You are on page 1of 985

‫فضائل الرسول صلى الله عليه وسلم‬

‫ومناقبه وحقوقه(‪)3‬‬
‫الباب الثالث‪-‬حقوقه صلى الله عليه وسلم‬

‫‪ .1‬حقوق النبي صلى الله عليه وسلم ووجوب نصرته‬


‫والتحذير من الغلو فيه‬
‫هشام برغش‬

‫الحمد لله الذي أنزل علينا خير كتبه‪ ،‬وأرسل إلينا خير رسله‪،‬‬
‫وجعلنا خير أمة أرسلت للناس { لقد من الله على المؤمنين إذ‬
‫بعث فيهم رسول ً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم‬
‫الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلل مبين }‪ .‬فأرسله‬
‫بالهدي ودين الحق ليظهره على الدين كله وجعله شاهدا ومبشرا‬
‫ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا‪ ،‬وجعل طاعته من‬
‫طاعته واتباعه دليل محبته‪ ،‬وأمر المة بتوقيره وإجلله‪ ،‬وجعل‬
‫ذلك دليل اليمان والتقوى‪ ،‬وجعل حقه آكد من حق النفس‬
‫والمال والولد فقال عز وجل‪ { :‬النبي أولى بالمؤمنين من‬
‫أنفسهم } اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن‬
‫تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فقد بلغت محبته ومكانته عليه الصلة والسلم في قلوب أصحابه‬
‫الغاية القصوى من المحبة والمنزلة التي تجوز لبشر‪ ،‬وقد شهد‬
‫بهذه الحقيقة المشركون أنفسهم‪.‬‬
‫فهذا أبو سفيان‪ ،‬وقد كان مشركا يسأل زيد بن الدثنة وقد أتوا به‬
‫ليقتلوه‪ :‬أنشدك الله يا زيد أتحب أن محمدا عندنا الن مكانك‬
‫نضرب عنقه وأنت في أهلك؟ قال‪ :‬والله ما أحب أن محمدا الن‬
‫في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه‪ ،‬وإني جالس في‬
‫أهلي!! فقال أبو سفيان للمل من حوله‪ :‬ما رأيت من الناس أحدا‬
‫يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا!!‬
‫وفي غزوة أحد حين انكشف المسلمون وتعرض الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم لخطر شديد وقد أحاط به المشركون يريدون‬
‫قتله عليه الصلة والسلم حتى شجت جبهته الشريفة وأصيبت‬
‫رباعيته ودخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته في هذه‬
‫اللحظات العصيبة لم يكن أحد من أصحابه الكرام يفكر إل في‬
‫شيء واحد أل يصل إليه عليه الصلة والسلم أذى‪ ،‬فأحاطوا به‬
‫بأجسادهم يصدون بها عنه الرماح وضربات السيوف‪.‬‬

‫روى ابن حبان في صحيحه عن عائشة قالت‪ :‬قال أبو بكر‬


‫الصديق لما كان يوم أحد‪ :‬انصرف الناس كلهم عن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬فكنت أول من فاء إلى النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فرأيت بين يديه رجل يقاتل عنه ويحميه فقلت‪ :‬كن طلحة‬
‫فداك أبي وأمي‪ .‬كن طلحة فداك أبي وأمي‪ .‬فلم أنشب أن‬
‫أدركني أبو عبيدة بن الجراح وإذا هو يشتد كأنه طير حتى لحقني‬
‫فدفعنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فإذا طلحة بن يديه‬
‫صريعا فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪(( :‬دونكم أخاكم فقد‬
‫أوجب))‪.‬‬
‫وقد رمي النبي صلى الله عليه وسلم في وجنته حتى غابت‬
‫حلقتان من حلق المغفر في وجنته فذهبت لنزعهما عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم فقال أبو عبيدة‪ :‬ناشدتك بالله يا أبا بكر إل‬
‫تركتني قال‪ :‬فأخذ بفيه فجعل ينضضه كراهية أن يؤذي رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ثم استل السهم بفيه‪ ،‬فندرت ثنية أبي‬
‫عبيدة قال أبو بكر‪ :‬ثم ذهبت لخذ الخر فقال أبو عبيدة‪ :‬نشدتك‬
‫بالله يا أبا بكر إل تركتني قال‪ :‬فأخذه فجعل ينضضه حتى استله‬
‫ندرت ثنية أبي عبيدة الخرى ثم قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪(( :‬دونكم أخاكم فقد أوجب)) قال‪ :‬فأقبلنا على طلحة‬
‫نعالجه وقد أصابته بضع عشر ضربة‪.‬‬

‫فلما انتهت المعركة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪(( :‬من‬
‫ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع أفي الحياء أم في الموات))‬
‫فقال رجل من النصار‪ :‬أنا أنظر لك يا رسول الله ما فعل سعد‬
‫فنظر فوجده جريحا في القتلى وبه رمق فقال له‪ :‬إن الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم أمرني أن أنظر أفي الموات أنت أم في‬
‫الحياء؟ قال‪ :‬أنا في الموات فأبلغ الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم عني السلم وقل له‪ :‬إن سعد بن الربيع يقول لك‪ :‬جزاك‬
‫الله عنا خير ما جزى نبينا عن أمته وأبلغ قومك عني السلم وقل‬
‫لهم‪ :‬إن سعد بن الربيع يقول لكم‪ :‬ل عذر لكم عند الله إن خلص‬
‫لنبيكم وفيكم عين تطرف ‪ ..‬والمثلة غير ذلك كثير‪.‬‬
‫ولكن بالرغم من كل هذه المحبة والجلل والمكانة العظيمة له‬
‫عليه الصلة والسلم في قلوب صحابته الكرام فإنهم لم ينزلوه‬
‫فوق منزلته صلى الله عليه وسلم ولم ينسبوا إليه شيئا من‬
‫خصائص اللوهية ‪ ..‬كما يفعل كثير من الناس اليوم‪ ،‬قادهم إلى‬
‫ذلك الغلو الذي حذرهم منه عليه الصلة والسلم فقال‪(( :‬إياكم‬
‫والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو)) [رواه أحمد والترمذي‬
‫وابن ماجه]‪ .‬وقال عليه الصلة والسلم في الحديث الذي أخرجه‬
‫الشيخان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه‪(( :‬ل تطروني كما‬
‫أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد الله ورسوله))‪.‬‬

‫وهذه مسألة من المسائل العظيمة زلت فيها أقدام كثير من‬


‫الناس فينبغي على كل إنسان أن يميز بين حقوق الله تعالى التي‬
‫هي من خصائص ربوبيته التي ل يجوز صرفها لغيره وبين حقوق‬
‫خلقه كحق النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فالرسول محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم هو محمد بن عبد الله رسول الله ونبيه وعبده ل‬
‫يجوز هذه المنزلة وهو سيد ولد آدم والشافع لهم يوم الحشر‬
‫بإذن الله كما قال تعالى‪ :‬قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما‬
‫إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم‪(( :‬إنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل‬
‫القديد)) فكون الرسول بشرا ل ينقص من قدره ول يجعلنا‬
‫نرفض القتداء به كما قال المشركون‪ :‬أبشرا ً منا واحدا ً نتبعه إنا‬
‫إذا ً لفي ضلل وسعر بل إن بشريته هي التي تجعل منه القدوة‬
‫التي نقتدي بها والسوة التي نتأساها لمن كان يرجو الله واليوم‬
‫الخر‪ ،‬وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالة ربه كما‬
‫أمر وتحمل في سبيل ذلك صنوف الذى والضطهاد وكابد‬
‫المشقات حتى نصره الله وبلغ دينه‪ ،‬وله في ذلك بكل مسلم‬
‫أجر‪ ،‬وله على كل مسلم حق‪.‬‬

‫فما هو حق الرسول صلى الله عليه وسلم على أمته؟ أهو‬


‫إطراؤه وقد نهى عنه؟ أم هو المدائح وفيها من الغلو الشيء‬
‫الكثير؟ أم هو صرف شيء من العبادة إليه كالستشفاع والغاثة‬
‫ودعائه من دون الله؟‬

‫والجواب أنها ليست شيئا من ذلك بل هذا يناقض أمره صلى الله‬
‫عليه وسلم وقد نهى عنه أشد النهي إذن‪ ،‬ما هي حقوق الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم على أمته؟ يمكن أن نجمل هذه الحقوق‬
‫في أربعة أمور‪:‬‬
‫الول‪ :‬تصديقه واليمان به واتباع سنته وطاعته‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬محبته صلى الله عليه وسلم ومحبة سنته ومحبة ما يحبه‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬توقيره وتعزيره‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬الصلة والسلم عليه‪.‬‬
‫ونعرض لهذه المور بشيء من التفصيل‪:‬‬
‫المر الول‪ :‬وهو تصديقه عليه الصلة والسلم واليمان به واتباع‬
‫سنته وطاعته ‪:‬‬
‫وهذا هو معنى شهادة أن محمدا رسول الله قال تعالى‪ :‬ومن لم‬
‫يؤمن بالله ورسوله فإنا اعتدنا للكافرين سعيرا وقد أمر الله‬
‫عباده بطاعة نبيه فقال‪ :‬يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله‬
‫ول تولوا عنه وأنتم تسمعون وروى البخاري ومسلم عن أبي‬
‫هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫((كل أمتي يدخلون الجنة إل من أبى)) قالوا‪ :‬يا رسول الله ومن‬
‫يأبى؟ قال‪(( :‬من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى))‪.‬‬

‫وقد أمر الله عباده المؤمنين باتباعه صلى الله عليه وسلم‬
‫والقتداء بسنته‪ ،‬وجعل ذلك شرط محبته عز وجل ودليلها فقال‪:‬‬
‫قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم‬
‫والله غفور رحيم وقال‪ :‬فآمنوا بالله ورسوله النبي المي الذي‬
‫يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون ‪ ،‬ول يتحقق إيمان أحد‬
‫حتى يقبل حكمه ويسلم لقضائه ويرضى بأمره فل وربك ل‬
‫يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم ل يجدوا في أنفسهم‬
‫حرجا ً مما قضيت ويسلموا تسليما ً ‪.‬‬
‫وحذر من مخالفته والخروج عن أمره فقال‪ :‬فليحذر الذين‬
‫يخالفون عن أمره أو تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم وقال‪:‬‬
‫ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل‬
‫المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ً ‪.‬‬

‫المر الثاني وهو محبته صلى الله عليه وسلم‪:‬‬


‫قال عليه الصلة والسلم في الحديث الذي رواه الشيخان‪(( :‬ل‬
‫يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس‬
‫أجمعين)) وأخرجا عن أنس أيضا‪(( :‬ثلث من كن فيه وجد حلوة‬
‫اليمان‪ :‬أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب‬
‫المرء ل يحبه إل لله وأن يكره أن يعود للكفر بعد إذ نجاه الله منه‬
‫كما يكره أن يقذف في النار)) وقال عمر للنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ :‬لنت أحب إلي من كل شيء إل من نفسي التي بين‬
‫جنبي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‪(( :‬لن يؤمن أحدكم‬
‫حتى أكون أحب إليه من نفسه)) فقال عمر‪ :‬والذي أنزل عليك‬
‫الكتاب لنت أحب إلي من نفسي التي بين جنبي فقال له النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪(( :‬الن يا عمر))‪.‬‬
‫وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬متى الساعة يا‬
‫رسول الله؟ قال‪(( :‬ما أعددت لها؟)) قال‪ :‬ما أعددت لها من‬
‫كثير صلة ول صوم ول صدقة ولكني أحب الله ورسوله قال‪:‬‬
‫((أنت مع من أحببت))‪.‬‬

‫ولمحبته صلى الله عليه وسلم علمات منها القتداء به وإيثار‬


‫شرعه وتقديمه على أهواء النفس وذكره بالصلة عليه كما شرع‬
‫ومحبة أصحابه وما يحبه صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫المر الثالث‪ :‬وهو تعزيره وتوقيره وتعظيم أمره صلى الله عليه‬
‫وسلم‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫فقد قال تعالى‪ :‬إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله‬
‫ورسوله وتعذروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيل ً وروى المام‬
‫مسلم عن عمرو بن العاص قال‪( :‬وما كان أحد أحب إلي من‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ول أجل في عيني منه‪ ،‬وما‬
‫كنت أطيق أن أمل عيني منه إجلل له‪ ،‬ولو سئلت أن أصفه ما‬
‫أطقت لني لم أكن أمل عيني منه)‪.‬‬
‫وخير تعظيم لرسول الله تعظيم سنته وهديه عليه الصلة‬
‫والسلم وتعظيم أمره ونهيه وعدم تقديم رأي أحد مهما كان على‬
‫رأيه‪ ،‬ل كما يفعل كثير من الناس اليوم فتقول لهم‪ :‬قال الرسول‬
‫‪ ..‬فيقولون لك‪ :‬إن الشيخ الفلني يقول كذا أو الستاذ فلن يقول‬
‫كذا أو أخبار اليوم تقول كذا‪.‬‬
‫وقد أنكر ابن عباس على قوم يقول لهم‪ :‬قال الله‪ ،‬وقال‬
‫الرسول‪ ،‬فيقولون‪ :‬قال أبو بكر وعمر‪ ،‬وحذرهم من أن يحل‬
‫عليهم عذاب من الله‪.‬‬
‫وكذلك ما يفعله كثير من العوام وغيرهم ممن ينتسبون إلى‬
‫الدعوة من السخرية بسنته عليه الصلة والسلم وممن يحرص‬
‫عليها في ملبسه وهيئته ومختلف أموره فيسخرون منهم‪ ،‬بل ذلك‬
‫من أمور الكفر التي اتصف بها المنافقون ولئن سألتهم ليقولن‬
‫إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون‬
‫ل تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ‪.‬‬
‫ومن توقيره صلى الله عليه وسلم وتعزيره‪ :‬الذب عن عرضه إذا‬
‫تعرض له سفيه وبذل لجل ذلك الغالي والنفيس ؛ وهذا مقتضى‬
‫محبته صلى الله عليه وسلم وتعظيم شأنه وقدره ‪ ،‬وهو واجب‬
‫على كل مسلم ‪ ،‬وليتصور أن يوجد مسلم يحب الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم بحق وصدق ثم ليهب لنصرته والذب عن عرضه‬
‫الشريف‪.‬‬
‫وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين يبذلون مهجهم‬
‫وأرواحهم دون الشوكة تصيب قدمه الشريفة صلى الله عليه‬
‫وسلم فكيف بما فوق ذلك وأعظم؟!!!‬
‫ه‬
‫منْعُ ُ‬ ‫م جامعٌ لنصرهِ وتأييدهِ و َ‬ ‫خ السلم ِ ‪":‬التعزيُر‪ :‬هو اس ٌ‬ ‫ل شي ُ‬ ‫يقو ُ‬
‫ة‬‫ل مافيهِ سكين ٌ‬ ‫م جامعٌ لك ُ ِّ‬ ‫ل ما يؤذِيهِ‪ ،‬والتوقيُر ‪ :‬اس ٌ‬ ‫ن ك ُ ِّ‬ ‫م ْ‬
‫ف‬ ‫ن التَّشري ِ‬ ‫لم َ‬ ‫ن يُعام َ‬ ‫ل والكرام ِ ‪ ،‬وأ ْ‬ ‫ن الجل ِ‬ ‫ةم ْ‬ ‫وطمأنين ٌ‬
‫دّ الوقارِ "‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫هع ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ل ما ي ُ ْ‬ ‫ن ك ُ ِّ‬ ‫هع ْ‬ ‫والتَّكريم ِ والت ّعظيم ِ بِما يَصون ُ‬ ‫َ‬
‫اهـ‪.‬‬
‫س‬‫خ ِّ‬ ‫ط منزلةٍ وأ َ‬ ‫مستهزيءُ بهِ فهو في أح ِّ‬ ‫ه وال ُ‬ ‫مؤْذِي ُ‬ ‫هو ُ‬ ‫ساب ُّ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫وأ َّ‬
‫ل العلم ِ ‪،‬‬ ‫مرتدا ً بإجماِع أه ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫صب ُ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن مسلما ً فإن َّ ُ‬ ‫ن كا َ‬ ‫مرتبةٍ ‪ ،‬فإ ْ‬
‫ن‪،‬‬ ‫ن علماءِ المسلمي َ‬ ‫ف بي َ‬ ‫مخال ٌ‬ ‫ه ُ‬ ‫مل ُ‬ ‫ك بالجماِع ول يُعل ُ‬ ‫ل كذل َ‬ ‫ويُقت ُ‬
‫ض ويستحقُ‬ ‫منتقِ ٌ‬ ‫ن عهده ُ ُ‬ ‫ميا ً أو مستأمنا ً فإ َّ‬ ‫ن معاهَدا ً أو ذ ِ ِّ‬ ‫ن كا َ‬ ‫وإ َّ‬
‫ي النام ِ ‪.‬‬ ‫ل السلم ِ ونَب ِ ِ ّ‬ ‫ف انتصارا ً لرسو ِ‬ ‫سي ِ‬ ‫ه بال َّ‬ ‫ب ع ُنُقُ ُ‬ ‫ن تُضر َ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ف ل وربُّنا ج َّ‬
‫ه‬‫ن الل ّ َ‬ ‫ن يُؤْذ ُو َ‬ ‫ن ال ّذِي َ‬ ‫ل ‪ { :‬إِ ّ‬ ‫ل في ع ُله يقو ُ‬
‫َ‬
‫كي َ‬
‫مهِينا ً }‬ ‫م عَذ َابا ً ُّ‬ ‫َ‬
‫ةِ وَأعَد َّ لَهُ ْ‬ ‫َ‬
‫خَر‬ ‫ه فِي الدُّنْيَا وَاْل ِ‬ ‫ُ‬ ‫م الل ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ه لَعَنَه‬ ‫ُ‬ ‫سول َ‬ ‫وََر ُ‬
‫ل اللّهِ لَهُ ْ‬
‫م‬ ‫سو َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ن يُؤْذ ُو َ‬ ‫[الحزاب ‪ ،]57‬ويقول سبحانه ‪ { :‬وَال ّذِي َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫من‬ ‫مانَهُم ِّ‬ ‫ل ‪ { :‬وَإِن نَّكَثُوا ْ أي ْ َ‬ ‫ه يقو ُ‬ ‫م } [التوبة ‪،]61 :‬والل ُ‬ ‫ب ألِي ٌ‬ ‫عَذ َا ٌ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ما َ‬ ‫م ل َ أي ْ َ‬ ‫ة الْكُفْرِ إِنَّهُ ْ‬ ‫م فَقَاتِلُوا ْ أئ ِ َّ‬
‫م َ‬ ‫م وَطَعَنُوا ْ فِي دِينِك ُ ْ‬ ‫بَعْد ِ عَهْ َدِه ِ ْ‬
‫ن } [التوبة ‪.] 12‬‬ ‫م يَنتَهُو َ‬ ‫م لَعَل ّهُ ْ‬ ‫لَهُ ْ‬
‫ل(‬ ‫ه فقا َ‬ ‫ي والنتقام ِ ل ُ‬ ‫ض النّّب ِ ِ ّ‬ ‫ه بصيانةِ عر ِ‬ ‫ه سبحان ُ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫و قد تكفَّ َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫ستَهْزِئِي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ال ْ ُ‬ ‫ن ‪ .‬إِنَّا كَفَيْنَا َ‬ ‫شرِكِي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ض عَ ِ‬ ‫مُر وَأع ْرِ ْ‬ ‫ما تُؤ ْ َ‬ ‫صدَع ْ ب ِ َ‬ ‫فَا ْ‬
‫) [الحجر ‪ 94 :‬و ‪.]95‬‬
‫ل اللهِ صلى‬ ‫ل رسو ُ‬ ‫ل‪ :‬قا َ‬ ‫ن أبي هريرة قا َ‬ ‫وفي" الصحيحين" ع ْ‬
‫ش‬
‫م قري ٍ‬ ‫شت ْ َ‬ ‫ف الله عنِّي َ‬ ‫صرِ ُ‬ ‫ن كيف ي َ ْ‬ ‫الله عليه وسلم ‪ " :‬أل ترو َ‬
‫ه‬
‫مدٌ!"‪.‬والل ُ‬ ‫ح َّ‬‫م َ‬ ‫ماً‪ ،‬وأنا ُ‬ ‫م َ‬ ‫مذ َ َّ‬ ‫ماً‪ ،‬ويلعنون ُ‬ ‫م َ‬ ‫مذ َ َّ‬ ‫ولعنَهم‪ ،‬يشتمون ُ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم هو القطعُ‬ ‫ض الن َِّب ِ ّ‬ ‫مبْغِ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ن أ َّ‬ ‫ه بي َّ َ‬ ‫سبحان ُ‬
‫ك هُوَ البتُر } ‪.‬‬ ‫ن شانِئ َ َ‬ ‫ه { إ َّ‬ ‫ل ج َّ‬ ‫ل‪ ،‬فقا َ‬ ‫الخاسُر الذَّلي ُ‬
‫ل شأن ُ‬
‫ض عبادهِ بالذَّوْدِ‬ ‫م على بع ِ‬ ‫ه ويُنْعِ َ‬ ‫م الل ُ‬ ‫ن يُكْرِ َ‬ ‫ن أوجهِ الكفايةِ أ َّ‬ ‫وم ْ‬
‫ف كبيٌر‬ ‫ة وشر ٌ‬ ‫ة عظيم ٌ‬ ‫ل مايستطيعُ وهي مرتب ٌ‬ ‫ن نبيهِ بك ُ ِّ‬ ‫والدِّفاِع ع ْ‬
‫م‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم فاللهُ َّ‬ ‫ن النَِّب ِ ّ‬ ‫ن تصدِّى للدِّفاع ع ْ‬ ‫لم ْ‬ ‫لك ُ ِّ‬
‫ك الكريم ِ صلى الله عليه وسلم‬ ‫ن نبي َ‬ ‫شّرِفْنَا بالدِّفاِع ع ْ‬ ‫َ‬

‫المر الرابع من حقوقه عليه الصلة والسلم هي الصلة عليه‪:‬‬


‫لقوله تعالى‪ :‬إن الله وملئكته يصلون على النبي يا أيها الذين‬
‫آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما والصلة من الله ثناؤه على‬
‫أنبيائه‪ ،‬والصلة من الملئكة الستغفار‪ ،‬ومن الناس الدعاء‬
‫والتعظيم والتكريم‪.‬‬
‫والصلة عليه من أعظم الذكر روى المام أحمد بن عامر بن‬
‫ربيعة قال‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪:‬‬
‫((من صلى علي صلة لم تزل الملئكة تصلي عليه ما صلى علي‬
‫فليقل عبد من ذلك أو ليكثر)) وروى الترمذي عن ابن مسعود‬
‫عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪(( :‬أولى الناس بي يوم‬
‫القيامة أكثرهم علي صلة)) وتتأكد الصلة على النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم في مواضع وأعمال منها‪-:‬‬
‫‪ -1‬إذا ورد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لقوله‪(( :‬البخيل من‬
‫ذكرت عنده فلم يصل علي)) وقال عليه الصلة والسلم‪(( :‬رغم‬
‫أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي‪ ،‬ورغم أنف رجل دخل‬
‫عليه شهر رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له‪ ،‬ورغم أنف رجل‬
‫أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخله الجنة))‪.‬‬
‫‪ -2‬الصلة عليه في المجالس لقوله صلى الله عليه وسلم عن‬
‫أبي هريرة‪(( :‬ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا‬
‫على نبيهم إل كان عليهم ترة‪ ،‬فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر‬
‫لهم))‪.‬‬
‫‪ -3‬الصلة عليه عند سماع المؤذن لقوله صلى الله عليه وسلم‬
‫فيما رواه عنه مسلم وغيره‪(( :‬إذا سمعتم مؤذنا فقولوا مثل ما‬
‫يقول ثم صلوا علي‪ ،‬فإن من صلى علي صلى الله عليه بها‬
‫عشرا ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة ل تنبغي إل لعبد‬
‫من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت‬
‫عليه الشفاعة))‪.‬‬
‫‪ -4‬الصلة عليه عند دخول المسجد والخروج منه وعند المرور‬
‫بالمساجد فكان عليه الصلة والسلم إذا دخل المسجد صلى‬
‫على محمد وسلم وقال‪(( :‬اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب‬
‫رحمتك)) وإذا خرج صلى على محمد وسلم وقال‪(( :‬اللهم اغفر‬
‫لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك)) ولقول علي بن أبي طالب‬
‫رضي الله عنه‪ :‬إذا مررتم بالمساجد فصلوا على النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ .‬رواه إسماعيل القاضي في كتاب الصلة‪.‬‬
‫‪ -5‬الصلة عليه في التشهد الخير‪ ،‬وهو ركن من أركان الصلة أو‬
‫واجب‪ ،‬وأما الصلة عليه في التشهد الول فهي مستحبة‪.‬‬
‫‪ -6‬الصلة عليه في صلة الجنائز‪.‬‬
‫‪ -7‬وتستحب الصلة عليه عند ختم الدعاء لقول عمر‪ :‬الدعاء‬
‫موقوف بين السماء والرض ل يصعد منه شيء حتى تصلي على‬
‫نبيك‪.‬‬
‫‪ -8‬يوم الجمعة يستحب فيه الكثار من الصلة عليه لقوله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪(( :‬من أفضل أيامكم يوم الجمعة‪ ،‬ففيه خلق آدم‬
‫وفيه قبض‪ ،‬فيه النفخة وفيه الصعقة‪ ،‬فأكثروا علي من الصلة‬
‫فيه‪ ،‬فإن صلتكم معروضة علي)) قالوا‪ :‬يا رسول الله وكيف‬
‫تعرض عليك صلتنا وقد أرمت – يعني وقد بليت – قال‪(( :‬إن الله‬
‫حرم على الرض أن تأكل أجساد النبياء)) [رواه احمد وأبو داود‬
‫والنسائي وابن ماجة]‪.‬‬
‫فعلينا معاشر المسلمين أن ننتبه من نومة الجهل وأن نعظم ربنا‬
‫بامتثال أمره واجتناب نهيه وإخلص العبادة له وتعظيم نبينا صلى‬
‫الله عليه وسلم باتباعه والقتداء به في تعظيم الله والخلص له‬
‫والقتداء به في كل ما جاء به وأل نفعل شيئا ً يشعر بعدم‬
‫التعظيم والحترام كرفع الصوات قرب قبره صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬نسأل الله عز وجل أن يشفعه فينا‪ ،‬اللهم ل تحرمنا أجره‬
‫ول تفتنا بعده واسقنا من يديه الشريفة شربة هنيئة ل نظمأ بعدها‬
‫أبدا وصل اللهم وبارك على نبينا محمد كما صليت وباركت على‬
‫سيدنا لبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫مت ِ ِ‬ ‫َ‬
‫على أ َّ‬ ‫م َ‬
‫سل َ‬‫ّ‬ ‫و َ‬
‫ه َ‬‫علَي ْ ِ‬ ‫صل ّى الل ُ‬
‫ه َ‬ ‫قوقُ النَّب ِ ِ ّ‬
‫ي َ‬ ‫ح ُ‬
‫ُ‬ ‫‪.2‬‬
‫سعيد بن علي بن وهف القحطاني‬

‫للنبي الكريم صلّى الله عليه وسلّم حقوق على أمته وهي كثيرة‪,‬‬
‫منها‪:‬‬
‫أول‪ :‬اليمان الصادق به صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وتصديقه فيما أتى‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫ه بِ َ‬ ‫سولِهِ وَالنُّورِ ال ّذِي أنَزلْنَا َوَالل ّ ُ‬ ‫منُوا بِالل ّهِ وََر ُ‬ ‫به‪ :‬قال تعالى‪{ :‬فَآ ِ‬
‫منُوا ْ بِالل ّهِ‬ ‫خبِيٌر} [سورة التغابن]‪ .‬وقال تعالى‪{ :‬فَآ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ملُو َ‬ ‫تَعْ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ماتِهِ وَات ّب ِ َعُوه ُ لعَلك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن بِاللهِ وَكَل ِ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ي الذِي يُؤْ ِ‬ ‫م ِّ‬
‫ي ال ِّ‬ ‫سولِهِ الن ّب ِ ِ ّ‬ ‫وََر ُ‬
‫َ‬
‫منُوا‬ ‫ن آ ََ‬ ‫ن} [سورة العراف]‪ .‬وقال تعالى‪{ :‬يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬ ‫َ‬
‫تَهْتَدُو َ‬
‫م‬ ‫جعَل ل ّك ُ ْ‬ ‫متِهِ وَي َ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫من َّر ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫َ‬
‫م كِفْلي ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫سولِهِ يُؤ ْتِك ُ ْ‬ ‫منُوا بَِر ُ‬ ‫ه وَآ ِ‬ ‫اتَّقُوا الل ّ َ‬
‫م} [سورة الحديد]‪.‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫ه غَفُوٌر َّر ِ‬ ‫م وَالل ّ َُ‬ ‫ف َْر لَك ُ ْ‬ ‫ن بِهِ وَيَغْ ِ‬ ‫شو َ‬ ‫م ُ‬ ‫نُوًرا ت َ ْ‬
‫َ‬
‫سولِهِ فَإِنَّا أع َْتَدْنَا لِلْكَافِرِي َ‬
‫ن‬ ‫من بِالل ّهِ وََر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م يُؤْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫من ل ّ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫تأ ْ‬ ‫مْر ُ‬ ‫م‪(( :‬أ ِ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬
‫َ‬ ‫الل ّ ُ‬‫َ‬
‫صل ّى‬ ‫ل َ‬ ‫سعِيًرا} [سورة الفتح]‪ .‬وقَا َ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أُقَات ِ َ‬
‫ت‬‫جئ ْ ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫منُوا بِي وَب ِ َ‬ ‫ه وَيُؤ ْ ِ‬ ‫ه إ ِل الل ُ‬ ‫ن ل إِل َ‬ ‫شهَدُوا أ ْ‬ ‫حت ّى ي َ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ل الن ّا َ‬
‫بِهِ)) رواه مسلم‪.‬‬
‫واليمان به صلّى الله عليه وسلّم هو‪ :‬تصديق نبوته‪ ,‬وأن الله‬
‫أرسله للجن والنس‪ ,‬وتصديقه في جميع ما جاء به وقاله‪,‬‬
‫ومطابقة تصديق القلب بذلك شهادة اللسان‪ ,‬بأنه رسول الله‪,‬‬
‫فإذا اجتمع التصديق به بالقلب والنطق بالشهادة باللسان‪ ،‬ثم‬
‫م اليمان به صلّى الله عليه‬ ‫تطبيق ذلك العمل بما جاء به؛ ت َّ‬
‫وسلّم‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬وجوب طاعته صلّى الله عليه وسلّم‪ ،‬والحذر من معصيته‪:‬‬
‫فإذا وجب اليمان به وتصديقه فيما جاء به وجبت طاعته؛ لن‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫منُوا ْ أطِيعُوا ْ الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫نآ َ‬ ‫ذلك مما أتى به‪ ,‬قال تعالى‪{ :‬يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن} [سورة النفال]‪ .‬وقال‬ ‫م ُعو َ‬ ‫س َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ه وَأنت ُ ْ‬ ‫ه وَل َ تَوَل ّوْا ع َن ْ ُ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫وََر ُ‬
‫ه فَانتَهُوا‪}...‬‬ ‫م ع َن ْ ُ‬ ‫ما ن َ ََهاك ُ ْ‬ ‫خذ ُوه ُ وَ َ‬ ‫ل فَ ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫م الَّر ُ‬ ‫ما آتَاك ُ ُ‬ ‫{و َ‬‫تعالى‪َ :‬‬
‫َ‬
‫مرِهِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫خالِفُو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫حذ َرِ ال ّذِي َ‬ ‫[سورة الحشر]‪ .‬وقال تعالى‪{ :‬فَلْي َ ْ‬
‫م} [سورة النور]‪ .‬وقال‬ ‫َ‬ ‫أَن تصيبهم فتن ٌ َ‬
‫ب ألِي ٌ‬ ‫م عَذ َا ٌ‬ ‫صيبَهُ ْ‬ ‫ة أوْ ي ُ ِ‬
‫َ‬
‫ُ ِ َُ ْ ِ َْ‬
‫حتِهَا‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م َْ‬ ‫جرِي ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جنَّا ٍ‬ ‫ه َ‬ ‫خل ْ ُ‬ ‫ه يُد ْ ِ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن يُطِِع الل ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫{و َ‬‫تعالى‪َ :‬‬
‫سول َ ُ‬
‫ه‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ص الل ّ َ‬ ‫ن يَعْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م * وَ َ‬ ‫ك الْفَوُْز الْعَظِي ُ‬ ‫ن فِيهَا وَذَل ِ َ‬ ‫خالِدِي َ‬ ‫اْلَنْهَاُر َ‬
‫ن} [سورة‬ ‫مهِي ٌ‬ ‫ب ُ‬ ‫ه عَذ َا ٌ‬ ‫خالِدًا فِيهَا وَل َ ُ‬ ‫ه نَاًرا َ‬ ‫خل ْ ُ‬ ‫حدُودَه ُ يُد ْ ِ‬ ‫وَيَتَعَد َّ ُ‬
‫النساء]‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن أَبَي هَُريَْرة َ أ َّ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ل‪َ (( :‬‬ ‫م قَا َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫َّ‬
‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫ُ‬ ‫صل ّى الل ّ‬ ‫َ‬ ‫ل الل ّهِ‬ ‫سو َ‬ ‫ن َر ُ‬
‫َ‬ ‫وع َ ْ‬
‫ه)) رواه‬ ‫َ‬ ‫صى الل‬ ‫َ‬ ‫صانِي فَقَد ْ ع َ‬ ‫َ‬ ‫ن عَ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ه َو‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫أَطَاع َنِي فَقَد ْ أطاع َ الل‬‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ه أ َ َّ‬
‫ل‪:‬‬ ‫م قَا َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫َ َّ‬
‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫ُ‬ ‫صل ّى الل‬ ‫َ‬ ‫ل الل ّهِ‬ ‫سو‬ ‫ن َر ُ‬ ‫البخاري ومسلم‪ .‬وع َن ْ ُ‬
‫َ‬ ‫ل أ ُ َّ‬ ‫((ك ُ ُّ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫سول اللهِ وَ َ‬ ‫ن أبَى)) قَالُوا‪ :‬يَا َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ة إِل َ‬ ‫جن َّ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫خلُو َ‬ ‫متِي يَد ْ ُ‬
‫صانِي فَقَد ْ أَبَى))‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫جن َّ َ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ن أَطَاع َنِي د َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل‪َ (( :‬‬ ‫يَأْبَى؟ قَا َ‬
‫رواه البخاري‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬اتباعه صلّى الله عليه وسلّم‪ ،‬واتخاذه قدوة في جميع‬
‫َّ‬
‫ن الل َ‬
‫ه‬ ‫حبُّو َ‬ ‫م تُ ِ‬ ‫ل إِن َ كُنت ُ ْ‬ ‫المور‪ ،‬والقتداء بهديه‪ :‬قال تعالى‪{ :‬قُ ْ‬
‫َ‬
‫م}‬ ‫حي ٌ‬ ‫ه غَفُوٌر َّر ِ‬ ‫م وَالل ّ َُ‬ ‫م ذ ُنُوبَك ُ ْ‬ ‫ه وَيَغْفِْر لَك ُ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حبِبْك ُ ُ‬ ‫فَاتَّبِعُونِي ي ُ ْ‬
‫ن}‬ ‫م تَهْتَدُو َ‬ ‫[سورة آل عمران]‪ .‬وقال تعالى‪{ :‬وَاتَّبِعُوه ُ لَعَل ّك ُ ْ‬
‫[سورة العراف]‪ .‬فيجب السير على هديه والتزام سنته‪ ،‬والحذر‬
‫سنَّتِي‬ ‫ن ُ‬ ‫ب عَ ْ‬ ‫ن َرِغ َ‬ ‫م ْ‬ ‫من مخالفته‪ ,‬قال صلّى الله عليه وسلّم‪َ (( :‬‬
‫منِّي)) رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫س ِ‬ ‫فَلَي ْ َ‬
‫رابعًا‪ :‬محبته صلّى الله عليه وسلّم أكثر من الهل والولد‪،‬‬
‫م‬‫ن آبَاؤ ُك ُ ْ‬ ‫ل إِن كَا َ‬ ‫والوالد‪ ،‬والناس أجمعين‪ :‬قال تعالى‪{ :‬قُ ْ‬
‫َ‬ ‫شيَرتُك ُ‬ ‫جك ُ‬ ‫َ‬ ‫خوَانُك ُ‬ ‫وَأَبْنَآؤ ُك ُ‬
‫موهَا‬ ‫ُ‬ ‫ل اقْتََرفْت ُ‬ ‫موَا ٌ‬ ‫ْ‬ ‫م وَأ‬ ‫ْ‬ ‫م وَع َ ِ‬ ‫ْ‬ ‫م وَأْزوَا ُ‬ ‫ْ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الل ّهِ‬ ‫َ‬ ‫ب إِلَيْكُم ِّ‬
‫م‬ ‫ح َّ‬ ‫ضونَهَا أ َ‬ ‫ْ‬ ‫ن تَْر َ‬ ‫ُ‬ ‫ساك ِ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫سادَهَا و‬ ‫ن كَ َ‬ ‫شوْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫جاَرة ٌ ت َ ْ‬ ‫وَت ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ه لَ‬ ‫مرِهِ وَالل ّ ُ‬ ‫ه بِأ ْ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫حتَّى يَأت ِ َ‬ ‫صوا ْ َ‬ ‫سبِيلِهِ فَتََرب َّ ُ‬ ‫جهَاد ٍ فِي َ‬ ‫سولِهِ وَ ِ‬ ‫وََر ُ‬
‫َ‬
‫ل‪ :‬قَا َ‬
‫ل‬ ‫س قَا َ‬ ‫ن أن َ ٍ‬ ‫[سورة التوبة]‪ .‬وع َ ْ‬ ‫ن}‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬ ‫م الْفَا ِ‬ ‫يَهْدِي الْقَوْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ح َّ‬ ‫نأ َ‬ ‫حتَّى أكُو َ‬ ‫م َ‬ ‫حدُك ُ ْ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ُ‬ ‫م‪(( :‬ل يُؤْ ِ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫النَّب ِ ُّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)) رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫معِي َ‬ ‫ج َ‬ ‫سأ ْ‬ ‫ن وَالِدِهِ وَوَلدِهِ وَالن ّا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫إِلَيْهِ ِ‬
‫وقد ثبت في الحديث أن من ثواب محبته الجتماع معه في‬
‫الجنة‪:‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‪:‬‬ ‫سل َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫وذلك عندما سأله رجل عن الساعة َ فقال َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صلةٍ وَل‬ ‫ت ل َ َها ك ََبِيَر َ‬ ‫ما أعْدَد ْ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫َ‬
‫سو َ‬ ‫ل‪ :‬يَا َر ُ‬ ‫ت ل َ َها)) قَا َ‬ ‫َ‬ ‫ما أعْدَد ْ‬ ‫(( َ‬
‫ُ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫معَ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ل‪(( :‬فَأن ْ َ‬ ‫ه‪ .‬قَا َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ب الل ّ َ‬ ‫ح ُّ‬ ‫صدَقَةٍ‪ ،‬وَلَكِنِّي أ ِ‬ ‫صيَام ٍ وَل َ‬ ‫ِ‬
‫ت)) رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫حبَب ْ‬‫أ ْ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ت‬ ‫ل َالل ّهِ َلن ْ َ‬ ‫سو‬ ‫ولما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه‪ :‬يَا َر ُ‬
‫َ‬
‫ه ع َلَيْهِ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ل النَّب ِ ُّ‬ ‫سي فَقَا َ‬ ‫ن نَفْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫يءٍ إِل ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ك ُ ِّ‬ ‫م ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫ب إِل َ َّ‬ ‫ح ُّ‬ ‫أ َ‬
‫ك))‬ ‫س َ‬ ‫ب إِلَي ْ َ‬ ‫ح َّ‬ ‫وسل َّم‪(( :‬ل والَّذي ن ْفسي بيده حتَى أَكُو َ‬
‫ن نَفْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫َ‬ ‫َِ ِ ِ َ ّ‬ ‫َ ِ َ ِ‬ ‫َ َ َ‬
‫سي فَقَا َ‬ ‫ب إِل َّ‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ن نَفْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫تأ َ‬ ‫ن وَ َاللهِ لن ْ َ‬ ‫ه ال َ‬ ‫ر‪':‬فَإِن ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫م ُ‬ ‫ه َع ُ َ‬ ‫لل ُ‬ ‫فَقَا َ‬
‫مُر)) رواه البخاري‪.‬‬ ‫ن يَا ع ُ َ‬ ‫م‪(( :‬ال َ‬ ‫سل َ ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل َّى الل َّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫النَّب ِ ُّ‬
‫حلوَةَ‬ ‫ن َ‬ ‫جد َ ب ِ ِه َّ‬ ‫ن فِيهِ وَ َ‬ ‫ن ك ُ َّ‬ ‫م ْ‬ ‫ث َ‬ ‫م‪(( :‬ثَل ٌ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫صل ّى الل ّ‬ ‫ل َ‬ ‫وقَا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬‫ح َّ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫ما‪ ،‬وَأ ْ‬ ‫سوَاهُ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫م َّ‬ ‫ب إِلَيْهِ ِ‬ ‫ح َّ‬ ‫هأ َ‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫الل ّ ُ‬ ‫ن‬‫ن كَا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن؛ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫الِي َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أنْقَذَهُ‬ ‫ن يَعُود َ فِي الْكُفْرِ بَعْد َ أ ْ‬ ‫ن يَكَْره َ أ ْ‬ ‫ه إِل لِل ّهِ‪ ،‬وَأ ْ‬ ‫حب ُّ ُ‬ ‫مْرءَ ل ي ُ ِ‬ ‫ال ْ َ َ‬
‫ف فِي النَّارِ)) رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫َ‬
‫ن يُقْذ َ َ‬ ‫ما يَكَْره ُ أ ْ‬ ‫ه كَ َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ه ِ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ولشك أن من وفَّقه الله تعالى لذلك ذاق طعم اليمان ووجد‬
‫حلوته‪ ,‬فيستلذ الطاعة ويتحمل المشاقّ في رضى الله عز وجل‪،‬‬
‫ورسوله صلّى الله عليه وسلّم‪ ,‬ول يسلك إل ما يوافق شريعة‬
‫محمد صلّى الله عليه وسلّم؛ لنه رضي به رسولً‪ ,‬وأحبه‪ ،‬ومن‬
‫أحبه من قلبه صدقا ً أطاعه صلّى الله عليه وسلّم؛ ولهذا قال‬
‫القائل‪:‬‬
‫س بديعُ‬ ‫ه *** هذا لعمري في القيا ِ‬ ‫حب َّ ُ‬ ‫تعصي الله وأنت تُظْهر ُ‬
‫مطيعُ‬ ‫ب ُ‬ ‫ح ُّ‬ ‫ب لمن ي ُ ِ‬ ‫مح َّ‬ ‫ك صادقا ً لطعته *** إن ال ُ‬ ‫حب َّ َ‬ ‫لو كان ُ‬
‫ّ‬
‫وعلمات محبته صلى الله عليه وسلم تظهر في القتداء به صلى‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الله عليه وسلّم‪ ,‬واتباع سنته‪ ,‬وامتثال أوامره‪ ,‬واجتناب نواهيه‪,‬‬
‫والتأدب بآدابه‪ ,‬في الشدة والرخاء‪ ,‬وفي العسر واليسر‪ ,‬ول شك‬
‫أن من أحب شيئا ً آثره‪ ,‬وآثر موافقته‪ ,‬وإل لم يكن صادقا ً في حبه‬
‫ويكون مدّعياً‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫صلى الل ُ‬
‫ه‬ ‫ول شك أن من علمات محبته‪ :‬النصيحة له؛ لقوله‬
‫َ َّ‬ ‫َ‬
‫ل‪(( :‬لِلهِ وَلِكِتَابِهِ‬ ‫ن؟ قَا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة))‪ ،‬قُلْنَا‪ :‬ل ِ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫صي َ‬ ‫ن الن َّ ِ‬ ‫م‪(( :‬الدِّي ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ع َلَيْهِ وَ َ‬
‫م)) رواه مسلم‪ .‬والنصيحة‬ ‫متِهِ ْ‬ ‫ن وَع َا َّ‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مةِ ال ْ ُ‬ ‫سولِهِ وَلَئ ِ َّ‬ ‫وَلَِر ُ‬
‫لرسوله صلّى الله عليه وسلّم‪ :‬التصديق بنبوته‪ ,‬وطاعته فيما أمر‬
‫مؤازرته‪ ,‬ونصرته وحمايته حيا ً وميتاً‪,‬‬ ‫به‪ ,‬واجتناب ما نهى عنه‪ ,‬و ُ‬
‫وإحياء سنته والعمل بها وتعلمها‪ ,‬وتعليمها والذب عنها‪ ,‬ونشرها‪,‬‬
‫والتخلق بأخلقه الكريمة‪ ,‬وآدابه الجميلة‪.‬‬
‫منُوا‬ ‫سا‪ :‬احترامه‪ ،‬وتوقيره‪ ،‬ونصرته‪ :‬كما قال تعالى‪{ :‬لِتُؤ ْ ِ‬ ‫خام ً‬
‫َ‬
‫سولِهِ وَتُعَّزُِروه ُ وَتُوَقُِّروهُ‪[ }...‬سورة الفتح]‪ .‬وقال تعالى‪:‬‬ ‫بِالل ّهِ وََر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ه إ ِ َّ‬
‫ن‬ ‫سولِهِ وَاتَّقُوا الل ّ َ‬ ‫ي الل ّهِ وََر ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫موا‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ُ‬ ‫من‬ ‫َ‬ ‫آ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫{يَا أَيُّهَا ال‬
‫َ‬
‫جعَلُوا‬ ‫م} [سورة الحجرات]‪ .‬وقال تعالى‪{ :‬ل ت َ ْ‬ ‫ميعٌ عَلِي ٌ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ضا‪[ }...‬سورة النور]‪.‬‬ ‫ضكُم بَعْ ً‬ ‫م كَدُع َاءِ بَعْ ِ‬ ‫ل بَيْنَك ُ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫دُع َاءَ الَّر ُ‬
‫وحرمة النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد موته‪ ,‬وتوقيره لزم كحال‬
‫حياته وذلك عند ذكر حديثه‪ ,‬وسنته‪ ,‬وسماع اسمه وسيرته‪ ,‬وتعلم‬
‫سنته‪ ,‬والدعوة إليها‪ ,‬ونصرتها‪.‬‬
‫ن‬‫سا‪:‬الصلة عليه صلّى الله عليه وسلّم‪ :‬قال الله تعالى‪{ :‬إ ِ َّ‬ ‫ساد ً‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫صل ّوا ع َلَيْهِ‬ ‫منُوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ي يَا أي ُّ َها ال ّذِي َ‬ ‫ن ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬ ‫صل ّو َ‬ ‫ه يُ َ‬ ‫ملئِكَت َ ُ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‪:‬‬‫سل ّ َ‬‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫الحزاب]‪ .‬وقال َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما} [سورة‬ ‫ً‬ ‫سلِي‬‫موا ت َ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫سل ِّ‬ ‫وَ َ‬
‫شًرا)) رواه مسلم‪.‬‬ ‫ه ع َلَيْهِ بِهَا ع َ ْ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫صلة ً ََ‬ ‫ي َ‬ ‫صل ّى ع َل َ َّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫(( َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جعَلُوا‬ ‫م قُبُوًرا وَل ت َ ْ‬ ‫جعَلُوا بُيُوتَك ُ ْ‬ ‫م‪(( :‬ل ت َ ْ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫وقَا َ‬
‫ُ‬
‫م)) رواه‬ ‫ْ‬ ‫ث كُنْت ُ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫م تَبْلُغُنِي َ‬ ‫ْ‬ ‫صلتَك ُ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ي فَإ ِ َّ‬ ‫صل ّوا ع َل َ َّ‬ ‫عيدًا وَ َ‬ ‫قَبْرِي ِ‬
‫ُ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫خيل الذِي َ‬ ‫م‪(( :‬الْب َ ِ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫أبوداود وأحمد‪ .‬وقَا َ‬
‫ي)) رواه الترمذي وأحمد‪.‬‬ ‫ل ع َل َ َّ‬ ‫ص ِّ‬‫م يُ َ‬ ‫عنْدَه ُ فَ َل َ ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ذ ُكِْر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م يَذ ْكُُروا‬ ‫سا ل ْ‬ ‫جل ِ ً‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫س قَوْ ٌ‬ ‫جل َ‬ ‫ما َ‬ ‫م‪َ (( :‬‬ ‫سل َ‬ ‫ه ع َليْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ل َ‬ ‫وقَا َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫شا َءَ عَذَّبَهُ ْ‬
‫م‬ ‫ن َ‬ ‫م تَِرة ً فَإ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ن ع َلَيْه‬ ‫م إ ِ ّل كَا َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫صل ّوا ع َلَى نَبِي ِّه‬ ‫َ‬ ‫م يُ‬‫ْ‬ ‫ه فِيهِ وَل َ‬ ‫َ‬ ‫الل‬
‫ه ع َلَيْهِ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫م)) رواه الترمذي وأحمد‪ .‬وقَا َ‬ ‫شاءَ غَفََر لَهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫ل ع َل َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ي)) رواه‬ ‫ص ِّ‬ ‫م يُ َ‬ ‫عنْدَه ُ فَل ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ل ذ ُكِْر ُ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ف َر ُ‬ ‫م أن ْ ُ‬ ‫م‪َ(( :‬رِغ َ‬ ‫سل َ‬ ‫وَ َ‬
‫الترمذي وأحمد‪.‬‬
‫من مواطن الصلة على النبي صلّى الله عليه وسلّم‪:‬‬
‫وللصلة على النبي صلّى الله عليه وسلّم مواطن كثيرة ذكر منها‬
‫المام ابن القيم رحمه لله في كتابه 'جلء الفهام في الصلة‬
‫والسلم على خير النام' واحدا ً وأربعين موطناً‪ ،‬منها على سبيل‬
‫المثال‪:‬‬
‫الصلة عليه صلّى الله عليه وسلّم عند دخول المسجد‪ ,‬وعند‬
‫الخروج منه‪ ,‬وبعد إجابة المؤذن‪ ,‬وعند القامة‪ ,‬وعند الدعاء‪ ,‬وفي‬
‫التشهد في الصلة‪ ،‬وفي صلة الجنازة‪ ،‬وفي الصباح والمساء‪،‬‬
‫وفي يوم الجمعة‪ ,‬وعند اجتماع القوم قبل تفرقهم‪ ,‬وفي‬
‫الخطب‪ :‬كخطبتي صلة الجمعة‪ ,‬وعند كتابة اسمه‪ ,‬وفي أثناء‬
‫صلة العيدين بين التكبيرات‪ ,‬وآخر دعاء القنوت‪ ,‬وعلى الصفا‬
‫والمروة‪ ,‬وعند الوقوف على قبره‪ ,‬وعند الهم والشدائد وطلب‬
‫المغفرة‪ ,‬وعقب الذنب إذا أراد أن يكفر عنه‪ ,‬وغير ذلك من‬
‫المواطن التي ذكرها رحمه الله في كتابه‪.‬‬

‫ولو لم يرد في فضل الصلة على النبي صلّى الله عليه وسلّم إل‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م‪َ (( َ :‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ل َالل ّهِ َ‬ ‫سو‬ ‫ل َر ُ‬
‫َ‬
‫هذا الحديث لكفى‪ ،‬قَا َ‬
‫ه‬
‫ت ع َن ْ ُ‬ ‫حط ّ ْ‬ ‫ت وَ ُ‬ ‫صلَوَا ٍ‬ ‫شَر َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ ع َ ْ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫حدَة ً َ‬ ‫صَلة ً وَا ِ‬ ‫ي َ‬ ‫صلَّى ع َل َ َّ‬ ‫َ‬
‫ت)) رواه النسائي وأحمد‪.‬‬ ‫جا ٍ‬ ‫شُر دََر َ‬ ‫ه عَ ْ‬ ‫تل ُ‬‫َ‬ ‫ت وَُرفِعَ ْ‬ ‫خطِيئَا ٍ‬ ‫شُر َ‬ ‫عَ ْ‬
‫سابعًا‪ :‬وجوب التحاكم إليه‪ ،‬والرضي بحكمه صلّى الله عليه‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه وَأَطِيعُوا‬ ‫منُوا أطِيعُوا الل ّ َ‬
‫َ‬
‫نآ َ‬
‫َ‬
‫وسلّم‪ :‬قال الله تعالى‪{ :‬يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫يءٍ فَُردُّوه ُ إِلَى‬ ‫َ‬ ‫الَرسو َ ُ‬
‫ش ْ‬ ‫م فِي َ‬ ‫م فَإِن تَنَا ََزع ْت ُ ْ‬ ‫منْك ُ ْ‬ ‫مرِ ِ‬ ‫ل وَأولِي اْل ْ‬ ‫ّ ُ‬
‫َ‬
‫خيٌْر‬ ‫َ‬
‫خرِ ذَل ِك َ‬ ‫ْ‬
‫ن بِاللهِ وَاليَوْم ِ ال ِ‬ ‫ّ‬ ‫منُو َ‬ ‫م تُؤ ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫ل إِن كنت ُ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫الل ّهِ وَالَّر ُ‬
‫حتَّى‬ ‫ن َ‬ ‫منُو َ‬‫ك َل يُؤ ْ ِ‬ ‫ن تَأ ْ ِويلً} [سورة النساء]‪{ .‬فََل وََرب ِّ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫وَأ ْ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫م َّ‬
‫ما‬ ‫جا ِ‬ ‫حَر ً‬ ‫م َ‬‫سهِ ْ‬ ‫جدُوا فِي أن ْ ُف ِ‬ ‫م َل ي َ ِ‬ ‫م ث ُ َّ‬ ‫جَر بَيْنَهُ ْ‬ ‫ما َ‬
‫ش َ‬ ‫ك فِي َ‬ ‫مو َ‬ ‫كّ ُ‬
‫ح ِ‬ ‫يُ َ‬
‫ما} [سورة النساء]‪ .‬ويكون التحاكم إلى‬ ‫سلِي ً‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ِّ ُ‬‫ت َوي ُ َ‬ ‫ضي ْ َ‬ ‫قَ َ‬
‫سنته وشريعته بعده صلّى الله عليه وسلّم‪.‬‬
‫ثامنًا‪ :‬إنزاله مكانته صلّى الله عليه وسلّم بل غلو ول تقصير‪ :‬فهو‬
‫عبد لله ورسوله‪ ,‬وهو أفضل النبياء والمرسلين‪ ,‬وهو سيد‬
‫الولين والخرين‪ ,‬وهو صاحب المقام المحمود‪ ،‬والحوض‬
‫المورود‪ ,‬ولكنه مع ذلك بشر ل يملك لنفسه ول لغيره ضرا ً ول‬
‫عندِي‬ ‫م ِ‬ ‫ل لَك ُ ْ‬ ‫نفعا ً إل ما شاء الله كما قال تعالى‪{ :‬قُل ل َّ أَقُو ُ‬
‫َ‬ ‫كإ َ‬ ‫ب وَل أَقُو ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫ن أتَّبِعُ إِل ّ َ‬ ‫مل َ ٌ ِ ْ‬ ‫م إِنِّي َ‬ ‫ل لَك ُ ْ‬ ‫م الْغَي ْ َ‬ ‫ن الل ّهِ وَل أع ْل َ ُ‬ ‫خَزآئ ِ ُ‬ ‫َ‬
‫مل ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫حى إِل َ َّ‬
‫سي‬ ‫ك لِنَفْ ِ‬ ‫النعام]‪ .‬وقال تعالى‪{ :‬قُل ل ّ أ ْ‬ ‫َ‬
‫ي‪[ }...‬سورة‬ ‫يُو َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ستَكْثَْر ُ‬ ‫ب لَ ْ‬ ‫م الغَي ْ َ‬ ‫ت أع ْل ُ‬ ‫ه وَلوْ كُن ُ‬ ‫شاءَ الل ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ضًّرا إِل ّ َ‬ ‫نَفْعًا وَل َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن}‬ ‫منُو َ‬ ‫شيٌر ل ِّقَوْم ٍ يُؤ ْ ِ‬ ‫ن أنَا ْ إِل ّ نَذِيٌر وَب َ ِ‬ ‫سوءُ إ ِ ْ‬ ‫ي ال ُّ‬ ‫سن ِ َ‬ ‫م َّ‬ ‫ما َ‬ ‫خيْرِ وَ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ضًّرا وََل‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫ك لَك ُ ْ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫ل إِنِّي َل أ ْ‬ ‫[سورة العراف]‪ .‬وقال تعالى‪{ :‬قُ ْ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن دُونِهِ‬ ‫م ْ‬ ‫جد َ ِ‬ ‫نأ ِ‬ ‫حد ٌ وَل َ ْ‬ ‫ن الل ّهِ أ َ‬ ‫م َ‬ ‫جيَرنِي ِ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫ل إِنِّي ل َ ْ‬ ‫شدًا * قُ ْ‬ ‫َر َ‬
‫حدًا} [سورة الجن]‪.‬‬ ‫ملْت َ َ‬ ‫ُ‬
‫وقد مات صلّى الله عليه وسلّم كغيره من النبياء‪ ،‬ولكن دينه با ٍ‬
‫ق‬
‫ن} [سورة الزمر]‪ .‬وبهذا‬ ‫ميِّتُو َ‬ ‫م َ‬ ‫ت وَإِنَّهُ ْ‬ ‫مي ِّ ٌ‬‫ك َ‬ ‫إلى يوم القيام {إِن َّ َ‬
‫ل إ ِ َّ‬
‫ن‬ ‫يعلم أنه ل يستحق العبادة إل الله وحده ل شريك له {قُ ْ‬
‫َ‬
‫ه‬‫ك لَ ُ‬ ‫شري َ‬ ‫ن*ل َ ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ب الْعَال َ ِ‬ ‫ماتِي لِل ّهِ َر ِّ‬ ‫م َ‬ ‫حيَايَ َو َ‬ ‫م ْ‬ ‫سكِي وَ َ‬ ‫صَلتِي وَن ُ ُ‬ ‫َ‬
‫ن} [سورة النعام]‪ .‬وصلى الله‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ت وَأنَا أوَّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وَبِذَل ِ َ‬
‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ل ال ُ‬ ‫مْر ُ‬ ‫كأ ِ‬
‫وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه‪.‬‬
‫من كتاب‪ ':‬وداع الرسول لمته دروس‪ ،‬وصايا‪ ،‬وعبٌر‪ ،‬وعظات '‬
‫للشيخ‪ /‬سعيد بن علي بن وهف القحطاني‬
‫‪ .3‬الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم (معناها ـ‬
‫صيغها ـ أوقاتها ـ فوائدها)‬
‫الموجز البديع في الصلة والسلم على الحبيب الشفيع‬
‫أحمد بن عبد العزيز الحمدان‬

‫ه تَعَالَى‪:‬‬ ‫ل الل ُ‬ ‫قَا َ‬


‫ُ‬
‫صل ّواْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫منُوا ْ َ‬ ‫ي يَاأيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫ن ءَا َ‬ ‫ن ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬
‫صل ّو َ‬‫ه يُ َ‬ ‫ملَئِكَت َ ُ‬‫ه وَ َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫{ِ َّ‬
‫سلِيْماً}‬ ‫موا ْ ت َ ْ‬ ‫سل ِّ ُ‬‫ع َلَيْهِ وَ َ‬
‫ل اللهِ صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫وَقَا َ‬
‫ه ع َلَيْهِ ع َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شـًرا))‪.‬‬ ‫صل ّى الل ُ‬ ‫حـدَة ً َ‬ ‫صـل ّى ع َل َ َّ‬
‫ي وَا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫(( َ‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ل‬
‫سو ِ‬
‫ن ع َلى َر ُ‬ ‫ن الك ْ َ‬
‫مل َ ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫سل َ ُ‬
‫م الت َ َّ‬ ‫صلَة ُ وَال َّ‬
‫حدَه‪ ،‬وَال َّ‬ ‫ه وَ ْ‬
‫مد ُ لل ِ‬
‫ح ْ‬
‫صحبِه‪.‬‬ ‫اللهِ وَع َلَى آلِهِ وَ َ‬
‫ما بَعْد‪:‬‬‫أ َ َّ‬
‫َ‬
‫ف‬‫م ع َلَى الع ْتَِرا ِ‬ ‫ن فَطََرهُ ْ‬ ‫عبَادِه‪ :‬أ ْ‬ ‫ن نِعَم ِ اللهِ تَعَالَى ع َلَى ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫فَإ ِ َّ‬
‫ضل‪.‬‬ ‫ل ال َف ْ‬ ‫َ‬ ‫بِالْفَ ْ‬
‫ل لهْ ِ‬ ‫ض ِ‬
‫منَّةِ – بَعْد َ اللهِ تَعَالَى –‪:‬‬ ‫ل وَال ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ض‬
‫ه بِالفَ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ن لَ‬ ‫ُ‬ ‫ن نَدِي ْ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫م‬‫َ‬ ‫ن أَع ْظ َ‬ ‫وَإ ِ َّ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫خل ْ‬
‫جنَا‬ ‫خَر َ‬ ‫ق الذِي أ ْ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫سيِّد ُ ال َ‬ ‫و َ‬ ‫ل اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَهُ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫َر ُ‬
‫سال َ َ‬
‫ة‬ ‫مى؛ بَل ّغَ رِ َ‬ ‫ن العَ َ‬ ‫م ْ‬‫صَرنَا بِهِ ِ‬ ‫ضلَلَةِ إِلَى الهُدَى‪ ،‬وَب َ َّ‬ ‫ن ال َّ‬ ‫م ْ‬ ‫ه بِهِ ِ‬ ‫الل ُ‬
‫جَزاء‪،‬‬ ‫خيَْر ال ْ َ‬ ‫ه ع َنَّا َ‬ ‫جَزاه ُ الل ُ‬ ‫جهَادِه‪ ،‬فَ َ‬ ‫حقَّ ِ‬ ‫جاهَد َ في اللهِ َ‬ ‫َربِّه‪ ،‬وَ َ‬
‫سلِيْماً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م تَ ْ‬ ‫سل َ‬ ‫ماء‪ ،‬وَ َ‬ ‫س َ‬‫ض وَال َّ‬ ‫مل أقْطاَر الْر َ‬ ‫صلَة ً ت َ ْ‬ ‫صل ّى ع َليْهِ َ‬ ‫َ‬ ‫وَ َ‬
‫كَثِيْراً‪.‬‬
‫َ‬ ‫ل الله تعالَى م َ‬
‫ح ِّقهِ‬ ‫ضلِه‪ ،‬وَأدَاءِ َ‬ ‫شكْرِ فَ ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫سائ ِ ِ‬ ‫ن أع ْظَم ِ وَ َ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ُ ََ‬ ‫جعَ َ‬ ‫وَقَد ْ َ‬
‫َ‬
‫ل‬‫ج ِّ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫م ع َلَيْه‪ ،‬فَهُ َ‬ ‫سل َ ُ‬ ‫صلَة ُ وَال َّ‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪ :‬ال َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ض‬
‫ب الْر ِ‬ ‫ربَةِ إِلَى َر ِّ‬ ‫مقَ ّ ِ‬ ‫حات‪ ،‬ال ْ ُ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ل ال َّ‬ ‫ما ِ‬ ‫ل العْ َ‬ ‫ض ِ‬ ‫القُُربَات‪ ،‬وَأفْ َ‬
‫ماوَات‪.‬‬ ‫س َ‬ ‫ال َّ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ن تَذ ْكَِرة ً لِي وَل ِ َ‬ ‫جزٍ يَكُو ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ضِع ُ‬ ‫ه تَعَالَى في وَ ْ‬ ‫ت الل َ‬ ‫خْر ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫لِذ َا ا ْ‬
‫َ‬
‫صلَةِ ع َلَيْهِ صلى الله عليه‬ ‫معْنَى ال َّ‬ ‫َ‬ ‫خوَانِي؛ فِيْهِ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫اط ّلَعَ ع َلَيْهِ ِ‬
‫م‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫يءٌ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫شَرع ُ فِيْهَا‪ ،‬وَ َ‬ ‫ة الَّتِي ت ُ َ‬ ‫من َ ُ‬‫ن وَالَْز ِ‬ ‫موَاط ِ ُ‬ ‫ضل ُ َها‪ ،‬وَال ْ َ‬ ‫وسلم‪ ،‬وَفَ ْ‬
‫فَوَائِدِهَا‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫والل َ‬
‫م ع َلَى‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫صل ّى الل ُ‬ ‫سن‪ .‬وَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫ه بِالْقَبُو ِ‬ ‫ن يَتَقَبَّل َ ُ‬ ‫لأ ْ‬ ‫سأ ُ‬ ‫هأ ْ‬ ‫َ َ‬
‫حبِه‪.‬‬ ‫ص ْ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫مد وَآل ِ ِ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫نَبِيِّنَا ُ‬
‫* معنى الصلة والسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫ل ثَنَاؤ ُه‪:‬‬ ‫ج َّ‬ ‫ه َ‬ ‫قَا َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الل ُ‬ ‫َ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫صل ّوا ع َلَيْهِ‬ ‫منُوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ي يَآ أيُّهَا ال ّذِي َ‬ ‫ن ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬ ‫صل ّو َ‬ ‫ه يُ َ‬ ‫ملَئِكَت َ ُ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫{ِ َّ‬
‫ما}‪.‬‬ ‫سلِي ً‬ ‫موا ْ ت َ ْ‬ ‫سل ِّ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مد ٍ صلى الله عليه‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ه يُثْنِي ع َلى نَبِيِّهِ ُ‬ ‫ن تَعَالى – في اليَةِ ‪ -‬أن ّ ُ‬ ‫بَي َّ َ‬
‫ن ع َلَيْهِ صلى الله عليه‬ ‫ه يُثْنُو َ‬ ‫ُ‬ ‫ملَئِكَت ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫مقََّربِيْن‪ ،‬و‬ ‫ُ‬ ‫ملَئِكَتِهِ ال ْ‬ ‫عنْد َ َ‬ ‫وسلم ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل اللهِ‬ ‫سو ِ‬ ‫م ع َلَى َر ُ‬ ‫صل ّوا أنْت ُ ْ‬ ‫منُوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ن لَه‪ ،‬فَيَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬ ‫وسلم وَيَدْعُو َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫ما‬ ‫ك‪ ،‬ل ِ َ‬ ‫حقُّ بِذَل ِ َ‬ ‫مأ َ‬ ‫سلِيْما‪ ،‬لن ّك ُ ْ‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫صلى الله عليه وسلم وَ َ‬
‫خَرة‪.‬‬ ‫ف الدُّنْيَا وَال ِ‬ ‫شَر ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫سالَتِهِ ِ‬ ‫م بِبََركَةِ رِ َ‬ ‫نَالَك ُ ْ‬
‫َ‬
‫صل ِّي ع َلَيْه‪:‬‬ ‫ف نُ َ‬ ‫ل اللهِ صلى الله عليه وسلم كَي ْ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫منَا َر ُ‬ ‫وَقَد ْ ع َل ّ َ‬
‫ل الله‪ ،‬قَدْ‬ ‫سو َ‬ ‫ل‪ :‬قُلْنَا‪ :‬يَا َر ُ‬ ‫جَرة َ رضي الله عنه‪ ،‬قَا َ‬ ‫ن عُ ْ‬ ‫ب بْ ِ‬ ‫ن كَعْ ِ‬ ‫فَعَ ْ‬
‫ل صلى الله‬ ‫ك ؟ قَا َ‬ ‫صل ِّي ع َلَي ْ َ‬ ‫ف نُ َ‬ ‫م ع َلَيْك‪ ،‬فَكَي ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫سل ِّ‬ ‫ف نُ َ‬ ‫منَا كَي ْ َ‬ ‫عَل ِ ْ‬
‫َ‬
‫مد‪،‬‬‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬ ‫ل‬
‫ِ‬ ‫مد ٍ وَع َلَى آ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬ ‫ل ع َلَى‬ ‫ص ِّ‬ ‫َ‬ ‫عليه وسلم‪(( :‬فَقُولُوا‪ :‬الل ّهُ َّ‬
‫م‬
‫جيد‪ ،‬اللَّهُ َّ‬
‫م‬ ‫م ِ‬ ‫ميد ٌ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ك َ‬ ‫م إِن َّ َ‬ ‫ل إِبَْراهِي َ‬ ‫م وَع َلَى آ ِ‬ ‫ت ع َلَى إِبَْراهِي ْ َ‬ ‫صل ّي ْ َ‬
‫َ‬
‫ما َ‬ ‫كَ َ‬
‫م وَع َلَى‬ ‫ت ع َلَى إِبَْراهِي ْ َ‬ ‫ما بَاَرك ْ َ‬ ‫مد‪ ،‬ك َ َ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬‫ل ُ‬ ‫مدٍ وَع َلَى آ ِ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ك ع َلَى ُ‬ ‫بَارِ ْ‬
‫جيد))‪.‬‬ ‫م ِ‬ ‫ميد ٌ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ك َ‬ ‫م إِن َّ َ‬ ‫ل إِبَْراهِي َ َ‬ ‫آ ِ‬
‫َ‬ ‫ه ((الل ّهُ َّ‬
‫م)) أيْ‪ :‬يَا الله‪.‬‬ ‫قَول ُ ُ‬
‫ل))‪:‬‬ ‫ص ِّ‬ ‫ه (( َ‬ ‫وَ َقول ُ ُ‬
‫ن اللهِ‪ :‬ثَنَاؤُه ُ سبحانه وتعالى ع َلَى نَبِي ِّهِ صلى الله عليه‬ ‫م ْ‬ ‫صلَة ُ ِ‬ ‫ـ ال َّ‬
‫َ‬
‫ه لِذِكْرِه‪.‬‬ ‫مل الع ْلَى‪ ،‬وََرفْعُ ُ‬ ‫وسلم في ال ْ َ‬
‫َ‬
‫ن يُعْلِي‬ ‫ه تَعَالَى أ ْ‬ ‫ل الل ِ‬ ‫سؤ َا ُ‬ ‫م‪ُ :‬‬ ‫سل َ ُ‬ ‫م ال َّ‬ ‫ملَئِكَةِ ع َلَيْهِ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫صلَة ُ ِ‬ ‫ـ وَال َّ‬
‫ذِكَْر نَبِي ِّهِ صلى الله عليه وسلم وَيُثْنِي ع َلَيْه‪.‬‬
‫ل اللهِ‬ ‫سو ِ‬ ‫صل ِّي ع َلَى َر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫صل ِّي‪ :‬ثَنَاءٌ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن الْعَبْد ِ ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫صلَة ُ ِ‬ ‫ـ وَال َّ‬
‫ن يُثْنِي ع َلَيْهِ صلى الله‬ ‫َ‬
‫ل اللهِ تَعَالَى أ ْ‬ ‫سؤ َا ُ‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وَ ُ‬
‫مل الَع ْلَى‪.‬‬ ‫عليه وسلم في ال ْ َ‬
‫صلَة ‪:-‬‬ ‫معْنَى ال َّ‬ ‫مبَيِّنا ً َ‬ ‫ه تَعَالَى‪ُ ،‬‬ ‫ه الل ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ل أَبُو الْعَالِيَةِ – َر ِ‬ ‫قَا َ‬
‫صلَة ُ ال ْ‬ ‫عنْد َ ال ْ‬ ‫َ‬
‫ملَئِكَةِ الدُّع َاء‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ملَئِكَة‪ ،‬و‬ ‫َ‬ ‫صلَة ُ الل ّهِ ثَنَاؤُهُ ع َلَيْهِ ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫مبْن ِ ٌّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫جل‪،‬‬ ‫مب َ ّ‬ ‫معَظم ٍ وَ ُ‬ ‫ل‪ُ :‬‬ ‫مث ْ ِ‬ ‫ل)) ِ‬
‫َ‬ ‫مفَعّ ٍ‬ ‫ي ع َلى زِنَةِ (( ُ‬ ‫مدٍ)) َ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه (( ُ‬ ‫وَقَول ُ‬
‫ن‬
‫مدِي ْ َ‬ ‫حا ِ‬ ‫مد ُ ال ْ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫مدٌ‪ :‬هُوَ ال ّذِي كَثَُر َ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ضوع ٌ لِلْتَكْثِيْر‪ .‬لِذ َا فَ ُ‬ ‫مو ُ‬ ‫وَهُوَ بِنَاءٌ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫خَرى‪.‬‬ ‫مَّرة ً بَعْد َ أ ْ‬ ‫مد َ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫حقَّ أ ْ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ه وَا ْ‬ ‫لَ ُ‬
‫ن‪َ ،‬وبَنُو‬ ‫ه ع َنْهُ ّ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ن َر ِ‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ت ال ْ ُ‬ ‫مهَا ُ‬ ‫م أ ُ َّ‬ ‫مدٍ)) هُ ْ‬ ‫ح َّ‬ ‫ه ((وآل م َ‬ ‫وَقَول ُ ُ‬
‫َ ِ ْ ُ َّ‬
‫مطلِب‪.‬‬ ‫شم ٍ وَبَنُو ال ُ‬ ‫هَا ِ‬
‫وم‬ ‫مدٍ)) أتْبَاع ُ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ح َّ‬ ‫ن ((آ َ‬ ‫َ‬
‫ل العِلْم ِ أ َّ‬ ‫َ‬
‫ه إِلى ي َ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫معٌ ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫ختَاَر َ‬ ‫وَا ْ‬
‫ختَاَره‪:‬‬ ‫نا ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م َّ‬ ‫مة؛ وَ ِ‬ ‫القِيَا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي‪،‬‬‫شافِعِ ِ ّ‬ ‫مام ِ ال ّ‬ ‫ب ال ِ َ‬ ‫حا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫ضأ ْ‬ ‫جابٌِر رضي الله عنه وَالث ّورِيُّ‪ ،‬وَبَعْ ُ‬ ‫َ‬
‫ه تَعَالى ‪.-‬‬ ‫َ‬ ‫وَالن ّوَويُّ‪ ،‬وَالْزهَرِيُّ – َر ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م الل ُ‬ ‫مهُ ُ‬ ‫ح َ‬
‫صلَةِ ع َلَيْهِ‬ ‫مام ِ ال َّ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫صلَة ُ ع َلَى آلِهِ صلى الله عليه وسلم ِ‬ ‫وَال َّ‬
‫ه صلى‬ ‫ما تَقَُّّر بِهِ ع َيْن ُ ُ‬ ‫م َّ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن ذَل ِ َ‬ ‫صلى الله عليه وسلم وَتَوَابِعُهَا‪ ،‬ل َ َّ‬
‫َ‬
‫ه ع َلَيْهِ وَع َلَى آلِهِ‬ ‫صل ّى الل ُ‬ ‫شَرفاً‪َ .‬‬ ‫ه بِهَا َ‬ ‫الله َعليه وسلم‪َ ،‬ويَزِيْدُه ُ الل ُ‬
‫سلِيْما ً كَثِيْراً‪.‬‬ ‫م تَ ْ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫مدا ً صلى الله عليه‬ ‫َ‬
‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫سيِّدَنَا ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م أ َّ‬ ‫معْلُو ٌ‬ ‫ل إِبَْراهِيْم)) َ‬ ‫ه ((آ ِ‬ ‫وَقَول ُ ُ‬
‫ل إِبَْراهِيْم‪.‬‬ ‫خيُْر آ ِ‬ ‫وسلم هُوَ َ‬
‫مد ٍ صلى‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ى ُ‬ ‫صل ِّي ع َل َ‬ ‫َ‬ ‫ن يُ‬ ‫ه عز وجل أ ْ‬
‫َ‬
‫ُ‬ ‫صل ِّي َرب َّ‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ل ال ْ‬ ‫سأ َ ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫فَعِنْد َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صل ّى ع َلَى إِبَْراهِي ْ َ‬
‫م‬ ‫ما َ‬ ‫صل ِّي ع َلَيْهِ ك َ َ‬ ‫ن ي َُ َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫سأل ُ ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫الله عليه وسلم‪ ،‬ث ُ َّ‬
‫مد ٍ صلى الله عليه‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫صل ّى ع َلَى ُ‬ ‫ن قَد ْ َ‬ ‫ل إِبَْراهِيْم‪ ،‬يَكُو ُ‬
‫َ‬ ‫وَع َلى آ ِ‬
‫معَهُم‪،‬‬ ‫ل َ‬ ‫خ ٌ‬ ‫ه دَا ِ‬ ‫م لن َّ ُ‬
‫َ‬
‫ل إِبَْراهِي ْ َ‬ ‫معَ آ ِ‬ ‫صل ّى ع َلَيْهِ ثَانِيا ً َ‬ ‫م َ‬ ‫وسلم أَوَّلً‪ ،‬ث ُ َّ‬
‫صلَة ُ ع َلَى آل إبراهي َ‬
‫صلَة َ ع َلَى‬ ‫ت ال َّ‬ ‫من َ ْ‬ ‫ض َّ‬ ‫ل لَنَّهَا ت َ َ‬ ‫ض َ‬ ‫م أف ْ َ‬ ‫ِ َِْ ِ ْ َ‬ ‫ن ال َّ‬ ‫فَتَكُو ُ‬
‫َ‬
‫ن‬‫سلِي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫سائُِر النْبِيَاءِ وَال ْ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ل اللهِ صلى الله عليه وسلم وَ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫َر ُ‬
‫سلَم‪.‬‬ ‫م ال َّ‬ ‫م ع َلَيْهِ ُ‬ ‫ن ذُّرِيَةِ إِبَْراهِي ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ت ع َلَى‬ ‫َ‬
‫صلَوَا ِ‬ ‫صيَِغ ال َّ‬ ‫ل ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ة أف ْ َ‬ ‫مي َّ ِ‬ ‫صلَةِ الِبَْراهِي ْ ِ‬ ‫ن ال َّ‬ ‫سُّر كَو ِ‬ ‫وَهَذ َا ِ‬
‫صلَةَ‬ ‫ل ال َّ‬ ‫ض َ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫من َ ْ‬ ‫ض َّ‬ ‫ل اللهِ صلى الله عليه وسلم‪ ،‬لِكَون ِ َها ت َ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫َر ُ‬
‫صلَةِ ع َلَى إِبَْراهِي ْ َ‬
‫م‬ ‫ل ال َّ‬ ‫ض َ‬
‫ُ َ ُ ُّ‬
‫مد ٍ صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وفَ ْ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ع َلَى ُ‬
‫َ‬
‫ه صلى الله‬ ‫ل الل ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫ن كلهَا لَِر ُ‬ ‫ن‪ ،‬لِتَكو َ‬ ‫سلِي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ن النْبِيَاءِ وَال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫وَذُّرِيَت ِ ِ‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م وَآلِهِ‪،‬‬‫ه لِبَْراهِي ْ َ‬ ‫خيْرِ ال ّذِي أع ْطَاه ُ الل ُ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫مث ْ ِ‬
‫ب ِ‬ ‫ه ((وَبَارِك)) طَل َ ُ‬ ‫وَقَول ُ ُ‬
‫م هَذ َا ال ْ َ‬
‫خيُْر‬ ‫َ‬ ‫ح َّ‬
‫ن يَدُو َ‬ ‫مد ٍ صلى الله عليه وسلم وَآلِه‪ ،‬وَأ ْ‬ ‫م َ‬ ‫لِ ُ‬
‫ضاع َف‪.‬‬ ‫وَيَت َ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ن‬
‫ضي أ ْ‬ ‫ما يَقْت َ ِ‬ ‫مدِ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ب ال َ‬ ‫سبَا ِ‬ ‫ت وَأ ْ‬ ‫صفَا ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫و الذِي ل ُ‬ ‫ميْد ُ هُ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫وَال ْ َ‬
‫سه‪.‬‬ ‫مودا ً في ن َ ْف ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫يَكُو َ‬
‫جد ُ إِلَيْهِ َ‬
‫ما‬ ‫م ْ‬‫مد ُ وَال ْ َ‬‫ح ْ‬ ‫جلَل‪ ،‬وَال ْ َ‬ ‫مةِ وَال ْ َ‬ ‫م لِلْعَظ َ َ‬ ‫ستَلْزِ ُ‬
‫م ْ‬
‫ُ‬ ‫جيْد ُ هَوَ ال ْ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫وَال ْ َ‬
‫َ‬
‫ل في‬ ‫ما ِ‬ ‫ة الْك َ َ‬ ‫ما طَلَبا ً لِزِيَاد َ ِ‬ ‫م ب ِ ِه َ‬ ‫خت َ َ‬
‫ن يُ ْ‬ ‫بأ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ل كُل ّه‪ ،‬فَنَا َ‬ ‫ما ُ‬ ‫جعُ الْك َ َ‬ ‫يَْر ِ‬
‫عنْد َ اللهِ تَعَالى‪.‬‬ ‫جيْدِهِ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم وَت َ ْ‬ ‫مد ِ النَّب ِ ِ ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫َ‬
‫* أفضل صيغ الصلة على النبِي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫منَاه ُ صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫ما ع َل ّ َ‬ ‫صيَِغ َ‬ ‫ل ال ِّ‬ ‫ض ُ‬ ‫أف ْ َ‬
‫ل الله‪،‬‬ ‫سو َ‬ ‫ل‪ :‬قُلْنَا‪ :‬يَا َر ُ‬ ‫جَرة َ رضي الله عنه‪ ،‬قَا َ‬ ‫ن عُ ْ‬ ‫ب بْ ِ‬ ‫ن كَعْ ِ‬ ‫(‪ )1‬فَعَ ْ‬
‫ل صلى الله‬ ‫ك ؟ قَا َ‬ ‫صل ِّي ع َلَي ْ َ‬ ‫ف نُ َ‬ ‫م ع َلَيْك‪ ،‬فَكَي ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫سل ِّ‬ ‫ف نُ َ‬ ‫منَا كَي ْ َ‬ ‫قَد ْ عَل ِ ْ‬
‫َ‬
‫مد‪،‬‬
‫َ‬
‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫مد ٍ وَع َلَى آ ِ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ع َلَى ُ‬ ‫ص ِّ‬ ‫م َ‬ ‫عليه وسلم‪(( :‬فَقُولُوا‪ :‬الل ّهُ َّ‬
‫َ‬
‫جيد‪ ،‬الل ّهُ َّ‬
‫م‬ ‫م ِ‬ ‫ميد ٌ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ك َ‬ ‫م إِن َّ َ‬ ‫ل إِبَْراهِي َ‬ ‫م وَع َلَى آ ِ‬ ‫ت ع َلَى إِبَْراهِي ْ َ‬ ‫صل ّي ْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫كَ َ‬
‫م وَع َلَى‬ ‫ت ع َلَى إِبَْراهِي ْ َ‬ ‫ما بَاَرك ْ َ‬ ‫مد‪ ،‬ك َ َ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫مدٍ وَع َلَى آ ِ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ك ع َلَى ُ‬ ‫بَارِ ْ‬
‫جيد))‪.‬‬ ‫م ِ‬ ‫ميد ٌ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ك َ‬ ‫م إِن َّ َ‬ ‫ل إِبَْراهِي َ‬ ‫آ ِ‬
‫م قَالوا‪ :‬يَا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ميْد ٍ ال َّ‬ ‫َ‬
‫عدِيُّ رضي الله عنه‪ :‬أن ّهُ َ ْ‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن أبِي ُ‬
‫َ‬ ‫(‪ )2‬وَع َ ْ‬
‫ل الل ّهِ صلى الله عليه‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫صل ِّي ع َلَيْك ؟ فَقَا َ‬ ‫ف ن َُ َ‬ ‫ل الل ّه‪ ،‬كَي ْ َ‬ ‫سو َ‬ ‫َر ُ‬
‫َ‬
‫ما‬ ‫جهِ وَذُّرِيَّتِه‪ ،‬ك َ َ‬ ‫مدٍ وَأْزوَا ِ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ع َلَى ُ‬ ‫ص ِّ‬ ‫م َ‬ ‫وسلم‪(( :‬قُولُوا‪ :‬الل ّهُ َّ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ما‬ ‫جهِ وَذُّرِيَّتِه‪ ،‬ك َ َ‬ ‫مد ٍ وَأْزوَا ِ‬ ‫ح َّ‬‫م َ‬ ‫ك ع َلَى ُ‬ ‫ل إِبَْراهِيم‪َ ،‬وبَارِ ْ‬ ‫ت ع َلَى آ ِ‬ ‫صل ّي ْ َ‬ ‫َ‬
‫جيد))‪.‬‬ ‫م ِ‬ ‫ميد ٌ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫م إِن ّك َ‬ ‫َ‬ ‫ل َإِبَْراهِي َ‬ ‫ت ع َلى آ ِ‬ ‫َ‬ ‫بَاَرك َ‬‫ْ‬
‫َ‬
‫م ع َلَى‬ ‫صل ّيْت ُ ْ‬ ‫ل‪ :‬إِذ َا َ‬ ‫سعُود ٍ رضي الله عنه قَا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن َع َبْد ِ اللهِ ب ْ ِ‬
‫ّ‬ ‫(‪ )3‬وَع َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م لَ‬ ‫صلَة َ ع َليْه‪ ،‬فَإِن ّك ُ ْ‬ ‫سنُوا ال َّ‬ ‫ح ِ‬ ‫ل اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫َر ُ‬
‫ل‪ :‬قُولُوا‪:‬‬ ‫ن لَعَ َّ‬
‫منَا‪ ،‬قَا َ‬ ‫ه‪:‬فَعَل ِّ ْ‬ ‫ل‪ :‬فَقَالُوا ل َ ُ‬ ‫ض ع َلَيْه‪ ،‬قَا َ‬ ‫ك يُعَْر ُ‬ ‫ل ذَل ِ َ‬ ‫تَدُْرو َ‬
‫سلِين‪،‬‬ ‫مْر َ‬ ‫سيِّد ِ ال ْ ُ‬ ‫ك ع َلَى َ‬ ‫ك وَبََركَات ِ َ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ك وََر ْ‬ ‫صلَوَات ِ َ‬ ‫ل َ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫ما ْ‬ ‫اللَّهُ َّ‬
‫خيْر‪،‬‬ ‫مام ِ ال ْ َ‬ ‫سولِك‪ ،‬إ ِ َ‬ ‫ك وََر ُ‬ ‫مدٍ ع َبْد ِ َ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫خاتَم ِ النَّبِيِّين؛ ُ‬ ‫قين‪ ،‬وَ َ‬ ‫مت َّ ِ‬ ‫مام ِ ال ْ ُ‬ ‫وَإ ِ َ‬
‫مة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ل الَّر ْ‬
‫ح‬ ‫ِ‬ ‫سو‬ ‫خيْر‪ ،‬وََر ُ‬ ‫وَقَائِد ِ ال ْ َ‬
‫ل‬‫ص ِّ‬ ‫م َ‬ ‫خُرون‪ .‬اللَّهُ َّ‬ ‫ن وَال ِ‬ ‫ه بِهِ الَوَّلُو َ‬ ‫ُ‬ ‫مودًا يَغْبِط ُ‬ ‫ُ‬ ‫ح‬‫م ْ‬ ‫َ‬ ‫ما‬ ‫ً‬ ‫مقَا‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫م ابْعَث ْ‬ ‫اللَّهُ َّ‬
‫َ‬
‫م وَع َلَى آ ِ‬
‫ل‬ ‫ت ع َلَى إِبَْراهِي َ‬ ‫صل ّي ْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫مد ٍَ ك َ َ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫مد ٍ وَع َلَى آ ِ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ع َلَى ُ‬
‫مدٍ‬‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫مد ٍ وَع َلَى آ ِ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ك ع َلَى ُ‬ ‫م بَارِ ْ‬ ‫جيد‪ ،‬الل ّهُ َّ‬ ‫م ِ‬ ‫ميد ٌ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ك َ‬ ‫م إِن َّ َ‬ ‫إِبَْراهِي َ‬
‫جيد‪.‬‬ ‫م ِ‬ ‫ميد ٌ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ك َ‬ ‫م إِن َّ َ‬ ‫ل إِبَْراهِي َ َ‬ ‫م وَع َلَى آ ِ‬ ‫ت ع َلَى إِبَْراهِي َ‬ ‫ما بَاَرك ْ َ‬ ‫كَ َ‬
‫د‬
‫م ٍ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ة ُ‬ ‫شفَاع َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫م تَقَب َّ ْ‬ ‫ما‪ :‬الل ّهُ َّ‬ ‫ه ع َنْهُ َ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫س َر ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ن ع َبَّا‬ ‫ل اب ْ ُ‬ ‫(‪ )4‬وَقَا َ‬
‫خَرةِ وَالوْلَى‬‫ُ‬ ‫َ‬
‫ه فِي ال ِ‬ ‫سؤ ْل َ ُ‬ ‫ه الْعُلْيَا‪ ،‬وَأعْطِهِ ُ‬ ‫جت َ ُ‬ ‫الْكُبَْرى‪ ،‬وَاْرفَعْ دََر َ‬
‫سلَم‪.‬‬ ‫صلَة ُ وَال َّ‬ ‫ما ال َّ‬ ‫سى ع َلَيْهِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫ت إِبَْراهِي ْ َ‬ ‫ما آتَي ْ َ‬ ‫كَ َ‬
‫* المواطن والزمان التي تشرع فيها الصلة على رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫ل اللهِ صلى الله عليه‬ ‫سو ِ‬ ‫م ع َلَى َر ُ‬ ‫سل َ َ‬ ‫صلَة َ وَال َّ‬ ‫ه لَنَا ال َّ‬ ‫شَرع َ الل ُ‬ ‫َ‬
‫ل اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَلِك‪،‬‬ ‫سو ُ‬ ‫شَرع َ لَنَا َر ُ‬ ‫مطلَقاً‪ ،‬وَ َ‬ ‫وسلم ُ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫منْهَا‪:‬‬ ‫مان؛ فَ ِ‬ ‫ن وَالْز َ‬ ‫موَاط ِ ِ‬ ‫ض ال ْ َ‬ ‫وَأك ّدَه ُ في بَعْ ِ‬
‫مطْلَقاً‪:‬‬ ‫م ع َلَيْهِ صلى الله عليه وسلم ُ‬ ‫سل َ ُ‬ ‫صلَة ُ وَال َّ‬ ‫(‪ )1‬ال َّ‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫ل النَّب ِ ُّ‬ ‫ل‪ :‬قَا َ‬ ‫ن أَبِي هَُريَْرة َ رضي الله عنه قَا َ‬ ‫عَ ْ‬
‫ُّ‬
‫صلوا‬ ‫عيدًا‪ ،‬وَ َ‬ ‫جعَلُوا قَبْرِي ِ‬ ‫م قُبُوًرا‪ ،‬وَل َ ت َ ْ‬ ‫جعَلُوا بُيُوتَك ُ ْ‬ ‫وسلم‪(( :‬ل َ ت َ ْ‬
‫ث كُنْتُم))‪.‬‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫م تَبْلُغُنِي َ‬ ‫صلَتَك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ي فَإ ِ َّ‬ ‫ع َل َ ّ‬
‫ل اللهِ صلى‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل‪ :‬قَا َ‬ ‫سرٍ رضي الله عنه‪ ،‬قَا َ‬ ‫ن يَا ِ‬ ‫مار ب ْ ِ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫وَع َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ماعَ‬ ‫ملَكا ً أع ْطَاه ُ أ ْ‬
‫س َ‬ ‫ك وَتَعَالَى َ‬ ‫ن للهِ تَبَاَر َ‬ ‫الله عليه وسلم‪(( :‬إ ِ َّ‬
‫مة‪،‬‬ ‫ت إِلَى يَوم ِ القِيَا َ‬ ‫م ُّ‬ ‫م ع َلَى قَبْرِي إِذ َا ِ‬ ‫ق كُل ِّهَا‪ ،‬فَهُوَ قَائ ِ ٌ‬ ‫خلَئ ِ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫صل ِّي ع َل َ َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫سم‬
‫مهِ وَا ْ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ماهُ بِا ْ‬ ‫س َّ‬ ‫صلَة ً إِل ّ َ‬ ‫ي َ‬ ‫متِي ي ُ ََ‬ ‫ن أ َّ‬ ‫م ْ‬ ‫حد ٌ ِ‬ ‫سأ َ‬ ‫فَلَي ْ َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫ن كَذ َا وَكَذ َا‪ ،‬قَا َ‬ ‫ن فُل َ ٍ‬ ‫ن بْ ُ‬ ‫ك فُل َ ُ‬ ‫صل ّى ع َلَي ْ َ‬ ‫مد ! َ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ل‪ :‬يَا ُ‬ ‫أَبِيْه‪ ،‬قَا َ‬
‫شراً))‬ ‫حدَةٍ ع َ ْ‬ ‫ل وَا ِ‬ ‫ل‪ ،‬بِك ُ ِّ‬ ‫ج ِ‬ ‫ك الَّر ُ‬ ‫ك وَتَعَالَى ع َلَى ذَل ِ َ‬ ‫ب تَبَاَر َ‬ ‫صل ِّي الَّر ُّ‬ ‫فَي ُ َ‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫َ‬
‫ما ذ ُكَِر صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫(‪ )2‬كُل ّ َ‬
‫ل اللهِ صلى الله عليه‬ ‫سو َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ك رضي الله عنه‪ :‬أ َ َّ‬ ‫مال ِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫س بْ ِ‬ ‫ن أن َ ِ‬
‫عَ َ‬
‫ْ‬
‫ي)) صلى الله عليه‬ ‫ل ع َل ّ‬ ‫َ‬ ‫ص ِّ‬ ‫ْ‬
‫عنْدَه ُ فَلي ُ َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ن ذ ُكِْر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل‪َ (( :‬‬ ‫وسلم قَا َ‬
‫وسلم‪.‬‬
‫ل‪ :‬قَا َ‬ ‫ب رضي الله عنه قَا َ‬ ‫ن أبِي طَال ِ‬ ‫َ‬ ‫ميْرِ ال ْ‬ ‫وع َ َ‬
‫ل‬ ‫ٍ‬ ‫ي بْ‬ ‫ّ‬ ‫ن عَل ِ‬ ‫َ‬ ‫منِي‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ُ‬ ‫نأ ِ‬
‫ُ َّ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ ُ َّ‬
‫ت‬
‫ن ذ ُكِْر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫خيل الذِي َ‬ ‫سول اللهِ صلى الله عليه وسلم‪(( :‬الب َ ِ‬ ‫َر ُ‬
‫ي)) صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫ل ع َل َ َّ‬ ‫ص ِّ‬ ‫م يُ َ‬ ‫عنْدَه ُ فَل َ ْ‬ ‫ِ‬
‫ل صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫ل‪ :‬قَا َ‬ ‫ن أبِي هَُريَْرة َ رضي الله عنه قَا َ‬ ‫َ‬
‫وَع َ ْ‬
‫جنَّة)) صلى الله عليه‬ ‫خطِيءَ طَرِيْقَ ال ْ َ‬ ‫ي‪َ ،‬‬ ‫صلَة َ ع َل َ ّ‬ ‫ي ال َّ‬ ‫س َ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫(( َ‬
‫وسلم‪.‬‬
‫ُ َّ‬ ‫ل‪ :‬قَا َ‬ ‫ه رضي الله عنه قَا َ‬
‫سول اللهِ صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫ل َر ُ‬ ‫وَع َن ْ ُ‬
‫َ‬
‫ي)) صلى الله عليه‬ ‫ل ع َل َ ّ‬ ‫ص ِّ‬ ‫م يُ َ‬ ‫عنْدَه ُ فَل َ ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ل ذ ُكِْر ُ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ف َر ُ‬ ‫م أن ْ ُ‬ ‫((َرِغ َ‬
‫وسلم‪.‬‬
‫ه صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫م ِ‬ ‫س ِ‬ ‫عنْد َ كِتَابَةِ ا ْ‬ ‫(‪ِ )3‬‬
‫ه‬
‫م ُ‬ ‫س َ‬ ‫ف رضي الله عنهم إِذ َا كَتَبُوا ا ْ‬ ‫سل َ ُ‬ ‫ن ال َّ‬ ‫ساب ِ ِقه‪ ،‬وَقَد ْ كَا َ‬ ‫وَهُوَ ك َ َ‬
‫م ع َلَيْهِ صلى‬ ‫سل َ َ‬ ‫صلَة َ وَال َّ‬ ‫م أَثْبَتُوا ال َّ‬ ‫صلى الله عليه وسلم في كُتُبِهِ ْ‬
‫ن لَهَا‬ ‫مُزو َ‬ ‫و كَثَُرت‪ ،‬وَل َ يَْر ُ‬ ‫ت‪ ،‬وَل َ ْ‬ ‫و تَكََّرَر ْ‬ ‫ة‪ ،‬وَل َ ْ‬ ‫الله عليه وسلم كِتَاب َ ً‬
‫موز‪.‬‬ ‫بِالُّر ُ‬
‫ه تَعَالَى –‬ ‫ه الل ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬
‫ن بَازٍ – َر ِ‬ ‫حةِ ال َّ‬ ‫وَل ِ َ‬
‫خ ع َبْد ِ العَزِيْزِ ب ْ ِ‬ ‫شي ْ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫س َ‬ ‫خنَا َ‬ ‫شي ْ ِ‬
‫مثْل‪(( :‬ص)) و ((صلعم)) بَدَلً‬ ‫موز؛ ِ‬ ‫ن كِتَابَةِ الُّر ُ‬ ‫ة في النَّهِي ع َ ْ‬ ‫سال َ ً‬ ‫رِ َ‬
‫سلَم ِ ع َلَيْهِ صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وَقَد ْ نَفَعَ الل ُ‬
‫ه‬ ‫صلَةِ وَال َّ‬ ‫ن ال َّ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ف‬‫ح ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ن ال ُّ‬ ‫م ْ‬ ‫موزِ ِ‬ ‫ختِفَاءِ الُّر ُ‬ ‫سبَبا ً في ا ْ‬ ‫ت َ‬ ‫حتَّى كَان َ ْ‬ ‫ت َ َعالَى بِهَا َ‬
‫خيْراً‪.‬‬ ‫ه َ‬ ‫جَزاه ُ الل ُ‬ ‫وَالكُتُب‪ ،‬فَ َ‬
‫ت ال َّ‬ ‫َ‬ ‫قَا َ َ‬
‫ة ‪ -‬في‬ ‫ن ع ُيَيْن َ َ‬ ‫ن بْ َ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫خ ال ْ َ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫مونِي‪َ :‬رأي ْ ُ‬ ‫مي ْ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫س‬‫ح َ‬ ‫ل أبُو ال ْ َ‬
‫ن‬ ‫ب بِلَو ِ‬ ‫مكْتُو ٌ‬ ‫يءٌ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫صابِِع يَدَيْهِ َ‬ ‫ن ع َلَى أ َ‬
‫َ‬ ‫موتِه‪ ،‬وَكَأ َ َّ‬ ‫منَام ِ ‪ -‬بَعْد َ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الذَّهب‪ ،‬فَ َ‬
‫ك‬‫صابِعِ َ‬ ‫ستَاذ ! أَرى ع َلَى أ َ‬ ‫ت‪ :‬يَا أ ْ‬ ‫ك‪ ،‬وَقُل ْ ُ‬ ‫ن ذَل ِ َ‬ ‫ه عَ ْ‬ ‫سألْت ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي ! هَذ َا لِكِتَابَتِي ((صلى الله‬ ‫ل‪ :‬يَا بُن َ ّ‬ ‫ما هُو؟ قَا َ‬ ‫مكْتُوباً‪َ ،‬‬ ‫ملِيْحا ً َ‬ ‫شيْئا ً َ‬ ‫َ‬
‫ل اللهِ صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫سو ِ‬ ‫ث َر ُ‬ ‫حدِي ْ ِ‬ ‫عليه وسلم)) في َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سى‪:‬‬ ‫م َ‬ ‫م وَإِذ َا أ ْ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ح ال ْ ُ‬ ‫صب َ َ‬ ‫(‪ )4‬إِذ َا أ ْ‬
‫ل اللهِ صلى الله‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل‪ :‬قَا َ‬ ‫ن أَبِي الدَّْردَاءِ رضي الله عنه‪ ،‬قَا َ‬ ‫عَ ْ‬
‫عليه وسلم‪:‬‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫شراً؛ أدَْركَت ْ ُ‬ ‫سي ع َ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫حي ْ َ‬ ‫شراً‪ ،‬وَ ِ‬ ‫ح عَ ْ‬ ‫صب ِ ُ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫حي ْ َ‬ ‫ي ِ‬ ‫صلَّى ع َل َ َّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫(( َ‬
‫شفَاع َتِي))‪.‬‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫جلِساً‪:‬‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫س ال ْ ُ‬ ‫جل َ َ‬ ‫ما َ‬ ‫(‪ )5‬كُل ّ َ‬
‫عَ َ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‬ ‫ن النَّب ِ ِ ّ‬ ‫ن أبِي هَُريَْرة َ رضي الله عنه‪ ،‬ع َ ْ‬ ‫ْ‬
‫قَال‪َ:‬‬
‫ُ‬
‫ي‬‫ن ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬ ‫صل ّو َ‬ ‫ه عز وجل وَي ُ َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫مقْعَدًا ل َ يَذ ْكُُرو َ‬ ‫م َ‬ ‫ما قَعَد َ قَوْ ٌ‬ ‫(( َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫مةِ وَإ ِ ْ‬ ‫م الْقِيَا َ‬ ‫سَرة ً يَوْ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ع َلَيْهِ ْ‬ ‫صلى الله عليه وسلم إِل ّ كَا َ‬
‫ة لِلثَّوَاب))‪.‬‬ ‫جن َّ َ‬ ‫خلُوا ال ْ َ‬ ‫دَ َ‬
‫ما‬ ‫ل‪َ (( :‬‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم قَا َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن النَّب‬ ‫ه رضي الله عنه‪ :‬ع َ ْ‬ ‫وَع َن ْ ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫صل ّوا ع َلَى نَبِيِّهِ ْ‬ ‫م يُ َ‬ ‫ه فِيه‪ ،‬وَل َ ْ‬ ‫م يَذ ْكُُروا الل ّ َ‬ ‫سا ل َ ْ‬ ‫جل ِ ً‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫س قَوْ ٌ‬ ‫جل َ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫شاءَ عَذ ّبَهُم‪ ،‬وَإ ِ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م تَِرة‪ ،‬فَإ ِ ْ‬ ‫ن ع َلَيْهِ ْ‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬إِل ّ كَا َ‬
‫مة‪.‬‬ ‫شاءَ غَفََر لَهُم)) تَِرة‪ :‬نَدَا َ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‪َ (( :‬‬ ‫ل النَّب ِ ُّ‬ ‫جابِرٍ رضي الله عنه‪ :‬قَا َ‬ ‫ن َ‬ ‫وَع َ ْ‬
‫صلَةٍ ع َلَى‬ ‫ن غَيْرِ ذِكْرِ اللهِ عز وجل‪ ،‬وَ َ‬ ‫م تَفََّرقُوا ع َ ْ‬ ‫م‪ ،‬ث ُ َّ‬ ‫معَ قَو ٌ‬ ‫جت َ َ‬ ‫ا ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جيْفَة))‪.‬‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن أنْت َ ِ‬ ‫موا ع َ ْ‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم إِل ّ قَا ُ‬ ‫النَّب ِ ِ ّ‬
‫معَة‪:‬‬ ‫ج ُ‬ ‫(‪ )6‬في يَوم ِ ال ْ ُ‬
‫ل اللهِ صلى الله‬ ‫سو ُ‬ ‫ل‪ :‬قَا َ‬ ‫ة رضي الله عنه قَا َ‬ ‫ُ‬ ‫وع َ َ‬
‫ل َر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن أبِي أ َ‬ ‫َ ْ‬
‫عليه وسلم‪:‬‬
‫متِي‬ ‫ُ‬
‫صلَة َ أ َّ‬ ‫معَة‪ ،‬فَإ ِ َّ‬ ‫صلَةِ في ك ُ ِّ‬ ‫ن ال َّ‬ ‫((أَكْثُِروا ع َل َ َّ‬
‫ن َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ل يَوم ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ي ِ‬
‫م ع َل َ َّ‬ ‫ل يوم جمعة‪ ،‬فَمن كَا َ‬ ‫ض ع َل َ َّ‬
‫صلَة ً كَا َ‬
‫ن‬ ‫ي َ‬ ‫ن أكْثََرهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ي في ك ُ ِّ َ ِ ُ ُ َ‬ ‫تُعَْر ُ‬
‫منْزِلَة))‪.‬‬ ‫َ‬
‫منِّي َ‬ ‫م ِ‬ ‫أقَْربَهُ ْ‬
‫ماِع الَذ َان‪:‬‬ ‫س ََ‬ ‫(‪ )7‬بَعْد َ َ‬
‫َ‬
‫معَ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ما‪ :‬أن َّ ُ‬ ‫ه ع َنْهُ َ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ص َر ِ‬ ‫ن العَا ِ‬
‫ْ‬
‫مرِو ب ْ ِ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫ن ع َبْد ِ اللهِ ب ْ ِ‬
‫ّ‬ ‫عَ ْ‬
‫ن؛ فَقُولُوا‪:‬‬ ‫مؤَذِّ َ‬ ‫ُ‬ ‫م ال ْ‬ ‫ْ‬ ‫معْت ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ل‪(( :‬إِذ َا َ‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم يَقُو ُ‬ ‫النَّب ِ َّ‬
‫َ‬ ‫صلَّى ع َل َ َّ‬ ‫ُ‬
‫صل ّى‬ ‫صلَةً‪َ ،‬‬ ‫ي َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ي فَإِن َّ َ ُ‬ ‫صل ّوا ع َل َ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ما يَقُول‪ ،‬ث ُ َّ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ة فِي‬ ‫منْزِل َ ٌ‬ ‫سيلَة‪ ،‬فَإِنَّهَا َ‬ ‫ه لِي الْوَ ِ‬ ‫سلُوا الل ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫شًرا‪ ،‬ث ُ َّ‬ ‫ه ع َلَيْهِ ب ِ َها ع َ ْ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫عباد اللَّه‪ ،‬وأ َرجو أ َن أَكُو َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ن أنَا هُو‪ ،‬فَ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫ن ِ َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫جنَّة‪ ،‬ل َ تَنْبَغِي إِل ّ لِعَبْد ٍ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ه ال َّ‬ ‫َ‬ ‫سأ َ َ‬
‫شفَاع َة))‪.‬‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫حل ّ ْ‬ ‫سيلَة؛ َ‬ ‫ل لِي الْوَ ِ‬ ‫َ‬
‫منْه‪:‬‬ ‫خُروِج ِ‬ ‫جد ِ وَال ْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫خو ِ‬ ‫عنْد َ د ُ ُ‬ ‫(‪ِ )8‬‬
‫ه صلى الله عليه‬ ‫سو ُ‬ ‫ميْد ٍ رضي الله عنه‪ ،‬قَا َ‬ ‫َ‬
‫ل الل ِ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ن أبِي ُ‬ ‫وَع َ ْ‬
‫َ‬
‫ي صلى الله‬ ‫م ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬ ‫سل ِّ ْ‬ ‫جد َ فَلْي ُ َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ ال ْ َ‬ ‫حدُك ُ ْ‬ ‫لأ َ‬ ‫خ َ‬ ‫وسلم‪(( :‬إِذ َا د َ َ‬
‫متِك‪ ،‬فَإِذ َا َ‬ ‫َ‬ ‫ل‪ :‬الل ّهُ َّ‬ ‫عليه وسلم‪ ،‬ث ُ َّ‬
‫ج‬
‫خَر َ‬ ‫ح َ‬ ‫ب َر ْ‬ ‫ح لِي أبْوَا َ‬ ‫م افْت َ ْ‬ ‫م لِيَقُ ْ‬
‫ضلِك))‪.‬‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫سأل ُ َ‬ ‫َ‬
‫م إِنِّي أ ْ‬
‫َ‬ ‫ل‪ :‬اللَّهُ َّ‬ ‫فَلْيَقُ ْ‬
‫َ‬
‫سلَم‪:‬‬ ‫ه َ‬ ‫شهُّد ٍ ال ّذِي يَعْقُب ُ ُ‬ ‫خرِ الت َّ َ‬ ‫(‪ )9‬فِي آ ِ‬
‫حتَّى‬ ‫صلَة ً لِي ت َ َّ‬ ‫َ‬
‫ما أَرى أ َّ‬ ‫َ‬ ‫قَا َ َ‬
‫ت َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫سعُود ٍ رضي الله عنه‪َ :‬‬ ‫م ْ‬ ‫ل أبُو َ‬
‫ُ‬
‫مد صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫مد ٍ وَع َلَى آ ِ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫صل ِّي ع َلَى ُ‬ ‫أ َ‬
‫َ‬
‫صلَة ٌ إِل ّ بِقَِراءَةٍ‬ ‫ن َ‬ ‫ل‪ :‬ل َ تَكُو ُ‬ ‫ما قَا َ‬ ‫ه ع َن ْ ُه َ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫مرٍو َر ِ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫ن اب ْ ِ‬ ‫وَع َ ْ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫صلَةٍ ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬ ‫شهُّدٍ وَ َ‬ ‫وَت َ َ‬
‫ل‪ :‬يَا‬ ‫ل فَقَا َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ل‪ :‬أقْب َ َ‬ ‫َ‬ ‫سعُود ٍ رضي الله عنه‪ ،‬قَا َ‬ ‫َ‬
‫ل َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن أبِي َ َ‬ ‫وَع َ ْ‬
‫صل ِّي ع َلَي ْ َ‬ ‫ك فَقَد ْ عََرفْنَاه‪ ،‬فَكَي ْ َ‬ ‫م ع َلَي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ل الل ّه‪ ،‬أ َّ‬
‫ك‬ ‫ف نُ َ‬ ‫سل َ ُ‬ ‫ما ال َّ‬ ‫سو َ‬ ‫َر ُ‬
‫ه ع َلَيْك ؟ قَا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل صلى الله عليه‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫صلَتِنَا َ‬ ‫صل ّيْنَا فِي ََ‬ ‫ن َ‬ ‫ح ُ‬ ‫إِذ َا ن َ ْ‬
‫ي؛ فَقُولُوا)) وَذ َكََر ال َّ‬ ‫م ع َل َ َّ‬ ‫َ‬
‫ميَّة‪.‬‬ ‫صلَة َ الِبَْراهِي ْ ِ‬ ‫صل ّيْت ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫وسلم‪(( :‬إِذ َا أنْت ُ ْ‬
‫خطْبَة‪:‬‬ ‫ل ُ‬ ‫(‪ )10‬في ك ُ ِّ‬
‫ك}‪.‬‬ ‫ك ذِكَْر َ‬ ‫ه تَعَالَى‪{ :‬وََرفَعْنَا ل َ َ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫قَا َ‬
‫َ‬
‫ه ذِكَْره‪ ،‬فَل َ يُذ ْكَُر إِل ّ ذ ُكَِر‬ ‫ما‪َ :‬رفَعَ الل ُ‬ ‫ه ع َنْهُ َ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫س َر ِ‬ ‫ن ع َبَّا ٍ‬ ‫ل اب ْ ُ‬ ‫قَا َ‬
‫ب‬‫خط َ ِ‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم في ال ْ ُ‬ ‫صلَة ُ ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬ ‫ت ال َّ‬ ‫معَه‪ .‬وَكَان َ ْ‬ ‫َ‬
‫معُْروفاً‪.‬‬ ‫َ‬
‫ش ُهورا ً َ‬ ‫م ْ‬ ‫مرا ً َ‬ ‫ة رضي الله عنهم ‪ -‬أ ْ‬ ‫حاب َ ِ‬ ‫ص َ‬ ‫ن ال َّ‬ ‫م ِ‬ ‫– في َز َ‬
‫ن‬ ‫ل‪ :‬كُنَّا بِال ْ َ‬ ‫ن أبِي بَكْرٍ‪ ،‬قَا َ‬ ‫َ‬
‫معَن ََا ع َبْد ُ اللهِ ب ْ ُ‬ ‫ف‪ ،‬وَ َ‬ ‫خي ْ ِ‬ ‫ن ع َبْد ِ اللهِ ب ْ ِ‬ ‫وَع َ ْ‬
‫َ‬
‫صل ّ َى ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬
‫ي‬ ‫ه وَأثْنَى ع َلَيْه‪ ،‬وَ َ‬ ‫مد َ الل َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ة رضي الله عنه‪ ،‬فَ َ‬ ‫ع ُتْب َ َ‬
‫صل ّى بِنَا‪.‬‬ ‫م فَ َ‬ ‫م قَا َ‬ ‫ت‪ ،‬ث ُ َّ‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وَدَع َا بِدَع َوَا ٍ‬
‫الوتْر‪:‬‬ ‫ت ِ‬ ‫(‪ )11‬في قُنُو ِ‬
‫ُ َّ‬ ‫َّ‬
‫سول اللهِ‬ ‫منِي َر ُ‬ ‫ل‪ :‬ع َل َ‬ ‫ما‪ ،‬قَا َ‬ ‫ه ع َنْهُ َ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ي َر ِ‬ ‫ن عَل ِ ٍ ّ‬ ‫ن بْ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫عَ ْ‬
‫ل‪:‬‬ ‫ل‪(( :‬قُ ْ‬ ‫ت فِي الْوِتْر‪ ،‬قَا َ‬ ‫ما ِ‬ ‫صلى الله عليه وسلم هَؤ ُلَءِ الْكَل ِ َ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫اللَّهُ َّ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ما أع ْطَيْت‪َ ،‬وتَوَلنِي فِي َ‬ ‫ك لِي فِي َ‬ ‫ن هَدَيْت‪ ،‬وَبَارِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م اهْدِنِي فِي َ‬
‫ه لَ‬ ‫ضى ع َلَيْك‪ ،‬وَإِن َّ ُ‬ ‫ضي وَل َ يُقْ َ‬ ‫ك ت َ ْق ِ‬ ‫ضيْت‪ ،‬فَإِن َّ َ‬ ‫ما قَ َ‬ ‫َ‬ ‫شَّر‬ ‫تَوَلَّيْت‪ ،‬وَقِنِي َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫يَذ ِ ُّ‬
‫ه ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬
‫ي‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ت َربَّنَا وَت َ َعالَيْت‪ .‬وَ َ‬ ‫ن وَالَيْت‪ ،‬تَبَاَرك ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬
‫مد)) صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫صلةَِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س في َ‬ ‫مُر رضي الله عنه الن ّا ُ َ‬ ‫ن عُ َ‬ ‫منِي ْ َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ميُْر ال ُ‬ ‫معَ أ ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ما َ‬ ‫وَل ّ‬
‫ن ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬
‫ي‬ ‫صل ّو َ‬ ‫م يُ َ‬ ‫ن الْكَفََرة َ في قُنُوتِهِم‪ ،‬ث ُ َّ‬ ‫التََّراوِيْح‪ ،‬كَانُوا يَلْعَنُو َ‬
‫م يُكَب ُِّرو َ‬
‫ن‬ ‫ميْن‪ ،‬ث ُ َّ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن لِل ْ ُ‬ ‫م يَدْع ُو َ‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ث ُ َّ‬
‫جدُون‪.‬‬ ‫س ُ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫صلَةِ نَافِلَة‪:‬‬ ‫مَّر ذِكُْره ُ صلى الله عليه وسلم في َ‬ ‫(‪ )12‬إِذ َا َ‬
‫صلَةِ ع َلَى‬ ‫مَّر بِال َّ‬ ‫ه تَعَالَى ‪ :-‬إِذ َا َ‬ ‫ه الل ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫صرِيُّ – َر ِ‬ ‫ن الب َ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫قَا َ‬
‫ل ع َلَيْهِ في التَّطَوع‪.‬‬ ‫ص ِّ‬ ‫َ‬ ‫ف‪ ،‬وَلْي ُ‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم فَلْيَقِ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫النَّب‬
‫َ‬ ‫ل الما َ‬
‫صل ّى‬ ‫ل َ‬ ‫ن في نَفْ ٍ‬ ‫ن كَا َ‬ ‫ه تَعَالَى ‪ :-‬إ ِ ْ‬ ‫ه الل ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مد ُ – َر ِ‬ ‫ح َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫وَقَا َ ِ َ ُ‬
‫ع َلَيْهِ صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫صلَةِ الْعِيْد‪:‬‬ ‫ت الَّزوَائِد ِ في َ‬ ‫ن التَّكْبِيَْرا ِ‬ ‫(‪ )13‬بَي ْ َ‬
‫ة رضي‬ ‫حذ َي ْ َف َ‬ ‫َ‬ ‫ن عُقْب َ َ َ‬
‫سى وَ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫سعُود ٍ وَأبِي ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ة ع َلى اب ْ ِ‬ ‫ج الوَلِيْد ُ ب ْ ُ‬ ‫خَر َ‬ ‫َ‬
‫ل ع َبد الله‪ :‬تبدأ‪ُ،‬‬ ‫َ‬
‫َْ َ‬ ‫ف الت ّكْبِيُْر في العِيْد ؟ قَا َ ْ ُ‬ ‫ل‪ :‬كَي ْ َ‬ ‫الله عنهم‪ ،‬فَقَا َ‬
‫صل ِّي ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬
‫ي‬ ‫مد ُ َربَّك وَت ُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫صلَة‪َ ،‬وت َ ْ‬ ‫ح بِهَا ال َّ‬ ‫فَتُكَب ُِّر تَكْبِيَْرة ً تَفْتَت ِ ُ‬
‫َ‬
‫صدَقَ أبُو ع َبْدِ‬ ‫م تَدْع ُو وَتُكَبِّر‪ .‬فَقَالَ‪َ :‬‬ ‫مد ٍ صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ث ُ َّ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫من‪.‬‬ ‫ح َ‬ ‫الَّر ْ‬
‫َ‬
‫جنَاَزة‪:‬‬ ‫صل ّى ع َلَى َ‬ ‫(‪ )14‬إِذ َا َ‬
‫ُ‬ ‫عَ َ‬
‫جنَاَزةِ‪:‬‬ ‫صلَةِ ال ْ َ‬ ‫ة فِي َ‬ ‫سن َّ َ‬ ‫ن ال ُّ‬ ‫ل‪ :‬إ ِ َّ‬ ‫ة رضي الله عنه‪ ،‬قَا َ‬ ‫م َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن أبِي أ َ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬ ‫صلِي ع َلى الن ّب ِ ِ ّ‬ ‫ب‪ ،‬وَي ُ َ‬ ‫ة الكِتَا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن يَقَْرأ فَات ِ َ‬ ‫أ ْ‬
‫ميِّت‪.‬‬ ‫ص فِي الدُّع َاءِ لِل ْ َ‬ ‫خل ِ ُ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ث ُ َّ‬
‫ق الذِّكْر‪:‬‬ ‫(‪ )15‬في ِ َ‬
‫حل ِ‬
‫ل اللهِ صلى الله‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل‪ :‬قَا َ‬ ‫ن أَبِي هَُريَْرة َ رضي الله عنه قَا َ‬ ‫عَ ْ‬
‫ق الذِّكْرِ‪،‬‬ ‫مُّروا ب ِ ِ َ‬ ‫ملَئِكَة‪ ،‬إِذ َا َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫سيَّاَرة ً ِ‬ ‫عليه وسلم‪(( :‬إ ِ َّ‬
‫حل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن للهِ َ‬
‫منُوا ع َلَى دُعَائِهِم‪،‬‬ ‫م أ َ َّ‬ ‫ض‪ :‬اقْعُدُوا ! فَإِذ َا دَع َا القَوْ ُ‬ ‫م لِبَعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ل بَعْ ُ‬ ‫قَا َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫حتَّى‬ ‫م َ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫صل ّوا َ‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم َ‬ ‫صل ّوا ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬ ‫فَإِذ َا َ‬
‫مغْفُوراً‬ ‫ن َ‬ ‫جعُو َ‬ ‫ض‪ :‬طُوبَى ل ِ َهؤ ُلَءِ يَْر ِ‬ ‫م يَقُو ُ‬ ‫يَفَْرغُوا‪ ،‬ث ُ َّ‬
‫م لِبَعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ل بَعْ ُ‬
‫لَهُم))‪.‬‬
‫َّ‬
‫ل الدُّع َاء في قِيَام ِ الليْل‪:‬‬ ‫حا َ‬ ‫(‪َ )16‬‬
‫ُ‬
‫ل الله‪ ،‬إِنِّي أكْثُِر‬ ‫عَ ُ‬
‫سو َ‬ ‫ل‪ :‬يَا َر ُ‬ ‫ب رضي الله عنه قَا َ‬ ‫ن كَعْ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ي بْ‬ ‫ن أب َ ِ ّ‬ ‫ْ‬
‫شئْت))‬ ‫ما‬ ‫((‬ ‫ل‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َا‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫؟‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫صل‬
‫ِ ْ َ ِ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ك‪،‬‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫َل‬ ‫ع‬ ‫َ‬
‫ال ّ َ‬
‫ة‬ ‫صل‬ ‫َ‬
‫َ ِ‬ ‫ْ ْ َ‬ ‫ْ‬
‫خيٌْر لَك))‬ ‫ت فَهُوَ َ‬ ‫ن زِد ْ َ‬ ‫شئْت‪ ،‬فَإ ِ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫ل‪َ (( :‬‬ ‫ت‪ :‬الُّربُع ؟ قَا َ‬ ‫قُل ْ ُ‬
‫ت‪:‬‬‫خيٌْر لَك)) قُل ْ ُ‬ ‫ت فَهُوَ َ‬ ‫ن زِد ْ َ‬ ‫شئْت‪ ،‬فَإ ِ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫ل‪َ (( :‬‬ ‫صف ؟ قَا َ‬ ‫ت‪ :‬الن ِّ ْ‬ ‫قُل ْ ُ‬
‫ل‪:‬‬ ‫فَالثُّلُثَيْن ؟ قَا َ‬
‫ل لَ َ‬ ‫َ‬
‫صلَتِي‬ ‫ك َ‬ ‫جعَ ُ‬ ‫ت‪ :‬أ ْ‬ ‫ك)) قُل ْ ُ‬ ‫خيٌْر ل َ َ‬ ‫ت فَهُوَ َ‬ ‫ن زِد ْ َ‬ ‫ت‪ ،‬فَإ ِ ْ‬ ‫شئ ْ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫(( َ َ‬
‫ك ذ َنْبُك))‪ .‬وَفي رِوَايَةٍ‪:‬‬ ‫مك‪َ ،‬ويُغْفَُر ل َ َ‬ ‫ل‪(( :‬إِذ ًا تُكْفَى هَ َّ‬ ‫كُل ّهَا ؟ قَا َ‬
‫كم َ‬ ‫ما أَهَ َّ‬
‫خَرتِك))‪.‬‬ ‫ك وَآ ِ‬ ‫مرِ دُنْيَا َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م َ َِ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ك الل ُ‬ ‫في ْ َ‬ ‫((إِذا ً يَك ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن دُع َائِي‬ ‫م ِ‬ ‫ميعَ َز َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ف َ‬ ‫صرِ ُ‬ ‫صلَتِي كُل ّهَا)) أيْ أ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ل لَ َ‬ ‫جعَ ُ‬ ‫ه ((أ ْ‬ ‫قَوْل ُ ُ‬
‫صلَة ً ع َلَيْك‪.‬‬ ‫سي َ‬ ‫لِنَفْ ِ‬
‫خَرة‪.‬‬ ‫م الدُّنْيَا وَال ِ‬ ‫مَرا َ‬ ‫مك)) تُعْطَى َ‬ ‫((تُكْفَى هَ َّ‬
‫َ‬ ‫ل الدُّع َاءِ وَآ ِ‬ ‫َ‬
‫خرِهِ وَفِي أثْنَائِه‪:‬‬ ‫(‪ )17‬في أوَّ ِ‬
‫ي صلى الله‬ ‫معَ النَّب ِ ُّ‬ ‫س ِ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫ن ع ُبَيْد ٍ رضي الله عنه قَا َ‬ ‫ة بْ ِ‬ ‫ضال َ َ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫عَ ْ‬
‫َ‬
‫ل‬‫ص ِّ‬ ‫م يُ َ‬ ‫ه تَعَالَى‪ ،‬وَل َ ْ‬ ‫جد ْ الل ّ َ‬ ‫م ِّ‬ ‫م يُ َ‬ ‫صلَتِه‪ ،‬ل َ ْ‬ ‫جل ً يَدْع ُو فِي َ‬ ‫عليه وسلم َر ُ‬
‫ل صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فَقَا َ‬ ‫ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫جيْدِ‬ ‫م ِ‬ ‫م فَلْيَبْدَأ بِت َ ْ‬ ‫حدُك ُ ْ‬ ‫صل ّى أ َ‬ ‫ل‪(( :‬إِذ َا َ‬ ‫م دَع َاهُ‪ ،‬فَقَا َ‬ ‫ل هَذ َا)) ث ُ َّ‬ ‫ج َ‬ ‫((ع َ ِ‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫ل ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬ ‫ص ِّ‬ ‫م لْي ُ َ‬ ‫ل وَعََّز وَالثَّنَاءِ ع َلَيْه‪ ،‬ث ُ َّ‬ ‫ج َّ‬ ‫َرب ِّهِ َ‬
‫َّ‬
‫شاء))‪.‬‬ ‫ما َ‬ ‫م لْيَدْع ُ ب ََعْد ُ ب ِ َ‬ ‫وسلم‪ ،‬ث ُ َّ‬
‫ه‬
‫جد َ الل َ‬ ‫م َّ‬ ‫صل ِّي‪ ،‬فَ َ‬ ‫جل ً ي ُ َ‬ ‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم َر ُ‬ ‫سو ُ‬
‫َ‬
‫معَ َر ُ‬ ‫س ِ‬ ‫وَ َ‬
‫ل‬‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فَقَا َ‬ ‫صل ّى ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬ ‫مدَه‪ ،‬وَ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬
‫ل تُعْط))‪.‬‬ ‫س ْ‬ ‫جب‪ ،‬وَ َ‬ ‫الل ّهِ صلى الله عليه وسلم‪(( :‬ادْع ُ ت ُ َ‬
‫ْ َ‬ ‫وع َ َ‬
‫ن‬‫ل‪ :‬إ ِ َّ‬ ‫ب رضي الله عنه قَا َ‬ ‫خط ّا ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫مَر ب ْ َ‬ ‫ن عُ َ‬ ‫منِي ْ َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ميْرِ ال ْ ُ‬ ‫نأ ِ‬ ‫َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حت ّى‬ ‫يءٌ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫صعَد ُ ِ‬ ‫ض ل يَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ماءِ وَالْر ِ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ف بَي ْ َ‬ ‫موْقُو ٌ‬ ‫الدُّع َاءَ َ‬
‫ك صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫ي ع َلَى نَبِي ِّ َ‬ ‫صل ِّ َ‬ ‫تُ َ‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن الد ّاَران ِ ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وَقَا َ‬
‫ه‬
‫سألت الل َ‬ ‫ه تَعَالى ‪ :-‬إِذ َا َ‬ ‫ه الل ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ي – َر ِ‬ ‫ما َ‬ ‫سلي ْ َ‬ ‫ل أبُو ُ‬
‫ْ‬
‫ما‬ ‫م اُدْع ُ ب ِ َ‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ث ُ َّ‬
‫َ‬ ‫صلَةِ ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬ ‫ة فَابْدَأ بِال َّ‬ ‫ج ً‬ ‫حا َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫مهِ يَقْب َ ُ‬ ‫ه بِكََر ِ‬ ‫حان َ ُ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫صلَةِ ع َلَيْه‪ ،‬فَإ ِ َّ‬ ‫م بِال َّ‬ ‫خت ِ ْ‬ ‫م اِ ْ‬ ‫شئْت‪ ،‬ث ُ َّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‪.‬‬ ‫ما بَيْنَهُ َ‬ ‫ن يَدَع َ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫صلَتَيْن‪ ،‬وَهُوَ أكَْر ُ‬ ‫ال َّ‬
‫عنْد َ ِزيَاَرةِ قَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫(‪ِ )18‬‬
‫ف‬ ‫سفَرٍ وَقَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما إِذ َا قَد ِ َ‬ ‫ه ع َنْهُ َ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫مَر َر ِ‬ ‫ن عُ َ‬ ‫ن ع َبْد ُ اللهِ ب ْ ُ‬ ‫كَا َ‬
‫َ‬
‫صل ّى ع َلَى‬ ‫ل اللهِ صلى الله عليه وسلم يَُزوُره ُ وَ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ع َلَى قَبْرِ َر ُ‬
‫س القَبْر‪.‬‬ ‫م ُّ‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وَل َ ي َ َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫النَّب ِ‬
‫خ السلَم ابن تيمي َة – رحمه الله ‪ :-‬ث ُ َ ْ‬
‫ي‬ ‫م يَأتِي قَبَْر النَّب ِ ِ ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ ِ َ ُ‬ ‫شي ْ ُ ِ ْ ِ ْ ِ َ ْ ِ ّ َ‬ ‫ل َ‬ ‫قَا َ‬
‫سه‪ ،‬وَل َ يُقَبِّلَه‪،‬‬ ‫م َّ‬ ‫جدَاَر القَبْر‪ ،‬وَل َ ي َ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ستَقْب ِ َ‬ ‫صلى الله عليه وسلم فَي َ ْ‬
‫سكُون‪،‬‬ ‫شوٍع وَ ُ‬ ‫خ ُ‬ ‫حيَاتِه‪ ،‬ب ِ ُ‬ ‫ف لَوْ ظَهََر في َ‬ ‫ما ي َ ِق ُ‬ ‫عدا ً ك َ َ‬ ‫متَبَا ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫وَيَقِ َ‬
‫جلَل َ َ‬ ‫ْ‬
‫م‬ ‫موْقِ ِفه‪ ،‬ث ُ َّ‬ ‫ة َ‬ ‫ه َ‬ ‫ضرا ً بِقَلْب ِ ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫صر‪ُ ،‬‬ ‫ض الب َ َ‬ ‫س الَّرأس‪ ،‬غَا َّ‬ ‫كّ َ‬ ‫من َ ِ‬ ‫ُ‬
‫م‬‫سل َ ُ‬ ‫ة اللهِ وَبََركاتُه‪ ،‬ال َّ‬ ‫َ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ل اللهِ وََر ْ‬ ‫سو َ‬ ‫ك يَا َر ُ‬ ‫م ع َلي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫سل َ ُ‬ ‫يَقُول‪ :‬ال َّ‬
‫سيِّدَ‬ ‫ك يَا َ‬ ‫م ع َلَي ْ َ‬ ‫سل َ ُ‬ ‫خلْقِه‪ ،‬ال َّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫خيَْرتِهِ ِ‬ ‫ي اللهِ وَ ِ‬ ‫ك يَا نَب ِ َّ‬ ‫ع َلَي ْ َ‬
‫شهد أ َن ل َ إل َه إلَّ‬ ‫َ‬
‫ِ َ ِ‬ ‫جلِين‪ ،‬أ ْ َ ُ ْ‬
‫َ‬
‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ن وَقَائِد َ الغُّرِ ال ْ ُ‬ ‫م النَّبِيي ّ َ‬ ‫خات َ َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫سلِي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫سال َ ِ‬ ‫ت رِ َ‬ ‫ك قَد ْ بَل ّغْ َ‬ ‫شهَد ُ أن َّ َ‬ ‫ل الله‪ ،‬أ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫مدا ً َر ُ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫شهَد ُ أ َّ‬ ‫ه وَأ ْ‬ ‫الل ُ‬
‫عظَةِ‬ ‫ُ‬
‫مو ِ‬ ‫مةِ وَال ْ َ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ك بِال ْ ِ‬ ‫ل َرب ِّ َ‬ ‫سبِي ْ ِ‬ ‫ت إِلَى َ‬ ‫متِك‪ ،‬وَدَع َوْ َ‬ ‫ت ل َّ‬ ‫صح َ‬ ‫َربِّك‪ ،‬وَن َ َ‬
‫َ‬ ‫حتَّى أتَا َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫ل َ‬ ‫ض َ‬ ‫ه أفْ َ‬ ‫ك الل ُ‬ ‫جَزا َ‬ ‫قين‪ ،‬فَ َ‬ ‫ك الي َ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ت الل َ‬ ‫سنَة‪ ،‬وَع َبَد َ‬ ‫ح َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه‬ ‫ة وَاب َْعَث ْ ُ‬ ‫ضيْل َ َ‬ ‫ة وَالفَ ِ‬ ‫سيْل َ َ‬ ‫م آتِهِ الوَ ِ‬ ‫متِه‪ .‬الل ّهُ َّ‬ ‫ن أ َّ‬ ‫سول ً ع َ ْ‬ ‫جَزى نَبِيَّا ً وََر ُ‬ ‫َ‬
‫مَ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫خُرون‪ .‬اللهُ ّ‬ ‫ن وَال ِ‬ ‫ه بِهِ الوَّلو َ‬ ‫ه يَغْبِط ُ‬ ‫مودا الذِي وَع َدت َ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫م ْ‬ ‫مقَاما َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫م وَع َلَى‬ ‫ت ع َلَى إِبَْراهِي ْ َ‬ ‫صل ّي ْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫م َد ٍ ك َ َ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫مد ٍ وَع َلَى آ ِ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ع َلَى ُ‬ ‫ص ِّ‬ ‫َ‬
‫ل‬
‫مد ٍ وَع َلى آ ِ‬ ‫َ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ك ع َلى ُ‬ ‫َ‬ ‫م بَارِ ْ‬ ‫جيْد‪ ،‬اللهُ َّ‬ ‫ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ميد ٌ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ك َ‬ ‫َ‬
‫ل إِبَْراهِيْم‪ ،‬إِن ّ َ‬ ‫آ ِ‬
‫ميدٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ل إِبَْراهِيْم‪ ،‬إِن َّ َ‬ ‫م وَع َلَى آ ِ‬ ‫ت ع َلَى إِبَْراهِي ْ َ‬ ‫ما بَاَرك ْ َ‬ ‫مد ٍ ك َ َ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سنَّتِه‪ ،‬وَأوْرِدنَا‬ ‫مَرتِه‪ ،‬وَتَوَفّنَا ع َلَى ُ‬ ‫شرنَا فِي ُز ْ‬ ‫م اح ُ‬ ‫جيْد‪ ،‬الل ّهُ َّ‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬
‫مأ بَعدَه ُ أبَدا‪ً.‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫شَربا ً َروِّيا ً ل َ نَظ َْ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫سهِ َ‬ ‫سقِنَا بِكأ ِ‬ ‫ضه‪ ،‬وَا ْ‬ ‫حو َ‬ ‫َ‬
‫م ع َلَي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ك يَا‬ ‫سل َ ُ‬ ‫ما‪ ،‬فَيَقُول‪ :‬ال َّ‬ ‫ه ع َنْهُ َ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫مَر َر ِ‬ ‫م يَأتِي أبَا بَكْرٍ وَع ُ َ‬ ‫ث ُ َّ‬
‫َ‬
‫ما يَا‬ ‫م ع َلَيْك ُ َ‬ ‫سل َ ُ‬ ‫مَر الفَاُروق‪ ،‬ال َّ‬ ‫ك يَا ع ُ َ‬ ‫م ع َلَي ْ َ‬ ‫سل َ ُ‬ ‫دّيق‪ ،‬ال َّ‬ ‫ص ِ‬ ‫أبَا بَكْرٍ ال ِّ‬
‫ة اللهِ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫جيْعَيْهِ وََر ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫ل اللهِ صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وَ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫حبَي َر ُ‬ ‫صا ِ‬ ‫َ‬
‫م‬‫سل َ ٌ‬ ‫خيْراً‪َ ،‬‬ ‫سلَم ِ َ‬ ‫ن ال ِ ْ‬ ‫ما وَع َ ْ‬ ‫صحبَةِ نَبِي ِّك ُ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ه عَ ْ‬ ‫ما الل ُ‬ ‫جَزاك ُ َ‬ ‫وَبََركَاتُه‪َ ،‬‬
‫م عُقْبَى الدَّار‪.‬‬ ‫م فَنِعْ َ‬ ‫صبَْرت ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ع َلَيْك ُ ْ‬
‫(‪ )19‬بَعْد َ التَّلْبِيَة‪:‬‬
‫ه‬
‫ه الل ُ‬ ‫م ُ‬‫ح َ‬‫مد ٍ – َر ِ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م بْ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ل القَا ِ‬ ‫ن تَوَابِِع الدُّع َاء‪ ،‬قَا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫ن التَّلْبِي َ َ‬ ‫ل َ َّ‬
‫تَعَالَى ‪:-‬‬
‫َ‬
‫ي‬‫صل ِّي ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ن تَلْبِيَتِهِ– أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل – إِذ َا فََرغ َ ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ب لِلَّْر ُ‬ ‫ح ُّ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫كَا َ‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫َ‬
‫(‪ )20‬في الط ّوَاف‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جَر؛ قَا َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫ح َ‬‫م ال ْ َ‬ ‫ستَل ِ َ‬‫ن يَ ْ‬ ‫ما إِذ َا أَراد َ أ ْ‬ ‫ه ع َنْهُ َ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫مَر َر ِ‬ ‫ن عُ َ‬ ‫ن اب ْ ُ‬ ‫كَا َ‬
‫ك‬‫سنَّةِ نَبِي ِّ َ‬ ‫ك‪ ،‬وَاتِّبَاعا ً ل ِ ُ‬ ‫ك‪ ،‬وَوَفَاءً بِعَهْد ِ َ‬ ‫صدِيْقا ً بِكِتَاب ِ َ‬ ‫ك‪َ ،‬وت َ ْ‬ ‫مانا ً ب ِ َ‬ ‫م إِي ْ َ‬ ‫اللَّهُ َّ‬
‫مد ٍ صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬‫ُ‬
‫مْروَة‪:‬‬ ‫ْ‬
‫صفَا وَال َ‬ ‫َ‬ ‫(‪ )21‬ع َلى ال ّ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫قَا َ َ‬
‫صفَا‪ ،‬فَيَقُو َ‬
‫م‬ ‫مُر رضي الله عنه‪ :‬يَبْدَأ بِال َّ‬ ‫ن عُ َ‬ ‫منِي ْ َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ميُْر ال ْ ُ‬ ‫لأ ِ‬
‫مدُ‬‫ح ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ل تَكْبِيَْرتَي ْ ِ‬ ‫ن ك ُ ِّ‬ ‫سبْعَ تَكْبِيَْرات‪ ،‬بَي ْ َ‬ ‫ت فَيُكَبِّر َ‬ ‫ل البَي ْ ِ‬ ‫ستَقْب ِ َ‬ ‫ع َلَي ْ َها‪ ،‬وَي َ ْ‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫صلَة ٌ ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬ ‫اللهِ عز وجل َ وَثَنَاءٌ ع َلَيْه‪ ،‬وَ َ‬
‫ل ذَلِك‪.‬‬ ‫مث ْ ُ‬ ‫مْروَةِ ِ‬ ‫سه‪ ،‬وَع َلَى ال ْ َ‬ ‫ة لِنَفْ ِ‬ ‫سأل َ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫وسلم‪َ ،‬و َ‬
‫* فوائد الصلة والسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫ل اللهِ صلى الله عليه وسلم فَوَائِدُ‬ ‫ِ‬ ‫سو‬ ‫سلَم ِ ع َلَى َر ُ‬ ‫صلَةِ وَال َّ‬ ‫لِل ْ َّ‬
‫َ‬
‫ض أَدِل ّتِهَا‪:‬‬ ‫ت بَعْ ُ‬ ‫مَّر ْ‬ ‫منْهَا‪ ،‬وَقَد ْ َ‬ ‫ة؛ فَ ِ‬ ‫م ٌ‬ ‫عَظِي ْ َ‬
‫ه صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫متِثَا ُ‬
‫سول ِ ِ‬ ‫مرِ َر ُ‬ ‫ه تَعَالى وَأ ْ‬ ‫مرِ الل ِ‬ ‫لأ ْ‬ ‫(‪ )1‬ا ْ‬
‫سعْدٍ‬ ‫ن َ‬ ‫ل بْ ِ‬ ‫سهْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫صل ِّي‪ :‬ع َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ملَئِكَتِهِ ع َلَى ال ْ ُ‬ ‫م اللهِ َو َ‬ ‫سل َ ُ‬ ‫صلَة ُ وَ َ‬ ‫(‪َ )2‬‬
‫ل اللهِ صلى الله َعليه وسلم‪(( :‬إِن َّ ُ‬
‫ه‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫رضي الله عنه‪ :‬قَا َ‬
‫صل ّى ع َلَي ْ َ‬ ‫ل آنِفاً‪ ،‬فَقَا َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ب الل ُ‬ ‫مَّرةً كَت َ َ‬ ‫ك َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مد ! ِ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ل‪ :‬يَا ُ‬ ‫جبْرِي ْ ُ‬ ‫أتَانِي ِ‬
‫شَر‬ ‫ه بِهَا ع َ ْ‬ ‫سيِئَات‪ ،‬وََرفَعَ ل َ ُ‬ ‫شَر َ‬ ‫ه عَ ْ‬ ‫حا ع َن ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫سنَات‪ ،‬وَ َ‬ ‫َّ‬
‫ح َ‬ ‫شَر َ‬ ‫ه عَ ْ‬ ‫ُ‬ ‫لَ‬
‫مَّرات))‪.‬‬ ‫َ‬ ‫شَر‬ ‫ة عَ ْ‬ ‫ملَئِك َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ت ع َلَيْهِ ال ْ‬ ‫ْ‬ ‫صل‬ ‫جات‪ ،‬وَ َ‬ ‫دََر َ‬
‫َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سول اللهِ صلى الله عليه‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ة رضي الله عنه‪ :‬أ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ن أبِي طل َ‬ ‫وَع َ ْ‬
‫شَر‬‫جهه‪ ،‬فَقُلْنَا‪ :‬إِنَّا لَنََرى الْب ِ ْ‬ ‫شُر يَُرى فِي وَ ْ ِ‬ ‫ت يَوْم ٍ وَالْب ِ ْ‬ ‫جاءَ ذ َا َ‬ ‫وسلم َ‬
‫مل َ ٌ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ن رب َّ َ‬‫مد‪ ،‬إ َّ‬
‫ُ ُ َ ّ َ ِ َ َّ َّ‬
‫ح َ‬ ‫ل‪ :‬يَا م َ‬ ‫ك‪ ،‬فَقَا َ‬ ‫ه أتَانِي َ‬ ‫ل‪(( :‬إِن َّ ُ‬ ‫جهك‪ ،‬فَقَا َ‬ ‫فِي وَ ْ َ ِ‬
‫َ‬ ‫ي ع َلي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ت‬
‫صلي ْ ُ‬ ‫مت ِك ‪ -‬إِل َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫حد ٌ ‪ِ -‬‬ ‫كأ َ‬
‫َ‬ ‫صل ِ َ‬ ‫ن ل َ يُ َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ضي َ‬ ‫ما يُْر ِ‬ ‫ل‪ :‬أ َ‬ ‫يَقُو ُ‬
‫ت ع َلَيْهِ ع َ ْ‬ ‫َ‬
‫شًرا))‪.‬‬ ‫م ُ‬ ‫سل ّ ْ‬ ‫ك إِل ّ َ‬ ‫م ع َلَي ْ َ‬ ‫سل ِّ ُ‬ ‫شًرا‪ ،‬وَل َ ي ُ َ‬ ‫ع َلَيْهِ ع َ ْ‬
‫ل اللهِ صلى الله عليه‬ ‫سو َ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل أَبُو هَُريَْرة َ رضي الله عنه‪ :‬قَا َ‬ ‫وَقَا َ‬
‫ه ع َلَيْهِ ع َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شًرا))‪.‬‬ ‫صل ّى الل ُ‬ ‫حدَة ً َ‬ ‫ي وَا ِ‬ ‫صل ّى ع َل َ َّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫وسلم‪َ (( :‬‬
‫َ‬
‫سولِهِ‬ ‫ن بَِر ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ن بِه‪ ،‬وَالِي ْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ة ذِكَْر اللهِ تَعَالَى‪َ ،‬وَالِي ْ َ‬ ‫من َ ٌ‬ ‫ض ِّ‬ ‫مت َ َ‬ ‫(‪ )3‬أن َّ َها ُ‬
‫َ‬ ‫ة اليمان كُل ّه‪ ،‬لِذ َا كَانت م َ‬
‫مال‪.‬‬ ‫ل الع ْ َ‬ ‫ض ِ‬ ‫ن أف ْ َ‬ ‫َ ْ ِ ْ‬ ‫من َ ٌ ِ ْ َ َ‬ ‫ض ِّ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ي ُ‬ ‫سالَتِه‪ ،‬فَهِ َ‬ ‫وَرِ َ‬
‫ْ‬
‫حيَاةِ قَلبِه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صلِي وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ب لِهِدَايَةِ ال ُ‬ ‫سب َ ٌ‬ ‫(‪ )4‬أن ّ َها َ‬
‫َ‬
‫ل اللهِ صلى الله عليه وسلم‬ ‫سو ِ‬ ‫حبَّةِ َر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ب لِزِيَادَةِ َ‬ ‫سب َ ٌ‬ ‫(‪ )5‬أن َّ َها َ‬
‫لِلْعَبْد‪.‬‬
‫َ‬
‫ل اللهِ صلى الله عليه‬ ‫سو ِ‬ ‫حبَّةِ العَبْد ِ لَِر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ب لِزِيَادَةِ َ‬ ‫سب َ ٌ‬ ‫(‪ )6‬أنَّهَا َ‬
‫وسلم‪.‬‬
‫َ‬
‫مة‪.‬‬ ‫م القِيَا َ‬ ‫ن َرب ِّهِ يَو َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب العَبْد ِ ِ‬ ‫ب قُر ِ‬ ‫سب َ ُ‬ ‫(‪ )7‬أن َّ َها َ‬
‫َ‬
‫سولِهِ صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ب العَبْد ِ ِ‬ ‫ب قُر ِ‬ ‫سب َ ُ‬ ‫(‪ )8‬أنَّهَا َ‬
‫ح ِّقهِ صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫يءٍ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫(‪ )9‬أَن َّ َها أَدَاءٌ ل ِ َ‬
‫ل اللهِ صلى الله عليه وسلم ع َلَى‬ ‫سو َ‬ ‫ل إِيْثَارِ العَبْد ِ َر ُ‬ ‫(‪ )10‬أَن َّ َها دَلِي ْ ُ‬
‫م ع َلَيْهِ صلى الله عليه وسلم ع َلَى‬ ‫سل َ َ‬ ‫صلَة َ وَال َّ‬ ‫م ال َّ‬ ‫ن قَد َّ َ‬ ‫حي ْ َ‬ ‫سهِ ِ‬ ‫ن َ ْف ِ‬
‫مه‪،‬‬ ‫مو َ‬ ‫ن ذُنُوبِه‪ ،‬وَكِفَايَتِهِ هُ ُ‬ ‫ه تَعَالى بِغُفَْرا ِ‬ ‫َ‬ ‫ه الل ُ‬ ‫جات ِه‪ ،‬فَيُكَافِئ ُ ُ‬ ‫حا َ‬ ‫ب َ‬ ‫طَل َ ِ‬
‫مل‪.‬‬ ‫س العَ َ‬ ‫جن ْ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫جَزاءُ ِ‬ ‫وَال ْ َ‬
‫مغْفَِرةِ الذُّنُوب‪.‬‬ ‫َ‬
‫ب َ‬ ‫سب َ ُ‬ ‫(‪ )11‬أنَّهَا َ‬
‫مه‪.‬‬ ‫ما أَهَ َّ‬ ‫ب كَفَايَةِ اللهِ ع َبْدَه ُ َ‬ ‫سب َ ُ‬ ‫(‪ )12‬أن َّ َها َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫جابَةِ الدُّع َاء‪.‬‬ ‫ب إِ َ‬ ‫سب َ ُ‬ ‫(‪ )13‬أن َّ َها َ‬
‫َ‬
‫شفَاع َتِهِ صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫ل َ‬ ‫ب نَي ْ ِ‬ ‫سب َ ُ‬ ‫(‪ )14‬أنَّهَا َ‬
‫صل ِّي‪.‬‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫(‪ )15‬أن َّ َها َزكَاة ٌ وَطَهَاَرة ٌ لِل ْ ُ‬
‫َ‬
‫جالِس‪.‬‬ ‫م َ‬ ‫ب لِل ْ َ‬ ‫(‪ )16‬أن َّ َها تَطْيِي ّ ٌ‬
‫َ‬
‫خل‪.‬‬ ‫ة الب ُ ْ‬ ‫صفَ َ‬ ‫ن العَبْد ِ ِ‬ ‫في ع َ ْ‬ ‫(‪ )17‬أن َّ َها تَن ْ ِ‬
‫َ‬
‫جفَاء‪.‬‬ ‫ة ال ْ َ‬ ‫صفَ َ‬ ‫ن العَبْد ِ ِ‬ ‫(‪ )18‬أن َّ َها تَنْفِي ع َ ْ‬
‫ة ع َلَى‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ً‬ ‫سَرة ً َونَدَا َ‬ ‫ح ْ‬ ‫س َ‬ ‫جال ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ن ل َ تَكُو َ‬ ‫ب في أ ْ‬ ‫سب َ ٌ‬ ‫(‪ )19‬أن َّ َها َ‬
‫مة‪.‬‬ ‫َ‬
‫قيَا َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫حابِهَا يَو َ‬ ‫ص َ‬ ‫أ ْ‬
‫حبها من أ َن تكُون مجال ِس َ‬ ‫َ‬
‫جيْفَة‪.‬‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ه أنْت َ َ‬ ‫َ َ َ ُ ُ‬ ‫صا ِ َ َ ِ ْ ْ َ‬ ‫جي َ‬ ‫(‪ )20‬أن َّ َها تُن ْ ِ‬
‫حبها م َ‬ ‫َ‬
‫ل عليه‬ ‫جبْرِي ْ َ‬ ‫حقَّقَ ع َلَيْهِ دَع ْوَة ُ ِ‬ ‫ن تَت َ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫صا ِ ِ َ ِ ْ‬ ‫جاةٌ ل ِ َ‬ ‫(‪ )21‬أن َّ َها ن َ َ‬
‫ل‪.‬‬ ‫ن يُذ َ ّ‬ ‫َ‬ ‫ح َّ‬
‫مد ٍ صلى الله عليه وسلم في أ ْ‬ ‫م َ‬ ‫السلم وَ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل عليه‬ ‫جبْرِي ْ َ‬ ‫حقَّقَ ع َلَيْهِ دَع ْوَة ُ ِ‬ ‫ن تَت َ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫حب ِ َها ِ‬ ‫صا ِ‬ ‫جاةٌ ل ِ َ‬ ‫(‪ )22‬أن َّ َها ن َ َ‬
‫ن يُبْعِدَه ُ الله‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ح َّ‬
‫مد ٍ صلى الله عليه وسلم في أ ْ‬ ‫م َ‬ ‫السلم وَ ُ‬
‫جنَّة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خطِيءَ طَرِيْقَ ال ْ َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫جاةٌ ل َ ُ‬ ‫(‪ )23‬أن َّ َها ن َ َ‬
‫َ‬
‫ل اللهِ‬ ‫سو ِ‬ ‫سل ِّم ِ لَِر ُ‬ ‫م َ‬ ‫صل ِّي وَال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ملَئِكَةِ ا ْ‬ ‫ب لِتَبْلِيِْغ ال ْ َ‬ ‫سب َ ٌ‬ ‫(‪ )24‬أن َّ َها َ‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ه تَعَالَى‪.‬‬ ‫َ‬
‫ة الل ِ‬ ‫م َ‬ ‫ح َ‬ ‫صل ِّي َر ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ب لِنَي ْ ِ‬ ‫سب َ ٌ‬ ‫(‪ )25‬أن َّ َها َ‬
‫َ‬
‫سل َ َ‬
‫م‬ ‫صلَة َ وَال َّ‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم ال َّ‬ ‫ب لَِردِّ النَّب ِ ِ ّ‬ ‫سب َ ٌ‬ ‫(‪ )26‬أن َّ َها َ‬
‫م ع َلَيْه‪.‬‬ ‫سل ِّ ُ‬ ‫صل ِّي َوي ُ َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ع َلَى َ‬
‫مل الَع ْلَى‪.‬‬ ‫َ‬
‫ن العَبْد ِ في ال ْ َ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ح َ‬ ‫شرِ الثَّنَاءِ ال ْ َ‬ ‫ب لِن َ ْ‬ ‫سب َ ٌ‬ ‫(‪ )27‬أن َّ َها َ‬
‫َ‬
‫مرِه‪،‬‬ ‫ملِه‪ ،‬وَع ُ ُ‬ ‫صل ِّي‪ ،‬وَع َ َ‬ ‫م َ‬ ‫ت ال ْ ُ‬ ‫ب لِلْبََركَةِ في ذ َا ِ‬ ‫سب َ ٌ‬ ‫(‪ )28‬أن َّ َها َ‬
‫حه‪.‬‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫وَ َ‬
‫جوَازِ ع َلَيْه‪ .‬قَا َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫صَراط وَال ْ َ‬ ‫ت قَدَم ِ العَبْد ِ ع َلَى ال ِّ‬ ‫ب لِتَثْبِي ْ ِ‬ ‫سب َ ٌ‬ ‫(‪ )29‬أن َّ َها َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ف‬
‫ح ُ‬ ‫متِي يَْز َ‬ ‫ن أ َّ‬ ‫م ْ‬ ‫جل ً ِ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫ل اللهِ صلى الله عليه وسلم‪َ(( :‬رأي ْ ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫َر ُ‬
‫ه ع َل َ َّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ي‬ ‫صلَت ُ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫جاءَت ْ ُ‬‫حيَاناً‪ ،‬فَ َ‬‫حيَانا ً َويَتَعَل ّقُ أ ْ‬
‫حبُو أ ْ‬‫ط وَي َ ْ‬
‫صَرا ِ‬ ‫ع َلَى ال ِّ‬
‫ميْه‪ ،‬وَأَنْقَذ َتْه))‪.‬‬ ‫ه ع َلَى قَد َ ِ‬ ‫ُ‬ ‫مت ْ‬
‫َ‬ ‫فَأَقَا‬
‫وصلَّى الله وسل َّم ع َلَى سيد ولَد آد َ‬
‫مد ٍ وَع َلَى آلِهِ‬ ‫ح َّ‬
‫م َ‬
‫ن‪ُ ،‬‬ ‫معِي َ‬‫ج َ‬
‫مأ ْ‬ ‫َ ِّ ِ َ ِ َ َ‬ ‫ُ َ َ َ‬ ‫َ َ‬
‫مين‪.‬‬ ‫َ‬
‫حبِهِ وَالت ّابِعِين‪ .‬آ ِ‬ ‫ص ْ‬ ‫وَ َ‬
‫‪ .4‬من حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته‪:‬‬
‫"نصرته"‬
‫د‪ .‬لطف الله بن مل عبد العظيم خوجه‬

‫وهو واجب على جميع المسلمين‪ :‬ذكوًرا وإناثًا‪ ،‬علماء وولة أمر‬
‫ما‪ ،‬قول ً وفعلً‪ ،‬كل بحسب قدرته واستطاعته‪ ،‬أدناها بالقلب‪،‬‬ ‫وعوا ً‬
‫ثم باللسان‪ ،‬ثم باليد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫‪(-‬من رأى منكم منكًرا فليغيره بيده‪ ،‬فإن لم يستطع فبلسانه‪،‬‬
‫فإن لم يستطع فبقلبه‪ ،‬وذلك أضعف اليمان)‪.‬‬
‫وأي منكر أعظم من العدوان على مقام رسول الله‪ ،‬صلى الله‬
‫عليه وسلم؟!‬
‫فهو فرض على الكفاية‪ ،‬إذا قام به بعض المسلمين سقط عن‬
‫ب‬‫الخرين‪ ،‬مع وجوب إنكار القلب في كل حال‪ ،‬سواء تعيّن الذ ّ‬
‫والنصرة أو لم يتعيّن على آحاد المؤمنين؛ لن النكار القلبي‬
‫علمة اليمان‪.‬‬
‫والدليل على وجوب نصرته‪ ،‬قوله تعالى‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫صُروه ُ وَاتَّبَعُوا الن ّوَر الذِيَ أنزِ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫معَ ُ‬
‫ه‬ ‫ل َ‬ ‫منُوا ْ بِهِ وَعََّزُروه ُ وَن َ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫‪{ -‬فَال ّذِي َ‬
‫ن}‪ .‬فعلّق الفلح بالنصرة؛ فمن لم ينصره‬ ‫حو َ‬ ‫مفْل ِ ُ‬ ‫م ال ْ ُ‬‫ك هُ ُ‬ ‫أُوْلَـئ ِ َ‬
‫فليس من المفلحين‪.‬‬
‫صُر‪}..‬؛ فنصرة‬ ‫َ‬
‫م الن ّ ْ‬ ‫َ‬
‫ن فَعَليْك ُ ُ‬ ‫صُروك ُ ْ‬
‫دّي ِ‬
‫م فِي ال ِ‬ ‫ستَن َ‬ ‫نا ْ‬ ‫‪{ -‬وَإ ِ ِ‬
‫المؤمنين واجبة‪ ،‬والنبي أوجب‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م }‪.‬‬ ‫مك ُ ْ‬
‫ت أقْدَا َ‬ ‫م وَيُثَب ِّ ْ‬ ‫صْرك ُ ْ‬ ‫ه يَن ُ‬ ‫صُروا الل ّ َ‬ ‫منُوا إِن تَن ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫‪{ -‬يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫ونصرة النبي من نصرة الله تعالى‪.‬‬
‫ما)‪،‬‬ ‫ما أو مظلو ً‬ ‫‪ -‬وقوله صلى الله عليه وسلم‪( :‬انصر أخاك ظال ً‬
‫فهذا في حق المؤمنين‪ ،‬وفي حق النبي أعظم‪.‬‬
‫ووقت النصرة‪ :‬وجود الظلم والعدوان على مقام النبي‪ ،‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬في ذاته‪ ،‬أو أخلقه‪ ،‬أو دينه‪.‬‬
‫جد هذا النوع من الظلم والعدوان‪ :‬وجب على المؤمنين‬ ‫فمتى و ِ‬
‫ب عنه‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫الذ ّ‬
‫ول يحل لهم أن يسكتوا أو يخضعوا ويرضوا‪!!..‬‬
‫ل على خلل في إيمانهم‪ ،‬وضعف في ولئهم لله‬ ‫فإن فعلوا ذلك؛ د ّ‬
‫ورسوله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم؛ فل يرضى بالطعن في النبي ـ‬
‫صلى الله عليه وسلم ـ إل منافق أو كافر‪ ،‬أما المؤمن فيغضب‬
‫ويتمعّر وجهه لدنى من ذلك‪ ،‬لذى يلقاه عوام المسلمين؛ لما‬
‫بينه وبينهم من أخوة اليمان؛ فأي عدوان على رأس المؤمنين‬
‫وقائدهم ومقدمهم فهو عليه أشد وأنكى‪.‬‬
‫ما أخرجه أهل مكة من الحرم‬ ‫بل حاله كحال "خبيب بن عدي" ل ّ‬
‫ليقتلوه‪ ،‬فقال له أبو سفيان‪:‬‬
‫" أنشدك الله يا خبيب! أتحب أن محمدًا الن عندنا مكانك يضرب‬
‫عنقه‪ ،‬وأنك في أهلك"؟‪.‬‬
‫فقال خبيب‪" :‬والله ما أحب أن محمدًا الن في مكانه الذي هو‬
‫فيه تصيبه شوكة‪ ،‬وإني جالس في أهلي"‪.‬‬
‫فقال أبو سفيان‪" :‬ما رأيت من الناس أحدًا يحب أحدًا كحب‬
‫أصحاب محمد ٍ محمدًا"‪.‬‬

‫وسبب وجوب نصرة النبي‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أمران‪:‬‬

‫‪ -‬الول‪ :‬منّته على أمته‪.‬‬


‫إذ هداهم الله تعالى به؛ فأخرجهم من الظلمات إلى النور‪ ،‬ولول‬
‫فضل الله عليهم به لكان الناس في ضللة وعمى‪ ،‬ولصابهم من‬
‫عذاب الخرة‪..‬‬
‫وإذا كان النسان يحفظ جميل ً صنعه إنسان إليه‪ :‬بتفريج كربة‪ ،‬أو‬
‫وقاية من فتنة‪ ،‬أو محنة‪ ،‬أو منع مصيبة‪ .‬يبقى عمره ل ينسى‬
‫جميله‪ ..‬يترصد‪ ،‬ويترقب متى يقدر على المكافأة والمجازاة‬
‫بالمثل‪ ،‬وهذا كله في أمور الدنيا‪ ،‬بل في بعضها‪ ،‬وجزء منها‪،‬‬
‫فكيف بمن كان له الجميل على الناس في‪:‬‬
‫‪ -‬فتح أبواب السعادة لهم في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫‪ -‬وتفريج كرباتهم وهمومهم باليمان‪.‬‬
‫‪ -‬وبيان مواطن الرحمة والخير والقرب من الله تعالى‪.‬‬
‫‪ -‬وإزالة ما بينهم من العداوة والشحناء والتباغض‪ ،‬وزرع اللفة‬
‫بين قلوبهم‪ ،‬وعطف بعضهم على بعض‪.‬‬
‫‪ -‬وإرشادهم إلى أحسن الدساتير والقوانين التي بها يسيّرون‬
‫شئونهم الدنيوية‪.‬‬
‫‪ -‬وإقرار العدل‪ ،‬ونفي الظلم ومنع أسبابه‪.‬‬
‫‪ -‬وزادهم أن كان سببًا في نيلهم عظيم الثواب وجزيل الجر في‬
‫الخرة‪ ،‬فما مؤمن يدخل الجنة‪ ،‬لينعم فيها النعيم الذي ل ينتهي‪،‬‬
‫إل وللنبي‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪ ،‬منّة عليه في ذلك‪.‬‬
‫فهل أحد من البشر أعظم منه منّة على العالمين؟!!‬
‫ولذا قال تعالى ممتنًا على عباده بهذا النبي‪:‬‬
‫ث فيهم رسول ً م َ‬
‫م‬
‫سهِ ْ‬‫ن أنفُ ِ‬ ‫ِّ ْ‬ ‫ن إِذ ْ بَعَ َ ِ ِ ْ َ ُ‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤ ِ‬ ‫ه ع َلَى ال ْ ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬‫م َّ‬‫‪ { -‬لَقَد ْ َ‬
‫من‬ ‫ة وَإِن كَانُوا ْ ِ‬ ‫ب وَال ْ ِ‬
‫حك ْ َ‬
‫م َ‬ ‫م الْكِتَا َ‬ ‫م وَيُعَل ِّ ُ‬
‫مهُ ُ‬ ‫م آيَاتِهِ وَيَُزكِّيهِ ْ‬ ‫يَتْلُو ع َلَيْهِ ْ‬
‫ن}‪.‬‬ ‫مبِي ٍ‬‫ل ُّ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫ل لَفِي َ‬ ‫قَب ْ ُ‬
‫‪ -‬وقال النبي‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪ ،‬للنصار‪( :‬ألم آتكم ضللً‬
‫فهداكم الله بي‪ ،‬وعالة فأغناكم الله‪ ،‬وأعداء فألف الله بين‬
‫ن)‪.‬‬
‫قلوبكم؟ قالوا‪ :‬بلى‪ ،‬الله ورسوله أم ّ‬
‫‪ -‬الثاني‪ :‬أن الطعن في صاحب الشريعة طعن في الشريعة‬
‫ذاتها‪:‬‬
‫ب عن الشريعة واجب على كل مسلم بما يستطيع‪.‬‬ ‫والذ ّ‬
‫فهذا الذي يطعن في النبي‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪ ،‬لم يكن‬
‫ليطعن فيه لول الشريعة التي حملها وبلّغها من عند الله تعالى‪،‬‬
‫جه إليه بالطعن‪ ،‬فما طعن‬ ‫صا كسائر الناس لم يتو ّ‬ ‫فلو كان شخ ً‬
‫فيه إل كاره وباغض لهذا الدين؛ فنصرته إذن من نصرة الله تعالى‬
‫ونصرة دينه‪ ،‬ليس نصرة لذاته‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫م فَقَاتِلُواْ‬ ‫َ‬
‫م وَطَعَنُوا ْ فِي دِينِك ُ ْ‬ ‫من بَعْد ِ ع َ َهْدِه ِ ْ‬ ‫مانَهُم ِّ‬ ‫‪ { -‬وَإِن نَّكَثُوا ْ أي ْ َ‬
‫ن قَوْماً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أَئ ِ َّ‬
‫ن * أل َ تُقَاتِلُو َ‬ ‫م يَنتَهُو َ‬ ‫م لَعَل ّهُ ْ‬ ‫ن لَهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م ل َ أي ْ َ‬ ‫ة الْكُفْرِ إِنَّهُ ْ‬ ‫م َ‬
‫مَّر ٍ‬
‫ة‬ ‫ل َ‬ ‫م أَوَّ َ‬ ‫ل وَهُم بَدَؤ ُوك ُ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫خَراِج الَّر ُ‬ ‫موا ْ بِإ ِ ْ‬ ‫م وَهَ ُّ‬ ‫مانَهُ ْ‬
‫َ‬
‫نَّكَثُوا ْ أي ْ َ‬
‫ن * قَاتِلُوهُ ْ‬
‫م‬ ‫منِي َ‬ ‫شوه ُ إِن كُنتُم ُّ‬
‫مؤ ُ ِ‬ ‫خ َ ْ‬ ‫حقُّ أَن ت َ ْ‬ ‫شونهم فَالل ّ َ‬
‫هأ َ‬ ‫ُ‬ ‫خ َ َُْ ْ‬ ‫أَت َ ْ‬
‫يعذّبهم الل ّ َ‬
‫صدُوَر قَوْ ٍ‬
‫م‬ ‫ف ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫م ع َلَيْهِ ْ‬ ‫صْرك ُ ْ‬ ‫م وَيَن ُ‬ ‫خزِه ِ ْ‬ ‫م وَي ُ ْ‬ ‫ه بِأيْدِيك ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َُ ُِْ ُ‬
‫هّ‬
‫شاءُ وَالل ُ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ه ع َلى َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ب الل ُ‬ ‫م وَيَتُو ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ب غَي ْظ قُلوبِهِ ْ‬ ‫ن * وَيُذْه ِ ْ‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ُّ‬
‫م }‪.‬‬ ‫حكِي ٌ‬ ‫م َ‬ ‫عَلِي ٌ‬
‫الحاجة إلى نصرة النبي‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪ ،‬في هذا الوقت‪:‬‬
‫الحاجة متجددة؛ لتجدد الطعونات‪ ،‬فانتقاص النبي‪ ،‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬أمر قديم قِدم السلم‪ ،‬اضطلع به فريقان هما‪ :‬الكافرون‪،‬‬
‫والمنافقون‪.‬‬
‫اتفقا على العداوة والطعن؛ لن دعوة السلم تقضي على‬
‫أحلمهم وطموحهم في العلو في الرض بغير الحق‪ ،‬والفساد‬
‫واتباع الهوى وعبادة الذات والمصالح الشخصية‪ ،‬فالسلم يريد‬
‫أن تكون الكلمة العليا في الرض لله تعالى‪ ،‬والناس سواسية‪ ،‬ل‬
‫يفضلون إل بالتقوى‪ ،‬مهما تباينت أجناسهم وألوانهم ومراتبهم‪،‬‬
‫والكل يجب أن يخضع لحكم الله تعالى‪ ،‬ل فرق بين شريف أو‬
‫وضيع‪.‬‬
‫وهذه المور ل تعجب الفريقان؛ فلذا يعادون السلم‪ ،‬والرسول‬
‫الذي جاء به وبلّغه‪.‬‬
‫فأما الكافرون فعداوتهم ظاهرة‪ ،‬وعداوة المنافقين مبطنة‪ ،‬تظهر‬
‫ل}‪.‬‬ ‫ن الْقَوْ ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫م فِي ل َ ْ‬ ‫{ولَتَعْرِفَنَّهُ ْ‬ ‫في مواقف‪َ :‬‬
‫الكافرون قالوا عن رسول الله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪ :‬شاعر‪،‬‬
‫مجنون‪ ،‬كاهن‪ ،‬ساحر‪ ،‬يعلمه بشر‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م يَقُولُو َ‬
‫ن‬ ‫ن*أ ْ‬ ‫جنُو ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ن وََل َ‬ ‫ك بِكَاه ِ ٍ‬ ‫ت َرب ِّ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ت بِنِعْ َ‬ ‫ما أن َ‬ ‫‪{ -‬فَذَكِّْر فَ َ‬
‫ن}‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫منُو‬ ‫َ‬ ‫ب ال ْ‬‫ص بِهِ َري ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫عٌر نَّتََرب َّ‬
‫شا ِ‬‫َ‬
‫حر أوَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سا ِ ٌ ْ‬ ‫ل إ ِ ّل قَالُوا َ‬ ‫سو ٍ‬ ‫من َّر ُ‬ ‫من قَبْلِهِم ِّ‬ ‫ن ِ‬ ‫ما أتَى ال ّذِي َ‬ ‫ك َ‬ ‫‪ { -‬كَذَل ِ َ‬
‫ن }‪.‬‬ ‫جنُو ٌ‬
‫م ْ‬ ‫َ‬
‫شٌر }‪.‬‬ ‫ه بَ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ُ‬‫ما يُعَل ِ ُ‬
‫ن إِن ّ َ‬ ‫م يَقُولو َ‬ ‫م أن ّهُ ْ‬ ‫‪ { -‬وَلقَد ْ نَعْل ُ‬
‫أما المنافقون فقالوا في رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‬
‫أقبح القول‪ ،‬كقول مقدمهم عبد الله بن أبي ابن سلول‪ ،‬كما جاء‬
‫في القرآن الكريم‪ ،‬سورة المنافقون‪:‬‬
‫َ‬
‫منْها اْلذ َ َّ‬ ‫َ‬
‫ل }‪.‬‬ ‫ن اْلعَُّز ِ َ‬ ‫ج َّ‬ ‫خرِ َ‬‫مدِينَةِ لَي ُ ْ‬ ‫جعْنَا إِلَى ال ْ َ‬ ‫ن لَئِن َّر َ‬ ‫‪{ -‬يَقُولُو َ‬
‫هذان الصنفان موجودان في كل زمان‪ ،‬وأهدافهم هي الهداف‬
‫نفسها‪ ،‬ودوافعهم هي الدوافع نفسها‪ ،‬فكلما شعروا بخطر‬
‫السلم على طموحاتهم في العلو والفساد أظهروا الطعن‬
‫والسب والشتم بالشريعة وصاحبها‪.‬‬
‫فالعدو الكافر المحارب اليوم يمثله الصهاينة أو الصولية‬
‫النجيلية‪ ،‬التي تقود العالم إلى خططها المهلكة‪ ،‬فهي التي‬
‫خططت لقيام دولة إسرائيل في فلسطين؛ بزعم أن المسيح‬
‫عيسى عليه السلم لن يعود إل بعد اجتماع اليهود في فلسطين‪،‬‬
‫وقيام دولة إسرائيل‪ ،‬وبناء هيكل سليمان‪ ،‬ولذا هم ماضون في‬
‫هذه المهمة‪ ،‬وهم الذين يريدون حكم العالم‪ ،‬تحت دعوى‬
‫العولمة‪ ،‬وحرب الرهاب والخارجين عن القانون الدولي‪!..‬‬
‫وليس ثمة أحد يقف في طريقهم في تنفيذ تلك الخطط‬
‫الجرامية إل حملة السلم وأتباع محمد‪ ،‬صلى الله عليه وسلم؛‬
‫ومن هنا سبب حنقهم وطعنهم في هذا النبي الكريم‪ ،‬صلوات الله‬
‫وسلمه عليه‪ ،‬بقصد تشويه صورة السلم؛ لضعافه والتنفير منه‪،‬‬
‫فهم يرددون اليوم ما قاله أجدادهم المستشرقون من قبل من‬
‫أنه‪:‬‬
‫‪ -‬سفاك للدماء‪ ،‬إرهابي‪ ،‬لم ينتشر دينه إل بالقتل والسيف‪..‬‬
‫شهواني همه النساء‪ ..‬ل يعترف بالخر‪..‬‬
‫وغير ذلك‪ ،‬وغير مستغرب أن يقولوا ذلك وأكثر من ذلك؛ فقد‬
‫كفروا وباعوا أنفسهم للشيطان‪.‬‬
‫وسائل النصرة‪:‬‬
‫وفي هذا الحال واجب على المة أن يهبوا لنصرة النبي ـ صلى‬
‫الله عليه وسلم ـ ودينه‪ ،‬كل بحسب قدرته واستطاعته‪ ،‬ووسائل‬
‫النصرة تكون من طريقين‪:‬‬
‫‪ -‬الول‪ :‬بعرض سيرته‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -‬الثاني‪ :‬بدفع الشبهات والطعونات حوله‪.‬‬
‫الول‪ :‬عرض سيرته‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وذلك من خلل كل الوسائل المتاحة‪ ،‬بالمقالة‪ ،‬والمطوية‪،‬‬
‫والنشرة‪ ،‬والكتاب الصغير‪ ،‬والكبير‪ ،‬والبرامج المرئية‬
‫والمسموعة‪ ،‬ومن خلل المدارس‪ ،‬والمساجد‪ ،‬والبيوت‪،‬‬
‫والمحافل‪.‬‬
‫وعلى وسائل العلم السلمية‪ :‬أن تُعنى بهذه القضية؛ فتعطيها‬
‫قدًرا يتلءم مع كونها إسلمية‪ ،‬ول يليق بها أن تهمل حقوق النبي‪،‬‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ونصرته في وقت ينتقص فيه من‬
‫مقامه‪!!..‬‬
‫وأضعف اليمان أن تخصص له‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪ ،‬من‬
‫البرامج وقتًا كسائر البرامج الخرى؛ حتى يقف الصغير والكبير‬
‫على تفاصيل سيرته وسنته‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فهذا الرجل‬
‫أعظم رجل في التاريخ‪ ،‬وهو منا‪ ،‬ونحن منه‪ ،‬وقد فزنا به‪،‬‬
‫وشرفنا بالنسبة إليه‪ ،‬فل يليق بنا أن نجهل تاريخه وسيرته؛ فل‬
‫نعرف منها إل القليل‪ ،‬ثم يجب التركيز حين عرض سيرته على‬
‫الجانب الهم‪ ،‬وهو حقيقة دعوته‪:‬‬
‫ْ َ َّ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫م ً‬ ‫ح َ‬‫سلنَاك إ ِل َر ْ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫‪ -1‬أنها جاءت رحمة للبشرية‪ { :‬وَ َ‬
‫ن }‪.‬‬ ‫َ‬ ‫مي‬‫لِلْعَال َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫خلُوا فِي‬ ‫منُوا اد ْ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫‪ -2‬أنها جاءت للسلم والمن‪ { :‬يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫ة }‪.‬‬ ‫سلْم ِ كَافَّ ً‬ ‫ال ِّ‬
‫‪ -3‬أنها جاءت لسعاد البشرية‪ ،‬ل لشقائها‪ ،‬كما يروج لذلك‬
‫َ ُ‬
‫ن َذ َكَرٍ أوْ أنْثَى وَهُ َ‬
‫و‬ ‫م ْ‬ ‫صالِحا ً ِ‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬‫ن عَ ِ‬ ‫م ْ‬‫الكافرون والمنافقون‪َ { :‬‬
‫َ‬
‫ما كَانُوا‬ ‫ن َ‬ ‫س ِ‬‫ح َ‬ ‫م بِأ ْ‬ ‫جَرهُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫جزِيَنَّهُ ْ‬‫ة وَلَن َ ْ‬‫حيَاة ً طَيِّب َ ً‬
‫ه َ‬‫حيِيَن َّ ُ‬‫ن فَلَن ُ ْ‬ ‫م ٌ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ُ‬
‫ن }‪.‬‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ي َ ْع َ‬
‫‪ -4‬جاءت لخراج الناس من ظلمات البغي والظلم إلى نور العدل‬
‫ُ‬ ‫ب أَنَزلْنَاه ُ إِلَي ْ َ‬
‫ت إِلَى‬‫ما ِ‬‫ن الظ ّل ُ َ‬ ‫م َ‬‫س ِ‬ ‫ج النَّا َ‬ ‫خرِ َ‬ ‫ك لِت ُ ْ‬ ‫والحسان‪ { :‬كِتَا ٌ‬
‫ميد ِ }‪ ،‬وكما قال ربعي ابن‬ ‫ح ِ‬ ‫ط الْعَزِيزِ ال ْ َ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫م إِلَى ِ‬ ‫ن َربِّهِ ْ‬ ‫النُّورِ بِإِذ ْ ِ‬
‫عامر لرستم قائد الفرس‪ ،‬لما سأله عن سبب مجيئهم‪" :‬إن الله‬
‫ابتعثنا لخراج العباد‪ ،‬من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد‪ ،‬ومن‬
‫جور الديان إلى عدل السلم‪ ،‬ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا‬
‫والخرة"‪.‬‬
‫فقد جاء النبي‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪ ،‬بهذا السلم لتحصيل كل‬
‫خير‪ ،‬ولمنع كل شر‪.‬‬
‫جا‪ ،‬ودخول‬ ‫ويدل على صدق هذا‪ :‬دخول الناس في السلم أفوا ً‬
‫كثير منهم بدون قتال‪ ،‬بل بالدعوة وحدها‪ ،‬فلول صدق تلك‬
‫المبادئ لم ينتشر السلم‪ ،‬ولم يدخل الناس فيه أفواجا‪ ،‬بل لو‬
‫صح ادعاء أعداء السلم لما بقي للسلم قائمة‪ ،‬ولرفضه حتى‬
‫أهله‪ ،‬لكن المر عكس ذلك‪ ،‬فكل يوم يدخل الناس في هذا‬
‫الدين عن رضا‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬دفع الشبهات والطعونات حول النبي‪ ،‬صلى الله عليه‬
‫سلم‪.‬‬
‫كافة ما يثار حوله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪ ،‬من شبهات هي قديمة‪،‬‬
‫وكل السباب والشتائم والطعونات قد أجيب عنها إجابات شافية؛‬
‫ما طرحها المستشرقون‪.‬‬ ‫ل ّ‬
‫والمطلوب إعادة صياغتها بأساليب ملئمة ميسرة؛ لحفظ عوام‬
‫المسلمين من النجراف خلف تلك الشبهات‪.‬‬
‫ثم إن مما ينبغي التنبه له في هذا المقام‪:‬‬
‫أن بعض ما يطرحه هؤلء الطاعنون قاصدين تشويه صورة‬
‫السلم‪ ،‬والنبي ـ صلى الله عليه وسلم‪ ،‬هي في عرف وحكم‬
‫الشريعة‪ :‬حق‪ ،‬وصدق‪ ،‬وعدل‪.‬؟‬
‫كقولهم عن السلم‪:‬‬
‫‪ -‬أنه دين ل يصحح الديان الخرى‪ ،‬ويتعالى عليها‪ ،‬فل يعترف‬
‫بالمساواة بينها وبين السلم‪.‬‬
‫وهذا عندهم من الطعونات‪ ،‬وهو عند المسلمين من الحقائق‪،‬‬
‫ومما دله عليه كلم ربهم سبحانه وتعالى‪:‬‬
‫م }‪.‬‬‫سل َ ُ‬ ‫عند َ اللّهِ ال ِ ْ‬ ‫ن ِ‬‫ن الدِّي َ‬ ‫‪ { -‬إ ِ َّ‬
‫ن‬‫م َ‬‫خَرةِ ِ‬‫ه وَهُوَ فِي ال ِ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ل ِ‬‫سلَم ِ دِينا ً فَلَن يُقْب َ َ‬ ‫من يَبْتَِغ غَيَْر ال ِ ْ‬ ‫‪َ { -‬و َ‬
‫ن }‪.‬‬ ‫سرِي َ‬ ‫خا ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬
‫ن }‪.‬‬ ‫ن إِن كُنتُم ُّ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫منِي َ‬ ‫م الَع ْلَوْ َ‬ ‫حَزنُوا وَأنت ُ ُ‬‫‪ { -‬وَل َ تَهِنُوا وَل َ ت َ ْ‬
‫‪ -‬وقال صلى الله عليه وسلم‪ ( :‬السلم يعلو ول يعلى عليه )‪.‬‬
‫نعم من أصول السلم‪ ،‬أنه يعلو ول يعلى عليه‪..‬‬
‫ض لهم غيره‪..‬‬ ‫فهو الدين الذي ارتضاه الله تعالى لعباده‪ ،‬ولم يرت ِ‬
‫وهو الذي يقبله ول يقبل غيره‪ ،‬حتى لو كانت اليهودية‬
‫والنصرانية‪..‬‬
‫ق إلى قيام الساعة‪..‬‬ ‫فهو شامل خاتم با ٍ‬
‫فلو كان ثمة شريعة من الشرائع السابقة صحيحة باقية دون‬
‫تحريف إلى اليوم لكان السلم أحسن منها‪ ،‬وعلى أتباعها تركها‬
‫واتباع السلم؛ لنه الناسخ لجميع الشرائع السابقة‪..‬‬
‫فكيف الحال إذا كانت محّرفة مبدّلة‪ ،‬قد تبرأ الله منها‪ ،‬وحكم‬
‫بضلل أتباعها؟!‬
‫فالسلم هو الدين الصحيح‪ ،‬ول دين صحيح غيره؛ فاليهودية‬
‫محّرفة والنصرانية كذلك‪ ،‬دع عنك ما سواهما‪ ،‬والسلم خاتم‬
‫لجميع ما سبق‪ ،‬للناس كافة‪ ،‬فل دين غيره يقبل الله به‪.‬‬
‫وعلى المسلمين أن يعلموا هذا ويتمسكوا به‪ ،‬وليس لهم خيار‬
‫غيره‪ ،‬إن أرادوا البقاء مسلمين‪.‬‬
‫ما‪ ،‬فهذا دينه‬
‫فإذا جاءهم من يجعل هذه الخاصية للسلم طعنًا وذ ً‬
‫هو‪!!..‬‬
‫وليس لنا أن ندفع تهمة بإلغاء أصل من أصول السلم‪ ،‬كما يفعل‬
‫البعض حينما يزعم أن النصرانية واليهودية والسلم في مرتبة‬
‫ب عن السلم‪ ،‬فهذا من أبطل‬ ‫سواء ل فرق بينها‪ ،‬يريد أن يذ ّ‬
‫الباطل‪ ،‬فالدفاع عن الحق ل يكون بإحقاق الباطل بل بإبطاله‪،‬‬
‫ودفاعنا عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إنما يكون بتقرير‬
‫الدين كما جاء به دون تحريف‪ ،‬ل بتحريف ما جاء به فذلك ليس‬
‫دفاع ًا‪ ،‬بل خدمة تُقدم للطاعنين فيه‪ ،‬وليس شيء أفرح لقلوبهم‪:‬‬
‫من أن يقّر لهم المسلمون بصحة دينهم الباطل بخبر الله تعالى‪.‬‬
‫‪ .5‬كتاب "التأدب مع الرسول في ضوء الكتاب‬
‫والسنة" [الجزء الول]‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫التأدب مع رسول الله في ضوء الكتاب والسنة‬

‫تأليف‪ /‬حسن نور حسن‬

‫شكر وتقدير‪:‬‬
‫الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين‪ ،‬ول عدوان إل على‬
‫الظالمين‪ ،‬وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم‬
‫ما كثيًرا‪.‬‬ ‫تسلي ً‬
‫وبعد‪ ..‬فإن شكر النعمة أمر واجب لمعطيها ولمن كان سببًا لها‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫ه وَهْنًا ع َلى وَهْ ٍ‬‫م ُ‬‫ه أ ُ ُّ‬‫ملَت ْ ُ‬
‫ح َ‬‫ن بِوَالِدَيْهِ َ‬
‫سا َ‬ ‫صيْنَا الِن َ‬‫لقوله تعالى‪{ :‬وَوَ َّ‬
‫َ‬
‫صيُر} [لقمان‪:‬‬ ‫م ِ‬‫ي ال ْ َ‬ ‫ك إِل َ َّ‬ ‫شكُْر لِي وَلِوَالِدَي ْ َ‬‫نا ْ‬‫نأ ْ‬ ‫مي ْ ِ‬
‫ه فِي عَا َ‬‫صال ُ ُ‬
‫وَفِ َ‬
‫‪.]14‬‬
‫ي من نعم‬ ‫ومن هذا المنطلق‪ ،‬أشكر الله تعالى على ما أسداه إل ّ‬
‫وفضل وبخاصة نعمة التوفيق والنتساب لجامعة أم القرى‬
‫العريقة لنهل من مواردها الصافية وبخاصة في مجال دراسة‬
‫علوم القرآن والحديث‪.‬‬
‫وبعد شكر الله تعالى أتوجه بالشكر لعباده الخيرين القائمين على‬
‫أمر كلية الدعوة وأصول الدين وعلى رأسهم سعادة عميد الكلية‬
‫وسعادة وكيله وسعادة رئيس قسم الكتاب والسنة‪.‬‬
‫ول يفوتني أن أوجه الشكر لسعادة الستاذ الدكتور أحمد أحمد‬
‫علوش على ما بذله معي في هذه الرسالة من نصح خالص‬
‫وتوجيه سديد وإرشاد مستمر‪ ،‬وتشجيع صادق‪.‬‬
‫كما أني أشكر الخ الفاضل الذي سعى إلى طبع هذه الرسالة‬
‫والله أسأل أن يجزيه عني خير الجزاء‪.‬‬
‫وأخيًرا وليس آخًرا أشكر للقائمين على إدارة دار المجتمع بجدة‬
‫التي تولت طبع هذه الرسالة‪.‬‬
‫ما أشكر لكل من ساعدني ولو بالدعاء والماني الطيبة‬ ‫وختا ً‬
‫وجزى الله الجميع خيًرا والله الموفق‪.‬‬
‫المؤلف‬

‫المقدّمــة‬

‫الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ بالله من شرور‬


‫أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهد الله فل مضل له ومن يضلل‬
‫ن ل إله إل ّ الله وحده ل شريك له وأشهد‬ ‫فل هادي له‪ ،‬وأشهد أ ّ‬
‫ن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه‬ ‫أ ّ‬
‫ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين‪.‬‬
‫ً‬
‫ن كل مسلم مخلص يجد نفسه مرتبطا برسول الله‬ ‫وبعد‪ :‬فإ ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم صاحب الفضل في إيصال السلم إلى‬
‫الناس كافة فهو الذي بواسطته جاء الوحي بشقيه القرآن والسنة‬
‫إلى البشر أجمعين‪ ،‬يأخذون منهما منهج السعادة في الدنيا‬
‫والخرة‪.‬‬
‫وقد أراد الله ـ سبحانه وتعالى ـ بفضله ومنّه الخير لي إذ جعلني‬
‫من طلب العلم الذين يدرسون العلوم الشرعية‪ ،‬وبالخص علوم‬
‫القرآن الكريم والسنة النبوية اللذين هما مصدرا السلم‬
‫الساسيان‪.‬‬
‫ن تَعُدُّوا‬‫وهذه نعمة من نعم الله تعالى التي ل تعد ول تحصى‪{ :‬وَإ ِ ْ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫م} [النحل‪.]18:‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫ه لَغَفُوٌر َر ِ‬‫ن الل ّ َ‬‫صوهَا إ ِ ّ‬ ‫ح ُ‬ ‫ة الل ّهِ ل ت ُ ْ‬ ‫م َ‬‫نِعْ َ‬
‫وأشكر الله على ذلك آمل ً في المزيد‪.‬‬
‫َ‬
‫م} [إبراهيم‪.]7:‬‬ ‫م لزِيدَنَّك ُ ْ‬ ‫شكَْرت ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫{لَئ ِ ْ‬
‫وقد ازداد هذا الخير بأن مكّنني الله من الستمرار في نفس‬
‫التخصص في مرحلة الدراسات العليا؛ حيث قبلت بالدراسات‬
‫العليا الشرعية بكلية الشريعة والدراسات السلمية بجامعة أم‬
‫القرى فرع الكتاب والسنة في بلد الله الحرام الذي تهوى إليه‬
‫أفئدة المؤمنين من أنحاء المعمورة تحقيقًا لدعوة أبي النبياء‬
‫إبراهيم عليه السلم كما حكى لنا القرآن الكريم‪َ{ :‬ربَّنَا إِنِّي‬
‫َ‬
‫حَّرم ِ َربَّنَا‬
‫م َ‬‫ك ال ْ ُ‬ ‫عنْد َ بَيْت ِ َ‬‫ن ذُّرِيَّتِي بِوَاد ٍ غَيْرِ ذِي َزْرٍع ِ‬ ‫م ْ‬‫ت ِ‬ ‫سكَن ُ‬ ‫أ ْ‬
‫صلة َ فَاجع ْ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م وَاْرُزقْهُ ْ‬ ‫س تَهْوِي إِلَيْهِ ْ‬ ‫م ْ َ‬
‫ن الن ّا ِ‬ ‫ل أفْئِدَة ً ِ‬ ‫ْ َ‬
‫َ‬
‫موا ال َّ‬ ‫قي ُ‬ ‫لِي ُ ِ‬
‫َ‬
‫ن} [إبراهيم‪.]37:‬‬ ‫شكُُرو َ‬ ‫م يَ ْ‬‫ت لَعَل ّهُ ْ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫الث ّ َ‬
‫وهذه نعمة أخرى أحمد الله سبحانه وتعالى عليها وأشكره وأنا‬
‫راض سعيد‪ ،‬حيث ازدادت صلتي بكتاب الله وسنة رسوله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬وتحققت أمنيتي بالستمرار في هذا الطريق‬
‫الحبيب‪.‬‬
‫ما حان موعد كتابة رسالة الماجستير لم أجد أفضل من أن‬ ‫ول ّ‬
‫أعيش مع صاحب الرسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫الذي جعله الله أسوة وقدوة للمؤمنين ليقتدوا به‪ .‬حيث يقول‬
‫َ ُ‬
‫ن‬‫ن كَا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة لِ َ‬ ‫سن َ ٌ‬‫ح َ‬‫سوَة ٌ َ‬ ‫ل الل ّهِ أ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫م فِي َر ُ‬ ‫ْ‬ ‫ن لَك ُ‬ ‫سبحانه‪{ :‬لَقَد ْ كَا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه كَثِيًرا} [الحزاب‪.]21:‬‬ ‫خَر وَذ َكََر الل ّ َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫ه وَالْيَوْ َ‬ ‫جو الل ّ َ‬ ‫يَْر ُ‬
‫وقد عشت مع هذا المل ووفقني الله لختيار موضوع‪( :‬التأدب‬
‫مع الرسول صلى الله عليه وسلم في ضوء الكتاب والسنة)‬
‫ما‬
‫عساي أن أوضح هذا الجانب الهام الذي يحتاج إليه البشر عمو ً‬
‫والمسلمون على وجه الخصوص‪.‬‬
‫وأهمية كل دراسة ترتبط بموضوعها‪ ،‬وبذلك يأخذ موضوعي هذا‬
‫أهمية كبرى لتعلقه بأسلوب التعامل مع رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم وسنته وتعاليمه حيًا وميتا‪.‬‬
‫فلقد أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحق للناس‬
‫جميعًا‪ ،‬يدعوهم للهدى‪ ،‬ويوجههم للخير‪ ،‬ويحرص على تحقيق‬
‫شيًرا‬ ‫س بَ ِ‬ ‫ك إِل َّ كَافَّ ً َ‬ ‫سلْنَا َ‬ ‫َ‬
‫ة لِلن ّا ِ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫{و َ‬ ‫المصلحة يقول تعالى‪َ :‬‬
‫وَنَذِيًرا} [سبأ‪.]28:‬‬
‫سلْنَا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شًرا وَنَذِيًرا *‬ ‫مب َ ّ ِ‬ ‫شاهِدًا وَ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫ي إِنَّا أْر َ‬ ‫ويقول تعالى‪{ :‬يَا أي ُّ َها النَّب ِ ُّ‬
‫َ‬
‫منِيًرا} [الحزاب‪.]4546:‬‬ ‫جا ُ‬ ‫سَرا ً‬ ‫عيًا إِلَى الل ّهِ بِإِذ ْنِهِ وَ ِ‬ ‫وَدَا ِ‬
‫ستَقِيمٍ} [الشورى‪.]52:‬‬ ‫م ْ‬ ‫ط ُ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫ك لَتَهْدِي إِلَى ِ‬ ‫ويقول تعالى‪{ :‬وَإِن َّ َ‬
‫لم َ‬
‫م ع َزِيٌز ع َلَيْهِ َ‬
‫ما‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ن أنفُ ِ‬ ‫سو ٌ ِ ْ‬ ‫م َر ُ‬ ‫جاءَك ُ ْ‬ ‫ويقول تعالى‪{ :‬لَقَد ْ َ‬
‫م} [التوبة‪.]128:‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫ف َر ِ‬ ‫ن َرءُو ٌ‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫م بِال ْ ُ‬ ‫ص ع َلَيْك ُ ْ‬ ‫حري ٌ‬ ‫م َ ِ‬ ‫ع َنِت ُّ ْ‬
‫ولرسول الله صلى الله عليه وسلم فضل على أمته‪ ،‬فلقد بلغهم‬
‫الوحي ونصحهم وأتم لهم الدين وكمل لهم الرسالة وأدى المانة‬
‫المكلف بها من قبل الله على أتم وجه بشهادة الصحابة في حجة‬
‫الوداع حينما قال لهم أثناء خطبته بوادي عرنة يوم عرفة قال‪:‬‬
‫(وأنتم مسؤولون عنّى فما أنتم قائلون؟ قالوا‪ :‬نشهد أنّك قد‬
‫بلغت وأديت ونصحت‪ .‬فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء‬
‫وينكتها[‪ ]1‬إلى الناس‪ :‬اللهم أشهد اللهم أشهد) ثلث مرات[‪.]2‬‬
‫ن الله على المؤمنين ببعثه صلى الله عليه وسلم فيهم‬ ‫وقد م ّ‬
‫ما ومزكيًا ورسول ً يأخذهم إلى طريق الفوز والنجاة‪.‬‬ ‫معل ً‬
‫َ‬
‫سولً‬ ‫م َر ُ‬ ‫ث فِيهِ ْ‬ ‫ن إِذ ْ بَعَ َ‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ه ع َلَى ال ْ ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫م َّ‬ ‫يقول تعالى‪{ :‬لَقَد ْ َ‬
‫ب وَال ْ ِ‬ ‫م َ‬
‫ة‬
‫م َ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫م الْكِتَا َ‬ ‫مهُ ْ‬‫م وَيُعَل ِّ ُ‬ ‫م آيَاتِهِ َويَُز ِكّيهِ ْ‬ ‫م يَتْلُوا ع َلَيْهِ ْ‬ ‫سهِ ْ‬‫ن أنْفُ ِ‬ ‫ِ ْ‬
‫ن} [آل عمران‪.]164:‬‬ ‫َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫َ‬
‫مبِي ٍ‬ ‫ل ُ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫ل لفِي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن كانُوا ِ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫ن بعثة الرسول إحسان من الله‬ ‫يقول بعض المفسرين‪( :‬اعلم أ ّ‬
‫ما كان النتفاع بالرسول أكثر كان وجه‬ ‫إلى الخلق‪ ،‬ثم أنّها ل ّ‬
‫النعام في بعثه الرسل أكثر‪ .‬وبعثة محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫كانت مشتملة على المرين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬المنافع الحاصلة من أصل البعثة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬المنافع الحاصلة بسبب ما فيه من الخصال التي ما كانت‬
‫موجودة في غيره‪.‬‬
‫أما المنفعة بسبب أصل البعثة فهي التي ذكرها الله تعالى في‬
‫َ‬ ‫ن لَل َّ يَكُو َ َ‬
‫ة‬
‫ج ٌ‬‫ح َّ‬ ‫س ع َلَى الل ّهِ ُ‬ ‫ن لِلن ّا ِ‬ ‫منذِرِي َ‬ ‫ن وَ ُ‬ ‫شري َ َ‬ ‫مب َ ّ ِ ِ‬ ‫سل ً ُ‬ ‫قوله‪ُ{ :‬ر ُ‬
‫ما} [النساء‪.]165:‬‬ ‫حكِي ً‬ ‫ه ع َزِيًزا َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫ل وَكَا َ‬ ‫س ِ‬ ‫بَعْد َ الُّر ُ‬
‫ما المنافع الحاصلة بسبب ما كان في محمد صلى الله عليه‬ ‫وأ ّ‬
‫وسلم من الصفات فأمور ذكرها الله تعالى في هذه الية)[‪.]3‬‬
‫والخصال التي تشير إليها هذه الية هي‪ :‬أنّه صلى الله عليه‬
‫وسلم من أنفسهم ل من غيرهم من الجناس الخرى من المم‬
‫ول من المخلوقات الخرى كالملئكة وأنّه يبلغ إليهم الوحي‬
‫ويزكيهم من كل مخلفات الجاهلية من عبادة الصنام والوثان‬
‫ما أميين كما تشير إليه‬ ‫كانوا قو ً‬ ‫ويعلمهم القرآن والسنة مع أنهم‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫سولً‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ميِّي َ‬ ‫ث فِي ال ِّ‬ ‫آية أخرى وهي قوله تعالى‪{ :‬هُوَ ال ّذِي بَعَ َ‬
‫ن‬
‫ة وَإ ِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ب وَال ْ ِ‬ ‫م الْكِتَا َ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫م وَيُعَل ِّ ُ‬ ‫م آيَاتِهِ وَيَُزكِّيهِ ْ‬ ‫م يَتْلُو ع َلَيْهِ ْ‬ ‫منْهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ن} [الجمعة‪.]2:‬‬ ‫مبِي ٍ‬ ‫ل ُ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫ل لَفِي َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬‫كَانُوا ِ‬
‫ن الله تعالى على المؤمنين ببعثة محمد صلى الله عليه‬ ‫وكما م ّ‬
‫وسلم فيهم‪ ،‬وجههم إلى ضرورة التأدّب معه وذلك يتم بعدة‬
‫سو ُ‬
‫ل‬ ‫م الَّر ُ‬ ‫ما آتَاك ُ ْ‬ ‫{و َ‬‫وجوه تشير إليها اليات التالية‪ :‬يقول تعالى‪َ :‬‬
‫ه فَانْتَهُوا} [الحشر‪.]7:‬‬ ‫خذ ُوه وما نَهاك ُم ع َن ْ‬ ‫فَ ُ‬
‫َّ‬ ‫ُ َ َ َ ْ َ ُ ُ َّ‬
‫ن يَدَيْ اللهِ‬ ‫موا بَي ْ َ‬ ‫منُوا ل تُقَدِّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ويقول تعالى‪{ :‬يَا أي ّ َها الذِي َ‬
‫سولِهِ} [الحجرات‪.]1:‬‬ ‫وََر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫صوْ ِ‬ ‫م فَوْقَ َ‬ ‫صوَاتَك ُ ْ‬ ‫منُوا ل تَْرفَعُوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ويقول تعالى‪{ :‬يَا أي ُّ َها ال ّذِي َ‬
‫ض} [الحجرات‪.]2:‬‬ ‫ٍ‬ ‫م لِبَعْ‬‫ْ‬ ‫ضك ُ‬ ‫جهْرِ بَعْ ِ‬ ‫ل كَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ه بِالْقَو‬ ‫ُ‬ ‫جهَُروا ل َ‬ ‫ي وَل ت َ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫النَّب‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫ي يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫ن‬ ‫ن ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬ ‫صل ّو َ‬ ‫ه يُ َ‬ ‫ملئِكَت َ ُ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ويقول تعالى‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫ُ‬
‫ما} [الحزاب‪.]56:‬‬ ‫سلِي ً‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ِّ ُ‬ ‫صل ّوا ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫منُوا َ‬ ‫آ َ‬
‫ضك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م كَدُع َاءِ بَعْ ِ‬ ‫ل بَيْنَك ُ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫جعَلُوا دُع َاءَ الَّر ُ‬ ‫ويقول تعالى‪{ :‬ل ت َ ْ‬
‫ضا} [النور‪.]63:‬‬ ‫بَعْ ً‬
‫ومجمل اليات يوضح مسؤولية المسلم إزاء رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم من ناحية الطاعة العملية والعتقاد القلبي‬
‫والسلوك الخلقي والكيفية التي يجب على المسلم أن يتعامل بها‬
‫مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع شرعه حيًّا وميّتا‪ .‬وعلى‬
‫الجملة أهمية الموضوع تنحصر فيما يلي‪:‬‬
‫ن المسلم يجد نفسه مرتبطًا برسول الله صلى الله عليه‬ ‫أولً‪ :‬أ ّ‬
‫وسلم بذكره آناء الليل وأطراف النهار‪ ،‬فهو يشهد له بالرسالة‬
‫في كلمة التوحيد وفي التشهد وفي الذان ويصلي عليه في‬
‫الصلوات المكررة كل يوم ويراه في كل عبادة‪ ،‬وحياة المؤمن‬
‫ن المر كذلك فهو في حاجة إلى أن يعرف‬ ‫كلها عبادة وحيث أ ّ‬
‫مقام رسول الله بحق حتى يتأدب معه بطريقة مشروعة وبمنهج‬
‫مثاب عليه‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬هنالك من الناس من يغفل عن التأدب مع رسول الله ـ عن‬
‫جهل أو عن تقصير ـ ويحتاج هذا المر إلى بيان كيفية التأدب مع‬
‫رسول الله لكي يلتزم المقصر باقتناع ويصحو الغافل بعلم‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬وهناك فريق من المسلمين يغالون في التأدّب مع الرسول‬
‫ويتصورون المغالة دينًا‪ ،‬ولذا وجب أن يحدد الدب المشروع‬
‫بدليله الصحيح لتبطل المغالة‪ ،‬ويستقيم الناس على الحق‬
‫والصواب‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬ظهرت بعض مذاهب منحرفة تدعي حب الرسول والتوجه‬
‫إليه بأدب‪ ،‬وتخترع في سبيل ذلك شرائع وعقائد بقصد تشويه‬
‫تعاليم السلم الصحيحة‪ ،‬وصرف المسلمين عن حقيقة السلم‬
‫وتطبيقاته‪ ،‬وهذا أمر يحتاج إلى التصدي بالعلم وبالدلة الصحيحة‬
‫من الكتاب والسنة ليتبين الرشد من الغي ويحيا من يحيا عن‬
‫بيّنة‪ ،‬ويضل من يضل عن بينة كذلك‪.‬‬
‫سا‪ :‬الدب مع الرسول بصورة عامة من القضايا التي يحتاج‬ ‫خام ً‬
‫إليها كل مسلم في كل عصر ومصر‪ ،‬ولذا فإن جمعه في مؤلف‬
‫واحد يوضح الطريق وييسر الستفادة أمر يستحق الهتمام‬
‫وخاصة في عصرنا الحاضر المليء بالنظريات الهدامة‪.‬‬
‫جا علميًا يعتمد‬
‫ولتحقيق تلك الهداف التي أشرت إليها اتبعت منه ً‬
‫على السس التالية‪:‬‬
‫سمت الموضوع إلى أبواب وفصول ومباحث حسب ما‬ ‫(أ) ق ّ‬
‫تتطلبه الدراسية وعلى ضوء التسلسل العلمي السليم‪.‬‬
‫ضح آراء العلماء فيه‪.‬‬
‫(ب) في كل مبحث أبيّن المراد منه ثم أو ّ‬
‫(ج) أورد أدلة كل فريق من العلماء في المسائل المختلف فيها‬
‫مع توجيه الدلة نحو الرأي التي سيقت له كما ذكر العلماء‬
‫أنفسهم‪.‬‬
‫(د) أعقد مناقشة بين الدلة وذلك بمواجهة أدلة كل فريق بأدلة‬
‫معارضيه‪.‬‬
‫(هـ) انتهي من المسألة ببيان الرأي الراجح مع بيان وجه الترجيح‪.‬‬
‫وقد اعتمدت على القرآن الكريم والسنة النبوية وعلى عديد من‬
‫المصادر والمراجع الصلية التي لها صلة بالموضوع ككتب‬
‫التفسير وكتب السنة وشروحها وكتب السيرة والمغازي وكتب‬
‫الشمائل والخصائص وكتب العقيدة والفرق‪ ،‬وكتب الفقه‬
‫وأصوله‪ ،‬وغيرها من الكتب‪.‬‬
‫(و) بالنسبة ليات القرآن وأحاديث المصطفى صلى الله عليه‬
‫وسلم فسوف أجعلها في قوسين‪ ،‬واحد في بدايتها وآخر في‬
‫ما قبله‪،‬‬‫نهايتها مع وضع نقاط في البداية إذا كان النص جزءًا م ّ‬
‫ما إذا كان ما بعده جزءًا منه فسوف أضع النقاط في آخر‬ ‫وأ ّ‬
‫ما إذا حذفت بعض النص‬ ‫ن النص لم ينقل بأكمله‪ ،‬وأ ّ‬ ‫الكلم لبيان أ ّ‬
‫من الوسط فسوف أضع النقط في الوسط للعلة نفسها بشرط‬
‫أن يكون الحديث من كلم النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وبالنسبة للنصوص المقتبسة من غير القرآن الكريم والسنة‬
‫النبوية فسوف أحصرها بعلمات القتباس "" هكذا مع وضع‬
‫النقاط في مواطن الحذف التي أشرت إليها‪.‬‬
‫ما إذا‬
‫وكل هذا في النصوص التي لم أتعرض لها بالتصرف‪ ،‬وأ ّ‬
‫أحلتها إلى أسلوبي الخاص فسوف أكتفي بالشارة إلى مصدرها‬
‫أو مرجعها في الهامش مع الذكر أني تصرفت فيها تحقيقا للمانة‬
‫العلمية‪.‬‬
‫ضا بعزو كل نص مقتبس إلى موضعه الصلي‬ ‫وسوف أقوم أي ً‬
‫وفق المنهج التي‪:‬‬
‫أولً‪ :‬النصوص القرآنية‪ :‬أشير في الهامش إلى اسم السورة‬
‫ورقم الية‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أما النصوص النبوية فسوف أقوم بعزوها إلى مصادرها‬
‫الصلية مكتفيًا بمصدر واحد إذا لم يكن هناك ما يقتضي ذكر أكثر‬
‫من مصدر مع الشارة إلى اسم الكتاب والباب والجزء والصفحة‬
‫في الهامش‪.‬‬
‫وبالنسبة لدرجة الحديث‪ ،‬فسوف أذكر من نص من الئمة على‬
‫ذلك صحة وضعفًا إذا كان في غير الصحيحين لتفاق المة على‬
‫قبول ما ورد فيهما مرفوع ًا مسندًا‪.‬‬
‫ومن ناحية أسانيد الحاديث فل أتطرق إلى رجالها إل ما ورد في‬
‫الباب الثالث من هذه الرسالة وخاصة أسانيد الحاديث من طرف‬
‫الخصم المرجوح مع الكتفاء بذكر الرجل المجروح من قبل أئمة‬
‫هذا الشأن ل كل الرجال في السند لحصول الغرض بواحد أو‬
‫اثنين منهم في مقام التضعيف والرد بعكس ما هو مطلوب في‬
‫مقام التصحيح والقبول إذ أن وجود رجل واحد في السند يكفي‬
‫لرد قبول الحتجاج بالحديث وليس العكس كما هو معلوم‪.‬‬
‫من ناحية النصوص المقتبسة من كتب المعاجم والقواميس‬
‫فأذكر المادة أحيانًا مع الشارة إلى اسم الكتاب والجزء‬
‫والصفحة‪.‬‬
‫من ناحية النصوص المقتبسة من المراجع والمصادر غير ما‬
‫ذكرت فسوف أقوم بعزوها إلى مرجعها مع الشارة إلى السم‬
‫المتعارف عليه للكتاب والجزء والصفحة في الهامش وأؤخر اسم‬
‫الكتاب كامل ً في ثبت المراجع مع ذكر الطبعة وتاريخها ودار‬
‫النشر ومكانها إن أمكن‪.‬‬
‫بالنسبة لمؤلفي المصادر والمراجع فل أتطرق إلى الترجمة لكل‬
‫واحد بل أكتفي بذكر اسمه المشهور مع كتابه في أول وروده‬
‫وأؤخر ذكر اسمه الكامل مع كتابه في ثبت المراجع إذا كان‬
‫ما غيرهم فسوف‬ ‫المؤلف من المشهورين أو المعاصرين‪ ،‬وأ ّ‬
‫أضيف إلى ذلك ترجمة موجزة لهم أذكر فيها أسماءهم كاملة‬
‫وتاريخ ولدتهم ووفاتهم كلما أمكن ذلك‪.‬‬
‫هذا هو المنهج الذي اتبعته مع النصوص الواردة في هذا البحث‪،‬‬
‫وقد جاء مشتمل ً على مقدمة وثلثة أبواب وخاتمة‪.‬‬
‫ففي المقدمة‪ :‬تحدثت عن أهمية الموضوع وسبب اختياري له‪،‬‬
‫والمنهج الذي اتبعت في بحثه‪ ،‬وأهم المشاكل التي واجهتني‬
‫وخطة البحث بإجمال‪.‬‬
‫وأما في التمهيد‪ :‬فقد تحدثت فيه عن تعريف الدب في اللغة‬
‫وفي الصطلح وضرورة اللتزام بالتأدب مع الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم بما جاء في القرآَن الكريم والسنة النبوية الثابتة‪.‬‬
‫وفي الباب الول‪ :‬تحدثت فيه عن أسباب قيام المة بالدب مع‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم وذكرت فيه نسبه الطاهر وتربيته‬
‫وأهم صفاته قبل النبوة وبعد النبوة ومواقفه من المشركين‬
‫المعاندين لرسالته من احتمال الذى وعدم خضوعه لمغرياتهم‪،‬‬
‫وإكمال الدين على يديه‪.‬‬
‫وفي الباب الثاني‪ :‬وهو أهم البواب فقد تحدثت فيه عن أنواع‬
‫سمتها إلى ثلثة‬ ‫الدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم وقد ق ّ‬
‫أنواع‪:‬‬
‫النوع الول‪ :‬الدب القلبي ـ وهو ما كان محله القلب كاليمان‬
‫بنبوته ـ صلى الله عليه وسلم ومحبته‪.‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬الدب القولي ـ وهو ما كان محله اللسان ـ مثل‬
‫الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫النوع الثالث‪ :‬الدب العملي ـ وهو ما كان محله الجوارح غير‬
‫اللسان ـ مثل اتباعه صلى الله عليه وسلم وتنفيذ أمره‪.‬‬
‫ما ينافي التأدب مع‬ ‫وفي الباب الثالث‪ :‬فقد تحدثت فيه ع ّ‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم وإن كان يقصد فاعله التأدب بعينه‬
‫عن جهل أو تأويل أو غير ذلك مثل الحتفال بمولده صلى الله‬
‫عليه وسلم وشد الرحال إلى قبره صلى الله عليه وسلم دون‬
‫مسجده وغيرها من البدع الخرى التي تصحب ذلك أو تفعل في‬
‫مسجده صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وفي الخاتمة‪ :‬فقد ذكرت أهم النتائج التي توصلت إليها أثناء‬
‫البحث‪.‬‬
‫ن عمل ً كهذا يتطلب جهدًا كبيًرا لنجازه حتى يخرج إلى‬ ‫ول شك أ ّ‬
‫حيز الوجود في أكمل صورته‪.‬‬
‫وقد بذلت جهدًا متواصل ً تجاه هذا البحث مع أنّي لقيت صعوبات‬
‫كثيرة وأهمها ما هو متعلق بمراجع الموضوع من بحث وتنقيب‬
‫في الكتب المطبوعة وغير المطبوعة ومن تنسيق وترتيب‬
‫واستنباط وغير ذلك‪ .‬وأخيًرا‪ :‬أسجل هنا أهم الصعوبات التي‬
‫واجهتني‪:‬‬
‫(أ) لم أجد من تكلم عن هذا الموضوع في مؤلف واحد مما‬
‫كلفني مراجعة بطون الكتب التي لها صلة بهذا الموضوع من‬
‫قريب ومن بعيد ككتب التفسير وكتب الحديث وشروحها وكتب‬
‫السيرة والمغازي وكتب الشمائل وغير ذلك من مطبوع‬
‫ومخطوط‪.‬‬
‫(ب) الذين تطرقوا إلى موضوع من مواضيع هذه الرسالة‬
‫ينقسمون إلى فئتين‪:‬‬
‫الفئة الولى‪ :‬تذكر النصوص الواردة في المسألة من القرآن‬
‫والسنة سردًا دون تعليق‪.‬‬
‫وأما الفئة الثانية‪ :‬فهي على نقيض ذلك إذ تخصص كتابًا كاملً‬
‫لموضوع من مواضيع رسالتي وتتكلم عنه بالتفصيل‪ ،‬وحينئذ ٍ أجد‬
‫صعوبة في استخلص المعلومات التي تتمشى مع حجم رسالتي‬
‫ن كتابًا واحدًا‬‫وخاصة المبحث الذي خصصت لتلك المسألة إذ أ ّ‬
‫من تلك المؤلفات يوازي ما في هذه الرسالة أو أكثر‪ ،‬فما بال‬
‫المبحث الذي هو جزء من فصل ضمن باب من رسالة مكونة من‬
‫عدة أبواب‪.‬‬
‫(ج) بعض المراجع لهذا الموضوع ما زالت مخطوطة ولم أتمكن‬
‫من الوصول إليها‪ ،‬ولذلك اضطررت إلى اقتباس بعض النصوص‬
‫المعزوة إلى تلك المخطوطات من مراجع فرعية‪.‬‬
‫(د) بعض المراجع التي رجعت إليها واقتبست منها يعزو أصحابها‬
‫بعض النصوص التي لها علقة وثيقة بالموضوع إلى شخص غير‬
‫مشهور ويذكرون كنيته أو نسبته إلى قبيلة‪ ،‬أو بلد دون المؤلف أو‬
‫ن هذه‬
‫السم الكامل للشخص والقرن الذي عاش فيه مع أ ّ‬
‫النسبة أو الكنية مشتركة بين عدة أشخاص عاشوا قبل صاحب‬
‫ذلك المرجع أو من أقرانه‪ ،‬وحينئذ أجد صعوبة في الوصول إلى‬
‫الشخص المقصود منهم‪.‬‬

‫التمهيــد‬

‫يحتاج موضوع بحثي هذا (التأدب مع الرسول صلى الله عليه‬


‫وسلم) إلى بيان بعض المسائل التي تبيّن المراد منه حتى تكون‬
‫الدراسة محددة من ناحية الموضوع ومن ناحية الهدف معًا‪.‬‬
‫وهذه المسائل هي‪:‬‬
‫‪ 1‬بيان المراد بالتأدّب مع الرسول صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ 2‬ضرورة اللتزام في التأدّب معه صلى الله عليه وسلم بما جاء‬
‫في القرآن الكريم والسنة النبوية‪.‬‬
‫وسوف أتناول بحث هاتين النقطتين فيما يلي‪:‬‬
‫‪ 1‬بيان المراد بالتأدّب مع الرسول صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫التأدب مصدر من الفعل الخماسي (تأدّب) بتشديد الدال‪ ،‬وله‬
‫معان متعددة يشترك فيها مع كلمة الدب مع الزيادة بسبب ما‬
‫فيه من تضعيف‪ .‬ولذا حسن أن أبدأ ببيان معنى الدب أولً‪،‬‬
‫وبعدها أبيّن معنى التأدّب مع ملحظة الفرق بين الصيغتين‪.‬‬
‫أ الدب في اللغة‪:‬‬
‫يقول ابن فارس[‪( :]4‬الهمزة والدال والباء أصل واحد تتفرع‬
‫مسائله وترجع إليه‪ ،‬فالدْب أن تجمع الناس إلى طعامك‪ ،‬ومن‬
‫ضا لنّه مجمع على استحسانه‪.]5[)...‬‬ ‫هذا القياس‪ ،‬الدب أي ً‬
‫ولهذا قال ابن منظور[‪( :]6‬أصل الدب الدعاء)[‪.]7‬‬
‫ما عن اشتقاقها‪ ،‬فيقول الجواليقي[‪:]8‬‬ ‫هذا أصل كلمة الدب‪ ،‬وأ ّ‬
‫(واشتقاقه من شيئين يجوز أن يكون من الدب وهو العجب‪،‬‬
‫ومن الدب مصدر قولك‪ :‬أدب فلن القوم يؤدبهم أدبًا بالكسر إذا‬
‫دعاهم‪ ...‬ثم قال‪ :‬فإذا كانت من الدب الذي هو العجب فكأنّه‬
‫ن صاحبه هو الرجل الذي‬ ‫الشيء الذي يعجب منه لحسنه ول ّ‬
‫يعجب منه لفضله‪ ،‬وإذا كان من الدب الذي هو العجب فكأنه‬
‫الشيء الذي يدعو الناس إلى المحامد والفضل وينهاهم عن‬
‫المقابح والجهل)[‪.]9‬‬
‫ما عن استعمالتها فيقول الشيخ أحمد رضا‪( :‬الدب‪ :‬ملكة‬ ‫وأ ّ‬
‫تقصى من قامت به عن كل ما يشينه‪ ،‬ويقع على كل رياضة‬
‫محمودة يتخرج بها النسان من فضيلة من الفضائل‪ :‬حسن‬
‫الخلق‪ ،‬فعل المكارم‪ ،‬الظرف‪ ،‬حسن التناول‪ ،‬وهذا كله أدب‬
‫النفس‪ .‬والدب‪ :‬درس العلوم العربية مولد‪ ،‬وهذا أدب الدرس)[‬
‫‪.]10‬‬
‫ولهذا قال الجوهري[‪( :]11‬الدب‪ :‬أدب النفس والدرس‪ ،‬تقول‬
‫منه‪ :‬أدب الرجل بالضم فهو أديب وأدّبته فتأدّب)[‪.]12‬‬
‫ن لكلمة الدب استعمالين‪ :‬حسن الخلق ودرس‬ ‫ومعنى ذلك أ ّ‬
‫العلوم العربية‪.‬‬
‫وهذا ما عبّر عنه ابن هذيل [‪ ]13‬بالدب الطبيعي والدب الكسبي‪،‬‬
‫حيث قال‪:‬‬
‫فالطبيعي‪ :‬ما يفطر عليه النسان من الخلق الحسنة السنية‬
‫والتصاف بالصفات المرضية مثل الحلم والكرم وحسن الخلق‬
‫والحياء والتواضع والصدق وغير ذلك من الصفات الحميدة‪.‬‬
‫والكسبي‪ :‬فهو ما يكتسبه النسان بالدرس والقراءة والحفظ‬
‫والنظر‪ ،‬وهو عبارة عن ستة أشياء‪ :‬الكتاب والسنة والنحو‪،‬‬
‫واللغة والشعر‪ ،‬وأيام الناس)[‪.]14‬‬
‫والستعمال الول هو الشائع ولهذا قال الجواليقي‪( :‬والدب الذي‬
‫كانت العرب تعرفه هو ما يحسن من الخلق وفعل المكارم مثل‬
‫ترك السفه‪ ،‬وبذل المجهود وحسن اللقاء)[‪.]15‬‬
‫ما الستعمال الثاني‪ :‬فهو اصطلح مولد جاء بعد السلم‪.‬‬ ‫وأ ّ‬
‫يقول الجواليقي‪( :‬واصطلح الناس بعد السلم بمدة طويلة على‬
‫موا العالم بالنحو والشعر وعلوم العربية أديبًا‪ ،‬ويسمون‬ ‫ن يس ّ‬ ‫أ ّ‬
‫ن هذه العلوم حدثت في‬ ‫هذه العلوم أدبًا‪ .‬وذلك كلم مولد‪ ،‬ل ّ‬
‫السلم)‪.‬‬
‫ن كلمة الدب كانت تطلق عند العرب على‬ ‫وخلصة القول أ ّ‬
‫ما بعد السلم فقد أطلق بجانب ذلك على‬ ‫الخلق الحسنة‪ ،‬وأ ّ‬
‫الكلم الحسن والجيد من القوال سواء كان نثًرا أو شعًرا‪.‬‬
‫والستعمال الول هو الذي يتمشى مع مقامنا هذا‪.‬‬
‫ن كلمة الدب في بحثي هذا تعني الخلق الحسنة‬ ‫ولهذا نقول‪ :‬إ ّ‬
‫والتصاف بالصفات الحميدة‪.‬‬
‫وعلى ضوء معنى الدب المذكور يمكن فهم المراد من التأدّب‬
‫ن كثيرة مع ملحظة ما‬ ‫لنّهما من أصل واحد‪ ،‬ويشتركان في معا ٍ‬
‫ن الولى من المجرد‪ ،‬والثانية من‬ ‫بين الصيغتين تركيبًا ومعنى؛ ل ّ‬
‫ن الزيادة في المبنى تفيد الزيادة في المعنى‬ ‫المزيد‪ .‬لنّه يقال‪ :‬إ ّ‬
‫غالبًا‪.‬‬
‫وكلمة تأدّب وزنها تفعّل‪ ،‬في الميزان الصرفي‪ ،‬وهي تأتي لعدة‬
‫معان ولكن المعنى الذي يتمشى مع مقامنا هذا هو أنّها مطاوع‬
‫أدّب على وزن (فعّل) لنّه يقال‪ :‬أدّبته فتأدّب أي تلقى الدب‪،‬‬
‫والتأدّب مصدرها‪ .‬وعلى هذا فمعنى التأدّب‪ :‬المبالغة في التخلق‬
‫بالصفات الحسنة والمكارم الجميلة‪.‬‬
‫ب الدب في اصطلح الشرع‪:‬‬
‫وكلمة الدب في اصطلح الشرع ل تخرج عن المعنى اللغوي‬
‫الذي أشرنا إليه آنفًا‪.‬‬
‫ولهذا قال الجرجاني[‪( :]16‬الدب عبارة عن معرفة ما يحترز به‬
‫عن جميع أنواع الخطأ‪ ،‬وأدب القاضي‪ ،‬وهو ما ندب إليه الشرع‬
‫من بسط العدل ورفع الظلم وترك الميل)[‪.]17‬‬
‫ويقول صاحب البحر الرائق[‪( :]18‬كتاب أدب القاضي‪ :‬أي ما‬
‫ينبغي للقاضي أن يفعله وما ينبغي أن ينتهي عنه‪ ،‬والولى التعبير‬
‫بالملكة؛ لنها الصفة الراسخة للنفس فما لم يكن كذلك ل يكون‬
‫أدبًا كما ل يخفى)[‪.]19‬‬
‫وكلمة الدب في التعريفين السابقين تعني التصاف بالخلق‬
‫الجميلة‪ ،‬والحتراز عما يقابلها من سفاسف المور‪.‬‬
‫وهذا هو المعنى المتبادر من إطلقها إل ّ أنّها قد تطلق على‬
‫المظهر الخارجي للخلق‪.‬‬
‫يقول محمد جمال الدين رفعت في التفريق بين الدب والخلق‪:‬‬
‫(فكلمة الداب تعني السلوك كما تعني السلوب الذي يسير عليه‬
‫ما‬
‫النسان في تصرفاته الشخصية أو حين يتعامل مع الناس‪ ..‬أ ّ‬
‫كلمة الخلق فتطلق لغة على الطبع والسجية والعادة بل وعلى‬
‫غريزة النسان العاقلة)[‪.]20‬‬
‫ن كلمة الدب تعني المظهر الخارجي للخلق‬ ‫وخلصة القول‪ ،‬أ ّ‬
‫الجميلة أو السلوك الذي ينبغي أن يراعي الشخص مع غيره‪.‬‬
‫ولهذا قال ابن القيم رحمه الله تعالى‪( :‬وحقيقة الدب استعمال‬
‫الخلق الجميل)[‪.]21‬‬
‫جا مما‬ ‫وأما كلمة التأدّب في عنوان رسالتنا فنقصد بها ـ استنتا ً‬
‫سبق من معنى كلمة الدب ـ ما ينبني أن يفعله المسلم تجاه‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم سلبًا وإيجابًا مما يدخل في‬
‫حقوقه على المة من احترام وتقدير وطاعة وأتباع وغير ذلك‬
‫والحتراز مما يخالف ذلك من مخالفة ورفع الصوت وغيرها‪.‬‬
‫يقول ابن القيم رحمه الله تعالى‪( :‬فرأس الدب معه صلى الله‬
‫عليه وسلم كمال التسليم له والنقياد لمره وتلقي خبره بالقبول‬
‫والتصديق دون أن يحمله معارضة خيال باطل يسميه معقول ً أو‬
‫يحمله شبهة أو شكًا‪ ،‬أو يقدم عليه آراء الرجال وزبالت أذهانهم‪،‬‬
‫فيوحده بالتحكيم والتسليم والنقياد والذعان‪ ،‬كما وحد المرسل‬
‫سبحانه وتعالى بالعبادة والخضوع والذل والنابة والتوكل‪ ،‬فهما‬
‫توحيدان ل نجاة للعبد من عذاب الله إل بهما توحيد المرسل‬
‫وتوحيد متابعة الرسول فل يحاكم إلى غيره ول يرضى بحكم غيره‬
‫ول يقف تنفيذ أمره وتصديق خبره على عرضه على قول شيخه‬
‫وإمامه وذوي مذهبه وطائفته ومن يعظمه)[‪.]22‬‬
‫‪ 2‬ضرورة اللتزام في التأدب بما جاء في القرآن والسنة‪:‬‬
‫إن هذا الدين الذي ل يقبل عند الله سواه له أصلن هما الكتاب‬
‫والسنة النبوية الثابتة‪.‬‬
‫و‬
‫ه وَهُ َ‬
‫من ْ ُ‬
‫ل ِ‬ ‫ن يُقْب َ َ‬ ‫َ‬
‫سلم ِ دِينًا فَل ْ‬ ‫ن يَبْتَِغ غَيَْر ال ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫يقول الله تعالى‪{ :‬وَ َ‬
‫ن} [آل عمران‪.]85:‬‬ ‫سرِي َ‬ ‫خا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫م ْ‬ ‫خَرةِ ِ‬ ‫فِي ال ِ‬
‫وهذان المصدران هما القرآن الكريم والسنة النبوية‪.‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫سو َ‬
‫ل‬ ‫ه وَأطِيعُوا الَّر ُ‬ ‫َ‬ ‫منُوا أَطِيعُوا الل‬ ‫َ‬ ‫نآ‬ ‫َ‬ ‫يقول تعالى‪{ :‬يَا أَيُّهَا ال ّذِي‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫يءٍ فَُردُّوه ُ إِلَى الل ّهِ‬ ‫ش ْ‬ ‫م فِي َ‬ ‫ن تَنَاَزع ْت ُ ْ‬ ‫م فَإ ِ ْ‬ ‫منْك ُ ْ‬‫مرِ ِ‬ ‫وَأوْلِي ال ْ‬
‫ل} [النساء‪.]59:‬‬ ‫سو ِ‬ ‫وَالَّر ُ‬
‫والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه‪ ،‬والرد إلى رسوله هو الرد إليه‬
‫في حال حياته وإلى سنته في حال وفاته كما قال المفسرون‪.‬‬
‫كما أنّهما المصدران اللذان تركهما رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم وأمرنا بالتمسك بهما لئل نضل بقوله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪:‬‬
‫(تركت فيكم أمرين لن تضلّوا ما تمسكتم بهما كتاب الله‬
‫وسنتي)[‪.]23‬‬
‫وعلى هذا الساس فهذا الدين غني عن الزيادة والضافة أيًا كان‬
‫نوعها‪ ،‬بعدما أكمله الله سبحانه وتعالى كما تشير آية المائدة‬
‫َ‬ ‫وهي قوله تعالى‪{ :‬الْيو َ‬
‫م‬‫ت ع َلَيْك ُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫م ْ‬‫م وَأت ْ َ‬ ‫م دِينَك ُ ْ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫ت لَك ُ ْ‬ ‫م أك ْ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫م دِينًا} [المائدة‪.]3:‬‬ ‫سل َ‬ ‫م ال ِ ْ‬ ‫ت لَك ُ ْ‬ ‫ضي ُ‬ ‫متِي وََر ِ‬ ‫نِعْ َ‬
‫وقد لحق الرسول صلى الله عليه وسلم بالرفيق العلى بعد‬
‫نزول هذه الية بأشهر‪.‬‬
‫وبناء على هذا‪ ،‬عندما نتعامل أو نتأدب مع الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم فيجب أن نلتزم بما جاء في القرآن وفي السنة‬
‫النبوية الثابتة دون أن نختلق من تلقاء أنفسنا أموًرا لم تثبت عن‬
‫الشارع بقصد حسن النية ثم التقرب بها إلى الله راجيًا منه‬
‫ن المور التي يتقرب بها المسلم إلى الله ل‬ ‫الثواب والمغفرة؛ ل ّ‬
‫بد أن تجتمع فيها أربعة شروط‪:‬‬
‫‪ 1‬أن تكون مشروعة بنص من الكتاب أو السنة الثابتة أو باجتهاد‬
‫معتمد عليه‪.‬‬
‫‪ 2‬أن تقع في الحدود المقرر لها من الزمان والمكان‪.‬‬
‫‪ 3‬أن تقع بالكيفية التي أمر بها الشارع‪.‬‬
‫‪ 4‬الخلص في القربى إلى الله تعالى‪.‬‬
‫وإذا انتفى شرط من هذه الشروط فل تعتبر قربة بل تكون بدعة‬
‫حينئذ‪.‬‬
‫سا يغالون في شخصية الرسول صلى الله‬ ‫ونحن نرى اليوم أنا ً‬
‫عليه وسلم بالمدح يرفعونه إلى مرتبة اللوهية أو يصفونه‬
‫بصفات ل تليق إل بالله أو يطلبون طلبات ل دخل له في حصولها‬
‫أثناء حياته فضل ً عن بعد مماته صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الغلو بقوله‪( :‬ل‬
‫تطروني [‪ ]24‬كما أطرت النصارى ابن مريم فإنّما أنا عبده‪،‬‬
‫فقولوا عبد الله ورسوله)[‪.]25‬‬
‫وعندما نرفض الغلو في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫ل يعني بالضرورة أن نقصر في توقيره وتعظيمه وحبه ولكن‬
‫نعني أن نلتزم بما هو مشروع في حقه صلى الله عليه وسلم‬
‫دون إفراط أو تفريط بعيدين عن الغلو والتقصير لنتصف‬
‫بالوسطية التي أشار إليها القرآن الكريم في قوله تعالى‪:‬‬
‫س وَيَكُو َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شهَدَاءَ ع َلى الن ّا ِ‬ ‫سطًا لِتَكُونُوا ُ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫م ً‬ ‫م أ ُ َّ‬‫جعَلْنَاك ُ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫{وَكَذَل ِ َ‬
‫شهِيدًا} [البقرة‪.]143:‬‬ ‫م َ‬ ‫ل ع َلَيْك ُ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫الَّر ُ‬
‫ومعنى الوسطية هنا الخيار والجود ومنه الصلة الوسطى التي‬
‫هي أفضل الصلوات[‪.]26‬‬
‫ومع هذا فل نضطر بالضرورة عندما نرد على المغالين إلى أن‬
‫نصف الرسول صلى الله عليه وسلم بصفات قد وصفه بها‬
‫الشارع دون أن نبيّن معناها من جميع الجهات‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬أن نقول أن الرسول بشر ونجتهد في إثباتها مستدلين‬
‫م} [الكهف‪.]110:‬‬ ‫مثْلُك ُ ْ‬‫شٌر ِ‬‫ما أَنَا ب َ َ‬ ‫ل إِن َّ َ‬ ‫بقوله تعالى‪{ :‬قُ ْ‬
‫والمثلية يقصد بها هنا أنه يعتريه ما يعتري النسان من جوع‬
‫وظمأ ومرض غير منفر وغير ذلك ولكن هو بشر يوحى إليه كما‬
‫تدل عليه بقية الية‪.‬‬
‫َ‬ ‫ما أَنَا ب َ َ‬
‫حدٌ‪}...‬‬ ‫م إِل َ ٌ‬
‫ه وَا ِ‬ ‫ي أن َّ َ‬
‫ما إِلَهُك ُ ْ‬ ‫حى إِل َ َّ‬‫م يُو َ‬ ‫مثْلُك ُ ْ‬ ‫شٌر ِ‬ ‫ل إِن َّ َ‬‫{قُ ْ‬
‫[الكهف‪.]110:‬‬
‫ن المثلية قد يفهم منها أنّه كآحاد الناس إذا لم نبيّن القصد من‬ ‫ل ّ‬
‫ذلك‪...‬‬
‫حح انحرافا َ معينًا ويجتهد في‬ ‫وغالبًا عندما يريد شخص أن يص ّ‬
‫تصحيحه قد يقع في انحراف آخر مضاد للول دون أن يشعر‬
‫بذلك‪.‬‬
‫يقول سيد قطب رحمه الله تعالى‪( :‬إن استحضار انحراف معين‬
‫أو نقص معين والستغراق في دفعه‪ ...‬منهج شديد الخطر‪ ،‬وله‬
‫معقباته في إنشاء انحراف جديد لدفع انحراف قديم‪ ،‬والنحراف‬
‫انحراف على كل حال[‪ .]27‬ثم ضرب مثل ً لذلك قائلً‪( :‬يتّعمد‬
‫بعض الصليبيين والصهيونيين مثل ً أن يتهم السلم بأنّه دين‬
‫السيف‪ ،‬وأنّه انتشر بحد السيف فيقوم منّا مدافعون عن السلم‬
‫يدفعون عنه هذا التهام‪ ،‬وبينما هم مشتطون في حماسة‬
‫(الدفاع) يسقطون قيمة (الجهاد) في السلم‪ ،‬ويضيقون نطاقه‬
‫ويعتذرون عن كل حركة من حركاته بأنّها كانت لمجرد (الدفاع)!‬
‫ن للسلم بوصفه‬ ‫بمعناه الصطلحي الحاضر الضيق! وينسون أ ّ‬
‫المنهج اللهي الخير للبشرية حقه الصيل في أن يقيم (نظامه)‬
‫الخاص في الرض لتستمتع البشرية كلها بخيرات هذا النظام‬
‫بحرية العقيدة التي اختارها حيث (ل إكراه في الدين) من ناحية‬
‫ما إقامة (النظام السلمي) ليظلل البشرية كلها ممن‬ ‫العقيدة أ ّ‬
‫يعتنقون عقيدة السلم وممن ل يعتنقوها فتقتضي الجهاد لنشاء‬
‫هذا النظام وصيانته‪ ،‬وترك الناس أحراًرا في عقائدهم الخاصة‬
‫في نطاقه‪ ،‬ول يتم ذلك إل ّ بإقامة سلطان خير وقانون خير‬
‫ونظام يحسب حسابه كل من يفكر في العتداء على حرية‬
‫الدعوة وحرية العتقاد في الرض)[‪.]28‬‬
‫وهكذا شأن بعض الذين يردون على المغالين في شخصية‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم حيث يصفونه بالبشرية دون أن‬
‫يصفوه بالرسالة؛ ويجتهدون في إثبات ذلك الجانب دون قصد إلى‬
‫تقليل قيمة الرسول صلى الله عليه وسلم بل إلى نفي غلو هؤلء‬
‫المغالين عنه إل أن المغالين بدورهم يأخذون عبارات هؤلء التي‬
‫ظاهرها الجفاء ومن ثم يكيلون لهم شتائم عدة ويصفونهم بأنهم‬
‫جفاة وأنّه نزع من قلوبهم حب الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫بينما حبّه هو التباع لما جاء به صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‪[ }...‬آل عمران‪:‬‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ه فَاتَّب ِ ُعونِي ي ُ ْ‬
‫حبِبْك ُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫حبُّو َ‬ ‫ن كُنْت ُ ْ‬
‫م تُ ِ‬ ‫{قُ ْ‬
‫ل إِ ْ‬
‫‪.]31‬‬
‫وعلى هذا يجب على المسلم الغيور على دينه أن يلتزم بما‬
‫شرعه الله سبحانه وتعالى حين يرد على غيره‪ ،‬وحين يصحح‬
‫انحرافًا معينًا حق ل يقع في انحراف آخر مقابل تصحيح انحراف‬
‫قديم‪.‬‬
‫ضا ـ أن يلتزم بصورة دقيقة بكل ما ثبتت‬ ‫ويجب على المسلم ـ أي ً‬
‫مشروعيته في كل حياته بصورة عامة‪ ،‬وبما يتصل بالتأدب مع‬
‫ن ذلك حق وهو‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ل ّ‬
‫الصراط المستقيم‪.‬‬
‫الباب الول‬
‫أسباب قيام المة بالدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم‬

‫الرسول صلى الله عليه وسلم صاحب فضل كبير على أمته لنه‬
‫صلى الله عليه وسلم بواسطته وصل إلينا الوحي بشقيه القرآن‬
‫الكريم والسنة النبوية اللذين هما مصدرا الشريعة السلمية‬
‫وأساس الدين كله‪.‬‬
‫ووصول الوحي إلى الناس لم يتم بسهولة ويسر‪ ،‬وإنّما تم بجهود‬
‫مل لمشقات متنوعة من صاحب الرسالة‬ ‫متواصلة وصبر كبير وتح ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫مل عليه الصلة والسلم هذه كلها حتى تحقق منهج الله‬ ‫وقد تح ّ‬
‫مت النعمة‪.‬‬ ‫سبحانه وتعالى في الرض وكمل الدين وت ّ‬
‫َ‬ ‫يقول تعالى‪{ :‬الْيو َ‬
‫متِي‬ ‫م نِعْ َ‬ ‫ت ع َلَيْك ُ ْ‬‫م ُ‬‫م ْ‬ ‫م وَأت ْ َ‬ ‫م دِينَك ُ ْ‬ ‫ت لَك ُ ْ‬‫مل ْ ُ‬ ‫م أك ْ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫م دِينًا} [المائدة‪.]3:‬‬ ‫سل َ‬ ‫م ال ِ ْ‬ ‫ت لَك ُ ْ‬‫ضي ُ‬ ‫وََر ِ‬
‫وبتمام النعمة قامت المة وتحقق وعد الله سبحانه وتعالى‬
‫للمؤمنين بالستخلف والتمكين في الرض‪.‬‬
‫ملُوا ال َّ‬ ‫َّ َ‬
‫ت‬‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫م وَع َ ِ‬ ‫منْك ُ َ ْ‬ ‫منُوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ه ال ّذِي َ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬وَعَد َ الل ُ‬
‫ن‬‫كّن َ َّ‬ ‫َ‬
‫م وَلي ُ َ‬
‫م ِ‬ ‫ن قَبْلِهِ ْ‬
‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ف الذِي َ‬ ‫ّ‬ ‫خل َ‬‫َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ض كَ َ‬ ‫ِ‬ ‫خلِفَنَّهُم فِي الَْر‬ ‫لَي َ ْ‬
‫ست َ ْ‬
‫خوفه َ‬ ‫َ‬
‫منًا‬‫مأ ْ‬ ‫ن بَعْد ِ َ ْ ِ ِ ْ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫م وَلَيُبَدِّلَنَّهُ ْ‬
‫ضى لَهُ ْ‬ ‫م ال ّذِي اْرت َ َ‬ ‫م دِينَهُ ْ‬ ‫لَهُ ْ‬
‫شيْئًا} [النور‪.]55:‬‬ ‫ن بِي َ‬ ‫شرِكُو َ‬ ‫يَعْبُدُونَنِي ل ي ُ ْ‬
‫وتقديًرا لهذه النعمة التي أنعم الله بها على المؤمنين عليهم أن‬
‫يشكروا الله ويعرفوا حق صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ول يتم الشكر والعرفان إل ّ بالتأدب معه صلى الله عليه وسلم‬
‫حيًّا وميّتًا‪ ،‬سًرا وجهًرا‪ ،‬في المنشط والمكره‪.‬‬
‫وهناك من السباب الخرى ما يدفع إلى ضرورة التأدب مع‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك ككرم محتذه‪ ،‬ورفعة نسبه‪،‬‬
‫واتصافه بالخلق الكريمة وتمتعه بالصفات النبيلة طوال حياته‬
‫ضا ما اتصف به صلى الله عليه‬ ‫عليه الصلة والسلم‪ .‬ومنها أي ً‬
‫وسلم من صفات ساعدت على نشر الدين‪ ،‬وتبليغ المانة‪.‬‬
‫وفي هذا الباب سوف أتكلم عن السباب التي من أجلها كان‬
‫التأدّب معه صلى الله عليه وسلم وهي في مجملها ترجع إلى‬
‫أمرين‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬ما يرجع إلى ذاته صلى الله عليه وسلم من ناحية عراقة‬
‫الصل‪ ،‬وكرم الخلق في تبليغ الله تعالى‪.‬‬
‫ثانيهما‪ :‬ما يرجع إلى عمله صلى الله عليه وسلم وحرصه على‬
‫هداية الناس وإسعادهم بمنهج الله تعالى‪.‬‬
‫وقد عقدت لكل من المرين فصل ً مستقلً‪ :‬ولذلك اشتمل الباب‬
‫على الفصلين التاليين‪:‬‬
‫الفصل الول‪ :‬نسبه وصفاته صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬عمله صلى الله عليه وسلم في نشر الدعوة‬
‫وحرصه على هداية الناس‪ .‬وسيأتي تفصيل ذلك فيما يلي بمشيئة‬
‫الله تعالى‪.‬‬

‫الفصل الول‬
‫نسبه صلى الله عليه وسلم ونشأته وصفاته‬

‫منذ أن خلق الله سبحانه وتعالى أبا البشر آدم عليه السلم‬
‫وأهبطه هو وزوجه إلى الرض لم يترك الناس سدى يتصرفون‬
‫برؤية عقولهم واتجاهاتهم لن عقل البشر مهما كانت قدرته‬
‫قاصر عن إدراك الطريق المستقيم ومعرفة الحق بصورة تامة‪،‬‬
‫وإن أدرك بعض الجوانب بالفطرة التي فطر الله الناس عليها‪.‬‬
‫ولكي تستقيم الفطرة وتكمل نحو الفضل كانت تأتي هداية الله‬
‫سبحانه وتعالى للناس متتابعة على ألسنة الرسل عليهم السلم‬
‫فكلما انحرفت البشرية عن طريق الله القويم جاءها مبعوث من‬
‫الله سبحانه وتعالى لهدايتها‪ ،‬ودعوتها‪.‬‬
‫مةٍ إِل َّ خل فِيهَا نَذِيٌر} [فاطر‪.]24:‬‬‫ن أ ُ َّ‬
‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫يقول الله تعالى‪{ :‬وَإ ِ ْ‬
‫فكل أمة جاءها رسول من بينها مبشًرا ونذيًرا وداعيًا إلى الله‬
‫جا مضيئًا ينير الطريق‪ .‬ويهدي للتي هي أقوم‪ .‬وبذلك‬ ‫بإذنه‪ ،‬وسرا ً‬
‫تقوم الحجةعلى الناس‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س ع َلَى اللهِ‬ ‫ن لل ّ يَكُو َ َ‬
‫ن لِلن ّا ِ‬ ‫منذِرِي َ‬
‫ن وَ ُ‬ ‫شري َ‬ ‫سل ً ُ‬
‫مب َ ّ ِ ِ‬ ‫يقول تعالى‪ُ{ :‬ر ُ‬
‫ل} [النساء‪.]165:‬‬ ‫ة بَعْد َ الُّر ُ‬
‫س ِ‬ ‫ح َّ‬
‫ج ٌ‬ ‫ُ‬
‫يقول ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الية‪( :‬أنّه تعالى أنزل‬
‫كتبه وأرسل رسله بالبشارة والنذارة‪ ،‬وبين ما يحبه ويرضاه مما‬
‫يكرهه ويأباه لئل يبقى للمعتذر عذر)[‪.]29‬‬
‫ومما يؤيد هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم‪( :‬ليس أحد‬
‫أحب إليه المدح من الله عز وجل من أجل ذلك مدح نفسه‪،‬‬
‫وليس أحد أغير من الله من أجل ذلك حّرم الفواحش‪ ،‬وليس أحد‬
‫أحب إيه العذر من الله من أجل ذلك أنزل الكتاب وأرسل‬
‫الرسل)[‪.]30‬‬
‫وكانت الرسل قبل رسولنا صلى الله عليه وسلم يأتون أقوامهم‬
‫خاصة ليكون التبليغ مناسبًا للناس‪ ،‬وليدينوا الله بشريعة‬
‫يستطيعون القيام بتكاليفها‪ .‬وقد ختم الله سبحانه وتعالى الرسل‬
‫عليهم الصلة والسلم بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى‬
‫الناس كافة رحمة لهم‪.‬‬
‫شيًرا وَنَذِيًرا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك إِل ّ كَافّ ً َ‬ ‫سلْنَا َ‬ ‫َ‬
‫س بَ ِ‬ ‫ة لِلن ّا ِ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫يقول الله تعالى‪{ :‬وَ َ‬
‫ن} [سبأ‪.]28:‬‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬
‫س ل يَعْل ُ‬ ‫ِ‬ ‫ن أَكْثََر النَّا‬ ‫وَلَك ِ َّ‬
‫ويقول الله تعالى‪{ :‬وما أ َرسلْنا َ َ‬
‫ن} [النبياء‪:‬‬ ‫مي َ‬ ‫ة لِلْعَال َ ِ‬ ‫م ً‬
‫ح َ‬‫ك إِل ّ َر ْ‬ ‫َ َ ْ َ َ‬
‫‪.]107‬‬
‫وبذلك بعث رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم للناس جميعًا‬
‫وختم الله به الرسل وقضى باستمرار رسالته إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫وأصبح الرسول صلى الله عليه وسلم اللبنة الخيرة في البناء‬
‫العظيم الذي يمثل النبياء عليهم الصلة والسلم لبناته‪ .‬كما أخبر‬
‫صلى الله عليه وسلم حيث يقول‪( :‬مثلي ومثل النبياء قبلي‬
‫كمثل رجل بنى بيتًا فأجمله إل موقع لبنة من زاوية من زواياه‬
‫فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون‪ :‬هل وضعت هذه‬
‫اللبنة قال‪ :‬فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين)[‪.]31‬‬
‫واختيار الرسول صلى الله عليه وسلم للرسالة كانت بمشيئة الله‬
‫تعالى الذي خلق الناس جميعًا‪ ،‬وهو العليم بذواتهم وخصائص كل‬
‫ن لَهُ ْ‬
‫م‬ ‫ما كَا َ‬ ‫ختَاُر َ‬ ‫شاءُ وَي َ ْ‬
‫َ‬
‫ما ي َ َ‬ ‫خلُقُ َ‬ ‫ك يَ ْ‬ ‫منهم يقول الله تعالى‪{ :‬وََرب ُّ َ‬
‫خيرةُ} [القصص‪ ]68:‬ويقول الله تعالى‪{ :‬الل ّ َ‬
‫ل‬‫جعَ ُ‬‫ث يَ ْ‬‫حي ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫ه أع ْل َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ال ْ ِ َ َ‬
‫ه} [النعام‪.]124:‬‬ ‫سالَت َ ُ‬ ‫رِ َ‬
‫ن منصب الرسالة ليس‬ ‫يقول اللوسي في تفسير هذه الية‪( :‬إ ّ‬
‫مما ينال مما يزعمون من كثرة المال والولد وتعاضد السباب‬
‫وإنما ينال بفضائل نفسانية ونفس قدسية أفاضها الله تعالى‬
‫بمحض الكرم والجود على من كمل استمداده‪ .‬ونص بعضهم‬
‫على أنه تابع للستعداد الذاتي وهو ل يستلزم اليجاب الذي يقول‬
‫به الفلسفة لنه سبحانه إن شاء أعطى وإن شاء أمسك‪ ،‬وإن‬
‫استعد المحل)[‪ .]32‬ومن ثم اختار الله للدعوة السلمية التي‬
‫ختم الله بها كل الرسالت المكان الملئم واختار لحملها خير أمة‬
‫أخرجت للناس كما اختار رجلها المتميز وهو الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم بصفات جعلته خير من يتلقى الوحي ويبلغه للناس‬
‫ويتحمل في سبيل ذلك كل اضطهاد وعنت كما هي سنة الله مع‬
‫كل رسالته ورسله[‪.]33‬‬
‫وقبل اختيار الرسول للتبليغ صنعه الله‪ ،‬وهيأه‪ ،‬وكفل الله له‬
‫التنشئة السليمة حتى يكون أهل ً للرسالة والتبليغ‪ ،‬ومن المعلوم‬
‫أن اصطفاء الله للرسل يتم على مرحلتين‪ ،‬مرحلة تهيئة‪ ،‬ومرحلة‬
‫تكليف وإبلغ‪ .‬ولول أن النبوة اصطفاء وإحسان لقلنا أن الرسل‬
‫ن جمهور المسلمين أجمعوا على أن‬ ‫بصفاتهم يستحقونها كسبًا لك ّ‬
‫صا عند‬ ‫الرسالة ل تكتسب فل بد أن يخلق الله لها استعدادًا خا ً‬
‫صاحبها بحيث يجعله أهل ً لحملها وإبلغها‪ .‬وبعد ذلك يصطفيه‬
‫للرسالة[‪.]34‬‬
‫وفي هذا الفصل سوف أتحدث فيه عن مرحلة تهيئة الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم لحمل الرسالة الخاتمة وإبلغها إلى الناس‬
‫كافة‪.‬‬
‫ولذا سيأتي مكونًا من ثلثة مباحث‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬عراقة أصله‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬نشأته وتربيته‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬اتصافه بصفات طيبة وأخلق فاضلة‪.‬‬
‫وذلك فيما يلي‪:‬‬

‫المبحث الول‬
‫عراقة أصله‬

‫ن الشخص يتأثر بنسبه سواء من ناحية‬ ‫يذكر علماء الوراثة أ ّ‬


‫الجسم والبنية أو من ناحية الذكاء والعقل أو من ناحية الفكر‬
‫والعقيدة‪.‬‬
‫ما في نقل‬ ‫يقول د‪ .‬محمد بيصار‪( :‬ول تكون الوراثة عامل ً ها ً‬
‫الصفات الحسية فحسب وإنما كذلك عن طريقها تنتقل الصفات‬
‫الدبية كالمزجة والميول والغرائز‪ ،‬والصفات العقلية كالذكاء‬
‫والبلدة وحسن تقدير المور أو سوء أو شدة النتباه أو ضعفه‬
‫إلى غير ذلك من صفات يكون لها الثر القوى في تكوين أخلق‬
‫المرء وتكييفها وطبعها بطابع معيّن خيًرا كان ذلك الطابع أو شًرا‬
‫حا)‪.‬‬‫حسنًا أو قبي ً‬
‫ويؤيد هذا علم القيافة‪ .‬الذي أقره الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫فعن عائشة رضي الله عنها‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم دخل عليها سروًرا تبرق أسارير وجهه فقال‪( :‬ألم تسمعي‬
‫ن بعض هذا‬ ‫ما قال المدلجي لزيد وأسامة ورأى أقدامهما فقال‪ :‬إ ّ‬
‫القدام من بعض)[‪.]35‬‬
‫يدل عليه قوله تعالى حاكيًا عن نبي الله نوح عليه السلم‪{ :‬وَقَا َ‬
‫ل‬
‫ن دَيَّاًرا * إِن َّ َ‬ ‫َ‬
‫ن تَذَْرهُ ْ‬
‫م‬ ‫ك إِ ْ‬ ‫ن الْكَافِ ِ‬
‫ري َ‬ ‫م ْ‬‫ض ِ‬ ‫َ‬
‫ب ل تَذَْر ع َلى الْر َ ِ‬ ‫ح ُ َر ِّ‬‫نُو ٌ‬
‫جًرا كَفّاًرا} [نوح‪.]2627:‬‬ ‫َ‬ ‫ك وَل يَلِدُوا إِل ّ فَا ِ‬‫عبَاد َ َ‬
‫ضلوا ِ‬ ‫ّ‬ ‫يُ ِ‬
‫يقول ابن كثير في تفسير هذه الية‪( :‬أي فاجًرا في العمال كافر‬
‫القلب وذلك لخبرته بهم ومكثه بين أظهرهم ألف سنة إل‬
‫ما)[‪.]36‬‬ ‫خمسين عا ً‬
‫ويدخل في هذا المفهوم قوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬ما من‬
‫مولود إل يولد على الفطرة [‪ ]37‬فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو‬
‫يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء‪ ،‬هل تحسون فيها من‬
‫جدعاء"[‪ .]38‬يقول أبو هريرة راوي الحديث‪ :‬واقرأوا إن شئتم‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ق الل ّهِ} [الروم‪:‬‬ ‫خل ِ‬
‫ل لِ َ ْ‬
‫س ع َلَيْهَا ل تَبْدِي َ‬‫{فِطَْرة َ الل ّهِ ال ّتِي فَطََر النَّا َ‬
‫‪.]39[ ]30‬‬
‫ن الولد يتأثر بأبويه من ناحية الجسم والبنية‪ ،‬ومن‬ ‫وبهذا يثبت أ ّ‬
‫ناحية العقل والذكاء‪ ،‬ومن ناحية الفكر والعقيدة‪ ،‬قليل ً أو كثيًرا‪،‬‬
‫سلبًا أو إيجابًا‪ ،‬وذلك بإرادة الله وقدرته‪ .‬إذا عرف هذا ننظر إلى‬
‫نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومدى تأثره به‪.‬‬
‫يقول الستاذ الدكتور‪ /‬أحمد غلوش‪( :‬هيأت عناية الله تعالى‬
‫سلسلة ممتازة من الباء والجداد للنبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ليأخذ منها عن طريق الوراثة كثيًرا من الخلق والطبائع)[‪.]40‬‬
‫ن نسب‬ ‫وقد وردت في هذا المضمار نصوص كثيرة تدل على أ ّ‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم هو أفضل الناس نسبًا‪.‬‬
‫من ذلك ما أخرجه المام مسلم عن واثلة بن السقع قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪( :‬إن الله اصطفى كنانة من‬
‫شا من كنانة واصطفى من قريش‬ ‫ولد إسماعيل واصطفى قري ً‬
‫بني هاشم واصطفاني من بني هاشم) [‪.]41‬‬
‫ن بني هاشم أفضل العرب ل‬ ‫وقد أشار النووي رحمه الله إلى أ ّ‬
‫يدانيهم في الفضلية إل ّ بنو المطلب مستدل ً بهذا الحديث[‪.]42‬‬
‫ويقول المباركفوري عند شرحه لهذا الحديث‪ :‬قوله‪( :‬إن الله‬
‫اصطفى) أي اختار‪ .‬يقال استصفاه واصطفاه‪ ،‬إذا اختاره وأخذ‬
‫صفوته والصفوة من كل شيء خالصه وخياره)[‪.]43‬‬
‫ضا ما أخرجه الترمذي عن العباس بن عبد المطلب‬ ‫ومن ذلك أي ً‬
‫ن الله خلق الخلق‬ ‫قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪( :‬إ ّ‬
‫فجعلني من خير فرقهم وخير الفريقين ثم خير القبائل فجعلني‬
‫من خير القبيلة ثم خص البيوت فجعلني من خير بيوتهم فأنا‬
‫سا وخيرهم بيتًا) [‪.]44‬‬ ‫خيرهم نف ً‬
‫أي‪ :‬أصل ً إذا جئت من طيب إلى طيب إلى صلب عبد الله بنكاح‬
‫ل سفاح[‪.]45‬‬
‫ن الرسول صلى الله عليه وسلم كانت له مكانة‬‫ومما يدل على أ ّ‬
‫عند قومه من جهة النسب شهادة أعدائه كما ورد في قصة أبي‬
‫سفيان وهو مشرك ومن ألد أعداء صاحب الرسالة آنذاك مع‬
‫هرقل ملك الروم عندما وجه إليه أسئلة عديدة تتعلق بشخصية‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم من بينها‪( :‬كيف نسبه فيكم؟ قال‬
‫أي أبو سفيان‪ :‬هو فينا ذو نسب‪ .‬ثم قال هرقل في آخر القصة‪:‬‬
‫سألتك عن نسبه فذكرت أنّه فيكم ذو نسب فكذلك تبعث الرسل‬
‫في أنساب قومها)[‪.]46‬‬
‫يقول النووي‪( :‬أي في أفضل أنسابهم)[‪ .]47‬ومما يدل على ذلك‬
‫ضا ما جاء على لسان مفوض مشركي قريش عتبة ابن أبي‬ ‫أي ً‬
‫ربيعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال عند افتتاح‬
‫كلمه مع الرسول‪( :‬يا ابن أخي إنّك منّا حيث قد علمت من‬
‫السطة [‪ ]48‬في العشيرة والمكانة في النسب وإنك قد أتيت‬
‫قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم‪.]49[ )...‬‬
‫وهاتان القصتان تشهدان بما للرسول صلى الله عليه وسلم من‬
‫المكانة في النسب عند قومه لقرار أعدائه وأعداء رسالته حيث‬
‫لم يستطيعوا أن يخفوا هذه الحقيقة مع أنهم كانوا يتهمونه بتهم‬
‫باطلة‪ ،‬مرة بالسحر‪ ،‬ومرة بالجنون‪ ،‬ومرة بالشعر والكهانة‪ .‬ومع‬
‫هذا لم ينقل إلينا عن أحدهم تهمة واحدة يقدحون بها الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم من جهة النسب‪ ،‬كما أن النصوص الخرى‬
‫التي أوردناها تدل على أن العرب أفضل الناس من ناحية النسب‬
‫ن الرسول صلى الله عليه وسلم من أفضلها نسبًا‪ ،‬وأن هذه‬ ‫وأ ّ‬
‫سنة الله في اختيار رسله جميعًا كما جاء في قول هرقل‬
‫السابق‪.‬‬
‫يقول الحافظ ابن حجر عند شرحه لهذا الحديث‪( :‬الظاهر أن‬
‫إخبار هرقل بذلك بالجزم كان على العلم المقرر في الكتب‬
‫السالفة)[‪.]50‬‬
‫والحكمة في ذلك كما قال النووي رحمه الله أنه أبعد من انتحاله‬
‫الباطل وأقرب إلى انقياد الناس له لن الناس يأنفون من النقياد‬
‫إلى رجل وضيع من جهة وكذلك الوضيع ل تسول نفسه له قيادة‬
‫الناس عن جهة أخرى[‪.]51‬‬
‫ولهذا كان نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم له تأثير على‬
‫نفسه من ناحية وعلى قومه من ناحية أخرى‪ ،‬كما ذكر غير واحد‬
‫من العلماء‪.‬‬
‫يقول د‪ .‬محمد قلعت في هذا المقام‪( :‬هذا النسب له أثره في‬
‫ما‬
‫رسول الله وكان له أثر فيمن يبلغهم رسول الله شريعة الله‪ ،‬أ ّ‬
‫أثره في رسول الله فقد شب عليه الصلة والسلم مرفوع‬
‫الرأس رغم يتمه ل يعرف الذل ول الخنوع‪ .‬جريئًا في إعلن رأيه‪،‬‬
‫تمل الثقة نفسه‪ ،‬أما أثره فيمن دعاهم رسول الله إلى اليمان‬
‫والنضواء تحت راية السلم فإن أكبر شخصية في العرب ل تجد‬
‫غضاضة من النضواء تحت راية السلم‪ ،‬وقبول محمد صلى الله‬
‫ما لنهم يعترفون بأن محمدًا صلى الله‬ ‫عليه وسلم رسول ً وحاك ً‬
‫عليه وسلم من أعرق بيوت قريش نسبًا)[‪.]52‬‬
‫وهذه حقيقة ثابتة ل جدال فيها وإن كان هناك من يعارضه من‬
‫ضا لشخصيته وإنما كان‬ ‫قومه لكن ليس هذا من جهة نسبه ول رف ً‬
‫ضا موجهًا لرسالته صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫رف ً‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫ن بِآيَا ِ‬‫مي َ‬ ‫ن الظال ِ ِ‬ ‫ك وَلك ِ َّ‬ ‫ذّبُون َ َ‬ ‫م ل يُك َ ِ‬ ‫وصدق الله إذ يقول‪{ :‬فَإِن ّهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن} [النعام‪.]33:‬‬ ‫حدُو َ‬ ‫ج َ‬‫الل ّهِ ي َ ْ‬
‫ما يؤيد ذلك ما جاء على لسان أبي جهل عدو الله وعدو‬ ‫وم َ‬
‫رسوله إذ قال للنبي صلى الله عليه وسلم‪( :‬قد نعلم يا محمد‬
‫ن نكذب الذي‬ ‫أنك تصل الرحم وتصدق الحديث ول نكذبك ولك ّ‬
‫َ َّ‬
‫حُزن ُك الذِي‬ ‫ه لَي َ ْ‬ ‫جئت به) [‪ ]53‬فأنزل الله عز وجل‪{ :‬قَد ْ نَعْل َم إن َّ‬
‫ُ ِ ُ َّ‬ ‫َ‬
‫ن}‬ ‫حدُو َ‬ ‫ج َ‬‫ت اللهِ ي َ ْ‬ ‫ن بِآيَا ِ‬‫مي َ‬ ‫ن الظ ّال ِ ِ‬ ‫ك وَلَك ِ َّ‬ ‫ن فَإِنَّهُ ْ‬
‫م ل يُكَذِّبُون َ َ‬ ‫يَقُولُو َ‬
‫[النعام‪.]33:‬‬
‫أي إن رفض قريش كان موجهًا للدعوة التي دعاهم إليها الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم ل لشخصيته كما يفيد منطوق قول أبي‬
‫جهل السابق‪ .‬ولهذا ورد أنهم عرضوا عليه الجاه والسيادة‬
‫والملك وجمع الموال والمغريات الخرى مقابل ترك هذه الدعوة‬
‫كلية أو جزءًا منها كحل وسط [‪ ]54‬ولكنهم لم ينجحوا فيها لن‬
‫موقف الرسول صلى الله عليه وسلم كان ثابتًا‪ .‬وعرض هذه‬
‫المور عليه يدل على سمو مكانة النبي صلى الله عليه وسلم من‬
‫جهة النسب عند قومه قريش الذين كانوا يأنفون أن يخضعوا‬
‫للوضيع مهما كان المر وخاصة إذا جاء بأمر يخالف عاداتهم‬
‫وتقاليدهم مثل ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من‬
‫الدين الحنيف والدعوة إلى التوحيد ونبذ الشرك والوثان وما كان‬
‫سائدًا في مجتمع مكة من عادات وتقاليد جاهلية‪.‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫نشأته وتربيته‬

‫ن النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫كما هو معروف في كتب السيرة أ ّ‬


‫مه‪ ،‬وماتت‬‫ما حيث مات أبوه وهو في بطن أ ّ‬ ‫ولد عام الفيل يتي ً‬
‫مه وهو ابن ست سنوات‪ ،‬ولهذا لم يتنعم بحنين البوين‪ ،‬وقد‬ ‫أ ّ‬
‫كفله جده عبد المطلب حتى مات ورسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ابن ثماني سنوات[‪.]55‬‬
‫مه أبو طالب الذي بذل كل‬ ‫وبعد وفاة جده عبد المطلب كفله ع ّ‬
‫ما في وسعه في رعاية الرسول صلى الله عليه وسلم في زمن‬
‫طفولته وشبابه‪ ،‬وكذلك بعد البعثة حيث دافع عنه تعصبًا وحمية‬
‫مع أنه لم يؤمن به حتى فارق الحياة‪ .‬يقول الغزالي‪( :‬فالمجتمع‬
‫العربي الول كان يقوم على العصبيات القبلية الحادة‪ ،‬التي تفنى‬
‫القبيلة كلها دفاع ًا عن كرامتها الخاصة وكرامة من يمت إليها‬
‫بالصلة‪ ،‬وقد ظل السلم حينًا من الدهر يعيش في حمى هذه‬
‫ما‬‫التقاليد المرعية حتى استغنى بنفسه كما تستغني الشجرة ع ّ‬
‫يحملها بعدما تغلظ وتستوي)[‪.]56‬‬
‫وقد كان أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم مثال ً حيًا لهذه‬
‫العصبيات لقيامه بالدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم حتى‬
‫أنّه جوزي وهو كافر بما جاء به من عند الله بتخفيف العذاب عنه‬
‫يوم القيامة مقابل دفاعه عنه لما ثبت في الصحيح عن العباس‬
‫بن عبد المطلب أنّه قال‪ :‬يا رسول الله هل نفعت أبا طالب‬
‫بشيء فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال‪" :‬نعم هو في‬
‫ضحضاح [‪ ]57‬من نار ولول أنا لكان في الدرك السفل من النار"[‬
‫‪ ،]58‬وفي رواية أخرى‪" :‬وجدته غمرات [‪ ]59‬من النار فأخرجته‬
‫إلى ضحضاح"[‪.]60‬‬
‫ولقد مّر الرسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة بمراحل‬
‫ما فقيًرا‬ ‫ة حيث أنه أصبح يتي ً‬
‫عديدة‪ ،‬واجه حياة كدح صعبة وشاق ْ‬
‫إلى أن أغناه الله فاتجه إلى النعزال والعبادة في غار حراء‪.‬‬
‫فلقد كان عليه الصلة والسلم في صباه يشتغل برعاية الغنم‬
‫كما هو سنة النبياء‪ ،‬لنّه ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه‬
‫وسلم كان يرعى الغنم لهل مكة على قراريط‪ ،‬وهو عليه الصلة‬
‫والسلم القائل‪" :‬ما بعث الله نبيًا إل ورعى الغنم"‪ ،‬فقال له‬
‫أصحابه رضي الله عنهم‪ :‬وأنت؟ فقال‪" ،:‬نعم كنت أرعاها على‬
‫قراريط [‪ ]61‬لهل مكة" [‪ .]62‬وهذا الحديث إنّما يدل على أنّه‬
‫صلى الله عليه وسلم كان يعتمد على نفسه في فترة مبكرة من‬
‫عمره‪.‬‬
‫وبجانب رعايته للغنم كان صلى الله عليه وسلم يذهب إلى الشام‬
‫مه أبي طالب للتجارة‪.‬‬ ‫مع ع ّ‬
‫أخرج الترمذي عن أبي موسى الشعري قال‪( :‬خرج أبو طالب‬
‫إلى الشام وخرج معه النبي صلى الله عليه وسلم في أشياخ من‬
‫ما أشرفوا على الراهب هبط فحلوا رحالهم فخرج إليهم‬ ‫قريش فل ّ‬
‫الراهب‪.]63[ )...‬‬
‫ضا أنّه كان‬ ‫ما بعد بلوغه‪ ،‬فقد ورد أي ً‬ ‫هذا ما ورد في فترة صباه‪ ،‬وأ ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم يذهب إلى الشام للتجارة بأموال خديجة‬
‫رضي الله عنها قبل اقترانه بها‪.‬‬
‫يقول ابن إسحاق‪( :‬وكانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات‬
‫شرف ومال تستأجر الرجال في مالها‪ ،‬وتضاربهم إياه بشيء‬
‫ما تجاًرا‪ ،‬فلما بلغها عن رسول الله‬ ‫وتجعله لهم وكانت قريش قو ً‬
‫صلى الله عليه وسلم ما بلغها من صدق حديثه وعظيم أمانته‬
‫وكرم أخلقه بعثت إليه فعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى‬
‫الشام تاجًرا‪ ،‬وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار مع‬
‫غلم لها يقال له ميسرة‪ ،‬فقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫منها وخرج في مالها ذلك‪ ،‬وخرج معه غلمها ميسرة حتى قدم‬
‫الشام[‪.]64‬‬
‫فقام صلى الله عليه وسلم بواجبه في التجارة خير قيام حتى‬
‫كانت سببًا في زواجه إياها إثر رجوعه من ذلك السفر بعدما‬
‫عرضت نفسها عليه بناء على ما رأته فيه من صدق وأمانة‪ ،‬وما‬
‫سمعته من ميسرة في شأن الرسول صلى الله عليه وسلم من‬
‫خير طوال مرافقته له في تلك الرحلة الميمونة‪.‬‬
‫ما أخبرها ميسرة ما أخبرها بعثت‬ ‫يقول ابن كثير في السيرة‪( :‬فل ّ‬
‫إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له فيما يزعمون‪ :‬يا‬
‫ابن عم إنّي قد رغبت فيك لقرابتك ووسطتك في قومك وأمانتك‬
‫ما قالت‬ ‫وحسن خلقك وصدق حديثك‪ ،‬ثم عرضت نفسها عليه‪ ،‬فل ّ‬
‫ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذكره لعمامه فخرج معه‬
‫حمزة حتى دخل على خويلد بن أسد فخطبها إليه فتزوجها عليه‬
‫الصلة والسلم[‪ .]65‬وبعد اقترانه صلى الله عليه وسلم بخديجة‬
‫أم المؤمنين رضي الله عنها استغنى بمالها عن الكسب والضرب‬
‫في الرض لنّه لم يرد في كتب السيرة أنّه زاول نشاطًا اقتصاديًا‬
‫بعد ذلك بل ورد أنّه كان يذهب إلى غار حراء ليتعبد فيه فترة‬
‫يرجع بعدها إلى خديجة ليتزود بمثلها حتى جاءه الملك بأول آيات‬
‫سم ِ َرب ِّ َ‬ ‫ْ‬
‫ك‬ ‫من القرآن وهي صدر العلق من قوله تعالى‪{ :‬اقَْرأ بِا ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما ل َ ْ‬
‫م‬ ‫ن َ‬ ‫سا َ‬ ‫خلَقَ} [العلق‪ ]1:‬إلى قوله تعالى‪{ :‬ع َل ّ َ‬
‫م الِن َ‬ ‫ال ّذِي َ‬
‫م} [العلق‪.]5:‬‬ ‫يَعْل َ ْ‬
‫عن عائشة رضي الله عنها أنّها قالت‪( :‬أول ما بدئ رسول الله‬
‫من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان ل يرى رؤيا إل ّ جاءت‬
‫مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلء وكان يخلو بغار حراء فيتحنث‬
‫فيه وهو التعبد الليالي ذات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود‬
‫لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في‬
‫َ‬
‫غار حراء فجاءه الملك [‪ ]66‬فقال‪ :‬إقرأ‪ ..‬إلى قوله‪{ :‬ع َل ّ َ‬
‫م‬
‫م} [العلق‪.]5:‬‬ ‫م يَعْل َ ْ‬‫ما ل َ ْ‬
‫ن َ‬‫سا َ‬
‫الِن َ‬
‫وهذه هي المراحل التي مر بها الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫قبل النبوة وقد أشار القرآن الكريم إليها في آيات من سورة‬
‫َ‬
‫ضالً‬‫ك َ‬ ‫جد َ َ‬ ‫ما فَآوَى * وَوَ َ‬ ‫جد ْ َ‬
‫ك يَتِي ً‬ ‫الضحى وهي قوله تعالى‪{ :‬أل َ ْ‬
‫م يَ ِ‬
‫ك عَائِل ً فَأَغْنَى} [الضحى‪.]68:‬‬ ‫جد َ َ‬ ‫فَهَدَى * وَوَ َ‬
‫قال قتادة في هذه اليات‪( :‬كانت هذه هي منازل رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعثه الله عز وجل)[‪.]67‬‬
‫وقد ذكر أكثر المفسرين هذه المراحل التي مّر بها الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم عند تفسيرهم هذه اليات من سورة الضحى إلّ‬
‫أنهم يذكرون في كل مرحلة عدة أقوال محتملة ومعان متقاربة ل‬
‫يتسع لذكرها هذا المقام لن القصد هنا ليس ذكر أقوال‬
‫المفسرين قاطبة وإنّما ذكر ما يشير إلى هذه المراحل‪.‬‬
‫خص الشهيد سيد قطب معنى هذه اليات فيقول‪( :‬لقد‬ ‫وقد ل ّ‬
‫ما فآواك إليه وعطف عليك القلوب‪ ..‬ولقد كنت فقيًرا‬ ‫ولدت يتي ً‬
‫فأغنى الله نفسك بالقناعة كما أغناك بكسبك ومال أهل بيتك‬
‫خديجة رضي الله عنها عن أن تحس الفقر أو تتطلع إلى ما‬
‫حولك من ثراء‪ .‬ثم لقد نشأت في جاهلية مضطربة التصورات‬
‫والعقائد منحرفة السلوك والوضاع فلم تطمئن روحك إليها‬
‫حا مطمئنًا ل فيما عند الجاهلية‬ ‫ولكنّك لم تكن تجد لك طريقًا واض ً‬
‫ول فيما عند أتباع موسى وعيسى الذين حّرفوا وبدّلوا وانحرفوا‬
‫وتاهوا ثم هداك الله بالمر الذي أوحى به إليك وبالمنهج الذي‬
‫يصلك به)[‪.]68‬‬
‫ويفهم من تفسير سيد قطب لليات الثلث من سورة الضحى‬
‫كغيره من المفسرين أن المراحل الثلثة ليست على ترتيب‬
‫ن مرحلة الغناء مقدمة على مرحلة‬ ‫اليات من المصحف حيث أ ّ‬
‫الهداية‪.‬‬
‫صا ما ذكره المفسرون في‬ ‫يقول الدكتور محمد عزت دروزة ملخ ً‬
‫هذا الصدد‪( :‬إن الية تحتوي إشارة إلى حادث تيهان وقع للنبي‬
‫صلى الله عليه وسلم في طفولته أو في إحدى رحلته ورووا في‬
‫ذلك روايات كما قالوا أنّها تعني أنّه كان غافل ً عن الشريعة التي‬
‫ل تتقرر إل بالوحي الرباني أو أنّه كان حائًرا في أسلوب العبادة‬
‫جا في العقائد‬ ‫لله ونفوا عنه أي حال أن يكون ضال ً أي مندم ً‬
‫والتقاليد الشركية والنفس ل تطمئن إلى رواية تيهان النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم مضمونًا وسندًا بل إنّها ليست متسقة مع ما‬
‫ن الله على النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫تضمنته الية من م ّ‬
‫بأعظم أفضاله عليه‪ ،‬وتفسير ضال بحائر يحمل معنى الية على‬
‫أنه المقصود الحيرة في الطريق التي يجب أن يسار فيها إلى‬
‫الله وعبادته على أفضل وجه‪ .‬وهو المعنى الذي نراه)[‪.]69‬‬
‫والحكمة في تلك المراحل التي مّر بها الرسول صلى الله عليه‬
‫ن الله سبحانه وتعالى كان يدربه حتى يكون مهيأ‬ ‫وسلم هو أ ّ‬
‫ومؤهل ً لحمل عبء الرسالة الخاتمة وإبلغها إلى الناس‬
‫المنغمسين في بحر من الفساد في كل ناحية من نواحي الحياة‬
‫ما‬
‫حرِ ب ِ َ‬‫ساد ُ فِي الْبَّرِ وَالْب َ ْ‬
‫حتى يصدق عليهم قوله تعالى‪{ :‬ظَهََر الْفَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫س} [الروم‪.]41:‬‬‫ت أيْدِي الن ّا ِ‬ ‫كَ َ‬
‫سب َ ْ‬
‫يقول صاحب كتاب "دراسة في السيرة" مشيًرا إلى الحكمة من‬
‫تلك المراحل‪:‬‬
‫"ومن مرارة اليتم ووحشية العزلة وانقطاع معين العطف‬
‫والحنان قبس الرسول صلى الله عليه وسلم الصلبة والستقلل‬
‫والقدرة على التحمل‪ ...‬وبالفقر والحرمان تربى ونما بعيدًا عن‬
‫ترف الغنى وميوعة الدلل‪ ..‬وعبر رحلته إلى الشام في رعاية‬
‫مه فتح الرسول صلى الله عليه وسلم عينيه ووعيه تجاه العالم‬ ‫ع ّ‬
‫الذي يتجاوز حدود الصحراء وسكونها إلى حيث المجتمعات‬
‫المدنية التي تضطرب نشاطًا وقلقًا‪ ...‬وفي رحلته الثانية إلى‬
‫الشام مسؤول ً عن تجارة للسيدة خديجة تعلّم الرسول الكثير‬
‫سه معطيات المرحلة الولى وزاد عليها إدراكًا‬ ‫مق في ح ّ‬
‫الكثير ع ّ‬
‫أكثر لما يحدث في أطراف عالمه العربي من علقات بين الغالب‬
‫والمغلوب‪ ...‬كما علمه النشقاق الخلقي عن الوضع المكي‬
‫القدرة على مجابهة الحداث[‪.]70‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫سمو صفاته صلى الله عليه وسلم وأخلقه‪:‬‬
‫نشأ الرسول صلى الله عليه وسلم في بيئة وثنية يعبد أهلها‬
‫الصنام والوثان‪ ،‬ويستعبد القوي منهم الضعيف حتى أصبح‬
‫الظلم شيئًا معروفًا كما تنبئ به أشعارهم المأثورة كقول زهير‬
‫بن أبي سلمى‪:‬‬
‫يهدم ومن ل يظلم‬ ‫ومن لم يذد عن حوضه بسلحه‬
‫الناس يظلم[‪]71‬‬
‫إضافة إلى ما كانوا عليه من فساد في العادات والسلوك مثل‬
‫وأد البنات خوفًا من العار والفقر‪ ،‬وأكل أموال اليتامى بحجة أنهم‬
‫ضعفاء ل يستطيعون حمل السلح والدفاع عن القبيلة‪ ،‬وأكل‬
‫الربا واستحلله راضين بذلك حتى اشتهر فيهم تعريف البيع به‬
‫ربَا} [البقرة‪.]275:‬‬ ‫ما الْبَيْعُ ِ‬
‫مث ْ ُ‬
‫ل ال ّ ِ‬ ‫كما حكى لنا القرآن الكريم‪{ :‬إِن َّ َ‬
‫وقد وصف جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه للنجاشي ملك‬
‫الحبشة أثناء الهجرة الثانية إلى الحبشة أحوال المجتمع المكي‬
‫آنذاك وصفًا دقيقًا فقال‪:‬‬
‫"أيها الملك‪ ،‬كنّا أهل جاهلية‪ ،‬نعبد الصنام ونأكل الميتة‪ ،‬ونأتي‬
‫الفواحش ونقطع الرحام ونسبي الجوار‪ ،‬ويأكل القوي منّا‬
‫الضعيف‪ ،‬حتى بعث الله إلينا رسول ً منّا نعرف نسبه وأمانته‬
‫وعفافه‪ ،‬فدعا إلى توحيد الله وأن ل نشرك به شيئًا ونخلع ما كنّا‬
‫نعبد من الصنام‪ ،‬وأمرنا بصدق الحديث وأداء المانة‪ ،‬وصلة‬
‫الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن‬
‫الفواحش وقول الزور وأكل أموال اليتيم‪.]72["...‬‬
‫ن رسول الله صلى‬ ‫هكذا كانت حالة المجتمع المكي آنذاك ولك ّ‬
‫الله عليه وسلم برعاية من الله لم يتأثر ببيئته مع اشتراكه في‬
‫بعض العمال مع قومه لنّها كانت أعمال ً ل تخدش نبله أو ل‬
‫تسيء إلى سمعته‪ ،‬وأخلقه الطيبة‪.‬‬
‫نذكر في هذا الصدد ما روي من العمال التي اشترك فيها‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم مع قومه‪.‬‬
‫فلقد اشترك الرسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة في حلف‬
‫الفضول الذي وقع بين بطون من قريش لرد المظالم إلى أهلها‪.‬‬
‫يروي ابن هشام بسنده عن ابن إسحاق قال[‪" :]73‬تداعت قبائل‬
‫جدعان‬ ‫من قريش إلى حلف فاجتمعوا له في دار عبد الله بن ُ‬
‫لشرفه وسنه‪ ...‬فتعاقدوا وتعاهدوا على أل يجدوا في مكة‬
‫من دخلها من سائر الناس إل ّ قاموا‬ ‫ما من أهلها وغيرهم م ّ‬‫مظلو ً‬
‫مت قريش‬ ‫معه وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته فس ّ‬
‫ذلك الحلف حلف الفضول"[‪.]74‬‬
‫ويقول ابن كثير رحمه الله بعد إيراده ذلك الحلف‪" :‬وكان حلف‬
‫الفضول أكرم حلف سمع به وأشرفه في العرب وكان أول من‬
‫تكلم به ودعا إليه الزبير بن عبد المطلب"[‪.]75‬‬
‫وعلى هذا فكان اشتراكه صلى الله عليه وسلم في ذلك الحلف‬
‫ن رد ّ المظالم إلى أهلها أمر هام وقد جاء‬ ‫أمًرا ذا أهمية كبيرة ل ّ‬
‫به السلم فيما بعد ولهذا أثنى الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫على ذلك الحلف بعد البعثة‪ ،‬لما روي أنه صلى الله عليه وسلم‬
‫جدعان حلفًا ما أحب لي‬ ‫قال‪" :‬لقد شهدت في دار عبد الله بن ُ‬
‫به حمر النعم ولو دعيت إليه في السلم لجبت"[‪.]76‬‬
‫ومن العمال التي اشترك فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فجار التي وقعت وعمره صلى الله‬ ‫مع قومه قبل البعثة‪ ،‬حرب ال ِ‬
‫عليه وسلم عشرون سنة كما ذكر ابن إسحاق صاحب السيرة[‬
‫‪.]77‬‬
‫ن عروة‬ ‫وسبب ذلك الحرب [‪ ]78‬كما ذكر ابن هشام في سيرته أ ّ‬
‫الرحال بن عتبة من هوازن أجار لطيمة [‪ ]79‬للنعمان بن المنذر‬
‫فقال له البراض بن قيس أحد بني ضمرة‪ :‬أتجيرها في كنانة؟‬
‫قال‪ :‬نعم وعلى الخلق فخرج فيها عروة الرحال وخرج البراض‬
‫لطلب غفلته حتى إذا كان بتيمن ذي طلل بالعالية غفل عروة‬
‫فوثب عليه البراض فقتله في الشهر الحرام فلذلك سمي حرب‬
‫الفجار[‪.]80‬‬
‫وكانت دوره صلى الله عليه وسلم في تلك الحرب أن يرد على‬
‫أعمامه نبل عدوهم إذا رموهم بها؛ لنّه روي أنه صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪" :‬كنت أنبل على أعمامي"[‪.]81‬‬
‫وفي اشتراكه صلى الله عليه وسلم في تلك الحرب ما يبرره‬
‫ن القتال لم يكن جائًزا في الشهر الحرم زمن الجاهلية‬ ‫وهو أ ّ‬
‫خروها إلى شهر‬ ‫حتى أنّهم إذا أرادوا القتال في الشهر الحرم أ ّ‬
‫آخر لكي يستحلوا فيها القتال كما بينها الله سبحانه وتعالى في‬
‫ض ُّ‬ ‫سيءُ زِيَادَة ٌ فِي الْكُفْرِ ي ُ َ‬ ‫ما الن َّ ِ‬
‫ل بِهِ‬ ‫عليهم‪{ :‬إِن َّ َ‬ ‫ُ‬
‫القرآن معيبًا‬
‫َ‬
‫حَّر َ‬
‫م‬ ‫ما َ‬ ‫عدَّة َ َ‬
‫ما لِيُوَاطِئُوا ِ‬ ‫ه ع َا ً‬ ‫مون َ ُ‬
‫حّرِ ُ‬ ‫ما وَي ُ َ‬ ‫ه ع َا ً‬ ‫حل ّون َ ُ‬‫ن كَفَُروا ي ُ ِ‬ ‫ال ّ َذِي َ‬
‫ه} [التوبة‪.]37:‬‬ ‫الل ّ ُ‬
‫وعلى هذا فما دامت تلك الحرب دفاع ًا عن انتهاك حرمة الشهر‬
‫الحرم فل بأس في اشتراكه صلى الله عليه وسلم فيها‪.‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫عدَّة َ ال ُّ‬ ‫وقد أقر الله ذلك في قوله تعالى‪{ :‬إ ِ َّ‬
‫عنْد َ اللهِ اثْنَا‬ ‫شهُورِ ِ‬ ‫ن ِ‬
‫َ‬
‫منْهَا أَْربَعَ ٌ‬
‫ة‬ ‫ض ِ‬ ‫َ‬
‫ت وَالْر َ‬ ‫موَا ِ‬‫س َ‬ ‫خلَقَ ال َّ‬ ‫م َ‬ ‫ب الل ّهِ يَوْ َ‬ ‫شهًْرا فِي كِتَا ِ‬ ‫شَر َ‬ ‫عَ َ‬
‫َ‬
‫م} [التوبة‪.]36:‬‬ ‫سك ُ ْ‬‫ن أنْفُ َ‬ ‫موا فِيهِ َّ‬ ‫م فَل تَظْل ِ ُ‬ ‫ن الْقَي ِّ ُ‬ ‫ك الدِّي ُ‬ ‫م ذَل ِ َ‬‫حُر ٌ‬ ‫ُ‬
‫ومن العمال التي اشترك فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫مع قومه قبل البعثة وضع الحجر السود في مكانه من الكعبة‬
‫حين بناء قريش لها بعد ما اختلفت بطونها في ذلك حيث كانت‬
‫كل قبيلة تريد أن تنفرد بمزية وضع الحجر السود في مكانه‬
‫وكادوا أن يقتتلوا لول مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ما يرضى كل الطراف المتنازعة على ذلك‪.‬‬ ‫وحكمه فيهم حك ً‬
‫عن عبد الله بن السائب قال‪ :‬كنت فيمن بنى البيت وأخذت‬
‫شا اختلفوا في‬ ‫حجًرا فسويته ووضعته إلى جنب البيت‪ ..‬وأن قري ً‬
‫الحجر حيث أرادوا أن يضعوه حتى كاد أن يكون بينهم قتال‬
‫بالسيوف فقال‪ :‬اجعلوا بينكم أول رجل يدخل من الباب فدخل‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا‪ :‬هذا المين وكانوا‬
‫يسمونه في الجاهلية المين‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا محمد قد رضينا بك فدعا‬
‫بثوب فبسطه ووضع الحجر فيه ثم قال لهذا البطن‪ ،‬ولهذا‬
‫البطن‪ ،‬غير أنّه سمى بطونًا‪" :‬ليأخذ كل بطن منكم بناحية من‬
‫الثوب" ففعلوا ثم رفعوه وأخذه رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فوضعه بيده[‪.]82‬‬
‫واشتراكه صلى الله عليه وسلم في هذا العمل يظهر مدى‬
‫فطانته ورجاحة عقله حيث حل المشكلة بسهولة ويسر بعدما‬
‫كادت أن تؤدي إلى إسالة الدماء والحرب كما أنّه يدل على‬
‫مكانته صلى الله عليه وسلم عند قومه بحيث إنّهم رضوا بحكمه‬
‫دون تردد‪.‬‬
‫هذه هي أهم العمال التي وردت أن الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم قد اشترك فيها قبل البعثة مع قومه‪ ،‬وكلها كما ذكرت‬
‫سابقًا من أعالي المور ومن مكارم الخلق التي من شأنها أن‬
‫ترفع مكانته وشأنه وبخاصة إذا علم أن بيئته قد عم فيها الفساد‬
‫وانتشرت فيها الرذائل التي عصمه الله سبحانه وتعالى منها‬
‫وأبعده عنها لينشأ خاليًا من الدنايا والشوائب‪.‬‬
‫يؤيد ذلك ما رواه أبو نعيم بسنده عن علي بن أبي طالب قال‪:‬‬
‫سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪" :‬ما هممت‬
‫بقبيح مما كان أهل الجاهلية يهمون بها إل مرتين الدهر كلتاهما‬
‫يعصمني الله عز وجل منها‪ ،‬قلت ليلة لفتى من قريش بأعلى‬
‫مكة في أغنام لهلنا نرعاها‪ :‬أنظر غنمي حتى أسمر هذه الليلة‬
‫بمكة كما يسمر الفتيان قال‪ :‬نعم‪ ،‬فخرجت فجئت أدنى دار من‬
‫دور مكة فسمعت غناء وضرب دفوف وزمًرا فقلت ما هذا؟‬
‫قالوا‪ :‬فلن تزوج فلنة المرجل من قريش‪ ,‬فلهوت بذلك الغناء‬
‫س الشمس‬ ‫وبذلك الصوت حتى غلبتني عيني‪ ،‬فما أيقظني إل م َّ‬
‫ثم رجعت إلى صاحبي فقال‪ :‬ما فعلت؟ فأخبرته ثم قلت له ليلة‬
‫أخرى مثل ذلك ففعل فخرجت فسمعت مثل ذلك‪ ،‬فقيل لي مثل‬
‫ما قيل لي‪ ،‬فلهوت بما سمعت حتى غلبتني عيني فما أيقظني إل‬
‫س الشمس ثم رجعت إلى صاحبي فقال‪ :‬ما فعلت؟ فقلت‪ :‬ما‬ ‫م ّ‬
‫فعلت شيئًا‪ ،‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬فوالله ما‬
‫هممت بعدهما بسوء مما يعمل أهل الجاهلية حتى أكرمني الله‬
‫بنبوته"[‪.]83‬‬
‫وهذا الحديث دليل واضح على بعده صلى الله عليه وسلم‬
‫ونزاهته عن أمور الجاهلية التي كانت سائدة آنذاك في المجتمع‬
‫المكي ومن حوله بعناية من الله سبحانه وتعالى وبجانب ذلك‬
‫كان صلى الله عليه وسلم متصفًا بصفات فاضلة وأخلق حميدة‬
‫أقر له بها المؤيدون والمعاندون على السواء‪.‬‬
‫وقد أوجزت لنا خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها صفاته‬
‫وأخلقه بقولها بعد فزعه إليها من شدة بدء الوحي‪" :‬كل أبشر‬
‫فوالله ل يخزيك الله أبدًا فوالله إنك تصل الرحم وتصدق الحديث‬
‫وتحمل الكل [‪ ]84‬وتكسب المعدوم [‪ ]85‬وتقري الضيف وتعين‬
‫على نوائب الحق‪.]86["..‬‬
‫وخديجة رضي الله عنها أقرب شخصية لرسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم تصفه بهذه الصفات بناء على تجربة دقيقة وممارسة‬
‫طويلة ابتداء من ائتمانها له أن يتاجر في مالها ثم اقترانها به‬
‫ومعاشرته فترة تبلغ خمس عشرة سنة‪.‬‬
‫وهذه شهادة من جانب أحد المؤمنين بدعوته صلى الله عليه‬
‫وسلم وهى شهادة حق وصدق أقر بها وبحقيقتها من لم يتبعوا‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم ويؤمنوا بدعوته‪.‬‬
‫من ذلك ما أخرجه الشيخان بسندهما عن ابن عباس رضي الله‬
‫شيرت َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ن} [الشعراء‪:‬‬ ‫ك القَْربِي َ‬ ‫عنهما قـال‪" :‬لما نزلت‪{ :‬وَأنذِْر ع َ ِ َ‬
‫‪ ]214‬خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا‬
‫فهتف "يا صباحاه"‪ ،‬فقالوا‪ :‬من هذا؟ فاجتمعوا إليه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫"أرأيتم إن أخبرتكم أن خيل ً تخرج من سفح هذا الجبل أكنتم‬
‫ك كذبًا‪ ،‬قال‪" :‬فإني نذير لكم بين‬ ‫مصدقي؟ "قالوا‪ :‬ما جربنا علي َ‬
‫يدي عذاب شديد" قال أبو لهب‪ :‬تبًا لك ما جمعتنا إل لهذا ثم قام‪:‬‬
‫َ‬
‫ب} [المسد‪.]87[]1:‬‬ ‫ب َوت َ َّ‬‫ت يَدَا أبِي لَهَ ٍ‬
‫فنزلت‪{ :‬تَب َّ ْ‬
‫ففي قولهم‪ :‬ما جربنا عليك كذبًا دليل واضح على اتصافه صلى‬
‫الله عليه وسلم بالصدق التام قبل الرسالة بشهادة أعدائه الذين‬
‫وقفوا في وجه نشر الدعوة السلمية‪.‬‬
‫وهذه الشهادة قد صدرت من مجموع المشركين ومثلها صدرت‬
‫من أفرادهم‪ ،‬وقد قالها أبو سفيان رضي الله عنه وهو مشرك‬
‫عند هرقل ملك الروم الذي وجه إليه عدة أسئلة تتعلق بأحوال‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم من بينها قول هرقل‪" :‬فهل كنتم‬
‫تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ "قلت‪ :‬ل‪ ،‬ثم قال هرقل‪:‬‬
‫في آخر القصة لبي سفيان‪:‬‬
‫وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فزعمت‬
‫أن ل فعرفت أنّه لم يكن ليدع الكذب على الناس ثم يذهب‬
‫ويكذب على الله"[‪.]88‬‬
‫ن الرسول‬ ‫تلك شهادة الخصوم والمؤمنين تنطق صريحة في أ ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم لم يكذب أبدًا قبل البعثة‪ ،‬بل كان صادقًا‬
‫ما‪.‬‬
‫دائ ً‬
‫والصدق أساس الفضائل الخلقية وعنوان النسانية الكريمة‪،‬‬
‫وقد انطبع رسول الله صلى الله عليه وسلم بفضل الله تعالى‪.‬‬
‫وكما اتصف صلى الله عليه وسلم بالصدق اتصف بكل مكارم‬
‫الخلق ومنها المانة‪.‬‬
‫وخير ما يدل على ذلك قصة وضع الحجر السود في مكانه من‬
‫الكعبة أثناء تجديد بنائها حينما اختلفت قريش في ذلك حيث‬
‫أتفقوا على تحكيم أول رجل يدخل من الباب فدخل رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم وكانوا يسمونه في الجاهلية المين فقالوا‪:‬‬
‫"قد دخل المين‪ ،‬فقالوا يا محمد رضينا بك"[‪.]89‬‬
‫وهذه شهادة صدرت من مجموع المشركين وإن لم يكن بينه‬
‫ن ذلك كان قبل البعثة إل‬ ‫وبينهم عداوة حين نطقوا بذلك القول ل ّ‬
‫أنّها تشهد على اتصافه صلى الله عليه وسلم بالمانة حتى‬
‫أصبحت لقبًا له‪.‬‬
‫وعلى هذا نجزم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان متصفًا‬
‫بصفات فاضلة وأخلق حميدة قبل البعثة اعترف بها أعداؤه وآمن‬
‫بها أصحابه مع شيوع الظلم والعدوان وسوء الخلق في المجتمع‬
‫المكي يومذاك‪ .‬وذلك بفضل الله وعنايته ورعايته‪.‬‬
‫ما بعد البعثة فقد كان خلقه صلى الله عليه وسلم القرآن كما‬ ‫وأ ّ‬
‫ورد في حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها حيث قالت‪:‬‬
‫"‪ ...‬فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن"[‪.]90‬‬
‫وهذه الخلق الكريمة كانت سببًا في تقريب قلوب أصحابه‬
‫رضوان الله عليهم له ولول اتصافه بها لما تمكن من تأثير دعوته‬
‫عليهم وخاصة في أيامها الولى في مكة‪.‬‬
‫وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى تأثير اتصافه صلى الله عليه‬
‫وسلم بالخلق الفاضلة على أصحابه رضوان الله عليهم بقوله‬
‫ظ الْقَل ْ ِ‬
‫ب‬ ‫ت فَظًّا غَلِي َ‬ ‫م وَلَوْ كُن ْ َ‬ ‫ت لَهُ ْ‬
‫َ‬
‫ن الل ّهِ لِن ْ َ‬‫م ْ‬‫ة ِ‬ ‫م ٍ‬‫ح َ‬ ‫ما َر ْ‬ ‫تعالى‪{ :‬فَب ِ َ‬
‫م} [آل عمران‪.]159:‬‬ ‫ستَغْفِْر لَهُ ْ‬ ‫م وَا ْ‬ ‫ف ع َنْهُ ْ‬ ‫ك فَاع ْ ُ‬ ‫حول ِ َ‬‫ن َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ضوا ِ‬ ‫لن ْ َف ُّ‬
‫ضا‬ ‫وكما أن الخلق الفاضلة لها تأثير كبير على الصحاب كذلك أي ً‬
‫ستَوِي‬ ‫لها تأثير كبير على العداء كما يدل عليه قوله تعالى‪{ :‬وَل ت َ ْ‬
‫ه‬
‫ك وَبَيْن َ ُ‬‫ن فَإِذ َا الَّذِي بَيْن َ َ‬‫س َُ‬
‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ة ادْفَعْ بِال ّتِي ه ِ َ‬ ‫سيِّئ َ ُ‬ ‫ة وَل ال َّ‬ ‫سن َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ي حميم * وما يلَقَّاهَا إل َّ ال ّذين صبروا وما يلَقَّاهَا إلَّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ِ َ َ َُ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ه وَل ِ ٌّ َ ِ ٌ‬ ‫عَدَاوَة ٌ كَأن َّ ُ‬
‫ظ عَظِيمٍ} [فصلت‪.]3435:‬‬ ‫ح ٍّ‬ ‫ذ ُو َ‬
‫وقد شهد الله سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بالخلق‬
‫ق عَظِيمٍ} [القلم‪.]4:‬‬ ‫ك لَعَلى ُ ُ‬ ‫العظيم بقوله‪{ :‬وَإِن َّ َ‬
‫خل ٍ‬
‫ـــــــــــــــ‬
‫الهوامش‪:‬‬

