا ف سبيل ال فلن يضل أعمالم"والتتبع لسباب النصر ف كتاب
ال،يدها مملة ف نصر دين ال،وما ذكر من غي هذا ل يعدو أن يكون تفصيل لذا
الصل العظيم.
فنصرة دين ال من أعظم أسباب النصر:قال تعال ":يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا ال
ينصركم ويثبت أقدامكم"وقال أيضا ":ياأيها الذين آمنوا كونوا أنصارا ل كما قال عيسى
بن مري للحواريي من أنصاري إل ال قال الواريون نن أنصار ال فآمنت طائفة من بن
إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين" وقال سبحانه":
الذين أخرجوا من ديارهم بغي حق إل أن يقولوا ربنا ال ولول دفع ال الناس بعضهم
ببعض لدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم ال كثيا ولينصرن ال من
ينصره إن ال لقوي عزيز"
ونصر ال ونصر دينه يكمن ف اليان به والعمل له سبحانه من غي شريك والتزام بدينه
وشرعه ودعوة إليه واجتهاد ف إقامته ف النفس والسرة والجتمع والعال ،حت يظهره ال
على الدين كله،ومن الدين عندنا ف السلم،الدفاع عن النفس والعشية والهل والعرض
250
والال والوطن ..ومن مات دون شيء من ذلك فهو ف سبيل ال ،ويسب عند السلمي
ف عداد الشهداء،وهو عند ال بسب ما معه من القاصد والنيات.
والنصورون هم من تققوا باليان الصادق والتوحيد الالص والعمل الصال والتوكل
على ال وحده ،والعتماد عليه سبحانه وتلوا بالصب والثبات وذكروا ال كثيا،
ووحدوا كلمتهم وجعوا صفهم وأعدوا ما يقدرون عليه من العدة وما يستطيعونه من
أسباب ،وأفرزوا من بي صفوفهم القيادة الؤمنة القوية وآمنوا بالهاد عقيدة ومارسة
وأمروا بالعروف ونوا عن النكر،وتسلحوا باليقي ف نصر ال والثقة بوعده،والتزموا
الدعاء والستغاثة بال والستنصار به سبحانه..
قال تعال ف شأن اليان والتوحيد والعمل الصال ":وعد ال الذين آمنوا منكم وعملوا
الصالات ليستخلفنهم ف الرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لم دينهم
الذي ارتضى لم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونن ل يشركون ب شيئا ومن كفر
بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون"وف شأن تعظيم مقام ال والوف من وعيده":
ولنسكننكم الرض من بعدهم ذلك لن خاف مقامي وخاف وعيد" وف شأن العبادة
والصلح":ولقد كتبنا ف الزبور من بعد الذكر أن الرض يرثها عبادي الصالون"وبي
سبحانه أن النصر من ثار التجارة الرابة مع ال:قال تعال ":ياأيها الذين آمنوا هل أدلكم
على تارة تنجيكم من عذاب أليم،تؤمنون بال ورسوله وتاهدون ف سبيل ال بأموالكم
وأنفسكم ذلكم خي لكم إن كنتم تعلمون،يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تري من
تتها النار ومساكن طيبة ف جنات عدن ذلك الفوز العظيم ،وأخرى تبونا نصر من
ال وفتح قريب وبشر الؤمني"
وأنه بالهاد وتريض الومني يكف بأس الكافرين:
قال تعال ":فقاتل ف سبيل ال ل تكلف إل نفسك وحرض الؤمني عسى ال أن يكف
بأس الذين كفروا وال أشد بأسا وأشد تنكيل"وقال تعال ":أذن للذين يقاتلون بأنم
ظلموا وإن ال على نصرهم لقدير"
251
وقال عز وجل ف الصب والتقوى ":بلى إن تصبوا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا
يددكم ربكم بمسة آلف من اللئكة مسومي"وقال أيضا ":فاصب إن العاقبة للمتقي"
فالصابرون ف ميزان ال يغلبون ضعفهم:
قال تعال ":الن خفف ال عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا
مائتي وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفي بإذن ال وال مع الصابرين"والنصر يأت الصابرين
عقب اشتداد الحن:قال تعال ":أم حسبتم أن تدخلوا النة ولا يأتكم مثل الذين خلوا من
قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حت يقول الرسول والذين آمنوا معه مت نصر ال
أل إن نصر ال قريب"
قال ابن مسعود وغيه "البأساء" الفقر "والضراء" السقم "وزلزلوا" خوفوا من العداء
زلزال شديدا وامتحنوا امتحانا عظيما.
وف الديث الصحيح عن خباب بن الرت قال :قلنا يا رسول ال أل تستنصر لنا أل
تدعو ال لنا فقال "إن من كان قبلكم كان أحدهم يوضع النشار على مفرق رأسه
فيخلص إل قدميه ل يصرفه ذلك عن دينه ويشط بأمشاط الديد ما بي لمه وعظمه ل
يصرفه ذلك عن دينه" ث قال "وال ليتمن ال هذا المر حت يسي الراكب من صنعاء إل
حضرموت ل ياف إل ال والذئب على غنمه ولكنكم قوم تستعجلون"
وقال ال تعال "أل أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم ل يفتنون ولقد فتنا الذين
من قبلهم فليعلمن ال الذين صدقوا وليعلمن الكاذبي" وقد حصل شيء من هذا مع
الصحابة رضي ال عنهم يوم الحزاب كما قال ال تعال "إذ جاءوكم من فوقكم ومن
أسفل منكم وإذ زاغت البصار وبلغت القلوب الناجر وتظنون بال الظنونا هنالك ابتلي
الؤمنون وزلزلوا زلزال شديدا وإذ يقول النافقون والذين ف قلوبم مرض ما وعدنا ال
ورسوله إل غرورا" اليات.
وجاء ف الديث الصحيح لا سأل هرقل أبا سفيان هل قاتلتموه قال :نعم .قال :فكيف
كانت الرب بينكم؟ قال :سجال يدال علينا وندال عليه .قال :كذلك الرسل تبتلى ث
تكون لا العاقبة.
252
وف الديث أيضا عن أب رزين "عجب ربك من قنوط عباده وقرب غيثه فينظر إليهم
قانطي فيظل يضحك يعلم أن فرجهم قريب" .
وعلمنا السلم أن مبادءة العتدين مع الستعداد والتوكل من أسباب النصر:قال
تعال":قال رجلن من الذين يافون أنعم ال عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه
فإنكم غالبون وعلى ال فتوكلوا إن كنتم مؤمني"
وعلمنا أن الولء ل ولرسوله وللمومني من أسباب النصر:قال تعال ":ومن يتول ال
ورسوله والذين آمنوا فإن حزب ال هم الغالبون"وعلمنا ف قصة طالوت كيف ينبغي
اختيار القيادة الؤمنة القوية،وأمرنا بسن العداد بقوله"وأعدوا لم ما استطعتم من
قوة"...الية،وبتوحيد الصفوف بقوله "واعتصموا ببل ال جيعا ول تفرقوا"..
والؤمن بعد إتيان ما يستطيع من أسباب النصر وشروطه يلجأ إل ال ويستغيث بدده
وعونه:
روى البخاري عن أب هريرة رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان
يقول ":ل إله إل ال وحده أعز جنده ونصر عبده وغلب الحزاب وحده فل شيء
بعده"وف غزوة بدر ما جاء ف صحيح البخاري عن عمر بن الطاب رضي ال عنه قال":
لا كان يوم بدر نظر رسول ال صلى ال عليه وسلم إل الشركي وهم ألف وأصحابه
ثلث مائة وتسعة عشر رجل فاستقبل نب ال صلى ال عليه وسلم القبلة ث مد يديه
فجعل يهتف بربه اللهم أنز ل ما وعدتن اللهم آت ما وعدتن اللهم إن تلك هذه إن
تلك هذه العصابة من أهل السلم ل تعبد فيالرض فما زال يهتف بربه مادا يديه
مستقبل القبلة حت سقط رداؤه عن منكبيه فأتاه أبوبكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ث
التزمه من ورائه وقال يا نب ال كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل ال
عز وجل إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أن مدكم بألف من اللئكة مردفي فأمده
ال باللئكة"...
ونانا عز وجل عن إتيان ما يناف النصر ويلب الزية من عوامل الفشل والب والتنازع
والصراع والعصيان وابتغاء الدنيا دون الخرة يفهم ذلك من قوله تعال ":ولقد صدقكم
ال وعده إذ تسونم بإذنه حت إذا فشلتم وتنازعتم ف المر وعصيتم من بعد ما أراكم
253
ماتبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الخرة ث صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا
عنكم وال ذو فضل على الؤمني"
وحذرنا من الركون إل السباب الدنيوية وحدها أو التعويل على مرد الكثرة العددية قال
تعال ":لقد نصركم ال ف مواطن كثية ويوم حني إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم
شيئا وضاقت عليكم الرض با رحبت ث وليتم مدبرين "
ونبهنا إل أنه ل ناصر لن خذله ال،با قد يأتيه من استبعاد لدين ال ف معركته مع
أعدائه وتلفه عن نصره وإقامته،فيستحق بذلك السارة والذلن ;قال تعال":إن
ينصركم ال فل غالب لكم وإن يذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى ال
فليتوكل الؤمنون"
3سبتمب 10-2006شعبان 1427ه
===============
مقامات البتلء ..ومفارز التمحيص
اللواء الدكتور -فيصل بن جعفر بال
المدل رب العالي ،والصلة والسلم على أشرف النبياء والرسلي ،سيدنا ونبينا ممد
وعلى آله وأصحابه أجعي.
أما بعد :فإن ال سبحانه وتعال خلق البشر ،وابتلهم بالسنة والسيئة ،وبالي والشر؛
كما قال سبحانه :وبلوناهم بالسنات والسيئات لعلهم يرجعون ({ )168العراف:
،}168وقال عز وجل :ونبلوكم بالشر والي فتنة وإلينا ترجعون { 35النبياء:
،}35وقال تعال :أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم ل يفتنون 2ولقد
فتنا الذين من قبلهم فليعلمن ال الذين صدقوا وليعلمن الكاذبي { 3العنكبوت،2 :
.}3
وها هنا أمران مهمان ليفطن لما كثي من الناس وها:
الول :أنه كلما قوي إيان الؤمني ،ويقينهم بربم ،وصدقهم معه ،وإخلصهم له؛ عظم
بلؤهم ،واشتدت منتهم؛ ليبلوا ال تعال إيانم ،ويتب صدقهم؛ كما قال النب {" :أشد
254
الناس بلء النبياء ث المثل فالمثل يبتلى الناس على قدر دينهم ،فمن ثخن دينه اشتد
بلؤه ،ومن ضعف دينه ضعف بلؤه" (صحيح الامع .)993
الثان :أنه كلما اشتد البلء ،وعظمت الحنة بالؤمني الصادقي الثابتي فإن فرجهم يكون
قريبا ،وتلك سنة كونية قدرها ال سبحانه كما قال عز وجل :فإن مع العسر يسرا 5
إن مع العسر يسرا { 6الشرح.}6 ،5 :
وتأمل معي أخي القارئ هذه الية العظيمة الت تمع بي هذين المرين وهي قول ال
تعال :أم حسبتم أن تدخلوا النة ولا يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء
والضراء وزلزلوا حت" يقول الرسول والذين آمنوا معه مت" نصر ال أل إن نصر ال قريب
{ 214البقرة.}214 :
فانظر ماذا حصل لذا النب عليه السلم ،ومن معه من الؤمني من عظيم الحن والبتلء،
فأصيبوا بالبأساء والضراء ،وزلزلوا حت إنم تساءلوا :مت نصر ال ؟! قال الطبي رحه
ال تعال" :أم حسبتم أنكم أيها الؤمنون بال ورسوله تدخلون النة ،ول يصيبكم مثل ما
أصاب من قبلكم من أتباع النبياء والرسل من الشدائد والحن والختبار ،فتبتلوا با ابتلوا
واختبوا به من البأساء وهي :شدة الاجة والفاقة ،والضراء وهي :العلل والوصاب ،ول
تزلزلوا زلزالم ،يعن :ول يصيبهم من أعدائهم من الوف والرعب شدة وجهد حت
يستبطئ القوم نصر ال إياهم ،فيقولون :مت ال ناصرنا؟! ث أخبهم ال أن نصره منهم
قريب ،وأنه معليهم على عدوهم ،ومظهرهم عليه؛ فنجزلم ما وعدهم ،وأعلى كلمتهم،
وأطفأ نار حرب الذين كفروا" أه (جامع البيان .)341/2
لقد أفادت هذه الية العظيمة أن النبياء وأتباعهم سيجري عليهم من البلء والحنة،
وتسلط الكافرين والنافقي عليهم وعلى دينهم ما يزلزلم ويؤذيهم؛ ولكنهم ف الوقت
نفسه واثقون بنصر ال تعال ووعده؛ ولذلك تساءلوا :مت نصر ال؟!
كما أفادت الية أنه إذا عظم البلء ،واشتدت الحن اقترب النصر؛ فعند سؤالم مت نصر
ال؟! كان الواب :أل إن نصر ال قريب!!
إن السلم وهو ينظر إل الوضاع الدولية العاصرة ،وما أصاب السلمي من ضعف وهوان
واستئساد أعدائهم عليهم ،وطمعهم ف بلدانم وثرواتم ،وقتلهم لخوانم ،وتشريدهم،
255
وأذيتهم ،والسعي الثيث لتغيي دينهم وعقيدتم ،والعتداء على نبيهم ممد { ،ووصفه
بالرهاب ،وسفك الدماء ،وغيها من الوصاف النفرة ،وادعاء أن القرآن مصدر
الرهاب ،وغي ذلك من التهم الاهزة الت صار يلقيها كل من يريد الطعن ف السلم،
أو يريد أن ينال الشهرة العلمية على حساب السلم وشريعته من كفار ومنافقي؛ مع
ضعف السلمي وعجزهم عن الدفاع عن دينهم وعقيدتم .إن من يرى ذلك كله ليوقن
بأن دائرة الحن والبتلءات باتت تضيق بالسلمي كل يوم؛ لتستخرج الصادق ف إسلمه
من الكاذب ،والؤمن من النافق؛ مصداقا لقول ال سبحانه :ومن الناس من يقول آمنا
بال فإذا أوذي ف ال جعل فتنة الناس كعذاب ال ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا
معكم أو ليس ال بأعلم با ف صدور العالي 10وليعلمن ال الذين آمنوا وليعلمن
النافقي { 11العنكبوت .}11 ،10 :وقوله سبحانه :وليمحص ال الذين آمنوا
ويحق الكافرين 141أم حسبتم أن تدخلوا النة ولا يعلم ال الذين جاهدوا منكم
ويعلم الصابرين { 142آل عمران.}142 ،141 :
فهنيئا وال لن ثبت على دينه مع شدة البتلءات والحن ،ويا خسارة من أخرجته الفت
والحن والبتلءات من دينه فبدل وغي أمر ال تعال؛ إرضاء للبشر ،وويل لن حاول
الفاظ على دنياه بسارة دينه؛ فذلك الذي لن تسلم له دنياه ول آخرته نسأل ال تعال
السلمة والعافية ،كما نسأله الثبات على الق.
إنه يب على السلمي ف هذه الظروف العصيبة ،وتاه هذه الحداث العظيمة أن يعوا
أصولً مهمة قررها ديننا هي من أسباب الثبات على الق ف حال الفت والحن ومن هذه
الصول:
أولً :أنه ل يصل شيء ف الكون إل بتقدير ال تعال وتدبيه ،وأنه تبارك وتعال يعز من
يشاء ويذل من يشاء؛ كما قال سبحانه :قل اللهم مالك اللك تؤت اللك من تشاء
وتنع اللك من تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الي إنك على" كل شيء قدير
{ 26آل عمران.}26 :
فهو سبحانه قادر على أن ينتشل السلمي من حضيض الذلة والهانة ،ويرفعهم إل مراقي
العزة والكرامة ،وقد جعل سبحانه وتعال سبيل ذلك الوصل إليه :التمسك بشريعته ،كما
256
أنه سبحانه قادر على أن يدحر النافقي والكافرين ،وينكس راياتم ،ويبط مططاتم،
ويبطل كيدهم ،ويردهم على أعقابم خاسرين؛ إذ إنه عز جاره على كل شيء قدير،
والمر كله بيده ،ول يرج شيء عن تدبيه سبحانه وتعال ،ولا تناطحت القوتان
الرومانية والفارسية ف أول السلم ،وأخب ال تعال عن غلبة الروم على فارس عقب على
ذلك بقوله سبحانه :ل المر من قبل ومن بعد { 4الروم ،}4 :فالمر ل تعال قبل
هزية فارس وبعدها ،وقبل غلبة الروم وبعدها ،ومن أراد النصر فعليه أن يطلبه من يلكه
وهو ال سبحانه؛ وذلك بطاعته واجتناب معصيته.
ثانيا :أن ما يلكه العداء من أسلحة الدمار الشامل الت يوفوننا با ل تيفنا ،ول تذلنا
وتضعنا لرادتم إذا كانت على حساب ديننا وسيادتنا؛ لن هذه السلحة الدمرة هي
أسلحة ردع ،وإذا ما استخدمت عادت بالضرر على الضارب والضروب ف الغالب،
ومن العلوم أن الكافر والنافق ياف الوت ،ويريد الياة كما قال ال تعال :ولتجدنم
أحرص الناس على" حياة { 96البقرة }96 :وأخب أنم يفرون من الوت وهو
ملقيهم.
وسبب خوفهم من الوت أنم ليرجون إل الدنيا فحسب ،وليرجون الخرة الت يرجوها
السلم ،ويأمل فيها ،فليس لم إل فرصة واحدة ل يكن أن يغامروا با بلف الؤمن الذي
يرى أن فرصته الكبى هي ف الخرة وليست ف الدنيا .ومن مقررات مذهب أهل السنة
والماعة :أن من مات وهو يشهد أن ل إله إل ال وأن ممدا رسول ال ،موقنا با قلبه
فمآله إل النة برحة ال تعال ولو كان من أهل الكبائر؛ فمم ياف الؤمن؟!
إن ذلك ل يعن بطبيعة الال أن نتمن لقاء عدونا مع عدم تكافؤ القوى ،ول أن ننشد
ضربم للمسلمي بأسلحة الدمار الشامل؛ فذلك مالف لقول النب {" :ل تتمنوا لقاء
العدو وأسألوا ال العافية" (رواه البخاري 109/6ومسلم )1742ولكننا ف الوقت
نفسه لن نتخلى عن ديننا لنم يوفوننا با يلكونه من سلح وعتاد.
ثالثا :أنه لن يقضي على السلم بعامة ،وستكون الغلبة ف النهاية لهل الق على أهل
الباطل؛ كما قال ال تعال :فاصب إن العاقبة للمتقي { 49هود }49 :وهم الذين
سيثون الرض ف ناية الطاف؛ كما قال سبحانه :ولقد كتبنا ف الزبور من بعد الذكر
257
أن الرض يرثها عبادي الصالون { 105النبياء }105 :ومهما عظمت الؤامرات،
وكثرت الدسائس والكائد على السلم والسلمي ،ومهما كانت قوة الكافرين والنافقي
فإن ال تعال حافظ دينه بفظ طائفة مؤمنة يقومون بالق ويبلغونه للناس؛ كما قال النب
{" :ل تزال طائفة من أمت على الق ظاهرين ليضرهم من خذلم ول من خالفهم حت
يأت أمر ال وهم على ذلك" (رواه البخاري 249/13ومسلم .)1921
فإذا كانت النة مآل من قضى من السلمي ف حروب شاملة ،أو كوارث مفزعة ،أو
غيها ،وكان دين السلم مفوظا إل قيام الساعة فمم ياف السلمون؟!
إن فهم هذه الصول العظيمة الت قررها ديننا هو مكمن القوة لنا ،وصمام المان الذي
يعلنا ل نبدل ديننا مهما كان حجم التحديات والتهديدات ،ولو كان ثن ذلك خسارة
دنيانا ،فلن نسر دنيانا ويبقى لنا ديننا الذي هو ثن فوزنا ف الخرة خي لنا من التخلي
عن ديننا الذي ستكون نتيجته خسارة الدنيا والخرة.
أسأل ال تعال أن يفظ بلدنا وبلد السلمي من كيد الكائدين ،ومكر الاكرين ،وأن
يردهم على أعقابم خاسرين .كما أسأله تبارك وتعال أن يوفق ولة أمرنا إل ما فيه
صلح ديننا ودنيانا ،وأن يعينهم على ما يضطلعون به من مهمات ،وما يواجهونه من
تديات ،وأن يثبتهم على الق ،ويقويهم عليه ،ويعلهم قرة عي للمسلمي ،إنه سيع
ميب ،وبالجابة جدير .والمدل أولً وآخرا ،وصلى ال وسلم وبارك على عبده
ورسوله ممد وعلى آله وصحبه أجعي.
==================
ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا الرسلي
{ ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا الرسلي .إنم لم النصورون .وإن جندنا لم الغالبون }
..
والوعد واقع وكلمة ال قائمة .ولقد استقرت جذور العقيدة ف الرض؛ وقام بناء اليان
،على الرغم من جيع العوائق ،وعلى الرغم من تكذيب الكذبي ،وعلى الرغم من
التنكيل بالدعاة والتبعي .ولقد ذهبت عقائد الشركي والكفار .وذهبت سطوتم
ودولتهم؛ وبقيت العقائد الت جاء با الرسل .تسيطر على قلوب الناس وعقولم ،
258
وتكيف تصوراتم وأفهامهم .وما تزال على الرغم من كل شيء هي أظهر وأبقى ما
يسيطر على البشر ف أناء الرض .وكل الحاولت الت بذلت لحو العقائد اللية الت
جاء با الرسل ،وتغليب أية فكرة أو فلسفة أخرى قد باءت بالفشل .باءت بالفشل حت
ف الرض الت نبعت منها .
وحقت كلمة ال لعباده الرسلي .إنم لم النصورون وإن جنده لم الغالبون .
هذه بصفة عامة .وهي ظاهرة ملحوظة .ف جيع بقاع الرض .ف جيع العصور .
وهي كذلك متحققة ف كل دعوة ل ،يلص فيها الند ،ويتجرد لا الدعاة .إنا غالبة
منصورة مهما وضعت ف سبيلها العوائق ،وقامت ف طريقها العراقيل .ومهما رصد لا
الباطل من قوى الديد والنار ،وقوى الدعاية والفتراء ،وقوى الرب والقاومة ،وهي
إن هي إل معارك تتلف نتائجها .ث تنتهي إل الوعد الذي وعده ال لرسله .والذي ل
يلف ولو قامت قوى الرض كلها ف طريقه .الوعد بالنصر والغلبة والتمكي .
هذا الوعد سنة من سنن ال الكونية .سنة ماضية كما تضي هذه الكواكب والنجوم ف
دوراتا النتظمة؛ وكما يتعاقب الليل والنهار ف الرض على مدار الزمان؛ وكما تنبثق
الياة ف الرض اليتة ينل عليها الاء . .ولكنها مرهونة بتقدير ال ،يققها حي يشاء .
ولقد تبطئ آثارها الظاهرة بالقياس إل أعمار البشر الحدودة .ولكنها ل تلف أبدا ول
تتخلف وقد تتحقق ف صورة ل يدركها البشر لنم يطلبون الألوف من صور النصر
والغلبة ،ول يدركون تقق السنة ف صورة جديدة إل بعد حي!
ولقد يريد البشر صورة معينة من صور النصر والغلبة لند ال وأتباع رسله .ويريد ال
صورة أخرى أكمل وأبقى .فيكون ما يريده ال .ولو تكلف الند من الشقة وطول
المد أكثر ما كانوا ينتظرون . .ولقد أراد السلمون قبيل غزوة بدر أن تكون لم عي
قريش وأراد ال أن تفوتم القافلة الرابة الينة؛ وأن يقابلوا النفي وأن يقاتلوا الطائفة ذات
الشوكة .وكان ما أراده ال هو الي لم وللسلم .وكان هو النصر الذي أراده ال
لرسوله وجنده ودعوته على مدى اليام .
259
ولقد يهزم جنود ال ف معركة من العارك ،وتدور عليهم الدائرة ،ويقسو عليهم
البتلء؛ لن ال يعدهم للنصر ف معركة أكب .ولن ال يهيء الظروف من حولم ليؤت
النصر يومئذ ثاره ف مال أوسع ،وف خط أطول ،وف أثر أدوم .
لقد سبقت كلمة ال ،ومضت إرادته بوعده ،وثبتت سنته ل تتخلف ول تيد :
{ ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا الرسلي إنم لم النصورون وإن جندنا لم الغالبون } .
وعند إعلن هذا الوعد القاطع ،وهذه الكلمة السابقة ،يأمر ال رسوله صلى ال عليه
وسلم أن يتول عنهم ،ويدعهم لوعد ال وكلمته ،ويترقب ليبصرهم وقد حقت عليهم
الكلمة ،ويدعهم ليبصروا ويروا رأى العي كيف تكون :
{ فتول عنهم حت حي .وأبصرهم فسوف يبصرون .أفبعذابنا يستعجلون؟ فإذا نزل
بساحتهم فساء صباح النذرين .وتول عنهم حت حي .وأبصر فسوف يبصرون } . .
فتول عنهم ،وأعرض ول تفلهم؛ ودعهم لليوم الذي تراهم فيه ويرون هم ما ينتهي إليه
وعد ال فيك وفيهم .
============
الحنة ف حياة الدعوة والداعية
تكاد تكون الحنة من الظواهر اللزمة للحركة السلمية قديًا وحديثًا؛ فالسلم دعوة
على مظاهر الياة الاهلية ف كل صورها وأشكالا ..وهذه الاصة الت يتاز با
السلم ،جعلت الركة السلمية أكثر تعرضًا للمحن ،وبالتال جعلت الحنة لديها ذات
مفهوم خاص ل يشاركها فيه سواها من الركات الزبية والسياسية .
الحنة تربية وتحيص :فالحنة من أهم عوامل التكوين والختيار ف السلم ..وقد ل
يكون للتكوين النظري قيمة ما ل تشترك فيه عوامل الشدة والبلء .واليان نفسه باجة
إل الحنة؛ لسب غوره وإدراك مداه ،فاليان القوي الراسخ هو الذي يصمد ف ساعة
العسرة .أما اليان السقيم العليل فسرعان ما تكشفه الحن وتصدعه ،وصدق ال تعال
س مَ ْن َيقُولُ ءَا َمنّا بِاللّهِ فَِإذَا أُوذِيَ فِي اللّهِ َجعَلَ ِفتَْن َة النّاسِ َكعَذَابِ
حيث يقولَ }:ومِ َن النّا ِ
اللّ ِه وََلئِنْ جَا َء َنصْ ٌر مِنْ َربّكَ َلَيقُولُنّ ِإنّا ُكنّا َمعَكُمْ َأوََلْيسَ اللّ ُه ِبَأعْلَ َم بِمَا فِي صُدُورِ
الْعَالَ ِميَ()10وََليَعَْلمَنّ اللّ ُه الّذِينَ ءَامَنُوا وََلَيعْلَمَنّ الْ ُمنَافِقِيَ([ { )11سورة العنكبوت] .
260
صور من من الولي :
قضت سنة ال ..أن يكون الق ف صراع أبدي مع الباطلَ }:وَأنّهُ لَمّا قَامَ عَبْدُ اللّهِ
يَ ْدعُوهُ كَادُوا يَكُونُو َن عََليْهِ ِلبَدًا([ { )19سورة الن] } ...يُرِيدُونَ ِليُ ْطفِئُوا نُورَ اللّهِ
بِأَ ْفوَا ِههِ ْم وَاللّ ُه ُمتِ ّم نُو ِرهِ وََلوْ كَ ِر َه اْلكَافِرُونَ([{ )8سورة الصف] .ومنذ ولد الي
ووجد الشر ،والصراع عنيف وميف بينهما ،والقيقة الت تتكرر باستمرار هي أن الق
دائمًا ف انتصار ،وأن الباطل دائمًا ف انتحار }:وََلقَ ْد َسَبقَتْ كَِل َمتُنَا ِل ِعبَا ِدنَا الْمُ ْرسَِليَ(
ِ)171إنّهُمْ َلهُمُ الْ َمنْصُورُونَ(َ )172وِإنّ ُجنْ َدنَا َلهُ ُم الْغَاِلبُونَ([{ )173سورة الصافات].
الحنة ف حياة إبراهيم عليه السلم :ل تكن الحنة الت تعرض لا خليل الرحن إل إحدى
حلقات الصراع ،المتدة عب القرون ..والت تؤكد على الزمن غلبة أهل الق وهزية أهل
الباطل.
نشأ إبراهيم عليه السلم ف متمع جاهلي ،وأبت الفطرة السليمة ماراة التيار ،والنسياق
مع الرأي العام ،وصمم إبراهيم صلى ال عليه وسلم على التصدي للجاهلية.
وتبدأ الحنة ف حياة هذا الفرد ..فرد يتطي صهوة الق وحيدًا ..ويعلن على الل إيانه
بال وكفره با يعبدون من دونه } ..قَالَ أَفَ َرَأيْتُ ْم مَا ُكْنتُ ْم َتعْبُدُونَ(َ)75أنْتُ ْم وَءَابَاؤُكُمُ
ب اْلعَالَمِيَ([{ )77سورة الشعراء]. الْأَقْ َدمُونَ()76فَِإّنهُ ْم عَ ُدوّ لِي إِلّا رَ ّ
ويدر بالداعية أن يقف هنا مليًا ،يستشعر عظمة اليان الذي اعتمر به قلب إبراهيم ..
إنه وحيد ليس وراءه جاعة ول أنصار ،ومنبوذ حت من ذوي القرابة والوالدين .
وتشتد الحنة على إبراهيم ،ويلقى ف النار ..والرسول المتحن يصغي إل نداء ال ،وهو
ف حأة اللهب الستعر }:يَانَارُ كُونِي بَ ْردًا َوسَلَامًا عَلَى ِإبْرَاهِيمَ(َ )69وأَرَادُوا بِهِ َكيْدًا
جْينَا ُه وَلُوطًا إِلَى اْلأَ ْرضِ الّتِي بَارَ ْكنَا فِيهَا لِ ْلعَالَ ِميَ()71جعَ ْلنَاهُ ُم اْلأَخْسَرِينَ(َ )70ونَ ّ
فَ َ
{[سورة النبياء].
وتضي قصة الحنة الت تعرض لا أبو النبياء ترسم لهل الق صورًا شت من صور
الرجولة والبطولة.
الحنة ف حياة موسى عليه السلم :وحياة موسى عليه السلم ل تكن غي سلسلة من
الآسي واللم ،بل إن الحنة رافقت موسى رضيعًا تتقاذفه المواج ،وشبت معه فت يانعًا
261
هاربًا من بطش فرعون ..وزاد حياته منة على منة تعرضه لنقمة فرعون من جهة،
وليذاء قومه وسفههم من جهة أخرى ..ويضي موسى ف طريقه حاملً كل التبعات ..
وف فترة من فترات الضعف البشري يُحس موسى بالوجل والوف يتلجان ف صدره
وهو ف قلب العركة ..ولكن السماء سرعان ما تتداركه بالددَ }:فأَوْ َجسَ فِي َنفْسِهِ
صَنعُوا ف مَا َ ك تَ ْلقَ ْ
خِي َفةً مُوسَى(ُ)67ق ْلنَا لَا تَخَفْ ِإنّكَ َأْنتَ الَْأعْلَى(َ )68وأَلْ ِق مَا فِي يَمِينِ َ
صَنعُوا َكيْدُ سَاحِ ٍر وَلَا ُيفْلِحُ السّا ِحرُ َحْيثُ َأتَى([{ )69سورة طه] ويرج موسى من ِإنّمَا َ
هذه التجارب أصلب عودًا وأشد صمودًا.
الحنة ف حياة عيسى عليه السلم :ما ل ريب فيه أن عيسى عليه السلم كان يتمتع بطاقة
ضخمة من الصب والحتمال ..وما زاد ف قسوة الظروف الت أحاطت به وبنشأته ،أنه
واجه ف ماضي مولده ألوان الشكوك ..كما واجه ف حاضر دعوته ضروب العنت
والتمرد ..ويكفي لكي نقدر مدى ما وصل إليه العنف والتمرد أن نعرف أن العجزات
الت بلغت على يدي عيسى حدًا كبيًا ل يكن لا ذلك الثر النتظر ف استمالة النفوس
وتأليف القلوب ..ولكن عيسى عليه السلم ..كان يؤمن بأنه رسول ..وأن عليه البلغ
البي .وكان طيب النفس حليمًا .
حاول اليهود أن يفقوا من أثر دعوته وأن يفوا عن الناس أمره ..ولا أعيت اليلة أهل
الباطل ..ائتمروا به ليقتلوه ..أما عيسى روح ال ..فقد كانت عي ال ترسه وترعاه
..فلما ه ّم القوم با دفعهم إليه حقدهم السود..
وقع تت أيديهم رجل شديد الشبه به ،فقتلوه وهم يسبون أنم قتلوا عيسىَ }:ومَا َقتَلُوهُ
ك ِمنْهُ مَا َلهُ ْم بِ ِه مِ ْن عِلْمٍ إِلّا
َومَا صََلبُوهُ وََلكِ ْن ُشبّهَ َلهُ ْم َوِإ ّن الّذِينَ ا ْختََلفُوا فِيهِ َلفِي شَ ّ
اّتبَاعَ الظّ ّن َومَا َقتَلُو ُه َيقِينًا()157بَلْ رََفعَهُ اللّهُ إَِليْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا َحكِيمًا()158
{[سورة النساء].
منة السلم ف عهد النبوة :
كان السلم ثورة على الاهلية من أول يوم ..ثورة استهدفت نسف القواعد الت قام
عليها الجتمع الاهلي ،فليس من طبيعة السلم أن يهادن الوضاع الربة ،أو يعمد إل
ترميمها وإصلحها ،وإنا يعتمد سياسة الدم والبناء ..هدم الاهلية بكل مرافقها ،وبناء
262
الياة السلمية بميع مقتضياتا .وإذا كانت هذه طبيعة الدعوة الت نض با النب صلى
ال عليه وسلم ،فبديهي أن تستأسد قوى الاهلية وتستميت ف الدفاع عن كيانا الهدد
بالنسف والدمار.
حرب العصاب :تفنن أهل الاهلية ف حرب النب صلى ال عليه وسلم ،وابتكروا كل
جديد لضرب السلم ،وحشدوا كل قواهم لعرقلة السية القرآنية ،فعمدوا أولً :إل
أسلوب نفسي خسيس يستهدف تدمي أعصاب الرسول صلى ال عليه وسلم ،والقضاء
على روحه العنوية العالية ،وشنوا لذلك حلت عنيفة من السخرية والستهزاء عرض لا
ض َينْبُوعًا(جرَ َلنَا مِ َن الْأَ ْر ِ
القرآن الكري ف أكثر من موضع }:وَقَالُوا لَ ْن ُن ْؤمِنَ لَكَ َحتّى َتفْ ُ
سقِطَ َ)90أوْ َتكُونَ لَكَ َجّن ٌة مِ ْن نَخِي ٍل َو ِعنَبٍ َفُتفَجّرَ الَْأْنهَارَ خِلَاَلهَا َتفْجِيًا(َ)91أوْ تُ ْ
ت مِنْك َبيْ ٌ سفًا َأ ْو َتأِْتيَ بِاللّهِ وَالْ َملَائِ َكةِ َقبِيلًا(َ)92أوْ َيكُونَ لَ َت عََلْينَا كِ َالسّمَاءَ كَمَا َزعَ ْم َ
زُ ْخرُفٍ َأ ْو تَرْقَى فِي السّمَا ِء وَلَ ْن ُن ْؤمِنَ لِرُِقيّكَ َحتّى ُتنَزّ َل عََلْينَا ِكتَابًا َنقْ َر ُؤهُ )93(...
{[سورة السراء].
وعندما فشلت هذه الساليب الرخيصة عمد الشركون إل اختلق الشائعات والتهم على
رسول ال ،وبثوها ف كل الوساط؛ ليضعفوا الثقة به وليصدوا عن سبيل ال }:وَقَدْ
جبَالُ([{ )46سورة َمكَرُوا َمكْ َرهُ ْم َوعِنْدَ اللّ ِه َمكْ ُرهُ ْم َوِإنْ كَا َن َمكْ ُرهُمْ ِلتَزُو َل ِمنْهُ الْ ِ
إبراهيم] .وكانت الحنة على ضراوتا وقسوتا ل تزيده صلى ال عليه وسلم إل صلبة
وتصميمًا ..
تعرض وإيذاء وماولت اغتيال :ولا يئسوا من الرب النفسية ،وحرب العصاب،
وحرب الشائعات ..لأوا إل الرب السية ينالون با من دعاة السلم..
ويتمع سادة قريش يومًا ف (الجر) ويذكرون ممدًا وتديه السافر لقدساتم َ ..فقَالُوا:
ط َسفّهَ أَحْلَا َمنَا َو َشتَمَ آبَاءَنَا َوعَابَ دِيَننَا وََف ّرقَ صبَ ْرنَا عََليْ ِه مِ ْن هَذَا الرّجُلِ قَ ّ
مَا َرَأيْنَا ِمثْ َل مَا َ
صبَ ْرنَا ِمنْ ُه عَلَى َأمْ ٍر عَظِيمٍ َفَبْينَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِ ْذ طََل َع عََلْيهِمْ
جَمَا َعَتنَا َوسَبّ آِل َهتَنَا َلقَدْ َ
َرسُولُ اللّهِ صَلّى اللّ ُه عََليْ ِه َوسَلّمَ َف َوَثبُوا إَِليْهِ َوْثَبةَ رَجُ ٍل وَاحِدٍ َفأَحَاطُوا بِهِ َيقُولُونَ لَهُ َأنْتَ
الّذِي َتقُولُ كَذَا وَكَذَا لِمَا كَا َن َيبُْل ُغهُمْ َعنْ ُه مِ ْن َعيْبِ آِل َهتِهِ ْم َودِينِهِمْ -فيجيبهم نب الدى
صلّى اللّهُ عََليْهِ َوسَلّمََ [:نعَمْ َأنَا الّذِي أَقُولُ ذَلِكَ]رواه بكل ثقة واعتزازَ -فَيقُولُ َرسُولُ اللّهِ َ
263
أحد .يقولا بكل صراحة ويعلنها بلء فيه ..لقد أصابه منهم ف ذلك اليوم ما أصابه ..
وأدركهم أبو بكر الصديق رضي ال عنه وقد كادوا يهزون عليه ..فانبى يدافع عنه
ويقولَ":أَتقْتُلُونَ رَ ُجلًا َأنْ َيقُولَ َرّبيَ اللّهُ" ..ولا أوقع ف أيدي الشركي ،وأعجزتم اليلة
تداعوا إل مؤتر عقدوه ف دار الندوة .ولا وضعوا خطتهم ،وحزبوا أمرهم؛ كشف ال
ك الّذِينَ َكفَرُوا ِلُيْثبِتُوكَ َأ ْو َي ْقتُلُوكَ َأ ْو يُخْ ِرجُوكَ مكرهم ورد كيدهمَ }:وإِ ْذ يَ ْمكُ ُر بِ َ
َويَ ْمكُرُو َن َويَ ْمكُرُ اللّ ُه وَاللّهُ َخيْ ُر الْمَا ِكرِينَ([{ )30سورة النفال].
الحنة ف حياة الصحابة :وف عهد النبوة تعرض دعاة السلم لبشع صنوف اليذاء
والتعذيب ،ول تقتصر الحنة على نفر دون نفر أو طبقة دون أخرى ،بل لقد بلغت
الميع :النساء والرجال ،الصغار والكبار ،العبيد والحرار.
منة بلل :كان أمية بن خلف يرج بللً إذا حيت الظهية ،فيطرحه على ظهره ف
بطحاء مكة ،ث يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ،ث يتهدده قائلً :إنك ستظل
هكذا حت توت ،أو تكفر بحمد ،أو تعبد اللت والعزى ،وكان بلل رضي ال عنه
يردد":أَحَدٌ أَ َحدٌ".
منة آل ياسر :وكان بنو مزوم يرجون "آل ياسر" جيعًا يعذبونم برمضاء مكة.
أما ياسر -الب -فلم يقو على تمل العذاب لكب سنه؛ فمات لتوه ،وأما سية – الم-
فقد أغلظت القول لب جهل فطعنها عدو ال بربة ف أحشائها ،فكانت أول شهيدة ف
سبَ ّن الّذِينَ ُقتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ َأ ْموَاتًا بَلْ أَ ْحيَا ٌء عِنْدَ َرّبهِمْ ُيرْزَقُونَ( السلم } ..وَلَا تَحْ َ
حقُوا ِبهِ ْم مِنْ خَ ْل ِفهِمْ أَلّا
ي بِمَا ءَاتَاهُمُ اللّهُ مِنْ َفضْلِ ِه َويَسَْتبْشِرُونَ بِالّذِينَ لَ ْم يَلْ َ )169فَ ِرحِ َ
ستَبْشِرُو َن بِِنعْ َم ٍة مِنَ اللّ ِه وََفضْ ٍل َوَأنّ اللّهَ لَا ُيضِيعُ
ح َزنُونَ()170يَ ْ ف عََلْيهِ ْم وَلَا هُ ْم يَ ْ
َخوْ ٌ
أَجْ َر الْ ُم ْؤ ِمنِيَ([{ )171سورة آل عمران].
نوذج من شهداء السلم ف عصر النبوة :لكم شهدت أيام السلم ف عصر النبوة من
أبطال صناديد ،شرفوا التاريخ ،ويكفي أن نتار منهم:خبيب بن عدي؛ لندرك أي أثر
كان للعقيدة ف نفوس هؤلء :اعتقل خبيب وكان ف طريقه من الدينة إل عضل والقارة؛
ليقوم بهام الدعوة الت كلفه با رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وساقه الجرمون إل مكة
وباعوه لجر بن أب إهاب التميمي ليقتله بأبيه الذي قتل ف غزوة بدر الكبى.
264
وف اليوم الحدد لقتله أخرجه الشركون إل التنعيم ليصلبوه ،فقال لم ":إن رأيتم أن
تدعون حت أركع ركعتي فافعلوا " قالوا :دونك فاركع ..فركع ركعتي أتهما
وأحسنهما ،ث أقبل على القوم ،فقال ":أما وال لول أن تظنوا أن إنا طولت جزعًا من
الوت لستكثرت من الصلة" .وعندما رُفع خبيب على الشبة قال له الشركون :ارجع
عن السلم نلي سبيلك .فقال ":ل وال ما أحب أن أرجع عن السلم وأن ل ما ف
الرض جيعًا ..إن قتلي ف ال لقليل ..اللهم إن ل أرى إل وجه عدو ،اللهم إنه ليس
هاهنا أحد يبلغ رسولك عن السلم ،فبلغه أنت السلم" ..وكان الرسول صلى ال عليه
وسلم ف هذا الوقت بي صحبه ف الدينة ،فأخذته غيبة ث قال[:هَذَا ِجبْرِي ُل ُيقْ ِرُئنِي مِنْ
ب الَسَلَامَ] رواه الطبان ف معجمه الكبي-بنحوه.-
ُخَبيْ ٍ
واقترب من خبيب أربعون رجلً من الشركي ،بأيديهم الرماح ،وقالوا :هذا الذي قتل
آباءكم ف بدر .فقال خبيب ":اللهم إنا قد بلغنا رسالة رسولك ..فأبلغه الغداة ما يُصنع
بنا".
وعندما أخذت الرماح تزق جسده ،استدار إل الكعبة وقال ":المد ل الذي جعل
وجهي نو قبلته الت ارتضى لنفسه ونبيه وللمؤمني" ..واستمر أعداء ال يزقون جسد
خبيب برماحهم وهو ليفتر يردد":ل إله إل ال ممد رسول ال" حت لفظ نفسه الخي،
وفاضت روحه الزكية الطاهرة إل الل العلى .
الحنة ف عصر التابعي :ويأت عصر التابعي ..ويطالعنا التاريخ بألوان شت من من
السلم ..ففي هذه الرحلة تتكاتف لدم السلم معاول البناء والعداء ،ففي عام 75
هـ يتول الجاج بن يوسف الكم ف العراق .ويشهد هذا البلد السلمي ف عهده أيامًا
سوداء .ومن سنة ال ف خلقه أنه يهيء للطغاة رجالً ل يهابون الطغيان ..يصنعهم على
عينه .ويهبهم الرأة فيه ،وكان سعيد بن جبي أحد هؤلء الذين خلصوا من حظ
أنفسهم..
وعندما صمم الجاج على قتله واللص منه أرسل جنودًا بطلبه فجاءوا به ،وأدخلوه
عليه ،ث ذبوه على النطع ـ رحه ال ـ ،وعاش الجاج بعده خس عشرة ليلة ث مات
.
265
الحنة بي المس واليوم :
هكذا تبدت معال الصراع بي الق والباطل على مدار التاريخ ،إنا صورة واحدة ذات
أشكال متعددة ..تتغي فيها الزمان ،والشخاص وتبقى القيقة هي هي ..إنه استعلء
اليان ف كل زمان ..واعتزاز الق ف كل عصر.
أصحاب العقيدة يدفعون الثمن :وتشتد الحنة ف حياة الدعوة ..وتئول قيادة المة إل
حكام طغاة ،يسومون الؤمني سوء العذاب ..وحق على دعوة السلم أن تدفع الثمن .
وتدفعه بسخاء :دماء وضحايا وشهداء .
كيف نواجه الحن ؟
إن الركة السلمية إذ تواجه اليوم ما تواجه من تديات وضغوط ينبغي أن:
تنطلق على هدي :فل تتحكم ف سيها النفعالت ،أو تيد با العواطف والطفرات.
مدعوة لواجهة هذه الرب السافرة على السلم وأهله :بالصياغة السنة لشبابا ورجالا،
وبالعداد الكامل ،ث بالتخطيط الواعي لكل خطوة من خطاها .
أن تغرس ف نفوس عناصرها ودعاتا روح البذل والتضحية ،وتستأصل من نفوسهم
عوامل الضعف والوف والنزام .
إن الركة السلمية مدعوة :لتضع ف تقديرها وحسابا ف مالت التربية والتكوين ثقل
السئولية ،وضخامة التبعة الت تنتظرها وتنتظر أفرادها؛ فتسلك بم كل ما من شأنه أن
يعدهم لياة الجاهدة والرابطة والكفاح ..وتنأى عما يلد بم إل الرض ويعودهم
حياة الدعة والنوع .
=============
بوابة النصر
الحمد لله القوي الجبار ،المتين القهار ،والصلة والسلم على
سيِّد النبياء الخيار ،وعلى آله وصحبه الطهار ،ومن تبعهم من
الصالحين البرار ،أما بعد،،،
في ظلم الليل الذي يعقبه نور الصباح ..وفي نزول القطر بعد
إقفار الرض ..وفي أحوال كثيرات..وبما في تضاعيف التأريخ
حييات التمكين؛ نزداد م ْ
شرِق لهذه المة من بواعث النصر ،و ُ م ْ
ال ُ
ُ
يقيناً ،واقتناعا ً بما في أفق الدنيا من لوائح المبشرات ،وحينها ؛
نعم في ذلك الحين ينبثق نور بوابة النصر..فَيَل ِ ُ
ج منها من ذاق
266
مرارة السطوة الظالمة ،ويدخل منها من تفطرت كبده قهراً
سَّراق المشاعر ،فإلى أولئك أقول :عليكم بما في على تكالب ُ
ثنايا الموضوع فإنها أعمدة تلك البوابة ،وعليكم باغتنام سويعات
ت البوابة فهي كثيرة مغْلِقَا ِ النصر فإن الفجر لح ،وحذار من ُ
محبوبة .
أولً :أعمدة النصر:
صُر حقًّا ع َلَيْنَا ن َ ْ ن َ -1اليمان بالله والنصر :قال تعالى...{:وَكَا َ
سلَنَا صُر ُر ُ ن[[}]47سورة الروم] .وقال تعالى {:إِنَّا لَنَن ْ ُ منِي َ ال ْ َُ
مؤْ ِ
حيَاةِ الدُّنْيَا[}]51[...سورة غافر]. منُوا فِي ال ْ َ نآ َ وَال ّذِي َ
في هاتين اليتين قضى الله أن نصره وتأييده إنما هولعباده
المؤمنين ..نعم؛ إن النصر ،والتمكين حقٌ لكل مؤمن بالله ،لكل
مَر قلبه باليمان الصادق ،والسلم الخالص ،والنقياد التام من ع َ َ
لله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
إن تحلي العباد باليمان بالله برهان كبير على أنهم هم
متُنَا لِعِبَادِنَا ت كَل ِ َ سبَقَ ْ المنصورون ،وأنهم هم الجند الغالبون{:وَلَقَد ْ َ
ن[م الْغَالِبُو َ جنْدَنَا لَهُ ُ ن ُ ن[]172وَإ ِ َّ صوُرو َ من ْ ُ م ال ْ َم لَهُ ُ ن[]171إِنَّهُ ْ سلِي َ مْر َ ال ْ ُ
[}]173سورة الصافات].
َ َ َ
بحْز َ ن ِ منُوا فَإ ِ َّ نآ َ ه وَال ّذِي َ سول َ ُ ه وََر ُل الل ّ َ ن يَتَوَ ّ م ْ
وكما قال تعالى{:وَ َ َ
ن[[}]56سورة المائدة]. م الْغَالِبُو َ الل ّهِ هُ ُ
فمتى أتى المؤمنون بإيمان تام كامل؛ كان لهم نصر تام كامل،
وإن أتوا بإيمان دون الكمال ،وقاصر عن التمام؛ فإن النصر لهم
بحسب ذلك .
وحين نلحظ تأريخنا الحافل بالنتصارات الخالدة التي أقضت
مضاجع أهل الكفر ،وأذناب الضلل ،والتي أقَّرت عيون أهل
اليمان والتوحيد؛ نجد أن أغلبها راجع إلى اليمان قوة وضعفاً:
فهذا يوم الفرقان ،يوم بدر :نصر الله عباده المؤمنين نصًرا أصبح
شجى في حلوق المشركين زماناً ،وكان من أعمدة النصر في
ت قلوب المؤمنين إيمانا ً بالله تعالى. تلك الغزاة أن قَوِي َ ْ
َّ
خلدَة إلى قيام م َوفي التأريخ المشرق لهذه المة المنصورة ،وال ُ
الساعة صوٌر كثيرة جدا ً لوقائع نصر مبين للمؤمنين .
فهذا عمود من أعمدة النصر على المة أن تأتي به إن كانت
تطمح بالنصر ،وترمق بعين الشوق إلى التمكين في الرض ،أما
إن كانت تريد نصرا ً بل إيمان فما هي وطالب السمك في
الصحراء إل سواء .
ن نََّزلْنَا الذِّكَْر وَإِنَّا ل َ ُ
ه ح ُ إن الله أخبرنا بأنه حافظ دينه فقال{:إِنَّا ن َ ْ
ن[[}]9سورة الحجر] .وأخبر أن البقاء لدينه فقال{: حافِظُو َ لَ َ
َ َ َ
م نُورِهِ وَلَوكَرِ َ
ه مت ِ ُّه ُ م وَالل ّ ُن لِيُطْفِئُوا نُوَر الل ّهِ بِأفْوَاهِهِ ْ يُرِيدُو َ
267
ن[[}]8سورة الصف] .وهل نور الله تعالى إل اليمان الْكَافُِرو َ
حل ِّي ْ َ
ن مت َ َوالدين ،ونصرته له نصرة لعباده القائمين بهذا الدين ،وال ُ
ب الصالحين، بهذا اليمان .فل مجال حينئذ ٍ لمداهمة اليأس قلو َ
ي القلوب م ِ ب مستنير ،وواضح ل يعمى إل على ع ُ ْ بل الدر ُ
والبصار .
فالله تعالى وَعَد َ ووعْدُه ُ حق وصدق ولبد لذلك الوعد من يوم
يتحقق فيه الوفاء ،وليس الوفاء فحسب بل تمام الوفاء وكماله،
وهوقريب إذ وَعْد ُ الكريم ل يقبل المماطلت ،والله سبحانه
وتعالى ل يخلف الميعاد .
فما هوإل الصبر القليل ،والستعانة بالله ،والتوكل عليه ،وأساس
ذاك كله اليقين بموعود الله ،والحذر من تسُّرب الشك في
موعوده .
-2العبودية لله والنصر:
م لَهُ ُ
م ن[]171إِنَّهُ ْ سلِي َ مْر َ متُنَا لِعِبَادِنَا ال ْ ُ
ت كَل ِ َ سبَقَ ْ قال تعالى {:وَلَقَد ْ َ
ن[[}]172سورة الصافات] .وقال سبحانه{ :وَلَقَد ْ كَتَبْنَا صوُرو َ من ْ ُ ال ْ َ
َ
من بَعْد ِ الذِّكْر أ َّ َ
ن[ حو َ عبَادِيَ ال َّ
صال ِ ُ ض يَرِثُهَا ِ ن اْلْر َ ِ فِي الَّزبُورِ ِ ْ
[}]105سورة النبياء] .ففي هذا النص القرآني عمود من أعمدة
ظح ْ ن به الرب على من تعبَّد له حق التعبُّد .واَل ْ َ م ُّ
النصر ،الذي ي َ ُ
عبَادِيَ} تجد في ثناياها خالص التجرد ن وتدبر {:لِعِبَادِنَا} و{ ِ بتمعُّ ٍ
بالعبودية لله ،فلما جردوا التعبد لله وأخلصوه له؛ فلم يجعلوا في
قلوبهم ميلً-و لو قليلً -لغيره أثابهم منه فتحا ً ونصرا ً وتمكينا ً .
ُ َ
ف عنها النصر بسبب تعل ّقها بغير الله، خل ّ ُ ولذا نرى أن المة قد يَت َ َ
َّ
ب أن تخلف النصر صوَر صرف التعبُّد لغير الله ،فل عج َ من ُ وهذا
َّ
عنّا ،وحلت الهزيمة بنا ،فما استنكف أحد عن التذلل لله ،واتبع
سه ذليلة غير الله إل زاده الله وهنا ً وخسارة . نف َ
وللعبودية في ساعات الشدة أثر بالغ في قرب الفرج ،وبُدُو
أمارات النصر:
حَزبَه أمٌر فَزعَ فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا َ
إلى الصلة ،وجعل خير العبادة ما كان في زمن الهَْرِج.
وحاله يوم بدر أكبر شاهد على ذلك؛ فقد جأر بالدعاء ،واشت َّ
د
ل بنصره الذي وَعَدَه تضُّرع ُه لربه وتذلله بين يديه ،سائله أن يُعَ ِّ
ج َ
إياه .
ُّ
ب بها نصر الله ،وبدونها؛ وحين تخلفها جل َ ُست َ ْ
وهذه هي التي ي ُ ْ
وعدم التيان بما أراده الله؛ فهيهات أن ينصر من أعرض عن
دينه ،ولم يتبع هداه الذي جاء بـه رسوله صلى الله عليه وسلم،
مها على الرذيلة ،والمعصية، واتبع ما أجلب به الكفار من حياة قِوَا ُ
بل ترك الشريعة كلها .
268
فعمود النصر التجرد لله بالعبودية؛ التي هي :تمام الذل له،
وكمال المحبة له ،ومنتهى النقياد والستسلم لدينه وشرعه.
فمتى قامت المة بالتعبُّد لله والتذلل بين يديه؛ أضاء لها نور
حا جليًا ،تبصره قلوب الصالحين من أولياء الله النصر واض ً
مه قلوب وأبصار من تعبَّد لغير الله . العابدين ،وتعمى عنه بل تُحَر ُ
وكلما كان تعبُّد المة لله أتم كان نصر الله لها أكمل وأقرب -3
َ َ
صُروا ن تَن ْ ُ منُوا إ ِ ْ نآ َ صَرةُ الله والنصر :قال تعالى {:يَا أيُّهَا ال ّذِي َ نُ َْ
ف قوم ٍ ينصرون م[}]7[...سورة محمد] .نصر الله حلي ُ صْرك ُ ْ ه يَن ْ ُالل ّ َ
ق العلياء . ُ
الله ودينه ،ويرفعون راية شريعته شامخة في أف ِ
أما من يخذل شريعته حين ضعفها؛ فليس له من نصر الله شيء.
وما انتصر من انتصر من الصالحين إل بسبب ما قاموا به من
نصرةٍ لدين الله وشريعته .فمن قام ناصرا ً بلده ،أو قومه ،أو
مبدأه ومذهبه المخالف لدين الله؛ فهو مخذول .
حدَه ُ-دين الله؛ فهو المنصور ل غيره ،وهو ومن قام ناصراً -ولو وَ ْ
المؤيد ل سواه ،وهو الموعود بالتمكين .
صَر الله بنصرة دين الله ،وإعلئه على ة نَ ْ ة الطالب ُ فلتقم الم ُ
الديان كما أعله الله ،حتى تنال موعود الله لها بالنصر ،والتمكين
في الرض .
صَرة الله تعالى: ومن ن ُ ْ
-1تحقيق الولء والبراء ..فل مداهنة في دين الله ،ومحاباة
لمخلوق أيَّا ً كان ،فدين الله فََّرقَ بين المسلم والكافر ،ولو كانا
في القرابة بالمكان الذي ل يفَّرق بينهما فيه .
-2تطهير الرض من المنكرات والموبقات ؛ التي ما فتيء
أصحابها يجاهرون بها مطلع النهار ومغربه ،ويحاربون الله ليل
نهار.
صدَه ي بسوء ،أو أن يَقْ ِ سه دَن ِ ٌّ م َّ ة لدين الله من أن ي َ َ -3القيام حماي ً
سافل بنقيصة .
-4حراسة محارم الله وحفظها من أن يتعَّرض لها من سلبه الله
العفاف والحشمة .
ي بالنصر من الله ،وظَفَِر بالغلبة حظ ِ َصَرة الله ودينه؛ َ فمن قام بن ُ ْ
على عدوِّه .
َّ
ن
م ْ صرَِهِ َ ه يُؤَيِّد ُ بِن َ ْ -4النصر من الله تعالى :قال تعالى...{:وَالل ُ
عنْدِن ِ م ْ صُر إ ِ ّل ِ ما الن َّ ْ شاءُ[}]13[...سورة آل عمران] .وقال...{:وَ َ يَ َ
موَْلك ُ َ ل الل ّ َ
خيُْرم وَهُوَ َ ْ َ هُ ِ الل ّهِ[}]126[...سورة آل عمران] .وقال{:ب َ
َ
ه فََل م الل ّ ُ صْرك ُ ُ ن يَن ْ ُ ن[[} ]150سورة آل عمران] .وقال {:إ ِ ْ صرِي َ النَّا ِ
َ
ن بَعْدِهِ[... م ْ م ِ صُرك ُ ْ ن ذ َا ال ّذِي يَن ْ ُ م فَ َ
م ْ خذ ُلْك ُ ْ
ن يَ ْم وَإ ِ ْ ب لَك ُ ْ غَال ِ َ
[}]160سورة آل عمران].
269
ن به على عباده المؤمنين ،فل ن الله ،وهو الما ُّ م ْ فالنصر ِ
قُدَُراتِهم ،ول عُدَدِهم جالبة لهم نصرا ً على عدوهم ،ول اعتداد بكل
أسلحة المؤمنين إذا لم يُرِد الله لهم نصرا ً على عدوهم .
فلو كان النصر آتيا ً بقوى العباد؛ لما غلب المسلمون الضعفاء
م الكفر التي ملكت من آلت القتال ما الله به عليم . ُ
م َ ظاهًرا أ َ
ي المؤمنون النصر من غير الله فيا خيبتهم ،ويا شؤم فمتى رج َ
حالهم .
وحين ترى أحوال المسلمين في المعارك التي انهزموا بها ترى
ُ
أن من أهم السباب :تعل ّقُ النفوس في طلب النصر بغير الله،
ولنعتبر بغزوة حنين ،فإن الهزيمة التي حصلت لهم إنما هي
بسبب اغترارهم بقوة أنفسهم حيث قالوا':لن نغلب اليوم من
َ
قِل ّة'.
قال ابن القيِّم رحمه الله في سَردِه الفوائد َ المأخوذة َ من تلك
الغزوة':واقتضت حكمته سبحانه أن أذاق المسلمين أول ً مرارة
الهزيمة والكسرة مع كثرة عددهم وع ُددهم ،وقوة شوكتهم،… ،
َ
وليبيِّن سبحانه لمن قال':لن نغلب اليوم من قل ّة' أن النصر إنما
هو من عنده ،وأنه من ينصره فل غالب له ،ومن يخذله فل ناصر
له غيره ،وأنه سبحانه هو الذي تولى نصر رسوله ودينه ،ل
ن عنكم شيئاً ،فوليتم مدبرين'[زاد كثرتكم التي أعجبتكم فلم تغ ِ
المعاد [ .]]3/477
ت قلوبهم بالتوكل على مَر ْ وهذا الذي حصل إنما هو من طائفة ع ُ ِ
ُ
الله ،والتعل ّق به ،لكن لما انصرف القلب انصرافا قليل ً عن الله؛
ً
َ
ن كَثِيَرةٍ موَاط ِ َ ه فِي َ م الل ّ ُ صَرك ُ ُ ع ُوقبوا بما ذكر الله بقوله {:لَقَد ْ ن َ َ
َ
شيْئًا[... م َ ن ع َنْك ُ ْ م تُغْ ِ م فَل َ ْ م كَثَْرتُك ُ ْ جبَتْك ُ ْ ن إِذ ْ أع ْ َ حنَي ْ ٍ م ُوَيَوْ َ
[}]25سورة التوبة] .فكيف الحال بمن بعدهم ممن انصرفت
قلوبهم لغير الله انصرافًا كُل ِّيًا ،والله المستعان؟!
ثانيًا:مبشرات النصر:
َ َ
سول َ ُ
ه ل َر ُ س َ -1البشارة بظهور الدين :قال تعالى {:هُوَ ال ّذِي أْر َ
ن[ شرِكُو َ م ْ ن كُل ِّهِ وَلَوْ كَرِه َ ال ْ ُ َ
قّ لِيُظهَِره ُ ع َلى الدِّي ِ
ْ
ح ِ ن ال ْ َ بِالهُدَى وَدِي ِ
ْ
د
ن بَعْ ِ م ْ [}]33سورة التوبة] .وقال تعالى{ :وَلَقَد ْ كَتَبْنَا فِي الَّزبُورِ ِ
ن[ [}]105سورة النبياء]. حو َ صال ِ ُعبَادِيَ ال َّ ض يَرِثُهَا ِ َ ن اْلَْر الذِّكْرِ أ َ َّ
َ َ وقال تعالى {:كَتب الل َّه َلَغْلِب َ َ
ه قَوِيٌّ ع َزِيٌز[ ن الل ّ َ سلِي إ ِ ّ ن أنَا وَُر ُ َ ّ ُ َ َ
[}]21سورة المجادلة].
َ
ما بَلَغَ الل ّي ْ ُ َ َ َّ َ
ل مُر ََ ن هَ َذ َا اْل ْ م [ :لَيَبْلُغَ َّ سل ّ َ ه ع َلَيْهِ وَ َ
َ ُ صل ّى الل وقال َ
َ
ز
ن بِعِ ّ ِ ه هَ َذ َا الدِّي َ ه الل ّ ُ خل َ ً ُ مدَرٍ وََل وَبَرٍ إ ِ ّل أد ْ َ
َ ت َ ه بَي ْ َ ك الل ّ ُ وَالنَّهَاُر وََل يَتُْر ُ
ه
ه بِ ِ ل الل ّ ُ
م وذ ُ ّل يُذ ِ ُّ
سَل َ َ ه بِهِ اْل ِ ْ عًّزا يُعُِّز الل ّ ُ ل ِ ل ذَلِي ٍ ع َزِيزٍ أَوْ بِذ ُ ِّ
الْكُفَْر]رواه أحمد.
270
فهذه نصوص قاطعة بأن الغالب هو دين الله ،والواعد بذلك هو
الله تعالى ،ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ والله ل يخلف
م
مقا ُ صر دينه ،فمهما طال ُ الميعاد؛ فكيف إذا كان الميعاد ن َ ْ
الكافر ،ومهما استطال شُّره وضُّره ،ومهما كِيْد َ بالمسلمين،
ل بهم؛ فإن الغلبة لدين الله ،وَعْدَا ً من الله حقا ً وصدقاً.. ومهما نُّكِّ َ
ن المور ،ول نسابق الحداث وهذا سيحدث ل محالة ،فل نستعجل َّ َّ
.
َ َ َ
ل طَائ ِ َف ٌ
ة مَ [ :ل تََزا ُ سل ّ َ ه ع َلَيْهِ وَ َ صل ّى الل ّ ُ ل َ -2الطائفة الظاهرة :قَا َ
َ َ َ ن أ ُ َّ
حتَّىم َ خالَفَهُ ْ م أوْ َ خذ َلَهُ ْ ن َ م ْم َ ضُّرهُ ْ مرِ الل ّهِ َل ي َ ُ ة بِأ ْ م ً متِي قَ َائ ِ َ مْ ْ ِ
س]رواه البخاري ومسلم. َ َ َ ّ َ
ن ع َلى الن ّا ِ م ظاهُِرو َ مُر اللهِ وَهُ ْ يأ ْ يَأت ِ َ
فهذه الطائفة قائمة إلى قيام الساعة ،والنصرة لهم ،والتأييد
اللهي معهم ،وهذه الفرقة المنصورة من بواعث المل في
نصرة الدين ،ومن بشائر الرفعة لدين الله ،وقد ذكر صلى الله
عليه وسلم الذي ل ينطق عن الهوى أنها دائمة وموجودة إلى
قيام الساعة .
ولكنه ضعف اليقين بموعود الله ورسوله صلى الله عليه وسلم،
ُ
وتعل ّق القلوب بالماديَّات والظواهر ،وأساس ذلك كله ضعف
اليمان بالغيبيات التي هي أصل اليمان.
فهل يجوز بعد هذا أن ييأس المسلمون من اكتناف نصر الله
َ
م قوة الكفر تعالى لعباده المؤمنين؟! وهل يجوز أن تُعَظ ّ َ
وجبروته؟! وهل يجوز لنا أن نتخاذل عن البذل لدين الله ..ولو
ل القليل؟! وهل يجوز أن نعتقد خطأ ً أن هذه الطائفة لن بأق ِّ
تقوم ،أو أنها قامت ولن تعود؟! أسئلة تفتقر إلى أجوبة فعلية ل
قولية .
َ َ
ممنْك ُ ْمنُوا ِ َ نآ َ ه ال ّذِي ُ -3الوعد اللهي الحق :قال تعالى {:وَعَد َ الل ّ
َ َْ
ف ال ّذِي َ
ن خل َ َ ست َ ْما ا ْ ض كَ َ م َفِي الْر ِ خلِفَنَّهُ ْ ست َ ْ ت لَي َ ْ حا ِ صال ِ َ ملُوا ال َّ وَع َ ِ
د
ن بَعْ ِ م ْم ِ دّلَنَّهُ ْ
م وَلَيُب َ ِ ضى لَهُ ْ م ال ّذِي اْرت َ َ م دِينَهُ ُ ن لَهُ ْ كّن َ َّ
م ِم وَلَي ُ َ ن قَبْلِهِ ْ م ْ ِ
شيْئًا[}]55[...سورة النور]. ن بِي َ ُ َ
منًا يَعْبُدُونَنِي ل ي ُ ْ َ
شرِكو َ مأ ْ خوْفِهِ ْ َ
وهذا الوعد قد تحقق في زمانه صلى الله عليه وسلم ،وسيتحقق
بعده حتى قيام الساعة،
فمتى توافرت الوصاف التي ذكرها الله في هذه الية في قوم؛
كانوا أحق بالتمكين من غيرهم مهما كانوا .
فحتى نظفر بالتمكين من الله لنعقد العزم على تطبيق شريعته
في أحوال الناس اليومية ،والسياسية ،والجتماعية .
عندها سننال النصر من الله بكل تأكيد ويقين ،ولكن أكثر الناس
ل يعلمون .
271
َ -4المدينتان المنتظ َرتان :قَا َ َ
ن ِ ه بْ عنْد َ ع َبْد ِ الل ّ ِ ل :كُنَّا ِ ل أبُو قَبِي ٍ ُ َْ َ
ة أوَ َ ْ ً َ ْ َ
َ
سطنْطِينِي ّ ُ ْ ح أوَّل القُ ْ ن تُفْت َ ُ ِ مدِينَتَي ْ ل أيُّ ال َ سئ ِ َ صي وَ ُ ن الْعَا ِ مرِو ب ْ ِ عَ ْ
َ َ
ل ع َبْدُ ه كِتَابًا ،فَقَا َ من ْ ُ ج ِ خَر َ حلَقٌ فَأ ْ ه َ ق لَ َ ُ صنْدُو ٍ ة فَدَع َا ع َبْد ُ الل ّهِ ب ِ ُ مي َّ ُ ُرو ِ
َ ّ َ َ ّ َ ّ ّ َ
ب إِذْ م نَكْت ُ ُ سل َ ه ع َليْهِ وَ َ ى الل ُ صل َ ل اللهِ ِ سو ل َر ُ حوْ َ ن َ ُ ح
ما ن َ ْ َ الل ّهِ :بَيْن َ
َّ َّ َ ُ َ
ح أَوًَّل ن تُفْت َ ُ ِ مدِينَتَي ْ َ م أَيُّ ال ْ َ سل ه ع َلَيْهِ وَ َ ُ صل ّى الل َ ل الل ّهِ سو ل َر ُ سئ ِ َ ُ
َّ َ َ َ َ
م: سل َ ه ع َلَيْهِ وَ َ صل ّى الل ّ ُ ل الل ّهِ َ سو ُ ل َر ُ ة فَقَا َ مي َّ ُ ة أوْ ُرو ِ سطَنْطِينِي َّ ُ قُ ْ
سطَنْطِينِي َّ َ َ
ة ]-رواه أحمد ح أوًَّل -يَعْنِي قُ ْ ل تُفْت َ ُ ة هَِرقْ َ مدِين َ ُ [ َ
والدارمي.
ومما يزيد في البشارة أن هذه المدينة قد فتحت على يد
السلطان محمد الفاتح العثماني التركماني ؛ ولكن ليس هو الفتح
المذكور في الحاديث؛ لن الفتح الذي في الحاديث يكون بعد
الملحمة الكبرى ،وقبل خروج الدجال بيسير[ .انظر :اتحاف
الجماعة للتويجري [ .]] 1/404
ولفتح القسطنطينية الفتح الحق علمة واردة في أحاديث عن
النبي صلى الله عليه وسلم ،معروفة مشهورة ،وهي :
َّ َ َ ُ َ
م: سل َ ه ع َلَيْهِ وَ َ صل ّى الل ّ ُ ل الل ّهِ َ سو ل َر ُ ل قَا َ ل قَا َ جب َ ٍ ن َ معَاذ ِ ب ْ ِ ن ُ عَ ْ
مةِ ح َ مل ْ َ ج ال ْ َ خُرو ُ ب ُ ب يَثْرِ َ خَرا ُ ب وَ َ ب يَثْرِ َ خَرا ُ س َ مقْد ِ ِ ت ال ْ َ ن بَي ْ ِ مَرا ُ [ع ُ ْ
ج
خُرو ُ سطَنْطِينِيَّةِ ُ ح الْقُ ْ ة وَفَت ْ ُ سطَنْطِينِي َّ َ ح قُ ْ مةِ فَت ْ ُ ح َ مل ْ َ ج ال ْ َ خُرو ُ وَ ُ
َ َ
نل -إ ِ َّ م قَا َ منْكِبِهِ ث ُ َّ ه أوْ َ حدَّث َ ُ خذ ِ ال ّذِي َ ب بِيَدِهِ ع َلَى فَ ِ ضَر َ م َ ل -ث ُ َّ جا ِ الد َّ َّ
ل]- جب َ ٍ ن َ معَاذ َ ب ْ َ عدٌ -يَعْنِي ُ ك قَا ِ ما أَن َّ َ ك هَاهُنَا أوْ ك َ َ
َ ما أَن َّ َ حقٌّ ك َ َ هَذ َا ل َ َ
رواه أبوداود وأحمد.
فإذا كان أن الفتح الذي حصل على يد محمد الفاتح ليس هوالفتح
الوارد في الحديث فإنا لعلى يقين بقرب فتحين عظيمين
متحقق بإذنه لمدينتين كبيرتين ،وهذا قريب ،ووَعْد ُ الله نافذ ،و ُ
تعالى .
َ َ َ
ممَ [ :ل تَقُو ُ سل ّ َ ه ع َلَيْهِ وَ َ صل ّى الل ّ ُ ل َ -5المعركة الفاصلة :قَا َ
جُر وََراءَه ُ الْيَهُودِيُّ يَا ح َ ل ال ْ َ حتَّى يَقُو َ حتَّى تُقَاتِلُوا الْيَهُود َ َ ة َ ساع َ ُ ال َّ
ه]رواه البخاري ومسلم .وهذه م هَذ َا يَهُودِيٌّ وََرائِي فَاقْتُل ْ ُ سل ِ ُ م ْ ُ
ْ
المعركة هي الفاصلة بين المسلمين واليهود ،وهي التي يُظهِر
فيها الله عباده المؤمنين ،وينصرهم على اليهود بعدما ذاقوا منهم
ت بعد هذه المعركة وإنا على انتظارها، الذى والنكال .ولم تأ ِ
ة ل محالة إن شاء الله . وهي آتي ٌ
-6محمد المنتظر :مما ثبت في السنة ،واعتقده السلف الصالح،
ودانوا لله به :ثبوت المهدي ،وأنه سيخرج في آخر الزمان .
َ َ َ
ب ك الْعََر َ مل ِ َ حتَّى ي َ ْ ب الدُّنْيَا َ مَ [ :ل تَذْهَ ُ سل ّ َ ه ع َلَيْهِ وَ َ صل ّى الل ّ ُ ل َ قَا َ
لم َ
مي] رواه أبوداود والترمذي س ِ ها ْ م ُ س ُ ئا ْ ل بَيْتِي يُوَاط ِ ُ ن أهْ ِ ج ٌ ِ ْ َر ُ
272
خرِ أ ُ َّ َ َ َ
ة
خلِيفَ ٌ متِي َ ن فِي آ ِ م [ :يَكُو ُ سل ّ َ ه ع َلَيْهِ وَ َ صل ّى الل ّ ُ ل َ وأحمد .وَقَا َ
حثْيًا َل يَعُدُّهُ عَدَدًا]رواه مسلم. ل َ ما َ حثِي ال ْ َ يَ ْ
وأخباره متواترة تواترا ً ل يعتريه شك .
وفي خروجه يكثر الخير ،قال ابن كثير رحمه الله':في زمانه
تكون الثمار كثيرة ،والزروع غزيرة ،والمال وافر والسلطان
قاهر ،والدين قائم ،والعدو راغم ،والخير في أيامه دائم' [النهاية
في الفتن والملحم [.]] 1/31
فهذا المهدي [ محمد بن عبد الله ] المنتظر لم يخرج بعدُ،
وبخروجه يقوم الدين ،ويرتفع الحق ،ويخمد الباطل ،وتتبدد كل
قوة علت من قوى الباطل ،وكل ما هو آت قريب ،فصبر جميل.
ثالثًا:ساعات النصر:
ة وَل َ َّجن َّ َ َ َ
ما خلُوا ال ْ َ ن تَد ْ ُ مأ ْ سبْت ُ ْ ح ِ م َ -1اليأس والنصر :قال تعالى {:أ ْ
ْ َ ُ َ يَأْتِك ُ
ضَّراءُ وَُزلْزِلُوا ساءُ وَال َّ م الْبَأ َ ُ ُ ستْه م َّ َ م
ْ ن قَبْلِك ُ ْ خلَوْا ِ
م ن َ َ ل ال ّذِي مثَ م
ْ
صَر ن نَ ْ صُر اللَّهِ أََل إ ِ َّ متَى ن َ ْ ه َ معَ ُ منُوا َ نآ َ
َ
ل وَال ّذِي َ سو ُ ل الَّر ُ حتَّى يَقُو َ َ
َ
ب[[}]214سورة البقرة]. الل ّهِ قَرِي ٌ
َ
م قَد ْ كُذِبُوا ل وَظَنُّوا أنَّهُ ْ س ُ س الُّر ُ َ حتَّى إِذ َا ا ْ
ستَيْئ َ وقال تعالىَ {:
ْ
ن[مي َ جرِ ِم ْ ن الْقَوْم ِ ال ْ ُ سنَا ع َ ِ شاءُ وََل يَُرد ُّ بَأ ُ ن نَ َ م ْ ي َ ج َ صُرنَا فَن ُ ِّ م نَ ْ جاءَهُ ْ َ
ل فيها اليأس على قلب ُ ح ّ [}]110سورة يوسف] .فهذه صورة ي َ ِ
خيِّم القنوط على نفوس الصالحين، العبد ،وي ُ َ
وإنها لصورة من أشد الصور ،وأخطرها على نفوس المسلمين،
فالنصر ينزل على العباد 'عند ضيق الحال وانتظار الفرج من الله
في أحوج الوقات إليه'[تفسير ابن كثير [ .]] 2/497و'إنها لساعة
رهيبة ،ترسم مبلغ الشدة والكرب والضيق في حياة الرسل،وهم
يواجهون الكفر والعمى والصرار والجحود ،وتمُّر اليام وهم
يدعون فل يستجيب لهم إل القليل ،وتكُّر العوام والباطل في
قوته ،وكثرة أهله ،والمؤمنون في عُدَّتِهم القليلة ،وقوتهم
الضئيلة'[ في ظلل القرآن [ .]4/2035
وإنا والله لنفرح بمثل هذه الساعة-ل لذاتها معاذ الله -ولكن لما
فيها من بشائر النصر القريب ،وأمارات ظهور الفجر الواعد
..نعم ..إنها ساعة فيها يجيء النصر بعد اليأس من كل أسبابه
َ
الظاهرة التي يتعل ّق بها الناس ،وسنة الله أن في مثل هذه
الظروف التي يفقد المؤمنون فيها صبرهم ،وتتكالب عليهم
ب وصوب ،وينالهم من أهل الشر والباطل حد ْ ٍ الشدائد من كل َ
سخرية من ضعف قوتهم ،وهوانهم على الناس؛ يلمح كل أذى و ُ
المؤمنون نور النصر يلوح ،وشمسه تشرق في تمام الوضوح،
جب وشوائب ،وغزوات ح ُ م عليه من ُ خي َّ َ فيزول عن القلب ما َ
النبي صلى الله عليه وسلم فيها تبيان لهذا ..فاعتبرها .
273
-2المظلوم والنصر :الظلم شيمة من ابتله الله بالكبر
والغطرسة ،ومن هذا شأنه كان حريَّا ً بأن يناله من الله عقاب
لتقَّر عين المظلوم بنكاية الله بالظالم ،ونكاله به ،فجعل الله
دعوة المظلوم تسلك طريقها في السماء ،وتكفل الله بنصرها
ولو بعد حين ،ووَعْد ُ الله حق ،وهذه بشارة ع ُظمى ،إن نصر الله
قريب ،هذا كله في عموم الناس المسلم والكافر ،فكيف إذا كان
المظلوم أمة مسلمة لله ،والظالم لها كافر ل يؤمن بالله رباً ،ول
بمحمد نبياً ،ول بالسلم ديناً ،فأقول إن المر غاية في اليقين أن
نصر الله قريب جدا ً .
وهذه ساعة من أهم ساعات النتصار والغلبة أن يتمكن العدو من
المسلمين ،ويتحزبون عليهم من كل جانب من فوقهم ،ومن
َ َ ُ
ن بِأنَّهُ ْ
م ن يُقَاتَلُو َ ن لِل ّذِي َ تحتهم ،وعن أيمانهم ،وعن شمائلهم {..أذ ِ َ
َ َ
م لَقَدِيٌر[[}]39سورة الحج] .فما على صرِه ِ ْ ه ع َلَى ن َ ْ ن الل ّ َ موا وَإ ِ ّ ظُل ِ ُ
المؤمنين حال تلك الساعة إل الجأر بالدعاء ،والبتهال والتضرع
ل عليهم ح َّ خذِل عدوَّهم[ وي ُ ِ جل بنصرهم ،وأن ي َ ْ بين يدي الله أن يُع ِّ
غضبه وسخطه..وموعود الله قريب للمظلوم ،والويل للظالم من
عقاب الله .
ُ َ َ
صرِ:ب الن َّ ْ ج ُ ح ُرابعًاُ :
م عَذ َابًا ن كَفَُروا فَأعَذِّبُهُ ْ ما ال ّذِي َ -1حجاب الكفر:قال الله {:فَأ َّ
ن[[}]56سورة آل صري َ ن نَا ِ ِ م ْ
م ِ ما َلَهُ ْ خَرةِ وَ َ شدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَاْل ِ َ
ن[}]12[...سورة ستُغْلَبُو َ ن كَفَُروا َ ل لِل ّذِي َ عمران] .وقال تعالى {:قُ ْ
َ
صٌر[ منْت َ ِ ميعٌ ُ ج ِ ن َ ح ُ ن نَ ْ م يَقُولُو َ آل عمران] .وقال تعالى {:أ ْ
ُ
ن الدُّبَُر[[}]45سورة القمر] .هذه آيات معُ وَيُوَل ّو َ ج ْم ال ْ َسيُهَْز َُ ]44
أنزلها الله في كتابه قضى فيها أن الكفر لن يغلب السلم مهما
كانت له من القوى ،ومهما ملك من العُدَد والعَدَد ،ولقد صدق
حدَه.. جنْدَه ،وهزم الحزاب وَ ْ الله وَعْدَه ،فنصر عبده ،وأعز ُ
فمهما قامت حروب ومعارك بين المسلمين والكفار؛ فإن الغالب
هم المسلمون ،والهزيمة لحقة بالكفار ؛ وعد صادق من الله..
الكافرون سينفقون ما لديهم من أموال ورجال في حروب
طاحنة مع المسلمين ،ثم تكون عليهم حسرة ،ثم يُغْلَبُوْن على
أيدي المسلمين .
َ
ت ل يدوم؛ وإن انتصر الكفار على المسلمين فهو نصر مؤقّ ٌ
وهيهات له أن يدوم ،والله قد كتب الغلبة لدينه ورسله وأوليائه
الصالحين ،والله ل يؤيد بنصره أُمة قامت على كفر به ،وصد عن
سبيله .
َ َّ
صارٍ[ ن أن ْ َ م ْ ن ِ مي َ ما لِلظال ِ ِ -2حجاب الظلم:قال تعالى...{:وَ َ
َ
ي
ن وَل ِ ٍ ّ م ْ
م ِ ما لَهُ ْ ن َ مو َ [}]270سورة البقرة] .وقال تعالى...{:وَالظ ّال ِ ُ
274
صيرٍ[[}]8سورة الشورى] .نعم ؛ إن الله ل ينصر الظالم وََل ن َ ِ
على المظلوم بل اقتضت حكمته أنه ينصر المظلوم على الظالم
مهما كان المظلوم والظالم .
منا النصر على حر ْ
وما أكثر الظلم في المسلمين؛ والذي بسببه ُ ِ
أعدائنا ،فالظلم يمنع النصر كما في هذه اليات وكما في حديث
دعوة المظلوم وأنه ليس بينها وبين الله حجاب ،والله تعالى قد
وعد بأنه سينصرها ولوبعد حين .
فمتى طُهَِّرت المة من الظلم بجميع أنواعه وصوره؛ فإن نصر
ت ،ووعده متحقق سواء في ذلك قرب الزمن أو بعده . الله آ ٍ
ك َ
ن فِي الد ّْر ِ منَافِقِي َ ْ َ
ن ال ُ -3حجاب النفاق :قال الله تعالى...{:إ ِ ّ
َ
صيًرا[[}]145سورة النساء] .بيَّن م نَ ِ جد َ لَهُ ْ ن النَّارِ وَل َ ْ
ن تَ ِ م َ ل ِسفَ ِ اْل ْ
م منه كل منافق دخيل في الله في هذه الية أن نصَره محرو ٌ
صفوف المسلمين ،بل محروم منه كل من قَّرب المنافقين
جد َ في منه مكانا ً مرموقاً ،وجاها ً رفيعاً..إن النفاق ما وُ ِ َّ
وأنالهم
جدَقوم إل أحلهم دار البوار ،ومنعهم الخير والنصر ،وما وُ ِ
ُّ
مكَّنُوا منها العدو على المسلمين ،وأذلوا المنافقون في أرض إل َ
الصالحين من عباد الله.
مت المة من هؤلء 'المتلونين' سل ِ َ
فإذا ما طهَُرت الرض ،و َ
استحقت النصر من الله على عدوها ،وكان لها الظفر بالعدو.
منِعَ المسلمون النصر يوما ً قط إل بسبب ما كان منهم من وما ُ
ب لهم ،ومجالسة معهم ،وتمام وُ ٍدّ تقريب لهؤلء المنافقين ،وح ٍّ
لهم ..إن النفاق في هذه الزمان قد طال ريشه بين المسلمين،
مه بينهم ،ونال أهلُه من المسلمين كل ما يريدونه ،بل مقا ُ ودام ُ
مبيِّنين حالهم وضللهم الذى منهم ومن نال الصالحين ال ُ
أسيادهم .وحين تلتفت المة إلى هؤلء المجرمين ،وتبدأ بهم،
وتنكِّل بهم؛ تنعم بعد ذلك بنصر من الله مؤَّزٌر ،وبإيفاء الله وعده
لهم .
خاتمة البوابة:
في ختام الولوج من هذه البوابة العريقة..وفي نهاية المرور
ت بوضع النقاط على حروفها ،وأن بها..آمل أن أكون قد وُفِّقْ ُ
ل كبار في نفوس قومي ،وأسأل أكون قد بعثت ما مات من آما ٍ
الله تعالى أن يُحيي ما مات من آمالنا ،وأن ينصر دينه ،وكتابه،
وسنة نبيِّه صلى الله عليه وسلم ،وعباده الله الصالحين
من رسالة':بوابة النصر' للشيخ /عبد الله بن سليمان العبد الله
=================
حقيقة النتصار
275
تقدي
إن المد ل ،نمده ،ونستعينه ،ونستغفره ،ونعوذ بال من شرور أنفسنا ومن سيئات
أعمالنا ،من يهده ال فل مُضلّ له ،ومن يُضلل فل هاديَ له ،وأشهد أن ل إله إل ال
وحده ل شريك ،وأشهد أن ممدًا عبده ورسوله.
(يَا أَّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا اّتقُوا اللّهَ َح ّق ُتقَاتِ ِه وَل تَمُوتُنّ إِلّا َوَأْنتُ ْم مُسْلِمُونَ)([ )1سورة آل
س وَاحِ َد ٍة وَخََلقَعمران :الية( .]102 :يَا َأّيهَا النّاسُ اّتقُوا َرّبكُ ُم الّذِي َخَل َقكُمْ مِنْ نَ ْف ٍ
ث ِمنْهُمَا رِجَالً َكثِيا َونِسَا ًء وَاتّقُوا اللّ َه الّذِي تَسَاءَلُونَ بِ ِه وَاْلأَرْحَامَ إِنّ اللّهَ
ِمنْهَا َز ْو َجهَا َوبَ ّ
كَانَ عََلْيكُمْ رَقِيبا)([ )2سورة النساء ،الية.]1 :
(يَا أَّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا اّتقُوا اللّ َه وَقُولُوا َقوْ ًل سَدِيدا ُيصْلِحْ َلكُمْ َأعْمَاَلكُ ْم َوَيغْفِرْ َلكُمْ ُذنُوَبكُمْ
َومَ ْن يُطِعِ اللّ َه وَ َرسُولَهُ َفقَدْ فَازَ َفوْزا عَظِيما)([ )3سورة الحزاب ،اليتان.]71 ،70 :
أما بعد ،فإن أصدق الديث كتاب ال ،وأحسن الدي هدي ممد ،صلى ال عليه وسلم
وشر المور مدثاتا ،وكل مدثة بدعة ،وكل بدعة ضللة وكل ضللة ،ف النار.
وبعد:
فقد تأملت ف واقع الدعوة اليوم ،وما مرت به ف خلل هذا العصر من من وابتلءات،
ورأيت أن المة تعيش يقظة مباركة ،وصحوة ناهضة ،والدعاة يوبون الفاق،
والماعات السلمية انتشرت ف البلدان ،حت وصلت إل أوربا وأمريكا ،وقامت
حركات جهادية ف بعض بلد السلمي كأفغانستان وفلسطي وأرتييا والفلبي وغيها.
ولكن لظت أن هناك مفاهيم غائبة عن فهم كثي من السلمي ،مع أن القرآن الكري قد
بينها ،بل وفصلها ،ورأيت أن كثيا من أسباب اللل ف واقع الدعوة والدعاة ،يعود
لغياب هذه القائق.
ومن هذه الفاهيم مفهوم "حقيقة النتصار" ،حيث إن خفاءه أوقع ف خلل كبي ،ومن
ذلك :الستعجال ،والتنازل ،واليأس والقنوط ث العزلة ،وهذه أمور لا آثارها السلبية على
النهج وعلى المة.
من أجل ذلك كله عزمت على بيان هذه القيقة الغائبة ،ودراستها ف ضوء القرآن
الكري.
276
وأسأل ال التوفيق والسداد والعانة.
أهية الوضوع
تبز أهية الوضوع وسببه من خلل الفهم الاطئ لعن حقيقة انتصار الداعية ،واللط فيه
بي معن انتصار الداعية وبي انتصار الدعوة ،وظهور الدين ،حيث نتج عن هذا الفهم
وهذا اللط عدة أمور -سلبية -أهها:
-1تصور كثي من الناس أن هذا الداعية ل ينتصر ول ينجح ف دعوته؛ لنه ل يتمكن
من تقيق الهداف الت يدعو إليها ،ويسعى لتحقيقها ،ما يؤدي إل التشكيك ف منهجه،
وانصراف بعض الدعوين عنه.
-2استعجال النتائج وتقيق الهداف.
مِن ِقبَل كثي من الدعاة ،فإن بعض الدعاة إذا بدأ ف دعوته فإنه يرسم منهجًا جيدًا يسي
من خلله لتحقيق أهدافه ،ولكن إذا مضى زمن ول يتحقق شيء من ذلك ،أو تقق شيء
يرى أنه ل يساوي الهود البذولة ،فيقوم بتعديل منهجه السليم إل منهج خاطئ يستعجل
فيه الثمار ،وذلك ناتج عن تصوره الاطئ ف فهم حقيقة ما يب عليه ،وإنه إذا ل تتحقق
أهدافه فإنه ل يقم با أوجبه ال عليه ،غافل عن الفرق بي المرين ،أو جاهل لذلك.
-3النراف عن النهج.
وذلك أنه لن يصلح آخر هذه المة إل با صلح به أولا ،فالداعية ملزم بأن يلتزم بنهج
أهل السنة والماعة ،وهو ما كان عليه رسول ال ،صلى ال عليه وسلم وصحابته.
بل هو ما ورد ف الديث الصحيح " :عليكم بسنت وسنة اللفاء الراشدين الهديي من
بعدي ،تسكوا با وعضوا عليها بالنواجذ " (.)4
سبُلَ
سَتقِيما فَاّتبِعُوهُ وَل َتّتبِعُوا ال ّ
صرَاطِي مُ ْ
وهو ما نفهمه من قوله -تعالَ ( :-وَأنّ هَذَا ِ
َفَتفَ ّرقَ ِبكُ ْم عَ ْن َسبِيلِهِ)([ )5سورة النعام الية.]153 :
إل غي ذلك من اليات والحاديث الت تبي وجوب اللتزام بنهج الكتاب والسنّة.
فبعض الماعات والدعاة ،حرصًا منهم على نصر السلم ،وتصورا منهم أن ظهور الدين
وزوال الكفر والفساد مقياسا لنجاح دعوتم ،وأمام ضغط الظالي ومساوماتم،
واستعجال التباع وعدم صبهم ،يسعى هؤلء للحصول على بعض الكاسب نصرة لذا
277
الدين ودفاعا عنه ،ولكن هذا المر قد يقتضي التنازل عن بعض أصول السلم ،وهنا يأت
الداعية إل ماولة تطبيق قاعدة الصال والفاسد ،فينحرف عن النهج وهو ل يدري،
ويستسلم لساومات العداء وألعيبهم.
-4اليأس والقنوط ث العتزال.
__________
( - )1سورة آل عمران آية.102 :
( - )2سورة النساء آية.1 :
( - )3سورة الحزاب آية.71-70 :
( - )4أخرجه أحد 127 ،4/126 :وأبو داود ( )4607وابن ماجة ( )43والترمذي
( )2676وقال هذا حديث حسن صحيح.
( - )5سورة النعام آية.153 :
طريق الدعوة طريق طويل وشاق ،مليء بالعقبات والحن والبتلءات ،وقليل من الدعاة
من يتاز هذا الطريق وهو ثابت على دعوته ،ملتزم بنهجه.
وكثي من الدعاة عندما يسي ف الطريق ث يد أن العوام تضي وهو ل يقق شيئا ما
يدعو إليه ،وياول إعادة الكرة مرة بعد أخرى ،ول يرى أثرا مباشرا لدعوته ،تبدأ عنده
الشكوك والوهام ،فمرة :يتهم نفسه ،وأخرى قومه ،وثالثة :أتباعه ومؤيديه ،ث يصل ف
النهاية إل أن هؤلء القوم ل تنفع معهم دعوة ،ول يستجيبوا لداع أو نذير ،ويقول
ك هُدَاهُمْ)(- )1 س عََليْ َ
لنفسه :كفان ما كفانيا ،وعليك باصة نفسك والسلم ،و(َلْي َ
ضلّ إِذَا ا ْهتَ َدْيتُمْ)()2
[سورة البقرة ،الية ]272 :يفهمها فهما خاطئا -و(ل َيضُرّكُ ْم مَنْ َ
[سورة الائدة ،الية ]105 :يضعها ف غي موضعها.
وهنا ييئس من قومه ،ويقنط من هداية ال لم ،ث يعتزل الدعوة ويترك القوم وشأنم.
ومنشأ هذه النتيجة الت وصل إليها عدم إدراكه واستيعابه لقيقة النتصار ،وأنه قد يكون
صبه على قومه مع عدم استجابتهم أعظم له أجرا ،وذخرا ونصرا ،ما لو آمنوا با يدعو
إليه واتبعوه.
278
هذه الثار -وغيها -الت نتجت ف أغلب أحوالا عن اللط ف مفهوم النتصار ،وعدم
قدرة كثي من الدعاة التفريق بي انتصار الدين وبي انتصار الداعية.
وما سبق تتضح أهية هذا الوضوع ،وحاجة الدعاة وطلب العلم إل تليته وبيانه،
وباصة أن القرآن الكري ،قد وردت فيه آيات كثية ،تقرر مفهوم النتصار ،ومهمة
الداعية ،والفرق بي الهمة وبي النتيجة والثر.
وف الصفحات التالية تقرير لذه القيقة وتلية لا ،ومن ال نستمد العون والتأييد.
مفهوم النصر وحقيقته
حيَاةِ ال ّدنْيَا َوَيوْ َم َيقُومُ
قال ال -سبحانه وتعالِ( :-إنّا َلَنْنصُرُ ُرسَُلنَا وَالّذِينَ آمَنُوا فِي الْ َ
الَْأ ْشهَادُ)([ )3سورة غافر ،الية.]51 :
وقال -سبحانه( :-وَكَانَ َحقّا عََلْينَا َنصْ ُر الْ ُم ْؤ ِمنِيَ)([ )4سورة الروم ،الية.]47 :
وقالِ( :إنْ َتْنصُرُوا اللّ َه َيْنصُرْكُمْ)([ )5سورة ممد ،الية .]7 :وقال -جل ذكره:-
(وََليَْنصُ َرنّ اللّهُ مَ ْن يَْنصُ ُرهُ)([ )6سورة الج ،الية .]40 :وقال( :وََلقَ ْد َسبَ َقتْ َكلِ َمُتنَا
ِل ِعبَا ِدنَا الْ ُم ْرسَلِيَ ِإّنهُمْ َلهُ ُم الْ َمْنصُورُو َن َوِإنّ ُجنْ َدنَا َلهُ ُم اْلغَاِلبُونَ)( [ )7سورة الصافات،
اليات.]173 - 171 :
هذه اليات وأمثالا تدل على انتصار الداعية ،سواء أكان رسول أو أحد الؤمني ،وهذا
النتصار يكون ف الياة الدنيا قبل الخرة.
والذي علمناه من القرآن والسنة ،أن من النبياء من قتله أعداؤه ومثّلوا به ،كيحي وشعياء
وأمثالما ،ومنهم من هم بقتله قومه ،فكان أحسن أحواله أن يلص منهم حت فارقهم
ناجيا بنفسه ،كإبراهيم الذي هاجر إل الشام من أرضه مفارقا لقومه ،وعيسى الذي رفع
إل السماء ،إذ أراد قومه قتله ،وند من الؤمني من يسام سوء العذاب ،وفيهم من يلقى
ف الخدود ،وفيهم من يستشهد ،وفيهم من يعيش ف كرب وشدة واضطهاد ،فأين وعد
ال لم بالنصر ف الياة الدنيا؟ ( )8وقد طُردوا أو قتلوا أو عذبوا؟
نن نعلم يقينا ،أن وعد ال ل يتخلف أبدا ،ومنشأ السؤال والشكال أننا قصرنا النظر
على نوع واحد من أنواعه ،وهو النصر الظاهر وانتصار الدين ،ول يلزم أن يكون هذا هو
النصر الذي وعد ال به أنبياءه ورسله وعباده الؤمني.
279
وال قد وعدهم بالنصر ،وهو متحقق ل شك ف ذلك ،ول مرية ،وذلك ف الياة الدنيا
حيَاةِ ال ّدْنيَا َوَي ْومَ
قبل الخرة ،لن ال -سبحانه -قالِ( :إنّا َلنَْنصُرُ ُر ُسَلنَا وَالّذِينَ آ َمنُوا فِي الْ َ
َيقُو ُم الَْأ ْشهَادُ)([ )9غافر الية .]51 :ومن أصدق من ال قيل.
