منذ السبعينات من القرن الماضي ،وفي إطار المسؤولية الجتماعية والخلقية ،شهد العالم تزايدا بالوعي البيئي على مختلف الصعدة والمستويات ،ومن أهم السباب التي دفعت بهذا التجاه زيادة معدلت التلوث البيئي والذي شمل تلوث مياه الشرب والهواء الذي نتنفسه ،التغير المناخي والمتمثل بالتسخين الحراري العالمي بسبب تلف أجزاء من طبقة الوزون ،تزايد استنزاف الموارد الطبيعية بسبب عمليات التصنيع الغير مسؤولة ،تلف البيئة الطبيعية نتيجة عوادم ومخلفات الصناعة ،العتداء على المساحات الخضراء وتقلصها ،المطار الحمضية ،تلف طبقة الوزون وتسرب المواد السامة إلى طبقة الغلف الجوي .وفي كثير من الحيان، كانت أصابع التهام تمتد إلى الممارسات الغير مسؤولة لمنظمات العمال المتمثلة في العمليات التصنيعية والتسويقية كمسببات رئيسية لهذه الشكاليات .وكنتيجة لهذه التطورات العالمية فقد برزت جمعيات وهيئات مختلفة في العالم تنادي بالمحافظة على البيئة لجعلها مكانا آمنا للعيش لجيال الحاضر والمستقبل .وقامت الحكومات والهيئات الرسمية المختلفة بسن التشريعات واتخاذ الجراءات المناسبة للمحافظة على البيئة وعلى مواردها الطبيعية ،وقد درت العديد من القوانين والتشريعات في هذا الصدد. وعلى ضوء هذه التطورات العالمية بدأت العديد من منظمات العمال بإعادة النظر بمسؤولياتها الجتماعية والخلقية في ممارستها التسويقية، وإعطاء البعد البيئي أهمية بارزة في استراتيجياتها التسويقية .ومن هذا بدا الهتمام بنمط جديد في التسويق ،عرف بالتسويق الخضر كمنهج تسويقي يقدم حلول لتلك الثار الجتماعية والبيئية السلبية ،ويتمحور حول اللتزام القوي بالمسؤولية البيئية في ممارسة النشطة التسويقية. تأسيسا على ما سبق يمكن النظر إلى التسويق الخضر على انه ترجمة لمتطلبات المسؤولية الجتماعية والخلقية للتسويق ،والذي خرج إلى الدور كاستجابة للتحديات البيئية المتزايدة في الزمن الجديد .ويأتي هذا المنهج التسويقي متزامنا مع تزايد الهتمام العالمي بحماية حقوق المستهلك، وظهور حركات منظمة ذات توجه بيئي تهدف إلى حماية حقوق الناس للعيش في بيئية نظيفة وآمنة ،والتي مرت بعدة مراحل منذ الستينات من القرن الماضي وحتى الن ،وقد مهدت هذه الحركات الطريق لظهور مفهوم التسويق الخضر في النصف الخير من عقد الثمانينيات من القرن الماضي. يتمحور التسويق الخضر حول التزم منظمات العمال بالتعامل بالسلع الصديقة للبيئة )السلع الغير ضارة بالمجتمع والبيئة الطبيعية( والقيام بالنشطة التسويقية في إطار اللتزام القوي بالمسؤولية البيئية وضمن ضوابط محددة لضمان المحافظة على البيئة الطبيعية وعدم إلحاق الضرر بها .وتدور معظم التعريفات للتسويق الخضر حول هذه المحاور .فمثل يعرف التسويق الخضر على انه "أي نشاط تسويقي خاص بمنظمة معينة، يهدف إلى خلق تأثير ايجابي أو إزالة التأثير السلبي لمنتج معين على البيئة" .أو هو "عملية تطوير وتسعير وترويج منتجات ل تلحق أي ضرر بالبيئة الطبيعية". وفي نظرة أكثر شمول ،يعرف البكري التسويق الخضر على انه "عملية نظامية متكاملة تهدف إلى التأثير في تفضيلت الزبائن بصورة تدفعهم نحو التوجه إلى طلب منتجات غير ضارة بالبيئة وتعديل عاداتهم الستهلكية بما ينسجم مع ذلك والعمل على تقديم منتجات ترضي هذا التوجه بحيث تكون المحصلة النهائية هي الحفاظ على البيئة ،وحماية المستهلكين وتحقيق هدف الربحية للشركة" .