‫[‪ ]1‬ينكتها بتاء مثناة من فوق في رواية مسلم والصواب ينكبها‬


‫بباء موحدة كما قال القاضي عياض ومعناه يقلبها ويرددها إلى‬
‫الناس مشيًرا إليهم من نكب كنانته إذا قلبها‪ .‬وهكذا في شرح‬
‫النووي على صحيح مسلم (‪ ،)8/184‬ويشهد له رواية أبي داود وابن‬
‫ماجة حيث وردت فيها بالباء الموحدة‪ .‬انظر سنن أبي داود‪ ،‬كتاب‬
‫المناسك‪ ،‬باب صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم (‪،)2/85‬‬
‫وسنن ابن ماجة‪ ،‬كتاب المناسك‪ ،‬باب حجة رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم (‪.)2/1025‬‬
‫[‪ ]2‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب حجة النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه‪.‬‬
‫[‪ ]3‬التفسير الكبير للمام فخر الدين الرازي (‪.)9/78‬‬
‫[‪ ]4‬هو أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا المتوفى سنة (‬
‫‪395‬هـ)‪ .‬انظر ترجمته في بغية الدعاة للسيوطي (‪.)1/352‬‬
‫[‪ ]5‬معجم مقاييس اللغة (‪.)1/7485‬‬
‫[‪ ]6‬هو محمد بن مكرم بن علي بن أحمد النصاري الفريقي ثم‬
‫المصري جمال الدين أبو الفضل المتوفى سنة (‪711‬هـ)‪ .‬انظر‬
‫ترجمته في بنية الوعاة (‪.)1/248‬‬
‫[‪ ]7‬لسان العرب (‪.)1/206‬‬
‫[‪ ]8‬هو أبو منصور موهوب بن أحمد الجواليقي المتوفى سنة (‬
‫‪465‬هـ)‪ ،‬وقيل غير ذلك‪ .‬انظر ترجمته في بغية الوعاة (‪.)2/308‬‬
‫[‪ ]9‬شرح أدب الكتب للجواليقي (‪.)13‬‬
‫[‪ ]10‬معجم متن اللغة (‪.)1/153‬‬
‫[‪ ]11‬هو إسماعيل بن حماد الجوهري المتوفى سنة (‪393‬هـ)‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬في حدود الربعمائة‪ .‬انظر ترجمته في بغية الوعاة (‬
‫‪.)1/446447‬‬
‫[‪ ]12‬الصحاح‪.)1/86( :‬‬
‫[‪ ]13‬أبو الحسن علي بن عبد الرحمن بن هذيل‪ ،‬من أعيان القرن‬
‫الثامن‪.‬‬
‫[‪ ]14‬عين الدب‪.)95( :‬‬
‫[‪ ]15‬شرح أدب الكاتب‪.)13( :‬‬
‫[‪ ]16‬هو علي بن محمد الشريف الجرجاني المتوفى سنة (‪816‬هـ)‪.‬‬
‫انظر ترجمته في بغية الوعاة (‪.)197 ،2/196‬‬
‫[‪ ]17‬كتاب التعريفات‪.)14( :‬‬
‫[‪ ]18‬هو المام العلمة زين الدين بن إبراهيم بن محمد الشهير‬
‫بابن نجيم المتوفى سنة (‪969‬هـ)‪.‬‬
‫[‪ ]19‬البحر الرائق شرح كنز الدقائق‪.)6/377( :‬‬
‫[‪ ]20‬آداب المجتمع في السلم‪.)910( :‬‬
‫[‪ ]21‬مدارج السالكين‪.)2/381( :‬‬
‫[‪ ]22‬مدارج السالكين‪.)2/387( :‬‬
‫[‪ ]23‬رواه المام مالك بلغًا في الموطأ (‪ )2/899‬وقال اللباني في‬
‫تعليقاته على مشكاة المصابيح (‪ )1/66‬له شاهد من حديث ابن‬
‫عباس أخرجه الحاكم‪.‬‬
‫[‪ ]24‬من الطراء‪ :‬وهو مجاوزة الحد في المدح والكذب فيه‪.‬‬
‫النهاية في غريب الحديث لبن الثير (‪.)3/123‬‬
‫[‪ ]25‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب النبياء‪ ،‬باب‪( :‬واذكر في الكتاب مريم‬
‫إذ انتبذت من أهلها‪.)2/256( ).‬‬
‫[‪ ]26‬انظر تفسير ابن كثير (‪.)1/190‬‬
‫[‪ ]27‬خصائص التصور السلمي (ص‪.)25:‬‬
‫[‪ ]28‬المصدر السابق (ص‪.)26:‬‬
‫[‪ ]29‬تفسير القرآن العظيم (‪.)1/588‬‬
‫[‪ ]30‬البخاري كتاب التفسير باب قوله‪( :‬ول تقربوا الفواحش) (‬
‫‪ .)3/129‬ومسلم كتاب التوبة باب غيرة الله تعالى وتحريم‬
‫الفواحش (‪ )4/2114‬واللفظ لمسلم‪.‬‬
‫[‪ ]31‬البخاري كتاب المناقب باب خاتم النبيون (‪.)2/270‬‬
‫[‪ ]32‬روح المعاني (‪.)8/2122‬‬
‫[‪ ]33‬انظر الدعوة السلمية أصولها ووسائلها للدكتور أحمد‬
‫غلوش (ص‪.)114:‬‬
‫[‪ ]34‬انظر الدعوة السلمية أصولها ووسائلها للدكتور أحمد‬
‫غلوش (ص‪.)114:‬‬
‫[‪ ]35‬العقيدة والخلق وأثرهما في حياة الفرد والمجتمع (ص‪)240:‬‬
‫البخاري كتاب المناقب باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم (‬
‫‪)2/272‬‬
‫[‪ ]36‬تفسير ابن كثير (‪.)4/427‬‬
‫[‪ ]37‬على الفطرة‪ :‬على معرفة الله فلست واحدًا أحدًا إل ويقر‬
‫ماه بغير اسمه أو عبد غيره‪ .‬غريب الحديث‬ ‫بأن له صانعًا وإن س ّ‬
‫لبن الجوزي (‪.)2/199‬‬
‫[‪ ]38‬جدعاء‪ :‬أي مقطوعة الطراف‪ .‬النهاية في غريب الحديث‬
‫لبن الثير (‪.)1/247‬‬
‫[‪ ]39‬صحيح مسلم كتاب القدر باب معنى‪( :‬كل مولود على‬
‫الفطرة وحكم أطفال الكفار وأطفال المسلمين (‪.)4/2047‬‬
‫[‪ ]40‬الدعوة السلمية أصولها ووسائلها (ص‪.)114:‬‬
‫[‪ ]41‬صحيح مسلم كتاب الفضائل باب فضل نسب النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم (‪ )4/1782‬والترمذي في سننه‪ ،‬أبواب المناقب عن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬باب ما جاء في فضل النبى‬
‫صلى الله عليه وسلم (‪.)5/245‬‬
‫[‪ ]42‬شرح النووي على صحيح مسلم (‪.)15/36‬‬
‫[‪ ]43‬تحفة الحوذي شرح جامع الترمذي (‪.)10/74‬‬
‫[‪ ]44‬أخرجه الترمذي في سننه في أبواب المناقب باب ما جاء‬
‫في فضل النبي صلى الله عليه وسلم انظر (‪ ،)5/244‬وقال‪ :‬هذا‬
‫حديث حسن صحيح غريب‪.‬‬
‫[‪ ]45‬انظر‪ :‬تحفة الحوذي (‪.)10/76‬‬
‫[‪ ]46‬صحيح البخاري‪ ،‬باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم (‪ ،)1/8‬وصحيح مسلم‪ ،‬كتاب الجهاد باب‬
‫كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل ليدعوه إلى السلم‬
‫(‪ )3/1394‬واللفظ للبخاري‪.‬‬
‫[‪ ]47‬شرح النووي على صحيح مسلم (‪.)12/105‬‬
‫[‪ ]48‬السطة‪ :‬أي عن أوساطهم حسبًا ونسبًا‪.‬‬
‫سن اللباني هذه‬ ‫[‪ ]49‬تفسير القرآن العظيم لبن كثير (‪ ،)4/91‬وح ّ‬
‫القصة في تعليقه على فقه السيرة للغزالي‪ .‬انظر هامش (ص‪:‬‬
‫‪.)113‬‬
‫[‪ ]50‬فتح الباري شرح صحيح البخاري (‪.)1/36‬‬
‫[‪ ]51‬شرح النووي على صحيح مسلم (‪.)12/35‬‬
‫[‪ ]52‬التفسير السياسي للسيرة (ص‪.)1112:‬‬
‫[‪ ]53‬أخرجه الحاكم في مستدركه (‪ )2/315‬وقال‪ :‬هذا صحيح على‬
‫شرط الشيخين ولم يخرجاه قال الذهبي‪ :‬ما أخرجاه لناجية‪،‬‬
‫وقال الشيخ أحمد شاكر في عمدة التفسير (‪( :)5/25‬وهذا صحيح‬
‫فإن الشيخين لم يخرجا لناجية بن كعب السدي ولكنه تابعي ثقة‬
‫والحديث صحيح وإن لم يكن على شرطهما)‪.‬‬
‫[‪ ]54‬انظر تفسير القرآن العظيم لبن كثير‪.)4/91( :‬‬
‫[‪ ]55‬انظر سيرة ابن هشام‪ )1/167( :‬وما بعدها‪.‬‬
‫[‪ ]56‬فقه السيرة‪( :‬ص‪.)58:‬‬
‫[‪ ]57‬ضحضاح‪ :‬ما رق من الماء على وجه الرض‪ ،‬غريب الحديث‬
‫لبن الجوزي (‪.)2/6‬‬
‫[‪ ]58‬صحيح مسلم كتاب اليمان باب شفاعة النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم لبي طالب والتخفيف عنه بسببه (‪.)1/195‬‬
‫[‪ ]59‬غمرات‪ :‬أي المواضع التي تكثر فيها النار‪ .‬واحدتها غمرة‪.‬‬
‫النهاية في غريب الحديث لبن الثير (‪.)384 ،3/383‬‬
‫[‪ ]60‬صحيح مسلم كتاب اليمان‪ ،‬باب شفاعة الني صلى الله عليه‬
‫وسلم لبي طالب والتخفيف عنه بسببه (‪.)1/195‬‬
‫[‪ ]61‬قراريط‪ :‬مفردها قيراط وهو جزء من أجزاء الدينار وهو‬
‫نصف عشر في أكثر البلد وأهل الشام يجعلونه جزءًا من أربعة‬
‫وعشرين‪ .‬والياء فيه بدل الراء فإن أصله من قّراط‪ ،‬النهاية في‬
‫غريب الحديث (‪.)4/42‬‬
‫[‪ ]62‬أخرجه البخاري في كتاب الجارة‪ ،‬باب رعي الغنم على‬
‫قراريط‪.)2/3233( :‬‬
‫[‪ ]63‬سنن الترمذي‪ ،‬أبواب المناقب باب ما جاء في نبوة النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم (‪ ،)5/250‬وقال‪( :‬هذا حديث حسن غريب ل‬
‫نعرفه إل من هذا الوجه)‪.‬‬
‫[‪ ]64‬سيرة ابن هشام‪.)1/171172( :‬‬
‫[‪ ]65‬السيرة النبوية‪.)1/263( :‬‬
‫[‪ ]66‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ :‬باب كيف كان بدء الوحي إلى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم (‪.)1/6‬‬
‫[‪ ]67‬تفسير ابن كثير‪.)4/523( :‬‬
‫[‪ ]68‬في ظلل القرآن‪.)6/3927( :‬‬
‫[‪ ]69‬سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم‪.)1/32( :‬‬
‫[‪ ]70‬دراسة ني السيرة للدكتور عماد الدين خليل (ص‪ )4749:‬مع‬
‫تصرف يسير‪.‬‬
‫[‪ ]71‬في ديوانه‪( :‬ص‪.)88:‬‬
‫[‪ ]72‬الفتح الرباني في ترتيب مسند المام أحمد مع شرحه بلوغ‬
‫الماني من أسرار الفتح الربّاني (‪ )20/226‬كلهما لْحمد البنا "وقال‬
‫البنا عقب هذا الحديث‪" :‬الحديث صحيح ورواه ابن هشام في‬
‫سيرته بطوله عن ابن إسحاق‪ ،‬وأورده الهيثمي وقال‪ :‬رواه أحمد‬
‫ورجاله رجال الصحيح‪ ،‬غير ابن إسحاق وقد صّرح بالسماع"‪.‬‬
‫[‪ ]73‬سيرة ابن هشام‪.)1/122123( :‬‬
‫[‪ ]74‬سمي هذا الحلف بالفضول إما نسبة إلى الشخاص‬
‫المتحالفين الثلث الذين سمى كل واحد منهم بالفضل أو إما‬
‫السبب الذي من أجله تحالفوا وهو أن ترد الفضول على أهلها‪.‬‬
‫السيرة النبوية لبن كثير (‪ )1/258261‬مع التصرف‪.‬‬
‫[‪ ]75‬السيرة النبوية (‪.)1/259‬‬
‫[‪ ]76‬انظر سيرة ابن هشام (‪.)1/123124‬‬
‫[‪ ]77‬المصدر السابق (‪.)1/170‬‬
‫[‪ ]78‬في حرب الفجار التي وقعت بين قريش ومن معه من كنانة‬
‫وبين قيس عيلن‪ .‬انظر سيرة ابن هشام (‪.)1/168‬‬
‫[‪ ]79‬اللطيم تحمل العطر والبّز غير الميرة‪ .‬النهاية في غريب‬
‫الحديث (‪.)4/251‬‬
‫[‪ ]80‬انظر سيرة ابن هشام (‪ )1/169‬بتصرف‪.‬‬
‫[‪ ]81‬انظر السيرة النبوية لبن كثير (‪.)1/256‬‬
‫[‪ ]82‬أخرجه الحاكم في مستدركه (‪ )1/458‬وقال‪ :‬صحيح على‬
‫شرط مسلم وله شاهد صحيح على شرطه ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫[‪ ]83‬دلئل النبوة لبي نعيم (ص‪ )54:‬وقال الهيثمي في مجمع‬
‫الزوائد (‪ )8/226‬رواه البزار ورجاله ثقات‪.‬‬
‫[‪ ]84‬الكل‪ :‬العيال والثقل‪ .‬غريب الحديث لبن الجوزي (‪.)2/293‬‬
‫[‪ ]85‬وتكسب المعدوم يقال‪ :‬فلن يكسب المعدوم إذا كان‬
‫مجذوذ ًا محظوظًا أي يكسب ما يحرمه غيره‪ ،‬وقيل أرادت أي‬
‫خديجة رضي الله عنها تكسب الشيء المعدوم الذي ل يجدونه‬
‫مما يحتاجون إليه‪ ،‬وقيل أرادت بالمعدوم الفقير الذي صار من‬
‫شدة حاجته كالمعدوم نفسه‪ .‬النياية في غريب الحديث (‬
‫‪.)3/191192‬‬
‫[‪ ]86‬صحيح البخاري في كتاب التفسير باب تفسير سورة اقرأ‬
‫باسم ربك الذي خلق (‪.)3/218‬‬
‫[‪ ]87‬صحيح البخاري في كتاب التفسير باب تفسير سورة‪( :‬تبت‬
‫يدا أبي لهب وتب) (‪ .)3/222‬وصحيح مسلم في كتاب اليمان‪ ،‬باب‬
‫(وأنذر عشيرتك القربين) (‪.)1/194‬‬
‫[‪ ]88‬جزء من الحديث الطويل المتفق عليه؛ انظر صحيح البخاري‬
‫باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (‬
‫‪ ،)1/8‬وصحيح مسلم في كتاب الجهاد باب كتاب النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم إلى هرقل يدعوه إلى السلم (‪1395()3/1394‬هـ)‪،‬‬
‫واللفظ له‪.‬‬
‫[‪ ]89‬جزء من الحديث الذي أخرجه الحاكم في مستدركه (‪.)1/458‬‬
‫وقد تقدم تخريجه في (ص‪.)73:‬‬
‫[‪ ]90‬أخرجه المام مسلم في صحيحه (‪.)1/513‬‬
‫‪ .6‬كتاب "التأدب مع الرسول في ضوء الكتاب‬
‫والسنة" [الجزء الثاني]‬
‫الفصل الثاني‬
‫عمله صلى الله عليه وسلم في نشر الدعوة وحرصه على هداية‬
‫الناس‬

‫إن نزول الوحي اللهى للناس يحتاج إلى رسول يتلقاه ويبلغه‬
‫للمدعوين‪ ،‬ولذلك اختار الله رسله عليهم السلم قادرين على‬
‫تحمل المسؤولية مهيئين بفضل الله للقيام بواجب الدعوة خير‬
‫قيام‪.‬‬
‫ومن هنا كان إرسال الرسل مسقطًا لحجة الناس بأن الدعوة لم‬
‫تبلغهم‪.‬‬
‫س ع َلَى‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن لل ّ يَكُو َ َ‬
‫ن لِلن ّا ِ‬ ‫منذِرِي َ‬
‫ن وَ ُ‬
‫شري َ‬ ‫سل ً ُ‬
‫مب َ ّ ِ ِ‬ ‫يقول الله تعالى‪ُ{ :‬ر ُ‬
‫َ‬
‫ل} [النساء‪.]165:‬‬ ‫ة بَعْد َ الُّر ُ‬
‫س ِ‬ ‫ج ٌ‬ ‫الل ّهِ ُ‬
‫ح َّ‬
‫وعمل الرسل مع الدعوة يحتاج إلى جهد كبير وصبر واضح‪،‬‬
‫ومثابرة شاقة بالضافة إلى تحمل أذى القوم وعنتهم وعدوانهم‬
‫القولي والفعلي على الرسول والذين معه‪.‬‬
‫وتلك سنة عامة مع كل الرسل وسائر الدعوات من لدن نوح‬
‫عليه السلم إلى خاتم النبياء صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ولقد تحدث القرآن الكريم عن الرسل السابقة عليهم الصـلة‬
‫والسلم وبين ما لقوا من أقوامهم من أذى وتعنت أو قتل أو‬
‫تشريد‪ ،‬ولكن ل يتسع المقام لن أسرد كل قصصهم إل ّ أنّي أذكر‬
‫ما يدل على ذلك من الكتاب والسنة على وجه الجمال‪.‬‬
‫صبَُروا‬
‫َ َّ‬
‫ك فَ‬‫ن قَبْل ِ َ‬‫م ْ‬‫ل ِ‬ ‫س ٌ‬ ‫فمن الكتاب قوله تعالى‪{ :‬وَلَقَد ْ كُذِّب َ ْ‬
‫ت ُر ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه‬
‫ت الل ِ‬ ‫ما ِ‬‫ل لِكَل ِ َ‬
‫دّ َ‬
‫مب َ ِ‬
‫صُرنَا وَل ُ‬‫م نَ ْ‬ ‫حتَّى أتَاهُ ْ‬
‫ذّبُوا وَأوذ ُوا َ‬ ‫ما ك ُ ِ‬‫ع َلَى َ‬
‫ن} [النعام‪.]34:‬‬ ‫سلِي َ‬
‫مْر َ‬‫ن نَبَإ ِ ال ْ ُ‬‫م ْ‬ ‫جاءَ َ‬
‫ك ِ‬ ‫وَلَقَد ْ َ‬
‫يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الية‪:‬‬
‫"ويستطرد من تطييب خاطر الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫وبيان السباب الحقيقية لموقف المكذبين منه ومن دعوته‪ ،‬ومن‬
‫آيات الله الناطقة بصدقه وصدق ما جاء به‪ ...‬يستطرد من هذا‬
‫إلى تذكيره بما وقع لخوانه الرسل قبله‪ ،‬وقد جاءه من أخبارهم‬
‫في هذا القرآن ثم ما كان منهم من الصبر والمضي في الطريق‬
‫ن هذه سنة الدعوات التي ل تبديل‬ ‫حتى جاءهم نصر الله ليقرر أ ّ‬
‫ول يغير منها اقتراحات المقترحين كما أنها ل تستعجل مهما ينزل‬
‫بالدعاة من الذى والتكذيب والضيق"[‪.]1‬‬
‫وأما السنة فمنها ما جاء على لسان ورقة بن نوفل حينما ذهبت‬
‫خديجة أم المؤمنين رضى الله عنها بالرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم إليه بعد فزع الرسول من رؤية الملك جبريل عليه السلم‬
‫في بداية الوحي كما رواه البخاري عن عائشة رضى الله عنها‪:‬‬
‫وفيه‪ ..:‬فانطلقت به خديجة إلى ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد‬
‫العزى ابن عم خديجة وكان امرأ تنصر في الجاهلية وكان يكتب‬
‫الكتاب العبراني فيكتب من النجيل بالعبرانية ما شاء الله أن‬
‫خا كبيًرا قد عمي فقالت له خديجة‪ :‬يا ابن عم‪،‬‬ ‫يكتب وكان شي ً‬
‫اسمع من ابن أخيك؟ فقال ورقة‪ :‬يا ابن أخي ماذا ترى؟! فأخبره‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى‪ ،‬فقال ورقة‪ :‬هذا‬
‫الناموس[‪ ]2‬الذي نّزل الله على موسى يا ليتني فيها جذع ًا[‪]3‬‬
‫ليتني أكون حيًّا إذ يخرجك قومك‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله‬
‫ي هم" قال‪ :‬نعم‪ ،‬لم يأت رجل قط بمثل ما‬ ‫عليه وسلم‪" :‬أمخرج ّ‬
‫جئت به إل عودي وإن يدركني يومك أنصرك نصًرا مؤزًرا ثم لم‬
‫ينشب[‪ ]4‬ورقة أن توفي وفتر الوحي"[‪.]5‬‬
‫وهذا الحديث نص صريح في الموضوع الذي نحن بصدده إذ أنّه‬
‫يعطينا صورة واضحة عن معاداة المم السابقة لرسلهم من غير‬
‫استثناء رسول واحد من الرسل عليهم السلم ابتداء من نبي الله‬
‫نوح عليه السلم وانتهاء بخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم كما‬
‫هي سنة الله تعالى في إرسال الرسل‪.‬‬
‫وما دامت سنة الله في كل دعوة من دعوات الرسل عليهم‬
‫الصلة والسلم أن تواجه البتلء والختبار فل بد لدعوة نبينا‬
‫ضا ذلك من قبل‬‫محمد صلى الله عليه وسلم أن تواجه أي ً‬
‫المعاندين من المشركين وأهل الكتاب وغيرهم‪.‬‬
‫وفي هذا الفصل أتحدث عن ما لقاه الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم من قبل أعداء الدعوة السلمية وكيف قاومهم ومدى ما‬
‫تحمل من المتاعب في سبيل نشر الدعوة السلمية مع مراعاة‬
‫ظروف ذلك الزمان‪.‬‬
‫وقد قسمت هذا الفصل إلى ثلثة مباحث‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬تحمل مشاق نشر الدعوة‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬الصبر على الذى والعدوان من قبل الخصوم‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬إكمال الله تعالى الدين على يده صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫وذلك على النحو التالي‪:‬‬

‫المبحث الول‬
‫تحمل مشاق نشر الدعوة‬

‫ن السلم بدأ غريبًا كما ورد في الحديث الصحيح‬ ‫من المعلوم أ ّ‬


‫الذي أخرجه المام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪( :‬بدأ السلم غريبًا‬
‫وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبى للغرباء)[‪.]6‬‬
‫وتلك الغربة قد زالت بفضل الله تعالى ثم بفضل جهود رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم في نشر الدعوة السلمية في‬
‫مراحلها الخمسة وتحمله المشاق في سبيل إنجاحها‪.‬‬
‫وقد ذكر ابن القيم رحمه الله تلك المراحل الخمس وهي على‬
‫النحو التالي‪:‬‬
‫المرحلة الولى‪ :‬النبوة‪.‬‬
‫المرحلة الثانية‪ :‬إنذار عشيرته القربين‪.‬‬
‫المرحلة الثالثة‪ :‬إنذار قومه‪.‬‬
‫المرحلة الرابعة‪ :‬إنذار قوم ما أتاهم من نذير من قبله وهم‬
‫العرب قاطبة‪.‬‬
‫المرحلة الخامسة‪ :‬إنذار جميع من بلغته الدعوة من الجن والنس‬
‫إلى آخر الدهر[‪.]7‬‬
‫ويمكن تقسيم هذه المراحل التي أشرتها آنفًا إلى مرحلتين‪:‬‬
‫المرحلة المكية‪ ،‬والمرحلة المدنية أي بعد الهجرة‪.‬‬
‫أولً‪ :‬المرحلة المكية‪:‬‬
‫وهذه المرحلة هي أصعب المرحلتين لقلة المؤمنين بالرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم وضعفهم وقوة المعادين له وكثرتهم‪ ،‬ولكنه‬
‫صلى الله عليه وسلم كان على ثقة بالله سبحانه وتعالى في أن‬
‫يتم هذا المر فلم يتزحزح عن طريق الحق قيد شبر طيلة المدة‬
‫التي كان يدعو الناس إلى الله‪.‬‬
‫وفي السنوات الثلث الولى من هذه المرحلة كان الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم يسر دعوته ول يدعو الناس إل فرادى‪ ،‬ويأمر من‬
‫آمن به أن ل يظهر إسلمه خوفًا على نفسه‪.‬‬
‫ويؤيد هذا ما أخرجه الحاكم عن عمر بن عبسة رضي الله عنه‬
‫قال‪ :‬أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أول ما بعث وهو يومئذ‬
‫مستخف فقلت أنت ما أنت؟ قال‪" :‬أنا نبي" قلت‪ :‬وما نبى؟ قال‪:‬‬
‫"رسول الله" قلت‪ :‬أرسلك الله؟ قال‪" :‬نعم" قلت‪ :‬بم أرسلك؟‬
‫قال‪" :‬بأن تعبدوا الله وتكسروا الوثان وتصلوا الرحم" قلت‪ :‬نعما‬
‫أرسلت فمن تبعك على هذا؟ قال‪" :‬حر وعبد" يعني أبا بكر‬
‫وبللً‪ ،‬فكان عمر بن عبسة يقول‪ :‬لقد رأيتني وأنا ربع السلم‬
‫فأسلمت فقلت‪ :‬أتبعك يا رسول الله؟ قال‪" :‬ل‪ ،‬ولكن الحق‬
‫بأرض قومك فإذا ظهرت فأتني"[‪.]8‬‬
‫ويشير ابن القيم رحمه الله إلى هذه المرحلة قائلً‪:‬‬
‫"وأقام صلى الله عليه وسلم بعد ذلك[‪ ]9‬ثلث سنين يدعو إلى‬
‫ما تُؤْ َ‬
‫مُر‬ ‫صدَع ْ ب ِ َ‬ ‫الله سبحانه وتعالى مستخفيًا ثم نزل عليه‪{ :‬فَا ْ‬
‫َ‬
‫ن} [الحجر‪ .]94:‬فأعلن صلى الله عليه‬ ‫شرِكِي َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ض عَ ْ‬
‫وَأع ْرِ ْ‬
‫وسلم بالدعوة وجاهر قومه بالعداوة واشتد الذى عليه وعلى‬
‫المسلمين حتى أذن الله لهم بالهجرتين"[‪.]10‬‬
‫ول يخفى ما لهذه الفترة من مشقة نفسية بالنسبة لصاحب‬
‫الرسالة صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين على السواء بحيث‬
‫أنّهم كانوا ل يقدرون أن ينطقوا بالحق الذي آمنوا به أمام الناس‬
‫فضل ً عن دعوة الناس إليه جهًرا خائفين على أنفسهم لنّه من‬
‫ما بقتل‬ ‫المحتمل وأد الدعوة في مهدها إذا أعلنوها آنذاك إ ّ‬
‫صاحبها أو معتنقيها أو افتتانهم عن دينهم والفتنة أشد من القتل‪.‬‬
‫إضافة إلى ذلك فقد كان صلى الله عليه وسلم يعاني مشقة‬
‫أخرى ينفرد بها عن أصحابه وهي شدة تلقي الوحي وخاصة في‬
‫أيامه الولى التي لم يتعوده بعد حتى أنّه كان يفزع من رؤية‬
‫الملك جبريل عليه السلم أمين الوحي‪.‬‬
‫ويدل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬بينما أنا أمشي إذ‬
‫سمعت صوتًا من السماء فرفعت بصري فإذا الملك الذي جاءني‬
‫بحراء جالس على كرسي بين السماء والرض فرعبت منه‬
‫َ‬
‫مدَّثُِّر}‬‫فرجعت فقلت‪ :‬زملوني فأنزل الله تعالى‪{ :‬يَا أيُّهَا ال ْ ُ‬
‫جْر} [المدثر‪ ]5:‬فحمى‬ ‫جَز فَاهْ ُ‬
‫[المدثر‪ ..]1:‬إلى قوله‪{ :‬وَالُّر ْ‬
‫ضا ما لقيه الرسول‬ ‫الوحي وتتابع)[‪ .]11‬وَمن شدائد الوحي أي ً‬
‫صلى الله عليه وسلم من حفظه وقراءته حتى إنه كان يسابق‬
‫سان َ َ‬
‫ك‬ ‫ك بِهِ ل ِ َ‬‫حّرِ ْ‬‫الملك في القراءة إلى أن نزل قوله تعالى‪{ :‬ل ت ُ َ‬
‫ه} [القيامة‪.]1617:‬‬ ‫ه وَقُْرآن َ ُ‬ ‫معَ ُ‬‫ج ْ‬‫ن ع َلَيْنَا َ‬‫ل بِهِ * إ ِ َّ‬ ‫ج َ‬‫لِتَعْ َ‬
‫يقول ابن عباس رضي الله عنه ما في هاتين اليتين المذكورتين‪:‬‬
‫"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة‬
‫ك‬ ‫سان َ َ‬ ‫حّرِ ْ‬
‫ك بِهِ ل ِ َ‬ ‫وكان مما يحرك شفتيه فأنزل الله تعالى‪{ :‬ل ت ُ َ‬
‫ه} [القيامة‪ ]1617:‬فكان رسول‬ ‫ه وَقُْرآن َ ُ‬ ‫معَ ُ‬‫ج ْ‬‫ن ع َلَيْنَا َ‬ ‫ل بِهِ * إ ِ َّ‬‫ج َ‬‫لِتَعْ َ‬
‫َ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع فإذا‬
‫انطلق جبريل قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما قرأه"[‪.]12‬‬
‫يقول ابن كثير في تفسير هاتين اليتين‪" :‬هذا تعليم من الله عز‬
‫وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم في كيفية تلقيه الوحي من‬
‫الملك فإنّه كان يبادر إلى أخذه ويسابق الملك في قراءته‪ ،‬فأمره‬
‫الله عز وجل إذا جاءه الملك أن يستمع له‪ ،‬وتكفل الله له أن‬
‫يجمعه في صدره وأن ييسره لدائه على الذي ألقاه إليه وأن‬
‫يبينه له ويفسره ويوضحه‪ ،‬فالحالة الولى جمعه في صدره‬
‫والثانية تلوته‪ ،‬والثالثة تفسيره وإيضاح معناه"[‪.]13‬‬
‫وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنّه كان يعاني من الوحي شدة‬
‫طوال فترة بعثته غير أنّه تعود وتحمل دون رعب وفزع منه ومن‬
‫الملك بخلف ما كان يعاني وقت بدايته‪.‬‬
‫ن الحارث بن هشام‬ ‫ويؤيد هذا ما روته عائشة رضي الله عنها أ ّ‬
‫سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‪" :‬أحيانًا يأتيني مثل‬
‫ي حتى يفصم عني وقد وعيت‬ ‫صلصلة[‪ ]14‬الجرس وهو أشده عل َّ‬
‫عنه ما قال‪ ،‬وأحيانًا يتمثل لي الملك رجل ً فيكلمني فأعي ما‬
‫يقول"‪ ،‬قالت عائشة رضي الله عنها‪ :‬ولقد رأيته ينزل عليه‬
‫الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد‬
‫عرقًا"[‪.]15‬‬
‫وأما بعد أن أمر الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه‬
‫وسلم بالجهر بالدعوة إلى الله فقد ازدادت الشدة عليه وعلى‬
‫المؤمنين بسبب معاداة قومه دعوته وإيذائه هو وأصحابه بكل ما‬
‫أوتي لهم من قوة حسيًّا ومعنويًا‪.‬‬
‫ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بذل أقصى جهده في‬
‫إبلغ الدعوة إلى الناس وهو ل يخاف لومة لئم مهما كانت قوته‬
‫وسلطته وتحمل المشاق في سبيل إنجاحها‪.‬‬
‫وقد سلك الرسول صلى الله عليه وسلم في إبلغ قومه في هذه‬
‫ما أن يطلب الناس إلى التجمع ليبلغ‬ ‫المرحلة طرقًا شتى وهي إ ّ‬
‫رسالة ربّه أو أن يذهب إلى أماكن تجمعهم كالمواسم والسواق‪،‬‬
‫أو أن يذهب إلى مواطنهم ومكان إقامتهم‪..‬‬
‫وأذكر هنا ما يؤيد ذلك من النصوص الصحيحة‪:‬‬
‫الطريقة الولى‪ :‬تجمع الناس لدعوتهم‪ :‬ومما يدل على ذلك ما‬
‫رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال‪ :‬لما نزلت‪{ :‬وَأَنذِْر‬
‫شيرت َ َ َ‬
‫ن} [الشعراء‪ ]214:‬خرج رسول الله صلى الله‬ ‫ك القَْربِي َ‬ ‫عَ ِ َ‬
‫عليه وسلم حتى صعد الصفا فهتف يا صباحاه فقالوا‪ :‬من هذا‬
‫فاجتمعوا إليه فقال‪" :‬أرأيتم إن أخبرتكم أن خيل ً تخرج من سفح‬
‫هذا الجبل أفكنتم مصدقي؟" قالوا‪ :‬نعم ما جربنا عليك كذبًا‪.‬‬
‫قال‪" :‬فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد" قال أبو لهب‪ :‬تبًا لك‬
‫ما جمعتنا إل لهذا؟[‪]16‬‬
‫وهذا الحديث يدل على مدى اهتمام الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم إبلغ الدعوة إلى قومه بحيث وقف على جبل الصفا في‬
‫الصباح الباكر قائل ً بأعلى صوته‪ :‬يا صباحاه لينبه هؤلء حتى‬
‫يجتمعوا له ومن ثم يبلغهم ما كلف به من قبل الله سبحانه‬
‫وتعالى كما أنّه يدل على ما عانى الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫من قومه من الستهزاء والستكبار والعراض عنه والدعاء عليه‬
‫وخاصة من أقرب شخص إليه وهو عمه أبو لهب الخاسر‪.‬‬
‫ول يخفى ما لهذه الواقعة من المشقة إذ أنها تؤدي إلى اليأس‬
‫بالنسبة لصاحب الرسالة وللمؤمنين من هؤلء لول لطف الله‬
‫وعنايته المستمرين عليهم وكذلك إخبار الله تعالى عن المم‬
‫السابقة وموقفهم من الرسل عليهم الصلة والسلم من تكذيب‬
‫وتعنت تسلية له صلى الله عليه وسلم ولصحابه‪.‬‬
‫الطريقة الثانية‪ :‬وهي الذهاب إلى أماكن تجمعهم كالمواسم‪:‬‬
‫ومما يدل على ذلك ما أخرجه الحاكم عن جابر بن عبد الله قال‪:‬‬
‫"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على الناس‬
‫شا قد‬‫بالموقف فيقول‪" :‬هل من رجل يحملني إلى قومه فإن قري ً‬
‫منعوني أن أبلغ كلم ربي" فأتاه رجل من همدان فقال‪ :‬أنا فقال‪:‬‬
‫"وهل عند قومك منعة؟" قال‪ :‬نعم وسأله من أين هو؟ فقال‪ :‬من‬
‫همدان ثم إن الرجل الهمداني خشي أن يحفزه قومه فأتى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬آتي قومي فأخبرهم ثم‬
‫ألقاك من عام قابل قال‪ :‬نعم‪ ،‬فانطلق وجاء وفد النصار في‬
‫رجب)[‪.]17‬‬
‫وهذا الحديث يدل دللة واضحة على ما قام به مشركو قريش‬
‫في وقف الدعوة السلمية حتى اضطر صاحب الرسالة صلى‬
‫الله عليه وسلم أن يبحث عن قوم آخرين يوجه إليهم الدعوة‬
‫التي كلف بتبليغها‪.‬‬
‫وفي ترك وطنه مشقة كبرى ل يشعرها إل من مارس ذلك‬
‫بالفعل لنّه يقال ليس الخبر كالمعاينة مع اللتفات إلى السباب‬
‫الداعية إلى ذلك وهي ما لقي من مشركي قريش من الذى‬
‫حسيًا كان أو معنويًا‪.‬‬
‫ضا ما أخرجه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله‬ ‫ومن ذلك أي ً‬
‫عنها أنّها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬هل أتى عليك يوم‬
‫كان أشد من يوم أحد؟ قال‪" :‬لقد لقيت من قومك وكان أشد ما‬
‫لقيت منهم يوم العقبة[‪ ]18‬إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل‬
‫بن عبد كلل فلم يجبني إلى ما أردت‪ ،‬فانطلقت وأنا مهموم على‬
‫وجهي فلم أستفق إل ّ وأنا بقرن الثعالب[‪ ]19‬فرفعت رأسي فإذا‬
‫أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال‪ :‬إن‬
‫الله عز وجل قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث‬
‫إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال‬
‫ي ثم قال‪ :‬يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك وأنا‬ ‫فسلم عل َّ‬
‫ملك الجبال وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت؟ إن‬
‫شئت أن أطبق عليهم الخشبين[‪ .]20‬فقال له رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ :‬بل أرجو أن يخرج الله من أصلبهم من يعبد‬
‫الله وحده ول يشرك به شيئًا"[‪.]21‬‬
‫من هذه النصوص التي نقلتها آنفًا يتبين لنا مدى اهتمام الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم بنشر الدعوة السلمية واستفادته من كل‬
‫فرصة متاحة في إبلغ الدعوة إلى قومه وتحمله المشاق في‬
‫سبيل ذلك من سفر وترحال مع مراعاة وسائل النقل المتاحة له‬
‫في ذلك الزمان إضافة إلى ما يلقاه من أعدائه المشركين الذين‬
‫بذلوا كل الجهد واستعملوا كل الوسائل المتاحة لهم بإيقاف‬
‫الدعوة السلمية‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬المرحلة المدنية‪:‬‬
‫بعدما أذن الله سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم‬
‫والذين معه بالهجرة إلى المدينة ووصلوا هناك نشأت الدولة‬
‫السلمية الولى قائدها الرسول صلى الله عليه وسلم ودستورها‬
‫القرآن الكريم‪.‬‬
‫وقد سلك الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله‬
‫طرقًا أخرى غير الذي ذكرت في المرحلة السابقة حسب ما‬
‫يقتضيه المقام‪.‬‬
‫من تلك الطرق إرسال الرسل ينوبون عنه ويعلمون الدين‬
‫القوام الذين أرسل إليهم مثل اليمن‪.‬‬
‫ويؤيد هذا ما أخرجه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما‬
‫قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى‬
‫ما من أهل الكتاب فإذا جئتم فادعهم إلى‬ ‫اليمن‪" :‬إنّك ستأتي قو ً‬
‫ن محمدًا رسول الله فإن هم‬ ‫ن ل إله إل الله وأ ّ‬ ‫أن يشهدوا أ ّ‬
‫ن الله قد فرض عليم خمس صلوات‬ ‫أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أ ّ‬
‫ن الله قد‬ ‫في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أ ّ‬
‫فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن‬
‫هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم‪ ،‬واتق دعوة المظلوم‬
‫فإنّه ليس بينه وبين الله حجاب"[‪.]22‬‬
‫ضا ما أخرجه البخاري بسنده عن سعيد بن أبي بردة‬ ‫ومن ذلك أي ً‬
‫عن أبيه قال‪" :‬بعث النبي صلى الله عليه وسلم جده أبا موسى‬
‫ومعاذ إلى اليمن فقال‪" :‬يسرا ول تعسرا وبشرا ول تنفرا‬
‫وتطاوعا"[‪.]23‬‬
‫من تلك الطرق التي سلك الرسول صلى الله عليه وسلم في‬
‫نشر الدعوة إلى الله إرسال الرسائل إلى ملوك المم في ذلك‬
‫الزمان مثل هرقل عظيم الروم وكسرى ملك الفرس وغيرهم‪.‬‬
‫ن النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫وقد أخرج المام مسلم عن أنس‪ :‬أ ّ‬
‫كتب إلى كسرى وإلى قيصر وإلى النجاشي[‪ ]24‬وإلى كل جبار‪.‬‬
‫يدعوهم إلى الله تعالى وليس بالنجاشي الذي صلى عليه النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم[‪.]25‬‬
‫وأذكر هنا رسالة واحدة من تلك الرسائل إلى ملوك الكفار آنذاك‬
‫كنموذج يشهد لما نحن بصدده‪ .‬والرسالة التي نختارها لهذا‬
‫المقام هي التي وجهها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هرقل‬
‫ملك الروم ونصها كما يرويها الشيخان عن ابن عباس رضي الله‬
‫عنهما هو التي‪" :‬بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله‬
‫إلى هرقل عظيم الروم سلم على من اتبع الهدى‪ .‬أما بعد فإنّي‬
‫أدعوك بدعاية السلم أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين‪ ،‬فإن‬
‫توليت فإن عليك إثم الريسيين[‪.]26‬‬
‫ل الْكتاب تعالَوا إلَى كَل ِمة سواءٍ بيننا وبينك ُم أَل َّ نعبد إلَّ‬ ‫ل يَا أَهْ َ‬
‫{قُ ْ‬
‫َ ْ ُ ََ ِ‬ ‫َ ٍ َ َ َََْ َََْ ْ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َِ ِ ََ ْ‬ ‫َّ‬
‫ن الل ّهِ‬‫ن دُو ِ‬ ‫م ْ‬
‫ضا أْربَابًا ِ‬‫ضنَا بَعْ ً‬ ‫خذ َ بَعْ ُ‬ ‫شيْئًا وَل يَت َّ ِ‬ ‫شرِ َ‬
‫ك بِهِ َ‬ ‫ه وَل ن ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫الل‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن} [آل عمران‪.]27[]64:‬‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬‫م ْ‬‫شهَدُوا بِأنَّا ُ‬ ‫ن تَوَل ّوْا فَقُولُوا ا ْ‬‫فَإ ِ ْ‬
‫وبجانب هاتين الطريقتين في الفترة المدنية فقد سلـك الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم مسلكًا آخر في نشر الدعوة السلمية‪،‬‬
‫وهو مسلك الجهاد في سبيل الله لعلء كلمته تنفيذ ًا لمر الله‬
‫ُ ُّ َ‬
‫ه لِل ّهِ}‬
‫ن كل ُ‬‫ن الدِّي ُ‬‫ة َويَكُو َ‬ ‫ن فِتْن َ ٌ‬‫حتَّى ل تَكُو َ‬ ‫م َ‬ ‫تعالى‪{ :‬وَقَاتِلُوهُ ْ‬
‫[النفال‪.]39:‬‬
‫ويؤيد هذا قوله صلى الله عليه وسلم‪( :‬أمرت أن أقاتل الناس‬
‫حتى يشهدوا أن ل إله إل الله وأن محمدًا رسول الله ويقيموا‬
‫الصلة ويؤتوا الزكاة‪.]28[)...‬‬
‫وقد نفذ الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك المر بواسطة‬
‫إرسال سرايا وبواسطة غزوات اشترك فيها الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم بنفسه حتى أنّه جرح في بعضها مثل غزوة أحد‪.‬‬
‫ول شك أن هذا المر يحتاج إلى جهد كبير وصبر على الذى‬
‫وثبات في المعركة وتحمل مشقة السفر والترحال إلى مكان‬
‫العدو الذي يبعد عن المدينة عاصمة الدولة في أكثر الوقات مع‬
‫مراعاة الظروف في ذلك الزمان ووسائل النقل المتاحة له صلى‬
‫الله عليه وسلم ولصحابه رضوان الله عليهم‪.‬‬
‫وبالضافة إلى ذلك هناك معارضة داخلية وهي المتمثلة في‬
‫اليهود وأعوانهم المنافقين الذين وقفوا في وجه نشر الدعوة‬
‫السلمية بكل ما لديهم من قوة من غدر وتشكيك وتثبيط‬
‫المؤمنين عن القتال وموالة المشركين والتآلب مع أعداء‬
‫السلم بغية القضاء على السلم ومعتنقيه‪.‬‬
‫ول يتسع هذا المقام لن أذكر بالتفصيل كل المؤامرات التي قام‬
‫بها كل المعسكرين اليهود والمنافقين في سبيل إيقاف نشر‬
‫الدعوة السلمية إلى الفاق إل أن الحقيقة التي ل بد من ذكرها‬
‫هي أنهم كانوا حجر عثرة على طريق الدعوة إلى الله طوال‬
‫الفترة المدنية‪.‬‬
‫وأذكر هنا على سبيل الجمال بعض جرائم معسكري اليهود‬
‫والمنافقين‪:‬‬
‫أولً‪ :‬أهم جرائم اليهود‪:‬‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫ل الْكِتَا ِ‬ ‫(أ) الكفر بآيات الله كما يدل عليه قوله تعالى‪{ :‬يَا أهْ َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ن} [آل عمران‪.]70:‬‬ ‫شهَدُو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ت الل ّهِ وَأنْت ُ ْ‬ ‫ن بِآيَا ِ‬ ‫م تَكْفُُرو َ‬ ‫لِ َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫ت طَائ ِ َف ٌ‬ ‫(ب) تضليل الناس ُ كما يدل عليه قوله تعالى‪{ :‬وَد َّ ْ‬
‫َ‬
‫م} [آل عمران‪.]69:‬‬ ‫ضل ّونَك ُ ْ‬ ‫و يُ ِ‬ ‫ب لَ ْ‬ ‫ل الْكِتَا ِ‬ ‫أه ْ ِ‬
‫(ج) تلبيس الحق بالباطل وكتمان الحق كما يدل عليه قوله‬
‫حقَّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ل وَتَكْت ُ ُ‬ ‫حقَّ بِالْبَاط ِ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫سو َ‬ ‫م تَلْب ِ ُ‬ ‫ب لِ َ‬ ‫ل الْكِتَا ِ‬ ‫تعالى‪{ :‬يَا أَهْ َ‬
‫َ‬
‫ن} [آل عمران‪.]71:‬‬ ‫مو َ‬ ‫م تَعْل َ ُ‬ ‫وَأنْت ُ ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫(د) تحريف الكلم عن مواضعه كما يدل عليه قوله تعالى‪ِ { :‬‬
‫َ‬
‫صيْنَا‬ ‫معْنَا وَع َ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ضعِهِ وَيَقُولُو َ‬ ‫موَا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ع َ َْ‬ ‫ن الْكَل ِ َ‬ ‫حّرِفُو َ‬ ‫ن هَادُوا ي ُ َ‬ ‫ال ّذِي َ‬
‫ن}‬ ‫َ‬ ‫عنَا لَيًّا بِأل ْ ِ‬ ‫معْ غَيَْر ُ‬
‫م وَطعْنًا فِي الدِّي ِ‬ ‫سنَتِهِ ْ‬ ‫مٍع وََرا ِ‬ ‫س َ‬‫م ْ‬ ‫س َ‬ ‫وَا ْ‬
‫[النساء‪.]46:‬‬
‫(هـ) الحسد على صاحب الرسالة وعلى المؤمنين كما يدل عليه‬
‫قوله تعالى‪{ :‬ما يود ُ الَّذين كَفَروا م َ‬
‫ن‬
‫شرِكِي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب وَل ال ْ ُ‬ ‫ل الْكِتَا ِ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ ّ ِ َ‬
‫َ‬
‫م} [البقرة‪.]105:‬‬ ‫ن َربِّك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫خيْرٍ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ل ع َلَيْك ُ ْ‬ ‫ن يُنََّز َ‬ ‫أ ْ‬
‫وأما جرائم المنافقين فهي التي‪:‬‬
‫(أ) تثبيط همم المسلمين عن القتال كما يدل عليه قوله تعالى‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جاهِدُوا‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ل الل ّهِ وَكَرِهُوا أ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫ف َر ُ‬ ‫خل َ‬ ‫م ِ‬ ‫ْ‬ ‫مقْعَدِه ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫نب‬‫خل ّفُو َ‬ ‫م َ‬‫ُ‬ ‫ح ال ْ‬ ‫{فَرِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حّرِ}‬ ‫ل الل ّهِ وَقَالُوا ل تَنفُِروا فِي ال ْ َ‬ ‫سبِي ِ‬ ‫م فِي َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫م وَأنفُ ِ‬ ‫موَالِهِ ْ‬ ‫بِأ ْ‬
‫[التوبة‪.]81:‬‬
‫(ب) السعي في التفريق بين المؤمنين كما يدل عليه قوله‬
‫َ‬
‫ن‬‫ضَراًرا وَكُفًْرا وَتَفْرِيقًا بَي ْ َ‬ ‫جدًا ِ‬ ‫ِ‬ ‫س‬‫م ْ‬ ‫َ‬ ‫خذ ُوا‬ ‫ن ات َّ َ‬ ‫َ‬ ‫تعالى‪{ :‬وَال ّذِي‬
‫َ‬
‫ن‬‫ن إِ ْ‬ ‫حلِفُ َّ‬ ‫ل وَلَي َ ْ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ب الل ّ َ‬ ‫حاَر َ‬ ‫ن َ‬ ‫مَ ْ‬ ‫صادًا ل ِ َ‬ ‫ن وَإِْر َ‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن} [التوبة‪.]107:‬‬ ‫م لَكَاذِبُو َ‬ ‫شهَد ُ إِنَّهُ ْ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫سنَى وَالل ّ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫أَردْنَا إِل ّ ال ْ ُ‬
‫(ج) القدح في أعراض المسلمين كما يدل عليه قوله تعالى‪{ :‬إ ِ َّ‬
‫ن‬
‫َ‬
‫خيٌْر‬‫ل هُوَ َ‬ ‫م بَ ْ‬ ‫شًّرا لَك ُ َْ‬‫َ‬
‫سبُوه ُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫م ل تَ ْ‬ ‫ْ‬ ‫منْك ُ‬ ‫ة ِ‬ ‫صب َ ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ك عُ‬ ‫جاءُوا بِالِفْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬ ‫ال ّذِي‬
‫م‬ ‫منْهُ ْ‬ ‫ن الِثْم ِ وَال ّذِي تَوَل ّى كِبَْره ُ ِ‬ ‫م ْ‬‫ب ِ‬ ‫س َ‬ ‫ما اكْت َ َ‬ ‫م َ‬ ‫منْهُ ْ‬ ‫ئ ِ‬ ‫مرِ ٍ‬ ‫لا ْ‬ ‫م لِك ُ ِّ‬ ‫لَك ُ ْ‬
‫م} [النور‪.]11:‬‬ ‫ب عَظِي ٌ‬ ‫ه عَذ َا ٌ‬ ‫لَ ُ‬
‫شْر‬ ‫(د) مظاهرة أعداء الله كما يدل عليه قوله تعالى‪{ :‬ب َ ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن بِأ َ َّ‬
‫ن أوْلِيَاءَ‬ ‫ن الْكَافِرِ َي َ‬ ‫خذ ُو َ‬ ‫ن يَت َّ ِ‬‫ما * ال ّذِي َ‬ ‫م عَذ َابًا ألِي ً‬ ‫ن لَهُ ْ‬ ‫منَافِقِي َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫من دون ال ْمؤْمنِي َ‬
‫ميعًا}‬ ‫ج ِ‬ ‫ن الْعَِّزة َ لِل ّهِ َ‬ ‫م الْعَِّزة َ فَإ ِ َّ‬ ‫عنْدَهُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن أيَبْتَغُو َ‬ ‫ُ ِ َ‬ ‫ِ ْ ُ ِ‬
‫[النساء‪.]138139:‬‬
‫وبفضل الله سبحانه وتعالى فقد تغلب الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم على هذين الفريقين اليهود والمنافقين‪.‬‬
‫أما اليهود فقد قضى عليهم بواسطة إجلء فريق منهم وهم بنو‬
‫النضير وغيرهم وبقتل رجال الفريق الخر وسبي نسائهم وذريتهم‬
‫وأموالهم كما هو معروف في كتب السيرة‪.‬‬
‫ويؤيد هذا ما أخرجه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال‪:‬‬
‫ن‬
‫(حاربت قريظة والنضير فأجلي بني النضير وأقر قريظة وم ّ‬
‫عليهم حتى حاربت قريظة‪ ،‬فقتل رجالهم‪ ،‬وقسم نسائهم‬
‫وأولدهم وأموالهم بين المسلمين إل بعضهم لحقوا بالنبي صلى‬
‫الله عليه وسلم وآمنوا وأسلموا‪ ،‬وأجلي يهود المدينة كلهم‪ ،‬بني‬
‫قينقاع وهم رهط عبد الله بن سلم‪ ،‬ويهود بني حارثة‪ ،‬وكل يهود‬
‫المدينة "[‪.]29‬‬
‫ما بالنسبة للمنافقين فقد اكتفى الرسول صلى الله عليه وسلم‬ ‫وأ ّ‬
‫بالجهاد معهم باللسان دون السنان والغلظة عليهم لظهارهم‬
‫السلم دون العتقاد به حقيقة‪.‬‬
‫ظ ع َلَيْهِ ْ‬
‫م‬ ‫ن وَاغْل ُ ْ‬ ‫منَافِقِي َ‬ ‫جاهِد ْ الْكُفَّاَر وَال ْ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫يقول تعالى‪{ :‬يَا أَيُّهَا النَّب ِ ُّ‬
‫و ْ‬
‫صيُر} [التوبة‪.]73:‬‬ ‫م ِ‬ ‫س ال ْ َ‬ ‫م َوبِئ ْ َ‬ ‫جهَن َّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫مأوَاهُ ْ‬ ‫َ َ‬
‫يقول الشهيد سيد قطب في تفسير هذه الية‪" :‬وقد اختلف في‬
‫الجهاد والغلظة على المنافقين‪ ،‬أتكون بالسيف‪ ..‬أم تكون في‬
‫المعاملة والمواجهة وكشف خبيئاتهم للنظار‪ ..‬والذي وقع أن‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقتل المنافقين"[‪.]30‬‬
‫وهذه المور التي ذكرتها كلها تدل على اهتمام الرسول صلى‬
‫ما‬
‫الله عليه وسلم بنشر الدعوة السلمية طيلة ثلثة وعشرين عا ً‬
‫في مكة والمدينة‪.‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫الصبر على الذى في سبيل الدعوة‬

‫لقي النبي صلى الله عليه وسلم صنوفًا من الذى من المشركين‬


‫وأهل الكتاب والمنافقين وغيرهم محاولين إيقاف الدعوة أو‬
‫إضعافها على القل‪.‬‬
‫وسوف أتحدث في هذا المبحث عما لقي الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم من هؤلء العداء وأثر ذلك عليه صلى الله عليه‬
‫ن اليهود‬
‫وسلم وأقتصر هنا على بيان موقف المشركين ل ّ‬
‫والمنافقين قد ظهر أذاهم للرسول صلى الله عليه وسلم بعدما‬
‫قويت شوكة السلم وقامت دولته في المدينة بعد الهجرة على‬
‫يدي رسول السلم صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وقد سلك المشركون من قريش سبل ً شتى في إضعاف الدعوة‬
‫السلمية وإيقافها ومحاولة وأدها في مهدها بعد ظهورها في مكة‬
‫وذلك بإيذاء صاحب الرسالة عليه الصلة والسلم وبمنع الناس‬
‫من اليمان به وبالتحذير منه تارة وبتعذيب المؤمنين تارة أخرى‪.‬‬
‫ولقد اتخذ العدوان الجاهلي على رسول الله وأصحابه صوًرا‬
‫شتى وألوانًا عديدة‪.‬‬
‫ومنه ما كان يتمثل في الدعايات الكلمية الموجهة إلى شخصية‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى التهجم على الوحي بقسميه‬
‫القرآن الكريم والسنة النبوية‪.‬‬
‫فلقد وجه كفار قريش اتهامات باطلة إلى الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم حيث وصفوه بالجنون وبالسحر‪ ،‬وإنشاء الشعر مع‬
‫إيمانهم وتيقنهم بأنه صلى الله عليه وسلم بريء من كل هذا‪.‬‬
‫ما يؤيد ذلك ما أخرجه الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنه‬ ‫وم َّ‬
‫أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ‬
‫عليه القرآن‪ ،‬فكأنه رق له فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه فقال‪ :‬يا عم‬
‫إن قومك يرون أن يجمعوا لك مالً‪ .‬فقال‪ :‬لم؟ قال‪ :‬ليعطوكه‪،‬‬
‫وإنك آتيت محمدًا لتعرض لما قبله قال‪ :‬قد علمت قريش أنّي‬
‫من أكثرها مالً‪ ،‬قال‪ :‬فقل فيه قول ً يبلغ قومك إنك منكر له أو‬
‫إنّك كاره له‪ .‬قال‪ :‬وماذا أقول؟‪ ،‬فوالله ما فيكم رجل أعلم‬
‫بالشعار منّي ول أعلم برجز ول بقصيدة منّي ول بأشعار الجن‬
‫ن قوله الذي يقول‬ ‫والله ما يشبه الذي يقول شيئًا من هذا والله إ ّ‬
‫ن عليه لطلوة[‪ ]31‬وإنه لمثمر أعله مغدق[‪ ]32‬أسفله‪،‬‬ ‫لحلوة وإ ّ‬
‫وإنه ليعلوا وما يعلى وإنه ليحطم ما تحته‪ ،‬قال‪ :‬ل يرضى عنك‬
‫ما فكر‬ ‫قومك حتى تقول فيه‪ .‬قال‪ :‬فدعني حتى أفكر‪ ،‬ففكر‪ ،‬فل ّ‬
‫ت‬‫خلَقْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫قال‪ :‬هذا سحر يؤثره عن غيره‪ ،‬فنزلت‪{ :‬ذَْرنِي وَ َ‬
‫حيدًا} [المدثر‪.]33[]11:‬‬ ‫وَ ِ‬
‫هكذا كان شأنهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أنهم‬
‫يقّرون الحق في ضميرهم دون النطق به‪ ،‬بل ينكرونه ويجحدونه‬
‫َ‬
‫م ظُل ْ ً‬
‫ما‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ستَيْقَنَتْهَا أن ْ ُف ُ‬ ‫حدُوا بِهَا وَا ْ‬ ‫ج َ‬ ‫مصداقًا لقوله تعالى‪{ :‬وَ َ‬
‫ضا‪:‬‬ ‫وَع ُلُوًّا} [النمل‪ ،]14:‬ومصداقًا لقوله تعالى أي ً‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن} [النعام‪:‬‬ ‫حدُو َ‬ ‫ج َ‬ ‫ت الل ّهِ ي َ ْ‬ ‫ن بِآيَا ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ن الظ ّال ِ ِ‬ ‫ك وَلَك ِ َّ‬ ‫م ل يُكَذِّبُون َ َ‬ ‫{فَإِنَّهُ ْ‬
‫‪.]33‬‬
‫وقد صور الله تعالى بعض أقاويلهم في شأن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم فقال تعالى حاكيًا عن أقوالهم حيث قالوا‪{ :‬يَا‬
‫ن} [الحجر‪.]6:‬‬ ‫جنُو ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ك لَ َ‬ ‫ل ع َلَيْهِ الذِّكُْر إِن َّ َ‬ ‫أَيُّهَا الَّذِي نُّزِ َ‬
‫ب} [ص‪.]4:‬‬ ‫حٌر كَذَّا ٌ‬ ‫سا ِ‬ ‫وقالوا‪{ :‬هَذ َا َ‬
‫َ‬
‫حوًرا} [السراء‪.]47:‬‬ ‫س ُ‬ ‫م ْ‬ ‫جل ً َ‬ ‫ن إِل ّ َر ُ‬ ‫ن تَتَّبِعُو َ‬ ‫وقالوا‪{ :‬إ ِ ْ‬
‫ن} [الصافات‪:‬‬ ‫ن أئِن ّا لتَارِكُوا آلِهَتِنَا ل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫جنُو ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫عرٍ َ‬ ‫شا ِ‬ ‫وقالوا‪{ :‬وَيَقُولو َ‬
‫‪.]36‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ختِلقٌ} [ص‪:‬‬ ‫ن هَذ َا إِل ّ ا ْ‬ ‫خَرةِ إ ِ ْ‬ ‫ة ال ِ‬ ‫مل ّ ِ‬ ‫معْنَا بِهَذ َا فِي ال ْ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ما َ‬ ‫وقالوا‪َ { :‬‬
‫‪.]7‬‬
‫َّ‬
‫ن} [الدخان‪.]14:‬‬ ‫جنُو ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫معَل ٌ‬ ‫وقالوا‪ُ { :‬‬
‫ما تهجمهم على القرآن فكثير أذكر طرفًا منه على سبيل‬ ‫وأ ّ‬
‫المثال ل الحصر كما يحكي ربّنا عنهم‪.‬‬
‫ملَى ع َلَيْهِ بُكَْرةً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي تُ ْ‬ ‫ن اكْتَتَبَهَا فَهِ َ‬ ‫ساطِيُر الوَّلِي َ‬ ‫من ذلك قولهم‪{ :‬أ َ‬
‫صيلً} [الفرقان‪.]5:‬‬ ‫َ‬
‫وَأ ِ‬
‫َ‬
‫ن}‬ ‫م تَغْلِبُو َ‬ ‫ن وَالْغَوْا فِيهِ لَعَل ّك ُ ْ‬ ‫معُوا لِهَذ َا الْقُْرآ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ومنها قولهم‪{ :‬ل ت َ ْ‬
‫[فصلت‪.]26:‬‬
‫َ‬
‫حٌر يُؤ ْثَُر} [المدثر‪.]24:‬‬ ‫س ْ‬ ‫ن هَذ َا إِل ّ ِ‬ ‫ومنها قولهم‪{ :‬إ ِ ْ‬
‫حدَةً} [الفرقان‪.]32:‬‬ ‫ة وَا ِ‬ ‫مل َ ً‬‫ج ْ‬‫ن ُ‬ ‫ل ع َلَيْهِ الْقُْرآ ُ‬ ‫ومنها قولهم‪{ :‬لَوْل نُّزِ َ‬
‫ن‬ ‫م ْ ْ‬ ‫ن ع َلَى َر ُ‬ ‫ل هَذ َا الْقُْرآ ُ‬ ‫ومنها قولهمِ‪{ :‬لَوْل نُّزِ َ‬
‫ن القَْريَتَي ْ ِ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج ٍ‬
‫عَظِيمٍ} [الزخرف‪.]31:‬‬
‫وكان هذا دأب كل قوم مع رسولهم كما يدل عليه قوله تعالى‬
‫ن‬‫ما أتَى الذِي َ‬ ‫ك َ‬ ‫حاكيًا عن موقف المم السابقة من رسلهم‪{ :‬كَذَل ِ َ‬
‫ه بَل‬ ‫صوا ب ٍ‬ ‫ن * أتَوَا َ‬ ‫مجنُو ٌ‬ ‫حر أو َ‬ ‫سا ِ‬ ‫ل إل قَالُوا َ‬ ‫سو ِ‬ ‫من َر ُ‬ ‫من قبلِهم ِ‬ ‫ِ‬
‫ن}‪.‬‬ ‫م طاغُو َ‬ ‫َ‬ ‫هُم قو ٌ‬
‫يقول الشوكاني عند تفسيره هاتين اليتين‪" :‬في هذا تسلية‬
‫ن هذا شأن المم‬ ‫لرسول الله صلى الله عليه وسلم ببيان أ ّ‬
‫ن ما وقع من العرب من التكذيب لرسول الله‬ ‫المتقدمة وأ ّ‬
‫ووصفه بالسحر والجنون قد كان ممن قبلهم لرسلهم"[‪.]34‬‬
‫ويقول الشهيد سيد قطب في هذا الصدد‪ " :‬فهي جبلة واحدة‬
‫وطبيعة واحدة للمكذبين وهو استقبال واحد للحق وللرسل‬
‫يستقبلهم به المنحرفون"[‪.]35‬‬
‫وهذه التهامات التي ذكرتها يعتبر قطرة من بحر بالنسبة لما وجه‬
‫إلى صاحب الرسالة ورسالته من اتهامات وافتراءات إل أنها تدل‬
‫دللة واضحة على تعنت هؤلء المشركين وموقفهم المتزمت‬
‫تجاه الدعوة وصاحبها صلى الله عليه وسلم طيلة المدة التي‬
‫أقام المصطفى بين أظهرهم‪.‬‬
‫وقد رد الله سبحانه وتعالى عن رسوله وعن دينه هذه التهم في‬
‫ن}‬ ‫مةِ َرب ِّ َ‬ ‫َ‬
‫جنُو ٍ‬ ‫م ْ‬
‫ك بِ َ‬ ‫ت بِنِعْ َ‬‫ما أن ْ َ‬ ‫كثير من اليات‪ :‬منها قوله تعالى‪َ { :‬‬
‫[القلم‪.]2:‬‬
‫شعر وما ينبغِي ل َه إن هُو إلَّ‬ ‫َ‬
‫ُ ِ ْ َ ِ‬ ‫منَاه ُ ال ّ ِ ْ َ َ َ َ ْ َ‬ ‫ما ع َل ّ ْ‬ ‫{و َ‬‫ومنها قوله تعالى‪َ :‬‬
‫ن} [يس‪.]69:‬‬ ‫مبِي ٌ‬‫ن ُ‬ ‫ذِكٌْر وَقُْرآ ٌ‬
‫ض َّ‬
‫ن‬‫ما يَنْطِقُ ع َ ْ‬ ‫ما غَوَى * َو َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫حبُك ُ ْ‬‫صا ِ‬‫ل َ‬ ‫ما َ‬ ‫ومنها قوله تعالى‪َ { :‬‬
‫َ‬
‫حى} [النجم‪.]24:‬‬ ‫ي يُو َ‬ ‫ح ٌ‬ ‫و إِل ّ وَ ْ‬
‫ن هُ َ‬‫الْهَوَى * إ ِ ْ‬
‫ن * وَل‬ ‫منُو َ‬ ‫عرٍ قَلِيل ً َ‬
‫ما تُؤ ْ ِ‬ ‫شا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ما هُوَ بِقَوْ ِ‬ ‫{و َ‬‫ومنها قوله تعالى‪َ :‬‬
‫َ‬
‫ن} [الحاقة‪.]4142:‬‬ ‫ما تَذ َك ُّرو َ‬ ‫ن قَلِيل ً َ‬ ‫ل كَاه ِ ٍ‬‫بِقَوْ ِ‬
‫ضا ما كان يتمثل في‬ ‫ومن العدوان الذي قام به المشركون أي ً‬
‫إيذائه صلى الله عليه وسلم جسديًا بغية أن يعدل عن دعوته كلية‬
‫أو جزءًا منها‪.‬‬
‫من ذلك إيذاؤه صلى الله عليه وسلم بالخنق بواسطة ثوبه كما‬
‫فعل عقبة بن أبي معيط‪.‬‬
‫يدل على ذلك ما أخرجه البخاري بسنده عن عمرو بن العاص لما‬
‫سأله عروة بن الزبير عن أشد ما صنع المشركون برسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم قال‪ " :‬بينا رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يصلي في حجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ‬
‫بمنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع ثوبه في عنقه‬
‫فخنقه خنقًا شديدًا فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبه ودفع عن النبي‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه}‬ ‫ل َربِّي الل ّ ُ‬ ‫ن يَقُو َ‬ ‫جل ً أ ْ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫صلى الله عليه وسلم وقال‪{ :‬أتَقْتُلُو َ‬
‫[غافر‪.]36[]28:‬‬
‫ومن ذلك إلقاء القاذورات عليه صلى الله عليه وسلم كما فعل‬
‫ضا‪.‬‬
‫عقبة بن معيط أي ً‬
‫أخرج البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال‪" :‬بينـا النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ساجد وحوله ناس من قريش جاء عقبة‬
‫ابن أبي معيط بسل جزور فقذفه على ظهر النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فلم يرفع رأسه فجاءت فاطمة عليها السلم فأخذته من‬
‫ظهره ودعت على من صنع فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫"اللهم عليك بالمل من قريش أبا جهل بن هشام بن ربيعة وشيبة‬
‫بن ربيعة وأمية بن خلف أو أبي بن خلف"[‪" ]37‬شعبة الشاك"‬
‫فرأيتهم قتلوا يوم بدر فألقوا في بئر إل أمية أو أبي تقطعت‬
‫أوصاله فلم يلق في البئر"[‪.]38‬‬
‫ضا المقاطعة العامة التي فرضت عليه صلى الله‬ ‫ومن ذلك أي ً‬
‫عليه وسلم وعلى المؤمنين من أقربائه وغير المؤمنين الذي‬
‫وقفوا بجانبه تعصبًا وحميّة‪.‬‬
‫وقد ذكر أصحاب السير هذه المقاطعة العامة ومن بينهم المام‬
‫ابن كثير رحمه الله في كتابه السيرة النبوية يروي ذلك تعليقًا عن‬
‫ن أصحاب‬ ‫ابن إسحاق صاحب المغازي قال‪ " :‬فلما رأت قريش أ ّ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نزلوا بلدًا أصابوا منه أمنًا‬
‫ن النجاشي قد منع من لجأ إليه منهم وأن عمر قد‬ ‫وقراًرا‪ ،‬وأ ّ‬
‫أسلم‪ ،‬فكان هو وحمزة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫وأصحابه وجعل السلم يفشوا في القبائل فاجتمعوا وأتمروا على‬
‫أن يكتبوا كتابًا يتعاقدون فيه على بني هاشم وبني المطلب على‬
‫أل ينكحوا إليهم ول يناكحوهم‪ ،‬ول يبيعوهم شيئًا ول يبتاعوا منهم‪،‬‬
‫فلما اجتمعوا لذلك كتبوا في صحيفة‪ ،‬ثم تعاهدوا وتواثقوا على‬
‫ذلك ثم علقوا الصحيفة في جوف الكعبة توكيدًا على أنفسهم"[‬
‫‪.]39‬‬
‫ضا‪ " :‬فأقاموا على ذلك سنتين أو ثلثًا‪ ،‬حتى‬ ‫ويقول ابن إسحاق أي ً‬
‫جهدوا ولم يصل إليهم بشيء إل يسًرا مستخفيًا من أراد صلتهم‬
‫من قريش "[‪.]40‬‬
‫ضا عليهم في تلك المدة حين كان يسمع‬ ‫وقد ظل الحصار مفرو ً‬
‫أصوات صبيانهم يتضاغون من وراء الشعب من الجوع[‪.]41‬‬
‫ومن ذلك محاولة إغرائه صلى الله عليه وسلم بواسطة ما‬
‫عرضوا عليه من مغريات مادية عساه أن يجنح لبعضها حسب ما‬
‫تقتضي عقولهم وأهواؤهم وحسب ما تقتضي الموازين الرضية‪.‬‬
‫ما وهو جالس في‬ ‫ن عتبة بن ربيعة وكان سيدًا قال يو ً‬ ‫يروى أ ّ‬
‫نادي قريش ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في‬
‫المسجد وحده‪ :‬يا معشر قريش أل أقوم إلى محمد فأكلمه‬
‫وأعرض عليه أموًرا لعله يقبل بعضها فيعطيه أيها شاء ويكف عنّا‬
‫وذلك حين أسلم حمزة رضي الله عنه ورأوا أصحاب رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم يزيدون ويكثرون‪ ،‬فقالوا يا أبا الوليد فقم‬
‫إليه فكلمه‪ ،‬فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم فقال‪ :‬يا ابن أخي إنك منّا حيث علمت من السلطة‬
‫في العشيرة والمكان في النسب‪ ،‬وإنك قد أتيت قومك بأمر‬
‫عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلمهم وعبت به آلهتهم‬
‫ودينهم وكفرت به من مضى من آبائهم فاسمع مني أعرض عليك‬
‫أموًرا تنظر فيها لعلك تقبل منهـا بعضها قـال‪ :‬فقـال لـه رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬قل يا أبا الوليد أسمع" قال‪ :‬يا ابن‬
‫أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا المر مال ً جمعنا لك‬
‫من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالً‪ ،‬وإن كنت تريد به شرفًا‬
‫سودناك علينا حتى ل نقطع أمًرا دونك‪ ،‬وإن كنت تريد ملكًا‬
‫ملكناك علينا‪ ،‬وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه ل تستطيع ردّه‬
‫عن نفسك طلبنا لك الطباء وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه‬
‫فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه أو كما قال له‪،‬‬
‫حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه‬
‫قال‪" :‬أفرغت يا أبا الوليد؟" قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪" :‬فاستمع مني" قال‪:‬‬
‫أفعل‪ ،‬فقرأ صلى الله عليه وسلم صدر سورة فصلت إلى‬
‫السجدة منها ثم قال‪" :‬قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت‬
‫وذاك"[‪.]42‬‬
‫ضا التآمر على قتله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫ومن إيذائهم أي ً‬
‫ويؤيد هذا ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أن المل من‬
‫قريش اجتمعوا في الحجر فتعاقدوا باللت والعزى ومناة الثالثة‬
‫الخرى ونائلة وإساف [‪ ]43‬لو قد رأينا محمدًا لقمنا إليه قيام‬
‫رجل واحد فلم نفارقه حتى نقتله‪ ،‬فأقبلت ابنته فاطمة تبكي‬
‫حتى دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فقالت‪ :‬هؤلء المل‬
‫من قومك قد تعاقدوا عليك لو قد رأوك لقاموا إليك فقتلوك‬
‫فليس منهم رجل إل قد عرف نصيبه من دمك[‪.]44‬‬
‫ك‬‫مكُُر ب ِ َ‬ ‫وقد أشار القرآن إلى تلك الحادثة بقوله تعالى‪{ :‬وَإِذ ْ ي َ ْ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫مكُُر الل ُ‬
‫ه‬ ‫ن وَي َ ْ‬ ‫مكُُرو َ‬ ‫ك وَي َ ْ‬‫جو َ‬‫خرِ ُ‬ ‫ك أَوْ ي ُ ْ‬‫ك أَوْ يَقْتُلُو َ‬ ‫ن كَفَُروا لِيُثْبِتُو َ‬ ‫ال ّذِي َ َ‬
‫ن} [النفال‪.]30:‬‬ ‫ماكِرِي َ‬ ‫خيُْر ال ْ َ‬ ‫ه َ‬‫وَالل ّ ُ‬
‫وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواجههم بالصبر على‬
‫ن الله عز‬ ‫أذاهم والثبات على مبدئه طيلة الفترة المكية إيمانًا بأ ّ‬
‫وجل سوف ينصره وينصر دينه وإن تأثر بإيذائهم له صلى الله‬
‫عليه وسلم تأثًرا حتى نبهه الله سبحانه تعالى بذلك في عدة‬
‫مواضع من القرآن على سبيل التسلية والتوجيه‪.‬‬
‫ح‬‫سب ِّ ْ‬ ‫ن * فَ َ‬ ‫ما يَقُولُو َ‬ ‫ك بِ َ‬‫صدُْر َ‬‫ضيقُ َ‬ ‫ك يَ ِ‬ ‫م أَن َّ َ‬ ‫يقول تعالى‪{ :‬وَلَقَد ْ نَعْل َ ُ‬
‫ن} [الحجر‪.]9798:‬‬ ‫جدِي َ‬ ‫سا َ ِ‬‫ن ال َّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬‫ك وَك ُ ْ‬ ‫مدِ َرب ِّ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫بِ َ‬
‫ضائِقٌ بِهِ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫حى إِلَي ْ َ‬ ‫ما يُو َ‬
‫ض َ‬ ‫ك بَعْ َ‬ ‫ك تَارِ ٌ‬ ‫ويقول الله تعالى‪{ :‬فَلَعَل ّ َ‬
‫ك إن َ َ‬ ‫َ‬ ‫ن يَقُولُوا لَوْل أُنزِ َ‬ ‫صدر َ َ‬
‫ت‬
‫ما أن ْ َ‬ ‫مل َ ٌ ِ ّ َ‬ ‫ه َ‬ ‫معَ ُ‬ ‫جاءَ َ‬ ‫ل ع َلَيْهِ كَنٌز أوْ َ‬ ‫كأ ْ‬
‫َ‬ ‫َ ُْ‬
‫ل} [هود‪.]12:‬‬ ‫يءٍ وَكِي ٌ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ُ‬
‫ه ع َلى ك ِّ‬‫َ‬ ‫ّ‬
‫نَذِيٌر وَالل ُ‬
‫منُوا بِهَذ َا‬‫م يُؤ ْ ِ‬‫ن لَ ْ‬ ‫ك ع َلَى آثَارِه ِ ْ‬
‫م إِ ْ‬ ‫س َ‬‫خعٌ ن َ ْف َ‬ ‫ويقول تعالى‪{ :‬فَلَعَل َّ َ‬
‫ك بَا ِ‬
‫َ‬
‫سفًا} [الكهف‪.]6:‬‬ ‫ثأ َ‬ ‫حدِي ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ َ‬
‫م‬
‫ه عَلِي ٌ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫ت إِ ّ‬‫سَرا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫م َ‬ ‫ك ع َلَيْهِ ْ‬
‫س َ‬‫ب نَفْ ُ‬ ‫ويقول تعالى‪...{ :‬فَل تَذْهَ ْ‬
‫ن} [فاطر‪.]8:‬‬ ‫صنَعُو َ‬
‫ما ي َ ْ‬‫بِ َ‬

‫المبحث الثالث‬
‫تكميل الدين وإتمام النعمة‬

‫لقد جعل الله سبحانه وتعالى نبينا صلى الله عليه وسلم خاتم‬
‫النبيين والمرسلين‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سو َ‬
‫ل‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م وَلَك ِ ْ‬
‫جالِك ُ ْ‬‫ن رِ َ‬‫م ْ‬
‫حد ٍ ِ‬ ‫ح َّ‬
‫مد ٌ أبَا أ َ‬ ‫م َ‬ ‫ما كَا َ‬
‫ن ُ‬ ‫يقول تعالى‪َ { :‬‬ ‫َ‬
‫ن} [الحزاب‪.]40:‬‬ ‫م النَّبِيِّي َ‬ ‫الل ّهِ وَ َ‬
‫خات َ َ‬
‫ويقول صلى الله عليه وسلم‪" :‬إن مثلي ومثل النبياء من قبلي‬
‫كمثل رجل بنى بيتًا فأحسنه وأجمله إل موضع لبنة من زاوية‬
‫فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون‪ :‬هل وضعت هذه‬
‫اللبنة قال‪ :‬فأنا تلك اللبنة وأنا خاتم النبيين"[‪.]45‬‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه‪:‬‬
‫"أل ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إل أنه ليس‬
‫نبي بعدي"[‪.]46‬‬
‫فهذه النصوص من القرآن والسنة كلها تدل على أن الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وإن ادّعى المدعون النبوة‬
‫ما وحديثًا‪.‬‬ ‫قدي ً‬
‫يقول ابن كثير عند تفسيره الية السابقة‪" :‬فهذه الية نص في‬
‫أنّه ل نبي بعده وإذا كان ل نبي بعده فل رسول بالطريق الولى‬
‫ن كل رسول‬ ‫والحرى لن مقام الرسالة أخص من مقام النبوة فإ ّ‬
‫نبي ول ينعكس‪ ،‬وبذلك وردت الحاديث المتواترة عن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم من حديث جماعة من الصحابة رضوان الله‬
‫عليهم"[‪.]47‬‬
‫وعلى هذا فإن رسالته ختمت بها الرسالت السابقة كلها ومن ثم‬
‫ل يقبل الله أن يدين أحد بسواها بعد نزولها لنسخها ما قبلها‬
‫سواء كان يدين برسالة سماوية سابقة كاليهودية والنصرانية أو ل‬
‫سلم ِ دِينًا‬‫ن يَبْتَِغ غَيَْر ال ِ ْ‬‫م ْ‬‫كعبدة الوثان والصنام‪ .‬يقول تعالى‪{ :‬وَ َ‬
‫ه} [آل عمران‪.]85:‬‬ ‫من ْ ُ‬
‫ل ِ‬ ‫ن يُقْب َ َ‬‫فَل َ ْ‬
‫ويقول صلى الله عليه وسلم مؤكدًا ذلك‪" :‬لو كان موسى حيًّا ما‬
‫وسعه إل ّ أن يتبعني"[‪.]48‬‬
‫وقوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬والذي نفس محمد بيده ل يسمع‬
‫بي أحد من هذه المة يهودي ول نصراني ثم يموت ولم يؤمن‬
‫بالذي أرسلت به إل كان من أصحاب النار"[‪.]49‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ما آتَيْتُك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫نل َ‬ ‫ميثَاقَ النَّبِيِّي َ‬ ‫خذ َ الل ّ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫يؤيد هذا قوله تعالى‪{ :‬وَإِذ ْ أ َ َ‬
‫ن بِهِ‬ ‫م لَتُؤ ْ ِ‬
‫من ُ َّ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫ما َ‬‫صدِّقٌ ل ِ َ‬‫م َ‬ ‫ل ُ‬‫سو ٌ‬ ‫م َر ُ‬‫جاءَك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫حك ْ َ‬
‫مةٍ ث ُ َّ‬ ‫ب وَ ِ‬ ‫كِتَا ٍ‬
‫َ‬
‫صرِي قَالُوا أقَْرْرنَا قَا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫م إِ ْ‬ ‫م ع َلَى ذَلِك ُ ْ‬ ‫خذ ْت ُ ْ‬ ‫م وَأ َ‬ ‫ل أأقَْرْرت ُ ْ‬ ‫ه قَا َ‬ ‫صُرن َّ ُ‬
‫وَلَتَن ْ ُ‬
‫من ال َّ‬ ‫َ‬
‫ن} [آل عمران‪.]81:‬‬ ‫شاهِدِي َ‬ ‫م ِ ْ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫شهَدُوا وَأنَا َ‬ ‫فَا ْ‬

‫يقول ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الية التي نحن‬
‫بصددها‪" :‬ما بعث الله نبيًا من النبياء إل أخذ عليه الميثاق لئن‬
‫بعث الله محمدًا وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه وأمره أن يأخذ‬
‫الميثاق على أمته لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به‬
‫ولينصرنه"[‪.]50‬‬
‫ويروى مثل هذا القول عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه[‬
‫‪.]51‬‬
‫وقد تميزت رسالته صلى الله عليه وسلم بأمور ثلثة تفوق بها‬
‫على الرسالت التي قبلها وتؤهلها لن تكون خاتمة‪:‬‬
‫أولً‪ :‬العموم‪ :‬بمعنى أن رسالة السلم ليست محددة بزمن من‬
‫الزمان ول بمكان من المكنة ول بأمة دون المم منذ نزولها إلى‬
‫أن يرث الله الرض ومن عليها‪.‬‬
‫َ‬
‫شيًرا وَنَذِيًرا وَلك ِ َّ‬
‫ن‬ ‫س بَ ِ‬ ‫َ‬
‫ة لِلن ّا ِ‬ ‫ك إِل َّ كَافّ ً‬
‫َ‬ ‫سلْنَا َ‬ ‫َ‬
‫ما أْر َ‬ ‫{و َ‬ ‫يقول تعالى‪َ :‬‬
‫ن} [سبأ‪.]28:‬‬ ‫مو َ‬ ‫س ل يَعْل َ ُ‬ ‫ِ‬ ‫أَكْثََر النَّا‬
‫ويقول تعالى أيضا‪{ :‬وما أ َرسلْنا َ َ‬
‫ن} [النبياء‪:‬‬ ‫مي َ‬ ‫ة لِلْعَال َ ِ‬‫م ً‬ ‫ح َ‬‫ك إِل ّ َر ْ‬ ‫َ َ ْ َ َ‬ ‫ً‬
‫‪.]107‬‬
‫َ‬
‫س إِنِّي‬ ‫ل يَا أي ُّ َها النَّا ُ‬ ‫ضا آمًرا إعلن هذا المر‪{ :‬قُ ْ‬ ‫ويقول تعالى أي ً‬
‫ُ َ‬
‫ميعًا} [العراف‪ ]158:‬وهذه النصوص كلها تدل‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل الل ّهِ إِلَيْك ُ ْ‬ ‫سو‬‫َر ُ‬
‫على عمومية رسالة النبي صلى الله عليه وسلم وهي من إحدى‬
‫خصائصه كما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬أعطيت‬
‫سا لم يعطهن أحد قبلي‪ ...‬ثم ذكر من بينها وكان النبي صلى‬ ‫خم ً‬
‫الله عليه وسلم يبعث إلى قومه وبعثت إلى الناس كافة"[‪.]52‬‬
‫مة إلَّ‬ ‫ويؤيد خصوصية الرسالت السابقة قوله تعالى‪{ :‬وإن م ُ‬
‫ن أ َّ ٍ ِ‬ ‫َِ ْ ِ ْ‬
‫خل فِيهَا نَذِيٌر} [فاطر‪.]24:‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الحفظ‪ :‬حيث تكفل الله بحفظها باقية كما نزلت إلى أن‬
‫يرث الله الرض ومن عليها دون تغيير شيء منها بالنقص منها أو‬
‫الزيادة عليها‪.‬‬
‫ن} [الحجر‪]9:‬‬ ‫حافِظو َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫هل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ذّكَْر وَإِن ّا ل ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن ن َ ّزلنَا ال ِ‬
‫ح ُ‬ ‫َ‬
‫يقول تعالى‪{ :‬إِن ّا ن َ ْ‬
‫وهذا أمر مشاهد اليوم ل ينكره أحد بحيث لم يتغير منها شيء‬
‫بعد أربعة عشر قرنًا وستبقى كذلك إلى حين يشاء الله تعالى‪،‬‬
‫بخلف الكتب السابقة التي تعرضت للتحريف والتبديل من قبل‬
‫أصحابها كالتوراة والنجيل‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬الكمال والتمام‪ :‬ولقد أكملها سبحانه وتعالى لرسوله صلى‬
‫الله عليه وسلم كما يدل عليه قوله تعالى‪{ :‬الْيو َ‬
‫م‬‫ت لَك ُ ْ‬‫مل ْ ُ‬
‫م أك ْ َ‬‫َ ْ َ‬
‫َ‬
‫م دِينًا} [المائدة‪:‬‬ ‫سل َ‬ ‫ت لَك ُ ْ‬
‫م ال ِ ْ‬ ‫ضي ُ‬ ‫متِي وََر ِ‬ ‫م نِعْ َ‬ ‫ت ع َلَيْك ُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَأت ْ َ‬‫دِينَك ُ ْ‬
‫‪.]3‬‬
‫وقد نزلت هذه الية في حجة الوداع في العام العاشر من‬
‫الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلة والتسليم كما ورد في‬
‫الحديث الصحيح‪.‬‬
‫روى البخاري بسنده عن طارق بن شهاب قال‪ :‬قالت اليهود‬
‫لعمر‪ :‬إنكم تقرأون آية لو نزلت فينا لتخذناها عيدًا فقال عمر‪:‬‬
‫"إني لعلم حيث أنزلت وأين أنزلت وأين رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم حين أنزلت يوم عرفة‪ ،‬وإنا والله بعرفة"[‪.]53‬‬
‫ن هذه الية نزلت بعد جهاد طويل دام ثلثة‬ ‫ومن هنا أقول إ ّ‬
‫وعشرين سنة وفي وقت أظهر الله دينه وفي حجة الوداع الذي‬
‫لم يحج فيه مشرك لما ورد في الصحيح‪.‬‬
‫روى البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪" :‬بعثني‬
‫أبو بكر رضي الله عنه في تلك الحجة في المؤذنين بعثهم يوم‬
‫النحر يؤذنون بمنى أن ل يحج بعد العام مشرك ول يطوف بالبيت‬
‫عريان"[‪.]54‬‬
‫وكان ذلك في العام التاسع من الهجرة‪ .‬ولهذا لم يحج عام حجة‬
‫الوداع الذي حج فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مشرك‪.‬‬
‫ن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أبلغ‬ ‫ضا‪ :‬إ ّ‬ ‫كما أني أقول أي ً‬
‫َ‬
‫المة ما كلف به دون كتمان شيء تنفيذ ًا لمر الله تعالى‪{ :‬يَا أيُّهَا‬
‫ك} [المائدة‪.]67:‬‬ ‫ن َرب ِّ َ‬
‫م ْ‬‫ك ِ‬ ‫ل إِلَي ْ َ‬ ‫ما أُنزِ َ‬ ‫ل بَل ِّغْ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫الَّر ُ‬
‫وتقول عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها في هذا الصدد‪" :‬من‬
‫ن محمدًا قد كتم شيئًا مما أنزل عليه‪ ،‬فقد كذب‪ ،‬والله‬ ‫حدثك أ ّ‬
‫ل إِلَي ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ك} [المائدة‪.]56[]55[]67:‬‬ ‫ما أنزِ َ‬ ‫ل بَل ِّغْ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫يقول‪{ :‬يَا أيُّهَا الَّر ُ‬
‫وقد شهد له بذلك جموع من أصحابه رضوان الله عليهم في حجة‬
‫الوداع حينما قال لهم أثناء خطبته بوادي عرنة في يوم عرفة‪.." :‬‬
‫أنتم مسؤولون عني فما أنتم قائلون؟ قالوا‪" :‬نشهد أنك قد بلغت‬
‫وأديت ونصحت" فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء‬
‫وينكبها[‪ ]57‬إلى الناس‪" :‬اللهم أشهد اللهم أشهد‪ ،‬ثلث مرات‪[" ..‬‬
‫‪.]58‬‬
‫ول يخفى أن مثل هذا المر يتطلب جهدًا وتحمل ً للمشقة كما أنّه‬
‫يتطلب الصبر على الذى والثبات أمام المغريات‪.‬‬
‫وقد تحمل صلى الله عليه وسلم مشقة كبيرة في سبيل نشر‬
‫الدعوة وإبلغها إلى الناس كما أنه تحمل أذى المشركين‬
‫والمنافقين واليهود ومن في حكمهم بالصبر تارة وبالجهاد معهم‬
‫تارة أخرى طيلة ربع قرن من الزمن تقريبًا‪.‬‬
‫وقد ذكر محمد رشيد رضا خلصة عمله صلى الله عليه وسلم‬
‫في مكة والمدينة حيث قال‪" :‬أقام صلى الله عليه وسلم في‬
‫مكة بعد بدء التبليغ عشر سنين‪ ،‬يدعو إلى أصول اليمان وكليات‬
‫الدين‪ ،‬من التوحيد الخالص‪ ،‬والعمل الصالح‪ ،‬وتزكية النفس‬
‫بتطهيرها من أدران الرذائل‪ ،‬وتحليتها بأحاسن الخلق وعقائل‬
‫الفضائل‪ ،‬واستعمال نعم الله تعالى من بدنية وعقلية‪ ،‬وسماوية‬
‫وأرضية‪ ،‬فيما تظهر به حكمه ونشاهد آياته في الخلق‪ ،‬وتتسع بها‬
‫العلوم التي يعرف بها الحق وتكثر موارد الرزق‪ ،‬صابًرا مع‬
‫السابقين من المؤمنين‪ ،‬على الضطهاد والذى من المشركين‪،‬‬
‫على أنهم عرضوا عليه الملك والمال والدثر‪ ،‬على أن يترك هذا‬
‫المر‪ ،‬ولو كان لطلب الرياسة لثر على الضعف والفقر‪ ،‬ثم دخل‬
‫السلم بالهجرة في عهد الحرية‪ ،‬وتكونت له قوة العصبية‪ ،‬وجاء‬
‫الوحي فيه مفصل ً لما أجمل في السور المكية من الحكام‪،‬‬
‫وبيان الحلل والحرام‪ ،‬وفيه فرضت الزكاة والحج والصيام‪،‬‬
‫وكانت الصلة فرضت بمكة في أول السلم وبينت السنة النبوية‬
‫جميع فروع العبادات‪ ،‬وكل ما يحتاج إليه من النصوص والقواعد‬
‫السياسية وأنواع المعاملت‪ ،‬فبذلك كله أكمل الله الدين وأتم‬
‫نعمته على المؤمنين وقد تربى على ذلك اللوف من المهاجرين‬
‫والنصار"‪.‬‬
‫وهذه المور التي ذكرها تمت كلها في فترة وجيزة للغاية ل‬
‫تتجاوز ربع قرن من الزمن بل أقل من ذلك‪ .‬بحيث تقتضي هنا‬
‫العجاب والتقدير معًا لمن قام بها وحققها في واقع الحياة وهو‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم بفضل من الله سبحانه وتعالى‪:‬‬
‫يقول أبو الحسن الندوي معربًا إعجابه بذلك‪" :‬لقد كان النقلب[‬
‫‪ ]59‬الذي أحدثه صلى الله عليه وسلم في نفوس المسلمين‬
‫وبواسطتهم في المجتمع النساني أغرب ما في تاريخ البشر‪،‬‬
‫وقد كان هذا النقلب غريبًا في كل شيء‪ ،‬كان غريبًا في سرعته‪،‬‬
‫وكان غريبًا في عمقه‪ ،‬وكان غريبًا في سمعته وشموله‪ ،‬وكان‬
‫ضا ككثير من‬ ‫غريبًا في وضوحه وقربه إلى الفهم‪ .‬فلم يكن غام ً‬
‫الحوادث الخارقة للعادة ولم يكن لغًزا من اللغاز "[‪.]60‬‬
‫وقد نتج عن عمله صلى الله عليه وسلم المور التالية‪:‬‬
‫‪1‬ـ القضاء على الوثنية وإحلل محلها اليمان بالله واليوم الخر‪.‬‬
‫‪2‬ـ القضاء على الرذائل الجاهلية وأقام مقامها الفضائل ومكارم‬
‫الخلق‪.‬‬
‫‪3‬ـ إقامة الدين الحق الذي يصل بالنسان إلى أقصى ما قدر له‪.‬‬
‫‪4‬ـ إحداث انقلب[‪ ]61‬وتغيير شامل للوضاع ونظام الحياة الذي‬
‫درج عليه أهل الجاهلية‪.‬‬
‫‪5‬ـ توحيد المة العربية تحت راية القرآن في فترة وجيزة[‪.]62‬‬
‫يقول سيد سابق بعد ذكره النقاط السابقة‪" :‬هذه هي العمال‬
‫التي تمثل نجاح الرسول صلى الله عليه وسلم في مهمته وهي‬
‫كما تبدو كلها أمور كبيرة وإقامتها بل إقامة واحد منها من‬
‫الخطورة بمكان وأنّه ل يمكن أن يتأتى النجاح لفرد في بعض‬
‫هذه العمال فضل ً عن توفر النجاح في كل ناحية من هذه‬
‫النواحي"[‪.]63‬‬
‫وعلى هذا فعلى المسلم أن يتأدب مع الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم تقديًرا لما قام به من أعمال جليلة في سبيل وصول‬
‫السلم إلى الناس في زمانه وإلى الذين من بعده حتى يرث الله‬
‫الرض ومن عليها ولما أثر عنه صلى الله عليه وسلم من صفات‬
‫حميدة من ناحية الخلقية والخلقية والتي بينتها في الفصل الول‬
‫من هذا الباب مع ما أنعم الله عليه من النبوة والرسالة التي ختم‬
‫الله بها الرسالت كلها‪.‬‬

‫ـــــــــــــ‬
‫الهوامش‪:‬‬
‫[‪ ]1‬في ظلل القرآن (‪.)2/1077‬‬
‫[‪ ]2‬الناموس‪ :‬صاحب سر الملك‪ ،‬وقيل صاحب سر الخير‪ ،‬وأراد‬
‫صه بالوحي والغيب‬ ‫ن الله تعالى خ ّ‬
‫به جبريل عليه السلم ل ّ‬
‫اللذين ل طلع عليهما غيره‪ .‬النهاية في غريب الحديث (‪.)5/119‬‬
‫[‪ ]3‬يا ليتني كنت جذع ًا‪ :‬أي يا ليتني كنت شابًا عند ظهورها حتى‬
‫أبالغ في نصرتها وحمايتها‪ .‬وأصل الجذع من أسنان الدواب وهو‬
‫ما كان شابًا فتيًا‪ .‬النهاية في غريب الحديث (‪.)1/250‬‬
‫[‪ ]4‬لم ينشب‪ :‬من نشب‪ .‬يقال نشب في الشيء إذا وقع فيما ل‬
‫مخلص له منه‪ ،‬ولم ينشب أن فعل كذا أي لم يلبث‪ ،‬وحقيقته لم‬
‫يتملق بشيء غيره ول اشتعل بسواه‪ .‬وهنا لم يلبث حتى مات‪.‬‬
‫النهاية في غريب الحديث (‪.)5/52‬‬
‫[‪ ]5‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب بدء الوحي‪ ،‬باب كيف كان بدء الوحي‬
‫إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (‪.)1/7‬‬
‫ن السلم بدأ غريبًا‬‫[‪ ]6‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب اليمان‪ ،‬باب بيان أ ّ‬
‫وسيعود غريبًا (‪.)1/130‬‬
‫[‪ ]7‬انظر‪ :‬زاد المعاد (‪.)1/86‬‬
‫[‪ ]8‬مستدرك الحاكم (‪ ،)3/617‬وقال الحاكم‪ :‬صحيح على شرط‬
‫البخاري ومسلم ولم يخرجاه‪ ،‬ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫[‪ ]9‬بعد بدء نزول الوحي عليه صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫[‪ ]10‬زاد المعاد (‪.)1/86‬‬
‫[‪ ]11‬صحيح البخاري‪ ،‬باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم (‪.)1/7‬‬
‫[‪ ]12‬صحيح البخاري‪ ،‬باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم (‪.)1/7‬‬
‫[‪ ]13‬تفسير القرآن العظيم‪.)4/449( :‬‬
‫[‪ ]14‬الصلصة‪ :‬صوت الحديد إذا حرك‪ .‬انظر النهاية في غريب‬
‫الحديث (‪.)3/46‬‬
‫[‪ ]15‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الوحي‪ ،‬باب كيف كان بدء الوحي إلى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم (‪.)1/6‬‬
‫[‪ ]16‬صحيح البخاري في كتاب التفسير‪ ،‬باب تفسير سورة (تبت‬
‫يدا أبي لهب وتب) (‪ ،)3/222‬ومسلم في كتاب اليمان باب (وأنذر‬
‫عشيرتك القربين) (‪ )1/194‬واللفظ للبخاري‪.‬‬
‫[‪ ]17‬مستدرك الحاكم (‪ )2/612613‬وقال الحاكم‪ :‬صحيح على شرط‬
‫الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي‪ ،‬وقال الهيثمي في مجمع‬
‫الزوائد (‪ )6/35‬رواه أحمد ورجاله ثقات‪.‬‬
‫[‪ ]18‬يوم العقبة‪ :‬هو اليوم الذي وقف صلى الله عليه وسلم على‬
‫العقبة التي بمنى داعيًا الناس إلى السلم‪.‬‬
‫[‪ ]19‬قرن الثعالب‪ :‬قرن المنازل ميقات أهل نجد النهاية في‬
‫غريب الحديث (‪.)4/54‬‬
‫[‪ ]20‬الخشبين الجبلن المطيفان بمكة وهما أبو قيس والحمر‬
‫وهو جبل مشرف على قيقعان والخشب كل جبل غليظ‬
‫الحجارة‪ .‬النهاية في غريب الحديث (‪.)2/32‬‬
‫[‪ ]21‬صحيح البخاري‪ ،‬في كتاب بدء الخلق باب ذكر الملئكة (‬
‫‪ ،)2/214‬وصحيح مسلم في كتاب الجهاد والسير‪ ،‬باب ما لقي النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين (‪،)3/1420‬‬
‫واللفظ لمسلم‪.‬‬
‫[‪ ]22‬صحيح البخاري في كتاب المغازي‪ ،‬باب بعث أبي موسى‬
‫ومعاذ ًا إلى اليمن (‪.)3/7273‬‬
‫[‪ ]23‬صحيح البخاري في كتاب المغازي‪ ،‬باب بعث أبي موسى‬
‫ومعاذ ًا إلى اليمن (‪.)3/7273‬‬
‫[‪ ]24‬لقب لكل من ملك الحبشة‪.‬‬
‫[‪ ]25‬صحيح مسلم في كتاب الجهاد والسير‪ ،‬باب كتاب النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الكفار ودعوتهم إلى الله عز‬
‫وجل‪.‬‬
‫[‪ ]26‬الرسيون‪ :‬هم الخدم والخول وقيل هم الكارون النهاية في‬
‫غريب الحديث (‪.)1/38‬‬
‫[‪ ]27‬صحيح البخاري‪ ،‬باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم (‪ .)1/9‬وصحيح مسلم في كتاب الجهاد‬
‫والسير‪ ،‬باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل يدعوه‬
‫إلى السلم (‪ )3/1396‬واللفظ لمسلم‪.‬‬
‫[‪ ]28‬صحيح البخاري في كتاب اليمان‪ ،‬باب‪( :‬فإن تابوا وأقاموا‬
‫الصلة وآتوا الزكاة فخلو سبيلهم (‪ ،)1/13‬وصحيح مسلم في كتاب‬
‫اليمان باب المر بقتال الناس حق يقولوا ل إله إل الله محمد‬
‫رسول الله (‪ )1/53‬واللفظ لمسلم‪.‬‬
‫[‪ ]29‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب المغازي‪ ،‬باب حديث بنى النضير (‬
‫‪.)3/15‬‬
‫[‪ ]30‬في ظلل القرآن‪.)3/1677( :‬‬
‫[‪ ]31‬طلوة‪ :‬رونقًا وحسنًا‪ ،‬وقد تفتح الطاء‪ .‬النهاية في غريب‬
‫الحديث (‪.)3/137‬‬
‫[‪ ]32‬مغدق‪ :‬من غدق‪ ،‬والغدق بفتح الدال المطر الكبير القطر‪،‬‬
‫يقول‪ :‬أغدق المطر يغدق إغداقًا فهو مغدق‪ .‬النهاية في غريب‬
‫الحديث (‪.)3/345‬‬
‫[‪ ]33‬مستدرك الحاكم (‪ )2/507‬وقال الحاكم‪ :‬حديث صحيح السناد‬
‫على شرط البخاري ولم يخرجاه ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫[‪ ]34‬تفسير فتح القدير (‪.)5/9192‬‬
‫[‪ ]35‬في ظلل القرآن الكريم‪.)6/3386( :‬‬
‫[‪ ]36‬كتاب المناقب باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫وأصحابه من المشركين بمكة (‪.)2/321‬‬
‫[‪ ]37‬والصحيح أمية لن أبي قد قتله رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم في أحد كما هو مشهور في كتب السيرة‪ .‬انظر زاد المعاد‬
‫(‪.)3/199‬‬
‫[‪ ]38‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب مناقب النصار‪ ،‬باب ما لقي النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المشركين بمكة (‪.)2/321‬‬
‫[‪ ]39‬السيرة النبوية‪.)2/4748( :‬‬
‫[‪ ]40‬المصدر السابق‪.)2/50( :‬‬
‫[‪ ]41‬انظر المصدر السابق‪.)2/47( :‬‬
‫[‪ ]42‬انظر تفسير القرآن العظيم لبن كثير (‪ )4/91‬ويروي البنوي‬
‫هذه القصة في تفسيره (‪ )6/107‬عن جابر رضي الله عنه وحسن‬
‫اللباني سندها في تعليقاته على فقه السيرة للغزالي‪ .‬انظر‬
‫هامش (ص‪ )113:‬من فقه السيرة‪.‬‬
‫[‪ ]43‬الخمسة أسماء للهة المشركين‪.‬‬
‫[‪ ]44‬أخرجه المام أحمد في مسنده (‪ ،)1/303‬وقال الهيثمي في‬
‫مجمع الزوائد (‪ )8/228‬رواه أحمد بإسنادين ورجال أحدهما رجال‬
‫الصحيح‪ ،‬وقال الشيخ أحمد شاكر في شرح المسند (‪ )4/2763‬كل‬
‫السنادين صحيح‪.‬‬
‫[‪ ]45‬صحيح البخاري كتاب المناقب‪ ،‬باب خاتم النبيين (‪.)2/370‬‬
‫[‪ ]46‬صحيح البخاري كتاب المغازي‪ ،‬باب غزوة تبوك (‪.)3/86‬‬
‫[‪ ]47‬تفسير القرآن العظيم‪.)3/493( :‬‬
‫[‪ ]48‬رواه الدارمي (‪ )1/115116‬وحسنه اللباني في تعليقه على‬
‫مشكاة المصابيح (‪.)1/63‬‬
‫[‪ ]49‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب اليمان‪ ،‬باب وجوب اليمان برسالة نبينا‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس ونسخ الملل بملته‬
‫(‪.)1/134‬‬
‫[‪ ]50‬انظر تفسير القرآن العظيم لبن كثير (‪.)1/378‬‬
‫[‪ ]51‬انظر تفسير القرآن العظيم لبن كثير (‪.)1/378‬‬
‫[‪ ]52‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب التيمم (‪.)1/70‬‬
‫[‪ ]53‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب التفسير‪ ،‬باب‪( :‬اليوم أكملت لكم‬
‫دينكم) (‪.)3/123‬‬
‫[‪ ]54‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب التفسير‪ ،‬باب‪( :‬وأذان من الله‬
‫ورسوله إلى الناس يوم الحج) (‪.)3/134‬‬
‫[‪ ]55‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب التفسير‪ ،‬باب‪( :‬يا أيها‬
‫الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) (‪.)3/125‬‬
‫[‪ ]56‬قال القاضي عياض‪ :‬كذا الرواية فيه بالتاء المثناة فوق وهو‬
‫بعيد المعنى‪ ،‬قيل صوابه ينكبها‪ .‬ومعناه ويرددها إلى الناس مثيًرا‬
‫إليهم‪ ،‬ومنه نكب كنانته إذا قلبها‪ .‬شرح النووي على صحيح مسلم‬
‫(‪ )8/184‬وانظر مقدمة هذا البحث‪.‬‬
‫[‪ ]57‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب‪ :‬حجة النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم (‪.)2/890‬‬
‫[‪ ]58‬ذكرى المولد النبوي (ص‪.)4142:‬‬
‫[‪ ]59‬النقلب مصطلح حديث يستعمل للخير والشر معًا وخاصة‬
‫للشر في هذا العصر لذلك من الفضل والولى وصف السلم‬
‫بالتغيير الكلي أو الصلح الجذري‪.‬‬
‫[‪ ]60‬ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين (ص‪.)8889:‬‬
‫[‪ ]61‬انظر هامش رقم (‪ )2‬في الصفحة السابقة‪.‬‬
‫[‪ ]62‬العقائد السلمية (ص‪ )200201:‬مع التصرف‪.‬‬
‫[‪ ]63‬المصدر السابق (ص‪.)201:‬‬
‫‪ .7‬كتاب "التأدب مع الرسول في ضوء الكتاب‬
‫والسنة" [الجزء الثالث]‬
‫الباب الثاني‬
‫أنواع الدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم‬

‫الدب مفهوم يتعلق بأعمال النسان بصورة عامة‪ ،‬وأنواع العمال‬


‫ما أن يكون‬ ‫تبعًا للتقسيم الواقعي ل تتعدى ثلثة أنواع لنها إ ّ‬
‫مصدرها القلب وهي العمال القلبية كالحب واللفة والسرور‪،‬‬
‫ما أن‬‫ما أن يكون مصدرها اللسان وهي القوال واللفاظ‪ ،‬وإ ّ‬ ‫وإ ّ‬
‫يكون مصدرها الجوارح وهي الحركة والمشي وهكذا‪.‬‬
‫والدب متصل بهذه النواع الثلثة‪ ،‬ولذلك كان على المسلم أن‬
‫يلتزم بكل منها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فل بد من‬
‫حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وتوقيره ول بد‬
‫من الصلة والسلم عليه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ول بد من اتباعه‬
‫وطاعته واتخاذه أسوة وقدوة‪.‬‬
‫وقد عقدت هذا الباب للحديث عن أنواع الدب مع الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬ولذلك جاء في ثلثة فصول‪:‬‬
‫الفصل الول‪ :‬الدب القلبي‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬الدب القولي‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الدب العملي‪.‬‬
‫وسوف أبحثها بعون الله بنفس الترتيب فيما يلي‪:‬‬

‫الفصل الول‬
‫الدب القلبي‬

‫الدب القلبي هو ما كان مصدره القلب مثل التصديق‪ ،‬والحب‪،‬‬


‫والخلص وهكذا‪..‬‬
‫ن القلب‬‫والداب القلبية لها شأن عظيم تبعًا لهمية مصدرها‪ ،‬ل ّ‬
‫سيد أعضاء الجسد يقودها ويوجهها‪ ،‬ويصبغها بصبغته ومحتواه‪.‬‬
‫لقوله صلى الله عليه وسلم‪..." :‬أل إن في الجسد مضغة [‪ ]1‬فإذا‬
‫صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله أل وهي‬
‫القلب "[‪.]2‬‬
‫ولهذا يعتبر القلب طاقة ذات أهمية كبيرة بالنسبة لحياة النسان‬
‫في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫فهو أساس العمال الظاهرة لقوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬إنّما‬
‫العمال بالنيات وإنّما لكل امرئ ما نوى‪ ،‬فمن كانت هجرته إلى‬
‫الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله‪ ،‬ومن كانت هجرته إلى‬
‫امرأة ينكحها أو لدنيا يصيبها فهجرته إلى ما هاجر إليه "[‪.]3‬‬
‫وبه يكون قبول العمال عند الله تعالى لقوله سبحانه‪{ :‬ل‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫خذ ُك ُ ْ‬ ‫ن يُؤ َا ِ‬ ‫م وَلَك ِ ْ‬ ‫مانِك ُ ْ‬ ‫ه بِالل ّغْوِ فِي أي ْ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫خذ ُك ُ ْ‬ ‫يُؤ َا ِ‬
‫م} [البقرة‪.]225:‬‬ ‫ْ‬ ‫قُلُوبُك ُ‬
‫َ َ َ‬
‫ن‬‫ما َ‬ ‫م الِي َ‬ ‫ب إِلَيْك ُ ْ‬ ‫حب َّ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫وهو محل اليمان لقوله تعالى‪{ :‬وَلك ِ ّ‬
‫م} [الحجرات‪.]7:‬‬ ‫ه فِي قُلُوبِك ُ ْ‬ ‫وََزيَّن َ ُ‬
‫َ‬
‫ه}‬‫من ْ ُ‬‫م بُِروٍح ِ‬ ‫ن وَأيَّدَهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م الِي َ‬ ‫ب فِي قُلُوبِهِ ْ‬ ‫ولقوله تعالى‪{ :‬كَت َ َ‬
‫[المجادلة‪.]22:‬‬
‫َ‬
‫ه}‬ ‫ن بِالل ّهِ يَهْد ِ قَلْب َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن يُؤْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ضا محل الهداية لقوله تعالى‪{ :‬وَ َ‬ ‫وهو أي ً‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫[التغابن‪ .]11:‬كما أنّه محل للتقوى‪ .‬لقوله تعالى‪{ :‬ذَل ِ َ‬
‫َ‬
‫ب} [الحج‪.]32:‬‬ ‫ن تَقْوَى الْقُلُو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شعَائَِر الل ّهِ فَإِنَّهَا ِ‬ ‫م َ‬ ‫يُعَظ ِّ ْ‬
‫والقلب كما يوجه صاحبه لليمان والهداية إذا استقام على‬
‫الفطرة‪ ،‬وتدبر آيات الله واستفاد منها‪ ،‬يوجه صاحبه كذلك إلى‬
‫المعصية والضلل إن بعد عن فطرته‪ .‬وانشغل بالهوى والشهوات‬
‫شرِبُوا فِي قُلُوبِهِ ْ‬
‫م‬ ‫وحينئذ يكون مصدر الكفر لقوله تعالى‪{ :‬وَأ ُ ْ‬
‫م} [البقرة‪.]93:‬‬ ‫ْ‬ ‫ل بِكُفْرِه ِ‬ ‫ج َ‬ ‫الْعِ ْ‬
‫ْ َ َ‬
‫نل‬ ‫ك ال ّذِي َ‬ ‫ستَأذِن ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫الشك والريب لقوله تعالى‪{ :‬إِن َّ َ‬ ‫َ‬
‫ومحل‬
‫َ َّ‬
‫م} [التوبة‪.]45:‬‬ ‫ت قُلُوبُهُ ْ‬ ‫خرِ وَاْرتَاب َ ْ‬ ‫ن بِالل ّهِ وَالْيَوْم ِ ال ِ‬ ‫منُو َ‬ ‫يُؤ ْ ِ‬
‫جعَل الذِي َ‬
‫ن‬ ‫ومحل التعصب وحمية الجاهلية لقوله تعالى‪{ :‬إِذ ْ َ‬
‫جاهِلِيَّةِ} [الفتح‪.]26:‬‬ ‫ة ال ْ َ‬‫مي َّ َ‬
‫ح ِ‬
‫ة َ‬ ‫مي َّ َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫كَفَُروا فِي قُلُوبِهِ ْ‬
‫يقول النيسابوري‪" :‬القلب صالح لن يميل إلى اليمان وصالح لن‬
‫يميل إلى الكفر وكل منهما يتوقف على داعية ينشئها الله تعالى‬
‫فيه‪ ،‬إذ لو حدثت بنفسها لزم سد باب إثبات الصانع فإن كانت‬
‫داعية الكفر فهو الخذلن والزاغة والصد والختم والطبع والريبة‬
‫وغيرها مما ورد في القرآن‪ ،‬وإن كانت داعية اليمان فهو التوفيق‬
‫والرشاد والهداية والتثبيت والعصمة ونحوها"[‪ .]4‬ثم استشهد‬
‫بقوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين‬
‫من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء"[‪.]5‬‬
‫ومن هنا قيل سمي القلب قلبًا لتقلبه وتغايره‪.‬‬
‫وعلى هذا سأل الرسول صلى الله عليه وسلم ربّه عز وجل أن‬
‫يثبت قلبه على طاعته قائلً‪" :‬اللهم مصرف القلوب صّرف قلوبنا‬
‫على طاعتك"[‪.]6‬‬
‫وفي هذا الفصل سوف نتحدث عن الداب التي محلها القلب‬
‫وسيأتي مكونًا من مبحثين هما‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬اليمان بنبوته صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬محبته صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وذلك فيما يلي‪:‬‬

‫المبحث الول‬
‫اليمان بنبوته صلى الله عليه وسلم‬

‫من الداب القلبية المتصلة برسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫اليمان بنبوته صلى الله عليه وسلم بل هو رأس الداب كلها لن‬
‫اليمان به صلى الله عليه وسلم ركن من أركان العقيدة وأساس‬
‫من أسس الدين وأما غيره من الداب فتابعة له بحيث إذا اختل‬
‫هذا الركن يختل معه الداب الخرى‪.‬‬
‫وعلى هذا‪ ،‬فأول ما يطلب من النام تجاه رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم اليمان به صلى الله عليه وسلم بعد اليمان بالله عز‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ن بِالل ّهِ‬
‫ن يَكْفُُرو َ‬ ‫ن ال ّذِي َ‬‫وجل بل إنهما متلزمان لقوله تعالى‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ورسلِه ويريدو َ‬
‫ن بِبَعْ ٍ‬
‫ض‬ ‫م ُ‬‫ن نُؤْ ِ‬ ‫سلِهِ َويَقُولو َ‬ ‫ن الل ّهِ وَُر ُ‬ ‫ن يُفَّرِقُوا بَي ْ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َُ ُ ِ َُ ِ ُ َ‬
‫ُ‬
‫سبِيل ً *أوْلَئ ِ َ‬ ‫ن يَت َّ ِ‬ ‫َ‬
‫ك هُم‬ ‫ك َ‬ ‫ن ذَل ِ َ‬ ‫خذ ُوا بَي ْ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ض وَيُرِيدُو َ‬ ‫وَنَكْفُُر بِبَعْ‬
‫ْ َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫ن َ ً‬
‫منُوا بِاللهِ‬ ‫نآ َ‬ ‫مهِينًا *وَالذِي َ‬ ‫ن عَذ َابًا ُ‬ ‫ح ّقا وَأع ْتَدْنَا لِلْكَافِرِي َ‬ ‫الْكَافُِرو َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫م أوْلَئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫جوَرهُ ْ‬ ‫مأ ُ‬ ‫ف يُؤ ْتِيهِ ْ‬‫سو َ‬‫ك َ ْ‬ ‫منْهُ ْ‬‫حد ٍ ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫سلِهِ َوَل َ ْ‬
‫م يُفَّرِقُوا بَي ْ َ‬ ‫وَُر ُ‬
‫ما} [النساء‪.]150152:‬‬ ‫حي ً‬ ‫ه غَفُوًرا َر ِ‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫وَكَا َ‬
‫ولهمية اليمان به صلى الله عليه وسلم جعلت الكلم عنه في‬
‫صدارة الباب المتعلق بالداب مع رسول صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وسوف نتطرق في هذا المبحث إلى المسائل المتعلقة بهذا‬
‫الموضوع وهي على النحو التالي‪:‬‬
‫حا‪.‬‬‫‪1‬ـ تعريف اليمان لغة واصطل ً‬
‫‪2‬ـ حكم اليمان به صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪3‬ـ أصناف الناس في اليمان به صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪4‬ـ ثمرة اليمان به صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وسوف أبحثها بمشيئة الله وفق هذا الترتيب‪.‬‬
‫‪1‬ـ تعريف اليمان‪ :‬يعد التعريف اللغوي مدخل ً للتعريف‬
‫الصطلحي ولذلك سأبدأ بتعريف اليمان لغة وبعده أعّرفه بما‬
‫قال علماء الصطلح‪ .‬وذلك فيما يلي‪:‬‬
‫(أ) تعريف اليمان في اللغة‪ :‬يقول الزهري[‪" :]7‬اليمان‪ :‬مصدر‬
‫ن‬
‫آمن يؤمن إيمانًا‪ ،‬واتفق أهل العلم من اللغويين وغيرهم على أ ّ‬
‫اليمان معناه التصديق"[‪.]8‬‬
‫ويقول ابن فارس[‪" :]9‬الهمزة والميم والنون أصلن متقاربان‬
‫أحدهما المانة التي هي ضد الخيانة ومعناها سكون القلب‪،‬‬
‫والخر التصديق‪ ،‬والمعنيان كما قلنا متدانيان"[‪.]10‬‬
‫ويقول الفيروزأبادي [‪ ]11‬في مادة (آمن)‪ " :‬آمن به إيمانًا صدقه‬
‫"[‪.]12‬‬
‫ويقول ابن منظور [‪ ]13‬في مادة (آمن)‪ " :‬واليمان بمعنى‬
‫التصديق‪ ،‬وضده التكذيب‪ ،‬ويقال آمن به قوم وكذبه قوم"[‪.]14‬‬
‫أي‪ :‬صدقه بعضهم دون بعض‪.‬‬
‫وهذه التعاريف التي نقلتها عن أهل اللغة تدور حول معنى واحد‬
‫وهو التصديق ومنه قوله تعالى حكاية عن قول إخوة يوسف عليه‬
‫السلم لبيهم يعقوب عليه السلم‪.‬‬
‫َ‬
‫ن} [يوسف‪ ]17:‬أي بمصدق‬ ‫ن لَنَا وَلَوْ كُنَّا َ‬
‫صادِقِي َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫م ٍ‬ ‫ت بِ ُ‬
‫ما أن ْ َ‬‫{وَ َ‬
‫لنا‪.‬‬
‫يقول الزهري بعد ذكر الية السابقة‪ " :‬لم يختلف أهل التفسير‬
‫ن معناه وما أنت بمصدق لنا "[‪.]15‬‬ ‫أ ّ‬
‫ن اليمان في‬ ‫ولهذا نقول‪ :‬اتفق أهل التفسير مع أهل اللغة على أ ّ‬
‫اللغة هو التصديق‪.‬‬
‫(ب) اليمان في الشرع‪ :‬اليمان عند جهور أهل السنة هو‬
‫التصديق بالجنان والقرار باللسان والعمل بالركان‪ ،‬أي عقد‬
‫وقول وعمل‪.‬‬
‫يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى حكاية عن أقوال السلف في‬
‫تفسير اليمان‪ " :‬فتارة يقولون‪ :‬قول وعمل‪.‬‬
‫وتارة يقولون‪ :‬قول وعمل ونية‪.‬‬
‫وتارة يقولون‪ :‬قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح‪،‬‬
‫وكل هذا صحيح "[‪.]16‬‬
‫وكل هذه القوال المنقولة عن السلف والمتعلقة في تفسير‬
‫ما وكيفًا كما‬ ‫اليمان تؤول إلى معنى واحد وإن اختلفت ألفاظها ك ًّ‬
‫وضح ذلك شيخ السلم حيث قال‪ " :‬إن من قال من السلف‪:‬‬
‫اليمان قول وعمل أراد قول القلب واللسان وعمل القلب‬
‫ن لفظ القول ل يفهم منه إلّ‬ ‫والجوارح‪ ،‬ومن أراد العتقاد رأى أ ّ‬
‫القول الظاهر أو خاف ذلك فزاد العتقاد بالقلب‪ ،‬ومن قال‪ :‬قول‬
‫ما العمل‬ ‫وعمل ونية‪ ،‬قال القول يتناول العتقاد وقول اللسان‪ ،‬وأ ّ‬
‫فقد ل يفهم منه فزاد ذلك‪ ،‬ومن زاد اتباع السنة فلن ذلك كله ل‬
‫يكون محبوبًا لله إل ّ باتباع السنة "[‪.]17‬‬
‫وإذا نظرنا إلى التعاريف الصطلحية التي ذكرناها لتفسير اليمان‬
‫نجد أنه ل يوجد تعريف خال عن عمل القلب أو ما يفيد معناه‪.‬‬
‫ولهذا السبب تكلمت عن اليمان بنبوة الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم في هذا الفصل الذي عقدته للدب القلبي وإن كان يشمل‬
‫ن النية عمود العمال‬ ‫العمال الظاهرة على قول أهل السنة إل أ ّ‬
‫الظاهرة وأساسها وبها الثواب والعقاب وإن لم يصاحبها عمل‬
‫أحيانًا‪ ،‬والنية محلها القلب كما هو معلوم‪.‬‬
‫يقول ابن القيم رحمه الله‪ " :‬اليمان له ظاهر وباطن‪ ،‬وظاهره‬
‫قول اللسان وعمل الجوارح‪ ،‬وباطنه تصديق القلب وانقياده‬
‫ومحبته‪ ،‬فل ينفع ظاهر ل باطن له‪ ،‬وإن حقن الدماء وعصم به‬
‫الموال والذرية‪ ،‬ول يجزئ باطن ل ظاهر له‪ ،‬إل ّ إذا تعذر بعجز‬
‫وإكراه أو ضعف وإكراه "[‪.]18‬‬
‫ما تعريف اليمان بنبوته‬ ‫هذا هو تعريف اليمان بصورة عامة‪ ،‬وأ ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم فهو القرار بنبوته صلى الله عليه وسلم‬
‫ظاهًرا وباطنًا والتسليم له بما جاء به صلى الله عليه وسلم جملة‬
‫وتفصيل ً عند العلم به‪.‬‬
‫يقول القاضى عياض‪ " :‬واليمان به صلى الله عليه وسلم هو‬
‫تصديق بنبوته ورسالة الله تعالى له وتصديقه في جميع ما جاء به‬
‫وما قاله‪ ،‬ومطابقة تصديق القلب بذلك بشهادة اللسان بأنّه‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا اجتمع التصديق به بالقلب‬
‫والنطق بالشهادة بذلك باللسان‪ ،‬تم اليمان به عليه الصلة‬
‫والسلم والتصديق له صلى الله عليه وسلم[‪.]19‬‬
‫ن اليمان به صلى الله عليه وسلم يستلزم ثلثة‬ ‫ومن هذا يتبيّن أ ّ‬
‫أمور هي‪:‬‬
‫ما بذلك دون شك‪.‬‬ ‫‪1‬ـ اليمان به صلى الله عليه وسلم باطنًا جاز ً‬
‫‪2‬ـ شهادة اللسان بذلك إظهاًرا لما في قلبه ما لم يكن صاحبه‬
‫عاجًزا عن ذلك‪.‬‬
‫‪3‬ـ العمل بمقتضى ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم دون‬
‫اعتراض أو ترك‪.‬‬
‫يقول شيخ السلم ابن تيمية‪ " :‬فل يكون الرجل مؤمنًا حتى يقر‬
‫نل‬ ‫بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وهو تحقيق شهادة أ ّ‬
‫ن محمدًا رسول الله‪ ،‬فمن شهد أنّه رسول الله‬ ‫إله إل ّ الله وأ ّ‬
‫ن هذا حقيقة‬‫شهد أنّه صادق فيما يخبر به عن الله تعالى‪ ،‬فإ ّ‬
‫الشهادة بالرسالة‪ ..‬وبالجملة فهذا معلوم بالضطرار من دين‬
‫السلم ل يحتاج إلى دليل‪ ،‬وهو القرار بما جاء به النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم وهو نفس ما جاء به القرآن وجاءت به السنة "[‬
‫‪.]20‬‬
‫ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى‪ " :‬واليمان هو حقيقة مركبة‬
‫ما‬
‫من معرفة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم عل ً‬
‫والتصديق به عقدًا‪ ،‬والقرار به نطقًا‪ ،‬والنقياد به محبة وْخضوع ًا‪،‬‬
‫والعمل به باطنًا وظاهًرا‪ ،‬وتنفيذه والدعوة إليه بحسب المكان‬
‫"[‪.]21‬‬
‫هذا هو اليمان المعتد به عند الله سبحانه وتعالى في الدنيا‬
‫ما إذا فقد أمر من المور الثلثة التي ذكرناها فلكل‬ ‫والخرة‪ ،‬وأ ّ‬
‫حكمه الخاص كما سوف نبينه عند كلمنا عن أصناف الناس في‬
‫اليمان به صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫حكم اليمان به صلى الله عليه وسلم‪ :‬اليمان به صلى الله عليه‬
‫وسلم واجب على كل مكلف بلغته الدعوة السلمية على وجهها‬
‫الصحيح‪ ،‬والدلة على ذلك كثيرة في القرآن وفي السنة‪.‬‬
‫ما أدلة القرآن الكريم فإنّها تنقسم إلى قسمين‪ :‬قسم يشهد له‬ ‫أ ّ‬
‫ولغيره من النبياء عليهم الصلة والسلم وقسم يشهد له صلى‬
‫الله عليه وسلم خاصة‪.‬‬
‫ما ما يشهد له ولغيره من النبياء عليهم الصلة والسلم فمنه‬ ‫أ ّ‬
‫لٌ‬ ‫ُ‬
‫ن كُ ّ‬ ‫منُو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن َربِّهِ وَال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل إِلَيْهِ ِ‬ ‫ما أنزِ َ‬ ‫ل بِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن الَّر ُ‬ ‫م َ‬ ‫تعالى‪{ :‬آ َ‬ ‫َ‬
‫قوله‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫سلِهِ}‬ ‫ن ُر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫حد ٍ ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫سلِهِ َل نُفَّرِقُ بَي ْ َ‬ ‫ملئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَُر ُ‬ ‫ن بِاللهِ وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫آ َ‬
‫َّ‬
‫سلِهِ‬ ‫ن بِاللهِ وَُر ُ‬ ‫ن يَكْفُُرو َ‬ ‫ن ال ّذِي َ‬ ‫[البقرة‪ ]285:‬وقوله تعالى‪{ :‬إ ِ َّ‬
‫َّ‬
‫ض وَنَكْفُُر‬ ‫سلِهِ َويَقُول ُ‬ ‫ويريدو َ‬
‫ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ن‬
‫ُ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬‫ُ‬ ‫ن‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ن الل‬‫ن يُفَّرِقُوا بَي ْ َ‬ ‫نأ ْ‬‫َُ ِ ُ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م الكَافُِرو َ‬
‫ن‬ ‫ك هُ ْ‬ ‫سبِيل ً * أوْلئ ِ َ‬ ‫ك َ‬ ‫ن ذَل ِ َ‬ ‫خذ ُوا بَي ْ َ‬ ‫ن يَت ّ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ض وَيُرِيدُو َ‬ ‫بِبَعْ ٍ‬
‫َ‬ ‫َ ً‬
‫مهِينًا} [النساء‪.]149150:‬‬ ‫ن عَذ َابًا ُ‬ ‫حقّا وَأع ْتَدْنَا لِلْكَافِرِي َ‬
‫ما ما يشهد له صلى الله عليه وسلم خاصة فكثيرة‪ :‬منها قوله‬ ‫وأ ّ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن بِاللهِ‬ ‫م ُ‬ ‫ي ال ّذِي يُؤ ْ ِ‬ ‫ي ال ُ ِّ‬
‫م ِّ‬ ‫سولِهِ النَّب ِ ِ ّ‬ ‫منُوا بِالل ّهِ وََر ُ‬ ‫تعالى‪{ :‬فَآ ِ‬
‫َ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ن} [العراف‪.]158:‬‬
‫َ‬
‫م تَهْتَدُو َ‬ ‫ماتِهِ وَاتَّبِعُوه ُ لَعَل ّك ُ ْ‬ ‫وَكَل ِ َ‬
‫َ‬
‫ه‬‫سولِهِ وَالنُّورِ ال ّذِي أنَزلْنَا وَالل ُ‬ ‫منُوا بِالل ّهِ وََر ُ‬ ‫ومنها قوله تعالى‪{ :‬فَآ ِ‬
‫خبِيٌر} [التغابن‪.]8:‬‬ ‫ن َ‬ ‫ملُو َ‬ ‫ما تَعْ َ‬ ‫بِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سولِهِ فَإِنَّا أع ْتَدْنَا‬ ‫ن بِالل ّهِ وََر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م يُؤ ْ ِ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫{و َ‬‫ومنها قوله تعالى‪َ :‬‬
‫سعِيًرا} [الفتح‪.]13:‬‬ ‫ن َ‬ ‫لِلْكَافِرِي َ‬
‫ما أدلة السنة فإنها تنقسم إلى قسمين على نمط أدلة القرآن‬ ‫وأ ّ‬
‫الكريم ولذلك ترى في السنة ما يشهد لرسول الله ولغيره من‬
‫الرسل عليهم الصلة والسلم‪ ،‬وما يشهد له صلى الله عليه‬
‫وسلم خاصة‪.‬‬
‫ما ما يشهد له ولغيره من الرسل عليهم الصلة والسلم جميعًا‪:‬‬ ‫أ ّ‬
‫فمنه إجابة النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلم بعد‬
‫ما سأله عن اليمان حيث قال‪" :‬اليمان أن تؤمن بالله وملئكته‬
‫وبلقائه ورسله وتؤمن بالبعث"[‪.]22‬‬
‫ما ما يشهد له صلى الله عليه وسلم فكثيرة منها ما أخرجه‬ ‫وأ ّ‬
‫ن رسول الله صلى الله‬ ‫الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما أ ّ‬
‫عليه وسلم قال‪ " :‬أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ل إله‬
‫إل ّ الله وأن محمدًا رسول الله ويقيموا الصلة ويؤتوا الزكاة‪ ،‬فإذا‬
‫فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إل ّ بحق السلم‬
‫وحسابهم على الله "[‪.]23‬‬
‫ومنها ما أخرجه المام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال‪ :‬والذي نفس محمد‬
‫بيده ل يسمع بي أحد من هذه المة يهودي ول نصراني ثم يموت‬
‫ولم يؤمن بالذي أرسلت به إل ّ كان من أصحاب النار "[‪.]24‬‬
‫والنصوص السابقة تفيد وجوب اليمان به صلى الله عليه وسلم‬
‫من عدة وجوه‪:‬‬
‫الول‪ :‬المر باليمان به صلى الله عليه وسلم كما يفيده قوله‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن بِالل ّهِ‬ ‫م ُ‬ ‫ي ال ّذِي يُؤ ْ ِ‬ ‫م ِّ‬ ‫ي ال ُ ِّ‬ ‫سولِهِ النَّب ِ ِ ّ‬ ‫منُوا بِالل ّهِ وََر ُ‬ ‫تعالى‪{ :‬فَآ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ماتِهِ} [العراف‪.]158:‬‬ ‫وَكَل ِ َ‬
‫َ‬
‫سولِهِ وَالنُّورِ ال ّذِي أنَزلْنَا}‬ ‫منُوا بِالل ّهِ وََر ُ‬ ‫ضا‪{ :‬فَآ ِ‬ ‫وقوله تعالى أي ً‬
‫[التغابن‪.]8:‬‬
‫نَ‬ ‫الثاني‪ :‬تسمية من لم يؤمن به كافًرا كما يفيد قوله تعالى‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫الَّذين يكْفُرون باللَّه ورسلِه ويريدو َ‬
‫سلِهِ‬ ‫ن الل ّهِ وَُر ُ‬ ‫ن يُفَّرِقُوا بَي ْ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ َ َ ُ َ ِ ِ َُ ُ ِ َُ ِ ُ َ‬
‫ن يَت َّ ِ‬ ‫َ‬
‫ك‬‫ن ذَل ِ َ‬ ‫خذ ُوا بَي ْ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ض وَيُرِيدُو َ‬ ‫ض َونَكْفُُر بِبَعْ ٍ‬ ‫ن بِبَعْ ٍ‬ ‫م ُ‬ ‫ن نُؤْ ِ‬ ‫وَيَقُولُو َ‬
‫ح ًّقا} [النساء‪.]150151:‬‬ ‫ُ‬
‫ن َ‬ ‫م الْكَافُِرو َ‬ ‫ك هُ ْ‬ ‫سبِيل ً * أوْلَئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫الثالث‪ :‬الوعيد لمن لم يؤمن به صلى الله عليه وسلم بإدخال‬
‫العذاب‪.‬‬
‫َ‬
‫سولِهِ فَإِنَّا‬ ‫ن بِالل ّهِ وََر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م يُؤْ ِ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫م ْ‬‫كما يدل عليه قوله تعالى‪{ :‬وَ َ‬
‫َ‬
‫سعِيًرا} [الفتح‪.]13:‬‬ ‫ن َ‬ ‫ري َ‬ ‫أع ْتَدْنَا لِلْكَافِ ِ‬
‫الرابع‪ :‬المر بقتال من لم يؤمن به صلى الله عليه وسلم كما‬
‫يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬أمرت أن أقاتل الناس‬
‫ن محمدًا رسول الله ويقيموا‬ ‫ن ل إله إل ّ الله وأ ّ‬ ‫حتى يشهدوا أ ّ‬
‫الصلة ويؤتوا الزكاة‪ ،‬فإذا فعلوا ذلك عصموا منّي دماءهم‬
‫وأموالهم إل ّ بحق السلم وحسابهم على الله"[‪.]25‬‬
‫ن اليمان به صلى الله عليه وسلم يستلزم اليمان‬ ‫الحاصل أ ّ‬
‫ن الكفر بأحد‬ ‫بالرسل السابقين جميعًا عليهم الصلة والسلم وأ ّ‬
‫َ َّ‬
‫ن‬
‫ن الذِي َ‬ ‫منهم كفر بهم ِ جميعًا كما يدل عليه قوله تعالى‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫يكْفُرون باللَّه ورسلِه ويريدو َ‬
‫سلِهِ‬ ‫ن الل ّهِ وَُر ُ‬ ‫ن يُفَّرِقُوا بَي ْ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ ُ َ ِ ِ َُ ُ ِ َُ ِ ُ َ‬
‫ن يَت َّ ِ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ن ذَل ِ َ‬ ‫خذ ُوا بَي ْ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ض وَيُرِيدُو َ‬ ‫ض َونَكْفُُر بِبَعْ ٍ‬ ‫ن بِبَعْ ٍ‬ ‫م ُ‬ ‫ن نُؤْ ِ‬ ‫وَيَقُولُو َ‬
‫ح ًّقا} [النساء‪.]150151:‬‬ ‫ُ‬
‫ن َ‬ ‫م الْكَافُِرو َ‬ ‫ك هُ ْ‬ ‫سبِيل ً * أوْلَئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫وكل هذه المور التي استنبطت من الدلة السابقة في القرآن‬
‫وفي السنة تدل على وجوب اليمان به صلى الله عليه وسلم‬
‫لورود المر به والمر يقتضي الوجوب ما لم يعارض ول معارض‬
‫له هنا‪ ،‬ولورود الوعيد على عدم اليمان به صلى الله عليه‬
‫ن الوعيد ل يتأتى إل ّ على ترك أمر واجب‬ ‫وسلم‪ ،‬ومن المعلوم أ ّ‬
‫أو فعل محرم‪ ،‬ووصف من لم يؤمن به صلى الله عليه وسلم‬
‫بالكفر‪ ،‬ول يوصف بالكفر إل من ترك واجبًا متعمدًا‪ ،‬ولورود المر‬
‫بقتال من لم يؤمن به صلى الله عليه وسلم ول يقاتل إل على‬
‫ترك واجب‪.‬‬
‫‪3‬ـ أصناف الناس في اليمان برسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫الناس في اليمان برسول الله صلى الله عليه وسلم على ثلثة‬
‫أصناف‪ :‬الول‪ :‬صنف آمن بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫ظاهًرا وباطنًا وعمل بمقتضى ذلك‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬صنف آمن به صلى الله عليه وسلم ظاهًرا دون الباطن‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬من آمن به صلى الله عليه وسلم ولم يظهر ما يؤيد ذلك‬
‫أو يخالفه‪.‬‬
‫أما الصنف الول فهو المسلم الذي يقبل الله إيمانه ويجازيه عليه‬
‫ما الصنف الثاني فهو المنافق الذي ل يقبل‬ ‫في الدنيا والخرة‪ ،‬وأ ّ‬
‫ما عند الناس فيقبل بناء على ما أظهره لنا‬ ‫إيمانه عند الله‪ ،‬وأ ّ‬
‫كالنطق بالشهادتين إذ أنّه ل سبيل لحد إلى معرفة ما في قلبه‬
‫إل ّ الله ومن ثم يحقن دمه ويعصم ماله وذريته ويجري عليه ما‬
‫يجري على المسلمين في الظاهر بالنسبة للمور الدنيوية في‬
‫ما في الخرة فسوف يجد جزاءه العادل عند‬ ‫معاشه وعند موته‪ ،‬أ ّ‬
‫الله تعالى‪.‬‬
‫ما الحالة المذمومة فالشهادة باللسان‬ ‫يقول القاضي عياض‪ " :‬وأ ّ‬
‫دون تصديق القلب وهذا هو النفاق‪ ،‬فلما لم تصدق ذلك‬
‫ضمائرهم لم ينفعهم أن يقولوا بألسنتهم ما ليس في قلوبهم‬
‫فخرجوا عن اسم اليمان ولم يكن لهم في الخرة حكمة إذ لم‬
‫يكن معهم إيمان‪ ،‬وألحقوا بالكافرين في الدرك السفل من النار‪،‬‬
‫وبقي عليهم حكم السلم بإظهار شهادة اللسان في أحكام الدنيا‬
‫المتعلقة بالعمال وحكام المسلمين الذين أحكامهم على‬
‫الظواهر بما أظهروه من علمة السلم إذ لم يجعل الله للبشر‬
‫سبيل إلى السرائر ول أمروا بالبحث عنها بل نهى النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم عن التحكم عليها وذم ذلك [‪ ]26‬وقال‪ ..." :‬هل‬
‫شققت قلبه‪.]27[" ...‬‬
‫صل القاضي عياض رحمه الله في‬ ‫ما الصنف الثالث فقد ف ّ‬ ‫وأ ّ‬
‫شأنه حيث قال بعد ذكر الصنفين السابقين‪" :‬بقيت حالتان‬
‫أخريان بين هذين الصنفين‪ :‬إحداهما‪ :‬أن يصدق بقلبه ثم يخترم‬
‫قبل أن يتسع الوقت للشهادة بلسانه فاختلف فيه‪ ،‬فشرط‬
‫بعضهم من تمام اليمان القول والشهادة‪ ،‬ورآه بعضهم مؤمنًا‬
‫موجبًا للجنة لقوله صلى الله عليه وسلم‪ ..." :‬يخرج من النار من‬
‫كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان" [‪ ]28‬فلم يذكر سوى ما في‬
‫القلب وهذا مؤمن بقلبه غير عاص ول مفرط بترك غيره‪ .‬وهذا‬
‫هو الصحيح في هذا الوجه‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن يصدق بقلبه ويطول مهلة‪ ،‬وعلم ما يلزمه من الشهادة‬
‫فلم ينطق بها جملة ول استشهد بها في عمره مرة‪ ،‬فهذا اختلف‬
‫ضا‪ ،‬فقيل‪ :‬هو مؤمن لنّه مصدق‪ ،‬والشهادة من جملة‬ ‫فيه أي ً‬
‫العمال فهو عاص بتركها غير مخل‪ ،‬وقيل‪ :‬ليس بمؤمن حتى‬
‫يقارن عقده شهادة اللسان‪ ،‬إذ الشهادة إنشاء عقد والتزام إيمان‬
‫وهي مرتبطة مع العقد ول يتم التصديق مع المهلة إل بها وهذا هو‬
‫الصحيح)[‪.]29‬‬
‫‪4‬ـ ثمرة اليمان بنبوته صلى الله عليه وسلم‪ :‬إذا أطلق اليمان‬
‫في لسان الشرع فإنّه يفيد اليمان بالله ورسوله وما يتبع ذلك‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫منُوا بِاللهِ‬ ‫نآ َ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ّذِي‬ ‫منُو َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ما ال ْ ُ‬ ‫من شعب اليمان لقوله تعالى‪{ :‬إِن َّ َ‬
‫ستَأْذِنُوهُ}‬ ‫حتَّى ي َ ْ‬ ‫م يَذْهَبُوا َ‬ ‫مٍع ل َ ْ‬ ‫جا ِ‬ ‫مرٍ َ‬
‫َ‬
‫ه ع َلَى أ ْ‬ ‫معَ ُ‬ ‫سولِهِ وَإِذ َا كَانُوا َ‬ ‫وََر ُ‬
‫[النور‪ .]62:‬قال المام الشافعي رحمه الله في تأويل هذه الية‪:‬‬
‫"جعل الله كمال اليمان الذي ما سواه تبع له اليمان بالله ثم‬
‫برسوله فلو آمن عبد بالله ولم يؤمن بَرسوله لم يقع عليه اسم‬
‫كمال اليمان أبدًا حتى يؤمن برسوله معه "[‪.]30‬‬
‫وثمرة اليمان كثيرة نذكر طرفًا منها‪:‬‬
‫‪1‬ـ الستخلف والتمكين في الرض والستقرار فيها كما يقول‬
‫ملُوا ال َّ‬ ‫َّ َ‬
‫ت‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫م وَع َ ِ‬ ‫ْ‬ ‫منْك ُ‬ ‫منُوا ِ‬ ‫َ‬ ‫نآ‬ ‫َ‬ ‫ه ال ّذِي‬ ‫تعالى‪{ :‬وَعَد َ الل ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مكِّن َ َّ‬
‫ن‬ ‫م وَلَي ُ َ‬ ‫ن قَبْلِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ف ال ّذِي َ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ض كَ َ‬ ‫ِ‬ ‫خلِفَنَّهُم فِي الْر‬
‫َ‬
‫ست َ ْ‬ ‫لَي َ ْ‬
‫خوفه َ‬
‫منًا‬‫مأ ْ‬ ‫ن بَعْد ِ َ ْ ِ ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫دّلَنَّهُ ْ‬ ‫م وَلَيُب َ ِ‬ ‫ضى لَهُ ْ‬ ‫م ال ّذِي اْرت َ َ‬ ‫م دِينَهُ ْ‬ ‫لَهُ ْ‬
‫شيْئًا} [النور‪.]55:‬‬ ‫ن بِي َ‬ ‫شرِكُو َ‬ ‫يَعْبُدُونَنِي ل ي ُ ْ‬
‫َ‬
‫‪2‬ـ البشرى في الدنيا والخرة‪ .‬كما يدل عليه قوله تعالى‪{ :‬أل إ ِ َّ‬
‫ن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫منُوا وَكَانُوا‬ ‫نآ َ‬ ‫ن * ال ّذِي َ‬ ‫حَزنُو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م وَل هُ ْ‬ ‫ف ع َلَيْهِ ْ‬ ‫خوْ ٌ‬ ‫أَوْلِيَاءَ الل ّهِ ل َ‬
‫ل‬‫خَرةِ ل تَبْدِي َ‬ ‫حيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي ال ِ‬ ‫شَرى فِي ال ْ َ‬ ‫م الْب ُ ْ‬ ‫ن * لَهُ َ ْ‬ ‫يَتَّقُو َ‬
‫م} [يونس‪.]6264:‬‬ ‫و الْفَوُْز الْعَظِي ُ‬ ‫ك هُ َ‬ ‫ت الل ّهِ ذَل ِ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫لِكَل ِ َ‬
‫والمراد بالبشرى في الدنيا الرؤيا الصالحة‪ ،‬وأما في الخرة فهي‬
‫الجنة[‪.]31‬‬
‫‪3‬ـ الهداية إلى الصراط المستقيم‪ ،‬كما يدل عليه قوله تعالى‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫قيمٍ} [الحج‪.]54:‬‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ط ُ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫منُوا إِلَى ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ه لَهَاد ِ ال ّذِي َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫{وَإ ِ ّ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫‪4‬ـ الحياة الطيبة والجزاء الحسن‪ .‬كما يفيد قوله تعالى‪َ { :‬‬
‫حيَاة ً طَيِّب َ ً‬ ‫َ ُ‬
‫ة‬ ‫ه َ‬ ‫حيِيَن َّ ُ‬ ‫ن فَلَن ُ ْ‬ ‫م ٌ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ن ذ َكَرٍ أوْ أنثَى وَهُوَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫عَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن} [النحل‪.]97:‬‬ ‫ملُو َ‬ ‫ما كَانُوا يَعْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫س ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م بِأ ْ‬ ‫جَرهُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫جزِيَنَّهُ ْ‬ ‫وَلَن َ ْ‬
‫‪5‬ـ النصر في الدنيا وفي الخرة‪ .‬كما يدل عليه قوله تعالى‪{ :‬إِنَّا‬
‫م ال َ ْ‬ ‫َ‬
‫شهَادُ}‬ ‫م يَقُو ُ‬ ‫حيَاةِ الدُّنْيَا َويَوْ َ‬ ‫منُوا فِي ال ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫سلَنَا وَال ّذِي َ‬‫صُر ُر ُ‬ ‫لَنَن ُ‬
‫[غافر‪.]51:‬‬
‫ن} [الروم‪.]47:‬‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ضا‪{ :‬وَكَا َ‬
‫منِي َ‬ ‫صُر ال ُ‬ ‫ح ّقا ع َليْنَا ن َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫وقوله تعالى أي ً‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن يَعْ َ‬ ‫م ْ‬‫‪6‬ـ قبول العمال‪ .‬كما يدل عليه قوله تعالى‪{ :‬فَ َ‬
‫سعْيِهِ} [النبياء‪.]94:‬‬ ‫ن لِ َ‬ ‫ن فَل كُفَْرا َ‬ ‫م ٌ‬ ‫مؤْ ِ‬
‫ت وَهُوَ ُ‬ ‫حا ِ‬‫صال ِ َ‬ ‫ال َّ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫منِي َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ه ال ْ ُ‬‫‪7‬ـ دخول الجنة‪ .‬كما يدل عليه قوله تعالى‪{ :‬وَعَد َ الل ّ ُ‬
‫ن‬
‫ساك ِ َ‬‫م َ‬ ‫ن فِيهَا َو َ‬ ‫خالِدِي َ‬ ‫حتِهَا الَنْهَاُر َ‬ ‫ن تَ ْ‬‫م ْ‬
‫جرِي ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جنَّا ٍ‬
‫ت َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫منَا ِ‬ ‫وَال ْ ُ‬
‫ن} [التوبة‪.]72:‬‬ ‫ت عَد ْ ٍ‬ ‫جنَّا ِ‬
‫ة فِي َ‬ ‫طَيِّب َ ً‬
‫وهذه أهم الثمرات الحاصلة باليمان بنبوته صلى الله عليه وسلم‬
‫وما يتبع ذلك من شعب اليمان الخرى الواردة في قوله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪" :‬اليمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة‬
‫فأفضلها قول ل إله إل الله وأدناها إماطة الذى عن الطريق‪["...‬‬
‫‪.]32‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫محبته صلى الله عليه وسلم‬

‫من الداب القلبية محبته صلى الله عليه وسلم وهي من المور‬
‫الخفية التي ل يطلع عليها إل ّ الله سبحانه وتعالى ويمكن معرفتها‬
‫بالعلمات الظاهرة مثل التباع والطاعة‪ .‬ولهذا قال تعالى في‬
‫َّ‬
‫ن الل َ‬
‫ه‬ ‫حبُّو َ‬ ‫ن كُنْت ُ ْ‬
‫م تُ ِ‬ ‫شأن من ادعى محبة الله اختباًرا لهم‪{ :‬قُ ْ‬
‫ل إِ ْ‬
‫َ‬
‫ه} [آل عمران‪.]31:‬‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫فَاتَّبِعُونِي ي ُ ْ‬
‫حبِبْك ُ ْ‬
‫ن محبة العبد لله تستلزم اتباعه باتباع‬ ‫ويفهم من هذه الية أ ّ‬
‫رسوله صلى الله عليه وسلم واتباع الرسول يستلزم محبة الله‬
‫للعبد‪.‬‬
‫ومحبته صلى الله عليه وسلم من موجبات اليمان بل من اليمان‬
‫نفسه كما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬ل يؤمن أحدًا‬
‫حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين"[‪.]33‬‬
‫وفي هذا الحديث جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أقسام‬
‫المحبة التي تكون بين الناس وهي ثلثة‪:‬‬
‫‪1‬ـ محبة إجلل وإعظام كمحبة الولد والده‪.‬‬
‫‪2‬ـ محبة إشفاق ورحمة كمحبة الوالد ولده‪.‬‬
‫‪3‬ـ محبة مشاكلة واستحسان كمحبة سائر الناس‪.‬‬
‫ومحبته صلى الله عليه وسلم فوق هذا كله كما يفيد أفعل‬
‫التفضيل في قوله‪ " :‬أحب إليه "‪.‬‬
‫وفي هذا المبحث سوف نتحدث عن المسائل المتعلقة بهذا‬
‫الموضوع وهي على النحو التالي‪:‬‬
‫‪1‬ـ معنى المحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪2‬ـ أنواعها‪.‬‬
‫‪3‬ـ علماتها‪.‬‬
‫‪4‬ـ ثمرتها‪.‬‬
‫‪5‬ـ صور من حب السلف للرسول صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وسوف أبحثها إن شاء الله تعالى وفق هذا الترتيب‪.‬‬
‫‪1‬ـ معنى المحبة‪ :‬ذكر العلماء في أصل اشتقاق المحبة عدة‬
‫أقوال‪ .‬وإني هنا أذكر أهم ما قيل فيها‪ :‬يقول الفيروزأبادي‪:‬‬
‫"وهذه المادة تدور في اللغة على خمسة أشياء‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬الصفاء والبياض ومنه قيل‪ :‬حبب السنان لبياضها‬
‫ونضارتها‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬العلو والظهور ومنه حبب الماء وحبابه وهو ما يعلو من‬
‫النفخات عند المطر وحبب الكأس منه‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬اللزوم والثبات ومنه حب البعير وأحب إذا برك ولم يقم‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬اللباب والخلوص ومنه حبة القلب للبه وداخله‪ ،‬ومنه‬
‫الحبة الواحدة الحبوب إذ هي أصل الشيء ومادته وقوامه‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬المساك والحفظ ومنه حبب الماء للوعاء الذي يحفظ‬
‫فيه ويمسكه‪ .‬وفيه معنى الثبوت‪.‬‬
‫ن هذه الخمسة من لوازم المحبة[‪.]34‬‬ ‫ثم قال‪ :‬ول ريب أ ّ‬
‫ما معناها اللغوي فيقول‬ ‫هذه أصل اشتقاق المحبة‪ ،‬وأ ّ‬
‫الفيروزأبادي في مادة (الحب)‪ " :‬الحب‪ :‬الوداد كالحباب والحب‬
‫بكسرها والمحبة والحباب بالضم "[‪.]35‬‬
‫ويقول ابن منظور في مادة "حبب " ما يلي‪" :‬الحب نقيض‬
‫البغض‪ ،‬والحب الوداد والمحبة وكذلك الحب بالكسر"[‪.]36‬‬
‫وهذا هو المعنى اللغوي للمحبة وهو يدور حول الود أو نقيض‬
‫الكراهية والبغض‪.‬‬
‫ن لفظها يدل عليها وتحديد‬ ‫ما علماء الصطلح فقد ذهبوا إلى أ ّ‬ ‫وأ ّ‬
‫معناها بألفاظ أخرى ل يحقق الغرض من أتضاحها‪.‬‬
‫ولهذا قال المام ابن القيم رحمه الله‪ " :‬ل تحد المحبة بحد أوضح‬
‫منها‪ ،‬فالحدود ل تزيدها إل ّ خفاء وجفاء‪ ،‬فحدها وجودها‪ ،‬ول‬
‫توصف المحبة بوصف أظهر من المحبة‪ ،‬وإنما يتكلم الناس في‬
‫أسبابها وموجباتها‪ ،‬وعلماتها وشواهدها وثمراتها وأحكامها‪،‬‬
‫فحدودهم ورسومهم دارت على هذه الستة "[‪.]37‬‬
‫وبذلك فمن الصعب أن نجد لها حدا َ جامعًا‪ ،‬ومع ذلك فإنّي أحاول‬
‫أن أجليها بذكر آراء العلماء فيها‪.‬‬
‫يقول القاضي عياض مبينًا ذلك‪" :‬اختلف الناس في تفسير محبة‬
‫الله ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم وكثرت عباراتهم في ذلك‬
‫وليست ترجع بالحقيقة إلى اختلف مقال ولكنّها اختلف أحوال‪،‬‬
‫فقال سفيان[‪ :]38‬المحبة اتباع الرسول كأنه التفت إلى قوله‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه} [آل‬‫م الل ّ ُ‬
‫حبِبْك ُ ْ‬‫ه فَاتَّبِعُونِي ي ُ ْ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫حبُّو َ‬ ‫ن كُنْت ُ ْ‬
‫م تُ ِ‬ ‫تعالى‪{ :‬قُ ْ‬
‫ل إِ ْ‬
‫عمران‪ ]31:‬وقال بعضهم‪ :‬محبة الرسول اعتقاد نصرته والذب عن‬
‫سنته والنقياد لها وهيبة مخالفته‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬المحبة دوام‬
‫الذكر للمحبوب‪ ،‬وقال آخر‪ :‬إيثار المحبوب وقال بعضهم‪ :‬المحبة‬
‫الشوق إلى المحبوب‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬المحبة مواطأة القلب لمراد‬
‫الرب بحب ما أحب وبكره ما كره‪ ،‬وقال آخر‪ :‬المحبة ميل القلب‬
‫إلى موافق له‪ ،‬ثم قال‪ :‬وأكثر العبارات المتقدمة إشارة إلى‬
‫ثمرات المحبة دون حقيقتها‪ ،‬وحقيقة المحبة الميل إلى ما يوافق‬
‫النسان "[‪.]39‬‬
‫وكذلك الراغب الصفهاني حدّها بتعريف مماثل لقول الخير قائلً‪:‬‬
‫" المحبة ميل النفس إلى ما تراه أو تظنّه خيًرا‪ ،‬وذلك ضربان‬
‫أحدهما‪ :‬طبيعي وذلك في النسان والحيوان وقيل قد يكون بين‬
‫الجمادات كاللفة بين الحديد وحجر المغناطيس‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬اختياري وذلك يختص به النسان "[‪.]40‬‬
‫والذي يهمنا في هذا المقام المحبة الختيارية التي بين الناس‬
‫وهي ل تكون إل ّ لسباب مثل اللذة والنفع والفضل‪ .‬وسيأتي‬
‫تفصيلها عند حديثي عن أنواع المحبة وأقسامها‪.‬‬
‫وأما المحبة التي أقرها الشرع فتكون في ثلثة‪ :‬محبة الله ومحبة‬
‫رسوله صلى الله عليه وسلم ومحبة المؤمنين‪.‬‬
‫يقول أبو عبد الله المحاسبي‪" :‬والمحبة في ثلثة أشياء ل يسمى‬
‫محبًا لله عز وجل إل ّ بها‪:‬‬
‫‪1‬ـ محبة المؤمنين في الله عز وجل‪.‬‬
‫‪2‬ـ محبة الرسول صلى الله عليه وسلم لله عز وجل‪.‬‬
‫‪3‬ـ محبة الله عز وجل في إيثار الطاعة على المعصية "[‪.]41‬‬
‫وعلى هذا فمحبة الرسول صلى الله عليه وسلم هي ميل القلب‬
‫المؤمن إليه مودة لسبب من السباب الموجبة على ذلك لله عز‬
‫وجل ثم النتفاع برسالته والفضل الذي أوثر عنه مثل مكارم‬
‫الخلق والتصاف بصفات حميدة‪.‬‬
‫سم العلماء المحبة إلى عدة أنواع‪ :‬فمنهم من‬ ‫‪2‬ـ أنواع المحبة‪ :‬ق ّ‬
‫سمها إلى حسيّة‬ ‫سمها إلى طبيعية واختيارية‪ ،‬ومنهم من ق ّ‬ ‫ق ّ‬
‫سمها حسب السباب الموجبة لها مثل‬ ‫ومعنوية‪ ،‬ومنهم من ق ّ‬
‫سمها بحسب الرتب‬ ‫اللذة والنفع والفضل‪ ،‬ومنهم من ق ّ‬
‫والدرجات‪.‬‬
‫سم الراغب الصفهاني المحبة إلى قسمين حيث قال‪:‬‬ ‫وقد ق ّ‬
‫أحدهما‪ :‬طبيعي وذلك في النسان والحيوان‪ ،‬وقيل‪ :‬قد يكون بين‬
‫الجمادات كألفة بين الحديد وحجر المغناطيس‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬اختياري وذلك يختص به النسان فأما ما يكون بين‬
‫الحيوانين فألفة‪ ،‬وهذا الثاني أربعة أضرب‪:‬‬
‫الول‪ :‬للشهوة وأكثر ما يكون ذلك بين الحداث‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬للمنفعة ومن جهة ما يكون بين التجار وأرباب الصناعات‬
‫المهنية‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬ما يكون مركبًا من ضربين كمن يحب آخر للنفع وذلك‬
‫يحبه للشهوة‪.‬‬
‫والرابع للفضيلة كمحبة المتعلم للعالم‪ .‬ثم قال‪ :‬وهذه المحبة أي‬
‫الخيرة باقية على مرور الوقات وهي المستثناة بقوله تعالى‪:‬‬
‫َ‬ ‫{ال َ ِ َ‬
‫ن} [الزخرف‪،]67:‬‬ ‫متَّقِي َ‬ ‫ض عَدُوٌّ إِل ّ ال ْ ُ‬‫م لِبَعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫مئِذ ٍ ب َ ْع ُ‬ ‫خل ّءُ يَوْ َ‬
‫ما الضروب الخر فقد تطول مدتها وتقصر بحسب دوام أسبابها‬ ‫وأ ّ‬
‫"[‪.]42‬‬
‫ضا في مكان آخر‪ :‬وهي على ثلثة‬ ‫وقال الراغب الصفهاني أي ً‬
‫َّ‬
‫م‬‫ن الطعَا َ‬ ‫أوجه‪ :‬محبة للذة كمحبة الرجل المرأة ومنه {وَيُطْعِ ُ‬
‫مو َ‬
‫سكِينًا} [النسان‪ ]8:‬ومحبة النفع كمحبة شيء ينتفع‬ ‫م ْ‬ ‫حبِّهِ ِ‬ ‫ع َلَى ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ب} [الصف‪،]13:‬‬ ‫ح قَرِي ٌ‬‫ن الل ّهِ وَفَت ْ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫صٌر ِ‬ ‫حبُّونَهَا ن َ ْ‬
‫خَرى ت ُ ِ‬ ‫به ومنه {وَأ ْ‬
‫ومحبة للفضل كمحبة أهل العلم بعضهم لبعض لجل العلم"[‪.]43‬‬
‫وهذه النواع التي نقلناها مبنية غالبًا على السباب الموجبة‬
‫للمحبة الختيارية سواء كانت حسية أو معنوية وخاصة التقسيم‬
‫الخير وهو الذي يتمشى مع هذا المقام الذي نحن بصدده‪.‬‬
‫وقد ذكر القاضي عياض رحمه الله تعالى هذه القسام الثلثة‬
‫المسببة للمحبة حيث قال‪" :‬وحقيقة المحبة الميل إلى ما يوافق‬
‫ما لستلذاذه بإدراكه كحب الصور‬ ‫النسان وتكون موافقته إ ّ‬
‫الجميلة والصوات الحسنة والطعمة والشربة اللذيذة وأشباهها‬
‫مما كل طبع سليم مائل إليها لموافقتها له‪ ،‬أو لستلذاذه بإدراكه‬
‫بحاسة عقله وقلبه معاني باطنة شريفة كحب الصالحين والعلماء‬
‫وأهل المعروف المأثور عنهم السير الجميلة والفعال الحسنة‬
‫فإن طبع النسان مائل إلى الشغف بأمثال هؤلء حتى يبلغ‬
‫التعصب بقوم لقوم والتشيع من أمة في آخرين ما يؤدي إلى‬
‫الجلء عن الوطان وهتك الحرم واحترام النفوس أو يكون حبه‬
‫إيّاه لموافقته له من جهة إحسانه له وإنعامه عليه فقد جبلت‬
‫النفوس على حب من أحسن إليها "[‪.]44‬‬
‫ن هذه النواع المسببة للمحبة كلها مجتمعة في‬ ‫ثم ذكر بعد ذلك أ ّ‬
‫شخصيته صلى الله عليه وسلم على أتم وجه حيث قال‪" :‬فإذا‬
‫تقرر لك هذا نظرت هذه السباب كلها في حقه صلى الله عليه‬
‫وسلم فعلمت أنّه صلى الله عليه وسلم جامع لهذه المعاني‬
‫الثلثة الموجبة للمحبة‪ .‬فقد تميّز بجمال الصورة والظاهر وكمال‬
‫الخلق والباطن‪ ،‬كما تميّز بإحسانه وإنعامه على أمته‪ .‬وقد ذكر‬
‫الله تعالى في أوصافه رأفته بهم ورحمته لهم وهدايته إياهم‬
‫وشفقته عليم واستنقاذهم من النار وأنّه بالمؤمنين رؤوف رحيم‬
‫ورحمة للعالمين ومبشًرا ونذيًرا وداعيًا إلى الله بإذنه‪ ،‬ويتلوا‬
‫عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ويهديهم إلى‬
‫ل قدًرا وأعظم خطًرا من‬ ‫صراط مستقيم‪ ،‬فأي إحسان أج ّ‬
‫م منفعة وأكثر فائدة‬ ‫إحسانه إلى جميع المؤمنين‪ ،‬وأي إفضال أع ّ‬
‫من إنعامه على كافة المسلمين‪ ،‬إذ كان ذريعتهم إلى الهداية‪،‬‬
‫ومنقذهم من العماية وداعيهم إلى الفلح والكرامة‪ ،‬ووسيلتهم‬
‫إلى ربّهم وشفيعهم والمتكلم عنهم والشاهد لهم والموجب لهم‬
‫البقاء الدائم والنعيم السرمدي فقد استبان لك أنّه صلى الله‬
‫عليه وسلم مستوجب للمحبة الحقيقية شرع ًا‪ ...‬إلى أن قال‪ :‬فإذا‬
‫كان النسان يحب من منحه في دنياه مرة أو مرتين معروفًا أو‬
‫أستنقذه من هلكة أو مضرة مدة التأذي بها قليل منقطع فمن‬
‫منحة ما ل يبيد من النعيم ووقاه ما ل يفنى من عذاب الجحيم‬
‫أولى بالحب‪ ،‬وإذا كان يحب بالطبع ملك لحسن سيرته أو حاكم‬
‫لما يؤثر من قوام طريقته أو قاص بعيد الدار لما يشاد من علمه‬
‫أو كرم شيمته فمن جمع هذه الخصال كلها على غاية مراقب‬
‫الكمال أحق بالحب وأولى بالميل "[‪.]45‬‬
‫‪3‬ـ علمات محبته صلى الله عليه وسلم‪ :‬المحبة من المور القلبية‬
‫التي ل يطلع عليها أحد إل ّ من يعلم خائنة العين وما تخفي‬
‫الصدور‪ .‬ولذلك جعل الله لها دليل ً عمليًا وعلمات كثيرة‪.‬‬
‫ونذكر هنا طرفًا من علماتها‪ :‬منها اليثار أي إيثار النبي صلى الله‬
‫َ‬
‫ن‬‫عليه وسلم على النفس كما يدل عليه قوله تعالى‪{ :‬وَال ّذِي َ‬
‫ن‬
‫جدُو َ‬ ‫م وَل ي َ ِ‬ ‫جَر إِلَيْهِ ْ‬ ‫ن هَا َ‬ ‫م ْ‬‫ن َ‬ ‫حبُّو َ‬ ‫م يُ ِ‬‫ن قَبْلِهِ ْ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ما َ‬ ‫تَبَوَّءُوا الدَّاَر وَالِي َ‬
‫َ‬ ‫ةم َ ُ‬
‫م‬
‫ن بِهِ ْ‬‫م وَلَوْ كَا َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ن ع َلَى أنْفُ ِ‬ ‫ما أوتُوا وَيُؤ ْثُِرو َ‬ ‫ج ً ِ ّ‬ ‫حا َ‬ ‫م َ‬ ‫صدُورِه ِ ْ‬ ‫فِي ُ‬
‫ُ‬
‫ن} [الحشر‪.]9:‬‬ ‫حو َ‬ ‫مفْل ِ ُ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫ك هُ ْ‬ ‫سهِ فَأوْلَئ ِ َ‬ ‫ح نَفْ ِ‬ ‫ش َّ‬
‫ن يُوقَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ة وَ َ‬
‫ص ٌ‬ ‫صا َ‬‫خ َ‬ ‫َ‬
‫والية وإن كانت عامة في إيثار المهاجرين إل أنه صلى الله عليه‬
‫وسلم هو رئيس المهاجرين وقائدهم‪ ،‬وهو المحبوب الول من‬
‫ما غيره فتبع له بحسب قربهم إليه صلى الله‬ ‫سا‪ ،‬وأ ّ‬ ‫الخلق أسا ً‬
‫عليه وسلم ومتابعتهم إيّاه‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬بغض من أبغض الله ورسوله مهما كانت صلته ورتبته‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ن َ‬ ‫خرِ يُوَادُّو َ‬ ‫ن بِالل ّهِ وَالْيَوْم ِ ال ِ‬ ‫منُو َ‬ ‫ما يُؤ ْ ِ‬ ‫جد ُ قَ ْ‬
‫و ً‬ ‫لقوله َتعالى‪{ :‬ل ت َ ِ‬
‫خوانهم أوَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م أوْ إ ِ ْ َ َ ُ ْ ْ‬ ‫م أوْ أبْنَاءَهُ ْ‬ ‫ه وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُ ْ‬ ‫سول َ ُ‬‫ه وََر ُ‬ ‫حاد َّ الل ّ َ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫م أُوْلَئ ِ َ‬
‫ه}‬ ‫من ْ ُ‬‫ح ِ‬ ‫م بُِرو ٍ‬ ‫ن وَأيَّدَهُ ْ‬ ‫ما َ‬
‫م الِي َ‬‫ب فِي قُلُوبِهِ ْ‬ ‫ك كَت َ َ‬ ‫شيَرتَهُ ْ‬
‫عَ ِ‬
‫[المجادلة‪.]22:‬‬
‫يقول ابن كثير في تفسير هذه الية‪" :‬قيل في قوله تعالى‪{ :‬وَلَوْ‬
‫م} [المجادلة‪ :]22:‬نزلت في أبي عبيدة عامر بن عبد‬ ‫كَانُوا آبَاءَهُ ْ‬
‫م} [المجادلة‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الله بن الجراح حين قتل أباه يوم بدر {أوْ أبْنَاءَهُ ْ‬
‫م}‬ ‫م يومئذ ابنه عبد الرحمن {أَوْ إ ِ ْ‬
‫خوَانَهُ ْ‬ ‫‪ :]22‬في الصديق ه ّ‬
‫[المجادلة‪ :]22:‬في مصعب بن عمير قتل أخاه عبيد بن عمير‬
‫م} [المجادلة‪ :]22:‬في عمر قتل قريبًا له‬ ‫َ‬
‫شيَرتَهُ ْ‬‫يومئذ‪{ ،‬أوْ ع َ ِ‬
‫ضا‪.]46["..‬‬ ‫يومئذ أي ً‬
‫وهؤلء قاموا بقتل أقرب أقربائهم في معركة بدر لن حب الله‬
‫ورسوله صلى الله عليه وسلم يقتضي قتل من حاد الله ورسوله‬
‫وبغض من أبغض الله ورسوله‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬حب من أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أي عكس‬
‫الصورة السابقة لقوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬الله الله في‬
‫ضا بعدي فمن أحبم فبحبي أحبهم ومن‬ ‫أصحابي ل تتخذوهم غر ً‬
‫أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد‬
‫ن يأخذه"[‪.]47‬‬ ‫آذى الله ومن آذى الله يوشك أ ْ‬
‫‪4‬ـ ثمرة محبته صلى الله عليه وسلم‪ :‬وثمرة محبته صلى الله‬
‫ن‬
‫عليه وسلم كثيرة ولكن نذكر هنا أهمها وشواهدها‪ :‬من ذلك‪ :‬أ ّ‬
‫محبته صلى الله عليه وسلم تؤدي إلى مرافقته في الجنة‪.‬‬
‫ومما يدل على ذلك ما أخرجه المام مسلم رحمه الله عن أنس‬
‫بن مالك قال‪" :‬بينما أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫خارجين من المسجد فلقينا رجل ً عند سدة [‪ ]48‬المسجد فقال‪ :‬يا‬
‫رسول الله‪ ،‬متى الساعة؟ قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬ما أعددت لها؟" قال‪ :‬فكأن الرجل استكان ثم قال‪ :‬ما‬
‫أعددت لها كبير صلة ول صيام ول صدقة ولكنّي أحب الله‬
‫ورسوله‪ ،‬قال‪" :‬فأنت مع من أحببت"[‪.]49‬‬
‫ومن ثمرة محبته صلى الله عليه وسلم أنّها من الخصال الموجبة‬
‫ن فيه‬ ‫لحلوة اليمان لقوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬ثلث من ك ّ‬
‫ما‬
‫وجد بهن حلوة اليمان‪ ،‬من كان الله ورسوله أحب إليه م ّ‬
‫سواهما‪ ،‬وأن يحب المرء ل يحبه إل ّ لله‪ ،‬وأن يكره أن يعود في‬
‫الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار"[‪.]50‬‬
‫ومن ثمرة محبته صلى الله عليه وسلم مرافقة النبيين‬
‫والصديقين والشهداء والصالحين لحديث عائشة رضي الله عنها‬
‫قالت‪" :‬جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬يا‬
‫ي من ولدي‬ ‫ي من نفسي وإنّك لحب إل ّ‬ ‫ب إل ّ‬
‫رسول الله‪ :‬إنّك لح ّ‬
‫وإنّي لكون في البيت فأذكرك‪ ،‬فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك‪،‬‬
‫وإذا ذكرت موتك عرفت إنّك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين‪،‬‬
‫ن‬‫م ْ‬‫الله تعالى[‪{ :]51‬وَ َ‬ ‫وإنّي إذا دخلت خشيت أن ل أراك فأنزل‬
‫َ‬ ‫ك مع الَّذي َ‬ ‫يطع الل َّه والَرسو َ ُ‬
‫ن النَّبِيِّي َ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫ه ع َلَيْهِ ْ‬
‫م ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ل فَأوْلَئ ِ َ َ َ ِ َ‬
‫ن أنْعَ َ‬ ‫َ َ ّ ُ‬ ‫ُ ِ ْ‬
‫ك َرفِيقًا} [النساء‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن أوْلئ ِ َ‬ ‫شهَدَاءِ وَال َّ‬‫ُ‬ ‫ن وَال ّ‬
‫س َ‬‫ح ُ‬ ‫ن وَ َ‬
‫حي َ‬
‫صال ِ ِ‬ ‫قي َ‬
‫دّي ِ‬
‫ص ِ‬
‫وَال ِّ‬
‫‪.]69‬‬
‫ومن ثمرة محبته صلى الله عليه وسلم إتمام إيمان من اتصف‬
‫ب‬
‫بها لقوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬ل يؤمن أحدكم حتى أكون أح ّ‬
‫إليه من والده وولده والناس أجمعين"[‪.]52‬‬
‫‪5‬ـ صور من حب السلف للرسول صلى الله عليه وسلم‪ :‬هناك‬
‫صور متعددة من حب السلف للرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫نذكر طرفًا منها في هذا المقام وخاصة ما روي في حب الصحابة‬
‫رضوان الله عليهم أجمعين للرسول صلى الله عليه وسلم‪ :‬من‬
‫ما‬ ‫ذلك ما أخرجه الحاكم عن ابن عمر رضي الله عنه قال‪ :‬ل ّ‬
‫فرض عمر لسامة بن زيد ثلثة آلف وفرض لي ألفين‬
‫وخمسمائة فقلت له‪ :‬يا أبت لم تفرض لسامة بن زيد ثلثة آلف‬
‫وتفرض لي ألفين وخمسمائة والله ما شهد أسامة مشهدًا غبت‬
‫عنه ول شهد أبوه مشهدًا غاب عنه أبي قال‪ :‬صـدقت يا بني‪،‬‬
‫ب الناس إلى رسول الله صلى الله‬ ‫ولكنّي أشهد لبوه كان أح ّ‬
‫عليه وسلم من أبيك ولهو أحب إلى رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم منك "[‪.]53‬‬
‫ومنها ما أخرجه البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال‪:‬‬
‫ن خياطًا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه‪،‬‬ ‫" أ َّ‬
‫قال أنس‪ :‬فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته‬
‫يتتبع الدباء [‪ ]54‬من حوالي القصعة قال‪ :‬فلم أزل أحب الدباء من‬
‫يومئذ "[‪.]55‬‬
‫ومنها ما روي أنّه لما أخرج أهل مكة زيد بن الدثنة من الحرم‬
‫ليقتلوه‪ ،‬قال له أبو سفيان بن حرب‪ :‬أنشدك بالله يا زيد‪ :‬أتحب‬
‫أن محمدًا الن عندنا مكانك لضرب عنقه وإنّك في أهلك؟ فقال‬
‫ب أن محمدًا الن في مكانه الذي هو فيه تصيبه‬ ‫زيد‪ :‬والله ما أح ّ‬
‫شوكة وإنّي جالس في أهلي‪ ،‬فقال أبو سفيان‪ :‬ما رأيت الناس‬
‫أحدًا يحب أحدًا كحب أصحاب محمد محمدًا "[‪.]56‬‬
‫ومنها ما أخرجه المام مسلم عن أنس بن مالك أن أعرابيًا قال‬
‫لرسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬متى الساعة؟ قال له رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬ما أعددت لها؟" قال‪ :‬حب الله‬
‫ورسوله‪ ،‬قال‪" :‬أنت مع من أحببت"[‪.]57‬‬
‫ومنها ما روي أن امرأة من النصار قتل أبوها وأخوها وزوجها‬
‫فأخبروها بذلك فقالت‪ :‬ما فعل الله برسول الله؟ قالوا‪ :‬بحمد‬
‫الله كما تحبين‪.‬‬
‫قالت‪ :‬أرونيه حتى أنظره‪ ،‬فلما رأت قالت‪ :‬كل مصيبة بعدك جلل‬
‫[‪.]59[" ]58‬‬

‫الفصل الثاني‬
‫الدب القولي‬

‫التأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم متعدد الجوانب متنوع‬


‫الصور‪ ،‬وقد تحدثت عن التأدّب القلبي في الفصل السابق وأتبعه‬
‫بعون الله تعالى بالحديث عن التأدّب القولي‪ .‬ونقصد بالتأدّب‬
‫القولي ما كان متلفظًا به وهو عمل اللسان‪.‬‬
‫والداب سواء كانت قلبية أو قولية أو فعلية مترابطة إل ّ أن‬
‫ن من استقام قلبه استقام‬ ‫التقسيم منهجي للتوضيح والدراسة ل ّ‬
‫لسانه واستقامت جوراحه‪.‬‬
‫ن اللسان هو دليل القلب وهو‬ ‫والدب اللساني له أهميته ل ّ‬
‫الوسيلة الرئيسية التي تساعد النسان على التصال بالخرين‬
‫وبواسطته تتضح معالم شخصية صاحبه‪ ،‬وبه تقوم الدعوة ويتم‬
‫البلغ‪.‬‬
‫ولهذا السبب سأل موسى عليه الصلة والسلم ربّه عز وجل حل‬
‫العقدة من لسانه حتى يقوم بتبليغ الدعوة على وجهها خير قيام‪،‬‬
‫وذلك حين كلفه ربّه بالرسالة وأمره بدعوة فرعون وقومه يقول‬
‫فقَهُوا قَوْلِي} [طه‪.]2728:‬‬
‫سانِي * ي َ ْ‬
‫ن لِ َ‬
‫م ْ‬ ‫حل ُ ْ‬
‫ل عُقْدَة ً ِ‬ ‫تعالى‪{ :‬وَا ْ‬
‫كما أنه عليه الصلة والسلم طلب من ربّه أن يرسل معه أخاه‬
‫هارون عليه الصلة والسلم لفصاحة لسانه ووضوح بيانه يقول‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫معِي رِدْءًا‬ ‫ه َ‬ ‫سل ْ ُ‬
‫سانًا فَأْر ِ‬
‫منِّي ل ِ َ‬
‫ح ِ‬
‫ص ُ‬‫ن هُوَ أفْ َ‬ ‫خي هَاُرو ُ‬ ‫تعالى‪{ :‬وَأ َ ِ‬
‫صدِّقُنِي} [القصص‪.]34:‬‬ ‫يُ َ‬
‫يقول الفخر الرازي في تفسير هذه الية‪" :‬ليس الغرض بتصديق‬
‫هارون أن يقول له صدقت أو يقول للناس صدق موسى‪ ،‬وإنّما‬
‫هو أن يلخص بلسانه الفصيح وجوه الدلئل ويجيب عن الشبهات‬
‫ويجادل الكفار‪ ،‬فهذا هو التصديق المفيد "[‪.]60‬‬
‫والبيان ميزة النسان عن سائر المخلوقات‪ ،‬وبه يستطيع النسان‬
‫أن يعبر عن مراده بأسلوب واضح وبطريقة مفهومة‪.‬‬
‫وقد ذكر الله سبحانه وتعالى هذه الميزة على وجه المتنان فقال‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن}‬ ‫ه الْبَيَا َ‬ ‫ن * ع َل ّ َ‬
‫م ُ‬ ‫سا َ‬‫خلَقَ الِن َ‬ ‫ن* َ‬ ‫م الْقُْرآ َ‬
‫ن * ع َل ّ َ‬‫م ُ‬ ‫تعالى‪{ :‬الَّر ْ‬
‫ح َ‬
‫[الرحمن‪.]14:‬‬
‫يقول الفخر الرازي في تفسيره‪" :‬لم يقل وعلمه البيان لنه لو‬
‫ما إذا ترك الحرف العاطف صار‬ ‫عليه لكان مغايًرا له‪ ،‬أ ّ‬ ‫عطفه‬
‫َ‬
‫خلَقَ‬
‫ن} [الرحمن‪ ]4:‬كالتفسير لقوله‪َ { :‬‬ ‫ه الْبَيَا َ‬ ‫قوله‪{ :‬ع َل ّ َ‬
‫م ُ‬
‫ن} [الرحمن‪ ]3:‬كأنه إنما يكون خالقًا للنسان إذ علمه‬ ‫سا َ‬
‫الِن َ‬
‫ن ماهية النسان هو‬ ‫البيان‪ ،‬وذلك يرجع إلى الكلم المشهور من أ ّ‬
‫الحيوان الناطق "[‪.]61‬‬
‫ولهذا اعتبر اللسان نصف النسان لنّه يقال‪ :‬المرء بأصغريه قلبه‬
‫ولسانه‪.‬‬
‫يقول زهير بن أبي سلمى مشيًرا إلى ذلك‪:‬‬
‫فلم يبق إل ّ صورة اللحم‬ ‫لسان الفتى نصف ونصف فؤاده‬
‫والدم[‪]62‬‬
‫واللسان مع أهميته مثل آلة ذات حدين حيث يستعمل للخير‬
‫كالصدق في القول والرشاد والتعليم والذكر والمر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر والدفاع عن الحق‪ ،‬كما أنه يستعمل للشر من‬
‫إيذاء الناس بالشتم أو بالنميمة والدفاع عن الباطل ومساندته‬
‫لن البيان قوة مؤثرة في تحريك النفوس وتوجيه الناس‪.‬‬
‫يقول صلى الله عليه وسلم‪" :‬إن من البيان لسحًرا"[‪.]63‬‬
‫ويقول ابن حبان البستي معلقًا على هذا الحديث‪" :‬وشبه النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم في هذا البيان بالسحر إذ الساحر يستميل‬
‫قلب الناظر إليه بسحره وشعوذته‪ ،‬والفصيح الذرب اللسان‬
‫يستميل قلوب الناس إليه بحسن فصاحته ونظم كلمه‪ ،‬فالنفس‬
‫تكون إليه تائقة والعين إليه رامقة "[‪.]64‬‬
‫ولذا كان مجال اللسان واسعًا سواء في الخير أو في الشر‪.‬‬
‫يقول الفخر الرازي مبينًا ذلك‪" :‬ما من موجود أو معدوم خالق أو‬
‫مخلوق معلوم أو موهوم إل ّ واللسان يتناوله ويتعرض له بإثبات أو‬
‫نفي‪ ،‬فإن كل ما يتناوله الضمير يعبر عنه بحق أو باطل‪ ،‬وهذه‬
‫ن العين ل تصل إلى غير‬ ‫خاصية ل توجد في سائر العضاء فإ ّ‬
‫اللوان والصور‪ ،‬والذان ل تصل إلى غير الصوات والحروف‪،‬‬
‫واليد ل تصل إلى غير الجسام وكذلك سائر العضاء بخلف‬
‫اللسان فإنّه رحب الميدان ليس له نهاية ول حد له فله في الخير‬
‫مجال رحب وله في الشر بحر سحب‪.]65[" ..‬‬
‫وفي هذا الفصل نبين مجاله في التأدب مع النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم من حيث مخاطبته صلى الله عليه وسلم والصلة عليه وما‬
‫يتبع ذلك‪.‬‬
‫لذا يتكون هذا الفصل من مبحثين‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬مخاطبته صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫المبحث الول‬
‫مخاطبته صلى الله عليه وسلم‬

‫الخطاب توجيه الكلم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم على‬
‫وجه السؤال أو الجواب أو المحادثة‪ ،‬وقد تكون نداء مباشًرا له‬
‫عليه الصلة والسلم أثناء حياته‪.‬‬
‫ولذلك تضمن هذا المبحث دراسة مسألتين‪:‬‬
‫الولى‪ :‬غض الصوت وقت مخاطبته صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬استخدام النداء اللئق بمقامه صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وذلك فيما يلي‪:‬‬
‫‪1‬ـ غض الصوت وقت مخاطبته صلى الله عليه وسلم‪ :‬من‬
‫ن الرسول صلى الله عليه وسلم هو المصدر الوحيد‬ ‫المعلوم أ ّ‬
‫الذي يتلقى عنه المسلمون تعاليم الله سبحانه وتعالى سواء كان‬
‫قرآنًا أو سنة أو حديثًا قدسيًا‪ ،‬لذلك يجب عليهم أن يتأدبوا معه‬
‫صلى الله عليه وسلم أثناء كلمه معهم أو كلمهم معه‪ ،‬وذلك‬
‫بخفض الصوت وترك الجهر العالي كما يكون بين النسان‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صوَاتَك ُ ْ‬
‫م‬ ‫منُوا ل تَْرفَعُوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫وصديقه لقوله تعالى‪{ :‬يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫ضأ ْ‬ ‫م لِبَعْ ٍ‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫جهْرِ بَعْ ِ‬ ‫ل كَ َ‬ ‫ه بِالْقَوْ ِ‬ ‫جهَُروا ل َ ُ‬ ‫ي وَل ت َ ْ‬ ‫ت النَّب ِ ِ ّ‬ ‫صوْ ِ‬ ‫فَوْقَ َ‬
‫َ‬ ‫تحب َ َ‬
‫ن} [الحجرات‪.]2:‬‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫م ل تَ ْ‬ ‫م وَأنْت ُ ْ‬ ‫مالُك ُ ْ‬ ‫ط أع ْ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫يقول ابن كثير في تفسير هذه الية‪" :‬هذا أدب ثان أدّب الله‬
‫تعالى به المؤمنين أن ل يرفعوا أصواتهم بين يدي النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم فوق صوته)[‪.]66‬‬
‫والدب هنا يحصل بمجانبة أمرين اثنين‪ :‬أولهما‪ :‬رفع الصوت‬
‫فوق صوته صلى الله عليه وسلم أخذ ًا من النهي الوارد في‬
‫َ‬
‫ي} [الحجرات‪.]2:‬‬ ‫ت النَّب ِ ِ ّ‬‫صوْ ِ‬‫م فَوْقَ َ‬ ‫صوَاتَك ُ ْ‬ ‫قوله‪{ :‬ل تَْرفَعُوا أ ْ‬
‫ثانيهما‪ :‬الجهر بالقول له صلى الله عليه وسلم كالجهر بعضهم‬
‫جهَُروا ل َ ُ‬
‫ه‬ ‫ضا أخذ ًا من النهي الوارد في قوله تعالى‪{ :‬وَل ت َ ْ‬ ‫بع ً‬
‫ض} [الحجرات‪.]2:‬‬ ‫م لِبَعْ ٍ‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫جهْرِ بَعْ ِ‬ ‫ل كَ َ‬ ‫بِالْقَوْ ِ‬
‫وقد فّرق المفسرون بين النهيين الواردين في الية حيث قالوا‪:‬‬
‫إن الول يتعلق برفع الصوت فوق صوته صلى الله عليه وسلم‬
‫ما الثاني يتعلق بالجهر له صلى الله عليه‬ ‫أثناء كلمه معهم‪ .‬وأ ّ‬
‫وسلم وقت صمته‪.‬‬
‫ن النهي الول يتعلق وقت خطابه معهم أو‬ ‫ومنهم من يقول‪ :‬إ ّ‬
‫خطابهم معه أو صمته‪ ،‬وأن الثاني يتعلق بندائه صلى الله عليه‬
‫وسلم باسمه المجرد أو بكنيته‪ ،‬مثل‪ :‬يا محمد‪ ،‬يا أبا القاسم‪.‬‬
‫ن النهي‬ ‫وأكثر المفسرين ذهبوا إلى القول الول الذي مفاده أ ّ‬
‫ما الثاني‬ ‫الول يتعلق وقت خطابه صلى الله عليه وسلم معهم‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن النهي عن‬ ‫فيتعلق وقت خطابهم معه‪ ،‬وصمته‪ ،‬وهو الرجح ل ّ‬
‫النداء غير اللئق به صلى الله عليه وسلم ورد في آية أخرى بعد‬
‫َ َ‬
‫ن‬‫م ْ‬‫ك ِ‬ ‫ن يُنَادُون َ َ‬‫ن ال ّذِي َ‬ ‫هذه الية بآية واحدة وهي قوله تعالى‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫ن} [الحجرات‪.]4:‬‬ ‫م ل يَعْقِلُو َ‬‫ت أكْثَُرهُ ْ‬
‫جَرا ِ‬ ‫وََراءِ ال ْ ُ‬
‫ح ُ‬
‫وقد أجمل النيسابوري رحمه الله ما ورد في التفريق بين هذين‬
‫ن بين النهيين فرقًا ثم اختلفوا‬ ‫النهيين قائلً‪" :‬والجمهور على أ ّ‬
‫فقيل‪ :‬الول‪ :‬فيما إذا نطق ونطقتم أو أنصت ونطقوا في أثناء‬
‫كلمه فنهوا أن يكون جهرهم باهر الجهر‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬فيما إذا سكت ونطقوا ونهوا عن جهر مقيد بما اعتادوه‬
‫فيما بينهم وهو الخالي عن مراعاة أبهة النبوة‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬النهي الول أعم مما إذا نطق ونطقوا أو أنصت ونطقوا‬
‫والمراد بالنهي الثاني أن ل يتمادى وقت الخطاب باسمه أو كنيته‬
‫كنداء بعضكم لبعض فل يقال‪ :‬يا أحمد يا محمد يا أبا القاسم‪،‬‬
‫ولكن يا نبي الله يا رسول الله "[‪.]67‬‬
‫نستنتج من النهيين السابقين وجوب غض الصوت عند النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ولزوم الدب في مخاطبته سواء كان ذلك أثناء‬
‫ن رفع الصوت والجهر عنده يؤدي إلى سوء‬ ‫كلمه أو صمته ل ّ‬
‫الدب معه وقلة الحتشام منه ومجانبة توقيره ومعاملته معاملة‬
‫القران بعضهم لبعض ومن ثم يترتب إحباط عمل المؤمن والعياذ‬
‫بالله وهو ل يشعر‪.‬‬
‫يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الية‪ :‬والدب‬
‫الثاني هو أدبهم مع نبيهم في الحديث والخطاب وتوقيرهم له في‬
‫قلوبهم توقيًرا ينعكس على نبراتهم وأصواتهم‪ ،‬ويميز شخص‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم‪ ،‬ويميز مجلسه فيهم‪،‬‬
‫والله يدعوهم إلى ذلك النداء الحبيب ويحذرهم من مخالفة ذلك‬
‫التحذير الرهيب[‪.]68‬‬
‫والتحذير الرهيب هو إحباط العمل الصالح بِدون شعور صاحبه‬
‫َ‬ ‫أخذ ًا من قوله تعالى‪{ :‬أ َن تحب َ َ‬
‫ن}‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫م ل تَ ْ‬‫م وَأنْت ُ ْ‬ ‫مالُك ُ ْ‬
‫ط أع ْ َ‬ ‫ْ َ ْ َ‬
‫ن عمل المؤمن يحبط بالذنوب والمعاصي‬ ‫[الحجرات‪ ]2:‬بمعنى أ ّ‬
‫دون الشرك لن الية خطاب للمؤمنين بدليل ابتدائها بالنداء‬
‫الموجه للمؤمنين‪.‬‬
‫وعلى هذا استشكل المفسرون في توجيه هذه الية التي ظاهرها‬
‫يفيد بطلن العمل الصالح بالذنوب والمعاصي مع أن القاعدة هي‬
‫شَرك ْ َ‬
‫ت‬ ‫ن أَ ْ‬‫أن العمال ل تبطل إل بالشرك بدليل قوله تعالى‪{ :‬لَئ ِ ْ‬
‫ك} [الزمر‪ .]65:‬ومن ثم اختلفت آراؤهم‪ :‬فمنهم‪:‬‬ ‫مل ُ َ‬‫ن عَ َ‬‫حبَط َ َّ‬ ‫لَي َ ْ‬
‫من يقول إن الذنوب تحبط العمل الصالح ومن ثم يكفر صاحبها‪.‬‬
‫ومنهم من يقول‪ :‬إن الحباط يقصد به نقص المنزلة دون إحباط‬
‫أصلها‪.‬‬
‫ومنهم من يقول‪ :‬إن قلة الدب معه صلى الله عليه وسلم تحبط‬
‫العمل الصالح وإن كان ل يكفر صاحبها‪.‬‬
‫من قال بالقول الول شيخ السلم ابن تيمية قائلً‪" :‬ومن ذلك‬ ‫وم ّ‬
‫أنّه حرم التقدم بين يديه بالكلم حتى يأذن‪ ،‬وحرم رفع الصوت‬
‫فوق صوته‪ ،‬وأن يجهر له بالقول كما يجهر الرجل للرجل‪ ،‬وأخبر‬
‫ن‬
‫أن ذلك سبب حبوط العمل‪ ،‬فهذا يدل على أنه يقتضي الكفر ل ّ‬
‫العمل ل يحبط إل به"[‪.]69‬‬
‫من قال بالقول الثاني أبو سليمان الدمشقي‪ :‬حيث ذهب إلى‬ ‫وم ّ‬
‫أن معنى الحباط هاهنا نقص المنزلة ل لسقاط العمل من أصله‬
‫من قال بالقول الثالث ابن جزي‬ ‫كما يسقط بالكفر" [‪ ]70‬وم ّ‬
‫الكلبي‪ :‬وهذا الحباط‪ ،‬لن قلة الدب معه صلى الله عليه وسلم‬
‫والتقصير في توقيره يحبط الحسنات‪ ،‬وإن فعله مؤمن لعظيم ما‬
‫وقع فيه من ذلك"[‪.]71‬‬
‫ومع الختلف الموجود بين هذه الراء فإنها مجمعة على أن‬
‫الذنوب تؤثر في العمل الصالح وتنقصه غير أن شيخ السلم ابن‬
‫تيمية يرى أنّه يترتب على ذلك أمر آخر وهو الكفر أخذ ًا من‬
‫ظاهر الية‪.‬‬
‫وأحسن ما قيل في تأويل هذه الية ما ذكره ابن المنير رحمه‬
‫ن إيذاءه عليه الصلة‬‫الله حيث يقول‪ " :‬والقاعدة المختارة أ ّ‬
‫ما‬
‫والسلم يبلغ مبلغ الكفر المحبط للعمل باتفاق‪ ،‬فورد النهي ع ّ‬
‫هو مظنّة لذى النبي صلى الله عليه وسلم سواء وجد هذا المعنى‬
‫ما للمادة‪ ،‬ثم لما كان هذا المنهي عنه‬ ‫أو ل حماية للذريعة وحس ً‬
‫ما إلى ما يبلغ ذلك المبلغ أولً‪ ،‬ول دليل‬ ‫هو رفع الصوت منقس ً‬
‫عليه يميز أحد القسمين عن الخر لزم المكلف أن يكف عن ذلك‬
‫مطلقًا وخوف أن يقع فيما هو محبط للعمل وهو البالغ حد اليذاء‬
‫إذ ل دليل ظاهر يميزه‪ ،‬وإن كان فل يتفق تمييزه في كثير من‬
‫الحيان‪ ،‬وإلى التباس أحد القسمين بالخر وقعت الشارة بقوله‬
‫سبحانه[‪.]72‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن} [الحجرات‪]2:‬‬ ‫م ل تَ ْ‬
‫شعُُرو َ‬ ‫مالُك ُ ْ‬
‫م وَأنْت ُ ْ‬ ‫ط أع ْ َ‬ ‫حب َ َ‬‫ن تَ ْ‬ ‫{أ ْ‬
‫ومن هذا الكلم الذي نقلناه عن ابن المنير يتبيّن لنا أن النهي في‬
‫الية يحتمل ما يؤدي إلى الكفر وهو ما يترتب عليه إيذاء النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم أو الستخفاف به ويحتمل ما دون ذلك‪،‬‬
‫ن من فعل هذا يكفر ومن ثم يحبط‬ ‫فإن كان الول فل غبار أ ّ‬
‫عمله وعليه يتنزل كلم شيخ السلم ابن تيمية السابق‪ ،‬وإن كان‬
‫ما كبيًرا قد يؤدي إلى‬ ‫ن صاحبه يأثم إث ً‬ ‫الثاني فأقل ما يقال فيه‪ :‬أ ّ‬
‫منزلق خطير دون أن يترتب عليه كفر‪ ،‬إل أن عمله ينقص أو‬
‫يحبط وعليه يتنزل قول أبي سليمان الدمشقي وابن جزي الكلبي‬
‫ت يُذْهِب ْ َ‬
‫ن‬ ‫سنَا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫لن الحسنات يذهبن السيئات لقوله تعالى‪{ :‬إ ِ َّ‬
‫ن الذنوب تحبط العمل‬ ‫ت} [هود‪ ]114:‬وكذلك العكس أي أ ّ‬ ‫ال َّ‬
‫سيِّئَا ِ‬
‫أو تنقصه ولكن هنا بدون علم صاحبه أو حسه‪.‬‬
‫ه هَي ِّنًا‬ ‫سبُون َ ُ‬‫ح َ‬ ‫{وت َ ْ‬
‫وهذا على َغرار قوله تعالى في قضية الفك‪َ :‬‬
‫م} [النور‪.]15:‬‬ ‫عنْد َ الل ّهِ عَظِي ٌ‬‫وَهُوَ ِ‬
‫وقوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬إن العبد ليتكلم بالكلمة من‬
‫رضوان الله ل يلقي لها بال ً يرفعه إليه بها درجات‪ ،‬وإن العبد‬
‫ليتكلم بالكلمة من سخط الله ل يلقي لها بال ً يهوي بها في‬
‫جهنم"[‪.]73‬‬
‫وقد التزم الصحابة رضوان الله عليهم بهـذا الدب مع رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم في عهده كما ورد في الثار‪.‬‬
‫منها قول أبي بكر رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬والذي أنزل عليك الكتاب يا رسول الله ل أكلمك أل‬
‫كأخي السرار حتى ألقى الله عز وجل"[‪.]74‬‬
‫ومنها ما أخرجه البخاري عن ابن الزبير رضي الله عنه قال‪" :‬‬
‫فما كان عمر يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه‬
‫الية حتى يستفهمه "[‪.]75‬‬
‫وهذان النموذجان من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما يمثلن‬
‫سائر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين الذين شاهدوا التنزيل‬
‫وتأدبّوا بآدابه ووقفوا عند حدوده ينفذون أوامره ويتركون نواهيه‬
‫دون إبطاء أو تأخير‪.‬‬
‫وفي هذا المقام يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله‪ " :‬فهكذا‬
‫ارتعشت قلوبهم وارتجفت تحت وقع ذلك النداء الحبيب‪ ،‬وذلك‬
‫التحذير الرهيب‪ ،‬وهكذا تأدبوا في حضرة رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم خشية أن تحبط أعمالهم وهم ل يشعرون ولو كانوا‬
‫ن هذا المترلق الخافي عليهم كان‬ ‫يشعرون لتداركوا أمرهم ولك ّ‬
‫أخوف عليهم فاخافوه واتقوه "[‪.]76‬‬
‫ولجل هذا المتثال السريع من قبل الصحابة رضوان الله عليهم‬
‫َ َ‬
‫ن‬
‫ضو َ‬ ‫ن يَغُ ُّ‬ ‫ن ال ّذِي َ‬ ‫َ‬
‫أجمعين مدحهم الله سبحانه وتعالى بقوله‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫َّ ُ َ َ َ‬
‫م لِلتَّقْوَى‬ ‫َ‬
‫ه قُلُوبَهُ ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مت َ َ‬
‫نا ْ‬‫ك ال ّذِي َ‬ ‫ل اللهِ أوْلئ ِ‬‫سو ِ‬ ‫عنْد َ َر ُ‬
‫م ِ‬ ‫صوَاتَهُ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬
‫م} [الحجرات‪.]3:‬‬ ‫جٌر عَظِي ٌ‬ ‫مغْفَِرة ٌ وَأ ْ‬ ‫م َ‬ ‫لَهُ ْ‬
‫ما بعد مماته‬ ‫هكذا كان المر في حياته صلى الله عليه وسلم وأ ّ‬
‫فكذلك يجب على المسلم أن يتأدب مع رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم بحيث ل يرفع صوته عند سماع أحاديثه صلى الله‬
‫عليه وسلم لن حرمته ميتًا كحرمته حيًا سواء بسواء وأن أحاديثه‬
‫تقوم مقامه‪.‬‬
‫يقول ابن العربي رحمه الله‪" :‬حرمة النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ميتًا كحرمته حيًا وكلمه المأثور بعد موته في الرفعة مثل كلمه‬
‫المسموع من لفظه‪ ،‬فإذا قرئ كلمه وجب على كل حاضر أل‬
‫يرفع صوته عليه‪ ،‬ول يعرض عنه كما كان يلزمه ذلك في مجلسه‬
‫عند تلفظه به‪ ،‬وقد نبّه الله تعالى على دوام الحرمة المذكورة‬
‫معُوا ل َ ُ‬
‫ه‬ ‫على مرور الزمنة بقوله تعالى‪{ :‬وَإِذ َا قُرِئَ الْقُْرآ ُ‬
‫ن فَا ْ‬
‫ست َ ِ‬
‫صتُوا} [العراف‪ ]204:‬وكلم النبي صلى الله عليه وسلم من‬ ‫َ‬
‫وَأن ِ‬
‫الوحي وله الحرمة مثل ما للقرآن إل ّ معاني مستثناة بيانها في‬
‫كتب الفقه‪ .‬والله أعلم "[‪.]77‬‬
‫ضا في مسجده صلى‬ ‫ويراعى هذا الدب وهو عدم رفع الصوت أي ً‬
‫ن السائب بن يزيد‬ ‫الله عليه وسلم لما أخرجه البخاري بسنده ع ْ‬
‫ما في المسجد فحصبني رجل‪ ،‬فنظرت فإذا هو‬ ‫قال‪ :‬كنت قائ ً‬
‫عمر بن الخطاب فقال‪ :‬اذهب فأتني بهذين فجئته بهما‪ ،‬قال‪ :‬من‬
‫أنتما؟ أو من أين أنتما؟ قال‪ :‬من أهل الطائف قال‪ :‬لو كنتما من‬
‫أهل البلد لوجعتكما ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم[‪.]78‬‬
‫هذا في المسجد وكذلك الحال عند قبره صلى الله عليه وسلم‬
‫يقول الشيخ محمد المين الشنقيطي عند تفسيره هذه الية‪" :‬‬
‫ن حرمة النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته كحرمته‬ ‫ومعلوم أ ّ‬
‫ن ما جرت به العادة من اجتماع الناس‬ ‫في أيام حياته وبه تعلم أ ّ‬
‫قرب قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم في صخب‬
‫جا كله ل يجوز ول يليق‬ ‫ولغط وأصواتهم مرتفعة ارتفاع ًا مزع ً‬
‫وإقرارهم عليه من المنكر "[‪.]79‬‬
‫ن حرمة النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫ما سبق ذكره يتبين لنا أ ّ‬ ‫وم ّ‬
‫ميتًا كحرمته في حياته على الوجه الذي شرحناه آنفًا وأنه يجب‬
‫التأدب معه في الصوت بعد وفاته كما كان الحال وقت حياته‬
‫ن حكمها يستمر إلى أن يرث‬ ‫للية الكريمة التي نحن بصددها ل ّ‬
‫الله الرض ومن عليها ول ينقطع بموته صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ن هذا الدب المستفاد من الية يكون مع العلماء لنهم ورثة‬ ‫كما أ ّ‬
‫النبياء وكذلك مع البوين وغيرهما لمن له فضل على النسان‬
‫المسلم‪.‬‬
‫يقول الجصاص في هذا المقام‪ " :‬وهذه اليات وإن كانت نازلة‬
‫في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وإيجاب الفرق بينه وبين‬
‫المة فيه فإنه تأديب لنا فيمن يلزمنا تعظيمه من والد وعالم‬
‫وناسك وقائم بأمر الدين وذي سن وصلح ونحو ذلك إذ تعظيمه‬
‫بهذا الضرب من التعظيم في ترك رفع الصوت عليه وترك الجهر‬
‫عليه والتمييز بينه وبين غيره ممن ليس في مثل حاله "[‪.]80‬‬
‫ن هؤلء الشخاص يأخذون هذا الحكم وينبغي‬ ‫قلت‪ :‬ل شك أ ّ‬
‫التأدب معهم وتوقيرهم بالشكل اللئق بهم مع مراعاة الفرق‬
‫ن مقامه أرفع من‬ ‫بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ل ّ‬
‫هؤلء جميعًا وهو صلى الله عليه وسلم المعنى بالية أصل ً وهؤلء‬
‫تبعًا وليس الفرع كالصل وإن اشتركا في أمور‪ ،‬والله تعالى‬
‫ي أَولَى بال ْمؤْمنِين م َ‬
‫م} [الحزاب‪ ]6:‬بل‬ ‫سهِ ْ‬
‫ن أن ْ ُف ِ‬
‫ِ ُ ِ َ ِ ْ‬ ‫يقول‪{ :‬النَّب ِ ُّ ْ‬
‫َ‬
‫ينبغي أن يحترم العبد النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من‬
‫سيده‪.‬‬
‫يقول الفخر الرازي في تفسير هذه الية‪" :‬إن هذا أفاد أنّه ل‬
‫ينبغي أن يتكلم المؤمن عند النبي صلى الله عليه وسلم كما‬
‫ضك ُ ْ‬
‫م‬ ‫يتكلم العبد عند سيده لن العبد داخل تحت قوله‪{ :‬ك َ َ‬
‫جهْرِ بَعْ ِ‬
‫ض} [الحجرات‪ .]2:‬لنه للعموم فل ينبغي أن يجهر المؤمن‬ ‫لِبَعْ ٍ‬
‫للنبي صلى الله عليه وسلم كما يجهر العبد للسيد وإل لكان قد‬
‫جهر له كما يجهر بعضهم لبعض‪ ..‬ويؤيد ما ذكرناه قوله تعالى‪:‬‬
‫{النَب ُ َ‬
‫ن} [الحزاب‪ .]6:‬والسيد ليس أولى عند‬ ‫منِي َ‬ ‫ي أوْلَى بِال ْ ُ‬
‫مؤْ ِ‬ ‫ِّ ّ‬
‫عبده من نفسه حتى لو كان في مخمصة ووجد العبد ما لو لم‬
‫يأكله لمات ل يجب عليه بذله لسيده ويجب البذل للنبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ...‬وأن الحكمة تقتضي ذلك كما أن العضو‬
‫ن عند خلل القلب مثل ً ل‬ ‫الرئيسي أولى بالرعاية من غيره‪ ،‬ل ّ‬
‫يبقى لليدين والرجلين استقامة‪ ،‬فلو حفظ النسان نفسه وترك‬
‫ضا بخلف العبد والسيد "[‬ ‫النبي صلى الله عليه وسلم لهلك هو أي ً‬
‫‪.]81‬‬

‫‪2‬ـ النداء اللئق به صلى الله عليه وسلم‪ :‬النداء لون من ألوان‬
‫الخطاب إل أنه يتميز عنه بتوجيهه إلى شخص المنادى مباشرة‪،‬‬
‫المر الذي يجعل له أثًرا عند من ينادي عليه‪.‬‬
‫وفي مجال التأدّب مع الرسول صلى الله عليه وسلم جاء التنبيه‬
‫في القرآن الكريم على ضرورة عدم مناداته بطريقة جافة‬
‫ومزعجة بل ل بد من مراعاة مقامه وقدره وبالخص عندما يكون‬
‫في بيته مع نسائه وأولده‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫مل‬‫ْ‬ ‫ت أكْثَُرهُ‬ ‫جَرا ِ‬
‫ح ُ‬‫ن وََراءِ ال ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ك ِ‬ ‫ن يُنَادُون َ َ‬
‫َ‬ ‫ن ال ّذِي‬‫يقول تعالى‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫م وَالل ُ‬‫خيًْرا لَهُ ْ‬
‫ن َ‬ ‫م لَكَا َ‬ ‫ج إِلَيْهِ ْ‬
‫خُر َ‬‫حتَّى ت َ ْ‬ ‫صبَُروا َ‬‫م َ‬ ‫ن * وَلَوْ أنَّهُ ْ‬ ‫يَعْقِلُو َ‬
‫م} [الحجرات‪.]45:‬‬ ‫غَفُوٌر َر ِ‬
‫حي ٌ‬
‫عن القرع بن حابس رضي الله عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فقال‪ :‬يا محمد أخرج إلينا‪ ،‬فلم يجبه‪ ،‬فقال‪ :‬يا محمد إن‬
‫َ َ‬
‫ن يُنَادُون َ َ‬
‫ك‬ ‫ن ال ّذِي َ‬‫ن ذمي شين‪ ،‬فقال‪ :‬فأنزل الله‪{ :‬إ ِ ّ‬ ‫حمدي زين وإ ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن} [الحجرات‪.]82[]4:‬‬ ‫قلو َ‬ ‫م ل يَعْ ِ‬ ‫ت أكْثَُرهُ ْ‬ ‫جَرا ِ‬‫ح ُ‬ ‫ن وََراءِ ال ْ ُ‬‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ويقول ابن كثير‪" :‬وقد ذكر أنها نزلت في القرع بن حابس‬
‫التميمي رضي الله عنه فيما أورده غير واحد "[‪.]83‬‬
‫وقد ذكر المفّسرون عدّة أسباب لنزول هذه الية التي نحن‬
‫ن الذي يهمنا في هذا المقام هو ما يستفاد من الية‬ ‫بصددها ولك ّ‬
‫ن‬
‫سواء نزلت في القرع بن حابس رضي الله عنه أو في غيره ل ّ‬
‫العبرة بعموم اللفظ ل بخصوص السبب‪.‬‬
‫وقد تضمنت الية أمرين‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬عدم إزعاج الرسول صلى الله عليه وسلم في وقت‬
‫خلوته في بيته مع نسائه بالنداء غير اللئق به‪.‬‬
‫وثانيهما‪ :‬الرشاد إلى ما ينبغي أن يفعل في هذه الحالة وهو‬
‫النتظار إلى أن يحين وقت خروجه‪.‬‬
‫يقول ابن كثير في تفسيره هذه الية‪ " :‬ثم إنه تبارك وتعالى ذم‬
‫الذين ينادونه من وراء الحجرات وهي بيوت نسائه كما يصنع‬
‫َ‬
‫ن} [الحجرات‪ .]4:‬ثم‬ ‫قلُو َ‬‫م ل يَعْ ِ‬ ‫أجلف العراب فقال‪{ :‬أكْثَُرهُ ْ‬
‫حتَّى‬ ‫َ‬
‫صبَُروا َ‬ ‫م َ‬ ‫أرشد إلى الدب في ذلك فقال عز وجل‪{ :‬وَلَوْ أنَّهُ ْ‬
‫م} [الحجرات‪ ]5:‬أي‪ :‬لكان في ذلك‬ ‫خيًْرا لَهُ ْ‬‫ن َ‬ ‫م لَكَا َ‬ ‫ج إِلَيْهِ ْ‬
‫خُر َ‬‫تَ ْ‬
‫الخيرة والمصلحة في الدنيا والخرة "[‪.]84‬‬
‫وهذا ل يعني أنه ل يجوز مناداته صلى الله عليه وسلم بتاتًا‪ ،‬وإنما‬
‫المحظور مناداته في وقت خلوته مع نسائه في بيته كما في هذه‬
‫الحالة‪ ،‬وكذلك مناداته بصوت مرتفع خال من الحترام والتقدير‬
‫بل ينبغي أن ينادي له بصوت منخفض وبصيغة معينة تتناسب مع‬
‫قدره وعظمته ووقاره مثل‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬يا نبي الله‪ ،‬ل مجرد‬
‫اسمه مثل‪ :‬يا محمد‪ ،‬ويا أحمد‪ ،‬ويا أبا القاسم‪ .‬كما يفعل بعضهم‬
‫لبعض‪.‬‬
‫ل بَيْنَك ُ ْ‬
‫م‬ ‫سو ِ‬ ‫جعَلُوا دُع َاءَ الَّر ُ‬ ‫وهذا ما أشار إليه قوله تعالى‪{ :‬ل ت َ ْ‬
‫ضا} [النور‪.]63:‬‬ ‫م بَعْ ً‬‫ضك ُ ْ‬ ‫كَدُع َاءِ بَعْ ِ‬
‫وهذه الية تشير إلى أحد المعاني التية‪:‬‬
‫الول‪ :‬أنه نهي عن التعرض لسخاطه صلى الله عليه وسلم لنه‬
‫إذا دعا على شخص فدعوته مستجابة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أنهم أمروا أن يقولوا‪ :‬يا رسول الله ونهوا أن يقولوا‪ :‬يا‬
‫محمد وما يساويها‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أنه نهي لهم عن البطاء إذا أمرهم والتأخر إذا دعاهم[‪.]85‬‬
‫وقد ذكر أكثر المفسرين هذه التأويلت مع ترجيح واحد منها‬
‫والسكوت عن المعنيين الخرين إل أن ابن عطية [‪ ]86‬رد معنى‬
‫الول حيث قال‪ " :‬ولفظ الية يدفع هذا المعنى "[‪.]87‬‬
‫وهناك من ذكر التأويلت الثلثة دون ترجيح إيذانًا بأن الية تحتمل‬
‫المعاني الثلثة‪.‬‬
‫سر ما ذهب إليه بترجيحات مقبولة ونذكر بعضها‬ ‫وقد أيّد كل مف ّ‬
‫هنا‪.‬‬
‫فمن الذين رجحوا التأويل الثاني الفخر الرازي بعد إيراده التأويل‬
‫حذَْر‬ ‫المذكور حيث قال‪" :‬والذي يدل على هذا عقب هذا[‪{ :]88‬فَلْي َ ْ‬
‫َ‬ ‫خالِفُون ع َ َ‬ ‫َ‬
‫ة} [النور‪ ]63:‬وذهب إلى‬ ‫م فِتْن َ ٌ‬‫صيبَهُ ْ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫مرِهِ أ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ال ّذِي َ‬
‫ن يُ َ‬
‫ضا أبو حيان الندلسي حيث قال بعد إيراده هذا التأويل‪" :‬‬ ‫ذلك أي ً‬
‫وهذا موافق لمساق الية ونظمها "[‪.]89‬‬
‫ما من الذين رجحوا القول الثالث فمنهم المام ابن كثير رحمه‬ ‫وأ ّ‬
‫الله حيث قال‪ " :‬وهذا قول وهو الظاهر من السياق كقوله‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫عنَا} [البقرة‪ ]104:‬إلى آخر‬ ‫منُوا ل تَقُولُوا َرا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫تعالى‪{ :‬يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫الية‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫صو ِ‬ ‫م فَوْقَ َ ْ‬ ‫صوَاتَك ُ ْ‬ ‫منُوا ل تَْرفَعُوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬يَا أي ّهَا الذِي َ‬
‫ي} [الحجرات‪.]2:‬‬
‫َ‬ ‫النَّب ِ ِ ّ‬
‫َ‬
‫مل‬ ‫ت أكْثَُرهُ ْ‬ ‫جَرا ِ‬ ‫ح ُ‬‫ن وََراءِ ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن يُنَادُون َ َ‬ ‫ن ال ّذِي َ‬ ‫إلى قوله‪{ :‬إ ِ َّ‬
‫َ‬
‫م} [الحجرات‪ ]4:‬إلى‬ ‫ج إِلَيْهِ ْ‬ ‫خُر َ‬‫حتَّى ت َ ْ‬ ‫صبَُروا َ‬ ‫م َ‬ ‫ن * وَلَوْ أنَّهُ ْ‬ ‫يَعْقِلُو َ‬
‫آخر الية‪ ،‬ثم قال‪ :‬فهذا كله من باب الدب في مخاطبته صلى‬
‫الله عليه وسلم والكلم معه كما أمروا بتقديم الصدقة قبل‬
‫مناجاته "[‪.]90‬‬
‫يقول الستاذ أبو العلى المودودي بعد ذكره القوال الثلثة‪" :‬‬
‫حا حسب‬ ‫وهذه الوجوه الثلثة وإن كان كل واحد منها صحي ً‬
‫اللفاظ القرآنية‪ ،‬ولكن الوجه الول [‪ ]91‬هو أقرب إلى نظم الية‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ن عَ ْ‬ ‫خالِفُو َ‬‫ن يُ َ‬ ‫حذَْر ال ّذِي َ‬ ‫عندنا وهو الذي يؤيده قوله تعالى‪{ :‬فَلْي َ ْ‬
‫مرِهِ} [النور‪ ]63:‬بعد هذه الية[‪.]92‬‬ ‫َ‬
‫أ ْ‬
‫والذي ينبغي في هذا المقام عدم ترجيح أحد القوال على آخر ما‬
‫دامت ألفاظ الية تحتمل المعاني المذكورة كلها ول تعارض بينها‬
‫وخاصة إذا كان هناك مرجحات مباشرة وغير مباشرة لكل من‬
‫القولين اللذين أخذ بهما المفسرون‪.‬‬
‫وأحسن ما قيل في معنى هذه الية التي نحن بصددها قول ابن‬
‫ن المصدر هنا لم‬ ‫قيم الجوزية رحمه الله والذي يقول فيه‪ " :‬إ ّ‬
‫يضف إضافته إلى فاعل ول مفعول وإنما أضيف إضافة السماء‬
‫المحضة‪ ،‬ويكون المعنى ل تجعلوا الدعاء المتعلق بالرسول‬
‫ضا‪ ،‬وعلى هذا فيعم المرين معًا‬ ‫المضاف إليه كدعاء بعضكم بع ً‬
‫ضا وعن‬ ‫ويكون النهي عن دعائهم له باسمه كما يدعو بعضهم بع ً‬
‫تأخير إجابته صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وعلى كل تقدير أمر الله‬
‫ما للمة‬ ‫سبحانه بأن يتميز عن غيره في خطابه ودعائه إياهم‪ ،‬قيا ً‬
‫بما يجب عليهم من تعظيمه وإجلله "[‪.]93‬‬
‫وخلصة القول‪ :‬إن الغرض الذي من أجله أوردنا هذه الية هو‬
‫بيان ما يجب على المسلم أن يتحلى به في ندائه صلى الله عليه‬
‫وسلم حيث يخفض صوته ويتخير ألفاظ التقدير والتعظيم لندائه‬
‫بيا رسول الله‪ ،‬ويا نبي الله‪ ،‬يا خير خلق الله‪ .‬ويدع هذه النداءات‬
‫السوقية في لفظها وكيفيتها مثل‪ :‬يا محمد‪ ،‬ويا أحمد‪ ،‬أو كنيته‬
‫مثل‪ :‬يا أبا القاسم كما كانوا يفعلونه من قبل‪ ،‬بل بندائه صلى‬
‫الله عليه وسلم نداء يتناسب مع مقامه ومكانته مثل‪ :‬يا رسول‬
‫الله ويا نبي الله اقتداء بما في القرآن من نداء الله سبحانه‬
‫ن الله سبحانه وتعالى لم‬ ‫وتعالى له صلى الله عليه وسلم بحيث أ ّ‬
‫يناد رسوله في القرآن بمجرد اسمه ولو مرة واحدة وإنما ناداه‬
‫بصفة النبوة والرسالة وغيرهما من الصفات الثابتة له في‬
‫القرآن‪.‬‬
‫يقول شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله عند كلمه عن حقوق‬
‫الرسول الزائدة على مجرد التصديق [‪ ]94‬واليمان‪:‬‬
‫جعَلُوا‬ ‫ضه في المخاطبة بما يليق به فقال‪{ :‬ل ت َ ْ‬ ‫"ومن ذلك ح ّ‬
‫ضا} [النور‪ ]63:‬فنهى أن‬ ‫م بَعْ ً‬ ‫م كَدُع َاءِ بَعْ ِ‬
‫ضك ُ ْ‬ ‫ل بَيْنَك ُ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫دُع َاءَ الَّر ُ‬
‫يقولوا يا محمد أو يا أحمد أو يا أبا القاسم ولكن يقولوا‪ ،‬يا رسول‬
‫الله‪ ،‬يا نبي الله‪ ،‬وكيف ل يخاطبونه بذلك والله سبحانه وتعالى‬
‫أكرمه في مخاطبته إياه مما لم يكرم به أحدًا من النبياء فلم يناد‬
‫ن‬
‫ك إِ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ي قُ ْ َ‬
‫ل لْزوَا ِ‬ ‫باسمه في القرآن قط بل يقول‪{ :‬يَا أَيُّهَا النَّب ِ ُّ‬
‫حيَاة َ الدُّنْيَا} [الحزاب‪.]28:‬‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ن تُرِد ْ َ‬ ‫كُنْت ُ َّ‬
‫ل إِلَي ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ل بَل ِّغْ‬ ‫َ‬
‫ك} [المائدة‪.]67:‬‬ ‫ما أنزِ َ‬ ‫َ‬ ‫سو ُ‬ ‫و{يَا أيُّهَا الَّر ُ‬
‫ل إِل َّ قَلِيلً} [المزمل‪.]12:‬‬ ‫م اللَّي ْ َ‬ ‫ل * قُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫مَّز ِّ‬
‫َ‬
‫و{يَا أيُّهَا ال ْ ُ‬
‫َ‬
‫مدَّث ُِّر} [المدثر‪.]1:‬‬ ‫و{يَا أيُّهَا ال ْ ُ‬
‫جن َّ َ‬ ‫مع أنه سبحانه قد قال‪{ :‬وقُلْنا يا آدم اسك ُ َ‬
‫ة}‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ت وََزوْ ُ‬ ‫ن أن ْ َ‬ ‫َ َ َ َ ُ ْ ْ‬
‫[البقرة‪.]35:‬‬
‫َ‬
‫ك} [هود‪.]46:‬‬ ‫ن أهْل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ه لَي ْ َ‬ ‫ح إِن َّ ُ‬‫{يَا نُو ُ‬
‫ن هَذ َا} [هود‪.]76:‬‬ ‫َ‬
‫ض عَ ْ‬ ‫م أع ْرِ ْ‬ ‫{يَا إِبَْراهِي ُ‬
‫س} [العراف‪.]144:‬‬ ‫َ‬ ‫صطَفَيْت ُ َ َ‬
‫ك ع َلى الن ّ َا ِ‬ ‫سى إِنِّي ا ْ‬ ‫مو َ‬ ‫{يَا ُ‬
‫ض} [ص‪.]26:‬‬ ‫ة فِي الْر ِ‬ ‫خلِيفَ ً‬ ‫ك َ‬ ‫جعَلْنَا َ‬ ‫{يَا دَاوُود ُ إِنَّا َ‬
‫ك} [المائدة‪:‬‬ ‫ك وَع َلى وَالِدَت ِ َ‬ ‫متِي ع َلَي ْ َ‬ ‫م اذ ْكُْر نِعْ َ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫سى اب ْ َ‬ ‫عي َ‬ ‫{يَا ِ‬
‫‪.]110‬‬
‫وعلى هذا دلت الية التي نحن بصددها الغرض الذي من أجله‬
‫أوردناها وهو الذي يهمنا هنا لحتمالها احتمال ً قويًا أو المتبادر إلى‬
‫الفهم كما ذكر ابن القيم رحمه الله ولوجود مرجحات غير‬
‫مجاورة ترجح هذا المعنى كما ذكر ابن كثير في تفسيره‪،‬‬
‫حا آخر متقدم ومجاور لهذه الية يرجح هذا المعنى وهو‬ ‫ومرج ً‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حت ّى‬‫م يَذْهَبُوا َ‬
‫مٍع ل ْ‬
‫جا ِ‬
‫مرٍ َ‬
‫ه ع َلى أ ْ‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬وَإِذ َا كَانُوا َ‬
‫معَ ُ‬
‫ستَأْذِنُوهُ} [النور‪ ]62:‬كما أفاد الشهيد سيد قطب في تفسيره‬ ‫يَ ْ‬
‫المسمى في ظلل القرآن إذ أن مناسبة الية لما بعدها ليست‬
‫أولى من مناسبتها لما قبلها إن وجدت وهنا وجدت‪.‬‬
‫يقول الشهيد سيد قطب‪" :‬ويلتفت إلى ضرورة توقير الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم عند الستئذان وفي كل الحوال فل يدعى‬
‫باسمه يا محمد أو كنيته يا أبا القاسم كما يدعو المسلمون‬
‫ضا إنما يدعى بتشريف الله له وتكريمه يا نبي الله‪ ،‬يا‬ ‫بعضهم بع ً‬
‫رسول الله "[‪.]95‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم‬

‫شرع الله تعالى الصلة والسلم على النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫ن ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬
‫ي يَا‬ ‫صل ّو َ‬
‫ه يُ َ‬‫ملئِكَت َ ُ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫بقوله سبحانه وتعالى‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما} [الحزاب‪.]56:‬‬ ‫سلِي ً‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ِّ ُ‬ ‫صل ّوا ع َلَيْهِ وَ َ‬
‫منُوا َ‬
‫نآ َ‬‫أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫وقد شمل موضوع الصلة والسلم على النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم حيًزا واسعًا في فكر العلماء وحياة المسلمين مما جعلني‬
‫أعقد هذا المبحث للوصول إلى الحق فيه‪.‬‬
‫والمر هنا يحتاج إلى بيان عدد من النقاط المتصلة بالصلة على‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي‪:‬‬
‫‪1‬ـ مفهوم الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم لغة‬
‫حا‪.‬‬‫واصطل ً‬
‫‪2‬ـ حكم الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪3‬ـ صيغ الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪4‬ـ مواطن الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪5‬ـ ثواب الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وسوف تأتي هذه المسائل وفق الترتيب المذكور فما يلي‪:‬‬
‫حا‪ :‬الصلة على رسول الله صلى الله‬ ‫تعريف الصلة لغة واصطل ً‬
‫عليه وسلم غير الصلة المفروضة التي هي القوال والفعال‬
‫المفتتحة بالتكبير والمختتمة بالتسليم‪ ،‬ولذلك كان تعريفها‬
‫ضروريًا لتتضح حقيقتها المرادة من هذا المبحث‪.‬‬
‫وكما هو منهجي فإني أبدأ بالتعريف اللغوي وبعده يكون التعريف‬
‫الصطلحي‪.‬‬
‫تعريف الصلة لغة‪ :‬يقول الجوهري‪ " :‬الصلة‪ :‬الدعاء "[‪.]96‬‬
‫ويقول الفيروزآبادي‪ " :‬الصلة‪ :‬الدعاء والرحمة الستغفار "[‪.]97‬‬
‫ويقول صاحب مصباح المنير[‪ " :]98‬الصلة في اللغة مشتركة بين‬
‫الدعاء والتعظيم والرحمة والبركة "[‪.]99‬‬
‫وإذا نظرنا إلى التعريفات السابقة للصلة في اللغة نرى أن لها‬
‫عدة معان‪ ،‬فى الدعاء وبمعنى التعظيم وبمعنى الرحمة وبمعنى‬
‫البركة‪.‬‬
‫ما الصلة في الصطلح الشرعي‪ :‬فل تخرج عن معاني اللغة‬ ‫وأ ّ‬
‫المذكورة إذا قيدت الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫وبالتالي فمعناها باق على ما كان عليه في الستعمال اللغوي‪.‬‬
‫وعلى هذا فلم يذكر العلماء تعريفًا لها عند كلمهم عن هذا‬
‫ل كلمهم ينصب على التفريق بين صلة الله‬ ‫الموضوع وإنّما ج ّ‬
‫وصلة المخلوقين‪ ،‬ولكن نحاول هنا أن نذكر تعريفًا للصلة على‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم من خلل كلمهم‪ .‬يقول‬
‫الفيروزآبادي‪ " :‬والصلة حسن الثناء من الله عز وجل على‬
‫رسوله صلى الله عليه وسلم‪.]100[" ....‬‬
‫ضا‬ ‫ويقول الجرجاني بعد تعريفه الصلة المكتوبة‪ " :‬والصلة أي ً‬
‫طلب التعظيم بجانب الرسول صلى الله عليه وسلم في الدنيا‬
‫والخرة "[‪.]101‬‬
‫والصلة في تعريف الفيروزآبادي السابق يتضمن جانبًا واحدًا وهو‬
‫إذا كانت الصلة من الله عز وجل وأما جانب المخلوقين فلم‬
‫صا‪.‬‬ ‫يتعرض له ولهذا كان هذا التعريف ناق ً‬
‫وأما تعريف الجرجاني السابق فمعناه طلب التعظيم للرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم ولكن الطلب يمكن أن يكون طلب أمر‬
‫وطلب دعاء‪.‬‬
‫وإذا كان الطلب أمًرا فيستقيم في حق الله تعالى‪ ،‬وأما إذا كان‬
‫دعاءً فيستقيم في حق المخلوقين دون الله عز وجل لن الدعاء‬
‫طلب العانة من الغير وهذا محال على الله سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫ن ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬
‫ي يَا‬ ‫صل ّو َ‬ ‫ملئِكَت َ ُ‬
‫ه يُ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه وَ َ‬ ‫ويلحظ أن قوله تعالى‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما} [الحزاب‪ .]56:‬يدل‬ ‫سلِي ً‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ِّ ُ‬
‫صل ّوا ع َلَيْهِ وَ َ‬‫منُوا َ‬
‫نآ َ‬‫أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫على أن الله سبحانه وتعالى‪ ،‬والملئكة يصلون على النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم بحيث جمع الله صلته وصلة الملئكة في فعل‬
‫واحد وبصيغة الخبار وأمر المؤمنين بالصلة عليه صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫ولهذا فّرق العلماء بين معنى صلة الله على النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ومعنى صلة المخلوقين حتى يستقيم معنى الصلة‬
‫في حق الله عز وجل وحق ملئكته وحق المؤمنين‪.‬‬
‫ولزالة هذا الشكال ذكر العلماء أقوال ً عدة في بيان المعنى‬
‫المراد من الصلة على اختلف فاعلها‪.‬‬
‫يقول أبو العالية‪ " :‬صلة الله عز وجل ثناؤه عليه وصلة الملئكة‬
‫عليه الدعاء "[‪.]102‬‬
‫ويقول الضحاك‪ " :‬صلة الله رحمته وصلة الملئكة الدعاء "[‬
‫‪.]103‬‬
‫ضا‪ " :‬صلة الله مغفرته وصلة الملئكة الدعاء‬ ‫ويقول الضحاك أي ً‬
‫"[‪.]104‬‬
‫وإذا نظرنا إلى القوال السابقة الواردة في معنى الصلة نرى أن‬
‫الصلة من الله على النبي صلى الله عليه وسلم هي الثناء‬
‫ما الصلة من الملئكة فله معنى واحد وهو‬ ‫والرحمة والمغفرة‪ ،‬وأ ّ‬
‫الدعاء إل أن هذه القوال ل تسلم عن مقال ومآخذ إذ يترتب‬
‫عليها وجود معنيين على القل في فعل واحد وفي استعمال واحد‬
‫مع أنه أسند إلى الثنين معًا‪.‬‬
‫وقد ذكر ابن القيم رحمه الله القولين الخيرين من القوال‬
‫السابقة في معنى الصلة من جانب الله تعالى وجانب الملئكة‬
‫وضعفهما وأسهب في ذلك حيث ذكر خمسة عشر وج ًها تدل‬
‫على ضعفهما‪ .‬ومن أحسن ما ضعفهما به قوله‪" :‬إن الله سبحانه‬
‫شْر‬‫وتعالى فّرق بين صلته على عباده ورحمته فقال‪{ :‬وَب َ ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة قَالُوا إِنَّا لِل ّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ‬ ‫صيب َ ٌ‬
‫م ِ‬‫م ُ‬‫صابَتْهُ ْ‬
‫ن إِذ َا أ َ‬ ‫ن * ال ّذِي َ‬ ‫صابِرِي َ‬ ‫ال َّ‬
‫م‬
‫ك هُ ْ‬ ‫ة وَأُوْلَئ ِ َ‬ ‫م ٌ‬‫ح َ‬
‫م وََر ْ‬ ‫ن َربِّهِ ْ‬ ‫م ْ‬‫ت ِ‬‫صلَوَا ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ك ع َلَيْهِ ْ‬ ‫ن * أُوْلَئ ِ َ‬ ‫ج ُعو َ‬ ‫َرا ِ‬
‫ن} [البقرة‪ .]155157:‬فعطف الرحمة على الصلة فاقتضى‬ ‫مهْتَدُو َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫تغايرهما‪ .‬هذا أصل العطف‪ ،‬وإن الله سبحانه فّرق بين صلته‬
‫َ َ‬
‫ملئِكَت َ ُ‬
‫ه‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫وصلة ملئكته وجمعهما في فعل واحد فقال‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫ُ‬
‫ي‪[ }...‬الحزاب‪ .]56:‬وهذه الصلة ل يجوز أن‬ ‫ن ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬ ‫صل ّو َ‬ ‫يُ َ‬
‫تكون هي الرحمة وإنّما هي ثناؤه سبحانه وثناء ملئكته عليه‪ ،‬ول‬
‫ن‬
‫يقال الصلة لفظ مشترك ويجوز أن يستعمل في معنييه معًا ل ّ‬
‫في ذلك محاذير متعددة"[‪.]105‬‬
‫ن صلة الله وصلة الملئكة عليه صلى الله عليه‬ ‫ومن هنا نجزم بأ ّ‬
‫وسلم في الية التي نحن بصددها لها معنى واحد وهو الثناء عليه‪،‬‬
‫ما صلتنا نحن عليه صلى الله عليه وسلم فهي طلب المزيد‬ ‫وأ ّ‬
‫من الثناء من الله عز وجل طلب دعاء ل طلب أمر‪.‬‬
‫ن قولنا‪ :‬اللهم صل على‬ ‫يقول الحليمي رحمه الله‪ " :‬فيدل على أ َّ‬
‫محمد صلة منّا عليه إنّا ل نملك إيصال ما يعظم به أمره ويعلو به‬
‫قدره إليه وإنّما ذلك على الله تعالى فيصح أن صلتنا عليه الدعاء‬
‫له بذلك وابتغاؤه من الله عز وجل "[‪.]106‬‬
‫ن صلتنا هي طلب المزيد‬ ‫وقد أيد ابن القيم هذا الرأي القائل بأ ّ‬
‫من الثناء من الله عز وجل حيث قال‪" :‬الصلة المأمور بها فيها‬
‫هي الطلب من الله ما أخبر به عن صلته وصلة ملئكته‪ ،‬وهي‬
‫ثناء عليه وإظهار لفضله وشرفه وإرادة تكريمه وتقريبه فهي‬
‫تتضمن الخبر والطلب وسمى هذا السؤال والدعاء منّا نحن صلة‬
‫عليه لوجهين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أنّه يتضمن ثناء المصلي عليه والشارة بذكر شرفه‬
‫وفضله والرادة والمحبة كذلك من الله تعالى‪ ،‬فقد تضمنت الخبر‬
‫والطلب‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أن ذلك سمي منّا صلة لسؤالنا من الله أن يصلي‬
‫عليه فصلة الله عليه ثناؤه وإرادته لرفع ذكره وتقريبه‪ ،‬وصلتنا‬
‫نحن عليه سؤالنا الله تعالى أن يفعل ذلك به وضد هذا في لعنة‬
‫أعدائه الشائنين لما جاء به فإنها تضاف إلى الله وتضاف إلى‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ن الْبَيِّنَا ِ‬
‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ما أنَزلْنَا ِ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫ن‬
‫مو َ‬ ‫ُ‬ ‫ن يَكْت ُ‬‫َ‬ ‫ن ال ّذِي‬ ‫العبد كما قال تعالى‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫م الل ُ‬
‫ه‬ ‫ك يَلْعَنُهُ ْ‬
‫ب أوْلَئ ِ َ‬ ‫س فِي الْكِتَا ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما بَيَّن ّاه ُ لِلن ّا ِ‬
‫ن بَعْد ِ َ‬ ‫وَالْهُدَى ِ‬
‫م ْ‬
‫َ‬
‫ن} [البقرة‪ .]159:‬فلعنة الله لهم تتضمن مقته‬ ‫عنُو َ‬ ‫م الل ّ ِ‬ ‫وَيَلْعَنُهُ ْ‬
‫وإبعاده وبغضه لهم ولعنة العبد تتضمن سؤال الله تعالى أن يفعل‬
‫ذلك بمن هو أهل اللعنة"[‪.]107‬‬
‫وعلى هذا فمعنى صلة الله عز وجل وصلة الملئكة على النبي‬
‫ما في حق المؤمنين في طلب‬ ‫صلى الله عليه وسلم الثناء‪ ،‬وأ ّ‬
‫ذلك الثناء من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫حكم الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬ذكر السخاوي عن‬
‫شيخه [‪ ]108‬في حكم الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫عشرة أقوال‪:‬‬
‫القول الول‪ :‬إنها مستحبة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬إنها واجبة في الجملة بغير حصر لكن أقل ما يحصل به‬
‫الجزاء مرة‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أنّها تجب في العمر في صلة أو في غيرها وهي مثل‬
‫كلمة التوحيد‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬تجب في القعود مرة آخر الصلة بين قول التشهد وسلم‬
‫التحليل‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬تجب في التشهد فقط‪.‬‬
‫السادس‪ :‬تجب في الصلة من غير تعيين المحل‪.‬‬
‫السابع‪ :‬يجب الكثار منها من غير تقييد بعدد‪.‬‬
‫الثامن‪ :‬تجب كلما ذكر صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫التاسع‪ :‬تجب في كل مجلس مرة ولو تكرر ذكره مراًرا‪.‬‬
‫العاشر‪ :‬تجب في كل دعاء[‪.]109‬‬
‫هذه عشرة أقوال في حكم الصلة على النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ولكنّها في الحقيقة والواقع قولن‪ :‬أولهما‪ :‬أنّها مستحبة‪.‬‬
‫ثانيهما‪ :‬أنّها واجبة ولكن الذين يقولون بوجوبها اختلفوا في عدد‬
‫المرات وفي المواطن التي تجب فيها حتى بلغت أقوالهم تسعة‬
‫ن أغلب هذه القوال متعلقة بالمواطن التي تجب‬ ‫أقوال إل أ ّ‬
‫الصلة فيها‪.‬‬
‫وأصح ما قيل في حكمها أنّها تجب في الجملة بدون تقييد بعدد أو‬
‫وقت مع مراعاة المواطن التي يتأكد وجوبها أو استحبابها‪.‬‬
‫يقول صاحب بهجة المحافل[‪" :]110‬وأما حكمها فهي واجبة‬
‫إجماع ًا للية الكريمة [‪ ]111‬لكنّه غير محدد بوقت ول عدد"[‪.]112‬‬
‫ن من العلماء من يقول‬ ‫وهذا الجماع الذي ادعاه فيه نظر ل ّ‬
‫باستحبابها مطلقًا إل ّ إذا حملنا الستحباب بما زاد على المرة‬
‫الواحدة‪.‬‬
‫يقول السخاوي‪" :‬وقد أول بعض العلماء هذا القول بما زاد على‬
‫المرة الواحدة وهو متعين والله أعلم "[‪.]113‬‬
‫صيغ الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬للصلة على النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم صيغ كثيرة ذكرها العلماء في كتبهم‬
‫يروونها عن النبي صلى الله عليه وسلم بأسانيد بعضها صحيحة‬
‫وبعضها حسنة وبعضها ضعيفة أو يلفقونها مما روي عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم من صيغ الصلة أو يؤلفونها من عندهم‪.‬‬
‫ما غيرها‬ ‫ن الغرض يتم بها وأ ّ‬ ‫وهنا نكتفي بذكر الصيغ الصحيحة ل ّ‬
‫من الصيغ الضعيفة أو الملفقة فل يتم بها بل نص بعض العلماء‬
‫على عدم جوازها لعدم ثبوتها عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫من ناحية السند أو بالكيفية الملفقة‪.‬‬
‫وعلى هذا فلبد للمسلم أن يلتزم بالصيغ المأثورة الصحيحة أو‬
‫الحسنة‪.‬‬
‫وقد ذكر الشيخ ناصر الدين اللباني سبع صيغ صحيحة للصلة‬
‫على النبي صلى الله عليه وسلم[‪.]114‬‬
‫ونذكر هذه الصيغ كما وردت في كتابه " صفة صلة النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم وبنفس الترتيب‪.‬‬
‫الصيغة الولى‪ :‬عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن‬
‫رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنّه كان يقول‪:‬‬
‫ل على محمد وعلى أهل بيته وعلى أزواجه وذريته كما‬ ‫"اللهم ص ّ‬
‫صليت على آل أبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى‬
‫آل بيته وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنّك‬
‫حميد مجيد"[‪.]115‬‬
‫الصيغة الثانية‪ :‬عن كعب بن عجرة عن النبي صلى الله عليه‬
‫ل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على‬ ‫وسلم‪" :‬اللهم ص ّ‬
‫آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪ ،‬اللهم بارك على محمد وعلى آل‬
‫محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد"[‪.]116‬‬
‫الصيغة الثالثة‪ :‬عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال‪ :‬قلت‪:‬‬
‫ل على‬ ‫يا رسول الله كيف الصلة عليك؟ قال‪ :‬قل‪" :‬اللهم ص ّ‬
‫محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك‬
‫حميد مجيد‪ ،‬وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على‬
‫إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد"[‪.]117‬‬
‫الصيغة الرابعة‪ :‬عن أبي مسعود النصاري رضي الله عنه قال‪:‬‬
‫أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس عبادة فقال‬
‫بشير بن سعد‪ :‬أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله‪ ،‬فكيف‬
‫نصلي عليك؟ قال‪ :‬فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫حتى تمنينا أنّه لم يسأله‪ ،‬ثم قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫ل على محمد وعلى آل محمد كما صليت‬ ‫وسلم‪ :‬قولوا‪" :‬اللهم ص ّ‬
‫على آل إبراهيم‪ ،‬وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت‬
‫على آل إبراهيم في العالمين إنّك حميد مجيد"[‪.]118‬‬
‫الصيغة الخامسة‪ :‬عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال‪:‬‬
‫قلنا يا رسول الله هذا السلم عليك‪ ،‬فكيف الصلة عليك؟ قال‪:‬‬
‫ل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على‬ ‫قولوا‪" :‬اللهم ص ّ‬
‫آل إبراهيم‪ ،‬وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على‬
‫إبراهيم"[‪.]119‬‬
‫الصيغة السادسة‪ :‬عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه أنّهم‬
‫قالوا‪ :‬يا رسول الله كيف نصلّي عليك؟ فقال رسول الله صلى‬
‫ل على محمد وعلى أزواجه‬ ‫الله عليه وسلم قولوا‪" :‬اللهم ص ّ‬
‫وذريته كما صليت على آل إبراهيم‪ ،‬وبارك على محمد وعلى‬
‫أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد"[‪.]120‬‬
‫الصيغة السابعة‪ :‬عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّهم سألوا‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف نصلي عليك؟ قال‪ :‬قولوا‪:‬‬
‫ل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى‬ ‫"اللهم ص ّ‬
‫آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد‬
‫مجيد"[‪.]121‬‬
‫هذه هي صيغ الصلة التي علّمها رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم أصحابه بعد ما سألوا عنها والتي وردت بأسانيد صحيحة‬
‫كما بينّا‪ ،‬ولهذا ذهب بعض العلماء على التزامها دون تغيير أو‬
‫تلفيق لنّها أفضل الكيفيات في الصلة عليه صلى الله عليه‬
‫وسلم يقول السخاوي‪" :‬استدل بتعليمه صلى الله عليه وسلم‬
‫لصحابه كيفية الصلة عليه بعد سؤالهم عنها أنّها أفضل‬
‫الكيفيات؛ لنّه ل يختار لنفسه إل الشرف والفضل‪ ،‬ويترتب على‬
‫ذلك لو حلف أن يصلي عليه أفضل الصلوات فطريق البر أن‬
‫يأتي بذلك "[‪.]122‬‬
‫ومع ورود هذه الصيغ الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫فقد أجاز بعض العلماء الصلة عليه بلفظ جميل‪ :‬يقول الفاكهي[‬
‫ن من‬ ‫‪" :]123‬ونقل ابن مندة عن جمع من الصحابة وغيرهم أ ّ‬
‫رزقه الله بيانًا شافيًا عن المعاني الصحيحة باللفاظ الفصيحة‬
‫فأبان عن الشرف النبوي كان كمن سلك السنن السنية "[‪.]124‬‬
‫وجاء في كتاب حسن التوسل‪" :‬والصلة بلفظ صلى الله عليه‬
‫وسلم أمر حسن متضمن للبلغة واليجاز الموفي بالمقصود على‬
‫أكمل وجه[‪ ]125‬ولذا تواطأ المؤلفون وغيرهم من العلماء‬
‫المتقدمين والمتأخرين على التزامها"[‪.]126‬‬
‫ما التلفيق بين صيغ الصلة فقد استحسنه بعض العلماء وكرهه‬ ‫وأ ّ‬
‫بعضهم‪.‬‬
‫ومن الذين استحسنوه المام النووي رحمه الله حيث يقول‪:‬‬
‫"وينبغي أن يجمع ما في الحاديث الصحيحة فيقول‪" :‬اللهم صل‬
‫على محمد عبدك ورسولك النبي المي وعلى آل محمد وأزواجه‬
‫وذريته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على‬
‫محمد وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم‬
‫وعلى آل إبراهيم في العالمين إنّك حميد مجيد"[‪.]127‬‬
‫ومع هذا فقد فاته شيء‪ ،‬ولعلها توازي قدر ما زاده وتزيد عليه‬
‫كما ذكر السخاوي عن شيخه ابن حجر العسقلني مثل قوله‪:‬‬
‫عبدك ورسولك ومثل قوله في العالمين في الولى ومثل قوله‪" :‬‬
‫ل وبارك لنهما ثبتا معًا وغير ذلك "[‪.]128‬‬‫اللهم ص ّ‬
‫وأما الذين كرهوا التلفيق بين صيغ الصلة فمنهم ابن تيمية رحمه‬
‫الله حيث يقول‪" :‬ولبعض المتأخرين في بعض هذه الدعية‬
‫والذكار التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقولها ويعلمها‬
‫بألفاظ متنوعة ورويت بألفاظ متنوعة طريقة محدثة بأن جمع‬
‫تلك اللفاظ واستحب ورأى ذلك أفضل ما يقال فيها مثال‬
‫الحديث الذي في الصحيحين [‪ ]129‬عن أبي بكر الصديق رضي‬
‫الله عنه أنّه سأل رسول الله‪ :‬عل ِّمني دعاء أدعو به في صلتي‬
‫ما كثيًرا‪ " ...‬قد روي كثيًرا‬‫قال‪ " :‬اللهم إنّي ظلمت نفسي ظل ً‬
‫وروي كبيًرا فيقول هذا القائل يستحب أن يقول كثيًرا كبيًرا‬
‫ل على محمد وعلى آل محمد " وروي‬ ‫وكذلك إذا روي‪ " :‬اللهم ص ّ‬
‫ل على محمد وعلى أزواجه وذريته " وأمثال ذلك‪.‬‬ ‫" اللهم ص ّ‬
‫وهذه طريقة محدثة لم يسبق إليها أحد من الئمة المعروفين‬
‫وطرد هذه الطريقة أن يذكر التشهد بجميع هذه اللفاظ المأثورة‬
‫وأن يقال الستفتاح بجميع اللفاظ المأثورة‪ .‬وهذا مع أنّه مخالف‬
‫لعمل المسلمين لم يستحبه أحد من أئمتهم‪ ،‬بل عملوا بخلفه‬
‫فهو بدعة في الشريعة‪ ،‬فاسد في العقل‪ ،‬ثم قال‪ :‬إذ قال هذا‬
‫تارة على آل محمد وتارة على أزواجه وذريته كان حسنًا‪[" ...‬‬
‫‪.]130‬‬
‫وتبعه في ذلك تلميذه ابن قيم الجوزية رحمه الله حيث يقول‪" :‬‬
‫ن هذه الطريقة أي طريقة التلفيق بين جمع صيغ الصلة طريقة‬ ‫إ ّ‬
‫ن صاحبها إن‬ ‫محدثة لم يسبق إليها أحد من الئمة المعروفين وأ ّ‬
‫طردها لزمه أن يستحب للمصلي أن يستفتح بجميع الستفتاحات‬
‫وأن يستشهد بجميع التشهدات وأن يقول في ركوعه وسجوده‬
‫جميع الذكار الواردة فيه‪ .‬وهذا باطل فإنه خلف عمل الناس ولم‬
‫يستحبه أحد من أهل العلم وهو بدعة وإن لم يطردها تناقض‬
‫وفرق بين متماثلين "[‪.]131‬‬
‫والرأي الخير هو الصح لن هذه الصيغ تثبت عن الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم بهذه الكيفية وأنه علّم أصحابه بهذه الكيفية‪ ،‬بعد‬
‫ما سألوه عنها ولن التلفيق يترتب عنه صيغة مصطنعة مؤتلفة‬
‫لم يقل بها الرسول صلى الله عليه وسلم وعلينا التباع ل‬
‫البتداع‪.‬‬
‫هذا ما يتعلق بصيغ الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم قولً‪.‬‬
‫وأما الصلة عليه صلى الله عليه وسلم كتابة فقد اصطلح‬
‫المؤلفون على كتابة عبارة " صلى الله عليه وسلم " بعد ذكر‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ولذلك يكره أن يقتصر على الصلة دون السلم أو السلم دون‬
‫الصلة كما أنه يكره أن يرمز إليهما بحرفين أو نحو ذلك مثل‬
‫صعم أو "صلعم" أو "ص" أو "صلم" وما شابه ذلك‪.‬‬
‫يقول ابن كثير رحمه الله تعالى نقل ً عن ابن الصلح‪ " :‬وليحافظ‬
‫على الثناء على الله عز وجل والصلة والسلم على رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم وإن تكرر فل يسأم فإن فيه خيًرا كثيًرا‪.‬‬
‫بحيث يكتب الصلة والتسليم كاملة ل رمًزا ول يقتصر على قوله‬
‫"عليه السلم" يعني وليكتب "صلى الله عليه وسلم" واضحة‬
‫كاملة[‪.]132‬‬
‫ومستند الجمع بين الصلة والسلم على النبي صلى الله عليه‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صل ّوا‬
‫منُوا َ‬
‫نآ َ‬‫وسلم المر بهما معًا في قوله تعالى‪{ :‬يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫ما} [الحزاب‪ .]56:‬ومعنى السلم فقيل السلم‬ ‫سلِي ً‬ ‫سل ِّ ُ‬
‫موا ت َ ْ‬ ‫ع َلَيْهِ وَ َ‬
‫الذي هو اسم من أسماء الله عليك وتأويله ل خلوت من الخيرات‬
‫والبركات وسلمت من المكاره والفات‪....‬‬
‫ويحتمل أن يكون بمعنى السلم أي ليكن قضاء الله عليك السلم‬
‫وهو السلمة كالمقام والمقامة‪ ...‬أي يسلمك الله من الملم‬
‫والنقائص‪...‬‬
‫ويحتمل أن يكون بمعنى المسالمة له والنقياد[‪.]133‬‬
‫وأما حكم السلم عليه صلى الله عليه وسلم فتابع لحكم الصلة‬
‫عليه لمر الوارد بهما معًا في الية السابقة‪.‬‬
‫وأما صيغة السلم عليه فهي "السلم عليك أيها النبي ورحمة الله‬
‫وبركاته الواردة في التشهد" كما هو الظاهر[‪.]134‬‬
‫وأما مواطنها المتفق عليها فهي في التشهد وعند زيارة قبره‬
‫صلى الله عليه وسلم بأبي وأمي‪.‬‬
‫وأما ثوابها فتشترك الصلة في كثير من ذلك‪.‬‬
‫مواطن الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬ذكر العلماء‬
‫مواطن كثيرة للصلة على النبي صلى الله عليه وسلم فمنهم من‬
‫ذكر أربعين موطنًا كابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى في جلء‬
‫الفهام [‪ ،]135‬وكذلك السخاوي في القول البديع [‪ ]136‬نحو عدد‬
‫المواطن التي ذكرها ابن القيم‪ .‬ومنهم من ذكر اثنين وثلثين‬
‫موطنًا كصاحب بهجة المحافل[‪.]137‬‬
‫ونذكر هنا أهم ما صح من هذه المواطن وخاصة المرفوع من‬
‫ذلك‪.‬‬
‫الموطن الول‪ :‬في الصلوات عامة بعد التشهد لحديث فضالة بن‬
‫عبيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪ :‬سمع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل ً يدعو في صلته لم يمجد‬
‫ل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله‬ ‫الله ولم يص ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" :‬عجل هذا‪ ،‬ثم دعاه فقال له ولغيره‪" :‬إذا‬
‫صلّى أحدكم فليبدأ بتمجيد اللّه والثناء عليه ثم يصلّي على النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بعد بما شاء"[‪.]138‬‬
‫ن الصلة على النبي صلى‬ ‫وهذا الحديث يدل في منطوقه على أ ّ‬
‫الله عليه وسلم مطلوبة في الصلة‪.‬‬
‫الموطن الثاني‪ :‬صلة الجنازة بعد التكبيرة الثانية‪ :‬لحديث‬
‫الزهري قال‪ :‬سمعت أبا أمامة بن سهل بن حنيف يحدث سعيد‬
‫بن المسيب قال‪" :‬إن السنة في صلة الجنازة أن يقرأ بفاتحة‬
‫الكتاب‪ ،‬ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يخلص‬
‫الدعاء للميت متى يفرغ ول يقرأ إل مّرة واحدة ثم يسلم في‬
‫نفسه "[‪.]139‬‬
‫الموطن الثالث‪ :‬عقب إجابة المؤذن‪ :‬لحديث عبد الله بن عمرو‬
‫بن العاص رضي الله عنهما أنّه سمع النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ن‬
‫ي فإ ّ‬‫يقول‪ " :‬إذا سمع المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلّوا عل ّ‬
‫ي صلة صلّى الله عليه بها عشًرا ثم سلوا لي‬ ‫من صلّى عل ّ‬
‫الوسيلة فإنَّها منزلة في الجنة‪ ،‬ل تنبغي إل ّ لعبد من عباد الله‪،‬‬
‫وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له شفاعتي"[‬
‫‪.]140‬‬

‫وهذه الصلة ينبغي أن يقولها القائل سًّرا ل جهًرا خلفًا لما يفعله‬
‫الناس وخاصة المؤذنون من الجهر بالية[‪ ]141‬ثم الصلة على‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫يقول الشيخ ناصر الدين اللباني‪ " :‬ومن العجيب أن ترى بعض‬
‫المتهاونين بهذه السنن أشد الناس تعصبًا وتمسكًا ببدعة جهر‬
‫المؤذن بالصلة عليه صلى الله عليه وسلم عقب الذان مع كونه‬
‫بدعة اتفاقًا‪ ،‬فإن كانوا يفعلون ذلك حبًّا بالنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فهل اتبعوه في هذه السنة [‪ ]142‬وتركوا تلك البدعة "[‪.]143‬‬

‫الموطن الرابع‪ :‬طوال يوم الجمعة‪ :‬لحديث أوس بن أوس رضي‬


‫ن من أفضل‬ ‫الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬إ ّ‬
‫ن صلتكم‬‫ي من الصلة فيه‪ ،‬فإ ّ‬‫أيامكم يوم الجمعة فأكثروا عل ّ‬
‫ي "‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا رسول الله وكيف تعرض صلتنا عليك‬ ‫معروضة عل ّ‬
‫وقد أرمت؟ قال‪" :‬يقول بليت؟ قال‪ :‬إن الله حّرم على الرض‬
‫أجساد النبياء "[‪.]144‬‬

‫الموطن الخامس‪ :‬في كل مجلس‪ :‬لحديث أبي هريرة رضي الله‬


‫عنه موقوفًا عليه قال‪ " :‬ما جلس قوم مجل ً‬
‫سا ثم تفرقوا قبل أن‬
‫يذكروا الله ويصلوا عليه فيه إل ّ كان عليهم حسرة يوم القيامة "[‬
‫‪.]145‬‬

‫الموطن السادس‪ :‬كلما ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم‪ :‬لقوله‬
‫ي‪..‬‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪ " :‬البخيل من ذكرت عنده فلم يص ّ‬
‫ل عل ّ‬
‫"[‪ .]146‬ثواب الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬ذكر‬
‫العلماء ثوابًا كثيًرا للصلة على النبي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫فمنهم من ذكر ما يقارب أربعين ثوابًا كابن القيم رحمه الله في‬
‫جلء الفهام [‪ ،]147‬والسخاوي في القول البديع[‪.]148‬‬

‫وهذا الثواب المذكور منه ما يستند إلى دليل صحيح‪ ،‬ومنه ما‬
‫ضا منه يدخل في بعض الخر‪.‬‬‫ن بع ً‬‫يستند إلى أدلةٍ ضعيفة‪ ،‬كما أ ّ‬
‫وأذكر هنا أهم ما ذكره العلماء‪:‬‬
‫أولها‪ :‬كتابة عشر حسنات لمن صلّى عليه صلى الله عليه وسلم‬
‫صلة واحدة لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه‬
‫أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪ ..." :‬من صلّى‬
‫ي صلة صلّى الله عليه بها عشًرا "[‪.]149‬‬ ‫عل ّ‬
‫ن رسول الله صلى الله عليه‬ ‫ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه أ ّ‬
‫ي صلة واحدة صلّى الله عليه عشًرا‬ ‫وسلم قال‪ " :‬من صلّى عل َّ‬
‫"[‪.]150‬‬
‫ثانيها‪ :‬محو عشر سيئات عمن صلّى على النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم لحديث عبد الرحمن بن عمرو قال‪" :‬من صلّى على النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم كتب الله له عشر حسنات ومحا عنه عشر‬
‫سيئات‪.]151[" ...‬‬
‫ثالثها‪ :‬رفع عشر درجات لمن صلى عليه صلى الله عليه وسلم‬
‫لحديث عبد الرحمن بن عمرو قال‪" :‬من صلّى على النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم كتب الله له عشر حسنات ومحا عنه عشر‬
‫سيئات ورفع له عشر درجات"[‪.]152‬‬
‫رابعها‪ :‬مغفرة الذنب كله لمن صلّى على النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم لحديث أبي بن كعب رضي الله عنه قال‪ :‬كان رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم يخرج في ثلثي الليل فيقول‪" :‬جاءت‬
‫ي‪ :‬يا رسول‬ ‫الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه " وقال أب ّ‬
‫الله إنّي أصلّي من الليل أفأجعل لك ثلث صلتي؟ [‪ ]153‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬الشطر قال‪ :‬أفأجعل لك‬
‫شطر صلتي؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬الثلثان‬
‫أكثر‪ ،‬قال‪ :‬أفأجعل لك صلتي كلها؟ قال‪ :‬إذن يغفر لك ذنبك كله‬
‫"[‪.]154‬‬
‫خامسها‪ :‬القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم‬
‫القيامة لحديث ابن مسعود رضي الله عنه قال‪ :‬قال النبي صلى‬
‫ي‬
‫الله عليه وسلم‪" :‬أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عل ّ‬
‫صلة"[‪.]155‬‬
‫سادسها‪ :‬أن من صلّى عليه صلى الله عليه وسلم عند ذكره ينجو‬
‫ن رسول الله‬ ‫من أن يوصف بالبخل لحديث علي رضي الله عنه أ ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬البخيل من ذكرت عنده فلم يص ّ‬
‫ل‬
‫ى"[‪.]156‬‬ ‫عل ّ‬
‫سابعها‪ :‬أنّه من صلى عليه ل يخطئ أبواب الجنة لحديث ابن‬
‫عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬من‬
‫ي خطئ طريق الجنة"[‪.]157‬‬ ‫ينسى الصلة عل َّ‬
‫وهذان الحديثان الخيران يدلن على الثواب بدليل المخالفة‪.‬‬
‫ثامنها‪ :‬أنها سبب لشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرنها‬
‫بسؤال الوسيلة له‪.‬‬
‫لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم يقول‪" :‬إذا سمعتم المؤذن فقولوا‬
‫ي صلة صلى الله‬ ‫ي فإن من صلّى عل َّ‬ ‫مثل ما يقول ثم صلّوا عل َّ‬
‫عليه بها عشًرا ثم سلوا لي الوسيلة فإنها مترلة في الجنة ل‬
‫تنبغي إل ّ لعبد من عباد الله‪ ،‬وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي‬
‫الوسيلة حلّت له شفاعتي"[‪.]158‬‬

‫ــــــــــــــــ‬
‫الهوامش‪:‬‬
‫[‪ ]1‬المضغة‪ :‬القطعة من اللحم‪ ،‬قدر ما يمضغ‪ ،‬وجمعها مضغ‪،‬‬
‫وهنا تعني القلب‪ ،‬لنه قطعة لحم من الجسد‪ .‬انظر‪ :‬النهاية في‬
‫غريب الحديث لبن الثير (‪.)4/339‬‬
‫[‪ ]2‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب اليمان‪ ،‬باب من استبرأ لدينه (‪.)1/1920‬‬
‫[‪ ]3‬صحيح البخاري‪ ،‬باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم (‪.)1/6‬‬
‫[‪ ]4‬غرائب القرآن‪.)3/131132( ،‬‬
‫[‪ ]5‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب القدر‪ ،‬بات تصريف الله القلب كيف شاء‬
‫(‪.)4/2045‬‬
‫[‪ ]6‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب القدر‪ ،‬باب تصريف الله القلب كيف شاء‬
‫(‪.)4/2045‬‬
‫ْ‬
‫[‪ ]7‬هو أبو منصور محمد بن أحمد الزهري (‪292370‬هـ)‪.‬‬
‫[‪ ]8‬تهذيب اللغة مادة أمن (‪.)15/513‬‬
‫[‪ ]9‬تقدمت ترجمته في (ص‪.)25:‬‬
‫[‪ ]10‬معجم مقاييس اللغة (‪.)1/133‬‬
‫[‪ ]11‬مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزأبادي المتوفى سنة (‬
‫‪817‬هـ)‪ .‬انظر ترجمته في بغية الوعاة (‪.)2/273275‬‬
‫[‪ ]12‬القاموس المحيط (‪.)4/199‬‬
‫[‪ ]13‬تقدمت ترجمته في (ص‪.)25:‬‬
‫[‪ ]14‬لسان العرب (‪.)13/21‬‬
‫[‪ ]15‬تهذيب اللغة‪.)15/514( ،‬‬
‫[‪ ]16‬اليمان (‪.)146‬‬
‫[‪ ]17‬المصدر السابق‪.)146147( :‬‬
‫[‪ ]18‬الفوائد‪.)85( :‬‬
‫[‪ ]19‬الشفا بتعريف حقوق المصطفى‪ :‬القاضي عياض (‪.)2/539‬‬
‫[‪ ]20‬القاعدة المراكشية‪.)2425( :‬‬
‫[‪ ]21‬الفوائد (‪.)107‬‬
‫[‪ ]22‬البخاري في كتاب اليمان في باب سؤال جبريل صلى الله‬
‫عليه وسلم عن اليمان والسلم والحسان وعلم الساعة (‪.)1/18‬‬
‫[‪ ]23‬البخاري في كتاب اليمان‪ ،‬باب‪( :‬فأن أقاموا الصلة وآتوا‬
‫الزكاة فخلوا سبيلهم) (‪ .)1/13‬واللفظ له‪ ،‬ومسلم في كتاب‬
‫اليمان‪ ،‬باب المر بقتال الناس حتى يقولوا ل إله إل ّ الله محمد‬
‫رسول الله ويقيموا الصلة ويؤتوا الزكاة‪.)1/53( .‬‬
‫[‪ ]24‬مسلم في كتاب اليمان‪ ،‬باب وجوب اليمان برسالة نبينا‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس ونسخ الملل بملته‬
‫(‪.)1348‬‬
‫[‪ ]25‬تقدم تخريجه في الصفحة السابقة‪.‬‬
‫[‪ ]26‬الشفا بتعريف حقوق المصطفى (‪.)2/540‬‬
‫[‪ ]27‬جزء من حديث أسامة‪ ،‬وتمامه‪ :‬بعثنا رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم في سرية فصبحنا في الخرقات من جهينة فأدركت‬
‫رجل ً فقال‪ :‬ل إله إل الله فطعنته فوقع في نفسي من ذلك‬
‫فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬أقال‪ :‬ل إله إل ّ الله وقتلته؟" قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول‬
‫الله‪ ،‬إنما قالها خوفًا من السلح‪ .‬قال‪" :‬أفل شققت عن قلبه‬
‫ي حتى تمنيت أنّي‬ ‫حتى تعلم أقالها أم ل؟" فما زال يكررها عل َّ‬
‫أسلمت يومئذ‪ .‬انظر صحيح مسلم في كتاب اليمان‪ ،‬باب تحريم‬
‫قتل الكافر بعد أن قال‪ :‬ل إله إل ّ الله (‪.)1/56‬‬
‫[‪ ]28‬الحديث في صحيح البخاري‪ ،‬في كتاب اليمان‪ ،‬باب تفاضل‬
‫أهل اليمان (‪ )1/13‬بلفظ‪" :‬يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار‬
‫النار‪ ،‬ثم يقول الله تعالى‪ :‬أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة‬
‫من خردل من إيمان"‪.‬‬
‫[‪ ]29‬الشفا بتعريف حقوق المصطفى (‪.)2/541‬‬
‫[‪ ]30‬موسوعة سماحة السلم لمحمد صادق عرجون (‪.)1/82‬‬
‫[‪ ]31‬انظر تفسير ابن كثير (‪.)2/422‬‬
‫[‪ ]32‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب اليمان‪ ،‬باب بيان عدد شعب اليمان‬
‫وأفضلها وأدناها (‪.)1/63‬‬
‫[‪ ]33‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب اليمان‪ ،‬باب حب‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم من اليمان (‪.)1/12‬‬
‫[‪ ]34‬بصائر ذوي التمييز‪.)2/416417( :‬‬
‫[‪ ]35‬القاموس المحيط‪.)1/52( :‬‬
‫[‪ ]36‬لسان العرب‪.)1/289( :‬‬
‫[‪ ]37‬مدارج السالكين‪.)3/10( :‬‬
‫[‪ ]38‬يحتمل أنّه ابن عيينة أو الثوري كما ذكر الخفاجي في شرح‬
‫الشفا (‪.)3/371‬‬
‫[‪ ]39‬الشفا بتعريف حقوق المصطفى‪.)2/578579( :‬‬
‫[‪ ]40‬الذريعة إلى مكارم الشريعة‪.)190( :‬‬
‫[‪ ]41‬رسالة المسترشدين‪.)177179( :‬‬
‫[‪ ]42‬الذريعة إلى مكارم الشريعة‪.)190( :‬‬
‫[‪ ]43‬مفردات في غريب القرآن‪.)105( :‬‬
‫[‪ ]44‬الشفا‪.)2/579( :‬‬
‫[‪ ]45‬الشفا‪.)2/580581( :‬‬
‫[‪ ]46‬تفسير القرآن العظيم‪.)4/329( :‬‬
‫[‪ ]47‬أخرجه الترمذي في سننه‪ ،‬أبواب المناقب‪ ،‬باب فيمن سب‬
‫أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (‪ )5/358‬وقال‪ :‬حديث حسن‬
‫غريب ل نعرفه إل من هذا الوجه‪.‬‬
‫[‪ ]48‬سدة المسجد‪ :‬يعني الظلل التي حوله‪ .‬النهاية في غريب‬
‫الحديث‪.)2/353( :‬‬
‫[‪ ]49‬صحيح مسلم في كتاب البر والصلة والداب‪ ،‬باب المرء مع‬
‫من أحب (‪.)4/2033‬‬
‫[‪ ]50‬أخرجه البخاري في كتاب اليمان‪ ،‬باب حلوة اليمان (‪،)1/12‬‬
‫ومسلم في كتاب اليمان‪ ،‬باب بيان خصال من اتصف بهن وجد‬
‫حلوة اليمان (‪ )1/66‬واللفظ له‪.‬‬
‫[‪ ]51‬مجمع الزوائد (‪ )7/7‬وقال الهيثمي‪ :‬رواه الطبراني في‬
‫الصغير والوسط ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن عمران‬
‫الغامدي وهو ثقة‪.‬‬
‫[‪ ]52‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب اليمان‪ ،‬باب حب‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم من اليمان (‪.)1/12‬‬
‫[‪ ]53‬مستدرك الحاكم (‪ ،)3/559‬وقال‪ :‬صحيح السناد ولم يخرجاه‬
‫ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫[‪ ]54‬الدباء‪ :‬القرع واحدتها دباءة‪ .‬النهاية في غريب الحديث (‬
‫‪.)2/96‬‬
‫[‪ ]55‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الطعمة‪ ،‬باب من تتبع حوالي القصعة‬
‫مع صاحبه إذا لم يعرف منه كراهية (‪.)3/291‬‬
‫[‪ ]56‬انظر سيرة ابن هشام‪.)3/95( :‬‬
‫[‪ ]57‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب البر والصلة والداب‪ ،‬باب المرء مع من‬
‫أحب (‪.)4/2032‬‬
‫[‪ ]58‬جلل‪ :‬هين يسير‪ ،‬والجلل من الضداد‪ ،‬يكون للحقير‬
‫والعظيم‪ .‬النهاية في غريب الحديث (‪.)10/289‬‬
‫[‪ ]59‬انظر سيرة ابن هشام (‪.)3/43‬‬
‫[‪ ]60‬تفسير الفخر الرازي‪.)24/249( :‬‬
‫[‪ ]61‬تفسير الفخر الرازي‪.)22/46( :‬‬
‫[‪ ]62‬في ديوانه‪.)89( :‬‬
‫[‪ ]63‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الطب‪ ،‬باب من البيان سحرا (‪.)4/21‬‬
‫[‪ ]64‬روضة العقلء ونزهة الفضلء‪.)219( :‬‬
‫[‪ ]65‬تفسير الفحر الرازي‪.)22/47( :‬‬
‫[‪ ]66‬تفسير القرآن العظيم‪.)4/205( :‬‬
‫[‪ ]67‬تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان للنيسابوري (‪.)26/57‬‬
‫[‪ ]68‬في ظلل القرآن‪.)6/3339( :‬‬
‫[‪ ]69‬الصارم المسلول على شاتم الرشول (ص‪.)423:‬‬
‫[‪ ]70‬زاد المسير (‪.)8/457‬‬
‫[‪ ]71‬التسهيل (‪.)4/104‬‬
‫[‪ ]72‬النصاف فيما تضمنه الكشاف من العتزال الذي بهامش‬
‫الكشاني (‪.)3/556‬‬
‫[‪ ]73‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الرقاق‪ ،‬باب حفد اللسان (‪.)4/126‬‬
‫[‪ ]74‬الحاكم في مستدركه (‪ ،)2/462‬وقال‪ :‬هذا حديث صحيح على‬
‫شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫[‪ ]75‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب التفسير‪ ،‬باب تفسير سورة الحجرات‬
‫(‪.)3/191‬‬
‫[‪ ]76‬في ظلل القرآن‪.)6/3339( :‬‬
‫[‪ ]77‬أحكام القرآن لبن العربي‪.)1703 4/1702( :‬‬
‫[‪ ]78‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الصلة‪ ،‬باب رفع الصوت في المسجد‬
‫(‪.)1/93‬‬
‫[‪ ]79‬أضواء البيان‪.)7/617( :‬‬
‫[‪ ]80‬أحكام القرآن للجصاص (‪.)3/398‬‬
‫[‪ ]81‬تفسير الفخر الرازي‪.)28/113( :‬‬
‫[‪ ]82‬الدر المنثور بالتفسير بالمأثور للسيوطي‪ ،)7/552( ،‬وقال‬
‫السيوطي‪ :‬رواه أحمد والطبراني وغيرهما بسند صحيح‪.‬‬
‫[‪ ]83‬تفسير القرآن العظيم‪.)4/208( :‬‬
‫[‪ ]84‬تفسير القرآن العظيم‪.)4/208( :‬‬
‫[‪ ]85‬انظر زاد المسير (‪.)6/68‬‬
‫[‪ ]86‬هو عبد الحق بن غالب المعروف بابن عطية المتوفى سنة (‬
‫‪541‬هـ) انظر ترجمته في طبقات المفسرين للداودي (‪.)1/260261‬‬
‫[‪ ]87‬انظر البحر المحيط‪.)6/476( :‬‬
‫[‪ ]88‬تفسير الفخر الرازي (‪.)24/40‬‬
‫[‪ ]89‬البحر المحيط‪.)6/476( :‬‬
‫[‪ ]90‬تفسير القرآن العظيم‪.)3/306307( :‬‬
‫[‪ ]91‬الثاني عندنا‪.‬‬
‫[‪ ]92‬تفسير سورة النور (ص‪.)231:‬‬
‫[‪ ]93‬جلء الفهام‪( :‬ص‪.)235:‬‬
‫[‪ ]94‬الصارم المسلول (ص‪ )422423:‬بتصرف‪.‬‬
‫[‪ ]95‬في ظلل القرآن‪.)4/2535( :‬‬
‫[‪ ]96‬الصحاح (‪.)6/2402‬‬
‫[‪ ]97‬القاموس المحيط (‪.)4/335‬‬
‫[‪ ]98‬وتأتي ترجمته في (ص‪.)261:‬‬
‫[‪ ]99‬مصباح المنير (‪.)1/371‬‬
‫[‪ ]100‬القاموس المحيط‪.)1/371( :‬‬
‫[‪ ]101‬كتاب التعريفات‪.)139( :‬‬
‫[‪ ]102‬انظر فضل الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص‪:‬‬
‫‪ )80‬للقاضي إسماعيل الجهضمي‪.‬‬
‫[‪ ]103‬انظر المصدر السابق‪.)8081( :‬‬
‫[‪ ]104‬انظر المصدر السابق‪.)8081( :‬‬
‫[‪ ]105‬جلء الفهام‪( :‬ص‪.)83:‬‬
‫[‪ ]106‬المنهاج في شعب اليمان‪.)2/134( :‬‬
‫[‪ ]107‬جلء الفهام‪( :‬ص‪.)86:‬‬
‫[‪ ]108‬يقصد به الحافظ ابن حجر العسقلني كما صرح به‬
‫السخاوي نفسه في آخر القول البديع (ص‪.)264:‬‬
‫[‪ ]109‬انظر القول البديع في الصلة على الحبيب الشفيع (ص‪)14:‬‬
‫وما بعدها‪.‬‬
‫[‪ ]110‬هو عماد الدين يحيى بن أبي بكر العامري‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫ن ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬
‫ي يَا‬ ‫صل ّو َ‬
‫ه يُ َ‬‫ملئِكَت َ ُ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫[‪ ]111‬وهي قوله تعالى‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما} [الحزاب‪.]56:‬‬ ‫سلِي ً‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ِّ ُ‬‫صل ّوا ع َلَيْهِ وَ َ‬
‫منُوا َ‬
‫نآ َ‬‫أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫[‪ ]112‬بهجة المحافل وبغية الماثل (‪.)2/416‬‬
‫[‪ ]113‬القول البديع (ص‪.)14:‬‬
‫[‪ ]114‬صفة صلة النبي صلى الله عليه وسلم (ص‪ )146:‬وما بعدها‪،‬‬
‫وانظر فضل الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم بتحقيق‬
‫اللباني هامش (ص‪.)54:‬‬
‫[‪ ]115‬أخرجه الطحاوي في مشكل الثار (‪ ،)3/74‬وذكر السخاوي‬
‫هذه الرواية في القول البديع (ص‪ ،)42:‬وصحيح اللباني هذه‬
‫الرواية بعد عزوه إلى المام أحمد والطحاوي في صفة صلة‬
‫النبي (ص‪.)147:‬‬
‫[‪ ]116‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب التفسير‪ ،‬باب قوله تعالى‪( :‬إن الله‬
‫وملئكته يصلون على النبي‪ ،)3/178( ).‬وصحيح مسلم‪ ،‬كتاب‬
‫الصلة‪ ،‬باب الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد‬
‫(‪.)1/305‬‬
‫[‪ ]117‬أخرجه المام أحمد في مسنده (‪ ،)1/162‬والنسائي في سننه‬
‫(‪ )1/190‬وقد ذكر ابن القيم هذه الرواية في جلء الفهام (ص‪)9:‬‬
‫والسخاوي في القول البديع (ص‪ )34:‬بألفاظ متقاربة‪ ،‬وصحح‬
‫اللباني هذه الرواية في صفة صلة النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫(ص‪ )147:‬بعد عزوها إلى المام أحمد والنسائي وغيرهما‪.‬‬
‫[‪ ]118‬أخرجه المام مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الصلة‪ ،‬باب الصلة‬
‫على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد (‪.)1/305‬‬
‫[‪ ]119‬أخرجه المام البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب التفسير‪ ،‬باب‬
‫قوله تعالى‪( :‬إن الله وملئكته يصلون على النبي‪.)3/178( ).‬‬
‫[‪ ]120‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب النبياء باب يزفون القسلن في‬
‫المشي (‪ ،)2/239‬وصحيح مسلم‪ ،‬كتاب الصلة على النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم بعد التشهد (‪.)1/306‬‬
‫[‪ ]121‬أخرجه الطحاوي في مشكل الثار (‪ ،)3/75‬وقد ذكر ابن‬
‫القيم في جلء الفهام (ص‪ )13:‬هذه الصيغة وصححها‪ ،‬وكذلك‬
‫السخاوي في القول البديع (ص‪ )40:‬وصححها‪ ،‬واللباني في صفة‬
‫الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص‪ ،)148:‬وصححها بعد‬
‫عزوها إلى الطحاوي وغيره‪.‬‬
‫[‪ ]122‬القول البديع (ص‪.)47:‬‬
‫[‪ ]123‬حسن التوسل‪( :‬ص‪.)196:‬‬
‫[‪ ]124‬حسن التوسل في آداب زيارة أفضل الرسل (ص‪.)196:‬‬
‫[‪ ]125‬ففيه نظر‪ ،‬لنها لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫بهذه الكيفية‪ ،‬والكمل ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم ل غير‬
‫ضا على قول‬ ‫وخاصة في المور الدينية‪ .‬وهذا العتراض يرد أي ً‬
‫الفاكهي السابق المبني على نقل ابن مندة عن جمع من الصحابة‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫[‪ ]126‬هو عبد الله بن أحمد الفاكهي المتوفي سنة (‪972‬هـ)‪ .‬انظر‬
‫ترجمته في العلم (‪.)4/193‬‬
‫[‪ ]127‬المجموع شرح المهذب (‪.)3/447‬‬
‫[‪ ]128‬انظر القول البديع (ص‪.)6162:‬‬
‫[‪ ]129‬الحديث في صحيح البخاري‪ ،‬كتاب صفة الصلة‪ ،‬باب الدعاء‬
‫قبل السلم (‪ ،)1/151‬وفي صحيح مسلم‪ ،‬في كتاب الذكر والدعاء‬
‫والتوبة والستغفار‪ ،‬باب استحباب خفض الصوت بالذكر (‪.)4/2078‬‬
‫[‪ ]130‬مجموع الفتاوى (‪.)1/161162‬‬
‫[‪ ]131‬جلء الفهام‪( :‬ص‪.)190:‬‬
‫[‪ ]132‬انظر الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث للحافظ ابن‬
‫كثير (ص‪.)135136:‬‬
‫[‪ ]133‬القول البديع‪.)6768( :‬‬
‫[‪ ]134‬انظر المصدر السابق‪.)66( :‬‬
‫[‪ ]135‬انظر (ص‪ )193:‬وما بعدها‪.‬‬
‫[‪ ]136‬انظر (ص‪ )170:‬وما بعدها‪.‬‬
‫[‪ ]137‬انظر بهجة المحافل‪.)2/416417( .‬‬
‫[‪ ]138‬رواه المام أحمد في مسنده (‪ ،)6/18‬وحسنه اللباني‪ ،‬في‬
‫تعليقاته على كتاب فضل الصلة على النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم انظر هامش (ص‪.)86:‬‬
‫[‪ ]139‬أخرجه الحاكم في مستدركه (‪ )1/360‬وقال‪ :‬صحيح على‬
‫شرط الشيخين ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫[‪ ]140‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الصلة‪ ،‬باب استحباب القول مثل قول‬
‫المؤذن لمن سمعه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ثم يسأل الله له الوسيلة (‪.)1/288‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ َ‬
‫ي يَا‬
‫ن ع َلى الن ّب ِ ِ ّ‬
‫صلو َ‬ ‫ه يُ َ‬‫ملئِكَت َ ُ‬ ‫ه وَ َ‬‫ن الل ّ َ‬‫[‪ ]141‬وهي قوله تعالى‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما} [الحزاب‪.]56:‬‬ ‫سلِي ً‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ِّ ُ‬‫صل ّوا ع َلَيْهِ وَ َ‬
‫منُوا َ‬ ‫أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫نآ َ‬
‫[‪ ]142‬وهي أن يقولوا مثل ما يقول المؤذن ثم يصلّوا على النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم سًرا‪.‬‬
‫[‪ ]143‬انظر فضل الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫للقاضي إسماعيل بن إسحاق الجهضمي هامش (ص‪.)50:‬‬
‫[‪ ]144‬الحاكم في مستدركه (‪ )1/278‬وصححه ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫[‪ ]145‬رواه الحاكم في مستدركه (‪.)1/492‬‬
‫[‪ ]146‬أخرجه الحاكم في مستدركه (‪ )1/549‬وقال‪ :‬صحيح السناد‬
‫ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫[‪ ]147‬انظر (ص‪ )262:‬وما بعدها‪.‬‬
‫[‪ ]148‬انظر (ص‪ )151:‬وما بعدها‪.‬‬
‫[‪ ]149‬صحيح مسلم‪ )1/288289( ،‬وقد تقدم في (ص‪.)209:‬‬
‫[‪ ]150‬رواه إسماعيل القاضي في فضل الصلة على النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم (ص‪ ،)26:‬وصحح اللباني إسناد هذا الحديث في‬
‫تعليقاته على الكتاب المذكور‪ .‬انظر هامش (ص‪.)26:‬‬
‫[‪ ]151‬رواه إسماعيل القاضي في فضل الصلة على النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم (ص‪ .)38:‬وقال اللباني في تعليقاته على الكتاب‬
‫المذكور إسناده ضعيف‪ ،‬لكن له شاهد مرفوع عن أنس‪ ،‬أخرجه‬
‫النسائي وغيره بسند صحيح‪ .‬انظر هامش (ص‪ ،)28:‬قلت‪ :‬رواية‬
‫ي صلة واحدة‬ ‫أنس التي أشار إليها هي بلفظ‪" :‬من صلى عل َّ‬
‫صلى الله عليه عشر صلوات‪ ،‬وحطت عنه عشر خطيئات‪،‬‬
‫ورفعت له عشر درجات"‪ .‬سنن النسائي في كتاب السهو‪ ،‬باب‬
‫الفضل في الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم (‪.)3/50‬‬
‫[‪ ]152‬الحديث هو نفس الحديث الذي قبله‪.‬‬
‫[‪ ]153‬صلتي هنا تعني دعائي‪.‬‬
‫[‪ ]154‬أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلة على النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم (‪ )2930‬وقال اللباني‪ :‬حديث جيد‪ .‬انظر فضل‬
‫الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم هامش (ص‪.)30:‬‬
‫[‪ ]155‬رواه الترمذي في سننه‪ ،‬أبواب التطوع‪ ،‬باب ما جاء في‬
‫فضل الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم (‪ ،)2/302‬وقال‪ :‬هذا‬
‫حديث حسن غريب‪.‬‬
‫[‪ ]156‬أخرجه الحاكم في مستدركه (‪ )1/549‬وقال‪ :‬صحيح السناد‬
‫ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫[‪ ]157‬رواه ابن ماجة في كتاب إقامة الصلة والسنة فيها‪ ،‬باب‬
‫الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم (‪ ،)1/294‬وقال اللباني‬
‫والحديث يرتقي إلى درجة الحسن على أقل الدرجات‪ .‬انظر‬
‫فضل الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم هامش (‪.)45‬‬
‫[‪ ]158‬صحيح مسلم (‪ )1/288289‬وقد تقدم في (ص‪ ،)209:‬وفي (ص‪:‬‬
‫ضا‪.‬‬
‫‪ )211‬أي ً‬
‫‪ .8‬كتاب "التأدب مع الرسول في ضوء الكتاب‬
‫والسنة" [الجزء الرابع]‬
‫لفصل الثالث‬
‫الدب العملي‬