وتلية لذه القضية ،وبيانا لذا الانب ل بد من إيضاح معن النصر ،وأنه أشل ما يتبادر
إل أذهاننا ،ويسبق إل أفهامنا إن النصر له وجوه عدة ،وصور متنوعة أهها ما يلي:
__________
( - )1سورة البقرة آية.272 :
( - )2سورة الائدة آية.105 :
( - )3سورة غافر آية.51 :
( - )4سورة الروم آية.47 :
( - )5سورة ممد آية.7 :
( - )6سورة الج آية.40 :
( - )7سورة الصافات آية.173-171 :
( - )8انظر تفسي الطبي 24/74وف ظلل القرآن .5/3085
( - )9سورة غافر آية.51 :
-1أن النصر قد يكون بالغلبة الباشرة والقهر للعداء على أيدي هؤلء النبياء والرسل،
ت وَآتَاهُ اللّ ُه الْمُلْكَ
كما حصل لداود وسليمان ،عليهما السلم (وََقتَلَ دَاوُدُ جَالُو َ
حكْ َمةَ)([ )1سورة البقرة ،الية( .]251 :وَ ُكلّا آتَْينَا ُحكْما َوعِلْما) ([ )2سورة وَالْ ِ
ك سَُليْمَانَ)([ )3سورة البقرة ،الية( .]102 :قَالَ رَبّ النبياء ،الية( .]79 :عَلَى مُلْ ِ
ا ْغفِرْ لِي َوهَبْ لِي ُملْكا ل َيْنبَغِي ِلأَحَ ٍد مِ ْن َبعْدِي)([ )4سورة ص ،الية.]35 :
وكذلك موسى ،عليه السلم ،نصره ال على فرعون وقومه ،وأظهر الدين ف حياته،
صنَعُ فِ ْر َع ْونُ وََق ْومُ ُه َومَا كَانُوا َيعْ ِرشُونَ)([ )5سورة العراف.]137 ، (وَ َدمّ ْرنَا مَا كَانَ يَ ْ
جْينَاكُ ْم َوَأغْرَ ْقنَا آلَ فِ ْر َع ْونَ َوَأْنتُ ْم َتنْظُرُونَ)([ )6البقرة ،الية.]50 :
(َفأَنْ َ
ونبينا ممد ،صلى ال عليه وسلم نصره ال نصرا مؤزرا ،وأهلك أعداءه ف بدر ،وما
حنَا لَكَ َفتْحا ُمبِينا)([ )7سورة بعدها حت ظهر دين ال ،وقامت دوله السلمِ( .إنّا َفتَ ْ
280
س يَدْ ُخلُونَ فِي دِينِ اللّهِ أَ ْفوَاجا)( ت النّا َ الفتح ،الية( .]1 :إِذَا جَا َء َنصْرُ اللّ ِه وَاْل َفتْحُ َو َرأَْي َ
[ )8سورة النصر ،اليتان.]2 -1 :
وهذا النوع من النتصار هو النصر الظاهر ،وهو أول ما يتبادر إل الذهان عند إطلق
كلمة النصر ،للسباب التالية:
أ -لنه نصر ظاهر يراه الناس ويسون به.
ب -أنه هو النتصار الذي يمع بي انتصار الدين وظهوره وانتصار الداعية.
ج -أنه مبب إل النفوس ،وهو النصر العاجل" ،والنفس مولعة بب العاجل" ولذلك قال
حبّونَهَا َنصْ ٌر مِنَ اللّ ِه وََفتْحٌ قَرِيبٌ )([ )9سورة ،الصف.]13 : -سبحانهَ ( :-وأُ ْخرَى تُ ِ
-2أن النصر قد يكون بإهلك هؤلء الكذبي ،وناة النبياء والرسلي ،ومن آمن معهم،
كما حدث لنوح ،عليه السلم ،حيث ناه ال وأهلك قومهَ) ،ف َدعَا َربّهُ َأنّي َمغْلُوبٌ
حنَا َأْبوَابَ السّمَا ِء بِمَا ٍء ُمْنهَمِ ٍر وََفجّ ْرنَا اْلأَ ْرضَ ُعيُونا فَاْلَتقَى الْمَا ُء عَلَى َأمْرٍ قَدْ فَاْنتَصِرْ َف َفتَ ْ
جرِي بَِأ ْعيُِننَا َجزَاءً لِ َمنْ كَانَ ُكفِرَ)([ )10سورة ح َو ُدسُ ٍر تَ ْ قُدِ َر َوحَمَ ْلنَا ُه عَلَى ذَاتِ أَْلوَا ٍ
القمر ،اليات.]14-10 :
جْينَاهُ وَالّذِي َن َمعَهُ ِبرَحْ َم ٍة ِمنّا وَقَ َط ْعنَا دَابِ َر الّذِينَ كَ ّذبُوا بِآياتِنَا َومَا وكذلك قوم هودَ( ،فَأنْ َ
كَانُوا ُم ْؤمِنِيَ)([ )11سورة العراف ،الية.]72 :
صبَحُوا فِي دَا ِرهِمْ جَاثِ ِميَ)([ )12سورة العراف، وقوم صالَ( ،فأَخَ َذْتهُمُ الرّ ْج َفةُ َفأَ ْ
الية.]78 :
ج ِرمِيَ)([ )13سورة وقوم لوطَ ( ،وَأمْطَ ْرنَا عََلْيهِ ْم مَطَرا فَانْظُرْ َكيْفَ كَانَ عَاِقَب ُة الْمُ ْ
العراف ،الية.]84 :
ب َي ْومٍ عَظِيمٍ)([ )14سورة ب َي ْومِ الظّّلةِ ِإنّهُ كَانَ عَذَا َ وقوم شعيبَ( ،فكَ ّذبُوهُ َفأَخَ َذهُ ْم عَذَا ُ
الشعراء ،الية .]189 :إن أخذ الجرمي بالعذاب الليم نصر عظيم للداعية ،وكبت
للمكذبي والرجفي ،وال يهل ول يهمل أبدا:
ح ُة َو ِمنْهُ ْم مَنْ
صيْ َ(َفكُلّا أَخَ ْذنَا بِ َذْنبِهِ َف ِمْنهُ ْم مَنْ أَ ْرسَ ْلنَا عََليْهِ حَاصِبا َو ِمنْهُ ْم مَنْ أَ َخ َذتْهُ ال ّ
سهُ ْم يَظِْلمُونَ)( س ْفنَا بِهِ اْلأَ ْرضَ َومِْنهُ ْم مَنْ َأغْرَ ْقنَا َومَا كَانَ اللّهُ ِليَظِْل َمهُ ْم وََلكِنْ كَانُوا َأنْفُ َ خَ َ
[ )15سورة العنكبوت ،الية.]40 :
281
-3قد يكون النتصار بانتقام ال من أعدائهم ،ومكذبيهم ،بعد وفاة هؤلء النبياء
والرسل ،كما حدث مع من قتل يي- ،عليه السلم -وشعياء ،ومن حاول قتل عيسى،
عليه السلم ،قال المام الطبي ف تفسي الية:
__________
( - )1سورة البقرة آية.251 :
( - )2سورة النبياء آية.79 :
( - )3سورة البقرة آية.102 :
( - )4سورة ص آية.35 :
( - )5سورة العراف آية.137 :
( - )6سورة البقرة آية.50 :
( - )7سورة الفتح آية.1 :
( - )8سورة النصر آية.2-1 :
( - )9سورة الصف آية.13 :
( - )10سورة القمر آية.14-13-12-11-10 :
( - )11سورة العراف آية.72 :
( - )12سورة العراف آية.78 :
( - )13سورة العراف آية.84 :
( - )14سورة الشعراء آية.189 :
( - )15سورة العنكبوت آية.40 :
حيَاةِ ال ّدنْيَا)([ )1سورة غافر ،الية" ]51 :إما
(ِإنّا َلَنْنصُرُ ُرسَُلنَا وَالّذِينَ آ َمنُوا فِي الْ َ
بإعلئنا لم على من كذبنا ..أو بانتقامنا ف الياة الدنيا من مكذبيهم بعد وفاة رسولنا من
بعد مهلكهم ،كالذي فعلنا من نصرتنا شعياء بعد مهلكه ،بتسليطنا على قتلته من سلطنا
حت انتصرنا بم من قتلته ،وكفعلنا بقتلة يي من تسليطنا بتنصر عليهم حت انتصرنا به
من قتله له ،وكانتصارنا لعيسى من مريدي قتله بالروم حت أهلكناهم بم ( " )2وهذا
282
يدخل تت قوله -تعال( :-وََل ْو يَشَاءُ اللّ ُه لْنتَصَ َر ِمْنهُمْ)([ )3سورة ممد ،الية.]4 :
أي :لنتقم.
-4أن ما يتصوره الناس هزية قد يكون هو النصر القيقي ،كالقتل ،والسجن والطرد
والذى.
سبَ ّن الّذِينَ ُقِتلُوا فِي َسبِيلِ اللّهِ َأ ْموَاتا بَلْ
أليس قتل الداعية شهادة ف سبيل ال( .وَل َتحْ َ
جّنةَ قَا َل يَاأَ ْحيَا ٌء عِنْدَ َرّبهِمْ ُيرْزَقُونَ)([ )4سورة آل عمران ،الية( .]169 :قِيلَ ادْخُ ِل الْ َ
َليْتَ َق ْومِي َيعْلَمُو َن بِمَا َغفَرَ لِي َربّي وَ َجعََلنِي مِ َن الْ ُمكْ َرمِيَ)([ )5سورة يس ،اليتان:
.]27 ،26
سَنيَيْنِ)([ )6سورة التوبة ،الية .]52 :فقتل الداعية (قُ ْل هَ ْل تَ َرّبصُو َن ِبنَا إِلّا إِ ْحدَى الْحُ ْ
انتصار للداعية من عدة جوانب ،أهها:
سبَ ّن الّذِينَ ُقتِلُوا فِي َسبِيلِ اللّهِ َأ ْموَاتا
(أ) الشهادة ،وهي من أعظم أنواع النتصار( ،وَل تَحْ َ
ي بِمَا آتَاهُمُ اللّ ُه مِنْ َفضْلِهِ)([ )7سورة آل عمران، بَلْ أَ ْحيَا ٌء عِنْدَ َرّبهِمْ ُيرْزَقُونَ َفرِ ِح َ
اليتان.]170 ،169 :
(ب) انتصار النهج وظهوره ،كما حدث لعبد ال الغلم عندما قتله اللك ،فقال قوم:
"آمنا بال رب الغلم" (.)8
وند ف العصر الاضر سيد قطب -رحه ال -كان قتله انتصارا لنهجه الذي عاش من
أجله ،ومات ف سبيله ،حت قال أحد الشيوعيي وهو ف سجنه :إنن أتن أن أقتل كما
قتل سيد وينتشر مبدئي وكتب كما انتشرت كتب سيد قطب.
بل إننا وجدنا مطابع النصارى ف لبنان تسارع إل طباعة ونشر كتب سيد -يرحه ال-
كالظلل ،والعال ،وخصائص التصور السلمي ،لا تدره من أرباح هائلة ،نظرا لكثرة
القراء والستفيدين.
وهذا ما قصده سيد عندما قال :إن كلماتنا وأقوالنا تظل جثثا هامدة حت إذا متنا ف
سبيلها وغذيناها بالدماء عاشت وانتفضت بي الحياء.
283
(ج) الذكر الطيب بعد وفاته ،قال إبراهيم ،عليه السلم( ،وَا ْجعَلْ لِي لِسَانَ صِ ْدقٍ فِي
الْآخِرِينَ)([ )9سورة الشعراء ،الية .] 84 :والقتول ف سبيل ال له ذكر طيب عند
الؤمني ،وهذا أمر مشاهد ومسوس.
وكذلك الطرد والخراج ،قد يكون انتصارا للداعية ،حي يتصور كثي من الناس أن هذا
هزية له ،ولذا فإن ال -جل وعل -قال عن رسوله ،صلى ال عليه وسلم حي أخرجته
قريش من مكة( .إِ ّل َتنْصُرُوهُ َفقَ ْد َنصَ َرهُ اللّهُ إِذْ أَ ْخرَجَ ُه الّذِينَ َكفَرُوا ثَاِنيَ اْثَنيْنِ ِإ ْذ هُمَا فِي
الْغَارِ)([ )10سورة التوبة ،الية.]40 :
ول شك أن خروجه من مكة كان انتصارا من عدة أوجه ،أهها:
( )1أن ال ناه من الشركي ،وحاه منهم ،وأعماهم عنه ،حيث أرادوا قتله.
(ب) أن الدعوة انتقلت إل بيئة أخرى تميها وتؤازرها بدل أن كان رسول ال ،صلى ال
عليه وسلم ماربا مطاردا ،وأصحابه يعذبون ويقتلون ،ول يتمكنون من إظهار عبادتم ل
كما حدث لم ف الدينة.
(ج) قيام دولة السلم ف الدينة ،وانطلقة الهاد بعد ذلك ،ث بدء دخول الناس ف دين
ال أفواجا.
وكذلك ند أن هجرة الصحابة للحبشة كانت انتصارا لم ،وكبتا لعدائهم ،ولذلك
لحقتهم قريش إل هنالك ،ولكنهم عادوا خائبي حيث حاهم النجاشي ،بل أسلم ودخل
ف دين ال !!
وقل مثل ذلك عن السجن والتعذيب والذى ،فإن انطلقة الداعية قد تكون بداية من
سجنه أو إيذائه.
فهذا داعية اتم ف عرضه من قبل أعدائه ،وتصور كثي من الناس أن هذا الداعية قد
انتهى ،ولن يكون له شأن بعد اليوم ،ولكن كانت هذه التهمة انطلقة كبى لذا الداعية،
من عدة أوجه:
( )1انتصر على نفسه حيث عرف أن رهبة السجن أكب من حقيقته ،حيث أدخل السجن
مرتي ،فأصبحت لديه مناعة من الوف أو الرهبة من غي ال.
(ب) تكشف له الباطل ،وعرف زيف بعض من كان يتلبس بالق تويها وخداعا.
284
(جـ) عرف صديقه من عدوه ،وكما قال الشاعر:
جزى ال الشدائد عن كل خي ...عرفت با صديقي من عدوي
__________
( - )1سورة غافر آية.51 :
( - )2تفسي الطبي .24/74
( - )3سورة ممد آية.4 :
( - )4سورة آل عمران آية.169 :
( - )5سورة يس آية.27-26 :
( - )6سورة التوبة آية.52 :
( - )7سورة آل عمران آية.170-169 :
( - )8قطعة من قصة أصحاب الخدود أخرجها مسلم ( )3005من حديث صهيب.
( - )9سورة الشعراء آية.84 :
( - )10سورة التوبة آية.40 :
(د) زاد عدد طلبه ومبيه ،وكثر الستمعون للحق الذي يدعو إليه ،فأصبحوا عشرات
اللف بل ويزيدون.
(هـ) كبت ال أعداءه وخصومه ،وترعوا كأس الزية وهم ينظرون.
أليس هذا هو النتصار ف الياة الدنيا قبل الخرة؟! (وََلكِ ّن الْ ُمنَاِفقِيَ ل َيعَْلمُونَ)()1
[سورة النافقون ،الية .]8 :وقبل أن نغادر هذا النوع من أنواع النتصار ،ل بد من
الوقوف أمام حقيقة تفى على الكثيين ،وهي نوع من أنواع انتصار الداعية ،ذلك أن
الداعية عندما يقتل أو يسجن أو يؤذى أو يطرد فإن خصمه قد ذاق ألوان الذى العنوي
والعذاب النفسي قبل أن يقدم على ما أقدم عليه ،بل وأحيانا بعد أن يفعل فعلته ،فإنه ل
يد للراحة مكانا ،ول للسعادة طعما ،ولذا فإن الجاج بن يوسف عند ما قتل سعيد بن
جبي ،ذاق ألوان العذاب النفسي حت كان ل يهنأ بنوم ،ويقوم من فراشه فزعا ويقول :ما
ل ولسعيد ،حت مات وهو ف هه وغمه.
285
ولذا جاء القرآن معبا عن هذه القيقة ،كما ف سورة آل عمران ،فقال -سبحانه:-
ت الصّدُورِ ( َوإِذَا خََلوْا عَضّوا عََلْيكُ ُم اْلأَنَامِ َل مِ َن اْل َغيْظِ قُلْ مُوتُوا ِب َغيْ ِظكُمْ إِنّ اللّ َه عَلِي ٌم بِذَا ِ
صبِرُوا َوَتّتقُوا ل َيضُرّكُمْ س ْؤهُمْ َوإِ ْن ُتصِْبكُ ْم َسيَّئ ٌة َيفْرَحُوا ِبهَا َوِإنْ َت ْ سَن ٌة تَ ُ
سكُمْ حَ َ إِ ْن تَمْسَ ْ
َكيْ ُدهُمْ شَيْئا إِنّ اللّ َه بِمَا َيعْمَلُو َن مُحِيطٌ)([ )2سورة آل عمران ،اليتان.]120 ،119 :
وقال -سبحانه( :-وَ َردّ اللّ ُه الّذِينَ َكفَرُوا ِب َغيْ ِظهِمْ لَ ْم َينَالُوا َخيْرا)([ )3سورة الحزاب،
الية.]25 :
بينما ند الداعية يعيش ف سعادة وهناء ،قال المام الطبي ف قوله -تعال( :-وََلقَدْ
َسبَ َقتْ كَلِ َمُتنَا ِلعِبَا ِدنَا الْ ُم ْرسَلِيَ ِإّنهُمْ َلهُ ُم الْ َمْنصُورُو َن َوإِنّ ُجنْ َدنَا َلهُ ُم اْلغَاِلبُونَ)()4
[سورة الصافات ،اليات ]173 - 171 :قال :كان بعض أهل العربية يتأول ذلك،
ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا الرسلي بالسعادة ( )5وهذا -أيضا -معن حديث رسول ال،
صلى ال عليه وسلم " عجبا لمر الؤمن أن أمره كله خي -وليس ذلك لحد إل
للمؤمن -إن أصابته سراء شكر فكان خيا له ،وإن أصابته ضراء صب فكان خيا له " (
.)6
ولذلك قال شيخ السلم معبا عن هذه القيقة :ماذا ينقم من أعدائي؟ أنا جنت وبستان
ف صدري ،قتلي شهادة ،ونفي سياحة ،وسجن خلوة.
وهو ما عناه أحد الزهاد عندما قال :لو يعلم اللوك وأبناء اللوك ما نن فيه من اللذة
والنعيم لالدونا عليه بالسيوف.
وهنا ندرك من النتصر ومن النهزم ،وأن النتصار والزية أبعد معن ما يراه الناس ف
الظاهر ،بل هناك حقائق قد ل تدرك بالعيون ،وصدق من قال:
اصب على مضض السو
فالنار تأكل نفسها ...د فإن صبك قاتله
إن ل تد ما تأكله
-5أن ثبات الداعية على مبدئه ،هو انتصار باهر ،وفوز ساحق ،حيث يعلو على
الشهوات والشبهات ،ويتاز العقبات بشجاعة وثبات ،بل إنه ل يكن أن يتحقق النتصار
الظاهر إل بعد تقق هذا النتصار ،فإبراهيم ،عليه السلم ،وهو يلقى ف النار كان ف قمة
286
جعَ ْلنَاهُ ُم الَْأ ْسفَلِيَ)()7
انتصار( ،قَالُوا اْبنُوا لَ ُه بُْنيَانا َفأَْلقُوهُ فِي الْجَحِيمِ َفأَرَادُوا بِهِ َكيْدا َف َ
[سورة الصافات ،اليتان.]98 ،97 :
والمام أحد -رحه ال -عندما ثبت على مبدئه ف منة القول بلق القرآن ،ورفض
الستجابة لميع الضغوط وماولت التراجع كان ف قمة انتصاره.
وأصحاب الخدود وهم يلقون ف النار ،ول يقبلون الساومة على دينهم ،ويفضلون
الوت ف سبيل ال كانوا هم النتصرينَ ( ،ومَا َنقَمُوا ِمنْهُمْ إِلّا َأنْ ُيؤْ ِمنُوا بِاللّ ِه اْلعَزِيزِ
الْحَمِيدِ)([ )8سورة البوج ،الية.]8:
وند هذا العن من معان النتصار ف الديث الذي رواه خباب عندما جاء إل رسول
ال ،صلى ال عليه وسلم وقال له :أل تستنصر لنا ،أل تدعو لنا؟ قال " :كان الرجل فيمن
قبلكم يفر له ف الرض فيجعل فيه فيجاء بالنشار فيوضع على رأسه فيشق بأثنتي وما
يصده ذلك عن دينه ،ويشط بأمشاط الديد ما دون لمه من عظم أو عصب وما يصده
ذلك عن دينه " ( )9الديث.
فبي ،صلى ال عليه وسلم أن النتصار هو الثبات على الدين ،وعدم التراجع مهما كانت
العقبات والعوقات.
__________
( - )1سورة النافقون آية.8 :
( - )2سورة آل عمران آية.120-119 :
( - )3سورة الحزاب آية.25 :
( - )4سورة الصافات آية.173-172-171 :
( - )5تفسي الطبي .23/114
( - )6أخرجه مسلم (.)3999
( - )7سورة الصافات آية.98-97 :
( - )8سورة البوج آية.8 :
( - )9أخرجه البخاري (.)3612
287
- 6أن النصر قد يكون بقوة الجة ،وصحة البهان ،قال المام الطبي ف قوله تعال) :
وََلقَ ْد َسبَ َقتْ َكلِ َمُتنَا ِلعِبَا ِدنَا الْ ُم ْرسَلِيَ ِإّنهُمْ َلهُ ُم الْ َمْنصُورُونَ)([ )1سورة الصافات،
اليتان .]172 ،171 :يقول -تعال ذكره -ولقد سبق منا القول لرسلنا أنم لم
النصورون ،أي مضى بذا منا القضاء والكم ف أم الكتاب ،وهو أنم لم النصرة والغلبة
بالجج.
قال السديِ( :إّنهُمْ َلهُ ُم الْ َمْنصُورُونَ)( )2بالجج)3( .
ج َع ْلنَاهُ ُم اْلَأسْفَِليَ)( )4أي فجعلنا قوم وقال الطبي ف قوله -تعالَ( :-فأَرَادُوا بِهِ َكيْدا فَ َ
إبراهيم الذلي حجة ،وغلبنا إبراهيم عليهم بالجة.)5( .
جُتنَا آَتيْنَاهَا إِبْرَاهِي َم عَلَى َق ْومِ ِه نَرَْفعُ
وكذلك ند هذا العن ف قوله -تعالَ ( :وتِلْكَ حُ ّ
ت مَ ْن نَشَاءُ)([ )6سورة النعام ،الية .]83 :والرفع هو النتصار. دَ َرجَا ٍ
وكذلك ف سورة البقرة بعد أن ذكر ال ماجة الذي كفر لبراهيم ف ربه ،قال ال
ت الّذِي َكفَرَ)([ )7سورة البقرة ،الية .]258 :والبهت هو الزية ،أي -تعالَ( -فُب ِه َ
انزم الكافر وانتصر إبراهيم بالجة والبهان.
إذن فانتصار الداعية بقوة حجته هو انتصار حقيقي ،بل هو وسيلة من أهم وسائل انتصار
الدين وظهوره.
-7أن انتصار الداعية ،غي مصور ف زمان أو مكان ،فزمانه الياة الدنيا ث الخرة،
ومكانه أرض ال الواسعة.
ولذا فقد يضطهد الداعية ف مكان وينتصر ف مكان آخر ،كما حدث لنبينا ممد ،صلى
ال عليه وسلم فقد اضطهد ف مكة ،ث انتصر ف الدينة أول ث ف مكة ثانيا.
وموسى ،عليه السلم ،اضطهد ف أرض فرعون وانتصر بعد ذلك ف مكان آخر ،وقد
يضطهد الداعية ف زمان ،ث ينتصر ف زمان آخر .كما حدث لشيخ السلم ابن تيمية،
فمات ف سجنه -رحه ال -ولكن انتصرت دعوته أعظم النتصار بعد عدة قرون من
وفاته ول تزال.
وهذا أمر معلوم ومشاهد ،فكم من داعية هزم ف مكان وانتصر ف مكان آخر ،وأوذي ف
زمان وانتصر ف زمان آخر ،سواء ف حياته أو بعد وفاته.
288
-8أخيا ،فإن النصر قد يكون بالنع ،أي بماية الداعية ومنع أعدائه من الوصول إليه،
قال -سبحانه( :-وَل هُ ْم ُيْنصَرُونَ)([ )8سورة البقرة ،الية .]48 :أي ينعون ()9
سَتهْزِئيَ)( شرِكِيَ ِإنّا َكفَْينَاكَ الْمُ ْ
ع بِمَا ُت ْؤمَ ُر َوَأعْ ِرضْ عَ ِن الْمُ ْ وقال -جل وعل( :-فَاصْ َد ْ
[ )10سورة الجر ،الية.]95 ،94 :
قال المام الطبي ف معن هذه الية :فاصدع بأمر ال ،ول تف شيئا سوى ال ،فإن ال
كافيك من ناصبك وآذاك ،كما كفاك الستهزئي.)11( .
ك مِ َن النّاسِ)([ )12سورة الائدة ،الية.]67 : وقال -سبحانه( :-وَاللّ ُه َي ْعصِمُ َ
هذه بعض أوجه النصر ،بل أهم أنواع النصر ،ولو تأملنا ف هذه الوجه ث نظرنا إل سية
النبياء والرسل ،عليهم وعلى نبينا أفضل الصلة والسلم ،لوجدنا أن كل واحد منهم قد
تقق له نوع من هذه النواع أو أكثر من نوع ،كما حدث لنبينا ممد ،صلى ال عليه
وسلم فقد انتصر بظهور الدين وتامه ،وانتصر بإهلك من كذبه ف بدر وما بعدها،
وانتصر ،وهو يرج من مكة ،وانتصر بالجة والبهان ،وانتصر بالنع من العداء ،وانتصر
ف مكان غي بلده ،وانتصر بالثبات على دين ال والصدع بكلمة الق( ،وََلوْل أَ ْن َثّبتْنَاكَ
ت تَرْكَنُ إَِلْيهِ ْم َشيْئا َقلِيلً)([ )13سورة السراء ،الية.]74 : َلقَدْ كِدْ َ
ويتفاوت النبياء والرسل ،عليهم السلم ،ف النتصارات الت حققوها ،ولكن وعد ال قد
تقق لم (وََلقَ ْد َسبَ َقتْ كَلِ َمُتنَا ِل ِعبَا ِدنَا الْ ُم ْرسَلِيَ ِإّنهُمْ َلهُ ُم الْ َمْنصُورُو َن َوِإنّ ُجنْ َدنَا َلهُمُ
الْغَاِلبُونَ)([ )14سورة الصافات ،اليات.]173 ،172 ،171:
وكذلك كل مؤمن صادق فسيتحقق له النتصار ،سواء ف حياته أم بعد ماته تقيقا لوعد
حيَاةِ ال ّدنْيَا َوَي ْومَ َيقُومُ اْلَأ ْشهَادُ)([ )15سورة الِ( :إنّا َلَنْنصُرُ ُرسَُلنَا وَالّذِينَ آ َمنُوا فِي الْ َ
غافر ،الية.]51 :
ومن خلل ما سبق يتضح لنا الفهوم الشامل للنتصار ،وأنه ل يوز لنا أن ندد نوع
النتصار الذي نريده.
__________
( - )1سورة الصافات آية.172-171 :
( - )2سورة الصافات آية.172 :
289
( - )3تفسي الطبي .23/114
( - )4سورة الصافات آية.98 :
( - )5تفسي الطبي .23/75
( - )6سورة النعام آية.83 :
( - )7سورة البقرة آية.258 :
( - )8سورة البقرة آية.48 :
( - )9انظر تفسي الطبي 1/269وهو قول لبن عباس.
( - )10سورة الجر آية.95-94 :
( - )11تفسي الطبي .14/69
( - )12سورة الائدة آية.67 :
( - )13سورة السراء آية.74 :
( - )14سورة الصافات آية.173-172-171 :
( - )15سورة غافر آية.51 :
فالمر ل من قبل ومن بعد ،ولسنا سوى عبيد له ،سبحانه ،نسعى لتحقيق عبوديته ،ومن
كمال العبودية أن نعلم ونوقن يقينا جازما ل شك فيه أن وعد ال متحقق ل مالة ،ولكننا
قد ل ندرك حقيقة هذا المر لكمة يعلمها ال ،وقد يتأخر النصر ابتلء وامتحانا،
وصدق ال العظيم( :وَكَانَ َحقّا عََلْينَا نَصْ ُر الْ ُم ْؤ ِمنِيَ)([ )1سورة الروم ،الية.]47 :
ما مهمتنا ؟
من أجل أن نفقه حقيقة النتصار ل بد من أن نعرف الهمة الت كلفنا ال با فبمقدار
القيام بذه الهمة يتحقق النتصار.
هل مهمتنا أن نقوم بداية الناس؟ أو مهمتنا أن نسعى وند ف دعوة الناس للهداية
واليان؟.
هل مهمتنا أن نب الناس على اليان؟ أو مهمتنا أن نبي لم الطريق إل اليان؟ إن مهمة
النبياء والرسل والدعاة تتلخص ف كلمة واحدة ،إنا :البلغ.
بل إن مسئوليتهم مصورة ف هذا الانب وحده.
290
واليات ف هذا كثية ،جاءت مقررة لذه القيقة ،الت تغيب عن أذهان كثي من الدعاة
والصلحي.
غ الْ ُمبِيُ)( ونقف قليل مع بعض هذه اليات :قال -سبحانهَ( :-فهَ ْل عَلَى ال ّرسُلِ إِلّا اْلبَل ُ
[ )2سورة النحل ،الية .]35 :وقالَ ( :ومَا عَلَى ال ّرسُولِ إِلّا اْلبَلغُ الْ ُمبِيُ)([ )3سورة
النور ،الية .]54 :وقال ف سورة الشورى( :فَِإنْ َأعْرَضُوا فَمَا أَ ْرسَ ْلنَاكَ عََلْيهِمْ َحفِيظا ِإنْ
عََليْكَ إِلّا اْلبَلغُ)([ )4سورة الشورى الية .]48 :وف سورة أخرى( :فَِإ ْن َتوَلّْيتُمْ فَِإنّمَا
غ الْ ُمبِيُ)([ )5سورة التغابن ،الية ]12 :وف الائدة( :فَِإ ْن َتوَّليْتُمْ عَلَى َرسُولِنَا اْلبَل ُ
فَاعْلَمُوا َأنّمَا عَلَى َرسُوِلنَا الْبَلغُ الْ ُمبِيُ)([ )6سورة الائدة ،الية.]92 :
ك اْلبَلغُ)([ )7سورة آل قال المام الطبي ف قوله -تعالَ ( :-وِإنْ َتوَّلوْا فَِإنّمَا عََليْ َ
عمران ،الية .]20 :إن أدبروا معرضي عما تدعوهم إليه من السلم ،وإخلص التوحيد
ل رب العالي ،فإنا أنت رسول مبلغ ،وليس عليك غي إبلغ الرسالة إل من أرسلتك
إليه من خلقي ،وأداء ما كلفتك من طاعت (.)8
وقال ابن عاشور ف الية نفسها :وإن تولوا وأعرضوا عن قولك لم :آسلمتم ،فليس
ك اْلبَلغُ)( )9وقع موقع عليك من إعراضهم تبعة ،فإنا عليك البلغ ،فقوله( :فَِإنّمَا عََليْ َ
جواب الشرط ،وهو ف العن علة الواب ،فوقوعه موقع الواب إياز بديع ،أي ل تزن،
ول تظنن أن عدم اهتدائهم ،وخيبتك ف تصيل إسلمهم ،كان لتقصي منك ،إذ ل تبعث
إل للتبليغ ،ل لتحصيل اهتداء البلغ إليهم (.)10
ومن أجل تأكيد هذه القيقة ،وهي أن مهمة النبياء والرسل هي البلغ ،جاءت آيات
أخرى تبي أن هداية الناس ليست ل للنبياء ول للرسل ول لغيهم ،قال -سبحانه:-
(وََلوْ شَاءَ َربّكَ لَآمَ َن مَنْ فِي اْلأَ ْرضِ كُّل ُهمْ جَمِيعا أََفأَْنتَ تُكْ ِر ُه النّاسَ َحتّى َيكُونُوا
ُم ْؤمِنِيَ)([ )11سورة يونس ،الية .]99 :وقال -جل وعل ِ( :-إنّكَ ل َتهْدِي مَنْ
ت وََلكِنّ اللّ َه َيهْدِي مَنْ يَشَاءُ)([ )12سورة القصص ،الية .]56 :وقال( :فََلعَلّكَ أَ ْحَببْ َ
ك عَلَى آثَا ِرهِمْ ِإنْ لَ ْم ُي ْؤمِنُوا ِبهَذَا الْحَدِيثِ َأسَفا)([ )13سورة الكهف ،الية: بَاخِ ٌع َنفْسَ َ
ك بَا ِخ ٌع َنفْسَكَ أَلّا َيكُونُوا ُم ْؤ ِمنِيَ)([ )14سورة الشعراء ،الية.]3 : .]6ومثلهاَ() :لعَلّ َ
سرَاتٍ)([ )15سورة فاطر ،الية.]8 : ك عََلْيهِمْ حَ َ وف سورة أخرى( :فَل تَ ْذ َهبْ َنفْسُ َ
291
ح ّق مِنْ َرّبكُمْ فَمَنْ وتتحدد مهمتنا بقول الق -وهو البلغ -كما ف هذه الية( :وَقُ ِل الْ َ
شَاءَ فَ ْلُي ْؤمِ ْن َومَنْ شَاءَ َف ْلَيكْفُرْ)([ )16سورة الكهف ،الية.]29 :
ضهُمْ فَِإنِ ا ْستَ َطعْتَ َأنْ َتْبَتغِيَ
ونتم هذه اليات باتي اليتيَ ( :وِإنْ كَانَ َكبُ َر عََليْكَ ِإعْرَا ُ
َنفَقا فِي الْأَ ْرضِ َأوْ ُسلّما فِي السّمَاءِ َفتَ ْأِتَيهُمْ بِآَي ٍة وََلوْ شَاءَ اللّهُ َلجَ َم َعهُ ْم عَلَى اْلهُدَى فَل
تَكُونَ ّن مِ َن الْجَاهِلِيَ)([ )17سورة النعام ،الية.]35 :
أما آية الذاريات فجاءت مؤكدة العن بأسلوب آخرَ( :فَتوَ ّل َعْنهُمْ فَمَا َأْنتَ بِ َملُومٍ َوذَكّرْ
فَِإنّ الذّ ْكرَى َتنْفَ ُع الْ ُم ْؤ ِمنِيَ)([ )18سورة الذاريات ،اليتان.]55 ،54 :
__________
( - )1سورة الروم آية.47 :
( - )2سورة النحل آية.35 :
( - )3سورة النور آية.54 :
( - )4سورة الشورى آية.48 :
( - )5سورة التغابن آية.12 :
( - )6سورة الائدة آية.92 :
( - )7سورة آل عمران آية.20 :
( - )8انظر تفسي الطبي .3/215
( - )9سورة آل عمران آية.20 :
( - )10التحرير والتنوير .3/205
( - )11سورة يونس آية.99 :
( - )12سورة القصص آية.56 :
( - )13سورة الكهف آية.6 :
( - )14سورة الشعراء آية.3 :
( - )15سورة فاطر آية.8 :
( - )16سورة الكهف آية.29 :
( - )17سورة النعام آية.35 :
292
( - )18سورة الذاريات آية.55-54 :
هذه بعض اليات الت وردت ف كتاب ال مددة مهمة النبياء والرسل والدعاة ،ونافية
أي مهمة أخرى قد يتصور الدعاة أنا من مسئوليتهم ،وهي ليست كذلك.
إن مهمتنا هي البلغ ،وليس الكراه ،والسعي لداية الناس ،وليس تقيق هدايتهم ،واتاذ
الطوات والسبل الشروعة لتغيي الواقع السيئ ،ل تغيي الواقع.
إننا عندما ندرك هذه القائق ،ونتعامل معها ،نفهم حقيقة النصر الذي نسعى للفوز به،
ونعلم من النتصر ومن الهزوم ،وعندما تغيب هذه السس والصول والنطلقات قد ييد
الداعية عن الطريق ،ويشى أن يكون من قال ال فيهُ) :ق ْل هَ ْل نَُنّبئُكُ ْم بِاْلأَخْسَرِينَ َأعْمَالً
صنْعا) ( [ )1سورة سنُونَ ُ سبُونَ َأّنهُمْ يُحْ ِ
حيَاةِ ال ّدْنيَا َوهُ ْم يَحْ َ
الّذِينَ ضَ ّل َس ْعيُهُمْ فِي الْ َ
الكهف ،اليتان ]104 ،103 :وإن كانت هاتان اليتان ف الكفار ،فإن معناها قد
يشمل ف بعض مدلوله أولئك.
أمثلة من القرآن
ص سي تأصيل لذا الفهوم ،ومزيد بيان لذه القضية ،سأختار أمثلة من كتاب ال ،تق ّ
النبياء والرسلي وبعض الدعاة من المم السابقة ،حيث يتضح من خلل هذه القصص،
النهج الذي سلكه أولئك ،والنتائج الت حققوها ،ليكون عبة ونباسًا لنا ومن يأت بعدنا.
وسأعرض كل قصة بالقدر الذي أرى أنه يقق الغرض من إيرادها ،مقتصرًا على أبرز هذه
القصص ،وأقربا صلة بوضوعنا.
-1قصة نوح
ذكر ال -سبحانه وتعال -نوحا ،عليه السلم ،ف تسع وعشرين سورة من سور القرآن،
وقد جاء ف بعضها ف أكثر من موضع ،ومنها سورة نزلت بكاملها ف نوح وقومه ،وهي
سورة نوح.
إن قصة نوح مع قومه قصة عظيمة مليئة ،بالدروس والعب ،وما يكسبها أهية خاصة ما
تيزت به ،ومن ذلك:
(أ) أن نوح ،عليه السلم ،أول رسول إل البشر ،وكل أول له خصوصيته وميزته.
(ب) طول الدة الت قضاها ف قومه ،حيث مكث ( )950سنة.
293
(جـ) أن نوحا ،عليه السلم ،من أول العزم من الرسل.
(د) كثرة وروده ف القرآن ،حيث ورد ( )43مرة .ف ( )29سورة من سور القرآن ،أي
ف ربع سور القرآن -تقريبا (.)2
وسأذكر بعض اليات الت وردت تقص علينا سية نوح مع قومه ،ث أقف بعض الوقفات
حولا:
قال -سبحانه وتعال -ف سورة العرافَ( :لقَدْ أَ ْرسَ ْلنَا نُوحا إِلَى َق ْومِهِ َفقَا َل يَا َق ْومِ ا ْعبُدُوا
ف عََلْيكُ ْم عَذَابَ َيوْ ٍم عَظِيمٍ)([ )3سورة العراف ،الية: اللّ َه مَا َلكُمْ مِنْ إِلَهٍ َغيْ ُرهُ ِإنّي أَخَا ُ
.]59
هذا جوهر دعوة نوح ،حيث دعاهم إل عبادة ال وتوحيده ،وحذرهم من مغبة مالفته.
وتأت مرحلة أخرى يواجه فيها قومه بعد استكبارهم وعدم استجابتهم ،قال -سبحانه-
ف سورة يونس( :وَاتْلُ عََلْيهِ ْم َنَبأَ نُوحٍ ِإذْ قَالَ ِل َق ْومِهِ يَا َق ْومِ ِإنْ كَانَ َكبُ َر عََلْيكُمْ َمقَامِي
َوتَذْكِيِي بِآياتِ اللّهِ َفعَلَى اللّ ِه َتوَكّ ْلتُ َفأَجْ ِمعُوا َأمْرَكُ ْم َوشُرَكَاءَكُ ْم ثُ ّم ل َيكُنْ َأمْرُكُمْ
عََليْكُ ْم غُ ّم ًة ثُ ّم ا ْقضُوا إَِليّ وَل ُتنْظِرُونِ)([ )4سورة يونس ،الية.]71 :
وتأت أطول قصة لنوح مع قومه ف سورة هود ،حيث حاجهم وجادلم وبي لم طريق
ت مِنَ الداية ،حت قالوا( :يَا نُوحُ قَدْ جَادَْلَتنَا َفأَكْثَرْتَ جِدَاَلنَا َف ْأِتنَا بِمَا َتعِ ُدنَا ِإنْ ُكنْ َ
الصّادِِقيَ)([ )5سورة هود ،الية.]32 :
ث يبي ال له النهاية ف هؤلء ( َوأُو ِحيَ إِلَى نُوحٍ َأنّهُ لَنْ ُيؤْمِ َن مِنْ َق ْومِكَ إِلّا مَنْ قَدْ آمَنَ
ك ِبأَ ْعيُِننَا َووَ ْحِينَا وَل تُخَا ِطْبنِي فِي الّذِي َن ظََلمُوا صنَ ِع اْلفُلْ َ فَل تَْبَتِئسْ بِمَا كَانُوا َي ْفعَلُونَ وَا ْ
ِإنّهُ ْم ُمغْرَقُونَ)([ )6سورة هود ،اليتان.]37 ،36 :
ونقف بعض الوقفات الهمة حول قصة نوح ،ما له ارتباط بوضوعنا:
ف َسَنةٍ إِلّا
-1كم لبث نوح ف قومه؟ (وََلقَدْ أَ ْرسَ ْلنَا نُوحا إِلَى َق ْومِهِ فََلِبثَ فِيهِمْ أَلْ َ
ي عَاما)([ )7سورة العنكبوت ،الية.]14 : س َ خَمْ ِ
-2ما هي الساليب الت اتذها نوح لتبيلغ رسالة ربه؟ لقد اتذ كل وسيلة مشروعة ف
ل َوَنهَارا َفلَ ْم يَ ِز ْدهُمْ ُدعَائي ماولة لدايتهم وتعبيدهم ل؛ (قَالَ رَبّ ِإنّي َدعَوْتُ َق ْومِي َلْي ً
شوْا ِثيَاَبهُمْ
إِلّا فِرَارا َوِإنّي كُلّمَا َد َع ْوتُهُمْ ِلَت ْغفِرَ َلهُمْ َجعَلُوا أَصَاِب َعهُمْ فِي آذَانِهِ ْم وَا ْستَغْ َ
294
َوأَصَرّوا وَا ْستَ ْكبَرُوا ا ْسِتكْبَارا ثُمّ ِإنّي َد َعوُْتهُمْ ِجهَارا ثُمّ ِإنّي َأعَْلنْتُ َلهُ ْم َوَأسْرَرْتُ َلهُمْ
ِإسْرَارا)([ )8سورة نوح ،اليات.]9-5 :
-3ماذا كانت النتيجة من هؤلء؟:
__________
( - )1سورة الكهف آية.104-103 :
( - )2لن سور القرآن ( ،)114و ( )29ربع (.)116
( - )3سورة العراف آية.59 :
( - )4سورة يونس آية.71 :
( - )5سورة هود آية.32 :
( - )6سورة هود آية.37-36 :
( - )7سورة العنكبوت آية.14 :
( - )8سورة نوح آية.9-8-7-6-5 :
(قَالُوا َأُن ْؤمِنُ لَكَ وَاّتَبعَكَ اْلأَرْذَلُونَ)([ )1سورة الشعراء ،الية ]111 :ث قالواَ( :لئِنْ لَمْ
َتنْتَ ِه يَا نُوحُ َلتَكُونَ ّن مِ َن الْمَرْجُومِيَ)( )2سورة [الشعراء ،الية.]116 :
-4من آمن مع نوح؟ ل يؤمن معه إل قليل ،حت إن زوجته ل تؤمن به ،وكذلك أحد
أبنائه ،ولنقرأ هذه اليات:
(قُ ْلنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلّ َزوْ َجيْ ِن اثَْنيْ ِن َوأَهْلَكَ إِلّا مَ ْن َسبَ َق عََليْ ِه اْلقَوْ ُل َومَنْ آمَ َن َومَا آمَنَ
َمعَهُ إِلّا َقلِيلٌ)([ )3سورة هود ،الية.]40 :
( َونَادَى نُوحٌ َربّهُ َفقَالَ رَبّ إِ ّن ابْنِي مِنْ أَهْلِي َوِإنّ َوعْ َدكَ الْحَ ّق َوَأنْتَ أَ ْحكَ ُم الْحَاكِ ِميَ)(
[ )4سورة هود ،الية( ].45 :قَا َل يَا نُوحُ ِإنّهُ َلْيسَ مِنْ َأهْلِكَ ِإنّ ُه عَمَ ٌل َغيْرُ صَالِحٍ )()5
[سورة هود ،الية.]46 :
حتَ َعبْ َديْ ِن مِ ْن ِعبَا ِدنَا
ح وَامْ َرأَتَ لُوطٍ كَاَنتَا تَ ْ(ضَرَبَ اللّ ُه َمَثلً لِلّذِينَ َكفَرُوا امْ َرأَتَ نُو ٍ
حيْنِ َفخَاَنتَاهُمَا َفلَ ْم ُي ْغنِيَا َعْنهُمَا مِنَ اللّ ِه َشيْئا وَقِيلَ ادْخُل النّا َر مَعَ الدّاخِلِيَ)()6 صَالِ َ
[سورة التحري ،الية.]10 :
295
-5وأخيا ماذا قال نوح ،عليه السلم؟ (قَالَ رَبّ إِنّ َق ْومِي كَ ّذبُونِ فَا ْفتَ ْح بَْينِي َوَبْينَهُ ْم
جنِي َومَ ْن َم ِعيَ مِ َن الْ ُم ْؤ ِمنِيَ)([ )7سورة الشعراء ،اليتانَ( .]118 ،117 :ف َدعَا َفتْحا َونَ ّ
ب ل تَذَ ْر عَلَى َربّهُ َأنّي َمغْلُوبٌ فَاْنتَصِرْ)([ )8سورة القمر ،الية( .]10 :وَقَا َل نُوحٌ رَ ّ
ض مِ َن اْلكَافِرِينَ َديّارا ِإنّكَ إِ ْن تَذَ ْرهُ ْم ُيضِلّوا ِعبَا َد َك وَل يَلِدُوا إِلّا فَاجِرا َكفّارا)()9 الْأَ ْر ِ
[سورة نوح ،اليتان.]27 ،26 :
-6وتقق النتصار لنوح بعد هذه الرحلة الشاقة العسية( :فَ َدعَا َربّهُ َأنّي َمغْلُوبٌ فَاْنتَصِرْ
حنَا َأْبوَابَ السّمَا ِء بِمَاءٍ مُْنهَ ِم ٍر وَفَجّ ْرنَا اْلأَ ْرضَ عُيُونا فَاْلَتقَى الْمَا ُء عَلَى َأمْرٍ َقدْ قُدِرَ َف َفتَ ْ
جرِي ِبأَ ْعُينِنَا َجزَاءً لِمَنْ كَانَ ُكفِ َر وََلقَ ْد تَرَ ْكنَاهَا آَيةً َفهَلْ وَحَ َم ْلنَا ُه عَلَى ذَاتِ أَْلوَاحٍ وَ ُدسُ ٍر تَ ْ
مِ ْن مُدّكِرٍ)([ )10سورة القمر ،اليات.]15-10 :
هذه قصة نوح ،ومع هذه السنوات الت قضاها ،بل القرون ،حيث لبث قرابة عشرة
قرون ،ماذا كانت النتيجة؟
(أ) ل يؤمن من قومه إل قليل ،قيل :إنم ثلثة عشر بنوح ،عليه السلم ،قال ابن إسحاق:
نوح وبنوه الثلثة ،سام ،وحام ،ويافث ،وأزواجهم ،وستة أناس من كان آمن به (.)11
(ب) ل تؤمن زوجته ول أحد أبنائه كما سبق ،وهم أقرب الناس إليه.
(جـ) ومع ذلك ،فإنه يعد منتصرا ،بل إنه حقق أعظم النتصارات ،ويتمثل ذلك فيما
يلي:
-1صبه وثباته طوال هذه القرون ،وعدم ميله إل ماولت قومه -وحاشاه من ذلك-
خرُوا ِمنْهُ ك وَكُلّمَا مَرّ عََليْهِ مََلٌأ مِنْ َق ْومِ ِه سَ ِ
صنَ ُع اْلفُلْ َ
أو تأثره باستهزائهم وسخريتهم ( َويَ ْ
خ ُر ِمنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ)([ )12سورة هود ،الية.]38 : سخَرُوا ِمنّا فَِإنّا نَسْ َ
قَالَ ِإنْ تَ ْ
-2حاية ال له من كيدهم ومؤامراتم( :قَالُوا َلئِنْ لَ ْم َتْنتَهِ يَا نُوحُ َلَتكُونَنّ مِنَ
الْمَرْجُومِيَ)([ )13سورة الشعراء ،الية.]116 :
-3إهلك قومه الذين كذبوه بالغرقَ ( ،وَأغْرَ ْقنَا الّذِينَ كَ ّذبُوا بِآياِتنَا إِّنهُمْ كَانُوا َقوْما
عَمِيَ)([ )14سورة العراف ،الية.]64 :
296
جيْنَا ُه وَالّذِي َن َمعَهُ فِي الْفُلْكِ )([ )15سورة العراف،
-4ناة نوح ومن آمن معهَ( ،فَأنْ َ
جرِي ِبأَ ْعيُِننَا)([ )16سورة القمر،
ح َو ُدسُ ٍر تَ ْ
اليةَ ( .]64 :وحَمَ ْلنَا ُه عَلَى ذَاتِ أَْلوَا ٍ
اليتان.]14 ،13 :
-5إن قصة انتصار نوح وإهلك قومه أصبح آية يعتب با ،وجعل ال لنوح لسان صدق
ف الخرين (وََلقَدْ َترَ ْكنَاهَا آَيةً َفهَ ْل مِ ْن مُدّكِرٍ)([ )17سورة القمر ،الية.]15 :
__________
( - )1سورة الشعراء آية.111 :
( - )2سورة الشعراء آية.116 :
( - )3سورة هود آية.40 :
( - )4سورة هود آية.45 :
( - )5سورة هود آية.46 :
( - )6سورة التحري آية.10 :
( - )7سورة الشعراء آية.118-117 :
( - )8سورة القمر آية.10 :
( - )9سورة نوح آية.27-26 :
( - )10سورة القمر آية.15-14-13-12-11-10 :
( - )11انظر تفسي الطبي .8/215
( - )12سورة هود آية.38 :
( - )13سورة الشعراء آية.116 :
( - )14سورة العراف آية.64 :
( - )15سورة العراف آية.64 :
( - )16سورة القمر آية.14-13 :
( - )17سورة القمر آية.15 :
297
(ذُ ّرّي َة مَنْ حَمَ ْلنَا مَ َع نُوحٍ ِإنّهُ كَانَ َعبْدا َشكُورا)([ )1سورة السراء ،الية( .]3 :سَل ٌم
عَلَى نُوحٍ فِي اْلعَالَمِيَ)([ )2سورة الصافات ،اليةِ( .]79 :إنّ اللّ َه اصْ َطفَى آ َدمَ َونُوحا
وَآلَ ِإبْرَاهِي َم وَآ َل عِمْرَا َن عَلَى اْلعَالَمِيَ)([ )3سورة آل عمران ،الية.]33 :
وهكذا تتضح حقيقة النصر ،من خلل قصة نوح وقومه.
وقبل أن أتاوز قصة نوح ،عليه السلم ،وقفت عند آية وردت ف سورة نوح ،حيث،
قالِ( :إنّكَ إِ ْن تَذَ ْرهُ ْم ُيضِلّوا ِعبَا َد َك وَل يَلِدُوا إِلّا فَاجِرا َكفّارا)([ )4سورة نوح ،الية:
.]27
وبا أنه ل يكن ف الرض يومئذ إل قوم نوح ،وقد كفروا بال ،وتردوا على رسوله،
سوى فئة قليلة هي الت آمنت به ،فإن ال -سبحانه -أهلك جيع من ف الرض ،يومئذ
سوى نوح ومن آمن معه ،حاية للمنهج الذي ذكر نوح أنه معرض للزوال إن بقي
هؤلء ،فأهلك هؤلء على كثرتم من أجل عدد من البشر يملون الق ويذودون عنه.
والدليل على أنه ل يبق سوى من يمل رسالة التوحيد أن ال -تعال -قالُ ( :ذ ّرّيةَ مَنْ
حَ َم ْلنَا مَ َع نُوحٍ)([ )5سورة السراء ،الية .]3قال المام الطبي ف تفسي هذه الية:
وذلك أن كل من على الرض من بن آدم فهم من ذرية من حله ال مع نوح ف السفينة.
قال قتادة :والناس كلهم ذرية من أنى ال ف تلك السفينة.
قال ماهد :بنوه ونساؤهم ونوح (.)6
وقيل هم ثلثة عشر ،رجال ونساء (.)7
ي مِنْ ذُ ّرّيةِ آ َد َم َومِمّنْ حَمَ ْلنَا مَعَ
ك الّذِينَ َأنْعَمَ اللّ ُه عََلْيهِ ْم مِ َن الّنبِيّ َ
قال -سبحانه( :-أُولَئِ َ
نُوحٍ)([ )8سورة نوح ،الية .]58 :إن النتصار وهو انتصار النهج ل الفراد ،والعبة
ليست بكثرة الؤمني والستجيبي للحق ،وإنا ف النهج الذي يمله أولئك سواء أقلوا أم
كثروا ،ولذا فإن بضعة نفر أو يزيدون ،ول يتجاوزون ثلثة عشر فردا يملون السلم
ويققون معن العبودية ،يهلك أهل الرض جيعا حاية لؤلء وللمنهج الذي يثلونه
ويملونه ،ما دام أن هناك خطرا يهدد بزوالم ،ومن ث زوال النهج الذي يملونهِ( :إنّكَ
إِ ْن تَذَ ْرهُ ْم ُيضِلّوا عِبَا َد َك وَل يَلِدُوا إِلّا فَاجِرا َكفّارا)([ )9سورة نوح ،الية.]27 :
298
ولذا قال رسول ال ،صلى ال عليه وسلم ف بدر وهو يناجي ربه " :اللهم إن تلك هذه
العصابة من أهل السلم ل تعبد ف الرض )10( " ...الديث .واستجاب ال لحمد،
صلى ال عليه وسلم ونصره ف بدر وما بعدها ،كما استجاب لنوح ،عليه السلم ،من
قبله.
ومن علمات انتصار دين السلم ،أنه لن تستطيع قوة ف الرض أن تلك جيع الؤمني
كما كان يشى ف عهد نوح أو ف أول الرسالة -كما سبق ،-لن رسول ال ،صلى ال
عليه وسلم بي هذا كما ورد ف الديث الصحيح " :ل تزال طائفة من أمت قائمة بأمر
ال ل يضرهم من خذلم أو خالفهم حت يأت أمر ال وهم على ذلك " (.)11
-2أصحاب القرية
وهي القصة الت ذكرها ال ف سورة (يس) ،ولنقرأ هذه اليات( :وَاضْرِبْ َلهُ ْم َمَثلً
ب اْلقَ ْرَيةِ إِذْ جَا َءهَا الْمُ ْر َسلُونَ إِذْ أَ ْر َس ْلنَا إَِلْيهِ ُم اثَْنيْنِ َفكَ ّذبُوهُمَا َف َعزّ ْزنَا ِبثَالِثٍ َفقَالُوا
أَصْحَا َ
ِإنّا إَِلْيكُ ْم مُ ْرسَلُونَ قَالُوا مَا َأنْتُمْ إِلّا بَشَ ٌر ِمثُْلنَا َومَا َأنْزَلَ الرّ ْحمَ ُن مِ ْن َشيْءٍ إِنْ َأْنتُمْ إِلّا
غ الْ ُمبِيُ قَالُوا ِإنّا تَ َطيّ ْرنَا ِبكُمْ
تَكْ ِذبُونَ قَالُوا َرّبنَا َيعْلَمُ ِإنّا إَِلْيكُمْ لَ ُم ْرسَلُونَ َومَا عََلْينَا إِلّا اْلبَل ُ
سنّكُ ْم ِمنّا عَذَابٌ أَلِيمٌ)([ )12سورة يس ،اليات-13 : َلئِنْ لَ ْم َتنَْتهُوا َلنَ ْرجُ َمّنكُ ْم وََليَمَ ّ
.]18قرية واحدة ،وهي قرية أنطاكية كما ذكر الفسرون ،يرسل إليها رسولن ،وعندما
ل يؤمن بما أهل هذه القرية ،يرسل ال ثالثا ،ومع ذلك فيبقى هؤلء على إصرارهم
وكفرهم ،وما زادهم إرسال الرسول الثالث إل عتوا ونفورا ،بل هددوا برجم هؤلء
سّنكُ ْم ِمنّا عَذَابٌ أَلِيمٌ)([ )13سورة يس ،الية.]18 : الرسل وقتلهمَ( :لنَرْ ُج َمنّكُ ْم وََليَمَ ّ
__________
( - )1سورة السراء آية.3 :
( - )2سورة الصافات آية.79 :
( - )3سورة آل عمران آية.33 :
( - )4سورة نوح آية.27 :
( - )5سورة السراء آية.3 :
( - )6انظر تفسي الطبي .15/19
299
( - )7انظر تفسي الطبي .8/215
( - )8سورة مري آية.58 :
( - )9سورة نوح آية.27 :
( - )10أخرجه مسلم (.)1763
( - )11أخرجه البخاري ( ،)3641ومسلم (.)1037
( - )12سورة يس آية.18-17-16-15-14-13 :
( - )13سورة يس آية.18 :
وهل انتهت القصة عند هذا الد ،بل جاءهم رجل رابع ،وهو من بن جلدتم وناصح
سعَى قَا َل يَا َق ْو ِم اتِّبعُوا الْمُ ْر َسلِيَ)([ )1سورة يس،
لم( ،وَجَا َء مِنْ أَ ْقصَى الْ َمدِيَنةِ َرجُ ٌل يَ ْ
الية .]20 :ويستمر ف حواره معهم ودعوتم ،وهذه الرة ل يهددوه ،كما هددوا من
قبله بل قتلوه عندما خالفهم ،وهذا شأن الطغاة فإنم ل يتحملون أن يالفهم أحد من بن
قومهم أو حاشيتهم.
وهكذا ثلثة رسل وداعية من أهل هذه القرية لقرية واحدة ،ومع ذلك ل يستجيبوا
للدعاة ،ول يكتفوا بعدم الستجابة ،بل هددوا الرسل -وقيل قتلوهم -وقتلوا الداعية
الرابع.
إن مقاييس الرض تظهر أن هؤلء الرسل ل ينتصروا ول يققوا أهدافهم ،وأن هذا
الداعية استعجل ف الكشف عن هويته وإيانه ،ولذلك لقي جزاءه؟ هكذا يقوم الدث ف
نظر من ل يفهم حقيقة النتصار ،ول معن الزية.
أما منطق الق ،ومنهج النبوة ،فيعلن أن هؤلء قد نصروا نصرا مؤزرا ،وأن أصحاب
القرية هم الاسرون ،ويتمثل النصر ف القائق التالية:
-1أن هؤلء الرسل قد بلغوا رسالة ال ،ول يستسلموا لشبه أهل القرية أول ،وتديدهم
ثانيا ،وهذه هي مهمتهمَ ( :ومَا عََلْينَا إِلّا الْبَلغُ الْ ُمبِيُ)([ )2سورة يس ،الية .]17 :ومن
أدى ما عليه فقد انتصر وفاز ونح.
300
-2إيان رجل من أهل القرية بم ،وتأييده لم علنية ،يعد نصرا وانتصارا له ولم،
ولذلك كان رد أهل القرية عنيفا تاهه ،لنم شعروا بذلنه لم ،وخذلنم نصر لولئك
الرسل.
سَنيَيْنِ)()3 -3أن قتل هذا الداعية نصر له ولنهجه (قُ ْل هَ ْل تَ َرّبصُو َن ِبنَا إِلّا إِ ْحدَى الْحُ ْ
جّنةَ)([ )4سورة يس ،الية .]26 :فتمن أن [سورة التوبة .]52 :ولذلك( ،قِيلَ ادْخُ ِل الْ َ
يعلن عن فوزه وانتصاره( ،يَا َليْتَ َق ْومِي َيعْلَمُو َن بِمَا َغفَرَ لِي َربّي وَ َجعََلنِي مِنَ
الْ ُمكْ َرمِيَ)([ )5سورة يس ،اليتان.]27 ،26 :
-4وتتويا لنتصارات هؤلء الرسل وهذا الداعية ،جاءت النهاية الحققةَ ( :ومَا َأنْزَْلنَا
حةً وَا ِح َدةً فَِإذَا صْي َ
عَلَى َق ْومِ ِه مِ ْن َبعْ ِدهِ مِنْ ُجنْ ٍد مِنَ السّمَا ِء َومَا ُكنّا مُنْزِِليَ ِإنْ كَاَنتْ إِلّا َ
هُمْ خَامِدُونَ)([ )6سورة يس ،اليتان.]29 ،28 :
إن الدعاة ف أمس الاجة إل أن يقفوا مع قصة أصحاب القرية ،ويتدبروا أبعادها
وناياتا.
ثلثة رسل ،وداعية ملص صادق لقرية واحدة ،ومع ذلك فلم يؤمنوا ،وعدم إيانم ل
يفت ف عضد هؤلء الرسل ،ول ينع هذا الداعية من قول كلمة الق ،دون استعجال أو
تنازل أو يأس.
بل إن هذا الداعية ،كما ورد عند الطبي ،كان يقول أثناء قتل قومه له" :اللهم اهد قومي
فإنم ل يعلمون" ،بل إننا نلمس من قوله (يَا َليْتَ َق ْومِي َيعْلَمُونَ)( )7أنه ل يقول هذا
تشفيا ول من أجل إغاظتهم ،ولكن من أجل هدايتهم ،لنم إذا علموا أنه كان على الق
وقد قالوا للرسلَ ( :ومَا َأنْزَلَ الرّحْمَ ُن مِ ْن َشيْءٍ ِإنْ َأْنتُمْ إِلّا تَكْ ِذبُونَ)([ )8سورة يس،
الية .]15 :كان أرجى لدايتهم.
وهذا من حرصه على هداية قومه ،وهكذا يكون الداعية ،مبا لداية الناس ،ل يمل القد
ول الضغينة ،وهذا هو النتصار على النفس الذي يسبق النتصار الظاهر ،ومن حرم
النتصار على نفسه ،فلن ينتصرعلى غيه.
-3أصحاب الخدود
301
ت اْلوَقُودِ ِإ ْذ هُ ْم عََلْيهَا ُقعُو ٌد َوهُمْ عَلَى مَا
ب الْأُ ْخدُو ِد النّارِ ذَا ِ
صحَا ُقال ال -تعالُ( :قتِلَ أَ ْ
ي ُشهُو ٌد َومَا َنقَمُوا ِمْنهُمْ إِلّا َأنْ ُي ْؤ ِمنُوا بِاللّ ِه اْلعَزِي ِز الْحَمِيدِ)([ )9سورة َيفْعَلُو َن بِالْ ُم ْؤمِنِ َ
البوج ،الية.]8-4 :
قصة أصحاب الخدود قصة عجيبة ،تصور لنا معن من معان النتصار الذي نتحدث
عنه ،وتبي أن استجابة الناس ،أو ظهور الدين ليس هو القياس الوحيد للنتصار ،بل إن
ثبات الداعية وانتصار النهج هو قمة النتصار.
ولهية هذه القصة ،فسأذكرها بتمامها ،كما أوردها العلمة ابن كثي -رحه ال -حيث
قال ف تفسي هذه اليات:
__________
( - )1سورة يس آية.20 :
( - )2سورة يس آية.17 :
( - )3سورة التوبة آية.52 :
( - )4سورة يس آية.26 :
( - )5سورة يس آية.27-26 :
( - )6سورة يس آية.29-28 :
( - )7سورة يس آية.26 :
( - )8سورة يس آية.15 :
( - )9سورة البوج آية.8-7-6-5-4 :
قال المام أحد :حدثنا عفان ،حدثنا حاد بن سلمة عن ثابت ،عن عبد الرحن بن أب
ليلى ،عن صهيب أن رسول ال ،صلى ال عليه وسلم قال " :كان فيمن كان قبلكم ملك
وكان له ساحر ،فلما كب الساحر قال للملك :إن قد كب سن ،وحضر أجلي ،فادفع إل
غلما لعلمه السحر ،فدفع إليه غلما كان يعلمه السحر ،وكان بي الساحر وبي اللك
راهب ،فأتى الغلم على الراهب فسمع من كلمه فأعجبه نوه وكلمه ،وكان إذا أتى
الساحر ضربه وقال :ما حبسك؟ وإذا أتى أهله ضربوه ،وقالوا :ما حبسك؟ فشكا ذلك
إل الراهب ،فقال :إذا أراد الساحر أن يضربك فقل :حبسن أهلي ،وإذا أراد أهلك أن
302
يضربوك فقل :حبسن الساحر ،فبينما هو ذات يوم إذ أتى على دابة فظيعة عظيمة قد
حبست الناس فل يستطيعون أن يوزوا ،فقال :اليوم أعلم أمر الراهب أحب إل ال أم
أمر الساحر ،قال :فأخذ حجرا ،فقال :اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك وأرضى من
أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حت يوز الناس ،ورماها فقتلها ،ومضى الناس ،فأخب
الراهب بذلك ،فقال :أي بن أنت أفضل من وإنك ستبتلى ،فإن ابتليت فل تدل علي.
فكان الغلم يبئ الكمه والبرص وسائر الدواء ويشفيهم ( )1وكان للملك جليس
فعمي ،فسمع به فأتاه بدايا كثية ،فقال :اشفن ،فقال ما أنا أشفي أحدا ،إنا يشفي ال
عز وجل فإن آمنت به دعوت ال فشفاك ،فآمن فدعا ال فشفاه ،ث أتى اللك فجلس منه
نو ما كان يلس ،فقال له اللك :يا فلن ،من رد عليك بصرك؟ فقال :رب .فقال :أنا؟
قال :ل ،رب وربك ال ،قال :أولك رب غيي؟ قال :نعم ،رب وربك ال ،فلم يزل
يعذبه حت دل على الغلم ،فبعث إليه فقال :أي بن :بلغ من سحرك أن تبئ الكمه
والبرص ،وهذه الدواء؟ قال :ما أشفي أحدا ،إنا يشفي ال عز وجل قال :أنا؟ قال :ل،
قال :ولك رب غيي؟ قال :رب وربك ال ،فأخذه -أيضا -بالعذاب فلم يزل به حت دل
على الراهب ،فأتى بالراهب ،فقال ارجع عن دينك ،فأب فوضع النشار ف مفرق رأسه
حت وقع شقاه ،وقال للعمى :ارجع عن دينك ،فأب ،فوضع النشار ف مفرق رأسه حت
وقع شقاه إل الرض ،وقال للغلم :ارجع عن دينك ،فأب ،فبعث به مع نفر إل جبل كذا
وكذا ،فقال :إذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإل فدهدهوه ،فذهبوا به ،فلما علوا به
البل قال :اللهم اكفنيهم با شئت ،فرجف بم البل فدهدهوا أجعون .وجاء الغلم
يتلمس حت دخل على اللك فقال :ما فعل أصحابك ،فقال :كفانيهم ال -تعال -فبعث
به مع نفر ف قرقور ،فقال :إذا لجتم به البحر فإن رجع عن دينه وإل فغرقوه ف البحر،
فلججوا به البحر ،فقال الغلم :اللهم اكفنيهم با شئت ،فغرقوا أجعون ،وجاء الغلم حت
دخل على اللك ،فقال :ما فعل أصحابك؟ فقال :كفانيهم ال -تعال -ث قال للملك:
إنك لست بقاتلي حت تفعل ما آمرك به ،فإن أنت فعلت ما آمرك به قتلتن ،وإل فإنك ل
تستطيع قتلي ،قال :وما هو؟ قال تمع الناس ف صعيد واحد ،ث تصلبن على جذع
وتأخذ سهما من كنانت ،ث قل :بسم ال رب الغلم ،فإنك إذا فعلت ذلك قتلتن ،ففعل
303
ووضع السهم ف كبد قوسه ،ئم رماه ،وقال :بسم ال رب الغلم ،فوقع السهم ف
صدغه ،فوضع الغلم يده على موضع السهم ومات ،فقال الناس :آمنا برب الغلم.
فقيل للملك أرأيت ما كنت تذر؟ فقد وال نزل بك ،قد آمن الناس كلهم ،فأمر بأفواه
السكك فخدد فيها الخاديد ،وأضرمت فيها النيان ،وقال :من رجع عن دينه فدعوه،
وإل فأقحموه فيها ،قال :فكانوا يتعادون ويتدافعون ،فجاءت امرأة بابن لا ترضعه ،فكأنا
تقاعست أن تقع ف النار ،فقال الصب :اصبي يا أماه فإنك على الق " (.)2
هذه قصة أصحاب الخدود بطولا ،وقد أوردتا لهيتها ،وقد أعجبت با قاله سيد قطب
-رحه ال -حول هذه القصة مبينا حقيقة النتصار فيها ،ولذا سأذكر بعض ما قاله ،ث
أضيف ما أراه حولا ما له صلة بوضوعنا:
وكان ما قال -رحه ال)3( :-
"ف حساب الرض يبدو أن الطغيان قد انتصر على اليان ،وأن هذا اليان الذي بلغ
تلك الذروة العالية ،ف نفوس الفئة الية الكرية الثابتة الستعلية ،ل يكن له وزن ول
حساب ف العركة الت دارت بي اليان والطغيان".
ف حساب الرض تبدو هذه الاتة أسيفة أليمة.
حساب الرض ييك ف الصدر شيء أمام هذه الاتة السيفة.
ولكن القرآن يعلم الؤمني شيئا آخر ،ويكشف لم عن حقيقة أخرى.
إن الياة وسائر ما يلبسها من لذائذ وآلم ،ومن متاع وحرمان ،ليست هي القيمة
الكبى ف اليزان ،وليست هي السلعة الت تقرر حساب الربح والسارة ،والنصر ليس
مقصورا على الغلبة الظاهرة ،فهذه صورة واحدة من صور النصر الكثية.
__________
( - )1بإذن ال.
( - )2رواه مسلم ( )3005من حديث صهيب رضي ال عنه [ )3005( - 73كتاب
الزهد].
( - )3سأختار من كلمه ما له صلة بذا الوضوع.
304
إن الناس جيعا يوتون ،وتتلف السباب ،ولكن الناس ل ينتصرون -جيعا -هذا
النتصار ،ول يرتفعون هذا الرتفاع ،ول يتحررون هذا التحرر ،ول ينطلقون هذا
النطلق إل هذه الفاق ،إنا هو اختيار ال وتكريه لفئة كرية من عباده ،تشارك الناس
ف الوت ،وتنفرد دون -كثي من -الناس ف الجد ،الجد ف الل العلى ،وف دنيا الناس
-أيضا -إذا نن وضعنا ف الساب نظرة الجيال بعد الجيال.
لقد كان ف استطاعة الؤمني أن ينجوا بياتم ف مقابل الزية ليانم ،ولكن كم كانوا
يسرون أنفسهم ،وكم كانت البشرية كلها تسر ،كم كانوا يسرون وهم يقتلون هذا
العن الكبي ،معن زهادة الياة بل عقيدة ،وبشاعتها بل حرية ،وانطاطها حي يسيطر
الطغاة على الرواح ،بعد سيطرتم على الجساد.
( َومَا َنقَمُوا ِمنْهُمْ إِلّا َأنْ ُيؤْ ِمنُوا بِاللّ ِه اْلعَزِي ِز الْحَمِيدِ)([ )1سورة البوج ،الية .]8 :حقيقة
ينبغي أن يتأملها الؤمنون الداعون إل ال ،ف كل أرض ،وف كل جيل.
إن العركة بي الؤمني وخصومهم هي ف صميمها معركة عقيدة ،وليست شيئا آخر على
الطلق وإن خصوهم ل ينقمون منهم إل اليان ،ول يسخطون منهم إل العقيدة ()2
وبعد هذه الدروس الت استخلصها سيد قطب من هذه القصة ،أقف عدة وقفات حولا:
-1ثبات الراهب والعمى ،وتلي العمى عن جيع متع الياة الدنيا ف مقابل أن يظفر
بعقيدته ،إن الراهب قد انتصر ف معركة بقائه أو بقاء عقيدته ،فاختار أن تبقى العقيدة ولو
خسر حياته.
أما العمى فقد انتصر مرتي ،انتصر عندما تلى عن مكانته عند اللك مع ما ف ذلك من
جاه ومكانة ،وانتصر عندما تلى عن حياته ف مقابل عقيدته.
إن الراهب والعمى قد خلدا لنا معان عظيمة من معان النتصار القيقي ،بعيدا عن
التأويل والتبير الذي يغطي فيه كثي من الناس ضعفهم وخورهم بستار يوهون فيه
الخرين أنم إنا فعلوا ذلك من أجل الدين ،ولو صدقوا لعلموا أن انتصار الدين بأن
يفعلوا ما فعله الراهب والعمى.
305
-2عجيب أمر هذا الغلم! لاذا دل اللك على مقتله ،ولاذا -مادام أن ال قد منعه من
اللك -ل يؤثر البقاء ليبلغ رسالة ربه ،ويدل الناس على الدين الق ،ويبقي على حياته
سالا.
هذا سؤال قد يتبادر إل الذهان:
والفهوم الت ل تعرف حقيقة النتصار .إن الغلم قد أدرك -بتوفيق من ال -أن كلمة ف
لظة حاسة صادقة ،تفعل ما ل تفعله آلف الكلمات ف عشرات السني.
إن الياة مواقف ،يتميز فيها الصادق من غيه ،وقد سنحت فرصة عظيمة ل يوز
تفويتها ،ول يليق تبير ضياعها ،وكما قيل" :إذا هبت رياحك فاغتنمها" وقد هبت رياح
هذا الغلم ،وهل رياحه إل تبليغ رسالة ربه ،ولو دفع حياته ثنا رخيصا ف سبيل ال؟
إنه انتصار الفهم ،وانتصار الرادة ،وانتصار العقيدة عندما تتحول ف صدر صاحبها إل
قوة مؤثرة ،وحياة صادقة ،وليست على هامش حياته وسلوكه وتفكيه ،إن هذا الغلم قد
انتصر عدة مرات ف معركة واحدة ،وموقف واحد:
انتصر بقوة فهمه وإدراكه لقصر وأسلم الطرق لنصرة دينه وعقيدته ،وإخراج أمته
ومتمعه من الظلمات إل النور.
وانتصر بقدرته على اتاذ القرار الاسم ف الوقت الناسب ،متخطيا جيع العقبات،
ومستعليا على الشهوات وحظوظ النفس ومتاع الياة الدنيا.
وانتصر على هذا اللك الغب ،الذي أعمى ال بصيته ،فأخرب ملكه بيده ،فإنا ل تعمى
البصار ،ولكن تعمى القلوب الت ف الصدور.
إن الناس قد يتعجبون لن الغلم قد دل اللك على مقتله ،ولكنهم ل يدركون أن اللك
قد قتل نفسه بيده ل بيد غيه ،فأيهما أول بالعجب والتعجب؟
إن الغلم أقدم وهو يعي حقيقة ما يفعل :أما اللك فأعمته سكرة اللك وشهوة السلطان
عن أن يدرك ما خطط له هذا الغلم ،ف هذه العركة الفاصلة الت مات فيها فرد وحيت
أمة.
وانتصر الغلم عندما تقق ما كان يتصوره ويتوقعه وقدم نفسه من أجله ،فآمن الناس
وقالوا :آمنا بال رب الغلم.
306
إن دقة التخطيط وبراعة التنفيذ ،وسلمة التقدير ،ناح باهر ،وفوز ظاهر.
وانتصر الغلم عندما فاز بالشهادة ف سبيل ال ،فكل الناس يوتون ،ولكن القليل منهم من
يستشهدون.
وانتصر أخيا عندما خلد ال ذكره قدوة لن بعده ،وذكرا حسنا على لسان الؤمني،
حيث جعل ال له لسان صدق ف الخرين.
-3وتتويا لذه النتصارات التلحقة:
تأت ناية القصة ،عندما آمن الناس برب الغلم ،آمنوا بال وحده وكفروا بالطاغوت،
وهنا جن جنون اللك ،وفقد صوابه ،فاستخدم كل ما يلك من وسائل الرهاب
والتخويف ،ف ماولة يائسة ،للبقاء على هيبته وسلطانه وتعبيد الناس له.
__________
( - )1سورة البوج آية.8 :
( - )2انظر معال ف الطريق فصل :هذا هو الطريق ص .173
ث يفر أخاديده ،ويوقد نيانه ،ويأمر زبانيته وجنوده بإلقاء الؤمني ف النار ،وتأت
الفاجأة الذهلة ،بدل أن يضعف من يضعف ،ويهرب من يهرب ،ل تسجل الرواية أن
أحدا منهم تراجع أو جب أو هرب ،بل ند القدام والشجاعة ،وذلك بالتدافع إل النار،
وكأن الغلم قد بث فيهم الشجاعة ،والثبات وها هم يدون ف اللحاق به ،وكأنم
يتلذذون ف تقدي أرواحهم فداء لدينهم ،توت الجسام وتيا الرواح عند خالقها( :وَل
سبَ ّن الّذِينَ ُقتِلُوا فِي َسبِيلِ اللّهِ َأ ْموَاتا بَلْ أَ ْحيَا ٌء ِعنْدَ َرّبهِ ْم يُرْزَقُونَ)([ )1سورة آل
تَحْ َ
عمران ،الية.]169 :
من ل يت بالسيف مات بغيه ...تنوعت السباب والوت واحد
والالة الفريدة الت وردت ف الرواية ،هي تلك الرأة الت خافت على رضيعها ،ولكنها
نسيت أنا قد أرضعته اليان والشجاعة والقدام مع اللب الذي كان يشربه ،فطلب منها
التقدم ،فأقدمت.
أي أمة تلك ،وأي قوم أولئك ،مع الزمن الطويل الذي عاشوه ف الظلم ،والسنوات الت
استعبدهم فيها هذا اللك ،ومع قصر الدة الت عرفوا فيها اليان ،فقد عرفوا النهج حق
307
العرفة ،وكأنم عاشوا فيه كما عاش الراهب طول عمره ،أو تربوا عليه كما ترب الغلم
ف صباه.
إنه اليان إذا خالط بشاشة القلوب ،ولمس الرواح يفعل العجب.
لقد رأينا ف قصة الراهب والعمى ث الغلم انتصارا فرديا.
ولكننا ف قصة أولئك الؤمني نرى انتصارا جاعيا ،قل أن يدث له ف التاريخ مثيل.
إنه صفاء العقيدة ،ووضوح النهج ،وسلمة الطريق ،وفهم حقيقة النتصار.
-4وقبل أن نغادر هذه القصة ،يرد سؤال ف الذهان:
ماذا حل بذا اللك وحاشيته وجنده؟
وهل ذهبت دماء هؤلء الؤمني وأرواحهم دون انتقام من ال لن قتلهم؟
إننا ل ند ف القرآن ول ف السنة أي ذكر لؤلء الظلمة ،وماذا كان مصيهم ف الدنيا،
ول ف ذلك حكمة قد تفى علينا.
ي وَالْ ُم ْؤ ِمنَاتِ
نعم وردت آية ف آخر قصتهم فيها دعوة لم وتذير (إِ ّن الّذِينَ َفَتنُوا الْ ُمؤْ ِمنِ َ
ثُمّ لَ ْم َيتُوبُوا َفَلهُ ْم عَذَابُ َج َهنّ َم وََلهُ ْم عَذَابُ الْحَرِيقِ)([ )2سورة البوج الية.]10 :
قال السن البصري" :انظروا إل هذا الكرم والود ،قتلوا أولياءه ،وهو يدعوهم إل التوبة
والغفرة" (.)3
إن هذه النهاية تقق معن من معان النتصار ،من النتصر؟ الذي نصر عقيدته ودين ربه،
وحرق بضع دقائق ،ث انتقل إل جنات النعيم ،أو ذلك الذي تتع بأيام ف الياة الدنيا ث
مآله -إن ل يتب -إل عذاب جهنم وعذاب الريق؟.
هل هناك مقارنة بي الريق الول ،والريق الثان ،حريق الدنيا ،وحريق الخرة؟ إنا نقلة
جرِي مِنْ ت تَ ْ بعيدة ،وبون شاسع ،أما الؤمنون الذين حرقوا ف الدنيا ،فـ (َلهُمْ َجنّا ٌ
حِتهَا الَْأْنهَارُ)([ )4سورة البوج الية ]11 :وتعلن النتيجة الت ل مراء فيها ،ول جدال: تَ ْ
ك اْل َفوْ ُز الْ َكبِيُ)( )5أليس هذا هو النتصار؟.
(ذَلِ َ
أحاديث ف النتصار
وردت بعض الحاديث عن رسول ال ،صلى ال عليه وسلم ند فيها دللة لقيقة
النتصار ،وإزالة لا يتوهم من معن الزية.
308
وسأذكر أربعة أحاديث ،وأقف مع كل حديث مبينا وجه الستدلل فيه.
-1الديث الول
أخرج المام البخاري ف صحيحه من حديث ابن عباس -رضي ال عنهما -قال :قال
رسول ال ،صلى ال عليه وسلم " عرضت علي المم فأخذ النب ير معه المة ،والنب ير
معه العشرة ،والنب ير معه المسة ،والنب ير وحده ،فنظرت فإذا سواد كثي ،قلت :يا
جبيل :هؤلء أمت؟ قال :ل ،ولكن انظر إل الفق ،فنظرت فإذا سواد كثي ،قال هؤلء
أمتك ،وهؤلء سبعون ألفا قدامهم ل حساب عليهم ول عذاب " ( )6الديث.
وف رواية عن ابن عباس -رضي ال عنهما -قال :خرج علينا النب ،صلى ال عليه وسلم
يوما فقال " :عرضت علي المم ،فجعل ير النب معه الرجل ،والنب معه الرجلن ،والنب
معه الرهط ،والنب ليس معه أحد )7( " ...الديث.
وف رواية لسلم ،عن ابن عباس -رضي ال عنهما -قال :قال رسول ال ،صلى ال عليه
وسلم " عرضت علي المم فرأيت النب ومعه الرهيط والنب ومعه الرجل والرجلن ،والنب
ليس معه أحد ،إذ رفع ل سواد عظيم )9( )8( " ...الديث.
وقد ورد الديث بروايات أخرى ف معن هذه الروايات.
وتبز صلة هذا الديث ف موضوعنا من خلل ما يلي:
-1ورد ف الديث ،أن الرسول ،صلى ال عليه وسلم نظر إل سواد كثي ،وف رواية:
سواد عظيم ،ث رأى سوادا كثيا -آخر -سد الفق.
__________
( - )1سورة آل عمران آية.169 :
( - )2سورة البوج آية.10 :
( - )3تفسي ابن كثي .4/496
( - )4سورة البوج آية.11 :
( - )5سورة البوج آية.11 :
( - )6أخرجه البخاري (.)6541
( - )7أخرجه البخاري (.)5752
309
( - )8الرهيط :قال النووي هم بضم الراء تصغي الرهط .وهي الماعة دون العشرة.
مسلم بشرح النووي .3/53
( - )9أخرجه مسلم (.)220
والسواد الول هم من آمن بوسى ،عليه السلم ،والسواد الخر هم أمة ممد ،صلى ال
عليه وسلم وهذا يثل نوعا من أنواع النتصار الظاهر ،حيث انتشر الدين وآمن الناس،
حت بلغوا هذا البلغ ،وهو النوع الول من أنواع النتصار الت أشرت إليها سابقا ،ومثل
ذلك النب الذين ير ومعه المة.
-2ورد ف الديث ،أن النب ير معه العشرة ،والنب ومعه المسة ،والنب ير وحده ،وف
رواية :فجعل النب ير معه الرجل ،والنب معه الرجلن ،والنب ليس معه أحد.
ونن ل نشك ف انتصار النبياء والرسل كما أخبنا ال -جل وعل -بذلك فقالِ( :إنّا
حيَاةِ ال ّدْنيَا َوَي ْومَ يَقُو ُم الَْأ ْشهَادُ)([ )1سورة غافر ،الية:
َلنَْنصُرُ ُر ُسَلنَا وَالّذِينَ آ َمنُوا فِي الْ َ
.]51وغيها من اليات الت سبق ذكرها.
وها نن ند النب يأت يوم القيامة ،ومعه العشرة ،والخر معه المسة ،وثالث ومعه
الرجلن ،ورابع ومعه رجل واحد ،والامس وليس معه أحد.
والمر الذي يب أل يغيب عن أذهاننا أن النب الذي معه العشرة والمسة والرهيط قد ل
يكونون قد آمنوا به واتبعوه ف حياته ،بل قد يكون بعضهم بعد وفاته ،لن الذين رآهم
رسول ال ،صلى ال عليه وسلم من أمته ليسوا الذين آمنوا به ف حياته صلى ال عليه
وسلم فقط ،بل منهم من آمن به ف حياته ،ومنهم من آمن به بعد وفاته إل قيام الساعة،
وإن كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يتلف عن غيه من النبياء بأنه خاتهم
وآخرهم.
وبذا نفهم أن النتصار ليس بكثرة التباع فحسب ،وقبول الناس واستجابتهم ،هذا نوع
من أنواع النتصار كما سبق ،وباصة إذا كان التباع على النهج الق ،وإل فل عبة
بالكثرة والقلة.
310
والعادلة الت نرج منها ،والقيقة الت نظفر با ،أن النب -كل نب -ل شك ف انتصاره
ف الياة الدنيا قبل الخرة ،وها نن ند عددا من النبياء ليس معهم إل أفرادا ،بل
بعضهم ليس معه أحد.
فالنتيجة أن هناك أنواعًا أخرى من النتصار ،أشل ما قد يتبادر إل أذهان كثي من الناس،
وبعض الدعاة .إن إدراكنا لذه القيقة وتعاملنا معها هو نوع من النتصار الذي نبحث
عنه بل هو أول الطوات لتحقيق النتصار.
-2الديث الثان
عن خباب بن الَرَتْ ( قال " :شكونا إل رسول ال ،صلى ال عليه وسلم وهو متوسد
بردة ف ظل الكعبة ،فقلنا :إل تستنصر لنا ،أو تدعو لنا؟ فقال :قد كان من قبلكم يؤخذ
الرجل فيُحفر له ف الرض فيجعل فيها ،ث يؤتى بالنشار فيوضع على رأسه فيجعل
نصفي ،ويشط بأمشاط الديد ما دون لمه وعظمه ،ما يبعده ذلك عن دينه ،وال ليتمن
ال -تعال -هذا المر ،حت يسي الراكب من صنعاء إل حضرموت فل ياف إل ال
والذئب على غنمه ،ولكنكم تستعجلون " (.)2
ولنقف هذه الوقفات:
-1خبّاب ( جاء إل رسول ال ،صلى ال عليه وسلم يطلب منه الدعاء بالنصر -هكذا
أطلق خباب ،وهو يريد النصر الظاهر ،برفع العذاب والذى الذي كانت قريش تصبه
على رسول ال ،صلى ال عليه وسلم وصحابته.
فنقله رسول ال ،صلى ال عليه وسلم نقلة أخرى مبينا له معن آخر من معان النتصار،
وهو الثبات على دين ال ،وتمل الشاق والعقبات ،حت لو ذهبت روح السلم فداء لدينه
وعقيدته.
-2ث يذكر له رسول ال ،صلى ال عليه وسلم النصر الظاهر وأنه متحقق ،ويقسم
رسول ال ،صلى ال عليه وسلم على ذلك ،ولكنه ل يتحقق إل بعد الثبات والصب.
-3وند أن ما ذكره رسول ال ،صلى ال عليه وسلم وأقسم على حصوله وهو إتام هذا
الدين -وهو نوع من النتصار -قد ل يتحقق ف حياة الداعية ،فمسي الراكب من صنعاء
إل حضرموت حدث بعد وفاة رسول ال ،صلى ال عليه وسلم.
311
فعلى الداعية أن يعي هذا المر ،وأن انتصار الدين ل يتعلق بشخصه.
" -4ولكنكم تستعجلون " صدق رسول ال ،صلى ال عليه وسلم إن حرص كثي من
الدعاة على انتصار هذا الدين قد يؤدي بم إل ارتكاب ما يعوقه ،وهو الستعجال ،إنم
يريدون أن يروا النتائج ف حياتم ،بل ف أول حياتم -أحيانا -وهذا ل يتحقق لكثي من
النبياء والرسل.
ويعلمنا رسول ال صلى ال عليه وسلم أن النصر يتاج إل الصب والثبات والتفاؤل مع
عدم العجلة.
ويعلمنا أن النصر أشل ما قد يتبادر إل أذهاننا.
فليس النصر مقصورا على النصر الظاهر ،والنصر الظاهر ل يلزم أن يتحقق ف حياة
الداعية.
-3الديث الثالث
عن أب هريرة ( قال ،قال رسول ال ،صلى ال عليه وسلم
أن ال عز وجل قال " :من عادى ل وليا فقد آذنته بالرب " ( .)3الديث.
__________
( - )1سورة غافر آية.51 :
( - )2أخرجه البخاري (.)3612
( - )3أخرجه البخاري (.)6502
والشاهد من هذا الديث القدسي ،أن الؤمن إذا أيقن أن ال معه ،ويب أن يوقن بذلك،
ومن كان وليا ل فإن ال معه ،وإذا ال كان معه ،يعلن الرب على من آذاه أو عاداه،
فيستلزم ذلك أن يؤمن إيانا ل شك فيه أن ال سينصره ،لن العركة ل تعد بي الداعية
وعدوه ،وإنا هي حرب من ال على هذا العادي ،وبدهي أن نعلم من النتصر ومن
الاسر؟ !!.
ومادام المر كذلك ،فإن ال -جل وعل -هو الذي يقدر نوع النتصار وزمانه ومكانه،
ول يضع هذا لرؤيتنا القاصرة ،أو رغباتنا الحدودة ،أو اجتهاداتنا البشرية.
312
وما علينا إل أن نعلم يقينًا أن العركة مسومة من أولا ،معروفة نتائجها قبل بدايتها ،وأن
نتعامل بإياب مع هذا اليقي ،فل نستعجل ول نيأس ،ول نتصرف تصرفا قد يكون سببا
لرماننا من النصر الذي ل شك فيه( :وَكَانَ َحقّا عََلْينَا َنصْ ُر الْ ُم ْؤ ِمنِيَ)([ )1سورة الروم،
الية.]47 :
-4الديث الرابع
عن عثمان بن عفان ( قال :كان رسول ال ،صلى ال عليه وسلم إذا مر بم وهم يعذبون
يقول " :صبا ،آل ياسر فإن موعدكم النة " (.)2
إن الصب نوع من أعظم أنواع النتصار ،فبالصب يسمو النسان على رغباته ويعلو على
متع الياة الدنيا.
والصب سة الرجال الخيار (ِنعْمَ الْ َعبْدُ ِإنّهُ َأوّابٌ)(.)3
إنه بالصب ينتصر على نفسه أول ،وينتصر على عدوه ،ثانيا ،وينصر مبدأه ثالثا .إننا عندما
نذكر انتصار السلم ف مراحله الول نتذكر آل ياسر :ياسر وسية وعمار.
إن هذا البيت بصبه وجهاده ،وتقدي حياته فداء لذا الدين ،من وضع اللبنات الول لعزة
هذا الدين وظهوره.
لقد انتصروا على ذواتم أول ،وعلى الشركي ثانيا ،ونصروا السلم ثالثا.
جّنةَ َفقَدْ فَازَ)([ )4سورة آل ح عَ ِن النّا ِر َوأُدْخِ َل الْ َ
ث لم النة بعد ذلك( ،فَمَنْ زُ ْحزِ َ
ك اْل َفوْ ُز الْ َكبِيُ)([ )5سورة البوج الية.]11 : عمران ،الية( .]185 :ذَلِ َ
وأجد أنّ قصة الصحاب الليل عمي بن المام ف بدر قصة تسجل انتصارًا باهرًا للداعية،
فالوقوف عندها واستخلص ما فيها من دورس وعب يعطي دللة على ما نن بصدده.
سورة العصر و حقيقة النصر:
قال المام الشافعي -رحه ال" :-لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم".)6( .
فما علقة هذه السورة بقيقة النتصار؟
إن هذه السورة ترسم منهج النصر بصورة واضحة جلية ،وتصحح الفهم الاطئ بصر
قضية النتصار بصورة واحدة أو نوع منفرد.
كيف ذلك؟
313
يقسم ال -سبحانه وتعال -أن كل إنسان ف خسر ،أي خسارة وهلك وبوار ،إل من
استثن بعد ذلك.
والستثن من الاسرين ،هو الفائز والرابح والنتصر.
فلننظر ف شروط النتصار
-1اليان( ،إِلّا الّذِينَ آ َمنُوا)(.)7
-2عمل الصالاتَ ( ،وعَمِلُوا الصّالِحَاتِ)(.)8
حقّ)(.)9 صوْا بِالْ َ
-3التواصي بالقَ ( ،وَتوَا َ
صوْا بِالصّبْرِ)(.)10 -4التواصي بالصبَ ( ،وَتوَا َ
هذه شروط النصر ،فمن استكملها فقد خرج من السران ونا ،وبالتال فقد انتصر وفاز
وأفلح.
وهنا -بعد تقرير هذه القضية -نأت للدللة على فهم حقيقة النتصار ف هذه السورة.
فال -سبحانه وتعال -ل يذكر من شروط النتصار تقق النتائج ،واهتداء الناس
واستجابتهم.
إذن النصر ليس مصورا ف تلك السورة فقط ،وال -سبحانه -حكم بانتصار السلم
وناته من السران إذا استكمل الشروط الربعة ،وليس منها أن يستجيب الناس له ،أو أن
تتحقق الهداف الت يسعى إليها ،فهذا المر ليس له ،وليس من لوازم النصر ،وهذا رحة
من ال وفضل (وَاللّهُ ذُو اْلفَضْ ِل اْلعَظِيمِ)([ )11سورة البقرة ،الية.]105 :
بل قد استوقفن ف هذه السورة أمران مهمان ،لما علقة ف رسم منهج النتصار ،وها:
-1التواصي بالق ،لن النسان قد يضعف أو يزل أو ينحرف ،فيحتاج إل من يوصيه
بالنهج ،مافظة عليه وصيانة له ،فكم من إنسان يتصور أنه على الق ،وهو قد حاد عنه،
واتبع السبل من حيث ل يدري ،ومع ذلك يقول:
لاذا ل أنتصر ،وما سر تأخر النصر؟ (ُق ْل ُهوَ مِ ْن ِعنْدِ َأْنفُسِكُمْ)([ )12سورة آل عمران،
الية.]165 :
فالتواصي بالق سبيل لتحقق النصر الذي وعد ال به عباده الؤمني ،وعاصم من النراف
عن صراط ال الستقيم.
314
-2التواصي بالصب:
ول يكن أن يتحقق النصر لستعجل الشيء قبل أوانه ،ول لليائس والقانط من رحة ال.
والتواصي بالصب ينع من الستعجال ،ويبعد اليأس والقنوط.
__________
( - )1سورة الروم آية.47 :
( - )2رواه الاكم 389 - 3/388وصححه اللبان ف فقه السية (.)107
( - )3سورة ص آية.30 :
( - )4سورة آل عمران آية.185 :
( - )5سورة البوج آية.11 :
( - )6تفسي ابن كثي .4/547
( - )7سورة العصر آية.3 :
( - )8سورة آية.3 :
( - )9سورة العصر آية.3 :
( - )10سورة العصر آية.3 :
( - )11سورة البقرة آية.105 :
( - )12سورة آل عمران آية.165 :
ومن هنا فإن الؤمن إذا التزم بالق وتسك به وسار عليه ول يد عنه ،ث صب وصابر غي
ق مِنَ اللّهِ قِيلً)([ )1سورة
مستعجل ول يائس ،فإن النصر متحقق له ل مالة ( َومَنْ أَصْ َد ُ
النساء ،الية .]122 :بل إن التزام الق والصب ،هو النصر الذي ل يتحقق نصر دونه.
315
وكثي من الناس -وأخص الدعاة منهم -يستبطئون تقق النصر ،وقد يسبب لم هذا المر
شيئا من اليأس أو النراف عن النهج ،ويغفلون عن السباب الت تؤخر النصر الظاهر،
مع أن معرفة هذه السباب أمر مهم ،وله آثاره اليابية على حياة الدعاة والدعوين
والتباع ،وذلك أن هذه السباب على نوعي:
-1أسباب سلبية ،والعرفة با سبيل إل تلفيها وإزالتها.
-2أسباب إيابية ،وفقهها وإدراكها عامل مؤثر ف ثبات الداعية على النهج الربان،
سواء تقق النصر عاجل أو آجل.
وسأقف مع أبرز السباب الت تكون عامل مؤثرا ف تأخي النصر أو عدم وقوعه ف حياة
الداعية أو على يديه ،وسأختصر فيها حسب مقتضى القام:
-1تلف بعض أسباب النصر الشروعة:
وذلك أن للنصر أسبابًا ،فإذا تلّفتْ هذه السباب أو بعضها تلف النصر؛ لن السبب
عند الصوليي ،هو ما يلزم من وجوده الوجود ،ومن عدمه العدم لذاته ،وإن كان ل يلزم
من وجود السبب هنا وجود النصر لانع آخر ،ولكن يلزم من عدمه العدم.
فمثل :ند من أسباب النصر الشروعة العداد للمعركة لن ال -تعال -يقول:
خيْ ِل تُ ْر ِهبُونَ بِهِ عَ ُدوّ اللّ ِه َوعَ ُدوّكُ ْم وَآ َخرِينَ ط الْ َ ( َوأَعِدّوا َلهُ ْم مَا اسْتَ َط ْعتُ ْم مِنْ ُق ّوةٍ َومِنْ ِربَا ِ
مِنْ دُوِنهِ ْم ل َتعْلَمُوَنهُمُ اللّ ُه َيعْلَ ُمهُمْ)([ )4سورة النفال ،الية .]60 :فعدم الخذ
بالسباب سبب من أسباب الزية أو تأخر النصر.
-10قد يكون انتصار الداعية بعد وفاته أعظم من انتصاره ف حياته ،لن الراد هو
انتصار النهج ،أما الشخاص فإن ال قد تكفل بإثابتهم وإكرامهم ،جزاء دعوتم
وصدقهم ،ولذلك جاءت اليات تبي هذا المر:
سبَ ّن الّذِينَ ُقِتلُوا فِي َسبِيلِ اللّهِ َأ ْموَاتا بَلْ أَ ْحيَا ٌء عِنْدَ َرّبهِمْ يُرْزَقُونَ)([ )5سورة آل (وَل َتحْ َ
عمران ،الية( .]169 :قَا َل يَا َلْيتَ َق ْومِي َيعْلَمُونَ بِمَا َغفَرَ لِي َربّي وَ َجعََلنِي مِنَ
جّنةَ بِمَا ُكنْتُ ْم َتعْمَلُونَ)()7 الْ ُمكْ َرمِيَ)([ )6سورة يس ،الية( .]27 ،26 :ادْخُلُوا الْ َ
[سورة النحل ،اليةِ( .]32 :إ ّن الّذِينَ قَالُوا َرّبنَا اللّ ُه ثُ ّم اسَْتقَامُوا َتَتنَزّ ُل عََلْيهِ ُم الْمَلئِ َكةُ أَلّا
حيَاةِ ال ّدْنيَا
جّن ِة اّلتِي ُكْنتُمْ تُوعَدُونَ َنحْنُ َأوِْليَاؤُكُمْ فِي الْ َ ح َزنُوا َوَأبْشِرُوا بِالْ َ تَخَافُوا وَل تَ ْ
316
سكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَ ّدعُونَ)([ )8سورة فصلت، وَفِي الْآ ِخ َرةِ وََلكُمْ فِيهَا مَا تَشَْتهِي َأْنفُ ُ
الية .]31 ،30 :إل غي ذلك من اليات.