من الواضح أن كل هذه التعاريف تنسجم مع بعضها البعض في تركيزها على القيام بالنشطة التسويقية ضمن التزام بيئي قوي وتوجه نحو تقديم سلع صديقة للبيئة ،والتأثير في سلوكيات المستهلكين وعاداتهم الستهلكية بما ينسجم مع هذا التوجه ،وبما ل يتعارض أيضا مع الهداف الربحية للمنظمة. ومن ابرز المظاهر التي تشير إلى تبني مفهوم التسويق الخضر في إطار تحمل المنظمات لمسؤولياتها البيئية والخلقية هو تطوير البرامج التسويقية لحميات البيئة الطبيعية والمحافظة عليها .حيث تقوم بعض المنظمات بدعم وتمويل النشطة الخاصة بحميات البيئة والترويج لمشاريع إعادة التدوير للتقليل من النفايات والتلوث .فضل عن إعادة تقييم أثار منتجاتها على البيئة الطبيعية ،بحيث تكون صديقة للبيئة .كما وتتجه الن معظم الشركات لجعل مواد التغليف المستخدمة في المنتجات المختلفة قابلة لعادة التدوير ،وذلك لتقليل التلوث البيئي والمحافظة على الموارد الطبيعية. المطلب الثاني :أبعاد التسويق الخضر يستند تطبيق منهج التسويق الخضر إلى أربعة أبعاد رئيسية ،تشمل: -1إلغاء مفهوم النفايات )أو تقليلها( :لقد تغير المفهوم التقليدي في التعامل مع النفايات وبقايا الصناعة ضمن التسويق الخضر ،حيث أصبح التركيز على تصميم وإنتاج سلع بدون نفايات )أو بالحد الدنى( بدل من كيفية التخلص منها ،وذلك من خلل رفع كفاءة العمليات النتاجية .أي أن المهم هو ليس ما يجب أن نفعله بالنفايات ،بل كيف تنتج سلعا بدون نفايات. -2إعادة تشكيل مفهوم المنتج :يتمثل في مواكبة تكنولوجيا النتاج لمفهوم اللتزام البيئي ،بحيث يعتمد النتاج بشكل كبير على مواد خام غير ضارة بالبيئة ،واستهلك الحد الدنى منها .فضل عن ضرورة تدوير المنتجات نفسها بعد انتهاء المستهلك من استخدامها ،وخاصة المعمرة منها ،لتعود إلى مصنعها بالنهاية حيث يمكن تفكيكها وإعادتها إلى الصناعة مرة أخرى )ضمن حلقة مغلقة( .أما التغليف ،فيعتمد على مواد خام صديقة للبيئة وقابلة للتدوير. -3وضوح العلقة بين السعر والتكلفة :يجب أن يعكس سعر المنتج تكلفته الحقيقية أو يكون قريبا منها .وهذا يعني أن سعر السلعة )التكلفة الحقيقية على المستهلك( يجب أن يوازي القيمة التي يحصل عليها من السلعة ،بما في ذلك القيمة المضافة الناجمة عن كون المنتج اخضر. -4جعل التوجه البيئي أمرا مربحا :لقد أدركت العديد من المنظمات أن التسويق الخضر يشكل فرصة سوقية قد تمنح المنظمة ميزة تنافسية ولربما مستدامة .في الواقع ،أن معظم المنظمات تتنافس في السوق لتحقيق الكسب السريع ،بغض النظر عن الثار السلبية على البيئة .والمتمعن في المنافسة في السوق يدرك أن هذا يعتبر منفذا تنافسيا استراتيجيا ،يمكن أن يأخذ المنظمة إلى نوع آخر من المنافسة ،وخاصة مع تنامي الوعي البيئي بين المستهلكين وتحولهم التدريجي إلى مستهلكين خضر. ومن مزايا التوجه الستراتيجي هو أن الهيئات الرسمية والغير رسمية تروج للتوجهات البيئية بشكل طبيعي ومستمر من خلل أجهزة العلم المختلفة .وفي ذلك مساعدة ودعم مجاني من هذه الجهات لجهود الترويج الخاصة بالمنظمات التي تتبني منهج التسويق الخضر .