‫في بداية هذا الباب قسمت الدب إلى ثلثة أنواع وذكرت في‬
‫الفصلين السابقين نوعين منها وهما الدب القلبي والدب‬
‫القولي‪ ،‬وفي هذا الفصل سوف أتحدث عن النوع الثالث والخير‬
‫وهو الدب الفعلي والعملي‪ ،‬ونقصد بالدب العملي الدب الذي‬
‫سا‪ .‬وبذا يتكون هذا الفصل‬
‫يتعلق بالجوارح‪ ،‬ويكون عمليًا محسو ً‬
‫من مبحثين‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬الطاعة والتباع‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مجالسته صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫المبحث الول‬
‫الطاعة والتباع‬
‫وردت طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم‬
‫مّرات كثيرة بصيغ مختلفة‪ ،‬حيث جاءت أمًرا بطاعته ونهيًا عن‬
‫مخالفته‪ ،‬وإخباًرا بأن طاعته صلى الله عليه وسلم يترتب عليها‬
‫ثوابًا عظيم في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫ن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم‬ ‫والصيغ التي تدل على أ ّ‬
‫واجبة على المة هي صيغتا المر بطاعته والنهي عن مخالفته أو‬
‫ما يجري مجراهما من تحذير عن مخالفته أو توعد بعقاب لمن‬
‫يخالف‪.‬‬
‫ما الصيغة الولى وهي المر بطاعة الرسول صلى الله عليه‬ ‫وأ ّ‬
‫وسلم فقد وردت في القرآن الكريم مقترنة بطاعة الله مع تكرير‬
‫الفعل "أطيعوا" مرة مع الله‪ ،‬ومرة مع الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫سو َ‬
‫ل‬ ‫ه وَأطِيعُوا الَّر ُ‬ ‫منُوا أطِيعُوا الل َ‬ ‫نآ َ‬ ‫يقول تعالى‪{ :‬يَا أي ّهَا الذِي َ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫يءٍ فَُردُّوه ُ إِلَى اللهِ‬ ‫ش ْ‬ ‫م فِي َ‬ ‫ن تَنَاَزع ْت ُ ْ‬ ‫م فَإ ِ ْ‬ ‫منْك ُ ْ‬ ‫مرِ ِ‬ ‫وَأوْلِي ال ْ‬
‫ل} [النساء‪.]59:‬‬ ‫سو ِ‬ ‫وَالَّر ُ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سألُون َ َ‬
‫ن النْفَا ِ‬ ‫ك عَ ْ‬ ‫ومرة بعدم تكرير الفعل مثل قوله تعالى‪{ :‬ي َ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل الَنْفَا‬
‫م وَأطِيعُوا‬ ‫ت بَيْنِك ُ ْ‬‫حوا ذ َا َ‬ ‫صل ِ ُ‬
‫ه وَأ ْ‬ ‫ل فَاتَّقُوا الل ّ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ل لِل ّهِ وَالَّر ُ‬ ‫قُ ْ‬
‫َ‬
‫ن} [النفال‪.]1:‬‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤْ ِ‬‫م ُ‬ ‫ن كُنت ُ ْ‬ ‫ه إِ ْ‬‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ولكل من التعبيرين مدلول خاص كما ذكر المفسرون قائلين‪ :‬إذا‬
‫كان الفعل أطيعوا متكرًرا يفيد على أن للرسول صلى الله عليه‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫استقلل من الطاعة مثل قوله تعالى‪{ :‬يَا أي ُّ َها ال ّذِي َ‬
‫ن‬
‫َ‬
‫وسلم نوع‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫منُوا أَطِيعُوا الل ّ‬
‫م فَإ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫منْك ُ ْ‬
‫مرِ ِ‬ ‫ل وَأوْلِي ال ْ‬ ‫سو َ‬
‫َ‬
‫ه وَأطِيعُوا الَّر ُ‬ ‫َ‬ ‫آ َ‬
‫ل} [النساء‪.]59:‬‬ ‫سو ِ‬ ‫يءٍ فَُردُّوه ُ إِلَى الل ّهِ وَالَّر ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫م فِي َ‬ ‫تَنَاَزع ْت ُ ْ‬
‫يقول اللوسي رحمه الله في تفسيره هذه الية‪" :‬وأعاد الفعل‬
‫وإن كانت طاعة الرسول مقترنة بطاعة الله تعالى اعتناء بشأنه‬
‫عليه الصلة والسلم وقطعًا لتوهم أنه ل يحب امتثال ما ليس في‬
‫القرآن وإيذانًا بأن له صلى الله عليه وسلم استقلل ً بالطاعة لم‬
‫يثبت لغيره من البشر ومن ثم لم يعد في قوله سبحانه‪{ :‬وَأُوْلِي‬
‫َ‬
‫م} [النساء‪ ]59:‬إيذانًا بأنهم ل استقلل لهم فيها استقلل‬ ‫منْك ُ ْ‬ ‫مرِ ِ‬ ‫ال ْ‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم[‪.]1‬‬
‫وقد حذ ّر الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذا المفهوم‬
‫الخاطئ وهو الكتفاء بما جاء في القرآن دون الرجوع إلى السنة‬
‫المبينة للقرآن الكريم بقوله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫"ل ألفين أحدًا متكئًا على أريكته يأتيه المر من أمري مما أمرت‬
‫به أو نهيت عنه‪ ،‬فيقول‪ :‬ل أدري‪ ،‬ما وجدنا في كتاب الله‬
‫اتبعناه"[‪.]2‬‬
‫وفي رواية المقدام زيادة‪" :‬أل وإن ما حّرم رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم مثل ما حرم الله"[‪.]3‬‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫سألُون َ َ‬
‫ك عَ ْ‬ ‫ما إذا كانت الفعل غير متكرر مثل قوله تعالى‪{ :‬ي َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫وأ ّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫الَنْفَا‬
‫ت بَيْنِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫حوا ذ َا َ‬ ‫صل ِ ُ‬ ‫ه وَأ ْ‬ ‫ل فَات ّقُوا الل َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ل لِلهِ وَالَّر ُ‬ ‫ل النْفَا ُ‬
‫َ‬
‫ل قُ ْ‬‫ِ‬
‫َ‬
‫ن} [النفال‪ .]1:‬فيفيد أن‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن كُنت ُ ْ‬ ‫سول َ ُ‬
‫ه إِ ْ‬ ‫ه وََر ُ‬‫وَأطِيعُوا الل ّ َ‬
‫طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم هي طاعة الله تعالى‪.‬‬
‫يقول اللوسي رحمه الله في تفسيره هذه الية‪" :‬وذكر الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم مع الله تعالى أول ً وآخًرا لتعظيم شأنه‬
‫وإظهار شرفه واليذان بأن طاعته عليه الصلة والسلم طاعة‬
‫ن الجمع بين الله تعالى ورسوله‬ ‫الله تعالى‪ ،‬وقال غير واحد أ ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم أول ً لن اختصاص الله تعالى بالمر‬
‫والرسول صلى الله عليه وسلم بالمتثال"[‪.]4‬‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫منُوا‬‫نآ َ‬ ‫ومما يدل َ على هذا المعنى َ قوله تعالى‪{ :‬يَا أي ّهَا الذِي َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن} [النفال‪.]20:‬‬ ‫معُو َ‬ ‫س َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ه وَأنْت ُ ْ‬ ‫ه وَل تَوَل ّوْا ع َن ْ ُ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫أطِيعُوا الل ّ َ‬
‫حيث أفرد الضمير وأعيد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم دون‬
‫ن الضمير يرجع إلى‬ ‫الله عز وجل بعد المر بطاعتهما م ًعا ل ّ‬
‫أقرب المذكور كما هو معروف في علم النحو للشارة إلى أنه‬
‫صلى الله عليه وسلم هو الوسيلة بين الله وبين خلقه في تبليغ‬
‫ن طاعته صلى الله عليه وسلم طاعة‬ ‫مراد الله تعالى وبيانه‪ ،‬وأ ّ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ه}‬ ‫ل فَقَد ْ أطَاع َ الل َ‬ ‫سو َ‬ ‫ن يُطِعْ الَّر ُ‬ ‫م ْ‬
‫لله على غرار قوله تعالى‪َ { :‬‬
‫[النساء‪.]80:‬‬
‫يقول اللوسي رحمه الله‪" :‬وأعيد الضمير إليه عليـه الصلة‬
‫ن المقصود طاعته صلى الله عليه وسلم وذكر طاعة‬ ‫والسلم ل ّ‬
‫الله توطئة لطاعته وهي مستلزمة لطاعة الله تعالى لنّه مبلغ‬
‫عنه فكان الراجع إليه كالراجع إلى الله تعالى"[‪.]5‬‬
‫ومن هذه النماذج التي ذكرناها سابقًا في موضوع طاعة الرسول‬
‫ن طاعته صلى الله عليه وسلم‬ ‫صلى الله عليه وسلم يتبين لنا أ ّ‬
‫واجبة على كل مسلم في كل أمر من المور سواء كان ذلك‬
‫ن طاعته طاعة الله تعالى كما يدل‬ ‫المر ثبت بالقرآن أو بالسنة ل ّ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ه} [النساء‪]80:‬‬ ‫ل فَقَد ْ أطَاع َ الل َ‬ ‫سو َ‬ ‫ن يُطِعْ الَّر ُ‬ ‫م ْ‬‫عليه قوله تعالى‪َ { :‬‬
‫ولنه صلى الله عليه وسلم ل يتكلم عن الهوى وإنما عن وحي‬
‫َ‬
‫ي‬
‫ح ٌ‬ ‫ن هُوَ إِل ّ وَ ْ‬ ‫ن الْهَوَى * إ ِ ْ‬ ‫ما يَنْطِقُ ع َ ْ‬ ‫من الله سبحانه وتعالى {وَ َ‬
‫حى} [النجم‪.]34:‬‬ ‫يُو َ‬
‫ويدخل في مفهوم طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم اتباعه‬
‫ن مدلول التباع والطاعة يكاد ْ يكون واحدًا حيث أنها من‬ ‫ل ّ‬
‫المترادفات وشأن المترادفات أن يكون معناها واحدًا مع وجود‬
‫فروق طفيفة مثل كلمتي قعد وجلس حيث أن الولى من‬
‫ن مدلولهما واحد‪.‬‬ ‫الضطجاع والثانية من القيام مع أ ّ‬
‫وهكذا شأن كل المترادفات‪ ،‬وأما كلمتي التباع والطاعة‪ ،‬فقد‬
‫ذكر أبو هلل العسكري عند كلمه عن الفرق بين العبادة‬
‫ن مدلول التباع والطاعة واحد فقال‪" :‬والطاعة الفعل‬ ‫والطاعة أ ّ‬
‫الواقع على حسب ما أراده المريد متى كان المريد أعلى رتبة‬
‫ممن يفعل ذلك وتكون للخالق والمخلوق والعبادة ل تكون إل‬
‫للخالق‪ ،‬والطاعة في مجاز اللّغة تكون اتباع المدعو والداعي إلى‬
‫ما دعاه إليه وإن لم يقصد التبع كالنسان يكون مطيعًا للشيطان‬
‫وإن لم يقصد أن يطيعه ولكنّه اتبع دعاءه وإرادته "[‪.]6‬‬
‫وكلم أبي هلل العسكري يفيد أن التباع والطاعة يؤديان معنى‬
‫واحدًا تجوًزا كما أنّهما يكونان عن قصد وعن غير قصد‪ ،‬وحديثي‬
‫هنا يدور حول التباع والطاعة التي يكون عن قصد وإرادة من‬
‫ن المنافق هو الذي يظهر اتباع الرسول‬ ‫صاحبها مع نيّة صالحة ل ّ‬
‫ويبطن مخالفته‪ ،‬وعلى هذا نفى الله سبحانه وتعالى عنهم سمة‬
‫َ‬
‫ل وَأَطَعْنَا‬ ‫سو ِ‬ ‫منَّا بِالل ّهِ وَبِالَّر ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫اليمان في قوله تعالى‪{ :‬وَيَقُولُو َ‬
‫ما أُوْلَئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫ن} [النور‪:‬‬ ‫منِي َ‬‫مؤ ْ ِ‬‫ك بِال ْ ُ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ن بَعْد ِ ذَل ِ َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫منْهُ ْ‬ ‫ول ّى فَرِيقٌ ِ‬ ‫م يَت َ َ‬ ‫ث ُ َّ‬
‫‪.]47‬‬
‫ومع أن التباع والطاعة معناهما واحد كما ذكرنا إل ّ أننا نذكر هنا‬
‫النصوص التي وردت بصيغة التباع أو ما يجري مجراها‪.‬‬
‫وقد وردت نصوص كثيرة من القرآن والسنة التي تأمرنا تارة‬
‫باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وتارة باتباع طريقة الله‬
‫التي هي طريقته وتارة باتباع القرآن‪.‬‬
‫من اليات التي تدل على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه‬
‫َ‬
‫م‬‫حبِبْك ُ ْ‬‫ه فَاتَّبِعُونِي ي ُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫حبُّو َ‬ ‫م تُ ِ‬ ‫ن كُنْت ُ ْ‬
‫ل إِ ْ‬ ‫وسلم قوله تعالى‪{ :‬قُ ْ‬
‫َّ‬
‫ه} [آل عمران‪.]31:‬‬ ‫ُ‬ ‫الل‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ن بِالل ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ي ال ّذِي يُؤ ْ ِ‬ ‫م ِّ‬ ‫ي ال ِّ‬ ‫ه النَّب ِ ِ ّ‬ ‫سول ِ ِ‬ ‫منُوا بِالل ّهِ وََر ُ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬فَآ ِ‬
‫َ‬
‫ن} [العراف‪.]158:‬‬ ‫م تَهْتَدُو َ‬ ‫ماتِهِ وَاتَّبِعُوه ُ لَعَل ّك ُ ْ‬ ‫وَكَل ِ َ‬
‫ما ما يدل على وجوب اتباع طريقة الله التي هي طريقته فمنه‬ ‫وأ ّ‬
‫ما فَاتَّبِعُوه ُ وَل تَتَّبِعُوا‬ ‫َ‬
‫قوله تعالى‪{ :‬وَأ َّ‬
‫َ‬ ‫قي ً‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫صَراطِي ُ‬ ‫ن هَذ َا ِ‬
‫ن}‬ ‫م تَتَّقُو َ‬ ‫م بِهِ لَعَل ّك ُ ْ‬ ‫صاك ُ ْ‬ ‫م َو َّ‬ ‫سبِيلِهِ ذَلِك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫ل فَتَفََّرقَ بِك ُ ْ‬ ‫سب ُ َ‬ ‫ال ُّ‬
‫[النعام‪.]153:‬‬
‫وقد ورد في السنة ما يبين معنى هذه الية وهي ما أخرجه‬
‫الحاكم في مستدركه عن عبد الله هو ابن مسعود[‪ ]7‬قـال‪ :‬خـط‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم خطًا بيده ثم قال‪" :‬هذا سبيل‬
‫ما وخط عن يمينه وشماله خطوطًا ثم قال‪" :‬هذه‬ ‫الله مستقي ً‬
‫َ‬
‫السبل ليس منها سبيل إل عليه شيطان يدعوا إليه ثم قرأ‪{ :‬وَأ َّ‬
‫ن‬
‫ن‬
‫م عَ ْ‬ ‫ل فَتَفََّرقَ بِك ُ ْ‬ ‫سب ُ َ‬ ‫ما فَاتَّبِعُوهُ وَل تَتَّبِعُوا ال ُّ‬ ‫قي ً‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫صَراطِي ُ‬ ‫هَذ َا ِ‬
‫سبِيلِهِ} [النعام‪.]153:‬‬ ‫َ‬
‫ما ما يدل على وجوب اتباع القرآن فمنه قوله تعالى‪{ :‬وَهَذ َا‬ ‫وأ ّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن} [النعام‪[]155:‬‬ ‫مو َ‬ ‫ح ُ‬‫م تُْر َ‬ ‫ك فَات ّبِعُوه ُ وَات ّقُوا لعَلك ُ ْ‬ ‫مبَاَر ٌ‬ ‫ب أنَزلنَاه ُ ُ‬ ‫كِتَا ٌ‬
‫‪.]8‬‬
‫يقول ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الية‪ " :‬فيه الدعوة إلى‬
‫اتباع القرآن يرغب سبحانه عباده في كتابه ويأمرهم بتدبره‬
‫والعمل به والدعوة إليه ووصفه بالبركة لمن اتبعه وعمل به في‬
‫الدنيا والخرة "[‪.]9‬‬
‫ومجموع هذه النصوص من القرآن والسنة التي أوردناها في‬
‫موضوع التباع كلما تفيد على وجوب اتباع الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم سواء كانت تتعلق باتباع سبيل الله أو اتباع القرآن‬
‫لن اتباع سبيل الله اتباع سبيله صلى الله عليه وسلم لنه هو‬
‫الداعي إلى ذلك‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫صيَرةٍ أنَا وَ َ‬ ‫سبِيلِي أدْع ُو إِلَى الل ّهِ ع َلَى ب َ ِ‬ ‫ل هَذِهِ َ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬قُ ْ‬
‫اتَّبَعَنِي} [يوسف‪.]108:‬‬
‫وكذلك فاتباع القرآن هو اتباعه صلى الله عليه وسلم لنّه هو‬
‫المبلغ عن الله سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ل إِلَي ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ك} [المائدة‪:‬‬ ‫ن َرب ِّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ما أنزِ َ‬ ‫ل بَل ِّغْ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬يَا أيُّهَا الَّر ُ‬
‫‪.]67‬‬
‫هذا ما يتعلق بموضوع وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه‬
‫ما الن فسوف نتحدث عن‬ ‫وسلم واتباعه الواردة بصيغة المر‪ ،‬وأ ّ‬
‫وجوب النتهاء عن مخالفته صلى الله عليه وسلم وهي طريقة‬
‫أخرى لوجوب اتباعه لن المر بالشيء نهي عن ضده وكذلك‬
‫العكس‪.‬‬
‫حذَْر‬ ‫وقد ورد في هذا المعنى آيات كثيرة‪ :‬منها قوله تعالى‪{ :‬فَلْي َ ْ‬
‫َ‬ ‫خالِفُون ع َن أ َمره أ َن تصيبهم فتن ٌ َ‬ ‫َ‬
‫م}‬ ‫ب ألِي ٌ‬ ‫م عَذ َا ٌ‬ ‫صيبَهُ ْ‬ ‫ة أوْ ي ُ ِ‬ ‫ْ ْ ِ ِ ْ ُ ِ َُ ْ ِ َْ‬ ‫َ‬ ‫ن يُ َ‬‫ال ّذِي َ‬
‫[النور‪.]63:‬‬
‫َّ‬
‫ضى الل َ ُ‬
‫ه‬ ‫منَةٍ إِذ َا قَ َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن وَل ُ‬ ‫ٍ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫م‬ ‫ن لِ ُ‬ ‫ما كَا َ‬ ‫{و َ‬‫ومنها قوله تعالى‪َ :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ورسول ُ َ‬
‫ص الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ن يَعْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫مرِه ِ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫خيََرة ُ ِ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ن لَهُ ْ‬ ‫ن يَكُو َ‬ ‫مًرا أ ْ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ََ ُ ُ‬
‫َ‬
‫مبِينًا} [الحزاب‪.]36:‬‬ ‫ضلل ً ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ه فَقَد ْ َ‬ ‫سول َ ُ‬‫وََر ُ‬
‫ه‬
‫م ع َن ْ ُ‬ ‫ما ن َ َهاك ُ ْ‬ ‫خذ ُوه ُ وَ َ‬ ‫ل فَ ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫م الَّر ُ‬ ‫ما آتَاك ُ ْ‬ ‫{و َ‬‫ومنها قوله تعالى‪َ :‬‬
‫فَانْتَهُوا} [الحشر‪.]7:‬‬
‫ومجموع هذه اليات التي أوردناها تدل على حرمة مخالفة‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ومن هذا المعنى أي مخالفة أمره التقدم بين يديه صلى الله عليه‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن يَدَيْ الل ّهِ‬‫موا بَي ْ َ‬‫منُوا ل تُقَدِّ ُ‬
‫نآ َ‬ ‫تعالى‪{ :‬يَا أي ُّ َهَا ال ّذِي َ‬ ‫وسلم لقوله‬
‫َ‬
‫م} [الحجرات‪.]1:‬‬ ‫ميعٌ عَلِي ٌ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫سولِهِ وَاتَّقُوا الل ّ َ‬
‫ه إ ِ َّ‬ ‫وََر ُ‬
‫وقد ذكر المفسرون عدة أسباب لنزول هذه الية التي تبين‬
‫المعاني المختلفة للتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم أو الوجه التي يحصل بها التقدم بين يديه صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫ما كانوا يقولون‪ :‬لو أنزل في كذا‬ ‫ن قو ً‬ ‫منها كما ذكر ابن العربي‪ :‬أ ّ‬
‫وكذا فأنزل الله هذه الية‪.‬‬
‫ومنها نهوا أن يتكلموا بين يدي كلمه‪.‬‬
‫ومنها ل تفتاتوا على الله ورسوله في أمر حتى يقضي الله على‬
‫لسان رسوله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ومنها أنها نزلت في قوم ذبحوا قبل أن يصلي النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم فأمرهم أن يعيدوا الذبح‪.‬‬
‫ومنها ل تقدموا أعمال الطاعة على وقتها[‪.]10‬‬
‫قال القاضي‪" :‬هذه القوال كلها صحيحة تدخل تحت العموم‬
‫فالله أعلم بما كان السبب المثير للية ولعلها نزلت دون سبب"[‬
‫‪.]11‬‬
‫ضا‪" :‬هذه الية أصل في ترك التعرض لقوال النبي صلى‬ ‫وقال أي ً‬
‫الله عليه وسلم وإيجاب اتباعه والقتداء به "[‪.]12‬‬
‫نعم‪ ،‬هذه الوجوه المذكورة في أسباب نزول الية محتملة وكلها‬
‫تفسر الية من زاوية معينة‪ ،‬كما أنّها تحتمل وجوهًا أخرى لم‬
‫يذكرها ومجمل معناها هو وجوب النتهاء عن التقدم بين يدي الله‬
‫ورسوله في كل أمر من المور حتى يقضي الله على لسان‬
‫ما بعد مماته‬ ‫رسوله صلى الله عليه وسلم في حال حياته‪ ،‬وأ ّ‬
‫فمعناها وجوب النتهاء عن التقدم بين يدي كتاب الله وسنة‬
‫رسوله صلى الله عليه وسلم في كل أمر من المور الدنيوية‬
‫والخروية‪.‬‬
‫يقول ابن القيم رحمه الله‪" :‬ومن الدب مع الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم أن ل يتقدم بين يديه بأمر ول نهي‪ ،‬ول إذن ول تصرف‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫منُوا ل‬ ‫نآ َ‬ ‫حتى يأمره وينهي َويأذن كما قال تعالى‪{ :‬يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫سولِهِ} [الحجرات‪.]1:‬‬ ‫ن يَدَيْ الل ّهِ وََر ُ‬ ‫موا بَي ْ َ‬
‫تُقَدِّ ُ‬
‫وهذا باق إلى يوم القيامة لم ينسخ‪ ،‬فالتقدم بين يدي سنته بعد‬
‫وفاته كالتقدم بين يديه في حياته ول فرق بينهما عند كل ذي‬
‫عقل سليم "[‪.]13‬‬
‫ما يدخل في هذا المعنى أي التِقدم بين يدي رسوله صلى الله‬ ‫وم ّ‬
‫عليه وسلم تقديم القوانين الوضعية على الشريعة السلمية في‬
‫هذا العصر حتى لو لم يصّرح واضعو هذه القوانين أو الذين‬
‫استوردوها أنها أفضل من الشريعة السلمية أو ل‪ ،‬لن مجرد‬
‫إقصاء الشريعة السلمية عن الحياة البشرية ووضع القوانين‬
‫الوضعية مكانها وإجبار الناس على التحاكم إليها والتوعد لمن‬
‫يخالفها بالعقاب الشديد وإن خالفت الشريعة السلمية مخالفة‬
‫صريحة كما هو مشاهد في واقعنا اليوم‪ ،‬وكذلك إذا وافقت‬
‫الشريعة السلمية لختلف مصدر تلقيهما لن هذه مصدرها هو‬
‫الله سبحانه وتعالى وبواسطة رسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫وتلك مصدرها الطاغوت وهوى النفس المارة بالسوء وإن زعم‬
‫أصحابها أنهم يؤمنون بالله ورسوله مئات المرات‪.‬‬
‫ن‬
‫منُو َ‬‫ك ل يُؤ ْ ِ‬ ‫وكيف يكون لهم إيمان بعد قوله تعالى‪{ :‬فَل وََرب ِّ َ‬
‫َ‬
‫م َّ‬
‫ما‬ ‫جا ِ‬‫حَر ً‬
‫م َ‬ ‫سهِ ْ‬‫جدُوا فِي أنفُ ِ‬ ‫م ل يَ ِ‬ ‫م ث ُ َّ‬
‫جَر بَيْنَهُ ْ‬‫ش َ‬‫ما َ‬ ‫ك فِي َ‬‫مو َ‬ ‫حكِّ ُ‬‫حتَّى ي ُ َ‬
‫َ‬
‫ما} [النساء‪.]65:‬‬ ‫سلِي ً‬‫موا ت َ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ت َوي ُ َ‬
‫سل ِ ُ‬ ‫قَ َ‬
‫ضي ْ َ‬
‫ُ‬
‫ه فَأوْلَئ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ك هُ ْ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما أنَز َ‬ ‫م بِ َ‬‫حك ُ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَ َ‬
‫ن} [المائدة‪.]44:‬‬ ‫الْكَافُِرو َ‬
‫يقول الشنقيطي في تفسيره الية التي نحن بصددها‪" :‬وهذه‬
‫الية الكريمة فيها التصريح بالنهي عن التقدم بين يدي الله‬
‫ورسوله ويدخل دخول ً أوليًا تشريع ما لم يأذن به الله وتحريم ما‬
‫لم يحرمه وتحليل ما لم يحلله لنه ل حرام إل ّ ما حرمه الله ول‬
‫حلل إل ما حلله الله ول شرع إل ما شرعه الله "[‪.]14‬‬
‫ويقول المام ابن كثير رحمه الله عند تفسير قوله تعالى‪:‬‬
‫َ‬ ‫{أَفَحك ْم ال ْجاهلِيَة يبغُون وم َ‬
‫م‬
‫ما لِقَوْ ٍ‬ ‫حك ْ ً‬‫ن الل ّهِ ُ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ َ َ ْ‬ ‫َ ِ ّ ِ َْ‬ ‫ُ َ‬
‫ن} [المائدة‪.]50:‬‬ ‫يُوقِنُو َ‬
‫"ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على‬
‫كل خير الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الراء‬
‫والهـداف والصطلحات التي وضعها الرجال بل مستند من‬
‫شريعة الله كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضللت‬
‫والجهالت مما يصنعونها بآَرائهم وأهوائهم وكما يحكم به التتار‬
‫من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم "جنكيز خان" الذي‬
‫وضع لهم "الياسق" وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد‬
‫اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة‬
‫السلمية وغيرها‪ ،‬وفيها كثير من الحكام أخذها من مجرد نظره‬
‫وهواه فصارت في بيئته شرع ًا متبعًا يقدمونها على الحكم بكتاب‬
‫الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فمن فعل ذلك فهو كافر‬
‫يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فل يحكم في سواه‬
‫في قليل ول كثير"[‪.]15‬‬
‫ثواب التباع والطاعة‪ :‬طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫واتباعه يترتب عليها ثواب كثير في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫وقد ورد في القرآن الكريم ما يدل على ذلك نذكر طرفًا منها‪.‬‬
‫من ذلك أن الله سبحانه وتعالى جعل طاعة الرسول صلى الله‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه}‬ ‫ل فَقَد ْ أطَاع َ الل ّ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ن يُطِعْ الَّر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫عليه وسلم طاعة له { َ‬
‫[النساء‪.]80:‬‬
‫ه‬
‫ن تُطِيعُو ُ‬ ‫ً‬
‫كما أنه سبحانه وتعالى جعل طاعته شرطا للهداية‪{ :‬وَإ ِ ْ‬
‫تَهْتَدُوا} [النور‪.]54:‬‬
‫ضا شرطًا لدخول الجنة‪.‬‬ ‫وجعل طاعة الرسول أي ً‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫حتِهَا النْهَاُر}‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫جرِي ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جن ّا ٍ‬ ‫ه َ‬ ‫خل ُ‬ ‫ه يُد ْ ِ‬ ‫سول َ ُ‬‫ه وََر ُ‬ ‫ن يُطِعْ الل ّ َ‬ ‫م ْ‬‫{وَ َ‬
‫[النساء‪.]13:‬‬
‫كما أنها تؤدي إلى مرافقة النبيين والصديقين والشهداء‬
‫والصالحين في الجنة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫ل فَأوْلَئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ن أنْعَ َ‬ ‫معَ الذِي َ‬ ‫ك َ‬ ‫سو َ‬ ‫ه وَالَّر ُ‬ ‫ن يُطِعْ الل ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫{و َ‬‫يقول تعالى‪َ :‬‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫ن‬ ‫س َ‬‫ح ُ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬‫شهَدَاءِ وَال َّ‬ ‫ن وَال ّ‬ ‫صدِّيقِي َ‬ ‫ن وَال ِّ‬ ‫ن النَّبِيِّي َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ه ع َلَيْهِ ْ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ك َرفِيقًا} [النساء‪ .]69:‬كما أنه يترتب عليها الفوز العظيم في‬ ‫أُوْلَئ ِ َ‬
‫الدارين‪.‬‬
‫َ‬
‫ما}‬ ‫ه فَقَد ْ فَاَز فَوًْزا عَظِي ً‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن يُطِعْ الل ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫{و َ‬‫يقول تعالى‪َ :‬‬
‫[الحزاب‪.]71:‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ش الل َ‬
‫ه‬ ‫خ َ‬ ‫ه وَي َ ْ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن يُطِعْ الل ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ضا‪{ :‬وَ َ‬ ‫ويقول الله تعالى أي ً‬
‫ن} [النور‪ ]52:‬كما أنها تكون سببًا لرحمة‬ ‫م الْفَائُِزو َ‬ ‫ْ‬ ‫ك هُ‬ ‫قهِ فَأُوْلَئ ِ َ‬ ‫وَيَت َّ ِ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫ه أوْلَئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫ه}‬‫م الل ُ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫ح ُ‬‫سيَْر َ‬ ‫ك َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫الله لقوله تعالى‪{ :‬وَيُطِي ُعو َ‬
‫[التوبة‪.]71:‬‬
‫سلوك السلف في التباع‪ :‬تعد الجماعة الولى التي تلقت الدين‬
‫وأخذته من رسول الله مباشرة خير من قام بما شرع لها من‬
‫طاعة واتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين‬
‫يلونهم"[‪.]16‬‬
‫وإنّي هنا أحاول إبراز بعض الصور التطبيقية للطاعة والتباع‬
‫لتكون أمثلة توضح ما شرع للمسلمين في هذا الجانب الهام‪.‬‬
‫وسأجعل هذه المثلة مرتبة على النحو التالي‪:‬‬
‫أولً‪ :‬سلوكهم في التباع وهم جماعة‪ :‬أخرج البخاري في صحيحه‬
‫عن ابن عمر رضي الله عنهما قال‪ :‬قال النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم يوم الحزاب‪" :‬ل يصلين أحد العصر إل في بني قريظة"‪،‬‬
‫فأدرك بعضهم العصر في الطريق فقال‪ :‬ل نصلي حتى نأتيها‪،‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬بل نصلي‪ ،‬لم يرد منّا ذلك‪ ،‬فذكر ذلك للنبي صلى‬
‫الله عليه وسلم فلم يعنف واحدًا منهم "[‪.]17‬‬
‫وهذا الحديث يدل دللة واضحة على مدى إسراع الصحابة‬
‫رضوان الله عليهم في تنفيذ أمره صلى الله عليه وسلم باذلين‬
‫في ذلك أقصى الجهد‪.‬‬
‫ومنها ما أخرجه البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله‬
‫ما من ذهب‬ ‫عنهما قال‪ :‬اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خات ً‬
‫فاتخذ الناس خواتيم من ذهب فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫ما من ذهب فنبذه وقال‪ :‬إنّي لن ألبسه أبدًا‪ ،‬فنبذ‬ ‫"إني اتخذت خات ً‬
‫الناس خواتيمهم"[‪.]18‬‬
‫ضا يدل دللة واضحة على مدى إسراع الصحابة‬ ‫وهذا الحديث أي ً‬
‫رضوان الله عنهم في اتباع فعل الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫حتى ولو لم يأمرهم بفعل ذلك الفعل وبدون أن يسألوا العلة في‬
‫ن ذلك خاص به صلى الله عليه وسلم أو يعم المة‬ ‫ذلك أو أ ّ‬
‫جميعًا‪.‬‬
‫ومن ذلك ما أخرجه المام مسلم في صحيحه عن ابن عمر رضي‬
‫الله عنهما قال‪ " :‬بينما الناس في صلة الصبح بقباء إذ جاءهم‬
‫ن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه‬ ‫آت فقال‪ :‬إ ّ‬
‫الليلة وقد أمر أن يستقبل الكعبة‬
‫فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة "[‬
‫‪.]19‬‬
‫وفي هذا الحديث يدل دللة واضحة على مدى استجابة الصحابة‬
‫لوامر الله على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى‬
‫أثناء الصلة دون تردد أو إبطاء وبدون استفسار أو تأخير‪.‬‬
‫ومن ذلك ما أخرجه المام البخاري في صحيحه عن عائشة رضي‬
‫ن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ليلة من‬ ‫الله عنها أ ّ‬
‫جوف الليل فصلى في المسجد وصلى رجال بصلته فأصبح‬
‫الناس فتحدثوا‪ ،‬فاجتمع أكثر منهم فصلى فصلوا معه‪ ،‬فأصبح‬
‫الناس فتحدثوا فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة‪ ،‬فخرج رسول‬
‫ما كانت الليلة‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم فصلى فصلوا بصلته‪ ،‬فل ّ‬
‫ما‬
‫الرابعة عجز المسجد عن أهله حتى خرج لصلة الصبح فل ّ‬
‫ما بعد فإنّه لم يخف‬ ‫قضى الفجر أقبل على الناس ثم قال‪" :‬أ ّ‬
‫ي مكانكم ولكنّي خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها"‪،‬‬ ‫عل ّ‬
‫فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والمر على ذلك[‪.]20‬‬
‫ن الصحابة رضوان الله عنهم كانوا‬ ‫ضا يدل على أ ّ‬ ‫وهذا الحديث أي ً‬
‫يحرصون على القتداء بالمصطفى صلى الله عليه وسلم في كل‬
‫فعل من أفعاله إذا لم يكن هناك خصوصية حتى ولو لم يأمرهم‬
‫بذلك الفعل‪.‬‬
‫وهذه النصوص التي ذكرناها نموذج لستجابة الصحابة لرسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم والقتداء بفعله وتنفيذ أمره جماعة‪،‬‬
‫ولكن هناك نصوص أخرى كثيرة تدل على ذلك يصعب حصرها‬
‫في هذا المقام‪.‬‬
‫ضا سلوك السلف في اتباع الرسول صلى الله‬ ‫ثانيًا‪ :‬ما يفيد أي ً‬
‫عليه وسلم فرادى‪ :‬من ذلك ما أخرجه البخاري في صحيحه عن‬
‫عمر رضي الله عنه "أنه جاء إلى الحجر السود فقبله فقال‪ :‬إنّي‬
‫أعلم أنك حجر ل تضر ول تنفع ولول أني رأيت النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم يقبلك ما قبلتك"[‪.]21‬‬
‫ن أمير المؤمنين عمر بن‬ ‫وهذا الحديث يدل دللة واضحة أ ّ‬
‫ن تقبيلـه للحجر السود هو‬ ‫الخطاب رضي الله عنه صرح بـأ ّ‬
‫سي بالنبي صلى الله عليه وسلم مع إيمانه ويقينه أنّه ل‬ ‫مجرد التأ ّ‬
‫يضر ول ينفع لذاته‪.‬‬
‫ضا في صحيحه عن مروان بن‬ ‫ومن ذلك ما أخرجه البخاري أي ً‬
‫الحكم قال‪" :‬شهدت عثمان وعليًا رضي الله عنهما وعثمان ينهى‬
‫ما رأى علي أهل بهما لبيك‬ ‫عن المتعة [‪ ]22‬وأن يجمع بينهما فل ّ‬
‫بعمرة وحجة قال‪ :‬ما كنت لدع سنة النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫لقول أحد"[‪.]23‬‬
‫ن الصحابة رضي الله عنهم يقدمون سنة النبي‬ ‫وهذا يدل على أ ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم على أي قول صدر من غيره مهما كانت‬
‫رتبته كما فعل علي رضى الله عنه مع عثمان بن عفان رضي‬
‫ن عثمان بن‬ ‫الله عنه في هذا المر الذي اختلفت وجهة نظرهما ل ّ‬
‫عفان رضي الله عنه وإن كان أميًرا للمؤمنين آنذاك إل أن اتباع‬
‫سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق كل شيء‪.‬‬
‫ضا ما أخرجه المام مسلم في صحيحه عن وبرة‬ ‫ومن ذلك أي ً‬
‫سا عند ابن عمر فجاءه رجل فقال‪ :‬أيصلح لي أن‬ ‫قال‪ :‬كنت جال ً‬
‫أطوف بالبيت قبل أن آتي الموقف؟ فقال‪ :‬نعم‪ .‬فقال‪ :‬فإن ابن‬
‫عباس يقول‪ :‬ل تطف بالبيت حتى تأتي الموقف فقال ابن عمر‪:‬‬
‫فقد حج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت قبل أن‬
‫يأتي الموقف [‪ ،]24‬فبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق‬
‫أن نأخذ أم بقول ابن عباس أن كنت صادقًا[‪.]25‬‬
‫ضا حادثة أخرى اختلفت فيها وجهة نظر الصحابة رضي‬ ‫وهذه أي ً‬
‫الله عنهم ومضمونها يؤكد حرص صحابة رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم على اتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم إذا‬
‫ثبتت وترك قول أي أحد من الناس مهما كانت رتبته إذا كان ذلك‬
‫القول يخالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا أنكر‬
‫ابن عمر رضي الله عنهما على السائل حينما ذكر فتوى ابن‬
‫عباس رضي الله عنه بعد إخباره ما ثبت عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم في ذلك المقام‪ ،‬ورحم الله المام مالك حينما قال‪:‬‬
‫"ما من قول أحد إل ويؤخذ قوله ويترك إل صاحب ذلك القبر‬
‫يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه القاعدة هي‬
‫الفيصل في هذا الموضوع‪.‬‬
‫وأما المراجعات التي وقعت بينه صلى الله عليه وسلم وبين‬
‫الصحابة رضوان الله عليهم في بعض المور أثناء حياته فل يعتبر‬
‫ن هذه‬ ‫حا في اتباعهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ل ّ‬ ‫قد ً‬
‫المراجعات كانت مجرد استفسار لبعض المور التي لم يتضح لهم‬
‫الغرض منها أو التبست عليهم أو لم يستسيغوها في أول المر‬
‫ظنًّا منهم أنّهم ل يقدرون على تحملها غيرة للرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم وللسلم ل للستهزاء أو النتقاص من توقير الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم بخلف ما كان يفعله المنافقون لعنهم الله‬
‫تجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاء به وبرسالته‬
‫والنتقاص من توقيره صلى الله عليه وسلم متسترين تحت ما‬
‫أظهروا من السلم‪.‬‬
‫سم شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله هذه المراجعات‬ ‫وقد ق ّ‬
‫للرسول صلى الله عليه وسلم ثلثة أقسام حيث قال‪:‬‬
‫"وبالجملة فالكلمات في هذا الباب ثلثة أقسام‪ :‬أحدهما‪ :‬ما هو‬
‫ن هذه القسمة ما أريد بها وجه الله‪.‬‬ ‫كفر مثل قوله‪ :‬إ َّ‬
‫الثاني‪ :‬ما هو ذنب ومعصية يخاف على صاحبه أن يحبط عمله‪،‬‬
‫مثل رفع الصوت فوق صوته‪ ،‬ومثل مراجعة من راجعه عام‬
‫الحديبية بعد ثباته على الصلح [‪ ،]26‬ومجادلة من جادله يوم بدر‬
‫بعد ما تبيّن له الحق [‪ ،]27‬وهذا كله يدخل في المخالفة عن‬
‫أمره‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬ما ليس من ذلك بل يحمد عليه صاحبه أو ل يحمد كقول‬
‫عمر‪ :‬ما بالنا نقصر الصلة وقد آمنا [‪]28‬؟ وكقول عائشة‪ :‬ألم‬
‫م إِل َّ وَارِدُهَا} [مريم‪ ،]71:‬وكمراجعة الحباب‬ ‫منْك ُ ْ‬ ‫يقل الله‪{ :‬وَإ ِ ْ‬
‫ن ِ‬
‫في منزل بدر[‪.]29‬‬
‫ما فيه سؤال عن إشكال ليتبين لهم‪ ،‬أو عرض‬ ‫ونحو ذلك م ّ‬
‫لمصلحة قد يفعلها الرسول صلى الله عليه وسلم"[‪.]30‬‬
‫المقالة الولى‪ :‬من هذه القسام لم تصدر عن الصحابة رضوان‬
‫الله عليهم وإنّما صدرت عن بعض المنافقين الذين كانوا مع‬
‫ن هذه المقالة هي عين ما حكاه الله‬ ‫الصحابة ظاهًرا ل باطنًا ل ّ‬
‫مُز َ‬
‫ك‬ ‫ن يَل ْ ِ‬
‫م ْ‬‫منْهُم َ‬‫سبحانه وتعالى عنهم في كتابه كقوله تعالى‪{ :‬وَ ِ‬
‫صدقَات فَإ ُ‬
‫م‬ ‫م يُعْطَوْا ِ‬
‫منْهَا إِذ َا هُ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫ضوا وَإ ِ ْ‬ ‫ن أع ْطُوا ِ‬
‫منْهَا َر ُ‬ ‫فِي ال َّ َ ِ ِ ْ‬
‫ن} [التوبة‪.]58:‬‬ ‫خطُو َ‬‫س َ‬‫يَ ْ‬
‫وأما المقالة الثانية‪ :‬فقد صدرت من بعض الصحابة رضوان الله‬
‫عليهم عن غفلة أو اجتهاد أو عن عجلة إل أنهم لم يصّروا على‬
‫خطأهم وإنما تنازلوا عن رأيهم الذي رأوه إلى أمر رسول الله‬
‫ن ما ذهب إليه الرسول‬ ‫صلى الله عليه وسلم إيمانًا منهم ويقينا أ ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم هو الصواب‪.‬‬
‫يقول شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله‪ " :‬فهذه أمور صدرت عن‬
‫شهوة وعجلة ل عن شك في الدين"[‪.]31‬‬
‫ضا رضوان الله‬ ‫وأما المقالة الخيرة‪ :‬فقد صدرت من الصحابة أي ً‬
‫عليهم ولكنّها ل تعتبر ذنبًا ول معصية أو مخالفة لمر رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم وإنّما الستفسار عن دين الله عز وجل‬
‫ن مهمة الرسول صلى‬ ‫وطلب المزيد من التفقه إيمانًا منهم بأ ّ‬
‫ك الذِّكَْر‬ ‫َ‬
‫الله عليه وسلم هي التبيين لقوله تعالى‪{ :‬وَأنَزلْنَا إِلَي ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن} [النحل‪ ]44:‬كما أنّها‬ ‫م وَلَعَل ّهُ ْ‬
‫م يَتَفَك ُّرو َ‬ ‫ل إِلَيْهِ ْ‬
‫ما نُّزِ َ‬ ‫س َ‬ ‫لِتُبَي ِّ َ َ‬
‫ن لِلن ّا ِ‬
‫صدرت منهم لجل الشارة لبعض المور إذا كان المقام يتطلب‬
‫َ‬
‫ت‬
‫م َ‬ ‫مرِ فَإِذ َا عََز ْ‬ ‫م فِي ال ْ‬ ‫شاوِْرهُ ْ‬ ‫المشورة لن الله تعالى يقول‪{ :‬وَ َ‬
‫َ‬
‫ل ع َلَى الل ّهِ} [آل عمران‪.]159:‬‬ ‫فَتَوَك َّ ْ‬
‫يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى‪" :‬وكانت المراجعة المشهورة‬
‫ما لتكميل نظره صلى الله عليه وسلم في ذلك إن‬ ‫منهم ل تعدو إ ّ‬
‫كان من المور السياسية التي للجتهاد فيها مساغ‪ ،‬أو ليتبين لهم‬
‫ما وإيمانًا‪ ،‬وينفتح لهم طريق التفقه‬ ‫وجه ذلك إذا ذكر‪ ،‬ويزدادوا عل ً‬
‫فيه"[‪.]32‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫في مجالسته صلى الله عليه وسلم‬

‫ذكرنا في المبحث الول من هذا الفصل جانبًا من جوانب الدب‬


‫ما‬
‫العملي وهو طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه‪ .‬وأ ّ‬
‫في هذا المبحث فسوف نتناول جانبًا آخر من جوانب الدب‬
‫العملي وهو الدب المتعلق بمجالسة الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم أو ما ينبغي للمسلم أن يفعل نحو مقام النبوة‪ ،‬أثناء‬
‫حضوره عنده صلى الله عليه وسلم سواء كان ذلك في بيته أو‬
‫ن بعض هذه الداب ل تتأتى إل في حال‬ ‫في الماكن العامة مع أ ّ‬
‫حياته صلى الله عليه وسلم مع أصحابه رضوان الله عليهم‪.‬‬
‫وننظر مجالسة النبي صلى الله عليه وسلم من زاويتين‪:‬‬
‫الزاوية الولى‪ :‬في حال وجوده في بيته مع نسائه‪.‬‬
‫الزاوية الثانية‪ :‬في حالة وجوده في الماكن العامة‪.‬‬
‫الزاوية الولى‪ :‬وهي حالة وجوده صلى الله عليه وسلم في بيته‬
‫مع نسائه‪ :‬في هذه الحالة ينبغي أو يجب على المسلم تجاه مقام‬
‫النبوة عدم إزعاجه سواء في الحضور عنده بغير إذن أو الجلوس‬
‫في بيته فترة من الزمن والنشغال بالحديث بعد انتهاء الغرض‬
‫الذي من أجله أذن له لما يترتب عليه من إيذاء النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم في حين أنه ل يقدر أن ينبه على من تصدر عنه هذه‬
‫الفعال حياء منه كما تشير إليه الفقرة الولى من آية الحجاب‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي إِل ّ أ ْ‬
‫ن‬ ‫ت النَّب ِ ِ ّ‬ ‫خلُوا بُيُو َ‬ ‫منُوا ل تَد ْ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫وهي قوله تعالى‪{ :‬يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫خلُوا‬
‫م فَاد ْ ُ‬ ‫ن إِذ َا د ُ ِ‬
‫عيت ُ ْ‬ ‫ن إِنَاه ُ وَلَك ِ ْ‬ ‫م إِلَى طَعَام ٍ غَيَْر نَاظِرِي ْ َ‬ ‫ن لَك ُ ْ‬ ‫يُؤْذ َ َ‬
‫ن يُؤْذِي‬ ‫م كَا َ‬ ‫ن ذَلِك ُ ْ‬ ‫ث إ ِ َّ‬ ‫حدِي ٍ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫سي َ‬ ‫ستَأن ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫شُروا وَل َ ُ‬ ‫م فَانْت َ ِ‬ ‫مت ُ ْ‬‫فَإِذ َا طَعِ ْ‬
‫ق} [الحزاب‪.]53:‬‬ ‫ح ِّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ه ل يَ ْ‬
‫ست َ ْ‬ ‫م وَالل ّ ُ‬
‫منْك ُ ْ‬
‫ي ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ست َ ْ‬‫ي فَي َ ْ‬‫النَّب ِ َّ‬
‫من هذه الفقرة من الية الكريمة يتبين لنا عدة أمور مرغوب‬
‫عنها في المجتمع السلمي وخاصة في بيوت رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم وهي‪ :‬دخول البيوت بغير إذن والتطفل أو انتظار‬
‫نضج الطعام والمكث في البيوت بعد انتهاء الغرض الذي من‬
‫أجله أذن لهم‪.‬‬
‫وهذه المور التي ذكرنا هي أمور ينبغي أن يطهر من المجتمع‬
‫السلمي في ذلك الحين وإلى البد لنها من المور المتبقية من‬
‫العادات الجاهلية التي ل تتمشى مع روح السلم السامية‪.‬‬
‫قال ابن عطية في تفسير هذه الية‪" :‬وكانت سيرة القوم إذا كان‬
‫لهم طعام وليمة أو نحوه أن يبكر من شاء إلى الدعوة ينتظرون‬
‫طبخ الطعام ونضجه وكذلك إذا فرغوا منه جلسوا كذلك‪ ،‬فنهى‬
‫الله المؤمنين عن ذلك في بيت النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ودخل في النهي سائر المؤمنين والتزم الناس أدب الله لهم في‬
‫ذلك فمنعهم من الدخول إل ّ بإذن عند الكل ل قبله لنتظار‬
‫الطعام"[‪ ]33‬وخلصة القول‪ :‬الية تشير إلى أنّه يجب على‬
‫المسلم أن ل يتطفل على النبي صلى الله عليه وسلم بحيث‬
‫يحضر عند نضج الطعام فيشارك فيه لنه ربما أعد الطعام لناس‬
‫ن زيادة العدد قد تضر صاحب البيت وتحمله على‬ ‫معدودين وأ ّ‬
‫تقديم شيء زائـد ربما ل تكون في حوزته وأما إذا أذن للطعام‬
‫فعلى المسلم أن ل يأتي قبل نضج الطعام بل في وقت مناسب‬
‫لن أهل البيت مشغولون بإعداد الطعام وقد يحمل الحضور قبل‬
‫نضج الطعام على السراع في إعداد الطعام كما هو المألوف‪،‬‬
‫وكذلك إذا حضر في الوقت المناسب فعليه أن يخرج من البيت‬
‫بعد الطعام ل أن يمكث فترة للحديث والستئناس مع غيره ل َّ‬
‫ن‬
‫ذلك يؤدي إلى مضايقات لهل البيت والستماع إلى ما يجري في‬
‫البيت من كلم أو إلى النظر إلى ما ل ينبغي أن ينظر قصدًا أو‬
‫بغير قصد ول سيما إذا كان هناك منافقون‪.‬‬
‫ما يتأذى به صاحب كل‬ ‫وأمر واحد من هذه المور المذكورة م ّ‬
‫بيت عادة فما بال إذا كانت مجتمعة مع أنّه ل يقدر أن يفصح بها‬
‫حياء منه كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع الرهط‬
‫الذين تخلفوا في البيت بعد الطعام عشية بناءه صلى الله عليه‬
‫وسلم بزينب بنت جحش رضي الله عنها كما يظهر من بعض‬
‫الروايات الواردة في سبب نزول هذه الية‪.‬‬
‫عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال‪ :‬أنا أعلم الناس بهذه الية‬
‫آية الحجاب لما أهديت زينب إلى رسول الله صلى الله عليه‬
‫ما دعا إليه القوم فقعدوا‬ ‫وسلم كانت معه في البيت‪ ،‬صنع طعا ً‬
‫يتحدثون فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يخرج ثم يرجع وهم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫خلُوا‬ ‫منُوا ل تَد ْ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫قعود يتحدثون‪ ،‬فأنزل الله تعالى‪{ :‬يَا أي ُّ َها ال ّذِي َ‬
‫َ َ‬
‫ن إِذ َا‬ ‫ن إِنَاه ُ وَلَك ِ ْ‬ ‫م إِلَى طَعَام ٍ غَيَْر نَا ْظِرِي َ‬ ‫ن لَك ُ ْ‬ ‫ن يُؤْذ َ َ‬ ‫ي إِل ّ أ ْ‬ ‫ت النَّب ِ ِ ّ‬ ‫بُيُو َ‬
‫ن‬‫ث إ ِ َّ‬ ‫حدِي ٍ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫سي َ‬ ‫ستَأن ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫شُروا وَل َ ُ‬ ‫م فَانْت َ ِ‬ ‫مت ُ ْ‬ ‫خلُوا فَإِذ َا طَعِ ْ‬ ‫م فَاد ْ ُ‬ ‫عيت ُ ْ‬ ‫دُ ِ‬
‫ق‬
‫ح ِّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ست َ ْ‬‫ه ل يَ ْ‬ ‫م وَالل ّ ُ‬ ‫منْك ُ ْ‬
‫ي ِ‬ ‫ح ِ‬
‫ست َ ْ‬ ‫ي فَي َ ْ‬ ‫ن يُؤْذِي النَّب ِ َّ‬ ‫م كَا َ‬ ‫ذَلِك ُ ْ‬
‫سألُوهُ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب} [الحزاب‪.]53:‬‬ ‫جا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ن وََراءِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫متَاع ًا فَا ْ‬ ‫ن َ‬ ‫موهُ َّ‬ ‫سألْت ُ ُ‬ ‫وَإِذ َا َ‬
‫فضرب الحجاب وقام القوم "[‪.]34‬‬
‫وفي رواية أخرى‪ " :‬وكان النبي صلى الله عليه وسلم شديد‬
‫الحياء "[‪.]35‬‬
‫ما كبيًرا‬ ‫ن الله سبحانه وتعالى قد أعطى اهتما ً‬ ‫ومن هنا نقول‪ :‬إ ّ‬
‫حال وجود النبي صلى الله عليه وسلم في بيته مع نسائه‪ ،‬أخذ ًا‬
‫من هذه الية وغيرها من اليات الخرى التي جاءت لمناسبات‬
‫شتى‪.‬‬
‫َ‬
‫ت‬
‫جَرا ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن وََراءِ ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن يُنَادُون َ َ‬ ‫ن ال ّذِي َ‬ ‫من ذلك قوله تعالى‪{ :‬إ ِ َّ‬
‫َ‬ ‫أَكْثَُرهُ‬
‫خيًْرا‬ ‫ن َ‬ ‫م لَكَا َ‬ ‫ج إِلَيْهِ ْ‬ ‫خُر َ‬ ‫حتَّى ت َ ْ‬ ‫صبَُروا َ‬ ‫م َ‬ ‫ن * وَلَوْ أنَّهُ ْ‬ ‫م ل يَعْقِلُو َ‬ ‫ْ‬
‫َ‬
‫م} [الحجرات‪.]45:‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫ه غَفُوٌر َر ِ‬ ‫م وَالل ّ ُ‬ ‫لَهُ ْ‬
‫وقد فصلنا القول في ذلك عند الكلم عن مناداته صلى الله عليه‬
‫وسلم في الفصل السابق الذي عقدنا للدب القولي وإن كانت‬
‫متصلة بالداب المتعلقة ببيت النبي صلى الله عليه وسلم كما‬
‫ورد بسبب نزولها إل أننا تحدثنا هناك حسب ما يقتضي التقسيم‬
‫المنهجي لنها تتعلق بالداب القولية وهنا الداب العملية‪.‬‬
‫وعلى هذا فنكتفي بالشارة إلى موضعها وإن كانت الداب كلها‬
‫مترابطة سواء كانت قلبية أو قولية أو عملية إل أننا قسمناها إلى‬
‫ذلك للتوضيح والدراسة‪.‬‬
‫وقبل أن أنتقل إلى الفقرة الخيرة من الية والتي تتعلق بعد‬
‫وفاته صلى الله عليه وسلم ل بد من الشارة إلى فقرة تتوسط‬
‫بين الفقرة الولى المتعلقة في حياته صلى الله عليه وسلم‬
‫والفقرة الخيرة التي تتعلق بعد وفاته وهي الفقرة التي تشير‬
‫إلى وجوب سؤال أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من وراء‬
‫ن‬ ‫سأَلُوهُ َّ‬ ‫متَاع ًا فَا ْ‬ ‫ن َ‬ ‫موهُ َّ‬ ‫َ‬
‫سألْت ُ ُ‬ ‫حجاب أخذ ًا من قوله تعالى‪{ :‬وَإِذ َا َ‬
‫م وَقُلُوبِهِ َّ‬ ‫حجاب ذَلِك ُ َ‬
‫ن} [الحزاب‪ ]53:‬لن‬ ‫م أطْهَُر لِقُلُوبِك ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ن وََراءِ ِ َ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫سؤالهن قد تكون في حياته صلى الله عليه وسلم وقد تكون بعد‬
‫ن سؤالهن بعد وفاته أولى وخاصة فيما يتعلق بأمور‬ ‫وفاته وإ َّ‬
‫ن جزءًا كبيًرا من الحكام الشرعية قد وصلنا عن‬ ‫الدين ل ّ‬
‫طريقهن‪.‬‬
‫ن العبرة بعموم اللفظ‬ ‫وهذا الحكم وإن كان يعم النسوة كلهن ل ّ‬
‫ل بخصوص السبب إل أن تخصيص الية بنسائه صلى الله عليه‬
‫وسلم له مزيته بحيث يتأكد هذا الحكم في جانبهن لرتباطهن‬
‫بشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم خير خلق الله الذي‬
‫يتأذى بذلك الفعل كما يدل عليه قوله تعالى بعد هذه الجزئية‪:‬‬
‫َ َ‬ ‫{وما كَان لَك ُ َ‬
‫ل الل ّهِ} [الحزاب‪.]53:‬‬ ‫ن تُؤْذ ُوا َر ُ‬
‫سو‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه المزية لنساء النبي صلى الله‬
‫ي لَ ْ‬
‫ست ُ َّ‬
‫ن‬ ‫ساءَ الن ََّب ِ ِ ّ‬ ‫عليه وسلم في آية أخرى وهي قوله تعالى‪{ :‬يَا ن ِ َ‬
‫معَ ال ّذِي فِي‬ ‫َ‬
‫ل فَيَط ْ َ‬ ‫ن بِالْقَوْ ِ‬ ‫ضعْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ن فَل ت َ ْ‬‫ن اتَّقَيْت ُ َّ‬‫ساءِ إ ِ ْ‬ ‫ن الن ِّ َ‬ ‫م ْ‬
‫حد ٍ ِ‬ ‫كَأ َ‬
‫معُْروفًا} [الحزاب‪.]32:‬‬ ‫ن قَوْل ً َ‬ ‫ض وَقُل ْ َ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫قَلْبِهِ َ‬
‫ونأتي إلى الفقرة الخيرة من آية الحجاب‪ :‬بينما الفقرة الولى‬
‫من هذه الية تتعلق ببيت النبي ونسائه وقت حياته صلى الله‬
‫ضا تتعلق ببيت النبي ونسائه‬ ‫عليه وسلم هذه الفقرة الخيرة أي ً‬
‫ولكن بعد وفاته صلى الله عليه وسلم بحيث تنهي المؤمنين نهيًا‬
‫قاطعًا عن الزواج بإحدى زوجاته بعده على التأبيد كما يدل عليه‬
‫ن‬‫م كَا َ‬ ‫ن ذَلِك ُ ْ‬ ‫ن بَعْدِهِ أَبَدًا إ ِ َّ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ج ُ‬
‫َ‬
‫حوا أْزوَا َ‬ ‫ن تَنْك ِ ُ‬
‫َ‬
‫قوله تعالى‪{ :‬وَل أ ْ‬
‫َ‬
‫ما} [الحزاب‪.]53:‬‬ ‫عنْد َ الل ّهِ عَظِي ً‬ ‫ِ‬
‫وكيف يتزوج أحد من المسلمين إحدى زوجات النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم بعد أن وصفهن الله تعالى بأمهات المؤمنين بقوله‬
‫م}‬‫م َهاتُهُ ْ‬ ‫ه أ ُ َّ‬ ‫ج ُ‬
‫َ‬
‫م وَأْزوَا ُ‬ ‫سهِ ْ‬
‫ي أَولَى بال ْمؤ ْمنِين م َ‬
‫ن أن ْ ُف ِ‬ ‫ِ ُ ِ َ ِ ْ‬ ‫تعالى‪{ :‬النَّب ِ ُّ ْ‬
‫[الحزاب‪.]6:‬‬
‫يقول الدكتور حسن باجودة في تأملته‪" :‬وبما أن حديث الية‬
‫الكريمة في الجزئية السابقة قد صّرح بأنه ل يصح للمؤمنين أن‬
‫ن الجزئية الكريمة‬ ‫يؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيًّا فإ ّ‬
‫التالية تصّرح بأنه ل يصح أن يؤذوا رسول الله صلى الله عليه‬
‫ب العزة‬ ‫وسلم ميتًا عن طريق زواج إحدى زوجاته‪ .‬فقد خص ر ّ‬
‫المصطفى صلى الله عليه وسلم في حياته الزوجية بالعديد من‬
‫الخصائص التي من بينها هذه الخصيصة وهي‪ ،‬أنّه ل يحل لحد أن‬
‫يتزوج إحدى زوجاته لنهن أمهات المؤمنين كما صرحت بذلك‬
‫هذه السورة‪ .‬وكيف يتزوج المرء أمه‪ .‬لن منزلة المومة لهن‬
‫رضوان الله عليهن أجمعين بالنسبة لرجال المة مستمرة إلى أن‬
‫يلحقن كلهن بالرفيق العلى"[‪.]36‬‬
‫وقد عد المفسرون هذه الية من اليات التي تتحدث عن تعظيم‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم حيًا وميتًا‪.‬‬
‫يقول الزمخشري في تفسير هذه الية‪" :‬وسمي نكاحهن بعده‬
‫ما عنده وهو من أعلم تعظيم الله لرسوله صلى الله عليه‬ ‫عظي ً‬
‫وسلم وإيجاب حرمته حيًّا وميتًا‪ ،‬وإعلمه بذلك مما طيب نفسه‬
‫وسر قلبه واستغزر شكره فإن نحو هذا مما يحدث الرجل به‬
‫نفسه ول يخلى منه فكره ومن الناس من تفرط غيرته على‬
‫حرمته حتى يتمنى لها الموت لئل تنكح من بعده "[‪.]37‬‬
‫وهذه الداب التي ذكرناها في هذه الزاوية المتعلقة ببيت النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم وإن كانت وردت في حقه صلى الله عليه‬
‫وسلم وقت حياته يلتزم المسلمون فيما بينهم أثناء حياته صلى‬
‫ن العبرة بعموم اللفظ ل بخصوص‬ ‫الله عليه وسلم وبعد مماته ل ّ‬
‫السبب إل ما خص به صلى الله عليه وسلم من عدم القتران‬
‫بإحدى زوجاته بعد وفاته صلى الله عليه وسلم مع أن هذا الحكم‬
‫ل يمكن تطبيقه بعد لحوقهن بالرفيق العلى‪ ،‬وأما وقت حياتهن‬
‫ما به من قبل الموجودين وقتئذ‪.‬‬ ‫فكان ملتز ً‬
‫الزاوية الثانية‪ :‬في حالة وجوده في الماكن العامة‪ :‬كانت الزاوية‬
‫السابقة تتعلق بحالة وجوده صلى الله عليه وسلم مع نسائه في‬
‫بيته وما ينبغي المسلم أن يتجنب عنه من إيذائه صلى الله عليه‬
‫وسلم من دخول بيته بغير إذن أو عدم النصراف بعد انتهاء‬
‫الغرض الذي من أجله أذن له والمور الخرى التي فصلناها فأما‬
‫في هذه الزاوية‪ ،‬فسوف نتحدث عن المور التي ينبغي للمسلم‬
‫أن يرعى تجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حالة وجوده‬
‫في الماكن العامة وفي مل من الناس‪ .‬وهذه الحالة العامة‬
‫تتطلب عدم الخروج من مجلسه إل بإذن بل البقاء معه إل‬
‫لضرورة قصوى وخاصة إذا كان هناك أمر مهم يتطلب المشاورة‬
‫والستعانة بأهل الرأي مثل أوقات الحرب والشدة على عكس ما‬
‫كان مطلوبًا في حالة وجوده مع نسائه في بيته صلى الله عليه‬
‫وسلم لنه يقال لكل مقام مقال ولكل مقال مقام‪ ،‬وهنا اختلفت‬
‫المقالتان لختلف المقامين‪.‬‬
‫وقد ذكر الله سبحانه وتعالى مراعاة مقام النبوة في حالة وجوده‬
‫في مل من الناس في القرآن الكريم وشهد لمن يلتزم مراعاة‬
‫ذلك الجانب اليمان بالله ورسوله في أسلوب حصر كأنهم هم‬
‫ن‬‫منُو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ما ال ْ ُ‬ ‫وحدهم كما يشير إليه قوله تعالى‪{ :‬إِن َّ َ‬ ‫َ‬
‫المؤمنون‬
‫َ‬
‫مع ل َ‬ ‫َ‬ ‫ه ع َلَى أ‬
‫م يَذْهَبُوا‬ ‫ْ‬ ‫ٍ‬ ‫جا ِ‬ ‫مرٍ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫معَ‬‫َ‬ ‫سولِهِ وَإِذ َا كَانُوا‬ ‫منُوا بِالل ّهِ وََر ُ‬ ‫َ‬ ‫نآ‬ ‫َ‬ ‫ال ّذِي‬
‫َ‬ ‫َ ُ َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬
‫ن بِالل ّهِ‬ ‫منُو َ‬ ‫ن يُؤْ ِ‬ ‫ك ال ّذِي َ‬ ‫ستَأذِنُون َك أوْلئ ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ّذِي‬ ‫ستَأذِنُوه ُ إ ِ ّ‬ ‫حتَّى ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ستَأذ َنُو َ‬
‫م‬
‫منْهُ ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫شئ ْ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫م فَأذ َ ْ‬ ‫شأنِهِ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ك َلِبَعْ ِ‬ ‫َ‬
‫سولِهِ فَإِذ َا ا ْ‬ ‫وََر ُ‬
‫م} [النور‪]62:‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫ه غَفُوٌر َر ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ه إ ِ َّ‬ ‫م الل ّ َ‬ ‫ستَغْفِْر لَهُ ْ‬ ‫وَا ْ‬
‫ويتبين من نص الية الكريمة الداب التي ينبغي أن يراعى بها في‬
‫مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم من الستئذان إذا نوى‬
‫أحد أن يخرج منه وإن كان ذلك خلف الولى لتذييل الية بطلب‬
‫الستغفار من الرسول لمن يستأذن مع تفويض للرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم قبول الستئذان وعدمه لمن يشاء تقديًرا‬
‫للموقف والملبسات المحيطة به‪.‬‬
‫يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الية‪" :‬ومع‬
‫هذا يشير إلى مغالبة الضرورة وعدم النصراف هو الولى وأن‬
‫الستئذان والذهاب فيها تقصير أو قصور يقتضي استغفار النبي‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫م الل ّ َ‬ ‫فْر لَهُ ْ‬ ‫ستَغْ ِ‬ ‫صلى الله عليه وسلم للمعتذرين‪{ :‬وَا ْ‬
‫م} [النور‪ .]62:‬وبذلك يقيد ضمير المؤمن فل يَستأذن‬ ‫حي ٌ‬ ‫غَفُوٌر َر ِ‬
‫وله مندوحة لقهر العذر الذي يدفع به الستئذان"[‪.]38‬‬
‫ويدخل تحت هذا المفهوم أي الستئذان من الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم بالخروج من مجلسه وقت خطبته صلى الله عليه‬
‫وسلم وإن كان هناك خلف حول معنى المر الجامع في الية‬
‫الكريمة‪ ،‬هل هو في الحرب خاصة أم يعم جميع الجتماعات‬
‫الخرى كالجمعة والعيدين؟ وقد ذهب المام ابن العربي إلى‬
‫ن المر الجامع مخصوص في الحرب مؤيدًا ما ذهب إليه‬ ‫القول بأ ّ‬
‫بأدلة نوردها هنا‪:‬‬
‫يقول ابن العربي رحمه الله‪" :‬وقد روى أشهب ويحيى بن بكير‬
‫ن هذه الية إنّما كانت في‬ ‫وعبد الله بن عبد الحكم عن مالك أ ّ‬
‫حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق وكذلك قال‬
‫محمد بن إسحاق‪.‬‬
‫ن الية مخصوص في الحرب أمران صحيحان‪:‬‬ ‫والذي بيّن ذلك أ ّ‬
‫َّ َّ‬
‫ن‬‫ه الذِي َ‬ ‫م الل ُ‬ ‫أما َأحدهما‪ :‬فهو قوله تعالى في الية الخرى‪ :‬قَد ْ يَعْل َ ُ‬
‫م لِوَاذ ًا} [النور‪ ]63:‬وذلك أن المنافقين كانوا‬ ‫منْك ُ ْ‬‫ن ِ‬ ‫سل ّلُو َ‬ ‫يَت َ َ‬
‫يتلوذون ويخرجون عن الجماعة ويتركون رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فأمر الله جميعهم بأل ّ يخرج أحد حتى يأذن له رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم وبذلك يتبين إيمانه‪.‬‬
‫ْ‬
‫ستَأذِنُوهُ} [النور‪:‬‬ ‫حتَّى ي َ ْ‬ ‫م يَذْهَبُوا َ‬ ‫وأما الثاني‪ :‬فهو قوله تعالى‪{ :‬ل َ ْ‬
‫‪ .]62‬فأي إذن في الحدث والمام يخطب‪ .‬وليس للمام خيار في‬
‫ْ‬
‫م} [النور‪.]62:‬‬ ‫منْهُ ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫شئ ْ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫ن لِ َ‬ ‫منعه ول إيقافه وقد قال‪{ :‬فَأذ َ ْ‬
‫فيبين ذلك أنه مخصوص في الحرب التي يؤثر فيها التفرق "[‪.]39‬‬
‫ن المر الجامع‬ ‫وهناك فريق آخر من العلماء الذين ذهبوا إلى أ ّ‬
‫يعم جميع الجتماعات من حرب وصلة جمعة وصلة العيدين‬
‫وغيرها من المور الخرى التي تقتضي اجتماع المسلمين مع‬
‫قائدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ومن هؤلء المام ابن كثير رحمه الله تعالى حيث يقول في‬
‫ضا أدب أرشد الله عباده المؤمنين‬ ‫تفسير هذه الية‪" :‬وهذا أي ً‬
‫إليه‪ ،‬فكما أمرهم بالستئذان عند الدخول كذلك أمرهم‬
‫بالستئذان عند النصراف ل سيما إذا كانوا في أمر جامع مع‬
‫الرسول صلوات الله وسلمه عليه من صلة جمعة أو عيد أو‬
‫جماعة أو اجتماع في مشورة ونحو ذلك أمرهم الله أن ل يتفرقوا‬
‫ن من يفعل ذلك‬ ‫عنه والحالة هذه إل ّ بعد استئذانه ومشاورته‪ ،‬وأ ّ‬
‫فإنّه من المؤمنين الكاملين "[‪.]40‬‬
‫ويقول المام القرطبي رحمه الله بعد إيراده قول المام ابن‬
‫العربي‪ " :‬القول بالعموم أولى وأرفع وأحسن وأعلى "[‪.]41‬‬
‫ن المر الجامع يعم كل‬ ‫ما يرجح القول الثاني وهو أ ّ‬ ‫وم ّ‬
‫ضوا إِلَيْهَا‬ ‫َ‬
‫جاَرةً أوْ لَهْوًا انفَ ُّ‬ ‫َ‬
‫الجتماعات قوله تعالى‪{ :‬وَإِذ َا َرأوْا ت ِ َ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫جاَرةِ وَالل ُ‬
‫ه‬ ‫ن الت ِّ َ‬‫م ْ‬‫ن اللهْوِ وَ ِ‬‫م ْ‬ ‫خيٌْر ِ‬‫عنْد َ الل ّهِ َ‬
‫ما ِ‬ ‫ما قُ ْ‬
‫ل َ‬ ‫وَتََركُو َ‬
‫ك قَائ ِ ً‬
‫ن} [الجمعة‪.]11:‬‬ ‫خيُْر الَّرازِقِي َ‬‫َ‬
‫يظهر من سياق هذه الية أن بعض الصحابة أو جلهم خرجوا من‬
‫عند رسول الله وهو قائم يخطب لمور دنيوية بحتة وهي التجارة‬
‫بحيث آثروا التجارة القادمة إلى المدينة على استماع رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ولهذا نبههم الله سبحانه وتعالى على أن‬
‫البقاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خير لهم بخلف ما‬
‫صدر عنهم الذي ل يليق لمقام النبوة‪.‬‬
‫يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله تعالى‪ " :‬وتشير إلى حادث‬
‫معين حيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبهم في‬
‫المسجد للجمعة حين حضرت قافلة من قوافلهم التجارية‪ ،‬فما‬
‫أعلن نبأ قدومها حتى انفض المستمعون منصرفين إلى التجارة‬
‫واللهو الذي كانت القافلة تحاط به على عادة الجاهلية‪ ،‬من‬
‫ضرب بالدفوف وحداء وهيصة وتركوا رسول الله صلى الله عليه‬
‫ما فيما عدا اثني عشر من الراسخين فيهم أبو بكر‬ ‫وسلم قائ ً‬
‫وعمر بقوا يستمعون كما تذكر الروايات[‪.]42‬‬
‫والرواية التي تحدد العدد هي ما أخرجه البخاري رحمه الله عن‬
‫جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال[‪ :]43‬أقبلت عير يوم‬
‫الجمعة ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم فثار الناس إل ّ اثني‬
‫جاَرةً أَوْ لَهْوًا انفَ ُّ‬
‫ضوا إِلَيْهَا}‬ ‫َ‬
‫عشر رجل ً فأنزل الله‪{ :‬وَإِذ َا َرأوْا ت ِ َ‬
‫[الجمعة‪.]11:‬‬
‫ن اليتين اللتين ذكرناهما في هذه الزاوية‬ ‫وخلصة القول أ ّ‬
‫ترشدان المسلمين إلى الداب التي تجب على المسلم أن يتحلى‬
‫ن‬
‫بها في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء قلنا أ ّ‬
‫ن الية‬‫المر الجامع خاص بالحرب أو أنّه يعم كل الجتماعات‪ ،‬أو أ ّ‬
‫الولى تتعلق بالحرب بينما الية الثانية تتعلق بالخطبة وما يجري‬
‫مجراها‪.‬‬
‫ما بعد‬ ‫وهذه الداب محلها في حال حياته صلى الله عليه وسلم وأ ّ‬
‫مماته فتنتقل إلى ما بعده من الخلفاء الراشدين ومن في‬
‫حكمهم‪.‬‬
‫يقول القرطبي رحمه الله‪ " :‬وظاهر الية يقضي أن يستأذن أمير‬
‫المرة الذي هو في مقعد النبوة‪ ،‬فإنّه ربما كان له رأي في حبس‬
‫ذلك الرجل لمر من أمور الدين"‪.]44‬‬

‫ـــــــــــــــ‬
‫الهوامش‪:‬‬
‫[‪ ]1‬روح المعاني‪.)5/65( :‬‬
‫[‪ ]2‬أخرجه الحاكم في مستدركه (‪ )1/108‬وقال‪" :‬هو صحيح على‬
‫شرط الشيخين ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫[‪ ]3‬أخرجه الحاكم في مستدركه (‪ )1/109‬وصححه‪.‬‬
‫[‪ ]4‬روح المعاني‪.)9/164( :‬‬
‫[‪ ]5‬روح المعاني‪.)9/188( :‬‬
‫[‪ ]6‬الفروق في اللغة (ص‪.)215:‬‬
‫[‪ ]7‬كما صرح ابن كثير عند تفسير هذه الية‪ .‬انظر تفسيره (‬
‫‪.)2/190‬‬
‫[‪ ]8‬مستدرك الحاكم (‪ ،)2/139‬وقال‪ :‬صحيح السناد ووافقه‬
‫الذهبي‪.‬‬
‫[‪ ]9‬ابن كثير‪.)2/192( :‬‬
‫[‪ ]10‬أحكام القرآن (‪ )4/1700‬مع التصرف‪.‬‬
‫[‪ ]11‬المصدر السابق (‪.)4/1701‬‬
‫[‪ ]12‬المصدر السابق (‪.)4/17011702‬‬
‫[‪ ]13‬مدارج السالكين‪.)2/389( :‬‬
‫[‪ ]14‬أضواء البيان (‪.)7/614‬‬
‫[‪ ]15‬تفسير القرآن العظيم‪.)2/67( :‬‬
‫[‪ ]16‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب فضائل الصحابة‪ ،‬باب فضل الصحابة ثم‬
‫الذين يلونهم ثم الذين يلونهم (‪.)4/1963‬‬
‫[‪ ]17‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب المغازي‪ ،‬باب مرجع النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم من الحزاب ومخرجه إلى بني قريظة ومحاصرته‬
‫إياهم (‪.)3/34‬‬
‫[‪ ]18‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب العتصام بالكتاب والسنة‪ ،‬باب‬
‫القتداء بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم (‪.)4/260‬‬
‫[‪ ]19‬البخاري في كتاب التراويح‪ ،‬باب فضل من قام رمضان (‬
‫‪.)1/343‬‬
‫[‪ ]20‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب المساجد ومواضع الصلة‪ ،‬باب تحويل‬
‫القبلة من القدس إلى الكعبة (‪.)1/375‬‬
‫[‪ ]21‬صحيح البخاري في كتاب الحج‪ ،‬باب ما ذكر في الحجر‬
‫السود (‪.)1/278‬‬
‫[‪ ]22‬يعني التمتع في الحج وهو نوع من أنواع الحج الثلثة‬
‫المعروفة‪.‬‬
‫[‪ ]23‬صحيح البخاري في كتاب الحج في باب التمتع والقران‬
‫والفراد بالحج وفسخ الحج لمن لم يكن معه هدي (‪.)1/272273‬‬
‫[‪ ]24‬يعني عرفة‪.‬‬
‫[‪ ]25‬صحيح مسلم في كتاب الحج‪ ،‬باب ما يلزم من أحرم بالحج‬
‫ثم قدم مكة‪ ،‬من الطواف والسعي (‪.)2/905‬‬
‫[‪ ]26‬مثل قصة عمر مع النبي صلى الله عليه وسلم في صلح‬
‫الحديبية وفيها‪ :‬جاء عمر فقال‪ :‬ألسنا على الحق وهم على‬
‫باطل؟ أليس قتلنا في الجنة وقتلهم في النار؟ فقال‪( :‬بلى)‬
‫قال‪ :‬ففيم نعطي الدنية في ديننا‪ ،‬ونرجع ولما يحكم الله بيننا؟‬
‫فقال‪( :‬يا ابن الخطاب إني رسول الله ولن يضيعني الله أبدًا)‪،‬‬
‫فرجع متغيظًا فلم يصبر حتى جاء أبا بكر فقال‪ :‬يا أبا بكر ألسنا‬
‫على الحق وهم على الباطل؟ قال‪ :‬يا ابن الخطاب‪ ،‬إنه رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ولن يضيعه الله أبدًا "‪ .‬انظر صحيح‬
‫البخاري‪ ،‬كتاب التفسير‪ ،‬باب‪( :‬إذ يبايعوك تحت الشجرة) (‪.)3/190‬‬
‫[‪ ]27‬يشير إلى قوله تعالى‪( :‬يجادلونك في الحق بعدما تبين‪.).‬‬
‫سورة النفال‪ :‬آية (‪.)6‬‬
‫جا بقوله تعالى‪( :‬فليس عليكم جناح أن تقصروا من‬ ‫[‪ ]28‬احتجا ً‬
‫الصلة إن خفتم‪ ).‬سورة النساء‪ ،‬آية ‪ .101‬أجاب صلى الله عليه‬
‫وسلم عن ذلك‪( :‬صدقة تصدق الله بها عليكم) انظر صحيح‬
‫مسلم‪ ،‬كتاب صلة المسافرين‪ ،‬باب صلة المسافرين وقصرها (‬
‫‪.)1/478‬‬
‫[‪ ]29‬حيث أشار إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يغير المكان‬
‫الذي نزل فيه أول ً إلى مكان آخر أحسن بالنسبة للهمية الحربية‬
‫ووافقه على ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم كما في كتب‬
‫السيرة‪ .‬انظر السيرة النبوية لبن كثير (‪.)2/402‬‬
‫[‪ ]30‬الصارم المسلول‪( :‬ص‪.)119:‬‬
‫[‪ ]31‬الصارم المسلول‪( :‬ص‪.)197:‬‬
‫[‪ ]32‬الصارم المسلول‪( :‬ص‪.)191:‬‬
‫[‪ ]33‬تفسير القرطبي‪.)14/225( :‬‬
‫[‪ ]34‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب التفسير‪ :‬باب في قوله تعالى‪( :‬ل‬
‫تدخلوا بيوت النبي إل أن يؤذن لكم إلى طعام) (‪.)3/176177‬‬
‫[‪ ]35‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب التفسير‪ :‬باب في قوله تعالى‪( :‬ل‬
‫تدخلوا بيوت النبي إل أن يؤذن لكم إلى طعام) (‪.)3/176177‬‬
‫[‪ ]36‬تأملت في سورة الحزاب (ص‪ )460461:‬مع التصرف‪.‬‬
‫[‪ ]37‬تفسير الكشاف‪.)3/272( :‬‬
‫[‪ ]38‬في ظلل القران‪.)4/2534( :‬‬
‫[‪ ]39‬أحكام القرآن‪.)3/1398( :‬‬
‫[‪ ]40‬تفسير ابن كثير‪.)3/306( :‬‬
‫[‪ ]41‬تفسير القرطبي‪.)12/321( :‬‬
‫[‪ ]42‬في ظلل القرآن‪.)6/3563( :‬‬
‫[‪ ]43‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب التفسير‪ ،‬تفسير سورة الجمعة (‪.)3/202‬‬
‫[‪ ]44‬تفسير القرطبي‪.)13/320( :‬‬
‫‪ .9‬كتاب "التأدب مع الرسول في ضوء الكتاب‬
‫والسنة" [الجزء الخامس]‬
‫الباب الثالث‬
‫البدع الملحقة بالدب مع النبي صلى الله عليه وسلم‬

‫غالى بعض الناس في حبّهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫وتعوّدوا القيام ببعض العمال التي لم يرد بها دليل شرعي‪ ،‬كما‬
‫استغل بعض المنافقين حب المسلمين لرسولهم وأدخلوا عليهم‬
‫ما ل يجوز ول يصح اعتمادًا على دليل واه‪ ،‬أو تأويل غير صحيح‪.‬‬
‫ومن هنا ظهرت بدع في مجال التأدب مع رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم يجب أن تعرف لتترك ويتخلص منها المؤمنون‬
‫الصادقون‪.‬‬
‫وقد اتبعت في دراسة هذا الموضوع عرض الراء الواردة في كل‬
‫مسألة مع ذكر أدلتها ومناقشتها جلء للحق وبيانًا للصواب‪.‬‬
‫سمتها إلى بدع ألحقت بمولده صلى الله عليه وسلم‪،‬‬ ‫وقد ق ّ‬
‫وأخرى ألحقت بزيارة مسجده صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وثالثة‬
‫بزيارة قبره الشريف صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وتناولت هذه البدع‬
‫حا‪.‬‬
‫بالدراسة بعد تعريف مفصل للبدعة لغة واصطل ً‬
‫ولذا جاء هذا الباب مشتمل ً على أربعة فصول هي‪:‬‬
‫حا‪.‬‬
‫الفصل الول‪ :‬تعريف البدعة لغة واصطل ً‬
‫الفصل الثاني‪ :‬البدع الملحقة بمولده صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬البدع الملحقة بمسجده صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬البدع الملحقة بزيارة قبره الشريف صلى الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫وذلك فيما يلي بنفس الترتيب‪.‬‬

‫الفصل الول‬
‫حا‬
‫تعريف البدعة لغة واصطل ً‬
‫أولً‪ :‬تعريف البدعة لغة‪:‬‬
‫يقول صاحب معجم مقاييس اللغة[‪" :]1‬الباء والدال والعين‬
‫أصلن أحدهما ابتداء الشيء وصنعه ل عن مثال‪ ،‬والخر النقطاع‬
‫والكلل‪ .‬فالول قولهم‪ :‬أبدعت الشيء قول ً أو فعل ً إذا ابتدائه ل‬
‫عن مثال والله بديع السماوات والرض[‪ ]2‬والعرب تقول‪ :‬ابتدع‬
‫ي إذا استنبطه وفلن بدع في هذا المر‪ .‬قال الله‬ ‫فلن الرك ّ‬
‫ل} [الحقاف‪ ]9:‬أي ما كنت‬ ‫س ِ‬‫ن الُّر ُ‬
‫م ْ‬ ‫ما كُن ْ ُ‬
‫ت بِدْع ًا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫تعالى‪{ :‬قُ ْ‬
‫أول "[‪.]3‬‬
‫ويقول صاحب مصباح المنير[‪" :]4‬أبدعت الشيء وأبدعته‪:‬‬
‫استخرجته وأحدثته ومنه قيل للحالة المخالفة بدعة وهي اسم‬
‫من البتداع كالرفعة من الرتفاع ثم غلب استعمالها فيما هو‬
‫نقص في الدين أو زيادة‪ ...‬وفلن بدع في المر أي هو أول من‬
‫فعله‪ .‬فيكون اسم فاعل بمعنى مبتدع والبديع فعيل من هذا‬
‫فكأن معناه هو منفرد بذلك من بين نظائره‪ ،‬وفيه معنى التعجب‪،‬‬
‫ل} [الحقاف‪]9:‬‬ ‫ن الُّر ُ‬
‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما كُن ْ ُ‬
‫ت بِدْع ًا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ومنه قوله تعالى‪{ :‬قُ ْ‬
‫أي ما كنت أول من جاء بالوحي من عند الله تعالى وتشريع‬
‫الشرائع بل أرسل الله تعالى الرسل قبلي مبشرين ومنذرين فأنا‬
‫على هداهم‪.]5[..‬‬
‫ويقول ابن منظور‪ " :‬بدع الشيء يبدعه بدع ًا‪ ،‬وابتدعه‪ :‬أنشأه‬
‫ما كُن ْ ُ‬
‫ت‬ ‫ل َ‬‫وبدأه ويبدع الشيء الذي يكون أول ً وفي التنزيل‪{ :‬قُ ْ‬
‫ل} [الحقاف‪ ]9:‬أي ما كنت أول من أرسل قد‬ ‫س ِ‬‫ن الُّر ُ‬
‫م ْ‬
‫بِدْع ًا ِ‬
‫أرسل قبلي رسل كثير‪..‬‬
‫وأبدعت الشيء‪ :‬اخترعته ل على مثال والبديع من أسماء الله‬
‫تعالى لبداعه الشياء وإحداثه إيّاها وهو البديع الول قبل كل‬
‫ض} [البقرة‪]117 :‬‬ ‫َ‬ ‫شيء ومنه قوله تعالى‪{ :‬بَدِيعُ ال َّ‬
‫ت وَالْر ِ‬ ‫موَا ِ‬‫س َ‬
‫أي خالقها ومبدعها فهو سبحانه المخترع لها ل عن مثال سابق "[‬
‫‪.]6‬‬
‫ونستنتج من هذه التعريفات اللغوية السابقة لكلمة البدعة‬
‫ومشتقاتها أمرين اثنين‪:‬‬
‫ن معناها يدور حول الختراع والحداث والبتداء والنشاء‬ ‫أ) أ ّ‬
‫وكلها معان متقاربة كما ترى‪.‬‬
‫ن البدعة اللغوية تشمل المحدث المذموم والحسن لن‬ ‫ب) أ ّ‬
‫المر المخترع قد يترتب عليه مصلحة فيكون حسنًا‪ ،‬وقد يترتب‬
‫ما‪.‬‬
‫عليه مفسدة فيكون مذمو ً‬
‫ثانيًا‪ :‬تعريف البدعة في اصطلح أهل الشرع‪:‬‬
‫اختلفت أنظار العلماء في تحديد معنى البدعة‪ .‬فمنهم من حددها‬
‫بـ "ما أحدث في الدين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ومنهم من أطلقها على ما أحدث بعد رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم في الدين وفي غيره من العادات‪.‬‬
‫ويمثل الفريق الول ابن رجب الحنبلي[‪ ]7‬والشاطبي[‪ ]8‬والحافظ‬
‫ابن حجر العسقلني وغيرهم‪ .‬بينما يمثل الفريق الخر العز بن‬
‫عبد السلم [‪ ]9‬والنووي وغيرهما‪.‬‬
‫وسوف أفصل تعريف كل فريق لنصل إلى التعريف المختار‪.‬‬
‫تعريف البدعة عند الفريق الول‪ :‬يقول ابن رجب الحنبلي في‬
‫تعريف البدعة‪" :‬والمراد بالبدعة‪" :‬ما أحدث مما ل أصل له في‬
‫ما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه‬ ‫الشريعة يدل عليه‪ ،‬أ ّ‬
‫فليس ببدعة شرع ًا وإن كان بدعة لغة"[‪.]10‬‬
‫وعّرف الشاطبي البدعة بتعريفين‪ :‬الول‪ :‬هو أن البدعة عبارة‬
‫عن طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك‬
‫عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه[‪.]11‬‬
‫ن البدعة طريقة في الدين تضاهي الشرعية يقصد‬ ‫والثاني‪ :‬هو أ ّ‬
‫بالسلوك عليها ما يقصد بالشرعية "[‪.]12‬‬
‫ويقول الحافظ ابن حجر في تعريف البدعة‪ " :‬ما أحدث وليس له‬
‫أصل في الشرع يسمى في عرف الشرع بدعة‪ .‬وما كان له أصل‬
‫يدل عليه الشرع فليس ببدعة "[‪.]13‬‬
‫يظهر لنا مما تقدم أن تعريفات هذا الفريق تقيد البدعة بأمور‬
‫ثلثة‪:‬‬
‫أ) الحداث في الدين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ب) أن يقصد بها التقرب إلى الله‪.‬‬
‫ج) أن ل يدل عليها دليل شرعي‪.‬‬
‫وعلى هذا تكون البدعة اللغوية أعم لشتمالها على ما أحدث في‬
‫الدين وفي غيره بينما البدعة الشرعية ل تشمل إل ما أحدث في‬
‫الدين على وجه التقرب إلى الله مع عدم وجود الدليل الشرعي‪.‬‬
‫ومن ثم فل تكون البدعة في نظر هذا الفريق إل مذمومة شرع ًا‬
‫بخلف البدعة اللغوية ول تدخل في العادات التي ليس لها شائبة‬
‫التعبد‪.‬‬
‫يقول الشاطبي‪ " :‬ثبت في الصول الشرعية أنّه ل بد في كل‬
‫ن ما لم يعقل معناه على التفصيل من‬ ‫عادي من شائبة التعبد‪ ،‬ل ّ‬
‫المأمور به أو المنهي عنه فهو المراد بالتعبدي‪ ،‬وما عقل معناه‬
‫وعرفت مصلحته أو مفسدته فهو المراد بالعادي‪ ،‬فالطهارات‬
‫والصلوات والصيام والحج كلها تعبدي‪ ،‬والبيع والنكاح والشراء‬
‫والطلق والجارات والجنايات كلها عادي‪ ،‬لن أحكامها معقولة‬
‫المعنى ول بد فيها من التعبد‪ ،‬إذ هي مقيدة بأمور شرعية ل خيرة‬
‫للمكلف فيها‪..‬‬
‫وإذا كان كذلك فقد ظهر اشتراك القسمين في معنى التعبد‪ ،‬فإن‬
‫جاء البتداع في المور العادية من ذلك الوجه صح دخوله في‬
‫العاديات كالعبادات وإل ّ فل[‪.]14‬‬
‫ويقول ابن حجر العسقلني‪" :‬فالبدعة في عرف الشرع مذمومة‬
‫بخلف اللغة‪ ،‬فإن كل شيء أحدث على غير مثال يسمى بدعة‬
‫ما وكذا القول في المحدثة‪ ،‬والمر‬ ‫سواء كان محمودًا أو مذمو ً‬
‫المحدث "[‪.]15‬‬
‫تعريف البدعة عند الفريق الثاني‪ :‬يقول العز بن عبد السلم‪:‬‬
‫"البدعة‪ :‬هي فعل ما لم يعهد في عهد الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم وهي منقسمة إلى بدعة واجبة‪ ،‬وبدعة محرمة‪ ،‬وبدعة‬
‫مندوبة‪ ،‬وبدعة مكروهة‪ ،‬وبدعة مباحة‪ .‬والطريقة في معرفة ذلك‬
‫أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة‪ ،‬فإن دخلت في قواعد‬
‫اليجاب فهي واجبة‪ ،‬وإن دخلت في قواعد التحريم فهي محرمة‪،‬‬
‫وإن دخلت في قواعد المندوب فهي مندوبة‪ ،‬وإن دخلت في‬
‫قواعد المباحات فهي مباحة [‪ ]16‬ثم ضرب أمثلة لكل نوع منها‬
‫وهي على النحو التالي‪:‬‬
‫والبدعة الواجبة مثل الشتغال بالنحو‪ ،‬والبدعة المحرمة مثل‬
‫الشتغال بمذهب القدرية والجبرية‪ ،‬والبدعة المندوبة مثل جمع‬
‫الناس في صلة التراويح‪ ،‬والبدعة المكروهة مثل زخرفة‬
‫المساجد‪ ،‬والبدعة المباحة مثل المصافحة عقب الصبح والعصر[‬
‫‪.]17‬‬
‫ويقول النووي رحمه الله تعالى‪" :‬والبدعة بكسر الباء في الشرع‬
‫هي إحداث ما لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫وهي منقسمة إلى حسنة وقبيحة "[‪.]18‬‬
‫وهذا الفريق يقيّد تعريف البدعة بقيد واحد وهو إحداث ما لم يكن‬
‫في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ولهذا فإن البدعة‬
‫عندهم ليست مذمومة كلها‪ ،‬بل منها ما هو واجب يلزم فعله‪،‬‬
‫ومنها ما هو حرام يلزم تركه‪ ،‬وما هو وسط بين هذا وذاك‪ .‬حيث‬
‫إنها تخضع للحكام الشرعية الخمسة من وجوب‪ ،‬وحرام‪،‬‬
‫ومندوب‪ ،‬ومكروه‪ ،‬ومباح‪ ،‬ومندوب‪.‬‬
‫ن البدعة عندهم تساوي البدعة اللغوية لنها تشمل‬ ‫وعلى هذا فإ ّ‬
‫الحدث المذموم والحسن بخلف الفريق الول الذي يرى‬
‫انحصارها في الحدث المذموم ومن ثم فإن النسبة بين الفريقين‬
‫عموم وخصوص مطلق‪.‬‬
‫أدلة الفريقين‪ :‬يستدل كل الفريقين بأدلة تؤيد ما ذهب إليه ونذكر‬
‫هنا طرفًا من أدلة كل الفريقين مع بيان وجهة الستدلل لكل‬
‫منهما‪.‬‬
‫أولً‪ :‬أدلة الفريق الول‪ :‬هذا الفريق يستدل بالنصوص التي يفيد‬
‫منطوقها ذم البدعة على وجه العموم‪.‬‬
‫ن خير الحديث كتاب‬ ‫‪1‬ـ من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬فإ ّ‬
‫الله وخير الهدي هدي محمد‪ ،‬وشر المور محدثاتها وكل بدعة‬
‫ضللة "[‪.]19‬‬
‫ن قوله صلى الله عليه وسلم‪ " :‬كل بدعة ضللة " عام يفيد أن‬ ‫أ ّ‬
‫البدعة مذمومة كلها بغير استثناء نوع منها ولم يرد ما يخصص‬
‫ذلك العموم‪ ،‬ولذلك فليس هناك بدعة حسنة بل كلها مذمومة‬
‫شرع ًا‪.‬‬

‫‪2‬ـ ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬من أحدث في أمرنا‬
‫هذا ما ليس منه فهو رد"[‪ ]20‬أي‪ :‬مردود‪.‬‬
‫ن الحداث في الدين أمر‬ ‫ووجه الستدلل بهذا الحديث هو‪ :‬أ ّ‬
‫ن الحداث في‬ ‫مردود مهما كان ذلك الحداث صغيًرا أو كبيًرا ل ّ‬
‫الدين بدعة‪ ،‬ومن ثم فل يوجد بدعة حسنة‪.‬‬
‫‪3‬ـ ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬أوصيكم بتقوى الله‬
‫والسمع والطاعة لولة المر وإن عبد حبشي فإنّه من يعش‬
‫منكم ير اختلفًا كثيًرا‪ ،‬وإياكم ومحدثات المور فإنّها ضللة فمن‬
‫أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين‬
‫عضوا عليها بالنواجذ"[‪.]21‬‬
‫ن الرسول صلى الله عليه‬ ‫ووجه الستدلل بهذا الحديث هو أ ّ‬
‫وسلم قد حذر من المحدثات ووصفها بأنّها بدعة كما وصف‬
‫البدعة بأنّها ضللة على وجه العموم‪ ،‬وهذا يقتضي أنّه ليس هناك‬
‫بدعة حسنة وأخرى قبيحة بل كلها قبيحة‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أدلة الفريق الثاني‪ :‬يستدل هذا الفريق بأدلة نوجزها فيما‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪1‬ـ قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في صلة التراويح بعد ما‬
‫جمعهم على أبي بن كعب رضي الله عنه‪" :‬نعمت البدعة"[‪.]22‬‬
‫ووجه الستدلل بهذا القول هو أن عمر رضي الله عنه قد سمى‬
‫صلة التراويح بدعة مع إقراره بل بأمره ذلك‪.‬‬
‫م‬
‫وهذا يدل على أنه يقصد بها البدعة الحسنة ل القبيحة ومن ث ّ‬
‫فإن البدعة تنقسم إلى حسنة وقبيحة‪.‬‬
‫ن في السلم سنّة حسنة‬ ‫‪2‬ـ قوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬من س ّ‬
‫فيعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها ول ينقص من‬
‫ن في السلم سنّة سيئة وعمل بها بعده‬ ‫أجورهم شيء‪ ،‬ومن س ّ‬
‫كتب عليه مثل وزر من عمل بها ول ينقص من أوزارهم شيء"[‬
‫‪.]23‬‬
‫ووجه الستدلل بهذا الحديث هو أنه إذا أحدث أحد شيئًا حسنًا‬
‫يثاب عليه وأنّه غير مذموم وكذلك العكس وبالتالي هناك اختراع‬
‫حسن وأخرى غير حسن ومن ثم البدعة تنقسم إلى حسنة‬
‫وقبيحة‪.‬‬
‫‪3‬ـ قول ابن مسعود رضي الله عنه‪" :‬فما رأى المسلمون حسنًا‬
‫فهو عند الله حسن وما رأوا سيئًا فهو عند الله سيئ"[‪.]24‬‬
‫ووجه الستدلل بهذا الثر هو أنّه ما فعل المسلمون واستحسنوه‬
‫ما بشرط أن ل يخالف الكتاب أو السنة أو الجماع‪.‬‬ ‫ل يكون مذمو ً‬
‫وعلى هذا فل يعتبر البدعة كلها قبيحة بل منها ما هو حسن‪.‬‬
‫ن طريقة الفريق الول مبنية على ثلثة أمور‪:‬‬ ‫وخلصة القول‪ :‬أ ّ‬
‫‪1‬ـ البدعة حقيقة فيما لم يفعل في الصدر الول ولم يكن له أصل‬
‫من أصول الشرع ومجاز في غير ذلك‪.‬‬
‫ن جميع ما ورد في ذم البدع من نحو قوله صلى الله عليه‬ ‫‪2‬ـ أ ّ‬
‫وسلم‪" :‬كل بدعة ضللة" [‪ ]25‬باق على عمومه‪.‬‬
‫ن البدع ل تدخل إل ّ في العاديات التي ل بد فيها من‬ ‫‪3‬ـ القول بأ ّ‬
‫التعبد‪.‬‬
‫ضا‪:‬‬
‫وأّما طريقة الفريق الثاني فهي مبنية على أمور ثلثة أي ً‬
‫ن البدعة حقيقة فيما لم يفعل في الصدر الول كان له أصل‬ ‫‪1‬ـ أ ّ‬
‫من أصول الشرع أم ل‪.‬‬
‫ن جميع ما ورد في البدع من نحو قوله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫‪2‬ـ أ ّ‬
‫"إن كل بدعة ضللة" [‪ ]26‬عام مخصوص‪.‬‬
‫‪3‬ـ القول بأن جميع المخترعات من العاديات ولو لم يلحقها شائبة‬
‫تعبد تلحق بالبدع وتصير كالعبادات المخترعة)[‪.]27‬‬
‫مناقشة الدلة والترجيح‪ :‬نبدأ بمناقشة أدلة الفريق الثاني ثم‬
‫نتبعها بأدلة الفريق الول‪ :‬أولً‪ :‬استدللهم بقول عمر رضي الله‬
‫عنه‪" :‬نعمت البدعة "‪ ،‬ليس بدليل لهم لعدة أمور‪:‬‬
‫‪1‬ـ أن صلة التراويح جماعة ليست بدعة شرعية بل صلها رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم في حياته جماعة عدة ليالي ثم بعد‬
‫ذلك تركها مخافة أن تفرض عليهم ثم ل يطيقوها‪ .‬ومما يدل على‬
‫ذلك ما أخرجه المام البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنّها‬
‫قالت‪ :‬إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من جوف الليل‬
‫فصلى في المسجد فصلى رجال بصلته فأصبح الناس يتحدثون‬
‫بذلك فاجتمع أكثر منهم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫في الليلة الثانية فصلوا بصلته فلما كانت الليلة الرابعة عجز‬
‫المسجد عن أهله فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فطفق رجال منهم يقولون‪ :‬الصلة فلم يخرج إليهم رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم حتى خرج لصلة الصبح فلما قضى‬
‫الفجر أقبل على الناس فتشهد‪ ،‬ثم قال‪" :‬أما بعد فإنّه لم يخف‬
‫ي مكانكم ولكنّي خشيت أن تفترض عليكم صلة الليل‬ ‫عل ّ‬
‫فتعجزوا عنها" [‪ ]28‬وفي رواية وذلك في رمضان‪.‬‬
‫وما دام الرسول صلى الله عليه وسلم ترك صلة التراويح‬
‫جماعة مخافة أن تفرض عليهم وقد زال ذلك الخوف بموته صلى‬
‫الله عليه وسلم فل مانع أن يرجع المر كله إلى ما كان عليه وهو‬
‫أن يصلى بها جماعة‪.‬‬
‫ن صلة التراويح جماعة تدخل في ضمن سنة الخلفاء‬ ‫‪2‬ـ أ ّ‬
‫الراشدين‪ ،‬وبالتالي فهي سنة سنّها أمير المؤمنين عمر بن‬
‫الخطاب رضي الله عنه لقولـه صلى الله عليه وسلم "‪ ...‬وإياكم‬
‫ومحدثات المور‪ ،‬فإنها ضللة فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي‬
‫وسنة الخلفاء الراشدين المهديين‪.]29[" ...‬‬
‫‪3‬ـ إن عمر رضي الله عنه أمر ذلك بمرأى ومسمع من الصحابة‬
‫رضوان الله عليهم ولم ينقل من عارض ذلك‪.‬‬
‫وعلى هذا فل يكون قول عمر رضي الله عنه دليل ً لهذا الفريق‬
‫ولكن يبقى لماذا سمى عمر هذا الفعل بدعة؟ وقد أوّل العلماء‬
‫هذا القول بعدة تأويلت وأحسنها هو أن يقصد بها البدعة اللغوية‬
‫لشتمالها البدعة السيئة والبدعة الحسنة‪.‬‬
‫يقول ابن تيمية رحمه الله في هذا المقام‪" :‬ما سمي بدعة وثبت‬
‫ما أن يقال ليس‬‫حسنه بأدلة الشرع فأحد المرين فيه لزم إ ّ‬
‫ببدعة في الدين وإن كان يسمى بدعة في اللغة كما قال عمر‪:‬‬
‫نعمت البدعة‪ ،‬وإما أن يقال هذا عام خصت منه هذه الصورة‬
‫لمعارض راجح كما يبقى عداها على مقتضى العموم كسائر‬
‫عمومات الكتاب والسنة"[‪.]30‬‬
‫ضا‪" :‬أكثر ما في هذا تسمية عمر تلك بدعة أي صلة‬ ‫ويقول أي ً‬
‫التراويح جماعة مع حسنها‪ ،‬وهذه تسمية لغوية ل تسمية شرعية‪،‬‬
‫ن البدعة في اللغة تعم كل ما فعل ابتداء من غير مثال‬ ‫وذلك أ ّ‬
‫ما البدعة الشرعية فكل ما لم يدل عليه دليل شرعي"[‬ ‫سابق‪ ،‬وأ ّ‬
‫‪.]31‬‬
‫ثانيًا‪ :‬استدللهم بقوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬من سن في‬
‫السلم سنة حسنة فعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل‬
‫بها‪." ....‬‬
‫ليس بدليل لهم لن معناه هو من أحيا سنة من سنة الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم فله ثوابها وثواب من اتبعه بها كما يدل‬
‫عليه سبب حديث جرير بن عبد الله حيث قال‪" :‬جاء ناس من‬
‫العراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصرف[‪ ]32‬فرأى‬
‫سوء حالهم قد أصابتهم حاجة فحث الناس على الصدقة فأبطأوا‬
‫ن رجل ً من النصار جاء‬ ‫عنه حتى رؤي ذلك في وجهه قال‪ :‬ثم إ ّ‬
‫بصرة من ورق ثم جاء آخر ثم تتابعوا حتى عرف السرور في‬
‫ن في‬‫وجهه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬من س ّ‬
‫السلم سنة حسنة فعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها‬
‫ن في السلم سنة سيئة‬ ‫ول ينقص من أجورهم شيء‪ ،‬ومن س ّ‬
‫فعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها ول ينقص من‬
‫أوزارهم شيء"[‪.]33‬‬
‫وهذا يدل على أن الغرض من ذلك إحياء ما ثبت في السلم‪،‬‬
‫وهنا الصدقة وليس ابتداع شيء ل أصل له في الشريعة‬
‫السلمية‪.‬‬
‫وهناك حديث آخر يفسر هذا الحديث مثل قوله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬من أحيا سنّة من سنن قد أميتت بعدي كان له من الجر‬
‫مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا‪ ،‬ومن ابتدع‬
‫بدعة ضللة ل يرضاها الله ورسوله كان عليه آثام من عمل بها ل‬
‫ينقص ذلك من أوزار الناس شيئًا"[‪.]34‬‬
‫ما قول ابن مسعود رضي الله عنه‪" :‬فما رأى المسلمون‬ ‫ثالثًا‪ :‬وأ ّ‬
‫حسنًا فهو عند الله حسن "[‪ ]35‬فهو أثر موقوف على ابن مسعود‬
‫وليس بحجة‪ ،‬وأما على فرض حجته فليس المراد جنس‬
‫المسلمين الصادق بالمجتهد وغيره لقتضائه أن كل ما رآه آحاد‬
‫المسلمين حسنًا فهو حسن‪ ،‬وكذلك العكس‪ ،‬كما أنه يقتضي كون‬
‫العمل الواحد حسنًا عند البعض الخر ل يصح التقرب به إلى الله‬
‫حا عند البعض الخر ل يصح التقرب به إليه‪ ،‬وهو باطل[‬ ‫تعالى قبي ً‬
‫‪.]36‬‬
‫وعلى هذا يحمل معنى هذا الثر على ما اجتمعت عليه المة‬
‫لعصمتها من الجماع على ضلل‪ ،‬والجماع حجة لستناده إلى‬
‫دليل شرعي‪ ،‬وعلى هذا فل يوجد دليل واحد يدل إلى ما ذهبوا‬
‫ن المثلة التي ذكروها للبدعة الحسنة والقبيحة تدخل تحت‬ ‫إليه وأ ّ‬
‫ما يناسبها من القواعد الشرعية‪.‬‬
‫وأما أدلة الفريق الول‪ :‬فهي مقبولة ومسلمة من ناحية ثبوتها‬
‫ومن ناحية الستدلل معًا‪ ،‬وبالتالي فل تحتاج إلى مناقشة‪.‬‬
‫جح ما ذهب إليه الفريق الول وهو أن البدعة ل‬ ‫وعلى هذا نر ّ‬
‫تكون إل ّ مذمومة لعموم النصوص التي وردت في ذم البدعة‬
‫شرع ًا ولعدم وجود ما يخصص ذلك‪ ،‬وبالتالي ليست مقسمة إلى‬
‫حسنة وقبيحة‪.‬‬
‫يقول المام الشاطبي رحمه الله مؤيدًا ذلك‪" :‬إنّه قد ثبت في‬
‫ن كل قاعدة كلية أو دليل شرعي كلي إذا‬ ‫الصول العلمية أ ّ‬
‫تكررت في مواضع كثيرة وأتى بها شواهد على معان أصولية أو‬
‫فروعية‪ ،‬ولم يقترن بها تقييد ول تخصيص مع تكرارها‪ ،‬وإعادة‬
‫تقررها فذلك دليل على بقائها على مقتضى لفظها من العموم‬
‫خرى * وأ َن لَيس لِلنسان إلَّ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫َ ْ ْ َ ِ َ ِ ِ‬ ‫كقوله تعالى‪{ :‬أل ّ تَزُِر وَازَِرة ٌ وِْزَر أ ْ َ‬
‫سعَى} [النجم‪ ]3839:‬وما أشبه ذلك‪...‬‬ ‫ما َ‬‫َ‬
‫فما نحن بصدده من هذا القبيل‪ .‬إذ جاء في الحاديث المتعددة‬
‫ن كل‬ ‫والمتكررة في أوقات شتى وبحسب الحوال المختلفة أ ّ‬
‫ن كل محدثة بدعة وما كان نحو ذلك من العبارات‬ ‫بدعة ضللة وأ ّ‬
‫ن البدع مذمومة ولم يأت في آية ول حديث تقييد ول‬ ‫الدالة على أ ّ‬
‫تخصيص ول ما يفهم خلف ظاهر الكلية فيها‪ ،‬فدل ذلك دللة‬
‫ما البدع‬
‫واضحة على أنّها على عمومها وإجمالها"[‪ ]37‬وأ ّ‬
‫المنقسمة إلى حسنة وقبيحة فهي البدعة اللغوية المتعلقة‬
‫بالختراعات وبأمور المعاش ووسائله ومقاصده [‪ ،]38‬فما كان‬
‫ضاًرا فنترك‪ ،‬وما كان نافعًا فنفعل ونستعمل‪.‬‬
‫ضه لنا الشارع بقوله صلى الله‬ ‫وكل هذه أمور تدخل تحت ما فر ّ‬
‫عليه وسلم‪" :‬أنتم أعلم بأمور دنياكم‪.]39[" ...‬‬
‫هذا ما يتعلق بالبدعة الحقيقة وأما البدعة الضافية فهي كما ذكر‬
‫الشاطبي رحمه الله التي لها شائبتان‪ :‬إحداهما لها من الدلة‬
‫متعلق فل تكون من تلك الجهة بدعة‪ ،‬والخرى ليس لها متعلق إل‬
‫مثل ما للبدعة الحقيقية‪ .‬فلما كان العمل الذي له شائبتان لم‬
‫يتخلص لحد الطرفين وضعنا له هذه التسمية "البدعة الضافية"‬
‫أي أنها بالنسبة إلى إحدى الجهتين سنة لنها مستندة إلى دليل‪،‬‬
‫وبالنسبة إلى الجهة الخرى بدعة لنها مستندة إلى شبهة ل إلى‬
‫دليل أو غير مستندة إلى دليل‪.‬‬
‫والفرق بينهما من جهة المعنى‪ ،‬أن الدليل عليها من جهة الصل‬
‫قائم‪ ،‬ومن جهة الكيفيات أو الحوال أو التفاصيل لم يقم عليها‬
‫مع أنها محتاجة إليه لن الغالب وقوعها في التعبديات ل في‬
‫العاديات المحضة[‪.]40‬‬
‫ومثال ذلك الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم عقب الذان‬
‫جهًرا مع أن الشارع طلب منا ذلك سًرا بقوله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلّوا عل ّ‬
‫ي‪،‬‬
‫ي مرة صلى الله عليه بها عشًرا‪.]41["...‬‬ ‫فإن من صلّى عل ّ‬
‫والبدعة تدخل من جهة الكيفية ل من جهة أصل مشروعية ذلك‪،‬‬
‫ومن ثم تأخذ حكم البدعة الحقيقية بحسب قربها لها أو بعدها‬
‫منها‪.‬‬
‫يقول الشاطبي رحمه الله‪" :‬فقلما تختص أي البدعة الحقيقية‬
‫بحكم دون الضافية بل هما معًا يشتركان في أكثر الحكام إل أن‬
‫الضافية على ضربين‪ :‬أحدهما‪ :‬يقرب من الحقيقة حتى تكاد‬
‫البدعة تعد حقيقية‪.‬‬
‫والخر‪ :‬يبعد منها حتى يكاد يعد سنة محضة[‪.]42‬‬

‫الفصل الثاني‬
‫البدع الملحقة بمولده صلى الله عليه وسلم‬

‫يقصد بالمولد تلك الحتفالت التي تقام في اليوم الثاني عشر‬


‫من شهر ربيع الول من كل عام‪ ،‬وهو اليوم الذي ولد فيه‬
‫المصطفى صلى الله عليه وسلم على أرجح القوال‪.‬‬
‫ولذا كان الحتفال المذكور‪ ،‬أحياء لذكراه عليه الصلة والسلم‬
‫وإظهاًرا للفرح بمولد نبي الثقلين كما يقول المحتفلون‪.‬‬
‫وفي ذلك اليوم يقرأ المحتفلون أورادًا كثيرة ويتذاكرون سيرة‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أنّهم يقومون بجانب ذلك‬
‫بأعمال كثيرة مثل الذبح وإعداد الطعام للمجتمعين وللتوزيع على‬
‫الفقراء حتى أصبح ذلك اليوم يوم أكل وشرب مثل يومي العيد‬
‫الفطر والضحى أو أكثر‪.‬‬
‫وقد يتوسع بعضهم في ذلك الحتفال حتى أنه يقام من بداية‬
‫شهر ربيع الول ويستمر إلى اليوم الثاني عشر أو إلى نهاية‬
‫الشهر أو يقام في كل يوم الثنين أو يوم الجمعة من كل أسبوع‪.‬‬
‫يقول الشيخ علي محفوظ‪" :‬الموالد هي الجتماعات التي تقام‬
‫لتكريم الماضين من النبياء والولياء والصل فيها أن يتحرى‬
‫الوقت الذي ولد فيه من يقصد بعمل المولد وقد يتوسع فيها حتى‬
‫تتكرر في العام الواحد"[‪.]43‬‬
‫ونتحدث في هذا الفصل عن ذلك اليوم وما يفعل فيه من‬
‫العمال مع عرض كافة الراء بأدلتها ومناقشتها بموضوعية وحياد‬
‫كاملين ليظهر الحق بدليله ويزهق الباطل بمزاعمه وأوهامه‬
‫وليعيش الناس مع السلم عن بينة ووضوح‪.‬‬
‫وسوف يتكون هذا الفصل من مبحثين‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬تحديد وقت الحتفال بالمولد ونشأته‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬حكم الحتفال بالمولد‪.‬‬

‫المبحث الول‬
‫تحديد وقت الحتفال بالمولد ونشأته‬

‫تحديد وقت الحتفال بالمولد مرتبط بتحديد الوقت الذي ولد فيه‬
‫ن ذلك الحتفال يقصد به‬ ‫المصطفى صلى الله عليه وسلم ل ّ‬
‫إحياء ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم كما قلنا آنفًا‪.‬‬
‫ن ذلك الحتفال يخضع للختلف الوارد في تحديد‬ ‫ومعنى ذلك أ ّ‬
‫وقت ولدته صلى الله عليه وسلم ولكن الذي ل جدال فيه أنّه‬
‫ولد في يوم الثنين للحديث الصحيح الذي ورد في هذا الشأن‬
‫ما ما عدا ذلك فمختلف فيه‪.‬‬ ‫وأ ّ‬
‫أخرج المام مسلم بسنده عن أبي قتادة النصاري رضي الله عنه‬
‫ن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم الثنين‬ ‫أ ّ‬
‫ي"[‪.]44‬‬
‫فقال‪" :‬فيه ولدت وفيه أنزل عل ّ‬
‫وقد ذكر ابن كثير رحمه الله الخلف الوارد في ذلك في كتابه‬
‫السيرة النبوية قائلً‪:‬‬
‫ن ذلك كان في شهر ربيع الول‪ ،‬فقيل لليلتين خلتا منه‪ ..‬وقيل‬ ‫"أ ّ‬
‫لثمان خلون فيه‪ .‬وقيل لعشر خلون منه‪ ..‬وقيل لثنتي عشر‬
‫خلت منه‪.]45["..‬‬
‫ولجل هذا الخلف كان الملك المظفر صاحب إربل [‪ ]46‬يحتفل‬
‫بالمولد الشريف مرة في ثامن شهر ربيع الول ومرة في الثاني‬
‫عشر منه [‪ ]47‬ولكن المشهور هو أنّه ولد في يوم الثاني عشر‬
‫من شهر ربيع الول وهو الراجح‪.‬‬
‫يقول ابن كثير بعد نقله هذا القول‪" :‬وهذا هو المشهور عند‬
‫الجمهور والله أعلم"[‪.]48‬‬
‫ما ما ذكر من أنّه ولد في رمضان أو في يوم الجمعة وفي‬ ‫وأ ّ‬
‫غيرهما فغير صحيح كما ذكر المام ابن كثير رحمه الله تعالى‪.‬‬
‫ضا بين‬
‫ما نشأة الحتفال بالمولد الشريف فمختلف فيه أي ً‬ ‫وأ ّ‬
‫ن الحتفال بدأ في القاهرة أيام الدولة‬ ‫العلماء‪ ،‬فمنهم من يقول إ ّ‬
‫ن ذلك قد أحدثه الملك مظفر‬ ‫الفاطمية‪ ،‬ومنهم من يقول إ ّ‬
‫صاحب إربل بإربل في آخر القرن السادس أو أوائل القرن‬
‫السابع‪.‬‬
‫القوال التي تؤيد القول الول‪ :‬يقول المقريزي‪ " :‬كان للخلفاء‬
‫الفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم وهي‪ :‬موسم رأس‬
‫السنة‪ ،‬وموسم أول العام‪ ،‬ويوم عاشوراء‪ ،‬ومولد النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ومولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومولد‬
‫الحسن ومولد الحسين رضي الله عنه ومولد فاطمة الزهراء‬
‫رضي الله عنها ومولد الخليفة الحاضر"[‪.]49‬‬
‫ويقول القلقشندي عند كلمه عن جلسات الخلفاء الفاطميين‪:‬‬
‫"الجلوس الثالث جلوسه في مولد النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫في الثاني عشر من شهر ربيع الول وكان عادتهم فيه أن يعمل‬
‫في دار الفطرة عشرون قنطاًرا من السكر الفائق حلوى من‬
‫طرائف الصناف وتعبأ ثلثمائة صينية نحاس فإذا كان ليلة ذلك‬
‫المولد تفرق في أرباب الرسوم كقاضي القضاة وداعي الدعاة‬
‫وقراءة الحضرة‪.]50[" ...‬‬
‫ن الفاطميين كانوا‬ ‫ويفهم من كلم المقريزي وكلم القلقشندي أ ّ‬
‫يعملون الحتفال بالمولد النبوي وغير ذلك من الموالد وإن لم‬
‫يصرحا بأنّهم أول من أحدث ذلك ولكن صرح في ذلك حسن‬
‫السندوبي في كتابه تاريخ الحتفال بالمولد النبوي قائلً‪" :‬لقد‬
‫دلني البحث والتنقيب والتحري والستقصاء على أن الفاطميين‬
‫هم أول من ابتدع فكرة الحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف‬
‫وجعلوه من العياد العامة في كل أمة من المم السلمية كما‬
‫ابتدعوا غيره من الحتفالت الدورية التي عدّت من مواسمها‪،‬‬
‫وكذلك صرفوا الكثير من اهتمامهم إلى إحياء ما يكون معروفًا‬
‫من المواسم والعياد قبل السلم"[‪.]51‬‬
‫وممن ذهب إلى القول الثاني السيوطي حيث يقول‪" :‬أول من‬
‫أحدث فعل ذلك الحتفال بالمولد صاحب إربل الملك المظفر أبو‬
‫سعيد كوكبوري بن زين الدين بن علي بن بكتكين أحد ملوك‬
‫المجاد والكبراء الجواد وكان له آثار حسنة"[‪.]52‬‬
‫وتبعه في ذلك محمد رشيد رضا صاحب المنار حيث يقول‪" :‬إن‬
‫الحتفال بالمولد النبوي الشريف قد صار عادة عامة‪ ،‬والمشهور‬
‫ن المحدث لها هو أبو سعيد كوكبوري بن أبي الحسن علي بن‬ ‫أ ّ‬
‫بكتكين التركماني الجنس الملقب بالملك العظيم مظفر الدين‬
‫صاحب إربل أحدثها في أوائل القرن السابع أو أواخر القرن‬
‫السادس فإن السلطان صلح الدين ولّه على إربل في ذي‬
‫الحجة سنة ‪ 580‬هـ "[‪.]53‬‬
‫وهذان القولن هما المشهوران في الموضوع الذي نحن بصدده‬
‫ولم أقف على أقوال أخر تتعلق بهذا الموضوع‪.‬‬
‫وقد ذهب بعض العلماء إلى التوفيق بين الرأيين‪ :‬يقول الشيخ‬
‫علي محفوظ‪" :‬أول من أحدثها بالقاهرة الخلفاء الفاطميون في‬
‫القرن الرابع فابتدعوا ستة موالد‪ :‬المولد النبوي‪ ،‬ومولد المام‬
‫علي رضي الله عنه ومولد فاطمة الزهراء رضي الله عنها ومولد‬
‫الحسن والحسين رضي الله عنهما ومولد الخليفة الحاضر‪.‬‬
‫وبقيت الموالد على رسومها إلى أن أبطلها الفضل أمير الجيوش‬
‫ثم أعيدت في خلفة المر بأحكام الله في سنة أربع وعشرين‬
‫وخمسمائة بعدما كاد الناس ينسونها‪ ،‬وأول من أحدث المولد‬
‫النبوي بمدينة إربل الملك المظفر أبو سعيد في القرن السابع‪،‬‬
‫وقد استمر العمل بالمولد إلى يومنا هذا وتوسع الناس فيها‬
‫وابتدعوا بكل ما تهواه أنفسهم وتوحيه شياطين النس والجن"[‬
‫‪.]54‬‬
‫ضا الدكتور عزت عطية حيث يقول‪" :‬وأول من‬ ‫وذهب إلى ذلك أي ً‬
‫أحدثه بالقاهرة المعز لدين الله الفاطمي سنة ‪362‬هـ ودام‬
‫الحتفال به إلى أن أبطله أمير الجيوش بدر الدين الجمالي سنة‬
‫ما ولي الخلفة المر بأحكام‬ ‫‪488‬هـ في عهد المستعلي بالله‪ ،‬ول ّ‬
‫الله ابن المستعلي أعاد الحتفال في سنة ‪495‬هـ وأول من أحدث‬
‫هذا الحتفال بإربل الملك المظفر أبو سعيد في القرن السادس‬
‫ن البتداء نسبي بحيث أن‬ ‫أو السابع[‪ .]55‬ويفهم من كلمهما أ ّ‬
‫الفاطميين هم أول من أحدث ذلك الحتفال بالنسبة لمدينة‬
‫القاهرة‪ ،‬وأما بالنسبة لربل فصاحب إربل الملك المظفر هو أول‬
‫ن‬
‫من أحدث فيها ولكن أرجح القوال هو الول الذي يقول بأ ّ‬
‫الفاطميين هم الذين أحدثوا ذلك ولم يسبقهم أحد في ذلك بل‬
‫انتشرت من عندهم إلى البلد السلمية‪.‬‬
‫ن الدولة الفاطمية قد سقطت قبل وجود الملك‬ ‫والذي يؤيد ذلك أ ّ‬
‫المظفر صاحب إربل وبالتحديد سنة ‪ 567‬هـ [‪ ]56‬وكذلك صاحب‬
‫إربل نفسه لم يبتدع ذلك الحتفال بالمولد بل اقتدى بالشيخ عمر‬
‫المل[‪.]57‬‬
‫يقول أبو شامة‪" :‬وكان أول من فعل ذلك أي الحتفال بالمولد‬
‫الشيخ عمر بن محمد المل أحد الصالحين المشهورين وبه اقتدى‬
‫في ذلك صاحب إربل وغيره رحمهم الله تعالى[‪.]58‬‬
‫ن الحتفال بالمولد النبوي لم يكن معروفًا في‬ ‫وخلصة القول أ ّ‬
‫القرون الثلثة الولى التي شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫لهلها بالخيرية بقوله‪" :‬خير الناس قرني في ثم الذين يلونهم ثم‬
‫الذين يلونهم‪.]59["...‬‬
‫وإنّما بدأ ذلك في النصف الخير من القرن الرابع الهجري على‬
‫يد أحد ملوك الفاطميين وهو المعز لدين الله‪.‬‬
‫والغرض من ابتداع الحتفال بالمولد النبوي هو جذب قلوب‬
‫العامة إلى الدولة الفاطمية الجديدة في مصر كما جزم غير‬
‫واحد‪.‬‬
‫ما استقر له الحكم أي المعز لدين الله أخذ‬ ‫يقول السندوني‪ " :‬ول ّ‬
‫يفكر في الوسائل الكفيلة باستمالة القلوب‪ ،‬وامتلك النفوس‪،‬‬
‫واستثارة العواطف حتى تألف المة المصرية تصرفات هذه‬
‫ما‬
‫الحكومة الجديدة وترضى عن سياستها في إدارة البلد‪ ،‬ول ّ‬
‫كانت الميول العامة لطبقات المة المصرية متجهة إلى حب آل‬
‫بيت الرسول مع العتدال في التشيع لهم‪ ...‬رأى المعز لدين الله‬
‫ن أقرب السباب للوصول إلى أغراضه من هذا الميل العام‬ ‫أ ّ‬
‫اللتجاء إلى المور التي تمت بصلة إلى المظهر الديني‪ ،‬فهداه‬
‫تفكيره إلى أن يقرر إقامة مواسم حافلة وأعياد شاملة في‬
‫مواعيد مقررة وكان من أولها وأجلّها وأفضلها الحتفال بذكرى‬
‫المولد النبوي الشريف"[‪.]60‬‬
‫وبجانب هذه المناسبات والعياد الدينية فقد كان الخلفاء‬
‫الفاطميون يشتركون في الحتفالت التي تقام للعياد الخرى‬
‫مثل عيد الميلد عند القباط في مصر وغيرها من العياد‬
‫والمواسم للغرض نفسه حتى ينالوا رضاء أهل الملل المختلفة‬
‫القاطنين في مصر‪.‬‬
‫يقول د‪ .‬حسن إبراهيم حسن وصاحبه في كتابهما "المعز لدين‬
‫الله"‪" :‬وكان الفاطميون يتخذون هذه العياد وسيلة لجذب‬
‫الرعايا إليهم‪ ،‬لذلك شارك المعز القبط في الحتفال بعيد الميلد‬
‫وغيرها"[‪.]61‬‬
‫ن إحداث الحتفال بالمولد النبوي من قبل‬ ‫ومن هنا نقول إ ّ‬
‫الخلفاء الفاطميين كان لغرض سياسي بحت دون النظر إلى‬
‫دوافع دينية أو اعتبارات أخرى بل الغرض الوحيد هو كسب‬
‫احترام رعايا المسلمين في مصر كما كانوا يعملون مع رعايا غير‬
‫المسلمين هناك بحيث يشتركون معهم في احتفالتهم التي‬
‫ليست لها صلة بالدين‪.‬‬
‫وهذه سمة عامة الخلفاء الفاطميين منذ أن نشأت دولتهم في‬
‫مصر عام ‪357‬هـ إلى أن سقطت في سنة ‪5670‬هـ وإن كان فيهم‬
‫من أبطل الحتفال بالمولد النبوي وغيره من الموالد فترة مثل‬
‫الفضل أمير الجيوش في سنة ‪488‬هـ ولكن أعيد الحتفال في‬
‫عهد المر بأحكام الله في سنة ‪ 495‬هـ وبعد ذلك استمر إلى يومنا‬
‫هذا‪ .‬وقد أصبح ذلك اليوم في بعض البلد عيدًا رسميًا حيث‬
‫تعطل المصالح الحكومية والشركات والمؤسسات وتقفل‬
‫المدارس وتقام حفلت هائلة وتعمل إنارة الطرقات وتزيينها‪.‬‬
‫والغرب من ذلك كله أن بعض الحكومات التي تدور في فلك‬
‫المعسكر الشيوعي الملحد الذي ل يعترف بوجود الله تجعل ذلك‬
‫اليوم عيدًا رسميًا مثل العياد الوطنية في عصرنا الحاضر لكسب‬
‫ن الدين‬‫تأييد رعايا المسلمين فقط دون النظر إلى دوافع دينية ل ّ‬
‫عندهم أفيون الشعب بناء على مبدئهم القائل‪ :‬الغاية تبرر‬
‫الوسيلة‪.‬‬
‫وعلى هذا فغرضهم يتفق مع غرض الدولة الفاطمية في مصر‬
‫التي أحدثت ذلك الحتفال وإن اختلفت الزمنة وبعدت المكنة‪.‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫حكم الحتفال بالمولد النبوي‬

‫ذكرنا في المبحث السابق أن الحتفال بالمولد النبوي في أقدم‬


‫القوال قد بدأ في النصف الخير من القرن الرابع الهجري‪.‬‬
‫ن الحتفال بالمولد النبوي لم يكن معروفًا في‬ ‫ومعنى ذلك أ ّ‬
‫القرون الفاضلة الثلثة المشهود لهلها بالخيرية‪.‬‬
‫ومع هذا فقد جوز بعض العلماء الحتفال بالمولد النبوي‪ ،‬بل ذهبوا‬
‫إلى استحسان الشرع له مستدلين بأدلة نوردها قريبًا ولكن هناك‬
‫فريقًا آخر من العلماء ذهبوا إلى عدم جوازه ورأوا أنّه بدعة‬
‫محدثة يرفضها الشرع ويأباها‪ ،‬ولهم على ذلك أدلة أخرى‪.‬‬
‫ما‬
‫ومحل النزاع بين الفريقين هو إذا كان ذلك الحتفال خاليًا م ّ‬
‫يصحبه عادة من المنكرات كاختلط الرجال بالنساء وغيرها من‬
‫المور المنهية عنها شرع ًا وأما إذا صحبته شيء من ذلك فهم‬
‫مجمعون على عدم جوازه لتلك العلة عند الفريق الول‪.‬‬
‫ما عند الفريق الثاني‪ ،‬فالعلة عندهم هي إحداثه وبدعيته حتى‬ ‫وأ ّ‬
‫وإن خل من المنهيات المصاحبة عادة‪ .‬وبالتالي فمن باب أولى‬
‫أن يقولوا بعدم جوازه إذا صاحبته المور المنهية عنها شرع ًا‪.‬‬
‫ونذكر هنا آراء كل من الفريقين مع الدلة التي يستدلون بها‬
‫ووجهة استدللهم بها‪.‬‬
‫أولً‪ :‬الفريق الول‪ :‬هذا الفريق هو الذي ذهب إلى جواز الحتفال‬
‫بالمولد النبوي بل إلى استحسانه بشرط خلوه من المنكرات‬
‫مثل الطرب والرقص واختلط الرجال والنساء‪.‬‬
‫ومن علماء هذا الفريق ابن ناصر الدين الدمشقي [‪ ]62‬وابن‬
‫الجزري [‪ ]63‬وابن حجر العسقلني والسيوطي وغيرهم‪.‬‬
‫وقد استدل كل منهم بما رأى من دليل ومن أهمها‪:‬‬
‫‪1‬ـ رأي ابن ناصر الدين‪ :‬يقول ابن ناصر الدين الدمشقي في‬
‫كتابه‪ ،‬مورد الصادي في مولد الهادي‪" :‬ثويبة أول من أرضعت‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم بعد أمه وهي مولة أبي لهب عمه‬
‫أعتقها سروًرا بميلد خير الثقلين فلهذا صح أنّه يخفف عنه عذاب‬
‫النار في مثل يوم الثنين ثم أنشد‪:‬‬
‫وتبت يداه في الجحيم مخلدا‬ ‫إذا كان هذا كافًرا جاء ذمه‬
‫يخفف عنه للسرور بأحمدا‬ ‫ما‬
‫أتى أنه في يوم الثنين دائ ً‬
‫بأحمد مسروًرا ومات‬ ‫فما الظن بالعبد الذي كان عمره‬
‫موحدا[‪]64‬‬
‫‪3‬ـ رأي ابن الجزري‪ :‬يقول ابن الجزري في هذا المقام‪( :‬وقد‬
‫ن أبا لهب بعد موته رؤي في النوم فقيل له‪ :‬ما حالك؟‬ ‫روي أ ّ‬
‫فقال‪ :‬في النار إل ّ أنّه يخفف عنّي كل ليلة اثنين وأمص من بين‬
‫ن ذلك بإعتاقي‬ ‫أصبعي ماء بقدر هذا‪ ،‬وأشار إلى ثغرة إبهامه وأ ّ‬
‫ثويبة عندما بشرتني بولدة محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫وبإرضاعها له‪ ،‬ثم قال‪ :‬إذا كان أبو لهب الكافر الذي نزل القرآن‬
‫بذمه جوزي في النار بفرحه ليلة مولد النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فما بال المسلم الموحد من أمة محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم يسر بمولده ويبذل ما تتصل إليه قدرته في محبته صلى‬
‫الله عليه وسلم لعمري إنّما جزاؤه من الله الكريم يدخله بفضله‬
‫جنات النعيم)[‪.]65‬‬
‫ويلحظ أن ابن ناصر الدين وابن الجزري استدل بدليل واحد هو‬
‫ما روي أن أبا لهب رؤي في النوم بعد موته وذكر بعد سؤال حاله‬
‫ه العذاب في كل يوم الثنين لعتاقه ثويبة بعد ما‬ ‫أنّه يخفف عن ْ‬
‫بشرته بميلد النبي صلى الله عليه وسلم سروًرا بذلك ومن ثم‬
‫يجعلون ذلك دليل ً على مشروعية الحتفال بالمولد النبوي ل ّ‬
‫ن‬
‫الكافر وهو أبو لهب يثاب على سروره بمولد المصطفى صلى‬
‫الله عليه وسلم حيث يخفف عنه العذاب في كل يوم الثنين‪،‬‬
‫فمن باب أولى أن يثاب المسلم إذا احتفل بالمولد النبوي‬
‫والثواب ل يكون إل ّ على عمل مشروع فدل ذلك أن الحتفال‬
‫بالمولد النبوي عمل مشروع في اليوم الثاني عشر من شهر ربيع‬
‫الول‪ .‬من كل عام‪.‬‬
‫‪3‬ـ رأي ابن حجر العسقلني‪ :‬يقول ابن حجر العسقلني‪( :‬أصل‬
‫عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من‬
‫القرون الثلثة‪ ،‬ولكنها مع ذلك اشتملت على محاسن وضدها‪،‬‬
‫فمن تحرى في عملها المحاسن وتجنب ضدها كان بدعة حسنة‬
‫وإل فل‪ ،‬قال‪ :‬وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت وهو ثابت‬
‫ن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة‬ ‫في الصحيحين من أ ّ‬
‫فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم فقالوا‪ :‬هذا يوم‬
‫جى موسى فنحن نصومه شكًرا لله تعالى‪،‬‬ ‫أغرق الله فرعون ون ّ‬
‫ن به في يوم معين من‬ ‫فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما م ّ‬
‫إسداء نعمة أو دفع نقمة‪ ،‬ويعاد ذلك في نظير اليوم من كل سنة‬
‫والشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة‬
‫والتلوة وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة‬
‫في ذلك اليوم وعلى هذا فينبغي أن يتحرى اليوم بعينه حتى‬
‫يطابق قصة موسى في يوم عاشوراء‪ ،‬ومن لم يلحظ ذلك ل‬
‫يبالي بعمل المولد في أي يوم من الشهر بل توسع قوم فنقلوه‬
‫إلى أي يوم من السنة وفيه ما فيه‪ ،‬فهذا ما يتعلق بأصل عمله)[‬
‫‪.]66‬‬
‫ن النعمة تقابل بالشكر‪،‬‬‫ووجه استدلل الحافظ بهذا الحديث أ ّ‬
‫فكما نقابل يوم نجاة موسى عليه السلم بالصوم فل مانع من أن‬
‫نقابل يوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم بلون من ألوان‬
‫العبادة كالصيام والصدقة والتلوة وهكذا‪.‬‬
‫رأي السيوطي‪ :‬ينقل السيوطي رأي ابن حجر مع دليله ثم يقول‪:‬‬
‫(وقد ظهر لي تخريجه على أصل آخر وهو ما أخرجه البيهقي عن‬
‫ن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن‬ ‫أنس رضي الله عنه "أ ّ‬
‫نفسه بعد النبوة " [‪ ]67‬مع أنّه قد ورد أن جدّه عبد المطلب عق‬
‫عنه في سابع ولدته والعقيقة ل تعاد مرة ثانية فيحمل ذلك على‬
‫أن الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم إظهار للشكر على‬
‫إيجاد الله إياه رحمة للعالمين‪ ،‬وتشريع لمته كما كان يصلي على‬
‫ضا إظهاًرا للشكر بمولده بالجتماع‬ ‫نفسه‪ .‬لذلك فيستحب لنا أي ً‬
‫وإطعام الطعام‪ .‬ونحو ذلك من وجوه القربات وإظهار‬
‫المسرات)[‪.]68‬‬
‫وتوجيه هذا الدليل يقوم على أن الشكر على النعمة يجوز‬
‫تكراره‪ ،‬فكما كرر النبي صلى الله عليه وسلم العقيقة عن نفسه‬
‫يجوز أن يكرر المسلمون الحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم‬
‫شكًرا لله على مولد رسولهم الكريم‪.‬‬
‫ونضيف إلى هذا دليل ً آخر استدل به بعضهم وهو ما أخرجه المام‬
‫مسلم عن أبي قتادة النصاري أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم سئل عن صوم يوم الثنين فقال‪" :‬فيه ولدت وفيه أنزل‬
‫ن الرسول‬ ‫ي" [‪ ]69‬ووجه الستدلل بهذا الحديث هو ما دام أ ّ‬ ‫عل ّ‬
‫صص عبادة في هذا اليوم شكًرا لله‬ ‫صلى الله عليه وسلم قد خ ّ‬
‫على نعمة إيجاده صلى الله عليه وسلم فكذلك يجوز لنا أن‬
‫نحتفل في هذا اليوم إظهاًرا للسرور بميلد النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم وشكًرا لله على هذه النعمة لنّه كما قابل الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم هذه النعمة بالصوم فل مانع أن نقابل هذه النعمة‬
‫بألوان من العبادة كالصدقة والتلوة وغيرها‪.‬‬
‫والراء المذكورة تمثل رأي فريق واسع‪ ،‬إل ّ أنّي اكتفيت بما‬
‫ما وحديثًا وكلهم يعتمدون‬ ‫ذكرت لنّه يصور واقع هذا الفريق قدي ً‬
‫على هذه الدلة أو بعضها‪.‬‬
‫ومجمل الراء يقوم على أن الحتفال بالمولد النبوي في اليوم‬
‫الثاني عشر من شهر ربيع الول من كل عام عمل مشروع‪.‬‬
‫وقبل أن نتكلم عن أدلة هذا الفريق من ناحية صحتها أو ضعفها‪،‬‬
‫ومقدار قربها أو بعدها عما سيقت له نذكر رأي الفريق الثاني‬
‫والدلة التي يستدل بها من جانبه‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الفريق الثاني‪ :‬ذهب هذا الفريق إلى عدم جواز الحتفال‬
‫بالمولد النبوي سواء صاحبته المنكرات أم ل‪.‬‬
‫وجمهور العلماء على هذا الرأي ومنهم شيخ السلم ابن تيمية‬
‫وابن الحاج [‪ ]70‬والفاكهاني [‪ ،]71‬ومن أهم آرائهم ما يلي‪:‬‬
‫‪1‬ـ رأي شيخ السلم ابن تيمية‪ :‬يقول شيخ السلم ابن تيمية في‬
‫هذا المقام‪( :‬ما يحدثه بعض الناس من اتخاذ مولد النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم عيدًا إما مضاهاة للنصارى في ميلد عيسى عليه‬
‫ن‬
‫ما بدعة ل ّ‬ ‫السلم وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظي ً‬
‫هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضى له‪ ،‬وعدم المانع منه‪ ،‬ولو‬
‫حا‪ ،‬لكان السلف رضي الله عنهم‬ ‫ضا‪ ،‬أو راج ً‬
‫كان هذا خيًرا مح ً‬
‫أحق به منّا فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم له منا وهم على الخير أحرص وإنما كمال متابعته وطاعته‪،‬‬
‫واتباع أمره‪ ،‬وإحياء سنته باطنًا وظاهًرا‪ ،‬ونشر ما بعث به‪،‬‬
‫والجهاد على ذلك‪ ،‬بالقلب واليد واللسان‪ ،‬فإن هذه طريق‬
‫السابقين الولين من المهاجرين والنصار والذين اتبعوهم‬
‫بإحسان)[‪.]72‬‬
‫ن الحتفال بالمولد أمر غير مشروع ومن ثم‬ ‫وملخص هذا الرأي أ ّ‬
‫ن السلف الصالح لم يحتفلوا به مع قيام المقتضى له‬ ‫فهو بدعة ل ّ‬
‫وعدم المانع منه حيث كانت الفطرة سليمة‪ ،‬والحرص على‬
‫التدين أصيل‪ ،‬ول يسعنا إل ما وسعهم‪ ،‬وعلينا أن نتبع ل أن نبتدع‪.‬‬
‫ولله در القائل‪ :‬لن يصلح هذه المة إل ما صلح به أولها‪.‬‬
‫‪2‬ـ رأي ابن الحاج‪ :‬يقول ابن الحاج بعد أن تكلم عن المفاسد‬
‫المصاحبة للحتفال بالمولد كالطرب وغيرها‪( :‬وهذه المفاسد‬
‫مركبة على فعل المولد إذا عمل بالسماع فإن خل منه وعمل‬
‫ما فقط ونوى به المولد ودعا إليه الخوان وسلم من كل ما‬ ‫طعا ً‬
‫ن ذلك زيادة في‬ ‫تقدم ذكره فهو بدعة بنفس نيته فقط‪ ،‬إذ أ ّ‬
‫الدين وليس من عمل السلف الماضيين‪ ،‬واتباع السلف أولى بل‬
‫أوجب من أن يزيد من مخالفة ما كانوا عليه‪ ،‬لنهم أشد الناس‬
‫ما له ولسنته‬ ‫اتباع ًا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظي ً‬
‫صلى الله عليه وسلم ولهم قدم السبق في المبادرة إلى ذلك‬
‫ولم ينقل عن أحد منهم أنّه نوى المولد‪ ،‬ونحن لهم تبع فيسعنا ما‬
‫وسعهم)[‪.]73‬‬
‫ما وهو بدعية‬ ‫وهذا الرأي يقوم على ما قام به رأي ابن تيمية تما ً‬
‫ن السلف لم يحتفلوا به ول يسعنا إل ّ ما‬ ‫الحتفال بالمولد ل ّ‬
‫وسعهم‪.‬‬
‫‪3‬ـ رأي الفاكهاني‪ :‬يقول الفاكهاني رحمه الله‪( :‬ل أعلم لهذا‬
‫المولد أصل ً في كتاب ول سنة ول ينقل عمله عن أحد من علماء‬
‫المة الذين هم القدوة في الدين المتمسكون بآثار المتقدمين‪،‬‬
‫بل هو بدعة أحدثها البطالون وشهوة نفس اعتنى بها الكّالون‬
‫ما أن يكون واجبًا أو‬ ‫بدليل أنا إذا أدرنا عليه الحكام الخمسة قلنا إ ّ‬
‫ما‪ ،‬وليس بواجب إجماع ًا ول‬ ‫حا أو مكروهًا أو محر ً‬ ‫مندوبًا أو مبا ً‬
‫مندوبًا لن حقيقة المندوب ما طلبه الشرع من غير ذم على‬
‫تركه‪ ،‬وهذا لم يأذن به الشرع ول يفعله الصحابة والتابعون ول‬
‫العلماء المتدينون فيما علمت‪ ،‬وهذا جوابي عنه بين يدي الله‬
‫حا‪ ،‬لن البتداع في‬ ‫تعالى إن عنه سئلت‪ ،‬ول جائًزا أن يكون مبا ً‬
‫حا بإجماع المسلمين‪ ،‬فلم يبق إل ّ أن يكون‬ ‫الدين ليس مبا ً‬
‫ما)[‪.]74‬‬
‫مكروهًا أو محر ً‬
‫ن الحتفال بالمولد قد أحدثه‬ ‫وملخص هذا الرأي يقوم على أ ّ‬
‫البطالون والكالون ومن ثم فهو بدعة لعدم ورود ما يدل على‬
‫مشروعيته من كتاب ول سنة صحيحة‪ .‬ولهذا ل يكون واجبًا ول‬
‫ما‪.‬‬‫ما مكروهًا أو حرا ً‬ ‫حا وإنما يكون حكمه إ ّ‬ ‫مندوبًا ول مبا ً‬
‫هذه مجمل ما قيل في هذا الموضوع وهو الحتفال بالمولد‬
‫ن كل فريق من الفريقين يستدل بأدلة تؤيد‬ ‫النبوي‪ ،‬وكما نرى أ ّ‬
‫رأيه‪.‬‬
‫وقبل أن نصل إلى حكم الحتفال بالمولد‪ ،‬ل بد من مناقشة‬
‫الدلة والنظر فيها لنرى مدى صحتها أو ضعفها ومدى قربها أو‬
‫بعدها لما استدل بها له‪.‬‬
‫مناقشة الدلة‪ :‬ونبدأ بأدلة الفريق الول‪:‬‬
‫‪1‬ـ استدللهم بأن أبا لهب قد رؤي في النوم وإخباره بأنّه يخفف‬
‫عنه العذاب في كل يوم الثنين جزاء إعتاقه ثويبة عند ما بشرته‬
‫بميلد المصطفى صلى الله عليه وسلم وسروره بذلك‪.‬‬
‫قبل أن نرفض الستدلل بمثل هذا النص الوارد عن رؤيا منامية‬
‫نذكر سند الحديث ومتنه لنّه خير ما يساعدنا في الرفض‪.‬‬
‫قال البخاري رحمه الله تعالى‪( :‬حدثنا الحكم بن نافع أخبرنا‬
‫شعيب‪ ،‬عن الزهري‪ ،‬قال أخبرني عروة بن الزبير قال‪" :‬وثوبية‬
‫مولة لبي لهب كان أبو لهب أعتقها فأرضعت النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم فلما مات أبو لهب أريه بعض أهله بشر حيبة[‪.]75‬‬
‫قال‪ :‬ماذا لقيت؟ قال أبو لهب‪ :‬لم ألق بعدكم غير أنّي سقيت‬
‫في هذه بعتاقي ثويبة"[‪.]76‬‬
‫وهذا الحديث لم يسلم عن مقال ل من ناحية السند ول من ناحية‬
‫المتن والستشهاد به مردود لعدة أسباب‪:‬‬
‫ما من ناحية السند فهو حديث مرسل أرسله عروة كما هو‬ ‫أ) إ ّ‬
‫واضح‪.‬‬
‫ل عليه القرآن حيث‬ ‫ما من ناحية المتن فهو مخالف لما د ّ‬ ‫ب) وإ ّ‬
‫جعَلْنَاه ُ هَبَاءً‬
‫ل فَ َ‬
‫م ٍ‬
‫ن عَ َ‬
‫م ْ‬‫ملُوا ِ‬ ‫منَا إِلَى َ‬
‫ما ع َ ِ‬ ‫يقول الله تعالى‪{ :‬وَقَد ِ ْ‬
‫منْثُوًرا} [الفرقان‪.]23:‬‬‫َ‬
‫ن الكافر إذا فعل عمل‬ ‫وقد ذكر علماء التفسير في معنى الية أ ّ‬
‫خير ل يثاب عليه لفقده اليمان الذي هو أساس قبول العمال‬
‫كلها ومن ثم عمله يكون كالهباء المنثور[‪ .]77‬ولذلك بانت‬
‫معارضة الحديث للية‪.‬‬
‫ن مثل هذا النص مع فرض صحته ومع تصوّر عدم‬ ‫وأخيًرا فإ ّ‬
‫ما شرعيًا لنّه تصوير لرؤيا‬ ‫معارضته للقرآن الكريم ل يفيد حك ً‬
‫منامية رآها كافر وهو العباس بن عبد المطلب الذي لم يسلم بعد‬
‫ما ما عدا النبياء عليهم الصلة‬ ‫وقت الرؤيا‪ ،‬ورؤيا الناس عمو ً‬
‫ما شرعيًا‪ ،‬ومن باب أولى إذا كانت رؤية‬ ‫والسلم ل تفيد حك ً‬
‫الكفار‪.‬‬
‫ما ما ثبت [‪ ]78‬في حق أبي طالب عم النبي صلى الله عليه‬ ‫وأ ّ‬
‫وسلم من تخفيف العذاب عنه في النار مع كفره وبقائه في‬
‫الشرك حتى فارق الحياة فمخصوص ول يتعدى إلى غيره‪.‬‬
‫وهذا الحديث ل يصح للمور التي ذكرناها‪ ،‬ومن ثم ل تقوم به‬
‫الحجة‪.‬‬
‫وإذا كان كذلك فلننظر الدلة الخرى التي يستدلون بها‪:‬‬
‫استدللهم بالحديث المتعلق بصيام يوم عاشوراء على جواز‬
‫سا على ذلك لعلة حصول النعمة فيهما‬ ‫الحتفال بالمولد قيا ً‬
‫فمردود لن إظهار الشكر فيهما على طرفي نقيض‪ ،‬وذلك أن‬
‫يوم عاشوراء يوم صوم‪ ،‬وأن الحتفال بالمولد يوم أكل وشرب‪،‬‬
‫ولو عمل في يوم المولد من جنس ما يعمل في يوم عاشوراء‬
‫وهو الصيام لكان أقرب وإن كان هذا ل يخرجه عن البدعة لعدم‬
‫مشروعيته في ذلك اليوم الموافق الثاني عشر من ربيع الول‪،‬‬
‫ن مثل هذه العمال التي يتقرب بها إلى الله ل تثبت بالقياس‬ ‫ول ّ‬
‫ن الصل في العادات أن ل يشرع فيها إل ما يشرعه‬ ‫كما يقال‪ :‬أ ّ‬
‫الله وأن الصل في العادات أن ل يحظر منها إل ما حظره الله‪.‬‬
‫ولهذا ل يمكن الستدلل بهذا الحديث مع ثبوته لعدم مطابقته هذا‬
‫المقام الذي نحن بصدده‪.‬‬
‫استدللهم بالحديث الذي أخرجه البيهقي عن أنس رضي الله عنه‬
‫أن النبي صلى الله عليه وسلم قد عق عن نفسه بعد النبوة فهو‬
‫صه هو التي‪ :‬قال البيهقي‬ ‫حديث ل يستدل به‪ ،‬وسند الحديث ون ّ‬
‫رحمه الله‪( :‬أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي‬
‫رحمه الله أنبأنا حاجب بن أحمد بن سفيان الطوسي‪ ،‬ثنا محمد‬
‫بن حماد اليبردي ثنا عبد الرزاق‪ ،‬أنبأنا عبد الله بن محرر‪ ،‬عن‬
‫ن النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫قتادة‪ ،‬عن أنس رضي الله عنه‪ :‬أ ّ‬
‫قد عقّ عن نفسه بعد النبوة "[‪ .]79‬ففي إسناد هذا الحديث رجل‬
‫قد جرحه غير واحد من النقاد وهو عبد الله بن محرر‪.‬‬

‫ونذكر هنا أقوال العلماء فيه‪ :‬يقول البخاري‪( :‬عبد الله بن المحرر‬
‫عن قتادة‪ ،‬متروك الحديث [‪ ،]80‬وهنا عن قتادة‪.‬‬
‫يقول النسائي‪( :‬عبد الله بن محرر يروي عن قتادة متروك‬
‫الحديث)[‪.]81‬‬
‫ويقول ابن أبي حاتم عن أبيه‪( :‬عبد الله بن محرر متروك)[‪.]82‬‬
‫ويقول ابن حبان‪( :‬كان من خيار عباد الله‪ ،‬ممن يكذب ول يعلم‬
‫ويقلب السناد ول يفهم)[‪.]83‬‬
‫ويقول البيهقي عن عبد الرزاق [‪ ]84‬قال‪( :‬إنّما تركوا عبد الله بن‬
‫محرر لجل هذا الحديث[‪.]85‬‬
‫ن هذا الحديث ل يصح‬ ‫من هذه القوال التي أوردتها يتبين لنا أ ّ‬
‫سنده لوجود راوٍ متروك في سنده ومن ثم ل يمكن الستدلل به‬
‫في هذا المقام‪.‬‬
‫ما من ناحية المتن فل يمكن أن يستدل‬ ‫هذا من ناحية السند‪ ،‬وأ ّ‬
‫ضا لما نحن بصدده وهو الحتفال بالمولد وإنّما غاية ما‬ ‫به أي ً‬
‫يستدل به عليه مشروعية العقيقة بعد البلوغ أن فرضنا صحته‪،‬‬
‫وهيهات أن يصح‪.‬‬
‫‪4‬ـ استدللهم بصيامه صلى الله عليه وسلم في كل يوم الثنين‬
‫معلل ً بأنّه اليوم الذي ولد فيه واليوم الذي أنزل عليه فمردود لن‬
‫صيامه صلى الله عليه وسلم لم يكن في اليوم الثاني عشر من‬
‫ربيع الول من كل عام وإنما كان في يوم الثنين من كل أسبوع‬
‫وفي كل شهر من شهور السنة‪ .‬هذا من ناحية‪ ،‬ومن ناحية أخرى‬
‫فعلينا أن نشكر الله بمثل ما شكره به صلى الله عليه وسلم وهو‬
‫الصيام مع مراعاة الوقت الذي شرع فيه ل أن نحتفل ونأكل‬
‫ونشرب‪.‬‬
‫ن ما ذهب إليه هذا الفريق وهو جواز‬ ‫من هذه المناقشة يتبيّن لنا أ ّ‬
‫الحتفال بالمولد النبوي واستحبابه غير صحيح‪ ،‬لستدللهم بأدلة‬
‫بعضها واهٍ وبعضها غير مطابق لما استدل به عليه كما ذكرنا وإن‬
‫كانت ثابتة‪.‬‬
‫ما أدلة الفريق الثاني‪ :‬فيدور استدللهم على ضرورة التباع لما‬ ‫وأ ّ‬
‫كان عليه السلف الصالح فهم خير من نقل دين الله إلينا كما‬
‫أخذوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنّه لم ينقل أحد‬
‫ما ما مع‬ ‫منهم جواز الحتفال بالمولد النبوي ول خطر في بالهم يو ً‬
‫حبّهم واحترامهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم بل نقل عنهم‬
‫ن السلف الصالح‬ ‫الختلف في وقت ولدته‪ ،‬وهذا يدل على أ ّ‬
‫كانوا ل يرون تخصيص يوم ولدته بعبادة معينة أو إقامة احتفال‪.‬‬
‫ن الحتفال بالمولد يدخل في ضمن البدع المنهي‬ ‫وعلى هذا فإ ّ‬
‫عنها في كثير من الحاديث‪.‬‬
‫منها قوله صلى الله عليه وسلم‪ :‬ومنها قوله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد‬
‫وشر المور محدثاتها وكل بدعة ضللة"[‪.]86‬‬
‫ومنها قوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬من أحدث في أمرنا هذا ما‬
‫ليس منه فهو رد"[‪.]87‬‬
‫ن رأي الفريق الثاني هو الراجح لنّه مبني على‬ ‫ومن هنا نقول إ ّ‬
‫التباع وترك البتداع‪.‬‬
‫ن ترك الحتفال بالمولد النبوي جفوة لرسول‬ ‫ول يفهم من هذا أ ّ‬
‫ن‬
‫الله صلى الله عليه وسلم وإهمال لحبه كما يقول الجهال ل ّ‬
‫التباع الدقيق هو الحب الحقيقي ويكون مستمًرا طول الحياة في‬
‫كل يوم وليلة ول يختص بيوم من السنة دون غيره من اليام كما‬
‫يفعله المحتفلون المبتدعون‪ .‬وبالضافة إلى ذلك فإن البتداع‬
‫يعتبر زيادة في الدين خارجة عنه بعد أن أكمله الله تعالى بنزوله‬
‫على رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫َ‬ ‫يقول الله تعالى‪{ :‬الْيو َ‬
‫م‬‫ت ع َلَيْك ُ ْ‬ ‫م ُ‬‫م ْ‬
‫م وَأت ْ َ‬‫م دِينَك ُ ْ‬‫ت لَك ُ ْ‬
‫مل ْ ُ‬
‫م أك ْ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫م دِينًا} [المائدة‪ ]3:‬وبالتالي يقف‬ ‫سل َ‬ ‫م ال ِ ْ‬‫ت لَك ُ ْ‬ ‫ضي ُ‬
‫متِي وََر ِ‬ ‫ن ِ ْع َ‬
‫المبتدع موقف المستدرك على الشارع سبحانه وتعالى وعلى‬
‫صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم المبلغ عن الله عز وجل‪.‬‬
‫وهذا سوء الدب بعينه مع الله ومع رسوله صلى الله عليه وسلم‬
‫ما‬
‫ن حسن النية ل يحلل حرا ً‬ ‫وإن لم يقصد بذلك وحسنت نيته ل ّ‬
‫ول يحرم حلل ً كما أنها ل يكون مبرًرا لزيادة في دين الله أو‬
‫ن المرجع في كل ما يتعلق بأمر الدين هو كتاب‬ ‫النقصان منه ل ّ‬
‫الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وعلى المسلم أن يراعي ذلك الجانب حتى ل يقع في منزلق ل‬
‫يحمد عقباه وأن ينظر ما يتقرب به إلى الله قبل أن يقدم عليه‬
‫فيعرف سنده من الكتاب والسنة عمل ً بقوله تعالى‪{ :‬يَا أَيُّهَا‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫ه وَاتَّقُوا الل ّ َ‬‫سول ِ ِ‬ ‫ن يَدَيْ الل ّهِ وََر ُ‬ ‫موا بَي ْ َ‬‫دّ ُ‬
‫منُوا ل تُقَ ِ‬ ‫نآ َ‬‫ال ّذِي َ‬
‫م} [الحجرات‪.]1:‬‬ ‫ميعٌ عَلِي ٌ‬
‫س ِ‬‫َ‬

‫الفصل الثالث‬
‫البدع الملحقة بمسجده صلى الله عليه وسلم‬

‫ن المسجد النبوي الشريف هو أول مسجد بناه‬ ‫من المعلوم أ ّ‬


‫رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة بعد وصوله إياها‬
‫مهاجًرا وله فضائل كثيرة يشترك فيها معه المسجد الحرام‬
‫ن الناس ابتدعوا أموًرا‬
‫والمسجد القصى وأخرى خاصة به‪ ،‬ولك ّ‬
‫يفعلونها في المسجد النبوي تقربًا إلى الله تعالى في ظنهم‬
‫وتأدبًا مع الرسول صلى الله عليه وسلم كما يزعمون بناء على‬
‫أدلة واهية ل تثبت بمثلها الحكام أو على استحسان منهم دون‬
‫الرجوع إلى أدلة الشرع من الكتاب والسنة والجماع والقياس‪.‬‬
‫وكثير من هذه المبتدعات من وضع أعداء السلم الذين يقصدون‬
‫تشويه الحق‪ ،‬وصرف المسلمين عن التدين الصادق الذي يجعل‬
‫التوجه كله لله عبودية واستقامة‪ .‬وبذلك يتوصلون إلى صرف‬
‫الناس إلى النغماس في اللهو والبدع بل فائدة‪.‬‬
‫وبجانب فعلهم هذه المنكرات في المسجد النبوي الشريف فإن‬
‫المبتدعين يرمون من ينهاهم عن هذه الفعال بأنه ل يحب رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم وذلك لقيامه بواجبه الذي كلف به من‬
‫قبل الله سبحانه وتعالى وهو المر بالمعروف والنهي عن المنكر‬
‫والنصح الذي هو لله ولرسول الله صلى الله عليه وسلم ولئمة‬
‫المسلمين وعامتهم‪.‬‬
‫وهذا ما سوف نبينه في هذا الفصل الذي يتكون من مبحثين‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬فضائل المسجد النبوي‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬ما يفعله الجهّال من البدع في مسجده صلى الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫وذلك فيما يلي‪:‬‬

‫المبحث الول‬
‫فضائل المسجد النبوي‬

‫للمسجد النبوي الشريف على صاحبه أفضل الصلة والسلم‬


‫فضائل كثيرة منها ما يشترك فيها مع المسجد الحرام بمكة‬
‫والمسجد القصى‪ ،‬ومنها ما هو خاص به‪.‬‬
‫ما الفضائل المشتركة‪ :‬فمنها مشروعية شد الرحال إليه لما ثبت‬ ‫أ ّ‬
‫ن النبي صلى الله‬‫في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أ ّ‬
‫عليه وسلم قال‪" :‬ل تشد الرحال إل إلى ثلثة مساجد‪ :‬المسجد‬
‫الحرام‪ ،‬ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ومسجد‬
‫القصى"[‪.]88‬‬
‫وهذه فضيلة مشتركة بين المساجد الثلثة كما يفيد منطوق‬
‫الحديث ول تتعدى هذه الفضيلة إلى غير هذه الثلثة المنصوصة‬
‫في الحديث كما جزم بذلك العلماء‪.‬‬
‫يقول شيخ السلم ابن تيمية بعد ذكره هذا الحديث‪ " :‬فالسفر‬
‫إلى هذه المساجد الثلثة للصلة فيها والدعاء والذكر والقراءة‬
‫والعتكاف من العمال الصالحة‪ ،‬وما سوى هذه المساجد ل‬
‫يشرع السفر إليه باتفاق أهل العلم حتى مسجد قباء يستحب‬
‫قصده من المكان القريب كالمدينة ول يشرع شد الرحال إليه"[‬
‫‪.]89‬‬
‫ومن تلك الفضائل مضاعفة ثواب الصلة في مسجده صلى الله‬
‫عليه وسلم لما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله‬
‫ن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬صلة في مسجدي هذا‬ ‫عنه أ ّ‬
‫خير من ألف صلة فيما سواه إل ّ المسجد الحرام"[‪.]90‬‬
‫ن‬‫هذه الفضيلة ثابتة للمسجد النبوي الشريف بنص الحديث‪ ،‬لك ّ‬
‫استشكل العلماء حول المراد من هذا الستثناء‪ ،‬هل هو أن‬
‫الصلة في المسجد النبوي أفضل من الصلة في المسجد الحرام‬
‫ن الصلة في المسجد الحرام أفضل من الصلة‬ ‫بدون اللف أم أ ّ‬
‫في المسجد النبوي الشريف‪.‬‬
‫ما‬‫وممن قال بالقول الول‪ :‬المام مالك وطائفة من العلماء‪ :‬وأ ّ‬
‫المام الشافعي وجماهير العلماء‪ ،‬فقد ذهبوا إلى الثاني‪.‬‬
‫يقول المام النووي رحمه الله تعالى عند شرحه هذا الحديث‪:‬‬
‫"اختلف العلماء في المراد بهذا الستثناء على حسب اختلفهم‬
‫في مكة والمدينة أيتهما أفضل‪ ،‬ومذهب الشافعي وجماهير‬
‫ن مسجد مكة أفضل من‬ ‫ن مكة أفضل من المدينة وأ ّ‬ ‫العلماء أ ّ‬
‫مسجد المدينة‪ ،‬وعكسه مالك وطائفة‪.‬‬
‫ن الصلة‬ ‫فعند الشافعي والجمهور معناه إل ّ المسجد الحرام فإ ّ‬
‫فيه أفضل من الصلة في مسجدي‪ ،‬وعند مالك وموافقيه إل‬
‫ن الصلة في مسجدي تفضله بدون اللف"[‬ ‫المسجد الحرام فإ ّ‬
‫‪.]91‬‬
‫وكل التأويلين محتمل إذا لم نجد من الخارج ما يرجح أحدهما من‬
‫ن الصلة فيهما سواء‪.‬‬ ‫ن هناك تأويل ً ثالثًا محتمل ً وهو أ ّ‬ ‫الخر كما أ ّ‬
‫وقد ذكر ابن حزم الظاهري التأويل الثالث عند ذكره هذا الحديث‬
‫"تأولوا أن الصلة في مسجد المدينة أفضل من‬ ‫ّ‬ ‫حيث قال‪:‬‬
‫الصلة في مسجد مكة بدون اللف‪ ،‬وقلنا نحن‪ :‬بل هذا الستثناء‬
‫ن الصلة في المسجد الحرام أفضل من الصلة في مسجد‬ ‫أ ّ‬
‫المدينة‪ ،‬ثم قال‪ :‬فكل التأويلين محتمل نعم وتأويل ثالث وهو‬
‫ن الصلة في كليهما سواء ول يجوز المصير‬ ‫المسجد الحرام فإ ّ‬
‫إلى أحد هذه التأويلت دون الخر إل ّ بنص آخر وبطل أن يكون‬
‫في هذا الخبر بيان فضل المدينة على مكة"[‪.]92‬‬
‫ما سبق يتضح لنا أن التأويلت الثلثة محتملة ولكن تأويل‬ ‫م ّ‬
‫الجمهور هو الصح لثبوت ما يرجح ذلك وهو الحديث الذي في‬
‫مسند المام أحمد رحمه الله عن عبد الله بن الزبير رضي الله‬
‫عنهما قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬صلة في‬
‫مسجدي هذا أفضل من ألف صلة فيما سواه من المساجد إل‬
‫المسجد الحرام‪ ،‬وصلة في المسجد الحرام أفضل من مائة‬
‫صلة في هذا"[‪.]93‬‬
‫سنه فمن‬ ‫حح هذا الحديث ومنهم من ح ّ‬ ‫ومن العلماء من ص ّ‬
‫الولين ابن حزم الظاهري حيث قال‪" :‬حديث ابن الزبير صحيح‬
‫فارتفع الشكال"[‪.]94‬‬
‫ومن الفريق الثاني النووي حيث قال‪" :‬حديث حسن رواه أحمد‬
‫بن حنبل في مسنده"[‪.]95‬‬
‫ن هذا الحديث الذي نحن بصدده صحيح أو حسن فل‬ ‫وسواء قلنا أ ّ‬
‫يخرج من دائرة الحتجاج به والغرض الذي من أجله أوردناه وهو‬
‫ثبوت أفضلية مسجد مكة على مسجد المدينة وكذلك مضاعفة‬
‫ثواب الصلة في مسجده صلى الله عليه وسلم وهو ما يهمنا في‬
‫هذا المقام‪ ،‬وإن اشترك في ذلك المسجد الحرام وزاد عليه‪.‬‬
‫ما مثل المسجد الحرام لدخوله في‬ ‫ومن تلك الفضائل كونه حر ً‬
‫حدود حرم المدينة المنورة التي حددها رسول الله صلى الله‬
‫ن إبراهيم حرم مكة وإني حرمت المدينة ما‬ ‫عليه وسلم بقوله‪" :‬إ ّ‬
‫بين لبتيها ل يقطع عضاهها[‪ ]96‬ول يصاد صيدها[‪.]97‬‬
‫وبقوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬المدينة حرم ما بين عير إلى‬
‫ثور‪.]98[" ...‬‬
‫ن‬
‫هذان الحديثان يحددان لنا حدود حرم المدينة المنورة بحيث أ ّ‬
‫الحديث الول يحدد الحرم من ناحية العرض وأنه يقع ما بين‬
‫لبتي المدينة وهما الحرتان الوبرة والواقم أولهما تقع في غرب‬
‫المدينة وثانيهما تقع في شرق المدينة‪.‬‬
‫يقول الدكتور‪/‬محمد حسن هيكل‪" :‬تحد هذه الحرة وهي الواقم‬
‫المدينة من الشرق وتحدها حرة الوبرة بن الغرب"[‪.]99‬‬
‫وأما الحديث الثاني فيحد لنا حرم المدينة المنورة من جهة‬
‫الطول بحيث يقع الحرم ما بين عير إلى ثور وهما أي عير وثور‬
‫جبلن يقع أولهما جنوب المدينة وثانيهما يقع في شمال المدينة‪.‬‬
‫يقول عبد القدوس النصاري‪" :‬عير وثور اسما جبلين من جبال‬
‫المدينة أولهما عظيم شامخ يقع بجنوبي المدينة على مسافة‬
‫ساعتين عنها تقريبًا بسير القدام غير المستعجل‪ ،‬وثانيهما أحمر‬
‫صغير يقع شمال أحد‪ ،‬ويحدان حرم المدينة جنوبًا وشمال"[‪.]100‬‬
‫وعلى هذا فيدخل جبل أحد في حدود حرم المدينة المنورة‪.‬‬
‫يقول صاحب[‪ ]101‬حسن التوسل في آداب زيارة أفضل الرسل‬
‫عند تحديده حرم المدينة‪" :‬وحرمها من عير بفتح العين المهملة‬
‫إلى ثور طول‪ ،‬وثور جبل صغير خلف أحد وعرضا ما بين لبتيها‪،‬‬
‫واللبتان الحرتان السود"[‪.]102‬‬
‫وخلصة القول أن حرم المدينة المنورة تحده من الشرق الواقم‬
‫ومن الغرب الوبرة ومن الجنوب جبل يسمى عيًرا ومن الشمال‬
‫جبل يسمى ثور وهو غير ثور الذي بمكة على الصح خلفًا لمن‬
‫نفى ذلك عن المدينة كأبي عبيد القاسم بن سلم ومن تبعه في‬
‫ذلك كالزمخشري حيث قال‪" :‬هما جبلن بالمدينة وقيل ل يعرف‬
‫بالمدينة جبل يسمى ثوًرا وإنما ثور بمكة ولعل الحديث ما بين‬
‫عير إلى أحد"[‪.]103‬‬
‫وهذا وهم منهم كما جزم غير واحد من العلماء‪.‬‬
‫يقول الفيروزآبادي‪" :‬ثور جبل بالمدينة ومنه الحديث الصحيح‪:‬‬
‫ما قول أبي عبيد‬ ‫"المدينة حرم ما بين عير إلى ثور" [‪ ،]104‬وأ ّ‬
‫ن هذا تصحيف‬ ‫القاسم بن سلم وغيره من أكابر العلم أ ّ‬
‫ن ثوًرا إنما هو بمكة فغير جيّد"[‪.]105‬‬ ‫والصواب إلى أحد ل ّ‬
‫هذا ما يتعلق بالفضائل المشتركة بين المسجد النبوي الشريف‬
‫ما الفضيلة الهامة‬ ‫وبين المسجد الحرام أو المسجد القصى‪ .‬وأ ّ‬
‫التي يختص بها المسجد النبوي فهي الروضة التي بين بيته‬
‫ومنبره صلى الله عليه وسلم حيث وصفها رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم بأنها روضة من رياض الجنة في الحديث الذي أخرجه‬
‫الشيخان عن عبد الله بن زيد المازني أنّه قال‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" :‬ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض‬
‫الجنة"[‪.]106‬‬
‫وفي رواية‪" :‬ما بين قبري ومنبري"[‪.]107‬‬
‫والرواية الثانية‪ :‬ل تصح وإنما هي رواية بالمعنى كما جزم ذلك‬
‫شيخ السلم ابن تيمية بعد ذكره هذا الحديث حيث قال‪" :‬هذا هو‬
‫ن بعضهم رووه بالمعنى فقال‪" :‬قبري" وهو‬ ‫الثابت الصحيح ولك ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم حين قال هذا القول لم يكن قد قبر صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ .‬ولهذا لم يحتج بهذا أحد من الصحابة حينما‬
‫صا في محل‬ ‫تنازعوا في موضع دفنه‪ ،‬ولو كان هذا عندهم لكان ن ً‬
‫النزاع ولكن دفن في حجرة عائشة في الموضع الذي مات فيه‬
‫بأبي وأمي صلوات الله وسلمه عليه"[‪.]108‬‬
‫وعلى هذا ل نحتاج إلى تكلف في الجمع بين الروايتين كما فعل‬
‫الطحاوي في مشكل الثار بل وعده من علمات النبوة قائلً‪:‬‬
‫"في هذا الحديث معنى يجب أن يوقف عليه وهو قوله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة"[‪.]109‬‬
‫على أكثر ما في هذه الثار وعلى ما في سواه منها‪" :‬ما بين‬
‫بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة" [‪ ]110‬فكان تصحيحها يجب‬
‫به أن يكون بيته هو قبره وكون ذلك علمة من علمات النبوة‬
‫ن الله عز وجل قد أخفى على كل نفس سواه‬ ‫جليلة المقدار ل ّ‬
‫ي‬ ‫َ‬
‫س بِأ ِ ّ‬‫ما تَدْرِي نَفْ ٌ‬‫الرض التي يموت بها لقوله عز وجل‪{ :‬وَ َ‬
‫ت} [لقمان‪ ]34:‬فأعلمه الموضع الذي يموت فيه‬ ‫َ‬
‫مو ُ‬
‫ض تَ ُ‬
‫أْر ٍ‬
‫والموضع الذي فيه قبره حتى علم بذلك في حياته وحتى أعلمه‬
‫من أعلمه من أمته فهذه منزلة ل منزلة فوقها زادها الله شرفًا‬
‫وخيًرا"[‪.]111‬‬
‫وخلصة القول‪ :‬أن هذه الفضيلة ثابتة ل يشترك فيها غيره من‬
‫ن العلماء اختلفوا في معنى قوله صلى الله عليه‬ ‫المساجد ولك ّ‬
‫وسلم‪" :‬روضة من رياض الجنة"[‪.]112‬‬
‫هل هذه البقعة بعينها من الجنة أم أن العمل فيها يؤدي إلى‬
‫دخول الجنة؟‪.‬‬
‫يقول القاضي عياض رحمه الله تعالى‪" :‬قوله‪" :‬روضة من رياض‬
‫الجنة" [‪ ]113‬يحتمل معنيين‪:‬‬
‫ن الدعاء والصلة فيه يستحق ذلك‬ ‫َ‬ ‫أحدهما‪ :‬أنه موجب لذلك وأ ّ‬
‫من الثواب‪.‬‬
‫ن تلك البقعة قد ينقلها الله فتكون في الجنة بعينها"[‬ ‫الثاني‪ :‬أ ّ‬
‫‪.]114‬‬
‫والمعنى الول هو الولى وهو المعنى الذي أيده ابن حزم وذكره‬
‫الحافظ ابن حجر العسقلني‪ .‬يقول ابن حزم رحمه الله‪" :‬وهذا‬
‫ن تلك الروضة‬ ‫الحديث ليس على ما يظنه أهل الجهل من أ ّ‬
‫ن الله يقول في‬ ‫قطعة منقطعة من الجنة‪ ،‬هذا كذب وباطل ل ّ‬
‫ُ‬ ‫جوع َ فِيهَا وَل تَعَْرى * وَأَن َّ َ‬ ‫ن لَ َ َ َ‬
‫مأ فِيهَا وَل‬‫ك ل تَظ ْ َ‬ ‫ك أل ّ ت َ ُ‬ ‫الجنة‪{ :‬إ ِ َّ‬
‫حى} [طه‪ .]118119:‬فهذه صفة الجنة بل شك‪ ،‬وليست هذه‬ ‫ض َ‬
‫تَ ْ‬
‫صفة الروضة‪ ،‬ورسول الله ل يقول إل الحق‪ ،‬فصح أن تكون تلك‬
‫الروضة من الجنة إنما هو لفضلها وأن الصلة فيها تؤدي إلى‬
‫الجنة"[‪.]115‬‬
‫ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله‪" :‬إنه كروضة من رياض الجنة‬
‫في نزول الرحمة وحصول السعادة بما يحصل من ملزمة حلق‬
‫الذكر‪ ،‬ل سيما في عهده صلى الله عليه وسلم فيكون تشبيهًا‬
‫بغير أداة‪ ،‬أو المعنى أن العبادة فيه تؤدي إلى الجنة فيكون‬
‫مجاًزا"[‪.]116‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫ما يفعله الجهال من البدع في مسجده صلى الله عليه وسلم‬

‫كثير من الناس يفعلون أموًرا منكرة ل أساس لها من الدين عند‬


‫زيارتهم المسجد النبوي الشريف وهم يحسبون أنهم يحسنون‬
‫صنعًا‪ ،‬ويحتجون على أعمالهم تلك بالستحسان العقلي أو بأدلة‬
‫واهية باطلة‪.‬‬
‫وفي هذا المبحث سنذكر بمشيئة الله تعالى أهم تلك البدع التي‬
‫تقع في مسجده صلى الله عليه وسلم مبينين بدعيتها تذكيًرا‬
‫لهؤلء الجهال ومن في حكمهم حتى ل يقعوا فيها بعد البيان‬
‫ن بَي ِّنَةٍ‬ ‫ن هَل َ َ‬
‫ك عَ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ك َ‬ ‫ولقامة الحجة عليهم أمام الله تعالى‪{ :‬لِيَهْل ِ َ‬
‫ن بَيِّنَةٍ} [النفال‪.]42:‬‬ ‫ح َّ‬
‫ي عَ ْ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫حيَا َ‬
‫وَي َ ْ‬
‫من تلك البدع التزام الزوار القامة في المدينة المنورة أسبوع ًا‬
‫أو ثمانية أيام حتى يتمكنوا من الصلة في مسجده صلى الله‬
‫عليه وسلم أربعين صلة لكي يكتب لهم البراءة من النار والنجاة‬
‫من العذاب والبراءة من النفاق محتجين بالحديث التي‪:‬‬
‫قال المام أحمد‪ :‬حدثنا الحكم بن موسى حدثنا عبد الرحمن بن‬
‫أبي الرجال عن نبيط بن عمرو عن أنس بن مالك عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬من صلى في مسجدي أربعين صلة‬
‫ل يفوته صلة كتبت به براءة من النار ونجاة من النار وبرئ من‬
‫النفاق"[‪.]117‬‬
‫واستدللهم بهذا الحديث مأخوذ من ظاهره فهو يفيد أن من‬
‫صلى أربعين صلة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫يبرأ من النار والنفاق ونجا منهما‪ ،‬وهم بهذا الحديث يتمسكون‬
‫ببدعتهم هذه‪ ،‬وهذا استدلل صحيح لو كان الحديث مما يحتج به‪.‬‬
‫وقد تكلم العلماء عن هذا الحديث حيث قال العلماء القدماء في‬
‫صحته ما يلي‪ :‬قال المنذري‪" :‬رواه أحمد ورواته رواة الصحيح‬
‫والطبراني في الوسط وهو عند الترمذي بغير هذا اللفظ"[‪.]118‬‬
‫وقال الهيثمي‪" :‬روى الترمذي بعضه‪ ،‬ورواه أحمد والطبراني في‬
‫الوسط ورجاله ثقات"[‪.]119‬‬
‫هذه أقوال العلماء القدماء في هذا الحديث ولكن محمد ناصر‬
‫الدين اللباني قد ضعّف هذا الحديث بسبب وجود راو مجهول في‬
‫سنده وهو نبيط بن عمرو‪ :‬قال اللباني‪" :‬وهذا سند أي سند هذا‬
‫الحديث الذي نحن بصدده ضعيف‪ ،‬نبيط هذا ل يعرف إل في هذا‬
‫الحديث‪ ،‬وقد ذكره ابن حبان في الثقات على قاعدته توثيق‬
‫المجهولين‪ ،‬وهو عمدة الهيثمي في قوله في المجمع ‪ :4/8‬رواه‬
‫ما قول المنذري‬ ‫أحمد والطبراني في الوسط ورجاله ثقات وأ ّ‬
‫في الترغيب (‪ )2/136‬رواه أحمد ورواته رواة الصحيح والطبراني‬
‫في الوسط فوهم واضح لن نبيط هذا ليس من رواة الصحيح ول‬
‫روى له أحد من بقية الستة"[‪.]120‬‬
‫وقد تتبعت نبيط هذا في كتاب الجرح والتعديل وكتب التراجم‬
‫الخرى فلم أجد من ترجم له إل ابن حبان في الثقات [‪]121‬‬
‫والحافظ ابن حجر العسقلني في تعجيل المنفعة [‪ ]122‬الذي‬
‫اكتفى بقوله‪ :‬ذكره ابن حبان في الثقات‪.‬‬
‫وعلى هذا نقول‪ :‬إن سند هذا الحديث ضعيف لوجود راوٍ مجهول‬
‫كما بينا وهو نبيط بن عمرو‪ ،‬ومن ثم ل يمكن الحتجاج به في هذا‬
‫المقام‪.‬‬
‫وإذا كان كذلك فيكون التزام الزوار القامة في المدينة بثمانية‬
‫أيام بدعة لغرض الصلة في مسجده صلى الله عليه وسلم‬
‫أربعين صلة حتى يبرأوا من النفاق ومن العذاب‪.‬‬
‫والبدعة تأتي من ناحية تحديد اليام وعدد الصلوات ومن ناحية‬
‫الثواب المترتب على ذلك ل من ناحية مجرد الصلة في مسجده‬
‫صلى الله عليه وسلم بل ثبت أن ثواب الصلة فيه يضاعف كما‬
‫بينا في المبحث السابق عند حديثنا عن الفضائل الثابتة لمسجده‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ومن تلك البدع الخروج من المسجد النبوي الشريف القهقرى‬
‫ن الخروج العادي يترتب عليه‬ ‫تأدبًا معه وتوقيًرا له وإيمانًا منهم أ ّ‬
‫الدبار عن المسجد وهو سوء أدب عندهم حسب عقولهم بينما‬
‫هذا سوء أدب لن هذا الفعل غير مشروع ولنه يترتب عليه أن‬
‫يفعلوا هذا الفعل مع شيوخهم وكبرائهم سواء كانوا أحياء أو‬
‫أمواتًا‪ ،‬ولن الشرع ل يثبت بالرأي ول باستحسان المستحسنين‪.‬‬
‫ولله در المام علي رضي الله عنه حيث قال‪" :‬لو كان الدين‬
‫بالرأي لمسح أسفل القدم أولى من ظهرها"[‪.]123‬‬
‫يقول ابن الحاج في هذا المقام‪" :‬وليحذر ما يفعله بعضهم من‬
‫هذه البدعة وهو أنّهم إذا خرجوا من مكة يخرجون من المسجد‬
‫القهقرى وكذلك يفعلون في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫حين وداعهم له عليه الصلة والسلم ويزعمون أن ذلك من باب‬
‫الدب‪ .‬وذلك من البدع المكروهة التي ل أصل لها في الشرع‬
‫الشريف ولم يفعلها أحد من السلف رضي الله عنهم وهم أشد‬
‫صا على اتباع سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم ثم أدت‬ ‫الناس حر ً‬
‫هذه البدعة التي أحدثوها وعللوها إلى أن صاروا يفعلونها مع‬
‫مشائخهم ومع كبرائهم وعند المقابر التي يحترمونها ويعظمون‬
‫أهلها ويزعمون أن ذلك من باب الدب"[‪.]124‬‬
‫ومن تلك البدع رفع الصوت بالصلة والسلم في المسجد النبوي‬
‫الشريف لن ذلك يؤدي إلى سوء الدب مع النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ومع المسجد وإن كان هذا الحكم يتعدى إلى غيره من‬
‫المساجد إل أنه يتأكد في هذا المسجد لمكانته عند الله وعند‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يمنع أن يرفع الصوات‬
‫في المسجد النبوي الشريف بل كان يتوعد على من يفعل ذلك‬
‫بالعقاب الشديد‪.‬‬
‫والدليل على ذلك ما أخرجه البخاري رحمه الله تعالى في‬
‫ما في المسجد‬ ‫صحيحه عن السائب بن يزيد قال‪" :‬كنت قائ ً‬
‫فحصبني رجل فنظرت فإذا هو عمر بن الخطاب فقال‪ :‬اذهب‬
‫فأتني بهذين فجئته بهما قال‪ :‬من أنتما أو من أين أنتما؟ قال‪ :‬من‬
‫أهل الطائف قال‪ :‬لو كنتما من أهل البلد لوجعتكما ترفعان‬
‫أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم"[‪.]125‬‬
‫هذا الحديث يدل على أن رفع الصوت ممنوع في مسجده صلى‬
‫ن ذلك ينافي الدب مع النبي صلى الله عليه‬ ‫الله عليه وسلم ل ّ‬
‫وسلم ويدخل في عموم النهي عن رفع الصوت فوق صوته‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صوَاتَك ُ ْ‬
‫م‬ ‫منُوا ل تَْرفَعُوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬‫والجهر له في قوله تعالى‪{ :‬يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ضأ ْ‬ ‫ضك ُ ْ‬
‫م لِبَعْ ٍ‬ ‫ل كَ َ‬
‫جهْرِ بَعْ ِ‬ ‫ه بِالْقَوْ ِ‬ ‫جهَُروا ل َ ُ‬
‫ي وَل ت َ ْ‬ ‫ت النَّب ِ ِ ّ‬ ‫صوْ ِ‬ ‫فَوْقَ َ‬
‫َ‬ ‫تحب َ َ‬
‫ن} [الحجرات‪.]2:‬‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫م ل تَ ْ‬ ‫م وَأنْت ُ ْ‬ ‫مالُك ُ ْ‬
‫ط أع ْ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ومنها أكل التمر الصيحاني في الروضة الشريفة [‪ ]126‬تبركًا بها‬
‫لزعمهم أنّه صاح بالنبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫يقول شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬وأما التمر الصيحاني فل فضيلة‬
‫فيه بل غيره من التمر البرني والعجوة خير منه والحاديث إنما‬
‫جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم في مثل ذلك كما جاء في‬
‫الصحيح‪" :‬من تصبح كل يوم بسبع تمرات عجوة لم يضره في‬
‫ذلك اليوم سم ول سحر"[‪.]127‬‬
‫ولم يجئ عنه في الصيحاني شيء‪ ،‬وقول بعض الناس أنّه صاح‬
‫بالنبي صلى الله عليه وسلم جهل منه‪ ،‬بل إنما سمي بذلك ليبسه‬
‫فإنه يقال تصوح التمر إذا يبس"[‪.]128‬‬
‫ومن ذلك وقوف بعضهم أمام القبر بغاية الخشوع واضعًا يمينه‬
‫على يساره كما يفعل في الصلة‪.‬‬
‫ومنها استقبال القبر للدعاء عنده رجاء الجابة[‪.]129‬‬
‫ومنها قصد الصلة تجاه القبر[‪.]130‬‬
‫ومنها زيارة قبره صلى الله عليه وسلم قبل الصلة في مسجده‪.‬‬
‫ومنها تخصيص ليلة سبع وعشرين من رمضان بموعظة التي‬
‫يلقيها إمام المسجد النبوي للعتقاد أنها ليلة القدر‪.‬‬
‫ومنها قراءة دعاء ختم القرآن في آخر ليلة من رمضان جماعة‪.‬‬
‫ومنها الذان الول في يوم الجمعة في المسجد النبوي قبل‬
‫صعود المام على المنبر بزمن يسير جدًا لن عثمان بن عفان‬
‫رضي الله عنه فعل ذلك قبل الذان الثاني بزمن كاف لستعداد‬
‫أهل البلد لحضور الخطبة‪.‬‬
‫وهذه مجمل البدع التي تفعل في مسجد رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم عن جهل أو استحسان من بعض الناس حسب ما‬
‫تسول لهم أنفسهم دون الرجوع إلى الكتاب والسنة‪.‬‬
‫جا لما يفعل في‬ ‫وما ذكرنا من البدع في هذا المبحث يعتبر نموذ ً‬
‫المسجد النبوي وليس للحصر لن المقام ل يتسع لكثر من ذلك‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــ‬
‫الهوامش‪:‬‬
‫[‪ ]1‬تقدمت ترجمته في (ص‪.)25:‬‬
‫[‪ ]2‬إشارة إلى قوله تعالى‪( :‬بديع السموات والرض) سورة‬
‫البقرة‪ ،‬آية (‪ )117‬وسورة النعام‪ ،‬آية (‪.)101‬‬
‫[‪ ]3‬معجم مقاييس اللغة (‪ )1/209‬مادة (بديع)‪.‬‬
‫[‪ ]4‬هو أحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي المتوفي سنة (‬
‫‪770‬هـ) انظر ترجمته في بغية الوعاة (‪.)1/389‬‬
‫[‪ ]5‬مصباح المنير‪ 1/44 :‬مادة (بدع)‪.‬‬
‫[‪ ]6‬لسان العرب‪ 8/6 :‬مادة (بدع)‪.‬‬
‫[‪ ]7‬هو عبد الرحمن بن أحمد بن رجب السلمي البغدادي ثم‬
‫الدمشقي‪.‬‬
‫[‪ ]8‬هو إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي أبو‬
‫إسحاق الشهير بالشاطبي المتوفي سنة (‪790‬هـ) انظر ترجمته‬
‫في العلم (‪.)4/144‬‬
‫[‪ ]9‬هو عز الدين بن عبد السلم بن أبي القاسم شيخ السلم‬
‫المتوفي سنة (‪660‬هـ) بمصر‪ .‬انظر ترجمته في العلم (‪.)4/144‬‬
‫[‪ ]10‬جامع العلوم والحكم (ص‪.)160:‬‬
‫[‪ ]11‬العتصام‪.)1/37( :‬‬
‫[‪ ]12‬العتصام‪.)1/37( :‬‬
‫[‪ ]13‬فتح الباري‪.)3/253( :‬‬
‫[‪ ]14‬العتصام‪.)2/790800( :‬‬
‫[‪ ]15‬فتح الباري‪.)13/253( :‬‬
‫[‪ ]16‬قواعد الحكام في مصالح النام‪.)2/204( :‬‬
‫[‪ ]17‬انظر المصدر السابق (‪.)2/204205‬‬
‫[‪ ]18‬تهذيب السماء واللغات (‪.)2/22‬‬
‫[‪ ]19‬صحيح مسلم كتاب الجمعة‪ ،‬باب تخفيف الصلة والخطبة (‬
‫‪.)2/592‬‬
‫[‪ ]20‬صحيح مسلم كتاب القضية‪ ،‬باب رد الحكام الباطلة ورد‬
‫محدثات المور (‪.)3/1342‬‬
‫[‪ ]21‬أخرجه الترمذي في كتاب العلم‪ ،‬باب الخذ بالسنة واجتناب‬
‫البدعة (‪ ،)4/150‬وقال هذا حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫[‪ ]22‬والحديث كما أخرجه البخاري بسنده عن عبد الرحمن قال‪:‬‬
‫"خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان‬
‫إلى المسحد فإذا الناس أوزاع متفرقون‪ .‬يصلي الرجل لنفسه‪،‬‬
‫ويصلي الرجل فيصلي صلته الرجل‪ ،‬فقال عمر‪ :‬إني أرى لو‬
‫جمعت هؤلء على قاريء واحد لكان أمثل‪ ،‬ثم عزم فجمعهم‬
‫على أبي بن كعب‪ ،‬ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون‬
‫بصلة قارئهم فقال عمر‪ :‬نعمت البدعة هذه "‪ .‬صحيح البخاري (‬
‫‪ ،)1/342‬كتاب التراويح‪ ،‬باب فضل من قام رمضان‪.‬‬
‫[‪ ]23‬صحيح مسلم كتاب العلم‪ ،‬باب من سن سنة حسنة أو سيئة‬
‫ومن دعا إلى هدى أو ضللة (‪.)4/2059‬‬
‫[‪ ]24‬رواه المام أحمد في مسنده (‪.)1/379‬‬
‫[‪ ]25‬صحيح مسلم كتاب الجمعة‪ ،‬باب تخفيف الصلة والخطبة (‬
‫‪.)3/592‬‬
‫[‪ ]26‬صحيح مسلم كتاب الجمعة‪ ،‬باب تخفيف الصلة والخطبة (‬
‫‪.)3/592‬‬
‫[‪ ]27‬انظر تهذيب الفروق (‪.)4/229‬‬
‫[‪ ]28‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب صلة التراويح‪ ،‬باب فضل من قام‬
‫رمضان (‪.)1/343‬‬
‫[‪ ]29‬رواه الترمذي في سنة‪ ،‬في كتاب العلم‪ ،‬باب الخذ بالسنة‬
‫واجتناب البدعة (‪.)4/150‬‬
‫[‪ ]30‬مجموع الفتاوي (‪.)10/371‬‬
‫[‪ ]31‬اقتضاء الصراط المستقيم (ص‪.)376:‬‬
‫[‪ ]32‬صحيح مسلم كتاب العلم‪ ،‬باب من سن سنة حسنة أو سيئة‬
‫ومن دعا إلى هدى أو ضللة (‪.)4/2059‬‬
‫[‪ ]33‬الصرف بالكسر الخالص من كل شيء‪ .‬انظر النهاية (‪.)3/24‬‬
‫[‪ ]34‬أخرجه الترمذي في سننه كتاب العلم‪ ،‬باب الخذ بالسنة‬
‫واجتناب البدعة (‪4/50‬ا ‪ )151‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن‪.‬‬
‫[‪ ]35‬رواه المام أحمد في مسنده (‪.)1/379‬‬
‫[‪ ]36‬البداع في مضار البتداع للشيخ علي محفوظ (ص‪.)128:‬‬
‫[‪ ]37‬العتصام (‪.)1/141142‬‬
‫[‪ ]38‬انظر إصلح المساجد من البدع والعوائد‪ ،‬لجمال الدين‬
‫القاسمي (ص‪.)16:‬‬
‫[‪ ]39‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الفضائل‪ ،‬باب وجوب امتثال ما قاله‬
‫شرع ًا ما ذكره صلى الله عليه وسلم من معايش الدنيا على‬
‫سبيل الرأي (‪.)4/1836‬‬
‫[‪ ]40‬انظر‪ :‬العتصام للشاطبي (‪.)1/286287‬‬
‫[‪ ]41‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الصلة‪ ،‬باب استحباب القول مثل قول‬
‫المؤذن لمن سمعه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ثم يسأل الله له الوسيلة (‪.)1/288‬‬
‫[‪ ]42‬انظر العتصام (‪.)1/287‬‬
‫[‪ ]43‬البداع في مضار البتداع‪( :‬ص‪.)250251:‬‬
‫[‪ ]44‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الصيام‪ ،‬باب استحباب صيام ثلثة أيام‬
‫من كل شهر وصوم يوم عرفة‪ ،‬وعاشوراء والثنين والخميس (‬
‫‪.)2/820‬‬
‫[‪ ]45‬السيرة النبوية (‪.)6/199‬‬
‫[‪ ]46‬هو الملك المظفر أبو سعيد كوكبوري ين زين الدين بن‬
‫تبكتكين المتوفى سنة (‪630‬هـ)‪ .‬له ترجمة في البداية والنهاية (‬
‫‪.)13/136‬‬
‫[‪ ]47‬انظر وفيات العيان لبن خلكان (‪.)1/437‬‬
‫[‪ ]48‬السيرة النبوية (‪.)1/199200‬‬
‫[‪ ]49‬المواعظ والعتبار بذكر الخطط والثار (‪ ،)1/490‬مع التصرف‪.‬‬
‫[‪ ]50‬صبح العشي في صناعة النشاء (‪.)13/498‬‬
‫[‪ ]51‬تاريخ الحتفال بالمولد النبوي (ص‪ )62:‬وما بعدها‪.‬‬
‫[‪ ]52‬الحاوي للفتاوي‪.)1/189( :‬‬
‫[‪ ]53‬ذكرى المولد النبوي (ص‪:‬أ)‪.‬‬
‫[‪ ]54‬البداع في مضار البتداع (ص‪.)251:‬‬
‫[‪ ]55‬البدعة تحديدها وموقف السلم منها (ص‪.)481:‬‬
‫[‪ ]56‬انظر كتاب ظهور خلفة الفاطميين وسقوطها في مصر‬
‫الدكتور‪/‬عبد المنعم ماجد (ص‪.)487:‬‬
‫[‪ ]57‬هو الشيخ عمر بن محمد المل له ترجمة في مرآة الزمان‬
‫لسبط ابن الجوزي (‪.)8/310‬‬
‫[‪ ]58‬الباعث على إنكار البدع والحوادث (ص‪.)16:‬‬
‫[‪ ]59‬صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة‪ ،‬باب فضل الصحابة ثم‬
‫الذين يلونهم ثم الذين يلونهم (‪.)4/1963‬‬
‫[‪ ]60‬تاريخ الحتفال بالمولد النبوي (ص‪.)63:‬‬
‫[‪ ]61‬المعز لدين الله (ص‪ )285:‬وما بعدها‪.‬‬
‫[‪ ]62‬هو محمد بن أبي بكر بن عبد الله القيسي الدمشقي شمس‬
‫الدين الشهير بابن ناصر الدين الدمشقي المتوفى سنة (‪842‬هـ)‬
‫انظر ترجمته في لحظ اللحاظ لتقي الدين محمد بن فهد المكي‬
‫(ص‪.)317:‬‬
‫[‪ ]63‬هو محمد بن محمد بن علي أبو الخير شمس الدين‬
‫الدمشقي الشهير بابن الجزري المتوفى سنة (‪833‬هـ) انظر‬
‫ترجمته في مفتاح السعادة لحمد المصطفى طامش كبري زادة‬
‫(‪.)2/55‬‬
‫[‪ ]64‬مورد الصادي في مولد الهادي‪ ،‬ورقة (‪.)14‬‬
‫[‪ ]65‬عرف التعريف بالمولد الشريف‪ ،‬ورقة (‪.)143‬‬
‫[‪ ]66‬الحاوي للفتاوي للسيوطي (‪.)1/196‬‬
‫[‪ ]67‬السنن الكبري‪.)9/300( :‬‬
‫[‪ ]68‬الحاوي الفتاوي‪.)1/196( :‬‬
‫[‪ ]69‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الصيام‪ ،‬باب استحباب صيام ثلثة أيام‬
‫من كل شهر وصوم يوم عرفة وعاشوراء والثنين والخميس (‬
‫‪.)2/820‬‬
‫[‪ ]70‬هو محمد بن عبد الله بن محمد المبدري المعروف بابن‬
‫الحاج المتوفي سنة (‪641‬هـ) انظر ترجمته في العلم للزركلى (‬
‫‪.)7/110‬‬
‫[‪ ]71‬هو عمر بن أبي اليمن بن سالم اللخمي المالكي الشهير‬
‫بتاج الدين الفاكهاني المتوفي سنة (‪734‬هـ)‪ .‬انظر ترجمته في‬
‫الديباج المذهب لبن فرحون (‪.)2/8082‬‬
‫[‪ ]72‬اقتضاء الصراط المستقيم‪ :‬ص (‪.)254295‬‬
‫[‪ ]73‬المدخل (‪.)2/10‬‬
‫[‪ ]74‬الحاوي للفتاوي‪.)1/190191( :‬‬
‫ضا‬
‫[‪ ]75‬أي بشر حال‪ ،‬والحيبة والحوبة‪ :‬الهم والحزن‪ ،‬والحيبة أي ً‬
‫الحاجة والمسكنة‪ ،‬النياية في غريب الحديث (‪.)1/466‬‬
‫[‪ ]76‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب (وأمهاتهم اللتي‬
‫أرضعنكم) يحرم من الرضاعة ما حرم من النسب (‪.)3/243‬‬
‫[‪ ]77‬انظر تفسير القرطيى‪.)13/2122( :‬‬
‫[‪ ]78‬إشارة إلى الحديث الذي أخرجه المام مسلم عن العباس‬
‫بن عبد المطلب أنه قال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬هل نفعت أبا طالب‬
‫بشيء‪ ،‬فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال‪" :‬نعم في ضحضاح‬
‫من نار ولول أنا لكان في الدرك السفل من النار"‪ .‬انظر صحيح‬
‫مسلم كتاب اليمان‪ ،‬باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫لبي طالب والتخفيف عنه بسببه (‪.)1/155‬‬
‫[‪ ]79‬السنن الكبرى‪.)5/300( :‬‬
‫[‪ ]80‬الضعفاء الصغير‪( :‬ص‪.)67:‬‬
‫[‪ ]81‬الضعفاء والمتروكين‪( :‬ص‪.)63:‬‬
‫[‪ ]82‬الجرح والتعديل لبن أبي حاتم‪.‬‬
‫[‪ ]83‬المجروحين‪.)2/23( :‬‬
‫[‪ ]84‬هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني صاحب المصنف‪.‬‬
‫[‪ ]85‬السنن الكبرى‪.)9/300( :‬‬
‫[‪ ]86‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب تخفيف الصلة والخطبة (‬
‫‪.)2/552‬‬
‫[‪ ]87‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب القضية‪ ،‬باب نقض الحكام الباطلة‪.‬‬
‫محدثات المور (‪.)3/1343‬‬
‫[‪ ]88‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب فضل الصلة في مسجد مكة والمدينة‬
‫(‪ )1/206‬واللفظ للبخاري‪ .‬وصحيح مسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب ل تشد‬
‫الرحال إل إلى ثلثة مساجد (‪.)2/1014‬‬
‫[‪ ]89‬اقتضاء الصراط المستقيم (‪.)430‬‬
‫[‪ ]90‬صحيح البخاري في أبواب التطوع‪ ،‬باب فضل الصلة في‬
‫مسجد مكة والمدينة (‪ )1/206‬واللفظ للبخاري‪ .‬وصحيح مسلم في‬
‫كتاب الحج‪ ،‬باب فضل الصلة بمسجدي مكة والمدينة (‪.)2/1012‬‬
‫[‪ ]91‬صحيح مسلم بشرح النووي (‪.)9/163‬‬
‫[‪ ]92‬المحلى (‪.)7/284‬‬
‫[‪ ]93‬مسند أحمد (‪.)4/5‬‬
‫[‪ ]94‬المحلى (‪.)7/290‬‬
‫[‪ ]95‬صحيح مسلم بشرح النووي (‪.)9/164‬‬
‫[‪ ]96‬عضاة‪ :‬كل شجر عظيم له شوك‪ .‬انظر النهاية في غريب‬
‫الحديث (‪.)3/255‬‬
‫[‪ ]97‬صحيح مسلم في كتاب الحج‪ ،‬باب فضل المدينة (‪.)2/992‬‬
‫[‪ ]98‬صحيح مسلم كتاب الحج‪ ،‬باب فضل المدينة (‪.)2/995‬‬
‫[‪ ]99‬في منزل الوحي (ص‪.)582:‬‬
‫[‪ ]100‬آثار المدينة (‪.)209‬‬
‫[‪ ]101‬تقدمت ترجمته في (ص‪.)204:‬‬
‫[‪ ]102‬حسن التوسل في آداب زيارة أفضل الرسل (ص‪.)223:‬‬
‫[‪ ]103‬الفائق (‪.)3/429‬‬
‫[‪ ]104‬مسلم في كتاب الحج باب فضل المدينة (‪.)2/995‬‬
‫[‪ ]105‬القاموس المحيط مادة ثور (‪.)1/398‬‬
‫[‪ ]106‬صحيح البخاري أبواب التطوع فضل ما بين القبر والمنبر‬
‫ص (‪.)1/207‬‬
‫[‪ ]107‬صحيح مسلم في كتاب الحج باب ما بين القبر والمنبر‬
‫روضة من رياض الجنة (‪.)2/1010‬‬
‫[‪ ]108‬القاعدة الجليلة في التوسل والوسيلة (ص‪.)74:‬‬
‫[‪ ]109‬مشكل الثار (‪.)4/72‬‬
‫[‪ ]110‬تقدم تخريجه في الصفحة السابقة‪.‬‬
‫[‪ ]111‬مشكل الثار‪.)4/72( :‬‬
‫[‪ ]112‬جزء من الحديث المتفق عليه الذي تقدم تخريجه في‬
‫الصفحة السابقة‪.‬‬
‫[‪ ]113‬جزء من الحديث المتفق عليه الذي تقدم تخريجه في‬
‫الصفحة السابقة‪.‬‬
‫[‪ ]114‬الشفا (‪.)2/683‬‬
‫[‪ ]115‬المحلى‪ )7/283285( :‬مع التصرف‪.‬‬
‫[‪ ]116‬فتح الباري‪.)4/100( :‬‬
‫[‪ ]117‬المسند‪.)3/155( :‬‬
‫[‪ ]118‬الترغيب والترهيب‪.)2/136( :‬‬
‫[‪ ]119‬مجمع الزوائد‪.)44/8( :‬‬
‫[‪ ]120‬سلسلة الحاديث الضعيفة م (‪.)1/366‬‬
‫[‪ ]121‬انظر الثقات‪.)5/483( :‬‬
‫[‪ ]122‬تعجيل المنفعة‪.)421( :‬‬
‫[‪ ]123‬رواه الدارمي في سننه (‪ )1/181‬بلفظ‪ :‬لول أني رأيت رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم فعل كما رأيتموني فعلت لرأيت أن‬
‫باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما‪.‬‬
‫[‪ ]124‬المدخل‪.)4/238( :‬‬
‫[‪ ]125‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الصلة‪ ،‬باب رفع الصوت في‬
‫المساجد (‪.)1/93‬‬
‫[‪ ]126‬الباعث على إنكار البدع (ص‪.)70:‬‬
‫[‪ ]127‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الطعمة‪ ،‬باب العجوة (‪ .)3/301‬وصحيح‬
‫مسلم‪ ،‬كتاب الشربة‪ ،‬باب فضل تمر المدينة (‪ ،)3/1618‬واللفظ‬
‫للبخاري‪.‬‬
‫[‪ ]128‬مجموعة الرسائل الكبرى‪.)2/413( :‬‬
‫[‪ ]129‬المصدر السابق‪.)2/390( :‬‬
‫‪ ]130‬حجة النبي صلى الله عليه وسلم لللباني (ص‪.)140:‬‬
‫‪ .10‬كتاب "التأدب مع الرسول في ضوء الكتاب‬
‫والسنة" [الجزء السادس والخير]‬
‫الفصل الرابع‬
‫البدع الملحقة بزيارة قبره صلى الله عليه وسلم‬

‫قبر النبي صلى الله عليه وسلم ملحق بمسجده الشريف وزيارة‬
‫القبر سنة مشروعة لمن كان في المدينة وضواحيها كزيارة سائر‬
‫القبور للتعاظ والعبرة والدعاء للميت وتذكر ما كان وما سيكون‬
‫بإذن الله تعالى‪.‬‬
‫وقد ألحق أهل البدع مخترعات ل أصل لها وهم يزورون قبر‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ظانين أن ذلك حب له عليه الصلة‬
‫والسلم وتعظيم وتوقير مثل التبرك والتمسح بقبره والدعاء‬
‫عنده معتقدين أن ذلك أولى من الدعاء في المساجد‪.‬‬
‫ونتحدث في هذا الفصل عن البدع الملحقة بزيارة قبر النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وسوف يأتي هذا الفصل مكونًا من‬
‫المباحث التالية‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬بيان معنى الزيارة وأنواعها وحدود مشروعيتها‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬حكم السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬

‫المبحث الول‬
‫الزيارة أنواعها وأغراضها‬

‫الزيارة في اللغة‪ :‬القصد وهي مصدر زار‪.‬‬


‫يقول صاحب مصباح المنير‪ :‬زار يزور زيارة وزورا قصده‪..‬‬
‫ما الزيارة‬ ‫والمزار يكون مصدًرا وموضع الزيارة‪ ،‬هذا في اللغة‪ ،‬وأ ّ‬
‫سا به[‪.]1‬‬ ‫ما له واستئنا ً‬ ‫في العرف‪ :‬فهي قصد المزور إكرا ً‬
‫يقول الخفاجي‪ :‬والزيارة تختص بمجيء بعض الحياء لبعض مودة‬
‫ومحبة‪ ،‬هذا أصل معناها لغة واستعمالها في القبر للموات‬
‫لعطائهم حكم الحياء وصار حقيقة عرفية لشيوعها فيها[‪.]2‬‬
‫حتَّى‬ ‫َ‬
‫م التَّكَاثُُر * َ‬
‫وقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى‪{ :‬ألْهَاك ُ ْ‬
‫م ال ْ َ‬
‫مقَابَِر} [التكاثر‪.]12:‬‬ ‫ُزْرت ُ ْ‬
‫ومعناها أدرككم الموت وأنتم على تلك الحال من التفاخر وعبر‬
‫عن موتهم بزيارة المقابر لن الميت قد صار إلى قبره كما يصير‬
‫الزائر إلى الموضع الذي يزوره [‪ ]3‬ويقول ابن كثير في تفسيره‪:‬‬
‫مقَابَِر) أي صرتم إليها‬ ‫ن المراد بقوله‪ُ( :‬ززتُم ال َ‬‫"والصحيح أ ّ‬
‫ودفنتم" [‪ ]4‬ثم استشهد عما جاء في الصحيح أن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم دخل على أعرابي يعوده قال‪ :‬وكان النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم إذا دخل على مريض يعوده قال له‪" :‬ل بأس طهور‬
‫إن شاء الله" قال‪ :‬قلت‪ :‬طهور كل بل هي حمى تفور وتثور على‬
‫شيخ كبير تزيره القبور‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬فنعم‬
‫إذ ًا"[‪.]5‬‬
‫حا هو النتقال من مكان إلى‬ ‫وعلى ذلك فمعنى الزيارة اصطل ً‬
‫مكان آخر لغرض ما وغالبًا تضاف إلى القبور فيكون معناها إتيان‬
‫القبور لغرض السلم على الموات والدعاء لهم والتعاظ بهم‪.‬‬
‫أنواع الزيارة‪ :‬تتنوع الزيارة إلى نوعين وهما‪:‬‬
‫النوع الول‪ :‬هو زيارة الحياء للموات‪.‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬زيارة الحياء بعضهم لبعض مودة ومحبة وعبادة‪.‬‬
‫أما النوع الول وهو زيارة الحياء للموات فتنقسم إلى ثلثة‬
‫أقسام‪:‬‬
‫‪1‬ـ زيارة شرعية ‪.‬‬
‫‪2‬ـ زيارة بدعية‪.‬‬
‫‪3‬ـ زيارة شركية‪.‬‬
‫وبيانها كالتي‪:‬‬
‫‪1‬ـ الزيارة الشرعية‪ :‬وهي التي أمر رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم الصحابة بها بعد أن نهى عنها كما يدل عليه قوله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها"[‪.]6‬‬
‫وقد شرعت هذه الزيارة للرجال اتفاقًا لجل حكم سامية‬
‫وأغراض نافعة تعود المزور وللزائر معًا كما دلت عليه السنة‬
‫النبوية إذ أنها بالنسبة للميت تكون بمنزلة الصلة عليه حيث يقال‬
‫فيها من جنس ما يقال في الصلة عليه من الدعاء والترحم‬
‫والستغفار وبالنسبة للزائر تكون عظة وعبرة وتذكرة للخرة‪.‬‬
‫وسوف أجمل الغراض التي من أجلها شرعت الزيارة فيما يلي‪:‬‬
‫أولً‪ :‬التعاظ والعتبار بمعنى أن يتذكر الزائر أن مصيره الموت‬
‫مثل المزور فيتدارك أمره كما يدل عليه قوله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪..." :‬فزوروا القبور فإنها تذكر الموت‪.]7["...‬‬
‫وهذا ل فرق بين قبر فيه كافر وبين قبر فيه مسلم؛ لن العتبار‬
‫ما بدليل‬ ‫والتعاظ يحصل بالميت المقبور سواء كان كافًرا أم مسل ً‬
‫قوله صلى الله عليه وسلم‪ ...." :‬واستأذنته في أن أزور قبرها‬
‫فأذن لي"‪ .‬أي قبر أمه صلى الله عليه وسلم بينما لم يؤذن له‬
‫أن يستغفر لها لنها ماتت على الشرك في أيام الجاهلية‪.‬‬
‫ن لِلنَّب ِ ِ ّ‬
‫ي‬ ‫ما كَا َ‬ ‫والستغفار لهل الشرك ممنوع بقوله تعالى‪َ { :‬‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ن وَلَوْ كَانُوا أوْلِي قُْربَى ِ‬ ‫شرِكِي َ‬ ‫م ْ‬‫ستَغْفُِروا لِل ْ ُ‬ ‫ن يَ ْ‬
‫منُوا أ ْ‬‫نآ َ‬ ‫وَال ّذِي َ‬
‫بعد ما تبي َن لَهم أَنَه َ‬
‫حيمِ} [التوبة‪.]113:‬‬ ‫ب ال ْ َ‬
‫ج ِ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬
‫مأ ْ‬ ‫َْ ِ َ ََّ َ ُ ْ ُّ ْ‬
‫ثانيًا‪ :‬الدعاء للموات والسلم عليهم عسى الله أن يقبل لهم ذلك‬
‫فينتفعوا به‪ ،‬كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم عند زيارته‬
‫مقابر البقيع حيث كان يقول‪ " :‬السلم عليكم دار قوم مؤمنين‪...‬‬
‫اللهم اغفر لهل البقيع الغرقد[‪.]9[)]8‬‬
‫وهذا الغرض خاص بمقابر المسلمين عابدهم وعاصيهم لن كلً‬
‫منهم ينتفع بذلك الدعاء والسلم‪.‬‬
‫‪2‬ـ الزيارة البدعية‪ :‬وهي التي ل يقتصر فاعلها على أداء ما هو‬
‫مشروع بل يضيف إليها أموًرا منكرة في الشريعة السلمية دون‬
‫أن يترتب عليها أمور شركية‪.‬‬
‫ونذكر هنا أهمها أو أكثرها شيوع ًا في هذا العصر‪.‬‬
‫من تلك الزيارة البدعية التبرك والتمسح بالقبر سواء كان‬
‫المقبور نبيًا أو وليًا أو غير ذلك لعدم ورود ما يدل على ذلك من‬
‫الشارع‪.‬‬
‫يقول شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله في هذا المقام‪( :‬وقد‬
‫اتفق العلماء على ما مضت به السنة من أنه ل يشرع الستلم‬
‫والتقبيل بمقام إبراهيم الذي ذكره الله تعالى في القرآن وقال‪:‬‬
‫ً‬
‫صل ّى} [البقرة‪ .]125:‬فإذا كان هذا‬ ‫م َ‬ ‫م ُ‬ ‫مقَام ِ إِبَْراهِي َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫خذ ُوا ِ‬‫{وَات َّ ِ‬
‫بالسنة المتواترة وباتفاق الئمة ل يشرع تقبيله بالفم ول مسحه‬
‫باليد فغيره من مقامات النبياء وغيرهم أولى أن ل يشرع تقبيلها‬
‫بالفم ول مسحها باليد[‪.]10‬‬
‫ومن الزيارة البدعية‪ :‬السفر إلى القبور لقوله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬ل تشد الرحال إل إلى ثلثة مساجد المسجد الحرام‬
‫ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم والمسجد القصى"[‪.]11‬‬
‫وزيارة القبور ليست من الماكن التي شرع السفر إليها قربة‬
‫لخروجها من منطوق الحديث الذي نحن بصدده‪.‬‬
‫ومنها الدعاء عند القبر أو القبور رجاء الجابة لعدم ورود ما يدل‬
‫على ذلك كما ذكر الشيخ محمد بشير السهسواني‪" :‬إن ظن أحد‬
‫أن الدعاء عند القبر مستجاب وأنه أفضل من الدعاء في المسجد‬
‫فيقصد زيارته والصلة عنده لجل طلب حوائجه‪ .‬فهو من‬
‫المنكرات المبتدعة باتفاق المسلمين وهي محرمة وما علمت‬
‫في ذلك نزاع ًا بين أئمة الدين وإن كان كثيًرا من المتأخرين يفعل‬
‫ذلك ويقول بعضهم قبر فلن ترياق مجرب"[‪.]12‬‬
‫ومنها القراءة عند القبور سواء كان المقروء قرآنًا أو غيره لعدم‬
‫ورود ما يدل على ذلك‪ .‬ويؤيد هذا ما أورده نعمان بن المفسر‬
‫اللوسي في كتابه اليات البينات في عدم سماع الموات حيث‬
‫ذكر أن القراءة على القبر ذات خلف‪ ،‬وقال المام يعني أبا‬
‫حنيفة‪ :‬تكره لن أهلها جيفة ولم يصح فيها شيء عنده[‪.]13‬‬
‫ويقول اللباني في تعليقه على هذا القول‪" :‬وهذا التعليل الثاني‬
‫هو المعتمد"[‪.]14‬‬
‫وأما ما ورد في هذا المقام من الحاديث مثل حديث‪" :‬من دخل‬
‫المقابر فقرأ سورة "يس" خفف الله عنهم يومئذ وكان له بعدد‬
‫ما فيها حسنات" فموضوع وكذلك حديث‪" :‬من مر بالمقابر فقرأ‪:‬‬
‫(قل هو الله أحد) أحد عشر مرة"[‪.]15‬‬
‫وهذه المور التي ذكرناها هنا تعتبر ذريعة إلى الشرك أو تفضي‬
‫إليه في المآل كما هو مشاهد في وقتنا الحاضر‪ .‬ويؤيد هذا بما‬
‫أورده محمد بشير السهسواني في كتابه صيانة النسان حيث أن‬
‫الشيطان له تلطف في الدعوة فيدعوه أول ً إلى الدعاء عنده‬
‫فيدعو العبد عنده بحرقة وانكسار وذلة فيجيب الله دعوته لما‬
‫قام بقلبه ل لجل القبر فيظن الجاهل أن للقبر تأثيًرا‪ ،‬فإذا وقع‬
‫ما يريده الشيطان من النسان من استحسان الدعاء عند القبور‬
‫وأنه أرجح من دعائه في بيته ومسجده نقله درجة أخرى من‬
‫الدعاء عنده إلى الدعاء به والقسام على الله به وهذا أعظم من‬
‫الذي قبله[‪.]16‬‬
‫‪3‬ـ الزيارة الشركية‪ :‬وهي التي يترتب عنها الشراك بالله وهي‬
‫كثيرة ولها صور مختلفة ومن أهمها‪:‬‬
‫الذبح للمقبور لدخول ذلك في معنى ما أهل لغير الله تعالى‪.‬‬
‫ه‬
‫ل بِ ِ‬‫َ‬ ‫ما أُه ِ ّ‬
‫{و َ‬
‫الشوكاني رحمه الله في تفسير قوله تعالى‪َ :‬‬ ‫يقول‬
‫َّ‬
‫لِغَيْرِ اللهِ} [البقرة‪ ]173:‬ما ذكر عليه اسم غير الله كاللت والعزى‬
‫إذا كان الذابح وثنيًا والنار إذا كان الذابح مجوسيًا‪ ...‬ل خلف في‬
‫تحريم هذا وأمثاله‪ ،‬ومثله ما يقع من المعتقدين للموات من‬
‫الذبح على قبورهم‪ ،‬فإنه مما أهل لغير الله ول فرق بينه وبين‬
‫الذبح للوثن"[‪.]17‬‬
‫ومن السنة ما يؤيد هذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬لعن‬
‫الله من لعن والديه ولعن الله من ذبح لغير الله‪.]18["......‬‬
‫يقول النووي رحمه الله تعالى عند شرحه هذا الحديث‪" :‬وأما‬
‫الذبح لغير الله فالمراد به أن يذبح باسم غير الله تعالى كمن ذبح‬
‫للصنم أو الصليب أو لموسى أو لعيسى صلى الله عليهما أو‬
‫للكعبة ونحو ذلك فكل هذا حرام ول تحل هذه الذبيحة سواء كان‬
‫ما أو نصرانيًا أو يهوديًا كما نص عليه الشافعي واتفق‬ ‫الذابح مسل ً‬
‫عليه أصحابنا فإن قصد مع ذلك تعظيم المذبوح له غير الله تعالى‬
‫ما قبل ذلك صار‬ ‫والعبادة له كان ذلك كفًرا‪ .‬فإن كان الذابح مسل ً‬
‫بالذبح مرتدًا"[‪.]19‬‬
‫ومن الزيارة الشركية دعاء الموات وسؤال المقبور تفريج‬
‫الكربات مما ل يقدر عليه الحياء من البشر فضل ً عن الموات‬
‫لن سؤال المحلوف ل بد أن تجتمع فيه ثلثة شروط‪:‬‬
‫‪1‬ـ القدرة على التصرف بمعنى أن يكون المدعو قادًرا على‬
‫التصرف فيعطي ويمنع‪ .‬فالعاجز عن التصرف ل ينفع نفسه فضلً‬
‫عن أن ينفع غيره‪.‬‬
‫‪2‬ـ السمع أي بأن يكون المدعو سامعًا للنداء ومدركًا للخطاب‪.‬‬
‫‪3‬ـ الملك أي بأن يكون المدعو مالكًا لما يطلبه السائل إذ أن فاقد‬
‫الشيء ل يعطيه‪ .‬وشرط واحد من تلك الشروط ل ينطبق على‬
‫الموات كما ترى‪.‬‬
‫يقول اللوسي رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى‪{ :‬دَع َوْا‬
‫َ‬
‫ن} [يونس‪ .]22 :‬فالية دالة على أن‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ه الدِّي َ‬ ‫صي َ‬‫خل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ه ُ‬
‫المشركين ل يدعون غيره في تلك الحال‪ ،‬وأنت خبير بأن الناس‬
‫اليوم إذا اعتراهم أمر خطير وخطب جسيم في بر أو بحر‪ ،‬دعوا‬
‫من ل يضر ول ينفع ول يرى ول يسمع‪ ،‬فمنهم من يدعو الخضر‬
‫وإلياس ومنهم من يتضرع إلى شيخ من مشائخ المة ول ترى‬
‫أحدًا منهم يخص موله بتضرعه ودعاه‪ ،‬ول يكاد يمر له ببال‪ ،‬أنه‬
‫لو دعا الله تعالى وحده ينجو من هاتيك الهوال فبالله عليك قل‬
‫لي أي الفريقين من هذه الحيثية أهدى سبيلً‪ ،‬وأي الداعيين أقوم‬
‫فيه وإلى الله المشتكى من زمن عصفت فيه ريح الجهالة‬
‫وتلطمت أمواج الضللة وخرقت سفينة الشريعة واتخذت‬
‫الستعانة بغير الله للنجاة ذريعة وتعذر على العارفين المر‬
‫بالمعروف وحالت دون النهي عن المنكر صنوف الحتوف"[‪.]20‬‬
‫ولذلك أقول‪ :‬إن مشركي هذا الزمان يفوقون مشركي العرب‬
‫زمن البعثة بأمرين‪:‬‬
‫‪1‬ـ أن مشركي العرب في زمن البعثة كانوا يخلصون الدعاء لله‬
‫سبحانه وتعالى في وقت الشدة وإنما يشركون في زمن الرخاء‬
‫كما دلت عليه الية السابقة بينما مشركو هذا الزمان يدعون غير‬
‫الله في وقت الشدة وفي وقت الرخاء كما هو معلوم‪.‬‬
‫‪2‬ـ إن مشركي العرب في زمن البعثة كانوا يدعون الملئكة‬
‫والصالحين والحجر الذي ل ذنب له وأما مشركي هذا الزمان فهم‬
‫سا ماتوا ولم يكونوا صالحين بل فيهم من يجهر‬ ‫يدعون أنا ً‬
‫بالفسق ومن ل يصلي أبدًا‪.‬‬
‫ومما يدخل في هذا المعنى أي دعاء الموات الستغاثة‬
‫والستعانة بهم كما يدل عليه قول اللوسي السابق لن الستغاثة‬
‫فيها طلب وسؤال المقبور وكذلك الستعانة‪.‬‬
‫وعلى هذا فعلى المسلم أن يقتصر في مجال الزيارة على ما هو‬
‫مشروع فقط دون الضافات البدعية والشركية التي لم يأذن بها‬
‫الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وأما النوع الثاني‪ :‬وهو زيارة الحياء بعضهم البعض مودة ومحبة‬
‫ضا إذا لم تصحبها أغراض فاسدة لورود‬ ‫وعيادة فمشروعة أي ً‬
‫أحاديث ثابتة تدل على ذلك‪ :‬من ذلك ما أخرجه المام مسلم في‬
‫صحيحه عن أنس قال‪" :‬قال أبو بكر رضي الله عنه بعد وفاة‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر‪ :‬انطلق بنا إلى أم أيمن‬
‫نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها‪ ،‬فلما‬
‫انتهينا إليها بكت فقال لها‪ :‬ما يبكيك؟ ما عند الله خير لرسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم فقالت‪ :‬ما أبكي أن ل أكون أعلم أن‬
‫ما عند الله خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن أبكي‬
‫أن الوحي قد انقطع من السماء فهيجتهما على البكاء فجعل‬
‫يبكيان معها"[‪.]21‬‬
‫ضا في صحيحه عن أبي هريرة‬ ‫ومنها ما أخرجه المام مسلم أي ً‬
‫عن النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬أن رجل ً زار أ ً‬
‫خا له في قرية‬
‫أخرى فأرصده الله له على مدرجته ملكًا فلما أتى عليه قال‪ :‬أين‬
‫خا لي في هذه القرية‪ ،‬قال‪ :‬هل لك عليه من‬ ‫تريد؟ قال‪ :‬أريد أ ً‬
‫نعمة تربها؟ [‪ ]22‬قال‪ :‬ل غير أني أحببته في الله عز وجل‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك لما أحببته فيه"[‪.]23‬‬
‫ومن ذلك ما أخرجه المام البخاري في صحيحه عن أنس رضي‬
‫ما ليهود كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫ن غل ً‬‫الله عنه أ ّ‬
‫فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعيده‪ ،‬فقال‪" :‬أسلم‬
‫تسلم"[‪.]24‬‬
‫يتبين لنا من هذه الحاديث أن زيارة الحياء بعضهم لبعض‬
‫ضا وأن الغرض منها أمران‪ :‬الول‪ :‬محبة الزائر‬ ‫مشروعة أي ً‬
‫للمزور ومودته كما يدل عليه حديث أبي هريرة النف الذكر‪.‬‬
‫وهذا الغرض يخص المسلمين لنهم وحدهم هم الذين يحبون في‬
‫الله عز وجل‪ ،‬وأما غيرهم فيحبون لغراض دنيوية بحتة‪ ،‬وأما في‬
‫الخرة فبينهم عداوة كما يدل عليه قوله تعالى‪{ :‬ال َ ِ َ‬
‫خل ّءُ يَوْ َ‬
‫مئِذٍ‬
‫َ‬
‫ن} [الزخرف‪.]67:‬‬ ‫متَّقِي َ‬
‫ض عَدُوٌّ إِل ّ ال ْ ُ‬
‫م لِبَعْ ٍ‬
‫ضهُ ْ‬
‫ب َ ْع ُ‬
‫ما أو كافًرا كما يدل عليه‬ ‫الثاني‪ :‬عيادة المريض سواء كان مسل ً‬
‫حديث أنس السابق‪.‬‬

‫وهذا الغرض يعم المسلم والكافر كما يدل عليه منطوق ذلك‬
‫الحديث‪.‬‬
‫هذه هي الغراض المشروعة لزيارة الحياء بعضهم لبعض التي ل‬
‫يجوز غيرها مثل الطلب منهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات‬
‫والستعانة بهم وغيرها من المور الخرى التي ذكرناها سابقًا عند‬
‫كلمنا عن زيارة القبور وأغراضها إل ما كان في مقدور البشر‬
‫عقل ً وشرع ًا لن الحياء لهم نوع من السمع ونوع من الملك ونوع‬
‫من القدرة‪.‬‬
‫وبهذا تنطبق عليهم الشروط الثلثة التي تبيح سؤال المخلوق‬
‫بشرط أن يكون ذلك في حدود الشرع وفي مقدور البشر ل أن‬
‫يسند إليهم أو يسألهم ما ل يقدر عليه إل الله سبحانه وتعالى مثل‬
‫جلب المنفعة وسد المضرة بدون أخذ السباب فيترتب عليه‬
‫الشرك والعياذ بالله‪.‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫حكم السفر إلى زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم‬

‫ما إذا‬‫ذكرنا في المبحث السابق أن زيارة القبور مشروعة عمو ً‬


‫لم تصحبها أمور مشروعة سواء كانت الزيارة إلى قبر نبي أو‬
‫ما في هذا المبحث فسوف نتكلم فيه‬ ‫أتباعه وغيرهم كالكفار‪ ،‬وأ ّ‬
‫عن حكم السفر إلى المزارات وخاصة السفر لزيارة قبر نبينا‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم من باب التنبيه بالعلى على الدنى‬
‫بمعنى إذا منعنا من السفر لزيارة قبره صلى الله عليه وسلم‬
‫فمن باب أولى نمنع من السفر إلى زيارة قبر من دونه مهما‬
‫كانت رتبته‪.‬‬
‫وقد اختلف العلماء في حكم السفر إلى زيارة قبر النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬فمنهم من يقول بجواز ذلك بل يجعلونه من‬
‫المور المستحبة‪ ،‬ومنهم من يقول بعدم جوازه ويعدونه من‬
‫المور المحرمة‪ .‬ولكل من الفريقين أدلتهم‪ :‬أولً‪ :‬القائلون‬
‫بالجواز‪ :‬هذا الفريق استدل بأدلة من الكتاب والسنة‪ :‬أما أدلة‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جاءُو َ‬
‫ك‬ ‫م َ‬ ‫سهُ َ ْ‬
‫موا أنفُ َ‬ ‫م إِذ ْ ظَل َ ُ‬
‫الكتاب فقوله َ تعالى‪{ :‬وَلَوْ أنَّهُ ْ‬
‫ما}‬ ‫حي ً‬ ‫جدُوا الل ّ َ‬
‫ه تَوَّابًا َر ِ‬ ‫ل لَوَ َ‬ ‫م الَّر ُ‬
‫سو ُ‬ ‫ستَغْفََر لَهُ ْ‬ ‫ستَغْفَُروا الل ّ َ‬
‫ه وَا ْ‬ ‫فَا ْ‬
‫[النساء‪.]64:‬‬
‫ووجه الستدلل بهذه الية كما يقول السبكي‪" :‬دلت الية على‬
‫الحث على المجيء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫والستغفار عنده واستغفاره لهم وذلك وإن ورد في حال الحياة‬
‫ما له"[‬ ‫فهي رتبة له صلى الله عليه وسلم ل تنقطع بموته تعظي ً‬
‫‪.]25‬‬
‫ضا‪" :‬والمجيء صادق على المجيء من قرب ومن بعد‬ ‫ويقول أي ً‬
‫بسفر وغير سفر ول يقال (إن جاءوك) مطلق والمطلق ل دللة‬
‫حا لها لنّا نقول هو في سياق‬ ‫له على كل فرد وإن كان صال ً‬
‫الشرط فيعم‪ ،‬فمن حصل منه الوصف المذكور وجد الله توابًا‬
‫ما"[‪.]26‬‬ ‫رحي ً‬
‫وأما من السنة فقد ذكروا أدلة كثيرة نذكر منها ما هو نص في‬
‫هذا الموضوع‪ :‬أولً‪ :‬ما أخرجه الدارقطني بسنده قال‪ :‬حدثنا عبد‬
‫الله بن محمد بن عبد العزيز أنبأنا أبو الربيع بن أبي داود عن ليث‬
‫بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عمر قال‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" :‬من حج فزار قبري بعد وفاتي فكأنما‬
‫زارني في حياتي"[‪.]27‬‬
‫ثانيًا‪ :‬ما أخرجه ابن عدي في الكامل قال‪ :‬حدثنا علي بن إسحاق‬
‫حدثنا محمد بن النعمان بن شبل حدثني مالك عن نافع عن ابن‬
‫عمر قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬من حج البيت‬
‫ولم يزرني فقد جفاني"[‪.]28‬‬
‫هذان الحديثان اللذان أوردناهما في هذا المقام هما نصان في‬
‫الموضوع الذي نحن بصدده ولم أجد غيرهما من الحاديث ما‬
‫صا في الموضوع وإنما هناك أحاديث أخرى تدل على‬ ‫يكون ن ً‬
‫مطلق زيارة النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫صا في الموضوع‪.‬‬ ‫ول نتكلم في هذا المكان إل على ما يكون ن ً‬
‫وهذان الحديثان يحتاجان إلى النظر فيهما من ناحية السند صحة‬
‫وضعفًا لكي تتبين حجيتهما فيما استدل له بهما ولكن قبل أن‬
‫نتطرق إلى ذلك نذكر أدلة القائلين بالمنع ثم نناقش أدلة‬
‫الفريقين م ًعا‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أدلة القائلين بالمنع‪ :‬هذا الفريق استدل بالدلة التالية‪:‬‬
‫(أ) ما أخرجه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬ل تشد الرحال إل ّ إلى ثلثة مساجد‪.‬‬
‫المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ومسجد‬
‫القصى"[‪.]29‬‬
‫(ب) ما أخرجه المام مالك بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه‬
‫أنّه قال‪ :‬لقيت بصرة [‪ ]30‬بن أبي بصرة الغفاري فقال‪ :‬من أين‬
‫أقبلت؟ فقلت‪ :‬من الطور‪ .‬فقال‪ :‬لو أدركتك قبل أن تخرج إليه‬
‫ما خرجت‪ .‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪" :‬ل‬
‫تعمل المطي إل ّ إلى ثلثة مساجد‪ :‬إلى المسجد الحرام وإلى‬
‫مسجدي هذا وإلى مسجد إيليا أو بيت المقدس يشك"[‪.]31‬‬
‫ووجه الستدلل بهذين الحديثين من وجهة نظر هذا الفريق هو‬
‫أن الشارع قد نهى عن السفر إلى أي مكان للعبادة غير‬
‫المساجد الثلثة المستثناة في أسلوب حصر بمعنى أن السفر‬
‫إلى أي مكان للعبادة محصور في المساجد الثلثة‪ .‬وعلى هذا‬
‫فالسفر إلى زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم يدخل في‬
‫ن الصحابة قد‬ ‫النهي العام لعدم ورود ما يخرجه عن ذلك ول ّ‬
‫فهموا ذلك كما يدل عليه قول أبي بصرة الغفاري في الحديث‬
‫الثاني ومن ثم يعدون ذلك أنّه من البدع المحرمة‪.‬‬
‫يقول شيخ السلم ابن تيمية في هذا المقام‪" :‬إذا كانت المساجد‬
‫التي هي من بيوت الله التي أمر فيها بالصلوات الخمس قد نهى‬
‫عن السفر إليها حتى مسجد قباء الذي يستحب لمن كان بالمدينة‬
‫أن يذهب إليه لما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله‬
‫عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬أنّه كان يأتي قباء كل‬
‫سبت راكبًا وماشيًا" [‪ ]32‬إلى أن قال مؤكدًا ذلك‪ :‬وروى الترمذي‬
‫ن النبي صلى الله عليه وسلم قال من تطهر في بيته فأحسن‬ ‫أ ّ‬
‫الطهور ثم أتى مسجد قباء ل يريد إل ّ الصلة فيه كان له كعمرة"‬
‫[‪ ،]33‬وكذلك ينهى عن السفر إلى الطور المذكور في القرآن‬
‫فمن باب أولى أن ينهى عن السفر إلى غيرها من المكنة"[‪.]34‬‬
‫ضا في مكان آخر‪" :‬قال بعض العلماء‪:‬‬ ‫ويقول شيخ السلم أي ً‬
‫قوله‪" :‬من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء‪ "..‬تنبيه على أنه ل‬
‫يشرع قصده بشد الرحال بل إنما يأتيه الرجل في بيته الذي‬
‫يصلح أن يتطهر فيه ثم يأتيه فيقصده كما يقصد الرجل مسجد‬
‫ما المساجد الثلثة فقد‬ ‫مصره دون المساجد التي يسافر إليها‪ ،‬وأ ّ‬
‫اتفق العلماء على استحباب إتيانها للصلة ونحوها"[‪.]35‬‬
‫ويقول محيي الدين البركوي‪" :‬السفر إلى زيارة قبور النبياء‬
‫بدعة لم يفعلها أحد من الصحابة والتابعين‪ ،‬ول أمر بها رسول‬
‫ب العالمين‪ ،‬ول استحبها أحد من أئمة المسلمين‪ ،‬فمن اعتقد‬ ‫ر ّ‬
‫ذلك قربة‪ .‬وطاعة فقد خالف السنة والجماع ولو سافر إليها‬
‫بذلك العتقاد يحرم بإجماع المسلمين فصار التحريم من جهة‬
‫اتخاذه قربة‪ ،‬ومعلوم أن أحدًا ل يسافر إليها إل ّ لذلك"[‪.]36‬‬
‫ويقول ناصر الدين اللباني في هذا المقام‪" :‬المستثنى منه في‬
‫هذا الحديث ليس هو المساجد فقط كما يظن كثيرون بل هو كل‬
‫مكان يقصد للتقرب إلى الله فيه سواء كان مسجدًا أو قبًرا أو‬
‫غير ذلك بدليل ما رواه أبو هريرة قال في حديث له‪ :‬فلقيت‬
‫بصرة [‪ ]37‬بن أبي بصرة الغفاري فقال‪ :‬من أين أقبلت؟ فقلت‪:‬‬
‫من الطور فقال‪ :‬لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت‪،‬‬
‫سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪" :‬ل تعمل‬
‫ن‬
‫المطي إل إلى ثلثة مساجد‪ ..‬الحديث"[‪ .]38‬فهدا دليل على أ ّ‬
‫الصحابة فهموا الحديث على عمومه ويؤيده أنه لم ينقل عن أحد‬
‫منهم أنّه شد الرحل لزيارة قبر ما"[‪.]39‬‬
‫هذه مجمل ما ورد في هذا الشأن من قبل الفريقين المجوزين‬
‫السفر إلى زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم والمانعين لها‪،‬‬
‫ولكن هذه الدلة تحتاج إلى مناقشة حتى يتبين الصواب من‬
‫الخطأ ومن ثم يمكن لنا أن نرجح ما نراه صوابًا أو أقرب إلى‬
‫روح الشريعة السلمية السمحاء التي ختم الله سبحانه وتعالى‬
‫بها كل الرسالت بواسطة خاتم النبيين محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم دون تعصب إلى فئة من الفريقين‪.‬‬
‫مناقشة الدلة‪ :‬إذا نظرنا إلى الدلة السابقة التي استدل بها كل‬
‫ن كل فريق يستدل بأدلة تتناقض مع‬ ‫فريق من الفريقين نجد أ ّ‬
‫ن الحق في هذا الموضوع الذي نحن‬ ‫أدلة الفريق الخر مع أ ّ‬
‫ن الحق ل يتعدد ول‬ ‫بصدده ل بد أن يكون بجانب فريق واحد ل ّ‬
‫ن ذلك من‬ ‫يكون لصالح الفريقين المتناقضين في آن واحد ل ّ‬
‫المستحيلت‪.‬‬
‫نناقش أول ً أدلة القائلين بجواز السفر إلى زيارة قبر النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ونبدأ بالية الكريمة التي استدلوا بها وهي قوله‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ستَغْفَُروا الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ك فَا ْ‬ ‫جاءُو َ‬ ‫م َ‬ ‫س َهُ ْ‬
‫موا أن ُف َ‬ ‫م إِذ ْ ظَل َ ُ‬
‫{ولَوْ أنَّهُ ْ‬
‫تعالى‪َ :‬‬
‫ما} [النساء‪.]64:‬‬ ‫حي ً‬ ‫ه تَوَّابًا َر ِ‬‫جدُوا الل ّ َ‬‫ل لَوَ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫م الَّر ُ‬ ‫ستَغْفََر لَهُ ْ‬
‫وَا ْ‬
‫قبل أن نصل إلى القول بأن الية تصلح للستدلل لما نحن‬
‫بصدده أو عدم صلحيتها نذكر أقوال المفسرين سلفًا وخلفًا‬
‫ومعاصرين في تفسيرها ومن ثم يتبين صلحيتها لما استدل بها‬
‫له‪.‬‬
‫ن‬
‫يقول أبو جعفر الطبري رحمه الله‪ :‬يعني بذلك جل ثناؤه‪ ،‬ولو أ ّ‬
‫هؤلء المنافقين الذين وصف صفتهم في هاتين اليتين[‪ ]40‬الذي‬
‫إذا دعوا إلى حكم الله وحكم رسوله صدوا صدودًا‪.‬‬
‫إذ ظلموا أنفسهم باكتسابهم إياها العظيم من الثم في احتكامهم‬
‫إلى الطاغوت وصدودهم عن كتاب الله وسنة رسوله إذا دعوا‬
‫إليها‪ ...‬جاءوك تائبين منيبين‪ ،‬فسألوا الله أن يصفح لهم عن‬
‫عقوبة ذنبهم بتغطيته عليهم وسأل الله رسوله صلى الله عليه‬
‫َ‬
‫ستَغْفََر‬ ‫ه وَا ْ‬ ‫روا الل ّ َ‬ ‫َ‬ ‫ستَغْفَ ُ‬‫وسلم مثل ذلك‪ ،‬وذلك هو معنى قوله‪{ :‬فَا ْ‬
‫ما}‬ ‫حي ً‬ ‫ه تَوَّابًا َر ِ‬ ‫جدُوا الل ّ َ‬ ‫ما قوله‪{ :‬لَوَ َ‬ ‫ل} [النساء‪ ]64:‬وأ ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫م الَّر ُ‬ ‫لَهُ ْ‬
‫ما)‬‫[النساء‪ ]64:‬يقول رجعًا لهم مما يكرهون إلى ما يحبون‪( :‬رحي ً‬
‫بهم في تركه عقوبتهم على ذنبهم الذي تابوا منه"[‪.]41‬‬
‫ويقول ابن كثير رحمه الله‪" :‬يرشد تعالى العصاة المنيبين إذا وقع‬
‫منهم الخطأ والعصيان أن يأتوا إلى الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم فيستغفروا الله عنده ويسألوه أن يستغفر لهم فإنهم إذا‬
‫فعلوا ذلك تاب الله عليهم ورحمهم وغفر لهم ولهذا قال‪:‬‬
‫َ‬
‫ما} [النساء‪.]64:‬‬ ‫حي ً‬‫ه تَوَّابًا َر ِ‬‫جدُوا الل ّ َ‬ ‫و َ‬‫{ل َ َ‬
‫َ‬
‫موا‬‫م إِذ ْ ظَل َ ُ‬ ‫{ولَوْ أنَّهُ ْ‬ ‫ويقول ابن الجوزي رحمه الله‪ :‬وقوله تعالى‪َ :‬‬
‫م} [النساء‪ ]64:‬يرجع إلى المتحاكمين اللذين سبق ذكرهما‪.‬‬ ‫َ‬
‫سهُ ْ‬‫أنفُ َ‬
‫قال ابن عباس‪ :‬ظلموا أنفسهم بسخطهم قضاء الرسول‪:‬‬
‫َ‬
‫ه} [النساء‪ ]64:‬من صنيعهم"[‪.]42‬‬ ‫ستَغْفَُروا الل ّ َ‬ ‫ك فَا ْ‬ ‫جاءُو َ‬ ‫{ َ‬
‫َ‬
‫م} [النساء‪]64:‬‬ ‫سهُ ْ‬ ‫موا أن ُف َ‬‫ويقول الشوكاني رحمه الله‪{" :‬ظَل َ ُ‬
‫ك} [النساء‪]64:‬‬ ‫جاءُو َ‬‫بترك طاعتك والتحاكم إلى غيرك { َ‬
‫متوسلين إليك منتصلين عن جناياتهم ومخالفتهم (فاستغفروا‬
‫الله) لذنوبهم وتضرعوا إليك حتى قمت شفيعًا فاستغفرت لهم"[‬
‫‪.]43‬‬
‫ويقول الشهيد سيد قطب رحمه الله‪ ..." :‬والذين يتناولهم هذا‬
‫النص ابتداء كان لديهم فرصة استغفار الرسول صلى الله عليه‬
‫حا ل يغلق‪،‬‬ ‫وسلم‪ ،‬وقد انقضت فرصتها‪ ،‬وبقي باب الله مفتو ً‬
‫ووعده قائم ل ينقضي‪ ،‬فمن أراد فليقدم‪ ،‬ومن عزم فليتقدم"[‬
‫‪.]44‬‬
‫من هذه القوال التي ذكرناها في هذا المقام يتبين لنا أن‬
‫ن الية وردت في‬ ‫المفسرين سلفًا وخلفًا‪ ،‬ومعاصرين فهموا أ ّ‬
‫قوم معينين في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ول تتعدى‬
‫ن حياته البرزخية‬ ‫إلى ما بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ل ّ‬
‫ما واحدًا[‪.]45‬‬ ‫ما لحياته في الدنيا ول يأخذان حك ً‬ ‫مخالفة تما ً‬
‫يقول ناصر الدين اللباني‪ ..." :‬فحياة النبياء بعد الموت حياة‬
‫برزخية‪ ،‬ولنبينا صلى الله عليه وسلم فيها من الخصائص ما ليس‬
‫لغيره‪ ...‬ولكن ل يجوز التوسع في ذلك بالقيسة والهواء"[‪.]46‬‬
‫وعلى هذا ل يمكن الستدلل بها لما نحن بصدده‪ ،‬وكذلك ل يقال‬
‫ن المجيء إلى قبر الرجل مثل المجيء إلى الرجل ل لغة ول‬ ‫أ ّ‬
‫شرع ًا ول عرفًا‪.‬‬
‫يقول محمد بن بشير السهسواني في كتابه صيانة النسان‪:‬‬
‫"والمجيء إلى قبر الرجل ليس من أفراد المجيء إلى الرجل ل‬
‫لغة ول شرع ًا ول عرفًا‪ ،‬فإن المجيء إلى الرجل ليس معناه إل‬
‫المجيء إلى عين الرجل‪ ،‬ول يفهم منه أصل ً أمر زائد على هذا "[‬
‫‪.]47‬‬
‫وأما توبة الله ورحمته المذكورتان في الية التي نحن بصددها فل‬
‫ن محلهما‬ ‫يمكن أن ينالهما أحد بعد موته صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ل ّ‬
‫وقت حياته صلى الله عليه وسلم كما يظهر من أقوال المفسرين‬
‫السابقة الذكر‪.‬‬
‫يقول صاحب كتاب صيانة النسان‪" :‬فإن المور الموجبة لتوبة‬
‫الله ورحمته هي المذكورة في الية وإنما هي المجيء إليه صلى‬
‫الله عليه وسلم في الحياة بعد الظلم واستغفارهم عنده في‬
‫الحياة بعد الظلم‪ ،‬واستغفار الرسول صلى الله عليه وسلم لهم‬
‫في الحياة بعد الظلم‪ ،‬وفي زيارة القبر ل يوجد واحد من هذا"[‬
‫‪.]48‬‬
‫وخلصة القول أن هذه الية ل يمكن أن يستدل بها للموضوع‬
‫ن حكمها منحصر في‬ ‫الذي نحن بصدده للمور التي بيناها سابقًا ل ّ‬
‫حال حياته صلى الله عليه وسلم ول يتعدى إلى ما بعد وفاته‪.‬‬
‫وإذا بطل استدللهم بالية الكريمة فلننظر إلى ما يستدلون به‬
‫من السنة لنرى مدى صلحيتها للستدلل الذي ذهبوا إليه‪.‬‬
‫الحديث الول‪ :‬قال الدارقطني‪ :‬حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد‬
‫العزيز ثنا أبو الربيع ابن أبي داود عن ليث بن أبي سليم عن‬
‫مجاهد عن ابن عمر قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫"من حج فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي"[‪.]49‬‬
‫ففي إسناد هذا الحديث راويان ضعيفان وهما حفص بن أبي داود‬
‫ويقال حفص بن سليمان أبو عمر السدي الكوفي البزار القاري‬
‫فقد جرحه غير واحد من أئمة الجرح والتعديل‪ ،‬ونذكر هنا طرفًا‬
‫من أقوالهم تجاه هذا الشخص الذي نحن بصدده‪ .‬قال البخاري‬
‫رحمه الله‪" :‬تركوه"[‪.]50‬‬
‫ضا‪" :‬سكتوا عنه"[‪.]51‬‬ ‫وقال أي ً‬
‫وقال ابن حبان‪" :‬كان يقلب السانيد ويرفع المراسيل‪ ،‬وكان يأخذ‬
‫كتب الناس فينسخها ويرويها من غير سماع"[‪.]52‬‬
‫وقال أبو حاتم الرازي‪" :‬ل يكتب حديثه وهو ضعيف الحديث"[‪.]53‬‬
‫وقال الذهبي‪" :‬ثبت في القراءة والحروف‪ ،‬واه في الحديث"[‪.]54‬‬
‫وأما الشخص الثاني وهو ليث بن أبي سليم فقد ضعفه غير واحد‬
‫من أئمة هذا الشأن‪.‬‬
‫ونذكر هنا طرفًا من أقوالهم تجاهه‪ :‬قال المام أحمد بن حنبل‪" :‬‬
‫ليث بن أبي سليم مضطرب الحديث"[‪.]55‬‬
‫وقال النسائي‪ " :‬ليث بن أبي سليم ضعيف "[‪.]56‬‬
‫وقال ابن حبان‪" :‬اختلط في آخر عمره حتى كان ل يدري ما‬
‫يحدث به فكان يقلب السانيد ويرفع المراسيل ويأتي عن الثقات‬
‫بما ليس في أحاديثهم‪ ،‬كل ذلك كان منه في اختلطه"[‪.]57‬‬
‫وقال الحافظ ابن حجر العسقلني‪" :‬صدوق اختلط أخيًرا ولم‬
‫يتميز حديثه فترك"[‪.]58‬‬
‫من هذه القوال يتبين لنا أن هذا الحديث ضعيف وآفته وجود‬
‫شخصين ضعيفين في إسناده ومن ثم ل يمكن أن يحتج به في‬
‫هذا المقام لخروجه من دائرة الحتجاج‪.‬‬
‫الحديث الثاني‪ :‬قال ابن عدي‪ :‬حدثنا علي بن إسحاق ثنا محمد‬
‫بن النعمان بن شبل حدثني جدي عن نافع عن ابن عمر قال‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬من حج البيت ولم‬
‫يزرني فقد جفاني"[‪.]59‬‬
‫ففي إسناد هذا الحديث شخصان ضعيفان وهما النعمان بن شبل‬
‫وحفيده محمد بن محمد بن النعمان بن شبل‪.‬‬
‫وأما الول وهو النعمان بن شبل فقد جرحه غير واحد من أئمة‬
‫هذا الشأن‪.‬‬
‫ونذكر هنا طرفًا من أقوالهم تجاه هذا الشخص‪ :‬قال ابن حبان‪" :‬‬
‫يأتي عن الثقات بالطامات وعن الثبات بالمقلوب "[‪.]60‬‬
‫وقال ابن عدي‪" :‬لم أر في حديثه حديثًا قد جاوز الحد "[‪.]61‬‬
‫ضا‪ " :‬ثنا صالح بن أحمد بن أبي مقاتل ثنا عمران بن‬ ‫وقال أي ً‬
‫موسى ثنا النعمان بن شبل وكان ثقة "[‪.]62‬‬
‫ضا‪" :‬سمعت إبراهيم بن محمد بن عيسى يقول‪ :‬سمعت‬ ‫وقال أي ً‬
‫موسى بن هارون الحمال يقول‪ :‬النعمان بن شبل البصري كان‬
‫ما "[‪.]63‬‬ ‫مته ً‬
‫وقال الذهبي في ترجمة محمد بن محمد بن النعمان بن شبل‪:‬‬
‫"وأنا رأيت له عن جده النعمان بن شبل عن مالك‪ ،‬فما أعتقده‬
‫لقي مالكًا "[‪.]64‬‬
‫وأما الشخص الثاني وهو محمد بن محمد بن النعمان بن شبل‬
‫فقد جرحه غير واحد من النقاد‪.‬‬
‫ونذكر هنا طرفًا من أقوالهم تجاهه‪ :‬قال الذهبي‪" :‬روى عنه أبو‬
‫روق الهزاني‪ ،‬قد طعن فيه الدارقطني واتهمه"[‪.]65‬‬
‫ضا‪" :‬شيخ أبي روق‪ ،‬طعن فيه الدارقطني واتهمه‪ ،‬وأنا‬ ‫وقال أي ً‬
‫فقد رأيت له عن جده عن مالك‪ ،‬فما أعتقد لقي مالكًا"[‪.]66‬‬
‫وقال الحافظ ابن حجر العسقلني‪" :‬روى عنه أبو روق الهزاني‬
‫وقد طعن فيه الدارقطني"[‪.]67‬‬
‫ضا‪" :‬متروك" [‪ ]68‬من هذه القوال التي أوردناها في هذا‬ ‫وقال أي ً‬
‫المقام يتبين لنا أن هذا الحديث ضعيف لوجود شخصين ضعيفين‬
‫ومن ثم ل يمكن أن يستدل به لما نحن بصدده لخروجه من دائرة‬
‫الحتجاج‪ .‬إضافة إلى ذلك أن ابن الجوزي قد أورد هذا الحديث‬
‫في الموضوعات[‪.]69‬‬
‫ن هذا الفريق ليس لهم أدلة صحيحة تدل على‬ ‫وخلصة القول أ ّ‬
‫ما ذهبوا إليه من تجويز السفر إلى زيارة قبر النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ل من الكتاب ول من السنة كما يظهر من مناقشة‬
‫أدلتهم بل لم يرد حديث صحيح في زيارة قبره ل من قريب ول‬
‫من بعيد كما نص عليه شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله حيث‬
‫قال‪ :‬لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث واحد في‬
‫زيارة قبر مخصوص ول روى أحد في ذلك شيئًا ل أهل الصحيح‬
‫ول السنن ول الئمة المصنفون في المسند كالمام أحمد وغيره‪،‬‬
‫ل حديث روي في‬ ‫وإنما روى ذلك من جمع الموضوع وغيره‪ .‬وأج ّ‬
‫ذلك ما رواه الدارقطني وهو ضعيف باتفاق أهل العلم بل‬
‫الحاديث المروية في زيارة قبره صلى الله عليه وسلم مكذوبة‬
‫وموضوعة‪ ،‬لكن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في زيارة‬
‫القبور مطلقا َ بعد أن كان قد نهى عنها"[‪.]70‬‬
‫جح ما ذهب إليه الفريق الخر من منع شد الرحال إلى‬ ‫ولهذا نر ّ‬
‫زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم لعدم مشروعيتها ل في‬
‫الكتاب ول في السنة بل أنها داخلة في عموم النهي عن شد‬
‫الرحال إلى أي مكان للعبادة إل ّ المساجد الثلثة مع أنّه لم يثبت‬
‫ما يخصص ذلك العموم‪.‬‬
‫ن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم غير‬ ‫ول يفهم من هذا أ ّ‬
‫مشروعة كما يقول المرجفون وإنّما هي مشروعة لمن كان في‬
‫المدينة وضواحيها وإن لم يرد بها نص صحيح بها خاصة لدخولها‬
‫دخول ً أوليًا في ترخيصه صلى الله عليه وسلم زيارة القبور‬
‫مطلقًا بشرط أن ل يترتب عنها شد الرحال‪ ،‬وأما إن ترتب عنها‬
‫شد الرحال فالدلة الثابتة ناطقة بالمنع لن الفاصل بين الزيارة‬
‫الشرعية والزيارة البديلة هو شد ّ الرحال إذا اقتصر على الفعل‬
‫المشروع من دعاء للموات والسلم عليهم والستغفار لهم‪.‬‬
‫الخاتمــة‪:‬‬
‫لقد تم بعون الله تعالى وتوفيقه هذا البحث المتواضع مع أنّي‬
‫ن‬‫أعترف أنّه ل يخلو من نقص بشري الذي هو سمة البشر ل ّ‬
‫ن العصمة لمن عصمه الله من نبي من‬ ‫الكمال لله وحده وأ ّ‬
‫أنبيائه عليهم الصلة والسلم‪ .‬وعلى هذا ينطبق على بحثنا هذا ما‬
‫ما أنّه ل يكتب إنسان كتابًا إل ّ قال في غده لو غير هذا‬ ‫قيل قدي ً‬
‫لكان أحسن‪ ،‬ولو زيد هنا لكان يستحسن‪ ،‬ولو قدم هذا لكان‬
‫أفضل‪ ،‬ولو ترك هذا لكان أجمل وهذا من أعظم العبر وهو دليل‬
‫على استيلء النقص على البشر‪.‬‬
‫م النتائج التي‬ ‫ن البحث كله يعتبر نتائج فإنّي أسجل أه ّ‬ ‫ومع أ ّ‬
‫توصلت إليها أثناء البحث‪:‬‬
‫‪1‬ـ أن الله سبحانه وتعالى اختار نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم‬
‫لحمل الرسالة الخاتمة ليبلغه للناس كافة بعد إعداده إعدادًا‬
‫يؤهله لحملها‪.‬‬
‫ن الرسول صلى الله عليه وسلم قد مارس الدعوة سًرا‬ ‫‪2‬ـ أ ّ‬
‫وجهًرا وأدّى المانة على أكمل وجه طوال فترة البعثة‪.‬‬
‫ن البتلء سنّة من سنن الله في طريق الدعاة ل ينفك منها‬ ‫‪3‬ـ أ ّ‬
‫ن الرسول صلى الله عليه‬ ‫أحد من الرسل ومن سلك طريقهم‪ ،‬وأ ّ‬
‫وسلم قد مر بذلك البتلء ونجح فيه بفضل الله ومنَّه‪.‬‬
‫ن الله سبحانه وتعالى قد أكمل لنبينا محمد صلى الله عليه‬ ‫‪4‬ـ أ ّ‬
‫ن الرسول صلى‬ ‫وسلم الرسالة قبل أن يلتحق بالرفيق العلى وأ ّ‬
‫الله عليه وسلم قد طبقها في واقع الحياة طوال فترة البعثة‬
‫ن الدين السلمي غني عن الضافات والزيادات‬ ‫م فإ ّ‬ ‫ومن ث ّ‬
‫والتغييرات مهما كان شكلها‪.‬‬
‫ن الزيادة في الدين يعتبر استدراكًا على الشارع وسوء أدب‬ ‫‪5‬ـ أ ّ‬
‫مع رسوله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ن مكانة النبي صلى الله عليه وسلم عند الله عظيمة ومن ثم‬ ‫‪6‬ـ أ ّ‬
‫فقد أوجب الله على المسلمين أن يتأدّبوا معه صلى الله عليه‬
‫وسلم حيًّا وميّتًا بأنواع من الداب التي تليق بمكانته من توقير‬
‫وتعظيم‪.‬‬
‫ن تأدّب المسلم مع الرسول صلى الله عليه وسلم يؤدي إلى‬ ‫‪7‬ـ أ ّ‬
‫اللتزام بضوابط الشريعة في كل ناحية من نواحي الحياة‬
‫وبالتالي يفوز في الدارين‪.‬‬
‫ن تأدّب المسلم مع الرسول صلى الله عليه وسلم يؤدي إلى‬ ‫‪8‬ـ أ ّ‬
‫استحضار سيرته والمنهج الذي رسمه طوال ثلث وعشرين سنة‬
‫وبالتالي يؤدي إلى القيام بالسلم قول ً وعملً‪ ،‬وتطبيقه تطبيقًا‬
‫شامل ً لكليات السلم وجزئياته‪.‬‬
‫ن التأدّب مع الرسول صلى الله عليه وسلم يدخل تحته الدين‬ ‫‪9‬ـ أ ّ‬
‫ن التأدّب معه يؤدي بالضرورة إلى التأدّب مع شرعه‬ ‫كله‪ ،‬ل ّ‬
‫واللتزام بما جاء به صلى الله عليه وسلم من وحي سواء كان‬
‫قرآنًا أو سنة‪.‬‬
‫‪10‬ـ أن التأدب معه صلى الله عليه وسلم وسط بين الغلو‬
‫ن العاطفة والمحبة ل يصلحان أن يكونا مصدًرا‬ ‫والتقصير وأ ّ‬
‫للتأدب معه دون الرجوع إلى الكتاب والسنة واللتزام بهما في‬
‫هذا المجال‪.‬‬
‫‪11‬ـ أن كثيًرا من المور التي تفعل حبًّا له صلى الله عليه وسلم‬
‫مصدرها أدلّة واهية أو منامات أو استحسان بعض العلماء أو‬
‫قياس مع الفارق أو تأويلت باطلة أو أغراض دنيوية بحتة‪.‬‬
‫ن‬
‫‪12‬ـ أن ما عليه الكثرية ل يؤدي بالضرورة إلى أنّه حق‪ ،‬بل إ ّ‬
‫الحق ما ثبت في القرآن أو في السنة أو فيهما معًا وليس‬
‫للكثرية وزن ما دامت ل تستند إلى أدلّة صحيحة‪.‬‬
‫‪13‬ـ أن كثيًرا من البدع قد انتشرت وخاصة في مجال التأدّب مع‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم بسبب سكوت أهل العلم عن‬
‫سا على عقب وأصبح‬ ‫إنكارها وبيان حقيقتها حتى انقلب المر رأ ً‬
‫المعروف منكًرا والمنكر معروفًا‪.‬‬
‫ب العالمين‪...‬‬‫وآخر دعوانا أن الحمد لله ر ّ‬

‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫ثبت المصادر والمراجع غير القرآن الكريم على حروف المعجم‪.‬‬