وكم من داعية ل ينتصر الدين ف حياته ،ولكنه انتصر أعظم النتصار بعد ماته ،فهذا عبد
ال الغلم ،وسبق بيان قصته ،وكذلك شيخ السلم ابن تيمية مات ف سجنه ،ولكن
منهجه انتصر انتصارا باهرا بعد عدة قرون من وفاته.
وسيد قطب سجن ث قتل ،ولكن مؤلفاته انتشرت أكب النتشار بعد قتله!! ..وهكذا.
__________
( - )1سورة النساء آية.122 :
( - )2سورة الصف آية.13 :
( - )3سورة البقرة آية.193 :
( - )4سورة النفال آية.60 :
( - )5سورة آل عمران آية.169 :
( - )6سورة يس آية.27-26 :
( - )7سورة النحل آية.32 :
( - )8سورة فصلت آية.31-30 :
-11أن تأخر النصر فيه ابتلء وتحيص للدعاة ،وفيه من العب والدروس ما يفيد
جّن َة وَلَمّا َي ْأتِكُ ْم َمثَلُ
سْبتُمْ أَ ْن تَدْ ُخلُوا الْ َ اللحقون منه فوائد جة .قال -تعالَ( :-أمْ حَ ِ
سْتهُ ُم الَْب ْأسَاءُ وَالضّرّاءُ َوزُلْزِلُوا َحتّى َيقُولَ ال ّرسُولُ وَالّذِينَ آ َمنُوا الّذِينَ خََلوْا مِنْ َقبِْلكُ ْم مَ ّ
َمعَهُ َمتَى َنصْرُ اللّهِ أَل ِإنّ َنصْرَ اللّهِ َقرِيبٌ)([ )1سورة البقرة ،الية .]214 :وقال( :ال
سبَ النّاسُ َأنْ ُيتْرَكُوا َأ ْن َيقُولُوا آ َمنّا َوهُ ْم ل يُ ْفَتنُو َن وََلقَدْ َفتَنّا الّذِي َن مِنْ َقبِْلهِمْ َفَلَيعْلَمَنّ أَحَ ِ
اللّ ُه الّذِينَ صَدَقُوا وََلَيعْلَ َم ّن الْكَا ِذبِيَ)([ )2سورة العنكبوت ،الية .]3 - 1واليات
كثية معلومة.
وبعد:
فهذه أبرز أسباب تأخر النصر الظاهر حسب ما تبي ل ،وقد تتكشف لنا أسباب تأخر
النصر ،وقد ل تتكشف.
317
والذي يب أن نعتقده أن علينا فعل السباب الشرعية ،سعيا لنصرة دين ال ،أما تقق
النصر فليس لنا بل هو ل ( َومَا الّنصْرُ إِلّا مِ ْن ِعنْدِ اللّهِ)([ )3سورة آل عمران ،الية:
.]126
والنصر لن يتحقق إل إذا حان موعده ف علم ال ل ف تقديرنا القاصر.
ولن يتحقق النصر إل بعد اليان الازم بوعد ال( ،وَكَانَ َحقّا عََلْينَا َنصْ ُر الْ ُم ْؤ ِمنِيَ)()4
[سورة الروم ،الية.]47 :
أما من عنده شك وريبة فل يستحق النصر (.)5
-2قد يكون سبب تأخر النصر حدوث مانع من الوانع ،والانع هو :ما يلزم من وجوده
العدم ،ول يلزم من عدمه وجود ول عدم لذاته .والوانع كثية جدا ،كالظلم والركون
للكفار والعاصي وغيها .وموانع النصر هي أسباب الزية ،ولذلك ند ف غزوة أحد لا
بدت علمات النصر ث وقعت الخالفة من الرماة لمر الرسول ،صلى ال عليه وسلم
صبْتُ ْم ِمثَْلْيهَا قُ ْلتُمْ َأنّى هَذَا
حلت الزية ،كما قال -تعالَ( :-أوَلَمّا أَصَاَبتْكُ ْم ُمصِيَبةٌ قَدْ أَ َ
سكُمْ)([ )6سورة آل عمران ،الية .]165 :قال ممد بن إسحاق قُ ْل ُهوَ مِ ْن عِنْدِ َأْنفُ ِ
سكُمْ)( )7أي بسبب عصيانكم وابن جرير والربيع بن أنس والسدي( .قُ ْل ُه َو مِ ْن ِعنْدِ َأنْفُ ِ
لرسول ال ،صلى ال عليه وسلم حي أمركم أل تبحوا مكانكم فعصيتم ،يعن بذلك
الرماة.)8( .
وف حني لاذا تأخر النصر ،يقول -سبحانهَ( :-لقَ ْد َنصَرَكُمُ اللّهُ فِي َموَاطِنَ َكثِيَ ٍة َوَي ْومَ
جَبتْكُمْ َكثْ َرُتكُمْ فََل ْم ُتغْنِ َعْنكُ ْم َشيْئا وَضَاَقتْ عََليْكُ ُم اْلأَ ْرضُ بِمَا رَ ُحَبتْ ثُمّ ُحَنيْنٍ إِذْ َأعْ َ
وَّليْتُ ْم مُ ْدبِرِينَ)(.)9
حيث ذكر ال -سبحانه -أن قول أحد السلمي لن نغلب اليوم من قلة ،وكان عددهم (
)12ألفا ( )10مانعا من موانع النصر ،لن ال -سبحانه -وكلهم إل كثرتم فلم
تنفعهم شيئا ،ث تقق النصر بعد ذلك عندما زال هذا الانع حيث ثبت أن الكثرة وحدها
ل تلب النصر ،وإنا العتماد على ال -سبحانه -بعد الخذ بالسباب.
ومن خلل ما سبق يتضح أهية مراعاة السباب ،والرص على تصيلها ،مع تلف الوانع
واجتنابا.
318
-3النراف عن النهج
النراف عن النهج مانع من الوانع ،ولكن أفردته لهية التنبيه عليه ،فقد تتبعت
بالستقراء واقع كثي من الماعات السلمية والركات الهادية العاصرة ،وبثت عن
سر عدم انتصارها وتقق ما تعلنه من أهداف خية نبيلة ،حيث إن تلك الماعات تسعى
لنصرة دين ال ،وتكيم شرعه ،فوجدت إن من أبرز السباب -حسب ما ظهر ل-
انرافها عن النهج الصحيح -منهج أهل السنة والماعة -ف ثوابتها أو وسائلها.
وقد يكون النراف يسيا -ف نظر البعض -ولكنه خطي جدا ومؤثر ف تقيق النصر.
فمن ذلك التساهل ف قضية العقيدة وعدم اعتبارها من الولويات الت تتميز با تلك
الماعة.
وكذلك تييع مفهوم الولء والباء ،والركون إل الظالي ومداهنتهم.
ومن ذلك تأصيل الزبية ،ما يؤدي إل تفريق كلمة السلمي ،وتنافر القلوب .وكذلك
اعتبار أن الغاية تبر الوسيلة ،وهلم جرا.
إن ترير الصول والثوابت ،وتنقيتها ما قد يشوبا ،أمر جوهري وأساس ف سلمة منهج
الدعوة وصدق التوجه.
وكذلك عرض كل وسيلة من الوسائل على القواعد والصول الشرعية ،حاية لا من
النراف تت ضغط الواقع وحجية الصلحة التوهة.
-4عدم نضوج المة ،وضعف استعدادها إن دين ال عظيم ،ويتاج إل أمة قد تربّت
على هذا الدين زمنا حت تتمكن من حله وتبليغه للناس.
__________
( - )1سورة البقرة آية.214 :
( - )2سورة العنكبوت آية.3-1 :
( - )3سورة آل عمران آية.126 :
( - )4سورة الروم آية.47 :
( - )5انظر ف ظلل القرآن تفسي سورة الج 4/2427ففيه كلم قيم حول بعض ما
ذكر.
319
( - )6سورة آل عمران آية.165 :
( - )7سورة آل عمران آية.165 :
( - )8انظر تفسي ابن كثي .1/425
( - )9سورة التوبة آية.25 :
( - )10انظر تفسي الطبي 10/100وتفسي ابن كثي .2/343
أمة قد اجتازت الشقة والعقبات قبل أن تصل على النصر ،بل من أجل الصول عليه.
ئم إن قيام هذا الدين يتاج إل طاقات ضخمة ،كثية العدد ،متعددة الواهب
والتخصصات ،وهذا المر يتاج إل زمن ليس باليسي ،فإعداد الرجال وتربيتهم من أشق
الهمات وأصعبها.
ولذلك ند أن رسول ال ،صلى ال عليه وسلم بقي ثلثة عشر عاما يرب الرجال واحدا
واحدا ،ويهيئ المة جاعة جاعة ،استعدادا لمل الرسالة والذود عنها.
فقوم ف دار الرقم ،وآخرون يهاجرون إل البشة ،ومرة يصر المع ف شعب أب
طالب ،ث تأت الجرة إل الدينة.
كل هذا وغيه هيأ هذه المة لمل الرسالة حت كمل الدين وفتح ال على السلمي فتحا
عظيما.
وما سبق يتضح أن هذا المر يتاج إل زمن لتمامه ،واكتمال بنائه ،وهو سبب من
أسباب تأخر النصر وظهور دين ال مهيمنا على البشر.
-5عدم إدراك قيمة النصر:
إن ميء النصر سريعا دون كبي مشقة ول عناء ،يعل المة النتصرة ل تعرف قيمة هذا
النتصار ،ومن ث ل تبذل من الهود للمحافظة عليه ما يستحقه وما يتاج إليه.
وسأضرب مثلي يوضحان هذه القيقة:
( )1الرجل الذي عاش ف الفقر ث جد واجتهد ف تصيل الال حت أصبح غنيا ،ند أنه
يافظ على هذا الال مافظة عجيبة ،ويبذل كل الوسائل المكنة للذود عنه وحايته.
320
وذلك لنه ذاق طعم الفقر ومذلته ،ث إنه تعب ف جع هذا الال وتنميته ،فليس من
السهولة أن يفرط فيه ،ويكره أن يعود للفقر بعد أن أخرجه ال منه ،كما يكره أن يعود
للكفر بعد إذ أنقذه ال منه.
أما أولده وورثته ،فتجد أن الكثي منهم ل يول هذا الال ما يستحقه من عناية واهتمام،
بل قد يعبث فيه حت يصبح فقيا.
وذلك أنه ل يعرف قيمة هذا الال ،ول يتعب ف جعه وكسبه ،ول يذق طعم الفقر كما
ذاقه مورثه.
(ب) قيام الدول وسقوطها:
ما يلحظ بالستقراء والتتبع أن الدول تكون إبان قيامها قوية مهابة ،وتد أن المراء
واللفاء يبذلون جهودا مضاعفة للمحافظة على الدولة ،وتلف جيع أسباب ضعفها.
ث تأت أجيال ل تساهم ف قيام الدولة ،وورثت اللك كما يرث الوارث الال ،وهنا
ينشغلون عن الدولة بكاسبها ،ويغفلون عن تبعاتا ،وتبدأ الدولة ف الضعف والتفكك
حت قد يئول المر إل سقوطها.
ولذا فإن ميء النصر دون تعب أو عناء قد يكون سببا ف عدم استمراره ،وصعوبة
الحافظة عليه ،ومن هنا فقد تقتضي حكمة ال أن يتأخر النصر حت يستوي المر ويوجد
الرجال الذين يعرفون قيمة النصر ،والثمن الذي يستحقه.
-6قد يكون ف علم ال -جل وعل -أن هؤلء لو انتصروا لن يقوموا بتكاليف
النتصار )1( ،من إقامة حكم ال ف الرض ،والمر بالعروف والنهي عن النكر ،وإقام
الصلة ،وإيتاء الزكاة .وذلك أن النتصار ليس مرادا لذاته ،وإنا لا يتحقق منه ،وهو
إخاد الفتنة ،وأن يكون الدين كله ل.
ي عَزِي ٌز الّذِينَ إِنْ وهذا ما يفهم من قوله -تعال( :-وََلَيْنصُ َرنّ اللّ ُه مَ ْن َيْنصُ ُرهُ إِنّ اللّهَ َل َقوِ ّ
ف َوَن َهوْا عَ ِن الْ ُمْنكَ ِر وَلِلّهَِمكّنّاهُمْ فِي اْلأَ ْرضِ أَقَامُوا الصّلةَ وَآَتوُا الزّكَا َة َوَأمَرُوا بِالْ َمعْرُو ِ
عَاِقبَ ُة اْلأُمُورِ)([ )2سورة الج ،الية .]41 ،40 :وقد ل نعلم نن سبب ذلك ولكن ال
يعلمه.
321
وذلك أن هناك فئة من الناس تثبت ف حالة الشدة والعناء ،وتصمد ف حالة الواجهة
والبلء ولكنها تضعف وتتقهقر ف حالة النعم والرخاء والمن.
وقوم هذه حالم ل يستحقون النصر ،وال أعلم با كان ،وما يكون ،وما ل يكن لو كان
كيف يكون.
-7من أسباب تأخر النصر أن الباطل الذي ياربه الدعاة ل ينكشف زيفه للناس تاما،
فقد يد له أنصارا من الخدوعي فيه ،من هم ليسوا على هذا الباطل ،ول يقرونه لو
اكتشفوا حقيقته.
ومن أبرز المثلة على ذلك قصة النافقي ،فكثي من الصحابة -رضوان ال عليهم -ل
يكونوا يعرفون عددا من أقطاب النفاق ،بل إنم يسنون الظن بم ،ولذلك وجدنا من
يدافع عنهم ،حت إن بعض كبار الصحابة من النصار كانوا يدافعون عن عبد ال بن ُأبَيّ،
لعدم معرفتهم با كان عليه من الباطل وباصة ف أول العهد الدن.
ولا جاء زيد بن أرقم وأخب عن مقولة عبد ال بن أب بن سلول ف غزوة بن الصطلق،
قال عمر بن الطاب لرسول ال ،صلى ال عليه وسلم مر عباد بن بشر فليقتله ،فقال
رسول ال ،صلى ال عليه وسلم " فكيف يا عمر إذا تدث الناس أن ممدا يقتل
أصحابه؟ ل!! ولكن أذن بالرحيل "
إذن النافقون ف نظر كثي من الناس أصحاب لرسول ال ،صلى ال عليه وسلم لن
حقيقتهم ل تنكشف للناس ،وحقيقتهم( ،هُ ُم اْلعَ ُدوّ فَاحْ َذ ْرهُمْ قَاتََلهُمُ اللّهُ َأنّى ُيؤَْفكُونَ)(
[ )3سورة النافقون ،الية.]4 :
__________
( - )1هذا السبب يتلف عن الذي قبله فتأمل.
( - )2سورة الج آية.41-40 :
( - )3سورة النافقون آية.4 :
ولذلك قال رسول ال ،صلى ال عليه وسلم لعمر ف ناية الطاف لا تكشفت حقيقة
هؤلء عند كثي من السلمي " :كيف ترى يا عمر؟ أما وال لو قتلته يوم قلت ل :اقتله،
322
لرعدت له آنف لو أمرتا اليوم تقتله لقتلته قال عمر :قد وال علمت لمر رسول ال،
صلى ال عليه وسلم أعظم بركة من أمري "
ق تصوير وبيان. فهذا الديث يصور معن هذا السبب الذي ذكرته أد ّ
والدخول ف معركة مع قوم ل تنكشف حقيقة أمرهم تاما ،له آثاره السلبية على المة
السلمة ،إذ أن بعض السلمي سيقف ف صف أولئك ،كما وقف بعض الصحابة مع
النافقي.
كما ف الديث الذي رواه البخاري ومسلم عن عائشة ف قصة الفك وجاء فيه:
" فقام رسول ال ،صلى ال عليه وسلم من يومه فاستعذر من عبد ال بن أب بن سلول،
قالت :فقال رسول ال ،صلى ال عليه وسلم وهو على النب :يا معشر السلمي من
يعذرن من رجل قد بلغن أذاه ف أهلي ،فوال ما علمت على أهلي إل خيا ،ولقد ذكروا
رجل ما علمت عليه إل خيا ،وما كان يدخل على أهلي إل معي فقام سعد بن معاذ
النصاري ( فقال :أنا أعذرك منه يا رسول ال ،إن كان من الوس ضربنا عنقه ،وإن كان
من إخواننا من الزرج أمرتنا ففعلنا بأمرك ،قالت :فقام سعد بن عبادة -وهو سيد
الزرج -وكان رجل صالا ،ولكن احتملته المية ،فقال لسعد بن معاذ :كذبت لعمر
ال ،ل تقتله ول تقدر على قتله ،ولو كان من رهطك ،ما أحببت أن يقتل ،فقام أسيد بن
حضي -وهو ابن عم سعد بن معاذ -فقال لسعد بن عبادة :كذبت لعمر ال لنقتلنه،
فإنك منافق تادل عن النافقي.
فثار اليان ،الوس والزرج حت هوا أن يقتتلوا ورسول ال ،صلى ال عليه وسلم على
النب ،فلم يزل رسول ال ،صلى ال عليه وسلم يفضهم حت سكتوا ،وسكت رسول
ال ،صلى ال عليه وسلم " " ...الديث (.)1
وقد ل يقف بعض السلمي مع هؤلء ،ولكن سيكون وقوفهم مع الدعاة ضعيفا ومترددا،
لنم ل يتيقنوا أن هؤلء على الباطل ،ما يؤثر على العركة الت يوضها السلمون ضد
أعدائهم ،وقد يؤدي إل فرقة السلمي وتأخر النصر.
-8ومن أسباب تأخر النصر ،أن البيئة الحَا َربَة قد تكون غي صالة بعد لستقبال الق
والي والعدل ،ما يقتضي أمورًا تيئها لذلك قبل الدخول معها ف معركة ،ومن ذلك بذل
323
جيع الوسائل الشرعية لبيان أن هؤلء القوم -الحاربي -على الباطل ،وماولة إقناعهم
ودعوتم وبيان حقيقة السلم ،وفساد ما هم عليه من باطل.
فإن هذا المر إن ل يكن سببًا ف هدايتهم قبل العركة فإنه وسيلة لعرفة الق ،ومن ث
القبول به بعد العركة ،ولذا فإن الدعوة إل السلم تسبق الدخول ف العركة.
-9ومن أسباب عدم الستجابة لدين ال( )2أن عوامل النصر قد تتوافر بالنسبة للداعية،
لكن هناك موانع تتعلق بالدعوين -كالمر السابق -ومن ذلك عدم تقدير ال هداية
س الّذِينَ آ َمنُوا أَنْ َلوْ
هؤلء القوم ،حيث كتب عليهم الضللة ،قال -سبحانه( :-أََفلَ ْم َييْأَ ِ
يَشَاءُ اللّهُ َلهَدَى النّاسَ َجمِيعا)([ )3سورة الرعد ،الية .]31 :وقالَ( :ف ِمْنهُمْ مَنْ هَدَى
ت عََليْ ِه الضّلَلةُ)([ )4سورة النحل ،الية .]36 :وقال -جل وعل:- اللّ ُه َومِْنهُ ْم مَنْ َحقّ ْ
ك الّذِينَ لَ ْم يُ ِردِ اللّهُ َأنْ يُ َطهّرَ قُلُوَبهُمْ)([ )5سورة الائدة ،الية .]41 :إل غي ذلك (أُولَئِ َ
من اليات (.)6
التنازل من أجل النتصار
ما لفت نظري ف واقع كثي من الدعاة والماعات السلمية العاصرة أنا قد تستبطئ
النصر ،وحرصا منها على دين ال ،وتأثرا بكثرة النتقادات الت توجه لا ،لاذا ل تقق
أهدافها بالرغم ما تبذله من جهود ،وما مضى من زمن ،فإنا من أجل ذلك كله ولغيه
من السباب قد تقدم بعض التنازلت للحصول على بعض الكاسب للدعوة.
وقد تنوعت صور هذه التنازلت وتعددت ،وهم بي مقل ومكثر.
ولن من أبرز أسباب هذا المر -كما ذكرت -هو الرص لتحقيق النتصار لدين ال ،أو
للدعاة وللجماعات ( )7ولرتباطه الوثيق ف موضوعنا ،حيث أشرت إل ذلك ف أول
هذا البحث.
فإنن سأقف وقفة مناسبة مع هذه القضية وسأحاول بيانا بإياز ،نظرا لن هذا المر
يستحق بثا مستقل مفصل ،ول أستطيع أن أقوم بذلك من خلل هذا البحث ،ولعل ال
أن يقيض له من يليه.
__________
( - )1أخرجه البخاري ( )4141ومسلم (.)2770
324
( - )2واستجابة الناس انتصار لدين ال ،حت لو ل يكن هناك معركة وقتال "إذا جاء
نصر ال والفتح".
( - )3سورة الرعد آية.31 :
( - )4سورة النحل آية.36 :
( - )5سورة الائدة آية.41 :
( - )6وانظر تفسي الطبي 30/331تفسي سورة الكافرون لتجد كلما جيدا.
( - )7وانتصار الداعية انتصار لدين ال ،كما أن انتصار الدين نصر للداعية.
وقد ذهبت أتأمل ما ورد ف ذلك ف كتاب ال -ف ضوء منهجي ف هذه الرسالة-
فوقفت أمام ثلث قضايا وردت ف القرآن الكري ،عالها القرآن ،ورسم لنا من خللا
منهجا نسي عليه دون زلل أو خلل.
وسأذكر كل قضية ،وأسلوب معالتها ،ث أذكر ف النهاية خلصة ما توصلت إليه حول
هذا المر ،وأسأل ال التوفيق والسداد.
القضية الول :سبب نزول سورة الكافرون:
قال المام الطبي :حدثن ممد بن موسى الرشي قال :ثنا أبو خلف ،قال :ثنا داود،
عن عكرمة عن ابن عباس " ،أن قريشا وعدوا رسول ال ،صلى ال عليه وسلم أن يعطوه
مال ،فيكون أغن رجل بكة ،ويزوجوه ما أراد من النساء ،ويطئوا عقبه ،فقالوا له :هذا
لك عندنا يا ممد ،وكف عن شتم آلتنا ،فل تذكرها بسوء ،فإن ل تفعل فإنا نعرض
عليك خصلة واحدة فهي لك ولنا فيها صلح ،قال :ما هي ،قالوا :تعبد آلتنا سنة،
اللت والعزى ،ونعبد إلك سنة ،قال :حت أنظر ما يأت من عند رب ،فجاء الوحي من
اللوح الحفوظ " قُ ْل يَا َأّيهَا اْلكَافِرُونَ " السورة ،وأنزل ال( :قُلْ أََف َغيْرَ اللّ ِه َت ْأمُرُونّي َأعْبُدُ
َأيّهَا الْجَاهِلُونَ) إل قوله( :فَا ْعبُدْ وَكُنْ مِنَ الشّاكِرِينَ) " ([ )1سورة الزمر ،الية،64 :
.]66 ،65
وقال الطبي :أيضا -حدثن يعقوب ،قال حدثنا ابن علية ،عن ممد بن إسحاق ،قال:
ثن سعيد بن ميناء مول البختري ،قال " :لقي الوليد بن الغية والعاص بن وائل والسود
بن الطلب وأمية بن خلف رسول ال ،صلى ال عليه وسلم فقالوا :يا ممد ،هلم فلنعبد
325
ما تعبد ،وتعبد ما نعبد ،ونشركك ف أمرنا كله ،فإن كان الذي جئت به خيا ما بأيدينا
كنا قد شركناك فيه ،وأخذنا بظنا منه ،وإن كان الذي بأيدينا خي ما ف يديك كنت قد
شركتنا ف أمرنا ،وأخذت منه بظك ،فأنزل ال( :قُ ْل يَا َأّيهَا الْكَافِرُونَ) " [سورة
الكافرون ،الية .]1 :حت انقضت السورة (.)2
إننا ند ف هذه السباب أن قريشا طلبت من رسول ال ،صلى ال عليه وسلم أن يتنازل
لا ،وتتنازل له حت يلتقيا حول نقطة واحدة.
وقد يقول قائل :لو أن رسول ال ،صلى ال عليه وسلم وافقهم على ذلك ،وطلب منهم
أن يبدأوا بعبادة ال أول ،فإنم إذا عرفوا السلم لن يرجعوا عنه ،وف هذا تقيق مكسب
كبي للسلم ،وتقيق انتصار ،ورفع للبلء الذي يلقيه السلمون.
والواب أن ال قد حسم هذه القضية( ،ل َأ ْعبُدُ مَا َت ْعبُدُونَ وَل َأْنتُمْ عَابِدُو َن مَا أَ ْعبُدُ)()3
وف آخرها (َلكُمْ دِينُكُ ْم وَِليَ دِينِ)([ )4سورة الكافرون ،الية.]6:
فالقضية قضية مبدأ ،غي قابلة للمساومة ول لتنازل قيد أنلة ،فهذه مسألة من مسائل
العقيدة ،بل هي العقيدة نفسها.
ودفعا لي احتمال أو طمع ف هؤلء قال -سبحانه( :-وَل َأنْتُ ْم عَابِدُونَ مَا َأ ْعبُدُ)()5
مرتي ،فهو تأكيد حاسم ،وخب جازم من عند علم الغيوب ،أنم لن يعبدوا ال أبدا ،ل
ف الاضر ،ول ف الستقبل ،وكأن بعد إيانم كبعد استجابة الرسول ،صلى ال عليه
وسلم لطلبهم ،وهكذا كان ،قال المام الطبي:
(وَل َأْنتُ ْم عَابِدُو َن مَا َأعْبُدُ)( )6فيما تستقبلون أبدا "ما أعبد" أنا الن ،وفيما أستقبل ،وإنا
قيل ذلك كذلك ،لن الطاب من ال كان لرسول ال ،صلى ال عليه وسلم ف أشخاص
بأعيانم من الشركي ،قد علم أنم ل يؤمنون أبدا ،وسبق لم ذلك ف السابق من علمه،
فأمر نبيه ،صلى ال عليه وسلم أن يؤيسهم من الذي طمعوا فيه ،وحدثوا به أنفسهم ،وإن
ذلك غي كائن منه ول منهم ف وقت من الوقات ،وآيس نب ال ،صلى ال عليه وسلم
من الطمع ف إيانم ،ومن أن يفلحوا أبدا ،فكانوا كذلك ل يفلحوا ،ول ينجحوا إل أن
قتل بعضهم يوم بدر بالسيف ،وهلك بعض قبل ذلك كافرا ،وبنحو الذي قلنا ف ذلك
قال أهل التأويل ،وجاءت به الثار)7(.
326
إن التأمل ف هذه القضية ،وكيف حسمها القرآن ،يعطي من الدورس ما نن بأمس
الاجة إليه ،بل يرسم منهجا واضحا جليا ف كيفية مواجهة أساليب كثي من أعداء
السلم حاضرا ومستقبل.
القضية الثانية :سبب نزول قوله -تعال( :-وَل تَطْ ُر ِد الّذِينَ يَ ْدعُونَ َرّبهُ ْم بِاْلغَدَاةِ
شيّ)([ )8سورة النعام ،الية.]52 : وَالْعَ ِ
__________
( - )1تفسي الطبي .3/331
( - )2تفسي الطبي .30/331
( - )3سورة الكافرون آية.2 :
( - )4سورة الكافرون آية.6 :
( - )5سورة الكافرون آية.3 :
( - )6سورة الكافرون آية.3 :
( - )7تفسي الطبي .3/331
( - )8سورة النعام آية.52 :
قال الطبي -مسندا إل ابن مسعود ،قال " :مر الل من قريش بالنب ،صلى ال عليه
وسلم وعنده صهيب وعمار وبلل وخباب ونوهم من ضعفاء السلمي ،فقالوا :يا ممد:
أرضيت بؤلء من قومك ،هؤلء الذين من ال عليهم من بيننا ،أنن نكون تبعا لؤلء،
اطردهم عنك ،فلعلك إن طردتم أن نتبعك ،فنلت هذه الية " :وَل تَطْ ُر ِد الّذِينَ يَ ْدعُونَ
َرّبهُمْ " " (.)1
وف رواية أخرى قال الطبي -مسند إل ماهد -قال( :وَل تَ ْطرُ ِد الّذِي َن يَ ْدعُونَ َرّبهُمْ
شيّ)( )2بلل وابن أم عبد كانا يالسان ممدا ،صلى ال عليه وسلم فقالت بِاْلغَدَا ِة وَالْعَ ِ
قريش مقرتما :لولها وأمثالما لالسناه ،فنهي عن طردهم (.)3
وف رواية قال الطبي :حدثن القاسم ،قال :ثنا حسي ،قال :ثنا حجاج ،عن ابن جريج،
عن عكرمة ف قولهَ ( :وَأنْذِ ْر بِ ِه الّذِي َن يَخَافُونَ)( )4الية.
327
قال " :جاء عتبة بن ربيعة ،وشيبة بن ربيعة ،ومطعم بن عدي ،والرث بن نوفل ،وقرضة
بن عيد عمرو بن نوفل ف أشراف من بن عبد مناف من الكفار إل أب طالب ،فقالوا :يا
أبا طالب ،لو أن ابن أخيك يطرد عنه موالينا وخلفاءنا ،فإنا هم عبيدنا ،وعسفاؤنا ،كان
أعظم ف صدورنا ،وأطوع له عندنا ،وأدن لتباعنا إياه وتصديقنا له ،قال :فأتى أبو طالب
النب ،صلى ال عليه وسلم فحدثه بالذي كلموه به ،فقال عمر بن الطاب :لو فعلت
ذلك حت ننظر ما الذي يريدون ،وإلم يصيون من قولم ،فأنزل ال تعالَ ( :وَأنْذِ ْر بِهِ
الّذِينَ يَخَافُونَ َأنْ يُحْشَرُوا إِلَى َرّبهِمْ َلْيسَ َلهُ ْم مِنْ دُونِهِ وَِل ّي وَل َشفِيعٌ َلعَّلهُ ْم َيّتقُو َن وَل
تَطْ ُر ِد الّذِينَ يَ ْدعُونَ َرّبهُمْ) [سورة النعام ،الية.]52 ،51 :
فلما نزلت أقبل عمر بن الطاب فاعتذر عن مقالته ،فأنزل ال -تعالَ ( :-وإِذَا جَا َءكَ
الّذِينَ ُيؤْ ِمنُو َن بِآيَاِتنَا َفقُ ْل سَلمٌ عََلْيكُمْ) " ([ )5سورة النعام ،الية.]54 :
وف رواية أخرى للطبي عن خباب قال فيها:
فقال كفار قريش :إنا نب أن تعل لنا منك ملسا تعرف لنا العرب به فضلنا ،فإن وفود
العرب تأتيك ،فنستحي أن ترانا العرب مع هؤلء العبد ،فإذا نن جئناك فأقمهم عنا،
فإذا نن فرغنا فاقعد معهم إن شئت ،ث نزل قوله -تعال( :وَل تَطْ ُر ِد الّذِي َن يَ ْدعُونَ
َرّبهُمْ)([ )7()6سورة النعام ،الية.]52:
وقد وردت أحاديث أخرى ،ول يلو بعضها من ضعف ولكن ،يقوي بعضها بعضا
فترتقي بجموعها إل درجة السن لغيه ،ومعناها متقارب ،وكلها تذكر سببا واحدا
للنول ،ولكن ف بعض هذه الروايات زيادات على بعض ،ويؤكد هذه الروايات الديث
التال:
من أصح ما ورد ف هذا ما رواه مسلم ف صحيحه ،قال :حدثنا أبو بكر بن أب شيبة،
حدثنا ممد بن عبد ال السدي ،عن إسرائيل ،عن القدام بن شريح ،عن أبيه عن سعد
هو ابن أب وقاص ،قال " :كنا مع النب ،صلى ال عليه وسلم ستة نفر ،فقال الشركون
للنب ،صلى ال عليه وسلم اطرد هؤلء ل يترءون علينا ،قال :وكنت أنا وابن مسعود
ورجل من هذيل وبلل ورجلن نسيت اسيهما ،فوقع ف نفس رسول ال ،صلى ال عليه
328
وسلم ما شاء ال أن يقع ،فحدث نفسه ،فأنزل ال عز وجل " وَل تَ ْطرُ ِد الّذِي َن يَ ْدعُونَ
َرّبهُ ْم " " الية ()8
ك مَ َع الّذِي َن يَ ْدعُونَ َرّبهُ ْم بِاْلغَدَاةِ
وذكر ابن كثي ف قوله -تعال( :-وَاصْبِ ْر َنفْسَ َ
شيّ)( )9الية ،إنا نزلت ف أشراف قريش حي طلبوا من الرسول ،صلى ال عليه وَالْعَ ِ
وسلم أن يلس معهم وحده ،ول يالسهم بضعفاء أصحابه ،كبلل وعمار وصهيب
وخباب وابن مسعود ،وليفرد أولئك بجلس على حدة ،فنهاه ال عن ذلك فقال( :وَل
تَطْ ُر ِد الّذِينَ يَ ْدعُونَ َرّبهُمْ)( )10الية ،وأمره أن يصب نفسه ف اللوس مع هؤلء فقال:
ك مَ َع الّذِي َن يَ ْدعُونَ َرّبهُمْ)( )11الية ([ )12سورة الكهف ،الية.]28 : (وَاصْبِ ْر َنفْسَ َ
إن الوقوف مع سبب نزول هاتي اليتي يضع حدا لكثي من الجتهادات الت يقدم عليها
كثي من الدعاة والماعات ،وهم -ول شك -يقدمون عليها حرصا على دينهم ،ورغبة
ف انتصار الدين وظهوره ،وتقيقا لبعض الهداف الت يسعون إليها.
ولكن الغاية -مهما كانت شريفة -فإنا ل تبر الوسيلة.
تصوروا القضية هكذا:
__________
( - )1تفسي الطبي .200 /7
( - )2سورة النعام آية.52 :
( - )3انظر تفسي الطبي .7/202
( - )4سورة النعام آية.51 :
( - )5انظر تفسي الطبي 7/202وهذا الديث مرسل.
( - )6سورة النعام آية.52 :
( - )7انظر تفسي الطبي 7/201وف سنده السدي وهو ضعيف.
( - )8أخرجه مسلم ( ،)2413وانظر تفسي ابن كثي .3/80
( - )9سورة الكهف آية.28 :
( - )10سورة النعام آية.52 :
( - )11سورة الكهف آية.28 :
329
( - )12انظر تفسي ابن كثي .3/80
لو أن جاعة من الماعات السلمية ،الت توجد ف دول كافرة ،وتسعى جاهدة للدعوة
إل دين ال ،ونشر رسالة السلم ،قالت لا تلك الدولة :نن مستعدون للتفاوض معكم
من أجل النظر ف العتراف بكم ،للدخول ف النتخابات مثل ،أو للحصول على بعض
المتيازات للدعوة ،ولكن نشترط عليكم أن تبعدوا فلنا وفلنا من قيادتكم ،وآخرين من
جاعتكم ،فإننا ل نعترف بماعة فيها هؤلء ،والماعة ل تنقم على هؤلء الدعاة شيئا ف
أمر دينهم وعقيدتم ،ول تكن تفكر ف ذلك قبل هذا الطلب ،ولكن الدولة ل تريدهم
احتقارا لم.
فيا ترى هل تصمد تلك الماعة ،وترفض الوضوع جلة وتفصيل وتقولَ ( :ومَا َنقَمُوا
ِمنْهُمْ إِلّا َأنْ ُيؤْ ِمنُوا بِاللّ ِه اْلعَزِي ِز الْحَمِيدِ)([ )1سورة البوج ،الية .]8 :أو تبدأ مناقشة ما
يسمى بالصلحة؟ وماذا يضي لو أبعد هؤلء من أجل مصلحة الدعوة ،وتقيقا
للمكتسبات التوقعة ،إل غي ذلك من التبيرات؟ أظن - .بكم معرفت بواقع بعض
الماعات -أنا ستستجيب لذه الساومات ،وقد استجابت لقل من ذلك.
بينما حسم القرآن هذه القضية منذ العهد الكي ،ورسم لنا منهجا ل لبس فيه ول غموض
(مَا عََليْكَ مِنْ حِسَاِبهِ ْم مِ ْن َشيْءٍ َومَا مِنْ حِسَابِكَ عََلْيهِ ْم مِ ْن َشيْءٍ َفتَطْ ُر َدهُمْ َفتَكُونَ مِنَ
الظّالِمِيَ)([ )2سورة النعام ،الية.]52 :
إنه أمر ميف جدا ،رسول ال ،صلى ال عليه وسلم أفضل البشر ،وإمام الرسلي ،لو فعل
هذا ،وهو لن يفعله إل من أجل مصلحة الدعوة ،ورسالة السلم ،لو فعله -وحاشاه من
ذلك -سيكون من الظالي.
ويبي لنا النهج الذي نسلكه ف مثل هذه الطلبات والساومات ،عندما تبدو لنا قضية
الصلحة( :وَُق ِل الْحَ ّق مِنْ َرّبكُمْ فَ َم ْن شَاءَ فَ ْلُي ْؤمِنْ َومَنْ شَاءَ َف ْلَيكْفُرْ)([ )3سورة الكهف،
الية .]29 :الية.
هذا واجبنا ،وتلك مسئوليتنا ،أن نقول الق ،أما هل يؤمن الناس أو يكفروا فليس لنا
(أَفَلَ ْم َيْيأَسِ الّذِينَ آ َمنُوا َأنْ َل ْو يَشَاءُ اللّهُ َلهَدَى النّاسَ جَمِيعا)( )4إن القضية عندما تتعلق
330
بالبادئ فل مال للمفاوضة ول للتنازل ،والسألة مسومة (َلكُمْ دِيُنكُ ْم وَِليَ دِينِ)()5
[سورة الكافرون ،الية.]6 :
القضية الثالثة :ما ورد ف سورة الفتح :قال ابن كثي :نزلت هذه السورة الكرية لا رجع
رسول ال ،صلى ال عليه وسلم من الديبية ف ذي القعدة من سنة ست من الجرة ،حي
صده الشركون عن الوصول إل السجد الرام ،فيقضي عمرته فيه ،وحالوا بينه وبي
ذلك ث مالوا إل الصالة والهادنة ،وأن يرجع عامه هذا ،ث يأت من قابل ،فأجابم إل
ذلك :على تكره من جاعة من الصحابة منهم عمر بن الطاب (
وقد وردت قصة الصلح ف روايات عديدة ،منها ف الصحيحي وغيها .وهي قصة
طويلة سأقتصرعلى جزء يسي منها ما له صلة بوضوعنا ،وهو ما ثبت ف الصحيح.
-1جاء ف صحيح البخاري " :فدعا النب ،صلى ال عليه وسلم الكاتب ( )6فقال النب،
صلى ال عليه وسلم اكتب ( :فقال سهيل ( )7أما الرحن فوال ما أدري ما هو ،ولكن
اكتب باسك اللهم ،كما كنت تكتب ،فقال السلمون :وال ل نكتبها إل ( فقال النب،
صلى ال عليه وسلم اكتب :باسك اللهم ،ث قال :هذا ما قاضى عليه ممد رسول ال،
فقال سهيل :وال لو كنا نعلم أنك رسول ال ما صددناك عن البيت ،ول قاتلناك ،ولكن
اكتب :ممد بن عبد ال ،فقال النب ،صلى ال عليه وسلم وال إن لرسول ال ،وإن
كذبتمون ،اكتب :ممد بن عبد ال " (.)8
-2وما جاء ف الصلح " :وإنك ترجع عنا عامنا هذا فل تدخل علينا مكة ،وأنه إذا كان
عام قابل خرجنا عنها فتدخلها بأصحابك " (.)9
-3وجاء -أيضا " :-على أنه من أتى رسول ال صلى ال عليه وسلم من أصحابه بغي
إذن وليه رده عليه ،ومن أتى قريشا من مع رسول ال ،صلى ال عليه وسلم ل يردوه عليه
" (.)10
هذا بعض ما ورد ف الصلح ،ولذلك فإن عمر لا بلغه عزم الرسول ،صلى ال عليه وسلم
على عقد الصلح ول يبق إل الكتاب غضب غضبا شديدا وذهب إل رسول ال ،صلى ال
عليه وسلم وقال له :يا رسول ال ،أولسنا بالسلمي ،أوليسوا بالشركي؟ " قال صلى ال
331
عليه وسلم بلى ،قال :فعلم نعطى الدنية ف ديننا؟ فقال ،صلى ال عليه وسلم أنا عبد ال
ورسوله لن أخالف أمره ولن يضيعن " ()11
__________
( - )1سورة البوج آية.8 :
( - )2سورة النعام آية.52 :
( - )3سورة الكهف آية.29 :
( - )4سورة الرعد آية.31 :
( - )5سورة الكافرون آية.6 :
( - )6وهو علي بن أب طالب.
( - )7سهيل بن عمرو رئيس الفاوضي من قريش.
( - )8أخرجه البخاري (.)2732 ،2731
( - )9مسند المام أحد 4/330وانظر تفسي ابن كثي .4/196
( - )10مسند المام أحد 4/330وانظر تفسي ابن كثي .4/196
( - )11انظر الصدر السابق وتفسي ابن كثي .4/196
إن هذا الصلح الذي اعتبه عمر ( دنية ف دينه ،ومع ما قد يبدو لول وهلة من صعوبة
القبول ف بعض الشروط الت كتبت ،وباصة ف نظر التحمس ،هذا الصلح بشروطه ساه
ال فتحا مبينا ،قال ابن مسعود :إنكم تعدون الفتح فتح مكة ،ونن نعد الفتح صلح
الديبية.
وقال جابر :ما كنا نعد الفتح إل يوم الديبية .وقال البخاري :حدثنا عبيد ال بن موسى،
عن إسرائيل ،عن أب إسحاق ،عن الباء ( قال :تعدون أنتم الفتح فتح مكة ،وقد كان
فتح مكة فتحا ،ونن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الديبية ،وف مسند أحد :فقال النب،
حنَا
صلى ال عليه وسلم " نزل علي البارحة سورة هي أحب إل من الدنيا وما فيها (ِإنّا َفتَ ْ
لَكَ َفتْحًا ُمبِينًا) " [سورة الفتح ،الية.]1 :
وف رواية أخرى لحد عن أنس ( قال :نزلت على النب ،صلى ال عليه وسلم (ِلَي ْغفِرَ لَكَ
اللّ ُه مَا َتقَ ّدمَ مِنْ َذْنبِكَ َومَا َتأَخّرَ)([ )1سورة الفتح ،الية .]2 :مرجعه من الديبية ،قال
332
النب ،صلى ال عليه وسلم " لقد نزلت على الليلة آية أحب إل ما على الرض ،ث قرأها،
صلى ال عليه وسلم " (.)2
إننا ند ف هذه القضية أن رسول ال ،صلى ال عليه وسلم وافقهم على عدة أمور أهها:
-1أن يكتب باسك اللهم ،بدل من بسم ال الرحن الرحيم.
-2أن يكتب :ممد بن عبد ال ،بدل من :ممد رسول ال.
-3أن يؤخر دخول مكة إل العام القادم.
-4أن يرد من جاء من الشركي مسلما دون إذن وليه ،مع أنم لن يردوا من جاء إليهم
مشركا .بل إن رسول ال ،صلى ال عليه وسلم قال للصحابة عندما احتج بعضهم على
هذه الشروط " :ل يسألون خطة يعظمون فيها حرمات ال إل أعطيتهم إياها " رواه
البخاري (.)3
ولو دققنا النظر ف هذه المور الت أجابم إليها رسول ال ،لوجدنا أنا ل تتعلق بالعقيدة
ول بالبدأ ،وفرق كبي بينها وبي ما سبق ف سورة (الكافرون) .وسورة (النعام) ،وليس
فيها اعتراف بالباطل أو إقرار له.
كيف وقد سى ال هذا الصلحَ( :فتْحا ُمبِينا)( )4ولنقف مع هذه الطالب الربعة ،وقفة
يسية موجزة ،تبي ذلك.
فكتابة "باسك اللهم" ليس فيها مذور شرعي ،فلو أن مسلما قال :باسك اللهم ،وهو ل
يعتقد تأويل أو نفي اسم الرحن الرحيم ول صفته ،فإنه ل يأث.
وأما :كتابة ممد بن عبد ال ،فإن رسول ال ،صلى ال عليه وسلم ممد بن عبد ال،
وقد نفى ،صلى ال عليه وسلم أي احتمال قد يتطرق إل الذهان ،فقال لم " :وال إن
لرسول ال وإن كذبتمون " فإذا انتفى اللبس جاز المر.
وأما رجوعهم هذا العام إل العام القبل ،فهذه قضية مصلحية تقدر بقدرها ،بل إن فيها
عدم استجابة للعواطف الياشة إذا كان سيترتب على هذه الستجابة مفسدة.
وكم من التصرفات يقوم با بعض الناس استجابة لعاطفة غي منضبطة تسبب مفاسد
عظيمة ،قد ل تقدر الفسدة أثناء العاطفة.
333
وقضية إعادة من جاء مسلما إل الشركي .قد تبدو محفة ،وهذه هي النظرة العجلى ،أما
النظرة التأنية والبعيدة ،والت تتجاوز مصلحة الفراد إل مصلحة المة ،بل هي ف مصلحة
الفراد أنفسهم ،فل يلزم أن يقبلهم السلمون فأرض ال واسعة ،يدل على ذلك قوله،
صلى ال عليه وسلم لب جندل " :يا أبا جندل :اصب واحتسب ،فإن ال جاعل لك ولن
معك من الستضعفي فرجا ومرجا " الديث.)5( .
وقوله لب بصي لا جاءه ف الدينة " :ويل أمة مسعر حرب لو كان معه أحد " (.)6
وهكذا كان فقد كان ردها بداية فتح عظيم للمسلمي.
وبعد:
هذه هي القضايا الت ذكرت أنن سأبي منهج القرآن فيها ،وقد فعلت ،وهنا آت للصة
الوضوع ونتيجته ،فأقول:
إن مفهوم التنازل قد اختلط على كثي من الدعاة والماعات ،وكل منهم يتمسك بدليل
يناسبه ،دون نظرة شولية ،فنحن بي إفراط وتفريط ،والوضوع يتاج -كما ذكرت
سابقا -إل دراسة شاملة مؤصلة ،تمع فيها الدلة ،وتعرض الوقائع والحوال ،ما يساعد
على حسم الوضوع وبيانه.
334
( - )4سورة الفتح آية.1 :
( - )5رواه أحد 4/325انظر تفسي ابن كثي .4/197
( - )6رواه أبو داود ( ،)2765وانظر تفسي ابن كثي .4/199
وأخيا أقول :إن حرصنا على نصر دين ال ،وشدة مبتنا لظهوره على الدين كله يب أل
تكون مرجة لنا عن اللتزام بالنهج الشرعي ،فإن الغاية ل تبر الوسيلة.
صور النصر العاجل والجل ف القرآن
جاء النصر ف القرآن على عدة صور ،أشرت إليها سابقا ،ولكن أحببت أن أذكرها
متمعة باختصار؛ لتكون واضحة أمام الدعاة ،ولئل يتعجلوا وعد ال ،فكل شيء عنده
بقدار ،فل يعجله حرص حريص ،ول يردّه كره كاره ،وهو العليم الكيم.
- 1من النبياء من أذاه قومه ،فنصره ال عليهم ،فأهلكهم وأقام الدين ف حياته ،كموسى
وممد ،عليهما أفضل الصلة والسلم.
-2ومنهم من وله ال اللك -وهذا نصر عظيم -كداود وسليمان ،عليهما السلم.
-3ومنهم من أذاه قومه ول يؤمنوا به ،سوى قليل منهم فنجاه ال ومن معه ،وأهلك
عدوه ،ث ل يبي لنا القرآن ماذا حدث للنب بعد ذلك ،أي :هل آمن به قوم آخرون ،أو
بقي على من آمن معه ومن آمن من ذرياتم ،كنوح وهود وصال ولوط.
-4ومنهم من قتله قومه ،أو حاولوا قتله ،فانتقم ال له بعد حي ،كيحي وعيسى ،ومن
ح ًة وَا ِح َدةً فَِإذَا هُمْ خَامِدُونَ)([ )1سورة يس،
صيْ َ
أرسل لصحاب القرية (ِإنْ كَاَنتْ إِلّا َ
الية.]29 :
-5ومنهم من يئس من قومه فتركهم ،فعاقبه ال ،ث عفا عنه ،ولا عاد إليهم ،نصره ال
نصرا مؤزرا ،وظهر الدين وهو يونس (.)2
-6ومن الدعاة من قتله قومه فآمن به بعض قومه فقتلوا وحرّقوا ،ولكن ل نعلم ماذا حل
بؤلء القتلة ،سوى أن ال دعاهم للتوبة ،وتوعدهم إن ل يتوبوا بعذاب جهنم وعذاب
الريق ف الخرة.
وهؤلء هم أصحاب الخدود ()3
ول يعن هذا أنم ل ينصروا ف الدنيا ،فقد بينت أوجه النصر عند ذكر قصتهم.
335
إن استحضار هذه الصور ف ذهن الداعية عامل مساعد ف تطي الصعاب ،وتاوز
ب عَلَى العقبات السية والعنوية ،وتزيد من إيان الداعية بربه ف تقق موعوده( ،وَاللّ ُه غَالِ ٌ
َأمْ ِرهِ وََلكِنّ أَ ْكثَ َر النّاسِ ل َيعْلَمُونَ)([ )4سورة يوسف ،الية.]21 :
وقفة مع قصة يونس عليه السلم.
حكْمِ َربّكَ وَل َتكُنْ َكصَا ِحبِ الْحُوتِ ِإ ْذ نَادَى َو ُهوَ صبِرْ لِ ُ قال ال -سبحانه وتعال( :-فَا ْ
َمكْظُومٌ)([ )5سورة القلم ،الية .]48 :لقد وردت قصة يونس ،عليه السلم ،ف القرآن
ف عدة مواضع ،منها ف سورة النبياء:
(وَذَا النّونِ ِإذْ َذ َهبَ ُمغَاضِبا فَظَنّ َأنْ لَ ْن َنقْدِ َر عََليْهِ َفنَادَى فِي الظّلُمَاتِ أَنْ ل إِلَهَ إِلّا َأْنتَ
ت مِنَ الظّالِمِيَ)([ )6سورة النبياء ،الية.]87 : ُسبْحَانَكَ ِإنّي ُكنْ ُ
وأطول قصة له وردت ف الصافات ( َوِإنّ يُوُنسَ لَمِ َن الْ ُم ْرسَلِيَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ
ت َو ُه َو مُلِيمٌ فََلوْل َأنّهُ كَا َن مِنَ الْمَشْحُونِ فَسَاهَمَ َفكَا َن مِ َن الْمُدْ َحضِيَ فَاْلتَقَمَ ُه الْحُو ُ
ج َرةً مِنْ سبّحِيَ َلَلبِثَ فِي بَ ْطنِهِ إِلَى َيوْ ِم ُيبْ َعثُونَ َفَنبَ ْذنَاهُ بِاْلعَرَا ِء َوهُ َو َسقِي ٌم َوأَْنَبتْنَا عََليْ ِه شَ َ الْمُ َ
ي َوأَ ْرسَ ْلنَاهُ إِلَى مِاَئةِ أَلْفٍ َأ ْو يَزِيدُونَ فَآ َمنُوا َف َمتّ ْعنَاهُمْ إِلَى ِحيٍ)([ )7سورة الصافات، َيقْطِ ٍ
ك وَل تَكُنْ حكْمِ َربّ َ صبِرْ لِ ُ اليات .]148-139 :ووردت ف سورة القلم( :فَا ْ
َكصَا ِحبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى َو ُهوَ َمكْظُومٌ َلوْل َأنْ تَدَارَكَهُ ِنعْ َم ٌة مِنْ َربّهِ َلُنبِ َذ بِاْلعَرَاءِ َو ُهوَ
حيَ)([ )8سورة القلم ،اليات .]50 - 48 :قد جعَلَ ُه مِنَ الصّالِ ِ مَ ْذمُومٌ فَا ْجتَبَاهُ َربّهُ فَ َ
وردت قصة يونس بروايات متعددة ،واختلف الفسرون حول سبب تركه لقومه ،ومعن
قوله -تعالِ( :-إذْ َذ َهبَ ُمغَاضِبا)( )9على قولي:
-1قيل ذهب مغاضبا لربه.
-2قيل ذهب مغاضبا لقومه.
وقد روى الطبي عن ابن عباس والضحاك أنه ذهب مغاضبا لقومه.
وروى عن الشعب ،وسعيد بن أب السن ،وسعيد بن جبي أنه ذهب مغاضبا لربه.
وقد رجّح المام الطبي بعد ذكر عدة روايات ،أنه ذهب مغاضبا لربه ،فقال:
وهذا القول -أعن قول من قال إنه ذهب مغاضبا لربه -أشبه بتأويل الية ،وذلك لدللة
قوله( :فَظَنّ َأنْ َل ْن َنقْدِ َر عََليْهِ)( )10على ذلك ،على أن الذين وجهوا تأويل ذلك إل أنه
336
ذهب مغاضبا لقومه ،إنا زعموا أنم فعلوا ذلك استنكارا منهم أن يغاضب نب من النبياء
ربه ،واستعظاما له ،وهم بقيلهم أنه ذهب مغاضبا لقومه قد دخلوا ف أمر أعظم ما
أنكروا)11( .
__________
( - )1سورة يس آية.29 :
( - )2هناك خلف حول سبب تركه لقومه سيأت بيانه بعد صفحات.
( - )3انظر كتاب معال ف الطريق ص ،180وف ظلل القرآن تفسي سورة البوج
.6/3873
( - )4سورة يوسف آية.21 :
( - )5سورة القلم آية.48 :
( - )6سورة النبياء آية.87 :
( - )7سورة الصافات آية.139 :
( - )8سورة القلم آية.50-48 :
( - )9سورة النبياء آية.87 :
( - )10سورة النبياء آية.87 :
( - )11انظر تفصيل ذلك ف تفسي الطبي .17/76
والذي يعنينا -هنا -أن يونس ،عليه السلم ،سواء كان قد ذهب مغاضبا لربه أو لقومه،
صبِرْ
فإنه قد استعجل المر ،ول يصب كما قال -تعال -لحمد ،صلى ال عليه وسلم (فَا ْ
ب الْحُوتِ)( )1فإنه ل يصب ،وسواء كان ،عليه السلم،ك وَل َتكُنْ َكصَا ِح ِ
حكْمِ َربّ َ
لِ ُ
استعجل إيانم أو استعجل العذاب لم ( )2لنم قد كذبوه ،واليان انتصار ،وتعذيب
الكذبي انتصار للداعية ،فإنه قد استعجل النتصار ،عليه السلم ،ولذلك عاقبه ال ،بأن
ابتلعه الوت ،وهو مليم ،أي :مذنب.
ولكن ال عفا عنه وكفر له بعد أن نادى ف الظلمات واعترف بذنبه ،عليه السلم ،بل
اجتباه ربه فجعله من الصالي.
337
فلما رجع إل قومه بأمر من ال ،آمنوا كلهمَ ( ،وأَ ْرسَ ْلنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ َأ ْو يَزِيدُونَ فَآ َمنُوا
فَ َمّت ْعنَاهُمْ إِلَى حِيٍ)([ )3سورة الصافات ،اليتان .]148 ،147 :وهذا من أعظم
النتصار.
حكْمِ َربّكَ وَل َتكُنْ َكصَا ِحبِ صبِرْ لِ ُ قال المام الطبي ف تفسي قوله -تعال( :-فَا ْ
الْحُوتِ إِ ْذ نَادَى َو ُه َو َمكْظُومٌ)([ )4سورة القلم ،الية .]48 :يقول -تعال -ذكره لنبيه
ممد ،صلى ال عليه وسلم فاصب يا ممد لقضاء ربك وحكمه فيك ،وف هؤلء
الشركي ،با أتيتهم به من القرآن وهذا الدين ،وامض لا أمرك به ربك ،ول يثنينك عن
تبليغ ما أمرت بتبليغه تكذيبهم إياك وأذاهم لك.
ب الْحُوتِ)( )5قال قتادة :ل تعجل كما عجل ،ول تغضب كما (وَل َتكُنْ َكصَا ِح ِ
غضب" ،وهو مذموم" أي :مذنب أو مليم.
قال الطبي :أي ل تكن كصاحب الوت فيعاقبك ربك على تركك تبليغ ذلك ،كما
حبس يونس ف بطن الوت (.)6
إنه أمر عظيم حري بالدعاة أن يفقهوه.
وقفات مهمة
أول :إذا فهم الداعية حقيقة النتصار ،فإن هذا ل يعن أن يتساهل الداعية ف أمر الدعوة،
وف السعي الثيث لزالة النكرات ،والد ف ماولة هداية الناس ،وذلك أن الشيطان قد
يوسوس له فيقول:
أنت مهمتك البلغ ،أما النتائج فليست لك -وهذا حق -فإذن لاذا تزن أو تتعب
نفسك فيما ليس لك .ث يوسوس له أن هؤلء الناس ل خي فيهم ،ويكفي أنك بيّنت مرة
أو مرتي ،أو ثلثا ،فإذا ل يستجيبوا فإنك معذور ،ول داعي للستمرار والصرار ،لن
جهودك ضائعة ،ولو استفدت من وقتك ف غي هذا المر لكان أحسن.
ث يبدأ الداعية يتراخى شيئا فشيئا ،حت يترك الدعوة وينعزل عن الناس وشأنم وليس هذا
هو الراد ،ولكن إدراك حقيقة النتصار يزيد من حاس الداعية -مع النضباط -سعيا وراء
تقيق هذا الطلب الذي عز مناله ،سواء أكان انتصارا ظاهرا لدين ال ،أو كان انتصارا
للداعية نفسه -كما سبق تفصيله.-
338
وعلى الداعية أن يزن ويفرح ،ولكن ل بد أن يكون حزنه وفرحه إيابيا فعال.
فحزنه يزيد من حرصه وإصراره على إنقاذ أمته ،وهداية قومه ،وتعبيد الناس ل جل وعل.
وفرحه يقوي عزيته ويشد من أزره للمضي قدما ف تقيق أهدافه متلذذا بنشوة النتصار
وحب الي للناس.
ثانيا :كل داعية يب أن يرسم لنفسه منهجا يسي عليه ويدد أهدافا يسعى لتحقيقها،
يستمد ذلك من كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم مراعيا حاجة الجتمع الذي
يعيش فيه ،والواقع الذي يعاصره ولكن بعض الدعاة عندما يسي زمنا ف دعوته ،ث يرى
ما تقق على يديه ،فيلحظ أنه ل تتحقق الهداف الت رسها ،ولكن تقق جزء منها،
يشعر أنه فشل ف مهمته ،وخسر ف دعوته ،فييئس ث يتوقف.
وهذا أمر خطي ،فإذا كان بعض النبياء ل يتحقق على أيديهم هداية رجل واحد ،ومع
ذلك ل يشكوا ف دعوتم أو يتوقفوا ف طريقهم ،فكيف برجل ليس نبيا ،ومع ذلك حقق
بعض ما يدعو إليه؟! ولذلك فقول الرسول صلى ال عليه وسلم لعلي " :فوال لئن يهدي
ال بك رجل واحدا خي لك من حر النعم " ( .)7يدل علي أن هداية رجل واحد
انتصار عظيم للداعية ،فكيف يكون الداعية مثاليا ،إما كل شيء ،أو ل شيء؟!
ولذلك فإن كلمة سيد -رحه ال" -خذوا السلم جلة أو دعوه" .تتاج إل تفصيل،
ول تؤخذ على إطلقها ،فبعض وجوه معانيها حق ،وهناك وجوه أخرى فسرت با هذه
الكلمة ،يستشهد با بعض الدعاة ،ما يالف النهج الصحيح.
__________
( - )1سورة القلم آية.48 :
( - )2انظر تفسي الطبي 17/76وما بعدها.
( - )3سورة الصافات آية.148-147 :
( - )4سورة القلم آية.48 :
( - )5سورة القلم آية.48 :
( - )6انظر تفسي الطبي .29/44
( - )7أخرجه البخاري ( )2942مسلم.)2406( ،
339
ثالثا :من أهم أنواع النتصار هو النتصار على النفس بل ل يكن أن يتحقق له أي نوع
صبْتُ ْم ِمثَْلْيهَا
من أنواع النصر إل إذا انتصر على نفسه وشهواتا (َأوَلَمّا أَصَاَبْتكُ ْم ُمصِيَبةٌ َقدْ أَ َ
سكُمْ)([ )1سورة آل عمران ،اليةَ ( .]165 :وَأمّا مَنْ قُ ْلتُمْ َأنّى هَذَا قُ ْل ُه َو مِ ْن ِعنْدِ َأْنفُ ِ
جّنةَ ِهيَ الْمَ ْأوَى)([ )2سورة النازعات، س عَ ِن الْ َهوَى فَِإ ّن الْ َ ف َمقَامَ َربّ ِه َوَنهَى الّن ْف َ خَا َ
اليتانَ ( .]41 ،40 :ومَا أَصَابَكَ مِ ْن َسّيَئةٍ فَمِ ْن َنفْسِكَ)([ )3سورة النساء ،الية.]79:
صبَ َح مِ َن الْخَاسِرِينَ)([ )4سورة الائدة ،الية.]30 : (فَ َط ّوعَتْ لَ ُه َنفْسُهُ َقتْلَ أَخِيهِ َف َقتَلَهُ َفأَ ْ
سهِمْ)([ )5سورة الرعد ،الية .]11 :إل غي (إِنّ اللّ َه ل ُي َغيّ ُر مَا بِ َق ْومٍ َحتّى ُي َغيّرُوا مَا ِبَأنْفُ ِ
ذلك من اليات.
ومن هنا فإذا تأخر النصر فلنبدأ ف بثنا عن سبب ذلك من أنفسنا ،فمِن مأمنه يؤتى
الذر.
الاتة
وبعد أن عشنا ( )6مع هذا الوضوع وعايشناه ،نصل إل خاتة الطاف فأقول:
ما سبق اتضح لنا أن حقيقة انتصار الداعية تتمثل فيما يلي:
ب الْعَالَ ِميَ حيَايَ َومَمَاتِي لِلّهِ رَ ّ -1التجرد ل والخلص له (قُلْ ِإنّ صَلتِي َونُسُكِي َومَ ْ
ل شَرِيكَ لَ ُه َوبِذَلِكَ ُأمِرْتُ َوأَنَا َأوّ ُل الْمُسْلِ ِميَ)([ )7سورة النعام ،اليتان،162 :
.]163وقال سبحالهَ ( :ومَا ُأمِرُوا إِلّا ِلَيعْبُدُوا اللّ َه مُخِْلصِيَ لَهُ الدّينَ ُحَنفَاءَ َوُيقِيمُوا
الصّلةَ َوُي ْؤتُوا الزّكَاةَ َوذَلِكَ دِي ُن اْل َقيّ َمةِ)([ )8سورة البينة ،الية .]5 :والعمل الذي ل
يصاحبه الخلص حري بالرد وعدم القبول.
-2سلمة النهج ،وهو أن يكون وفق ما كان عليه رسول ال ،صلى ال عليه وسلم
وصحابته ،وهذا هو منهج أهل السنة والماعة ،وهو منهج الطائفة النصورة ،والفرقة
الناجية ،الذين ل يضرهم من خذلم ول من خالفهم حت يأت أمر ال ،قال -سبحانه:-
ق ِبكُ ْم عَنْ سَبِيلِهِ)( )9وقال ستَقِيما فَاّتِبعُو ُه وَل َتّتِبعُوا السّبُلَ َفَتفَ ّر َ ( َوأَ ّن هَذَا صِرَاطِي مُ ْ
صلى ال عليه وسلم " تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها ل يزيغ عنها بعدي إل هالك "
وقال " :تركت فيكم ما إن تسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا :كتاب ال وسنت " (.)10
340
-3اللتزام التام با يدعو إليه والثبات على الطريق حت يلقى ال ،قال -سبحانه:-
سَتقِيمٍ)([ )11سورة الزخرف ،الية: صرَاطٍ مُ ْك بِالّذِي أُو ِحيَ إَِليْكَ ِإنّكَ عَلَى ِ (فَا ْستَمْسِ ْ
ك بِاْلعُ ْر َوةِ اْل ُوْثقَى َوإِلَى
.]43وقالَ ( :ومَ ْن يُسْلِ ْم وَ ْجهَهُ إِلَى اللّهِ وَ ُه َو مُحْسِنٌ َف َقدِ ا ْستَمْسَ َ
س ْونَس بِاْلبِ ّر َوتَنْ َ
اللّ ِه عَاِقبَ ُة اْلأُمُورِ)([ )12سورة لقمان ،الية .]22 :وقالَ( :أتَ ْأمُرُونَ النّا َ
صبْ ِر وَالصّلةِ َوِإّنهَا َلكَبِ َيةٌ إِلّا عَلَى سكُ ْم َوَأنْتُ ْم َتتْلُونَ اْل ِكتَابَ أَفَل َت ْعقِلُو َن وَاسَْتعِينُوا بِال ّ
َأنْفُ َ
الْخَا ِشعِيَ)([ )13سورة البقرة ،اليتان .]45 ،44 :فالثبات على الطريق ،من أقوى
عوامل النصر وعلماته.
بل إن صاحب الباطل إذا ثبت على باطله فغالبا ما ينتصر ( )14فكيف بن هو على الق
البي؟.
__________
( - )1سورة آل عمران آية.165 :
( - )2سورة النازعات آية.41-40 :
( - )3سورة النساء آية.79 :
( - )4سورة الائدة آية.30 :
( - )5سورة الرعد آية.11 :
( - )6أنا والقراء.
( - )7سورة النعام آية.163-162 :
( - )8سورة البينة آية.5 :
( - )9سورة النعام آية.153 :
( - )10رواه الاكم ف الستدرك وصححه اللبان ف صحيح الامع رقمه .2937
( - )11سورة الزخرف آية.43 :
( - )12سورة لقمان آية.22 :
( - )13سورة البقرة آية.45-44 :
( - )14أي يقق أهدافه ف الدنيا.
341
ع بِمَا ُت ْؤمَ ُر -4الصدع بالق ،وعدم الداهنة أو الوف من غي ال قال-تعال( :-فَاصْ َد ْ
سَتهْزِئيَ)([ )1سورة الجر ،اليتان.]95 ،94 : ض عَ ِن الْمُشْرِ ِكيَ ِإنّا َك َفْينَا َك الْمُ ْ َوأَعْ ِر ْ
وقال( :وَقُ ِل الْحَ ّق مِنْ َرّبكُمْ َفمَ ْن شَاءَ فَ ْلُي ْؤمِ ْن َومَ ْن شَاءَ فَ ْلَي ْكفُرْ)([ )2سورة الكهف،
الية .]29 :وقال -سبحانه( -يَا َأّيهَا ال ّرسُو ُل بَلّ ْغ مَا ُأنْزِلَ إَِليْكَ مِنْ َربّكَ َوِإنْ لَ ْم َت ْفعَلْ
ك مِ َن النّاسِ)([ )3سورة الائدة ،الية .]67 :وقالَ ( :وإِذْ فَمَا بَّل ْغتَ ِرسَاَلتَهُ وَاللّ ُه َي ْعصِمُ َ
س وَل َتكْتُمُونَهُ)([ )4سورة آل عمران، أَخَذَ اللّ ُه مِيثَاقَ الّذِينَ أُوتُوا الْ ِكتَابَ َلتَُبّينُنّهُ لِلنّا ِ
الية .]187:وقال( :يَا أَّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا كُونُوا َقوّامِيَ لِلّهِ ُشهَدَاءَ بِاْلقِسْطِ)([ )5سورة
الائدة ،الية .]8 :إل غي ذلك من اليات الت توجب الصدع بالق والدعوة إليه.
-5الصب وعدم اليأس واليقان الازم بوعد ال ونصره لعباده ( )6قال -سبحانه:-
(وََلقَ ْد َسبَ َقتْ َكلِ َمُتنَا ِلعِبَا ِدنَا الْ ُم ْرسَلِيَ ِإّنهُمْ َلهُ ُم الْ َمْنصُورُو َن َوإِنّ ُجنْ َدنَا َلهُ ُم اْلغَاِلبُونَ)()7
[سورة الصافات ،اليات .]173 ،172 ،171 :وقالِ( :إنّا َلَنْنصُرُ ُرسَُلنَا وَالّذِينَ آ َمنُوا
حيَاةِ ال ّدنْيَا َوَي ْومَ َيقُومُ اْلَأ ْشهَادُ)([ )8سورة غافر ،الية .]51 :وقالَ ( :حتّى إِذَا فِي الْ َ
اسَْتيْأَسَ ال ّرسُ ُل َو َظنّوا َأنّهُمْ َقدْ كُ ِذبُوا جَا َءهُ ْم َنصْ ُرنَا)([ )9سورة يونس ،الية.]110 :
س مِنْ َر ْوحِ اللّهِ إِلّا الْ َق ْومُ الْكَافِرُونَ)()10 وقال( :وَل َتيَْأسُوا مِنْ َر ْوحِ اللّهِ ِإنّهُ ل َييْأَ ُ
جلْ ستَعْ ِ صبَرَ أُولُوا اْلعَ ْز ِم مِنَ ال ّرسُ ِل وَل تَ ْ
صِبرْ كَمَا َ [سورة يوسف ،الية .]87 :وقال( :فَا ْ
حكْمِ َربّكَ وَل َتكُنْ صبِرْ ِل ُ
َلهُمْ)( [ )11سورة الحقاف ،الية .]35 :وقال( :فَا ْ
صبِرْ ِإنّ َوعْدَ اللّهِ حَقّ)( َكصَا ِحبِ الْحُوتِ)([ )12سورة القلم ،الية .]48 :وقال( :فَا ْ
.)13
ك الّذِي َن ل يُوقِنُونَ)([ )14سورة الروم ،الية .]60 :وقال( :وَ َج َع ْلنَا ِمْنهُمْ خ ّفنّ َ
ستَ ِ
(وَل يَ ْ
صبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوِقنُونَ)( [ )15سورة السجدة ،الية.]24 : َأئِ ّمةً َيهْدُو َن بَِأمْ ِرنَا لَمّا َ
صبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتّقُوا اللّهَ َلعَّلكُ ْم ُتفِْلحُونَ)()16 وقال( :يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا ا ْ
[سورة آل عمران ،الية.]200 :
فإذا تققت هذه القومات ،جاء النصر ،فوعد ال ل يتخلف أبدا ،بل إن تقق هذه
الركان ف فرد أو جاعة نصر عظيم ،وما يأت بعد ذلك من نصر هو أثر من آثار هذا
النتصار.
342
__________
( - )1سورة الجر آية.95-94 :
( - )2سورة الكهف آية.29 :
( - )3سورة الائدة آية.67 :
( - )4سورة آل عمران آية.187 :
( - )5سورة الائدة آية.8 :
( - )6ذكر الطبي وابن كثي أن ابن جريج قال إن موسى عليه السلم -لا دعا على
فرعون بقوله( :ربنا إنك آتيت فرعون ومله زينة وأموال ف الياة الدنيا ربنا ليضلوا عن
سبيلك ربنا اطمس على أموالم واشدد على قلوبم فل يؤمنوا حت يروا العذاب الليم).
قال ال تعال( :قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ول تتبعان سبيل الذين ل يعلمون)[ .سورة
يونس ،الية ].89 :قال ابن جريج :إن فرعون مكث بعد هذه الدعوة أربعي سنة ،قبل
أن يهلكه ال بالغرق .انظر تفسي الطبي 11/161وتفسي ابن كثي .2/429
( - )7سورة الصافات آية.173-172-171 :
( - )8سورة غافر آية.51 :
( - )9سورة يوسف آية.110 :
( - )10سورة يوسف آية.87 :
( - )11سورة الحقاف آية.35 :
( - )12سورة القلم آية.48 :
( - )13سورة الروم آية.60 :
( - )14سورة الروم آية.60 :
( - )15سورة السجدة آية.24 :
( - )16سورة آل عمران آية.200 :
صبْرا َوثَّبتْ أَقْدَا َمنَا وَاْنصُ ْرنَا عَلَى الْ َق ْومِ اْلكَافِرِينَ)()1غ عََلْينَا َ
وختاما :نقولَ ( :رّبنَا أَفْ ِر ْ
[سورة البقرة ،اليةَ ( .]250 :رّبنَا ل تُ ِزغْ قُلُوَبنَا َبعْدَ إِذْ هَ َديَْتنَا َوهَبْ َلنَا مِنْ لَ ُدنْكَ رَحْ َمةً
ِإنّكَ َأْنتَ اْل َوهّابُ)([ )2سورة آل عمران ،اليةَ ( .]8 :رّبنَا ا ْغفِرْ َلنَا ُذنُوبَنَا َوِإسْرَاَفنَا فِي
343
َأمْ ِرنَا َوثَّبتْ أَقْدَا َمنَا وَاْنصُ ْرنَا عَلَى اْل َق ْومِ اْلكَافِرِينَ)([ )3سورة آل عمران ،الية.]147 :
( َرّبنَا ل ُتؤَاخِ ْذنَا ِإنْ نَسِينَا َأوْ أَخْ َط ْأنَا َرّبنَا وَل َتحْمِ ْل عََلْينَا إِصْرا كَمَا حَمَ ْلتَ ُه عَلَى الّذِي َن مِنْ
ت َموْلنَا فَاْنصُ ْرنَا ف َعنّا وَا ْغفِرْ َلنَا وَا ْرحَ ْمنَا َأنْ َ
حمّ ْلنَا مَا ل طَاَقةَ َلنَا بِ ِه وَاعْ ُ
َقبِْلنَا َرّبنَا وَل تُ َ
عَلَى اْل َق ْومِ اْلكَافِرِينَ)([ )4سورة البقرة ،الية.]286 :
وآخر دعوانا أن المد ل رب العالي ،والعاقبة للمتقي ،ول عدوان إل على الظالي،
وصلى ال وسلم على نبينا ممد وعلى آله وصحبه أجعي.
__________
( - )1سورة البقرة آية.250 :
( - )2سورة آل عمران آية.8 :
( - )3سورة آل عمران آية.147 :
( - )4سورة البقرة آية.286 :
====================
مواصفات جيل التمكي
344
- 1التمكن لنب ال يوسف عليه السلم ،قال تعال] :وكذلك مكنا ليوسف ف الرض[
[يوسف ،]21 :وقال عز من قائل] :وكذلك مكنا ليوسف ف الرض يتبوأ منـها حيث
يشاء ،نصيب برحتنا من نشاء ول نضيع أجر الحسني[ [يوسف.]56 :
- 2التمكي لذي القرني ،قال تعال] :ويسألونك عن ذي القرني قل سأتلوا عليكم
منـه ذكرا ،إنا مكنا له ف الرض وآتيناه من كل شيء سببا[ [الكهف ،]84 :وقال
سبحانـه] :قال ما مكن فيه رب خي فأعينون بقوة أجعل بينكم وبينـه ردما[
[الكهف.]95 :
– 3التمكي للذين كفروا ،نذكر منـه على سبيل الثال بعض اليات ،قال سبحانـه
وتعال ف سورة العراف ،الية العاشرة بعد أن أقسم جل وعل أنـه سيسأل الرسلي
والقوام الذين أرسلوا فيهم] :ولقد مكناكم ف الرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلً ما
تشكرون[ ،وقال ف سورة النعام [] :]6أل يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم
ف الرض ما ل نكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا النـهار تري من
تتـهم فأهلكناهم بذنوبـهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين[ ،وقال سبحانـه ف
سورة القصص [] :]57وقالوا إن نتبع الدى معك نتخطف من أرضنا أول نكن لم
حرما آمنا يب إليه ثرات كل شيء[ ،وغي ذلك من اليات.
- 4التمكي للمؤمني أو الوعد لم بذلك ،قال سبحانـه عن أصحاب موسى عليه
السلم] :وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الرض ومغاربـها[ [العراف:
،]137وقال ف سورة القصص [] :]6 – 5ونريد أن نن على الذين استضعفوا ف
الرض ونعلهم أئمة ونعلهم الوارثي ،ونُمكن لم ف الرض[ ،وقال لصحاب ممد
صلى ال عليه وسلم والذين يأتوا من بعدهم] :وعد ال الذين آمنوا منكم وعملوا
الصالات ليستخلفنـهم ف المر كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لم دينـهم
الذي ارتضى لم وليبدلنـهم من بعد خوفهم أمنا[ [النور ،]55 :وقال ف سورة الج [
] :]41الذين إن مكناهم ف الرض أقاموا الصلة وآتوا الزكاة وأمروا بالعروف ونـهوا
عن النكر ول عاقبة المور[.
345
هذه معظم الواطن الت وردت فيها كلمة مكّن ومشتقاتـها وتلك هي معانيها وكلها
تدور ،كما ذكرنا سابقا ،حول إمامة الناس والتول عليهم وإخضاعهم لسلطة ونفوذ
القوام المكن لم .ولنا كلمة أو وقفة حول الوعد بالتمكي للمؤمني حيث أنـه عند
استعراض اليات الت يتعلق أمر التمكي فيها للمؤمني ند أن ال يتحدث على ما بعد
التمكي وما يب أن يكون عليه أمر الفئة الُ َمكّن لا ،وهو المر الطي ،وذلك لن
النفوس ف حال النصر والتمكي والظفر برقاب الناس قد يالط سويداء قلوبـها ما يعلها
تتكب على اللق وتنتقم منـهم ،فاقتضى القام التنبيه على ذلك ،كما قال موسى عليه
السلم لقومه الستضعفي] :عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم ف الرض فينظر
كيف تعملون[ ،وتذكي الؤمني أن تكينـهم يتلف عن تكي غيهم ،فهم يثلون مبدأ
ورسالة ساوية وليس منـهجا أرضيا ،وهم فوق ذلك مؤتنون عليها ،فهذا الذي
ائتمنـهم -وهو ال جل جلله -يقول لم :هذا هو الال الذي أطلب منكم أن
تكونوا عليه عند حصول التمكي لكم.
ونن نتطلع إل ذلك اليوم الذي يعز ال فيه السلم وجنده ،ويذل الشرك وأهله ،يب
علينا أن نضع هذه العان نصب أعيننا حت نـزيل العوائق الت تول بي هذا الواقع
الشرق الضيء وبي واقع الذل والوان الذي نتجرع كؤوسه كل يوم.
- 2بي الوعد والتـهديد:
وعد ال الذين آمنوا بالنصر والتمكي ث الظفر بأعدائهم ف آيات كثية من كتابـه
العزيز ،وال ل يلف وعده ،فإذا ما تلف هذا الوعد وتأخر فعلى الؤمني أن يراجعوا
مسيتـهم وأن يتـهموا أنفسهم ليكتشفوا الثالب والخطاء الت وقعوا فيها حت
يتجنبوها ،ويب عليهم أن يقتلعوها من جذورها حت ل تألفها النفوس وتعتاد على العيش
ف مستنقعها السن [كما هو واقعنا اليوم فإل ال الشتكى].
فالق جل ف عله يقول] :إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا ف الياة الدنيا ويوم يقوم
الشهاد[] ،وكان حقا علينا نصر الؤمني[] ،والعاقبة للمتقي[] ،واذكروا إذ أنتم قليل
مستضعفي ف الرض تافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره[] ،وأخرى
346
تبونـها نصر من ال وفتح قريب[ ،وغي ذلك ما هو مبسوط ف كتاب ال ،أو مبي ف
سنة رسوله عليه السلم.
هذا الرب الرحيم الودود الذي قطع على نفسه هذا الوعد ،هو الذي هدد من يتقاعس أو
يتوان أو يرتد عن نصرة هذا الدين بالستبدال ف حال القدام على هذه المور الذميمة.
فقال ف سورة الائدة [] :]54يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينـه فسوف يأت
ال بقوم – إل قوله – وال واسع عليم[.
وقال ف سورة التوبة] :قل إن كان آباؤكم – إل قوله – وال ل يهدي القوم الفاسقي[،
وقال] :يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا ف سبيل ال – إل قوله – وال على
كل شيء قدير[.
وقال ف سورة ممد صلى ال عليه وسلم] :ها أنتم هؤلء تدعون لتنفقوا ف سبيل ال
فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنا يبخل عن نفسه وال الغن -إل قوله -ث ل يكونوا
أمثالكم[ ،قال القرطب" :أي ف الهاد وطرق الي".
وبالعودة إل أسباب النـزول وبعض ما تضمنتـه هذه اليات من أحكام ند ما يلي:
- 1ذكر الفسرون عند آيات سورة الائدة بعض الخبار عن النب صلى ال عليه وسلم
تبي ما سيقع ف هذه المة من ارتداد بعض الطوائف عن السلم ،وذلك لن هذه الية
كانت من أواخر ما نـزل ف حياة الرسول صلى ال عليه وسلم من القرآن .يقول شيخ
السلم ابن تيمية رحه ال حول هذه الية وما قبلها ف سورة الائدة" :فالخاطبون
بالنـهي عن موالة اليهود والنصارى هم الخاطبون بآية الردة ،ومعلوم أن هذا يتناول
جيع قرون المة ،وهو سبحانـه لا نـهى عن موالة الكفار ،وبي أن من تولهم من
الخاطبي فإنـه منـهم؛ بي أن من تولهم وارتد عن دين السلم ل يضر السلم
شيئا ،بل سيأت ال بقوم يبـهم ويبونـه ،فيتولون الؤمني دون الكفار ،وياهدون ف
سبيل ال؛ ل يافون لومة لئم -إل أن قال -فهؤلء الذين ل يدخلوا ف السلم،
وأولئك الذين خرجوا منـه بعد الدخول فيه؛ ل يضرون السلم شيئا ،بل يقيم ال من
يؤمن با جاء بـه رسوله وينصر دينـه إل قيام الساعة" [من وسائل دفع الغربة ،ص 63
.]64 -
347
- 2آيات سورة التوبة ،جاءت عقب النـهي عن موالة الباء والخوة الكفار وختم
ذلك بقوله] :وال ل يهدي القوم الفاسقي[ ،يقول اللوسي رحه ال" :أي الارجي عن
الطاعة ف موالة الشركي وتقدي مبة من ذكر على مبة ال عز وجل ورسوله "...اهـ.
] – 3يستبدل قوما غيكم[" ،وصفهم بالغايرة لم لتأكيد الوعيد والتشديد ف التـهديد
بالدللة على الغايرة الوصفية والذاتية الستلزمة للستئصال ،أي قوما مطيعي ،مؤثرين
للخرة على الدنيا ليسوا من أولدكم ول أرحامكم وهم أبناء فارس كما قال سعيد بن
جبي ،أو أهل اليمن ،كما روي عن أب روق ،أو ما يعم الفريقي كما اختاره بعض
الحققي" [نفس الرجع :ص .]133
- 4آية التوبة] :يا أيها الذين آمنوا مالكم ،[...قال ابن عطية" :ول اختلف بي العلماء
ف أن هذه الية نـزلت عتابا على تلف من تلف عن غزوة تبوك "...اهـ.
يتبي من خلل المع بي هذه النصوص؛ نصوص الوعد ونصوص التـهديد أن أمر
التمكي والظفر بالعداء ل يستحقه كل من انضوى تت مسمى اليان وهو مع ذلك
راكد ل تـهز كيانـه ول ترك مشاعره ووجدانـه نداءات الوحي ومتطلبات اليان.
كل ،إن هذا المر ل يستحقه إل من تلى عن الصفات الذميمة الت ذكرها ال ف معرض
التـهديد ،واتصف بالصفات اليابية الت ذكرت ف تلك اليات أو ف غيها ،وإليك
أخي الكري بيان موجز لبعض تلك الصفات الت نسأل ال أن يوفقنا لمتثالا ف حياتنا
وف أنفسنا حت يغي ال ما بنا من واقع الذل والوان.
- 3بعض الواصفات :يصعب حصر تلك الصفات وتناولا بشيء من التفصيل ف مثل
هذا اليز التاح ،وما سيد ذكره هو على سبيل الثال وما استدعى القام الشارة إليه
لهيتـه وتذكي أنفسنا بـه.
أ -أول هذه الواصفات :أنـه جيل يب ال ويبـه ال.
قال تعال] :فسوف يأت ال بقوم يبـهم ال ويبونـهم[ ،وهذه أول صفة ذكرها ال
ف معرض تـهديد من ارتد عن السلم ،وبالعودة إل اليات الت ذكرناها سابقا ند أن
هذه الصفة من أهم الصال الت يب أن يتحلى بـها يريد أن يقق ال على يديه أمر
إعزاز السلم والسلمي.
348
فتقدي ماب ال ورسوله على المور الت جبل النسان على مبتـها مثل الال والولد
والزوج والعشية أو النفس أو غيها دللة كذلك على صدق هذه الحبة ومك لختبار
دعوى من يتشدق بـها] .ويطعمون الطعام على حبـه مسكينا ويتيما وأسيا[ لاذا؟ ]
إنا نطعمكم لوجه ال ل نريد منكم جزاء ول شكورا[.
ولذا نقل عن السلف قولم أن قوما على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم ادعوا مبة
ال فاختبهم ال جل وعل بقوله ف سورة آل عمران] :قل إن كنتم تبون ال فاتبعون
يببكم ال[ [آل عمران ،]31 :وتسمى هذه الية آية الحنة لمتحانـها القلوب ف
ادعائها هذا.
ومبة ال عبده رضاه عنـه وتيسي الي له ،ومبة العبد ربـه انفعال النفس نو تعظيمه
والنس بذكره وامتثال أمره والدفاع عن دينـه [ابن عاشور.]236 :
وإننا ف هذه اليام وف هذه الديار لفي أشد الاجة إل تذكي هذه العان والعمل
بقتضاها وترك ما ينافيها وذلك بعرض أعمالنا وأقوالنا على الحجة البيضاء الت تركنا
عليها خي الورى.
وسنعيش لظات مع بعض العان والثار الت أوردها ابن القيم رحه ال ف كتابـه الرائع
(مدارج السالكي) وذلك بتناول المور التالية:
- 1أهية الحبة :وهي النـزلة الت فيها تنافس التنافسون ،وإليها شخص العاملون ،وإل
علمها شر السابقون ،وعليها تفان الحبون ،وبروح نسيمها تروح العابدون ،فهي قوت
القلوب ،وغذاء الرواح ،وقرة العيون ،وهي الياة الت من حرمها فهو من جلة الموات،
والنور الذي من فقده فهو ف بار الظلمات ،والشفاء الذي من عدمه حلت بقلبـه جيع
السقام ،واللذة الت من ل يظفر بـها فعيشه كله هوم وآلم.
وهي سة هذه الطائفة السافرين إل ربـهم ،الذين ركبوا جناح السفر إليه ،ث ل يفارقوه
إل حي اللقاء ،وهم الذين قعدوا على القائق ،وقعد من سواهم على الرسوم.
وهي عنوان طريقتـهم ودليلها ،فإن العنوان يدل على الكتاب ،والحبة تدل على صدق
الطالب ،وأنـه من أهل الطريق.
349
كما إنـها "معقد النسبة" أي النسبة الت بي الرب وبي العبد ،فإنـه ل نسبة بي ال
وبي العبد إل مض العبودية من العبد والربوبية من الرب ،وليس ف العبد شيء من
الربوبية ،ول ف الرب شيء من العبودية ،فالعبد عبد من كل وجه ،والرب تعال هو الله
الق من كل وجه.
ومعقد نسبة العبودية هو الحبة ،فالعبودية معقودة بـها ،بيث مت انلت الحبة انلت
العبودية ،وال أعلم.
وهي روح اليان والعمال ،والقامات والحوال ،الت مت خلت منـها فهي كالسد
الذي ل روح فيه ،تمل أثقال السائرين إل بلد ل يكونوا إل بشق النفس بالغيها،
وتوصلهم إل منازل ل يكونوا بدونـها أبدا واصليها ،وتبوؤهم من مقاعد الصدق
مقامات ل يكونوا لولها داخليها ،وهي مطايا القوم الت مسراهم على ظهورها دائما إل
البيب ،وطريقهم القوم الذي يبلغهم إل منازلم الول من قريب ،تال لقد ذهب أهلها
بشرف الدنيا والخرة ،إذ لم من معية مبوبـهم أوفر نصيب ،وقد قضى ال -يوم قدر
مقادير اللئق بشيئتـه وحكمتـه البالغة : -أن الرء مع من أحب ،فيالا من نعمة
على الحبي سابغة.
ومضى يقول رحه ال:
فلو بطلت مسألة الحبة لبطلت جيع مقامات اليان والحسان ،ولتعطلت منازل السي
إل ال ،فإنـها روح كل مقام ومنـزلة وعمل ،فإذا خل منـها فهو ميت ل روح فيه،
ونسبتـها إل العمال كنسبة الخلص إليها ،بل هي حقيقة الخلص ،بل هي نفس
السلم ،فإنـه الستسلم بالذل والب والطاعة ل ،فمن ل مبة له ل إسلم له ألبتة ،بل
هي حقيقة شهادة أن ل إله إل ال ،فإن "الله" هو الذي يأله العباد حبا وذلً ،وخوفا
ورجاء ،وتعظيما وطاعة له .بعن "مألوه" وهو الذي تأله القلوب ،أي تبـه وتذل له.
– 2حقيقتـها :لا كثر الدعون للمحبة طولبوا بإقامة البينة على صحة الدعوى ،فلو
يعطى الناس بدعواهم لدّعى اللي حرقة الشجي ،فتنوع الدعون ف الشهود ،فقيل :ل
تقبل هذه الدعوى إل ببينة ]قل إن كنتم تبون ال فاتبعون يببكم ال[ [آل عمران:
.]31
350
فتأخر اللق كلهم ،وثبت أتباع البيب ف أفعاله وأقواله وأخلقه ،فطولبوا بعدالة البينة
بتزكية] :ياهدون ف سبيل ال ول يافون لومة لئمة[ [الائدة.]54 :
فتأخر أكثر الحبي وقام الجاهدون ،فقيل لم :إن نفوس الحبي وأموالم ليست لم.
فهلموا إل بيعة ]إن ال اشترى من الؤمني أنفسهم وأموالم بأن لم النة[ [التوبة:
.]111
فلما عرفوا عظمة الشتري ،وفضل الثمن ،وجللة من جرى على يديه عقد التبايع ،عرفوا
قدر السلعة ،وأن لا شأنا ،فرأوا من أعظم الغب أن يبيعوها لغيه بثمن بس ،فعقدوا معه
بيعة الرضوان بالتراضي ،من غي ثبوت خيار ،وقالوا" :وال ل نقيلك ول نستقيلك".
فلما ت العقد ،وسلموا البيع ،قيل لم :مذ صارت نفوسكم وأموالكم لنا رددناها عليكم
أوفر ما كانت ،وأضعافها معا] :ول تسب الذين قتلوا ف سبيل ال أمواتا بل أحياء عند
ربـهم يرزقون فرحي با آتاهم ال من فضله[ [آل عمران.]170 ،169 :
إذا غرست شجرة الحبة ف القلب ،وسقيت باء الخلص ومتابعة البيب ،أثرت أنواع
الثمار ،وآتت أكلها كل حي بإذن ربـها ،أصلها ثابت ف قرار القلب ،وفرعها متصل
بسدرة النتـهى.
ومن أجع ما قيل فيها :ما ذكره أبو بكر الكتان ،قال :جرت مسألة ف الحبة بكة أعزها
ال تعال -أيام الوسم -فتلكم الشيوخ فيها ،وكان النيد أصغرهم سنا ،فقالوا :هات
ما عندك يا عراقي ،فأطرق رأسه ،ودمعت عيناه ،ث قال :عبد ذاهب عن نفسه ،متصل
بذكر ربـه ،قائم بأداء حقوقه ،ناظر إليه بقلبـه ،فإن تكلم فبال ،وإن نطق فعن ال،
وإن ترك فبأمر ال ،وإن سكن فمع ال ،فهو بال ول ومع ال.
فبكى الشيوخ وقالوا :ما على هذا مزيد ،جزاك ال ياتاج العارفي.
- 3السباب الالبة لا :ف السباب الالبة للمحبة ،والوجبة لا .عشرة:
أحدها :قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لعانيه وما أريد بـه.
الثان :التقرب إل ال بالنوافل بعد الفرائض ،فإنـها توصله إل درجة الحبوبية بعد
الحبة.
351
الثالث :دوام ذكره على كل حال باللسان والقلب ،والعمل والال ،فنصيبـه من الحبة
على قدر نصيبـه من هذا الذكر.
الرابع :إيثار مابـه على مابك عند غلبات الوى ،والتسنم إل مابـه وإن صعب
الرتقى.
الامس :مطالعة القلب لسائه وصفاتـه ،ومشاهدتـها ومعرفتـها ،وتقلبـه ف رياض
هذه العرفة ومباديها ،فمن عرف ال بأسائه وصفاتـه وأفعاله أحبـه ل مالة.
السادس :مشاهدة بره وإحسانـه وآلئه ،ونعمه الباطنـه والظاهرة ،فإنـها داعية إل
مبتـه.
السابع :وهو من أعجبـها -انكسار القلب بكليتـه بي يدي ال تعال ،وليس ف
التعبي عن هذا العن غي الساء والعبارات.
الثامن :اللوة بـه وقت النـزول اللي لناجاتـه وتلوة كلمه والوقوف بالقلب
والتأدب بأدب العبودية بي يديه ،ث ختم ذلك بالستغفار والتوبة.
التاسع :مالسة الحبي الصادقي ،والتقاط أطايب ثرات كلمهم كما تنتقى أطايب الثمر،
ول تتكلم إل إذا ترجحت مصلحة الكلم ،وعلمت أن فيه مزيدا لالك ،ومنفعة لغيك.
العاشر :مباعدة كل سبب يول بي القلب وبي ال عز وجل.
فمن هذه السباب العشرة :وصل الحبون إل منازل الحبة ،ودخلوا على البيب ،وملك
ذلك كله أمران :استعداد الروح لذا الشأن ،وانفتاح عي البصية ،وبال التوفيق.
- 4بعض الثار ف تبيي حقيقتـها وأهيتـها :ففي الصحيح عن أنس بن مالك رضي
ال عنـه قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :ثلث من كن فيه وجد حلوة
اليان :أن يكون ال ورسوله أحب إليه ما سواها ،وأن يب الرء ل يبـه إل ل ،وأن
يكره أن يعود ف الكفر -بعد إذ أنقذه ال منـه -كما يكره أن يلقى ف النار"[]2[]2
.
وف صحيح البخاري عن أب هريرة رضي ال عنـه قال :قال رسول ال صلى ال عليه
وسلم" :يقول ال تعال :من عادى ل وليا فقد أذنتـه بالرب ،وما تقرب إل عبدي
بشيء أحب إل من أداء ما افترضتـه عليه ،ول يزال عبدي يتقرب إل بالنوافل حت
352
أحبـه ،فإذا أحببتـه كنت سعه الذي يسمع بـه ،وبصره الذي يبصر بـه ،ويده الت
يبطش بـها ،ورجله الت يشي بـها ،ولئن سألن لعطينـه ،ولئن استعاذن
لعيذنـه"[ ، ]3[]3وف الصحيحي عنـه أيضا عن النب صلى ال عليه وسلم" :إذا
أحب ال العبد دعا جبيل ،فقال :إن أحب فلنا فأحبـه ،فيحبـه جبيل ،ث ينادي ف
السماء ،إن ال يب فلنا فأحبوه ،فيحبـه أهل السماء ،ث يوضع له القبول ف الرض"[
. ]4[]4وذكر ف البغض عكس ذلك.
وف الصحيحي عن عائشة رضي ال عنـهما ف حديث أمي السرية الذي كان يقرأ ]قل
هو ال أحد[ لصحابـه ف كل صلة ،وقال :لنـها صفة الرحن ،فأنا أحب أن أقرأ
بـها ،فقال النب صلى ال عليه وسلم" :أخبوه أن ال يبـه"[. ]5[]5
والقرآن والسنة ملوآن بذكر من يبـه ال سبحانـه من عباده الؤمني ،وذكر ما يبـه
من أعمالم وأقوالم وأخلقهم ،كقوله تعال] :وال يب الصابرين[ [آل عمران:
] ،]146وال يب الحسني[ [آل عمران] ،]134 :إن ال يب التوابي ويب
التطهرين[ [البقرة] ،]222 :إن ال يب الذين يقاتلون ف سبيله صفا كأنـهم بنيان
مرصوص[ [الصف] ،]4 :فإنـه ال يب التقي[ [آل عمران.]76 :
وقوله ف ضد ذلك] :وال ل يب الفساد[ [البقرة] ،]205 :إن ال ل يب كل متال
فخور[ [لقمان] ،]18 :وال ل يب الظالي[ [آل عمران] ،]140 ،57 :إن ال ل
يب من كان متالً كفورا[ [النساء.]36 :
وكم ف السنة" :أحب العمال إل ال كذا وكذا" ،و "إن ال يب كذا وكذا" ،وكقوله:
"أحب العمال إل ال :الصلة على أول وقتـها ،ث بر الوالدين ،ث الهاد ف سبيل
ال"[ ، ]6[]6و "أحب العمال إل ال :اليان بال ،ث الهاد ف سبيل ال ،ث حج
مبور"[ ، ]7[]7و "أحب العمل إل ال ما داوم عليه صاحبـه"[ ، ]8[]8وقوله" :إن
ال يب أن يؤخذ برخصه"[. ]9[]9
وبعد؛ لقد حاولنا الطواف والوقوف على بعض العان والثار الت تبي حقيقة وأهية مبة
العبد ل ومبة ال للعبد ،فعلينا أن نلزم تلك الدود وأن ل نتعداها أو نبخسها حقها،
وعلينا فوق ذلك أن نعرض أعمالنا وأقوالنا على هذه الوازين الثابتة لننظر هل نن فعلً
353
صادقون ف دعوانا أننا نب ال؟ فإذا كانت إجابتنا إيابا حدنا ال على ذلك وشرنا على
ساعد الد والجتـهاد لطلب الزيد .وإذا كانت غي ذلك فما علينا إل أن نسارع إل
تدارك ما فاتنا من نقص حت ل نكون سببا ف هلك أنفسنا يوم ل ينفع مال ول بنون إل
من أتى ال بقلب سليم ،ونكون سببا ف زيادة بليانا ورزايانا با كسبت أيدينا من معاص
وآثام.