وبالتالي سيكون هذا التوجه أمرا مربحا ،وخاصة في المدى الطويل. ومما يؤكد جدوى التوجه نحو التسويق الخضر هو تزايد وعي الناس نحو التهديدات الموجودة في البيئة التسويقية ،والمتمثلة في التالي: .1تناقص المواد الولية في الطبيعة وخاصة الغير قابلة للتجديد. .2الرتفاع المستمر في كلفة الطاقة ،وقرب انتهاء العمر الفتراضي لمصادر الطاقة الحالية ،مع الحاجة للبحث عن مصادر بديلة. تزايد معدلت التلوث البيئي ،مما قد يشكل تدميرا للبيئة .3 الطبيعية .حيث أظهرت دراسة أن %42من المستهلكين في الوليات المتحدة على استعداد لدفع أسعار أعلى للحصول على منتجات خضراء. تغير دور الحكومات وزيادة وعيها البيئي ،والمتمثل في سن .4 قوانين وتشريعات لحماية البيئة ،وتزايد الصوات التي تنادي بالمحافظة على البيئة لجعلها مكانا آمنا للعيش لنا وللجيال القادمة. المطلب الثالث :المزيج التسويقي الخضر على الرغم من أن المزيج التسويقي التقليدي ل زال يعتبر الساس في التسويق الخضر ،إل انه وقع تحت هجوم النقاد في إطار التوجه الجديد نحو التسويق الخضر .حيث يرى النقاد انه يؤدي إلى بعض الثار البيئية السلبية التي ل تنسجم مع مفاهيم التسويق الخضر .فمثل ،يرى النقاد انه يركز على إشباع حاجات المستهلك بغض النظر عن العتبارات البيئية ،مثل تقديم بعض المنتجات الضارة بالبيئة مع هدر للموارد الطبيعية واستخدام مواد غير صديقة للبيئة .أما التسويق الخضر فانه يركز على البعد البيئي والمسؤولية الجتماعية في كل القرارات التسويقية المتعلقة بالمزيج التسويقي الخضر .ومن هذا المنطلق فان المزيج التسويقي الخضر يشتمل على عناصر جديد ،تم تصنيفها ضمن بعدين داخلي وخارجي ،كما يلي: أول :المزيج التسويقي الخضر الخارجي المكون من سبعة عناصر 7Ps العملء الخضر) :(Peopleيشملون العملء المقتنعين .1 بفلسفة التسويق الخضر والذين يرغبون بشراء المنتجات الخضراء. المزودون ) :(Providersويشملون من يعملون ضمن .2 مظلة التسويق الخضر والذين يتعاملون مع المواد والتجهيزات الصديقة للبيئة. الساسة ) :(Politiciansوهم السياسيون الذين يؤمنون .3 بالفكر الخضر والذين لهم تأثير على القرار الحكومي والذين يمكن أن يمارسوا نفوذهم السياسي من اجل استصدار قوانين وتشريعات لدعم التوجه البيئي بشكل عام. جماعات الضغط ) :(Pressure Groupsوهم مثل .4 الساسة من حيث إيمانهم بالفكر الخضر وممارسة الضغوط على أصحاب القرار. المشكلت والقضايا ) :(Problemsربط منظمة العمال .5 بقضايا المجتمع والتي تتعلق باللتزام البيئي والمسؤولية الخلقية والجتماعية. التنبؤ ) :(Predictionوهو التنبؤ بالمشكلت والتغيرات .6 البيئية التي يمكن أن تواجه المنظمة عند قيامها بأنشطة التسويق الخضر والستعداد للتعامل معها في المستقبل. الشركاء ) :(Partnersمحاولة ربط شركاء المنظمة بقضايا .7 تتعلق بالجوانب البيئية والمسؤولية الجتماعية. ثانيا :المزيج التسويقي الخضر الداخلي المكون من ثمانية عناصر 8Ps المنتج ) :(Productوهي تقديم المنتجات الخضراء للعملء، .1 مع ضرورة متابعة هذه المنتجات خلل مراحل دورة حياتها لضمان استخدامها ضمن التوجه البيئي. التسعير ) :(Priceوهو تسعير المنتجات بما يتلئم مع .2 المستهلكين الخضر .