‫(أ)‬
‫آثار المدينة لعبد القدوس النصاري الطبعة الثالثة‬ ‫‪)1‬‬
‫(‪1393‬هـ ‪1973‬م)‪ ،‬المكتبة السلفية بالمدينة المنورة‪.‬‬
‫آداب المجتمع في السلم لمحمد جمال الدين‬ ‫‪)2‬‬
‫رفعت الناشر‪ :‬إدارة إحياء التراث السلمي بدولة قطر‪.‬‬
‫البداع في مضار البتداع للشيخ علي محفوظ دار‬ ‫‪)3‬‬
‫المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫أحكام القرآن للمام أبي بكر محمد بن عبيد الله‬ ‫‪)4‬‬
‫المعروف بابن العربي بتحقيق علي محمد البجاوي الطبعة‬
‫الولى ‪1376‬هـ ‪ 1957‬م‪ .‬دار إحياء الكتب العربية‪.‬‬
‫أحكام القرآن للمام أبي بكر أحمد بن علي‬ ‫‪)5‬‬
‫الرازي الجصاص الناشر‪ :‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫إصلح المساجد من البدع والعوائد لمحمد جمال‬ ‫‪)6‬‬
‫الدين القاسمي خرج أحاديثه وعلق عليه محمد ناصر الدين‬
‫اللباني الطبعة الخامسة ‪1403‬هـ ‪ 1983‬م‪ ،‬المكتب السلمي‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن لمحمد‬ ‫‪)7‬‬
‫المين بن محمد المختار الشنقيطي الطبعة الثانية (‪1400‬هـ‬
‫‪1979‬م)‪.‬‬
‫العتصام للمام أبي إسحاق إبراهيم بن موسى بن‬ ‫‪)8‬‬
‫محمد الشاطبي دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع ‪1403‬هـ‬
‫‪1982‬م‪ .‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫العلم لخير الدين بن محمود الزركلي الطبعة‬ ‫‪)9‬‬
‫الثالثة‪.‬‬
‫اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم‬ ‫‪)10‬‬
‫لشيخ السلم ابن تيمية‪ .‬بتحقيق محمد حامد الفقي الطبعة‬
‫الثانية ‪1369‬هـ ‪1950‬م مطبعة السنة المحمدية‪.‬‬
‫اليات البينات في عدم سماع الموات عند الحنفية‬ ‫‪)11‬‬
‫السادات للعلمة نعمان بن محمود اللوسي بتحقيق وتعليق‪:‬‬
‫محمد ناصر الدين اللباني الطبعة الثالثة ‪ 1402‬هـ المكتب‬
‫السلمي‪.‬‬
‫اليمان لشيخ السلم ابن تيمية بتصحيح وتعليق د‪.‬‬ ‫‪)12‬‬
‫محمد خليل هراس دار الطباعة المحمدية مصر‪.‬‬
‫الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث للحافظ‬ ‫‪)13‬‬
‫ابن كثير مع شرح وتعليق أحمد محمد شاكر الطبعة الثالثة‬
‫مكتبة ومطبعة علي صبيح وأولده بالقاهرة‪.‬‬
‫(ب)‬
‫الباعث على إنكار البدع والحوادث لبي محمد عبد‬ ‫‪)14‬‬
‫الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المعروف بأبي شامة دار‬
‫الصفهاني وشركاه بجدة‪.‬‬
‫البحر الرائق شرح كنز الدقائق للعلمة زين الدين بن‬ ‫‪)15‬‬
‫نجيم الحنفي الطبعة الثانية‪ ،‬دار المعرفة للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪.‬‬
‫البداية والنهاية لبي الفداء إسماعيل بن كثير الطبعة‬ ‫‪)16‬‬
‫الثانية ‪ 1977‬م‪ ،‬مكتبة المعارف‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫البدعة تحديدها وموقف السلم منها للدكتور عزت‬ ‫‪)17‬‬
‫علي عيد عطية دار الكتب الحديثة ‪1391‬هـ ‪ 1971‬م القاهرة‪.‬‬
‫بشائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز لمحمد‬ ‫‪)18‬‬
‫بن محمد بن يعقوب الفيروزأبادي الناشر‪ :‬المجلس العلى‬
‫للشئون السلمية لجنة إحياء التراث السلمي ‪ 1383‬هـ القاهرة‪.‬‬
‫بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة لجلل الدين‬ ‫‪)19‬‬
‫عبد الرحمن السيوطي بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم‬
‫الطبعة الولى ‪1384‬هـ ‪ 1964‬م مطبعة عيسى البابي الحلبي‬
‫وشركاه‪.‬‬
‫بهجة المحافل وبغية الماثل‪ :‬للمام عماد الدين يحيى‬ ‫‪)20‬‬
‫بن أبي بكر العامري المكتبة العلمية بالمدينة المنورة‪.‬‬
‫(ت)‬
‫تاريخ الحتفال بالمولد النبوي لحسن السندوني‬ ‫‪)21‬‬
‫مطبعة الستقامة ‪ 1948‬م‪.‬‬
‫التاريخ الصغير لبي عبد الله محمد بن إسماعيل‬ ‫‪)22‬‬
‫البخاري‪ .‬بتحقيق محمود إبراهيم زايد الطبعة الولى ‪1397‬هـ‬
‫‪1977‬م دار الوعي بحلب‪.‬‬
‫التاريخ الكبير لبي عبد الله محمد بن إسماعيل‬ ‫‪)23‬‬
‫البخاري دار الكتب العلمية بيروت لبنان‪.‬‬
‫تأملت في سورة الحزاب للدكتور حسن محمد‬ ‫‪)24‬‬
‫باجودة مطابع الصفا ‪ 1403‬هـ مكة المكرمة‪.‬‬
‫تحفة الحوذي شرح جامع الترمذي للحافظ أبي‬ ‫‪)25‬‬
‫العلى محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري‪ ،‬بمراجعة‬
‫وتصحيح عبد الرحمن محمد عثمان الطبعة الثالثة ‪1399‬هـ ‪1979‬م‬
‫دار الفكر للنشر والتوزيع‪.‬‬
‫الترغيب والترهيب لزكي الدين عبد العظيم بن عبد‬ ‫‪)26‬‬
‫القوي المنذري‪ .‬مكتبة الرشاد‪.‬‬
‫التسهيل في علوم التنزيل للمام أبي القاسم محمد‬ ‫‪)27‬‬
‫بن أحمد بن جزي الكلبي بتحقيق محمد عبد المنعم اليونسي‪،‬‬
‫وإبراهيم عطوة عوض دار الكتب الحديثة‪.‬‬
‫تعجيل المنفعة بزوائد رجال الئمة الربعة للحافظ‬ ‫‪)28‬‬
‫أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلني الناشر‪ :‬دار‬
‫الكتب العربية بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫التعريفات للعلمة علي بن محمد الشريف الجرجاني‬ ‫‪)29‬‬
‫مكتبة لبنان ‪1969‬م لبنان‪.‬‬
‫تفسير البحر المحيط لمحمد بن يوسف الشهير بأبي‬ ‫‪)30‬‬
‫حيان الندلسي‪ .‬الطبعة الثانية ‪1403‬هـ ‪ 1983‬م دار الفكر للطباعة‬
‫والنشر والتوزيع‪.‬‬
‫تفسير البغوي المسمى بمعالم التنزيل المطبوع‬ ‫‪)31‬‬
‫بهامش تفسير الخازن‪ .‬لبي محمد الحسين بن مسعود الفراء‬
‫البغوي الطبعة الثانية ‪1375‬هـ ‪1955‬م طبعة مصطفى البابي‬
‫الحلبي وأولده بمصر‪.‬‬
‫تفسير سورة النور لبي العلى المودودي تعريب‬ ‫‪)32‬‬
‫محمد عاصم الحداد‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫التفسير السياسي للسيرة للدكتور محمد قلعت جي‬ ‫‪)33‬‬
‫دار السلم للطباعة والنشر والتوزيع ‪1399‬هـ ‪1979‬م‪ ،‬بيروت‪/‬حلب‪.‬‬
‫تفسير القرآن العظيم المعروف بتفسير ابن كثير‬ ‫‪)34‬‬
‫لبي الفداء إسماعيل بن كثير دار المعرفة‪ ،‬بيروت ‪1403‬هـ ‪1983‬م‪.‬‬
‫تفسير الكبير للمام الفخر الرازي الطبعة الثانية‬ ‫‪)35‬‬
‫الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬طهران‪.‬‬
‫تقريب التهذيب للحافظ أبي الفضل أحمد بن علي بن‬ ‫‪)36‬‬
‫حجر العسقلني بتحقيق وتعليق عبد الوهاب عبد اللطيف‬
‫الطبعة الثانية ‪1395‬هـ ‪1975‬م دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت‬
‫لبنان‪.‬‬
‫تهذيب السماء واللغات للمام أبي زكريا يحيى بن‬ ‫‪)37‬‬
‫شرف النووي‪ .‬المطبعة المنيرة‪.‬‬
‫تهذيب الفروق المطبوع بهامش الفروق للشيخ محمد‬ ‫‪)38‬‬
‫علي بن الشيخ الحسين دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع‪.‬‬
‫تهذيب اللغة لبي منصور محمد بن أحمد الزهري‬ ‫‪)39‬‬
‫بتحقيق عبد السلم محمد هارون ومراجعة محمد علي النجار‬
‫دار القومية العربية للطباعة ‪1383‬هـ ‪1964‬م‪.‬‬
‫(ث)‬
‫الثقات للمام الحافظ محمد بن حبان البستي‬ ‫‪)40‬‬
‫الطبعة الولى ‪1393‬هـ ‪1973‬م طبعة دائرة المعارف العثمانية‬
‫بحيدر أباد الدكن الهند‪.‬‬
‫(ج)‬
‫جامع بيان العلم وفضله للمام أبي عمر يوسف بن‬ ‫‪)41‬‬
‫عبد البر النمري دار الفكر بيروت لبنان‪.‬‬
‫جامع البيان في أحكام القرآن المعروف بتفسير‬ ‫‪)42‬‬
‫الطبري‪ .‬تحقيق محمود محمد شاكر ومراجعة أحمد محمد شاكر‬
‫مطبعة المعارف بمصر‪.‬‬
‫جامع العلوم والحكم لزين الدين أبي الفرج عبد‬ ‫‪)43‬‬
‫الرحمن بن رجب الحنبلي دار الفكر بيروت لبنان‪.‬‬
‫الجامع لحكام القرآن المعروف بتفسير القرطبي‬ ‫‪)44‬‬
‫لبي عبد الله محمد ابن أحمد النصاري القرطبي الطبعة الثانية‪.‬‬
‫جلء الفهام في الصلة والسلم على خير النام‬ ‫‪)45‬‬
‫للمام ابن قيم الجوزية بتحقيق الشيخ طه يوسف شاهين‪.‬‬
‫(ح)‬
‫الهاوي للفتاوي لجلل الدين عبد الرحمن بن أبي بكر‬ ‫‪)46‬‬
‫السيوطي‪ .‬دار الكتب العلمية بيروت ‪1402‬هـ ‪1982‬م‪.‬‬
‫حجة النبي صلى الله عليه وسلم لمحمد ناصر الدين‬ ‫‪)47‬‬
‫اللباني الطبعة السابعة ‪ 1405‬هـ ‪1985‬م المكتب السلمي‪.‬‬
‫حسن التوسل في زيارة أفضل الرسل لعبد الله بن‬ ‫‪)48‬‬
‫أحمد الفاكهي‪ .‬وهو بهامش كتاب إتحاف الشراف للشبراوي‬
‫المطبعة الدبية ‪1319‬هـ القاهرة‪.‬‬
‫(خ)‬
‫خصائص التصور السلمي للشهيد سيد قطب دار‬ ‫‪)49‬‬
‫القرآن الكريم ‪1398‬هـ ‪1978‬م‪ .‬بيروت دمشق‪.‬‬
‫(د)‬
‫دراسة في السيرة للدكتور عماد الدين خليل الطبعة‬ ‫‪)50‬‬
‫السادسة ‪1402‬هـ ‪1982‬م طبعة مؤسسة الرسالة دار النفائس‬
‫بيروت لبنان‪.‬‬
‫الدر المنثور في التفسير بالمأثور لجلل الدين عبد‬ ‫‪)51‬‬
‫الرحمن السيوطي الطبعة الولى ‪1403‬هـ ‪1983‬م دار الفكر‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع بيروت لبنان‪.‬‬
‫الدعوة السلمية أصولها ووسائلها للدكتور أحمد‬ ‫‪)52‬‬
‫أحمد غلوش‪ .‬طبعة دار الكتاب المصري ودار الكتاب اللبناني‪.‬‬
‫دلئل النبوة‪ :‬للحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد الله‬ ‫‪)53‬‬
‫الصبهاني‪ .‬طبعة عالم الكتب‪.‬‬
‫الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب‬ ‫‪)54‬‬
‫بتحقيق د‪ .‬محمد الحمدي أبو النور دار التراث للطباعة والنشر‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫ديوان زهير بن أبي سلمى بتحقيق وشرح كرم‬ ‫‪)55‬‬
‫البستاني دار صادر للطباعة والنشر‪ ،‬ودار بيروت للطباعة‬
‫والنشر بيروت ‪1379‬هـ ‪1960‬م‪.‬‬
‫الذريعة إلى مكارم الشريعة للشيخ أبي القاسم‬ ‫‪)56‬‬
‫الحسن بن محمد الراغب الصفهاني الطبعة الولى ‪1393‬هـ‬
‫‪1973‬م مكتبة الكليات الزهرية القاهرة‪.‬‬
‫ذكرى المولد النبوي خلصة السيرة النبوية وحقيقة‬ ‫‪)57‬‬
‫الدعوة السلمية لمحمد رشيد رضا الطبعة الولى ‪ 1335‬هـ‬
‫مطبعة المنار بمصر‪.‬‬
‫(ر)‬
‫رسالة المسترشدين لبي عبد الله الحارث بن راشد‬ ‫‪)58‬‬
‫المحاسبي‪ .‬تحقيق عبد الفتاح أبو غدة الطبعة الثانية ‪1391‬هـ ‪1971‬‬
‫م مكتب المطبوعات السلمية بيروت لبنان‪.‬‬
‫روح المعاني في تفسير القرآن العظيم للعلمة أبي‬ ‫‪)59‬‬
‫الفضل محمود اللوسي دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان‪.‬‬
‫روضة العقلء ونزهة الفضلء للحافظ محمد بن حبان‬ ‫‪)60‬‬
‫البستي‪ .‬بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد‪ ،‬ومحمد عبد‬
‫الرزاق حمزة‪ ،‬ومحمد حامد الفقي دار الكتب العلمية ‪1397‬هـ‬
‫‪1977‬م بيروت‪.‬‬
‫روضة المحبين ونزهة المشتاقين لشمس الدين ابن‬ ‫‪)61‬‬
‫قيم الجوزية‪ .‬مكتبة الجامعة القاهرة‪.‬‬
‫(ز)‬
‫زاد المسير في علم التفسير للمام أبي الفرج عبد‬ ‫‪)62‬‬
‫الرحمن بن الجوزي الطبعة الولى ‪1383‬هـ ‪1964‬م المكتب‬
‫السلمي للطباعة والنشر‪ .‬بيروت لبنان‪.‬‬
‫زاد المعاد في هدي خير العباد للمام شمس الدين‬ ‫‪)63‬‬
‫أبي عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية بتحقيق شعيب‬
‫الرناؤوط وأخيه عبد القادر الطبعة الثانية ‪1401‬هـ ‪1981‬م مؤسسة‬
‫الرسالة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫زيارة القبور الشركية والشرعية للمام الحجة محيي‬ ‫‪)64‬‬
‫الدين محمد البركوي مؤسسة النور للطباعة والتجليد الرياض‪.‬‬
‫(س)‬
‫سلسلة الحاديث الضعيفة لمحمد ناصر الدين اللباني‬ ‫‪)65‬‬
‫الطبعة الرابعة ‪1398‬هـ المكتب السلمي بيروت دمشق‪.‬‬
‫سنن ابن ماجة للحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد‬ ‫‪)66‬‬
‫القزويني‪ .‬بتحقيق وتعليق محمد فؤاد عبد الباقي دار إحياء‬
‫الكتب العربية ‪1377‬هـ ‪1953‬م‪.‬‬
‫سنن أبي داود للمام الحافظ أبي داود سليمان بن‬ ‫‪)67‬‬
‫الشعث السجستاني بمراجعة وتعليق محمد محيي الدين عبد‬
‫الحميد الناشر‪ :‬دار إحياء السنة النبوية‪.‬‬
‫سنن الترمذي للمام أبي عيسى محمد بن عيسى بن‬ ‫‪)68‬‬
‫سورة الترمذي‪ .‬تحقيق وتصحيح عبد الوهاب عبد اللطيف‬
‫الطبعة الثانية ‪1403‬هـ ‪1983‬م دار الفكر بيروت‪.‬‬
‫سنن الدارقطني للحافظ علي بن عمر الدارقطني‪.‬‬ ‫‪)69‬‬
‫وبذيله التعليق المغني على الدارقطني لبي الطيب محمد‬
‫شمس الحق أبادي شركة الطباعة الفنية المتحدة‪.‬‬
‫سنن الدارمي للمام أبي محمد عبد الله بن عبد‬ ‫‪)70‬‬
‫الرحمن الدارمي‪ .‬دار الفكر ‪1398‬هـ ‪1978‬م القاهرة‪.‬‬
‫السنن الكبرى للحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين بن‬ ‫‪)71‬‬
‫علي البيهقي‪ .‬وبذيله الجوهر النقي لعلء الدين المعروف بابن‬
‫التركماني‪.‬‬
‫سنن النسائي للمام الحافظ أبي عبد الرحمن أحمد‬ ‫‪)72‬‬
‫بن شعيب النسائي مع شرح السيوطي وحاشية السندي الطبعة‬
‫الولى ‪1348‬هـ ‪1930‬م المطبعة المصرية بالزهر‪.‬‬
‫سيرة ابن هشام لبي محمد عبد الملك بن هشام‬ ‫‪)73‬‬
‫المعافري‪ .‬بتحقيق طه عبد الرؤوف سعد مطبعة شركة الطباعة‬
‫الفنية المتحدة القاهرة‪.‬‬
‫سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم للدكتور محمد‬ ‫‪)74‬‬
‫عزت دروزة الطبعة الثانية ‪1384‬هـ ‪1965‬م مطبعة عيسى الحلبي‪.‬‬
‫السيرة النبوية للمام أبي الفداء إسماعيل بن كثير‬ ‫‪)75‬‬
‫بتحقيق مصطفى عبد الواحد الطبعة الثانية ‪1398‬هـ ‪1978‬م دار‬
‫الفكر بيروت لبنان‪.‬‬
‫(ش)‬
‫شرح أدب الكاتب لبي منصور موهوب بن أحمد‬ ‫‪)76‬‬
‫الجواليقي‪ .‬مكتبة القدس ‪1350‬هـ القاهرة‪.‬‬
‫الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض بن‬ ‫‪)77‬‬
‫موسى بن عياض اليحصبي بتحقيق علي محمد البجاوي دار‬
‫الكتب العربي بيروت ‪1404‬هـ ‪1984‬م‪.‬‬
‫شفاء السقام للشيخ علي بن عبد الكافي تقي الدين‬ ‫‪)78‬‬
‫السبكي‪ .‬مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر أباد‬
‫الدكن الهند ‪1371‬هـ ‪1952‬م‪.‬‬
‫(ص)‬
‫الصارم المسلول على شاتم الرسول لشيخ السلم‬ ‫‪)79‬‬
‫ابن تيمية‪ .‬بتحقيق وتعليق محمد محيي الدين عبد الحميد دار‬
‫الفكر‪.‬‬
‫صبح العشى في صناعة النشا لبي العباس أحمد‬ ‫‪)80‬‬
‫بن علي القلقشندي مطابع كوستاسوماس وشركاه‪.‬‬
‫الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية لسماعيل بن حماد‬ ‫‪)81‬‬
‫الجوهري بتحقيق أحمد عبد الغفور عطار الطبعة الثانية ‪1399‬هـ‬
‫‪1979‬م دار العلم للمليين بيروت‪.‬‬
‫صحيح البخاري للمام أبي عبد الله محمد بن‬ ‫‪)82‬‬
‫إسماعيل البخاري‪ .‬ومعه حاشية السندي دار المعرفة للنشر‬
‫والتوزيع بيروت لبنان‪.‬‬
‫صحيح مسلم للمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج‬ ‫‪)83‬‬
‫القشيري النيسابوري بتصحيح وترقيم محمد فؤاد عبد الباقي‬
‫دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان‪.‬‬
‫صحيح مسلم بشرح النووي للمام أبي زكريا يحيى بن‬ ‫‪)84‬‬
‫شرف النووي دار الفكر للنشر والتوزيع ‪1401‬هـ ‪1981‬م‪.‬‬
‫صفة صلة النبي صلى الله عليه وسلم لمحمد ناصر‬ ‫‪)85‬‬
‫الدين اللباني الطبعة الحادية عشر ‪1403‬هـ ‪1981‬م المكتب‬
‫السلمي بيروت لبنان‪.‬‬
‫صيانة النسان عن وسوسة الشيخ دحلن للعلمة‬ ‫‪)86‬‬
‫محمد بشير السهسواني الطبعة الثانية ‪1378‬هـ المطبعة السلفية‬
‫ومكتبتها مصر‪.‬‬
‫(ض)‬
‫الضعفاء الصغير للمام أبي عبد الله محمد بن‬ ‫‪)87‬‬
‫إسماعيل البخاري‪ .‬بتحقيق محمود بن إبراهيم زايد الطبعة‬
‫الولى ‪ 1396‬هـ دار الوعي بحلب‪.‬‬
‫الضعفاء والمتروكون للحافظ أبي الحسن علي بن‬ ‫‪)88‬‬
‫عمر الدارقطني‪ .‬بتحقيق ودراسة موفق بن عبد الله بن عبد‬
‫القادر الطبعة الولى ‪1404‬هـ ‪1984‬م مكتبة المعارف الرياض‪.‬‬
‫الضعفاء والمتروكون للمام الحافظ أبي عبد الرحمن‬ ‫‪)89‬‬
‫بن أحمد بن شعيب النسائي بتحقيق محمود إبراهيم زايد دار‬
‫الوعي حلب‪.‬‬
‫(ط)‬
‫طبقات المفسرين للحافظ شمس الدين محمد بن‬ ‫‪)90‬‬
‫علي أحمد الداودي بتحقيق علي محمد عمر الطبعة الولى‬
‫‪1392‬هـ ‪1972‬م مطبعة الستقلل الكبرى‪.‬‬
‫ظهور دولة الفاطميين وسقوطهما في مصر للدكتور‬ ‫‪)91‬‬
‫عبد المنعم ماجد الطبعة الثانية ‪1976‬م دار المعارف بمصر‪.‬‬
‫(ع)‬
‫عرف التعريف بالمولد الشريف لشمس الدين محمد‬ ‫‪)92‬‬
‫بن محمد المعروف بابن الجزري مخطوط بمكتبة الحرم‬
‫الشريف ضمن مجاميع ‪ 6/473‬سيرة نبوية وصورة منه في مركز‬
‫البحث العلمي بجامعة أم القرى‪.‬‬
‫العقائد السلمية دار الكتب الحديثة ‪1387‬هـ ‪1987‬م‬ ‫‪)93‬‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫العقيدة والخلق وأثرها في حياة الفرد والمجتمع‬ ‫‪)94‬‬
‫للدكتور محمد بيصار الطبعة الرابعة ‪1973‬م دار الكتاب اللبناني‬
‫بيروت‪.‬‬
‫عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير اختيار وتحقيق‬ ‫‪)95‬‬
‫أحمد محمد شاكر دار المعارف بمصر ‪1377‬هـ ‪1957‬م‪.‬‬
‫عين الدب والسياسة وزين الحسب والرياسة لبي‬ ‫‪)96‬‬
‫الحسن علي بن محمد بن عبد الرحمن بن هذيل الطبعة الثانية‬
‫‪1353‬هـ ‪1938‬م مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولده بمصر‪.‬‬
‫(غ)‬
‫غرائب القرآن ورغائب الفرقان لنظام الدين الحسن‬ ‫‪)97‬‬
‫بن محمد بن الحسين النيسابوري بتحقيق إبراهيم عطوة عوض‬
‫الطبعة الولى ‪1381‬هـ ‪1962‬م شركة مكتبة ومطبعة مصطفى‬
‫البابي الحلبي بمصر‪.‬‬
‫غريب الحديث لبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي‬ ‫‪)98‬‬
‫بتعليق الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي دار الكتب العلمية‬
‫بيروت لبنان‪.‬‬
‫(ف)‬
‫الفائق في غريب الحديث لجار الله محمود بن عمر‬ ‫‪)99‬‬
‫الزمخشري‪ .‬بتحقيق علي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل‬
‫إبراهيم الطبعة الثانية طبعة عيسى البابي الحلبي‪.‬‬
‫فتح الباري شرح صحيح البخاري للحافظ أبي الفضل‬ ‫‪)100‬‬
‫أحمد بن علي بن حجر العسقلني بتحقيق وتصحيح الشيخ عبد‬
‫العزيز بن باز دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع‪.‬‬
‫الفتح الرباني لترتيب مسند المام أحمد لحمد عبد‬ ‫‪)101‬‬
‫الرحمن البنا الشهير بالساعاتي الطبعة الولى طبعة الخوان‬
‫المسلمون القاهرة‪.‬‬
‫فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم‬ ‫‪)102‬‬
‫التفسير لمحمد بن علي بن محمد الشوكاني الطبعة الثانية‬
‫‪1383‬هـ ‪1964‬م شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي‪.‬‬
‫الفروق في اللغة لبي هلل العسكري الطبعة الولى‬ ‫‪)103‬‬
‫‪1393‬هـ ‪1973‬م منشورات دار الفاق الجديدة بيروت لبنان‪.‬‬
‫فضل الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم للمام‬ ‫‪)104‬‬
‫إسماعيل بن إسحاق القاضي بتحقيق محمد ناصر الدين اللباني‬
‫الطبعة الثالثة ‪1397‬هـ ‪1977‬م المكتب السلمي بيروت‪.‬‬
‫فقه السيرة للشيخ محمد الغزالي خرج أحاديثه‬ ‫‪)105‬‬
‫محمد ناصر الدين اللباني‪ .‬طبع على نفقة أمير قطر‪.‬‬
‫الفوائد لشمس الدين ابن قيم الجوزية الطبعة الثانية‬ ‫‪)106‬‬
‫‪1393‬هـ ‪1973‬م‪ ،‬دار الكتب العلمية بيروت لبنان‪.‬‬
‫في ظلل القرآن للشهيد سيد قطب الطبعة‬ ‫‪)107‬‬
‫الشرعية التاسعة ‪1400‬هـ ‪1980‬م دار الشروق بيروت‪.‬‬
‫في منزل الوحي لمحمد حسن هيكل الطبعة‬ ‫‪)108‬‬
‫الخامسة دار المعارف بمصر‪.‬‬
‫(ق)‬
‫قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لشيخ السلم ابن‬ ‫‪)109‬‬
‫تيمية‪ .‬المطبعة السلفية ومكتبتها ‪1374‬هـ القاهرة‪.‬‬
‫القاعدة المراكشية لشيخ السلم ابن تيمية بتحقيق‬ ‫‪)110‬‬
‫د‪ .‬ناصر بن سعيد الرشيد والستاذ رضا نعسان معطي الناشر‪:‬‬
‫دار طيبة للنشر والتوزيع الرياض‪.‬‬
‫القاموس المحيط لمجد الدين محمد بن يعقوب‬ ‫‪)111‬‬
‫الفيروزأبادي‪ .‬المؤسسة العربية للطباعة والنشر بيروت لبنان‪.‬‬
‫قواعد الحكام في مصالح النام للمام أبي محمد‬ ‫‪)112‬‬
‫عز الدين عبد العزيز بن عبد السلم السلمي مكتبة الكليات‬
‫الزهرية ‪1388‬هـ ‪1968‬م القاهرة‪.‬‬
‫القول البديع في الصلة على الحبيب الشفيع‬ ‫‪)113‬‬
‫للحافظ محمد بن عبد الرحمن السخاوي الطبعة الثانية ‪1383‬هـ‬
‫‪1963‬م مطبعة النصار بيروت‪.‬‬
‫(ك)‬
‫الكامل في ضعفاء الرجال للحافظ أبي أحمد عبد الله‬ ‫‪)114‬‬
‫بن عدي الجرجاني الطبعة الولى ‪ 1404‬هـ ‪1984‬م دار الفكر‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع بيروت لبنان‪.‬‬
‫الكشاف في حقائق التنزيل وعيون القاويل لجار الله‬ ‫‪)115‬‬
‫محمود بن عمر الزمخشري‪ .‬مع كتاب النصاف فيما تضمنه‬
‫الكشاف من العتزال‪ .‬للمام ناصر الدين أحمد بن محمد بن‬
‫المنير السكندري دار الفكر بيروت لبنان‪.‬‬
‫(ل)‬
‫لحظ اللحاظ بذيل طبقات الحفاظ الحافظ تقي‬ ‫‪)116‬‬
‫الدين محمد بن فهد المكي مطبعة التوفيق ‪1347‬هـ‪ .‬دمشق‪.‬‬
‫لسان العرب لبن منظور محمد بن مكرم النصاري‬ ‫‪)117‬‬
‫دار صادر ودار بيروت ‪1375‬هـ ‪1956‬م‪.‬‬
‫لسان الميزان الحافظ أبي الفضل أحمد بن علي بن‬ ‫‪)118‬‬
‫حجر العسقلني الطبعة الثانية ‪1390‬هـ ‪1971‬م منشورات مؤسسة‬
‫العلمي للمطبوعات‪.‬‬
‫(م)‬
‫ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين لبي الحسن‬ ‫‪)119‬‬
‫علي الندوي‪ .‬الطبعة السادسة ‪1965‬م ‪1385‬هـ دار الكتاب العربي‬
‫بيروت‪.‬‬
‫المجروحون عن المحدثين والضعفاء والمتروكين‬ ‫‪)120‬‬
‫للمام محمد بن حبان البستي‪ .‬بتحقيق محمود إبراهيم زايد‬
‫الطبعة الولى ‪1396‬هـ دار الوعى بحلب‪.‬‬
‫مجمع الزوائد ومنبع الفوائد الحافظ نور الدين علي‬ ‫‪)121‬‬
‫بن أبي بكر الهيثمي الطبعة الثانية ‪1967‬م دار الكتب العربية‬
‫بيروت‪.‬‬
‫المجموع شرح المهذب للمام أبي زكريا يحيى بن‬ ‫‪)122‬‬
‫شرف النووي‪ .‬مطبعة المام بالقلعة مصر‪.‬‬
‫مجموع فتاوي شيخ السلم ابن تيمية مكتبة‬ ‫‪)123‬‬
‫المعارف الرباط المغرب‪.‬‬
‫مجموعة الرسائل الكبرى لشيخ السلم ابن تيمية‪.‬‬ ‫‪)124‬‬
‫مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح وأولده مصر‪.‬‬
‫المحلى لبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم‬ ‫‪)125‬‬
‫الظاهري‪ .‬بتحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر منشورات المكتب‬
‫التجاري للطباعة والنشر والتوزيع بيروت لبنان‪.‬‬
‫مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين‬ ‫‪)126‬‬
‫للمام شمس الدين ابن قيم الجوزية بتحقيق محمد حامد الفقي‬
‫دار الكتاب العربي ‪1392‬هـ ‪1972‬م بيروت لبنان‪.‬‬
‫المدخل إلى تنمية العمال بتحسين النيات لبي عبد‬ ‫‪)127‬‬
‫الله محمد ابن محمد العبدري المعروف بابن الحاج مكتبة‬
‫مصطفى الحلبي ‪1380‬هـ مصر‪.‬‬
‫مرآة الزمان في تاريخ العيان ليوسف بن عزاوغلي‬ ‫‪)128‬‬
‫المعروف بسبط ابن الجوزي مطبعة دائرة المعارف العثمانية‬
‫بحيدر أباد الدكن الهند‪.‬‬
‫المستدرك على الصحيحين الحافظ أبي عبد الله‬ ‫‪)129‬‬
‫محمد بن عبد الله المعروف بالحاكم النيسابوري‪ .‬مع ذيله تلخيص‬
‫المستدرك للذهبي دار الفكر بيروت ‪1398‬هـ ‪1978‬م‪.‬‬
‫المسند للمام أحمد بن حنبل وبهامشه منتخب من‬ ‫‪)130‬‬
‫كنز العمال في سنن القوال والفعال للمتقي الهندي‪.‬‬
‫مسند المام أحمد مع شرح الشيخ أحمد محمد شاكر‬ ‫‪)131‬‬
‫دار المعارف بمصر ‪1369‬هـ ‪1950‬م‪.‬‬
‫مشكاة المصابيح الشيخ ولي الله محمد بن الخطيب‬ ‫‪)132‬‬
‫العمري التبريزي بتحقيق محمد ناصر الدين اللباني الطبعة‬
‫الولى ‪1380‬هـ ‪1961‬م منشورات المكتب السلمي للطباعة‬
‫والنشر‪.‬‬
‫مشكل الثار للمام أبي جعفر أحمد بن محمد‬ ‫‪)133‬‬
‫الطحاوي دار صادر بيروت لبنان‪.‬‬
‫المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي‬ ‫‪)134‬‬
‫لحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي‪ .‬بتصحيح مصطفى‬
‫السقا مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولده بمصر‪.‬‬
‫معجم متن اللغة الشيخ أحمد رضا دار مكتبة الحياة‬ ‫‪)135‬‬
‫‪1377‬هـ ‪1958‬م بيروت لبنان‪.‬‬
‫المعز لدين الله الدكتورين‪/‬حسن إبراهيم حسن‪ ،‬وطه‬ ‫‪)136‬‬
‫أحمد شرف الطبعة الثانية ‪1963‬م مكتبة النهضة المصرية‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫المغني في الضعفاء الحافظ شمس الدين محمد بن‬ ‫‪)137‬‬
‫أحمد بن عثمان الذهبي بتحقيق وتعليق د‪ .‬نور الدين عتر‬
‫الطبعة الولى ‪1391‬هـ ‪1971‬م الناشر‪ :‬دار المعارف بحلب‪.‬‬
‫مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات‬ ‫‪)138‬‬
‫العلوم لحمد بن مصطفى طاش كبرى زادة الطبعة الثانية‬
‫‪1400‬هـ ‪1980‬م مطبعة دائرة المعارف العثمانية بحيدرأباد الدكن‬
‫الهند‪.‬‬
‫مفردات في غريب القرآن الشيخ أبي القاسم‬ ‫‪)139‬‬
‫الحسين بن محمد الراغب الصفهاني بتحقيق محمد سعيد‬
‫الكيلني الطبعة الخيرة ‪1381‬هـ ‪1961‬م شركة مكتبة ومطبعة‬
‫مصطفى البابي الحلبي وأولده بمصر‪.‬‬
‫المنهاج في شعب اليمان لبي عبد الله الحسين بن‬ ‫‪)140‬‬
‫الحسن الحليمي بتحقيق حلمي محمد فودة الطبعة الولى‬
‫‪1399‬هـ ‪1979‬م دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع بيروت‪.‬‬
‫المواعظ والعتبار بذكر الخطط والثار لتقي الدين‬ ‫‪)141‬‬
‫أحمد بن علي المقريزي مؤسسة الحلبي وشركاه للتوزيع‬
‫والنشر القاهرة‪.‬‬
‫مورد الصادي في مولد الهادي لشمس الدين محمد‬ ‫‪)142‬‬
‫بن أبي بكر الشهير بابن ناصر الدين الدمشقي مخطوط بمكتبة‬
‫الحرم الشريف ضمن مجاميع ‪ 1/273‬وصورة منه في مركز البحث‬
‫العلمي بجامعة أم القرى‪.‬‬
‫الموسوعة في سماحة السلم لمحمد صادق عرجون‬ ‫‪)143‬‬
‫الناشر‪ :‬مؤسسة سجل العرب‪ .‬القاهرة ‪1392‬هـ ‪1972‬م‪.‬‬
‫الموضوعات للمام أبي الفرج عبد الرحمن بن‬ ‫‪)144‬‬
‫الجوزي‪ .‬بتحقيق وتقديم عبد الرحمن محمد عثمان الطبعة‬
‫الولى ‪1386‬هـ ‪1966‬م المكتبة السلفية بالمدينة المنورة‪.‬‬
‫الموطأ للمام مالك بن أنس بتصحيح وتعليق محمد‬ ‫‪)145‬‬
‫فؤاد عبد الباقي دار إحياء الكتب العربية ‪9370‬هـ ‪1951‬م‪.‬‬
‫ميزن العتدال للمام شمس الدين محمد بن أحمد‬ ‫‪)146‬‬
‫بن عثمان الذهبي بتحقيق علي محمد البجاوي الطبعة الولى‬
‫‪1382‬هـ ‪1963‬م دار إحياء الكتب العربية‪.‬‬
‫(ن)‬ ‫‪)147‬‬
‫نسيم الرياض في شرح الشفا للقاضي عياض العلمة‬ ‫‪)148‬‬
‫أحمد شهاب الدين الخفاجي وبهامشه شرح الشفا لعلي القاري‬
‫دار الفكر‪.‬‬
‫النهاية في غريب الحديث والثر للمام مجد الدين‬ ‫‪)149‬‬
‫أبي السعادات المبارك بن محمد بن الجزري المعروف بابن‬
‫الثير بتحقيق طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي دار‬
‫الفكر للطباعة والنشر والتوزيع‪.‬‬
‫(و)‬
‫وفيات العيان وأنباء أبناء الزمان لبي العباس أحمد‬ ‫‪)150‬‬
‫بن محمد ابن أبي بكر بن خلكان بتحقيق د‪ .‬إحسان عباس دار‬
‫صادر بيروت لبنان‪.‬‬

‫ـــــــــــــــ‬
‫الهوامش‪:‬‬
‫[‪ ]1‬مصباح المنير (‪.)1/279‬‬
‫[‪ ]2‬نسيم الرياض في شرح الشفا (‪.)3/510511‬‬
‫[‪ ]3‬انظر تفسير فتح القدير للشوكاني (‪.)5/448‬‬
‫[‪ ]4‬تفسير القرآن العظيم (‪.)4/545‬‬
‫[‪ ]5‬انظر صحيح البخاري‪ ،‬كتاب المرضى‪ ،‬باب عيادة العراب (‬
‫‪.)4/4‬‬
‫[‪ ]6‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الجنائز‪ ،‬باب استئذان النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ربه عز وجل في زيارة قبر أمه (‪.)3/673‬‬
‫[‪ ]7‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الجنائز‪ ،‬باب استئذان النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ربه عز وجل في زيارة قبر أمه (‪ )2/671‬كالذي قبله‪.‬‬
‫[‪ ]8‬الغرقد‪ :‬هو ضرب من شجر العضاه وشجر الشوك‪ .‬والغرقدة‬
‫واحدة ومنه قيل لمقبرة أهل المدينة بقيع الغرقدة لنه كان فيه‬
‫غرقد وقطع‪ .‬النهاية (‪.)3/362‬‬
‫[‪ ]9‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الجنائز‪ ،‬باب ما يقول عند دخول القبور‬
‫والدعاء لهلها (‪.)2/669‬‬
‫[‪ ]10‬اقتضاء الصراط المستقيم‪.)427( :‬‬
‫[‪ ]11‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬في أبواب التطوع‪ ،‬باب فضل‬
‫الصلة في مسجدي مكة والمدينة (‪.)1/206‬‬
‫[‪ ]12‬صيانة النسان عن وسوسة الشيخ دحلن‪.)204( :‬‬
‫[‪ ]13‬انظر اليات البينات في عدم سماع الموات‪.)94( :‬‬
‫[‪ ]14‬انظر اليات البينات في عدم سماع الموات‪ ،)94( :‬تعليقة‬
‫رقم (‪.)3‬‬
‫[‪ ]15‬المصدر السابق‪( ،‬ص‪ )93:‬تعليقة رقم (‪.)3‬‬
‫[‪ ]16‬انظر صيانة النسان عن وسوسة الشيخ دحلن (ص‪.)205:‬‬
‫[‪ ]17‬تفسير فتح القدير (‪.)1/170‬‬
‫[‪ ]18‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الضاحي والذبائح‪ ،‬باب تحريم الذبح‬
‫لغير الله ولعن فاعله (‪.)3/1562‬‬
‫[‪ ]19‬شرح النووي على صحيح مسلم (‪.)13/141‬‬
‫[‪ ]20‬روح المعالي (‪.)11/98‬‬
‫[‪ ]21‬صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة‪ ،‬فضائل أم أيمن‪( :‬‬
‫‪.)4/1907‬‬
‫[‪ ]22‬تربها‪ :‬أي تقوم بإصلحها وتنهض إليه بسبب ذلك‪.‬‬
‫[‪ ]23‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب البر والصلة‪ ،‬باب فضل الحب في الله (‬
‫‪.)4/1988‬‬
‫[‪ ]24‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب المرض‪ ،‬باب عيادة المشرك (‪.)4/4‬‬
‫[‪ ]25‬شفاء السقام (ص‪.)8081:‬‬
‫[‪ ]26‬المرجع السابق (ص‪.)100:‬‬
‫[‪ ]27‬سنن الدارقطني (‪.)2/278‬‬
‫[‪ ]28‬الكامل لبن عدي (‪.)7/248‬‬
‫[‪ ]29‬صحيح البخاري‪ ،‬أبواب التطوع‪ ،‬باب فضل الصلة في‬
‫مسجدي مكة والمدينة (‪ .)1/206‬وصحيح مسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب ل‬
‫تشد الرحال إل إلى ثلثة مساجد (‪ )2/1014‬واللفظ للبخاري‪.‬‬
‫[‪ ]30‬الصحيح لقيت أبا بصرة الغفاري‪.‬‬
‫[‪ ]31‬الموطأ‪.)1/109( :‬‬
‫[‪ ]32‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب فضل الصلة‪ ،‬باب من أتى مسجد‬
‫قباء كل سبت (‪ ،)1/206‬وصحيح مسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب فضل‬
‫مسجد قباء وفضل الصلة فيه وزيارته (‪.)2/1016‬‬
‫[‪ ]33‬الحديث في سنن الترمذي‪ ،‬أبواب الصلة‪ ،‬باب ما جاء في‬
‫الصلة‪ .‬في سيد قباء (‪ )1/204‬بلفظ‪" :‬الصلة في مسجد قباء‬
‫كعمرة"‪.‬‬
‫[‪ ]34‬مجموع الرسائل الكبرى (‪ )2/59‬بتصرف‪.‬‬
‫[‪ ]35‬اقتضاء الصراط المستقيم (ص‪.)432:‬‬
‫[‪ ]36‬زيارة القبور الشركية والشرعية (ص‪.)22:‬‬
‫[‪ ]37‬والصحيح فلقيت أبا بصرة الغفاري‪.‬‬
‫[‪ ]38‬الموطأ‪.)1/109( :‬‬
‫[‪ ]39‬سلسلة الحاديث الضعيفة والموضوعة‪.)1/59( :‬‬
‫[‪ ]40‬يقصد اليتين (‪ )6061‬من سورة النساء‪.‬‬
‫[‪ ]41‬جامع البيان عن تأويل القرآن المعروف بتفسير الطبري (‬
‫‪.)8/517‬‬
‫[‪ ]42‬زاد المسير (‪.)2/223‬‬
‫[‪ ]43‬فتح القدير (‪.)1/483‬‬
‫[‪ ]44‬في ظلل القرآن (‪.)2/696‬‬
‫[‪ ]45‬وأما حكاية العتبي التي يوردها بعض المفسرين في تفسير‬
‫هذه الية فهي قصة ل يثبت بها حكم شرعي لنها مترددة بين أن‬
‫يكون مصدرها رؤيا منامية والرؤيا المنامية ل تصلح أن تكون دليلً‬
‫شرعيًا لستثناء رؤيا النبياء عليهم الصلة والسلم وبين أن يكون‬
‫مصدرها نداء مجهول سمع من قبر النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ضا‪ .‬انظر نص القصة في‬ ‫وروى بسند مرسل ل تقوم به الحجة أي ً‬
‫تفسير ابن كثير (‪ )1/52‬وتفسير القرطبي (‪.)5/267‬‬
‫[‪ ]46‬اليات البينات في عدم سماع الموات (ص‪ )79:‬هامش رقم‬
‫(‪.)2‬‬
‫[‪ ]47‬صيانة النسان عن وسوسة الشيخ دحلن (‪.)24‬‬
‫[‪ ]48‬المصدر السابق (ص‪.)31:‬‬
‫[‪ ]49‬سنن الدارقطني (‪.)2/278‬‬
‫[‪ ]50‬التاريخ الكبير (‪.)2/363‬‬
‫[‪ ]51‬التاريخ الكبير (‪.)2/363‬‬
‫[‪ ]52‬التاريخ الصغير (‪.)2/256‬‬
‫[‪ ]53‬المجروحين (‪.)1/255‬‬
‫[‪ ]54‬الجرح والتعديل لبن أبي حاتم (‪.)3/174‬‬
‫[‪ ]55‬الجرح والتعديل لبن أبي حاتم (‪.)7/179‬‬
‫[‪ ]56‬الضعفاء والمتروكين (ص‪.)9:‬‬
‫[‪ ]57‬المجروحون (‪.)2/231‬‬
‫[‪ ]58‬تقريب التهذيب (‪.)2/138‬‬
‫[‪ ]59‬الكامل لبن عدي (‪.)7/2480‬‬
‫[‪ ]60‬المجروحين (‪.)3/73‬‬
‫[‪ ]61‬الكامل لبن عدي (‪.)7/2480‬‬
‫[‪ ]62‬الكامل لبن عدي (‪.)7/2480‬‬
‫[‪ ]63‬الكامل لبن عدي (‪.)7/2480‬‬
‫[‪ ]64‬المغني في الضعفاء (‪.)2/629‬‬
‫[‪ ]65‬ميزان العتدال (‪.)4/26‬‬
‫[‪ ]66‬المغني في الضعفاء (‪.)2/629‬‬
‫[‪ ]67‬لسان الميزان (‪.)5/358‬‬
‫[‪ ]68‬تقريب التهذيب (‪.)2/205‬‬
‫[‪ ]69‬كتاب الموضوعات (‪.)2/217‬‬
‫[‪ ]70‬اقتضاء الصراط المستقيم (‪.)401 400‬‬
‫‪ .11‬التصديق بالنبي صلى الله عليه وسلم من غير‬
‫تأويل‬
‫د‪ .‬لطف الله بن مل عبد العظيم خوجه‬

‫مقدمة‪ :‬عادت جذعا‬


‫إن ما حدث أخيًرا أحيا كثيرا من القضايا المتعلقة بحقوق النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬كادت أن تغيب‪ ،‬فتموت بين الحوادث‬
‫المتداخلة‪ ،‬من‪ :‬حروب‪ ،‬واحتلل‪ ،‬وكوارث‪ ،‬وأموال وتجارات‬
‫مهلية‪ :‬أسهم‪ ،‬وملهي‪ ..‬وفتن وشهوات مفسدة‪ ،‬وغفلة عن الله‬
‫تعالى والدار الخرة!!‪.‬‬
‫لقد تسبب المسيئون في يقظة أمة محمد صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫وقيامها بدينها‪ ،‬واعتزازها بنبيها‪ ،‬وتعاليمه‪ .‬فهمت حقيقة الصراع‬
‫بين اليمان والكفر‪ ،‬والولء والبراء‪ ،‬وأدركت معاني اليات‪:‬‬
‫‪{ -‬يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا بطانة من دونكم ل يألونكم خبال‬
‫ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم‬
‫أكبر قد بينا لكم اليات إن كنتم تعقلون * ها أنتم أولء تحبونهم‬
‫ول يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا‬
‫عضوا عليكم النامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم‬
‫بذات الصدور * إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة‬
‫يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا ل يضركم كيدهم شيئا إن الله بما‬
‫يعملون محيط}‪.‬‬
‫‪{ -‬ول يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا}‬
‫‪{ -‬ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا‬
‫حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق}‪.‬‬
‫أدركت علو السلم على كل الديان‪ ،‬وأنه الدين الحق وحده‪ ،‬وأن‬
‫ما عداه باطل‪ ،‬ل يدانيه بحال‪.‬‬
‫هذه الصول التي أراد لها الكافرون المحاربون لدين الله تعالى‪،‬‬
‫أن تتوارى‪ ،‬وتندثر‪ .‬تعاونهم فئة من المة‪ ،‬رضيت لنفسها أن‬
‫تكون ضد نبيها‪ ،‬وقرآنها‪ ،‬ودينها‪ ،‬وأمتها‪..‬؟!!‪.‬‬
‫غير أن هذا الحدث‪ ،‬وما تبعها من حركة المسلمين‪ ،‬الممتلئة‬
‫إيمانا‪ ،‬وتصديقا‪ ،‬ومحبة‪ :‬أخرسهم‪ ،‬وحطم قدرا كبيرا من آمالهم‪،‬‬
‫وقد كانوا قطعوا شوطًا في إعادة صياغة السلم‪ ،‬في صورة‬
‫تختفي منها قضية الولء والبراء‪ ،‬وعلو السلم‪ ،‬فجاء هذا الحدث‬
‫فأعادها جذعا‪ ،‬فصار لزاما عليهم أن يبدءوا هذا التحريف والخلط‬
‫من جديد‪ ،‬وبأسلوب آخر‪ ،‬وبجهد وحيلة أكبر‪ ،‬لصلح ما أفسده‬
‫عليهم أولئك الذين يتكلمون بحقيقة ما في ضميرهم‪ ،‬وما تكنه‬
‫قلوبهم‪ ،‬لعلهم يقدرون على تغيير عقيدة المسلم‪.!!..‬‬
‫وأنى لهم ذلك‪ ،‬والمسلمون اليوم أكثر فهما وإدراكا لحقيقة الولء‬
‫والبراء‪ ،‬بما رأوه من عدوانهم وعدواتهم للسلم والمسلمين‪،‬‬
‫بالحرب‪ ،‬والحتلل‪ ،‬والتدمير‪ ،‬والنهب والحصار‪..‬؟!!‪ .‬فما لم‬
‫يفهموه على أيدي علمائهم‪ ،‬ومن كلم ربهم‪ :‬فهموه من ظلم‬
‫وعدوان الكافر‪.‬‬
‫ومن الحقائق التي عادت جذعا اليوم‪ :‬اليمان بالنبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬

‫أدلة التصديق‪:‬‬
‫اليمان بالنبي صلى الله عليه وسلم يتضمن أمرين‪:‬‬
‫‪ -‬الول‪ :‬تصديقه في رسالته ونبوته؛ أي كونه رسول نبيا‪.‬‬
‫‪ -‬الثاني‪ :‬تصديقه فيما أخبر به‪ ،‬وأمر به؛ أي قبول خبره وأمره‪.‬‬
‫وهو فرض على كل‪ :‬إنسان‪ ،‬عاقل‪ ،‬بالغ‪ ،‬ذكر أو أنثى‪ ،‬حر أو عبد‪،‬‬
‫ول يصح السلم إل به‪.‬‬
‫فالسلم ل بد فيه من خضوع وانقياد‪ ،‬ول يكون ذلك إل‬
‫بالتصديق‪ .‬فمن كذب النبي ولم يصدق به في خبره‪ ،‬وفي أمره‪:‬‬
‫لم يخضع له‪ ،‬ولم ينقد‪ .‬ومن ثم ل يكون مسلما‪ ،‬فمن أنواع‬
‫الكفر‪ :‬كفر التكذيب ( وهو ضد التصديق)‪ ،‬والعراض ( هو ضد‬
‫الخضوع والنقياد)‪.‬‬
‫وأدلة هذا الوجوب‪ :‬شرعية‪ ،‬ومنطقية عقلية‪.‬‬
‫فالدلة الشرعية‪ ،‬منها قوله تعالى‪:‬‬
‫الدليل الول‪{ :‬فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا}‪.‬‬
‫فهذا نص صريح في وجوب اليمان برسوليته صلى الله عليه‬
‫وسلم‪{ :‬ورسوله}‪ .‬وبرسالته‪{ :‬والنور الذي أنزلنا}‪ ،‬ل شيء‬
‫يصرفه عن الوجوب إلى الستحباب‪.‬‬
‫الدليل الثاني‪{ :‬ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين‬
‫سعيًرا}‪.‬‬
‫وهذا النص عكس السابق‪ ،‬هناك أمر‪ ،‬وهنا وعيد لمن لم يؤمن‪،‬‬
‫وفي كليهما قرن بين اليمان بالله ورسوله‪ ،‬لكن هنا توعد من لم‬
‫يؤمن بهما بالكفر والسعير‪ ،‬ومفهوم المخالفة‪ :‬أن من آمن بهما‬
‫نجى من الكفر والسعير‪.‬‬
‫الدليل الثالث‪{ :‬فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق‬
‫إذ جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين * والذي جاء بالصدق‬
‫وصدق به أولئك هم المتقون}‪.‬‬
‫ودللة الية‪ :‬أن أظلم الظلم‪ :‬الكذب على الله تعالى بنسبة الولد‬
‫إليه والصاحبة‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬وكذا التكذيب بما جاء من عنده من‬
‫صدق؛ أي تكذيب الوحي الذي جاء به الرسول المين‪ .‬فهؤلء‬
‫ظالمون‪ ،‬كافرون‪ ،‬مثواهم جهنم‪ .‬وضدهم المتقون‪ ،‬وهم النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم الذي جاء بالصدق‪ ،‬وهو القرآن‪ ،‬والمؤمنون‬
‫المصدقون له فيما جاء به‪ .‬فهذا نص صريح في كفر من كذب‬
‫برسالة النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫في أي شيء يصدّق؟‪.‬‬


‫إن مبنى تصديقه فيما أخبر‪ ،‬يقوم على القرار له صلى الله عليه‬
‫وسلم بالرسالة‪ ،‬فمن أقر له بالرسالة‪ ،‬وجب عليه تصديقه‬
‫مطلقا‪.‬‬
‫أما القرار بأنه رسول من عند الله مع رد خبره وأمره الثابت‪،‬‬
‫فهو تناقض وكفر‪.‬‬
‫والخبار الواردة عنه صلى الله عليه وسلم على ثلثة أنحاء‪:‬‬
‫‪ -1‬ثابت يقينا‪ ،‬قد تلقته المة بالقبول‪ ،‬مثل ما في الصحيحين‬
‫عموما‪.‬‬
‫‪ -2‬باطل يقينا‪ ،‬كالموضوعات والحاديث الضعيفة غير المنجبرة‪.‬‬
‫‪ -3‬ما بين ذلك‪ ،‬للعلماء فيها نظر واختلف‪.‬‬
‫فأما الباطل‪ ،‬فرده وتكذيبه هو الواجب الذي ل ينبغي غيره؛ لنه‬
‫كذب على صاحب الشريعة‪.‬‬
‫وأما المختلف فيه‪ ،‬فل إثم على من رده فلم يقبله‪ ،‬اعتمادا على‬
‫بحث ونظر أدى إلى تضعيفه ورده‪ ،‬أو ثقة في قول عالم‪ ،‬من‬
‫علماء الحديث والجرح والتعديل‪ ،‬رده بعلم ودراية‪.‬‬
‫لكن الشأن في الثابت يقينا‪ ،‬فل يجوز رده ول تكذيبه‪ ،‬فمن فعل‬
‫ذلك فهو مكذب بالنبي غير مصدق له‪ ،‬أو مصدق لكنه معاند‪،‬‬
‫ومن أنواع الكفر‪ :‬العناد‪.‬‬
‫ووصف الثابت يقينا‪ :‬هو ما أجمع أهل العلم بالحديث والجرح‬
‫والتعديل‪ ،‬من أهل السنة والجماعة‪ ،‬على تلقيه بالقبول‬
‫والتصحيح‪ ،‬والجماع من الحجج الشرعية‪ ،‬التي ل يخالف فيها أحد‬
‫من أهل العلم‪ ،‬لقوله تعالى‪:‬‬
‫‪{ -‬ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير‬
‫سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا}‪.‬‬
‫وفي هذا رد على من رفض قبول تصحيح أهل العلم بالحديث‪،‬‬
‫بدعوى أنهم بشر يخطئون‪ ،‬فليست الحجة في آحادهم‪ ،‬بل في‬
‫مجموعهم‪ ،‬ومجموعهم ل يجتمع على ضللة‪ ،‬كما دلت الية‪.‬‬
‫ومن أمثلة هذا الثابت بيقين‪:‬‬
‫‪ -1‬جملة ما في صحيح البخاري ومسلم‪ ،‬دون جميع أفرادها‪ ،‬حيث‬
‫انتقد بعض أحاديثهما‪ ،‬من جمع من المحدثين الثقات‪ ،‬المعروفين‬
‫بالسنة والعدالة‪ ،‬لكن ل يصح أن يكون ذلك سببا في الطعن في‬
‫شيء فيهما‪.‬‬
‫‪ -2‬الثار المتواترة‪ ،‬وهي التي رواها الجمع الكثير عن الجمع‬
‫الكثير‪ ،‬العشرة فما فوق‪ ،‬حيث يستحيل عادة تواطؤهم على‬
‫الكذب‪.‬‬
‫‪ -3‬أصول الثار التي استقر اعتقاد أهل السنة والجماعة عليها‪،‬‬
‫في أبواب العتقاد والشريعة‪.‬‬
‫وفرق بين الذي يرد الحديث باجتهاد في التصحيح والتضعيف‪،‬‬
‫نظرا منه واجتهادا في تطبيق قواعد الجرح والتعديل‪ ،‬وبين الراد‬
‫له بدون قاعدة‪ ،‬بل بالهوى والمزاج‪ ،‬فهذا قد يرد جميع الحديث‪،‬‬
‫فل يقبل ول واحدا منه‪ ،‬إل ما لءمه ووافق ميولته‪ ،‬فهذا مكذب‬
‫غير مصدق؛ لنه إن كان مصدقا برسالة النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فل بد أن يصدق أن دينه محفوظ بمصادره‪ ،‬وهي الكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬لكن رده للسنة يتضمن إنكار أن يكون دينه محفوظا‪،‬‬
‫وهذا فيه إنكار للرسالة من أصلها‪.‬‬

‫تأويل في معنى التكذيب‪.‬‬


‫والتكذيب كما يكون برد ما ثبت ردا صريحا‪ ،‬فكذلك يكون بتأويل‬
‫الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم تأويل يخرجه عن معناه‪،‬‬
‫ويبطل دللته بالكلية‪ ،‬بقصد وتعمد‪ .‬وهو مسلك يتبعه المنافقون‬
‫الذين يلقبون بالباطنية‪ ،‬وهم‪ :‬القرامطة‪ ،‬والسماعيلية‪،‬‬
‫والنصيرية‪ ،‬والدروز‪ ،‬وطوائف من الصوفية‪ ،‬الذين يزعمون أن‬
‫للشريعة ظاهرا وباطنا‪ ،‬فظاهرها للعوام‪ ،‬وباطنها للخواص‪،‬‬
‫ويجعلون المعاني الباطنة مخالفة تماما لدللت النصوص‪.‬‬
‫وهي أيضا‪ :‬طريقة جماعة من المعاصرين‪ ،‬من أصحاب الفكر‬
‫الحديث‪ ،‬المدعين التزام السلم وتعظيمه‪ ،‬لكن بتأويل الشريعة‪،‬‬
‫حكم ول خبر ل‬ ‫تأويل ً يعطل‪ :‬دللتها‪ ،‬ومعانيها‪ ،‬وأحكامها‪ .‬فما من ُ‬
‫يوافق أهواءهم‪ ،‬إل ردوه وأولوه بما يتوافق مع أهوائهم‪ ،‬وركبوا‬
‫لجل ذلك طرق التحريف‪:‬‬
‫‪ -‬فهذا النص والحكم كان لزمن ولظرف خاص‪ ،‬ول ينفع في هذا‬
‫العصر؛ لن الظرف تغير‪.‬‬
‫‪ -‬وهذا النص له تفسيرات أخرى في اللغة‪.‬‬
‫‪ -‬وهذا النص يتعارض مع الحرية‪ ،‬والحرية من أسس السلم‪ ،‬فل‬
‫بد من تأويله‪.‬‬
‫‪ -‬وفي هذه الحاديث لسنا ملزمين بالخذ بتصحيح بشر يخطئون‪.‬‬

‫وهكذا ما تركوا أمرا ول خبرا‪ ،‬إل ردوه معتمدين أهواءهم‪،‬‬


‫مستدلين بكلم بعض العلماء مبتوًرا‪ ،‬أو مسيئين الفهم‪ ،‬أو‬
‫قاصدين إساءة الفهم‪ ،‬فما حالهم إل حال المكذب‪ ،‬وما فعلهم إل‬
‫فعل المكذب‪.‬‬
‫فل ريب أن هذا كفر‪ ،‬كفر التكذيب الصريح‪ ،‬بل هو أخبث‪ ،‬إذ‬
‫يوهم أن صاحبه معظم للشريعة‪ ،‬عامل بها‪ ،‬بينما هو محرف لها‪،‬‬
‫معطل لصولها وحقائقها‪ ،‬وهذا النوع من التكذيب المبطن الخفي‬
‫لخبار النبي صلى الله عليه وسلم يشتهر وينتعش في حالتين‪:‬‬
‫‪ -‬في حال غلبة الشريعة وهيمنتها‪ ،‬فيخاف أولئك المحرفون من‬
‫إظهار تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم علنا وجهارا‪ ،‬فليجئون‬
‫إلى طريقة الشريعة الباطنة‪.‬‬
‫‪ -‬وفي حال غلبة التدين على الناس‪ ،‬حيث تعتمد فئة هذا‬
‫السلوب لضلل الناس عن دينهم وصرفهم عنه‪ ،‬فيفعلون هذا‬
‫بشريعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬كما فعل بولس‬
‫بشريعة عيسى عليه السلم‪.‬‬

‫أصول التصديق‪.‬‬
‫من أهم هذه الصول‪:‬‬
‫اعتقاد هيمنة شريعته على سائر الشرائع‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬
‫‪{ -‬وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب‬
‫ومهيمنا عليه}‪.‬‬
‫‪{ -‬وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم‬
‫جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقرتم‬
‫وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم‬
‫من الشاهدين}‪.‬‬

‫وهذا الصل ينضوي تحته ما يلي‪:‬‬


‫‪ -1‬تصديقه أنه خاتم النبياء والرسل‪.‬‬
‫ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى‪{ :‬ما كان محمد أبا أحد من‬
‫رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء‬
‫عليما}‪ .‬قال ابن كثير( التفسير ‪:)6/423‬‬
‫"هذه الية نص على أنه ل نبي بعده‪ ،‬وإذا كان ل نبي بعده‪ ،‬فل‬
‫رسول بطريق الولى والحرى؛ لن مقام الرسالة أخص من‬
‫مقام النبوة‪ ،‬فإن كل رسول نبي‪ ،‬ول ينعكس‪ ،‬وبذلك وردت‬
‫الحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من‬
‫حديث جماعة من الصحابة"‪.‬‬
‫فلو ادعى مدع أنه نبي فهو كاذب‪ ،‬والكذابون كثير‪ ،‬وهم على‬
‫صنفين‪:‬‬
‫‪ -‬الصنف الول‪ :‬من يدعي النبوة صراحة‪ ،‬فيتسمى بها‪ ،‬كمسيلمة‬
‫والسود العنسي‪.‬‬
‫‪ -‬الثاني‪ :‬من ادعى مقاما كمقام النبوة‪ ،‬ولو سماه بمقام الولية‪،‬‬
‫أو غير ذلك‪ ،‬يزعم فيه أنه يتلقى وحيا كوحي النبياء‪ ،‬ولو لم‬
‫يسمه وحيا‪ ،‬بل‪ :‬إلهاما‪ ،‬وكشفا‪ ،‬وفراسة‪ .‬وهو كاذب‪ ،‬إذ النبوة‬
‫اسم ومقام‪ ،‬يتلقى فيه الوحي من الله تعالى‪ ،‬ول يكون لحد بعد‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم بإجماع المة‪.‬‬
‫فكل من ادعاه فقد افترى كذبا‪ ،‬سواء ادعى السم‪ ،‬أو ادعى‬
‫الحقيقة والمضمون‪.‬‬

‫‪ -2‬تصديقه أنه أرسل للناس كافة‪.‬‬


‫ويشهد لهذا آيات في القرآن‪ ،‬كقوله تعالى‪:‬‬
‫‪{ -‬وما أرسلنا إل كافة للناس بشيرا نذيرا ولكن أكثر الناس ل‬
‫يعلمون}‪.‬‬
‫‪{ -‬قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا}‪.‬‬
‫‪{ -‬تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا}‪.‬‬
‫فرسالة النبي صلى الله عليه وسلم عامة لجميع البشر‪ ،‬بل‬
‫والجن‪ ،‬كما هو ثابت من أخبار الجن في القرآن في سورة الجن‪،‬‬
‫وآخر الحقاف‪ ،‬وليست خاصة‪ ،‬وهي ميزة تفرد بها عن سائر‬
‫النبياء‪ ،‬وبذلك ل يسع أحدا من العالمين أن يخرج عن شريعته‪ ،‬أو‬
‫يرفض دعوته‪ ،‬أو يدعي أنها ل تلزمه‪.‬‬
‫‪ -3‬تصديقه أن من لم يتبعه ولم يؤمن به فهو من أهل النار‪ ،‬سواء‬
‫كان يهويا أو نصرانيا أو غير ذلك‪.‬‬
‫ويشهد لهذا أدلة كثيرة‪ ،‬كقوله تعالى‪:‬‬
‫‪{ -‬ومن يبتغ غير السلم دينا فلن يقبل منه وهو في الخرة من‬
‫الخاسرين}‪.‬‬
‫‪ -‬وقال‪{ :‬وقل للذين أوتوا الكتاب والميين ءأسلمتم فإن أسلموا‬
‫فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلغ والله بصير بالعباد}‪.‬‬
‫‪ -‬وقال عليه الصلة والسلم‪( :‬والله ل يسمع بي يهودي ول‬
‫نصراني ثم ل يؤمن بي إل كان من أهل النار)‪.‬‬
‫‪ -4‬تصديقه أن شريعته التي أتى بها هي أحسن الشرائع‪ ،‬وأن دين‬
‫السلم هو أحسن الديان وأعلها‪ ،‬وأن اليهودية والنصرانية ل‬
‫تساويها بحال‪.‬‬
‫ويشهد لهذا أدلة كثيرة منها‪:‬‬
‫‪ -‬قال تعالى‪{ :‬ول تهنوا ل تحزنوا وأنتم العلون إن كنتم‬
‫مؤمنين}‪.‬‬
‫‪ -‬وقال صلى الله عليه وسلم‪( :‬السلم يعلو ول يعلى عليه)‪.‬‬
‫‪ -5‬تصديقه في أن دينه شامل لكل أوجه الحياة ونشاطاتها‪،‬‬
‫صغيرها وكبيرها‪ ،‬فل يخرج عنه‪.‬‬
‫ويشهد لهذا قوله تعالى‪:‬‬
‫{قل إن صلتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ل‬
‫شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين}‪.‬‬
‫فهذه القضايا من الصول التي يجب تصديقها‪ ،‬واليمان بها‪،‬‬
‫والحاجة إلى التذكير بها في الوقت ماسة‪ ،‬لكثرة من يدخل في‬
‫نفوس الناس الريب فيها‪ ،‬ومن يريد تعطليها ومحوها‪ ،‬وليعلم أن‬
‫محوها محو للسلم من أصله‪ ،‬فل إسلم إل بعلو في الرض‪ ،‬فهو‬
‫دين الله تعالى الذي ارتضاه لعباده‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫{اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم‬
‫السلم دينا}‪.‬‬

‫تصديق مطلق‪:‬‬
‫هذا وإن من التصديق التصديق المطلق‪ ،‬ولو لم تدرك الحكمة‪،‬‬
‫فإن من صدق أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقد‬
‫ائتمنه على الشريعة‪ ،‬فهو مأمون‪ ،‬ل يكذب ول يفتري‪ ،‬والله‬
‫تعالى شهد له بهذا‪ ،‬فإذا كان كذلك وجب تصديقه من غير تردد‪،‬‬
‫ولو لم تتبد له الحكمة‪ ،‬هذا حال المؤمنين‪:‬‬
‫‪{ -‬إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم‬
‫بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون}‪.‬‬
‫‪{ -‬وما كان لمؤمن ول مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن‬
‫يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل‬
‫ضلل مبينا}‪.‬‬
‫‪{ -‬فل وربك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم ل‬
‫يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}‪.‬‬
‫لما أسري برسول الله عاد فأخبر قومه فكذبوه وارتد كثير ممن‬
‫أسلم‪ ،‬وذهب الناس إلى أبي بكر فقالوا له‪" :‬هل لك يا أبا بكر‬
‫في صاحبك يزعم أن قد جاء هذه الليلة بيت المقدس وصلى فيه‬
‫ورجع إلى مكة"‪.‬‬
‫فقال لهم أبو بكر‪ " :‬والله لئن كان قاله لقد صدق‪ ،‬فما يعجبكم‬
‫من ذلك! فوالله إنه ليخبرني أن الخبر يأتيه من السماء إلى‬
‫الرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه‪ ،‬فهذا أبعد مما تعجبون‬
‫منه"‪.‬‬
‫فسمي يومئذ الصديق‪" ..‬تهذيب السيرة" ص‬
‫‪ .12‬آداب زيارة المسجد النبوي‬
‫بقلم ‪ /‬أحمد بن عبد العزيز الحمدان‬
‫* مقدمة‪:‬‬
‫ن زيارة مسجد رسول الله ‪ -‬صلوات ربي‬ ‫اعلم ‪ -‬أخي الكريم ‪ -‬أ َّ‬
‫وسلمه عليه‪،‬‬
‫وعلى آله الطيبين الطاهرين‪ ،‬وصحابته الغّرِ الميامين‪ ،‬وزوجاته‬
‫أمهات المؤمنين –‬
‫سنة مستحبة بإجماع علماء السلم العلم‪ ،‬فمسجد رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‬
‫َ‬
‫أحد ثلثة مساجد ل تُشد الّرِحال إل ّ إليها‪.‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬ل تشد الرحال إل إلى‬
‫ثلثة مساجد‪ :‬المسجد الحرام‪ ،‬ومسجدي هذا‪ ،‬والمسجد‬
‫القصى"‪.‬‬
‫وزيارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مستحبة طوال‬
‫العام‪ ،‬وليست مخصوصة‬
‫ما كان اليسر والرفق لمن أتى الديار المقدسة‬ ‫بوقت‪ ،‬ولكن ل َّ‬
‫ج أو عمرة أن يزوره‪،‬‬ ‫لح ٍ ّ‬
‫ويصعب عليه تخصيصه بزيارة فهؤلء يستحب لهم أل يفوتوا‬
‫الفرصة على أنفسهم‪ ،‬بل‬
‫يبادروا إلى زيارة مسجد رسول الله عليه الصلة والسلم‪ ،‬فإنَّه‬
‫أعظم لجرهم‪ ،‬ويدركون‬
‫بالزيارة مال يدركه غيرهم‪.‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬صلة في مسجدي هذا‬
‫خير من ألف صلة فيما سواه إل المسجد الحرام"‪.‬‬
‫فإذا وصلت مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فادخله‬
‫بأدب وسكينة‪ ،‬وتجنب رفع‬
‫الصوت فيه‪ ،‬مقدما ً رجلك اليمنى عند دخولك‪ ،‬مصليا ً على رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ن الروضة لها‬ ‫وصل في الروضة الشريفة ما يسر الله لك‪ ،‬فإ َّ‬
‫شرف وفضل‪،‬‬
‫قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬ما بين بيتي ومنبري‬
‫روضة من رياض الجنة"‪.‬‬
‫ثم اذهب لزيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وقبري‬
‫صاحبيه أبي بكر الصديق‪،‬‬
‫وعمر الفاروق رضي الله عنهما‪ ،‬وقف أمام قبر رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم الشريف‪،‬‬
‫ن التأدب مع رسول الله صلى الله عليه‬ ‫بأدب وخفض صوت‪ ،‬فإ َّ‬
‫وسلم واجب حيا ً وميتاً؛ وقل‪((:‬السـلم عليك ‪-‬يا رسـول الله‪-‬‬
‫ورحمة الله وبركاته‪ ،‬السـلم عليك يا نبي الله‪،‬السـلم عليك يا‬
‫خير خلق الله‪ ،‬السلم عليك يا سيد المرسلين‪ ،‬وإمام المتقين‪،‬‬
‫وقائد الغّر المحجلين‪.‬‬
‫اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل‬
‫إبراهيم‪ ،‬وبارك على محمد وعلى‬
‫آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪.‬‬
‫أشهد أنك رسول الله حقاً‪ ،‬وأنك بلّغت الرسالة‪ ،‬وأديت المانة‪،‬‬
‫ونصحت المة‪ ،‬وجاهدت‬
‫في الله حق جهاده‪ ،‬فجزاك الله عنَّا أفضل الجزاء‪ ،‬وصلى عليك‬
‫صلة تمل أقطار الرض‬
‫َ‬
‫والسماء وسل ّم تسليما ً كثيراً))‪.‬‬
‫ثم خذ ذات اليمين قليل ً لتكون تجاه قبر أبي بكر الصديق رضي‬
‫الله عنه‪ ،‬وسلم عليه‪،‬‬
‫وسل الله تعالى له الرضوان‪.‬‬
‫ثم خذ ذات اليمين قليل ً لتكون تجاه قبر عمر الفارق رضي الله‬
‫عنه وسلم عليه‪،‬‬
‫وسل الله تعالى له الرضوان‪.‬‬
‫واحذر ما يفعله بعض الجهلة من محاولة مسح الشبك الذي وضع‬
‫حماية للحجرة الشريفة‪،‬‬
‫أو استقبال القبر الشريف حال الدعاء‪ ،‬أو الوقوف أمام القبر‬
‫ن هذا من‬ ‫كهيئة المصلي‪ ،‬فإ َّ‬
‫المور التي لم يشرعها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫فهي بدع محدثة‪.‬‬
‫وتستحب زيارة البقيع‪ ،‬وفيه قبور كثير من الصحابة والتابعين‬
‫والصالحين رضي الله عنهم‪،‬‬
‫وزيارة قبور شهداء أحد رضي الله عنهم‪.‬‬
‫َّ‬
‫ويستحب لمن زارهم أن يقف عند مقابرهم؛ ويقول ‪ -‬كما علمنا‬
‫رسول الهدى ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪(( :‬السلم عليكم أهل الديار من المؤمنين‬
‫والمسلمين‪ ،‬وإنّا ‪-‬إن شاء الله‪ -‬بكم‬
‫لحقون‪ ،‬نسأل الله لنا ولكم العافية))‪.‬‬
‫ثم احرص ـ بارك الله فيك ـ على أن تتطهر في مقر إقامتك‪ ،‬ثم‬
‫تذهب لزيارة مسجد قباء‪،‬‬
‫ث رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫والصلة فيه‪ ،‬فإنَّه مما ح ّ‬
‫على زيارته‪ ،‬والصلة فيه‪،‬‬
‫حيث جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال‪":‬من تطهر في بيته‬
‫ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلة كان له كأجر عمرة"‪ .‬وصلى‬
‫َ‬
‫مد وعلى آله وصحبه وسل ّم‪.‬‬ ‫الله على نبينا مح َّ‬
‫‪ .13‬أروع قصص الحب‬
‫شائع محمد الغبيشي‬
‫الحديث عن العظماء يأخذ بمجامع القلوب و تشرأب إليه أعناق‬
‫أولي النهى تزدان بسيرهم المجالس و تعطر بأخبارهم الندية و‬
‫يتوق إلى معرفة سيرهم أصحاب الهمم و عشاق المعالي فما‬
‫بالكم إخوتي إذا كان الحديث عن إمام العظماء و أشرف‬
‫الشرفاء و سيد النبلء ما بالكم إذا كان الحديث عن البدر يسري‬
‫بضوئه متعة للسامرين و دليل ً للحائرين بل هو الشمس تهدي‬
‫نورها وجه الرض فيتلل ضياء و نورا ً‬
‫ولد الهدى فالكائنات ضياء *** وفم الزمان تبسم و ثناء‬
‫الروح و المل الملئك حوله *** للدين و الدنيا به بشراء‬
‫و الوحي يقطر سلسل ً من سلسل *** و اللوح و القلم البديع‬
‫رواء‬
‫يوم يتيه على الزمان صباحه *** و مساءه بمحمد وضاء‬
‫بك بشر الله السماء فزينت *** و تضوعت مسكا ً بك الغبراء‬
‫يا من له الخلق ما تهو العل *** منها و ما يتعشق الكبراء‬
‫زانتك في الخلق العظيم شمائل *** يغرى بهن و يولع الكرماء‬
‫حديثنا عن الشمس التي أشرقت فعمت بنورها الكون كله و‬
‫لكن البون بينها وبين شمسنا شاسع جدا ً فشمسنا تغرب و‬
‫شمسه صلى الله عليه و سلم تبقى منيرة إلى قيام الساعة قال‬
‫عياً‬‫شرا ً َونَذِيرا ً *وَدَا ِ‬ ‫َ‬ ‫تعالى ‪( :‬يَا أَيُّهَا النَّب ِ ُّ‬
‫شاهِدا ً وَ ُ‬
‫مب َ ّ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫سلْنَا َ‬
‫ي إِنَّا أْر َ‬
‫َ‬
‫منِيرا ً )الحزاب ‪46‬‬ ‫سَراجا ً ُّ‬ ‫إِلَى الل ّهِ بِإِذ ْنِهِ وَ ِ‬
‫م كَثِيراً‬ ‫ن لَك ُ ْ‬
‫سولُنَا يُبَي ِّ ُ‬ ‫م َر ُ‬‫جاءك ُ ْ‬ ‫ب قَد ْ َ‬ ‫ل الْكِتَا ِ‬ ‫وقال تعالى‪( :‬يَا أَهْ َ‬
‫ن اللّهِ‬ ‫م َ‬‫جاءكُم ِّ‬ ‫ب وَيَعْفُو ع َن كَثِيرٍ قَد ْ َ‬ ‫ن الْكِتَا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬‫خفُو َ‬ ‫م تُ ْ‬‫ما كُنت ُ ْ‬
‫م َّ‬
‫ِّ‬
‫ن ) المائدة ‪15‬‬ ‫مبِي ٌ‬‫ب ُّ‬ ‫نُوٌر وَكِتَا ٌ‬
‫قال المام الطبري رحمه الله ‪ {[ :‬من الله نور } يعني بالنور‬
‫محمدا صلى الله عليه وسلم الذي أنار الله به الحق وأظهر به‬
‫السلم ومحق به الشرك فهو نور لمن استنار به‪ ]...‬تفسير‬
‫الطبري ج ‪4‬صـ ‪501‬ـ‬
‫عن عرباض بن سارية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يقول ‪ :‬اني عبد الله وخاتم النبيين فذكر فيه إن أم رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم رأت حين وضعته نورا أضاءت منه‬
‫قصور الشام ) قال‪ :‬شعيب الرنؤوط ‪ :‬حديث صحيح لغيره قال‬
‫جابر رضي الله عنه ‪ ( :‬رأيت رسول الله في ليلة أضحيان ـ أي‬
‫ليلة مضيئة ل غيم فيها ـ فجعلت أنظر إلى رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم و إلى القمر و عليه حلة حمراء فإذا هو أحسن عندي‬
‫من القمر ) رواه الترمذي‬
‫عن أنس بن مالك قال ‪ :‬لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شيء فلما كان‬
‫اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء ولما نفضنا عن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم اليدي وإنا لفي دفنه حتى أنكرنا‬
‫قلوبنا) رواه الترمذي و قال اللباني‪ :‬صحيح‬
‫حديثنا أيها الكرام عن السراج المنير الذي امتن الله به علينا‬
‫فأنار القلوب بعد ظلمتها و أحياها بعد مواتها و هداها بعد ضللتها‬
‫شقوتها فكان صلى الله عليه و سلم الصباح بعد‬ ‫و أسعدها بعد ِ‬
‫ليل طويل مظلم بهيم ‪:‬‬
‫بزغ الصباح بنور وجهك بعدما *** غشت البرية ظلمة سوداء‬
‫فتفتقت بالنور أركان الدجى *** و سعى على الكون الفسيح‬
‫ضياء‬
‫و مضى السلم على البسيطة صافيا ً *** تروى به الفيحاء و‬
‫الجرداء‬
‫حتى صفت للكون أعظم شرعة *** فاضت بجود سخائها النحاء‬
‫يا سيد الثقلين يا نبع الهدى *** يا خير من سعدت به الرجاء‬
‫حديثنا عن الرحمة المهداة و النعمة المسداة كنا على شفا‬
‫َّ‬
‫ل اللهِ‬ ‫حب ْ‬
‫موا ب ِ َ‬ ‫ص ُ‬ ‫حفرة من النار فأنقذنا الله به قال تعالى (وَاع ْت َ ِ‬
‫ِ َ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ف‬
‫م أعْدَاءً فأل َ‬ ‫م إِذ ْ كُنْت ُ ْ‬ ‫ت الل ّهِ ع َلَيْك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ميعا ً وَل تَفََّرقُوا وَاذ ْكُُروا نِعْ َ‬ ‫ج ِ‬‫َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫حفَْرةٍ ِ‬ ‫شفَا ُ‬ ‫م ع َلى َ‬
‫َ‬ ‫خوََانا وَكنْت ُ ْ‬ ‫متِهِ إ ِ ْ‬ ‫م بِنِعْ َ‬‫حت ُ ْ‬
‫صب َ ْ‬‫م فَأ ْ‬ ‫ن قُلوبِك ْ‬
‫َ‬ ‫بَي ْ َ‬
‫ن) (آل‬ ‫م تَهْتَدُو َ‬ ‫م آيَاتِهِ لَعَل ّك ُ ْ‬ ‫ه لَك ُ ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ك يُبَي ِّ ُ‬‫منْهَا كَذَل ِ َ‬ ‫م ِ‬‫النَّارِ فَأنْقَذ َك ُ ْ‬
‫عمران‪)103:‬‬
‫محب ؟ و من‬ ‫حديثا عن أروع قصص الحب و لكن من ال ُ‬
‫المحبوب ؟ و ما نوع الحب ؟‬
‫محب فالشجر و الحجر و والجبل و السهل و الحيوان و‬ ‫أما ال ُ‬
‫الطير ‪ ,‬و الحديث عن حب البشر له فشيء آخر و حديث آخر ما‬
‫بالكم بحب أعين اكتحلت بالنظر إلى وجهه الكريم و آذان تلذذت‬
‫بسماح حديثه ما بالكم بحب من جالسه و عاشره صلى الله عليه‬
‫ب لم يُشهد مثله على وجه البسيطة‪.‬‬ ‫و سلم ل شك أنه ح ٌ‬
‫أما المحبوب فهو خير من مشى على الرض و خير من طلعت‬
‫عليه الشمس بل هو شمس الدنيا و ضياؤها بهجتها و سرورها‬
‫ريقه دواء و نفثه شفاء و عرقه أطيب الطيب أجمل البشر و‬
‫أبهى من الدرر يأسر القلوب و يجتذب الفئدة متعة النظر و‬
‫شفاء البصر إذا تكلم أساخت له لقلوب قبل السماع فل تسل‬
‫عما يحصل لها من السعادة و المتاع كم شفى قلبا ً ملتاعا ً و كم‬
‫هدى من أوشك على الهلك و الضياع ‪.‬‬
‫قال ابن الجوزي رحمه الله في وصفه ‪ [ :‬من تحركت لعظمته‬
‫السواكن فحن إليه الجذع ‪ ،‬و كلمه الذئب ‪ ،‬و سبح في كفه‬
‫ل كنى عن شوقه بلسانه يا جملة‬ ‫الحصى ‪ ،‬و تزلزل له الجبل ك ٌ‬
‫الجمال ‪ ،‬يا كل الكمال ‪ ،‬أنت واسطة العقد و زينة الدهر تزيد‬
‫على النبياء زيادة الشمس على البدر ‪ ،‬و البحر على القطر و‬
‫السماء على الرض ‪ .‬أنت صدرهم و بدرهم و عليك يدور‬
‫أمرهم ‪ ،‬أنت قطب فلكهم ‪ ،‬و عين كتبهم و واسطة قلدتهم ‪ ،‬و‬
‫نقش فصهم و بيت قصدهم ‪.‬‬
‫ليلة المعراج ظنت الملئكة أن اليات تختص بالسماء فإذا آية‬
‫الرض قد علت ‪.‬‬
‫ليس العجب ارتفاع صعودهم لنهم ذوو أجنحة ‪ ،‬إنما العجب‬
‫لرتفاع جسم طبعه الهبوط بل جناح جسداني ‪. ] ...‬‬
‫المحبوب هو محمد بن عبد الله صلى الله عليه و سلم ‪.‬‬
‫أما نوع الحب فيكفي أنه حب أنطق الحجر و حرك الشجر و‬
‫أبكى الجذع و أسكب دمع البعير فما بالك بإنسان له جنان يفيض‬
‫بالحب و الحنان ؟‬
‫فهيا أخي المبارك نتجول في بستان المحبة نختار من قصص‬
‫ملئ‬ ‫الحب أروعها و نقتطف باقة عطرة من ذلك البستان الذي ُ‬
‫بأجمل الزهار و أعبقها ‪:‬‬
‫القصة الولى ‪ :‬الجذع يحن ‪:‬‬
‫عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال ‪ ( :‬كان المسجد‬
‫مسقوفا على جذوع من نخل فكان النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫إذا خطب يقوم إلى جذع منها فلما صنع له المنبر وكان عليه‬
‫فسمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار حتى جاء النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم فوضع يده عليها فسكنت ) رواه البخاري‬
‫عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة فقالت امرأة‬
‫من النصار أو رجل يا رسول الله أل نجعل لك منبرا قال إن‬
‫شئتم فجعلوا له منبرا فلما كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر‬
‫فصاحت النخلة صياح الصبي ثم نزل النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫فضمها إليه تئن أنين الصبي الذي يسكن قال كانت تبكي على ما‬
‫كانت تسمع من الذكر عندها ) رواه البخاري‬
‫و زاد في سنن الدارمي بسند صحيح قال ‪ ( :‬أما و الذي نفس‬
‫محمد بيده لو لم التزمه لما زال هكذا إلى يوم القيامة حزنا ً على‬
‫رسول الله صلى الله عليه و سلم ) فأمر به فدفن ‪.‬‬
‫كيف ترقى رقيك الولياء *** يا سماء ما طاولتها سماء‬
‫م الماءُ‬ ‫إنما مثلوا صفاتك للناس *** كما مث ّ َ‬
‫ل النجو َ‬
‫حن جذع إليك و هو جماد *** فعجيب أن يجمد الحياء‬
‫كان الحسن رحمه الله يقول ‪ :‬يا معشر المسلمين الخشبة تحن‬
‫إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقا ً إلى لقائه فأنتم أحق‬
‫أن تشتاقوا إليه ‪.‬‬
‫عن عمرو بن سواد عن الشافعي رحمه الله ‪ :‬ما أعطى الله نبياً‬
‫ما أعطى محمدا ً فقلت ‪ :‬أعطى عيسى إحياء الموتى ‪ .‬قال‪:‬‬
‫أعطي محمدا ً حنين الجذع حتى سمع صوته فهذا أكبر من ذلك ‪.‬‬
‫يحن الجذع من شوق إليك **** و يذرف دمعه حزنا ً عليك‬
‫و يجهش بالبكاء و بالنحيب **** لفقد حديثكم و كذا يديك‬
‫فمالي ل يحن إليك قلبي **** و حلمي أن أقبل مقلتيك‬
‫و أن ألقاك في يوم المعاد **** و ينعم ناظري من وجنتيك‬
‫فداك قرابتي و جميع مالي **** و أبذل مهجتي دوما ً فداك‬
‫تدوم سعادتي و نعيم روحي **** إذا بذلت حياتي في رضاك‬
‫حبيب القلب عذر ل تلمني **** فحبي ل يحق في سماك‬
‫ذنوبي أقعدتني عن علو **** و أطمح أن أُقرب من علك‬
‫لعل محبتي تسمو بروحي **** فتجبر ما تصدع من هواك‬
‫القصة الثانية ‪ :‬الحمامة تشتكي ‪:‬‬
‫عبد الله بن مسعود عن أبيه رضي الله عنه قال ‪ ( :‬كنا مع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ومررنا بشجرة فيها‬
‫فرخا حمرة فأخذناهما قال فجاءت الحمرة إلى رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم وهي تصيح فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫من فجع هذه بفرخيها؟!! قال فقلنا نحن قال‪ :‬فردوهما) رواه أبو‬
‫داود والحاكم و قال ‪ :‬هذا حديث صحيح السناد ولم يخرجاه‬
‫جاءت إليك حمامة مشتاقة *** تشكو إليك بقلب صب واجف‬
‫من أخبر الورقاء أن مقامكم *** حرم و أنك منزل للخائف‬
‫القصة الثالثة ‪ :‬الجمل يبكي ‪:‬‬
‫عن عبد بن جعفر قال ‪( :‬أردفني رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم خلفه ذات يوم فأسر إلي حديثا ل أحدث به أحدا من‬
‫الناس وكان أحب ما استتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫لحاجته هدفا أو حايش نخل فدخل حائطا لرجل من النصار فإذا‬
‫فيه ناضح له فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حن وذرفت‬
‫عيناه فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح ذفراه‬
‫وسراته فسكن فقال من رب هذا الجمل؟! فجاء شاب من‬
‫النصار فقال أنا فقال‪ :‬أل تتقى الله في هذه البهيمة التي ملكك‬
‫ي وزعم أنك تجيعه وتدئبه) رواه المام‬ ‫الله إياها فإنه شكاك إل ّ‬
‫أحمد قال شعيب الرنؤوط ‪ :‬إسناده صحيح على شرط مسلم‪.‬‬
‫عن يعلى بن مرة الثقفي رضي الله تعالى عنه قال‪ :‬ثلثة أشياء‬
‫رأيتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا نحن نسير معه إذ‬
‫مررنا ببعير يسنى عليه قال فلما رآه البعير جرجر فوضع جرانه‬
‫فوقف عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال ‪( :‬أين صاحب هذا‬
‫البعير؟!) فجاءه فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪( :‬بعنيه) قال ‪:‬‬
‫بل نهبه لك وإنه لهل بيت مآلهم معيشة غيره قال ‪( :‬أما إذ‬
‫ذكرت هذا من أمره فإنه شكا كثرة العمل وقلة العلف فأحسنوا‬
‫إليه ) قال‪ :‬ثم سرنا حتى نزلنا منزل فنام النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فجاءت شجرة تشق الرض حتى غشيته ثم رجعت إلى‬
‫مكانها فلما استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت له‬
‫فقال ‪ ( :‬هي شجرة استأذنت ربها في أن تسلم على رسول الله‬
‫فأذن لها ) قال ثم سرنا فمررنا بماء فأتته امرأة بابن لها به جنة‬
‫فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بمنخره ثم قال‪ ( :‬اخرج إني‬
‫محمد رسول الله ) قال ثم سرنا فلما رجعنا من مسيرنا مررنا‬
‫بذلك الماء فأتته المرأة بجزر ولبن فأمرها أن ترد الجزر وأمر‬
‫أصحابه فشربوا اللبن فسألها عن الصبي فقالت والذي بعثك‬
‫بالحق ما رأينا منه ريبا بعدك ) ‪ .‬قال الهيثمي ‪:‬رواه أحمد‬
‫بإسنادين والطبراني بنحوه وأحد إسنادي أحمد رجاله رجال‬
‫الصحيح و صححه اللباني‪.‬‬
‫القصة الثالثة ‪ :‬الحجر و الشجر يسلم من فرط الحب ‪:‬‬
‫عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪( :‬‬
‫إني ل أعرف حجر بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني‬
‫لعرفه الن ) رواه مسلم و الترمذي و المام أحمد‬
‫وعن علي رضي الله تعالى عنه قال كنت مع النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم بمكة فخرجنا في بعض نواحيها فما استقبله جبل ول‬
‫شجر إل وهو يقول السلم عليك يا رسول الله‪.‬‬
‫القصة الرابعة ‪ :‬الطعام و الحجر يسبح ‪:‬‬
‫روى علقمة عن عبد الله قال إنكم تعدون اليات عذابا وإنا كنا‬
‫نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بركة لقد كنا‬
‫نأكل الطعام مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نسمع تسبيح‬
‫الطعام قال وأتي النبي صلى الله عليه وسلم بإناء فوضع يده فيه‬
‫فجعل الماء ينبع من بين أصابعه فقال النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم حي على الوضوء المبارك والبركة من السماء حتى توضأنا‬
‫كلنا )رواه الترمذي و قال‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‬
‫عن أبي ذر رضي الله عنه قال ‪ ":‬إني لشاهد عند رسول الله في‬
‫حلقة وفي يده حصى فسبحن في يده وفينا أبو بكر وعمر‬
‫وعثمان وعلي فسمع تسبيحهن من في الحلقة "‪ .‬أخرجه‬
‫الطبراني في الوسط مجمع البحرين‪ ،‬والبزار وإسناد الطبراني‬
‫صحيح رجاله ثقات ‪.‬‬
‫لئن سبحت صـم لجبال مجيبــه *** لداود أو لن الحديد المصفـح‬
‫م لنت بكفه *** و إن الحصا في كفـه‬ ‫صـــ َّ‬
‫فإن الصخور ال ُ‬
‫ليسب ِّـح‬
‫وإن كان موسى أنبع الماء من العصـا *** فمن كفه قد أصبح‬
‫الماء يطفـح‬
‫القصة الخامسة ‪ :‬الحجر والشجر يسجد ‪:‬‬
‫عن ابن عباس قال ‪ :‬جاء رجل من بني عامر إلى النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم كأنه يداوي ويعالج فقال ‪ :‬يا محمد إنك تقول أشياء‬
‫هل لك أن أداويك ؟ قال ‪ :‬فدعاه رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم إلى الله ثم قال ‪ ( :‬هل لك أن أريك آية؟!) وعنده نخل‬
‫وشجر فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عذقا منها قأقبل‬
‫إليه وهو يسجد ويرفع رأسه ويسجد ويرفع رأسه حتى انتهى إليه‬
‫صلى الله عليه وسلم فقام بين يديه ثم قال له رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ( :‬ارجع إلى مكانك ) فقال العامري ‪ :‬والله ل‬
‫أكذبك بشيء تقوله أبدا ثم قال ‪ :‬يا آل عامر بن صعصعة والله ل‬
‫أكذبه بشيء) رواه ابن حبان و قال شعيب الرنؤوط ‪ :‬إسناده‬
‫صحيح‬
‫و في قصة رحلته صلى الله إلى الشام التي رواها الترمذي و‬
‫صححها اللباني قال الراهب ‪( :‬هذا سيد العالمين بعثه الله رحمة‬
‫للعالمين ‪ .‬فقال له أشياخ من قريش ما علمك ؟ فقال ‪ :‬إنكم‬
‫حيث أشرفتم منم العقبة لم يبق شجر و ل حجر إل خر ساجدا و‬
‫ل يسجدون إل لنبي و إني لعرفه بخاتم النبوة أسفل من‬
‫غضروف كتفه ‪...‬الحديث‬
‫سم‬
‫مت ّ ِ‬‫ل بالبشر ُ‬ ‫خلُق *** بالحق مشتم ٍ‬‫خلق نبي زانه ُ‬ ‫أكرم ب َ َ‬
‫ف *** والبحر في كرم والدهر‬ ‫ف والبدر في شر ٍ‬ ‫كالزهر في تر ٍ‬
‫مم‬
‫في ه ِ َ ِ‬
‫ق بل‬‫جاءت لدعوته الشجار ساجدة *** تمشي إليه على سا ٍ‬
‫قدمِ‬
‫ومنسجم‬ ‫ب أزكى صلةٍ منك دائمة *** على النبي بمنه ًّ‬
‫ل‬ ‫يار ّ‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫ما رنّحت عذبات البان ريح صبا *** وأطربت نغمات الي من‬
‫أُمم‬
‫القصة السادسة ‪ :‬الجبل يهتز فرحا ً برسول الله صلى الله ‪.‬‬
‫عن أنس رضي الله عنه قال صعد النبي صلى الله عليه و سلم‬
‫جبل أحد و معه أبو بكر و عمر و عثمان رضي الله عنهم فرجف‬
‫بهم الجبل ‪ ،‬فقال ‪( :‬اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان)‬
‫رواه البخاري‬
‫قال بعض الدعاة و إنما اهتز فرحا ً و طربا ً و شوقا ً للقاء رسول‬
‫صلى الله عليه و سلم و صحبه‬
‫ل تلوموا أُحدا ً لضطراب *** إذ عله فالوجد داءُ‬
‫ب *** ولكم أطرب المحب لقاءُ‬ ‫ُ‬
‫أحد ل يلم فهـو مح ٌ‬
‫وعن أنس بن مالك رضي الله عنه‪ :‬أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم طلع له أحد فقال ‪ ( :‬هذا جبل يحبنا ونحبه اللهم إن‬
‫إبراهيم حرم مكة وإني أحرم ما بين لبتيها) رواه البخاري‬
‫السابعة‪ :‬الشجر يطيع النبي ويسارع إلى إجابته ويستأذن في‬
‫السلم عليه‪:‬‬
‫وعن يعلى بن مرة عن أبيه قال ‪ :‬سافرت مع رسول الله صلى‬
‫الله عليه و سلم فرأيت منه شيئا ً عجبا ً ‪ ،‬نزلنا منزل ً ‪ ،‬فقال‬
‫انطلق إلى هاتين الشجرتين ‪ ،‬فقل إن رسول الله صلى الله‬
‫عليه و سلم يقول لكما أن تجتمعا ‪ ،‬فانطلقت فقلت لهما ذلك ‪،‬‬
‫فانتزعت كل واحدة منهما من أصلها فمرت كل واحدة إلى‬
‫صاحبتها فالتقيا جميعا ً ‪ ،‬فقضى رسول الله حاجته من ورائها ثم‬
‫قال ‪ :‬انطلق فقل لهما ‪ :‬لتعد كل واحدة إلى مكانها ‪ ،‬فأتيتهما‬
‫فقلت ذلك لهما ‪ ،‬فعادت كل واحدة إلى مكانها ‪ ،‬و أتته امرأة ‪،‬‬
‫فقالت إن ابني هذا به لمم ـ مس من الجن ـ منذ سبع سنين‬
‫يأخذه كل يوم مرتين ‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ‪:‬‬
‫(أدنيه) فأدنته منه فتفل في فيه‪ ،‬وقال‪ :‬اخرج عدو الله أنا رسول‬
‫الله ثم قال لها رسول الله إذا رجعنا فأعلمينا ما صنع ‪ ،‬فلما رجع‬
‫رسول الله استقبلته و معها كبشان و أقط و سمن ‪ ،‬فقال لي‬
‫رسول الله صلى الله عليه و سلم‪ :‬خذ هذا الكبش واتخذ منه ما‬
‫أردت‪ ،‬قالت والذي أكرمك ما رأينا شيئا ً منذ فارقتنا ‪ ،‬ثم أتاه بعير‬
‫‪ ،‬فقام بين يديه ‪ ،‬فرأى عيناه تدمعان ‪ ،‬فعث إلى أصحابه ‪ ،‬فقال‬
‫‪ :‬ما لبعيركم هذا؟! البعير يشكوكم؟ فقالوا ‪ :‬كنا نعمل عليه ‪،‬‬
‫فلما كبر و ذهب عمله تواعدنا عليه لننحره غدا ً فقال رسول الله‬
‫صلى الله عليه و سلم‪( :‬ل تنحروه ‪ ،‬و اجعلوه في البل يكون‬
‫معها ) صححه الحاكم و وافق الذهبي و صححه الرناؤط ‪.‬‬
‫و عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال كنا مع النبي صلى الله‬
‫عليه و سلم في سفر فأقبل أعرابي فلما دنا قال له رسول الله‬
‫صلى الله عليه و سلم ‪ ( :‬أين تريد ) قال إلى أهلي قال ‪ (:‬هل‬
‫لك في خير ؟ ) قال ‪ :‬ما هو ؟ قال ( تشهد أن ل إله إل الله‬
‫وحده ل شريك له و أن محمدا ً عبده و رسوله ) قال ‪ :‬من شاهدٌ‬
‫على ما تقول ؟ قال ( هذه الشجرة ) فدعاها رسول الله صلى‬
‫الله عليه و سلم و هي بشاطئ الوادي فأقبلت تخد الرض خداً‬
‫حتى جاءت بين يديه فاستشهدها ثلثا ً فشهدت أنه كما قال ثم‬
‫رجعت إلى منبتها و رجع العرابي فقال إن يبايعوني آتك بهم و إل‬
‫رجعت إليك فكنت معك ) رواه الدارمي ‪.‬‬
‫القصة الثامنة ‪ :‬السد يودع مولى رسول الله ‪:‬‬
‫عن محمد بن المنكدر ‪ :‬أن سفينة مولى رسول الله صلى الله‬
‫عليه و سلم قال ‪ :‬ركبت البحر فانكسرت سفينتي التي كنت فيها‬
‫لوحا من ألواحها فطرحني اللوح في أجمة فيها السد فأقبل إلي‬
‫يريدني فقلت ‪ :‬يا أبا الحارث أنا مولى رسول الله صلى الله عليه‬
‫و سلم فطأطأ رأسه و أقبل إلي فدفعني بمنكبه حتى أخرجني‬
‫من الجمة و وضعني على الطريق و همهم فظننت أنه يودعني‬
‫فكان ذلك آخر عهدي به ) رواه الحاكم و قال ‪ :‬هذا حديث صحيح‬
‫على شرط مسلم و لم يخرجاه‬
‫و وافقه الذهبي‬
‫فتأمل أخي إلى تعظيم هذا المخلوق وتوقيره و محبته لرسول‬
‫الله فما إن سمع أسم رسول الله حتى طأطأ رأسه و بدل من‬
‫أن يهم بموله دله على الطريق و ودعه ‪.‬‬
‫نماذج من حب البشر ‪:‬‬
‫القصة الولى ‪ :‬أبو بكر الصديق‬
‫عن عروة بن الزبير قال قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص‬
‫رضي الله تعالى عنهما أخبرني بأشد ما صنعه المشركون‬
‫برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال بينا رسول الله‬
‫صلى الله تعالى عليه وسلم يصلي بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن‬
‫أبي معيط فأخذ بمنكب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم‬
‫ولوى ثوبه في عنقه فخنقه به خنقا شديدا فأقبل أبو بكر فأخذ‬
‫بمنكبه ودفع عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وقال‬
‫أتقتلون رجل أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم )‬
‫رواه البخاري‬
‫القصة الثانية ‪ :‬الصديق يبكي فرحا ً ‪:‬‬
‫قالت عائشة رضي الله عنها ‪ ( :‬فرأيت أبا بكر يبكي و ما كنت‬
‫أحسب أن أحدا ً يبكي من الفرح )‬
‫القصة الثالثة ‪ :‬خشيت أل أراك‬
‫روى الطبراني عن عائشة رضي الله عنها قالت ‪ :‬جاء رجل إلى‬
‫النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله إنك لحب إلي‬
‫من نفسي و إنك لحب إلي من ولدي و إني لكون في البيت‬
‫فأذكرك فما اصبر حتى أتي فأنظر إليك و إذا ذكرت موتي و‬
‫موتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين و أني إذا‬
‫دخلت الجنة خشيت أن ل أراك فلم يرد عليه النبي صلى الله‬
‫عليه و سلم شيئا ً حتى نزل جبريل عليه السلم بهذه الية ‪:‬‬
‫َ‬ ‫ك مع الَّذي َ‬ ‫( ومن يطع الل َّه والَرسو َ ُ‬
‫ن‬
‫م َ‬‫م ِ‬ ‫ه ع َلَيْهِ ْ‬‫م الل ّ ُ‬ ‫ن أنْعَ َ‬‫ل فَأولَئ ِ َ َ َ ِ َ‬ ‫َ َ ّ ُ‬ ‫َ َ ْ ُ ِِ‬
‫ك َرفِيقا)ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ن أولئ ِ َ‬ ‫س َ‬‫ح ُ‬‫ن وَ َ‬
‫حي َ‬ ‫شهَدَاءِ وَال َّ‬
‫صال ِ ِ‬ ‫ن وَال ّ‬
‫صدِّيقِي َ‬
‫ن وَال ِّ‬‫النَّبِيِّي َ‬
‫(النساء‪ )69:‬قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح إل عبد الله بن‬
‫عمران و هو ثقة ‪.‬‬
‫القصة الرابعة ‪ :‬أسألك مرافقتك في الجنة ‪:‬‬
‫عن ربية بن كعب رضي الله عنه ‪ ( :‬كنت أبيت مع رسول الله‬
‫صلى الله عليه و سلم فأتيته بوضوئه ‪ ,‬و حاجته ‪ ،‬فقال لي ‪:‬‬
‫( سل ) فقلت ‪ :‬أسألك مرافقتك في الجنة ‪ .‬قال ‪(:‬أو غير ذلك )‬
‫قلت ‪ :‬هو ذاك قال ‪ ( :‬فأعني على نفسك بكثرة السجود ) رواه‬
‫مسلم ‪.‬‬
‫القصة الخامسة ‪ :‬كل مصيبة بعد جلل‬
‫روى ابن جرير الطبري في التاريخ عن سعد بن أبي وقاص رضي‬
‫الله عنه قال ‪ :‬مّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة من‬
‫بني دينار ‪ ،‬وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم بأُحد ‪ ،‬فلما نُعوا لها قالت ‪ :‬فما فعل رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا ‪ :‬خيرا يا أم فلن ‪ .‬هو بحمد الله‬
‫كما تحبين قالت ‪ :‬أرنيه حتى أنظر إليه ‪ ،‬فأشير لها إليه حتى إذا‬
‫رأته قالت ‪ :‬كل مصيبة بعدك جلل ‪ .‬تريد صغيرة ‪.‬‬
‫القصة السادسة ‪ :‬ل أرضى أن يشاك بشوكة‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ‪ :‬بعث رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم عشرة رهط سرية عينا وأمر عليهم عاصم بن ثابت‬
‫النصاري جد عاصم بن عمر بن الخطاب فانطلقوا حتى إذا كانوا‬
‫بالهدأة وهو بين عسفان ومكة ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو‬
‫لحيان فنفروا لهم قريبا من مائتي رجل كلهم رام فاقتصوا آثارهم‬
‫حتى وجدوا مأكلهم تمرا تزودوه من المدينة فقالوا هذا تمر يثرب‬
‫فاقتصوا آثارهم فلما رآهم عاصم وأصحابه لجؤا إلى فدفد وأحاط‬
‫بهم القوم فقالوا لهم ‪ :‬انزلوا وأعطونا بأيديكم ولكم العهد‬
‫والميثاق ول نقتل منكم أحدا قال عاصم بن ثابت أمير السرية أما‬
‫أنا فوالله ل أنزل اليوم في ذمة كافر اللهم أخبر عنا نبيك‬
‫فرموهم بالنبل فقتلوا عاصما في سبعة فنزل إليهم ثلثة رهط‬
‫بالعهد والميثاق منهم خبيب النصاري وابن دثنة ورجل آخر فلما‬
‫استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فأوثقوهم فقال الرجل‬
‫الثالث هذا أول الغدر والله ل أصحبكم إن في هؤلء لسوة يريد‬
‫القتلى فجرروه وعالجوه على أن يصحبهم فأبى فقتلوه فانطلقوا‬
‫بخبيب وابن دثنة حتى باعوهما بمكة بعد وقعه بدر فابتاع خبيبا بنو‬
‫الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف وكان خبيب هو قتل‬
‫الحارث بن عامر يوم بدر فلبث خبيب عندهم أسيرا فأخبرني‬
‫عبيد الله بن عياض أن بنت الحارث أخبرته أنهم حين اجتمعوا‬
‫استعار منها موسى يستحد بها فأعارته فأخذ ابنا لي وأنا غافلة‬
‫حين أتاه قالت فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده‬
‫ففزعت فزعة عرفها خبيب في وجهي فقال تخشين أن أقتله ما‬
‫كنت لفعل ذلك والله ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب والله‬
‫لقد وجدته يوما يأكل من قطف عنب في يده وإنه لموثق في‬
‫الحديد وما بمكة من ثمر وكانت تقول إنه لرزق من الله رزقه‬
‫خبيبا فلما خرجوا من الحرم ليقتلوه في الحل قال لهم خبيب‬
‫ذروني أركع ركعتين فتركوه فركع ركعتين ثم قال لو ل أن تظنوا‬
‫أن ما بي جزع لطولتها اللهم أحصهم عددا‬
‫ولست أبالي حين أقتل مسلما *** على أي شق كان لله‬
‫مصرعي‬
‫وذلك في ذات الله وإن يشأ *** يبارك على أوصال شلو ممزع‬
‫فقتله بن الحارث فكان خبيب هو سن الركعتين لكل امرئ‬
‫مسلم قتل صبرا فاستجاب الله لعاصم بن ثابت يوم أصيب فأخبر‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه خبرهم وما أصيبوا وبعث‬
‫ناس من كفار قريش إلى عاصم حين حدثوا أنه قتل ليؤتوا‬
‫بشيء منه يعرف وكان قد قتل رجل من عظمائهم يوم بدر فبعث‬
‫على عاصم مثل الظلة من الدبر فحمته من رسولهم فلم يقدروا‬
‫على أن يقطعوا من لحمه شيئا " ‪ .‬أخرجه البخاري و النسائي و‬
‫أبو داود‬
‫و في بعض الروايات ‪ :‬فقال له أبو سفيان (أيسرك أن محمدا‬
‫عندنا نضرب عنقه وإنك في أهلك؟ فقال‪ :‬ل والله ما يسرني إني‬
‫في أهلي وأن محمدا في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه)‬
‫القصة السابعة‪ :‬الصديق يتمنى سرعة اللحاق‪:‬‬
‫عن عائشة رضي اله عنها قالت ‪ :‬إن أبا بكر رضي الله عنه لما‬
‫حضرته الوفاة قال ‪ ( :‬أي يوم هذا ؟) قالوا يوم الثنين قال ‪:‬‬
‫( فإن مت من ليلتي فل تنتظروا بي الغد فإن أحب اليام و‬
‫ي أقربها من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) رواه‬ ‫الليالي إل ّ‬
‫أحمد و صححه أحمد شاكر ‪.‬‬
‫القصة الثامنة ‪ :‬ل يخلص إلى رسول صلى الله عليه وسلم‬
‫وفيكم عين تطرف‬
‫عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال ‪ :‬بعثني رسول الله (( صلى‬
‫الله عليه وسلم)) يوم أحد أطلب سعد بن الربيع فقال لي إن‬
‫رأيته فأقرئه مني السلم وقل له يقول لك رسول الله (( صلى‬
‫الله عليه وسلم)) كيف تجدك ؟ قال فجعلت أطوف بين القتلى‬
‫فأتيته وهو بآخر رمق وبه سبعون ضربة ما بين طعنة برمح‬
‫وضربة بسيف ورمية بسهم فقلت يا سعد إن رسول الله ( صلى‬
‫الله عليه وسلم) يقرأ عليك السلم ويقول لك أخبرني كيف‬
‫يجدك ؟ فقال وعلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) السلم‬
‫قل له يا رسول الله أجد ريح الجنة ‪ .‬وقل لقومي النصار ل عذر‬
‫لكم عند الله أن يخلص إلى رسول ( صلى الله عليه وسلم)‬
‫وفيكم عين تطرف ‪ ،‬وفاضت روحه من وقته ) رواه البخاري‪،‬‬
‫‪ ،844‬ومسلم ‪.3408‬‬
‫القصة التاسعة ‪ :‬غدا ً ألقى الحبة‬
‫عندما احتضر بلل رضي الله عنه قالت امرأته‪ :‬واحزناه فقال‪:‬‬
‫(بل وا طرباه غدا نلقى الحبة محمدا وصحبه) فمزج مرارة‬
‫الموت بحلوة الشوق إليه صلى الله عليه و سلم‬
‫القصة العاشرة ‪ :‬أطيب الطيب‬
‫عن أنس رضي الله عنه‪ :‬دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫فقال عندها (أي من القيلولة) فعرق وجاءت أمي بقارورة‪،‬‬
‫فجعلت تسلت العرق فيها فاستيقظ فقال‪ :‬يا أم سليم ما هذا‬
‫الذي تصنعين؟ قالت‪ :‬هذا عرقك نجعله في طيبنا وهو من أطيب‬
‫الطيب "‪ .‬رواه مسلم ‪.‬‬
‫القصة الحادية عشرة ‪ :‬ابن الزبير يشرب الدم‬
‫كان النبي صلى الله عليه وسلم قد احتجم في طست فأعطاه‬
‫عبد الله بن الزبير ليريقه فشربه فقال له‪( :‬ل تمسك النار إل‬
‫تحلة القسم‪ ،‬وويل لك من الناس‪ ،‬وويل للناس منك)‪ .‬وفي‬
‫رواية‪ :‬أنه قال له‪( :‬يا عبد الله اذهب بهذا الدم فأهريقه حيث ل‬
‫يراك أحد) فلما بعُد عمد إلى ذلك الدم فشربه‪ ،‬فلما رجع قال‪( :‬‬
‫ما صنعت بالدم؟ ) قال‪ :‬إني شربته لزداد به علما ً وإيماناً‪،‬‬
‫وليكون شيء من جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم في‬
‫جسدي‪ ،‬وجسدي أولى به من الرض فقال‪( :‬ابشر ل تمسك النار‬
‫أبداً‪ ،‬وويل لك من الناس وويل للناس منك) رواه الحاكم و‬
‫الطبراني وقال الهيثمي ‪ :‬رجاله رجال الصحيح غير هنيد بن‬
‫القاسم‬
‫القصة الثانية عشرة ‪ :‬نحري دون نحرك‬
‫كان أبو طلحة النصاري رضي الله عنه يحمي رسول الله صلى‬
‫الله عليه و سلم في غزوة أحد و يرمي بين يديه ‪ ،‬و يقول ( بأبي‬
‫أنت و أمي يا رسول الله ل تشرف يصيبك سهم من سهام القوم‬
‫نحري دون نحرك ) رواه البخاري‬
‫و عن قيس بن أبي حازم قال ‪ ( :‬رأيت يد طلحة شلء ‪ ،‬وقى بها‬
‫النبي صلى الله عليه و سلم يوم أحد ) رواه البخاري‪.‬‬
‫القصة الثالثة عشرة ‪ :‬آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك‬
‫روى ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدل‬
‫صفوف أصحابه يوم بدر وفي يده قدح يعدل به القوم فمر بسواد‬
‫بن غزية حليف بني علي ابن النجار وهو مستنتل من الصف‬
‫فطعن في بطنه بالقدح وقال استو يا سواد فقال يا رسول الله‬
‫أوجعتني وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدني فكشف رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه فقال استقد قال فاعتنقه‬
‫فقبل بطنه فقال ما حملك على هذا يا سواد؟! قال يا رسول الله‬
‫حضر ما ترى فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي‬
‫جلدك فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير ] رواه ابن‬
‫إسحاق و قال الهيثمي في المجمع رواه الطبراني ورجاله ثقات‪.‬‬
‫القصة الرابعة عشرة ‪ :‬وما كنت أطيق أن أمل عيني‬
‫عن عمرو بن العاص رضي الله عنه‪ ...( :‬وما كان أحد أحب إلي‬
‫من رسول الله صلى الله عليه وسلم ول أجل في عيني منه وما‬
‫كنت أطيق أن أمل عيني منه إجلل له ولو سئلت أن أصفه ما‬
‫أطقت لني لم أكن أمل عيني منه ‪ )...‬رواه مسلم‬
‫القصة الخامسة عشرة‪ :‬رضينا برسول الله قسما وحظا‬
‫عن أبي سعيد الخدري قال ‪ :‬لما أعطي رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ما أعطي من تلك العطايا في قريش وقبائل العرب‬
‫ولم يكن في النصار منها شيء وجد هذا الحي من النصار في‬
‫أنفسهم حتى كثرت فيهم القالة حتى قال قائلهم لقي رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم قومه فدخل عليه سعد بن عبادة فقال يا‬
‫رسول الله إن هذا الحي قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت‬
‫في هذا الفيء الذي أصبت قسمت في قومك وأعطيت عطايا‬
‫عظاما في قبائل العرب ولم يكن في هذا الحي من النصار‬
‫شيء قال فأين أنت من ذلك يا سعد؟! قال يا رسول الله ما أنا‬
‫إل امرؤ من قومي وما أنا قال فاجمع لي قومك في هذه‬
‫الحظيرة قال‪ :‬فخرج سعد فجمع الناس في تلك الحظيرة قال‬
‫فجاء رجال من المهاجرين فتركهم فدخلوا وجاء آخرون فردهم‬
‫فلما اجتمعوا أتاه سعد فقال قد اجتمع لك هذا الحي من النصار‬
‫قال فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى‬
‫عليه بالذي هو له أهل ثم قال يا معشر النصار ما قالة بلغتني‬
‫عنكم وجدة وجدتموها في أنفسكم ألم آتكم ضلل فهداكم الله‬
‫وعالة فأغناكم الله وأعداء فألف الله بين قلوبكم قالوا بل الله‬
‫ورسوله أمن وأفضل قال أل تجيبونني يا معشر النصار قالوا‬
‫وبماذا نجيبك يا رسول الله ولله ولرسوله المن والفضل قال أما‬
‫والله لو شئتم لقلتم فلصدقتم وصدقتم أتيتنا مكذبا فصدقناك‬
‫ومخذول فنصرناك وطريدا فآويناك وعائل فأغنيناك أوجدتم في‬
‫أنفسكم يا معشر النصار في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما‬
‫ليسلموا ووكلتكم إلى إسلمكم أفل ترضون يا معشر النصار ان‬
‫يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعون برسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم في رحالكم فوالذي نفس محمد بيده لول الهجرة‬
‫لكنت امرأ من النصار ولو سلك الناس شعبا وسلكت النصار‬
‫شعبا لسلكت شعب النصار اللهم ارحم النصار وأبناء النصار‬
‫وأبناء أبناء النصار قال فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا‬
‫رضينا برسول الله قسما وحظا ثم انصرف رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم وتفرقنا) رواه المام أحمد وقال شعيب الرنؤوط ‪:‬‬
‫إسناده حسن‬
‫فتأمل أخي المبارك إلى فرح النصار بفوزهم برسول الله قسماً‬
‫تأمل إلى بكاء الفرح و هم يقولون بقلوبهم قبل ألسنتهم (رضينا‬
‫برسول الله قسما وحظا )‬
‫طفح السور علي حتى أنني *** من كثر ما قد سرني أبكاني‬
‫القصة السادسة عشرة‪ :‬عشر إليهم يحن قلبي‬
‫عن عبدة بنت خالد بن معدان قالت ‪ [ :‬ما كان خالد يأوي إلى‬
‫فراش إل و هو يذكر من شوقه إلى رسول الله صلى الله عليه و‬
‫سلم و إلى أصحابه من المهاجرين و النصار يسميهم و يقول ‪:‬‬
‫هم أصلي و فصلي و إليهم يحن قلبي طال شوقي إليهم فعجل‬
‫ربي قبضي إليك حتى يغلبه النوم ]‬
‫القصة السابعة عشرة‪ :‬البكاء عند ذكر النبي صلى الله عليه و‬
‫سلم ‪:‬‬
‫قال إسحاق التجيبي ‪ :‬كان أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم‬
‫بعده ل يذكرونه إل خشعوا و اقشعرت جلودهم و بكوا‬
‫وقال مالك ـ وقد سئل عن أيوب السختياني ‪ [ :‬ما حدثتكم عن‬
‫أحد إل و أيوب أفضل منه‪:‬‬
‫وقال ‪ :‬وحج حجتين فكنت أرمقه و ل أسمع منه غير أنه كان إذا‬
‫ذكر النبي صلى الله عليه و سلم بكى حتى أرحمه ] ‪.‬‬
‫وقال مصعب بن عبد الله ‪ [ :‬كان مالك إذا ذكر النبي صلى الله‬
‫عليه و سلم يتغير لونه و ينحني حتى يصعب ذلك على جلسائه‬
‫فقيل له يوما في ذلك فقال لو رأيتم ما رأيت لما أنكرتم علي ما‬
‫ترون و لقد كنت أرى محمد بن المنكدر وكان سيد القراء ل نكاد‬
‫نسأله عن حديث أبدا إل يبكي حتى نرحمه ] ‪ .‬الشفا ج ‪2‬صـ ‪32‬‬
‫القصة الثامنة عشرة‪ :‬أعطني عينيك أقبلها‬
‫قال ثابت البناني لنس بن مالك رضي الله عنه ‪ :‬أعطني عينيك‬
‫التي رأيت بهما رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أقبلها ‪.‬‬
‫حق له أن يُحب‬ ‫ُ‬
‫لماذا كل هذا الحب ؟ سؤال يطرح و يكرر فإنه حب لم يشهد‬
‫الكون علويه و سفليه مثله ‪.‬‬
‫رجل كل شيء في الكون يحبه السماء بمن فيها و الرض بمن‬
‫عليها كل يحبه و يشتاق إليه فما أعظمه من رجل و ما أجله من‬
‫نبي و أعزه من رسول صلى الله عليه و سلم ‪.‬‬
‫شعرى وفي وجهه‬ ‫كأن الثريا علـقت في جـبينه *** وفي جيده ال ّ ِ‬
‫القمُر‬
‫َّ‬
‫ل هلل البدو والحضُر‬ ‫عليه جلل المجد لو أن وجهه *** أضاء بلي ٍ‬
‫لقد نال صلى الله عليه و سلم كل هذا الحب و هو قليل في‬
‫حقه لنه جمع خصال و صفات لم ولن تجتمع في غيره من بني‬
‫البشر و لعلي ألمح في السطور القادمة إلى بعض ذلك مع‬
‫عجزي عن ذكر ع ُشرِ المعشار من عظيم ما حباه الله إياه من‬
‫جميل الصفات و كريم الخصال صلوات ربي و سلمه عليه ‪.‬‬
‫أول ً ‪ :‬عظم بركته و خيره صلى الله عليه و سلم على جميع‬
‫المخلوقات ‪:‬‬
‫فقد كان مولده صلى الله عليه و سلم بشارة خير و نور و بكرة‬
‫و ضياء للكون بأسره فقد رأت أمه حين وضعته نورا ً أضاءت منه‬
‫قصور الشام ‪ ,‬و جاء صلى الله عليه و سلم بالدين الذي إذا أقيم‬
‫واقعا ً في الحياة صبت السماء بركاتها و أخرجت الرض خيراتها‬
‫ماءِ‬ ‫س َ‬‫ن ال َّ‬
‫م َ‬
‫ت ِّ‬ ‫حنَا ع َلَيْهِم بََركَا ٍ‬ ‫منُوا ْ وَاتَّقَوا ْ لَفَت َ ْ‬
‫ل الْقَُرى آ َ‬ ‫ن أَهْ َ‬‫(وَلَوْ أ َ َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ) العراف ‪96‬‬ ‫سبُو َ‬ ‫ما كَانُوا ْ يَك ْ ِ‬ ‫خذ ْنَاهُم ب ِ َ‬ ‫ض وَلَـكِن كَذَّبُوا ْ فَأ َ‬
‫وَالْر ِ‬
‫فما أعظم بركاته عليه الصلة و السلم بركات ينعم بها الطير و‬
‫الحيوان و الدواب و النبات و النسان ‪ .‬فأقل ما تهبه هذه‬
‫المخلوقات لهذا النبي صلى الله عليه و سلم الحب الصادق فهل‬
‫جزاء الحسان إل الحسان ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬عظيم رحمته صلى الله عليه و سلم بجميع المخلوقات ‪:‬‬
‫ْ َ َ‬ ‫َ‬
‫ن ) النبياء ‪ 107‬و‬ ‫مي َ‬‫ة ل ِّلْعَال َ ِ‬
‫م ً‬
‫ح َ‬‫ك إ ِ ّل َر ْ‬ ‫سلنَا‬ ‫ما أْر َ‬ ‫يقول الله تعالى ‪( :‬وَ َ‬
‫ت فَظّا ً غَلِي َ‬
‫ظ‬ ‫و كُن َ‬‫م وَل َ ْ‬‫ت لَهُ ْ‬ ‫ن اللّهِ لِن َ‬ ‫م َ‬ ‫مةٍ ِّ‬ ‫ح َ‬
‫ما َر ْ‬‫قال تعالى ‪{( :‬فَب ِ َ‬
‫ضوا ْ )آل عمران ‪159‬‬ ‫الْقَل ْ ِ‬
‫ب لَن َف ُّ‬
‫يقول سيد رحمه الله [ فهي رحمة الله التي نالته ونالتهم ;‬
‫فجعلته صلى الله عليه و سلم رحيما بهم ‪ ,‬لينا معهم ‪ .‬ولو كان‬
‫فظا غليظ القلب ما تألفت حوله القلوب ‪ ,‬ول تجمعت حوله‬
‫المشاعر ‪ .‬فالناس في حاجة إلى كنف رحيم ‪ ,‬وإلى رعاية فائقة‬
‫‪ ,‬وإلى بشاشة سمحة ‪ ,‬وإلى ود يسعهم ‪ ,‬وحلم ل يضيق بجهلهم‬
‫وضعفهم ونقصهم ‪ . .‬في حاجة إلى قلب كبير يعطيهم ول يحتاج‬
‫منهم إلى عطاء ; ويحمل همومهم ول يعنيهم بهمه ; ويجدون‬
‫عنده دائما الهتمام والرعاية والعطف والسماحة والود والرضاء ‪.‬‬
‫‪ .‬وهكذا كان قلب رسول الله عليه صلى الله عليه وسلم وهكذا‬
‫كانت حياته مع الناس ‪ .‬ما غضب لنفسه قط ‪ .‬ول ضاق صدره‬
‫بضعفهم البشري ‪ .‬ول احتجز لنفسه شيئا من أعراض هذه الحياة‬
‫‪ ,‬بل أعطاهم كل ما ملكت يداه في سماحة ندية ‪ .‬ووسعهم‬
‫حلمه وبره وعطفه ووده الكريم ‪ .‬وما من واحد منهم عاشره أو‬
‫رآه إل امتل قلبه بحبه ; نتيجة لما أفاض عليه صلى الله عليه‬
‫وسلم من نفسه الكبيرة الرحيبة ] الظلل ج ‪.1‬‬
‫و قد عمت رحمته و شمل إحسانه صلى الله عليه و سلم كل‬
‫شيء الطير و الحيوان والنمل و الشجر و النسان ألم يقل صلى‬
‫الله عليه و سلم ‪ ( :‬إن الله عز وجل كتب الحسان على كل‬
‫شيء ‪ .‬فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ‪ .‬وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح ‪.‬‬
‫وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته ) رواه ابن ماجه و صححه‬
‫اللباني رحمه الله‬
‫ألم يقل صلى الله عليه و سلم ( في كل ذات كبد رطب أجر )‬
‫رواه مسلم ألم يوصي صلى الله عليه و سلم بالبهائم فقال ‪:‬‬
‫( اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة ‪ )...‬رواه أبو داود‬
‫و رأى صلى الله عليه و سلم قرية من النمل قد حرقت قال ‪:‬‬
‫( من حرق هذه ؟ ) فقلنا نحن قال ‪ ( :‬إنه ل ينبغي لحد أن يعذب‬
‫بالنار إل رب النار ) رواه أبو داود و أحمد ‪.‬‬
‫ألم يقل صلى الله عليه و سلم ‪( :‬إن قامت على أحدكم القيامة‬
‫وفي يده فسلة فليغرسها) قال شعيب الرنؤوط ‪ :‬إسناده صحيح‬
‫ألم يقل‪ ( :‬الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا أهل الرض‬
‫يرحمكم من في السماء ) رواه أبو داود و صححه اللباني‪.‬‬
‫فما أعظم رحمته صلى الله عليه و سلم فقد كان أرحم بنا من‬
‫الباء و المهات و صدق من قال‪:‬‬
‫ب *** هذان في الدنيا هم الرحماء‬ ‫و إذا رحمت فأنت أم أو أ ٌ‬
‫وإذا سخوت بلغت بالجود المدى *** و فعلت ما لم تفعل النواء‬
‫و صدق صلى الله عليه و سلم حين قال ‪ ( :‬إنما أنا رحمة‬
‫مهداة ) رواه الحاكم و صححه ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪:‬عظيم حرصه على هداية أمته ‪:‬‬
‫لم َ‬
‫ما ع َنِت ُّ ْ‬
‫م‬ ‫م ع َزِيٌز ع َلَيْهِ َ‬ ‫سك ُ ْ‬‫ن أن ُف ِ‬ ‫سو ٌ ِّ ْ‬ ‫م َر ُ‬ ‫جاءك ُ ْ‬ ‫وقال تعالى‪ ( :‬لَقَد ْ َ‬
‫م ) التوبة ‪128‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫ف َّر ِ‬ ‫ن َرؤ ُو ٌ‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ص ع َلَيْكُم بِال ْ ُ‬ ‫حرِي ٌ‬ ‫َ‬
‫قال المام السعدي رحمه الله تعالى ‪ [:‬هذه المنة التي امتن الله‬
‫بها على عباده هي اكبر النعم بل اجلها وهي المتنان عليهم بهذا‬
‫الرسول الكريم الذي أنقذهم الله به من الضللة وعصمهم به من‬
‫التهلكة ] ا‪.‬هـ‬
‫وروى مسلم عن ابن عمرو‪ :‬أن رسول الله تل هذه الية‪ ( :‬رب‬
‫إنهن أضللن كثيرا ً من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني‬
‫فإنك غفور رحيم) و ( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم‬
‫فإنك أنت العزيز الحكيم)‪.‬‬
‫فرفع يديه وقال‪( :‬اللهم أمتي أمتي وبكى‪ ،‬فقال الله يا جبريل‪:‬‬
‫اذهب إلى محمد وربك أعلم فسله فأتاه جبريل فسأله‪ ،‬فأخبره‬
‫بما قال‪ :‬وهو أعلم‪ ،‬فقال الله يا جبريل‪ :‬اذهب إلى محمد فقال‪:‬‬
‫إنا سنرضيك في أمتك ول نسوءك)‪.‬‬
‫وروى البخاري عن أبي هريرة مرفوعاً‪( :‬لكل نبي دعوة‬
‫مستجابة‪ ،‬فتعجل كل نبي دعوته‪ ،‬وإني اختبأت دعوتي شفاعة‬
‫لمتي يوم القيامة‪ ،‬فهي شاملة إن شاء الله من مات من أمتي ل‬
‫يشرك بالله شيئاً)‪.‬‬
‫لقد وصل به المر صلى الله عليه و سلم إلى أن استولت عليه‬
‫الحسرة و كاد يقتل نفسه حرصا ً على أمته حتى عاتبه ربه فقال‬
‫َّ‬ ‫تعالى ‪ ( :‬فَلَعَل َّ َ‬
‫منُوا بِهَذ َا‬‫م يُؤ ْ ِ‬‫ْ‬ ‫م إِن ل‬ ‫ْ‬ ‫ك ع َلَى آثَارِه ِ‬ ‫س َ‬ ‫خعٌ ن َّ ْف َ‬ ‫ك بَا ِ‬
‫َ َ‬ ‫سفا ً ) الكهف ‪ 6‬و قال عز وجل ‪ ( :‬لَعَل َّ َ‬
‫ك أ َ ّل‬ ‫خعٌ نَّفْ َ‬
‫س‬ ‫ك بَا ِ‬ ‫ثأ َ‬
‫َ‬
‫ال ْ َ‬
‫حدِي ِ‬
‫ن )الشعراء ‪3‬‬
‫َ‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤْ ِ‬‫يَكُونُوا ُ‬
‫شاءُ فََل‬ ‫من ي َ َ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ض ُّ‬ ‫ن الل ّ‬ ‫و قال سبحانه ‪ ( :‬فَإ ِ َّ‬
‫شاءُ وَيَهْدِي َ‬ ‫َ‬
‫َ َ‬
‫ل‬ ‫ه يُ ِ‬‫َ‬
‫ن ) فاطر ‪8‬‬ ‫صنَعُو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫م بِ َ‬‫ه عَلِي ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ت إِ ّ‬ ‫سَرا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫م َ‬ ‫ك ع َلَيْهِ ْ‬ ‫س َ‬ ‫تَذْهَ ْ‬
‫ب ن َ ْف ُ‬
‫و تأمل في عظيم شفقته بأمته حين يضرب هذا المثل عن أبي‬
‫هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫يقول ( إنما مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارا فلما‬
‫أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب التي تقع في النار‬
‫يقعن فيها فجعل ينزعهن ويغلبنه فيقتحمن فيها فأنا آخذ بحجزكم‬
‫عن النار وأنتم تقحمون فيها ) رواه البخاري‬
‫قال القاضي عياض رحمه الله ‪[ :‬أما إحسانه و أنعامه على أمته‬
‫فكذلك قد مر منه في أوصاف الله تعالى له من رأفته بهم و‬
‫رحمته لهم و هدايته إياهم و شفقته عليهم و استنفاذهم به من‬
‫النار و أنه بالمؤمنين رؤوف رحيم و رحمة للعالمين و مبشرا و‬
‫نذيرا و داعيا إلى الله بإذنه و سراجا منيرا و يتلوا عليهم آياته و‬
‫يزكيهم و يعلهم الكتاب و الحكمة و يهديهم إلى صراط مستقيم‬
‫فأي إحسان أجل قدرا و أعظم خطرا من إحسانه إلى جميع‬
‫المؤمنين ؟ و أي إفضال أعم منفعة و أكثر فائدة من إنعامه على‬
‫كافة المسلمين إذ كان ذريعتهم إلى الهداية و منقذهم من‬
‫العماية و داعيهم إلى الفلح و وسيلتهم إلى ربهم و شفيعهم و‬
‫المتكلم عنهم و الشاهد لهم و الموجب لهم البقاء الدائم و النعيم‬
‫السرمد‬
‫فقد استبان لك أنه صلى الله عليه و سلم مستوجب للمحبة‬
‫الحقيقية شرعا بما قدمناه من صحيح الثار و عادة و جبلة بما‬
‫ذكرناه آنفا لفاضته الحسان و عمومه الجمال فإذا كان النسان‬
‫يحب من منحه في دنياه مرة أو مرتين معروفأ أو استنقذه من‬
‫هلكة أو مضرة مدة التأذي بها قليل منقطع ـ فمن منحه ما ل يبيد‬
‫من النعيم و وقاه ما ل يفنى من عذاب الجحيم أولى بالحب‬
‫و إذا كان يحب بالطبع ملك لحسن سيرته أو حاكم لما يؤثر من‬
‫قوام طريقته أو قاص بعيد الدار لما يشاد من علمه أو كرم‬
‫شيمته ـ فمن جمع هذه الخصال على غاية مراتب الكمال أحق‬
‫بالحب و أولى بالميل ] الشفا ج ‪ 2‬صـ ‪24‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬عظم تضحيته و شدة الذى الذي لحقه في سبيل تبليغ‬
‫الدين ‪:‬‬
‫عن عروة أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم حدثته أنها قالت ‪ :‬للنبي صلى الله عليه وسلم هل أتى‬
‫عليك يوم أشد من يوم أحد ؟ قال ( لقد لقيت من قومك ما‬
‫لقيت وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على‬
‫ابن عبد ياليل بن عبد كلل فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت‬
‫وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إل وأنا بقرن الثعالب فرفعت‬
‫رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل‬
‫فناداني فقال إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك‬
‫وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني‬
‫ملك الجبال فسلم علي ثم قال يا محمد فقال ذلك فيما شئت إن‬
‫شئت أن أطبق عليهم الخشبين ؟ فقال النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلبهم من يعبد الله وحده ل‬
‫يشرك به شيئا ) رواه البخاري‬
‫و عن عمرو بن ميمون عن عبد الله قال بينما رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ساجد وحوله ناس إذ جاء عقبة بن أبي معيط‬
‫بسلى جزور فقذفه على ظهر رسول الله صلى ‪ :‬الله عليه‬
‫وسلم فلم يرفع رأسه فجاءت فاطمة فأخذته من ظهره ودعت‬
‫على من صنع ذلك وقال ‪ (:‬اللهم عليك المل من قريش ‪ :‬أبا‬
‫جهل بن هشام و عتبة بن ربيعة و شيبة بن ربيعة و عقبة بن أبي‬
‫معيط و أمية بن خلف أو أبي بن خلف ـ شك شعبة ـ قال ‪ :‬فلقد‬
‫رأيتهم يوم بدر وألقوا في بئر غير أن أمية تقطعت أوصاله فلم‬
‫يلق في البئر ) رواه ابن حبان‬
‫رابعا ً ‪ :‬كمال نصحه للمة‪.‬‬
‫لقد كان صلى الله عليه وسلم صادق النصح لمته صلى الله عليه‬
‫و سلم أفنى عمره دعوة و نصحا ً و بيان و بلغا ً فنصح أعظم‬
‫َ‬
‫مدَّثُِّر *قُ ْ‬
‫م‬ ‫النصح و بلغ غاية البلغ من قال الله له ‪ ( :‬يَا أيُّهَا ال ْ ُ‬
‫فَأَنذِْر) يقول سيد معلقا ً على قوله تعالى (قُم) في سورة المزمل‬
‫‪ [:‬إنها دعوة السماء ‪ ,‬وصوت الكبير المتعال ‪ . .‬قم‪ ...‬قم ‪ . ..‬قم‬
‫للمر العظيم الذي ينتظرك ‪ ,‬والعبء الثقيل المهيأ لك ‪...‬قم‬
‫للجهد والنصب والكد والتعب ‪ .‬قم فقد مضى وقت النوم والراحة‬
‫‪ . .‬قم فتهيأ لهذا المر واستعد ‪. .‬‬
‫وإنها لكلمة عظيمة رهيبة تنتزعه صلى الله عليه وسلم من دفء‬
‫الفراش ‪ ,‬في البيت الهادئ والحضن الدافئ ‪ .‬لتدفع به في‬
‫الخضم ‪ ,‬بين الزعازع والنواء ‪ ,‬وبين الشد والجذب في ضمائر‬
‫الناس وفي واقع الحياة سواء ‪.‬‬
‫إن الذي يعيش لنفسه قد يعيش مستريحا ‪ ,‬ولكنه يعيش صغيرا‬
‫ويموت صغيرا ‪ .‬فأما الكبير الذي يحمل هذا العبء الكبير ‪. .‬‬
‫فماله والنوم ? وماله والراحة ? وماله والفراش الدافئ ‪,‬‬
‫والعيش الهادئ ? والمتاع المريح ?!‬
‫ولقد عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حقيقة المر وقدره‬
‫‪ ,‬فقال لخديجة ‪ -‬رضي الله عنها ‪ -‬وهي تدعوه أن يطمئن وينام‪:‬‬
‫" مضى عهد النوم يا خديجة " ! أجل مضى عهد النوم وما عاد‬
‫منذ اليوم إل السهر والتعب والجهاد الطويل الشاق ! ] الظلل ج‬
‫‪ 6‬ص ‪3744‬‬
‫بل بلغ به المر أن يعجز عن الصلة قائما فعن عبد الله بن‬
‫شقيق قال قلت لعائشة ‪ ... ( :‬أكان يصلي جالسا قالت بعد ما‬
‫حطمه الناس ) رواه أحمد و قال شعيب الرنؤوط إسناده صحيح‬
‫‪.‬‬
‫فما أعظم المنة بمبعثه عليه الصلة و السلم و صدق الله ‪( :‬لَقَدْ‬
‫م يَتْلُو‬ ‫ث فيهم رسول ً م َ‬
‫سهِ ْ‬
‫ن أنفُ ِ‬ ‫ِّ ْ‬ ‫ن إِذ ْ بَعَ َ ِ ِ ْ َ ُ‬ ‫منِي َ‬ ‫ه ع َلَى ال ْ ُ‬
‫مؤ ِ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫م َّ‬ ‫َ‬
‫من قَب ْ ُ‬
‫ل‬ ‫ة وَإِن كَانُوا ْ ِ‬ ‫ب وَال ْ ِ‬
‫حك ْ َ‬
‫م َ‬ ‫م الْكِتَا َ‬ ‫م وَيُعَل ِّ ُ‬
‫مهُ ُ‬ ‫م آيَاتِهِ وَيَُز ِكّيهِ ْ‬ ‫ع َلَيْهِ ْ‬
‫ن الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫م َّ‬‫ن ) آل عمران ‪ ,164‬وقال تعالى‪ ( :‬لَقَد ْ َ‬ ‫مبِي ٍ‬‫ل ُّ‬‫ضل ٍ‬ ‫لَفِي َ‬
‫ث فيهم رسول ً م َ‬
‫ه‬
‫م آيَات ِ ِ‬‫م يَتْلُو ع َلَيْهِ ْ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ن أنفُ ِ‬ ‫ِّ ْ‬ ‫ن إِذ ْ بَعَ َ ِ ِ ْ َ ُ‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤ ِ‬ ‫ع َلَى ال ْ ُ‬
‫ل‬‫ضل ٍ‬ ‫ل لَفِي َ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫ة وَإِن كَانُوا ْ ِ‬ ‫حك ْ َ‬
‫م َ‬ ‫ب وَال ْ ِ‬ ‫م الْكِتَا َ‬ ‫مهُ ُ‬‫م وَيُعَل ِّ ُ‬ ‫وَيَُزكِّيهِ ْ‬
‫ن ) آل عمران ‪164‬‬ ‫مبِي ٍ‬ ‫ُّ‬
‫خامسا ً ‪ :‬عظيم أخلقه‬
‫ق عَظِيم ٍ ) القلم ‪. 4‬‬ ‫ك لَعَلى ُ ُ‬ ‫قال تعالى ‪ ( :‬وَإِن َّ َ‬
‫خل ٍ‬
‫و عن أبي هريرة رضي الله عنه ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫و سلم قال ‪ ( :‬بعثت لتمم مكارم الخلق) رواه الحاكم و قال‬
‫صحيح على شرط مسلم و وافقه الذهبي ‪.‬‬
‫ك لَعَلى‬ ‫قال المام السعدي رحمه الله عند قوله تعالى ‪ { :‬وَإِن َّ َ‬
‫ق عَظِيم ٍ } أي‪ :‬عاليًا به‪ ،‬مستعليًا بخلقك الذي من الله عليك‬ ‫ُ ُ‬
‫خل ٍ‬
‫به‪ ،‬وحاصل خلقه العظيم‪ ،‬ما فسرته به أم المؤمنين‪[ ،‬عائشة‬
‫‪-‬رضي الله عنها‪ ]-‬لمن سألها عنه‪ ،‬فقالت‪" :‬كان خلقه القرآن"‪،‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫ض عَ ِ‬ ‫ف وَأع ْرِ ْ‬ ‫مْر بِالْعُْر ِ‬ ‫خذ ِ َالْعَفْوَ وَأ ُ‬ ‫وذلك نحو قوله تعالى له‪ُ { :‬‬
‫م } [الية]‪ { ،‬لَقَدْ‬ ‫ت لَهُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ لِن ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫مةٍ ِ‬ ‫ح َ‬‫ما َر ْ‬ ‫ن } { فَب ِ َ‬ ‫جاهِلِي َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ص ع َلَيْكُم‬ ‫لم َ‬
‫حرِي ُ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ما ع َنِت ُّ ْ‬ ‫م ع َزِيٌز ع َلَيْهِ َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ن أنْفُ ِ‬ ‫سو ٌ ِ ْ‬ ‫م َر ُ‬ ‫جاءَك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫م } وما أشبه ذلك من اليات الدالت على‬ ‫حي ٌ‬‫ف َّر ِ‬ ‫ن َرؤ ُو ٌ‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤ ُ ِ‬ ‫بِال ْ‬
‫اتصافه صلى الله عليه وسلم بمكارم الخلق‪[ ،‬واليات] الحاثات‬
‫على الخلق العظيم فكان له منها أكملها وأجلها‪ ،‬وهو في كل‬
‫خصلة منها‪ ،‬في الذروة العليا‪ ،‬فكان صلى الله عليه وسلم سهًل‬
‫لينا‪ ،‬قريبًا من الناس‪ ،‬مجيبًا لدعوة من دعاه‪ ،‬قاضيًا لحاجة من‬
‫استقضاه‪ ،‬جابًرا لقلب من سأله‪ ،‬ل يحرمه‪ ،‬ول يرده خائبًا‪ ،‬وإذا‬
‫أراد أصحابه منه أمًرا وافقهم عليه‪ ،‬وتابعهم فيه إذا لم يكن فيه‬
‫محذور‪ ،‬وإن عزم على أمر لم يستبد به دونهم‪ ،‬بل يشاورهم‬
‫ويؤامرهم‪ ،‬وكان يقبل من محسنهم‪ ،‬ويعفو عن مسيئهم‪ ،‬ولم‬
‫سا له إل أتم عشرة وأحسنها‪ ،‬فكان ل يعبس في‬ ‫يكن يعاشر جلي ً‬
‫وجهه‪ ،‬ول يغلظ عليه في مقاله‪ ،‬ول يطوي عنه بشره‪ ،‬ول يمسك‬
‫عليه فلتات لسانه‪ ،‬ول يؤاخذه بما يصدر منه من جفوة‪ ،‬بل‬
‫يحسن إلي عشيره غاية الحسان‪ ،‬ويحتمله غاية الحتمال صلى‬
‫الله عليه وسلم ]‪.‬‬
‫و قال ابن القيم رحمه الله ‪[ :‬ومما يحمد عليه ما جبله الله عليه‬
‫من مكارم الخلق وكرائم الشيم فإن من نظر في أخلقه‬
‫وشيمه علم أنها خير أخلق الخلق وأكرم شمائل الخلق فإنه كان‬
‫أعلم الخلق وأعظمهم أمانة وأصدقهم حديثا وأحلمهم وأجودهم‬
‫وأسخاهم وأشدهم احتمال وأعظمهم عفوا ومغفرة وكان ل يزيده‬
‫شدة الجهل عليه إل حلما‬
‫كما روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمرو رضي الله‬
‫عنهما أنه قال في صفة رسول الله في التوراة ‪( :‬محمد عبدي‬
‫ورسولي سميته المتوكل ليس بفظ ول غليظ ول صخاب‬
‫بالسواق ول يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح ولن أقبضه‬
‫حتى أقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا ل إله إل الله وأفتح به أعينا‬
‫عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا)‬
‫وأرحم الخلق وأرأفهم بهم وأعظم الخلق نفعا لهم في دينهم‬
‫ودنياهم وأفصح خلق الله وأحسنهم تعبيرا عن المعاني الكثيرة‬
‫باللفاظ الوجيزة الدالة على المراد وأصبرهم في مواطن الصبر‬
‫وأصدقهم في مواطن اللقاء وأوفاهم بالعهد والذمة وأعظمهم‬
‫مكافأة على الجميل بأضعافه وأشدهم تواضعا و أعظمهم إيثارا‬
‫على نفسه وأشد الخلق ذبا عن أصحابه وحماية لهم ودفاعا عنهم‬
‫وأقوم الخلق بما يأمر به وأتركهم لما ينهى عنه وأوصل الخلق‬
‫لرحمه فهو أحق بقول القائل ‪:‬‬
‫ن جلد]‬‫برد على الدنى ومرحمة ‪ ...‬وعلى العادي مار ٌ‬
‫سادسا ً ‪ :‬جمال خلقته عليه الصلة و السلم ‪:‬‬
‫النفوس مجبولة على حب كل جميل و قد كان صلى الله عليه و‬
‫سلم أجمل الناس خلقا ً و لذا فقد أحبه الناس حبا ً عظيما ً فقد‬
‫جمع بين جمال الخلقة و الخلق عليه أفضل الصلة و السلم‬
‫فتأمل أخي المبارك في وصف أصحابه له عن أنس قال‪ :‬كان‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون كأن عرقه اللؤلؤ‬
‫إذا مشى تكفأ ول مسست ديباجة ول حريرة ألين من كف رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ول شممت مسكة ول عنبرة أطيب‬
‫من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم ) رواه مسلم و‬
‫معنى ( أزهر اللون ) هو البيض المستنير وهو أحسن اللوان‬
‫عن البراء قال ‪ :‬ما رأيت أحدا أحسن في حلة حمراء من رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم وجمته تضرب منكبيه ) رواه النسائي‬
‫وصححه اللباني‬
‫عن كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن تبوك قال فلما سلمت‬
‫على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبرق وجهه من‬
‫السرور وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار‬
‫وجهه حتى كأنه قطعة قمر وكنا نعرف ذلك منه ) رواه البخاري‬
‫عن أبي جحيفة قال ‪ :‬خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫بالهاجرة إلى البطحاء فتوضأ ثم صلى الظهر ركعتين والعصر‬
‫ركعتين وبين يديه عنزة ‪ .‬وزاد فيه عون عن أبيه عن أبي جحيفة‬
‫قال كان يمر من ورائها المرأة وقام الناس فجعلوا يأخذون يديه‬
‫فيمسحون بهما وجوههم قال فأخذت بيده فوضعتها على وجهي‬
‫فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب رائحة من المسك ) رواه البخاري‬
‫عن البراء يقول‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن‬
‫الناس وجها وأحسنهم خلقا ليس بالطويل البائن ول بالقصير)‬
‫رواه البخاري‬
‫عن علي قال ‪ :‬لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫بالطويل ول بالقصير شئن الكفين والقدمين ضخم الرأس ضخم‬
‫الكراديس طويل المسربة إذا مشى تكفأ تكفؤا كأنما انحط من‬
‫صبب لم أر قبله ول بعده مثله ) رواه الترمذي و صححه اللباني‬
‫عن ابن عمر ‪ :‬ما رأيت أحدا أنجد ول أجود ول أشجع ول أضوأ‬
‫وأوضأ من رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه الدارمي بسند‬
‫صحيح ‪.‬‬
‫ً‬
‫فهو الذي تم معناه وصورته *** ثم اصطفاه حبيبا بارئُ النِّسمِ‬
‫أكرِم بخلق نبي زانه خلقٌ *** بالحسن مشتمل بالبشر متسم‬
‫كالزهر في ترف والبدر في شرف *** والبحر في كرم والدهر‬
‫مم‬
‫في ه ِ َ ِ‬
‫إن نبيا ً بهذه الصفة و هذه المثابة حق له أن يُحب و أن تتعلق به‬
‫القلوب و تحن إليه الفئدة و تحلم برؤيته و تجعل هدفها العظم‬
‫َ‬
‫خزِي الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫م َل ي ُ ْ‬ ‫الورود على حوضه وعبور الصراط بمعيته ( يوْ َ‬
‫َ‬ ‫ي والَّذين آمنوا معه نورهُم يسعى بي َ‬
‫م‬‫مانِهِ ْ‬ ‫م وَبِأي ْ َ‬ ‫ن أيْدِيهِ ْ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ َ ُ ُ ُ ْ َ ْ َ‬ ‫النَّب ِ َّ َ ِ َ َ ُ‬
‫ك ع َلَى ك ُ ِّ‬ ‫م لَنَا نُوَرنَا وَاغْفِْر لَنَا إِن َّ َ‬ ‫َ‬
‫يءٍ قَدِيٌر )‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َربَّنَا أت ْ ِ‬ ‫يَقُولُو َ‬
‫التحريم ‪8‬‬
‫حكم محبة الرسول‪:‬‬
‫محبة النبي صلى الله عليه و سلم واجبة على كل مسلم و‬
‫َ‬
‫خوَانُك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫م وَأبْنَآؤ ُك ُ ْ‬ ‫ن آبَاؤ ُك ُ ْ‬ ‫ل إِن كَا َ‬ ‫مسلمة قال تعالى (قُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سادَهَا‬ ‫ن كَ َ‬ ‫شوْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫جاَرة ٌ ت َ ْ‬ ‫موهَا وَت ِ َ‬ ‫ل اقْتََرفْت ُ ُ‬ ‫موَا ٌ‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫شيَرتُك ُ ْ‬ ‫م وَع َ ِ‬ ‫جك ُ ْ‬ ‫وَأْزوَا ُ‬
‫َ‬
‫سبِيلِهِ‬ ‫ج َهاد ٍ فِي َ‬ ‫سولِهِ وَ ِ‬ ‫ن اللّهِ وََر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ب إِلَيْكُم ِّ‬ ‫ح َّ‬‫ضونَهَا أ َ‬ ‫ن تَْر َ ْ‬ ‫ساك ِ ُ‬‫م َ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن)‬ ‫سقِي َ‬ ‫م الْفَا ِ‬ ‫ه ل َ يَهْدِي الْقَوْ َ‬ ‫مرِهِ وَالل ّ ُ‬ ‫ه بِأ ْ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫حتَّى يَأت ِ َ‬ ‫صوا ْ َ‬ ‫فَتََرب َّ ُ‬
‫التوبة ‪ .24‬وفي حديث البخاري عن أبي هريرة مرفوعاً‪(( :‬فوالذي‬
‫نفسي بيده ل يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده‬
‫والناس أجمعين))‪ .‬وروى البخاري عن عبد الله بن هشام‪ :‬كنا مع‬
‫النبي وهو آخذ بيده عمر فقال عمر‪ :‬يا رسول الله لنت أحب إلي‬
‫من كل شيء إل من نفسي فقال‪(( :‬ل والذي نفسي بيده حتى‬
‫أكون أحب إليك من نفسك‪ ،‬قال عمر‪ :‬فإنه الن‪ ،‬لنت أحب إلي‬
‫من نفسي‪ ،‬فقال‪ :‬الن يا عمر))‪.‬‬
‫مظاهر محبته للرسول صلى الله عليه و سلم ‪:‬‬
‫ما‬ ‫ك فِي َ‬ ‫مو َ‬ ‫حكِّ ُ‬ ‫ى يُ َ‬ ‫ن َ َ‬ ‫ك ل َ يُؤ ْ ِ‬ ‫‪ -1‬طاعته ‪ :‬قال تعالى (فَل َ وََرب ِّ َ‬
‫حت ّ َ‬ ‫منُو َ‬
‫َ‬
‫مواْ‬ ‫سل ِّ ُ‬
‫ت وَي ُ َ‬ ‫ضي ْ َ‬ ‫ما قَ َ‬ ‫م َّ‬ ‫حَرجا ً ِّ‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬ ‫سه‬ ‫جدُوا ْ فِي أنفُ ِ‬ ‫م ل َ يَ ِ‬ ‫م ث ُ َّ‬
‫جَر بَيْنَهُ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫َ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ن‬‫ن عَ ْ‬ ‫خالِفُو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫حذ َرِ الذِي َ‬ ‫سلِيما ً ) النساء ‪ . 65‬و قال تعالى ‪ (:‬لْي َ ْ‬ ‫تَ ْ‬
‫م ) النور ‪ .63‬و قال‬ ‫ٌ‬ ‫ب أَلِي‬ ‫م عَذ َا ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫صيبَه‬
‫ة أوْ ي ُ ِ‬
‫أ َمره أَن تصيبهم فتن ٌ َ‬
‫ُ ِ َُ ْ ِ َْ‬ ‫ْ ِ ِ‬
‫مراً‬ ‫تعالى ‪ (:‬وما كَان ل ِمؤ ْمن وَل مؤ ْمنة إذ َا قَضى الل َّه ورسول ُه أ َ‬
‫َ َ ُ ََ ُ ُ ْ‬ ‫َ ُ ِ ٍ ََ ُ ِ َ ٍ ِ‬ ‫َ َ‬
‫َ‬
‫ه فقَدْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ّ‬
‫ص الل َ‬ ‫ْ‬ ‫ن لَهُ ُ‬ ‫أن يَكُو َ‬
‫من يَعْ ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫مرِه ِ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫خيََرة ُ ِ‬ ‫م ال ِ‬
‫مبِيناً) الحزاب ‪36‬‬ ‫ضَلل ً ُّ‬ ‫ل َ‬ ‫ض َّ‬ ‫َ‬
‫‪ -2‬القتداء و التأسي به و المتابعة له‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫من كَا َ‬
‫ن‬ ‫ة ل ِّ َ‬
‫سن َ ٌ‬‫ح َ‬ ‫سوَة ٌ َ‬ ‫ل الل ّهِ أ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫م فِي َر ُ‬
‫َ‬ ‫ن لَك ُ ْ‬ ‫قال تعالى (لَقَد ْ كَا َ‬
‫َ‬
‫ه كَثِيرا ً ) الحزاب ‪21‬‬ ‫خَر وَذ َكََر الل ّ َ‬ ‫م اْل ِ‬ ‫ه وَالْيَوْ َ‬ ‫جو الل ّ َ‬ ‫يَْر ُ‬
‫قال المام ابن كثير رحمه الله ‪[ :‬هذه الية الكريمة أصل كبير‬
‫في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله‬
‫وأحواله ]‬
‫قال ابن القيم رحمه الله ‪[ :‬أعلم أن في رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم أسوة حسنة حيا وميتا وفعل وقول وجميع أحواله‬
‫عبرة للناظرين تبصرة للمستبصرين إذ لم يكن أحد أكرم على‬
‫الله منه إذ كان خليل الله وحبيبه ونجيه وكان صفيه ورسوله‬
‫ونبيه ] ‪.‬إعلم الموقعين ج ‪ 4‬ص ‪468‬‬
‫هّ‬
‫م الل ُ‬ ‫ُ‬
‫حبِبْك ُ‬ ‫َ‬
‫ه فَات ّب ِ ُعونِي ي ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫حبُّو َ‬ ‫م تُ ِ‬ ‫ل إِن كُنت ُ ْ‬ ‫و قال تعالى ‪ ( :‬قُ ْ‬
‫م) آل عمران ‪31‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫ه غَفُوٌر َّر ِ‬ ‫م وَالل ّ ُ‬ ‫م ذ ُنُوبَك ُ ْ‬ ‫وَيَغْفِْر لَك ُ ْ‬
‫فيجب على المحب الصادق أن يبادر إلى متابعة حبيبه و التأسي‬
‫بسنته و الشعور بالفخر و العزة و العلو و الرفعة و أنت تتأسى‬
‫بخير البشر عليه الصلة و السلم‬
‫و مما زادني شرفا ً و فخرا ً *** و كدت بأخمصي أطأ الثريا‬
‫دخولي تحت قولك يا عبادي *** و أن سيرت أحمد لي نبياً‬
‫إن من أعظم ما تعاني منه أمة السلم اليوم تغيب هدي النبي‬
‫صلى الله عليه و سلم و سيرته و أخلقه و آدابه عن أجيالها‬
‫فعاش الجيل بعيدا ً عن هدي خير المرسلين فتاه في ظلمات‬
‫الشبهات و الشهوات و غرق في بحارها و هو في أمس الحاجة‬
‫إلى من يقتبس له جذوة من السراج النبوي تنير له طريق الحق‬
‫و تبدد ظلمات الباطل فيجد الدواء الناجع لكل ما يعانيه من‬
‫هموم و غموم و قلق و حيرة و تخبط و انحراف ‪.‬‬
‫فهل نعيد عرض السيرة النبوية العطرة على أجيالنا ؟ و هل‬
‫نتمثلها واقعا ً حيا ً مشاهدا ً تراه الجيال ماثل ً أمامها فتدرك أنه‬
‫شقوتها ؟‬ ‫المخرج من ِ‬
‫‪3‬ـ تعظيم النبي وتوقيره ‪:‬‬
‫َ َ َ ُ َ َّ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫جدُون َ ُ‬ ‫ي الذِي ي َ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ي ال ِّ‬ ‫سول ْالن ّب ِ ّ‬ ‫ن الَّر ُ‬ ‫ن يَتَّبِعُو َ‬ ‫قال تعالى ‪( :‬ال ّذِي َ‬
‫م‬
‫ف َويَنْهَاهُ ْ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫مُرهُم بِال ْ َ‬ ‫ل يَأ ُ‬ ‫جي ِ‬ ‫م فِي التَّوَْراةِ َ وَالِن ْ ِ‬ ‫عندَهُ ْ‬ ‫مكْتُوبا ً ِ‬ ‫َ‬
‫م ال ْ َ‬ ‫ُ‬
‫م‬
‫ضعُ ع َنْهُ ْ‬ ‫ث َوي َ َ‬ ‫خبَآئ ِ َ‬ ‫م ع َلَيْهِ ُ‬ ‫َ‬
‫حّرِ ُ‬ ‫ت وَي ُ َ‬ ‫م الط ّيِّبَا ِ‬ ‫ل لََهُ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫منكَرِ وَي ُ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ِ‬ ‫عَ‬
‫منُوا ْ بِهِ وَعََّزُرو ُ‬
‫ه‬ ‫نآ َ‬ ‫م فَال ّذِي َ‬ ‫ت ع َلَيْهِ ْ‬ ‫ل ال ّتِي كَان َ ْ‬ ‫م وَالَغْل َ َ‬ ‫صَرهُ ْ‬ ‫إِ ْ‬
‫ن)‬ ‫حو َ‬ ‫مفْل ِ ُ‬‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ه أُوْلَـئ ِ َ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫صُروه ُ وَاتَّبَعُوا ْ النُّوَر الَّذِيَ أُنزِ َ‬ ‫وَن َ َ‬
‫العراف ‪157‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫صوْ ِ‬ ‫م فَوْقَ َ‬ ‫صوَاتَك ُ ْ‬ ‫منُوا َل تَْرفَعُوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫قال تعالى ‪( :‬يا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫حب َ َ‬ ‫َ‬
‫ط‬ ‫ض أن ت َ ْ‬ ‫م لِبَعْ ٍ‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫جهْرِ بَعْ ِ‬ ‫ل كَ َ‬ ‫ه بِالْقَوْ ِ‬ ‫جهَُروا ل َ ُ‬ ‫ي وََل ت َ ْ‬ ‫النَّب ِ ِ ّ‬
‫ن) الحجرات ‪2‬‬ ‫م َل ت َ ْ‬ ‫َ‬ ‫مالُك ُ‬ ‫أَعْ‬
‫شعُُرو َ‬ ‫ْ‬ ‫م وَأنت ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫منُوا بِالل ّهِ‬ ‫شًرا وَنَذِيًرا * لِتُؤ ْ ِ‬ ‫مب َ ّ ِ‬ ‫شاهِدًا وَ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫سلْنَا َ‬ ‫قال تعالى ‪( :‬إِنَّا أْر َ‬
‫صي ً‬ ‫َ‬
‫ل) الفتح ‪9‬‬ ‫حوه ُ بُكَْرة ً وَأ ِ‬ ‫سولِهِ وَتُعَّزُِروه ُ وَتُوَقُِّروه ُ وَت ُ َ‬
‫سب ِّ ُ‬ ‫وََر ُ‬
‫قال السعدي رحمه الله ‪{ [:‬وَتُعَّزُِروه ُ وَتُوَقُِّروهُ} أي‪ :‬تعزروا‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم وتوقروه أي‪ :‬تعظموه وتجلوه‪،‬‬
‫وتقوموا بحقوقه‪ ،‬كما كانت له المنة العظيمة برقابكم ]‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله ‪ :‬و التعزير ‪ [:‬اسم جامع‬
‫لنصره و تأييده و منعه من كل ما يؤذيه و التوقير ‪ :‬اسم جامع‬
‫لكل ما فيه سكينة و طمأنينة من الجلل و الكرام و أن يعامل‬
‫من التشريف و التكريم و التعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه‬
‫عن حد الوقار] الواسطة بين الله و خلقه صـ ‪208‬‬
‫قل القاضي عياض ‪ [:‬كان محمد بن المنكدر إذا ذكره صلى الله‬
‫عليه و سلم بكى حتى يرحمه الجالسون‪ .‬وكان ابن مهدي إذا قرأ‬
‫حديث النبي أمر الحاضرين بالسكوت‪.‬‬
‫و لقد كان عبد الرحمن بن القاسم يذكر النبي صلى الله عليه و‬
‫سلم فينظر إلى لونه كأنه نزف منه الدم و قد جف لسانه في‬
‫فمه هيبة لرسول الله صلى الله عليه و سلم‬
‫و لقد كنت آتي عامر بن عبد الله بن الزبير فإذا ذكر عنده النبي‬
‫صلى الله عليه و سلم بكى حتى ل يبقى في عينيه دموع‬
‫و لقد رأيت الزهري ـ و كان من أهنأ الناس و أقربهم فإذا ذكر‬
‫عنده النبي صلى الله عليه و سلم فكأنه ما عرفك و ل عرفته‬
‫و لقد كنت آتي صفوان بن سليم و كان من المتعبدين المجتهدين‬
‫فإذا ذكر النبي صلى الله عليه و سلم بكى فل يزال يبكي حتى‬
‫يقوم الناس عنه و يتركوه‬
‫و لما كثر على مالك الناس قيل له ‪ :‬لو جعلت مستمليا‬
‫يسمعهم ؟ فقال ‪ :‬قال الله تعالى ‪ { :‬يا أيها الذين آمنوا ل ترفعوا‬
‫أصواتكم فوق صوت النبي } و حرمته حيا و ميتا سواء] الشفا ج‬
‫‪ 2‬صـ ‪32‬‬
‫‪ 4‬ـ الصلة و السلم عليه صلى الله عليه و سلم‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫ن‬‫ي يَا أيُّهَا الذِي َ‬ ‫ن ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬ ‫صل ّو َ‬ ‫ه يُ َ‬ ‫ملئِكَت َ ُ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫قال تعالى ‪ ( :‬إ ِ ّ‬
‫ُ‬
‫سلِيماً) (الحزاب‪)56:‬‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫سل ِّ‬‫صل ّوا ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫منُوا َ‬ ‫آ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صل ّوا ع َلَي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫منُوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫قال السعدي رحمه الله ‪ {[ :‬يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫ما } اقتداء باللّه وملئكته‪ ،‬وجزاء له على بعض‬ ‫سلِي ً‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ِّ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫ما له صلى اللّه عليه‬‫حقوقه عليكم‪ ،‬وتكميل ً ليمانكم‪ ،‬وتعظي ً‬
‫ما‪ ،‬وزيادة في حسناتكم‪ ،‬وتكفيًرا من‬ ‫وسلم‪ ،‬ومحبة وإكرا ً‬
‫سيئاتكم وأفضل هيئات الصلة عليه عليه الصلة والسلم‪ ،‬ما علم‬
‫به أصحابه‪" :‬اللّهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت‬
‫على آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪ ،‬وبارك على محمد وعلى آل‬
‫محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد" وهذا المر‬
‫بالصلة والسلم عليه مشروع في جميع الوقات‪ ،‬وأوجبه كثير‬
‫من العلماء في الصلة ]‬
‫عن أبي هريرة ‪ :( :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من‬
‫صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا ) رواه مسلم‬
‫قال ابن عبد السلم ‪ [:‬ليست صلتنا على النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم شفاعة له فإن مثلنا ل يشفع لمثله ولكن الله أمرنا‬
‫بمكافأة من أحسن إلينا فإن عجزنا عنها كافأناه بالدعاء فأرشدنا‬
‫الله لما علم عجزنا عن مكافأة نبينا إلى الصلة عليه ] الفتح‬
‫تأمل أخي المبارك عظم الثواب الذي يحصل عليه من صلى على‬
‫رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ابن القيم رحمه الله ‪:‬‬
‫[ فهذه الصلة منه تبارك وتعالى ومن ملئكته إنما هي سبب‬
‫الخراج لهم من الظلمات إلى النور فأي خير لم يحصل لهم وأي‬
‫شر لم يندفع عنهم ؟ فيا حسرة الغافلين عن ربهم ماذا حرموا‬
‫من خيره وفضله وبالله التوفيق] الوابل الصيب‬
‫‪ 5‬ـ كثرة تذكره وتمني رؤيته والشوق إلى لقائه وسؤال الله‬
‫اللحاق به على اليمان وأن يجمع بينه وبين حبيبه في مستقر‬
‫رحمته‬
‫وقد أخبر صلى الله عليه و سلم بأنه سيوجد في هذه المة من‬
‫يود ّ رؤيته بكل ما يملكون فأخرج مسلم في صحيحه عن أبي‬
‫هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال‪ ( :‬من أشد‬
‫أمتي لي حبا‪ ،‬ناس يكونون بعدي يود أحدهم لو رآني بأهله‬
‫ومله )‬
‫وروى أحمد عن أنس بن مالك قال ‪ :‬قال صلى الله عليه و سلم‬
‫‪(( :‬يقدم عليكم غدا ً أقوام هم أرق قلوبا ً للسلم منكم)) قال ‪:‬‬
‫فقدم الشعريون فيهم أبو موسى الشعري‪ ،‬فلما دنو من المدينة‬
‫جعلوا يرتجزون يقولون‪:‬‬
‫محمدا ً وحزبه‬ ‫غدا ً نلقى الحبة‬
‫فلما أن قدموا تصافحوا فكانوا هم أول من أحدث المصافحة‪.‬‬
‫تأمل أخي المبارك فيما سبق من شوق الصحابة الكرام و‬
‫السلف الصالح لرسول الله و تأمل قول هذا الصحابي ‪ ( :‬يا‬
‫رسول الله إنك لحب إلي من نفسي و إنك لحب إلي من ولدي‬
‫و إني لكون في البيت فأذكرك فما اصبر حتى آتي فأنظر إليك و‬
‫إذا ذكرت موتي و موتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع‬
‫النبيين و أني إذا دخلت الجنة خشيت أن ل أراك ‪)...‬‬
‫لقد كان شوق السلف الصالح لنبيهم عليه الصلة و السلم‬
‫عظيما يحلمون بلقياه حتى لو كان السبيل إلى ذلك الموت حتى‬
‫قال بلل رضي الله عنه ‪( :‬بل وا طرباه غدا نلقى الحبة محمدا‬
‫وصحبه)‬
‫وعن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أن عبد الله بن أبي زكريا كان‬
‫يقول لو خيرت بين أن أعمر مائة سنة في طاعة الله أو أن‬
‫أقبض في يومي هذا أو في ساعتي هذه لخترت أن أقبض شوقا‬
‫إلى الله عز وجل وإلى رسوله وإلى الصالحين من عباده‬
‫عن جبير بن نفير عن أبيه قال جلسنا إلى المقداد بن السود‬
‫يوما فمر به رجل فقال‪ :‬طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم والله لوددنا أنا رأينا ما رأيت وشهدنا‬
‫ما شهدت‪ .‬رواه المام أحمد وقال شعيب الرنؤوط ‪ :‬إسناده‬
‫صحيح رجاله ثقات رجال الصحيح غير يعمر بن بشر وهو ثقة‪.‬‬
‫أخي المبارك‪ ,‬سائل نفسك ما مقدار شوقي لرسول الله و تذكر‬
‫أن رسول الله يشتاق إليك قال صلى الله عليه و سلم ‪( :‬وددت‬
‫أن قد رأينا إخواننا) قالوا ‪ :‬ألسنا إخوانك ؟ قال ‪( :‬أنتم أصحابي‪،‬‬
‫وإخواني قوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني) رواه‬
‫مسلم‪.‬‬
‫أخي هل يحملك الشوق إلى لقاء النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫وهل تحدث نفسك برؤيته هل أقبلت على سنته واقتفيت آثاره‬
‫طمع في الظفر بالورود على حوضه وشوق لرؤيته هل تردد ما‬
‫قاله هذا المشتاق‪:‬‬
‫نسينا في ودادك كل غال *** فأنت اليوم أغلى ما لدينا‬
‫نلم على محبتكم ويكفي *** لنا شرف نلم وما علينا‬
‫ولما نلقكم لكن شوقا ً *** يذكرنا فكيف إذا التقينا‬
‫تسلى الناس بالدنيا وإنّا *** لعمر الله بعدك ما سلونا‬
‫‪6‬ـ محبة قرابته وآل بيته وأزواجه‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫قال تعالى‪ ( :‬النَب ُ َ‬
‫ه‬
‫ج ُ‬‫م وَأْزوَا ُ‬‫سهِ ْ‬
‫ن أن ُف ِ‬‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫منِي َ‬ ‫ي أوْلَى بِال ْ ُ‬
‫مؤْ ِ‬ ‫ِّ ّ‬
‫م ) الحزاب ‪6‬‬ ‫أ ُ َّ‬
‫م َهاتُهُ ْ‬
‫وروى مسلم عن زيد بن أرقم مرفوعاً‪(( :‬أل أيها الناس فإنما أنا‬
‫بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب‪ ،‬وأنا تارك فيكم ثقلين‪:‬‬
‫أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور‪ ،‬فخذوا بكتاب الله‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي))‪.‬‬
‫قال شيخ السلم رحمه الله‪[ :‬ومن أصول أهل السنة والجماعة ـ‬
‫أنهم ـ ‪ ...‬يحبون أهل بيت رسول الله ويتولونهم ويحفظون فيهم‬
‫وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال يوم ( ‪ ) 1‬غدير‬
‫خم ‪ ( :‬أذكركم الله في أهل بيتي وقال أيضا للعباس عمه وقد‬
‫اشتكى إليه أن بعض قريش يجفو بني هاشم فقال ‪ ( :‬والذي‬
‫نفسي بيده ل يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي ) وقال ‪ ( :‬إن‬
‫الله اصطفى بني إسماعيل واصطفى من بني إسماعيل كنانة‬
‫واصطفى من كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم‬
‫واصطفاني من بني هاشم ) ويتولون أزواج رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم أمهات المؤمنين ويؤمنون بأنهن أزواجه في الخرة‬
‫خصوصا خديجة رضي الله عنها أم أكثر أولده أول من آمن به‬
‫وعاضده على أمره وكان لها منه المنزلة العالية والصديقة بنت‬
‫الصديق رضي الله عنها التي قال النبي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫(فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام )‬
‫الواسطية‪.‬‬
‫‪7‬ـ محبة صحابته‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صارِ وَالذِي َ‬
‫ن‬ ‫ن وَالن َ‬ ‫جري َ‬
‫ِ‬ ‫مهَا ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن الوَّلُو َ‬ ‫سابِقُو َ‬ ‫قال تعالى‪( :‬وَال َّ‬
‫َ‬
‫ت‬‫جنَّا ٍ‬ ‫ه وَأعَد َّ لَهُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ضوا ْ ع َن ْ ُ‬ ‫م وََر ُ‬ ‫ه ع َنْهُ ْ‬‫ي الل ّ ُ‬‫ض َ‬‫ن َّر ِ‬ ‫سا ٍ‬ ‫اتَّبَعُوهُم بِإ ِ ْ‬
‫ح َ‬
‫َ‬ ‫حتَهَا الَن ْ َهاُر َ‬
‫م) التوبة‬ ‫ك الْفَوُْز الْعَظِي ُ‬ ‫ن فِيهَا أبَدا ً ذَل ِ َ‬ ‫خالِدِي َ‬ ‫جرِي ت َ ْ‬‫تَ ْ‬
‫‪.100‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله ‪[ :‬ومن أصول أهل السنة‬
‫والجماعة سلمة قلوبهم وألسنتهم لصحاب رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم كما وصفهم الله به في قوله تعالى ‪( :‬والذين‬
‫جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولخواننا الذين سبقونا‬
‫باليمان ول تجعل في قلوبنا غل للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم‬
‫) وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله ‪ ( :‬ل تسبوا‬
‫أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما‬
‫بلغ مد أحدهم ول نصيفه ) ‪ .‬ويقولون ما جاء به الكتاب والسنة‬
‫والجماع من فضائلهم ومراتبهم ويفضلون من أنفق من قبل‬
‫الفتح وهو صلح الحديبية وقاتل على من أنفق من بعد وقاتل‬
‫ويقدمون المهاجرين على النصار ويؤمنون بأن الله قال لهل بدر‬
‫وكانوا ثلثمائة وبضعة عشر ‪ ( :‬اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)‬
‫الواسطية‪.‬‬
‫‪ -8‬محبة سنته والداعين إليها و العمل بها ‪:‬‬
‫عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه و سلم‪ ...( :‬عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين‬
‫الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات‬
‫المور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضللة ) رواه أبو داود و‬
‫صححه اللباني رحمه الله‪.‬‬
‫عن نافع عن بن عمر أنه كان في طريق مكة يقول برأس راحلته‬
‫يثنيها ويقول لعل خفا يقع على خف يعني خف راحلة النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪.‬‬
‫عن عمر قال‪ :‬من سره أن ينظر إلى هدي رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم فلينظر إلى هدي عمرو بن السود‪ .‬رواه أحمد بإسناد‬
‫جيد‬
‫قال المام أحمد ‪ [ :‬ما كتبت حديثا ً إل و قد عملت به حتى مر بي‬
‫أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى أبا طيبة ديناراً‬
‫فأعطيت الحجام دينارا ً حين احتجمت]‬
‫و قال رحمه الله ‪[ :‬إن استطعت أل تحك شعرة إل بأثر ] وقال ‪:‬‬
‫[إني لرى الرجل يحي شيئا ً من السنة فأفرح به] قال الزهري ‪:‬‬
‫العتصام بالسنة نجاة‪.‬‬
‫ثمرات المحبة‬
‫‪ /1‬الفوز بمحبة الله‬
‫قال تعالى ‪ ( :‬قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله‬
‫ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم )‬
‫قال ابن كثير رحمه الله ‪ [:‬هذه الية الكريمة حاكمة على كل من‬
‫ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب‬
‫في دعواه في نفس المر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين‬
‫النبوي في جميع أقواله وأفعاله وأحواله ] ‪.‬‬
‫قال الحسن البصري وغيره من السلف ‪ :‬زعم قوم أنهم يحبون‬
‫الله فابتلهم الله بهذه الية فقال {قل إن كنتم تحبون الله‬
‫فاتبعوني يحببكم الله}‬
‫قال ابن القيم ‪[ :‬لما كثر المدعون للمحبة طولبوا بإقامة البينة‬
‫على صحة الدعوى فلو يعطى الناس بدعواهم لدعى الخلي‬
‫حرفة الشجي فتنوع المدعون في الشهود فقيل ‪ :‬ل تثبت هذه‬
‫الدعوى إل ببينة {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}‬
‫( آل عمران ‪ ) 31 :‬فتأخر الخلق كلهم وثبت أتباع الرسول في‬
‫أفعاله وأقواله وهديه وأخلقه]‬
‫‪ /2‬حلوة اليمان و السعادة و الهناء ‪:‬‬
‫عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( ثلث من كن فيه‬
‫وجد حلوة اليمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما‬
‫وأن يحب المرء ل يحبه إل لله وأن يكره أن يعود في الكفر كما‬
‫يكره أن يقذف في النار) رواه البخاري‬
‫قال شيخ السلم ‪[ :‬فالثواب على ما جاء به الرسول والنصرة‬
‫لمن نصره والسعادة لمن اتبعه وصلوات الله وملئكته على‬
‫المؤمنين به والمعلمين للناس دينه والحق يدور معه حيثما دار‬
‫وأعلم الخلق بالحق وأتبعهم له أعملهم بسنته وأتبعهم لها ]منهاج‬
‫السنة ج ‪233 5‬‬
‫يقول ابن القيم رحمه الله ‪[ :‬ل سبيل إلى السعادة و الفلح في‬
‫الدنيا و الخرة إل على أيدي الرسل و ل سبيل إلى معرفة‬
‫الطيب من الخبيث على التفصيل إل من جهتهم و ل ينال رضى‬
‫الله البتة إل على أيديهم فالطيب من العمال و القوال و‬
‫الخلق ليس إل هديهم و ما جاؤوا به فالضرورة إليهم أعظم من‬
‫ضرورة البدن إلى روحه و العين إلى نورها و الروح إلى حياتها‬
‫فأي ضرورة وحاجة فرضت فضرورة العبد وحاجته إلى الرسل‬
‫فوقها بكثير وما ظنك بمن إذا غاب عنك هديه وما جاء به طرفة‬
‫عين فسد قلبك وصار كالحوت إذا فارق الماء ووضع في المقلة‬
‫فحال العبد عند مفارقة قلبه لما جاء به الرسل كهذه الحال بل‬
‫أعظم ولكن ل يحس بهذا إل قلب حي و ما لجرح بميت إيلم‪.‬‬
‫وإذا كانت سعادة العبد في الدارين معلقة بهدي النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم فيجب على كل من نصح نفسه وأحب نجاتها‬
‫وسعادتها أن يعرف من هديه وسيرته وشأنه ما يخرج به عن‬
‫الجاهلين به ويدخل به في عداد أتباعه وشيعته وحزبه والناس‬
‫في هذا بين مستقل ومستكثر ومحروم والفضل بيد الله يؤتيه‬
‫من يشاء والله ذو الفضل العظيم ]‪0‬زاد المعاد ج ‪ 1‬ص ‪68‬‬
‫‪ /3‬مغفرة الذنوب وذهاب الهموم‬
‫عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه قال ‪ :‬كان رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال ‪ ( :‬يا أيها‬
‫الناس اذكروا الله اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء‬
‫الموت بما فيه جاء الموت بما فيه) قال أبي قلت يا رسول الله‪:‬‬
‫إني أكثر الصلة عليك فكم أجعل لك من صلتي ؟ فقال‪ ( :‬ما‬
‫شئت ) قال قلت الربع قال‪ ( :‬ما شئت فإن زدت فهو خير لك)‬
‫قلت النصف قال ‪( :‬ما شئت فإن زدت فهو خير لك) قال قلت‬
‫فالثلثين قال ‪( :‬ما شئت فإن زدت فهو خير لك) قلت أجعل لك‬
‫صلتي كلها قال ‪ ( :‬إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك) رواه‬
‫الترمذي و حسنه اللباني‬
‫‪ /4‬الرحمة و النور في الدنيا و الخرة ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سولِهِ يُؤْت ِ َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫منُوا بَِر ُ‬‫ه وَآ ِ‬‫منُوا اتَّقُوا الل ّ َ‬ ‫نَ آ َ‬‫قال تعالى ‪ ( :‬يَا أي ُّ َها ال ّذِي َ‬
‫م وَالل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫فْر لَك ُ ْ‬
‫ن بِهِ وَيَغْ ِ‬
‫شو َ‬ ‫م ُ‬‫م نُورا ً ت َ ْ‬
‫جعَل ل ّك ُ ْ‬ ‫متِهِ وَي َ ْ‬ ‫من َّر ْ‬
‫ح َ‬ ‫ن ِ‬ ‫َ‬
‫كِفْلي ْ ِ‬
‫م )الحديد ‪28‬‬ ‫غَفُوٌر َّر ِ‬
‫حي ٌ‬
‫‪ /4‬مرافقة النبياء و المرسلين و الصديقن و الشهداء ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل فَأُوْلَـئ ِ َ‬
‫م‬
‫ن أنْعَ َ‬ ‫معَ ال ّذِي َ‬ ‫ك َ‬ ‫سو َ‬‫ه وَالَّر ُ‬‫من يُطِِع الل ّ َ‬ ‫{و َ‬
‫قال تعالى ‪َ :‬‬
‫ُ‬
‫ن‬
‫س َ‬‫ح ُ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫حي َ‬ ‫شهَدَاء وَال َّ‬
‫صال ِ ِ‬ ‫ن وَال ّ‬
‫صدِّيقِي َ‬ ‫ن وَال ِّ‬‫ن النَّبِيِّي َ‬ ‫ه ع َلَيْهِم ِّ‬
‫م َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫رفِيقا ً }النساء ‪69‬‬ ‫ك َ‬ ‫أُولَـئ ِ َ‬
‫‪ /5‬الشفاعة يوم القيامة ‪:‬‬
‫عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‬
‫( من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلة‬
‫القائمة آت محمد الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي‬
‫وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة )رواه البخاري ‪.‬‬
‫‪ /6‬صلة الله على العبد عشرا ً‬
‫عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم يقول‪ ( :‬إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا‬
‫علي فإنه من صلى علي صلة صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا‬
‫الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة ل تنبغي إل لعبد من عباد‬
‫الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له‬
‫الشفاعة) رواه مسلم‬
‫‪ /7‬ورود الحوض‬
‫عن أبي هريرة أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قال ( يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي فيجلون عن‬
‫الحوض فأقول يا رب أصحابي ؟ فيقول إنك ل علم لك بما أحدثوا‬
‫بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى) رواه البخاري‬
‫عن حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪( :‬بين‬
‫حوضي كما بين أيلة ومضر آنيته أكثر أو قال مثل عدد نجوم‬
‫السماء ماؤه أحلى من العسل وأشد بياضا من اللبن وأبرد من‬
‫الثلج وأطيب من المسك من شرب منه لم يظمأ بعده) قال‬
‫شعيب الرنؤوط ‪ :‬حديث صحيح‬
‫‪ /8‬نضارة الوجه‬
‫قال صلى الله عليه وسلم ‪ (:‬نضر الله امرءا ً سمع مقالتي‬
‫فوعاها فأداها كما سمعها‪ ،‬فرب مبلغ أوعى من سامع ) رواه‬
‫أحمد والترمذي‬
‫قال الخطابي ‪ :‬معناه الدعاء له بالنضارة و هي النعيم و البهجة‬
‫‪ ...‬و قال السيوطي رحمه الله ‪ :‬قال أبو عبد الله محمد بن أحمد‬
‫بن جابر ‪ ( :‬أي ألبسه الله نضرة وحسنا ً وخلوص لون وزينة‬
‫وجمالً‪ ،‬أوصله لنضرة الجنة نعيما ً ونضارة ً قال تعالى‪( :‬وَلَقَّاهُ ْ‬
‫م‬
‫ضَرة َ النَّعِيمِ) (المطففين‪)24:‬‬ ‫م نَ ْ‬‫جوهِهِ ْ‬ ‫ف فِي وُ ُ‬ ‫ضَرة)‪ ( :‬تَعْرِ ُ‬ ‫نَ ْ‬
‫قال ابن القيم رحمه الله ‪ ( :‬فإن النضرة البهجة و الحسن الذي‬
‫يكساه الوجه من آثار اليمان و ابتهاج الباطن به و فرح القلب و‬
‫سروره و التلذاذه به فتظهر هذه البهجة و السرور و الفرحة‬
‫نضارة على الوجه و لهذا يجمع له سبحانه بين البهجة و السرور و‬
‫النضرة) مفتاح دار السعادة صـ ‪89‬ـ‬
‫قال المباركفوري رحمه الله ‪ :‬نضر الله أمرأ ‪ :‬المعنى خصه الله‬
‫بالبهجة و السرور لما رزق بعلمه و معرفته من القدر و المنزلة‬
‫بين الناس في الدنيا و نعّمه في الخرة حتى يرى عليه رونق‬
‫الرخاء و النعمة تحفة الحوذي صــ ‪2025‬ــــ‬
‫قال الشيخ ابن عثيمين ‪ :‬المراد بذلك أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم دعا للنسان إذا سمع حديثا ً عن رسول الله فبلغه أن‬
‫يحسن الله وجهه يوم القيامة ‪ .‬شرح رياض ج ‪ 4‬صـ ‪517‬‬
‫و تمام ذلك أن يفوز بالنظر إلى وجه لله عز وجل فينال من‬
‫النضارة و النعيم ما ل عين رأت و ل أذن سمعت و ل خطر على‬
‫قلب بشر ‪ ,‬فطوبى لك أيها الداعية يوم أن تكون ممن قال الله‬
‫ضَرة َ النَّعِيمِ) (المطففين‪ )24:‬و قال‬ ‫م نَ ْ‬
‫جوهِهِ ْ‬
‫ف فِي وُ ُ‬ ‫عنهم ‪ ( :‬تَعْرِ ُ‬
‫ضَرة ٌ * إِلَى َربِّهَا نَاظَِرةٌ) (القيامة‪)23:‬‬ ‫مئِذ ٍ نَا ِ‬
‫و َ‬
‫جوه ٌ ي َ ْ‬
‫سبحانه (وُ ُ‬
‫ضَرة ٌ } أي‪ :‬حسنة‬ ‫مئِذ ٍ نَا ِ‬
‫جوه ٌ يَوْ َ‬‫قال السعدي رحمه الله ‪ {[ :‬وُ ُ‬
‫بهية‪ ،‬لها رونق ونور‪ ،‬مما هم فيه من نعيم القلوب‪ ،‬وبهجة‬
‫النفوس‪ ،‬ولذة الرواح‪ { ،‬إِلَى َرب ِّ َها نَاظَِرة ٌ } أي‪ :‬تنظر إلى ربها‬
‫على حسب مراتبهم‪ :‬منهم من ينظره كل يوم بكرة وعشيا‪،‬‬
‫ومنهم من ينظره كل جمعة مرة واحدة‪ ،‬فيتمتعون بالنظر إلى‬
‫وجهه الكريم‪ ،‬وجماله الباهر‪ ،‬الذي ليس كمثله شيء‪ ،‬فإذا رأوه‬
‫نسوا ما هم فيه من النعيم وحصل لهم من اللذة والسرور ما ل‬
‫يمكن التعبير عنه‪ ،‬ونضرت وجوههم فازدادوا جمال إلى جمالهم‪،‬‬
‫فنسأل الله الكريم أن يجعلنا معهم ] تيسير الكريم الرحمن صـ‬
‫‪899‬ـ ‪900‬‬
‫أسأل الله الكريم الجواد البر الرحيم بمنه و كرمه و جوده و‬
‫إحسانه أن يرزقنا محبه رسوله صلى الله عليه و سلم و تباع‬
‫سنته و أن يحشرنا في زمرته و أن يجعل محبتنا له أعظم من‬
‫حبنا لنفسنا و أبائنا و أمهاتنا و زوجاتنا و ذرياتنا و أموالنا و أن‬
‫يعمر ظاهرنا و باطننا بمتابعة سنته و صلى الله و سلم على نبينا‬
‫محمد ‪.‬‬
‫محبكم ‪ :‬شائع محمد الغبيشي‬
‫مشرف تربوي بإدارة التربية و التعليم بمحافظة القنفذة‬
‫‪shaei1416@hotmail.com‬‬
‫السابق هنا هو المسبوق!!‬ ‫‪.14‬‬
‫الكاتب‪ :‬د‪.‬عبد المعطي الدالتي‬
‫التعصب للشخاص ذميم ‪ ،‬والتحّزب مرض يصيب العقل ‪ ،‬فيقّزم‬
‫النسان‪ ،‬ويقتل فيه روح البداع والتجديد ‪..‬‬
‫وليس من شأن المسلم الحر أن يدور حول الشخاص ‪..‬‬
‫بل إن كعبته التي يطوف حولها هي المبادئ وصادق الفكار‪..‬‬
‫ل علماء السلم ويستغفر لهم ولكل المسلمين ‪..‬‬ ‫والمسلم يج ّ‬
‫ولكنه ل يُسلّم عقله لحد من العلماء أو الدعاة أو الصالحين‪..‬‬
‫ول يسلّمه إل للمعصوم عليه الصلة والسلم ‪..‬‬
‫ل إلى مراشده ‪..‬‬ ‫م هذا العق َ‬ ‫ليقود المعصو ُ‬
‫كل تقليد تقزيم وجمود ‪ ،‬إل تقليد السنة ففيه كل التجديد!‬
‫وأنا أعجب من مسلم ينتسب إلى أحد غير الرسول‪،‬‬
‫فيعرف نفسه مثل‪:‬‬
‫الشافعي مذهبا ً ‪ ،‬والشعري عقيدة ‪ ،‬والرفاعي طريقة ‪،‬‬
‫والعربي نسبًا‪ ،‬و‪! ..‬‬
‫ويحك وماذا أبقيت لمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم؟!‬
‫وبأي وجه ستلقي الحبيب ‪ ،‬تطلب منه شفاعة وشربة ماء؟!‬
‫ويحك ل تزال تقول‪ :‬أنا حنفي ‪..‬‬
‫ما"!‬‫ول أسمعك تقول ‪" :‬حنيفا ً مسل ً‬
‫رحم الله علماء السلم ‪ ،‬ما أرادوا هذا ‪..‬‬
‫أرادوها مدارس علم وفهم ‪ ،‬ل مذاهب هوى وتعصب ‪..‬‬
‫فها هو المربي عبد القادر الجيلني يقول‪:‬‬
‫"ل أريد من الخلق سوى محمد"‪..‬‬
‫شرين‪ ،‬تُرجى له‬ ‫وكما قال ابن حزم‪" :‬كل إنسان‪ ،‬سوى المب َّ‬
‫الجنة‪ ،‬ويُخشى عليه من النار"‪..‬‬
‫***‬
‫وفي عودة الرسول وأصحابه من غزوة الغابة التي لمع فيها‬
‫نجم العدّاء الول سلمة بن الكوع ‪..‬‬
‫أردف رسول الله عليه الصلة والسلم سلمة خلفه ‪،‬‬
‫ولما لحت معالم المدينة ‪،‬اقترب عدّاء أنصاري من سلمة ‪،‬‬
‫وتحداه قائل‪:‬‬
‫من يسابق ؟!‬
‫لم يرد سلمة ‪..‬‬
‫النصاري ‪ :‬من يسابق ؟‬
‫سلمة ‪ :‬أما تُكرم كريما ً ‪ ،‬ول تهاب شريفاً؟!‬
‫النصاري‪ :‬ل‪ ..‬إل رسو َ‬
‫ل الله‪!..‬‬
‫سلمة ‪ :‬يا رسول الله بأبي أنت وأمي خلني فلسابق الرجل!!‬
‫ن له الرسول ‪..‬‬ ‫فأذ ِ َ‬
‫جل سلمة ‪ ،‬وبعد هنيهة ‪ ،‬إذا به يضرب بين كتفي النصاري‪،‬‬ ‫تر ّ‬
‫قائل‪:‬‬
‫سبقتك والله ‪..‬‬
‫فضحك النصاري وقال ‪ :‬إن أظن!‬
‫قرأت القصة في المسند المبارك‪،‬‬
‫وعلى هامشها تركت هذه الكلمات‪:‬‬
‫"إن السابق هنا‪ ،‬هو المسبوق!‪..‬‬
‫غفر الله لسلمة‪..‬‬
‫جلت عن ناقة رسول الله لمسابقة أحد‬ ‫لو كنت مكانه لما تر ّ‬
‫أبدا!"‬
‫قلت ‪ :‬الحديث صحيح وهذا نصه مع شرح غريبه ‪:‬‬
‫مستخرج أبي عوانة ‪( -‬ج ‪ / 13‬ص ‪)337‬‬
‫‪ - 5486‬حدثنا أبو داود الحراني ‪ ،‬قثنا أبو حذيفة ‪ ،‬قثنا عكرمة بن‬
‫عمار ‪ ،‬عن إياس بن سلمة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬قال ‪ :‬قدمنا الحديبية مع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فبايعناه في أصل شجرة ‪،‬‬
‫وبايعته في أول الناس ‪ ،‬فلما كان في وسط من الناس ‪ ،‬قال ‪« :‬‬
‫بايعني يا سلمة » ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا نبي الله قد والله بايعتك في أول‬
‫الناس ‪ ،‬قال ‪ « :‬وأيضا » ‪ ،‬قال ‪ :‬فبايعته ‪ ،‬فرآني رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم أعزل ليس معي جنة (‪ )1‬استجن بها‬
‫فأعطاني درقة (‪ ، )2‬أو قال ‪ :‬جحفة ‪ ،‬فلقيني عمي عامر ‪ ،‬وهو‬
‫أعزل ‪ ،‬فسألنيها فأعطيته إياها ‪ ،‬فلما كان في آخر الناس ‪ ،‬قال‬
‫لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬أل تبايعني يا سلمة ؟ »‬
‫‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا نبي الله قد والله بايعتك في أول الناس وفي‬
‫وسطهم ‪ ،‬فقال ‪ « :‬وأيضا » ‪ ،‬فبايعته ‪ ،‬ثم قال ‪ « :‬يا سلمة أين‬
‫الجحفة أو الدرقة التي أعطيتك ؟ » ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا نبي الله سألنيها‬
‫عمي عامر وهو أعزل فأعطيته إياها وآثرته بها ‪ ،‬قال ‪ :‬فضحك‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال ‪ « :‬إنك كالذي قال‬
‫الول ‪ :‬اللهم أبغني حبيبا هو أحب إلي من نفسي » ‪ ،‬قال ‪ :‬ثم‬
‫إن المشركين من أهل مكة واسونا الصلح حتى مشى بعضهم‬
‫إلى بعض واصطلحنا ‪ ،‬قال ‪ :‬وكنت تبيعا لطلحة بن عبيد الله ‪،‬‬
‫وتركت أهلي ومالي مهاجرا إلى الله ورسوله ‪ ،‬وكنت آكل من‬
‫طعامه وأحسن فرسه وأسقيه وأخدمه ‪ ،‬فأتيت شجرة فكسحت‬
‫(‪ )3‬شوكها واضطجعت فيها ‪ ،‬فأتاني أربعة من المشركين فجعلوا‬
‫يقعون (‪ )4‬في رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪ :‬فأبغضتهم‬
‫(‪ ، )5‬قال ‪ :‬وعلقوا أسلحتهم ووضعوا ثيابهم في الشجرة‬
‫واضطجعوا في ظلها ‪ ،‬فأتيت شجرة أخرى فكسحت شوكها‬
‫فاضطجعت تحتها فما عدا أخذوا ينامون فإذا مناد من أسفل‬
‫الوادي ‪ :‬يا معشر المهاجرين قتل ابن زنيم ‪ ،‬قال ‪ :‬فخرجت أشتد‬
‫بسيفي ‪ ،‬حتى وقفت على رءوسهم وهم مضطجعون ‪ ،‬فقلت ‪:‬‬
‫والذي كرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم ل يرفع رجل منكم‬
‫رأسه إل ضربت الذي فيه عيناه ‪ ،‬فلما أخذت سلحهم ‪ ،‬فجعلته‬
‫ضغثا (‪ )6‬في يدي ‪ ،‬ثم جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬وجاء عمي هو وأصحاب له بسبعين رجل منهم‬
‫مكرز رجل من العبلت من قريش يقود به عمي مجفف (‪ )7‬على‬
‫فرس فلما نظر إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫« دعوهم يكون بدء الفجور (‪ )8‬وثناه (‪ )9‬منهم ‪ ،‬فخلهم رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم فقال الله ‪ :‬وهو الذي كف أيديهم‬
‫عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم (‪، )10‬‬
‫قال ‪ :‬ثم رجعنا إلى المدينة ‪ ،‬وبيننا وبين بني لحيان ‪ ،‬أو بني‬
‫ذكوان ‪ ،‬رأس من المشركين جبل ‪ ،‬قال ‪ :‬فاستغفر رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم لمن رقى في هذا الجبل ‪ ،‬قال ‪ :‬وما‬
‫استغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لحد قط (‪ )11‬يخصه إل‬
‫استشهد ‪ ،‬قال ‪ :‬فرقيته (‪ )12‬تلك الليلة مرتين أو ثلثة ‪ ،‬قال ‪ :‬ثم‬
‫قدمنا المدينة فبعث نبي الله صلى الله عليه وسلم بظهره إلى‬
‫الغابة ينديه ‪ ،‬فخرجت أنا ورباح غلم رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬وخرجت معي بفرس لطلحة بن عبيد الله أنديه فلما كان‬
‫عند الصبح إذا عبد الرحمن بن عيينة بن بدر الفزاري قد أغار‬
‫على سرح (‪ )13‬رسول الله صلى الله عليه وسلم فطرده ‪،‬‬
‫فذهب به ‪ ،‬وقتل راعيه ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا رباح خذ هذا الفرس فأبلغه‬
‫طلحة بن عبيد الله ‪ ،‬وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن‬
‫المشركين قد أغاروا على سرحه ‪ ،‬فقعد رباح على الفرس‬
‫وقمت على أكمة ‪ ،‬ووجهت وجهي قبل المدينة ثم ناديت ثلث‬
‫دعوات ‪ :‬يا صباحاه ثم أتبعت القوم فجعلت أرشقهم بالنبل‬
‫وأرتجز (‪ )14‬أرميهم ‪ ،‬وأقول ‪ :‬أنا ابن الكوع واليوم يوم الرضع‬
‫وأعقر (‪ )15‬بهم حتى ألحق رجل منهم راكبا على رحله فأصك (‪)16‬‬
‫رجله بسهم حتى نفذ في كتفه ‪ ،‬فقلت ‪ :‬خذها وأنا ابن الكوع‬
‫واليوم يوم الرضع قال فما زلت أعقر بهم وأرتجز ‪ ،‬فإذا رجل‬
‫على فرس ‪ ،‬فجثمت إلى شجرة فنثرت نبلي ثم عقرت به ‪ ،‬ول‬
‫يقدم علي ‪ ،‬قال ‪ :‬فما زال ذلك شأني وشأنهم حتى ما تركت‬
‫شيئا من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم إل استنقذته ‪،‬‬
‫وجعلته وراء ظهري ‪ ،‬قال ‪ :‬وطرحوا أكثر من ثلثين بردة (‪)17‬‬
‫وثلثين رمحا كل ذلك يستخفون مني ‪ ،‬وأجعل عليه آراما حتى ل‬
‫يخفى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ول على أصحابه‬
‫حتى إذا امتد الضحى الكبر ‪ ،‬قال ‪ :‬ودخلوا المضيق علوت الجبل‬
‫‪ ،‬وجعلت أرديهم (‪ )18‬بالحجارة إذا عيينة بن بدر قد جاء مددا‬
‫للمشركين فنزلوا يتضحون فأشرف على جبل فأقعد عليه ‪ ،‬فقال‬
‫عيينة ‪ :‬ما هذا الذي أرى ؟ ‪ ،‬قالوا ‪ :‬هذا لقينا منه البرح (‪)19‬‬
‫فوالله إن فارقنا بغلس (‪ )20‬حتى استنقذ كل شيء في أيدينا ‪،‬‬
‫فقال عيينة ‪ :‬لول أن هذا يرى وراءه طلبا ‪ ،‬لترككم ليقم إليه‬
‫معي منكم ‪ ،‬فقام أربعة فسندوا إلي في الجبل فلما أسمعتهم‬
‫الصوت ‪ ،‬قلت لهم ‪ :‬أتعرفوني ؟ ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ومن أنت ؟ ‪ ،‬قلت ‪ :‬أنا‬
‫ابن الكوع والذي كرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم ل‬
‫يطلبني رجل منكم فيدركني ول أطلبه فيفوتني ‪ ،‬فقال أحدهم ‪:‬‬
‫إني أظن ‪ ،‬فوالله ما برحت مقعدي ذاك حتى رأيت فوارس‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخللون (‪ )21‬الشجر فإذا أولهم‬
‫الخرم السدي وإذا على إثره (‪ )22‬أبو قتادة ‪ ،‬وإذا على إثر (‪)23‬‬
‫أبي قتادة المقداد بن السود الكندي ‪ ،‬وولوا (‪ )24‬مدبرين ‪،‬‬
‫فأعرض الخرم السدي فآخذ بعنان (‪ )25‬فرسه ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا أخرم‬
‫أنذرهم فإن القوم قليل خبيث ‪ ،‬ول آمنهم أن يقتطعوك حتى‬
‫يلحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا‬
‫سلمة إن كنت تؤمن بالله واليوم الخر وتعلم أن الجنة حق والنار‬
‫حق فل تحل بيني وبين الشهادة ‪ ،‬قال ‪ :‬والتقى هو وعبد الرحمن‬
‫‪ ،‬فاختلفا ضربتين فقتله ‪ ،‬وعقر عبد الرحمن فرسه ‪ ،‬وتحول عبد‬
‫الرحمن على فرس الخرم ‪ ،‬ويلحقه أبو قتادة فارس رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فاختلفا طعنتين ‪ ،‬فقتله أبو قتادة وعقر‬
‫بأبي قتادة فرسه ‪ ،‬وتحول أبو قتادة على فرس الخرم ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫وخرج المشركون ل يلوون (‪ )26‬على شيء قال ‪ :‬فوالذي كرم‬
‫وجه محمد صلى الله عليه وسلم إني بطلب الخيل والركاب‬
‫والرجال الذين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ما أرى‬
‫غبارهم ‪ ،‬قال ‪ :‬فعرضوا الشعب (‪ )27‬فيه ماء يقال له ذو قرد‬
‫يريدون أن يشربوا منه وهم عطاش ‪ ،‬قال ‪ :‬فنظروا إلي أعدو (‬
‫‪ )28‬وراءهم ‪ ،‬قال ‪ :‬فحلتهم ‪ ،‬فما ذاقوا منه قطرة وهم عطاش‬
‫حتى سندوا في ثنية (‪ ، )29‬يقال له نير ‪ ،‬قال ‪ :‬وألحق رجل من‬
‫آخرهم عند الثنية فأصطكه بسهم في نغص كتفه ‪ ،‬فقلت ‪ :‬خذها‬
‫وأنا ابن الكوع واليوم يوم الرضع قال ‪ :‬واثكل (‪ )30‬أمي أكوعيا‬
‫بكرة (‪ )31‬؟ ‪ ،‬فقلت ‪ :‬نعم ‪ ،‬أي عدو نفسه ‪ ،‬قال ‪ :‬فأدرك فرسين‬
‫على العقبة فجئت بهما أسوقهما إلى رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم حتى وجدته على الماء الذي حلتهم (‪ )32‬عنه ذو قرد ‪ ،‬وإذا‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم في مائة من أصحابه قد نزلوا‬
‫الماء ‪ ،‬وأخذوا البل والبرد وكل شيء خلفت ورائي وإذا بلل قد‬
‫أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحر (‪ )33‬جزورا (‪ )34‬من‬
‫البل الذي عديت لهم ‪ ،‬وإذا هو يشوي لرسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم من سنامها وكبدها ‪ ،‬قال ‪ :‬وجاء عمي عامر بسطيحة‬
‫(‪ )35‬فيها مذقة من لبن وسطيحة أخرى فيها ماء ‪ ،‬فتوضأت ثم‬
‫صليت وشربت ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا رسول الله خلني فلنتخب من القوم‬
‫مائة رجل فآخذ على المشركين بالعشرة فل يبقى منهم رجل ‪،‬‬
‫فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نظرت إلى‬
‫نواجذه في ضوء النار ‪ ،‬فقال ‪ » :‬أكنت فاعل يا سلمة ؟ « ‪ ،‬قلت‬
‫‪ :‬نعم والذي كرم وجهك ‪ ،‬فقال ‪ » :‬إنهم الن ليقرون بأرض‬
‫غطفان « ‪ ،‬قال ‪ :‬فما برحنا (‪ )36‬حتى جاء رجل من غطفان فقال‬
‫‪ :‬نحر لهم فلن الغطفاني جزورا فلما كشط جلدها رأوا غبارا ‪،‬‬
‫فقالوا ‪ :‬هذا غبار القوم فما خافوها وولى القوم ‪ ،‬فلما أصبحنا‬
‫أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم (‪ )37‬الفارس‬
‫والراجل (‪ )38‬جميعا ‪ ،‬قال ‪ :‬وقال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ » :‬كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة وخير رجالتنا سلمة «‬
‫‪ ،‬قال ‪ :‬ثم أردفني (‪ )39‬نبي الله صلى الله عليه وسلم راجعين‬
‫إلى المدينة على ناقته العضباء (‪ )40‬فلما كان بيننا وبين المدينة‬
‫ضحوة ‪ ،‬وفينا رجل من النصار ل يسبق عدوا ‪ ،‬قال ‪ :‬هل من‬
‫مسابق إلى المدينة ‪ ،‬أل من مسابق فأعادها مرارا وأنا ساكت ‪،‬‬
‫ثم قلت له ‪ :‬ما تكرم كريما ول تهاب شريفا ‪ ،‬فقال ‪ :‬ل إل أن‬
‫يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬قلت ‪ :‬يا رسول الله‬
‫ذرني (‪ )41‬بأبي أنت وأمي لسابق الرجل ‪ ،‬قال ‪ » :‬إن شئت « ‪،‬‬
‫فقلت ‪ :‬اذهب إليك فخرج يشتد وأطفر عن الناقة ‪ ،‬ثم أعدو‬
‫فربطت عليه شرفا (‪ )42‬أو شرفين ‪ ،‬فسألته ما ربطت ؟ ‪ ،‬فقال‬
‫‪ :‬استبقيت نفسي ثم إني عدوت عدوتي حتى ألحقه وأصك بين‬
‫كتفيه ‪ ،‬فقلت ‪ :‬سبقتك والله ‪ ،‬قال ‪ :‬فنظر إلي فضحك ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫إني أظن ‪ ،‬قال ‪ :‬حتى ورد المدينة فما لبثنا إل ثلث ليال ‪ ،‬حتى‬
‫خرجنا إلى خيبر ‪ ،‬فجعل عمي عامر يرتجز (‪ )43‬بالقوم ‪ ،‬وهو‬
‫يسوق بهم ‪ ،‬وهو يقول ‪ :‬والله لول الله ما اهتدينا ول تصدقنا ول‬
‫صلينا ونحن عن فضلك ما استغنينا فثبت القدام إن لقينا وأنزلن‬
‫سكينة علينا إن الذين كفروا بغوا علينا إذا أرادوا فتنة أبينا فقال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ » :‬من هذا ؟ « ‪ ،‬فقلت ‪:‬‬
‫عمي عامر يا نبي الله ‪ ،‬فقال ‪ » :‬غفر لك ربك « ‪ ،‬فقال عمر‬
‫وهو في أول القوم ‪ :‬يا نبي الله لوما متعتنا بعامر ‪ ،‬وما استغفر‬
‫لنسان قط يخصه إل استشهد ‪ ،‬فلما قدمنا خيبر خرج مرحب‬
‫يخطر بسيفه يقول ‪ :‬قد علمت خيبر أني مرحب شاك (‪)44‬‬
‫السلح بطل مجرب إذا الحروب أقبلت تلهب فبرز عامر فقال ‪:‬‬
‫قد علمت خيبر أني عامر شاك السلح بطل مغامر فاختلفا (‪)45‬‬
‫ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس (‪ )46‬عامر وذهب عامر‬
‫يسفل (‪ )47‬له ‪ ،‬فرجع سيفه على نفسه ‪ ،‬فكانت فيه نفسه ‪ ،‬قال‬
‫‪ :‬فما مررت على نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إل‬
‫وهم يقولون ‪ :‬بطل عمل عامر ‪ ،‬قتل نفسه ‪ ،‬فأتيت نبي الله‬
‫صلى الله عليه وسلم أبكي ‪ ،‬فقلت ‪ :‬أبطل عمل عامر ؟ ‪ ،‬فقال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ » :‬من قال ذلك ؟ « ‪ ،‬فقلت ‪:‬‬
‫نفر من أصحابك ‪ ،‬فقال ‪ » :‬كذب من قال ذلك ؟ بل له أجره‬
‫مرتين « ‪ ،‬ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ » :‬لعطين‬
‫الراية رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله « ‪ ،‬فدنا لها‬
‫الناس ‪ ،‬قال ‪ :‬فأرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى‬
‫علي بن أبي طالب فجئت به أقوده وهو أرمد فبزق (‪ )48‬رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم في عينيه فبرأ (‪ ، )49‬وأعطاه الراية‬
‫فخرج مرحب يخطر بسيفه ‪ ،‬ويقول ‪ :‬قد علمت خيبر أني مرحب‬
‫شاك السلح بطل مجرب إذا الحروب أقبلت تلهب ‪ ،‬فقال علي‬
‫بن أبي طالب ‪ :‬أنا الذي سمتني أمي حيدره كليث غابات كريه‬
‫المنظره أوفيهم بالصاع (‪ )50‬كيل السندره (‪ )51‬ففلق رأس‬
‫مرحب بالسيف وكان الفتح على يديه‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬جنة ‪ :‬وقاية وحماية‬
‫(‪ )2‬الدرقة ‪ :‬الترس إذا كان من جلد ليس فيه خشب ول عصب‬
‫(‪ )3‬الكسح ‪ :‬الكنس‬
‫متَه‬‫ه وَذ َم ْ‬
‫عبْت َ ُ‬‫متَه ووقَعْت فيه‪ ،‬إذا ِ‬ ‫(‪ )4‬وَقَعْت بفُلن ‪ :‬إذا ل ُ ْ‬
‫(‪ )5‬البغض ‪ :‬عكس الحب وهو الكُْره ُ والمقت‬
‫(‪ )6‬الضغث ‪ :‬الحزمة‬
‫(‪ )7‬مجفف ‪ :‬عليه مثل الدرع ليقيه أذى المعركة‬
‫(‪ )8‬الفجور ‪ :‬اسم جامع لكل شر ‪ ،‬أي الميل إلى الفساد‬
‫والنطلق إلى المعاصي‬
‫(‪ )9‬الثني ‪ :‬تكرار المر وإعادته مرتين‬
‫(‪ )10‬سورة ‪ :‬الفتح آية رقم ‪24 :‬‬
‫(‪ )11‬قط ‪ :‬بمعنى أبدا ‪ ،‬وفيما مضى من الزمان‬
‫(‪ )12‬رقاه ‪ :‬ع َوَّذه‬
‫(‪ )13‬السرح ‪ :‬الماشية‬
‫(‪ )14‬الَّرجز ‪ :‬بحر من بحور الشعر معروف ونوع من أنواعه‪،‬‬
‫ل مصراع منه مفردا‪ ،‬وتسمى قصائده أراجيز واحدها‬ ‫يكون ك ُّ‬
‫مى قائلُه‬‫س َّ‬ ‫ُ‬
‫شعرِ‪ .‬وي ُ َ‬ ‫أرجوزةٌ‪ ،‬فهو كهيئة السجع إل أنه في وزن ال ّ ِ‬
‫شعرِ شاعراً‬‫حورِ ال ّ ِ‬
‫ل بُ ُ‬‫راجزاً‪ ،‬كما يُسمى قائ ُ‬
‫(‪ )15‬عقر به ‪ :‬قتل مركوبه وجعله يمشي على رجليه‬
‫(‪ )16‬صك ‪ :‬ضرب ولطم‬
‫َ‬ ‫(‪ )17‬الب ْرد ُ والب ُردة ‪ :‬ال َّ‬
‫ة المخط ّطة‪ ،‬وقيل كِساء أسود ُ‬
‫مَربَّع‬ ‫مل َ ُ‬‫ش ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫فيه صوٌر‬
‫(‪ )18‬أرديهم ‪ :‬أرميهم‬
‫(‪ )19‬البرح ‪ :‬الشدة‬
‫(‪ )20‬الغلس ‪ :‬ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح‬
‫(‪ )21‬التخلل ‪ :‬التحرك والتنقل بين شيئين‬
‫(‪ )22‬إثر الشيء وأثره ‪ :‬بعده وخلفه‬
‫(‪ )23‬على إثر كذا ‪ :‬بعده‬
‫ّ‬
‫مدْبرا‪ ،‬وتَولى عنه‪ ،‬إذا‬‫ً‬ ‫(‪ )24‬وَلّى الشيءُ وتَولّى ‪ :‬إذا ذَهَب هاربا و ُ‬
‫أعَْرض‬
‫(‪ )25‬العِنان ‪ :‬هو اللجام الذي تقاد به الدابة‬
‫(‪ )26‬يلوي ‪ :‬يميل ويعطف‬
‫(‪ )27‬الشعب ‪ :‬الطريق في الجبل أو النفراج بين الجبلين‬
‫(‪ )28‬أعدو ‪ :‬أجري مسرعا‬
‫َّ‬
‫جبل كالعَقَبة فيه‪ ،‬وقيل هُو الطرِيق‬ ‫(‪ )29‬الثَّنِيَّة ‪ :‬الثنية في ال َ‬
‫سيل في رأسه‬ ‫م ِ‬‫العالي فيه‪ ،‬وقيل أعلى ال َ‬
‫(‪ )30‬وا ثكل ‪ :‬أسلوب ندبة يدل على الدعاء بالموت والفقد‬
‫(‪ )31‬البكرة ‪ :‬من البكور وهو أول النهار‬
‫(‪ )32‬حل ‪ :‬منع وطرد وصد‬
‫(‪ )33‬النحر ‪ :‬الذبح‬
‫َ َّ‬
‫مؤنثة‪ ،‬تقول‬ ‫ن اللفْظة ُ‬‫جُزور ‪ :‬البَعِير ذكرا كان أو أنثى‪ ،‬إل أ ّ‬ ‫(‪ )34‬ال َ‬
‫جَزائر‬‫جُزٌر و َ‬ ‫مع ُ‬‫جُزوُر‪ ،‬وَإن أردْت ذكَرا‪ ،‬والج ْ‬ ‫ال َ‬
‫(‪ )35‬السطيحة ‪ :‬إناء من جلود سطح بعضها على بعض يحفظ‬
‫الماء به‬
‫(‪ )36‬برح المكان ‪ :‬زال عنه وغادره‬
‫(‪ )37‬السهم ‪ :‬النصيب‬
‫(‪ )38‬الراجل ‪ :‬السائر على قدميه‬
‫(‪ )39‬أردفه ‪ :‬حمله خلفه‬
‫(‪ )40‬العضباء ‪ :‬الناقة المشقوقة الذن ‪ ،‬واسم ناقة النبي‬
‫(‪ )41‬ذرني ‪ :‬اتركني‬
‫(‪ )42‬الشرف ‪ :‬المكان المرتفع‬
‫(‪ )43‬الرجز ‪ :‬إنشاد الشعر وهو بحر من بحوره عند العروضيين‬
‫(‪ )44‬شاكي السلح ‪ :‬تام السلح ‪ ،‬وهي من الشوكة بمعنى القوة‬
‫(‪ )45‬اختلف ‪ :‬تبادل‬
‫(‪ )46‬الترس ‪ :‬الدرع الذي يحمي المقاتل ويتقي به ضربات العدو‬
‫(‪ )47‬سفل له ‪ :‬ضربه من أسفله‬
‫(‪ )48‬بزق ‪ :‬بصق‬
‫(‪ )49‬بََرأ َ أو بَرِئ ‪ :‬شفي من المرض‬
‫(‪ )50‬الصاع ‪ :‬مكيال المدينة تقدر به الحبوب وسعته أربعة أمداد ‪،‬‬
‫والمد هو ما يمل الكفين‬
‫سنْدرة ‪ :‬مكْيال واسعٌ‬ ‫(‪ )51‬ال ّ‬
‫‪ .15‬الموجز البديع في الصلة والسلم على الحبيب‬
‫الشفيع‬
‫بقلم ‪ /‬أحمد بن عبد العزيز الحمدان‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ي يَاأيُّهَا الذِي َ‬
‫ن‬ ‫ن ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬ ‫صل ّو َ‬ ‫ه يُ َ‬ ‫ملَئِكَت َ ُ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ه تَعَالَى‪( :‬إ ِ َّ‬
‫ُ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫قَا َ‬
‫سلِيْماً)‪.‬‬ ‫موا ْ ت َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫سل ِّ‬ ‫صل ّوا ْ ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫منُوا ْ‬ ‫ءَا َ‬
‫صـل ّى ع َل َ َّ‬ ‫َ‬ ‫سو ُ‬ ‫وَقَا َ‬
‫حـدَةً‬ ‫ي وَا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل اللهِ صلى الله عليه وسلم‪َ ((:‬‬ ‫ل َر ُ‬
‫ه ع َلَيْهِ ع َ ْ‬ ‫َ‬
‫شـًرا))‪.‬‬ ‫صل ّى الل ُ‬ ‫َ‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬
‫سو ِ‬ ‫ن ع َلَى َر ُ‬ ‫مل َ ِ‬ ‫ن الك ْ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫م الت َ َّ‬ ‫سل َ ُ‬ ‫صلَة ُ وَال َّ‬ ‫حدَه‪ ،‬وَال َّ‬ ‫مد ُ للهِ وَ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ما بَعْد‪:‬‬ ‫صحبِه‪ .‬أ َ َّ‬ ‫اللهِ وَع َلَى آلِهِ وَ َ‬
‫َ‬
‫ف‬‫م ع َلَى الع ْتَِرا ِ‬ ‫ن فَطََرهُ ْ‬ ‫عبَادِه‪ :‬أ ْ‬ ‫ن نِعَم ِ اللهِ تَعَالَى ع َلَى ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫فَإ ِ َّ‬
‫ضل‪.‬‬ ‫ل ال َف ْ‬ ‫َ‬ ‫بِالْفَ ْ‬
‫ل لهْ ِ‬ ‫ض ِ‬
‫منَّةِ – بَعْد َ اللهِ تَعَالَى –‪:‬‬ ‫ل وَال ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ض‬
‫ه بِالفَ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ن لَ‬ ‫ُ‬ ‫ن نَدِي ْ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ن أَع ْظ َ‬ ‫وَإ ِ َّ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫خل ْ‬
‫جنَا‬ ‫خَر َ‬ ‫ق الذِي أ ْ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫سيِّد ُ ال َ‬ ‫و َ‬ ‫ل اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَهُ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫َر ُ‬
‫سال َ َ‬
‫ة‬ ‫مى؛ بَل ّغَ رِ َ‬ ‫ن العَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫صَرنَا بِهِ ِ‬ ‫ضلَلَةِ إِلَى الهُدَى‪ ،‬وَب َ َّ‬ ‫ن ال َّ‬ ‫م ْ‬ ‫ه بِهِ ِ‬ ‫الل ُ‬
‫جَزاء‪،‬‬ ‫خيَْر ال ْ َ‬ ‫ه ع َنَّا َ‬ ‫جَزاه ُ الل ُ‬ ‫ج َهادِه‪ ،‬فَ َ‬ ‫حقَّ ِ‬ ‫جاهَد َ في اللهِ َ‬ ‫َربِّه‪ ،‬وَ َ‬
‫سلِيْماً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وصلَّى ع َلَيْهِ صلَة ً ت َ ُ‬
‫م تَ ْ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ماء‪ ،‬وَ َ‬ ‫س َ‬ ‫ض وَال َّ‬ ‫مل أقْطَاَر الْر َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫كَثِيْرا‪ً.‬‬
‫َ‬ ‫ل الله تعالَى م َ‬
‫ه‬
‫ح ِّق ِ‬ ‫ضلِه‪ ،‬وَأدَاءِ َ‬ ‫شكْرِ فَ ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫سائ ِ ِ‬ ‫ن أع ْظَم ِ وَ َ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ُ ََ‬ ‫جعَ َ‬ ‫وَقَد ْ َ‬
‫َ‬
‫ل‬ ‫ج ِّ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫م ع َلَيْه‪ ،‬فَ ُه َ‬ ‫سل َ ُ‬ ‫صلَة ُ وَال َّ‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪ :‬ال َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ض‬
‫ب الْر ِ‬ ‫ربَةِ إِلَى َر ِّ‬ ‫مقَ ّ ِ‬ ‫حات‪ ،‬ال ْ ُ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ل ال َّ‬ ‫ما ِ‬ ‫ل العْ َ‬ ‫ض ِ‬ ‫القُُربَات‪ ،‬وَأفْ َ‬
‫ماوَات‪.‬‬ ‫س َ‬ ‫ال َّ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ن تَذ ْكَِرة ً لِي وَل ِ َ‬ ‫جزٍ يَكُو ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ضِع ُ‬ ‫ه تَعَالَى في وَ ْ‬ ‫ت الل َ‬ ‫خْر ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫لِذ َا ا ْ‬
‫َ‬
‫صلَةِ ع َلَيْهِ صلى الله عليه‬ ‫معْنَى ال َّ‬ ‫َ‬ ‫خوَانِي؛ فِيْهِ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫اط ّلَعَ ع َلَيْهِ ِ‬
‫م‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫يءٌ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫شَرع ُ فِيْهَا‪ ،‬وَ َ‬ ‫ة الَّتِي ت ُ َ‬ ‫من َ ُ‬ ‫ن وَالَْز ِ‬ ‫موَاط ِ ُ‬ ‫ضل ُ َها‪ ،‬وَال ْ َ‬ ‫وسلم‪ ،‬وَفَ ْ‬
‫فَوَائِدِهَا‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫والل َ‬
‫م ع َلَى‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫صل ّى الل ُ‬ ‫سن‪ .‬وَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫ه بِالْقَبُو ِ‬ ‫ن يَتَقَبَّل َ ُ‬ ‫لأ ْ‬ ‫سأ ُ‬ ‫هأ ْ‬ ‫َ َ‬
‫حبِه‪.‬‬ ‫ص ْ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫مد وَآل ِ ِ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫نَبِيِّنَا ُ‬
‫* معنى الصلة والسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫ي يَآ أَيُّهَا‬ ‫ن ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬ ‫صل ّو َ‬ ‫ه يُ َ‬ ‫ملَئِكَت َ ُ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ل ثَنَاؤ ُه‪(:‬إ ِ ّ‬ ‫ج َّ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫قَا َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ما)‪.‬‬ ‫سلِي ً‬ ‫موا ْ ت َ ْ‬ ‫سل ِّ ُ‬ ‫صل ّوا ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫منُوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ال ّذِي َ‬
‫َ‬
‫مد ٍ صلى الله عليه‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ه يُثْنِي ع َلَى نَبِيِّهِ ُ‬ ‫ن تَعَالَى – في اليَةِ ‪ -‬أن َّ ُ‬ ‫بَي َّ َ‬
‫ن ع َلَيْهِ صلى الله عليه‬ ‫ه يُثْنُو َ‬ ‫ُ‬ ‫ملَئِكَت ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫مقََّربِيْن‪ ،‬و‬ ‫ُ‬ ‫ملَئِكَتِهِ ال ْ‬ ‫عنْد َ َ‬ ‫وسلم ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل اللهِ‬ ‫سو ِ‬ ‫م ع َلَى َر ُ‬ ‫صل ّوا أنْت ُ ْ‬ ‫منُوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ن لَه‪ ،‬فَيَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬ ‫وسلم وَيَدْعُو َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫ما‬‫ك‪ ،‬ل ِ َ‬ ‫حقُّ بِذَل ِ َ‬ ‫مأ َ‬ ‫سلِيْما‪ ،‬لن ّك ُ ْ‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫صلى الله عليه وسلم وَ َ‬
‫خَرة‪.‬‬ ‫ف الدُّنْيَا وَال ِ‬ ‫شَر ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫سالَتِهِ ِ‬ ‫م بِبََركَةِ رِ َ‬ ‫نَالَك ُ ْ‬
‫َ‬
‫صل ِّي ع َلَيْه‪:‬‬ ‫ف نُ َ‬ ‫ل اللهِ صلى الله عليه وسلم كَي ْ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫منَا َر ُ‬ ‫‪ -‬وَقَد ْ ع َل ّ َ‬
‫ل الله‪ ،‬قَ ْ‬
‫د‬ ‫سو َ‬ ‫ل‪ :‬قُلْنَا‪ :‬يَا َر ُ‬ ‫جَرة َ رضي الله عنه‪ ،‬قَا َ‬ ‫ن عُ ْ‬ ‫ب بْ ِ‬ ‫ن كَعْ ِ‬ ‫فَعَ ْ‬
‫ل صلى الله عليه‬ ‫ك؟ قَا َ‬ ‫صل ِّي ع َلَي ْ َ‬ ‫ف نُ َ‬ ‫م ع َلَيْك‪ ،‬فَكَي ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫سل ِّ‬ ‫ف نُ َ‬ ‫منَا كَي ْ َ‬ ‫عَل ِ ْ‬
‫َ‬
‫ما‬ ‫مد‪َ ،‬ك َ َ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫مدٍ وَع َلَى آ ِ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ع َلَى ُ‬ ‫ص ِّ‬ ‫م َ‬ ‫وسلم‪ ((:‬فَقُولُوا‪ :‬الل ّهُ َّ‬
‫َ‬
‫جيد‪ ،‬الل ّهُ َّ‬
‫م‬ ‫م ِ‬ ‫ميد ٌ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ك َ‬ ‫م إِن َّ َ‬ ‫ل إِبَْراهِي َ‬ ‫م وَع َلَى آ ِ‬ ‫ت ع َلَى إِبَْراهِي ْ َ‬ ‫صل ّي ْ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫م وَع َلى‬ ‫ت ع َلى إِبَْراهِي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ما بَاَرك َ‬ ‫ْ‬ ‫مد‪ ،‬ك َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫مدٍ وَع َلى آ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫بَارِك ع َلى ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫جيد))‪.‬‬ ‫م ِ‬ ‫ميد ٌ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ك َ‬ ‫م إِن َّ َ‬ ‫ل إِبَْراهِي َ َ‬ ‫آ ِ‬
‫َ‬ ‫ه(( الل ّهُ َّ‬
‫م)) أيْ‪ :‬يَا الله‪.‬‬ ‫قَول ُ ُ‬
‫ن اللهِ‪ :‬ثَنَاؤُه ُ سبحانه وتعالى ع َلَى نَبِيِّهِ‬ ‫م ْ‬ ‫صلَة ُ ِ‬ ‫ل)) ال َّ‬ ‫ص ِّ‬ ‫ه(( َ‬ ‫‪ -‬وَقَول ُ ُ‬
‫َ‬
‫ه لِذِكْرِه‪.‬‬ ‫مل الع ْلَى‪ ،‬وََرفْعُ ُ‬ ‫صلى الله عليه وسلم في ال ْ َ‬
‫َ‬
‫ن يُعْلِي‬ ‫ل اللهِ ت َ َعالَى أ ْ‬ ‫سؤ َا ُ‬ ‫م‪ُ :‬‬ ‫سل َ ُ‬ ‫م ال َّ‬ ‫ملَئِكَةِ ع َلَيْهِ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫صلَة ُ ِ‬ ‫‪ -‬وَال َّ‬
‫ذِكَْر نَبِي ِّهِ صلى الله عليه وسلم وَيُثْنِي ع َلَيْه‪.‬‬
‫ه‬
‫ل الل ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫صل ِّي ع َلَى َر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫صل ِّي‪ :‬ثَنَاءٌ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن الْعَبْد ِ ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫صلَة ُ ِ‬ ‫‪ -‬وَال َّ‬
‫ن يُثْنِي ع َلَيْهِ صلى الله‬ ‫َ‬
‫ل اللهِ تَعَالَى أ ْ‬ ‫سؤ َا ُ‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وَ ُ‬
‫مل الَع ْلَى‪.‬‬ ‫عليه وسلم في ال ْ َ‬
‫صلَةُ‬ ‫صلَة ‪َ :-‬‬ ‫معْنَى ال َّ‬ ‫مبَيِّنا ً َ‬ ‫ه تَعَالَى‪ُ ،‬‬ ‫ه الل ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ل أَبُو الْعَالِيَةِ – َر ِ‬ ‫قَا َ‬
‫صلَة ُ ال ْ‬ ‫عنْد َ ال ْ‬ ‫َ‬
‫ملَئِكَةِ الدُّع َاء‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ملَئِكَة‪ ،‬و‬ ‫َ‬ ‫الل ّهِ ثَنَاؤُهُ ع َلَيْهِ ِ‬
‫َ‬
‫جل‪،‬‬ ‫مب َ َّ‬ ‫معَظ ّم ٍ وَ ُ‬ ‫ل‪ُ :‬‬ ‫مث ْ ِ‬ ‫ل)) ِ‬ ‫مفَعَّ ٍ‬ ‫ي ع َلَى زِنَةِ(( ُ‬ ‫مبْن ِ ٌّ‬ ‫مدٍ)) َ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ه(( ُ‬ ‫وَقَول ُ ُ‬
‫ضوع ٌ لِلْتَكْثِيْر‪.‬‬ ‫مو ُ‬ ‫وَهُوَ بِنَاءٌ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫د‬
‫م َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫حقَّ أ ْ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ه وَا ْ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫مدِي ْ َ‬ ‫حا ِ‬ ‫مد ُ ال ْ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫مدٌ‪ :‬هُوَ ال ّذِي كَثَُر َ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫لِذ َا فَ ُ‬
‫خَرى‪.‬‬ ‫ُ‬
‫مَّرة ً بَعْد َ أ ْ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫ن‪َ ،‬وبَنُو‬ ‫ه ع َنْهُ ّ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ن َر ِ‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ت ال ْ ُ‬ ‫مهَا ُ‬ ‫م أ َّ‬ ‫مدٍ)) هُ ْ‬ ‫ح َّ‬ ‫ه(( وآل م َ‬
‫َ ِ ْ ُ َّ‬ ‫وَقَول ُ ُ‬
‫مطلِب‪.‬‬ ‫شم ٍ وَبَنُو ال ُ‬ ‫هَا ِ‬
‫وم‬ ‫مدٍ)) أتْبَاع ُ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ح َّ‬ ‫ن(( آ َ‬ ‫َ‬
‫ل العِلْم ِ أ َّ‬ ‫َ‬
‫ه إِلى ي َ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫معٌ ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫ختَاَر َ‬ ‫وَا ْ‬
‫َ‬ ‫م َّ‬
‫ض‬‫جابٌِر رضي الله عنه وَالث ّورِيُّ‪َ ،‬وبَعْ ُ‬ ‫ختَاَره‪َ :‬‬ ‫نا ْ‬ ‫م ْ‬ ‫مة؛ وَ ِ‬ ‫قيَا َ‬ ‫ال ِ‬
‫ه‬ ‫ي‪ ،‬وَالنَّوَويُّ‪ ،‬وَالَْزهَرِيُّ – َر ِ‬ ‫مام ال َّ‬ ‫َ‬
‫م الل ُ‬ ‫مهُ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫شافِعِ ِ ّ‬ ‫ب ال ِ َ ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫أ ْ‬
‫تَعَالَى‪.‬‬
‫صلَةِ ع َلَي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫مام ِ ال َّ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫صلَة ُ ع َلَى آلِهِ صلى الله عليه وسلم ِ‬ ‫وَال َّ‬
‫ه صلى‬ ‫ما تَقَُّّر بِهِ ع َيْن ُ ُ‬ ‫م َّ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن ذَل ِ َ‬ ‫صلى الله عليه وسلم وَتَوَابِعُهَا‪ ،‬ل َ َّ‬
‫َ‬
‫ه ع َلَيْهِ وَع َلَى آلِهِ‬ ‫صل ّى الل ُ‬ ‫شَرفاً‪َ .‬‬ ‫ه بِهَا َ‬ ‫الله َعليه وسلم‪َ ،‬ويَزِيْدُه ُ الل ُ‬
‫سلِيْما ً كَثِيْراً‪.‬‬ ‫م تَ ْ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫مدا ً صلى الله عليه‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫سيِّدَنَا ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م أ َ َّ‬ ‫معْلُو ٌ‬ ‫ل إِبَْراهِيْم)) َ‬ ‫ه(( آ ِ‬ ‫وَقَول ُ ُ‬
‫ل إِبَْراهِيْم‪.‬‬ ‫خيُْر آ ِ‬ ‫وسلم هُوَ َ‬
‫مد ٍ صلى‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ى ُ‬ ‫صل ِّي ع َل َ‬ ‫َ‬ ‫ن يُ‬ ‫ه عز وجل أ ْ‬
‫َ‬
‫ُ‬ ‫صل ِّي َرب َّ‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ل ال ْ‬ ‫سأ َ ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫فَعِنْد َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صل ّى ع َلَى إِبَْراهِي ْ َ‬
‫م‬ ‫ما َ‬ ‫صل ِّي ع َلَيْهِ ك َ َ‬ ‫ن ي َُ َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫سأل ُ ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫الله عليه وسلم‪ ،‬ث ُ َّ‬
‫مد ٍ صلى الله عليه‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫صل ّى ع َلَى ُ‬ ‫ن قَد ْ َ‬ ‫ل إِبَْراهِيْم‪ ،‬يَكُو ُ‬
‫َ‬ ‫وَع َلى آ ِ‬
‫معَهُم‪،‬‬ ‫ل َ‬ ‫خ ٌ‬ ‫ه دَا ِ‬ ‫م لن َّ ُ‬
‫َ‬
‫ل إِبَْراهِي ْ َ‬ ‫معَ آ ِ‬ ‫صل ّى ع َلَيْهِ ثَانِيا ً َ‬ ‫م َ‬ ‫وسلم أَوَّلً‪ ،‬ث ُ َّ‬
‫صلَة ُ ع َلَى آل إبراهي َ‬
‫صلَة َ ع َلَى‬ ‫ت ال َّ‬ ‫من َ ْ‬ ‫ض َّ‬ ‫ل لَنَّهَا ت َ َ‬ ‫ض َ‬ ‫م أف ْ َ‬ ‫ِ َِْ ِ ْ َ‬ ‫ن ال َّ‬ ‫فَتَكُو ُ‬
‫َ‬
‫ن‬‫سلِي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫سائُِر النْبِيَاءِ وَال ْ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ل اللهِ صلى الله عليه وسلم وَ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫َر ُ‬
‫سلَم‪.‬‬ ‫م ال َّ‬ ‫م ع َلَيْهِ ُ‬ ‫ن ذُّرِيَةِ إِبَْراهِي ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت ع َلى‬ ‫صلوَا ِ‬ ‫صيَِغ ال َّ‬ ‫ل ِ‬ ‫ض َ‬ ‫مي ّةِ أفْ َ‬ ‫صلَةِ الِبَْراهِي ْ ِ‬ ‫ن ال َّ‬ ‫سُّر كَو ِ‬ ‫وَهَذ َا ِ‬
‫صلَةَ‬ ‫ل ال َّ‬ ‫ض َ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫من َ ْ‬ ‫ض َّ‬ ‫ل اللهِ صلى الله عليه وسلم‪ ،‬لِكَون ِ َها ت َ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫َر ُ‬
‫صلَةِ ع َلَى إِبَْراهِي ْ َ‬
‫م‬ ‫ل ال َّ‬ ‫ض َ‬ ‫مد ٍ صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وفَ ْ‬
‫ُ َ ُ ُّ‬
‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ع َلَى ُ‬
‫َ‬
‫ل اللهِ صلى الله‬ ‫سو ِ‬ ‫ن كلهَا لَِر ُ‬ ‫ن‪ ،‬لِتَكو َ‬ ‫سلِي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ن النْبِيَاءِ وَال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫وَذُّرِيَتِهِ ِ‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م وَآلِهِ‪،‬‬ ‫ه لِبَْراهِي ْ َ‬ ‫خيْرِ ال ّذِي أع ْطَاه ُ الل ُ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫مث ْ ِ‬ ‫ب ِ‬ ‫ه(( وَبَارِك)) طَل َ ُ‬ ‫وَقَول ُ ُ‬
‫خيُْر‬ ‫م هَذ َا ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ح َّ‬
‫ن يَدُو َ‬ ‫مد ٍ صلى الله عليه وسلم وَآلِه‪ ،‬وَأ ْ‬ ‫م َ‬ ‫لِ ُ‬
‫ضاع َف‪.‬‬ ‫وَيَت َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ضي أ ْ‬ ‫ما يَقْت َ ِ‬ ‫مدِ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫سبَا ِ‬ ‫ت وَأ ْ‬ ‫صفَا ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫و ال ّذِي ل َ ُ‬ ‫ميْد ُ هُ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫وَال ْ َ‬
‫سه‪.‬‬ ‫مودا ً في ن َ ْف ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫يَكُو َ‬
‫جد ُ إِلَيْهِ َ‬
‫ما‬ ‫م ْ‬ ‫مد ُ وَال ْ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫جلَل‪ ،‬وَال ْ َ‬ ‫مةِ وَال ْ َ‬ ‫م لِلْعَظ َ َ‬ ‫ستَلْزِ ُ‬ ‫م ْ‬
‫ُ‬ ‫و ال ْ ُ‬ ‫جيْد ُ هَ َ‬ ‫م ِ‬ ‫وَال ْ َ‬
‫َ‬
‫ل في‬ ‫ما ِ‬ ‫ة الْك َ َ‬ ‫ما طَلَبا ً لِزِيَاد َ ِ‬ ‫م ب ِ ِه َ‬ ‫خت َ َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫بأ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ل كُل ّه‪ ،‬فَنَا َ‬ ‫ما ُ‬ ‫جعُ الْك َ َ‬ ‫يَْر ِ‬
‫عنْد َ اللهِ تَعَالى‪.‬‬ ‫جيْدِهِ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم وَت َ ْ‬ ‫مد ِ النَّب ِ ِ ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫َ‬
‫* أفضل صيغ الصلة على النبِي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫منَاه ُ صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫ما ع َل ّ َ‬ ‫صيَِغ َ‬ ‫ل ال ِّ‬ ‫ض ُ‬ ‫‪ -‬أفْ َ‬
‫ل الله‪ ،‬قَ ْ‬
‫د‬ ‫سو َ‬ ‫ل‪ :‬قُلْنَا‪ :‬يَا َر ُ‬ ‫جَرة َ رضي الله عنه‪ ،‬قَا َ‬ ‫ن عُ ْ‬ ‫ب بْ ِ‬ ‫ن كَعْ ِ‬ ‫فَعَ ْ‬
‫ل صلى الله عليه‬ ‫ك؟ قَا َ‬ ‫صل ِّي ع َلَي ْ َ‬ ‫ف نُ َ‬ ‫م ع َلَيْك‪ ،‬فَكَي ْ َ‬ ‫سل ِّ ُ‬ ‫ف نُ َ‬ ‫منَا كَي ْ َ‬ ‫عَل ِ ْ‬
‫َ‬
‫ما‬ ‫مد‪َ ،‬ك َ َ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫مدٍ وَع َلَى آ ِ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ع َلَى ُ‬ ‫ص ِّ‬ ‫م َ‬ ‫وسلم‪ ((:‬فَقُولُوا‪ :‬الل ّهُ َّ‬
‫َ‬
‫جيد‪ ،‬الل ّهُ َّ‬
‫م‬ ‫م ِ‬ ‫ميد ٌ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ك َ‬ ‫م إِن َّ َ‬ ‫ل إِبَْراهِي َ‬ ‫م وَع َلَى آ ِ‬ ‫ت ع َلَى إِبَْراهِي ْ َ‬ ‫صل ّي ْ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫م وَع َلى‬ ‫ت ع َلى إِبَْراهِي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ما بَاَرك َ‬ ‫ْ‬ ‫مد‪ ،‬ك َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫مدٍ وَع َلى آ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫بَارِك ع َلى ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫جيد))‪.‬‬ ‫م ِ‬ ‫ميد ٌ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ك َ‬ ‫م إِن َّ َ‬ ‫ل إِبَْراهِي َ‬ ‫آ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سو َ‬
‫ل‬ ‫م قَالُوا‪ :‬يَا َر ُ‬ ‫عنه‪ :‬أنَّهُ ْ‬ ‫عدِيُّ رضي الله‬ ‫سا ِ‬ ‫ميْد ٍ ال َّ‬ ‫ح َ‬ ‫ن أبِي ُ‬ ‫‪َ -‬وَع َ ْ‬
‫ُ َّ‬ ‫صل ِّي ع َلَيْك؟ فَقَا َ‬
‫سول اللهِ صلى الله عليه‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ف نُ َ‬ ‫الل ّه‪ ،‬كَي ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫جهِ وَذُّرِيَّتِه‪ ،‬ك َ َ‬ ‫مدٍ وَأْزوَا ِ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ع َلَى ُ‬ ‫ص ِّ‬ ‫م َ‬ ‫وسلم‪ ((:‬قُولُوا‪ :‬الل ّهُ َّ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ما‬ ‫جهِ وَذُّرِيَّتِه‪ ،‬ك َ َ‬ ‫مد ٍ وَأْزوَا ِ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ك ع َلَى ُ‬ ‫ل إِبَْراهِيم‪َ ،‬وبَارِ ْ‬ ‫ت ع َلَى آ ِ‬ ‫صل ّي ْ َ‬ ‫َ‬
‫جيد))‪.‬‬ ‫م ِ‬ ‫ميد ٌ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م إِن ّك َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل إِبَْراهِي َ‬ ‫ت ع َلى آ َ ِ‬ ‫َ‬ ‫بَاَرك َ‬ ‫ْ‬
‫َ‬
‫م ع َلَى‬ ‫صل ّيْت ُ ْ‬ ‫ل‪ :‬إِذ َا َ‬ ‫سعُود ٍ رضي الله عنه قَا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ع َب ْ َد ِ اللهِ ب ْ ِ‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬وَع َ ْ‬
‫َ‬
‫م لَ‬ ‫صلَة َ ع َلَيْه‪ ،‬فَإِنَّك ُ ْ‬ ‫سنُوا ال َّ‬ ‫ح ِ‬ ‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم فَأ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫َر ُ‬
‫ن لَعَ َّ‬
‫ل‪:‬‬ ‫منَا‪ ،‬قَا َ‬ ‫ه‪:‬فَعَل ِّ ْ‬ ‫ل‪ :‬فَقَالُوا ل َ ُ‬ ‫ض ع َلَيْه‪ ،‬قَا َ‬ ‫ك يُعَْر ُ‬ ‫ل ذَل ِ َ‬
‫َ‬
‫تَدُْرو َ‬
‫سي ِّدِ‬ ‫ك ع َلَى َ‬ ‫ك وَبََركَات ِ َ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ك وََر ْ‬ ‫صلَوَات ِ َ‬ ‫ل َ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫ما ْ‬ ‫قُولُوا‪:‬الل ّهُ َّ‬
‫سولِك‪،‬‬ ‫ك وََر ُ‬ ‫مد ٍ ع َبْد ِ َ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬
‫َ‬ ‫خاتَم ِ النَّبِيِّين؛ ُ‬ ‫متَّقِين‪ ،‬وَ َ‬ ‫مام ِ ال ْ ُ‬ ‫سلِين‪ ،‬وَإ ِ َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ما‬ ‫مقَا ً‬ ‫ه َ‬ ‫م ابْعَث ْ ُ‬ ‫مة‪ .‬الل ّهُ َّ‬ ‫ح ََ‬ ‫ل الَّر ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫خيْر‪ ،‬وََر ُ‬ ‫خيْر‪ ،‬وَقَائِد ِ ال ْ َ‬ ‫مام ِ ال ْ َ‬ ‫إِ َ‬
‫مد ٍ وَع َلَى‬ ‫َ‬
‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ع َلَى ُ‬ ‫ص ِّ‬ ‫م َ‬ ‫خُرون‪ .‬الل ّهُ َّ‬ ‫ن وَال ِ‬ ‫ه بِهِ الوَّلُو َ‬
‫َ‬ ‫مودًا يَغْبِط ُ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ميدٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫م إِن ّك َ‬ ‫َ‬ ‫ل إِبَْراهِي َ‬ ‫م وَع َلى آ ِ‬ ‫َ‬ ‫ت ع َلى إِبَْراهِي َ‬ ‫َ‬ ‫صلي ْ َ‬ ‫ّ‬ ‫ما َ‬ ‫مد ٍَ ك َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫آ ِ‬
‫َ‬
‫ت ع َلى‬ ‫ما بَاَرك ْ َ‬ ‫مد ٍ ك َ َ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫مدٍ وَع َلى آ ِ‬ ‫َ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ك ع َلى ُ‬ ‫َ‬ ‫م بَارِ ْ‬ ‫جيد‪ ،‬اللهُ َّ‬ ‫ّ‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬
‫جيد‪.‬‬ ‫م ِ‬ ‫ميد ٌ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م إِن ّك َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل إِبَْراهِي َ‬ ‫م وَع َلى آ ِ‬ ‫َ‬ ‫إِبَْراهِي َ‬
‫م تَقَب َّ ْ‬ ‫ما‪ :‬الل ّهُ َّ‬ ‫َ‬
‫مدٍ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ة ُ‬ ‫شفَاع َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ع َنْهُ َ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫س َر ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ن ع َبَّا‬ ‫ل اب ْ ُ‬ ‫‪ -‬وَقَا َ‬
‫خَرةِ وَالُوْلَى‬ ‫َ‬
‫ه فِي ال ِ‬ ‫سؤ ْل َ ُ‬ ‫ه الْعُلْيَا‪ ،‬وَأعْطِهِ ُ‬ ‫جت َ ُ‬ ‫الْكُبَْرى‪ ،‬وَاْرفَعْ دََر َ‬
‫سلَم‪.‬‬ ‫صلَة ُ وَال َّ‬ ‫ما ال َّ‬ ‫سى ع َلَيْهِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫ت إِبَْراهِي ْ َ‬ ‫ما آتَي ْ َ‬ ‫كَ َ‬
‫* المواطن والزمان التي تشرع فيها الصلة على رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫ل اللهِ صلى الله عليه‬ ‫سو ِ‬ ‫م ع َلَى َر ُ‬ ‫سل َ َ‬ ‫صلَة َ وَال َّ‬ ‫ه لَنَا ال َّ‬ ‫شَرع َ الل ُ‬ ‫َ‬
‫ل اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَلِك‪،‬‬ ‫سو ُ‬ ‫شَرع َ لَنَا َر ُ‬ ‫مطلَقاً‪ ،‬وَ َ‬ ‫وسلم ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫منْهَا‪:‬‬ ‫مان؛ فَ ِ‬ ‫ن وَالْز َ‬ ‫موَاط ِ ِ‬ ‫ض ال َ‬ ‫وَأك ّدَه ُ في بَعْ ِ‬
‫مطْلَقاً‪:‬‬ ‫م ع َلَيْهِ صلى الله عليه وسلم ُ‬ ‫سل َ ُ‬ ‫صلَة ُ وَال َّ‬ ‫‪ -‬ال َّ‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫ل النَّب ِ ُّ‬ ‫ل‪ :‬قَا َ‬ ‫ن أَبِي هَُريَْرة َ رضي الله عنه قَا َ‬ ‫عَ ْ‬
‫ُّ‬
‫صلوا‬ ‫عيدًا‪ ،‬وَ َ‬ ‫جعَلُوا قَبْرِي ِ‬ ‫م قُبُوًرا‪ ،‬وَل َ ت َ ْ‬ ‫جعَلُوا بُيُوتَك ُ ْ‬ ‫وسلم‪ ((:‬ل َ ت َ ْ‬
‫ث كُنْتُم))‪.‬‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫م تَبْلُغُنِي َ‬ ‫صلَتَك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ي فَإ ِ َّ‬ ‫ع َل َ ّ‬
‫ل اللهِ صلى‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل‪ :‬قَا َ‬ ‫سرٍ رضي الله عنه‪ ،‬قَا َ‬ ‫ن يَا ِ‬ ‫مار ب ْ ِ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫وَع َ ْ‬
‫الله عليه وسلم‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ق كُل ِّهَا‪ ،‬فَهُوَ قَائ ِ ٌ‬
‫م‬ ‫ِ‬ ‫خلَئ ِ‬ ‫ماع َ ال ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫ملَكا ً أع ْطَاهُ أ ْ‬ ‫ك َوتَعَالَى َ‬ ‫ن للهِ تَبَاَر َ‬ ‫((إ ِ َّ‬
‫صل ِّي‬‫متِي َي ُ َ‬ ‫ن أ ُ َّ‬ ‫م ْ‬ ‫حد ٌ ِ‬ ‫سأ َ‬
‫َ‬
‫مة‪ ،‬فَلَي ْ َ‬ ‫قيَا َ‬ ‫ت إِلَى يَوم ِ ال ِ‬ ‫م ُّ‬ ‫ع َلَى قَبْرِي إِذ َا ِ‬
‫صل ّى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع َل َ َّ‬
‫مد! َ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ل‪ :‬يَا ُ‬ ‫سم ِ أبِيْه‪ ،‬قَا َ‬ ‫مهِ وَا ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ماهُ بِا ْ‬ ‫س َّ‬ ‫صلَة ً إِل ّ َ‬ ‫ي َ‬
‫ك َوتَعَالَى‬ ‫ب تَبَاَر َ‬ ‫صل ِّي الَّر ُّ‬ ‫ل‪ :‬فَي ُ َ‬ ‫ن كَذ َا وَكَذ َا‪ ،‬قَا َ‬ ‫ن فُل َ ٍ‬ ‫ن بْ ُ‬ ‫ك فُل َ ُ‬ ‫ع َلَي ْ َ‬
‫شراً)) صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫حدَةٍ ع َ ْ‬ ‫ل وَا ِ‬ ‫ل‪ ،‬بِك ُ ِّ‬ ‫ج ِ‬ ‫ك الَّر ُ‬ ‫ع َلَى ذَل ِ َ‬
‫َ‬
‫ما ذ ُكَِر صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫‪ -‬كُل ّ َ‬
‫ل اللهِ صلى الله عليه‬ ‫سو َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ك رضي الله عنه‪ :‬أ َ َّ‬ ‫مال ِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫س بْ ِ‬ ‫ن أن َ ِ‬
‫عَ َ‬
‫ْ‬
‫ي)) صلى الله عليه‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َل‬ ‫ع‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ص‬ ‫ي‬
‫َ ْ ِْ ُ ِ ْ َ ُ ُ َ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫عن‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫ُك‬ ‫ذ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ل‪((:‬‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫وسلم‬
‫وسلم‪.‬‬
‫ل‪ :‬قَا َ‬ ‫ب رضي الله عنه قَا َ‬ ‫ن أبِي طَال ِ‬ ‫َ‬ ‫ميْرِ ال ْ‬ ‫وع َ َ‬
‫ل‬ ‫ٍ‬ ‫ي بْ‬ ‫ّ‬ ‫ن عَل ِ‬ ‫َ‬ ‫منِي‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ُ‬ ‫نأ ِ‬
‫ُ َّ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ ُ َّ‬
‫ت‬ ‫َ ْ ِْ ُ‬‫ر‬ ‫ُك‬ ‫ذ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫ال‬ ‫ل‬ ‫خي‬ ‫َ ِ‬ ‫ب‬ ‫ال‬ ‫وسلم‪((:‬‬ ‫عليه‬ ‫الله‬ ‫صلى‬ ‫سول الل ِ‬
‫ه‬ ‫َر ُ‬
‫ي)) صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫ل ع َل َ َّ‬ ‫ص ِّ‬ ‫م يُ َ‬ ‫عنْدَه ُ فَل َ ْ‬ ‫ِ‬
‫ل صلى الله عليه‬ ‫ل‪ :‬قَا َ‬ ‫ن أبِي هَُريَْرة َ رضي الله عنه قَا َ‬ ‫َ‬
‫وَع َ ْ‬
‫جنَّة)) صلى الله‬ ‫خطِيءَ طَرِيْقَ ال ْ َ‬ ‫ي‪َ ،‬‬ ‫صلَة َ ع َل َ ّ‬ ‫ي ال َّ‬ ‫س َ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وسلم‪َ ((:‬‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫ُ َ‬
‫ل الل ّهِ صلى الله عليه‬ ‫سو‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل‪ :‬قَا َ‬ ‫ه رضي الله عنه قَا َ‬ ‫وَع َن ْ ُ‬
‫َ‬
‫ي)) صلى الله‬ ‫ل ع َل َ ّ‬ ‫ص ِّ‬ ‫م يُ َ‬ ‫عنْدَه ُ فَل َ ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ل ذ ُكِْر ُ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ف َر ُ‬ ‫م أن ْ ُ‬ ‫وسلم‪َ ((:‬رِغ َ‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫مهِ صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫س ِ‬ ‫عنْد َ كِتَابَةِ ا ْ‬ ‫‪ِ -‬‬
‫ه‬
‫م ُ‬ ‫س َ‬ ‫ف رضي الله عنهم إِذ َا كَتَبُوا ا ْ‬ ‫سل َ ُ‬ ‫ن ال َّ‬ ‫ساب ِ ِقه‪ ،‬وَقَد ْ كَا َ‬ ‫وَهُوَ ك َ َ‬
‫م ع َلَيْهِ صلى‬ ‫سل َ َ‬ ‫صلَة َ وَال َّ‬ ‫م أَثْبَتُوا ال َّ‬ ‫صلى الله عليه وسلم في كُتُبِهِ ْ‬
‫ن لَهَا‬ ‫مُزو َ‬ ‫و كَثَُرت‪ ،‬وَل َ يَْر ُ‬ ‫ت‪ ،‬وَل َ ْ‬ ‫و تَكََّرَر ْ‬ ‫ة‪ ،‬وَل َ ْ‬ ‫الله عليه وسلم كِتَاب َ ً‬
‫موز‪.‬‬ ‫بِالُّر ُ‬
‫ه تَعَالَى –‬ ‫ه الل ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ن بَازٍ – َر ِ‬ ‫َ‬ ‫حةِ ال ّ‬ ‫وَل ِ َ‬
‫خ ع َبْد ِ العَزِيْزِ ب ْ ِ‬ ‫شي ْ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫س َ‬ ‫خنَا َ‬ ‫شي ْ ِ‬
‫مثْل‪ ((:‬ص)) و(( صلعم)) بَدَلً‬ ‫موز؛ ِ‬ ‫ن كِتَابَةِ الُّر ُ‬ ‫ة في النَّهِي ع َ ْ‬ ‫سال َ ً‬ ‫رِ َ‬
‫سلَم ِ ع َلَيْهِ صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وَقَد ْ نَفَعَ الل ُ‬
‫ه‬ ‫صلَةِ وَال َّ‬ ‫ن ال َّ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ف‬‫ح ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ن ال ُّ‬ ‫م ْ‬ ‫موزِ ِ‬ ‫ختِفَاءِ الُّر ُ‬ ‫سبَبا ً في ا ْ‬ ‫ت َ‬ ‫حتَّى كَان َ ْ‬ ‫تَعَالَى بِهَا َ‬
‫خيْراً‪.‬‬ ‫ه َ‬ ‫جَزاه ُ الل ُ‬ ‫وَالكُتُب‪ ،‬فَ َ‬
‫ت ال َّ‬ ‫َ‬ ‫قَا َ َ‬
‫ة ‪ -‬في‬ ‫ن ع ُيَيْن َ َ‬ ‫ن بْ َ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫خ ال ْ َ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫مونِي‪َ :‬رأي ْ ُ‬ ‫مي ْ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫س‬
‫ح َ‬ ‫ل أبُو ال ْ َ‬
‫ن‬‫ب بِلَو ِ‬ ‫مكْتُو ٌ‬ ‫يءٌ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫صابِِع يَدَيْهِ َ‬ ‫َ‬
‫ن ع َلَى أ َ‬ ‫موتِه‪ ،‬وَكَأ َ َّ‬ ‫منَام ِ ‪ -‬بَعْد َ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫صابِعِ َ‬
‫ك‬ ‫ستَاذ! أَرى ع َلَى أ َ‬ ‫ت‪ :‬يَا أ ْ‬ ‫ك‪ ،‬وَقُل ْ ُ‬ ‫ن ذَل ِ َ‬ ‫ه عَ ْ‬ ‫سألْت ُ ُ‬ ‫الذَّهَب‪ ،‬فَ َ‬
‫ي! هَذ َا لِكِتَابَتِي(( صلى الله‬ ‫ل‪ :‬يَا بُن َ ّ‬ ‫ما هُو؟ قَا َ‬ ‫مكْتُوباً‪َ ،‬‬ ‫ملِيْحا ً َ‬ ‫شيْئا ً َ‬ ‫َ‬
‫ل اللهِ صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫سو ِ‬ ‫ث َر ُ‬ ‫حدِي ْ ِ‬ ‫عليه وسلم)) في َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سى‪:‬‬ ‫م َ‬ ‫م وَإِذ َا أ ْ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ح ال ْ ُ‬ ‫صب َ َ‬ ‫‪ -‬إِذ َا أ ْ‬
‫ل اللهِ صلى الله‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل‪ :‬قَا َ‬ ‫ن أَبِي الدَّْردَاءِ رضي الله عنه‪ ،‬قَا َ‬ ‫عَ ْ‬
‫َ‬
‫سي‬ ‫م ِ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫حي ْ َ‬ ‫شراً‪ ،‬وَ ِ‬ ‫ح عَ ْ‬ ‫صب ِ ُ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫حي ْ َ‬ ‫ي ِ‬ ‫صل ّى ع َل َ َّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫عليه وسلم‪َ ((:‬‬
‫َ‬
‫شفَاع َتِي))‪.‬‬ ‫ه َ‬ ‫شراً؛ أدَْركَت ْ ُ‬ ‫َ‬
‫عَ ْ‬
‫جلِساً‪:‬‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫س ال ْ ُ‬ ‫جل َ َ‬ ‫ما َ‬ ‫‪ -‬كُل ّ َ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن النَّب‬ ‫ْ‬ ‫ن أَبِي هَُريَْرة َ رضي الله عنه‪ ،‬ع َ‬ ‫عَ ْ‬
‫ُ‬
‫ن ع َلَى‬ ‫صل ّو َ‬ ‫ه عز وجل وَي ُ َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫مقْعَدًا ل َ يَذ ْكُُرو َ‬ ‫م َ‬ ‫ما قَعَد َ قَوْ ٌ‬ ‫ل‪َ ((:‬‬ ‫قَا َ‬
‫َ‬
‫مةِ‬ ‫م الْقِيَا َ‬ ‫سَرة ً يَوْ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ع َلَيْهِ ْ‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم إِل ّ كَا َ‬ ‫النَّب ِ ِ ّ‬
‫ة لِلثَّوَاب))‪.‬‬ ‫جن َّ َ‬ ‫خلُوا ال ْ َ‬ ‫ن دَ َ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫ما‬ ‫ل‪َ ((:‬‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم قَا َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن النَّب‬ ‫ه رضي الله عنه‪ :‬ع َ ْ‬ ‫وَع َن ْ ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫صل ّوا ع َلَى نَبِيِّهِ ْ‬
‫م‬ ‫م يُ َ‬ ‫ه فِيه‪ ،‬وَل َ ْ‬ ‫م يَذ ْكُُروا الل ّ َ‬ ‫سا ل َ ْ‬ ‫جل ِ ً‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫س قَوْ ٌ‬ ‫جل َ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫شاءَ عَذ ّبَهُم‪ ،‬وَإ ِ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م تَِرة‪ ،‬فَإ ِ ْ‬ ‫ن ع َلَيْهِ ْ‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬إِل ّ كَا َ‬
‫مة‪.‬‬ ‫شاءَ غَفََر لَهُم)) تَِرة‪ :‬نَدَا َ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‪َ ((:‬‬ ‫ل النَّب ِ ُّ‬ ‫جابِرٍ رضي الله عنه‪ :‬قَا َ‬ ‫ن َ‬ ‫وَع َ ْ‬
‫صلَةٍ ع َلَى‬ ‫ه عز وجل‪ ،‬وَ َ‬ ‫ن غَيْرِ ذِكْرِ الل ِ‬ ‫م تَفََّرقُوا ع َ ْ‬ ‫م‪ ،‬ث ُ َّ‬ ‫معَ قَو ٌ‬ ‫جت َ َ‬ ‫ا ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جيْفَة))‪.‬‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن أنْت َ ِ‬ ‫موا ع َ ْ‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم إِل ّ قَا ُ‬ ‫النَّب ِ ِ ّ‬
‫معَة‪:‬‬ ‫ج ُ‬ ‫‪ -‬في يَوم ِ ال ْ ُ‬
‫ل اللهِ صلى الله‬ ‫سو ُ‬ ‫ل‪ :‬قَا َ‬ ‫ة رضي الله عنه قَا َ‬ ‫ُ‬ ‫وع َ َ‬
‫ل َر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن أبِي أ َ‬ ‫َ ْ‬
‫نَ‬ ‫ُ‬
‫صلَةِ في ك ِّ‬ ‫ن ال َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫معَة‪ ،‬فَإ ِ ّ‬ ‫ج ُ‬ ‫ل يَوم ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫عليه وسلم‪ ((:‬أكثُِروا ع َل َّ‬
‫ل يوم جمعة‪ ،‬فَمن كَا َ‬ ‫ض ع َل َ َّ‬ ‫صلَة َ أ ُ َّ‬
‫ن أكْثََرهُ ْ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ي في ك ُ ِّ َ ِ ُ ُ َ‬ ‫متِي تُعَْر ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫منْزِلة))‪.‬‬ ‫منِّي َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن أقَْربَهُ ْ‬ ‫صلة ً كا َ‬ ‫ي َ‬ ‫ع َل َّ‬
‫ماِع الذ َان‪:‬‬ ‫َ‬ ‫س‬ ‫‪ -‬بَعْد َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َّ‬
‫معَ‬‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ما‪ :‬أن ّ ُ‬ ‫ه ع َنْهُ َ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ص َر ِ‬ ‫ن العَا ِ‬ ‫مرِو ب ْ ِ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫ن ع َبْد ِ اللهِ ب ْ ِ‬ ‫عَ ْ‬
‫ن؛ فَقُولُوا‪:‬‬ ‫مؤَذِّ َ‬ ‫ُ‬ ‫م ال ْ‬ ‫ْ‬ ‫معْت ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ل‪ ((:‬إِذ َا َ‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم يَقُو ُ‬ ‫النَّب ِ َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫صلَّى ع َل َ َّ‬ ‫ُ‬
‫صل ّى الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫صلَةً‪َ ،‬‬ ‫ي َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ي فَإِن َّ ُ‬ ‫صل ّوا ع َل َ َ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ما يَقُول‪ ،‬ث ُ َّ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ِ‬
‫جن ّة‪،‬‬‫َ‬ ‫ْ‬
‫ة فِي ال َ‬ ‫منْزِل ٌ‬ ‫َ‬ ‫سيلة‪ ،‬فَإِن ّهَا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه لِي الوَ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫سلوا الل َ َ‬ ‫ُ‬ ‫م َ‬ ‫شًرا‪ ،‬ث ُ َّ‬ ‫ع َليْهِ بِهَا ع َ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سأ َ‬
‫ل‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن أنَا هُو‪ ،‬فَ َ‬ ‫ن أكُو َ‬ ‫جو أ ْ‬ ‫عبَاد ِ الل ّه‪ ،‬وَأْر ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ تَنْبَغِي إِل ّ لِعَبْد ٍ ِ‬
‫ه ال َّ‬ ‫َ‬
‫شفَاع َة))‪.‬‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫حل ّ ْ‬ ‫سيلَة؛ َ‬ ‫لِي الْوَ ِ‬
‫منْه‪:‬‬ ‫خُروِج ِ‬ ‫جد ِ وَال ْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫خو ِ‬ ‫عنْد َ د ُ ُ‬ ‫‪ِ -‬‬
‫ل اللهِ صلى الله عليه‬ ‫سو ُ‬ ‫ميْد ٍ رضي الله عنه‪ ،‬قَا َ‬ ‫َ‬
‫ل َر ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ن أبِي ُ‬ ‫وَع َ ْ‬
‫َ‬
‫ي صلى الله‬ ‫م ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬ ‫سل ِّ ْ‬ ‫جد َ فَلْي ُ َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ ال ْ َ‬ ‫حدُك ُ ْ‬ ‫لأ َ‬ ‫خ َ‬ ‫وسلم‪ ((:‬إِذ َا د َ َ‬
‫متِك‪ ،‬فَإِذ َا َ‬ ‫َ‬ ‫ل‪ :‬الل ّهُ َّ‬ ‫عليه وسلم‪ ،‬ث ُ َّ‬
‫ج‬‫خَر َ‬ ‫ح َ‬ ‫ب َر ْ‬ ‫ح لِي أبْوَا َ‬ ‫م افْت َ ْ‬ ‫م لِيَقُ ْ‬
‫ضلِك))‪.‬‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫سأل ُ َ‬ ‫َ‬
‫م إِنِّي أ ْ‬
‫َ‬ ‫ل‪ :‬اللَّهُ َّ‬ ‫فَلْيَقُ ْ‬
‫َ‬
‫سلَم‪:‬‬ ‫ه َ‬ ‫شهُّد ٍ ال ّذِي يَعْقُب ُ ُ‬ ‫خرِ الت َّ َ‬ ‫‪ -‬فِي آ ِ‬
‫حتَّى‬ ‫صلَة ً لِي ت َ َّ‬ ‫َ‬
‫ما أَرى أ َّ‬ ‫َ‬ ‫قَا َ َ‬
‫ت َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫سعُود ٍ رضي الله عنه‪َ :‬‬ ‫م ْ‬ ‫ل أبُو َ‬
‫ُ‬
‫مد صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫مد ٍ وَع َلَى آ ِ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫صل ِّي ع َلَى ُ‬ ‫أ َ‬
‫َ‬
‫ة‬
‫قَراءَ ٍ‬ ‫صلَة ٌ إِل ّ ب ِ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ل‪ :‬ل َ تَكُو ُ‬ ‫ما قَا َ‬ ‫ه ع َن ْ ُه َ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫مرٍو َر ِ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫ن اب ْ ِ‬ ‫وَع َ ْ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫صلَةٍ ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬ ‫شهُّدٍ وَ َ‬ ‫وَت َ َ‬
‫ل‪ :‬يَا‬ ‫ل فَقَا َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ل‪ :‬أقْب َ َ‬ ‫َ‬ ‫سعُود ٍ رضي الله عنه‪ ،‬قَا َ‬ ‫َ‬
‫ل َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن أبِي َ َ‬ ‫وَع َ ْ‬
‫صل ِّي ع َلَي ْ َ‬ ‫ك فَقَد ْ عََرفْنَاه‪ ،‬فَكَي ْ َ‬ ‫م ع َلَي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ل الل ّه‪ ،‬أ َّ‬
‫ك إِذ َا‬ ‫ف نُ َ‬ ‫سل َ ُ‬ ‫ما ال َّ‬ ‫سو َ‬ ‫َر ُ‬
‫ه ع َلَيْك؟ قَا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل صلى الله عليه‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫صلَتِن ََا َ‬ ‫صل ّيْنَا فِي َ‬ ‫ن َ‬ ‫ح ُ‬ ‫نَ ْ‬
‫ي؛ فَقُولُوا)) وَذ َكََر ال َّ‬ ‫م ع َل َ َّ‬ ‫َ‬
‫ميَّة‪.‬‬ ‫صلَة َ الِبَْراهِي ْ ِ‬ ‫صل ّيْت ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫وسلم‪ ((:‬إِذ َا أنْت ُ ْ‬
‫خطْبَة‪:‬‬ ‫ل ُ‬ ‫‪ -‬في ك ُ ِّ‬
‫ك ]‪.‬‬ ‫ك ذِكَْر َ‬ ‫ه تَعَالَى [ وََرفَعْنَا ل َ َ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫قَا َ‬
‫َ‬
‫ه ذِكَْره‪ ،‬فَل َ يُذ ْكَُر إِل ّ ذ ُكَِر‬ ‫ما‪َ :‬رفَعَ الل ُ‬ ‫ه ع َنْهُ َ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫س َر ِ‬ ‫ن ع َبَّا ٍ‬ ‫ل اب ْ ُ‬ ‫قَا َ‬
‫معَه‪.‬‬ ‫َ‬
‫ب–‬ ‫خط ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم في ال ُ‬ ‫َ‬
‫صلَة ُ ع َلى الن ّب ِ ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫ت ال َّ‬ ‫وَكان َ ْ‬ ‫َ‬
‫معُْروفاً‪.‬‬ ‫َ‬
‫ش ُهورا ً َ‬ ‫م ْ‬ ‫مرا ً َ‬ ‫حابَةِ رضي الله عنهم ‪ -‬أ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫ن ال َّ‬ ‫م ِ‬ ‫في َز َ‬
‫ن‬ ‫ل‪ :‬كُنَّا بِال ْ َ‬ ‫ن أبِي بَكْرٍ‪ ،‬قَا َ‬ ‫َ‬
‫معََنَا ع َبْد ُ اللهِ ب ْ ُ‬ ‫ف‪ ،‬وَ َ‬ ‫خي ْ ِ‬ ‫ن ع َبْد ِ اللهِ ب ْ ِ‬ ‫وَع َ ْ‬
‫َ‬
‫ى ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬
‫ي‬
‫َ َّ‬
‫صل ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه وَأثْنَى ع َلَيْه‪ ،‬و‬ ‫مد َ الل َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ة رضي الله عنه‪ ،‬فَ َ‬ ‫ع ُتْب َ َ‬
‫صلى بِنَا‪.‬‬ ‫مف َ‬ ‫م قَا َ‬ ‫ت‪ ،‬ث ُ َّ‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وَدَع َا بِدَع َوَا ٍ‬
‫ت الوِتْر‪:‬‬ ‫‪ -‬في قُنُو ِ‬
‫ُ َّ‬ ‫َّ‬
‫سول اللهِ‬ ‫منِي َر ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‪ :‬ع َل‬ ‫ما‪ ،‬قَا َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ه ع َنْه‬ ‫ُ‬ ‫ي الل‬ ‫َ‬ ‫ض‬‫ي َر ِ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ن عَل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن بْ‬ ‫ِ‬ ‫س‬‫ح َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫عَ ْ‬
‫َ‬
‫ل‪ :‬الل ّهُ َّ‬ ‫ت فِي الْوِتْر‪ ،‬قَا َ‬
‫م‬ ‫ل‪ ((:‬قُ ْ‬
‫َّ‬
‫ما ِ‬ ‫صلى الله عليه وسلم هَؤ ُلَءِ الْكَل ِ َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ما أع ْطَيْت‪ ،‬وَتَوَلنِي فِي َ‬ ‫ك لِي فِي َ‬ ‫ن هَدَيْت‪ ،‬وَبَارِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫اهْ َدِنِي فِي َ‬
‫ه لَ‬ ‫ضى ع َلَيْك‪ ،‬وَإِن َّ ُ‬ ‫ضي وَل َ يُقْ َ‬ ‫ك ت َ ْق ِ‬ ‫ضيْت‪ ،‬فَإِن َّ َ‬ ‫ما قَ َ‬ ‫شَّر َ‬ ‫تَوَل ّيْت‪ ،‬وَقِنِي َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫يَذ ِ ُّ‬
‫ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬
‫ي‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ت َربَّنَا وَت َ َعالَيْت‪ .‬وَ َ‬ ‫ن وَالَيْت‪ ،‬تَبَاَرك ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬
‫مد)) صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫صلةَِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س في َ‬ ‫مُر رضي الله عنه الن ّا ُ َ‬ ‫ن عُ َ‬ ‫منِي ْ َ‬ ‫مؤ ِ‬ ‫ميُْر ال ُ‬ ‫معَ أ ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ما َ‬ ‫وَل ّ‬
‫َ‬
‫ن ع َلى الن ّب ِ ِ ّ‬
‫ي‬ ‫َ‬ ‫صلو َ‬ ‫ّ‬ ‫م يُ َ‬ ‫ن الكَفََرة َ في قُنُوتِهِم‪ ،‬ث ُ َّ‬ ‫ْ‬ ‫التََّراوِيْح‪ ،‬كَانُوا يَلعَنُو َ‬
‫ْ‬
‫ن‬ ‫م يُكَب ُِّرو َ‬ ‫ميْن‪ ،‬ث ُ َّ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن لِل ْ ُ‬ ‫م يَدْع ُو َ‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ث ُ َّ‬
‫جدُون‪.‬‬ ‫س ُ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫َ‬
‫صلَةِ نَافِلة‪:‬‬ ‫مَّر ذِكُْره ُ صلى الله عليه وسلم في َ‬ ‫‪ -‬إِذ َا َ‬
‫صلَةِ ع َلَى‬ ‫مَّر بِال َّ‬ ‫ه تَعَالَى ‪ :-‬إِذ َا َ‬ ‫ه الل ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫صرِيُّ – َر ِ‬ ‫ن الب َ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫قَا َ‬
‫ل ع َلَيْهِ في التَّطَوع‪.‬‬ ‫ص ِّ‬ ‫ف‪ ،‬وَلْي ُ َ‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم فَلْيَقِ ْ‬ ‫النَّب ِ ِ ّ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫صلى‬ ‫ل َ‬ ‫ن في نَفْ ٍ‬ ‫ن كَا َ‬ ‫ه تَعَالَى ‪ :-‬إ ِ ْ‬ ‫ه الل ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مد ُ – َر ِ‬ ‫ح َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫ل ال ِ َ‬ ‫وَقَا َ‬
‫ع َلَيْهِ صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫صلَةِ الْعِيْد‪:‬‬ ‫ت الَّزوَائِد ِ في َ‬ ‫ن التَّكْبِيَْرا ِ‬ ‫‪ -‬بَي ْ َ‬
‫ة رضي‬ ‫حذ َي ْ َف َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سى وَ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫سعُود ٍ وَأبِي ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ة ع َلى اب ْ ِ‬ ‫ن عُقْب َ َ‬ ‫ج الوَلِيْد ُ ب ْ ُ‬ ‫خَر َ‬ ‫َ‬
‫ل ع َبد الله‪ :‬تبدأ‪ُ،‬‬
‫َْ َ‬ ‫ف التَّكْبِيُْر في العِيْد؟ قَا َ ْ ُ‬ ‫ل‪ :‬كَي ْ َ‬ ‫الله عنهم‪ ،‬فَقَا َ‬
‫صل ِّي ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬
‫ي‬ ‫مد ُ َربَّك وَت ُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫صلَة‪ ،‬وَت َ ْ‬ ‫ح بِهَا ال َّ‬ ‫فَتُكَبُِّر تَكْبِيَْرة ً تَفْتَت ِ ُ‬
‫َ‬
‫صدَقَ أبُو ع َبْدِ‬ ‫م تَدْع ُو وَتُكَبِّر‪ .‬فَقَالَ‪َ :‬‬ ‫مد ٍ صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ث ُ َّ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫من‪.‬‬ ‫ح َ‬ ‫الَّر ْ‬
‫َ‬
‫جنَاَزة‪:‬‬ ‫صل ّى ع َلَى َ‬ ‫‪ -‬إِذ َا َ‬
‫ُ‬ ‫عَ َ‬
‫جنَاَزةِ‪:‬‬ ‫صلَةِ ال ْ َ‬ ‫ة فِي َ‬ ‫سن َّ َ‬ ‫ن ال ُّ‬ ‫ل‪ :‬إ ِ َّ‬ ‫ة رضي الله عنه‪ ،‬قَا َ‬ ‫م َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن أبِي أ َ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬ ‫صلِي ع َلى الن ّب ِ ِ ّ‬ ‫ب‪ ،‬وَي ُ َ‬ ‫ة الكِتَا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن يَقَْرأ فَات ِ َ‬ ‫أ ْ‬
‫ميِّت‪.‬‬ ‫ص فِي الدُّع َاءِ لِل ْ َ‬ ‫خل ِ ُ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ث ُ َّ‬
‫ق الذِّكْر‪:‬‬ ‫‪ -‬في ِ َ‬
‫حل ِ‬
‫ل اللهِ صلى الله‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل‪ :‬قَا َ‬ ‫ن أَبِي هَُريَْرة َ رضي الله عنه قَا َ‬ ‫عَ ْ‬
‫ذّكْرِ‪،‬‬ ‫ق ال ِ‬ ‫مُّروا ب ِ ِ َ‬ ‫ملَئِكَة‪ ،‬إِذ َا َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫سيَّاَرة ً ِ‬ ‫عليه وسلم‪ ((:‬إ ِ َّ‬
‫حل ِ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫ن للهِ َ‬
‫منُوا ع َلَى دُعَائِهِم‪،‬‬ ‫م أ َّ‬ ‫ض‪ :‬اقْعُدُوا! فَإِذ َا دَع َا القَوْ ُ‬ ‫م لِبَعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ل بَعْ ُ‬ ‫قَا َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫حتَّى‬ ‫م َ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫صل ّوا َ‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم َ‬ ‫صل ّوا ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬ ‫فَإِذ َا َ‬
‫مغْفُوراً‬ ‫ن َ‬ ‫جعُو َ‬ ‫ض‪ :‬طُوبَى ل ِ َهؤ ُلَءِ يَْر ِ‬ ‫م يَقُو ُ‬ ‫يَفَْرغُوا‪ ،‬ث ُ َّ‬
‫م لِبَعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ل ب َ ْع ُ‬
‫لَهُم))‪.‬‬
‫َ‬
‫ل الدُّع َاء في قِيَام ِ الل ّيْل‪:‬‬ ‫حا َ‬ ‫‪َ -‬‬
‫ل الله‪ ،‬إِنِّي أكْثُِر‬‫ُ‬ ‫ُ‬
‫سو َ‬ ‫ل‪ :‬يَا َر ُ‬ ‫ب رضي الله عنه قَا َ‬ ‫ن كَعْ ٍ‬ ‫ي بْ ِ‬ ‫ن أب َ ِ ّ‬ ‫عَ ْ‬
‫ل لَ َ‬ ‫َ‬
‫شئْت))‬ ‫ما ِ‬ ‫ل‪َ ((:‬‬ ‫صلَتِي؟ فَقَا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫جعَ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫صلَة َ ع َلَيْك‪ ،‬فَك َ ْ‬ ‫ال َّ‬
‫ت‪:‬‬ ‫خيٌْر لَك)) قُل ْ ُ‬ ‫ت فَهُوَ َ‬ ‫ن زِد ْ َ‬ ‫شئْت‪ ،‬فَإ ِ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫ل‪َ ((:‬‬ ‫ت‪ :‬الُّربُع؟ قَا َ‬ ‫قُل ْ ُ‬
‫ت‪:‬‬ ‫خيٌْر لَك)) قُل ْ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ت فَهُ َ‬ ‫ن زِد ْ َ‬ ‫شئْت‪ ،‬فَإ ِ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫ل‪َ ((:‬‬ ‫صف؟ قَا َ‬ ‫الن ِّ ْ‬
‫َ‬ ‫فَالثُّلُثَيْن؟ قَا َ‬
‫جعَ ُ‬
‫ل‬ ‫ت‪ :‬أ ْ‬ ‫ك)) قُل ْ ُ‬ ‫خيٌْر ل َ َ‬ ‫ت فَهُوَ َ‬ ‫ن زِد ْ َ‬ ‫ت‪ ،‬فَإ ِ ْ‬ ‫شئ ْ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ل‪َ ((:‬‬
‫ك ذ َنْبُك))‪ .‬وَفي‬ ‫مك‪ ،‬وَيُغْفَُر ل َ َ‬ ‫ل‪ ((:‬إِذ ًا تُكْفَى هَ َّ‬ ‫صلَتِي كُل َّ َها؟ قَا َ‬ ‫ك َ‬ ‫لَ َ‬
‫كم َ‬ ‫ما أَهَ َّ‬
‫خَرتِك))‪.‬‬ ‫ك وَآ ِ‬ ‫مرِ دُنْيَا َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م َ ِ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ك الل ُ‬ ‫في ْ َ‬ ‫رِوَايَةٍ‪ ((:‬إِذا ً يَك ْ ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن دُع َائِي‬ ‫م ِ‬ ‫ميعَ َز َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ف َ‬ ‫صرِ ُ‬ ‫صلَتِي كُل ّهَا)) أيْ أ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ل لَ َ‬ ‫جعَ ُ‬ ‫ه(( أ ْ‬ ‫قَوْل ُ ُ‬
‫خَرة‪.‬‬ ‫م الدُّنْيَا وَال ِ‬ ‫مَرا َ‬ ‫مك)) تُعْطَى َ‬ ‫صلَة ً ع َلَيْك‪ ((.‬تُكْفَى هَ َّ‬ ‫سي َ‬ ‫لِنَفْ ِ‬
‫َ‬ ‫ل الدُّع َاءِ وَآ ِ‬ ‫َ‬
‫خرِهِ وَفِي أثْنَائِه‪:‬‬ ‫‪ -‬في أوَّ ِ‬
‫ي صلى الله‬ ‫معَ النَّب ِ ُّ‬ ‫س ِ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫ن ع ُبَيْد ٍ رضي الله عنه قَا َ‬ ‫ِ‬ ‫ة بْ‬ ‫ضال َ َ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫عَ ْ‬
‫َ‬
‫ص ِّ‬
‫ل‬ ‫م يُ َ‬ ‫ه تَعَالَى‪ ،‬وَل َ ْ‬ ‫جد ْ الل ّ َ‬ ‫م ِّ‬ ‫م يُ َ‬ ‫صلَتِه‪ ،‬ل َ ْ‬ ‫جل ً يَدْع ُو فِي َ‬ ‫عليه وسلم َر ُ‬
‫ل صلى الله عليه وسلم‪((:‬‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فَقَا َ‬
‫َ‬ ‫ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫جيْد ِ َرب ِّ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫م فَلْيَبْدَأ بِت َ ْ‬ ‫حدُك ُ ْ‬ ‫صل ّى أ َ‬ ‫ل‪ ((:‬إِذ َا َ‬ ‫م دَع َاهُ‪ ،‬فَقَا َ‬ ‫ل هَذ َا)) ث ُ َّ‬ ‫ج َ‬ ‫عَ ِ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬ ‫ل ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬ ‫ص ِّ‬ ‫م لْي ُ َ‬ ‫ل وَعََّز وَالثَّنَاءِ ع َلَيْه‪ ،‬ث ُ َّ‬ ‫ج َّ‬ ‫َ‬
‫َّ‬
‫شاء))‪.‬‬ ‫ما َ‬
‫َ‬ ‫م لْيَدْع ُ بَعْد ُ ب ِ َ‬ ‫ث ُ َّ‬
‫ه‬
‫جد َ الل َ‬ ‫م َّ‬ ‫صل ِّي‪ ،‬فَ َ‬ ‫جل ً ي ُ َ‬ ‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم َر ُ‬ ‫سو ُ‬
‫َ‬
‫معَ َر ُ‬ ‫س ِ‬ ‫وَ َ‬
‫ل‬‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فَقَا َ‬ ‫صل ّى ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬ ‫مدَه‪ ،‬وَ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬
‫ل تُعْط))‪.‬‬ ‫س ْ‬ ‫جب‪ ،‬وَ َ‬ ‫الل ّهِ صلى الله عليه وسلم‪ ((:‬ادْع ُ ت ُ َ‬
‫ْ َ‬ ‫وع َ َ‬
‫ل‪ :‬إ ِ َّ‬
‫ن‬ ‫ب رضي الله عنه قَا َ‬ ‫خط ّا ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫مَر ب ْ َ‬ ‫ن عُ َ‬ ‫منِي ْ َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ميْرِ ال ْ ُ‬ ‫نأ ِ‬ ‫َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حت ّى‬ ‫يءٌ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫صعَد ُ ِ‬ ‫ض ل يَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ماءِ وَالْر ِ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ف بَي ْ َ‬ ‫موْقُو ٌ‬ ‫الدُّع َاءَ َ‬
‫ك صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫ي ع َلَى نَبِي ِّ َ‬ ‫صل ِّ َ‬ ‫تُ َ‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن الد ّاَران ِ ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وَقَا َ‬
‫ه‬‫سألت الل َ‬ ‫ه تَعَالى ‪ :-‬إِذ َا َ‬ ‫ه الل ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ي – َر ِ‬ ‫ما َ‬ ‫سلي ْ َ‬ ‫ل أبُو ُ‬
‫ْ‬
‫ما‬ ‫م اُدْع ُ ب ِ َ‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ث ُ َّ‬
‫َ‬ ‫صلَةِ ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬ ‫ة فَابْدَأ بِال َّ‬ ‫ج ً‬ ‫حا َ‬ ‫َ‬
‫مهِ يَقْب َ ُ‬
‫ل‬ ‫ه بِكََر ِ‬ ‫حان َ ُ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫صلَةِ ع َلَيْه‪ ،‬فَإ ِ َّ‬ ‫م بِال َّ‬ ‫خت ِ ْ‬ ‫م اِ ْ‬ ‫شئْت‪ ،‬ث ُ َّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ما‪.‬‬ ‫ما بَيْنَهُ َ‬ ‫ن يَدَع َ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫صلَتَيْن‪ ،‬وَهُوَ أكَر ُ‬ ‫ال َّ‬
‫عنْد َ زِيَاَرةِ قَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫‪ِ -‬‬
‫ف‬ ‫سفَرٍ وَقَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما إِذ َا قَد ِ َ‬ ‫ه ع َنْهُ َ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫مَر َر ِ‬ ‫ن عُ َ‬ ‫ن ع َبْد ُ اللهِ ب ْ ُ‬ ‫كَا َ‬
‫َ‬
‫صل ّى ع َلَى‬ ‫ل اللهِ صلى الله عليه وسلم يَُزوُره ُ وَ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ع َلَى قَبْرِ َر ُ‬
‫س القَبْر‪.‬‬ ‫م ُّ‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وَل َ ي َ َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫النَّب ِ‬
‫خ السلَم ابن تيمي َة – رحمه الله ‪ :-‬ث ُ َ ْ‬
‫ي‬ ‫م يَأتِي قَبَْر النَّب ِ ِ ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ ِ َ ُ‬ ‫شي ْ ُ ِ ْ ِ ْ ِ َ ْ ِ ّ َ‬ ‫ل َ‬ ‫قَا َ‬
‫سه‪ ،‬وَل َ يُقَبِّلَه‪،‬‬ ‫م َّ‬ ‫جدَاَر القَبْر‪ ،‬وَل َ ي َ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ستَقْب ِ َ‬ ‫صلى الله عليه وسلم فَي َ ْ‬
‫سكُون‪،‬‬ ‫شوٍع وَ ُ‬ ‫خ ُ‬ ‫حيَاتِه‪ ،‬ب ِ ُ‬ ‫ف لَوْ ظَهََر في َ‬ ‫ما ي َ ِق ُ‬ ‫عدا ً ك َ َ‬ ‫متَبَا ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫وَيَقِ َ‬
‫جلَل َ َ‬ ‫ْ‬
‫م‬ ‫موْقِ ِفه‪ ،‬ث ُ َّ‬ ‫ة َ‬ ‫ه َ‬ ‫ضرا ً بِقَلْب ِ ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫صر‪ُ ،‬‬ ‫ض الب َ َ‬ ‫س الَّرأس‪ ،‬غَا َّ‬ ‫كّ َ‬ ‫من َ ِ‬ ‫ُ‬
‫م‬ ‫سل َ ُ‬ ‫ة اللهِ وَبََركاتُه‪ ،‬ال َّ‬ ‫َ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ل اللهِ وََر ْ‬ ‫سو َ‬ ‫ك يَا َر ُ‬ ‫م ع َلي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫سل َ ُ‬ ‫يَقُول‪ :‬ال َّ‬
‫سيِّدَ‬ ‫ك يَا َ‬ ‫م ع َلَي ْ َ‬ ‫سل َ ُ‬ ‫خلْقِه‪ ،‬ال َّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫خيَْرتِهِ ِ‬ ‫ي اللهِ وَ ِ‬ ‫ك يَا نَب ِ َّ‬ ‫ع َلَي ْ َ‬
‫شهد أ َن ل َ إل َه إلَّ‬ ‫َ‬
‫ِ َ ِ‬ ‫جلِين‪ ،‬أ ْ َ ُ ْ‬
‫َ‬
‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ن وَقَائِد َ الغُّرِ ال ْ ُ‬ ‫م النَّبِيي ّ َ‬ ‫خات َ َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫سلِي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫سال َ ِ‬ ‫ت رِ َ‬ ‫ك قَد ْ بَل ّغْ َ‬ ‫شهَد ُ أن َّ َ‬ ‫ل الله‪ ،‬أ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫مدا ً َر ُ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫شهَد ُ أ َّ‬ ‫ه وَأ ْ‬ ‫الل ُ‬
‫عظَةِ‬ ‫ُ‬
‫مو ِ‬ ‫مةِ وَال ْ َ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ك بِال ْ ِ‬ ‫ل َرب ِّ َ‬ ‫سبِي ْ ِ‬ ‫ت إِلَى َ‬ ‫متِك‪ ،‬وَدَع َوْ َ‬ ‫ت ل َّ‬ ‫صح َ‬ ‫َربِّك‪ ،‬وَن َ َ‬
‫َ‬ ‫حتَّى أتَا َ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫ل َ‬ ‫ض َ‬ ‫ه أفْ َ‬ ‫ك الل ُ‬ ‫جَزا َ‬ ‫قين‪ ،‬فَ َ‬ ‫ك الي َ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ت الل َ‬ ‫سنَة‪ ،‬وَع َبَد َ‬ ‫ح َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه‬ ‫ة وَاب َْعَث ْ ُ‬ ‫ضيْل َ َ‬ ‫ة وَالفَ ِ‬ ‫سيْل َ َ‬ ‫م آتِهِ الوَ ِ‬ ‫متِه‪ .‬الل ّهُ َّ‬ ‫ن أ َّ‬ ‫سول ً ع َ ْ‬ ‫جَزى نَبِيَّا ً وََر ُ‬ ‫َ‬
‫خُرون‪ .‬الل ّهُ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ن وَال ِ‬ ‫ه بِهِ الوَّلُو َ‬ ‫ه يَغْبِط ُ ُ‬ ‫مودا ً ال ّذِي وَع َدت َ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫م ْ‬ ‫مقَاما ً َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫م وَع َلَى‬ ‫ت ع َلَى إِبَْراهِي ْ َ‬ ‫صل ّي ْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫م َد ٍ ك َ َ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫مد ٍ وَع َلَى آ ِ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ع َلَى ُ‬ ‫ص ِّ‬ ‫َ‬
‫ل‬
‫مد ٍ وَع َلى آ ِ‬ ‫َ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ك ع َلى ُ‬ ‫َ‬ ‫م بَارِ ْ‬ ‫جيْد‪ ،‬اللهُ َّ‬‫ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ميد ٌ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ك َ‬ ‫َ‬
‫ل إِبَْراهِيْم‪ ،‬إِن ّ َ‬ ‫آ ِ‬
‫ميدٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ل إِبَْراهِيْم‪ ،‬إِن َّ َ‬ ‫م وَع َلَى آ ِ‬ ‫ت ع َلَى إِبَْراهِي ْ َ‬ ‫ما بَاَرك ْ َ‬ ‫مد ٍ ك َ َ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫سن ّتِه‪ ،‬وَأوْرِدنَا‬ ‫مَرتِه‪ ،‬وَتَوَفّنَا ع َلى ُ‬ ‫شرنَا فِي ُز ْ‬ ‫م اح ُ‬ ‫جيْد‪ ،‬اللهُ ّ‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬
‫مأ بَعدَه ُ أبَدا‪ً.‬‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫شَربا ً َروِّيا ً ل َ نَظ َْ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫سهِ َ‬ ‫سقِنَا بِكأ ِ‬ ‫ضه‪ ،‬وَا ْ‬ ‫حو َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ك يَا‬ ‫م ع َلي ْ َ‬ ‫سل َ ُ‬ ‫ما‪ ،‬فَيَقُول‪ :‬ال َّ‬ ‫ه ع َنْهُ َ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫مَر َر ِ‬ ‫م يَأتِي أبَا بَكْرٍ وَع ُ َ‬ ‫ث ُ َّ‬
‫َ‬
‫ما يَا‬ ‫م ع َلَيْك ُ َ‬ ‫سل َ ُ‬ ‫مَر الفَاُروق‪ ،‬ال َّ‬ ‫ك يَا ع ُ َ‬ ‫م ع َلَي ْ َ‬ ‫سل َ ُ‬ ‫دّيق‪ ،‬ال َّ‬ ‫ص ِ‬ ‫أبَا بَكْرٍ ال ِّ‬
‫ة اللهِ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫جيْعَيْهِ وََر ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫ل اللهِ صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وَ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫حبَي َر ُ‬ ‫صا ِ‬ ‫َ‬
‫م‬‫سل َ ٌ‬ ‫خيْرا‪َ ،‬‬ ‫ً‬ ‫سلَم ِ َ‬ ‫ن ال ِ ْ‬ ‫ما وَع َ ْ‬ ‫صحبَةِ نَبِيِّك ُ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ه عَ ْ‬ ‫ما الل ُ‬ ‫جَزاك ُ َ‬ ‫وَبََركَاتُه‪َ ،‬‬
‫م عُقْبَى الدَّار‪.‬‬ ‫م فَنِعْ َ‬ ‫صبَْرت ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ع َلَيْك ُ ْ‬
‫‪ -‬بَعْد َ التَّلْبِيَة‪:‬‬
‫ه‬
‫ه الل ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مد ٍ – َر ِ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م بْ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ل القَا ِ‬ ‫ن تَوَابِِع الدُّع َاء‪ ،‬قَا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫ن التَّلْبِي َ َ‬ ‫ل َ َّ‬
‫صل ِّي ع َلَى‬ ‫َ‬
‫ن يُ َ‬ ‫ن تَلْبِيَتِهِ– أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل – إِذ َا فََرغ َ ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ب لِلَّْر ُ‬ ‫ح ُّ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫تَعَالَى ‪ :-‬كَا َ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫َّ‬ ‫النَّب ِ ِ ّ‬
‫‪ -‬في الطوَاف‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫جَر؛ قَا َ‬ ‫ح َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ستَل ِ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ما إِذ َا أَراد َ أ ْ‬ ‫ه ع َنْهُ َ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫مَر َر ِ‬ ‫ن عُ َ‬ ‫ن اب ْ ُ‬ ‫كَا َ‬
‫ك‬‫سنَّةِ نَبِي ِّ َ‬ ‫ك‪ ،‬وَاتِّبَاعا ً ل ِ ُ‬ ‫ك‪ ،‬وَوَفَاءً بِعَهْد ِ َ‬ ‫صدِيْقا ً بِكِتَاب ِ َ‬ ‫ك‪ ،‬وَت َ ْ‬ ‫مانا ً ب ِ َ‬ ‫م إِي ْ َ‬ ‫اللَّهُ َّ‬
‫مد ٍ صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫مْروَة‪:‬‬ ‫ْ‬
‫صفَا وَال َ‬ ‫َ‬ ‫‪ -‬ع َلى ال ّ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫قَا َ َ‬
‫م‬‫صفَا‪ ،‬فَيَقُو َ‬ ‫مُر رضي الله عنه‪ :‬يَبْدَأ بِال َّ‬ ‫ن عُ َ‬ ‫منِي ْ َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ميُْر ال ْ ُ‬ ‫لأ ِ‬
‫د‬
‫م ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ل تَكْبِيَْرتَي ْ ِ‬ ‫ن ك ُ ِّ‬ ‫سبْعَ تَكْبِيَْرات‪ ،‬بَي ْ َ‬ ‫ت فَيُكَبِّر َ‬ ‫ل البَي ْ ِ‬ ‫ستَقْب ِ َ‬ ‫ع َلَي ْ َها‪ ،‬وَي َ ْ‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫صلَة ٌ ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬ ‫اللهِ عز وجل َ وَثَنَاءٌ ع َلَيْه‪ ،‬وَ َ‬
‫ل ذَلِك‪.‬‬ ‫مث ْ ُ‬ ‫مْروَةِ ِ‬ ‫سه‪ ،‬وَع َلَى ال ْ َ‬ ‫ة لِنَفْ ِ‬ ‫سأل َ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫وسلم‪َ ،‬و َ‬
‫* فوائد الصلة والسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫ل اللهِ صلى الله عليه وسلم فَوَائِدُ‬ ‫سو ِ‬ ‫سلَم ِ ع َلَى َر ُ‬ ‫صلَةِ وَال َّ‬ ‫لِل ْ َّ‬
‫َ َّ‬
‫ض أدِلتِهَا‪:‬‬ ‫ت بَعْ ُ‬ ‫مَّر ْ‬ ‫منْهَا‪ ،‬وَقَد ْ َ‬ ‫ة؛ فَ ِ‬ ‫م ٌ‬ ‫عَظِي ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سولِهِ صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫مرِ َر ُ‬ ‫مرِ اللهِ ت َ َعالَى وَأ ْ‬ ‫لأ ْ‬ ‫متِثَا ُ‬ ‫‪-‬ا ْ‬
‫صل ِّي‪:‬‬ ‫م َ‬ ‫ملَئِكَتِهِ ع َلَى ال ْ ُ‬ ‫م اللهِ وَ َ‬ ‫سل َ ُ‬ ‫صلَة ُ وَ َ‬ ‫‪َ -‬‬
‫ل اللهِ صلى الله‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫سعْد ٍ رضي الله عنه‪ :‬قَا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ل بْ ِ‬ ‫سهْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫عَ ْ‬
‫َّ‬ ‫ل آنِفاً‪ ،‬فَقَا َ‬ ‫َ‬
‫صلى‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مد! ِ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ل‪ :‬يَا ُ‬ ‫جبْرِي ْ ُ‬ ‫ه أتَانِي ِ‬ ‫عليه وسلم‪ ((:‬إِن َّ ُ‬
‫سيِئَات‪،‬‬ ‫شَر َ‬ ‫ه عَ ْ‬ ‫حا ع َن ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫سنَات‪ ،‬وَ َ‬ ‫ح َ‬
‫َ‬
‫شَر َ‬ ‫ه عَ ْ‬ ‫ه لَ ُ‬ ‫ب الل ُ‬ ‫مَّرة ً كَت َ َ‬ ‫ك َ‬ ‫ع َلَي ْ َ‬
‫مَّرات))‪.‬‬ ‫شَر َ‬ ‫ة عَ ْ‬ ‫ملَئِك َ ُ‬ ‫ت ع َلَيْهِ ال ْ‬ ‫صل ّ ْ‬ ‫جات‪ ،‬وَ َ‬ ‫شَر دََر َ‬ ‫ه بِهَا ع َ ْ‬ ‫وََرفَعَ ل َ ُ‬
‫َ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫وع َ َ‬
‫سول اللهِ صلى الله عليه‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ة رضي الله عنه‪ :‬أ َّ‬ ‫ح َ‬ ‫ن أبِي طَل ْ َ‬ ‫َ ْ‬
‫شَر‬ ‫ْ‬
‫جهه‪ ،‬فقُلنَا‪ :‬إِن ّا لنََرى الب ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ت يَوْم ٍ وَالب ِ ْ‬
‫شُر يَُرى فِي وَ ْ ِ‬ ‫َ‬
‫جاءَ ذ َا َ‬ ‫وسلم َ‬
‫ك‬‫ن رب َّ َ‬ ‫مد‪ ،‬إ َّ‬ ‫ح َ‬ ‫ل‪ :‬يَا م َ‬ ‫ك‪ ،‬فَقَا َ‬ ‫مل َ ٌ‬ ‫ه أتَانِي َ‬ ‫ل‪ ((:‬إِن َّ ُ‬ ‫جهك‪ ،‬فَقَا َ‬ ‫فِي وَ ْ َ ِ‬
‫ُ ُ َ ّ َ ِ َ َّ َّ‬ ‫َ‬ ‫ي ع َلَي ْ َ‬ ‫صل ِّ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫صلي ْ ُ‬ ‫مت ِك ‪ -‬إِل َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫حد ٌ ‪ِ -‬‬ ‫كأ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن ل َ يُ َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ضي َ‬ ‫ما يُْر ِ‬ ‫ل‪ :‬أ َ‬ ‫يَقُو ُ‬
‫ت ع َلَيْهِ ع َ ْ‬ ‫َ‬
‫شًرا))‪.‬‬ ‫م ُ‬ ‫سل ّ ْ‬ ‫ك إِل ّ َ‬ ‫م ع َلَي ْ َ‬ ‫سل ِّ ُ‬ ‫شًرا‪ ،‬وَل َ ي ُ َ‬ ‫ع َلَيْهِ ع َ ْ‬
‫ل اللهِ صلى الله عليه‬ ‫سو َ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل أَبُو هَُريَْرة َ رضي الله عنه‪ :‬قَا َ‬ ‫وَقَا َ‬
‫ه ع َلَيْهِ ع َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شًرا))‪.‬‬ ‫صل ّى الل ُ‬ ‫حدَة ً َ‬ ‫ي وَا ِ‬ ‫صل ّى ع َل َ َّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫وسلم‪َ ((:‬‬
‫ه‬
‫سول ِ ِ‬ ‫ن بَِر ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ن بِه‪ ،‬وَالِي ْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫الِي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ه تَعَالَى‪ ،‬و‬ ‫ة ذِكَْر الل ِ‬ ‫من َ ٌ‬ ‫ض ِّ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ُ‬ ‫‪ -‬أَن َّ َها‬
‫َ‬ ‫ة اليمان كُلَّه‪ ،‬لِذ َا كَانت م َ‬
‫مال‪.‬‬ ‫ل الع ْ َ‬ ‫ض ِ‬ ‫ن أف ْ َ‬ ‫َ ْ ِ ْ‬ ‫من َ ٌ ِ ْ َ َ‬ ‫ض ِّ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ي ُ‬ ‫سالَتِه‪ ،‬فَهِ َ‬ ‫وَرِ َ‬
‫حيَاةِ قَلْبِه‪.‬‬ ‫َ‬
‫صل ِّي وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ب لِهِدَايَةِ ال ْ ُ‬ ‫سب َ ٌ‬ ‫‪ -‬أنَّهَا َ‬
‫ل اللهِ صلى الله عليه وسلم لِلْعَبْد‪.‬‬ ‫َ‬
‫سو ِ‬ ‫حبَّةِ َر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ب لِزِيَادَةِ َ‬ ‫سب َ ٌ‬ ‫‪ -‬أن َّ َها َ‬
‫َ‬
‫ل اللهِ صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫سو ِ‬ ‫حبَّةِ العَبْد ِ لَِر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ب لِزِيَادَةِ َ‬ ‫سب َ ٌ‬ ‫‪ -‬أن َّ َها َ‬
‫َ‬
‫مة‪.‬‬ ‫م القِيَا َ‬ ‫ن َربِّهِ يَو َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب العَبْد ِ ِ‬ ‫ب قُر ِ‬ ‫سب َ ُ‬ ‫‪ -‬أنَّهَا َ‬
‫َ‬
‫سولِهِ صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ب العَبْد ِ ِ‬ ‫ب قُر ِ‬ ‫سب َ ُ‬ ‫‪ -‬أن َّ َها َ‬
‫حقِّهِ صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫يءٍ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫‪ -‬أَن َّ َها أَدَاءٌ ل ِ َ‬
‫ل اللهِ صلى الله عليه وسلم ع َلَى‬ ‫سو َ‬ ‫ل إِيْثَارِ العَبْد ِ َر ُ‬ ‫‪ -‬أَنَّهَا دَلِي ْ ُ‬
‫م ع َلَيْهِ صلى الله عليه وسلم ع َلَى‬ ‫سل َ َ‬ ‫صلَة َ وَال َّ‬ ‫م ال َّ‬ ‫ن قَد َّ َ‬ ‫حي ْ َ‬ ‫سهِ ِ‬ ‫ن َ ْف ِ‬
‫مه‪،‬‬ ‫مو َ‬ ‫ن ذُنُوبِه‪ ،‬وَكِفَايَتِهِ هُ ُ‬ ‫ه تَعَالَى بِغُفَْرا ِ‬ ‫ه الل ُ‬ ‫جات ِه‪ ،‬فَيُكَافِئ ُ ُ‬ ‫حا َ‬ ‫ب َ‬ ‫طَل َ ِ‬
‫مل‪.‬‬ ‫س العَ َ‬ ‫جن ْ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫جَزاءُ ِ‬ ‫وَال ْ َ‬
‫مغْفَِرةِ الذُّنُوب‪.‬‬ ‫َ‬
‫ب َ‬ ‫سب َ ُ‬ ‫‪ -‬أن َّ َها َ‬
‫مه‪.‬‬ ‫ما أَهَ َّ‬ ‫ب كَفَايَةِ اللهِ ع َبْدَه ُ َ‬ ‫سب َ ُ‬ ‫‪ -‬أن َّ َها َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫جابَةِ الدُّع َاء‪.‬‬ ‫ب إِ َ‬ ‫سب َ ُ‬ ‫‪ -‬أنَّهَا َ‬
‫َ‬
‫شفَاع َتِهِ صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫ل َ‬ ‫ب نَي ْ ِ‬ ‫سب َ ُ‬ ‫‪ -‬أن َّ َها َ‬
‫صل ِّي‪.‬‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫‪ -‬أن َّ َها َزكَاة ٌ وَطَهَاَرة ٌ لِل ْ ُ‬
‫َ‬
‫جالِس‪.‬‬ ‫م َ‬ ‫ب لِل ْ َ‬ ‫‪ -‬أن َّ َها تَطْيِي ّ ٌ‬
‫َ‬
‫خل‪.‬‬ ‫ة الب ُ ْ‬ ‫صفَ َ‬ ‫ن العَبْد ِ ِ‬ ‫‪ -‬أن َّ َها تَنْفِي ع َ ْ‬
‫َ‬
‫جفَاء‪.‬‬ ‫ة ال ْ َ‬ ‫صفَ َ‬ ‫ن العَبْد ِ ِ‬ ‫‪ -‬أن َّ َها تَنْفِي ع َ ْ‬
‫ة ع َلَى‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ً‬ ‫سَرة ً َونَدَا َ‬ ‫ح ْ‬ ‫س َ‬ ‫جال ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ن ل َ تَكُو َ‬ ‫ب في أ ْ‬ ‫سب َ ٌ‬ ‫‪ -‬أن َّ َها َ‬
‫مة‪.‬‬ ‫َ‬
‫م القِيَا َ‬ ‫حابِهَا يَو َ‬ ‫ص َ‬ ‫أ ْ‬
‫حبها من أ َن تكُون مجال ِس َ‬ ‫َ‬
‫جيْفَة‪.‬‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ه أنْت َ َ‬ ‫َ َ َ ُ ُ‬ ‫صا ِ َ َ ِ ْ ْ َ‬ ‫جي َ‬ ‫‪ -‬أن َّ َها تُن ْ ِ‬
‫حبها م َ‬ ‫َ‬
‫ل عليه السلم‬ ‫جبْرِي ْ َ‬ ‫حقَّقَ ع َلَيْهِ دَع ْوَة ُ ِ‬ ‫ن تَت َ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫صا ِ ِ َ ِ ْ‬ ‫جاة ٌ ل ِ َ‬ ‫‪ -‬أن َّ َها ن َ َ‬
‫ل‪.‬‬ ‫ن يُذ َ ّ‬ ‫َ‬ ‫ح َّ‬
‫مد ٍ صلى الله عليه وسلم في أ ْ‬ ‫م َ‬ ‫وَ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل عليه السلم‬ ‫جبْرِي ْ َ‬ ‫حقَّقَ ع َلَيْهِ دَع ْوَة ُ ِ‬ ‫ن تَت َ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫حبِهَا ِ‬ ‫صا ِ‬ ‫جاة ٌ ل ِ َ‬ ‫‪ -‬أن َّ َها ن َ َ‬
‫ن يُبْعِدَه ُ الله‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ح َّ‬
‫مد ٍ صلى الله عليه وسلم في أ ْ‬ ‫م َ‬ ‫وَ ُ‬
‫جنَّة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ئ طَرِيْقَ ال ْ َ‬ ‫خط ِ َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫جاة ٌ ل َ ُ‬ ‫‪ -‬أن َّ َها ن َ َ‬
‫َ‬
‫ل اللهِ‬ ‫سو ِ‬ ‫سل ِّم ِ لَِر ُ‬ ‫م َ‬ ‫صل ِّي وَال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ملَئِكَةِ ا ْ‬ ‫ب لِتَبْلِيِْغ ال ْ َ‬ ‫سب َ ٌ‬ ‫‪ -‬أن َّ َها َ‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ة اللهِ ت َ َعالَى‪.‬‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫ح َ‬ ‫صل ِّي َر ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ب لِنَي ْ ِ‬ ‫سب َ ٌ‬ ‫‪ -‬أن َّ َها َ‬
‫م ع َلَى‬ ‫َ‬
‫سل َ َ‬ ‫صلَة َ وَال َّ‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم ال َّ‬ ‫ب لَِردِّ النَّب ِ ِ ّ‬ ‫سب َ ٌ‬ ‫‪ -‬أن َّ َها َ‬
‫م ع َلَيْه‪.‬‬ ‫سل ِّ ُ‬ ‫صل ِّي وَي ُ َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مل الع ْلى‪.‬‬ ‫ن العَبْد ِ في ال َ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ح َ‬ ‫شرِ الث ّنَاءِ ال َ‬ ‫ب لِن َ ْ‬ ‫سب َ ٌ‬ ‫‪ -‬أن ّ َها َ‬
‫َ‬
‫حه‪.‬‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫مرِه‪َ ،‬و َ‬ ‫ملِه‪ ،‬وَع ُ ُ‬ ‫صل ِّي‪ ،‬وَع َ َ‬ ‫م َ‬ ‫ت ال ْ ُ‬ ‫ب لِلْبََركَةِ في ذ َا ِ‬ ‫سب َ ٌ‬ ‫‪ -‬أن َّ َها َ‬
‫جوَازِ ع َلَيْه‪ .‬قَا َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫صَراط وَال ْ َ‬ ‫ت قَدَم ِ العَبْد ِ ع َلَى ال ِّ‬ ‫ب لِتَثْبِي ْ ِ‬ ‫سب َ ٌ‬ ‫‪ -‬أن َّ َها َ‬
‫ف‬
‫ح ُ‬ ‫متِي يَْز َ‬ ‫ن أ ُ َّ‬ ‫م ْ‬ ‫جل ً ِ‬ ‫ت َر ُ‬
‫َ‬
‫ل اللهِ صلى الله عليه وسلم‪َ ((:‬رأي ْ ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫َر ُ‬
‫ه ع َل َ َّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ي‬ ‫صلَت ُ ُ‬
‫ه َ‬ ‫جاءَت ْ ُ‬‫حيَاناً‪ ،‬فَ َ‬
‫حيَانا ً َويَتَعَل ّقُ أ ْ‬
‫حبُو أ ْ‬‫ط وَي َ ْ‬
‫صَرا ِ‬ ‫ع َلَى ال ِّ‬
‫ميْه‪ ،‬وَأَنْقَذ َتْه))‪.‬‬ ‫ه ع َلَى قَد َ ِ‬ ‫ُ‬ ‫مت ْ‬
‫َ‬ ‫فَأَقَا‬
‫وصلَّى الله وسل َّم ع َلَى سيد ولَد آد َ‬
‫مد ٍ وَع َلَى آلِهِ‬ ‫ح َّ‬
‫م َ‬ ‫ن‪ُ ،‬‬ ‫معِي َ‬‫ج َ‬‫مأ ْ‬ ‫َ ِّ ِ َ ِ َ َ‬ ‫ُ َ َ َ‬ ‫َ َ‬
‫مين‪.‬‬ ‫َ‬
‫حبِهِ وَالت ّابِعِين‪ .‬آ ِ‬ ‫ص ْ‬ ‫وَ َ‬
‫‪ .16‬دلئل محبـة الرسـول صلى الله عليه وسلم‬
‫دلئل محبـة الرسـول صلى الله عليه وسلم‬
‫بين السنة والبدعة‬
‫أحمد بن عبد الرحمن الصويان‬