ب -ثان هذه الواصفات :أنـه جيل ماهد ل تأخذه ف ال لومة لئم :قال تعال] :
ياهدون ف سبيل ال ول يافون لومة لئمة[ ،وقال جل شأنـه] :إن ال اشترى من
الؤمني أنفسهم وأموالم بأن لم النة يقاتلون ف سبيل ال فيقتلون ويقتلون وعدا عليه
حقا ف التوراة والنيل والقرآن – إل قوله – ذلك هو الفوز العظيم[ [التوبة.]111 :
والديث عن الهاد وأثره ف إعزاز أمة السلم يطول ،ويكفي أن النب صلى ال عليه
وسلم ذكر ف الحاديث الصحيحة أن المة سيصيبـها الذل والصغار إن هي تركت
هذه الشعية العظيمة وأنـه ل يُرفع عنـها لباس الوان هذا إل العودة الصادقة إل مارسة
هذه الشعية وتربية الجيال على معانيها وطلب معاليها.
يقول سيد رحه ال معلقا على آيت 38و 39من سورة التوبة" :والعذاب الذي
يتـهددهم ليس عذاب الخرة وحده؛ فهو كذلك عذاب الدنيا ،عذاب الذلة الت تصيب
القاعدين واستغللا للمعادين ،وهم كذلك يسرون من النفوس والموال أضعاف ما
يسرون من الكفاح والهاد ،ويقدمون على مذابح الذل أضعاف ما تتطلبـه منـهم
الكرام لو قدموا لا الغداء ،وما من أمة تركت الهاد إل ضرب عليها الذل فدفعت مرغمة
صاغرة لعدائها أضعاف ما كان يتطلبـه منـها كفاح العداء" اهـ.
وقد مثل جيل الصحابة رضوان ال عليهم النموذج الفذ ف تطبيق متطلبات الهاد
والشوق إل ما عند ال ،وهذا المر له صلة با قبله ،وذلك لن هذا اليل أحب ال
وأحب لقاءه ،فكان يبحث عن أيسر السبل الت توصله إل مبوبة ،فوجد ف حب الشهادة
والستشهاد وامتطاء صهوة جوادها الوسيلة الثلى لتحقيق هذا البتغى.
354
فكانت تيتـهم هذه نقيض ما قاله من كانوا مع موسى عليه السلم] :اذهب أنت
وربك فقاتل إنا هاهنا قاعدون[ ،بل قال أصحاب ممد صلى ال عليه وسلم" :اذهب
أنت وربك فقاتل إنا معكما مقاتلون".
ول يتسع القام إل العيش مع صور من تلك البطولت فعلى الرء أن يطلبـها من
مظانـها وأن يستلذ بالطلع عليها ويعل ذلك جزءا من برنامه التربوي حت تعلو
هتـه ،وقد كان الصحابة رضوان ال عليهم يعلمون أبناءهم مغازي الرسول صلى ال
عليه وسلم كما يعلمونـهم السورة من القرآن.
وقبل أن نترك هذه الصلة لبد أن نشي إل أن للجهاد أحكاما وضوابطا ليس هذا مال
التفصيل فيها ،كما أن له أخلقا تبي الجاهد الصادق من غيه .فمن أخلق الجاهدين
الرحة والشفقة بالناس والخذ بأيديهم إل طريق الق وليس من أخلقهم التعال والتكب
واحتقار جهد الخرين والنظر إليهم بعي الزدراء والسخرية.
فقد كان الصحابة أكب الجاهدين وأفضل الضحي ولكنـهم مع ذلك كانوا ]رحاء
بينـهم[ و ]أشد على الكفار[] ،أذلة على الؤمني أعزة على الكافرين[ ،أما الذين
يزايدون ببعض بطولتـهم ويتشدقون بذلك ،فعليهم أن يراجعوا مسيتـهم ويعرضوها
على نقاء السية الت تركها رجال خي القرون .فهؤلء الفذاذ على ما بذلوه من تضحية
وجهاد وعلم وعمل كانوا دائما يافون من أن تبط أعمالم وكانوا دائما يتقرون تلك
العمال مقابل ما أعده ال لم من جنات النعيم.
فهذا عمر بن الطاب رضي ال عنـه يسأل أمي سر النب صلى ال عليه وسلم حذيفة
بن اليمان رضي ال عنـه هل ذكره النب صلى ال عليه وسلم ف عداد النافقي الذين
أسر له بـهم؟ وهذا التابعي بن أب مليكة يقول :أدركت ثلثي من أصحاب ممد،
كلهم يشى النفاق على نفسه ،ما منـهم أحد يقول أن إيانـه على مستوى إيان
ميكائيل وجبائيل ،وغي ذلك من الثار كثي ،الت تبي تواضع القوم وانكسار قلوبـهم
وإخباتـها لربـها ،على عكس كثي من رفعوا شعار هذه الفريضة ف هذا الزمان أو
تصدوا لعمال دعوية أخرى تتطلب الشجاعة والقدام فتباهوا على الناس بـها وازدروا
أعمال غيهم الصائبة.
355
وذكر هذه السألة والتركيز عليها من شأنـه أن يعلنا دائما -مهما قدسنا من أعمال
وتضحيات -ف مراجعة دائمة لسينا ومسيتنا وذلك حت نتدارك عوامل اللل والنقص
والواطن الت أتى أعداؤنا إلينا منـها ،ومن ذلك نذكر القضايا التالية:
- 1التشرذم ،فل يعقل ف عصر تكالبت علينا فيه المم قاطبة والعداء بميع أصنافهم
أن ينفرد بأمر الواجهة فئة من الناس غي واضعة ف حسابـها هذه العادلة ،مع ما
أوجبـه ال سبحانـه وتعال من ضرورة تراص الصفوف والتصاقها ببعضها ف ساحات
الوغى ]إن ال يب الذين يقاتلون ف سبيله صفا كأنـهم بنيان مرصوص[.
- 2معرفة أحكام الهاد ومعاله حت نسي ف كل خطوة نطوها على بينة من أمرنا،
فال تعبدنا با شرع لنا هو ل با شرعت لنا أنفسنا وأهواؤها.
- 3معرفة الراية الت نقاتل تتـها ،وهي الراية الت تكون كلمة ال تت لوائها هي
العليا وليس القتال من أجل القومية أو الزب أو الماعة أو المية والشجاعة وإنا من
أجل أن تكون كلمة ال هي العليا.
ج -ثالث هذه الصفات :أذلة على الؤمني أعزة على الكافرين :قال تعال] :ممد رسول
ال والذين معه أشداء على الكفار رحاء بينـهم[ ،وقال] :واخفض جناحك لن اتبعك
من الؤمني[] ،ولو كنت فظا غليظ القلب لنفضوا من حولك[ ،نعم هكذا كان حال
الرعيل الول ،وذلك كان حال معلمهم معهم ،وهكذا يب أن يكون حال من يريد
اقتفاء أثرهم وتقيق الثمرة الت حققوها ،من خفض الناح ولي الانب عندما يتعلق
المر بالؤمني وبالشدة والعزة والباء عندما يتعلق المر بأعداء ال الحاربي.
يقول ابن عاشور عند آية سورة الائدة" :فالراد هنا بالذل بعن لي الانب وتوطئة
الكنف ،وهو شدة الرحة والسعي للنفع ،ولذلك علق بـه قوله ]على الؤمني[ ...والعز
جع العزيز ،فهو التصف بالعزة وهو القوة والستقلل ...وف [أي المع بي صفت الذلة
والعزة] إياء إل أن صفاتـهم تسيها آراؤهم الصيفة [النقادة للشرع] فليسوا مندفعي
إل فعل ما إل عن بصية ،وليسوا من تنبعث أخلقه عن سجية واحدة بأن يكون لينا ف
كل حال ،وهذا هو معن اللق القوم ،وهو الذي يكون ف كل حال با يلئم ذلك
الال ،قال [الشاعر]:
356
حليم إذا ما اللم زين أهله مع اللم ف عي العدو مهيب" اهـ.
وهذا الذي ذكره ال ف هذا الوضع من ضرورة وإياب التصرف ف كل حال ومع كل
قوم با يناسب القام شبيه بقوله سبحانـه ف سورة هود] :فاستقم كما أمرت ومن تاب
معك ول تطغوا إنـه با تعملون بصي ،ول تركنوا إل الذين ظلموا[ ،وهي الية الت
شيبت النب صلى ال عليه وسلم كما ذكر ذلك الفسرون.
قال اللوسي عند نفس الية [آية سورة الائدة]]" :أذلة على الؤمني[ عاطفي عليهم
متذللي لم ...وكان الظاهر أن يقال :أذلة للمؤمني كما يقال تذلل له ،ول يقال :تذلل
عليه للمنافاة بي التذلل والعلو لكنـه عدي بعلى لتضمينـه معن العطف والنو التعدي
بـها ،وقل :للتنبيه على أنـهم مع علو طبقتـهم وفضلهم على الؤمني خافضون لم
أجنحتـهم ،ولعل الراد بذلك أنـه استعيت (على) لعن اللم ليؤذن بأنـهم غلبوا
غيهم من الؤمني ف التواضع حت علوهم بـهذه الصفة "...اهـ.
قال الشاعر:
مل السنابل تنحن لشوع والفارغات رؤوسهن شوامخ
إن اليان إذا سكن ف القلب واستجابت لذلك الوارح تول الؤمن إل شجرة طيبة
ريها وثرها يسقي من ماء غي آسن وأصلها ثابت وفرعها ف السماء.
يقول صاحب زبدة التفسي" :أي يظهرون العطف والنو والتواضع للمؤمني ،ويظهرون
الشدة والغلظة والترفع على الكافرين ،ويمعون بي الجاهدة ف سبيل ال ،وعدم خوف
اللمة ف الدين ،بل هم متصلبون ل يبالون با يفعله أعداء الق وحزب الشيطان ،من
الزدراء بأهل الدين ،وقلب ماسنـهم مساوئ ،ومناقبـهم مثالب ،حسدا وبغضا
وكراهة للحق وأهله" اهـ.
قال ابن كثي رحه ال عند نفس الية [آية سورة الائدة]" :وهذه صفات الؤمني ال ُكهّل
أن يكون أحدهم متواضعا لخيه متعززا على عدوه كقوله تعال] :أشداء على الكفار
رحاء بينـهم[ ومن علمة حب ال تعال للمؤمني أن يكون لي الانب متواضعا
لخوانـه الؤمني ،متسربلً بالعزة حيال الكافرين والنافقي" اهـ.
357
وهذا ما تضافرت نصوص الوحي لتثبيتـه ف قلوب الناس وليكون من يريد تقيق أمر
التمكي على يديه مثالً يتذى ف تطبيق هذه الخلق الرائعة والعمل بـها ،ولقد
خوطب النب صلى ال عليه وسلم بأنـه لو كان غليظ القلب شديدا مع أصحابـه
لنفضوا من حوله] :ولو كنت فظا غليظ القلب لنفضوا من حولك[.
الفظ :الغليظ السيء اللق.
انفضوا :تفرقوا.
ونذكر هنا بعضا من النصوص وأقوال أهل العلم الت تث الؤمني على هذه الخلق:
- 1بعض النصوص :قال ال تعال] :وعباد الرحن الذين يشون ف الرض هونا[
[الفرقان ،]61 :أي سكينة ووقارا متواضعي ،غي أشرين ،ول مرحي ول متكبين ،قال
السن :علماء حلماء ،وقال ممد بن النفية :أصحاب وقار وعفة ل يسفهون ،وإن سفه
عليهم حلموا.
و "الون" بالفتح ف اللغة :الرفق واللي .والون بالضم :الوان ،فالفتوح منـه :صفة أهل
اليان ،والضموم :صفة أهل الكفران ،وجزاؤهم من ال النيان.
وقال تعال] :يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينـه فسوف يأت ال بقوم يبـهم
ويبونـه أذلة على الؤمني أعزة على الكافرين[ [الائدة.]54 :
لا كان الذل منـهم ذل رحة وعطف وشفقة وإخبات عداه بأداة "على" تضمينا لعان
هذه الفعال ،فإنـه ل يرد بـه ذل الوان الذي صاحبـه ذليل ،وإنا هو ذل اللي
والنقياد الذي صاحبـه ذلول ،فالؤمن ذلول ،كما ف الديث" :الؤمن كالمل الذلول،
والنافق والفاسق ذليل"[ ]10[]10وأربعة يعشقهم الذل أشد العشق :الكذاب ،والنمام،
والبخيل ،والبار.
وقوله] :أعزة على الكافرين[ هو من عزة القوة والنعة والغلبة .قال عطاء رضي ال عنـه:
للمؤمني كالوالد لولده ،وعلى الكافرين كالسبع على فريستـه ،كما قال ف الية
الخرى ]أشداء على الكفار رحاء بينـهم[ [الفتح.]29 :
358
وف صحيح مسلم من حديث عياض بن حار رضي ال عنـه قال :قال رسول ال صلى
ال عليه وسلم" :إن ال أوحى إل :أن تواضعوا ،حت ل يفخر أحد على أحد ،ول يبغي
أحد على أحد"[. ]11[]11
وف صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي ال عنـه قال :قال رسول ال صلى ال عليه
وسلم" :ل يدخل النة من كان ف قلبـه مثقال ذرة من كب"[.]12[]12
وف حديث احتجاج النة والنار" :أن النار قالت :مال ل يدخلن غل البارون،
والتكبون؟ وقالت النة :مال ل يدخلن إل ضعفاء الناس وسقطهم" وهو ف الصحيح[
. ]13[]13
وف صحيح مسلم عن أب سعيد وعن أب هريرة رضي ال عنـهما قال :قال رسول ال
صلى ال عليه وسلم" :يقول ال عز وجل :العزة إزاري ،والكبياء ردائي ،فمن نازعن
عذبتـه"[. ]14[]14
- 2هدي النب صلى ال عليه وسلم ف ذلك:
وكان النب صلى ال عليه وسلم ير على الصبيان فيسلم عليهم[. ]15[]15
وكانت المة تأخذ بيده صلى ال عليه وسلم ،فتنطلق بـه حيث شاءت[.]16[]16
وكان النب صلى ال عليه وسلم إذا أكل لعق أصابعه الثلث[. ]17[]17
وكان صلى ال عليه وسلم يكون ف بيتـه ف خدمة أهله[ ]18[]18ول يكن ينتقم
لنفسه قط[. ]19[]19
وكان صلى ال عليه وسلم يصف نعله ،ويرقع ثوبـه ،ويلب الشاة لهله[. ]20[]20
ويعلف البعي ويأكل مع الادم ،ويالس الساكي ،ويشى مع الرملة واليتيم ف
حاجتـهما[ ،]21[]21ويبدأ من لقيه بالسلم ،وييب دعوة من دعاه ،ولو إل أيسر
شيء[. ]22[]22
وكان صلى ال عليه وسلم هي الؤنة ،لي اللق ،كري الطبع ،جيل العاشرة ،طلق الوجه
بساما ،متواضعا من غي ذلة ،جوادا من غي سرف ،رقيق القلب ،رحيما بكل مسلم،
خافض الناح للمؤمني ،لي الانب لم.
359
وقال صلى ال عليه وسلم" :أل أخبكم بن يرم على النار؟ -أو ترم عليه النار -ترم
على كل قريب هي لي سهل" رواه الترمذي ،وقال حديث حسن[. ]23[]23
وقال" :لو دعيت إل ذراع -أو كراع -لجبت ،ولو أهدي إل ذراع -أو كراع -
لقبلت" رواه البخاري[. ]24[]24
- 3حقيقة الذل والتواضع:
سئل الفضيل بن عياض عن التواضع؟ فقال :يضع للحق ،وينقاد له .ويقبله من قاله.
وقال النيد بن ممد :هو خفض الناح ،ولي الانب.
وقال ابن عطاء :هو قبول الق من كان ،والعز ف التواضع ،فمن طلبـه ف الكب فهو
كتطلب الاء من النار.
وقال إبراهيم بن شيبان :الشرف ف التواضع ،والعز ف التقوى ،والرية ف القناعة.
وقال عروة بن الزبي رضي ال عنـهما :رأيت عمر بن الطاب رضي ال عنـه على
عاتقه قربة ماء ،فقلت" :يا أمر الؤمني؛ ل ينبغي لك هذا ،فقال :لا أتان الوفود سامعي
مطيعي ،دخلت نفسي نوة ،فأردت أن أكسرها".
وول أبو هريرة رضي ال عنـه إمارة مرة ،فكان يمل حزمة الطب على ظهره،
ويقول :طَرّقوا للمي.
ومر السن على صبيان معهم كسر خبز ،فاستضافوه ،فنـزل فأكل معهم ،ث حلهم إل
منـزله ،فأطعمهم وكساهم ،وقال :اليد لم ،لنـهم ل يدون شيئا غي ما أطعمون،
ونن ند أكثر منـه.
ويذكر أن أبا ذر رضي ال عنـه عي بللً رضي ال عنـه بسواده ،ث ندم ،فألقى
بنفسه ،فحلف :ل رفعت رأسي حت يطأ بلل خدي بقدمه ،فلم يرفع رأسه حت فعل
بلل.
وروح التواضع :أن يتواضع العبد لصولة الق .بأن يتلقى سلطان الق بالضوع له،
والذل ،والنقياد ،والدخول تت رقة ،بيث يكون الق متصرفا فيه تصرف الالك ف
ملوكه ،فبـهذا يصل للعبد خلق التواضع ،ولذا فسر النب صلى ال عليه وسلم الكب
بضده ،فقال" :الكب بطر الق ،وغمص الناس"[ . ]25[]25فبطر الق :رده وجحده،
360
والدفع ف صدره ،كدفع الصائل ،و "غمص الناس" احتقارهم ،وازدراؤهم ،ومت
احتقرهم وازدراهم :دفع حقوقهم ،وجحدها ،واستـهان بـها.
ولا كان لصاحب الق مقالة وصولة :كانت النفوس التكبة ل تقر له بالصولة على تلك
الصولة الت فيها ،ول سيما النفوس البطلة ،فتصول على صولة الق بكبها وباطلها،
فكان حقيقة التواضع :خضوع العبد لصولة الق ،وانقياده لا ،فل يقابلها بصولتـه
عليها.
وجال التواضع إنا يكون بأن ترضى با رضي الق بـه لنفسه عبدا من السلمي أخا،
وأن ل ترد على عدوك حقا ،وأن تقبل من العتذر معاذيره.
فإذا كان ال قد رضي أخاك السلم عبدا ،أفل ترضى أنت بـه أخا؟ فعدم رضاك بـه
أخا :عي الكب ،وأي قبيح أقبح من تكب العبد على عبد مثله ،ل يرضى بأخوتـه ،وال
راض بعبوديتـه؟.
ول تصح لك درجة "التواضع" حت تقبل الق من تب ومن تبغض فتقبله من عدوك
كما تقبله من وليك ،وإذا ل ترد عليه حقه ،فكيف تنعه حقا له قبلك؟ بل حقيقة
"التواضع" أنـه إذا جاءك قبلتـه منـه ،وإذا كان له عليك حق أديتـه إليه ،فل تنعك
عداوتـه من قبول حقه ،ول من إيتائه إياه.
وكذلك من أساء إليك ث جاء يعتذر عن إساءتـه فإن "التواضع" يوجب عليك قبول
معذرتـه ،حقا كانت أو باطلً ،وتكل سريرتـه إل ال تعال ،كما فعل رسول ال
صلى ال عليه وسلم ف النافقي الذين تلفوا عنـه ف الغزو ،فلما قدم جاءوا يعتذرون
إليه ،فقبل أعذارهم ،ووكل سرائرهم إل ال تعال[. ]26[]26
وعلمة الكب والتواضع :أنك إذا رأيت اللل ف عذره ل توقفه عليه ول تاجه ،وقل:
يكن أن يكون المر كما تقول ،ولو قضي شيء لكان ،والقدور ول مدفع له ،ونو
ذلك.
وتام التواضع :أن ل يرى العابد لنفسه حقا على ال لجل عمله ،فإنـه ف عبودية وفقر
مض ،وذل وانكسار ،فمت رأى لنفسه على ال حقا :فسدت عبوديتـه ،وصارت
معلولة وخيف منـها القت .ول يناف هذا ما أحقه سبحانـه على نفسه ،من إثابة
361
عابديه وإكرامهم ،فإن ذلك حق أحقه على نفسه بحض كرمه وبره وجوده وإحسانـه،
ل باستحقاق العبيد ،وأنـهم أوجبوه عليه بأعمالم.
هذه جلة من العان الت تبي حقيقة خفض الانب والوضع الذي يب أن يكون عليه
الؤمن حيال إخوانـه ،ونقيض ذلك ينسحب على معاملة غي العلم على أن ل تتعدى
حدود الشرع فنفرق بي الحارب والعاهد السال فنلتزم ف كل حالة حسب ما يطلب
الشارع سبحانـه ول خيار لنا ف ذلك ،وهذا الوضوع يطول التفصيل فيه فاعقل هذا
الجال واعمل بـه وإذا أردت التفصيل فاطلبـه من مظانـه.
وعلينا بعد هذا اليضاح والتبيان أن نعرض حالنا كأفراد وجاعات على هذا اليزان
الدقيق :فهل هو موافق أم مالف لتلك الثار والعان الميلة؟.
د – رابع هذه الصفات :صابر وثابت على البدأ مهما ادلمت الطوب :قال عز من
قائل] :واصب كما صب أولو العزم من الرسل[ ،وقال] :وتت كلمة ربك السن على بن
إسرائيل با صبوا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون[ [العراف:
.]137
اقتضت حكمة ال جل ف عله أن يكون هناك تدافع بي الناس وذلك لوجود الي والشر
والق والباطل ،ومن خلل هذه الدافعة تتمايز الصفوف ،قال جل ف عله] :ولول دفع
ال الناس بعضهم ببعض لفسدت الرض ولكن ال ذو فضل على العالي[] ،ولول دفع
ال الناس بعضهم ببعض لدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم ال كثيا
ولينصرن ال من ينصره إن ال لقوي عزيز[ ،وهذه الية الخية جاءت بعد أن بي ال
سبحانـه وتعال أنـه يدافع عن الذين آمنوا وأنـه أذن لم القتال لم قال ف مكم
كتابـه] :إن ال يدافع عن الذين آمنوا إن ال ل يب كل خوان كفور .أذن للذين
يقاتلون بأنـهم ظلموا وإن ال على نصرهم لقدير[ لاذا قيل لم هذا ونـزل لم هذا
التشريع؟ لنـهم أخرجوا من ديارهم بغي حق] :الذين أخرجوا من ديارهم بغي حق إل
أن يقولوا ربنا ال[.
362
فبي سياق هذه اليات الحكمات وترتيبـها أن هناك فريق مظلوم يب عليه أن يدفع
هذا الظلم الذي حصل له وهو فريق الق ،وأن هناك فريق معتد ظال متكب وهو فريق
الباطل يب أن يردع وأن يوقف عند حده.
إن هذا الوضع وهذه السنة بالنسبة للمؤمني تتطلب منـهم عدة أكب من عدة عدوهم،
فكان من ال أن أرشدهم إل ذلك قائلً] :يا أيها الذين آمنوا اصبوا وصابروا ورابطوا
واتقوا ال لعلكم تفلحون[ ،الصابرة :وهي مقابلة صب الخرين والتغلب عليه .وحديثنا
عن الصب يتناول الوانب التية:
- 1الصب ف القرآن:
قال المام أحد رحه ال :الصب ف القرآن ف نو تسعي موضعا.
وهو واجب بإجاع المة ،وهو نصف اليان ،فإن اليان نصفان :نصف صب ،ونصف
شكر.
وهو مذكور ف القرآن على ستة عشر نوعا.
الول :المر بـه :نو قوله تعال] :يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصب والصلة[ [البقرة:
،]153وقوله] :واستعينوا بالصب والصلة[ [البقرة ،]45 :وقوله] :اصبوا وصابروا[
[آل عمران ،]200 :وقوله] :واصب وما صبك إل بال[ [النحل.]127 :
الثان :النـهي عن ضده كقوله] :فاصب كما صب أولو العزم من الرسل ول تستعجل
بـه[ [الحقاف ،]35 :وقوله] :فل تولوهم الدبار[ [النفال ،]15 :فإن تولية الدبار
ترك للصب والصابرة ،وقوله] :ول تبطلوا أعمالكم[ [ممد ،]33 :فإن ابطالا ترك الصب
على إتامها ،وقوله] :ول تـهنوا ول تزنوا[ [آل عمران ،]139 :فإن الوهن من عدم
الصب.
الثالث :الثناء على أهله ،كقوله تعال] :الصابرين والصادقي[ [آل عمران،]17 :
وقوله] :والصابرين ف البأساء والضراء وحي البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم
التقون[ [البقرة ،]177 :وهو كي ف القرآن.
الرابع :إيابـه سبحانـه مبتـه لم ،كقوله] :وال يب الصابرين[ [البقرة.]146 :
363
الامس :إياب معيتـه لم ،وهي معية خاصة ،تتضمن حفظهم ونصرهم ،وتأييدهم،
ليست معية عامة ،وهي معية العلم ،والحاطة ،كقوله] :واصبوا إن ال مع الصابرين[
[النفال ،]46 :وقوله] :وال مع الصابرين[ [البقرة ،249 :النفال.]66 :
السادس :إخباره بأن الصب خي لصحابـه ،كقوله] :ولئن صبت لو خي للصابرين[
[النحل ،]126 :وقوله] :وأن تصبوا خي لكم[ [النساء.]25 :
السابع :إياب الزاء لم بأحسن أعمالم ،كقوله تعال] :ولنجزين الذين صبوا أجرهم
بأحسن ما كانوا يعملون[ [النحل.]96 :
الثامن :إيابـه سبحانـه الزاء لم بغي حساب ،كقوله تعال] :إنا يوف الصابرون
أجرهم بغي حساب[ [الزمر.]10 :
التاسع :إطلق البشرى لهل الصب ،كقوله تعال] :ولنبلونكم بشيء من الوف والوع
ونقص من الموال والنفس والثمرات وبشر الصابرين[ [البقرة.]155 :
العاشر :ضمان النصر والدد لم ،كقوله تعال] :بلى إن تصبوا وتتقوا ويأتوكم من
فورهم هذا يددكم ربكم بمسة آلف من اللئكة مسومي[ [آل عمران،]125 :
ومنـه قول النب صلى ال عليه وسلم" :واعلم أن النصر مع الصب"[. ]27[]27
الادي عشر :الخبار منـه تعال بأن أهل الصب هم أهل العزائم ،كقوله تعال] :ولن
صب وغفر إن ذلك لن عزم المور[ [الشورى.]43 :
الثان عشر :الخبار أنـه ما يلقى العمال الصالة وجزاءها والظوظ العظيمة إل أهل
الصب ،كقوله تعال] :ويلكم ثواب ال خي لن آمن وعمل صالا ول يلقاها إل
الصابرين[ [القصص ،]80 :وقوله] :وما يلقاها إل الذين صبوا وما يلقاها إل ذو حظ
عظيم[ [فصلت.]35 :
الثالث عشر :الخبار أنـه إنا ينتفع باليات والعب أهل الصب ،كقوله تعال لوسى] :أن
أخرج قومك من الظلمات إل النور وذكرهم بأيام ال إن ف ذلك ليات لكل صبار
شكور[ [إبراهيم ،]5 :وقوله ف أهل سبأ] :فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل مزق إن ف
ذلك ليات لكل صبار شكور[ [سبأ ،]19 :وقوله ف سورة الشورى] :ومن آياتـه
364
الوار ف البحر كالعلم إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره إن ف ذلك
ليات لكل صبار شكور[ [الشورى.]33 ،32 :
الرابع عشر :الخبار بأن الفوز الطلوب الحبوب ،والنجاة من الكروه الرهوب ،ودخول
النة ،إنا نالوه بالصب ،كقوله تعال] :واللئكة يدخلون عليهم من كل باب سلم
عليكم با صبت فنعم عقب الدار[ [الرعد.]24 ،23 :
الامس عشر :أنـه يورث صاحبـه درجة المامة ،سعت شيخ السلم ابن تيمية قدس
ال روحه يقول :بالصب واليقي تنال المام ف الدين ،ث تل قوله تعال] :وجعلنا منـهم
أئمة يهدون بأمرنا لا صبوا وكانوا بآياتنا يوقنون[ [السجدة.]24 :
السادس عشر :اقترانـه بقامات السلم ،واليان ،كما قرنـه ال سبحانـه باليقي
وباليان ،وبالتقوى والتوكل ،وبالشكر والعمل الصال والرحة.
ولذا كان الصب من اليان بنـزلة الرأس من السد ،ول إيان لن ل صب له ،كما أنـه
ل جسد لن ل رأس له ،وقال عمرو بن الطاب رضي ال عنـه" :خي عيش أدركناه
بالصب" وأخب النب صلى ال عليه وسلم ف الديث الصحيح "أنـه ضياء"[، ]28[]28
وقال" :من يتصب يصبه ال"[. ]29[]29
وف الديث الصحيح" :عجبا لمر الؤمن! إن أمره كل له خي ،وليس ذلك لحد إل
للمؤمن؛ إن أصابتـه سراء شكر ،فكان خي له ،وإن أصابتـه ضراء صب ،فكان خيا
له"[. ]30[]30
وأمر النصار رضي ال عنـهم ،بأن يصبوا على الثرة الت يلقونـها بعده ،حت يلقوه
على الوض[. ]31[]31
وأمر عند ملقاة العدو بالصب ،وأمر بالصب عند العصية ،وأخب "أنـه إنا يكون عند
الصدمة الول"[. ]32[]32
وأمر صلى ال عليه وسلم الصاب بأنفع المور له ،وهو الصب والحتساب ،فإن ذلك
يفف مصيبتـه ،ويوفر أجره ،والزع والتسخط والتشكي يزيد ف الصيبة ،ويذهب
الجر.
365
وأخب صلى ال عليه وسلم أن الصب خي كله ،فقال" :ما أعطي أحد عطاء خيا له
وأوسع من الصب"[. ]33[]33
- 2معن الصب وأنواعه:
و الصب ف اللغة :البس والكف ،ومنـه قتل فلن صبا :إذا أمسك وحبس ،ومنـه
قول تعال] :واصب نفسك مع الذين يدعون ربـهم بالغداة والعشي يريدون وجهه[
[الكهف ،]28 :أي احبس نفسك معهم.
فالصب :حبس النفس عن الزع والتسخط ،وحبس اللسان عن الشكوى ،وحبس
الوارح عن التشويش.
وهو ثلثة أنواع :صب على طاعة ال ،وصب عن معصية ال ،وصب على امتحان ال.
- 3مراتب الصب:
وهو على ثلثة أنواع :صب بال ،وصب ل ،وصب مع ال.
فالول :الستعانة بـه ،ورؤيتـه أنـه هو الصب ،وأن صب العبد بربـه ل بنفسه ،كما
قال تعال] :واصب وما صبك إل بال[ [النحل ،]127 :يعن إن ل يصبك هو ل تصب.
والثان :الصب ل ،وهو أن يكون الباعث له على الصب مبة ال ،وإرادة وجهه ،والتقرب
إليه ،ل لظهار قوة النفس ،والستحماد إل اللق ،وغي ذلك من العراض.
والثالث :الصب مع ال ،وهو دوران العبد مع مراد ال الدين منـه ،ومع أحكامه الدينية،
صابرا نفسه معها ،سائرا بسيها ،مقيما بإقامتـها ،يتوجه معها أين توجهت ركائبـها،
وينـزل معها أين استقلت مضاربـها.
وقد أمر ال سبحانـه وتعال ف كتابـه بالصب الميل ،والصفح الميل ،والجر
الميل ،فسمعت شيخ السلم ابن تيمية قدس ال روحه يقول :الصب الميل هو الذي ل
شكوى فيه ول معه ،والصفح الميل هو الذي ل عتاب معه ،والجر الميل هو الذي ل
أذى معه.
وقال ابن عيينة ف قوله تعلى] :وجعلنا منـهم أئمة يهدون بأمرنا لا صبوا[ [السجدة:
،]24قال" :أخذوا برأس المر فجعلم رؤساء".
تنبيه هام:
366
والشكوى إل ال عز وجل ل تناف الصب ،فإن يعقوب عليه السلم وعد بالصب الميل،
والنب إذا وعد ل يلف ،ث قال] :إنا أشكو بثي وحزن إل ال[ [يوسف،]86 :
وكذلك أيوب أخب ال عنـه :أنـه وجده صابرا مع قوله] :مسن الضر وأنت أرحم
الراحي[ [النبياء.]83 :
ل يشكو إل آخر وإنا يناف الصب شكوى ال ،ل الشكوى إل ال ،كما رأى بعضهم رج ً
فاقة وضرورة فقال :يا هذا ،تشكو من يرحك إل من ل يرحك؟ ث أنشد:
وإذا عـرتك بلية فاصب لا صب الكري فإنـه بـك أعـلم
وإذا شكوت إل ابن آدم إنا تشكو الرحيم إل الذي ل يرحم
- 4الصب ف الحن وكيف نصله:
أما الصب ف الحن على أذى الظالي ،وعند النوازل فإن العبد يستجلبـه ويستعي عليه
بثلث أشياء:
أحدها" :ملحظة حسن الزاء" وعلى حسب ملحظتـه والوثوق بـه ومطالعتـه يف
حل البلء ،لشهود العوض ،وهذا كما يف على كل متحمل مشقة عظيمة حلها ،لا
يلحظه من لذة عاقبتـها وظفره بـها ،ولول ذلك لتعطلت مصال الدنيا والخرة ،وما
أقدم أحد على تمل مشقة عاجلة إل لثمرة مؤجلة ،فالنفس موكلة بب العاجل ،وإنا
خاصة العقل :تلمح العواقب ،ومطالعة الغايات.
وأجع عقلء كل أمة على أن النعيم ل يدرك بالنعيم ،وأن من رافق الراحة ،حصل على
الشقة وقت الراحة ف دار الراحة ،فإنـه على قدر التعب تكون الراحة.
على قدر أهل العزم تأت العزائم وتأت على قدر الكري الكرائم
ويكب ف عي الصـغي صغيها وتصغر ف عي العظيم العظائم
والقصد :أن ملحظة حسن العاقبة تعي على الصب فيما تتحمله باختيارك وغي اختيارك.
والثان :انتظار الفرج.
أي :راحتـه ونسيمه ولذتـه ،فإن انتظاره ومطالعتـه وترقبـه يفف حل الشقة ،ول
سيما عند قوة الرجاء ،أو القطع بالفرج ،فإنـه يد ف حشو البلء من روح الفرح
367
ونسيمه وراحتـه :ما هو من خفي اللطاف ،وما هو فرج معجل ،وبـه -يفهم معن
اسه "اللطيف".
والثالث :تـهوين البلية ،بأمرين:
أحدها :أن يعد نعم ال وأياديه عنده ،فإذا عجز عن عدها ،وأيس من حصرها ،هان عليه
ماهو فيه من البلء ،ورآه -بالنسبة إل أيادي ال ونعمه -كقطرة من بر.
الثان :تذكر سوالف النعم الت أنعم ال بـها عليه ،فهذا يتعلق بالاضي ،وتعداد أيادي
النن :يتعلق بالال ،وملحظة حسن الزاء ،وانتظار الزاء ،وانتظار روح الفرج :يتعلق
بالستقبل ،وأحدها ف الدنيا ،والثان يوم الزاء.
وف ختام الديث عن الصب نقول" :فعلى وهج النار اللتـهبة نار الفتنة بمع أنواعها
تتميز معادن الناس ،فينقسمون إل مؤمني صابرين ،وإل مدعي أو منافقي ،وينقسم
الؤمنون إل طبقات كثية؛ بسب شدة صبهم وقوة احتمالم" اهـ [سلسلة رسائل
الغرباء ( )3ص .]201
ث نضيف" :فالراحل الت تر بـها حياة الؤمني الجاهدين؛ من العلماء والدعاة؛ من
صدقوا ف دعوى اليان ،واستحقوا أن ينحهم ال قيادة البشرية بالسلم؛ هي :البتلء،
ث الصب ،ث العاقبة" [نفس الصدر ،ص .]205
فاعقل أخي الؤمن هذه الراحل والزمها وتعقبـها ف سي الولي لتكون على بينة ما
نقول واعلم :أن النصر مع الصب ،وأنـه ل يتسع المر إذا إذا ضاق ،وأنـه بعد العسر
يسرا.
قال تعال] :ولقد كذبت رسل من قبلك فصبوا على ما كذبوا وأوذوا حت أتاهم نصرنا
ول ميل لكلمات ال ولقد جاءك من نبأ الرسلي[ [النعامuuu]24 :
----------------
ل عن ابن كثي ،مع تصرف يسي. [ - ]1[]1نق ً
[ - ]2[]2رواه البخاري ( ،)21ومسلم (.)43
[ - ]3[]3تقدم تريه.
368
[ - ]4[]4رواه البخاري ( ،)7485ومسلم ( ،)3637ومالك ،2/953والترمذي
3160عن أب هريرة.
[ - ]5[]5أخرجه البخاري ( ،)7375ومسلم (.)813
[ – ]6[]6رواه البخاري ومسلم.
[ – ]7[]7رواه البخاري.
[– ]8[]8رواه البخاري.
[ – ]9[]9صحيح رواه أحد وابن حبان عن ابن عمر.
[ - ]10[]10روي بلفظ "إنا الؤمن كالمل النف ،حيثما انقيد انقاد" رواه أحد
،4/126وابن ماجه ( ،)43والاكم 1/96عن العرباض بن سارية ف حديث طويل
وإسناده قوي.
[ - ]11[]11رواه مسلم ( ،)2865وأبو داود ( ،)3895وابن ماجة ( ،)4179وله
شواهد عن أنس عند البخاري ف الدب الفرد ( ،)426وابن ماجة (.)4214
[ - ]12[]12رواه مسلم ( ،)91والبغوي (.)3587
[ - ]13[]13رواه البخاري ( ،)4850ومسلم ( ،)2846والترمذي ( )2564عن
أب هريرة.
[ - ]14[]14رواه مسلم ( ،)2620والبغوي ( )3592عن أب هريرة.
[ - ]15[]15رواه البخاري عن أنس.
[ - ]16[]16صحيح ،علقه البخاري ووصله أبو داود وغيه عن أنس.
[ - ]17[]17رواه أحد ومسلم وأبو داود عن أنس.
[ - ]18[]18أخرجه البخاري عن السود.
[ - ]19[]19أخرجه البخاري ومسلم عن عائشة.
[ - ]20[]20صحيح ،رواه أحد وابن حبان عن عائشة.
[ - ]21[]21صحيح ،رواه النسائي والاكم عن ابن أب أوف.
[ - ]22[]22كما ف حديث "المة" التقدم تريه وغيه من الحاديث.
369
[ - ]23[]23صحيح ،أخرجه الترمذي ( ،)2490وأحد ،1/415وابن حبان (
)1096عن ابن مسعود ورجاله ثقات غي عبد ال بن عمر الودي ل يوثقه غي ابن
حبان ،وله شواهد يتقوى با من حديث معيقب وحديث أب هريرة وحديث أنس وانظر
"ممع الزوائد" .4/75
[ - ]24[]24برقم ( )5178عن أب هريرة ،وآخر الترمذي ( )1338عن أنس.
[ - ]25[]25رواه مسلم ( ،)91وأبو داود ( ،)4091والترمذي ( )1999عن عبد
ال بن مسعود ،ورواه أبو داود ( )4092عن أب هريرة بسند صحيح.
[ - ]26[]26أنظر البخاري (.)4418
[ - ]27[]27حسن ،رواه أحد ، 1/307والاكم 3/541و ،542عن ابن
عباس.
[ - ]28[]28روان مسلم ( ،)223والنسائي ،5/5وأحد ،5/342عن أب مالك
الشعري.
[ - ]29[]29رواه البخاري ( ،)6470ومسلم ( ،)1053وأبو داود (،)1644
والترمذي ( ،)2024عن أب سعيد.
[ - ]30[]30رواه مسلم ( ،)2999والدارمي ،2/318وأحد ،6/16من حديث
صهيب.
[ - ]31[]31رواه البخاري ( )3792و ( ،)7057ومسلم ( )1845عن أسيد بن
حضي.
[ - ]32[]32رواه البخاري ( ،)1302ومسلم ( )15( )626عن أنس بن مالك.
[ - ]33[]33تقدم تريه.
*******************
وبي تعال أن أعداء الرسل مغلوبون مقهورون مهما ملكوا من قوة ومن عتاد ومكر :
قال تعال ِ { :إ ّن الّذِينَ َكفَرُوا لَ ْن ُت ْغنِ َي َعْنهُمْ َأ ْموَاُلهُمْ وَلَا َأوْلَا ُدهُمْ مِنَ اللّ ِه َشيْئًا َوأُولَئِكَ
هُ ْم وَقُو ُد النّارِ ( )10كَ َدأْبِ آَلِ ِف ْرعَ ْونَ وَالّذِي َن مِنْ َقبِْل ِهمْ كَ ّذبُوا بِ َآيَاتِنَا َفأَخَ َذهُمُ اللّهُ
370
بِ ُذنُوِبهِ ْم وَاللّ ُه شَدِي ُد اْل ِعقَابِ (ُ )11قلْ لِلّذِينَ َكفَرُوا َسُتغَْلبُونَ َوتُحْشَرُونَ إِلَى َج َهنّ َم َوِبْئسَ
الْ ِمهَادُ ([ )12آل عمران} ]12-10/
إن هذه اليات واردة ف صدد خطاب بن إسرائيل ،وتديدهم بصي الكفار قبلهم
وبعدهم .وفيها لفتة لطيفة عميقة الدللة كذلك . .فهو يذكرهم فيها بصي آل فرعون
. .وكان ال سبحانه قد أهلك آل فرعون وأنى بن إسرائيل .ولكن هذا ل ينحهم
حقا خاصا إذا هم ضلوا وكفروا ،ول يعصمهم أن يوصموا بالكفر إذا هم انرفوا ،وأن
ينالوا جزاء الكافرين ف الدنيا والخرة كما نال آل فرعون الذين أناهم ال منهم!
كذلك يذكرهم مصارع قريش ف بدر -وهم كفار -ليقول لم :إن سنة ال ل
تتخلف .
وإنه ل يعصمهم عاصم من أن يق عليهم ما حق على قريش .فالعلة هي الكفر .وليس
لحد على ال دالة ،ول له شفاعة إل باليان الصحيح!
{ إن الذين كفروا لن تغن عنهم أموالم ول أولدهم من ال شيئا ،وأولئك هم وقود
النار } . .
والموال والولد مظنة حاية ووقاية؛ ولكنهما ل يغنيان شيئا ف ذلك اليوم الذي ل ريب
فيه ،لنه ل إخلف ليعاد ال .وهم فيه { :وقود النار } . .بذا التعبي الذي يسلبهم
كل خصائص « النسان » وميزاته ،ويصورهم ف صورة الطب والشب وسائر «
وقود النار » . .
ل بل إن الموال والولد ،ومعهما الاه والسلطان ،ل تغن شيا ف الدنيا :
{ كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا ،فأخذهم ال بذنوبم ،وال شديد
العقاب } . .
وهو مثل مضى ف التاريخ مكرورا ،وقصة ال ف هذا الكتاب تفصيلً :وهو يثل سنة
ال ف الكذبي بآياته ،يريها حيث يشاء .فل أمان إذن ول ضمان لكذب بآيات ال .
وإذن فالذين كفروا وكذبوا بدعوة ممد -صلى ال عليه وسلم -وآيات الكتاب الذي
نزله عليه بالق ،معرضون لذا الصي ف الدنيا والخرة سواء . .ومن ث يلقن الرسول -
371
صلى ال عليه وسلم -أن ينذرهم هذا الصي ف الدارين ،وأن يضرب لم الثل بيوم بدر
القريب ،فلعلهم نسوا مثل فرعون والذين من قبله ف التكذيب والخذ الشديد :
{ قل للذين كفروا :ستغلبون وتشرون إل جهنم وبئس الهاد .قد كان لكم آية ف
فئتي التقتا :فئة تقاتل ف سبيل ال وأخرى كافرة ،يرونم مثليهم رأي العي .وال يؤيد
بنصره من يشاء .إن ف ذلك لعبة لول البصار } . .
وقوله تعال { :يرونم مثليهم رأي العي } يتمل تفسيين :فإما أن يكون ضمي «
يرون » راجعا إل الكفار ،وضمي « هم » راجعا إل السلمي ،ويكون العن أن
الكفار على كثرتم كانوا يرون السلمي القليلي { مثليهم } . .وكان هذا من تدبي ال
حيث خيل للمشركي أن السلمي كثرة وهم قلة ،فتزلزلت قلوبم وأقدامهم .
وإما أن يكون العكس ،ويكون العن أن السلمي كانوا يرون الشركي { مثليهم } هم
-ف حي أن الشركي كانوا ثلثة أمثالم -ومع هذا ثبتوا وانتصروا .
والهم هو رجع النصر إل تأييد ال وتدبيه . .وف هذا تذيل للذين كفروا وتديد .
كما أن فيه تثبيتا للذين آمنوا وتوينا من شأن أعدائهم فل يرهبونم . .وكان الوقف -
كما ذكرنا ف التمهيد للسورة -يقتضي هذا وذاك . .وكان القرآن يعمل هنا وهناك . .
وما يزال القرآن يعمل بقيقته الكبية .وبا يتضمنه من مثل هذه القيقة . .إن وعد ال
بزية الذين يكفرون ويكذبون وينحرفون عن منهج ال ،قائم ف كل لظة .
ووعد ال بنصر الفئة الؤمنة -ولو قل عددها -قائم كذلك ف كل لظة .وتوقف
النصر على تأييد ال الذي يعطيه من يشاء حقيقة قائمة ل تنسخ ،وسنة ماضية ل تتوقف
وليس على الفئة الؤمنة إل أن تطمئن إل هذه القيقة؛ وتثق ف ذلك الوعد؛ وتأخذ للمر
عدته الت ف طوقها كاملة؛ وتصب حت يأذن ال؛ ول تستعجل ول تقنط إذا طال عليها
المد الغيب ف علم ال ،الدبر بكمته ،الؤجل لوعده الذي يقق هذه الكمة .
{ إن ف ذلك لعبة لول البصار } . .
ول بد من بصر ينظر وبصي تتدبر ،لتبز العبة ،وتعيها القلوب .وإل فالعبة تر ف كل
لظة ف الليل والنهار!
***************
372
ولكن نصرة رسول ال صلى ال عليه وسلم ل تكون إل باتباع منهجه الذي أكرمه
ال تعال به حت نفوز بسعادة الدارين ،ففيه العزة والكرامة والياة وكل خي لنا ف
الدارين:
373
حِبْبكُمُ اللّهُ َويَ ْغفِرْ َلكُمْ ُذنُوَبكُ ْم وَاللّهُ
حبّونَ اللّهَ فَاّتبِعُونِي يُ ْ
قال تعال { :قُلْ إِنْ ُكْنتُمْ ُت ِ
َغفُورٌ َرحِيمٌ ([ )31آل عمران} ]32 ،31/
وهذه الية فيها وجوب مبة ال ،وعلماتا ،ونتيجتها ،وثراتا ،فقال { قل إن كنتم
تبون ال } أي :ادعيتم هذه الرتبة العالية ،والرتبة الت ليس فوقها رتبة فل يكفي فيها
مرد الدعوى ،بل ل بد من الصدق فيها ،وعلمة الصدق اتباع رسوله صلى ال عليه
وسلم ف جيع أحواله ،ف أقواله وأفعاله ،ف أصول الدين وفروعه ،ف الظاهر والباطن،
فمن اتبع الرسول دل على صدق دعواه مبة ال تعال ،وأحبه ال وغفر له ذنبه ،ورحه
وسدده ف جيع حركاته وسكناته ،ومن ل يتبع الرسول فليس مبا ل تعال ،لن مبته ل
توجب له اتباع رسوله ،فما ل يوجد ذلك دل على عدمها وأنه كاذب إن ادعاها ،مع أنا
على تقدير وجودها غي نافعة بدون شرطها ،وبذه الية يوزن جيع اللق ،فعلى حسب
حظهم من اتباع الرسول يكون إيانم وحبهم ل ،وما نقص من ذلك نقص.
************************
القول اللبيب ف الذب عن البيب ( صلى ال عليه وسلم )
استمعت إل بعضهم ( )...وهم يهونون ما يدث حولم ،بل ويتحدثون وكأن ما
حدثً أمرا عاديا ،ما دعان إل الكتابة.
فحب ال و رسوله موجود ف قلب كل مؤمن ل يكنه دفع ذلك من قلبه إذا كان
مؤمنا ،و تظهر علمات حبه ل و لرسوله إذا أخذ أحد يسب الرسول ( صلى ال عليه
وسلم ) ،و يطعن عليه ،أو يسب ال و يذكره با ل يليق به ،فالؤمن يغضب لذلك
أعظم ما يغضب لو سب أبوه و أمه.
الذب عن الدين فرض واجب
فقد جاء ف ( إيضاح الدليل ) أن :الذب عن الدين لن تكن منه فرض واجب ،والرد
على أهل البدع أمر لزب ،مع أنه ل يقدر على المل على العتقاد إل الرب الذي بيده
تصاريف قلوب العباد ،وغاية النتصب لقامة الدليل بيان إبطال حجج أهل التشبيه
374
والتعطيل ،فمن يرد ال أن يهديه يشرح صدره للسلم ومن يرد أن يضله يعل صدره
ضيقا حرجا كأنا يصعد ف السماء.
(إيضاح الدليل )1/89
الحاربة باللسان والكلمة
وبعد إن الرسومات الكاريكاتورية الت رست قاصدة الساءة إل رسول ال ( صلى ال
عليه وسلم ) هي نوع من الرب ،فقد جاء ف ( الصارم السلول ) :
الوجه الامس :أن الحاربة نوعان :ماربة باليد ،و ماربة باللسان .و الحاربة باللسان
ف باب الدين :قد تكون أنكى من الحاربة باليد .ولذلك كان النب (عليه الصلة و
السلم ) يقتل من كان ياربه باللسان ،مع استبقائه بعض من حاربه باليد.د
خصوصا ماربة الرسول( عليه الصلة و السلم ) بعد موته فإنا إنا تكون باللسان ،و
كذلك الفساد قد يكون باليد ،و قد يكون باللسان ،و ما يفسده اللسان من الديان
أضعاف ما تفسده اليد ،كما أن ما يصلحه اللسان من الديان أضعاف ما تصلحه اليد.
فثبت أن ماربة ال و رسوله باللسان أشد ،و السعي ف الرض لفساد الدين باللسان
أوكد فهذا الساب ل ولرسوله أول باسم الحارب الفسد من قاطع الطريق.
( الصارم السلول )1/389
وبذلك تدخل هذه الرسومات الكاريكاتورية ف باب الحاربة باللسان ،لنا عبارة عن
توجيه لجموعة من الفكار حول الهانة لشخص النب ( صلى ال عليه وسلم ) ،وبذلك
تكون هذه الرسومات أشد من الرب باليد واللة .بل وأنكى من الرب باللسان لنا
تعبيات واضحة ظاهرة ل تتاج إل تفسي أو بيان شرح .
من هنا نتناول هذا الوضوع من وجهتي ،ونتبعه بفصل ف الصب :
(أ) الوجهة الول :الدفاع عن رسول ال ( صلى ال عليه وسلم ).
(ب) الوجهة الثانية :قتل من سب أو أساء إل النب ( صلى ال عليه وسلم) .
(ج) فصل ف الصب والنصر .
(أ) الدفاع عن رسول ال ( صلى ال عليه وسلم )
375
يب علينا الدفاع عن رسول ال ( صلى ال عليه وسلم ) ،والذي يؤكد ذلك ويبينه أشد
التأكيد ما يلي :
أولً ـ الول (عز وجل) يدافع عن النب ( صلى ال عليه سلم )
1ـ خندق من نار
عن أب هريرة( رضىي ال عنه ) قال :قال أبو جهل :هل يعفر ممد وجهه بي
أظهركم ؟ فبالذي يلف به لئن رأيته يفعل ذلك لطأن على رقبته [ فأتى رسول ال صلى
ال عليه وسلم وهو يصلي ليطأ على رقبته ] قال :فما فجأهم إل أنه يتقي بيده وينكص
على عقبيه ،فأتوه فقالوا :ما لك يا أبا الكم ؟ قال :إن بين وبينه لندقا من نار ،
وهولً ،وأجنحة .قال أبو العتمر :فأنزل ال جل وعل { :أرأيت الذي ينهى عبدا إذا
صلى } إل { فليدع ناديه } .قال :قومه { سندع الزبانية } ،قال اللئكة { :ل
تطعه } ث أمره با أمره من السجود ف آخر السورة ،قال :فبلغن عن العتمر ف هذا
الديث ،قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ( :لو دنا من لختطفته اللئكة
عضوا عضوا) (.صحيح ابن حبان )14/525
2ـ ال يرسل ملك البال ليدافع عن الرسول ( صلى ال عليه وسلم)
عن عائشة ( رضي ال عنها ) قالت لرسول (ال صلى ال عليه وسلم ) :هل أتى عليك
يوم كان أشد عليك من يوم أحد ؟ قال ( صلى ال عليه وسلم ) ( :لقد لقيت من
قومك وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد
كلل ،فلم يبن إل ما أردت ،فانطلقت وأنا مهموم على وجهي ؛ فرفعت رأسي ،فإذا
أنا بسحابة قد أظلتن ،فنظرت فإذا فيها جبيل (عليه السلم ) فنادان فقال :إن ال قد
سع قول قومك لك وما ردوا عليك ،وقد بعث إليك ملك البال لتأمر با شئت فيهم ،
قال ( صلى ال عليه وسلم) :فنادان ملك البال وسلم عليّ ،ث قال :يا ممد إن ال
قد سع قول قومك لك وأنا ملك البال ،وقد بعثن ربك إليك لتأمرن بأمرك إن شئت
أطبق عليهم الخشبي ) فقال رسول ( ال صلى ال عليه وسلم) ( :بل أرجو أن يرج
ال من أصلبم من يعبد ال وحده ل يشرك به شيئاً) (.صحيح ابن حبان )14/516
3ـ وال يعصمك من الناس
376
عن أب هريرة قال :كنا إذا صحبنا رسول ال (صلى ال عليه وسلم) ف سفر تركنا له
أعظم شجرة وأظلها فينل تتها ،فنل ذات يوم تت شجرة ،وعلق سيفه فيها فجاء
رجل فأخذه فقال :يا ممد من ينعك من ؟ فقال رسول ال( صلى ال عليه وسلم)
[ ال ينعن منك ضع السيف ] فوضعه فأنزل ال عز وجل { :وال يعصمك من
الناس }
ثانيا ً ـ القرآن الكري يدافع عن رسول ال ( صلى ال عليه وسلم )
1ـ الشدة والعنف مع أهل مكة
جاء حديث القرآن الكري إل أهل مكة ف كثي من الواقف وخطابم بالشدة والعنف ؛
فذلك لا مردوا عليه من أذى الرسول ( صلى ال عليه وسلم) وأصحابه ،والكيد لم حت
أخرجوهم من أوطانم ،ول يكتفوا بذلك بل أرسلوا إليهم الذى ف مهاجرهم ،وكان
القرآن ف حلته عليهم وعلى أمثالم بالقول بعيدا عن كل معان السباب والقذاع متذرعا
بالكمة والدب الكامل ف الرشاد والقناع ،حاثا على الصب والعفو والحسان.
( مناهل العرفان )149 /1
ي}
سَتهْ ِزئِ َ
2ـ قول ال عز وجل ِ{ :إنّا َك َفْينَا َك الْمُ ْ
يقول تعال ذكره ( إنا كفيناك الستهزئي ) يا ممد الذين يستهزئون بك ويسخرون منك
فاصدع بأمر ال ول تف شيئا سوى ال فإن ال كافيك من ناصيك وآذاك كما كفاك
الستهزئي وكان رؤساء الستهزئي قوما من قريش معروفي ،ودعا عليهم رسول ال
( صلى ال عليه وسلم) .
ي} سَتهْ ِزئِ َ
عن ابن عباس (رضي ال عنهما) ف قول ال عز وجل ِ{ :إنّا َك َفْينَا َك الْمُ ْ
( الجر ) 95/قال الستهزئون :الوليد بن الغية ،والسود بن عبد يغوث الزهري،
والسود بن الطلب ،وأبو زمعة من بن أسد بن عبد العزى ،والارث بن عيطل
السهمي ،والعاص بن وائل ،فأتاه جبيل (عليه السلم ) شكاهم إل رسول ( ال صلى
ال عليه وسلم) فأراه الوليد أبا عمرو بن الغية فأومأ جبيل إل أبله ،فقال :ما صنعت
؟ قال :كفيته .ث أراه السود بن الطلب ،فأومئ جبيل إل عينيه ،فقال :ما صنعت
.قال :كفيته .ث أراه السود بن عبد يغوث الزهري ،فأومأ إل رأسه ،فقال :ما
377
صنعت ؟ قال :كفتيه .ومر به العاص بن وائل ،فأومأ إل أخصه ،فقال :ما صنعت ؟
قال :كفيته .فأما الوليد بن الغية ،فمر برجل من خزاعة وهو يريش نبلً له فأصاب
أبله فقطعها ،وأومأ السود بن الطلب فعمي ،فمنهم من يقول عمي هكذا ،ومنهم من
يقول نزل تت سرة ،فجعل يقول :يا بن أل تدفعون عن قد قتلت ،فجعلوا يقولون :
ما نرى شيئا .وجعل يقول :يا بن أل تنعون عن قد هلكت ها هو ذا أطعن بالشوك ف
عين .فجعلوا يقولون :ما نرى شيئا .فلم يزل كذلك حت عميت عيناه .وأما السود
بن عبد يغوث الزهري فخرج ف رأسه قروح فمات منها ،وأما الارث بن عيطل فأخذه
الاء الصفر ف بطنه حت خرج خرؤه من فيه فمات منها ،وأما العاص بن وائل فبينما هو
كذلك يوما إذ دخل ف رأسه شبقة حت امتلت منها فمات منها ،وقال غيه فركب
إل الطائف على حار فربض به على شبقة فدخلت ف أخص قدمه شوكة فقتلته(.سنن
البيهقي الكبى )8 /9
3ـ الدفاع عن عرض الرسول ( صلى ال عليه وسلم) ف حادثة الفك
إنا منة تناولت بيت الرسول ( صلى ال عليه وسلم) ف أحب نسائه إليه ،وهي الصديقة
بنت الصديق عائشة بنت أب بكر ( رضي ال عنهما ) فيما يسمى بادثة الفك ،وقد
كانت تلك الادثة حلقة من سلسلة فنون اليذاء والحن الت لقيها رسول ال ( صلى ال
عليه وسلم) من أعداء الدين ،وكان من لطف ال تعال بنبيه وبالؤمني أن كشف زيفها
وبطلنا ،وسجلها ف قرآن يتلى إل يوم الدين ،لتكون مواقف يتأسى با الؤمنون عندما
يتعرضون ف حياتم لثل هذا العداء ،فقد انقطع الوحي ،وبقيت الدروس لتكون عبة
وعظة للجيال التعاقبة .
وممل القصة كما جاء ف الصحيحي :أن رسول ال ( صلى ال عليه وسلم) كان إذا
أراد أن يرج للسفر ،أقرع بي أزواجه ،فأيتهن خرج سهمها خرج با ،فلما كانت
غزوة بن الصطلق خرج سهم عائشة (رضي ال عنها) فخرجت معه ( صلى ال عليه
وسلم) ،فلما رجعوا من الغزوة ،نزل اليش ف بعض النازل ليلً ،فخرجت عائشة
( رضي ال عنها) لاجتها ،فانفرط عقدها ،فأخذت تمعه ،بينما ترك اليش ،وهم
يظنون أنا ف الودج فلما رجعت ل تد أحدا ،فظنت أنم سيفتقدونا ويرجعون ف
378
طلبها ،فقعدت مكانا ،وغلبتها عيناها فنامت ،وكان صفوان بن العطل (رضي ال
عنه) من وراء اليش ،فلما رأها عرفها ،فقال :إنا ل وإنا إليه راجعون ،فاستيقظت
على استرجاعه ،فأناخ راحلته ،وقربا إليها ،فركبتها ،ول يكلمها كلمة واحدة ،ث
سار با يقودها حت قدم با وقد نزل اليش ف نر الظهية ،فلما رأى الناس ذلك تكلم
كل منهم بشاكلته ،وما يليق به ،واتم النافقون عائشة ( رضي ال عنها ) ف عرضها
الشريف ،وأخذوا يلوكون الديث ويشيعونه حت انتشر ف الدينة كلها ،وقد مكث
رسول ال ( صلى ال عليه وسلم) مدة ل يوحى إليه ف شأن عائشة بشيء ،حت اشتد
المر عليه( صلى ال عليه وسلم) واستشار بعض أصحابه فأشار عليه بعضهم بطلقها ،
وبينما الفتنة ف أوجها ،والحنة ف أشدها إذ جاء فرج ال ـ تعال ـ فشهد ال تعال
بباءة عائشة ( رضي ال عنها ) ف قرآن يتلى إل يوم القيامة .
سبُو ُه شَرّا ّلكُم بَ ْل ُهوَ َخيْرٌ ّلكُمْ ِلكُ ّل امْرِئٍ صَبةٌ مّنكُمْ لَا تَحْ َ ك ُع ْ {إِ ّن الّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْ ِ
ب عَظِيمٌ َلوْلَا ِإ ْذ سَ ِم ْعتُمُو ُه ظَنّ ب مِ َن الِْإثْ ِم وَالّذِي َتوَلّى ِكبْ َرهُ ِمْنهُمْ لَ ُه عَذَا ٌ ّمنْهُم مّا ا ْكتَسَ َ
ي وََلوْلَا َفضْلُ اللّ ِه عََلْيكُ ْم وَرَحْ َمتُهُ سهِمْ َخيْرا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ ّمبِ ٌ الْ ُم ْؤمِنُونَ وَالْ ُم ْؤ ِمنَاتُ ِبأَنفُ ِ
ضتُمْ فِي ِه عَذَابٌ عَظِيمٌ إِ ْذ َتَل ّقوْنَ ُه ِبأَلْسَِنتِكُ ْم َوَتقُولُونَسكُمْ فِي مَا أََف ْ فِي ال ّدْنيَا وَالْآخِ َرةِ لَمَ ّ
سبُونَ ُه َهيّنا َو ُهوَ عِندَ اللّ ِه عَظِي ٌم وََلوْلَا ِإ ْذ سَ ِم ْعتُمُوهُ قُ ْلتُم بِأَ ْفوَا ِهكُم مّا َلْيسَ َلكُم بِ ِه عِلْمٌ َوتَحْ َ
مّا يَكُونُ َلنَا أَن ّنَتكَلّ َم ِبهَذَا ُسبْحَانَكَ هَذَا ُب ْهتَا ٌن عَظِي ٌم َيعِظُكُمُ اللّهُ أَن َتعُودُوا لِ ِمثْلِهِ َأبَدا إِن
ي َويَُبيّنُ اللّهُ َلكُ ُم الْآيَاتِ وَاللّ ُه عَلِيمٌ َحكِي ٌم } (النور10/ـ )18 كُنتُم ّم ْؤ ِمنِ َ
وقوله تعال ( إن الذين جاءوا بالفك عصبة منكم ل تسبوه شرا لكم بل هو خي لكم)
نزلت ف الذين قذفوا عائشة (رضي ال عنها) فأخب ال أن ذلك كذب ،و( الفك) هو
الكذب ،ونال النب ( صلى ال عليه وسلم) وأبا بكر وجاعة من السلمي غم شديد
وأذى وحزن ( .والذي تول كبه ) روي أنه :عبد ال بن أب بن سلول ،وكان منافقا
و( كبه ) هو عظمه ،وإن عظم ما كان فيه لنم كانوا يتمعون عنده وبرأيه وأمره
كانوا يشيعون ذلك ويظهرونه وكان هو يقصد بذلك أذى رسول ال ( صلى ال عليه
وسلم) (.أحكام القرآن )161 /5
4ـ َل َعَنهُمُ اللّهُ فِي ال ّدْنيَا وَالْآ ِخ َرةِ
379
{إِ ّن الّذِي َن ُيؤْذُونَ اللّ َه وَ َرسُولَهُ َل َعنَهُمُ اللّهُ فِي ال ّدْنيَا وَالْآخِ َر ِة َوَأعَدّ َلهُ ْم عَذَابا ّمهِينا }
(الحزاب )57/قوله { لعنهم ال ف الدنيا والخرة } يقول تعال ذكره :أبعدهم ال من
رحته ف الدنيا والخرة وأعد لم ف الخرة عذابا يهينهم فيه باللود فيه.
5ـ التحذير من أذى رسول ال ( صلى ال عليه وسلم )
وذلك ف أغراض سورة الصف ،حيث أن من أغراض هذه السورة الكرية :
ـ التحذير من إخلف الوعد واللتزام بواجبات الدين.
ـ التحريض على الهاد ف سبيل ال والثبات فيه وصدق اليان.
ـ الثبات ف نصرة الدين.
ـ الئتساء بالصادقي مثل الواريي.
ـ التحذير من أذى الرسول (صلى ال عليه وسلم) .
ـ الوعد على إخلص اليان والهاد بسن مثوبة الخرة والنصر والفتح (.التحرير
والتنوير )1/4398
6ـ سورة القلم
ف هذه السورة ،عدد ال (عز وجل ) لزعماء الشركي مثل أب جهل والوليد بن الغية
مذمات كثية ،وتوعدهم بعذاب الخرة ،وببليا ف الدنيا ،بأن ضرب لم مثلً بن
غرهم عزهم وثراؤهم فأزال ال ذلك عنهم وأباد نعمتهم ،ووعظهم بأن ما هم فيه من
النعمة استدراج وإملء جزاء كيدهم .وأنم ل معذرة لم فيما قابلوا به دعوة النب (صلى
ال عليه وسلم) من طغيانم (.التحرير والتنوير )1/4512
6ـ ( ما أنت بنعمة ربك بجنون )
وقوله { :ما أنت بنعمة ربك بجنون } يقول تعال ذكره لنبيه ممد ( صلى ال عليه
وسلم ) ما أنت بنعمة ربك بجنون ،مكذبا بذلك مشركي قريش الذين قالوا له :إنك
منون.
7ـ ذم امرأة أب لب
380
( وامرأته حالة الطب ف جيدها حبل من مسد) أعقب ذم أب لب ووعيده بثل ذلك
لمرأته لنا كانت تشاركه ف أذى النب (صلى ال عليه وسلم) وتعينه عليه (.الترغيب
والترهيب )4/928
8ـ نسلك بم سبيل أسلفهم
سَتهْ ِزئُونَ }
خرُوْا ِمْنهُم مّا كَانُوْا بِهِ يَ ْ
ق بِالّذِي َن سَ ِ
ئ بِ ُرسُ ٍل مّن َقبْلِكَ َفحَا َ
{وَلَقَ ِد ا ْسُتهْزِ َ
(النعام ) 10/قال أبو جعفر :يقول تعال ذكره لنبيه ممد ( صلى ال عليه وسلم)
مسليا عنه بوعيده الستهزئي به عقوبة ما يلقى منهم من أذى الستهزاء به والستخفاف
ف ذات ال :هون عليك يا ممد ما أنت لق من هؤلء الستهزئي بك الستخفي بقك
فّ وف طاعت ،وامض لا أمرتك به من الدعاء إل توحيدي والقرار ب والذعان
لطاعت ،فإنم إن تادوا ف غيهم وأصروا على القام على كفرهم ،نسلك بم سبيل
أسلفهم من سائر المم من غيهم ،من تعجيل النقمة لم وحلول الثلت بم ،فقد
استهزأت أمم من قبلك برسل أرسلتهم إليهم بثل الذي أرسلتك به إل قومك وفعلوا مثل
ما فعل قومك بك { فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون } يعن بقوله :
فحاق فنل وأحاط بالذين هزئوا من رسلهم { ما كانوا به يستهزئون } يقول :العذاب
الذي كانوا يهزأون به وينكرون أن يكون واقعا بم على ما أنذرتم رسلهم وعن السدي
{ :فحاق بالذين سخروا منهم } من الرسل { ما كانوا به يستهزئون } يقول :وقع
بم العذاب الذي استهزأوا به (.تفسي الطبي )153 /1
وبعد فهذه طائفة متصرة لدفاع القرآن الكري عن النب ( صلى ال عليه وسلم) ،وهناك
من اليات ف مثل ذلك الكثي ،ولكنن أردت أن أوضح أمثلة واضحة وصرية ف الدفاع
،حت يستيقظ الؤمن ويعلم أن الدفاع عن رسول ال ( صلى ال عليه وسلم ) واجب ،
وأن الدفاع عنه ( صلى ال عليه وسلم ) ُذكر ف القرآن الكري ،وعلى كل مسلم ومؤمن
أن يدافع عن حبيبه ( صلى ال عليه وسلم ) با استطاع .
ثالثا ـ النب ( صلى ال عليه وسلم )
1ـ الرسول يأمر خسة رهط من قومه للدفاع عنه وعن السلمي
381
عن عبد الرحن بن عبد ال بن كعب بن مالك أن كعب بن الشرف اليهودي كان
شاعرا ،وكان يهجو رسول ( ال صلى ال عليه وسلم ) وأصحابه ويرض عليهم كفار
قريش ف شعره ،وكان رسول ال ( صلى ال عليه وسلم ) قدم إل الدينة وهي أخلط
منهم :السلمون الذين يمعهم دعوة رسول ال ( صلى ال عليه وسلم ) ،وفيهم
الشركون الذين يعبدون الوثان ،ومنهم اليهود ،ومنهم أهل اللقة والصون وهم
حلفاء اليي الوس والزرج .
فأراد رسول ال (صلى ال عليه وسلم) حي قدم استصلحهم وموادعتهم ،وكان الرجل
يكون مسلما وأبوه مشركا ،والرجل يكون مسلما وأخوه مشركا ،وكان الشركون
واليهود من أهل الدينة حي قدم رسول ال ( صلى ال عليه وسلم) يؤذون النب (صلى ال
عليه وسلم) وأصحابه أشد الذى .
وأمر ال نبيه (صلى ال عليه وسلم)والسلمي بالصب على ذلك والعفو عنهم ،ففيهم أنزل
ال تعال { لتبلون ف أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن
الذين أشركوا أذى كثيا وإن تصبوا وتتقوا فإن ذلك من عزم المور } وفيهم أنزل ال
تعال { ود كثي من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيانكم كفارا } إل قوله { حت
يأت ال بأمره } فلما أب كعب بن الشرف أن ينع عن [ أذى ] رسول ال ( صلى ال
عليه وسلم) وأذى السلمي ،أمر رسول ( ال صلى ال عليه وسلم ) سعد بن معاذ ،و
ممد بن مسلمة النصاري ،ث الارثي ،و أبا عيسى بن حب النصاري ،و الارث بن
أخي سعد بن معاذ ،ف خسة رهط ،فأتوه عشية ف ملسه بالعوال فلما رآهم كعب بن
الشرف أنكر شأنم ،وكان يذعر منهم ،وقال لم :ما جاء بكم ؟ قالوا جاء بنا حاجة
إليك ،قال :فليدنو إل بعضكم ليحدثن با فدنا إليه بعضهم ،فقال :قد جئناك لنبيعك
أدراعا لنا لنستنفق أثانا ،فقال :وال لئن فعلتم لقد جهدت منذ نزل بكم هذا الرجل ،
فواعدهم أن يأتوه عشاء حي يهدي عنه الناس ،فجاؤوه ،فناداه رجل منهم فقام ليخرج
إليهم ،فقالت امرأته :ما طرقوك ساعتهم هذه بشيء ما تب ،قال :بلى إنم قد
حدثون حديثهم فخرج إليهم ،فأعتنقه ممد بن مسلمة وقال لصحابه :ل يسبقكم وإن
قتلتمون وإياه جيعا ،فطعنه بعضهم بالسيف ف خاصرته .
382
فلما قتلوه فزعت اليهود ،ومن كان معهم من الشركي ،فغدوا على النب ( صلى ال
عليه وسلم ) حي أصبحوا فقالوا :قد طرق صاحبنا الليلة وهو سيد من ساداتنا ،فقتل
غيلة ،فذكر لم رسول ال ( صلى ال عليه وسلم ) الذي كان يقول ف أشعاره ويؤذيهم
به ،فدعاهم رسول ال ( صلى ال عليه وسلم ) أن يكتب بينه وبينهم وبي السلمي
عامة صحيفة فيها جامع أمر الناس فكتبها رسول ال ( صلى ال عليه وسلم) (.العجم
الكبي )19/76
ومنه أيضا
عن عبد الرحن بن كعب بن مالك :أن كعب بن الشرف اليهودي كان شاعرا وكان
يهجو رسول ال ( صلى ال عليه وسلم ) وأصحابه ويرض عليهم فقال ( صلى ال عليه
وسلم ) ( :من لكعب ؟) فلما أب أن ينع عن أذى رسول ال ( صلى ال عليه وسلم )
وأذى السلمي أمر رسول ال ( صلى ال عليه وسلم) سعد بن معاذ و ممد بن مسلمة و
أبا عيسى بن الارث ابن أخي سعد بن معاذ ف خسة ،فأتوا كعبا فذكر مثله (.العجم
الكبي . )19/78
2ـ ماصرة من شتم الرسول ( صلى ال عليه وسلم)
لا خرج السلمون إل بن قريظة أعطى رسول ال (صلى ال عليه وسلم) الراية علي بن
أب طالب ( رضي ال عنه ) واستخلف على الدينة ابن أم مكتوم ،ونض علي وطائفة
معه حت أتوا بن قريظة ونازلوهم ؛ فسمعوا سب الرسول ال ( صلى ال عليه وسلم)
فانصرف علي إل رسول ال ( صلى ال عليه وسلم) فقال له :يا رسول ال ل تبلغ إليهم
وعرض له ،فقال له :أظنك سعت منهم شتمي ،لو رأون لكفوا عن ذلك .ونص إليهم
فلما رأوه أمسكوا .فقال لم :نقضتم العهد يا إخوة القرود ،أخواكم ال وأنزل بكم
نقمته .فقالوا :ما كنت جاهلً يا ممد فل تهل علينا .ونزل رسول ال ( صلى ال
عليه وسلم ) فحاصرهم بضعا وعشرين ليلة ( .تفسي القرطب )14/16
رابعا ـ قريشيون يدافعون عن النب ( صلى ال عليه وسلم )
أبو طالب ينهي عن أذى الرسول ( صلى ال عليه وسلم )
383
شعُرُونَ }( النعام/
قال تعال { َوهُ ْم َينْ َه ْونَ َعنْ ُه َويَْنَأوْ َن َعنْهُ َوإِن ُيهِْلكُونَ إِلّ أَنفُسَهُ ْم َومَا يَ ْ
) 26عن ابن عباس يقول :نزلت ف أب طالب كان ينهى عن ممد أن يؤذى وينأى
عما جاء به أن يؤمن به ،وعن القاسم بن ميمرة قال :كان أبو طالب ينهى عن النب
(صلى ال عليه وسلم) ول يصدقه ،قال ابن بشر :كان أبو طالب ينهى عن النب (صلى
ال عليه وسلم) أن يؤذى ول يصدق به كان ينهى عن أذى ممد وينأى عما جاء به أن
يتبعه(.تفسي الطبي )5/171و(معان القرآن )2/411
خامسا ـ النصار يدافعون عن النب ( صلى ال عليه وسلم)
قال تعال يعدد نعمه على عبده ورسوله ممد صلوات ال وسلمه عليه { :أل يدك
يتيما فآوى } وذلك أن أباه توف وهو حل ف بطن أمه ،وقيل بعد أن ولد عليه السلم،
ث توفيت أمه آمنة بنت وهب وله من العمر ست سني ،ث كان ف كفالة جده عبد
الطلب إل أن توف وله من العمر ثان سني ،فكفله عمه أبو طالب ث ل يزل يوطه
وينصره ويرفع من قدره ويوقره ويكف عنه أذى قومه بعد أن ابتعثه ال على رأس أربعي
سنة من عمره ،هذا وأبو طالب على دين قومه من عبادة الوثان ،وكل ذلك بقدر ال
وحسن تدبيه إل أن توف أبو طالب قبل الجرة بقليل ،فأقدم عليه سفهاء قريش
وجهالم فاختار ال له الجرة من بي أظهرهم إل بلد النصار من الوس والزرج ،كما
أجرى ال سنته على الوجه الت الكمل فلما وصل إليهم آووه ونصروه وحاطوه وقاتلوا
بي يديه (،رضي ال عنهم أجعي ) وكل هذا من حفظ ال له وكلءته وعنايته
به(.تفسي بن كثي )4/674
سادسا ً ـ صور من دفاع الصحابة عن النب ( صلى ال عليه وسلم )
1ـ أبو بكر يدافع عن رسول ال
عن عبد ال بن عمرو قال :قلت :ما أكثر ما رأيت قريشا أصابت من رسول ال (صلى
ال عليه وسلم) فيما كانت تظهر من عداوته ؟ قال :قد حضرتم وقد اجتمع أشرافهم ف
الجر فذكروا رسول ال ( صلى ال عليه وسلم) فقالوا :ما رأينا مثل ما صبنا عليه من
هذا الرجل قط ،سفه أحلمنا ،وشتم آباءنا ،وعاب ديننا ،وفرق جاعتنا ،وسب آلتنا
،لقد صبنا منه على أمر عظيم ،أو كما قالوا .
384
فبيناهم ف ذلك إذ طلع رسول ال ( صلى ال عليه وسلم) فأقبل يشي حت استلم الركن
فمر بم طائفا بالبيت فلما أن مر بم غمزوه ببعض القول قال :وعرفت ذلك ف وجهه
ث مضى (صلى ال عليه وسلم) فلما مر بم الثانية غمزوه بثلها ،فعرفت ذلك ف وجهه ،
ث مضى ( صلى ال عليه وسلم) فمر بم الثالثة غمزوه بثلها ،ث قال ( :أتسمعون يا
معشر قريش أما والذي نفس ممد بيده لقد جئتكم بالذبح ) قال :فأخذت القوم كلمته
حت ما منهم رجل إل لكأنا على رأسه طائر واقع حت إن أشدهم فيه وطأة قبل ذلك
يتوقاه بأحسن ما ييب من القول ،حت إنه ليقول :انصرف يا أبا القاسم انصرف راشدا
فوال ما كنت جهولً فانصرف رسول ال (صلى ال عليه وسلم) .
حت إذا كان من الغد اجتمعوا ف الجر وأنا معهم فقال بعضهم لبعض :ذكرت ما بلغ
منكم وما بلغكم عنه حت إذا بادأكم با تكرهون تركتموه ،وبينا هم ف ذلك إذ طلع
عليهم رسول ال ( صلى ال عليه وسلم) فوثبوا إليه وثبة رجل واحد ،وأحاطوا به
يقولون له :أنت الذي تقول كذا وكذا ،لا كان يبلغهم عنه من عيب آلتهم ودينهم،
قال ( :نعم أنا الذي أقول ذلك ) قال :فلقد رأيت رجلً منهم أخذ بجمع ردائه ،وقال
:وقام أبو بكر الصديق ( رضي ال عنه) دونه يقول وهو يبكي :أتقتلون رجلً أن يقول
رب ال ؟ ث انصرفوا عنه فإن ذلك لشد ما رأيت قريشا بلغت منه قط ( .صحيح ابن
حبان )14/516
عن عروة بن الزبي قال :سألت عبد ال بن عمرو بن العاص قال قلت حدثن بأشد شيء
صنعه الشركون برسول ال ( صلى ال عليه وسلم ) قال أقبل عقبة بن أب معيط ورسول
ال ( صلى ال عليه وسلم) يصلي عند الكعبة فلوى ثوبه ف عنقه فخنقه خنقا شديدا ،
فأقبل أبو بكر ( رضي ال عنه) فأخذ بنكبيه فدفعه عن رسول ( ال صلى ال عليه وسلم)
فقال { أتقتلون رجلً أن يقول رب ال وقد جاءكم بالبينات من ربكم } أخرجه
البخاري ف الصحيح من حديث الوزاعي(.سنن البيهقي الكبى )9/7
2ـ حزة ابن عبد الطلب يضرب أبا جهل لنه شتم النب (صلى ال عليه وسلم)
385
عن ابن إسحاق قال :حدثن رجل من أسلم و كان واعية أن أبا جهل اعترض لرسول
ال (صلى ال عليه وسلم) عند الصفا فأذاه و شتمه ،و قال فيه ما يكره من العيب لدينه،
و التضعيف له ،فلم يكلمه رسول ال ( صلى ال عليه و سلم) .
و مولة لعبد ال بن جدعان التميمي ف مسكن لا فوق الصفا تسمع ذلك ،ث انصرف
عنه ،فعمد إل نادي قريش عند الكعبة فجلس معهم ،و ل يلبث حزة بن عبد الطلب
أن أقبل متوشحا قوسه راجعا من قنص له ،و كان إذا فعل ذلك ل ير على نادي قريش
و أشدها شكيمة ،و كان يومئذ مشركا على دين قومه ،فجاءته الولة و قد قام رسول
ال ( صلى ال عليه و سلم) ليجع إل بيته فقالت له :يا عمارة لو رأيت ما لقي ابن
أخيك ممد من أب الكم آنفا ،و جده ها هنا فآذاه و شتمه ،و بلغ ما يكره ث
انصرف عنه فعمد إل نادي قريش عند الكعبة فجلس ،و ل يكلم ممد ،فاحتمل حزة
الغضب لا أراد ال من كرامته فخرج سريعا ل يقف على أحد كما كان يصنع يريد
الطواف بالبيت معتمدا لب جهل أن يقع به فلما دخل السجد نظر إليه جالسا ،ف
القوم فأقبل نوه حت إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه على رأسه ضربة ملوءة ،و
قامت رجال من قريش من بن مزوم لينصروا أبا جهل ،فقالوا :ما نراك يا حزة إل
صبأت .فقال حزة :و ما ينعن و قد استبان ل ذلك منه أنا أشهد أنه رسول ال صلى
ال عليه و سلم و أن الذي يقول حق فوال ل أنزع فامنعون إن كنتم صادقي .فقال أبا
جهل :دعوا أبا عمارة :لقد سببت ابن أخيه سبًا قبيحا .
و مر حزة على إسلمه و تابع يفف رسول ال ( صلى ال عليه و سلم ) فلما أسلم حزة
علمت قريش أن رسول ال ( صلى ال عليه و سلم) قد عزموا و امتنع و أن حزة سيمنعه
فكفوا عن بعض ما كانوا يتناولونه و ينالون منه ،فقال ف ذلك سعد حي ضرب أبا
جهل فذكر رجزا غي مستقر أوله :ذق أبا جهل با غشيت ،قال ث رجع حزة إل بيته
فأتاه الشيطان فقال :أنت سيد قريش اتبعت هذا الصابء و تركت دين آبائك للموت
خي لك ما صنعت ،فأقبل على حزة شبه فقال :ما صنعت اللهم إن كان رشدا فاجعل
تصديقه ف قلب و إل فاجعل ل ما وقعت فيه مرجا فبات بليلة ل يبت بثلها من وسوسة
الشيطان ،حت أصبح فغدا على رسول ال ( صلى ال عليه و سلم) فقال :ابن أخي إن
386
وقعت ف أمر ل أعرف الخرج منه و أقامه مثلي على ما ل أدري ما هو أرشد هو أم غي
شديد فحدثن حديثا فقد استشهيت يا ابن أخي أن تدثن فأقبل رسول ال (صلى ال
عليه و سلم) فذكره و وعظه و خوفه و بشره فألقى ال ف نفسه اليان ،كما قال
رسول ال (صلى ال عليه و سلم) .فقال :أشهد أنك لصادق شهادة الصدق و العارف
فأظهر يا ابن أخي دينك فوال ما أحب أن ل ما ألعت الشمس و أن على دين الول.
قال :فكان حزة من أعز ال به الدين.
(الستدرك ( )213 /3رقم ) 4878و(العجم الكبي )3/139و(ممع الزوائد /9
)433
سابعا ـ صورة من دفاع آل البيت عن رسول ال ( صلى ال عليه وسلم)
فاطمة تدافع عن الرسول( صلى ال عليه وسلم)
عن عبد ال هو بن مسعود (رضي ال عنه) قال :بينما رسول ال (صلى ال عليه وسلم)
قائم يصلي عند الكعبة وجيع قريش ف مالسهم ينظرون ،إذ قال قائل منهم أل تنظرون
إل هذا الرائي ،أيكم يقوم إل جزور أب فلن فيعمد إل فرثها ودمها وسلها فيجيء به
ث يهله حت إذا سجد وضعه بي كتفيه ،فانبعث أشقاها فجاء به فلما سجد رسول ال (
صلى ال عليه وسلم ) وضعه بي كتفيه ،وثبت النب ( صلى ال عليه وسلم ) ساجدا
وضحكوا حت مال بعضهم على بعض من الضحك ،فانطلق منطلق إل فاطمة ( رضي
ال عنها) ــ وهي جويرية ــ فأقبلت تسعى حت ألقته عنه وأقبلت عليهم تسبهم
فلما قضى رسول ال ( صلى ال عليه وسلم ) الصلة قال اللهم عليك بقريش ثلثًا ،ث
سى اللهم عليك بعمرو بن هشام وبعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وأمية بن خلف وعقبة
بن أب معيط وعمارة بن الوليد ،قال عبد ال :وال لقد رأيتهم صرعى يوم بدر يسحبون
إل قليب بدر ،ث قال رسول ال ( صلى ال عليه وسلم ) وأتبع أصحاب القليب لعنة ( .
رواه البخاري ف الصحيح عن أحد بن إسحاق عن عبيد ال بن موسى وأخرجه هو
ومسلم من وجه آخر عن أب إسحاق) (سنن البيهقي الكبى )9/7
وصور ،وناذج الدفاع عن النب ( صلى ال عليه وسلم ) كثية ،ومتعددة ف كل تقسيم
من التقسيمات سابقة الذكر ،ولكنن أردت أن أقف على ناذج سريعة ،تبي الدف
387
النشود ،من أن الدفاع عنه ( صلى ال عليه وسلم ) أمر واجب ،وقد حدث أثناء حياته
( صلى ال عليه وسلم ) فمن واجبنا الن الذب عن رسول ال ( صلى ال عليه وسلم ).
(ب) :قتل من سب أو أساء إل النب ( صلى ال عليه وسلم ) .
1ـ أن الذمي إذا سب الرسول أو سب ال أو عاب السلم علنية فقد نكث يينه و
طعن ف ديننا لنه ل خلف بي السلمي أنه يعاقب على ذلك و يؤدب عليه فعلم أنه ل
يعاهد عليه لنا لو عاهدناه عليه ث فعله ل تز عقوبته و إذا كنا قد عاهدناه على أن ل
يطعن ف ديننا ث يطعن ف ديننا فقد نكث ف دينه من بعد عهده و طعن ف ديننا فيجب
قتله بنص الية( قاتلوا الذين ل يؤمنون بال و ل باليوم الخر و ل يرمون ما حرم ال )
الصارم السلول 1/16
2ـ عن خليد أن رجل سب عمر بن عبد العزيز فكتب عمر :إنه ل يقتل إل من سب
رسول ال ( صلى ال عليه و سلم ) و لكن اجلده على رأسه أسواطا ،و لول أن أعلم
أن ذلك خي له ل أفعل (.الصارم السلول )213 /1
3ـ أن عيب ديننا و شتم نبينا ماهدة لنا و ماربة فكان نقضا للعهد كالجاهدة و
الحاربة بالول .يبي ذلك أن ال سبحانه قال ف كتابه { :و جاهدوا بأموالكم و
أنفسكم ف سبيل ال } [ التوبة ] 41 :و الهاد بالنفس يكون باللسان كما يكون باليد
بل قد يكون أقوى منه قال النب ( صلى ال عليه و سلم )[ جاهدوا الشركي بأيديكم و
ألسنتكم و أموالكم ] (رواه النسائي و غيه)
4ـ و كان [ صلى ال عليه و سلم ] يقول لسان بن ثابت [ :أهجهم و هاجهم ] [ و
كان ينصب له منب ف السجد ينافح عن رسول ال ( صلى ال عليه و سلم ) بشعره و
هجائه للمشركي ] و قال النب صلى ال عليه و سلم [ :اللهم أيده بروح القدس ] و
قال [ :إن جبئيل معك ما دمت تنافح عن رسول ال صلى ال عليه و سلم ] و قال [ :
هي أنكى فيهم من النبل[.
5ـ و إذا كان شأن الهاد باللسان هذا الشأن ف شتم الشركي و هجائهم و إظهار
دين ال و الدعاء إليه ،علم أن من شتم دين ال و رسوله و أظهر ذلك و ذكر كتاب ال
بالسوء علنية فقد جاهد السلمي و حاربم و ذلك نفض للعهد.
388
6ـ أنّا و إن أقررناهم على ما يعتقدونه من الكفر و الشرك فهو كإقرارنا لم على ما
يضمرونه لنا من العداوة و إرادة السوء بنا و تن الغوائل لنا فإننا نن نعلم أنم يعتقدون
خلف ديننا و يريدون سفك دمائنا و علو دينهم و يسعون ف ذلك لو قدروا عليه فهذا
القدر أقررناهم عليه فإذا عملوا بوجب هذه الرادة ـ بأن حاربونا و قاتلونا ـ نقضوا
العهد كذلك إذا عملوا بوجب تلك العقيدة ـ من إظهار السب ل و لكتابه و لدينه و
لرسوله ـ نقضوا العهد إذ ل فرق بي العمل بوجب الرادة و موجب العتقاد.
7ـ أن مطلق العهد الذي بيننا و بينهم يقتضي أن يكفوا و يسكوا عن إظهار الطعن ف
ديننا و شتم رسولنا كما يقتضي المساك عن دمائنا و ماربتنا لن معن العهد أن كل
واحد من التعاهدين يؤمن الخر ما يذره منه قبل العهد و من العلوم أنا نذر منهم
إظهار كلمة الكفر و سب الرسول و شتمه كما نذر إظهار الحاربة بل أول لنا نسفك
الدماء و نبذل المول ف تعزير الرسول و توقيه و رفع ذكره و إظهار شرفه و علو قدره
وهم جيعا يعلمون هذا من ديننا فالظهر منهم لسبه ناقض للعهد فاعل لا كنا نذره و
نقاتله عليه قبل العهد و هذا واضح.الصارم السلول 1/213
8ـ أن إظهار سب الرسول طعن ف دين السلمي و إضرار بم و مرد التكلم بدينهم
ليس فيه إضرار بالسلمي فصار إظهار سب الرسول بنلة الحاربة يعاقبون عليها و إن
كانت دون الشرك .
9ـ مت أظهروا الكفر الذي هو طعن ف دين ال نقضوا به العهد بلف كفر ل يطعنون
به ف ديننا و هذا لن العهد إنا اقتضى أن يقولوا و يفعلوا بينهم ما شاءوا ما ل يضر
السلمي فأما أن يظهروا كلمة الكفر أو أن يؤذوا السلمي فلم يعاهدوا عليه البتة .
10ـ قال أبو عبد ال ف رواية حنبل [ :كل من ذكر شيئا يعرض بذكر الرب تبارك و
تعال فعليه القتل مسلما كان أم كافرا و هذا مذهب أهل الدينة ،و قال جعفر بن ممد :
سعت أبا عبد ال يسأل عن يهودي مر بؤذن و هو يؤذن فقال له :كذبت فقال :يقتل
لنه شتم[.
389
11ـ عن عمر ( رضي ال عنه ) أنه قال بحضر من الهاجرين و النصار للنصران الذي
قال :إن ال ل يضل أحدا ،قال :إنا ل نعطك ما أعطيناك على أن تدخل علينا ف ديننا
فوالذي نفسي بيده لئن عدت لخذن الذي فيه عيناك.
12ـ و جيع ما ذكرناه من اليات و العتبار ييئ أيضا ف ذلك فإن الهاد واجب حت
تكون كلمة ال هي العليا و حت يكون الدين كله ل و حت يظهر دين ال على الدين
كله .الصارم السلول 1/256
14ـ يتعي قتل من نقض العهد بسب الرسول ال ( صلى ال عليه و سلم ) وحده ،
كما قد ذكره القاضي أبو يعلى و كما ذكره طائفة من أصحاب الشافعي و كما نص
عليه عامة الذين ذكروه ف نواقض العهد و ذكروا أن المام يتخي فيمن نقض العهد على
سبيل الجال فإنم ذكروا ف مواضع أخر انه يقتل من غي تيي.
15ـ إنه يقتل لن سب رسول ال صلى ال عليه و سلم موجب للقتل حدا من الدود
كما لو نقض العهد بزنا أو قطع طريق فإنه يقام عليه حد ذلك فيقتل إن أوجب القتل بل
قد يقتل الذمي حدا من الدود و إن ل ينتقض عهده كما لو قتل ذميا آخر أو زن بذمية
فإنه يستوف منه القود و حد الزنا وعهده باق و مذهب مالك يكن أن يوجه على هذا
الأخذ إن كان فيهم من يقول ل ينتقض عهده.الصارم السلول 1/287
16ـ والدليل ،اليات الدالة على وجوب قتل الطاعن ف الدين.الصارم السلول 1/288
17ـ قوله ( صلى ال عليه و سلم ) إن كان ثابتا [ من سب نبيا قتل و من سب
أصحابه جلد ] فأوجب القتل عينا على كل ساب و ل يي بينه و بي غيه .
18ـ أن النب ( صلى ال عليه و سلم ) دعا الناس إل قتل ابن الشرف لنه كان يؤذي
ال و رسوله و كذلك كان يأمر بقتل من يسبه أو يهجوه إل من عفا عنه بعد القدرة .
و أمره ( صلى ال عليه و سلم ) للياب فعلم وجوب قتل الساب و إن ل يب قتل غيه
من الحاربي و كذلك كانت سيته ل يعلم أنه ترك قتل أحد من السابي بعد القدرة عليه
إل من تاب أو كان من النافقي و هذا يصلح أن يكون امتثال للمر بالهاد و إقامة
الدود فيكون على الياب يؤيد أن ف ترك قتله تركا لنصر ال و رسوله و ذلك غي
جائز.
390
19ـ أقاويل الصحابة فإنا نصوص ف تعي قتله مثل قول عمر رضي ال عنه [ من سب
ال أو سب أحدا من النبياء فاقتلوه ] فأمر بقتله عينا و مثل قول ابن عباس رضي ال عنه
[ أيا معاهد عاند فسب ال أو سب أحدا من النبياء أو جهر به فقد نقض العهد
فاقتلوه ] فأمر بقتل العاهد إذا سب عينا .
و مثل قول أب بكر الصديق ( رضي ال عنه ) يا كتب به إل الهاجر ف الرأة الت سبت
النب صلى ال عليه و سلم [ لول ما قد سبقتن فيها لمرتك بقتلها لن حد النبياء ل
يشبه الدود فمن تعاطى ذلك من مسلم فهو مرتد و معاهد فهو مارب غادر ] فبي أن
الواجب كان قتلها عينا لول فوات ذلك و ل يعل فيه خية إل المام و ل سيما والسابة
امرأة و ذلك وحده دليل .
و مثل قول ابن عمر ف الراهب الذي بلغه أنه يسب النب ( صلى ال عليه و سلم) [ :لو
سعته لقتلته ] و لو كان كالسي الذي يي فيه المام ل يز لبن عمر اختيار قتله و هذا
الدليل واضح.
20ـ أن ناقض العهد بسب النب ( صلى ال عليه و سلم ) و نوه حاله أغلظ من حال
الرب الصلي و خروجه عما عاهدنا عليه بالطعن ف الدين و أذى ال ورسوله و مثل
هذا يب أن يعاقب عقوبة تزجر أمثاله عن مثل حاله .
و الدليل عليه قوله سبحانه و تعال { :إن شر الدواب عند ال الذين كفروا فهم ل
يؤمنون الذين عاهدت منهم ث ينقضون عهدهم ف كل مرة و هم ل يتقون فإما تثقفنهم
ف الرب فشرد بم من خلفهم لعلهم يذكرون } [ النفال ] 57 :فأمر ال رسوله إذا
صادف الناكثي للعهد ف الرب أن يشرد بم غيهم من الكفار بأن يفعل بم ما يتفرق
به أولئك و قال تعال { :أل تقاتلون قوما نكثوا أيانم و هوا بإخراج الرسول و هم
بدأوكم أول مرة } [ التوبة ] 13 :فحض على قتال من نكث اليمي و هم بإخراج
الرسول و بدأ بنقض العهد .
21ـ و معلوم أن من سب الرسول ( صلى ال عليه و سلم ) فقد فعل ما هو أعظم من
الم بإخراج الرسول و بدأنا أول مرة ث قال تعال { :قاتلوهم يعذبم ال بأيديهم و
يزهم و ينصركم عليهم و يشف صدور قوم مؤمني و يذهب غيظ قلوبم } [ التوبة :
391
] 15فعلم أن تعذيب هؤلء و إخزاءهم و نصر الؤمني عليهم و شفاء صدورهم
بالنتقام منهم و ذهاب غيظ قلوبم ما أذوهم به أمر مقصود للشارع مطلوب ف الدين و
معلوم أن هذا القصود ل يصل من سب النب ( صلى ال عليه و سلم ) و آذى ال تعال
و رسوله و عباده الؤمني إل بقتله ل يصل بجرد استرقاقه و ل بالن عليه و الفاداة به.