ولكن قد تحمل هذه السعار بعض الضافات بسبب كلفة البحث والتطوير المستمر لضمان استخدام مواد صديقة للبيئة ومصادر طاقة جديدة. المكان ) :(Placeاستخدام منافذ توزيع تتعامل بالمنتجات .3 الخضراء وملئمة للمستهلكين من حيث سهولة الوصول إليها :مع ضمان قيامها بإجراءات التدوير ضمن المتطلبات واللتزامات البيئية. الترويج ) :(Promotionوتشمل كافة النشطة الترويجية .4 ضمن التوجه البيئي ،مع التركيز على الناحية الرشادية للمستهلكين من خلل الملصقات البيئية والمعلومات الرشادية بخصوص الستخدام المن للمنتجات الخضراء )إعلن اخضر( المعلومات ) :(Providing Informationتقديم .5 المعلومات وتلقيها )من والى داخل المنظمة وخارجها( بخصوص مراقبة القضايا البيئية لضمان اللتزام وبقاء المنظمة ضمن إطار التسويق الخضر. العمليات ) :(Processesالتأكد من استخدام الحد الدنى .6 من الطاقة في العمليات النتاجية مع إختزال الفاقد )الضائع(. السياسات ) :(Policiesتبني سياسات لتشجيع ودعم التوجه .7 البيئي في المنظمة ومراقبة وتقييم الداء البيئي بشكل مستمر. الفراد ) :(Peopleتوظيف الكفاءات ذات التوجه البيئي .8 وتدريب الكادر البشري لرفع قدراتهم ومهاراتهم في مجال اللتزام البيئي. المطلب الرابع :النتائج المترتبة عن التسويق الخضر من الواضح أن تبني مفهوم التسويق الخضر يحقق لمنظمات العمال فوائد ومكاسب كبيرة ،ويمكن أن يضع المنظمة على قمة الهرم التنافسي، ولربما يمنحها القيادة في السوق .فتبني فلسفة التسويق الخضر يجعل المنظمة قريبة من عملئها وبالذات الذين لديهم توجه بيئي .فضل عن المحافظة على البيئة وترشيد استخدام الموارد الطبيعية .وفي هذا السياق، يشير البكري إلى عدد من المزايا المترتبة عن ممارسة التسويق الخضر، كما يلي: إرضاء حاجات المالكين :من المتوقع أن يفتح منهج التسويق .1 الخضر آفاق جديدة وفرص سوقية مغرية أمام المنظمات التي تمارسه ،مما يتيح أمامها المجال لتجنب المنافسة التقليدية ،وبالتالي تحقيق ريادة تنافسية في السوق ،وخاصة عندما تتوجه إلى السوق بمنتجات صديقة للبيئة ،وتستهدف ذوي التوجهات البيئية في السوق وسيساعد هذا الوضع التنافسي على تحقيق مكاسب وأرباح أعلى، فضل عن اكتساب سمعة جيدة في المجتمع وتلبية حاجات المالكين. تحقيق المان في تقديم المنتجات وإدارة العمليات: .2 إن التركيز على إنتاج سلع آمنة وصديقة للبيئة يدفع المنظمة لرفع كفاءة عملياتها النتاجية ،مما يخفض من مستويات التلف والتلوث البيئي الناجم عن العمليات النتاجية .فضل عن تجنب الملحقات القانونية ،التي قد تقضي إلى دفع تعويضات للمتضررين ،وإثارة جمعيات البيئة وحماية المستهلك. القبول الجتماعي للمنظمة :إن المنظمات التي تتبنى .3 فلسفة التسويق الخضر تحظى بتأييد قوي من المجتمع ،بشتى فئاته وأطيافه ،بسبب انسجام أهدافه مع أهداف المجتمع بخصوص اللتزام البيئي .وهذا التأييد الجتماعي يساعد المنظمة على توطيد علقتها مع عملئها الحاليين وكسب عملء جدد في المستقبل. ديمومة النشطة :إن تجنب المنظمة الخضراء للملحقات .4 القانونية وتأييد المجتمع لها بسبب القبول العام لهدافها وفلسفتها، يمكنها من الستقرار في تقديم منتجاتها الصديقة للبيئة ،ودعم عملياتها وأنشطتها التجارية.