‫إن محبة الرسول ‪-‬صلى الله علـيـه وسلم‪ -‬أصل عظيم من‬
‫أصول الدين‪ ،‬فل إيمان لمن لم يكن الرسول‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين‪.‬‬
‫* قال الله تعالى‪(( :‬قل إن كان آباؤكم وأبـنـاؤكـم وإخــوانكم‬
‫وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها‬
‫ومساكن ترضونها أحـب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله‬
‫فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله ل يهدي القوم الفاسقين))[‬
‫التوبة‪.]24:‬‬
‫قال القاضي عياض في شرح الية‪( :‬فكفى بهذا حضا ً وتـنـبـيـهــاً‬
‫ودللة وحجة على إلزام محبته‪ ،‬ووجوب فرضها‪ ،‬وعظم خطرها‪،‬‬
‫واستحقاقه لها ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬إذ قّرع الله من كان ماله‬
‫وأهله وولده أحـب إليه من الله ورسـوله وتوعدهم بقوله تعالى‪:‬‬
‫((فتربصوا حتى يأتي الله بأمره))‪ ،‬ثم فسقهم بتمام الية‪،‬‬
‫وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده الله) (‪.)1‬‬
‫* وقال الله تعالى‪(( :‬النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم))[‬
‫الحزاب‪.]6 :‬‬
‫* وقال النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪" :-‬ل يؤمن أحدكم حتى‬
‫أكــون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين"‪.)2(.‬‬
‫* وقال أيضاً‪" :‬والذي نفسي بيده ل يؤمن أحدكم حتى أكون أحب‬
‫إلـيـه من والده وولده"‪.)3( .‬‬
‫* وعــن عبد الله بن هشام قال‪ :‬كنا مع النبي ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب‪ ،‬فقال له عمر‪ :‬يا رسول‬
‫ي من كل شيء إل من نفسي‪ ،‬فقال النبي‬ ‫الله لنت أحب إل ّ‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪" :-‬ل والـــذي نفسي بيده حتى أكون أحب‬
‫ي‬
‫إليك من نفسك"‪ ،‬فقال له عمر‪ :‬فإنه الن والله لنت أحب إل ّ‬
‫من نفسي فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬الن يا عمر"‪.)4(.‬‬
‫آثـار محـبته ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪:-‬‬
‫المحبة عمل قـلـبـي اعتقادي تظهر آثاره ودلئله في سلوك‬
‫النسان وأفعاله ومن علمات ذلك‪:‬‬
‫أولً‪ /‬تعزير النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وتوقيره‪:‬‬
‫قال الله تعالى‪(( :‬إنا أرسلناك شاهدا ْ ومبشرا ْ ونذيرا ْ لتؤمنوا بالله‬
‫ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلْ))[ الفتح‪.]9:‬‬
‫ذكر ابن تيمية أن التعزير‪( :‬اسم جامع لنصره وتأييده ومنعه من‬
‫كل ما يؤذيه)‪ .‬والتوقير‪( :‬اسم جامع لكل ما فـيـه سكينة‬
‫وطمأنينة من الجلل والكرام‪ ،‬وأن يعامل من التشريف‬
‫والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار)‪.‬‬
‫(‪.)5‬‬
‫وتوقير النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬له دلئل عديدة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ - 1‬عدم رفع الصوت فوق صوته‪:‬‬
‫قال الله تعالى‪(( :‬يا أيها الذين آمنوا ل ترفعوا أصواتكم فوق‬
‫صوت النبي ول تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط‬
‫أعمالكم وأنتم ل تشعرون))[ الحجرات‪.]2 :‬‬
‫وعن السائب بن يزيد قــال‪ :‬كـنــت قائما ً في المسجد فحصبني‬
‫رجل فنظرت فإذا عمر بن الخطاب‪ ،‬فقال‪ :‬اذهب فأتني بهذين‪،‬‬
‫فجئته بهما‪ ،‬قال‪ :‬من أنتما أو من أين أنتما؟ قال‪ :‬من أهل‬
‫الطائف‪ ،‬قال‪ :‬لو كنتما مــن أهــل البلد لوجعتكما‪ ،‬ترفعان‬
‫أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.)6( .‬‬
‫‪- 2‬الصلة عليه‪:‬‬
‫قال الله تعالى‪(( :‬إن الله وملئكته يصلون على النبي يا أيها‬
‫الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماْ))[ الحزاب‪.]57 :‬‬
‫قال ابن عباس‪ :‬يصلون‪ :‬يُبّركون (‪.)7‬‬
‫وفـي الية أمر بالصلة عليه‪ ،‬والمر يقتضي الوجوب‪ ،‬لهذا قال‬
‫ت عنده فلم يصل‬ ‫النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪" :-‬البخيل من ذكر ُ‬
‫ي" (‪.)8‬‬
‫عل ّ‬
‫ي " (‪.)9‬‬‫وقال‪" :‬رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل عل ّ‬
‫ثانياً‪ /‬الـذ ب عنه وعن سنته‪:‬‬
‫إن الـذب عــن رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬ونصرته‪ ،‬آية‬
‫عظيمة من آيات المحبة والجلل‪ ،‬قال الله تعالى‪(( :‬للفقراء‬
‫المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضل ْ من‬
‫الله ورضوانا ْ وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون))[‬
‫الحشر‪.]8 :‬‬
‫ولقد سطر الصـحـابة رضي الله عنهم أروع المثلة وأصدق‬
‫العمال في الذب عن رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪،-‬‬
‫وفـدائـه بالموال والولد والنفس‪ ،‬في المنشط والمكره‪ ،‬في‬
‫العسر واليسر‪ ،‬وكتب السير عامرة بقصصهم وأخبارهم التي تدل‬
‫على غاية المحبة واليثار‪ ،‬وما أجمل ما قاله أنس بن النضر يـوم‬
‫أحـد لما انكشف المسلمون‪( :‬اللهم إني أعتذر إليك مما صنع‬
‫هؤلء يعني أصحابه وأبرأ إليك مما صـنــع هؤلء يعني المشركين‪،‬‬
‫ثم تقدم فاستقبله سعد‪ ،‬فقال‪ :‬يا سعد بن معاذ‪ ،‬الجنة ورب‬
‫النـضـر‪ ،‬إني أجد ريحها من دون أحد‪ ،‬قال سعد‪ :‬فما استطعت يا‬
‫رسول الله ما صنع‪ ،‬قال أنس بن مالك‪ :‬فوجدنا به بضعا ً وثمانين‬
‫ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم‪ ،‬ووجدناه قد قتل‪،‬‬
‫وقد مثل به المشركون‪ ،‬فما عرفه أحد إل أخته ببنانه) (‪.)10‬‬
‫ومــن الذب عن سنته ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪:-‬‬
‫حفظها وتنقيحها‪ ،‬وحمايتها من انتحال الـمـبطلين وتحريف‬
‫الغالين وتأويل الجاهلين‪ ،‬ورد شبهات الزنادقة والطاعنين في‬
‫سنته‪ ،‬وبيان أكاذيبهم ودسائسهم‪ ،‬وقد دعا رسول الله ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬بالنضارة لمن حمل هــذا اللــواء بقوله‪" :‬نضر الله‬
‫مبلّغ أوعى من‬ ‫امرءا ً سمع منا شيئا ً فبلغه كما سمعه‪ ،‬فرب ُ‬
‫سامع " (‪.)11‬‬
‫والتهاون في الذب عن رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أو‬
‫الذب عن سنته وشريعته‪ ،‬من الـخـــذلن الذي يدل على ضعف‬
‫اليمان‪ ،‬أو زواله بالكلية‪ ،‬فمن ادعى الحب ولم تظهر عليه آثار‬
‫الغيرة على حرمته وعرضه وسنته‪ ،‬فهو كاذب في دعواه‪.‬‬
‫ثالثاً‪ /‬تصديقه فيما أخبر‪:‬‬
‫من أصول اليمان وركائزه الرئيسة‪ ،‬اليمان بعصمة النبي ‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬وسلمته من الـكــذب أو البهتان‪ ،‬وتصديقه في‬
‫كل ما أخبر من أمر الماضي أو الحاضر أو المستقبل‪ ،‬قال الله‬
‫تعالـى‪(( :‬والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق‬
‫عن الهوى إن هو إل وحي يوحى))[ النجم‪.]14 :‬‬
‫والجفاء كل الجـفـــاء‪ ،‬بـل الكـفـــر كل الكفر اتهامه وتكذيبه‬
‫فيما أخبر‪ ،‬ولهذا ذم الله المشركين بقوله‪(( :‬وما كان هذا القرآن‬
‫أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل‬
‫الكتاب ل ريب فيه من رب العالـمـيــن‪ ،‬أم يقـولون افتراه قل‬
‫فأتوا بسـورة مثله وادعوا من اسـتطعتم من دون الله إن كنتم‬
‫صـادقـيـــن بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله‬
‫كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة‬
‫الظالمين))[يونس‪.]39-37 :‬‬
‫ومن لطائف هذا الباب التي تدل على منزلة الشيخين الجليلة‪ ،‬أن‬
‫رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬قال لصحابه‪" :‬بينما راع في‬
‫غنمه عدا عليه الذئب فأخذ منها شاة فطلبها حتى استنقذها‪،‬‬
‫فالتفت إليه الذئب‪ ،‬فقال له‪ :‬من لها يوم السبع ليس لها راع‬
‫غيري؟ وبينما رجل يسوق بقرة قد حمل عليها‪ ،‬فالتفتت إليه‬
‫فكلمته فقالت‪ :‬إني لم أخلق لهذا‪ ،‬ولكني خلقت للحرث‪ ،‬فقال‬
‫الناس‪ :‬سبحان الله! قال النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪" :-‬فإني‬
‫أومن بذلك وأبو بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما"‪.)12( .‬‬
‫رابعا ً اتباعه وطاعته والهتداء بهديه‪:‬‬
‫الصل في أفعال النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وأقواله أنهــــا‬
‫للتباع والتأسي‪ ،‬قال الله تعالى‪(( :‬لقد كان لكم في رسول الله‬
‫أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الخر وذكر الله كثيراْ))[‬
‫الحزاب‪.]21 :‬‬
‫قــال ابن كثير‪( :‬هذه الية أصل كبير في التأسي برسول الله‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬فـي أقـــواله وأفعاله وأحواله‪ ،‬ولهذا أمر‬
‫الله تبارك وتعالى الناس بالتأسي بالنبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫يوم الحزاب في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره‬
‫الفرج من ربه عز وجل) (‪.)13‬‬
‫وجاء أمر الله سبحانه وتعالى في وجوب طاعة الرسول ‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬في آيات كثيرة‪ ،‬منها قوله تعالى‪(( :‬وما آتاكم‬
‫الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)) [ الحشر‪.]7 :‬‬
‫وجعل الله عز وجل طاعة الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬من‬
‫طاعته سبحانه‪ ،‬فقال‪(( :‬من يطع الرسول فقد أطاع الله))[‬
‫النساء‪.]80 :‬‬
‫وأمر بالرد عند التنازع إلى الله والرسول‪ ،‬فقال‪(( :‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي المر منكم فإن‬
‫تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون‬
‫بالله واليوم الخر ذلك خير وأحسن تأويل)) [ النساء‪.]59 :‬‬
‫وتواتــرت الـنـصـوص النبوية في الحث على اتباعه وطاعته‪،‬‬
‫والهتداء بهديه والستنان بسنته‪ ،‬وتعظيم أمـــــره ونهيه‪ ،‬ومن‬
‫ذلك قول الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ " :-‬فعليكم بسنتي‬
‫وسنة الخلفاء الراشـديــن الـمهديين‪ ،‬تمسكوا بها وعضوا عليها‬
‫بالنواجذ وإياكم ومحدثات المور‪ ،‬فإن كل محدثة بدعة‪ ،‬وكل‬
‫بدعة ضللة "‪.)14( .‬‬
‫وقال ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪" :-‬صلوا كما رأيتموني أصلي" (‪.)15‬‬
‫وقال‪" :‬لتأخذوا عني مناسككم" (‪.)16‬‬
‫فطاعة الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬هي الـمـثـال الحي‬
‫الصادق لمحبته عليه الصلة والسلم فكلما ازداد الحب‪ ،‬زادت‬
‫الطاعات‪ ،‬ولـهــذا قال الله عز وجل‪(( :‬قل إن كنتم تحبون الله‬
‫فاتبعوني يحببكم الله))[ ال عمران‪.]31 :‬‬
‫فالطاعة ثمرة المحبة‪ ،‬وفي هذا يقول أحد الشعراء‪:‬‬

‫تعصى الله وأنت تزعم حبه *** ذاك لعمـري في القياس بديع‬
‫لو كان حـبك صادقا ً لطعته *** إن المحـب لمن أحـب مطيع‬

‫خامسا ً ‪/‬التحاكم إلى سنته وشريعته‪:‬‬


‫إن التحاكم إلى سنة النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أصـــل من‬
‫أصول المحبة والتباع‪ ،‬فل إيمان لمن لم يحتكم إلى شريعته‪،‬‬
‫ويسلم تسليماً‪ ،‬قال الله تعالى‪(( :‬فل وربك ل يؤمنون حتى‬
‫يحكموك فـيـمــا شـجـــر بـيـنـهـم ثــم ل يجــــدوا في أنفسهم‬
‫حرجا ْ مما قضيت ويسلموا تسليماْ))[النساء‪.]65 :‬‬
‫وقد بين الله سبحانه وتعالى أن من علمات الزيغ والنـفــاق‬
‫العـــراض عن سنته‪ ،‬وترك التحاكم إليها‪ ،‬قال الله تعالى‪(( :‬ألم‬
‫تر إلى الذين يزعمون أنهم آمـنــوا بما أنزل إليك وما أنزل من‬
‫قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به‬
‫ويريد الشيطان أن يضلهم ضلل ْ بعيداْ‪ ،‬وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما‬
‫أنزل الله وإلى الرســــــول رأيت المنافقين يصدون عنك‬
‫صدوداْ)) [ النساء‪.]60،61 :‬‬
‫الغلو في محبة الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪:-‬‬
‫انـحــــرف بعض الناس عن هدي النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫وأحدثوا في دين الله عز وجل ما ليس منه‪ ،‬وغيروا وبدلوا‪ ،‬وغلوا‬
‫في محبتهم للرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬غلوا ً أخرجـهــــم‬
‫عن جادة الصراط المستقيم‪ ،‬الذي قال الله عز وجل فيه‪(( :‬وأن‬
‫هذا صراطي مستقيما ْ فاتبعوه ول تتبعوا السبل فتفرق بكم عن‬
‫سبيله))[ النعام‪.]153 :‬‬
‫وقد كان رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬حريصا ً على حماية‬
‫جناب التوحيد‪ ،‬فكان يحذر تحذيرا ً شديدا ً من الغلو والنحراف في‬
‫حقه‪ ،‬ودلئل ذلك كثيرة جدا ً منها‪:‬‬
‫* عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال‪ :‬سمعت رسول الله‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬يقول‪" :‬ل تطروني كما أطرت النصارى‬
‫ابن مريم فإنما أنا عبده‪ ،‬فقولوا‪ :‬عبد الله ورسوله" (‪.)17‬‬
‫* وعن عائشة رضي الله عنها قالت‪ :‬قال رسول الله ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :-‬لعنة الله على اليـهــود والنصارى اتخذوا قبور‬
‫أنبيائهم مساجد إل أني أنهاكم عن ذلك يحذر ما صنعوا"(‪.)18‬‬
‫* وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رجل ً قال للنبي‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ :-‬ما شاء الله وشئت‪ ،‬فقال له النبي‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪" :-‬جعلتني لله عدلً‪ ،‬بل قل ما شاء الله‬
‫وحده"‪.)19(.‬‬
‫* وعن أنس أن رجل ً قال‪ :‬يا محمد‪ ،‬يا سيدنا‪ ،‬وابن سـيدنا‪،‬‬
‫وخيرنا وابن خيرنا‪ ،‬فقال رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪:-‬‬
‫"قولوا بقولكم‪ ،‬ول يستهوينكم الشيطان‪ ،‬أنا محمد بن عبد الله‪،‬‬
‫عبد الله ورسوله‪ ،‬والله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي‬
‫أنزلني الله عز وجل"‪.)20( .‬‬

‫ونظائر هذه النصوص كثيرة جداً‪ ،‬وثمرتها كلها بيان أن محبة‬


‫النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وتعظيمه ل تكون إل بالهدي الذي‬
‫ارتضاه وسنه لنا‪ ،‬ولهذا قال عليه أفضل الصلة والسلم‪" :‬من‬
‫عمل عمل ً ليس عليه أمرنا فهو ردٌ"‪.)21(.‬‬
‫حقيقة المولـد النبـوي‪:‬‬
‫ظهرت هذه الفكرة في عصر الدولة العبيدية الباطنية‪ ،‬إظهاراً‬
‫منهم لدعوى محبة النبي‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬ثم انتشرت في‬
‫كثير من دول العالم السلمي‪ ،‬إلى يومنا هذا فأصبح اليوم الثاني‬
‫عـشـر من شهر ربيع الول عيدا ً مشهودا ً عند كثير من المبتدعة‬
‫يجتمعون فيه لنشاد المدائح النـبـويــة والوراد الصوفية‪ ،‬وإقامة‬
‫الحفلت والرقصات‪ ،‬وقد يقترن بذلك بعض الشركيات من دعاء‬
‫النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬والستغاثة بـه‪ ،‬وقد يحدث الختلط‬
‫بين الرجال والنساء والستماع إلى الملهي‪.‬‬
‫إن تحويل السلم إلى طـقـــوس وثـنـيـــة من الهازيج الشعرية‬
‫والطبول والمزامير والتمايل والرقص‪ ،‬وبالتالي النحراف بـه عن‬
‫صفائه ونقائه‪ ،‬هو من قبيل جعله إلى العبث والخرافة أقرب منه‬
‫إلى الدين الحق‪.‬‬
‫وحينما تكون هذه العقلية الساذجة المنحرفة حاكمة للعالم‬
‫السلمي يكون رد الفعل الرئيس لدخول خيول نابليون إلى‬
‫الزهر الشريف هو اجتماع الشيوخ للتبرك بقراءة حديث النبي‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ -‬من صحيح البخاري! وكلما ازدادت الدائرة‬
‫على المسلمين ازدادت الدروشة‪ ،‬وتمايلت الرؤوس وبحت‬
‫الصوات بالناشيد والوراد والمدائح النبوية‪.‬‬
‫إن الحتفال بالمولد النبوي أصبح عند بعض الـنــاس مــن العامة‬
‫والخاصة الية الرئيسة لمحبة النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪،-‬‬
‫وأذكر أنني كنت قـبــل سنوات في بلد إسلمي في أوائل شهر‬
‫ربيع الول‪ ،‬والناس منهمكون في التجهيز والعداد لليوم الثاني‬
‫عشر‪ ،‬تحدثت مع أحد كبار الساتذة الجامعيين عن هذه البدعة‪،‬‬
‫وبعد أن بح صوتي بذكر الدلة والشواهد‪ ،‬قال لي‪ :‬هذا صحيح‪،‬‬
‫ولكن هذا سيدنا النبي!! عندها تذكرت قول غلة الصوفية‪( :‬من‬
‫أراد التحقيق فليترك العقل والشرع )! (‪ ،)22‬وصدق ابن تيمية‬
‫حينما قال عن غلتهم‪( :‬كلما كان الشيخ أحمق وأجهل‪ ،‬كان بالله‬
‫أعرف‪ ،‬وعندهم أعظم)‪.)23(.‬‬
‫ومن المفارقات التي تدعو إلى التأمل‪ ،‬أن بعض الناس قد يعصى‬
‫النبي ‪-‬صلـى اللـه علـيـه وسـلــم‪ -‬ليل ً ونهاراً‪ ،‬ويتهاون في تعظيم‬
‫أوامره‪ ،‬فضل ً عن اللتزام بسنته‪ ،‬ومع ذلك فهو يحتفـــي بـيـــوم‬
‫المولد‪ ،‬ويوالي فيه ويعادي‪ ،‬وكأن غاية الحب عنده هو إحياء هذا‬
‫اليوم بالمدائح والوراد‪ ،‬وبعد ذلك ليفعل ما يشاء‪...‬؟! يقول‬
‫الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله‪( :‬من تتبع التاريخ يـعـلــم أن‬
‫أشد المؤمنين حبا ً واتباعا ً للنبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أقلهم‬
‫غلوا ً فيه ولسيما أصحابه رضي الله عنهم ومن يليهم من خير‬
‫القرون‪ ،‬وأن أضعفهم إيمانا ً وأقلهم اتباعا ً له هم أشد غلوا ً في‬
‫القول وابتداعا ً في العمل)‪.‬‬
‫وليس عجيبا ً أن يحظى هذا اليوم باحتفاء رسمي من الحكومات‬
‫العلمانية وتسخر له كافة المكانات الرسمية‪ ،‬وتجري تغطية‬
‫فعالياته من جميع وسائل العلم‪ ،‬لنها تعلم يقينا ً أن غاية هؤلء‬
‫الدراويش ل تتجاوز الوراد والمدائح حتى إن النذور والقرابين‬
‫التي ترمى على القبور والضرحة والمزارات أصبحت مصدر‬
‫دخل رئيس لوزارات الوقاف والسياحة‪ ،‬ولهذا كان حافظ‬
‫إبراهيم يقول متهكماً‪:‬‬
‫أحـيـاؤنــــا ل يـرزقــون بـدرهــــم‬
‫وبـألــف ألــف يــــرزق المــــوات‬
‫مـــن لـي بـحـــظ الـنـائـمـين بحـفرة‬
‫قامــــت على أحجــــارها الصـلوات؟!(‪)24‬‬
‫إن محبة الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬عقيدة راسخة في‬
‫قلوب المؤمنين‪ ،‬ثمرتها القتداء والبذل والعطاء والتضحية‬
‫والجهاد في سبيل نصرة دينه وإعلء لوائه وحماية سنته‪ ،‬ول يوجد‬
‫بين محبي الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬مكان للعجزة‬
‫النائحين‪ ،‬وما أجمل قول أنس بن النضر رضي الله عنه لما مر‬
‫بقوم من المسلمين قد ألقوا بأيديهم فقال‪ :‬ما تنتظرون؟ فقالوا‪:‬‬
‫قتل رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬فقال‪ :‬ما تصنعون في‬
‫الحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه«(‪.)25‬‬
‫===========‬
‫هـوامـش‪:‬‬
‫(‪)1‬الشفا بتعريف أحوال المصطفى ‪.2/18‬‬
‫(‪)2‬أخرجه البخاري ‪ ،1/58‬ومسلم ‪.1/67‬‬
‫(‪)3‬أخرجه البخاري ‪.1/58‬‬
‫(‪)4‬أخرجه البخاري ‪.11/523‬‬
‫(‪)5‬الصـارم المسلـول على شـاتم الرسـول ص ‪.422‬‬
‫(‪)6‬أخرجه البخاري ‪.1/560‬‬
‫(‪)7‬أخرجه البخاري تعليقا ً مجزوما ً به ‪.8/532‬‬
‫(‪)8‬أخرجه أحمد ‪ ،201‬والترمذي ‪.5/551‬‬
‫(‪)9‬أخرجه أحمد ‪ ،2/254‬والبخاري في الدب المفرد ص ‪،220‬‬
‫والترمذي ‪.5/550‬‬
‫(‪)10‬أخرجه البخاري ‪ 6/21‬و ‪.7/354‬‬
‫(‪)11‬أخرجه أحمد ‪ ،1/437‬والترمذي ‪ ،5/34‬وابن ماجة ‪.1/85‬‬
‫(‪)12‬أخرجه البخاري في عدة مواضع منها‪ 6/152 :‬و ‪ 7/18‬و ‪.42‬‬
‫(‪ )13‬تفسير القرآن العظيم ‪.3/475‬‬
‫(‪)14‬أخرجه أحمد ‪ ،4/126،127‬وأبو داود ‪ ،15-5/13‬والترمذي ‪ ،5/44‬وابن‬
‫ماجة ‪.1/16‬‬
‫(‪)15‬أخرجه البخاري ‪ 2/111‬و ‪.10/438‬‬
‫(‪)16‬أخرجه مسلم ‪.2/943‬‬
‫(‪)17‬أخرجه البخاري في عدة مواضع منها ‪.6/478‬‬
‫(‪)18‬أخرجه البخاري ‪ ،8/140‬ومسلم ‪.1/377‬‬
‫(‪)19‬أخرجه أحمد ‪ 1/214‬و ‪ 283‬و ‪.347‬‬
‫(‪)20‬أخرجه أحمد ‪ 3/153‬و ‪.241‬‬
‫(‪)21‬أخرجه مسلم ‪.3/1344‬‬
‫(‪ )22‬مجموع الفتاوى ‪.11/243‬‬
‫(‪ )23‬مجموع الفتاوى ‪.2/174‬‬
‫(‪)24‬الديوان‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.318‬‬
‫(‪)25‬أخرجه البخـاري ‪ 6/21‬و ‪ 7/355‬ومسلم ‪.3/1512‬‬
‫* من تعليقاته على كتاب «صيانة النسان عن وسوسة دحلن»‬
‫للسهسواني‪.‬‬
‫مجلة البيان‬
‫ُ‬
‫‪ .17‬والله ل أكلّمك أبدًا‬
‫عبد الرحمن بن عبد الله السحيم‬
‫تحدثت في مقال سابق بعنوان‪:‬‬
‫عـقـول للبيع أو للتأجير‪ ...‬لعـدم التّفـّرغ!!‬
‫واليوم سوف أتحدّث عن نوعية أخرى من عقول بعض بني آدم‬
‫وذلك أن من الناس من يَزِن المور بعقله‪ ،‬سواء فيما للعقل فيه‬
‫مجال للنظر أو ليس له فيه مجال‪.‬‬
‫حـكم إسبال الثياب للرجال‪ ،‬فبيّنت‬ ‫سئلت عن ُ‬ ‫في يوم من اليام ُ‬
‫الحكم‪.‬‬
‫وذكرت أن السبال على نوعين‪:‬‬
‫مجّرد إسبال فهو كبيرة من كبائر الذنوب‪ ،‬وقد تُوع ّد‬
‫إن كان ُ‬
‫المسبل بوعيد شديد كما في صحيح مسلم‪.‬‬
‫وإن كان للخيلء فإنه بالضافة إلى كونه كبيرة من كبائر الذنوب‪،‬‬
‫فإن الله ل ينظر إلى صاحبه يوم القيامة‪.‬‬
‫وذكرت الدلة‪ ،‬وكلم بعض أهل العلم في التفريق بينهما وفق‬
‫قواعد أصول الفقه‪.‬‬
‫وهو هنا‪:‬‬
‫‪http://www.almeshkat.net/index.php?pg=fatawa&ref=411‬‬
‫وكان السائل سأل لحاجة في نفسه! وظن أنني أوافقه فيما‬
‫يذهب إليه!‬
‫فلما رآني خالفته تغيّر وجهه‬
‫ثم بلغني فيما بعد أنه قال لبعض جلسائه‪ :‬إيش هذا؟! يُعذبني‬
‫خـرقة؟!‬‫الله على ِ‬
‫فهذا منطق أعوج!‬
‫وهذا قياس بالعقل السقيم وليس السليم!‬
‫يا هذا!‬
‫هل يُعذ ّب الله المشرك لجل أنه طاف حول شجرة أو حول‬
‫حجر؟!‬
‫هل يُعذ ّب الله من ذبح دجاجة لغير الله بقصد التقّرب؟!‬
‫وهل‪ ...‬وهل‪..‬؟‬
‫وعلى هذا قِـس‪.‬‬
‫ما هكذا تُورد البل‪.‬‬
‫وما هكذا تُورد النصوص‪.‬‬
‫إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم لم‬
‫يكونوا يغضبون ذلك الغضب الشديد إل عندما تُعاَرض السنة‬
‫بأقوال الرجال أو بالراء‪ ،‬وإن كانت تلك القوال من أقوال كبار‬
‫الصحابة رضي الله عنهم‪.‬‬
‫وما ذلك إل لتعظيمهم لقوال النبي صلى الله عليه وسلم ولسنّته‬
‫عليه الصلة والسلم‬
‫فقد رأى عبد الله بن المغفل رجل ً من أصحابه يخذف‪ ،‬فقال له‪:‬‬
‫ل تخذف‪ ،‬فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره أو‬
‫قال‪ :‬ينهى عن الخذف‪ ،‬فإنه ل يُصطاد به الصيد‪ ،‬ول يُنكأ به‬
‫العدو‪ ،‬ولكنه يكسر السن‪ ،‬ويفقأ العين‪ ،‬ثم رآه بعد ذلك يخذف‪،‬‬
‫فقال له‪ :‬أخبرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره‬
‫أو ينهى عن الخذف‪ ،‬ثم أراك تخذف‪ ،‬ل أكلمك كلمة كذا وكذا‪.‬‬
‫رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫وفي رواية لمسلم‪ :‬أن قريبًا لعبد الله بن مغفل خذف‪ ،‬فنهاه‪،‬‬
‫وقال‪ :‬إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف‪،‬‬
‫وقال‪ :‬إنها ل تصيد صيدًا‪ ،‬ول تنكأ عدوًا‪ ،‬ولكنها تكسر السن‪،‬‬
‫وتفقأ العين‪ .‬قال‪ :‬فعاد‪ ،‬فقال‪ :‬أحدثك أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم نهى عنه‪ ،‬ثم تخذف‪ ،‬ل أكلمك أبدًا‪.‬‬
‫نعم‪ .‬ل يرضون بمعارضة قول سيّدهم وقدوتهم‪ ،‬بل ويشتدّون‬
‫على المخالِف‬
‫فهذا عمران بن حصين كان في رهط وفيهم بشير بن كعب‬
‫فحدّث عمران يومئذ فقال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬الحياء خير كله"‪ .‬قال‪ :‬أو قال‪ :‬الحياء كله خير‪ ،‬فقال‬
‫بشير بن كعب‪ :‬إنا لنجد في بعض الكتب أو الحكمة أن منه‬
‫سكينة ووقاًرا لله‪ ،‬ومنه ضعف! فغضب عمران حتى احمّرتا‬
‫عيناه‪ ،‬وقال‪ :‬أل أراني أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم وتُعارض فيه‪ .‬فأعاد عمران الحديث‪ ،‬فأعاد بشير‪ ،‬فغضب‬
‫عمران قال أبو السوار العدوي‪ :‬فما زلنا نقول فيه‪ :‬إنه منا يا أبا‬
‫نجيد‪ ،‬إنه ل بأس به‪ .‬رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫ولما قال عبد الله بن عمر‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يقول‪" :‬ل تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها‪.‬‬
‫قال‪ :‬فقال بلل بن عبد الله‪ :‬والله لنمنعهن‪.‬‬
‫قال الراوي‪ :‬فأقبل عليه عبد الله فسبّه سبّـا ً سيئا ً ما سمعته سبه‬
‫مثله قط‪ ،‬وقال‪ :‬أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫وتقول‪ :‬والله لنمنعهن‪ .‬رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫وفي رواية‪ :‬فضرب في صدره‪ ،‬وقال‪ :‬أحدِّثك عن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وتقول‪ :‬ل!‬
‫وبلغوا من المتثال أجمله وأحسنه وأكمله‬
‫روى البخاري عن نافع عن ابن عمر قال‪ :‬كانت امرأة لعمر تشهد‬
‫صلة الصبح والعشاء في الجماعة في المسجد‪ ،‬فقيل لها‪ :‬لم‬
‫تخرجين وقد تعلمين أن عمر يكره ذلك ويغار؟‬
‫قالت‪ :‬وما يمنعه أن ينهاني؟‬
‫قال‪ :‬يمنعه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬ل تمنعوا إماء‬
‫الله مساجد الله‪.‬‬
‫جلَد َ رجلين سبّحـا بعد العصر‪ .‬أي‬ ‫وروي أن عمر رضي الله عنه َ‬
‫صليا‪.‬‬
‫ورأى سعيد بن المسيب رجل ً يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من‬
‫ركعتين يُكثر فيها الركوع والسجود‪ ،‬فنهاه‪ ،‬فقال‪ :‬يا أبا محمد‬
‫يعذبني الله على الصلة؟!‬
‫قال‪ :‬ل‪ ،‬ولكن يعذبك على خلف السنة‪ .‬رواه البيهقي في‬
‫الكبرى‪.‬‬
‫سنّةِ نبيِّها مبلغا ً استفاضت معه‬ ‫سك سلف المة ب ُ‬ ‫وبلغ من شدّة تم ُّ‬
‫أقوالُهم‪.‬‬
‫واتّفقت كلمة العلماء أصحاب المذاهب الربعة المشهورة‬
‫المتبوعة على ردِّ قولِهم إذا خالف الحديث‪.‬‬
‫ح الحديث فهو مذهبي‪.‬‬ ‫قال المام أبو حنيفة‪ :‬إذا ص ّ‬
‫ضا‪ :‬ل يحل لحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين‬ ‫وقال أي ً‬
‫أخذناه‪.‬‬
‫ضا‪ :‬إذا قلت قول ً يُخالف كتاب الله تعالى وخبرِ الرسول‬ ‫وقال أي ً‬
‫صلى الله عليه وسلم فاتركوا قولي‪.‬‬
‫وقال المام مالك‪ :‬إنما أنا بشر أخطئ وأصيب‪ ،‬فانظروا في‬
‫ل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه‪ ،‬وكل ما لم يوافق‬ ‫رأيي فك ّ‬
‫الكتاب والسنة فاتركوه‪.‬‬
‫ضا‪ :‬ليس أحد ٌ بعد النبي صلى الله عليه وسلم إل ويؤخذ‬ ‫وقال أي ً‬
‫من قوله ويترك إل النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وأما المام الشافعي فقال‪ :‬أجمع المسلمون على أن من استبان‬
‫ل له أن‬ ‫ح ّ‬‫ة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ي ِ‬ ‫سن ٌ‬‫له ُ‬
‫يدعها لقول أحد‪.‬‬
‫سنة رسول الله صلى‬ ‫ضا‪ :‬إذا وجدتم في كتابي خلف ُ‬ ‫وقال أي ً‬
‫الله عليه وسلم فقولوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ودعوا ما قلت‪.‬‬
‫ل الله صلى الله عليه‬ ‫ث رسو ِ‬ ‫وقال المام أحمد‪ :‬من رد ّ حدي َ‬
‫وسلم فهو على شفا هلَكَة‪.‬‬
‫ضا‪ :‬ل تقلد في دينك أحدا ً من هؤلء‪ ،‬ما جاء عن النبي‬ ‫وقال أي ً‬
‫خذ به‪.‬‬ ‫صلى الله عليه وسلم وأصحابهِ ف ُ‬
‫قال الحميدي‪ :‬روى الشافعي يوما ً حديثاً‪ ،‬فقلت‪ :‬أتأخذ به؟‬
‫ت‬‫ي ُزنّار حتى إذا سمع ُ‬ ‫فقال‪ :‬رأيتني خرجت من كنيسة‪ ،‬أو عل َّ‬
‫عن رسول صلى الله عليه وسلم حديثا ً ل أقول به؟!‬
‫ل على تعظيمهم لقوال نبيِّهم صلى الله عليه وسلم‪،‬‬ ‫وهذا كله يد ّ‬
‫ل على تأدّبهم مع إمامهم عليه الصلة والسلم‪ ،‬وعلى شدّة‬ ‫ويد ّ‬
‫محبته صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫إن محبة النبي صلى الله عليه وسلم ل تنبت إل على ساق‬
‫المتابعة والقتداء‬
‫قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في قوله تعالى‪:‬‬
‫م‬ ‫فْر لَك ُ ْ‬
‫م ذُنُوبَك ُ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ه وَيَغْ ِ‬ ‫ه فَاتَّبِعُونِي ي ُ ْ‬
‫حبِبْك ُ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫حبُّو َ‬‫م تُ ِ‬ ‫ل إِن كُنت ُ ْ‬ ‫(قُ ْ‬
‫م)‬‫حي ٌ‬ ‫ه غَفُوٌر َّر ِ‬ ‫وَالل ّ ُ‬
‫هذه الية الكريمة حاكمة على كل من ادّعى محبة الله وليس‬
‫هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس المر‬
‫حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله‬
‫وأفعاله‪ ،‬كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه‬
‫ن عمل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد‪ .‬ولهذا‬ ‫م ْ‬ ‫وسلم أنه قال‪َ :‬‬
‫م الل ّ ُ‬
‫ه)‬ ‫ه فَاتَّبِعُونِي ي ُ ْ‬
‫حبِبْك ُ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫حبُّو َ‬ ‫قال‪( :‬إِن كُنت ُ ْ‬
‫م تُ ِ‬
‫أي يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه وهو محبته إياكم‬
‫وهو أعظم من الول‪ ،‬كما قال بعض العلماء الحكماء‪ :‬ليس‬
‫ب‪ .‬وقال الحسن البصري‬ ‫ح ّ‬ ‫ب إنما الشأن أن ت ُ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫الشأن أن ت ُ ِ‬
‫وغيره من السلف‪ :‬زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلهم الله بهذه‬
‫ه) ا هـ‪.‬‬‫م الل ّ ُ‬ ‫ه فَاتَّبِعُونِي ي ُ ْ‬
‫حبِبْك ُ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫حبُّو َ‬
‫م تُ ِ‬ ‫ل إِن كُنت ُ ْ‬ ‫الية‪ ،‬فقال‪(:‬قُ ْ‬
‫وقال المام الطحاوي‪:‬‬
‫ول تثبت قدم السلم إل على ظهر التسليم والستسلم‪.‬‬
‫قال ابن أبي العز‪ :‬أي ل يثبت إسلم من لم يسلم لنصوص‬
‫الوحيين وينقاد إليها ول يعترض عليها ول يعارضها برأيه ومعقوله‬
‫وقياسه‪ .‬روى البخاري عن المام محمد بن شهاب الزهري رحمه‬
‫الله أنه قال‪ :‬من الله الرسالة‪ ،‬ومن الرسول البلغ‪ ،‬وعلينا‬
‫التسليم‪ .‬وهذا كلم جامع نافع‪ .‬ا هـ‪.‬‬
‫سننه أكثر من تعظيمه‬ ‫ب سيد ولد آدم فليُعظّم أقواله و ُ‬ ‫فمن أح ّ‬
‫من سواه من البشر‪.‬‬ ‫لقول َ‬
‫مخالفته أو مع تقديم قول غيره على قوله‬ ‫أما دعوى محبته مع ُ‬
‫فهذه دعاوى و" لو يعطى الناس بدعواهم لدعى ناس دماء رجال‬
‫وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه " كما في الصحيحين‬
‫عنه عليه الصلة والسلم‪.‬‬
‫وليدع‪ ( :‬ما اقتنعت – ما يُعقل – ما يدخل مزاجي! ) ليدع هذه‬
‫الكلمات وأمثالها عند الكوكب‪ ،‬كما قال ابن عمر رضي الله‬
‫عنهما لمن سأله عن استلم الحجر‪ ،‬فقال ابن عمر‪ :‬رأيت رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويُقبِّله‪ .‬فقال‪ :‬أرأيت إن‬
‫ُزحمت؟ أرأيت إن غُلبت؟‬
‫فقال ابن عمر‪ :‬اجعل أرأيت باليمن! رأيت رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم يستلمه ويُقبِّله‪ .‬رواه البخاري‪.‬‬
‫وقال لمن سأله عن قيام الليل‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ :‬صلة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة‪ .‬فقال السائل‪ :‬أرأيت‬
‫إن غلبتني عيني؟ أرأيت إن نمت؟ قال‪ :‬اجعل أرأيت عند ذلك‬
‫النجم‪ .‬رواه ابن ماجه‪.‬‬
‫هكذا فلتُعظّم السنة‪ ،‬وليُربّى عليها الولد والتباع‬
‫‪ .18‬حقيقة محبة النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫د ‪ :‬أبو صهيب الرهواني‬
‫على إثر العتداء على رسولنا العظيم ثارت مشاعر المسلمين‬
‫في مشارق الرض ومغاربها تعبر عن سخطها ورفضها لهذا‬
‫السلوك العدواني الظالم وهي ثورة ناتجة في أساسها عن حب‬
‫المسلمين لنبيهم الكريم وهو شيء محمود إل أن هذا الحب عند‬
‫تمحيصه والتأمل في حقيقته يتبين أنه ل يرقى إلى المستوى‬
‫المطلوب وهو ما سنحاول بيانه من خلل هذه الصفحات التالية ‪:‬‬
‫أولً‪ :‬وجوب محبة النبي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫لكن دعونا في البداية نبين أن محبة النبي ليست كسائر أنواع‬
‫المحبة لي شخص‪ ,‬نعم إن محبة النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫عبادة عظيمة نعبد بها الله عز و جل وقربة نتقرب بها من خللها‬
‫إليه و أصل عظيم من أصول الدين ودعامة أساسية من دعائم‬
‫اليمان كما قال تعالى {النبي أولى بالمؤمنين من‬
‫أنفسهم}‪،‬وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬والذي‬
‫نفسي بيده ل يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله‬
‫وولده والناس أجمعين"‪[ .‬البخاري]‬
‫وفي الصحيح أيضا ً أن عمر رضي اللّه عنه‪ :‬يا رسول اللّه‪ ،‬واللّه‬
‫ي من كل شيء إل من نفسي‪ ،‬فقال صلى اللّه عليه‬ ‫لنت أحب إل َّ‬
‫وسلم‪" :‬ل يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك" فقال‪ :‬يا‬
‫ي من كل شيء حتى من نفسي‪،‬‬ ‫رسول اللّه واللّه لنت أحب إل َّ‬
‫فقال صلى اللّه عليه وسلم‪" :‬الن يا عمر"‪.‬‬
‫إذن فمحبة النبي صلى الله عليه وسلم ليست أمرا ثانويا أو أمرا‬
‫مخير فيه إن شاء المرء أحبه وإن شاء لم يحبه بل هي واجب‬
‫على كل مسلم وهي من صميم اليمان ولبد لهذا الحب أن يكون‬
‫أقوى من أي حب ولو كان حب المرء لنفسه‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬بواعث محبة النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫‪ -1‬موافقة مراد الله تعالى في محبته‪:‬‬
‫لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أحب الخلق إلى‬
‫الله تعالى فقد اتخذه خليل وأثنى عليه ما لم يثن على غيره كان‬
‫لزاما على كل مسلم أن يحب ما يحب الله وذلك من تمام محبته‬
‫سبحانه‬
‫‪ -2‬مقتضى اليمان‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مبينا أن من مقتضى‬
‫اليمان حب النبي صلى الله عليه وسلم وإجلله وتوقيره "والذي‬
‫نفسي بيده ل يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله‬
‫وولده والناس أجمعين"‪[ .‬البخاري]‬
‫‪ -3‬مميزات النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫فرسول الله صلى الله عليه وسلم أ شرف الناس وأكرم الناس‬
‫وأطهر الناس وأعظم الناس في كل شيء وهذه كلها دواعي لن‬
‫يكون صلى الله عليه وسلم أحب الناس ‪.‬‬
‫‪ -4‬شدة محبته لمته وشفقته عليها ورحمته بها‪:‬‬
‫كما وصفه ربه {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما‬
‫عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم}؛ ولذلك أرجأ‬
‫استجابة دعوته شفاعة لمته غدا يوم القيامة‬
‫‪ -5‬بذل جهده الكبير في دعوة أمته‪:‬‬
‫وإخراج الناس من الظلمات إلى النور‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬دلئل محبته صلى الله عليه وسلم ومظاهر تعظيمه‪:‬‬
‫‪ -1‬تقديم النبي صلى الله عليه وسلم على كل أحد‪:‬‬
‫قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا ل تقدموا بين يدي الله ورسوله‬
‫واتقوا الله إن الله سميع عليم}‪ ,‬وقال سبحانه {قل إن كان‬
‫آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال‬
‫اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم‬
‫من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره‬
‫والله ل يهدي القوم الفاسقين} فعلمة حب النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم أن ل يقدم عليه أي شيء مهما كان شأنه‪.‬‬
‫‪ -2‬سلوك الدب معه صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫ويتحقق بالمور التالية‪:‬‬
‫* الثناء عليه والصلة والسلم عليه لقوله تعالى‪{ :‬إن الله‬
‫وملئكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا‬
‫تسليما}‪.‬‬
‫* التأدب عند ذكره بأن ل يذكره مجرد السم‪ ,‬بل مقرونًا بالنبوة‬
‫أو الرسالة كما قال تعالى {ل تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء‬
‫بعضكم بعضا} قال سعيد بن جبير ومجاهد‪ :‬المعنى‪ :‬قولوا‪ :‬يا‬
‫رسول الله‪ ،‬في رفق ولين‪ ،‬ول تقولوا‪ :‬يا محمد‪ ..‬بتجهم‪ .‬وقال‬
‫قتادة‪ :‬أمرهم أن يشّرفوه ويفخموه‪.‬‬
‫* الدب في مسجده وكذا عند قبره وترك اللغط ورفع الصوت‪.‬‬
‫* توقير حديثه والتأدب عند سماعه وعند دراسته كما كن يفعل‬
‫سلف المة وعلماءها في إجلل حديث رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫وكان مالك إذا أراد أن يجلس (أي للتحديث) توضأ وضوءه‬
‫للصلة‪ ،‬ولبس أحسن ثيابه‪ ،‬وتطيّب‪ ،‬ومشط لحيته‪ ،‬فقيل له في‬
‫ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬أوقّر به حديث رسول الله‪.‬‬
‫و كان سعيد بن المسيب وهو مريض يقول "أقعدوني فإني أعظم‬
‫أن أحدث حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا‬
‫مضطجع"‪.‬‬
‫‪ :3‬تصديقه صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به‪:‬‬
‫وهذا من أصول اليمان وركائزه ومن الشواهد في هذا الباب ما‬
‫ناله أبو بكر من لقب الصديق فعن عروة‪ ،‬عن عائشة ‪-‬رضي الله‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫تعالى عنها‪ -‬قالت‪ :‬لما أسري بالنبي ‪-‬صل ّى الله عليه وسل ّم‪ -‬إلى‬
‫المسجد القصى‪ ،‬أصبح يتحدث الناس بذلك‪ ،‬فارتد ّ ناس‪ .‬فمن‬
‫كان آمنوا به وصدقوه وسمعوا بذلك إلى أبي بكر ‪-‬رضي الله‬
‫تعالى عنه‪ ،-‬فقالوا‪ :‬هل لك إلى صاحبك‪ ،‬يزعم أنه أسري به‬
‫الليلة إلى بيت المقدس‪ ،‬قال‪ :‬أوَقال ذلك؟ قالوا‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬لئن‬
‫كان قال ذلك لقد صدق‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬أو تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس‪ ،‬وجاء قبل أن‬
‫يصبح‪.‬‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬إني لصدقه فيما هو أبعد من ذلك‪ ،‬أصدقه بخبر‬
‫السماء في غدوة أو روحة‪ .‬فلذلك سمي أبو بكر الصديق‪ .‬هذا‬
‫حديث صحيح السناد‪ ،‬ولم يخرجاه‪.‬‬
‫‪ : 4‬اتباعه صلى الله عليه وسلم وطاعته والهتداء بهديه‪:‬‬
‫فطاعة الرسول هي المثال الحي والصادق لمحبته ولهذا قال‬
‫تعالى {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم‬
‫ذنوبكم والله غفور رحيم}‪.‬‬
‫والقتداء به صلى الله عليه وسلم من أكبر العلمات على حبه؛‬
‫قال تعالى {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان‬
‫يرجو الله واليوم الخر وذكر الله كثيرا}‪.‬‬
‫فالمؤمن الذي يحب النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يقلده‬
‫في كل شيء في العبادة وفي الخلق وفي السلوك وفي‬
‫المعاملت وفي الداب كما كان شأن الصحابة الكرام فعن نافع‬
‫قال لو نظرت إلى ابن عمر في اتباعه لرسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم لقلت هذا مجنون ومما يروى عنه في هذا الباب‪.‬‬
‫‪ .5‬الدفاع عنه صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫إن الدفاع عن رسول الله ونصرته علمة من علمات المحبة‬
‫والجلل ‪.‬‬
‫وقد سطر الصحابة أروع المثلة وأصدق العمال في الدفاع‬
‫رسول الله وفدائه بالموال والولد والنفس في المنشط‬
‫والمكره ‪.‬كما قال تعالى " للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من‬
‫ديارهم وأموالهم يبتغون فضل من الله ورضوانا وينصرون الله‬
‫ورسوله أولئك هم الصادقون"‬
‫والدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته أنواع نذكر منها‬
‫‪:‬‬
‫‪ -1‬نصرة دعوته ورسالته بكل ما يملك المرء من مال ونفس ‪....‬‬
‫‪ -2‬الدفاع عن سنته صلى الله عليه وسلم ‪:‬بحفظها وتنقيحها‬
‫وحمايتها ورد الشبهات عنها ‪.‬‬
‫‪ -3‬نشر سنته صلى الله عليه وسلم وتبليغها خاصة وأن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قد أمر بذلك في أحاديث كثيرة كقوله‬
‫"فليبلغ الشاهد الغائب " وقوله "بلغوا عني ولو آية"‬
‫رابعًا‪ :‬حال الصحابة في محبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫لقد أحب الصحابة الكرام رسول الله صلى الله عليه وسلم حبا‬
‫ليس له نظير وصل إلى درجة أن افتدوه بأنفسهم وأموالهم‬
‫وأولدهم وآباءهم‪:‬‬
‫نماذج مختلفة‪:‬‬
‫* من الشباب ‪ :‬علي ابن أبي طالب ونومه في فراش النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‬
‫ليلة أن أراد المشركون قتله‬
‫وسئل علي بن أبي طالب كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‬
‫فقال ‪ :‬كان والله أحب إلينا من أموالنا واولدنا وآبائنا وأمهاتنا‬
‫ومن الماء البارد على الظمأ‬
‫* من الرجال ‪ :‬قصة قتل زيد بن الدثنة ‪ .،‬قال ابن إسحاق ‪:‬‬
‫اجتمع رهط من قريش ‪ ،‬فيهم أبو سفيان بن حرب ؛ فقال له أبو‬
‫سفيان حين قدم ليقتل ‪ :‬أنشدك الله يا زيد ‪ ،‬أتحب أن محمدا‬
‫عندنا الن في مكانك نضرب عنقه ‪ ،‬وأنك في أهلك ؟ قال ‪/4( :‬‬
‫‪ )126‬والله ما أحب أن محمدا الن في مكانه الذي هو فيه تصيبه‬
‫شوكة تؤذيه ‪ ،‬وأني جالس في أهلي ‪ .‬قال ‪ :‬يقول أبو سفيان ‪:‬‬
‫ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمدٍ محمدا‬
‫* أخرج الطبراني وحسنه عن عائشة قالت‪ :‬جاء رجل إلى النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم فقال‪" :‬يا رسول الله إنك لحب إلي من‬
‫نفسي‪ ،‬وإنك لحب إلي من ولدي‪ ،‬وإني لكون في البيت فأذكرك‬
‫فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك‪ ،‬وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت‬
‫انك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين‪ ،‬وأني إذا دخلت الجنة‬
‫خشيت أن ل أراك‪ .‬فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫شيئا حتى نزل جبريل بهذه الية {ومن يطع الله والرسول‬
‫فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم‪ }...‬الية"‪.‬‬
‫* من النساء‪ :‬أخرج ابن إسحاق‪ :‬عن سعد بن أبي وقاص قال‪:‬‬
‫مّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة من بني دينار وقد‬
‫أصيب زوجها‪ ،‬وأخوها‪ ،‬وأبوها مع رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم بأحد‪ ،‬فلما نعوا لها قالت‪ :‬ما فعل رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم؟‬
‫قالوا‪ :‬خيرا ً يا أم فلن‪ ،‬هو بحمد الله كما تحبين‪.‬‬
‫قالت‪ :‬أرونيه حتى أنظر إليه‪.‬‬
‫قال‪ :‬فأشير لها إليه‪ ،‬حتى إذا رأته قالت‪ :‬كل مصيبة بعدك جلل‪.‬‬
‫خامسا ‪:‬جزاء محبة النبي‬
‫ك‪:‬‬ ‫روى البخاري ع َ َ‬
‫مال ِ ٍ‬ ‫َ‬ ‫ن‬
‫ِ‬ ‫س بْ‬‫ِ‬ ‫ن أن َ‬‫ْ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ن أَعَْرابِيَّا قَا َ‬ ‫أ َ َّ‬
‫ة‬
‫ساع َ ُ‬ ‫ى ال ّ‬ ‫مت َ َ‬
‫م‪َ :-‬‬ ‫سل َ‬ ‫ه ع َليْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ل اللهِ ‪َ -‬‬ ‫سو ِ‬ ‫ل لَِر ُ‬
‫؟‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت لَهَا؟‬ ‫ما أعْدَد ْ َ‬ ‫م‪َ " :-‬‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ُ‬ ‫ل اللهِ ‪َ -‬‬ ‫سو ُ‬ ‫ه َر ُ‬ ‫ل لَ ُ‬‫قَا َ‬
‫ت"‪ .‬قال أنس‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫سولِهِ‪ .‬قَا َ‬ ‫ح ُّ‬ ‫"قَا َ‬
‫حبَب ْ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫معَ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ل‪" :‬أن ْ َ‬ ‫ب اللهِ وََر ُ‬ ‫ل‪ُ :‬‬
‫فما رأيت المسلمين فرحوا بعد السلم بشيء ما فرحوا به‪.‬‬
‫فنحن نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ول نستطيع أن‬
‫نعمل كعمله فإذا كنا معه فحسبنا‪.‬‬
‫‪ .19‬منهج أهل السنة في تعظيم النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‬
‫لربنا تبارك وتعالى أرفع القدر وأعظم الشأن؛ فله العظمة‬
‫الكاملة التي تتجلى في ذاته وصفاته وأفعاله‪ ،‬في خلقه وأمره‪،‬‬
‫في الفاق والنفس‪ ،‬أنَّى نظرت في خلقه رأيت ما يبهر العقول‬
‫ويزيد اليمان‪ ،‬ومهما تلوت من آي كتابه العظيم وقفت على‬
‫دلئل عظمته‪ ،‬وأدلة قَدْره سبحانه‪ .‬خضعت لعظمة ربي عز وجل‬
‫المخلوقات‪ ،‬وذلت لجبروته الرض والسماوات‪ ،‬واشتد نكيره‬
‫َ‬
‫حقَّ‬‫ه َ‬ ‫ما قَدَُروا الل ّ َ‬ ‫تعالى على من أخل بتعظيمه‪ ،‬فقال سبحانه‪{:‬و َ‬
‫َ‬
‫ت‬‫مطْوِيَّا ٌ‬ ‫ت َ‬ ‫موَا ُ‬ ‫س َ‬ ‫مةِ وال َّ‬ ‫م القِيَا َ‬ ‫ه يَوْ َ‬ ‫ضت ُ‬ ‫ميعا ً قَب ْ َ‬ ‫ج ِ‬‫ض َ‬ ‫قَدْرِهِ والْر ُ‬
‫ن} [الزمر‪ .]67:‬فحقٌ على من‬ ‫شرِكُو َ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫ه وتَعَالَى عَ َّ‬ ‫حان َ ُ‬
‫سب ْ َ‬‫مينِهِ ُ‬ ‫بِي َ ِ‬
‫عرف قدر الله وأراد تعظيمه أن يعظم ما عظمه ‪ -‬تعالى ‪ -‬قياماً‬
‫بحقه من التوحيد والعبادة‪ ،‬وقياما ً بحق كتابه وحق رسوله ‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪.-‬‬
‫وغير خاف على مسلم صادق في إسلمه تلك المنزلة الرفيعة‬
‫التي حباها ربنا تعالى لصفوة خلقه‪ ،‬وخاتم أنبيائه ورسله حبيبنا‬
‫محمد ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬فإلى شيء من جوانب تلك‬
‫العظمة‪ ،‬وهدي السابقين والتابعين لهم بإحسان في تعظيمه‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ...-‬ذلك الحديث الذي تنشرح له صدور‬
‫المؤمنين الصادقين‪ ،‬وتتطلع إليه نفوسهم‪ ،‬ويتمنون أن لو‬
‫اكتحلت أعينهم برؤية حبيبهم صلى الله عليه وسلم؛ وتشنفت‬
‫آذانهم بسماع صوته‪.‬‬
‫المراد بالتعظيم‪:‬‬
‫َ‬
‫منُوا‬‫شرا ً ونَذِيرا ً * لِتُؤْ ِ‬ ‫شاهِدا ً و ُ‬
‫مب َ ّ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫سلْنَا َ‬‫قال الله تعالى‪{ :‬إنَّا أْر َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صيلً} [الفتح‪8،:‬‬ ‫حوه ُ بُكَْرة ً وأ ِ‬ ‫بِالل ّهِ وَر ُ‬
‫سولِهِ وتُعَّزُِروه ُ وتُوَقُِّروه ُ وت ُ َ‬
‫سب ِّ ُ‬
‫‪ .]9‬فذكر تعالى‪ :‬حقا ً مشتركا ً بينه وبين رسوله صلى الله عليه‬
‫وسلم وهو اليمان‪ ،‬وحقا ً خاصا ً به تعالى وهو التسبيح‪ ،‬وحقاً‬
‫خاصا ً بنبيه صلى الله عليه وسلم وهو التعزير والتوقير‪.‬‬
‫وحاصل ما قيل في معناهما أن‪ :‬التعزير اسم جامع لنصره‬
‫وتأييده ومنعه من كل ما يؤذيه‪ .‬والتوقير‪ :‬اسم جامع لكل ما فيه‬
‫سكينة وطمأنينة من الجلل والكرام‪ ،‬وأن يعامل من التشريف‬
‫والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار‪.‬‬
‫وهذه المعاني هي المراد بلفظ التعظيم عند إطلقه‪ ،‬فإن معناه‬
‫في اللغة‪ :‬التبجيل‪ ،‬يقال‪ :‬لفلن عظمة عند الناس‪ :‬أي حرمة‬
‫يعظم لها‪ ،‬ولفظ التعظيم وإن لم يرد في النصوص الشرعية‪ ،‬إل‬
‫أنه استعمل لتقريب المعنى إلى ذهن السامع بلفظ يؤدي المعنى‬
‫المراد من التعزير والتوقير‪ .‬والتعظيم أعلى منزلة من المحبة‪،‬‬
‫لن المحبوب ل يلزم أن يكون معظماً‪ ،‬كالولد يحبه والده محبة‬
‫تدعوه إلى تكريمه دون تعظيمه‪ ،‬بخلف محبة الولد لبيه‪ ،‬فإنها‬
‫تدعوه إلى تعظيمه‪ .‬والرجل يعظم لما يتمتع به من الصفات‬
‫العلية‪ ،‬ولما يحصل من الخير بسببه‪ ،‬أما المحبة فل تحصل إل‬
‫بوصول خير من المحبوب إلى من يحبه‪.‬‬
‫خلقاً‪:‬‬
‫مع المصطفى صلى الله عليه وسلم سيرة و ُ‬
‫لقد حبا الله تبارك وتعالى نبينا محمدا ً صلى الله عليه وسلم من‬
‫الخصائص القوية والصفات العلية والخلق الرضية ما كان داعياً‬
‫لكل مسلم أن يجله ويعظمه بقلبه ولسانه وجوارحه‪.‬‬
‫وقد كان لهل السنة والجماعة قدم صدق في العناية بجمع‬
‫خصائصه‪ ،‬وإبراز فضائله والشادة بمحاسنه‪ ،‬فلم يخل كتاب من‬
‫كتب السنة كالصحاح والسنن وغيرها من كتب مخصصة لم يخل‬
‫من ذكر مآثره‪ ،‬كما أُفردت كتب مستقلة للحديث عنه وعن‬
‫سيرته‪.‬‬
‫وقد اختار الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم اسم (محمد)‬
‫المشتمل على الحمد والثناء؛ فهو صلى الله عليه وسلم محمود‬
‫عند الله تعالى‪ ،‬ومحمود عند ملئكته‪ ،‬ومحمود عند إخوانه‬
‫المرسلين عليهم الصلة والسلم ومحمود عند أهل الرض كلهم‪،‬‬
‫وإن كفر به بعضهم؛ لن صفاته محمودة عند كل ذي عقل وإن‬
‫كابر وجحد؛ فصدق عليه وصفه نفسه حين قال‪ « :‬أنا سيد ولد‬
‫آدم يوم القيامة‪ ،‬ول فخر‪ ،‬وأول من تنشق عنه الرض‪ ،‬وأول‬
‫شافع‪ ،‬بيدي لواء الحمد‪ ،‬تحته آدم فمن دونه »‪ .‬وقد أغاث الله‬
‫تعالى به البشرية المتخبطة في ظلمات الشرك والجهل‬
‫والخرافة‪ ،‬فكشف به الظلمة‪ ،‬وأذهب الغمة‪ ،‬وأصلح المة‪ ،‬وصار‬
‫هو المام المطلق في الهدى لول بني آدم وآخرهم‪ ،‬فهدى الله‬
‫به من الضللة‪ ،‬وعلم به من الجهالة‪ ،‬وأرشد به من الغواية‪ ،‬وفتح‬
‫به أعينا عمياً‪ ،‬وآذانا ً صماً‪ ،‬وقلوبا ً غلفاً‪ ،‬وكثَّر به بعد القلة‪ ،‬وأعَّز به‬
‫س ربَّهم ومعبودهم غاية‬ ‫بعد الذلة‪ ،‬وأغنى به بعد العيلة‪ .‬عّرف النا َ‬
‫ما يمكن أن تناله قواهم من المعرفة‪ ،‬ولم يدع لمته حاجة في‬
‫هذا التعريف‪ ،‬ل إلى من قبله‪ ،‬ول إلى من بعده‪ ،‬بل كفاهم‪،‬‬
‫َ‬
‫م‬‫م يَكْفِهِ ْ‬‫وشفاهم‪ ،‬وأغناهم عن كل من تكلم في هذا الباب‪{:‬أوَ ل َ ْ‬
‫ة وذِكَْرى‬ ‫م ً‬ ‫ك لََر ْ‬
‫ح َ‬ ‫ن فِي ذَل ِ َ‬ ‫ب يُتْلَى ع َلَيْهِ ْ‬
‫م إ َّ‬ ‫ك الكِتَا َ‬‫أَنَّا أَنَزلْنَا ع َلَي ْ َ‬
‫ن} [العنكبوت‪ ،]51:‬وعرفهم الطريق الموصلة إلى‬ ‫منُو َ‬ ‫لِقَوْم ٍ يُؤْ ِ‬
‫ربهم ورضوانه ودار كرامته‪ ،‬ولم يدع صلى الله عليه وسلم حسناً‬
‫إل أمر به‪ ،‬ول قبيحا ً إل نهى عنه‪ .‬وعرفهم حالهم بعد القدوم على‬
‫ربهم أتم تعريف‪ ،‬فكشف المر وأوضحه‪ ،‬ولم يدع بابا ً من العلم‬
‫النافع للعباد المقرب لهم إلى ربهم إل فتحه‪ ،‬ول مشكل ً إل بينه‬
‫وشرحه‪ ،‬حتى هدى به القلوب من ضللها‪ ،‬وشفاها به من‬
‫أسقامها‪ ،‬وأغاثها به من جهلها‪ ،‬فأي بشر أحق بأن يُحب؟ جزاه‬
‫الله عن أمته أفضل الجزاء‪.‬‬
‫ي صلى الله عليه وسلم عدد من أزواجه وأصحابه‬ ‫وقد وصف النب َّ‬
‫كخديجة وعائشة‪ ،‬وأنس‪ ،‬وابن عباس‪ ،‬وعلي‪ ،‬وابن عمر وغيرهم‬
‫رضي الله عنهم‪ ،‬ولما كان المقصود الشارة إلى ذلك دون‬
‫الستقصاء آثرت نقل كلم ابن القيم الجامع لوصافه‪ ،‬تحاشياَ‬
‫للطالة وكثرة التخاريج‪.‬‬
‫قال ابن القيم‪( :‬ومما يحمد عليه صلى الله عليه وسلم ما جبله‬
‫الله عليه من مكارم الخلق وكرائم الشيم‪ ،‬فإن من نظر في‬
‫أخلقه وشيمه صلى الله عليه وسلم علم أنها خير أخلق الخلق‪،‬‬
‫وأكرم شمائل الخلق‪ ،‬فإنه صلى الله عليه وسلم كان أعظم‬
‫الخلق‪ ،‬وأعظمهم أمانة‪ ،‬وأصدقهم حديثاً‪ ،‬وأجودهم وأسخاهم‪،‬‬
‫وأشدهم احتمالً‪ ،‬وأعظمهم عفوا ً ومغفرة‪ ،‬وكان ل يزيد شدة‬
‫الجهل عليه إل حلماً‪ ،‬كما روى البخاري في صحيحه عن عبد الله‬
‫بن عمر رضي الله عنهما أنه قال في صفة رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم في التوراة‪( :‬محمد عبدي ورسولي سميته المتوكل‪،‬‬
‫خاب بالسواق‪ ،‬ول يدفع بالسيئة‬ ‫ليس بفظ ول غليظ‪ ،‬ول س َّ‬
‫السيئة‪ ،‬ولكن يعفو ويصفح‪ ،‬ولن أقبضه حتى أقيم به الملة‬
‫العوجاء بأن يقولوا‪ :‬ل إله إل الله‪ ،‬وأفتح به أعينا ً عمياً‪ ،‬وآذاناً‬
‫صماً‪ ،‬وقلوبا ً غلفاً)‪.‬‬
‫وأرحم الخلق وأرأفهم بهم‪ ،‬وأعظم الخلق نفعا ً لهم في دينهم‬
‫ودنياهم‪ ،‬وأفصح خلق الله وأحسنهم تعبدا ً عن المعاني الكثيرة‬
‫باللفاظ الوجيزة الدالة على المراد‪ ،‬وأصبرهم في مواطن‬
‫الصبر‪ ،‬وأصدقهم في مواطن اللقاء‪ ،‬وأوفاهم بالعهد والذمة‪،‬‬
‫وأعظمهم مكافأة على الجميل بأضعافه‪ ،‬وأشدهم تواضعاً‪،‬‬
‫وأعظمهم إيثارا ً على نفسه‪ ،‬وأشد الخلق ذبَّا ً عن أصحابه‪ ،‬وحماية‬
‫لهم‪ ،‬ودفاعا ً عنهم‪ ،‬وأقوم الخلق بما يأمر به‪ ،‬وأتركهم لما ينهى‬
‫عنه‪ ،‬وأوصل الخلق لرحمه‪ ،‬فهو أحق بقول القائل‪ :‬بَْرد ٌ على‬
‫جلْد ُ بواعث تعظيم النبي‬ ‫ن َ‬‫ة وعلى العادي مار ٌ‬ ‫الدنى ومرحم ٌ‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ :‬يدعو المسلم إلى ذلك أمور عدة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -1‬تعظيم العظيم سبحانه وتعالى‪ ،‬لنه عظم نبيه صلى الله عليه‬
‫سكَْرتِهِ ْ‬
‫م‬ ‫م لَفِي َ‬ ‫ك إنَّهُ ْ‬ ‫مُر َ‬‫وسلم؛ حيث أقسم بحياته في قوله‪{:‬لَعَ ْ‬
‫ق‬ ‫ك لَعَلَى ُ ُ‬ ‫ن}[الحجر‪ .]72 :‬كما أثنى عليه فقال‪{:‬وإن َّ َ‬
‫خل ٍ‬ ‫م ُهو َ‬‫ي َ ْع َ‬
‫ك} [الشرح‪ ،]4 :‬فل‬ ‫ك ذِكَْر َ‬‫عَظِيمٍ} [القلم‪ ،]4 :‬وقال‪{:‬وَرفَعْنَا ل َ َ‬
‫يُذكر بشر في الدنيا ويثنى عليه كما يُذكر النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ويثنى عليه‪.‬‬
‫‪ -2‬أن من شرط إيمان العبد أن يعظم النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وهذا هو الغرض من بعثته صلى الله عليه وسلم‪ .‬قال‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫منُوا بِالل ّهِ‬‫شرا ً ونَذِيرا ً * لِتُؤْ ِ‬ ‫شاهِدا ً و ُ‬
‫مب َ ّ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫سلْنَا َ‬‫تعالى‪{:‬إنَّا أْر َ‬
‫َ‬
‫صيلً} [الفتح‪،]9 ،8 :‬‬ ‫حوه ُ بُكَْرة ً وأ ِ‬ ‫سولِهِ وتُعَّزُِروه ُ وتُوَقُِّروه ُ وت ُ َ‬
‫سب ِّ ُ‬ ‫وَر ُ‬
‫قال ابن القيم‪( :‬وكل محبة وتعظيم للبشر فإنما تجوز تبعا ً لمحبة‬
‫الله وتعظيمه‪ ،‬كمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫وتعظيمه‪ ،‬فإنها من تمام محبة مرسله وتعظيمه‪ ،‬فإن أمته يحبونه‬
‫لمحبة الله له‪ ،‬ويعظمونه ويجلونه لجلل الله له؛ فهي محبة لله‬
‫من موجبات محبة الله‪ ،‬وكذلك محبة أهل العلم واليمان ومحبة‬
‫الصحابة رضي الله عنهم وإجللهم تابع لمحبة الله ورسوله صلى‬
‫الله عليه وسلم)‪ .‬بل المر كما قال شيخ السلم ابن تيمية‪(:‬إن‬
‫قيام المدحة والثناء عليه والتعظيم والتوقير له قيام الدين كله‪،‬‬
‫وسقوط ذلك سقوط الدين كله)‪.‬‬
‫‪ -3‬ما ميزه الله تعالى به ‪ -‬مما سبق ذكره ‪ -‬من شرف النسب‪،‬‬
‫وكرم الحسب‪ ،‬وصفاء النشأة‪ ،‬وأكمل الصفات والخلق‬
‫والفعال‪.‬‬
‫‪ -4‬ما تحمله صلى الله عليه وسلم من مشاق نشر الدعوة‪ ،‬وأذى‬
‫المشركين بالقول والفعل حتى أتم الله به الدين وأكمل به‬
‫النعمة‪ .‬مع الصحابة في تعظيمهم للنبي صلى الله عليه وسلم‬
‫وتوقيرهم له في حياته‪ :‬نال الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين‬
‫شرف لقاء النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فكان لهم النصيب‬
‫الوفى من توقيره وتعظيمه مما سبقوا به غيرهم‪ ،‬ولم‪ ،‬ولن‬
‫يدركهم من بعدهم‪ ،‬ثم شاركوا المة في تعظيمه بعد موته صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ .‬كان شأنهم في توقيره أوضح وأظهر من أن‬
‫يستدل عليه‪ ،‬وأجمل من وصف شأنهم في ذلك عروة ابن‬
‫مسعود الثقفي رضي الله عنه حين فاوض النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم في صلح الحديبية‪ ،‬فلما رجع إلى قريش قال‪(:‬أي قوم!‬
‫والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى‬
‫والنجاشي‪ ،‬والله إن رأيت ملكا ً قط يعظمه أصحابه ما يعظم‬
‫ة إل وقعت في كف‬ ‫م نخام ً‬ ‫أصحاب محمد محمداً‪ ،‬والله إن تنخ َّ‬
‫رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده‪ ،‬وإذا أمرهم ابتدروا أمره‪ ،‬وإذا‬
‫توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه‪ ،‬وإذا تكلم خفضوا أصواتهم‬
‫ما له)‪!.‬‬ ‫حدُّون النظر إليه تعظي ً‬ ‫عنده‪ ،‬وما ي ُ ِ‬
‫وقد وُصف الصحابة حال جلوسهم واستماعهم للنبي صلى الله‬
‫عليه وسلم بوصف عجيب جاء في أحاديث عدة‪ ،‬منها قول أبي‬
‫سعيد الخدري‪ :‬وسكت الناس كأن على رؤوسهم الطير‪ .‬وقال‬
‫عمرو بن العاص رضي الله عنه‪(:‬وما كان أحد أحب إلي من‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ول أجل في عيني منه‪ ،‬وما‬
‫كنت أطيق أن أمل عيني منه إجلل ً له‪ ،‬ولو سئلت أن أصفه ما‬
‫أطقت لني لم أكن أمل عيني منه)‪.‬‬
‫ولما زار أبو سفيان ابنته أم حبيبة رضي الله عنها في المدينة‪،‬‬
‫ودخل عليها بيتها‪ ،‬ذهب ليجلس على فراش رسول الله؛ فطوته‪،‬‬
‫فقال‪ :‬يا بنية! ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أو رغبت به‬
‫عني؟ فقالت‪(:‬هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وأنت‬
‫مشرك نجس‪ ،‬فلم أحب أن تجلس على فراشه)‪ .‬ومن شدة‬
‫حرص الصحابة على إكرامه وتجنب إيذائه قول أنس بن‬
‫مالك‪(:‬إن أبواب النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقرع‬
‫بالظافير)‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صوَاتَك ُ ْ‬
‫م‬ ‫منُوا ل تَْرفَعُوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ولما نزل قول الله تعالى‪{:‬يَا أيُّهَا الَذِي َ‬
‫ض أَن‬ ‫ضك ُ ْ‬
‫م لِبَعْ ٍ‬ ‫جهْرِ بَعْ ِ‬ ‫ه بِالْقَوْ ِ‬
‫ل كَ َ‬ ‫جهَُروا ل َ ُ‬
‫ي ول ت َ ْ‬ ‫ت النَّب ِ ِ ّ‬ ‫صوْ ِ‬ ‫فَوْقَ َ‬
‫َ‬ ‫تحب َ َ‬
‫ن} [الحجرات‪ ،]2 :‬قال ابن‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫م ل تَ ْ‬ ‫م وأنت ُ ْ‬ ‫مالُك ُ ْ‬ ‫ط أع ْ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫مع النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذه‬ ‫الزبير‪(:‬فما كان عمر يُس ِ‬
‫الية حتى يستفهمه)‪ ،‬وكان ثابت بن قيس جهوري الصوت يرفع‬
‫صوته عند النبي صلى الله عليه وسلم فجلس في بيته منكساً‬
‫رأسه يرى أنه من أهل النار بسبب ذلك‪ ،‬حتى بشره النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم بالجنة‪.‬‬
‫وللمحدثين نصيب‪:‬‬
‫للمحدثين رحمهم الله ورضي عنهم منهج رصين ورصيد ثري‬
‫وإسهام قوي في إجلل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫وتوقير مجلس الحديث‪ ،‬والتحفز لستباق العمل به‪ ،‬تعظيما ً له‬
‫وهذه بعض الشواهد‪ :‬حدث عمرو بن ميمون عن عبد الله بن‬
‫مسعود رضي الله عنه فكان مما قال‪ :‬وما سمعته قط يقول‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إل مرة‪ ،‬فنظرت إليه وقد‬
‫حل إزاره وانتفخت أوداجه‪ ،‬واغرورقت عيناه‪ ،‬فقال‪(:‬أو نحو ذلك‬
‫أو دون‪ ،‬أو قريبا ً من ذلك‪ ،‬أو شبه ذلك)‪ .‬وجعفر بن محمد‪ ،‬ومالك‬
‫بن أنس‪ ،‬والعمش‪ ،‬بل قد صار ذلك مستحبا ً عندهم‪ ،‬وكرهوا‬
‫خلفه‪ .‬قال ضرار بن مرة‪(:‬كانوا يكرهون أن يحدثوا عن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم وهم على غير وضوء)‪ .‬قال إسحاق‪:‬‬
‫فرأيت العمش إذا أراد أن يتحدث وهو على غير وضوء تيمم‪.‬‬
‫وكان مالك يلبس أحسن ثيابه ويتطيب ويأخذ زينته للتحديث‬
‫بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬وقال ابن أبي الزناد‪:‬‬
‫كان سعيد بن المسيب ‪ -‬وهو مريض ‪ -‬يقول‪(:‬أقعدوني؛ فإني‬
‫أكره أن أحدث حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا‬
‫مضطجع)‪ .‬ومّر مالك بن أنس على أبي خازم وهو يحدث فجازه‪،‬‬
‫وقال‪(:‬إني لم أجد موضعا ً أجلس فيه‪ ،‬فكرهت أن آخذ حديث‬
‫رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وأنا قائم)‪ .‬وكان محمد بن‬
‫سيرين يتحدث فيضحك‪ ،‬فإذا جاء الحديث خشع‪ .‬وقال سعيد بن‬
‫عامر‪(:‬كنا عند هشام الدستوائي فضحك رجل منا فقال له هشام‬
‫الدستوائي‪ :‬تضحك وأنت تطلب الحديث؟!)‪..‬‬
‫كيف نعظم النبي صلى الله عليه وسلم؟‬
‫إن المر بتوقير النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه يعني أن‬
‫ذلك عبادة لله عز وجل وقربة إليه سبحانه والعبادة التي أرادها‬
‫الله تعالى ويرضاها من العبد هي ما ابتغي به وجهه‪ ،‬وكان على‬
‫الصفة التي شرعها في كتابه العظيم وعلى لسان نبيه الكريم‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ .‬فأما الخلص في العمال وابتغاء وجه‬
‫الله فيها فهو مقتضى شهادة أن ل إله إل الله؛ لن معناها ل‬
‫معبود بحق إل الله سبحانه وتعالى‪ .‬وأما متابعة النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم فهي مقتضى الشهادة بأن محمدا ً رسول الله‪ ،‬ولزم‬
‫من لوازمها؛ إذ معنى الشهادة له بأنه رسول الله حقاً‪(:‬طاعته‬
‫فيما أمر‪ ،‬وتصديقه فيما أخبر‪ ،‬واجتناب ما عنه نهى وزجر‪ ،‬وأن ل‬
‫يعبد الله إل بما شرع)‪.‬‬
‫وهذا كمال التعظيم‪ ،‬وغاية التوقير‪ .‬وأي تعظيم أو توقير للنبي‬
‫صلى الله عليه وسلم لدى من شك في خبره‪ ،‬أو استنكف عن‬
‫طاعته‪ ،‬أو ارتكب مخالفته‪ ،‬أو ابتدع في دينه وعبد الله من غير‬
‫طريقه؟! ولذا اشتد نكير الله تعالى على من سلكوا في العبادة‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ن الدِّي ِ‬ ‫شَرع ُوا لَهُم ِّ‬
‫م َ‬ ‫شَركَاءُ َ‬
‫م ُ‬ ‫م لَهُ ْ‬
‫سبيل ً لم يشرعها‪ ،‬فقال‪{:‬أ ْ‬
‫َ‬
‫ه} [الشورى‪ .]21 :‬وقال صلى الله عليه‬ ‫ن بِهِ الل ّ ُ‬
‫م يَاًذ َ ْ‬
‫ما ل َ ْ‬
‫َ‬
‫وسلم‪«:‬من عمل عمل ً ليس عليه أمرنا فهو رد»‪ ،‬أي مردود‬
‫عليه‪.‬‬
‫ثم العبادة محلها القلب واللسان والجوارح‪:‬‬
‫ويتحقق تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم بالقلب بتقديم محبته‬
‫على النفس والوالد والولد والناس أجمعين؛ إذ ل يتم اليمان إل‬
‫بذلك‪ ،‬ثم إنه ل توقير ول تعظيم بل محبة‪ .‬وإنما يزرع هذه المحبة‬
‫معرفته لقدره ومحاسنه صلى الله عليه وسلم‪ .‬وإذا استقرت تلك‬
‫المحبة الصادقة في القلب كان لها لوازم هي في حقيقتها مظاهر‬
‫للتعظيم ودلئل عليه‪ ،‬ومن صور ذلك التعظيم‪ :‬الثناء عليه صلى‬
‫الله عليه وسلم بما هو أهله‪ ،‬وأبلغ ذلك ما أثنى عليه ربه عز‬
‫وجل به‪ ،‬وما أثنى هو على نفسه به‪ ،‬وأفضل ذلك‪ :‬الصلة‬
‫َ َ‬
‫ملئِكَت َ ُ‬
‫ه‬ ‫هو َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫والسلم عليه؛ لمر الله عز وجل وتوكيده‪{:‬إ ّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫سلِيماً}‬ ‫َ‬
‫موا ت َ ْ‬ ‫صل ّوا ع َلَيْهِ و َ‬
‫سل ِّ ُ‬ ‫منُوا َ‬
‫نآ َ‬ ‫ي يَا أيُّهَا الَذِي َ‬
‫ن ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬ ‫صل ّو َ‬‫يُ َ‬
‫[الحزاب‪ ،]56 :‬وهذا إخبار من الله تعالى‪( :‬بمنزلة عبده ونبيه‬
‫عنده في المل العلى بأنه يثني عليه عند الملئكة المقربين‪ ،‬وأن‬
‫الملئكة تصلي عليه‪ ،‬ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلة‬
‫والتسليم عليه ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي‬
‫والسفلي جميعا)‪ ،‬وصلة المؤمنين عليه هي الدعاء طلبا ً للمزيد‬
‫من الثناء عليه‪ .‬والصلة عليه مشروعة في عبادات كثيرة‬
‫كالتشهد والخطبة وصلة الجنازة وبعد الذان وعند الدعاء وغيرها‬
‫من المواطن‪ .‬وأفضل صيغها‪ :‬ما علمه النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم لصحابه حين قالوا‪ :‬أما السلم عليك فقد عرفناه‪ ،‬فكيف‬
‫الصلة؟ قال‪« :‬قولوا‪ :‬اللهم صل على محمد‪ ،‬وعلى آل محمد‪،‬‬
‫كما صليت على آل إبراهيم‪ ،‬إنك حميد مجيد‪ .‬اللهم بارك على‬
‫محمد‪ ،‬وعلى آل محمد‪ ،‬كما باركت على آل إبراهيم‪ ،‬إنك حميد‬
‫مجيد»‪.‬‬
‫وغير خاف عليك ما في الصلة عليه من الفوائد والثمرات من‬
‫كونها سببا ً لحصول الحسنات‪ ،‬ومحو السيئات‪ ،‬وإجابة الدعوات‪،‬‬
‫وحصول الشفاعة‪ ،‬وصلة الله على العبد‪ ،‬ودوام محبة النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم وزيادتها‪ ،‬والنجاة من البخل‪ .‬ومن تعظيمه‪:‬‬
‫التأدب عند ذكره صلى الله عليه وسلم بأن ل يذكر باسمه‬
‫مجرداً‪ ،‬بل يوصف بالنبوة أو الرسالة‪ ،‬وهذا كما كان أدبا ً للصحابة‬
‫رضي الله عنهم في ندائه فهو أدب لهم ولغيرهم عند ذكره‪ ،‬فل‬
‫يقل‪ :‬محمد‪ ،‬ولكن‪ :‬نبي الله‪ ،‬أو الرسول‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫وهذه خصيصة له في خطاب الله في كتابه الكريم دون إخوانه‬
‫من النبياء عليهم الصلة والسلم فلم يخاطبه تعالى قط باسمه‬
‫مجرداً‪ ،‬وحين قال‪{:‬ما كَان مح َ َ َ‬
‫م}[الحزاب‪:‬‬ ‫جالِك ُ ْ‬
‫من ّرِ َ‬ ‫حد ٍ ِّ‬ ‫مد ٌ أبَا أ َ‬ ‫َ ُ َ َّ‬ ‫َ‬
‫ن}‪ .‬يجيء التوجيه‬ ‫َ‬
‫م الن ّبِيِّي َ‬ ‫خات َ َ‬‫ل اللهِ و َ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬ ‫‪ ]40‬قال بعدها‪{:‬ولَكِن َّر ُ‬
‫ل بَيْنَك ُ ْ‬
‫م‬ ‫سو ِ‬ ‫جعَلُوا دُع َاءَ الَّر ُ‬ ‫إلى هذا الدب في قوله تعالى‪{ :‬ل ت َ ْ‬
‫ضكُم بَعْضاً}[النور‪.]63 :‬‬ ‫كَدُع َاءِ بَعْ ِ‬
‫ومنه‪ :‬الكثار من ذكره‪ ،‬والتشوق لرؤيته‪ ،‬وتعداد فضائله‬
‫وخصائصه ومعجزاته ودلئل نبوته‪ ،‬وتعريف الناس بسنته‬
‫وتعليمهم إياها‪ ،‬وتذكيرهم بمكانته ومنزلته وحقوقه‪ ،‬وذكر صفاته‬
‫وأخلقه وخلله‪ ،‬وما كان من أمور دعوته وسيرته وغزواته‪،‬‬
‫والتمدح بذلك شعرا ً ونثراً‪.‬‬
‫وأسعد الناس حظا ً بذلك‪ :‬المحدثون والمشتغلون بسنة النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ .‬والشرط في ذلك‪ :‬كونه في حدود‬
‫المشروع‪ ،‬وسطا ً بين الجفاء وبين الغلو والطراء‪ .‬استشعار هيبته‬
‫صلى الله عليه وسلم ولجللة قدره وعظيم شأنه‪ ،‬واستحضاره‬
‫لمحاسنه ومكانته ومنزلته‪ ،‬والمعاني الجالبة لحبه وإجلله وكل ما‬
‫من شأنه أن يجعل القلب ذاكرا ً لحقه من التوقير والتعزير‪،‬‬
‫ومعترفا ً به ومذعنا ً له‪ ،‬فالقلب ملك العضاء‪ ،‬وهي جند له وتبع‪،‬‬
‫فمتى ما كان تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم مستقرا ً في‬
‫القلب مسطورا ً فيه على تعاقب الحوال فإن آثار ذلك ستظهر‬
‫على الجوارح حتما ً ل محالة‪.‬‬
‫وحينئذ سترى اللسان يجري بمدحه والثناء عليه وذكر محاسنه‪،‬‬
‫وترى باقي الجوارح ممتثلة لما جاء به ومتبعة لشرعه وأوامره‪،‬‬
‫ومؤدية لماله من الحق والتكريم‪ .‬وبرهان التعظيم الصادق هو‬
‫تعظيم ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الشريعة‬
‫المتضمنة في الكتاب والسنة كما فهمها سلف المة‪ ،‬وذلك‬
‫باتباعها والتزامها قلبا ً وقالباً‪ ،‬وتحكيمها في كل مناحي الحياة‬
‫وشؤونها الخاصة والعامة؛ ومحال أن يتم اليمان بدون‬
‫َ‬ ‫ل وأَطَعْنَا ث ُ َّ‬ ‫َ‬
‫منْهُم‬ ‫م يَتَوَل ّى فَرِيقٌ ِّ‬ ‫سو ِ‬ ‫منَّا بِالل ّهِ وبِالَّر ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذلك‪{:‬ويَقُولُو َ‬
‫ن}[النور‪..]47:‬‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ك بِال ْ ُ‬‫ما أُوْلَئ ِ َ‬
‫كو َ‬ ‫ن بَعْد ِ ذَل ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫ِّ‬
‫فإن هذا هو مقتضى التعظيم الحقيقي والتوقير الصادق؛ إذ‬
‫العبرة بالحقائق ل بالمظاهر والشكال الجوفاء‪ ،‬ولذا قدم الله عز‬
‫وجل هذا الدب العظيم على سائر الداب الواجبة مع النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬فنهى عن التقدم بين يديه بأمر دون أمره أو‬
‫قول دون قوله‪ ،‬بل يكونون تبعا ً لمره منقادين له مجتنبين نهيه‪،‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫موا بَي ْ َ‬ ‫دّ ُ‬
‫منُوا ل تُقَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫الحجرات‪{:‬يَا َ أيُّهَا الَذِي َ‬ ‫َ‬
‫فقال في أول سورة‬
‫َ‬
‫م} [الحجرات‪.]1:‬‬ ‫ميعٌ عَلِي ٌ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ه إ َّ‬‫سولِهِ واتَّقُوا الل ّ َ‬ ‫ي الل ّهِ وَر ُ‬ ‫يَد َ ِ‬
‫ومن التقدم بين يديه‪ :‬تقديم القوانين والتشريعات البشرية على‬
‫شريعته‪ ،‬أو تفضيل حكم غيره على حكمه أو مساواته به‪ ،‬أو‬
‫حتَّى‬ ‫ن َ‬ ‫منُو َ‬‫ك ل يُؤْ ِ‬ ‫التزام منهج مخالف لهديه وسنته‪{:‬فَل وَرب ِّ َ‬
‫َ‬
‫ما‬ ‫حَرجا ً ِّ‬
‫م َّ‬ ‫م َ‬ ‫سهِ ْ‬‫جدُوا فِي أن ُف ِ‬ ‫م ل يَ ِ‬ ‫م ث ُ َّ‬
‫جَر بَيْنَهُ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ما َ‬ ‫ك فِي َ‬‫مو َ‬ ‫كّ ُ‬
‫ح ِ‬‫يُ َ‬
‫سلِيماً} [النساء‪.]65:‬‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ِّ ُ‬‫ت وي ُ َ‬ ‫ضي ْ َ‬‫قَ َ‬
‫وأسعد الناس حظا ً بسنته وأقربهم إلى الشرب من حوضه‪ :‬أهل‬
‫السنة والجماعة‪ ،‬فهم من أحيوا سنته واتبعوا شريعته وهديه‪.‬‬
‫ومن توقيره وتعظيمه صلى الله عليه وسلم توقيره في آله‪،‬‬
‫ومنهم أهل بيته رضي الله عنهم أجمعين ورعاية وصيته بهم‬
‫بمعرفة فضلهم ومنزلتهم وشرفهم بقربهم من النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم زيادة على إيمانهم‪ ،‬وبحفظ حقوقهم والقيام بها‪ ،‬فهم‬
‫أشرف آل على وجه الرض‪ ،‬وأزواجه أمهات المؤمنين‬
‫َ‬
‫س‬
‫ج َ‬ ‫م الّرِ ْ‬ ‫ب ع َنك ُ ُ‬ ‫ه لِيُذْه ِ َ‬ ‫ريد ُ الل ّ ُ‬
‫ما ي ُ ِ‬ ‫الطاهرات‪ ،‬قال الله تعالى‪{:‬إن َّ َ‬
‫م تَطْهِيراً} [الحزاب‪ ،]33 :‬وقد أوجب الله‬ ‫ت ويُطَهَِّرك ُ ْ‬ ‫ل البَي ْ ِ‬‫أَهْ َ‬
‫الصلة عليهم تبعا ً للصلة على النبي صلى الله عليه وسلم في‬
‫التشهد في الصلة‪.‬‬
‫ومنه‪ :‬توقيره في سائر صحبه رضي الله عنهم جميعا ً فإنهم خيرة‬
‫الناس بعد النبياء‪ ،‬وخيرة الله لصحبة نبيه‪ ،‬وهم حماة المصطفى‬
‫صلى الله عليه وسلم والمناء على دينه وسنته وأمته‪ ،‬وذلك‬
‫بمعرفة فضلهم‪ ،‬ورعاية حقوقهم‪ ،‬فإن الطعن فيهم أو تنقُّصهم‬
‫عنوان الزندقة‪ .‬ومنه‪ :‬الدب في مسجده‪ ،‬وكذا عند قبره‪ ،‬وترك‬
‫اللغط ورفع الصوت‪ ،‬ولذا أنكر عمر رضي الله عنه على من رفع‬
‫صوته فيه‪ .‬فقال للرجلين‪(:‬ترفعان أصواتكما في مسجد النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم؟! لو كنتما من أهل المدينة لوجعتكما‬
‫ضرباً)‪.‬‬
‫ومن تعظيمه‪ :‬حفظ حرمة بلده المدينة النبوية؛ فإنها مهاجره‪،‬‬
‫ودار نصرته‪ ،‬وبلد أنصاره‪ ،‬ومحل إقامة دينه‪ ،‬ومدفنه‪ ،‬وفيها‬
‫مسجده خير المساجد بعد المسجد الحرام‪ .‬والمقصود من‬
‫تعظيم المدينة هو تعظيم حرمها‪ ،‬وهذا أمر واجب في حق من‬
‫سكن بها أو دخل فيها‪ ،‬مع ما يجب على ساكنيها من مراعاة حق‬
‫المجاورة وحسن التأدب فيها‪ ،‬وذلك لما لها من المنزلة والمكانة‬
‫عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وسلم فيتأكد فيها العمل‬
‫الصالح وتعظم فيها السيئة؛ لشرف المكان‪.‬‬
‫صور من البخس‪:‬‬
‫بعد هذه الجولة الماتعة مع حق عظيم للنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فإنه ل يسوغ أبدا ً لمنتسب إلى السنة أن يجفو في حق‬
‫نبيه صلى الله عليه وسلم فيخل بما يجب له من الجلل والتوقير‬
‫والتعظيم‪ .‬ومن صور الخلل‪ :‬التقصير في معرفته أو معرفة‬
‫سيرته وهديه أو فهم سنته أو الخلل في تطبيقها غلوا ً أو جفاء‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬إساءة العمل والتقصير في الصالحات‪ ،‬وخاصة ممن‬
‫ينتسب لل بيته الكرام‪ .‬ومن العجيب مع تأكد هذا الحق العظيم‬
‫أن يقع التعرض بسوء للمؤمنين الصادقين من آل البيت! وأعجب‬
‫منه سب صحابته والنيل من أزواجه الطاهرات! وأكبر منها‬
‫الساءة إلى ذات النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬والجرأة على نقده‬
‫ولمز شريعته في ديار المسلمين!! ثم أين هو من دين النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم من يستبدل شريعته بقوانين البشر‪ ،‬أو يهزأ‬
‫من هديه‪ ،‬أو يتعالى على سنته؟!‬
‫َّ‬
‫وبعد‪ :‬يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! هل عظم نبيكم‬
‫وحبيبكم صلى الله عليه وسلم من حلف به مع أنه صلى الله‬
‫عليه وسلم يقول‪«:‬من كان حالفا ً فليحلف بالله أو ليصمت»‪،‬‬
‫َ‬
‫ويقول‪«:‬من حلف بغير الله فقد أشرك»؟! وهل عظ ّمه من‬
‫توسل بذاته مع أن الصحابة توسلوا بدعائه ل بذاته‪ ،‬كما في‬
‫حديث عمر حين طلب من العباس الدعاء والستسقاء والنبي‬
‫َ‬
‫صلى الله عليه وسلم عندهم في قبره؟! وهل عظ ّمه من توجه‬
‫إليه طالبا ً منه الشفاعة مع أن الله عز وجل بين للمة أن‬
‫الشفاعة ل تكون إل بإذنه تعالى ورضاه‪ ،‬وأمر من أراد الشفاعة‬
‫بطلبها بطاعته؟! وهل عظمه من استغاث به مع أنه بشر ل يملك‬
‫من أمره شيئا؟! أليس هذا تنكرا ً لمحبته وتعديا ً لشرعه وعصياناً‬
‫لمره؟ حيث قال‪«:‬ل تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم‪،‬‬
‫فإنما أنا عبده‪ ،‬فقولوا عبد الله ورسوله»؟!‬
‫وهل من تعظيمه البتداع في دينه‪ ،‬والزيادة في شريعته من‬
‫التمسح بحجرته أو الحتفال بمولده بعد اتفاقنا على نصحه لمته‬
‫ودللتها على كل حسن؟! فأي حسن في عمل احتفالت ساعات‬
‫أو أيام ثم التقصير والهمال في سائر العام؟! وأي حسن في‬
‫الحتفال بزمن توفي فيه المصطفى ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬؟!‬
‫وأي حسن في مشابهة دين النصارى المفتونين بالحتفالت؟!‬
‫وأي حسن في التعدي على فقه الفاروق حين أَّرخ بهجرة‬
‫المصطفى صلى الله عليه وسلم رمز انتصار دينه‪ ،‬ولم يؤرخ‬
‫بمولده ووفاته‪ ،‬تقديما ً للحقائق والمعاني على الطقوس‬
‫والشكال؟! وأي حسن في تجديد دين الدولة العبيدية الباطنية‬
‫الحاقدة التي ابتدعت ذلك الحتفال؟! وأي حسن في عمل لم‬
‫يشرعه الحبيب صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ولم يفعله أنصاره وحماة‬
‫دينه وحملة رسالته رضي الله عنهم؟ أليسوا أصدق الناس حباً‬
‫له؟! أليس فقه الراشدين وفهمهم وسنتهم مما أوصاكم به نبيكم‬
‫صلى الله عليه وسلم قائل‪ :‬عليكم بسنتي وسنة الخلفاء‬
‫الراشدين المهديين من بعدي‪ ،‬عضوا عليها بالنواجذ؟! أليس فعل‬
‫المولد مخالفة لمره‪ :‬وإياكم ومحدثـات المور‪ ،‬فإن كل محدثة‬
‫بدعة‪ ،‬وكل بدعة ضللة؟!‬
‫فأي تعظيم للنبي صلى الله عليه وسلم في هذه الموالد التي‬
‫صارت ركبا ً للمدعين‪ ،‬وحجة للبطالين؟! أل ترون المولد بعد هذا‬
‫تقصيرا ً في حق حبيبنا صلى الله عليه وسلم وظلما ً له؟! اللهم‬
‫اجعلنا من المعظمين رسولنا ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬حق‬
‫التعظيم المتبعين شرعه‪ ،‬السائرين على دربه‪ ،‬المهتدين بهديه‪،‬‬
‫اللهم أحينا على سنته‪ ،‬ول تحرمنا من مرافقته في الجنة‪ ..‬آمين‪.‬‬
‫‪ .20‬حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على‬
‫المسلمين‬
‫الشيخ‪ /‬صلح الدين علي بن عبد الموجود‬
‫الحمد لله رب العالمين والصلة والسلم على نبينا محمد وعلى‬
‫آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫فإن من أعظم الحقوق على المسلمين كافة وأهل العلم خاصة‬
‫بيان فضل نبيهم صلى الله عليه وسلم وعظيم قدره عند الله‬
‫تبارك وتعالى وعند أصحابه الذين اتبعوه وعاشوا معه ورأوه‪،‬‬
‫وكيف ترجم هذا الجيل هذه المحبة إلى واقع وسلوك!! فما أحوج‬
‫المسلمون اليوم أن يعرفوا حق نبيهم صلى الله عليه وسلم‬
‫عليهم حتى يحبوه كما أحبه ذلك الجيل ويتبعوه كما اتبعه ذلك‬
‫الجيل‪.‬‬
‫وإن شئت أن ترى بعض المكانة عند الصحابة رضي الله عنهم‬
‫فتأمل هذا الوصف الذي رآه عروة ابن مسعود الثقفي سيد من‬
‫سادات قريش‪ ،‬وهم من أشد خلق الله عداوة له حينما جاء‬
‫ن عُْروَةَ‬ ‫م إ ِ َّ‬ ‫يفاوض النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية (ث ُ َّ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ل يرمق أ َ‬
‫ل فَ َ‬
‫و‬ ‫م بِعَيْنَيْهِ قَا َ‬ ‫َ‬ ‫سل‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫ُ‬ ‫صل ّى الل‬ ‫َ‬ ‫ي‬
‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب النَّب‬ ‫حا َ‬ ‫ص َ‬ ‫ْ‬ ‫ج َعَ َ َ ْ ُ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ت‬ ‫ة إ ِل وَقَعَ ْ‬ ‫م ً‬ ‫خا َ‬ ‫م نُ َ‬ ‫سل َ‬ ‫ه ع َليْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫م َر ُ‬ ‫خ َ‬ ‫ما تَن َ ّ‬ ‫اللهِ َ‬
‫َ‬
‫م ابْتَدَُروا‬ ‫م ََرهُ ْ‬ ‫جلْدَه ُ وَإِذ َا أ َ‬ ‫ه وَ ِ‬ ‫جهَ ُ‬ ‫ك بِهَا َو ْ‬ ‫م فَدَل َ َ‬ ‫منْهُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ج‬
‫ف َر ُ‬ ‫فِي ك َ ِ ّ‬
‫أ َمره وإذ َا تو َ َ‬
‫ضوا‬ ‫خفَ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ضوئِهِ وَإِذ َا تَكَل ّ َ‬ ‫ن ع َلَى وَ ُ‬ ‫ضأ كَادُوا يَقْتَتِلُو َ‬ ‫ْ َ ُ َِ َ َ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫جعَ عُْروَة ُ إِلى‬ ‫ه فََر َ‬ ‫ما ل ُ‬ ‫ن َ إِليْهِ الن ّظَر تَعْظِي ً‬ ‫حد ّو َ‬ ‫ما ي ُ ِ‬ ‫عنْدَه ُ َو َ‬ ‫م ِ‬ ‫صوَاتَهُ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫ت ع َلَى‬ ‫أ َصحابه فَقَا َ َ‬
‫ك وَوَفَد ْ ُ‬ ‫ملُو ِ‬ ‫ُ‬ ‫ت ع َلَى ال ْ‬ ‫ُ‬ ‫ل أيْ قَوْم ِ وَالل ّهِ لَقَد ْ وَفَد ْ‬ ‫ْ َ ِ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫حاب ُ ُ‬‫ص َ‬ ‫هَ أ ْ‬ ‫م ُ‬‫ط يُعَظ ِّ ُ‬ ‫ملِكًا قَ ّ‬
‫َ‬ ‫ت َ‬ ‫ن َرأي ْ ُ‬ ‫ي وَالل ّهِ إ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ش ِّ‬ ‫جا ِ‬ ‫سَرى وَالن َّ َ‬ ‫صَر وَك ِ ْ‬ ‫قَي ْ َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫مدًا وَالل ّهِ إ ِ ْ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫م ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫مد ٍ َ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ب ُ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ْ‬ ‫مأ‬ ‫ُ‬ ‫ما يُعَظ ِّ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫جلدَهُ‬ ‫ه وَ ِ‬ ‫جهَ ُ‬ ‫م فدَلك بِهَا وَ ْ‬ ‫منْهُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج ٍَ‬ ‫ف َر ُ‬ ‫ت فِي ك ِ ّ‬ ‫ة إ ِل وَقعَ ْ‬ ‫م ً‬ ‫خا َ‬ ‫م نُ َ‬ ‫خ َ‬ ‫تَن َ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ضوئ ِ ِ‬ ‫ن ع َلَى وَ ُ‬ ‫ضأ كَادُوا يَقْتَتِلُو َ‬ ‫و َّ‬ ‫مَره ُ وَإِذ َا ت َ َ‬ ‫م ابْتَدَُروا أ ْ‬ ‫مَرهُ ْ‬ ‫وَإِذ َا أ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن إِلَيْهِ النَّظََر تَعْظِي ً‬
‫ما‬ ‫حدُّو َ‬
‫ما ي ُ ِ‬
‫عنْدَه ُ وَ َ‬
‫م ِ‬‫صوَاتَهُ ْ‬
‫ضوا أ ْ‬‫خفَ ُ‬ ‫وَإِذ َا تَكَل ّ َ‬
‫م َ‬
‫ه) [رواه البخاري]‪.‬‬ ‫لَ ُ‬
‫ول خفاء على من مارس شيئا ً من العلم‪ ،‬أو خص بأدنى لمحة من‬
‫فهم‪ ،‬بتعظيم الله تعالى قدر نبينا صلى الله عليه وسلم‪ ،‬و‬
‫خصوصه إياه بفضائل و محاسن و مناقب ل تنضبط لزمام‪ ،‬و‬
‫تنويهه من عظيم قدره بما تكل عنه اللسنة و القلم‪.‬‬
‫فمنها ما صرح به الله تعالى في كتابه‪ ،‬و نبه به على جليل نصابه‪،‬‬
‫و أثنى عليه من أخلقه و آدابه‪ ،‬و حض العباد على التزامه‪ ،‬و تقلد‬
‫إيجابه‪ ،‬فكان جل جلله هو الذي تفضل و أولى‪ ،‬ثم طهر و زكى‪،‬‬
‫ثم مدح بذلك و أثنى‪ ،‬ثم أثاب عليه الجزاء الوفى‪ ،‬فله الفضل‬
‫بدءا ً و عودا ‪ ،‬و الحمد أولى و أخرى‪.‬‬
‫ومنها ما أبرزه للعيان من خلقه على أتم وجوه الكمال و الجلل‪،‬‬
‫و تخصيصه بالمحاسن الجميلة و الخلق الحميدة‪ ،‬و المذاهب‬
‫الكريمة‪ ،‬و الفضائل العديدة‪ ،‬و تأييده بالمعجزات الباهرة‪ ،‬و‬
‫البراهين الواضحة‪ ،‬و الكرامات البينة التي شاهدها من عاصره و‬
‫رآها من أدركه‪ ،‬و علمها علم يقين من جاء بعده‪ ،‬حتى انتهى علم‬
‫ذلك إلينا‪ ،‬و فاضت أنواره علينا‪.‬‬
‫فاعلم أيها المحب لهذا النبي الكريم صلى الله عليه و سلم‪،‬‬
‫الباحث عن تفاصيل جمل قدره العظيم أن خصال الجلل و‬
‫الكمال في البشر نوعان‪ :‬ضروري دنيوي اقتضته الجبلة و‬
‫ضرورة الحياة الدنيا‪ ،‬و مكتسب ديني‪ ،‬و هو ما يحمد فاعله‪ ،‬و‬
‫يقرب إلى الله تعالى زلفى‪.‬‬
‫فأما الضروري المحض فما ليس للمرء فيه اختيار و ل اكتساب‪،‬‬
‫مثل ما كان في جبلته من كمال خلقته‪ ،‬و جمال صورته‪ ،‬و قوة‬
‫عقله‪ ،‬و صحة فهمه‪ ،‬و فصاحة لسانه‪ ،‬و قوة حواسه و أعضائه‪ ،‬و‬
‫اعتدال حركاته‪ ،‬و شرف نسبه‪ ،‬و عزة قومه‪ ،‬وكرم أرضه‪ ،‬و‬
‫يلحق به ما تدعوه ضرورة حياته إليه‪ ،‬من غذائه و نومه‪ ،‬و ملبسه‬
‫و مسكنه‪ ،‬و منكحه‪ ،‬و ما له و جاهه‪.‬‬
‫و قد تلحق هذه الخصال الخرة بالخروية إذا قصد بها التقوى و‬
‫معونة البدن على سلوك طريقها‪ ،‬و كانت على حدود الضرورة و‬
‫قوانين الشريعة‪.‬‬
‫و أما المكتسبة الخروية فسائر الخلق العلية‪ ،‬و الداب‬
‫الشرعية‪ :‬من الدين و العلم‪ ،‬و الحلم‪ ،‬و الصبر‪ ،‬و الشكر‪ ،‬و‬
‫المروءة‪ ،‬و الزهد‪ ،‬و التواضع‪ ،‬و العفو‪ ،‬والعفة‪ ،‬و الجود‪ ،‬و‬
‫الشجاعة‪ ،‬و الحياء‪ ،‬والصمت‪ ،‬و التؤدة‪ ،‬و الوقار‪ ،‬و الرحمة‪ ،‬و‬
‫حسن الدب و المعاشرة‪ ،‬و أخواتها‪ ،‬و هي التي جمعها حسن‬
‫الخلق‪.‬‬
‫و قد يكون من هذه الخلق ما هو في الغريزة و أصل الجبلة‬
‫لبعض الناس وقد يختلف الناس بعضهم عن بعض في هذه ولكن‬
‫أن تجمع لشخص واحد فهذا من عظيم الفضل لهذا النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪.‬‬
‫لقد أخذ سبحانه العهد على جميع النبياء أن أدركوه أن يتبعوه‬
‫ويخبروا بذلك قومهم‪.‬‬
‫ب‬‫من كِتَا ٍ‬ ‫ما آتَيْتُكُم ِّ‬ ‫َ‬
‫نل َ‬ ‫َ‬
‫ميثَاقَ الن ّبِيِّي ْ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ّ‬
‫خذ َ الل ُ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬وَإِذ ْ أ َ َ‬
‫صُرن َّ ُ‬
‫ه‬ ‫ن بِهِ وَلَتَن ُ‬ ‫من ُ َّ‬ ‫م لَتُؤْ ِ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫صدِّقٌ ل ِّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُّ‬ ‫سو ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫جاءك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫مةٍ ث ُ َّ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫وَ ِ‬
‫شهَدُواْ‬ ‫صرِي قَالُوا ْ أقَْرْرنَا قَا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل فَا ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫م ع َلَى ذَلِك ُ ْ‬ ‫خذ ْت ُ ْ‬ ‫م وَأ َ‬ ‫ل أأقَْرْرت ُ ْ‬ ‫قَا َ‬
‫من ال َّ‬ ‫َ‬
‫ن} [آل عمران ‪]81‬‬ ‫شاهِدِي َ‬ ‫معَكُم ِّ َ‬ ‫وَأنَا ْ َ‬
‫وبين سبحانه وتعالى أن محمدا صلى الله عليه وسلم أمانا لهم‬
‫ب قَدْ‬ ‫ل الْكِتَا ِ‬ ‫مما حرفه أحبارهم وعلماؤهم فقال تعالى‪{ :‬يَا أَهْ َ‬
‫ب وَيَعْفُو‬ ‫ن الْكِتَا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫خفُو َ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫ما كُنت ُ ْ‬ ‫م َّ‬‫م كَثِيرا ً ِّ‬ ‫ن لَك ُ ْ‬ ‫سولُنَا يُبَي ِّ ُ‬ ‫م َر ُ‬ ‫جاءك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن} [المائدة ‪]15‬‬ ‫مبِي ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ب ّ‬ ‫ن اللهِ نُوٌر وَكِتَا ٌ‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫جاءكم ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ع َن كثِيرٍ قَد ْ َ‬ ‫َ‬
‫وامتن على البشرية كافة أن بعث رسول منهم وليس ملكا حتى‬
‫ل تيأس النفس وتعجز عن العبادة إذ ل طاقة لبشر بمتابعة عبادة‬
‫مل َ ٌ‬
‫ك‬ ‫ل ع َلَيْهِ َ‬ ‫مما تقوم بها الملئكة قال تعالى‪{ :‬وَقَالُوا ْ لَوْل أُنزِ َ‬
‫ملَكاً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جعَلْنَاه ُ َ‬ ‫ن(‪ )8‬وَلَوْ َ‬ ‫م ل َ يُنظَُرو َ‬ ‫مُر ث ُ َّ‬ ‫ي ال ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ملَكا ً ل ّقُ ِ‬ ‫َوَلَوْ أنَزلْنَا َ‬
‫ن(‪[})9‬النعام ‪]9 - 8‬‬ ‫سو َ‬ ‫ما يَلْب ِ ُ‬ ‫سنَا ع َلَيْهِم َّ‬ ‫جل ً وَلَلَب َ ْ‬ ‫جعَلْنَاه ُ َر ُ‬ ‫لّ َ‬
‫َ‬ ‫ل يَأْك ُ ُ‬
‫شي فِي‬ ‫م ِ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫ل الط ّعَا َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ل هَذ َا الَّر ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬وَقَالُوا َ‬
‫ه نَذِيراً} [الفرقان ‪]7‬‬ ‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ك فَيَكُو َ‬ ‫مل َ ٌ‬ ‫ل إِلَيْهِ َ‬ ‫ق لَوَْل أُنزِ َ‬ ‫سوَا ِ‬ ‫اْل ْ‬
‫َ‬
‫فكان من فضل الله ورحمته لقامة الحجة كاملة على خلقه‬
‫وعباده أن بعث فيهم رسول يأكل كما يأكلون ويشرب كما‬
‫يشربون وينام كما ينامون‪.‬‬
‫َ‬
‫ما ع َنِت ُّ ْ‬
‫م‬ ‫م ع َزِيٌز ع َلَيْهِ َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ن أنْفُ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫سو ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫جاءَك ُ ْ‬ ‫قال تعالى‪{:‬لَقَد ْ َ‬
‫م} [التوبة ‪]128‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫ف َر ِ‬ ‫ن َرؤ ُو ٌ‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م بِال ْ ُ‬ ‫ص ع َلَيْك ُ ْ‬ ‫حرِي ٌ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫م‬‫سهِ ْ‬ ‫ن أن ُف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫سول ً ِّ‬ ‫م َر ُ‬ ‫ث فِيهِ ْ‬ ‫ن إِذ ْ بَعَ َ‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤ ِ‬ ‫ه ع َلَى ال ْ ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫م َّ‬ ‫{لَقَد ْ َ‬
‫من‬ ‫ة وَإِن كَانُوا ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ب وَال ْ ِ‬ ‫م الْكِتَا َ‬ ‫مهُ ُ‬ ‫م وَيُعَل ِّ ُ‬ ‫م آيَاتِهِ وَيَُزكِّيهِ ْ‬ ‫يَتْلُو ع َلَيْهِ ْ‬
‫ن} [آل عمران ‪]164‬‬ ‫ٍ‬ ‫مبِي‬ ‫ل ُّ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫ل لَفِي َ‬ ‫قَب ْ ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫م آيَاتِهِ وَيَُزكِّيهِ ْ‬
‫م‬ ‫م يَتْلُو ع َلَيْهِ ْ‬ ‫منْهُ ْ‬ ‫سول ً ِّ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ميِّي َ‬ ‫ث فِي اْل ِّ‬ ‫{هُوَ ال ّذِي بَعَ َ‬
‫ن}‬ ‫مبِي ٍ‬ ‫ل ُّ‬ ‫ضَل ٍ‬ ‫ل لَفِي َ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫ة وَإِن كَانُوا ِ‬ ‫م َ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ب وَال ْ ِ‬ ‫م الْكِتَا َ‬ ‫مهُ ُ‬ ‫وَيُعَل ِّ ُ‬
‫[الجمعة ‪]2‬‬
‫{ك َ َ‬
‫م آيَاتِنَا َويَُز ِكّيك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م يَتْلُو ع َلَيْك ُ ْ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫سول ً ِّ‬ ‫م َر ُ‬ ‫سلْنَا فِيك ُ ْ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫َ‬
‫ن}‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬
‫م تَكونُوا تَعْل ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ما ل ْ‬ ‫َ‬ ‫مكم َّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ة وَيُعَل ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫حك َ‬ ‫ْ‬ ‫ب وَال ِ‬‫ْ‬ ‫م الكِتَا َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫مك ُ‬ ‫وَيُعَل ِّ ُ‬
‫[البقرة ‪]151‬‬
‫قال جعفر ابن محمد‪ :‬علم الله عجز خلقه عن طاعته‪ ،‬فعرفهم‬
‫ذلك‪ ،‬لكي يعلموا أنهم ل ينالون الصفو من خدمته‪ ،‬فأقام بينهم و‬
‫بينه مخلوقا ً من جنسهم في الصورة‪ ،‬و ألبسه من نعمته الرأفة و‬
‫الرحمة‪ ،‬وأخرجه إلى الخلق سفيرا ً صادقاً‪ ،‬وجعل طاعته من‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه} [النساء‬ ‫ل فَقَد ْ أطَاع َ الل ّ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ن يُطِِع الَّر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫طاعته‪ ،‬فقال تعالى‪َ { :‬‬
‫‪]80‬‬
‫ب‬‫ظ الْقَل ْ ِ‬ ‫ت فَظّا ً غَلِي َ‬ ‫م وَلَوْ كُن َ‬ ‫ت لَهُ ْ‬ ‫ن اللّهِ لِن َ‬ ‫م َ‬‫مةٍ ِّ‬ ‫ح َ‬ ‫ما َر ْ‬ ‫{فَب ِ َ‬
‫َ‬
‫مرِ‬‫م فِي ال ْ‬ ‫شاوِْرهُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ستَغْفِْر لَهُ ْ‬ ‫م وَا ْ‬ ‫ف ع َنْهُ ْ‬ ‫ك فَاع ْ ُ‬ ‫حوْل ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ضوا ْ ِ‬ ‫لَن َف ُّ‬
‫َ‬
‫ن} [آل‬ ‫متَوَكِّلِي َ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ُّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ل ع َلَى اللّهِ إ ِ َّ‬ ‫ت فَتَوَك ّ ْ‬ ‫م َ‬ ‫فَإِذ َا عََز ْ‬
‫عمران ‪]159‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن} [النبياء ‪]107‬‬ ‫مي َ‬ ‫ة ل ِّلْعَال َ ِ‬ ‫م ً‬‫ح َ‬ ‫ك إ ِ ّل َر ْ‬ ‫سلْنَا َ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫{وَ َ‬
‫ً‬
‫قال أبو بكر بن طاهر‪ :‬زين الله تعالى محمدا صلى الله عليه و‬
‫سلم بزينة الرحمة‪ ،‬فكان كونه رحمة‪ ،‬و جميع شمائله و صفاته‬
‫رحمة على الخلق‪ ،‬فمن أصابه شيء من رحمته فهو الناجي في‬
‫الدارين من كل مكروه‪ ،‬و الواصل فيهما إلى كل محبوب‪ ،‬أل ترى‬
‫ْ َ َ‬ ‫َ‬
‫ن}‪ ،‬فكانت حياته‬ ‫مي َ‬ ‫ة ل ِّلْعَال َ ِ‬ ‫م ً‬
‫ح َ‬ ‫ك إ ِ ّل َر ْ‬ ‫سلنَا‬ ‫ما أْر َ‬ ‫{و َ‬ ‫أن الله يقول‪َ :‬‬
‫رحمة‪ ،‬و مماته رحمة‪.‬‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫سلْنَا َ‬ ‫َ‬ ‫{يَا أَيُّهَا النَّب ِ ُّ‬
‫عيا إِلى‬ ‫شرا وَنَذِيرا(‪ )45‬وَدَا ِ‬ ‫مب َ ّ ِ‬ ‫شاهِدا وَ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫ي إِنَّا أْر َ‬
‫َ‬
‫منِيراً(‪[ })46‬الحزاب ‪.]46 - 45‬‬ ‫سَراجا ً ُّ‬ ‫الل ّهِ بِإِذ ْنِهِ وَ ِ‬
‫جمع الله تعالى في هذه الية لنبيه صلى الله عليه وسلم ما آثره‬
‫به على باقي الخلق‪ ،‬و جملة من أوصاف المدح‪ ،‬فجعله شاهداً‬
‫على أمته لنفسه بإبلغهم الرسالة‪ ،‬وهي من خصائصه صلى الله‬
‫عليه و سلم‪ ،‬ومبشرا ً لهل طاعته‪ ،‬ونذيرا ً لهل معصيته‪ ،‬وداعياً‬
‫إلى توحيده وعبادته‪ ،‬و سراجا ً منيرا ً يهتدى به للحق‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك(‪ )2‬ال ّذِي أنقَ َ‬
‫ض‬ ‫ك وِْزَر َ‬ ‫ضعْنَا ع َن َ‬ ‫ك(‪ )1‬وَوَ َ‬ ‫صدَْر َ‬ ‫ك َ‬ ‫ح لَ َ‬ ‫شَر ْ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫{أل َ ْ‬
‫ع‬
‫م َ‬‫ن َ‬ ‫سراً(‪ )5‬إ ِ َّ‬ ‫سرِ ي ُ ْ‬ ‫معَ الْعُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ك(‪ )4‬فَإ ِ َّ‬ ‫ك ذِكَْر َ‬ ‫ك(‪ )3‬وََرفَعْنَا ل َ َ‬ ‫ظَهَْر َ‬
‫ب(‪})8‬‬ ‫ك فَاْرغ َ ْ‬ ‫ب(‪ )7‬وَإِلَى َرب ِّ َ‬ ‫ص ْ‬ ‫ت فَان َ‬ ‫سراً(‪ )6‬فَإِذ َا فََرغ ْ َ‬ ‫سرِ ي ُ ْ‬ ‫الْعُ ْ‬
‫[الشرح]‬
‫قال القاضي عياض‪ :‬هذا تقرير من الله جل اسمه لنبيه صلى الله‬
‫عليه وسلم على عظيم نعمه لديه‪ ،‬و شريف منزلته عنده‪،‬‬
‫وكرامته عليه‪ ،‬بأن شرح قلبه لليمان والهداية‪ ،‬و وسعه لوعى‬
‫العلم‪ ،‬وحمل الحكمة‪ ،‬ورفع عنه ثقل أمور الجاهلية عليه‪ ،‬وبغضه‬
‫لسيرها‪ ،‬وما كانت عليه بظهور دينه على الدين كله‪ ،‬وحط عنه‬
‫عهدة أعباء الرسالة والنبوة لتبليغه للناس ما نزل إليهم‪ ،‬و تنويهه‬
‫بعظيم مكانه‪ ،‬و جليل رتبته‪ ،‬و رفعه و ذكره‪ ،‬و قرانه مع اسمه‬
‫اسمه‪.‬‬
‫ولقد كان أهل الكتاب يتناقلون صفته تابع عن تابع ورغم إخفائهم‬
‫الكثير إل أن الله سبحانه وتعالى أظهر ما أخفوه‪.‬‬
‫عن عطاء ابن يسار‪ ،‬قال‪ :‬لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص‪،‬‬
‫قلت‪ :‬أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه و سلم قال‪:‬‬
‫أجل‪ ،‬و الله ! إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن‪:‬‬
‫يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدًا ومبشًرا ونذيًرا‪ ،‬و حرزا ً للميين‪،‬‬
‫أنت عبدي و رسولي‪ ،‬سميتك المتوكل‪ ،‬ليس بفظ و ل غليظ ول‬
‫صخاب في السواق‪ ،‬ول يدفع بالسيئة السيئة‪ ،‬و لكن يعفو و‬
‫يغفر‪ ،‬و لن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء‪ ،‬بأن يقولوا‪ :‬ل‬
‫إله إل الله‪ ،‬و يفتح به أعينا عمياً‪ ،‬و آذانا ً صماً‪ ،‬و قلوبا ً غلفاً‪.‬‬
‫ولقد كان من عظيم محبة الله تعالى لنبيه بعد رفعه وعلو شأنه‬
‫الملطفة في العتاب رحمة به وفضل وكرما قال تعالى‪{ :‬عَفَا‬
‫َ َ َ َ‬ ‫ك لِ َ‬
‫صدَقُوا ْ َوتَعْل َ َ‬
‫م‬ ‫ن َ‬ ‫ك ال ّذِي َ‬ ‫حتَّى يَتَبَي ّ َ‬
‫نل‬ ‫م َ‬ ‫ت لَهُ ْ‬ ‫م أذِن َ‬ ‫ه ع َن َ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ن} [التوبة ‪]43‬‬ ‫الْكَاذِبِي َ‬
‫قال عون بن عبد الله‪ :‬أخبره بالعفو قبل أن يخبره بالذنب‪.‬‬
‫و لو بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بقوله‪ ،‬لم أذنت لهم لخيف‬
‫عليه أن ينشق قلبه من هيبة هذا الكلم‪ ،‬لكن الله تعالى برحمته‬
‫أخبره بالعفو حتى سكن قلبه‪ ،‬ثم قال له‪ :‬لم أذنت لهم بالتخلف‬
‫حتى يتبين لك الصادق في عذره من الكاذب‪.‬‬
‫و في هذا من عظيم منزلته عند الله ما ل يخفى على ذي لب‪.‬‬
‫وكانت معية الله مع نبيه بالحفظ ل تفارقه‪.‬‬
‫شيْئا ً قَلِيلً}‬ ‫م َ‬ ‫ن إِلَيْهِ ْ‬
‫ت تَْرك َ ُ‬‫ك لَقَد ْ كِد َّ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬وَلَوْل َ أَن ثَبَّتْنَا َ‬
‫[السراء ‪]74‬‬
‫عاتب الله تعالى النبياء عليهم السلم بعد الزلت‪ ،‬وعاتب نبيّنا‬
‫عليه السلم قبل وقوعه‪ ،‬ليكون بذلك أشد انتهاءً ومحافظة‬
‫لشرائط المحبة‪ ،‬وهذه غاية العناية‪.‬‬
‫ثم انظر كيف بدأ بثباته وسلمته قبل ذكر ما عتبه عليه وخيف أن‬
‫يركن إليه‪ ،‬ففي أثناء عتبه براءته‪ ،‬وفي طي تخويفه تأمينه‬
‫وكرامته‪.‬‬
‫َ‬
‫ك‬‫م ل َ يُكَذِّبُون َ َ‬ ‫ن فَإِنَّهُ ْ‬ ‫ك ال ّذِي يَقُولُو َ‬ ‫حُزن ُ َ‬ ‫ه لَي َ ْ‬
‫م إِن َّ ُ‬‫تعالى‪{ :‬قَد ْ نَعْل َ ُ‬ ‫َ‬
‫قال‬
‫ن} [النعام ‪]33‬‬ ‫حدُو َ‬ ‫ج َ‬ ‫ت اللّهِ ي َ ْ‬ ‫ن بِآيَا ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ن الظ ّال ِ ِ‬ ‫وَلَك ِ َّ‬
‫قال علي رضي الله عنه‪ :‬قال أبو جهل للنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ :‬إنا ل نكذبك و لكن نكذب ما جئت به‪ ،‬فأنزل الله تعالى‪:‬‬
‫ك} [الية]‬ ‫م ل َ يُكَذِّبُون َ َ‬ ‫{فَإِنَّهُ ْ‬
‫ففي هذه الية منزع لطيف المأخذ‪ ،‬من تسليته تعالى له عليه‬
‫السلم‪ ،‬و إلطافه به في القول‪ ،‬بأن قرر عنده أنه صادق عندهم‪،‬‬
‫و أنهم غير مكذبين له‪ ،‬معترفون بصدقه قول ً و اعتقادًا‪ ،‬و قد‬
‫كانوا يسمونه ـ قبل النبوة ـ المين‪ ،‬فدفع بهذا التقرير ما قد يتألم‬
‫به من وصفهم له بسمة الكذب‪ ،‬ثم جعل الذم لهم بتسميتهم‬
‫جاحدين ظالمين‪.‬‬
‫ثم عّزاه و آنسه بما ذكره عمن قبله‪ ،‬و وعده النصر بقوله تعالى‪:‬‬
‫حتَّى‬ ‫ُ‬
‫ذّبُوا وَأوذ ُوا َ‬ ‫ما ك ُ ِ‬ ‫صبَُروا ع َلَى َ‬ ‫ك فَ ََ‬ ‫ن قَبْل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫س ٌ‬ ‫ت ُر ُ‬ ‫ذّب َ ْ‬‫{وَلَقَد ْ ك ُ ِ‬
‫َ‬
‫ن}‬ ‫سلِي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫من نَبَأ ِ ال ْ ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫جاءَ َ‬ ‫ت الل ّهِ وَلَقَد ْ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ل لِكَل ِ َ‬ ‫مبَدِّ َ‬‫صُرنَا وَل َ ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫أتَاهُ ْ‬
‫[النعام ‪]34‬‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫ل‬
‫حى(‪ )1‬وَاللي ْ ِ‬ ‫ض َ‬ ‫وقد أقسم تعالى بتحقيق قدره فقال تعالى‪{ :‬وَال ّ‬
‫َ‬
‫خيٌْر ل ّ َ‬
‫ن‬
‫م َ‬‫ك ِ‬ ‫خَرة ُ َ‬ ‫ما قَلَى(‪ )3‬وَلَْل ِ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ك َرب ُّ َ‬ ‫ما وَدَّع َ َ‬ ‫جى(‪َ )2‬‬ ‫س َ‬ ‫إِذ َا َ‬
‫ك يَتِيما ً فَآوَى(‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫جد ْ َ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫ضى(‪ )5‬أل َ ْ‬ ‫ك فَتَْر َ‬ ‫ك َرب ُّ َ‬ ‫ف يُعْطِي َ‬ ‫سوْ َ‬ ‫اْلولَى(‪ )4‬وَل َ َ‬
‫م فََل‬ ‫ما الْيَتِي َ‬ ‫ك عَائِل ً فَأَغْنَى(‪ )8‬فَأ َ َّ‬ ‫جد َ َ‬ ‫ضاّل ً فَهَدَى(‪ )7‬وَوَ َ‬ ‫ك َ‬ ‫جد َ َ‬ ‫‪ )6‬وَوَ َ‬
‫مةِ َرب ِّ َ‬ ‫َ‬
‫ل فََل تَنْهَْر(‪ )10‬وَأ َّ‬ ‫ما ال َّ‬ ‫َ‬
‫قهَْر(‪ )9‬وَأ َّ‬
‫ث( ‪})11‬‬ ‫حدِّ ْ‬ ‫ك فَ َ‬ ‫ما بِنِعْ َ‬ ‫سائ ِ َ‬ ‫تَ ْ‬
‫[الضحى]‬
‫قال القاضي عياض‪ :‬تضمنت هذه السورة من كرامة الله تعالى‬
‫له‪ ،‬وتنويهه به وتعظيمه إياه ستة و جوه‪:‬‬
‫حى(‬ ‫الول‪ :‬القسم له عما أخبره به من حاله بقوله تعالى‪{ :‬وَال ُّ‬
‫ض َ‬
‫َ‬
‫جى(‪ .})2‬أي و رب الضحى‪ ،‬و هذا من أعظم‬ ‫س َ‬ ‫ل إِذ َا َ‬ ‫‪ )1‬وَالل ّي ْ ِ‬
‫درجات المبرة‪.‬‬
‫ك‬‫ما وَدَّع َ َ‬ ‫الثاني‪ :‬بيان مكانته عنده و حظوته لديه بقوله تعالى‪َ { :‬‬
‫ما قَلَى}‪ ،‬أي ما تركك و ما أبغضك‪ .‬و قيل‪ :‬ما أهملك بعد‬ ‫ك َو َ‬ ‫َرب ُّ َ‬
‫أن اصطفاك‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن اْلولَى(‪ ،})4‬قال ابن‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫خيٌْر ل ّ َ‬ ‫خَرة ُ َ‬ ‫الثالث‪ :‬قوله تعالى‪{ :‬وَلَْل ِ‬
‫إسحاق‪ :‬أي مالك في مرجعك عند الله أعظم مما أعطاك من‬
‫كرامة الدنيا‪.‬‬
‫و قال سهل‪ :‬أي ما ذخرت لك من الشفاعة و المقام المحمود‬
‫خير لك مما أعطيتك في الدنيا‪.‬‬
‫ضى(‪})5‬‬ ‫ك فَتَْر َ‬ ‫ك َرب ُّ َ‬‫ف يُعْطِي َ‬ ‫سو َ‬ ‫الرابع‪ :‬قوله تعالى‪{ :‬وَل َ َ ْ‬
‫و هذه آية جامعة لوجوه الكرامة‪ ،‬و أنواع السعادة‪ ،‬و شتات‬
‫النعام في الدارين‪ .‬والزيادة‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق‪ :‬يرضيه بالنصر والتمكين في الدنيا‪ ،‬و الثواب في‬
‫الخرة‪.‬‬
‫و قيل‪ :‬يعطيه الحوض و الشفاعة‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬ما عدده تعالى عليه من نعمه‪ ،‬و قرره من آلئه قبله‬
‫في بقية السورة‪ ،‬من هدايته إلى ما هداه له‪ ،‬أو هداية الناس به‬
‫على اختلف التفاسير‪ ،‬ول مال له‪ ،‬فأغناه بما آتاه‪ ،‬وهدى بك‬
‫ضالً‪ ،‬و أغنى بك عائلً‪ ،‬و آوى بك يتيما ً ـ ذكره بهذه المنن‪ ،‬و أنه‬
‫لم يهمله في حال صغره و عيلته و يتمه و قبل معرفته به‪ ،‬و ل‬
‫ودعه ول قله‪ ،‬فكيف بعد اختصاصه و اصطفائه !‬
‫السادس‪ :‬أمره بإظهار نعمته عليه و شكر ما شرفه بنشره و‬
‫ث(‪ ،})11‬فإن من‬ ‫حدِّ ْ‬ ‫ك فَ َ‬ ‫مةِ َرب ِّ َ‬ ‫ما بِنِعْ َ‬ ‫إشادة ذكره بقوله تعالى‪{ :‬وَأ َ َّ‬
‫شكر النعمة الحديث بها‪ ،‬و هذا خاص له‪ ،‬عام لمته‪.‬‬
‫وهذه بعض شمائله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫(ع َ َ‬
‫م‬
‫سل َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ل كَا َ‬ ‫ك قَا َ‬ ‫مال ِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫ِ‬ ‫س بْ‬ ‫ِ‬ ‫ن أن َ‬ ‫ْ‬
‫س وَلقَد ْ فزِعَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جعَ الن ّا ِ‬ ‫ن أش َ‬ ‫س وَكا َ‬ ‫جوَد َ الن ّا ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫س وَكا َ‬ ‫ن الن ّا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫أ ْ‬
‫ل‬‫سو ُ‬ ‫م َر ُ‬ ‫ت فَتَلَقَّاهُ ْ‬ ‫صوْ ِ‬ ‫ل ال َّ‬ ‫س قِب َ َ‬ ‫ت لَيْلَةٍ فَ َانْطَلَقَ نَا ٌ‬ ‫مدِينَةِ َذ َا َ‬ ‫ل ال ْ ََ‬ ‫أَهْ ُ‬
‫م إِلَى ال َّ‬ ‫َ‬
‫و‬
‫ت وَهُ َ‬ ‫صوْ ِ‬ ‫سبَقَهُ ْ‬ ‫جعًا وَقَد ْ َ‬ ‫م َرا ِ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫الل ّهِ َ‬
‫م‬‫ل لَ ْ‬ ‫ف وَهُوَ يَقُو ُ‬ ‫سي ْ ُ‬ ‫ي فِي ع ُنُقِهِ ال َّ‬ ‫ة عُْر ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫س ِلَبِي طَل ْ َ‬ ‫ع َلى فََر ٍ‬
‫َ‬
‫حًرا) [رواه مسلم ]‪.‬‬ ‫جدْنَاه ُ ب َ ْ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫م تَُراع ُوا قَا َ‬ ‫ْ‬ ‫تَُراع ُوا ل َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫(ع َ َ‬
‫صل ّى الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ي َ‬ ‫ن النَّب ِ ُّ‬ ‫ل كَا َ‬ ‫ه قَا َ‬ ‫ه ع َن ْ ُ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ي َر ِ‬ ‫خدْرِ ِ ّ‬ ‫سعِيد ٍ ال ْ ُ‬ ‫ن أبِي َ‬
‫َّ‬ ‫ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫خدْرِهَا) [رواه البخاري‬ ‫ن العَذَراءِ فِي ِ‬ ‫ْ‬ ‫م ْ‬ ‫حيَاءً ِ‬ ‫م أشد ّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫سل َ‬ ‫ع َلَيْهِ وَ َ‬
‫ومسلم]‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫سل َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّ َى الل ّ َ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ج النَّب ِ ِ ّ‬ ‫ه ع َنْهَا َزوْ َ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ة َر ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ن ع َائ ِ َ‬ ‫(ع َ ْ‬
‫َ‬
‫ه ع َلَيْهِ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ن الْيَهُود ِ ع َلَى َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ِ‬ ‫ل َرهْ ٌ‬ ‫خ َ‬ ‫ت دَ َ‬ ‫قَال َ َ ْ‬
‫ت وَ َع َلَيْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫متُهَا فَقُل ْ ُ‬ ‫ة َفَف َِه َْ‬ ‫ش ُ‬ ‫ت عَائ ِ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫م قَال َ‬ ‫ْ‬ ‫م ع َلَيْك ُ‬ ‫سا ُ‬ ‫م فَقَالُوا ال َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫سل ّ‬ ‫وَ َ‬
‫م‪:‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ت فَقَا َ‬
‫َ‬ ‫ة قَال َ ْ‬ ‫م وَالل ّعْن َ ُ‬ ‫سا ُ‬ ‫ال َّ‬
‫مرِ كُل ِّهِ فَقُل ْ‬ ‫ب الرفْق فِي اْل َ‬
‫سو َ‬
‫ل‬
‫َّ‬
‫ت يَا َر ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِّ َ‬ ‫ح ُّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ة إ ِ َّ‬ ‫ش ُ‬ ‫مهًْل يَا عَائ ِ َ‬
‫َ‬ ‫" َ‬
‫َ‬
‫م‪:‬‬ ‫سل َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ما قَالُوا؟ قَا َ‬ ‫معْ َ‬ ‫س َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫الل ّهِ أوَل َ ْ‬
‫َ‬
‫م) [رواه البخاري ومسلم]‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت وَع َلَيْك ُ ْ‬ ‫قَد ْ قُل ْ ُ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫سب ُ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫م َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ت لِلنَّب ِ ِ ّ‬ ‫ت قُل ْ ُ‬ ‫ة قَال َ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ن ع َائ ِ َ‬ ‫(ع َ ْ‬
‫ت‬
‫ج ْ‬ ‫مزِ َ‬ ‫ة لَوْ ُ‬ ‫م ً‬ ‫ت كَل ِ َ‬ ‫ل‪" :‬لَقَد ْ قُل ْ ِ‬ ‫صيَرةً‪ -‬فَقَا َ‬ ‫ة كَذ َا وَكَذ َا ‪-‬تَعْنِي قَ ِ‬ ‫صفِي َّ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫سانًا فَقَا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ب أنِّي‬ ‫ح ّ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫ل‪َ " :‬‬ ‫ه إِن ْ َ‬ ‫تل ُ‬ ‫حكي ْ ُ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ه" قَال ْ‬ ‫جت ْ ُ‬ ‫مَز َ‬ ‫حرِ ل َ‬ ‫ماءِ الب َ ْ‬ ‫بِ َ‬
‫ن لِي كَذ َا وَكَذ َا) [رواه أبو داود]‪.‬‬ ‫سانًا وَأ َّ‬‫َ‬
‫ت إِن ْ َ‬ ‫حكَي ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ولقد كان صلى الله عليه وسلم ل يواجه أحدا بما يكره بل كان‬
‫يعرض به صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل أقْوَ ٍ‬
‫ام‬ ‫ما بَا ُ‬ ‫سل ّم‪َ "َ:‬‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل َّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ل النَّب ِ ُّ‬ ‫ت قَا َ‬ ‫ة قَال َ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ن ع َائ ِ َ‬ ‫(ع َ ْ‬
‫ب الل ّهِ") [رواه البخاري]‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫س فِي كِتَا‬ ‫َ‬ ‫شُروطًا لَي ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫شتَرِطُو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‪:‬‬ ‫سل َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ل النَّب ِ ُّ‬ ‫ل‪ :‬قَا َ‬ ‫م قَا َ‬ ‫حدَّثَهُ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫مال ِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫س بْ ِ‬ ‫ن أن َ َ ِ‬ ‫(ع َ ْ‬
‫َ‬
‫م) [رواه‬ ‫صَلتِهِ ْ‬ ‫ماءِ فِي َ‬ ‫س َ‬ ‫م إِلَى ال َّ‬ ‫صاَرهُ ْ‬ ‫ن أب ْ َ‬ ‫ل أقْوَام ٍ يَْرفَعُو َ‬ ‫ما بَا ُ‬ ‫" َ‬
‫البخاري]‪.‬‬
‫شيْئًا فََر َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ص‬‫خ َ‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬
‫َ‬ ‫الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫صل ّى‬ ‫ي َ‬ ‫صنَعَ النَّب ِ ُّ‬ ‫ت‪َ :‬‬ ‫ة قَال َ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ن ع َائ ِ َ‬ ‫(ع َ ْ‬
‫ب‬‫خط َ َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ك النَّب ِ َّ‬ ‫م فَبَلَغَ ذَل ِ َ‬ ‫ه قَوْ ٌ‬ ‫فِيهِ فَتَنََّز َه َ ع َن ْ ُ‬
‫َ‬ ‫ن ع َن ال َّ‬ ‫َ‬
‫ه)‬ ‫صنَعُ ُ‬ ‫يءِ أ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫ْ‬ ‫ل أقْوَام ٍ يَتَنََّزهُو َ‬ ‫ما بَا ُ‬ ‫ل‪َ " :‬‬ ‫م قَا َ‬ ‫ه ث ُ َّ‬ ‫مد َ الل ّ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫فَ َ‬
‫[رواه البخاري]‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫س أ َ َّ‬ ‫(ع َ َ‬
‫سألُوا‬ ‫م َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ب َالنَّب ِ ِ ّ‬ ‫حا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫مَ ْ‬ ‫ن نَفًَرا ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ن أن َ‬ ‫ْ‬
‫سّرِ فَقَا َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ملِهِ فِي ال ِّ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫سل َ‬ ‫ه ع َليْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ج الن ّب ِ ِ ّ‬ ‫أْزوَا َ‬
‫َ ُ ُ َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ضهُ ْ‬ ‫ل بَعْ ُ‬ ‫م وَقَا َ‬ ‫ح َ‬ ‫ل الل ّ ْ‬ ‫م ل آك‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ل بَعْ ُ‬ ‫ساءَ وَقَا َ‬ ‫ج الن ِّ َ‬ ‫م َل أتََزوَّ ُ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ب َ ْع ُ‬
‫َ‬ ‫ه وَأثْنَى ع َلَيْهِ فَقَا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َل أَنَا ُ َ‬
‫ل أقْوَامٍ‬ ‫ما بَا ُ‬ ‫ل َ‬ ‫مد َ الل ّ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ش فَ َ‬ ‫م ع َلى فَِرا ٍ‬
‫قَالُوا كَذ َا وَكَذ َا) [رواه مسلم]‪.‬‬
‫والذي ينظر إلى حياته الخاصة يرى التواضع التام وعدم النشغال‬
‫الزائد بالدنيا‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫(ع َ َ‬
‫ه ع َلَيْهِ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ب النَّب ِ ُّ‬ ‫ما ع َا َ‬ ‫ل ََ‬ ‫ه قَا َ‬ ‫ه ع َن ْ ُ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ن أبِي هَُريَْرة َ َر ِ‬ ‫ْ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ه) [رواه البخاري‬ ‫ه وَإ ِل تََرك َ ُ‬ ‫شتَهَاهُ أكَل ُ‬ ‫نا ْ‬ ‫ما قَط إ ِ ْ‬ ‫م طعَا ً‬ ‫سل َ‬ ‫وَ َ‬
‫ومسلم]‪.‬‬
‫وكذلك رحمته بنسائه ومعونته إياهم‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ َّ‬ ‫سأ َ َ‬
‫م‬
‫سل َ‬ ‫ه ع َليْهِ وَ َ‬ ‫ُ‬ ‫صلى الل‬ ‫َ‬ ‫سول اللهِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ل كَا َ‬ ‫ة هَ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ل ع َائ ِ َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫( َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه ع َلَيْهِ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م كَا َ‬ ‫ت نَعَ ْ‬ ‫شيْئًا قَال َ ْ‬ ‫ل فِي بَيْتِهِ َ‬ ‫م ُ‬ ‫يَعْ َ‬
‫َ‬ ‫خي ُ‬ ‫َ‬
‫م‬‫حدُك ُ ْ‬ ‫لأ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ما يَعْ َ‬ ‫ل فِي بَيْتِهِ ك َ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ه وَيَعْ َ‬ ‫ط ثَوْب َ ُ‬ ‫ه وَي َ ِ‬ ‫ف نَعْل َ ُ‬ ‫ص ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫فِي بَيْتِهِ) [رواه أحمد]‪.‬‬
‫وكذلك شدة محبته لصحابه رضي الله عنهم والشهود بالفضل‬
‫لهم‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صلى‬ ‫ي َ‬ ‫عنْد َ الن ّب ِ ِ ّ‬ ‫سا ِ‬ ‫جال ِ ً‬ ‫ت َ‬ ‫ل كُن ْ ُ‬ ‫ه قَا َ‬ ‫ه ع َن ْ ُ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ن أبِي الد ّْردَاءِ َر ِ‬
‫َ‬ ‫(عََ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫حتَّى أبْدَى ع َ ْ‬ ‫ف ثَوْبِهِ َ‬ ‫خذ ًا بِطََر ِ‬
‫َ‬
‫ل أبُو بَكْرٍ آ ِ‬
‫َ‬
‫م إِذ ْ أقْب َ َ‬
‫َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫مَر‬ ‫م فَقَد ْ غَا َ‬ ‫حبُك ُ ْ‬ ‫صا ِ‬ ‫َ‬ ‫ما‬ ‫م‪ :‬أ َ َّ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ل النَّب ِ ُّ‬ ‫ُركْبَتِهِ فَقَا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ت إِلَيْهِ‬ ‫سَرع ْ ُ‬ ‫يءٌ فَأ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫ب َ‬ ‫خط ّا َ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ن َاب ْ ِ‬ ‫ن بَيْنِي وَبَي ْ َ‬ ‫ل إِنِّي كَا َ‬ ‫م وَقَا َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ف َ‬
‫ت إِلَي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل يَغْفُِر‬ ‫ك فَقَا َ‬ ‫ي فَأقْبَل ْ ُ‬ ‫ن يَغْفَِر لِي فَأبَى ع َل َ َّ‬ ‫هأ ْ‬ ‫سألْت ُ ُ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫م َ نَدِ ْ‬ ‫ث ُ َّ‬
‫ل‬‫سأ َ َ‬ ‫ل أبِي بَكْرٍ فَ َ‬
‫ن ع ُمر ندم فَأَتى منز َ َ‬
‫ِ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ِ َ‬ ‫م إ ِ َّ‬ ‫ك يَا أَبَا بَكْرٍ ثََلثًا ث ُ َّ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫َّ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫سل َ‬
‫م‬ ‫مف َ‬ ‫سل َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ي َ َ‬ ‫م أبُو بَكْرٍ فَقَالُوا َل َفَأتَى َ إِلَى النَّب ِ ِ ّ‬ ‫أث ّ َ‬
‫َ‬ ‫حتَّى أ َ ْ‬
‫شفَقَ أبُو بَكْرٍ‬ ‫معَُّر َ‬ ‫م ي َ َت َ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬
‫َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ه النَّب ِ ِ ّ‬ ‫ج ُ‬ ‫ل وَ ْ‬ ‫جعَ َ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫مَّرتَي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت أظْل َ َ‬ ‫ه أنَا كُن ْ ُ‬ ‫ه وَالل ّ ِ‬
‫َ‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫َ‬
‫سو َ‬ ‫ل يَا َر ُ‬ ‫جثَا ع َلَى ُركْبَتَيْهِ فَقَا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فَ َ‬
‫م‬‫م فَقُلْت ُ ْ‬ ‫ه بَعَثَنِي إِلَيْك ُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م‪ :‬إ ِ َّ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ل النَّب ِ ُّ‬ ‫فَقَا َ‬
‫م تَارِكُوا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل أنْت ُ ْ‬ ‫مالِهِ فَهَ ْ‬ ‫سهِ وَ َ‬ ‫سانِي بِن َ ْف ِ‬ ‫صدَقَ وَوَا َ‬ ‫ل أبُو بَكْرٍ َ‬ ‫ت وَقَا َ‬ ‫كَذ َب ْ َ‬
‫ما أُوذِيَ بَعْدَهَا) [رواه البخاري]‪.‬‬ ‫ن فَ َ‬ ‫مَّرتَي ْ ِ‬ ‫حبِي َ‬ ‫صا ِ‬ ‫لِي َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫منْذُ‬ ‫م ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫جبَنِي النَّب ِ ُّ‬ ‫ح َ‬ ‫ما َ‬
‫َ‬ ‫ل َ‬ ‫جرِيرٍ قَا َ‬ ‫ن َ‬ ‫(وَع َ ْ‬
‫ت إِلَيْهِ أنِّي َل‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫شك َ‬ ‫جهِي وَلَقَد ْ َ‬ ‫ت وََل َرآنِي إ ِ ّل تَب َ َّ‬ ‫سل َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫م فِي وَ ْ‬ ‫َ‬ ‫س‬ ‫ُ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫أ ْ‬
‫ه‬‫م ثَبِّت ْ ُ‬ ‫ل‪ :‬اللَّهُ َّ‬ ‫صدْرِي وَقَا َ‬ ‫ب بِيَدِهِ فِي َ‬ ‫ضَر َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫خي ْ ِ‬ ‫ت ع َلَى ال ْ َ‬ ‫أثْب ُ ُ‬
‫َ‬
‫مهْدِيًّا) [رواه البخاري ومسلم]‪.‬‬ ‫ه هَادِيًا َ‬ ‫جعَل ْ ُ‬ ‫وَا ْ‬
‫وحتى مع خادمه كان رمزا للسوة والقدوة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫(ع َ َ‬
‫سل َ‬
‫م‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو‬ ‫ت َر ُ‬ ‫ُ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫خد َ‬ ‫ل َ‬ ‫ك قَا َ‬ ‫مال ِ ٍ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫س بْ‬ ‫ِ‬ ‫ن أن َ‬ ‫ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ت‬ ‫م فَعَل َ‬ ‫يءٍ ل ِ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل لِي ل ِ َ‬ ‫ل لِي أفّا قَط وَل قَا َ‬ ‫ما قَا َ‬ ‫ن وَاللهِ َ‬ ‫سنِي َ‬ ‫شَر ِ‬
‫َ‬
‫عَ ْ‬
‫ت كَذ َا) [رواه البخاري ومسلم]‪.‬‬ ‫كَذ َا وَهَ ّل فَعَل ْ َ‬
‫فمهما كتب الكاتب وأفهم الخطيب فلن يف أحد بحق نبينا محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم!!‬
‫ولكن هل من بداية؟!! والبداية ل تكون إل بعلم وعمل‪ ...‬وقد‬
‫أطلق المولى سبحانه وتعالى المتابعة لنبيه صلى الله عليه وسلم‬
‫َ ُ‬
‫من‬ ‫ة ل ِّ َ‬
‫سن َ ٌ‬
‫ح َ‬ ‫ل الل ّهِ أ ْ‬
‫سوَة ٌ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫َ‬
‫م فِي َر ُ‬ ‫ن لَك ُ ْ‬
‫فقال تعالى‪{ :‬لَقَد ْ كَا َ‬
‫َ‬
‫ه كَثِيراً} [الحزاب ‪]21‬‬ ‫خَر وَذ َكََر الل ّ َ‬ ‫م اْل ِ‬
‫ه وَالْيَوْ َ‬
‫جو الل ّ َ‬ ‫كَا َ‬
‫ن يَْر ُ‬
‫فنسأل الله أن يجعلنا منهم‪ -‬اللهم آمين‪.‬‬
‫‪ .21‬محبة النبي صلى الله عليه وسلم*‬
‫الحديث عن محبته عليه الصلة والسلم متعة عظيمة! أما‬
‫اللسنة فتترطب بذكره والصلة عليه‪ ،‬وأما الذان فتتشنف‬
‫بسماع سيرته وهديه وحديثه‪ ،‬وأما العقول فتخضع لما ثبت من‬
‫الحكم والسنة التي جاء بها عليه الصلة والسلم‪ ،‬وأما الجوارح‬
‫والعضاء فتنتفع وتتمتع بموافقة هديه وفعله وحاله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫أولً‪ :‬مفهوم المحبة‪:‬‬
‫حد ُّ ‪-‬أي ل يذكر لها‬ ‫المحبة كما قال ابن القيم‪" :‬المحبة ل ت ُ َ‬
‫تعريف‪ -‬إذ هي أمر ينبعث بنفس يصعب التعبير عنه"‪.‬‬
‫ثم المحبة لها جوانب‪ ،‬منها‪ :‬محبة الستلذاذ بالدراك‪ ،‬كحب‬
‫الصور الجميلة والمناظر والطعمة والشربة‪ ..‬تلك محبة فطرية‪،‬‬
‫أو تكون محبة بإدراك العقل‪ ،‬وتلك المحبة المعنوية التي تكون‬
‫لمحبة الخصال الشريفة‪ ،‬والخلق الفاضلة‪ ،‬والمواقف الحسنة‪،‬‬
‫وهناك محبة لمن أحسن إليك ولمن قدم لك معروفًا‪ ،‬فتنبعث‬
‫المحبة حينئذ لتكون ضربًا من ضروب الحمد والشكر‪ ،‬فينبعث‬
‫حا لمعانيها‪.‬‬ ‫الثناء بعد ذلك ترجمة لها وتوضي ً‬
‫قال النووي رحمه الله في كلمة جميلة‪ :‬وهذه المعاني كلها‬
‫موجودة في النبي صلى الله عليه وسلم لما جمع من جمال‬
‫الظاهر والباطن‪ ،‬وكمال الجلل‪ ،‬وأنواع الفضائل وإحسانه إلى‬
‫جميع المسلمين بهدايته إياه إلى الصراط المستقيم‪ ،‬ودوام النعم‬
‫والبعاد من الجحيم‪ ..‬فإن نظرت إلى وصف هيئته صلى الله عليه‬
‫وسلم فجمال ما بعده جمال‪ ،‬وإن نظرت إلى أخلقه وخلله‬
‫فكمال ما بعده كمال‪ ،‬وإن نظرت إلى إحسانه وفضله على‬
‫صا فوفاء ما بعده وفاء‪.‬‬ ‫الناس جميعًا وعلى المسلمين خصو ً‬
‫فمن هنا‪ :‬تعظم محبته صلى الله عليه وسلم ويستولي في‬
‫المحبة على كل صورها وأعظم مراتبها‪ ،‬وأعلى درجاتها‪ ،‬فهو‬
‫صلى الله عليه وسلم الحري بأن تنبعث محبة القلوب والنفوس‬
‫له في كل لحظة‪ ،‬وفي كل تقلبات حياتنا؛ ولذلك ينبغي أن ندرك‬
‫عظمة هذه المحبة‪ ،‬وهنا وقفة نتمم بها هذا‪:‬‬
‫فنحن نتعلق ونرتبط برسول الله صلى الله عليه وسلم من‬
‫ما‪ ،‬نقرأ ونحفظ سيرته‬ ‫جوانب شتى‪ :‬في جانب العقل معرفة وعل ً‬
‫وحديثه وهديه وسنته‪ ،‬والواجب منها والمندوب منها ونحو ذلك‪.‬‬
‫ومحبة بالقلب‪ ،‬وهي عاطفة مشبوبة‪ ،‬ومشاعر جياشة‪ ،‬ومحبة‬
‫متدفقة‪ ،‬وميل عاصف تتعلق به النفس والقلب برسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم؛ لما فيه من المعاني الحسية والمعنوية‪.‬‬
‫ثم محبة بالجوارح تترجم فيها المحبة إلى التباع لسنته وفعله‬
‫عليه الصلة والسلم‪ ،‬فل يمكن أن نقول إن المحبة اتباع‬
‫فحسب! فأين مشاعر القلب؟ ول يصلح أن نقول إنها الحب‬
‫والعاطفة الجياشة‪ ،‬فأين صدق التباع؟ ول ينفع هذا وهذا! فأين‬
‫المعرفة والعلم التي يؤسس بها من فقه سيرته وهديه وأحواله‬
‫عليه الصلة والسلم؛ لذا فنحن نرتبط في هذه المحبة بالقلب‬
‫والنفس‪ ،‬وبالعقل والفكر‪ ،‬وبسائر الجوارح والحوال والعمال‪،‬‬
‫فتكمل حينئذ المحبة؛ لتكون هي المحبة الصادقة الخالصة‬
‫الحقيقية العملية الباطنية‪ ،‬فتكتمل من كل جوانبها؛ لنؤدي بعض‬
‫حق رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬حكم محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫هي واجبة على كل مسلم قطعًا‪ ،‬والدلة على ثبوت وجوبها‬
‫كثيرة‪ ،‬ومن ذلك قول الله سبحانه الذي جمع في آية واحدة كل‬
‫محبوبات الدنيا‪ ،‬وكل متعلقات القلوب‪ ،‬وكل مطامع النفوس‬
‫ن‬‫ن كَا َ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫ووضعها في كفةٍ‪ ،‬وحب الله‪ ،‬وحب رسوله في كفةٍ‪{ :‬قُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫موَا ٌ‬
‫ل‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫شيَرتُك ُ ْ‬ ‫م وَع َ ِ‬ ‫جك ُ ْ‬
‫م وَأْزوَا ُ‬ ‫خوَانُك ُ ْ‬ ‫م وَأبْنَاؤ ُك ُ ْ‬
‫م وَإ ِ ْ‬ ‫آبَاؤ ُك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ب إِلَيْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ح َّ‬ ‫ضوْنَهَا أ َ‬
‫َّ‬
‫ن تَْر َ‬ ‫ساك ِ ُ‬‫م َ‬ ‫سادَهَا َو َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫شوْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫جاَرة ٌ ت َ ْ‬ ‫موهَا َوت ِ َ‬ ‫اقْتََرفْت ُ َ ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫مرِهِ‬ ‫ه بِأ ْ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫حتَّى يَأت ِ َ‬ ‫صوا َ‬ ‫سبِيلِهِ فَتََرب َّ ُ‬‫جهَاد ٍ فِي َ‬ ‫سولِهِ وَ ِ‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬
‫َ‬ ‫م َ‬‫ِ‬
‫ن} (التوبة‪.)24 :‬‬ ‫سقِي َ‬ ‫م الْفَا ِ‬ ‫ه ل يَهْدِي الْقَوْ َ‬ ‫وَالل ّ ُ‬
‫ضا وتنبيهًا ودللة‬ ‫قال القاضي عياض رحمه الله‪" :‬فكفى بهذا ح ًّ‬
‫وحجة على إلزام محبته‪ ،‬ووجوب فرضها‪ ،‬وعظم خطرها‪،‬‬
‫واستحقاقه لها صلى الله عليه وسلم؛ إذ قّرع تعالى من كان ماله‬
‫وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله‪ ،‬وأوعدهم بقوله تعالى‪:‬‬
‫سقهم بتمام الية فقال‪:‬‬ ‫{فَترب َصوا حتَى يأْتي الل َّ َ‬
‫مرِهِ}‪ ،‬ثم ف ّ‬ ‫ه بِأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ّ َ ِ َ‬ ‫َ ََّ ُ‬
‫ن}‪ ،‬وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم‬ ‫سقِي َ‬ ‫م الْفَا ِ‬ ‫ه َل يَهْدِي الْقَوْ َ‬ ‫{وَالل ّ ُ‬
‫يهده الله عز وجل‪ .‬فهذه آية عظيمة تبين أهمية ووجوب هذه‬
‫المحبة‪.‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫منِي َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ي أوْلَى بِال ْ ُ‬ ‫ويأتينا دليل عظيم وبليغ في قول الحق‪{ :‬النَّب ِ ُّ‬
‫م‪( }...‬الحزاب‪.)6 :‬‬ ‫م َهاتُهُ ْ‬ ‫ه أ ُ َّ‬ ‫ج ُ‬
‫َ‬
‫م وَأْزوَا ُ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ن أنْفُ ِ‬
‫م َ‬
‫ِ ْ‬
‫وبين ابن القيم الدللة على وجوب المحبة في هذه الية من‬
‫وجوهٍ كثيرة ضمنها أمرين‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن يكون أحب إلى العبد من نفسه‪ :‬لن الولوية أصلها‬
‫س العبد أحب إليه من غيره‪ ،‬ومع هذا يجب أن يكون‬ ‫الحب ونَفْ ُ‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم أولى به منها‪ ،‬أي أولى به من‬
‫نفسه وأحب إليه من نفسه‪ ،‬فبذلك يحصل له اسم اليمان‪ ،‬ويلزم‬
‫من هذه الولوية والمحبة كمال النقياد والطاعة والرضا‬
‫والتسليم‪ ،‬وسائر لوازم المحبة من الرضا بحكمه‪ ،‬والتسليم‬
‫لمره‪ ،‬وإيثاره على ما سواه‪.‬‬
‫وأما الجانب الثاني‪ :‬أل يكون للعبد حكم على نفسه أصلً‪ :‬بل‬
‫الحكم على نفسه لرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬يحكم عليه‬
‫أعظم من حكم السيد على عبده‪ ،‬أو الوالد على ولده‪ ،‬فليس له‬
‫في نفسه تصرف إل ما تصرف فيه الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم الذي هو أولى به من نفسه‪ ،‬أي بما جاء به عن الله عز‬
‫وجل‪ ،‬وبلغهم من آياته وأقامه ونشره من سنته صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫م‬‫حبِبْك ُ ُ‬ ‫ه فَات ّبِعُونِي ي ُ ْ‬ ‫ن الل َ‬ ‫حب ّو َ‬ ‫م تُ ِ‬ ‫ن كُنْت ُ ْ‬ ‫ل إِ ْ‬‫وقوله سبحانه‪{ :‬قُ ْ‬
‫َ‬
‫ه‪( }...‬آل عمران‪ .)31 :‬من الدلة العظيمة الشاهدة على‬ ‫الل ّ ُ‬
‫وجوب محبة النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ ل نزاع في أن محبة‬
‫الله واجبة‪ ،‬وأن اتباع النبي ومحبته طريق إلى محبة الله‪ .‬واليات‬
‫أكثر من أن تحصر في هذا المقام‪.‬‬
‫وأما أحاديثه صلى الله عليه وسلم فصريحة في الدللة على‬
‫وجوب هذه المحبة‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬قول النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫"ل يؤ ْمن أ َحدك ُم حتَى أَكُو َ‬
‫س‬
‫ن وَالِدِهِ وَوَلدِهِ وَالن ّا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب إِلَيْهِ ِ‬ ‫ح َّ‬ ‫نأ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ِ ُ َ ُ ْ َ ّ‬
‫ن" رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫َ‬
‫معِي َ‬ ‫ج َ‬ ‫أ ْ‬
‫وكذلك قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ فقد كان مع النبي‬
‫سو َ‬
‫ل‬ ‫مُر‪" :‬يَا َر ُ‬ ‫ه عُ َ‬ ‫ل لَ ُ‬
‫خذ ٌ بِيَدِهِ فَقَا َ‬
‫َ‬
‫صلى الله عليه وسلم وَهُوَ آ ِ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ي‬‫ل النَّب ِ ُّ‬ ‫سي"‪ ،‬فَقَا َ‬ ‫ن نَفْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫يءٍ إ ِ ّل ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ك ُ ِّ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ي ِ‬ ‫ب إِل َ َّ‬ ‫ح ُّ‬ ‫تأ َ‬ ‫َ‬ ‫الل ّهِ‪ ،‬لَن ْ‬
‫ب‬‫ح َّ‬ ‫صلَّى الل َّه ع َلَيه وسل َّم‪َ" :‬ل والَّذي ن ْفسي بيده حتَى أَكُو َ‬
‫نأ َ‬ ‫َ‬ ‫َِ ِ ِ َ ّ‬ ‫َ ِ َ ِ‬ ‫ْ ِ َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب إِل َّ‬
‫ي‬ ‫ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫تأ َ‬ ‫ن‪َ ،‬وَاللهِ لن ْ َ‬ ‫ه ال َ‬ ‫مُر‪"َ :‬فَإِن ّ ُ‬ ‫ه َع ُ َ‬ ‫لل ُ‬ ‫َ‬
‫سك"‪ .‬فقَا َ‬ ‫َ‬ ‫ن نَفْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫إِلَي ْك ِ‬
‫َ‬
‫مُر"‬ ‫ن يَا ع ُ َ‬ ‫م‪" :‬اْل َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ل النَّب ِ ُّ‬ ‫سي"‪ ،‬فَقَا َ‬ ‫ن نَفْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫رواه البخاري‪.‬‬
‫وقول عمر الول بمقتضى الصل الطبعي في النسان أن أحب‬
‫شيء إليه نفسه‪ ،‬فلما أخبره النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫بالمصطلح اليماني أقّر عمر بأنه بالمعنى اليماني يفضل النبي‪،‬‬
‫ويحب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من نفسه‪ ،‬فقال له حينئذ‬
‫مُر"‪.‬‬ ‫ن يَا ع ُ َ‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬اْل َ‬
‫ب النسان نفسه طبع‪ ،‬وحب غيره اختيار ‪-‬كما ذكر‬ ‫ثم إن ح ّ‬
‫الخطابي‪-‬؛ ولذلك عمر جوابه الول ذكر الطبع‪ ،‬ثم بعد ذلك ذكر‬
‫الختيار الذي هو مقتضى اليمان‪.‬‬
‫ومن هنا ذكر العلماء أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم على‬
‫ضربين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬فرض‪ ،‬وهو المحبة التي تقتضي اليمان بنبوته‪ ،‬وبعثته‪،‬‬
‫وتلقي ما جاء به بالمحبة والقبول‪ ،‬والرضا والتسليم‪.‬‬
‫ودرجة ثانية هي‪ :‬محبة مندوبة‪ ،‬وهي تقصي أحواله ومتابعة سنته‪،‬‬
‫والحرص على التزام أقواله وأفعاله قدر المستطاع والجهد‬
‫والطاقة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫م‪" :‬ثَلث َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫ُ‬ ‫صل ّى الل ّ‬ ‫َ‬ ‫ي‬‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ومن الدلة كذلك‪ :‬قول النَّب‬
‫ن حلوة َ اليمان‪ :‬من كَان الل َّه ورسول ُ َ‬
‫ب إِلَيْهِ‬ ‫ح َّ‬ ‫هأ َ‬ ‫ِ َ ِ َ ْ ََ َ ُ ََ ُ ُ‬ ‫جد َ بِهِ َّ َ َ‬ ‫ن فِيهِ وَ َ‬ ‫ك ُ َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن يَعُو َد‬ ‫ن يَكَْره َ أ ْ‬ ‫ه إ ِ ّل لِل ّهِ‪ ،‬وَأ ْ‬ ‫حب ُّ ُ‬ ‫مْرءَ ل ي ُ ِ‬ ‫ب ال ْ َ َ‬
‫ح َّ‬
‫ن يُ ِ‬ ‫ما‪ ،‬وَأ ْ‬ ‫سوَاهُ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫م َّ‬
‫ِ‬
‫ف فِي النَّارِ"‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن يُقْذ َ َ‬ ‫ما يَكَْره ُ أ ْ‬ ‫ه كَ َ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫ن أنْقَذَه ُ الل ّ ُ‬ ‫فِي الْكُفْرِ بَعْد َ أ ْ‬
‫رواه مسلم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ه ع َليْهِ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ومن الدلة كذلك‪ :‬حديث جميل رائع‪ ،‬قال فيه َ‬
‫َ‬ ‫شدِّ أ ُ َّ‬ ‫ن أَ َ‬ ‫َ‬
‫م لَ ْ‬
‫و‬ ‫حدُهُ ْ‬ ‫ن بَعْدِي يَوَد ُّ أ َ‬ ‫س يَكُونُو َ‬ ‫حبًّا نَا ٌ‬ ‫متِي لِي ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م‪ِ " :‬‬
‫َ‬
‫سل ّ َ‬
‫وَ َ‬
‫مالِهِ" رواه مسلم‪.‬‬ ‫َرآنِي بِأهْلِهِ وَ َ‬
‫ب‪،‬‬ ‫فكلنا محب لرسول الله صلى الله عليه وسلم محبة وجو ٍ‬
‫ومحبة اختيارٍ وتعظيم ٍ له عليه الصلة والسلم‪ ،‬وأمر هذا الوجوب‬
‫ل يحتاج لدلة‪ ،‬فلعلنا ندرك عظمة هذا الوجوب عندما ندرك هذه‬
‫النصوص الواضحة في أن محبته ينبغي أن تكون أعظم من محبة‬
‫النفس التي بين جنبيك‪ ،‬وأنفاسك التي تتردد‪ ،‬وقلبك الذي يخفق‪،‬‬
‫فضل ً عن محبة الزوج والبناء‪ ،‬أو المهات والباء‪ ،‬فما أعظم هذه‬
‫ق من بني آدم في الدنيا‪،‬‬ ‫المحبة التي هي أعظم محبة لمخلو ٍ‬
‫وفي الخليقة كلها‪ ،‬وهي التي استحقها سيد الخلق صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬ووجبت على كل مؤمن بالله سبحانه‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬لماذا نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟‬
‫هذا السؤال لنهيِّج القلوب والمشاعر لهذه المحبة‪ ،‬ولنؤكدها‪،‬‬
‫ولنحرص على غرسها في سويداء القلوب والنفوس حتى تتحرك‬
‫بها المشاعر‪ ،‬وتنصبغ بها الحياة‪ ،‬وتكون هي السمت والصبغة‬
‫التي يكون عليها المسلم في سائر أحواله بإذن الله تعالى‪.‬‬
‫أولً‪ :‬نحبه؛ لنه حبيب الله‪ ،‬ومن أحب الله أحب كل ما أحبه الله‪،‬‬
‫وأعظم محبوب من الخلق لله هو رسوله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫ُ َ‬
‫ل الل ّهِ" رواه‬ ‫خلِي‬ ‫م َ‬ ‫حبُك ُ ْ‬ ‫صا ِ‬
‫ن َ‬ ‫وقد قال عليه الصلة والسلم‪" :‬وَلَك ِ ْ‬
‫مسلم‪ .‬يعني نفسه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬والخلة هي أعلى‬
‫درجات المحبة‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬لن الله أظهر لنا كمال رأفته وعظيم رحمته صلى الله عليه‬
‫ما‪ ،‬وعلينا‬ ‫وسلم بأمته‪ :‬فنحن نحب النسان متى وجدناه بنا رحي ً‬
‫شفيقًا‪ ،‬ولنفعنا مبادًرا‪ ،‬ولعوننا مجتهدًا‪ ..‬فنحبه من أعماق قلوبنا‪،‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو في هذا الباب أعظم َ‬
‫رحمنا‪ ،‬ورأف بنا‪ ،‬وإن كان بيننا وبينه هذه القرون المتطاولة‪ ،‬قال‬
‫لم َ‬
‫ما ع َنِت ُّ ْ‬
‫م‬ ‫م ع َزِيٌز ع َلَيْهِ َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ن أن ْ ُف ِ‬ ‫سو ٌ ِ ْ‬ ‫م َر ُ‬ ‫جاءَك ُ ْ‬ ‫تعالى‪{ :‬لَقَد ْ َ‬
‫م} (سورة التوبة‪.)128 :‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫ف َر ِ‬ ‫ن َرءُو ٌ‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م بِال ْ ُ‬ ‫ص ع َلَيْك ُ ْ‬ ‫حرِي ٌ‬ ‫َ‬
‫ة لذلك طال بنا المقام‪ ،‬فرسول الله صلى الله‬ ‫ولو أردنا أمثل ً‬
‫ُ‬
‫شقَّ ع َلَى أ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫متِي‪."...‬‬ ‫نأ ُ‬ ‫عليه وسلم كثيًرا ما كان يقول‪" :‬لَوْل أ ْ‬
‫وكم من الحاديث الذي ورد فيها رقته ورحمته بأمته‪...‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫كما في حديث مال ِك بن ال ْحويرث قَا َ َ‬
‫ه‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ل‪ :‬أتَيْنَا إِلَى النَّب ِ ِ ّ‬ ‫َ‬
‫ُ َْ ِ ِ‬ ‫َ ِ ْ ِ‬ ‫َّ‬
‫ما‬ ‫ن يَوْ ً‬ ‫شرِي َ‬ ‫ع ْ‬ ‫عنْدَه ُ ِ‬ ‫منَا ِ‬ ‫ْ‬ ‫ن فَأقَ‬ ‫َاربُو َ‬ ‫ِ‬ ‫متَق‬ ‫ُ‬ ‫شبَب َ ٌ‬
‫ة‬ ‫ن َ‬ ‫ُ‬ ‫ح‬
‫م وَن َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ع َلَيْهِ وَ َ‬
‫سل‬
‫ما َرفِيقًا‪ ،‬فَل َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫حي ً‬ ‫م َر ِ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ل الل ّهِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ة‪ ،‬وَكَا َ‬ ‫وَلَيْل َ ً‬
‫ن تََركْنَا بَعْدَنَا‬ ‫م ْ‬ ‫سأَلَنَا ع َ َّ‬ ‫شتَقْنَا َ‬ ‫شتَهَيْنَا أَهْلَنَا أَوْ قَد ْ ا ْ‬ ‫ن أَنَّا قَد ْ ا ْ‬ ‫ظ َ َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫موهُ ْ‬ ‫م ُ وَع َل ِّ ُ‬ ‫موا فِيهِ ْ‬ ‫م فَأقِي ُ‬ ‫جعُوا إِلَى أهْلِيك ُ ْ‬ ‫ل‪[ :‬اْر ِ‬ ‫خبَْرنَاه ُ قَا َ‬ ‫فَأ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م‪ ،‬وَذ َكََر أ َ ْ‬
‫مونِي‬ ‫ما َرأيْت ُ ُ‬ ‫صل ّوا ك َ َ‬ ‫حفَظُهَا‪ ،‬وَ َ‬ ‫حفَظُهَا أوْ َل أ ْ‬ ‫شيَاءَ أ ْ‬ ‫مُروهُ ْ‬ ‫وَ ُ‬
‫َ‬ ‫م وَلْيَؤ ُ َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م]‬‫م أكْبَُرك ُ ْ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫حدُك ُ ْ‬ ‫مأ َ‬ ‫ن لَك ُ ْ‬ ‫صَلة ُ فَلْيُؤَذِّ ْ‬ ‫ت ال َّ‬ ‫ضَر ْ‬ ‫ح َ‬ ‫صل ِّي‪ ،‬فَإِذ َا َ‬ ‫أ َ‬
‫رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫ة على‬ ‫ة وشفق ً‬ ‫بل كان إذا سمع بكاء الصبي يخفف من صلته رأف ً‬
‫قلب أمه به‪ ،‬وذلك من كمال رحمته وشفقته عليه الصلة‬
‫والسلم‪.‬‬
‫ومن ذلك‪ :‬كمال نصحه لمته‪ ،‬وعنايته بتعليمهم‪ ،‬حتى قيل‬
‫حتَّى‬ ‫سل َّم ك ُ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يءٍ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫م نَبِيُّك ُ ْ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫للصحابة‪" :‬قَد ْ ع َل ّ َ‬
‫خَراءَةَ" رواه مسلم‪ .‬أي‪ :‬حتى قضاء الحاجة‪.‬‬ ‫ال ْ ِ‬
‫ة إل‬ ‫علّم أمته كل شيء‪ ،‬وكان عليه الصلة والسلم ل يدع فرص ً‬
‫ب" رواه‬ ‫شاهِد ُ الْغَائ ِ َ‬ ‫ة إل ويقول‪" :‬لِيُبَل ِّغ ال َّ‬ ‫ويعلمهم‪ ،‬ول يدع فرص ً‬
‫البخاري ومسلم‪ .‬حتى جئنا إلى أيامنا هذه وإلى ما بعدها‪ ،‬وكأن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا نراه في يقظته‬
‫ومنامه‪ ،‬بل نحن نعرف عن رسول الله عليه الصلة والسلم من‬
‫سيرته أكثر مما نعرف عن أنفسنا‪ُ .‬رصدت حياته صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬ورصد لنا وصفه وشعره؛ كم شعرة بيضاء في لحيته‪ ،‬كل‬
‫ق بليٍغ‪ ،‬حتى كأن كل شيءٍ في حياته ورد في‬ ‫ف دقي ٍ‬ ‫ذلك في وص ٍ‬
‫وضح النهار‪ ،‬وفي رابعة الشمس كما يقولون‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬من دواعي محبته صلى الله عليه وسلم‪ :‬خصائصه وخصاله‬
‫ق عَظِيمٍ}‬ ‫ك لَعَلى ُ ُ‬ ‫العظيمة‪ ،‬ويكفينا في ذلك قول الله‪{ :‬وَإِن َّ َ‬
‫خل ٍ‬
‫[سورة القلم‪ .]4 :‬واجتمع فيه ما تفرق من وجوه الفضائل‬
‫والخلق والمحاسن في الخلق كلهم‪ ،‬فكان هو مجتمع المحاسن‬
‫عليه الصلة والسلم‪ ،‬وحسبنا ذلك في هذه الدواعي‪ ،‬وإل فالمر‬
‫كثير‪ ،‬فإن الذين مالت قلوبهم‪ ،‬وملئت حبًّا لرسول الله عليه‬
‫الصلة والسلم من أصحابه‪ ،‬إنما سبى قلوبهم‪ ،‬واستمال أنفسهم‬
‫بما كان عليه من الخلق وحسن المعاملة‪ ،‬وكمال الرحمة‪،‬‬
‫وعظيم الشفقة‪ ،‬وحسن القول إلى غير ذلك مما هو معلوم من‬
‫شمائله عليه الصلة والسلم‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬مظاهر محبته صلى الله عليه وسلم وعلماتها‪:‬‬
‫فلكل شيءٍ دليل‪ ،‬ولكل ادعاءٍ برهان‪ ،‬ومن هنا نذكر بعض هذه‬
‫المعالم العظيمة المهمة من مظاهر وعلمات محبته صلى الله‬
‫عليه وسلم‪:‬‬
‫ومن أولها‪ :‬محبته باتباعه‪ ،‬والخذ بسنته صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫وكما قال ابن الجوزي مستشهدًا بقول مجنون ليلى‪:‬‬
‫أم الدنيا وما في طواياهـا؟‬ ‫إذا قيل للمجـنون ليلى تريـد‬
‫أحب إلى نفسي وأشفى‬ ‫لقال غبار من تـراب نعالـها‬
‫لبلواها‬
‫قال ابن الجوزي‪" :‬وهذا مذهب المحبين بل خلف‪ ،‬فكل محب‬
‫يكون أدنى شيء من محبوبه أعظم إليه من كل شيء في دنياه‪،‬‬
‫فكان أدنى شيء من الله‪ ،‬ومن رسوله أعظم وأحب إلى كل‬
‫مؤمن من كل شيء في دنياه"‪.‬‬
‫قال ابن رجب رحمه الله في "جامع العلوم والحكم"‪" :‬فمن أحب‬
‫ة من قلبه؛ أوجب له ذلك أن يحب بقلبه‬ ‫ة صادق ً‬ ‫الله ورسوله محب ً‬
‫ما يحبه الله ورسوله‪ ،‬ويكره ما يكره الله ورسوله‪ ،‬ويرضى ما‬
‫يرضى الله ورسوله‪ ،‬ويسخط ما يسخط الله ورسوله‪ ،‬وأن يعمل‬
‫بجوارحه بمقتضى هذا الحب والبغض؛ فإن عمل بجوارحه شيئًا‬
‫يخالف ذلك بأن ارتكب بعض ما يكرهه الله ورسوله‪ ،‬أو ترك‬
‫ل ذلك‬ ‫بعض ما يحب الله ورسوله مع وجوبه والقدرة عليه‪ ،‬د ّ‬
‫على نقص محبته الواجبة‪ ،‬فعليه أن يتوب من ذلك‪ ،‬ويرجع إلى‬
‫تكميل المحبة الواجبة"‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الكثار من ذكره صلى الله عليه وسلم والصلة عليه‪:‬‬
‫فمن أحب إنسانًا أكثر ذكره‪ ،‬وأكثر ذكر محاسنه‪ ،‬فينبغي أن‬
‫ن بذكر مآثر النبي صلى الله‬ ‫ت وحي ٍ‬ ‫نعطر مجالسنا في كل وق ٍ‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وسيرته وأحواله وشمائله‪ ،‬وهذا الذكر هو الذي يهيج‬
‫هذه المحبة ويبعثها‪ ،‬وكثرة الصلة عليه والسلم تترك هذا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫منُوا‬ ‫نآ َ‬ ‫ي يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬ ‫ن ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬ ‫صل ّو َ‬ ‫ه يُ َ‬ ‫مَلئِكَت َ ُ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫المعنى‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫ُ‬
‫ما} [سورة الحزاب‪.]56 :‬‬ ‫ً‬ ‫سلِي‬
‫موا ت َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫سل ِّ‬‫صل ّوا ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وفي حديث أ ُ‬
‫ه‬
‫ْ ِ‬ ‫ي‬ ‫َل‬ ‫ع‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫الل‬ ‫ى‬ ‫صل‬ ‫ِ َ‬ ‫ه‬ ‫الل‬ ‫ل‬ ‫سو‬ ‫ر‬
‫َ َ ُ‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫ك‬ ‫ل‪:‬‬ ‫ا‬ ‫ق‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫ك‬
‫َ ِّ ْ ِ َ ْ ٍ‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ب‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ه‪،‬‬
‫س‪ ،‬اذ ْكُروا الل َ‬ ‫ُ‬ ‫ل‪" :‬يَا أي ّهَا الن ّا ُ‬ ‫ُ‬ ‫م فَقَا َ‬ ‫ل قَا َ‬ ‫ب ثُلُثَا الل ّي ْ ِ‬ ‫م إِذ َا ذَهَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫سل‬ ‫وَ َ‬
‫ما فِيهِ‪،‬‬ ‫ت بِ َ‬ ‫موْ ُ‬ ‫جاءَ ال ْ َ َ‬ ‫ة‪َ ،‬‬ ‫ة تَتْبَعُهَا الَّرادِفَ ُ‬ ‫جفَ ُ‬ ‫ت الَّرا ِ‬ ‫جاءَ ْ‬ ‫ه‪َ ،‬‬ ‫اذ ْكُُروا الل ّ َ‬
‫ل الل ّهِ‪ ،‬إِنِّي أُكْثُِر‬ ‫سو َ‬ ‫ت‪ :‬يَا َر ُ‬ ‫ي‪ :‬قُل ْ ُ‬ ‫ل أُب َ ٌّ‬ ‫ه"‪ .‬قَا َ‬ ‫ما فِي ِ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫موْ ُ‬ ‫جاءَ ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ت"‪ ،‬قَا َ‬ ‫َ‬ ‫لل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صلة َ ع َلي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ال َّ‬
‫ل‪:‬‬ ‫شئ ْ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ل‪َ " :‬‬ ‫صلتِي؟ فَقَا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫جعَ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ك‪ ،‬فَك ْ‬
‫ت‪:‬‬‫ك"‪ ،‬قُل ْ ُ‬ ‫خيٌْر ل َ َ‬ ‫ت فَهُوَ َ‬ ‫ن زِد ْ َ‬ ‫ت‪ ،‬فَإ ِ ْ‬ ‫شئ ْ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ل‪َ " :‬‬ ‫ع‪ ،‬قَا َ‬ ‫ت الُّرب ُ َ‬ ‫قُل ْ ُ‬
‫ت‬ ‫ل‪ :‬قُل ْ ُ‬ ‫ك"‪ ،‬قَا َ‬ ‫خيٌْر ل َ َ‬‫ت فَ ُهوَ َ‬ ‫ن زِد ْ َ‬ ‫ت فَإ ِ ْ‬ ‫شئ ْ َ‬
‫ما ِ‬ ‫ل‪َ " :‬‬ ‫ف‪ ،‬قَا َ‬ ‫ص َ‬ ‫الن ِّ ْ‬
‫َ‬
‫ل لَ َ‬
‫ك‬ ‫جعَ ُ‬ ‫ت‪ :‬أ ْ‬ ‫ك" قُل ْ ُ‬ ‫خيٌْر ل َ َ‬ ‫ت فَهُوَ َ‬ ‫ن زِد ْ َ‬ ‫ت‪ ،‬فَإ ِ ْ‬ ‫شئ ْ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ل‪َ " :‬‬ ‫ن‪ ،‬قَا َ‬ ‫ِ‬ ‫فَالثُّلُثَي ْ‬
‫ك" رواه‬ ‫ك ذ َنْب ُ َ‬ ‫ك‪ ،‬وَيُغْفَُر ل َ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل‪" :‬إِذن تُكْفَى هَ َّ‬ ‫صَلتِي كُلَّهَا‪ ،‬قَا َ‬ ‫َ‬
‫الترمذي وأحمد‪.‬‬
‫قال الشراح‪ :‬كان أبّي يقصد أن له وردا من الدعاء دائم‪ ،‬فكان‬ ‫ُ‬
‫يصلي فيه على النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقال‪ :‬كم أجعل لك‬
‫من ذلك؟ قال زد حتى لو كان الحمد والثناء والصلة على رسول‬
‫ل الدعاء يكون فيه ما وعد‬ ‫الله عليه الصلة والسلم؛ فإنه وإن ق ّ‬
‫ك‬‫ك وَيُغْفَُر ل َ َ‬ ‫م َ‬‫به النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬إِذن تُكْفَى هَ َّ‬
‫ك"‪.‬‬ ‫ذ َنْب ُ َ‬
‫ثالثًا‪ :‬تمني رؤيته والشوق إليه‪ :‬وتلك بعض مشاعر المحبة‪ ،‬وقد‬
‫شدِّ أ ُ َّ‬‫ن أَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫س يَكُونُو َ‬ ‫حبًّا نَا ٌ‬ ‫متِي لِي ُ‬ ‫م ْ‬‫م‪ِ [ :‬‬ ‫سل ّ َ‬‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫قال َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مالِهِ] رواه مسلم‪.‬‬ ‫م لَوْ َرآنِي بِأهْلِهِ وَ َ‬ ‫حدُهُ ْ‬ ‫بَعْدِي يَوَد ُّ أ َ‬
‫وهذا بلل ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬ذهب إلى بلد الشام بعد وفاة النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وكان يقول‪ :‬لم أطق أن أبقى في المدينة‬
‫بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وكان إذا أراد أن يؤذن‬
‫وجاء إلى‪" :‬أشهد أن محمدًا رسول الله" تخنقه ع َبْرته‪ ،‬فيبكي‪،‬‬
‫فمضى إلى الشام وذهب مع المجاهدين‪ ،‬ورجع بعد سنوات‪ ،‬ثم‬
‫دخل إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وحان وقت‬
‫الذان‪ ،‬فأذن بلل‪ ،‬فبكى‪ ،‬وأبكى الصحابة بعد انقطاٍع طويل غاب‬
‫فيه صوت مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فتذكروا بللً‬
‫وأذانه‪ ،‬وتذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وكان بلل ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬عند وفاته تبكي زوجته بجواره‪،‬‬
‫فيقول‪" :‬ل تبكي‪ ..‬غدًا نلقى الحبة‪ ..‬محمدا وصحبه"‪ ..‬فكان‬
‫يشتاق للقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وهو واحد من‬
‫المبشرين بالجنة كما ثبت ذلك في الحديث‪ .‬وهكذا روي عن‬
‫حذيفة بن اليمان‪ ،‬وعن عمار بن ياسر ‪-‬رضي الله عنهم أجمعين‬
‫كلهم‪ -‬روى أو ذكر القاضي عياض في الشفاء أنهم قالوا‪" :‬غدًا‬
‫نلقى الحبة‪ ..‬محمدًا وصحبه"‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬محبة الكتاب الذي أنزل عليه والذي بلّغه لمته‪ :‬وهو‬
‫معجزته الخالدة إلى قيام الساعة‪ ،‬كلم الله وكتابه العظيم الذي‬
‫فيه الهدى والنور‪ ،‬فمن أحب رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫أحب القرآن‪ ،‬والتعلق به‪.‬‬
‫سا‪ :‬السباب الجالبة لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫خام ً‬
‫‪ -1‬تعظيم محبة الله تعالى‪.‬‬
‫‪ -2‬قراءة سيرته صلى الله عليه وسلم‪ :‬اقرءوا السيرة‪ ،‬وعلموها‬
‫أبناءكم‪ .‬قال السلف‪" :‬كانوا يعلموننا مغازي رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم كما يعلموننا الية من القرآن"‪.‬‬
‫‪ -3‬تذكر الجر العاجل في الدنيا والجل في الخرة بمحبة النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -4‬تولّي الصحابة رضوان الله عليهم‪ ،‬والكثار من ذكر سيرتهم‪.‬‬
‫‪ -5‬تعظيم السنة النبوية‪ :‬حتى إذا قيل قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم يكون منك ما كان من الصحابة‪ ..‬يقول الراوي كانوا‬
‫إذا قيل‪ :‬قال النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬اشرأبت العناق‪،‬‬
‫وشخصت البصار‪ ،‬وأصغت السماع‪ ..‬ل انصراف ول التفات ول‬
‫تحرك‪ ،‬بل احترام وإجلل لرسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ل‬
‫ث‪ ،‬وكل عام ٍ‬ ‫‪ -6‬إجلل المحبين للسنة والعاملين بها‪ :‬كل محد ّ ٍ‬
‫بسنة‪ ،‬وكل ملتزم ٍ للسنة نحبه؛ لنه يذكرنا برسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫ب عن السنة والدفاع عنها‪.‬‬ ‫‪ -7‬الذ ّ‬
‫سا‪ :‬ثمار المحبة‪:‬‬ ‫ساد ً‬
‫هذه المحبة في الدنيا عون على الطاعة‪ ،‬والكثار من العبادة‪،‬‬
‫وخفة ذلك على النفس‪ ،‬وإقبال الروح على مزيد ٍ من الطاعات‪..‬‬
‫وأما في الخرة فحسب المحبة أن تكون نجاته من النار‪ ،‬ولحوقًا‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صل ّى الل ّ ُ‬
‫ه ع َلَيْهِ‬ ‫ل َ‬ ‫برسول الله صلى الله عليه وسلم كما قَا َ‬
‫ب" رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫ح َّ‬ ‫وسل َّم‪" :‬ال ْمرءُ مع م َ‬
‫نأ َ‬ ‫َ ْ َ َ َ ْ‬ ‫َ َ َ‬
‫ساب ًعا‪ :‬محبة النبي صلى الله عليه وسلم بين الغلو والجفاء‪:‬‬
‫هذه المحبة التي قلناها ما بال بعضنا يفسدها بغلو يخرج عن حد‬
‫العتدال‪ ،‬أو جفاءٍ يبتعد فيه المسلم عن حق رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم في تعظيم محبته عليه الصلة والسلم؟‬
‫الغلو خرج به قوم إلى صورٍ كثيرة ل تخفى عليكم من حيث‬
‫الواقع‪ ،‬ولكني أذكرها من حيث المنهج والمبدأ‪.‬‬
‫من يجعل المدح مدخل ً لذكر ما هو خاص مستحق لله ل يجوز أن‬
‫يشاركه فيه غيره‪ ،‬ول أن يوصف به غيره‪ ،‬ولو كان هذا هو رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فل يُدعى لرسول الله عليه الصلة‬
‫والسلم ما هو من حق الله وخصائص الله سبحانه‪ ،‬وهذا يأباه‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم!‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه ع َلَي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫وقد َ علّمه للناس في وقته وفي زمانه‪ ،‬كما َقال َ‬
‫وسل ّم‪" :‬إذ َا حل َ َ َ‬
‫ت‪ ،‬وَلَك ِ ْ‬
‫ن‬ ‫شئ ْ َ‬ ‫ه وَ ِ‬ ‫شاءَ الل ّ ُ‬
‫ما َ‬‫ل‪َ :‬‬‫م فَل يَقُ ْ‬ ‫حدُك ُ ْ‬ ‫فأ َ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ َ‬
‫ت] بعضهم يقولون هذه اللفاظ تعبيًرا‬ ‫ْ‬
‫شئ َ‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ما َ‬
‫شاءَ الل ُ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫لِيَقُ ْ‬
‫عن المشاعر‪ ،‬ول نقصد بها عين اللفاظ! نقول‪ :‬هل أنتم أعلم أو‬
‫م لم يترك التنبيه‬ ‫أحكم من رسول الله عليه الصلة والسلم؟ ل ِ َ‬
‫على اللفاظ إذا كانت ليست مؤثرة في النفس‪ ،‬والفكر‬
‫والعقل!!‪.‬‬
‫وضرب آخر من الغلو وهو‪ :‬التيان بالمخالفات عملية وفعلية‬
‫لسنة وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬بادعاء للمحبة‪ ،‬أو‬
‫ل تُدعى فيه محبة رسول الله صلى الله‬ ‫في أوقات وأفعال وأحوا ٍ‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فالجتماع لمحبته مع وجود الختلط‪ ،‬أو وجود ما هو‬
‫مذموم من الغناء‪ ،‬أو بادعاء أمورٍ غيبية من حلول روحه‪ ،‬أو من‬
‫تجسد روحه‪ ،‬أو من رؤيته‪ ،‬ونحو ذلك‪ ..‬وهذه المور التي ل تثبت‪،‬‬
‫وهذا الدعاء ليس له دليل‪ ،‬وليس له حجة‪.‬‬
‫لمور‬
‫ٍ‬ ‫ضا في هذا الغلو وهو‪ :‬الدعاء والختراع‬‫ثم أمر ثالث أي ً‬
‫وأقوال وأحوال لم تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫النبي عليه الصلة والسلم علمنا الصلة عليه‪ ،‬ووردت لنا في‬
‫أحاديثه صيغ كثيرةٍ من الصلوات‪ ،‬ولكن أن نخصص صلوات‬
‫معينة‪ ،‬ل بد أن تحفظ‪ ،‬وأن تذكر بعدد ٍ من المرات‪ ،‬من أين لنا‬
‫ن لهم‪ ،‬أو أن‬ ‫هذا؟ ومن أين لنا أن نوجب على الناس‪ ،‬أو أن نس ّ‬
‫نشّرع لهم ما لم يشرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫وكلمه أوثق وأقوى‪ ،‬وهو الذي أوتي جوامع الكلم عليه الصلة‬
‫والسلم‪.‬‬
‫ونجد كذلك هناك ادعاءات كثيرة فيما يتعلق بالقوال والحاديث‪،‬‬
‫بعضها ضعيف‪ ،‬وبعضها موضوع‪ ،‬وبعضها ل يثبت‪ ،‬ومع ذلك كل‬
‫هذا يقال‪ ،‬وينسب لرسول الله صلى الله عليه وسلم بادعاء‬
‫الرغبة في المحبة أو التحليل‪ ،‬وهذا كله خارج عن حد العتدال‪.‬‬
‫وأما الجفاء‪ :‬فكذلك إن كنا ننكر الغلو ونحذر منه فكذلك الجفاء‪،‬‬
‫ومن صور الجفاء ترك زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫أو ترك السلم على رسول الله عليه الصلة والسلم‪ ،‬وترك‬
‫التعلق بسنته‪.‬‬
‫ومن الجفاء‪ :‬رد ّ الحاديث الصحيحة بموجب مقتضيات عقولهم‪،‬‬
‫يقول لك‪ :‬نعم هذا حديث لكن هذا ل يعقل‪ ،‬وهذا ل يصلح في هذا‬
‫ب من المخاطر العظيمة في شأن المحبة‪،‬‬ ‫الزمان!‪ .‬هذا كله ضر ٌ‬
‫بل في شأن اليمان بنبوة الرسول صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫العدول عن سيرته‪ ..‬عدم الهيبة والتعظيم والجلل عند ذكره أو‬
‫ذكر حديثه‪ .‬لماذا ل نعظم الرسول صلى الله عليه وسلم؟ لماذا‬
‫ل نثير هذه السيرة لتكون المحبة أعظم في القلوب؟‬
‫من أعظم الهجر والجفاء لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫ة يخالف فيها سنة النبي صلى الله‬ ‫البتداع‪ ،‬كل مبتدٍع يتلبس بدع ً‬
‫عليه وسلم فهو ضرب من الجفاء‪ ،‬كأن الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم يقول له افعل كذا‪ ،‬وهو يفعل غيره ونقيضه! وهذا أمٌر‬
‫م جدًّا‪.‬‬‫عظي ٌ‬
‫من أهم المور في الجفاء‪ :‬ترك الصلة عليه صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫ب‬
‫وكذلك‪ :‬عدم معرفة قدر الصحابة وذمهم‪ :‬كيف تدعي ح ّ‬
‫م أصحابه الذين كانوا عن‬ ‫الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ثم تذ ّ‬
‫يمينه وعن يساره‪ ،‬الذين فدوه بأرواحهم وجعلوا صدورهم دروع ًا‬
‫تتلقى السهام؛ ليذودوا عن رسول الله عليه الصلة والسلم؟‬
‫م أو يتهم أو يشنع على‬ ‫كيف يمكن لحد ٍ أن يدعي المحبة وهو يذ ّ‬
‫أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين؟!‪.‬‬
‫من الجفاء‪ :‬عدم العناية بالسيرة النبوية‪ ،‬وعدم معرفة الخصائص‬
‫والخصال‪ :‬خصال النبي صلى الله عليه وسلم وخصائصه عظيمة‬
‫جدًّا‪ ،‬أكثرها ل يعرفها الناس‪ ،‬ول يعرفون أحاديثه الثابتة‪ ،‬ول‬
‫المعجزات المادية‪ ،‬ومن المهم أن نذكرها‪.‬‬
‫أسأل الله تعالى أن يعظم محبة رسوله في قلوبنا‪ ،‬وأن يجعل‬
‫محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم عندنا من محبة‬
‫أنفسنا‪ ،‬وأن يجعل محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫طمأنينة قلوبنا‪ ،‬وانشراح صدورنا‪ ،‬وأن يجعل محبته عونًا لنا على‬
‫طاعة الله عز وجل‪ ،‬وحسن الصلة به‪.‬‬
‫‪--------------------‬‬
‫** من محاضرة‪" :‬محبة النبي صلى الله عليه وسلم" للشيخ‬
‫علي بن عمر بادحدح‪ ،‬أستاذ مشارك بجامعة الملك عبد العزيز‪-‬‬
‫السعودية‪.‬‬
‫‪ .22‬كيف أرسخ حب النبي صلى الله عليه وسلم في‬
‫قلب ولدي؟!‬
‫خالد السيد ُروشه‬
‫السؤال‬
‫كيف أرسخ محبة الرسول‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬في طفلي؟‬
‫الجابة‬
‫الحقيقة أن حب النبي _صلى الله عليه وسلم_ هو أصل من‬
‫أصول هذا الدين ومبدأ من مبادئه ل يستقيم إيمان إنسان بدونه‬
‫ول يسع مسلم أن يتجاوزه ول يصح لمسلم أن يكون مترددا ً فيه‬
‫فهي مرتبطة بمحبة الله _سبحانه وتعالى_ إذ إنه – صلى الله‬
‫عليه وسلم – مبعوثه ورسوله ومصطفاه ومجتباه‪..‬‬
‫وسؤالك هذا من أهم السئلة التي ينبغي على أولياء المور‬
‫والوالدين أن يسألوه وأن يتقنوا فن تطبيقه‪ ،‬وأن يبذلوا جهدهم‬
‫في الوصول إلى ترسيخ محبة النبي _صلى الله عليه وسلم_ في‬
‫قلب أبنائهم أجمعين‪.‬‬
‫ولبيان الجابة عن هذا السؤال يهمنا الوقوف عند عدة نقاط‬
‫هامة‪:‬‬
‫أولً‪ :‬مكانة حب النبي _صلى الله عليه وسلم_ في التشريع‬
‫السلمي الشريف‪:‬‬
‫فقد روى البخاري عن أنس _رضي الله عنه_ أن رسول الله‬
‫_صلى الله عليه وسلم_ قال‪" :‬ثلث من كن فيه وجد بهن حلوة‬
‫اليمان‪ :‬أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما‪ ،‬وأن يحب‬
‫المرء ل يحبه إل لله‪ ،‬وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه‬
‫الله منه كما يكره أن يقذف في النار"‪.‬‬
‫وروى البخاري أيضا ً عن أبي هريرة _رضي الله عنه_ أن النبي‬
‫_صلى الله عليه وسلم_ قال‪" :‬ل يؤمن أحدكم حتى أكون أحب‬
‫إليه من والده وولده‪."...‬‬
‫وفي الصحيح عن عبد الله بن هشام‪ :‬كنا مع النبي وهو آخذ بيد‬
‫عمر‪ ،‬فقال عمر‪ :‬يا رسول الله لنت أحب إلي من كل شيء إل‬
‫من نفسي‪ ،‬فقال‪" :‬ل والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك‬
‫من نفسك‪ ،‬قال عمر‪ :‬فإنه الن‪ ،‬لنت أحب إلي من نفسي‪،‬‬
‫فقال‪ :‬الن يا عمر"‪.‬‬
‫وفي الصحيحين عن أنس _رضي الله عنه_ قال جاء رجل إلى‬
‫النبي _صلى الله عليه وسلم_ فقال‪ :‬يا رسول الله متى الساعة؟‬
‫قال‪" :‬وماذا أعددت لها" قال‪ :‬ما أعدت لها كثير عمل إل أنني‬
‫أحب الله ورسوله‪ ،‬قال النبي _صلى الله عليه وسلم_‪ " :‬المرء‬
‫مع من أحب" يقول أنس‪ :‬فما فرحنا بشي كفرحنا بقول النبي‬
‫_صلى الله عليه وسلم_‪ " :‬المرء مع من أحب" ثم قال‪ :‬وأنا‬
‫أحب رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وأبا بكر وعمر‪ ،‬وأرجوا‬
‫الله أن أحشر معهم وإن لم أعمل بمثل أعمالهم‪.‬‬
‫وقد اقترن حبه _صلى الله عليه وسلم_ بحب الله _تعالى_ في‬
‫الكثير من اليات القرآنية‪ ،‬منها قوله _تعالى_‪ " :‬قُل إن كان‬
‫جكم وعشيرتُكم وأموا ٌ‬
‫ل‬ ‫آباؤكم وأبناؤكم وإخوانُكم وأزوا ُ‬
‫ب إليكم‬ ‫ن ترضونها أح َّ‬ ‫شون كسادَها ومساك ُ‬ ‫اقترفتموها وتجارة ٌ تخ َ‬
‫ه بأمرِه‬ ‫من اللهِ ورسولهِ وجهاد ٍ في سبيلِه فَتربَّصوا حتى يأتي الل ُ‬
‫م الفاسقين"‪ ،‬وقوله‪ ":‬قُل إن كنتم تحبون الل َ‬
‫ه‬ ‫ه ل يهدي القو َ‬ ‫والل ُ‬
‫ه "‪.‬‬‫فاتَّبعوني يحبِبِكُم الل ُ‬
‫ثانيًا‪ :‬كيف نقدم النبي _صلى الله عليه وسلم_ لبنائنا ونعرفهم‬
‫به؟‬
‫ينبغي على الوالدين تقديم النبي _صلى الله عليه وسلم‬
‫وشخصيته إلى البناء مراعين العتبارات التية‪:‬‬
‫‪ -1‬الحرص على بيان شخصية النبي _صلى الله عليه وسلم_ كما‬
‫بينها القرآن الكريم في قوله _تعالى_‪ " :‬إنا أرسلناك شاهداً‬
‫ومبشرا ً ونذيرا ً وداعيا ً إلى الله بإذنه وسراجا ً منيرا ً " فهو المبشر‬
‫وهو المنذر وهو السراج المنير والمصباح الوضاء الذي به هدى‬
‫الله العالمين وأخرجهم من الظلمات إلى النور‪.‬‬
‫‪ -2‬الحرص على بيان جوانب القدوة من شخصيته _صلى الله‬
‫عليه وسلم_ وشخصيته كلها قدوة‪ ،‬والتأكيد على أنه هو النموذج‬
‫المرتجى والمثال المأمول لكل من أراد النجاح والفلح في الدنيا‬
‫والخرة‪.‬‬
‫‪ -3‬لبد من أن نجيب لبنائنا على سؤال‪ :‬لماذا يجب علينا أن نحب‬
‫النبي _صلى الله عليه وسلم_ ونصل إلى عقولهم بإقناعهم بأن‬
‫كل عاقل حكيم صالح مؤمن ذكي يجب أن يحب النبي _صلى‬
‫الله عليه وسلم_ لنه الذات البشرية التي تسببت في هداية‬
‫العالمين إلى الهدى والحق والنور واليمان بفضل الله الحميد‬
‫المجيد‪.‬‬
‫‪ -4‬التأكيد على فضائله _صلى الله عليه وسلم_ ومكانته عند ربه‬
‫_سبحانه_ ومكانته بين النبياء وفضله يوم القيامة ومكانة شفاعته‬
‫ومقامه في الجنة _صلى الله عليه وسلم_ والتأكيد على بيان‬
‫معنى قوله في الصحيحين من حديث أبى هريرة أنه _صلى الله‬
‫ت على النبياء بسـت‪ :‬أُعطيـت جوامـع‬ ‫عليه وسلم_ قال‪" :‬فُ ِّ‬
‫ضل ُ‬
‫ُ‬
‫الكلـم "فهو البليغ الفصيح" ونُصرت بالرعـب وأحلت لي الغنائم‪،‬‬
‫جعلت لي الرض طهورا ً ومسجداً‪ ،‬وأُرسلت إلى الخلق كافة‪،‬‬ ‫و ُ‬
‫ختم بي النبيون"‬ ‫و ُ‬
‫‪– 5‬تبيين بشارة النبياء السابقين به _صلى الله عليه وسلم_‬
‫وحبهم له واستقبالهم إياه في السراء والمعراج‪ ،‬وأنه هو النبي‬
‫الخاتم لهم‪ ،‬وأن شريعته هي الناسخة لشريعتهم والجامعة‬
‫لفضائلها والشاملة لكل خير وهدى جاء في رسالتهم _صلوات‬
‫الله وسلمه عليهم أجمعين_‬
‫‪ – 6‬التأكيد على بيان معنى التباع ومعنى البتداع بأسلوب مبسط‬
‫وتكرار ذلك المعنى‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬بعض الوسائل التي يمكن اتخاذها لترسيخ حب النبي _صلى‬
‫الله عليه وسلم_ في نفوس أبنائنا‪:‬‬
‫‪ – 1‬حكاية معجزاته _صلى الله عليه وسلم_‪.‬‬
‫‪ -2‬حكاية أخلقه العظيمة ونصرته للمظلومين وعطفه على‬
‫الفقراء ووصيته باليتيم‪.‬‬
‫‪ -3‬حكاية أخبار رقته _صلى الله عليه وسلم_ ورحمته وبكائه وبأنه‬
‫هو النبي الوحيد الذي ادَّخر دعوته المستجابة ليوم القيامة كي‬
‫يشفع بها لمته‪ ،‬كما جاء في صحيح مسلم‪":‬لكل نبي دعوة‬
‫مجابة‪ ،‬وكل نبي قد تعجــل دعــوته‪ ،‬وإني اختبأت دعوتي‬
‫شفــاعة لمتي يــوم القيامة"‪ ،‬وهو الذي طالما دعا ربه قائلً‪" :‬يا‬
‫رب أمتي ‪ ،‬يا رب أمتي" ‪ ،‬وهو الذي سيقف عند الصراط يوم‬
‫القيامة يدعو لمته وهم يجتازونه‪،‬قائلًً‪ " :‬يا رب سل ِّم ‪ ،‬يا رب‬
‫سل ِّم" وأنه بكى شوقًا إلينا حين كان يجلس مع أصحابه‪ ،‬فسألوه‬
‫عن سبب بكاءه‪ ،‬فقال لهم ‪" :‬اشتقت إلى إخواني"‪ ،‬قالوا‬
‫‪":‬ألسنا بإخوانك يا رسول الله؟!" قال لهم‪":‬ل"‪،‬إخواني الذين‬
‫آمنوا بي ولم يروني"!! كما ورد في بعض الثار التي حسنها بعض‬
‫العلماء‪.‬‬
‫‪ -4‬بيان كيف كان يحبه أصحابه _رضوان الله عليهم_ ويضحون‬
‫في سبيله وحكاية القصص في ذلك‪.‬‬
‫‪ -5‬تحفيظ الولد أحاديث النبي _صلى الله عليه وسلم_ وتعليمهم‬
‫سنته‪ ،‬وبيان كيف أنها تحفظ النسان من شياطين النس والجن‪.‬‬
‫‪ – 6‬فعل الوالدين العملي وطريقتهم التطبيقية في القتداء بالنبي‬
‫_صلى الله عليه وسلم_ والحرص على سنته هي مؤثر من أكبر‬
‫مؤثرات تربية البناء على ذلك‪ ،‬يقول صاحب كتاب (التربية‬
‫السلمية)‪ " :‬إن من السهل تأليف كتاب في التربية‪ ،‬ومن السهل‬
‫أيضا ً تخيل منهج معين‪ ،‬ولكن هذا الكتاب وذلك المنهج يظل ما‬
‫بهما حبرا ً على ورق‪ ،‬ما لم يتحول إلى حقيقة واقعة تتحرك ‪ ،‬وما‬
‫لم يتحول إلى بشر يترجم بسلوكه‪ ،‬وتصرفاته‪ ،‬ومشاعره‪،‬‬
‫وأفكاره مبادئ ذلك المنهج ومعانيه‪ ،‬وعندئذ ٍ فقط يتحول إلى‬
‫حقيقة "‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬ملحظات هامه أثناء التطبيق‪:‬‬
‫‪ -1‬الحرص على اٌلقناع باستخدام المناقشة والسؤال والستفسار‬
‫وعدم العتماد على أسلوب التلقين وحده‪.‬‬
‫‪ -2‬يراعى استخدام أساليب التشويق في حكاية سيرة النبي‬
‫_صلى الله عليه وسلم_ كما يراعى استخدام الثواب والهدية‬
‫ومثاله في حالة التكليف بحفظ الحاديث أو شيء من السنة‪.‬‬
‫‪ -3‬التركيز على كيفية إرضاء النبي _صلى الله عليه وسلم_‬
‫وثواب ذاك الرضاء ولقاء النبي _صلى الله عليه وسلم_ يوم‬
‫القيامة على الحوض والتفريق دائما ً في حس الولد بين من‬
‫يرحب بهم النبي وبين من يقال لهم سحقا ً سحقاً‪.‬‬
‫‪ -4‬مساعدة الطفال في النتاج البداعي فيما يخص حب النبي‬
‫_صلى الله عليه وسلم_ مثل كتابة الشعر في ذلك والقصة‬
‫والخطبة والمقالت وتشجيع المسابقات والمنافسات المختلفة‬
‫في موضوع حب النبي _صلى الله عليه وسلم_‪.‬‬
‫المصدر‪ :‬موقع المسلم‬
‫‪ .23‬تعليم الطفال حب الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫وأصحابه وأهل بيته‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫==================‬
‫أطفالنا وحب الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫د‪.‬أماني زكريا الرمادي‬
‫===============‬
‫تمهيد‪:‬‬
‫===‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الحمد لله رب العالمين ‪ ،‬حمدا يليق بجلله وكماله‪،‬حمدا على‬
‫قدر حبه لرسوله المين‪ ،‬حمدا ً يوازي عطاءه للمؤمنين‪...‬‬
‫والصلة والسلم على خير خلقه أجمعين‪ :‬خاتم النبيين‪،‬وإمام‬
‫جلين؛ سيدنا محمد‪ ،‬وآله وصحبه‪،‬ومن‬ ‫مح َّ‬
‫المرسلين‪،‬وقائد الغُر ال ُ‬
‫تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪،‬وبعد‪.‬‬
‫فقد فتُرت علقة المسلمين ‪ -‬بمرور الزمن‪،‬وتتابع الفتن‪-‬‬
‫برسولهم صلى الله تعالى عليه وسلم‪،‬حتى اقتصرت‪ -‬في معظم‬
‫الحيان‪ -‬على الصلة عليه عند ذكره‪،‬أو سماع من يذكره؛أو‬
‫"التغني به في ليلة مولده أو ذكرى الهجرة أو ليلة السراء"(‪...)1‬‬
‫دون أن تكون بين المسلمين وبينه تلك الرابطة القوية التي‬
‫أرادها الله سبحانه لهم من خلل حبه صلى الله عليه‬
‫وسلم‪،‬والتأسي به في أخلقه وأفعاله‪.‬‬
‫وإذا كان المسلمون في عصرنا الحالي ‪ -‬خاصة الشباب منهم‪-‬‬
‫يدَّعون أنهم يحبون الرسول صلى الله عليه وسلم‪،‬فإن أفعال‬
‫بعضهم تؤكد عكس ذلك؛ ربما لنهم ل يعرفون كيف يحبونه!!‬
‫وفي خضم الحياة المعاصرة نجد المور قد اختلطت‪ ،‬والشرور‬
‫قد سادت‪،‬وأصبح النشء والشباب يرددون ‪":‬نحن ل نجد القدوة‬
‫الصالحة" ‪...‬وبدل ً من أن يبحثوا عنها نراهم قد اتخذوا المشاهير‬
‫من المفكرين أ و الممثلين السينمائيين‪ ،‬أواللعبين ‪،‬أو المطربين‬
‫قدوة ومثل ً ‪ ...‬وما نراهم إل استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو‬
‫خير!!!‬
‫من هنا كانت الحاجة ملحة لن نعيد إلى أذهاننا وأذهان أبناءنا‬
‫من الطفال والشباب الصورة الصحيحة للقدوة الصالحة ‪،‬‬
‫والشخصية التي تستحق أن تُتبع وأن يُحتذى بها‪.‬‬
‫وفي السطور القليلة القادمة نرى محاولة لعادة الصورة‬
‫الواضحة للقدوة المثالية التي تستحق أن تتبع‪،‬وتأصيل ذلك منذ‬
‫الطفولة حتى نبني أجيال ً من الشباب الصالحين الذين يمكن أن‬
‫يكونوا هم أنفسهم قدوة لغيرهم‪.‬‬
‫ول تخفي كاتبة هذه السطور أنها تمنت‪ -‬أثناء قراءتها لعداد‬
‫هذا المقال‪ -‬أن يوفقها المولى سبحانه لتتصف ببعض صفاته‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ...‬وهي الن تتمنى ذلك أيضا ً لكل من‬
‫يقرؤه ‪ ،‬وعلى الله قصد السبيل‪،‬ومنه وحده التوفيق‪...‬والحمد‬
‫لله رب العالمين‪.‬‬
‫د‪.‬أماني زكريا الرمادي‬
‫‪ -1‬ما هو حب الرسول صلى الله عليه وسلم؟‬
‫"إن المقصود بحبه ليس فقط العاطفة المجردة‪ ،‬وإنما موافقة‬
‫أفعالنا لما يحبه صلى الله عليه وسلم ‪،‬وكُره ما يكرهه‪ ،‬وعمل‬
‫ما يجعله يفرح بنا يوم القيامة‪...‬ثم التحرق شوقا ً للقياه‪ ،‬مع‬
‫احتساب أننا ل نحبه إل لله ‪‍ ،‬وفي الله ‪،‬وبالله" (‪)2‬‬
‫وخلصة حبنا له أن يكون‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أحب إلينا من‬
‫أنفسنا وأموالنا وأولدنا ؛ فقد روى البخاري عن عمر بن‬
‫الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪ ":‬ل يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله‬
‫ي من‬ ‫وولده" ‪ ،‬فلما قال له عمر‪" :‬لنت يا رسول الله أحب إل َّ‬
‫كل شيء إل نفسي‪،‬قال له صلى الله عليه وسلم‪":‬ل‪ ،‬والذي‬
‫نفسي بيده‪،‬حتى أكون أحب إليك من نفسك"‪ ،‬فلما قال له‬
‫عمر‪":‬فإنك الن أحب إلي من نفسي يا رسول الله" ‪،‬قال له‪":‬‬
‫الن يا عمر" !!‬
‫‪ -2‬لماذا يجب أن نحب الرسول صلى الله عليه وسلم؟؟؟‬
‫أ‪-‬لن حبه صلى الله عليه وسلم من أساسيات إسلمنا‪ ،‬بل أن‬
‫اليمان بالله تعالى ل يكتمل إل بهذا الحب!!! وقد اقترن حبه‬
‫صلى الله عليه وسلم بحب الله تعالى في الكثير من اليات‬
‫القرآنية‪،‬منها على سبيل المثال ل الحصر قوله تعالى‪:‬‬
‫جكم ‪،‬وعشيرتُكم‬ ‫" قُل إن كان آباؤكم‪ ،‬وأبناؤكم وإخوانُكم وأزوا ُ‬
‫ن ترضونها‬ ‫شون كسادَها ومساك ُ‬ ‫ل اقترفتموها وتجارة ٌ تخ َ‬ ‫وأموا ٌ‬
‫ب إليكم من اللهِ ورسولهِ‪،‬وجهاد ٍ في سبيلِه‪ ،‬فَتربَّصوا حتى‬ ‫أح َّ‬
‫م الفاسقين" ‪ ،‬و" قُل إن كنتم‬ ‫ه ل يهدي القو َ‬ ‫ه بأمرِه‪،‬والل ُ‬ ‫يأتي الل ُ‬
‫ه"‬‫ه فاتَّبعوني يحبِبِكُم الل ُ‬‫تحبون الل َ‬
‫ب‪ -‬لنه حبيب الله الذي أقسم بحياته قائلً‪ ":‬لَعَمُرك إنَّهُم لَفي‬
‫مهون"‬ ‫سكَْرتِهِم يَع َ‬
‫َ‬
‫والذي اقترن اسمه صلى الله عليه وسلم باسمه تعالى‪:‬‬
‫* مرات عديدة في القرآن الكريم ‪،‬‬
‫*و في الشهادة التي ل ندخل في السلم إل‬
‫* وفي الذان الذي يُرفع خمس مرات في كل يوم وليلة‬
‫كما نرى الله تعالى قد فرض علينا تحيته صلى الله عليه وسلم‬
‫بعد تحيته سبحانه في التشهد في كل صلة‪ ........‬فأي شرف‬
‫بعد هذا الشرف؟!!!‬
‫ج‪ -‬لنه حبيب الرحمن الذي قَّربه إليه دون كل المخلوقات ليلة‬
‫ضله حتى على جبريل عليه السلم‪"،‬كما خصه ‪-‬‬ ‫المعراج‪،‬وف َّ‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ -‬بخصائص لم تكن لحد سواه‪،‬منها‪:‬‬
‫الوسيلة‪ ،‬والكوثر‪ ،‬والحوض‪،‬والمقام المحمود"(‪...)3‬ومن الطبيعي‬
‫أن يحب المرء حبيب حبيبه‪،‬فإذا كنا نحب الله عز وجل‪،‬فما‬
‫أحرانا بأن نحب حبيبه!!!‬
‫د‪-‬لن حبه‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬ييسر احترامه‪ ،‬واتباع سنته ‪،‬‬
‫وطاعة أوامره ‪،‬واجتناب نواهيه‪ ...‬فتكون النتيجة هي الفوز في‬
‫الدنيا والخرة‪.‬‬
‫هـ‪-‬لن( الله تبارك وتعالى قد اختاره من بين الناس لتأدية هذه‬
‫الرسالة العظيمة‪،‬فيجب أن نعلم أنه اختار خير الخيار‪،‬لنه‬
‫سبحانه أعلم بمن يعطيه أمانة الرسالة ‪،‬ومادام اصطفاه من بين‬
‫كل الناس لهذه المهمة العظيمة‪،‬فمن واجبنا نحن أن نصطفيه‬
‫بالمحبة من بين الناس جميعاً)(‪)4‬‬
‫هـ‪ -‬لنه صلى الله عليه وسلم النبي الوحيد الذي ادَّخر دعوته‬
‫المستجابة ليوم القيامة كي يشفع بها لمته‪،‬كما جاء في صحيح‬
‫مسلم‪":‬لكل نبى دعوة مجابة‪ ،‬وكل نبى قد تعجــل دعــوته‪،‬‬
‫وإنــى اختبأت دعوتى شفــاعة لمتي يــوم القيامة"‬
‫‪،‬وهو الذي طالما دعا ربه قائلً‪":‬يارب أمتي ‪ ،‬يارب أمتي" ‪،‬وهو‬
‫الذي سيقف عند الصراط يوم القيامة يدعو لمته وهم‬
‫يجتازونه‪،‬قائلًً‪ ":‬يارب سل ِّم‪،‬يارب سل ِّم"‬
‫و‪ -‬لنه بكى شوقا إلينا حين كان يجلس مع أصحابه ‪ ،‬فسألوه عن‬
‫سبب بكاءه‪ ،‬فقال لهم ‪":‬إشتقت إلى إخواني"‪،‬قالوا ‪":‬ألسنا‬
‫بإخوانك يا رسول الله؟!" قال لهم‪":‬ل"‪،‬إخواني الذين آمنوا بي‬
‫ولم يروني"!!‬
‫من أحب يوم القيامة"كما أخبر الصادق‬ ‫ز‪-‬لن المرء مع َ‬
‫المصدوق صلى الله عليه وسلم‪،‬فإذا أحببناه حقا ً صرنا جيرانه‪-‬‬
‫إن شاء الله‪ -‬في الفردوس العلى مهما قصرت أعمالنا‪،‬فقد‬
‫روى أنس بن مالك أن أعرابيا ً جاء إلى الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬فقال‪":‬يا رسول الله ‪،‬متى الساعة"‪،‬قال له‪:‬‬
‫من‬ ‫" وما أعددت لها؟"‪،‬قال ‪":‬حب الله ورسوله"‪،‬قال‪":‬فإنك مع َ‬
‫أحببت"!!‬
‫و‪-‬لن الخالق‪ -‬وهو أعلم بخلقه‪ -‬وصفه بأنه " لعلى خلُق عظيم" ‪،‬‬
‫وبأنه‪:‬‬
‫" عزيز عليه ماع َنِتُّم‪،‬حريص عليكم ‪،‬بالمؤمنين رءوف رحيم" ؛‬
‫كما قال هو عن نفسه‪ ":‬لقد أدَّبني ربي فأحسن تأديبي" ‪،‬ولقد‬
‫خلُقه هذا ‪،‬‬
‫ضرب ‪ -‬صلى الله عليه وسلم أروع المثال ب ُ‬
‫فأحبه‪،‬ووثق به كل من عاشره من المؤمنين والكفار على‬
‫السواء‪ ،‬فنشأ وهو معروف بينهم باسم"الصادق المين" ‪...‬أفل‬
‫نحبه نحن؟!!!‬
‫ح‪ -‬لن الله تعالى شبَّهَه بالنور ‪-‬الذي يخرجنا من ظلمات الكفر‬
‫والضلل‪ ،‬ويرشدنا إلى ما يصلحنا في ديننا ودنيانا‪ -‬في قوله‬
‫ب مبين"(‪ ) 5‬فالسلم لم‬ ‫سبحانه‪":‬قد جاءكم من الله نوٌر وكتا ٌ‬
‫يأت إلينا على طبق من ذهب‪،‬وإنما وصل إلينا بفضل الله تعالى ‪،‬‬
‫ثم جهاد النبي صلى الله عليه وسلم وصبره وملقاته الصعاب"(‬
‫‪... )6‬فما من باب إل وطرقه الكفار ليثنوه عن عزمه‪،‬ويمنعوه من‬
‫تبليغ الرسالة؛ فقد حاولوا فتنته‪ ،‬بإعطاءه المال حتى يكون‬
‫أكثرهم مالً‪،‬وبجعله ملكا وسيدا عليهم‪ ،‬وبتزويجه أجمل نساء‬
‫سطوا عمه أبي طالب‪"-‬والله يا‬ ‫العرب‪،‬فكان رده عليهم‪-‬حين و َّ‬
‫عم ‪ ،‬لو وضعوا القمر في يميني‪،‬والشمس في شمالي على أن‬
‫أترك هذا المر ما تركته ‪،‬حتى يُظهره الله ‪،‬أو أهلك دونه"‬
‫ثم هم هؤلء يحاولون بأسلوب آخر وهو التعذيب الجسدي‬
‫والمعنوي‪(،‬ففي الطائف أمروا صبيانهم ‪،‬وعبيدهم برميه‬
‫حد‬ ‫ُ‬
‫بالحجارة‪،‬فرموه حتى سال الدم من قدميه‪،‬وفي غزوة أ ُ‬
‫شقت شفته‪،‬وكُسرت رباعيته صلى الله عليه وسلم‪،‬وفي مكة‬ ‫ُ‬
‫وضعوا على ظهره روث جزور‪،‬وقاطعوه وأصحابه حتى كادوا‬
‫يهلكون جوعاً‪،‬وفي غزوة الخندق جاع حتى ربط الحجر على بطنه‬
‫صلى الله عليه وسلم…ولكنه لم يتوقف عن دعوته‪ ،‬بل واصل‬
‫معتصما ً بربه‪،‬متوكل ً عليه) ( ‪)7‬‬
‫سُّر بنا عندما نراه يوم القيامة عند الحوض‬ ‫ز‪ -‬لن حبه يجعله ي ُ َ‬
‫فيسقينا من يده الشريفة شربة هنيئة ل نظمأ بعدها أبداً‪.‬‬
‫ح‪ -‬لنه هو اللبنة التي اكتمل بها بناء النبياء الذي أقامه الله جل‬
‫وعل‪ ،‬كما أخبر بذلك أبو هريرة وجاء في الصحيحين أنه صلى الله‬
‫مثل النبياء من قبلى كمثل رجل‬ ‫عليه وسلم قال ‪(( :‬إن مثَلى و َ‬
‫بنى بيتا ً فأحسنه وأجمله إل موضع لبنة من زاوية من زواياه‬
‫ت هذه‬ ‫ضعَ ْ‬ ‫فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون‪ :‬هل وُ ِ‬
‫اللبنة؟ فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين))‬
‫‪ -3‬لماذا هو خير قدوة؟‬
‫أ‪ -‬لن الله تعالى‪ -‬وهو أعلم بنا وبه‪ -‬قال في كتابه العزيز‪":‬لقد‬
‫م‬
‫ه واليو َ‬
‫من كان يرجو الل َ‬
‫ةل َ‬ ‫كان لكُم في رسو ِ‬
‫ل اللهِ أسوة ٌ حسن ٌ‬
‫الخر"( فل يعرف قدر رسول اللـه إل اللـه‪ .‬وإن قدره عند اللـه‬
‫لعظيم! وإن كرامته صلى الله عليه وسلم عند اللـه لكبيرة! فقد‬
‫علِم الله سبحانه أن منهج السلم يحتاج إلى بشر يحمله‬
‫وتصرفاته‪،‬فيحوله إلى واقع عملي محسوس‬
‫ِّ‬ ‫ويترجمه بسلوكه‬
‫وملموس‪ ،‬ولذلك بعثه صلى الله عليه وسلم‪ -‬بعد أن وضع في‬
‫شخصيته الصورة الكاملة للمنهج‪ -‬ليترجم هذا المنهج ويكون خير‬
‫قدوة للبشرية جمعاء)(‪)8‬‬
‫(فهو المصطفى وهو المجتبى‪ ...‬فلقد اصطفى اللـه من البشرية‬
‫النبياء واصطفى من النبياء الرسل واصطفى من الرسل أولى‬
‫العزم واصطفى من أولى العزم محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ثم‬
‫اصطفاه ففضله على جميع خلقه… شرح له صدره ‪،‬ورفع له‬
‫ذكره ‪،‬ووضع عنه وزره‪ ،‬وزكَّاه في كل شىء ‪:‬‬
‫ض َّ‬
‫ما غَوَى‬ ‫م وَ َ‬ ‫حبُك ُ ْ‬ ‫صا ِ‬‫ل َ‬ ‫ما َ‬ ‫زكاه في عقله فقال سبحانه‪َ :‬‬
‫[ النجم‪.]2 :‬‬
‫ما يَنطِقُ ع َن الهوىَ [ النجم‪:‬‬ ‫زكاه في صدقه فقال سبحانه‪ :‬وَ َ‬
‫‪.]3‬‬
‫ك [ الشرح‪:‬‬ ‫صدَْر َ‬ ‫َ‬
‫شرح ل َ‬ ‫َ‬
‫زكاه في صدره فقال سبحانه‪ :‬ألم ن َ ْ‬
‫ك َ‬
‫‪.]1‬‬
‫ماَرأىَ [ النجم‪:‬‬ ‫ب الفُؤاد ُ َ‬ ‫ماكَذ َ َ‬ ‫زكاه في فؤاده فقال سبحانه‪َ :‬‬
‫‪.]11‬‬
‫ك [ الشرح‪.]4 :‬‬ ‫ك ذكَْر َ‬ ‫زكاه في ذكره فقال سبحانه‪ :‬وََرفعنَا ل َ َ‬
‫ك [ الشرح ‪:‬‬ ‫ك وْزَر َ‬ ‫زكاه في طهره فقال سبحانه‪ :‬وَوَضعنَا ع َن َ‬
‫‪.] 2‬‬
‫َ‬
‫شديد ٌ القُوىَ [ النجم‪.] 5 :‬‬ ‫ه َ‬ ‫زكاه فى علمه فقال سبحانه‪ :‬ع َل ّ َ‬
‫م ُ‬
‫م [ التوبة ‪:‬‬ ‫حي ٌ‬‫ف َر ِ‬ ‫ن َرؤ ُو ٌ‬ ‫مني َ‬ ‫زكاه فى حلمه فقال سبحانه‪ :‬بِالمؤ ِ‬
‫‪.]128‬‬
‫ق عَظِيم ٍ [ القلم‪.] 4 :‬‬ ‫خل ٍ‬ ‫ك لَعَلَى ُ‬ ‫زكاه كله فقال سبحانه‪ :‬وَإِن َّ َ‬
‫فهو‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬رجل الساعة‪ ،‬نبى الملحمة‪،‬‬
‫صاحب المقام المحمود‪ -‬الذى وعده اللـه به دون جميع النبياء‪-‬‬
‫في قوله ‪:‬‬
‫َ‬ ‫ة لَ َ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫مقَا ً‬‫ك َ‬ ‫ك َرب ُّ َ‬ ‫ن يَبْعَث َ َ‬ ‫سى أ ْ‬ ‫ك عَ َ‬ ‫جد ْ بِهِ نَافِل َ ً‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬
‫ل فَتَهَ َّ‬ ‫م َ‬‫وَ ِ‬
‫مودًا [السراء‪.]79-‬‬ ‫ح ُ‬‫م ْ‬‫َ‬
‫فهذا هو المقام المحمود كما فى حديث مسلم من حديث أبى‬
‫هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬أنا سيد ولد آدم يوم‬
‫القيامة‪ ،‬وأنا أول من ينشق عنه القبر وأنا أول شافع وأول‬
‫مشفع " )( ‪)9‬‬
‫ب‪-‬لنه إمام النبياء الذي صلى بهم في المسجد القصى ليلة‬
‫السراء والمعراج ‪ ،‬أفنستنكف نحن عن أن نتخذه إماما‬
‫وقدوة؟!!!‬
‫ضل على النبياء ‪ -‬كما جاء في الصحيحين ‪ -‬من حديث‬ ‫ج‪-‬لنه فُ ِّ‬
‫ت على النبياء‬ ‫أبى هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬فُ ِّ‬
‫ضل ُ‬
‫بسـت‪ :‬أُعطيـت جوامـع الكلـم (فهو البليغ الفصيح) ونُصرت‬
‫بالرعـب ‪ -‬وفى لفظ البخارى ((مسيرة شهر)) ‪ -‬وأُحلت لى‬
‫جعلت لى الرض طهورا ً ومسجداً‪ ،‬وأُرسلت إلى‬ ‫الغنائم‪ ،‬و ُ‬
‫ختم بى النبيون)"‬
‫الخلق كافة‪ ،‬و ُ‬
‫د‪ -‬لن الله عصمه‪ ،‬وأرشد خطاه ‪ ،‬وسدد رميته‪ ،‬وجعله "ل‬
‫ينطق عن الهوى"‬
‫هـ‪ -‬لنه صلى الله عليه وسلم بشر مثلنا‪ ،‬يفرح ويحزن ‪،‬يجوع‬
‫ويعطش‪،‬يأكل الطعام ويمشي في السواق‪ ،‬يصوم‬
‫ويفطر‪،‬يمرض‪،‬ويتألم‪ ،‬ويصح جسده؛ يتزوج وينجب‪،‬ويفقد أولده‪،‬‬
‫ويفقد زوجاته‪ ،‬ويقيم ويسافر‪...‬فهو ( النبي الوحيد الذي نستطيع‬
‫أن نقتدي به في كل نواحي حياته لن حياته كانت كالكتاب‬
‫المفتوح)( ‪)10‬‬
‫سد حياتنا كلها بالمثل العلى‪...‬فهو مثلنا العلى في‬ ‫(فقد ج َّ‬
‫المعاملت الجتماعية‪،‬مع الزوجة والولد و الرحام‪،‬ثم المجتمع‬
‫مثلنا العلى في الخلق الفاضلة‪،‬وَمثلنا العلى في‬ ‫السلمي‪،‬وهو َ‬
‫الدعوة إلى الله تعالى والصبر عليها‪،‬فهو النور الذي نهتدي به في‬
‫طريقنا )( ‪)11‬‬
‫و‪(-‬لنه صلى الله عليه وسلم كان قدوة صالحة في حسن رعايته‬
‫لصحابه‪ ،‬وتَفَقُّده لهم ‪،‬وسؤاله عنهم‪ ،‬ومراقبة أحوالهم‪ ،‬ومحاذرة‬
‫مقصريهم‪ ،‬وتشجيع محسنهم‪ ،‬والعطف على فقرائهم‬
‫ومساكينهم‪ ،‬وتأديب الصغار منهم‪ ،‬وتعليم الجهلة فيهم)( ‪)12‬‬
‫بألطف وأرق الوسائل وأحكمها‪.‬‬
‫‪ -4‬لماذا يجب أن نحببه إلى أطفالنا ؟‬
‫أ‪-‬لن مرحلة الطفولة المبكرة هي أهم المراحل في بناء شخصية‬
‫النسان‪،‬فإذا أردنا تربية نشء مسلم يحب الله ورسوله‪ ،‬فلنبدأ‬
‫معه منذ البداية‪ ،‬حين يكون حريصا على إرضاء والديه‪ ،‬مطيعا ً ‪،‬‬
‫سهل النقياد‪.‬‬
‫ب‪-‬لن الطفل (إذا استأنس بهذا الحب منذ الصغر ‪ ،‬سهل عليه‬
‫قبوله عند الكبر‪ ،‬فنشأة الصغير على شيء تجعله متطب ِّعاً‬
‫من أُغفل في الصغر كان تأديبه في الكبر‬ ‫به‪،‬والعكس صحيح‪...‬ف َ‬
‫عسيراً)( ‪)13‬‬
‫ج‪ -‬لن أطفالنا إن لم يحبوه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فلن‬
‫يقتدوا به مهما بذلنا معهم من جهد‬
‫د‪-‬لن حبهم له سوف يعود عليهم بالخير والبركة والتوفيق في‬
‫شتى أمور حياتهم‪،‬وهو ما يرجوه كل أب وأم‪.‬‬
‫هـ ‪" -‬لن الله تعالى قال في كتابه العزيز"قُل إن كنتم تحبون الل َ‬
‫ه‬
‫ه ويغفر لكم ذنوبَكم"‪،‬فمحبته صلى الله عليه‬ ‫فاتَّبعوني يُحبِبكُم الل ُ‬
‫وسلم تجلب حب الله في الدنيا ومغفرته في الخرة‪،‬فأي كرامة‬
‫تلك؟!"( ‪)14‬وهل يتمنى الوالد لولده أفضل من ذلك؟!!!‬
‫و‪ -‬لن الجنة هي مستقر من أحبه ؛ومن ثم أطاعه ‪ ،‬فقد روى‬
‫البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫من يأبى يا رسول‬ ‫من أبى‪،‬قالوا‪":‬و َ‬‫قال‪":‬كلكم يدخل الجنة إل َ‬
‫من أطاعني دخل الجنة‪،‬وَمن عصاني فقد أبى "؛ فهل‬ ‫الله؟"‪،‬قال َ‬
‫يتمنى الوالد لولده بعد حب الله والمغفرة إل الجنة؟!!!‬
‫ز‪ -‬لن أطفالنا هم الرعية التي استرعانا الله إياها ؛ومن‬
‫ثم فإن ( الله سبحانه سوف يسأ ل الوالد عن ولده يوم القيامة‬
‫قبل أن يسأل الولد عن والده ‪ -‬كما يؤكد المام بن القيم‪ -‬فمن‬
‫أهمل تعليم ولده ما ينفعه ‪،‬وتركه سدى‪ ،‬فقد أساء غاية‬
‫الساءة‪،‬وأكثر الولد إنما جاء فسادهم بسبب إهما ل الباء لهم‬
‫وتركهم دون أن يعلموهم فرائض الدين وسننه‪،‬فأضاعوهم‬
‫صغاراً‪،‬فلم ينتفعوا بهم كباراً"( ‪)15‬‬
‫‪ -5‬كيف نعلم أبناءنا حب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟‬
‫أولً‪ :‬بالقدوة الصالحة‬
‫إن أول خطوة لتعليمهم ذلك الحب هو أن يحبه الوالدان أولً‪،‬‬
‫فالطفل كجهاز الرادار الذي يلتقط كل ما يدور حوله‪،‬فإن صدق‬
‫الوالدان في حبهما لرسول الله ‪،‬أحبه الطفل بالتبعية‪ ،‬ودون أي‬
‫جهد أو مشقة من الوالدين‪،‬لنه سيرى ذلك الحب في عيونهم ‪،‬‬
‫ونبرة صوتهم حين يتحدثون عنه‪،‬وفي صلتهم عليه دائما ‪ -‬حين‬
‫يرد ذكره‪،‬ودون أن يرد‪ -‬وفي شوقهما لزيارته‪،‬وفي مراعاتهم‬
‫لحرمة وجودهم بالمدينة المنورة حين يزورونها‪،‬وفي أتباعهم‬
‫لسنته‪،‬قائلين دائما‪ :‬نحن نحب ذلك لن رسول الله كان‬
‫يحبه‪،‬ونحن نفعل ذلك لن رسول الله كان يفعله‪،‬ونحن ل نفعل‬
‫ذلك لن الرسول نهى عنه أو تركه‪،‬ونحن نفعل الطاعات إرضاءً‬
‫لله سبحانه ‪،‬ثم طمعا ً في مرافقة ا لرسول في الجنة‪...‬وهكذا‬
‫يشرب الطفل حب النبي صلى الله عليه وسلم دون أن نبذل‬
‫جهدا ً مباشرا ً لتعليمه ذلك الحب! فالقدوة هي أيسر وأقصر‬
‫السبل للتأثير على الطفل‪ ،‬ويؤكد ذلك الشيخ محمد قطب‬
‫بقوله‪":‬إن من السهل تأليف كتاب في التربية‪،‬ومن السهل أيضاً‬
‫تخيل منهج معين ‪،‬ولكن هذا الكتاب وذلك المنهج يظل ما بهما‬
‫حبرا ً على ورق‪،‬ما لم يتحول إلى حقيقة واقعة تتحرك ‪،‬وما لم‬
‫يتحول إلى بشر يترجم بسلوكه‪ ،‬وتصرفاته‪،‬ومشاعره‪ ،‬وأفكاره‬
‫مبادىء ذلك المنهج ومعانيه‪،‬وعندئذ ٍ فقط يتحول إلى حقيقة"(‬
‫‪...)16‬إذ من غير المعقول أن نطالب أبناءنا بأشياء ل نستطيع نحن‬
‫أن نفعلها‪،‬ومن غير الطبيعي أن نأمرهم بشيء ونفعل‬
‫عكسه‪...‬وقد استنكر البارىء العظم ذلك في قوله‬
‫ب‬‫سكم وأنتم تتلون الكتا َ‬ ‫س بالبِر وتنسون أنف َ‬
‫تعالى‪":‬أتأمرون النا َ‬
‫‪،‬أفل تعقلون؟!"(البقرة‪،)44-‬وفي قوله جل شأنه‪":‬يا أيها الذين‬
‫م تقولون ما ل تفعلون؟! كَبُر مقتا ً عند الله أن تقولوا ما ل‬ ‫آمنوا ل ِ َ‬
‫تفعلون"‬
‫(فإذا اقتدوا بنا تحولوا ‪ -‬بفضل الله ‪ -‬من عبء علينا إلى عون لنا‬
‫)(‪)17‬‬
‫ثانياً‪ :‬بالتعامل مع كل مرحلة عمرية بما يناسبها‪:‬‬
‫أ‪ -‬مرحلة ما بعد الميلد حتى الثانية من العمر‪:‬‬
‫تلعب القدوة في هذه المرحلة أفضل أدوارها‪،‬حين يسمع الطفل‬
‫والديه يصليان على النبي عند ذكره‪،‬أو سماع من يذكره ‪ ،‬وحين‬
‫يجلسان معا يومي ا لخميس والجمعة‪ -‬مثلً‪ -‬يصليان عليه ‪،‬فيتعود‬
‫ذلك‪ ،‬ويألفه منذ نعومة أظفاره‪...‬مما يمهد لحبه له صلى الله‬
‫عليه وسلم حين يكبر‪.‬‬
‫كما يمكن أن نردد أمامه مثل هذه الناشيد حتى يحفظها ‪:‬‬
‫محمد نبينا‬
‫منة‬ ‫هآ ِ‬ ‫أ ُّ‬
‫م ُ‬
‫أبوه عبد الله‬
‫مات ما رآه‬
‫‪00000000000‬‬
‫"هذا بن عبد الله‬
‫أخلقه القرآن‬
‫والرحمة المهداة‬
‫عمت على الكوان"( ‪)18‬‬
‫ب‪ -‬مرحلة ما بين الثالثة والسادسة‪:‬‬
‫يكون الطفل في هذه المرحلة شغوفا ً بالستماع للقصص‪،‬لذا‬
‫فمن المفيد أن نعّرِفه ببساطة وتشويق برسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪،‬فهو الشخص الذي أرسله الله تعالى ليهدينا ويعرفنا‬
‫الفرق بين الخير والشر‪،‬فمن اختار الخير فله الجنة ومن اختار‬
‫الشر فله النار والعياذ بالله‪،‬ونحكي له عن عبد الله‪،‬وآمنة والدي‬
‫الرسول الكريم‪،‬و قصة ولدته صلى الله عليه وسلم ‪،‬وقصة‬
‫حليمة معه‪،‬ونشأته يتيماً( حين كان أترابه يلوذون بآبائهم‬
‫ويمرحون بين أيديهم كطيور الحديقة بينما كان هو يقل ِّب وجهه‬
‫في السماء ‪...‬لم يقل قط" يا أبي" لنه لم يكن له أب يدعوه ‪،‬‬
‫ولكنه قال كثيرا ً ‪،‬ودائماً‪ ":‬يا ربي"!!! "( ‪)19‬‬
‫ومن المهم أن نناقش الطفل ونطلب رأيه فيما يسمعه من‬
‫أحداث مع توضيح ما غمض عليه منها‪.‬‬
‫ويستحب أن نحفِّظه اليتين الخيرتين من سورتي‬
‫"التوبة"‪،‬و"الفتح"التي تتحدث عن فضائله صلى الله عليه وسلم؛‬
‫مع شرح معانيها على قدر فهمه‪.‬‬
‫كما يمكن تحفيظه كل أسبوع أحد الحاديث الشريفة القصيرة‪،‬مع‬
‫توضيح معناها ببساطة‪،‬من هذه الحاديث مثل ً ‪:‬‬
‫" من قال ل إله إل الله دخل الجنة"‬
‫"إن الله جميل يحب الجمال"‬
‫"إن الله يحب إذا عمل أحدكم عمل ً ان يتقنه"‬
‫َ‬
‫"خيركم من تعل ّم القرآن وعلمه"‬
‫"إماطة الذى عن الطريق صدقة"‬
‫مام"‬‫"ل يدخل الجنة ن َّ‬
‫"من لم يشكر الناس‪ ،‬لم يشكر الله "‬
‫من لم يرحم صغيرنا ويوقِّر كبيرنا"‬ ‫منَّا َ‬
‫"ليس ِ‬
‫سلِم المسلمون من لسانه ويده"‬ ‫" ا لمسلم من َ‬
‫"الكلمة الطيبة صدقة"‬
‫"ل تغضب‪ ،‬ولك الجنة"‬
‫سمك في وجه أخيك صدقة"‬ ‫"تَب َُّ‬
‫"الراحمون يرحمهم الرحمن""‬
‫حسن إسلم المرء تركه ما ل يعنيه"‬ ‫"من ُ‬
‫"خير الناس أنفعهم للناس"‬
‫"الدين ا لنصيحة"‬
‫"الجنة تحت أقدام المهات"‬
‫"تهادوا تحابُّوا"‬
‫"التائب من الذنب كمن ل ذنب له"‬
‫جعلت قرة عيني في الصلة"‬ ‫" ُ‬
‫"الحياء من اليمان"‬
‫" آية المنافق ثلث ‪:‬إذا حدَّث كذب وإذا وعد اخلف ‪،‬وإذا اؤتمن‬
‫خان"‬
‫ج‪ -‬مرحلة ما بين السابعة والعاشرة‪:‬‬
‫في هذه المرحلة يمكننا أن نحكي لهم مواقف الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم مع الطفال‪،‬وحبه لهم ‪ ،‬ورحمته بهم‪،‬واحترامه‬
‫لهم‪،‬وملطفته ومداعبته لهم‪...‬وهي مواقف كثيرة فيما يلي نذكر‬
‫بعضها‪،‬مع ملحظة أن البنت سوف تفضل حكاياته مع‬
‫البنات‪،‬والعكس؛ولكن في جميع الحوال يجب أن يعرفونها كلها؛‬
‫فالقصص تحدث آثارا ً عميقة في نفوس الطفال وتجعلهم‬
‫مستعدين لتقليد أبطالها‪.‬‬
‫أ‪ -‬موقفه مع حفيديه الحسن والحسين‪،‬حيث كان صلى الله عليه‬
‫وسلم يحبهما ويلعبهما ويحنو عليهما‪،‬وفيما يلي بعض المواقف‬
‫لهما مع خير جد)( ‪)20‬‬
‫*"عن عبد الله بن شداد رضي الله عنه قال‪":‬خرج علينا رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلتي العشاء وهو حامل‬
‫حسنا ً أو حسيناً‪،‬فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬فوضعه‬
‫ثم كبَّر للصلة فصلى‪،‬فسجد بين ظهراني صلته سجدة‬
‫أطالها‪،‬قال أبي فرفعت‬
‫رأسي وإذا الصبي على ظهر الرسول الكريم‪،‬وهو‬
‫ساجد‪،‬فرجعت إلى سجودي؛ فلما قضى رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم الصلة‪،‬قال الناس‪ ":‬يا رسول الله إنك سجدت بين‬
‫ظهراني صلتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر أو أنه‬
‫يُوحى إليك‪،‬فقال ‪":‬كل ذلك لم يكن‪،‬ولكن ابني ارتحلني ‪،‬فكرهت‬
‫أن أعجله حتى يقضي حاجته"!!!‬
‫*عن عبد الله بن بريدة‪،‬عن أبيه‪،‬قال‪":‬كان رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم يخطبنا إذ جاء الحسن والحسين عليهما قميصان‬
‫أحمران يمشيان ويعثران‪،‬فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫من المنبر فحملهما‪،‬ووضعهما بين يديه‪،‬ثم قال‪":‬صدق الله<إنما‬
‫أموالُكم وأولدُكم فتنة>‪،‬فنظرت إلى هذين الصبيين يمشيان‬
‫ويعثران ‪،‬فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما"‬
‫***روى البخاري أن أبا هريرة رضي الله عنه قال‪ ":‬قبَّل رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وعنده "القرع بن‬
‫حابس التميمي "جالس‪ ،‬فقال القرع‪":‬إن لي عشرة من الولد‪،‬‬
‫ماقبَّلت منهم أحداً"‪،‬فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه‬
‫من ل يَرحم ل يُرحم"‪ ،‬وروت عائشة رضي الله عنها أن‬ ‫ثم قال‪َ ":‬‬
‫أعرابي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال‪":‬أتقبِّلون‬
‫صبيانكم؟! فما نقبِّلهم"‪،‬فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‪":‬أو‬
‫أملِك أن نزع الله من قلبك الرحمة؟"‬
‫****وكان صلى الله عليه وسلم يتواضع للولد عامة‪ ،‬ولولده‬
‫خاصة‪،‬فكان يحمل الحسن رضي الله عنه على كتفه الشريفة‪،‬‬
‫ويضاحكه ويقبله‪ ،‬ويريه أنه يريد أن يمسك به وهو يلعب ‪،‬فيفر‬
‫الحسن هنا وهناك ‪،‬ثم يمسكه النبي صلى الله عليه وسلم ‪ .‬وكان‬
‫يضع في فمه الشريف قليل ً من الماء البارد ‪،‬ويمجه في وجه‬
‫الحسن ‪،‬فيضحك‪ ،‬وكان صلى الله عليه وسلم يُخرج لسانه‬
‫للحسين‪،‬فإذا رآه أخذ يضحك‬
‫***** ومن تمام حبه لهما وحرصه على مصلحتهما أنه كان‬
‫يؤدبهما بلطف مع بيان السبب ‪،‬فقد روي أبو هريرة قائل‪":‬أخذ‬
‫الحسن بن علي رضي الله تمرة من تمر الصدقة‪ ،‬فجعلها في‬
‫فيه‪،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪":‬كخ ‪،‬كخ‪،‬إرم بها‪،‬أما‬
‫علمت أنَّا ل نأكل الصدقة ؟"‬
‫خ أصغر لنس بن مالك‪،‬وكان يُدعى "أباعمير"‪،‬‬ ‫ب‪ -‬و موقفه مع أ ٍ‬
‫ً‬
‫حين علم أنه اشترى عصفورا‪،‬وكان شديد الفرح به ‪،‬فكان‪-‬صلى‬
‫قائلً‪":‬يا أبا عمير مافعل‬
‫َّ‬ ‫الله عليه وسلم‪ -‬يداعبه كلما رآه‬
‫النغير؟" ‪ -‬والنغير صيغة لتصغير "النُغّر"‪،‬وهو العصفور الصغير‪-‬‬
‫وذات مرة كان صلى الله عليه وسلم يمشي في السوق فرآه‬
‫يبكي‪ ،‬فسأله عن السبب ‪،‬فقال له‪":‬مات النغير يا رسول‬
‫الله"‪،‬فظل صلى الله عليه وسلم يداعبه‪ ،‬ويحادثه ‪،‬ويلعبه حتى‬
‫ضحك‪،‬فمر الصحابة بهما فسأل الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫عما أجلسه معه‪ ،‬فقال لهم‪":‬مات النغير‪،‬فجلست أواسي أبا‬
‫عمير"!!!‬

‫ج‪ -‬رحمته صلى الله عليه وسلم ( لبكاء الصبي في الصلة‪ ،‬حتى‬
‫أنه كان يخففها‪،‬فعن أنس رضي الله عنه قال‪ ":‬ما صليت وراء‬
‫إمام قط أخف صلة‪ ،‬ول أتم من النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪،‬وإن كان ليسمع بكاء الصبي ‪،‬فيخفف عنه مخافة أن تُفتن‬
‫أمه"‪،‬ويؤكد الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك‬
‫بنفسه‪،‬فيقول‪":‬إني لدخل الصلة وأنا أريد أن أطيلها‪،‬فأسمع بكاء‬
‫الصبي فأتجاوز في صلتي مما أعلم من شدة وجد أمه من‬
‫بكاءه")( ‪)21‬‬
‫هــ ‪ "-‬إصطحابه صلى الله عليه وسلم الطفال للصلة و‬
‫مسحه خدودهم ‪ ،‬رحمة وإعجابا ً وتشجيعا ً لهم‪،‬فعن جابر بن أبي‬
‫سمرة رضي الله عنه قال‪":‬صليت مع رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم صلة الولى‪ -‬أي الظهر‪ -‬ثم خرج إلى أهله وخرجت معه‬
‫فاستقبله ولدان فجعل يمسح خدَّي أحدهم واحدا ً واحداً‪،‬قال‪:‬‬
‫"وأما أنا فمسح خدي فوجدت ليده بردا ً أو ريحا ً كأنما أخرجها‬
‫صلى الله عليه وسلم من جونة عطار"!!( ‪)22‬‬
‫ز‪-‬إعطاؤه صلى الله عليه وسلم الهدايا للطفال‪ "،‬فقد روى‬
‫مسلم عن أبي هريرة قال‪ ":‬كان الناس إذا رأوا أول الثمر جاءوا‬
‫به رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فإذا أخذه قال‪ ":‬اللهم بارك‬
‫لنا في ثمرنا وبارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في صاعنا وبارك لنا‬
‫دّنا"‪ ،‬ثم يدعو أصغر وليد يراه فيعطيه ذلك الثمر!!!‬‫م ِ‬
‫في ُ‬
‫و‪ -‬صلته صلى الله عليه وسلم وهو يحملهم‪ ،‬فقد ثبت في‬
‫الصحيحين عن "قتادة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫كان يصلي وهو حامل أُمامة بنت زينب بنت رسول الله ‪،‬وهي‬
‫َ‬
‫لبي العاص بن الربيع‪،‬فإذا قام حملها‪،‬وإذا سجد وضعها‪،‬فلما سل ّم‬
‫حملها ‪.‬‬
‫ز ‪ -‬إحترامه‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬للطفال ‪ ،‬ودعوته لعدم‬
‫الكذب عليهم‪ ،‬فقد كان( الصغار يحضرون مجالس العلم والذكر‬
‫معه‪،‬حتى كان أحد الغلمان ذات يوم يجلس عن يمين النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪،‬وعلى يساره الشياخ‪،‬فلما أتى النبي بشراب‬
‫شرب منه ‪،‬ثم قال للغلم‪":‬أتأذن لي ان أعطي هؤلء؟ فقال‬
‫الغلم‪ ":‬ل يا رسول الله ‪ ،‬ل أوثر بنصيبي منك أحداً‪،‬فأعطاه له‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم)!! ( ‪)23‬‬
‫وعن عبد الله بن عامر رضي الله عنه ‪،‬قال‪":‬دعتني أمي ورسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا فقالت ها تعال‬
‫أعطك"‪،‬فقال لها صلى الله عليه وسلم‪ ":‬ما أردت أن تعطيه؟"‬
‫قالت "أعطيه تمرا" ‪ ،‬فقال لها أما أنك لو لم تعطِه شيئا كُتبت‬
‫عليك كذبة"‬
‫ح‪ -‬وصيته صلى الله عليه وسلم بالبنات‪-‬حيث كان العرب‬
‫يئدونهن في الجاهلية‪ -‬قائلً‪ ":‬من كان له ثلث بنات فصبر على‬
‫لوائهن‪ ،‬وضرائهن‪،‬وسرائهن دخل الجنة" فقال رجل ‪":‬و ثنتان يا‬
‫رسول الله؟" قال‪ ":‬و ثنتان"‪،‬فقال آخر‪ ":‬وواحدة؟" قال‪:‬‬
‫"وواحدة")( ‪)24‬‬
‫ز‪ -‬حرصه صلى الله عليه وسلم على إرشادهم إلى الصواب‬
‫وتصحيح مفاهيمهم وأخطائهم بالحكمة‪،‬وبصورة عملية لستئصال‬
‫الخطأ من جذوره ؛ ومن ذلك على سبيل المثال ل الحصر‪:‬‬
‫أن أحد أصحابه‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وكان مولى من أهل‬
‫ُ‬
‫فارس قال ‪" :‬شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة أحد‬
‫فضربت رجل ً من المشركين فقلت‪":‬خذها مني وأنا الغلم‬
‫ي النبي وقال‪":‬هل قلت خذها مني وأنا الغلم‬ ‫الفارسي‪،‬فالتفت إل َّ‬
‫النصاري؟"‬
‫وهذا عبد الله بن عمر حين لم يكن يقوم الليل‪،‬فقال أمامه‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم‪":‬نِعم الرجل عبد الله‪ ،‬لوكان‬
‫يصلي من الليل! فكان عبد الله بعد ذلك ل ينام من الليل إل‬
‫قليل"‬
‫ح‪ -‬تعليمه صلى الله عليه وسلم لهم حفظ السرار‪"،‬فعن عبد‬
‫الله بن جعفر رضي الله عنه قال‪":‬أردفني رسول الله صلى الله‬
‫ى حديثا ل أحدث به أحدا ً من‬ ‫عليه وسلم ذات يوم خلفه ‪،‬فأسر إل َّ‬
‫ّ‬
‫الناس" (‪)25‬‬
‫ط‪ -‬رفقه بخادمه "أنس بن مالك" رضي الله عنه‪،‬حيث كان‬
‫يناديه ب"يا بُني" أو" يا أُنيس"‪-‬وهي صيغة تصغير للتدليل‪ -‬يقول‬
‫أنس‪ ":‬خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين‪،‬والله ما‬
‫قال لي أف‪ ،‬ول لِم صنعت ؟ ول أل صنعت؟"( ‪)26‬‬
‫ك‪( -‬عقده صلى الله عليه وسلم المسابقات بين الطفال‬
‫مي مواهبهم ويرفع ه َّ‬
‫متهم‪ ،‬ويعّزِز طاقاتهم‬ ‫شط عقولهم ‪،‬وين ِّ‬ ‫لين ّ ِ‬
‫المخبوءة‪ ،‬فقد تصارع "سمرة"‪ ،‬و"رافع" رضي الله عنهما أمام‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أرادا الشتراك في جهاد‬
‫العداء فردهما رسول الله لصغر سنهما‪،‬فزكى الصحابة "سمرة"‬
‫لنه يحسن الرمي‪ ،‬فأجازه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقال "رافع"‬
‫أنه يصارعه‪ -‬أي أنه أقوى منه‪ -‬رغم أنه ل يحسن الرمي‪،‬فطلب‬
‫الرسول الكريم منه أن يصارعه‪ ،‬فدخل معًا مباراة للمصارعة‬
‫فصرعه رافع‪ ،‬فأجازهما رسول الله صلى الله عليه وسلم!!‬
‫ل‪ -‬رحمته‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬بالحيوان‪،‬ومن المثلة على‬
‫ذلك‪:‬‬
‫* قصته مع الغزالة‪ ،‬فقد روي عن أنس بن مالك انه قال‪ :‬مر‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم قد اصطادوا ظبية‬
‫فشدوها على عمود فسطاط فقالت‪ :‬يا رسول الله إني أُخذت‬
‫ولي خشفان(رضيعان) فاستأذن لي أرضعهما وأعود إليهم فقال‪:‬‬
‫"أين صاحب هذه؟" فقال القوم‪ :‬نحن يا رسول الله"‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ُ‬
‫"خل ّوا عنها حتى تأتى خشفيها ترضعهما وترجع إليكم"‪ ،‬فقالوا من‬
‫لنا بذلك؟ قال "أنا" فأطلقوها فذهبت فأرضعت ثم رجعت إليهم‬
‫فأوثقوها فمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتراها‬
‫منهم وأطلقها‪.‬‬
‫**وقصته مع (الجمل الذي رآه صلى الله عليه وسلم حين دخل‬
‫بستانا ً لرجل من النصار‪،‬فإذا فيه جمل فما إن رأى النبي صلى‬
‫ن وذرفت عيناه فأتاه الرسول الكريم‬ ‫الله عليه وسلم حتى ح َّ‬
‫فمسح ذفراه فسكت‪،،‬فقال الرسول صلى الله عليه وسلم‪":‬من‬
‫رب هذاالجمل؟"‬
‫فقال فتى من النصار‪ ":‬أنا يا رسول الله ‪ ،‬فقال له‪ ":‬أل تتقي‬
‫الله في هذه البهيمة التي أملكك الله إياها؟! فإنه شكا إلي انك‬
‫تجيعه وتدئبه"( ‪)27‬‬
‫***وهذا جمل آخر( كانت تركبه السيدة عائشة رضي الله عنها‬
‫لتروِّضه‪،‬فجعلت تذهب به وتجيء ‪ ،‬فأتعبته‪ ،‬فقال لها صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ":‬عليك بالرفق يا عائشة")( ‪) 28‬‬

‫‪...‬وهكذا إلى آخر الحكايات المروية عنه صلى الله عليه وسلم‬
‫المتاحة بكتب السيرة المعروفة‪،‬مما يناسب هذه المرحلة‬
‫العمرية‪.‬‬

‫وإذا استطعنا أن نصحب طفلنا معنا لزيارة قبر الرسول صلى‬


‫الله عليه وسلم بعد التمهيد له عن آداب المسجد ‪ -‬وخاصة‬
‫المسجد النبوي والمسجد الحرام‪ -‬وبعد أن نوضح له أ ن الله‬
‫تعالى يرد عليه روحه حين نصلي عليه‪ ،‬ليرد علينا السلم؛ونوضح‬
‫له أننا حين ندعو ونحن بجوا رالقبر الشريف يجب أن نكون‬
‫متوجهين للقبلة ‪،‬فالمسلم ل يدعو إل الله‪،‬ول يرجو سواه‪.‬‬
‫كما نعّرِفه فضل الروضة الشريفة‪ ،‬ثم نحرص على أن نصحبه‬
‫ليقضي بها ماشاء الله له‪ ....‬فنحن نتكلف الكثير من أجل تعليم‬
‫أولدنا‪ -‬لضمان مستقبلهم الدنيوي‪ -‬والترفيه عنهم‪،‬وكسوتهم‪...‬‬
‫إلخ وفي رأي كاتبة هذه السطور أن هذه الزيارة ل تقل أهمية‬
‫عن كل ذلك ؛ فهي تعل ِّمه وترفع من معنوياته‪ ،‬وتزيده قربا من‬
‫م تؤمن له مستقبله في الخرة عن شاء‬ ‫الله و رسوله ‪،‬ومن ث َّ‬
‫الله!‬
‫وقد ثبت بالتجربة أن هذه الزيارة إذا كانت في المراحل الولى‬
‫من عمر الطفل ‪ ،‬فإنها تكون أشد تأثيرا ً وثباتا ً في نفس الطفل‪،‬‬
‫بل وأكثر معونة له على الشيطان‪،‬وعلى اللتزام بتعاليم الدين‬
‫في بقية عمره؛هذا إن أحسن الوالدان التصرف معه أثناء هذه‬
‫الرحلة المباركة‪ ،‬وساعداه على أن يعود منها بذكريات سعيدة‬
‫بالنسبة له كطفل‪.‬‬
‫وإذا أوضحنا له أن هذه الزيارة مكافأة له على نجاحه مثلً‪ ،‬أو‬
‫خلُقه‪ ،‬أو غير ذلك كان التأثير أبلغ‪،‬وكان ذلك أعون له‬‫لحسن ُ‬
‫على مواصلة ما كافأناه من أجله‪.‬‬
‫ومما يعين أيضا ً على حبه صلى الله عليه وسلم أن نكافئ‬
‫الطفل على صلته على النبي عشر مرات‪ -‬مثل ‪ -‬قبل النوم‪،‬‬
‫وبعد الصلة ‪،‬وعندما يشعر بضيق أو حزن‪...‬حتى يتعود ذلك‪.‬‬
‫ثالثاً‪:‬مرحلة ما بين الحادية عشرة والثالثة عشرة‪:‬‬
‫يمكن في هذه المرحلة أن نحكي له ‪ -‬بطريقة غير مباشر ة ‪-‬‬
‫عن أخلق وطباع الرسول صلى الله عليه وسلم؛ أي أثناء اجتماع‬
‫السرة للطعام أو اجتماعها للتنزه في نهاية السبوع ‪ ،‬أو نقوم‬
‫بتشغيل شريط يحكي عنه في السيارة أثناء الذهاب للنزهة ‪،‬مثل‬
‫شريط"حب النبي صلى الله عليه وسلم للستاذ "عمرو خالد"‬
‫مثلً‪-‬أو نهديهم كتبا ً تتحدث عنه صلى الله عليه وسلم بأسلوب‬
‫قصصي شيق‪،‬مثل‪" :‬إنسانيات محمد" لخالد محمد خالد‪،‬و"أخلق‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم" لنجوى حسين عبد العزيز‪،‬و"‬
‫معجزات النبي صلى الله عليه وسلم للطفال " لمحمد حمزة‬
‫السعداوي"‪.‬‬

‫ومما يمكن أن نحكي لهم في هذه المرحلة‪:‬‬


‫أ‪ -‬أدب السلوك المحمدي‪:‬‬
‫كان صلى الله عليه وسلم يجيد آداب الصحبة والسلوك‪ (،‬فكان‬
‫إذا مشى مع صحابه يسوقهم أمامه فل يتقدمهم‪،‬ويبدأ من لَقيه‬
‫بالسلم‪،‬وكان إذا تكلم يتكلم بجوامع الكلم‪،‬كلمه فصل ‪ ،‬ل‬
‫حسن‬ ‫فضول ول تقصير‪،‬أي على قدر الحاجة‪،‬وكان يقول‪":‬من ُ‬
‫إسلم المرء تركُه ما ل يعنيه"‪،‬وكان يقول‪ ":‬من كان يؤمن بالله‬
‫واليوم الخر فليَقُل خيرا ً أو ليصمت"‪،‬وكان طويل السكوت ‪ ،‬دائم‬
‫مهين‪،‬يعظ ِّم النعمة وإن‬ ‫خلُق‪،‬ليس بالجافي ول ال ُ‬ ‫الفِكر‪،‬دمث ال ُ‬
‫َ‬
‫قل ّت‪ ،‬ل تُغضبه الدنيا وما كان لها‪،‬فإذا تعرض للحق لم يعرفه‬
‫أحد‪،‬وكان ل ينتصر لنفسه أبداً‪ ،‬و إذا غضب أعرض وأشاح ‪،‬وإذا‬
‫فرح غض طرفه‪،‬كل ضحكه التبسم‪،‬وكان يشارك أصحابه في‬
‫مباح أحاديثهم إذا ذكروا الدنيا ذكرها معهم‪،‬وإذا ذكروا طعاما ً أو‬
‫شرابا ً ذكره معهم‪،‬كان ل يعيب طعاما يقدم إليه أبداً‪،‬وإنما إذا‬
‫أعجبه أكل منه وإن لم يعجبه تركه‪...‬وهو القائل‪":‬أكمل المؤمنين‬
‫ى وأقربهم مني مجلساً‬ ‫من أحبكم إل َّ‬ ‫إيمانا ً أحسنهم أخلقاً‪،‬و"إن ِ‬
‫سئل –صلى الله عليه وسلم عن‬ ‫يوم القيامة أحاسنكم أخلقا ً "‪،‬و ُ‬
‫سئل أي العمال أفضل‪،‬فقال‪ ":‬حسن‬ ‫البِر فقال"حسن الخلق"‪،‬و ُ‬
‫الخلق")( ‪)29‬‬
‫(وكان صلى الله عليه وسلم يحرص أشد الحرص على أن يسود‬
‫الود واللفة بين المسلمين‪،‬فكان يوصيهم‪ -‬فيما يوصيهم‪ -‬بقوله‪:‬‬
‫"إذا كنتم ثلثة فل يتناجى اثنان دون الثالث ‪،‬فإن ذلك يُحزنه"‬
‫وقوله‪":‬ل يقيمن أحدكم رجل ً من مجلسه ثم يجلس فيه‪ ...‬ولكن‬
‫توسعوا‪،‬وتفسحوا يفسح الله لكم"‬
‫وقوله‪ ":‬ل يحل لرجل أن يجلس بين اثنين إل بإذنهما"‬
‫وقوله ‪ ":‬يُسل ِّم الراكب على الماشي والماشي على‬
‫القاعد‪،‬والقليل على الكثير‪،‬والصغير على الكبير"‬
‫ويحدثنا "كلوة بن الحنبل"فيقول‪ ":‬بعثني صفوان بن أمية إلى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم بهَدِيَّة فدخلت عليه‪ ،‬ولم‬
‫استأذن ولم أسلم ‪ ،‬فقال لي الرسول‪":‬إرجع فقل‪ ":‬السلم‬
‫عليكم ‪،‬أأدخل؟")( ‪)30‬‬
‫خلُقه وحسن أدبه في حفاظه الشديد على كرامة‬ ‫ثم يتجلى سمو ُ‬
‫الكائن البشري ‪-‬الذي كَّرمه المولى سبحانه‪ -‬ومراعاته الذكية‬
‫لمشاعر الناس وأحاسيسهم‪،‬ومما يدل على ذلك ‪:‬أنه صلى الله‬
‫عليه وسلم لم يكن يواجه أحدا ً بأخطاءه وإنما كان يقول‪:‬‬
‫" ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا ‪ "..‬تاركا ً الفاعل الحقيقي يحس‬
‫بذنبه ويعرف خطأه دون أن يعرف الخرون عنه شيئا‪.‬‬
‫ويحكي ( معاوية بن الحكم قائل ً ‪" :‬بينما أنا أصلي مع رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت‪( :‬يرحمك‬
‫الله) فرماني القوم بأبصارهم‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬واثكل أمياه‪،‬ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون‬
‫أفخاذهم‪.‬‬
‫فلما رأيت أنهم يصمتونني سكت"‪.‬‬
‫فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فبأبي هو وأمي ما‬
‫رأيت معلما ً قبله ول بعده أحسن تعليما ً منه‪ ...‬فو الله ما قهرني‬
‫ول ضربني ول شتمني وإنما قال‪" :‬إن هذه الصلة ل يصلح فيها‬
‫شئ من كلم الناس‪ ...‬إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة‬
‫القرآن‪ ) "!..‬رواه مسلم( ‪)31‬‬