22ـ و كذلك أيضا تنكيل غيه من الكفار الذين قد يريدون إظهار السب ل يصل
على سبيل التمام إل بذلك و ل يعارض هذا من نقض العهد ف طائفة متنعة إذا أسرنا
واحدا منهم لن قتال أولئك و الظهور عليهم يصل هذا القصود بلف من كان ف
أيدينا قبل السب و بعده فإن ل يدث فيه قتلً ل يصل هذا القصود.الصارم السلول
1/392
23ـ أن الذمي إذا سب النب ( صلى ال عليه و سلم) فقد صدر منه فعل تضمن أمرين
أحدها :انتقاض العهد الذي بيننا و بينه الثان :جنايته على عرض رسول ال ( صلى ال
عليه و سلم ) و انتهاكه حرمته و إيذاء ال و رسوله و الؤمني و طعنه ف الدين و هذا
معن زائد على مرد كونه كافرا قد نقض العهد ونظي ذلك أن ينقضه بالزنا بسلمة أو
بقطع الطريق على السلمي و قتلهم و أخذ أموالم أو بقتل مسلم فإن فعله ـ مع كونه
نقضا للعهد ـ قد تضمن جناية آخرى فإن الزنا و قطع الطريق و القتل من حيث هو هو
جناية منفصلة عن نقض العهد له عقوبة تصه ف الدنيا و الخرة زائدة على مرد عقوبة
التكذيب بنبوية ،و الدليل عليه قوله سبحانه و تعال { :إن الذين يؤذون ال و رسوله
لعنهم ال ف الدنيا و الخرة و أعد لم عذابا مهينا } [ الحزاب ] 57 :فعلق اللعنة ف
الدنيا و الخرة و العذاب الهي بنفس أذى ال و رسوله فعلم أنه موجب ذلك و كذلك
قوله تعال { :و إن نكثوا أيانم من بعد عهدهم و طعنوا ف دينكم فقاتلوا أئمة الكفر
إنم ل أيان لم لعلهم ينتهون } [ التوبة . ] 12 :
24ـ يوضح ذلك أن النب ( صلى ال عليه و سلم ) لا دخل مكة آمن الناس الذين
كانوا يقاتلونه قبل ذلك و الذين نقضوا العهد الذي كان بينه و بينهم و خانوه ،إل نفرا
منهم القينتان اللتان كانتا تغنيان بجائه و سارة مولة بن عبد الطلب الت كانت تؤذيه
بكة.
392
فإذا كان قد أمر بقتل الت كانت تجوه من النساء ـ مع أن قتل الرأة ل يوز إل إذا
قاتلت و هو (صلى ال عليه و سلم) قد آمن جيع أهل مكة من كان قد قاتل و نقض
العهد من الرجال و النساء ـ علم بذلك أن الجاء جناية زائدة على مرد القتال و
الراب ،لن التفريق بي التماثلي ل يقع من النب ( صلى ال عليه و سلم ) كما أنه
بقتل ابن خطل لنه كان قد قتل مسلما و لنه كان مرتدا و لنه كان يأمر بجائه و كل
واحد من القتل و الردة و المر بجائه جناية زائدة على مرد الكفر و الراب.
26ـ و ما يبي ذلك أنه قد كان أمر بقتل من كان يؤذيه بعد فتح مكة ـ مثل ابن
الزبعرى و كعب بن زهي و الويرث بن نقيد و ابن خطل و غيهم ـ مع أمانه لسائر
أهل البلد وكذلك أهدر دم أب سفيان بن الارث و امتنع من إدخاله عليه و إدخال عبد
ال بن أب أمية لا كانا يقعان ف عرضه ـ و قتل ابن أب معيط و النضر بن الارث دون
غيها من السرى و سى من يبذل نفسه ف قتله ناصرا ل و رسوله و كان بندب إل
قتل من يؤذيه و يقول [ :من يكفن عدوي[ .
27ـ السب جناية زائدة على الكفر .
28ـ السب جناية لا موقع يزيد على سائر النايات بيث يستحق صاحبها من العقوبة
مال يستحقه غيه و إن كان كافرا حربيا مبالغا ف ماربة السليمي و أن وجوب
النتصار من كان هذه حالة كان مؤكدا ف الدين و السعي ف إهدار دمه من أفضل
العمال و أوجبها و أحقها بالسارعة إليه و ابتغاء رضوان ال تعال فيه و أبلغ الهاد
الذي كتبه ال على عباده و فرضه عليهم .
29ـ و من تأمل الذين أهدر النب ( صلى ال عليه و سلم ) دماؤهم يوم الفتح و اشتد
غضبه عليهم حت قتل بعضهم ف نفس الرم و أعرض عن بعضهم و انتظر قتل بعضهم
وجد لم جرائم زائدة على الكفر و الراب من ردة و قتل و نو ذلك و جرم أكثرهم إنا
كان من سب رسول ال ( صلى ال عليه و سلم ) و أذاه بألسنتهم فأي دليل أوضح من
هذا على أن سبه و هجاءه جناية زائدة على الكفر و الراب ،ل يدخل ف ضمن الكفر
كما يدخل سائر العاصي ف ضمن الكفر و على أن العاهدين إذا نقضوا العهد و فيهم من
393
سب النب ( صلى ال عليه و سلم ) كان للسب عقوبة زائدة على عقوبة مرد نقض
العهد.الصارم السلول 1/292
30ـ الرسول له نعت البشرية و نعت الرسالة كما قال { :سبحان رب هل كنت إل
بشرا رسول } [ السراء ] 93 :فمن حيث هو بشر له أحكام البشر و من حيث هو
رسول قد ميزه ال سبحانه و فضله با خصه به .فسبه موجب للعقوبة من حيث هو بشر
كغيه من الؤمني ،و موجب العقوبة من حيث هو رسول با خصه ال به ،لكن إنا
أوجب القتل من حيث هو رسول فقط ؛ لن السب التعلق بالبشرية ل يوجب قتلً وسبه
من حيث هو رسول حق ال فقط ،فإذا أسلم الساب انقطع حكم السب التعلق برسالته
كما انقطع حكم السب التعلق بالرسل ،فسقط القتل الذي هو موجب ذلك السب و
يبقى حق بشريته من هذا السب و حق البشرية إنا موجب جلد ثاني 1/341.الصارم
السلول
31ـ قال تعال ( :وإن نكثوا أيانم من بعد عهدهم وطعنوا ف دينكم فقاتلوا أئمة
الكفر إنم ل أيان لم لعلهم ينتهون ) يقول تعال وإن نكث الشركون الذين عاهدتوهم
على مدة معينة أيانم أي عهودهم ومواثيقهم { وطعنوا ف دينكم } أي عابوه وانتقصوه
ومن ههنا أخذ قتل من سب الرسول صلوات ال وسلمه عليه أو من طعن ف دين
السلم أو ذكره بنقص ولذا قال { :فقاتلوا أئمة الكفر إنم ل أيان لم لعلهم
ينتهون } أي يرجعون عما هم فيه من الكفر والعناد والضلل وقد قال قتادة وغيه :أئمة
الكفر كأب جهل وعتبة وشيبة وأمية بن خلف وعدد رجال.تفسي ابن كثي 2/447
(ج) فصل ف الصب والنصر .
1ـ الصب على الذى والستمرار ف الدعوة
(واصب وما صبك إل بال ول تزن عليهم ول تك ف ضيق ما يكرون) يقول تعال
ذكره لنبيه ممد( صلى ال عليه وسلم ) :واصب يا ممد على ما أصابك من أذى ف ال
{ وما صبك إل بال } يقول :وما صبك إن صبت إل بعونة ال وتوفيقه إياك لذلك {
ول تزن عليهم } يقول :ول تزن على هؤلء الشركي الذين يكذبونك وينكرون ما
جئتهم به ف آن ولوا عنك وأعرضوا عما أتيتهم به من النصيحة { ول تك ف ضيق ما
394
يكرون } يقول :ول يضيق صدرك با يقولون من الهل ونسبتهم ما جئتهم به إل أنه
سحر أو شعر أو كهانة { ما يكرون } :ما يتالون بالدع ف الصد عن سبيل ال ومن
أراد اليان بك والتصديق با أنزل ال إليك.تفسي الطبي 666 /7
2ـ قال تعال ( :وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثود )
يقول تعال ذكره مسليا نبيه ممدا (صلى ال عليه وسلم) عما يناله من أذى الشركي
بال وحاضا له على الصب على ما يلحقه منهم من السب والتكذيب :وإن يكذبك يا
ممد هؤلء الشركون بال على ما أتيتهم به من الق والبهان وما تعدهم من العذاب
على كفرهم بال فذلك سنة إخوانم من المم الالية الكذبة رسل ال الشركة بال
ومنهاجهم من قبلهم فل يصدنك ذلك فإن العذاب الهي من ورائهم ونصري إياك
وأتباعك عليهم آتيهم من وراء ذلك كما آتى عذاب على أسلفهم من المم الذين من
قبلهم بعد المهال إل بلوغ الجال فقد كذبت قبلهم :يعن مشركي قريش قوم نوح
وقوم عاد وثود وقوم إبراهيم وقوم لوط وأصحاب مدين وهم قوم شعيب :يقول :
كذب كل هؤلء رسلهم وكذب موسى فقيل :وكذب موسى ول يقل :وقوم موسى
لن قوم موسى بنو إسرائيل وكانت قد استجابت له ول تكذبه وإنا كذبه فرعون من
القبط وقد قيل :إنا قيل ذلك كذلك لنه ولد فيهم كما ولد ف أهل مكة.
وقوله { :فأمليت للكافرين } يقول :فأمهلت لهل الكفر بال من هذه المم فلم
أعاجلهم بالنقمة والعذاب { ث أخذتم } يقول :ث أحللت بم العقاب بعد الملء
{ فكيف كان نكي } يقول :فانظر يا ممد كيف كان تغييي ما كان بم من نعمة
وتنكري لم عما كنت عليه من الحسان إليهم أل أبدلم بالكثرة قلة وبالياة موتا
وهلكا وبالعمارة خرابا ؟ يقول :فكذلك فعلي بكذبيك من قريش وإن أمليت لم إل
آجالم فإن منجزك وعدي فيهم كما أنزت غيك من رسلي وعدي ف أمهم فأهلكناهم
وأنيتهم من بي أظهرهم.تفسي الطبي 9/167
3ـ قال تعال ( فاصب كما صب أولوا العزم من الرسل ول تستعجل لم كأنم يوم يرون
ما يوعدون ل يلبثوا إل ساعة من نار بلغ فهل يهلك إل القوم الفاسقون )
395
يقول تعال ذكره لنبيه ممد صلى ال عليه وسلم مثبته على الضي لا قلده من عبء
الرسالة وثقل أحال النبوة ( صلى ال عليه وسلم ) وآمره بالئتسام ف العزم على النفوذ
لذلك بأول العزم من قبله من رسله الذين صبوا على عظيم ما لقوا فيه من قومهم من
الكاره ونالم فيه منهم من الذى والشدائد { فاصب } يا ممد على ما أصابك ف ال
من أذى مكذبيك من قومك الذين أرسلناك إليهم بالنذار { كما صب أولو العزم } على
القيام بأمر ال والنتهاء إل طاعته من رسله الذين ل ينههم عن النفوذ لمره ما نالم فيه
من شدة.
عن ابن جبي ف قوله { فاصب كما صب أولو العزم من الرسل } قال :ساه ال من شدته
العزم ،وقوله { ول تستعجل لم } يقول :ول تستعجل عليهم بالعذاب يقول :ل
تعجل بسألتك ربك ذلك لم فإن ذلك نازل بم ل مالة { كأنم يوم يرون ما يوعدون
ل يلبثوا إل ساعة من نار } يقول :كأنم يوم يرون عذاب ال الذي يعدهم أنه منل بم
ل يلبثوا ف الدنيا ساعة من نار لنه ينسيهم شدة ما ينل شدة ما ينل بم من عذابه قدر
ما كانوا ف الدنيا لبثوا ومبلغ ما فيها مكثوا من السني و الشهور كما قال جل ثناؤه
{ قال كم لبثتم ف الرض عدد سني قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين }
( الؤمنون )113 – 112 :تفسي الطبي 11/302
4ـ قال تعال ( وإن لك لجرا غي منون)
وقوله { :وإن لك لجرا غي منون } يقول تعال ذكره :وإن لك يا ممد لثوابا من ال
عظيما على صبك على أذى الشركي إياك غي منقوص ول مقطوع.تفسي الطبي
12/179
5ـ قال تعال ( فاصب صبا جيل )
قوله { فاصب صبا جيل } يقول تعال ذكره :فاصب صبا جيل يعن :صبا ل جزع
فيه يقول له :اصب على أذى هؤلء الشركي لك وليثنيك ما تلقى منهم من الكروه عن
تبليغ ما أمرك ربك أن تبلغهم من الرسالة تفسي الطبي 12/228
6ـ قال تعال ( إل تنصروه فقد نصره ال )
يقول تعال { :إل تنصروه } أي تنصروا رسوله فإن ال ناصره ومؤيده وكافيه وحافظه
كما تول نصره { إذ أخرجه الذين كفروا ثان اثني } أي عام الجرة لا هم الشركون
396
بقتله أو حبسه أو نفيه فخرج منهم هاربا بصحبة صديقه وصاحبه أب بكر بن أب قحافة
فلجأ إل غار ثور ثلثة أيام ليجع الطلب الذين خرجوا ف آثارهم ث يسيوا نو الدينة
فجعل أبو بكر ( رضي ال عنه ) يزع أن يطلع عليهم أحد فيخلص إل رسول ال
( صلى ال عليه وسلم ) منهم أذى فجعل النب ( صلى ال عليه وسلم ) يسكنه ويثبته
ويقول [ :يا أبا بكر ما ظنك باثني ال ثالثهما ] كما قال المام أحد عن أنس أن أبا
بكر حدثه قال :قلت للنب ( صلى ال عليه وسلم ) ونن ف الغار :لو أن أحدهم نظر
إل قدميه لبصرنا تت قدميه قال :فقال [ :يا أبا بكر ما ظنك باثني ال ثالثهما ]
ولذا قال تعال { :فأنزل ال سكينته عليه } أي تأييده ونصره عليه أي على الرسول
( صلى ال عليه وسلم ) ف أشهر القولي وقيل على أب بكر ،وروي عن ابن عباس
وغيه قالوا :لن الرسول( صلى ال عليه وسلم ) ل تزل معه سكينة وهذا ل يناف تدد
سكينة خاصة بتلك الال ولذا قال { :وأيده بنود ل تروها } أي اللئكة { وجعل
كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة ال هي العليا } قال ابن عباس يعن بكلمة الذين
كفروا الشرك وكلمة ال هي ل إله إل ال .تفسي بن كثي 2/472
7ـ قال عز وجل { :ما يقال لك إل ما قد قيل للرسل من قبلك } قال قتادة والسدي
وغيها ما يقال لك من التكذيب إل كما قد قيل للرسل من قبلك فكما كذبت كذبوا
وكما صبوا على أذى قومهم لم فاصب أنت على أذى قومك.تفسي ابن كثي 4/130
8ـ يقول تعال مبا عن عبده ورسوله وكليمه موسى بن عمران عليه السلم أنه قال
لقومه { :ل تؤذونن وقد تعلمون أن رسول ال إليكم } أي ل توصلون الذى إل
وأنتم تعلمون صدقي فيما جئتكم به من الرسالة وف هذا تسلية لرسول ال ( صلى ال
عليه وسلم ) فيما أصابه من الكفار من قومه وغيهم وأمر له بالصب ولذا قال [ رحة ال
على موسى :لقد أوذي بأكثر من هذا فصب ] وفيه ني للمؤمني أن ينالوا من النب
( صلى ال عليه وسلم ) أو يوصلوا إليه أذى كما قال تعال { :يا أيها الذين آمنوا ل
تكونوا كالذين آذوا موسى فبأه ال ما قالوا وكان عند ال وجيها } وقوله تعال :
{ فلما زاغوا أزاغ ال قلوبم } أي فلما عدلوا عن اتباع الق مع علمهم به أزاغ ال
قلوبم عن الدى وأسكنها الشك والية والذلن كما قال تعال { :ونقلب أفئدتم
397
وأبصارهم كما ل يؤمنوا به أول مرة ونذرهم ف طغيانم يعمهون }.تفسي ابن كثي /4
461
وعلى هذا فإن الذب عن رسول ال ( صلى ال عليه وسلم ) واجب ،حيث أن ال ـ
عز وجل دافع عن رسوله ( صلى ال عليه وسلم ) وكذلك القرآن الكري ،وبعض
القريشيي ،والصحابة أجعي والنصار والهاجرين ،والتابعي ،وآل البيت ،كل دافع
عن رسول ال ( صلى ال عليه وسلم ) .وعلينا اتباع سيتم العطرة.
http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?p=55427
=========================
توجيهات للدُعاة
398
عليك بالتزود من الصلة ،والصيام والقرآن ،وطلب العلم ،وغيها من العمال الصالة
كما قال ال تعال ) واستعينوا بالصب والصلة ( فالعبادات زا ُد كبي ف طريق الدعاة
أخي الداعية
الوقت الوقت ،حافظ عليه ،فهو رأس مالك ،فاجعله كله ل
وأوصيك أخي :
ابدأ بنفسك فانها عن غيّها ،وأعطها من العمال الصالة ،وحاسبها .
ث عليك بأهلك ،فادعهم إل ال ) وأنذر عشيتك القربي (
أخي الكري
ل تنتظر نتيجة دعوتك ،ول تنتظر أن يأتيك الدعو ويقول لك جزاك ال خيا ً
ولتكن من ينتظر ثناء الناس على دعوته
أو من يريد من الناس أن يغيوا منكراتم بي يوم وليلة ،ل ،ل ل تنتظر ذلك .
ول أي شيءٍ من ذلك ,أل تعلم بأنه سيأت ( نب ) يوم القيامة ،وليس معه أحد .فلماذا
أنت تنتظر … ؟
ولاذا تتوقف عن الدعوة بجة :أن الناس مازالوا على منكراتم ؟
ولاذا تركت الدروس والعمال الدعوية ..؟
هل أنت ( تدي قلوبم ) ( إن عليك إل البلغ )
أخي البارك
إن كنت تعمل وتكدح وتتعب ,فاعلم أن العداء يعملون ويكدحون
) إن تكونوا تألون فإنم يألون كما تألون (
أيها الوفق
لبد من كسب قلب الدعو ،حت يبك ،فإن أحبك أحب ما تقول
فأحسن للناس وذلك باللق السن وبذل الال للمحتاج وبذل الوقت لل مشاكل الناس
.
وداوم على البتسامة فهي مفتاح القلوب وتواضع للخلق ،وسترى حب الناس لك .
وقفة
399
ل بد لك أيها الداعية من معرفة حال الدعو ,ومدى علمه ،وعقله ،وفهمه ،ونفسيته ,
وبالتجربة فإن معرفة ذلك من أكب أسباب ناح الدعوة
إشارة
استخدم أسلوب ( العمل ) أحيانا ,فالتأثي بالقدوة أبلغ ف النفوس من الكلم الجرد ,
ول مانع من الدعوة بالكلم .
ولكن مارسة التنويع مهم ،مثال :لو أردت دعوة الناس لصيام الثني والميس ,فلو
أنك داومت على صيامهما لتأثر الناس بك حت لو ل تقل لم صوموا ,ول ينع أيضا من
أن تبهم بفضائل الصيام
هسة
عليك بأسلوب (القصة) لن القصة لا لذة ف الستماع ,والقرآن مليء بذلك ) فاقصص
القَصص لعلهم يتفكرون ( ,ولكن ل تدث الناس إل بالقصص القيقية ،ول تكذب.
خاطرة
داوم على مطالعة سية النبياء وأخبارهم لترى فقه الدعوة ,وترى صبهم ،
وإخلصهم ) لقد كان ف قصصهم عبة (.
عبة
قد ينالك أذى ف نفسك أو ف أهلك ،أو ف دعوتك ،وهذا ليس بغريب ,فهذا طريق
النبياء ) وكذلك جعلنا لكل نب عدوا من الجرمي (.
هسة
انتبه لفعالك ،فالناس ينظرون إليك ،يلحظون أفعالك ,واعلم أن الناس يعتقدون أنك
( قدوة) فل تكن مثال ًسيئا للدعاة .
أخي الداعية
تزود من العلم ،وواظب على مطالعة الكتب ،وخاصة كتاب ال ،وسنة الرسول صلى
ال عليه وسلم ,فالعلم من أعظم الضروريات للدعاة ,والناس عندهم أسئلة ومشكلت
يريدون منك إجابة عليها
فكيف تيب إذا ل يكن لديك العلم الكاف ؟؟
400
انتبه
ل تكن ( موسيا ً) ول ( حاسيا ) ,فإن بعض الدعاة يتحمس للدعوة لجل شريط
سعه ،أو قصة ,ولكن هذا الماس يتوقف بعد أيام ل ,إننا نريد دعوة مستمرة ,دعوة
لا منطلقات صحيحة ،دعوة مدروسة ،دعوة باقية ما بقي العمر.
أخي الكري
أوصيك أن يكون َنفَسَك طويل فكن بعيد النظرة ،واسع الفق ،فل تستعجل ,ل
تستعجل ثرة الدعوة ,ل تستعجل زوال النكرات ,ل تستعجل العذاب الذي ينل
بالكافرين ) فاصب كما صب أولو العزم من الرسل ول تستعجل لم (
وصية لك
نريد الغضب ل ،ل للهوى ،ل لظ النفس ،ونبيك صلى ال عليه وسلم كان يغضب
ل فقط ،ول يكن ينتصر لنفسه ,وما أصعب ذلك ف وقت الغضب .
هسة خاصة
تعرّف إل أعداءك ،وتعرّف على مكائدهم ،وصفاتم ,واعلم بأنم يدرسون الصحوة
دراسة قوية ،ث يُصدرون عقب ذلك العمال الدمّرة ( يريدون ليطفئوا نور ال بأفواههم
وال متمّ نوره ولو كره الكافرون( .
يا أيها (الداعية) أل تقرأ هذه الية ) يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار ال ( هذا نداء من
ال للمؤمني ،أن ينصروا دين ال ،أن ينصروا الدعوة ,فما شعورك عندما تقرأ هذه
الية ؟ وهل استجبت لدعوة ال
وقفة
قد يضيق صدرك من كيد العداء ،وانتشار الفساد ،وجهود العلمانيي ,فما عليك
منهم ولكن عليك بالتقوى والصب ) وإن تصبوا وتتقوا ل يضركم كيدهم شيئا (
إشارة
ل تكن من يسب الواقع ويتأفف دائما ً ،ويتضجر ف كل حي
نعم ..نن نريد العمل ,نعم إن الواقع مرير وكلنا يعرف ذلك
401
ل قويا )والعداء يعملون ول ننتظر منهم أن يتوقف كيدهم نريد بكل صراحة ( عم ً
عملً من منطلق الكمة ,والذي يوقد شعة خي من الذي يسب الظلم
البتلء
ل بد لك أيها الداعية من أن تتجرع كأس ( البتلء ) وتشرب من ماءه ,ل بد ،شئت
أم أبيت إن ل يكن اليوم فقد يكون غدا ،فإن ل يكن غدا ًفبعد شهر ،أو سنة أو
سنوات ،ل بد ومن هو النب الذي ل ينله أذى ؟ من الذي سلم من كلم الناس ) ولقد
كُذّبت رُسلٌ من قبلك) ) ولقد استهزئ برسل من قبلك( (وكذلك جعلنا لكل نب عدوا
من الجرمي (
آيات كثية دلت على هذا الصل العظيم
فما عليك إل التزود بالتقوى والصب ،والستعداد لواجهة عاصفة البتلء ومن كان مع
ال كان ال معه ,ومن أراد الخرة ،فليصبوالدنيا قليلة ,والخرة هي دار القرار .
فاصب ......نعم … ..الصب زادك ،الصب على كل شيء ،
أمامك الصب على انتشار الباطل والفساد ......
أمامك الصب على تأخر استجابة الناس لك ...
أمامك الصب على خذلن أهل الق للحق ..
أمامك الصب على كلم الناس فيك ،وسخريتهم ..نعم .نعم ..الصب .الصب..
أمامك الصب على ترك زخرف الياة الدنيا
أمامك الصب على فتنة الشهرة والثناء والدح
أمامك الصب على :القتل ف سبيل ال ..أمامك الصب على السجن لجل كلمة الق ..
الصب ..الصب ..هو زاد النبياء كلهم نعم ..كلهم ) ..فاصب كما صب أولو العزم من
الرسل ( فهذا نوح ل يؤمن معه إل قليل ،فهل كان زاده إل الصب .
وهذا يوسف ( يُسجن )
وهذا عيسى أرادوا قتله
وهذا ممد صلى ال عليه وسلم يتعرض لنواع الذى والقتل
وهذا عمر ( قُتل ) وعثمان ( قتل ) وعلي ( قُتل )
402
وهذا خبيب بن عدي يوضع على الشنقة
وهذا أحد بن حنبل يُجلد ث يُسجن
ف به على البعي وهو يلد وهذا مالك بن أنس يُطا ُ
وهذا ابن تيمية يُسجن -حت مات ف السجن
هذه سية النبياء والدعاة إل ال ( ،فهل كان زادهم ) ..فمانصيب الصب عندك ؟
هسة من مب
لتكن كالشمعة تضيء للناس وترق نفسها
اجعل من وقتك شيء لحاسبة النفس ومراجعة أعمالك
لترى ما قدمت ولكي تنظر ف منهجك وطريقتك
وهل صدر منك خطأ لكي تتوب منه
ل بد من مراجعة أعمالكم أيها الدعاة
إشارة على الطريق
أخي الداعية
ينبغي لك أن تستشي العلماء والدعاة ف أعمالك الدعوية) وشاورهم ف المر ( وبالتجربة
فإن القدام على بعض العمال بدون استشارة العلماء والدعاة يكون سببا ًف الوقوع ف
الخطاء .
وقفة
حاول أن تغرس ( هم السلم ) ف نفوس الناس بقدر ما تستطيع
لن وجود ذلك ف نفوسهم يدفعهم للبذل والتضحية
أيها الداعية
عليك بالزهد ،نعم ،عليك بالزهد ف كل ما ف هذه الياة
الزهد ف زخرف الياة ومتاعها ،الزهد ف ثناء الناس ومدحهم
الزهد ف الرئاسة والناصب ،الزهد ف الراكب الفاخرة
والقصور الشامة ،أل تتأمل ف سية إمام الزاهدين صلى ال عليه وسلم فماذا كان
يركب ؟
403
وماذا كان ف بيته ؟
ول تفهم من ذلك ترك التجمل والزينة العتدلة ل ،القصود ( رفض الدنيا عن قلبك )
=================
وشيجة العقيدة هي الساس الذي يب أن يتجمع عليه الناس
إن الوشيجة الت يتجمع عليها الناس ف هذا الدين وشيجة فريدة تتميز با طبيعة هذا
الدين ،وتتعلق بآفاق وآماد وأبعاد وأهداف يتص با ذلك النهج الربان الكري .
إن هذه الوشيجة ليست وشيجة الدم والنسب؛ وليست وشيجة الرض والوطن ،وليست
وشيجة القوم والعشية ،وليست وشيجة اللون واللغة ،وليست وشيجة النس
والعنصر ،وليست وشيجة الرفة والطبقة . .إن هذه الوشائج جيعها قد توجد ث تنقطع
العلقة بي الفرد والفرد؛ كما قال ال سبحانه وتعال لعبده نوح عليه السلم وهو يقول :
{ رب إن ابن من أهلي } { . .يا نوح إنه ليس من أهلك } ث بي له لاذا يكون ابنه .
.ليس من أهله { . .إنه عمل غي صال } . .إن وشيجة اليان قد انقطعت بينكما يا
نوح { :فل تسألن ما ليس لك به علم } فأنت تسب أنه من أهلك ،ولكن هذا
السبان خاطئ .أما العلوم الستيقن فهو أنه ليس من أهلك ،ولو كان هو ابنك من
صلبك!
وهذا هو الْ َمعْلَم الواضح البارز على مفرق الطريق بي نظرة هذا الدين إل الوشائج
والروابط ،وبي نظرات الاهلية التفرقة . . .إن الاهليات تعل الرابطة آنا هي الدم
والنسب؛ وآنا هي الرض والوطن ،وآنا هي القوم والعشية ،وآنا هي اللون واللغة ،
وآنا هي النس والعنصر ،وآنا هي الرفة والطبقة! تعلها آنا هي الصال الشتركة ،أو
التاريخ الشترك .أو الصي الشترك . .وكلها تصورات جاهلية على تفرقها أو تمعها
تالف مالفة أصيلة عميقة عن أصل التصور السلمي!
والنهج الربان القوي مثلً ف هذا القرآن الذي يهدي للت هي أقوم وف توجيهات الرسول
صلى ال عليه وسلم وهي من هذا القرآن وعلى نسقه واتاهه قد أخذ المة السلمة
بالتربية على ذلك الصل الكبي . .والْ َمعْلَم الواضح البارز ف مفرق الطريق . .
404
وهذا الثل الذي يضربه ف هذه السورة من نوح وابنه فما يكون بي الولد والوالد ،
ضرب أمثاله لشت الوشائج والروابط الاهلية الخرى ،ليقرر من وراء هذه المثال
حقيقة الوشيجة الوحيدة الت يعتبها .
* ضرب لا الثل فيما يكون بي الولد والوالد وذلك فيما كان بي إبراهيم عليه السلم
وأبيه وقومه كذلك :
{ واذكر ف الكتاب إبراهيم ،إنه كان صديقا نبيا .إذ قال لبيه :يا أبت ل تعبد ما ل
يسمع ول يبصر ول يغن عنك شيئا؟ يا أبت إن قد جاءن من العلم ما ل يأتك ،فاتبعن
أهدك صراطا سويا .يا أبت ل تعبد الشيطان ،إن الشيطان كان للرحن عصيا .يا أبت
إن أخاف أن يسك عذاب من الرحن فتكون للشيطان وليا . .قال :أراغب أنت عن
آلت يا إبراهيم؟ لئن ل تنته لرجنك! واهجرن مليا .قال سلم عليك سأستغفر لك رب
،إنه كان ب حفيا ،وأعتزلكم وما تدعون من دون ال وأدعو رب ،عسى أل أكون
بدعاء رب شقيا .فلما اعتزلم وما يعبدون من دون ال وهبنا له إسحاق ويعقوب وكل
جعلنا نبيا؛ ووهبنا لم من رحتنا ،وجعلنا لم لسان صدق عليا } [ مري . ] 50 41 :
* وضرب لا الثل فيما كان بي إبراهيم وذريته كما علمه ال سبحانه ولقنه ،وهو يعطيه
عهده وميثاقه .ويبشره ببقاء ذكره وامتداد الرسالة ف عقبه :
{ وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات ،فأتهن ،قال :إن جاعلك للناس إماما ،قال :ومن
ذريت؟ قال :ل ينال عهدي الظالي { } . .وإذ قال إبراهيم :رب اجعل هذا بلدا آمنا
وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بال واليوم الخر .قال :ومن كفر فأمتعه قليلً ث
أضطره إل عذاب النار وبئس الصي } [ البقرة ] 126 124 :
* وضرب لا الثل فيما يكون بي الزوج وزوجه ،وذلك فيما كان بي نوح وامرأته ،و
لوط وامرأته .وف الانب الخر ما كان بي امرأة فرعون و فرعون :
{ ضرب ال مثل للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط ،كانتا تت عبدين من عبادنا
صالي ،فخانتاها ،فلم يغنيا عنهما من ال شيئا ،وقيل :ادخل النار مع الداخلي } {
وضرب ال مثلً للذين آمنوا امرأة فرعون ،إذ قالت :رب ابن ل عندك بيتا ف النة ،
ونن من فرعون وعمله ،ونن من القوم الظالي } [ التحري ] 11 10 :
405
* وضربَ لا الثل فيما يكون بي الؤمني وأهلهم وقومهم ووطنهم وأرضهم وديارهم
وأموالم ،ومصالهم وماضيهم ومصيهم .وذلك فيما كان بي إبراهيم والؤمني به مع
قومهم .وما كان من الفتية أصحاب الكهف مع أهلهم وقومهم ودورهم وأرضهم . . .
{ قد كانت لكم أسوة حسنة ف إبراهيم والذين معه ،إذ قالوا لقومهم :إنا برآء منكم
وما تعبدون من دون ال ،كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حت تؤمنوا
بال وحده [ } . . .المتحنة . ] 4 :
{ أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا؟ إذ أوى الفتية إل
الكهف فقالوا :ربنا آتنا من لدنك رحة وهيء لنا من أمرنا رشدا ،فضربنا على آذانم
ف الكهف سني عددا ،ث بعثناهم لنعلم أي الزبي أحصى لا لبثوا أمدا ،نن نقص
عليك نبأهم بالق ،إنم فتية آمنوا بربم وزدناهم هدى ،وربطنا على قلوبم إذ قاموا
فقالوا :ربنا رب السماوات والرض لن ندعو من دونه إلا لقد قلنا إذن شططا .هؤلء
قومنا اتذوا من دونه آلة .لول يأتون عليهم بسلطان بي! فمن أظلم من افترى على ال
كذبا؟ وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إل ال فأووا إل الكهف ينشر لكم [ الكهف 9 :
. ] 16
وبذه المثلة الت ضربا ال للمة السلمة من سية الرهط الكري من النبياء والؤمني .
الذين سبقوها ف موكب اليان الضارب ف شعاب الزمان ،وضحت معال الطريق لذه
المة؛ وقام هذا ا َلعْلَم البارز أمامها عن حقيقة الوشيجة الت يب أن يقوم عليها الجتمع
السلم ،ول يقوم على سواها .وطالبها ربا بالستقامة على الطريق ف حسم ووضوح
يتمثلن ف مواقف كثية ،وف توجيهات من القرآن كثية . .هذه ناذج منها . .
{ ل تد قوما يؤمنون بال واليوم الخر يوادّون من حاد ال ورسوله ولو كانوا آباءهم أو
أبناءهم أو إخوانم أو عشيتم أولئك كتب ف قلوبم اليان وأيدهم بروح منه ،
ويدخلهم جنات تري من تتها النار خالدين فيها ،رضي ال عنهم ورضوا عنه ،
أولئك حزب ال ،أل إن حزب ال هم الفلحون } [ الجادلة { ] 22 :يا أيها الذين
آمنوا ل تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالودة ،وقد كفروا با جاءكم من
الق ،يرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بال ربكم ،إن كنتم خرجتم جهادا ف سبيلي
406
وابتغاء مرضات ،تسرون إليهم بالودة وأنا أعلم با أخفيتم وما أعلنتم ،ومن يفعله منكم
فقد ضل سواء السبيل } [ المتحنة ] 1 :
{ لن تنفعكم أرحامكم ول أولدكم يوم القيامة يفصل بينكم ،وال با تعملون بصي ،
قد كانت لكم أسوة حسنة ف إبراهيم والذين معه . . .ال } [ المتحنة { ] 4 3 :يا
أيها الذين آمنوا ل تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على اليان ،ومن
يتولم منكم فأولئك هم الظالون } [ التوبة . ] 23 :
{ يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ،بعضهم أولياء بعض ومن يتولم
منكم فإنه منهم ،إن ال ل يهدي القوم الظالي } [ الائدة . ] 51 :
وهكذا تقررت تلك القاعدة الصيلة الاسة ف علقات الجتمع السلمي؛ وف طبيعة
بنائه وتكوينه العضوي الذي يتميز به عن سائر الجتمعات الاهلية قديا وحديثا إل آخر
الزمان .ول يعد هناك مال للجمع بي « السلم » وبي إقامة الجتمع على أية قاعدة
أخرى غي القاعدة الت اختارها ال للمة الختارة .
والذين يدعون صفة السلم ،ث يقيمون متمعاتم على قاعدة أو أكثر من تلك العلقات
الاهلية الت أحل السلم ملها قاعدة العقيدة ،إما أنم ل يعرفون السلم؛ وإما أنم
يرفضونه .والسلم ف كلتا الالتي ل يعترف لم بتلك الصفة الت يدعونا لنفسهم
وهم ل يطبقونا ،بل يتارون غيها من مقومات الاهلية فعلً!
وندع هذه القاعدة وقد صارت واضحة تاما لننظر ف جوانب من حكمة ال ف إقامة
الجتمع السلمي على هذه القاعدة . .
* إن العقيدة تثل أعلى خصائص « النسان » الت تفرقه من عال البهيمة؛ لنا تتعلق
بالعنصر الزائد ف تركيبه وكينونته عن تركيب البهيمة وكينونتها وهو العنصر الروحي
الذي به صار هذا الخلوق إنسانا ف هذه الصورة وحت أشد اللحدين إلادا وأكثر
الاديي مادية ،قد انتبهوا أخيا إل أن العقيدة خاصة من خواص النسان تفرقه فرقا
أساسيا عن اليوان .
ومن ث ينبغي أن تكون العقيدة ف الجتمع النسان الذي يبلغ ذروة الضارة النسانية
هي آصرة التجمع .لنا العنصر الذي يتعلق بأخص خصائص النسان الميزة له عن
407
البهائم .ول تكون آصرة التجمع عنصرا يتعلق بشيء يشترك فيه النسان مع البهائم! من
مثل الرض والرعى والصال والدود الت تثل خواص الظية ،وسياج الظية! ول
تكون كذلك هي الدم والنسب والعشية والقوم والنس والعنصر واللون واللغة . .
فكلها ما يشترك فيه النسان مع البهيمة .وليس هناك إل شؤون العقل و القلب الت
يتص با النسان دون البهيمة!
* كذلك تتعلق العقيدة بعنصر آخر يتميز به النسان عن البهائم . .هو عنصر الختيار
والرادة ،فكل فرد على حدة يلك أن يتار عقيدته بجرد أن يبلغ سن الرشد؛ وبذلك
يقرر نوع الجتمع الذي يريد أن يعيش فيه متارا؛ ونوع النهج العتقادي والجتماعي
والسياسي والقتصادي واللقي الذي يريد بكامل حريته أن يتمذهب به ويعيش . .
ولكن هذا الفرد ل يلك أن يقرر دمه ونسبه ولونه وقومه وجنسه .كما ل يلك أن يقرر
الرض الت يب أن يولد فيها ،ولغة الم الت يريد أن ينشأ عليها . .إل آخر تلك
القومات الت تقام عليها متمعات الاهلية! . .إن هذه المور كلها يقضى فيها قبل ميئه
إل هذه الرض ،ول يؤخذ له فيها مشورة ول رأي؛ إنا هي تفرض عليه فرضا سواء
أحب أم كره! فإذا تعلق مصيه ف الدنيا والخرة معا أو حت ف الدنيا وحدها بثل هذه
القومات الت تفرض عليه فرضا ل يكن متارا ول مريدا؛ وبذلك تسلب إنسانيته مقوما
من أخص مقوماتا؛ وتدر قاعدة أساسية من قواعد تكري النسان؛ بل من قواعد تركيبه
وتكوينه النسان الميز له من سائر اللئق!
ومن أجل الحافظة على خصائص النسان الذاتية ،والحافظة على الكرامة الت وهبها ال
له متمشية مع تلك الصائص؛ يعل السلم العقيدة الت يلك كل فرد اختيارها بشخصه
منذ أن يبلغ سن الرشد هي الصرة الت يقوم عليها التجمع النسان ف الجتمع
السلمي؛ والت يتقرر على أساسها مصي كل فرد بإرادته الذاتية .
وينفي أن تكون تلك العوامل الضطرارية ،الت ل يد له فيها ،ول يلك كذلك تغييها
باختياره ،هي آصرة التجمع الت تقرر مصيه طول حياته .
* ومن شأن قيام الجتمع على آصرة العقيدة وعدم قيامه على العوامل الضطرارية الخرى
أن ينشئ متمعا إنسانيا عاليا مفتوحا؛ ييء إليه الفراد من شت الجناس واللوان
408
واللغات والقوام والدماء والنساب والديار والوطان بكامل حريتهم واختيارهم الذات؛
ل يصدهم عنه صاد ،ول يقوم ف وجوههم حاجز ،ول تقف دونه حدود مصطنعة ،
خارجة عن خصائص النسان العليا .وأن تصب ف هذا الجتمع كل الطاقات والواص
البشرية ،وتتمع ف صعيد واحد ،لتنشىء « حضارة إنسانية » تنتفع بكل خصائص
الجناس البشرية؛ و ل تغلق دون كفاية واحدة ،بسبب من اللون أو العنصر أو النسب
والرض . . .
« ولقد كان من النتائج الواقعية الباهرة للمنهج السلمي ف هذه القضية؛ ولقامة التجمع
السلمي على آصرة العقيدة وحدها ،دون أواصر النس والرض واللون واللغة والصال
الرضية القريبة ،والدود القليمية السخيفة! ولبراز » خصائص النسان « ف هذا
التجمع وتنميتها وإعلئها ،دون الصفات الشتركة بينه وبي اليوان . .كان من النتائج
الواقعية الباهرة لذا النهج أن أصبح الجتمع السلم متمعا مفتوحا لميع الجناس
واللوان واللغات ،بل عائق من هذه العوائق اليوانية السخيفة! وأن صبت ف بوتقة
الجتمع السلمي خصائص الجناس البشرية وكفاياتا ،وانصهرت ف هذه البوتقة
وتازجت ،وأنشأت مركبا عضويا فائقا ف فترة تعد نسبيا قصية .وصنعت هذه الكتلة
العجيبة التجانسة التناسقة حضارة رائعة ضخمة ،توي خلصة الطاقة البشرية ف زمانا
متمعة ،على بعد السافات وبطء طرق التصال ف ذلك الزمان » .
« لقد اجتمع ف الجتمع السلمي التفوق :العرب والفارسي والشامي والصري والغرب
والتركي والصين والندي والرومان والغريقي والندونيسي والفريقي . . .إل آخر
القوام والجناس . . .وتمعت خصائصهم كلها لتعمل متمازجة متعاونة متناسقة ف
بناء الجتمع السلمي والضارة السلمية .ول تكن هذه الضارة الضخمة يوما ما »
عربية « إنا كانت دائما » إسلمية « ول تكن يوما ما » قومية « إنا كانت دائما »
إسلمية « و ل تكن يوما ما » قومية « إنا كانت دائما » عقيدية « .
» ولقد اجتمعوا كلهم على قدم الساواة ،وبآصرة الب .وبشعور التطلع إل وجهة
واحدة .فبذلوا جيعا أقصى كفاياتم ،وأبرزوا أعمق خصائص أجناسهم ،وصبوا
خلصة تاربم الشخصية والقومية والتاريية ف بناء هذا الجتمع الواحد الذي ينتسبون
409
إليه جيعا على قدم الساواة ،وتمع فيه بينهم آصرة تتعلق بربم الواحد ،وتبز فيها
إنسانيتهم وحدها بل عائق .
وهذا ما ل يتمع قط لى تمع آخر على مدار التاريخ!
« لقد كان أشهر تمع بشري ف التاريخ القدي هو تمع المباطورية الرومانية مثلً .
فقد جعت بالفعل أجناسا متعددة ،ولغات متعددة ،وألوانا متعددة ،وأمزجة متعددة .
ولكن هذا كله ل يقم على » آصرة إنسانية « ول يتمثل ف قيمة عليا كالعقيدة . .لقد
كان هناك تمع طبقي على أساس طبقة الشراف وطبقة العبيد ف المباطورية كلها من
ناحية؛ وتمع عنصري على أساس سيادة النس الرومان بصفة عامة وعبودية سائر
الجناس الخرى .ومن ث ل يرتفع قط إل أفق التجمع السلمي؛ ول يؤت الثمار الت
آتاها التجمع السلمي » .
« كذلك قامت ف التاريخ الديث تمعات أخرى . .تمع المباطورية البيطانية مثلً
. .ولكنه كان كالتجمع الرومان ،الذي هو وريثه! تمعا قوميا استغلليا ،يقوم على
أساس سيادة القومية النليزية ،واستغلل الستعمرات الت تضمها المباطورية . .ومثله
المباطوريات الوربية كلها . .المباطورية السبانية والبتغالية ف وقت ما ،
والمباطورية الفرنسية . .كلها ف ذلك الستوى الابط البشع القيت! وأرادت الشيوعية
أن تقيم تمعا من نوع آخر ،يتخطى حواجز النس والقوم والرض واللغة واللون .
ولكنها ل تقمه على قاعدة » إنسانية « عامة ،إنا أقامته على القاعدة » الطبقية « .
فكان هذا التجمع هو الوجه الخر للتجمع الرومان القدي . .هذا تمع قاعدة طبقة »
الشراف « وذلك تمع على قاعدة طبقة » الصعاليك « ( البوليتريا ) ؛ والعاطفة الت
تسوده هي عاطفة القد السود على سائر الطبقات الخرى! وما كان لثل هذا التجمع
الصغي البغيض أن يثمر إل أسوأ ما ف الكائن النسان . .فهو ابتداء قائم على أساس
إبراز الصفات اليوانية وحدها وتنميتها وتكينها .باعتبار أن » الطالب الساسية «
للنسان هي » الطعام والسكن والنس « وهي مطالب اليوان الولية وباعتبار أن تاريخ
النسان هو تاريخ البحث عن الطعام!! »
410
« لقد تفرد السلم بنهجه الربان ف إبراز أخص خصائص النسان وتنميتها وإعلئها ف
بناء الجتمع النسان . .وما يزال متفردا . .والذين يعدلون عنه إل أي منهج آخر ،
يقوم على أية قاعدة أخرى ،من القوم أو النس أو الرض أو الطبقة . .إل آخر هذا
النت السخيف ،هم أعداء » النسان « حقا! هم الذين ل يريدون لذا النسان أن يتفرد
ف هذا الكون بصائصه العليا كما فطره ال؛ ول يريدون لجتمعه أن ينتفع باقصى
كفايات أجناسه وخصائصها وتاربا ف امتزاج وتناسق » .
* ويسن أن نذكر أن أعداء هذا الدين ،الذين يعرفون مواضع القوة ف طبيعته وحركته؛
وهم الذين يقول ال تعال فيهم :
{ الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم } ل يفتهم أن يدركوا أن التجمع
على أساس العقيدة سر من أسرار قوة هذا الدين ،وقوة الجتمع السلمي الذي يقوم
على هذا الساس . .ولا كانوا بصدد هدم ذلك الجتمع أو إضعافه إل الد الذي يسهل
عليهم السيطرة عليه؛ وشفاء ما ف صدورهم من هذا الدين وأهله؛ ولستغللم كذالك و
استغلل مقدراتم وديارهم وأموالم . .لا كانوا بصدد تلك العركة مع هذا الجتمع ل
يفتهم أن يوهنوا من القاعدة الت يقوم عليها؛ وأن يقيموا لهله الجتمعي على إله واحد ،
أصناما تعبد من دون ال ،اسها تارة « الوطن » واسها تارة « القوم » واسها تارة «
النس » .وظهرت هذه الصنام على مراحل التاريخ تارة باسم « الشعوبية » وتارة
باسم « النسية الطورانية » وتارة باسم « القومية العربية » وتارة بأساء شت ،تملها
جبهات شت ،تتصارع فيما بينها ف داخل الجتمع السلمي الواحد القائم على أساس
العقيدة ،النظم بأحكام الشريعة . .إل أن وهنت القاعدة الساسية تت الطارق التوالية
،وتت الياءات البيثة السمومة؛ وإل أن أصبحت تلك « الصنام » مقدسات يعتب
النكر لا خارجا على دين قومه! أو خائنا لصال بلده!!!
وأخبث العسكرات الت عملت وما زالت تعمل ف تريب القاعدة الصلبة الت كان يقوم
عليها التجمع السلمي الفريد ف التاريخ . .كان هو العسكر اليهودي البيث ،الذي
جرب سلح « القومية » ف تطيم التجمع السيحي ،و تويله إل قوميات سياسية ذات
411
كنائس قومية . .وبذلك حطموا الصار السيحي حول النس اليهودي؛ ث ثنوا بتحطيم
الصار السلمي حول ذلك النس الكنود!
وكذلك فعل الصليبيون مع الجتمع السلمي بعد جهد قرون كثية ف إثارة النعرات
النسية والقومية والوطنية بي الجناس اللتحمة ف الجتمع السلمي . .ومن ث
استطاعوا أن يرضوا أحقادهم الصليبية القدية على هذا الدين وأهله .كما استطاعوا أن
يزقوهم ويروضوهم على الستعمار الوروب الصليب .وما يزالون . .حت يأذن ال
بتحطيم تلك الصنام البيثة اللعونة؛ ليقوم التجمع السلمي من جديد ،على أساسه
التي الفريد . .
* وأخيا فإن الناس ما كانوا ليخرجوا من الاهلية الوثنية بكلياتم حت تكون العقيدة
وحدها هي قاعدة تمعهم .ذلك أن الدينونة ل وحده ل تتم تامها إل بقيام هذه القاعدة
ف تصورهم وف تمعهم .
يب أن تكون هناك قداسة واحدة لقدس واحد ،وأل تتعدد « القدسات »! ويب ان
يكون هناك شعار واحد ،وأل تتعدد « الشعارات » ويب أن تكون هناك قبلة واحدة
يتجه إليها الناس بكلياتم وأل تتعدد القبلت والتجهات . .
إن الوثنية ليست صورة واحدة هي وثنية الصنام الجرية واللة السطورية! إن الوثنية
يكن أن تتمثل ف صور شت؛ كما أن الصنام يكن أن تتخذ صورا متعددة؛ وآلة
الساطي يكن أن تتمثل مرة أخرى ف القدسات والعبودات من دون ال أيا كانت
أساؤها .
وأيا كانت مراسها .
وما كان السلم ليخلص الناس من الصنام الجرية والرباب السطورية ،ث يرضى لم
بعد ذلك أصنام النسيات والقوميات والوطان . .وما إليها . .يتقاتل الناس تت
راياتا وشعاراتا .وهو يدعوهم إل ال وحده ،وإل الدينونة له دون شيء من خلقه!
لذلك قسم السلم الناس إل أمتي اثنتي على مدار التاريخ البشري . .أمة السلمي من
أتباع الرسل كل ف زمانه حت يأت الرسول الخي إل الناس كافة وأمة غي السلمي من
عبدة الطواغيت والصنام ف شت الصور والشكال على مدار القرون . .
412
وعندما أراد ال أن يعرف السلمي بأمتهم الت تمعهم على مدار القرون ،عرفها لم ف
صورة أتباع الرسل كل ف زمانه وقال لم ف ناية استعراض أجيال هذه المة { :إن
هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون } ول يقل للعرب :إن أمتكم هي المة
العربية ف جاهليتها وإسلمها سواء! ول قال لليهود :إن أمتكم هي بنو إسرائيل أو
العبانيون ف جاهليتهم وإسلمهم سواء! ول قال لسلمان الفارسي :إن أمتك هي فارس!
ول لصهيب الرومي :إن أمتك هي الرومان! ول لبلل البشي :إن أمتك هي البشة!
إنا قال للمسلمي من العرب والفرس والروم والبش :إن أمتكم هي السلمون الذين
أسلموا حقا على أيام موسى وهارون ،وإبراهيم ،ولوط ،ونوح ،وداود وسليمان ،
وأيوب ،وإساعيل وإدريس وذي الكفل وذي النون ،وزكريا ويي ،ومري . .كما
جاء ف سورة النبياء [ :آيات . ] 91 48
هذه هي أمة « السلمي » ف تعريف ال سبحانه . .فمن شاء له طريقا غي طريق ال
فليسلكه .ولكن ليقل :إنه ليس من السلمي! أما نن الذين اسلمنا ل ،فل نعرف لنا
أمة إل المة الت عرفها لنا ال .وال يقص الق وهو خي الفاصلي . .
وحسبنا هذا القدر مع إلامات قصة نوح ف هذه القضية الساسية ف هذا الدين .
ث نقف الوقفة الخية مع قصة نوح لنرى قيمة الفنة السلمة ف ميزان ال سبحانه :
إن حفنة من السلمي من أتباع نوح عليه السلم ،تذكر بعض الروايات انم اثنا عشر ،
هم كانوا حصيلة دعوة نوح ف ألف سنة إل خسي عاما كما يقرر الصدر الوحيد
الستيقن الصحيح ف هذا الشأن . .
إن هذه الفنة وهي ثرة ذلك العمر الطويل والهد الطويل قد استحقت أن يغي ال لا
الألوف من ظواهر هذا الكون؛ وأن يري لا ذلك الطوفان الذي يغمر كل شيء وكل
حي ف العمور وقتها من الرض!
وأن يعل هذه الفنة وحدها هي وارثة الرض بعد ذلك ،وبذرة العمران فيها
والستخلف من جديد
. .وهذا أمر خطي . .
413
إن طلئع البعث السلمي الت تواجه الاهلية الشاملة ف الرض كلها؛ والت تعان الغربة
ف هذه الاهلية والوحشة؛ كما تعان من الذى والطاردة والتعذيب والتنكيل .
إن هذه الطلئع ينبغي أن تقف طويلً أمام هذا المر الطي ،وأمام دللته الت تستحق
التدبر والتفكي!
إن وجود البذرة السلمة ف الرض شيء عظيم ف ميزان ال تعال . .شيء يستحق منه
سبحانه أن يدمر الاهلية وأرضها وعمرانا ومنشآتا وقواها ومدخراتا جيعا؛ كما
يستحق منه سبحانه ان يكل هذه البذرة ويرعاها حت تسلم وتنجو وترث الرض
وتعمرها من جديد!
لقد كان نوح عليه السلم يصنع الفلك بأعي ال ووحيه ،كما قال تعال { :واصنع
الفلك بأعيننا ووحينا ول تاطبن ف الذين ظلموا إنم مغرقون } . .
وعندما لأ نوح إل ربه والقوم يطاردونه ويزجرونه ويفترونه عليه كما قال ال تعال ف
سورة القمر :
{ كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا منون وازدجر .فدعا ربه أن مغلوب
فانتصر } عندما لأ نوح إل ربه يعلن أنه { مغلوب } ويدعو ربه أن « ينتصر » هو
وقد غُلب رسوله . .عندئذ أطلق ال القوى الكونية الائلة لتكون ف خدمة عبده الغلوب
:
{ ففتحنا أبواب السماء باء منهمر .وفجرنا الرض عيونا فالتقى الاء على أمر قد
قدر } وبينما كانت تلك القوى الائلة تزاول عملها على هذا الستوى الكون الرائع
الوهوب . .كان ال سبحانه بذاته العلية مع عبده الغلوب :
{ وحلناه على ذات ألواح ودسر .تري بأعيننا . .جزاء لن كان كفر } . .هذه هي
الصورة الائلة الت يب أن تقف طلئع البعث السلمي ف كل مكان وف كل زمان
أمامها حي تطاردها الاهلية؛ وحي « تغلبها » الاهليه!
إنا تستحق أن يسخر ال لا القوى الكونية الائلة . .وليس من الضروري أن تكون هي
الطوفان .فما الطوفان إل صورة من صور تلك القوى! { وما يعلم جنود ربك إل هو }
وإنه ليس عليها إل أن تثبت وتستمر ف طريقها؛ وإل أن تعرف مصدر قوتا وتلجأ إليه؛
414
وإل أن تصب حت يأت ال بأمره ،وإل أن تثق أن وليها القدير ل يعجزه شيء ف الرض
ول ف السماء .وأنه لن يترك أولياءه إل أعدائه ،إل فترة العداد والبتلء؛ وأنا مت
اجتازت هذه الفترة فإن ال سيصنع لا وسيصنع با ف الرض ما يشاء .
وهذه هي عبة الادث الكون العظيم . .
إنه ل ينبغي لحد يواجه الاهلية بالسلم أن يظن أن ال تاركه للجاهلية وهو يدعو إل
إفراد ال سبحانه بالربوبية .كما أنه ل ينبغي له أن يقيس قوته الذاتية إل قوى الاهلية
فيظن أن ال تاركه لذه القوى و هو عبده الذي يستنصر به فيدعوه { :أن مغلوب
فانتصر } إن القوى ف حقيقتها ليست متكافئة و ل متقاربة . .إن الاهلية تلك قواها .
.و لكن الداعي إل ال يستند إل قوة ال
و ال يلك أن يسخر له بعض القوى الكونية -حينما يشاء و كيفما يشاء وأيسر هذه
القوى يدمر على الاهلية من حيث ل تتسب!
وقد تطول فترة البتلء لمر يريده ال . .ولقد لبث نوح ف قومه ألف سنة إل خسي
عاما؛ قبل أن يأت الجل الذي قدره ال .ول تكن حصيلة هذه الفترة الطويلة إل اثن
عشر مسلما . .ولكن هذه الفنة من البشر كانت ف ميزان ال تساوي تسخي تلك
القوى الائلة ،والتدمي على البشرية الضالة جيعا ،وتوريث الرض لتلك الفنة الطيبة
تعمرها من جديد وتستخلف فيها . .
إن عصر الوارق ل يض! فالوارق تتم ف كل لظة وفق مشيئة ال الطليقة ولكن ال
يستبدل بأناط من الوارق أناطاَ أخرى ،تلئم واقع كل فترة ومقتضياتا .وقد تدِق
بعض الوارق على بعض العقول فل تدركها؛ ولكن الوصولي بال يرون يد ال دائما ،
ويلبسون آثارها البدعة .
والذين يسلكون السبيل إل ال ليس عليهم إل أن يؤدوا واجبهم كاملً ،بكل ما ف
طاقتهم من جهد؛ ث يدَعوا المور ل ف طمأنينة وثقة .وعندما يُغلبون عليهم أن يلجأوا
إل الناصر العي وأن يأروا إليه كما جأر عبده الصال نوح { :فدعا ربه أن مغلوب ،
فانتصر } ث ينتظروا فرج ال القريب .وانتظار الفرج من ال عبادة؛ فهم على هذا
النتظار مأجورون .
415
ومرة أخرى ند أن هذا القرآن ل يكشف عن أسراره إل للذين يوضون به العركة
وياهدون به جهادا كبيا . .إن هؤلء وحدهم هم الذين يعيشون ف مثل الو الذي
تنل فيه القرآن؛ ومن ث يتذوقونه ويدركونه؛ لنم يدون أنفسهم ماطبي خطابا مباشرا
به ،كما خوطبت به الماعة السلمة الول ،فتذوقته وأدركته وتركت به . .
. .والمد ل ف الول والخرة (. .الظلل)
===================
وحي القلم من سيرة النبي الكرم لى الله عليه وسلم
بسم ال الرحن الرحيم
المد ل منل الكتاب ،ومري السحاب ،وهازم الحزاب " يسبح الرعد بمده ،
واللئكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب با من يشاء من عباده وهم يادلون ف ال ،
وهو شديد الحال ،له دعوة الق ،والذين يدعون من دونه ل يستجيبون لم بشئ إل
كباسط كفيه إل الاء ليبلغ فاه وما هو ببالغه ،وما دعاء الكافرين إل ف ضلل "
وأصلي وأسلم على منهاج الكمال ،ومعراج اللل والمال ،وبجة نفوس التقي ،
وراحة صدور الصالي ،ومرجع العلماء الربانيي ،وقرة عيون الوحدين ،سيدنا نند
النب المي ،سيدنا وسيد الولي ولخرين ،وإمام النبياء والرسلي ،وعلى آله
الطهرين ،وصحبة الكرام الطيبي ،ومن تبعهم بإحسان إل يوم الدين .
وارزقنا اللهم حبه وحبهم ،وطريقة وهديهم ،وشفاعته وصحبتهم .
وبعد ..…/
كنت اودّ أن أكتب هذه الورقات باء الذهب على صفائح الفضة فإن أحتسب عند ال
ب الصادقُ للنب الكري ، ل ّ
تعال أجرها ،وأدّخر ف عظيم خزائنة ثوابا ،يدون فيها ا ُ
ل صالا أتوسل به إل ال أنْ ومنهجه القوي ،وصراطه الستقيم ،عسى أن تكون ل عم ً
يغفر خطيئت وذنب ،ويصلح سريرت وقلب ،ويستَلّ سخيمت ويستر عيب ،ويقبل توتبت
،ويعفو عن َحوْبن ،ويرحم والديّ ،ويسن إليهما ،كما ربيان صغيا ،ويُحْسنَ إل
أستاذي ،ومشايي ،وإخوان ،ورحي ،ويعل ل من زوجي وذريت قُرّة عيٍ ،ويرفع
با يب من أخلق الصادقي عنده درجت .إنه ول حليم ،وعلىّ كري .
416
وف هذه القدمة للمجلد الثالث من الوسوعة الت نرجو ال أن ينفع با ،وهو الجلد
الاص بالسية النبيوية نبدأ بترجة موجزة لمام التقي ممد . r
وهذا أوان الشروع ف القصود :
ترجة موجزة لمام التقي ممد r
حبْ :
أكتبها من رأس القلم ،يليها الاطر الُ ِ
هو إمام التقي رسول ال صلى ال عليه وسلم بن عبد ال بن عبد الطلب ( وهو شيبة
المد ) ،بن هاشم ( وهو :عمرو ) ،بن عبد مناف ( وهو الغية ) ،ابن قصيّ ( وهو
:زيد ) ،بن كلب ،بن مرة ،بن كعب ،بن لؤي ،بن غالب ابن فهر ،بن مالك ،
بن النضي ،بن كنانة ،بن خزية ،بن مدركة ( وهو :عامر ) بن إلياس ،بن مضر ،بن
نزار ،بن معد ،بن عدنان .
وهذا النسب هو ما يقفه عنده الفاظ اليقاظ ،وما بعده إل إبراهيم ،له إل آدم من
خبط العشواء ،وركوب الاء .
ولد صلى ال عليه وسلم ف عام نصر ال فيه نفسه ،وأظهر بعض بأسه ،ورفع سوط
عذابه ليدفع عن بيته ومرابه ،وأرى العرب والعجم آية من آياته البينة ،إذ أرسل على
ف مأكول ؛ إذ ماعدده " أبرهة " أسلحته القاضية ،وسيوفة الاضية ،فجعلتهم – كعص ٍ
تصنع طيور كالعصافي ،وأحجار كالسامي ،ف جيش جرار ،وجند مغوار .
إ ّن بأس ال وحده ،وبطش ال وحده ،ول وال ليس كما قال عبد الطلب :إن كنت
تاركهم وقبلتنا فأمر ما بدالك فليس لكم ف هذا المرشيئ ،وأن الشركي يعبدون
الوثان ف جو ف بيت ال الرحن أن ينصره ؟
لقد قال ال للناس جعيا يومئذ ( من كان يريد العزة فإن العزة ل جيعا ) وأعلمهم أنه
ناصر نفسه ،وإن تول الناس ،وأن الفلح من قيد نفسه ف ديوان الدافعي ،وماهو بشئ
،ولكن " ال يدافع " .
وهنالك زلزل إيوان كسرى ،وهدمت جنباته ،وأخدت النيان ،إشارة إل اندام الباطل
،وانطفاء ناره ( وقل جاء الق وذهق الباطل ) ( ،كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها
ال ) .
417
وهنالك وُلِدَ ممد صلى ال عليه وسلم – يوم الثني لثنت عشرة خلت من شهر ربيع
الول من هذا العام الشهود – هذا ما بقوله أصحاب السي وف هذه الليلة الكية الباركة
كان يهدد الدينة يراقبون الوقف ،فها هو يهودي يصرخ بأعلى صوته :يا معشر يهود :
قالوا :ويلك :مالك ؛ قال :طلع الليلة نم أحد الذي وُلِدَ به .
أبواه :عبد ال بن عبد الطلب بن هاشم – أشرف العرب قاطبة
وأمه :آمنه بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلب بن مرة – من قريش " فرسول
ال صلى ال عليه وسلم أشرف ولدا آدم حبا ،وأفضلهم نسبا ،من قبل أبيه وأمه ،صلى
ال عليه وسلم ،وشرف وكرم ،ومد وعظم "
وكانت رضاعته ف " بن سعد " وكان اليتيم من حظ " حليمة " فكتب اسها ف
التاريخ ،بينما نسيت أساء صواحباتا اللت ترجعن بأبناء الحياء .
كانت أزهد الناس فيه ،فلما أخذته قالت " فلم نزل نتعرف من ال الزيادة والي ،حت
مضت سنتاه ،وفصلته ،فجاءت إل مكة تتال لكي تتركه خدية معها ؛ " لو تركت
بن عندي حت يغلظ ؛ فإن أخشى عليه وبأ مكة " ،قالت فلم نزل با – أي بأمه –
حت ردته معنا .
تقول :أخشى عليه وبأ مكة .وهي ل يدر ف خلوها أن هو الذي سيزيل وبأ مكة ،ووبأ
العال كله :
[ وما أرسلناك إل رحة للعالي ]
وهناك شق صدره البارك ،واستخرج قلبه الطيب ،فطهر من السوء ،وغسل بالثلج ،
( أل نشرح لك صدرك ،ووضعنا عنك وزرك ) وكفله جده ث عمه ،وظهرت معه
الكرامه الربانية حيثما حل ،وأينما سار ،وأدرك بعض متفر سي الحبار وارهبان أن
( ممد ) صاحبهم الذي ذكر ف كتابم ،منهم " بيا" الراهب الذي كان يقطن
صومعته على مشارف الشام " إليه انتهى علم النصرانية ف زمانه " وهو الذي قال لب
طالب حي رأى رسول ال صلى ال عليه وسلم " :ارجع بابن أخيك إل بلده ،واحذر
عليه يهود ،فوال لو رأوه وعرفوا منه عرفت ببغنه وشرا ؛ فإنه كائن لبن أخيك هذا
شأن عظيم " .
418
وتواردت بشارات الحبار والرهبان ،وأخبار الان والكهان عن مبعث النب الصطفى ،
والزكي الرتضى صلى ال عليه وسلم ،حت عرفها كثي من الناس ف الوقت الذي تزوج
فيه رسول ال صلى ال عليه وسلم بدية بنت خويلد بن أسد ابن عبد العزى بن قصي
بن كلب – أوسط نساء قريش نسبا ،وأعظمهن شرفا .
وحبب إليه اللء ،فكان يذهب الليال ذوات العدد ،يتخنث ف غار حراء " على مبعدة
ثلثة أميال من مكة ،ينفض عند أوساخ الاهلية ،ويلو بربه ،فليت شعري :ماذا كان
يقول رسول ال ف هذه الليال ؟ وماذا كانت مشاعره ؟ وكيف كان يناجي حبيبه وطبيبه
؟
الذي نعلمه أن ربه كان راضيا عن هذه الناجاة ،ومثنيا على هذه الشاعر ،فقد كان
ممد صلى ال عليه وسلم موفقا ف كل أمر يدخل فيه ،مباركا ف كل موضع يطؤه ؛
يدل على ذلك حلف الفضول ،وحرب الفجار ،ووضع الجر السود ،وغي ذلك من
الواطن الت تدل على التسديد من ال والتأييد .
ث ختم هذا الرضا ،وهذا التأييد ،بفتاح الدى على التأييد ،وهو :
[ اقرأ باسم ربك الذي خلق ]
وكان ذلك ف ليلة السابع والعشرين من رمضان – وهي ليلة القدر – الت هي خي من
ألف شهر رزقنا ال خيها .
وبعث ممد صلى ال عليه وسلم ،وأشرف على مكة نور بعثته :
[ قد جاءكم من ال نور وكتاب مبي يهدى به ال من
اتبعه سبل السلم ويرجهم من الظلمات إل النور ]
وآمنت خدية ،وجدد ورقة بن نوفل إيانه ..وورقة بن نوفل هو ابن عم خدية ،نوفل
أخو خويلد .وكان رجلً قرأ الكتب النصران ،وكتب النيل بالعبانية ،وعرف ممدا
صلى ال عليه وسلم قبل أن يراه وآمن به قبل أن يبعث ،ث لا أخبه النب بب اللك إذ
جاءه بشره ورقة بأن ذلك هو الناموس الذي كان يأت لوسى ،وقال :
" ليتن كنت جذعا إذ يرجك قوما ،وال لنصرنك نصرا عزيزا مؤزرا " ث آمن على
بن أب طالب وأبو بكر الصديق وزيد بن حادثة ،رضي ال عنهم جيعا .
419
وكان على بن أب طالب ابن عم رسول ال ،وكان عند رسول ال ف بيته ،وأما زيد بن
حادثة فكان عبدا رقيقا عند خدية ،وأما أبو بكر فكان رجلً عاقلً من " تيم " ،وكان
تاجرا ،فلما أسلم أظهر إسلمه ودعا إل ال ورسوله وأسلم بدعوته رجال كثيون منهم
عثمان بن عفان والزبي بن العوام وعبد الرحن بن عوف ،وسعد بن أب وقاص ،وطلحة
بن عبيد ال .
فهؤلء خسة ،وقبلهم الثلثة :على ،وزيد ،وأبو بكر .قال ابن هشام " فكان هؤلء
النفر الثمانية الذين سبقوا الناس بالسلم ،فصلوا وصدقوا " رضي ال عنهم جيعا .
ث أسلم الناس ،وأمر النب صلى ال عليه وسلم بالهر بالدعوة ،ولا سعت قريش عيبت
النب آلتهم وتسفيه دينهم ناصبة العداء ،وتربص به ،وحدب عليه عمه أبو طالب ،
ومنعه وقام دونه ،طيلة حياته ،فلم يصلو إليه صلوات ال عليه بأذى .
أما بقية القبائل فقد هبت على من قبلهم من أصحابه رضوان ال عليهم يعذبونم
ويفتنونم ،ومنع ال نبيه بعمه أب طالب ،ونزلت آيات الصب ،والتعزية ،مواكبة لعركة
الق والباطل ؛
فاصدع با تؤمر ،وأعرض عن الشركي ،إنا كفيناك الستهزئي ،الذين يعلون مع ال
إلا آخر فسوف يعلمون ،ولقد نعلم أنك يضيق صدرك با يقولون ،فسبح بمدك وكن
من الساجدين واعبد ربك حت يأتيك اليقي .
[فاصب كما صب أولو العزم من الرسل ،ول تستعجل لم ،كأنم يوم يرون ما يوعدون
ل يلبثوا إل ساعة من نار ،بلغ فهل يهلك إل القوم الفاسقون]
[ أل .أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهو ل يفتنون .ولقد فتنا الذين من قبلهم
فليعلمن ال الذي صدقوا وليعلمن الكاذبي .أم حسب الذي يعملون السيئات أن
يسبقونا .ساء ما يكمون .من كان يرجو لقاء ال فإن أجل ال لت .وهو السميع
العليم ]
[ ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ،و لقد جاء آل فرعون النذر .كذبوا بآياتنا
كلها فأخذناهم اخذ عزيز مقتدر.أكفاركم خي من أولئكم أم لكم براءة ف الزّبر .ام
420
يقولون نن جيع منتصر ,سيهزم المع ويولون الدبر,بل الساعة موعدهم ,والساعة أدهي
وأمر ] وغي ذلك من اليات.
وف وسط لدادة قريش وأذاهم للنب صلي ال عله وسلم -اسلم بعض كبارها ,ومنهم
حزة بن عبد الطلب ,وعمر بنالطاب.
واشتد ازر الستضعفي قليل" باسلمهما ,فجهر عبدال بن مسعود بالقرآن ف مكة
,وكان اول من جهر بالقرآن _ رضي ال عنه _ اذ قام ف الضّحي عندالقام حيث
اجتماع قريش ف انديتها فرفع صوته يقرأ :
بسم ال الرحن الرحيم
"الرحن.علّم القرآن "
ث استقبل قريشا" يقرأها .فتأملوه وقالوا :ماذا قال ابن أم عبد ؟ قالوا انه يتلو بعض ما
جاء به ممد .
فقاموا اليه يضربون ف وجهه ,وجعل هو يقرأ وهم يضربونه ,وهو يقرأ,حت بلغ من
سورة الرحن ما شاء ال له أن يبلغ ,ث انصرف ال السلمي وآثارالضرب ف وجهه ,
فقال أصحاب النب _صلي ال عليه وسلم _ "هذا الذي خشينا عليك " .قال ":ما كان
أعداء ال أهون عل ّي منهم الن ".
ولعل هذه الادثه جعلت سادة قريش يتسللون سرا لسماع قراءة الرسول_صلي ال عليه
وسلم _ بالليل وكان قد فرض عليه قرآن الليل ,فخرج أبو سفيان ,وأبو جهل بن هشام
,والخنس بن شريف الثقفي ،وخرجالوليد بن الغية ،وجاء عامر بن الطفيل الشاعر
العاقل .
وكلما بلغ النب شاوا من الدعوة قابلته قريش بزيد من الذى ،فأذن ال بجرة البشة ،
فياهر نفر من الصحابة ،ومكث النب صلى ال عليه وسلم بكة ،واشتد أذى قريش للنب
صلى ال عليه وسلم بعد موت أب طالب ث موت خدية رضي ال عنها ،خصوصا من
أعداء ال تعال :أب لب ،وعقبة بن أب معيط ،وعدي بن حراء ،وابن الصداء الذل
وكان معهم الكم بن العاصي بن وائل – لكنه أسلم بعد .
421
وظهرت هنا أخلق النب وأصحابه ،من شدة الصب ،وشدة الستمساك بالق ،ورد
السيئة بالسنة ،والتعال على الحداث الصغار انتظارا للحداث الكبار .
وكان أول الحداث الكبار حادثة السراء والعراج ،السراء الربان ليدل على أن هذا
الرجل فوق العادة ،وأن هذا الدين فوق العادة ،وأن نصر ال فوق العادة ؛ وليزيد الثقة
ف نفوس السلمي بربم ونبيهم و بدينهم ،وليجدد عزية رسوله البارك الكري برحلة
تنسيه هوم القوم ،نعم :لقد رجع النب صلوات ال عليه من هذه الرحلة كيوم ولدته أمه
.كيف ل ؟ وقد صعد ال اللك فوق ساواته "وهو بالفق العلي .ث دنا فتدل ،
فأوحي ال عبده ما أوحي ،ما كذب الفؤاد ما رأي ،أفتمارونه علي ما يري ،ولقد رآه
نزلة أخري ،عند سدرة النتهي ،عندها جنة الأوي ،إذ يغشي السدرة ما يغشي ،ما زاغ
البصر و ما طغي ،لقد رأي من آيات ربه الكبي ،أفرأيتم اللت والعزي ،ومناة الثالثة
الخري ".
وليت شعري ! أين تقع اللت والعزّى ف هذا اللك ؟ انا الرحلت اليانية الت يعاين
فيها النب الكري مشاهد اللك ،حت اذا وقف أبو سفيان ف عز العمعة يقول :
[ اعل هبل ]
أجابه الوفّق علي الفور :
[ ال أعلي وأجلّ] .
واشتد ساعد رسول ال ف الدعوة ،حت لقد بعث ال له الن يدعوهم ويبايعهم ..تري
من أين جاءوا ؟ لقد جاءوه من ( نصيبي ) ؟ وأين نصيبي ؟ إنا هناك ف أقصى الشمال
الشرقي _علي طريق القوافل بي الوصل والشام _ يعن بي العراق .وقد كان !
بدأت دعوة النب للقبائل ،يقف علي منازلم ،ويستقبلهم ف طريق الج ،ويعرض عليهم
السلم ،وخلفه عدو ال عبد العزي_لعزّ له _ أبو لب بن عبد الطلب ،يرد عليه
دعوته :
أت كنده ف منازلم فدعاهم إل ال فأبوا عليه .
وأت ابن عامر بن صعصعة فدعاهم إل ال فأبوا عليه .
وأت بن حنيفة ف منازلم فدعاهم إل ال فلم يكن أحد من العرب أقبح عليه ردّا" منهم .
422
ومع ذلك فهو يسي ف طريق البلغ حتما أذن ال بالفتح ،وجاء النصار _ وهم الزرج
،وذلك ف السنة الادية عشرة للنبوة .أتها ال ونفع با .إذ لقيهم رسول ال_صلي ال
عليه وسلم _ ف الوسم فدعاهم فأجابوا ورجعوا إل أهلهم فدعوهم ،فلم يبق بيت من
النصار إل دخله خب السلم ،وفيه ذكر من رسول ال صلى ال عليه وسلم .
حت إذا كان العام القبل بايعة اثنا عشر رجلً من النصار بالعقبة ،وهي موضع على بعد
ميلي من مكة ،ومنها ترمى جرة العقبة ،وكان من البالغي عبادة بن الصامت رضي ال
عنه الذي ردى حديث البيعة .
وبعث معهم رسول ال مصعب بن عمي ليعلهم السلم ويقرئهم القرآن ،وكان مصعب
فت قريش ،رضي بالسلم عزا عن عز قومه ،فرضي به وأعزه ،استشهده يوم أحد ،
ورأى النب صلى ال عليه وسلم نساءه من الور العي بواره فرضي ال عنه .
وكانت بيعة العقبة الثانية إذ بايع النب سبعون رجلً وامرأ تان .ث كان الدث الكبي ،
والتحول الطي ف حياة السلمي – ل ،بل حياة السلم ،وهو الجرة ( إل تنصروه
فقد نصره ال إذ أخرج الذين كفروا ثان اثني )
كل الناس إذا مشت – وقريش منهم – تتلفت أسفل ،ولكن ف هذا الوضع يتلفتون
أعلى ،يسحون الفاق بأعينهم وضالتهم تت أقدامهم .
مت يدرك الناس أن السمع والبصر عبد ذليل من عباد ال ،فإذا شاء ال قلبه كيف شاء ؟
ما أغلى هذه الضالة تدري ما جعل الشركون لن يأتى با ؟ وبه كل واحد منهما .
ولكنهما أنفس على ال من هذا الثمن ؟ بل من كل الرض (.هو الذي يراك حي
تقوم ،وتقلبك ف الساجدين ) .
كان أبو بكر يكثر اللتفات ،ورسول ال ل يلتفت .إنه اليقي ،إنه الفرق بي –
والوقف واحد ،والعطيات واحدة – بي الرسول وغي الرسول .
وتمد نار الطلب فيخرج العصوم وصاحبه متوجهي إل الدينة ( الناقة مأمورة " لن
راكبها مأمور .حت بركت ف موضع ما عند بن النجار – أخوال جده عبد الطلب .
وف هذا الوضع بن السجد النبوي البارك .
423
هذه أحلى أيام شهدتا الدينة النورة ،ليت مثلها يعودلا بالسلم ،وظفرة ،والغلبة على
أعداء ممد ،الذين داسوا بأقدامهم جزيرة العرب بعد أن طهرها النب منهم .قال أنس
بن مالك :
" شهدته يوم علينا الدينة ،فمارأيت يوما قط كان أحسن ول أضوأ من اليوم الذي دخل
الدينة علينا ،وشهدته يوم مات ،فما رأيت يوما قط كان أقبح ول أظلم من يوم مات "
سعيد أنت أيهذا القلم إذ أكتب هذه السية ..ومبور أنت أيها الداد .
هنا بن السجد ،من بالطوب اللب .قيل له :أل تسقفه ؟ فقال :
" عريش كعريش موسى "
وهنا بن صلى ال عليه وسلم بعائشة ف بيته الذي بن له شرقي السجد ،وكان بناؤه با
ف شوال من السنة الول للهجرة ،مالفة لعادة بعض الناس ف كراهة البناء ف شوال .
وماكان أعظم بركاته على الدينة ،وخلها وهي وبيئة ،فمرض بعض الهاجرين منهم أبو
بكر وبلل ،فقال رسول ال عليه وسلم :
" اللهم صححها ،وبارك لنا ف صاعها وقدها ،واثقل حاها إل الحفة " واستجاب ال
.هذا هو الفأل ،ل فأل اليهود الذين ( وإذا أصابتهم مصيبة قالوا :هذه من عندك )
وف مقدم النب صلى ال عليه وسلم الديتة زيدت صلة الضر فصارت أربع ركعات .
وبدأت الكفالة الجتماعية بشروع ( أهل الصفة )
وف السنة الول توف الباء بن معرور ،وهو الصحاب الذي صلى للكعبة قبل أن تول
القبلة .
وبدأ أيضا العمل السياسي مع اليهود بالوادعة – الت نقضوها بعد – لعنهم ال .وف
هذه السنة أسلم كاشف زيوف اليهود عبد ال بن سلم ،وقصة إسلمه مشهورة .
ث حولت القبلة – ف السنة الثانية – إل القبلة الت ( يرضاها ) النب لنفسه ولمته
( فلنولنيك قبلة ترضاها )
إن تول دولة وشريعة ،ذلك أن شريعة موسى هي آخر الشرائع ،ودولة بن إسرائيل هي
آخر الدول القائمة على أساس دين ،وهذا إشعار بتحويل الشريعة ،بنسخ القدي ،
وتول الدولة إل دولة ممد صلى ال عليه وسلم ،إنه الظهار الربان لذا الدين ،وبيان
424
أن شريعة موسى ،ودولة موسى على رغم تقدير رسول ال له – شريعة ودولة ل تعد
تصلح الن .
وتولت القبلة ،فتحولت معها بعض القلوب ،أو قل ظهر ما با من حو ٍل نعم :هي
قلوب حولء ،لكنها تفى هذا الول – حت إذا جاء الختبار ل تصب علىالخفاء ..
[ سيقول السفهاء من الناس ماولهم عن قبلتهم الت كانوا عليها ،قل ل الشرق والغرب
،يهدي من يشاء إل صراط مستقيم ،وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على
الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ،وما جعلنا القبلة الت كنت عليها إل لنعلم من يتبع
الرسول من ينقلب على عقيبه ،وإن كانت لكبية إل على الذين هدى ال ،وما كان ال
ليضيع إيانكم ،إن ال بالناس لرؤوف رحيم ]
قال الكافرون :كما رجع إل قبلتنا يوشك أن يرجع إل ديننا .
وقال اليهود :ماولهم عن قبلتهم الت كانوا عليها .
وقال النافقون :إن كانت الول حقا فقد تركها ،وإن كانت الثانية هي الق ،فقد
كان على الباطل .
إنا معركة اللفتات والشعرات السلمية ف مواجهة رسول ال ( وإن كانت كبية إل
على الذين هدى ال )
آمنا بال ورسوله .
كانت هذه الشعارات حربا نفسية يروجها اليهود والنافقون استعدادا للحرب العلنية
العسكرية بينما كانت قريش تعد العدة للمواجهة أيضا ( إنم يكيدون كيدا ،وأكيد
كيدا )
وعقد أول لواء للمسلمي ف السنة الول للهجرة –أصبح للمستضعفي ألوية – أصبح
الستضعفون غزاة – ال أكب ( واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون ف الرض تافون أن
يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم ) وهذا اللواء هو ( لواء حزة بن عبد الطلب ) وكانت
مهمته اعتراض عي لقريش قادمة من الشام ،فيها أبو جهل – بالقباحة السم والسمى –
وثانون من الشركي – وكان مدي موادعا للفريقي .
425
بدأت العدة منذ للحظات الول للستقرار بالدينة ،فقد تلت هذا البعث عدة سرايا ،
منها سرية عبيدة بن الرث وسرية سعد بن أب وقاص وغزوة اليواء – الت شهدها النب
صلى ال عليه وسلم بنفسه ،فاعترض عيدا لقريش وبن ضمرة ،فوادعه بنو ضمرة ،
ورجع ول يلق كيدا .
إن العداد للقاء القوم ،والناولت التكررة للتدرب ولخافة العدد ،يستمر بغزوة
بواط ،ث غزوة العشية ،ث بعث عبد ال بن جحش ث غزوة سفوان وهي ( بدر
الصغرى ) ولكن شتان شتان بينهما ..إنما ما تشابتا إل ف السم والوضف …
وكانت بدر الصغرى ف جادي الخرة ث بعث عبد ال بن جحش ف رجب ..
ث جاء رمضان ..وكانت غزوة " بدر الكبى " حيث اختار ال للمسلمي النفي على
العي ،وخفهم بطلب النتصار ل ل النتصار لنفسهم ( وإذ يعدكم ال إحدى الطائفتي
أنا لكم ،وتودون أن غي ذات الشوكة تكون لكم ،ويريد ال أن يق الق بكلماته
ويقطع دابر الكافرين ) .
وظهرن بشائر الرحة الربانية والند سائرون ف الرمل ،فأنزل ال بالليل مطرا واحدا
صلب الرمل ،وثبت القدام ،فعلمت القلوب أن هذا بشارة النصر ،وسار النب صلى
ال عليه وسلم يشي على مواضع بينهما ،فيقول " :هذا مصرع فلن ،وهذا مصرع
فلن إن شاء ال " فلما كانت العركة ما تعدى واحد من الصرعى موضع إشارته صلى
ال عليه وسلم " ال أكب – إنا النبوة "
وجاءت قريش بيلئها وفخرها لتحارب ال ورسوله والؤمني ،واستخدم النب صلوات
ال عليه أول السلحة وأمضاها ،قام ورفع يديه متضرعا إل ال حت سقط رداؤه .
" اللهم أنز ما وعدتن ،اللهم إن أنشدك عهدك ووعدك "
هذا الذي معه من الدعوة يتضرع ،فكيف بنا ؟
فأجابة ال عز وجل ( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أن مدكم بألف من اللئكة
مردفي ) فأصبح عدد السلمي القاتلي ألفا وثلثائة وأربعة عشر رجلً ،وعدد
الشركي ألفا ،فأسرع السلمون ف القتل ،قال ابن هشام :
426
" ول تقاتل اللئكة ف يوم سوى بدر من اليام ،وكانوا يكونون فيما سواه عددا ومددا
،ل يضربون "
وأثار أبو جهل – قبح ال اسه ورسه – الرب ،يا يعازه لعامري الضرمي وبدأت
الرب ببارزة بي السود بن عبد السد الخزومي وأسد ال حزة وشتان بي ( عبد
السد ) وبي ( السد ) نفسه ،فلم تض لظات حت رأى الشركون صاحبهم مكوما
ف الوض مقتولً .
وبعدها مبارزة جاعية بي ثلثة أسنمة من الكفار وثلثة أسنمة من السلمي ،أما أسنمة
قريش فهم :عتبة ابن ربيعة وأخوة شيبه وابن الوليد وأما السلمون فهم :حزة بن عبد
الطلب وعلى بن أب طالب وعبيدة بن الارث .
وما هي إل لظات حت قيل الثلثة النتن الشركون بسيوف الق الت كانت بأيدي
الطهرين السلمي ،
وتزاحف الناس ،واستخدم النب سلما جد
يدا ل يعرف الكفار استخدامه ،أخذ حفنة من الصباء فاستقبل با قريشا وقال :
شاهت الوجوه ،ث ألقاها عليهم ،وقال لصحابه :شدوا
فكانت الزية ،وقتلت صناديد قريش ،وأسرت أشرافهم .وكان فيمن قتل فرعون هذه
المة أبو جهل قبحه ال تعال ،وفيمن أسر أبو العاص بن الربيع زوج زينب بنت رسول
ال صلى ال عليه وسلم .
ليس كل الناس يسنون استخدام السلحة ..
ث حدثت غزوة بن سليم بعد قدوم النب من بدر بسبع ليال ،ث غزوة السويق ،ث غزوة
بن قينقاع ،إذ نقض يهود العهد الذي عاهدوه رسول ال صلى ال عليه وسلم وكان بنو
قينقاع أول يهود نقضوا العهد ال ورسوله فحاصرهم رسول ال صلى ال عليه وسلم
حت نزلوا على حكمة فشفع فيهم عبد ال بن سلم فأطلقهم له .ث كانت غزوة أحد .
وفيها خرج رسول ال صلى ال عليه وسلم ف شوال للسنة الثانية للقاء الكفار وهم نو
ثلثة آلف رجل ،وكان السلمون ألفا – كان فيهم عبد ال بن أب بن سلول ومن ثلث
العسكر ،فاتذل بم ف الطريق ورجع ،وبقي سبعمائة مع رسول ال صلى ال عليه
427
وسلم فالتقوا بالشركي وهم ثلثة آلف ،وهزموهم وركبوا أكتافهم ،وولوا مدبرين
قهرهم ال ،ولكن الرماة لا رأوا ذلك استعجلوا الغنيمة وخالفوا أمر قائدهم بل قائد
الدنيا والخرة ،فانكشف ظهر السلمي ،فالتف فرسان الشركي حت أحاطوا وانكشف
النب صلوات اللع عليه ،بعد استشهاد سبعي من أصحابه رضي ال عنهم ،فخلص إليه
أعداء ال فكسروا رباعية وجرحوه جراحات ،وظهرت كوا من الصحابة يومئذ وترجم
ما ف قلوبم من حب رسول ال وفوائد ،فقاتل مصعب بن عمي دون رسول ال صلى
عليه وسلم حت قتل ،قتله قمئة الليثي – انظر إل السم وقذاريه .وقام زياد بن السكن
ف خسة نفر من النصار يقاتلون دون رسول ال ،حت قتلوا جيعا دون رسول ال صلى
ال عليه وسلم ث ترس دون رسول ال أبو دجانة بسمه ،فكان يقع ف ظهره النبل فل
يتحرك حاية لرسول ال صلى عليه وسلم وظلوا مدافعي عن صلوات ال عليه (ليرغبون
بأنفسهم عن نفسه ) ل وال ،فهي أعلى نفس علينا ،وأعز نفس ف قلوبنا بآبائنا هو
وأمهاتنا ،صلوات ال وسلمه عليه ،وهم يردون له بعض فضله ،ويكافئونه ببعض جيلة
،أليس هو الذي هداهم ال ،من العمى إل البصية ،وأخرجهم به من الظلمات إل
النور ،وأحيا قلوبم بعد موت ،وشرح صدورهم بعد كفر وغم :
( أفمن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يشي به ف الناس كمن هو مثله ف الظلمات
ليس بارج منها )
ول وال ما يكون منهم إل هذا الذي صنعوا ،وهم الذين أضافهم ال إل نفسه فقال لم
( ياعبادي إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون ) فخرجوا للهجرة ،وشرفهم بعيشة نبيه
فقال ( ممد رسول ال والذين معه ) ،وهم معادن الي ،وينابيع التقوى ،وجرثومة
الفداء والبذل .
وف هذه الغزوة قتل رسول ال صلى ال عليه وسلم أب بن خلف رأس الكفر قتله بطعنة
واحدة ف عنقه تدأد أبا عن فرسه هذا الفرس منكوب أن يركبه مثل المار – كان أب
بن خلف يعلف هذا الفرس اثن عشر رطلً من الذرة يوميا ليقتل عليه رسول ال عليه
وسلم :
( يريدون ……… .ويأب ال )
428
ول تنته الغزوة ،فهناك ( حراء السد ) ،حيث أراد القرشيون أن يرجعوا لكي يهزوا
على اليش السلم ،ويستأصلوا ،بقيصتهم ،فبلغ ذلك النب صلى ال عليه وسلم فنادي
ف الناس بالسي إليهم ،واستحاب له السلمون رغم القرح وما أصابم من جراء أحد ،
فساروا معه حت بلغوا ( حراء السد ) ،وهي على بعد ليلتي من الدينة ،فلما بلغ ذلك
أبا سفيان هرع راجعا إل مكة .
وكثرت الغزوات مع اليهود بأحيائهم الختلفة والعرب الشركي بطونم وقبائلهم التعددة
حت جاءت سنة خس للهجرة ،ووقعت غزوة الحزاب .
وكان سببها اشعال اليهود للفتنة ،وتريض الشركي ف مكة وغيها على السلمي ،
وتعاهدت أحزاب الشركي واليهود معا لغزو الدينة ،غزو خارجي من مكة والقبائل ،
وغزو داخلي يتمثل ف الرب النفسية والتسهيلت العسكرية من اليهود ،مع جب
وتقاعس من النافقي وحاصرت اليوش الدينة شهرا ،فيها رسول ال صلى ال عليه
وسلم .وهنا كان السلح الفتاك – سلح الريح ( يأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة ال
عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريا وجنودا ل تروها ) وتفرق أمر القوم بإذن
ال ورحلوا عن الدينة تصفر الريح ف آذانم ،ويضرب الرمل إلياتم وأعجازهم .
ورجع السلمون إل الدينة فوضع النب صلى ال عليه وسلم سلحه ،فجاءه جبيل عليه
السلم وقال له :كيف تضع سلحك ،واللئكة ل تضع أسلحتها ؟ -انض إل هؤلء
– يعن بن قريظة ،وكانت اليهود وقد نقضت العهد ،وتواطأت مع الشركي ،فنادى
رسول ال صلى اله عليه وسلم بعبئ اليش لقتال بن قريظة ،وسارع السلمون إل
الزحف على إخوان القردة والنازير بن قريظة فحاصروهم خسا وعشرين ليلة حت نزلوا
على حكم رسول ال صلى ال عليه وسلم فحكمم فيهم سعد بن معاذ فقضى أن تقتل
الرجال ،وتقسم الموال ،وتبسى النساء والذراري .وهذا – لعمر ال – هو حكم ال
فيهم ألمه الفارس البطل ،والتقى النقي سعد بن معاذ .ث كان ف هذه السنة أيضا ما
كان صلح رسول ال لهل مكة عند الديبية وأعلم أن صلح الديبية كان بوحي من ال
لرسوله ،ول يكن لحد فيه خيار ،لن ناقة النب حي انطلقة نو مكة ،بركت ف
موضع يقال له " ثنية الرار " فقال الصحابة " :خلت القصواء " فقال صلوات ال عليه
429
:ما خلت القصواء ،وما ذاك لا بلق ،ولكن حبسها حابس الفيل " ث قال " :والذي
نفس ممد بيده ل يسألون خطة يعظمون فيها حرمات ال إل أعطيتهم إياها " ث عدل
عن سيه حت بلغ الديبية .وقال بعدها " إن رسول ال ،ول أعصيه "
وبعد الفاوضات اتفقوا على الصلح الذي كتبه سيدنا علي بن أب طالب رضي ال عنه
وكانت شروط الصلح أن يلى بي النب والبيت وف العام القبل – وأن يرجع لقريش من
جاءه مسلما وصار ف أثناء ذلك غيظ من السلمي لشروط الصلح ولعدم إكمال رحلة
الج ،لكن أراح ال الصدور وشفى النفوس بمكمة رسول ال صلى ال عليه وسلم ،
فنحروا الدي ،وذهبوا إل الدينة .
بسم ال الرحن الرحيم
فلم يستقر النب صلى ال عليه وسلم ف الدينة إل شهرا وبعض شهر وخرج إل خيب ف
الحرم للسنة السابقة وكان يهود خيب من اليهود الذين نقضوا العهد مع ال ورسوله ،
فحاصرهم رسول ال صلى عليه وسلم ،وظل يفتح ال له الصون ،ويسي له الموال ،
ويورثه الرضي ،حت أتوا آخر حصونم وها :الوطيح والسلم فحاصرهم رسول ال
بضع عشرة ليلة .
وبرز مرحب اليهودي يطلب البارزة – وكان مبارزا – فبز له عامر ابن الكوع –
وقيل :كعب بن مالك – فتبارزا فقتله عامر – رضي ال عنه .
ولا اشتد الصار وأيقنوا باللكة سألوه الصلح ،فصالهم على حقن الدماء وأن يرجوا
من " خبي " ويتركوا الصفراء والبيضاء واللقة إل ثوبا على ظهر إنسان ،إل أنم رجوه
أن يبقوا ف الرض فيزرعوها على شطر ما يرج من غلتها فأذن لم ف ذلك على أنه إن
شاء أن يرجهم .
واستمرت السيوف مشهرة لعز دين ال ،ونشر ل إله إل ال ،وتأديب الناكثي ،
وتويف الكفار والنافقي ،ما بي غزوة وسرية وبعث ،حت كان ذو القعدة فخرج
رسول ال صلى ال عليه وسلم فاعتمر عمرة القضاء ،بدلً من عمرة العام الاضي الت
أحصر عنها ورجع من الديبية ،وترك قول ال تعال:
430
" لقد صدق ال رسوله الرؤيا بالق لتدخلن السجد الرام إن شاء ال آمني ملقي
رؤوسكم ومقصرين ل تافون ،فعلم مال تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا "
وف جادىالول من السنة الثامنة كانت سرية مؤتة ،ومن الؤرخي من يسميها غزوة
مؤتة ،وذلك لعلة لن رسول ال صلى ال عليه وسلم عد نفسه الفئة الت تيز لا
القاتلون .وال أعلم .
وقد كانت هذه السرية تأديبية ،ول يكن القصود با الغزو ،وإنا الناورة وإثبات القوة ،
وقد علمت الروم يومئذ قوة السلمي وحنكة قوادهم ،ولا رجع اليش إل الدينة بعد
جراحاتم وشهدائهم وبلئهم السن استقبلهم رسول اللهخ صلى ال عليه وسلم .
ث جاء رمضان ،ومع رمضان جاء الفتح :
ونقض مشركو قريش العهد ،وظاهروا " بكرا " على قبيلة خزاعة ف عددها عليها ،
وكانت الفرصة للفتح وعد ال به وتشوق إليه السلمون :
عد منا خيلنا إن ل تـروها تثي النقع موعدها كــداء
يبارين السنة مصعـدان على أكتافها السل الظمـاء
فإما تعرضوا عنا اعتمرنا وكان الفتح ،وانكشف الغطاء
وإل ،فاصبوا اللد يوم يعز ال فيه من يشـــاء
وقد أعز ال ف هذا اليوم آناف السلمي ،وأذل آناف الكافرين وكان ف أيام الفتح
العاجيب ،قوم صهرهم السلم ف بوتقته ،وتوقد فيهم قيام الليل وصيام النهار وعفة
العمر ذكاء ،فل ينكقون إل عن قسطاس ،ول ينصرفون إل عن قصد ،فإذا انتشقوا
السام ،وأشهر والصمصام ،وأمسكوا العنة ،وأشرعوا السنة ،فهم حينئذ الوحوش
الضواري ف الباري ،والضراغم الضياغم ف اللحم ،ف الفاوضات مدثون بباء ،
ومفاوضون علماء أذكياء – أين منهم أخباء القوم ف تفاوضهم ،وألبادهم ف
تعارضيهم ،فإذا ساروا فسي الغازي الذر ،الحارب الكر ،حت إذا التقت الجساد ،
وهلعت الساد ،واقتلعت القلوب والكباد ،وقعقعت السيوف ن وشعشعتالتوف ،
فهم يومئذ هو :
حت إذا ازور الفوارس واننت أصلب أهل البة الكفـاء
431
وارتاعت البطال من خوف الردى وأتى الشجاع بلكنة ووعـاء
ل تلق غي السلمي تثبــــتا أنعم بم من رفقة ولــواء
أظفرها ال بالعدد بعد طول مناجزة ،وأدخلهم مكة بعد طول اغتراب ،وأصبح أمان
الرجل الشديد من قريش أن يغلق عليه داره كالنساء ،وأسلم الصناديد ،وحطمت
الوثان ،وظهر أمر ال وهم كارهون .
ث بدأت معركة هدم الصنام ف الكعبة وحولا ،فنادى منادي رسول ال صلى ال عليه
وسلم :
" من كان يؤمن بال واليوم الخر فل يدع ف بيته صنما إل كسره وبعث عمرو بن
العاص ف شهر رمضان إل " سواع " وهو صنم لذيل ،فهدمه ،وأسلم سادن ل تعال
وقوالب البعوث لتطهي الزيرة من الصنام ،فهدم سعد بن زيد من بن عبد الشهل "
مناة " وهدم خالد بن الوليد " العزةى " ..
ث أرادت هوازن حرب رسول ال صلى ال عليه وسلم لا علمت بفتحة مكة ،وعزموا
المر إل هذا الضلل البي ،فخرج لم رسول ال صلى ال عليه وسلم والتفوا عند
وادي حني ،وكان السلمون كثرة ،وكانت هوازن ف عدتا ،فهجم الشركون هجمة
رجل واحد ،وحلوا على السلمي ،فانكشفوا – وكانوا يظنون ألن يغلبوا مادامو
كثرة ،وقد رأوا من قبل أن النصر ل يكون بالكثرة ،فوقع بم ذلك ابتلء من ال وتنبيها
لم إل حقائق ل ينبغى أن تغيب .
ولكن رسول ال ثبت حي انكشاف السلمي ،ودعاهم ثانية فاستجاب الصحابة والتفوا
حول النب الكري صلوات ال عليه ،وشهر رسول ال صلى عليه وسلم سلحا من
اللسلحة الغريبة على القوم ،الت ما يصنعون شيئا ف ردها ،قال العباس " :ث أخذ
رسول ال صلى ال عليه وسلم حصيات ،فرمى وجوه القوم ،ث قال :انزموا ورب
ممد .قال :فما هوإل أن رماهم ،فمازلت أرى حدهم كليل ،وأمرهم مدبرا وانزم
الشركون ،وسب منهم السلمون وغنموا ،كان السب ستة آلف رأس ،واالبل :أربعة
وعشرين ألفا ،والغنم أربعي ألف شاة ،والفضة أربعة آلف أوقية .
432
ث جاءت غزوة تبوك سنة تسع ،وهي غزوة العشرة حيث كان الناس ف عشرة وجدب ،
وهي الغزوة الت ساها باسها قبل الروج إليها ،وهذه الغزوة هي الت غزا فيها رسول ال
صلى ال عليه وسلم ( الروم ) .
وفيها من عجائب النفاق ،وكيفية النزلق عن مواطن الد ،والباق من مواقف الشد ،
والعتذار عن الهاد بالعذار ،ما فيها من العجب العجاب وفيها من حرص الصحابة
الطهار على رضا نبيهم ونصرة دينهم ما يوصف من عظمته إل بسرد حكايته ،وهي
طويلة ،وإنا قصدنا أوجز الياز ،واليناس بسية سيد الناس .
ث فيها من معجزات رسول ال ما يقر العي وبثلج الصدور ويثبت القدم .
وانتهت الغزوة بظفر رسول ال صلى ال عليه وسلم بعد مسي مرير ،وطريق شاق
وعسي ،وجلد وجهاد ،وقلع أكباد وأوتاد ،ورجع ظافرا بصالة أهل أيلة له ،
وكذلك مصالة أهل " دومة الندل " له على الزية وعاد رسول ال صلى ال عليه
وسلم إل الدينة فاستقبلته الناس والنساء والواري والصبيان ،يغنو وغنت الواري:
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ما دعـا ل داع
وهذا هو الصحيح ،أن هذا النشيد كان فقول النب صلى ال عليه وسلم من " تبوك "
وليس مقدمة الدينة ،لن رسول ال صلى ال عليه وسلم حي قدم الدينة ل يدخلها من
" ثنية الوداع " وال أعلم .
وكانت غزوة تبوك آخر غزوة لرسول ال صلى ال عليه وسلم ،وفيها نزلت سورة براءة
أو ( الفاضحة ) أو ( البعثرة ) الت كشفت من سرائر النافقي وخبايا قلوبم .
وف سنة تسع أيضا جاءت الوفود إل رسول ال صلى ال عليه وسلم تعلن إسلم
القبائل ،وما مطمع طامع ف حرب ال تعال ،وهذا نوره بلغ الصقاع ،وأضاء البقاع ،
وهذا بأس أخذه قلع الوتاد ،وخلع البابرة الشداد ؟ وما البقاء على دين أعوج أعرج
كان له نفع ف الدنيا حي كانت الكعبة بيت الصنام ،فيها وصورة إبراهيم وإساعيل
يستقسمان بالزلم ،أما وقد سقط الشرك ،وحبط الفك ،ودخلت قريش السلم ،
وأسلمت هوازن ث ثقيف ،ول يبق للعرب بؤرة جاهلية يرجعون إليها ،فعرف من ل
433
يكن منهم قد عرف أل طاقة لم برب ال ورسوله ،فجاءت الوفود تباعا إليه صلوات
ال عليه وقد تيم ،وسيدهم عطارد بن حاجب التميمي ،ووفد طيئ وسيدهم زيد اليل
،ووفد عبد القيس ومقدمهم الارود العبدي ،ووفد بن حنيفة ،وكان فيهم مسيلمة
الكذاب غي أن تلف ف رحالم ،فلما رجعوا إل اليمامة ارتد عدو ال وتنبأ وزعم أن
يوحى إليه ،وقتل اللعي ف خلفة الصديق رضي ال عنه .
وسي هذا العام مال الوفود .
ث ف هذه السنة ف ذي العقدة حج أبو بكر بالناس ،أشعر رسول ال صلى ال عليه
وسلم البدن وقلدها بيده ،ووضعها مع أب بكر .
ث كانت حجة الوداع سنة عشر ،وهي الجة الوحيدة الت حجها رسول ال صلى ال
عليه وسلم وبي الناس مناسكهم ومعالهم ،وتبأ من كل الاهلية ،ووضعها تت
قدميه ،ورجع إل الدينة فأرسل البعوث والرسل ماطبا للملوك ف الزيرة وفارس والروم
يدعوهم إل السلم .
وكان آخر بعوثه صلوات ال عليه هو بعث أسامة ،الذي جهزة قبل موتة صلوات ال
عليه بأيام ،فأمره أن يوطئ اليل توم البلقاء والداروم من أرض " فلسطي " ولكن توف
رسول ال صلي ال عليه وسلم أن يبعث البعث وبعثه أبوبكر الصديق ،وكان هذا العمل
أول أعماله الباركات ،ودل ذلك على امتداد هدي ممد ف أصحابه رضوان ال عليهم
أجعي .
وف ضحى الثني الثالث عشر من ربيع الول إحدى عشرة للهجرة لقي رسول ال صلى
ال عليه وسلم ربه ،واختار جواره ،بعد أن استعد لذا اللقاء الكري أحسن عدة ،وترك
ف المة كتاب ال وسنته نورا وهدىً يهدي إل سواء السبيل ،وترك صحابته وآل بيته
أوتاد الرض ،وحفظة الوحي ،وعلماء الشريعة ،فاضت روحه الطهرة إل بارئها ،
واستمرت سيته تعطر الدنيا وتنسي الفاق .
وصلى ال عليه وآله وسلم كثيا .
وكان تسطيه يا ملسي اثني :
434
الول :من الساعة الثانية عشرة والنصف ليلة الميس الثالث والعشرين من شعبان الكرم
عام 1414حت الساعة التاسعة والنصف صباح الميس .
والثان :من الساعة الثانية ظهر الميس حت الساعة الامسة وخس وعشرين دقيقة
مغرب شس هذا اليوم الطيب من أيام ال تعال .
وآخر دعوانا أن المد ل رب العالي .
وكتب
أبو عبد ال القاضي
ف 22من شعبان 1414هـ 1994 /3/4 /م
====================
الثوابت الساسية في السلم
يتناول الدرس الصول أو الثوابت الت بن عليها السلم موضحا أدلة هذه الثوابت
وأهيتها من القرآن والسنة وأقوال العلماء وموضحا الواجبات الت تتفرع عن هذه
الصول ويبي موقف السلم منها .ث يذكر عقب كل أصل الفرق الت خالفت هذا
الصل ومدى ونوعية الخالفة لذا الصل حت يذر منها السلم والداعية إل ال.
الصل الول :القرآن الكري :القرآن الكري كتاب ال النل على رسوله ممد صلى ال
عليه وسلم آخر رسل ال إل أهل الرض ،وهو الذي تدى ال به العرب البلغاء أن يأتوا
بسورة من مثل سوره ،فعجزوا ،وكان ذلك من أكب الدلة على أنه من عند ال ،وليس
من عند البشر؛ لن البشر ل يعجز بعضهم أن يأت با يأت به بعضهم ،فما من شاعر إل
وعورض بثله وأشعر منه ،ول من خطيب إل وجاء من هو أخطب منه ،ول عال إل قد
جاء من يفوقه .وكذلك الشأن ف كل ما يسنه البشر يستحيل أن يأت أحد منهم با
يعجز البشر كلهم ف كل عصورهم ،قال ال تعال متحديا الكذبي برسالة رسوله ممد
صلى ال عليه وسلم :
} َوإِنْ ُكنْتُمْ فِي َرْيبٍ مِمّا نَزّْلنَا عَلَى َعبْ ِدنَا َف ْأتُوا بِسُورَ ٍة مِ ْن ِمثْلِ ِه وَا ْدعُوا ُشهَدَاءَكُ ْم مِنْ
دُونِ اللّهِ إِنْ ُكْنتُمْ صَادِِقيَ[]23فَِإنْ لَ ْم َت ْفعَلُوا وَلَ ْن َت ْفعَلُوا فَاّتقُوا النّا َر الّتِي وَقُو ُدهَا النّاسُ
وَالْحِجَا َرةُ ُأعِدّتْ لِ ْلكَافِرِينَ[' {]24سورة البقرة' .
435
◄وهذا الكتاب الكري مع بيان الرسول صلى ال عليه وسلم ها مصدرا التشريع ،قال
ب ِتْبيَانًا ِلكُ ّل َشيْءٍ َوهُدًى وَ َرحْ َم ًة َوبُشْرَى لِ ْلمُسِْلمِيَ[ ك اْلكِتَا َ ال تعالَ }:ونَزّْلنَا عََليْ َ
خنْزِي ِر َومَا ' {]89سورة النحل' وقال فيه أيضاُ }:ح ّر َمتْ عََلْيكُ ُم الْ َمْيتَ ُة وَال ّدمُ وَلَحْ ُم الْ ِ
سبُعُ إِلّا مَا ذَ ّكيْتُمْ ح ُة َومَا أَكَلَ ال ّ خِن َقةُ وَالْ َموْقُو َذ ُة وَالْ ُمتَرَ ّدَي ُة وَالنّطِي َ
ُأهِلّ ِل َغيْرِ اللّ ِه بِ ِه وَالْ ُمنْ َ
سَتقْسِمُوا بِاْلأَزْلَامِ ذَِلكُمْ فِسْ ٌق اْلَي ْومَ َيِئسَ الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ صبِ َوَأنْ تَ ْ َومَا ُذبِ َح عَلَى الّن ُ
ش ْونِ اْلَي ْومَ أَكْمَ ْلتُ َلكُمْ دِيَنكُ ْم َوَأتْمَ ْمتُ عََلْيكُ ْم ِنعْ َمتِي وَرَضِيتُ ش ْوهُ ْم وَاخْ َ دِيِنكُمْ فَلَا تَخْ َ
صةٍ َغيْ َر ُمتَجَانِفٍ لِِإثْمٍ فَِإنّ اللّ َه َغفُورٌ رَحِيمٌ[ {]3 خ َم َ َلكُ ُم الْإِسْلَامَ دِينًا َفمَ ِن اضْطُرّ فِي مَ ْ
'سورة الائدة' .
◄وهذا الكتاب الكري أنزله ال موضحا ومبينا به السبيل إليه ،فهو بصية وفرقان ،يفرق
بي الشرك والتوحيد ،والق والباطل ،وما أحله ال وما حرّمه ،وما يرضاه ال وما
يسخطه ،وفرق ال به أيضا بي أوليائه وأعدائه ،وأوضح سبيل كل فريق منهم ،وقد جعله
ال ميسرا سهلً للتذكر والعتبار والتعلم ،فقال سبحانه وتعال }:وََلقَ ْد يَسّ ْرنَا الْقُرْءَانَ
لِلذّ ْكرِ َفهَ ْل مِ ْن مُدّكِرٍ[' {]17سورة القمر'.
وقال تعالِ }:كتَابٌ َأنْزَْلنَاهُ إَِليْكَ ُمبَا َركٌ ِليَ ّدبّرُوا ءَايَاتِهِ وَِلَيتَذَكّرَ أُولُو اْلأَْلبَابِ[{]29
'سورة ص' .
وقال تعال }:أَفَلَا َيتَ َدبّرُونَ اْلقُرْءَانَ َأ ْم عَلَى قُلُوبٍ أَ ْقفَاُلهَا[' {]24سورة ممد' .وقال}:
أَفَلَا َيتَ َدبّرُونَ اْلقُرْءَانَ وََلوْ كَانَ مِ ْن ِعنْ ِد َغيْرِ اللّهِ َلوَجَدُوا فِيهِ ا ْختِلَافًا َكثِيًا[' {]82سورة
النساء' .
ص عََليْكَ مِنْ ◄وقد حذر ال سبحانه وتعال من العراض عنه ،قال تعالَ }:كذَلِكَ نَ ُق ّ
ض عَنْهُ فَِإنّ ُه يَحْ ِم ُل َيوْ َم اْلقِيَا َمةِ
َأنْبَا ِء مَا قَ ْد َسبَ َق وَقَدْ ءَاَتيْنَا َك مِنْ لَ ُدنّا ذِ ْكرًا[]99مَنْ َأعْ َر َ
وِزْرًا[]100خَاِلدِينَ فِيهِ َوسَاءَ َلهُ ْم َي ْومَ الْ ِقيَا َمةِ حِمْلًا[' {]101سورة طه' وقال تعال ف
شأن إعراض النافقي عنهَ }:وإِذَا قِيلَ َلهُ ْم َتعَاَلوْا إِلَى مَا َأنْزَلَ اللّ ُه َوإِلَى ال ّرسُولِ َرَأيْتَ
الْ ُمنَاِفقِيَ يَصُدّو َن عَنْكَ صُدُودًا[' {]61سورة النساء' .
◄وقد أمر ال نبيه الكري أن يكم كتاب ال ف الصغي والكبي ،قال تعالَ }:وأَنْزَْلنَا
ب بِالْحَقّ مُصَدّقًا ِلمَا َبيْنَ يَ َديْهِ مِ َن اْل ِكتَابِ َو ُم َهيْ ِمنًا عََليْهِ فَا ْحكُ ْم َبيَْنهُ ْم بِمَا َأنْزَلَ إَِليْكَ اْلكِتَا َ
436
اللّ ُه وَلَا تَّتبِعْ َأ ْهوَا َءهُ ْم عَمّا جَا َء َك مِ َن الْحَقّ ِلكُلّ َجعَ ْلنَا مِْنكُ ْم شِ ْر َع ًة َو ِمنْهَاجًا وََل ْو شَاءَ اللّهُ
خيْرَاتِ إِلَى اللّ ِه مَرْ ِج ُعكُمْ جعََلكُمْ ُأ ّم ًة وَاحِ َدةً وَلَكِنْ ِلَيبُْلوَكُمْ فِي مَا ءَاتَاكُمْ فَا ْسَتِبقُوا الْ َ لَ َ
ختَِلفُونَ[َ ]48وأَنِ ا ْحكُ ْم َبيَْنهُ ْم بِمَا َأنْ َزلَ اللّ ُه وَلَا تَّتبِعْجَمِيعًا َفُينَّبُئكُ ْم بِمَا ُكنْتُمْ فِي ِه تَ ْ
َأهْوَا َءهُمْ وَلَا َتّتبِعْ َأهْوَا َءهُمْ وَا ْحذَ ْرهُمْ َأنْ َي ْفتِنُوكَ عَ ْن َب ْعضِ مَا َأنْ َزلَ اللّهُ إَِليْكَ فَِإ ْن َتوَّلوْا
فَاعْلَمْ َأنّمَا يُرِيدُ اللّهُ َأ ْن ُيصِيَبهُ ْم بَِب ْعضِ ُذنُوبِهِ ْم َوِإنّ َكثِيًا مِ َن النّاسِ َلفَا ِسقُونَ[{]49
'سورة الائدة'
ولا كان القرآن الكري بذه الثابة والنلة؛ فإن ال سبحانه وتعال أت نعمته على أمة
السلم بأن كفل له الفظ والرفعة والجد ،فل تناله يد بتحريف ،أو تبديل ،أو نقص ،أو
زيادة ،قال تعالِ }:إنّا نَحْ ُن نَزّْلنَا الذّكْ َر َوِإنّا لَهُ لَحَاِفظُونَ[' {]9سورة الجر' .وقال}:
إِ ّن الّذِينَ َكفَرُوا بِالذّ ْكرِ لَمّا جَا َءهُ ْم َوإِنّهُ َل ِكتَابٌ عَزِيزٌ[]41لَا َي ْأتِيهِ اْلبَاطِ ُل مِ ْن َبيْ ِن يَ َديْ ِه وَلَا
مِنْ َخ ْلفِهِ َتنْزِي ٌل مِنْ َحكِيمٍ حَمِيدٍ[' {]42سورة الجر' .
فهو كتاب متنع على التغيي والتبديل ...وف الديث الصحيحَ ...':وَأنْزَْلتُ عََليْكَ ِكتَابًا لَا
َيغْسِلُ ُه الْمَاءُ '...رواه مسلم وأحد .فلو اجتمعت بار الرض على مو القـرآن من
الرض لا حصل ذلك ،ولو اجتمع كل جبابرة الرض وكفارها وفجارها على أن يبدلوا
القرآن ما استطاعوا ذلك.
وهذه القضية أعن حفظ القـرآن وبقاءه ،وأنه مصدر الكم والتشريع؛ هي قضية
السلم الول والكبى.
الصل الثان :السنة النبوية:
سنة النب صلى ال عليه وسلم هي :ما أُثِر ونقل من أقواله ،وأفعاله ،وتقريراته ،وصفته
صلى ال عليه وسلم .وما نقـل إلينا نقلً صحيحا منها يب علينا تصديقه واعتقاده،
والعمل به؛ لن القرآن أمرنا بذلك ،وقد تواتر عن الرسول صلى ال عليه وسلم وجوب
العمل بسنته ،قال تعالَ }:ومَا ءَاتَاكُمُ ال ّرسُولُ َفخُذُوهُ َومَا َنهَاكُ ْم َعنْهُ فَانَْتهُوا[]7
حكّمُوكَ فِيمَا شَجَ َر َبْيَنهُ ْم ثُمّ {'سورة الشر' .وقال تعالَ }:فلَا وَ َربّكَ لَا ُي ْؤمِنُونَ َحتّى يُ َ
ضْيتَ َويُسَلّمُوا تَسْلِيمًا['{ ]65سورة النساء' .وقال سهِمْ َحرَجًا مِمّا َق َ لَا يَجِدُوا فِي َأْنفُ ِ
تعال }:مَ ْن يُطِعِ ال ّرسُولَ َفقَدْ َأطَاعَ اللّهَ['{ ]80سورة النساء' .وقال تعال }:فَ ْليَحْ َذرِ
437
الّذِينَ يُخَاِلفُو َن عَنْ َأمْ ِرهِ َأ ْن ُتصِيَبهُمْ ِفْتنَةٌ َأ ْو ُيصِيَبهُ ْم عَذَابٌ أَلِيمٌ['{ ]63سورة النور' ..
واليات ف هذا العن كثية جدا.
◄والسنة -ف جانب منها -تفسي وبيان لكتاب ال تعال ،كما قال جل وعلَ }:وَأنْزَْلنَا
س مَا نُزّلَ إَِلْيهِ ْم وََلعَّلهُ ْم َيَتفَكّرُونَ['{ ]44سورة النحل' .وقال إَِليْكَ الذّكْرَ ِلُتَبيّنَ لِلنّا ِ
تعال }:إِ ّن عََلْينَا جَ ْمعَ ُه وَقُرْءَانَهُ[]17فَإِذَا َق َرْأنَاهُ فَاّتبِعْ قُرْءَانَهُ[]18ثُمّ ِإنّ عََلْينَا َبيَانَهُ[]19
{'سورة القيامة' أي :إن ال سبحانه وتعال تكفل أن يمع القرآن ف صدر الرسول صلى
ال عليه وسلم فل ينسى منه إل ما شاء ال أن ينسيهَ }:سُنقْ ِرئُكَ فَلَا َتنْسَى[]6إِلّا مَا شَاءَ
اللّهُ' { ]7[...سورة العلى' ث إن على ال أن يبينه لرسوله صلى ال عليه وسلم ليعمل
به ،ث إن الرسول صلى ال عليه وسلم بيّن للناس كما أمره ال سبحانه وتعال ،وقد أثن
ال عليه فقالَ }:ومَا َينْطِ ُق عَ ِن اْل َهوَى[ِ]3إنْ ُهوَ إِلّا وَ ْحيٌ يُوحَى['{ ]4سورة النجم' .
فالسنة ف ناية المر عائدة إل ال؛ لنه سبحانه هو الذي أوحى با لرسوله صلى ال عليه
حكُمَ حقّ ِلتَ ْ
ب بِالْ َ
وسلـم ،وأرشده إل ما قال ،وهداه فيما فعل }:إِنّا َأنْزَْلنَا إَِليْكَ اْلكِتَا َ
س بِمَا أَرَاكَ اللّهُ['{ ]105سورة النساء' . َبيْنَ النّا ِ
◄وكل أفعال الرسول صلى ال عليه وسلم هي ف مال التأسي والقدوة؛ فإن خي الدى
هدى ممد صلى ال عليه وسلم ،فجميع ما فعله الرسول صلى ال عليه وسلم ف طعامه
وشرابه ولباسه ،ونومه وقيامه ،وصحبته ،ومعاشرته ،وطرائق حياته ومعيشته ،كل ذلك
كان على أت الدى وأسى ما يتأدب به التأدبون ،ويفعله الكماء العالون.
واللصة أنه ليس شيءٌ من أفعال الرسـول صلى ال عليه وسلم يرج عن التأسي
والقتداء حت ف أموره البلية الياتية .وأما ف أعماله التشريعية ،فإنه يب الخذ بسنته؛
لنا تشريع من ال سبحانه وتعال.
الخالفون لذا الصل :الطاعنون ف سنة الرسول صلى ال عليه وسلم :شهد تاريخ
السلم كثيا من الفرق الضالة ،والعقائد الباطلة ،من ردوا سنة الرسول صلى ال عليه
وسلم كلها ،أو بعضها تت دعا ٍو كثية ،وشب ٍه متباينة:
فمنهم :الـوارج :الذين قالوا بكفر علي بن أب طالب رضي ال عنه وجنده ،وقالوا:
بأن عليا رضي ال عنه كان مسلما قبل قتال الوارج بالنهروان ،ث كفر بعد قتالم،
438
لكَ َميْنِ وسائر السلمي بعد ذلك ،وبنوا على تكفي الصحابة بعد الفتنة؛ ردّ وكفروا ا َ
روايتهم ،وردّوا رواية جيع من وكل على السلطي من بن أمية وغيهم.
ومنهم :العتزلة والتكلمون :الذين ردوا سنة النب صلى ال عليه وسـلم الت سوها
بالحاد ،وقالوا :ل نقبل إل بالتواتر ،الذي يستحيل تواطؤ من رووه على الكذب.
ومنهم :بعض النافقي الذين اتبعوا الستشرقي من أعداء السلم :الذين شككوا ف
ثبوت سنة النب صلى ال عليه وسلم جلة وتفصيلً.
ومنهم :من رد السنة الثابتة الصحيحة عن رسول ال صلى ال عليه وسلم تت دعاوى:
أنا ل توافق العقل ،أو أنا كانت ليل غي جيلنا ،ولعصر غي عصرنا ،ومنهم من يقول:
يب أن نأخذ روح السنة وأهدافها الثابتة دون أحكامها التفصيلية العملية.
◄ ول شك :أن كل من رد سنة ثابتة للرسـول صلى ال عليه وسلم راغبا عنها فقد
كفر بذلك ،لقيام الدلة القطعية على وجوب طاعة الرسول صلى ال عليه وسلم وعدم
مالفة أمره.
◄ ول شك أيضا :أن ال سبحانه وتعال يستحيل أن يتعبـد الناس بشيء ل يبلغهم.
◄ ول شك أيضا :أنه لو ضاعت السنة؛ لضاع القـرآن؛ لن السنة شارحته ومبينته ،إذ
كيف يكن التحقق من أعداد الصلوات ،وأعداد الركعات ،وهيئة الصلة ،ونصاب
الزكاة ،والموال الت تب فيها ،وكذلك كثي من أحكام الصوم والج لول السنة.
ولو كان الصحابة الذين رووا السنة مطعوني ،لكان القرآن كذلك مشكوكا فيه؛ لن
الصحابة رضوان ال عليهم هم الذين دونوه وحفظوه ،وجعوه ف مصحف واحد بعد
رسول ال ،ونشروه ف الرض ،ونقلوه لن بعدهم ،فلو كانوا غي مؤتني؛ لكان القرآن
مكذوبا ،ولذلك أجع السلمون أن جرح الصحابة جرح للدين ،وهدم عدالة الصحابة
هدم للقرآن والسنة معا ،وليس للسنة وحدها.
ولذلك قال المام أبو زرعة' :إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول ال صلى
ال عليه وسلم؛ فاعلم أنه زنديق ،وذلك :أن الرسول حق ،والقرآن حق ،وما جاء به
حق ،وإنا أدى إلينا ذلك كله الصحابة ،وهؤلء يريدون أن يرحوا شهودنا ليبطلوا
الكتاب والسنة ،والرح بم أول وهم زنادقة' 'الصابة لبن حجر . '1/18
439
◄ول شك أيضا :أن رد بعض السنة إذا كان صحيحا ثابتا حسب ضوابط النقل الت
أجع عليها أهل السلم فيما سوه مصطلح الديث وعلموه وهو قبول نقل العدل
الضابط عن العدل الضابط إل منتهاه إذا خل من الشذوذ والعلة؛ ردها بزعم أنا تالف
العقل أو ردها بالوى ..ل شك أن رد بعض السنة الثابتة بذلك هو هدم للسـنة كلها؛
لنه هدم للصول الت على أساسها تعرف السنة الصحيحة الثابتة ما افتراه أهل الكذب،
ونسبوه إل رسول صلى ال عليه وسلم ،أو ما غلط فيه بعض الرواة .
والعقل ل يكن أن يكون مقياسا للقبول والـرد ،لن ما يراه زيد من الناس معقولً قد
يراه غيه أنه غي معقول إل ف المور السية القطعية .ول توجد سنة صحيحة ثابتة
حسب أصول النقل تالف شيئا من العقول القطوع به ،ولذلك كان السناد من الدين،
ولول السناد لضاعت سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وضياعها يعن ضياع القرآن
كذلك ،وضياع الدين كله.
والمد ل الذي حفظ لنا كتابه وسنة رسوله الكري الت هي الكمة كما قال تعالُ }:هوَ
حكْ َمةَ ب وَالْ ِ
الّذِي َبعَثَ فِي اْلُأمّيّيَ َرسُولًا ِمْنهُ ْم َيتْلُو عََلْيهِمْ ءَايَاتِ ِه َويُزَكّيهِمْ َوُيعَلّ ُم ُه ُم الْ ِكتَا َ
ضلَا ٍل ُمبِيٍ[' {]2سورة المعة' .وقال تعال لنساء رسول ال َوإِنْ كَانُوا مِنْ َقبْلُ َلفِي َ
حكْ َمةِ ِإنّ اللّهَ كَانَ صلى ال عليه وسلم }:وَاذْكُ ْر َن مَا ُيتْلَى فِي ُبيُوِتكُ ّن مِنْ ءَايَاتِ اللّ ِه وَالْ ِ
لَطِيفًا َخبِيًا[ ' {]34سورة الحزاب' .فآيات ال هي :القرآن .والكمة هي :سنة النب
صلى ال عليه وسلم.
ويستحيل أن تضيع الكمة الت امت ال با على عباده الؤمني ،قال تعالَ }:لقَ ْد مَنّ اللّهُ
سهِ ْم َيتْلُو عََلْيهِمْ ءَايَاتِهِ َويُزَكّيهِ ْم َوُيعَلّ ُمهُمُعَلَى الْ ُم ْؤ ِمنِيَ إِ ْذ َب َعثَ فِيهِمْ َرسُولًا مِنْ َأْنفُ ِ
ضلَا ٍل ُمبِيٍ[' {]164سورة آل عمران'. حكْ َم َة َوِإنْ كَانُوا مِنْ َقبْلُ َلفِي َ ب وَالْ ِ الْ ِكتَا َ
أََفتَرَى ال سبحانه وتعال يتكفل بفظ القرآن ،فيقول جل وعلِ }:إنّا َنحْ ُن نَزّْلنَا الذّكْرَ
َوإِنّا لَهُ َلحَافِظُونَ[' {]9سورة الجر' .ول يفظ الكمة الت هي سنة رسول ال صلى
ال عليه وسلم ،وما يبي به القرآن ويشرحه ويفسره ،وما هو تطبيقه وتأويله؟! إن هذا
مستحيل.
440
◄ ول شك أن الناظر ف علم السناد ،وكيف وضع علماء السنة ضوابط النقد للرجال،
وكيف تتبعوهم وأحصوهم ،وكيف ضبطوا هذا العلم ضبطا فائقا ،وكيف أن ال سبحانه
وتعال قد هيأ له جهابذة من الرجال كانت لم ملكات عظمية ف الفظ واللحظة
والدقة مع الدين والتقى ما مكنهم من تييز ما صح عن رسول ال صلى ال عليه وسلم،
ما حاول الزنادقة واللحدون ،وأهل الهواء أن يدخلوه على السلم ما هو ليس منه ف
شيء ..وهذه معجزة من معجزات هذا الدين ...فكما حفظ ال القرآن الكري بأسباب
عظيمة توافرت وتضافرت على حفظه من أن يتطرق إليه أدن خلل ،حفظ ال كذلك سنة
رسوله صلى ال عليه وسلم.
وهذا رد ممل على كل من الفرق الت شككت ف حديث رسول ال صلى ال عليه
وسلم ،ولسنا ف مقام الرد على كل شبهة من شبهاتم الكثية ،فإن هذا مكانه الطولت.
◄ وأما الذين ردوا بعض السنة الثابتة حسب مصطلحات أهل الديث تت دعوى أنا
تالف معقولم ،فإننا نقول لم :إن ما تزعمونه من مالفـة عقولكم ،يالفكم فيه غيكم
من يرون أن هذا يوافق العقل الصحيح ،فأي العقول يعتمد عليه ،ويقدم على الخر؟! ولو
ظن مسلم أن الرسول صلى ال عليه وسلم يأمر با يالف العقل الصحيح لكفر .ول شك
أن هدم قواعد السناد الت وضعها أهل الديث لتمييز السنة الصحيحة من الضعيفة هدم
للسنة كلها.
◄وأما من قال بأن أحاديث الرسول صلى ال عليه وسلم وتفسيه للقرآن كان مناسبا
ليل الصحابة ،وأنه غي معقول لجيالنا ،فهو كافر بال ،فإن النب صلى ال عليه وسلم ل
سيّا[' {]64سورة مري' والقرآن والسنة حجة ال ك نَ ِ ينطق عن الوىَ }:ومَا كَانَ َربّ َ
على الناس ما بقيت الدنيا:
} َوأُو ِحيَ إَِليّ هَذَا اْلقُرْءَانُ ِلأُنْذِرَ ُك ْم بِهِ َومَ ْن بََلغَ[' {]19سورة النعام' فكل من تبلغه
النذارة ف شرق الرض وغربا ،وف حياة الرسول صلى ال عليه وسلم ،وبعد حياته؛ فقد
أقيمت عليه الجة ،وإقامة الجة بذا القرآن النل ،وبالسنة الت هي وحي كذلك من
ال.
441
◄وقد سلم ال سبحانه وتعال أهل السنة والماعة من النراف عن هذا الصل
ل واعتقادا ،كما قال العظيم ،وهو الخذ بسنة رسول ال صلى ال عليه وسلم عم ً
حكُ َم َبيَْنهُمْ َأنْ سبحانه وتعالِ }:إنّمَا كَانَ َقوْ َل الْ ُم ْؤمِنِيَ ِإذَا ُدعُوا إِلَى اللّ ِه وَ َرسُولِهِ ِليَ ْ
َيقُولُوا سَ ِم ْعنَا َوَأطَ ْعنَا' {]51[...سورة النور'.
فهم سامعون ،مذعنون لكم ال ،وحكم رسوله صلى ال عليه وسلم ،ومطبقون لقوله
تعال }:يَاأَّيهَا الّذِينَ ءَا َمنُوا َأطِيعُوا اللّ َه َوَأطِيعُوا ال ّرسُو َل َوأُولِي اْلأَمْرِ مِْنكُمْ فَِإ ْن تَنَا َز ْعتُمْ فِي
َشيْءٍ َفرُدّوهُ إِلَى اللّ ِه وَال ّرسُولِ إِنْ ُكْنتُ ْم ُتؤْ ِمنُو َن بِاللّ ِه وَاْليَ ْو ِم الْآخِرِ ذَلِكَ َخيْ ٌر َوأَحْسَنُ
تَ ْأوِيلًا[' {]59سورة النساء'.
فالرد إل ال هو :الرد إل كتابه ،والرد إل رسـول ال :هو الرد إل سنته .فلـو كانت
سنته قد ضاعت؛ لا كان للرد إليها من معن ،ولو كان بعضها قد ضاع؛ لذهب الكثي ما
يب التحاكم والرد إليه .فالمد ل الذي حفظ لنا كتابه الكري ،وسنة نبيه صلى ال عليه
وسلم ،وجزى ال خيا أعلم السلم ،وعلماء الديث على جهودهم الباركة ف حفظ
سنة رسول صلى ال عليه وسلم وتدوينها.
الصل الثالث :أصحاب النب صلى ال عليه وسلم:
اختار ال لصحبة نبيه الات ،واليان به خي أصحاب النبياء دينا وجهادا ،وعلما
وتقوى ،فكانوا أنصاره والجاهدين ف سبيل ال ،قدموا أنفسهم وأموالم ف سبيل ال،
وأذلّ ال بم دول الكفر كلها ف سنوات قليلة ،ومكن لم ف الرض ،ونشر بم السلم
ف عامة العمورة ،ودخل الناس ف دين ال أفواجا ،وتولت شعوب كثية إل السـلم
ف زمن قياسي ،ول يدث هذا لنب قبل رسول ال ممد صلى ال عليه وسلم.
ت مَا فِي ف بَيْنَ ُقلُوِبهِمْ َلوْ َأْن َفقْ َ قال تعالُ }:هوَ الّذِي َأيّ َد َك ِبنَصْ ِر ِه َوبِالْ ُم ْؤ ِمنِيَ[َ ]62وأَلّ َ
الْأَ ْرضِ َجمِيعًا مَا أَّل ْفتَ َبيْنَ قُلُوِبهِ ْم وََلكِنّ اللّهَ أَلّفَ بَْيَنهُمْ ِإنّهُ عَزِيزٌ َحكِيمٌ[' {]63سورة
النفال'.
وقد أثن ال سبحانه وتعال على إيانم وجهادهم وإحسانم ف آيات كثية من كتابه،
منها:
442
قوله تعال }:ءَامَنَ ال ّرسُو ُل بِمَا ُأنْزِلَ إَِليْ ِه مِنْ َربّ ِه وَالْ ُم ْؤمِنُونَ كُلّ ءَامَ َن بِاللّ ِه َومَلَاِئ َكتِهِ
ق َبيْنَ أَحَ ٍد مِنْ ُر ُسلِ ِه وَقَالُوا سَ ِم ْعنَا َوأَ َط ْعنَا ُغفْرَانَكَ َرّبنَا َوإَِليْكَ وَ ُكتُبِ ِه وَ ُرسُلِهِ لَا ُنفَ ّر ُ
الْ َمصِيُ[' {]285سورة البقرة' .فشهد لم باليان مع الرسول صلى ال عليه وسلم.
وقال }:مُحَمّدٌ َرسُولُ اللّ ِه وَالّذِي َن َمعَهُ َأشِدّا ُء عَلَى اْل ُكفّارِ رُ َحمَا ُء َبيَْنهُ ْم تَرَاهُمْ رُ ّكعًا
ك َمثَُلهُمْ ضوَانًا سِيمَاهُمْ فِي ُوجُو ِههِ ْم مِنْ َأثَرِ السّجُودِ ذَلِ َ سُجّدًا َيبَْتغُونَ َفضْلًا مِنَ اللّ ِه َورِ ْ
ج شَ ْطأَهُ فَآ َز َرهُ فَا ْسَتغْلَظَ فَا ْسَتوَى عَلَى سُوقِهِ فِي الّتوْرَا ِة َو َمثَُلهُمْ فِي الِْإنْجِيلِ َكزَ ْرعٍ أَخْ َر َ
ت ِمْنهُ ْم َمغْفِ َرةً ظ ِبهِ ُم اْلكُفّا َر َوعَدَ اللّ ُه الّذِينَ ءَامَنُوا َوعَ ِملُوا الصّالِحَا ِ جبُ الزّرّاعَ ِلَيغِي َ ُيعْ ِ
َوأَجْرًا عَظِيمًا['{ ]29سورة الفتح' .وهذه الية من أعظم الدح والشهادة لم باليان
وإخلص الدين ل ،وأنم أشداء على الكفار رحاء بينهم ،وأنم أهل طاعة وصلة ،وأنم
مدوحون بذلك ف التـوراة والنيل ،وأن أوائلهم هم بذرة الدين ،ونبتة السلم الت
جبُ كبت وتفرعت حت أصبحت شجرة السلم قوية باسق ًة تستعصي على الرياحُ }:يعْ ِ
الزّرّاعَ ِلَيغِيظَ ِبهِمُ اْل ُكفّا َر {.
ج َرةِ
حتَ الشّ َ ضيَ اللّ ُه عَ ِن الْ ُم ْؤ ِمنِيَ إِ ْذ ُيبَايِعُونَكَ َت ْومن ذلك أيضا قوله تعالَ }:لقَدْ رَ ِ
سكِيَنةَ عََلْيهِمْ َوَأثَاَبهُمْ َفتْحًا َقرِيبًا[]18وَ َمغَانِمَ َكثِيَ ًة َيأْخُذُوَنهَا َفعَلِ َم مَا فِي قُلُوِبهِمْ َفَأنْزَلَ ال ّ
وَكَانَ اللّ ُه عَزِيزًا َحكِيمًا[' {]19سورة الفتح' .وهذه الية نزلت ف غزوة الديبية ،وكان
الصحابة فيها ألفا وأربعمائة رجل.
وقال تعالَ }:لقَ ْد تَابَ اللّ ُه عَلَى الّنبِ ّي وَالْ ُمهَاجِرِي َن وَاْلأَْنصَا ِر الّذِي َن اتَّبعُوهُ فِي سَا َعةِ
ب عََلْيهِمْ ِإنّهُ ِبهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ[ الْعُسْ َر ِة مِ ْن َبعْ ِد مَا كَا َد َيزِيغُ قُلُوبُ َفرِيقٍ مِْنهُ ْم ثُ ّم تَا َ
' {]117سورة التوبة' .وهذه الية نزلت ف غزوة تبوك وكانوا ثلثي ألفا مع رسول ال
صلى ال عليه وسلم.
ونزل على الرسول وهو ف حجة الوداع ف أعظم حشد تمع له ،وكانوا أكثر من مائة
ت عََلْيكُ ْم ِنعْ َمتِي وَرَضِيتُ ألف قول ال تبارك وتعال }:اْليَ ْومَ أَكْمَ ْلتُ َلكُمْ دِيَنكُمْ َوأَتْمَ ْم ُ
َلكُ ُم الْإِسْلَامَ دِينًا[' {]3سورة الائدة' .فهؤلء الصحاب الطهار البرار سادة هذه المة
وعنوان مدها ،وسر خلودها ،ونوذجها الفريد ف اليان والهاد والعمل الصال ،وهم
أسوة المة وقدوتا ،ومنبعها الذي ل ينضب من الُثُل والعطاء والي ..ولكل منـهم من
443
الناقب والفضل والسابقة ما هو مل القدوة والسوة ،ففيهم الذي انفق ماله كله ف سبيل
ال ،وفيهم الذي قتل أباه ف ال ،وفيهم الذي آثر ضيفه على نفسه ،وأهله وعياله ،حت
عجب الـرب من صنيعه من فـوق سبع سواته ،وفيهم البطال الصناديد فرسـان
الروب ،وفيهم رهبان الليل ،فرسان النهار ،وكلهم قد تمل ف سبيل ال ما ل تتحمله
البال ،وكلهم كان يفتدي الرسول بأبويه ونفسه وماله ،وقد عظموا رسول ال صلى ال
عليه وسلم وأحبـوه كما ل يُعظّم عظيم قط أو يب ،ول ينصر أتباع رسول رسولم
كما نصر أصحاب ممدٍ صلى ال عليه وسلم ممدا صلى ال عليه وسلم ..ومناقبهم
وفضائلهم أكثر من أن تصر.
موقف الؤمن من أصحاب النب صلى ال عليه وسلم:
ومن أجل هذا الفضل واليان والحسان الذي كان لصحاب النب صلى ال عليه وسلم؛
أوجب ال على كل مسلم يأت بعدهم:
أن يعترف بفضلهم وأن يدعو ال لم بالغفرة }:وَالّذِينَ جَاءُوا مِ ْن َبعْ ِدهِ ْم َيقُولُونَ َرّبنَا
جعَلْ فِي ُقلُوِبنَا غِلّا ِللّذِينَ ءَا َمنُوا َرّبنَا ِإنّكَ ا ْغفِرْ َلنَا وَلِإِ ْخوَانِنَا الّذِي َن َسَبقُونَا بِالْإِيَا ِن وَلَا تَ ْ
رَءُوفٌ َرحِيمٌ[' {]10سورة الشر'.
وأن يبـهم ويواليهمِ }:إنّمَا وَِلّيكُمُ اللّ ُه وَ َرسُولُهُ وَالّذِينَ ءَا َمنُوا الّذِينَ ُيقِيمُونَ الصّلَاةَ
َوُيؤْتُونَ الزّكَا َة َوهُمْ رَاكِعُونَ[]55وَمَ ْن َيَتوَلّ اللّ َه وَ َرسُولَهُ وَالّذِينَ ءَا َمنُوا فَِإنّ حِزْبَ اللّ ِه هُمُ
الْغَاِلبُونَ[' {]56سورة الائدة'.
وأن يعترف أنـه ل يصبح مسلما إل بفضل جهادهم وفتوحهم:و' لَا يَشْكُرُ اللّ َه مَنْ لَا
يَشْكُرُ النّاسَ' رواه أبوداود والترمذي وأحد .
وأن يأتسي بم ف جهادهـم وصبهم :كما أرشدنا ال إل ذلك حيث قال سبحانه ف
بيان صب الرسول صلى ال عليه وسلم ،وصبهم ف غزوة الندقَ }:لقَدْ كَانَ َلكُمْ فِي
سَنةٌ لِمَنْ كَا َن يَرْجُو اللّ َه وَاْلَيوْ َم الْآخِ َر َوذَكَرَ اللّهَ َكثِيًا[]21وَلَمّا َرأَى َرسُولِ اللّهِ ُأ ْسوَةٌ حَ َ
الْ ُم ْؤمِنُونَ اْلأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا َوعَ َدنَا اللّ ُه وَ َرسُولُ ُه وَصَ َدقَ اللّ ُه وَ َرسُولُ ُه َومَا زَا َدهُمْ إِلّا
حبَهُ
إِيَانًا َوتَسْلِيمًا[ ]22مِنَ الْ ُم ْؤ ِمنِيَ ِرجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللّ َه عََليْهِ فَ ِمْنهُ ْم مَنْ َقضَى َن ْ
َومِْنهُ ْم مَ ْن َيْنتَظِ ُر َومَا بَدّلُوا َتبْدِيلًا[' {]23سورة الحزاب'.
444
وف هذه اليات رفع ال من شأن نبيه صلى ال عليه وسلم وأصحابه الصادقي ،وأبان
الصورة العظيمة الت كان عليها النب صلى ال عليه وسلم ف هذه الغزوة العصيبة من
الصب واليان والتوكل ،وثبت مع رسول ال :أهل اليان واليقي ،الذين وصفهم ال
صدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللّ َه عََليْهِ' {]23[...سورة الحزاب'. بقوله }:مِ َن الْ ُم ْؤمِنِيَ رِجَالٌ َ
وقد عاهدوه على نصر رسوله ،والوت ف سبيله .وما ذكر ال لنا هذا إل ليكون هؤلء
الصحاب الطهار القوياء ف الدين قدوة لنا وأسوة ،وأن نبهم ونلهم ،ونثن على
الصحابة أسوة ف العلم كما هم أسوة ف الهاد: جهادهم وصبهم.
ول شك أنم كانوا ف العلم واليقي والفهم الصحيح للدين كما كانوا ف الهاد
والبذل ..فكما أثن ال على جهادهم وصبهم ،أثن على إيانم وإحسانم وعبادتم ،ول
غرو فقد كانوا هم الفوج الول الذي تلقى التعليم والتربية من فم الرسول صلى ال عليه
وسلم ،وكانت القدوة الثلى ،والثل الكامل ماثلً أمامهم ليس بينهم واسطة .فهذا رسول
ال النسان الكامل ،والقدوة الثلى أمامهم ،يتلو عليهم الكتاب ويبينه لم ،ويعلمهم
الكتاب والكمة ويزكيهم ويربيهم بالسوة والوعظة السنة ،ولفت النظر ،والجر
والزجر أحيانا ،ول يقر أحدا منهم على باطل ،ويتار فريقا منهم فيوجب عليهم ما ليس
سبْق ،ويكونوا مثلً لن وراءهم كما أخـذ على واجبا على العامة؛ ليحوزوا َقصَبَ ال ّ
بعضهم أل يسأل الناس شيئا فكان إذا وقع السوط منه وهو على بعيه ل يسأل أحدا أن
ل يكون مثلً لكل الجيال ف العلم والعمل يناوله إياه ،وكل ذلك ليخرج منهم جي ً
والهاد والصب.
وبث فيهم رسول ال صلى ال عليه وسلم كل ما يتاجونه من علم كما قَالَ َأبُو َذرَّ ':لقَدْ
تَرَ َكنَا َرسُولُ اللّهِ صَلّى اللّ ُه عََليْ ِه َوسَلّ َم َومَا َيتَقَّلبُ فِي السّمَا ِء طَائِرٌ إِلّا ذَكّ َرنَا ِمنْهُ عِ ْلمًا'
رواه أحد .
ومن أجل ذلك كله كان أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم هم اليل الثال الذي
يب أن تتذيه كل أجيال المة ف اليانوالهاد ،والعمل والعلم ،وأن يقدم تفسيهم
للكتاب والسنة على كل تفسي ،وأن كل ما جاء مالفا لا قالـوه فليس من الدى
445
والدين ،فما ل يعرفه أصحاب الرسول صلى ال عليه وسلم من الدين فل شك أنه ليس
دينا.
ول شك أن أفضلهم بإطلق هو أبو بكر الصديق ،ث عمـر بن الطاب ،ث عثمان بن
عفان ،ث علي بن أب طالب رضي ال عنهم أجعي ،وفضلهم كترتيبهم ف اللفة.
الصل الرابع :الوالة بي السلم والسلم:
فكل مسلم أخ لكل مسلم تب عليه موالته ،ول يوز له أن يعتدي على دمه ،أو ماله،
أو عرضه.
وهذا الصل دلت عليه مئات النصوص من كتاب ال ،وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم،
منها:
قوله تعالِ }:إنّمَا الْ ُم ْؤ ِمنُونَ إِ ْخ َوةٌ ' {]10[...سورة الجرات' .وأكثر اليات ف سورة
الجرات.
حبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلَا َتفَرّقُوا وَاذْكُرُوا ِنعْ َمةَ اللّ ِه عََليْكُمْ ِإذْ ُكنْتُمْ وقوله تعال }:وَاعَْتصِمُوا ِب َ
حتُ ْم ِبِنعْ َمتِهِ ِإ ْخوَانًا ' {]103[...سورة آل عمران' .وما صبَ ْ
ف َبيْنَ ُقلُوبِكُمْ َفأَ ْ
َأعْدَاءً َفأَلّ َ
تلى ذلك من اليات من سورة آل عمران.
وقوله تعالِ }:إنّمَا وَِلّيكُمُ اللّ ُه وَ َرسُولُهُ وَالّذِينَ ءَامَنُوا الّذِي َن ُيقِيمُونَ الصّلَاةَ َوُي ْؤتُونَ الزّكَاةَ
َوهُمْ رَاكِعُونَ[]55وَمَ ْن َيَتوَلّ اللّ َه وَ َرسُولَهُ وَالّذِينَ ءَا َمنُوا فَِإنّ حِزْبَ اللّ ِه هُ ُم اْلغَاِلبُونَ[
' {]56سورة الائدة'.
وأما الديث فكثية جدا ،فمنها:
قوله صلى ال عليه وسلم ف حجة الوداع...' :فَِإنّ ِدمَاءَكُ ْم َوَأ ْموَاَلكُ ْم َوَأعْرَاضَكُ ْم عََلْيكُمْ
ح ْر َمةِ َيوْ ِمكُ ْم هَذَا فِي بَلَدِ ُك ْم هَذَا فِي َشهْرِكُ ْم هَذَا '...رواه البخاري ومسلم َحرَامٌ كَ ُ
والترمذي وابن ماجة والدارمي وأحد.
حبّ ِلَنفْسِهِ' رواه حبّ ِلأَخِيهِ مَا ُي ِ وقوله صلى ال عليه وسلم' :لَا ُي ْؤمِنُ أَحَدُكُمْ َحتّى يُ ِ
البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي وأحد .
ومنها :تعظيم رسول ال صلى ال عليه وسلم لقتل من نطق بالشهادتي ولو كان ظاهر
حاله ل يدل على صدقـه ،كما َعنّفَ النب صلى ال عليه وسلم أسامة بن زيد لا قتل
446
سيْفَ قَالَ لَا إِلَهَ رجلً كان قد قتل عدة رجال من السلمي فاتبعه أسامة فَلَمّا رَفَ َع عََليْهِ ال ّ
صلّى اللّ ُه عََليْ ِه َوسَلّمَ ':يَا ُأسَا َمةُ أََقتَ ْلتَهُ َبعْ َد مَا قَالَ لَا إِلّا اللّهُ َفقَتَلَهُ ُأسَا َمةَُ،فقَالَ َرسُولُ اللّهِ َ
ت يَا َرسُولَ اللّهِ ِإنّمَا كَانَ ُمَت َعوّذًا َفقَالَ ':أََقتَ ْلتَهُ َبعْ َد مَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلّا اللّهُ' إِلَهَ إِلّا اللّهُ' قَالَ :قُ ْل ُ
ت َي ْومَ اْل ِقيَا َمةِ' قَا َل يَا َرسُولَ اللّ ِه اسَْت ْغفِرْ لِي قَالَ': صنَ ُع بِلَا إِلَهَ إِلّا اللّهُ إِذَا جَاءَ ْ
' َف َكيْفَ َت ْ
جعَلَ لَا يَزِي ُد ُه عَلَى َأ ْن َيقُولََ ':كيْفَ ت َي ْومَ اْل ِقيَامَةِ' َف َصنَ ُع بِلَا إِلَهَ إِلّا اللّهُ إِذَا جَاءَ ْ
وَ َكيْفَ َت ْ
ت َي ْو َم الْ ِقيَا َمةِ' رواه البخاري ومسلم -وبعضهم يزيد على َتصْنَ ُع بِلَا إِلَهَ إِلّا اللّهُ إِذَا جَاءَ ْ
بعض وينقص ف روايته . -والنصوص ف حرمة السلم على أخيه السلم كثية جدا.
ومنها:إياب مموعة من العروف يب على السلم أن يقدمها لخيه السلم دون أخذ
أجر على ذلك بل من حق السلم على أخيه السلم كرد السلم وإلقائه ،وتشميت
العاطس وعيادة الريض ،واتباع النازة ،وإجابة الدعوة ،وإبرار القسم ،وكذلك التطوع
بالشهادة دون أن يأخذ على ذلك أجرا.
هذا مع وجوب نصره ظالا برده عن الظلم ،ومظلوما ف السعي لرفع الظلم عنه .كما قال
صَلّى اللّ ُه عََليْ ِه َوسَلّمَ':اْنصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا َأ ْو مَ ْظلُومًا' رواه البخاري والترمذي وأحد .
ومن فروع هذا الصل -أعن أخوة السلم لخيه السلم : -تري كل ما يدعو إل فرقة
بي السلمي ،ويفرق جاعتهم ،ويزق صفوفهم .فقد جاء السلم بتحري كل عصبية،
ولو كانت لسم شريف ،وفئة كرية ،كما أنكر الرسول صلى ال عليه وسلم على من
دعا إل تعصب النصار ضد الهاجرين ،والهاجرين ضد النصار فقال ':مَا بَالُ َد ْعوَى
الْجَاهِِلّيةِ َ ...دعُوهَا فَِإّنهَا ُمنِْتَنةٌ' رواه البخاري ومسلم والترمذي وأحد .
فكل العصبيات ف الدين مذمومة سواء كانت لفئة أو قبيلة ،أو جاعة ،أو وطن ،أو إقليم،
أو عال ،وقد ذم علماء السلم من تعصب لذهب من الذاهب الفقهية؛ لن هذا يؤدي-
وقد أدى -إل فرقة بي السلمي ،حت إنه أدى أحيانا إل الفرقة ف الصلة ،فكان بعضهم
ل يصلي الماعة خلف الخالف ف الذهب ،وكذلك ف الـزواج ،والقضاء والدارس،
حت جاء وقت كانت الذاهب الفقهية الدونة كأنا شرائع مستقلة .فكل عصبية تؤدي إل
فرقة ف الدين فهي مذمومة.
447
والواجب على أهل السلم جيعا :التمسك بأصل الوالة ف الدين ،وترك كل خلف
يؤدي إل الفرقة بي السلم والسلم .ففي اللف الدين يب الرد إل كلم ال ،وكلم
رسـوله ،واتباع أهل العلـم الذين هم أولو المر ،والتمسك بماعة أهل السلم،
وإجاعهم ،وعدم إخراج السلم من السلم بعصية ل تبلغ الكفر ول تبدعه ول تكفره،
وأن يوال كل مسلم يشهد أل إله إل ال ول يعاديه 'إل' بقدر معصيته ،ول يعاقب 'إل'
بقدر بدعته مع موالته ف أصل الدين ،وإبقائه ف جاعة السلمي ،وإعطائه ما للمسلم من
حق ف حرمة دمه وماله وعرضه ،ووجوب نصره ،ومبته ،وموالته.
الخالفون ف أصل الولء:
الــوارج :الذين خرجوا على السلمي بالسيف ،واستحلوا دماءهم وأموالم
بالعصية ،واعتقدوا خلود السلم الوحد ف النار إذا ارتكب كبية من الكبائر ،وهؤلء شر
الفرق.
أهل التأويل والتعطيل الباطل :الذين اخترعوا منهجا ف أساء ال وصفاته يقوم على نفي
وتريف كل ما وصف ال به ما زعموا أن إثباته يوجب الماثلة للقه ،وقد قالوا بكفر
من ل يعتقد معتقدهم ،وينه ال حسب زعمهم وتأويلهم.
التنطعون التشددون الراحون :الذين أخرجوا السلم من السـلم بجرد أن يقع ف
خطأ بتأويل أو اجتهاد ،والذين يتتبعون سقطات العلماء ،ول يغفرون زلة ،ول يعذرون
جاهلً ول ناسيا ،ول متأولً ،ويأخذون السلم بلزم قوله.
الجتمعون على عصبية :يوالون عليها ويعادون عليها أيا كانت هذه العصبية من مذهب
فقهي ،أو جاعة دعوية ،أو هوية سياسية ،أو دولة إقليمية.
كـل صـاحـب هــوى وبدعــة :ينصر هواه ،ويوال من يوافقه ف بدعته،
ويارب من يالفه ،ول يرجع ف خلفه إل كلم ال ورسوله.
الختلفون بسبب هذه الدنيا الفانية :ويوالون عليها ويعادون عليها ،ويقتلون ف سبيلها،
فيقطعون الرحام ،ويهدمون أخوة السـلم ،ويسفكون الدم الرام ،ويفرقون أمة
السلم ،وكل ذلك بسبب هذا الطام!!!
الصل الامس :الباءة من الكفار:
448
أرسل ال سبحانه وتعال رسله إل أهل الرض مبشرين ومنذرين ،وشاء ال سبحانه
وتعال أن ينقسم الناس إزاء دعوة رسله إل مؤمن وكافر .وأن يظل هذا اللف ما بقيت
الدنيا.
ومن أجل سنة ال هذه ف خلقه وعباده ،فإنه أرسل الرسل مبشرين من أطاعهم بالنة،
ومنذرين من عصاهم بالنار ،وداعي إل ال يبينون الطريق والصراط إليه ،وأمر ال الرسل
وأتباعهم أن ياهدوا الكفار بأنفسهم وأموالم وألسنتهم .وأن يوال أهل اليان بعضهم
بعضا ،وأن يعادي أهل اليان أهل الكفران ،فل يبوهم ،وليركنوا إليهم ،حت ولو كان
الؤمن وحيدا ف هذه الرض كما ضرب ال لتباع رسوله ممد صلى ال عليه وسلم
ل بإبراهيم عليه السلم ول يكن مؤمن ف الرض غيه وزوجه سارة ،ول يؤمن به غي مث ً
سَنةٌ فِي ِإبْرَاهِي َم وَالّذِينَ َمعَهُ إِذْ قَالُوا لوط ابن أخيه ،قال تعالَ }:قدْ كَاَنتْ َلكُمْ ُأ ْسوَةٌ حَ َ
ِل َقوْ ِمهِمْ ِإنّا بُرَآ ُء ِمنْكُ ْم َومِمّا َت ْعبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ َكفَ ْرنَا ِبكُ ْم َوبَدَا َبْيَننَا َوَبْينَكُ ُم اْلعَدَاوَةُ
وَالَْب ْغضَاءُ َأبَدًا َحتّى ُت ْؤ ِمنُوا بِاللّ ِه وَحْ َدهُ ' {]4[...سورة المتحنة'.
ولذلك أوجب ال على أهل السلم مفارقة ما عليه آباؤهم وأهلهم من الكفر ،ومعاداتم
ف الدين،
حبّوا اْلكُفْرَ خذُوا ءَابَاءَكُ ْم َوإِ ْخوَاَنكُمْ َأوْلِيَاءَ ِإنِ ا ْستَ َقال تعال }:يَاَأيّهَا الّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتّ ِ
ك هُمُ الظّالِمُونَ['{ ]23سورة التوبة'. عَلَى الْإِيَانِ َومَ ْن َيَتوَلّهُ ْم ِمْنكُمْ َفأُولَئِ َ
وأوجب كذلك سبحانه وتعال معاداة الناس جيعا من اتبع غي دين السلم ،ولو كانوا
خذُوا اْلَيهُودَ وَالّنصَارَى أكثر عددا ،وأعظم قوة ،كما قال تعال }:يَاَأيّهَا الّذِينَ ءَامَنُوا لَا َتتّ ِ
ض َومَ ْن َيتَوَّلهُ ْم ِمْنكُمْ فَِإنّهُ ِمْنهُمْ ِإنّ اللّهَ لَا َيهْدِي اْل َق ْومَ الظّالِ ِميَ[ َأوْلِيَا َء َب ْعضُهُمْ َأوِْليَا ُء َبعْ ٍ
' {]51سورة الائدة'.
وجعل ال سبحانه وتعال موالة ونصرة السلم للكافر على السلم كفرا به سبحانه
ي َومَنْخ ِذ الْ ُم ْؤمِنُونَ اْلكَافِرِينَ َأوِْليَاءَ مِنْ دُونِ الْ ُم ْؤ ِمنِ َ
وتعال ،كما قـال تعال }:لَا َيتّ ِ
س مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلّا َأنْ َتّتقُوا ِمنْهُ ْم ُتقَاةً َويُحَذّرُكُمُ اللّ ُه َنفْسَ ُه َوإِلَى اللّهِ َيفْعَلْ ذَلِكَ فََلْي َ
خفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ َأوْ ُتبْدُو ُه َيعْلَمْهُ اللّ ُه َوَيعْلَ ُم مَا فِي السّ َموَاتِ الْ َمصِيُ[]28قُلْ إِ ْن تُ ْ
َومَا فِي اْلأَ ْرضِ وَاللّ ُه عَلَى كُ ّل َشيْءٍ َقدِيرٌ['{]29سورة آل عمران'.
449
وأمر ال سبحانه وتعال أهل السـلم أن يلزموا صراط ال الستقيم ،وشريعة ال السلم
الت اختصهم با ،ول يلطوا دينهم بغيه ف عقيدة أو عبادة ،وأل يتشبهوا بأعداء ال .قال
تعال }:قُ ْل يَاَأيّهَا اْلكَافِرُونَ[]1لَا َأ ْعبُ ُد مَا َتعْبُدُونَ[]2وَلَا َأنْتُ ْم عَابِدُونَ مَا َأ ْعبُدُ[]3وَلَا َأنَا
عَابِدٌ مَا َعبَ ْدتُمْ[]4وَلَا َأْنتُ ْم عَابِدُو َن مَا َأعْبُدُ[]5لَكُمْ دِينُكُ ْم وَِليَ دِينِ[' {]6سورة
الكافرون'.
سيْفِ َحتّى ُيعْبَدَ اللّ ُه وَ ْح َدهُ لَا وقال صلى ال عليه وسلمُ': :بعِْثتُ َبيْ َن يَدَيْ السّا َعةِ بِال ّ
صغَا ُر عَلَى مَنْ خَالَفَ َأمْرِي ت ظِلّ ُرمْحِي وَ ُجعِلَ الذّّل ُة وَال ّ ح َ شَرِيكَ لَهُ -وَ ُجعِلَ رِزْقِي تَ ْ
َومَ ْن تَشَبّ َه ِب َق ْومٍ َف ُه َو ِمْنهُمْ' رواه أحد ،وصححه اللبان ف صحيح الامع رقم .2831
ث النب صلى ال عليه وسلم بالسيف هو تكليفه بقتال الكفار حت يشهدوا أل إله إل وبَ ْع ُ
ال ،وأن ممدا رســول ال ،كما قال صلى ال عليه وسلمُ' :أ ِمرْتُ أَنْ أُقَاتِ َل النّاسَ
ح ّقهَاَحتّى َيقُولُوا لَا إِلَهَ إِلّا اللّهُ فَإِذَا قَالُوا لَا إِلَهَ إِلّا اللّ ُه َعصَمُوا ِمنّي ِدمَا َءهُ ْم َوأَ ْموَاَلهُمْ إِلّا ِب َ
وَحِسَاُبهُ ْم عَلَى اللّهِ' متفق عليه .
وف أهل الكتاب أمر النب صلى ال عليه وسلم بقتالم ليسلموا ،أو يدفعوا الزية ،كما
ح ّرمُو َن مَا حَ ّرمَ قال سبحانه وتعال} :قَاتِلُوا الّذِينَ لَا ُي ْؤ ِمنُونَ بِاللّ ِه وَلَا بِالَْي ْومِ الْآخِ ِر وَلَا يُ َ
ج ْزَيةَ عَ ْن يَ ٍد َوهُمْ اللّ ُه وَ َرسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَ ّق مِ َن الّذِينَ أُوتُوا الْ ِكتَابَ َحتّى ُيعْطُوا الْ ِ
صَاغِرُونَ[' {]29سورة التوبة'.
وهذه هي الباءة من الكفار ،والفصل الكامل بي ديننا ودينهم ،وطريق أهل السلم
وطريقهم ،والذر من اتاذهم أولياء ،بل ول بطانة وأعوانا ،كما قال تعال }:يَاأَّيهَا
ت اْلبَ ْغضَاءُ الّذِينَ ءَا َمنُوا لَا َتتّخِذُوا بِطَاَنةً مِنْ دُوِنكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ َخبَالًا َودّوا مَا َعِنتّمْ قَ ْد بَدَ ِ
صدُو ُرهُمْ أَكْبَرُ َق ْد َبيّنّا َلكُ ُم الْآيَاتِ ِإنْ ُكنْتُ ْم َت ْعقِلُونَ[]118 خفِي ُ مِنْ أَ ْفوَا ِههِ ْم َومَا تُ ْ
{'سورة آل عمران' .هذه الباءة وما يتبعها من العداوة ف الدين ،ومالفة أصحاب
الحيم ،والذر من اتاذهم بطانة ...ال أصل من أصول السـلم ،وقد خالفته طوائف
كثية؛ فكان من هذه الخالفة الشر والفساد الكبي الذي حذر ال منه .كما قال تعال}:
إِلّا تَ ْفعَلُو ُه تَكُنْ ِفْتَنةٌ فِي اْلأَ ْرضِ وَفَسَادٌ َكبِيٌ[' {]73سورة النفال' والضمي فَ }:ت ْفعَلُوهُ
450
{ راجع إل ما أمر ال به من وجوب موالة السلمي بعضهم بعضا ،ووجوب الذر من
موالة الكفار.
الخالفون لذا الصل:
الفرق الباطنية من أهل النفاق والكفر الذين كانوا ف كل أدوار تاريهم عونا للكفار
على السلمي ،وإلبا على أولياء ال من الصالي ،وعونا لليهود والنصارى والغـول
الكافرين على السلمي.
النافقون الستغربون ،الذين فتنوا با عليه الغرب الكافر ف علومه وثقافاته وعاداته وطرائق
معيشته؛ فحاولوا التوفيق -ف زعمهم -بي السـلم وبي الضارة الغربيةَ }:وإِذَا قِيلَ
ت الْ ُمنَاِفقِيَ يَصُدّو َن عَنْكَ صُدُودًا[{]61 َلهُ ْم َتعَاَلوْا إِلَى مَا َأنْزَلَ اللّ ُه َوإِلَى ال ّرسُولِ َرَأيْ َ
'سورة النساء'.
ويتعللون دائما بوافقتهم لعداء السـلم قائليِ }:إنْ أَرَ ْدنَا إِلّا إِحْسَانًا َوَتوْفِيقًا[
'{]62سورة النساء'.
الصل السادس :أمة السلم هي خي أمة أخرجت للناس:
من أصول السـلم الت يب علي كل مسلم اعتقادها ،ويكفر من قال بنقضيها:
العتقاد أن أمة ممد صلى ال عليه وسلم هي خي أمة من أمم الداية أخرجت للناس،
ف َوتَْن َهوْ َن عَ ِن الْ ُمْنكَرِ
قال تعالُ }:كْنتُمْ َخيْرَ ُأ ّمةٍ أُخْ ِر َجتْ لِلنّاسِ َت ْأمُرُونَ بِالْ َم ْعرُو ِ
َوُتؤْ ِمنُو َن بِاللّ ِه وََلوْ ءَامَنَ َأهْ ُل اْلكِتَابِ َلكَانَ َخْيرًا َلهُ ْم ِمْنهُ ُم الْ ُم ْؤ ِمنُو َن َوأَكْثَ ُرهُ ُم اْلفَا ِسقُونَ[
' {]110سورة آل عمران'.
وهذه اليية والفضل كان لسباب كثية:
منـها :كرم الصل ،ونفاسة الرثومة ،وطيب العدن كما قال صلى ال عليه وسلم:
ض ِة وَال ّذهَبِ ِخيَا ُرهُمْ فِي الْجَاهِِلّيةِ ِخيَا ُرهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا َف ُقهُوا 'النّاسُ َمعَا ِدنُ كَ َمعَا ِد ِن اْلفِ ّ
' ...رواه مسلم .وقال أيضا صلى ال عليه وسلمَ ' :خْي ُر النّاسِ َق ْرنِي ثُ ّم الّذِي َن يَلُوَنهُ ْم ثُمّ
حبّونَ السّمَنَ يُعْطُونَ الشّهَا َدةَ َقبْلَ َأنْ الّذِينَ يَلُونَهُ ْم ثُ ّم َي ْأتِي مِ ْن َبعْ ِدهِمْ َق ْومٌ يَتَسَ ّمنُونَ َويُ ِ
يُسْأَلُوهَا' رواه الترمذي وأحد والـاكم وصححه اللبان ف صحيح الامع رقم
.3294
451
ومن أجل ذلك كانت أمانتهم وصدقهم وشجاعتهم منطلقا لمل رسالة السلم بصدق
وإخلص ،وتفان وشجاعة ،فكانوا كما قال تعال }:مِ َن الْ ُم ْؤ ِمنِيَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا
حبَ ُه َو ِمْنهُ ْم مَ ْن َينْتَظِرُ َومَا بَدّلُوا َتبْدِيلًا['{ ]23سورة عَاهَدُوا اللّ َه عََليْهِ فَ ِمْنهُ ْم مَنْ َقضَى نَ ْ
الحزاب'.
وقال سبحانه وتعال ف مدحهم }:مُحَمّدٌ َرسُولُ اللّ ِه وَالّذِينَ َمعَهُ َأشِدّاءُ عَلَى اْل ُكفّارِ
ضوَانًا سِيمَاهُمْ فِي ُوجُوهِهِ ْم مِنْ رُ َحمَا ُء َبيَْنهُ ْم تَرَاهُمْ رُ ّكعًا سُجّدًا َيْبتَغُونَ َفضْلًا مِنَ اللّهِ وَرِ ْ
ج شَ ْطأَهُ فَآ َز َرهُ
ك َمثَُلهُمْ فِي الّتوْرَا ِة َو َمثَُلهُمْ فِي الِْإنْجِيلِ َكزَ ْرعٍ أَخْ َر َ
َأثَرِ السّجُودِ ذَلِ َ
ظ ِبهِ ُم الْ ُكفّا َر َوعَدَ اللّ ُه الّذِينَ ءَا َمنُوا
جبُ الزّرّاعَ ِليَغِي َ فَا ْستَغْلَظَ فَا ْستَوَى عَلَى سُوقِهِ ُيعْ ِ
ت ِمْنهُ ْم َم ْغفِ َرةً َوأَ ْجرًا عَظِيمًا['{ ]29سورة الفتح' .ول يوجد ف أمة من َوعَمِلُوا الصّالِحَا ِ
أمم الداية ما وجد ف هذه المة من العلماء والعباد ،والجاهدين ،والشهداء والزهاد.
ومنها :أنم أطول المم عمرا ف الدعوة إل ال وهداية الناس ،وبقاء الق فيهم ما بقيت
الدنيا ،فل تزال طائفة منهم على الق ل يضرهم من خذلم ،ول من خالفهم حت يقاتل
آخرهم الدجال.
ولجل ذلك جعلهم ال سبحانه وتعال أمة وسطـا عدولً قال تعال }:وَكَذَلِكَ
َجعَ ْلنَاكُمْ ُأ ّم ًة َوسَطًا ِلتَكُونُوا ُشهَدَاءَ عَلَى النّاسِ َوَيكُونَ ال ّرسُو ُل عََلْيكُمْ َشهِيدًا]143[...
{'سورة البقرة'.
فهم شهداء ال ف أرضه من شهدوا له بالصلح؛ نال النة ،ومن شهدوا عليه بالشر؛
كانت النار مصيه .بل يشهدون لكل نب على أمته با أنزل ال إليهم من القرآن.
ولجل هذه الهمة العظيمة ،وهذه اليية الطلقة على كل أمم الرض فإن ال اختصهم
بأنواع كثية من رحته ،منها:
أن العبادات الت كلفوا با قليلة ،ولكن جعل ال لم من الجر ضعف ما أعطى المم
السابقة كما قال تعال }:يَاَأّيهَا الّذِينَ ءَا َمنُوا اتّقُوا اللّ َه وَءَا ِمنُوا بِ َرسُولِهِ ُي ْؤِتكُمْ ِكفَْليْنِ مِنْ
جعَلْ َلكُ ْم نُورًا تَمْشُونَ بِ ِه َوَيغْفِرْ َلكُمْ وَاللّ ُه َغفُورٌ رَحِيمٌ[' {]28سورة الديد'. رَ ْح َمتِهِ َويَ ْ
وقال صلى ال عليه وسلم':مَثَُلكُ ْم َو َمثَ ُل اْليَهُو ِد وَالّنصَارَى كَ َمثَلِ رَ ُجلٍ ا ْسَتعْمَ َل عُمّالًا
َفقَا َل مَ ْن َيعْمَلُ لِي إِلَى ِنصْفِ الّنهَا ِر عَلَى قِيَاطٍ َفعَ ِمَلتْ الَْيهُودُ َفقَا َل مَ ْن َيعْمَلُ لِي مِنْ
452
ت النّصَارَى ثُمّ أَْنتُ ْم َتعْمَلُو َن مِ ْن الْ َعصْرِ إِلَى
ِنصْفِ الّنهَارِ إِلَى اْلعَصْرِ عَلَى قِيَاطٍ َفعَمَِل ْ
ب ِبقِيَاطَيْنِ قِيَاطَيْنِ قَالُوا نَحْنُ أَ ْكثَ ُر عَمَلًا َوأَقَ ّل عَطَاءً قَا َل هَ ْل ظَلَ ْمُتكُ ْم مِنْ َح ّقكُمْ
الْ َمغْرِ ِ
قَالُوا لَا قَالَ فَذَاكَ َفضْلِي أُوتِي ِه مَ ْن ِشْئتُ' رواه البخاري.
وقد حفظ لم القرآن من التغيي والتبديل ،وحفظ لم سنة نبيهم ،ول يت رسول ال
ويتركهم إل وقـد أسس الدين ،وأت ال به النعمة ،وكملت الشريعة ،وتركهم على مثل
الحجة ،ومكن ال لم ف الرض فأصبحت الزيرة العربية كلها خاضعة للدين .وهذا
بلف جيع الرسل قبل رسولنا ممد صلى ال عليه وسلم ،فإن موسى عليه السلم مات
وقومه ما زالوا ف التيه .وعيسى عليه السلم رفعه ال إل السماء ،وتلمذته خائفون
متفون من أعدائهم.
والصائص والفضائل الت اختصت با هذه المة كثية جدا ...من أجل ذلك يب
اعتقاد هذا الفضل لمة السلم ،وتعظيم أصحاب رسول ال الذين هم خلصة المة،
ونقاوتا ،وأهل السبق والسابقة فيها وهذا من عقائد السلم الراسخة.
خاتة :واللصة أن من ثوابت السلم وأصوله الصيلة :العتقاد بكمال القرآن
وحفظه ،وأنه ل يوجد قرآن غيه بأيدي أحد من الناس ،ووجوب التحاكم إل هذا
القرآن ف الصغي والكبي ،وتكيمه ف حياة المة ،ووضعه حيث وضعه ال سبحانه من
الكم به ف جيع شئوننا.
ل }مَ ْن يُطِعِ ال ّرسُولَ َفقَدْ َأطَاعَ وكذلك حجية السنة وأنا بنلة القرآن اعتقادا وعم ً
اللّهَ' {]80[...سورة النساء'.
واليان بعدالة أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وأمانتهم ف نقل القرآن والسنة،
وأنم النموذج الذي يب أن يتذى ف الدين والهاد والصب ،وكذلك ف فهم الدين
اعتقادا ،وعملً.
والعتقاد بفضل آل بيت النب صلى ال عليه وسلم ،وإنزالم منلتهم ،وأنم كانوا مع
القرآن ل يفارقوه .
ووجوب الوالة بي أهل السلم جيعا ،ووجوب العاداة والباءة من الكفار جيعا ولو
كانوا من الباء والخوان .
453
واعتقاد فضل هذه المة السلمية على جيع أمم الداية ،وأنم حلة رسالة ال الاتة إل
أهل الرض جيعا .ووجوب قيامهم با كلفهم ال بهُ }:كْنتُمْ َخيْرَ ُأ ّمةٍ أُخْ ِر َجتْ لِلنّاسِ
ف َوَتنْ َه ْونَ عَ ِن الْ ُمْنكَ ِر َوُت ْؤمِنُونَ بِاللّهِ' {]110[...سورة آل عمران'. تَ ْأمُرُو َن بِالْ َمعْرُو ِ
وعالية رسالة السلم ،وأنه الدين الذي يب أن يكون دين الناس جيعا ،وأن البشر
جيعا يب إن يضعوا له كما قال تعال }:وَقَاتِلُوهُمْ َحتّى لَا َتكُونَ ِفْتَنةٌ َوَيكُونَ الدّينُ
كُلّهُ لِلّهِ' {]39[...سورة النفال' .وقوله تعالُ }:ق ْل يَاأَّيهَا النّاسُ ِإنّي َرسُولُ اللّهِ إَِلْيكُمْ
جَمِيعًا' {]158[ ...سورة العراف'.
وأن غاية الرسالة الحمدية هي تعبيد الناس ل سبحانه وتعال .وأن هذه هي مهمة الرسل
جيعا قبل رسولنا صلى ال عليه وسلم }:وََلقَ ْد َب َعْثنَا فِي كُلّ ُأ ّمةٍ َرسُولًا أَ ِن ُاعْبُدُوا اللّهَ
وَا ْجتَِنبُوا الطّاغُوتَ' {]36[ ...سورة النحل'.
وأن السلم جاء ليهذب النفوس ،ويزكيها باليان والعمل الصال واللق الكريِ' :إنّمَا
ُبعِْثتُ ِلُأتَمّمَ صَالِ َح الْأَ ْخلَاقِ' رواه أحد والبخاري ف الدب الفرد .وأن على دعاة السلم
أن يعملوا لبناء هذا النسان الصال ،والسلم الكري ،والنمـوذج الذي يتذى به كما
جاءت أوصافه ف الكتاب والسنة.
وكذلك وجوب العتقاد بشرف اللغة العربية؛ لنول القرآن با ،وأنا لسان الرسول
الات صلى ال عليه وسلم ،وجعل هذه العربية هي اللغة الول لكل مسلم ف الرض؛
لنه ل تتم عبادته ف صلته إل با ،ول يفهم السلم فهما كاملً إل بمعها ،ومعرفتها
بعلومها البالغة اثن عشر علما ،أهها ورأسها':علم النحو'.
وكذلك اعتقاد أنه ل عصمة لحد من خطأ بعد رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وأن
الجتهاد حق بل واجب على كل من استكمل آلته من علماء السـلم؛ لنه ل بصية،
ول عمل بالكتاب والسنة والدين إل باجتهاد أهل العلم ،الذين ينلون آيات القرآن
منازلا ،وسنة رسول ال صلى ال عليه وسلم مواقعها ،هذا مع وجوب حفظ تراث أهل
العلم وجهودهم ف تبويبه وتأصيله ،وفقهه وتعليمه ،وأل تكون مذاهب العلماء بثابة
شرائع مستقلة لهل الســلم حت ل يتفرقوا ف الدين.
من مقال ':الثوابت الساسية ف السلم' ....للشيخ /عبد الرحن عبد الالق
454
================
من مواقف قريش الضادة للدعوة السلمية ف مكة
الميس 13شوال 1425هـ 25 -نوفمب 2004م مفكرة السلم :
تتاج المة ،وهي تتلمس طريقها نو النهضة إل ما يسمى ':بالس التاريي' تعي فيه
ذاتا وتقق أصالتها ،وأي أمة خلت من هذا الس التاريي؛ هي أمة تابعة مقلدة لهثة،
ل تعي ذاتا وبالتال ل تلك ذاتا ،ومصيها يكون إل زوال.
ودراسة الدعوة السلمية ف مراحلها الول طريق إل إياد الس التاريي ف هذه المة،
وإنعاشه وبلورته إل عمل فعّال ف استثارة كوامن الطاقات السلمية وتميعها وتوجيهها
نو الي والعطاء .وقد واجهت الدعوة السلمية من اللحظة الول لظهورها الوثنية
وتزعمتها قريش ،وبشكل خاص بعد أن اعتَنق الدعوة كثي من أهل الفضل منهم ،ووقفوا
ف سبيلها بختلف الوسائل ،ومن هذه الوسائل:
-1اتام الرسول صلى ال عليه وسلم بختلف التهم ليبعدوا الناس عنه :فكانوا
ي اكَْتَتبَهَا َف ِهيَ تُمْلَى عََليْهِ يقولون':هذا أساطي الولي' ,قال تعال{:وَقَالُوا َأسَاطِيُ اْلَأوّلِ َ
بُكْ َر ًة َوأَصِيلًا[[}]5سورة الفرقان] .ونعتوا الرسول صلى ال عليه وسلم بالكاهن حينا،
والكاذب الفتري حينا ،والتعلم القتبس من غيه حينا ,وظلوا يكرّرون ذلك حت آخر
جبُوا َأنْ جَا َءهُ ْم ُمنْذِ ٌر ِمنْهُ ْم وَقَا َل الْكَافِرُو َن هَذَا سَا ِحرٌ العهد الكي ,قال تعالَ {:وعَ ِ
ك ا ْفتَرَاهُ
كَذّابٌ[[}]4سورة ص] .وقال سبحانه {:وَقَا َل الّذِينَ َكفَرُوا إِ ْن هَذَا إِلّا إِفْ ٌ
َوأَعَانَ ُه عََليْهِ َق ْومٌ آ َخرُونَ َفقَدْ جَاءُوا ظُ ْلمًا وَزُورًا[[}]4سورة الفرقان] .ووصفوا القرآن
ح ٌر ُمبِيٌ[ بالسحر ،قال تعال...{:وَقَا َل الّذِينَ َكفَرُوا ِللْحَقّ َلمّا جَا َءهُمْ ِإ ْن هَذَا إِلّا سِ ْ
[}]43سورة سبأ].
-2اتبعوا أسلوب الِجاج ،فكانوا ياجّون الرسول صلى ال عليه وسلم :وهو أسلوب
أهل الكتاب،
ومن قوله سبحانه وتعال يبيّن أسلوبم ف الجاجَ {:سَيقُو ُل الّذِينَ َأشْرَكُوا َل ْو شَاءَ اللّ ُه مَا
ب الّذِي َن مِنْ َقبِْلهِمْ َحتّى ذَاقُوا َب ْأ َسنَا قُلْ َأشْرَ ْكنَا وَلَا آبَا ُؤنَا وَلَا حَ ّر ْمنَا مِ ْن َشيْءٍ َكذَلِكَ كَذّ َ
خرُصُونَ[ خرِجُوهُ َلنَا ِإنْ تَّتِبعُونَ إِلّا الظّ ّن َوإِنْ َأنْتُمْ إِلّا تَ ْ
هَ ْل عِنْدَكُ ْم مِنْ عِلْمٍ َفتُ ْ
455
حيَا َومَا ت َونَ ْ [}]148سورة النعام] .وقوله تعال {:وَقَالُوا مَا ِهيَ إِلّا َحيَاتُنَا ال ّدْنيَا نَمُو ُ
ك مِ ْن عِلْمٍ ِإ ْن هُمْ إِلّا يَ ُظنّونَ [َ ]24وإِذَا ُتتْلَى عََلْيهِ ْم آيَاُتنَا ُيهِْلكُنَا إِلّا ال ّدهْ ُر َومَا َلهُ ْم بِذَلِ َ
جَتهُمْ إِلّا َأنْ قَالُوا اْئتُوا بِآبَائِنَا ِإنْ ُكْنتُمْ صَادِقِيَ[[}]25سورة الاثية]. ت مَا كَانَ حُ ّ َبيّنَا ٍ
-3مطالبة الرسول بالعجزات وتدّيه :فقد طالبوه بالعجزات واليات برهانا على صدق
ض َيْنبُوعًا[َ]90أوْ تَكُونَ جرَ َلنَا مِ َن الْأَ ْر ِ
دعواه ،قال سبحانه{:وَقَالُوا لَ ْن ُن ْؤمِنَ لَكَ َحتّى تَفْ ُ
لَكَ َجّن ٌة مِ ْن نَخِي ٍل َو ِعنَبٍ َفُتفَجّ َر اْلأَْنهَارَ خِلَاَلهَا َتفْجِيًا[َ]91أوْ تُسْقِطَ السّمَاءَ كَمَا
ك َبْيتٌ مِنْ زُخْ ُرفٍ َأوْ سفًا َأوْ َت ْأتِ َي بِاللّ ِه وَالْمَلَاِئ َكةِ َقبِيلًا[َ]92أوْ يَكُونَ لَ َ
َزعَ ْمتَ عََليْنَا كِ َ
تَرْقَى فِي السّمَا ِء وَلَ ْن ُن ْؤمِنَ لِرُِقيّكَ َحتّى ُتنَزّ َل عََلْينَا ِكتَابًا َنقْ َر ُؤهُ قُلْ سُبْحَانَ َربّي هَلْ ُكنْتُ
إِلّا بَشَرًا َرسُولًا[[}]92سورة السراء].
-4ماولة استمالة الرسول صلى ال عليه وسلم ،وإقناعه بالعدول عن الدعوة :فقد عرض
عليه زعماء قريش اللك والال والنساء ،أرسلوا إليه عتبة بن ربيعة سيد قومه ،فذهب إليه
وهو يصلي ف السجد فقال له' :يا ابن أخي ،إنك منا حيث قد علمت ،من خيارنا حسبا
ونسبا ،وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جاعتهم ،وسفهت به أحلمهم،
وعبت به آلتهم ودينهم ،وكفرت به من مضى من آبائهم ،فاسع من أعرض عليك أمورا
تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها :إن كنت تريد با جئت به من هذا المر مالً جعنا لك
من أموالنا حت تكون أكثرنا مالً ،وإن كنت تريد شرفا سوّدناك علينا حت ل نقطع أمرا
دونك ،وإن كنت تريد ملكا ملكناك علينا ،وإن كان هذا الذي يأتيك رئيًا من الن ل
تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطبيب ,وبذلنا فيه أحوالنا حت نبئك منه'...إل
القصة.
فهكذا كان زعماء قريش ياولون إقناع ممد صلى ال عليه وسلم بالعدول عن الدعوة،
أو التنازل عن شيء منها مقابل تنازلم عن أشياء ،فكان قوله تعالَ {:ودّوا َل ْو تُ ْدهِنُ
َفيُ ْدهِنُونَ[[}]9سورة القلم] .فثبت الرسول أصحابه ف الوقف الذي ل يتمل مساومة،
ول تعددا.
-5أسلوب التعذيب :لا رأى زعماء قريش إصرار الرسول صلى ال عليه وسلم ،وانتشار
السلم؛ توجهوا إل مقاومة السلم عن طريق تعذيب العبيد والضعفاء من السلمي؛
456
ليعودوا إل الشرك ،وليحولوا دون إسلم الزيد ،فكان من صور هذا التعذيب :أن يعرّى
صدر السلم ،ويطرح فوق الرمال التوهجة من شدة حرارة الشمس ،ويوضع على
أجسادهم الصخور الثقيلة ،وينع عنهم الاء والطعام ،وتقيّد أيديهم وأرجلهم بقيود
الديد ،ويلدون بالسياط جلدًا شديدًا ،فزهقت أرواح بعضهم.
ومن بي الذين تعرضوا لثل هذا العذاب :ياسر وزوجته سية ،وابنهما عمار ،وبلل بن
رباح ,وخباب بن الرت ،فكان الشركون يرجون ياسرا وزوٍجة وابنه إل البطح إذا
صبْرًا َآلَ
حيت الرمضاء ويعذبونم برّها ،فيمر الرسول صلى ال عليه وسلم ،فيقولَ [ :
لّنةُ] رواه الاكم والطبان ف الكبي والوسط والبيهقي ف شعب يَاسِرٍ فَإنّ َم ْوعِدَكُ ْم ا َ
اليان .وقد مات ياسر وهو يعذّب ،وأما زوجه فقد طعنها أبو جهل بربة فقتلها.
وقد ضرب السلمون مثلً خالدًا للتمسّك بالعقيدة ،وتمّل أنواع الذى ،والتضحية
بالنفس ،وكان بعضُ السلمي الغنياء -وخاصة أبا بكر -يشترون الرقاء الضطهدين من
مالكيهم ،وينقذونم.
ث خطا الشركون خطوة أخرى ف التعذيب :فأخذوا يعتدون على السلمي جيعًا ودون
تييز حت شل العتداء ذوي الثراء والوجاهة والقوة :كأب بكر ،وعثمان ،والزبي،
وطلحة ،وأب عبيدة ،وعثمان بن مظعون ،فقد ش ّد نوفل بن خويلد وكان يسمى [أسد
قريش] أبا بكر وطلحة القرشيي ببل واحد ،فسميا القريني ,وعذب أبو أحيحة ابنه
خالد بن سعيد بن العاص ،فكان يضربه بقراعة ف يده حت يكسرها على رأسه ،ث يأمر
ببسه ويضيّق عليه ،وييعه ويعطشه ،حت لقد مكث ف حر ّمكة ثلثا ما ذاق ماءً.
ونتيجة لتعرض السلمي جيعا للعذاب أذن رسول ال صلى ال عليه وسلم لصحابه
بالجرة إل البشة ف السنة الامسة من بعثته.
-6تديد الرسول صلى ال عليه وسلم بالكف عن دعواه ،والعدوان عليه :حي باءت
أساليب مقاومة كفار قريش بالفشل؛ لأوا إل عمه أب طالب ،وقال زعماؤهم' :يا أبا
طالب إن ابن أخيك قد سبّ آلتنا ،وعاب ديننا ،وسفّه أحلمنا ،فإما أن تكفّه عنا ،وإما
أن تلّي بيننا وبينه' .فردّهم أبو طالب ردّا جيلً دون أن يتوقف صلى ال عليه وسلم عن
نشاطه ،أو يتهاون ف الدعوة.
457
فعاودوا الكرة ،وخاطبوا أبا طالب بلهجة التوعد الهدد ،وأنم لن يصبوا على هذا
الال ،وخيّوه بي أن ينعه عمّا يقول ،أو ينازلوه وإياه حت يهلك أحد الطرفي ،فعظم
المر على أب طالب فكلّم ممدا صلى ال عليه وسلم با جاء به إليه قومه وقال له:
'يا ابن أخي ،إن قومك جاءون وقالوا ل كذا وكذا ،فأبق عليّ وعلى نفسك ول تملن
من المر مال أطيق' .فكان ردّ البلّغ الداعية إل القّ الذي يمل نفسا أبيّة ل تعرف
الذل ،ول تنحن للوهن ،ينظر إل خصمه من علٍ؛ لنه يستمد القوة من عزيز حكيم،
ينظر إل زخارف الدنيا وكأنا أوراق الريف تتطاير ف الواء ،ويتقر أبة الشرك
وعظمته ،يستعلي على الدنيا بإيانه ،فهو على الق وان لقي العنت الشديد ,قال صلى ال
شعِلُوا لِي ِمْنهَا ُشعَْل ًة َ -يعْنِي
ك عَلَى َأنَ تُ ْ
عليه وسلم[ :مَا َأنَا ِبأَقْدِ َر عَلَى أَنْ أَ َدعَ َلكُمْ ذَلِ َ
الشّ ْمسَ ] -رواه أبويعلى وابن عساكر .فطمأنه أبو طالب ووعده الستمرار ف حايته.
فعاد زعماء قريش إل أب طالب يعرضون عليه عمارة بن الوليد أوسم شباب قريش
ليسلموه إليه على أن يسلمهم ممدا صلى ال عليه وسلم ،فردهم ساخرا بقوله' :بئس ما
تسومونن ،أتعطونن ابنكم أغذوه لكم ،وأعطيكم ابن تقتلونه!!' .فاته بعضهم إل إنزال
الذى بالرسول صلى ال عليه وسلم مباشرة ،ومن الذين اشتدوا ف إيذائه صلى ال عليه
وسلم :أبو جهل ،وأبو لب عمه ،وأم جيل زوجة أب لب ،وعقبة بن أب معيط ،ولكنّ
إسلم حزة ،ث عمر بن الطاب كفّ القرشيي عن بعض ما كانوا ينالون به الرسول
صلى ال عليه وسلم من أذى خوفا منهما .وف أثناء ذلك استمر القرآن الكري يردّد
مشاهد الشدة والعنف مع الشركي يندّد بم ،وينذرهم بسوء الصي ،ويصبّر الرسول
صلى ال عليه وسلم والسلمي ،ويعدهم بالنصر والتأييد ،وحسن العاقبة.
-7أسلوب القاطعة :إزداد حنق الشركي من قريش إزاء صب الرسول صلى ال عليه
وسلم والسلمي على الذى والتعذيب وإصرارهم ف الضي بالدعوة ،وإزاء فشو السلم
ف القبائل ،فاجتمعوا وائتمروا ،وقرروا مقاطعة السلمي وبن هاشم دون أب لب ،فل
يتزوجون منهم ول يزوّجونم ،ول يبيعون لم شيئا ،ول يشترون منهم ،وتعاهدوا
وتواثقوا على ذلك ،وعلقوا صحيفة القاطعة بالكعبة .فاضطر بنو هاشم وبنو عبد الطلب
إل النوح إل شعب أب طالب شرقي مكة ،وقطعت عنهم قريش كل أنواع الؤن ،ول
458
يكن يتاح لم الختلط بغيهم من الناس إل ف الشهر الرم حي يفد العرب إل مكة
لزيارة البيت الرام ,وبلغ بم الهد حدّا ل يطاق ،فذاقوا الوع والرمان حوال ثلث
سنوات ل يصل إليهم القوت إل خفية.
وأخيا أخذت المية والرأفة نفرا من القرشيي منهم :هشام بن عمرو بن الارث
العامري ,وزهي بن أمية بن الغية الخزومي ,والطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف,
وأبو البختري ابن هشام ,والسود بن عبد الطلب بن أسد ,وتعاهدوا على نقض الصحيفة
رغم اعتراض أب جهل ,وخرجوا إل بن هاشم ،وبن عبد الطلب ،وطلبوا منهم العودة
إل منازلم وشقوا الصحيفة ،فوجدوا الرض قد أكلتها إل ما كان من' :باسك اللهم,
وهي فاتة ما كانت تكتب قريش'.
-8القتل أو البس أو النفي:اجتمع مشركوا قريش ف دار الندوة ،فتشاوروا ف أمر
الدعوة السلمية ،ففكروا ف ثلث وسائل ،وهي :حبسه صلى ال عليه وسلم ،أو
خرِجُوكَ اغتياله ،أو نفيه ،قال تعال{ :وَإِذْ يَ ْمكُ ُر بِكَ الّذِينَ َكفَرُوا ِلُيثِْبتُوكَ َأ ْو َيقْتُلُوكَ َأوْ يُ ْ
َويَ ْمكُرُو َن َويَ ْمكُرُ اللّ ُه وَاللّهُ َخيْ ُر الْمَا ِكرِينَ[[}]30سورة النفال] .واتفق رأيهم أخيا
على قتله شريطة اشتراك شبان من متلف بيوتات قريش؛ حت يتوزع دمه فل يستطيع آله
الطالبة بدمه.
ل بعد أن ترك عليًا ليقوم بتأدية علم الرسول صلى ال عليه وسلم بذلك فخرج من داره لي ً
المانات ،وشق طريقه مع صاحبه أب بكر -رضي ال عنه -إل الدينة النورة لتتشرف
باستقبال رسول ال صلى ال عليه وسلم وتبدأ الدعوة مرحلة جديدة مليئة بالكفاح
والنضال والهاد.
من':من مراحل الدعوة السلمية ف مكة' للدكتور /جيل عبد ال الصري
==============
سهِ ْم َوأَ ْزوَاجُهُ ُأ ّمهَاُتهُ ْم َوأُولُو اْلأَرْحَامِ
وقال تعال { :النِّبيّ َأوْلَى بِالْ ُم ْؤ ِمنِيَ مِنْ َأنْفُ ِ
ي وَالْ ُمهَاجِرِينَ إِلّا َأ ْن َتفْعَلُوا إِلَى َأوِْليَاِئكُمْ
ضهُمْ َأوْلَى ِبَبعْضٍ فِي ِكتَابِ اللّ ِه مِ َن الْ ُم ْؤ ِمنِ َ
َبعْ ُ
َمعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي اْل ِكتَابِ مَسْطُورًا ([ )6الحزاب} ]6/
بسم ال الرحن الرحيم
459
المد ل رب العلمي ,والصلة والسلم على سيد الرسلي ,وبعد:
ربا تعقيبا على موضوع اخت الكرية ف النتدى عن زوجات الرسول صلى ال عليه و
سلم ..اورد هذا القال الذي يتحدث عن اسباب زيات النب الكري التعددة و اهية هذه
الزيات للدعوة و العب اللية منها حيث ياول أعداء السلم (منذ بزوغ فجره وحت
اليوم ) باستماتة النيل منه والطعن فيه باستغلل تعدد زوجات النب صلى ال عليه وسلم
..
زعموا أن نب السلم كان منصرفا إل إشباع شهوته بالتقلب ف أحضان تسع نساء !!
(قالا يهود يثرب) ..فرد عليهم القرآن الكري ردا بليغا وبي أنم فعلوا ذلك حسدا
للرسول صلى ال عليه وسلم ،على الرغم من أن داود وسليمان (عليهما السلم) آتاها
ال اللك وكان لما من الزوجات والواري أضعاف ما كان لحمد صلى ال عليه وسلم
( :أحب اللك سليمان نساء غريبة كثية( )...سفر اللوك الول ( ,)1:11وكانت له
سبع مائة من النساء السيدات وثلث مائة من السرارى فأمالت نساؤه قلبه) (سفر اللوك
الول ( .)3:11وهل هذا كلم يليق بنب من أنبياء ال عليهم أفضل الصلة والسلم
أجعي؟!)
ومازالون يتطاولون على القام الشريف والسُنّة الطهرة ،كيدا منهم لذا الدين ،وال يفظه
(رغم أنوفهم) إل أن يرث ال الرض ومن عليها .
وهناك آخرون ل يعلمون بواعث تعدد زوجات الرسول صلى ال عليه وسلم ..
ومن يطالع السية العطرة سوف يكتشف بسهولة أن بعض هذه الزيات كان ف القام
الول تلبية لدوافع إنسانية ،والبعض الخر كان لتأليف القلوب ،وتطييب النفوس ،وتهيد
الرض للدعوة الباركة بالصاهرة وجب الاطر ..
ث هناك حقه الطبيعي صلى ال عليه وسلم ف الزواج ،لنه بشر ،وليس ملَـكا ..
والزواج هو شريعة كل أنبياء ال (حت من ل يتزوج منهم مثل عيسى ويي عليهما
السلم ) ,ول يوجد نص ف الكتاب القدس يظر تعدد الزوجات ,فنجد أن لبراهيم
وإسرائيل (يعقوب) وداود وسليمان (عليهم السلم أجعي) أكثر من زوجة ,ول توجه
كلمة لوم واحدة ف الكتاب القدس لذه الالت الواضحة من حالت تعدد الزواج!
460
***
ولنبدأ بأول زوجات الصطفى صلى ال عليه وسلم ،وهى السيدة (خدية بنت خويلد)
رضي ال عنها وأرضاها ,فقد تزوجت ف الاهلية من هند بن النباش التميمى (وكنيته أبو
هالة) ..وبعد موته تزوجت (عتيق بن عابد الخزومى) ..ث مات عنها عتيق ..وكانت
من أرفع بيوت قريش وأوسطها نسبا وحسبا .وكان لا مال ترسل رجال من قومها
يتاجرون لا فيه ..ولا سعت بأمانة ممد عليه الصلة والسلم أرسلت إليه ليتاجر لا ف
مالا ف رحلة الشام ،على أن تعطيه ضعف ما كانت تعطى غيه من الجر .