‫وعلى الرغم من كل ذلك ؛فقد كان دائما ً يدعو ربه قائلً‪ ":‬اللهم‬
‫خلُقي"!!!‬ ‫خلقي فح ِّ‬
‫سن ُ‬ ‫ت َ‬ ‫كما ح َّ‬
‫سن َ‬
‫ب‪ -‬الكرم المحمدي‪:‬‬
‫(كان الكرم المحمدي مضرب المثال‪،‬فقد كان صلى الله عليه‬
‫حلة كان‬ ‫وسلم ل يرد سائل ً وهو يجد ما يعطيه‪،‬فقد سأله رجل ُ‬
‫يلبسها‪،‬فدخل بيته فخلعها ‪،‬ثم خرج بها في يده وأعطاها‬
‫إياه‪،‬وسأله رجل فأعطاه غنما ً بين جبلين‪،‬فلم يكن الرجل مصدقاً‬
‫‪،‬فأسرع بها وهو ينظر خلفه خشية أن يرجع النبي الكريم في‬
‫قوله‪،‬ثم ذهب إلى قومه فقال لهم‪ ":‬يا قوم أسلموا فإن محمداً‬
‫يعطي عطاء من ل يخشى الفقر!"‪...‬وحسبنا في الستدلل على‬
‫كرمه صلى الله عليه وسلم حديث بن عباس الذي رواه البخاري‬
‫‪":‬قال بن عباس حين سئل عن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ":‬كان رسول الله أجود الناس وكان أجود ما يكون في في‬
‫شهر رمضان‪،‬حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن ‪،‬فكان صلى الله‬
‫مرسلة" ‪.‬‬‫عليه وسل أجود من الريح ال ُ‬
‫وفيما يلي بعض المثلة العجيبة على جوده وكرمه‪:‬‬
‫*أعطى الرسول الكريم العباس رضي الله تعالى عنه من الذهب‬
‫ما لم يُطِق حمله‪.‬‬
‫حليا وذهبا ً لما جاءه بهدية‬
‫**وأعطى معوذ بن عفراء ملء كفيه ُ‬
‫من ُرطب وقِثَّاء‪.‬‬
‫***جاءه رجل فسأله‪ ،‬فقال له ما عندي شيء ولكن إبتع‬
‫علي(أي اشتر ما تحتاجه على حسابي وأنا أسدده عنك إن شاء‬
‫الله) فإذا جاءنا شيء قضيناه"!!) (‪)32‬‬
‫ج‪ -‬الحلم المحمدي‪:‬‬
‫(كان الحلم ‪ -‬وهو ضبط النفس حتى ل يظهر منها ما يكره قولً‬
‫أو فعل عند الغضب‪ -‬فيه صلى الله عليه وسلم مضرب‬
‫المثال‪،‬ولعل ذلك يظهر فيما يلي من المثلة‪:‬‬
‫جت وجنتاه صلى الله عليه وسلم وكُسرت‬ ‫ش َّ‬ ‫*ل َّ‬
‫ما ُ‬
‫سنَّتان الماميتان بالفك) يوم أُحد رفع يديه إلى‬ ‫رباعيته(ال ِ‬
‫السماء‪،‬فظن الصحابة أنه سيدعو على الكفار‪،‬ولكنه قال‪ ":‬اللهم‬
‫اغفر لقومي فإنهم ل يعلمون" !!!‬
‫**ولما جذبه أعرابي برداءه جذبة شديدة حتى أثرت في صفحة‬
‫عنقه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وقال العرابي ‪ ":‬إحمل لي على‬
‫بعيري هذين من مال الله الذي عندك ‪،‬فإنك لتحمل لي من مالك‬
‫م عليه صلى الله عليه وسلم ولم يزد أن قال‪":‬‬ ‫ومال أبيك"‪،‬حل ُ َ‬
‫المال مال الله وأنا عبده ويقاد منك يا أعرابي ما فعلت بي"‬
‫فقال العرابي‪":‬ل"‪ ،‬فقال النبي ‪":‬لم؟" قال لنك ل تكافيء‬
‫السيئة بالسيئة"‪،‬فضحك صلى الله عليه وسلم‪،‬ثم أمر أن يحمل‬
‫له على بعير شعير‪ ،‬وعلى آخر تمر!!!‬
‫***لم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم ضرب خادما ً ول امرأة‬
‫قط ‪ ،‬بهذا أخبرت عائشة رضي الله عنه ‪ ،‬فقالت‪ ":‬ما رأيت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم منتصرا ً من مظلمة ظُلمها‬
‫حرمة من محارم الله ‪ ،‬وما ضرب بيده شيئا قط‬ ‫قط‪،‬ما لم تكن ُ‬
‫إل أن يُجاهد في سبيل الله‪،‬وما ضرب خادما ً قط ول امرأة‪.‬‬
‫ج‪ -‬العفو المحمدي‪:‬‬
‫(كان العفو‪ -‬وهو ترك المؤاخذة ‪،‬عند القدرة على الخذ من‬
‫المسيء ‪ -‬من أخلق النبي صلى الله عليه وسلم‪،‬وقد أمره به‬
‫خذ العفوَ‬ ‫المولى تبارك وتعالى حين تنزل جبريل بالية الكريمة‪ُ ":‬‬
‫مر بالعُرف وأعرِض عن الجاهلين" فسأله صلى الله عليه‬ ‫ْ‬
‫وَأ ُ‬
‫وسلم عن معنى هذه الية‪،‬فقال له‪ ":‬حتى أسال العليم‬
‫الحكيم"‪،‬ثم أتاه فقال ‪ ":‬يا محمد إن الله يأمرك ان تصل من‬
‫قطعك‪،‬و وتعطي من حرمك‪ ،‬وتعفو عمن ظلمك"‬
‫وقد امتثل صلى الله عليه وسلم لمر ربه‪،‬فنراه‪:‬‬
‫خيِّر بين أمرين إل اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً‪ -‬فإن كان‬ ‫(ما ُ‬
‫إثما ً كان ابعد الناس عنه‪،‬كما قالت السيدة عائشة رضي الله‬
‫عنها‪.‬‬
‫ويتجسد عفوه حين تصدى له "غورث بن الحارث" ليفتك به‬
‫صلى الله عليه وسلم والرسول مطّرح تحت شجرة وحده‬
‫قائلً(نائما ً في وقت القيلولة)‪ ،‬وأصحابه قائلون أيضاً‪ ،‬وذلك في‬
‫غزوة‪ ،‬فلم ينتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم إل و غورث‬
‫قائم على رأسه‪ ،‬والسيف مسلطا ً في يده‪،‬وهو يقول‪ ":‬ما يمنعك‬
‫مني؟" فقال صلى الله عليه وسلم‪":‬الله"!! فسقط السيف من‬
‫يد غورث ‪،‬فأخذه النبي الكريم وقال‪ ":‬من يمنعك مني؟" قال‬
‫خذ" ‪،‬فتركه وعفا عنه‪،‬فعاد إلى قومه فقال‪":‬‬ ‫غورث‪ ":‬كُن خير آ ِ‬
‫جئتكم من عند خير الناس!"‬
‫ولما دخل المسجد الحرام صبيحة الفتح ووجد رجالت قريش ‪-‬‬
‫الذين طالما كذَّبوه ‪ ،‬و أهانوه ‪،‬وعذبوا أصحابه وشردوهم‪-‬‬
‫جالسين مطأطئي الرؤوس ينتظرون حكم رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم الفاتح فيهم‪،‬فإذا به يقول لهم‪ ":‬يا معشر قريش ما‬
‫تظنون أني فاعل بكم؟" قالوا‪ ":‬أخ كريم ‪ ،‬وابن أخ كريم"‪،‬قال‪":‬‬
‫إذهبوا فأنتم الطلقاء!!!" فعفا عنهم بعد أن ارتكبوا من الجرائم‬
‫في حقه وحق أصحابه ما ل يُحصى عدده!!!‬
‫ولما تآمر عليه المنافقون ليقتلوه وهو في طريق عودته من‬
‫تبوك إلى المدينة ‪ ،‬وعلم بهم وقيل له فيهم‪،‬عفا عنهم وقال‪ ":‬ل‬
‫يُتحدَّث أن محمدا ً يقتل أصحابه!!! )( ‪)33‬‬
‫وحين كان الكفار ينادونه ب" مذمم" بدل ً من "محمد"‪ ،‬وغضب‬
‫أصحابه صلى الله عليه وسلم‪...‬كان يقول لهم‪ ":‬دعوهم فإنما‬
‫يشتمون" مذمماً"‪ ،‬وأنا "محمد"!!! ( ‪)34‬‬
‫د‪ -‬الشجاعة المحمدية‪:‬‬
‫(كان صلى الله عليه وسلم شجاع القلب والعقل معاً‪،‬فشجاعة‬
‫القلب هي عدم الخوف مما يُخاف منه عادةً‪،‬والقدام على دفع‬
‫مضي فيما هو‬ ‫ما يُخاف منه بقوة وحزم‪،‬أما شجاعة العقل فهي ال ُ‬
‫الرأي وعدم النظر إلى عاقبة المر‪،‬متى ظهر أنه الحق‪...‬فكان‬
‫صلى الله عليه وسلم أشجع الناس على الطلق!‬
‫‪،‬ومن أدلة ذلك أن الله تعالى كلفه بأن يقاتل وحده في قوله‪":‬‬
‫َ‬
‫ف إل نفسك‪،‬وحّرِض‬ ‫ل اللهِ ل تُكَل ّ ُ‬
‫فقاتِل في سبي ِ‬
‫المؤمنين"(النساء‪،)84 -‬ومن بعض أدلة ومظاهر شجاعته صلى‬
‫الله عليه وسلم ما يلي‪:‬‬
‫شهادة الشجعان البطال له بذلك‪،‬فقد قال علي بن أبي طالب‬
‫‪ ،‬وكان فارسا مغوارا ً من أبطال الرجال وشجعانهم ‪ ":‬كنا إذا‬
‫حدُق(جمع حدقة وهي‬ ‫حمي البأس (اشتدت المعركة)واحمرت ال ُ‬
‫بياض العين) نتقي برسول الله صلى الله عليه وسلم أي نتقي‬
‫الضرب والطعان"!!!‬
‫ُ‬
‫وهذا موقفه البطولي الخارق للعادة يوم أحد حيث ذهل عن‬
‫أنفسهم الشجعان‪،‬ووقف محمد صلى الله عليه و سلم كالجبل‬
‫الشم حتى لذ به أصحابه والتفوا حوله وقاتلوا حتى انجلت‬
‫المعركة بعد قتال مرير وهزيمة نكراء حلت بالقوم من جراء‬
‫مخالفتهم لكلمه صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬

‫حنين حين انهزم أصحابه وفر رجاله لصعوبة مواجهة العدو‬ ‫وفي ُ‬
‫من جراء الكمائن التي نصبها وأوقعهم فيها‪ ،‬وهم ل يدرون‪ ...‬بقي‬
‫وحده صلى الله عليه وسلم في الميدان يطاول ويصاول وهو‬
‫على بغلته يقول‪ ":‬أنا النبي ل كذب‪ ..‬أنا ابن عبد المطلب"‬
‫ى عباد الله ! إل َّ‬
‫ي عباد الله" حتى‬ ‫ومازال في المعركة يقول‪ ":‬إل َّ‬
‫أفاء أصحابه إليه وعاودوا الكرة على العدو فهزموهم في ساعة ‪.‬‬
‫هذه بعض دلئل شجاعته القلبية ‪ ،‬أما شواهد شجاعته‬
‫العقلية‪،‬فنكتفي فيها بشاهد واحد ‪،‬فإنه يكفي عن ألف شاهد‬
‫ويزيد‪،‬وهو موقفه من تعنُّت "سهيل بن عمرو" وهو يملي وثيقة‬
‫صلح الحديبية ‪،‬حين تنازل صلى الله عليه وسلم عن العبارة"‬
‫بسم الله" إلى" باسمك اللهم"‪،‬وعن عبارة"محمد رسول الله"‬
‫إلى " محمد بن عبد الله" ‪،‬وقد استشاط أصحابه صلى الله عليه‬
‫وسلم غيظا‪،‬وبلغ بهم الغضب حدا ً ل مزيد عليه‪ ،‬وهو صابر ثابت‬
‫حتى انتهت وكانت بعد أيام فتحا ً مبينا؛ فضرب صلى الله عليه‬
‫وسلم بذلك أروع مثل في الشجاعة وبعد النظر وأصالة وإصابة‬
‫الرأي) ( ‪)35‬‬
‫هـ‪ -‬الصبر المحمدي ‪:‬‬
‫(كان الصبر‪ -‬وهو حبس النفس على طاعة الله تعالى حتى ل‬
‫تفارقها‪،‬وعن معصية الله تعالى حتى ل تقربها‪،‬وعلى قضاء الله‬
‫خلق محمد صلى الله‬ ‫تعالى حتى ل تجزع له ول تسخط عليه‪ -‬هو ُ‬
‫عليه وسلم‪،‬فقد صبر وصابر طيلة عهد إبلغ رسالته الذي دام‬
‫ل عن دعوته وإبلغ‬ ‫ثلثا ً وعشرين سنة‪،‬فلم يجزع يوماً‪ ،‬ولم يتخ َّ‬
‫رسالته حتى بلغ بها الفاق التي شاء الله تعالى أن‬
‫تبلغها‪،‬وباستعراض المواقف التالية تتجلى لنا حقيقة الصبر‬
‫المحمدي الذي هو فيه أسوة كل مؤمن ومؤمنة في معترك‬
‫الحياة‪:‬‬
‫صبره صلى الله عليه وسلم على أذى قريش طوال فترة‬
‫بقاءه بينهم بمكة ‪،‬فقد ضربوه وألقوا روث الجزور على ظهره ‪،‬‬
‫وسبوه واتهموه بالجنون مرة وبأنه ساحر مرة ‪،‬وبأنه كاهن مرة‪،‬‬
‫وبأنه شاعر مرة ‪،‬وعذبوا أصحابه وحاصروه معهم ثلث سنوات‬
‫مع بني هاشم في شعب أبي طالب‪ ،‬وحكموا عليه بالعدام‬
‫َ‬
‫وبعثوا رجالهم لتنفيذ الحكم إل أن الله عز وجل سل ّمه وعصم‬
‫دمه‪.‬‬
‫و صبره صلى الله عليه وسلم عام الحزن حين ماتت خديجة‬
‫الزوجة الحنون التي صدقته حين كذبه الناس‪ ،‬وآوته حين طرده‬
‫الناس‪ ،‬وأعطته حين حرمه الناس‪ ،‬وواسته حين اتهمه‬
‫الناس‪...‬وصبره حين مات العم الحاني الحامي المدافع عنه ‪،‬فلم‬
‫توهن هذه الرزايا من قدرته وقابل ذلك بصبر لم يعرف له في‬
‫تاريخ البطال مثيل و ل نظير‪.‬‬
‫ُ‬
‫وصبره في كافة حروبه في بدر وفي أحد وفي الخندق وفي‬
‫الفتح وفي حنين وفي الطائف حين حاربته البلدة كلها ‪،‬وفي تبوك‬
‫فلم يجبن ولم ينهزم ولم يفشل ولم يمل‪ ،‬حتى خاض حروبا عدة‬
‫وقاد سرايا عديدة ‪،‬فقد عاش من غزوة إلى أخرى طيلة عشر‬
‫سنوات !!! فأي صبر أعظم من هذا الصبر؟!!‬
‫و صبره صلى الله عليه وسلم على الجوع الشديد‪،‬فقد مات‬
‫صلى الله عليه وسلم ولم يشبع من خبز الشعير مرتين في يوم‬
‫واحد قط!!!وهو الذي لو أراد أن يملك الدنيا لملكها ولكنه آثر‬
‫الخرة ونعيمها)( ‪)36‬‬
‫الرحمة المحمدية‬
‫كان صلى الله عليه وسلم يرحم الناس( رحمة القوياء الباذلين‬
‫وليست رحمة الضعفاء البائسين‪،‬وكان يمارسها ممارسة مؤمن‬
‫بها‪ ،‬متمضخ بعطرها‪ ،‬مخلوق من عجينتها)( ‪ )37‬حتى أن ربه قال‬
‫عن رحمته صلى الله عليه وسلم لسائر الخلق"وما أرسلناك إل‬
‫ة للعالمين"‪،‬وقال عن رحمته للمؤمنين خاصة‪ ":‬بالمؤمنين‬ ‫رحم ً‬
‫ف رحيم"‬‫رؤو ٌ‬
‫وحين أوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة فخرج إلى‬
‫الطائف‪،‬وقف أهلها في صفين يرمونه بالحجارة ‪،‬فدميت قدماه‬
‫الشريفتان ‪ ،‬وشكا إلى الله تعالى ضعف قوته وقلة حيلته وهوانه‬
‫على الناس ‪...‬فنزل جبريل عليه السلم ‪( ،‬وقال يا محمد‪ ":‬لو‬
‫شئت أن أطبق عليهم الخشبين "جبلين بمكة" لفعلت" ‪ ،‬فقال‬
‫له رسول الرحمة والتسامح‪ ":‬ل ‪ ،‬لعل الله يخرج من بين‬
‫ظهرانيهم من يعبد الله ل يشرك به شيئا" ‪ ،‬و قد صحت نظرة‬
‫الرحمة والحلم المحمدية ‪ ،‬ودخل الناس في هذه الماكن وغيرها‬
‫في دين الله أفواجا !!!‬
‫وكان صلى الله عليه وسلم رحيما ً حتى في مقاتلته لعداء‬
‫دينه‪،‬فقد كان يوصي جيشه المقاتل بأل يضرب إل من يضربه أو‬
‫يرفع عليه السلح ‪ ،‬وكان يقول" ل تقتلوا امرأة ول وليدا ً ول‬
‫شيخا ول تحرقوا نخيل ول زرعا‪ ،‬كما كان يحرص على عدم‬
‫التمثيل بهم أو المبالغة في إهانتهم‪،‬فيقول‪":‬إجتنبوا الوجوه ول‬
‫تضربوها"!! )( ‪)38‬‬
‫(وورد في البخاري مما رواه أنس رضي الله عنه أن غلما ً يهودياً‬
‫كان يخدم الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فلما مرض‪،‬عاده‬
‫الرسول الكريم فقعد على رأسه وقال له ‪ ":‬أسلِم " فنظر إلى‬
‫أبيه و هو عنده‪،‬فقال‪":‬أطع أبا القاسم"‪ ،‬فأسلم الغلم‪ ،‬فخرج‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول‪ ":‬الحمد لله الذي أنقذه‬
‫من النار"!!)( ‪)39‬‬
‫وكان صلى الله عليه وسلم يوصي بالضعفاء رحمة بهم‪ ،‬فنراه‬
‫مكَرم"؛‬‫يوصي باليتامى قائل‪ ":‬خير البيوت بيت فيه يتيم ُ‬
‫وبالنساء قائلً‪:‬‬
‫خلقن من ضلع أعوج"؛وبما‬ ‫" إستوصوا بالنساء خيرا فإنهن ُ‬
‫ملكت اليمان‪(،‬فنجد آخر كلماته صلى الله عليه وسلم حين‬
‫حضرته الوفاة‪:‬‬
‫" الصلة‪ ،‬وما ملكت أيمانكم‪،‬حتى جعل يغرغر بها صدره وما يكاد‬
‫يفيض بها لسانه!!!) ( ‪)40‬‬
‫ومن رحمته صلى الله عليه وسلم بأمته( أنه كان يتلو قول الله‬
‫من تَبِعني‬ ‫ضلَلْن كثيرا ً من الناس فَ َ‬ ‫تعالى في إبراهيم‪ ":‬رب إنَّهُ َّ‬
‫نأ ْ‬
‫من عصاني فإنك غفوٌر رحيم"‬ ‫فإنَّه ِ‬
‫منِّي و َ‬
‫‪،‬وقول عيسى‪ ":‬إن تعذِّبهُم فإنَّهم عبادُك وإن تغفرلهم فإنك أن َ‬
‫ت‬
‫العزيُز الحكيم"‬
‫فرفع يديه قائلً‪ ":‬اللهم أمتي أمتي" وبكى‪،‬فقال الله عز وجل‪-‬‬
‫وهو أعلم‪ ":-‬يا جبريل إذهب إلى محمد فسله‪ ":‬ما يبكيك؟"‬
‫فاتاه جبريل فسأله ‪،‬فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقال‬
‫الله تعالى‪ ":‬يا جبريل إذهب إلى محمد فقل له‪ ":‬إنا سنرضيك‬
‫في أمتك ولن نسوؤك")( ‪)41‬‬
‫الوفاء المحمدي‬
‫(كان وفاؤه صلى الله عليه وسلم باهراً‪،‬فقد كان وفيا ً لربه‪،‬ووفياً‬
‫لحاضنته‪،‬ووفيا ً لزوجاته‪،‬ووفيا ً لصحابه‪ ،‬ووفيا لسائر الكائنات‪.‬‬
‫فقد سألته السيدة عائشة يوما ً حين كان يقوم الليل حتى‬
‫تورمت قدماه لماذا يجهد نفسه بهذا الشكل وقد غفر الله تعالى‬
‫له ما تقدم من ذنبه وما تأخر‪،‬فكان رده صلى الله عليه وسلم‪":‬‬
‫أفل أكون عبدا ً شكورا"؟!!!!‬
‫ف عليه الصلة‬‫(وذات يوم زارته بالمدينة سيدة عجوز فخ َّ‬
‫والسلم للقائها في حفاوة بالغة‪ ،‬وغبطة حافلة‪ ،‬وأسرع فجاء‬
‫ببردته النفيسة وبسطها على الرض لتجلس عليها العجوز؛ وبعد‬
‫انصرافها سألته عائشة رضي الله عنها عن سر حفاوته بها‬
‫فقال‪ ":‬إنها كانت تزورنا أيام خديجة"!!!‬
‫وبين غرفته بالمسجد ومكان المنبر حيث كان يؤم المسلمين‬
‫في الصلة بضع خطوات ‪..‬كان يقطعها كل يوم عند كل صلة‬
‫ولقد أحب هذه المتار من الرض لنها كانت ممشاه إلى الله‪،‬‬
‫وإلى قرة عينه الصلة‪ ،‬ولقد أخذه الحب لها والوفاء حتى أكرمها‬
‫َ‬
‫وأجل ّها وقال‪ ":‬ما بين منبري وبيتي روضة من رياض الجنة"!!!)(‬
‫‪)42‬‬
‫ومن أحلى الوقات لرواية هذه القصص لطفالنا عنه صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وأكثرها تأثيرا ً في النفس هو وقت ما قبل النوم ‪،‬‬
‫حين تنطفىء النوار ‪ -‬أو تكون خافتة‪ -‬ويكون الطفل مهيئاً‬
‫للستماع والتخيل‪ ،‬ومن ثم التفكير فيما يسمع‪.‬‬
‫فإن لم يستطع الوالدان أن يصحبوا أطفالهم في هذه الروضة‬
‫المحمدية ليتنسموا عبق الرياحين و الزهار‪ ،‬ويقتطفوا من‬
‫أطايب الثمار ‪ ،‬فيمكنهما أن يسمعا معهم‪ -‬بالسيارة‪ -‬وهم في‬
‫الطريق إلى النزهة السبوعية مثل ً أشرطة "الخلق " للستاذ‬
‫عمرو خالد التي تتكلم‪ -‬بأسلوب واضح يفهمه الكبار والصغار‪-‬‬
‫خلق لدي الرسول‬ ‫عن شتى الخلق السلمية ‪،‬ومظاهر كل ُ‬
‫الكريم‪.‬‬
‫ولعله من المفيد الشارة إلى أن تعليم أخلق الرسول الكريم‬
‫جهون في‬ ‫لطفالنا قد يخلق لهم مشكلة وهي أنهم سيوا َ‬
‫المجتمع بمن يتصرفون بعكس هذه الخلق‪،‬فيرون أقرانهم‬
‫يكذبون‪ ،‬ويغشون‪ ،‬ويتكبرون‪ ،‬ويتنابزون باللقاب‪ ،‬ويغضبون لتفه‬
‫السباب‪ ...‬بل والسوأ من ذلك أن هؤلء القران قد يتعاملون‬
‫معهم على أنهم ضعفاء أو أغبياء لتمسكهم بهذه الخلق!!! مما‬
‫يسبب لهم إحباطا واضطرابا ً وعدم ثقة فيما تعلموه من والديهم‬
‫‪...‬وقد يتسبب هذا‪-‬أحياناً‪ -‬في أن يندم الوالدان على تربية‬
‫دّر الخلق‪ ...‬لكن كاتبة‬ ‫أولدهم على الخلق في زمن ل يق ِ‬
‫مر‪،‬وذلك المدخل من‬ ‫السطور تحذِّر من هذا الحساس المد ِّ‬
‫مداخل الشيطان على المؤمن‪ ،‬وتؤكد أن ما فعله الوالدان هو‬
‫الصحيح ‪ ،‬والدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ‪":‬‬
‫أقربكم مني مجلسا ً يوم القيامة أحاسنكم أخلقاً" فإذا كنا قد‬
‫َ‬
‫عل ّمناهم الخلق ابتغاء مرضاة الله تعالى‪ ،‬فلبد من أن نوقن‬
‫في أنه سبحانه سيجعل لهم فرجا و مخرجا؛ وأن النصر في‬
‫النهاية سيكون‪ -‬بإذن الله ‪ -‬حليفهم ‪،‬إن لم يكن في الدنيا ففي‬
‫الخرة‪.‬‬

‫كما ينبغي أن نعلم أطفالنا أن يقول كل منهم لنفسه حين يرى‬


‫تلك النماذج المؤسفة لسوء الخلق‪ ":‬أنا على حق"‪" ،‬إنهم هم‬
‫ما‬
‫المخطئون"‪ "،‬واجبي أن أتمسك بأخلقي حتى يفعلوا مثلي يو ً‬
‫ما‪ -‬كما فعل رسول الله حين كان هو المسلم الوحيد على وجه‬
‫الرض‪ -‬وإن لم يفعلوا أكون من الفائزين بالجنة إن شاء الله !‬
‫"‬
‫وينبغي أن نساعدهم على اختيار الصدقاء الذين يشاركونهم هذه‬
‫الخلق‪،‬فإن ذلك يعينهم ‪،‬ويشعرهم أنهم ليسوا بغرباء في‬
‫المجتمع‪.‬‬
‫ول ننسى الدعاء لهم دائماً‪ ":‬اللهم اهد أولدي وأولد المسلمين‬
‫لصالح العمال والخلق والهواء‪،‬فإنه ل يهديهم لحسنها إل أنت ‪،‬‬
‫واصرف عنهم سيئها ‪،‬فإنه ل يصرف عنهم سيئها إل أنت"‬
‫خلُقهم"‬‫سن ُ‬
‫خلقهم ‪،‬فح ِّ‬
‫سنت َ‬‫"اللهم كما ح َّ‬
‫مرحلة مابين الرابعة عشرة والسادسة عشرة‪:‬‬
‫مجدي في هذه المرحلة أن يقوم الوالدان بعقد المسابقات‬ ‫من ال ُ‬
‫في الجازة الصيفية بين الولد وأقرانهم من القارب أو الجيران‬
‫أو الصدقاء بالمدرسة أو النادي لعمل أبحاث صغيرة عن سيرته‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬بحيث تشمل موضوعاتها مثل‪:‬‬
‫حالة البشرية قبل مولده صلىالله عليه وسلم‬
‫حادثة الفيل‬
‫عبد الله ‪ ،‬وآمنة‬
‫مولده صلى الله عليه سلم وقصته مع حليمة‬
‫طفولته صلى الله عليه وسلم وصباه‬
‫فترة شبابه وزواجه من خديجة رضي الله عنها‬
‫علقته صلى الله عليه وسلم بزوجاته رضوان الله عليهن‬
‫علقته صلى الله عليه وسلم ببناته وخاصة فاطمة‬
‫علقته صلى الله عليه وسلم بأصحابه وحبه لهم وحبهم له‪.‬‬
‫معجزاته صلى الله عليه وسلم قبل وبعد نزول الوحي‬

‫فهذه الطريقة تجعل ما يقرءون‪،‬و يكتبون أكثر ثباتا ً في‬


‫عقولهم‪،‬وقلوبهم ؛لنهم سيبذلون الجهد في البحث عن تلك‬
‫المعلومات‪ ،‬وتجميعها‪ ،‬وترتيبها‪ ،‬ثم كتابتها و صياغتها بشكل جيد‪.‬‬
‫وينبغي مكافأة من قاموا بإعداد أبحاث جيدة بهدايا نعرف‬
‫مسبقا أنهم يحبونها‪.‬‬
‫كما يمكن إهداء الطفل أو مكافاته بكتب مثل‪:‬‬
‫" معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ودلئل صدق نبوته"‬
‫للشيخ إبراهيم جلهوم والشيخ محمد حماد‪ ،‬و " محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم " لعبد الحميد جودة االسحار‪.‬‬
‫‪ -6‬كيف نقيس حبنا للنبي صلى الله عليه وسلم؟‬
‫ينبغي لبناءنا ‪ -‬في هذه المرحلة‪ -‬أن يعرفوا أن حبهم للنبي صلى‬
‫الله عليه وسلم يحتاج إلى برهان ‪،‬فل يكفي أن يقولوا أنهم‬
‫يحبونه وإنما ينبغي أن يظهر ذلك في أفعالهم وتصرفاتهم؛‪،‬وفيما‬
‫يلي بعض السئلة التي يمكن أن تساعدهم على قياس مدى‬
‫حبهم للرسول الكريم‪:‬‬
‫‪ -1‬هل تصلي عليه كثيرا؟ً‬
‫إن المحب ل يفتر عن ذكر حبيبه والدعاء له‪(،‬وكما يقول المام‬
‫بن القيم " إن العبد كلما أكثر من ذكر المحبوب واستحضاره في‬
‫قلبه واستحضار محاسنه الجالبة لحبه تضاعف حبه له وتزايد‬
‫شوقه إليه‪،‬واستولى على جميع قلبه‪،‬وإذا أعرض عن ذكره‬
‫‪)43‬‬ ‫واستحضار محاسنه بقلبه نقص حبه من قلبه")(‬
‫‪ -2‬هل قرأت سيرته؟‬
‫إن المحب ليشتاق إلى معرفة نشأة حبيبه‪ ،‬وتطورات حياته‬
‫وأخباره‪.‬‬
‫‪ -3‬هل عرفت هديه؟‬
‫إن المحب يكون شغوفا ً لمعرفة أفكار ومعتقدات وأقوال‬
‫حبيبه(ولعل هذا يتحقق بقراءة كتب الحاديث المبسطة مثل"‬
‫رياض الصالحين")‬
‫‪ -4‬هل تتبع سنته(الواجب منها والمستحب)؟‬
‫إن المحب يكون مولعا ً بتقليد حبيبه(ولعل هذا يتحقق بالتعرف‬
‫على سنته من خلل كتابي "فقه السنة"‪،‬و"منهاج المسلم")‬
‫‪ -5‬هل زرت مدينته؟‬
‫إن المحب ليشتاق إلى ديار حبيبه‪ ،‬والمشي فوق خطواته‪.‬‬
‫‪-6‬هل تحب آل بيته الكرام وأصحابه وأتباعه رضوان الله تعالى‬
‫عليهم؟‬
‫إن المحب يحب أحباب حبيبه‪.‬‬
‫‪ -7‬هل تحدثت عنه مع غيرك ممن ل يعرفون عنه شيئا؟‬
‫إن المحب يود دائما لو ظل يتحدث عن حبيبه مع كل الناس‪.‬‬
‫‪ -8‬هل ترضى بحكمه فيما شجر بينك وبين غيرك من خلفات؟‬
‫إن المحب ليرضى بحكم حبيبه في شتى الحوال‪،‬فما بالك إذا‬
‫كان الحبيب هو محمد صلى الله عليه وسلم الذي ل ينطق عن‬
‫الهوى؟ !‬
‫؛فإذا كانت إجاباتهم كلها ب"نعم"‪،‬فهم يحبونه بالفعل‪،‬أما إن‬
‫كانت الجابة على بعض السئلة ب"ل" فهم محتاجون إلى أن‬
‫يراجعوا أنفسهم ‪ ،‬وإعادة النظر في طريقة حبهم له صلى الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫وإذا كانت إجاباتهم كلها ب"نعم" وشعروا برغبة شديدة في رؤيته‬
‫صلى الله عليه وسلم في الدنيا‪،‬فيمكن أن نروي لهم هذه القصة‬
‫ل من الله‪ ،‬وعطيَّة‬ ‫اللطيفة؛مع توضيح أن رؤيته‪ -‬بشكل عام‪ -‬فض ٌ‬
‫يهبها لمن يشاء من عباده المؤمنين‪:‬‬
‫( جاء تلميذ إلى أستاذه وقال‪ ":‬علمت أنك ترى رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم في رؤياك" ‪،‬فقال الستاذ‪ ":‬فماذا تريد يا بني؟"‬
‫قال ‪ ":‬عل ِّمني كيف أراه"‪،‬فإني في شوق إلى رؤياه‪،‬فقال له‪":‬‬
‫فأنت مدعو لتناول العشاء معي هذه الليلة لعلمك كيف تراه‬
‫صلى الله عليه وسلم"‬
‫وذهب التلميذ لستاذه الذي أكثر له من الملح في الطعام‪ ،‬ومنع‬
‫عنه الماء‪،‬فطلب التلميذ الماء ‪،‬فمنعه الستاذ ‪،‬بل أصر على أن‬
‫يزيده من الطعام‪،‬ثم قال له‪ ":‬نَم وإذا استيقظت قبل الفجر‬
‫فسأعلمك كيف ترى النبي صلى الله عليه وسلم"‪،‬فبات التلميذ‬
‫يتلوى من شدة العطش والظمأ‪ ،‬فقال له أستاذه حين‬
‫استيقظ‪":‬أي بني قبل أن أعلمك كيف تراه أسألك‪":‬هل رأيت‬
‫الليلة شيئا؟" قال ‪ ":‬نعم"‪،‬قال له" ما رأيت؟" ‪،‬فقال‪ ":‬رأيت‬
‫المطار تمطر‪،‬والنهار تجري والبحار تسير" فقال الستاذ‪":‬‬
‫صدقت نيتك فصدقت رؤيتك ‪،‬ولو صدقت محبتك لرأيت رسول‬
‫الله!!!")( ‪)44‬‬

‫ومن المور بالغة الهمية أن نوضح لهم الفرق بين أن نحبه‬


‫صلى الله عليه وسلم وبين أن نغالي ونتعدى الحد‪،‬فمن أراد أن‬
‫يُرضي الله بحب النبي صلى الله عليه وسلم فعليه أن يحبه كما‬
‫أراد الله ورسوله‪ ،‬وليس كما يوافق هواه !!!‬
‫(ومن منطلق أن حبه صلى الله عليه وسلم عبادة‪،‬فإن العبادة‬
‫يجب أن تكون خالصة لوجه الله تعالى ‪،‬كما يجب أن تكون على‬
‫طريقة رسول الله ‪ ،‬وإذا خرجت عن هذين الشرطين‪،‬صارت‬
‫م‬
‫بدعة‪،‬ومن ثم فهي مردودة على صاحبها‪،‬فقد قال تعالى" اليو َ‬
‫م‬
‫م السل َ‬ ‫ت لك ُ‬‫ت عليكُم نعمتي ورضي ُ‬ ‫ت لكُم دينَكم وأتمم ُ‬‫أكمل ُ‬
‫ً‬
‫دينا"‪،‬فقد تم الدين ولم يترك شيئا لم يتحدث عنه‪،‬وما ارتضاه‬
‫الله تعالى لنا ل ينبغي أن نغيره‪،‬فقد كان الصحابة رضوان الله‬
‫تعالى عليهم أشد حبا ً له ‪ ،‬ولكنهم لم يكونوا يفعلون محرما ً من‬
‫أجله صلى الله عليه وسلم؛ فكانوا ل يقومون إليه حين يأتيهم‪،‬كما‬
‫يقوم العاجم الكفار لملوكهم ؛ وكانوا ل يبالغون في إطراءه‬
‫حين نهاهم عن ذلك قائل ً ‪ ":‬ل تُطْروني كما أطرت النصارى‬
‫المسيح بن مريم‪،‬فإنما أنا عبد ٌ لله ‪ ،‬قولوا‪" :‬عبد الله ورسوله"‬
‫وحين جاءه صلى الله عليه وسلم رجل فراجعه في بعض‬
‫الكلم‪،‬فقال‪:‬‬
‫ً‬
‫" ما شاء الله وشئت"‪،‬فقال له‪ ":‬أجعلتَني مع الله ندا؟‍ " بل‬
‫قل‪ ":‬ما شاء الله "‬
‫فل ينبغي أن نُغضب الله سواء بالمغالة في مدحه‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬بان نرفعه فوق قدره ‪ ،‬أو بمجافاته صلى الله عليه‬
‫وسلم بالعقل أو القلب‪ ...‬ولكن علينا بالوسطية‪ ،‬وهي التزام‬
‫‪)46 (،)45‬‬ ‫السنة)(‬
‫ومن ثم فعلينا أن نعلم أطفالنا مثل ً أنه ل يجوز الستغاثة برسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪،‬أو الستجارة به بعد وفاته‪،‬لنه ل يملك‬
‫لنا شيئا‪ ،‬كما ل ينبغي أن نفعل كما يفعل البعض عند قبره‬
‫الشريف من رفع الصوت لن الله تعالى يقول‪ ":‬ل ترفعوا‬
‫ت النبي ول تجهروا له بالقول كجهرِ بعضكم‬ ‫أصواتَكم فوقَ صو ِ‬
‫لبعض أن تحبَط أعمالَكم وأنتم ل تشعرون"(الحجرات‪ ،)2-‬ول‬
‫ينبغي أن ندعو أمام قبره ونحن ننظر إلى القبر‪،‬والصحيح أن‬
‫ندعو ونحن متوجهون للقبلة ‪،‬أما المباح من القول ونحن ننظر‬
‫للقبر ‪،‬فالسلم عليه والكثار من الصلة عليه‪.‬‬
‫كما ينبغي أن نتحدث معه عن بعض الحاديث الضعيفة أو‬
‫الموضوعة التي شاعت بين الناس‪،‬مثل" من حج ولم يزرنى فقد‬
‫و "من زارنى بعد مماتى فكأنما زارنى فى حياتى‬ ‫جفاني"‬
‫ُ‬
‫"و" رأيت ليلة أسري بي مكتوبا ً على ساق العرش ل إله إل الله‬
‫محمد رسول الله‪"...‬‬
‫من تجارب المهات‪:‬‬
‫*كانت الم تحكي لطفلها منذ نعومة أظفاره سيرة الرسول صلى‬
‫خلُقه‪،‬ولما بلغ العاشرة من‬ ‫خلقَه و َ‬
‫الله عليه وسلم وكيف كان َ‬
‫عمره أكرمه الله تعالى بزيارة قبره صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ولما‬
‫عاد قال لها ‪ ":‬إني أحب الرسول جدا ً وأتمنى رؤيته‪،‬ومقابلته في‬
‫الجنة ؛ ولكني ل أحبه أن يكون ملتحياً؛ فأنا أفضله بدون لحية!‬
‫فكان على الم أن تتصرف بلباقة فقالت له‪ ":‬أنا متأكدة يا بني‬
‫أنك حين تراه ستحبه أكثر بكثير‪،‬سواء كان ملتحيا ً أم ل"‪،‬ولكنه‬
‫أصر قائلً‪":‬ل‪ ،‬أنا أحبه بدون اللحية"‪،‬فقالت له الم ‪ ":‬هل تعلم‬
‫لماذا كان يربي الرسول لحيته؟" قال "ل"‪،‬فقالت له‪ ":‬لن‬
‫اليهود كانوا يحلقون اللحية‪،‬ويعفون الشارب‪ ،‬فأراد صلى الله‬
‫عليه وسلم أن يخالفهم‪...‬أم أنك كنت تفضل أن نتشبه بهؤلء‬
‫القوم؟!" فرد على الفور‪ ":‬ل‪ ،‬ل يصح أن نتشبه بهم أبداً" وانتهى‬
‫الحوار‪ ،‬ولم يعد يتكلم في هذا الموضوع أبداً‪.‬‬
‫**وكانت أم أخرى تعاني من أن أصحاب ابنها من الجيران‬
‫والزملء ل يلتزمون بالخلق التي ربته عليها‪،‬مما تسبب له في‬
‫إحباط وعدم ثقة في تلك الخلق؛ لنه ل يريد أن يشذ عن‬
‫أصدقاءه وزملءه‪،‬فقررت الم أن تدعو مجموعة من هؤلء‬
‫الصحاب في الجازة الصيفية ليلعبوا معه بمختلف اللعاب التي‬
‫لديه ‪ ،‬وفي نهاية الجلسة كانت تقدم لهم بعض الفطائر والعصائر‬
‫خلُق معين من‬ ‫أو المرطبات وتجلس معهم لتحكي قصصا ً عن ُ‬
‫أخلق الرسول صلى الله عليه وسلم مع توضيح فائدة اللتزام‬
‫خلُق ‪ ،‬وكانوا هم يقاطعونها أحيانا ً ليكملوا حديثها‪،‬فكانت‬
‫بهذا ال ُ‬
‫تتركهم يتكلمون‪ -‬لن ذلك يسعدهم‪ -‬ثم تكمل حديثها؛ وكانت‬
‫خلُق واحد في كل مرة ‪...‬حتى شعرت في‬ ‫تكتفي بالحديث عن ُ‬
‫نهاية الجازة بتطور ملحوظ في سلوكياتهم جميعاً‪،‬وفي طريقة‬
‫حديثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫*** وكانت أم ثالثة تحكي لطفالها عن أخلقه صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬وطباعه‪،‬و كيف كان يفكر‪ ،‬وكيف كان يحل شتى أنواع‬
‫المشكلت‪،‬حتى اطمأنت أنهم قد فهموا ذلك جيداً‪،‬فصارت بعد‬
‫ذلك كلما مر أحدهم بمشكلة جمعتهم وسألت‪ ":‬تُرى كيف كان‬
‫سيحلها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟"‬
‫ثم تكافىء من يقدِّم الحل الصحيح‪...‬فكانت بذلك تعلمهم كيف‬
‫يطبقون هَديَه صلى الله عليه وسلم في حياتهم بطريقة عملية‬
‫متجددة‪ ،‬حتى يعتادوا ذلك في الكِبَر ‪،‬ويعتادوا أيضا مشاركة‬
‫بعضهم البعض في حل مشكلتهم‪.‬‬
‫وختاماً‪ ،‬فما هذه العجالة‪-‬التي أرجو أن ينفع الله تعالى بها‪ -‬إل‬
‫نقطة بداية يمكن أن ينطلق منها الوالدان والمربون ليعينوا‬
‫أبناءهم على محبته صلى الله عليه وسلم‪-‬بعد التأكد من صحة ما‬
‫يقولون‪ -‬كما يمكن اتباع نفس الطريقة لغرس محبة صحابة‬
‫رسول الله ‪ -‬رضوان الله عليهم‪ -‬في قلوب أطفالنا؛ وبالله‬
‫التوفيق‪،‬وعليه التُكْلن‪،‬والحمد لله رب العالمين‪.‬‬
‫******‬
‫المصادر‬
‫================‬
‫‪ -1‬فضيلة الشيخ محمد حسان‪ .‬الشفاعة‪:‬خطبة مكتوبة‪،‬ومتاحة‬
‫على موقع‬
‫‪www.alminbar.com‬‬
‫محمد صالح المنجد‪ .‬لماذا نحب رسول الله‬ ‫‪ -2‬فضيلة الشيخ‬
‫صلى الله عليه وسلم؟ درس مسجل على موقع‬
‫‪www.islamway.com‬‬
‫الكلم في الصلة والسلم على‬ ‫‪ - 3‬سعيد عبد العظيم‪.‬خير‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬السكندرية‪ :‬داراليمان‪، 2001،‬‬
‫ص ‪5‬‬
‫‪-4‬علء داود‪ .‬كيف نعلم أبناءنا حب الرسول؟ مقال في باب"حواء‬
‫وآدم"‪،‬على موقع‬
‫(‪www.islam-online.net‬‬ ‫ص‪1‬‬
‫‪ -5‬تفسير الجللين؛ وفضيلة الشيخ عبد الله النوري في كتابه "‬
‫سألوني في التفسير"‪ ،‬منشورات ذات السلسل‪ ،‬ص ‪، 116‬‬
‫الكويت‪1986،‬‬
‫‪ -6‬الداعية السلمي الستاذ عمرو خالد ‪ .‬الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ :‬محاضرة على موقعه‬
‫ضمن سلسلة"دروس أخرى"‪www.forislam.com‬‬
‫‪ -7‬علء داود‪.‬كيف نعلم أبناءنا‪ ،...‬والستاذ عمرو خالد‪ .‬الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -8‬خيرية صابر‪.‬الم قدوة متحركة في أرجاء البيت‪،‬مقالة على‬
‫الموقع‪:‬‬
‫‪http://islamweb.net/pls/iweb/misc1.article=12695&thelan‬‬
‫‪g=A‬‬
‫الشيخ محمد حسان‪.‬الشفاعة‪.‬‬ ‫‪ -9‬فضيلة‬
‫‪– 10‬الداعية السلمي الستاذ عمرو خالد ‪.‬محبة النبي‪ ،‬شريط‬
‫من إنتاج شركة النور للنتاج العلمي والتوزيع بالقاهرة ‪.‬تليفون‬
‫‪7604773‬‬
‫داود ‪ ،‬كيف نعلم أبناءنا‪.‬‬ ‫‪-11‬علء‬
‫‪-12‬محمد سعيد مرسي‪ -‬فن تربية الولد في السلم‪،‬القاهرة‪،‬‬
‫دار التوزيع والنشر السلمية‪ -1998،‬ص ‪47‬‬
‫‪-13‬فضيلة الشيخ إبراهيم الدويش‪ .‬توجيهات وأفكار في تربية‬
‫الصغار‪ :‬مقالة متاحة على الموقع‬
‫‪www.islammemo.com/lessons‬‬
‫عليه وسلم مقالة متاحة على موقع‪:‬‬ ‫‪ -14‬محبة الرسول صلىالله‬
‫‪،‬ص ‪3‬‬ ‫‪www.islamweb.net‬‬
‫ص‪5‬‬ ‫‪ -15‬سعيد عبد العظيم‪،‬خير الكلم‪..‬‬
‫‪-16‬خيرية صابر‪ ،‬الم قدوة‪...‬‬
‫‪ - 17‬أ‪ .‬د‪ .‬عبد الغني عبود‪.‬طفلك هبة الله لك‪ -.‬القاهرة‪ :‬سفير‪،‬‬
‫‪. 1997‬‬
‫‪-18‬من شريط كاسيت أركان السلم إنتاج‬
‫شركة"سفير"‪،‬والكلمات للشاعر صلح عفيفي)‬
‫‪-19‬خالد محمد خالد ‪ .‬إنسانيات محمد‪،‬القاهرة‪ ،‬دار المعارف ‪1998‬‬
‫‪،‬ص ‪14‬‬
‫‪ -20‬المصدر السابق‪،‬ص ‪،338‬وص ‪16-33‬‬
‫‪-21‬المصدر السابق ‪،‬ص ‪57‬‬
‫‪-22‬محمد سعيد مرسي ‪ .‬فن تربية الولد‪ ..‬ص ‪48‬‬
‫‪-23‬المصدر السابق‪ -‬ص ‪59‬‬
‫‪-24‬المصدر السابق‪-‬ص ‪37‬‬
‫‪ - 25‬المصدر السابق ‪-‬ص ‪51-50‬‬
‫‪ – 26‬المصدر السابق‪،‬ص ‪.69‬‬
‫‪-27‬المصدرالسابق‪،‬ص ‪59‬‬
‫‪-28‬المصدرالسابق‪،‬ص ‪64‬‬
‫‪ -29‬نفس المصدر السابق والصفحة‪.‬‬
‫‪ -30‬أبو بكر جابر الجزائري‪.‬هذا الحبيب محمد رسول الله صلىالله‬
‫عليه وسلم يا محب‪.‬المدينة المنورة‪ :‬مكتبة العلوم والحكم‪ 2000،‬م‬
‫‪ ،‬ص ‪339‬‬
‫‪-31‬مقالة منشورة في باب‪ ":‬لطائف" ؛ علىموقع فور إسلم‬
‫‪www.forislam.com‬‬
‫‪،‬ص ‪341-340‬‬ ‫الحبيب محمد‬ ‫‪-32‬أبو بكر الجزائري‪.‬هذا‬
‫‪-33‬المصدرالسابق ‪،‬ص ‪342-341‬‬
‫‪-34‬المصدر السابق‪،‬ص ‪343-342‬‬
‫‪ -35‬الداعية السلمي الستاذ عمرو خالد‪.‬محمد صلىالله عليه‬
‫وسلم ‪.‬‬
‫‪ -36‬خالد محمد خالد‪.‬إنسانيات محمد‪،‬ص ‪15‬‬
‫‪-37‬المصدرالسابق‪ ،‬ص ‪127-126‬‬
‫‪-38‬المصدرالسابق‪،‬ص ‪119‬‬
‫‪-39‬محمد سعيد مرسي‪.‬فن تربية الولد‪.‬ص ‪402‬‬
‫‪ -40‬أبو الحسن الندوي‪ -‬سيرة خاتم النبيين للطفال‪ ،‬القاهرة‪-‬‬
‫دار الكلمة ‪،1998‬‬
‫‪ -41‬د‪ .‬خالد أبو شادي‪ .‬وا شوقاه رسول الله ‪،‬القاهرة‪ :‬دار‬
‫الراية‪ 2002،‬م ‪،‬ص ‪. 13‬‬
‫‪ -42‬خالد محمد خالد‪ ،‬إنسانيات محمد‪ ،‬ص ‪109-108‬‬
‫واشوقاه‪...‬ص ‪13‬‬ ‫‪ -43‬د‪.‬خالد أبو شادي‪،‬‬
‫‪ -44‬المصدر السابق‪،‬ص ‪18‬‬
‫‪-45‬فضيلة الشيخ محمد صالح المنجد ‪.‬لماذا نحب‪...‬‬
‫‪-46‬فضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي ‪ .‬أسماء الله‬
‫الحسنى ‪:‬‬
‫محاضرات متاحة على قرص مضغوط من إنتاج شركة أريب‪:‬‬
‫درس إسم الله "البديع"‬
‫‪0000000000000‬‬
‫بناء شخصية الطفل في ميزان الشريعة‬
‫اهتمت الشريعة السلمية بالمرحلة التي تسبق مجيء الولد إلى‬
‫هذه الدنيا‪ ،‬وذلك انطلقا ً من أن يكون الزواج مبنيا ً على أسس‬
‫وقواعد مضبوطة‪ ،‬مثال ذلك قول الرسول [‪> :‬تخيروا لنطفكم‪،‬‬
‫فانكحوا الكفاء‪ ،‬وأنكحوا إليهم<(‪)1‬‬
‫وأثناء الزواج اعتبرت الشريعة غالبية المور التي يقوم فيها الزوج‬
‫تجاه زوجته‪ ،‬والمور التي تقوم بها الزوجة تجاه زوجها نوعا ً من‬
‫أنواع العبادة‪ ،‬يثاب عليها النسان‪ ،‬دليل ذلك قول الرسول [‪:‬‬
‫>إنك مهما أنفقت على أهلك من نفقة‪ ،‬فإنك تؤجر حتى اللقمة‬
‫التي تضعها فم امرأتك<(‪)2‬‬
‫ولذلك ل تعتبر الشريعة الزواج فقط من أجل إشباع الرغبة‬
‫الجنسية‪ ،‬بل تعتبر الزواج ذا أهداف راقية‪ ،‬كإعفاف النفس‪،‬‬
‫واستمرار ذرية النسان‪ ،‬وإنشاء الجيل المسلم‪ ،‬مصداق ذلك ما‬
‫أخرجه المام مسلم من قول الرسول [‪> :‬وفي بضع أحدكم‬
‫صدقة‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها‬
‫أجر؟ قال‪ :‬أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ قالوا‪ :‬بلى‪،‬‬
‫قال‪ :‬فكذلك لو ضوعها في الحلل كان له فيها أجر<•‬
‫وبعد الزوج لبد للزوج والزوجة من التحلي ببعض الصفات التي‬
‫تناسب المربي الناجح‪ ،‬منها‪ :‬الرحمة‪ ،‬والرفق‪ ،‬والحلم والناة‪،‬‬
‫والمرونة واليسر‪ ،‬والعتدال والوسطية‪ ،‬مثال ذلك ما رواه أبو‬
‫أمامة ]‪ :‬أن امرأة أتت النبي [ ومعها ولدان‪ ،‬فأعطاها ثلث‬
‫تمرات فأعطت كل واحد منهما تمرة تمرة‪ ،‬ثم إن أحد الصبيين‬
‫بكى‪ ،‬فشقت الثالثة‪ ،‬فأعطت كل واحد منهما النصف‪ ،‬فقال‬
‫رسول الله [ـ‪> :‬والدات حاملت رحيمات بأولدهن‪ ،‬لول ما‬
‫يصنعون بأزواجهن دخل مصلياتهن الجنة<(‪•)3‬‬
‫كذلك فإن الشريعة تواكب النسان أثناء ولدته‪ ،‬وأثناء رضاعه‪،‬‬
‫وذلك بهدف توجيهه نحو الخير‪ ،‬مثال ذلك‪ :‬الذان والقامة في‬
‫أذنيه بعد الولدة‪ ،‬الدعاء والتحنيك‪ ،‬حلق شعره‪ ،‬العقيقة‪،‬‬
‫والتسمية‪ ،‬وما الى هنالك•‬
‫> اهتمام الشريعة السلمية ببناء شخصية الطفل‪:‬‬
‫تدل الوقائع بل ريب على أهمية بناء وتكوين الشخصية التي‬
‫سيكون لها الثر الفعال في حياة الفراد والجماعات‪ ،‬ويكون ذلك‬
‫واضحا ً في التركيز على مرحلة الطفولة‪ ،‬مصداق ذلك ما أخرجه‬
‫البخاري عن أبي هريرة ] قال‪ :‬قال رسول الله [‪> :‬ما من مولود‬
‫يولد إل يولد الفطرة‪ ،‬فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه‪ ،‬كما‬
‫تنتج البهيمة بهيمة جمعاء‪ ،‬هل تحسون فهيا من جدعاء<؟‬
‫ومن أهم المجالت التي اهتمت بها الشريعة ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ -‬الهتمام بالجانب العقدي‪ :‬حيث اعتبرت الشريعة السلمية‬
‫زرع التوحيد في نفس الطفل شيئا ً مهما ً جداً‪ ،‬دليل ذلك قول أبي‬
‫أمية‪> :‬كان رسول الله [ يعلم الغلم من بني هاشم إذا أفصح‬
‫سبع مرات‪{ :‬وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له‬
‫شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره‬
‫تكبيرا}(سورة السراء‪•)4(}111:‬‬
‫ثم انتقلت الشريعة إلى غرس حب الله ورسوله في نفسية‬
‫الطفل‪ ،‬وذلك ليتحصن الطفل من كل ما يعترضه من مشاكل‬
‫ومصاعب‪ ،‬دليل ذلك ما أخرجه الطبراني عن علي ] أن النبي‬
‫[ قال‪> :‬أدبوا أولدكم على ثلث خصال‪ :‬حب نبيكم وحب آل بيته‬
‫وتلوة القرآن<•‬
‫واهتمت الشريعة أيضا ً بتربية الطفال على التضحية والفداء من‬
‫أجل العقيدة‪ ،‬مثال ذلك حكاية أهل الخدود‪ ،‬والتي ورد ذكرها في‬
‫سورة البروج•‬
‫وهذا ما كان عليه حال الرعيل الول من هذه المة‪ ،‬حيث كانت‬
‫المهات يشجعن أطفالهن على الجهاد‪ ،‬وكن يفرحن‬
‫باستشهادهن‪ ،‬وكان الطفال يتبارون ويتسابقون في الخروج‬
‫للجهاد وقتل الطغاة‪ ،‬ومثال ذلك ما رواه سعد بن أبي وقاص ]‬
‫قال‪ :‬رد رسول الله [ عمير بن أبي وقاص عن مخرجه إلى بدر‬
‫واستصغره‪ ،‬فبكى عمير‪ ،‬فأجازه‪ ،‬قال سعد‪ :‬فعقدت عليه حمالة‬
‫سيفة‪ ،‬وقال‪ :‬ولقد شهدت بدراً‪ ،‬وما في وجهي إل شعرة واحدة‬
‫أمسحها بيدي!(‪•)5‬‬
‫ب‪ -‬الهتمام الكبير بأمور العبادات‪ :‬ذلك لن العقيدة ل تثبت ول‬
‫تنمو في القلوب إل إذا سقيت بماء العبادة‪ ،‬ولذلك قال تعالى‪:‬‬
‫{وأمر أهلك بالصلة واصطبر عليها ل نسألك رزقا ً نحن نرزقك‬
‫والعاقبة للتقوى}(سورة طه‪•)132 :‬‬
‫وليس الطفل مكلفا ً بالعبادات‪ ،‬إنما هي مرحلة تمهيدية يتعود‬
‫فيها الطفل على الصلة وعلى ارتياد المسجد‪ ،‬وعلى سماع‬
‫الذان والقامة‪ ،‬وعلى حضور الجمع والجماعة••‬
‫مصداق ذلك ما رواه عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال‪:‬‬
‫قال رسول الله [‪> :‬مروا أولدكم بالصلة وهم أبناء سبع‪،‬‬
‫واضربوهم عليها وهم أبناء عشر‪ ،‬وفرقوا بينهم في المضاجع<(‬
‫‪•)6‬‬
‫ورضي الله عن ابن مسعود عندما قال ناصحاً‪ :‬حافظوا على‬
‫أبنائكم في الصلة‪ ،‬وعودوهم الخير‪ ،‬فإن الخير عادة•‬
‫ج‪ -‬التأكيد على حسن بنيته الجسمية والصحية‪ :‬وذلك من خلل‬
‫إعطائه الفرصة السانحة للعب والرياضة والمسابقات ونحو ذلك‪،‬‬
‫مصداق ذلك قول عمر رضي الله عنه‪ :‬علموا أولدكم السباحة‬
‫والرماية وأن يثبوا على الخيل وثباً•‬
‫كذلك فقد ركزت الشريعة على عدة أسس صحية تعود بالنفع‬
‫على الطفل عندما يكبر‪ ،‬مثل التعود على سنة السواك‪ ،‬وتقليم‬
‫الظافر‪ ،‬واتباع السنن النبوية في الكل والشرب والنوم ونحو‬
‫ذلك‪ ،‬دليل ذلك ما أخرجه المام أحمد عن أسامة بن شريك قال‪:‬‬
‫كنت عند النبي [ وجاءت العراب فقالوا‪ :‬يا رسول الله أنتداوي؟‬
‫فقال‪> :‬نعم يا عباد الله تداووا‪ ،‬فإن الله عز وجل لم يضع داءً إل‬
‫وضع له شفاء غير داء واحد ٍ هو الهرم<•‬
‫د‪ -‬التركيز على الداب والخلق‪ :‬وخاصة مع الوالدين‪ ،‬والعلماء‪،‬‬
‫والكبار في السن‪ ،‬والصغار‪ ،‬والخوة‪ ،‬والجيران‪ ،‬ونحو ذلك•‬
‫دليل ذلك ما أخرجه الترمذي عن سعيد بن العاص أن رسول الله‬
‫[ قال‪> :‬ما نحل والد ولدا ً أفضل من أدب حسن<•‬
‫وفي السنة النبوية آداب معينة تختص بالطعام‪ ،‬وبالمظهر‪،‬‬
‫وباللباس‪ ،‬وبالنصاف وما إلى هنالك•‬
‫والشريعة السلمية ركزت على بناء الطفل بناءً اجتماعياً‪ ،‬بحيث‬
‫يستطيع التكيف مع الكبار والصغار ونحو ذلك‪ ،‬وليكون ذلك إل‬
‫إذا اصطحبه أبوه معه إلى مجالس الكبار‪ ،‬وإلى اختياره للصحاب‬
‫والصدقاء•‬
‫وكذلك فقد ركزت على الجانب التعليمي والتفكري للطفل‪،‬‬
‫وذلك من خلل غرس حب العلم في نفسه‪ ،‬والتركيز على جانب‬
‫العودة الى مجالس العلم المنضبطة بالضوابط الشرعية والبعيدة‬
‫عن الغلو والتطرف•‬
‫أجل! لقد جرب العالم النظمة الوضعية في مجال التربية‪ ،‬ثم‬
‫عاد بخفي حنين‪ ،‬ولبد من العودة الى ما جاء به القرآن الكريم‪،‬‬
‫والرسول السوة‪ ،‬وعسى أن يصلح آخر هذه المة بما صلح به‬
‫أولها‪ ،‬مصداق ذلك قوله تعالى‪{ :‬لقد كان لكم في رسول الله‬
‫أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الخر وذكر الله‬
‫كثيراً}(سورة الحزاب‪•)21 :‬‬
‫والحمد لله رب العالمين‬
‫هوامش‬
‫‪ -1‬صحيح الجامع الصغير‪ :‬رقمه (‪•)2928‬‬
‫‪ -2‬مسند المام أحمد‪• 172/1 :‬‬
‫‪ -3‬مستدرك الحاكم‪• 174/4 :‬‬
‫============‬
‫تربية البناء في السلم عدد القراء ‪. 450 :‬‬
‫ان من اكبر واجبات الباء والمربين العمل على ربط ابنائهم‬
‫باصول اليمان‪ ،‬من الحقائق اليمانية‪ ،‬والمور الطيبة‪ ،‬كاليمان‬
‫بالله تعالى واليمان بالملئكة واليمان بالكتب السماوية واليمان‬
‫بالرسل واليوم الخر والبعث والحساب والجنة والنار وسائر‬
‫الغيبيات‪.‬‬
‫ومن اكبر واجباتهم تعويد اولدهم اركان السلم من صلة وصوم‬
‫وزكاة وحج‪ ..‬وكذلك تعليمهم مبادئ الشريعة وتعاليم السلم‪،‬‬
‫من عقيدة وعبادة واخلق واحكام‪ ..‬وما كل ذلك ال ليبقى الولد‬
‫مرتبطا ً بالسلم عقيدة وعبادة‪ ..‬متصل به منهاجا ً ونظاماً‪ -‬فل‬
‫يقبل سوى السلم دينا ً ول يرضى سوى القرآن إماما ً وسوى‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم قدوة وقائداً‪.‬‬
‫واليك اهم الرشادات النبوية الشريفة‬
‫* الفتح على الولد بتعليمه التوحيد (ل اله ال الله)‪.‬‬
‫عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫انه قال‪( :‬افتحوا على صبيانكم اول كلمة بل اله ال الله)‪.‬‬
‫لتكون كلمة التوحيد وعقيدة اليمان اول ما يقرع سمع الصبي‪.‬‬
‫واول ما ينطق به لسانه فتستقر بعد ذلك في فؤاده‪..‬‬
‫* أمره بالعبادة وهو في السابعة‬
‫فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ‪(:‬مروا اولدكم بالصلة‬
‫وهم ابناء سبع واضربوهم عليها وهم ابناء عشر وفرقوا بينهم في‬
‫المضاجع)‪.‬‬
‫* تعريفه أحكام الحلل والحرام‬
‫حيث يعتاد الولد منذ نشأته على المتثال لوامر الله واجتناب‬
‫نواهيه عن ابن عباس رضي الله عنه‪ :‬قال النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم (اعملوا بطاعة الله واتقوا معاصي الله ومروا اولدكم‬
‫بامتثال الوامر واجتناب النواهي فذلك وقاية لهم ولكم من النار)‪.‬‬
‫*تربيته على تلوة القرآن وحب الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫وآل بيته‪.‬‬
‫روى الطبراني عن علي كرم الله وجهه ان النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قال ‪ (:‬ادبوا اولدكم على ثلث خصال حب نبيكم وحب آل‬
‫بيته وتلوة القرآن‪ ..‬فان حملة القرآن في ظل عرش الله يوم ل‬
‫ظل ال ظله مع انبيائه واصفيائه)‪.‬‬
‫*كما وينبغي تعليمهم غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫وحياة الصحابة ومآثر القادة الفذاذ ومعارك السلم حتى يقتدوا‬
‫بسير الولين عزة وجهادا ً وبطولة ويتمسكوا بالقرآن الكريم تلوة‬
‫وفهما ً ومنهاجاً‪.‬‬
‫يقول سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه (كنا نعلم اولدنا مغازي‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نعلمهم السورة من‬
‫القرآن‪.‬‬
‫ويروى ان الفضل بن زيد رأى فتى من العراب فاعجب بمنظره‬
‫فسأل امه عنه فقالت‪ :‬اذا اتم خمس سنوات اسلمته الى‬
‫المؤدب فحفظ القرآن فتله وعلمته الشعر فرواه ورغب في‬
‫مفاخر قومه ولقن ماثر ابائه واجداده‪ ..‬فلما بلغ الحلم حملته‬
‫على اعناق الخيل‪..‬فتمرس وتفرس ولبس السلح ومشى بين‬
‫بيوت الحي واصغى الى صوت الصارخ‪..‬‬
‫*ارشادهم الى اليمان بالله تعالى وبالتامل والتفكر في خلقه‪..‬‬
‫حتى يصلوا معهم الى اليمان عن اقتناع وحجة وبرهان‪ .‬فل‬
‫يستطيع دعاة اللحاد ان يؤثروا على عقولهم الناضجة ول‬
‫يستطيع احد ان يضعف نفسياتهم المؤمنة‪.‬‬
‫وعليهم ان يزرعوا في نفوسهم التقوى والخشوع لله‪ .‬حتى تفتح‬
‫بصائرهم على قدرة الله ومعجزاته في خلقه‪ ..‬وعليهم ان‬
‫يغرسوا فيهم روح المراقبة لله في كل احوالهم وذلك بتعويد‬
‫الولد ان الله مطلع عليهم يعلم سرهم وجهرهم ويعلم خائنة‬
‫العين وما تخفي الصدور‪ ..‬حتى يتعلموا الخلص لله‪ ..‬ويشعرون‬
‫ان الله سبحانه وتعالى ل يقبل منهم عمل ً ال اذا قصد به وجه‬
‫الله‪ ..‬وان يبتعدوا عن خلق مذموم‪ ..‬فعليهم ان ل يحقدوا ول‬
‫يحسدوا ول يغتابوا او يقبلوا على الشهوات الباطلة‪.‬‬
‫فعن ابن عباس رضي الله عنه قال كنت خلف النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم يوما ً فقال يا غلم اني اعلمك كلمات احفظ الله‬
‫يحفظك‪ ،‬احفظ الله تجده امامك اذا سألت فاسأل الله واذا‬
‫استعنت فاستعن بالله واعلم ان المة لو اجتمعوا على ان‬
‫ينفعوك بشيء لم ينفعوك ال بشيء قد كتبه الله لك وان‬
‫اجتمعت على ان يضروك بشيء لم يضروك ال بشيء قد كتبه‬
‫الله عليك رفعت القلم وجفت الصحف‪.‬‬
‫==============‬
‫كيف نربي أبناءنا تربية صالحة‬
‫حمد حسن رقيط‬
‫م وَأَهْلِيك ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م نَاراً‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫سك ُ‬
‫منُوا قُوا أنْفُ َ‬ ‫َ‬ ‫نآ‬‫َ‬ ‫قال الله تعالى‪ {:‬يَا أَيُّهَا ال ّذِي‬
‫َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫صو َ‬ ‫شدَاد ٌ ل يَعْ ُ‬ ‫ظ ِ‬‫ة ِغل ٌ‬ ‫ملئِك َ ٌ‬ ‫جاَرة ُ ع َلَيْهَا َ‬ ‫ح َ‬‫س وَال ْ ِ‬
‫وَقُودُهَا النَّا ُ‬
‫َ‬
‫ن}‪.‬‬ ‫مُرو َ‬ ‫ما يُؤ ْ َ‬‫ن َ‬ ‫م وَيَفْعَلُو َ‬
‫مَرهُ ْ‬
‫ما أ َ‬
‫َ‬
‫وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪":‬إذا مات النسان انقطع‬
‫عنه عمله إل من ثلثة‪ :‬إل من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو‬
‫ولد صالح يدعو له " (رواه مسلم)‪.‬‬
‫وعن الحاطبي قال‪ :‬سمعت ابن عمر يقول لرجل‪" :‬أدب ابنك‬
‫فإنك مسؤول عن ولدك ماذا أدبته؟‬
‫وماذا علمته؟ وإنه لمسؤول عن برك وطواعيته لك " رواه‬
‫البيهقي‪.‬‬
‫الهداء‬
‫إلى أمي وأبي اللذان ربياني صغيرا ً فأحسنا تربيتي وإلى أبنائنا‬
‫وقرة أعيننا الذين نحب لهم طريق الهدى والرشاد‪.‬‬
‫وإلى المهات والباء الذين يرجون لبنائهم الخير والصلح‪.‬‬
‫وإلى المربين الذين يتحملون مسؤولية التربية وأمانة التوجيه‪.‬‬
‫أهدي هذا الكتاب‬
‫المؤلف‬
‫المقدمة‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه‬
‫ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين وبعد‪ :‬فإن الجواب على هذا‬
‫السؤال وما يتفرع منه له أهمية بالغة في ميدان التربية والتعليم‬
‫فتربية البناء تربية صالحة هي الساس المتين في إعداد الفرد‬
‫الصالح والسرة السليمة والمجتمع الفاضل‪.‬‬
‫وتربية البناء اليوم تتعرض لمخاطر كثيرة‪ :‬منها تقصير البوين‬
‫المكلفين قبل غيرهما في تربية أبنائهما‪ .‬ومنها قصور التعليم‬
‫الحالي الذي أغفل جوانب مهمة في تربية الولد ولم يحط‬
‫الحاطة الشاملة التي تلبي حاجة النسان الروحية والفكرية‬
‫والخلقية والجسدية‪ .‬ومنها ترك المجال أمام دعاة الغزو الفكري‬
‫والخلقي لبث سمومهم وترويج أفكارهم ليعملوا على هدم‬
‫أخلق الناشئين وتحطيم قيم أبناء الجيل‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬تقليد بعض المربين للمناهج الغربية والخذ بكل نظرياتها‬
‫من غير تمحيص ول تحقيق في الوقت الذي أثبتت دراسات‬
‫المحققين والنقاد قصور المناهج الغربية وتناقضها وخوائها‬
‫الروحي وحاجتها الماسة إلى الصلح والتعديل‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬الغفلة عن مصادر المنهج السلمي في التربية والذي‬
‫يولي تربية الولد أهمية بالغة‪ -‬ويمتاز عن غيره من النظريات‬
‫بالشمول والتوازن والواقعية ووحدة التلقي‪.‬‬
‫هذه السباب وغيرها أدت ول تزال تؤدي دورها في إضاعة عقول‬
‫أبنائنا وإبعادهم عن قيمهم وأخلقهم‪.‬‬
‫فأقم عليهم مأتما‬ ‫وإذا أصيب القوم في أخلقهم‬
‫وعويل‬
‫إن البعد عن مصادر ثقافتنا وهجر أساليب تربيتنا والنسياق وراء‬
‫النظريات المستوردة سيورث أبناءنا ضعف الرادة وفراغ العقل‬
‫وخواء الروح‪...‬‬
‫إن العودة إلى معين التربية السلمية وعودة البوين والسرة‬
‫لتولي مسؤوليتهما تجاه أبنائهم وعودة المربين المسلمين للخذ‬
‫بأساليب التربية السلمية الصحيحة التي تعني بتربية النفوس‬
‫عنايتها بتربية العقول والجسام هو الطريق الصحيح الذي يصنع‬
‫الجيل الصاعد والمجتمع الفاضل والمة الخيرة‪.‬‬
‫كيف نربي أبناءنا تربية صالحة سؤال يهم كل الباء والمربين‬
‫ولبد من الجابة عليه مسترشدين بتوجيهات السلم وهديه وما‬
‫كتبه العلماء وذكره أهل الختصاص في التربية والتعليم كيف‬
‫نربي أبناءنا تربية صالحة؟ سؤال يضع الباء والمربين عند‬
‫مسؤوليتهم الكبرى التي ألزمهم السلم بها في قوله تعالى‪ { :‬يَا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م نَارا ً وَقُودُهَا النَّا ُ‬
‫س‬ ‫م وَأهْلِيك ُ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫منُوا قُوا أنْفُ َ‬ ‫نآ َ‬‫أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫جاَرةُ}‪.‬‬ ‫وَال ْ ِ‬
‫ح َ‬
‫التربية في المفهوم السلمي‬
‫ما معنى التربية في المفهوم السلمي‪ ،‬وما علقتها بتربية‬
‫الولد؟‬
‫التربية في أحسن معانيها كما يقول البيضاوي في تفسيره‬
‫مأخوذة من الرب وهي تبليغ الشيء إلى كماله شيئا فشيئا وقد‬
‫وصف الله تعالى نفسه بالرب للمبالغة‪.‬‬
‫ويقول الراغب الصفهاني في كتابه المفردات‪:‬‬
‫الرب في الصل‪ :‬التربية وهو إنشاء الشيء حال فحال إلى حد‬
‫التمام‪ .‬ومن معاني التربية تنمية قوى النسان الدينية والفكرية‬
‫والخلقية تنمية متسقة متوازنة"‪.‬‬
‫وعلى هذا الساس تكون التربية في مجال تنشئة الولد عملية‬
‫بناء ورعاية وإصلح شيئا فشيئا حتى التمام أي المضي مع النشء‬
‫بالتدرج من الولدة حتى سن البلوغ‪ ،‬والتربية بهذا المعنى فريضة‬
‫إسلمية في أعناق جميع الباء والمهات والمعلمين لغرس‬
‫اليمان وتحقيق شريعة الله وهي مسؤولية وأمانة ل يجوز التخلي‬
‫َْ‬ ‫ة ع َلَى ال َّ‬ ‫َ‬
‫ض‬
‫ت وَالْر ِ‬ ‫ماوَا ِ‬ ‫س َ‬ ‫مان َ َ‬‫ضنَا اْل َ‬ ‫عنها قال الله تعالى‪{ :‬إِنَّا عََر ْ‬
‫ملْن َ َها وَأ َ ْ‬ ‫وال ْجبال فَأَبي َ‬
‫ه كَا َ‬
‫ن‬ ‫ن إِن َّ ُ‬
‫سا ُ‬ ‫ملَهَا اْلِن ْ َ‬
‫ح َ‬
‫منْهَا َو َ‬‫ن ِ‬ ‫شفَقْ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن يَ ْ‬
‫نأ ْ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ ِ َ ِ‬
‫جهُولً}‪.‬‬ ‫ظَلُوما ً َ‬
‫دور الباء والمهات في تربية البناء‪:‬‬
‫يحمل السلم الوالدين مسؤولية تربية البناء بالدرجة الولى‬
‫ويخصهما قبل غيرهما بهذا الواجب قال الله تعالى حاضا الوالدين‬
‫م وَأَهْلِيك ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م نَاراً‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫سك ُ‬‫منُوا قُوا أنْفُ َ‬ ‫َ‬ ‫نآ‬ ‫َ‬ ‫على تربية البناء{ يَا أَيُّهَا ال ّذِي‬
‫َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫صو َ‬ ‫شدَاد ٌ ل يَعْ ُ‬ ‫ظ ِ‬ ‫ة ِغل ٌ‬‫ملئِك َ ٌ‬ ‫جاَرة ُ ع َلَيْهَا َ‬ ‫ح َ‬ ‫س وَال ْ ِ‬ ‫وَقُودُهَا النَّا ُ‬
‫َ‬
‫ن}‪.‬‬ ‫مُرو َ‬ ‫ما يُؤ ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م وَيَفْعَلُو َ‬ ‫مَرهُ ْ‬ ‫ما أ َ‬ ‫َ‬
‫قال المام علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله تعالى‪:‬‬
‫م نَاراً} قال‪" :‬علموا أنفسكم وأهليكم‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م وَأهْلِيك ُ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫{ قُوا أنْفُ َ‬
‫الخير" رواه الحاكم في مستدركه‪.‬‬
‫قال المفسرون في الية‪ :‬قوا أنفسكم أي بالنتهاء عما نهاكم الله‬
‫عنه وقال مقاتل‪ :‬أن يؤدب المسلم نفسه وأهله فيأمرهم بالخير‬
‫وينهاهم عن الشر‪.‬‬
‫وقد أكد المام ابن القيم هذه المسؤولية فقال رحمه الله‪ :‬قال‬
‫بعض أهل العلم‪ :‬إن الله سبحانه وتعالى يسأل الوالد عن ولده‬
‫يوم القيامة قبل أن يسأل الولد عن والده فإنه كما أن للب على‬
‫صيْنَا‬‫ابنه حقا فللبن على أبيه حق فكما قال الله تعالى‪){ :‬وَوَ َّ‬
‫م نَاراً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م وَأهْلِيك ُ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫سنا ً } قال تعالى‪{ :‬قُوا أن ْ ُف َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن بِوَالِدَيْهِ ُ‬ ‫سا َ‬ ‫اْلِن ْ َ‬
‫جاَرةُ} قال علي بن أبي طالب‪" :‬علموهم‬ ‫ح َ‬ ‫س وَال ْ ِ‬ ‫وَقُودُهَا النَّا ُ‬
‫شيْئاً‬ ‫َ‬
‫شرِكُوا بِهِ َ‬ ‫ه وَل ت ُ ْ‬‫وأدبوهم " وقال تعالى‪{ :‬وَاع ْبُدُوا الل ّ َ‬
‫سانا ً وَبِذِي الْقُْربَى} قال النبي صلى الله عليه‬ ‫ح َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫ْ‬
‫وَبِالوَالِدَي ْ ِ‬
‫وسلم‪" :‬اعدلوا بين أولدكم " (رواه البخاري)‪.‬‬
‫مسؤولية الباء نحو تربية أبنائهم‬
‫قال المام ابن القيم وصية الله للباء بأولدهم سابقة على وصية‬
‫َ‬
‫ق‬
‫مل ٍ‬ ‫ة إِ ْ‬ ‫شي َ َ‬ ‫خ ْ‬
‫م َ‬ ‫الولد بآبائهم قال الله تعالى‪{:‬وَل تَقْتُلُوا أوْلدَك ُ ْ‬
‫خطْئا ً كَبِيراً}‪.‬‬ ‫ن ِ‬ ‫م كَا َ‬ ‫ن قَتْلَهُ ْ‬ ‫م إ ِ َّ‬ ‫م وَإِيَّاك ُ ْ‬ ‫ن نَْرُزقُهُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫نَ ْ‬
‫ثم يقول‪" :‬فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد أساء‬
‫غاية الساءة وأكثر الولد إنما جاء فسادهم من قبل الباء‬
‫وإهمالهم لهم وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه فأضاعوهم‬
‫صغارا ً فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كبارا كما عاتب‬
‫بعضهم ولده على العقوق فقال‪ :‬يا أبت إنك عققتني صغيرا‬
‫فعققتك كبيرا وأضعتني وليدا فأضعتك شيخا"‪.‬‬
‫والسؤال الذي يفرض نفسه‪ :‬من المسؤول عن انحراف البناء؟‬
‫يحمل السلم البوين ومن يقوم مقامهما مسؤولية انحراف‬
‫البناء ومن الدلة القوية على ذلك ما أخرجه البخاري عن أبي‬
‫هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬ما من مولود يولد إل يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو‬
‫ينصرانه أو يمجسانه‪ .‬كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون‬
‫ت‬‫من جدعاء؟ " ثم يقول أبو هريرة رضي َ الله عنه‪{:‬فِطَْر َ‬ ‫َ‬
‫فيها‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ق الل ّهِ ذَل ِ َ‬
‫ك الدِّي ُ‬ ‫ل لِ َ ْ‬
‫خل ِ‬ ‫س ع َلَيْهَا ل تَبْدِي َ‬
‫الل ّهِ ال ّتِي فَطََر النَّا َ‬
‫م }‪.‬‬ ‫الْقَي ِّ ُ‬
‫ومن تمام مسؤولية البوين عن تربية أبنائهما محاسبتهما على‬
‫التقصير في حقهما فقد روى النسائي وابن حبان في صحيحه‬
‫مرفوعا قول الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ":‬إن الله سائل كل‬
‫راع عما استرعاه أحفظ أم ضيع؟ حتى يسأل الرجل عن أهل‬
‫بيته" وفي الحديث المتفق عليه "كلكم راع وكلكم مسؤول عن‬
‫رعيته‪ .‬المام راع ومسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت‬
‫زوجها ومسؤولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسؤول‬
‫عن رعيته وكلكم راع ومسؤول عن رعيته"‪.‬‬
‫هذه مسؤولية الباء والمهات نحو أبنائهم والتي ل يمكن أن‬
‫تعوض بغيرهم وقد أثبتت الدراسات الميدانية أن غالب انحراف‬
‫الناشئين يرجع إلى انحراف المربي والقيم على التربية وصدق‬
‫القائل‪:‬‬
‫على ما كان عوده‬ ‫وينشأ ناشئ الفتيان منا‬
‫أبوه‬
‫يعوده التدين أقربوه‬ ‫وما دان الفتى بحجى ولكن‬
‫فالحذر الحذر من ترك البناء لتربية الخادمات والحذر كل الحذر‬
‫من ترك المحاضن الجنبية والمدارس التبشيرية تحتضن أبناءنا‬
‫وتربيهم وفق مناهجها فإن علماء التربية يؤكدون أن أكثر من‬
‫‪ %90‬من تربية الطفل إنما تتشكل من خلل التربية والبيئة التي‬
‫يعيش فيها الطفل‪.‬‬
‫صفات المربي‬
‫ما هي الصفات التي يجب أن يتحلى بها المربون من أمهات وآباء‬
‫ومعلمين؟‬
‫هناك صفات أساسية تلزم كل مرب يباشر التربية والتعليم لبنائه‬
‫أو لغيرهم‪ .‬من ذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬الحلم والناة‪ :‬وهما من الصفات التي يحبهما الله ولهما تأثير‬
‫تربوي كبير‪ ،‬أخرج مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لشج عبد قيس‪" :‬إن فيك‬
‫خصلتين يحبهما الله‪ :‬الحلم والناة "‪.‬‬
‫‪ -2‬الرفق واللين‪:‬أخرج مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬إن الله رفيق يحب‬
‫الرفق ويعطي على الرفق ما ل يعطى على العنف وما ل يعطى‬
‫على سواه "‪.‬‬
‫‪ -3‬الرحمة‪ :‬صفة من صفات المربي الناجح وهي من الوالدين‬
‫لبنائهما أخص ورحمة الولد من أهم أسس نشأتهم ومقومات‬
‫نموهم النفسي والجتماعي نموا قويا سويا فإذا فقد الولد‬
‫المحبة نشئوا منحرفين في المجتمع ل يتعاونون مع أفراده ول‬
‫يندمجون في وسطه‪ .‬روى المام البخاري في صحيحه عن قتادة‬
‫قال‪" :‬خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم وأمامة بنت أبي‬
‫العاص على عاتقه فصلى فإذا ركع وضعها وإذا رفع رفعها" وفي‬
‫صحيح البخاري أن أبا هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قبل رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وعنده القرع بن حابس‬
‫التميمي جالسا ً فقال القرع‪" :‬إن لي عشرة من الولد ما قبلت‬
‫منهم أحداً" فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم‬
‫قال‪ ":‬من ل يرحم ل يُرحم "‪.‬‬
‫‪ -4‬ومن صفات المربي الناجح أما كان أو أبا أو من يقوم مقامهما‬
‫البعد عن الغضب لما له من آثار سلبية في العملية التربوية فقد‬
‫جاء في الحديث المتفق عليه أن رجل طلب من الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم أن يوصيه فقال له‪" :‬ل تغضب " ثلث مرات‬
‫يكررها عليه‪.‬‬
‫‪ -5‬ومن ذلك المرونة ولين الجانب والخذ بالتيسير الذي أباحه‬
‫الشرع ففي الحديث الذي رواه الترمذي عن ابن مسعود رضي‬
‫الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى اله عليه وسلم‪" :‬أل أخبركم‬
‫بمن يحرم على النار أو بمن تحرم عليه النار؟ تحرم على كل‬
‫قريب هين لين سهل "‪.‬‬
‫‪ -6‬الخذ بأيسر المرين ما لم يكن إثما لما ورد في الحديث‬
‫المتفق عليه "ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين‬
‫أمرين قط إل أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما فإن كان إثما كان‬
‫أبعد الناس منه وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫لنفسه من شيء قط إل أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله تعالى"‪.‬‬
‫وأيسر المرين يكون في المور المباحة والمشروعة‪ ،‬فيتخير‬
‫المربي في تعامله مع أبنائه وطلبه أحسن الساليب وأفضل‬
‫الوقات وأحسن اللفاظ والعبارات وأرق التوجيهات ليصل إلى‬
‫عقولهم بأقل جهد وأقصر طريق‪.‬‬
‫من صفات المربي الناجح‬
‫‪ -1‬ومن صفات المربي الناجح العتدال والتوسط في التوجيه‬
‫والتربية والتعامل لن الغلو والتطرف والتشدد ل مكان له في‬
‫دين السلم ففي الحديث المتفق عليه عن ابن مسعود رضي‬
‫الله عنه قال‪ :‬جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‪:‬‬
‫إني لتأخر عن صلة الصبح من أجل فلن مما يطيل بنا فما رأيت‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم غضب في موعظة قط أشد من‬
‫غضب يومئذ فقال‪ :‬يا أيها الناس إن منكم منفرين فأيكم أم‬
‫الناس فليوجز فإن من ورائه الكبير والصغير وذا الحاجة)‪.‬‬
‫‪ -2‬ومن صفات المربي‪ :‬القصد في الموعظة وتقليل الكلم وعدم‬
‫الطالة وأدرك الصحابة رضي الله عنهم هذه الصفة من فعل‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة المسلمين ففي الحديث‬
‫المتفق عليه عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال‪ :‬كان ابن‬
‫مسعود رضي الله عنه يذكرنا في كل خميس مرة فقال له رجل‪:‬‬
‫يا أبا عبد الرحمن لوددت أنك ذكرتنا كل يوم فقال‪ :‬أما إنه‬
‫يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم وإني أتخولكم بالموعظة كما‬
‫كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها مخافة السآمة‬
‫علينا"‪.‬‬
‫‪ -3‬ومن صفات المربي الناجح القدوة الحسنة وعدم مخالفة‬
‫الفعل للقول قال الله تعالى في حق الرسول صلى الله عليه‬
‫َ ُ‬
‫جو‬‫ن يَْر ُ‬‫ن كَا َ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ة لِ‬
‫سن َ ٌ‬‫ح َ‬ ‫سوَةٌ َ‬ ‫ل الل ّهِ أ ْ‬ ‫سو ِ‬‫م فِي َر ُ‬ ‫ن لَك ُ ْ‬
‫وسلم‪{:‬لَقَد ْ كَا َ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ن‬‫تعالى‪{:‬يَا أيُّهَا الذِي َ‬ ‫ه كَثِيراً} وقال‬ ‫َ‬ ‫خَر وَذ َكََر الل ّ‬‫م اْل ِ‬‫ه وَالْيَوْ َ‬
‫َ‬ ‫الل‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما ل‬‫ن تَقُولُوا َ‬ ‫عنْد َ الل ّهِ أ ْ‬ ‫مقْتا ً ِ‬ ‫ن * كَبَُر َ‬‫ما ل تَفْعَلُو َ‬ ‫ن َ‬ ‫م تَقُولُو َ‬ ‫منُوا ل ِ َ‬ ‫آ َ‬
‫ن}‪.‬‬ ‫تَفْعَلُو َ‬
‫هذه أهم الصفات الساسية التي ينبغي أن يتحلى بها المربي‬
‫المسلم وما حازها أحد من المربين إل كان قدوة حسنة يبني‬
‫الرجال ويصنع البطال‪.‬‬
‫وها هي أمثلة حية من اهتمام السلف الصالح بأبنائهم‪ :‬لقد كان‬
‫المثل العلى للسلف الصالح رضي الله عنهم رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم فعن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنهما‬
‫أنه قال‪ :‬رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فجاء الحسن‬
‫والحسين رضي الله عنهما‪ ،‬وعليهما قميصان أحمران يمشيان‬
‫ويعثران فنزل صلى الله عليه وسلم فحملهما ووضعهما بين يديه‬
‫َ‬ ‫ثم قال صدق الله عز وجل‪{ :‬إن َ َ‬
‫ة}‬ ‫م فِتْن َ ٌ‬ ‫م وَأوْلدُك ُ ْ‬ ‫موَالُك ُ ْ‬
‫ما أ ْ‬‫ِّ َ‬
‫نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان يعثران فلم أصبر حتى قطعت‬
‫حديثي ورفعتهما" رواه الترمذي‪.‬‬
‫وفي حديث مسلم "عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالصبيان فيبرك عليهم‪ -‬أي يدعو‬
‫لهم بالبركة ويحنكهم ومنهم من بال في حجره فإذا استحيا‬
‫آباؤهم من ذلك وهموا أن يأخذوا الطفل من حجره قال لهم‪ :‬ل‬
‫تزرموا الصبي بوله " أي ل تقطعوا عليه بوله‪.‬‬
‫وحث الرسول صلى الله عليه وسلم على تربية البنات خاصة‬
‫فقال‪":‬ما من مسلم يكون له ابنتان فيحسن إليهما ما صحبتاه‪ -‬أو‬
‫صحبهما‪ -‬إل أدخلتاه الجنة" رواه ابن ماجه وغيره‪ .‬وقد أدرك‬
‫صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الهتمام بالبناء‬
‫فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا نهى الناس عن أمر‬
‫دعا أهله فقال‪ :‬إني نهيت الناس عن كذا وكذا وإنما ينظر الناس‬
‫إليكم نظر الطير إلى اللحم فإن وقعتم وقع الناس وإن هبتم‬
‫هاب الناس وإنه والله ل ينفع أحد منكم في شيء نهيت الناس‬
‫عنه إل أضعف له العقوبة لمكانه مني "‪.‬‬
‫قال سعيد بن المسيب‪ :‬إني لصلي فأذكر ولدي فأزيد في‬
‫صلتي‪[ .‬يقصد بذلك أنه يكثر من الدعاء لولده في الصلة]‪.‬‬
‫وقال أحد الصالحين‪" :‬يا بني إني لستكثر من الصلة لجلك "‬
‫وكان سهل التستري يتعهد ولده وهو في صلبه فيباشر إلى‬
‫العمل الصالح رجاء أن يكرمه الله تعالى بالولد الصالح فيقول‬
‫إني لعهد الميثاق الذي أخذه الله تعالى علي في عالم الذر وإني‬
‫لرعى أولدي من هذا الوقت إلى أن أخرجهم الله تعالى إلى‬
‫عالم الشهود والظهور"‪.‬‬
‫هكذا كان السلف الصالح رضي الله عنهم يتعهدون أبناءهم رجاء‬
‫أن يكونوا طائعين لله وخير خلف لهم‪.‬‬
‫رأي العلماء في تربية الولد‬
‫عن ابن عمر رضي الله عنهما قال‪" :‬سماهم الله تعالى‪ -‬أبرارا"‬
‫ن اْلَبَْراَر لَفِي نَعِيمٍ}‪ -‬لنهم بروا الباء‬
‫إشارة إلى قوله تعالى‪{ :‬إ ِ َّ‬
‫والبناء كما أن لوالديك عليك حقا كذلك لولدك عليك حقا"‪.‬‬
‫ويقول المام الغزالي رحمه الله‪" :‬إن الصبي أمانة عند والديه‬
‫وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية من كل نقش وصورة‬
‫وهو قابل لكل ما ينقش فيه ومائل إلى كل ما يمال به إليه فإن‬
‫عود الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والخرة وشاركه في‬
‫ثوابه أبواه وكل معلم له ومؤدب وإن عود الشر وأهمل إهمال‬
‫البهائم شقي وهلك وكان الوزر في رقبة مربيه والقيم عليه "‪.‬‬
‫ويقول الستاذ محمد نور سويد صاحب كتاب منهج التربية النبوية‬
‫للطفل "حرص السلم على السرة وشدد عنايته بها لتكون‬
‫المحضن الهادئ المستقر للطفل ولتكون موطن التأثير الكبر‬
‫في مجال التربية"‪.‬‬
‫ويقول الستاذ محمد قطب في كتابه منهج التربية السلمية‪:‬‬
‫"وإذا كان البيت والشارع والمدرسة والمجتمع هي ركائز التربية‬
‫الساسية فإن البيت هو المؤثر الول وهو أقوى هذه الركائز‬
‫جميعا لنه يتسلم الطفل من أول مرحلة ولن الزمن الذي يقضيه‬
‫الطفل في البيت أكبر من أي زمن آخر ولن الوالدين أكثر الناس‬
‫تأثيرا في الطفل "‪.‬‬
‫ويقول الستاذ عبد الرحمن النحلوي صاحب كتاب أصول التربية‬
‫السلمية‪" :‬ل تحقيق لشريعة الله إل بتربية النفس والجيل‬
‫والمجتمع على اليمان بالله ومراقبته والخضوع له وحده ومن هنا‬
‫كانت التربية السلمية فريضة في أعناق جميع الباء والمعلمين‬
‫وأمانة يحملها الجيل للجيل الذي بعده ويؤديها المربون للناشئين‬
‫وكان الويل لمن يخون هذه المانة أو ينحرف بها عن هدفها أو‬
‫يسيء تفسيرها أو يغير محتواها"‪.‬‬
‫ويقول الشيخ محمد بن جميل زينو في كتابه نداء إلى المربين‬
‫والمربيات "إن مهمة المربي عظيمة جدا ً وعمله من أشرف‬
‫العمال إذا أتقنه وأخلص لله تعالى فيه وربى الطلب التربية‬
‫السلمية الصحيحة والمربي والمربية يشمل المدرس والمدرسة‬
‫والمعلم والمعلمة ويشمل الب والم وكل من يرعى الولد‪.‬‬
‫وهكذا يجمع العلماء على ضرورة تربية الولد تربية صحيحة‬
‫قوامها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأن من‬
‫يقوم بهذه المهمة إنما يقوم بعمل عظيم هو امتداد لمهمة النبياء‬
‫والمرسلين الذين أرسلهم الله تعالى لهداية البشر وتعليمهم‪.‬‬
‫والطفل كما يقولون صحيفة بيضاء نقية في أيدي أبويه ومن‬
‫يربيه فإذا نقشوا فيه صالحا نشأ صالحا وإن نقشوا فيه شيئا‬
‫فاسدا نشأ على السوء والفساد‪ .‬فإذا أدرك الباء والمربون هذه‬
‫المانة وحملوها بصدق وإخلص فلتبشر المة بالنصر القريب‬
‫َ َ‬
‫حتَّى يُغَيُِّروا َ‬
‫ما‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ل يُغَيُِّر َ‬
‫ما بِقَوْم ٍ َ‬ ‫عمل بقول الله تعالى‪{:‬إ ِ ّ‬
‫م}‪.‬‬ ‫َ‬
‫سهِ ْ‬
‫بِأن ْ ُف ِ‬
‫حقوق الولد على والديه‬
‫ما هي الحقوق المشروعة للولد على والديه؟ وما علقة هذه‬
‫الحقوق بالتربية؟ عدد العلماء كثيرا من هذه الحقوق وأهمها‬
‫عشرون حقاً‪:‬‬
‫الحق الول‪ :‬اختيار الزوجة الصالحة لنها مضنة الولد الصالح‬
‫والسعي للزواج من ذات الدين لتكون أما مربية تقية طاهرة‬
‫عفيفة تعين أبناءها على التربية الصالحة لقول الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم‪" :‬تنكح‬
‫المرأة لربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين‬
‫تربت يداك " ورغب السلم في المرأة الولود الودود فقال عليه‬
‫الصلة والسلم في الحديث الذي رواه أبو داود والنسائي‪:‬‬
‫"تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم المم "‪ .‬ومن هنا يرى‬
‫علماء التربية أن دور الم في تربية الطفل يسبق دور الب وذلك‬
‫لكثرة ملزمتها للطفل منذ تكوينه جنينا في بطنها حتى يكبر‪.‬‬
‫وصدق الشاعر حافظ إبراهيم إذ يقول‪:‬‬
‫أعددت شعبا ً طيب‬ ‫الم مدرسة إذا أعددتها‬
‫العراق‬
‫الحق الثاني‪ :‬إتباع السنة في المعاشرة الزوجية وطلب الولد‬
‫الصالح‪.‬‬
‫وذلك بذكر الدعية التي تحصن المولود وهو نطفة من الشيطان‬
‫الرجيم عمل ً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه‬
‫البخاري‪" .‬أما لو أن أحدكم يقول حين يأتي أهله‪ :‬بسم الله اللهم‬
‫جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ثم قدر أن يكون بينهما‬
‫في ذلك وقضى ولد لم يضره شيطان أبداً"‪ .‬وهذا جانب من‬
‫جوانب التربية الروحية المبكرة للطفل قبل ولدته‪.‬‬
‫وفي طلب الولد الصالح يعلمنا الله سبحانه وتعالى هذا الدعاء‬
‫َ‬ ‫{ربَنا هَب لَنا م َ‬
‫جنَا وَذُّرِيَّاتِنَا قَُّرة َ أع ْي ُ ٍ‬
‫ن}‪.‬‬ ‫ن أْزوَا ِ‬
‫ْ َ ِ ْ‬ ‫َ َّ‬
‫الحق الثالث‪ :‬إتباع السنة في استقبال المولود من رفع الذان‬
‫في أذن المولود اليمنى والقامة في أذنه اليسرى وتحنيكه بالتمر‬
‫والدعاء له وحلق رأسه و العقيقة عنه وتسميته بأحب السماء‬
‫وختانه‪ ..‬وذلك للدلة التالية‪:‬‬
‫روى البيهقي وابن السني عن الحسن بن علي عن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم قال‪" :‬من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى‬
‫وأقام في أذنه اليسرى لم تضره أم الصبيان "‪.‬‬
‫‪ -‬وعن التحنيك بالتمر والدعاء له جاء في الصحيحين عن أبي‬
‫موسى رضي الله عنه قال‪ :‬ولد لي غلم فأتيت به النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم فسماه إبراهيم وحنكه بتمرة ودعا له بالبركة‬
‫ودفعه إلي"‪.‬‬
‫وعن استحباب الحلق والتصدق بوزنه فضة ما رواه المام مالك‬
‫في الموطأ عن جعفر بن محمد عن أبيه قال‪ :‬وزنت فاطمة‬
‫رضي الله عنها شعر رأس حسين وحسن وزينب وأم كلثوم‬
‫فتصدقت بزنة ذلك فضة"‪.‬‬
‫سنن المولود والحكم التربوية‬
‫ومن سنن المولود العقيقة روى المام أحمد والترمذي عن‬
‫عائشة رضي الله عنها قالت‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬عن الغلم شاتان متكافئتان وعن الجارية شاة"‪.‬‬
‫ومن ذلك تحسين اسم المولود وتكنيته لما روى أصحاب السنن‬
‫عن سمرة قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل غلم‬
‫رهين بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويسمى فيه ويحلق رأسه "‪.‬‬
‫وفي الحديث الذي رواه أبو داود بإسناد حسن عن أبي الدرداء‬
‫رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫"إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وبأسماء آبائكم فأحسنوا‬
‫أسماءكم "‪.‬‬
‫ومن ذلك استحباب التكنية جاء في الصحيحين من حديث أنسى‬
‫رضي الله عنه قال‪" :‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫أحسن الناس خلقا ً وكان لي أخ يقال له (أبا عمير) وكان النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم إذا جاءه يقول له‪" :‬يا أبا عمير ما فعل‬
‫النغير"‪ .‬ومن ذلك سنة الختان جاء في الصحيحين قول الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" :‬الفطرة خمس‪ :‬الختان والستحداد وقص‬
‫الشارب وتقليم الظافر ونتف البط " ويفضل الختان أن يكون‬
‫في السبوع الول لما رواه البيهقي عن جابر رضي الله عنه أنه‬
‫قال‪" :‬عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن‬
‫والحسين وختنهما لسبعة أيام "‪.‬‬
‫‪ -‬ولهذه السنن والعمال المتعلقة بالمولود حكم وفوائد تربوية‬
‫فرفع الذان والقامة في أذن المولود إشعار له بالشهادة‬
‫والتوحيد والسلم الذي هو دين الفطرة ودين آبائه وأجداده‪..‬‬
‫وفيه طرد للشيطان الذي يتربص بالنسان منذ ولدته لفساده‪.‬‬
‫‪ -‬وفي الدعاء للمولود طلب الصلح والخير له ليبقى هذا الصلح‬
‫نافعا ً له ولوالديه لقوله عليه الصلة والسلم "وولد صالح يدعو له‬
‫"‪.‬‬
‫‪ -‬وفي تحنيك المولود بالتمر إشارة إلى أهمية التمر كغذاء‬
‫رئيسي للتنشئة السليمة وفيه تقوية لعضلت فم المولود ليقوم‬
‫بالرضاعة على أحسن وجه‪.‬‬
‫‪ -‬وفي حلق رأسه تقوية له وفتح لمسام رأسه وتقوية لحاسة‬
‫البصر والشم والسمع‪.‬‬
‫‪ -‬وفي التصدق بشعر رأسه فضة إشارة إلى ضرورة التكافل‬
‫الجتماعي والتراحم بين المسلمين والقضاء على أسباب الفقر‬
‫والحاجة‪.‬‬
‫‪ -‬وفي حكمة العقيقة فوائد منها التقرب إلى الله وشكره على‬
‫نعمة الولد‪.‬‬
‫‪ -‬إظهار الفرح والسرور بتكاثر نسل المسلمين‪.‬‬
‫‪ -‬إظهار روح المحبة والتراحم بين المسلمين‪.‬‬
‫‪ -‬دفع مصارع السوء والمصائب لن صنائع المعروف تقي مصارع‬
‫السوء‪.‬‬
‫وفي تسمية المولود بأحب السماء إليه وتكنيته ما ينمي فيه‬
‫شعور التكريم والحترام وينمي فيه قوة الشخصية لستشعاره‬
‫أنه بلغ مرتبة الكبار وفيه أيضا ً ملطفته وإدخال السرور عليه‬
‫بمناداته بأحب السماء إليه‪ .‬وفي حكمة الختان يتخلص المرء من‬
‫المفرزات الدهنية والتفسخات ويقلل من خطر الصابة‬
‫بالسرطان وسلس البول والتهيجات الجنسية وغير ذلك من‬
‫الحكم‪.‬‬
‫من الحقوق المشروعة للولد‬
‫الحق الرابع‪ :‬الرضا بقسمة الله من الذكور والناث وعدم تسخط‬
‫ه‬ ‫حدُهُم باْلُنْثَى ظ َ َّ‬ ‫البنات لقول الله تعالى‪{:‬وإذ َا ب ّ َ‬
‫جهُ ُ‬ ‫ل وَ ْ‬ ‫ْ ِ‬ ‫شَر أ َ‬ ‫َِ ُ ِ‬
‫ه‬
‫شَر ب ِ ِ‬ ‫ما ب ُ ّ ِ‬ ‫سوءِ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن القَوْم ِ ِ‬‫ْ‬ ‫م َ‬
‫م * يَتَوَاَرى ِ‬ ‫سوَدّا ً وَهُوَ كَظِي ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ن}‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫مو َ‬ ‫حك ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬‫ساءَ َ‬ ‫ب أل َ‬ ‫ه فِي الت َّرا ِ‬ ‫س ُ‬ ‫م يَد ُ ّ‬‫نأ ْ‬ ‫ه ع َلى هُو ٍ‬ ‫سك ُ‬ ‫م ِ‬ ‫أي ُ ْ‬
‫ولتكريم النثى في السلم جعل الله سبحانه وتعالى اسمها‬
‫ب‬‫شاءُ إِنَاثا ً وَيَهَ ُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب لِ َ‬‫مقدما ً على اسم الذكر فقال تعالى‪{ :‬يَهَ ُ‬
‫شاءُ الذُّكُوَر} وأكد الرسول صلى الله عليه وسلم عنايته‬ ‫ن يَ َ‬‫م ْ‬ ‫لِ َ‬
‫بالمرأة منذ الولدة فقد روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله‬
‫عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬من عال‬
‫جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين‪ -‬وضم أصابعه‬
‫" وفي ذلك من التربية والتوجيه لقتلع العادات الجاهلية ما ل‬
‫يخفى‪.‬‬
‫الحق الخامس‪ :‬أن يختار له مرضعة صالحة إن فقد أمه‪.‬‬
‫وأفضل الرضاعة ما كانت حولين كاملين لقول الله‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫حوْلَي ْن كَا ِ َ‬ ‫ن أَوْلدَهُ َّ‬
‫ن‬
‫ن أَراد َ أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫ملي ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ضعْ َ‬‫ت يُْر ِ‬ ‫تعالى‪{:‬وَالْوَالِدَا ُ‬
‫ة}‪.‬‬ ‫م الَّر َ‬
‫ضاع َ َ‬ ‫يُت ِ َّ‬
‫ولقد أثبتت البحوث العلمية والصحية أن فترة عامين ضرورية‬
‫لينمو الطفل نموا طبيعيا سليما من الوجهتين الصحية والنفسية‪.‬‬
‫وأكد الطبيب ابن سيناء أهمية الرضاعة الطبيعية بقوله‪" :‬إنه‬
‫يجب أن يرضع ما أمكن من لبن أمه فإن في إلقامه ثدي أمه‬
‫عظيم النفع جدا في دفع ما يؤذيه "‪.‬‬
‫الحق السادس‪ :‬أن تحضن الم ابنها وخاصة مرحلة المهد‬
‫والطفولة المبكرة ول تتركه للخادمات والمربيات وذلك لن الم‬
‫مع رضاعة وليدها بالحليب ترضعه العطف والحنان الذي ل يملكه‬
‫غيرها‪ ،‬ومن هنا كانت حكمة الله سبحانه وتعالى في إرجاع‬
‫موسى إلى أمه كي تقر عينها ول تحزن قال الله تعالى‪:‬‬
‫ُ‬
‫ن} ويرى العلماء أن‬ ‫حَز َ‬ ‫ي تَقََّر ع َيْنُهَا وَل ت َ ْ‬ ‫مهِ ك َ ْ‬ ‫{فََردَدْنَاه ُ إِلَى أ ِّ‬
‫الطفل يحس بالمن كلما ألصقته الم إلى صدرها‪.‬‬
‫الحق السابع‪ :‬أن يعلمه والداه كتاب الله عز وجل ثم ما يلزم من‬
‫العلوم الضرورية الدينية والدنيوية‪ ..‬وقد أخرج الطبراني وابن‬
‫النجار عن علي كرم الله وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪" :‬أدبوا أولدكم على ثلث خصال‪ :‬حب نبيكم وحب آل بيته‬
‫وتلوة القرآن فإن حملة القرآن في ظل عرش الله يوم ل ظل‬
‫إل ظله مع أنبيائه وأصفيائه والوالدان اللذان يهتمان بتعليم‬
‫أولدهما القرآن لهما الثواب العظيم أخرج أبو داود عن سهل بن‬
‫معاذ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫"من قرأ القرآن وعمل به ألبس الله والديه تاجا ً يوم القيامة‬
‫ضوؤه أحسن من ضوء الشمس‪.‬‬
‫ول شك أن تربية الطفال على القرآن الكريم منذ نعومة‬
‫أظفارهم من شأنه أن يوسع مداركهم ويزودهم بالحكمة والهداية‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م} وقد‬ ‫ي أقْوَ ُ‬ ‫ن يَهْدِي لِل ّتِي ه ِ َ‬ ‫ن هَذ َا الْقُْرآ َ‬
‫والنور قال الله تعالى‪{:‬إ ِ َّ‬
‫أدرك المسلمون السابقون أهمية التربية على القرآن فتسابقوا‬
‫في هذا الميدان وتنافسوا‪ ،‬يقول المام الشافعي رحمه الله‪:‬‬
‫"حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين وحفظت الموطأ وأنا ابن‬
‫عشر ويقول سهل التستري فمضيت إلى الكتاب فتعلمت القرآن‬
‫وحفظته وأنا ابن ست سنين أو سبع سنين‪.‬‬
‫أبناؤنا والحقوق المشروعة‬
‫الحق الثامن‪ :‬أل يرزقه إل طيبا ً من الكسب الحلل لقول الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" :‬ل تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل‬
‫عن أربع‪ :‬عن عمره فيما أفناه وعن علمه ما عمل به وعن ماله‬
‫من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن جسمه فيما أبله " رواه‬
‫الترمذي‪ .‬وما يغذى به الولد ينبغي أن يكون حلل ً لقول الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص "أطب مطعمك تجب‬
‫دعوتك "‪.‬‬
‫فيعود الطفل على أكل الحلل وكسب الحلل وإنفاق الحلل حتى‬
‫ينشأ على التوسط والعتدال بعيدا عن السراف والتقتير‪.‬‬
‫الحق التاسع‪ :‬أن يعلمه الصلة ويعوده عليها لقول الله‬
‫ن‬
‫ح ُ‬‫ك رِْزقا ً ن َ ْ‬‫سأَل ُ َ‬
‫صطَبِْر ع َلَيْهَا ل ن َ ْ‬ ‫صلةِ وَا ْ‬ ‫مْر أَهْل َ َ‬
‫ك بِال َّ‬ ‫ْ‬
‫تعالى‪{:‬وَأ ُ‬
‫ة لِلتَّقْوَى}‪ .‬وفي الحديث الذي رواه أحمد وأبو‬ ‫ك وَالْعَاقِب َ ُ‬
‫نَْرُزقُ َ‬
‫داود يقول الرسول صلى الله عليه وسلم‪" :‬مروا أبناءكم بالصلة‬
‫لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع " فيؤمر‬
‫الصبي بالصلة في سن السابعة وهي بداية مرحلة التعليم التي‬
‫نبه إليها السلم ويؤخذ بالنصح والتوجيه إذا قصر في صلته حتى‬
‫سن العاشرة فإن تهاون في هذه المرحلة جاز لوالده استخدام‬
‫الضرب تأديبا ً له على ما فرط في جنب الله‪.‬‬
‫ويشجع الطفل في هذه السن على صلة الجماعة وحضور صلة‬
‫الجمعة والعيدين ومن أنجح الوسائل في تحبيب الطفال لصلة‬
‫الجماعة اصطحاب الب لبنائه وأخذهم معه لداء صلة الجماعة‬
‫في المسجد‪.‬‬
‫من أمثلة ذلك ما كان من فعله صلى الله عليه وسلم مع علي بن‬
‫أبي طالب حينما دعاه إلى السلم وعمره لم يتجاوز العاشرة‬
‫فأسلم ولزمه في الخروج إلى الصلة مستخفيا ً في شعاب مكة‬
‫حتى عن أهله وأبيه‪.‬‬
‫الحق العاشر‪ :‬أن يدربه على الصوم‪:‬‬
‫وهذا من العمل المستحب إذ يرى جمهور العلماء أنه ل يجب‬
‫على من دون سن البلوغ ولكن يستحب للتمرين‪ ..‬أخرج البخاري‬
‫ومسلم عن الربيع بنت معوذ قالت‪ :‬أرسل رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم صبيحة يوم عاشوراء إلى قرى النصار‪ :‬من كان‬
‫صائما ً فليتم صومه ومن كان أصبح مفطرا ً فليصم بقية يومه فكنا‬
‫نصومه بعد ذلك ونصوم صبياننا الصغار منهم ونذهب إلى‬
‫المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن‪ -‬أي الصوف‪ -‬فإذا بكى‬
‫أحدهم من الطعام أعطيناه إياه حتى يكون عند الفطار" قال‬
‫الحافظ ابن حجر معلقاً‪ :‬وفي الحديث حجة على مشروعية‬
‫تمرين الصبيان على الصيام كما تقدم‪ .‬والصوم من الوجهة‬
‫التربوية يغرس في النفس البشرية حقيقة الخلص لله تعالى‬
‫ومراقبته في السر وتقوية الرادة وكبح جماح الشهوات ويؤمر به‬
‫الطفال عند طاقتهم منذ السابعة وبالتدريج‪.‬‬
‫من حقوق البناء في التربية‬
‫الحق الحادي عشر‪ :‬تربية البنات على الحجاب‪:‬‬
‫تعود البنت على لبس الحجاب منذ الطفولة ليكون لها شرفاً‬
‫وحفظا ً ويرى العلماء أن تعود البنت على لبس الحجاب في سن‬
‫السابعة قياسا ً على حديث المر بالصلة‪ .‬ومن فوائد الحجاب‬
‫للبنت صيانتها والحفاظ‪ ،‬على عفتها وشرفها ويدخل في دائرة‬
‫الحجاب إبعاد البنت عن الختلط بالجانب‪ ..‬قال الله‬
‫ل لِل ْمؤ ْمنات يغْضضن م َ‬
‫جهُ َّ‬
‫ن‬ ‫ن فُُرو َ‬ ‫حفَظ ْ َ‬ ‫ن وَي َ ْ‬ ‫صارِه ِ َّ‬ ‫ن أب ْ َ‬ ‫ُ َِ َ ِ َ ُ ْ َ ِ ْ‬ ‫تعالى‪{:‬وَقُ ْ‬
‫جيُوبِهِ َّ‬
‫ن‬ ‫ن ع َلَى ُ‬ ‫مرِه ِ َّ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن بِ ُ‬ ‫ضرِب ْ َ‬ ‫منْهَا وَلْي َ ْ‬ ‫ما ظَهََر ِ‬ ‫ن إ ِ َّل َ‬ ‫ن ِزينَتَهُ َّ‬ ‫وَل يُبْدِي َ‬
‫َ‬
‫ن أوْ أبْنَائِهِ َّ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ن أوْ آبَاءِ ب ُ ُعولَتِهِ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أوْ آبَائِهِ َّ‬ ‫ن إ ِ ّل لِبُعُولَتِهِ َّ‬ ‫ن ِزينَتَهُ َّ‬ ‫وَل يُبْدِي َ‬
‫ن أوَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِ َّ‬
‫خواتِهِ َّ ْ‬ ‫ن أوْ بَنِي أ َ َ‬ ‫خوَانِهِ َّ‬ ‫ن أوْ بَنِي إ ِ ْ‬ ‫خوَانِهِ َّ‬ ‫ن أوْ إ ِ ْ‬
‫ُ‬ ‫ن أَو ما ملَك َت أَيمانه َ َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ن غَيْرِ أولِي اْلِْربَةِ ِ‬ ‫ن أوِ التَّابِعِي َ‬ ‫َْ ْ َ ُ ُ ّ‬ ‫سائ ِ ِه َّ ْ َ َ‬ ‫نِ َ‬
‫َ‬
‫ساءِ وَل‬ ‫ت الن ِّ َ‬ ‫م يَظْهَُروا ع َلَى ع َوَْرا ِ‬ ‫ْ‬ ‫ن لَ‬‫َ‬ ‫ل ال ّذِي‬ ‫ِ‬ ‫ل أوِ الط ِّفْ‬ ‫جا ِ‬ ‫الّرِ َ‬
‫ميعاً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ج ِ‬ ‫ن وَتُوبُوا إِلَى الل ّهِ َ‬ ‫ن زِينَتِهِ َّ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬‫خفِي َ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن لَِيُعْل َ َ‬ ‫جلِهِ َّ‬ ‫ن بِأْر ُ‬ ‫ضرب ْ َ‬
‫ي ََ ْ ِ‬
‫ن}‬ ‫حو َ‬ ‫م تُفْل ِ ُ‬ ‫ن لَعَل ّك ُ ْ‬ ‫منُو َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫أيُّهَا ال ْ ُ‬
‫ومن أسف لما أهمل الحجاب وسمح بالختلط بين الجنسين وقع‬
‫ما حذر منه السلم من هتك العراض وضياع الشرف وانتشار‬
‫الفساد والوقوع في الحرام‪.‬‬
‫ج َ‬
‫ك‬ ‫ل ِلْزوَا ِ‬
‫ي قُ ْ َ‬ ‫ويخاطب الله المؤمنات جميعا ً فيقول‪{ :‬يَا أَيُّهَا النَّب ِ ُّ‬
‫َ‬ ‫ن ذَل ِ َ َ‬ ‫ن ع َلَيْهِ َّ‬
‫ن‬
‫ك أدْنَى أ ْ‬ ‫جلبِيبِهِ َّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن يُدْنِي َ‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ساءِ ال ْ ُ‬ ‫ك وَن ِ َ‬ ‫وَبَنَات ِ َ‬
‫ن‬‫ج َ‬ ‫ن} وينهى الله المؤمنات عن التبرج {وَل تَبََّر ْ‬ ‫ن فَل يُؤْذ َي ْ َ‬ ‫يُعَْرفْ َ‬
‫جاهِلِيَّةِ اْلُولَى}‪.‬‬ ‫ج ال ْ َ‬ ‫تَبَُّر َ‬
‫الحق الثاني عشر‪ :‬أن يعلم الطفال آداب الستئذان في الدخول‬
‫وقد جاء هذا التوجيه في القرآن الكريم بأسلوب تربوي متدرج‬
‫فطلب من الطفال وهم صغار أن يستأذنوا في ثلث أوقات‬
‫مهمة‪:‬‬
‫‪ -1‬من قبل صلة الفجر ‪ -2‬ووقت الظهيرة عند القيلولة ‪ -3‬وبعد‬
‫صلة العشاء‪ .‬فإذا بلغ الولد سن البلوغ وجب عليهم الستئذان‬
‫في البيت للدخول على والديهم في كل وقت قال الله تعالى‪{:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن لَ ْ‬
‫م‬ ‫م وَال ّذِي َ‬ ‫مانُك ُ ْ‬ ‫ت أي ْ َ‬ ‫ملَك َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ال ّذِي َ‬ ‫ستَأذِنْك ُ ُ‬ ‫منُوا لِي َ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫ن‬‫ض ُعو َ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫حي َ‬ ‫جرِ وَ ِ‬ ‫صلةِ الْفَ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن قَب ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫مَّرا ٍ‬ ‫ث َ‬ ‫م ثَل َ‬ ‫منْك ُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬ ‫حل ُ‬ ‫يَبْلُغُوا ال ْ ُ‬
‫َ‬
‫م لَي ْ َ‬
‫س‬ ‫ت لَك ُ ْ‬ ‫ث ع َوَْرا ٍ‬ ‫شاءِ ثَل ُ‬ ‫صلةِ الْعِ َ‬ ‫ن بَعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن الظ ّهِيَرةِ َو ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ثِيَابَك ُ ْ‬
‫ض‬ ‫ضك ُ ْ َ‬ ‫ن ع َلَيْك ُ ْ‬ ‫ن طَوَّافُو َ‬ ‫ح بَعْدَهُ َّ‬ ‫م وَل ع َلَي َْهِ ْ‬ ‫ع َلَيْك ُ ْ‬
‫م ع َل َى بَعْ ٍ‬ ‫م بَعْ ُ‬
‫َ‬
‫جنَا ٌ‬ ‫م ُ‬
‫ل‬ ‫م * وَإِذ َا بَلَغَ اْلطْفَا ُ‬ ‫حكِي ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ه عَلِي ٌَ‬ ‫ت وَالل ّ ُ‬ ‫م اْليا ِ‬ ‫ه لَك ُ ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ك يُبَي ِّ‬ ‫كَذَل ِ َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن‬‫ك يُبَي ِّ ُ‬ ‫م كَذَل ِ َ‬ ‫ن قَبْلِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن ال ّذِي َ‬ ‫ستَأذ َ َ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ستَأذِنُوا ك َ َ‬ ‫َّ‬
‫م فَلْي َ ْ‬ ‫حل ُ َ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫من ْ َك ُ ُ‬
‫ِ‬
‫م} وفي تربية الولد على هذه‬ ‫حكِي ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ه عَلِي ٌ‬ ‫م آيَاتِهِ وَالل ُ‬ ‫ه لَك ُ ْ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫الداب تعويد لهم على غض البصر عن العورات وحفظ لهم من‬
‫أسباب الثارات التي قد تسبب لهم بعض الضرار النفسية‬
‫والجتماعية والخلقية‪.‬‬
‫من حقوق البناء في السلم‬
‫الحق الثالث عشر‪ :‬أن يعدل الوالدان بين أولدهم‪:‬‬
‫فل يفضل أحد على أحد ول يميز الذكور على الناث‪ ،‬والعدل بين‬
‫الولد مطلوب في جميع الحالت سواء كان في العطاء أو في‬
‫المحبة والقبلة أو في تقديم الهدايا والهبات والوصية أو في‬
‫المعاملة فإنه يلزم الوالدين معاملة أولدهم بالعدل والمساواة‪.‬‬
‫روى أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‪ :‬قال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم من كانت له أنثى فلم يؤذها ولم يهنها‬
‫ولم يؤثر ولده‪ -‬يعني الذكور عليها‪ -‬أدخله الله الجنة"‪.‬‬
‫وبهذا العدل يستقيم أمر السرة وتنشأ المحبة بين الجميع‬
‫وتغرس الثقة بين أفراد السرة فل مكان للحقاد والبغضاء عندئذ‬
‫وفي الحديث المتفق عليه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫"اتقوا الله واعدلوا في أولدكم "‪.‬‬
‫الحق الرابع عشر‪ :‬تخير الصحبة الصالحة لهم لن الصاحب‬
‫ساحب والقرين بالمقارن يقتدي‪ .‬وقد حث السلم على صحبة‬
‫الصالحين والخيار وحذر من صحبة الشرار وفي الحديث‬
‫الصحيح‪" :‬ل تصاحب إل مؤمنا ً ول يأكل طعامك إل تقي "‪.‬‬
‫وفي تخير الصحاب الصالحين للبناء حماية لهم من الوقوع في‬
‫النحراف والبعد بهم عن مزالق السوء ومهاوي الردى‪ .‬ولقد‬
‫أحسن من قال‪:‬‬
‫إن القرين بالقرين‬ ‫واختر من الصحاب كل مرشد‬
‫يقتدي‬
‫تزيد للقلب نشاطاً‬ ‫فصحبة الخيار للقلب دواء‬
‫وقوى‬
‫تزيد للقلب السقيم‬ ‫وصحبة الشرار داء وعمى‬
‫سقما ً‬
‫الحق الخامس عشر‪ :‬توفير أسباب اللهو واللعب المفيد من‬
‫سباحة ورماية وركوب الخيل وما جرى مجراهم في النفع جاء‬
‫في سنن الترمذي عن ابن جرير بسنده عن علي رضي الله عنه‬
‫قال‪ :‬ما جمع النبي صلى الله عليه وسلم أبويه إل لسعد قال‪:‬‬
‫ارم فداك أبي وأمي أيها الغلم الحرور" وفي صحيح الجامع عن‬
‫أبي العالية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بفتية يرمون‬
‫فقال رسول الله صلى اله عليه وسلم‪" :‬ارموا يا بني إسماعيل‬
‫فإن أباكم كان رامياً" ولهذا الجانب أهمية بالغة في التربية فهو‬
‫يكسب الطفال الثقة بأنفسهم فيشبوا على تعلم مهارات كثيرة‬
‫تكون أساسا ً لكثير من النشطة الحياتية إذا كبروا‪ .‬وهناك فائدة‬
‫أخرى مهمة في توفير الوالدين والمربين اللعاب بين يدي‬
‫الطفال وهي تفريغ طاقاتهم المكبوتة وتوجيهها الوجهة الصحيحة‬
‫وصرفهم عن اللهو الحرام والسلوك الخاطئ‪.‬‬
‫واجب الباء نحو البناء‬
‫الحق السادس عشر‪ :‬أن يعوله حتى سن الرشد‪:‬‬
‫فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول الله هل لي‬
‫في بني أبي سلمة أجر إن أنفقت عليهم ولست بتاركتهم هكذا‬
‫وهكذا‪ -‬أي يتفرقون في طلب القوت هكذا وهكذا‪ -‬إنما هم بني‬
‫فقال‪ :‬نعم لك أجر ما أنفقت " رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫ول يخفى ما في ذاك من فوائد تربوية إذ فيه حسن إعداد‬
‫الطفال ليتجاوبوا مع التربية في سن الصغر فل ينشغلوا عن ذلك‬
‫بطعامهم وشرابهم‪ .‬ومن أجل ذلك قال العلماء‪ :‬ويلزم الوالدين‬
‫إن كانا أغنياء أن ينفقا على أولدهما حتى ما بعد الرشد إن كانوا‬
‫فقراء‪.‬‬
‫الحق السابع عشر‪ :‬من حق الولد على والديهم الرحمة وما‬
‫يتفرع عنها من حب وحنان وعطف‪.‬‬
‫روى أحمد في مسنده عن أم سلمة رضي الله عنها قالت‪ :‬بينما‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي يوما ً إذ قال الخادم‪:‬‬
‫إن فاطمة وعليا ً رضي الله عنهما بالسدة قالت‪ :‬فقال لي قومي‬
‫فتنحي عن أهل بيتي قالت‪ :‬قمت فتنحيت في البيت قريبا ً فدخل‬
‫علي وفاطمة ومعهما الحسن والحسين وهما صبيان صغيران‬
‫فأخذ الصبيين فوضعهما في حجره فقبلهما واعتنق عليا ً وأغدق‬
‫عليهم خميصة سوداء وقال‪" :‬اللهم إليك ل إلى النار أنا وأهل‬
‫بيتي " قالت‪ :‬فقلت‪ :‬وأنا يا رسول الله فقال وأنت"‪.‬‬
‫وفي الحديث فوائد تربوية عظيمة منها‪:‬‬
‫ضرب المثل الحسن في معاملة الب لولده وأحفاده وزوج بنته‬
‫ومنها أن الرحمة مع أفراد السرة ول سيما الصغار مصدر سدادة‬
‫وسرور‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن العطف على الصغار يولد فيهم حب آبائهم والسير‬
‫على منهاجهم وطريقتهم ويجنبهم مخاطر العقوق والتمرد‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬الحرص بين أفراد السرة على التهادي ودعاء رب السرة‬
‫لهله وأولده وأحفاده بالخير وسؤال الجنة لهم وإعاذتهم من‬
‫النار‪.‬‬
‫ومنها أن تقبيل الطفال له أثر فعال في تحريك مشاعرهم‬
‫وتسكين غضبهم وهو دليل رحمة ومحبة للطفل ودليل تواضع من‬
‫المربي معهم‪.‬‬
‫الحق الثامن عشر‪ :‬من حق الولد التأديب‪:‬‬
‫روى البخاري في التاريخ والبيهقي عن أيوب بن موسى القرشي‬
‫عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬ما نحل‬
‫والد ولدا ً نحل ً أفضل من أدب حسن " ونحل أعطى‪ .‬وروى‬
‫الطبراني عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬لن يؤدب أحدكم ولده خير له من‬
‫أن يتصدق كل يوم بنصف صاع على المساكين "‪ .‬ومن هنا قال‬
‫العلماء‪ :‬إذا بلغ الولد ست سنين أدب فإذا بلغ تسع سنين عزل‬
‫فراشه فإذا بلغ ثلث عشرة سنة يضرب على الصلة فإذا بلغ‬
‫ست عشرة سنة زوجه أبوه‪.‬‬
‫روى البيهقي عن الحاطبي قال‪ :‬سمعت ابن عمر يقول لرجل‪:‬‬
‫"أدب ابنك فإنك مسؤول عن ولدك ماذا أدبته وماذا علمته؟ وإنه‬
‫لمسؤول عن برك وطواعيته لك "‪.‬‬
‫من صور تأديب الولد‬
‫من واجب الباء والمهات والمربين تعليم الطفال منذ الصغر‬
‫النطق بكلمة التوحيد "ل إله إل الله محمد رسول الله "‬
‫وإفهامهم معناها عندما يكبرون‪ :‬ل معبود بحق إل الله قال المام‬
‫ابن القيم رحمه الله في أحكام المولود‪ :‬فإذا كان وقت نطقهم‬
‫أي الطفال فليلقنوا ل إله إل الله محمد رسول الله وليكن أول‬
‫ما يقرع مسامعهم معرفة الله سبحانه فوق عرشه ينظر إليهم‬
‫ويسمع كلمهم وهو معهم أينما كانوا"‪.‬‬
‫ومن أساليب التأديب غرس محبة الله ورسوله وأن يكون الله‬
‫ورسوله أحب إليه مما سواهما وتعويدهم أن يسألوا الله وحده‬
‫ويستعينوا به وحده لقول الرسول صلى الله عليه وسلم لبن‬
‫عمه‪" :‬وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله "‬
‫حديث حسن صحيح رواه الترمذي "‪.‬‬
‫ومن تأديب الولد تعويدهم على الصدق قول ً وعمل ً بأن ل نكذب‬
‫عليهم ولو مازحين وإذا وعدناهم فلنوف بوعدنا لما ورد في‬
‫صحيح البخاري ومسلم من تحذير الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫من الكذب‪" :‬آية المنافق ثلث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف‬
‫وإذا أؤتمن خان "‪.‬‬
‫ومن صور التأديب غرس العقيدة الصحيحة في الله وأسمائه‬
‫وصفاته والتأكيد على قضية اليمان والتوحيد والتحذير من‬
‫الشرك لنه الظلم العظيم‪.‬‬
‫ومن معاني التأديب غرس عقيدة اليمان بالقدر خيره وشره‬
‫وغرس عقيدة اليوم الخر وما فيه من حساب وصراط وجنة ونار‬
‫روى الترمذي في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنه وقد‬
‫كان غلما ً صغيراً‪ .‬قال‪ :‬كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫يوما ً فقال لي‪ :‬يا غلم إني أعلمك كلمات‪ :‬احفظ الله يحفظك‬
‫احفظ الله تجده تجاهك‪ .‬إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت‬
‫فاستعن بالله واعلم أن المة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء‬
‫لم ينفعوك إل بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن‬
‫يضروك بشيء لم يضروك إل بشيء قد كتبه الله عليك رفعت‬
‫القلم وجفت الصحف "‪.‬‬

‫ومن وسائل التأديب‪ :‬تعويد الطفال على الداب الجتماعية‬


‫كآداب الطعام والشراب وآداب السلم وآداب المجلس وآداب‬
‫العطاس والتثاؤب وآداب النوم والداب مع الوالدين والخوة‬
‫والداب مع الجيران‪.‬‬
‫‪ -‬ومن أدب البنين والبنات تحذيرهم من تشبه البنات بالرجال‬
‫وتشبه الولد بالنساء سواء كان في الملبس أو في الحركة فإن‬
‫ذلك من السترجال المنافي للنوثة عند الفتيات ومن الميوعة‬
‫والتخنث المنافي للرجولة عند الولد‪.‬‬
‫روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‪ :‬لعن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء‬
‫والمتشبهات من النساء بالرجال "‪.‬‬
‫الولد والحقوق المشروعة‬
‫الحق التاسع عشر‪ :‬تعليم الولد أحكام المراهق والبلوغ فيعلم‬
‫الولد هذه الحكام أو ما يسمى بالثقافة الجنسية سواء كان الولد‬
‫ذكرا ً أم أنثى فيعرف الصبي إذا بلغ الحلم وهو السن الذي يتراوح‬
‫ما بين ‪ 12‬إلى ‪ 15‬سنة أنه إذا نزل منه مني ذو دفق وشهوة فقد‬
‫أصبح بالغا ً ومكلفا ً شرعا ً يجب عليه ما يجب على الرجال الكبار‬
‫من مسؤوليات وتكاليف ويجب على الم أن تصارح ابنتها إذا‬
‫بلغت سن التاسعة فما فوق وتذكرت احتلما ً ورأت الماء الرقيق‬
‫الصفر على ثوبها بعد الستيقاظ أصبحت بالغة ومكلفة شرعاً‬
‫يجب عليها ما يجب على النساء الكبار من مسؤوليات وتكاليف‪.‬‬
‫روى المام أحمد والنسائي عن خولة بنت حكيم أنها سألت النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل‬
‫فقال‪ :‬ليس عليها غسل حتى تنزل كما أن الرجل ليس عليه‬
‫غسل حتى ينزل"‪.‬‬
‫ويعلم الولد أن نزول المني على سبيل الدفق والشهوة يوجب‬
‫الغسل وتعلم الفتاة أن انقطاع مدة الحيض والنفاس يوجب‬
‫الغسل على المرأة ويعلم كل منهما فرائض الغسل وسننه‬
‫وكيفيته‪.‬‬
‫وجانب التربية الجنسية جانب مهم يكمل صورة التربية الشاملة‬
‫التي دعا إليها السلم والتي تستوعب النسان في كل جزئياته‪.‬‬
‫الحق العشرون‪ :‬أن يبحث الوالدان لولدهما عن الزوجة الصالحة‬
‫ولبنتهما عن الزوج الصالح وينفقا على زواجهما إن كانا غنيين وقد‬
‫حث الرسول صلى الله عليه وسلم على زواج الشباب في سن‬
‫مبكرة فقال في الحديث الصحيح‪" :‬يا معشر الشباب من‬
‫استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج‬
‫ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء"‪.‬رواه البخاري‬
‫وينصح الشيخ عبد الله ناصح علوان رحمه الله الباء في كتابه‬
‫القيم تربية الولد في السلم فيقول‪ ":‬إن كنت ميسورا ً أيها الب‬
‫من الناحية المادية فينبغي أن تساهم مساهمة فعالة في تسهيل‬
‫أسباب الزواج لولدك لتنقذه من الهواجس النفسية والتأملت‬
‫الجنسية التي تسيطر على عقله وتفكيره وتقف عائقا ً في طريق‬
‫غايته أو تعلمه وتنقذه أيضا ً من النحلل الخلقي الذي يفتك‬
‫بصحته ويسيء إلى سمعته ول يأتي هذا إل بتيسير أسباب الزواج‬
‫من ناحية وإمداده بالنفقة من ناحية أخرى وكل تهاون أو تقصير‬
‫في هذه السبيل يعوض ولدك الشاب إلى أوخم النتائج وأخطر‬
‫العواقب"‪.‬‬
‫والواقع أن عددا ً كبيرا ً من الشباب أصبح يعاني من مشكلت‬
‫كثيرة وعلى رأسها المشكلة الجنسية نتيجة للجهل بأحكام البلوغ‬
‫والخذ بفكرة الزواج المتأخر التي وفدت إلى مجتمعاتنا‪.‬‬
‫السباب التي تؤدي إلى انحراف الولد وعلجها‬
‫كثيرا ً ما يشتكي بعض الباء والمهات من جنوح أبنائهم ووقوعهم‬
‫في المعاصي والدنايا وميلهم إلى النحراف وعدم طاعة الوالدين‬
‫والتمرد على القيم والخلق ورفض العادات الحسنة التي كان‬
‫عليها آباؤهم‪.‬‬
‫والواقع أن هناك أسبابا ً تدفع أمثال هؤلء البناء للنحراف ومن‬
‫أهم ذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬الفقر الذي يخيم على بعض البيوت إذ تدفع حاجة الولد الذين‬
‫ل يجدون ما عليه أقرانهم وأصدقاؤهم من نعمة وغنى فيلجأون‬
‫إلى البحث عن احتياجاتهم من خارج البيت إما عن طريق‬
‫السرقة أو صحبة الشرار فيقعون في طريق النحراف‪.‬‬
‫والسلم بتشريعه العادل قد عالج هذه المشكلة ووضع من‬
‫التشريعات ما يؤمن لكل فرد الحد الدنى من مسكن ومطعم‬
‫وكساء ورسم للمجتمع السلمي مناهج عملية للقضاء على الفقر‬
‫نهائيا كتأمين سبل العمل لكل مواطن وإعطاء مرتبات شهرية‬
‫من بيت المال لكل عاجز وسن قوانين للتعويض العائلي لكل أب‬
‫له أسرة وأولد وأمر برعاية اليتامى والرامل والشيوخ بشكل‬
‫يحفظ لهم كرامتهم النسانية ويبعدهم عن أسباب النحراف‬
‫والتفكير فيه‪.‬‬
‫‪ -2‬إهمال النفقة على الولد أو التقتير عليهم وهذا من شأنه أن‬
‫يدفع بالولد إلى استكمال هذا النقص لمحاكاة الخرين فيلجأون‬
‫إلى أسهل الطرق في تحصيل مرادهم وهو العدوان على غيرهم‬
‫وارتكاب الجرائم والمخالفات في سبيل ذلك وهذا ما يسمى‬
‫بجنوح الولد‪.‬‬
‫والسلم بأسلوبه الحكيم قد حذر أشد التحذير من تضييع الرجل‬
‫من يعول لقول الرسول صلى الله عليه وسلم‪" :‬كفى بالمرء إثماً‬
‫أن يضيع من يقوت " في الحديث الذي رواه أبو داود‪.‬‬
‫‪ -3‬النزاع والشقاق بين الباء والمهات أمام الولد ول شك أن‬
‫هذا المر مذموم شرعا وعقل وعرفا والفتنة نائمة تستيقظ‬
‫بالشاعة والذاعة وفي الحديث الشريف‪" :‬كفى بالمرء إثما أن‬
‫يحدث بكل ما سمع " (رواه أبو داود) وقد نبه السلم إلى‬
‫حبُو َ‬ ‫َ َ‬
‫ن‬
‫نأ ْ‬ ‫ن ال ّذِي َ‬
‫ن يُ ِ ّ َ‬ ‫خطورة إشاعة مقالة السوء فقال تعالى‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫م}‪.‬‬ ‫ب ألِي ٌ‬‫م عَذ َا ٌ‬‫منُوا لَهُ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ة فِي ال ّذِي َ‬ ‫ش ُ‬‫ح َ‬‫شيعَ الْفَا ِ‬ ‫تَ ِ‬
‫‪ -4‬حالت الطلق وما يصاحبها من ضياع الحقوق إذ أن الطلق ل‬
‫يلجأ إليه إل عند الضرورة وإذا توفرت السباب الداعية إليه وقد‬
‫أساء البعض استخدام حق الطلق حتى كثرت حالت المطلقات‬
‫من النساء المر الذي يؤدي إلى تشرد البناء ووقوعهم في‬
‫أوحال الرذيلة والجريمة‪.‬‬
‫والسلم بمنهجه المتميز والفريد قد دعا إلى حسن العلقة‬
‫الزوجية وجعل المعاملة الحسنة السبيل المثل لستقرار السرة‬
‫خيركم خيركم‬ ‫وسعادتها لقول الرسول صلى الله عليه وسلم‪َ " :‬‬
‫لهله وأنا خيركم لهلي " رواه ابن ماجه والحاكم‪.‬‬
‫من أسباب انحراف الولد‬
‫‪ -1‬الفراغ الذي يتحكم في الطفال والمراهقين وهو سبب مهم‬
‫في زيغ البناء وانحرافهم والطفل من طبيعته يحب اللهو واللعب‬
‫فإذا لم تهيأ له فرصة اللهو المباح واللعب البريء فإنه في‬
‫الغالب سيبحث عن بدائل أخرى وربما ل يجد هذه البدائل إل عند‬
‫رفقاء السوء الذين سيقعون به حتما ً إلى النحراف والفساد‪.‬‬
‫والسلم قد وجه إلى معالجة هذا المر في حياة الناشئين‬
‫والناس فقال عليه الصلة والسلم‪" :‬اغتنم خمسا قبل خمس‪:‬‬
‫حياتك قبل موتك وصحتك قبل سقمك وفراغك قبل شغلك‬
‫وشبابك قبل هرمك وغناك قبل فقرك " رواه الحاكم والبيهقي‪.‬‬
‫‪ -2‬الخلطة الفاسدة ورفقاء السوء وهو عامل خطير في هدم‬
‫أخلق الناشئين وإفسادهم ويتحمل الوالدان المسؤولية الكبرى‬
‫في ترك أبنائهم يصاحبون رفقاء الشر إذ من مسؤولية البوين‬
‫اختيار الرفقة الصالحة لبنائهم ليكتسبوا منهم كل خلق كريم‬
‫َْ َ‬
‫خ ّلءُ‬‫وأدب رفيع‪ .‬قال الله تعالى‪ :‬محذرا ً من رفقاء السوء‪ {:‬ال ِ‬
‫َ‬
‫ن}‪.‬‬‫قي َ‬ ‫ض عَدُوٌّ إ ِ ّل ال ْ ُ‬
‫مت َّ ِ‬ ‫ضهُ ْ‬
‫م لِبَعْ ٍ‬ ‫مئِذ ٍ ب َ ْع ُ‬
‫يَوْ َ‬
‫وقال عليه الصلة والسلم فيما رواه البخاري ومسلم‪" :‬مثل‬
‫الجليس الصالح والجليس السوء كمثل حامل المسك ونافخ الكير‬
‫فحامل المسك إما أن يحذيك أو تشتري منه أو تجد منه ريحا‬
‫طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك أو تجد منه ريحا منتنة"‪.‬‬
‫‪ -3‬ومن أسباب انحراف الولد سوء معاملة البوين للولد فينال‬
‫منهما القسوة والتحقير والزدراء والسخرية ولهذه المعاملة الثر‬
‫السيئ على نفسية الولد وعلى سلوكه وتصرفاته مما قد ينشأ‬
‫عنده ردود فعل تكون عواقبها وخيمة‪.‬‬
‫والسلم بمنهجه الحكيم يدعو المربين ول سيما الباء والمهات‬
‫إلى أن يتحلوا بالخلق العالية والمعاملة الحسنة التي تفيض‬
‫بالرحمة والشفقة والحنان حتى ينشأ الولد على الستقامة‬
‫ويتربوا على الجرأة واستقلل الشخصية وبالتالي حتى يشعروا‬
‫بكرامتهم واحترامهم عند آبائهم‪.‬‬
‫وقد وجه السلم إلى حسن المعاملة مع كل الناس ول سيما‬
‫ن الل َّ ْ‬
‫ن وَإِيتَاءِ ذِي‬
‫سا ِ‬ ‫ل وَاْل ِ ْ‬
‫ح َ‬ ‫مُر بِالْعَد ْ ِ‬ ‫ه يَأ ُ‬
‫َ‬ ‫القربين فقال تعالى‪{:‬إ ِ َّ‬
‫الْقُْربَى}‪.‬‬
‫سناً} وفي الحديث الذي‬ ‫ح ْ‬ ‫س ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وقال سبحانه وتعالى‪{ :‬وَقُولوا لِلن ّا ِ‬
‫رواه أبو داود والترمذي عنه عليه الصلة والسلم‪" :‬الراحمون‬
‫يرحمهم الرحمن ارحموا من في الرض يرحمكم من في‬
‫السماء" من حسن معاملة الولد مخاطبتهم بأطيب الكلم‬
‫وملطفتهم في الحديث‪ .‬ومن حسن معاملتهم غرس الثقة في‬
‫نفوسهم وإتاحة الفرصة لهم للتعبير عن رغباتهم وطموحاتهم‬
‫وإشعارهم بأهميتهم كأعضاء صالحين في دائرة السرة‬
‫والمجتمع‪.‬‬
‫الحذر من إهمال تربية الولد‬
‫لهمال تربية الولد عواقب وخيمة تتحدث عنه الخبار ويتذاكرها‬
‫الناس ومن أحسن القصص الواعظة في هذا الباب القصة‬
‫التالية‪:‬‬
‫جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشكو إليه عقوق‬
‫ابنه فأحضر عمر الولد وأنبه على عقوقه لبيه ونسيانه لحقوقه‬
‫فقال الولد‪ :‬يا أمير المؤمنين أليس للولد حقوق على أبيه؟ قال‪:‬‬
‫بلى قال‪ :‬فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال عمر‪ :‬أن ينتقي أمه‬
‫ويحسن اسمه ويعلمه الكتاب (أي القراءة)‪ .‬قال الولد‪ :‬يا أمير‬
‫المؤمنين إن أبي لم يفعل شيئا ً من ذلك‪ .‬أما أمي فإنها زنجية‬
‫كانت لمجوسي وقد سماني جعل ً (أي خنفساً) ولم يعلمني من‬
‫الكتابة حرفا واحدا‪ .‬فالتفت عمر إلى الرجل وقال له‪ :‬جئت إلي‬
‫تشكو عقوق ابنك وقد عققته قبل أن يعقك وأسأت إليه قبل أن‬
‫يسيء إليك " ولعل من أخطر ما يواجه الولد ويسبب في‬
‫انحرافهم مشاهدتهم لفلم الجنس والجريمة تلك الفلم التي‬
‫تقود إلى الميوعة والنحلل ويتحمل الوالدان المسؤولية التامة‬
‫تجاه انحراف أبنائهم في هذا السبيل إذا لول موافقة البوين‬
‫وتيسيرهما لسبل هذه المشاهدات لما أقدم الولد على هذا‬
‫الفعل المهدم للخلق والسلم بمبادئه التربوية يضع أمام الباء‬
‫والمربين والمسؤولين المنهج القويم في توجيه البناء وتربيتهم‪.‬‬
‫ويكفي في الدللة على هذه المسؤولية قول الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم‪" :‬الرجل راع‬
‫في بيت أهله ومسؤول عن رعيته "‪.‬‬
‫ومن مظاهر الهمال في تربية الولد تخلي البوين عن تربية‬
‫أولدهما إما غفلة منهما أو انصرافا عن هذه المسؤولية أو إهمال‬
‫لهذه المانة‪.‬‬
‫ولهذا الهمال نتائج خطيرة منها‪ :‬إتاحة الفرصة لرفقاء السوء أن‬
‫يصطادوا البناء المهملين من قبل آبائهم‪ .‬ومنها سرعة انجذاب‬
‫الولد لداعي الفساد ومنها شيوخ الجريمة في المجتمع ومن‬
‫أجل ذلك كانت توجيهات السلم حاسمة وصريحة في هذا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سك ُ ْ‬
‫م‬ ‫منُوا قُوا أنْفُ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫الميدان قال الله تعالى‪ { :‬يَا أي ُّ َها ال ّذِي َ‬
‫ة ِغل ٌ‬ ‫َ‬
‫شدَاد ٌ ل‬‫ظ ِ‬ ‫جاَرة ُ ع َلَيْهَا َ‬
‫ملئِك َ ٌ‬ ‫ح َ‬‫س وَال ْ ِ‬ ‫م ن َ َارا ً وَقُودُهَا النَّا ُ‬
‫وَأهْلِيك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن}‪.‬‬
‫مُرو َ‬ ‫ما يُؤ ْ َ‬‫ن َ‬ ‫م وَيَفْعَلُو َ‬‫مَرهُ ْ‬
‫ما أ َ‬
‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫صو َ‬ ‫ي َ ْع ُ‬
‫وفي الحديث الذي رواه ابن ماجه‪" :‬أدبوا أولدكم وأحسنوا أدبهم‬
‫"‪.‬‬
‫فإلى الباء والمهات والمربين بادروا في الهتمام بتربية أبنائكم‬
‫واسعوا في إصلحهم ما استطعتم فإن أعظم ما تتوجه إليه‬
‫الجهود وتنفق فيه الموال إصلح البناء‪.‬‬
‫من الخطاء الشائعة في تربية الولد‬
‫هناك أخطاء وممارسات شائعة في تربية البنين والبنات تقع‬
‫أحيانا ً عن جهل وأحيانا عن غفلة وأحيانا عن عمد وإصرار ولهذه‬
‫الممارسات الخاطئة آثار سلبية على استقامة البناء وصلحهم‬
‫من ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬تحقير الولد وتعنيفه على أي خطأ يقع فيه بصورة تشعره‬
‫بالنقص والمهانة والصواب هو تنبيه الولد على خطئه إذا أخطأ‬
‫برفق ولين مع تبيان الحجج التي يقتنع بها في اجتناب الخطأ‪.‬‬
‫‪ -‬إذا أراد المربي زجر الولد وتأنيبه ينبغي أل يكون ذلك أمام‬
‫رفقائه وإنما ينصحه منفردا ً عن زملئه‪.‬‬
‫‪ -‬الدلل الزائد والتعلق المفرط بالولد وخاصة من الم يؤدي إلى‬
‫نتائج خطيرة على نفس الولد وتصرفاته وقد يكون من آثاره‬
‫زيادة الخجل والنطواء وكثرة الخوف وضعف الثقة بالنفس‬
‫والتجاه نحو الميوعة والتخلف عن ا لقران‪.‬‬
‫‪ -‬فكرة استصغار الطفل وإهمال تربيته في الصغر فكرة باطلة‬
‫والصواب أن تبدأ التربية ويبدأ التوجيه منذ الصغر من بداية‬
‫الفطام حيث يبدأ التوجيه والرشاد والمر والنهي والترغيب‬
‫والترهيب والتحبيب والتقبيح‪.‬‬
‫‪ -‬من مظاهر التربية الخاطئة عند الم عدم السماح لولدها‬
‫بمزاولة العمال التي أصبح قادرا عليها اعتقادا منها أن هذه‬
‫المعاملة من قبيل الشفقة والرحمة للولد ولهذا السلوك آثار‬
‫سلبية على الولد‪ ..‬من هذه الثار فقدان روح المشاركة مع‬
‫السرة في صناعة الحياة وخدمات البيت ومنها العتماد على‬
‫الغير وفقدان الثقة بالنفس ومنها تعود الكسل والتواكل‪.‬‬
‫‪ -‬ومن مظاهر التربية الخاطئة أن ل تترك الم وليدها يغيب عن‬
‫ناظريها لحظة واحدة مخافة أن يصاب بسوء وهذا من الحب‬
‫الزائد الذي يضر بشخصية الولد ول ينفعه‪.‬‬
‫‪ -‬ومن الخطاء تفضيل بعض الولد على بعض سواء كان في‬
‫العطاء أو المعاملة أو المحبة والمطلوب العدل بين الولد وترك‬
‫المفاضلة‪.‬‬
‫‪ -‬ومن ذلك احتقار الولد وإسكاتهم إذا تكلموا والسخرية بهم‬
‫وبحديثهم مما يجعل الولد عديم الثقة بنفسه قليل الجرأة في‬
‫الكلم والتعبير عن رأيه كثير الخجل أمام الناس وفي المواقف‬
‫الحرجة‪.‬‬
‫‪ -‬ومن الخطاء الشائعة فعل المنكرات أمام الولد كشرب‬
‫الدخان أو سماع الغاني أو مشاهدة الفلم الساقطة مما يجعل‬
‫من الوالدين والمربين قدوة سيئة‪.‬‬
‫ما أهمية الحب في تربية الولد‬
‫حب البوين لبنائهما عاطفة فطرية ل بد من إظهارها في العملية‬
‫التربوية وبما أن الطفال الصغار تغلب عليهم العاطفة لزم فيمن‬
‫يتصدر لتربيتهم من الباء والمربين أن يراعوا هذا الجانب‬
‫ويغرسوا مفهوم الحب بينهم وبين أبنائهم وطلبهم وأن يكون هذا‬
‫الحب عاطفة متبادلة بين الفريقين فإن الحب يثمر الحب كما‬
‫يقولون وإذا وجد الحب تمت عملية التربية بسهولة "لن المحب‬
‫لمن يحب مطيع " ولهذه الحكمة أمر الله سبحانه وتعالى نبيه‬
‫ظ‬‫ت فَظّا ً غَلِي َ‬
‫بمعاملة الناس بالحب والشفقة واللين {وَلَوْ كُن ْ َ‬
‫ك} فالمربي الغليظ القاسي يبغضه‬ ‫حول ِ َ‬
‫ن َ ْ‬
‫م ْ‬ ‫ب َلن ْ َف ُّ‬
‫ضوا ِ‬ ‫الْقَل ْ ِ‬
‫الطفال ويبغضون معه كل فكرة وعلم وأخلق ول يقبلون منه أي‬
‫نصح وتوجيه لفظاظته وشدته‪.‬‬
‫ولكي ل يخرج الحب عن حد العتدال والتوازن ويميل إلى‬
‫الفراط والدلل ل بد للمربي من الوقوف عند هذه الضوابط‪:‬‬
‫الضابط الول‪ :‬اللتزام بشرع الله القاضي بأن يكون الله‬
‫ورسوله أحب إليه من نفسه وولده والناس أجمعين لقول‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري‪:‬‬
‫"والذي نفسي بيده ل يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من‬
‫والده وولده والناس أجمعين‪.‬‬
‫الضابط الثاني‪ :‬أل يكون حب الولد مانعا ً للخير أو صادا ً عن سبيل‬
‫الله وذلك فيما نبه عنه الرسول صلى الله عليه وسلم في‬
‫الحديث الصحيح الذي رواه الحاكم "إن الولد مبخلة مجبنة مجهلة‬
‫محزنة" والمعنى أن الولد والحرص عليه يصرف والديه عن‬
‫الجود والكرم والنفاق في أعمال الخير ويقصران المال للنفقة‬
‫عليه ويحول الولد أحيانا بين الوالدين وصفة الشجاعة والقدام‬
‫فيبعث فيهما روح الخوف والبقاء على رعايته‪ ..‬وكذلك يفعل‬
‫الولد فيساهم في تجهيل والديه يصرفهما عن طلب العلم‬
‫وإنشغالهما بشؤونه ويبعث الولد أيضا مشاعر السى والحزن عند‬
‫والديه لضر يصيبه‪ ..‬والمطلوب هو التوازن في المحبة وإيثار‬
‫محبة الله ورسوله في حالة التعارض‪.‬‬
‫الضابط الثالث‪ :‬الصبر على وفاة الطفل واحتسابه عند الله تعالى‬
‫من غير جزع ول عويل ول صياح وقد جاء في الصحيح فيما رواه‬
‫الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" :‬ما يزال البلء ينزل بالمؤمن والمؤمنة‬
‫في نفسه وولده وماله حتى يلقي الله وما عليه من خطيئة"‪.‬‬

‫كيف نربي أبناءنا تربية صحية؟‬


‫الصحة وسيلة من وسائل القوة التي دعا إليها السلم لن‬
‫"المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي‬
‫كل خير" (رواه مسلم) كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫بذلك‪ .‬وقال أيضا‪" :‬إن لجسدك عليك حقا" (رواه البخاري)‪.‬‬
‫والتربية الصحية المستوحاة من منهج السلم زاخرة بالتوجهات‬
‫الحكيمة والنصائح المفيدة وحسبنا أن نشير إلى أهم السلوكيات‬
‫والعادات الصحية التي ينبغي أن ينشأ عليها الولد‪:‬‬
‫من ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬تعويدهم سنة السواك‪ :‬لقول الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري‪" :‬لول أن أشق على‬
‫أمتي لمرتهم بالسواك عند كل صلة" وقد أثبت الطب الحديث‬
‫مفعول السواك واحتوائه على كيميائية طبيعية تفيد السنان‬
‫وتقوي اللثة بشكل فعال ول مانع من إضافة الفرشاة الحديثة مع‬
‫المعجون‪ ..‬وعلى المربي أن ينبه ولده أو تلميذه إلى الطريقة‬
‫المثلى لستعمال السواك فل يستعمله داخل المسجد ول في‬
‫مجالس العلم ول في وجوه الناس وإنما يستعمله في المواضع‬
‫المسنونة عند الوضوء وهو المعنى المقصود في الحديث‬
‫الشريف "عند كل صلة"‪ -‬وعند تغير رائحة الفم‪ -‬وعند دخول‬
‫البيت والقدوم من السفر‪ -‬ووقت الحاجة إليه‪.‬‬
‫‪ -‬تعويدهم تقليم الظفار والهتمام بالنظافة وذلك من خلل‬
‫المحافظة على الوضوء والغتسال ورعاية السنن السلمية لقول‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح "خمس من‬
‫الفطرة" وذكر منها وتقليم الظفار"‪.‬‬
‫‪ -‬غرس الداب النبوية فيهم‪ :‬فيعودهم آباؤهم ومربوهم على‬
‫العتدال في الطعام لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في‬
‫الحديث الصحيح الذي رواه المام أحمد "ما مل آدمي وعاء شرا‬
‫من بطنه بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان ل محالة‬
‫فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه "‪.‬‬
‫‪ -‬ويعودهم على آداب الشراب وهو التنفس خارج الناء ثلثا لما‬
‫أخرجه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪" :‬كان يتنفس إذا شرب ثلثا" وزاد الترمذي‪" :‬إنه‬
‫أروأ وأبرأ وأمرأ"‪.‬‬
‫‪ -‬ويعودهم النوم على الشق اليمن وقد روى البخاري ومسلم‬
‫وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لحد الصحابة "إذا أتيت‬
‫مضجعه فتوضأ وضوءك للصلة ثم اضطجع على شقك اليمن "‬
‫ويذكرهم الدعية الواردة في ذلك من آية الكرسي والمعوذات‪.‬‬
‫‪ -‬تعويدهم النوم بعد العشاء والستيقاظ المبكر لصلة الفجر‪:‬‬
‫وقد جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الحاكم "إياكم والسمر‬
‫بعد هدأة الليل فإنكم ل تدرون ما يأتي الله من خلقه " وقد جاء‬
‫في كتاب زاد المعاد لبن القيم قول ابن عباس عندما رأى ابنا له‬
‫نائما نومة الصبحة فقال له‪" :‬قم أتنام في الساعة التي تقسم‬
‫فيها الرزاق "‪.‬‬
‫البرنامج الصحي للولد‬
‫من السباب الواقية لصحة الولد‪:‬‬
‫‪ -‬تعويدهم على سلوك الرياضة وتمارين العضاء ول سيما‬
‫السباحة والرمي وركوب الخيل والمصارعة وقد ثبت أن الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم كان يجري مسابقات الجري بين الطفال‬
‫لقبولهم في دخول الجيش وملقاة العدو‪.‬‬
‫‪ -‬ومن السباب الواقية تعويذهم من العين والسحر والجان جاء‬
‫في كتاب و الذكار للنووي "باب ما يعوذ به الصبيان وغيرهم‪:‬‬
‫وفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‪" :‬كان‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين‬
‫"أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل‬
‫عين لمة" فيقول‪" :‬إن أباكما كان يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق "‬
‫قال العلماء‪ :‬الهامة هي كل ذات سم يقتل كالحية وغيرها وأما‬
‫العين اللمة هي التي تصيب ما نظرت إليه بسوء‪.‬‬
‫‪ -‬ومن ذلك إبعاد الولد عن المراض المعدية لن تأثر الصغار‬
‫الصحاء بالمرضى يكون أكثر من غيرهم وفي الصحيحين "ل‬
‫يوردن ممرض على مصح "‪.‬‬
‫‪ -‬ومن ذلك تعويد الولد على التقشف وعدم الغراق في التنعم‬
‫وقد جاء الحث على ذلك في أحاديث الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم ونصائح الصحابة رضي الله عنهم‪.‬‬
‫يقول عليه الصلة والسلم في الحديث الذي رواه المام أحمد‪:‬‬
‫"إياكم والتنعم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين "‪.‬‬
‫ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه‪" :‬اخشوشنوا فإن النعمة‬
‫ل تدوم " وقد ثبت طبيا أن الترف والتنعم سبيلن إلى فساد‬
‫الجسم وإحاطته بمختلف المراض‪.‬‬
‫‪ -‬وقاية الولد من أسباب الحوادث والكوارث‪ :‬فيوصى الطباء‬
‫بعدم رمي الدوية الفائضة عن الحاجة وعدم تركها في متناول‬
‫الطفال وأخذ الحيطة والحذر من مصادر الخطر على الولد‬
‫كالسموم الخاصة بالحشرات والمواد القابلة للشتعال والواني‬
‫الخاصة بغلي الماء واللعاب النارية وأدوات الكهرباء وأسلكها‬
‫واللت الحادة والجهزة الكهربائية‪ .‬ويمكن أن تندرج هذه‬
‫النصائح وغيرها في القاعدة الذهبية التي دعا إليها السلم "ل‬
‫ضرر ول ضرار"‪.‬‬
‫‪ -‬ومن توجيهات الصحة والسلمة في السلم مداواة الولد عند‬
‫المرض لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي‬
‫رواه مسلم وأحمد "لكل داء دواء فإذا أصاب الدواء الداء برأ‬
‫بإذن الله عز وجل "‪.‬‬
‫‪ -‬ومما يلحق بالمداواة ويدخل في مسؤولية الوالدين والمربين‬
‫وقاية الطفال من المراض المعدية والسارية منذ اليام الولى‬
‫لولدتهم وأهم المراض الخطيرة التي ينبغي تحصين الولد منها‪:‬‬
‫مرض السل‪ -‬الجدري‪ -‬الدفتريا‪ -‬السعال الديكي‪ -‬والتيتانوس‪-‬‬
‫الحصبة‪ -‬شلل الطفال‪ -‬التيفوئيد عند الحاجة‪ .‬وذلك وفق الجدول‬
‫الزمني لمراكز الصحة المختصة‪.‬‬
‫كيف نحصن أبناءنا من النحرافات الخلقية؟‬
‫من أخطر النحرافات الخلقية عند المراهقين والشباب وقوعهم‬
‫في رذيلة الزنا واللواط وقد أجمع الفقهاء على حرمة هاتين‬
‫الفاحشتين تحريما قطعيا وذلك للدلة الشرعية الصريحة من‬
‫الكتاب والسنة‪ .‬أما دليل الكتاب فيما يتعلق بحرمة الزنا فلقول‬
‫سبِيلً}‪.‬‬
‫ساءَ َ‬
‫ة وَ َ‬ ‫ن فَا ِ‬
‫ح َ‬
‫ش ً‬ ‫الله تعالى‪{:‬وَل تَقَْربُوا الّزِنَى إِن َّ ُ‬
‫ه كَا َ‬
‫ومن السنة‪ :‬يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث‬
‫الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما‪" :‬ل يزني الزاني حين يزني‬
‫وهو مؤمن " وفيما يتعلق بحرمة اللواط يقول الله تعالى‪:‬‬
‫َ ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫خلَقَ لَك ُ ْ‬
‫م َربُّك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ن * وَتَذَُرو َ‬
‫ن َ‬ ‫مي َ‬‫ن الْعَال َ ِ‬‫م َ‬‫ن ِ‬‫ن الذُّكَْرا َ‬
‫{أتَأتُو َ‬
‫أ َزواجك ُم ب ْ َ‬
‫ن}‪.‬‬ ‫م ع َادُو َ‬ ‫م قَوْ ٌ‬
‫ل أنْت ُ ْ‬ ‫ْ َ ِ ْ َ‬
‫ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه‬
‫مل عمل‬ ‫مل عمل قوم لوط ملعون من ع ِ‬ ‫الحاكم‪" :‬ملعون من ع ِ‬
‫مل عمل قوم لوط " ولخطورة هذه‬ ‫قوم لوط ملعون من ع ِ‬
‫الجرائم في السلم فقد جاءت عقوبة الزنى مائة جلدة مع‬
‫التغريب للزاني غير المحصن أما الزاني المحصن فعقوبته الرجم‬
‫حتى الموت‪.‬‬
‫أما عقوبة اللوطي فقد أجمع العلماء على أن اللواط زنى‬
‫واختلفوا في تحديد العقوبة فجمهور الفقهاء والمجتهدين ذهبوا‬
‫إلى قتل الفاعل والمفعول به ويرى آخرون أن حد الفاعل هو حد‬
‫الزنى‪ ،‬وحكمة السلم ظاهرة في اتخاذ هذا الموقف المتشدد‬
‫من هاتين الفاحشتين‪.‬‬
‫فالزنى واللواط لهما أضرار صحية وجسمية ونفسية واجتماعية‬
‫من ذلك‪ :‬يسبب الزنى واللواط مرض الزهري ومرض السيلن‬
‫والمراض المعدية الفتاكة ويؤدي الزنى إلى اختلط النساب‬
‫وكثرة أبناء الحرام وضياع النسل وفصم أواصر الزوجية وتفكك‬
‫وحدة السرة والنطلق في حمأة الرذيلة والفساد وقتل الشهامة‬
‫والمروءة وفقدان الرجولة والكرامة‪.‬‬
‫وعلج ظاهرة الزنى واللواط إنما تتم من خلل التربية الصحيحة‬
‫التي تقوم على أساس اليمان والخلق وتيسير سبل الزواج‬
‫المبكر للشباب والبعد بهم عن مهيجات الشهوة من تبرج‬
‫واختلط‪.‬‬

‫حكم اللعب بالميسر واليانصيب‪:‬‬


‫ويدخل من ضمن المحرمات اللعب بالميسر واليانصيب لقول‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬‫صا ُ‬ ‫سُر وَاْلن ْ َ‬ ‫مُر وَال ْ ََ‬
‫مي ْ ِ‬ ‫خ ْ‬‫ما ال ْ َ‬ ‫منُوا إِن َّ َ‬ ‫نآ َ‬‫الله تعالى‪{ :‬يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫مل ال َّ‬ ‫َ‬
‫ن * إِن َّ َ‬
‫ما‬ ‫حو َ‬ ‫م تُفْل ِ ُ‬ ‫جتَنِبُوه ُ لَعَل ّك ُ ْ‬
‫ن فَا ْ‬ ‫شيْطَا ِ‬ ‫ن عَ َ ِ‬‫م ْ‬ ‫س ِ‬
‫ج ٌ‬ ‫م رِ ْ‬ ‫وَاْلْزل ُ‬
‫شيطَا َ‬
‫مر‬
‫خ ْ ِ‬ ‫ضاءَ فِي ال ْ َ‬ ‫م الْعَدَاوَة َ وَالْبَغْ َ‬ ‫ن يُوقِعَ بَيْنَك ُ َُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫يُرِيد ُ ال َّ ْ‬
‫صلة فَه ْ َ‬ ‫ّ‬
‫ن}‪.‬‬ ‫منْت َ ُهو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ل أنْت ُ ْ‬ ‫ن ال َّ ِ َ‬ ‫ن ذِكْرِ اللهِ وَع َ ِ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫صدَّك ُ ْ‬ ‫سرِ وَي َ ُ‬ ‫وَال ْ َ‬
‫مي ْ ِ‬
‫فقد نهى الله عن لعب الميسر وما شابهه من اليانصيب لنه‬
‫يؤدي للقمار والحكمة في تحريم هذا النوع من اللهو لنه يؤدي‬
‫إلى إيقاع العداوة والبغضاء والصد عن سبيل الله وعن الصلة‬
‫كما يورث الشجار بين اللعبين‪ .‬وقد حذر الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم من ذلك أشد تحذير فقال‪" :‬من لعب بالنردشير‬
‫فكأنما غمس يده في لحم خنزير ودمه " (رواه أبو داود)‪.‬‬
‫الولد‪ ..‬والعادات الخاطئة‬
‫من المراض المتفشية عند بعض الولد البالغين والمراهقين‬
‫ظاهرة العادة السرية‪ ..‬وهي سلوك خاطئ ومضر وأكثر ما‬
‫تنتشر هذه العادة في الوسط المليء بالفتن والختلط والتبرج‬
‫وخروج النساء سافرات في الطرقات والمنتزهات وأماكن العمل‬
‫وتساهم المجلت الخليعة والفلم الهابطة والقصص الغرامية في‬
‫إثارة الشباب وتهييج الناحية الجنسية لديهم مما يلجئهم إلى‬
‫إشباع شهواتهم عن طريق الحرام أو العادة السرية‪ .‬ولخطورة‬
‫استعمال العادة السرية فقد أكد العلماء والطباء أنها تسبب‬
‫أضرارا جسمية وجنسية وعقلية على صحة النسان‪.‬‬
‫من الضرار الجسمية‪ :‬إنهاك في القوى‪ -‬ونحول في الجسم‬
‫وارتعاش بالطراف وخفقان بالقلب‪ -‬وضعف بالبصر والذاكرة‬
‫وإخلل بالجهاز الهضمي وإصابة الرئتين باللتهابات التي تؤدي‬
‫إلى السل في أغلب الحيان وقد تؤثر على الدورة الدموية في‬
‫الجسم وتسبب فقر الدم‪ .‬ومن المراض الجنسية مرض العنة‬
‫وهو عدم قدرة الشباب على الزواج‪ .‬ومن المراض النفسية‬
‫والعقلية‪ :‬الذهول والنسيان وضعف الرادة وضعف الذاكرة‬
‫والميل إلى العزلة وكثرة الخجل والشعور بالخوف والكسل‬
‫والكآبة والحزن والتفكير بارتكاب الجرائم والنتحار‪.‬‬
‫وقد استدل العلماء على حرمة ممارسة العادة السرية بقول الله‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن * إ ِ ّل‬‫حافِظُو َ‬ ‫م َ‬ ‫جهِ ْ‬‫م لِفُُرو ِ‬
‫ن هُ ْ‬ ‫تعالى في سورة المؤمنون‪{:‬وَال ّذِي َ‬
‫َ‬ ‫ع َلَى أ َزواجه َ‬
‫ن‬
‫م ِ‬ ‫ن * فَ َ‬
‫مي َ‬‫ملُو ِ‬‫م غَيُْر َ‬‫م فَإِنَّهُ ْ‬‫مانُهُ ْ‬‫ت أي ْ َ‬ ‫ملَك َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م أوْ َ‬‫ْ َ ِ ِ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن} فيدخل في عموم هذه الية‬ ‫م العَادُو َ‬ ‫ابْتَغَى وََراءَ ذَل ِك فَأولئ ِك هُ ُ‬
‫ن} كل تفريغ للشهوة‬ ‫م الْعَادُو َ‬ ‫ك هُ ُ‬‫ك فَأُولَئ ِ َ‬ ‫ن ابْتَغَى وََراءَ ذَل ِ َ‬ ‫{فَ َ‬
‫م ِ‬
‫عن غير طريق الزواج وملك اليمين كالزنى واللواط والستمناء‬
‫باليد (العادة السرية)‪ ،‬والعلج الناجح في استئصال هذه الظاهرة‬
‫هو الشروع في الزواج المبكر وتيسير أسبابه فإن لم يتيسر‬
‫مبكرا فيوجه البناء إلى صوم النفل للحديث المتفق عليه عن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‪" :‬يا معشر الشباب من‬
‫استطاع منكم الباءة (تكاليف الزواج) فليتزوج فإنه أغض للبصر‬
‫وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء (أي‬
‫قاطع للشهوة)‪.‬‬
‫ومن تمام العلج إبعاد الولد عن المثيرات الجنسية وملء‬
‫فراغهم بما ينفع وإيجاد الصحبة الصالحة لهم والحرص على‬
‫ممارسة النشطة الثقافية والرياضية وتوجيههم لرحلت الحج‬
‫والعمرة وتشجيعهم على ممارسة الهوايات النافعة‪.‬‬
‫تحصين البناء من خطر المخدرات‬
‫ظاهرة انتشار المسكرات والمخدرات بين الصغار والشباب‬
‫والكبار ظاهرة خطيرة تنذر بشر كبير وهي تنتشر في الوسط‬
‫الذي ل يهتم بالدين ول بالخلق السلمية وأكثر من يتعرض لها‬
‫الولد المشردون والعاقون لبائهم وأمهاتهم والمبتلون برفقة‬
‫السوء والذين فقدوا الرقابة والشراف من أهليهم‪.‬‬
‫والمتعاطون للمخدرات والمسكرات واقعون في الثم والمعصية‬
‫لن خطر هذه السموم على النفس والمجتمع واضح وبين وكل‬
‫ما من شأنه الضرر بصحة النسان كان محرما في دين الله‪ ..‬وقد‬
‫أثبت الطب ضرر هذه السموم فهي‪ :‬تسبب الجنون والمراض‬
‫العصبية والمعوية والمعدية وتشل حدة الفكر والذهن وتحدث‬
‫آلما في الجهاز الهضمي وتفقد الشهية في الطعام وتسبب سوء‬
‫التغذية والهزل والخمول والضعف الجنسي وتؤدي إلى تصلب‬
‫النسجة والشرايين فضل عن الخسائر المادية التي يترتب عليها‬
‫إفلس المدمنين وخراب بيوتهم‪.‬‬
‫والدليل على حرمة هذه السموم من خمر ومخدرات بمختلف‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مُر‬‫خ ْ‬ ‫ما ال ْ َ‬ ‫منُوا إِن َّ َ‬‫نآ َ‬ ‫أنواعها ومسمياتها قول الله تعالى {يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫مل ال َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫جتَنِبُو ُ‬ ‫ن فَا ْ‬ ‫شيْطَا ِ‬ ‫ن عَ َ ِ‬ ‫م ْ‬‫س ِ‬ ‫ج ٌ‬ ‫م رِ ْ‬ ‫ب وَاْلْزل ُ‬ ‫صا ُ‬ ‫سُر وَاْلن ْ َ‬ ‫مي ْ ِ‬ ‫وَال ْ َ َ‬
‫شيطَا َ‬
‫م الْعَدَاوَ َ‬
‫ة‬ ‫ن يُوقِعَ بَيْنَك ُ َ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ما يُرِيد ُ ال َّ ْ‬ ‫ن * إِن َّ َ‬ ‫حو َ‬ ‫م تُفْل ِ ُ‬ ‫لَعَل ّك ُ ْ‬
‫ّ‬ ‫صدَّك ُ ْ‬ ‫مرِ وَال ْ َ‬ ‫ضاءَ فِي ال ْ َ‬ ‫وَالْبَغْ َ‬
‫صلةِ‬ ‫ن ال َّ‬ ‫ن ذِكْرِ اللهِ وَع َ ِ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫سرِ وَي َ ُ‬ ‫مي ْ ِ‬ ‫خ ْ‬
‫فَه ْ َ‬
‫ن}‪ .‬وأما السنة فيقول الرسول صلى الله عليه‬ ‫منْت َ ُهو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ل أنْت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫وسلم في تحريم الخمر في الحديث الذي رواه أبو داود "لعن‬
‫الله الخمر وشاربها وساقيها ومبتاعها وبائعها وعاصرها ومعتصرها‬
‫وحاملها والمحمولة إليه"‪.‬‬
‫وتحريم كل أنواع المخدرات يندرج في عموم قول الله تعالى‪:‬‬
‫َ‬ ‫ح ُّ‬
‫ث}‪.‬‬ ‫خبَائ ِ َ‬‫م ال ْ َ‬ ‫م ع َلَيْهِ ُ‬
‫حّرِ ُ‬‫ت وَي ُ َ‬ ‫م الط ّيِّبَا ِ‬ ‫ل لَهُ ُ‬ ‫{وَي ُ ِ‬
‫وفي السنة ما رواه المام أحمد عن أم سلمة زوج النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم أنها قالت‪" :‬نهى رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم عن كل مسكر ومفتر"‪.‬‬
‫والمنهج السليم للتخلص من ظاهرة انتشار المسكرات‬
‫والمخدرات إنما يكون بمنع تداول هذه السموم وتجفيف أوكار‬
‫بيعها وسن القوانين الصارمة للمخالفين وتوقيع العقوبات‬
‫الزاجرة لمرتكبيها وتوجيه الولد لستغلل أوقاتهم فيما يعود‬
‫عليهم بالنفع وتربيتهم التربية الصالحة القائمة على الدين‬
‫والخلق لينالوا الحصانة التامة من هذه السموم‪.‬‬
‫ما يهم الباء والمربين‬
‫س‪ :‬هل يجوز للم اصطحاب رضيعها إلى المسجد؟‬
‫ج‪ :‬يجوز للم أن تحمل رضيعها للذهاب إلى المسجد وتصلي في‬
‫جماعة إذا رغبت وأذن لها زوجها حتى كان رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم يخفف صلته ويسرع فيها رأفة ورحمة بالصغير‬
‫مخافة أن تفتن أمه بالصلة وهي تسمع بكاءه‪ ،‬ورد في صحيح‬
‫البخاري ومسلم‪" :‬أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪ :‬إني‬
‫لدخل في الصلة فأريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في‬
‫صلتي مما أعلم من وجد أمه من بكائه "‪.‬‬
‫س‪ :‬متى تغلب مصلحة السلم على حب الولد؟‬
‫ج‪ :‬مع أهمية العاطفة المتأججة نحو الولد من حب وعطف‬
‫ورحمة إل أن هذه المشاعر ينبغي أل تطغى على الجهاد في‬
‫سبيل الله وتبليغ دعوة الله في الرض لن مصلحة السلم فوق‬
‫كل المصالح والعتبارات وقد روى البخاري ومسلم عن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‪" :‬ل يؤمن أحدكم حتى أكون‬
‫أحب إليه من ماله وولده والناس أجمعين "‪.‬‬
‫س‪ :‬ما هو ثواب الصابر على موت ولده؟‬
‫ب‪ :‬على المسلم أن يؤمن بقضاء الله وقدره وأن لله ما أعطى‬
‫ولله ما أخذ وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث‬
‫الذي يرويه البخاري ومسلم مخاطبا النساء‪" :‬ما منكن امرأة‬
‫يموت لها ثلثة من الولد إل كانوا لها حجابا من النار فقالت‪:‬‬
‫امرأة واثنان؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬واثنان "‬
‫فمن صبر واحتسب كان ثوابه الجنة وكان ولده المتوفى حجابا له‬
‫من النار"‪.‬‬
‫س‪ :‬ما حكم ختان الولد؟‬
‫ج‪ :‬الختان رأس الفطرة وشعار السلم وهو واجب على الذكور‬
‫ومن لم يبادر إليه في إسلمه ولم يقم على تنفيذه قبل بلوغه‬
‫فإنه يكون آثما مرتكبا المعصية لكون الختان شعارا من شعائر‬
‫السلم وبه يتميز المؤمن عن الكافر وبسببه يتمتع المختتن‬
‫بصحة جيدة ويتحرر من كثير من المراض الفتاكة‪.‬‬
‫س‪ :‬ما حكم ختان البنت؟‬
‫ج‪ :‬أجمع الفقهاء والئمة المجتهدون على أن الختان مستحب‬
‫للنثى وليس بواجب وحجتهم في ذلك أن الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم لما شرع لمة السلم الختان كان يخص الرجال دون‬
‫الناث ولم يثبت أنه عليه الصلة والسلم أمر امرأة بالختتان إل‬
‫ما ورد على سبيل الستحباب فيما رواه المام أحمد عن شداد‬
‫بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‪" :‬الختان سنة‬
‫للرجال ومكرمة للنساء"‪.‬‬
‫ما يهم البناء من أحكام‬
‫س‪ :‬كيف تغتسل الفتاة؟‬
‫ج‪ :‬على الم والمربية أن تعلم فتاتها أحكام الغسل من الحيض‬
‫والجنابة لتكون على علم بأمور دينها فقد لوحظ جهل بعض‬
‫الفتيات والفتيان بأمور الغتسال من الجنابة وقد تستمر الفتاة‬
‫زمنا طويل فل تعرف شيئا من هذه الحكام وكذلك الفتى يقع في‬
‫الجنابة ول يعرف كيف يغتسل‪ ..‬وإذا فقد الماء كيف يتصرف‪.‬‬
‫أول‪ :‬أحكام غسل الفتاة من الحيض والجنابة‪:‬‬
‫‪ -1‬أن تنوي الغسل بالقلب دون النطق بالنية‪.‬‬
‫‪ -2‬أن تذكر اسم الله بقولها بسم الله ثم تغسل اليدين ثلثاً‬
‫بالماء‪.‬‬
‫‪ -3‬أن تتوضأ وضوءا ً كاملً‪.‬‬
‫‪ -4‬أن تصب الماء على رأسها وليس شرطا ً أن تنقض رأسها إن‬
‫كان مشدودا ً وإن كان النقض هو الفضل والحوط‪..‬‬
‫‪ -5‬غسل سائر البدن بدءا بالجهة اليمنى‪.‬‬
‫س‪ :‬وكيف يغتسل الفتى من الجنابة؟‬
‫ج‪ :‬هي نفس شروط الغسل للفتاة مع ملحظة أن ينثر الرجل‬
‫شعره إن كانت له ظفائر ويخلل شعر رأسه ولحيته بالماء‪ .‬وإذا‬
‫لم يجد من يجب عليه الغسل الماء لبعده أو خاف زيادة المرض‬
‫باستعمال الماء أو ما وجد ما يسخن به الماء في البرد وخاف‬
‫عدوا أو عطشا فله أن يتيمم‪.‬‬
‫وطريقة التيمم ضربتان على كل طاهر من جنس الرض كالرمل‬
‫والحجر والتراب ضربة لمسح وجهه وضربة ليديه مع مرفقيه لما‬
‫ورد في صحيح الحاكم "التيمم ضربتان‪ :‬ضربة للوجه وضربة‬
‫للذراعين إلى المرفقين "‪.‬‬
‫س‪ :‬ما حكم الشرع في التدخين؟‬
‫ج‪ :‬أثبت الطب أن الدخان يخدر العقل ويفتر الجسم وأنه يضر‬
‫بالصحة فيورث السل وسرطان الرئة‬
‫ويضعف الذاكرة ويقلل الشهية ويسبب اصفرار الوجه والسنان‬
‫ويضيق التنفس ويهيج العصاب ويحدث انحطاطا عاما في‬
‫الجسم ويميع الخلق ويعود على الكسل والسترخاء فضل عن‬
‫إضاعة المال‪ .‬لهذه الضرار وغيرها فإن شرب الدخان حرام وقد‬
‫أجمع الفقهاء والمجتهدين أن ما يؤدي إلى الضرر ويوقع في‬
‫المهالك فاجتنابه واجب وفعله حرام لعموم قول الله تعالى‪{:‬وَل‬
‫م إِلَى التَّهْلُكَةِ} ول يشك أحد من الناس أن الدخان‬ ‫َ‬
‫تُلْقُوا بِأيْدِيك ُ ْ‬
‫يدخل في دائرة الخبائث لما اشتمل عليه من الضرار والرائحة‬
‫الكريهة والله سبحانه وتعالى جعل من مهمة الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪" :‬ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث "‪.‬‬
‫وفي الحديث الذي رواه المام أحمد "نهى رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر" أي مخدر والدخان يخدر‬
‫العقل ويفتر الجسم كما ذكر‪.‬‬
‫البناء والعقوبات الهادفة‬
‫العقوبة في مفهوم التربية السلمية عقوبة هادفة وموجهه فليس‬
‫المقصود منها النتقام من المخطئ أو إلحاق الضرر به أو إقامة‬
‫الحد عليه كما أنها ليست هي الوسيلة الوحيدة في تقويم اعوجاج‬
‫البناء‪ ..‬العقوبة وسيلة واحدة من وسائل التربية السلمية‬
‫المتعددة وهي تستهدف خير البناء وصلحهم وتكون مشفوعة‬
‫بالرحمة والشفقة ومنضبطة بضوابط مشروعة ل تنفصل عنها‬
‫وهي في حالة التطبيق تأخذ شكل التدرج والبدء بالعقوبة الخف‬
‫فالشد‪ .‬ومن هذه العقوبات‪:‬‬
‫‪ -1‬النصح والرشاد والتنبيه وقد مارس الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم هذا السلوب تجاه أحد البناء المخالفين فقد رأى الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم غلما تطيش يده في الطعام فقال له‬
‫يعلمه طريقة الكل‪" :‬يا غلم سم الله تعالى وكل بيمينك وكل‬
‫مما يليك " متفق عليه‪.‬‬
‫‪ -2‬العراض‪ :‬جاء في صحيح الجامع "كان رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم إذا اطلع على أحد من أهل بيته كذبة لم يزل معرضا‬
‫عنه حتى يحدث توبة"‪.‬‬
‫‪ -3‬التعبيس‪ :‬قد يفيد بعض النفوس فيردعها عن أخطائها‪.‬‬
‫‪ -4‬الزجر‪ :‬ومثاله زجر الرسول صلى الله عليه وسلم للحسن بن‬
‫علي رضي الله عنهما بقوله‪ ":‬كخ كخ أرم بها أما علمت أنا ل‬
‫نأكل الصدقة" (رواه مسلم)‪.‬‬
‫الكف عن العمل‪ :‬فقد طلب الرسول المربي صلى الله عليه‬
‫وسلم من الشخص الذي تجشأ في حضرته قائل له‪" :‬كف عنا‬
‫جشاءك " "صحيح الجامع "‪.‬‬
‫‪ -‬الهجر‪ :‬إذا احتاج إليه المربي كأن يترك الولد الصلة أو تصدر‬
‫منه بعض الكلمات المخلة بالداب وأكثر الهجر ثلثة أيام لحديث‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم الوارد في صحيح الجامع "ل يحل‬
‫لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلث"‪.‬‬
‫‪ -‬التوبيخ وهو عبارة عن شدة في القول يفعله المربي لمن ل‬
‫يقبل النصح‪.‬‬
‫تعليق العصا يستحب للمربي أبا ً كان أو مدرسا أن يعلق السوط‬
‫على الجدار ليراه الولد فينزجروا لقول الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم فيما ورد في صحيح الجامع "علقوا السوط حيث يراه أهل‬
‫البيت فإنه أدب لهم "‪.‬‬
‫قال العلماء لم يرد به الضرب لنه لم يأمر بذلك أحدا وإنما أراد‬
‫ل ترفع أدبك عنهم‪.‬‬
‫ولتنويع هذه الساليب في العقوبة حكمة تتناسب مع اختلف‬
‫النفوس وتنوعها فنفس ينفع معها النصح ول يجدي معها الزجر‬
‫وأخرى يردعها الزجر ول تقبل الهجر ونفس ل تنصاع للحق‬
‫وترعوي عن الشر إل بالتخويف والترهيب والضرب‪ ..‬وهكذا‬
‫الناس مشارب مختلفة‪ ..‬وكل ميسر لما خلق له‪.‬‬

‫عقوبة الضرب بين المؤيدين و المعارضين‬


‫التربويون على اختلف شديد في مسألة عقوبة الضرب فهم بين‬
‫الفراط والتفريط بين المانعين للضرب والمعارضين له وبين‬
‫الخذين به على الطلق‪ .‬والمنهج التربوي السلمي وسط بين‬
‫هؤلء وهؤلء فهو ل يقر ضرب الولد إل في حدود ضيقة‬
‫وبضوابط معلومة ويعطي المربي حق استخدام هذا السلوب‬
‫عندما ل يغني غيره من الساليب‪ .‬قال علماء التربية في السلم‪:‬‬
‫يجوز للمربي أن يضرب ضربا خفيفا إذ لم تنفع الوسائل الخرى‬
‫وذلك بعد سن العاشرة إذ ل ضرب للطفل قبل العاشرة قياسا‬
‫على الحديث الصحيح الذي رواه البزار "علموا أولدكم الصلة إذا‬
‫بلغوا سبعا واضربوهم عليها إذا بلغوا عشرا وفرقوا بينهم في‬
‫المضاجع "‪.‬‬
‫وللضرب في السلم ضوابط من ذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬استنفاذ الوسائل التربوية قبله من نصح وتوجيه وتعبيس وزجر‬
‫وهجر وتوبيخ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يكون الضرب مساويا للعقوبة‪.‬‬
‫‪ -3‬أن ل يزيد المربي في ضربه عن عشر ضربات‪.‬‬
‫لما ورد في البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬كان‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم يقول‪" :‬ل يجلد فوق عشر جلدات إل‬
‫في حد من حدود الله "‪.‬‬
‫‪ -4‬ويجب في السوط كما يقول العلماء‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن يكون معتدل الحجم فيكون بين القضيب والعصا‪.‬‬
‫ب‪ -‬وأن يكون معتدل الرطوبة فل يكون رطبا ً يشق الجلد لثقله‬
‫ول شديد اليبوسة فل يؤلم لخفته‪.‬‬
‫ج‪ -‬ول يتعين لذلك نوع بل يجوز بسوط وبعود وخشبة ونعل‬
‫وطرف ثوب بعد فتله حتى يشتد‪.‬‬
‫‪ -5‬وقال العلماء في طريقة الضرب‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن يكون مفرقا ً ل مجموعا ً في محل واحد‪.‬‬
‫ب‪ -‬أن يكون بين الضربتين زمن يخف به ألم الول‪.‬‬
‫ج‪ -‬أن يرفع الضارب ذراعه لينقل السوط لعضده حتى يرى‬
‫بياض إبطه فل يرفعه أكثر من ذلك لئل يعظم ألمه‪.‬‬
‫‪ -6‬أن يتقي المربي والب ضرب الوجه والفرج والرأس والمقتل‪.‬‬
‫وفي الحديث الذي رواه أبو داود "إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه‬
‫"‪.‬‬
‫وأجمع أهل العلم أن أفضل مكان للضرب اليدان والرجلن‪.‬‬
‫‪ -7‬أن يتجنب الغضب عند الضرب للحديث الذي رواه الجماعة "ل‬
‫يقضين حاكم بين اثنين وهو غضبان "‪.‬‬
‫‪ -8‬أوصى العلماء عند الضرب بالبتعاد عن بذاءة اللسان في‬
‫السب والشتم وتقبيح الولد كقول من يقول يا قرد‪ -‬يا كلب‪.‬‬
‫‪ -9‬وعلى المربي أن يطيل النظر في شأن الولد قبل القدام على‬
‫الضرب فلعل حالة التقصير والعناد عنده ناشئة من مرض عضوي‬
‫أو مرض نفسي أو خطأ غير متعمد أو لعله واقع تحت تأثير سحر‬
‫أو مس أو حسد أو عين‪ ..‬ولكل حالة من هذه ما يناسبها من‬
‫علج‪.‬‬
‫كيف نغرس قيمة الوقت عند أبنائنا؟‬
‫كثيرا ما يتكلم المربون والمدرسون عن قيمة الوقت وأنه‬
‫كالسيف إن لم تقطعه قطعك وأن الوقت هو الحياة‪ .‬وأن‬
‫الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة‪ .‬ولكن قلما‬
‫يهتدي البناء والمنصوحون إلى الطريقة المثلى في حفظ‬
‫الوقات والنتفاع بالساعات‪ ..‬وإنك ترى بعض الناس تمر بهم‬
‫الساعات واليام والسنون وهم هم إن لم ينقصوا لم يزيدوا ولم‬
‫يزدادوا علما ولم يؤسسوا مجدا ولم ينالوا خيرا ولم يحققوا‬
‫فخرا‪.‬‬
‫وأول توجيه ينبغي أن يغرسه المربي في نفوس طلبه وأبنائه‬
‫الهتمام بقيمة الوقت والغيرة على فواته أو تضييعه لن المضيع‬
‫لوقته مضيع لحياته كلها وفي الحديث الشريف‪" :‬ل تزول قدما‬
‫عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع‪ :‬منها‪" :‬وعن عمره فيما‬
‫أفناه " (رواه الترمذي)‪ ..‬وأنه ما من يوم تشرق فيه الشمس إل‬
‫وينادى أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد فاغتنم مني فإني ل أعود‬
‫إلى يوم الوعيد‪.‬‬
‫وثاني توجيه لحفظ الوقات التذكير بسيرة العظماء والنبلء‬
‫والعلماء الذين ما بلغوا ذرى المجد والرفعة إل باستغلل أوقاتهم‬
‫والحرص على عدم تضييعها‪ ،‬روي عن عبد الله بن مسعود رضي‬
‫الله عنه أنه كان يقول‪" :‬ما ندمت على شيء ندمي على يوم‬
‫غربت شمسه‪ ،‬نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي "‪ .‬وقال‬
‫الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه‪" :‬إن الليل‬
‫والنهار يعملن فيك فاعمل فيهما"‪.‬‬
‫وقال الحسن البصري رحمه الله‪" :‬أدركت أقواما ً كانوا على‬
‫أوقاتهم أشد منكم حرصا على دراهمكم ودنانيركم "‪.‬‬
‫وقال المام الشافعي رحمه الله "نفسك إن لم تشغلها بالحق‬
‫شغلتك بالباطل‪ .‬وثالث توجيه للبناء في حفظ أوقاتهم يأتي من‬
‫حفظ العبادات فالمسلم يصلي الصلة لوقتها لقوله تعالى‪{:‬إ ِ َّ‬
‫ن‬
‫موْقُوتاً} أي فرضا مكتوبا‬ ‫ن كِتَابا ً َ‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ت ع َلَى ال ْ ُ‬ ‫صلة َ كَان َ ْ‬ ‫ال َّ‬
‫وموقوتا بأوقات محددة‪ .‬وبالمحافظة على الصلة لوقتها يغرس‬
‫المسلم في نفسه بنفسه حب الحفاظ على الوقت‪.‬‬
‫ورابع توجيه للبناء في حفظ أوقاتهم واستثمارها فيما يعود بالنفع‬
‫عليهم إشغالهم بالطاعات والعمال الصالحة كحفظ القرآن‬
‫وحفظ الحاديث الشريفة وحضور مجالس العلم والتسامي‬
‫بالطاعات من صلة وصيام والهتمام بتربية الجسم بممارسة‬
‫الرياضة المفيدة‪ .‬ويجمع ذلك قول الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬اغتنم خمسا قبل خمس‪ :‬شبابك قبل هرمك وصحتك‬
‫قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك‪ .‬وحياتك قبل‬
‫موتك "‪.‬‬
‫من وصايا الصالحين في تربية البناء‬
‫وصية لقمان لبنه‪:‬‬
‫ك‬ ‫شرِ ْ‬ ‫ي ل تُ ْ‬ ‫ه وَهُوَ يَعِظ ُ ُ‬
‫ه يَا بُن َ َّ‬ ‫ن لِبْن ِ ِ‬ ‫ما ُ‬ ‫ل ل ُ ْق َ‬ ‫قال الله تعالى‪{ :‬وَإِذ ْ قَا َ‬
‫م} أي احذر الشرك في عبادة الله‬ ‫م عَظِي ٌ‬ ‫ك لَظُل ْ ٌ‬ ‫شْر َ‬
‫ن ال ّ ِ‬ ‫بِاللَّهِ إ ِ َّ‬
‫كدعاء الموات أو الغائبين أو اعتقاد النفع والضر في أحد‬
‫ه‬‫ملَت ْ ُ‬‫ح َ‬ ‫ن بِوَالِدَيْهِ َ‬ ‫سا َ‬ ‫صيْنَا اْلِن ْ َ‬
‫المخلوقين‪ .‬ثم يقول الله تعالى‪{ :‬وَوَ َّ‬
‫َ‬ ‫أ ُ ُّ‬
‫ك‬‫شكُْر لِي وَلِوَالِدَي ْ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫نأ ِ‬ ‫مي ْ ِ‬‫ه فِي ع َا َ‬ ‫صال ُ ُ‬
‫ن وَفِ َ‬ ‫ً َ‬
‫ه وَهْنا ع َلى وَهْ ٍ‬ ‫م ُ‬
‫صيُر} وفي هذه الوصية يقرن الله سبحانه وتعالى يين‬ ‫م ِ‬ ‫ي ال ْ َ‬ ‫إِل َ َّ‬
‫عبادته وحده وبين البر بالوالدين لعظم حقهما ولكبير فضلهما‬
‫فالم حملت ولدها بمشقة والب تكفل بالنفاق فاستحقا من‬
‫الولد الشكر لله ولوالديه ثم يحذر لقمان الحكيم ابنه من الظلم‬
‫فيقول‪" :‬يا بني إنها إن تكن مثقال حبة من خردل فتكن في‬
‫صخرة أو في السماوات أو في الرض يأت بها الله إن الله‬
‫لطيف خبير" قال ابن كثير أي أن المظلمة أو الخطيئة لو كانت‬
‫مثقال حبة خردل احضرها الله تعالى يوم القيامة حين يضع‬
‫الموازين القسط ويجازي عليها إن خيرا ً فخير وإن شرا ً فشر‪.‬‬
‫ثم يأمره بالصلة التي هي عمود الدين "يا بني أقم الصلة" أي‬
‫أدها بأركانها وواجباتها بخشوع ثم يأمره بالدعوة وهداية الناس‬
‫ْ‬
‫منْكَرِ} بلطف ولين بدون شدة ولما‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ف وَان ْ َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫مْر بِال ْ َ‬ ‫{وَأ ُ‬
‫كان من طبيعة الدعوة حصول المشاق والتعرض للذى‬
‫صبِْر ع َلَى َ‬
‫ما‬ ‫والعراض أوصاه بالصبر على دعوة الناس {وَا ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫مورِ}‪.‬‬‫ن عَْزم ِ اْل ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن ذَل ِ َ‬‫ك إ ِ َّ‬ ‫صاب َ َ‬
‫أ َ‬
‫ثم أخذ ينصحه بمجموعة من الفضائل والخلق‪:‬‬
‫"ول تصعر خدك للناس " قال ابن كثير ل تعرض بوجهك عن‬
‫الناس إذا كلمتهم احتقارا منك لهم واستكبارا عليهم ولكن ألن‬
‫جانبك وابسط وجهك إليهم‪.‬‬
‫مَرحاً} أي خيلء متكبرا جبارا عنيدا ل‬ ‫َْ‬
‫ض َ‬‫ش فِي الْر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫{وَل ت َ ْ‬
‫تفعل ذلك فيبغضك الله‪.‬‬
‫ب ك ُ َّ‬ ‫َ َ‬
‫خورٍ} أي مختال عجب في نفسه‬ ‫ل فَ ُ‬ ‫ختَا ٍ‬
‫م ْ‬‫ل ُ‬ ‫ح ُّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫{إ ِ ّ‬
‫فخور على غيره‪.‬‬
‫ك} أي امش مشيا مقتصدا ليس بالبطيء‬ ‫شي ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫صد ْ فِي َ‬ ‫{وَاقْ ِ‬
‫المتثبط ول بالسريع المفرط بل عدل وسطا بين وبين‪ .‬لن خير‬
‫المور الوسط‪.‬‬
‫ك} أي ل تبالغ في الكلم ول ترفع صوتك‬ ‫صوْت ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ِ‬‫ض ْ‬ ‫{وَاغ ْ ُ‬
‫فيما ل فائدة فيه ولهذا قال‪" :‬إن أنكر الصوات لصوت الحمير"‬
‫قال مجاهد إن أقبح الصوات لصوت الحمير أي غاية من رفع‬
‫صوته أنه يشبه بالحمير في علوه ورفعه ومع هذا هو بغيض إلى‬
‫الله وهذا التشبيه بالحمير يقتضي تحريمه وذمه غاية الذم‪ .‬إن‬
‫وصية لقمان الحكيم لبنه هي وصية كل أب غيور على أبنائه لما‬
‫تحمله من توجيهات كريمة وآداب راقية‪.‬‬
‫أهم التوصيات المتعلقة بتربية الولد‬
‫يؤكد علماء الدين والتربية والسلوك بضرورة الخذ بهذه‬
‫التوصيات التي تمثل الساس في العملية التربوية لدى الولد‬
‫وبقدر الخذ بهذه التوصيات تأتي نتائج التربية وأهم هذه‬
‫التوصيات‪:‬‬
‫‪ -1‬للقدوة الحسنة أثر كبير في نفس الطفل "فأبواه يهودانه أو‬
‫يمجسانه أو ينصرانه "‪.‬‬
‫‪ -2‬للمنزل والسرة الثر البالغ في حياة الطفل فينبغي أن يحاط‬
‫بكل ما يغرس في نفسه روح الدين والفضيلة‪.‬‬
‫‪ -3‬قيام المرأة بتربية أطفالها وقيامها على خدمة زوجها يعدل‬
‫جهاد الرجل في المعركة وصلة الجمعة في المساجد‪.‬‬
‫‪ -4‬البوان مفطوران على محبة الولد فل يحرم الولد منها ومن‬
‫أهم مظاهر المحبة‪ :‬الرحمة بالولد والشفقة عليه والهتمام‬
‫بأمره‪.‬‬
‫‪ -5‬على المسلم أن يتقي الله في أولده جميعا فيسوي بينهم في‬
‫الحقوق ويعاملهم على سواء ويعدل بينهم وليحذر من كراهية‬
‫البنات فإنها جاهلية بغيضة حرمها السلم‪.‬‬
‫‪ -6‬للسلم طريقته الخاصة في إصلح الولد وتربيته فإن كان ينفع‬
‫مع الولد الملطفة بالوعظ فل يجوز للمربي أن يلجأ إلى الهجر‬
‫وإن كان ينفع الهجر أو الزجر فل يجوز له أن يلجأ إلى الضرب‬
‫وإذا عجز عن جميع الوسائل الصلحية ملطفة ووعظا وزجرا‬
‫وهجرا فل بأس بعد هذا أن يلجأ إلى الضرب غير المبرح‪.‬‬
‫‪ -7‬يحرص السلم على نفسية الطفل حرصا شديدا فيطلب من‬
‫البوين تسمية أبنائهم بالسماء الحسنة حتى ل يحصل كدر عند‬
‫مناداتهم‪.‬‬
‫‪ -8‬من مسؤولية الباء والمربين ربط الولد منذ تعقله بأصول‬
‫اليمان وتعويده منذ تفهمه أركان السلم وتعليمه من حين تميزه‬
‫مبادئ الشريعة الغراء‪.‬‬
‫وحينما تكون تربية‪ -‬الطفل بعيدة عن العقيدة السلمية مجردة‬
‫من التوجيه الديني والصلة بالله عز وجل فإن الطفل يترعرع‬
‫على الفسوق والنحلل والنحراف‪.‬‬
‫‪ -9‬الصحبة الصالحة وسيلة فاعلة من وسائل تربية الولد لن‬
‫الصبي عن الصبي ألقن وهو عنه آخذ وبه آنس والقرين بالمقارن‬
‫يقتدي فعلى البوين اختيار الرفقاء الصالحين لبنائهم‪.‬‬
‫‪ -10‬في غيبة التربية السلمية والتهذيب الخلقي تنشأ النفس‬
‫البشرية لدى الطفال وفق الهواء والرغبات والمزجة‪.‬‬
‫فمن كان مزاجه من النوع الهادي عاش في الحياة غافل بليدا حيا‬
‫كميت وموجودا كمفقود‪.‬‬
‫ومن كان يغلب على نفسه الجانب "البهيمي " جرى وراء‬
‫الشهوات والملذات يطلبها بكل وسيلة‪.‬‬
‫ومن كان مزاجه من النوع العصبي جعل همه العلو في الرض‬
‫والستكبار على الناس‪ .‬وإن كان يغلب عليه الجانب الشيطاني‬
‫دبر المكائد وفرق بين الحبة ول يصلح ذلك كله إل التربية على‬
‫اليمان والخلق‪.‬‬
‫‪ -11‬التربية اليمانية للولد بمثابة الساس للبناء والتربية الخلقية‬
‫هي ثمرة من ثمرات التربية اليمانية الراسخة‪ .‬وقد أجمع علماء‬
‫التربية على أن حياة الترف والنعيم والنغماس في الشهوات‬
‫والملذات من أفتك الوبئة في إضعاف الذاكرة وتحطيم‬
‫الشخصية وتمييع الخلق وقتل الرجولة ونشر المراض والقضاء‬
‫على فضيلة الشرف والعفاف‪.‬‬
‫‪ -12‬من واجب الباء والمهات العناية بأجسام الولد والنفقة‬
‫عليهم بسخاء وأخذهم بالقواعد الصحية في المأكل والمشرب‬
‫والنوم والتحرز من المراض السارية والمعدية ومعالجة المراض‬
‫بالتداوي والعمل بمبدأ ل ضرر ول ضرار‪.‬‬
‫وتعويد الولد على ممارسة الرياضة وألعاب الفروسية وحملهم‬
‫على حياة التقشف والخشونة وإبعادهم عن حياة الترف والميوعة‬
‫وأن ينمي المربي فيهم الجرأة الدبية والعتماد على النفس‬
‫وتحمل المسؤولية‪.‬‬
‫‪ -13‬البعد بالولد عن الفراغ والخلوة لن الفراغ يشغل النفس‬
‫بالباطل والخلوة تجلب الهواجس وتستقبل خواطر الشيطان‪.‬‬
‫‪ -14‬الصل في تربية البناء اللين وحسن المعاملة فإن احتاج المر‬
‫إلى عقوبة جاز استخدامها بشرط أل تكون ناشئة عن سورة‬
‫جهل أو ثورة غضب وأل يلجأ إليها إل في أضيق الحدود وأل يؤدب‬
‫الولد على خطأ ارتكبه للمرة الولى وأل يؤدبه على خطأ أحدث‬
‫له ألما وأل يكون أمام الخرين‪.‬‬
‫ومن أنواع العقوبة العقاب النفسي كقطع المديح أو إشعار الولد‬
‫بعدم الرضا أو توبيخه أو غير ذلك ومنها العقاب البدني الذي‬
‫يؤلمه ول يضره‪.‬‬
‫‪ -15‬من الضروري أن يرسم البوان منهاجا ثقافيا تربويا لبنائهم‬
‫منذ الصغر والطفولة يلقنونهم اليات والمفاهيم السلمية‬
‫كالشهادتين وشيء من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫وسيرة أهله وأصحابه على شكل قصص وموضوعات مختصرة‪.‬‬
‫‪ -16‬ومما يعين الولد على التربية تعويدهم على ذكر الله والتعلق‬
‫به كالتسمية عند البدء بالطعام والشراب والحمد لله عند النتهاء‬
‫منهما والستعانة به عند وصول الشدائد والشكر له عند قضاء‬
‫الحوائج وحصول الخير والحرص على تعليمهم الصلة‬
‫واصطحابهم إلى المساجد وتعليمهم تلوة القرآن الكريم‬
‫وتعريفهم بالمناسبات السلمية‪ .‬كليلة القدر والبعثة النبوية‬
‫وتاريخ المعارك السلمية‪.‬‬
‫‪ -17‬على البوين أن يحذرا سلوك التفريق في التعامل بين البناء‬
‫فإن ذلك كثيرا ما يدفعهم إلى الكراهية فيما بينهم وإلى النفور‬
‫من البوين‪.‬‬
‫‪ -18‬الحذر من سلوك النطواء والعزلة في جو العائلة عن الهل‬
‫والجيران والمجتمع فإن ذلك يترك أثره السلبي في حياة البناء‬
‫أما إذا وجد البناء آباءهم يعيشون علقات طيبة مع الرحام‬
‫والقارب والجيران والصدقاء كالزيارات وتبادل الهدايا والضيافة‬
‫والهتمام بحوائجهم فإنهم يتلقون هذه الخلق والعادات الحسنة‬
‫ويتأثرون بها‪.‬‬
‫‪ -19‬على البوين أن يحرصا على تربية الطفل على مفهوم‬
‫العتذار والتوبة إذا أخطأ وأساء فيطلب منه أن يقول‪( :‬اعتذر أو‬
‫عفوا ً أو استغفر الله‪ ..‬إلخ) مع توجيهه وإرشاده‪.‬‬
‫‪ -20‬التركيز على تعليم الولد الخلق المتعلقة بالغير كالعناية‬
‫بحسن المظهر وآداب التحية والحديث والمجلس واحترام‬
‫الخرين والصدق في القول وترك الضحك الكثير والمزاح الكثير‪.‬‬
‫‪ -21‬توجيه الولد لستثمار أوقات الفراغ والمساهمة في العمال‬
‫العامة التي تضم أقرانهم كاللعاب الرياضية والتدريب على الخط‬
‫والنجارة‪.‬‬
‫‪ -22‬تحبيب العلم إليهم وتوسيع أفق تفكيرهم في المستقبل‬
‫وتوجيههم توجيها صحيحا في هذا المجال‪.‬‬
‫‪ -23‬إبعادهم عن أصدقاء السوء وتوجيههم لختيار الصدقاء‬
‫الصالحين الذين يستفاد منهم ومراقبة سلوكهم وإسداء النصائح‬
‫لهم عندما تظهر عليهم بعض الثار غير السليمة‪.‬‬
‫‪ -24‬تعريفهم مفهوم الحلل والحرام وتدريبهم على اللتزام به‪.‬‬
‫‪ -25‬محاولة نقل التجارب الجتماعية النافعة لهم من خلل‬
‫الحديث العائلي وسرد الحكم والقصص التاريخية وتحذيرهم من‬
‫الخطاء والخطار‪.‬‬
‫‪ -26‬أن يحرص البوان على تكوين علقة طيبة بينهما فإن عدم‬
‫النسجام والخلف أو التصرفات غير السليمة بين البوين في‬
‫البيت تنعكس على سلوك الطفال والبناء فالب الذي ل يحترم‬
‫الم أو الم التي ل تحترم الب أو ما يحصل بينهما من مشاجرة‬
‫أو حالة من السخط وعدم الرضا أو جو الكآبة والكراهية كل ذلك‬
‫ينعكس سلبا على البناء ويؤثر تأثيرا مخربا في سلوكهم‬
‫وأخلقهم وحالتهم النفسية كما أن علقة البوين بالبناء وأسلوب‬
‫التعامل معهم يترك أثره الحسن أو السيئ في نفوسهم‬
‫وعلقتهم المستقبلية بالبوين وعلقتهم بالمجتمع‪.‬‬
‫فالطفل الذي ل يشعر بالحب والحنان والرعاية من أبويه قد ينشأ‬
‫طفل غير سوي عدواني السلوك والنزعة وربما ساقه ذلك‬
‫التعامل إلى التشرد والكراهية أو أصيب بعقد نفسية سلبية‪.‬‬
‫وسوء المعاملة مع الطفل المراهق وعدم احترام شخصيته قد‬
‫يقوده إلى الساءة إلى والديه وإلى الخرين وتتكون لديه عقدة‬
‫النقص‪.‬‬
‫‪ -27‬من الخطأ تحقير الولد وتعنيفه على أي تصرف خاطئ بصورة‬
‫تشعره بالنقص والمهانة‪ ..‬والصواب هو تنبيه الولد على خطئه إذا‬
‫أخطأ برفق ولين مع تبيان الحجج التي يقتنع بها في اجتناب‬
‫الخطأ‪.‬‬
‫‪ -28‬إذا أراد المربي زجر الولد وتأنيبه ينبغي أل يكون ذلك أمام‬
‫رفقائه وإنما ينصحه منفردا عن زملئه‪.‬‬
‫‪ -29‬الدلل الزائد والتعلق المفرط بالولد وخاصة من الم يؤدي‬
‫إلى نتائج خطيرة على نفس الولد وتصرفاته وقد يكون من آثاره‬
‫زيادة الخجل والنطواء نحو الميوعة والتخلف عن القران‪.‬‬
‫‪ -30‬فكرة استصغار الطفل وإهمال تربيته في الصغر فكرة باطلة‬
‫والصواب أن تبدأ التربية ويبدأ التوجيه منذ الصغر من بداية‬
‫الفطام حيث يبدأ التوجيه والرشاد والمر والنهي والترغيب‬
‫والترهيب والتحبيب والتقبيح‪.‬‬
‫‪ -31‬على البوين أن ل يستهينا بسن المراهقة لدى أبنائهما فإن‬
‫لهذه السن خصوصية من المعاملة ومن هذه الخصوصية‪ :‬القرب‬
‫منهم ومراقبتهم بعناية وإشغالهم بشيء من المباح وإبعادهم عن‬
‫أسباب النحراف والصبر على بعض تصرفاتهم‪.‬‬
‫‪ -32‬إذا بلغ الناشئ سن الزواج وأظهر رغبة فيه فينبغي أن يختار‬
‫له أبواه الزوجة الصالحة‪ ..‬وإذا بلغت البنت سن النكاح واشتهت‬
‫الرجال فينبغي أن يختار لها أبوها الزوج الصالح ول ينتظر من‬
‫يأتيها من الخاطبين فقد يغفل عنها الخاطب الصالح ويخطبها غير‬
‫الصالح‪.‬‬
‫‪ -33‬وعلى الوالدين أن يرشدا أولدهم بعد الزواج إلى الخير ول‬
‫يتدخل في شؤونهم الزوجية الخاصة وأن ل تضعف رابطة البوة‬
‫بعد الزواج‬
‫‪ .24‬محبة النبي صلى الله عليه وسلم بين الجفاة‬
‫والغلة‬
‫عدنان أمامة‬
‫إن محبة النبي صلى الله عليه وسلم أصل عظيم من أصول‬
‫السلم‪ ،‬وشرط من شروط صحة اليمان‪ ،‬قال الله تعالى‪( :‬قل‬
‫إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموا ٌ‬
‫ل‬
‫اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم‬
‫من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره‬
‫والله ل يهدي القوم الفاسقين) (التوبة‪)24 :‬‬
‫فل يجوز أن يكون حب أي عرض من أعراض الدنيا مقدما ً على‬
‫محبة الله ورسوله‪ ،‬والرسول صلى الله عليه وسلم ينفى اليمان‬
‫عمن لم يجعل محبته مقدمة على محبة الهل والمال والولد‬
‫فيقول‪ " :‬ل يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده‬
‫والناس أجمعين"‪ .‬أخرجه البخاري‪ .15/‬وحين قال عمر للنبي صلى‬
‫ى من كل شيء إل‬ ‫ب إل ّ‬
‫الله عليه وسلم‪ :‬يا رسول الله لنت أح ّ‬
‫من نفسي‪ .‬أجابه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله‪ " :‬ل‬
‫والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك"‪ .‬فقال عندها‬
‫ي من نفسي‪ ،‬فقال النبي‬ ‫عمر‪ :‬فإنه الن والله لنت أحب إل ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم‪":‬الن يا عمر"‪ .‬البخاري‪ .6632 /‬وحين سئل‬
‫علي بن أبي طالب رضي الله عنه‪ ":‬كيف كان حبكم لرسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم قال‪ :‬كان والله أحب إلينا من أموالنا‬
‫وأولدنا وآباؤنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ"‪.‬‬
‫وحيث إن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم عبادة لله وقربة‬
‫يتقرب بها المسلم إلى ربه فل بد فيها من تحقيق شروط قبول‬
‫العبادة وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬الخلص فيها لله سبحانه وتعالى وابتغاء وجهه‪.‬‬
‫‪ -2‬ثم متابعة النبي صلى الله عليه وسلم واللتزام بسنته وهديه‬
‫وأن يعبد الله بما شرع ل بالهواء والبدع‪ .‬عمل ً بقوله تعالى‪(:‬فمن‬
‫كان يرجو لقاء ربه فليعمل عمل ً صالحا ً ول يشرك بعبادة ربه‬
‫أحداً)‪ .‬والعمل الصالح هو العمل الموافق للسنة والعمل الخالي‬
‫من الشرك هو العمل الخالص لله سبحانه والبريء من الرياء‬
‫والسمعة‪.‬‬
‫ولقد ضل في باب محبة النبي صلى الله عليه وسلم طائفتان‬
‫كبيرتان من الطوائف المنتسبة للسلم‪ ،‬طائفة الجفاة‪ ،‬وقد مثلها‬
‫في الماضي المعتزلة الذين قدموا عقولهم على نصوص الوحي‬
‫وحاكموا سنة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أقيستهم‬
‫وأهوائهم‪ ،‬فما وافقها قبلوه وما خالفها ردوه ‪ -‬بحجة أنه خبر آحاد‬
‫مع أن أغلب أحكام الشريعة إنما جاءت من طريق الحاد ‪ -‬أو‬
‫تأولوه وحرفوا دللته إلى ما يوافق رأيهم ومذهبهم‪ ،‬وقد وصل‬
‫الغلو بأحد رؤوسهم وأئمتهم عمر بن عبيد أن قال عن حديث‬
‫الصادق المصدوق‪( :‬إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أربعين يوماً‬
‫نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يأتيه‬
‫الملك فيؤمر بكتب أربع كلمات‪ :‬رزقه وأجله وعمله وشقي أو‬
‫سعيد‪ ....‬قال‪ :‬لو سمعت العمش يقول هذا لكذبته ولو سمعت‬
‫زيد بن وهب يقول هذا ما أجبته‪ ،‬ولو سمعت عبد الله ابن مسعود‬
‫يقول هذا ما قبلته‪ ،‬ولو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫يقول هذا لرددته‪ ،‬ولو سمعت الله تعالى يقول هذا لقلت له‪:‬‬
‫ليس على هذا أخذت ميثاقنا"‪.‬‬
‫وقد ورثت فلسفة المعتزلة ومهجها في أيامنا هذه من نعتوا‬
‫أنفسهم بالحداثيين والعصرانيين والمتورين الذين بهرتهم‬
‫الحضارة الغربية وعلمانيتها المتحللة من الدين والمعادية له فآلوا‬
‫على أنفسهم أن يبرزوا السلم بصورةٍ موافقة للفكر الغربي‬
‫العلماني واضطروا لتحقيق غرضهم أن يضعوا قواعد و يؤصلوا‬
‫أصول ً للتعامل مع نصوص الشرع لم تخطر ببال الولين تسبب‬
‫عنها إسقاط مئات الحاديث المتعلقة بسير الحياة اليومية‬
‫للنسان في أكله وشربه ولبسه وتجارته وعلقته بالخرين بزعم‬
‫أنها أحاديث خاصة بالبيئة العربية التي عاش فيها النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وليس لها صفة الشمول والثبات وفهموا السلم‬
‫على أنه جملة من القيم والمثل العليا وقوانين الحق والعدل التي‬
‫يشكلها النسان حسب ما يتناسب مع عصره وبيئته‪ ،‬واليات‬
‫والحاديث المتعلقة بالمور التفصيلية ليست ملزمة للمسلم بل‬
‫هي للستئناس يأخذ منها المسلم ما يحقق مصلحته ويترك ما‬
‫يعارضها‪ ،‬وهناك جفاة ل يصل جفاؤهم إلى هذا الحد ّ إل أنهم ل‬
‫يتهيبون من رد ّ الحديث الصحيح إذا عارض مذهبهم أو خالف‬
‫توجهاتهم الفكرية متجاهلين خطورة هذا المسلك ومتناسين‬
‫تحذيرات السلف من هذا التوجه من مثل قول المام أحمد رحمه‬
‫الله‪":‬من رد ّ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على‬
‫شفا هلكة"‪ .‬وقول المام البربهاري‪ ":‬الرجل يطعن على الثار‪ ،‬أو‬
‫يرد الثار أو يريد الثار فاتهمه على السلم و ل تشك أنه صاحب‬
‫هوى مبتدع"‪.‬‬
‫ويقابل الجفاة الذين تقدم الحديث عنهم طوائف الغلة وما‬
‫أكثرهم في أمة محمد صلى الله عليه وسلم والذين أحوالهم‬
‫وأفعالهم وأقوالهم تنبىء أن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫عندهم مجرد عاطفة متعلقة بالوجدان تفرغ على شكل احتفالت‬
‫وقصائد وأناشيد دون أن تلزم أصحابها بطاعة الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم وأتباع هديه وسنته والدفاع عن دينه وتحكيم شرعه‪.‬‬
‫وقد وصل الغلو عند كثير من هؤلء إلى مناقضة كتاب الله‬
‫سبحانه ومخالفة صريح أمره وخبره والوقوع في الشرك الكبر‬
‫والعياذ بالله‪.‬‬
‫فرغم اليات القاطعة والحاديث الصريحة التي تنهى عن الغلو‬
‫في الدين ورفع النبي صلى الله عليه وسلم فوق منزلته التي‬
‫أنزله الله إياها مثل قوله تعالى‪{:‬يا أهل الكتاب ل تغلوا في‬
‫دينكم ول تقولوا على الله إل الحق إنما المسيح عيسى بن مريم‬
‫رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه}‪ .‬وقوله عليه‬
‫الصلة والسلم‪(:‬ل تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن‬
‫مريم إنما أنا عبد الله فقولوا عبد الله ورسوله)‪ .‬إل أن طوائف‬
‫من المة أبوا إل أن يقعوا فيما وقعت فيه النصارى‪ .‬فزعم‬
‫بعضهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس بشرا ً بل هو نور‬
‫خلقه الله من نور وجهه وقالوا إن قوله تعالى‪{ :‬قل إنما أنا بشر‬
‫ة وإن القراءة الصحيحة‬ ‫مثلكم ‪ }....‬قد قرأها الناس قراءة ً خاطئ ً‬
‫لها قل إن ما أنا بشر مثلكم‪ ،‬فهي تؤكد على نفي بشرية النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وعليه نسمع في بعض الناشيد قولهم رب خلقت طه من نور ‪،‬‬
‫ويزعم هؤلء أن أول الكائنات على الطلق هي روح محمد و‬
‫منها صدرت سائر المخلوقات وهذا ما يعبرون عنه بالحقيقة‬
‫المحمدية وبقولهم إنه صلى الله عليه وسلم إنسان عين الوجود‬
‫والسبب في كل موجود وأنه مظهر لصفات الله‪ ،‬وكم سمعنا من‬
‫مؤذن يقول يا أول خلق الله وخاتم رسل الله مع أن هذا مناقض‬
‫لصريح قوله صلى الله عليه وسلم‪ " :‬أول ما خلق الله القلم"‪.‬‬
‫ومن المغالة المرفوضة زعم البعض أن الكون ما خلق إل من‬
‫أجل محمد صلى الله عليه وسلم وينسبون إلى رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم في ذلك حديثا ً مكذوبا ً يقول‪ ":‬لولك ما خلقت‬
‫الفلك"‪ .‬مع مناقضته لصريح قوله تعالى‪{ :‬وما خلقت الجن‬
‫والنس إل ليعبدون}‪.‬‬
‫ومن غلوهم ومبالغاتهم الباطلة زعمهم أن يوم مولده صلى الله‬
‫عليه وسلم أفضل من ليلة القدر وأن روحه تحضر الموالد ولذلك‬
‫يقومون عندما يصل قارئ السيرة إلى لحظة ولدته وأنه حي‬
‫حياة كاملة وأنه يكلم الولياء وهذا يناقض العقل والنقل المؤكد‬
‫لوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وانتقاله إلى الرفيق العلى‪.‬‬
‫ومن مبالغاتهم الممجوجة زعمهم أن نعل النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم على رؤوس الكائنات قال شاعرهم‪:‬‬
‫على رأس هذا الكون نعل محمد *** سمت فجميع الخلق تحت‬
‫ظلله‬
‫لدى الطور موسى نودي اخلع *** وأحمد إلى العرش لم يؤمر‬
‫بخلع نعاله‬
‫ما قيمة هذا الكلم وما دليله من كتاب الله أو سنة رسوله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ومن المغالة المناقضة للقرآن الكريم زعمهم أن الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم يعلم الغيب وفي هذا يقول البوصيري‪:‬‬
‫وإن من جودك الدنيا وضرتها *** ومن علومك علم اللوح والقلم‬
‫ومن غلوهم زعمهم أنه عليه الصلة والسلم الواسطة والصل‬
‫في كل رحمة تحل بالوجود ورتبوا على ذلك اللجوء إليه صلى‬
‫الله عليه وسلم لكشف الكريات واستنزال الرحمات‪:‬‬
‫يقوي البكري في لميته!‬
‫ما أرسل الرحمن أو يرسل *** من رحمة تصعد أو تنزل‬
‫في ملكوت الله أو ملكه *** من كل ما يختص أو يشمل‬
‫إل وطه المصطفى *** عبده نبيه مختاره المرسل‬
‫واسطة فيها وأصل لها *** يعلم هذا كل من يعقل‬
‫فلذ به به من كل ما تشتكي *** فهو شفيع دائما ً يقبل‬
‫ولذ به من كل ما ترتجي *** فإنه المأمل والمعقل‬
‫يا أكرم الخلق على ربه *** وخير من فيهم يسأل‬
‫كم مسني الكرب و كم مرة *** فرجت كربا ً بعضه يُذهل‬
‫فبالذي خصك بين الورى *** برتبة عنه العلى تنزل‬
‫عجل بإذهاب الذي اشتكى *** فإن توقفت فمن الذي أسأل‬
‫وشرعوا لمن يزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم أن يستجير به‬
‫ويرجوه ويتضرع خاشعا ً بين يديه فقالوا‪ :‬الدب أن يأتي النسان‬
‫لقبر النبي صلى الله عليه وسلم ويتوب من الذنوب والخطايا ثم‬
‫يقول يا رسول قد ظلمت نفسي ظلما ً كثيرا ً وأتيت بجهلي‬
‫وخطئي وزرا ً كبيرا ً ووفدت إليك مستجيراً‪.‬‬
‫وهكذا نرى أن الغلو فيه عليه الصلة والسلم والنسياق خلف‬
‫العواطف الجياشة دون النضباط بالضوابط الشرعية قد أوقع‬
‫شرائح واسعة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في الشرك‬
‫الكبر والعياذ بالله حيث خلعوا عليه صلى الله عليه وسلم الكثير‬
‫من صفات الرب سبحانه وتعالى بزعم حبه وتوقيره وهل وقع‬
‫النصارى فيما وقعوا فيه في عيسى عليه السلم إل بزعم حبه‬
‫وتقديره‪.‬‬
‫وليس لحد نجاة إل بسلوك منهج الوسطية الذي تقوم عليه‬
‫الشريعة السلمية‬
‫‪ .25‬لماذا نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟‬
‫محمد شعبان أبو قرن‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه‬
‫ومن واله‪ ..‬أما بعد‪:‬‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم‪ ..‬لوله لهلكنا ومتنا على الكفر‬
‫واستحققنا الخلود في النار‪ ..‬به عرفنا طريق الله‪ ،‬وبه عرفنا‬
‫مكائد الشيطان‪ ،‬شوقَنَا إلى الجنة‪ ،‬ما من طيب إل وأرشدنا إليه‪،‬‬
‫وما من خبيث إل ونهانا عنه‪ ،‬ومن حقه علينا أن نحبه‪ ،‬لنه‪:‬‬
‫يحشر المرء مع من أحب‬
‫جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬متى‬
‫الساعة ؟! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ " :‬ما أعددت‬
‫لها؟ "‪ .‬قال‪ :‬إني أحب الله ورسوله‪ .‬قال‪ " :‬أنت مع من أحببت‬
‫"‪.‬‬
‫بهذا الحب تلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحوض‬
‫فتشرب الشربة المباركة الهنيئة التي ل ظمأ بعدها أبداً‪.‬‬
‫أبشر بها يا ثوبان‬
‫قال القرطبي‪ :‬كان ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم شديد الحب له قليل الصبر عنه‪ ،‬فأتاه ذات يوم وقد تغير‬
‫لونه ونحل جسمه‪ ،‬يعرف في وجهه الحزن‪ ،‬فقال له النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ " :‬ما غير لونك؟! "‪ .‬قال‪ :‬يا رسول الله‪ ..‬ما بي‬
‫ضر ول وجع غير أنى إذا لم أراك اشتقت إليك واستوحشت‬
‫وحشة شديدة حتى ألقاك‪ ،‬ثم ذكرت الخرة وأخاف أن ل أراك‬
‫هناك‪ ،‬لني عرفت أنك ترفع مع النبيين‪ ،‬وأنى إن دخلت الجنة‬
‫كنت في منزلة هي أدنى من منزلتك‪ ،‬وإن لم أدخل ل أراك أبداً‪،‬‬
‫فأنزل الله عز وجل قوله‪ " :‬ومن يطع الله والرسول فأولئك مع‬
‫الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء‬
‫والصالحين وحسن أولئك رفيقا ً "‪.‬‬
‫رحم الله ثوبان‪ ..‬حاله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كما‬
‫قال الشاعر‪:‬‬
‫الحزن يحرقـه والليـل يقلقه**** والصبر يسكتـه والحـب ينطقه‬
‫ويستر الحال عمن ليس *******يعذره وكيف يستره والدمع‬
‫يسبقه‬
‫الرحمة المهداة‬
‫قال عز وجل‪ " :‬وما أرسلناك إل رحمة للعالمين "‪.‬‬
‫لوله لنزل العذاب بالمة‪ ..‬لوله لستحققنا الخلود في النار‪..‬‬
‫لوله لضعنا‪.‬‬
‫قال ابن القيم في جلء الفهام‪:‬‬
‫" إن عموم العالمين حصل لهم النفع برسالته‪:‬‬
‫‪ -‬أما أتباعه‪ :‬فنالوا بها كرامة الدنيا والخرة‪.‬‬
‫‪ -‬وأما أعداؤه المحاربون له‪ :‬فالذين عجل قتلهم وموتهم خير لهم‬
‫من حياتهم‪ ،‬لن حياتهم زيادة في تغليظ العذاب عليهم في الدار‬
‫الخرة‪ ،‬وهم قد كتب الله عليهم الشقاء فتعجيل موتهم خير لهم‬
‫من طول أعمارهم‪.‬‬
‫‪ -‬وأما المعاهدون له‪ :‬فعاشوا فى الدنيا تحت ظله وعهده وذمته‪،‬‬
‫وهم أقل شرا ً بذلك العهد من المحاربين له‪.‬‬
‫‪ -‬وأما المنافقون فحصل لهم بإظهار اليمان به حقن دمائهم‬
‫وأموالهم وأهليهم واحترامها‪ ،‬وجريان أحكام المسلمين عليهم‬
‫في التوراة وغيرها‪.‬‬
‫‪ -‬وأما المم النائية عنه‪ :‬فإن الله عز وجل رفع برسالته العذاب‬
‫العام عن أهل الرض فأصاب كل العاملين النفع برسالته "‪.‬‬
‫لطيفة‬
‫قال الحسن بن الفضل‪ :‬لم يجمع الله لحد من النبياء اسمين‬
‫من أسمائه إل للنبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فإنه قال فيه‪" :‬‬
‫بالمؤمنين رؤوف رحيم "‪ ،‬وقال في نفسه‪:‬‬
‫"إن الله بالناس لرؤوف رحيم "‪.‬‬
‫اصــبر لكل مصيــبة وتجـلد**** واعلم بأن المرء غير مخـلد‬
‫واصبر كما صبر الكرام فإنها***** نوب تنوب اليوم تكشف في‬
‫غد‬
‫وإذا أتتك مصيبة تبلى بها******* فاذكر مصابك بالنبي مـحـمـد‬
‫الجماد أحبه‪ ..‬وأنت؟!‬
‫لما فقده الجذع الذي كان يخطب عليه قبل اتخاذ المنبر حن إليه‬
‫وصاح كما يصيح الصبي ‪ ،‬فنزل إليه فاعتنقه ‪ ،‬فجعل يهذي كما‬
‫يهذي الصبي الذي يسكن عند بكائه‪ ،‬فقال صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫ن إلى يوم القيامة "‪.‬‬ ‫" لو لم أعتنقه لح ّ‬
‫كان الحسن البصري إذا حدث بهذا الحديث بكى وقال‪ :‬هذه‬
‫خشبة تحن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فأنتم أحق أن‬
‫تشتاقوا إليه‪.‬‬
‫ما أشد حبه لنا!!‬
‫تل النبي صلى الله عليه وسلم قول الله عز وجل في إبراهيم‬
‫عليه السلم‪ " :‬رب إنهن أضللن كثيرا ً من الناس فمن تبعني فإنه‬
‫منى ومن عصاني فإنك غفور رحيم"‪.‬‬
‫وقول عيسى عليه السلم‪ " :‬إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر‬
‫لهم فإنك أنت العزيز الحكيم "‪ ،‬فرفع يديه وقال‪ " :‬اللهم أمتي‪..‬‬
‫أمتي "‪ .‬وبكى‪ ،‬فقال الله عز وجل‪ :‬يا جبريل اذهب إلى محمد‬
‫فسله‪ :‬ما يبكيك؟ فأتاه جبريل عليه السلم فسأله‪ ،‬فأخبره النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم بما قال‪ ،‬فأخبر جبريل ربه وهو أعلم‪ ،‬فقال‬
‫الله عز وجل‪ :‬يا جبريل‪ ..‬اذهب إلى محمد‪ ،‬فقل‪ :‬إنا سنرضيك‬
‫في أمتك ول نسوؤك‪.‬‬
‫حتى ل تكون فاسقا ً‬
‫قال صلى الله عليه وسلم في سورة التوبة‪_ ،‬التي سميت‬
‫بالفاضحة والمبعثرة لنها فضحت المنافقين وبعثرت جمعهم _‪" :‬‬
‫قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم‬
‫وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها‬
‫أحب إليكم من الله ورسوله وجاهد فى سبيله فتربصوا حتى يأتى‬
‫الله بأمره والله ل يهدى القوم الفاسقين "‪.‬‬
‫قال القاضي عياض‪:‬‬
‫" فكفى بهذا حضا ً وتنبيها ً ودللة وحجة على إلزام محبته ووجوب‬
‫فرضها وعظم خطرها واستحقاقه لها صلى الله عليه وسلم‪ ،‬إذ‬
‫قرع الله من كان ماله وولده وأهله أحب إليه من الله ورسوله‬
‫وأوعدهم بقوله‪ " :‬فتربصوا حتى يأتي الله بأمره "‪ ،‬ثم فسقهم‬
‫بتمام الية‪ ،‬وأعلمهم أنهم ممن أضل ولم يهده الله‪.‬‬
‫كمال اليمان في محبته‬
‫قال صلى الله عليه وسلم‪ " :‬ل يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه‬
‫من ولده ووالده والناس أجمعين "‪.‬‬
‫قد تمر علينا هذه الكلمات مرورا ً عابرا ً لكنها لم تكن كذلك مع‬
‫رجل من أمثال عمر بن الخطاب رضى الله عنه الذي قال‪ :‬يا‬
‫رسول الله لنت أحب إلى من كل شئ إل من نفسي‪ .‬فقال‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ " :‬ل ‪ ،‬والذي نفسي بيده حتى أكون‬
‫أحب إليك من نفسك "‪ ،‬فقال عمر‪ :‬فإنه الن والله لنت أحب‬
‫إلى من نفسي‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪ " :‬الن يا عمر‬
‫"‪.‬‬
‫قال الخطابي‪ " :‬فمعناه أن تصدق في حبي حتى تفنى نفسك‬
‫في طاعتي‪ ،‬وتؤثر رضاي على هواك‪ ،‬وإن كان فيه هلكك "‪.‬‬
‫آخذ بحجزنا عن النار‬
‫عن أبى هريرة رضى الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ " :‬مثلى كمثل رجل استوقد ناراً‪ ،‬فلما أضاءت ما‬
‫حوله جعل الفراش وهذه الدواب التي يقعن فيها‪ ،‬وجعل‬
‫يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها "‪.‬‬
‫ما أشد حب رسولنا لنا‪ ،‬ولنه يحبنا خاف علينا من كل ما يؤذينا‪،‬‬
‫وهل أذى مثل النار؟! ولما كان الله عز وجل قد أراه النار حقيقة‬
‫كانت موعظته أبلغ وخوفه علينا أشد‪ ،‬ففي الحديث‪ " :‬وعرضت‬
‫على النار فجعلت أتأخر رهبة أن تغشاني "‪.‬‬
‫وفى رواية أحمد‪ " :‬إن النار أدنيت منى حتى نفخت حرها عن‬
‫وجهي "‪.‬‬
‫ولذلك كان من الطبيعي أنه كان صلى الله عليه وسلم إذا خطب‬
‫احمرت عيناه وعل صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش يقول‪" :‬‬
‫صبحكم ومساكم "‪.‬‬
‫ولنه لم يرنا مع شدة حبه لنا وخوفه علينا كان يود أن يرانا‬
‫فيحذرنا بنفسه‪ ،‬لتكون العظة أبلغ وأنجح‪ ،‬قال صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ " :‬وددت أنى لقيت إخواني الذين آمنوا ولم يروني "‪.‬‬
‫ولم يكتف بذلك بل لشدة حبه لنا اشتد إلحاحه لنا في أن نأخذ‬
‫وقايتنا وجنتنا من النار‪.‬‬
‫حجاب‪ ..‬واثنان‪ ..‬وثلثة‬
‫‪ .1‬حجاب الصدقة‪ :‬لقوله صلى الله عليه وسلم‪ " :‬اجعلوا بينكم‬
‫وبين النار حجابا ً ولو بشق تمرة "‪.‬‬
‫‪ .2‬حجاب الذكر‪ :‬فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ " :‬خذوا جنتكم من النار‪ ..‬قولوا‪ :‬سبحان الله والحمد‬
‫لله ول إله إل الله والله أكبر‪ ،‬فإنهن يأتين يوم القيامة مقدمات‬
‫ومعقبات ومجنبات‪ ،‬وهن الباقيات الصالحات "‪.‬صحيح الجامع‪,‬‬
‫وحسنه ابن حجر في الفتح‪.‬‬
‫‪ .3‬حجاب تربية البنات‪ :‬لقوله صلى الله عليه وسلم‪ " :‬ليس أحد‬
‫من أمتي يعول ثلث بنات أو ثلث أخوات فيحسن إليهن إل كن‬
‫له سترا ً من النار "‪.‬‬
‫ولى كل مؤمن‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ " :‬أنا أولى بالمؤمنين من‬
‫أنفسهم‪ ،‬من توفى من المؤمنين فترك دينا ً فعلى قضاؤه "‪.‬‬
‫أعميت عيني عن الدنيا وزينتها*** فأنت والروح شئ غير مفترق‬
‫إذا ذكرتك وافى مقلتي أرق *****من أول الليل حتى مطلع‬
‫الفلق‬
‫وما تطابقت الجفان عن سنة***** إل وإنك بين الجفن والحدق‬
‫ما أشرف مقامه!!‬
‫جعلت فداه ما بلغوه وزناً‬ ‫ولو وزنت به عرب وعجم‬
‫عليه الله في القرآن أثنى‬ ‫إذا ذكر الخليل فذا حبيب‬
‫نجى العرش مفتقرا ً لتغنى‬ ‫وإن ذكروا نجى الطور فاذكر‬
‫وكلم ذا مخاطبة وأثنى‬ ‫وإن الله كلم ذاك وحيا ً‬
‫لـ"ما كذب الفؤاد" فهمت معنى‬ ‫ولو قابلت لفظة لن تراني‬
‫وأحمد لم يكن ليزيغ ذهناً‬ ‫فموسى خر مغشيا ً عليه‬
‫فحاز به الكنوز وقد عرضنا‬ ‫وإن ذكروا سليمانًا بملك‬
‫يبيد الملك واللذات تفنى‬ ‫فبطحا مكة ذهبا ً أباها‬
‫يقيه من اتّقاء البأس حصنا‬ ‫وإن يك درع داود لبوسا ً‬
‫تل‪" :‬والله يعصمك" اطمأنا‬ ‫فدرع محمد القرآن لما‬
‫بدعوةِ‪ :‬ل تذر أحدا ً فأفنى‬ ‫وأغرق قومه في الرض نوح‬
‫فهم ل يعلمون كما علمنا‬ ‫ودعوة أحمد‪ :‬رب اهد قومي‬
‫وأحمد‪ :‬أمتي إنسا ً وجنا‬ ‫وكل المرسلين يقول‪ :‬نفسي‬
‫وأنت الشمس أكملهم وأهدى‬ ‫وكل النبياء بدور هدي‬
‫لكي تذوق حلوة اليمان‬
‫لقول النبي صلى الله عليه وسلم‪ " :‬ثلث من كن فيه ذاق حلوة‬
‫اليمان‪ :‬أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما‪." ...‬‬
‫وهذه مكافأة يمنحها الله عز وجل لكل من آثر الله ورسوله على‬
‫هواه‪ ..‬فيحس أن لليمان حلوة تتضاءل معه كل اللذات الرضية‪،‬‬
‫ولن من أحب شيئا ً أكثر من ذكره‪ ،‬فكلما ازداد العبد لرسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم حبا ً كلما ازداد له ذكراً‪ ،‬ولحاديثه ترديداً‪،‬‬
‫ولسنته اتباعاً‪ ،‬ومع هذا كل تزداد حلوة اليمان‪.‬‬
‫وثيقة حبه‪ ..‬وقعها بالدم‬
‫‪ -‬ففي الطائف وقف المشركون له صفين على طريقه‪ ،‬فلما مر‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الصفين جعل ل يرفع رجليه‬
‫ول يضعهما إل رضخوهما بالحجارة حتى أدموا رجليه‪.‬‬
‫‪ -‬ومع بنى عامر بن صعصعة‪ :‬يعرض النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫عليهم السلم ويطلب النصرة‪ ،‬فيجيبونه إلى طلبه‪ ،‬وبينما هو‬
‫معهم إذ أتاهم بيحرة بن فراس القشيري‪ ،‬فأثناهم عن إجابتهم له‬
‫ثم أقبل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬قم فالحق‬
‫بقومك‪ ،‬فو الله لول أنك عند قومي لضربت عنقك‪ ،‬فقام النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم إلى ناقة فركبها‪ ،‬فغمزها بيحرة فألقت‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم من على ظهرها‪.‬‬
‫تصور حالته صلى الله عليه وسلم وقد قرب على الخمسين من‬
‫عمره‪ ،‬ويسقط من ظهر الناقة ويتلوى من شدة اللم على‬
‫الرض‪ ،‬والرتفاع ليس بسيطاً‪ ،‬إنه يسقط على بطنه من ارتفاع‬
‫مترين ونصف‪.‬‬
‫‪ -‬بينما النبي صلى الله عليه وسلم في حجر الكعبة إذ أقبل عليه‬
‫عقبة بن أبى معيط فوضع ثوبه على عنقه‪ ،‬فخنقه خنقا ً شديداً‬
‫فأقبل أبو بكر رضى الله عنه حتى أخذ بمنكبه ودفعه عن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم وقال‪ " :‬أتقتلون رجل ً أن يقول ربى‬
‫الله "‪.‬‬
‫‪ -‬وغير ذلك‪ :‬يوضع سل جزور على كتفيه صلى الله عليه وسلم‬
‫وهو ساجد‪ ،‬وينثر سفيه سفهاء قريش على رأسه التراب‪ ،‬ويتفل‬
‫شقي من الشقياء في وجهه صلى الله عليه وسلم‪..‬‬
‫صبر صلى الله عليه وسلم على ذلك كله لنه يحبنا‪ ..‬أوذي‬
‫وضرب وعذب‪ ..‬اتهم بالسحر والكهانة والجنون‪ ..‬قتلوا أصحابه‪..‬‬
‫بل وحاولوا قتله‪ ..‬وصبر على كل ذلك كي يستنقذنا من العذاب‬
‫ويهدينا من الضلل ويعتق رقابنا من النار‪..‬‬
‫وبعد كل هذا البذل والتعب ؟! نهجر سنته‪ ،‬ونقتدي بغيره‪،‬‬
‫ونستبدل هدى غيره بهديه!!‪.‬‬
‫يا ويحنا‪ ..‬وقد أحبنا وضحى من أجلنا لينقذنا‪ ،‬ودعانا إلى حبه‪ ،‬ل‬
‫لننفعه في شئ بل لننفع أنفسنا فأين حياؤنا منه؟! وحبنا له؟!‬
‫بأي وجه سنلقاه على الحوض؟! بأي عمل نرتجي شفاعته صلى‬
‫الله عليه وسلم؟! ‪-‬بأبي هو وأمي‪ -‬بأي طاعة نأمل مقابلته في‬
‫الفردوس؟!‪.‬‬
‫‪ -1 .26‬كتاب حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على‬
‫أمته في ضوء الكتاب والسنة [مقدمة وتعريفات مهمة]‬
‫تأليف‬
‫د‪ .‬محمد بن خليفة التميمي‬

‫مقدمة المؤلف‬
‫إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور‬
‫أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده الله فل مضل له‪ ،‬ومن‬
‫يضلل فل هادي له‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له‪،‬‬
‫وأشهد أن محمدا عبده ورسوله‪ ،‬أرسله بالهدى ودين الحق‬
‫ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا‪.‬‬
‫أرسله بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا‪ ،‬وداعيا إلى الله بإذنه‬
‫وسراجا منيرا‪ ،‬فهدى به من الضللة‪ ،‬وبصر به من العمى‪ ،‬وأرشد‬
‫به من الغي‪ ،‬وفتح به أعينا عميا‪ ،‬وآذانا صما‪ ،‬وقلوبا غلفا‪ ،‬فبلغ‬
‫الرسالة وأدى المانة‪ ،‬ونصح المة‪ ،‬وجاهد في الله حق جهاده‪،‬‬
‫وعبد ربه حتى أتاه اليقين من ربه‪ ،‬صلى عليه وعلى آله وسلم‬
‫تسليما‪.‬‬
‫أما بعد‪ :‬فما من بناء إل وله أصل وأساس يقوم عليه‪ ،‬وإن أساس‬
‫بناء دين السلم يقوم على أصلين هما‪:‬‬
‫أ‪ -‬عبادة الله وحده ل شريك له‪.‬‬
‫‪ -2‬اليمان برسوله صلى الله عليه وسلم‬
‫وهذا حقيقة قول "ل إله إل الله محمد رسول الله" فمن خرج‬
‫عن واحد منهما فل عمل له ول دين‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك فإن من المتعين على كل مسلم أن يعرف ما يدل‬
‫عليه كل واحد من هذين الصلين وما يشتمل عليه من أمور‬
‫وأحكام‪ ،‬معرفة تخرجه من حد الجهل على أقل الدرجات‪ ،‬وأن‬
‫يلتزم بذلك اعتقادا وقول وعمل لينال بذلك الفوز والسعادة في‬
‫الحياة الدنيا وبعد الممات‪.‬‬
‫وهذه الرسالة موضوعها الصل الثاني من أصلي هذا الدين وقد‬
‫سميتها‪:‬‬
‫"حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته في ضوء الكتاب‬
‫والسنة"‬
‫وقد دفعني إلى اختيار هذا الموضوع أهميته بالدرجة الولى فهو‬
‫كما أسلفت يُعنى بأحد أصلي الدين "شهادة أن محمدا رسول‬
‫الله"‬
‫فمن المهم والمفيد أن تبحث جوانب هذا الصل وتعرف وتعرض‬
‫وفق ما جاءت بذلك نصوص القرآن والسنة ووفق ما كان عليه‬
‫سلفنا الصالح رضوان الله عنهم أجمعين‪.‬‬
‫وبخاصة أننا نعيش في زمان قد حاد فيه كثير من الناس عن‬
‫جادة الصواب في هذا الصل واضطربوا اضطرابا شديدا‪.‬‬
‫فتجلية المر وتوضيح الصواب وبيان الحق في هذا الصل من‬
‫الواجبات المتعينة على طلبة العلم في هذا الزمان‪ ،‬نظرا لعدم‬
‫توفر كتاب بعينه يكون شامل لجميع جوانب هذا الموضوع‬
‫وتطمئن له النفس من جهة سلمة ما احتواه يمكن إحالة عامة‬
‫الناس عليه‪.‬‬
‫فرأيت أن من الرأي القويم أن أكتب في هذا الموضوع لجمع‬
‫فيه ما تفرق وأرتب ما تشتت‪ ،‬وأشرح ما يحتاج إلى شرح‪ ،‬وذلك‬
‫وفق ما كان عليه منهج سلفنا الصالح من العتماد على نصوص‬
‫الكتاب والسنة ونقل كلم الصحابة والتابعين وأئمة هذا الدين‬
‫رضي الله عنهم أجمعين‪.‬‬
‫فأرجو أن أكون قد وفقت في عرض هذا الموضوع على الوجه‬
‫المطلوب‪ ،‬كما وفقت في حسن الختيار أول‪.‬‬
‫عملي في هذا الكتاب‪:‬‬
‫ويتلخص عملي في النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬جمعت المادة العلمية المتعلقة بالموضوع من آيات قرآنية‬
‫وأحاديث نبوية وآثار مروية عن سلف المة‪ ،‬ونقول وأقوال‬
‫للمتقدمين‪ ،‬والمتأخرين مما له صلة بالموضوع‪.‬‬
‫‪ -2‬قسمت ما جمعت على أبواب الرسالة وفصولها ومباحثها‬
‫ومطالبها ومسائلها ونقاطها‪ ،‬فرتبت ما تشتت وجمعت ما تفرق‬
‫واختصرت وانتقيت مما توسع فيه حسب ما يقتضيه المقام‬
‫وتدعو إليه الحاجة‪.‬‬
‫‪ -3‬جعلت اليات القرآنية بين قوسين هكذا { } وأشرت في‬
‫الحاشية إلى رقم تلك الية والسورة التي وردت فيها‪.‬‬
‫‪ -4‬جعلت الحاديث النبوية بين فاصلتين مزدوجتين " " مع تخريج‬
‫كل حديث أوردته حسب ما يقتضيه المقام‪ ،‬وفي حالة ورود‬
‫الحديث في الصحيحين أو أحدهما أكتفي بذلك عن عزوه إلى‬
‫غيرهما‪.‬‬
‫‪ -5‬عزوت الثار المروية عن الصحابة والتابعين وأئمة هذا الدين‬
‫إلى مصادرها بحسب ما وقفت عليه منها‪.‬‬
‫‪ -6‬شرحت بعض الكلمات الغريبة معتمدا في ذلك على كتب‬
‫غريب الحديث وشروحه والمعاجم اللغوية‪.‬‬
‫ل‪ -‬وثقت النقول والقوال والراء من المصادر والمراجع التي‬
‫نقلتها منها وذلك بذكر الجزء والصفحة‪ ،‬وما تصرفت فيه أشرت‪،‬‬
‫إلى ذلك بعبارة "بتصرف" في أغلب الحيان‪.‬‬
‫‪ -8‬ترجمت للعلم الوارد ذكرهم في الرسالة عند أول موضع يرد‬
‫فيه ذكر العلم‪.‬‬
‫‪ -9‬وضعت فهارس للمور التالية‪:‬‬
‫فهرس اليات القرآنية‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫فهرس الحاديث المرفوعة والموقوفة‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫فهرس للثار على ترتيب أصحابها‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫فهرس للكلمات الغريبة والمواطن والفرق‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫فهرس للعلم المترجم لهم‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫فهرس للمصادر والمراجع‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫فهرس لموضوعات الرسالة‪.‬‬ ‫‪-7‬‬
‫وبعد‪ :‬فهذا جهد المقل وأستسمح القارئ الكريم عذرا إذا ما وجد‬
‫في عملي هذا تقصيرا‪ ،‬فهذا جهد بشر‪ ،‬والمرء يستحضر في هذا‬
‫المقام قول القائل‪" :‬إني رأيت أنه ل يكتب إنسان كتابا في يوم‬
‫إل قال في غده‪ :‬لو غير هذا لكان أحسن‪ ،‬ولو زيد كذا لكان‬
‫يستحسن‪ ،‬ولو قدم هذا لكان أفضل‪ ،‬ولو ترك هذا لكان أجمل‪،‬‬
‫وهذا من أعظم العبر‪ ،‬وهو دليل على استيلء النقص على جملة‬
‫البشر"[‪ ]1‬وفي الختام‪ :‬أتوجه بالشكر إلى الله تعالى الذي سهل‬
‫لي أمر إعداد هذه الرسالة بفضل منه وتوفيق‪ ،‬وأسأله سبحانه‬
‫أن يجعل عملنا هذا خالصا لوجهه وأن ينفعنا بما علمنا إنه على‬
‫كل شيء قدير‪.‬‬
‫ومن ثم أشكر فضيلة الشيخ حماد بن محمد النصاري المشرف‬
‫على هذه الرسالة على بذله من جهد وعون وتوجيه في إعدادها‬
‫فجزاه الله خيرا‪ ،‬وكذلك كل من بذل المساعدة لي في إنجازها‪.‬‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‪.‬‬

‫تمهيد‪:‬‬
‫الحمد لله الذي أكمل لنا ديننا‪ ،‬وأتم علينا نعمته‪ ،‬ورضي لنا‬
‫السلم دينا‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له‪ ،‬وأشهد‬
‫أن محمدا عبده ورسوله‪ ،‬أرسله بالدين القيم‪ ،‬والملة الحنيفية‪،‬‬
‫وجعله على شريعة من المر‪ ،‬أمر باتباعها‪ ،‬وأمره بأن يقول {قُ ْ‬
‫ل‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن اتَّبَعَنِي}[‪ ]2‬صلى‬ ‫م ِ‬ ‫صيَرةٍ أنَا وَ َ‬ ‫سبِيلِي أدْع ُو إِلَى الل ّهِ ع َلَى ب َ ِ‬ ‫هَذِهِ َ‬
‫الله عليه وعلى آله وسلم تسليما‪.‬‬
‫وبعد‪ :‬فإن الله عز وجل لم يخلق الخلق عبثا قال تعالى‬
‫َ‬ ‫{أَفَحسبت َ‬
‫ن}[‪.]3‬‬ ‫جعُو َ‬ ‫م إِلَيْنَا ل تُْر َ‬ ‫م ع َبَثا ً وَأنَّك ُ ْ‬ ‫خلَقْنَاك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م أن َّ َ‬ ‫َ ِ ُْ ْ‬
‫بل خلقهم لغاية ذكرها في كتابه الكريم في أكثر من موضع فقال‬
‫خلَق ال ْموت وال ْحياة َ لِيبلُوك ُم أَيُك ُ َ‬ ‫َ‬
‫ملً}‪]4[.‬‬ ‫ن عَ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫َْ َ ْ ّ ْ‬ ‫تعالى‪{ :‬ال ّذِي َ َ َ ْ َ َ َ َ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫خلَقَ ال َّ‬ ‫َ‬
‫ست ّةِ أي َّ ٍ‬
‫ام‬ ‫ض فِي ِ‬ ‫ت وَالْر َ‬ ‫ماوَا ِ‬ ‫س َ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬وَهُوَ ال ّذِي َ‬
‫شه ع َلَى ال ْماءِ لِيبلُوك ُم أَيُك ُ َ‬
‫ملً}‪]5[.‬‬ ‫ن عَ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫َْ َ ْ ّ ْ‬ ‫َ‬ ‫ن عَْر ُ ُ‬ ‫وَكَا َ‬
‫َ‬
‫ن}[‪]6‬‬ ‫س إِل ّ لِيَعْبُدُو ِ‬ ‫ن وَالِن ْ َ‬ ‫ج َّ‬‫ت ال ْ ِ‬ ‫خلَقْ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫وقال تعالى {وَ َ‬
‫فالحكمة من خلقه للخلق هي اختبارهم وابتلؤهم ليجزي‬
‫المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته‪ .‬فهذه هي الحكمة من‬
‫خلقهم أول وبعثهم ثانيا‪ .‬ولذلك لم يتركهم همل‪ ،‬بل أرسل إليهم‬
‫رسله‪ ،‬فكان من سنة الله تبارك وتعالى مواترة الرسل وتعميم‬
‫الخلق بهم‪ ،‬بحيث يبعث في كل أمة رسول ليقيم هداه وحجته‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل أ ُ َّ‬
‫ن اع ْبُدُوا الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫سول ً أ ِ‬ ‫مةٍ َر ُ‬ ‫كما قال تعالى‪{ :‬وَلَقَد ْ بَعَثْنَا فِي ك ُ ِّ‬
‫َ‬
‫شيراً‬ ‫َ‬
‫ق بَ ِ‬ ‫ح ِّ‬ ‫ك بِال ْ َ‬ ‫سلْنَا َ‬ ‫ت}[‪ ،]7‬وقال تعالى {إِنَّا أْر َ‬ ‫جتَنِبُوا الط ّاغُو َ‬ ‫وَا ْ‬
‫سلْنَا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م أْر َ‬ ‫خل فِيهَا نَذِيٌر}[‪ ،]8‬وقال تعالى {ث ُ َّ‬ ‫مةٍ إِل ّ َ‬ ‫ن أ َّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫وَنَذِيرا ً وَإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ن لِئَل ّ يَكُو َ‬
‫ن‬ ‫منْذ ِ ِري َ‬ ‫ن وَ ُ‬ ‫شرِي َ َ‬ ‫مب َ ّ ِ‬ ‫سل ً ُ‬ ‫سلَنَا تَتَْرا}[‪ ،]9‬وقال تعالى {ُر ُ‬ ‫ُر ُ‬
‫َ‬
‫حكِيما}[‪]10‬‬ ‫ه ع َزِيزا ً َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ل وَكَا َ‬ ‫س ِ‬ ‫ة بَعْد َ الُّر ُ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ح َّ‬‫س ع َلَى الل ّهِ ُ‬ ‫لِلن ّا ِ‬
‫َ‬
‫فالرسل هم الواسطة بين الله عز وجل ودون خلقه في تبليغ‬
‫أمره ونهيه وإرشاد العباد إلى ما فيه صلح معاشهم ومعادهم‪.‬‬
‫وإن الله تبارك وتعالى جعل محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم‬
‫النبيين‪ ،‬وأرسله للناس أجمعين‪ ،‬وأكمل له ولمته الدين‪ ،‬وبعثه‬
‫على حين فترة من الرسل وظهور الكفر وانطماس السبل‪ ،‬فأحيا‬
‫به ما درس من معالم اليمان‪ ،‬وقمع به أهل الشرك والكفر من‬
‫عبدة الوثان والنيران والصلبان‪ ،‬وأذل به كفار أهل الكتاب‪ ،‬وأهل‬
‫الشرك والرتياب‪ ،‬وأقام به منار دينه الذي ارتضاه‪ ،‬وشاد به ذكر‬
‫من اجتباه من عباده واصطفاه‪.‬‬
‫فالله سبحانه وتعالى أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم للناس‬
‫ك إلَّ‬ ‫َ‬
‫سلْنَا َ ِ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫{و َ‬
‫رحمة وأنعم به نعمة يا لها من نعمة‪ :‬قال تعالى َ‬
‫ن}[‪]11‬‬ ‫َ‬ ‫مي‬ ‫ة لِلْعَال َ ِ‬ ‫م ً‬‫ح َ‬ ‫َر ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت الل ّهِ كُفْراً}[‪ ]12‬وهم‬ ‫م َ‬ ‫ن بَدَّلُوا نِعْ َ‬ ‫م تََر إِلَى ال ّذِي َ‬ ‫وقال تعالى {أل َ ْ‬
‫الذين لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فإرساله أعظم‬
‫نعمة أنعم الله به على عباده‪.‬‬
‫فقد جمع الله لهذه المة بخاتم النبيين وإمام المتقين وسيد ولد‬
‫آدم أجمعين ما فرقه في غيرهم من الفضائل‪ ،‬وزادهم من فضله‬
‫أنواع الفواضل‪ ،‬بل أتاهم كفلين من رحمته‪ ،‬كما قال تعالى {يَا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫مت ِ ِ‬
‫ح َ‬
‫ن َر ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬
‫ِ‬ ‫م كِفْلَي ْ‬
‫سولِهِ ي ُ َؤ ْتِك ُ ْ‬ ‫منُوا بَِر ُ‬ ‫ه وَآ ِ‬‫منُوا اتَّقُوا الل ّ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫حيم‪ ،‬لِئَلَّ‬
‫ه غَفُوٌر َر َ ِ ٌ‬ ‫م وَالل ّ ُ‬ ‫ن بِهِ وَيَغْفِْر لَك ُ ْ‬ ‫شو َ‬ ‫م ُ‬‫م نُورا ً ت َ ْ‬ ‫ل لَك ُ ْ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫َ‬
‫ل الل ّهِ وَأ َّ‬ ‫ن ع َلَى َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ن فَ ْ‬
‫ض ِ‬ ‫م ْ‬ ‫يءٍ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫ب أل ّ يَقْدُِرو َ‬ ‫ل الْكِت ََا ِ‬ ‫م أه ْ ُ‬ ‫يَعْل َ َ‬
‫ل الْعَظِيمِ}[‪.]13‬‬ ‫ض ِ‬‫ه ذ ُو الْفَ ْ‬ ‫شاءُ وَالل ّ ُ‬‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه يُؤْتِيهِ َ‬ ‫ل بِيَد ِ الل ّ ِ‬‫ض َ‬ ‫الْفَ ْ‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم‪" :‬إنما أجلكم‪ -‬في أجل من خل من‬
‫المم‪ -‬ما بين صلة العصر إلى مغرب الشمس‪ ،‬وإنما مثلكم‬
‫ومثل اليهود والنصارى كرجل استعمل عمال فقال من يعمل لي‬
‫إلى نصف النهار على قيراط قيراط؟‪ ،‬فعملت اليهود إلى نصف‬
‫النهار على قيراط قيراط‪ ،‬ثم قال‪ :‬من يعمل لي من نصف النهار‬
‫إلى صلة العصر على قيراط قيراط؟‪ ،‬فعملت النصارى من‬
‫نصف النهار إلى صلة العصر على قيراط قيراط‪ ،‬ثم قال‪ :‬من‬
‫يعمل لي من صلة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين‬
‫قيراطين؟‪ ،‬أل فأنتم الذين يعملون من صلة العصر إلى مغرب‬
‫الشمس على قيراطين قيراطين‪ ،‬أل لكم الجر مرتين‪ ،‬فغضبت‬
‫اليهود والنصارى‪ ،‬فقالوا‪ :‬نحن أكثر عمل وأقل عطاء‪ ،‬قال الله‪:‬‬
‫هل ظلمتكم من حقكم شيئا؟ قالوا‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فإنه فضلي أعطه‬
‫من شئت"[‪. ]14‬‬
‫"وقد خص الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم بخصائص‬
‫ميزه الله بها على جميع النبياء‬
‫والمرسلين‪ ،‬وجعل له شرعة ومنهاجا‪ -‬أفضل شرعة وأكمل‬
‫منهاج مبين‪ -‬كما جعل أمته خير أمة أخرجت للناس‪ ،‬فهم يوفون‬
‫سبعين أمة هم خيرها وأكرمها على الله[‪ ]15‬من جميع الجناس‪،‬‬
‫هداهم الله بكتابه ورسوله لما اختلفوا فيه من الحق قبلهم‬
‫وجعلهم وسطا عدل خيارا‪ ،‬فهم وسط في توحيد الله وأسمائه‬
‫وصفاته‪ ،‬وفي اليمان برسله وكتبه وشرائع دينه من المر والنهي‬
‫والحلل والحرام‪ ،‬فأمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر‪ ،‬وأحل‬
‫لهم الطيبات وحرم عليهم الخبائث‪ ،‬فأخرجهم بذلك من الظلمات‬
‫إلى النور فحصل لهم ببركة رسالته ويمن سفارته خير الدنيا‬
‫والخرة‪.‬‬
‫فلقد هدى الله الناس ببركة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫وبما جاء به من البينات والهدى هداية جلت عن وصف الواصفين‬
‫وفاقت معرفة العارفين‪ ،‬حتى حصل لمته المؤمنين به عموما‪،‬‬
‫ولولي العلم منهم خصوصا من العلم النافع‪ ،‬والعمل الصالح‪،‬‬
‫والخلق العظيمة‪ ،‬والسنن المستقيمة‪ ،‬ما لو جمعت حكمة سائر‬
‫المم علما وعمل‪ -‬الخالصة من كل شوب‪ -‬إلى الحكمة التي بعث‬
‫بها لتفاوتا تفاوتا ً يمنع معرفة قدر النسبة بينهما فللّه الحمد والمنة‬
‫كما يحب ربنا ويرضى"[‪.]16‬‬
‫فهو المبعوث بالهدى ودين الحق بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا‬
‫وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا‪ ،‬فكمل الله به الرسالة وهدى‬
‫به من الضللة وعلم به من الجهالة وفتح برسالته أعينا عميا‪،‬‬
‫وآذانا صما‪ ،‬وقلوبا غلفا‪ ،‬فأشرقت برسالته الرض بعد ظلماتها‪،‬‬
‫وتألفت به القلوب بعد شتاتها‪ ،‬فأقام بها الملة العوجاء وأوضح بها‬
‫المحجة البيضاء‪ ،‬فبين عن طريقه صلى الله عليه وسلم الكفر‬
‫من اليمان‪ ،‬والربح من الخسران‪ ،‬والهدى من الضلل‪ ،‬وأهل‬
‫الجنة من أهل النار‪ ،‬والمتقين من الفجار‪ ،‬فهو المبعوث رحمة‬
‫للعالمين‪ ،‬ومحجة للسالكين وحجة على الخلئق أجمعين‪ .‬ولقد‬
‫نوه الله عز وجل في كتابه الكريم بهذه النعمة العظمى التي‬
‫امتن بها على هذه المة في آيات كثيرة منها‪:‬‬
‫َ َ‬
‫سولً‬ ‫م َر ُ‬ ‫ث فِيهِ ْ‬ ‫ن إِذ ْ بَعَ َ‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ه ع َلَى ال ْ ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬لَقَد ْ َ‬
‫ب وَال ْ ِ‬ ‫م َ‬
‫ة‬
‫م َ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫م الْكِتَا َ‬ ‫مهُ ُ‬ ‫م وَيُعَل ِّ ُ‬ ‫م آيَاتِهِ وَيَُزكِّيهِ ْ‬ ‫م يَتْلُو ع َلَيْهِ ْ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ن أنْفُ ِ‬ ‫ِ ْ‬
‫ن}[‪]17‬‬ ‫مبِي ٍُ‬ ‫ل ُ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫ل لَفِي َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن كَانُوا ِ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫م يَتْلُو ع َلَيْهِ ْ‬
‫م‬ ‫منْهُ ْ‬‫سول ً ِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ميِّي َ‬ ‫ث فِي اْل ِّ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬هُوَ ال ّذِي بَعَ َ‬
‫ل لَفِي‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن كَانُوا ِ‬ ‫ة وَإ ِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ب وَال ْ ِ‬ ‫م الْكِتَا َ‬ ‫مهُ ُ‬ ‫م وَيُعَل ِّ ُ‬ ‫آيَاتِهِ وَيَُزكِّيهِ ْ‬
‫م‪،‬‬‫حكِي ُ‬ ‫م وَهُوَ الْعَزِيُز ال ْ َ‬ ‫ح َقُوا بِهِ ْ‬ ‫ما يَل ْ َ‬ ‫م ل َ َّ‬ ‫منْهُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫خري َ‬ ‫ن‪َ ،‬وَآ َ ِ‬ ‫مبِي ٍ‬ ‫ل ُ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫َ‬
‫ل الْعَظِيمِ}[‪]18‬‬ ‫ض ِ‬ ‫ه ذ ُو الْفَ ْ‬ ‫شاءُ وَالل ّ ُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ّهِ يُؤ ْتِي ِ‬ ‫ض ُ‬‫ك فَ ْ‬ ‫ذَل ِ َ‬
‫َ‬
‫م آيَاتِنَا‬ ‫م يَتْلُو ع َلَيْك ُ ْ‬ ‫منْك ُ ْ‬ ‫سول ً ِ‬ ‫م َر ُ‬ ‫سلْنَا فِيك ُ ْ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬ك َ َ‬
‫م تَكُونُوا‬ ‫ما ل َ ْ‬
‫م َ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫ة وَيُعَل ِّ ُ‬ ‫م َ‬‫حك ْ َ‬ ‫ب وَال ْ ِ‬ ‫م الْكِتَا َ‬ ‫م وَيُعَل ِّ ُ‬
‫مك ُ ُ‬ ‫وَيَُزكِّيك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن}[‪]19‬‬ ‫شكُُروا لِي وَل تَكْفُُرو ِ‬ ‫م وَا ْ‬ ‫ن‪ ،‬فَاذ ْكُُرونِي أذ ْكُْرك ُ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫تَعْل َ ُ‬
‫َ‬
‫م‬‫ما ع َنِت ُّ ْ‬ ‫م ع َزِيٌز ع َلَيْهِ َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ن أنْفُ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫سو ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫جاءَك ُ ْ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬لَقَد ْ َ‬
‫م}[‪]20‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫ف َر ِ‬ ‫ن َرؤ ُو ٌ‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م بِال ْ ُ‬ ‫ص ع َلَيْك ُ ْ‬ ‫حرِي ٌ‬ ‫َ‬
‫وإنما كان إرساله صلى الله عليه وسلم إلى الناس أعظم منة‬
‫امتن بها على عباده لن في ذلك تخليص من وفقه الله وهداه‬
‫منهم من العذاب السرمدي‪ ،‬وذلك بسبب اليمان بالله ورسوله‬
‫والبتعاد عن كل ما يوجب دخول النار والخلود فيها‪.‬‬
‫ولذلك فإن الناس أحوج ما يكونون إلى اليمان بالرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم والخذ بما جاء به من الدين فهم أحوج إلى ذلك‬
‫من الطعام والشراب بل ومن نفس الهواء الذي يتنفسونه‪ ،‬فإنهم‬
‫متى فقدوا ذلك فالنار جزاء من كذب بالرسول وتولى عن طاعته‬
‫َ‬ ‫صلهَا إِل َّ ال َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شقَى ال ّذِي‬ ‫م نَارا ً تَلَظ ّى‪ ،‬ل ي َ ْ‬ ‫كما قال َتعالى‪{ :‬فَأنْذَْرتُك ُ ْ‬
‫ب وَتَوَل ّى}[‪ ]21‬أي كذب به وتولى عن طاعته‪ ،‬فهم محتاجون‬ ‫كَذ َّ َ‬
‫إلى اليمان بالرسول وطاعته والخذ بما جاء به واللتزام بذلك‬
‫في كل مكان وزمان ليل ونهارا‪ ،‬سفرا وحضرا سرا وعلنية‪.‬‬
‫ولما كانت منزلة النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه بهذه‬
‫المرتبة وكانت حاجة الناس إليه بهذه الدرجة‪ ،‬فقد أوجب الله‬
‫لنبيه صلى الله عليه وسلم على هذه المة جملة من الحقوق‬
‫والواجبات تنظم العلقة التي تربطهم به تنظيفا دقيقا ل لبس فيه‬
‫ول اشتباه‪.‬‬
‫وهذه الحقوق منها ما يتصل بجانب الرسالة التي بعث بها‪ ،‬ومنها‬
‫ما يتعلق بخاصة شخص الرسول صلى الله عليه وسلم تفضيل‬
‫وتكريما من الله له‪.‬‬
‫وقد وردت في شأن تلك الحقوق نصوص كثيرة في كتاب الله‬
‫صلت وبيَّنت‬ ‫ضحت وف َّ‬ ‫عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم و َّ‬
‫جوانب تلك الحقوق‪.‬‬
‫وهذه الحقوق في جملتها هي الصل الثاني من أصلي الدين كما‬
‫يدل عليه قولنا "أشهد أن ل إله إل الله وأشهد أن محمدا رسول‬
‫الله"‪.‬‬
‫ولذا فقد كان لزاما على كل من ينطق بهذه الشهادة‪ ،‬ويدين الله‬
‫بهذا الدين أن يحيط بتلك الحقوق معرفة‪ ،‬ويلتزم بها اعتقادا‬
‫وقول وعمل‪ ،‬فذلك عقد من عقود اليمان الذي ل يحصل إيمان‬
‫العبد إل به‪.‬‬
‫ومما يؤسف له أن كثيرا من المسلمين اليوم هم على درجة‬
‫كبيرة من الجهل بهذه الحقوق فتراهم لذلك على طرفي نقيض‬
‫هذا المقام‪:‬‬
‫‪ -‬فإما مقصر عن القيام بهذه الحقوق التي أوجبها الله على المة‬
‫فتراه ل يقيم لها وزنا ول يلقي لها بال‪.‬‬
‫‪ -‬وإما غال مبتدع منكب على ما ابتدعه‪ ،‬يظن أنه بما يفعله من‬
‫أمور مبتدعة في هذا المقام قد أحسن صنعا وأنه مؤد لما أوجبه‬
‫الله من حق لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وكل الطرفين‬
‫صاحب حال مذموم غير محمود‪ .‬فلما كان عامة أصحاب هذين‬
‫الطرفين إنما أوقعهم فيما هم فيه‪ ،‬جهلهم بمعرفة تلك الحقوق‬
‫على الوجه المطلوب شرعا‪.‬‬
‫ولما كانت هذه الحقوق هي من جملة هذا الدين الذي تعبدنا الله‬
‫به‪ ،‬فكان ل بد فيها من توفر شرطي القبول‪:‬‬
‫أ‪ -‬الخلص‪.‬‬
‫‪ -2‬الصواب (التباع)‪.‬‬
‫صالِحا ً وَل‬
‫مل ً َ‬ ‫جوا لِقَاءَ َربِّهِ فَلْيَعْ َ‬
‫م ْ‬
‫ل عَ َ‬ ‫ن كَا َ‬
‫ن يَْر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫كما قال تعالى {فَ َ‬
‫حداً}[‪]22‬‬ ‫ك بعِبادة رب َ‬
‫هأ َ‬ ‫شرِ ْ ِ َ َ ِ َ ِّ ِ‬
‫يُ ْ‬
‫فقد أحببت أن أوضح تلك الحقوق النبوية وفق ما جاءت بذلك‬
‫النصوص الشرعية‪ ،‬وما كان عليه سلف هذه المة وأئمتها‪ ،‬عسى‬
‫أن يكون في هذا البيان والتوضيح تعليم للجاهل‪ ،‬وتذكير للغافل‪،‬‬
‫وتحذير وردع للمبتدع‪ ،‬ومدارسة للعارف‪.‬‬
‫فأسأل الله عز وجل التوفيق والرشاد وأن يرزقنا التمسك بسنة‬
‫نبيه صلى الله عليه وسلم والسير على هديه والتأسي به‪ ،‬وأن‬
‫يشرح لذلك صدورنا وينير قلوبنا إنه جواد كريم وعلى كل شيء‬
‫قدير‪.‬‬

‫الباب الول‪ :‬وجوب اليمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وطاعته‬
‫واتباع سنته‪.‬‬
‫الفصل الول‪ :‬وجوب اليمان بالنبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫المبحث الول‪ :‬تعريف اليمان وبيان معنى شهادة أن محمدا‬
‫رسول الله‪.‬‬
‫المطلب الول‪ :‬تعريف اليمان عموما‪.‬‬

‫أ‪ -‬المعنى اللغوي لكلمة "آمن"‪:‬‬


‫اليمان مصدر آمن يؤمن إيمانا فهو مؤمن‬
‫أ‪ -‬ويرى جمع من أهل اللغة أن اليمان في اللغة معناه‪ :‬التصديق‬
‫وقد حكوا الجماع على ذلك قال الزهري[‪" :]23‬واتفق أهل العلم‬
‫من اللغويين وغيرهم أن اليمان معناه التصديق"[‪.]24‬‬
‫ما‬‫واستدلوا لذلك بقوله تعالى حكاية عن إخوة يوسف لبيهم {وَ َ‬
‫َ‬
‫ن}[‪ ]25‬فقالوا معناه ما أنت بمصدق‬ ‫ن لَنَا وَلَوْ كُنَّا َ‬
‫صادِقِي َ‬ ‫م ٍ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ت بِ ُ‬ ‫أن ْ َ‬
‫لنا[‪.]26‬‬
‫‪ -2‬أما علماء السلف[‪ ]27‬فيقولون إن اليمان يأتي في اللغة‬
‫لمعنيين هما‪:‬‬
‫ن‬
‫م َ‬‫أ‪ -‬بمعنى صدق به وذلك إذا عدي بالباء كما في قوله تعالى {آ َ‬
‫ن َربِّهِ‪}...‬الية[‪ ]28‬أي صدق الرسول[‪.]29‬‬ ‫م ْ‬ ‫ما أُنْزِ َ‬
‫ل إِلَيْهِ ِ‬ ‫ل بِ َ‬‫سو ُ‬ ‫الَّر ُ‬
‫ب‪ -‬وبمعنى أقر له وذلك إذا عدي باللم كما في قوله تعالى‬
‫َ‬
‫ن لَ ُ‬
‫ه‬ ‫ن}‪ ،‬وقوله تعالى {فَآ َ‬
‫م َ‬ ‫ن لَنَا وَلَوْ كُنَّا َ‬
‫صادِقِي َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫م ٍ‬ ‫ت بِ ُ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫{وَ َ‬
‫لُوط}[‪.]30‬‬
‫وقد اعترض السلف على حصر أهل اللغة لمعنى اليمان‬
‫بالتصديق فقط وقالوا‪" :‬إن اليمان وإن كان يتضمن التصديق‬
‫فليس هو مجرد التصديق‪ ،‬وإنما هو القرار[‪ ]31‬والطمأنينة أيضا"[‬
‫‪ ]32‬واستدل السلف لقولهم بالمور التالية‪:‬‬
‫أول‪ :‬إن الترداف التام ممتنع بين التصديق واليمان من عدة‬
‫وجوه‪ ،‬يوضحها الجدول التالي‬
‫اليمان‬
‫التصديق‬
‫‪ -‬إن كلمة آمن تتعدى بالباء وباللم وقد تقدم التمثيل لذلك‪.‬‬
‫‪ -‬إن كلمة آمن تتضمن ثلثة معان هي‪ :‬المن‪ ،‬والتصديق‪،‬‬
‫والمانة‪.‬‬
‫‪ -‬إن لفظ اليمان ل يستعمل إل في الخبر عن الغائب لن فيه‬
‫أصل معنى المن والئتمان وهذا إنما يكون في الخبر عن الغائب‪،‬‬
‫فل يقال لمن قال طلعت الشمس آمنا له وإنما يقال صدقناه‬
‫ولهذا لم يأت في القرآن وغيره لفظ آمن له إل في الخبر عن‬
‫الغائب‪.‬‬
‫‪ -‬إن لفظ اليمان ضده الكفر‪ ،‬والكفر ل يختص بالتكذيب فقط‬
‫بل هو أعم منه‪ ،‬إذ يمكن أن يكون مخالفة ومعاداة بل تكذيب‬
‫ومع ذلك يسمى كفرا كما لو قال شخص‪ :‬أنا أعلم أنك‬
‫صادق‪،‬ولكن ل أتبعك بل أعاديك وأبغضك وأخالفك‪ ،‬فهذا كفر‬
‫أعظم‪.‬‬
‫‪ -‬أما كلمة "صدق" فل تتعدى باللم فل يقال "صدق له" إنما يقال‬
‫"صدق به" فهي تتعدى بالباء وبنفسها فيقال صدقه‪.‬‬
‫‪ -‬أما كلمة صدق فل تتضمن معنى المن والمانة‪.‬‬
‫‪ -‬أما لفظ التصديق فيستعمل في كل مخبر عن مشاهد أو غيب‪،‬‬
‫فمن قال السماء فوقنا‪ ،‬قيل له‪ :‬صدقت‪.‬‬
‫‪ -‬أما لفظ التصديق ضده التكذيب فقط‪.‬‬
‫وبهذا يتبين عدم الترداف التام بين اللفظين‪ ،‬وأن اليمان ليس‬
‫التصديق فقط[‪ ]33‬كما أن الكفر ليس التكذيب فقط‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬من المعلوم أن كلم الله وشرعه إنما هو خبر وأمر‪.‬‬
‫فالخبر‪ :‬يستوجب تصديق الخبر‪.‬‬
‫والمر يستوجب النقياد له والستسلم‪ ،‬وهو عمل في القلب‪،‬‬
‫جماعه‪ :‬الخضوع والنقياد للمر‪ ،‬وإن لم يفعل المأمور به‪.‬‬
‫فإذا قوبل الخبر بالتصديق‪ ،‬والمر بالنقياد‪ ،‬فقد حصل أصل‬
‫اليمان في القلب وهو "الطمأنينة والقرار" فإن اشتقاقه من‬
‫المن الذي هو القرار والطمأنينة‪ ،‬وذلك إنما يحصل إذا استقر‬
‫سر اليمان بالتصديق فقط‪،‬‬ ‫في القلب التصديق والنقياد‪ .‬فلو فُ ِّ‬
‫كما قال أهل اللغة‪ ،‬فإن التصديق إنما يعرض للجزء الول من‬
‫الشرع فقط الذي هو الخبر‪ ،‬ول يعرض للجزء الثاني وهو المر‪،‬‬
‫لن المر ليس فيه تصديق من حيث هو أمر‪.‬‬
‫ومن المعلوم أن إبليس لم يكفر بسبب عدم تصديقه‪ ،‬فإنه سمع‬
‫أمر الله فلم يكذب رسول‪ ،‬ولكن لم ينقد للمر ولم يخضع له‪،‬‬
‫س أَبَى‬ ‫َ‬
‫واستكبر عن الطاعة فصار كافرا‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬إِل ّ إِبْلِي َ‬
‫ن}[‪ ]34‬فسماه الله كافرا وسلب عنه‬ ‫ن الْكَافِرِي َ‬
‫م َ‬ ‫ستَكْبََر وَكَا َ‬
‫ن ِ‬ ‫وَا ْ‬
‫وصف اليمان لستكباره وعدم انقياده لمرالله له بالسجود لدم‪.‬‬
‫لزم القول بأن اليمان مجرد التصديق فقط‪:‬‬
‫وهذا موضع زاغ فيه خلق من الخلف تخيل لهم أن اليمان ليس‬
‫في الصل إل التصديق‪ ،‬ثم يرون مثل إبليس وفرعون مما لم‬
‫يصدر عنه تكذيب أو صدر عنه تكذيب باللسان ل بالقلب وكفره‬
‫من أغلظ الكفر فيتحيرون‪.‬‬
‫ومثل هؤلء القوم لو أنهم هُدوا لما هُدي إليه السلف الصالح‬
‫لعلموا أن اليمان قول وعمل أعني في الصل قول في القلب‪،‬‬
‫وعمل في القلب‪ ،‬فإن اليمان بحسب كلم الله ورسالته‪ -‬وكلم‬
‫الله ورسالته يتضمن أخباره وأوامره‪ -‬فيصدق القلب أخباره‬
‫تصديقا يوجب حال في القلب بحسب المصدق به‪ ،‬والتصديق هو‬
‫من نوع العلم والقول‪ ،‬وينقاد لمره ويستسلم‪ ،‬وهذا النقياد‬
‫والستسلم هو من نوع الرادة والعمل‪ ،‬ول يكون مؤمنا إل‬
‫بمجموع المرين فمتى ترك النقياد كان مستكبرا فصار من‬
‫الكافرين وإن كان مصدقا‪ ،‬لن الكفر أعم من التكذيب‪ ،‬فالكفر‬
‫يكون تكذيبا وجهل‪ ،‬ويكون استكبارا وظلما‪ ،‬ولهذا لم يوصف‬
‫إبليس إل بالكفر والستكبار دون التكذيب‪ ،‬ولهذا كان كفر من‬
‫يعلم مثل اليهود ونحوهم من جنس كفر إبليس‪ ،‬وكان كفر من‬
‫يجهل مثل النصارى ونحوهم ضلل وهو "الجهل" أل ترى أن نفرا‬
‫من اليهود جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسألوه عن‬
‫أشياء‪ ،‬فأخبرهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬نشهد أنك نبي‪ ،‬ولم يتبعوه‪ ،‬وكذلك‬
‫هرقل وغيره‪ ،‬فلم ينفعهم هذا العلم وهذا التصديق‪.‬‬
‫أل ترى أن من صدق الرسول بأن ما جاء به هو رسالة الله‪ ،‬وقد‬
‫تضمنت خبزا وأمرا‪ ،‬فإنه يحتاج إلى مقام ثان‪ ،‬وهو تصديق خبر‬
‫الله وانقياده لمر الله‪ ،‬فإذا قال‪" :‬أشهد أن ل إله إل الله" فهذه‬
‫الشهادة تتضمن تصديق خبره والنقياد لمره‪" .‬وأشهد أن محمدا‬
‫رسول الله" تضمنت تصديق الرسول فيما جاء به من عند الله‪.‬‬
‫فبمجموع هاتين الشمهادتين يتم القرار‪.‬‬
‫فلما كان التصديق ل بد منه في كل الشهادتين‪ -‬وهو الذي يتلقى‬
‫الرسالة بالقبول‪ -‬ظن من ظن أنه أصل لجميع اليمان وغفل عن‬
‫أن الصل الخر ل بد منه وهو النقياد‪ ،‬وإل فقد يصدق الرسول‪،‬‬
‫ظاهرا وباطنا ثم يمتنع من النقياد للمر‪ ،‬إذ غايته في تصديق‬
‫الرسول أن يكون بمنزلة من سمع الرسالة من الله سبحانه‬
‫كإبليس"[‪.]35‬‬
‫ثالثا‪ :‬ما استدل به أهل اللغة على أن معنى اليمان في قوله‬
‫َ‬
‫ن} هو التصديق غير‬ ‫ن لَنَا وَلَوْ كُنَّا َ‬
‫صادِقِي َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫م ٍ‬ ‫ت بِ ُ‬
‫ما أن ْ َ‬
‫{و َ‬
‫تعالى َ‬
‫مسلم‪.‬‬
‫إذ يرى علماء السلف أن تفسيرها بـ "أقررت" أقرب من‬
‫تفسيرها بـ " صدقت " وذلك لن لفظ "آمن" متى عُدّي باللم‬
‫يكون بمعنى "أقر" وليس بمعنى "صدق"‪ ،‬إذ ل يكون بمعنى‬
‫صدق ال إذا عُدّي بالباء أوبنفسه‪.‬‬
‫ب‪ -‬المعنى الشرعي لليمان‪:‬‬
‫تنوعت عبارات السلف في تعريف اليمان‪:‬‬
‫أ‪ -‬فتارة يقولون‪ :‬اليمان قول وعمل‪.‬‬
‫‪ -2‬وتارة يقولون‪ :‬هو قول وعمل ونية‪.‬‬
‫‪ -3‬وتارة يقولون‪ :‬هو قول وعمل ونية واتباع سنة [‪.]36‬‬
‫‪ -4‬وتارة يقولون‪ :‬اليمان‪ :‬قول اللسان‪ ،‬واعتقاد بالقلب‪ ،‬وعمل‬
‫بالجوارح يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية[‪.]37‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية[‪ ]38‬بعد أن أورد التعريفات الثلثة‬
‫الول‪" :‬وكل هذا صحيح"[‪ ]39‬وعلل ذلك بقوله[‪:]40‬‬
‫"فمن قال إن اليمان قول وعمل فمرداه قول اللسان والقلب‬
‫وعمل القلب والجوارح"‪.‬‬
‫وقول اللسان وعمل الجوارح معروفان‪.‬‬
‫وأما المقصود من قول القلب‪ :‬فهو إقراره ومعرفته وتصديقه‪.‬‬
‫وأما عمله‪ :‬فهو انقياده لما صدق به‪.‬‬
‫ومن عبر عن اليمان بهذا التعريف ليس مراده كل قول أو عمل‬
‫وإنما المراد ما كان مشروعا من القوال والعمال‪.‬‬
‫كما أن تعبير بعض السلف بهذه العبارة في تعريف اليمان إنما‬
‫جاء في معرض الرد على المرجئة[‪ ]41‬الذين جعلوه قول فقط‪،‬‬
‫فقال بعض السلف ردا عليهم‪ :‬بل قول وعمل[‪.]42‬‬
‫وأما من عرفه بقوله هو قول و عمل ونية‪ ،‬فمقصوده بزيادة لفظ‬
‫"ونية"‪ :‬أن القول يتناول العتقاد وقول اللسان‪.‬‬
‫وأما العمل فقد ل يفهم منه النية فزاد ذلك[‪.]43‬‬
‫وأما من عرفه بأنه قول وعمل ونية واتباع سنة‪ ،‬فقد زاد لفظة‬
‫"واتباع سنة" لن ذلك كله ل يكون محبوبا لله إل باتباع السنة[‬
‫‪.]44‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬وقد سئل سهل بن عبد الله‬
‫التستري[‪ ]45‬عن اليمان ما هو؟‪ ،‬فقال‪ :‬قول وعمل ونية واتباع‬
‫سنة‪.‬‬
‫لن اليمان إذا كان قول بل عمل فهو كفر‪.‬‬
‫وإذا كان قول وعمل بل نية فهو نفاق‪.‬‬
‫وإذا كان قول وعمل ونية بل سنة فهو بدعة[‪.]46‬‬
‫وأجمع التعاريف الواردة وأشملها هو‪ :‬أن اليمان قول اللسان‬
‫واعتقاد بالجنان وعمل الجوارح يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية‪.‬‬
‫وهذا التعربف هو الذي يميز قول السلف في مسمى اليمان عن‬
‫قول غيرهم من الفرق[‪ ]47‬ولهذا كان هذا التعريف هو أجمع‬
‫التعاريف الواردة عن السلف وأكثرها دقة في بيان قولهم‪.‬‬
‫ج‪ -‬دللة اسم اليمان‪:‬‬
‫تتحدد دللة اسم "اليمان" بحسب سياق الكلم الذي تستعمل‬
‫فيه هذه اللفظة فلفظ "اليمان" إما أن يستعمل‪:‬‬
‫أ ‪ -‬مطلقا‪ :‬أي يذكر مطلقا عن لفظ "العمل" و"السلم"‪.‬‬
‫ب ‪ -‬أو مقيدا‪ :‬فتارة يقرن بالعمل الصالح‪ ،‬وتارة يقرن بالسلم‪.‬‬
‫فإذا استعمل مطلقا‪" :‬فجميع ما يحبه الله ورسوله من أقوال‬
‫العبد وأعماله الباطنة والظاهرة‪ ،‬يدخل في مسمى اليمان عند‬
‫عامة السلف والئمة‪ -‬من الصحابة والتابعين وتابعيهم‪ -‬الذين‬
‫يجعلون اليمان قول وعمل‪ ،‬يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية‪،‬‬
‫ويدخلون جميع الطاعات‪ -‬فرضها ونفلها‪ -‬في مسماه"[‪.]48‬‬
‫ويلحظ هنا أن لفظ "اليمان" على هذا الستعمال يكون مرادفا‬
‫للفظ "العبادة" والعبادة كما هو معروف هي‪ :‬اسم جامع لكل ما‬
‫يحبه الله ويرضاه من العمال والقوال الظاهرة والباطنة‪.‬‬
‫ومن استعمال الشارع للفظ اليمان بهذا المعنى ما جاء في‬
‫الصحيحين من حديث أبي هريرة[‪ ]49‬رضي الله عنه قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬اليمان بضع وسبعون شعبة أو‬
‫بضع وستون شعبة‪ ،‬فأفضلها قول ل إله إل الله‪ ،‬وأدناها إماطة‬
‫الذى عن الطريق‪ ،‬والحياء شعبة من اليمان"[‪.]50‬‬
‫فاليمان في هذا الحديث شمل جميع أمور الدين بما في ذلك‬
‫أمور السلم‪ .‬ومن هذا الستعمال أيضا ما جاء في حديث عبد‬
‫الله بن عباس[‪ ]51‬رضي الله عنهما‪ :‬أن وفد عبد القيس[‪ ]52‬لما‬
‫أتوا النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بأربع ونهاهم عن أربع‪:‬‬
‫"أمرهم باليمان بالله وحده‪ ،‬قال‪ :‬أتدرون ما اليمان بالله‬
‫وحده؟‪ ،‬قالوا‪ :‬الله ورسوله أعلم‪ .‬قال‪ :‬شهادة أن ل إله إل الله‪،‬‬
‫وأن محمدا رسول الله‪ ،‬وإقام الصلة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬وصيام‬
‫رمضان‪ ،‬وأن تعطوا من المغنم خمس‪ " ...‬الحديث[‪.]53‬‬
‫فلفظ اليمان استعمل في الحديث مطلقا فدخل فيه المور‬
‫الظاهرة مع أنها من أمور السلم كما جاء في حديث جبريل‬
‫المشهور‪.‬‬
‫ن‬‫وأما إذا استعمل اسم اليمان مقيدا كما في قوله تعالى‪{ :‬إ ِ َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫منُوا وَكَانُوا‬ ‫ت}[‪ ،]54‬وقوله {ال ّذِي َ‬
‫نآ َ‬ ‫حا ِ‬ ‫ملُوا ال َّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫منُوا وَع َ ِ‬
‫نآ َ‬‫ال ّذِي َ‬
‫ن}[‪.]55‬‬ ‫يَتَّقُو َ‬
‫وفول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل المشهور‪:‬‬
‫"اليمان أن تؤمن بالله وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر‬
‫وبالقدر خيره وشره "[‪.]56‬‬
‫فهنا قد يقال‪ :‬إنه متناول لذلك وإن عطف ذلك عليه من باب‬
‫جبْرِي َ‬
‫ل‬ ‫سلِهِ وَ ِ‬ ‫ملئِكَتِهِ وَُر ُ‬ ‫عطف الخاص على العام كقوله تعالى‪{ :‬وَ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ك وَ ِ‬ ‫من ْ َ‬
‫م وَ ِ‬ ‫ميثَاقَهُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن النَّبِيِّي َ‬ ‫م َ‬‫خذ ْنَا ِ‬ ‫ل}[‪ ،]57‬وقوله‪{ :‬وَإِذ ْ أ َ َ‬ ‫ميكَا َ‬ ‫وَ ِ‬
‫مْريَم} الية[‪.]58‬‬ ‫ن َ‬ ‫سى اب ْ ِ‬ ‫عي َ‬ ‫سى وَ ِ‬‫مو َ‬
‫م وَ ُ‬
‫ح وَإِبَْراهِي َ‬ ‫نُو ٍ‬
‫وقد يقال إن دللة السم تنوعت بالفراد والقتران كلفظ الفقير‬
‫والمسكين‪ ،‬فإن أحدهما إذا أفرد تناول الخر‪ ،‬وإذا جمع بينهما‬
‫كانا صنفين‪ :‬كما في آية الصدقة‪ ،‬ول ريب أن فروع اليمان مع‬
‫أصوله كالمعطوفين‪ ،‬وهي مع جميعه كالبعض مع الكل"[‪.]59‬‬
‫قلت‪ :‬إن القول بأن عطف ذلك عليه من باب عطف الخاص على‬
‫َ َ‬
‫ملُوا‬‫منُوا وَع َ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ن ال ّذِي َ‬
‫العام ينطبق على الية وهي قوله تعالى {إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫ن}‪.‬‬ ‫منُوا وَكَانُوا يَتَّقُو َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ت}‪ ،‬وقوله تعالى {ال ّذِي َ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬‫ال َّ‬
‫والقول بأن دللة السم تنوعت بالفراد والقتران ينطبق على‬
‫حديث جبريل حيث ذكر السلم واليمان فأصبح كل واحد منهما‬
‫يختص بأمور معينة فالسلم اختص بالمور الظاهرية‪ ،‬واليمان‬
‫اختص بالمور العتقادية الباطنية‪.‬‬
‫"فلفظ السلم واليمان إذا أفرد كل واحد من السمين دخل في‬
‫مسمى الخر إما تضمنا وإما لزوما‪ ،‬ودخوله فيه تضمنا أظهر‪،‬‬
‫وكون أحدهما ل يدخل في الخر عند القتران ل يدل على أنه ل‬
‫يدخل فيه عند انفراد الخر‪ ،‬وهذه قاعدة جليلة من أحاط بها‬
‫زالت عنه إشكالت كثيرة أشكلت على كثير من الناس"[‪.]60‬‬
‫خلصة القول‪:‬‬
‫إن اسم اليمان إذا أفرد‪ :‬تناول جميع أمور الدين الظاهرة‬
‫والباطنة كما في حديث الشعب‪.‬‬
‫وإذا اقترن اسم اليمان مع السلم دل اليمان على المور‬
‫الباطنة ودل السلم على أمور الدين الظاهرة كما في حديث‬
‫جبريل‪.‬‬
‫وإذا اقترن العمل مع اليمان‪ :‬فهو من باب عطف الخاص على‬
‫َ َ‬
‫ملُوا‬‫منُوا وَع َ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ن ال ّذِي َ‬ ‫العام[‪ ]61‬كما في قوله تعالى {إ ِ ّ‬
‫ت}‪.‬‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ال َّ‬

‫المطلب الثاني‪ :‬تعريف اليمان بالنبي صلى الله عليه وسلم‬


‫"اليمان بالرسول‪ :‬هو تصديقه وطاعته واتباع شريعته"‪]62[.‬‬
‫وهذه المور هي الركائز التي يقوم عليها اليمان بالنبي صلى الله‬
‫عليه وسلم وعن بيان هذه المور مطلوبة عند اليمان به بالنبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫قال العلماء‪:‬‬
‫أ‪ -‬أما تصديقه صلى الله عليه وسلم فيتعلق به أمران عظيمان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬إثبات نبوته وصدقه فيما بلغه عن الله‪ ،‬وهذا مختص به‬
‫صلى الله عليه وسلم[‪.]63‬‬
‫ويندرج تحت هذا الثبات والتصديق عدة أمور منها‪:‬‬
‫‪ -1‬اليمان بعموم رسالته إلى كافة الثقلين إنسهم وجنهم‪.‬‬
‫‪ -2‬اليمان بكونه خاتم النبين ورسالته خاتمة الرسالت‪.‬‬
‫‪ -3‬اليمان بكون رسالته ناسخة لما قبلها من الشرائع‪.‬‬
‫‪ -4‬اليمان بأنه صلى الله عليه وسلم قد بلغ الرسالة وأكملها‬
‫وأدى المانة ونصح لمته حتى تركهم على البيضاء ليلها كنهارها‪.‬‬
‫‪ -5‬اليمان بعصمته صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -6‬اليمان بماله من حقوق خلف ما تقدم ذكره كمحبته وتعظيمه‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ .‬وسيأتي تفصيل المور الخمسة المتقدمة‬
‫بأدلتها في المباحث اللحقة من هذا الفصل بإذن الله تعالى‪.‬‬
‫أما الحقوق الخرى الواجبة له فسيأتي تفصيلها في البواب‬
‫القادمة إن شاء الله تعالى‪.‬‬
‫الثاني‪" :‬تصديقه فيما جاء به‪ ،‬وأن ما جاء به من عند الله حق‬
‫يجب اتباعه‪ .‬وهذا يجب عليه صلى الله عليه وسلم وعلى كل‬
‫أحد"[‪.]64‬‬
‫فيجب تصديق النبي صلى الله عليه وسلم جميع ما أخبر به عن‬
‫الله عز وجل‪ ،‬من أنباء ما قد سبق وأخبار ما سيأتي‪ ،‬وفيما أحل‬
‫من حلل وحّرم من حرام‪ ،‬واليمان بأن ذلك كله من عند الله عز‬
‫َ‬
‫ي‬
‫ح ٌ‬‫و إِل ّ وَ ْ‬ ‫ن الْهَوَى‪ ،‬إ ِ ْ‬
‫ن هُ َ‬ ‫ما يَنْطِقُ ع َ ِ‬ ‫{و َ‬
‫وجل‪ ،‬قال تعالى‪َ :‬‬
‫حى}[‪.]65‬‬ ‫يُو َ‬
‫قال شارح العقيدة الطحاوية‪" :‬يجب على كل أحد أن يؤمن بما‬
‫جاء به الرسول إيمانا همل‪ ،‬ول ريب أن معرفة ما جاء به الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم على التفصيل فرض على الكفاية"[‪.]66‬‬
‫ب‪ -‬طاعته واتباع شريعته‪ :‬إن اليمان بالرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم كما يتضمن تصديقه فيما جاء به فهو يتضمن كذلك العزم‬
‫على العمل بما جاء به وهذه هي الركيزة الثانية من ركائز اليمان‬
‫به صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وهي تعني‪ :‬النقياد له صلى الله عليه وسلم وذلك بفعل ما أمر‬
‫ما آتَاك ُ ُ‬
‫م‬ ‫{و َ‬
‫به واجتناب ما نهى عنه وزجر امتثال لقوله تعالى‪َ :‬‬
‫ه فَانْتَهُوا}[‪ .]67‬فيجب على الخلق‬ ‫ما نَهَاك ُ ْ‬
‫م ع َن ْ ُ‬ ‫خذ ُوه ُ وَ َ‬‫ل فَ ُ‬ ‫الَّر ُ‬
‫سو ُ‬
‫اتباع شريعته واللتزام بسنته مع الرضا بما قضاه والتسليم له‪،‬‬
‫والعتقاد الجازم أن طاعته هي طاعة لله وأن معصيته معصية‬
‫لله لنه هو الواسطة يين الله وبين الثقلين في التبليغ‪.‬‬
‫وسيأتي بيان هذه المسألة في الفصل الثاني من هذا الباب إن‬
‫شاء الله تعالى‪ .‬قال شيخ السلم ابن تيمية‪ " :‬يجب على الخلق‬
‫القرار[‪ ]68‬بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فما جاء به‬
‫القرآن العزيز أو السنة المعلومة وجب على الخلق القرار به‬
‫جملة وتفصيل عند العلم بالتفصيل‪ ،‬فل يكون الرجل مؤمنا حتى‬
‫يقر بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وهو تحقيق شهادة أن‬
‫ل إله إل الله وأن محمدا رسول الله‪ ،‬فمن شهد أنه رسول الله‬
‫شهد أنه صادق فيما يخبر به عن الله تعالى فإن هذا حقيقة‬
‫الشهادة بالرسالة"[‪.]69‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬معنى شهادة أن محمدا رسول الله صلى الله‬


‫عليه وسلم‬
‫أ‪ -‬معناها‪:‬‬
‫"معنى شهادة أن محمدا رسول الله‪ :‬طاعته فيما أمر وتصديقه‬
‫فيما أخبر واجتناب ما نهى عنه وزجر‪ ،‬وأن ل يعبد الله إل بما‬
‫شرع"[‪.]70‬‬
‫وهذه الشهادة هي الشطر الثاني من الركن الول من أركان‬
‫السلم الخمسة‪ ،‬كما أن اليمان بالنبي صلى الله عليه وسلم‬
‫داخل في الركن الرابع من أركان اليمان الستة‪ ،‬ويشهد لذلك‬
‫حديث جبريل المشهور‪ .‬ويلحظ أننا عّرفنا الشهادة واليمان به‬
‫بتعريف واحد‪ ،‬وهذا المر يصح في حالة الفراد كما سبق وأن‬
‫ذكرت في لفظ السلم واليمان‪ ،‬أما في حالة القتران فاليمان‬
‫به يختص بتصديق القلب وإقراره‪ ،‬والشهادة يراد بها نطق‬
‫اللسان واعترافه‪ ،‬ويجب تحقيق هذه الشهادة معرفة وإقرارا‬
‫وانقيادا وطاعة[‪.]71‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬وأما اليمان بالرسول فهو المهم‪،‬‬
‫إذ ل يتم اليمان بالله بدون اليمان به‪ ،‬ول تحصل النجاة‬
‫والسعادة بدونه‪ ،‬إذ هو الطريق إلى الله سبحانه‪ ،‬ولهذا كان ركنا‬
‫السلم‪" :‬أشهد أن ل إله إل الله وأشهد أن محمدا عبده‬
‫ورسوله"[‪.]72‬‬
‫ب‪ -‬شروط الشهادتين‪:‬‬
‫بعد ذكر معنى "شهادة أن محمدا رسول الله " ناسب المقام أن‬
‫نشير ههنا إلى شروط هذه الشهادة بشقيها‪ ،‬لننا في زمان يجهل‬
‫فيه كثير من الناس هذه الشروط‪ ،‬إذ يعتقد كثير منهم لجهلهم أن‬
‫التلفظ وحده يكفي لتحقيق الشهادة ويستغنون بهذا عن العمل‬
‫بالمقتضى المترتب على هذه الشهادة‪.‬‬
‫وتصويبا لهذا الخطأ وإزالة لهذا الجهل أقول‪ :‬إنه من المعلوم أن‬
‫العبد ل يدخل في دين السلم إل بعد التيان بالشهادتين "شهادة‬
‫أن ل إله إل الله وشهادة أن محمدا رسول الله"‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سولِهِ}[‪]73‬‬ ‫منُوا بِالل ّهِ وََر ُ‬‫نآ َ‬ ‫ن ال ّذِي َ‬ ‫ما ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫منُو َ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬إِن َّ َ‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم‪" :‬أمرت أن أقاتل الناس حتى‬
‫يشهدوا أن ل إله إل الله وأن محمدا رسول الله"[‪.]74‬‬
‫ومن المعلوم كذلك أن جميع الدين داخل في الشهادتين إذ‬
‫مضمونهما أن ل نعبد إل الله وأن نعبده بما شرع على لسان‬
‫رسوله صلى الله عليه وسلم ونطيعه فيما جاء به عن ربه‬
‫سبحانه وتعالى‪ ،‬والدين كله داخل في هذا‪.‬‬
‫ولهاتين الشهادتين شروط ل بد من توفرها فيهما‪ ،‬إذ ل يمكن‬
‫لقائلهما أن ينتفع بهما إل بعد اجتماعها فيهما‪ ،‬وهذه الشروط‬
‫مطلوبة في كل الشهادتين‪ ،‬وذلك لما بينهما من التلزم‪ ،‬فالعبد ل‬
‫يدخل في الدين إل بهما معا‪.‬‬
‫وهي سبعة شروط‪:‬‬
‫الشرط الول‪ :‬العلم‪:‬‬
‫إذ العلم بالشيء شرط عند الشهادة به ويشهد لذلك قوله تعالى‪:‬‬
‫َ‬
‫ن}[‪.]75‬‬ ‫مو َ‬ ‫م يَعْل َ ُ‬
‫قّ وَهُ ْ‬‫ِ‬ ‫شهِد َ بِال ْ َ‬
‫ح‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫{إِل ّ َ‬
‫ومن الدلة على وجوب العلم بالشهادة قوله تعالى‪{ :‬فَاع ْل َ َ‬
‫ه‬‫م أن َّ ُ‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫ه}[‪ ،]76‬وقول النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬من مات‬ ‫ه إِل ّ الل ّ ُ‬‫ل إِل َ َ‬
‫وهو يعلم أنه ل إله إل الله دخل الجنة"[‪ .]77‬والعلم المراد به هنا‬
‫هو معرفة معنى الشهادتين ومقتضاهما واللوازم المترتبة على‬
‫ذلك‪.‬‬
‫فل إله إل الله معناها‪ :‬ل معبود بحق إل الله‪.‬‬
‫ومقتضاها ولزمها‪ :‬نفي الشرك وإثبات الوحدانية لله تعالى‬
‫وإفراده بالعبادة مع العتقاد الجازم لما تضمنته من ذلك والعمل‬
‫به[‪.]78‬‬
‫ومعنى شهادة أن محمدا رسول الله‪ :‬القرار والعتراف للرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم أنه عبد الله ورسوله إلى الناس كافة[‪.]79‬‬
‫ومقتضاها ولزمها‪ :‬طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب‬
‫ما نهى عنه وزجر وأل يعبد الله إل بما شرع‪.‬‬
‫الشرط الثاني‪ :‬اليقين‪:‬‬
‫أي استيقان القلب بالشهادتين‪ ،‬وذلك بأن يعتقدهما اعتقادا جازما‬
‫ل يصاحبه شك أو ارتياب‪ ،‬لن اليمان ل يغني فيه إل علم اليقين‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫منُوا بِالل ّهِ‬
‫نآ َ‬‫ن ال ّذِي َ‬ ‫ما ال ْ ُ‬
‫مؤْ ِ‬
‫منُو َ‬ ‫ل علم الظن‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬إِن َّ َ‬
‫م يَْرتَابُوا}[‪ .]80‬وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن‬ ‫م لَ ْ‬
‫سولِهِ ث ُ َّ‬ ‫وََر ُ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له‪" :‬من لقيت وراء هذا‬
‫الحائط يشهد أن ل إله إل الله مستقينا بها قلبه فبشره بالجنة"‬
‫الحديث[‪ .]81‬وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬أشهد أن ل إله إل الله وأني رسول‬
‫الله ل يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إل دخل الجنة"[‪.]82‬‬
‫الشرط الثالث‪ :‬الخلص‪:‬‬
‫"وهو تصفية العمل بصالح النية عن جميع شوائب الشرك"[‪.]83‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن} الية[‬ ‫ه الدِّي َ‬ ‫ن لَ ُ‬‫صي َ‬ ‫خل ِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ه ُ‬ ‫مُروا َإِل ّ لِيَعْبُدُوا الل ّ َ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬وَ َ‬
‫ص}[‪" ]85‬أي ل يقبل الله‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫خال ِ ُ‬ ‫ن ال َ‬ ‫‪ .]84‬وقال تعالى‪{ :‬أل لِلهِ الدِّي ُ‬
‫من العمل إل ما أخلص فيه العامل لله وحده ل شريك له"‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ص}‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫وقال قتادة[‪ ]86‬في قوله تبارك وتعالى‪{ :‬أل لِل ّهِ الدِّي ُ‬
‫شهادة أن ل إله إل الله "[‪.]87‬‬
‫وعن عتبان بن مالك[‪ ]88‬رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ " :‬فإن الله حرم على النار من قال ل إله‬
‫إل الله يبتغي بذلك وجه الله"[‪.]89‬‬
‫وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬أسعد الناس بشفاعتي من قال ل إله إل الله خالصا‬
‫من قلبه"[‪.]90‬‬
‫الشرط الرابع‪" :‬الصدق فيها المنافي للكذب‪ .‬وهو أن يقولها‬
‫صدقا من قلبه يواطئ قلبه لسانه"[‪.]91‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مل‬ ‫منَّا وَهُ ْ‬‫ن َيَقُول َُوا آ َ‬ ‫ن يُتَْركُوا أ ْ‬ ‫سأ ْ‬ ‫ب النَّا ُ‬ ‫س َ‬ ‫ح ِ‬
‫َ‬
‫قال تعالى‪{ :‬الم أ َ‬
‫صدَقُوا‬ ‫ن َ‬ ‫ه ال ّذِي َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫م َّ‬ ‫م فَلَيَعْل َ َ‬‫ن قَبْلِهِ ْ‬‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن‪ ،‬وَلَقَد ْ فَتَنَّا ال ّذِي َ‬ ‫يُفْتَنُو َ‬
‫ن}[‪" ،]92‬أي الذين صدقوا في دعوى اليمان‬ ‫ن الْكَاذِبِي َ‬ ‫م َّ‬‫وَلَيَعْل َ َ‬
‫ممن هو كاذب في قوله ودعواه‪ ،‬والله سبحانه وتعالى يعلم ما‬
‫كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون‪ ،‬وهذا مجمع عليه‬
‫عند أئمة السنة والجماعة"[‪.]93‬‬
‫وعن أنس بن مالك[‪ ]94‬رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬ومعاذ[‪ ]95‬رديفه على الرحل‪ -‬قال‪" :‬يا معاذ بن جبل"‬
‫قال‪ :‬لبيك يا رسول الله وسعديك‪ .‬قال‪" :‬يا معاذ" قال لبيك يا‬
‫رسول الله وسعديك ثلثا‪ .‬قال‪" :‬ما من أحد يشهد أن ل إله إل‬
‫الله وأن محمدا رسول الله صدقا من قلبه إل حرمه الله على‬
‫النار" الحديث[‪.]96‬‬
‫الشرط الخامس‪ :‬المحبة‪:‬‬
‫"لهذه الكلمة ولما اقتضته ودلت علييه ولهلها والعاملين بها‬
‫الملتزمين لشروطها وبغض ما ناقض ذلك"[‪.]97‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م وَأْزوَا ُ‬ ‫خوَانُك ُ ْ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫م وَأبْنَاؤ ُك ُ ْ‬ ‫ن آبَاؤ ُك ُ ْ‬ ‫ن كَا َ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬قُ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ساك ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫سادَهَا وَ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫شوْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫جاَرة ٌ ت َ ْ‬ ‫موهَا وَت ِ َ‬ ‫ل اقْتََرفْت ُ َُ‬ ‫موَا ٌ‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫شيَرتُك ُ ْ‬ ‫وَع َ ِ‬
‫َ‬
‫صوا‬ ‫سبِيلِهِ فَتََرب َّ ُ‬ ‫جهَاد ٍ فِي َ‬ ‫سولِهِ وَ ِ‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ب إِلَيْك ُ ْ‬ ‫ح َّ‬ ‫ضوْنَهَا أ َ‬ ‫تَْر َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫ن}[‪ ،]98‬ففي‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬ ‫م الفَا ِ‬ ‫ه ل يَهْدِي القَوْ َ‬ ‫مرِهِ وَالل ُ‬ ‫ه بِأ ْ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫حتَّى يَأت ِ َ‬ ‫َ‬
‫الية دليل على وجوب محبة الله ورسوله ول خلف في ذلك بين‬
‫المة وأن ذلك مقدم على كل محبوب[‪.]99‬‬
‫َ‬ ‫منُوا أ َ َ‬ ‫َ‬
‫حبّا ً لِل ّهِ} الية[‪.]100‬‬ ‫شد ُّ ُ‬ ‫ن َآ َ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬وَال ّذِي َ‬
‫َ‬
‫ف‬
‫سو َ‬ ‫ن دِينِهِ فَ َ ْ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫منْك ُ ْ‬ ‫ن يَْرتَد َّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫منُوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫تعالى‪{ :‬يَا أي ُّ َها ال ّذِي َ‬ ‫َ‬
‫وقال‬
‫ْ‬
‫حبُّونَه} الية[‪.]101‬‬ ‫م وَي ُ ِ‬ ‫حبُّهُ ْ‬ ‫ه بِقَوْم ٍ ي ُ ِ‬ ‫يَأتِي الل ّ ُ‬
‫وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪" :‬ثلث من كن فيه وجد بهن حلوة اليمان‪ ،‬من كان‬
‫الله ورسوله أحب إليه مما سواهما‪ ،‬وأن يحب المرء ل يحبه إل‬
‫لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره‬
‫أن يقذف في النار"[‪.]102‬‬
‫الشرط السادس‪ :‬النقياد‪:‬‬
‫أي النقياد والستسلم ظاهرا وباطنا لوامر الله وما أنزله من‬
‫الشرع على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم‬
‫َ‬
‫ن فَقَ ِ‬
‫د‬ ‫س ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه وَهُوَ ُ‬ ‫ه إِلَى الل ّ ِ‬ ‫جهَ ُ‬ ‫م وَ ْ‬ ‫سل ِ ْ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫{و َ‬ ‫قال تعالى‪َ :‬‬
‫َ‬
‫ك بالْعُروةِ الْوثْقَى وإلَى الل ّهِ ع َاقِب َ ُ ُ‬
‫مورِ}[‪]103‬‬ ‫ة ال ُ‬ ‫َِ‬ ‫ُ‬ ‫س َ ِ ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ست َ ْ‬‫ا ْ‬
‫ففي هذه الية‪" :‬يقول تعالى مخبرا عمن أسلم وجهه لله أي‬
‫و‬
‫أخلص له العمل وانقاد لمره واتبع شرعه‪ ،‬ولهذا قال‪{ :‬وَهُ َ‬
‫ن}‪ ،‬أي في عمله‪ :‬باتباع ما به أمر‪ ،‬وترك ما عنه زجر‬ ‫س ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫سك بِالعُْروَةِ الوُثْقَى} أي فقد أخذ موثقا من الله‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫{فَقَد ِ ا ْ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫مورِ}"[‪.]104‬‬ ‫ة ال ُ‬ ‫متينا أنه ل يعذبه {وَإِلَى اللهِ ع َاقِب َ ُ‬
‫َ‬
‫سول ُ ُ‬
‫ه‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ضى َالل ّ ُ‬ ‫منَةٍ إِذ َا قَ َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ن وَل ُ‬ ‫ٍ‬ ‫مؤْ ِ‬
‫م‬ ‫ن لِ ُ‬ ‫ما كَا َ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سول َ ُ‬
‫ه‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ص الل ّ َ‬ ‫ن يَعْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫مرِه ِ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫خيََرة ُ ِ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ن لَهُ ُ‬ ‫ن يَكُو َ‬ ‫مرا ً أ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫مبِيناً}[‪ .]105‬والية عامة في جميع المور‪ ،‬وذلك‬ ‫ض َّ‬
‫ضلل ً ُ‬ ‫ل َ‬ ‫فَقَد ْ َ‬
‫أنه إذا حكم الله ورسوله بشيء فليس لحد مخالفته ول اختيار‬
‫كل‬ ‫لحد هنا ول رأي ول قول كما قال تبارك وتعالى‪{ :‬فَل وََرب ِّ َ‬
‫َ‬
‫م‬‫سهِ ْ‬ ‫جدُوا فِي أنْفُ ِ‬ ‫م ل يَ ِ‬ ‫م ث ُ َّ‬ ‫جَر بَيْنَهُ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ما َ‬ ‫ك فِي َ‬ ‫مو َ‬ ‫كّ ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫حتَّى ي ُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫منُو َ‬ ‫يُؤ ْ ِ‬
‫سلِيماً[‪]107[}]106‬‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ِّ ُ‬ ‫ت وَي ُ َ‬ ‫ضي ْ َ‬ ‫ما قَ َ‬ ‫م َّ‬ ‫حَرجا ً ِ‬ ‫َ‬
‫الشرط السابع‪ :‬القبول‪:‬‬
‫أي قبول الشهادتين واللتزام بمقتضياتها ولوازمها‪.‬‬
‫لٌ‬
‫ن كُ ّ‬‫منُو َ‬ ‫ن َربِّهِ وَال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل إِلَيْهِ ِ‬ ‫ما أُنْزِ َ‬ ‫سو ُ‬
‫ل بِ َ‬ ‫ن الَّر ُ‬ ‫م َ‬‫تعالى {آ َ‬ ‫قال‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ه‬
‫سل ِ ِ‬
‫ن ُر ُ‬ ‫م ْ‬‫حد ٍ ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫سلِهِ ل نُفَّرِقُ بَي ْ َ‬ ‫ملئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَُر ُ‬‫ن بِاللهِ وَ َ‬
‫م َ‬
‫آ َ‬
‫َ‬
‫صيُر}[‪ ،]108‬وقال‬ ‫م ِ‬ ‫ك ال ْ َ‬‫ك َربَّنَا وَإِلَي ْ َ‬‫معْنَا وَأطَعْنَا غُفَْران َ َ‬ ‫وَقَالُوا َ‬
‫س ِ‬
‫َ َ‬
‫ه إ ِ ّل‬ ‫ل لَهُ ْ‬
‫م ل إِل َ‬ ‫م كَانُوا إِذ َا قِي َ‬ ‫تعالى في شأن من لم يقبلها‪{ :‬إِنَّهُ ْ‬
‫ن أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا ل ِ َ‬ ‫َ‬
‫ن}[‪.]109‬‬ ‫جنُو ٍ‬
‫م ْ‬‫عرٍ َ‬‫شا ِ‬ ‫ن‪َ ،‬ويَقُولُو َ‬‫ستَكْبُِرو َ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫وعن أبي موسى الشعري[‪ ]110‬رضي الله عنه عن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم أنه قال‪" :‬مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم‬
‫كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا‪ ،‬فكان منها نقية[‪ ]111‬قبلت الماء‬
‫فأنبتت الكل والعشب الكثير‪ ،‬وكانت منها أجادب[‪ ]112‬أمسكت‬
‫الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا‪ ،‬وأصابت منها‬
‫طائفة أخرى إنما هي قيعان[‪ ]113‬ل تمسك ماءً ول تنبت كلً‪،‬‬
‫فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلِم‬
‫َ‬
‫وعل ّم‪ ،‬ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي‬
‫أرسلت به"[‪.]114‬‬
‫فهذه هي شروط الشهادتين يجب على المسلم تحقيقها والتيان‬
‫بها على الوجه المطلوب حتى يكون من أهلها‪.‬‬

‫ج‪ -‬مراتب الشهادة‪:‬‬


‫إذا علم العبد معنى الشهادتين وشروطهما فينبغي له أن يكون‬
‫على علم بأن للشهادة مراتب يتدرج عليها الشاهد مرتبة بعد‬
‫مرتبة حتى يتم له تحقيق الشهادة على الوجه المطلوب‪.‬‬
‫ومراتب الشهادة أربع هي[‪:]115‬‬
‫المرتبة الولى‪ :‬العلم والمعرفة والعتقاد لصحة المشهود‬ ‫•‬
‫به وثبوته‪ ،‬فل بد للشاهد أن يعلم ويعرف معنى الشهادتين وإل‬
‫َ‬
‫شهِدَ‬‫ن َ‬ ‫كان الشاهد شاهدا بما ل علم له به قال تعالى‪{ :‬إِل ّ َ‬
‫م ْ‬
‫ن}[‪.]116‬‬ ‫مو َ‬ ‫م يَعْل َ ُ‬
‫قّ وَهُ ْ‬
‫ح ِ‬ ‫بِال ْ َ‬
‫المرتبة الثانية‪ :‬تكلمه بالشهادتين وإن لم يُعلِم بها غيره‪،‬‬ ‫•‬
‫بل يتكلم بها مع نفسه ويتذكرها وينطق بها أو يكتبها‪.‬‬
‫ملئِك َ َ‬
‫ة‬ ‫جعَلُوا ال ْ َ‬ ‫والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز‪{ :‬وَ َ‬
‫َ‬
‫ش َهادَتُهُ ْ‬
‫م‬ ‫ب َ‬ ‫ستُكْت َ ُ‬
‫م َ‬‫خلْقَهُ ْ‬
‫شهِدُوا َ‬ ‫ن إِنَاثا ً أ َ َ‬
‫م ِ‬ ‫عبَاد ُ الَّر ْ‬
‫ح َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن هُ ْ‬‫ال ّذِي ََ‬
‫ن}[‪ ]117‬فجعل ذلك منهم شهادة وإن لم يتلفظوا بلفظ‬ ‫سألو َ‬ ‫وَي ُ ْ‬
‫الشهادة ولم يؤدوها عند غيرهم‪.‬‬
‫المرتبة الثالثة‪ :‬أن يُعلِم غيره بما شهد به ويخبره به‬ ‫•‬
‫ويبينه له ومرتبة العلم والخبار نوعان‪ :‬إعلم بالقول‪ ،‬وإعلم‬
‫بالفعل‪.‬‬
‫معلِم لغيره بأمر‪ ،‬تارة يعلمه به بالقول وتارة بفعل‬ ‫وهذا شأن كل ُ‬
‫ما كَا َ‬
‫ن‬ ‫تكون بالفعل قوله تعالى‪َ { :‬‬ ‫ومما يدل على أن الشهادة‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫شركي َ‬
‫م بِالْكُفْرِ}‬ ‫سهِ ْ‬‫ن ع َلَى أن ْ ُف ِ‬‫شاهِدِي َ‬ ‫جد َ الل ّهِ َ‬‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫مُروا َ‬ ‫ن يَعْ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ ِ ِ َ‬ ‫لِل ْ ُ‬
‫الية[‪ ]118‬فهذه شهادة منهم على أنفسهم بما يفعلونه[‪.]119‬‬
‫المرتبة الرابعة‪ :‬أن يلتزم بمضمونها ويأتمر به‪.‬‬ ‫•‬
‫ومجرد الشهادة ل يستلزم هذه المرتبة‪ ،‬لكن الشهادة في هذا‬
‫الموضع تدل عليه وتتضمنه‪ ،‬فإنه سبحانه وتعالى شهد به شهادة‬
‫ضى‬ ‫من حكم به وقضى وأمر وألزم عباده كما قال تعالى‪{ :‬وَقَ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫رب ُ َ َ َ‬
‫سانا}[‪.]120‬‬ ‫ح َ‬
‫ن إِ ْ‬ ‫ك أل ّ تَعْبُدُوا إِل ّ إِيَّا ُهُ وَبِالوَا َلِدَي ْ ِ‬ ‫َ ّ‬
‫حدا}الية[‪.]121‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫مُروا إِل لِيَعْبُدُوا إِلها وَا ِ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬وَ َ‬
‫والقرآن كله شاهد بذلك‪.‬‬
‫هَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫وقد شهد الله لنفسه بالوحدانية فقال تعالى { َ‬
‫ه ل إِل َ‬ ‫ه أن ّ ُ‬ ‫شهِد َ الل ُ‬
‫َ‬
‫ه إِل ّ هُوَ الْعَزِيُز‬ ‫إل َّ هُو وال ْملئِك َ ُ ُ‬
‫ط ل إِل َ َ‬‫س ِ‬‫ة وَأولُو الْعِلْم ِ قَائِما ً بِالْقِ ْ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ِ‬
‫م}[‪ ]122‬فشهادته سبحانه لنفسه بالوحدانية والقيام‬ ‫حكِي ُ‬ ‫ْ‬
‫ال َ‬
‫بالقسط تضمنت هذه المراتب الربع وهي‪ :‬علمه بذلك‪ ،‬وتكلمه‪،‬‬
‫وإخباره لخلقه‪ ،‬وإلزامهم وأمرهم به[‪.]123‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬نواقض اليمان بالنبي صلى الله عليه وسلم‬


‫إن مما ينبغي معرفته بعد توضيح معنى اليمان بالنبي صلى الله‬
‫عليه وسلم وتبيين شروط الشهادة ومراتبها أن تعرف نواقض‬
‫هذا المر ومبطلته حتى يحترز المسلم من الوقوع فيها‪ ،‬فعن‬
‫حذيفة بن اليمان[‪ ]124‬رضي الله عنه قال‪" :‬كان الناس يسألون‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن‬
‫الشر مخافة أن يدركني‪ "...‬الحديث[‪.]125‬‬
‫وعن عمر بن الخطاب[‪ ]126‬رضي الله عنه‪" :‬إنما تنقض عرى‬
‫السلم عروة عروة إذا نشأ في السلم من ل يعرف الجاهلية"[‬
‫‪.]127‬‬
‫ولهذا كان الصحابة رضوان الله عليهم أعظم هذه المة إيمانا‬
‫لكمال معرفتهم بالخير والشر‪ ،‬وكمال محبتهم للخير وبغضهم‬
‫للشر‪ ،‬لما علموه من حسن حال اليمان والعمل الصالح‪ ،‬وقبح‬
‫حال الكفر والمعاصي"‪.‬‬
‫ولمعرفة نواقض اليمان به صلى الله عليه وسلم نقول‪:‬‬
‫لما كان اليمان به صلى الله عليه وسلم يعني تصديقه وتصديق‬
‫ما جاء به صلى الله عليه وسلم‪ ،‬والنقياد له‪ ،‬فإن الطعن في‬
‫أحد هذين المرين ينافي اليمان ويناقضه فالنواقض على هذا‬
‫العتبار يمكن تقسيمها إلى قسمين‪:‬‬
‫القسم الول‪ :‬الطعن في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬الطعن فيما أخبر به الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم مما هو معلوم من الدين بالضرورة‪ ،‬إما بإنكاره أو‬
‫بانتقاصه‪.‬‬

‫القسم الول‪ :‬الطعن في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم‪:‬‬


‫ومما يدخل تحت هذا القسم نسبة أي شيء للرسول عليه الصلة‬
‫والسلم مما يتنافى مع اصطفاء الله له لتبليغ دينه إلى عباده‪،‬‬
‫فيكفر كل من طعن في صدق الرسول صلى الله عليه وسلم أو‬
‫أمانته أو عفته أو صلح عقله ونحو ذلك‪.‬‬
‫كما يكفر من سب الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أو عابه‪ ،‬أو‬
‫ألحق به نقصا في نفسه أو نسبه أو دينه‪ ،‬أو خصلة من خصاله‪،‬‬
‫أو عّرض به‪ ،‬أو شبهه بشيء على طريق السب له أو الزراء‬
‫عليه أو التصغير لشأنه أو الغض منه أو العيب له‪ ،‬فهو ساب له‬
‫والحكم فيه حكم الساب يقتل كفرا‪ ،‬وكذلك من لعنه‪ ،‬أو دعا‬
‫عليه‪ ،‬أو تمنى مضرة له‪ ،‬أو نسب إليه مال يليق بمنصبه على‬
‫طريق الذم‪ ،‬أو عبث في جهته العزيزة بسخف من الكلم وهُجر[‬
‫‪ ]128‬ومنكر من القول وزور‪ ،‬أو عيره بشيء مما جرى من البلء‬
‫والمحنة عليه‪ ،‬أو تنقصه ببعض العوارض البشرية الجائزة‬
‫المعهودة لديه"[‪.]129‬‬
‫فالساب إن كان مسلما فإنه يكفر ويقتل بغير خلف‪ ،‬وهو مذهب‬
‫الئمة الربعة وغيرهم‪.‬‬
‫وإن كان ذميا فإنه يقتل أيضا في مذهب مالك[‪ ]130‬وأهل المدينة‬
‫وهو مذهب أحمد[‪ ]131‬وفقهاء الحديث وهو المنصوص عن‬
‫الشافعي[‪ ]132‬نفسه كما حكاه غير واحد"[‪.]133‬‬
‫وهذا الحكم على الساب والمستهزئ‪ ،‬يستوي فيه الجاد والهازل‬
‫َ‬
‫ض وَنَلْعَ ُ‬
‫ب‬ ‫خو ُ‬ ‫ما كُنَّا ن َ ُ‬
‫ن إِن َّ َ‬
‫م لَيَقُول ُ َّ‬‫سألْتَهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫{ولَئ ِ ْ‬
‫قوله تعالى‪َ :‬‬ ‫بدليل‬
‫َ‬ ‫قُ ْ َ‬
‫م‬‫ن‪ ،‬ل تَعْتَذُِروا قَد ْ كَفَْرت ُ ْ‬ ‫زئُو َ‬ ‫ستَهْ ِ‬‫م تَ ْ‬ ‫سولِهِ كُنْت ُ ْ‬ ‫ل أبِالل ّهِ وَآيَاتِهِ وََر ُ‬
‫م}[‪.]134‬‬ ‫مانِك ُ ْ‬‫بَعْد َ إِي َ‬
‫وهذا نص في أن الستهزاء بالله وبآياته وبرسوله كفر‪( ،‬فالسب‬
‫المقصود بطريق الولى)‪ ،‬وقد دلت هذه الية على أن كل من‬
‫تنقص رسول الله صلى الله عليه وسلم جادا أو هازل فقد كفر‪.‬‬
‫وقد ُروي عن رجال من أهل العلم منهم ابن عمر[‪ ]135‬ومحمد بن‬
‫كعب[‪ ]136‬وزيد ابن أسلم[‪ ]137‬وقتادة‪ -‬دخل حديث بعضهم في‬
‫بعض‪ -‬أنه قال رجل من المنافقين في غزوة تبوك‪" :‬ما رأيت‬
‫مثل قرائنا هؤلء أرغب بطونا‪ ،‬ول أكذب ألسنا‪ ،‬ول أجبن عند‬
‫اللقاء‪ ،‬يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه القراء‪،‬‬
‫فقال له عوف ابن مالك[‪ :]138‬كذبت ولكنك رجل منافق‪ ،‬لخبرن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فذهب عوف إلى رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ليخبره‪ ،‬فوجد القرآن قد سبقه‪ ،‬فجاء ذلك‬
‫الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب‬
‫ناقته‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول الله إنما كنا نلعب ونتحدث حديث الركب‬
‫نقطع به عناء الطريق‪.‬‬
‫قال ابن عمر‪ :‬كأني أنظر إليه متعلقا بنسعة[‪ ]139‬ناقة رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم وإن الحجارة لتنكب رجليه‪ ،‬وهو يقول‪ :‬إنما‬
‫كنا نخوض ونلعب‪ ،‬فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫"أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون" ما يلتفت إليه‪ ،‬ول يزيده‬
‫عليه"[‪.]140‬‬
‫فهؤلء لما تنقصوا النبي صلى الله عليه وسلم حيث عابوه‬
‫والعلماء من أصحابه واستهانوا بخبره أخبر الله أنهم كفروا بذلك‬
‫وإن قالوه‪ ،‬استهزاء فكيف بما هو أغلظ من ذلك؟[‪.]141‬‬
‫ومن الدلة على كفر الطاعن في شخص الرسول صلى الله عليه‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ه فِي‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ه لَعَنَهُ ُ‬
‫سول َ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه وََر ُ‬ ‫ن ال ّذِي َ‬
‫ن يُؤْذ ُو َ‬ ‫وسلم قوله تعالى‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫مهِيناً}[‪.]142‬‬ ‫َ‬
‫م عَذ َابا ً ُ‬ ‫خَرةِ وَأعَد َّ لَهُ ْ‬‫الدُّنْيَا وَاْل ِ‬
‫واللعن‪ :‬البعاد عن الرحمة‪ ،‬ومن طرده عن رحمته في الدنيا‬
‫والخرة ل يكون إل كافرا[‪.]143‬‬
‫وفي هذه الية قرن الله بين أذى النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫وأذاه كما قرن في آيات أخر بين طاعته وطاعة نبيه‪ ،‬وفى هذا‬
‫وغيره بيان لتلزم الحقين‪ ،‬وأن جهة حرمة الله تعالى ورسوله‬
‫جهة واحدة‪ ،‬فمن أذى الرسول فقد أذى الله‪ ،‬ومن أطاعه فقد‬
‫أطاع الله‪ ،‬لن المة ل يصلون ما بينهم وبين ربهم إل بواسطة‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وليس لحد منهم طريق غيره ول‬
‫سبب سواه‪ ،‬وقد أقامه الله مقام نفسه في أمره ونهيه وإخباره‬
‫وبيانه فل يجوزأن يفرق بين الله ورسوله في شيء من هذه‬
‫المور[‪.]144‬‬
‫ومن الدلة الواردة في السنة حديث جابر بن عبد الله رضي الله‬
‫عنهما[‪ ]145‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬من‬
‫لكعب بن الشرف[‪ ]146‬فإنه قد آذى الله ورسوله"‪ ،‬فقام محمد‬
‫بن مسلمة[‪ ]147‬فقال‪ :‬يا رسول الله أتحب أن أقتله؟‪ ،‬قال‪:‬‬
‫"نعم‪ "...‬الحديث[‪ .]148‬فعلم من هذا الحديث أن من آذى الله‬
‫ورسوله كان حقه أن يقتل كما قتل كعب بن الشرف والدلة من‬
‫الكتاب والسنة على هذه المسألة كثيرة ول مجال لستيعابها هنا‪.‬‬
‫‪ -‬الجماع‪ :‬وقد أجمعت المة على قتل منتقصه من المسلمين‬
‫وسابه‪ ،‬وكذلك حكى غير واحد الجماع على قتله وتكفيره‪.‬‬
‫وقال المام إسحاق بن راهوية[‪ ]149‬أحد الئمة العلم‪" :‬أجمع‬
‫المسلمون على أن من سب الله‪ ،‬أو سب رسوله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬أو دفع شيئا مما أنزل الله عز وجل‪ ،‬أو قتل نبيا من أنبياء‬
‫الله عز وجل أنه كافر بذلك وإن كان مقرا بكل ما أنزل إليه"‪.‬‬
‫وقال الخطابي[‪" :]150‬ل أعلم أحدا من المسلمين اختلف في‬
‫وجوب قتله"‪ .‬وقال محمد بن سحنون[‪ :]151‬أجمع العلماء على‬
‫أن شاتم النبي صلى الله عليه وسلم والمتنقص له كافر‪ ،‬والوعيد‬
‫جاء عليه بعذاب الله له‪ ،‬وحكمه عند المة القتل ومن شك في‬
‫كفره وعذابه كفر"[‪.]152‬‬
‫ومن المعلوم أن سب النبي صلى الله عليه وسلم تعلق به عدة‬
‫حقوق‪:‬‬
‫‪ -1‬حق الله سبحانه‪:‬‬
‫من حيث كفر برسوله‪ ،‬وعادى أفضل أوليائه وبارزه بالمحاربة‪،‬‬
‫ومن حيث طعن في كتابه ودينه‪ ،‬فإن صحتهما موقوفة على‬
‫صحة الرسالة‪ ،‬ومن حيث طعن في ألوهيته‪ ،‬فإن الطعن في‬
‫الرسول طعن في المرسل وتكذيبه تكذيب لله تبارك وتعالى‬
‫وإنكار لكلمه وأمره وخبره وكثير من صفاته‪.‬‬
‫‪ -2‬وتعلق حق جميع المؤمنين‪:‬‬
‫من هذه المة ومن غيرها من المم به‪ ،‬فإن جميع المؤمنين‬
‫مؤمنون به خصوصا أمته فإن قيام أمر دنياهم ودينهم وآخرتهم‬
‫به‪ ،‬بل عامة الخير الذي يصيبهم في الدنيا والخرة بواسطته‬
‫وسفارته فالسب له أعظم عندهم من سب أنفسهم وآبائهم‬
‫وأبنائهم وسب جميعهم‪ ،‬كما أنه أحب إليهم من أنفسهم وأولدهم‬
‫وآبائهم والناس أجمعين‪.‬‬
‫‪ -3‬وتعلق حق رسول الله صلى الله عليه وسلم به‪:‬‬
‫من حيث خصوص نفسه‪ ،‬فإن النسان تؤذيه الوقيعة في عرضه‬
‫أكثر مما يؤذيه أخذ ماله‪ ،‬وأكثر مما يؤذيه الضرب‪ ،‬بل ربما كانت‬
‫عنده أعظم من الجرح ونحوه‪ ،‬خصوصا من يجب عليه أن يظهر‬
‫للناس كمال عرضه وعلو قدره لينتفعوا بذلك في الدنيا والخرة‪،‬‬
‫فإن هتك عرضه وعلو قدره قد يكون أعظم عنده من قتله‪ ،‬فإن‬
‫قتله ل يقدح عند الناس في نبوته ورسالته وعلو قدره كما أن‬
‫موته ل يقدح في ذلك‪ ،‬بخلف الوقيعة في عرضه فإنها قد تؤثر‬
‫في نفوس بعض الناس من النفرة عنه وسوء الظن به ما يفسد‬
‫عليهم إيمانهم ويوجب لهم خسارة الدنيا والخرة ‪.]153["...‬‬
‫وبهذا يعلم أن السب فيه من الذى لله ولرسوله ولعباده‬
‫المؤمنين ما ليس في غيره من المور كالكفر والمحاربة‪.‬‬
‫وبما تقدم ذكره من الدلة يتضح انتقاض إيمان من طعن في‬
‫شخص الرسول صلى الله عليه وسلم بسب أو استهزاء أو‬
‫انتقاص سواء كان في ذلك جادا أو هازل‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن أكْرِه َ وَقَلْب ُ ُ‬
‫ه‬ ‫ويستثنى من ذلك المكره بدليل قوله تعالى‪{ :‬إِل ّ َ‬
‫م ْ‬
‫ن}[‪ ]154‬فالية نزلت في عمار بن ياسر[‪ ]155‬حين‬ ‫ما ِ‬
‫ن بِالِي َ‬ ‫مط ْ َ‬
‫مئ ِ ٌّ‬ ‫ُ‬
‫عذبه المشركون حتى يكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم‬
‫فوافقهم على ذلك مكرها وجاء معتذرا إلى النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فأنزل الله هذه الية‪ ،‬وروى أن مما قاله أنه سب النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير‪ ،‬فشكا ذلك إلى رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم فقال‪" :‬يا رسول الله ما تركت حتى‬
‫سببتك وذكرت آلهتهم بخير‪ ،‬قال‪" :‬كيف تجد قلبك؟" قال‪:‬‬
‫مطمئنا باليمان‪ ،‬فقال‪" :‬إن عادوا فعد" وفي ذلك أنزل الله‪{ :‬إلَّ‬
‫ِ‬ ‫م ُ‬
‫ن}‪ ،‬ولهذا اتفق العلماء على أن‬
‫ما ِ‬
‫ن بِالِي َ‬ ‫مط ْ َ‬
‫مئ ِ ٌّ‬ ‫ن أكْرِه َ وَقَلْب ُ ُ‬
‫ه ُ‬ ‫َ ْ‬
‫المكره على الكفر يجوز له أن يوالي إبقاء لمهجته‪ ،‬ويجوز له أن‬
‫يأبى‪ ،‬كما كان بلل[‪ ]156‬رضي الله عنه يأبى عليهم ذلك‪ ،‬وهم‬
‫يفعلون به الفاعيل‪.]157["...‬‬

‫القسم الثاني‪ :‬من نواقض اليمان بالنبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫الطعن فيما أخبر به الرسول ل‪ -‬مما هو معلوم من الدين‬
‫بالضرورة‪ -‬إما بإنكاره أو انتقاصه‪.‬‬
‫فإذا اجتمعت الشروط التالية في المنكر وهي‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن يكون ذلك المر المنغص من المور التي أجمعت عليها‬
‫المة وأن يكون من المور المعلومة من الدين بالضرورة‪ :‬أي أن‬
‫يكون علمه منتشرا كالصلوات الخمس وصوم شهر رمضان‪،‬‬
‫وعموم رسالته[‪.]158‬‬
‫ب‪ -‬أن ل يكون المنكر حديث عهد بالسلم ل يعرف حدوده فهذا‬
‫إذا أنكر شيئا من المور المعلومة من الدين بالضرورة جهل به‬
‫فانه ل يكفر[‪.]159‬‬
‫منكِر مكرها على ذلك‪ ،‬فإن المكره له حكم آخر‬ ‫ج‪ -‬أن ل يكون ال ُ‬
‫كما قدمنا ذلك‪.‬‬
‫منكِر في هذه الحالة يحكم بكفره وانتقاض إيمانه‪ .‬والمنتقص‬ ‫وال ُ‬
‫لمور الدين إذا كان غير مكره فإنه يكفر سواء كان جادا في ذلك‬
‫أم هازل‪.‬‬
‫والمثلة على هذا القسم كثيرة جدا نذكر منها على سبيل المثال‬
‫ما يختص بجانب اليمان برسالة النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫أول‪" :‬أن يعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل‬
‫من هديه وأن حكم غيره أحسن من حكمه كالذين يفضلون‬
‫القانون الوضعي على حكم الشرع ويصفون الشريعة السلمية‬
‫بالقصور والرجعية وعدم مسايرة التطور‪ ،‬وهذا من أعظم‬
‫المناقضة لشهادة أن محمدا رسول الله‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬من أبغض شيئا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫ولو عمل به فهو كافر"[‪.]160‬‬
‫ثالثا‪ :‬اعتقاد النسان أنه يسعه الخروج عن شريعة النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ولهذا المر صورتان‪:‬‬
‫الولى‪ :‬أن ل يرى وجوب تصديق الرسول صلى الله عليه‬ ‫•‬
‫وسلم ول وجوب طاعته فيما أمر به وإن اعتقد مع ذلك أن‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم عظيم القدر علما وعمل وأنه‬
‫يجوز تصديقه وطاعته ولكنه يقول إنه ل يضر اختلف الملل إذا‬
‫كان المعبود واحدا ويرى أنه تحصل النجاة والسعادة بمتابعة‬
‫الرسول وبغير متابعته وهذا هو قول الفلسفة والصابئة[‪ ]161‬وهذا‬
‫القول ل ريب في كفر صاحبه "فمن نواقض السلم أن يعتقد‬
‫النسان عدم كفر المشركين ويرى صحة مذهبهم‪ ،‬أو يشك في‬
‫كفرهم"[‪.]162‬‬
‫وهذا القول هو الذي ينادي به في وقتنا الحاضر من يدعون إلى‬
‫وحدة الديان ويروج لهم في ذلك الماسونية[‪ ]163‬اليهودية[‪.]164‬‬
‫الثانية‪ :‬من يرى طلب العلم بالله من غير خبره‪ ،‬أو العمل‬ ‫•‬
‫لله من غير أمره‪ ،‬وهؤلء وإن كانوا يعتقدون أنه يجب تصديق‬
‫الرسول أو تجب طاعته‪ ،‬لكنهم في سلوكهم العلمي والعملي‬
‫غير سالكين هذا المسلك بل يسلكون مسلكا آخر إما من جهة‬
‫القياس والنظر‪ ،‬وإما من جهة الذوق والوجدان‪ ،‬وإما من جهة‬
‫التقليد‪ ،‬وما جاء عن الرسول إما أن يعرضوا عنه وإما أن يردوه‬
‫إلى ما سلكوه‪.‬‬
‫وإضافة إلى هذه النواقض فإن اليمان بالنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ينتقض أيضا بالنواقض العامة الخرى للسلم وهي‪:‬‬

‫‪ -1‬الشرك في عبادة الله تعالى‪:‬‬


‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ن ذَل ِ َ‬
‫ك‬ ‫ما دُو َ‬ ‫فُر َ‬ ‫ك بِهِ وَيَغْ ِ‬ ‫شَر َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫فُر أ ْ‬ ‫ه ل يَغْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫قال الله تعالى‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫شاءُ}[‪]165‬‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫لِ َ‬
‫ك وَلَتَكُون َ َّ‬ ‫مل ُ َ‬ ‫حبَط َ َّ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫ت لَي َ ْ‬
‫شَرك ْ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬لَئ ِ ْ‬
‫ما كَانُوا‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ط ع َنْه‬ ‫حب ِ َ‬ ‫شَركُوا ل َ َ‬ ‫و أَ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ن}[‪ ،]166‬وقال تعالى‪{ :‬وَل َ‬ ‫َ‬ ‫سرِي‬ ‫خا ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫حَّر َ‬ ‫ك بِالل ّهِ فَقَد ْ َ‬ ‫شرِ ْ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن}[‪ ،]167‬وقال تعالى‪{ :‬إِن ََّ ُ‬ ‫ملُو َ‬ ‫يَعْ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫صارٍ}[‪.]168‬‬ ‫ن أن ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ما لِلظ ّال ِ ِ‬ ‫مأوَاه ُ النَّاُر وَ َ‬ ‫جن َّ َ‬
‫ة وَ َ‬ ‫ع َلَيْهِ ال ْ َ‬
‫‪ -2‬أن يجعل بينه وبين الله وسائط‪:‬‬
‫يدعوهم ويسألهم الشفاعة فيما ل يقدر عليه إل الله‪ ،‬ويتوكل‬
‫عليهم فهذا كافر بالجماع[‪.]169‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ َ‬
‫م}[‪]170‬‬ ‫مثَالك ُ ْ‬ ‫عبَاد ٌ أ ْ‬ ‫ن اللهِ ِ‬ ‫ن دُو ِ‬ ‫مَ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن تَدْع ُو َ‬ ‫ن ال ّذِي َ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫و‬
‫ك هُ َ‬ ‫ه ذَل ِ َ‬‫ما ل يَنْفَعُ ُ‬ ‫ضُّره ُ وَ َ‬ ‫ما ل ي َ ُ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫ن دُو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬يَدْع ُو ِ‬
‫موْلَى‬ ‫َ‬
‫س َ ال ْ َ‬ ‫ن نَفْعِهِ لَبِئ ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ضُّره ُ أقَْر ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل الْبَعِيدُ‪ ،‬يَدْع ُو ل َ َ‬ ‫ضل ُ‬ ‫ال َّ‬
‫جد َ لِل ّهِ فَل تَدْع ُو‬ ‫َ‬
‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫شيُر}[‪ ،]171‬وقال تعالى‪{ :‬وَأ َّ‬ ‫س الْعَ ِ‬ ‫وَلَبِئ ْ َ َ‬
‫حداً}[‪.]172‬‬ ‫َ‬
‫معَ الل ّهِ أ َ‬ ‫َ‬
‫‪ -3‬السحر‪:‬‬
‫ومنه الصرف والعطف فمن فعله أو رضي به كفر[‪ ]173‬بدليل‬
‫قوله تعالى‪{ :‬وما يعل ِّمان م َ‬
‫ة فَل‬ ‫ن فِتْن َ ٌ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫حتَّى يَقُول إِن َّ َ‬ ‫حد ٍ َ‬‫نأ َ‬ ‫َ َ َُ َ ِ ِ ْ‬
‫تَكْفُْر}[‪.]174‬‬
‫‪" -4‬مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين"[‪:]175‬‬
‫َ‬
‫م إ ِ َّ‬
‫ن‬ ‫منْهُ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م فَإِن َّ ُ‬ ‫منْك ُ ْ‬ ‫م ِ‬‫ن يَتَوَل ّهُ ْ‬‫م ْ‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬وَ َ‬ ‫َّ‬
‫والدليل على ذلك‬
‫َ‬
‫ن}[‪ ]176‬وهذا من أعظم النواقض التي‬ ‫مي َ‬ ‫ه ل يَهْدِي الْقَوْ َ‬
‫م الظال ِ ِ‬ ‫الل ّ َ‬
‫وقع فيها سواد الناس اليوم في الرض وهم بعد ذلك يحسبون‬
‫على السلم ويتسمون بأسماء إسلمية‪ ،‬فلقد صرنا في عصر‬
‫يُستحى فيه أن يقال للكافر يا كافر‪.‬‬
‫ومظاهرة المشركين أخذت صورا شتى فمن الميل القلبي إلى‬
‫انتحال مذاهبهم اللحادية إلى مجاراتهم في تشريعاتهم‪ ،‬إلى‬
‫كشف عورات المسلمين لهم‪ ،‬إلى كل صغير وكبير في‬
‫حياتهم‪]177["...‬‬
‫‪ -5‬العراض عن دين الله تعالى‪:‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫{و َ‬
‫ل يتعلمه ول يعمل به[‪ ]178‬والدليل على ذلك فوله تعالى‪َ :‬‬
‫من ذُكّر بآيات ربه ث ُ َ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ض ع َنْهَا إِنَّا ِ‬ ‫م أعَْر َ‬ ‫ِ َ ِّ ِ ّ‬ ‫م َّ ْ ِ َ ِ‬ ‫م ِ‬‫أظْل َ ُ‬
‫ن}[‪.]179‬‬ ‫مو َ‬‫ق ُ‬‫منْت َ ِ‬
‫ُ‬
‫ول فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف‪ ،‬إل‬
‫المكره وكلها من أعظم ما يكون خطرا‪ ،‬وأكثر ما يكون وقوعا‬
‫فينبغي للمسلم أن يحذرها ويخاف منها على نفسه[‪ ،]180‬ومعرفة‬
‫المسلم لهذه المور تجعله على بصيرة من أمره‪ ،‬وتكسبه وتزيده‬
‫معرفة لمور عقيدته‪ ،‬فبضدها تتميز الشياء‪.‬‬

‫________________________________________‬
‫[‪ ]1‬هذه العبارة للعماد الصفهاني‪ ،‬وقد أوردها طه عبد الرؤوف‬
‫في مقدمة تحقيقه لكتاب إعلم الموقعين (ص م)‪.‬‬
‫[‪ ]2‬الية (‪ )108‬من سورة يوسف‬
‫[‪ ]3‬الية (‪ )115‬من سورة المؤمنون‬
‫[‪ ]4‬الية (‪ )2‬من سورة الملك‬
‫[‪ ]5‬الية (‪ )7‬من سورة هود‬
‫[‪ ]6‬الية (‪ )56‬من سورة الذاريات‬
‫[‪ ]7‬الية (‪ )36‬من سورة النحل‪.‬‬
‫[‪ ]8‬الية (‪ )24‬من سورة فاطر‪.‬‬
‫[‪ ]9‬الية (‪ )4‬من سورة المؤمنون‬
‫[‪ ]10‬الية (‪ )65‬من سورة النساء‪.‬‬
‫[‪ ]11‬الية (‪ )57‬من سورة النبياء‪.‬‬
‫[‪ ]12‬الية (‪ )28‬من سورة ابراهيم‪.‬‬
‫[‪ ]13‬اليات (‪ )29 -28‬من سورة الحديد‬
‫[‪ ]14‬أخرجه بهذا اللفظ البخاري في صحيحه‪ :‬كتاب النبياء‪ ،‬باب‬
‫ما ذكر عن بني إسرائيل‪ .‬فتح الباري (‪ )496 -495 /6‬ح ‪.3459‬‬
‫[‪ ]15‬انظر في هذا الموضوع وأدلته‪ :‬المبحث الثالث من الفصل‬
‫الول من الباب الثالث‪.‬‬
‫[‪ ]16‬اقتضاء الصراط المستقيم (ص ‪)3‬‬
‫[‪ ]17‬الية (‪ )164‬من سورة آل عمران‪.‬‬
‫[‪ ]18‬اليات (‪ )4-3-2‬من سورة الجمعة‪.‬‬
‫[‪]19‬اليتان (‪ )152-151‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫[‪ ]20‬الية (‪ )128‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫[‪ ]21‬اليات (‪ )16 -15 -14‬من سورة الليل‪.‬‬
‫[‪ ]22‬الية (‪ )10‬من سورة الكهف‪.‬‬

‫[‪ ]23‬هو‪ :‬محمد بن أحمد بن الزهر الهروي أبو منصور أحد الئمة‬
‫في اللغة والدب ولد سنة ‪282‬هـ وتوفي سنة ‪370‬هـ وهو صاحب‬
‫كتاب تهذيب اللغة‪ .‬انظر العلم للزركلي (‪.)5/311‬‬
‫[‪ ]24‬تهذيب اللغة (‪.)5/513‬‬
‫[‪ ]25‬الية (‪ )7‬من سورة يوسف‪.‬‬
‫[‪ ]26‬لسان العرب لبن منظور‪ ،‬مادة آمن (‪.)13/23‬‬
‫[‪ ]27‬شرح العقيدة الصفهانية لشيخ السلم ابن تيمية (ص ‪.)143‬‬
‫[‪ ]28‬الية (‪ )285‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫[‪ ]29‬تفسير القرطبى (‪.)425 /3‬‬
‫[‪ ]30‬الية (‪ )6‬من سورة العنكبوت‪.‬‬
‫[‪ ]31‬القرار‪ :‬متضمن لمعنيين هما‪ :‬قول القلب الذي هو التصديق‪.‬‬
‫وعمل القلب الذي هو النقياد‪ .‬مجموع الفتاوى (‪.)639 -638 /7‬‬
‫[‪ ]32‬الصارم المسلول لبن تيمية (ص ‪.)519‬‬
‫[‪ ]33‬انظر شرح العقيدة الطحاوية (ص ‪.)381 - 380‬‬
‫[‪ ]34‬الية (‪ )4‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫[‪ ]35‬الصارم المسلول (ص ‪ )520 -519‬بتصرف‪.‬‬
‫[‪ ]36‬هذه التعريفات الثلثة أوردها شيخ السلم ابن تيمية في‬
‫كتابه اليمان‪ .‬انظر (ص ‪.)162‬‬
‫[‪ ]37‬مجمرع الفتاوى (‪.)7/642‬‬
‫[‪ ]38‬هو شيخ السلم تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد‬
‫السلم بن عبد الله بن الخضر بن محمد ابن تيمية النميرى‪،‬‬
‫الحّراني الدمشقي‪ ،‬ولد سنة إحدى وستين وستمائة (‪661‬هـ)‬
‫بحران‪ ،‬وتوفي سنة ثمان وعشرين وسبعمائة‬
‫(‪ 728‬هـ) بدمشق‪ ،‬اشتهر رحمه الله بالعلم والزهد والورع والعبادة‬
‫والجهاد والدفاع عن عقيدة السلف وقد ألف في سيرته‬
‫المؤلفات الكثيرة‪.‬‬
‫انظر‪" :‬كتاب الشهادة الزكية في ثناء الئمة على ابن تيمية"‬
‫تأليف مرعي بن يوسف الحنبلي‪.‬‬
‫[‪ ]39‬كتاب اليمان لشيخ السلم ابن تيمية (ص ‪.)162‬‬
‫[‪ ]40‬كلم شيخ السلم نقلته بتصرف من كتابه اليمان (ص ‪-162‬‬
‫‪.)163‬‬
‫[‪ ]41‬المرجئة هم الذين أرجئوا العمل عن مسمى اليمان وهم‬
‫خمس طوائف سيأتي ذكرهم‪.‬‬
‫[‪ ]42‬قال شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬الناس لهم في مسمى الكلم‬
‫والقول عند الطلق أربعة أقوال‪:‬‬
‫ا‪ -‬فالذي عليه السلف والفقهاء والجمهور أنه يتناول اللفظ‬
‫والمعنى جميعًا‪.‬‬
‫‪ -2‬وقيل‪ :‬بل مسماه اللفظ‪ ،‬والمعنى ليس جزء مسماه بل هو‬
‫مدلول مسماه‪ ،‬وهذا قول كثير من أهل الكلم من المعتزلة‬
‫وغيرهم وطائفة من المنتسبين إلى السنة‪ ،‬وهو قول النحاة لن‬
‫صناعتهم متعلقة باللفاظ‪.‬‬
‫‪ -3‬وقيل‪ :‬مسماه هو المعنى وإطلق الكلم على اللفظ مجاز لنه‬
‫دال عليه وهذا قول ابن كلب ومن اتبعه‪.‬‬
‫‪ -4‬وقيل‪ :‬بل هو مشترك بين اللفظ والمعنى وهو قول بعض‬
‫المتأخرين من الكلبية ولهم قول ثالث يروى عن أبي الحسن أنه‬
‫مجاز في كلم الله حقيقة في كلم الدميين" كتاب اليمان (ص‬
‫‪.)162‬‬
‫[‪ ]43‬كتاب اليمان (ص ‪.)163‬‬
‫[‪ ]44‬كتاب اليمان (ص ‪.)163‬‬
‫[‪ ]45‬هو‪ :‬سهل بن عبد الله بن يونس التستري أبو محمد ولد سنة‬
‫(‪ 200‬هـ) وتوفي سنة (‪ 283‬هـ)‪ ،‬عامة كلمه في تصفية العمال من‬
‫المعائب‪ ،‬وأسند الحديث وأسند عنه‪.‬‬
‫شذرات الذهب (‪ ،)182 /3‬والعلم (‪.)3/143‬‬
‫[‪ ]46‬كتاب اليمان (ص ‪.)163‬‬
‫[‪ ]47‬الذين خالفوا السلف في مسمى اليمان هم‪:‬‬
‫أ‪ -‬المرجئة بطوائفهم الخمس‪:‬‬
‫ا‪ -‬الجهمية‪ :‬وقالوا اليمان هو معرفة القلب فقط‪ :‬أى المعرفة‬
‫الفطرية التي هي المعرفة بربوبية الله‪.‬‬
‫‪ -2‬الشاعرة‪ :‬وقالوا اليمان هو التصديق فقط أي التصديق بما‬
‫جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من عند الله‪.‬‬
‫‪ -3‬الماتريدية‪ :‬وقولهم في اليمان مثل قول الشاعرة‪.‬‬
‫‪ -4‬الكرامية‪ :‬قالوا اليمان قول باللسان فقط‪.‬‬
‫‪ -5‬مرجئة الحناف (أو مرجئة الفقهاء) قالوا‪ :‬اليمان قول‬
‫باللسان وتصديق بالجنان‪ .‬وهو قول الكلبية‪ .‬وكل هذه الطوائف‬
‫الخمسة أخرجت العمل عن اليمان‪.‬‬
‫ب‪ -‬الخوارج‪ :‬قالوا اليمان قول واعتقاد وعمل ولكنهم يكفرون‬
‫من أخل بشيء من هذه الثلثة ويقولون بأنه كافر في الدنيا وفى‬
‫الخرة خالد في النار‪.‬‬
‫ج‪ -‬المعتزلة‪ :‬وقالوا بقول الخوارج إل أنهم يقولون إنه في الدنيا‬
‫في منزلة بين منزلتين بمعنى أنه ليس بمؤمن ول كافر‪ ،‬واتفقوا‬
‫معهم في باقي المور‪.‬‬
‫انظر تفاصيل هذه القوال‪ :‬في كتاب اليمان لبن تيمية‪ ،‬والجزء‬
‫السابع من مجموع الفتاوى‪ ،‬وشرح العقيدة الطحاوية (ص ‪-373‬‬
‫‪ )392‬وكتاب النبوات (ص ‪.)199‬‬
‫[‪ ]48‬مجموع الفتاوى (‪.)642 /7‬‬
‫[‪ ]49‬أبو هريرة بن عامر واختلف في اسمه إلى عدة أقوال‪ :‬منها‬
‫أنه عبد الرحمن‪ ،‬وهو دوسي أسلم عام خيبر وشهدها ثم لزم‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبضه الله إليه‪ ،‬وكان من‬
‫أحفظ الصحابة رضي الله عنهم‪ ،‬توفي عام ‪ 57‬هـ‪ .‬أسد الغابة (‪/2‬‬
‫‪.)167‬‬
‫[‪ ]50‬أخرجه البخارى في صحيحه‪ ،‬كتاب اليمان‪ ،‬باب أمور الدين‪.‬‬
‫انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )1/51‬ح ‪ 9‬وأخرجه مسلم ‪ -‬واللفظ له ‪ -‬كتاب‬
‫اليمان‪ ،‬باب شعب اليمان (‪.)46 /1‬‬
‫[‪ ]51‬عبد الله بن عباس بن عبد المطب الهاشمي‪ -‬ابن عم رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ولد قبل الهجرة بثلث سنوات في‬
‫الشعب أثناء الحصار‪ ،‬وكان رضي الله عنه ترجمان القرآن وحبر‬
‫المة لعلمه وفهمه‪ ،‬توفي سنة ‪84‬هـ‪.‬‬
‫الصابة (‪.)173 -167 /6‬‬
‫[‪ ]52‬هي قبيلة كبيرة كانوا يسكنون البحرين ينسبون إلى عبد‬
‫القيس بن أفْصى‪ -‬بسكون الفاء بعدها مهملة بوزن أعمى‪ -‬ابن‬
‫ي‪ -‬بضم ثم سكون المهملة وكسر الميم بعدها تحتانية ثقيلة‪-‬‬ ‫م ّ‬‫دُع ِ‬
‫جديلة ‪-‬بالجيم وزن كبيرة‪ -‬ابن أسد بن ربيعة بن نزار‪ .‬انظر‪:‬‬ ‫ابن َ‬
‫فتح الباري (‪.)8/85‬‬
‫[‪ ]53‬أخرجه البخاري في صحيحه واللفظ له‪ :‬كتاب اليمان‪ ،‬باب‬
‫أداء الخمس من اليمان‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )1/129‬ح ‪ ،53‬وأخرجه‬
‫مسلم في صحيحه‪ :‬كتاب اليمان‪ ،‬باب المر باليمان بالله‬
‫ورسوله وشرائع الدين والدعاء إليه (‪.)36 - 1/35‬‬
‫[‪ ]54‬الية (‪ )77‬من سورة البقرة وغيرها‪.‬‬
‫[‪ ]55‬الية (‪ )63‬من سورة يونس‪.‬‬
‫[‪ ]56‬أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه‪ :‬كتاب اليمان‪ ،‬باب‬
‫اليمان ما هو وبيان خصاله (‪ .)1/29‬والحديث أخرجه البخاري في‬
‫صحيحه‪ :‬كتاب اليمان‪ ،‬باب سؤال جبريل بلفظ‪" :‬اليمان أن‬
‫تؤمن بالله وملئكته‪ ،‬ولقائه‪ ،‬ورسله‪ ،‬وتؤمن بالبعث"‪ .‬انظر‪ :‬فتح‬
‫الباري (‪ ،)114 /1‬ح ‪.50‬‬
‫[‪ ]57‬الية (‪ )98‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫[‪ ]58‬الية (‪ )7‬من سورة الحزاب‪.‬‬
‫[‪]59‬‬
‫[‪ ]60‬مجموع الفتاوى (‪.)648 - 7/647‬‬
‫[‪ ]61‬قال شارح الطحاوية‪" :‬اعلم أن عطف الشيء على الشيء‬
‫يقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه مع الشتراك‬
‫في الحكم الذي ذكر لهما‪ ،‬والمغايرة على مراتب‪:‬‬
‫ا‪ -‬أعلها‪ :‬أن يكونا متباينين ليس أحدهما هو الخر‪ ،‬ول جزءا منه‪،‬‬
‫جعَ َ‬
‫ل‬ ‫ض وَ َ‬ ‫َ‬ ‫خلَقَ ال َّ‬
‫ت وَالْر َ‬ ‫ماوَا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ول بينهما تلزم‪ ،‬كقوله تعالى‪َ { :‬‬
‫ُ‬
‫ت وَالنُّوَر} الية (‪ )1‬من سورة النعام‪ ،‬وقال تعالى‪:‬‬ ‫ما ِ‬ ‫الظ ّل ُ َ‬
‫ل} الية (‪ )3‬من سورة آل عمران‪ ،‬وهذا‬ ‫جي َ‬‫ل التَّوَْراة َ وَالِن ْ ِ‬ ‫{وَأَنَْز َ‬
‫هو الغالب‪.‬‬
‫ح َّ‬
‫ق‬ ‫سوا ال ْ َ‬ ‫‪ -2‬ويليه‪ :‬أن يكون منهما تلزم‪ ،‬كقوله تعالى‪{ :‬وَل تَلْب ِ ُ‬
‫َ‬
‫ن} الية (‪ )42‬من سورة‬ ‫مو َ‬ ‫م تَعْل َ َُ‬‫حقَّ وَأنْت ُ ْ‬ ‫موا ال ْ َ‬ ‫ل َوتَكْت ُ ُ‬ ‫بِالْبَاط ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل} الية (‪)92‬‬ ‫سو َ‬ ‫ه وَأطِيعُوا الَّر ُ‬ ‫البقرة‪ ،‬وقال تعالى‪{ :‬وَأطِيعُوا الل ّ َ‬
‫من سورة المائدة‪.‬‬
‫حافِظُوا ع َلَى‬ ‫‪ -3‬الثالث‪ :‬عطف بعض الشيء عليه كقوله تعالى‪َ { :‬‬
‫سطَى} الية (‪ )238‬من سورة البقرة‪ ،‬وقال‬ ‫صلةِ الْوُ ْ‬ ‫ت وَال َّ‬ ‫صلَوَا ِ‬ ‫ال َّ‬
‫َ‬
‫ميكَال}‬ ‫ل وَ ِ‬ ‫جبْرِي َ‬ ‫سلِهِ وَ ِ‬ ‫ملئِكَتِهِ وَُر ُ‬ ‫ن عَدُوّا ً لِل ّهِ وَ َ‬ ‫ن كَا َ‬ ‫م ْ‬ ‫تعالى‪َ { :‬‬
‫َ‬
‫ن‬‫ن النَّبِيِّي َ‬
‫م َ‬ ‫خذ ْنَا ِ‬ ‫الية (‪ )238‬من سورة البقرة وقال تعالى‪{ :‬وَإِذ ْ أ َ‬
‫منْك} الية (‪ )7‬من سورة الحزاب‪ ،‬وفى مثل هذا‬ ‫م وَ ِ‬‫ميثَاقَهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫وجهان‪ :‬أحدهما‪ :‬أن يكون داخل في الول‪ ،‬فيكون مذكورا مرتين‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أن عطفه عليه يقتضي أنه ليس داخل فيه هنا وإن كان‬
‫داخل قيه منفردا كما قيل في لفظ "الفقراء والمساكين"‬
‫ونحوهما‪ ،‬تتنوع دللته بالفراد والقنران‪.‬‬
‫‪ -4‬الرابع‪ :‬عطف الشيء على الشيء لختلف الصفتين‪ ،‬كقوله‬
‫َ‬
‫ب} الية (‪ )3‬من سورة غافر‪.‬‬ ‫ل التَّوْ ِ‬ ‫ب وَقَاب ِ ِ‬ ‫تعالى‪{ :‬غَافِرِ الذ ّن ْ ِ‬
‫شرح العقيدة الطحاوية (ص ‪.)388 -387‬‬
‫[‪ ]62‬كتاب اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم‬
‫(ص ‪.)92‬‬
‫[‪ ]63‬مجموع الفتاوى (‪.)15/91‬‬
‫[‪ ]64‬مجموع الفتاوى (‪.)91 /15‬‬
‫[‪ ]65‬الية (‪ )3،4‬من سورة النجم‪.‬‬
‫[‪ ]66‬شرح العقيدة الطحاوية (ص ‪.)66‬‬
‫[‪ ]67‬الية (‪ )7‬من سورة الحشر‪.‬‬
‫[‪ ]68‬يقول ابن تيمية في بيان معنى القرار‪" :‬إن اليمان هو‬
‫القرار ل مجرد التصديق‪ ،‬والقرار ضمن قول القلب الذي هو‬
‫التصديق وعمل القلب الذي هو النقياد"‪.‬‬
‫مجموع الفتاوى (‪.)639 ،638 /7‬‬
‫[‪ ]69‬مجموع الفتاوى (‪.)154 /5‬‬
‫[‪ ]70‬الصول الثلثة للشيخ محمد بن عبد الوهاب (ص ‪ )9‬ضمن‬
‫مجموعة الرسائل المفيدة‪.‬‬
‫[‪ ]71‬زاد المعاد (‪.)34 /1‬‬
‫[‪ ]72‬مجموع الفتاوى (‪.)639 ،638 /8‬‬
‫[‪ ]73‬الية (‪ )15‬من سورة الحجرات‪.‬‬
‫[‪ ]74‬أخرجه البخارى في صحيحه‪ ،‬كناب العتصام بالكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬باب القتداء بسنن الرسول صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫انظر‪ :‬فتح الباري (‪ ،)13/250‬ومسلم في صحيحه‪ :‬كتاب اليمان‪،‬‬
‫باب المر بقتال الناس حتى يقولوا ل إله إل الله محمد رسول‬
‫الله (‪.)38 /1‬‬
‫[‪ ]75‬الية (‪ )86‬من سورة الزخرف‪.‬‬
‫[‪ ]76‬الية (‪ )19‬من سورة محمد‪.‬‬
‫[‪ ]77‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ :‬كتاب اليمان‪ ،‬باب من لقي الله‬
‫باليمان وهو غير شاك فيه دخل الجنة وحرم على النار‪ .‬انظر (‪/1‬‬
‫‪.)41‬‬
‫[‪ ]78‬تيسير العزيز الحميد (ص ‪.)58‬‬
‫[‪ ]79‬دليل المسلم في العتقاد للشيخ عبد الله خياط (ص ‪.)45‬‬
‫[‪ ]80‬الية (‪ )15‬من سورة الحجرات‪.‬‬
‫[‪ ]81‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب اليمان‪ ،‬باب من لقي الله‬
‫باليمان وهو غير شاك فيه دخل الجنة وحرم على النار (‪.)44 /1‬‬
‫[‪ ]82‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب اليمان‪ ،‬باب من لقي الله‬
‫باليمان وهو غير شاك فيه دخل الجنة وحرم على النار (‪-41 /1‬‬
‫‪.)42‬‬
‫[‪ ]83‬معارج القبول للشيخ حافظ بن أحمد حكمي (‪.)382 /1‬‬
‫[‪ ]84‬الية (‪ )5‬من سورة البينة‪.‬‬
‫[‪ ]85‬الية (‪ )3‬من سورة الزمر‪.‬‬
‫[‪ ]86‬قتادة بن دعامة السدوسي أبو الخطاب البصري‪ ،‬ولد سنة ‪61‬‬
‫هـ وتوفي سنة ‪ 118‬هـ ثقة ثبت‪ ،‬مفسر حافظ ضرير أكمه‪ .‬قال‬
‫عنه المام أحمد‪ :‬قتادة أحفظ أهل البصرة‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تهذيب التهذيب (‪ )351 /8‬وتذكرة الحفاظ (‪)1/115‬‬
‫[‪ ]87‬تفسير ابن كثير (‪.)45 /4‬‬
‫[‪ ]88‬عتبان بن مالك بن عمرو بن العجلن النصاري الخزرجي‬
‫السالمي‪ ،‬صحابي من البدريين آخى النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫بينه وبين عمر‪ ،‬مات في خلفة معاوية وقد كبر‪.‬‬
‫الصابة (‪ )445 /2‬رقم ‪.5318‬‬
‫[‪ ]89‬أخرجه البخارى في صحيحه‪ ،‬كتاب الصلة‪ ،‬باب المساجد‬
‫في البيوت‪ ،‬انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )519 /1‬ح ‪ ،425‬ومسلم في صحيحه‬
‫كتاب الصلة‪ ،‬باب الرخصة في التخلف عن الجماعة بعذر (‪/2‬‬
‫‪.)126‬‬
‫[‪ ]90‬أخرجه البخارى في صحيحه‪ ،‬كتاب الرقاق‪ ،‬باب صفة الجنة‬
‫والنار‪ ،‬انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )418 /11‬ح ‪.6570‬‬
‫[‪ ]91‬معارج القبول (‪.)381 /1‬‬
‫[‪ ]92‬اليات (‪ )3 /1‬من سورة العنكبوت‪.‬‬
‫[‪ ]93‬تفسير ابن كثير (‪.)404 /3‬‬
‫[‪ ]94‬أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم النجاري الخزرجي‬
‫النصاري أبو حمزة‪ ،‬صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫وخادمه‪ ،‬وأحد المكثرين من الرواية عنه‪ ،‬وهو آخر من مات‬
‫بالبصرة من الصحابة توفي سنة ‪ 93‬هـ‪.‬‬
‫[‪ ]95‬معاذ بن جبل النصاري‪ :‬أحد السبعين الذين شهدوا العقبة‬
‫من النصار‪ ،‬وقد شهد بعد ذلك المشاهد كلها‪ ،‬كان من أعلم‬
‫الصحابة بالحلل والحرام‪ ،‬توفي سنة ‪ 17‬هـ في طاعون عمواس‬
‫بالشام‪ .‬الصابة (‪ )407 ،406 /3‬رقم ‪.8039‬‬
‫[‪ ]96‬أخرجه البخاري في صحيحها واللفظ له‪ ،‬كتاب العلم باب من‬
‫خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن ل يفهموا‪ .‬انظر فتح الباري‬
‫(‪ )226 /1‬ح ‪.128‬‬
‫وأخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب اليمان باب من لقي الله‬
‫باليمان وهو غير شاك فيه دخل الجنة وحرم على النار (‪.)1/43‬‬
‫[‪ ]97‬معارج القبول (‪.)383 /1‬‬
‫[‪ ]98‬الية (‪ )234‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫[‪ ]99‬تفسير القرطبي (‪)8/95‬‬
‫[‪ ]100‬الية (‪ )165‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫[‪ ]101‬الية (‪ )54‬من سورة المائدة‪.‬‬
‫[‪ ]102‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب اليمان باب من كره أن‬
‫يعود في الكفر كما يكره أن يلقى في النار من اليمان‪ .‬انظر‪:‬‬
‫فتح الباري (‪ )72 /1‬ح ‪ .21‬وأخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب‬
‫اليمان باب بيان خصال من اتصف بهن وجد حلوة اليمان‪،‬‬
‫واللفظ له‪ .‬انظر‪.)48 /1( :‬‬
‫[‪ ]103‬الية (‪ )22‬من سورة لقمان‪.‬‬
‫[‪ ]104‬تفسير ابن كثير (‪.)450 /3‬‬
‫[‪ ]105‬الية (‪ )36‬من سورة الحزاب‪.‬‬
‫[‪ ]106‬الية (‪ )65‬من سورة النساء‪.‬‬
‫[‪ ]107‬تفسير ابن كثير (‪.)490 /3‬‬
‫[‪ ]108‬الية (‪ )285‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫[‪ ]109‬اليات (‪ )36 -35‬من سورة الصافات‪.‬‬
‫[‪ ]110‬واسم أبي موسى‪ :‬عبد الله بن قيس بن سليم من بني‬
‫الشعر من قحطان‪ ،‬صحابي أسلم بمكة ثم رجع إلى اليمن وقدم‬
‫مع الشعريين وكان حسن الصوت بالقرآن‪ ،‬وكان من الشجعان‬
‫الولة الفاتحين‪ ،‬توفى بالكوفة سنة ‪ 44‬هـ‪ ،‬وقيل غير ذلك‪ .‬الصابة‬
‫(‪ )351 /2‬رقم ‪.4899‬‬
‫[‪ ]111‬هي مستنقع الماء في الجبال والصخور‪ .‬فتح الباري (‪/1‬‬
‫‪.)176‬‬
‫[‪ ]112‬هي الرض الصلبة التي ل ينضب منها الماء‪ .‬فتح الباري (‪/1‬‬
‫‪.)176‬‬
‫[‪ ]113‬بكسر القاف جمع قاع وهو الرض المستوية اللمساء التي‬
‫ل تنبت‪ .‬فتح الباري (‪.)177 /1‬‬
‫[‪ ]114‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب العلم‪ :‬باب فضل من‬
‫َ‬
‫علِم وعل ّم واللفظ له‪.‬انظر فتح الباري (‪ )175 /1‬ح ‪ .79‬وأخرجه‬
‫مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الفضائل‪ :‬باب بيان مثل ما بعث النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم‪ .‬انظر‪.)63 /7( :‬‬
‫[‪ ]115‬انظر‪ :‬كتاب الكواشف الجلية عن معاني الواسطية للشيخ‬
‫عبدالعزيز بن محمد السلمان من (ص ‪ 38‬إلى ص ‪ )40‬بتصرف‪.‬‬
‫[‪ ]116‬الية (‪ )86‬من سورة الزخرف‪.‬‬
‫[‪ ]117‬الية (‪ )19‬من سورة الزخرف‪.‬‬
‫[‪ ]118‬الية (‪ )17‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫[‪ ]119‬الكواشف الجلية (‪ )40 -39‬بتصرف‪.‬‬
‫[‪ ]120‬الية (‪ )23‬من سورة السراء‪.‬‬
‫[‪ ]121‬الية (‪ )31‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫[‪ ]122‬الية (‪ )18‬من سورة آل عمران‪.‬‬
‫[‪ ]123‬الكواشف الجلية (ص ‪ )40‬بتصرف‪.‬‬
‫[‪ ]124‬حذيفة بن اليمان العبسي‪ ،‬شهد أحدا وكان من كبار‬
‫الصحابة وصاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬توفى‬
‫عام ‪36‬هـ الصابة (‪ ،)317 ،316 /1‬ت رقم ‪.1647‬‬
‫[‪ ]125‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الفتن‪ :‬باب كيف المر‬
‫إذا لم تكن جماعة؟‪،‬‬
‫انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )35 /3‬ح ‪ .7084‬وأخرجه مسلم في صحيحه‪،‬‬
‫كتاب المارة‪ :‬باب المر بلزوم الجماعة عند ظهور الفتن وتحذير‬
‫الدعاة إلى الكفر‪ .‬انظر‪.)20 /6( :‬‬
‫[‪ ]126‬عمر بن الخطاب بن نفيل‪ :‬ولد بعد الفيل بثلث عشرة‬
‫سنة‪ ،‬كان إسلمه فتحا على المسلمين‪ ،‬شهد المشاهد كلها‪،‬‬
‫توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنه راض‪ ،‬ولي‬
‫الخلفة بعد الصديق واستشهد سنة ‪ 23‬هـ‪ ،‬قتله أبو لؤلؤة‬
‫المجوسي‪ .‬الصابة (‪ )511 ،511 /2‬رقم ‪.5738‬‬
‫[‪ ]127‬تيسير العزيز الحميد (ص ‪.)90‬‬
‫[‪ ]128‬الهجر بالضم‪ :‬القبيح من الكلم‪ .‬لسان العرب (‪.)253 /5‬‬
‫[‪ ]129‬الشفا للقاضي عياض (‪ )932 /2‬بتحقيق علي محمد البجاوي‪.‬‬
‫[‪ ]130‬مالك بن أنس‪ ،‬إمام دار الهجرة‪ ،‬وأحد أئمة أهل السنة‬
‫المشهورين‪ ،‬وإليه تنسب المالكية له مؤلفات عدة على رأسها‬
‫(الموطأ) الكتاب المشهور‪ ،‬ولد بالمدينة‪ ،‬وتوفى بها عام ‪ 179‬هـ‪.‬‬
‫الديباج المذهب (‪ )135 -82 /1‬والبداية ( ‪.)174 /10‬‬
‫[‪ ]131‬أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل المام المشهور في‬
‫الفقه والحديث ونصرة السلم‪ ،‬إمام أهل السنة والجماعة أعز‬
‫الله به السنة وقمع به البدعة وفضائله أكثر من أن تحصر توفي‬
‫سنة ‪ 241‬هـ تاريخ بغداد (‪ )412 /4‬وطبقات الحنابلة (‪.)1/4‬‬
‫[‪ ]132‬محمد بن إدريس الشافعي المام المشهور أحد الئمة‬
‫الربعة‪ ،‬ولد بغزة بفلسطين ثم سافرت به أمه إلى مكة‪ ،‬كان‬
‫ذكيا فطنا برع في الدب واللغة ثم أقبل على الحديث والفقه وله‬
‫مصنفات عدة من أشهرها‪ :‬الم والرسالة‪ ،‬توفي بمصر سنة ‪204‬‬
‫هـ‪ .‬تاريخ بغداد (‪ )56 /2‬والتذكرة (‪.)367‬‬
‫[‪ ]133‬الصارم المسلول على شاتم الرسول لشيخ السلم ابن‬
‫تيمية (ص ‪ 4‬و ‪ )8‬بتصرف‪.‬‬
‫وقد تعرض شيخ السلم لهذه المسائل مفصلة في هـذا الكتاب‬
‫فمن أراد الستزادة فليرجع إليه‪.‬‬
‫[‪ ]134‬اليتان (‪ )66 ،65‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫[‪ ]135‬عبد الله بن عمر بن الخطاب‪ ،‬ولد بعد البعثة بثلث سنوات‬
‫وهاجر وهو ابن عشر سنين‪ ،‬وقد كان من أشد الصحابة تتبعا‬
‫للسنة ومن أكثرهم عبادة مع زهد وورع توفي عام ‪ 84‬هـ‪.‬‬
‫الصابة (‪ )341 -338 /2‬ت رقم ‪.4834‬‬
‫[‪ ]136‬هو محمد بن كعب بن سليم القرظي المدني‪ ،‬كان أبوه من‬
‫سبي قريظة‪ ،‬ثقة‪ ،‬عالم‪ ،‬ولد سنة أربعين على الصحيح‪ ،‬ومات‬
‫سنة ‪ 120‬هـ وقيل غير ذلك‪ .‬وقال عنه ابن حبان‪ :‬كان من أفاضل‬
‫أهل المدينة علما وفقها‪ .‬تهذيب التهذيب (‪.)422 ،420 /9‬‬
‫[‪ ]137‬زيد بن أسلم المدني الفقيه‪ :‬كان عالما بالتفسير وكان له‬
‫حلقة بالمسجد النبوي توفي عام ‪ 136‬هـ تهذيب التهذيب (‪.)395 /3‬‬
‫[‪ ]138‬عوف بن مالك بن أبي عوف الشجعي الغطفاني‪ ،‬صحابي‬
‫جليل‪ ،‬شهد مؤتة‪ ،‬وشهد الفتح وكانت معه راية قومه يومئذ‬
‫وشهد فتح الشام‪ ،‬توفي سنة ثلث وسبعين بالشام‪.‬‬
‫تهذيب التهذيب (‪ ،)168 /8‬والبداية (‪.)346 /8‬‬
‫ما للبعير‪.‬‬
‫سعة بكسر فسكون‪ :‬سير مضفور يجعل زما ً‬ ‫[‪ ]139‬الن ِّ ْ‬
‫لسان العرب (‪.)8/352‬‬
‫[‪ ]140‬تفسبر ابن كثير (‪.)367 /2‬‬
‫[‪ ]141‬الصارم المسلول (ص ‪.)33 - 31‬‬
‫[‪ ]142‬الية (‪ )57‬من سورة الحزاب‪.‬‬
‫[‪ ]143‬الصارم المسلول (ص ‪.)41‬‬
‫[‪ ]144‬الصارم المسلول (ص ‪ )41 -40‬بتصرف‪.‬‬
‫[‪ ]145‬جابر بن عبد الله النصارى‪ :‬شهد العقبة الثانية وهو صغير‬
‫وشهد المشاهد كلها بعد أحد‪ ،‬وكان من المكثرين الحفاظ‪.‬‬
‫للسنّة‪ ،‬توفي سنة ‪ 74‬هـ وقيل غير ذلك‪.‬‬
‫الصابة (‪ )214 /1‬ت رقم ‪.1026‬‬
‫[‪ ]146‬كعب بن الشرف الطائي‪ ،‬من بني نبهان‪ ،‬كانت أمه من‬
‫بني النضير فدان باليهودية وكان سيدا في أخواله اليهود‪ .‬أدرك‬
‫السلم ولم يسلم‪ ،‬وأكثر من هجو النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫وأصحابه وتحريض القبائل عليهم وإيذائهم والتشبب بنسائهم‪.‬‬
‫خرج إلى مكة بعد وقعة بدر فندب قتلى قريش فيها‪ ،‬وحض على‬
‫الخذ بثأرهم‪ ،‬وعاد إلى المدينة‪ ،‬فأمر النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫بقتله‪ ،‬فانطق إليه نفر من النصار‪ ،‬فقتلوه في ظاهر حصنه‪.‬‬
‫تاريخ الطبري (‪.)2 /3‬‬
‫[‪ ]147‬محمد بن مسلمة النصاري‪ ،‬من فضلء الصحابة شهد بدرا‬
‫وما بعدها إل غزوة تبوك فإنه تخلف بإذن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم له أن يقيم في المدينة‪ ،‬مات بالمدينة سنة ثلث وأربعين‬
‫وقيل غير ذلك‪ .‬الصابة (‪ )364 ،363 /3‬رقم (‪.)78 8‬‬
‫[‪ ]148‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ -‬واللفظ له ‪ -‬كتاب المغازي‬
‫باب قتل كعب بن الشرف‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )336 /7‬ح ‪،4037‬‬
‫وأخرجه في مواضع أُخر‪ .‬وأخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب‬
‫الجهاد‪ :‬باب قتل كعب بن الشرف‪ .‬انظر‪.)5/184( :‬‬
‫[‪ ]149‬إسحاق بن إبراهيم بن مخلد المعروف بابن راهوية‬
‫المروزي قال عنه الخطيب البغدادي‪ :‬كان أحد أئمة المسلمين‬
‫وع َلَما من أعلم الدين اجتمع له الحديث والفقه والحفظ والصدق‬
‫والورع والزهد توفي سنة ‪ 238‬هـ‪ .‬تاريخ بغداد (‪.)345 /6‬‬
‫[‪ ]150‬أبو سليمان حمد ويقال أحمد بن محمد بن إبراهيم‬
‫الخطابي البستي أحد المشاهير العيان‪ ،‬والفقهاء المجتهدين‬
‫المكثرين‪ ،‬له من المصنفات معالم السنن وشرح البخاري وغير‬
‫ذلك‪ ،‬توفي بمدينة بست سنة ‪ 388‬هـ‪ .‬البداية‪.)324 /11 ( :‬‬
‫[‪ ]151‬محمد بن عبد السلم (سحنون) بن سعيد بن حبيب‬
‫التنوخى‪ ،‬أبو عبد الله فقيه مالكي‪ ،‬مناظر كثير التصانيف‪ ،‬توفي‬
‫سنة ‪256‬هـ‪ .‬الوافي بالوفيات‪ )3/86( :‬والعلم (‪.)205 ،6/204‬‬
‫[‪ ]152‬الصارم المسلول (ص ‪.)4 -3‬‬
‫[‪ ]153‬الصارم المسلول (ص ‪.)294 -293‬‬
‫[‪ ]154‬الية (‪ )106‬من سورة النحل‪.‬‬
‫[‪ ]155‬عمار بن ياسر حليف بني مخزوم من السابقين الولين هو‬
‫وأبوه وأمه‪ ،‬هاجر إلى المدينة‪ ،‬وشهد المشاهد كلها‪ ،‬قتل بصفين‬
‫سنة ‪ 37‬هـ‪ .‬الصابة (‪ )506 ،2/505‬رقم‪.5706 :‬‬
‫[‪ ]156‬بلل بن رباح الحبشي مؤذن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬أحد السابقين إلى السلم الذين عذبوا بمكة‪ ،‬وكان أمية‬
‫بن خلف يخرجه إذا حميت الظهيرة‪ :‬فيطرحه على ظهره في‬
‫بطحاء مكة ثم يأمر بالصخرة العظيمة على صدره‪ ،‬ثم يقول ل‬
‫يزال على ذلك حتى يموت أو يكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫حدٌ‪ ،‬فمَّر به أبو بكر فاشتراه منه‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حد ٌ أ َ‬
‫فيقول وهو على ذلك أ َ‬
‫وأعتقه‪ ،‬ومناقبه كثيرة‪ ،‬شهد المشاهد كلها مع النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬مات بالشام سنة عشرين‪ .‬الصابة (‪ )169 /1‬رقم ‪.736‬‬
‫[‪ ]157‬تفسير ابن كثير (‪ )588 ،587 /2‬بتصرف‪.‬‬
‫[‪ ]158‬انظر صحيح مسلم بشرح النووي (‪.)205 /1‬‬
‫[‪ ]159‬انظر صحيح مسلم بشرح النووي (‪.)205 /1‬‬
‫[‪ ]160‬الجامع الفريد‪ :‬رسالة نواقض السلم للشيخ محمد بن عبد‬
‫الوهاب (ص ‪.)282‬‬
‫[‪ ]161‬مجموع الفتاوى (‪.)639 /7‬‬
‫[‪ ]162‬الجامع الفريد (ص ‪.)282‬‬
‫[‪ ]163‬الماسونية‪ :‬عبارة فرنسية معناها البناؤون الحرار‪،‬‬
‫والماسونية حركة يهودية سرية تعمل تحت ستار التآخي بين‬
‫الديان وهدفها الرئيسي السيطرة على العالم عن طريق‬
‫أصحاب الجاه والنفوذ في بقاع العالم‪ ،‬وذلك بواسطة المحافل‬
‫التي تقيمها في بقاع كثيرة من العالم‪.‬‬
‫انظر‪" :‬كتاب الماسونية ذلك العالم المجهول"‪ ،‬لصابر طعيمة‪.‬‬
‫[‪ ]164‬كتاب الولء والبراء (ص ‪.)344‬‬
‫[‪ ]165‬الية (‪ )48‬من سورة النساء‪.‬‬
‫[‪ ]166‬الية (‪ )65‬من سورة الزمر‪.‬‬
‫[‪ ]167‬الية (‪ )88‬من سورة النعام‪.‬‬
‫[‪ ]168‬الية (‪ )72‬من سورة المائدة‪.‬‬
‫[‪ ]169‬الجامع الفريد (ص ‪.)282‬‬
‫[‪]170‬الية (‪ )194‬من سورة العراف‪.‬‬
‫[‪ ]171‬اليتان (‪ )13 -12‬من سورة الحج‪.‬‬
‫[‪ ]172‬الية (‪ )18‬من سورة الجن‪.‬‬
‫[‪ ]173‬الجامع الفريد (ص ‪ .)282‬والمراد بالصرف‪ :‬التفريق بين‬
‫الزوجين‪ .‬والعطف‪ :‬الجمع بينهما‪.‬‬
‫[‪ ]174‬الية (‪ )102‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫[‪ ]175‬الجامع الفريد (ص ‪.)383‬‬
‫[‪ ]176‬الية (‪ )51‬من سورة المائدة‪.‬‬
‫[‪ ]177‬كتاب الولء والبراء في السلم تأليف محمد بن سعيد‬
‫القحطاني (ص ‪ )83‬بتصرف بسيط‪.‬‬
‫[‪ ]178‬الجامع الفريد (ص ‪.)284‬‬
‫[‪ ]179‬الية (‪ )22‬من سورة السجدة‪.‬‬
‫[‪ ]180‬الجامع الفريد (ص ‪.)384‬‬

‫‪ -2 .27‬كتاب حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على‬


‫أمته في ضوء الكتاب والسنة [مسائل في النبوات]‬
‫المبحث الثاني‪ :‬وجوب اليمان بنبوته ورسالته صلى الله عليه‬
‫وسلم‬
‫المطلب الول‪ :‬معنى النبوة والرسالة‬
‫جمع الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم يين النبوة والرسالة‬
‫َ َ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬ما كَان مح َ َ َ‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سو‬ ‫م وَلَك ِ ْ‬
‫ن َر ُ‬ ‫جالِك ُ ْ‬
‫ن رِ َ‬
‫م ْ‬
‫حد ٍ ِ‬
‫مد ٌ أبَا أ َ‬
‫َ ُ َ ّ‬ ‫َ‬
‫ن}[‪]1‬‬‫م النَّبِي ِّي َ‬
‫خات َ َ‬
‫وَ َ‬
‫أ‪ -‬معنى النبي لغة وشرعا‪:‬‬
‫النبوة في اللغة العريية مشتقة إما من (النبأ) أو (النباوة) أو‬
‫(النبوة) أو (النبي)[‪]2‬‬
‫‪ -1‬فإذا كاظما مأخوذة من (النبأ) فتكون بمعنى الخبار‪ ،‬لن النبأ‬
‫هو الخبر‪.‬‬
‫‪ -2‬وإذا كانت مأخوذة من (النباوة أو النبوة) فتكون بمعنى الرفعة‬
‫والعلو‪ ،‬لن (النباوة أو النبوة‪ :‬هي الشيء المرتفع)‪.‬‬
‫‪ -3‬أما إذا كانت مأخوذة من (النبي) بدون همز‪ ،‬فيكون معناها‬
‫الطريق إلى الله عز وجل لن معنى "النبي" الطريق‪.‬‬
‫ولو نظرنا إلى النبوة الشرعية لوجدنا أنها تشمل كل هذه‬
‫المعاني إذ النبوة إخبار عن الله عز وجل‪ ،‬وهي رفعة لصاحبها لما‬
‫فيها من التشريف والتكريم‪ ،‬وهى الطريق الموصلة إلى الله‬
‫سبحانه‪.‬‬
‫أما النبوة في اصطلح الشرع‪ " :‬فهي خبر خاص يكرم الله عز‬
‫وجل به أحدا من عباده فيميزه عن غيره بإيحائه إليه ويوقفه به‬
‫على شريعته بما فيها من أمر ونهي ووعظ وإرشاد ووعد‬
‫ووعيد"[‪.]3‬‬
‫أما النبي فقد اختلف العلماء في تعريفه‪:‬‬
‫‪ -‬فمنهم من قال‪ :‬هو الذي أوحى الله إليه بشرع[‪ ]4‬ليعمل به‬
‫ولم يؤمر بتبليغه‪.‬‬
‫‪ -‬فمنهم من قال‪ :‬هو الذي أوحى الله إليه أن يدعو الناس إلى‬
‫شريعة رسول قبله[‪.]5‬‬
‫‪ -‬ومنهم من قال‪ :‬هو الذي أوحى الله إليه وأخبره بأمره ونهيه‬
‫وخبره‪ ،‬ويعمل بشريعة رسول قبله بين قوم مؤمنين[‪ ]6‬وهذا هو‬
‫الذي اختاره شيخ السلم ابن تيمية ولعله هو أرجح القوال‬
‫وأسلمها من العتراض فقد اعترض على القول الول بأنه غير‬
‫َ‬
‫ل وَل‬ ‫سو ٍ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن قَبْل ِ َ‬‫م ْ‬ ‫سلْنَا ِ‬
‫ما أْر َ‬ ‫صحيح لن قوله تعالى‪{ :‬وَ َ‬
‫ي}[‪ ]7‬يدل على أن كل منهما مرسل وأنهما مع ذلك بينهما‬ ‫نَب ِ ٍ ّ‬
‫تغاير[‪ ]8‬وكذلك مما يؤكد كون النبياء مأمورين بتبليغ قومهم ما‬
‫أوحي إليهم والحكم بينهم بذلك ما جاء في صحيح مسلم من‬
‫حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪" :‬كانت بنوا إسرائيل تسوسهم النبياء كلما هلك نبي خلفه‬
‫نبي وإنه ل نبي بعدي‪ "...‬الحديث[‪.]9‬‬
‫" أي تتولى أمورهم كما تفعل المراء والولة بالرعية‪ .‬والسياسة‪:‬‬
‫القيام على الشيء بما يصلحه"[‪.]10‬‬
‫وقد اعترض على القول الثاني بأن الضابط الذي ذكروه ل‬
‫يستقيم فيوسف عليه السلم كان رسول وكان على شريعة‬
‫ما‬‫ت َفَ َ‬‫ل بِالْبَيِّنَا ِ‬‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫س ُ‬ ‫م يُو ُ‬ ‫جاءَك ُ ْ‬‫إبراهيم قال تعالى‪{ :‬وَلَقَد ْ َ‬
‫ن‬‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫ث الل ّ ُ‬ ‫ن يَبْعَ َ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫ك قُلْت ُ ْ‬‫حتَّى إِذ َا هَل َ َ‬ ‫جاءَك ُ ْ‬
‫م بِهِ َ‬ ‫م َّ‬
‫ما َ‬ ‫ش ٍّ‬
‫ك ِ‬ ‫م فِي َ‬ ‫زِلْت ُ ْ‬
‫سولً}[‪.]11‬‬ ‫بَعْدِهِ َر ُ‬
‫وكذلك داود وسليمان عليهما السلم كانا رسولين وكانا على‬
‫َ‬ ‫ك كَ َ‬ ‫َ‬
‫ح‬‫حيْنَا إِلى نُو ٍ‬ ‫ما أوْ َ‬ ‫حيْنَا إِلَي ْ َ َ‬ ‫شريعة التوراة قال تعالى‪{ :‬إِنَّا أوْ َ‬
‫َ‬
‫حاقَ‬ ‫س َ‬‫ل وَإ ِ ْ‬ ‫عي َ‬‫ما ِ‬
‫س َ‬‫م وَإ ِ ْ‬ ‫حيْنَا إِلَى إِبَْراهِي َ‬‫ن بَعْدِهِ وَأوْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫وَالنَّبِيِّي َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ما َ‬ ‫سلَي ْ َ‬
‫ن وَ ُ‬ ‫س وَهَاُرو َ‬ ‫ب وَيُون ُ َ‬ ‫سى وَأيُّو َ‬ ‫عي َ‬ ‫ط وَ ِ‬ ‫ب وَال ْ‬
‫سبَا ِ‬ ‫وَيَعْقُو َ‬
‫سل ً ل َ ْ‬
‫م‬ ‫ل وَُر ُ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬‫م ْ‬
‫ك ِ‬ ‫م ع َلَي ْ َ‬ ‫صنَاهُ ْ‬‫ص ْ‬‫سل ً َقَد ْ قَ َ‬ ‫وَآتَيْنَا دَاوُد َ َزبُوراً‪ ،‬وَُر ُ‬
‫َ‬
‫سى تَكْلِيماً}[‪]12‬‬ ‫مو َ‬‫ه ُ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫م ع َلَي ْ َ‬
‫ك وَكَل ّ َ‬ ‫صهُ ْ‬ ‫ص ْ‬ ‫ن َ ْق ُ‬
‫ب‪ -‬معنى الرسول لغة وشرعا‪:‬‬
‫الرسول لغة‪ :‬إما مأخوذ من الّرِسل‪.‬‬
‫والّرِسل‪ :‬هو النبعاث على تؤدة‪ .‬يقال‪ :‬ناقة رسله‪ :‬أي سهلة‬
‫السير‪ ،‬وإبل مراسيل‪ :‬منبعثة انبعاثا سهل‪ .‬ولفظ الرسل متضمن‬
‫لمعنى الرفق ومعنى النبعاث‪ .‬فإذا تصور منه معنى الرفق يقال‬
‫على رسلك إذا أمرته بالرفق‪ .‬وإذا تصور منه معنى النبعاث يقال‬
‫إبل مراسيل أي منبعثة‪.‬‬
‫ولفظ الرسول اشتق من المعنى الثاني أي النبعاث‪.‬‬
‫فالرسول على هذا الشتقاق هو المنبعث[‪.]13‬‬
‫سل أي‬ ‫سل وهو التتابع فيقال جاءت البل َر ْ‬ ‫وإما مأخوذ من الَّر ْ‬
‫سال‪ :‬أي متتابعين‪.‬‬ ‫متتابعة‪ ،‬ويقال جاءوا أْر َ‬
‫ومعنى الرسول على هذا الشتقاق‪ :‬هو الذي يتابع أخبار الذي‬
‫بعثه[‪.]14‬‬
‫ولو نظرنا إلى كل الشتقاقين فإنا نجد أن لفظ الرسول في‬
‫اصطلح الشرع يدل عليهما فالرسول مبعوث من قبل الله‪ ،‬وهو‬
‫كذلك يتابع أخبار الوحي المنزل إليه من الله تعالى‪.‬‬
‫مل كقول الشاعر‪:‬‬ ‫ح َّ‬
‫مت َ َ‬
‫ولفظ الرسول تارة يقال للقول ال ُ‬
‫أل بل ِّغ أبا حفص رسولً‬
‫مل القول والرسالة[‪.]15‬‬ ‫ح ِّ‬‫مت َ َ‬‫وتارة ل ُ‬
‫والرسول في الشرع‪ :‬عرف بعدة تعريفات‪:‬‬
‫فمن العلماء من عرفه بقوله‪ :‬هو الذي أوحى الله إليه بخبر‬
‫وأمره بتبليغه للناس‪ ،‬وهؤلء فرقوا بينه ويين النبي بأن النبي‬
‫أوحي إليه بخبر ولم يؤمر بتبليغه[‪.]16‬‬
‫ومنهم من عرفه بقوله‪ :‬هو الذي أنزل إليه كتاب وشرع مستقل‬
‫مع المعجزة التي تثبت بها نبوته‪.‬‬
‫وقالوا‪ :‬إن النبي هو الذي لم ينزل إليه كتاب وإنما أوحي إليه أن‬
‫يدعو الناس إلى شريعة رسول قبله[‪.]17‬‬
‫ومنهم من قال‪ :‬إن الرسول هو الذي ينبئه الله ثم يأمره أن يبلغ‬
‫رسالته إلى من خالف أمره أي إلى قوم كافرين‪.‬‬
‫أما النبي فهو من أوحى الله إليه وأخبره بأمره ونهيه وخبره‪،‬‬
‫ويعمل بشريعة رسول قبله بين قوم مؤمنين بهما‪.‬‬
‫وهذا ما ذهب إليه شيخ السلم ابن تيمية‪ ،‬واستشهد لذلك بأن‬
‫نوحا عليه السلم كان هو أول رسول بعث إلى أهل الرض وكان‬
‫أول شرك بالله قد وقع في قومه‪.‬‬
‫وقد كان قبل نوح أنبياء كشيث وإدريس عليهما السلم وقبلهما‬
‫آدم كان نبيا مكلما‪ ،‬وقد كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم‬
‫على السلم وكان المبعوثون في هذه القرون أنبياء فقط[‪.]18‬‬
‫وهذا القول الثالث هو أرجح القوال‪.‬‬
‫أما القول الول فهو غير مسلم كما سبق وإن وضحت في الكلم‬
‫على معنى النبي‪.‬وكذا المر بالنسبة للقول للثاني فليس من‬
‫شرط الرسول أن يأتي بشريعة جديدة كما تقدم ذكر ذلك‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الدلة من القرآن والسنة على وجوب اليمان به‬


‫صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫أ‪-‬الدلة من القرآن‪:‬‬
‫أوجب الله سبحانه وتعالى على الثقلين – النس والجن – الذين‬
‫أدركتهم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤمنوا بالنبي‬
‫صلى الله عليه وسلم وبما جاء به كما شهدت بذلك نصوص‬
‫الكتاب العزيز‪.‬‬
‫كما أكد الله وجوب اليمان بأن جعله مقترنا باليمان به سبحانه‬
‫وتعالى في مواضع كثيرة من القرآن الكريم منها‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫في َ‬ ‫خل ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫جعَلَك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م َّ‬ ‫فقُوا ِ‬ ‫سولِهِ وَأن ْ ِ‬ ‫منُوا بِالل ّهِ وََر ُ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬آ ِ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫منُو َ‬ ‫م ل تُؤ ْ ِ‬ ‫ما لَك ُ ْ‬ ‫جٌر كَبِيٌر‪ ،‬وَ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫م وَأنْفَقُوا لَهُ ْ‬ ‫منْك ُ ْ‬ ‫منُوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫هِ فَال ّذِي َ‬ ‫َ‬
‫فِي‬
‫َ‬
‫ن كُنْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫ميثَاقَك ُم إ ْ‬ ‫خذ َ ِ‬ ‫م وَقَد ْ أ َ‬ ‫منُوا برب ّك ُ‬ ‫م لِتُؤ ْ ِ‬ ‫ل يَدْع ُوك ُ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫بِالل ّهِ وَالَّر ُ‬
‫ُ ْ ِ َّ‬ ‫َ ِ َ ِ ْ َّ‬
‫سولِهِ وَالن ّورِ الذِي‬ ‫منُوا بِاللهِ وََر ُ‬ ‫ن}[‪ ،]19‬وقال تعالى‪{ :‬فآ ِ‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫خبِيٌر}[‪.]20‬‬ ‫ن َ‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ما تَعْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫هب‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫أَنَْزلنَا وَالل‬
‫ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب ال ّذِي‬ ‫سولِهِ وَالْكِتَا َِ‬ ‫منُوا بِالل ّهِ وََر ُ‬ ‫منُوا آ ِ‬ ‫ن آ ََ‬ ‫وقال تعالى‪{:‬يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫ن يَكْفُْر بِالل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م ْ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ب ال ّذِي أَنَْز َ‬ ‫سولِهِ وَالْكِتَا ِ‬ ‫ل ع َلَى َر ُ‬ ‫نََّز َ‬
‫ضلل بَعِيداً}[‪،]21‬‬ ‫ل َ‬ ‫ض َّ‬ ‫خرِ فَقَد ْ َ‬ ‫سلِهِ وَالْيَوْم ِ ال ِ‬ ‫ملئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَُر ُ‬
‫َ‬ ‫وَ َ‬
‫حوهُ‬ ‫سب ِّ ُ‬ ‫سولِهِ وَتُعَّزُِروه ُ وَتُوَقُِّروه ُ وَت ُ َ‬ ‫منُوا بِالل ّهِ وََر ُ‬ ‫وقال تعالى‪{:‬لِتُؤْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫سو ُ‬ ‫س إِنِّي َر ُ‬ ‫ل يَا أي ُّ َها النَّا ُ‬ ‫صيلً}[‪ ،]22‬وقال تعالى‪{ :‬قُ ْ‬
‫َ‬
‫بُكَْرة ً وَأ ِ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه إِل ّ هُ َ َ‬
‫و‬ ‫ض ل إِل َ َ‬ ‫ت ُوَالْر َ ِ‬ ‫ماوَا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ك ال َّ‬ ‫مل ْ ُ‬‫ه ُ‬ ‫ميعا ً ال ّذِي ل َ َ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫الل ّهِ إِلَيْك ُ ْ‬
‫ن بِالل ّهِ‬ ‫م ُ‬‫ي ال ّذِي يُؤْ ِ‬ ‫م ِّ‬ ‫ي ال ِّ‬ ‫سولِهِ النَّب ِ ِ ّ‬ ‫منُوا بِالل ّهِ وََر ُ‬ ‫ت فَآ ِ‬ ‫مي ُ‬ ‫حيِي وَي ُ ِ‬ ‫يُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫ن}[‪ ،]23‬وقال تعالى‪{ :‬إِن ّ َ‬ ‫م تَهْتَدُو َ‬
‫َ‬ ‫ماتِهِ وَات ّب َِعُوه ُ لعَلك ُ ْ‬ ‫وَكَل ِ َ‬
‫جاهَدُوا‬ ‫م يَْرتَابُوا وَ َ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫سولِهِ ث ُ َّ‬ ‫منُوا بِالل ّهِ وََر ُ‬ ‫َ‬ ‫نآ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ّذِي‬ ‫منُو َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ال ْ‬
‫ن}[‪.]24‬‬ ‫صادِقُو َ‬ ‫م ال َّ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ل اللَّهِ أُولَئ ِ َ‬ ‫سبِي ِ‬ ‫م فِي َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫م وَأنْفُ ِ‬
‫َ‬
‫موَالِهِ ْ‬ ‫بِأ ْ‬
‫َ‬
‫واليمان به صلى الله عليه وسلم واحد من ثلثة حقوق اقترن بها‬
‫حقه صلى الله عليه وسلم مع حق الله تعالى في القرآن الكريم‪.‬‬
‫أما الحق الثاني له‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل لَعَل ّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫سو َ‬ ‫ه وَالَّر ُ‬ ‫فهو طاعته قال تعالى‪{ :‬وَأطِيعُوا الل ّ َ‬
‫ن}[‪ ،]25‬وسيأتي بيانه في الفصل الثاني من هذا الباب‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫تُْر َ‬
‫والحق الثالث هو‪:‬‬
‫َ‬
‫خوَانُك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫م وَأبْنَاؤ ُك ُ ْ‬ ‫ن آبَاؤ ُك ُ ْ‬ ‫ن كَا َ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫محبته قال تعالى‪{ :‬قُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سادَهَا‬ ‫ن كَ َ‬ ‫شوْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫جاَرة ٌ ت َ ْ‬ ‫موهَا وَت ِ َ‬ ‫ل اقْتََرفْت ُ َ ُ‬ ‫موَا ٌ‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫شيَرتُك ُ ْ‬ ‫م وَع َ ِ‬ ‫جك ُ ْ‬‫وَأْزوَا ُ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫سبِيل ِ ِ‬
‫ج َهاد ٍ فِي َ‬ ‫سولِهِ وَ ِ‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬ ‫م ََ‬ ‫م ِ‬‫ب إِلَيْك ُ ْ‬ ‫ح َّ‬ ‫ضونَهَا أ َ‬ ‫ن تَْر َ ْ‬ ‫ساك ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن}[‬ ‫سقِي َ‬ ‫م الْفَا ِ‬ ‫ه ل يَهْدِي الْقَوْ َ‬ ‫مرِهِ وَالل ّ ُ‬ ‫ه بِأ ْ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫حتَّى يَأت ِ َ‬ ‫صوا َ‬ ‫فَتََرب َّ ُ‬
‫‪ ،]26‬وسيأتي بيانه في الباب الثاني‪.‬‬
‫"كما أن اليمان به واجب متعين ل يتم إيمان إل به ول يصح‬
‫إسلم إل معه"[‪.]27‬‬
‫َّ‬
‫سولِهِ‬ ‫ن بِاللهِ وََر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م يُؤْ ِ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫م ْ‬
‫وقال تعالى في حق من لم يؤمن‪{ :‬وَ َ‬
‫سعِيراً}[‪.]28‬‬ ‫َ‬
‫ن َ‬ ‫فَإِنَّا أع ْتَدْنَا لِلْكَافِرِي َ‬
‫وبما تقدم من آيات يعلم وجوب اليمان بالرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم وأهميته وأنه ل يتم اليمان بالله بدون اليمان به‪ ،‬كما ل‬
‫تحصل نجاة ول سعادة بدون اليمان به لنه هو الطريق إلى الله‬
‫سبحانه وتعالى‪ ،‬ولذلك كان أول أركان السلم "شهادة أن ل إله‬
‫إل الله وشهادة أن محمدا رسول الله"‪.‬‬
‫ب‪ -‬الدلة من السنة على وجوب اليمان به صلى الله عليه‬
‫وسلم‪:‬‬
‫وردت في السنة أحاديث كثيرة جدا تدل على وجوب اليمان به‬
‫صلى الله عليه وسلم على الجن والنس الذين أدركتهم رسالته‪،‬‬
‫سواء كانوا أهل كتاب‪ ،‬أم ليسوا بأهل كتاب‪ ،‬ويستوي في ذلك‬
‫عربهم وعجمهم‪ ،‬وذكرهم وأنثاهم‪ ،‬فل يسع أحدا من هؤلء‬
‫الخروج عن شريعته أو التعبد لله بغير ما جاء به‪ .‬لن الله ل يقبل‬
‫من أحد عمل يخالف شرع نبيه محمد صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ه وَهُوَ فِي‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫ن يُقْب َ َ‬ ‫سلَم ِ دِينا ً فَل َ ْ‬ ‫ن يَبْتَِغ غَيَْر ال ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫{و َ‬‫قال تعالى‪َ :‬‬
‫ن}[‪ ]29‬وسأورد ههنا بعضا من تلك الحاديث‬ ‫سرِي َ‬ ‫خا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫م َ‬ ‫خَرةِ ِ‬ ‫اْل ِ‬
‫الواردة في هذا الشأن‪:‬‬
‫‪ -1‬عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪" :‬أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ل إله إل الله ويؤمنوا‬
‫بي وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم‬
‫إل بحقها وحسابهم على الله"[‪.]30‬‬
‫‪ -2‬وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪" :‬أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ل إله إل‬
‫الله‪ ،‬وأن محمدا رسول الله‪ ،‬ويقيموا الصلة‪ ،‬ويؤتوا الزكاة‪ ،‬فإذا‬
‫فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إل بحق السلم‪،‬‬
‫وحسابهم على الله"[‪.]31‬‬
‫‪ -3‬عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم أنه قال‪" :‬والذي نفس محمد بيده ل يسمع لي أحد من‬
‫هذه المة يهودي ول نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت‬
‫به إل كان من أصحاب النار"[‪.]32‬‬
‫‪ -4‬وعن ابن عباس رضي الله عنهما في حديث وفد عبد القيس‬
‫أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم‪" :‬أتدرون ما اليمان بالله‬
‫وحده؟‪ ،‬قالوا‪ :‬الله ورسوله أعلم‪ .‬قال‪ :‬شهادة أن ل إله إل الله‬
‫وأن محمدا رسول الله‪ ،‬وإقام الصلة وإيتاء الزكاة وصيام‬
‫رمضان‪ ،‬وأن تعطوا من المغنم الخمس‪ "....‬الحديث[‪.]33‬‬
‫‪ -5‬وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال‪ :‬بعثني رسول الله‬
‫فقال‪:‬‬
‫"إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن ل إله إل‬
‫الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله‬
‫افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا‬
‫لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم‬
‫فترد في فقرائهم فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم‬
‫واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب"[‪.]34‬‬
‫وهذه الحاديث وغيرها تؤكد وجوب اليمان به صلى الله عليه‬
‫وسلم وبما جاء به‪ ،‬وكذلك طاعته‪ ،‬ويكون ذلك بأن يحل ما أحل‬
‫الله ورسوله‪ ،‬ويحرم ما حرم الله ورسوله‪ ،‬ويوجب ما أوجبه الله‬
‫ورسوله‪ ،‬ويحب ما أحبه الله ورسوله‪ ،‬ويكره ما كرهه الله‬
‫ورسوله‪ .‬وقد تقدم معنى اليمان بالنبي صلى الله عليه وسلم‬
‫في المبحث الول فليرجع إليه‪.‬‬

‫ج‪-‬دليل الجماع‪:‬‬
‫أجمعت المة على وجوب اليمان بالنبي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫كما أجمعت كذلك على أن كل من قامت عليه الحجة برسالة‬
‫محمدا صلى الله عليه وسلم من النس والجن فلم يؤمن به‬
‫استحق عقاب الله تعالى كما يستحقه أمثاله من الكافرين الذين‬
‫بعث إليهم الرسول وهذا أصل متفق عليه بين الصحابة والتابعين‬
‫لهم بإحسان وأئمة المسلمين وسائر طوائف المسلمين أهل‬
‫السنة والجماعة وغيرهم[‪ ،]35‬لن الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫هو الذي جاء بذلك وذكره الله في كتابه وبينه الرسول أيضا في‬
‫الحكمة المنزلة عليه من غير الكتاب‪ ،‬فإن الله تعالى أنزل عليه‬
‫الكتاب والحكمة‪ ،‬ولم يبتدع المسلمون شيئا من ذلك من تلقاء‬
‫أنفسهم[‪.]36‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬دلئل نبوته صلى الله عليه وسلم‬


‫أيد الله تبارك وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالدلئل‪،‬‬
‫والمعجزات الكثيرة الدالة على وجوب اليمان به وصدق رسالته‬
‫وهذه الدلئل والمعجزات فاقت اللف معجزة كما ذكر ذلك غير‬
‫واحد من العلماء[‪ ]37‬ومنها ما هو حسي ومنها ما هو معنوي‪،‬‬
‫وكذلك هي متنوعة فمنها ما كان قبل مولده كبشارات النبياء به‬
‫ومنها ما كان وقت ولدته كقصة الفيل والعجائب التي حدثت عام‬
‫مولده الدالة على نبوته‪ ،‬ومنها ما كان عند مبعثه كالقرآن الكريم‬
‫وانشقاق القمر ونبع الماء بين أصابعه صلى الله عليه وسلم وغير‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ومن تلك الدلئل ما استمر بعد وفاته صلى الله عليه وسلم‬
‫كالقرآن الكريم‪ ،‬وما أخبر به من المغيبات كعلمات الساعة‪ ،‬وما‬
‫يحدث بعده‪ .‬ولقد ألف عدد من العلماء مؤلفات في هذا الشأن‬
‫جمعوا فيها تلك الدلئل والمعجزات[‪.]38‬‬
‫وإن من أعظم دعائم اليمان معرفة المسلم لهذه الدلئل وأخذ‬
‫العظة والعبرة منها وذلك بتدبر ما فيها من حكم وآيات دلت على‬
‫صدق رسالة نبينا صلى الله عليه وسلم‪ .‬والمقام هنا ل يستوعب‬
‫إيراد هذه الدلئل والمعجزات‪ ،‬ولكني سأشير إلى بعض هذه‬
‫الدلئل إشارات سريعة على سبيل المثال‪:‬‬
‫أ‪ -‬القرآن الكريم‪:‬‬
‫هو أعظم اليات والبراهين والدلئل والمعجزات التي أعطيها‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وليس من آية أبدع ول أروع منه‪.‬‬
‫فهو المعجزة الخالدة التي أعطاها الله لرسوله صلى الله عليه‬
‫وسلم لتكون خالدة كخلود رسالته‪ ،‬ومشمهودة لكل من أتى بعد‬
‫زمانه ليعم النتفاع بها ولتقوم بها الحجة على أهل كل زمان إلى‬
‫أن يرث الله الرض ومن عليها ولقد تعهد الله بحفظه وبقائه‬
‫ن}[ ‪ ]39‬فكان‬ ‫حافِظُو َ‬
‫ه لَ َ‬
‫ذّكَْر وَإِنَّا ل َ ُ‬
‫ن نََّزلْنَا ال ِ‬ ‫فقال تعالى‪{ :‬إِنَّا ن َ ْ‬
‫ح ُ‬
‫في هذا الحفظ دوامه وبقاؤه إلى قيام الساعة‪.‬ولقد ميز الله نبيه‬
‫بهذه المعجزة عن سائر إخوانه من النبياء كما جاء في حديث‬
‫أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫"ما من النبياء نبي إل أعطي من اليات ما مثله آمن عليه البشر‪،‬‬
‫ي‪ ،‬فأرجو أني أكثرهم‬ ‫وإنما كان الذي أوتيته وحي أوحاه الله إل ّ‬
‫تابعًا يوم القيامة"[‪.]40‬‬
‫وفى تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن بالذكر هنا دون‬
‫المعجزات الخرى التي أعطيها‪ -‬والتي تزيد على اللف‪ -‬إشارة‬
‫إلى عظم هذه المعجزة ومكانتها حتى أنه أصبح غيرها بالنسبة‬
‫إليها كل شيء لشيء‪.‬‬
‫ولقد تضمنت هذه المعجزة وجوها متعددة من العجاز‪ ،‬فالقرآن‬
‫الكريم معجز بلغته وفصاحته وبيانه وبلغته وأحكامه وتشريعاته‬
‫وبما حواه من أخبار وقصص‪ ،‬ومغيبات‪ ،‬وعلوم‪ ،‬فهو معجز من‬
‫جميع الوجوه‪ ،‬ولقد تحدى الله قوم النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫على أن يأتوا بمثله أو بشيء منه‪ ،‬فالقرآن الكريم نزل بلغتهم‬
‫فهم يعرفون حروفه ومعانيه‪ ،‬إضافة إلى أنه نزل في أوان وزمان‬
‫بلغت فيه قريش ذروة الفصاحة والبلغة والبيان‪ ،‬فلقد كان فيهم‬
‫أولوا الحلم والنهى والفهام واللسن الحداد‪ ،‬والقرائح الجياد‪،‬‬
‫والعقول السداد‪.‬‬
‫فالتحدي كان لهم بأمر يعرفون طريقه ولهم بجنسه عهد بل إنهم‬
‫نبغوا فيه وبلغوا فيه ذروته‪.‬‬
‫ولذلك فقد توهم كفار قريش في بداية أمرهم أن باستطاعتهم‬
‫شاءُ‬ ‫و نَ َ‬ ‫التيان بمثله وقدروا أن في وسعهم معارضته فقالوا‪{ :‬ل َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ن}[‪.]41‬‬ ‫ساطِيُر الوَّلِي َ‬ ‫ن هَذ َا إِل ّ أ َ‬ ‫ل هَذ َا إ ِ ْ‬ ‫مث ْ َ‬‫لَقُلْنَا ِ‬
‫فجاءهم التحدي من الله على ثلث مراحل هي‪:‬‬
‫المرحلة الولى‪:‬‬ ‫•‬
‫م‬ ‫َ‬
‫التحدي بالتيان بمثل القرآن وذلك كما جاء في قوله تعالى‪{ :‬أ ْ‬
‫ْ‬
‫ن كَانُوا‬
‫مثْلِهِ إ ِ ْ‬
‫ث ِ‬ ‫حدِي ٍ‬ ‫ن فَلْيَأتُوا ب ِ َ‬ ‫منُو َ‬ ‫ل ل يُؤ ْ ِ‬ ‫ه بَ ْ‬ ‫ن تَقَوَّل َ ُ‬ ‫يَقُولُو َ‬
‫ن}[‪.]42‬‬ ‫صادِقِي َ‬ ‫َ‬
‫المرحلة الثانية‪:‬‬ ‫•‬
‫م‬ ‫َ‬
‫تحداهم بالتيان بعشر سور مثله حيث قال تبارك وتعالى‪{ :‬أ ْ‬
‫ن‬
‫م ِ‬ ‫ت وَادْع ُوا َ‬ ‫مفْتََريَا ٍ‬ ‫مثْلِهِ ُ‬‫سوَرٍ ِ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ل فَأْتُوا بِعَ ْ‬ ‫ن افْتََراه ُ قُ ْ‬ ‫يَقُولُو َ‬
‫َ‬
‫ن}[‪.]43‬‬ ‫صادِقِي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن كُنْت ُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ إ ِ ْ‬ ‫ن دُو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ستَطَعْت ُ ْ‬ ‫ا ْ‬
‫المرحلة الثالثة‪:‬‬ ‫•‬
‫حيث تحداهم تبارك وتعالى بالتيان بسورة واحدة فقال تعالى‪:‬‬
‫ْ‬
‫مثْل ِ ِ‬
‫ه‬ ‫ن ِ‬‫م ْ‬ ‫سوَرةٍ ِّ‬‫ما نََّزلْنَا ع َلَى ع َبْدِنَا فَأتُوا ب ِ ُ‬ ‫م َّ‬ ‫ب ِ‬ ‫م فِي َري ْ ٍ‬ ‫ن كُنْت ُ ْ‬ ‫{وَإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ن}[‪ ،]44‬فعجزوا‬ ‫صادِقِي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن كُنْت ُ ْ‬‫ن الل ّهِ إ ِ ْ‬ ‫ن دُو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫شهَدَاءَك ُ ْ‬ ‫وَادْع ُوا ُ‬
‫عن التيان بسورة واحدة مع شدة الجتهاد وقوة السباب فقد‬
‫كانوا حريصين على تكذيبه وإبطاله بكل طريق ولكن مع هذا كله‬
‫فقد عجزوا عن ذلك‪.‬‬
‫ولقد أخبر الله بعجزهم عند تحديه إياهم بالتيان بسورة من مثله‬
‫َ‬
‫ن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّاَر ال ّتِي وَقُودُهَا‬ ‫م تَفْعَلُوا وَل َ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫فقال تعالى‪{ :‬فَإ ِ ْ‬
‫ن}[‪.]45‬‬ ‫ت لِلْكَافِرِي َ‬ ‫عد َّ ْ‬ ‫جاَرة ُ أ ُ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫س وَال ْ ِ‬ ‫النَّا ُ‬
‫ولما عجزوا عن التيان بما تحداهم به قطع الله طمعهم على أن‬
‫َ‬
‫ن ع َلَى أ ْ‬
‫ن‬ ‫ج ُّ‬‫س وَال ْ ِ‬
‫ت الن ْ ُ‬ ‫معَ ِ‬‫جت َ َ‬
‫نا ْ‬ ‫يأتوا بمثله فقال تعالى‪{ :‬قُ ْ َ‬
‫ل لئ ِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ض‬
‫م لِبَعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫مثْلِهِ وَلَوْ كَا َ‬
‫ن بَعْ ُ‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫ل هَذ َا الْقُْرآ ِ‬
‫ن ل يَأتُو َ‬ ‫مث ْ ِ‬
‫يَأتُوا ب ِ ِ‬
‫ظَهِيراً}[‪.]46‬‬
‫وبعد مرحلة قطع الطمع أنزل الله فواتح السور كـ {الم‪ ،‬الر‪،‬‬
‫المر} وغيرها تقريعا وتوبيخا للكفار‪ ،‬مخبرا لهم أن ما تحداهم به‬
‫مكون من حروف هي حروف العربية التي يتحدثون بها والتي‬
‫بلغوا ذروتها فهم أفصح العرب‪ ،‬والقرآن نزل بلغة العرب‪ ،‬ولقد‬
‫جرت سنة الله بأن يعطي كل رسول من المعجزات ما يناسب‬
‫ما اشتهر به قومه‪ ،‬فلقد أعطى موسى العصا لشتهار من أرسل‬
‫إليهم بالسحر وما يتعلق به‪ ،‬وأعطى عيسى معجزة إحياء الموتى‬
‫وإبراء الكمه والبرص والعمى لشتهار قومه بالطب وهكذا‪،‬‬
‫فأعطى نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم القرآن لما اشتهرت به‬
‫قريش من الفصاحة والبيان‪.‬‬
‫فهذا ما كان من أمر التحدي الذي تحدى الله به أهل مكة‬
‫وغيرهم من العرب الذين نزل القرآن بلغتهم‪ ،‬وسأعرض لذكر‬
‫بعض جوانب هذا العجاز القرآني الذي عجز الكفار أن يأتوا بمثل‬
‫هذا القرآن من جهتها وهى ما يلي‪:‬‬
‫أولً‪:‬‬
‫تحداهم بفصاحة القرآن وعلو أسلوبه‪ ،‬وأحكامه‪ ،‬ودقة تعبيره‪،‬‬
‫ولذا تكلف بعض سفهاء الحلم منهم أن يأتوا بسور خيل لهم أنها‬
‫على نمطه وشاكلته‪ ،‬فأضحكوا على أنفسهم العقلء‪ ،‬وأما ذووا‬
‫العقل والرأي منهم فأسلموا أنفسهم إلى العجز وأيقنوا من‬
‫قرارة نفوسهم أنه الحق وأنه من عند الله ل من كلم البشر‬
‫ولكن أكثرهم يجهلون فأبوا إل الكفر أنفة واستكبارا‪.‬‬
‫ثانيا‪:‬‬
‫تحداهم بتشريعه الكامل الموافق لمقتضى العقل والفطرة‪،‬‬
‫الهادي جميع البشر إلى سواء السبيل من جوانب الحياة كلها‬
‫عقيدة وعبادة واقتصادا وسياسة وأدبا وأخلقا مع بقاءه كذلك‬
‫صالحا لهداية العالم وإصلحه في جميع جوانب الحياة إلى يوم‬
‫القيامة‪.‬‬
‫ثالثا‪:‬‬
‫تحداهم بما تضمنه القرآن من الخبار الغيبية التفصيلية المسهبة‪،‬‬
‫وبوقوف الرسول صلى الله عليه وسلم من إخوانه المرسلين‬
‫السابقين موت المصدق لهم المبين لتحريف أقوامهم شرائعهم‪،‬‬
‫المعلن لخزاياهم وفضائحهم في خروجهم على أنبيائهم بيان‬
‫الواثق بنفسه المؤمن بما أوحي إليه من ربه‪ ،‬وهو أمي عاش في‬
‫أمة أمية‪ ،‬ومن أمته أهل الكتاب الذين فضحهم بسوء صنيعهم مع‬
‫رسلهم وفى شرائعهم ومع ذلك لذوا بالصمت ولم يردوا عليه ما‬
‫اتهمهم به تبرئة لنفسهم ودفعا للنقيصة والعار عنها‪ ،‬فكان ذلك‬
‫إيذانا بأنه رسول الله الصادق المين وأن ما جاء به إنما هو وحي‬
‫من رب العالمين[‪.]47‬‬
‫ولقد تضمن القرآن الكريم جوانب أخرى من العجاز فنحن في‬
‫زمان انتشر فيه سلطان العلم المادي وتباهى النسان بمعرفته‬
‫لكثير من المور التي خفيت عمن قبله من الجيال‪ ،‬ولكن كثيرا‬
‫من هذه المور التي يدعي النسان اكتشافها ومعرفتها‪ ،‬نجد أن‬
‫القرآن الكريم قد تحدث عنها وبينها فعلى سبيل المثال تكوين‬
‫النسان في بطن أمه تحدثت عنه آيات كئيرة من القرآن قبل‬
‫أربعة عشر قرنا من الزمان بينما لم يتعرف علماء الطب على‬
‫ذلك إل في زمن متأخر وكذا المر بالنسبة لكثير من المور‬
‫الخرى كتكوين الرض وعلوم البحار وعلوم الحيوان وشتى أنواع‬
‫العلوم الخرى‪ ،‬وقد اهتم عدد من العلماء المسلمين بهذا الشأن‬
‫فأنشؤوا ما يسمى "بهيئة العجاز العلمي في القرآن" لبيان سبق‬
‫القرآن في توضيح كثير من أمور العلم التي يدعي كثير من‬
‫العلماء الماديين أنها لم تعرف إل في هذا الزمان‪.‬‬
‫وهذا كله شاهد بأن كتاب الله العزيز يبقى المعجزة الخالدة التي‬
‫س فِي هَذ َا الْقُْرآ ِ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫عجائبها‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬وَلَقَد ْ َ‬
‫صَّرفْنَا لِلن ّا ِ‬ ‫َ‬
‫ل تنتهي‬
‫َ‬
‫س إِل ّ كُفُوراً}[‪]48‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل فَأبَى أكْثَُر الن ّا ِ‬ ‫مث َ ٍ‬ ‫ن ك ُ ِّ‬
‫ل َ‬ ‫م ْ‬
‫ِ‬
‫فالقرآن يبقى معجزا في عصر العلم كما كان معجزا في عصر‬
‫الفصاحة والبلغة‪.‬‬
‫ومن اليات الحسية التي أعطيها النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫زمن بعثته‪:‬‬
‫ب‪ -‬انشقاق القمر‪:‬‬
‫ضوا‬
‫ة يُعْرِ ُ‬ ‫ن يََروْا آي َ ً‬ ‫شقَّ الْقَ َ‬
‫مُر‪ ،‬وَإ ِ ْ‬ ‫ة وَان ْ َ‬
‫ساع َ ُ‬ ‫ت ال َّ‬‫قال تعالى‪{ :‬اقْتََرب َ ِ‬
‫مٌّر}[‪.]49‬‬ ‫ست َ ِ‬‫م ْ‬‫حٌر ُ‬‫س ْ‬‫وَيَقُولُوا ِ‬
‫وعن أنس بن مالك رضي الله عنه‪" :‬أن أهل مكة سألوا رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر"[‬
‫‪.]50‬‬
‫وعن عبد الله بن مسعود[‪ ]51‬رضي الله عنه قال‪" :‬انشق القمر‬
‫على عهد النبي صلى الله عليه وسلم شقين‪ ،‬فقال‪" :‬اشهدوا"[‬
‫‪.]52‬‬
‫ج‪ -‬نبع الماء بين أصابعه‪:‬‬
‫فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال‪" :‬أتي رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم بإناء وهو بالزوراء[‪ ]53‬فوضع يده في الناء فجعل‬
‫الماء ينبع من بين أصابعه‪ ،‬فتوضأ القوم‪ .‬قال قتادة‪ :‬قلت لنس‬
‫كم كنتم؟‪ ،‬قال‪ :‬ثلئمائة‪ ،‬أو زهاء ثلثمائة"[‪ ]54‬وقد روى حديث‬
‫نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم جماعة من‬
‫الصحابة منهم أنس وجابر وابن مسعود[‪.]55‬‬

‫د‪ -‬إشباع العدد الكثير من الطعام القليل‪:‬‬


‫عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال‪" :‬قال أبو طلحة[‪ ]56‬لم‬
‫سليم[‪ :]57‬لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ضعيفا أعرف فيه الجوع‪ ،‬فهل عندك من شيء؟‪ ،‬قالت‪ :‬نعم‪،‬‬
‫فأخرجت أقراصا من شعير ثم أخرجت خمارا لها‪ ،‬فلفت الخبز‬
‫ببعضه ثم دسته تحت يدي‪ ،‬ولثتني ببعضه‪ ،‬ثم أرسلتني إلى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬قال‪ :‬فذهبت به فوجدت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ومعه الناس‪،‬‬
‫فقمت عليهم‪ .‬فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫"آرسلك أبو طلحة؟"‪ ،‬فقلت‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬بطعام؟‪ ،‬قلت‪ :‬نعم‪ ،‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه‪" :‬قوموا"‪ ،‬فانطلق‬
‫وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته‪ .‬فقال أبو‬
‫طلحة‪ :‬يا أم سليم قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫بالناس وليس عندنا ما نطعمهم‪ .‬فقالت‪ :‬الله ورسوله أعلم‪.‬‬
‫فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة معه‪ ،‬فقال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬هلمي يا أم سليم ما عندك"‪،‬‬
‫فأتت بذلك الخبز‪ ،‬فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ففت‪ ،‬وعصرت أم سليم عكة فأدمته‪ ،‬ثم قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم فيه ما شاء أن يقول‪ .‬ثم قال‪" :‬ائذن لعشرة"‬
‫فأذن لهم‪ ،‬فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا‪ .‬ثم قال‪" :‬ائذن لعشرة"‬
‫فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا‪ .‬ثم قال‪" :‬ائذن لعشرة"‬
‫فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا‪ .‬ثم قال‪" :‬ائذن لعشرة"‬
‫فأكل القوم حتى شبعوا والقوم سبعون أو ثمانون رجل"[‪.]58‬‬
‫وأحاديث تكثير الطعام القليل تعددت‪ ،‬وتكررت في مواطن‬
‫متعددة ورويت عن بضعة عشر من الصحابة‪ ،‬ورواها عنهم‬
‫أضعافهم من التابعين ثم من ل يُعد بعدهم‪ ،‬وأكثر هذه الحاديث‬
‫مروية في الصحيح وأكثرها في قصص مشهورة‪ ،‬ومجامع‬
‫مشهورة‪ ،‬ول يمكن التحدث عنها إل بالحق‪ ،‬ول يسكت الحاضر‬
‫لها على ما أنكر منها[‪.]59‬‬
‫هـ‪ -‬ما أطلع عليه من الغيوب وما سيكون في المستقبل‪:‬‬
‫"والحاديث في هذا الباب بحر ل يدرك قعره‪ ،‬ول ينزف غمره‪،‬‬
‫وهي من جملة معجزاته المعلومة على القطع"[‪ ]60‬ومنها على‬
‫سبيل المثال حديث حذيفة ابن اليمان قال‪" :‬قام فينا رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم مقاما ما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك‬
‫إلى قيام الساعة إل حدث به‪ ،‬حفظه من حفظه ونسيه من‬
‫نسيه‪ ،‬قد علمه أصحابي هؤلء وإنه ليكون منه الشيء نسيته‬
‫فأراه فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه‬
‫عرفه"[‪.]61‬‬
‫وبعد فهذا جزء يسير جدا من دلئل نبوته المعنوية والحسية‬
‫وصدق رسالته صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أيد الله بها نبيه ليقيم‬
‫الحجة على الخلق فيحيا من حيي عن بينة ويهلك من هلك عن‬
‫بينة‪.‬‬
‫فيجب على كل مسلم أن يتدبر في دلئل نبوته صلى الله عليه‬
‫َ‬
‫وسلم ويط ّلع عليها‪ ،‬فإن فيها عظة وعبرة وتزيد من إيمان المرء‬
‫ويقينه بنبوة خاتم المرسلين وإمامهم‪ ،‬الذي أعطاه الله من‬
‫اليات والبراهين ما لم يعط أحدا من النبياء قبله‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬وجوب اليمان بعموم رسالته صلى الله عليه‬


‫وسلم‬
‫تمهيد‬
‫إن من اليمان بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم اليمان بجميع‬
‫ما جاء به‪ ،‬ومما جاء به صلى الله عليه وسلم الخبار بعموم‬
‫رسالته للنس والجن بجميع أجناسهم وأشكالهم وألوانهم ومللهم‬
‫ولغاتهم‪ .‬لذا فإنه يجب أن يعلم أن الله عز وجل أرسل محمدا‬
‫صلى الله عليه وسلم إلى جميع الثقلين النس والجن وأنه أوجب‬
‫عليهم اليمان به وبما جاء به وطاعته‪ ،‬وأنه ل يسع أحدا من هؤلء‬
‫الخروج عن شريعته ول أن يدين لله بغير ما جاء به "ومن اعتقد‬
‫أنه يسوغ لحد الخروج عن شريعته وطاعته فهو كافر يجب‬
‫ل‬ ‫سلم ِ دِينا ً فَل َ ْ‬
‫ن يُقْب َ َ‬ ‫ن يَبْتَِغ غَيَْر ال ِ ْ‬
‫م ْ‬
‫قتله"[‪ ]62‬قال تعالى‪{ :‬وَ َ‬
‫ه}[‪ .]63‬وعموم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم وعالميتها‬ ‫من ْ ُ‬
‫ِ‬
‫هي إحدى الخصائص التي انفرد بها صلى الله عليه وسلم عن‬
‫النبياء قبله‪ ،‬إذ كان النبي إنما يعث إلى قومه خاصة ثم يبقى‬
‫غيرهم محتاجا إلى من يبلغهم أمر الله عز وجل‪ ،‬أما محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم فقد بعثه الله للناس كافة بشيرا ونذيرا وداعيا‬
‫إلى الله بإذنه وسراجا منيرا‪ ،‬فهو المبعوث رحمة للعالمين‪،‬‬
‫فعمت رسالته جميع المكلفين إنسهم وجنهم‪ ،‬كما صحبت كذلك‬
‫الزمان في مسيرته‪ ،‬فإذا انتهى جيل من الناس فإن الجيل الذي‬
‫يليه مخاطب ومكلف بها‪.‬‬
‫واليمان بعموم الرسالة وعالميتها هو الذي يدين به كل مسلم‬
‫يؤمن بالله ورسوله‪ ،‬فهذا ما جاءت به آيات الكتاب الكريم‬
‫ونصوص السنة الثابتة‪ ،‬فهو من المور المعلومة من الدين‬
‫بالضرورة والتي أجمعت عليها المة‪.‬‬

‫المطلب الول‪ :‬الدلة من القرآن على عموم رسالته‬


‫وردت آيات كثيرة في كتاب الله العزيز تثبت عموم دعوته‬
‫وعالمية رسالته صلى الله عليه وسلم ومن سمة هذه اليات أنها‬
‫اتصفت بتنوع العبارة مع اتحاد في المضمون الذي هو الدللة‬
‫على عموم الرسالة وعالميتها‪.‬‬
‫وسوف نعرض لهذه اليات بحسب اتحادها في السياق‪.‬‬
‫أ‪ -‬اليات التي ورد فيها لفظ "الناس" منها‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ميعا}[‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل اللهِ إِليْك ُ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫س إِنِّي َر ُ‬ ‫ل يَا أيُّهَا النَّا ُ‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬قُ ْ‬
‫‪.]64‬‬
‫ة لِلنَّاس}[‪.]65‬‬ ‫َ‬
‫ك إِل ّ كَافّ ً‬ ‫َ‬ ‫سلْنَا َ‬ ‫َ‬
‫ما أْر َ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَ َ‬
‫سولً}[‪.]66‬‬ ‫َ‬ ‫سلنَا َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫س َر ُ‬ ‫ِ‬ ‫ك لِلن ّا‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَأْر َ‬
‫م وَأَنَْزلْنَا‬ ‫ن َرب ِّك ُ ْ‬‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م بُْرهَا ٌ‬ ‫جاءَك ُ ْ‬ ‫س قَد ْ َ‬
‫َ‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬يَا أيُّهَا النَّا ُ‬
‫مبِيناً}[‪.]67‬‬ ‫م نُورا ً ُ‬ ‫إِلَيْك ُ ْ‬
‫ن‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬أَكَان لِلنَاس ع َجبا ً أ َن أَوحينا إلَى رجل منه َ‬
‫مأ ْ‬ ‫َ ُ ٍ ِ ُْ ْ‬ ‫ْ ْ َ َْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ََ ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عنْد َ َرب ِّهِم}[‪.]68‬‬ ‫ق ِ‬ ‫صد ْ ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫م قَد َ َ‬ ‫ن له ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫منُوا أ ّ‬ ‫نآ َ‬ ‫شرِ ال ّذِي َ‬ ‫س َوب َ ّ ِ‬ ‫أنْذِرِ النَّا َ‬
‫َ‬
‫ّ ُُ‬
‫س وَلِيُنْذَُروا بِهِ}[‪.]69‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬هَذ َا بَلغ ٌ لِلن َّا ِ‬
‫ت‬
‫ما ِ‬ ‫ن الظل َ‬ ‫م َ‬ ‫س ِ‬ ‫ج النَّا َ‬ ‫خرِ َ‬ ‫ك لِت ُ ْ‬ ‫ب أنَْزلْنَاهُ إِلَي ْ َ‬ ‫وقوله تعالى‪ { :‬الر كِتَا ٌ‬
‫ميدِ}[‪.]70‬‬ ‫ح ِ‬ ‫ط الْعَزِيزِ ال ْ َ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫م إِلَى ِ‬ ‫ن َرب ِّهِ ْ‬ ‫إِلَى النُّورِ بِإِذ ْ ِ‬
‫والشاهد من هذه اليات أنها بينت شمول رسالة محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم للناس[‪ ]71‬جميعا‪ .‬قال صاحب اللسان‪" :‬الناس قد‬
‫يكون من النس ومن الجن"[‪.]72‬‬
‫فلفظ الناس يطلق على الجن والنس كما في قوله تعالى‪:‬‬
‫َ‬ ‫ن ال ْ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س}[‪]73‬‬ ‫جن ّةِ وَالن ّا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س‪ِ ،‬‬ ‫صدُورِ الن ّا ِ‬ ‫س فِي ُ‬ ‫سوِ ُ‬ ‫و ْ‬‫{ال ّذِي ي ُ َ‬
‫فسمى الله الجن في هذا الموضع ناسا كما سماهم في موضع‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬‫ل ِ‬ ‫جا ٍ‬ ‫ن بِرِ َ‬ ‫س يَعُوذ ُو َ‬ ‫ن الِن ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫جا ٌ‬ ‫ن رِ َ‬ ‫ه كَا َ‬ ‫آخر رجال‪ ،‬فقال‪{ :‬وَأن َّ ُ‬
‫ن}[‪ ]74‬فجعل الجن رجال وكذلك جعل منهم ناسا[‪ .]75‬وهناك‬ ‫ج ِّ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫رأي آخر يقول إن لفظ الناس دخل فيه الجن تغليبا[‪.]76‬‬
‫والذي أراه أن اليات تفسر بالمعنى الشامل للنس والجن إذ ل‬
‫مخصص للعموم هنا‪.‬‬
‫وكنموذج لتفسير ما أوردته من آيات في هذا الشأن أذكر ما قاله‬
‫َ‬
‫س إِنِّي‬ ‫ل يَا أيُّهَا النَّا ُ‬ ‫بعض علماء التفسير في بيان قوله تعالى‪{ :‬قُ ْ‬
‫ميعاً}‪ ،‬قال أبو جعفر الطبري[‪ ]77‬في‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬ ‫ل اللَّهِ إِلَيْك ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫َر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل اللهِ إِليْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫سو ُ‬ ‫تفسيرها‪" :‬قل يا محمد للناس كلهم {إِنِّي َر ُ‬
‫ميعاً} ل إلى بعضكم دون بعض‪ ،‬كما كان من قبلي من الرسل‬ ‫ج ِ‬
‫َ‬
‫مرسل إلى بعض الناس دون بعض‪ ،‬فمن كان منهم أرسل كذلك‪،‬‬
‫فإن رسالتي ليست إلى بعضكم دون بعض‪ ،‬لكنها إلى جميعكم"[‬
‫‪.]78‬‬
‫وقال ابن كثير[‪ :]79‬يقول تعالى لنبيه ورسوله محمد صلى الله‬
‫س} وهذا خطاب للحمر‬ ‫ُ‬ ‫ل} يا محمد {يَا أَيُّهَا النَّا‬ ‫عليه وسلم {قُ ْ‬
‫َ‬
‫ميعاً} أي‬ ‫ج ِ‬
‫م َ‬ ‫ل الل ّهِ إِلَيْك ُ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫والسود والعربي والعجمي {إِنِّي َر ُ‬
‫جميعكم وهذا من شرفه وعظمه صلى الله عليه وسلم أنه خاتم‬
‫النبيين وأنه مبعوث إلى الناس كافة"[‪.]80‬‬
‫ب‪ -‬اليات التي ورد فيها لفظ "العالمين"‪ :‬ومنها‬
‫قوله تعالى‪{ :‬وما أ َرسلْنا َ َ‬
‫ن}[‪.]81‬‬ ‫مي َ‬ ‫ة لِلْعَال َ ِ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫ك إِل ّ َر ْ‬ ‫َ َ ْ َ َ‬
‫َ‬
‫ن هُوَ إِل ّ ذِكَْرى‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جرا إ ِ ْ‬ ‫م ع َليْهِ أ ْ‬ ‫سألك ُ ْ‬ ‫للأ ْ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬قُ ْ‬
‫ن}[‪.]82‬‬ ‫َ‬ ‫مي‬ ‫لِلْعَال َ ِ‬
‫ن هُوَ إِل َّ ذِكٌْر‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وما تسأَلُهم ع َلَيه م َ‬
‫جرٍ إ ِ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ ِ ِ ْ‬ ‫َ َ َ ْ ُ ْ‬
‫ن}[‪.]83‬‬ ‫مي َ‬ ‫لِلْعَال َ ِ‬

‫ن ع َلَى ع َبْدِهِ لِيَكُو َ‬


‫ن‬ ‫ل الْفُْرقَا َ‬ ‫ك الَّذِي نََّز َ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬تَبَاَر َ‬
‫ن نَذِيراً}[‪.]84‬‬ ‫مي َ‬ ‫لِلْعَال َ ِ‬
‫َ‬
‫ن}[‪.]85‬‬ ‫مي َ‬ ‫ما هُوَ إِل ّ ذِكٌْر لِلْعَال َ ِ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن}[‪.]86‬‬ ‫مي َ‬ ‫ن‪ ،‬إن هُوَ إِل ّ ذِكٌْر لِل َعال ِ‬ ‫ن تَذْهَبُو َ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬فَأي ْ َ‬
‫والمراد بالعالمين هنا هم النس والجن إذ هم المكلفون‪.‬‬
‫قال ابن عباس رضي الله عنهما‪" :‬العالمون الجن والنس‪ ،‬دليله‬
‫ن نَذِيراً} ولم يكن نذيرا للبهائم"[‪.]87‬‬ ‫مي َ‬ ‫ن لِلْعَال َ ِ‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬لِيَكُو َ‬
‫ج‪ -‬اليات التي ورد فيها لفظتا "كافة" و"جميعا" وهي‪:‬‬
‫ْ َ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫شيرا ً وَنَذِيرا ً وَلَك ِ َّ‬ ‫س بَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ة لِلنَّا‬ ‫ك إ ِ ّل كَافَّ ً‬ ‫سلنَا‬ ‫ما أْر َ‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س إِنِّي‬ ‫ل يَا أي ّهَا الن ّا ُ‬ ‫ن}[‪ .]88‬وقوله تعالى‪{ :‬قُ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫س ل يَعْل ُ‬ ‫أكْثََر الن ّا َ ِ‬
‫ميعاً}[‪ .]89‬وهناك ثلث عبارات هي‪" :‬الناس"‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل الل ّهِ إِلَيْك ُ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫َر ُ‬
‫و"كافة" و"جميعا" دلت جميعها على العموم‪.‬‬
‫د‪ -‬الية التي ورد فيها لفظ "ومن بلغ"‪:‬‬
‫َ‬ ‫يءٍ أَكْبَُر َ‬ ‫ل أَيُّ َ‬
‫شهِيد ٌ بَيْنِي وَبَيْنَك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫شهَادَة ً قُ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬قُ ْ‬
‫ن بَلَغَ}[‪ ،]90‬فالشاهد من‬ ‫م ْ‬ ‫م بِهِ وَ َ‬ ‫ن لنْذَِرك ُ ْ‬ ‫ي هَذ َا الْقُْرآ ُ‬ ‫ي إِل َ َّ‬ ‫ح َ‬ ‫وَأُو ِ‬
‫ن بَلَغَ} فلفظ (من) في‬ ‫م ْ‬ ‫م بِهِ وَ َ‬ ‫الية هو قوله تعالى‪{ :‬لنْذَِرك ُ ْ‬
‫ن بَلَغَ} من صيغ العموم‪ ،‬فالية نص في عموم رسالة‬ ‫م ْ‬ ‫{و َ‬ ‫قوله َ‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ .‬ومعنى الية أن الله يأمر رسوله‬
‫صلى الله عليه وسلم أن يقول لقومه إن الله أوحى إلي هذا‬
‫القرآن لنذركم به يا أهل مكة‪ ،‬أو يا معشر العرب ومن بلغه هذا‬
‫القرآن سواء كان عربيا أو عجميا وسواء كان موجودا الن‪ ،‬أم‬
‫سيأتي بعد إلى أن تقوم الساعة‪ ،‬وهذا هو الذى ذكره أهل‬
‫التفسير عند هذه الية[‪.]91‬‬
‫هـ‪ -‬اليات التي ورد فيها خطاب الجن ومنها‪:‬‬
‫ن فَقَالُوا إِنَّا‬ ‫حي إل َ َ َ‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬قُ ْ ُ‬
‫ج ِّ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫معَ نَفٌَر ِ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ها ْ‬ ‫ي أن َّ ُ‬ ‫ل أو ِ َ ِ ّ‬
‫جباً}[‪ ]92‬إلى آخر اليات التي نزلت في شأن دعوة‬ ‫معْنَا قُْرآنا ً ع َ َ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫الجن إلى اليمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وسميت‬
‫هذه السورة بسورة الجن‪.‬‬
‫ن‬‫ن الْقُْرآ َ‬ ‫معُو َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ج ِّ‬ ‫ن َ ال ْ ِ‬
‫م َ‬ ‫ك نَفَرا ً ِ‬ ‫صَرفْنَا إِلَي ْ َ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَإِذ ْ َ‬
‫َ‬
‫ن‪،‬‬ ‫منْذِرِي َ‬ ‫م ُ‬ ‫مهِ ْ‬ ‫و ِ‬ ‫ي وَل ّوْا إِلَى قَ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ما قُ ِ‬ ‫صتُوا فَل َ َّ‬ ‫ضُروه ُ قَالُوا أن ْ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ما َ‬ ‫فَل َ َّ‬
‫ن‬ ‫ما بَي ْ َ‬ ‫صدِّقا ً ل ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫سى ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ن بَعْد ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫معْنَا كِتَابا ً أُنْزِ َ‬ ‫س ِ‬ ‫منَا إِنَّا َ‬ ‫قَالُوا يَا قَوْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ح ّ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫ع َ‬ ‫جيبُوا دَا ِ‬ ‫منَا أ ِ‬ ‫قيمٍ‪ ،‬يَا قَوْ َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫ق وَإِلى طرِي ٍ‬ ‫يَد َ َيْهِ يَهْدِي إِلى ال َ ِ‬
‫َ‬
‫ب ألِيمٍ}[‪]93‬‬ ‫ن عَذ َا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جْرك ُ ْ‬ ‫م َوي ُ ِ‬ ‫ن ذ ُنُوبِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫منُوا بِهِ يَغْفِْر لَك ُ ْ‬ ‫الل ّهِ وَآ ِ‬
‫واليات نزلت في جن نصيبين[‪ ]94‬عندما سمعوا القرآن‪ ،‬فآمن به‬
‫من آمن منهم ثم ولوا إلى قومهم منذرين‪ ،‬ثم أتوا إلى النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم فبايعوه على السلم بشعب معروف بمكة‪،‬‬
‫والحاديث بذلك كثيرة مشهورة في الصحيح والسنن والمسند‬
‫وكتب التفسير والفقه وغيرها[‪.]95‬‬
‫وكذلك فإن سورة الرحمن هي خطاب للثقلين النس والجن معا‪.‬‬
‫و‪ -‬اليات التي وردت في دعوة أهل الكتاب‪:‬‬
‫من ات َّ‬ ‫َّ‬ ‫ك فَقُ ْ َ‬
‫ن وَقُ ْ‬
‫ل‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ي لِل‬‫جهِ َ‬ ‫ت وَ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫سل َ ْ‬ ‫لأ ْ‬ ‫جو َ‬ ‫حا ُّ‬ ‫ن َ‬ ‫ومنها‪{ :‬فَإ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫لِلَّذي ُ‬
‫ن‬‫موا فَقَد ِ اهْتَدَوْا وَإ ِ ْ‬ ‫سل َ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م فَإ ِ ْ‬ ‫مت ُ ْ‬ ‫سل َ ْ‬ ‫ن أأ ْ‬ ‫ميِّي َ َ‬‫ب وَاْل ُ ِّ‬ ‫ن أوتُوا الْكِتَا َ‬ ‫َِ َ‬
‫صيٌر بِالْعِبَادِ}[‪.]96‬‬ ‫ه بَ ِ‬ ‫ك الْبَلغ ُ وَالل ّ ُ‬ ‫ما ع َلَي ْ َ‬ ‫تَوَل ّوْا فَإِن َّ َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫م ع َلَى فَتَْرةٍ ِ‬ ‫ن لَك ُ ْ‬ ‫سولُنَا يُبَي ِّ ُ‬ ‫م َر ُ‬ ‫جاءَك ُ ْ‬ ‫ب قَد ْ َ‬ ‫ل الْكِتَا ِ‬ ‫{يَا أَهْ َ‬
‫الُرس َ‬
‫شيٌر‬ ‫م بَ ِ‬ ‫جاءَك ُ ْ‬ ‫شيرٍ وَل نَذِيرٍ فَقَد ْ َ‬ ‫ن بَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫جاءَنَا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ن تَقُولُوا َ‬ ‫لأ ْ‬
‫َ‬ ‫ّ ُ ِ‬
‫يءٍ قَدِيٌر}[‪.]97‬‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ُ‬
‫ه ع َلى ك ِّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫وَنَذِيٌر وَالل ُ‬
‫وبالجملة فإن في القرآن من دعوة أهل الكتاب من اليهود‬
‫والنصارى ومن دعوة المشركين وعباد الوثان وجميع النس‬
‫والجن ما ل يحصى إل بكلفة وهذا كله معلوم بالضطرار من دين‬
‫السلم[‪.]98‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الدلة من السنة على عموم رسالته‬


‫الدلة على عموم رسالته صلى الله عليه وسلم وعالميتها كثيرة‬
‫جدا في السنة النبوية سواء من الناحية القولية أو الناحية العملية‬
‫وسنعرض هنا لكلتا الناحيتين بإذن الله‪.‬‬
‫أ‪ -‬السنة القولية‪:‬‬
‫أ‪ -‬عن أبي الدرداء[‪ ]99‬رضي الله عنه قال‪" :‬كانت بين أبي بكر[‬
‫‪ ]100‬وعمر محاورة‪ ،‬فأغضب أبو بكر عمر‪ ،‬فانصرف عنه عمر‬
‫مغضبا‪ ،‬فأتبعه أبو بكر يسأله أن يستغفر له‪ ،‬فلم يفعل‪ ،‬حتى‬
‫أغلق بابه في وجهه فأقبل أبو بكر إلى رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فقال أبو الدرداء ونحن عنده‪ :‬فقال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪" :‬أما صاحبكم هذا فقد غامر"[‪.]101‬‬
‫قال‪ :‬وندم عمر على ما كان منه‪ ،‬فأقبل حتى سلم وجلس إلى‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وقص على رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم الخبر‪ ،‬قال أبو الدرداء‪ :‬وغضب رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وجعل أبو بكر يقول‪ :‬والله يا رسول الله‪ ،‬لنا كنت‬
‫أظلم‪ .‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬هل أنتم تاركوا‬
‫لي صاحبي‪ ،‬هل أنتم تاركوا لي صاحبي؟‪ ،‬إني قلت يا أيها الناس‬
‫إني رسول الله إليكم جميعا‪ ،‬فقلتم كذبت‪ ،‬وقال أبو بكر‬
‫صدقت"[‪.]102‬‬
‫‪ -2‬وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪" :‬أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي‪ ،‬نصرت‬
‫بالرعب مسيرة شهر‪ ،‬وجعلت لي الرض مسجدا وطهورا فأيما‬
‫رجل من أمتي أدركته الصلة فليصل وأحلت لي الغنائم ولم تحل‬
‫لحد قبلي‪ ،‬وأعطيت الشفاعة‪ ،‬وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة‬
‫وبعثت إلى الناس عامة"[‪.]103‬‬
‫‪ -3‬وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪" :‬فضلت على النبياء بست‪ :‬أعطيت جوامع الكلم‪،‬‬
‫ونصرت بالرعب‪ ،‬وأحلت لي الغنائم‪ ،‬وجعلت لي الرض طهورا‬
‫ومسجدا‪ ،‬وأرسلت إلى الخلق كافة‪ ،‬وختم بي النبيون"[‪]104‬‬
‫‪ -4‬وعن أبي ذر[‪ ]105‬رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪" :‬أوتيت خسما لم يؤتهن نبي قبلي‪ ،‬نصرت‬
‫بالرعب فيرعب مني العدو عن مسيرة شهر‪ ،‬وجعلت لي الرض‬
‫مسجدا وطهورا‪ ،‬وأحلت لي الغنائم ولم تحل لحد كان قبلي‪،‬‬
‫وبعثت إلى الحمر والسود"[‪.]106‬‬
‫‪ -5‬وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪" :‬والذي نفسي بيده ل يسمع بي رجل من هذه‬
‫المة يهودي ول نصراني ثم ل يؤمن بي إل دخل النار"[‪.]107‬‬
‫وذكر اليهود والنصارى تنبيها على من سواهما‪ ،‬وذلك لن اليهود‬
‫والنصارى لهم كتاب‪ ،‬فإذا كان هذا شأنهم مع أن لهم كتابا‬
‫فغيرهم ممن ل كتاب له أولى[‪.]108‬‬
‫‪ -6‬وعن أبي موسى الشعري رضي الله عنه عن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم أنه قال‪:‬‬
‫"من سمع بي من أمتي أو يهودي أو نصراني ثم لم يؤمن بي‬
‫دخل النار"[‪.]109‬‬
‫ب‪ -‬السنة العملية‪:‬‬
‫إن المتأمل في سيرته ودعوته صلى الله عليه وسلم يعلم حرصه‬
‫صلى الله عليه وسلم على نشر الرسالة وإبلغها لجميع‬
‫المكلفين‪ ،‬فقد دعا صلى الله عليه وسلم النس على اختلف‬
‫أجناسهم وألوانهم ولغاتهم‪ ،‬سواء كانوا أهل كتاب أم ليسوا بأهل‬
‫كتاب‪ ،‬كما دعا الجن كذلك فآمن له من آمن منهم وبايعوه على‬
‫السلم‪.‬‬
‫ولقد صدع النبي صلى الله عليه وسلم بعالمية الرسالة وعمومها‬
‫في أوائل دعوته عندما انتقل من المرحلة السرية في الدعوة‬
‫إلى المرحلة الجهرية حيث قال صلى الله عليه وسلم بعد أن‬
‫حمد الله‪" :‬إن الرائد ل يكذب أهله‪ ،‬والله الذي ل إله إل هو إني‬
‫رسول الله إليكم خاصة وإلى الناس عامة‪ ،‬والله لتموتن كما‬
‫تنامون‪ ،‬ولتبعثن كما تستيقظون‪ ،‬ولتحاسبن بما تعملون‪ ،‬وإنها‬
‫للجنة أبدا أو النار أبدا"[‪.]110‬‬
‫وإن المتأمل لليات القرآنية التي نصت على عموم رسالته‬
‫وعالميتها يجد أن جلها كان مكي النزول‪ ،‬وهذا يؤكد أن عالمية‬
‫الرسالة مقررة منذ بداية الوحى‪ .‬ومن المعلوم أن طريقة‬
‫الدعوة كانت تتبع أسلوب التدرج في التبليغ وهذا التدرج لم يكن‬
‫ينافي شمول الدعوة لكل المكلفين‪ ،‬لن المرحلية كانت ضرورية‬
‫لدعوته صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ولقد دلت السيرة النبوية أن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم اتبع أسلوب التدرج في إبلغ الرسالة‪،‬‬
‫فأول ما بدأ به هو الدعوة السرية لهذا الدين فآمن له من آمن‪.‬‬
‫ثم انتقل إلى الدعوة الجهرية ونهج فيها كذلك أسلوب التدرج‬
‫شيَرت َ َ‬
‫ك‬ ‫َ‬
‫فبدأ بأهل مكة عندما نزل عليه قوله تعالى‪{ :‬وَأنْذِْر ع َ ِ‬
‫َ‬
‫ن}[‪ ]111‬فدعاهم صلى الله عليه وسلم إلى السلم‪.‬‬ ‫القَْربِي َ‬
‫ثم بعد ذلك أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس‬
‫في مجامعهم وأسواقهم ويبلغهم دعوة الله‪.‬‬
‫ثم ذهب إلى الطائف ودعا أهلها إلى السلم ولكنهم لم يجيبوه‬
‫لذلك‪ ،‬ثم عاد إلى مكة وأخذ يعرض دعوته على القبائل في‬
‫الموسم إلى أن التقى بالخزرج وهم من أهل المدينة وعرض‬
‫عليهم السلم فأسلموا وأسلم النجاشي من قبلهم وكان على‬
‫النصرانية‪.‬‬
‫ومن هنا كانت بداية المرحلة الجديدة في الدعوة فبعد تمكن‬
‫السلم بالمدينة‪ ،‬هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إليها فاتسع‬
‫بذلك نطاق الدعوة حتى شمل أهل الكتاب من اليهود الذين كانوا‬
‫بالمدينة حواليها حينئذ‪ ،‬كما تنوعت كذلك أساليب الدعوة إلى هذا‬
‫الدين فشرع الجهاد في سبيل الله واتسعت رقعة الدعوة‬
‫فشملت قبائل العرب ومن كان في جزيرة العرب من أهل‬
‫الكتاب كيهود المدينة وخيبر ونصارى نجران واليمن وغيرهم‪،‬‬
‫واستمر التدرج إلى أن كان عام الحديبية ومهادنة قريش فأرسل‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت إلى جميع الطوائف‬
‫يدعوهم إلى السلم‪.‬‬
‫فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم كتب إلى كسرى وإلى قيصر وإلى النجاشي وإلى كل جبار‬
‫يدعوهم إلى الله تعالى[‪.]112‬‬
‫ثم جاءت بعد هذه المرحلة مرحلة أخرى حيث بدأ النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم بغزو النصارى فأرسل جيشا بقيادة زيد بن حارثة‬
‫فقاتلوا النصارى بمؤتة من أرض الكرك[‪ ]113‬ثم غزاهم بنفسه‬
‫وأمر جميع المسلمين أن يخرجوا معه ولم يأذن بالتخلف لحد‪،‬‬
‫وغزا في عشرة آلف في غزوة تبوك وأقام بها عشرين ليلة‬
‫ليغزو النصارى عربهم وعجمهم‪ ،‬وأقام ينتظرهم ليقاتلهم‬
‫فسمعوا به وأحجموا عن قتاله ولم يقدموا عليه‪.‬‬
‫ثم بعد ذلك جهز جيشا بقيادة أسامة بن زيد[‪ ]114‬ولكنه صلى الله‬
‫عليه وسلم لحق بالرفيق العلى قبل أن يخرج الجيش‪ ،‬فأوصى‬
‫وهو في سكرات الموت بإرسال هذا الجيش فقال‪" :‬أنفذوا بعث‬
‫أسامة"‪.‬‬
‫ولقد سار أصحابه رضوان الله عليهم من بعده على نهجه‬
‫واستنوا بسنته حتى فتح الله عليهم بلد فارس والروم وغيرها‬
‫فانتشر السلم ودخل الناس في دين الله أفواجا‪.‬‬
‫والشاهد من هذا كله أن سيرته صلى الله عليه وسلم هي مثال‬
‫تطبيقي عملي على شمول دعوته وعالمية رسالته التي من أجلها‬
‫كرس النبي صلى الله عليه وسلم حياته لكي ينشرها ويبلغها‬
‫للناس كافة‪ ،‬لتقوم بذلك الحجة على الناس أجمعين‪.‬‬
‫وما ذكرته ههنا ليس إل إشارات سريعة فمن أراد الستزادة‬
‫فعليه بكتب الحديث والسيرة ففيها الغنية بإذن الله‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬دليل الجماع على عموم رسالته‪.‬‬


‫إن الجماع منعقد من أئمة المسلمين وعامتهم على أن محمدا‬
‫صلى الله عليه وسلم أرسل إلى جميع المم ‪ -‬أهل الكتاب وغير‬
‫أهل الكتاب[‪ - ]115‬فإن الذي يدين به المسلمون هو أن محمدا‬
‫صلى الله عليه وسلم بعث رسول إلى الثقلين النس والجن‪ ،‬أهل‬
‫الكتاب وغيرهم‪ ،‬وأن من لم يؤمن به فهو كافر مستحق لعذاب‬
‫الله‪ ،‬مستحق للجهاد‪ ،‬وهو مما أجمع أهل اليمان بالله ورسوله‬
‫عليه‪ ،‬لن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي جاء بذلك‬
‫وذكره الله في كتابه‪ ،‬وبينه النبي أيضا في سنته‪.‬‬
‫وهذا الجماع تواترت في نقله كتب أهل العلم وهو منقول عندهم‬
‫نقل متواترا يعلمونه بالضرورة‪ .‬وكتب التوحيد السنة مليئة بهذا‪.‬‬
‫وبما تقدم إيراده من الدلة والنصوص يعلم ثبوت عموم رسالته‬
‫وشمولها كما يعلم كذلك انتفاء كل دعوى تخالف هذا المر أو‬
‫تطعن فيه كدعوى أنه رسول للعرب خاصة‪ ،‬أو دعوى أن رسالته‬
‫ليست ناسخة لما قبلها من الرسالت وأنه يسع الناس التدين بما‬
‫جاء في قبله من الرسالت‪.‬‬
‫فنصوص القرآن والسنة والجماع ترد هذه الدعاوى وتفندها‬
‫وتبطلها‪ .‬وبالنسبة إلى ما تعلق به أصحاب هذه القوال من شبه‬
‫ظنوها أدلة لهم‪ ،‬فإنما مردها إلى سوء فهمهم وجهلهم بمعاني‬
‫النصوص التي أوردوها وكما قيل‪:‬‬
‫وآفته من الفهم السقيم[‪]116‬‬ ‫وكم من عائب قول صحيحا‬
‫ول يتسع المجال هنا ليراد تلك الشبه وتفنيدها[‪ ]117‬كما أن‬
‫معرفة الحق تغني وكما قيل‪ :‬بضدها تتميز الشياء‪.‬‬
‫وإن الواجب على كل مسلم اعتقاد عموم رسالته وشموليتها‬
‫وعالميتها لجميع المكلفين وإنه ل يسع أحدا الخروج عنها أو أن‬
‫يدين لله بغيرها‪.‬‬
‫كما أنه ل يسع المسلم أن يجهل مثل هذا المر لنه من المور‬
‫المعلومة من الدين بالضرورة‪ ،‬ومن الواجب عليه كذلك أن يرد‬
‫على كل من يطعن في هذا المر أو يشكك فيه سواء ممن‬
‫ينتسبون إلى السلم أو من غيرهم‪ ،‬وبالخصوص أننا أصبحنا في‬
‫زمان ظهرت فيه الدعوة إلى وحدة الديان وتقاربها بدعوى أنها‬
‫جميعا تدعو إلى عبادة إله واحد وأن مصدرها واحد إلى غير ذلك‬
‫من المور التي يروج لها أصحاب هذه الدعوة والتي ل تنطلي إل‬
‫على ساذج ل يعي المور الضرورية من دينه‪.‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬وجوب اليمان بأنه صلى الله عليه وسلم خاتم‬
‫النبيين‪.‬‬
‫تمهيد‬
‫من الخصائص التي خص الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم‬
‫ورسالته جعله خاتم النبيين وجعل رسالته خاتمة الرسالت‪،‬‬
‫فانفرد صلى الله عليه وسلم بهذا المر وبغيره عن إخوانه من‬
‫النبياء صلوات الله وسلمه عليهم أجمعين‪ .‬فأصبح ختم النبوة‬
‫من خصائصة صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ولذا فإن من حقه صلى الله عليه وسلم على كل من يؤمن له‪،‬‬
‫أن يعتقد بهذا المر‪ ،‬يؤمن به " لثبوته بنصوص القرآن والسنة‬
‫وإجماع المة‪ ،‬بل هو من المور المعلومة من الدين بالضرورة‬
‫التي ل يعذر المسلم بجهلهـا ولمزيد من البيان لهذه الخاصية‬
‫والحق الواجب له صلى الله عليه وسلم‪ ،‬سوف أتحدث في هذا‬
‫المبحث عن الجوانب التالية‪:‬‬

‫المطلب الول‪ :‬معنى ختم النبوة‪:‬‬


‫أ‪ -‬معنى الختم في اللغة‪:‬‬
‫الختم في اللغة ورد لعدة معان هي‪:‬‬
‫‪ -1‬الطبع‪:‬‬
‫قال صاحب المحكم‪" :‬ختمه‪ ،‬يختمه‪ ،‬ختما‪ :‬طبعه"[‪]118‬‬
‫وقد ذكر هذا صاحب اللسان[‪ ]119‬والقاموس المحيط[‪.]120‬‬
‫وفى تاج العروس‪" :‬معنى ختم وطبع واحد في اللغة"[‪.]121‬‬
‫‪ -2‬تغطية الشيء والستيثاق منه بحيث ل يدخله شيء ول يخرج‬
‫منه شيء‪:‬‬
‫قال صاحب المحكم‪" :‬والختم على القلب أل يفهم شيئا ول يخرج‬
‫منه شيء كأنه طبع‪ .‬ومعنى ختم وطبع في اللغة واحد‪ ،‬وهو‬
‫التغطية على الشيء والستيثاق من أن ل يدخله شيء كما قال‬
‫ب أَقْفَال ُ َها}[‪ ،]123["]122‬وذكر هذا صاحب‬ ‫م ع َلَى قُلُو ٍ‬
‫َ‬
‫عز وجل‪{ :‬أ ْ‬
‫اللسان[‪ ]124‬وصاحب تاج العروس[‪.]125‬‬
‫‪ -3‬آخر الشيء ونهايته‪:‬‬
‫قال صاحب المحكم‪" :‬وختم الشيء يختمه‪ :‬ختما بلغ آخره‪،‬‬
‫وخاتم كل شيء‪ :‬عاقبته وآخرته‪ ،‬وختام كل مشروب آخره‪،‬‬
‫ك}[‪ ]126‬أي آخره‪ ،‬وختام القوم‬ ‫س ٌ‬
‫م ْ‬‫ه ِ‬‫م ُ‬
‫ختَا ُ‬
‫وفرض التنزيل { ِ‬
‫َ َّ‬
‫م‬
‫خات َ َ‬
‫سول اللهِ وَ َ‬
‫ن َر ُ‬‫وخاتمهم آخرهم‪ ...‬وفي التنزيل {وَلَك ِ ْ‬
‫ن}[‪ ]127‬أي آخرهم"[‪.]128‬‬ ‫النَّبِيِّي َ‬
‫وقال صاحب المفردات في معرض كلمه عن الصور التي يرد بها‬
‫لفظ الختم‪" :‬وتارة يعتبر منه بلوغ الخر ومنه قيل‪ :‬ختمت القرآن‬
‫أي انتهيت إلى آخره ‪ ...‬إلى أن قال‪" :‬وخاتم النبيين لنه ختم‬
‫النبوة‪ ،‬أي تممها بمجيئه صلى الله عليه وسلم"[‪ .]129‬وقال‬
‫صاحب القاموس‪" :‬والخاتم من كل‪ ،‬شيء‪ :‬عاقبته وآخرته‪ ،‬وآخر‬
‫القوم كالخاتم"[‪.]130‬‬
‫"هذه هي المعاني اللغوية لفعل "الختم" واسم فاعله "خاتم" كما‬
‫أوردها أعلم اللغة في مصنفاتهم عن العرب‪ ،‬وهي مع تعددها‬
‫وتعدد ألفاظها المعبرة عنها والتي هي‪ :‬الطبع على الشيء‬
‫وإنهاؤه وتغطيته وآخر القوم وعاقبة المر‪ ،‬هي مع ذلك كله‬
‫تتمشى مع دللة قوله تعالى‪{ :‬ما كَان مح َ َ َ‬
‫جالِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن رِ َ‬
‫م ْ‬
‫حد ٍ ِ‬
‫مد ٌ أبَا أ َ‬
‫َ ُ َ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ن} على أن النبوة قد طبع عليها فل‬ ‫م النَّبِي ِّي َ‬ ‫ل الل ّهِ وَ َ‬
‫خات َ َ‬ ‫سو‬ ‫وَلَك ِ ْ‬
‫ن َر ُ‬
‫تفتح‪ ،‬وأنها قد انتهت وسدت بمحمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وأنه‬
‫آخر النبياء وشرعه آخر الشرائع وعاقبتها"[‪.]131‬‬

‫ب‪ -‬معنى ختم النبوة‪:‬‬


‫تقدم معرفة معنى الختم في اللغة‪ ،‬وتقدم أيضا معرفة معنى‬
‫النبوة في المبحث الثاني من هذا الفصل‪.‬‬
‫"فإذا ما ركبا في جملة واحدة هي "ختم النبوة" فإنه يكون معناها‬
‫"انتهاء إنباء الله للناس وانقطاع وحي السماء"[‪.]132‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الدلة من القرآن الكريم على ختم النبوة‪.‬‬


‫أ‪ -‬آية الختم‪:‬‬
‫َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سول الل ِ‬
‫ه‬ ‫م وَلَك ِ ْ‬
‫ن َر ُ‬ ‫جالِك ُ ْ‬
‫ن رِ َ‬
‫م ْ‬
‫حد ٍ ِ‬ ‫ح َّ‬
‫مد ٌ أبَا أ َ‬ ‫م َ‬ ‫ما كَا َ‬
‫ن ُ‬ ‫قال تعالى‪َ { :‬‬
‫ن}‪.‬‬‫م النَّبِي ِّي َ‬
‫خات َ َ‬
‫وَ َ‬
‫والية نص صريح واضح على ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه‬
‫وسلم وكونه خاتم النبياء وآخرهم مبعثا فل نبي بعده ول رسول‪.‬‬
‫وقد سبق الربط بين دللة الية والمعنى اللغوي لكلمة "ختم"‪.‬‬
‫وتتميما للفائدة سأعرض بعض ما ذكره علماء التفسير عند‬
‫تفسير هذه الية‪.‬‬
‫قال ابن جرير الطبري رحمه الله‪" :‬يقول تعالى ذكره ما كان أيها‬
‫الناس محمد أبا زيد بن حارثة[‪ ]133‬ول أبا أحد من رجالكم‪ ،‬الذين‬
‫لم يلده محمد‪ ،‬فيحرم عليه نكاح زوجته بعد فراقه إياها‪ ،‬ولكنه‬
‫رسول الله وخاتم النبيين الذي ختم النبوة فطبع عليها فل تفتح‬
‫لحد من بعده إلى قيام الساعة‪ ،‬وكان الله بكل شيء من‬
‫أعمالكم ومقالكم وغير ذلك ذا علم ل يخفى عليه شيء"[‪.]134‬‬
‫وقال ابن كثير رحمه الله‪" :‬فهذه الية نص في أنه ل نبي بعده‪،‬‬
‫وإذا كان ل نبي بعده فل رسول بالطريق الولى والحرى لن‬
‫مقام الرسالة أخص من مقام النبوة فكل رسول نبي ول ينعكس‪،‬‬
‫بذلك وردت الحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم من حديث جماعة من الصحابة رضي الله عنهم‪ ...‬إلى أن‬
‫قال‪ :‬فمن رحمة الله بالعباد إرسال محمد صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫ثم من تشريفه لهم ختم النبياء والمرسلين به‪ ،‬وإكمال الدين‬
‫الحنيف له‪.‬‬
‫وقد أخبر الله تبارك وتعالى في كتابه ورسوله صلى الله عليه‬
‫وسلم في السنة المتواترة عنه أنه ل نبي بعده‪ ،‬ليعلموا أن كل‬
‫من ادعى هذا المقام بعده فهو كذاب أفاك دجال ضال مضل"[‬
‫‪]135‬‬
‫وأقوال المفسرين عموما متفقة على أن المراد من الية هو ختم‬
‫النبوة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو آخر النبياء‬
‫مبعثا‪ ،‬ولم ينقل عن أحد من أهل التفسير خلف ذلك‪.‬‬
‫وقد تعرض أهل التفسير للقراءات الواردة في قوله "خاتم" من‬
‫هذه الية فذكروا أن فيها قراءتين‪:‬‬
‫الولى‪ :‬قراءة الكسر "خاتِم"‪:‬‬
‫وهي الشهر عند أهل اللغة والتفسير الذين أجمعوا أن قراءة‬
‫الكسر هي قراءة الجمهور وعامة قراء المصار[‪ ]136‬وعلى هذه‬
‫القراءة "وخاتم النبيين" يكون المعنى أنه‪" :‬ختم النبيين" لنه ختم‬
‫به النبيون فهو خاتمهم‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬قراءة الفتح "خاتَم"‬
‫وهي القل استعمال يين القراء ولهذا فإن المفسرين ل يعزونها‬
‫إل إلى أفراد القراء كعاصم[‪ ]137‬وابن عامر[‪ ]138‬وغيرهما‪.‬‬
‫فعلى هذه القراءة "وخاتم النبيين" يكون المعنى أي آخر النبيين‬
‫مبعثا فبه انتهت النبوة‪.‬‬
‫وبالرغم من ورود القرائتين في الية إل أن المفسرين ل يرون‬
‫أن في ذلك تأثيرا على المعنى وهو انقطاع النبوة بعد نبينا محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ب‪ -‬اليات الدالة ضمنًا على ختم النبوة‪:‬‬
‫في القرآن الكريم آيات كثيرة دلت ضمنا على ختم النبوة‬
‫والرسالة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ومن هذه اليات آيات عموم الرسالة وعالميتها والتي تقدم ذكرها‬
‫في المبحث الثالث‪ ،‬حيث إن عموم الرسالة من الناحيتين‬
‫الزمانية والمكانية يدل على كونها خاتمة الرسالت‪ ،‬لن البشرية‬
‫على هذا الحال ل تحتاج إلى دين جديد مادام هذا الدين قد‬
‫خاطبهم جميعا على اختلف أجناسهم وأماكنهم وأزمانهم‪ .‬ومن‬
‫الدلة كذلك الخبار بإكمال هذا الدين وإتمامه‪:‬‬
‫َ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬الْيو َ‬
‫متِي‬ ‫ت ع َلَيْك ُ ْ‬
‫م نِعْ َ‬ ‫م ُ‬‫م ْ‬
‫م وَأت ْ َ‬ ‫ت لَك ُ ْ‬
‫م دِينَك ُ ْ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫م أك ْ َ‬‫َ ْ َ‬
‫م دِيناً}[‪ ]139‬فالية تؤكد أن المة لم تعد تحتاج‬ ‫سل َ‬ ‫ت لَك ُ ُ‬
‫م ال ِ ْ‬ ‫ضي ُ‬
‫وََر ِ‬
‫إلى نبي يكمل لها دينها أو يتم عليها نعمة ربها‪ ،‬لن الله سبحانه‬
‫وتعالى قد أكمله على يد رسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ثم رضيه‬
‫له ربها‪ ،‬لن الله سبحانه وتعالى قد أكمله على يد رسوله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬ثم رضيه له ولمته دينا يعبدون الله به إلى يوم‬
‫القيامة[‪.]140‬‬
‫قال ابن كثير عند تفسير هذه الية‪" :‬هذه أكبر نعم الله تعالى‬
‫على هذه المة حيث أكمل تعالى لهم دينهم فل يحتاجون إلى دين‬
‫غيره ول إلى نبي غير نبيهم صلوات الله وسلمه عليه‪ ،‬ولهذا‬
‫جعله الله تعالى خاتم النبياء وبعثه إلى النس والجن‪.]141["...‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬الدلة من السنة على ختم النبوة‪:‬‬


‫إلى جانب ما ورد ني القرآن من أدلة على كون النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم خاتم النبيين ورسالته هي خاتمة الرسالت‪ ،‬فقد ورد‬
‫في السنة كذلك أحاديث كثيرة أكدت هذا المر وبينته ونبهت‬
‫عليه‪.‬‬
‫وقد وردت هذه الحاديث بعبارات متعددة متنوعة لكنها جميعا‬
‫أكدت على مدلول واحد‪ ،‬هو انقطاع الوحي بعد النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم وختم النبوة به‪ .‬وقد بلغ بعض هذه الحاديث حد‬
‫التواتر‪ ،‬كما أنها في جملتها متواترة تواترا قطعيا‪ .‬ونظرا لتنوع‬
‫ألفاظ تلك الحاديث واختلف صورها في الدللة على هذا المعنى‬
‫وتأكيده‪ ،‬فإن من المناسب أن أعرضها لك على النحو التالي‪:‬‬
‫أ‪ -‬الحاديث التي ورد فيها التصريح بأنه صلى الله عليه وسلم‬
‫خاتم النبيين‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫ُ‬
‫أ‪ -‬عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪" :‬أتي رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم بلحم‪ ،‬فرفع إليه الذراع ‪ -‬وكانت تعجبه ‪ -‬فنهس[‪]142‬‬
‫منها نهسة ثم قال "أنا سيد الناس يوم القيامة‪ ،‬وهل تدرون مما‬
‫ذلك؟"‪ ،‬ثم ذكر صلى الله عليه وسلم يوم القيامة وما يحدث فيه‬
‫من استشفاع الناس بالنبياء للحساب حتى يصلوا إليه صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فذكر صلى الله عليه وسلم أنهم يقولون‪" :‬أنت‬
‫رسول الله‪ ،‬وخاتم النبياء‪ ،‬وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك‬
‫وما تأخر‪ ،‬تشفع لنا إلى ربك ‪ "...‬الحديث[‪.]143‬‬
‫‪ -2‬عن ثوبان[‪ ]144‬رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬إن الله زوى لي الرض فرأيت مشارقها ومغاربها‪،‬‬
‫وإن ملك أمتي سيبلغ ما ُزوي لي منها‪ ،‬وأعطيت الكنزين الحمر‬
‫والبيض[‪ ]145‬وإني سألت ربي لمتي أن ل يهلكها بسنة بعامة‪ ،‬ول‬
‫يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم[‪ ]146‬وإن‬
‫ربي قال لي يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه ل يرد‪ ،‬ول‬
‫أهلكهم بسنة بعامة‪ ،‬ول أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم‬
‫فيستبيح بيضتهم‪ ،‬ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها ‪ -‬أو قال‬
‫بأقطارها ‪ -‬حتى يكون بعضهم يهلك بعضا‪ ،‬وحتى يكون بعضهم‬
‫يسبي بعضا‪ ،‬وإنما أخاف على أمتي الئمة المضلين وإذا وضع‬
‫السيف في أمتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة‪ ،‬ول تقوم الساعة‬
‫حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين‪ ،‬وحتى تعبد قبائل من‬
‫أمتي الوثان وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلثون كلهم يزعم أنه‬
‫نبي‪ ،‬وأنا خاتم النبيين ل نبي بعدي‪ ،‬ول تزال طائفة من أمتي‬
‫على الحق"‪.‬‬
‫قال ابن عيسى‪" :‬ظاهرين" ثم اتفقا "ل يضرهم من خالفهم حتى‬
‫يأتي أمر الله"[‪.]147‬‬
‫والشاهد من هذا الحديث هو قوله‪" :‬وأنا خاتم النبيين أن ل نبي‬
‫بعدي" فهذا نص في كونه صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبياء‪.‬‬
‫‪ -3‬وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪" :‬أنا قائد المرسلين ول فخر‪ ،‬وأنا خاتم النبيين ول‬
‫فخر وأنا أول شافع وأول مشفع ول فخر"[‪.]148‬‬
‫ب‪ -‬الحاديث التي ورد فيها ضربه صلى الله عليه وسلم المثال‬
‫لختم النبوة ومنها‪:‬‬
‫أ‪ -‬عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال‪ :‬قال النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬مثلي ومثل النبياء كرجل بنى دارا فأكملها‬
‫وأحسنها‪ ،‬إل موضع لبنة‪ ،‬فجعل الناس يدخلونها ويتعجبون‬
‫ويقولون‪ :‬لول موضع اللبنة"‪ .‬متفق عليه[‪ ،]149‬وعند مسلم بزيادة‬
‫لفظ‪" :‬فأنا موضع اللبنة جئت فختمت النبياء"‪.‬‬
‫‪ -2‬وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪" :‬إن مثلي ومثل النبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا‬
‫فأحسنه وأجمله‪ ،‬إل موضع لبنة من زاوية فجعل الناس يطوفون‬
‫به ويعجبون له ويقولون‪ :‬هل وضعت هذه اللبنة؟‪ ،‬قال‪" :‬فأنا‬
‫اللبنة وأنا خاتم النبيين"[‪.]150‬‬
‫ج‪ -‬الحاديث التي ورد فيها تصريحه صلى الله عليه وسلم‬
‫بانقطاع النبوة وأنه ل نبي بعده ومنها‪:‬‬
‫أ‪ -‬عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪" :‬كان بنو إسرائيل تسوسهم النبياء‪ ،‬كلما هلك نبي خلفه‬
‫نبي‪ ،‬وإنه ل نبي بعدي‪ ،‬وسيكون خلفاء فيكثرون‪ "...‬الحديث[‪.]151‬‬
‫‪ -2‬عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‪" :‬كشف رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم الستار والناس صفوف خلف أبي بكر رضي الله‬
‫عنه‪ ،‬فقال‪ :‬أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إل الرؤيا‬
‫الصالحة يراها المسلم أو ترى له"[‪.]152‬‬
‫‪ -3‬وعن سعد بن أبي وقاص[‪ ]153‬رضي الله عنه أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم خرج إلى تبوك واستخلف عليا[‪ ]154‬فقال‪:‬‬
‫أتخلفني في الصبيان والنساء؟ قال‪" :‬أل ترضى أن تكون مني‬
‫بمنزلة هارون من موسى‪ ،‬إل أنه ليس نبي بعدي"[‪.]155‬‬
‫د‪ -‬الحاديث التي ورد فيها تحذيره صلى الله عليه وسلم من‬
‫المتنبئين بعده ومنها‪:‬‬
‫ا‪ -‬عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪" :‬ل تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما‬
‫مقتلة عظيمة‪ ،‬دعوتهما واحدة‪ ،‬وحتى يبعث دجالون كذابون‬
‫قريب من ثلثين كلهم يزعم أنه رسول الله‪.]156["...‬‬
‫‪ -2‬عن جابر بن سمرة[‪ ]157‬رضي الله عنه قال‪ :‬سمعنا رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يقول‪:‬‬
‫"إن بين يدي الساعة كذابين فاحذروهم"[‪.]158‬‬
‫د‪ -‬الحديث الذي ورد فيه التصريح بأنه آخر النبياء وأن مسجده‬
‫آخر المساجد وأن أمته آخر المم‪.‬‬
‫ا‪ -‬عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪" :‬صلة في مسجد رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم أفضل من ألف صلة فيما سواه من‬
‫المساجد إل المسجد الحرام‪ ،‬فإن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم آخر النبياء وإن مسجده آخر المساجد‪"...‬‬
‫قال عبد الله بن إبراهيم قارظ[‪ ]159‬أشهد أني سمعت أبا هريرة‬
‫يقول‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬فإني آخر النبياء‬
‫وإن مسجدي آخر المساجد"[‪.]160‬‬
‫و‪ -‬دللة بعض أسمائه صلى الله عليه وسلم على كونه خاتم‬
‫النبياء‪:‬‬
‫عن جبير بن مطعم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪" :‬أنا محمد‪ ،‬وأنا أحمد‪ ،‬وأنا الماحي الذي يمحى لي‬
‫الكفر‪ ،‬وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على عقبي‪ ،‬وأنا العاقب‬
‫الذي ليس بعده نبي"[‪.]161‬‬
‫والحاديث في مسألة ختم النبوة كثيرة ل يتسع المقام هنا‬
‫ليرادها جميعها‪ ،‬وقد جمع هذه الحاديث صاحب كتاب "عقيدة‬
‫ختم النبوة" فمن أراد الزيادة فليرجع إليه[‪.]162‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬ما ورد عن الصحابة رضوان الله عليهم في تأكيد‬


‫عقيدة ختم النبوة‪:‬‬
‫لقد كان موقف الصحابة رضوان الله عليهم تجاه هذا المر متمثل‬
‫في المور التالية‪:‬‬
‫أ‪ -‬روايتهم للحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في‬
‫هذا الشأن والتي بلغت حد التواتر على تنوع عبارات تلك‬
‫الحاديث واختلف المناسبات التي قيلت فيها‪ ،‬وهذا مما يدل‬
‫على اعتقادهم لهذا المر وحرصهم على إبلغه لهذه المة‪ ،‬ولم‬
‫ينقل عن أحد من الصحابة أنه خالف هذا المر‪ ،‬ولو كانت هناك‬
‫أدنى شبهة عن أحد منهم لنقلت لنا "وقد بلغ عدد الصحابة رضي‬
‫الله عنهم الذين رووا أحاديث الختم سبعة وثلثين صحابيا"[‪]163‬‬
‫ب‪ -‬إجماع الصحابة على قتال المتنبئين بعد وفاة رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فلقد سير أبو بكر رضي الله عنه الجيوش‬
‫‪ -‬والتي كان معظم جندها من الصحابة رضوان الله عليهم ‪-‬‬
‫وذلك لقتال مسيلمة الكذاب[‪ ]164‬وطليحة السدي [‪]165‬اللذين‬
‫ادعيا النبوة‪.‬‬
‫ج‪ -‬ما ورد من القوال المأثورة عنهم والتي تضمنت التأكيد على‬
‫ختم النبوة وانقطاع الوحي بعد وفاة الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬ومن تلك القوال‪ :‬ما ُروي عن عمر ابن الخطاب رضي‬
‫الله عنه أنه قال‪" :‬إن أناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وإن الوحي قد انقطع‪ ،‬وإنما‬
‫نأخذكم الن بما ظهر لنا من أعمالكم‪.]166["...‬‬
‫وما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما عند تفسير قوله تعالى‪:‬‬
‫َ َ‬ ‫{ما كَان مح َ َ َ‬
‫م‬ ‫ل الل ّهِ وَ َ‬
‫خات َ َ‬ ‫سو‬ ‫م وَلَك ِ ْ‬
‫ن َر ُ‬ ‫جالِك ُ ْ‬
‫ن رِ َ‬
‫م ْ‬
‫حد ٍ ِ‬
‫مد ٌ أبَا أ َ‬
‫َ ُ َ ّ‬ ‫َ‬
‫النَّبِيِّي َ‬
‫ن}‪.‬‬
‫قال في تفسيرها‪" :‬إن الله تعالى لما حكم أنه ل نبي بعده لم‬
‫يعطه ولدا ذكرا يصير رجل"[‪]167‬‬
‫وعن ابن أبي أوفى[‪ ]168‬رضي الله عنه لما سئل عن إبراهيم ولد‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫"مات صغيرا‪ ،‬ولو قضى أن يكون بعد محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم نبي عاش ابنه ولكن ل نبي بعده"[‪.]169‬‬
‫وعن أنس رضي الله عنه قال‪" :‬كان إبراهيم ‪ -‬يعني ابن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قد مل الرض‪ ،‬ولو بقي لكان نبيا ولكن‬
‫لم يبق إل نبيكم آخر النبياء"[‪.]170‬‬

‫المطلب الخامس‪ :‬إجماع المة‬


‫تلقت المة النصوص الواردة في الكتاب والسنة بشأن ختم‬
‫النبوة بالقبول التام فحصل بهذا إجماعها على كون النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم هو خاتم النبياء والمرسلين فل نبي ول رسول‬
‫بعده‪ ،‬ورسالته هي خاتمة الرسالت وآخرها‪.‬‬
‫وقد نقل هذا الجماع غير واحد من العلماء‪ ،‬أذكر على سبيل‬
‫المثال قول بعض منهم‪:‬‬
‫قال ابن عطية[‪ ]171‬في معرض كلمه على آية الختم‪" :‬وهذه‬
‫اللفاظ عند جماعة علماء المة خلفا وسلفا متلقاة على العموم‬
‫التام مقتضية نصا أنه ل نبي بعده صلى الله عليه وسلم"[‪.]172‬‬
‫وقال القاضي عياض[‪" :]173‬أخبر صلى الله عليه وسلم أنه خاتم‬
‫النبيين ل نبي بعده‪ ،‬وأخبر عن الله تعالى أنه خاتم النبيين‪ ،‬وأنه‬
‫أرسل كافة لله للناس وأجمعت المة على حمل هذا الكلم على‬
‫ظاهره‪ ،‬وأن مفهومه المراد منه دون تأويل ول تخصيص"[‪.]174‬‬
‫قال اللوسى[‪" :]175‬وكونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين‬
‫مما نطق به الكتاب‪ ،‬وصدعت به السنة‪ ،‬وأجمعت عليه المة‪،‬‬
‫فيكفر مدعي خلفه ويقتل إن أصر"[‪.]176‬‬
‫ولقد تكلم علماء المة على تقرير هذه المسألة وأقوالهم‬
‫محفوظة في ذلك‪ ،‬فإن شئت فارجع إلى كتب التفسير عند‬
‫تفسير قوله تعالى‪{ :‬ما كَان مح َ َ َ‬
‫م وَلَك ِ ْ‬
‫ن‬ ‫جالِك ُ ْ‬
‫ن رِ َ‬
‫م ْ‬
‫حد ٍ ِ‬‫مد ٌ أبَا أ َ‬
‫َ ُ َ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ن}‪ ،‬وارجع كذلك إلى كتب العقيدة فقل‬ ‫م النَّبِيِّي َ‬ ‫ل الل ّهِ وَ َ‬
‫خات َ َ‬ ‫سو‬
‫َر ُ‬
‫أن يخلو كتاب من الحديث في هذا المر وتقريره بما ورد في‬
‫الكتاب والسنة وأقوال الصحابة‪ ،‬ومن بعدهم من علماء المة‪.‬‬
‫وبما تقدم من أدلة على تقرير ختم النبوة فإنه يجب على كل من‬
‫يؤمن بالله ورسوله أن يؤمن بهذا المر ويعتقده‪.‬‬

‫المبحث الخامس‪ :‬وجوب اليمان بأن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قد بلغ الرسالة وأكملها‪:‬‬
‫من تمام نعمة الله سبحانه وتعالى على هذه المة أن أكمل لهم‬
‫دينهم فل ينقصه أبدا‪ ،‬ول يحتاج إلى زيادة أبدا‪ ،‬واقترن هذا‬
‫الكمال برضاه سبحانه بأن يكون هذا الدين الكامل دينا نتعبده‬
‫َ‬ ‫به‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬الْيو َ‬
‫ت ع َلَيْك ُ ْ‬
‫م ن ِ ْع َ‬
‫متِي‬ ‫م ُ‬
‫م ْ‬
‫م وَأت ْ َ‬ ‫ت لَك ُ ْ‬
‫م دِينَك ُ ْ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫م أك ْ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ً‬
‫م دِينا}‪.‬‬ ‫سل َ‬ ‫ت لَك ُ ُ‬
‫م ال ِ ْ‬ ‫ضي ُ‬
‫وََر ِ‬
‫وهذه الية دليل على كمال الدين وحيا من الله‪ ،‬وتبليغا من‬
‫رسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ولقد نزلت هذه الية الكريمة‬
‫والنبي صلى الله عليه وسلم واقف بعرفات في حجة الوداع‪،‬‬
‫وعاش النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزولها إحدى وثمانين‬
‫ليلة‪.‬‬
‫وهي شهادة من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم على‬
‫تبليغه لما أرسله به أتم تبليغ وأكمله وبذلك جعله الله خاتم‬
‫النبيين‪ ،‬لن الخلق بعد هذا لن يحتاجوا إلى نبي غير نبيهم صلى‬
‫الله عليه وسلم ليكمل لهم دينهم‪ ،‬كما أنهم ل يحتاجون إلى دين‬
‫آخر وذلك لكمال دينهم‪.‬‬
‫ووجه الدللة من الية على ذلك "أن الله أخبر في هذه الية بأنه‬
‫قد أكمل الدين‪ ،‬وإنما كمل بما بلغه‪ ،‬إذ الدين لم يعرف إل‬
‫بتبليغه‪ ،‬فعلم من ذلك أنه صلى الله عليه وسلم قد بلغ جميع‬
‫الدين الذي شرعه الله لعباده"[‪.]177‬‬
‫وما كان من النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الية‬
‫الكريمة إل أن استشهد الناس على ذلك في نفس المناسبة التي‬
‫نزلت فيها الية‪.‬‬
‫فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪" :‬تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به‪،‬‬
‫كتاب الله‪ ،‬وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟"‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت‪ .‬فقال بأصبعه السبابة‬
‫يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس‪" :‬اللهم اشهد اللهم اشهد‬
‫ثلث مرات‪ "...‬الحديث[‪.]178‬‬
‫فشهد له خير قرون هذه المة وهم صحابته رضوان الله عليهم‬
‫وكانوا في ذلك الموقف نحوا من أربعين ألفا[‪.]179‬‬
‫ولقد أمر الله تبارك وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم في‬
‫مواطن متعددة من كتابه العزيز بأن يبلغ أمور هذا الدين البلغ‬
‫ك‬ ‫ل إِلَي ْ َ‬ ‫ما أُنْزِ َ‬ ‫لَ بَل ِّغْ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫َ‬
‫المبين الواضح فقال تعالى‪{ :‬يَا أيُّهَا الَّر ُ‬
‫ن الن َّ‬ ‫ه وَالل ّ‬ ‫سال َ‬ ‫َّ‬
‫س‬
‫ِ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ص‬
‫ِ‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ت‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫غ‬ ‫ما بَل‬ ‫ل فَ َ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م تَفْعَ ْ‬ ‫ك وَإ ِ ْ‬‫ن َرب ِّ َ‬
‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ما ع َلي ْ َ‬
‫ك‬ ‫َ‬
‫ن}[‪ ،]180‬وقال تعالى‪َ { :‬فَإِن ّ َ‬ ‫م الكافِرِي َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ه ل يَهْدِي القَوْ َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫َ‬ ‫إِ ّ‬
‫ل إ ِ ّل الْبَلغُ‬ ‫سو ِ‬ ‫ما ع َلَى الَّر ُ‬ ‫{و َ‬
‫ن}[‪ ،]181‬وقال تعالى‪َ :‬‬ ‫مبِي ُ‬‫الْبَلغ ُ ال ْ ُ‬
‫َ‬
‫ك إ ِ ّل الْبَلغُ}[‪.]183‬‬ ‫ن ع َلَي ْ َ‬ ‫ن}[‪ ،]182‬وقال تعالى‪{ :‬إ ِ ْ‬ ‫مبِي ُ‬‫ال ْ ُ‬
‫وهذا المر والحث من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم على‬
‫البلغ لشرع الله والدين الذي أوحاه إليه نابع من كون الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم هو الطريق الوحيد الذي يعرف بواسطة ما‬
‫شرعه من دين يدين العباد له به‪ ،‬فليس ثمت طريق آخر إلى‬
‫معرفة شرع الله وأوامره ونواهيه إل طريقه بها فهو المبلغ عن‬
‫الله تعالى‪ ،‬وهذه هي سنة الله في خلقه حيث جعل طريق‬
‫معرفته وعبادته عن طريق من أرسله من الرسل "فل سبيل إلى‬
‫السعادة والفلح في الدارين إل على أيدي الرسل‪ ،‬كما أنه ل‬
‫سبيل إلى معرفة الطيب من الخبيث والحلل من الحرام إل من‬
‫جهتهم‪ ،‬ول ينال رضى الله البتة إل على أيديهم‪ ،‬فهم الميزان‬
‫الراجح الذي على أقوالهم وأعمالهم وأخلقهم توزن القوال‬
‫والخلق والعمال‪ ،‬وبمتابعتهم يتميز أهل الهدى من أهل الضلل‬
‫فالضرورة إليهم أعظم من ضرورة البدن إلى روحه‪ ،‬والعين إلى‬
‫نورها‪ ،‬والروح إلى حياتها‪ ،‬فأي ضرورة وحاجة فرضت‪ ،‬فضرورة‬
‫العبد وحاجته إلى الرسل فوقها بكثير"[‪ ]184‬وبهذا وبغيره نلمس‬
‫عظم الحاجة إلى تبليغ الرسل‪.‬‬
‫ومما ل شك فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم النبياء‬
‫بلغا فقد كان صلى الله عليه وسلم حريصا على هداية أمته‪ ،‬وقد‬
‫لم َ‬
‫م ع َزِيٌز ع َلَيْهِ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ن أنْفُ ِ‬ ‫سو ٌ ِ ْ‬ ‫م َر ُ‬ ‫جاءَك ُ ْ‬ ‫قال تعالى في حقه‪{ :‬لَقَد ْ َ‬
‫م}[‪ ]185‬وسيرته‬ ‫حي ٌ‬ ‫ف َر ِ‬ ‫ن َرؤ ُو ٌ‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م بِال ْ ُ‬
‫ص ع َلَيْك ُ ْ‬ ‫حرِي ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ما ع َنِت ُّ ْ‬ ‫َ‬
‫صلى الله عليه وسلم كلها دليل على مدى حرصه على إبلغ‬
‫رسالة ربه والتفاني في إبلغها دون أن تأخذه في الله لومة لئم‪.‬‬
‫وهو صلى الله عليه وسلم أحق الناس بالوصف الوارد في قوله‬
‫َ ً َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حدا إ ِل‬ ‫نأ َ‬ ‫شوْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ه وَل ي َ ْ‬ ‫خ َ ْ‬
‫شون َ ُ‬ ‫ت الل ّهِ وَي َ ْ‬ ‫سال ِ‬ ‫ن رِ َ‬ ‫ن يُبَل ِّغُو َ‬‫تعالى‪{ :‬ال ّذِي ََ‬ ‫َ‬
‫سيباً}[‪" ]186‬فقد امتدح الله تبارك وتعالى في‬ ‫ح ِ‬ ‫ه وَكَفَى بِالل ّهِ َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫هذه الية الذين يبلغون رسالته إلى خلقه ويؤدونها بأماناتها ول‬
‫يخافون أحدا سواه‪ ،‬فل تمنعهم سطوة أحد إبلغ رسالت الله‪،‬‬
‫وسيد الناس في هذا المقام بل وفي كل مقام محمد رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فإنه قام بأداء الرسالة وإبلغها إلى أهل‬
‫المشارق والمغارب وإلى جميع أنواع بني آدم‪ ،‬وأظهر الله كلمته‬
‫ودينه وشرعه على جميع الديان والشرائع"[‪.]187‬‬
‫ولقد أيد الله تبارك وتعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم‬
‫بكل ما يلزم لتبليغ وحي الله وشرعه‪ ،‬فأعطاه العصمة في التبليغ‬
‫َ‬
‫حى}[‪،]188‬‬ ‫ي يُو َ‬ ‫ح ٌ‬ ‫ن هُوَ إ ِ ّل وَ ْ‬ ‫ن ال ْ َهوَى‪ ،‬إ ِ ْ‬ ‫ما يَنْطِقُ ع َ ِ‬ ‫{و َ‬
‫فقال تعالى َ‬
‫فهذه الية دليل واضح على عصمته صلى الله عليه وسلم في كل‬
‫أمر بلغه عن ربه تبارك وتعالى‪ ،‬كما أنها شهادة وتزكية من الله‬
‫تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم على سلمة شرعه‬
‫الذي أوحاه إليه من كل ما ينقص منه‪.‬‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم‪" :‬إذا حدثتكم عن الله شيئا فخذوا به‬
‫فإني لن أكذب على الله"[‪ ]189‬وبالضافة إلى عصمته في أمر‬
‫التبليغ فقد عصمه الله كذلك من الناس حتى يتم له أمر إبلغ هذا‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ل إِلَي ْ َ‬‫ما أُنْزِ َ‬ ‫ل بَل ِّغْ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫َ‬
‫الدين وإكماله قال تعالى‪{ :‬يَا أيُّهَا الَّر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن النَّاس}‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫م َ‬ ‫ص ُ‬
‫ه ي َ ْع ِ‬ ‫ه وَالل ّ ُ‬ ‫سالَت َ ُ‬ ‫ت رِ َ‬ ‫ما بَل ّغْ َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫م تَفْعَ ْ‬‫ن لَ ْ‬ ‫ك وَإ ِ ْ‬ ‫َرب ِّ َ‬
‫فاقترن تعهد الله بعصمة رسوله من قتل الناس وإيذائهم له مع‬
‫المر للنبي صلى الله عليه وسلم بتبليغ ما أنزل إليه‪ ،‬وفى هذا‬
‫القتران دليل جلي على أن عصمة الله تعالى وحفظه ونصره‬
‫وتأييده على أعدائه قد صاحبت النبي صلى الله عليه وسلم حتى‬
‫تم له إبلغ هذا الدين ونشره بين الناس‪.‬‬
‫ومع عصمة الله لنبيه في التبليغ‪ ،‬وعصمته من الناس‪ ،‬فكذلك‬
‫عصم الله كتابه الذي أنزله إليه ليكون محفوظا من كل تحريف‬
‫ن}[ ‪.]190‬‬ ‫حافِظُو َ‬‫ه لَ َ‬‫ن نََّزلْنَا الذِّكَْر وَإِنَّا ل َ ُ‬ ‫أو تغيير قال تعالى‪{ :‬إِنَّا ن َ ْ‬
‫ح ُ‬
‫كما تعهد كذلك بحفظ هذا الدين وإبقاء طائفة في كل زمان من‬
‫الزمنة تنصر هذا الدين وتحفظه وتبلغه‪ ،‬كما جاء عن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬وفي الحديث‪" :‬ل تزال طائفة من أمتي ظاهرين‬
‫على الحق ل يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله"[‪ .]191‬وفي‬
‫هذه المور ضمان لستمرار هذا الدين وإبلغه لكل أهل زمان‪،‬‬
‫لنه شامل لكل الناس في كل وقت إلى أن يرث الله الرض وما‬
‫عليها‪.‬‬
‫وقد أخبر صلى الله عليه وسلم في مواطن متعددة بأنه قد أبلغ‬
‫أمور الرسالة وأوضحها لمته‪ ،‬وهو صلى الله عليه وسلم الصادق‬
‫المصدوق ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬قد تركتكم‬
‫على مثل البيضاء ليلها كنهارها ل يزيغ عنها بعدي إل هالك"[‪]192‬‬
‫وهذا هو الحق فقد بلغ وحي ربه وصدع بأمره‪ ،‬ونهض بأعباء‬
‫الرسالة كما أراد الله منه‪ ،‬فأدى المانة ونصح لمته وجاهد في‬
‫الله حق جهاده‪ ،‬وما ترك لمته من شيء يقربهم إلى الجنة إل‬
‫وقد دلهم عليه ورغبهم فيه‪ ،‬ول من شيء يبعدهم عن النار إل‬
‫وقد حدثهم به وحذرهم منه‪ ،‬وبين لهم كل ما فيه صلح دينهم‬
‫ل‬
‫سو ِ‬‫ما ع َلَى الَّر ُ‬ ‫{و َ‬
‫ودنياهم وآخرتهم فهذه هي مهمته ورسالته َ‬
‫َ‬
‫ن }‪ ،‬وقد أتم عليه الصلة والسلم ما أوكل إليه‬ ‫إِل ّ الْبَلغ ُ ال ْ ُ‬
‫مبِي ُ‬
‫على أتم وجه وأكمله فأبان الطريق ودل على صراط الله‬
‫المستقيم وترك المة على مثل البيضاء ليلها كنهارها ل يزيغ عنها‬
‫إل هالك‪.‬‬
‫ولقد شهد الصحابة رضوان الله عليهم بهذا‪ .‬فهم الذين كان النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم‪ ،‬وكانوا ملزمين له في كل‬
‫أحواله وحركاته فهم أعلم بما كان‪ .‬وسأورد بعض ما ورد عنهم‬
‫في هذا الشأن‪.‬‬
‫فقد سئل سلمان الفارسي[‪ ]193‬رضي الله عنه فقيل له"أقد‬
‫أعلمكم نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة؟‬
‫فقال‪" :‬أجل لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول أو أن‬
‫نستنجي باليمين أو أن نستنجي بأقل من ثلثة أحجار‪ ،‬أو أن‬
‫نستنجي برجيع[‪ ]194‬أو بعظم"[‪ .]195‬وعن أبي ذر رضي الله عنه‬
‫قال‪" :‬لقد تركنا محمدا صلى الله عليه وسلم وما يحرك طائر‬
‫جناحيه في السماء إل أذكرنا منه علما"[‪.]196‬‬
‫وعن عائشة[‪ ]197‬رضي الله عنها قالت‪" :‬من حدثك أن محمدا‬
‫كتم شيئا مما أنزل الله عليه فقد كذب‪ ،‬والله يقول‪{ :‬يَا أَي ُّ َها‬
‫ك}"[‪ .]198‬وفى رواية "من‬ ‫ن َرب ِّ َ‬
‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ما أُنْزِ َ‬
‫ل إِلَي ْ َ‬ ‫ل بَل ِّغْ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫الَّر ُ‬
‫حدثك أن النبي صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من الوحي فل‬
‫ك‬ ‫ما أُنْزِ َ‬
‫ل إِلَي ْ َ‬ ‫ل بَل ِّغْ َ‬
‫سو ُ‬ ‫َ‬
‫تصدقه‪ ،‬إن الله تعالى يقول‪{ :‬يَا أيُّهَا الَّر ُ‬
‫َ‬
‫ه}"[‪]199‬‬ ‫سالَت َ ُ‬
‫ت رِ َ‬ ‫ما بَل ّغْ َ‬‫ل فَ َ‬ ‫م تَفْعَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ك وَإ ِ ْ‬ ‫ن َرب ِّ َ‬‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫وعن عائشة رضي الله عنها قالت‪" :‬لو كتم رسول الله صلى الله‬
‫خفِي فِي‬ ‫عليه وسلم شيئا مما أوحي إليه من كتاب الله لكتم {وَت ُ ْ‬
‫َ‬ ‫شى النَاس والل َّ َ‬ ‫َ‬
‫شاهُ}[‬ ‫خ َ‬ ‫حقُّ أ ْ‬
‫ن تَ ْ‬ ‫هأ َ‬‫ّ َ َ ُ‬ ‫خ َ‬ ‫مبْدِيهِ وَت َ ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ما الل ّ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫س َ‬ ‫ن َ ْف ِ‬
‫‪.]201["]200‬‬
‫فمن حقه صلى الله عليه وسلم على أمته أن يقروا له بفضله‬
‫وصدقه وأمانته في تبليغ رسالة ربه التي ائتمنه عليها‪ ،‬وكلفه أن‬
‫يقوم بها فل يكون إيمان للمرء إذا لم يقر للرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم بأنه قد بلغ الرسالة أعظم ما يكون التبليغ‪ ،‬وقام‬
‫بأدائها أعظم ما يكون القيام واحتمل في سبيلها أشق ما يحتمله‬
‫البشر‪ ،‬ومن أنكر شيئا من ذلك أو شك في صدقه فهو كافر‬
‫مارق عن السلم مكذب لله ولرسوله‪.‬‬

‫المبحث الخامس‪ :‬وجوب اليمان بعصمته صلى الله عليه وسلم‪.‬‬


‫تمهيد‪:‬‬
‫تقدم في المبحث السابق الحديث عن وجوب اليمان بأن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قد بلغ الرسالة وأكملها‪ ،‬وأشرت إلى أن‬
‫هذا البلغ قد اقترن بعصمة الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في‬
‫كل ما يبلغه عن ربه عز وجل‪.‬‬
‫ولقد رأيت أن أفرد هذا المبحث في الحديث عن عصمته صلى‬
‫الله عليه وسلم في هذا الجانب وفي الجوانب الخرى التي عصم‬
‫فيها باعتبار أن أمر اليمان بعصمته من المور الداخلة في‬
‫الحقوق الواجبة له والتي يجب على المة اليمان له بها‪.‬‬
‫وقد ضمنت هذا المبحث ثلثة مطالب‪:‬‬

‫المطلب الول‪ :‬تعريف العصمة‪:‬‬


‫المعنى اللغوي‪:‬‬
‫العصمة وردت في اللغة لعدة معان منها‪:‬‬
‫ا‪ -‬المنع‪:‬‬
‫قال صاحب اللسان‪" :‬العصمة في كلم العرب‪ :‬المنع‪ ،‬وعصمة‬
‫صما‪ :‬منعه‬
‫صمه‪ ،‬عَ ْ‬
‫صمه‪ ،‬يَعْ ِ‬‫الله عبده‪ :‬أن يعصمه مما يوبقه‪ .‬ع َ َ‬
‫ووقاه"[‪.]202‬‬
‫‪ -2‬الحفظ‪:‬‬
‫قال صاحب اللسان‪" :‬والعصمة الحفظ‪ ،‬يقال‪ :‬عصمته فانعصم‪،‬‬
‫واعتصمت بالله إذا امتنعت بلطفه من المعصية"[‪]203‬‬
‫‪ -3‬القلدة‪:‬‬
‫قال صاحب اللسان‪" :‬العصمة القلدة"[‪ ،]204‬وكذا في القاموس‬
‫المحيط[‪.]205‬‬
‫‪ -4‬الحبل‪:‬‬
‫جاج[‪" :]206‬أصل العصمة‪ :‬الحبل وكل ما أمسك شيئا فقد‬ ‫قال الز ّ‬
‫عصمه"[‪.]207‬‬
‫‪ -5‬السبب‪:‬‬
‫قال الطبري‪" :‬وللسبب الذي يتسبب به الرجل إلى حاجته‪:‬‬
‫عاصم ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫وآخذ من كل حي‬ ‫إلى المرء قيس أطيل السرى‬
‫عصم[‪]208‬‬
‫يعنى بالعصم‪ :‬السباب‪ ،‬أسباب الذمة والمان"[‪.]209‬‬
‫قلت‪ :‬إذا أمعنت النظر في هذه المعاني وجدتها جميعا ترجع إلى‬
‫المعنى الول الذي هو "المنع" فالحفظ منع للشيء من الوقوع‬
‫في المكروه أو المحظور‪ ،‬والقلدة تمنع سقوط الخرز منها‪،‬‬
‫والحبل يمنع من السقوط والتردي‪ ،‬والسبب يمنع صاحبه عما‬
‫يكره‪.‬‬
‫المعنى الشرعي‪:‬‬
‫أما عصمة النبي صلى الله عليه وسلم فقد عرفت بعدة تعريفات‬
‫ولعل من أحسنها وأسلمها ما ذكره صاحب كتاب نسيم الرياض‬
‫بأنها "لطف من الله تعالى يحمل النبي على فعل الخير ويزجره‬
‫عن الشر مع بقاء الختيار تحقيقا للبتلء"[‪.]210‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الجوانب التي عصم فيها النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪:‬‬
‫أ‪ -‬العصمة في التبليغ ودعوى الرسالة‪:‬‬
‫وهذه العصمة هي التي عليها المناط‪ ،‬فبها يحصل المقصود من‬
‫البعثة فتبليغ شرع الله إلى الخلق هي مهمة الرسل من أولهم‬
‫إلى آخرهم فهم الواسطة بين الله وبين خلقه الذين أرسلوا‬
‫إليهم‪ ،‬فبطريقهم يهتدي البشر ويرشدون إلى دين الله إذ هم‬
‫المبلغون عن الله أمره ونهيه وشرعه‪.‬‬
‫ولذلك فقد أوجب الله العصمة لنبيائه ورسله في هذا الجانب‬
‫حتى تصل الرسالة إلى العباد كاملة تامة غير منقوصة ول‬
‫محرفة‪ ،‬وبذلك تقوم الحجة على العباد‪.‬‬
‫ولقد دلت نصوص القرآن والسنة على عصمة نبينا محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم في هذا الجانب‪ ،‬وانعقد إجماع المة على ذلك‪.‬‬
‫فمن القرآن‪:‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫حى}‪،‬‬ ‫ي يُو َ‬ ‫ح ٌ‬ ‫ن هُوَ إِل ّ وَ ْ‬ ‫ن ال َهوَى‪ ،‬إ ِ ْ‬ ‫ما يَنْطِقُ ع َ ِ‬ ‫ا‪ -‬قوله تعالى‪{ :‬وَ َ‬
‫فالية نص في عصمة لسانه صلى الله عليه وسلم من كل هوى‬
‫وغرض فهو ل ينطق إل بما يوحى إليه من ربه ول يقول إل ما أمر‬
‫به فيبلغه إلى الناس كامل موفورا من غير زيادة ول نقصان‪.‬‬
‫وهذه الية شهادة وتزكية من الله لنبيه ورسوله محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم في كل ما بلغه للناس من شرع الله‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫من ْ ُ‬ ‫خذ ْنَا ِ‬ ‫ل‪ ،‬ل َ‬ ‫ض القَاوِي ِ‬ ‫ل ع َلَيْنَا بَعْ َ‬ ‫‪ -2‬وقوله تعالى‪{ :‬وَلَوْ تَقَوَّ َ‬
‫ن}[‪ ،]211‬فاليات نصت‬ ‫بالْيمين‪ ،‬فَما منك ُم م َ‬
‫جزِي َ‬ ‫حا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫حد ٍ ع َن ْ ُ‬ ‫نأ َ‬ ‫َ ِ ْ ْ ِ ْ‬ ‫ِ َ ِ ِ‬
‫على أن الله سبحانه وتعالى ل يؤيد من يكذب عليه بل لبد أن‬
‫يظهر كذبه وأن ينتقم منه‪.‬‬
‫ولو كان محمد صلى الله عليه وسلم من هذا الجنس كما يزعم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن افْتََرى ع َلَى الل ّهِ‬ ‫م يَقُولُو َ‬ ‫الكافرون فيما حكاه الله عنهم {أ ْ‬
‫كَذِباً}[‪ - ]212‬وحاشاه صلى الله عليه وسلم من ذلك‪ -‬لنزل الله‬
‫به من العقوبة ما ذكره في هذه اليات‪ ،‬وحيث إن الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم لم يقع له شيء من ذلك فلم يهلكه الله ولم‬
‫يعذبه‪ ،‬فهو على هذا لم يتقول على الله ما لم يقله ولم يفتر شيئا‬
‫من عند نفسه‪ ،‬وبهذا تثبت عصمته في كل ما بلغه عن ربه عز‬
‫وجل‪.‬‬
‫قال ابن كثير بعد أن فسر هذه اليات‪" :‬والمعنى في هذا بل هو‬
‫صادق راشد لن الله عز وجل مقر له ما يبلغه عنه ومؤيد له‬
‫بالمعجزات الباهرات والدللت القاطعات"[‪.]213‬‬
‫حيْنَا إِلَي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ن ال ّذِي أوْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ك عَ‬ ‫ن كَادُوا لَيَفْتِنُون َ َ‬ ‫‪ -3‬وقوله تعالى‪{ :‬وَإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ت‬‫ك لَقَد ْ كِد ْ َ‬ ‫ن ثَبَّتْنَا َ‬ ‫خلِيلً‪ ،‬وَلَوْل أ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫خذ ُو َ‬ ‫لِتَفْتَرِيَ ع َلَيْنَا غَيَْره ُ وَإِذا ً لَت َّ َ‬
‫ت‬‫ما ِ‬ ‫م َ‬ ‫ف ال ْ َ‬ ‫ض ْع َ‬ ‫حيَاةِ وَ ِ‬ ‫ف ال ْ َ‬ ‫ضعْ َ‬ ‫ك ِ‬ ‫شيْئا ً قَلِيلً‪ ،‬إِذا ً لَذَقْنَا َ‬ ‫م َ‬‫ن إِلَيْهِ ْ‬‫تَْرك َ ُ‬
‫صيراً}[‪ .]214‬وهذه اليات دالة على عصمة‬ ‫ك ع َلَيْنَا ن َ ِ‬
‫جد ُ ل َ َ‬
‫م ل تَ ِ‬ ‫ث ُ َّ‬
‫الله وتثبيته لنبيه صلى الله عليه وسلم في تبليغ ما أوحى إليه‪،‬‬
‫ومعناها مقارب لمعنى اليات التي ذكرناها قبلها "فقد أخبر تعالى‬
‫عن تأييده لرسوله صلوات الله عليه وسلمه وتثبيته وعصمته‬
‫وسلمته من شر الشرار وكيد الفجار‪ ،‬وأنه تعالى هو المتولي‬
‫أمره ونصره‪ ،‬وأنه ل يكله إلى أحد من خلقه بل هو وليه وحافظه‬
‫وناصره ومؤيده ومظفره ومظهر دينه على من عاداه وخالفه في‬
‫مشارق الرض ومغاربها"[‪.]215‬‬
‫وأما الدلة من السنة على ذلك فمنها‪:‬‬
‫أ‪ -‬حديث طلحة بن عبيدالله[‪ ]216‬وجاء فيه قوله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪:‬‬
‫"ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا فخذوا به‪ ،‬فإني لن أكذب على‬
‫الله"[‪ ]217‬والحديث نص على عصمته صلى الله عليه وسلم من‬
‫الكذب فيما يخبر به عن الله‪.‬‬

‫‪ -2‬حديث عبد الله بن عمرو[‪ ]218‬رضي الله عنهما قال‪" :‬كنت‬


‫أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫أريد حفظه‪ ،‬فنهتني قريش فقالوا‪ :‬إنك تكتب كل شيء تسمعه‬
‫من رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ورسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا‪ ،‬فأمسكت عن‬
‫الكتاب‪ ،‬فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‪:‬‬
‫"اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج مني إل حق"[‪.]219‬‬
‫‪ -3‬حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم أنه قال‪" :‬إني ل أقول إل حقا"‪ ،‬قال بعض أصحابه‪:‬‬
‫فإنك تداعبنا يا رسول الله‪ .‬قال‪" :‬إني ل أقول إل حقا"[‪.]220‬‬
‫دليل الجماع‪:‬‬
‫نقل غير واحد من العلماء إجماع المة واتفاقها على عصمته‬
‫صلى الله عليه وسلم في تبليغ ما أوحي إليه من ربه عز وجل‪.‬‬
‫قال القاضي عياض‪" :‬وأجمعت المة في ما كان طريقه البلغ أنه‬
‫معصوم فيه من الخبار عن شيء منها بخلف ما هو به‪ ،‬ل قصدا‬
‫ول عمدا ول سهوا ول غلطا"[‪.]221‬‬
‫وقال شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬إن النبياء صلوات الله عليهم‬
‫معصومون فيما يخبرون به عن الله سبحانه‪ ،‬وفى تبليغ رسالته‬
‫باتفاق المة ولهذا وجب اليمان بكل ما أوتوه ‪ .....‬والعصمة فيما‬
‫يبلغونه عن الله ثابتة فل يستقر في ذلك خطأ باتفاق‬
‫المسلمين"[‪]222‬‬
‫ب‪ -‬العصمة من الكفر والشرك‪:‬‬
‫الحديث عن عصمته صلى الله عليه وسلم في هذا الجانب ذو‬
‫شقين هما‪:‬‬
‫الول‪ :‬عصمته قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫•‬
‫الثاني‪ :‬عصمته بعد مبعثه صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫•‬
‫أما الشق الول‪ :‬وهو عصمته من الشرك والكفر قبل بعثته‬
‫ونزول الوحي إليه كلها فقد دلت النصوص الثابتة على أن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم معصوم منذ نشأته من الكفر والشرك فلم‬
‫يعهد عنه صلى الله عليه وسلم أنه سجد لصنم أو استلمه أو إلى‬
‫غير ذلك من أمور الشرك التي كان يفعلها قومه‪ .‬فقد فطره الله‬
‫على معرفته والتجاه إليه وحده وهذا هو المعلوم من سيرته‪.‬‬
‫فمن النصوص التي يستدل بها على هذا المر ما يلى‪:‬‬
‫‪-‬حديث أنس بن مالك رضي الله عنه‪" :‬أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه‬
‫فشق عن قلبه فاستخرج القلب‪ ،‬فاستخرج منه علقة‪ ،‬فقال‪ :‬هذا‬
‫حظ الشيطان منك‪ ،‬ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم‬
‫لمه‪ ،‬ثم أعاده في مكانه‪ ،‬وجاء الغلمان يسعون إلى أمه ‪ -‬يعنى‬
‫ظئره[‪ - ]223‬فقالوا‪ :‬إن محمدا قد قتل‪ ،‬فاستقبلوه وهو منتقع‬
‫اللون‪ ،‬قال أنس وقد كنت أرى أثر ذلك الخيط في صدره"[‪.]224‬‬
‫فالحديث نص على إخراج جبريل لحظ الشيطان منه صلى الله‬
‫عليه وسلم وتطهيره لقلبه فل يقدر الشيطان على إغوائه إذ ل‬
‫سبيل له عليه‪ .‬وهذا دليل على تنزيهه من الشرك منذ صغره‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪-‬وعن زيد بن حارثة رضي الله عنه قال‪ :‬كان صنم من نحاس‬
‫يقال له إساف أو نائلة يتمسح به المشركون إذا طافوا‪ ،‬فطاف‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت معه‪ ،‬فلما مررت‬
‫مسحت به‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬ل تمسه‪،‬‬
‫فقال زيد‪ :‬فطفت فقلت في نفسي لمسنه حتى أنظرما يكون‬
‫فمسحته‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬ألم تنه؟‪ ،‬قال‬
‫زيد‪ :‬فوالذى هو أكرمه وأنزل عليه الكتاب ما استلم صنما حتى‬
‫أكرمه الله بالذي أكرمه وأنزل عليه"[‪.]225‬‬
‫وهذا الحديث نص في بعده صلى الله عليه وسلم عن عبادة‬
‫الوثان التي كان عليها أهل مكة فنهيه لزيد ‪ -‬الذي كان ابنه‬
‫بالتبني في ذلك الحين ‪ -‬يؤكد نفرته صلى الله عليه وسلم من‬
‫تلك الوثان التي كان يعكف عليها أهل مكة‪.‬‬
‫ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ل يحضر مع أهل سكة ما‬
‫يقيمونه من أعياد لصنامهم فعن ابن عباس رضي الله عنهما‬
‫قال‪ :‬حدثتني أم أيمن[‪ ]226‬قالت‪ .:‬كان ببوانة صنم يحضره‬
‫قريش يوما في السنة‪ ،‬وكان أبو طالب[‪ ]227‬يحضره مع قومه‪،‬‬
‫وكان يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحضر ذلك العيد‬
‫مع قومه فيأبى حتى رأيت أبا طالب غضب عليه‪ ،‬ورأيت عماته‬
‫غضبن عليه يومئذ أشد الغضب وجعلن يقلن‪ :‬إنا نخاف عليك مما‬
‫تصنع من اجتناب‪ ،‬آلهتنا وجعلن يقلن يا محمد‪ :‬ما تريد أن تحضر‬
‫لقومك عيدا ول تكثر لهم جمعا فلم فىيزالوا به حتى ذهب فغاب‬
‫عنهم ما شاء الله ثم رجع إلينا مرعوبا فزعا فقلن عماته‪ :‬ما‬
‫دهاك؟ قال‪:‬‬
‫"إني أخشى أن يكون بي لمم"‪ ،‬فقلن‪ :‬ما كان الله ليبتليك‬
‫بالشيطان وفيك من خصال الخير ما فيك فما الذي رأيت؟ قال‪:‬‬
‫"إني كلما دنوت من صنم منها تمثل لي رجل أبيض طويل يصيح‬
‫بي وراءك يا محمد ل تمسه" فما عاد إلى عيد لهم حتى تنبئ"[‬
‫‪.]228‬‬
‫كما عصم صلى الله عليه وسلم من الحلف بأسماء تلك الصنام‬
‫التي كان يعبدها قومه ويحلفون بها تعظيما لها فقد جاء في قصة‬
‫بحيرى الراهب[‪ ]229‬أنه استحلف النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫باللت والعزى حينما لقيه بالشام في سفرته مع عمه أبي طالب‬
‫وهو صبي لما رأى فيه علمات النبوة فقال بحيرى للنبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ :‬يا غلم أسألك باللت والعزى إل ما أخبرتني عما‬
‫أسألك عنه‪ ،‬فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬ل تسألني‬
‫باللت والعزى شيئا فوالله ما أبغضت بغضهما شيئا قط"[‪.]230‬‬
‫والنصوص في مثل هذا كثيرة وقد عني بجمعها من ألف في‬
‫دلئل النبوة مثل الحافظ أبي نعيم الصبهاني[‪ ]231‬فقد عقد فصل‬
‫في كتابه دلئل النبوة بعنوان‪:‬‬
‫"ذكر ما خصه الله عز وجل به من العصمة وحماه من التدين‬
‫بدين الجاهلية ‪ "...‬وقد أورد تحت هذا العنوان العديد من‬
‫الحاديث والشواهد في هذا الشأن[‪.]232‬‬
‫وكذلك فعل البيهقي[‪ ]233‬في دلئل النبوة أيضا فعقد عنوانا لهذا‬
‫الموضوع فقال‪:‬‬
‫"باب ما جاء في حفظ الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم‬
‫في شبيبته عن أقذار الجاهلية ومعائبها‪ ،‬لما يريده به من كرامته‬
‫برسالته حتى يبعث رسول"[‪.]234‬‬
‫ومثلهما السيوطي في الخصائص الكبرى[‪ ]235‬حيث قال‪" :‬باب‬
‫اختصاصه صلى الله عليه وسلم بحفظ الله إياه في شبابه عما‬
‫كان فيه أهل الجاهلية"[‪.]236‬‬
‫الجماع‪:‬‬
‫نقل الجرجاني[‪ ]237‬إجماع المة على عصمة النبياء من الكفر‬
‫والشرك قبل النبوة وبعد حيث قال‪" :‬وأما الكفر فأجمعت المة‬
‫على عصمتهم منه قبل النبوة وبعدها ول خلف لحد منهم في‬
‫ذلك"[‪.]238‬‬
‫وهذا هو الحق فالله سبحانه وتعالى قد نزه نبيه صلى الله عليه‬
‫وسلم عن الكفر والشرك وعصمه من الوقوع فيهما وذلك داخل‬
‫في باب إعداده لتحمل الرسالة‪ ،‬ومثل ذلك صيانة الله لنسبه‬
‫الذى تناسل منه فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬لم يلتق أبواي على سفاح‪،‬‬
‫لم يزل الله ينقلني من الصلب الطيبة إلى الرحام الطاهرة‬
‫مصفى مهذبا ل تتشعب شعبتان إل كنت في خيرهما"[‪.]239‬‬
‫وكل ذلك حتى ليبقى لمنتقص حجة يتعلق بها لتنفير الناس من‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن المعلوم أن كفار قريش‬
‫كانوا حريصين أشد الحرص على تجريح النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ووصفه بما ينقص من قدره ويحط من شأنه لتنفير الناس‬
‫منه وصدهم عن دعوته فلقد رموه واتهموه بالسحر والجنون‬
‫وغير ذلك من النقائص ولكن لم يكن الشرك والكفر من ضمن‬
‫ما رموه به فسكوتهم عن ذلك دليل على أنهم لم يجدوا سبيل‬
‫إليه إذ لو كان لنقل‪ ،‬وما سكتوا عنه كما لم يسكتوا عند تحويل‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م عَ ْ‬‫ما وَل ّهُ ْ‬
‫كما حكى الله ذلك عنهم في قوله تعالى‪َ { :‬‬ ‫َ‬
‫القبلة‬
‫م ال ّتِي كَانُوا ع َلَيْهَا}[‪.]240‬‬ ‫قِبْلَتِهِ ُ‬
‫وبهذا يتبين أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن على دين‬
‫قومه من عبادة الصنام وتعظيمها‪ ،‬فقد عصمه الله من ذلك فلم‬
‫يجعل لكفار قريش طريقا عليه فلذلك لجؤوا إلى تلفيق التهم‬
‫الباطلة المتناقضة كاتهامه بالسحر تارة وبالجنون تارة وبالكهانة‬
‫تارة أخرى‪.‬‬
‫وإذا كان الله قد عصم نبيه صلى الله عليه وسلم فيما هو دون‬
‫الشرك من المور المنكرة التي كان عليها أهل الجاهلية ففي‬
‫ذلك دليل على أن عصمته من أمور الشرك من باب أولى‪.‬‬
‫فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه‪ :‬أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم كان ينقل معهم الحجارة للكعبة وعليه إزاره فقال له‬
‫العباس عمه‪ :‬يا ابن أخي لو حللت إزارك فجعلته على منكبك‬
‫دون الحجارة‪ ،‬قال فحله فجعله على منكبه فسقط مغشيا عليه‬
‫فمارؤي بعد ذلك عريانا صلى الله عليه وسلم"[‪.]241‬‬
‫إزالة ما يوهم عدم إيمان نبينا وضلله قبل بعثته‪:‬‬
‫وردت بعض النصوص التي قد يتوهم منها البعض أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم كان على كفر وضلل قبل بعثته‪ ،‬وسوف‬
‫أعرض لهذه النصوص وأبين التوجيه الصحيح لها بما يبين الحق‬
‫ويصحح الفهم ويزيل ما يقع من الوهم إن شاء الله‪.‬‬
‫أ‪ -‬فمن تلك النصوص قول الله تعالى للنبي صلى الله عليه‬
‫ك روحا ً م َ‬ ‫وسلم‪{ :‬وكَذَل ِ َ َ‬
‫ما‬
‫ت تَدْرِي َ‬ ‫ما كُن ْ َ‬
‫مرنَا َ‬
‫نأ ْ ِ‬‫ِ ْ‬ ‫حيْنَا إِلَي ْ َ ُ‬
‫ك أوْ َ‬ ‫َ‬
‫ن}[‪.]242‬‬ ‫ب وَل ِ َ ُ‬
‫ما‬ ‫ي‬ ‫ال‬ ‫الْكِتَا ُ‬
‫فقد يتوهم البعض أن هذه الية تعني انتفاء معرفة النبي لليمان‬
‫بالكلية قبل بعثته بمعنى أنه لم يكن مؤمنا‪.‬‬
‫والجواب على ذلك أن هذه الفهم خاطئ لن اليمان في قوله‬
‫ن} مصدر بمعنى المفعول فيكون المعنى المراد‪ :‬أي‬ ‫ما ُ‬‫{وَل الِي َ‬
‫ما يجب اليمان به من الفرائض والحكام الشرعية التي كلف بها‬
‫علما وعمل‪ ،‬فالمنفي هو اليمان التفصيلي ل الجمالي‪.‬‬
‫فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل نزول الوحي إليه‬
‫مبغضا للشرك وعبادة الصنام ومتجها إلى الله وحده كما سبق‬
‫الستدلل على ذلك‪ ،‬فلما نزلت عليه الفرائض والحكام الشرعية‬
‫التي لم يكن يدري بها قبل الوحي آمن بها وطبقها‪ .‬فهذا هو‬
‫المعنى الصحيح للية‪ ،‬كما ذكر ذلك علماء التفسير عند تفسيرها‬
‫ن} على‬ ‫ما ُ‬‫ب وَل الِي َ‬ ‫ما الْكِتَا ُ‬
‫ت تَدْرِي َ‬‫ما كُن ْ َ‬
‫قال ابن كثير‪َ {" :‬‬
‫التفصيل الذي شرع لك في القرآن"[‪.]243‬‬
‫ن} أنه كان صلى الله‬ ‫ما ُ‬
‫وقال الشوكاني[‪" :]244‬ومعنى {وَل الِي َ‬
‫عليه وسلم ل يعرف تفاصيل الشرائع ول يهتدي إلى معالمها‬
‫وخص اليمان لنه رأسها وأساسها"[‪.]245‬‬
‫ضال ً فَهَدَى}[‬ ‫ك َ‬ ‫جد َ َ‬‫ب‪ -‬ومن النصوص كذلك قول الله تعالى {وَوَ َ‬
‫‪ ]246‬فقد يتوهم البعض أن الية تعني أن نبينا كان على ضلل قبل‬
‫مبعثه وهذا فهم خاطئ وباطل ترده النصوص التي سبق إيرادها‬
‫والتي نصت على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان من أول‬
‫حاله إلى نزول الوحي عليه معصوما من عبادة الوثان وقاذورات‬
‫أهل الفسق والعصيان‪.‬‬
‫وقد أشار إلى بطلن هذا اللهم القرطبي عند تفسيره لهذه الية‬
‫حيث قال‪:‬‬
‫"فأما الشرك فل يظن به"[‪.]247‬‬
‫وأما المعنى الصحيح لهذه الية فقد أشار العلماء إلى عدة معان‬
‫صحيحة لهذه الية تشترك جميعها في تنزيه النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم عن أن ينسب إليه شيء من الشرك أو الكفر قبل بعثته‪،‬‬
‫ومن تلك المعاني ما يلي‪:‬‬
‫ا‪ -‬أن يفسر الضلل هنا بمعنى الغفلة كما في قوله تعالى‪{ :‬ل‬
‫ض ُّ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ت ِ‬‫ن كُن ْ َ‬
‫سى}[‪ ،]248‬وكما في قوله تعالى {وَإ ِ ْ‬ ‫ل َربِّي وَل يَن ْ َ‬ ‫يَ ِ‬
‫ن}[‪ ]249‬والمعنى أنه وجدك غافل عما يراد بك‬ ‫ن الْغَافِلِي َ‬
‫م َ‬ ‫قَبْلِهِ ل َ ِ‬
‫من أمر النبوة[‪.]250‬‬
‫‪ -2‬وقال بعضهم معنى (ضال) لم تكن تدري ما القرآن والشرائع‬
‫فهداك الله إلى القرآن وشرائع السلم‪ ،‬وهو بمعنى قوله تعالى‪:‬‬
‫ن} وعلى هذا التفسير يكون‬ ‫ما ُ‬
‫ب وَل الِي َ‬‫ما الْكِتَا ُ‬ ‫ت تَدْرِي َ‬ ‫ما كُن ْ َ‬ ‫{ َ‬
‫المعنى‪ :‬أي وجدك ضال عن شريعتك التي أوحاها إليك ل تعرفها‬
‫قبل الوحي إليك‪ ،‬فهداك إليها[‪.]251‬‬
‫‪ -3‬وقال بعضهم معنى الية أي وجدك في قوم ضلل فهداهم الله‬
‫بك[‪.]252‬‬
‫‪ -4‬وقال بعضهم الضلل بمعنى الطلب أي وجدك طالبا للقبلة‬
‫ُ‬
‫ك فِي‬ ‫جهِ َ‬ ‫ب َو ْ‬ ‫فهداك إليها[‪ ]253‬كما في قوله تعالى‪{ :‬قَد ْ نََرى تَقَل ّ َ‬
‫ضاهَا}[‪.]254‬‬ ‫ة تَْر َ‬‫ك قِبْل َ ً‬‫ماءِ فَلَنُوَل ِّيَن َّ َ‬
‫س َ‬‫ال َّ‬
‫ولقد أورد العلماء عددا من المعاني لهذه الية منها ما هو معنوي‬
‫ومنها ما هو حسي وهي معان كلها حسان[‪.]255‬‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ص ع َلَي ْ َ‬ ‫ن نَقُ ُّ‬
‫س َ‬‫ح َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫ج‪ -‬ومن النصوص كذلك قوله تعالى‪{ :‬ن َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫ن قَبْلِهِ ل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ن كُن ْ َ‬ ‫ن وَإ ِ ْ‬ ‫حيْنَا إِلَي ْ َ‬
‫ك هَذ َا الْقُْرآ َ‬ ‫ما أوْ َ‬ ‫ص بِ َ‬ ‫ص ِ‬ ‫الْقَ َ‬
‫ن}[‪.]256‬‬ ‫الْغَافِلِي َ‬
‫فليس المقصود بالغفلة هنا الشرك والغواية إنما المقصود منها‬
‫الغفلة عن قصة يوسف مع الله وإخوته كما يوضح ذلك سياق‬
‫الية‪ .‬فهذه القصة وأمثالها ل تعلم إل من الوحي فلهذا ل يلحقه‬
‫نقص بسببها‪.‬‬
‫وهذا هو ما ذكره علماء التفسير عند هذه الية‪.‬‬
‫قال القرطبي‪" :‬أي من الغافلين عما عرفناكه"[‪ .]257‬وقال‬
‫الشوكاني‪" :‬والمعنى أنك من قبل إيحائنا إليك من الغافلين عن‬
‫هذه القصة"[‪.]258‬‬
‫د‪ -‬ومن تلك النصوص ما رواه عثمان بن أبي شيبة[‪ ]259‬بسنده‬
‫عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه‪" :‬أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قد كان يشهد مع المشركين مشاهدهم‪ ،‬فسمع ملكين من‬
‫خلفه وأحدهما يقول لصاحبه‪ :‬اذهب بنا حتى نقوم خلفه‪ ،‬فقال‬
‫الخر‪ :‬كيف نقوم خلفه وإنما عهده باستلم الصنام‪ ،‬فلم يعد بعد‬
‫ذلك يشهد مع المشركين مشاهدهم"[‪.]260‬‬
‫والمنكر من هذا الحديث قوله عن الملك‪" :‬عهده باستلم‬
‫الصنام" والجواب عن هذا الحديث ذو شقين هما‪:‬‬
‫أول‪ :‬الكلم على سند الحديث‪:‬‬
‫تكلم العلماء على سند الحديث وأوردوا علل منها‪:‬‬
‫ا‪ -‬أن عثمان بن أبي شيبة لم يتابع عليه[‪.]261‬‬
‫ولكن الذهبي[‪ ]262‬أجاب عن هذا بقوله‪" :‬عثمان ل يحتاج إلى‬
‫متابع ول ينكر له أن ينفرد بأحاديث لسعة ما روى‪ ،‬وقد يغلط‪،‬‬
‫وقد اعتمده الشيخان في صحيحيهما‪.]263[ "...‬‬
‫‪ -2‬قال الدارقطني[‪" :]264‬يقال إن عثمان بن أبي شيبة وهم في‬
‫إسناده‪ ،‬وغيره يرويه عن جرير[‪ ]265‬عن سفيان بن عبد الله[‪]266‬‬
‫بن محمد بن زياد بن جدير مرسل وهو الصواب[‪.]267‬‬
‫ومن كلم الدارقطني نتبين لنا علتان‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن الحديث مرسل وليس متصل‪.‬‬
‫ب‪ -‬جعله لسفيان الثوري[‪ ]268‬مكان سفيان بن عبد الله وهذا‬
‫وهم في السند فسفيان بن عبد الله مجهول‪ ،‬وأما الثوري فهو‬
‫ثقة[‪.]269‬‬
‫‪ -3‬أن في سند عثمان بن أبي شيبة‪ ،‬عبد الله بن محمد بن عقيل[‬
‫‪ ]270‬وهو ضعيف عند القوم[‪.]271‬‬
‫وبهذا يتبين ضعف إسناد الحديث‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الكلم على متن الحديث‬
‫بالضافة إلى ضعف هذا الحديث الذي ل تقوم به حجة فإن ظاهر‬
‫اللقظ وهو قوله إنما عهده باستلم الصنام يخالف ما عرف عن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم من أنه لم يكن على شيء مما كان‬
‫عليه أهل مكة من الشرك وذلك منذ ولدته إلى أن بعثه الله‬
‫رسول نبيا ليدعوهم إلى عبادة الله وحده ل شريك له وترك ما‬
‫يعبد من دونه‪ .‬ولقد سبق إيراد الدلة على ذلك فليرجع إليها‪.‬‬
‫وقد ذكر بعض العلماء‪ :‬أن ظاهر الحديث ليس مرادا‪ ،‬فليس‬
‫المقصود أنه باشر الستلم‪ ،‬وإنما المقصود أنه شهد مباشرة‬
‫المشركين استلم أصنامهم[‪.]272‬‬
‫الشق الثاني‪ :‬عصمته صلى الله عليه وسلم من الكفر والشرك‬
‫بعد النبوة‪:‬‬
‫بعث الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ليدعو الناس‬
‫إلى عبادة الله وحده وترك ما هم فيه من الكفر والشرك‪.‬‬
‫ولقد كان صلى الله عليه وسلم في تطبيق ما أمر به هو المثل‬
‫سكِي‬ ‫صلتِي َون ُ ُ‬
‫ن َ‬ ‫ل إ ِ َّ‬
‫العلى الذي يحتذى به‪ .‬قال تعالى‪{ :‬قُ ْ‬
‫ك أ ُمرت وأناَ‬ ‫َ‬
‫ه َوبِذَل ِ َ ِ ْ ُ َ َ‬ ‫ك لَ ُ‬ ‫شري َ‬‫نل َ ِ‬‫مي َ‬‫ب الْعَال َ ِ‬ ‫ماتِي لِل ّهِ َر ِّ‬‫م َ‬‫حيَايَ َو َ‬ ‫م ْ‬‫وَ َ‬
‫ن}[‪.]273‬‬ ‫مي َ‬‫سل ِ ِ‬‫م ْ‬‫ل ال ْ ُ‬‫أَوَّ ُ‬
‫فهو منزه عن كل ضلل وغواية كما أخبر الله بذلك في كتابه‬
‫ض َّ‬
‫ما غَوَى}[‪ ]274‬فهذه شهادة للرسول‬ ‫م َو َ‬‫حبُك ُ ْ‬‫صا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ما َ‬ ‫العزيز { َ‬
‫صلى الله عليه وسلم بأنه راشد تابع للحق ليس بضال ول غاو‪،‬‬
‫بل هو صلوات الله وسلمه عليه في غاية من الستقامة‬
‫والعتدال والسداد والهداية‪.‬‬

‫وإجماع المة منعقد على ذلك قال الرازي[‪" :]275‬واجتمعت المة‬


‫على أن النبياء معصومون عن الكفر والبدعة"[‪.]276‬‬
‫وقال شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬ففي الجملة كل ما يقدح في‬
‫نبوتهم وتبليغهم عن الله تعالى فهم متفقون على تنزيههم عنه"[‬
‫‪.]277‬‬
‫وقال المدي[‪" :]278‬فما كان منها كفرا فل نعرف خلفا بين أهل‬
‫الشرائع في عصمتهم عنه"[‪.]279‬‬
‫ولم يخالف هذا الجماع إل من ل يعتد بخلفهم[‪.]280‬‬
‫والمعلوم من خلل سيرته صلى الله عليه وسلم أنه كان حربا‬
‫على الكفر والشرك على‬
‫اختلف صوره وألوانه‪ ،‬فلم يدع طريقا أو سبيل لهدم الشرك‬
‫والكفر إل وقد سلكه مستخدما في ذلك لسانه وسنانه‪ ،‬وهذا كله‬
‫يؤكد عصمته صلى الله عليه وسلم من الكفر والشرك وهذا أمر‬
‫مشتهر وأعظم من أن يحتاج إلى دليل يؤكده‪.‬‬
‫ج‪ -‬عصمته من الكذب في غير الوحي والتبليغ‪.‬‬
‫من المعروف عن سيرته صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وبعدها‬
‫أنه متصف بكل خلق فاضل من صدق وأمانة وبر وصلة رحم‬
‫وإحسان وجود إلى غير ذلك من محاسن الخلق التي جبله الله‬
‫عليها منذ نشأته‪ ،‬وحري به صلى الله عليه وسلم أن يكون كذلك‬
‫فقد اختاره الله لحمل المانة العظمى التي هي أداء الرسالة‬
‫وتبليغها إلى الناس كافة‪ ،‬فكان لبد من إعداده لهذه المهمة‪ ،‬ولذا‬
‫فقد فطره الله على كل خلق فاضل كريم وقد جمع الله له‬
‫خصال الخير كلها‪ ،‬فلم يكن يدعى إل بالمين‪ ،‬ومن الدلة التي‬
‫يستدل بها على اتصافه بالصدق قبل بعثته ما يلي‪:‬‬
‫ا‪ -‬قول خديجة بنت خويلد[‪ ]281‬رضي الله عنها حينما أتاها النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم خائفا بعد أن لقيه جبريل في غار حراء‬
‫وقال لها‪" :‬إني قد خشيت على نفسي"‪ ،‬فقالت له‪" :‬كل أبشر‪،‬‬
‫فوالله ل يخزيك الله أبدا‪ ،‬فوالله إنك لتصل الرحم وتصدق‬
‫الحديث‪ ،‬وتحمل الكل‪ ،‬وتكسب المعدوم‪ ،‬وتقري الضيف‪ ،‬وتعين‬
‫على نوائب الحق"[‪.]282‬‬
‫‪ -2‬إجماع قرييش على القرار بصدقه حينما جمعها ليصدع‬
‫بالدعوة جهرا فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال‪" :‬لما نزلت‬
‫شيرت َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ن}[‪ ]283‬صعد النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫ك اْلقَْربِي َ‬ ‫{وَأنْذِْر ع َ ِ َ‬
‫على الصفا فجعل ينادي‪" :‬يا بني فهريا بني عدي" ‪ -‬لبطون‬
‫قريش ‪ -‬حتى اجتمعوا‪ ،‬فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج‬
‫أرسل رسول لينظر ما هو‪ ،‬فجاء أبو لهب[‪ ]284‬وقريش‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫"أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيل بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم‬
‫مصدقي"‪ .‬قالوا‪ :‬ما جربنا عليك إل صدقا‪.‬‬
‫قال‪" :‬فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد‪ " ...‬الحديث[‪]285‬‬
‫فالشاهد من الحديث قولهم "ما جربنا عليك إل صدقا" فالنبي‬
‫صلى الله عليه وسلم انتزع منهم هذه الشهادة الجماعية بصدقه‬
‫وانتفاء الكذب عنه‪ ،‬لعلمه بما قد سيقع من تكذيبهم له عند‬
‫إخبارهم بأمر الرسالة‪.‬‬
‫‪ -3‬على تكذيب قريش للنبي صلى الله عليه وسلم في دعوة‬
‫النبوة إل أن أحدا منهم لم يجرؤ على وصفه بالكذب في سواها‬
‫فقد قال أبو جهل[‪ ]286‬للنبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬إنا ل نكذبك‪،‬‬
‫مل‬ ‫فأنزل الله تعالى‪{ :‬فَإِنَّهُ ْ‬ ‫َّ‬
‫ولكن نكذب الذي جئت به[‪]287‬‬
‫َ‬
‫ن}[‪.]288‬‬ ‫حدُو َ‬
‫ج َ‬
‫ت اللهِ ي َ ْ‬ ‫ن بِآيَا ِ‬ ‫ن الظ ّال ِ ِ‬
‫مي َ‬ ‫ك وَلَك ِ َّ‬
‫يُكَذِّبُون َ َ‬
‫وكذلك عندما سأل الخنس بن شريق[‪ ]289‬أبا جهل بعد ما خل به‬
‫يوم بدر فقال‪" :‬يا أبا الحكم‪ ،‬أخبرني عن محمد أصادق هو أم‬
‫كاذب؟ فإنه ليمر ههنا من قريش أحد غيري وغيرك يسمع كلمنا‪،‬‬
‫فقال أبو جهل‪ :‬ويحك‪ ،‬والله إن محمدا لصادق‪ ،‬وما كذب محمد‬
‫قط‪ ،‬ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والحجابة والسقاية والنبوة‪،‬‬
‫فماذا يكون لسائر قريش؟"[‪.]290‬‬
‫‪ -4‬ومما يستدل به كذلك جواب أبي سفيان[‪ ]291‬لهرقل[‪]292‬‬
‫عندما سأله عن النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬عندما أرسل إليه‬
‫في ركب من قريش وكانوا تجارا بالشام في المدة التي كان‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم هادن فيها أبا سفيان وكفار‬
‫قريش‪ ،‬فكان مما سأله عنه‪ :‬فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن‬
‫يقول ما قال؟‬
‫فقال أبو سفيان‪ :‬ل‬
‫فقال هرقل‪ :‬ما كان ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله[‬
‫‪.]293‬‬
‫وبعد فهذه نماذج على صدقه صلى الله عليه وسلم وعصمته من‬
‫الكذب قبل بعثته‪.‬‬
‫وكذا الحال بعد بعثته صلى الله عليه وسلم فهذه أخبار نبينا‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم وآثاره وسيره وشمائله معتنى بها‬
‫مستوفاة تفاصيلها لم يرد في شيء منها تداركه صلى الله عليه‬
‫وسلم لخبر صدر منه رجوعا عن كذبة كذبها‪ ،‬أو اعترافا بخلف‬
‫في خبر أخبر به ولو وقع شيء من ذلك لنقل إلينا‪.‬‬
‫ومن المعلوم من دين الصحابة وعادتهم مبادرتهم إلى تصديق‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم في جميع أقواله والثقة بجميع إخباره‬
‫في أي باب كانت وعن أي شيء وقعت دون توقف أو تردد في‬
‫شيء منها أو استثبات عن حاله تلك هل وقع فيها سهوا أم ل"[‬
‫‪.]294‬‬
‫وهذا كله يؤكد عصمته صلى الله عليه وسلم من الكذب بأي حال‬
‫من الحوال‪.‬‬
‫قال القاضي عياض‪" :‬وأما أقواله الدنيوية من إخباره عن أحواله‬
‫وأحوال غيره وما يفعله أو فعله فقد قدمنا أن الخلف فيها ممتنع‬
‫عليه في كل حال وعلى أي وجه من عمد أو سهو‪ ،‬أو صحة أو‬
‫مرض‪ ،‬أو رضا أو غضب وأنه معصوم منه صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫هذا فيما طريقه الخبر المحض مما يدخله الصدق والكذب‪ ،‬فأما‬
‫المعاريض الموهم ظاهرها خلف باطنها فجائز ورودها منه في‬
‫المور الدنيوية ل سيما لقصد المصلحة كتوريته عن وجه مغازيه‬
‫لئل يأخذ العدو حذره‪.‬‬
‫وكما روي من ممازحته ودعابته لبسط أمته وتطييب قلوب‬
‫المؤمنين من صحابته‪ ،‬وتأكيدا في تحببهم ومسرة نفوسهم‪،‬‬
‫كقوله‪" :‬إني حاملك على ولد الناقة"[‪ ،]295‬وقوله للمرأة التي‬
‫سألته عن زوجها‪" :‬أهو الذي بعينه بياض"[‪ ]296‬وهذا كله صدق‬
‫لن كل جمل ابن ناقة‪ ،‬وكل إنسان بعينه بياض‪ ،‬وقد قال صلى‬
‫الله عليه وسلم‪" :‬إني أمزح ول أقول إل حقا"[‪.]297‬‬
‫د‪ -‬عصمته صلى الله عليه وسلم من الكبائر التي دون الشرك‪:‬‬
‫جبل الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم على كل خلق فاضل‬
‫ق عَظِيمٍ}[‪ ]298‬فخلقه بأكرم‬ ‫ك لَعَلَى ُ ُ‬‫كريم قال تعالى‪{ :‬وَإِن َّ َ‬
‫خل ٍ‬
‫السجايا‪ ،‬وجميل الخلق‪ ،‬وحسن الطوية وصفات الخير جميعها‪،‬‬
‫كما نزهه عن كل ما يحط من قدره وينقص من منزلته‪ ،‬قال‬
‫ض َّ‬
‫ما غَوَى}‪ ،‬فهو صلى الله عليه وسلم‬ ‫م وَ َ‬‫حبُك ُ ْ‬ ‫صا ِ‬
‫ل َ‬ ‫ما َ‬
‫تعالى‪َ { :‬‬
‫منزه من كل ضلل وغواية‪ ،‬وقد كان من صيانة الله وحفظه له‬
‫أن حماه من أقذار الجاهلية قبل مبعثه ونزول الوحي إليه‪ ،‬فهو‬
‫معصوم عن كل ما يحط من قدره ويدق في شخصه ومما ورد‬
‫في هذا الشأن من الحاديث ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه‪" :‬أن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم كان ينقل معهم الحجارة للكعبة وعليه إزاره‪،‬‬
‫فقال له العباس عمه[‪ :]299‬يا ابن أخي لو حللت إزارك‪ ،‬فجعلته‬
‫على منكبك دون الحجارة‪ ،‬قال‪ :‬فحله على منكبه فسقط مغشيا‬
‫عليه فما رؤي بعد عريانا صلى الله عليه وسلم"[‪.]300‬‬
‫‪ -‬وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه سمعت رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم يقول‪" :‬ما هممت بشيء مما كان أهل‬
‫الجاهلية يهمون به من النساء إل ليلتين كلتاهما عصمني الله‬
‫منهما‪ ،‬قلت ليلة لبعض فتيان مكة ونحن في رعاية غنم أهلنا‪،‬‬
‫فقلت لصاحبي أبصر لي غنمي حتى أدخل مكة فأسمر بها كما‬
‫يسمر الفتيان‪ ،‬فقال‪ :‬بلى‪ ،‬فدخلت حتى إذا جئت أول دار مكة‬
‫سمعت عزفا بالغرابيل والمزامير قلت‪ :‬ما هذا؟ فقيل‪ :‬تزوج‬
‫فلن فلنة‪ ،‬فجلست أنظر وضرب الله على أذني فوالله ما‬
‫أيقظني إل مس الشمس‪ ،‬فرجعت إلى صاحبي فقال‪ :‬ما فعلت؟‪،‬‬
‫قلت‪ :‬ما فعلت شيئا‪ ،‬ثم أخبرته بالذي رأيت‪ ،‬ثم قلت له ليلة‬
‫أخرى‪ :‬أبصر لي غنمي حتى أسمر بمكة‪ ،‬ففعل فدخلت فلما‬
‫جئت مكة سمعت مثل الذي سمعت تلك الليلة فجلست أنظر‬
‫وضرب الله على أذني فوالله ما أيقظني إل مس الشمس‬
‫فرجعت إلى صاحبي فقال‪ :‬ما فعلت؟‪ ،‬قلت‪ :‬ل شيء ثم أخبرته‬
‫الخبر‪ ،‬فوالله ما هممت ول عدت بعدهما لشيء من ذلك حتى‬
‫أكرمني الله بنبوته"[‪.]301‬‬
‫وعن علي رضي الله عنه قال‪ :‬قيل للنبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫هل عبدت وثنا قط؟‪،‬‬
‫قال‪" :‬ل"‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬فهل شربت خمرا قط؟‬
‫قال‪" :‬ل ومازلت أعرف أن الذي هم عليه كفر وما كنت أدري ما‬
‫الكتاب ول اليمان"[‪.]302‬‬
‫فهذا عن عصمته قبل مبعثه فما بالك بعد مبعثه والمر ل يتعلق‬
‫بنفسه فقط بل يتعداه لغيره بكونه هو القدوة ومعلم الناس‬
‫وهاديهم ومرشدهم بل إن كل قول من أقواله وكل فعل من‬
‫أفعاله يعد تشريعا تأخذ به أمته إلى أن يرث الله الرض ومن‬
‫عليها‪ ،‬فأمر عصمته صلى الله عليه وسلم من الكبائر أمر دلت‬
‫عليه النصوص من القرآن والسنة ويكفي المسلم أن يقرأ في‬
‫ق عَظِيمٍ} فهذه تزكية من الله‬ ‫ك لَعَلَى ُ ُ‬
‫ذلك قوله تعالى‪{ :‬وَإِن َّ َ‬
‫خل ٍ‬
‫لرسوله صلى الله عليه وسلم توجب سلمته من كل ما يحط من‬
‫منزلته ويقدح في نبوته بما في ذلك الكبائر‪.‬‬
‫وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬أما والله إني لخشاكم لله‬
‫وأتقاكم له" الحديث[‪ ]303‬ومما يندرج تحت هذه الخشية والتقوى‪،‬‬
‫بُعده عن كل ما يسخط الرب عز وجل ومن ضمن ما يسخطه‬
‫ارتكاب الكبائر‪ ،‬فهو صلى الله عليه وسلم أبعد الناس عنها‬
‫لكمال لخشيته وتقواه لربه عزوجل‪ ،‬فلقد زكاه الله وطهر نفسه‬
‫ولم يجعل للشيطان عليه من سبيل‪ ،‬وقد تقدم إيراد الحديث‬
‫الذي جاء فيه أن جبريل شق قلب النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫وهو صغير فاستخرج منه علقة وقال‪ :‬هذا حظ الشيطان منك[‬
‫‪.]304‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬مسألة وقوع الخطأ منه‪:‬‬


‫تقدم ذكر المور التي عصم فيها صلى الله عليه وسلم وبقي أن‬
‫نعلم هل يقع الخطأ منه في غير ما تقدم؟‪ ،‬والجواب على هذا‪:‬‬
‫أن القول الذي عليه أكثر علماء السلم[‪ ]305‬والذي دلت عليه‬
‫نصوص القرآن والسنة أن الخطأ يقع منه صلى الله عليه وسلم‬
‫في غير ما تقدم ذكره ولكنهم يعتقدون المور التالية‪:‬‬
‫ا‪ -‬أن الله ل يقره على هذا الخطأ الذي وقع منه صلى الله عليه‬
‫وسلم بل يوجهه الله للحق وقد يحصل له العتاب على ذلك‪.‬‬
‫‪ -2‬أن الخطأ يقع منه صلى الله عليه وسلم على سبيل الجتهاد‬
‫من غيرأن يتعمده ولذلك ل تسمى "معصية" فهذه العبارة تعد‬
‫إساءة أدب معه صلى الله عليه وسلم ول يصح إطلقها في حقه‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -3‬أن ما يقع منه من هذا القبيل ليس مما يقدح في حقه أو‬
‫ينقص من منزلته وقدره‪ ،‬ولقد سبق بيان المور التي عصم فيها‬
‫صلى الله عليه وسلم وتلك المور هي التي في حالة وقوعها‬
‫تقدح في حقه ومنزلته‪ ،‬وقد عصم فيها‪.‬‬
‫‪ -4‬أن التوبة حاصلة منه عن هذا الخطأ‪ ،‬وهذا مما يرفع من قدره‬
‫ويعلي منزلته[‪ ]306‬كما أن الله قد وعده بالمغفرة بقوله تعالى‪:‬‬
‫ما تَأ َ َّ‬ ‫َ َ َ‬
‫خر}[‪.]307‬‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ن ذ َنْب ِ َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ما تَقَد َّ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫{لِيَغْفَِر ل‬
‫وأما النصوص التي يستدل بها على هذا القول فمنها‪:‬‬
‫َ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما يُدْرِيك لعَل ُ‬
‫ه‬ ‫مى‪ ،‬وَ َ‬ ‫جاءَه ُ الع ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫س وَتَوَل ّى‪ ،‬أ ْ‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬ع َب َ َ‬
‫يََّزكَّى}[‪ .]308‬فهذه اليات نزلت عتابا من الله تعالى لنبيه صلى‬
‫الله عليه وسلم[‪ ]309‬فقد ذكر غير واحد من المفسرين أن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم كان يوما يخاطب بعض عظماء قريش‬
‫وقد طمع في إسلمه فبينما هو يخاطبه ويناجيه إذ أقبل ابن أم‬
‫مكتوم[‪ ]310‬وكان ممن أسلم قديما فجعل يسأل رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم من شيء ويلح عليه وود النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم أن لو كف ساعته ليتمكن من مخاطبة ذلك الرجل‬
‫طمعا ورغبة في هدايته‪ ،‬وعبس في وجه ابن أم مكتوم وأعرض‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫جاءَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫س وَتَوَل ّى‪ ،‬أ ْ‬ ‫عنه وأقبل على الخر َفأنزل الله تعالى‪{ :‬ع َب َ َ‬
‫ه يََّزكَّى}[‪.]311‬‬ ‫ك لَعَل ّ ُ‬ ‫ما يُد ْ ِري َ‬ ‫مى‪َ ،‬و َ‬
‫َ‬
‫الع ْ َ‬
‫ن‬ ‫حتَّى يُث ْ ِ‬ ‫وكذلك قوله تعالى {ما كَان لِنبي أ َن يكُون ل َ َ‬
‫خ َ‬ ‫سَرى َ‬
‫َّ‬
‫هأ ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ ِ ٍّ ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه ع َزِيٌز‬ ‫خَرة َ وَالل ُ‬ ‫ه يُرِيد ُ اْل ِ‬ ‫ض الدُّنْيَا وَالل ّ ُ‬ ‫ن عََر َ َ‬ ‫ريدُو َ‬ ‫ِ‬ ‫ض تُ‬‫ِ‬ ‫فِي اْلَْر‬
‫ب‬ ‫م عَذ َا ٌ‬ ‫خذ ْت ُ ْ‬ ‫ما أ َ َ‬
‫م فِي َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫م َّ‬‫سبَقَ ل َ َ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِ‬ ‫م‪ ،‬لَوْل كِتَا ٌ‬ ‫حكِي ٌ‬ ‫َ‬
‫م}[‪.]312‬‬ ‫عَظِي ٌ‬
‫َ َ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ن لك الذِي َ‬ ‫حتَّى يَتَبَي ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ت لَهُ ْ‬ ‫م أذِن ْ َ‬ ‫ك لِ َ‬ ‫ه ع َن ْ َ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬عَفَا الل ّ ُ‬
‫ن}[‪.]313‬‬ ‫م الْكَاذِبِي َ‬ ‫صدَقُوا َوتَعْل َ َ‬ ‫َ‬
‫قال قتادة‪" :‬ثنتان فعلهما النبي صلى الله عليه وسلم ولم يؤمر‬
‫بهما‪ ،‬إذنه لطائفة من المنافقين في التخلف عنه ولم يكن له أن‬
‫يمضي شيئا إل بوحي‪ ،‬وأخذه من السارى الفدية‪ ،‬فعاتبه الله كما‬
‫تسمعون"[‪.]314‬‬
‫وأما ما يقع من الخطأ منه في جانب المور الدنيوية فمن الدلة‬
‫على ذلك حديث رافع بن خديج[‪ ]315‬رضي الله عنه قال‪" :‬قدم‬
‫نبي الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يؤبرون النخل‪،‬‬
‫يقولون‪ :‬يلقحون النخل‪ ،‬فقال‪ :‬ما تصنعون؟ قالوا‪ :‬كنا نصنعه‪.‬‬
‫قال‪ :‬لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرا‪ .‬فتركوه‪ ،‬فنقصت قال‪:‬‬
‫فذكروا ذلك له‪ ،‬فقال‪" :‬إنما أنا بشر‪ ،‬إذا أمرتكم بشيء من‬
‫دينكم فخذوا به‪ ،‬وإذا أمرتكم بشيء من رأي فإنما أنا بشر"[‪.]316‬‬
‫وفى رواية أنس‪" :‬أنتم أعلم بأمر دنياكم"[‪ ،]317‬وفى رواية‬
‫طلحة‪" :‬إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه‪ ،‬فإني إنما ظننت ظنا فل‬
‫تؤاخذوني بالظن‪ ،‬ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا فخذوا به فإني‬
‫ل أكذب على الله عز وجل"[‪ ،]318‬وكما حكى ابن اسحاق[‪ ]319‬أنه‬
‫صلى الله عليه وسلم لما نزل بأدنى مياه بدر قال له الحباب بن‬
‫المنذر[‪ :]320‬أهذا منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه أم هو‬
‫الرأي والحرب والمكيدة؟ قال‪" :‬ل بل هو الرأي والحرب‬
‫والمكيدة"‪ ،‬قال‪ :‬فإنه ليس بمنزل‪ ،‬انهض حتى نأتي أدنى ماء من‬
‫القوم فننزله ثم نغور ما وراءه من القلب‪ ،‬فنشرب ول يشربون‪،‬‬
‫فقال‪" :‬أشرت بالرأي"‪ ،‬وفعل ما قاله[‪.]321‬‬
‫قال القاضي عياض‪" :‬فمثل هذا وأشباهه من أمور الدنيا التي ل‬
‫مدخل فيها بعلم ديانة ول اعتقادها ول تعليمها‪ ،‬يجوز عليه فيه ما‬
‫ذكرنا[‪ ]322‬إذ ليس في هذا كله نقيصة ول محطة‪ ،‬وإنما هي أمور‬
‫اعتيادية يعرفها من جربها‪ ،‬وجعلها همه وشغل نفسه بها‪ ،‬والنبي‬
‫صلى الله عليه وسلم مشحون القلب بمعرفة الربوبية ملن‬
‫الجوانح بعلوم الشريعة‪ ،‬مقيد البال بمصالح المة الدينية‬
‫والدنيوية‪ ،‬ولكن هذا[‪ ]323‬إنما يكون في بعض المور‪ ،‬ويجوز في‬
‫النادر فيما سبيله التدقيق في حراسة الدنيا واستثمارها‪ ،‬ل في‬
‫الكثير المؤذن بالبله والغفلة"[‪.]324‬‬
‫وكذلك المر بالنسبة لحكام البشر الجارية على يديه وقضاياهم‪،‬‬
‫ومعرفة المحق من المبطل‪ ،‬وعلم المصلح من المفسد‪ ،‬فهذه‬
‫أمور اجتهادية يجتهد فيها برأيه فقد قال صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫"إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من‬
‫بعض فأقضي له على نحوما أسمع منه فمن قطعت له من حق‬
‫أخيه شيئا فل يأخذه فإنما أقطع له به قطعة من النار"[‪.]325‬‬
‫قال القاضي عياض‪" :‬وتجرى أحكامه صلى الله عليه وسلم على‬
‫الظاهر وموجب غلبات الظن بشهادة الشاهد‪ ،‬ويمين الحالف‪،‬‬
‫ومراعاة الشبه‪ ،‬ومعرفة العفاص والوكاء مع مقتضى حكمة الله‬
‫في ذلك"[‪.]326‬‬
‫فاقتضت حكمته تعالى أن ل يكون معصوما في هذا الجانب وذلك‬
‫حتى تقتدي به المة من بعده في النظر في القضايا والحكام‬
‫على ما كان يقضي به بين الناس‪ ،‬لنه قد استوى في ذلك هو‬
‫وغيره من الناس‪.‬‬
‫وكذا المور بالنسبة لما يقع عليه من السقام والمراض فهو‬
‫صلى الله عليه وسلم بشر من البشر يقع عليه مثل ما يقع على‬
‫غيره من البشر‪.‬‬
‫وهذا هو الحق الذي دلت وأرشدت عليه النصوص الثابتة في‬
‫القرآن والسنة‪ .‬وهذا هو القول الوسط يين أهل الفراط وأهل‬
‫التفريط في هذه المسألة‪ .‬فمن فال بالعصمة المطلقة وهم‬
‫الرافضة[‪ ]327‬وبعض المعتزلة[‪ ]328‬وبعض المتأخرين[‪ ]329‬فهؤلء‬
‫قد خالفوا نصوص القرآن والسنة وتعسفوا في دفعها وتأويلها‬
‫بتأويلت هي من جنس تأويلت الجهمية[‪ ]330‬والباطنية[‪ ]331‬ومن‬
‫تدبر تلك التأويلت تبين له فسادها وعرف أنها من باب تحريف‬
‫الكلم عن مواضعه[‪.]332‬‬
‫وأما من نفى عنه العصمة من الذنوب وأجاز عليه القدام على‬
‫الكبائر والصغائر وهم الكرامية[‪ ]333‬والزارقة[‪ ]334‬والفضيلية[‪]335‬‬
‫وغيرهم[‪ ]336‬فهؤلء قوم فرطوا في حق النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فذكروا عنه ما دل القرآن والسنة على براءته منه‪،‬‬
‫وأضافوا إليه ذنوبا نزهه الله منها فقولهم هذا مخالف للقرآن‬
‫والسنة وواضح البطلن‪.‬‬