ورحل صلى ال عليه وسلم بالا مع غلمها (ميسرة) إل الشام ،فباع واشترى وعاد إل
مكة بأضعاف ما كانت خدية تربه من قبل ..وأعطته السيدة خدية ضعف الجر
التفق عليه ..وأخبها غلمها ميسرة با رأى ف ممد صلى ال عليه وسلم من شائل
كرية ,وفكر راجح ,ومنطق صادق ,ونج أمي ..
فازدادت إعجابا به ،وأرسلت إليه صديقتها (نفيسة بنت أمية) تعرض عليه الزواج من
خدية الت كان عمرها ف ذلك الوقت أربعي سنة ..فوافق عليه الصلة والسلم ،وكان
عمره وقت أن تزوجها خسا وعشرين سنة .
وولدت له السيدة خدية كل أولده وبناته باستثناء إبراهيم ولده من مارية القبطية
(الارية الت أهداها القوقس إل النب )..ول يتزوج صلى ال عليه وسلم أخرى حت
ماتت السيدة خدية عن خس وستي سنة ،بينما كان عليه الصلة والسلم قد تطى
المسي سنة ..
والن نتساءل :إذا كان نب الرحة صلى ال عليه وسلم قد عاش بل زواج حت سن
الامسة والعشرين ..ول يكن أهل مكة يقولون عنه إل كل الي ،وكانوا يلقبونه
بالصادق المي ..وكانت طهارته وعفته مضرب المثال (باعتراف أعت الشركي
وأشدهم عداوة له وحقدا عليه) ..وإذا كان تزوج بعد ذلك من السيدة خدية (وهى
أكب منه سنا بمس عشرة سنة) ،وظل مكتفيا با زوجة وحيدة حت بعد أن تاوزت
الستي ..فأين ما يزعمون من حبه للشهوات واستكثاره من النساء ؟!!
461
لقد كان عليه الصلة والسلم ف تلك الفترة ف ريعان شبابه ،ول يكن قد شغل بعد
بأعباء الدعوة الباركة ،وتبعاتا الثقيلة ،ولو كان (كما يزعم أعداء السلم) من ذوى
الشهوة الطاغية لتزوج من شاء من النساء ،وقد كان تعدد الزوجات والواري شائعا قبل
السلم بل قيد أو عدد مدد ..وما كان ذلك عيبا ول مظورا ..فلماذا ل يفعل صلى
ال عليه وسلم ؟!
أليس هذا دليل على أنه صلى ال عليه وسلم قد عدد زوجاته فيما بعد لسباب أخرى
أسى وأرفع قدرا من مرد إشباع الشهوة ،رغم أن هذا الشباع بالزواج ليس عيبا ول
شائنا للزوج ؟!
ث هناك نقطة أخرى (قبل أن ننتقل إل باقي الزوجات) .لقد كان عليه الصلة والسلم
يذكر السيدة خدية بكل الي والوفاء بعد موتا ..وحت بعد أن صار له تسع نسوة ..
كان يغضب إذا أساء أحد إل ذكراها العطرة ،ولو كانت عائشة أحب زوجاته إليه..
ويذكر عليه الصلة والسلم (ف كل مناسبة) معروف خدية وفضلها عليه وعلى الدعوة
الغراء ،ول ينسها رغم أنا كانت عجوزا ورزق بعدها بزوجات أصغر سنا ،وربا أكثر
جال ..
هل مثل هذا الزوج يقال عنه إنه يضع الشهوة النسية ف القام الول ؟!! هل يظن مثل
هذا الظن الريض بن وصفه رب العزة بأنه على خلق عظيم؟! ( :وإنك لعلى خلق عظيم)
(سورة ق.)4 :
***
ونأت الن إل ظروف زواجه صلى ال عليه وسلم بثانية زوجاته السيدة (سودة بنت
زمعة) رضي ال عنها ,فقد كانت متزوجة ف الاهلية بـ(السكران بن عمرو بن عبد
شس) ،وهو ابن عمها ،وأسلما بكة وخرجا مهاجرين إل أرض البشة ف الجرة الثانية
..ث قدما من البشة ،ومات السكران بكة ،و ترملت زوجته السيدة سودة ،فلما
انقضت عدتا أرسل لا النب صلى ال عليه وسلم فخطبها وتزوجها بكة ،وهاجرت معه
إل الدينة .
462
وكانت رضي ال عنها قد كبت سنها ،وبعد فترة من زواج الرسول صلى ال عليه وسلم
با تنازلت عن ليلتها للسيدة عائشة ،وقالت كما جاء ف إحدى الروايات :يا رسول ال،
وال ما ب حب الرجال (تقصد أنا مسنة وليست با حاجة إل الرجال) ولكن أرجو أن
أبعث ف أزواجك يوم القيامة .وقبل منها النب صلى ال عليه وسلم تنازلا للسيدة عائشة،
وأبقى عليها زوجة ف عصمته حت موته صلى ال عليه وسلم ..
فهل يكون اقترانه عليه الصلة والسلم بعجوز أخرى دليل على ما يذهب إليه أعداء ال
ورسوله من أن تعدد زوجاته صلى ال عليه وسلم كان للشهوة أو حب النساء ؟!! أو أنا
مواساة منه عليه الصلة والسلم لرملة مسلمة ل يعد لا عائل بعد موت رجلها ،وليس
لا مال أو شباب أو جال يدفع غيه صلى ال عليه وسلم للزواج منها ؟!!
وال ..إن مثل هذه الزية الت ل يطمع فيها أحد لي بعض أعبائه عليه الصلة والسلم ،
وواجب ثقيل ألزم به نفسه الشريفة النبيلة صلى ال عليه وسلم .
ومن سواه يواسى الرملة الحزونة؟ من سواه يب الكسور ،ويفك السي ،ويعي على
شدائد الدهر ،وهو الذي أرسله ربه رحة للعالي ؟!!
***
وأما السيدة (عائشة بنت الصِدّيق أب بكر) رضي ال عنهما ,فهي الزوجة الثالثة لنب
الدى صلى ال عليه وسلم ..ومن الطبيعي أن يرتبط الداعية بالرجال الذين يقوم على
أكتافهم البناء الشاهق ،وتنتشر الدعوة بم ،ومن خللم إل سائر إرجاء العمورة ..وخي
الروابط بي النب وكبار أصحابه هو الرباط القدس (الزواج) ..ولذا تزوج عليه الصلة
والسلم من السيدة عائشة ،وكانت صغية السن ..كما تزوج أيضا لذات السبب من
السيدة (حفصة بنت عمر بن الطاب) رضي ال عنهما ..
وهناك سبب ثان لزواجه صلى ال عليه وسلم من السيدة حفصة ،فقد كانت متزوجة
قبله من (خنيس بن حذافة السهمي) الذي أسلم معها وهاجر با إل الدينة فمات عنها
(عند قدوم النب صلى ال عليه وسلم من غزوة أحد) متأثرا بإصابته ف الغزوة ،وعندما
انقضت عدتا عرض عمر على أب بكر الصديق أن يزوجه ابنته حفصة ،فسكت أبو بكر،
ما أغضب عمر (رضي ال عنهم أجعي) وكان عمر قد عرضها قبل ذلك على عثمان بن
463
عفان فلم يوافق كذلك ،ما أسخط عمر عليه كما سخط على صاحبه ،فجاء عمر
يشكوها إل النب صلى ال عليه وسلم ..
وطيّب صلى ال عليه وسلم خاطره وتزوجها تكريا لعُمَر ،كما كرم أبا بكر من قبل
وتزوج بابنته عائشة ..وكان الباعث لب بكر على عدم قبول الزواج من حفصة أنه سع
النب صلى ال عليه وسلم يذكرها لنفسه ،وما كان الصديق ليفشى سر رسول ال ،أو
يتزوج بن عزم صلى ال عليه وسلم على الزواج منها ..
ومن العروف أن السيدة حفصة رضي ال عنها ل تكن جيلة مثل عائشة أو صفية ،لكنها
كانت صوّامة قوّامة تب ال ورسوله.
فهل يكون الزواج ف حالة السيدة عائشة والسيدة حفصة استكثارا من النساء ،أو جريا
وراء الشهوات؟!! أم هي ضرورات الدعوة ،وجب الاطر ،وتوكيد الروابط بي الصطفى
صلى ال عليه وسلم وكبار رجال الدعوة الوليدة والرأفة بزوجة شهيد (مثل حفصة) ل
يكن لا من المال أو الال ما يغرى غيه عليه الصلة والسلم بالزواج منها ؟!!
إنه الرحة الهداة ،والنعمة السداة ,عليه الصلة والسلم ..
***
هناك أيضا ظروف زواج الرسول المي من السيدة (زينب بنت خزية) اللقبة بـ(أم
الساكي) رضي ال عنها ,فقد كانت زوجة لبن عم النب صلى ال عليه وسلم (عبيدة
بن الارث بن عبد الطلب بن عبد مناف) رضي ال عنه ,الذي استشهد ف يوم بدر و
تركها وحيدة ل عائل لا ..
فهل يكون جزاء الصحاب وابن العم الشهيد أن تترك أرملته وحدها ؟!! ومن يصل
الرحم ،ويازى الشهيد ،ويلفه ف أهله بكل الب والي والرحة سوى الصادق المي
خات الرسلي صلى ال عليه وسلم ؟!!
وهل مثل هذه الزية يكمن خلفها أي مطمع حسي أو غيه ؟! أم أنا واجب وعبء
إضاف على عاتق الصطفى صلى ال عليه وسلم ؟!! وقد ماتت (رضي ال عنها) بعد
زواجها من الرسول بعدة أشهر .
***
464
وكذلك جاء زواجه صلى ال عليه وسلم من السيدة (أم سلمة) رضي ال عنها ,واسها
(هند بنت سهيل بن الغية الخزومى) ..وقد أصيب زوجها (أبو سلمة) رضي ال عنه
يوم أحد (هو عبد ال بن عبد السد -وكان أ خًا للنب صلى ال عليه وسلم من
الرضاعة) ،ث برئ الرح بعدها بشهر ..وخرج رضي ال عنه ف (سرية قطن) ث رجع
منها بعد شهر آخر ،وانتقض الرح عليه فتسبب ف استشهاده (رضي ال عنه) وخلف
وراءه السيدة أم سلمة وكثرة من الطفال ..
فلما انقضت عدتا أرسل إليها النب صلى ال عليه وسلم يطبها ،فاعتذرت بأنا تقدمت
ف السن ،وأنا ذات أطفال ،وأنا شديدة الغية ،فرد عليها النب صلى ال عليه وسلم :
((أما ما ذكرت من غيتك فيذهبها ال ..وأما ما ذكرت من سنك فأنا أكب منك سنا
...وأما ما ذكرت من أيتامك فعلى ال وعلى رسوله)) [ .أي أن عيالا سوف يرعاهم
ال ورسوله صلى ال عليه وسلم] ،وهذا أهم أهداف هذه الزية الباركة ،أي كفالة
هؤلء اليتام ،فضل عن رعاية الصحابية الليلة بعد أن أصبحت أرملة ..
وأخيا جاءت هذه الزية تكريا للزوج أب سلمة نفسه بعد استشهاده ،برعاية أرملته
وأطفاله ،وصلة لرحه ،فهو ابن عمة الرسول صلى ال عليه وسلم ..فأين اتباع الشهوة
ف مثل هذا الرتباط بأرملة تاوزت المسي وذات أطفال ؟!!
***
وأما زواجه صلى ال عليه وسلم بالسيدة (أم حبيبة رملة بنت أب سفيان بن حرب) رضي
ال عنها ,فله قصة توضح الدف منه ،والقصد النبيل الذي تقق به ..فقد كانت أم
حبيبة زوجة لـ(عبيد ال بن جحش بن خزية) ،وهاجرت معه إل أرض البشة ف
الجرة الثانية ..وهناك ُفتِن عبيد ال وارتد عن السلم (والعياذ بال) وثبتت السيدة أم
حبيبة رضي ال عنها على دينها رغم الغربة والوحشة والوحدة ..ول تكن تستطيع
الرجوع إل مكة حيث كان أبوها أبو سفيان أحد زعماء قريش يضطهد الرسول
وأصحابه أشد الضطهاد ،فلو رجعت أم حبيبة لتعرضت للفتنة ف دينها بدورها ..
وكان ل بد من تكريها وتعويضها عن الزوج الذي ارتد ،ث مات بالبشة ..
465
وهكذا أرسل النب صلى ال عليه وسلم إل (النجاشي) ملك البشة (وكان قد أسلم)
طالبا منه أن يعقد له على أم حبيبة ..وبالفعل زوجه النجاشي إياها ،وأرسلها إليه بالدينة
بعد هجرته صلى ال عليه وسلم معززة مكرمة ..
ولا بلغ أبا سفيان خب زواج النب صلى ال عليه وسلم من ابنته أم حبيبة شعر بالسعادة،
وقال عن زوج ابنته مبتهجا (والذي كان ما يزال عدوا له ولدينه) (( :هو الفحل ل
يقرع أنفه )) (وهو مثل عرب مأخوذ ما يفعله العرب حي يردون الفحل الريض أو الذي
به عيب عن تلقيح إناث البل بضربه على أنفه برمح أو عصا ..بينما يتركون الفحل
الصيل ليلقح الناث بغي ضرب) ..أي أن مثل النب صلى ال عليه وسلم ل يرد صهره،
فهو كفء كري تفخر كل قبيلة بصاهرته وتزويه بناتا.
قال أبو سفيان بن حرب ذلك على الرغم من أنه كان ما يزال مشركا عدوا للسلم،
ولكنه ل يدع نفسه كأب تزوجت ابنته بأعظم وأشرف الرجال ..
وشاء ال جلت قدرته أن تدور اليام ،ويأت أبو سفيان إل الدينة ماول إثناء النب صلى
ال عليه وسلم عن غزو مكة بعد أن نقض الشركي عهودهم معه ،واعتدوا على حلفائه
من قبيلة (خزاعة) ،وقتلوهم ف البلد الرام ف الشهر الرام .
ول يد أبو سفيان ملجأ بعد أن رفض كبار الصحابة التوسط له عند النب صلى ال عليه
وسلم سوى بيت ابنته وفوجئ أبو سفيان بابنته تطوى عنه الفراش ف ضيق واشئزاز ..
فسألا :وال يا بنية ما أدرى هل رغبت بالفراش عن أم رغبت ب عنه ؟!! فردت عليه
بسم (( :بل هو فراش رسول ال صلى ال عليه وسلم وأنت رجل مشرك )) ..
يا ال ..إنا العقيدة الراسخة كالبال ف قلب زوجة الصطفى صلى ال عليه وسلم،
تواجه با أباها الذي خرجت من صلبه ..وذلك هو اليان الق الذي يعل ال ورسوله
أحب إل السلم الصادق من أمه وأبيه وابنه وأخيه .
هل كان من الطلوب من الرسول أن يترك مثل هذه السيدة العظيمة للضياع بي زوج
مرتد وأب كان كافرا ؟!! ومن سواه صلى ال عليه وسلم أول بأن يكرم مثواها ،ويزيها
على ثباتا وصبها وجهادها ف سبيل عقيدتا ورسالتها ؟!! ومن يكون مناسبا لبنة سيد
قريش سوى سيد الولي والخرين صلى ال عليه وسلم ؟!!
466
***
ونأت إل قصة زواجه صلى ال عليه وسلم من السيدة (زينب بنت جحش السدى)
رضي ال عنها ,وهى ابنة عمته (أميمة بنت عبد الطلب بن هاشم بن عبد مناف) ..أي
أنا من أعرق وأشرف بيوت قريش وأرفعها نسبا وأما ..وكانت فيما يروون فائقة
المال ..
وعندما أرسل النب صلى ال عليه وسلم يطبها ظن أهلها أنه يريدها لنفسه ،ث فوجئوا به
يطلبها لـ(زيد بن حارثة) ..كان زيد رضي ال عنه ,عبدا ف الاهلية ،وانتهي به
الطاف عند الصادق المي ممد بن عبد ال صلى ال عليه وسلم الذي أكرم مثواه ،وبلغ
من تأثي عطفه وحنانه على زيد أن زيد فضّله على أبيه وعمه (لّا خيّره بي البقاء معه أو
اللحاق بأبيه وعمه عندما عثرا عليه ،وجاءا من ديارها ف طلبه ..وهنا أشهدهم النب
صلى ال عليه وسلم أن زيد ابن أرثه ويرثن ...وذلك قبل تري التبن ) فرضي أبوه
بذلك.
وعلى الرغم من أن الرسول صلى ال عليه وسلم أعتق زيدا وتبناه ،ث أبطل السلم التبن
فاسترد زيد اسه الول (وحريته من قبل) ،فإن آل جحش رفضوا أن يزوجوه ابنتهم وهى
من فتيات قريش العدودات اللت يتنافس خية شباب العرب للفوز بن ..
ولكن ال تعال شاء أن يضى هذا الزواج لكمة كبى ،بل لعدة مقاصد :أولا أن يهدم
التفاخر بالنساب ،ويثبت القاعدة الالدة الراشدة (إن أكرمكم عند ال أتقاكم) وليس
أغناكم أو أعرقكم نسبا أو أفضلكم حسبا ..
ولذا نزل قول ال تعال ( :وما كان لؤمن ول مؤمنة إذا قضى ال ورسوله أمرا أن يكون
لم الية من أمرهم ومن يعص ال ورسوله فقد ضل ضلل مبينا) (الحزاب.)36 :
وفور نزول هذه الية الكرية عرف عبد ال بن جحش وأخته زينب رضي ال عنهما أنه
ل ميد لم عن طاعة ال ورسوله ،فقال عبد ال لبن خاله ممد صلى ال عليه وسلم:
((مرن با شئت)) فزوجها صلى ال عليه وسلم من زيد بن حارثة ..
وعلى الرغم من إتام الزواج ظلت زينب تستعصي على زيد ،وتشمخ عليه بنسبها
وحسبها ،حت ضاق(رضي ال عنه) با ذرعا ،وذهب إل النب صلى ال عليه وسلم
467
يستأذنه ف تطليقها لستحالة العشرة بينهما ،فأمره النب أن يتقى ال ويسك عليه زوجه
فل يطلقها ..
ف ذلك الوقت أطلع ال تعال رسوله على ما سوف يدث ،وهو أن زيد سيطلق زينب،
ث يزوجها ال من رسوله المي ،ليهدم بذلك قاعدة التبن الت سادت ف الاهلية ،إذ
العدل والصوب هو أن يُـدعى كل ابن لبيه القيقي ،وليس لذلك الذي تبناه ..وإذا
كان السلم يرم إل البد زواج الب من امرأة ابنه ،فالمر ليس كذلك ف حالة البن
بالتبن إذ هو ليس ابنا حقيقيا ،وما ينبغي أن يكون .
ونزل قول ال تعال( :وإذ تقول للذي أنعم ال عليه و أنعمت عليه أمسك عليك زوجك
واتقِ ال وتفى ف نفسك ما ال مبديه وتشى الناس وال أحق أن تشاه فلما قضى زيد
منها وطرا زوجناكها لكي ل يكون على الؤمني حرج ف أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن
وطرا وكان أمر ال مفعول) (الحزاب.)37 :
وأفضل تفسي لذه الية الكرية وأقربه إل ما يليق بقام النبوة الشريف النبيل ،وما هو
مقطوع به من عصمة النبياء (صلوات ال وسلمه عليهم) ما قاله المام على بن السي
بن على بن أب طالب( ،اللقب بزين العابدين رضي ال عنه) ..
روى على بن السي (( :أن النب صلى ال عليه و سلم كان قد أُوحي إليه أن زيدا
سوف يطلق زينب ،وأن ال سيزوج رسوله إياها ..فلما شكا زيد للنب صلى ال عليه
وسلم ما يلقى من أذى زوجته ،وأنا ل تطيعه ،وأعلمه أنه يريد طلقها ،قال له الرسول
صلى ال عليه وسلم على جهة الدب والوصية( :اتق ال وأمسك عليك زوجك) ..وهو
صلى ال عليه و سلم يعلم أنه سيفارقها ،ث يتزوجها هو من بعده ،وهذا ( العلم ) هو ما
أخفاه صلى ال عليه وسلم ف نفسه ،ول يرد أن يأمره بطلقها ..فعاتبه ال تعال على
هذا القدر من خشية الناس ف شيء قد أباحه ال له ،وقوله لزيد (( أمسك عليك
زوجك )) ،مع علمه بأنه يطلقها ،وأعلمه سبحانه أن ال أحق بالشية ف كل حال ))
.قال علماؤنا رحهم ال (( :وهذا القول أحسن ما قيل ف تفسي هذه الية ،وهو الذي
عليه أهل التحقيق من الفسرين والعلماء الراسخي ،مثل الزهري وبكر بن علء القشيى
وأبو بكر بن العرب وغيهم .ورفض المام ابن كثي (رضي ال عنه) كل رواية أخرى ل
468
تناسب عصمة الرسول ومقام النبوة الرفيع ،إذ هي من الوضوع وما ل يصح سنده ول
معناه.
ويعلق المام القرطب على تلك الرواية الاهلية الت تفسر قوله تعال للرسول( :وتفى ف
نفسك ما ال مبديه وتشى الناس وال أحق أن تشاه) بأنه صلى ال عليه وسلم أخفى ف
نفسه هوى لزينب ،بقوله (( :هذا القول يصدر عن جاهل بعصمة النب صلى ال عليه
وسلم عن مثل هذا ،أو مستخف برمته صلى ال عليه وسلم )) ..
وقال الكيم الترمذي ف ((نوادر الصول)) ( :على بن السي جاء بذا التفسي السليم
للية من خزانة العلم جوهرة من الواهر ،ودرا من الدرر ،فإنه إنا عتب ال عليه أنه
أعلمك أن هذه ستكون من أزواجك ،فكيف قال بعد ذلك لزيد ( أمسك عليك
زوجك ) ،وأخذتك خشية الناس أن يقولوا :تزوج امرأة ابنه ،و( وال أحق أن تشاه ) ..
وقال النحاس :قال بعض العلماء :ليس هذا خطيئة من النب صلى ال عليه وسلم ،لنه ل
يؤمر بالتوبة أو بالستغفار منه ،وقد يكون الشئ ليس خطيئة ،ولكن غيه أحسن منه،
وقد أخفى الرسول صلى ال عليه وسلم ذلك ف نفسه خشية أن يفت الناس.
واللصة أنه عليه الصلة والسلم تزوج السيدة زينب بنت جحش بعد طلقها من زيد
بن حارثة بأمر من ال الذي تول سبحانه تزويها له مباشرة ،ليهدم بذلك قاعدة التبن إل
البد ،وحت ل يكون هناك حرج على الباء ف الزواج من مطلقات الدعياء ،لنم ليسوا
أبناءهم ..وقد كانت السيدة زينب ابنة عمة الرسول صلى ال عليه وسلم ،وربيت تت
رعايته ،ولو كان له فيها مأرب لتزوجها منذ البداية ،ول يزوجها بنفسه لزيد من قبل ..
ومن أقوى ما قيل ف تفنيد مزاعم النافقي حول هذه الية ما قاله فضيلة الشيخ ممد
الغزال (رحه ال) قال :إنم يقولون إن الذي يفيه النب ف نفسه ويشى فيه الناس دون
الناس هو ميله إل زينب .أي أن ال (بزعمهم) يعتب عليه عدم التصريح بذا اليل !!
ونقول :هل الصل الخلقي أن الرجل إذا أحب امرأة أن يشهر با بي الناس ؟ وخاصة
إذا كان ذا عاطفة منحرفة جعلته يب امرأة رجل آخر ؟!!
469
هل يلوم ال رجل لنه أحب امرأة آخر فكتم هذا الب ف نفسه ؟! وهل كان يرفع
درجته لو أنه صاغ فيها قصائد غزل ؟!! هذا وال هو السفه! وهذا السفه هو ما يريد
بعض الغفلي أن يفسر به القرآن !!
إن ال ل يعاتب أحدا على كتمان حب طائش ..والذي أخفاه النب صلى ال عليه وسلم
ف نفسه تأذّيه من هذا الزواج الفروض ،وتراخيه ف تنفيذ أمر ال به ،وخوفه من كلم
الناس عندما يدون نظام التبن (كما ألفوه) قد انار .
وقد أفهم ال رسوله أن أمره سبحانه ل يوز أن يعطله توهم شئ ما ،وأنه (إزاء التكليف
العلى) ل مفر له من السمع والطاعة ،شأن من سبقه من الرسلي ،وأعقب الية السابعة
والثلثي هذه بآيات أخرى تؤكد هذا العن :
(ما كان على النب من حرج فيما فرض ال له سنة ال ف الذين خلوا من قبل وكان أمر
ال قدرا مقدورا .الذين يبلغون رسالت ال ويشونه ول يشون أحدا إل ال وكفى
بال حسيبا) (الحزاب.)39-38 :
ويضيف الشيخ الغزال(( :إنك حي تثبت قلب رجل تقول له :ل تش إل ال ،إنك ل
تقول له ذلك وهو بصدد ارتكاب معصية ..إنا تقول له ذلك وهو يبدأ القيام بعمل
فاضل كبي يالف التقاليد الوروثة ،وظاهر ف هذه اليات كلها أن ال ل يرئ نبيه على
حب امرأة ،إنا يرئه على إبطال عادة سيئة يتمسك الناس با ،عادة التبن ،ويراد منه
كذلك أن ينل على حكمها ،لذلك يقول ال تعال بعد ذلك مباشرة ،وهو يهدم نظام
التبن( :ما كان ممد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول ال وخات النبيي وكان ال بكل
شيءٍ عليما) (الحزاب.)40 :
***
أما السيدة (صفية بنت حي بن أخطب) زعيم اليهود ،فقد وقعت ف السر بعد فتح
خيب ،وكان أبوها وأخوها وزوجها قد قتلوا ف العركة ..ورفقا ورحة با خيها
الرسول صلى ال عليه وسلم بي إطلق سراحها وإلاقها بقومها إن أرادت البقاء على
يهوديتها ،وبي الزواج منه إن أسلمت ،فقالت له(( :يا رسول ال ،لقد هويت السلم
وصدقت بك قبل أن تدعون ..وخيتن بي الكفر والسلم ،فال ورسوله أحب إل من
470
العتق ومن الرجوع إل قومي)) ..فتزوجها الرسول صلى ال عليه وسلم ،وجعل تريرها
من السر هو مهرها.
ومن الواضح أنه كان من الضروري أل يتزوج ابنة ملك اليهود سوى من يفوق أباها
منلة ومكانة ،وهو سيد ولد آدم صلى ال عليه وسلم ..وليس معقول ول مقبول أن
تترك هذه السكينة بعد ما كانت فيه من عز ورفاهية ورفعة لن قد يسئ معاملتها ،أو
يضرب وجهها ..
ويؤيد هذه الرؤية رواية (دحية الكلب) رضي ال عنه فقد قال للنب صلى ال عليه وسلم:
أعطن جارية من سب يهود .فقال عليه الصلة والسلم له(( :اذهب فخذ جارية))،
فذهب دحية فأخذ صفية ..فرآها الصحابة فقالوا (( :يا رسول ال ،إنا سيدة بن قريظة
وبن النضي ،ما تصلح إل لك)) ..فتزوجها صلى ال عليه وسلم لذلك السبب.
***
وذات المر كان دافعا للنب صلى ال عليه وسلم للزواج من السيدة (جويرية بنت الارث
بن ضرار) زعيم بن الصطلق ..فقد حارب أبوها السلمي ،ولقت به هزية منكرة
كادت تتسبب ف فناء قبيلته أو إذللم أبد الدهر ..فقد سقط الئات من بن الصطلق
أسرى ،ومنهم السيدة جويرية بنت الارث رضى ال عنها ..وجاءت إليه فقالت (( :يا
رسول ال ،أنا جويرية بنت الارث سيد قومه ..وقد أصابن من المر ما قد علمت
[تقصد السر والذل] فوقعت ف سهم ثابت بن قيس فكاتبن على تسع أواق ،فأعِن ف
فكاكي [تطلب معاونته صلى ال عليه وسلم ف دفع التفق عليه لتحريرها من السر] فقال
لا صلى ال عليه وسلم :أو خي من ذلك؟ فسألته :ما هو؟ فقال صلى ال عليه وسلم
أؤدي عنك كتابك وأتزوجك ..فقالت :نعم يا رسول ال ،قال صلى ال عليه وسلم:
((قد فعلت))
..وخرج الب إل الصحابة فقالوا :أصهار رسول ال (يقصدون بن الصطلق) ف السر
..فجعل الناس يطلقون سراح من عندهم من أسرى بن الصطلق ،حت ترروا جيعا.
471
تقول السيدة عائشة (رضي ال عنها) ((أعتق بتزويج جويرية من النب أهل مائة بيت ،فل
أعلم امرأة أعظم بركة على قومها منها)) ..وقد أسلم قومها جيعا بعد ذلك وحسن
إسلمهم .
وهكذا كانت هذه الزية بركة وخيا للسلم والسلمي من كل الوجوه ،ول تكن
للستكثار من النساء كما يظن الهلة ويشيع النافقون والستشرقون !!
ولو كان المر حبا للنساء استكثارا من السناوات لا نزل بعد ذلك أمر من ال للنب
صلى ال عليه وسلم يظر عليه الزواج بعد من ذكرنا ،ولظل الرسول صلى ال عليه وسلم
حرا يتزوج من شاء ،ويطلق من ل يريد ..ومات صلى ال عليه وسلم عن تسع زوجات
(وكانت السيدتان خدية وزينب بنت خزية قد توفيتا ف حياته) وكان لن نعم الزوج
والعشي ..وصدق فيه قول رب العزة( :وما أرسلناك إل رحة للعالي) (النبياء.)107 :
=====================
شائل الرسول صلى ال عليه وسلم
أكرم ال نبيه صلى ال عليه وسلم بفضائل جّة ،وصفات عدة ،فأحسن خ ْلقَه وأت
خُلقه ،حت وصفه تعال بقوله {:وإنك لعلى خلق عظيم } (القلم ،)4:ومنحه جل وعل
ل عن مكانة فضائل عديدة ،وخصائص كثية ،تيز با صلى ال عليه وسلم عن غيه ،فض ً
النبوة الت هي أشرف الراتب ،ونتناول ف السطر التالية شيئا من فضائله صلى ال عليه
وسلم:
فمنها أنه خليل الرحن فعن عبد ال بن مسعود رضي ال عنه قال :قال رسول ال صلى
ال عليه وسلم ( :أل إن أبرأ إل كل خل من خله ،ولو كنت متخذا خليلً ،لتذت أبا
بكر خليل ،إن صاحبكم خليل ال ) رواه مسلم .وهذه الفضيلة ل تثبت لحد غي نبينا
وإبراهيم الليل عليهما الصلة والسلم.
ومن فضائله أنه شهيد وبشي ،فعن عقبة بن عامر أن النب صلى ال عليه وسلم خرج
يوما ،فصلى على أهل أُحد صلته على اليت ،ث انصرف إل النب ،فقال ( :إن فرط لكم
-أي سابقكم ، -وأنا شهيد عليكم ،وإن وال لنظر إل حوضي الن ،وإن أُعطيت
472
مفاتيح خزائن الرض ،أو مفاتيح الرض ،وإن وال ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي،
ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها ) متفق عليه.
ومن فضائله أنه أول بالؤمني من أنفسهم ،قال تعال { :النب أول بالؤمني من
أنفسهم } (الحزاب.)6:
قال الشوكان ف تفسيه "فتح القدير" " :فإذا دعاهم النب صلى ال عليه وسلم لشيء،
ودعتهم أنفسهم إل غيه ،وجب عليهم أن يقدموا ما دعاهم إليه ،ويؤخروا ما دعتهم
أنفسهم إليه ،ويب عليهم أن يطيعوه فوق طاعتهم لنفسهم ،ويقدموا طاعته على ما
تيل إليه أنفسهم ،وتطلبه خواطرهم".
ومن فضائله صلى ال عليه وسلم أنه سيد ولد بن آدم ،فقد ثبت عن أب هريرة رضي ال
عنه أنه قال ( :كنا مع النب صلى ال عليه وسلم ف دعوة ،فرفع إليه الذراع وكانت
تعجبه ،فنهس منها نسة ،وقال أنا سيد القوم يوم القيامة ) متفق عليه.
وهو صلى ال عليه وسلم أمان لمته ،حيث جاء ف الديث الصحيح ( النجوم أمنة
للسماء ،فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد ،وأنا أمنة لصحاب ،فإذا ذهبتُ أتى
أصحاب ما يوعدون ،وأصحاب أمنة لمت ،فإذا ذهب أصحاب أتى أمت ما يوعدون )
رواه مسلم .
ومن فضائله صلى ال عليه وسلم أنه أول من تنشق عنه الرض ،وأول من يشفع ،فعن
أب هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ( :أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ،وأول
من ينشق عنه القب ،وأول شافع ،وأول مشفع ) رواه مسلم ،وهو صاحب القام الحمود
ففي حديث ابن عمر رضي ال عنهما ( إن الناس يصيون يوم القيامة جثا -أي جالسي
على ركبهم ،-كل أمة تتبع نبيها ،يقولون يا فلن اشفع ،يا فلن اشفع ،حت تنتهي
الشفاعة إل النب صلى ال عليه وسلم ،فذلك يوم يبعثه ال القام الحمود ) رواه البخاري
.
تلك هي بعض فضائل نبينا الكري ،ورسولنا العظيم ،الذي اختاره ال ليكون خات الرسل
الكرمي ورحة للخلق أجعي ،نسأل ال أن يمعنا به ،ويدخلنا مُدخله ،وأل يرمنا
شفاعته يوم ل ينفع مال ول بنون إل من أتى ال بقلب سليم .
473
=================
حقيقة مبة النب صلى ال عليه وسلم
على اثر العتداء على رسولنا العظيم ثارت مشاعر السلمي ف مشارق الرض ومغاربا
تعب عن سخطها ورفضها لذا السلوك العدوان الظال وهي ثورة ناتة ف أساسها عن
حب السلمي لنبيهم الكري وهو شيء ممود إل أن هذا الب عند تحيصه والتأمل ف
حقيقته يتبي أنه ل يرقى ال الستوى الطلوب وهو ما سنحاول بيانه من خلل هذه
الصفحات التالية :
474
لاذا نب النب ؟
ثانيا -بواعث مبة النب صلى ال عليه وسلم
475
وقال سبحانه " قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيتكم وأموال
اقترفتموها وتارة تشون كسادها ومساكن ترضونا أحب إليكم من ال ورسوله وجهاد
ف سبيله فتربصوا حت يأت ال بأمره وال ل يهدي القوم الفاسقي" فعلمة حب النب
صلى ال عليه وسلم أن ليقدم عليه أشيء مهما كان شأنه .
476
فقالوا:هل لك إل صاحبك ،يزعم أنه أسري به الليلة إل بيت القدس ،قال:أو قال
ذلك؟قالوا :نعم.قال :لئن كان قال ذلك لقد صدق.
قالوا :أو تصدقه أنه ذهب الليلة إل بيت القدس ،وجاء قبل أن يصبح.
قال :نعم ،إن لصدقه فيما هو أبعد من ذلك ،أصدقه بب السماء ف غدوة أو
روحة.فلذلك سي أبو بكر الصديق.هذا حديث صحيح السناد ،ول يرجاه.
477
-2الدفاع عن سنته صلى ال عليه وسلم :بفظها وتنقيحها وحايتها ورد الشبهات عنها
.
-3نشر سنته صلى ال عليه وسلم وتبليغها خاصة وأن النب صلى ال عليه وسلم قد أمر
بذلك ف أحاديث كثية كقوله" فليبلغ الشاهد الغائب " وقوله "بلغوا عن ولو آية "
ناذج متلفة
* من الشباب :علي ابن أب طالب ونومه ف فراش النب صلى ال عليه وسلم
ليلة أن أراد الشركون قتله
وسئل علي بن أب طالب كيف كان حبكم لرسول ال صلى ال عليه وسلم
فقال :كان وال أحب إلينا من أموالنا واولدنا وآبائنا وأمهاتنا ومن الاء البارد على الظمأ
* من الرجال :
قصة قتل زيد بن الدثنة .،قال ابن إسحاق :اجتمع رهط من قريش ،فيهم أبو سفيان بن
حرب ؛ فقال له أبو سفيان حي قدم ليقتل :أنشدك ال يا زيد ،أتب أن ممدا عندنا
الن ف مكانك نضرب عنقه ،وأنك ف أهلك ؟ قال )126 /4( :وال ما أحب أن
ممدا الن ف مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه ،وأن جالس ف أهلي .قال :
يقول أبو سفيان :ما رأيت من الناس أحدا يب أحدا كحب أصحاب ممدٍ ممدا
* أخرج الطبان وحسنه عن عائشة قالت :جاء رجل إل النب صلى ال عليه وسلم فقال:
"يا رسول ال إنك لحب إل من نفسي ،وإنك لحب إل من ولدي ،وإن لكون ف
البيت فأذكرك فما أصب حت آت فأنظر إليك ،وإذا ذكرت موت وموتك عرفت انك إذا
دخلت النة رفعت مع النبيي ،وأن إذا دخلت النة خشيت أن ل أراك .فلم يرد عليه
478
النب صلى ال عليه وسلم شيئا حت نزل جبيل بذه الية {ومن يطع ال والرسول
فأولئك مع الذين أنعم ال عليهم }...الية".
* من النساء :
أخرج ابن إسحاق :عن سعد بن أب وقاص قال :مر رسول ال صلى ال عليه وسلم
بامرأة من بن دينار وقد أصيب زوجها ،وأخوها ،وأبوها مع رسول ال صلى ال عليه
وسلم بأحد ،فلما نعوا لا قالت :ما فعل رسول ال صلى ال عليه وسلم ؟
قالوا :خيا يا أم فلن ،هو بمد ال كما تبي.
قالت :أرونيه حت أنظر إليه.
قال :فأشي لا إليه ،حت إذا رأته قالت :كل مصيبة بعدك جلل.
"=FPRIVATE "TYPE=PICT;ALT
غلف الندى السلم العدد 123
www.alnahwi.com
أنعم ال تبارك وتعال على هذه المة نب الدى { الذي أخرج الناس من الظلمات إل
النور ،فهو الرحة الهداة ،والنعمة السداة ،وهو خات النبيي ،وسيد الرسلي ،ومبته واجبة
479
على اللق أجعي ،وقد نصره وأحبه كل مؤمن تقي ،وخذله وآذاه كل منافق ومشرك،
والكاتب ينفع ال به -أبان ف هذا القال هذه الصور بشكل دقيق وبيان لطيف.
يا أيها النب إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ( ) 45وداعيا إل ال بإذنه وسراجا منيا
( ) 46وبشر الؤمني بأن لم من ال فضل كبيا ( ) 47ول تطع الكافرين والنافقي
ودع أذاهم وتوكل على ال وكفى" بال وكيل ( { ) 48الحزاب.}48 - 45 :
مهما كتب الصادقون من ثناء على النبّ العظيم ،سيد الرسلي ممد { ،ومهما ألّفوا من
ب الات ،ومهما نظَم الشعراء من قصائد ف مديح كتب وقدّموا من دراسات عن عظمة الن ّ
ب الصطفى ،فلن يبلغ ذلك كله ما أثن به ال على رسوله الذي اصطفاه وبعثه رحة الن ّ
للعالي .وحَسْبك هذا الوصف الذي تعرضه اليات الكرية أعله ،ياطب با ال سبحانه
وتعال رسوله ونبيّه ،فيبيّن له حقيقة الهمة الت بُعث با :شاهدا على ُأ ّمتِكَ وقد بلّغتَهم
وأقمتَ عليهم الجّة وعلى الناس كافّة ،ومبشرا للمؤمني بالنّة والفضل العظيم من ال،
ونذيرا للكافرين من عذاب النار يوم القيامة ،وداعيا يبلّغ رسالة ربّه ،الرسالةَ الاتة ،إل
الناس كافة ،رسالة ظاهرة مشرقة كالشمس بصدقها وحجتها وآياتا .ول تطع الذين
أدبروا عن الدى ،ول تبالِ بأذاهم وامضِ متوكلً على ال ،على خطّة جليّة ،ونج قوي،
وصراط مستقيم ،ل يعطله إيذاء الجرمي !
وتتوال اليات الكرية تعرض عظمة النبّ الذي اصطفاه ال واختاره وبعثه بالدى ودين
الق ،تعرض وتيط بوانب عظمته ف بيان معجز وعرض حق .ول نستطيع هنا أن نورد
اليات كلها ف هذا الصدد ،ولكننا نأخذ قبسات تشي وتد ّل :وإنك لعلى" خلق عظيم
{ 4القلم.}4 :
وما أعظم هذا الثناء من ربّ العالي ،يبز فيه سبحانه وتعال أهية الُلُق ف دين ال،
ومنلته ف حياة الناس ،ودوره ف الوفاء بالمانة والعهد ،والتبليغ والتعهد .ولتكون نباسا
للخَلْقِ كلِّهم ،للبشريّة كلّها ،حت يتمسكوا بذا البدأ العظيم ،ويتأسّوا بُلُق الرسول {:
480
لقد كان لكم ف رسول ال أسوة حسنة لن كان يرجو ال واليوم الخر وذكر ال كثيا
{ 21الحزاب.}21 :
ويرفع ال منلة النب { بي الؤمني وبي اللق جيعا ،حت يكون أول بالؤمني من
أنفسهم ،وزوجاته أمهاتم :
النب أول" بالؤمني من أنفسهم وأزواجه أمهاتم وأولوا الرحام بعضهم أول" ببعض ف
كتاب ال من الؤمني والهاجرين إل أن تفعلوا إل" أوليائكم معروفا كان ذلك ف
الكتاب مسطورا { 6الحزاب.}6 :
وهذه النلة العالية والصفات السامية تتمع ف رجل أمّيّ ل يقرأ ول يكتب ،وبعثه ال
بذه العجزة العظيمة ليدحض ال با أقوال الفترين ومزاعم الضلّي:
قل يا أيها الناس إن رسول ال إليكم جيعا الذي له ملك السموات والرض ل إله إل
هو ييي وييت فآمنوا بال ورسوله النب المي الذي يؤمن بال وكلماته واتبعوه لعلكم
تتدون { 158العراف.}158 :
وأمر ال الؤمني باحترام الرسول { بأسلوب الديث وعدم رفع الصوت وعدم تقدي
الرأي بي يديه ،وجعل ال الخلل بذلك مبطلً لعمالم .إنه إجلل للنبوة ولنلتها
العالية :
يا أيها الذين آمنوا ل تقدموا بي يدي ال ورسوله واتقوا ال إن ال سيع عليم 1يا
أيها الذين آمنوا ل ترفعوا أصواتكم فوق صوت النب ول تهروا له بالقول كجهر بعضكم
لبعض أن تبط أعمالكم وأنتم ل تشعرون { 2الجرات.}2 ،1 :
وحَسْبك من ثناء ال على رسوله { أن اختاره واصطفاه من خلقه ،ليحمل هذه الرسالة
العظيمة ،وجعل طاعة الرسول من طاعة ال ،ومعصيته من معصية ال سبحانه وتعال،
وإيذاءه يلب غضب ال ولعنته :
يا أيها الذين آمنوا أطيعوا ال ورسوله ول تولوا عنه وأنتم تسمعون 20ول تكونوا
كالذين قالوا سعنا وهم ل يسمعون { 21النفال.}21 ،20 :
قل أطيعوا ال وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنا عليه ما حل وعليكم ما حلتم وإن تطيعوه
تتدوا وما على الرسول إل البلغ البي { 54النور.}54 :
481
من يطع الرسول فقد أطاع ال ومن تول" فما أرسلناك عليهم حفيظا { 80النساء:
.}80
إن الذين يؤذون ال ورسوله لعنهم ال ف الدنيا والخرة وأعد لم عذابا مهينا 57
{الحزاب.}57 :
وأيّ ثناء أعظم من أن يعل ال طاعة رسوله { من طاعته ،قاعدة إيانيّة رئيسة يلتزم با
الؤمنون أبد الدهر .ولتكون طاعة ال ورسوله هي القاعدة الامعة للمؤمني صفا واحدا
ما التزموا ذلك !
ويظ ّل الثناء على رسوله { ثناءً متدا أبد الدهر ،كلما تل مؤمن كتاب ال ،يردّد مع
التلوة ثناء ال على رسوله { ،كما يقول الشاعر :
سبُكَ الَ ْدحُ َأنْ تكون عَلَى خُلْ حَ ْ
قٍ عَظيمٍ ُيتْلَى بِ ِه الكِتابُ الُجيدُ
ب وَذِ ْكرٍ
ي مِ َن الكِتا ِكُلّ آ ٍ
ُهوَ ذِكْرٌعلى ال ّزمَانِ َجدِيدُ()1
-2عناية ال ورعايته ،وتثبيته وحايته :
ول يقف المر عند ثناء ال على رسوله النب الصطفى فحسب ،ولكن مع هذا الثناء تتد
رعاية ال سبحانه وتعال رعاية حانية ،تنو على الرسول الكري وهو يش ّق سبيله بي
صخور وعقبات ،وشدّة إيذاء وعظيم ابتلء .ويتدّ مع الرعاية والنو توجيهٌ وتثبيتٌ ومددٌ
بالوحي واللئكة والنور الذي ُأنْزل ،كلّ ذلك ليبعث ف نفسه الطمأنينة ،وف قلبه الثبات
والعزية ،ومع مسيته الصب والثقة والستبشار .ولنتدبّر بعض القبسات من كتاب ال
تضيء لنا هذه القائق :
وتوكل على العزيز الرحيم 217الذي يراك حي تقوم 218وتقلبك ف
الساجدين 219إنه هو السميع العليم { 220الشعراء.}220 - 217 :
وتضي هذه الرعاية ف كلّ أحوال الرسول { ،وهو يتلقّى اليذاء الشديد من قريش،
والعدوان والطاردة ،والكيد والتآمر والكر من اليهود ومن قريش ومن الحزاب كلها،
حي تمّعت والتقت على حربه :
482
واصب لكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بمد ربك حي تقوم 48ومن الليل فسبحه
وإدبار النجوم { 49الطور.}49 ،48 :
وتتد هذه الرعاية الانية إل التوجيه والتثبيت ف مواقف الشدّة والكيد والكر ،مع كلّ
مرحلة من مراحل الدعوة :
وما خلقنا السموات والرض وما بينهما إل بالق وإن الساعة لتية فاصفح الصفح
الميل 85إن ربك هو اللق العليم 86ولقد آتيناك سبعا من الثان والقرآن
العظيم 87ل تدن عينيك إل" ما متعنا به أزواجا منهم ول تزن عليهم واخفض
جناحك للمؤمني 88وقل إن أنا النذير البي { 89الجر.}89 - 85 :
نعم ! وقل إن أنا النذير البي ! إعلن حاسم للرسالة ،سيعقبه اليذاء والستهزاء من
الشركي .فيأمره ال بالضيّ دون أن يأبه بالشركي ول بإيذائهم ،فهو ماضٍ على نج
قوي وصراط مستقيم ،وقد تعهّد ال بأن يكفيه الستهزئي:
فاصدع با تؤمر وأعرض عن الشركي 94إنا كفيناك الستهزئي 95الذين
يعلون مع ال إلا آخر فسوف يعلمون { 96الجر.}96 - 94 :
ويشت ّد اليذاء على رسول ال { ،ويشتدّ الكر والكيد ،وتظ ّل رعاية ال لنبيّه حانية متدة،
حت إذا حاولوا أن يفتنوا الرسول { عن الذي أوحى به ال إليه ،كانت الرعاية الربّانيّة
حانية توجّه وتثبّت وتنصر :
وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيه وإذا لتذوك خليل 73
ولول أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليل 74إذا لذقناك ضعف الياة
وضعف المات ث ل تد لك علينا نصيا { 75السراء. }75 - 73 :
وكما يتدّ مكر الشركي والكيد برسول ال { ،تت ّد عناية ال برسوله وحايته له:
وإن كادوا ليستفزونك من الرض ليخرجوك منها وإذا ل يلبثون خلفك إل قليل 76
سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ول تد لسنتنا تويل { 77السراء.}77 ،76 :
تثبيت ويقي يتنّل على رسول ال { ،وإنذار شديد للكافرين يذهب بكرهم وكيدهم:
...وإذا ل يلبثون خلفك إل قليل ! سينل بم عذاب ال! وكذلك ت ّدبّرْ هذه اليات
التالية لترى عظمة الرعاية وجلل النو وقوة التثبيت :
483
وإذ يكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يرجوك ويكرون ويكر ال وال خي
الاكرين { 30النفال.}30 :
وكذلك :
وقد مكروا مكرهم وعند ال مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه البال 46فل
تسب ال ملف وعده رسله إن ال عزيز ذو \نتقام { 47إبراهيم.}47 ،46 :
ولقد ثبت رسول ال { ،ومضى ف دعوته بي كيد الكافرين ومكر الشركي ،وبي رعاية
ال وحايته حت من الستهزئي :إنا كفيناك الستهزئي ! واستمع إل قوله سبحانه وتعال
يدّ الرعاية لرسوله الكري:
فإن آمنوا بثل ما آمنتم به فقد \هتدوا وإن تولوا فإنا هم ف شقاق فسيكفيكهم ال وهو
السميع العليم { 137البقرة.}137 :
نعم ! فسيكفيكهم ال ! وقد كفاه الستهزئي والاكرين ،فأخذهم ال بلك من عنده،
ويتدّ وعد ال هذا إل أبد البدين على سنن ل ثابتة وقضاء نافذ وقدر غالب وحكمة
بالغة.
ولو راجعنا السية لوجدنا أن الستهزئي كانوا كثيين .فأما " أبو لب " فقد بشره ال
باللك ف الدنيا واللود ف النار بالخرة .فأصيب أبو لب برض مات فيه شر ميتة ،ول
يقدروا على تغسيله لشدّة الرائحة الكريهة الت كانت ترج من جسده الذي ينسلخ
ويتساقط .وأبو جهل قتل ف بدر ،والنضر ابن الارث ُأسِرَ ف بدر وأمر الرسول
{ بضرب عنقه .والسود بن يغوث أصابته السموم ومرض الكلة ،فامتل جسمه قيحا
فمات شرّ ميتة .والارث بن قيس السهمي مات بالذبة .وأُبّ بن خلف وأميّة بن خلف
كانا من أشدّ من آذى رسول ال { وعداوة له واستهزاء به ،فهلك أمية ف بدر وأُبّ ف
أُحد .وأبو قيس بن الفاكه بن الغية هلك على يد حزة رضي ال عنه .والعاص بن وائل
السهمي ،فقد هلك هذا الشرك ف مكة بلدغة حيّة ف رجله فانتفخت رجله حت مات.
وكذلك َنبِيْه و ُمنَبّه ابنا الجاج السّهميّان ،والسود بن الطلب ابن أسد ،وطعيمة بن
عديّ بن نوفل ،ومالك بن الطلطلة بن عمرو بن غبشان ،وركانة بن عبد يزيد ،والوليد
ابن الغية( .)2وحشد من اليهود والشركي ،ردّ ال استهزاءَهم ومكرهم على أنفسهم
484
وباؤوا بسران ف الدنيا والخرة .وذهب ذكرهم وطُوي ،وظلّ ممد{ يشرق مع الدهر
ذكرا حيدا ف السماء وحيدا ف الدنيا:
َأيّها الصطفى! َتفَرّدْتَ ف الَلْ
قِ نَِبيّا عُلَك أُفْقٌ فَرِيدُ
ت َمعْنَى الوَفَاءِ :ذِكْ ُركَ ف الَرْ
َأنْ َ
ضِ حيدٌ وف السّماءِ حَميدُ()3
وظلّ أعداء ممد { هم أعداء الدين الق ،ظلّوا متدّين مع الزمن يكيدون ويستهزئون،
ويُرَدّ كيدهم إل نورهم ،وهم دائما :الكافرون والشركون والنافقون واليهود وفريق
من النصارى ،حيث ما زال منهم من يؤمن بذا الدين :
وكذلك جعلنا لكل نب عدوا شياطي النس والن يوحي بعضهم إل" بعض زخرف
القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون { 112النعام.}112 :
إنا سنّة من سنن ال !
ولقد اجتمعت هذه الصائص والسمات الفريدة ف ممد { وهو يشقّ طريقه بي أعداء
ب العالي ،ولكنه مع كلّ ذلك ظلّ رحةً للعالي ،رحةً بأصحابه مرمي وبي عناية من ر ّ
الؤمني ورحةً للبشريّة على م ّر القرون ،ما دام الؤمنون يُبلّغون رسالة ربّهم إل الناس
كافّة ،ليخرجوهم من الظلمات إل النور:
وما أرسلناك إل رحة للعالي { 107النبياء.}107 :
يهدي به ال من \تبع رضوانه سبل السلم ويرجهم من الظلمات إل النور بإذنه
ويهديهم إل صراط مستقيم { 16الائدة.}16 :
وقد عرف الؤمنون رسولم ونبيّهم ممدا { ،وأصبح ُحبّه جزءا رئيسا من اليان ،ليكون
ُحبّ ال ورسوله البّ الكب ف حياة الؤمن ،ومنه ينبع كلّ حبّ ف الياة الدنيا .ومن
هذا الب الصادق انطلق الشعراء السلمون يدحون رسول ال { بقصائدهم الغنيّة بالبيان
والصدق والوفاء .
485
ولع ّل أول من بدأ بدح رسول ال { من الشعراء العشى الكبي ميمون ابن قيس ف
قصيدته الت مطلعها(:)4
ض عيناك ليلة أرمداأل َتغْت ِم ْ
وعادك ما عاد السليم السهّدا
ب { بذه القصيدة ،فصدّته وقد نظم القصيدة حي عزم على أن يسلم ،وتوجّه إل الن ّ
قريش لا خافت من أثر شعره ف العرب ،إذ كان يُسمّى صنّاجة العرب .ونحت قريش
ف صدّه فعاد إل قريته ،وف طريق عودته رمى به بعيه إل الرض فمات ،وذلك سنة
629م .
وقصة كعب بن زهي بن أب سلمى رضي ال عنه ،حي هجا الرسول {ّ ،ث تاب وتوجّه
إل الرسول الكري بقصيدته الرائعة ،وأعلن توبته بي يدي الرسول { ،ثّ ألقى قصيدته الت
مطلعها(:)4
بانت سعاد فقلب اليوم متبولُ
مُتيمّ إثرها ل ُيفْ َد مكبول
وإن لعدّ هذه القصيدة من روائع الدب العالي .وإن ل أرى كما يرى الكثيون أنّ
مطلعها غزل وتشبيب كعادة العرب ف الاهلية ،ولكن أرى أنّ كعبا يصف فيها رحلته
من الاهلية الت كان قد عشقها ثّ فارقها (بانت سعاد) إل السلم واليان الذي دخل
قلبه وملك حبّه (أمْستْ سعاد بأرضٍ ل يبلّغها :إل العتاق النجيبات الراسيل).
ثّ تتدافع الشعراء من أصحاب رسول ال { يدحون نبيّهم ورسولم ،ويدافعون عنه
ويدفعون عنه أذى قريش وشعرائها .وكان من شعراء الصحابة عبد ال بن رواحة وكعب
بن مالك وحسان بن ثابت رضي ال عنهم أجعي .ولكن حسان بن ثابت كان أطولم
باعا وأشدهم إيذاءً لقريش .
وكان وصف أم معبد لرسول ال { حي م ّر بيمتها :
" رأيت رجلً ظاهر الوضاءة ،أبلج الوجه ،حسن اللق ،ل تعبْه ثُعلة ،ول تُزْرِ به صعلة،
وسيم قسيم ،ف عينيه دعج ،وف أشفاره وطف ،وف ضوئه صحل ،وف عنقه سطع،
أحور ،أكحل ،أزج ،أقرن ،شديد سواد الشعر ،إذا صمت عله الوقار ،وإن تكلّم عله
486
البهاء ،أجل الناس وأباهم من بعيد ،وأحسنه وأحله من قريب ،حلو النطق ل نزر ول
هذر ....ال"( .)5وقد وصفه عليّ بن أب طالب ف بيان رائع ،وكذلك أنس بن مالك،
وأبو جحيفة ،والباء ،وجابر بن سرة ،وأبو هريرة ،وغيهم من الصحابة رضي ال عنهم
أجعي.
وقد توال الشعراء السلمون على م ّر العصور يدفعون للئ قرائحهم وغنّ بيانم ف مدح
رسول ال { ،حت ل يكاد يلو عصر من أحد منهم .وجاء الشعراء ف العصر الديث
يبدعون ف هذا الديح .وكان أولم ممود سامي باشا البارودي ف قصيدته" :كشف
الغمة ف مدح سيد المة" ف أربعمائة وسبعة وأربعي بيتا ،وكذلك أحد مرّم ف ديوانه
مد السلم ،وشوقي ف قصيدتيه البائية والمزية ،وعمر أبو ريشة ف مقدمة ملحمته،
وعدنان النحوي ف قصيدته رسول الدى ف سبعة وأربعي بيتا .
ولقد بّينّا ف هذه الصفحات كيف أنّ ال سبحانه وتعال قد أثن على عبده النبّ الات
أعلى ثناء ،وكيف مدحه عدد من أصحابه الشعراء وأخرسوا سفهاء قريش ،وكيف
وصفته أم معبد ،وهي ل تره إل مرّة واحدة ولفترة قصية ،ولكنه أثر النبوّة الشرق الذي
يؤثر ف النفوس ،ويزداد تأثيه كلما صفت النفوس وزادت إيانا .وأشرنا كذلك كيف
وصفه بعض الصحابة كذلك وصفا جامعا يه ّز النفوس.
ب العظيم يصف نسبه ومنلته عند ال:
-4الن ّ
وبالضافة إل ذلك كله ،فقد عرّفنا رسول ال { بنسبه وكيف اختاره ال من خي قرون
بن آدم قرنا فقرنا .فلننظر ف قبسات من الحاديث الشريفة حول ذلك :
فعن أب هريرة رضي ال عنه عن النب { قال " :بُعثتُ من خي قرون بن آدم قرنا فقرنا،
حت كنتُ من القرن الذي كنتُ منه"(.)6
عنه أيضا عن الرسول { أنه قال" :أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ،وأول من ينش ّق عنه القب،
وأول شافع وأول مشفّع"( )7وف رواية أخرى عنه أيضا ف حديث طويل" :أنا سيد
الناس يوم القيامة .وهل تدرون بِمَ ذلك ؟! يمع ال الولي والخرين .)8(".....
وعن الطلب بن أب وداعة عن العباس عن الرسول { أنه قال.." :أنا ممد بن عبد ال بن
عبد الطلب ،إن ال تعال خلق اللق فجعلن ف خي خلقه ،وجعلهم فرقتي ،فجعلن ف
487
خيهم فرقة ،وخلق القبائل ،فجعلن ف خي قبيلة ،وجعلهم بيوتا ،فجعلن ف خيهم بيتا،
فأنا خيكم بيتا ،وخيكم نفسا"(.)9
والحاديث الشريفة كثية حول هذا الوضوع ،حيث يظهر فضل ال على خلقه جيعا أن
بعث فيهم ممدا { على أحسن هيئة َخلْقا وخُلُقا ،وأحسنهم منبتا .
ول يقتصر مديح الرسول { على السلمي ،فقد قام عدد من الشعراء النصارى يدحون
رسول ال { بقصائد غنيّة تلمس فيها وضوح العاطفة وحقيقة الكبار .ويبقى السؤال:
فلماذا ل يسلموا ؟! ومن هؤلء" :إلياس قنصل" ،والشاعر القروي "رشيد سليم الوري"،
و"رشيد أيوب" ،و"رياض العلوف" ،و"إلياس طعمة" الذي أسلم وجعل اسه بعد إسلمه
"وليد طعمة"! وكذلك سعيد جرجس العيسى الذي مدح رسول ال بقصيدة جيلة،
والذي ذكر عيسى عليه السلم ومري عليها السلم كما ها ف القرآن الكري ،وأشاد
بالتوحيد كما هو ف كتاب ال .وقد دعوته ليعلن إسلمه ،ولكنّه توفّي قبل أن أتلقّى منه
خبا .
ولدينا ف كتاب ال القول الق بأنّ اسم ممد { ثابت ف التوراة والنيل :
وإذ قال عيسى \بن مري يا بن إسرائيل إن رسول ال إليكم مصدقا لا بي يدي من
التوراة ومبشرا برسول يأت من بعدي \سه أحد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر
مبي { 6الصف.}6 :
ول يقف المر عند عيسى عليه السلم وحده ،وإنا امتدّ إل جيع الرسل ،حيث أخذ ال
ب الات وينصروه :
عهدا منهم جيعا أن يؤمنوا بالن ّ
488
وإذ أخذ ال ميثاق النبيي لا آتيتكم من كتاب وحكمة ث جاءكم رسول مصدق لا
معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررت وأخذت على" ذلكم إصري قالوا أقررنا قال
فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين { 81آل عمران.}81 :
ولقد كتب عدد من الباحثي ف التوراة والنيل وبيّنوا أنّ اسم ممد وارد ف التوراة
والنيل بالسلوب واللغة الت ُدوّن فيهما هذان الكتابان ،مع ما أصابما من التحريف .
فيذكر البوفسور عبد الحد داود ف كتابه " :ممد ف الكتاب القدس " ناذج متعددة
عن ذكر ممد { ،ففي الصحاح الثان من سفر َحجّي ،تأت الترجة هكذا " :ويأت
مشتهى كل المم "! " وعندما أرسل ال خادمه النبّ حجّي ليسري عن هؤلء الحزوني
على تدمي اليكل ،ومعه الرسالة الامة :ولسوف أزلزل كل المم وسوف يأت حِمَدا (
)Himadaلكل المم " ! وبالعبيّة " :ف يافو حِمْداث كول هاجو بيم " ،وترجتها
الرفية كما سبق ذكره( .)10ويورد نصّا آخر .... " :حت يأت شيلوه ويكون له
خضوع الشعوب " ! ويفسّر كلمة " شيلوه " بالشخص الذي تصّه ،ويذكر الؤلف
نصوصا أخرى كثية لُيثْبتَ رأيه .
ويذكر الستشار ممد عزت الطهطاوي ف كتابه " :ممد { نبّ السلم :ف التوراة
ب الات بألفاظ متعددة .ويذكر ف والنيل والقرآن " ،وأمثلة كثية عن ورود اسم الن ّ
ص ليُثْبتَ الشارة
الباب الول نصوصا من البشارات ف "العهد القدي " .ويقق ف ك ّل ن ّ
والبشارة بجيء ممد { .ويأخذ النصوص من أسفار :التكوين ،التثنية ،الزامي ،وأشعياء،
وميخا ،وحبقوق ،و َحجّي ،ملخي .ويأت بنصوص من الشارات والبشارات ف بعض
كتب العهد الديد ،وهي الناجيل الربعة " :مت ومرقص ،ولوقا ويوحنا"(.)11
فبالرغم ما جرى ف العهدين القدي والديد من تريف ،فقد بقيت نصوص كثية تشي
إل أنّ ال سيبعث بعد موسى وعيسى عليهما السلم النبّ الذي تضع له الشعوب أو
الذي تنتظره الشعوب .
489
ب العظيم ،الصطفى ،ولكن كثيا من ول يقف المر عند هذا ال ّد من الثناء على الن ّ
الناس ،من مسلمي وغي مسلمي ،كتبوا عن ممد { ،بعد أن درسوا سيته ،فخشعوا
أمام هذه السية العظيمة التفرّدة .فقد كتب كثيون قديا وحديثا عن الرسول
{ دراسات عامة من عظمته وتفرّده ،أو عن جانب من جوانب عظمته ،بيث يصعب
حصر الذين كتبوا ف ذلك ،يضاف إل ذلك القالت الواسعة الت ل تقع تت حصر.
وكلها تدور بي الثناء والكشف عن أسرار عظمته ،أو للدفاع والردّ على الجرمي
البطلي الذين يؤذون ال ورسوله .ولكننا نشي إل ثلثة كتب رئيسة ،هي :السية النبوية
لبن هشام ،الشمائل الحمدية للترمذي ،وزاد العاد لبن القيم.
ومن غي السلمي من عبّر عن رأيه ف عظمة الرسول { بكلمات أو جل تعبّر عن جلء
قناعته بعظمة النب الكري .ونذكر بعض أساء من عبّروا عن آرائهم ،فالقائمة طويلة
تتجاوز خسي اسا ،كان من بينهم :بينارد شو ،توماس كارليل ،ه .جي .ويلز
جوستاف لوبون ،بلنشيه ،الفونس ل مارتي ،تولستوي ،سي وليم موير ف كتابه :حياة
ممد ({) ،غاندي ... ،وكثيون !
ونأخذ نصّا واحدا للعال الندي د .ت .ل .فسوان ،حيث يقول " :إليك يا ممد وأنا
الادم القي أقدّم إجلل بضوع وتكري .إليك أطأطئ رأسي! ،إنك لنبّ حقا من ال .
قوّتك العظيمة كانت مستمدّة من عال الغيب الزل!"(.)12
من هذا العرض السريع نرى بلء أنه ل يوجد لدى البشرية كلها من نال من الثناء
والجلل ف جيع العصور ومن متلف التاهات ما ناله نبّ الرحة ممد { .فمن مِن
الناس ،مثلً كُتبَ ف الثناء عليه شعر تاوز ألفا وخسمائة صفحةً ،خلف النثر والكتب
والؤلفات .ول ب ّد أن نؤكّد أ ّن أعظم ثناء ناله هو من ال سبحانه وتعال .
وسيظلّ ذكرُ الرسول { مقترنا بذكر ال الذي ل إله إل هو ،وسيظلّ حبّ ال ورسوله
ب ف الياة الدنيا ،وسيظ ّل العهد الولب الكب ف قلوب الؤمني ،منه ينبع كل ح ّ ال ّ
مع ال سبحانه وتعال ،منه ينبع ك ّل عهد ف الياة الدنيا ويرتبط به ،وسيظ ّل الولء الكب
490
هو ل سبحانه وتعال ،منه تنبع كلّ موالة ف الياة الدنيا ،لتبن أُخوّة اليان بي الؤمني
جيعا كما أمر ال ورسوله .
وهذا اليان الذي يدعو إليه الكتاب والسنة هو الذي يمع الؤمني أمة مسلمة واحدة،
متدّة مع الدهر ،يهابا أعداء ال ما التزم الؤمنون التزاما صادقا برسالتهم ،وما داموا صفّا
واحدا كما أمر ال ،وما داموا يملون رسالة ال يبلّغونا إل الناس كافّة !
إن دين ال واحد للرسل جيعا وهو السلم .فلقد كان السلم دين جيع النبياء
والرسل الذين بعثهم ال إل عباده ،والذين خُتموا بحمد { فليس عند ال إل دين واحد
هو السلم .ول يُعقل أن يكون هنالك أديانٌ ساوية توحيدية ،كما يزعم الكثيون،
وكما يردّد ذلك بعض السلمي .فذلك تناقض واضح بي كلمة أديان وكلمة ساوية
توحيدية .
وهل يُعقل أن يبعث ال لعباده بأديان متلفة يتصارع الناس عليها ،وهو ال الذي يريد
لعباده جيعا اليان الواحد الصادق ،والذي جعل النّة مأوى الصادقي والنار مأوى
الكذّبي ! فل بدّ أن يكون الدين عند ال واحدا ،وأن يبعث جيع النبياء والرسلي بدين
ب نبيّا ،فيختلط المر على الناس .
واحد ،حت ل يناقض ن ّ
ونن السلمي نؤمن بالنبياء والرسل جيعا ،وبالكتب النلة قبل تريفها جيعا .وأيّ
إخلل بذلك هو إخلل باليان والتوحيد .فل نؤذي نبيّا ورسولً ،ول نفرّق بي أحد
منهم :
آمن الرسول با أنزل إليه من ربه والؤمنون كل آمن بال وملئكته وكتبه ورسله ل
نفرق بي أحد من رسله وقالوا سعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك الصي 285
{البقرة.}285 :
491
ب هو إيذاء ل ،يُنل ال به غضبه فالجتراء على نبّ من النبياء اجتراء على ال ،وإيذاء الن ّ
ولعناته :
إن الذين يؤذون ال ورسوله لعنهم ال ف الدنيا والخرة وأعد لم عذابا مهينا 57
{الحزاب.}57 :
ولقد وجد أهل الكتاب صادق الرعاية والرحة ف ظلل حكم ال ورسوله ،حكم الكتاب
والسنّة ،ولقد أحسن ممد { إليهم إحسانا كبيا ،وكذلك فعل الؤمنون .
فما بال بعض النصارى ،أو النتسبي إل دين عيسى عليه السلم ،بعد أن حرّفوه وبدّلوا
وغيّروا ،ما بالم يملون الحقاد على السلم والسلمي ،وعلى رسول ال { .فل تكاد
ب عدوّا من تدأ فتنة حت تثور فتنة .وقد نبّأنا ال ف كتابه الكيم أنه قد جعل لكل ن ّ
الجرمي ،من شياطي النس والن .وقد بدأت العداوة لحمد { من لظة ابتعاثه من
قريش وبعد ذلك من اليهود ،ثّ امتدّ القد مع الزمن حت تولّى كب ذلك :الشركون
والكافرون والنافقون والظالون من أهل الكتاب ف إيذاء بعد إيذاء عب التاريخ ،حت
الروب الصليبية ،وحت ظلمهم وعدوانم على مسلمي الندلس ،و كلما واتت فرصة
لذلك !
وجاءت الادثة الخية عندما نشرت إحدى صحف الدنارك صورا مهينة ومؤذية
لرسول ال { .واعتبت الدولة أنّ هذا من باب حريّة الرأي! ،وكأنّها اعتبت الناس بل
عقول حت يصدّقوا أنّ هذا من باب حريّة الرأي .وإن كان المر كذلك فعلى دولة
الدنارك أن تراجع قوانينها ،وأن تتعلّم من السلم ،ومن ممد { ،حدود حريّة الرأي،
وأدب الرأي ،وحقوق النسان ّ .ث تولّت صحيفة نرويية نشر تلك الصور أيضا ،وف
بلدهم جيعا مسلمون أقاموا عشرات السني ،ما قدّموا إل الي والحسان .
ل يكن المر مصادفة أو زلّة رسّام! فلقد أرسل الحرّر الثقاف ف الريدة دعواتٍ إل
أربعي رسّاما يدعوهم إل رسم النبّ { ،فأجاب الدعوة اثنا عشر رساما فقط .وكانت
ملكة الدنارك " مارغاريت " الثانية ،قد اعتبت أنّ السلم يثّل تديدا على الستويي
الحلي والدول ،وحثّت حكومتها على عدم التسامح مع السلمي والسلم! ودون مبالة
لا قد تثي هذه السياسة من غضب خارجي! إنا لغة التهديد والثارة بكل العتبارات
492
اللغوية والسياسية والرسية .ويرفض رئيس وزراء الدنارك مقابلة السفراء السلمي الرسيي
ف بلده .وتتول أجهزة الدولة والصحافة صياغة السوّغات لذا العمل ،فكانت العذار
أقبح من الذنب .عدوان إثر عدوان .وكان أوقح ما ف هذه الساليب قول الصحيفة:
"إننا ل نعتذر عن عمل هو جزء طبيعي من النشاط العلمي ."....الصحيفة الدناركية
هي صحيفة " يولند بوست " ،والصحيفة النرويية هي" :مغازينات"! وكذلك امتدّت
الجمة على السلم بإعادة إذاعة هذه الصور الكاذبة ف صحف فرنسا وإسبانيا وألانيا
وسويسرا .وربا تت ّد الجمة إل أبعد من ذلك .
ول ننسى ذلك الخرج الولندي الذي أخرج فيلما مسيئا إل الرسول الكري وإل
السلم ،والذي أثار ضجّة كبية .ول ننسى كذلك قضية الؤسسة الت أصدرت كتابا
أسته " الفرقان " تزوّر فيه جلً وكلمات تريفا ليات ال ف القرآن الكري ،وطعنا ف
السلم واليان والتوحيد .يضاف إل ذلك جهود الركات التنصيية ف العال
السلمي ،وما تقوم به من ماولت لصرف السلمي عن دينهم ،وتشويه صورة السلم،
وإثارة الفت !
إنّ هذا كلّه ليدلّ دللة واضحة على أنّ القوم يضون على نج وخطة وليس على عمل
ارتال .ول بدّ للمسلمي أن يابوا ذلك بعمل منهجي مدروس يمع جهود المة
كلها.
القضيّة قدية ،بدأت ،كما تذكر بعض الصحف ،قبل ثلثة أشهر ،واشت ّد التفاعل ضدّ
هذه الهانة الكبية منذ أسبوع أو أسبوعي .وإن كان قد بدأت ماولت هادئة ل
تتناسب مع عظم الرية .إنا حقا جرية ،وجرية كبية ف ميزان السلم .أين
السلمون ؟! وأين الليار من السلمي ؟!
أُمة القّ ! ما دهاكِ فأصْبح
تِ شظايا تطايرتْ ف النجادِ
كلما ُر ْمتِ ملتقيً كُنتِ ف السا
493
ح ِة أوهى من حفنة من رمادِ()13
لقد هان السلمون ف الرض ،وأصبحوا غثاءً كغثاء السيل ،كما جاء ف حديث رسول
ال { يرويه ثوبان رضي ال عنه ( :يوشك المم أن تتداعى عليكم كما تتداعى الكلة
على قصعتها " .فقال قائل :ومن قلة نن يومئذ ؟ قال :بل أنتم كثي .ولكنكم غثاء
كغثاء السيل .ولينعنّ ال من صدور عدوكم الهابة منكم ،وليقذفنّ ال ف قلوبكم
الوهن " فقال قائل :يا رسول ال ! وما الوهن ؟! قال :حبّ الدنيا وكراهية الوت!)(
.)14
منذ سني طويلة ،حي أصدرتُ كتاب " :دور النهاج الربان ف الدعوة السلمية "،
ذكرتُ هذا الديث الشريف ،متوقعا أن حالة السلمي ستتحسّن مع اليّام ومع ضجيج
الشعارات ،وكثرة الؤترات ،وتزاحم الكتب والقالت ،وتزاحم الدعاة هنا وهناك ،وبعد
هذه السني أرى أننا ما زلنا غثاءً كغثاء السيل .
وأول سبب أجده لوان السلمي هو تزّقهم أقطارا ومصال وأهواءً ،وشيعا وأحزابا،
يالفون بذلك ما أمرهم ال به ورسوله {:
واعتصموا ببل ال جيعا ول تفرقوا واذكروا نعمت ال عليكم إذ كنتم أعداء فألف بي
قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على" شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك
يبي ال لكم آياته لعلكم تتدون { 103آل عمران.}103 :
ول تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لم عذاب عظيم
{ 105آل عمران.}105 :
إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم ف شيء إنا أمرهم إل ال ث ينبئهم با
كانوا يفعلون { 159النعام.}159 :
وآيات كرية أخرى تنذر السلمي إن تفرّقوا إنذارا شديدا .وحسبك هذا النذار ف الية
السابقة :وأولئك لم عذاب عظيم !
وأهم سبب لذا التمزّق والوان ،هو عدم التزام السلم التزاما أمينا ،وعدم التزام الكتاب
والسنّة التزاما أمينا ،وبذلك عدم طاعة ال ورسوله:
494
وأطيعوا ال ورسوله ول تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريكم واصبوا إن ال مع الصابرين
{ 46النفال.}46 :
ول بدّ على ضوء ذلك أن توضع قاعدة عمليّة نابعة من قواعد اليان والتوحيد ومن
منهاج ال ،ومن مدرسة ممد { ،قاعدة تثبّت مسؤوليات الفرد السلم ودوره ،ودور
السرة ف البناء والتعهد ،ودور كل مؤسسة ف المة السلمة ،وتبي قواعد التربية والبناء،
والهداف والصراط الستقيم الذي يوصل إل الهداف ،ليكون الدرب ربانيا ،والهداف
ربانية .لقد تناثرت الهداف ،وتباعدت الدروب ،وقد جعل ال لعباده الؤمني دربا
واحدا
495
الرب ض ّد السلم ل تتوقف ،ولن تتوقف .فإنا ابتلء من ال سبحانه وتعال ،يحص
به عباده لتقوم عليهم الجة يوم القيامة أو تقوم لم .
حيّي النفوس الؤمنة الت غضبت لرسول ال { ،والنفوس الؤمنة الت تداعت إل وإنا إذ ُن َ
النصرة بوسائل متعددة ،فكلنا مع نصرة ال ورسوله.
لذلك فإنا ننصح بأن يراجع السلمون أنفسهم لينظروا ف واقعهم ،ويروا كم يُرضون ال
با هم عليه ،وبا يفعلون .ومن أهم مسؤوليات السلمي أن يبلّغوا رسالة ال ودين
السلم إل الناس كافّة .فهل بلّغ أحد هذا الدين إل رئيس وزراء الدنارك أو غيه من
رجال الدولة ،أو رؤساء الدول الخرى ،حت نعذر أنفسنا بي يدي ال يوم القيامة .
مع أهية ردود آفعال السلمي الت عمّت العال السلمي إل أن هذا وحده ل يكفي .فل
بدّ من معالة أخطائنا وتقصينا بقّ هذا الدين العظيم ونبيّه العظيم .
فإن أدرك السلمون جوانب اللل ف واقعنا اليوم ،فليبادروا إل إصلح كل خلل يغضب
ال ،وإل صدق التوبة والنابة ،عسى أن يكون ال معنا فيما نابه من أحداث ،لن نقوى
على مابتها دون نصر يتنّل من عند ال:
وتوبوا إل ال جيعا أيها الؤمنون لعلكم تفلحون { 31النور.}31 :
ومن خلل ذلك فل ب ّد أن يقف السلمون ف العال السلمي كله وقفة واحدة ،لر ّد هذا
العتداء ،فهو اعتداء على كلّ مسلم ف الرض ،ولِشعار هؤلء أنّ السلمي ما زالوا
أقوياء يفدون دينهم بكل شيء .
وهنا نقف أمام خيارين :إمّا أن نطيع ال ورسوله ،وننصر ديننا فننال رحة ال وعونه،
وإما أن نتهاون ف هذا المرَ ،فُينْزِل ال غضبه علينا .وإنا مسؤولية جيع مستويات المة
السلمة كلها ابتداءً من الفرد السلم ،على خطة إيانيّة واعية ونج مدروس شامل ،يعال
الواقع ويبن الستقبل بإذن ال .
الوامش:
( )1ديوان مهرجان القصيد لصاحب القال .
( )2أبو بكر الزائري " :هذا البيب ممد "يا مب" ص . 119-112 :
( )3ديوان مهرجان القصيد مرجع سابق .
496
( )4ديوان العشى :دار صادر بيوت .ص . )45( :
( )4د .ممود حسن زين :قصيدة البدة ص . )76( :
( )5البداية والنهاية ،29/3زاد العاد لبن القيم . 54-2 :صفي الرحن الباركفوري
:الرحيق الختوم :ص . )189( :تفة الرسائل :اختيار مؤسسة الوقف السلمي :
من صفات الرسول { اللقية واللقية :ص . 2 :
( )6صحيح البخاري رقم.)3481( :
( )7صحيح مسلم رقم.)5893( :
( )8صحيح البخاري رقم )3270( :ومسلم رقم.)433( :
( )9أخرجه أحد ( )172/5( ،)345/1صحيح الامع (.)1466
( )9أحد( )345/1صحيح الامع (.)1472
( )10البفسور عبد الحد داود " :ممد ({) ف الكتاب القدس " ص . )51-50 ( :
( )11الستشار ممد عزّت الطهطاوي :ممد { نب السلم " ص ،) 30-11 ( :ص
. )56-31( :
( )12أحد بن حَجَر آل بو طامي آل بن علي " :السلم والرسول { " ف نظر منصفي
الشرق والغرب .ص . )198-129( :
( )13د .عدنان النحوي :ملحمة أرض الرسالت .ص . )134( :
( )14أبو داود 4297-5-31 :الامع الصغي وزيادته رقم .)8138( :
==================
الدب مع أمهات الؤمني :
-ورد الثناء ف الكتاب والسنة على الصحابة من أهل بيت النب – صلى ال عليه وسلم
– ذكورا وإناثا ،وأوضح ال بأن أزواج النب – صلى ال عليه وسلم – ف مرتبة علية
سهِ ْم َوأَ ْزوَاجُهُ ُأمّهَاُتهُمْ }
ي مِنْ أَنفُ ِ
ومنلة رفيعة قال تعال { النِّبيّ َأوْلَى بِالْ ُم ْؤمِنِ َ
ففي هذه الية فضيلة عظيمة ومنقبة رفيعة لميع أزواجه عليه الصلة والسلم . -
وأوجب ال لن حكم المومة على كل مؤمن ما لن من شرف صحبة النب – -
صلى ال عليه وسلم . -
497
-قال القرطب – رحه ال ": -شرّف ال أزواج نبيه – صلى ال عليه وسلم – بأن
جعلهن أمهات الؤمني أي :وجوب التعظيم والبة والجلل وحرمة النكاح على
الرجال ،وحجبهن – رضي ال عنهن – بلف المهات " ( التفسي . ) 14/123
-قال ابن كثي – رحه ال ": -وقوله وأزواجه أمهاتم أي ف الرمة والحترام
والتوقي والكرام والعظام ولكن ل توز اللوة بن ول ينتشر التحري إل بناتن
وأخواتن بالجاع " ( التفسي . )5/425
والذي دفعن للكلم عن أمهات الؤمني – رضي ال عنهن أجعي – ما يلي : -
-أول ً :امتثال لقول النب ووصية النب – صلى ال عليه وسلم – كما ف صحيح
مسلم ":وأنا تارك فيكم ثقلي :أولما كتاب ال فيه الدى والنور فخذوا بكتاب ال.
واستمسكوا به" فحث على كتاب ال ورغب فيه .ث قال "وأهل بيت .أذكركم ال ف
أهل بيت .أذكركم ال ف أهل بيت .أذكركم ال ف أهل بيت" .فقال له حصي :ومن أهل
بيته؟ يا زيد! أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال :نساؤه من أهل بيته .ولكن أهل بيته من
حرم الصدقة بعده .قال :وهم؟ قال :هم آل علي ،وآل عقيل ،وآل جعفر ،وآل عباس.
قال :كل هؤلء حرم الصدقة؟ قال :نعم " .
ونساء النب من آل بيته قال تعال ] إنا يريد ليذهب عنكم [ . -
-لذلك أقر الجلسي بأن السياق هو ف شأن أزواج النب – صلى ال عليه وسلم –
فقال ف بار النوار ": 35/24فلعل آية التطهي أيضا وضعوها ف موضع زعموا أنا
تناسبه أو أدخلوها ف سياق ماطبة الزوجات لبعض مصالهم الدنيوية وقد ظهر من
الخبار عدم ارتباطهن بقصتهن فالعتماد ف هذا على النظم والترتيب ظاهر البطلن ولو
سلم عدم التغيي ف الترتيب فنقول سيأت أخبار مستفيضة بأنه سقط ف القرآن آيات كثية
فلعله سقط ما قبل الية وما بعدها آيات لو ثبتت ل يفت الربط الظاهري " .
-والهل ف اللغة تطلق على الزوجة قال تعال { وهل أتاك حديث موسى إذ رأى نارا
فقال لهله امكثوا إن آنست نارا } وبإجاع الفسرين أنه كان مع موسى زوجته .
498
-وقالت هاجر زوج إبراهيم { قالت يا ويلت أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا
لشيء عجيب * قالوا أتعجبي من أمر ال رحة وبركاته عليكم أهل البيت إنه حيد
ميد }
وقال النب ": -أيها الناس من يعذرن ف رجل قد بلغ أذاه ف أهلي " . -
-وكذلك جاء عن عائشة -رضي ال عنها أنا قالت ":ما شبع آل رسول ال e
-من خبز بر " أخرجه المامان البخاري ومسلم وقول عائشة ما شبع آل رسول ال .
تريد نفسها وأزواج النب . -
والسبب الثان :قوله – صلى ال عليه وسلم ": -الرء مع من أحب " مسلم . -
-والسبب الثالث ":كما قال الصديق -رضي ال عنه – ارقبوا ممدا ف أهل بيته "
رواه البخاري ،ولقول الصديق ":والذي نفسي بيده لقرابة رسول ال – صلى ال عليه
وسلم – أحب إل من أن اصل قرابت " البخاري .
ومن مناقبهن : -
-أنن اخترن ال ورسوله والدار الخرة إيثارا منهن لذلك على الدنيا وزينتها فأعد ال
ل وأجرا عظيما قال تعال{ يَا َأّيهَا الّنبِيّ قُل ّلأَ ْزوَاجِكَ إِن كُنتُنّ لن على ذلك ثوابا جزي ً
حيَاةَ ال ّدْنيَا وَزِينََتهَا َفَتعَالَيْنَ ُأ َمّتعْكُ ّن َوُأسَرّ ْحكُ ّن سَرَاحا جَمِيلً (َ )28وإِن كُنتُنّ تُرِ ْد َن الْ َ
ت مِنكُنّ أَجْرا عَظِيما } سنَا ِ تُرِ ْدنَ اللّ َه وَ َرسُولَ ُه وَالدّا َر الْآ ِخ َرةَ فَِإنّ اللّهَ َأعَدّ لِلْ ُمحْ ِ
-ففي البخاري بإسناده إل عائشة – رضي ال عنها – قالت ":لا أُمر رسول ال
بتخيي أزواجه بدأ ب فقال ":إن ذاكر لك أمرا ،ول عليك أن ل تعجلي حت تستأمري
أبويك .قالت :قد أعلم أن أبوي ل يكونا يأمران بفراقك ،ث قال " :إن ال قال :يَا َأّيهَا
حيَاةَ ال ّدنْيَا وَزِيَنتَهَا َفَتعَاَليْنَ ُأ َمّتعْكُ ّن َوُأسَرّ ْحكُ ّن َسرَاحا
الّنِبيّ قُل ّلأَ ْزوَاجِكَ إِن كُنتُ ّن تُ ِر ْدنَ الْ َ
سنَاتِ مِنكُنّ جَمِيلً (َ )28وإِن كُنتُنّ ُترِ ْدنَ اللّ َه وَ َرسُولَهُ وَالدّا َر الْآخِ َرةَ فَِإنّ اللّهَ أَعَدّ ِللْ ُمحْ ِ
أَجْرا عَظِيما } قلت :أف هذا أستأمر أبوي ،فإن أريد ال ورسوله والدار الخرة ،ث
خي نساءه ،فقلن مثل ما قالت عائشة " ( البخاري . )2336
ومن مناقبهن العامة : -
499
-أن ال تعال أخب عباده أن ثوابن على الطاعة والعمل الصال ضعف أجر غيهن ،
ت مِنكُنّ لِلّ ِه َو َرسُولِهِ َوَتعْمَلْ صَالِحا ّنؤِْتهَا أَجْ َرهَا مَ ّرَتيْ ِن َوَأعْتَ ْدنَا َلهَا قال تعال { َومَن َي ْقنُ ْ
رِزْقا َكرِيا } .
-ففي هذه الية أن الت تطيع ال ورسوله منهن وتعمل صالا فإن ال يعطيها ضعف
ثواب غيها من سائر نساء السلمي ،وأعد ال لا ف الخرة عيشا هنيئا ف النان .
-قال الافظ ابن كثي ّ { ":ن ْؤتِهَا أَ ْج َرهَا َم ّرتَيْ ِن َوَأ ْعتَ ْدنَا َلهَا ِرزْقا كَرِيا } أي :ف
النة فإنن ف منازل رسول ال – صلى ال عليه وسلم – ف أعاى عليي فوق منازل
جيع اللئق ف الوسيلة الت هي أقرب منازل النة إل العرش " .
ومن مناقبهن : -
-ومن الناقب الت شرفهن با رب العالي وأخب با عباده ف كتابه العزيز أنن لسن
ستُنّ َكأَحَدٍ كأحد من النساء ف الفضل والشرف وعلو النلة قال تعال { يَا نِسَاء النِّبيّ لَ ْ
ض وَقُلْنَ َقوْ ًل ّمعْرُوفا } ضعْ َن بِاْلقَوْلِ َفيَطْ َم َع الّذِي فِي قَ ْلبِ ِه مَ َر ٌ
خَ مّ َن النّسَاء ِإنِ اّت َقيْتُنّ َفلَا تَ ْ
-فقد بي الول جل وعل ف هذه الية أنه ل يلحقهن من نساء الناس ف الشرف
والفضل ،كما بي أن هذا الفضل إنا يتم لن بشرط التتقوى لا منحهن ال من صحبة
الرسول وعظيم الحل منه ونزول القرآن ف حقهن
ومن مناقبهن : -
-أن ال أخب أنه طهرهن من الرجس تطهيا قال تعال { وَقَ ْرنَ فِي بُيُوِتكُنّ وَلَا
ج الْجَاهِِلّيةِ اْلأُولَى َوأَقِمْ َن الصّلَاةَ وَآتِيَ الزّكَا َة َوَأطِعْنَ اللّ َه وَ َرسُولَهُ ِإنّمَا يُرِيدُ اللّهُ َتبَرّجْ َن َتبَرّ َ
ت َويُ َطهّرَكُ ْم تَ ْطهِيا } ب عَنكُمُ الرّ ْجسَ َأهْ َل اْلبَْي ِ ِليُ ْذهِ َ
-والسؤال الذي يطرح نفسه هل قولنا أن أزواج النب – صلى ال عليه وسلم -
ماملة من ال ؟ هل هذه ماباة من ال لرسوله ؟
هل هن اللت فرضن هذه المومة على الؤمني بسبب قربن من رسول ال ؟ -
-والق :أنن ل يتطلعن يوما من اليام للحصول على هذه اليزات بسبب ارتباطهن
بالرسول الكري بصلة الزواج .
500
-ولكن ال وحده هو الذي من عليهن بذا الفضل وفرض هذه المومة وقررها على
جيع الؤمني قال تعال { النب أول بالؤمني من أنفسهم وأزواجه أمهاتم } .
وف هذه الية يتقرر شيئي : -
-الول :أن الرسول – صلى ال عليه وسلم – أول بالؤمني من أنفسهم ،ول
يكمل إيان العبد حت يكون الرسول – صلى ال عليه وسلم – أحب إليه من نفسه الت
بي جنبيه .
الثان :أن زوجات النب – رضي ال عنهن – هن أمهات للمؤمني . -
-فهذه المومة الت يقررها القرآن لزوجات النب – صلى ال عليه وسلم – ويعممها
على جيع الؤمني ،تفرض على من شرفوا بذه المومة واجبات والتزامات يب أن
تؤدى .
-ولكن قبل الوض ف بيان هذه القوق فإننا يب أن نؤكد بأن هذا الفضل وذلك
التكري لن – رضي ال عنهن – ل يكن ليستقر تاجا فوق رؤسهن إل بعد أن نحن فيما
اختبن به من أوامر .
-وسنتكلم عن بعض الختبارات ليتبي لنا بوضوح وجلء أنن – رضي ال عنهن –
كن جديرات بذا التكري وأهل لذا الفضل .
-فأول هذه الختبارات ما جاء ف قوله تعال { يأيها النب قل لزواجك إن كنت
تردن الياة الدنيا وزينتها فتعالي أمتعكن وأسرحكن سراحا جيل * وإن كنت تردن ال
ورسوله والدار الخرة فإن ال أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما }
وهذا الختبار الصعب شكي إليه خشونة العيش وقلة حظهن من متاع الدنيا -
فماذا حدث ؟
-ف البخاري ( ": )5107عن عائشة رضي ال عنها قالت:
ما شبع آل ممد صلى ال عليه وسلم ،منذ قدم الدينة ،من طعام البُ ّر ثلث ليال تباعا،
حت قبض " .
-وف البخاري عن أمنا عائشة – رضي ال عنها – قالت ":كان فراش رسول ال –
صلى ال عليه وسلم – من َأ َدمٍ وحشوُه من ليف " .
501
-وف البخاري قال قتادة كنا نأت أنس بن مالك – رضي ال عنه ": -وخبّازه قائم
فقال :كلوا فما أعلم النب – صلى ال عليه وسلم – رأى رغيفا مرقّقا حت لق بال " .
-وف البخاري عن عائشة – رضي ال عنها قالت لبن أختها عروة بن الزبي ":إن
كنا لننظر إل اللل ثلثة أهلة وما أوقدت ف أبيات رسول ال – صلى ال عليه وسلم –
نارا فقلت :ما كان عيشكم قالت :السودان التمر والاء " .
لذلك لا دخلت حفصة – رضي ال عنها – على عمر عندما كان خليفة -
للمؤمني ،فتراه ف شدة العيش والزهد ف اللبس والطعم فتقول له ":إن ال أكثر من
الي ،وأوسع عليك من الرزق ،فلو أكلت طعاما أطيب من ذلك ،ولبست ثيابا ألي
من ثوبك ؟ قال :سأخصمك إل نفسك ،فذكر أمر رسول ال – صلى ال عليه وسلم
– وما كان يلقى من شدة العيش ،فلم يزل يذكرها ما كان فيه رسول ال – صلى ال
عليه وسلم – وما كان يلقى من شدة العيش ،فلم يزل يذكرها ما كان فيه رسول ال –
صلى ال عليه وسلم – وكانت معه حت أبكاها " ( خب صحيح أخرجه ابن البارك ف
الزهد . ) 201
-اعتزلن النب – صلى ال عليه وسلم – شهرا كامل حت تامس السلمون أنه طلق
أزواجه ث جاء الختبار الصعب من ال عز وجل بي العيش مع رسول ال على هذه
الال وبي تطليقهن وتسريهن .
-فما كان منهن – رضي ال عنهن – إل أن اخترن العيش مع النب – صلى ال عليه
وسلم – مع خشونة العيش وقلة حظهن من متاع الدنيا ابتغاء ما عند ال وحب ل
ولرسوله .
ث جاء الختبار الثان : -
-وليس بأقل ما سبق ،وهو أنه إذا ارتكبت إحداهن ذنبا أو إثا فإن عقابا
مضاعف ،وإن آم ّن واتقي ال ورسوله وخشعن ل تعال وخضعن لرسوله فإن ال
يؤتيهن أجرهن مضاعفا .
502
-قال تعال { يا نساء النب من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لا العذاب ضعفي
وكان ذلك على ال يسيا * ومن يقنت منكن ل ورسوله وتعمل صالا نؤتا أجرها
مرتي وأعتدنا لا رزقا كريا } .
فما كان منهن إل التسليم والقرار بذلك . -
==================
أخلق الرسول صلى ال عليه وسلم
503
رطب اللسان بذكرهم بالميل اللئق بم بالثناء عليهم با هم أهله والدعاء لم با علمنا
جعَلْ فِي قُلُوِبنَا غِلّا لِلّذِينَ
ال ف قولهَ { :رّبنَا ا ْغفِرْ َلنَا وَلِإِ ْخوَانِنَا الّذِي َن َسَبقُونَا بِاْلأِيَانِ وَل تَ ْ
آ َمنُوا َرّبنَا ِإنّكَ َرؤُوفٌ َرحِيمٌ}.
أما بعد :فموضوع هذه الحاضرة موضوع حبيب إل النفوس الؤمنة هو (أخلق النب
صلى ال عليه وسلم قبل البعثة وبعدها) وكيف ل يكون حبيبا إل النفوس الديث عن
أخلق نب بعثة ال رحة للعالي ،نب ل نكون مؤمني حت يكون أحب إلينا من أنفسنا
ووالدينا والناس أجعي ،نب ل يؤمن أحدنا حت يكون هواه تبعا لا جاء به صلى ال عليه
وسلم ،نب رغم أنف ث رغم أنف ث رغم أنف من ذكره عنده فلم يصل عليه صلى ال
عليه وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه واتباعه إل يوم الدين .وهذا الوضوع العظيم
الذي اخترته وآثرت الديث فيه اعتذر مقدما عن تقصيي ف توفيته حقه واعتقد أن
توفيته حقه على القيقة نادر إن ل يكن متعذرا لكن كما يقولون ..ما ل يدرك كثية ل
يترك قليلة.
نعم إن جهد القل أعرضه ف هذه السوق الت أتاحت ل رئاسة الامعة السلمية بالدينة
النورة أن أساهم فيها ،وأسأل ال العظيم رب كل شئ ومليكه أن يوفقنا جيعا للتأدب
بآداب هذا النب الكري صلوات ال وسلمه عليه ،وأن يينا على دين السلم الذي
ارتضاه لنا دينا حت يتوفانا عليه إنه ول ذلك والقادر عليه ول حول ول قوة إل به .وقبل
الشروع ف نفس الوضوع أرى أن أتدث بي يديه إجال عن شدة الاجة إل بعثته صلى
ال عليه وسلم ،واختيار ال له واعتزاز الشركي على ذلك ،والمتنان على الناس ببعثته،
وضرب أمثلة للمور والصال الت حصلت بي يدي بعثته توطئة وتهيدا لا.
شدة الاجة إل بعثته صلى ال عليه وسلم:
ما أكثر نعم ال على عباده وما أحوجهم دائما وأبدا إل شكره سبحانه على هذه النعم
حصُوهَا} وقوله{ :وَمَا ِبكُ ْم مِنْ الت أمت عليهم با ف قولهَ { :وإِ ْن َتعُدّوا ِنعْ َمةَ اللّ ِه ل تُ ْ
ِنعْ َمةٍ َفمِنَ اللّهِ} وأعظم نعمة أنعم با على هذه المة أن بعث فيها رسولا الكري ممد
صلى ال عليه وسلم ليشد إل كل نافع ف الاضر والستقبل ،ويذر من كل ضار ف
العاجل والجل ،أرسله على حي فترة من الرسل ،واند راس من الكتب ف وقت انتشرت
504
فيه الضللة وعمت فيه الهالة وبلغت البشرية منتهى النطاط ف العقائد والعادات
والخلق فانتشلهم به من هوة الضللة ورفعهم إل صرح العلم والداية ،فأزاح به عن
النفوس تعلقها بغي خالقها وفاطرها سبحانه وتعال ،ووجهها إليه بقلبها وقالبها حت ل
يكون فيها مل لغيه سبحانه ،بل تكون معمورة ببة وخوفه ورجائه والتوكل عليه
والنابة إليه تستسلم لوامره ،وترعوي عن زواجره ونواهيه .شيء من أمراض القلوب الت
انتشرت قبيل بعثته صلى ال عليه وسلم ،وكيف عالها صلوات ال وسلمه عليه .خلق
ال النسان مركبا من شيئي بدون وروح ،وجعل لكل منهما ما يغذيه وينميه ،وأرشد
إل طرق العلج الت يعال با كل منهما عندما يطرأ عليه مرض أو سقم فقد أغدق نعمه
على عباده وقالُ { :هوَ الّذِي خَلَقَ َلكُ ْم مَا فِي اْلأَ ْرضِ َجمِيعا} .أما الروح فقد
استحكمت أمراضها قبل بعثته صلوات ال وسلمه عليه حت كانت من قبيل الموات
فأحياها ال با بعث به نبيه صلى ال عليه وسلم من الدى والنور{ :أَ َومَنْ كَانَ َميْتا
ج ِمْنهَا}.س بِخَارِ ٍ َفأَ ْحيَْينَاهُ َو َجعَ ْلنَا لَهُ نُورا يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ كَمَ ْن َمثَلُهُ فِي الظّلُمَاتِ َلْي َ
وأرشد سبحانه إل أن شفاء أمراضها وجلء أسقامها إنا هو با أنزل ال على ممد صلى
ال عليه وسلم فقال سبحانه وتعالَ { :ونُنَزّ ُل مِ َن الْقُرْآ ِن مَا ُهوَ ِشفَا ٌء وَرَ ْح َمةٌ لِلْ ُم ْؤ ِمنِيَ}
ى َو ِشفَاءٌ}.
وقال{ :قُ ْل ُهوَ لِلّذِينَ آ َمنُوا هُد ً
نعم لقد بعث ال نبيه صلى ال عليه وسلم ف متمع انتشرت فيه المراض القلبية على
اختلفها وتنوعها وأعظم هذه المراض على الطلق تعلق القلوب بغي ال وصرف
خالص حقه سبحانه إل غيه من ملوقاته ،فعال صلى ال عليه وسلم هذا الرض الطي
والداء العضال باستئصاله وتطهي القلوب من أدرانه أول ،ث شغلها وعمارتا بب ال
وخوفه ورجائه وإفراده بالعبادة وحده ل شريك له لكونه سبحانه التفرد باللق والياد،
فهو بق الستحق لن يعبد وحده ل يعبد معه غيه كائنا ما كان ،وقد لقي صلوات ال
وسلمه عليه من الشركي ف هذا السبيل ألوانا متلفة من اليذاء ،فصب حت ظفر بنصر
ال وتأييده وكانت العاقبة له صلى ال عليه وسلم وأنصاره والعزة ل ولرسوله وللمؤمني
والعاقبة للمتقي والعاقبة للتقوى ،ولقي أيضا منهم ألوانا من العارضة والتعنت أوضحها
ال ف كتابه العزيز ف سورة الجر والسراء وغيها من سور القرآن ومن ذلك ما ذكره
505
ب وَانْطََل َق الْمََلُأ ِمنْهُ ْم شيْءٌ ُعجَا ٌ ال عنهم ف سورة ص {أَ َجعَ َل الْآِل َهةَ إِلَها وَاحِدا ِإنّ هَذَا لَ َ
شيْءٌ يُرَا ُد مَا سَ ِم ْعنَا ِبهَذَا فِي الْمِّل ِة الْآخِ َرةِ ِإنْ هَذَا صبِرُوا عَلَى آِل َهتِكُمْ ِإنّ هَذَا لَ َ أَ ِن امْشُوا وَا ْ
إِلّا ا ْختِلقٌ َأأُنْ ِز َل عََليْهِ الذّ ْك ُر مِ ْن َبيِْننَا} .وقد حلهم على هذه القالة الكب والسد ،ومثل
هذه القالة الت حكاها ال عن كفار قريش ما ذكره ال سبحانه ف سورة القمر عن قوم
صال بقوله{ :كَ ّذَبتْ ثَمُو ُد بِالنّ ُذرِ َفقَالُوا َأبَشَرا ِمنّا وَاحِدا َنّتِبعُهُ ِإنّا إِذا َلفِي ضَل ٍل َوسُعُرٍ
َأأُلْ ِقيَ الذّكْ ُر عََليْهِ مِ ْن بَْيِننَا بَ ْل ُهوَ كَذّابٌ َأشِرٌ} وأبرز الطرق الت عال با صلى ال عليه
وسلم ذلك الداء الذي هو أعظم الدواء على الطلق إلزام الكفار بأن يفردوا ال ف
العبادة لا كانوا معترفي بانفراده سبحانه بالربوبية ،وأكتفي بالتمثيل لذلك با ذكره ال
سبحانه ف سورة النمل من اليات الت أوضحت تلك الطريقة غاية اليضاح وذلك قوله
سبحانه{ :آللّهُ َخيْرٌ َأمّا َأمّنْ خََلقَ السّمَاوَاتِ وَاْلأَ ْرضَ َوَأنْزَلَ َلكُ ْم مِنَ السّمَا ِء مَاءً َفَأْنبَْتنَا بِهِ
ج َرهَا َأإِلَ ٌه مَعَ اللّ ِه بَ ْل هُمْ َق ْو ٌم َيعْدِلُونَ َأمّنْ
ج ٍة مَا كَانَ َلكُمْ َأ ْن ُتنِْبتُوا شَ َ ت َبهْ َ
حَدَائِقَ ذَا َ
ح َريْنِ حَاجِزا َجعَ َل اْلأَ ْرضَ َقرَارا وَ َجعَلَ خِلَلهَا َأْنهَارا َو َجعَلَ َلهَا َروَاسِ َي وَ َجعَ َل َبيْ َن الْبَ ْ
جعَُلكُمْ ب الْ ُمضْطَرّ ِإذَا َدعَا ُه َوَيكْشِفُ السّو َء َويَ ْ َأإِلَهٌ مَعَ اللّ ِه بَلْ أَ ْكثَ ُرهُ ْم ل َيعْلَمُونَ َأمّنْ ُيجِي ُ
ح ِر َومَنْ ت اْلبَ ّر وَالْبَ ْ
خَُلفَا َء اْلأَ ْرضِ َأإِلَ ٌه مَعَ اللّهِ َقلِيلً مَا تَذَكّرُونَ َأمّ ْن َيهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَا ِ
ح بُشْرا َبيْ َن يَدَيْ رَحْ َمتِهِ َأإِلَهٌ َمعَ اللّ ِه َتعَالَى اللّ ُه عَمّا يُشْرِكُونَ َأمّ ْن َيبْدأُ الْخَلْقَ يُ ْرسِلُ ال ّريَا َ
ثُ ّم ُيعِي ُد ُه َومَ ْن يَرْزُُقكُ ْم مِنَ السّمَا ِء وَاْلأَ ْرضِ َأإِلَ ٌه مَعَ اللّهِ قُ ْل هَاتُوا بُ ْرهَاَنكُمْ إِنْ ُكْنتُمْ
صَادِِقيَ} .وبا ذكره ال سبحانه ف سورة الج من التصوير العجيب والتمثيل البليغ
ب َمثَلٌ ضرِ َ لعجز العبودات الت أشركوها مع ال حيث قال سبحانه{ :يَا َأّيهَا النّاسُ ُ
خُلقُوا ُذبَابا وََلوِ ا ْجتَ َمعُوا لَ ُه َوإِ ْن يَسُْلْبهُمُ فَا ْستَ ِمعُوا لَهُ ِإنّ الّذِي َن تَ ْدعُو َن مِنْ دُونِ اللّهِ لَ ْن يَ ْ
ب وَالْمَطْلُوبُ .مَا َقدَرُوا اللّهَ حَقّ قَ ْد ِرهِ ِإنّ اللّهَ ضعُفَ الطّالِ ُ سَتْنقِذُو ُه ِمنْهُ َ
ال ّذبَابُ َشيْئا ل يَ ْ
َل َقوِيّ عَزِيزٌ.}..
ومن المراض الت عالها صلى ال عليه وسلم بكمته الظلم والور ،وازدراء الساكي،
والتفاخر بالحساب والنساب .فنشر فيهم العدل ،وعمهم الطمئنان والستقرار ،وصار
مقياس الفضل بينهم تقوى ال بدل من اعتبار ذلك بالسب والنسب ،وقد أعلنها صلى
ال عليه وسلم صرية ف حجة الوداع ف أعظم جع شاهده عليه الصلة والسلم حيث
506
قال" :أل ل فضل لعرب على عجمي إل بالتقوى ،الناس لدم ،وآدم من تراب ،إن
أكرمكم عند ال اتقاكم" أو كما قال .ولا بلغه صلى ال عليه وسلم شأن الخزومية الت
سرقت أمر بقطع يدها فراجعه أسامه بن زيد فأنكر صلى ال عليه وسلم عليه ذلك وقال
صلى ال عليه وسلم القالة الت برهن با عن مدى تقيق العدالة" :و أي ال لو أن فاطمة
بنت ممد سرقت لقطعت يدها" .وقد أشار صلى ال عليه وسلم ف جوابه لسامة ابن
زيد بأن العدول عن العدل سبب هلك المم التقدمة حيث قال" :إنا هلك الذين من
قبلكم أنم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ،وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه
الد"..
ولا قسم صلى ال عليه وسلم غنائم حني وأكثر العطاء للمؤلفة قلوبم وجد النصار
رضي ال عنهم ف أنفسهم شيئا إذا ل يصبهم ما أصاب الناس ،فأتى إليهم صلى ال عليه
وسلم وقال" :أل آتكم ضلل فهداكم ال ب ،وكنتم متفرقي فألفكم ب ،وعالة فأغناكم
ال ب" وقد ذكرهم ال سبحانه ف كتابه العزيز بذه النعمة وأنا من أعظم النعم عليهم
حبْلِ اللّهِ َجمِيعا وَل َتفَرّقُوا وَاذْ ُكرُوا ِنعْ َمتَ اللّ ِه عََلْيكُمْ إِذْ ُكْنتُمْ َأعْدَاءً فقال{ :وَا ْعتَصِمُوا بِ َ
حتُ ْم ِبِنعْ َمتِهِ إِ ْخوَانا وَ ُكْنتُ ْم عَلَى َشفَا ُح ْف َرةٍ مِ َن النّارِ َفَأْنقَذَكُمْ
صبَ ْ
َفأَلّفَ َبيْنَ ُقلُوبِكُمْ َفأَ ْ
سبَكَ اللّ ُه ُه َو الّذِي َأيّدَ َك ِبَنصْ ِرهِ ِمنْهَا} .وقال سبحانهَ { :وإِ ْن يُرِيدُوا َأ ْن يَخْ َدعُوكَ فَِإنّ حَ ْ
ف َبيْنَ قُلُوِبهِمْ َلوْ َأنْ َف ْقتَ مَا فِي الْأَ ْرضِ َجمِيعا مَا أَّل ْفتَ َبيْنَ قُلُوِبهِ ْم وََلكِنّ ي َوأَلّ ََوبِالْ ُم ْؤمِنِ َ
ف بَْيَنهُمْ ِإنّهُ عَزِيزٌ َحكِيمٌ}. اللّهَ أَلّ َ
هذه بعض المراض الت انتشرت قبل بعثته صلى ال عليه وسلم ،منّ ال سبحانه وتعال
على البشرية بإرسال رسوله الكري ممد صلى ال عليه وسلم لينقلها من ذل عبادة
الخلوق إل عز طاعة الالق جل وعل ،ومن الظلم والور وسفك الدماء إل ساحة العدل
والمن والطمئنان ،من الفرقة والختلف إل الجتماع والئتلف ،من التعاون على الث
والعدوان إل التعاون على الب والتقوى ،من المر بالنكر والنهي عن العروف إل المر
بالعروف والنهي عن النكر ،من الغش واليانة إل النصح والمانة ،من الزع واللع
والعتراض على قضاء ال إل الصب والثبات والرضى با قدره ال وقضاه ،وف الملة :من
كل ضار عاجل وآجل إل كل نافع ف الال والآل .وقد أرشد ال سبحانه إل شكره
507
على ذلك بعبادته وحده ل شريك له ف قوله سبحانه{ :لِإِيلفِ قُ َرْيشٍ إِيلِفهِمْ رِ ْحَلةَ
ت الّذِي أَ ْطعَ َمهُ ْم مِنْ جُوعٍ وَآ َمَنهُ ْم مِنْ َخوْفٍ}.
ب هَذَا اْلَبيْ ِ
الشّتَا ِء وَالصّيْفِ فَ ْلَي ْعبُدُوا رَ ّ
508
الْعَظِيمِ} .وقد أشار سبحانه ف كتابة العزيز إل اختياره من يشاء بقوله سبحانه{ :اللّ ُه
َيصْ َطفِي مِ َن الْمَلئِ َكةِ ُر ُسلً َومِ َن النّاسِ إِنّ اللّ َه سَمِي ٌع َبصِيٌ} .وقد ثبت ف صحيح مسلم
وغيه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال" :إن ال اصطفى قريشا من كنانة،
واصطفى من قريش بن هاشم ،واصطفان من بن هاشم" فهو صلى ال عليه وسلم بنص
هذا الديث الشريف خلصة خلصة خلصة باعتبار شرف النسب كما كان خلصة
باعتبار الفضل وعلو النلة عند ال.
509
س َوبَشّ ِر الّذِينَ آ َمنُوا َأنّ َلهُ ْم
س عَجَبا أَنْ َأوْ َحْينَا إِلَى رَ ُج ٍل ِمنْهُمْ َأنْ َأنْذِ ِر النّا َ {أَكَانَ لِلنّا ِ
ق ِعنْدَ َرّبهِمْ قَا َل اْلكَافِرُونَ ِإ ّن هَذَا لَسَاحِ ٌر ُمبِيٌ} وقد روى الاكم بسند على قَ َدمَ صِ ْد ٍ
شرط الشيخي أن أبا جهل قال للنب صلى ال عليه وسلم" :إنا ل نكذبك ولكن نكذب
ك وََلكِنّح ُزنُكَ الّذِي يَقُولُونَ فَِإّنهُ ْم ل ُيكَ ّذبُونَ َ ما جئت به" فأنزل ال {قَ ْد َنعَْلمُ ِإنّهُ َليَ ْ
حدُونَ} .وروي أن الخنس بن شريق دخل على أب جهل فقال: ي بِآيَاتِ اللّ ِه يَجْ َ
الظّالِمِ َ
"يا أبا الكم أخبن عن ممد أصادق هو أم كاذب؟ فإنه ليس ههنا من قريش غيي
وغيك يسمع كلمنا" فقال أبو جهل" :ويك وال إن ممدا لصادق وما كذب ممد
قط ،ولكن إذا ذهبت بنو قصي بالسقاية والجابة والنبوة فماذا يكون لسائر قريش"،
وقال" :تنازعنا نن وبنو عبد مناف الشرف ،أطعموا فأطعمنا ،وحلوا فحملنا ،وأعطوا
فأعطينا ،حت إذا تاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا منا نب ينل عليه الوحي
من السماء فمت ندرك هذه ،وال ل نؤمن به ول نصدقه" .وهكذا يبلغ الكب والسد
بؤلء القوم الذين دعاهم رسول ال صلى ال عليه وسلم إل ما فيه سعادتم ف الدنيا
والخرة ،حلهم ذلك على تاهل القيقة وإبداء خلف الستقر ف القلوب ،يقولون
بأفواههم ما ليس ف قلوبم متبعي ف ذلك إمامهم ف الضلل والسد إبليس اللعي حيث
فسق عن أمر ربه له بالسجود لدم كبا وحسدا استنادا منه لعنة ال على أنه أفضل منه
على زعمه ،لكونه خلق من نار وآدم عليه الصلة والسلم خلق من طي..
امتنان ال سبحانه على الثقلي برسالته صلى ال عليه وسلم
من رحة ال سبحانه بعباده أن أرسل فيهم رسله يبشرون وينذرون كلما ذهب نب خلفه
نب حت ختمهم نب الرحة ممدا صلى ال عليه وسلم .وف ذلك يقول سبحانه{ :وََلقَدْ
َبعَْثنَا فِي كُلّ ُأ ّمةٍ َرسُولً أَ ِن اعْبُدُوا اللّ َه وَا ْجتَِنبُوا الطّاغُوتَ َف ِمْنهُمْ مَ ْن هَدَى اللّ ُه َومِْنهُ ْم مَنْ
َح ّقتْ عََليْ ِه الضّللَة} .ولقد اختار منهم سيدهم وإمامهم فجعله خات النبيي واختصه
بصائص ومزايا ل يشاركه فيها أحد منهم ،كما اختص أمته بصائص ليست لغيهم من
المم السالفة ،ومن تلك الزايا الت أمتاز با على غيه من الرسلي صلوات ال وسلمه
عليه وعليهم أجعي أن بعثه إل السود والحر بل إل الن والنس جيعا كما قال ال
سبحانه عن الن الذين استمعوا لقراءته صلى ال عليه وسلم ث ولوا إل قومهم منذرين:
510
{يَا َق ْو َمنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللّ ِه وَآ ِمنُوا بِهِ َي ْغفِرْ َلكُ ْم مِنْ ُذنُوِبكُ ْم َويُجِرْكُمْ مِ ْن عَذَابٍ أَلِي ٍم َومَنْ
جزٍ فِي اْلأَ ْرضِ وَلَْيسَ لَ ُه مِنْ دُونِهِ َأوِْليَاءُ أُوَلئِكَ فِي ضَللٍ س بِ ُمعْ ِ
جبْ دَاعِيَ اللّهِ فََلْي َ ل يُ ِ
ُمبِيٍ} .وقال صلى ال عليه وسلم ف الديث التفق على صحته" :أعطيت خسا ل
يعطهن أحد من النبياء قبلي -فذكر من بينها -وكان النب يبعث إل قومه خاص وبعثت
س بَشِيا َونَذِيرا} إل الناس عامة" .وف ذلك يقول سبحانهَ { :ومَا أَ ْرسَ ْلنَاكَ إِلّا كَاّفةً لِلنّا ِ
ويقول{ :قُ ْل يَا َأّيهَا النّاسُ ِإنّي َرسُولُ اللّهِ إَِليْكُمْ جَمِيعا} .وقد أوضح ذلك صلوات ال
وسلمه عليه ف الديث الذي رواه مسلم ف صحيحة حيث قال" :والذي نفس ممد
بيده ل يسمع ب أحد من هذه المة يهودي ول نصران ث يوت ول يؤمن بالذي أرسلت
به إل كان من أصحاب النار "..قال سعيد بن جبي رحه ال مصداق ذلك ف كتاب ال
عز وجل قال ال سبحانهَ { :ومَنْ َي ْكفُ ْر بِ ِه مِ َن الْأَ ْحزَابِ فَالنّا ُر َم ْوعِ ُدهُ} .ول شك أن
أعظم نعمة أنعم ال با على أهل الرض هي إرسال هذا النب الكري الذي أكمل ال به
الدين وجعله حجة على الناس أجعي .وقد أخب ال ف كتابه العزيز عن إبراهيم بأدعية
حكْ َمةَ من بينهاَ { :رّبنَا وَاْبعَثْ فِيهِمْ َرسُولً ِمْنهُ ْم َيتْلُو عََلْيهِ ْم آيَاتِكَ َوُيعَلّ ُمهُ ُم اْل ِكتَابَ وَالْ ِ
حكِيمُ}.وقد أجاب ال دعائه فبعث ف المي وف غيهم ت اْلعَزِي ُز الْ ََويُزَكّيهِمْ ِإنّكَ َأنْ َ
ممدا صلى ال عليه وسلم أرسله بالدى ودين الق ليظهره على الدين كله ،وتلك النعمة
العظمى والنة السيمة نوه ال با ف معرض الثناء على نفسه سبحانه ف آيات كثية منها
قوله تعالُ { :ه َو الّذِي َبعَثَ فِي الُْأ ّميّيَ َرسُولً ِمْنهُ ْم َيتْلُو عََلْيهِ ْم آيَاتِ ِه َويُزَكّيهِ ْم َوُيعَلّ ُمهُمُ
حقُوا ِبهِمْ وَ ُهوَ ي وَآ َخرِي َن ِمنْهُمْ َلمّا يَلْ َ حكْ َم َة َوِإنْ كَانُوا مِنْ َقبْلُ َلفِي ضَل ٍل ُمبِ ٍ ب وَالْ ِ الْ ِكتَا َ
حكِيمُ ذَلِكَ َفضْلُ اللّ ِه ُي ْؤتِي ِه مَ ْن يَشَا ُء وَاللّهُ ذُو اْلفَضْ ِل اْلعَظِيمِ} .ومنها قوله تعال: الْعَزِي ُز الْ َ
سهِمْ َيتْلُو عََلْيهِ ْم آيَاتِهِ َويُزَكّيهِمْ {َلقَدْ مَنّ اللّ ُه عَلَى الْ ُم ْؤ ِمنِيَ إِ ْذ َب َعثَ فِيهِمْ َرسُو ًل مِنْ َأْنفُ ِ
حكْ َم َة َوإِنْ كَانُوا مِنْ َقبْلُ َلفِي ضَل ٍل ُمبِيٍ} .ومنها قوله{ :كَمَا ب وَالْ َِويُعَلّ ُمهُ ُم اْلكِتَا َ
حكْ َمةَ
أَ ْرسَ ْلنَا فِيكُمْ َرسُولً ِمْنكُمْ يَتْلُو عََلْيكُ ْم آيَاتِنَا َويُزَكّيكُمْ َويُعَلّ ُمكُمُ الْ ِكتَابَ وَالْ ِ
َويُعَلّ ُمكُ ْم مَا لَ ْم َتكُونُوا َتعْلَمُونَ فَاذْ ُكرُونِي أَذْكُرْ ُك ْم وَا ْشكُرُوا لِي وَل َتكْفُرُونِ} .ومنها
ص عََلْيكُمْقوله سبحانهَ{ :لقَدْ جَاءَكُمْ َرسُو ٌل مِنْ َأْنفُسِكُ ْم عَزِيزٌ عََليْهِ مَا َعِنتّمْ حَرِي ٌ
بِالْ ُم ْؤمِنِيَ َرؤُوفٌ رَحِيمٌ} .وإنا كان إرساله صلى ال عليه وسلم إل الناس أعظم منة
511
أمت با على عباده لن ف ذلك تليص من وفقه ال وهداه منهم من العذاب السرمدي
بسبب اليان بال ورسوله صلى ال عليه وسلم ،والبتعاد عن الشرك الذي ل يغفره ال
كما قال تعال{ :إِنّ اللّ َه ل يَ ْغفِرُ َأ ْن يُشْ َركَ بِ ِه َوَي ْغفِ ُر مَا دُونَ ذَلِكَ لِ َم ْن يَشَاءُ} .وقال:
ي مِنْ َأْنصَارٍ}. جّنةَ َو َم ْأوَاهُ النّا ُر َومَا لِلظّالِمِ َ
{إِنّ ُه مَ ْن يُشْ ِر ْك بِاللّهِ َفقَدْ حَ ّرمَ اللّ ُه عََليْ ِه الْ َ
التمهيد لبعثته صلى ال عليه وسلم
ومن حكمة ال وفضله أن هيأ لنبيه صلى ال عليه وسلم قبل أن يبعثه جيع أسباب
الشرف والرفعة وعلو النلة ،ووفر فيه جيع الصال الت تؤهله للقيام بأعباء الرسالة
العظمى الت اصطفاه واختاره لا صلوات ال وسلمه عليه ،وفيما يلي أذكر على سبيل
الثال بعض تلك السباب والصال وأبي كيف كانت توطئة وتقدمة لبعثته صلى ال عليه
وسلم:
أول :أن ال سبحانه جعله عريق النسب ،كري النبت ،اصطفاه من أشرف قبائل العرب
قبيلة قريش الت شهد لا غيها بالسيادة والقيادة ،وهذه سنة ال ف رسله كما جاء ذلك
ف سؤال هرقل ملك الروم لب سفيان عن رسول ال صلى ال عليه وسلم حيث قال يعن
رسول ال صلى ال عليه وسلم" :كيف نسبه فيكم" قال أبو سفيان" :هو فينا ذو نسب"
ث قال هرقل عند ذلك" :الرسل تبعث ف نسب قومها" وإنا كانت هذه سنة ال ف رسله
ليسد على أعدائهم باب القدح فيهم والتنقيص لم ،فل يد أعداؤهم سبيل إل إلصاق
العيوب بم.
ثانيا :أنه صلى ال عليه وسلم نشأ فقيا يتيما ف كفالة جده عبد الطلب ث عمه أب طالب
وذلك من أسباب التواضع والتحلي بالصفات الميدة والبعد عن الصفات الذميمة كالكب
والظلم وغي ذلك ،وقد ذكر ال ذلك منوها بتفضله على نبيه صلى ال عليه وسلم بإيوائه
وإغنائه وهدايته حيث قال سبحانه{ :أَلَ ْم يَجِ ْد َك َيتِيما فَآوَى َووَ َج َدكَ ضَالً َف َهدَى
َووَجَ َد َك عَائِلً َفَأغْنَى} .ث أرشده إل شكر هذه النعمة بأن يعطف على اليتامى والساكي
ويتحدث بنعمة ال عليه قال{ :فََأمّا الَْيتِيمَ فَل تَ ْقهَ ْر َوَأمّا السّائِلَ فَل َتْنهَ ْر َوَأمّا بِِنعْ َمةِ َربّكَ
حدّثْ} .وهذه تربية إلية لنب الرحة صلى ال عليه وسلم ذكرها ال ف كتابه العزيز فَ َ
تنبيها لعباده الؤمني بأن يملوا أنفسهم على تلك الصفات الميدة وغيها شكرا ل
512
سبحانه على توفيقه لم بالداية بعد الضللة ،والغن بعد الفقر ،وغي ذلك من نعمه
عليهم ،والعن ل تقهر ول تنهر الفقي فقد كنت فقيا تكره أن تنهر ،ول شك أن تذكي
النسان بنعمة ال عليه من أقوى السباب ف القدام على الي والحجام عن الشر لن
وفقه ال..
ثالثا :إن ال سبحانه وتعال نشأه نشأة صالة ،وأنبته نباتا حسنا متحليا بكل خلق كري
بعيدا عن كل وصف ذميم ،شهد له بذلك موالوه ومعادوه ،ولكن من ل يشأ ال هدايته
تعامى عن هذا كله وأظهر خلف ما يبطنه كبا وحسدا ،وف توفيق ال لنبيه صلى ال
عليه وسلم للتصاف بالصفات النبيلة والسلمة من الخلق الرذيلة قطع للسنة أعدائه
وإسكات لم عن أن يعيوه بأدن عيب ،أو يصفوه بشيء من النقص ،ولذا لا سأل هرقل
ملك الروم أبا سفيان عن رسول ال صلى ال عليه وسلم هل يغدر قال" :ل" ول يستطع
مع شدة عداوته لرسول ال صلى ال عليه وسلم ف ذلك الوقت أن يقول أكثر من قوله
بعد نفي الغدر عنه" :ونن منه ف مدة ل ندري ما هو فاعل فيها" قال" :ول تكن كلمة
أدخل فيها شيئا غي هذه الكلمة" .وقد ترز من الكذب خوفا من ملك الروم فأعداؤه
صلى ال عليه وسلم ل يستطيعون وصفه حقيقة بوصف معيب ،أما الكذب والفتراء عليه
صلى ال عليه وسلم فقد قالوا عنه" :أنه ساحر" وقالوا عنه" :شاعر" وقالوا عنه" :أنه
كاهن" وغي ذلك ،وقد صانه ال سبحانه من ذلك الذي الصقوه به ومن كل عيب،
وأنكر على الشركي افتراءهم وكذبم عليه وأخب بأنه من ذلك براء فقال سبحانه{ :فَل
ل مَا أُقْسِ ُم بِمَا ُتْبصِرُو َن َومَا ل تُْبصِرُونَ إِنّهُ َل َقوْلُ َرسُولٍ كَ ِر ٍي َومَا ُهوَ ِب َقوْ ِل شَاعِرٍ قَلِي ً
ب اْلعَالَمِيَ} .وقالَ { :ومَا عَلّ ْمنَاهُ ُتؤْ ِمنُو َن وَل ِب َقوْلِ كَاهِنٍ َقلِيلً مَا تَذَكّرُو َن َتنْزِي ٌل مِنْ رَ ّ
الشّعْرَ َومَا َيْنَبغِي لَهُ إِ ْن ُهوَ إِلّا ذِكْ ٌر وَُقرْآنٌ ُمبِيٌ ِلُينْذِ َر مَنْ كَانَ َحيّا َويَحِ ّق اْل َقوْلُ عَلَى
الْكَافِرِينَ} .وقال تعال{ :وَقَا َل الّذِينَ َكفَرُوا ِإنْ هَذَا إِلّا إِفْكٌ ا ْفتَرَاهُ َوَأعَانَهُ عََليْهِ َق ْومٌ
آخَرُونَ َفقَدْ جَاءُوا ظُلْما وَزُورا}.
رابعا :أنه صلى ال عليه وسلم نشأ أميا بي أميي ل يقرأ ول يكتب ،ث جاء من ال بذا
القرآن الذي لو اجتمعت النس والن على أن يأتوا بثله ل يأتون بذلك ولو كان بعضهم
لبعض ظهيا .وف نشأته صلى ال عليه وسلم على هذه الصفة قطع للطريق الت ينفذ منها
513
الكفار إل تكذيب الرسول صلى ال عليه وسلم ..فيما جاء به عن ال وأنه من أساطي
ت تَتْلُو مِنْ
الولي قرأها أو كتبها لو كان كذلك ،وقد أوضح ال ذلك بقولهَ { :ومَا ُكْن َ
ب وَل َتخُطّ ُه ِبيَمِينِكَ} .ث أشار إل حصول الريبة من أعدائه لو كان قارئا َقبْلِ ِه مِنْ ِكتَا ٍ
ب الْ ُمبْطِلُونَ} .وتلك الطريق الت قطعت عليهم بعله صلى ال كاتبا بقوله{ :إِذا ل ْرتَا َ
عليه وسلم أميا ل يقرأ ول يكتب سلكوها كذبا وافتراء على رسول ال صلى ال عليه
وسلم مع علمهم التام ببعده صلى ال عليه وسلم عن ذلك ،فقد أخب ال عنهم أنم قالوا
إنا يعلمه بشر ويأب ال إل إن يتم نوره ويظهر دينه فيجيبهم بأن لسان الذي يلحدون
إليه أعجمي وهذا الذي جاءهم به لسان عرب مبي .ولذا ند ال سبحانه وتعال عند
إنكاره على قومه صلى ال عليه وسلم ما يقومون به من العارضة والناوأة له صلى ال
عليه وسلم يلفت أنظارهم إل ماضيه الشرق الوضاء ،ويذكرهم بعلمهم ومعرفتهم التامة
لركاته وسكناته ومدخله ومرجه فيقول سبحانهَ{ :أمْ َل ْم َيعْرِفُوا َرسُوَلهُمْ َفهُمْ لَهُ
ُمنْكِرُونَ} ويقولَ { :وإِذَا ُتتْلَى عََلْيهِ ْم آيَاُتنَا َبيّنَاتٍ قَا َل الّذِي َن ل يَ ْرجُونَ ِلقَا َءنَا اْئتِ بِقُرْآنٍ
غَيْرِ هَذَا َأ ْو بَدّلْهُ قُ ْل مَا َيكُونُ لِي َأنْ ُأبَدّلَهُ مِ ْن ِت ْلقَاءِ َنفْسِي إِنْ َأتّبِعُ إِلّا مَا يُوحَى إِلَيّ ِإنّي
صيْتُ َربّي عَذَابَ َي ْومٍ عَظِيمٍ} .ث إنه تعال أمر نبيه صلى ال عليه وسلم أن أَخَافُ ِإنْ َع َ
يبهم بأنه ليس له إل التبليغ عن ال ،وأنه لو شاء ال ما حصلت منه صلى ال عليه
وسلم تلوة ول حصل لم علم بذلك فقال{ :قُلْ َل ْو شَاءَ اللّ ُه مَا تََل ْوتُهُ عََلْيكُ ْم وَل أَدْرَاكُمْ
بِهِ} .ث ذكرهم باضيه قبل إنزال القرآن عليه وما اتصفت به من جيل الصفات ،وأنه قد
بقي فيهم قبل أن يبعثه ال أربعي سنة ملزما لسباب الرفعة بعيدا عن أسباب الضعة
والوان فقالَ{ :فقَدْ َلِبثْتُ فِيكُ ْم عُمُرا مِنْ َقبْلِهِ} .أنكر عليهم وصفهم له بالكذب
والفتراء مع أنم أعلم الناس به ،وأن ذلك مالف للفطر والعقول السليمة فقال{ :أَفَل
َتعْقِلُونَ} .ث أخب بأنه ل أحد أشد ظلما وأكب جرية من أثني الفتري على ال والكذب
ب بِآياتِهِ ِإنّهُ ل ُيفْلِحُبا جاء عن ال فقال{ :فَمَنْ أَظَْل ُم مِمّ ِن ا ْفتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبا َأوْ كَذّ َ
ج ِرمُونَ.}.. الْمُ ْ
514
خامسا :ومن المور الت حصلت بي يدي بعثته صلى ال عليه وسلم توطئة وتهيدا لا
الرؤيا الصالة ف النوم؛ فكان صلى ال عليه وسلم ل يرى رؤيا إل جاءت مثل فلق
الصبح كما ثبت ذلك ف صحيح البخاري وغيه.
سادسا :أنه صلى ال عليه وسلم رعى الغنم بكة وف ذلك تهيد وتيئة لرساله إل الناس
كافة ليشدهم إل ما ينفعهم ف دنياهم وأخراهم ،وتذيرهم ما يعود عليهم بالضرار
العاجلة والجلة ،وإنا كان رعية الغنم بكة توطئة وتقدمة لبعثته صلى ال عليه وسلم لن
هذا العمل مدعاة إل التحلي بميل الصفات كالتواضع والسكينة والوقار مع مافيه من
اشتغال الراعي بالرعية وبذله السباب الت تؤدي إل سلمتها وقوتا فيعتن با ويرتاد لا
الراعي الصبة ويبتعد با عن الراضي الجدبة ،ويميها من الذئاب ،ويسلك با الطرق
السهلة وييد با عن السبل ذات الشدة والوعورة ،وهذه سنة ال ف رسله كما أخب
بذلك الصادق الصدوق صلوات ال وسلمة عليه ول الكمة البالغة ف ذلك ،فمزاولة
مثل هذا العمل فيه ترويض للنفس وتيئة لا للقيام بأعباء الرسالة ،فهو بل شك درس
عملي لرسل ال صلوات ال وسلمه عليهم يكسبهم مرونة وخبة لينتقلوا من تربية
اليوان إل تربية بن النسان..
أخلقه صلى ال عليه وسلم
تعريف اللق:
اللق بضم اللم وسكونا الدين والطبع والسجية قاله ابن الثي ف غريب الديث" :وف
الصطلح يطلق إطلقي أحدها أعم من الثان فيطلق على الصفة الت تقوم بالنفس على
سبيل الرسوخ ويستحق الوصوف با الدح أو الذم ،ويطلق على التمسك بأحكام الشرع
وآدابه فعل وتركا ،ومن الول قوله صلى ال عليه وسلم :لشج عبد القيس" :إن فيك
للقي يبهما ال اللم والناة قال يا رسول ال أخلقي – تلقت بما أم جبلت عليهما
قال "بل جبلت عليهما" قال" :المد ل الذي جبلن على خلقي يبهما ال" ومن الثان
قوله صلى ال عليه وسلم" :الب حسن اللق" وقول عائشة رضي ال عنها ف تفسي قوله
تعالَ { :وإِنّكَ َلعَلَى خُُل ٍق عَظِيمٍ} كان خلقه القرآن.
515
هذا تعريف اللق ف اللغة والصطلح .ننتقل بعده إل الديث عن أخلقه الفاضلة
وسجاياه الميدة ف جيع مراحل حياته صلى ال عليه وسلم ،فقد كان صلى ال عليه
وسلم أحسن الناس خلقا أجتمع فيه من أوصاف الدح والثناء ما تفرق ف غيه ،قد صانه
ال سبحانه وحفظه من أدن وصف يعاب صاحبه كل ذلك حصل له من ربه فضل ومنه
قطعا للسنة أعدائه الذين يتربصون به ويقفون ف طريق دعوته مؤذين له مذرين منه أحب
شيء إليهم تصيل شيء يعيبونه به وأن لم ذلك.
فقد نشأ صلى ال عليه وسلم ف أول أمره إل آخرة لظة من لظاته متحليا بكل خلق
كري ،مبتعدا عن كل وصف ذميم ،فهو أعلم الناس وأنصحهم وأفصحهم لسانا ،وأقواهم
بيانا ،وأكثرهم حياء ،يضرب به الثل ف المانة والصدق والعفاف .أدبه ال فأحسن تأديبه
فكان أرجح الناس عقل ،وأكثرهم أدبا ،وأوفرهم حلما ،وأكملهم قوة وشجاعة وشفقة،
وأكرمهم نفسا ،وأعلهم منلة ،وبالملة كل خلق ممود يليق بالنسان فله صلى ال
عليه وسلم منه القسط الكب والظ الوفر ،وكل وصف مذموم فهو أسلم الناس منه
وأبعدهم عنه شهد له بذلك العدو والصديق.
وفيما يلي أورد بعض الشهادات الت شهد له با الوالون له والعادون الدالة دللة بينة على
تسكه بالخلق السنة قبل أن يبعثه ال تعال وذلك معلوم من الدين بالضرورة:
-1شهادة خدية رضي ال عنها:
لا أوحى ال إل نبيه صلى ال عليه وسلم ف غار حراء لول مرة ورجع إل خدية
أخبها الب وقال" :لقد خشيت على نفسي" .فقالت له رضي ال عنها" :كل وال ما
يزيك ال أبدا ،إنك لتصل الرحم وتمل الكل وتكسب العدوم وتقري الضيف وتعي
على نوائب الق".رواه البخاري.
-2شهادة كفار قريش عند بنائهم الكعبة:
ولا قامت قريش ببناء الكعبة قبل بعثة ممد صلى ال عليه وسلم تنازعوا ف رفع الجر
السود إل مكانه ،واتفقوا على تكيم أول من يدخل عليهم الباب ،فكان أول داخل
رسول ال صلى ال عليه وسلم ففرحوا جيعا وقالوا جاء المي جاء ممد .وقد كانوا
يلقبونه بلقب المي لا يعلمونه من أمانته صلوات ال وسلمه عليه...
516
-3شهادة كفار قريش بصدقه صلى ال عليه وسلم:
ك اْلأَقْ َربِيَ} ثبت ف صحيح البخاري أنه صلى ال عليه وسلم لا نزل عليه { َوَأنْذِ ْر عَشِيَتَ َ
صعد على الصفا فجعل ينادي يا بن فهر يا بن عدي – لبطون قريش – حت اجتمعوا
فجعل الرجل إذا ل يستطع أن يرج أرسل رسول لينظر ما هو فجاء أبو لب وقريش
فقال" :أرأيتم لو أخبتكم أن خيل بالوادي تريد أن تغي عليكم أكنتم مصدقي" قالوا نعم
ما جربنا عليك إل صدقا قال " :فإن نذير لكم بي يدي عذاب شديد " فقال :أبو لب:
"تبا لك ألذا جعتنا"..
-4شهادة أب جهل بصدقه صلى ال عليه وسلم:
تقدي الديث الذي رواه الاكم بسند على شرط الشيخي أن أبا جهل قال للنب
صلى ال عليه وسلم" :إنا ل نكذبك لكن نكذب ما جئت به" .فأنزل ال {قَ ْد َنعْلَمُ إِنّهُ
جحَدُونَ}. ي بِآيَاتِ اللّ ِه يَ ْ
ك الّذِي َيقُولُونَ فَِإّنهُ ْم ل يُكَ ّذبُونَكَ وََلكِنّ الظّالِ ِم َ
َليَحْ ُزنُ َ
ولا قال له الخنس بن شريق" :يا أبا الكم أخبن عن ممد أصادق هو أم كاذب؟"
فقال" :ويك وال إن ممدا صادق وما كذب ممد قط" ال..
-5شهادة أب سفيان بي يدي هرقل ملك الروم بصدق رسول ال صلى ال عليه
وسلم:
ووفائه:
فقد روى البخاري ف صحيحة عن ابن عباس رضي ال عنه أن أبا سفيان بن حرب أخبه
أن هرقل أرسل إليه ف ركب من قريش وكانوا ذهبوا إل الشام لجل التجارة ف الدة الت
كان رسول ال صلى ال عليه وسلم مادا فيها أبا سفيان وكفار قريش .فأتوه بإيليا
فدعاهم ف ملسه وحوله عظماء الروم ث دعاهم ودعا بترجانه فقال" :أيكم أقرب نسبا
بذا الرجل الذي يزعم أنه نب" فقال" :أبو سفيان فقلت أنا أقربم نسبا" فقال" :أدنوه من
وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره ،ث قال :لترجانه قل لم أن سائل عن هذا الرجل
فإن كذبن فكذبوه .فوال لول الياء من أن يأثروا عليّ كذبا لكذبت عليه ،ث كان أول
ما سألن عنه أن قال" :كيف نسبه فيكم" قلت" :هو فينا ذو نسب" قال" :فهل قال هذا
القول أحد منكم قط قبله" قلت" :ل" قال" :فهل كان من آبائه من ملك" قلت" :ل"
517
قال" :فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفائهم" فقلت" :بل ضعفاؤهم" قال" :أيزيدون أم
ينقصون" قلت" :بل يزيدون" قال" :فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه"
قلت" :ل" قال" :فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال" قلت" :ل" قال" :فهل
يغدر" قلت" :ل ونن منه ف مدة ل ندري ما هو فاعل فيها ،قال :ول تكن كلمة أدخل
فيها شيئا غي هذه الكلمة" قال" :فهل قاتلتموه" قلت" :نعم" قال" :فكيف كان قتالكم
إياه" قلت" :الرب بيننا وبينه سجال ينال منا وننال منه" قال" :باذا يأمركم" قلت:
"يقول أعبدوا ال وحده ول تشركوا به شيئا واتركوا ما يقول آباؤكم ،ويأمرنا بالصلة
والصدق والعفاف والصلة" فقال" :للترجان قل له سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو
نسب ،فكذالك الرسل تبعث ف نسب قومها ،وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول
قبله قط؟ فذكرت أن ل ،قلت فلو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يأت بقول
قيل قبله ،وسألتك هل كان ف آبائه من ملك؟ فذكرت أن ل قلت فلو كان من آبائه من
ملك لقلت رجل يطلب ملك أبيه ،وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما
قال؟ فذكرت أن ل ،قلت ل يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على ال ،وسألتك
أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ فذكرت أن ضعفاؤهم اتبعوه وهم إتباع الرسل
وسألتك أيزيدون أم ينقصون؟ فذكرت أنم يزيدون
وكذلك أمر اليان حت يتم ،وسألتك أيرتد أحد سخطه لدينه بعد أن يدخل فيه؟
فذكرت أن ل وكذلك اليان حي تالط بشاشته القلوب ،وسألتك هل يغدر؟ فذكرت
أن ل وكذلك الرسل ل تغدر ،وسألتك باذا يأمركم؟ فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا ال
ول تشركوا به شيئا ،وينهاكم عن عبادة الوثان ،ويأمركم بالصلة والصدق والعفاف.
فإن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتي وقد كنت أعلم أنه خارج ول أكن
أظن أنه منكم ،فلو أن أعلم أن أخلص إليه لتجشمت لقاءه ولو كنت عنده لغسلت عن
قدميه.
ث دعا بكتاب رسول ال صلى ال عليه وسلم الذي بعث به إليه مع دحية بن خليفة
الكلب – فقرأه قال أبو سفيان فلما قال ما قال وفرغ من قراءة الكتاب كثر عنده
الصخب وارتفعت الصوات فأخرجنا فقلت لصحاب حي أخرجنا :لقد أمر ابن أب
518
كبشة إنه ليخافه ملك بن الصفر فما زلت موقنا أنه سيظهر حت أدخل ال على
السلم..
ففي هذه القضية آيات بينان ودللت واضحات على نبوته صلى ال عليه وسلم وأنه
صلى ال عليه وسلم صادق فيما جاء به ومل الشاهد من القصة شهادة أب سفيان بن
حرب وهو من أشد أعدائه ف ذلك الوقت على – اتصاف الرسول صلى ال عليه وسلم
قبل أن يبعثه ال بالصدق وأنم ل يتهمونه بالكذب وبالوفاء وأنه ل يغدر.
-6شهادة السائب الخزومي له صلى ال عليه وسلم بسن العاملة والرفق قبل النبوة:
روى أبو داود وغيه أن السائب الخزومي كان شريك النب صلى ال عليه وسلم قبل
البعثة فجاء يوم الفتح فقال" :مرحبا بأخي وشريكي ل تداري ول تاري ،وف لفظ أنه
قال للنب صلى ال عليه وسلم كنت شريكي ف الاهلية فكنت خي شريك ل تدارين ول
تارين ،وف لفظ شريكي ونعم الشريك كنت ل تداري ول تاري".
-7شهادة عبد ال بن سلم رضي ال عنه بصدقه صلى ال عليه وسلم:
روى أحد وأصحاب السنن عن عبد ال بن سلم رضي ال عنه قال" :لا قدم النب صلى
ال عليه وسلم الدينة كنت من أنفل فلما تبينت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه
كذاب فسمعته يقول" :أفشوا السلم ،وأطعموا الطعام ،وصلوا الرحام ،وصلّوا بالليل
والناس نيام ،تدخلوا النة بسلم ".
-8شهادة مكرز بن حفص بن الحنف له صلى ال عليه وسلم بالوفاء ف جيع مراحل
حياته:
كان رسول ال صلى ال عليه وسلم عام الديبية قد أبرم صلحا بينه وبي قريش على أن
يرجع ويعتمر من العام القبل ،ومن الشروط الت اشترطتها قريش على رسول ال صلى ال
عليه وسلم أن يدخل مكة بسلح الراكب فقط (السيوف مغمدة) فلما قدم صلى ال عليه
وسلم ف عمرة القضاء استعد باليل والسلح ل ليدخل با الرم وإنا لتكون ف متناول
يده لو نكثت قريش ،وعندما قرب صلى ال عليه وسلم من الرم بعث با إل يأجح.
وكان خب ذلك السلح قد بلغ قريشا فبعثت مكرز بن حفص ف نفر من قريش إل
رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالوا" :يا ممد ما عرفت صغيا ول كبيا بالغدر تدخل
519
بالسلح ف الرم على قومك وقد شرطت لم أن ل تدخل إل بسلح السافر" .فقال
صلى ال عليه وسلم" :وقد بعثنا به إل يأجح" فقال مكرز" :بذا عرفناك بالب والوفاء".
520
والغلل } ،وقال{ :وَاعْلَمُوا أَنّ فِيكُمْ َرسُولَ اللّهِ َل ْو يُطِيعُكُمْ فِي َكثِيٍ مِ َن اْلَأمْ ِر
َل َعنِتّمْ}.وأشار سبحانه إل ما اتصف به صلى ال عليه وسلم من اللطف والرفق بأمته بقوله
ظ اْلقَ ْلبِ لَاْن َفضّوا مِنْ َحوْلِك}. تعالَ{ :فبِمَا رَ ْح َم ٍة مِنَ اللّهِ ِلنْتَ َلهُ ْم وََلوْ ُكنْتَ فَظّا غَلِي َ
أما ما اتصف به صلى ال عليه وسلم من النصح والمانة والقيام بأداء الرسالة على الوجه
الذي أراده ال فقد ذكره سبحانه
جمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلّ صَا ِحُبكُ ْم َومَا َغوَى َومَا َينْطِ ُق عَنِ الْ َهوَى ِإنْ ُهوَ إِلّا بقوله{ :وَالنّ ْ
وَ ْحيٌ يُوحَى} .ويقول تعال يعن ممدا صلى ال عليه وسلمَ { :ومَا ُه َو عَلَى الْ َغْيبِ
ِبضَنِيٍ} وفيها قراءتان -بالظاء -والراد به التهم ،وبالضاد والراد به البخيل ،وكل هذين
منفي عنه صلى ال عليه وسلم فليس هو -متهم بكتمان ما أرسله ال به وليس ببخيل با
أنزل ال عليه بل يبذله لكل أحد.-
521
ك َومَاحنَا لَكَ َفتْحا ُمبِينا ِلَيغْفِرَ لَكَ اللّ ُه مَا َتقَ ّد َم مِنْ َذنْبِ َ
اللّ ِه َتصِ ُي اْلأُمُورُ} .وقولهِ{ :إنّا َفتَ ْ
سَتقِيما َوَينْصُ َركَ اللّ ُه َنصْرا عَزِيزا}. صرَاطا مُ ْ ك َوَيهْ ِديَكَ ِ
تَأَخّ َر َوُيتِمّ ِنعْ َمتَ ُه عََليْ َ
وقد اختار سبحانه لنبيه صلى ال عليه وسلم أصحابا هم خي هذه المة الحمدية الت هي
خي المم ،وقفوا حياتم ف سبيل تبليغ دعوته وحفظ سنته تقيقا لقوله تعالِ{ :إنّا نَحْنُ
نَزّْلنَا الذّكْ َر َوِإنّا لَهُ َلحَافِظُونَ} ورثوا عن نبيهم صلى ال عليه وسلم ما جاء به من الق
ورثوه لن جاء بعدهم حت هيأ ال له رجال قاموا بتدوينه منهم بل على رأسهم المامان
الليلن البخاري ومسلم وغييهما من الحدثي فقد أفنوا أعمارهم جزاهم ال خيا
الزاء ف تقييد تلك الدور الثمينة الت ورثوها عن نبيهم ممد صلى ال عليه وسلم
بواسطة السلسل الذهبية التصلة بأمثال مالك ونافع وشعبة وأحد وعلي بن الدين
وغيهم من خيار هذه المة وهذه الدرر الثمينة الت توارثوها ونعم الرث هي تشمل
أقواله صلى ال عليه سلم وأفعاله وتقريرا ته وبيان خلقه وأخلقه ولذا يعرف الحدثون
الديث بأنه ما أضيف إل النب صلى ال عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو وصف
خلقي أو خلقي.
ولقد اعتن هؤلء الورثة الكرام بتدوين ما جاءهم عن نبيهم صلى ال عليه وسلم على
سبيل العموم ،وبا يتعلق بأخلقه ومزاياه على سبيل الصوص ،فمنهم من أفرد ذلك
بالتأليف ،ومنهم من عقد له أبوابا خاصة ضمن الؤلفات العامة أورد فيها ما يتصل بوفه
صلى ال عليه وسلم ورجائه وخشيته لربه ،وجوده وكرمه وإيثاره وحياته ووفائه وصدقة
وأمانته وإخلصه وشكره وصبه وحلمه وكثرة احتماله ،ورفقه بأمته وحرصه على
التيسي عليها ،وعفوه وشجاعته وتواضعه وعدله وزهده وقناعته ،وصلته لرحه ،وكثرة
تبسمه ،وعفته وغيته ،إل غي ذلك من آحاد حسن خلقه صلى ال عليه وسلم.
تفصيل القول ف أخلقه صلى ال عليه وسلم:
وهذه الخلق الت أشرنا على بعض آحادها يتاج تفصيلها وبسط القول فيها إل عدة
ماضرات .أما الحاضرة الواحدة فل تكفي إل للشارة على بعض تلك الخلق والزايا
الميدة الت أوتيها صلى ال عليه وسلم ،فأجدن مضطرا إل القتضاب والياز حسب
المكان..
522
-1جوده وكرمه صلى ال عليه وسلم:
وقد بلغ صلوات ال وسلمه عليه ف خلق الود والكرم مبلغا ل يبلغه غيه ،ووصل فيه
إل الغاية الت ينتهي عندها الكمال النسان .ومن توفيق ال له صلى ال عليه وسلم أن
جعل جوده يتضاعف ف الزمنة الفاضلة يقول ابن عباس رضي ال عنه ف الديث
الصحيح" :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم أجود الناس بالي ،وكان أجود ما يكون
ف شهر رمضان حي يلقاه جبيل فيدارسه القرآن فلرسول ال صلى ال عليه وسلم أجود
بالي من الريح الرسلة" .جاد بنفسه ف سبيل ال فكسرت رباعيته وشج وجهه وسال
الدم منه صلوات ال وسلمه عليه .والود بالنفس أقصى غاية الود؛ وجاد باهه ومن
أمثلة ذلك شفاعته صلى ال عليه وسلم لغيث زوج بريرة رضي ال عنهما لا عتقت
واختارت فراقه أشار عليها أن تبقى ف عصمته رحة منه صلى ال عليه وسلم بزوجها
مغيث .وأخص المثلة ف ذلك ما أخب به صلى ال عليه وسلم من شفاعته ف أهل الوقف
الت يتخلى عنها أولو العزم من الرسل فتنتهي إليه فيقول أنا لا صلى ال عليه وسلم وقد
صح عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال" :لكل نب دعوة مستجابة قد دعا با فاستجيب له،
فجعلت دعوت شفاعة لمت يوم القيامة" وجاد صلى ال عليه وسلم با أعطاه ال من الال
فما سئل صلى ال عليه وسلم شيئا من الدنيا قط فقال ل ولقد جاءت إليه صلى ال عليه
وسلم امرأة ببدة منسوجة فقالت نسجتها بيدي لكسوكها فأخذها صلى ال عليه وسلم
"أكسينها يا رسول ال" .فقال صلى متاجا إليها ولبسها فقل رجل من الصحابة:
ال عليه وسلم" :نعم"
فدخل منله فطواها وبعث با إليه فقال له بعض الصحابة" :ما أحسنت ،لبسها رسول ال
عليه وسلم متاجا إليها ث سألته وعلمت أنه ل يرد سائل" .فقال" :إن وال ما سألته
للبسها إنا سألته لتكون كفن" قال سهل بن سعد رضي ال عنه" :فكانت كفنه" ،هذا
مثل من أمثال اتصافه صلى ال عليه وسلم بذا اللق الكري فهل بعد هذا كرم يصدر من
ملوق؟ وهل وراء هذا اليثار إيثار؟ .ولقد وصف ال النصار ف كتابه العزيز بصفة
صةٌ} .وهذه الصفة الكريةسهِ ْم وََلوْ كَانَ ِبهِمْ َخصَا َ
اليثار ف قولهَ { :وُي ْؤثِرُو َن عَلَى َأنْفُ ِ
الت اتصفوا با أسوتم فيها وف غيها من مكارم الخلق سيد ولد آدم عليه الصلة
523
سَنةٌ} .ولا رجع من حني والسلم يقول سبحانهَ{ :لقَدْ كَانَ َلكُمْ فِي َرسُولِ اللّهِ ُأ ْسوَةٌ حَ َ
التف حوله العراب يسألونه حت اضطروه إل سرة فخطفت رداءه فوقف النب صلى ال
عليه وسلم وقال" :أعطون ردائي فلو كان ل عدد هذه العضاة نعما لقسمتها بينكم ث ل
تدون بيل ول كذابا ول جبانا ."..
وجوده صلى ال عليه وسلم ف العطاء لبعض الناس إنا هو لتأليفهم على السلم ،فكثيا
ما كان يص حديثي العهد بالسلم بوافر العطاء دون من تكن اليان ف نفوسهم .ففي
غزوة حني أعطى أكابر قريش الئات من البل ومنهم صفوان بن أمية فقد روى مسلم ف
صحيحة أنه قال" :لقد أعطان رسول ال صلى ال عليه وسلم ما أعطان ،وإنه لبغض
الناس إلّ فما برح يعطين حت إنه من أحب الناس إل" ,وروى أيضا عن أنس رضي ال
عنه قال" :ما سئل رسول ال صلى ال عليه وسلم على السلم شيئا إل أعطاه ،ولقد
جاءه رجل فأعطاه غنما بي جبلي فرجع إل قومه فقال :يا قوم أسلموا فإن ممدا يعطي
عطاء من ل يشى الفقر" .وإن كان الرجل ليسلم ما يريد إل الدنيا فما يلبث إل يسيا
حت يكون السلم أحب إليه من الدنيا وما عليها ،أعطى رسول ال صلى ال عليه وسلم
ذلك الرجل تلك الغنم الكثية الت لكثرتا ملت ما بي جبلي وماذا كانت نتيجة هذا
العطاء من رسول ال صلى ال عليه وسلم؟ لقد كانت حصول الغرض الذي من أجله
أعطاه وهي أنه أصبح داعية لرسول ال صلى ال عليه وسلم .لقد كان بدافع من نفسه
رسول لرسول ال إل قومه يدعوهم إل السلم ويبي لم كرم رسول ال صلى ال عليه
وسلم وأنه يعطي عطاء من ل يشى الفقر .وهكذا كان رسول ال صلى ال عليه وسلم
يبذل الال ف سبيل نصرة السلم والدعوة إليه والترغيب فيه ،ينفق مال ال الذي آتاه ف
سبيل ال حت توفاه ال ودرعه مرهونة ف دين عليه صلوات ال وسلمه عليه.
======================
توجيهه وتربيته وتعليمه لصحابه
وعلى الرغم من انشغال رسول ال صلى ال عليه وسلم بالهاد ومالدة الشرك وأهله ،إل
أنه كان دائما مع أصحابه مالطا ومعايشا ومُ َربّيا ومو ّجهًا ،ومعلّما لم على اختلف
524
أحوالم وأعمارهم ،ول يترك موطنا من مواطن الزلل أو جانبا من جوانب الطأ إل
وأصلحه وبينه ،ول موطنا من مواطن الي إل حثّهم عليه ورغبهم فيه.
فكان يؤاكل أصحابه فربا حضر الطعام معه العراب حديث عهد بالسلم ،أو الغلم
والارية من ل يعرف آداب الطعام والشراب فيأخذ صلى ال عليه وسلم بأيديهم
ويعلّمهم ويربّيهم.
روى أحد عَنْ حُ َذْي َفةَ قَالَُ (( :كنّا مَعَ َرسُولِ اللّهِ صلى ال عليه وسلم َفأُِتيَ بِ َطعَامٍ َفجَاءَ
ب يََتنَاوَلُ َفأَخَذَ صلى ال عليه وسلم ِبيَدِ ِه وَجَاءَتْ جَا ِرَيةٌ َكأَّنهَا َأعْرَاِبيّ َكَأنّمَا يُطْ َردُ فَ َذ َه َ
تُطْ َردُ َفأَ ْهوَتْ َفأَخَ َذ النِّبيّ صلى ال عليه وسلم ِبيَ ِدهَا َفقَا َل الّنِبيّ صلى ال عليه وسلم إِنّ
ستَحِلّ ال ّطعَامَ إِذَا َل ْم يُذْكَ ِر اسْمُ اللّ ِه عََليْهِ، الشّيْطَانَ لَمّا َأ ْعيَْيتُمُوهُ جَا َء بِاْلأَعْرَاِبيّ وَالْجَا ِرَي ِة يَ ْ
بِسْمِ اللّهِ كُلُوا )).
وروى البخاري ومسلم عن عُ َم َر بْنَ َأبِي سَلَ َم َة َيقُولُُ (( :كْنتُ غُلمًا فِي َحجْرِ َرسُولِ
ح َفةِ َفقَالَ لِي َرسُولُ اللّهِ صلى ال اللّهِ صلى ال عليه وسلم وَكَاَنتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصّ ْ
ك ِطعْ َمتِيعليه وسلم :يَا غُل ُم سَمّ اللّ َه وَكُ ْل ِبيَمِينِكَ وَكُ ْل مِمّا يَلِيكََ ،فمَا زَاَلتْ تِلْ َ
َبعْدُ )).
وكان يبز للناس كلّهم ويبايع الوفود بنفسه ول ينيب عنه أحدا من أصحابه ،ول يكتفي
برئيس الوفد بل يبايعهم واحدا واحدا ،وأحيانا ييء الرهط من الناس ليبايعوه على
السلم فيى ف أحدهم مظهرا من مظاهر الشرك من بقايا الاهلية فيأب أن يبايعه حت
يزيله.
ج َهنِيَّ (( :أنّ َرسُولَ اللّهِ صلى ال عليه وسلم أَ ْقبَلَ روى المام أحد عَنْ عُ ْقَبةَ بْنِ عَامِرٍ الْ ُ
ت هَذَا س َعةً َوتَرَ ْك َ
ت تِ ْ
ك عَ ْن وَاحِدٍ َفقَالُوا :يَا َرسُولَ اللّ ِه بَاَيعْ َ س َعةً َوَأمْسَ َ إَِليْهِ َرهْطٌ َفبَايَ َع تِ ْ
قَالَِ :إنّ عََليْ ِه تَمِي َمةً َفأَ ْدخَ َل يَ َدهُ َفقَ َط َعهَا َفبَاَيعَ ُه وَقَالَ :مَ ْن عَلّ َق تَمِي َمةً َفقَدْ َأشْ َركَ )).
وقد أخذ بذا النهج صحابته الكرام رضي ال عنهم
ب امْ َرَأةِ َعبْدِ اللّهِ قَاَلتْ (( :كَا َن َعبْدُ اللّهِ إِذَا جَا َء مِنْ حَا َجةٍ فَاْنَتهَى فقد روى أحد عَنْ َزْينَ َ
ت َي ْومٍحنَ َح َوبَ َزقَ كَرَا ِهَيةَ َأ ْن َيهْجُ َم ِمنّا عَلَى َشيْ ٍء يَكْ َرهُهُ قَاَلتَْ :وِإنّهُ جَاءَ ذَا َ إِلَى اْلبَابِ َتنَ ْ
حتَ السّرِيرِ َفدَخَلَ َفجََلسَ حمْ َرةِ َفأَدْ َخ ْلُتهَا َت ْ
حنَحَ قَاَلتَْ :و ِعنْدِي عَجُو ٌز تَرْقِينِي مِ َن الْ ُ َفَتنَ ْ
525
خيْطُ قَاَلتْ :قُ ْلتُ َخيْطٌ أُرِْقيَ لِي فِيهِ قَاَلتْ: إِلَى َجْنبِي َف َرأَى فِي ُعُنقِي َخيْطًا قَالَ :مَا هَذَا الْ َ
َفأَخَ َذهُ َفقَ َطعَهُ ثُمّ قَالَِ :إنّ آلَ عَبْدِ اللّهِ َل ْغنِيَا ُء عَنِ الشّ ْر ِك سَ ِم ْعتُ َرسُولَ اللّهِ صلى ال
عليه وسلم َيقُولُِ :إنّ الرّقَى وَالتّمَائِ َم وَالّتوََل َة شِ ْركٌ قَاَلتَْ :فقُ ْلتُ لَهُ :لِ َم َتقُو ُل هَذَا وَقَدْ
ي يَرْقِيهَا وَكَانَ إِذَا رَقَاهَا َس َكنَتْ قَالَ: ت َعيْنِي تَقْذِفُ َفكُْنتُ َأ ْختَلِفُ إِلَى فُلنٍ الَْيهُودِ ّ كَانَ ْ
ف َعْنهَا ِإنّمَا كَا َن يَ ْكفِيكِ َأنْ سهَا ِبيَ ِدهِ فَِإذَا رََقيِْتهَا كَ ّشيْطَانِ كَا َن َينْخُ ُ ك عَمَلُ ال ّ ِإنّمَا ذَلِ َ
س اشْفِ أَْنتَ ب النّا ِ
َتقُولِي كَمَا قَالَ َرسُولُ اللّهِ صلى ال عليه وسلم :أَ ْذ ِهبِ اْلَبأْسَ رَ ّ
الشّافِي ل ِشفَاءَ إِل ِشفَا ُؤكَ ِشفَا ًء ل ُيغَادِ ُر َسقَمًا )).
وكان صلى ال عليه وسلم يداعب أصحابه ويلعب أطفالم
س َن النّاسِ س بْ ُن مَالِكٍ قَالَ (( :كَانَ َرسُولُ اللّهِ صلى ال عليه وسلم أَحْ َ روى مسلم عن َأَن ُ
سبُهُ قَالَ :كَانَ فَطِيمًا قَالََ :فكَانَ إِذَا جَاءَ خ ُيقَالُ لَهُ َأبُو عُ َميْرٍ قَالَ :أَحْ ِ
خُُلقًا وَكَانَ لِي َأ ٌ
ب بِهِ )). َرسُولُ اللّهِ صلى ال عليه وسلم َفرَآهُ قَالََ :أبَا عُ َمْي ٍر مَا َفعَ َل الّن َغيْرُ قَالََ :فكَانَ َي ْلعَ ُ
أما خدمه ومواليه فلم يكن يكلّفهم من العمل ما ل يطيقون ،ول يبكتهم يوما ما أو
ينهرهم فضلً من أن يضربم ،بل إنم ل يسمعوا منه مرّد التأفّف عليهم.
ففي صحيح مسلم قَالَ َأَنسٌ (( :كَانَ َرسُولُ اللّهِ صلى ال عليه وسلم مِنْ أَحْسَ ِن النّاسِ
ب وَفِي نَفْسِي أَنْ أَ ْذ َهبَ ِلمَا َأمَ َرنِي بِ ِه َنبِيّ خُُلقًا َفأَ ْرسََلنِي َيوْمًا ِلحَا َجةٍ َفقُ ْلتُ :وَاللّهِ ل أَ ْذهَ ُ
صْبيَا ٍن َوهُمْ يَ ْل َعبُونَ فِي السّوقِ فَِإذَا اللّهِ صلى ال عليه وسلم َفخَ َر ْجتُ َحتّى َأمُ ّر عَلَى ِ
ي مِ ْن وَرَائِي قَالََ :فنَ َظرْتُ إِلَيْ ِه َو ُهوَ َيضْحَكُ َرسُولُ اللّهِ صلى ال عليه وسلم َقدْ َقَبضَ ِب َقفَا َ
ب يَا َرسُولَ اللّهِ قَالَ َأَنسٌ: ت َنعَمْ َأنَا َأ ْذهَ ُ َفقَالَ :يَا ُأنَْيسُ أَ َذ َهبْتَ َحْيثُ َأمَ ْرتُكَ قَالَ :قُ ْل ُ
شيْءٍ صَنعْتُهُ لِمَ َف َع ْلتَ كَذَا وَكَذَا َأوْ لِ َشيْءٍ َ ي مَا عَلِ ْمتُهُ قَالَ لِ َ
وَاللّهِ َلقَدْ خَ َد ْمتُ ُه تِسْ َع ِسنِ َ
تَرَ ْكتُهُ هَل َفعَ ْلتَ كَذَا وَكَذَا )).
وربا قام صلى ال عليه وسلم بالتعليم وهو على حار مردفا لحد أصحابه وذلك بتكرار
النداء وف هذا إثارة انتباه السامع.
ف النِّبيّ صلى ال عليه وسلم عَلَى حِمَا ٍر ُيقَالُ لَ ُه عُ َفيْرٌ يقول معاذ بن جبلُ (( :كنْتُ ِردْ َ
َفقَالَ :يَا ُمعَا ُذ قلت :لبيك يا رسول ال وسعديك .ث سار ساعةً ،فقال :يامعاذ ،قلت:
لبيك رسول ال وسعديك .ث سار ساعةً فقال :يامعاذ بن جبل ،قلت :لبيك رسول ال
526
وسعديك .قال :هَلْ تَ ْدرِي حَقّ اللّهِ عَلَى ِعبَا ِد ِه َومَا حَ ّق اْل ِعبَا ِد عَلَى اللّهِ ُق ْلتُ :اللّ ُه َو َرسُولُهُ
َأعْلَمُ قَالَ :فَِإنّ َحقّ اللّ ِه عَلَى اْل ِعبَادِ َأنْ َي ْعبُدُوهُ وَل يُشْرِكُوا بِ ِه َشْيئًا َوحَ ّق اْلعِبَا ِد عَلَى اللّهِ َأنْ
ش ِركُ بِ ِه َشْيئًا َفقُ ْلتُ :يَا َرسُولَ اللّهِ أَفَل ُأبَشّ ُر بِهِ النّاسَ قَالَ :ل ُتبَشّ ْرهُمْ ل ُيعَذّبَ مَنْ ل يُ ْ
َفَيتّكِلُوا))()1
وقد اختار صلى ال عليه وسلم معاذا لينوب عنه ف دعوة أهل اليمن ورسم له منهج
الدعوة وباذا يبدأ به الناس فقال لهِ (( :إنّكَ سََت ْأتِي َق ْومًا أَهْلَ ِكتَابٍ فَِإذَا ِجئَْتهُمْ فَا ْد ُعهُمْ
ك بِذَلِكَ شهَدُوا أَنْ ل إِلَهَ إِل اللّ ُه َوَأ ّن مُحَمّدًا َرسُولُ اللّهِ فَِإ ْن هُمْ َأطَاعُوا لَ َ إِلَى َأنْ يَ ْ
ض عََلْيهِمْ خَ ْمسَ صََلوَاتٍ فِي كُ ّل َي ْو ٍم وََليَْلةٍ َفِإنْ هُمْ َأطَاعُوا لَكَ َفأَ ْخبِ ْرهُمْ َأنّ اللّهَ قَدْ فَ َر َ
ض عََلْيهِمْ صَدََق ًة ُتؤْخَ ُذ مِنْ أَ ْغِنيَاِئهِمْ َفتُ َر ّد عَلَى ُفقَرَائِهِمْ فَِإنْ بِذَلِكَ َفأَ ْخبِ ْرهُمْ َأنّ اللّهَ قَدْ فَ َر َ
ك بِذَلِكَ فَِإيّا َك وَكَرَائِمَ َأ ْموَاِلهِمْ وَاتّقِ َد ْع َوةَ الْمَظْلُومِ فَِإنّهُ َلْيسَ َبْينَهُ َوَبيْنَ اللّهِهُمْ أَطَاعُوا لَ َ
ِحجَابٌ ))()2
وكان صحابته يرجعون إليه ف كل شيء حت ف مالفات الطفال ،فيتعامل معها صلى
ال عليه وسلم بأسلوب تربوي عظيم با يتناسب مع سنّ الصغي ومرحلة الطفولة.
خ َل الَْأْنصَارِ
روى أبو داود عن َأبِي رَافِ ِع بْ ِن عَمْرٍو اْل ِغفَارِيّ قَالَُ (( :كْنتُ غُلمًا أَ ْرمِي نَ ْ
َفأُِت َي بِي النِّبيّ صلى ال عليه وسلم َفقَالَ :يَا غُلمُ لِ َم َت ْرمِي النّخْلَ قَالَ :آكُلُ قَالَ :فَل تَ ْرمِ
سقُطُ فِي َأ ْسفَِلهَا ثُ ّم مَسَحَ َرْأسَهُ َفقَالَ :الّلهُمّ َأ ْشبِ ْع بَ ْطنَهُ )). خ َل وَكُ ْل مِمّا يَ ْ النّ ْ
وف رواية للترمذي قال (( :أشبعك ال وأرواك )).
يصف الصحابة رضوان ال عليهم مشاركة النب صلى ال عليه وسلم لم ف جيع حياتم
حضرها وسفرها ،وتفقده لحوالم الاصّة والعامّة ،فيقول أمي الؤمني عثمان بن عفان
حضَرِ حْبنَا َرسُولَ اللّهِ صلى ال عليه وسلم فِي السّفَ ِر وَالْ َ صِ رضي ال عنهِ (( :إنّا وَاللّهِ قَدْ َ
وَكَا َن َيعُو ُد مَرْضَانَا َوَيتْبَعُ َجنَائِ َزنَا َوَيغْزُو َم َعنَا َوُيوَاسِينَا بِاْلقَلِيلِ وَاْل َكثِيِ ))()3
وقد اختار صلى ال عليه وسلم من أساليب التعليم أحسنها وأفضلها ،وأوقعها ف نفس
الخاطب وأقربا إل فهمه وعقله ،وأشدّ تثبيتًا ف نفسه ،وأكثرها إيضاحا :فتار ًة يؤكّد لم
التعليم بالقسم ،وتارةً بالتكرار ،وأخرى بالنداء ،وأحيانا بإبام الشيء لمل السامع على
استكشافه والسؤال عنه كما ف حديث أب هريرة عن النِّبيّ صلى ال عليه وسلم قَالَ:
527
ح ُر وََقتْ ُل سبْ َع الْمُوبِقَاتِ قَالُوا :يَا َرسُولَ اللّهِ َومَا هُنّ قَالَ :الشّ ْركُ بِاللّ ِه وَالسّ ْ (( ا ْجَتنِبُوا ال ّ
ف وَقَذْفُ س الّتِي حَ ّرمَ اللّهُ إِل بِالْحَ ّق َوأَكْلُ ال ّربَا َوأَكْ ُل مَا ِل الَْيتِي ِم وَالّتوَلّي َي ْومَ الزّحْ ِ الّن ْف ِ
ت اْلغَافِلتِ ))()4 صنَاتِ الْ ُمؤْ ِمنَا ِ حَ الْمُ ْ
وأحيانا يعلّمهم بأسلوب الشرح والبيان والتوضيح ،وترتيب النتائج على مقدماتا كما ف
حديث َأبِي هُ َريْ َرةَ قَالَ :قَالَ َرسُولُ اللّهِ صلى ال عليه وسلم (( :مَ ْن َعقَ َد ُعقْ َدةً ثُمّ نَ َفثَ
فِيهَا َفقَدْ سَحَ َر َومَ ْن َسحَرَ َفقَدْ َأشْ َر َك َومَ ْن َتعَلّ َق َشْيئًا وُكِلَ إَِليْهِ ))()5
وأحيانا يأت تعليمه بالناسبات العارضة كما ف قصّة الرجل الذي حلف بغي ال ،كما
روى َسعْ ِد بْ ِن ُعبَيْ َدةَ (( َأنّ ابْ َن عُمَ َر سَ ِمعَ رَ ُجلًا َيقُولُ :لَ وَاْل َكعَْبةِ َفقَا َل ابْنُ عُمَرَ :لَ
ف ِب َغيْرِ اللّهِيُحْلَفُ بِ َغيْرِ اللّهِ فَِإنّي سَ ِم ْعتُ َرسُولَ اللّهِ صلى ال عليه وسلم َيقُولُ :مَنْ حَلَ َ
َفقَدْ َكفَرَ َأوْ َأشْ َركَ )) .قَالَ َأبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
ل َيقُولُ :وَالْ َك ْعَبةِ َفقَالَ :لَ وروى المام أحد عَ ْن َسعْ ِد بْ ِن ُعَبيْ َدةَ (( :سَ ِم َع ابْنُ عُ َمرَ رَ ُج ً
ف ِب َغيْرِ اللّهِ
تَحْلِفْ بِ َغيْرِ اللّهِ فَِإنّي سَ ِم ْعتُ َرسُولَ اللّهِ صلى ال عليه وسلم َيقُولُ :مَنْ حَلَ َ
َفقَدْ َكفَ َر َوَأشْ َركَ )).
وأحيانا يأتيه العراب الاف فيغلظ للرسول ال صلى ال عليه وسلم القول ،وربا يستطيل
بيده على طبيعة العراب من العنف والفاء ،فيبتسم له رسول ال صلى ال عليه وسلم،
وييبه إل طلبه بسن خلق وسوّ معاملة.
روى البخاري عَنْ َأَنسِ بْ ِن مَالِكٍ قَالَُ (( :كنْتُ َأمْشِي مَعَ َرسُولِ صلى ال عليه وسلم
جبَذَ بِرِدَائِهِ َجبْ َذةً شَدِي َدةً قَالَ َأَنسٌ: جرَاِن ّي غَلِيظُ الْحَاشَِيةِ َفأَدْرَكَهُ َأعْرَابِيّ فَ َ َوعََليْهِ بُ ْر ٌد نَ ْ
ت ِبهَا حَا ِشَيةُ الرّدَاءِ مِنْ شِ ّدةِ ح ِة عَاتِقِ الّنبِيّ صلى ال عليه وسلم وَقَدْ َأثّرَ ْ صفْ ََفنَظَرْتُ إِلَى َ
ك ثُمّ َأمَرَ لَهُ
حمّ ُد مُرْ لِي مِ ْن مَالِ اللّ ِه الّذِي ِعنْ َدكَ فَاْلتَ َفتَ إِلَيْهِ َفضَحِ َ َجبْ َذتِ ِه ثُمّ قَالَ :يَا مُ َ
ِبعَطَاءٍ )).
وف رواية لسلم (( :ثُمّ َجبَ َذهُ إَِليْهِ َجبْ َذةً رَجَ َع َنِبيّ اللّهِ صلى ال عليه وسلم فِي نَحْرِ
الَْأعْرَابِيّ )) .وَفِي حَدِيثِ هَمّامٍَ (( :فجَا َذبَهُ َحتّى انْشَقّ اْلبُ ْر ُد وَ َحتّى َب ِقيَتْ حَا ِشَيتُهُ فِي ُعنُقِ
َرسُولِ اللّهِ صلى ال عليه وسلم )).
528
ل لبس سوارا من ناس يقي به مرضا يأخذ ف العضد ،غضب عليه ولكنّه ،لا رأى رج ً
وزجره ونره.
صيْنٍَ (( :أ ّن الّنِبيّ صلى ال عليه وسلم َأبْصَ َر عَلَى َعضُدِ رَ ُجلٍ حَ ْل َقةً، فعن عِمْرَانُ بْنُ ُح َ
ك مَا هَ ِذهِ قَالَ :مِ َن اْلوَا ِهَنةِ قَالََ :أمَا ِإّنهَا ل تَزِي ُدكَ إِل َو ْهنًا صفْرٍ َفقَالََ :ويْحَ َأُرَاهُ قَا َل مِنْ ُ
حتَ َأبَدًا ))()6 ك مَا أَفَْل ْاْنبِ ْذهَا عَنْكَ فَِإنّكَ َل ْو ِمتّ َو ِهيَ عََليْ َ
فهناك ل يغضب رسول ال صلى ال عليه وسلم لنفسه ،أمّا هنا ولـمّا رأى مظهرا من
مظاهر الشرك غضب ل عز وجل ،حيث أنه صلى ال عليه وسلم بعث بتكميل أديان
اللق بنبذ الوثنيّات والتعلّق بالخلوقي ،وعلى تكميل عقولم بنبذ الرافات والزعبلت،
والدّ ف المور النافعة الرقّية للعقول ،الزكّية للنفوس ،ا ُلصْلِحَة للحوال كلها دينها
ودنياها()7
وربا لقه الطفال فأركبهم معه على بغلته.
سيْنِس ِن وَالْحُ َت ِبَنِبيّ اللّهِ صلى ال عليه وسلم وَالْحَ َ فعن ِإيَاسٌ عَنْ َأبِيهِ قَالََ (( :لقَدْ قُدْ ُ
ش ْهبَاءَ َحتّى أَ ْدخَ ْلُتهُمْ ُحجْ َر َة النِّبيّ صلى ال عليه وسلم هَذَا قُدّامَهُ َوهَذَا َخ ْلفَهُ))()8 َبغَْلتَهُ ال ّ
بل ربا نزل وترك الطبة من النب وحل الطفال ث أتّ خطبته
عَبْدُ اللّ ِه بْ ُن ُب َريْ َدةَ قَال (( :سَ ِم ْعتُ َأبِي بُ َريْ َد َة َيقُولُ :كَانَ َرسُولُ اللّهِ صلى ال عليه وسلم
شيَانِ َوَي ْعثُرَانِ َفنَزَلَ َرسُولُ سيْ ُن عََلْيهِمَا قَمِيصَانِ أَحْ َمرَا ِن يَمْ ِ س ُن وَالْحُ َ
يَخْ ُطُبنَا إِذْ جَا َء الْحَ َ
ص َدقَ اللّ ُه {إِنّمَا ضعَهُمَا َبيْ َن يَ َديْ ِه ثُمّ قَالََ : اللّهِ صلى ال عليه وسلم مِ َن الْ ِمْنبَرِ َفحَمََلهُمَا َووَ َ
صبِرْ َحتّى شيَانِ َوَي ْعثُرَانِ فََلمْ أَ ْصبِّييْ ِن يَمْ ِ
َأ ْموَاُلكُمْ َوأَوْلدُكُمْ ِفتَْنةٌ} َفنَظَرْتُ إِلَى هَ َذيْ ِن ال ّ
قَ َط ْعتُ حَدِيثِي وَرََف ْعُتهُمَا))()9
وإذا سع رسول ال صلى ال عليه وسلم بنكر انتدب له رجلً من صاحبته؛ ليقوم بإزالته،
فقد روى لنا علي بن أب طالب رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم بعثه
بهمّة وهي تسوية القبور بالرض وعدم رفعها ،وطمس التماثيل والصور.
ج الَْأسَدِيّ قَالَ (( :قَالَ لِي عَِل ّي بْنُ َأبِي طَاِلبٍ :أَل روى مسلم ف صحيحه عَنْ َأبِي اْلهَيّا ِ
ستَهُ وَل ع تِ ْمثَالًا إِل طَمَ ْك عَلَى مَا َب َعثَنِي عََليْهِ َرسُولُ صلى ال عليه وسلم َأنْ ل تَ َد َ َأبْ َعثُ َ
سَتهَا )). َقبْرًا مُشْرِفًا إِل َسوّْيتَهُ )) ،وف رواية َقَالَ (( :وَل صُو َرةً إِل طَمَ ْ
529
ول يكن رسول ال يصّ أحدا من أقاربه بعلم دون الناس.
صكُمْ َرسُولُ اللّهِ صلى ال عليه ففي صحيح مسلم عَنْ َأبِي ال ّط َفيْلِ قَالَُ (( :سئِ َل عَِليّ أَ َخ ّ
صنَا َرسُولُ اللّهِ صلى ال عليه وسلم بِشَيْءٍ لَ ْم َيعُ ّم بِ ِه النّاسَ شيْءٍ؟ َفقَالَ :مَا َخ ّ وسلم بِ َ
ب َسيْفِي هَذَا قَالََ :فأَخْرَجَ صَحِي َفةً مَ ْكتُوبٌ فِيهَا َلعَنَ اللّ ُه مَنْ َذبَحَ كَاّفةً إِلّا مَا كَانَ فِي قِرَا ِ
ض وََلعَنَ اللّ ُه مَنْ َلعَنَ وَالِ َد ُه وََلعَنَ اللّ ُه مَ ْن آوَى
ق َمنَارَ اْلأَ ْر ِ ِل َغيْرِ اللّ ِه وََلعَنَ اللّ ُه مَنْ سَ َر َ
مُحْ ِدثًا )).
وكان يرسل البنيات الصغيات ِليَ ْل َعبْنَ مع عائشة رضي ال عنها.
شةَ رَضِي اللّ ُه َعْنهَا قَاَلتُْ (( :كْنتُ أَْل َعبُ بِاْلَبنَاتِ ِعنْ َد النِّبيّ صلى ال عليه وسلم عَ ْن عَائِ َ
صوَا ِحبُ يَ ْل َعبْ َن َمعِي َفكَانَ َرسُولُ اللّهِ صلى ال عليه وسلم إِذَا َدخَ َل َيَتقَ ّمعْ َن ِمنْهُ وَكَانَ لِي َ
َفيُسَ ّرُبهُنّ إِلَيّ َفيَ ْل َعبْ َن َمعِي ))()10
ك عن التعليم والتوجيه ف حال الصحة والرض فقد وكان صلى ال عليه وسلم ل ينف ّ
كان بعض نسائه يقصصن عليه بعض القصص وهو ف مرضه ،لعلّ ذلك من أجل تسليته
شةَ رَضِي اللّ ُه َعْنهَا قَاَلتْ (( :لَمّا ا ْشتَكَى الّنِبيّ صلى ال عليه ففي البخاري ومسلم عن عَائِ َ
شةِ ُيقَالُ َلهَا مَا ِرَي ُة وَكَانَتْ ُأمّ َسلَ َمةَ حبَ َ
سةً َرَأْيَنهَا ِبأَ ْرضِ الْ َ
ت َب ْعضُ نِسَائِهِ َكنِي َ وسلم ذَكَرَ ْ
سِنهَا َوَتصَاوِيرَ فِيهَا َفرَفَعَ َرْأسَهُ شةِ فَذَكَ َرتَا مِنْ حُ ْ حبَ َ
ض الْ َ
َوُأمّ َحبِيَبةَ رَضِي اللّ ُه َعْنهُمَا َأَتتَا أَ ْر َ
صوّرُوا فِي ِه تِلْكَ جدًا ثُمّ َ ت ِمْنهُمُ الرّجُ ُل الصّالِ ُح َبَنوْا عَلَى َقْب ِرهِ مَسْ ِ َفقَالَ :أُوَلئِكِ إِذَا مَا َ
ك شِرَا ُر الْخَ ْل ِق ِعنْدَ اللّهِ )). الصّو َرةَ أُولَئِ ِ
فعلى الرغم من مرضه صلى ال عليه وسلم استدرك على نسائه وبيّن ضلل أولئك
النصارى حيث اتذوا الساجد على قبور الصالي وصوّروا صورا فيها.
وقد تعامل مع أخطاء العراب الفاة بالكمة والتأن مع اللم والصب عليهم والصفح
عنهم ،وحسن توجيههم وإرشادهم وتربيتهم ،مع غاية الرحة والرأفة بم.
سجِ ِد مَعَ َرسُولِ اللّهِ صلى ال عليه وسلم إِذْ فعن َأَنسُ بْ ُن مَالِكٍ قَالَ (( :بَْينَمَا نَحْنُ فِي الْمَ ْ
جَاءَ َأعْرَابِيّ َفقَا َم يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ َفقَالَ أَصْحَابُ َرسُولِ اللّهِ صلى ال عليه وسلم :مَ ْه مَهْ
قَالَ :قَالَ َرسُولُ اللّهِ صلى ال عليه وسلم :ل تُ ْز ِرمُوهُ (أي لتقطعوا عليه بولته) َدعُوهُ
َفتَرَكُوهُ َحتّى بَا َل ثُمّ ِإنّ َرسُولَ صلى ال عليه وسلم َدعَاهُ َفقَالَ لَهُِ :إنّ هَ ِذ ِه الْمَسَا ِجدَ ل
530
شيْءٍ مِنْ هَذَا اْلَبوْلِ وَل اْلقَذَرِ ِإنّمَا ِهيَ ِلذِكْرِ اللّ ِه عَ ّز وَ َج ّل وَالصّل ِة وَقِرَا َء ِة الْقُرْآنِ َتصْلُحُ لِ َ
َأوْ َكمَا قَالَ َرسُولُ صلى ال عليه وسلم قَالََ :فَأمَرَ َر ُجلً مِ َن الْ َق ْومِ فَجَا َء بِدَْل ٍو مِ ْن مَاءٍ
شنّهُ عََليْهِ ))()11 فَ َ
وكان لطيفا رحيما رقيقا ف معاملته لصحابه وف تعامله مع أخطائهم.
يصف لنا ذلك معاوية بن الكم السلمي فيقول -كما ف صحيح مسلم -عَ ْن ُمعَا ِوَيةَ
حكَمِ السّلَ ِميّ قَالََ (( :بْينَا َأنَا أُصَلّي مَعَ َرسُولِ اللّهِ صلى ال عليه وسلم إِ ْذ عَ َطسَ بْ ِن الْ َ
رَ ُج ٌل مِ َن الْ َق ْومِ َفقُ ْلتَُ :يرْحَمُكَ اللّهُ َف َرمَانِي اْل َقوْ ُم ِبأَْبصَا ِرهِمْ َفقُ ْلتُ :وَا ُثكْلَ ُأمّيَا ْه مَا
جعَلُوا َيضْ ِربُو َن بَِأيْدِيهِ ْم عَلَى أَ ْفخَا ِذهِمْ َفلَمّا َرَأْيُتهُ ْم ُيصَ ّمتُوَننِي َل ِكنّي َشأُْنكُ ْم َتنْظُرُونَ إَِليّ فَ َ
ت ُمعَلّمًا َقبْلَ ُه وَل َسكَتّ فَلَمّا صَلّى َرسُولُ اللّهِ صلى ال عليه وسلم َفِبَأبِي ُهوَ َوأُمّي مَا َرَأيْ ُ
ض َربَنِي وَل َشتَ َمنِي قَالَِ :إنّ هَ ِذ ِه الصّلةَ ل َبعْ َدهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ َفوَاللّ ِه مَا َكهَ َرنِي وَل َ
سبِي ُح وَالتّ ْكبِيُ وَِقرَاءَ ُة اْلقُرْآنِ َأوْ كَمَا قَالَ َيصْلُحُ فِيهَا شَيْ ٌء مِنْ كَلمِ النّاسِ ِإنّمَا ُهوَ التّ ْ
َرسُولُ اللّهِ صلى ال عليه وسلم ُق ْلتُ :يَا َرسُولَ اللّهِ ِإنّي حَدِيثُ عَهْ ٍد ِبجَاهِِلّيةٍ وَقَدْ جَاءَ
اللّ ُه بِالِْإسْل ِم َوإِ ّن ِمنّا رِجَا ًل َي ْأتُونَ اْل ُكهّانَ قَالَ :فَل َت ْأِتهِمْ قَالََ :و ِمنّا رِجَا ٌل َيتَ َطيّرُونَ قَالَ:
صبّاحِ :فَل َيصُ ّدنّكُمْ ،قَالَ :قُ ْلتُ ذَاكَ َشيْ ٌء يَجِدُونَهُ فِي صُدُو ِرهِمْ فَل َيصُ ّدّنهُمْ ،قَا َل ابْنُ ال ّ
خطّونَ قَالَ :كَا َن َنبِ ّي مِ َن اْلأَْنِبيَاءِ يَخُطّ فَمَ ْن وَافَقَ َخطّهُ فَذَاكَ قَالَ :وَكَانَتْ َومِنّا ِرجَا ٌل يَ ُ
ب بِشَاةٍ ت َي ْومٍ فَِإذَا الذّيبُ قَدْ َذهَ َ جوّاِنّيةِ فَاطَّلعْتُ ذَا َلِي جَا ِرَي ٌة تَ ْرعَى َغنَمًا لِي ِقبَلَ أُ ُح ٍد وَالْ َ
ص ّكةً َفَأتَْيتُ َرسُولَ ص َك ْكُتهَا َ مِ ْن َغنَ ِمهَا َوَأنَا رَ ُج ٌل مِ ْن َبنِي آ َد َم آسَفُ كَمَا َي ْأ َسفُونَ َل ِكنّي َ
ك عََليّ قُ ْلتُ :يَا َرسُولَ اللّهِ أَفَل ُأ ْعِت ُقهَا قَالَ :اْئِتنِي ِبهَا اللّهِ صلى ال عليه وسلم َفعَظّمَ ذَلِ َ
َفأََتْيتُهُ ِبهَا َفقَالَ َلهَاَ :أيْنَ اللّهُ قَاَلتْ :فِي السّمَاءِ قَالَ :مَنْ َأنَا قَاَلتَْ :أنْتَ َرسُولُ اللّهِ قَالَ:
َأعِْت ْقهَا َفِإّنهَا ُم ْؤ ِمَنةٌ )).
وقد أكّد رسول ال صلى ال عليه وسلم نيه عن إتيان الكهان ف موطن آخر فقالَ:
حمّدٍ صلى ال عليه (( مَنْ َأتَى كَا ِهنًا َأ ْو عَرّافًا َفصَدّقَ ُه بِمَا َيقُولُ َفقَدْ َكفَ َر بِمَا ُأنْزِ َل عَلَى مُ َ
وسلم ))()12
وقد بلغ من رأفته ورحته أن يصعد الصبّ على ظهره وهو ساجد يصلي بالناس فيطيل
السجود كراهة أن يعجّل الصبّ.
531
عَ ْن عَبْدِ اللّ ِه بْ ِن شَدّادٍ عَنْ َأبِيهِ قَالََ (( :خرَجَ عََليْنَا َرسُولُ اللّهِ صلى ال عليه وسلم فِي
سْينًا َفَتقَ ّدمَ َرسُولُ اللّهِ صلى ال عليه وسلم سنًا َأوْ حُ َ إِحْدَى صَلَتيِ اْلعِشَا ِء َو ُهوَ حَامِلٌ حَ َ
ج َد َبيْنَ َظهْرَاَنيْ صَلتِ ِه سَجْ َدةً َأطَاَلهَا قَالَ َأبِي :فَرََف ْعتُ ضعَهُ ثُمّ َكبّرَ لِلصّلةِ َفصَلّى فَسَ َ َفوَ َ
َرْأسِي َوإِذَا الصِّبيّ عَلَى َظهْرِ َرسُولِ اللّهِ صلى ال عليه وسلم َوهُ َو سَاجِدٌ فَرَ َج ْعتُ إِلَى
سُجُودِي َفلَمّا َقضَى َرسُولُ اللّهِ صلى ال عليه وسلم الصّلةَ قَا َل النّاسُ :يَا َرسُولَ اللّهِ ِإنّكَ
ت َبيْ َن َظهْرَانَيْ صَلتِكَ َسجْ َدةً أَطَ ْلَتهَا َحتّى ظََننّا َأنّهُ قَدْ حَدَثَ َأمْرٌ َأوْ َأنّهُ يُوحَى سَجَدْ َ
ضيَ
حَلنِي َفكَ ِر ْهتُ َأنْ ُأعَجّلَهُ َحتّى َيقْ ِ إَِليْكَ قَالَ :كُلّ ذَلِكَ لَمْ يَكُ ْن وََلكِ ّن ابْنِي ا ْرتَ َ
حَا َجتَهُ ))()13
روى النسائي عَنْ َأبِي َقتَا َدةَ (( :أَنّ َرسُولَ اللّهِ صلى ال عليه وسلم كَا َن ُيصَلّي َو ُهوَ
ض َعهَا َوإِذَا قَامَ رََف َعهَا )). حَامِلٌ ُأمَا َمةَ فَإِذَا سَجَ َد وَ َ
ب مراعاةً لال أمه. بل إن رأفته ورحته بالناس حلته على تفيف الصلة بسبب بكاء ص ّ
س ابْ ِن مَالِكٍ قَالَ :قَالَ َرسُولُ اللّهِ صلى ال عليه وسلمِ (( :إنّي ل ْدخُلُ فِي الصّلةِ عَنْ َأنَ ِ
جوّزُ فِي صَلتِي مِمّا أَعَْلمُ ِلوَجْدِ ُأمّ ِه ِببُكَائِهِ ))( َوإِنّي أُرِيدُ إِطَاَلَتهَا َفأَسْ َم ُع بُكَا َء الصِّبيّ َفأَتَ َ
)14
سنَة الت مات با ابن النب صلى ال عليه وسلم إبراهيم ف ال ّ
س َي ْو َم مَاتَ إِبْرَاهِيمُ َفقَا َل النّاسُ :اْنكَسَ َفتْ يقول الْ ُمغِ َيةُ ابْ ُن ُش ْعَبةَ (( :اْنكَسَ َفتِ الشّ ْم ُ
س وَاْلقَمَ َر آَيتَا ِن مِ ْن آيَاتِ اللّهِلِ َموْتِ ِإبْرَاهِيمَ َفقَالَ َرسُولُ صلى ال عليه وسلمِ :إنّ الشّ ْم َ
جِليَ )). حيَاتِهِ فَِإذَا َرَأيْتُمُوهُمَا فَا ْدعُوا اللّ َه وَصَلّوا َحتّى َينْ َ سفَانِ لِ َموْتِ أَ َح ٍد وَل ِل َ ل يَْنكَ ِ
فبدّد بذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم جيع الوهام والرافات النتشرة ف الاهلية.
وكان صلى ال عليه وسلم ل يلك عينيه من شدّة الرحة
فعَنْ َأَنسِ بْ ِن مَالِكٍ رَضِي اللّ ُه َعنْهُ قَالََ (( :دخَ ْلنَا مَعَ َرسُولِ اللّهِ صلى ال عليه وسلم عَلَى
َأبِي َسيْفٍ اْل َقيْ ِن وَكَا َن ِظئْرًا لِِإْبرَاهِي َم عََليْهِ السّلم َفأَخَذَ َرسُولُ اللّهِ صلى ال عليه وسلم
ت َعْينَا َرسُولِ جعََل ْ ك َوِإبْرَاهِي ُم يَجُو ُد بَِنفْسِهِ فَ َِإبْرَاهِيمَ َف َقبّلَ ُه َوشَمّ ُه ثُمّ َدخَ ْلنَا عََليْ ِه َبعْدَ ذَلِ َ
ت يَا
اللّهِ صلى ال عليه وسلم تَذْرِفَانِ َفقَالَ لَهُ عبد الرح ِن بْ ُن َعوْفٍ رَضِي اللّ ُه َعنْهَُ :وأَْن َ
َرسُولَ اللّهِ َفقَالَ :يَا ابْنَ َعوْفٍ ِإّنهَا رَحْ َم ٌة ثُمّ أَْتَب َعهَا ِبأُخْرَى َفقَالَ صلى ال عليه وسلمِ :إنّ
532
ك يَا ِإبْرَاهِيمُ
ح َزنُ وَل َنقُولُ إِل مَا َيرْضَى َربّنَا َوِإنّا بِفِرَاقِ َ
الْ َعيْ َن تَ ْدمَ ُع وَاْلقَ ْلبَ يَ ْ
حزُونُونَ ))()15 لَمَ ْ
--------------------
( )1رواه البخاري ومسلم.
( )2البخاري ومسلم.
( )3رواه أحد.
( )4رواه البخاري ومسلم.
( )5رواه النسائي.
( )6رواه أحد وابن ماجة.
( )7القول السديد ص .37
( )8رواه مسلم.
( )9رواه الترمذي وحسنه.
( )10رواه البخاري.
( )11رواه البخاري ومسلم.
( )12رواه أحد عن أب هريرة.
( )13رواه النسائي.
( )14رواه ابن ماجة.
( )15رواه البخاري.
=================
نسأل ال تعال أن يعلنا من أحباب وأتباع هذا الرسول الكري صلى ال عليه وسلم
حمّدٌ َرسُولُ اللّ ِه وَالّذِي َن َمعَهُ َأشِدّا ُء عَلَى الْ ُكفّارِ رُ َحمَا ُء َبيَْنهُ ْم تَرَاهُمْ رُ ّكعًا قال تعال {:مُ َ
ك َمثَُلهُمْ ضوَانًا سِيمَاهُمْ فِي ُوجُو ِههِ ْم مِنْ َأثَرِ السّجُودِ ذَلِ َ سُجّدًا َيبَْتغُونَ َفضْلًا مِنَ اللّ ِه َورِ ْ
ج شَ ْطأَهُ فَآَ َز َرهُ فَا ْسَتغْلَظَ فَا ْسَتوَى عَلَى سُوقِهِ فِي الّتوْرَا ِة َو َمثَُلهُمْ فِي الِْإنْجِيلِ َكزَ ْرعٍ أَخْ َر َ
ت ِمْنهُ ْم َم ْغفِ َرةً
ظ ِبهِ ُم اْلكُفّا َر َوعَدَ اللّ ُه الّذِينَ َآ َمنُوا َوعَمِلُوا الصّالِحَا ِ جبُ الزّرّاعَ ِلَيغِي َ ُيعْ ِ
َوأَجْرًا عَظِيمًا (} )29
533
جعه وفهرسه وقدم له
الباحث ف القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
ف الامس من شهر شعبان لعام 1427هـ الوافق 8/2006/ 30م
534