‫________________________________________‬
‫[‪ ]1‬الية (‪ )40‬من سورة الحزاب‪.‬‬
‫[‪ ]2‬انظر‪ :‬لسان العرب مادة "نبأ" (‪ ،)163 -1/162‬ومعجم مقاييس‬
‫اللغة (‪.)385 ،384 /5‬‬
‫[‪ ]3‬شعب اليمان للبيهقي‪ ،‬الباب الثاني من شعب اليمان (ص‬
‫‪ )275‬رسالة ماجستير في الجامعة السلمية بتحقيق فالح بن‬
‫ثاني‪.‬‬
‫[‪ ]4‬المصدر السابق (ص ‪ ،)275‬وشرح العقيدة الطحاوية (ص ‪.)167‬‬
‫[‪ ]5‬أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ محمد المين‬
‫الشنقيطي (‪.)735 /5‬‬
‫[‪ ]6‬كتاب النبوات لشيخ السلم ابن تيمية (ص ‪.)255‬‬
‫[‪ ]7‬الية (‪ )52‬من سورة الحج‪.‬‬
‫[‪ ]8‬أضواء البيان (‪.)735 /5‬‬
‫[‪ ]9‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب النبياء‪ :‬باب ما ذكر عن‬
‫بني إسرائيل‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )495 /6‬ح ‪ .3455‬وأخرجه مسلم‬
‫في صحيحه‪ ،‬كتاب المارة‪ :‬باب المر بالوفاء ببيعة الخلفاء الول‬
‫فالول (‪.)17 /6‬‬
‫[‪ ]10‬النهاية في غريب الحديث (‪.)421 /2‬‬
‫[‪ ]11‬الية (‪ )34‬من سورة غافر‪.‬‬
‫[‪ ]12‬اليتان (‪ )164 -163‬من سورة النساء‪.‬‬
‫[‪ ]13‬المفردات في غريب القرآن تأليف أبي القاسم حسين محمد‬
‫المعروف بالراغب الصفهاني (ص ‪ )195‬مادة "رسل"‪.‬‬
‫[‪ ]14‬المصدر السابق (ص ‪ )195‬ولسان العرب مادة "رسل" (‪/11‬‬
‫‪.)284‬‬
‫[‪ ]15‬المصدر السابق (ص ‪ )195‬ولسان العرب مادة "رسل" (‪/11‬‬
‫‪.)284‬‬
‫[‪ ]16‬شعب اليمان للبيهقي (ص ‪ )276 -275‬بتحقيق فلح بن ثاني‪،‬‬
‫وشرح العقيدة الطحاوية (ص ‪.)167‬‬
‫[‪ ]17‬أضواء البيان (‪.)735 /5‬‬
‫[‪ ]18‬النبوات (ص ‪.)256 -255‬‬
‫[‪ ]19‬اليتان (‪ )8-7‬من سورة الحديد‪.‬‬
‫[‪ ]20‬الية (‪ )8‬من سورة التغابن‪.‬‬
‫[‪ ]21‬الية (‪ )136‬من سورة النساء‪.‬‬
‫[‪ ]22‬الية (‪ )9‬من سورة الفتح‪.‬‬
‫[‪ ]23‬الية (‪ )158‬من سورة العراف‪.‬‬
‫[‪ ]24‬الية (‪ )15‬من سورة الحجرات‪.‬‬
‫[‪ ]25‬الية (‪ )132‬من سورة آل عمران‪.‬‬
‫[‪ ]26‬الية (‪ )24‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫[‪ ]27‬الشفا للقاضي عياض (‪ )538 /2‬بتصرف‪.‬‬
‫[‪ ]28‬الية (‪ )13‬من سورة الفتح‪.‬‬
‫[‪ ]29‬الية (‪ )85‬من سورة آل عمران‪.‬‬
‫[‪ ]30‬أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب اليمان‪ :‬باب‬
‫المر بقتال الناس حتى يقولوا ل إله إل الله محمد رسول الله (‪/1‬‬
‫‪.)39‬‬
‫[‪ ]31‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب اليمان‪ :‬باب {فَإ ِ ْ‬
‫ن تَابُوا‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫م}‪ ،‬انظر‪ :‬فتح الباري (‪/1‬‬ ‫سبِيلَهُ ْ‬
‫خل ّوا َ‬ ‫صلة َ وَآتَوُا الَّزكَاة َ ف َ‬‫موا ال َّ‬
‫وَأقَا ُ‬
‫‪ )75‬ح ‪ .25‬وأخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب اليمان‪ :‬باب المر‬
‫بقتال الناس حتى يقولوا ل إله إل الله محمد رسول الله‪ ,‬انظر (‬
‫‪.)39 /1‬‬
‫[‪ ]32‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب اليمان‪ :‬باب وجوب‬
‫اليمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس‬
‫ونسخ الملل بملته (‪.)93 /1‬‬
‫[‪ ]33‬تقدم تخريجه (ص ‪.)31‬‬
‫[‪ ]34‬أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب اليمان‪ :‬باب‬
‫المر باليمان بالله ورسوله وشرائع الدين والدعاء إليه (‪،)35 /1‬‬
‫وأخرجه بنحوه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب التوحيد‪ :‬باب ما جاء‬
‫في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تبارك‬
‫وتعالى‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري ( ‪ )347 /1‬ح ‪.7372‬‬
‫[‪ ]35‬إيضاح الدللة في عموم الرسالة لشيخ السلم ابن تيمية‬
‫مطبوعة ضمن مجموعة الرسائل المنيرية‪ .‬انظر‪.)99 /2( :‬‬
‫[‪ ]36‬الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (‪.)126 /1‬‬
‫[‪ ]37‬الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لشيخ السلم ابن‬
‫تيمية (‪.)140 /1‬‬
‫[‪ ]38‬من تلك المؤلفات‪ :‬دلئل النبوة لبي نعيم الصبهاني‪ ،‬ودلئل‬
‫النبوة لقوام السنة الصبهاني‪ ،‬ودلئل النبوة للبيهقي‪ ،‬والخصائص‬
‫الكبرى للسيوطي‪.‬‬
‫[‪ ]39‬الية (‪ )9‬ش سورة الحجر‪.‬‬
‫[‪ ]40‬أخرجه البخارى في صحيحه‪ ،‬كتاب العتصام بالكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬باب قول النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬بعثت بجوامع‬
‫الكلم" واللفظ له‪ ،‬انظر فتح الباري (‪ )247 /3‬ح ‪ .7274‬وأخرجه‬
‫مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب اليمان‪ :‬باب وجوب اليمان برسالة‬
‫نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس ونسخ الملل‬
‫بملته‪ .‬انظر (‪.)93 ،92 /1‬‬
‫[‪ ]41‬الية (‪ )31‬من سورة النفال‪.‬‬
‫[‪ ]42‬اليتان (‪ )34 -33‬من سورة الطور‪.‬‬
‫[‪ ]43‬الية (‪ )13‬من سورة هود‪.‬‬
‫[‪ ]44‬الية (‪ )23‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫[‪ ]45‬الية (‪ )24‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫[‪ ]46‬الية (‪ )8‬من سررة السراء‪.‬‬
‫[‪ ]47‬انظر مجلة البحوث السلمية‪ ،‬العدد التاسع (ص ‪)28 -27‬‬
‫مقال بعنوان بيان ما يسمى معجزة محمد الخالدة والمعجزة‬
‫القرآنية إعداد هيئة كبار العلماء‪.‬‬
‫[‪ ]48‬الية (‪ )89‬من سورة السراء‪.‬‬
‫[‪ ]49‬اليتان (‪ )2 ،1‬من سورة القمر‪.‬‬
‫[‪ ]50‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب المناقب‪ :‬باب سؤال‬
‫المشركين أن يريهم النبي صلى الله عليه وسلم آية‪ ،‬فأراهم‬
‫انشقاق القمر‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )631 /6‬ح ‪3637‬‬
‫[‪ ]51‬عبد الله بن مسعود الهذلي‪ ،‬أسلم قديما‪ ،‬وهاجر الهجرتين‪،‬‬
‫وشهد بدرا والمشاهد بعدها‪ ،‬وكان أول من جهر بالقرآن بمكة‬
‫وكان من فقهاء الصحابة‪ ،‬توفي عام ‪ 32‬هـ بالمدينة‪.‬‬
‫الصابة‪ )362 ،1/360( :‬رقم ‪.4954‬‬
‫[‪ ]52‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب المناقب‪ :‬باب سؤال‬
‫المشركين أن يريهم النبي صلى الله عليه وسلم آية‪ ،‬فأراهم‬
‫انشقاق القمر‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )631 /6‬ح ‪.3636‬‬
‫[‪ ]53‬الزوراء‪ :‬موضع بالمدينة عند سوقها في ذلك الوقت‪ .‬وفاء‬
‫الوفاء (‪.)1229 /4‬‬
‫[‪ ]54‬أخرجه البخاري في صحيحه واللفظ له‪ ،‬كتاب المناقب‪ :‬باب‬
‫علمات النبوة في السلم‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )6/580‬ح ‪،3572‬‬
‫وأخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الفضائل‪ :‬باب في معجزات‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم (‪.)49 /7‬‬
‫فائدة‪ :‬قال ابن حجر في فتح الباري (‪" :)585 /6‬حديث نبع الماء‬
‫من أصابعه صلى الله عليه وسلم جاء من رواية أنس عند‬
‫الشيخين وأحمد وغيرهم من خمسة طرق‪ .‬وعن جابر بن عبد‬
‫الله من أربعة طرق وعن ابن مسعود عند البخاري والترمذي‪،‬‬
‫وعن ابن عباس عند أحمد والطبراني من طريقين‪ .‬وعن ابن أبي‬
‫ليلى والد عبد الرحمن عند الطبراني"‪ .‬انتهى كلمه‪.‬‬
‫[‪ ]55‬الشفا (‪.)1/402‬‬
‫[‪ ]56‬أبو طلحة‪ :‬اسمه زيد بن سهل بن السود النصاري النجاري‬
‫الخزرجي‪ ،‬مشهور بكنيته‪ ،‬شهد العقبة ثم شهد بدرا وما بعدها‬
‫من المشاهد‪ ،‬توفي عام ‪ 31‬هـ وقيل ‪ 34‬هـ‪.‬‬
‫الصابة (‪ )549 /1‬ت رقم ‪.2905‬‬
‫[‪ ]57‬أم سليم بنت ملحان بن خالد النصارية وهى أم أنس خادم‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتهرت بكنيتها واختلف في‬
‫اسمها فقيل سهلة وقيل رميلة وقيل غير ذلك‪ .‬أسلمت مع‬
‫السابقين من النصار‪ ،‬ولها مواقف مشهودة تدل على فضلها‬
‫ومكانتها‪ .‬الصابة (‪ )442 ،441 /4‬ت رقم ‪.1321‬‬
‫[‪ ]58‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب المناقب‪ :‬باب‪ ،‬علمات‬
‫النبوة في السلم‪ .‬انظر فتح الباري (‪ )586 /6‬ح ‪.3578‬‬

‫[‪ ]59‬الشفا (‪ )419 /1‬بتصرف‪.‬‬


‫[‪ ]60‬الشفا (‪ )470 /1‬وقد ذكر طرفا من هذه الحاديث فمن أراد‬
‫الستزادة فليرجع إليه‪.‬‬
‫[‪ ]61‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الفتن‪ :‬باب إخبار النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم فيما يكون إلى قيام الساعة (‪.)172 /8‬‬
‫[‪ ]62‬مجموع الفتاوى لشيخ السلم ابن تيمية (‪.)422 /3‬‬
‫[‪ ]63‬الية (‪ )85‬من سورة آل عمران‪.‬‬
‫[‪ ]64‬الية (‪ )158‬من سورة العراف‪.‬‬
‫[‪ ]65‬الية (‪ )28‬من سورة سبأ‪.‬‬
‫[‪ ]66‬الية (‪ )79‬من سورة النساء‪.‬‬
‫[‪ ]67‬الية (‪ )174‬من سورة النساء‪.‬‬
‫[‪ ]68‬الية (‪ )2‬من سورة يونس‪.‬‬
‫[‪ ]69‬الية (‪ )52‬من سورة إبراهيم‪.‬‬
‫[‪ ]70‬الية (‪ )1‬من سورة إبراهيم‪.‬‬
‫[‪ ]71‬لفظ "الناس" فيه وجهان‪ :‬أحدهما‪ :‬أن يكون جمعا ل واحد له‬
‫من لفظه وإنما واحده "إنسان" وواحدته "إنسانة"‪ ،‬والوجه الخر‪:‬‬
‫أن يكون أصله "أناس" أسقطت الهمزة منها لكثرة الكلم بها‬
‫تخفيفا‪ ،‬ثم أدخلت اللف واللم المعرفتان‪ ،‬فأدغمت اللم التي‬
‫دخلت مع اللف فيها للتعريف في النون‪ .‬انظر‪ :‬تفسير الطبري (‬
‫‪.)116 /1‬‬
‫[‪ ]72‬لسان العرب (‪ )244 /6‬مادة نوس‪.‬‬
‫[‪ ]73‬اليتان (‪ )6 -5‬من سورة الناس‪.‬‬
‫[‪ ]74‬الية (‪ )6‬من سورة الجن‪.‬‬
‫[‪ ]75‬تفسيرالطرى (‪.)30/356‬‬
‫[‪ ]76‬تفسير ابن كثير (‪.)575 /4‬‬
‫[‪ ]77‬هو محمد بن جرير الطبري‪ ،‬المؤرخ المفسر المام‪ ،‬كان‬
‫مولده سنة أربع وعشرين ومائتين‪ ،‬روى الكثير عن الجم الغفير‪،‬‬
‫صنف التاريخ الحافل‪ ،‬وله التفسير الكامل الذي ل يوجد له نظير‬
‫توفي سنة ‪ 310‬هـ‪ .‬البداية (‪.)147 -145 /1‬‬
‫[‪ ]78‬تفسير الطبري (‪.)86 /9‬‬
‫[‪ ]79‬هو إسماعيل بن عمر بن كثير البصروي الدمشقي‪ ،‬حافظ‬
‫مؤرخ فقيه ولد سنة ‪ 701‬هـ وتوفي سنة ‪ 774‬هـ وهو صاحب كتاب‬
‫تفسير القرآن العظيم والبداية والنهاية‪ .‬شذرات الذهب (‪،)1/231‬‬
‫والعلم (‪.)320 /1‬‬
‫[‪ ]80‬تفسير ابن كثير (‪.)255 -254 /2‬‬
‫[‪ ]81‬الية (‪ )107‬من سورة النبياء‪.‬‬
‫[‪ ]82‬الية (‪ )90‬من سورة النعام‪.‬‬
‫[‪ ]83‬الية (‪ )104‬من سورة يوسف‪.‬‬
‫[‪ ]84‬البة (‪ )1‬من سورة الفرقان‪.‬‬
‫[‪ ]85‬الية (‪ )52‬من سورة القلم‪.‬‬
‫[‪ ]86‬اليتان (‪ )27 ،26‬من سورة التكوير‪.‬‬
‫[‪ ]87‬تفسير القرطبي (‪.)138 /1‬‬
‫[‪ ]88‬الية (‪ )28‬من سورة سبأ‪.‬‬
‫[‪ ]89‬الية (‪ )58‬من سورة العراف‪.‬‬
‫[‪ ]90‬الية (‪ )19‬من سورة النعام‪.‬‬
‫[‪ ]91‬انظر على سبيل المثال‪ ،‬تفسير الطبري (‪)163 ،162 /7‬‬
‫وتفسير ابن كثير (‪.)126 /2‬‬
‫[‪ ]92‬اليتان (‪ )2 ،1‬من سورة الجن‪.‬‬
‫[‪ ]93‬اليات (‪ )31 -30 -29‬من سورة الحقاف‪.‬‬
‫[‪ ]94‬مدينة تقع في تركيا بالقرب من الحدود السورية‪ .‬أطلس‬
‫العالم (ص ‪.)52‬‬
‫[‪ ]95‬كتاب النبوات لبن تيمية (ص ‪.)396‬‬
‫[‪ ]96‬الية (‪ )20‬من سورة آل عمران‪.‬‬
‫[‪ ]97‬الية (‪ )19‬من سورة المائدة‬
‫[‪ ]98‬الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (‪.)112 /1‬‬
‫[‪ ]99‬واسم أبي الدرداء كما قيل عويمر بن عامر‪ ،‬ولعل كنيته هي‬
‫اسمه‪ ،‬أنصاري أسلم يوم بدر وشهد المشاهد بعدها‪ ،‬وكان أحد‬
‫الحكماء العلماء الفضلء توفي في عهد عثمان‪.‬‬
‫الستيعاب (‪.)60 -59 /4‬‬
‫[‪ ]100‬واسمه عبد الله بن عثمان بن عامر‪ :‬ولد بعد الفيل بسنتين‬
‫وسنة أشهر‪ ،‬صحب النبي صلى الله عليه وسلم سنين قبل البعثة‬
‫وسبق إلى اليمان به واستمر معه طوال إقامته بمكة ورافقه‬
‫في الهجرة وفي الغار وفى المشاهد كلها إلى أن مات‪ ،‬وولي‬
‫الخلفة من بعده فكان أول الخلفاء الراشدين‪ ،‬ومناقبه كثيرة‬
‫رضي الله عنه توفي سنة ‪ 13‬هـ‪ .‬الصابة (‪ )336 - 333 /2‬رقم ‪.4817‬‬
‫[‪ ]101‬غامر‪ :‬أي خاصم غيره‪ ،‬ومعناه‪ :‬دخل في غمرة الخصومة‪،‬‬
‫وهي معظمها والمغامر الذي يرمي بنفسه في المور المهلكة‪.‬‬
‫النهاية‪.)384 /3( :‬‬
‫[‪ ]102‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب التفسير‪ :‬باب تفسير‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫ميعاً}‪.‬‬
‫ج ِ‬
‫م َ‬‫ل الل ّهِ إِلَيْك ُ ْ‬ ‫سو‬ ‫ل يَا أيُّهَا النَّا ُ‬
‫س إِنِّي َر ُ‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬قُ ْ‬
‫انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )303 /8‬ح ‪ ،4640‬وأخرجه أيضا في كتاب فضائل‬
‫الصحابة‪ :‬باب قول النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬لو كنت متخذا‬
‫خليل"‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )18 /7‬ح ‪.3661‬‬
‫[‪ ]103‬أخرجه البخارى في صحيحه‪ ،‬كتاب التيمم واللفظ له‪ .‬انظر‬
‫فتح الباري (‪ )436 -435 /1‬ح ‪ ،335‬وكذلك ‪ ،3122 -438‬وأخرجه مسلم‬
‫في صحيحه‪ ،‬كتاب المساجد (‪.)63 /2‬‬
‫[‪ ]104‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب المساجد (‪.)64 /2‬‬
‫[‪ ]105‬أبو ذر الغفاري الزاهد المشهور الصادق اللهجة مختلف في‬
‫اسمه واسم أبيه والمشهور أنه جندب ابن جنادة بن السكن‪،‬‬
‫وكان من السابقين إلى السلم‪ ،‬توفي بالربذة سنة إحدى وثلثين‬
‫وقيل في التي بعدها‪ .‬الصابة (‪ )65 -63 /4‬ت رقم ‪.384‬‬
‫[‪ ]106‬أخرجه أحمد في مسنده (‪ )5/145‬وقال الهيثمي في مجمع‬
‫الزوائد‪" :‬رجاله رجال الصحيح" (‪ ،)259 /8‬وأخرجه أيضا من طرق‬
‫أخر عن ابن عباس (‪ )250 /1‬وأبي أمامة (‪ .)248 /5‬وقال الهيثمي‬
‫في مجمع الزوائد (‪" :)259 /8‬رجال أحمد‪ -‬أي في هذا الحديث‪-‬‬
‫ثقات"‪ ،‬وجد عمروبن شعيب (‪.)22/2‬وقال الهيثمي في مجمع‬
‫الزوائد (‪" :)367 /10‬رجاله ثقات"‪ ،‬وقال أحمد شاكر‪" :‬إسناده‬
‫صحيح" (‪ -)16 /13‬المسند بتحقيقه‪.‬‬
‫[‪ ]107‬تقدم تخريجه‪ .‬انظر (ص ‪.)71‬‬
‫[‪ ]108‬انظر صحيح مسلم بشرح النووي (‪.)188 /2‬‬
‫[‪ ]109‬أخرجه أحمد في مسنده (‪.)398 -396 /4‬‬
‫[‪ ]110‬الكامل في التاريخ لبن الثير (‪.)61 /2‬‬
‫[‪ ]111‬الية (‪ )214‬من سورة الشعراء‪.‬‬
‫[‪ ]112‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الجهاد والسير‪ :‬باب كتب‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الكفار يدعوهم الى الله‬
‫عز وجل (‪.)166 /5‬‬
‫[‪ ]113‬تقع حاليا في الردن‪.‬‬
‫[‪ ]114‬أسامة بن زيد بن حارثة‪ ،‬الحب بن الحب‪ ،‬ولد في السلم‪،‬‬
‫صحابي جليل‪ ،‬توفي سنة أربع وخمسين هجرية‪ .‬الصابة (‪.)46 /1‬‬
‫[‪ ]115‬الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (‪.)124 /1‬‬
‫[‪ ]116‬ديوان أبي الطيب المتنبي (ص ‪)232‬‬
‫[‪ ]117‬لمزيد من التفصيل في هذا الموضوع‪ :‬انظر كتاب الجواب‬
‫الصحيح لمن بدل دين المسيح (‪ )128 /1‬وما بعدها‪.‬‬
‫[‪ ]118‬المحكم لبن سيده (‪ )26 /5‬بتحقيق إبراهيم البياري‪.‬‬
‫[‪ ]119‬لسان العرب (‪.)163 /12‬‬
‫[‪ ]120‬القاموس المحيط (‪ )15 /2‬بترتيب الزاوي‪.‬‬
‫[‪ ]121‬تاريخ العروس للزبيدى (‪.)266 /8‬‬
‫[‪ ]122‬الية (‪ )24‬من سورة محمد‪.‬‬
‫[‪ ]123‬المحكم (‪.)26 /5‬‬
‫[‪ ]124‬لسان العرب (‪.)163 /12‬‬
‫[‪ ]125‬تاج العروس (‪.)266 /8‬‬
‫[‪ ]126‬الية (‪ )26‬من سورة المطففين‪.‬‬
‫[‪ ]127‬الية (‪ )40‬من سورة الحزاب‪.‬‬
‫[‪ ]128‬المحكم (‪.)26 /5‬‬
‫[‪ ]129‬المفردات (ص ‪.)143-142‬‬
‫[‪ ]130‬القاموس (‪ )15 /2‬بترتيب الزاوى‪.‬‬
‫[‪ ]131‬كتاب عقيدة ختم النبوة للدكتور أحمد بن سعد الغامدي‬
‫(ص ‪)13‬‬
‫[‪ ]132‬المصدر السابق (ص ‪.)16‬‬
‫[‪ ]133‬زيد بن حارثة بن شراحيل الكعبي‪ ،‬تبناه النبي صلى الله‬
‫م‬
‫عليه وسلم وكان يدعى زيد بن محمد حتى نزلت الية {ادْع ُوهُ ْ‬
‫م} شهد بدرا وما بعدها واستشهد في غزوة مؤتة‪ .‬الصابة (‬ ‫لبَائِهِ ْ‬
‫‪.)546 -545 /1‬‬
‫[‪ ]134‬تفسير الطبري (‪.)16 /22‬‬
‫[‪ ]135‬تفسير ابن كثير (‪.)494 /3‬‬
‫[‪ ]136‬تفسير الطبري (‪ ،)16 /22‬وتفسير البغوي (‪ )565 /6‬وتفسير‬
‫القرطبي (‪.)196 /14‬‬
‫[‪ ]137‬عاصم بن أبي النجود الضرير الكوفي‪ ،‬أحد القراء السبعة‪،‬‬
‫توفي سنة تسع وعشرين ومائة‪ ،‬وقيل غير ذلك‪ .‬تهذيب التهذيب‬
‫(‪.)40 -5/38‬‬
‫[‪ ]138‬عبد الله بن عامر اليحصبي‪ ،‬أحد القراء السبعة‪ ،‬كان قاضي‬
‫مشق في أيام الوليد بن عبد الملك وإمام مسجد دمشق وتوفي‬
‫بها سنة ثماني عشرة ومائة‪ .‬تهذيب التهذيب (‪.)275 ،274 /5‬‬
‫[‪ ]139‬الية (‪ )3‬من سورة المائدة‪.‬‬
‫[‪ ]140‬كتاب عقيدة ختم النبوة (ص ‪.)28 -27‬‬
‫[‪ ]141‬تفسير ابن كثير (‪.)12 /2‬‬
‫[‪ ]142‬النهس‪ :‬أخذ اللحم بأطراف السنان‪ ،‬والنهش الخذ‬
‫بجميعها‪ .‬النهاية (‪.)136 /5‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ة َ‬‫[‪ ]143‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب التفسير‪ :‬باب {ذُّرِي َّ َ‬
‫شكُوراً}‪ .‬انظر فتح الباري (‪)396 ،8/395‬‬ ‫ن ع َبْدا ً َ‬ ‫ح إِن َّ ُ‬
‫ه كَا َ‬ ‫ملْنَا َ‬
‫معَ نُو ٍ‬ ‫ح َ‬‫َ‬
‫ح ‪ ،4712‬وأخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب اليمان‪ :‬باب أدنى‬
‫الجنة منزلة فيها (‪.)127 /1‬‬
‫[‪ ]144‬ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابي‬
‫مشهور اشتراه ثم أعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فخدمه إلى أن مات‪ .‬ثم تحول إلى الرملة ثم حمص‪ ،‬ومات بها‬
‫سنة ‪ 54‬هـ‪ .‬الصابة (‪ )1/205‬رقم ‪967‬‬
‫[‪ ]145‬أي الذهب والفضة‪ .‬النهاية (‪.)438 /1‬‬
‫[‪ ]146‬أي مجتمعهم‪ ،‬وموضع سلطانهم‪ ،‬ومستقر دعوتهم‪ .‬النهاية (‬
‫‪.)172 /1‬‬
‫[‪ ]147‬أخرجه بهذا اللفظ أبو داود في السنن‪ ،‬كتاب الفتن‬
‫والملحم‪ ،‬باب ذكر الفتن ودلئلها (‪ )452 ،450 /2‬ح ‪ ،4252‬وأخرجه‬
‫المام أحمد في المسند (‪ )278 /5‬وابن ماجة في السنن‪ ،‬كتاب‬
‫الفتن‪ ،‬باب ما يكون من الفتن (‪ ،)1304 /2‬وأخرجه مختصرا مسلم‬
‫في صحيحه إلى قوله "يسبي بعضهم بعضا" كتاب الفتن‪ ،‬باب‬
‫هلك هذه المة (‪،)171 /8‬‬
‫وكذلك أخرج مسلم آخره من قول "ل تزال طائفة من أمتي‪"....‬‬
‫كتاب المارة باب قوله صلى الله عليه وسلم "ل تزال طائفة من‬
‫أمتي ظاهرين‪ ...‬الخ"(‪ ،)52 /6‬وأخرج الترمذي في السنن بعضه‬
‫من قوله "ل تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي ‪ -‬إلى قوله‬
‫‪ -‬ل نبي بعدي" كتاب الفتن ‪:‬باب ما جاء ل تقوم الساعة حتى‬
‫يخرج كذابون (‪ )499 ،498 /4‬ح ‪ ،2218‬وقال هذا حديث حسن صحيح‪.‬‬

‫[‪ ]148‬أخرجه الدارمي في السنن (‪ )27 /1‬وقد اعتبره صاحب‬


‫المشكاة من قسم الحسان وارتضاه اللباني المحقق (‪.)128 /3‬‬
‫[‪ ]149‬البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب المناقب باب خاتم النبيين صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )558 /6‬ح ‪ ،3534‬ومسلم في‬
‫صحيحه‪ ،‬كتاب الفضائل‪ :‬باب ذكر كونه صلى الله عليه وسلم‬
‫خاتم النبيين (‪.)65 /7‬‬
‫[‪ ]150‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب المناقب‪ :‬باب خاتم‬
‫النبيين صلى الله عليه وسلم واللفظ له‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري (‪/6‬‬
‫‪ )558‬ح ‪ ،3535‬وأخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الفضائل‪ :‬باب ذكر‬
‫كونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين (‪.)64 /7‬‬
‫[‪ ]151‬تقدم تخريجه (ص ‪.)64‬‬
‫[‪ ]152‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الصلة‪ :‬باب النهي عن‬
‫قراءة القرآن في الركوع والسجود (‪.)48 /2‬‬
‫[‪ ]153‬سعد بن أبي وقاص واسم أبيه مالك بن أهيب وكان سابع‬
‫من أسلم‪ ،‬وقد شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫المشاهد كلها‪ ،‬وأحد العشرة‪ ،‬وكان مجاب الدعوة وهو أول من‬
‫رمى بسهم في سبيل الله توفي سنة ‪ 54‬هـ‪ .‬الصابة (‪)32 -2/30‬‬
‫رقم ‪.3194‬‬
‫[‪ ]154‬علي بن أبي طالب ولد قبل البعثة بعشر سنين تربى في‬
‫حجر النبي صلى الله عليه وسلم وشهد معه المشاهد كلها ماعدا‬
‫غزوة تبوك‪ ،‬حيث استخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على‬
‫المدينة‪ ،‬وهو رابع الخلفاء الراشدين وأحد العشرة المبشرين‬
‫ومناقبه كثيرة‪ ،‬قتل على يد عبد الرحمن بن ملجم عام ‪ 40‬هـ‪.‬‬
‫الصابة (‪ )503 -2/501‬رقم ‪.5690‬‬
‫[‪ ]155‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب المغازي‪ :‬باب غزوة‬
‫تبوك‪ ،‬انظر فتح الباري (‪ )112 /8‬ح ‪ ،4416‬وأخرجه مسلم في‬
‫صحيحه‪ ،‬كتاب فضائل الصحابة‪ :‬باب من فضائل علي بن أبي‬
‫طالب رضي الله عنه (‪.)120 /7‬‬
‫[‪ ]156‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الفتن واللفظ له‪ .‬انظر‪:‬‬
‫فتح الباري (‪ )82 ،81 /13‬ح ‪ ،7121‬وأخرجه مختصرا مسلم في‬
‫صحيحه‪ ،‬كتاب الفتن‪ :‬باب إذا تواجه المسلمان بسيفيهما (‪)8/170‬‬
‫[‪ ]157‬جابر بن سمرة بن جنادة العامري له ولبيه صحبة‪ ،‬وهو ابن‬
‫أخت سعد بن أبي وقاص‪ ،‬توفي سنة ‪ 74‬هـ‪ .‬الصابة (‪ )213 /1‬رقم‬
‫‪.1018‬‬
‫[‪ ]158‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب المارة‪ :‬باب الناس تبع‬
‫لقريش (‪.)6/4‬‬
‫[‪ ]159‬ويقال إبراهيم بن عبد الله بن قارظ الكناني وهما واحد‪،‬‬
‫روى عن جابر بن عبد الله وأبي هريرة وغيرهم‪ ،‬ذكره ابن حبان‬
‫في الثقات‪ .‬تهذيب التهذيب (‪.)134 /1‬‬
‫[‪ ]160‬أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الحج‪ ،‬باب فضل الصلة‬
‫بمسجدي مكة والمدينة (‪.)125 ،124 /4‬‬
‫[‪ ]161‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب المناقب‪ :‬باب ما جاء‬
‫في أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬انظر‪ :‬فتح الباري (‬
‫‪ )554 /6‬ح ‪ ،3532‬وأخرجه مسلم‪ ،‬كتاب الفضائل‪ :‬باب في أسمائه‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬واللفظ له (‪.)89 /7‬‬
‫[‪ ]162‬وهي رسالة ماجستير مطبوعة‪.‬‬
‫[‪ ]163‬عقيدة ختم النبوة (ص ‪.)55‬‬
‫[‪ ]164‬هو‪ :‬مسيلمة بن ثمامة بن كبير الكذاب‪ ،‬ادعى النبوة في‬
‫آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وذلك في أواخر سنة عشر‬
‫وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم قبل القضاء على فتنته‪ ،‬فلما‬
‫انتظم المر لبي بكر رضي الله عنه‪ ،‬انتدب له خالد بن الوليد‬
‫على رأس جيش قوي فقتل مسيلمة الكذاب‪ .‬البداية (‪،52 -49 /5‬‬
‫‪ )327 -323 /6‬والعلم (‪.)226 /7‬‬
‫[‪ ]165‬طليحة بن خويلد السدي‪ ،‬قدم على النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم في وفد من بني أسد سنة ‪9‬هـ‪ ،‬وأسلموا‪ ،‬ولما رجعوا ارتد‬
‫طليحة‪ ،‬وادعى النبوة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫سير إليه أبو بكر خالد بن الوليد‪ ،‬فانهزم طليحة وفر إلى الشام‬
‫ثم أسلم وحسن بلؤه في الفتوح‪ ،‬واستشهد في نهاوند سنة ‪21‬‬
‫هـ‪ .‬الصابة (‪ )226 /2‬رقم ‪ ،4290‬والعلم (‪.)3/230‬‬
‫[‪ ]166‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كناب الشهادات‪ ،‬باب الشهداء‬
‫العدول‪.‬انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )251 /5‬ح ‪.2641‬‬
‫[‪ ]167‬معالم التنزيل للبغوي (‪.)565 /6‬‬
‫[‪ ]168‬هو‪ :‬عبد الله بن أبي أوفى واسمه علقمة بن خالد السلمي‬
‫له ولبيه صحبة‪ ،‬شهد الحديبية‪ ،‬وروى أحاديث شهيرة نزل‬
‫الكوفة‪ ،‬ومات بها سنة ثمانين‪ .‬الصابة (‪ )271 /2‬رقم ‪.4555‬‬
‫[‪ ]169‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الدب‪ :‬باب من سمى‬
‫بأسماء النبياء‪.‬‬
‫انظر‪ :‬فتح الباري (‪.)10/577‬‬
‫[‪ ]170‬أخرجه أحمد في المسند (‪.)133 /3‬‬
‫[‪ ]171‬واسمه عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن عطية‬
‫المحاربي الغرناطي مفسر فقيه‪ ،‬عارف بالحكام والحديث‪،‬‬
‫توفي سنة ‪ 541‬هـ‪ .‬طبقات المفسرين للداودي (‪)265 /1‬‬
‫والعلم (‪.)3/282‬‬
‫[‪ ]172‬تفسيرالقرطبي (‪.)196 /14‬‬
‫[‪ ]173‬عياض بن موسى بن عياض السبتي‪ ،‬أبو الفضل‪ :‬عالم‬
‫المغرب وإمام أهل الحديث في وقته‪ ،‬توفي عام ‪ 544‬هـ‪ .‬العلم (‬
‫‪.)99 /4‬‬
‫[‪ ]174‬الشفا (‪.)2/1071‬‬
‫[‪ ]175‬محمود بن عبد الله الحسيني اللوسي‪ ،‬مفسر محدث‪،‬‬
‫أديب وهو صاحب كتاب روح المعاني‪ ،‬توفي سنة ‪ 1270‬هـ‪ ،‬العلم‬
‫(‪.)176 /7‬‬
‫[‪ ]176‬روح المعاني (‪.)39 ،32 /22‬‬
‫[‪ ]177‬مجموع الفتاوى (‪ )156 ،155 /5‬بتصرف‪.‬‬
‫[‪ ]178‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب حجة النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم (‪.)41 /4‬‬
‫[‪ ]179‬تفسير ابن كثير (‪.)77 /2‬‬
‫[‪ ]180‬الية (‪ )67‬من سورة المائدة‪.‬‬
‫[‪ ]181‬الية (‪ )82‬من سورة النحل‪.‬‬
‫[‪ ]182‬الية (‪ )54‬من سورة النور‪ ،‬و الية (‪ )18‬من سورة العنكبوت‪.‬‬
‫[‪ ]183‬الية (‪ )48‬من سورة الشورى‪.‬‬
‫[‪ ]184‬زاد المعاد‪ ،‬لبن القيم (‪.)69 /1‬‬
‫[‪ ]185‬الية (‪ )128‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫[‪ ]186‬الية (‪ )39‬من سورة الحزاب‪.‬‬
‫[‪ ]187‬تفسير ابن كثير (‪ )492 /3‬بتصرف‪.‬‬
‫[‪ ]188‬اليتان (‪ )4 ،3‬من سورة النجم‪.‬‬
‫[‪ ]189‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الفضائل‪ :‬باب وجوب‬
‫امتثال ما قاله شرعا (‪.)95 /7‬‬
‫[‪ ]190‬الية (‪ )9‬من سورة الحجر‪.‬‬
‫[‪ ]191‬أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب المارة‪ :‬باب‬
‫قوله من‪" :‬ل تزال طائفة من أمتي‪.)53 ،6/52( "...‬‬
‫[‪ ]192‬أخرجه أحمد في مسنده (‪ )126 /4‬واللفظ له‪ ،‬وابن أبي‬
‫عاصم في السنة (‪ )27 /1‬ح ‪ ،49‬وابن ماجة في السنن‪ ،‬المقدمة‪:‬‬
‫باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين (‪ )16 /1‬ح ‪ ،43‬والحاكم في‬
‫المستدرك (‪ )1/96‬وقال اللباني في ظلل الجنة في تخريج السنة‬
‫(‪.)270 /1‬‬
‫"حديث صحيح"‪.‬‬
‫[‪ ]193‬سلمان أبو عبد الله الفارسي أصله من رامهرمز وقيل من‬
‫أصبهان سمع بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه فتغرب بحثا‬
‫ن الله عليه بالسلم‪.‬‬ ‫عنه وتسبب ذلك إلى وقوعه في الرق وم ّ‬
‫أول مشاهده الخندق‪ ،‬وكان رضي الله عنه خيرا فاضل حبرا‬
‫عالما زاهدا‪ ،‬توفي عام ‪ 35‬هـ‪ .‬الصابة (‪ )61 ،2/60‬رقم ‪.3357‬‬
‫[‪ ]194‬الرجيع‪ :‬القذرة والروث‪ ،‬سمي رجيعا لنه رجع عن حالته‬
‫الولى بعد أن كان طعاما أو علقا‪ .‬النهاية (‪.)203 /2‬‬
‫[‪ ]195‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الطهارة‪ :‬باب الستطابة (‬
‫‪.)154 /1‬‬
‫[‪ ]196‬أخرجه أحمد في مسنده (‪.)153 /5‬‬
‫[‪ ]197‬هي الصديقة أم المؤمنين واسمها عائشة بنت أبي بكر‬
‫الصديق ولدت بعد البعثة بأربع سنوات أو خمس وتزوجها النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم وهي بنت تسع وكانت رضي الله عنها من‬
‫أعلم الصحابة وأفقههم‪ ،‬وكانت أحب نساء النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬توفيت عام ‪58‬هـ‪ .‬الصابة (‪ )350 -348 /4‬رقم ‪.7040‬‬
‫[‪ ]198‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب التفسير‪ :‬باب تفسير‬
‫ك} ‪ ،‬انظر‬ ‫ن َرب ِّ َ‬‫م ْ‬‫ك ِ‬ ‫ل إِلَي ْ َ‬‫ما أُنْزِ َ‬ ‫ل بَل ِّغْ َ‬
‫سو ُ‬ ‫َ‬
‫قوله تعالى { يَا أي ُّ َها الَّر ُ‬
‫فتح الباري (‪ )275 /8‬ح ‪.4612‬‬
‫[‪ ]199‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب التوحيد‪ :‬باب قول الله‬
‫ن لَ ْ‬
‫م تَفْعَ ْ‬
‫ل‬ ‫ك وَإ ِ ْ‬‫ن َرب ِّ َ‬‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ل إِلَي ْ َ‬‫ما أُنْزِ َ‬‫ل بَل ِّغْ َ‬
‫سو ُ‬ ‫َ‬
‫تعالى {يَا أيُّهَا الَّر ُ‬
‫َ‬
‫ه}‪ ،‬انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )503 /13‬ح ‪.7531‬‬ ‫سالَت َ ُ‬
‫ت رِ َ‬ ‫ما بَل ّغْ َ‬
‫فَ َ‬
‫[‪ ]200‬الية (‪ )37‬من سورة الحزاب‪.‬‬
‫[‪ ]201‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪.)13 /22‬‬
‫[‪ ]202‬لسان العرب (‪ )403 /12‬مادة عصم‪.‬‬
‫[‪ ]203‬لسان العرب (‪.)404 /12‬‬
‫[‪ ]204‬المصدر السابق (‪.)405 /12‬‬
‫[‪.)153 ،4/152( ]205‬‬
‫جاج ‪ -‬بفتح الزاي والجيم المشددة ‪ -‬أبو إسحاق إبراهيم‬ ‫[‪ ]206‬الز ّ‬
‫بن السري بن سهل الزجاج النحوي كان عالما أديبا ديِّنا صنف‬
‫كتابا في معاني القرآن‪ ،‬روى عن المبرد وثعلب وغيرهما‪ ،‬توفي‬
‫في بغداد سنة ‪ 311‬هـ‪ .‬وفيات العيان (‪.)32 /1‬‬
‫[‪ ]207‬لسان العرب (‪.)405 /12‬‬
‫[‪ ]208‬ديوان العشى (ص ‪ )37‬بشرح الدكتور محمد حسين‪.‬‬
‫[‪ ]209‬تفسير الطبري (‪.)26 /4‬‬
‫[‪ ]210‬نسيم الرياض في شرح الشفا للقاضي عياض (‪.)39 /4‬‬
‫[‪ ]211‬اليات (‪ 44‬إلى ‪ )47‬من سورة الحاقة‪.‬‬
‫[‪ ]212‬الية (‪ )24‬من سورة الشورى‪.‬‬
‫[‪ ]213‬تفسير ابن كثير (‪.)417 /4‬‬
‫[‪ ]214‬اليات (‪ )75 ،74 ،73‬من سورة السراء‪.‬‬
‫[‪ ]215‬تفسير ابن كثير (‪.)53 /3‬‬
‫[‪ ]216‬طلحة بن عبيد الله بن عثمان التيمي القرشي أبو محمد‪،‬‬
‫أحد العشرة المبشرين بالجنة‪ ،‬وأحد الثمانية السابقين للسلم‪،‬‬
‫توفي سنة ست وثلثين من الهجرة‪ .‬الصابة (‪.)222 ،220 /2‬‬
‫[‪ ]217‬تقدم تخريجه (ص ‪.)122‬‬
‫[‪ ]218‬عبد الله بن عمرو بن العاص أسلم قبل أبيه وكان رضي‬
‫الله عنه فاضل‪ ،‬حافظا عالما‪ ،‬توفي بالشام سنة ‪ 65‬هـ وقيل غير‬
‫ذلك‪ .‬الصابة (‪.)344 -343 /2‬‬
‫[‪ ]219‬أخرجه المام أحمد في مسنده (‪ ،)192 ،162 /2‬وأبو داود في‬
‫سننه‪ ،‬كتاب العلم‪ :‬باب في كتاب العلم (‪ )60 /4‬خ ‪ ،3646‬والحاكم‬
‫في المستدرك (‪ )105 ،1/104‬وصححه ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫[‪ ]220‬أخرجه أحمد في مسنده (‪ .)360 ،2/340‬والترمذي في سننه‪،‬‬
‫كتاب البر والصلة‪ :‬باب مما جاء في المزاح (‪ )357 /4‬ح ‪1990‬‬
‫وقال‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‬
‫[‪ ]221‬الشفا (‪.)746 /2‬‬
‫[‪ ]222‬مجموع الفتاوى (‪.)290 ،289 /10‬‬
‫[‪ ]223‬أي مرضعته‪.‬‬
‫[‪ ]224‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب اليمان‪ ،‬باب السراء‬
‫برسول الله صلى الله عليه وسلم (‪.)102 ،101 /1‬‬
‫[‪ ]225‬أخرجه الحاكم في المستدرك (‪ )217 -216 /3‬وقال حديث‬
‫صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه‪ .‬وأخرجه أبو نعيم في‬
‫دلئل النبوة (ص ‪ .)145‬وأخرجه البيهقي في دلئل النبوة (‪)34 /2‬‬
‫بتحقيق عبد المعطي قلعجي‪ .‬وأورده ابن كثير في البداية والنهاية‬
‫(‪ .)288 /2‬وأورده السيوطي في الخصائص الكبرى (‪.)152 ،151 /1‬‬
‫[‪ ]226‬أم أيمن مولة النبي صلى الله عليه وسلم وحاضنته واسمها‬
‫بركة بنت ثعلبة‪ ،‬وهي أم أسامة بن زيد بن حارثة‪ .‬الصابة (‪/4‬‬
‫‪.)416 ،415‬‬
‫[‪ ]227‬أبو طالب بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫شقيق أبيه كفل النبي صلى الله عليه وسلم وذب عنه ونصره‬
‫بعد بعثته ولم يمت على السلم‪ .‬الصابة (‪.)118 ،115 /4‬‬
‫[‪ ]228‬أخرجه أبو نعيم في دلئل النبوة (ص ‪ .)144‬وأورده‬
‫السيوطي في الخصائص الكبرى (‪ )151 /1‬وعزاه إلى ابن سعد‬
‫وأبي نعيم وابن عساكر‪.‬‬
‫[‪ ]229‬راهب من رهبان النصارى يقال إنه كان من عبد القيس‬
‫وكان اسمه‪ :‬جرجيس‪.‬‬
‫البداية (‪.)286 /2‬‬
‫[‪ ]230‬أخرجه أبو نعيم في دلئل النبوة (ص ‪ ،)128 -125‬وأخرجه‬
‫البيهقي في دلئل النبوة (‪ )27 ،26 /2‬بتحقيق عبد المعطي قلعجي‪.‬‬
‫وأورده السيوطي في الخصائص الكبرى (‪ )144 ،142 /1‬وعزاه‬
‫للبيهقي‪.‬‬
‫[‪ ]231‬أحمد بن عبد الله بن أحمد الصبهاني وأبو نعيم‪ .‬حافظ‬
‫مؤرخ من الثقات في الحفظ والرواية‪ ،‬ولد ومات بأصبهان عام‬
‫‪ 430‬هـ من مؤلفاته‪ :‬حلية الولياء ودلئل النبوة‪ .‬العلم (‪.)157 /1‬‬
‫[‪ ]232‬انظر (ص ‪.)147 -143‬‬
‫[‪ ]233‬أحمد بن الحسين البيهقي‪ ،‬صاحب التصانيف المشهورة‬
‫ومنها‪ :‬السنن الكبرى‪ ،‬وشعب اليمان‪ ،‬ودلئل النبوة‪ ،‬ولد سنة‬
‫‪ 384‬هـ وتوفي سنة ‪ 458‬هـ‪ .‬تذكرة الحفاظ (‪ )1132 /3‬والعلم (‪)1/116‬‬
‫[‪ ]234‬انظر (‪.)42 ،30 /2‬‬
‫[‪ ]235‬عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطى حافظ مؤرخ أديب له‬
‫نحو (‪ 600‬مصنف) ولد سنة ‪ 849‬هـ وتوفي سنة ‪ 911‬هـ‪ .‬العلم (‪/3‬‬
‫‪.)302 -301‬‬
‫[‪ ]236‬انظر‪.)152 ،148 /1( :‬‬
‫[‪ ]237‬هو‪ :‬علي بن محمد بن علي المعروف بالشريف الجرجاني‬
‫ولد سنة ‪ 740‬هـ وتوفي سنة ‪ 816‬هـ له كتاب التعريفات‪ ،‬وشرح‬
‫المواقف وغيرهما‪ .‬العلم (‪.)7 /5‬‬
‫[‪ ]238‬شرح المواقف (ص ‪.)134‬‬
‫[‪ ]239‬أخرجه أبو نعيم في دلئل النبوة (ص ‪ )24‬من عدة طرق‬
‫والحديث له شواهد متعددة أوردها السيوطي في الخصائص‬
‫الكبرى (‪.)66 ،63 /1‬‬
‫[‪ ]240‬الية (‪ )142‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫[‪ ]241‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الصلة‪ :‬باب كراهية‬
‫التعري في الصلة وغيرها‪ .‬انظر فتح الباري (‪ )474 /1‬ح ‪364‬‬
‫وأخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كناب الحيض‪ :‬باب العتناء بحفظ‬
‫العورة (‪.)184 /1‬‬
‫[‪ ]242‬الية (‪ )52‬من سورة الشورى‪.‬‬
‫[‪ ]243‬تفسير ابن كثير (‪.)122 /4‬‬
‫[‪ ]244‬محمد بن علي بن محمد الشوكاني‪ ،‬فقيه مجتهد‪ ،‬من‬
‫كبارعلماء اليمن له (‪ 114‬مؤلفا) ولد سنة ‪ 1173‬هـ وتوفي سنة ‪1250‬‬
‫هـ‪ .‬العلم‪.)298 /6( :‬‬
‫[‪ ]245‬فتح القدير (‪.)530 /4‬‬
‫[‪ ]246‬الية (‪ )7‬من سورة الضحى‪.‬‬
‫[‪ ]247‬تفسيرالقرطبي (‪.)99 /20‬‬
‫[‪ ]248‬الية (‪ )52‬من سورة طه‪.‬‬
‫[‪ ]249‬الية (‪ )3‬من سورة يوسف‪.‬‬
‫[‪ ]250‬تفسير القرطبي (‪ )96 /20‬وفتح القدير (‪.)458 /5‬‬
‫[‪ ]251‬انظر‪ :‬تفسير ابن كثير (‪ )523 /5‬وتفسير القرطبي (‪،96 /20‬‬
‫‪ ،)97‬وفتح القدير (‪.)458 /5‬‬
‫[‪ ]252‬انظر‪ :‬تفسير القرطبي (‪ )97 /20‬وفتح القدير (‪.)458 /5‬‬
‫[‪ ]253‬انظر‪ :‬تفسير القرطبي (‪ )97 /20‬وفتح القدير (‪.)458 /5‬‬
‫[‪ ]254‬الية (‪ )144‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫[‪ ]255‬انظر‪ :‬تفسير القرطبي (‪ )97 /20‬بتصرف‪.‬‬
‫[‪ ]256‬الية (‪ )3‬من سورة يوسف‪.‬‬
‫[‪ ]257‬تفسير القرطبي (‪.)120 /9‬‬
‫[‪ ]258‬فتح القدير (‪.)3/4‬‬
‫[‪ ]259‬هو‪ :‬عثمان بن محمد بن أبي شيبة الكوفي العبسي‪ ،‬من‬
‫حفاظ الحديث‪ ،‬وله من المصنفات‪ :‬المسند‪ ،‬والتفسير‪ ،‬ولد سنة‬
‫‪ 156‬هـ وتوفي سنة ‪ 239‬هـ‪ .‬تاريخ بغداد (‪.)382 /11‬‬
‫[‪]260‬أخرجه ابن عدي في الكامل (‪ ،)1447 /4‬والخطيب في تاريخ‬
‫بغداد ( ‪)286 /11‬‬
‫وأبو يعلى الموصلي في مسنده‪ ،‬والعقيلى في الضعفاء‪ ،‬وابن‬
‫الجوزي في العلل المتناهية (‪ ،)166 /1‬والبيهقي في دلئل النبوة (‬
‫‪ .)35 /2‬وأورده الذهبي في الميزان (‪ )35 /3‬وأورده ابن حجر في‬
‫لسان الميزان (‪ )53 /3‬وأورده ابن كثير في التاريخ (‪ )288 /2‬وأورده‬
‫السيوطي في الخصائص الكبرى (‪.)152 /1‬‬
‫[‪]261‬العلل المنناهية لبن الجوزي (‪.)167 /1‬‬
‫[‪ ]262‬محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي‪ ،‬حافظ‪ ،‬مؤرخ‪ ،‬علمة‬
‫محقق له تصانيف كثيرة كييرة تقارب المئة‪ ،‬منها‪ :‬سير أعلم‬
‫النبلء‪ ،‬وتذكرة الحفاظ وغيرها‪ ،‬ولد سنة ‪ 673‬هـ‪ ،‬وتوفي سنة ‪748‬‬
‫هـ‪ .‬العلم (‪.)326 /5‬‬
‫[‪ ]263‬ميزان العتدال (‪.)35 /3‬‬
‫[‪ ]264‬علي بن عمر الدارقطني الشافعي إمام عصره في‬
‫الحديث‪ ،‬ولد سنة ‪ 306‬هـ وتوفي سنة ‪ 385‬هـوله كتاب " السنن" و‬
‫"العلل"‪ .‬العلم (‪.)314 /4‬‬
‫[‪ ]265‬جرير بن عبد الحميد الضبي نزيل الري وقاضيها ثقة صحيح‬
‫الكتاب مات سنة ثمان وثمانين ومائة‪ .‬تهذيب التهذيب (‪.)75 /2‬‬
‫[‪ ]266‬سفيان بن عبد الله بن زياد بن جدير‪ :‬مجهول‪ ،‬لسان‬
‫الميزان (‪.)53 /3‬‬
‫[‪ ]267‬العلل المتناهية (‪.)1/167‬‬
‫[‪ ]268‬سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري‪ ،‬ثقة حافظ فقيه‪ ،‬عابد‬
‫إمام حجة‪ ،‬مات سنة إحدى وستين ومائة‪ .‬تهذيب التهذيب (‪.)4/111‬‬
‫[‪ ]269‬لسان الميزان (‪ )3/53‬بتصرف‪.‬‬
‫[‪ ]270‬عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب الهاشمي‪ ،‬كان‬
‫خيرا فاضل موصوفا بالعبادة‪ ،‬ولكن لم يكن متقنا في الحديث‬
‫فضعفوه‪ .‬تهذيب التهذيب (‪.)16 – 6/13‬‬
‫[‪ ]271‬العلل المتناهية (‪.)1/167‬‬
‫[‪ ]272‬ميزان العتدال (‪ ،)35 /3‬وتاريخ بغداد ( ‪.)286 /11‬‬
‫[‪ ]273‬اليات (‪ )163 ،162‬من سورة النعام‪.‬‬
‫[‪ ]274‬الية (‪ )2‬من سورة النجم‪.‬‬
‫[‪ ]275‬هو محمد بن عمر الرازي الملقب بالفخر الرازي‪ ،‬ولد سنة‬
‫‪ 544‬هـ وتوفي سنة ‪ 606‬هـ‪ .‬العلم (‪.)313 /4‬‬
‫[‪ ]276‬عصمة النبياء (ص ‪.)18‬‬
‫[‪ ]277‬منهاج السنة النبوية (‪.)130 /1‬‬
‫[‪ ]278‬علي بن محمد بن سالم التغلبي أبو الحسن سيف الدين‬
‫المدي‪ ،‬أصولي باحث‪ ،‬ولد سنة ‪ 551‬هـ وتوفي سنة ‪ 631‬هـ‪ ،‬من‬
‫أشهر مؤلفاته‪ :‬الحكام في أصول الحكام‪ .‬العلم (‪.)332 /4‬‬
‫[‪ ]279‬الحكام في أصول الحكام (‪.)128 /1‬‬
‫[‪ ]280‬الذين خالفوا في هذه المسألة هم‪:‬‬
‫أ الزارقة‪ :‬وهم فرقة من فرق الخوارج وقد نقل عنهم أنهم قالوا‬
‫بجواز بعثة نبي علم الله أنه يكفر بعد نبوته‪ .‬انظر الحكام في‬
‫أصول الحكام (‪ ،)1/128‬والمواقف لليجي (‪.)359 ،358‬‬
‫ب‪ -‬والفضيلية‪ :‬رهم من فرق الخوارج ويقولون بجواز الكفر على‬
‫النبياء من جهة كونهم يعتقدون جواز صدور الذنوب عن النبياء‬
‫وكل ذنب هو كفر ‪ -‬على حسب اعتقادهم ‪ -‬فمن هذا الباب‬
‫جوزوا صدور الكفر عنهم‪.‬‬
‫انظر‪ :‬عصمة النبياء للرازي (ص ‪ )18‬والحكام في أصول الحكام‬
‫للمدي (‪ .)128 /1‬ج‪ -‬الرافضة‪ :‬فقد جوزوا على النبياء إظهار‬
‫الكفر على سبيل التقية عند خوف الهلك‪ ،‬بل نقل عنهم أنهم‬
‫أوجبوه‪ .‬ويعللون ذلك بقولهم‪ :‬إن إظهار السلم إن كان مفضيا‬
‫إلى القتل كان إلقاء للنفس في التهلكة‪ ،‬وإلقاء النفس في‬
‫م إِلَى التَّهْلُكَة} الية‬ ‫َ‬
‫التهلكة حرام لقوله تعالى‪{ :‬وَل تُلْقُوا بِأيْدِيك ُ ْ‬
‫‪ 195‬من سورة البقرة‪ ،‬وإذا كان إظهار السلم حراما كان إظهار‬
‫الكفر واجبا‪ .‬انظر‪ :‬عصمة النبياء للرازي (ص ‪.)18‬‬
‫د‪ -‬ذكر ابن حزم في كتابه الفصل (‪" :)4/2‬أنه رأى في كتاب أبي‬
‫جعفر السمناني قاضي الموصل صاحب الباقلني أنه كان يقول‪:‬‬
‫كل ذنب دق أو جل فإنه جائز على الرسل حاشا الكذب في‬
‫التبليغ فقط‪ ،‬قال‪ :‬وجائز عليهم أن يكفروا"‪.‬‬
‫[‪ ]281‬خديحة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية‬
‫السدية زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأول من صدقت ببعثته‬
‫مطلقا‪ ،‬توفيت بعد خروج بني هاشم من الشعب‪.‬‬
‫الصابة (‪.)276 - 4/273‬‬
‫[‪ ]282‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب التفسير‪ .‬انظر‪ :‬فتح‬
‫الباري (‪ )715 /8‬ح ‪.4953‬‬
‫[‪ ]283‬الية (‪ )214‬من سورة الشعراء‪.‬‬
‫[‪ ]284‬اسمه عبد العزى بن عبد المطب وكنيته أبو عتبة وهو أحد‬
‫أعمام الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬كان كثير الذية لرسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم والبغضة له ولدينه‪ .‬تفسير ابن كثير (‪/4‬‬
‫‪.)564‬‬
‫َ‬
‫[‪ ]285‬أخرحه البخاري في صحيحه كتاب التفسير‪ :‬باب {وَأنْذِْر‬
‫شيرت َ َ َ‬
‫ن}‪ ،‬انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )501 /18‬ح ‪ ،4770‬واللفظ‬ ‫ك القَْربِي َ‬ ‫عَ ِ َ‬
‫له‪.‬‬
‫[‪ ]286‬اسمه عمرو بن هشام‪ ،‬وكان من أشد الناس عداوة للنبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قتل يوم بدر‪ .‬ابن الثير (‪.)47 -23 /1‬‬
‫[‪ ]287‬انظر‪ :‬تفسير الطبري (‪.)182 /7‬‬
‫[‪ ]288‬الية (‪ )33‬من سورة النعام‪.‬‬
‫[‪ ]289‬الخنس بن شريق الثقفي‪ ،‬كان من المؤلفة‪ ،‬وشهد حنينا‪،‬‬
‫ومات في أول خلفة عمر‪ .‬الصابة (‪.)40 -39 /1‬‬
‫[‪ ]290‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪ ،)182 /7‬وأورده ابن كثير في‬
‫تفسيره (‪.)130 /2‬‬
‫[‪ ]291‬اسمه صخر بن حرب بن أمية أبو سفيان القرشي الموي‪،‬‬
‫مشهور باسمه وكنيته‪ ،‬أسلم عام الفتح وشهد حنينا والطائف‬
‫وكان من المؤلفة‪ ،‬توفي في آخر خلفة عثمان‪.‬‬
‫الصابة (‪.)173 ،172 /2‬‬
‫[‪ ]292‬هرقل هو ملك الروم‪ ،‬وهرقل اسمه‪ -‬وهو بكسر الهاء وفتح‬
‫الراء وسكون القاف‪ -‬ولقبه قيصر‪ ،‬كما يلقب ملك الفرس‬
‫كسرى ونحوه‪ .‬فتح الباري (‪.)33 /1‬‬
‫[‪ ]293‬الحديث أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب بدء الوحي‪.‬‬
‫انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )31 /1‬ح ‪.7‬‬
‫[‪ ]294‬الشفا (‪.)769 – 2/768‬‬
‫[‪ ]295‬أخرجه أبو داود في السنن‪ ،‬كتاب الدب‪ ،‬باب ما جاء في‬
‫المزاح (‪ )271 -270 /5‬ح ‪ ،4998‬وأخرجه الترمذي في السنن‪ ،‬كتاب‬
‫البر والصلة‪ :‬باب ما جاء في المزاح (‪ )357 /4‬ح ‪ ،1989‬وقال‪ :‬هذا‬
‫حديث حسن صحيح غريب‪.‬‬
‫[‪ ]296‬عزاه السيوطي إلى ابن أبي الدنيا‪ .‬انظر‪ :‬مناهل الصفا (ص‬
‫‪ )233‬ح رقم ‪.1270‬‬
‫[‪ ]297‬أخرجه المام أحمد في المسند (‪ ،)340 /2‬وأخرجه الترمذي‬
‫في السنن‪ ،‬كتاب البر والصلة‪ :‬باب ما جاء في المزاح (‪)357 /4‬‬
‫وقال‪ :‬حديث حسن صحيح‪ .‬وأخرجه الطبراني في الصغير‬
‫والوسط والكبير عن ابن عمر كما في المجمع (‪ ،)89 /8‬وقال‬
‫الهيثمي‪" :‬وفيه من لم أعرفه" والطبراني في الوسط عن أبي‬
‫هريرة كما في المجمع (‪ )17 /9‬وقال الهيثمي‪ :‬إسناده‬
‫حسن‪.‬وانظر‪ :‬الشفا (‪.)878 ،877 /2‬‬
‫[‪ ]298‬الية (‪ )4‬من سورة القلم‪.‬‬
‫[‪ ]299‬العباس بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي عم‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ولد قبل الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم بسنتين يقال إنه أسلم وكتم إسلمه‪ ،‬هاجر إلى المدينة‬
‫فبل الفتح بقليل‪ ،‬وشهد الفتح وثبت يوم حنين‪ ،‬مات بالمدينة سنة‬
‫اثنتين وثلثين‪ .‬الصابة (‪.)2/263‬‬
‫[‪ ]300‬تقدم تخريجه (ص ‪.)139‬‬
‫[‪ ]301‬أخرجه أبو نعيم في دلئل النبوة (ص ‪ ،)143‬والبيهقي في‬
‫دلئل النبوة (‪ ،)34 ،2/33‬وأورده السيوطي في الخصائص الكبرى (‬
‫‪ ،)150 ،1/149‬وعزاه لبن راهويه في مسنده وابن إسحاق والبزار‬
‫والبيهقي وأبي نعيم وابن عساكر وقال‪ :‬قال ابن حجر‪ :‬إسناده‬
‫حسن متصل ورجاله ثقات‪ .‬وأورده ابن كثير في البداية (‪.)287 /2‬‬
‫[‪ ]302‬أورده السيوطي في الخصائص الكبرى (‪ )150 /1‬وعزاه لبي‬
‫نعيم وابن عساكر‪.‬‬
‫[‪ ]303‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب النكاح‪ :‬باب الترغيب في‬
‫النكاح‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )104 /9‬ح ‪ ،5063‬وأخرجه مسلم في‬
‫صحيحه‪ ،‬كتاب النكاح‪ :‬باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه‬
‫إليه‪.)128 /4( .‬‬
‫[‪ ]304‬انظر تخريجه (ص ‪.)151‬‬
‫[‪ ]305‬مجموع الفتاوى (‪.)319 /4‬‬
‫[‪ ]306‬المرجع السابق (‪.)293 /10‬‬
‫[‪ ]307‬الية (‪ )2‬من سورة الفتح‪.‬‬
‫[‪ ]308‬اليات (‪ )3 ،2 ،1‬من سورة عبس‪.‬‬
‫[‪ ]309‬تفسيرالقرطبي (‪.)212 /19‬‬
‫[‪ ]310‬ابن أم مكتوم اختلف في اسمه فقيل‪ :‬عمرو وقيل‪ :‬عبد‬
‫الله‪ ،‬وعمرو أكثر‪ ،‬وهو ابن قيس بن زائدة القرشي‪ ،‬أسلم قديما‬
‫بمكة وكان من المهاجرين الولين‪ ،‬قيل‪ :‬استشهد بالقادسية وقيل‬
‫مات بالمدينة‪ .‬الصابة (‪.)517 -516 /2‬‬
‫[‪ ]311‬تفسير ابن كثير (‪.)470 /4‬‬
‫[‪ ]312‬اليتان (‪ )68 ،67‬من سورة النفال‪.‬‬
‫[‪ ]313‬الية (‪ )43‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫[‪ ]314‬تفسير القرطبي (‪.)155 ،154 /8‬‬
‫[‪ ]315‬رافع بن خديج بن رانع النصاري الوسي‪ ،‬عرض على النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم يوم بدر فاستصغره وأجازه يوم أحد فخرج‬
‫بها وشهد ما بعدها‪ ،‬مات في زمن معاوية‪ .‬الصابة (‪.)484 ،483 /1‬‬
‫[‪ ]316‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الفضائل‪ :‬باب وجوب‬
‫امتثال ما قاله شرعا دون ما ذكره صلى الله عليه وسلم من‬
‫معايش الدنيا على سبيل الرأي (‪.)95 /7‬‬
‫[‪ ]317‬أخرجه مسلم في صحيحه (‪.)95 /7‬‬
‫[‪ ]318‬أخرجه مسلم في صحيحه (‪.)95 /7‬‬
‫[‪ ]319‬محمد بن إسحاق بن يسار المدني المطلبي‪ ،‬مولهم‪ ،‬نزيل‬
‫العراق‪ ،‬إمام المغازي‪ ،‬مات سنة ‪ 150‬هـ‪ .‬تهذيب التهذيب (‪.)38 /9‬‬
‫[‪ ]320‬الحباب بن المنذر بن الجموح النصاري الخزرجي‪ ،‬شهد‬
‫بدرا‪ ،‬مات في خلفة عمر‪ .‬الصابة (‪.)1/302‬‬
‫[‪ ]321‬الشفا للقاضي عياض (‪ )872 ،871 /2‬وأخرجه البيهقي في‬
‫دلئل النبوة (‪ ،)35 -31 /3‬وعزاه السيوطي في مناهل الصفا (ص‬
‫‪ )80‬لبن اسحاق والبيهقي عن عروة والزهري وجماعة‪.‬‬
‫[‪ ]322‬أي من وقوع الخطأ‪.‬‬
‫[‪ ]323‬أي الخطأ‪.‬‬
‫[‪ ]324‬الشفا (‪.)873 ،872 /2‬‬
‫[‪ ]325‬أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الشهادات‪ ،‬باب من أقام‬
‫البينة مع اليمين‪.‬‬
‫انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )288 /5‬ح ‪ .2680‬وأخرجه مسلم في صحيحه‪،‬‬
‫كتاب القضية‪ :‬باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة‪ ،‬واللفظ له (‪/5‬‬
‫‪.)129 ،128‬‬
‫[‪ ]326‬الشفا (‪.)875 /2‬‬
‫[‪ ]327‬الرافضة‪ :‬عبارة تطلق على الشيعة الغلة وهم عدة فرق‬
‫من أشهرها المامية الثنا عشرية‪ ،‬ولهم مخالفات كثيرة في‬
‫العتقاد من أشهرها‪ :‬مسائل المامة‪ ،‬والصحابة‪ ،‬والغلو في آل‬
‫البيت وأصل تسميتهم بالرافضة مأخوذ من قول زيد بن علي بن‬
‫سئل عن أبي بكر وعمر فترحم عليهما‪ ،‬فرفضه‬ ‫الحسين عندما ُ‬
‫جماعة من أتباعه فقال‪ :‬رفضتموني فسموا رافضة‪.‬‬
‫مقالت السلميين (‪ ،)144 ،89 ،88 /1‬والملل والنحل‪.)174 -173 /1( ،‬‬
‫[‪ ]328‬أتباع واصل بن العطاء الذي اعتزل مجلس الحسن‬
‫البصري‪ ،‬ولهم مخالفات كثيرة في‬
‫مسائل العتقاد‪ ،‬منها أنهم يقولون بنفي الصفات‪ ،‬والمنزلة بين‬
‫المنزلتين‪ .‬ميزان العتدال (‪ )274 /3‬والفرق بين الفرق (‪،)21 ،20‬‬
‫والملل والنحل (‪0.)49 /1‬‬
‫[‪ ]329‬مجموع الفتاوى (‪.)320 /4‬‬
‫[‪ ]330‬الجهمية فرقة من الفرق التي ظهرت في بداية القرن‬
‫الثاني وانتحلت مذهب الجهم بن صفوان في مسائله المدونة في‬
‫كتب المقالت ومن أشهرها نفي السماء والصفات والقول‬
‫بالجبر‪ ،‬وفناء الجنة والنار‪ .‬الرد على الزنادقة والجهمية للمام‬
‫أحمد (ص ‪ .)65‬تاريخ الجهمية والمعتزلة (ص ‪.)60 ،59‬‬
‫[‪ ]331‬عبارة تطلق على عدة فرق من أشهرها‪ :‬السماعيلية‪،‬‬
‫القرامطة‪ ،‬والنصيرية‪ ،‬وهم الذين يجعلون لكل ظاهر من الكتاب‬
‫باطنا ولكل تنزيل تأويل‪ .‬الملل والنحل (‪ )447 -426 /1‬والفرق بين‬
‫الفرق (ص ‪.)169‬‬
‫[‪ ]332‬مجموع الفتاوى (‪ )314 -311 /10‬بتصرف‪.‬‬
‫[‪ ]333‬أتباع محمد بن كرام السجستاني المتوفى سنة ‪ 255‬هـ‪ ،‬لهم‬
‫عدد من المخالفات في مسائل العقيدة‪ ،‬منها‪ :‬التشبيه في‬
‫الصفات‪ ،‬والرجاء في اليمان‪ .‬الملل والنحل (‪،)193 ،180 /1‬‬
‫والفرق بين الفرق (‪.)137 ،30‬‬
‫[‪ ]334‬إحدى فرق الخوارج‪ ،‬وهم أتباع نافع بن الزرق‪ ،‬كانت أكثر‬
‫فرق الخوارج عددا وأشدهم شوكة‪ .‬الفرق بين الفرق (ص ‪.)83‬‬
‫[‪ ]335‬من الخوارج‪ ،‬ذكرهم الشعري في المقالت (ص ‪.)118‬‬
‫[‪ ]336‬الفصل (‪ ،)2 /4‬وعصمة النبياء للرازي (ص ‪ ،)18‬والحكام‬
‫في أصول الحكام للمدي (‪.)128 /1‬‬

‫‪ -3 .28‬كتاب حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على‬


‫أمته في ضوء الكتاب والسنة [وجوب طاعة النبي‬
‫ولزوم السنة]‬
‫الفصل الثاني‬
‫وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ولزوم سنته والمحافظة عليها‬
‫تمهيد‪:‬‬
‫"فرض الله على جميع الخلق اليمان بنبيه صلى الله عليه وسلم‬
‫وطاعته واتباعه وإيجاب ما أوجبه وتحريم ما حرمه وشرع ما‬
‫شرعه‪ .‬وبه فرق الله بين الهدى‪ ،‬والضلل‪ ،‬والرشاد‪ ،‬والغي‪،‬‬
‫والحق‪ ،‬والباطل‪ ،‬والمعروف‪ ،‬والمنكر‪ .‬وهو الذي شهد الله له‬
‫بأنه يدعو إليه بإذنه‪ ،‬ويهدي إلى صراط مستقيم وأنه على صراط‬
‫شراً‬ ‫َ‬ ‫مستقيم‪ .‬قال تعالى‪{ :‬يَا أَيُّهَا النَّب ِ ُّ‬
‫مب َ ّ ِ‬ ‫شاهِدا ً وَ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫سلْنَا َ‬ ‫ي إِنَّا أْر َ‬
‫َ‬
‫منِيراً}[‪.]1‬‬ ‫سَراجا ً ُ‬ ‫عيا ً إِلَى الل ّهِ بِإِذ ْنِهِ وَ ِ‬ ‫وَنَذِيراً‪ ،‬وَدَا ِ‬
‫ستَقِيمٍ}[‪.]2‬‬ ‫م ْ‬ ‫ط ُ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫ك لَتَهْدِي إِلَى ِ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬وَإِن َّ َ‬
‫َ‬
‫ط‬‫صَرا ٍ‬ ‫ك ع َلَى ِ‬ ‫ك إِن َّ َ‬ ‫ي إِلَي ْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ك بِال ّذِي أُو ِ‬ ‫س ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬فَا ْ‬
‫ستَقِيمٍ}[‪ ]3‬وهو الذي جعل الرب طاعته طاعة له في مثل قوله‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َّ‬
‫ه}[‪.]4‬‬ ‫ل فَقَد ْ أطاع َ الل َ‬ ‫سو َ‬ ‫ن يُطِِع الَّر ُ‬ ‫م ْ‬‫تعالى‪َ { :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن اللهِ}[‪.]5‬‬ ‫ل إِل ّ لِيُطَاع َ بِإِذ ْ ِ‬ ‫سو ٍ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫سلْنَا ِ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَ َ‬
‫وهو الذي ل سبيل لحد إلى النجاة إل بطاعته‪ ،‬ول يسأل الناس‬
‫يوم القيامة إل عن اليمان به واتباعه وطاعته‪ ،‬وبه يمتحنون في‬
‫سأَل َ َّ‬ ‫ن الَّذي ُ‬ ‫سأَل َ َّ‬
‫ن‬ ‫م وَلَن َ ْ‬ ‫ل إِلَيْهِ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن أْر ِ‬ ‫ِ َ‬ ‫القبور‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬فَلَن َ ْ‬
‫ن}[‪.]6‬‬ ‫سلِي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫وهو الذي أخذ الله له الميثاق على النبيين وأمرهم أن يأخذوا‬
‫على أممهم الميثاق أنه إذا جاءهم أن يؤمنوا به ويصدقوه‬
‫وينصروه‪.‬‬
‫وهو الذي فرق الله به بين أهل الجنة وأهل النار‪ ،‬فمن آمن به‬
‫وأطاعه كان من أهل الجنة ومن كذبه وعصاه كان من أهل النار‪.‬‬
‫َّ‬
‫حتِهَا‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫جرِي ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جنَّا ٍ‬ ‫ه َ‬ ‫ُ‬ ‫خل ْ‬ ‫ه يُد ْ ِ‬ ‫ُ‬ ‫سول َ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫َ‬ ‫ن يُطِِع الل‬ ‫م ْ‬ ‫{و َ‬
‫قال تعالى‪َ :‬‬
‫َ‬
‫سول َ ُ‬
‫ه‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ص الل ّ َ‬ ‫ن يَعْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م‪ ،‬وَ َ‬ ‫ك الْفَوُْز الْعَظِي ُ‬ ‫ن فِيهَا وَذَل ِ َ‬ ‫خالِدِي َ‬ ‫اْلَنْهَاُر َ‬
‫ن}[‪.]7‬‬ ‫مهِي ٌ‬ ‫ب ُ‬ ‫ه عَذ َا ٌ‬ ‫خالِدا ً فِيهَا وَل َ ُ‬ ‫ه نَارا ً َ‬ ‫خل ْ ُ‬ ‫حدُودَه ُ يُد ْ ِ‬ ‫وَيَتَعَد َّ ُ‬
‫والوعد بسعادة الدنيا والخرة والوعيد بشقاء الدنيا والخرة معلق‬
‫بطاعته‪ .‬فطاعته هي الصراط المستقيم وهي حبل الله المتين‪،‬‬
‫وهي العروة الوثقى وأصحابها هم أولياء الله المتقون وحزبه‬
‫المفلحون وجنده الغالبون‪ .‬والمخالفون له هم أعداء الله حزب‬
‫إبليس اللعين‪.‬‬
‫َ‬
‫ت‬‫خذ ْ َ ُ‬ ‫ل يَا لَيْتَنِي ات َّ َ‬ ‫م ع َلَى يَدَيْهِ يَقُو ُ‬ ‫ض الظ ّال ِ ُ‬ ‫م يَعَ ُّ‬ ‫{ويَوْ َ‬ ‫قال تعالى‪َ :‬‬
‫ضل ّنِي‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خلِيلً‪ ،‬لَقَد ْ أ َ‬ ‫خذ ْ فُلنا ً َ‬ ‫م أت َّ ِ‬ ‫سبِيلً‪ ،‬يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي ل َ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫سو ِ‬ ‫معَ الَّر ُ‬ ‫َ‬
‫خذ ُول}[‪.]8‬‬ ‫ً‬ ‫ن َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن الذِّكرِ بَعْد َ إِذ ْ َ‬
‫سا ِ‬ ‫ن ل ِلِن ْ َ‬ ‫شيْطا ُ‬ ‫جاءَنِي وَكا َ‬
‫َ‬ ‫عَ ِ‬
‫َ‬
‫ن يَا لَيْتَنَا أطَعْنَا‬ ‫م فِي النَّارِ يَقُولُو َ‬ ‫جوهُهُ ْ‬ ‫ب وُ ُ‬ ‫م تُقَل ّ ُ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬يَوْ َ‬
‫َ َ ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ضلونَا‬ ‫سادَتَنَا وَكُبََراءَنَا فأ َ‬ ‫سول‪ ،‬وَقَالُوا َربَّنَا إِنَّا أطَعْنَا َ‬ ‫ه وَأطَعْنَا الَّر ُ‬ ‫الل ّ َ‬
‫م لَعْنا ً كَبِيراً}[‪.]9‬‬ ‫ن الْعَذ َاب والْعَنْه‬ ‫م ََ‬ ‫ن ِ‬ ‫ضعْفَي ْ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫سبِيل‪َ ،‬ربَّنَا آتِهِ ْ‬ ‫ال َّ‬
‫َ َ َّ‬ ‫َ ِ َ َ َ ُ ْ َّ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬قُ ْ َ‬
‫هل‬ ‫ن الل َ‬ ‫ولوْا فإ ِ ّ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫سول فإ ِ ْ‬ ‫ه وَال ّر ُ‬ ‫ل أطِيعُوا الل ّ َ‬
‫ن}[‪]10‬‬ ‫ب الْكَافِرِي َ‬ ‫ح ُّ‬ ‫يُ ِ‬
‫م‬‫جَر بَيْنَهُ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ما َ‬ ‫ك فِي َ‬ ‫مو َ‬ ‫كّ ُ‬ ‫ح ِ‬‫حتَّى ي ُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫منُو َ‬ ‫ك ل يُؤْ ِ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬فَل وََرب ِّ َ‬
‫سلِيماً}[‪.]11‬‬ ‫َ‬
‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ِّ ُ‬‫ت َوي ُ َ‬ ‫ضي ْ َ‬ ‫ما قَ َ‬ ‫م َّ‬ ‫حَرجا ً ِ‬ ‫م َ‬ ‫سهِ َْ‬ ‫جدُوا فِي أن ْ ُف ِ‬ ‫م ل يَ ِ‬ ‫ث ُ َّ‬
‫َ‬ ‫خالِفُون ع َ َ‬
‫ة‬‫م فِتْن َ ٌ‬‫صيبَهُ ْ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫مرِهِ أ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫حذ َرِ ال ّذِي َ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬فَلْي َ ْ‬
‫م}[‪.]12‬‬ ‫ٌ‬ ‫ب أَلِي‬ ‫م عَذ َا ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫صيبَه‬ ‫أوْ ي ُ ِ‬
‫َ‬
‫ك مع الَّذي َ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬ومن يطع الل َّه والَرسو َ ُ‬
‫م‬
‫ن أنْعَ َ‬ ‫ل فَأولَئ ِ َ َ َ ِ َ‬ ‫َ َ ّ ُ‬ ‫َ َ ْ ُ ِِ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫ن}[ ‪.]13‬‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫شهَدَاءِ وَال َّ‬ ‫ن وَال ّ‬ ‫صدِّيقِي َ‬ ‫ن وَال ِّ‬ ‫ن النَّبِيِّي َ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ع َلَيْهِ ْ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ما‬‫{و َ‬ ‫بطاعتهم كما قال تعالى‪َ :‬‬ ‫وجميع الرسل أخبروا أن الله أمر‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الله}[‪.]14‬‬ ‫ل إ ِ ّل لِيُطَاع َ بِإِذ ْ ِ‬ ‫سو ٍ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫سلْنَا ِ‬ ‫أْر َ‬
‫فهم يأمرون بعبادة الله وحده وخشيته وحده وتقواه وحده‪،‬‬
‫َ‬
‫سول َ ُ‬
‫ه‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن يُطِِع الل ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫وبأمرون َبطاعتهم كما قال تعالى‪{ :‬وَ َ‬
‫ن}[‪.]15‬‬ ‫م الْفَائُِزو َ‬ ‫ُ‬ ‫ك هُ‬ ‫ه وَيَتَّقْهِ فَأُولَئ ِ َ‬ ‫ش الل ّ َ‬ ‫خ َ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن}[‪.]16‬‬ ‫ه وَاتَّقُوه ُ وَأطِيعُو ِ‬ ‫الل ّ َ‬ ‫َّ‬
‫ن اع ْبُدُوا‬ ‫وقال نوح عليه السلم‪{ :‬أ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن}[‪.]17‬‬ ‫ه وَأطِيعُو ِ‬ ‫وقال في سورة الشعراء‪{ :‬فَات ّقُوا الل َ‬
‫وكذلك قال هود وصالح وشعيب ولوط[‪.]18‬‬
‫والناس محتاجون إلى اليمان بالرسول وطاعته في كل مكان‪،‬‬
‫وزمان‪ ،‬ليل ونهارا‪ ،‬سفرا وحضرا‪ ،‬سرا وعلنية‪ ،‬جماعة وفرادى‪،‬‬
‫وهم أحوج إلى ذلك من الطعام والشراب بل من النفس‪ ،‬فإنهم‬
‫متى فقدوا ذلك فالنار جزاء من كذب بالرسول وتولى عن طاعته‬
‫َ‬ ‫صلهَا إَِّل اْل َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شقَى‪ ،‬ال ّذِي‬ ‫م نَارا ً تَلَظ ّى‪ ،‬ل َ ي َ ْ‬ ‫كما قال َتعالى‪{ :‬فَأنْذَْرتُك ُ ْ‬
‫ب وَتَوَل ّى}[‪ ]19‬أي كذب به وتولى عن طاعته كما قال في‬ ‫كَذ َّ َ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ب وَتَوَلى}[‪ .]20‬وقال‬ ‫ن كَذ َّ َ‬ ‫صل ّى‪ ،‬وَلَك ِ ْ‬ ‫صدَّقَ وَل َ‬ ‫موضع آخر‪{ :‬فَل َ‬
‫سلْنَا إِلَى‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما أْر َ‬ ‫م كَ َ‬ ‫شاهِدا ً ع َلَيْك ُ ْ‬ ‫سول ً َ‬ ‫م َر ُ‬ ‫سلْنَا إِلَيْك ُ ْ‬ ‫تعالى‪{ :‬إِنَّا أْر َ‬
‫فرع َون رسولً‪ ،‬فَعصى فرع َون الَرسو َ َ‬
‫خذا ً وَبِيلً}[‪.]21‬‬ ‫خذ ْنَاهُ أ َ ْ‬ ‫ل فَأ َ‬ ‫ِ ْ ْ ُ ّ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ِ ْ ْ َ َ ُ‬
‫ك ع َلَى‬ ‫جئْنَا ب ِ َ‬ ‫ل أ َّ‬ ‫ُ‬ ‫ن ك ُ ِّ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬فَكَي ْ َ‬
‫شهِيد ٍ وَ ِ‬ ‫مةٍ ب ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫جئْنَا ِ‬ ‫ف إِذ َا ِ‬
‫َ‬
‫صوُا‬ ‫ن كَفَُروا وَع َ َ‬ ‫مئِذ ٍ يَوَد ُّ ال ّذِي َ‬ ‫شهِيداً}[‪ .]22‬وقال تعالى‪{ :‬يَوْ َ‬ ‫هَؤ ُلءِ َ‬
‫َ‬
‫ض}[‪ .]23‬والله تعالى قد سماه سراجا‬ ‫م اْلْر ُ‬ ‫سوَّى بِهِ ُ‬ ‫ل لَوْ ت ُ َ‬ ‫سو َ‬ ‫الَّر ُ‬
‫منيرا‪ ،‬وسمى الشمس سراجا وهاجا والناس إلى هذا السراج‬
‫المنير أحوج منهم إلى السراج الوهاج‪ ،‬فإنهم محتاجون إليه سرا‬
‫وعلنية‪ ،‬ليل ونهارا‪ ،‬بخلف الوهاج‪ ،‬وهو أنفع لهم فإنه منير ليس‬
‫فيه أذى بخلف الوهاج فإنه ينفع تارة ويضر أخرى"[‪.]24‬‬
‫ولما كانت حاجة الناس إلى الرسول بهذه الدرجة فقد أوجب الله‬
‫سبحانه وتعالى على العباد طاعة الرسل واتباعهم فقال تعالى‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الل ّهِ}[‪ ]25‬فهذا اللزام‬ ‫ل إ ِ ّل لِيُطَاع َ بِإِذ ْ ِ‬ ‫سو ٍ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫سلْنَا ِ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫{وَ َ‬
‫ناشئ من ضرورة العباد وحاجتهم للرسالة إذ لبد لهم منها‪ ،‬بل‬
‫إن حاجتهم إليها فوق‪ ،‬حاجتهم إلى كل شيء‪" ،‬فالرسالة ضرورية‬
‫في إصلح العباد في معاشهم ومعادهم‪ ،‬فكما أنه ل صلح لهم‬
‫في آخرتهم إل باتباع الرسالة‪ ،‬فكذلك ل صلح لهم في معاشهم‬
‫ودنياهم إل باتباع الرسالة‪.‬‬
‫والنسان مضطر إلى الشرع لنه بين حركتين‪ :‬حراسة يجلب بها‬
‫ما ينفعه‪ ،‬وحركة يدفع بها ما يضره‪.‬‬
‫والشرع هو النور الذي يبين ما ينفعه وما يضره‪ ،‬والشرع نور الله‬
‫في أرضه‪ ،‬وعدله يين عباده‪ ،‬وحصنه الذي من دخله كان آمنا‪.‬‬
‫وليس المراد بالشرع التمييز بين الضار والنافع بالحس‪ ،‬فإن ذلك‬
‫يحصل للحيوانات العجم‪ ،‬فإن الحمار والجمل يميز بين الشعير‬
‫والتراب‪ ،‬وإنما المراد بالشرع التمييز بين الفعال التي تنفع‬
‫فاعلها والفعال التي تضر فاعلها في معاشه ومعاده‪ ،‬كنفع‬
‫اليمان والتوحيد والعدل والبر والتصدق والحسان‪ ،‬والمانة‬
‫والعفة‪ ،‬والشجاعة والحلم والصبر والمر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر‪ ،‬وصلة الرحام‪ ،‬وبر الوالدين‪ ،‬والحسان إلى المماليك‬
‫والجار‪ ،‬وأداء الحقوق وإخلص العمل لله والتوكل عليه‪،‬‬
‫والستعانة به والرضا بمواقع القدر به‪ ،‬والتسليم لحكمه والنقياد‬
‫لمره‪ ،‬وموالة أوليائه ومعاداة أعدائه‪ ،‬وخشيته في الغيب‬
‫والشهادة‪ ،‬والتقوى إليه بأداء فرائضه واجتناب محارمه‪،‬‬
‫واحتساب الثواب عنده‪ ،‬وتصديقه وتصديق رسله في كل ما‬
‫أخبروا به وطاعتهم في كل ما أمروا به‪ ،‬مما هو نفع وصلح للعبد‬
‫في دنياه وآخرته وفي ضد ذلك شقاوته ومضرته في دنياه‬
‫وآخرته‪.‬‬
‫فلول الرسالة لم يهتد العقل إلى تفاصيل النافع والضار في‬
‫المعاش والمعاد فمن أعظم نعم الله على عباده وأشرف منة‬
‫عليهم أن أرسل إليهم رسله‪ ،‬وأنزل عليهم كتبه‪ ،‬ودون لهم‬
‫الصراط المستقيم‪ ،‬ولول ذلك لكانوا بمنزلة البهائم بل أشر حال‬
‫منها‪.‬‬
‫فمن قبل رسالة الله واستقام عليها فهو من خير البرية‪ ،‬ومن‬
‫سوَءُ حال ً من الكلب‬ ‫ردها وخرج عنها فهو من شر البرية‪ ،‬وأ ْ‬
‫والخنزير والحيوان البهيم"[‪ .]26‬والرسل هم وسائط يين الله‬
‫وبين خلقه في أمره ونهيه وهم السفراء بينه وبين عباده‪،‬‬
‫يبلغونهم شرع ربهم ويرشدونهم إلى ما فيه صلح معاشهم‬
‫َ‬
‫ن لِئ َ ّل يَكُو َ‬
‫ن‬ ‫منْذِرِي َ‬‫ن وَ ُ‬ ‫شرِي َ‬ ‫سل ً ُ‬
‫مب َ ّ ِ‬ ‫ومعادهم‪ ،‬وقد جعلهم الله {ُر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حكِيماً}[‪.]27‬‬ ‫ه ع َزِيزا ً َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ل وَكَا َ‬ ‫س ِ‬‫ة بَعْد َ الُّر ُ‬ ‫ح َّ‬
‫ج ٌ‬ ‫س ع َلَى الل ّهِ ُ‬ ‫َ‬
‫لِلن ّا ِ‬
‫وقد بعث الرسل جميعا بأصول ثلثة هي‪:‬‬
‫ا‪ -‬الدعوة إلى الله‪.‬‬
‫‪ -2‬إرشاد العباد وتعريفهم بالطريق الموصل إلى الله‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان حال العباد في معادهم‪.‬‬
‫فالصل الول يتضمن إثبات الصفات والتوحيد والقدر‪ ،‬وذكر أيام‬
‫الله في أوليائه وأعدائه وهي القصص التي قصها الله على عباده‬
‫والمثال التي ضربها لهم‪.‬‬
‫والصل الثاني‪ :‬يتضمن تفصيل الشرائع والمر والنهي والباحة‪،‬‬
‫وبيان ما يحبه الله ويكرهه‪.‬‬
‫والصل الثالث‪ :‬يتضمن اليمان باليوم الخر‪ ،‬والجنة والنار‬
‫والثواب والعقاب‪ .‬فعلى هذه الصول الثلثة مدار الخلق والمر‬
‫بل السعادة والفلح موقوفة عليها‪ ،‬ول سبيل إلى معرفتها إل من‬
‫جهة الرسل‪ ،‬فإن العقل ل يهتدي إلى تفاصيلها ومعرفة حقائقها‪،‬‬
‫وإن كان قد يدرك وجه الضرورة إليها من حيث الجملة [‪ .]28‬ومن‬
‫أجل ذلك فإن الله خص بالفلح من اتبع رسم له ونصره فقال‬
‫صُروه ُ وَاتَّبَعُوا النُّوَر الَّذِي أنْزِ َ‬
‫ل‬ ‫ُ‬
‫منُوا بِهِ وَعََّزُروه ُ وَن َ َ‬ ‫نآ َ‬
‫َ‬
‫تعالى‪{ :‬فَال ّذِي َ‬
‫ن}[‪ ]29‬أي ل مفلح إل هم‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬ ‫حو َ‬ ‫مفْل ِ ُ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ه أُولَئ ِ َ‬ ‫معَ ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫و َ‬ ‫ف َويَنْهَ ْ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن بِال َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫خيْرِ َويَأ ُ‬ ‫ن إِلى ال َ‬ ‫ة يَدْع ُو َ‬ ‫م ٌ‬ ‫مأ ّ‬ ‫منْك ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫{وَلتَك ْ‬
‫ُ‬
‫ن}[‪ ،]30‬فخص هؤلء بالفلح كما‬ ‫حو َ‬ ‫مفْل ِ ُ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫منْكَرِ وَأولَئ ِ َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫عَ ِ‬
‫خص المتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلة وينفقون مما‬
‫رزقهم ويؤمنون بما أنزل إلى رسوله وما أنزل من قبله ويوقنون‬
‫ه‬
‫ب فِي ِ‬ ‫ب ل َري ْ َ‬ ‫ك الْكِتَا ُ‬ ‫بالخرة بالهدى والفلح قال تعالى‪{ :‬الم ذَل ِ َ‬
‫َ‬
‫ما‬‫م َّ‬ ‫صلة َ َو ِ‬ ‫ن ال َّ‬ ‫مو َ‬ ‫ب َويُقِي ُ‬ ‫ن بِالْغَي ْ ِ‬ ‫منُو َ‬ ‫ن يُؤ ْ ِ‬ ‫ن‪ ،‬ال ّذِي ََ‬ ‫متَّقِي َ‬ ‫هُدىً لِل ْ ُ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ما أُنْزِ َ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ل إِلَي ْ َ‬ ‫ما أُنْزِ َ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫منُو َ‬ ‫ن يُؤ ْ ِ‬ ‫ن‪ ،‬وَال ّذِي َ‬ ‫م يُنْفِقُو َ‬ ‫َرَزقْنَاهُ ْ‬
‫م وَأولَئ ِ َ‬‫ُ‬ ‫ُ‬
‫م‬‫ك هُ ُ‬ ‫ن َربِّهِ ْ‬ ‫م ْ‬‫ك ع َلَى هُدىً ِ‬ ‫ن‪ ،‬أولَئ ِ َ‬ ‫م يُوقِنُو َ‬ ‫خَرةِ هُ ْ‬ ‫ك َوبِاْل ِ‬ ‫قَبْل ِ َ‬
‫ن}[‪ ]31‬فعلم بذلك أن الهدى والفلح دائر على الرسالة‬ ‫حو َ‬ ‫مفْل ِ ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫وجودا وعدما‪.‬‬
‫كما جعل الله سعادة العباد ونجاتهم في يوم المعاد متعلقة‬
‫بطاعته وطاعة رسوله وجعل شقاءهم وهلكهم متعلفا بمعصيته‬
‫َ‬
‫خل ْ ُ‬
‫ه‬ ‫ه يُد ْ ِ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن يُطِِع الل ّ َ‬ ‫م ْ‬‫{و َ‬ ‫ومعصية رسوله‪ ،‬قال تعالى‪َ :‬‬
‫م‪،‬‬ ‫ك الْفَوُْز الْعَظِي ُ‬ ‫ن فِيهَا وَذَل ِ َ‬ ‫خالِدِي َ‬ ‫حتِهَا اْلَنْهَاُر َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫جرِي ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جنَّا ٍ‬ ‫َ‬
‫هَ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫خالِدا فِيهَا وَل ُ‬ ‫ه نَارا َ‬ ‫خل ُ‬ ‫حدُودَه ُ يُد ْ ِ‬ ‫ه َويَتَعَد ّ ُ‬ ‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ص الل َ‬ ‫ن يَعْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ن}[‪.]32‬‬ ‫مهِي ٌ‬ ‫ب ُ‬ ‫عَذ َا ٌ‬
‫وخاتم المرسلين وسيدهم وأكرمهم على ربه‪ -‬نبينا محمد صلى‬
‫سلْنَا َ‬
‫ك‬ ‫َ‬
‫ما أْر َ‬ ‫{و َ‬
‫الله عليه وسلم الذي جعله الله رحمة للعالمين‪َ :‬‬ ‫َ‬
‫ن}[‪ ،]33‬وأرسله بالهدى ودين الحق بين يدي‬ ‫مي َ‬ ‫ة لِلْعَال َ ِ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫إ ِ ّل َر ْ‬
‫الساعة بصيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا‪ ،‬فختم‬
‫به الرسالة وهدى به من الضللة وعلم به من الجهالة‪ ،‬وفتح‬
‫برسالته أعينا عميا‪ ،‬وآذانا صما‪ ،‬وقلوبا غلفا‪ ،‬فأشرقت برسالته‬
‫الرض بعد ظلماتها‪ ،‬وتألفت به القلوب بعد شتاتها‪ ،‬فأقام بها‬
‫الملة العوجاء وأوضح بها المحجة البيضاء‪ ،‬فبين عن طريقه صلى‬
‫الله عليه وسلم الكفر من اليمان‪ ،‬والربح من الخسران‪ ،‬والهدى‬
‫من الضلل‪ ،‬وأهل الجنة من أهل النار‪ ،‬والمتقين من الفجار‪ ،‬فهو‬
‫المبعوث رحمة للعالمين‪ ،‬ومحجة للسالكين وحجة على الخلئق‬
‫أجمعين‪.‬‬
‫وقد أوجب الله وافترض على العباد طاعته ومحبته وتعزيره‬
‫وتوقيره والقيام بحقوقه وأوصاه باتباع شرعه ونهجه والسير على‬
‫هداه وجعل طريقه هي الطريق الوحيد الموصلة إليه وسد باقي‬
‫الطرق فلم يفتح لحد طريقا غير طريقه‪ ،‬وسمى تلك الطرق‬
‫ستَقِيماً‬‫م ْ‬ ‫صَراطِي ُ‬ ‫ن هَذ َا ِ‬‫سبل تضل عن سبيله فقال تعالى‪{ :‬وَأ َ َّ‬
‫م بِهِ‬‫صاك ُ ْ‬ ‫سبِيلِهِ ذَلِك ُ ْ‬
‫م وَ َّ‬ ‫ن َ‬
‫م عَ ْ‬ ‫ل فَتَفََّرقَ بِك ُ ْ‬ ‫فَاتَّبِعُوه ُ وَل تَتَّبِعُوا ال ُّ‬
‫سب ُ َ‬
‫َ‬
‫ن}[‪.]34‬‬ ‫م تَتَّقُو َ‬
‫لَعَل ّك ُ ْ‬
‫ولذلك فإن الخير كل الخير في اتباعه والقتداء به‪ ،‬والشر كل‬
‫الشر في مخالفته والبعدعن شرعه وماجاء به‪.‬‬
‫والدلة على وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم ولزوم سنته‬
‫واتباع شريعته كثيرة وهذا ما سأتطرق إليه في هذا الفصل بإذن‬
‫الله تعالى والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل‪.‬‬

‫المبحث الول‪ :‬الدلة على وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم‬
‫المطلب الول‪ :‬الدلة من القرآن على وجوب طاعته صلى الله‬
‫عليه وسلم‬
‫قال المام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى‪" :‬نظرت في‬
‫المصحف فوجدت طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في ثلثة‬
‫وثلثين موضعًا"[‪.]35‬‬
‫وقال الجري[‪" :]36‬فرض على الخلق طاعته صلى الله عليه‬
‫وسلم في نيف وثلثين موضعا من كتابه عز وجل"[‪.]37‬‬
‫وقال شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬وقد أمر الله بطاعة رسوله صلى‬
‫الله عليه وسلم في أكثر من ثلثين موضعا من القرآن‪ ،‬وقرن‬
‫طاعته بطاعته‪ ،‬وقرن بين مخالفته ومخالفته‪ ،‬كما قرن بين اسمه‬
‫واسمه‪ ،‬فل يذكر الله إل ذكر معه"[‪.]38‬‬
‫قلت‪ :‬إن اليات الواردة في المر بطاعة النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم واتباعه والقتداء به جاءت في مواطن متعددة من القرآن‬
‫الكريم‪ .‬واتصفت تلك اليات بتنوع أساليبها وتعدد صيغها مع‬
‫اتحادها جميعها في المر بالقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم‬
‫وطاعته في جميع ما جاء به من شرائع وأحكام من عند الله عز‬
‫وجل‪ ،‬وسوف أعرض لهذه اليات بعد تقسيمها على حسب ما‬
‫اتحدت به في السياق على النحو التالي‪:‬‬
‫أ‪ -‬اليات التي جاء فيها المر بطاعته صلى الله عليه وسلم ومن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه}[‪.]39‬‬ ‫ل فَقَد ْ أطَاع َ الل ّ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ن يُطِِع الَّر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫تلك اليات قوله تعالى‪َ { :‬‬
‫وهذه الية ضمن سلسلة من اليات ربطت بين طاعة الله تبارك‬
‫وتعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقد جعل الله‬
‫طاعته وطاعة رسوله شيئا واحدا‪ ،‬وجعل المر بطاعة رسوله‬
‫مندرجا في المر بطاعته سبحانه‪ ،‬وفي ذلك بيان للعباد بأن‬
‫طاعته سبحانه ل تتحقق إل بطاعة الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫ومن تلك اليات الواردة بهذه الصيغة‪:‬‬
‫َ َ َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫‪ -1‬قوله تعالى‪{ :‬قُ ْ َ‬
‫هل‬ ‫ن الل َ‬ ‫ن تَوَلوْا فإ ِ ّ‬ ‫ل فَإ ِ ْ‬ ‫سو َ‬ ‫ه وَالَّر ُ‬ ‫ل أطِيعُوا الل ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن}[‪.]40‬‬ ‫ب الْكَافِرِي َ‬ ‫ح ُّ‬ ‫يُ ِ‬
‫َ‬
‫ن}[‪.]41‬‬ ‫مو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫م تُْر َ‬ ‫ل لَعَل ّك ُ ْ‬ ‫سو َ‬ ‫ه وَالَّر ُ‬
‫َ‬ ‫‪ -2‬وقوله تعالى‪{ :‬وَأطِيعُوا الل ّ َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫جرِي ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جنَّا ٍ‬ ‫ه َ‬ ‫خل ْ ُ‬ ‫ه يُد ْ ِ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن يُطِِع الل ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫{و َ‬ ‫‪ -3‬وقوله تعالى‪َ .:‬‬
‫م}[‪.]42‬‬ ‫ُ‬ ‫ك الْفَوُْز الْعَظِي‬ ‫ن فِيهَا وَذَل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫خالِدِي‬ ‫حتِهَا الَن ْ َهاُر َ‬ ‫تَ ْ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ولوْا‬ ‫ه وَل ت َ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫منُوا أطِيعُوا الل ّ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫‪ -4‬وقوله تعالى‪{ :‬يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫ن}[‪.]43‬‬ ‫َ‬
‫م ُعو َ‬ ‫َ‬ ‫س‬‫م تَ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ه وَأنْت ُ‬ ‫ع َن ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه وَيَتَّقْهِ‬ ‫ش الل ّ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ه وَي َ ْ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن يُطِِع الل ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫{و َ‬ ‫‪ ُ -5‬وقوله تعالى‪َ :‬‬
‫ن}[‪.]44‬‬ ‫م الْفَائُِزو َ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫فَأولَئ ِ َ‬
‫َ‬
‫ه فَقَد ْ فَاَز فَوْزا ً عَظِيماً}[‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن يُطِِع الل ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫{و َ‬ ‫‪ -6‬وقوله تعالى‪َ :‬‬
‫‪.]45‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫جرِي ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جنَّا ٍ‬ ‫ه َ‬ ‫خل ْ ُ‬ ‫ه يُد ْ ِ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن يُطِِع الل ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫{و َ‬ ‫‪ -7‬وقوله تعالى‪َ :‬‬
‫ه عَذ َابا ً ألِيماً}[ ‪.]46‬‬ ‫َ‬ ‫حتِها الَنْهار ومن يَتَو َّ‬
‫ل يُعَذِّب ْ ُ‬ ‫َ ُ َ َ ْ َ‬ ‫تَ ْ َ‬
‫وفي آيات أخر يأمر الله سبحانه بطاعته وطاعة رسوله صلى الله‬
‫عليه وسلم مع إعادة الفعل‪ ،‬وفي ذلك إشارة إلى أن ما يأمر به‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم تجب طاعته فيه وإن لم يكن‬
‫مأمورا به بعينه في كلم الله الذي هو القرآن‪ ،‬فتجب طاعة‬
‫الرسول مفردة كما تجب مقرونة بأمره سبحانه‪ ،‬ومن هذه‬
‫اليات‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حذَُروا فَإ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫ل وَا ْ‬ ‫سو َ‬ ‫ه وَأطِيعُوا الَّر ُ‬ ‫ا‪َ -‬قوله تعالى‪{ :‬وَأطِيعُوا الل ّ َ‬
‫ن}[‪.]47‬‬ ‫ُ‬ ‫مبِي‬‫ُ‬ ‫سولِنَا الْبَلغ ُ ال ْ‬ ‫ما ع َلَى َر ُ‬ ‫َ‬ ‫موا أَن َّ‬ ‫م فَاع ْل َ ُ‬ ‫تَوَل ّيْت ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫سو َ‬ ‫ه وَأطِيعُوا الَّر ُ‬ ‫منُوا أطِيعُوا الل ّ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫‪ -2‬وقوله تعالى‪{ :‬يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫م}[‪.]48‬‬ ‫ْ‬ ‫مالَك ُ‬ ‫َ‬ ‫وَل تُبْطِلُوا أَع ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫‪ -3‬وقوله تعالى‪{ :‬قُ ْ َ‬
‫ن تَوَل ّوْا‬ ‫ل فَإ ِ ْ‬ ‫سو َ‬ ‫ه وَأطِيعُوا الَّر ُ‬ ‫ل أطِيعُوا الل ّ َ‬
‫ما‬ ‫ن تُطِيعُوه ُ تَهْتَدُوا َو َ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫ملْت ُ ْ‬‫ح ِّ‬ ‫ما ُ‬ ‫م َ‬ ‫ل وَع َلَيْك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ح ِّ‬
‫ما ُ‬ ‫ما ع َلَيْهِ َ‬ ‫فَإِن َّ َ‬
‫ن}[‪.]49‬‬ ‫ُ‬ ‫مبِي‬ ‫ُ‬ ‫ل إِل َّ الْبَلغ ُ ال ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫ع َلَى الَّر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫م فَإِن َّ َ‬ ‫ن تَوَل ّيْت ُ ْ‬ ‫ل فَإ ِ ْ‬ ‫سو َ‬ ‫ه وَأطِيعُوا الَّر ُ‬ ‫‪ -4‬وقوله تعالى‪{ :‬وَأطِيعُوا الل ّ َ‬
‫ن}[‪.]50‬‬ ‫مبِي ُ‬ ‫سولِنَا الْبَلغ ُ ال ْ ُ‬ ‫ع َلَى َر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وَأطِيعُوا الَّر ُ‬
‫سو َ‬
‫ل‬ ‫منُوا أطِيعُوا الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫نآ َ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫م}[‪.]51‬‬ ‫منْك ُ ْ‬‫مرِ ِ‬‫وَأولِي ال ْ‬
‫ويقول ابن القيم[‪ ]52‬عند هذه الية‪" :‬أمر تعالى بطاعته وطاعة‬
‫رسوله وأعاد الفعل إعلما بأن طاعة الرسول تجب استقلل من‬
‫غير عرض ما أمر به على الكتاب‪ ،‬بل إذا أمر وجبت طاعته‬
‫مطلقا سواء كان ما أمر به في الكتاب أو لم يكن فيه‪ ،‬فإنه أوتي‬
‫الكتاب ومثله معه[‪ .]53‬ولم يأمر بطاعة أولي المر استقلل بل‬
‫حذف الفعل وجعل طاعتهم في ضمن طاعة الرسول‪ ،‬إيذانا‬
‫بأنهم إنما يطاعون تبعا لطاعة الرسول فمن أمر منهم بطاعة‬
‫الرسول وجبت طاعته‪ ،‬ومن أمر منهم بخلف ما جاء به الرسول‬
‫فل سمع له ول طاعة‪ ،‬كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه‬
‫قال‪" :‬ل طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف"[‪]54‬‬
‫وقال‪" :‬إنما الطاعة في المعروف"[‪ ،]55‬وقال‪" :‬على المرء‬
‫المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إل أن يؤمر بمعصية‬
‫فإن أمر بمعصية فل سمع ول طاعة"[‪.]56‬‬
‫وقد أخبر صلى الله عليه وسلم عن الذين أرادوا دخول النار لما‬
‫أمرهم أميرهم بدخولها‪" :‬إنهم لو دخلوها لما خرجوا منها" مع‬
‫أنهم إنما كانوا يدخلونها طاعة لميرهم‪ ،‬وظنا أن ذلك واجب‬
‫عليهم‪ ،‬ولكن لما قصروا في الجتهاد وبادروا إلى طاعة من أمر‬
‫بمعصية الله وحملوا عموم المر بالطاعة بما لم يرده المر صلى‬
‫الله عليه وسلم وما قد علم من دينه إرادة خلفه‪ ،‬فقصروا في‬
‫الجتهاد وأقدموا على تعذيب أنفسهم وإهلكها من غير تثبيت‬
‫وتبين هل ذلك طاعة لله ورسوله أم ل؟‪ ،‬فما الظن بمن أطاع‬
‫غيره في صريح مخالفة ما بعث الله به رسوله"[‪.]57‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وأما قوله تعالى‪{ :‬قُ ْ َ‬
‫ن تَوَلوْا‬ ‫ل فَإ ِ ْ‬
‫سو َ‬ ‫ه وَأطِيعُوا الَّر ُ‬ ‫ل أطِيعُوا الل ّ َ‬
‫ما‬ ‫ن تُطِيعُوه ُ تَهْتَدُوا َو َ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫ملْت ُ ْ‬ ‫ح ِّ‬‫ما ُ‬ ‫م َ‬‫ل وَع َلَيْك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ح ِّ‬‫ما ُ‬ ‫ما ع َلَيْهِ َ‬
‫فَإِن َّ َ‬
‫َ‬
‫ن}[‪ ]58‬فقد أخبر تعالى في هذه الية‬ ‫مبِي ُ‬‫ل إِل ّ الْبَلغ ُ ال ْ ُ‬ ‫سو ِ‬ ‫ع َلَى الَّر ُ‬
‫أن الهداية في طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ل في غيرها‪،‬‬
‫فإنه معلق بالشرط فينتفي بانتفائه‪ ،‬وليس هذا من باب دللة‬
‫المفهوم‪ ،‬كما يغلط فيه كثير من الناس ويظن أنه محتاج في‬
‫تقرير الدللة منه ل تقرير كون المفهوم حجة‪.‬‬
‫بل هذا من الحكام التي ترتبت على شروط وعلقت فل وجود لها‬
‫بدون شروطها‪ ،‬إذ ما علق على الشرط فهو عدم عند عدمه‪ ،‬وإل‬
‫لم يكن شرطا له وإذا ثبت هذا‪ :‬فالية نص في انتفاء الهداية عند‬
‫َ‬
‫ل} الفعل‬ ‫م َ‬ ‫ح ِّ‬‫ما ُ‬ ‫ما ع َلَيْهِ َ‬ ‫ن تَوَل ّوْا فَإِن َّ َ‬ ‫عدم طاعته‪ .‬وقوله‪{ :‬فَإ ِ ْ‬
‫للمخاطبين وأصله فإن تتولوا‪ ،‬فحذفت إحدى التاءين تخفيفا‪،‬‬
‫والمعنى‪ :‬أنه قد حمل أداء الرسالة وتبليغها‪ ،‬وحملتم طاعته‬
‫والنقياد له والتسليم‪.‬‬
‫روي عن الزهري[‪ ]59‬أنه قال‪" :‬من الله البيان وعلى الرسول‬
‫البلغ وعلينا التسليم"‪.‬‬
‫فإن تركتم أنتم ما حملتم من اليمان والطاعة فعليكم ل عليه‪.‬‬
‫فإنه لم يحمل إيمانكم وإنما حمل تبليغكم‪ ،‬وإنما حمل أداء‬
‫الرسالة إليكم‪.‬‬
‫َ‬
‫ن} ليس‬ ‫مبِي ُ‬ ‫ل إِل ّ الْبَلغ ُ ال ْ ُ‬ ‫سو ِ‬ ‫ما ع َلَى الَّر ُ‬ ‫ن تُطِيعُوه ُ تَهْتَدُوا َو َ‬ ‫{وَإ ِ ْ‬
‫عليه هداهم وتوفيقهم"[‪]60‬‬
‫ب‪ -‬اليات التي جاء فيها المر باتباعه والتأسي به والخذ بما‬
‫شرعه‪:‬‬
‫جاء المر من الله تبارك وتعالى باتباع رسوله صلى الله عليه‬
‫وسلم والتأسي به في مواطن متعددة من كتابه العزيز‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫م الل ُ‬ ‫حبِبْك ُ ُ‬ ‫ه فَاتَّبِعُونِي ي ُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫حبُّو َ‬ ‫م تُ ِ‬ ‫ن َ كُنْت ُ ْ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫أ‪ -‬قال تعالى‪{ :‬قُ ْ‬
‫َ‬
‫م}[‪.]61‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫ه غَفُوٌر َر ِ‬
‫َ‬ ‫م وَالل ّ ُ‬ ‫م ذ ُنُوبَك ُ ْ‬ ‫فْر لَك ُ ْ‬ ‫وَيَغْ ِ‬
‫ن‬
‫م ُ‬ ‫ي ال ّذِي يُؤْ ِ‬ ‫م ِّ‬ ‫ي ال ُ ِّ‬ ‫سولِهِ النَّب ِ ِ ّ‬ ‫منُوا بِالل ّهِ وََر ُ‬ ‫‪ -2‬وقال تعالى‪{ :‬فَآ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن}[‪.]62‬‬ ‫م تَهْتَدُو َ‬ ‫ماتِهِ وَاتَّبِعُوه ُ لَعَل ّك ُ ْ‬ ‫بِالل ّهِ وَكَل ِ َ‬
‫ه‬
‫م ع َن ْ ُ‬ ‫ما نَهَاك ُ ْ‬ ‫خذ ُوه ُ وَ َ‬ ‫ل فَ ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫م الَّر ُ‬ ‫ما آتَاك ُ ُ‬ ‫{و َ‬ ‫‪ -3‬وقال تعالى‪َ :‬‬
‫فَانْتَهُوا}[‪.]63‬‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ة لِ َ‬ ‫سن َ ٌ‬‫ح َ‬ ‫سوَة ٌ َ‬ ‫ل اللهِ أ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫م فِي َر ُ‬
‫َ‬ ‫ن لَك ُ ْ‬ ‫‪ -4‬وقال تعالى‪{ :‬لَقَد ْ كَا َ‬
‫َ‬
‫ه كَثِيراً}[‪.]64‬‬ ‫خَر وَذ َكََر الل ّ َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫ه وَالْيَوْ َ‬ ‫جو الل ّ َ‬ ‫ن يَْر ُ‬ ‫كَا َ‬
‫وهذه اليات تضمنت توجيهات عظيمة يجب على المسلم تدبرها‬
‫ففي الية الولى جعل الله التباع سبيل إلى نيل حبه ووسيلة إلى‬
‫تحقيق رضاه وحصول غفرانه‪ ،‬إذ باتباع الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم يحصل حب الله تعالى ورضاه ومثوبته‪ ،‬فالخير كل الخير‬
‫في اتباعه والشر كل الشر في مخالفته والبتعاد عن سنته‪.‬‬
‫فالتباع هو دليل المحبة وبرهانها‪ ،‬وبتحققه تكون المحبة التي هي‬
‫َ‬
‫ه} كما أن من‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حبِبْك ُ ُ‬ ‫إحدى ثمراته كما قال تعالى‪{ :‬فَاتَّب ِ ُعونِي ي ُ ْ‬
‫ثمراته غفران الذنوب كما جاء في هذه الية نفسها‪{ :‬ويغفر لكم‬
‫ذنوبكم}‪.‬‬
‫وهذه المنزلة والمكانة لتباع الرسول صلى الله عليه وسلم نابعة‬
‫من كون هذا التباع إنما هو في الحقيقة اتباع لله‪ ،‬إذ الرسول‬
‫إنما جاء بهذا الدين من عند الله عز وجل فهو شرع الله ودينه‬
‫الذي أوحاه لرسوله صلى الله عليه وسلم ليبلغه للعباد‪،‬‬
‫فالرسول إنما هو مبلغ عن الله ولم يأت بشيء من عند نفسه‬
‫ي} الية[‪ ،]65‬وقال‬ ‫حى إِل َ َّ‬ ‫م يُو َ‬ ‫مثْلُك ُ ْ‬ ‫شٌر ِ‬ ‫ما أَنَا ب َ َ‬ ‫ل إِن َّ َ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬قُ ْ‬
‫ُ‬
‫ن َرب ِّهِ} الية[‪.]66‬‬ ‫م ْ‬ ‫ل إِلَيْهِ ِ‬ ‫ما أنْزِ َ‬ ‫ل بِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن الَّر ُ‬ ‫م َ‬
‫تعالى‪{ :‬آ َ‬
‫َ‬
‫سولِهِ النَّب ِ ِ ّ‬
‫ي‬ ‫منُوا بِالل ّهِ وََر ُ‬
‫َ‬
‫وفى الية الخرى وهي قوله تعالى‪{ :‬فَآ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن} جاء المر‬ ‫م تَهْتَدُو َ‬ ‫ماتِهِ وَاتَّبِعُوه ُ لَعَل ّك ُ ْ‬ ‫ن بِالل ّهِ وَكَل ِ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ي ال ّذِي يُؤ ْ ِ‬ ‫م ِّ‬‫ال ُ ِّ‬
‫بالتباع عقب المر باليمان تأكيدا على وجوب اتباع النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم وإل فإن التباع داخل في اليمان ولكن أفرد‬
‫بالذكر هنا تنبيها على أهميته وعظم منزلته‪.‬‬
‫ه‬
‫م ع َن ْ ُ‬ ‫ما نَهَاك ُ ْ‬ ‫خذ ُوه ُ وَ َ‬ ‫ل فَ ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫م الَّر ُ‬ ‫ما آتَاك ُ ُ‬ ‫وأما قوله تعالى‪{ :‬وَ َ‬
‫فَانْتَهُوا}‪ ،‬فهذه الية أوجبت التباع المطلق للنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فما أمر به من شيء فإن علينا فعله وما نهى عن شيء‬
‫فإن علينا تركه واجتنابه‪ ،‬فهو ل يأمر إل بخير ول ينهى إل عن شر‪.‬‬
‫وفى هذا التباع والنقياد حياتنا وفلحنا كما قال تعالى‪{ :‬يَا أَيُّهَا‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫موا‬ ‫م وَاع ْل َ ُ‬ ‫حيِيك ُ ْ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫م لِ َ‬‫ل إِذ َا دَع َاك ُ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫جيبُوا لِل ّهِ وَلِلَّر ُ‬ ‫ست َ ِ‬‫منُوا ا ْ‬ ‫ن َآ َ‬ ‫ال ّذِي َ‬
‫َ‬ ‫أ َ َّ‬
‫ن}[‪.]67‬‬ ‫شُرو َ‬ ‫ح َ‬ ‫ه إِلَيْهِ ت ُ ْ‬
‫مْرءِ وَقَلْبِهِ وَأن َّ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ل بَي ْ َ‬ ‫حو ُ‬‫ه يَ ُ‬‫ن الل ّ َ‬
‫فهنا أمر من الله تعالى للمؤمنين جميعا بأن يستجيبوا للرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم فيما أمرهم به ونهاهم عنه‪ ،‬ففي ذلك‬
‫الحياة النافعة الطيبة وهذه الحياة إنما تحصل بالستجابة لما جاء‬
‫به الرسول أمرا ونهيا وأما من لم تحصل منه الستجابة فل حياة‬
‫له‪ ،‬وإن كانت له حياة بهيمية مشتركة بينه وبين أرذل الحيوانات‪،‬‬
‫"إذ الحياة الحقيقية الطيبة هي حياة من استجاب لله ولرسوله‬
‫ظاهرا وباطنا‪ ،‬فهؤلء هم الحياء وإن ماتوا‪ ،‬وغيرهم أموات وإن‬
‫كانوا أحياء البدان‪ ،‬ولهذا كان أكمل الناس حياة أكملهم استجابة‬
‫لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فإن كل ما دعا إليه ففيه‬
‫الحياة‪ ،‬فمن فاته جزء منه فاته جزء من الحياة‪ ،‬وفيه من الحياة‬
‫بحسب ما استجاب للرسول"[‪.]68‬‬
‫ولقد أعقب هذا المر بالستجابة تحذير من ترك الستجابة له أو‬
‫َ َ َ‬
‫ن‬ ‫حو ُ‬
‫ل بَي ْ َ‬ ‫ه يَ ُ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫موا أ ّ‬‫تثاقل وتباطؤ عنها فقال تعالى‪{ :‬وَاع ْل َ ُ‬
‫مْرءِ وَقَلْبِهِ} والمعنى ‪" :‬أنكم إن تثاقلتم عن الستجابة وأبطأتم‬ ‫ال ْ َ‬
‫عنها فل تأمنوا أن الله يحول بينكم وبين قلوبكم فل يمكنكم بعد‬
‫ذلك من الستجابة عقوبة لكم بعد وضوح الحق واستبانته"[‪.]69‬‬
‫ة‬
‫سن َ ٌ‬ ‫وأما قوله تعالى‪{ :‬لَقَد كَان لَك ُم في رسول الل َّ ُ‬
‫ح َ‬ ‫سوَة ٌ َ‬‫هأ ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ ُ َ ِ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه كثِيرا} فقد جعل الله‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خَر وَذ َكَر الل َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫جو الل ّ َ‬
‫ه وَاليَوْ َ‬ ‫ن كَا َ‬
‫ن يَْر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫لِ َ‬
‫تبارك وتعالى من رسوله السوة والقدوة ليحتذي به الخلق في‬
‫أقواله وأفعاله وجميع ما جاء به صلى الله عليه وسلم‪ .‬قال ابن‬
‫كثير‪" :‬هذه الية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله‪.]70["...‬‬
‫ج‪ -‬اليات التي جاء فيها وجوب التسليم لحكمه والنقياد له‪:‬‬
‫م‬
‫جَر بَيْنَهُ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ما َ‬ ‫ك فِي َ‬ ‫مو َ‬ ‫كّ ُ‬
‫ح ِ‬‫حتَّى ي ُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫منُو َ‬ ‫ك ل َ يُؤ ْ ِ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬فَل وََرب ِّ َ‬
‫سلِيماً}[‪.]71‬‬ ‫َ‬
‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ِّ ُ‬ ‫ت َوي ُ َ‬ ‫ضي ْ َ‬ ‫ما قَ َ‬ ‫م َّ‬ ‫حَرجا ً ِ‬ ‫م َ‬ ‫سهِ ْ‬‫جدُوا فِي أن ْ ُف ِ‬ ‫م ل يَ ِ‬ ‫ث ُ َّ‬
‫وفي هذه الية أقسم سبحانه بأجل مقسم به ‪ -‬وهو نفسه عز‬
‫وجل ‪ -‬على أنه ل يثبت لهم إيمان ول يكونون من أهله‪ ،‬حتى‬
‫يحكموا رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع موارد النزاع‬
‫وفي جميع أبواب الدين فإن لفظة "ما" من صيغ العموم‪ .‬ولم‬
‫يقتصر المر على مجرد التحاكم بل ضم إليه انشراح صدورهم‬
‫بحكمه بحيث ل يجدون في أنفسهم حرجا ‪ -‬وهو الضيق والحصر‬
‫‪ -‬من حكمه‪ ،‬بل يقبلوا حكمه بالنشراح‪ ،‬ويقابلوه بالتسليم ل أنهم‬
‫يأخذونه على إغماض‪ ،‬ويشربونه على قذى‪ ،‬فإن هذا مناف‬
‫لليمان‪ ،‬بل لبد أن يكون أخذه بقبول ورضا وانشراح صدر‪.‬‬
‫ثم لم يقتصر سبحانه على ذلك حتى ضم إليه قوله تعالى‪:‬‬
‫سلِيماً} فذكر الفعل مؤكدا بمصدره القائم ذكره‬ ‫سل ِّ ُ‬
‫موا ت َ ْ‬ ‫{وَي ُ َ‬
‫مرتين‪ ،‬وهو التسليم والخضوع له والنقياد لما حكم به طوعا‬
‫ورضا‪ ،‬وتسليما ل قهرا ومصابرة كما يسلم المقهور لمن قهره‬
‫كرها‪ ،‬بل تسليم عبد مطيع لموله وسيده الذي هو أحب شيء‬
‫إليه‪ ،‬يعلم أن سعادته وفلحه في تسليمه إليه ويعلم بأنه أولى به‬
‫من نفسه‪ ،‬وأبر به منها وأقدر على تخليصها‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬
‫م}[‪.]72‬‬ ‫مهَاتُهُ ْ‬ ‫ه أ ُ َّ‬
‫ج ُ‬
‫َ‬
‫م وَأْزوَا ُ‬ ‫سهِ ْ‬
‫ي أَولَى بال ْمؤْمنِين م َ‬
‫ن أن ْ ُف ِ‬ ‫ِ ُ ِ َ ِ ْ‬ ‫{النَّب ِ ُّ ْ‬
‫فمتى علم العبد هذا من الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫واستسلم له‪ ،‬وسلم إليه انقادت له كل علة في قلبه ورأى أن ل‬
‫سعادة له إل بهذا التسليم والنقياد‪.‬‬
‫وتأمل تأكيده سبحانه لهذا المعنى المذكور في الية بوجوه عديدة‬
‫من التأكيد‪:‬‬
‫أولها‪ :‬تصديرها بتضمن المقسم عليه للنفي وهو قوله {لَ‬
‫ن} وهذا منهج معروف في كلم العرب‪ ،‬إذا أقسموا على‬ ‫منُو َ‬ ‫يُؤ ْ ِ‬
‫شيء منفي صدروا جملة القسم بأداة نفي مثل هذه الية‪.‬‬
‫وثانيها‪ :‬تأكيده بنفس المقسم‪.‬‬
‫وثالثها‪ :‬إقسامه بنفسه ل بشيء من مخلوقاته‪ ،‬وهو سبحانه‬
‫يقسم بنفسه تارة وبمخلوقاته تارة‪.‬‬
‫ورابعها‪ :‬تأكيده بانتفاء الحرج وهو وجود التسليم‪.‬‬
‫وخامسها‪ :‬تأكيد الفعل بالمصدر‪ ،‬وما هذا التأكيد إل لشدة الحاجة‬
‫إلى هذا‬
‫المر العظيم‪ ،‬وإنه مما يعتنى به ويقرر في نفوس العباد بما هو‬
‫من أبلغ أنواع التقرير[‪.]73‬‬
‫وقال ابن كثير عند تفسيره لهذه الية‪" :‬يقسم تعالى بنفسه‬
‫الكريمة المقدسة أنه ل يؤمن أحد حتى يحكم الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم في جميع المور فما حكم به فهو الحق الذي يجب‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫النقياد له باطنا وظاهرا ولهذا قال‪{ :‬ث ُ َّ‬
‫سهِ ْ‬ ‫جدُوا فِي أنْفُ ِ‬ ‫م ل يَ ِ‬
‫سلِيماً} أي إذا حكموك يطيعونك في‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ِّ ُ‬ ‫ت وَي ُ َ‬ ‫ضي ْ َ‬ ‫ما قَ َ‬‫م َّ‬ ‫حَرجا ً ِ‬ ‫َ‬
‫بواطنهم فل يجدون في أنفسهم حرجا مما حكمت به وينقادون‬
‫له في الظاهر والباطن فيسلمون لك تسليما كليا من غير ممانعة‬
‫ول مدافعة ول منازعة‪.]74["...‬‬
‫وهذه الية ينبغي لكل مسلم أن يعرض نفسه عليها‪.‬‬
‫وفى هذا يقول ابن القيم‪" :‬ومتى أراد العبد أن يعلم هذا[‪]75‬‬
‫فلينظر في حاله ويطالع قلبه عند ورود حكمه على خلف هواه‬
‫وغرضه‪ ،‬أو على خلف ما قلد فيه أسلفه من المسائل الكبار‬
‫وما دونها {بل النسان ع َلَى ن ْفسه بصيرةٌ‪ ،‬ول َ َ‬
‫معَاذِيَرهُ}[‬ ‫و ألْقَى َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ِ ِ َ ِ َ‬ ‫َ ِ ِْ َ ُ‬
‫‪.]76‬‬
‫فسبحان الله كم من حزازة في نفوس كثير من الناس من كثير‬
‫من النصوص بودهم أن لو لم ترد؟ وكم من حرارة في أكبادهم‬
‫منها؟ وكم من شجى في حلوقهم منها ومن موردها؟ ستبدو لهم‬
‫تلك السرائر بالذي يسوء ويخزي يوم تبلى السرائر"[‪.]77‬‬
‫َ‬
‫سولِهِ‬ ‫ن إِذ َا دُع ُوا إِلَى الل ّهِ وََر ُ‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ن قَوْ َ‬ ‫ما كَا َ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬إِن َّ َ‬
‫حون}[‪.]78‬‬ ‫مفْل ِ ُ‬ ‫ُ‬ ‫م ال ْ‬
‫ُ‬ ‫ك هُ‬ ‫معْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئ ِ َ‬ ‫س ِ‬‫ن يَقُولُوا َ‬
‫لِيحك ُم بينه َ‬
‫مأ ْ‬ ‫َ ْ َ ََُْ ْ‬
‫هُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬‫ضى َالل ُ‬ ‫منَةٍ إِذ َا قَ َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ن وَل ُ‬ ‫م ٍ‬‫مؤْ ِ‬ ‫ن لِ ُ‬ ‫ما كا َ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سول َ ُ‬
‫ه‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ص الل ّ َ‬ ‫ن يَعْ ِ‬ ‫م ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫مرِه ِ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫خيََرة ُ ِ‬ ‫م ال ْ ِ‬‫ن لَهُ ُ‬ ‫ن يَكُو َ‬ ‫مرا ً أ ْ‬‫أ ْ‬
‫مبِيناً}[‪ ،]79‬وكل اليتين توجبان التسليم الكامل‬ ‫ض َّ‬
‫ضلل ً ُ‬ ‫ل َ‬ ‫فَقَد ْ َ‬
‫والنقياد التام من أهل اليمان لما حكم به الله تعالى وحكم به‬
‫رسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فليس في ذلك اختيار‪ ،‬بل السمع‬
‫والطاعة والقبول والتسليم بما جاء عن الله ورسوله‪.‬‬
‫ومن الملحظ في كل اليتين أن الخطاب فيهما لهل اليمان‬
‫ن‪.}...‬‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ن قَوْ َ‬ ‫ما كَا َ‬ ‫ففي الية الولى {إِن َّ َ‬
‫ة}‪ ،‬وهذا التخصيص‬ ‫من َ ٍ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن وَل ُ‬ ‫م ٍ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ن لِ ُ‬ ‫ما كَا َ‬ ‫{و َ‬
‫وفي الثانية َ‬
‫للمؤمنين فيه من الدللة ما فيه فاسم اليمان يشعر بأن هذا‬
‫المطلوب منهم من موجبات السم الذي نسبوا إليه ولذلك فإنه‬
‫يجب على كل من يؤمن بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم أن‬
‫يضع هاتين اليتين وأمثالهما من اليات الموجبة للمتثال لمر الله‬
‫ورسوله صلى الله عليه وسلم نصب عينيه فيسمع ويطيع‪ ،‬ويؤمن‬
‫بأنه ل اختيار له في ذلك ول رأي‪ ،‬بل التسليم المطلق الذي ل‬
‫يصاحبه شك ول ارتياب‪.‬‬
‫فهذه حقيقة اليمان ومعنى شهادة أن محمدا رسول الله التي‬
‫تعني طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما نهى عنه‬
‫وزجر وأل يعبد الله إل بما شرع‪.‬‬
‫ومثل هذه اليات هي الفاصل بين دعوى اليمان الحقيقية التي‬
‫هي للمؤمنين الصادقين‪ ،‬وبين دعوى اليمان الزائفة الباطلة التي‬
‫هي سمة المنافقين الكاذبين المظهرين خلف ما يبطنون‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الدلة من السنة على وجوب طاعته صلى الله‬


‫عليه وسلم‪.‬‬
‫حث النبي صلى الله عليه وسلم أمته على طاعته وامتثال أمره‬
‫واتباع ما جاء به والسير على سنتة والقتداء به في كل ما جاء به‬
‫عن ربه عز وجل‪.‬‬
‫وأحاديثه صلى الله عليه وسلم في هذا المجال أعطت للمه‬
‫توجيهات عظيمة متى ما ساروا عليها وامتثلوا ما فيها واستناروا‬
‫بها فقد تحققت لهم سعادة الدارين وفازوا وأفلحوا يإذن الله‬
‫تعالى‪.‬‬
‫وقد امتازت الحاديث في هذا الشأن بكثرتها وتنوع عبارتها وتعدد‬
‫أساليبها واشتمال بعضها على المثلة التي ضربها رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم لمته في هذا الشأن‪ ،‬ومما ل شك فيه أن‬
‫هذه المميزات زادت المر توكيدا وتوضيحا وبيانا‪ ،‬بحيث إنها لم‬
‫تدع مجال لمتأول يأولها أو محرف يغير معناها بهواه ورأيه‬
‫الفاسد‪ ،‬وهذه الحاديث على تنوع عبارتها وتعدد أساليبها اتحدت‬
‫جميعها في مضمون واحد هو التأكيد على وجوب طاعته صلى‬
‫الله عليه وسلم واتباع ما جاء به والترغيب في ذلك إضافة إلى‬
‫التحذير من مخالفته‪ ،‬وتحريم معصيته وبيان الوعيد الشديد في‬
‫ذلك‪.‬‬
‫والخطاب في تلك الحاديث شامل لكل من كان في عصره صلى‬
‫الله عليه وسلم ومن سيأتي بعده إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫وسأشير ههنا إلى طرف من تلك الحاديث مع بيان ما فيها من‬
‫توجيهات وإرشادات تنير الطريق للسالكين الراغبين بالفوز‬
‫برضى الله وجنات النعيم‪.‬‬
‫أ‪ -‬كون طاعته واتباعه صلى الله عليه وسلم سببا لدخول الجنة‪،‬‬
‫ومخالفته ومعصيته سببا لدخول النار‪.‬‬
‫أول‪ :‬عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قال‪" :‬كل أمتي يدخلون الجنة إل من أبى"‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫يارسول الله ومن يأبى؟‪ ،‬قال‪" :‬من أطاعني دخل الجنة‪ ،‬ومن‬
‫عصاني فقد أبى"[‪.]80‬‬
‫ثانيا‪ :‬وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قال‪" :‬من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد‬
‫عصى الله‪ "...‬الحديث[‪.]81‬‬
‫ثالثا‪ :‬وعن أبي سعيد الخدري[‪ ]82‬رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬والذي نفسي ييده لتدخلن الجنة‬
‫كلكم إل من أبى وشرد على الله كشراد[‪ ]83‬البعير‪ .‬قال‪ :‬يا‬
‫رسول الله ومن يأبى أن يدخل الجنة؟‪ ،‬قال‪ :‬من أطاعني دخل‬
‫الجنة ومن عصاني فقد أبى"[‪.]84‬‬
‫قال ابن حبان[‪" :]85‬طاعة الرسول هي النقياد لسنته‪ ،‬مع رفض‬
‫قول كل من قال شيئا في دين الله عز وجل بخلف سنته‪ ،‬دون‬
‫الحتيال في دفع السنن بالتأويلت المضمحلة والخترعات‬
‫الداحضة ‪]86["...‬‬
‫وهذه الحاديث الثلثة تؤكد وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم وامتثال ما جاء به وذلك بفعل ما أمر به واجتناب ما نهى‬
‫عنه‪.‬‬
‫وتؤكد كذلك على أن هذه الطاعة هي مفتاح الجنة وسبيل النجاة‬
‫الوحيد التي متى ما سلكها النسان فاز برضى الله وجنته ونجى‬
‫من سخطه وعذابه‪ .‬فعلى المسلم أن يسلك هذه الطريق ‪ -‬أي‬
‫طاعة النبي صلى الله عليه وسلم – وأل يحيد عنها يمينا أو شمال‬
‫فهذه الطاعة هي صراط الله المستقيم الذي أمر الله باتباعه‬
‫قيما ً فَاتَّبِعُوه ُ وَل تَتَّبِعُوا‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬‫ُ‬ ‫صَراطِي‬ ‫لقوله تعالى‪{ :‬وَأ َ َّ‬
‫ن هَذ َا ِ‬
‫َ‬
‫ن}[‪.]87‬‬‫م تَتَّقُو َ‬‫م بِهِ لَعَل ّك ُ ْ‬
‫صاك ُ ْ‬
‫م َو َّ‬ ‫سبِيلِهِ ذَلِك ُ ْ‬
‫ن َ‬‫م عَ ْ‬ ‫ل فَتَفََّرقَ بِك ُ ْ‬ ‫ال ُّ‬
‫سب ُ َ‬
‫وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم قال‪" :‬ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إل كان‬
‫له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره‪ ،‬ثم‬
‫إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما ل يفعلون ويفعلون ما ل‬
‫يؤمرون ومن جاهدهم بيده فهو مؤمن‪ ،‬ومن جاهدهم بلسانه فهو‬
‫مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من اليمان‬
‫حبة خردل"[‪.]88‬‬
‫وهذه الحاديث تبين صفة أتباع النبياء فهم يطيعون أنبيائهم‬
‫ويأخذون بسنتهم ويأتمرون بأمرهم ول يحيدون عن ذلك ول‬
‫يخالفونه إلى ما سواه‪ .‬وأما المخالفون لهم فمنهم الذين ابتدعوا‬
‫أمورا في الدين لم تشرع لهم وأخذوا يتعبدون الله بها وهم‬
‫المشار إليهم بقوله‪" :‬ويفعلون مال يؤمرون"‪ ،‬وأمثال هؤلء‬
‫يتحدثون عن الطاعة والتباع ولكن بالقول دون العمل‪ ،‬فهم‬
‫يقولون مال يفعلون وهذا الوصف ينطبق تماما على أهل البدع‬
‫المخالفين لشرع نبي هذه المة‪.‬‬
‫فإن الناظر في أحوال هؤلء يجدهم متمسكين أشد التمسك‬
‫بأمور ليست من سنة المصطفى ول من هديه إذ ليس لهم عليها‬
‫دليل من الكتاب أو السنة‪ ،‬بينما تجدهم أكثر الناس بعدا عن هدي‬
‫المصطفى وما جاء به عن ربه‪ ،‬ومع ذلك كله فهم كثيرا ما‬
‫يتحدثون عن اتباع الرسول والقتداء به‪.‬‬

‫ولكن هذا الحديث عن السنة والتباع ل يتجاوز ألسنتهم‪ ،‬فهم أبعد‬


‫الناس عن ذلك فصدق على هؤلء قوله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫"يقولون ما ل يفعلون ويفعلون ما ل يؤمرون"‪.‬‬
‫فانظر أخي المسلم في أحوال الصوفية وعباد القبور والضرحة‬
‫وغيرهم من أهل البدع فهل تجد أبلغ من وصفهم بقول النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم هذا‪" :‬يقولون ما ل يفعلون ويفعلون ما ل‬
‫يؤمرون"‪.‬‬
‫فالحذر كل الحذر من سبل أهل البدع والهواء وكن على بصيرة‬
‫من أمر دينك ول تغرنك مظاهرهم وطراوة ألسنتهم فكم من‬
‫إنسان خدعوه بذلك فروجوا عليه بدعتهم‪ ،‬ولكن أمرهم ل يروج‬
‫إل على خفافيش البصار وكل جاهل بسنة نبيه‪ ،‬من ل يفرق بين‬
‫ما هو من الدين وما ليس من الدين‪.‬‬
‫وأما العالم بدينه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم المتمسك بها‬
‫فهو على دراية ويقين بحال هؤلء فل تنطلي عليه أباطيلهم‬
‫وأكاذيبهم وما يستندون إليه من المنامات التي جعلوها مصدرا‬
‫للتشريع والبتداع في دين السلم‪.‬‬
‫وصاحب السنة يعلم كذلك عاقبة بدعهم فيطبق عليهم بذلك قوله‬
‫ض َّ‬ ‫َ‬ ‫خسري َ‬ ‫َ‬
‫م فِي‬ ‫سعْيُهُ ْ‬‫ل َ‬ ‫ن َ‬‫مالً‪ ،‬ال ّذِي َ‬‫ن أع ْ َ‬‫م بِاْل ْ َ ِ َ‬ ‫ل نُنَبِّئُك ُ ْ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫تعالى‪{ :‬قُ ْ‬
‫صنْعاً}[‪.]89‬‬ ‫َ‬
‫ن ُ‬ ‫سنُو َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن أنَّهُ ْ‬
‫م يُ ْ‬ ‫سبُو َ‬ ‫ح َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫حيَاةِ الدُّنْيَا وَهُ ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫وقوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬من أحدث في أمرنا هذا ما ليس‬
‫منه فهو رد"[‪.]90‬‬
‫فتلك هي النتيجة الحتمية لكل بدعة‪ ،‬فالله تعالى قد جعل للعمل‬
‫المقبول شرطين أحدهما‪ :‬الخلص وثانيهما‪ :‬التباع‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫ك بِعِبَادَةِ‬ ‫صالِحا ً وَل ي ُ ْ‬
‫شرِ ْ‬ ‫مل ً َ‬ ‫ل عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه فَلْيَعْ َ‬ ‫جوا لِقَاءَ َرب ِّ ِ‬ ‫ن يَْر ُ‬‫ن كَا َ‬‫م ْ‬ ‫{فَ َ‬
‫حداً}[‪.]91‬‬ ‫َ‬
‫َرب ِّهِ أ َ‬
‫صالِحاً} أي ما كان موافقا لشرع الله‪{ ،‬وَل‬ ‫مل ً َ‬ ‫ل عَ َ‬ ‫م ْ‬‫فقوله {فَلْيَعْ َ‬
‫حداً} وهو الذي يراد به وجه الله وحده ل‬ ‫ك بعِبادة رب َ‬
‫هأ َ‬ ‫شرِ ْ ِ َ َ ِ َ ِّ ِ‬ ‫يُ ْ‬
‫شريك له وهذان ركنا العمل المتقبل فلبد أن يكون خالضا لله‬
‫صوابا على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم"[‪.]92‬‬
‫ب‪ -‬ضربه صلى الله عليه وسلم المثال في الحث على طاعته‪.‬‬
‫أول‪ :‬عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪" :‬إنما مثلي ومثل ما‬
‫بعثني الله به كمثل رجل أتى قوما فقال‪ :‬ياقوم إني رأيت الجيش‬
‫بعيني‪ ،‬وإني أنا النذير العريان‪ ،‬فالنجاء‪ .‬فأطاعه طائفة من قومه‬
‫فأدلجوا[‪ ]93‬فانطلقوا على مهلهم فنجوا‪ .‬وكذبت طائفة منهم‬
‫فأصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم‪ .‬فذلك مثل‬
‫من أطاعني فاتبع ما جئت به‪ .‬ومثل من عصاني وكذب بما جئت‬
‫به من الحق"[‪.]94‬‬
‫ثانيا‪ :‬وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال‪" :‬جاءت الملئكة‬
‫إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬إنه نائم‪.‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬إن العين نائمة والقلب يقظان‪ ،‬فقالوا‪ :‬إن‬
‫لصاحبكم هذا مثل‪ ،‬قال‪ :‬فاضربوا له مثلن فقال بعضهم‪ :‬إنه‬
‫نائم‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬إن العين نائمة والقلب يقظان‪ ،‬فقالوا‪ :‬مثله‬
‫كمثل رجل بنى دارا وجعل فيها مأدبة وبعث داعيا فمن أجاب‬
‫الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة‪ ،‬ومن لم يجب الداعي لم‬
‫يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة‪ ،‬فقالوا‪ :‬أولوها له يفقهها‪ ،‬فقال‬
‫بعضهم‪ :‬إنه نائم‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬إن العين نائمة والقلب يقظان‪،‬‬
‫فقالوا‪ :‬فالدار الجنة والداعي محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فمن‬
‫أطاع محمدا صلى الله عليه وسلم فقد أطاع الله‪ ،‬ومن عصى‬
‫محمدا فقد عصى الله‪ ،‬ومحمد فرق بين الناس"[‪.]95‬‬
‫ثالثا‪ :‬وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪" :‬إنما مثلي‬
‫ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله جعل‬
‫الفراش وهذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها‪ ،‬فجعل‬
‫الرجل يزعهن[‪ ]96‬ويغلبنه فيقتحمن فيها فأنا آخذ بحجزكم عن‬
‫النار وأنتم تقتحمون فيها"[‪.]97‬‬
‫فهذه ثلثة أحاديث اشتمل كل حديث منها على مثل معين‪،‬‬
‫والمثال كما هو معلوم توضع لتقريب المعنى وتوضيحه في ذهن‬
‫السامع ليكون أسهل في فهم المعنى وأبلغ في ترسخه في‬
‫ذهنه‪.‬‬
‫ففي المثل الذي جاء في الحديث الول ضرب النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم لنفسه مثل بالنذير الذي جاء لقومه يحذرهم من أن‬
‫أعداءهم في طريقهم إليهم بعد أن رأى جيشهم على مقربة‬
‫منهم وطلب منهم أن ينجوا بأنفسهم قبل أن يهلكهم عدوهم‬
‫ويفنيهم‪.‬‬
‫وضرب لمته مثل بقوم ذلك الرجل الذين انقسموا إلى قسمين‬
‫فكان منهم من صدقه وأطاعه فساروا من الليل فنجوا بأنفسهم‬
‫من فتك عدوهم وكان منهم من لم يصدقه فبقوا في منازلهم‬
‫فصبحهم عدوهم فقضى عليهم‪ .‬فالنبي صلى الله عليه وسلم هو‬
‫ل يا أَيُها النَاس إن َ َ‬
‫ما أنَا لَك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ّ ُ ِّ َ‬ ‫النذير لهذه المة كما قال تعالى‪{ :‬قُ ْ َ ّ َ‬
‫ن نَذِيراً}[‬ ‫مي َ‬ ‫ن لِلْعَال َ ِ‬
‫ن}[‪ ،]98‬فقد أرسله الله تعالى {لِيَكُو َ‬
‫مبِي ٌ‬
‫نَذِيٌر ُ‬
‫‪ ،]99‬لينذرهم عذاب ربهم الذي توعد به المخالفين منهم‪ ،‬وبين‬
‫لهم شرع ربهم وما أمرهم به من قواعد وأحكام‪.‬‬
‫فمن أطاعه واتبع النور الذي جاء به والتزم شريعته فقد نجا من‬
‫عذاب الله‪ .‬ومن عصاه وخالفه ولم يتبع ما جاء به فقد استحق‬
‫بذلك عذاب الله فله جهنم يصلها مذموما مدحورا‪.‬‬
‫وهذا المثل يمثل جانب النذار والوعيد وهو جانب من جوانب‬
‫الرسالة وأما الجانب الثاني وهو جانب البشارة ‪ -‬إذ أن الرسول‬
‫سلْنَا َ‬
‫ك‬ ‫َ‬
‫ما أْر َ‬ ‫صلى الله عليه وسلم أخبر الله عنه بقوله تعالى‪{ :‬وَ َ‬
‫شيرا ً وَنَذِيراً}[‪.]100‬‬
‫س بَ ِ‬ ‫إِل َّ كَافَّ ً َ‬
‫ة لِلن ّا ِ‬
‫وأما جانب البشارة فهذا ما تحدث عنه الحديث الثاني وهو حديث‬
‫جابر بن عبد الله رضي الله عنه فالمثل يتحدث عن ثلثة أمور‬
‫دار ومأدبة وداعي وقد جاء تأويل هذا المثل في الحديث نفسه‬
‫فالداعي هو النبي صلى الله عليه وسلم والدار هي الجنة فمن‬
‫أطاعه صلى الله عليه وسلم واتبع ما جاء به فقد أجاب الدعوة‬
‫واستحق دخول الجنة والتمتع في نعيمها‪ .‬وأما من عصى النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم وخالفه ولم يستجب لما جاء به فذلك الذي‬
‫لم يستجب لدعوته فحرم من الدخول في الدار التي هي الجنة‬
‫وحرم من الكل من المأدبة التي هي النعيم الدائم في الجنة‪.‬‬
‫وأما الحديث الثالث‪ :‬فالمثل المضروب فيه يصور مدى حرصه‬
‫صلى الله عليه وسلم على حماية المة من الوقوع فيما يسخط‬
‫الرب تبارك وتعالى ويوجب عقابه وأليم عذابه‪ ،‬فهو صلى الله‬
‫ص‬
‫حرِي ٌ‬ ‫م َ‬‫ما ع َنِت ُّ ْ‬
‫عليه وسلم الموصوف بقوله تعالى‪{ :‬ع َزِيٌز ع َلَيْهِ َ‬
‫م}[‪.]101‬‬‫حي ٌ‬
‫ف َر ِ‬‫ن َرؤ ُو ٌ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫منِي َ‬ ‫م بِال ْ ُ‬
‫ع َلَيْك ُ ْ‬
‫والشاهد من الحديث قوله‪" :‬أنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم‬
‫تقتحمون فيها" ومما ل شك فيه أن اقتحام الناس للنار ناتج عن‬
‫مخالفتهم لوامر النبي صلى الله عليه وسلم ووقوعهم فيما نهى‬
‫وحذر منه فبهذا يكون هلكهم وعذابهم‪.‬‬
‫والمتأمل لهذه الحاديث الثلثة وما ضرب فيها من أمثال يدرك ‪-‬‬
‫سلِيمان ‪ -‬ما في هذه الحاديث من الحث‬ ‫إن كان له قلب وسمع َ‬
‫على طاعة النبي صلى الله عليه وسلم واتباعه والجر العظيم‬
‫المترتب على ذلك‪ ،‬كما يدرك عظم العقوبة والخسارة المترتبة‬
‫على عصيانه ومخالفته وعدم النقياد له‪.‬‬
‫والسؤال الذي يفرض نفسه ههنا هو التالي‪:‬‬
‫هل أنت ممن أطاع البشير النذير صلى الله عليه وسلم؟‬
‫وهل أنت ممن أجاب الداعي صلى الله عليه وسلم؟‬
‫وهل أنت ممن استجاب لتحذيره صلى الله عليه وسلم فحمى‬
‫نفسه من نار جهنم؟‬
‫وقبل أن تعجل بالجابة انظر إلى أعمالك وأقوالك هل هي وفق‬
‫شريعته وما جاء به صلى الله عليه وسلم أم ل؟ فههنا يكمن‬
‫الجواب‪.‬‬
‫فيا سعادة من أطاعه واتبعه‪.‬‬
‫ويا خزي وندامة من خالفه وعصى أمره‪ ،‬والله تعالى يقول‪:‬‬
‫َ‬
‫ل‬
‫سو ِ‬ ‫معَ الَّر ُ‬ ‫ت َ‬ ‫ل يَا لَيْتَنِي ات َّ َ‬
‫خذ ْ ُ‬ ‫م ع َلَى يَدَيْهِ يَقُو ُ‬ ‫ُ‬ ‫ض الظ ّال ِ‬ ‫م يَعَ ُّ‬
‫{وَيَوْ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن‬
‫م فِي الن ّارِ يَقُولو َ‬ ‫جوهُهُ ْ‬‫ب وُ ُ‬ ‫سبِيلً}[‪ ،]102‬وقال تعالى‪{ :‬يَوْ َ‬
‫م تُقَل ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سول}[‪.]103‬‬ ‫ه وَأطعْنَا الَّر ُ‬ ‫يَا ليْتَنَا أطعْنَا الل َ‬
‫ج‪ -‬حثه صلى الله عليه وسلم لمته على التمسك بسنته وتحذيره‬
‫من مخالفتها‪.‬‬
‫عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال‪" :‬جاء ثلثة رهط إلى بيوت‬
‫أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬فلما أخبروا كأنهم تقالوها‪ ،‬فقالوا‪ :‬وأين نحن‬
‫من النبي صلى الله عليه وسلم وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما‬
‫تأخر؟ قال أحدهم‪ :‬أما أنا فأنا أصلي الليل أبدا‪.‬‬
‫وقال آخر‪ :‬أنا أصوم الدهر ول أفطر‪.‬‬
‫وقال آخر‪ :‬أنا أعتزل النساء فل أتزوج أبدا‪.‬‬
‫فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‪" :‬أنتم الذين قلتم‬
‫كذا وكذا؟‪ ،‬أما والله إني لخشاكم لله وأتقاكم له‪ ،‬لكني أصوم‬
‫وأفطر‪ ،‬وأصلي وأرقد‪ ،‬وأتزوج النساء ‪ ،‬فمن رغب عن سنتي‬
‫فليس مني"[‪.]104‬‬
‫وحديث أنس هذا يعد قاعدة جليلة من قواعد التأسي والتباع‬
‫وذلك لما حواه من توجيهات هامة جدا في هذا الشأن منها‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن البتداع في الدين أمر مردود وغير مقبول بل يعد من‬
‫الرغبة عن سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم والخروج عن‬
‫شريعته‪ ،‬ومن أجل ذلك فليس لحد كائنا من كان سوى النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم حتى وإن كان من أصحابه ‪ -‬أن يشرع في‬
‫هذا الدين أو يدخل فيه أمرا حتى وإن كان ذلك بدافع التقرب إلى‬
‫الله‪ .‬فأولئك النفر من الصحابة رضوان الله عليهم دفعهم حب‬
‫التقرب إلى الله إلى أن قالوا ما قالوه من المور التي تعد من‬
‫الرهبانية‪ ،‬ولما كان قولهم ذلك يعد مخالفة لما كان عليه النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم من الحنيفية السمحة وجههم النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم إلى الصواب وحذرهم من أن يحيدوا‬
‫عن سنته ويرغبوا عنها بقوله "فمن رغب عن سنتي فليس مني"‬
‫والمراد أن من ترك طريقتي وأخذ طريقة غيري فليس مني‪.‬‬
‫ومن هذا الحديث يعلم أن كل أمر ليس من سنته صلى الله عليه‬
‫وسلم والشرع الذي جاء به فهو أمر مبتدع مردود على صاحبه‬
‫إضافة الى اعتبار فاعله راغبا عن سنة المصطفى صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫‪ -2‬حثه صلى الله عليه وسلم على التمسك بما هو عليه وهى‬
‫الحنيفية السمحة فهذا ما دل عليه قوله‪" :‬لكني أصوم وأفطر‬
‫وأصلي وأرقد وأتزوج النساء"‪.‬‬
‫فالسلم دين الفطرة ونبينا صلى الله عليه وسلم حرص بقوله‬
‫هذا على سد باب التشديد المتمثل في الرهبانية فل رهبانية في‬
‫السلم‪ ،‬وفى هذا يقول صلى الله عليه وسلم‪" :‬إن الرهبانية لم‬
‫تكتب علينا"[‪ ]105‬فعلى هذا فهي أمر مخالف لسنته وهديه صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ .‬وعن العرباض بن سارية[‪ ]106‬رضي الله عنه‬
‫قال‪" :‬وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت‬
‫منها القلوب وذرفت منها العيون‪ .‬فقلنا‪ :‬يارسول الله كأنها‬
‫موعظة مودع فأوصنا‪ .‬قال‪" :‬أوصيكم بتقوى الله والسمع‬
‫والطاعة وإن تأمر عليكم عبد‪ ،‬وإنه من يعش منكم فسيرى‬
‫اختلفا كثيرا‪ ،‬فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين‬
‫عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات المور فإن كل بدعة‬
‫ضللة"[‪.]107‬‬
‫فوصية النبي صلى الله عليه وسلم لصحابه ولمته من بعدهم‬
‫هي أن يتمسكوا بما سنه من أحكام وتشريعات أشد التمسك‬
‫وأن يحذروا البتداع في الدين وحكم على تلك المحدثات بالضلل‬
‫والنحراف عن الطريق الذي رسمه‪.‬‬
‫وقد رسم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ركيزتين‬
‫‪ -2‬ترك البتداع‪.‬‬ ‫أساسيتين في هذا الدين هما‪ -1 :‬التباع‪.‬‬
‫ولقد سار الصحابة رضوان الله عليهم على هذه الوصية النبوية‬
‫وعملوا بها‪ ،‬فلم يحيدوا عن سنته صلى الله عليه وسلم‪ ،‬بل‬
‫عملوا بها ونقلوها للمة المحمدية من بعدهم كما سمعوها منه‬
‫صلى الله عليه وسلم وكذلك فقد كانوا أشد الناس تمسكا‬
‫بسنته‪ ،‬وأشدهم محاربة للبتداع‪ ،‬في الدين‪ ،‬وقد كان في هذا‬
‫صلحهم وفلحهم ونجاتهم ولن يصلح آخر هذه المة إل بما صلح‬
‫أولها‪.‬‬
‫ومن المؤسف أن كثيرا من المسلمين في وقتنا الحاضر قد‬
‫اختلت عندهم كل الركيزتين فتركوا التباع والقتداء بسنة النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم حتى أصبحت السنة عندهم أمرا مستغربا‬
‫مستنكرا لجهلهم بها وبعدهم عنها واستبدلوا بذلك البدع التي ل‬
‫أصل لها ول دليل عليها من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فاتخذوها دينا يدينون به فانعكست بذلك الموازين لديهم‬
‫فأصبحوا يرون الحق باطل والباطل حقا‪ ،‬والمعروف منكرا‬
‫والمنكر معروفا‪ ،‬وما ذلك إل لكونهم لم يعرفوا من السلم إل‬
‫اسمه ول من الدين إل رسمه بسبب ما هم عليه من قلة العلم‬
‫وعدم معرفتهم بالسنة‪.‬‬
‫فأين هؤلء من وصية المصطفى صلى الله عليه وسلم بأن يتبعوا‬
‫ول يبتدعوا‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪" :‬ذروني ما تركتكم‪ ،‬فإنما أهلك من كان قبلكم سؤالهم‬
‫واختلفهم على أنبيائهم‪ ،‬فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه‪ ،‬وإذا‬
‫أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم"[‪.]108‬‬
‫والشاهد من الحديث قوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬فإذا نهيتكم‬
‫عن شيء فاجتنبوه‪ ،‬وإذا أمرتكم بشيءفأتوا منه ما استطعتم "‪.‬‬
‫وهذا التوجيه النبوي الكريم مماثل لما سبق في الحاديث‬
‫السابقة من الحث على لزوم السنة والتأكيد على اتباعها والخذ‬
‫بها إل أنه يضيف أمرا هاما وهو أن الطاعة في جانب المأمورات‬
‫تجب في حدود الستطاعة والطاقة‪ ،‬وهذا من اليسر الذي‬
‫ف الل َّه نفْسا ً إلَّ‬
‫امتازت به الرسالة المحمدية قال تعالى‪{ :‬ل يُكَل ِّ ُ‬
‫ِ‬ ‫ُ َ‬
‫سعَهَا}[‪.]109‬‬ ‫وُ ْ‬
‫ففي جانب الوامر علينا السمع والطاعة في حدود ما نطيق‬
‫ونستطيع‪ ،‬أما في جانب النواهي فيجب التسليم المطلق دون‬
‫قيد أو شرط‪.‬‬
‫فبهذه الضافة يتحدد معلم من معالم الطاعة يجب على المسلم‬
‫أن يدركه ويعي مضمونه‪.‬‬
‫د‪ -‬بيانه لمواقف الناس من الخذ بدعوته واتباع سنته صلى الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫عن أبي موسى الشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم أنه قال‪" :‬إن مثل ما بعثني الله به عز وجل من‬
‫الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكان منها طائفة طيبة‬
‫قبلت الماء فأنبتت الكل والعشب الكثير‪ ،‬وكان منها أجادب‬
‫أمسكت الماء فنفع الله منها الناس‪ ،‬فشربوا منها‪ ،‬وسقوا‪،‬‬
‫وزرعوا‪ .‬وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان ل تمسك ماء‬
‫ول تنبت كل فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه الله به فعَلِم‬
‫َ‬
‫وع َل ّم‪ ،‬ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي‬
‫أرسلت به"[‪.]110‬‬
‫وفى هذا الحديث قسم النبي صلى الله عليه وسلم الناس ‪ -‬فيما‬
‫يتصل بدعوته ‪ -‬إلى ثلثة أقسام‪ .‬وشبه صلى الله عليه وسلم‬
‫العلم الذي جاء به بالغيث لن كل منهما سبب الحياة‪ ،‬فالغيث‬
‫سبب حياة البدان‪ ،‬والعلم سبب حياة القلوب‪.‬‬
‫ماءِ‬
‫س َ‬‫ن ال َّ‬
‫م َ‬ ‫وشبه القلوب بالودية كما في قوله تعالى‪{ :‬أَنَْز َ‬
‫ل ِ‬
‫ت أَوْدِي َ ٌ‬
‫ة بِقَدَرِهَا}[‪.]111‬‬ ‫سال َ ْ‬
‫ماءً فَ َ‬
‫َ‬
‫وكما أن الراضين ثلثة بالنسبة إلى قبول الغيث‪:‬‬
‫إحداها‪ :‬أرض زكية قابلة للشراب والنبات‪ ،‬فإذا أصابها الغيث‬
‫ارتوت‪ ،‬ومنه يثمر النبت من كل زوج بهيج‪.‬‬
‫فذلك مثل القلب الزكي الذكي‪ ،‬فهو يقبل العلم بذكائه‪ ،‬فيثمر‬
‫فيه وجوه الحكم ودين الحق بزكائه‪ ،‬فهو قابل للعلم‪ ،‬مثمر‬
‫لموجبه وفقهه وأسرار معادنه‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬أرض صلبة قابلة لثبوت ما فيها وحفظه‪ ،‬فهذه تنفع‬
‫الناس لورودها والسقي منها والزدراع‪.‬‬
‫وهو مثل القلب الحافظ للعلم الذي يحفظه كما سمعه‪ ،‬فل‬
‫تصرف فيه‪ ،‬ول استنبط‪ ،‬بل للحفظ المجرد فهو يؤدي كما سمع‪،‬‬
‫وهو من القسم الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫"فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه‪ ،‬ورب حامل فقه غير‬
‫فقيه"[‪.]112‬‬
‫فالول‪ :‬كمثل الغني التاجر الخبير بوجوه المكاسب والتجارات‬
‫فهو يكسب بماله ما شاء‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬مثل الغني الذي ل خبرة له بوجوه الربح والمكسب‪،‬‬
‫ولكنه حافظ لما ل يحسن التصرف والتقلب فيه‪.‬‬
‫والرض الثالثة‪ :‬أرض قاع‪ ،‬وهو المستوي الذي ل يقبل النبات‪ ،‬ول‬
‫يمسك ماء‪ ،‬فلو أصابها من المطر ما أصابها لم تنتفع منه بشيء‪.‬‬
‫فهذا مثل القلب الذي ل يقبل العلم والفقه والدراية‪ ،‬وإنما هو‬
‫بمنزلة الرض البور التي ل تنبت ول تحفظ‪ ،‬وهو مثل الفقير الذي‬
‫ل مال له ول يحسن يمسك مال‪.‬‬
‫فالول‪ :‬عالم معلم‪ ،‬وداع إلى الله على بصيرة‪ ،‬فهذا من‬ ‫•‬
‫ورثة الرسل‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬حافظ مؤد لما سمعه‪ ،‬فهذا يحمل لغيره ما يتجر‬ ‫•‬
‫به المحمول إليه ويستثمر‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬ل هذا ول هذا‪ ،‬فهو الذي لم يقبل هدى الله ولم‬ ‫•‬
‫يرفع به رأسا فاستوعب هذا الحديث أقسام الخلق في الدعوة‬
‫النبوية ومنازلهم‪.‬‬
‫منها قسمان‪ :‬قسم سعيد‪ ،‬وقسم شقي"[‪]113‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬دليل الجماع على وجوب طاعته‪:‬‬


‫الجماع من المة منعقد على وجوب طاعة الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم واتباعه في جميع ما جاء به من ربه عز وجل‪ ،‬وذلك‬
‫لثبوت المر بهذا في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬بل إن المر بوجوب طاعته صلى الله عليه وسلم يعد من‬
‫المور المعلومة من الدين بالضرورة التي ل يعذر إنسان بجهلها‪.‬‬
‫وقد حكى الشافعي رحمه الله تعالى إجماع الصحابة والتابعين‬
‫ومن بعدهم‪ ،‬على أن من استبانت له سنة رسوله صلى الله عليه‬
‫وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد‪.‬‬
‫ولم يسترب أحد من أئمة السلم في صحة ما قاله الشافعي‬
‫فإن الحجة الواجب اتباعها على الخلق كافة إنما هو قول‬
‫المعصوم الذي ل ينطق عن الهوى[‪.]114‬‬
‫وقد تمثل إجماع المة على وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم واتباعه في اعتبار السنة هي المصدر الثاني من مصادر‬
‫التشريع وذلك بعد المصدر الول الذي هو القرآن الكريم[‪.]115‬‬
‫والمقصود بالسنة هنا ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من‬
‫أقواله وأفعاله وتقريراته‪ .‬فالصحابة والتابعون وتابعوهم ومن سار‬
‫على نهجهم يؤمنون بهذا الصل الذي هو سنة المصطفى صلى‬
‫الله عليه وسلم ويوجبون العمل والحتجاج بها‪ ،‬ويعتبرونها مصدرا‬
‫مستقل في التشريع‪ ،‬فل يجب عرض ما جاء عنه صلى الله عليه‬
‫وسلم على القرآن‪ ،‬بل يجب اتباعه وطاعته مطلقا سواء كان ما‬
‫أمر به في الكتاب أو لم يكن‬
‫ولقد كان من مظاهر ذلك الجماع العتناء بسنته وحفظها ونقلها‪،‬‬
‫وتعليمها في كل عصر من العصور‪.‬‬
‫فلقد اعتُني بالسنة فنقلها الخلف عن السلف‪ ،‬وحافظوا عليها‪،‬‬
‫ووضعوا لها القواعد التي اعتنت بسلمتها سندا ومتنا‪.‬‬
‫والنقول عن السلف من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن سار‬
‫على نهجهم في وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم واتباع ما‬
‫جاء به وتعظيمهم لسنته والعمل بها كثيرة جدا‪ .‬ومن تلك النقول‬
‫ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ -‬الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين‪:‬‬
‫‪ -‬أبو بكر الصديق رضي الله عنه‪:‬‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬لما توفي رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم وارتد من ارتد من العرب‪ ،‬قال أبو بكر الصديق‬
‫رضي الله عنه‪ :‬والله لقتلن من فرق بين الصلة والزكاة‪ .‬فقال‬
‫له عمر رضي الله عنه‪ :‬كيف تقاتلهم وقد قال النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ل إله إل الله‬
‫فإذا قالوها عصموا مني دمائهم وأموالهم إل بحقها"‪ .‬فقال أبو‬
‫بكر الصديق‪ :‬أليست الزكاة من حقها؟‪ ،‬والله لو منعوني عناقا[‬
‫‪ ]116‬كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم‬
‫على منعها‪ .‬فقال عمر رضي الله عنه‪ :‬فما هو إل أن عرفت أن‬
‫الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق"[‪.]117‬‬
‫فهذه الحادثة تمثل مدى تمسك خليفة رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم بما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وحرصه على‬
‫تطبيق شرعه في وقت ارتد فيه أكثر العرب في جزيرة العرب‪،‬‬
‫ولم يبق على السلم سوى أهل المدينة ومكة والطائف‪ ،‬ولقد‬
‫تابع الصحابة أبا بكر في موقفه ذلك فقاتلوا أهل الردة بما فيهم‬
‫مانعي الزكاة فكان موقفهم ذلك أوضح دليل على تعظيم السنة‬
‫ووجوب العمل بها‪.‬‬
‫وقد جاءت الجدة إلى الصديق رضي الله عنه تسأله عن ميراثها‬
‫فقال لها‪ :‬ليس لك في كتاب الله شيء‪ ،‬ول أعلم أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم قضى لك بشيء وسأسأل الناس‪ .‬ثم سأل‬
‫رضي الله عنه الصحابة فشهد عنده بعضهم بأن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم أعطى الجدة السدس فقضى لها بذلك[‪.]118‬‬
‫وفي هذا دليل على‪ :‬تمسك الصديق بسنة المصطفى والعمل‬
‫بها‪ ،‬وقال رضي الله عنه‪" :‬لست تاركا شيئا كان رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم يعمل به إل عملت به‪ ،‬إني أخشى إن‬
‫تركت شيئا من أمره أن أزيغ"[‪.]119‬‬
‫وعن ابن سيرين[‪ ]120‬قال‪" :‬لم يكن أحد أهيب بما ل يعلم من‬
‫أبي بكر رضي الله عنه‪ ،‬ولم يكن أحد بعد أبي بكر أهيب بما ل‬
‫يعلم من عمر رضي الله عنه وإن أبا بكر نزلت به قضية فلم يجد‬
‫في كتاب الله منها أصل‪ ،‬ول في السنة أثرا فاجتهد برأيه‪ ،‬ثم قال‬
‫هذا رأي فإن كان صوابا فمن الله‪ ،‬وإن يكن خطأ فمني وأستغفر‬
‫الله"[‪.]121‬‬
‫‪ -‬عمر بن الخطاب رضي الله عنه‪:‬‬
‫ورد عنه أنه كان يقول‪" :‬إن أصدق القيل قيل الله‪ ،‬أل وإن أحسن‬
‫الهدي هدي محمد وشر المور محدثاتها وكل محدثة ضللة‪["....‬‬
‫‪]122‬‬
‫وكان عمر رضي الله عنه يوصي عماله أن يقضوا بين الناس‬
‫بكتاب الله فإن لم يجدوا القضية في كتاب الله فبسنة رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم فعن الشعبي[‪ ]123‬عن شريح[‪ ]124‬أن‬
‫عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إليه إن جاءك شيء في‬
‫كتاب الله فاقض به ول يلتفتك عنه الرجال‪ ،‬فإن جاءك ما ليس‬
‫في كتاب الله فانظر سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فاقض بها‪ ،‬فإن جاءك ما ليس في كتاب الله ولم يكن فيه سنة‬
‫من رسول الله صلى الله عليه وسلم فانظر ما اجتمع عليه‬
‫الناس فخذ به‪ ،‬فإن جاءك ما ليس في كتاب الله ولم يكن في‬
‫سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتكلم فيه أحد من‬
‫قبلك فاختر أي المرين شئت‪ :‬إن شئت أن تجتهد برأيك ثم تقدم‬
‫فتقدم‪ ،‬وإن شئت أن تتأخر فتأخر ول أرى التأخر إل خيرا لك"[‬
‫‪.]125‬‬
‫وروى البخاري بسنده عن أبي وائل[‪ ]126‬قال‪ :‬جلست إلى شيبة‬
‫في هذا المسجد‪ ،‬قال‪ :‬جلس إلي عمر في مجلسك هذا فقال‪:‬‬
‫هممت أن ل أدع فيها صفراء ول بيضاءإل قسمتها بين المسلمين‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ما أنت بفاعل‪ .‬قال‪ :‬لم؟ قلت‪ :‬لم يفعله صاحباك‪ .‬قال‪:‬‬
‫هما المرءان يقتدى بهما"[‪.]127‬‬
‫وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال‪ :‬قيل لعمر أل‬
‫تستخلف؟‪ ،‬قال‪ :‬إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني أبو‬
‫بكر‪ ،‬وإن أترك فقد ترك من هو خير مني رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ .‬فأثنوا عليه‪ ،‬فقال‪ :‬راغب وراهب[‪ ]128‬وددت أني‬
‫نجوت منها كفافا ل لي ول علي ل أتحملها حيا وميتا"[‪.]129‬‬
‫وجاء في رواية لمسلم قال عبد الله‪ :‬فوالله ما هو إل أن ذكر‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر فعلمت أنه لم يكن‬
‫ليعدل برسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا وأنه غير‬
‫مستخلف"[‪.]130‬‬
‫فعمر بن الخطاب رضي الله عنه تمسك بسنة رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم وقدمها على سنة أبي بكر مع أن العمل بها جائز‬
‫عنده‪.‬‬
‫ولما قبل رضي الله عنه الحجر السود قال‪" :‬أما والله إني لعلم‬
‫أنك حجر ل تضر ول تنفع ولول أني رأيت رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم استلمك ما استلمتك"[‪.]131‬‬
‫‪ -‬عثمان بن عفان[‪ ]132‬رضي الله عنه‪:‬‬
‫عن زينب بنت كعب بن عجرة[‪ ]133‬أن الفريعة بنت مالك بن‬
‫سنان[‪ ]134‬وهي أخت أبي سعيد الخدري‪ ،‬أخبرتها‪" :‬أنها جاءت‬
‫إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها‬
‫في بني خدرة‪ ،‬وأن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا حتى إذا‬
‫كان بطرف القدوم لحقهم فقتلوه‪ .‬قالت‪ :‬فسألت رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي فإن زوجي لم يترك لي‬
‫مسكنا يملكه ول نفقة‪ .‬قالت‪ :‬فقال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬نعم"‪ .‬قالت‪ :‬فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة (أو‬
‫في المسجد) نادانى رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أو أمر‬
‫لي فنوديت له‪ ،‬فقال‪" :‬كيف قلت؟"‪ ،‬قالت‪ :‬فرددت عليه القصة‬
‫التي ذكرت له من شأن زوجي‪ .‬قال‪" :‬امكثى في بيتك حتى يبلغ‬
‫الكتاب أجله"‪ .‬قالت‪ :‬فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا‪ .‬قالت‪:‬‬
‫فلما كان عثمان أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته وقضى‬
‫به"[‪.]135‬‬
‫والشاهد من هذا الحديث أن عثمان لما أشكل عليه حكم اعتداد‬
‫المرأة في بيتها بعد وفاة زوجها‪ ،‬أرسل إلى الفريعة بنت مالك‬
‫يسألها فأخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بعد وفاة‬
‫زوجها أن تمكث في بيته حتى يبلغ الكتاب أجله‪ .‬فقضى عثمان‬
‫رضي الله عنه بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -‬علي بن أبي طالب رضي الله عنه‪:‬‬
‫لما بلغه أن عثمان رضي الله عنه ينهى عن متعة الحج‪ ،‬أهل علي‬
‫رضي الله عنه بالعمرة والحج جميعا وقال‪" :‬ما كنت لدع سنة‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم لقول أحد"[‪ .]136‬وعنه رضي الله عنه‬
‫أنه قال‪" :‬أل إني لست بنبي ول يوحى إلي ولكني أعمل بكتاب‬
‫الله وسنة محمد صلى الله عليه وسلم ما استطعت"[‪.]137‬‬
‫‪ -‬أبي بن كعب رضي الله عنه[‪:]138‬‬
‫روي عنه أنه قال‪" :‬عليكم بالسبيل والسنة فإنه ما على الرض‬
‫من عبد على السبيل والسنة ذكر الله في نفسه ففاضت عيناه‬
‫من خشية ربه فيعذبه الله أبدا‪ ،‬وما على الرض من عبد على‬
‫السبيل والسنة ذكر الله في نفسه فاقشعر جلده من خشية الله‬
‫إل كان مثله كمثل شجرة قد يبس ورقها فهي كذلك إذ أصابتها‬
‫ريح شديدة‪ ،‬فتحات عنها ورقها‪ ،‬إل حط الله خطاياه كما تحات‬
‫من الشجرة ورقها‪ ،‬فإن اقتصادا في سبيل وسنة خير من اجتهاد‬
‫في خلف سبيل وسنة وموافقة بدعة‪ ،‬وانظروا أن يكون عملكم‬
‫إن كان اجتهادا واقتصادا أن يكون على منهج النبياء وسنتهم"[‬
‫‪.]139‬‬
‫‪ -‬عبد الله بن عباس رضي الله عنهما‪:‬‬
‫روي عنه أنه قال‪" :‬من أحدث رأيا ليس في كتاب الله ولم تمض‬
‫به سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدر ما هو عليه‬
‫إذا لقي الله عز وجل"[‪.]140‬‬
‫وعنه رضي الله عنه قال‪" :‬عليك بتقوى الله والستقامة واتبع ول‬
‫تبتدع"[‪]141‬‬
‫‪ -‬عبد الله بن مسعود رضي الله عنه‪:‬‬
‫روي عنه رضي الله عنه أنه قال‪" :‬اتبعوا ول تبتدعوا فقد كفيتم"[‬
‫‪ ،]142‬وعنه أنه قال‪" :‬إنا نقتدي ول نبتدئ ونتبع ول نبتدع ولن نضل‬
‫ما تمسكنا بالثر"[‪ .]143‬وعنه رضي الله عنه أنه قال‪" :‬القتصاد‬
‫في السنة خير من الجتهاد في البدعة"[‪.]144‬‬
‫‪ -‬عبد الله بن عمر رضي الله عنهما‪:‬‬
‫فعن سالم بن عبد الله[‪ ]145‬أن عبد الله بن عمر رضي الله‬
‫عنهما قال‪" :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪" :‬ل‬
‫تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها"‪ .‬فقال بلل بن عبد‬
‫الله[‪ :]146‬والله لنمنعهن‪ .‬قال‪ :‬فأقبل عليه عبد الله فسبه سبا‬
‫سيئا ما سمعته سبه مثله قط‪ .‬وقال‪ :‬أخبرك عن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم وتقول والله لنمنعهن[‪.]147‬‬
‫‪ -‬حذيفة بن اليمان رضي الله عنه‪:‬‬
‫قال رضي الله عنه‪" :‬يا معشر القراء استقيموا فقد سبقتم سبقا‬
‫بعيدا‪ ،‬فإن أخذتم يمينا وشمال لقد ضللتم ضلل بعيدا"[‪.]148‬‬
‫قال ابن حجر‪" :‬فقوله‪" :‬يا معشر القراء" المراد بهم العلماء‬
‫بالقرآن والسنة العباد‪ .‬وقوله‪" :‬استقيموا" أي اسلكوا طريق‬
‫الستقامة وهي كناية عن التمسك بأمر الله فعل وتركا‪ .‬وقوله‬
‫"سبقتم" بفتح أوله كما جزم به ابن التين وحكى غيره ضمه‬
‫والول المعتمد‪ ،‬والمراد أنه خاطب بذلك من أدرك أوائل السلم‬
‫فإذا تمسك بالكتاب والسنة سبق إلى كل خير لن من جاء بعده‬
‫إن عمل بعمله لم يصل إلى ما وصل إليه من سبقه إلى السلم‪،‬‬
‫وإل فهو أبعد منه حسا وحكما‪ .‬وقوله "فإن أخذتم يمينا وشمال"‬
‫أي خالفتم المر المذكور‪ .‬وكلم حذيفة منتزع من قوله تعالى‪:‬‬
‫ل فَتَفََّرقَ بِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ستَقِيما ً فَاتَّبِعُوه ُ وَل تَتَّبِعُوا ال ُّ‬
‫سب ُ َ‬ ‫م ْ‬‫صَراطِي ُ‬‫ن هَذ َا ِ‬‫{وَأ َ َّ‬
‫سبِيلِهِ}"[‪.]149‬‬
‫ن َ‬ ‫عَ ْ‬
‫ب‪ -‬من أقوال التابعين ومن بعدهم‪:‬‬
‫‪ -‬عمر بن عبد العزيز[‪ ]150‬رحمه الله تعالى‪:‬‬
‫فمما نقل عنه أنه كتب عامل له يسأله عن الهواء؟‪ ،‬فكتب إليه‪:‬‬
‫"أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله والقتصاد في أمره واتباع سنته‬
‫وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وترك ما أحدث المحدثون‬
‫بعده مما جرت به سنته وكفوا مؤنته‪ ،‬فعليك بلزوم السنة فإنها‬
‫لك بإذن الله عصمة‪]151["...‬‬
‫وروي عنه أنه قال‪" :‬سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولة‬
‫المر من بعده سننا‪ ،‬الخذ بها تصديق بكتاب الله‪ ،‬واستكمال‬
‫لطاعة الله وقوة على دين الله‪ ،‬من عمل بها فهو مهتد‪ ،‬ومن‬
‫استنصر بها فهو منصور ومن خالفها اتبع غير سبيل المؤمنين‪،‬‬
‫ووله الله ما تولى‪ ،‬وأصله جهنم وساءت مصيرا"[‪.]152‬‬
‫‪ -‬محمد بن مسلم الزهري[‪:]153‬‬
‫روي عنه أنه قال‪" :‬كان من مضى من علمائنا يقولون العتصام‬
‫بالسنة نجاة‪ ،‬والعلم يقبض قبضا سريعا‪ ،‬فنعش العلم ثبات الدين‬
‫والدنيا‪ ،‬وفي ذهاب العلم ذهاب ذلك كله"[‪.]154‬‬
‫‪ -‬مجاهد بن جبر[‪:]155‬‬
‫م فِي‬ ‫ن تَنَاَزع ْت ُ ْ‬‫روي عنه أنه قال عند تفسير قوله تعالى‪{ :‬فَإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ل} الية‪ .‬قال الرد إلى الله‪ :‬الرد‬ ‫سو ِ‬‫يءٍ فَُردُّوه ُ إِلَى الل ّهِ وَالَّر ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫إلى كتابه‪ ،‬والرد إلى الرسول‪ :‬الرد إلى السنة"[‪.]156‬‬
‫‪ -‬أبو العالية[‪:]157‬‬
‫روي عنه أنه قال‪" :‬تعلموا السلم‪ ،‬فإذا تعلمتموه فل ترغبوا عنه‪،‬‬
‫وعليكم بالصراط المستقيم فإنه السلم‪ ،‬ول تحرفوا الصراط‬
‫يمينا أو شمال‪ ،‬وعليكم بسنة نبيكم‪ ،‬وما كان عليه أصحابه"[‪.]158‬‬
‫‪ -‬أيوب السختياني[‪:]159‬‬
‫حدث الرجل بسنة فقال‪ :‬دعنا من هذا‬ ‫روي عنه أنه قال‪" :‬إذا ُ‬
‫وأنبئنا عن القرآن‪ ،‬فاعلم أنه ضال"[‪.]160‬‬
‫ج‪ -‬الئمة الربعة‪:‬‬
‫‪ -‬أبو حنيفة النعمان[‪:]161‬‬
‫روي عنه قوله رحمه الله‪" :‬إذا جاء عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فعلى الرأس والعين‪،‬‬
‫وإذا جاء عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نختار من‬
‫قولهم‪ ،‬وإذا جاء عن التابعين زاحمناهم"[‪]162‬‬
‫وروي عنه قوله‪" :‬آخذ بكتاب الله‪ ،‬فما لم أجد فبسنة رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فإن لم أجد في كتاب الله ول سنة أخذت‬
‫بقول أصحابه‪ ،‬آخذ بقول من شئت منهم‪ ،‬وأدع قول من شئت‬
‫منهم ول أخرج من قولهم إلى قول غيرهم‪.]163["...‬‬
‫‪ -‬مالك بن أنس (إمام دار الهجرة)‪:‬‬
‫قال رحمه الله تعالى‪" :‬من ابتدع في السلم بدعة يراها حسنة‬
‫فقد زعم أن محمدا خان الرسالة‪ ،‬لن الله يقول‪{ :‬الْيو َ‬
‫ت‬‫مل ْ ُ‬
‫م أك ْ َ‬‫َ ْ َ‬
‫م}‪ ،‬فما لم يكن يومئذ دينا فل يكون اليوم دينا"[‪.]164‬‬ ‫م دِينَك ُ ْ‬ ‫لَك ُ ْ‬
‫وكان رحمه الله كثيرا ما يقول‪:‬‬
‫وشر المور المحدثات البدائع[‬ ‫وخير أمور الدين ما كان سنة‬
‫‪]165‬‬
‫ومن قوله كذلك‪" :‬قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد‬
‫تم هذا المر واستكمل‪ ،‬فإنما ينبغي أن نتبع آثار رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ول نتبع الرأي"[‪.]166‬‬
‫وجاء رجل إلى مالك فسأله عن مسألة فقال له‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم كذا وكذا‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬أرأيت‪ ،‬فقال مالك‪:‬‬
‫خالِفُون ع َن أ َمره أ َن تصيبهم فتن ٌ َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫صيبَهُ ْ‬‫ة أوْ ي ُ ِ‬ ‫ْ ْ ِ ِ ْ ُ ِ َُ ْ ِ َْ‬ ‫َ‬ ‫حذ َرِ ال ّذِي َ‬
‫ن يُ َ‬ ‫{فَلْي َ ْ‬
‫م}[‪]167‬‬ ‫َ‬
‫ب ألِي ٌ‬ ‫عَذ َا ٌ‬
‫‪ -‬محمد بن إدريس الشافعي‪:‬‬
‫ورد عنه أنه قال‪" :‬الحجة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله‬
‫عليه وسلم واتفاق الئمة"[‪ ،]168‬وقال‪" :‬ليس في سنة رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم إل اتباعها"[‪]169‬‬
‫وروى رحمه الله يوما حديثا فقال له رجل‪ :‬أتأخذ بهذا يا أبا عبد‬
‫الله؟‪ ،‬فقال‪ :‬متى ما رويت عن رسول الله حديثا صحيحا فلم آخذ‬
‫به فأشهدكم أن عقلي قد ذهب"[‪.]170‬‬
‫وروي عنه أنه قال‪" :‬إذا وجدتم في كتابي خلف سنة رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فقولوا بسنة رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ودعوا ما قلت"[‪.]171‬‬
‫وروي عنه أنه قال‪" :‬آمنت بما جاء عن الله‪ ،‬وبما جاء عن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم على مراد رسول الله"[‪.]172‬‬
‫‪ -‬أحمد بن حنبل (إمام أهل السنة)‪:‬‬
‫ورد عنه قوله‪" :‬أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه‬
‫أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والقتداء بهم وترك‬
‫البدع وكل بدعة فهي ضللة‪ ،‬وترك الخصومات والجلوس مع‬
‫أصحاب الهواء‪ ،‬وترك المراء والجدال والخصومات في الدين‪.‬‬
‫والسنة عندنا آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬والسنة‬
‫تفسر القرآن وهي دلئل القرآن‪ ،‬وليس في السنة قياس‪ ،‬ول‬
‫تضرب لها المثال ول تدرك بالعقول ول الهواء إنما هي التباع‬
‫وترك الهوى"[‪.]173‬‬
‫وقال أيضا‪" :‬التباع أن يتبع الرجل ما جاء عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم وأصحابه ثم هو بعد مع التابعين مخير"[‪.]174‬‬
‫وما أوردته من آثار وأقوال عن السلف ههنا إنما هو عبارة عن‬
‫نماذج لما ورد عنهم في هذا الشأن[‪.]175‬‬
‫ويتضح من خلل تلك النصوص إجماع سلف المة وأئمتها على‬
‫وجوب الخذ بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم والتمسك بها‬
‫في كل الجوانب واتباع ما جاء به صلى الله عليه وسلم اعتقادا‬
‫وقول وعمل‪ .‬والتحذير من مخالفة السنة والبتداع فيها وتقديم‬
‫الهوى والرأي عليها‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬منهج السلف في اتباعه وطاعته صلى الله عليه‬


‫وسلم‪.‬‬

‫المطلب الول‪ :‬منهجهم في التباع‪.‬‬


‫بعث الله تبارك وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالرسالة‬
‫الجامعة الخاتمة أل وهي رسالة السلم التي ارتضاها عز وجل‬
‫لتكون دينا ومنهاجا‪ ،‬يسير عليه الجن والنس في حياتهم الدنيا‬
‫حتى يتم لهم صلح معاشهم الذي هم فيه‪ ،‬ومعادهم الذي‬
‫سيصيرون إليه‪.‬‬
‫ولقد شاء تبارك وتعالى أن يجعل لهذه الرسالة مصدرين للتلقي‬
‫هما‪:‬‬
‫‪ -2‬السنة النبوية‪.‬‬ ‫‪ -1‬القرآن الكريم‪.‬‬
‫فالقرآن الكريم هو المصدر التشريعي الول في السلم وهو‬
‫كلم الله المنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم بواسطة‬
‫جبريل عليه السلم‪.‬‬
‫والسنة هي المصدر الثاني لنها مبينة لحكامه موضحة لبهامه‬
‫ومخصصة لعمومه ومقيدة لطلقه وشارحة لحكامه وأهدافه‪.‬‬
‫َ َّ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬وَأَنَْزلْنَا إِلَي ْ َ‬
‫م‬
‫م وَلعَلهُ ْ‬ ‫ل إِلَيْهِ ْ‬ ‫ما نُّزِ َ‬ ‫س َ‬ ‫ك الذِّكَْر لِتُبَي ِّ َ َ‬
‫ن لِلن ّا ِ‬ ‫َ‬
‫ن}[‪.]176‬‬ ‫يَتَفَك ُّرو َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ما أَنَْزلْنَا ع َلَي ْ َ‬
‫ختَلَفُوا‬ ‫م ال ّذِي ا ْ‬ ‫ن لَهُ ُ‬ ‫ب إ ِ ّل لِتُبَي ِّ َ‬ ‫ك الْكِتَا َ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬وَ َ‬
‫ن}[‪.]177‬‬ ‫منُو َ‬ ‫ة لِقَوْم ٍ يُؤ ْ ِ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫فِيهِ وَهُدىً وََر ْ‬
‫فالرسول صلى الله عليه وسلم كما خص بالوحي المتلو وهو‬
‫القرآن الكريم كذلك خص بالوحي غير المتلو وهو السنة التي ل‬
‫مندوحة عن اتباعها‪.‬‬
‫َّ‬
‫حى}‪ .‬وقال‬ ‫ي يُو َ‬ ‫ح ٌ‬ ‫ن هُوَ إ ِل وَ ْ‬ ‫ن ال ْ َهوَى‪ ،‬إ ِ ْ‬ ‫ما يَنْطِقُ ع َ ِ‬ ‫{و َ‬
‫قال تعالى‪َ :‬‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" :‬أل إني أوتيت القرآن ومثله معه"[‪.]178‬‬
‫وبناء على ذلك فإن القرآن والسنة هما المنهلن العظيمان اللذان‬
‫تستقي منهما المة المسلمة عقيدتها وشريعتها وكل ما فيه صلح‬
‫شؤونها في دنياها وآخرتها وهما المنهاج والنبراس الذي سار‬
‫عليه السلف من الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم‪ ،‬في طاعتهم‬
‫واتباعهم للنبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وذلك لعتقادهم أن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قد جاء بهذين الصلين وحيا من عند الله‬
‫عز وجل‪ ،‬كما أنه أمر باتباعهما والخذ بما فيهما اعتقادا وقول‬
‫ه‬
‫م ع َن ْ ُ‬ ‫ما نَهَاك ُ ْ‬ ‫خذ ُوه ُ َو َ‬ ‫ل فَ ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫م الَّر ُ‬ ‫ما آتَاك ُ ُ‬ ‫وعمل‪ .‬قال تعالى‪{ :‬وَ َ‬
‫فَانْتَهُوا}‪ ،‬فهم من هذا المنطلق التزموا وتمسكوا بالقرآن والسنة‬
‫وتلقوهما بالقبول والتسليم واليمان والتعظيم فأحلوا حللهما‬
‫وحرموا حرامهما واتخذوا منهما منهجا لجميع شؤونهم وأحوالهم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫منُوا‬ ‫نآ َ‬ ‫يرجعون َإليه امتثال لنداء الله حيث قال‪{ :‬يَا أي ُّ َها ال ّذِي َ‬
‫َ‬ ‫أَطيعوا الل ّه وأَطيعوا الَرسو َ ُ‬
‫م فِي‬ ‫ن َ تَنَاَزع ْت ُ ْ‬ ‫م فَإ ِ ْ‬ ‫منْك ُ ْ‬ ‫مرِ ِ‬ ‫ل وَأولِي ال ْ‬ ‫ّ ُ‬
‫َ‬
‫َ َ ِ ُ‬ ‫ِ ُ‬
‫م‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫م تُؤ ْ ِ‬ ‫ن كُنْت ُ ْ‬ ‫يءٍ فَُردُّوه ُ إِلَى الل ّهِ وَالَّر ُ‬ ‫َ‬
‫ن بِاللهِ وَاليَوْ ِ‬ ‫منُو َ‬ ‫ل إِ ْ‬‫سو ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ش ْ‬
‫ن تَأوِيلً}‪.‬‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫خيٌْر وَأ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫خرِ ذَل ِ َ‬ ‫ال ِ‬
‫قال ابن القيم‪" :‬إن الناس أجمعوا أن الرد إلى الله سبحانه هو‬
‫الرد إلى كتابه‪ ،‬والرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو الرد‬
‫إليه نفسه في حياته وإلى سنته بعد وفاته"[‪.]179‬‬
‫ومن هذين الصلين ‪ -‬الكتاب والسنة ‪ -‬استقى السلف المسلك‬
‫القويم والمنهج السليم الذي ساروا عليه في طاعتهم واتباعهم‬
‫لرسولهم ونبيهم محمد صلى الله عليه وسلم وهذا المنهج يمكن‬
‫تلخيصه في النقاط الرئيسية التالية‪:‬‬
‫أول‪ :‬اتباع القرآن الكريم‪:‬‬
‫فالقرآن الكريم هو كلم الله المنزل على نبيه محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم وحيا بواسطة جبريل عليه السلم‪ ،‬والذي تولى الله‬
‫ن نََّزلْنَا الذِّكَْر وَإِنَّا ل َ ُ‬
‫ه‬ ‫سبحانه وتعالى حفظه بقوله‪{ :‬إِنَّا ن َ ْ‬
‫ح ُ‬
‫ن}[‪.]180‬‬ ‫حافِظُو َ‬
‫لَ َ‬
‫كما جعله نظاما ومنهجا يهتدي به عباده المؤمنون كما قال‬
‫ن}[‪.]181‬‬ ‫متَّقِي َ‬ ‫ب فِيهِ هُدىً لِل ْ ُ‬ ‫ك الْكِتَا ُ‬
‫ب ل َري ْ َ‬ ‫تعالى‪{ :‬ذَل ِ َ‬
‫ولقد اعتنى السلف بكتاب الله عز وجل فحفظوه في صدورهم‬
‫ومصاحفهم وصاروا يتلونه آناء الليل وأطراف النهار‪ ،‬وينفذون‬
‫أحكامه وشرائعه جيل بعد جيل في جميع جوانب حياتهم الفردية‪،‬‬
‫والجتماعية‪ ،‬والقتصادية‪ ،‬والسياسية‪ ،‬وغيرها من المور الدنيوية‬
‫والخروية‪.‬‬
‫كما تفرغ عبر القرون ثلة من خيارهم لدراسته وتفسيره‬
‫واستنباط أحكامه ومعرفة ناسخه ومنسوخه‪ ،‬ومحكمه ومتشابهه‪،‬‬
‫والعتبار بدعوته وقصصه‪ ،‬ووعظه وإرشاداته وأمثاله‪.‬‬
‫وهذا الموقف من السلف الصالح يمثل مظهرا من مظاهر‬
‫التأسي والقتداء بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬كما‬
‫يعد تطبيقا عمليا لما أوصى به عليه الصلة والسلم أمته حيث‬
‫قال‪" :‬تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب‬
‫الله‪]182["...‬‬
‫ثانيا‪ :‬اتباع سنته صلى الله عليه وسلم والعمل بها‪:‬‬
‫فلقد أوجب الله على العباد طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم‬
‫واتباعه وقد تقدم إيراد الدلة على ذلك[‪.]183‬‬
‫ولقد عمل السلف بما أوجبه الله تعالى فأخذوا بسنة نبيهم صلى‬
‫الله عليه وسلم وعملوا بها أمرا ونهيا وخبرا‪ ،‬فكانت أقواله‬
‫وأفعاله وتقريراته هي المصدر الثاني بعد كتاب الله عز وجل‬
‫الذي تستقي منه المة أحكامها وتشريعاتها في شتى شؤون‬
‫حياتها‪ .‬ويعتقد السلف أن للسنة استقلليتها في تشريع الحكام‬
‫وهي كالقرآن في تحليل الحلل وتحريم الحرام‪ ،‬فالحكام التي‬
‫سكت القرآن عن بيان حكمها وورد في السنة بيانها‪ ،‬فإن السلف‬
‫يعملون بهذه الحكام ويأخذون بها‪ ،‬ول يرون أن هناك تعارضا‬
‫البتة بين الصلين‪.‬‬
‫كما يعتقد السلف أن علقة السنة بالمصدر الول الذي هو‬
‫القرآن تسير وفق الوجه الثلثة التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬أن تكون السنة موافقة للقرآن من كل وجه‪ ،‬فيكون توارد‬
‫القرآن والسنة على الحكم الواحد من باب توارد الدلة وتضافرها‬
‫وذلك مثل الحاديث التي تفيد وجوب الصلة والزكاة والحج‬
‫والصوم من غير تعرض لشرائطها وأركانها‪.‬‬
‫‪ -2‬أن تكون بيانا لما أريد بالقرآن وتفسيرا له‪ ،‬وذلك مثل‬
‫الحاديث التي فصلت أحكام وهيئات الصلة والصيام والحج‬
‫والبيوع والمعاملت التي وردت مجملة في القرآن‪ ،‬وهذا القسم‬
‫هو أغلب ما في السنة وأكثرها ورودا‪.‬‬
‫‪ -3‬أن تكون موجبة لحكم سكت القرآن على إيجابه‪ ،‬أو محرمة‬
‫لما سكت عن تحريمه‪ ،‬كالحاديث التي أثبتت حرمة الجمع بين‬
‫المرأة وعمتها أو خالتها‪ ،‬وأحكام الشفعة وغير ذلك‪.‬‬
‫فالسنة الصحيحة ل تخرج عن هذه الضوابط‪ ،‬كما أنها ل تعارض‬
‫القرآن بوجه ما‪ ،‬فما كان منها زائدا على القرآن فهو تشريع مبتدأ‬
‫من النبي صلى الله عليه وسلم تجب طاعته فيه ول تحل‬
‫معصيته‪ ،‬وليس هذا تقديما لها على كتاب الله‪ ،‬بل امتثال لما أمر‬
‫الله به من طاعة رسوله التي أمر الله بها على جهة الستقلل‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫ل} وقال تعالى‪:‬‬ ‫ه وَأطِيعُوا الَّر ُ‬
‫سو َ‬ ‫َ‬ ‫فقال تعالى ‪{ :‬وَأَطِيعُوا الل‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه} فهذه الطاعة المأمورون بها‬ ‫ل فَقَد ْ أطَاع َ الل ّ َ‬ ‫سو َ‬‫ن يُطِِع الَّر ُ‬
‫م ْ‬
‫{ َ‬
‫هي طاعة مختصة به صلى الله عليه وسلم[‪ ،]184‬ويجب علينا‬
‫العمل بها‪.‬‬
‫صب رسول الله صلى الله‬ ‫فالسلف يؤمنون "بأن الله سبحانه ن َّ‬
‫عليه وسلم منصب المبلغ المبين عنه‪ ،‬فكل ما شرعه للمة فهو‬
‫بيان منه عن الله أن هذا شرعه ودينه‪ ،‬ول فرق يين ما يبلغه عنه‬
‫من كلمه المتلو ومن وحيه الذي هو نظير كلمه في وجوب‬
‫التباع‪ ،‬ومخالفة هذا كمخالفة هذا‪.‬‬
‫فعلى سبيل المثال فإن الله أمرنا بإقام الصلة وإيتاء الزكاة وحج‬
‫البيت وصوم رمضان‪ ،‬ثم جاء البيان عن رسوله صلى الله عليه‬
‫وسلم بمقادير ذلك وصفاته وشروطه‪ ،‬فوجب على المة قبوله‪،‬‬
‫إذ هو تفصيل لما أمر الله به‪ ،‬كما يجب علينا قبول الصل‬
‫المفصل‪ ،‬وهكذا أمر الله سبحانه بطاعته وطاعة رسوله‪ ،‬فإذا‬
‫أمر الرسول بأمر‪ ،‬كان تفصيل وبيانا للطاعة المأمور بها‪ ،‬وكان‬
‫فرض قبوله كفرض قبول الصل المفصل‪ ،‬ول فرق بينهما‪،‬‬
‫والبيان من النبي صلى الله عليه وسلم على أقسام‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬بيان نفس الوحي بظهوره على لسانه بعد أن كان خفيا‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬بيان معناه وتفسيره لمن احتاج إلى ذلك كما بين أن‬
‫م بِظُلْمٍ}[‪ ]185‬هو‬
‫مانَهُ ْ‬ ‫سوا إِي َ‬‫م يَلْب ِ ُ‬‫الظلم المذكور في قوله {وَل َ ْ‬
‫الشرك وأن الحساب اليسير هو العرض وأن الخيط البيض‬
‫والسود هما بياض الليل وسواد النهار‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬بيانه بالفعل كما بين أوقات الصلة للسائل بفعله‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬بيان ما سئل عنه من الحكام التي ليست في القرآن‬
‫فنزل القرآن ببيانها‪ ،‬كما سئل عن قذف الزوجة فجاء القرآن‬
‫باللعان ونظائره‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬بيان ما سئل عنه بالوحي وإن لم يكن قرآنا‪ ،‬كما سئل‬
‫عن رجل أحرم في جبة بعدما تضمخ بالخلوق فجاء الوحي بأن‬
‫ينزع عنه الجبة ويغسل أثر الخلوق‪.‬‬
‫السادس‪ :‬بيانه للحكام بالسنة ابتداءً من غير سؤال‪ ،‬كما حرم‬
‫عليهم لحوم الحمر‪ ،‬والمتعة‪ ،‬وصيد المدينة‪ ،‬ونكاح المرأة على‬
‫عمتها وخالتها وأمثال ذلك‪.‬‬
‫السابع‪ :‬بيانه للمة جواز الشيء بفعله هو له‪ ،‬وعدم نهيهم عن‬
‫التأسي به‪.‬‬
‫الثامن‪ :‬بيان جواز الشيء بإقراره لهم على فعله وهو يشاهده‪ ،‬أو‬
‫يعلمهم يفعلونه‪.‬‬
‫التاسع‪ :‬بيانه إباحة الشيء عفوا بالسكوت عن تحريمه وإن لم‬
‫يأذن فيه نطقا‪.‬‬
‫العاشر‪ :‬أن يحكم القرآن بإيجاب شيء أو تحريمه أو إباحته‬
‫ويكون لذلك الحكم شروط وموانع وقيود وأوقات مخصوصة‬
‫وأحوال وأوصاف‪ ،‬فيحيل الرب سبحانه وتعالى على رسوله في‬
‫م}[‪ ]186‬فالحل‬ ‫ما وََراءَ ذَلِك ُ ْ‬‫م َ‬ ‫ل لَك ُ ْ‬ ‫بيانها كقوله تعالى‪{ :‬وَأ ُ ِ‬
‫ح َّ‬
‫موقوف على شروط النكاح وانتفاء موانعه وحضور وقته وأهلية‬
‫المحل"[‪.]187‬‬
‫ومن هذا المفهوم والتصور الواضح لهمية السنة ومكانتها ودورها‬
‫في التشريع انطلقت أفعال السلف مترجمة لهذا التصور فكان‬
‫من تلك الفعال أن اعتنى السلف بالسنة فتضافرت جهود العلماء‬
‫من لدن الصحابة والتابعين على حفظ السنة والعناية بها وصيانتها‬
‫فحظيت منذ ذلك الحين بسياج من الحماية منقطع النظير‪ ،‬وقد‬
‫اتبع الصحابة في ذلك كل سبيل يحفظ للسنة نورها وصفاءها‪،‬‬
‫وكان من ذلك التحري والتثبت في روايتها خشية الوقوع في‬
‫الخطأ وخوفا من أن يتسرب إليها التصحيف والتحريف‪ ،‬بل إن‬
‫بعضهم فضل القلل من الرواية‪ .‬قال ابن قتيبة[‪" :]188‬كان عمر‬
‫شديد النكار على من أكثر الرواية أو أتى بخبر الحكم ل شاهد له‬
‫عليه‪ ،‬وكان يأمرهم بأن يقلوا من الرواية يريد بذلك أن ل يتسمع‬
‫الناس فيها ويدخلها الشوب ويقع التدليس والكذب من المنافق‬
‫والفاجر والعرابي‪ .‬وكان كثير من جلة الصحابة وأهل الخاصة‬
‫برسول الله صلى الله عليه وسلم كأبي بكر والزبير[‪ ]189‬وأبي‬
‫عبيدة[‪ ]190‬والعباس بن عبد المطلب يقلون الرواية عنه بل كان‬
‫بعضهم ل يكاد يروي شيئا كسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل[‪]191‬‬
‫وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة"[‪.]192‬‬
‫ولقد تبعهم من بعدهم من التابعين ومن بعدهم على ذلك‪.‬‬
‫وكما احتاط السلف في التحديث احتاطوا وتثبتوا كذلك في قبول‬
‫الخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬قال الذهبى‪" :‬كان‬
‫أبو بكر رضي الله عنه أول من احتاط في قبول الخبار‪ ،‬فروى‬
‫ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب[‪ ]193‬أن الجدة جاءت إلى أبي‬
‫بكر تلتمس أن تورث فقال‪ :‬ل أجد لك في كتاب الله شيئا وما‬
‫علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر لك شيئا‪ ،‬ثم‬
‫سأل الناس فقام المغيرة وقال‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم يعطيها السدس‪ .‬فقال‪ :‬هل معك غيرك؟‪ ،‬فشهد‬
‫محمد بن مسلمة بمثل ذلك فأنفذه لها أبو بكر رضي الله عنه"‪.‬‬
‫واستشار عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس في إملص‬
‫المرأة[‪ ،]194‬فقال المغيرة بن شعبة[‪ :]195‬شهدت النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم قضى فيه بغرة عبد أو أمة‪.‬‬
‫فقال عمر‪ :‬ائتني بمن يشهد معك‪ .‬قال فشهد له محمد بن‬
‫مسلمة[‪.]196‬‬
‫وحدث لعمر مثل هذه الحادثة مع كثير من الصحابة منهم أبي بن‬
‫كعب وأبو موسى وفي رواية‪ :‬قال عمر لبي موسى‪" :‬أما إني لم‬
‫أتهمك ولكن خشيت أن يتقول الناس على رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم"[‪.]197‬‬
‫وعن علي رضي الله عنه قال‪ :‬كنت إذا سمعت من رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله بما شاء منه وإذا حدثني‬
‫عنه غيري استحلفته فإذا حلف لي صدقته ‪]198["...‬‬
‫وهذا التثبت من الصحابة رضوان الله عليهم كان الحامل لهم‬
‫عليه هو أل يسترسل الناس في رواية الحديث ويتساهلوا فيه من‬
‫غير تحر وتثبت كاف فيقعوا في الكذب على رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم من حيث شعروا أو لم يشعروا‪ ،‬ويدلك على ذلك‬
‫قول عمر بن الخطاب لبي موسى الشعري‪" :‬أما إني لم أتهمك‬
‫ولكن خشيت أن يتقول الناس على رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم"‪.‬‬
‫وهذه الشواهد عن ثلثة من الخلفاء الراشدين تترجم حرصهم‬
‫وجهودهم في المحافظة على السنة بأن ل يشوبها ما ليس منها‪.‬‬
‫وقد تتابعت الجهود من الصحابة ومن جاء بعدهم على حفظ‬
‫السنة وحمايتها إلى أن قعدت القواعد ووضعت الضوابط التي‬
‫يعرف بها قوة الحديث أو وهنه وكان من تلك الضوابط علم‬
‫إسناد الحديث فقد اعتني بهذا الجانب منذ وقت مبكر‪ ،‬واهتم به‬
‫العلماء حتى جعلوه من الدين قال عبد الله بن المبارك[‪:]199‬‬
‫"السناد من الدين‪ ،‬لول السناد لقال من شاء ما شاء"‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫"بيننا وبين القوم قوائم" يعني السناد[‪.]200‬‬
‫ولقد اشتغل علماء الحديث بنقد الرواة وبيان حالهم ومن تقبل‬
‫روايته ومن ل تقبل من خلل دراسة الراوي سيرة وتاريخا‬
‫ومعتقدا وسلوكا‪ ،‬ولم تأخذهم في ذلك لومة لئم‪ ،‬وقد قيل ليحي‬
‫بن سعيد القطان[‪ " :]201‬أما تخشى أن يكون هؤلء الذين تركت‬
‫حديثهم خصماءك عند الله يوم القيامة؟‪ ،‬فقال‪ :‬لن يكون هؤلء‬
‫خصمي أحب إلي من أن يكون خصمي رسول الله صلى الله‬
‫ب الكذب عن حديثي"[‪.]202‬‬ ‫م لَ ْ‬
‫م تذ ُ َّ‬ ‫عليه وسلم يقول‪ :‬ل ِ َ‬
‫وهذه لمحة وإشارة لما بذله السلف من جهود في حفظ السنة‬
‫والذب عنها لتبقى منهل صافيا تستقي منه المة أمور دينها‬
‫ودنياها وآخرتها حتى يتحقق لها اتباع رسولها محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم الذي أمر الله بالقتداء به والسير على نهجه والطاعة‬
‫له في كل ماجاء به صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬ثم يلي الكتاب والسنة‪ :‬فيما يجب التسليم له من أصول ما‬
‫كان في معناهما بدليل جامع والمراد بذلك الجماع والقياس‬
‫الجلي الذي ل يصادم النص الشرعي‪.‬‬
‫قال الشافعي‪" :‬الحجة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه‬
‫وسلم واتفاق الئمة"‪.‬‬
‫وقال أيضا‪" :‬والعلم طبقات‪:‬‬
‫الولى‪ :‬الكتاب والسنة الثابتة ثم الجماع فيما ليس في كتاب ول‬
‫سنة‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬أن يقول الصحابي فل يعلم له مخالف من الصحابة‪.‬‬
‫الرابعة‪ :‬اختلف الصحابة‪.‬‬
‫الخامسة‪ :‬القياس"[‪.]203‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬محاربة السلف لما يناقض التباع‪:‬‬


‫من المور التي سار عليها السلف في طاعتهم واتباعهم للنبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وجعلوها منهجا لهم في التباع محاربتهم‬
‫لذلك الثالوث الخطير المتمثل في البدعة والتقليد‪ ،‬والرأي‪.‬‬
‫فالسلف يعدون ذلك الثالوث مرضا خطيرا متى استشرى وانتشر‬
‫في المة فإنه يفتك بعقيدتها وما هي عليه من التباع والسنة‪.‬‬
‫قال ابن عباس رضي الله عنهما‪" :‬ما من عام إل والناس يحيون‬
‫فيه بدعة ويميتون فيه سنة حتى تحيا البدع وتموت السنن"[‪.]204‬‬
‫وعن جابر بن زيد[‪ ]205‬أن ابن عمر لقيه في الطواف فقال‪" :‬يا‬
‫أبا الشعثاء إنك من فقهاء البصرة فل تفت إل بقرآن ناطق أو‬
‫سنة ماضية فإنك إن فعلت غير ذلك هلكت وأهلكت"[‪.]206‬‬
‫وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال‪" :‬ل يقلدن أحدكم دينه رجل‬
‫إن آمن آمن وإن كفر كفر فإنه ل أسوة في الشر"[‪.]207‬‬
‫وهذه النصوص الثلثة المنقولة عن ثلثة من أصحاب رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم تصور عظم خطر تلك المور على المة‬
‫كما تصور حرصهم على تحذير المة من خطرها وشرها الذي‬
‫يهدد عقيدتهم وماهم عليه من التباع والسنة‪.‬‬
‫أ‪ -‬محاربتهم للبدعة‪:‬‬
‫فأول تلك المور وأشدها خطرا على المة "البدعة" فالبتداع في‬
‫الدين قد حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله‪" :‬إياكم‬
‫ومحدثات المور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضللة"‬
‫وقال‪" :‬فإن خير الحديث كتاب الله‪ ،‬وخير الهدي هدي محمد‬
‫وشر المور محدثاتها وكل بدعة ضللة"[‪.]208‬‬
‫كما بين حكم البدعة بقوله‪" :‬من عمل عمل ليس عليه أمرنا فهو‬
‫رد"[‪ ]209‬ومع وقفة تأمل لما ورد في هذه الحاديث نلمس المور‬
‫التالية‪:‬‬
‫ففي الحديث الول والثاني وصف صلى الله عليه وسلم البدعة‬
‫بكونها ضللة وانحرافا عن الطريق والصراط المستقيم الذي‬
‫رسمه صلى الله عليه وسلم لهذه المة والذي أوجب الله علينا‬
‫اتباعه فيه‪ .‬فالبدعة في الدين طريق غواية وضلل يجب الحذر‬
‫منه والبعد عنه وهي إضافة إلى ذلك فإنها مخالفة لسنة‬
‫المصطفى صلى الله عليه وسلم ومحاربة لما جاء به من الهدى‬
‫والنور إذ الوقوع في هذا المزلق الخطر الذي هو "البدعة" يترتب‬
‫عليه أمور خطيرة منها الطعن في الدين لن لسان حال المبتدع‬
‫يقول إن الشريعة لم تتم وإنه بقي منها أشياء يجب استدراكها‪،‬‬
‫لنه لو كان معتقدا لكمالمها وتمامها من كل وجه لم يبتدع ولم‬
‫يستدرك عليها‪.‬‬
‫وإضافة إلى ذلك فإن المبتدع معاند للشرع ومشاق له لن‬
‫الشارع قد عين لمطالب العبد طرقا خاصة على وجوه خاصة‬
‫وقصر الخلق عليها بالمر والنهي والوعد والوعيد‪ ،‬وأخبر أن الخير‬
‫فيها وأن الشر في تعديها إلى غير ذلك‪ .‬فالمبتدع بحاله تلك يزعم‬
‫أن ثم طرقا أخر وليس ما حصره الشارع بمحصور ول ما عينه‬
‫بمتعين‪ ،‬بل ربما يفهم من استدراكه الطرق على الشارع أنه علم‬
‫ما ل يعلم الشارع وأحاط بما لم يحط به وهذا هو بعينه الضلل‬
‫المبين الذي وصف النبي صلى الله عليه وسلم البدعة به حين‬
‫قال‪" :‬وكل بدعة ضللة"[‪.]210‬‬
‫ومع هذا وذاك فقد تجعل البدعة مع مرور الزمن ونتيجة‬
‫لنتشارها بين الناس من الدين‪ ،‬فتصبح سنة يستنون بها وبخاصة‬
‫العوام منهم الذين اعتادوا على التقليد والخذ بكل ما هو منتشر‬
‫بين الناس‪ .‬بينما في الوقت نفسه تصبح السنن لغرابتها والجهل‬
‫بها بدعا وهذا هو الحال في كل زمان ومكان انتشرت وعمت فيه‬
‫البدع وقل فيه العلماء بأمور السنة‪.‬‬
‫وأما الحديث الثالث وهو قوله صلى الله عليه وسلم‪":‬من أحدث‬
‫في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" فهو حكم صريح على كل أمر‬
‫محدث مبتدع في الدين وليس له أصل في الشرع بالرد وعدم‬
‫القبول ولشك أن هذا الحكم بتر لكل ما هو مبتدع في دين الله‬
‫وشرعه‪ ،‬وإسقاط له‪ .‬إضافة إلى كونه حماية لشرع الله من كل‬
‫ما يخل به‪.‬‬
‫ولقد اتخذ السلف من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في‬
‫هذا الشأن قواعد ساروا عليها في سبيل محافظتهم على السنة‬
‫وصيانتها من شوائب البدع وشرورها‪ .‬وإن المتأمل للنصوص‬
‫الورادة عنهم في هذا الخصوص يلمس مدى حرصهم وتطبيقهم‬
‫للتوجيهات النبوية التي تلقوها عن رسول الهدى صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال‪" :‬اتبعوا آثارنا ول‬
‫تبتدعوا فقد كفيتم"[‪.]211‬‬
‫وعنه أنه رأى أناسا يسبحون بالحصا فقال‪" :‬على الله تحصون‬
‫لقد سبقتم أصحاب محمد علما أو لقد أحدثتم بدعة ظلما"[‪.]212‬‬
‫وعنه أنه قال‪" :‬القتصاد في السنة خير من الجتهاد في البدعة"‪.‬‬
‫وعن حذيفة رضي الله عنه أنه قال‪" :‬أخوف ما أخاف على الناس‬
‫اثنتان أن يؤثروا ما يرون على ما يعلمون‪ ،‬وأن يضلوا وهم ل‬
‫يشعرون"‪.‬‬
‫قال سفيان‪ :‬هو صاحب البدعة[‪.]213‬‬
‫وكان حذيفة رضي الله عنه يدخل المسجد فيقف على الخلق‬
‫فيقول‪" :‬يا معشر القراء اسلكوا الطريق فلئن سلكتموها لقد‬
‫سبقتم سبقا بعيدا‪ ،‬ولئن أخذتم يمينا وشمال لقد ضللتم ضلل‬
‫بعيدا"‪.‬‬
‫وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال‪" :‬والله ما أظن‬
‫على ظهر الرض اليوم أحدا أحب إلى الشيطان هلكا مني‪.‬‬
‫فقيل‪ :‬كيف؟‪ ،‬فقال‪ :‬والله إنه ليحدث البدعة في مشرق أو‬
‫مغرب فيحملها الرجل إلي فإذا انتهت إلي قمعتها بالسنة فترد‬
‫عليه"[‪.]214‬‬
‫وعنه رضي الله عنه أنه قال‪" :‬عليكم بالستقامة والثر وإياكم‬
‫والتبدع"[‪.]215‬‬
‫وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال‪" :‬أوشك قائل من الناس‬
‫يقول‪ :‬قد قرأت القرآن ول أرى الناس يتبعوني‪ ،‬ما هم متبعي‬
‫حتى أبتدع لهم غيره‪ ،‬فإياكم وما ابتدُع فإن كل ما ابتدُع ضللة"[‬
‫‪.]216‬‬
‫وعنه أنه قال‪" :‬أيها الناس عليكم بالعلم قبل أن يرفع أل وإن‬
‫رفعه ذهاب أهله‪ ،‬وإياكم والبدع والتبدع والتنطع وعليكم بأمركم‬
‫العتيق"[‪.]217‬‬
‫وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال‪" :‬كل بدعة ضللة وإن رآها‬
‫الناس حسنة"[‪.]218‬‬
‫وعن الحسن البصري[‪ ]219‬قال‪" :‬صاحب البدعة ل يزداد اجتهادا‬
‫صياما وصلة إل ازداد من الله بعدا"[‪.]220‬‬
‫وعنه قال‪" :‬ل تجالس صاحب بدعة فإنه يمرض قلبك"[‪.]221‬‬
‫وعن أيوب السختيانى أنه كان يقول‪" :‬ما ازداد صاحب بدعة‬
‫اجتهادا إل ازداد من الله بعدا"[‪.]222‬‬
‫وعن سفيان الثوري قال‪" :‬من جالس صاحب بدعة لم يسلم من‬
‫إحدى ثلث‪ :‬إما أن يكون فتنة لغيره‪ .‬وإما أن يقع في قلبه شيء‬
‫فيزل به فيدخله الله في النار‪ .‬وإما أن يقول والله ما أبالي ما‬
‫تكلموا وإني واثق بنفسي فمن أمن الله على دينه طرفة عين‬
‫سلبه إياه"[‪.]223‬‬
‫وقال‪" :‬البدعة أحب إلى إبليس من المعصية‪ ،‬فإن المعصية يتاب‬
‫منها والبدعة ل يتاب منها"[‪.]224‬‬
‫وعن أبي قلبة[‪ ]225‬أنه قال‪" :‬ل تجالسوا أهل الهواء ول‬
‫تجادلوهم فإني ل آمن أن يغمسوكم في ضللتهم أو يلبسوا‬
‫عليكم ما كنتم تعرفون"[‪.]226‬‬
‫وبعد‪ :‬فما نقلته ههنا يعد جزءا يسيرا جدا مما ورد عن السلف‬
‫من نصوص في الحث على ترك البتداع في الدين والتحذير من‬
‫مخاطره ومغبة القدام عليه وموقفهم من أهله‪ ،‬فلقد اشتد نكير‬
‫السلف على البدعة وأصحابها والمجال هنا ل يتسع للستفاضة‬
‫في هذا الموضوع‪ ،‬وبما ذكر يحصل المقصود‪.‬‬
‫ب‪ -‬محاربتهم للتقليد‪:‬‬
‫وأما المر الثاني من المور التي تشكل خطورة على التباع‬
‫والسنة في رأي السلف فهو "التقليد" والفرق بينه وبين التباع‬
‫أن التقليد‪ :‬هو الرجوع إلى قول ل حجة لقائله عليه‪.‬‬
‫وأما التباع‪ :‬فهو ما ثبت عليه الحجة‪.‬‬
‫فكل من اتبعت قوله من غير أن يجب عليك قبوله بدليل يوجب‬
‫ذلك فأنت مقلده‪ .‬وكل من أوجب الدليل عليك اتباع قوله فأنت‬
‫متبعه‪.‬‬
‫والتباع في الدين مسوغ والتقليد ممنوع[‪.]227‬‬
‫والتقليد الممنوع على ثلثة أشكال‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬العراض عما أنزل الله وعدم اللتفات إليه اكتفاء‬ ‫•‬
‫بتقليد الباء أو المشايخ‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬تقليد من ل يعلم المقلد أنه أهل لن يؤخذ بقوله‪.‬‬ ‫•‬
‫الثالث‪ :‬التقليد بعد قيام الحجة وظهور الدليل على خلف‬ ‫•‬
‫قول المقلد‪.‬‬
‫ولقد حارب السلف هذا النوع من التقليد وذموه واعتبروه مزلقا‬
‫خطيرا يحرف المسلم وينحيه عن المنبع الذي يستمد منه دينه‪،‬‬
‫ويجعله عرضة لكل بدعة‪ ،‬ومنقادا لكل شبهة‪ ،‬وتبعا لكل ناعق‬
‫وإضافة إلى ذلك فإن التقليد له صلة وثيقة بالبدعة فالبدعة تؤخذ‬
‫في غالب المر تقليدا لشيخ يعظم أو والد يحترم أو مجتمع‬
‫تقدس فيه عاداته‪ ،‬ولذلك كان التقليد والبتداع سببين رئيسيين‬
‫في ضلل المم وانحرافها عن منهج أنبيائهم‪.‬‬
‫وقد حكى الله في كتابه العزيز عن بني إسرائيل أنهم سألوا‬
‫موسى عليه السلم أن يجعل لهم إلها من الصنام مقلدين في‬
‫جاوَْزنَا بِبَنِي‬ ‫ذلك من مّروا عليهم من عباد الصنام قال تعالى‪{ :‬وَ َ‬
‫م قَالُوا يَا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صنَام ٍ لَهُ ْ‬ ‫ن ع َلَى أ ْ‬ ‫حَر فَأتَوْا ع َلَى قَوْم ٍ يَعْكُفُو َ‬ ‫ل الْب َ ْ‬‫سرائي َ‬ ‫إِ ْ‬
‫ن‪ ،‬إ ِ َّ‬
‫ن‬ ‫جهَلُو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫ل إِنَّك ُ ْ‬‫ة قَا َ‬ ‫م آلِهَ ٌ‬ ‫ما لَهُ ْ‬ ‫ل لَنَا إِلَها ً ك َ َ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫سى ا ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ُ‬
‫ن}[‪ ،]228‬كما ذكر‬ ‫ملُو َ‬ ‫ما كَانُوا يَعْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫م فِيهِ وَبَاط ِ ٌ‬ ‫ما هُ ْ‬ ‫متَبٌَّر َ‬‫هَؤ ُلءِ ُ‬
‫سبحانه أن ما وقع فيه اليهود والنصارى من الكفر بقول اليهود‬
‫عزير ابن الله وقول النصارى المسيح ابن الله إنما هو نتيجة‬
‫ت الْيَهُود ُ عَُزيٌْر‬ ‫التقليد لمن قبلهم من الوثنيين قال تعالى‪{ :‬وَقَال َ ِ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫م بِأفْوَاهِهِ ْ‬ ‫ك َ قَوْلُهُ ْ‬ ‫ن اللَّهِ ذَل ِ َ‬ ‫ح اب ْ ُ‬ ‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫صاَرى ال ْ َ‬ ‫ت َالن َّ َ‬
‫َ‬
‫ن الل ّهِ وَقَال َ ِ‬ ‫اب ْ ُ‬
‫َ‬
‫ن}[‬ ‫ه أنَّى يُؤْفَكُو َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ل قَاتَلَهُ ُ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن كَفَُروا ِ‬ ‫ل ال ّذِي َ‬ ‫ن قَوْ َ‬ ‫ضاهِئُو َ‬ ‫يُ َ‬
‫‪.]229‬‬
‫كما ذم سبحانه صنيع اليهود والنصارى مع علمائهم حيث قلدوهم‬
‫في جميع ما يقولون‪ ،‬فأحلوا لهم ما حرم الله‪ ،‬وحرموا عليهم ما‬
‫خذ ُوا أ َحبارهُم ورهْبانه َ‬
‫ن‬
‫ن دُو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م أْربَابا ً ِ‬ ‫ْ َ َ ْ َُ َ َُ ْ‬ ‫أحل الله قال تعالى‪{ :‬ات َّ َ‬
‫َ‬
‫الل ّهِ}[‪.]230‬‬
‫كما ذم سبحانه وتعالى من امتنع عن قبول الحق تقليدا للباء‬
‫ك في قَرية من نذير إلَّ‬ ‫َ‬
‫ْ َ ٍ ِ ْ َ ِ ٍ ِ‬ ‫ن قَبْل ِ َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫سلْنَا ِ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫ك َ‬ ‫فقال تعالى‪{ :‬وَكَذَل ِ َ‬
‫ن‪،‬‬‫مقْتَدُو َ‬
‫م ُ‬‫مةٍ وَإِنَّا ع َلَى آثَارِه ِ ْ‬ ‫جدْنَا آبَاءَنَا ع َلَى أ ُ َّ‬
‫متَْرفُوهَا إِنَّا وَ َ‬‫ل ُ‬‫قَا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م}[‪.]231‬‬ ‫م ع َلَيْهِ آبَاءَك ُ ْ‬ ‫جدْت ُ ْ‬ ‫م َّ‬
‫ما وَ َ‬ ‫م بِأهْدَى ِ‬ ‫ل أوَلَوْ ِ‬
‫جئْتُك ُ ْ‬ ‫قَا َ‬
‫قال ابن القيم رحمه الله تعالى‪" :‬وقد احتج العلماء بهذه اليات‬
‫في إبطال التقليد ولم يمنعهم كفر أولئك من الحتجاج بها‪ ،‬لن‬
‫التشبيه لم يقع من جهة كفر أحدهما وإيمان الخر‪ ،‬وإنما وقع‬
‫التشبيه بين المقلدين بغير حجة للمقلد‪ ،‬كما لو قلد رجل فكفر‪،‬‬
‫وقلد آخر فأذنب‪ ،‬وقلد آخر في مسألة فأخطأ وجهها‪ ،‬كان كل‬
‫واحد ملوما على التقليد بغير حجة‪ ،‬لن كل ذلك تقليد يشبه بعضه‬
‫بعضا وإن اختلفت الثام فيه"[‪.]232‬‬
‫وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬إني ل أخاف على أمتي‬
‫من بعدي إل من أعمال ثلثة"‪ ،‬قالوا‪ :‬وما هي يارسول الله؟‪،‬‬
‫قال‪" :‬أخاف عليهم زلة العالم‪ ،‬ومن حكم جائر‪ ،‬ومن هوى متبع"[‬
‫‪ ،]233‬ومن المعلوم أن الخوف من زلة العالم تقليده فيها‪ ،‬إذ لول‬
‫التقليد لما يخف من زلة العالم على غيره‪.‬‬
‫قال ابن القيم‪" :‬والمصنفون في السنة جمعوا بين فساد التقليد‬
‫وبيان زلة العالم ليبينوا بذلك فساد التقليد‪ ،‬وأن العالم قد يزل‬
‫ولبد إذ ليس بمعصوم‪ ،‬فل يجوز قبول كل ما يقوله وينزل قوله‬
‫منزلة قول المعصوم‪ ،‬فهذا الذي ذمه كل عالم على وجه الرض‪،‬‬
‫وحرموه‪ ،‬وذموا أهله‪ ،‬وهو أصل بلء المقلدين وفتنتهم‪ ،‬فإنهم‬
‫يقلدون العالم فيما زل فيه وفيما لم يزل فيه‪ ،‬وليس لهم تمييز‬
‫بين ذلك‪ ،‬فيأخذون الدين بالخطأ ولبد فيحلون ما حرم الله‪،‬‬
‫ويحرمون ما أحل الله‪ ،‬ويشرعون ما لم يشرع‪ ،‬ولبد لهم من‬
‫ذلك إذ كانت العصمة منتفية عمن قلدوه‪ ،‬فالخطأ واقع منه‬
‫ولبد"[‪.]234‬‬
‫قال الشعبي‪ :‬قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه‪" :‬يفسد‬
‫الزمان ثلثة‪ :‬أئمة مضلون‪ ،‬وجدال منافق بالقرآن‪ ،‬والقرآن حق‪،‬‬
‫وزلة عالم"[‪ ،]235‬وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال‪" :‬ويل‬
‫للتباع من عثرات العالم"‪ .‬قيل‪ :‬وكيف ذاك يا أبا العباس؟‪ ،‬قال‪:‬‬
‫"يقول العالم من قبل رأيه‪ ،‬ثم يسمع الحديث عن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم فيدع ما كان عليه" وفي لفظ‪" :‬فيلقى من هو‬
‫أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم منه فيخبره فيرجع‬
‫ويقضي التباع بما حكم"[‪.]236‬‬
‫وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال‪" :‬ل يقلدن أحدكم دينه رجل‬
‫إن آمن آمن وإن كفر كفر فإنه ل أسوة في الشر"[‪.]237‬‬
‫قال ابن القيم‪" :‬والفرق بين تجريد متابعة المعصوم صلى الله‬
‫عليه وسلم وإهدارأقوال العلماء وإلغائها‪ :‬أن تجريد المتابعة أن ل‬
‫تقدم على ما جاء به قول أحد ول رأيه كائنا من كان‪ .‬بل تنظر‬
‫في صحة الحديث أول‪ .‬فإذا صح لك نظرت في معناه ثانيا‪ ،‬فإذا‬
‫تبين لك لم تعدل عنه ولو خالفك من بين المشرق والمغرب‪،‬‬
‫ومعاذ الله أن تتفق المة على مخالفة ما جاء به نبيها بل لبد أن‬
‫يكون في المة من قال به ولو لم تعلمه فل تجعل جهلك بالقائل‬
‫به حجة على الله ورسوله بل اذهب إلى النص ول تضعف واعلم‬
‫أنه قد قال به قائل قطعا ولكن لم يصل إليك‪ .‬هذا مع حفظ‬
‫مراتب العلماء وموالتهم واعتقاد حرمتهم وأمانتهم واجتهادهم‬
‫في حفظ الدين وضبطه فهم دائرون بين الجر والجرين‬
‫والمغفرة ولكن ل يوجب هذا إهدار النصوص وتقديم قول الواحد‬
‫منهم عليها بشبهة أنه أعلم بها منك‪ ،‬فإن كان كذلك فمن ذهب‬
‫إلى النص أعلم به منك أيضا فهل وافقته إن كنت صادقا؟‪.‬‬
‫فمن عرض أقوال العلماء على النصوص ووزنها‪ ،‬وخالف منها ما‬
‫خالف النص لم يهدر أقوالهم ولم يهضم جانبهم بل اقتدى بهم‬
‫فإنهم كلهم أمروا بذلك فمتبعهم حقا من امتثل ما أوصوا به ل‬
‫من خالفهم‪ ،‬فخلفهم في القول الذي جاء النص بخلفه أسهل‬
‫من مخالفتهم في القاعدة الكلية التي أمروا بها ودعوا إليها من‬
‫تقديم النص على أقوالهم‪.‬‬
‫ومن هنا يتبين الفرق بين تقليد العالم في كل ما قال وبين‬
‫الستعانة بفهمه والستضاءة بنور علمه‪.‬‬
‫فالول يأخذ قوله من غير نظر فيه ول طلب لدليله من الكتاب‬
‫والسنة بل يجعل ذلك كالحبل الذي يلقيه في عنقه يقلد به ولذلك‬
‫سمي تقليدا‪ .‬بخلف من استعان بفهمه واستضاء بنور علمه في‬
‫الوصول إلى سنة الرسول صلوات الله وسلمه عليه‪ ،‬فإنه‬
‫يجعلهم بمنزلة الدليل إلى الدليل الول فإذا وصل استغنى بدللته‬
‫على الستدلل بغيره فمن استدل بالنجم على القبلة فإنه إذا‬
‫شاهدها لم يبق لستدلله بالنجم معنى‪.‬‬
‫قال الشافعي‪" :‬أجمع الناس على أن من استبانت له سنة‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد"[‬
‫‪.]238‬‬
‫ج‪ -‬محاربتهم للرأي الباطل‪:‬‬
‫وأما المر الثالث من المور التي يرى السلف أنها تناقض التباع‬
‫وتضاده فهو "الرأي"‪.‬‬
‫فعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال‪ :‬سمعت رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم يقول‪" :‬إن الله ل ينزع العلم بعد إذ أعطاكموه‬
‫انتزاعا‪ ،‬ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم‪ ،‬فيبقى ناس‬
‫جهال يستفتون فيفتون برأيهم فيضلون ويضلون"[‪،]239‬‬
‫والمقصود به هو الرأي الباطل الذي ليس من الدين‪ ،‬لن الرأي‬
‫ينقسم إلى ثلثة أقسام‪:‬‬
‫‪ -1‬رأي باطل بل ريب‪.‬‬
‫‪ -2‬رأي صحيح‪.‬‬
‫‪ -3‬رأي هو موضع الشتباه‪.‬‬
‫والقسام الثلثة قد أشار إليها السلف‪ ،‬فاستعملوا الرأي الصحيح‬
‫وعملوا به وأفتوا به‪ ،‬وسوغوا القول به‪ .‬وذموا الباطل ومنعوا من‬
‫العمل والفتيا والقضاء به وأطلقوا ألسنتهم بذمه وذم أهله‪.‬‬
‫والقسم الثالث‪ :‬سوغوا العمل والفتيا والقضاء به عند الضطرار‬
‫إليه حيث ل يوجد منه بد‪ ،‬ولم يلزموا أحدا العمل به‪ ،‬ولم يحرموا‬
‫مخالفته ول جعلوا مخالفته مخالفا للدين‪ ،‬بل غايته أنهم خيروا‬
‫بين قبوله ورده‪ ،‬فهو بمنزلة ما أبيح للمضطر من الطعام‬
‫والشراب الذي يحرم عند عدم الضرورة إليه[‪.]240‬‬
‫والحديث ههنا يتناول الرأي الباطل فقط وهو على أنواع‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬الرأي المخالف للنص‪ ،‬وهذا مما يعلم بالضطرار من دين‬
‫السلم فساده وبطلنه‪ ،‬ول تحل الفتيا به ول القضاء‪ ،‬وإن وقع‬
‫فيه من وقع بنوع تأويل وتقليد‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬هو الكلم في الدين بالخرص والظن‪ ،‬مع التفريط‬
‫والتقصير في معرفة النصوص وفهمها واستنباط الحكام منها‪،‬‬
‫فإن من جهلها وقاس برأيه فيما سئل عنه بغير علم‪ ،‬بل لمجرد‬
‫قدر جامع بين الشيئين ألحق أحدهما بالخر أو لمجرد قدر فارق‬
‫يراه بينهما يفرق بينهما في الحكم‪ ،‬من غير نظر إلى النصوص‬
‫والثار‪ ،‬فقد وقع في الرأي المذموم الباطل‪.‬‬
‫النوع الثالث‪ :‬الرأي المتضمن تعطيل أسماء الرب وصفاته‬
‫وأفعاله بالمقاييس الباطلة التي وضعها أهل البدع والضلل من‬
‫الجهمية والمعتزلة والقدرية[‪ ]241‬ومن ضاهاهم‪ ،‬حيث استعمل‬
‫أهله قياساتهم الفاسدة وآراءهم الباطلة وشبههم الداحضة في‬
‫رد النصوص الصحيحة الصريحة‪ ،‬فردوا لجلها ألفاظ النصوص‬
‫التي وجدوا السبيل إلى تكذيب رواتها وتخطئتهم‪ ،‬ومعاني‬
‫النصوص التي لم يجدوا إلى رد ألفاظها سبيل‪ ،‬فقابلوا النوع‬
‫الول بالتكذيب‪ ،‬والنوع الثاني بالتحريف والتأويل‪ ،‬فأنكروا لذلك‬
‫رؤية المؤمنين لربهم في الخرة‪ ،‬وأنكروا كلمه وتكليمه لعباده‪،‬‬
‫وأنكروا مباينته للعالم‪ ،‬واستواءه على عرشه وعلوه على‬
‫المخلوقات‪ ،‬وعموم قدرته على كل شيء‪ ،‬بل أخرجوا أفعال‬
‫عباده من الملئكة والنبياء والجن والنس عن تعلق قدرته‬
‫ومشيئته وتكوينه لها‪ ،‬ونفوا لجلها حقائق ما أخبر به عن نفسه‬
‫وأخبر به رسوله من صفات كماله ونعوت جلله‪ ،‬وحرفوا لجلها‬
‫النصوص عن مواضعها وأخرجوها عن معانيها وحقائقها بالرأي‬
‫المجرد الذي حقيقته أنه زبالة الذهان ونخالة الفكار وعفارة[‪]242‬‬
‫الراء ووساوس الصدور فملؤوا به الوراق سوادا والقلوب‬
‫شكوكا‪ ،‬والعالم فسادا‪.‬‬
‫وكل من له مسكة من عقل يعلم أن فساد العالم وخرابه إنما‬
‫نشأ من تقديم الرأي على الوحي‪ ،‬والهوى على العقل‪ ،‬وما‬
‫استحكم هذان الصلن الفاسدان في قلب إل استحكم هلكه‪،‬‬
‫وفي أمة إل فسد أمرها أتم فساد‪ ،‬فل إله إل الله كم نفي بهذه‬
‫الراء من حق‪ ،‬وأثبت بها من باطل‪ ،‬وأميت بها من هدى وأحيي‬
‫بها من ضللة؟ وكم هدم بها من معقل لليمان‪ ،‬وعمر بها من‬
‫دين الشيطان؟ وأكثر أصحاب الجحيم هم أهل هذه الراء الذين ل‬
‫سمع لهم ول عقل بل هم شر من الحمر‪ ،‬وهم الذين يقولون يوم‬
‫َ‬ ‫معُ أَوْ نَعْقِ ُ‬
‫ب‬‫حا ِ‬ ‫ما كُنَّا فِي أ ْ‬
‫ص َ‬ ‫ل َ‬ ‫القيامة {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا ن َ ْ‬
‫س َ‬
‫سعِيرِ}[‪.]243‬‬‫ال َّ‬
‫النوع الرابع‪ :‬الرأي الذي أحدثت به البدع‪ ،‬وغيرت به السنن وعم‬
‫به البلء‪ ،‬وتولى عليه الصغير وهرم فيه الكبير‪.‬‬
‫فهذه النواع الربعة من الرأي الذي اتفق سلف المة وأئمتها‬
‫على ذمه لخراجه من الدين[‪.]244‬‬
‫ومما ورد عن السلف في ذم الرأي الذي من هذا القبيل ما يلي‪:‬‬
‫عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال‪" :‬أي أرض تقلني‬
‫وأي سماء تظلني إن قلت في آية من كتاب الله برأيي‪ ،‬أو بما ل‬
‫أعلم"[‪.]245‬‬
‫وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال‪" :‬اتقوا الرأي‬
‫في دينكم"[‪.]246‬‬
‫وروي عنه كذلك قوله‪" :‬أصحاب الرأي أعداء السنن‪ ،‬أعيتهم‬
‫الحاديث أن يحفظوها وتفلتت منهم أن يعوها‪ ،‬واستحيوا حين‬
‫سئلوا أن يقولوا ل نعلم فعارضوا السنن برأيهم‪ ،‬فإياكم وإياهم"[‬ ‫ُ‬
‫‪.]247‬‬
‫وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال‪" :‬لو كان الدين‬
‫بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعله"[‪.]248‬‬
‫وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال‪" :‬إنما هو كتاب الله وسنة‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن قال بعد ذلك برأيه فل‬
‫أدري أفي حسناته يجد ذلك أم في سيئاته"[‪.]249‬‬
‫وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال‪" :‬ل يأتي عليكم‬
‫عام إل هو شر من الذي قبله‪ ،‬أما إني ل أقول أمير خير من أمير‪،‬‬
‫ول عام أخصب من عام‪ ،‬ولكن فقهاؤكم يذهبون ثم ل تجدون‬
‫منهم خلفا‪ ،‬ويجيء قوم يقيسون المور برأيهم"[‪.]250‬‬
‫ومما ورد كذلك من الثار عن التابعين ما يلي‪:‬‬
‫قول الشعبي‪" :‬ما جاءكم به هؤلء من أصحاب رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم فخذوه‪ ،‬وما كان رأيهم فاطرحوه في الحش"[‬
‫‪.]251‬‬
‫وعن ابن شهاب الزهري قال‪" :‬دعوا السنة تمضي‪ ،‬ل تعرضوا لها‬
‫بالرأي"[‪.]252‬‬
‫وعن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى الناس‪" :‬أنه ل رأي لحد‬
‫مع سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم"[‪.]253‬‬
‫فهذه القوال عن أولئك الئمة من الصحابة والتابعين أجمعت‬
‫على إخراج الرأي عن العلم وذمه والتحذير منه والنهي عن الفتيا‬
‫به‪ ،‬فرضي الله عن أئمة السلم وجزاهم عن نصيحتهم خيرا‪،‬‬
‫ولقد سلك سبيلهم أهل العلم والدين من أتباعهم‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬التحذير من معصية الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم وحكم من خالفه‪.‬‬
‫تمهيد‪:‬‬
‫"من المعلوم لكل من عنده مسكة من عقل أن الله سبحانه‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫م أن َّ َ‬ ‫سبْت ُ ْ‬‫ح ِ‬ ‫وتعالى لم يخلق هذا الخلق عبثا كما قال تعالى‪{ :‬أفَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ن}[‪ ]254‬وكما قال‪{ :‬أي َ ْ‬ ‫ج ُعو َ‬ ‫م إِلَيْنَا ل تُْر َ‬‫م ع َبَثا ً وَأنَّك ُ ْ‬ ‫خلَقْنَاك ُ ْ‬‫َ‬
‫سدىً}[‪ ]255‬أي مهمل همل ل يؤمر ول ينهى ول‬ ‫ن يُتَْر َ‬ ‫َ‬
‫ك ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫سا ُ‬ ‫الِن ْ َ‬
‫يثاب ول يعاقب‪.‬‬
‫والغاية التي خلق من أجلها الجن والنس هي التي أخبر الحق‬
‫َ‬
‫ن}‬ ‫س إِل ّ لِيَعْبُدُو ِ‬ ‫ن وَالِن ْ َ‬ ‫ج َّ‬‫ت ال ْ ِ‬‫خلَقْ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫{و َ‬
‫تبارك وتعالى عنها بقوله‪َ :‬‬
‫فهو سبحانه خلقهم للمر والنهي في الدنيا والثواب أو العقاب‬
‫في الخرة‪.‬‬
‫وإذا تمهد هذا فإنه يعلم مدى حاجتهم وضرورتهم إلى الشريعة‬
‫وأحكامها‪ ،‬إذ بواسطها يتعرف على مواقع رضى الله وسخطه في‬
‫حركات العباد الختيارية‪.‬‬
‫والناس أحوج ما يكونون إلى معرفة ما جاء به الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم والقيام به والدعوة إليه والصبر عليه وجهاد من خرج‬
‫عنه حتى يرجع إليه‪ ،‬إذ ليس للعالم صلح بدون ذلك البته"[‪]256‬‬
‫ولذلك فرض الله على النس والجن طاعة من أرسل من الرسل‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل إ ِ ّل‬ ‫سو ٍ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫سلْنَا ِ‬
‫ما أْر َ‬ ‫{و َ‬
‫يقول الحق تبارك وتعالى‪َ :‬‬ ‫وفي هذا‬
‫َّ‬
‫ن اللهِ} فالطاعة بذلك متحتمة على من شملتهم دعوة‬ ‫لِيُطَاع َ بِإِذ ْ ِ‬
‫الرسل‪.‬‬
‫وقد بعث الله نبيه ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم إلى‬
‫شيراً‬ ‫س بَ ِ‬ ‫ك إِل َّ كَافَّ ً َ‬ ‫سلْنَا َ‬ ‫َ‬
‫ة لِلن ّا ِ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫الناس كافة قال تعالى‪{ :‬وَ َ‬
‫وَنَذِيراً} وبذلك عمت دعوته كل المم سواء كانوا في زمانه أو‬
‫في الزمان التالية من بعده وذلك على اختلف تلك المم في‬
‫ألوانها وأجناسها ولغاتها وشرائعها بما فيهم أهل الكتاب ‪ -‬اليهود‬
‫والنصارى ‪ ، -‬فترتب على عموم الرسالة أن نسخت الشرائع‬
‫السابقة لشريعته صلى الله عليه وسلم فلم يبق من طريق‬
‫يوصل إلى عبادة الله ورضوانه سوى طريق خاتم النبياء‬
‫والمرسلين محمد عليه أفضل الصلة والتسليم فل حجة لحد‬
‫دون حجته ول يستقيم لعاقل سبيل سوى واضح محجته‪.‬‬
‫وقد جمعت سنته صلى الله عليه وسلم تحت حكمتها كل معنى‬
‫حكيم فل يسمع بعد بيانها خلف مخالف ول قول مختلق‪ ،‬ومن تبع‬
‫سنته فهو على نور من ربه‪ ،‬وبصيرة من أمره‪ ،‬والمائل عن‬
‫شرعه‪ ،‬واقع في ظلمته مرتبك في حيرته ومرتكس في ضلله‬
‫وشقاوته‪.‬‬
‫ولذلك كان لزاما على الجن والنس أن يستجيبوا له صلى الله‬
‫عليه وسلم ويتبعوا شريعته ظاهرا وباطنا‪.‬‬
‫وقد وعد الله المستجيب منهم أن يدخله جنته ويسبغ عليه رضاه‬
‫ومحبته‪ .‬وتوعد المخالف منهم بأن يذيقه أليم عقابه ويلقيه في‬
‫جهنم ليعلم بذلك كيف يكون مصيره وعاقبته‪.‬‬
‫وإن آيات القرآن ونصوص السنة في هذا الشأن كثيرة جدا‪ ،‬وقد‬
‫تقدم إيراد الدلة الواردة في وجوب طاعته واتباعه‪.‬‬
‫وفي هذا المبحث سأتناول بإذن الله الدلة الواردة في حكم‬
‫مخالفته صلى الله عليه وسلم والبعد عن سنته والعقوبات‬
‫الدنيوية والخروية المترتبة على تلك المخالفات على تنوع‬
‫صورها وأشكالها سواء كانت إعراضا وكفرا‪ ،‬أو بدعة‪ ،‬أو معصية‪،‬‬
‫أو غير ذلك‪.‬‬
‫وعسى أن يكون فيما سيعرض من آيات قرآنية وأحاديث نبوية‬
‫تذكرة وعظة‪ ،‬وخاصة أننا نعيش في زمان نحتاج فيه إلى التمعن‬
‫في هذه النصوص وتدبرها لكثرة ما يقع من العراض والمخالفة‬
‫لشرع النبي صلى الله عليه وسلم ونهجه عند كثير من الناس‪.‬‬

‫المطلب الول‪ :‬الدلة من القرآن الكريم على التحذير من معصية‬


‫الرسول صلى الله عليه وسلم وحكم من خالفه‪:‬‬
‫ورد التحذير من معصية الرسول صلى الله عليه وسلم في‬
‫مواطن عدة من القرآن الكريم‪ ،‬وقد جاء التحذير مصحوبا‬
‫بالوعيد الشديد لذلك المخالف العاصي ومن تلك المواطن‪ :‬قوله‬
‫خالِفُون ع َن أ َمره أ َن تصيبهم فتن ٌ َ‬ ‫َ‬
‫ة أوْ‬ ‫ْ ْ ِ ِ ْ ُ ِ َُ ْ ِ َْ‬ ‫َ‬ ‫حذ َرِ ال ّذِي َ‬
‫ن يُ َ‬ ‫تعالى‪{ :‬فَلْي َ ْ‬
‫م}[‪.]257‬‬ ‫َ‬
‫ب ألِي ٌ‬ ‫م عَذ َا ٌ‬ ‫صيبَهُ ْ‬
‫يُ ِ‬
‫ه نَاراً‬ ‫َ‬
‫خل ْ ُ‬ ‫حدُودَه ُ يُد ْ ِ‬ ‫ه َويَتَعَد َّ ُ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ص الل ّ َ‬ ‫ن يَعْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَ َ‬
‫ن}[‪.]258‬‬ ‫ٌ‬ ‫مهِي‬ ‫ُ‬ ‫ب‬ ‫ه عَذ َا ٌ‬ ‫ُ‬ ‫خالِدا ً فِيهَا وَل َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مبِيناً}[‬ ‫ضلل ً ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ه فَقَد ْ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ص الل ّ َ‬ ‫ن يَعْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَ َ‬
‫‪.]259‬‬
‫َ‬
‫ن‬‫خالِدِي َ‬ ‫م َ‬ ‫جهَن َّ َ‬ ‫ه نَاَر َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ه فَإ ِ َّ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ص الل ّ َ‬ ‫ن يَعْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَ َ‬
‫فِيهَا أَبَداً}[‪.]260‬‬
‫ه الْهُدَى‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ما تَبَي َّ َ‬ ‫ن بَعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫سو َ‬ ‫ق الَّر ُ‬ ‫شاقِ ِ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَ َ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫ساءَ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫جهَن َّ َ‬ ‫صلِهِ َ‬ ‫ما تَوَل ّى وَن ُ ْ‬ ‫ن نُوَل ِّهِ َ‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫سبِي ِ‬ ‫وَيَتَّبِعْ غَيَْر َ‬
‫صيراً}[‪.]261‬‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬ذَل ِ َ‬
‫ه‬
‫ق الل َ‬ ‫شاقِ ِ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫شاقّوا الل َ‬ ‫م َ‬ ‫ك بِأن ّهُ ْ‬ ‫َ َ َ َّ‬
‫ب}[‪.]262‬‬ ‫ِ‬ ‫شدِيد ُ الْعِقَا‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬ ‫ن الل‬ ‫ه فإ ِ ّ‬ ‫سول ُ‬ ‫وََر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه نَاَر‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ه فَأ َّ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫حادِد ِ الل ّ َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫موا أن َّ ُ‬ ‫م يَعْل َ ُ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬أل َ ْ‬
‫م}[‪.]263‬‬ ‫خْزيُ الْعَظِي َُ‬ ‫ك ال ْ ِ‬ ‫خالِدا ً فِيهَا ذَل ِ َ‬
‫َ َّ‬
‫م َ‬ ‫َ‬ ‫جهَن َّ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫ما كب ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ه كبِتُوا ك َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ّ‬ ‫حاد ّو َ‬ ‫ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ن الذِي َ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن}[‬ ‫مهِي ٌ‬ ‫ب ُ‬ ‫ن عَذ َا ٌ‬ ‫ت وَلِلْكَافِرِي َ‬ ‫ت بَيِّنَا ٍ‬ ‫م وَقَد ْ أنَْزلْنَا آيَا ٍ‬ ‫ن قَبْلِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ال ّذِي َ‬
‫‪.]264‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن}[‬ ‫ك فِي الذ َل ِّي َ‬ ‫ه أولَئ ِ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫حادُّو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ن ال ّذِي َ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬إ ِ َّ‬
‫‪.]265‬‬
‫وإن المتأمل في هذه اليات يرى ما تضمنته من الوعيد الشديد‬
‫والعقاب الليم لمن خالف منهج الرسول وطريقته وشرعه وحاد‬
‫َ‬ ‫خالِفُون ع َ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫مرِهِ أ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫حذ َرِ ال ّذِي َ‬ ‫كلما جاء به فقوله تعالى‪{ :‬فَلْي َ ْ‬
‫م} تحمل هذه الية الوعيد‬ ‫َ‬ ‫تصيبهم فتن ٌ َ‬
‫ب ألِي ٌ‬ ‫م عَذ َا ٌ‬ ‫صيبَهُ ْ‬ ‫ة أوْ ي ُ ِ‬ ‫ُ ِ َُ ْ ِ َْ‬
‫الشديد لمن خالف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫وشريعته‪ ،‬ومعناها‪" :‬أي فليحذر وليخش من خالف شريعة‬
‫ة}‬ ‫م فِتْن َ ٌ‬ ‫َ‬
‫صيبَهُ ْ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫الرسول صلى الله عليه وسلم باطنا وظاهرا" {أ ْ‬
‫م}‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب ألِي ٌ‬ ‫م عَذ َا ٌ‬ ‫صيبَهُ ْ‬ ‫أي في قلوبهم من كفر أو نفاق أو بدعة {أوْ ي ُ ِ‬
‫في الدنيا بقتل أو حد أو حبس أو نحو ذلك"[‪.]266‬‬
‫هذا من جهة العقوبة الدنيوية كما فسر ابن كثير الية بذلك‪.‬‬
‫أما على صعيد العقوبة الخروية فاقرأ الية الخرى وهي قوله‬
‫خالِداً‬ ‫َ‬
‫ه نَارا ً َ‬ ‫خل ْ ُ‬ ‫حدُودَه ُ يُد ْ ِ‬ ‫ه وَيَتَعَد َّ ُ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ص الل ّ َ‬ ‫ن يَعْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫{و َ‬
‫تعالى‪َ :‬‬
‫ن}‪ ،‬وعلى هذا فإن المخالف العاصي متوعد‬ ‫مهِي ٌ‬ ‫ب ُ‬ ‫ه عَذ َا ٌ‬ ‫فِيهَا وَل َ ُ‬
‫بالعقوبتين الدنيوية والخروية‪ ،‬إضافة إلى وصفه بالضلل البين‬
‫ض َّ‬ ‫َ‬
‫ضللً‬ ‫ل َ‬ ‫ه فَقَد ْ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ص الل ّ َ‬ ‫ن يَعْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫الواضح بقوله تعالى‪{ :‬وَ َ‬
‫مبِيناً}‪ ،‬وفي هذا الوصف والجزاء للمخالف حكم بخروجه عن‬ ‫ُ‬
‫دائرة اليمان‪.‬‬
‫كما أن كل من أعرض عن حكم الرسول ولم ينقد له ولم يرض‬
‫به إل إذا كان مواففا لهواه فهو محكوم عليه بالنفاق بنص القرآن‬
‫الكريم‪.‬‬
‫َ‬
‫ل إِلي ْ َ‬ ‫ما أنْزِ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫من ُ َوا ب ِ َ‬ ‫مآ َ‬ ‫ن أن ّهُ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ن يَْزع ُ ُ‬ ‫م تََر إِلى الذِي َ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬أل ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ما أُنْزِ َ‬
‫مُروا‬ ‫ت وَقَد ْ أ ِ‬ ‫موا إِلَى الط ّاغُو ِ‬ ‫حاك َ َ ُ‬ ‫ن يَت َ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ك يُرِيدُو َ‬ ‫ن قَبْل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫وَ َ‬
‫ضلل ً بَعِيداً‪ ،‬وَإِذ َا قِي َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫م َ‬ ‫ضل ّهُ ْ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫شيْطَا ُ‬
‫َ َ َ‬
‫ن يَكْفُُروا بِهِ وَيُرِيد ُ ال ّ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫منَافِقِي َ‬ ‫ت ال ْ ُ‬ ‫ل َرأي ْ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ه وَإِلَى الَّر ُ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما أنَْز‬ ‫م ت َ َعالَوْا إِلَى َ‬ ‫لَهُ ْ‬
‫صدُوداً}[‪.]267‬‬ ‫ُ‬ ‫ن ع َن ْ َ‬
‫ك‬ ‫صدُّو َ‬ ‫يَ ُ‬
‫َ‬
‫م إِذ َا فَرِيقٌ‬ ‫م بَيْنَهُ ْ‬ ‫حك ُ َ‬ ‫سولِهِ لِي َ ْ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬وَإِذ َا دُع ُوا إِلَى الل ّهِ وََر ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‪ ،‬أفِي‬ ‫عنِي َ‬ ‫مذ ْ ِ‬‫حقُّ يَأتُوا إِلَيْهِ َُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ن لَهُ ُ‬ ‫ن يَك ُ ْ‬ ‫ن‪ ،‬وَإ ِ ْ‬ ‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫منْهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سول ُ ُ‬
‫ه‬ ‫م وََر ُ‬ ‫ه ع َلَيْهِ ْ‬ ‫ف الل ّ ُ‬ ‫حي َ‬ ‫ن يَ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫خافُو َ‬ ‫م يَ َ‬ ‫ض أم ِ اْرتَابُوا أ ْ‬
‫َ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫قُلُوبِهِ ْ‬
‫ن إِذ َا دُع ُوا إِلَى‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ن قَوْ َ‬ ‫ما كَا َ‬ ‫ن‪ ،‬إِن َّ َ‬ ‫مو َ‬ ‫م الظ ّال ِ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ل أُولَئ ِ َ‬ ‫بَ ْ‬
‫ُ‬
‫معْنَا وَأطَعْنَا وَأولَئ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫س ِ‬‫ن يَقُولُوا َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫م بَيْنَهُ ْ‬ ‫حك ُ َ‬ ‫سولِهِ لِي َ ْ‬ ‫الل ّهِ وََر ُ‬
‫ن}[‪.]268‬‬ ‫حو َ‬ ‫مفْل ِ ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫وهذه اليات بينت موقف كل الطرفين‪ -‬الطرف الول أهل‬
‫اليمان الحقيقي والطرف الثاني أهل النفاق المظهرون للسلم‬
‫المخفون للكفر‪ -‬من التحاكم لما جاء به الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم فمن سمة المنافقين أنهم ل يتحاكمون لشرع الله إل إذا‬
‫كان الحق في صفهم وحكم الشرع لصالحهم‪ ،‬أما إذا كان المر‬
‫على خلف ذلك فل ترى منهم سوى العراض عن شرع الله‬
‫المتمثل في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫أما أهل اليمان الذين ترسخ في قلوبهم اليمان بشرع الله‬
‫اعتقادا بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح فإن من صفاتهم‬
‫وعلماتهم تحاكمهم لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه‬
‫وسلم في جميع أحوالهم وشؤونهم مع الرضى والتسليم لذلك‬
‫الحكم سواء كان لهم أم عليهم‪.‬‬
‫ُ‬
‫ولذلك فقد جاء وصف أهل اليمان بالفلح فقال تعالى‪{ :‬أولَئ ِ َ‬
‫ك‬
‫ن} بينما وصف أهل النفاق بالظلم حيث قال تعالى‪:‬‬ ‫حو َ‬ ‫مفْل ِ ُ‬ ‫ُ‬ ‫م ال ْ‬ ‫هُ ُ‬
‫َّ‬ ‫ل أولَئ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫{ب َ ْ‬
‫ن}‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫م الظال ِ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬
‫فيجب على المسلم أن يحذر من الوقوع في هذا العمل الخطير‬
‫الذي من شأنه أن يوقع صاحبه في مثل هذه الصفات‪ ،‬ويعرضه‬
‫لتلك العقوبات التي تحدثت بها آيات القرآن الواردة في هذا‬
‫الشأن‪.‬‬
‫ل‬‫سو َ‬ ‫ق الَّر ُ‬ ‫شاقِ ِ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫وقال ابن كثير عند تفسيره لقوله تعالى‪{ :‬وَ َ‬
‫َّ‬
‫ما تَوَلى‬ ‫ول ِّهِ َ‬ ‫ن نُ َ‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫سبِي ِ‬ ‫ه الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيَْر َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ما تَبَي َّ َ‬ ‫ن بَعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ق‬
‫شاقِ ِ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫صيراً}[‪".:]269‬قوله‪{ :‬وَ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ساءَ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫جهَن َّ َ‬ ‫ه َ‬ ‫صل ِ ِ‬ ‫وَن ُ ْ‬
‫ه الْهُدَى} أي ومن سلك غير طريق‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ما تَبَي َّ َ‬ ‫ن بَعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫سو َ‬ ‫الَّر ُ‬
‫الشريعة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم فصار في‬
‫شق والشرع في شق‪ ،‬وذلك عن عمد منه بعدما ظهر له الحق‬
‫ن} هذا ملزم‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫سبِي ِ‬ ‫وتبين له واتضح‪ ،‬وقوله {وَيَتَّبِعْ غَيَْر َ‬
‫للصفة الولى ولكن قد تكون المخالفة لنص الشارع وقد تكون‬
‫لما أجمعت عليه المة المحمدية فيما علم اتفاقهم عليه تحقيقا‬
‫فإنه قد ضمنت لهم العصمة في اجتماعهم من الخطأ تشريفا‬
‫لهم وتعظيما لنبيهم وقد وردت أحاديث صحيحة كثيرة في ذلك‪...‬‬
‫َ‬
‫جهَن َّ َ‬
‫م‬ ‫صلِهِ َ‬ ‫ول ّى وَن ُ ْ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫ولهذا توعد تعالى على ذلك بقوله‪{ :‬نُوَل ِّهِ َ‬
‫صيراً} أي إذا سلك هذه الطريق جازيناه على ذلك بأن‬ ‫م ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ساءَ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫نحسنها في صدره ونزينها له استدراجا له كما قال تعالى‬
‫ثل‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جهُ ْ‬ ‫ستَدْرِ ُ‬ ‫سن َ ْ‬ ‫ث َ‬ ‫حدِي ِ‬ ‫ب بِهَذ َا ال ْ َ‬ ‫ن يُكَذِّ ُ‬ ‫م ْ‬‫{فَذَْرنِي َو َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م}[‪،]271‬‬ ‫ه قُلُوبَهُ ْ‬ ‫ما َزاغُوا أَزاغ َ الل ّ ُ‬ ‫ن}[‪ ،]270‬وقال تعالى‪{ :‬فَل َ َّ‬ ‫مو َ‬ ‫يَعْل َ ُ‬
‫ن}[‪.]272‬‬ ‫م ُهو َ‬ ‫م ي َ ْع َ‬ ‫م فِي طُغْيَانِهِ ْ‬ ‫وقوله‪{ :‬وَنَذَُرهُ ْ‬
‫وجعل النار مصيره في الخرة لن من خرج عن الهدى لم يكن‬
‫له طريق إل إلى النار يوم القيامة"[‪.]273‬‬
‫ولقد ذكر الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز عددا من قضايا‬
‫المخالفة وعلى رأسها التحاكم إلى غير ما أنزل الله‪ ،‬فهذا الداء‬
‫من أعظم المخاطر وبخاصة في زماننا هذا الذي طرح فيه كثير‬
‫ممن ينتمون إلى السلم كتاب الله و سنة نبيه صلى الله عليه‬
‫وسلم وراء ظهورهم‪ ،‬واعتاضوا عنهما بقوانين الكفار وآراء‬
‫ابتدعوها تقول على الشريعة حتى جعلوا لتلك القوانين محاكم‬
‫تحمى بقوة السلطان وأجبروا الناس على التحاكم إليها‪ .‬والحكم‬
‫بغير ما أنزل الله هو من أعظم أسباب المقت والحرمان وأكبر‬
‫موجبات العقوبة والخذلن‪ ،‬كيف ل وهو شرع دين لم يأذن به الله‬
‫واتباع لغير سبيل المؤمنين ومشاقة ومحادة ومحاربة وخيانة لله‬
‫ولرسوله صلى الله عليه وسلم واتخاذ لدين الله هزوا ولهوا ولعبا‬
‫وتبديل لنعمة الله إلى غير ذلك من المفاسد والمحاذير التي ل‬
‫تدخل تحت حساب‪.‬‬
‫ه فَأولَئ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك هُ ُ‬
‫م‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما أنَْز َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬وَ َ‬
‫ن}[‪.]274‬‬ ‫الْكَافُِرو َ‬
‫ه فَأولَئ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ك هُ ُ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما أنَْز َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬وَ َ‬ ‫َ‬
‫ن}[‪.]275‬‬ ‫مو َ‬ ‫ُ‬ ‫الظ ّال ِ‬
‫ه فَأُولَئ ِ َ‬ ‫َ َ َ‬
‫م‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما أنَْز‬ ‫م بِ َ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬وَ َ‬
‫ن}[‪.]276‬‬ ‫سقُو َ‬ ‫الْفَا ِ‬
‫َ‬
‫حيَاةُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫م لَعِبا ً وَلَهْوا ً وَغََّرتْه‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫خذ ُوا دِينَه‬ ‫ن ات َّ َ‬ ‫َ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬وَذ َرِ ال ّذِي‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م َ‬ ‫ن بَدَّلُوا نِعْ َ‬ ‫م تََر إِلَى ال ّذِي َ‬ ‫‪ ،]277‬وقال تعالى‪{ :‬أل َ ْ‬ ‫الدُّنْيَا}[‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫س الْقََراُر}[‪.]278‬‬ ‫صلَوْن َ َها وَبِئ ْ َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫جهَن َّ َ‬ ‫م دَاَر الْبَوَار‪َ ،‬‬ ‫مهُ ْ‬ ‫حل ّوا قَوْ َ‬ ‫كُفْرا ً وَأ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫م يَأذ َ ْ‬
‫ن‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫دّي ِ‬‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫شَرع ُوا لَهُ ْ‬ ‫شَركَاءُ َ‬ ‫م ُ‬ ‫م لَهُ ْ‬‫وقال تعالى‪{ :‬أ ْ‬
‫َ‬
‫بِهِ الل ّه}[‪.]279‬‬
‫ل إِلَي ْ َ‬ ‫ما أُنْزِ َ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬أَل َم تر إلَى الَّذين يزع ُمو َ‬
‫ك‬ ‫منُوا ب ِ َ‬ ‫م آ ََ‬‫ن أنَّهُ ْ‬ ‫ِ َ َْ ُ َ‬ ‫ْ ََ ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ما أُنْزِ َ‬
‫مُروا‬ ‫ت وَقَد ْ أ ِ‬ ‫موا إِلى الطاغُو ِ‬ ‫حاك َ َ ُ‬ ‫ن يَت َ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ك يُرِيدُو َ‬ ‫ن قَبْل ِ َ‬ ‫م ْ‬‫ل ِ‬ ‫وَ َ‬
‫ضلل ً بَعِيداً}[‪.]280‬‬ ‫َ‬ ‫ن يَكْفُروا بِهِ ويُريد ُ ال َّ‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫ضل ّهُ ْ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫شيْطَا ُ‬ ‫َ ِ‬ ‫ُ‬ ‫أ ْ‬
‫قال ابن القيم‪" :‬قال أهل التحقيق من أهل التفسير الطاغوت‬
‫كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع‪،‬‬
‫فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله أو يعبدونه‬
‫من دون الله أو يتبعونه على غير بصيرة من الله أو يطيعونه فيما‬
‫ل يعلمون أنه طاعة لله‪.‬‬
‫فهذه طواغيت العالم إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها رأيت‬
‫أكثرهم انحرف عن عبادة الله إلى عبادة الطاغوت وعن طاعته‬
‫ومتابعة رسوله إلى طاعة الطاغوت ومتابعته‪ ،‬وهؤلء لم يسلكوا‬
‫طريق الناجين الفائزين من هذه المة وهم الصحابة ومن تبعهم‬
‫ول قصدوا قصدهم بل خالفوهم في الطريق والقصد معا‪ ،‬ولو لم‬
‫يكن في القرآن المجيد من الزجر عن اتباع القوانين البشرية غير‬
‫هذه الية الكريمة لكفت العاقل اللبيب‪ ،‬فكيف والقرآن الكريم‬
‫كله يدعو إلى تحكيم ما أنزل الله‪ ،‬وعدم تحكيم ما عداه[‪.]281‬‬
‫وبما تقدم من آيات يعلم المسلم خطورة مخالفة الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم والعراض عن سنته ومنهجه والشرع الذي جاء‬
‫به من عند ربه‪.‬‬
‫فاليات السابقة وما كان على منوالها فيها خطاب لكل معرض‬
‫عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم ومنهجه وشرعه الذي جاء‬
‫به‪ ،‬وهي بما تضمنته من الوعيد الشديد بمثابة النذار لكل من‬
‫كان على هذه الحال لكي يكون على بينة من أمره فيعلم على‬
‫ن‬
‫ك عَ ْ‬ ‫ن هَل َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك َ‬ ‫أي ذنب قد أقدم ولي جرم قد ارتكب {لِيَهْل ِ َ‬
‫بَيِّنَةٍ}[‪ ]282‬وذلك قبل أن يكون من أولئك الذين يتحسرون‬
‫َ‬
‫م ع َلَى‬ ‫ض الظ ّال ِ ُ‬ ‫م يَعَ ُّ‬ ‫ويعضون أيديهم ندما في يوم القيامة {وَيَوْ َ‬
‫سبِيلً‪ ،‬يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي ل َ ْ‬
‫م‬ ‫ل َ‬ ‫سو ِ‬ ‫معَ الَّر ُ‬ ‫ت َ‬ ‫خذ ْ َ ُ‬ ‫ل يَا لَيْتَنِي ات َّ َ‬ ‫يَدَيْهِ يَقُو ُ‬
‫َ‬
‫خلِيلً‪ ،‬لَقَد ْ أ َ ّ‬ ‫خذ ْ فُلنا ً َ‬ ‫أَت َّ ِ‬
‫جاءَنِي وَكَا َ‬
‫ن‬ ‫ذّكْرِ بَعْد َ إِذ ْ َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫ضلنِي ع َ ِ‬
‫خذ ُولً}[‪ .]283‬ومعلوم أن كل من ترك ما جاء‬ ‫ن َ‬ ‫شيْطَا ُ‬ ‫ال َّ‬
‫سا ِ‬ ‫ن لِلِن ْ َ‬
‫به الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه قائل لهذه المقالة ل‬
‫محالة‪ .‬فنعوذ بالله ممن هذه حاله ويوم القيامة تكون نار جهنم‬
‫مآله وقراره‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الدلة من السنة على التحذير من معصية‬


‫الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫وحكم من خالفه‪:‬‬
‫جاءت السنة بمثل ما جاء به القرآن الكريم‪ ،‬فالحاديث متوافرة‪،‬‬
‫ومتعددة في هذا الشأن‪ ،‬فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫من العراض عن سنته والبعد عنها أو النتقاص من قدرها‬
‫ومكانتها أو مخالفتها‪.‬‬
‫وهذا التحذير منه صلى الله عليه وسلم والوارد في عبارات‬
‫متنوعة وأساليب متعددة ‪ -‬كما سيمر عليك ‪ -‬يصور مدى حرصه‬
‫صلى الله عليه وسلم على حماية أمته وصيانتهم من الوقوع في‬
‫هذا المزلق الخطير‪ ،‬ول غرابة في ذلك فهو الموصوف بقوله‬
‫ف‬
‫ن َرؤ ُو ٌ‬ ‫منِي َ‬ ‫م بِال ْ ُ‬
‫مؤْ ِ‬ ‫ص ع َلَيْك ُ ْ‬ ‫حري ٌ‬ ‫م َ ِ‬‫ما ع َنِت ُّ ْ‬ ‫تعالى‪{ :‬ع َزِيٌز ع َلَيْهِ َ‬
‫م}‪.‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫َر ِ‬
‫ومما ورد في تصوير مدى حرصه صلى الله عليه وسلم على‬
‫أمته وتحذيره لهم من الوقوع في مخالفته قوله صلى الله عليه‬
‫وسلم في الحديث الذي يرويه عنه أبو هريرة رضي الله عنه‬
‫"مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد نارا فلما أضاءت ما حولها‬
‫جعل الفراش وهذه الدواب اللئي يقعن في النار يقعن فيها‬
‫وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها – قال ‪ -‬فذلك مثلي‬
‫ومثلكم أنا آخذ بحجزكم عن النار هلم عن النار فتغلبوني‬
‫وتقتحمون فيها"‪.‬‬
‫وهذا الحديث إضافة إلى كونه يصور مدى حرصه صلى الله عليه‬
‫وسلم على أمته فهو يبين كذلك أن سبيل النجاة والفلح إنما هو‬
‫باتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم والخذ بها‪ ،‬وأن كل‬
‫مخالف ومجانب لهذه السنة فهو يلقي بنفسه إلى التهلكة وذلك‬
‫بسبب‬
‫بعده ومخالفته لشرع المصطفى ونهجه الذي جاء به‪.‬‬
‫ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين لمته سبيل‬
‫النجاة والفلح وحثهم على سلوكه والسير عليه‪ ،‬كما حذرهم من‬
‫سبل الهلك والضلل وبين لهم ماضيها من الخسران والتعاسة‬
‫ستَقِيماً‬ ‫م ْ‬ ‫صَراطِي ُ‬ ‫ن هَذ َا ِ‬ ‫الدنيوية والخروية قال تعالى‪{ :‬وَأ َ َّ‬
‫ه‬ ‫صاك ُ ْ‬
‫م بِ ِ‬ ‫سبِيلِهِ ذَلِك ُ ْ‬
‫م وَ َّ‬ ‫ن َ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫ل فَتَفََّرقَ بِك ُ ْ‬ ‫فَاتَّبِعُوه ُ وَل تَتَّبِعُوا ال ُّ‬
‫سب ُ َ‬
‫ن}‪ ،‬وهذه الوصية عامة لكل من شهد أن ل إله إل‬ ‫م تَتَّقُو َ‬
‫ْ‬ ‫لَعَلَّك ُ‬
‫َ‬
‫م‬‫الله وأن محمدا رسول الله وقد ختم الله الية بقوله {لَعَل ّك ُ ْ‬
‫ن}‪ .‬والتقوى حقيقتها‪" :‬العمل بطاعة الله إيمانا واحتسابا‪،‬‬ ‫تَتَّقُو َ‬
‫أمرا ونهيا فالمتقي يفعل ما أمره الله به إيمانا بالمر وتصديقا‬
‫بوعده‪ ،‬ويترك ما نهى الله عنه إيمانا بالنهي وخوفا من وعيده"‪.‬‬
‫وقال طلق بن حبيب[‪" :]284‬التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور‬
‫من الله ترجو ثواب الله وأن تترك معصية الله على نور من الله‪،‬‬
‫تخاف عقاب الله"[‪ .]285‬وطاعة الله تتحقق بطاعة رسوله‬
‫سو َ‬
‫ل‬ ‫ن يُطِِع الَّر ُ‬ ‫م ْ‬
‫والسير على َ نهجه وسلوك سبيله قال تعالى‪َ { :‬‬
‫َ‬
‫ه}‪.‬‬ ‫فَقَد ْ أطَاع َ الل ّ َ‬
‫وفي الحديث‪" :‬فمن أطاع محمدا صلى الله عليه وسلم فقد‬
‫أطاع الله ومن عصى محمدا صلى الله عليه وسلم فقد عصى‬
‫الله"‪.‬‬
‫ولذلك فإنه لم يبق للنسان إل أن يختار أي الطريقين يسلك قال‬
‫ما كَفُوراً}[‪ ]286‬وليتحمل‬ ‫شاكِرا ً وَإ ِ َّ‬ ‫ما َ‬ ‫ل إ ِ َّ‬ ‫تعالى‪{ :‬إِنَّا هَدَيْنَاهُ ال َّ‬
‫سبِي َ‬
‫ن‬
‫سا ُ‬‫ل الِن ْ َ‬ ‫بعد ذلك مسؤولية ما قدم من عمل كما قال تعالى‪{ :‬ب َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫معَاذِيَرهُ}[‪ ،]287‬وقال تعالى‪{ :‬وَأ ْ‬ ‫صيَرةٌ‪ ،‬وَلَوْ ألْقَى َ‬ ‫سهِ ب َ ِ‬ ‫ع َلَى نَفْ ِ‬
‫جَزاهُ‬ ‫ف يَُرى‪ ،‬ث ُ َّ‬
‫م يُ ْ‬ ‫سوْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫سعْي َ ُ‬
‫ن َ‬ ‫سعَى‪ ،‬وَأ َ َّ‬ ‫ما َ‬
‫َ‬
‫ن إِل ّ َ‬ ‫سا ِ‬ ‫س لِلِن ْ َ‬‫لَي ْ َ‬
‫جَزاءَ الِوْفَى}[‪]288‬‬ ‫ال ْ َ‬
‫وإن المسلم الواعي العارف لمور دينه يعلم أن الخير كل الخير‬
‫في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم والتمسك بسنته والسير‬
‫على هديه‪ ،‬وأن الشر كل الشر في البعد عن سنته ومخالفته‪.‬‬
‫ولذا تراه حريصا على سنة المصطفى متمسكا بها في كل أحواله‬
‫وفي الوقت نفسه يحذر أشد الحذر من مخالفة الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم والبعد عن سبيله ومنهجه‪ .‬ومثل هذا العتقاد‬
‫يجب على كل مسلم أن يعتقده ويطبقه في أقواله وأعماله‬
‫ليسعد وينجو في دنياه وآخرته‪.‬‬
‫ومما يؤسف له أن كثيرا من المسلمين ل يولي هذا الجانب‬
‫اهتمامه وعنايته بل تراه على النقيض من ذلك حتى إن بعضهم‬
‫ليس له من السلم إل اسمه فقط ذلك لن أقواله وأفعاله‬
‫مناقضة للشرع ول تمت إليه بصلة‪ ،‬وتراه كذلك راغبا عن سنة‬
‫المصطفي متحاكما في أكثر شؤونه وأحواله إلى غير الكتاب‬
‫والسنة‪ .‬ومن كانت هذه صفاته فالسلم منه براء وهو بريء من‬
‫السلم فقد قال صلى الله عليه وسلم‪" :‬من رغب عن سنتي‬
‫فليس مني"‬
‫ولقد ذم النبي صلى الله عليه وسلم هذا الصنف من الناس وحذر‬
‫منهم فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال‪" :‬كان الناس‬
‫يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله‬
‫عن الضر مخافة أن يدركني‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬إنا كنا في‬
‫جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟‪،‬‬
‫قال‪" :‬نعم"‪ .‬قلت‪ :‬وهل بعد ذلك الشر من خير؟‪ ،‬قال‪" :‬نعم‬
‫وفيه دخن"‪ ،‬قلت‪ :‬وما دخنه؟‪ ،‬قال‪" :‬قوم يهدون بغير هديي‬
‫تعرف منهم وتنكر ‪ "..‬الحديث‪ .‬فالشاهد من الحديث قوله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪" :‬قوم يهدون بغير هديي" فالنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ذم من جعل للدين أصل خلف الكتاب والسنة أو جعلهما‬
‫فرعا لذلك الصل الذي ابتدعه وأمثال هؤلء كثيرون فكم من‬
‫شخص ينتمي للسلم جعل من الفلسفة حكما على كل شيء‬
‫حتى على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وكم من‬
‫شخص نبذ شرع الله وراء ظهره وتحاكم إلى القوانين الوضعية‬
‫المستوردة من بلد الكفر واللحاد‪ .‬وكم من شخص جعل الهوى‬
‫وشهوات النفس دينا يدين به فإذا جاءه أمر الشارع أخذ منه ما‬
‫وافق هواه ورأيه وأعرض عما عداه‪ .‬وكم من فئة وطائفة في‬
‫زماننا الحاضر ينطق عليها قول النبي صلى الله عليه وسلم هذا‪.‬‬
‫والذي ينبغي على كل أحد أن يعلمه هو أنه بمقدار اتباع المرء‬
‫لسنة المصطفي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬يكون فلحه ونجاته‪،‬‬
‫فالقوال والعمال يتوقف قبولها أو ردها على حسب موافقتها‬
‫لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فما وافق سنة النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قبل‪ ،‬وما خالفها فهو مردود على قائله‬
‫وفاعله كائنا من كان وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫"من عمل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد"‪.‬‬
‫وإن المعرض عن سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم‬
‫والمخالف لها معرض للعقوبة في الدنيا والخرة وذلك بحسب ما‬
‫يقع منه من إعراض‪.‬‬
‫فعن سلمة بن الكوع[‪ ]289‬رضي الله عنه أن رجل أكل عند‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله‪ .‬فقال‪" :‬كل بيمينك"‪،‬‬
‫قال‪" :‬ل أستطيع"‪ ،‬قال‪" :‬ل استطعت" ما منعه إل الكبر‪ ،‬قال‬
‫فما رفعها إلى فيه"[‪ ،]290‬فهذه عقوبة دنيوية لهذا الشخص الذي‬
‫عصى أمر النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال‪" :‬قرأ النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم "النجم" فسجد‪ ،‬فما بقي أحد إل سجد‪ ،‬إل رجل‬
‫رأيته أخذ كفا من حصى فرفعه فسجد عليه وقال‪" :‬هذا يكفيني‪،‬‬
‫فلقد رأيته بعد قتل كافرا بالله"[‪ ]291‬وهذا الرجل هو أمية بن‬
‫خلف[‪ ]292‬وقد قتل ببدر كافرا‪.‬‬
‫وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم أنه قال‪" :‬بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله‬
‫وحده ل شريك له‪ ،‬وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذلة‬
‫والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم"[‪.]293‬‬
‫والشاهد من الحديث قوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬وجعلت الذلة‬
‫والصغارعلى من خالف أمري"‪ ،‬وعنه رضي الله عنه قال‪" :‬أقبل‬
‫علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال‪" :‬يا معشر‬
‫المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن‪ ،‬وأعوذ بالله أن تدركوهن‪ :‬لم‬
‫تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إل فشا فيهم‬
‫الطاعون والوجاع التي لم تكن مضت في أسلفهم الذين مضوا‪،‬‬
‫ولم ينقصوا المكيال والميزان إل أخذوا بالسنين وشدة المؤونة‬
‫وجور السلطان عليهم‪ ،‬ولم يمنعوا زكاة أموالهم إل منعوا القطر‬
‫من السماء‪ ،‬ولول البهائم لم يمطروا‪ ،‬ولم ينقضوا عهد الله وعهد‬
‫رسوله إل سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذ بعض ما في‬
‫أيديهم‪ ،‬وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله‪،‬‬
‫إل جعل الله بأسهم بينهم"[‪ .]294‬فهذا بعض ما ورد في السنة في‬
‫العقوبات الدنيوية‪.‬‬
‫أما على صعيد العقوبات الخروية فالمر أشد وأعظم فالخرة‬
‫هي دار الجزاء والثواب والعقاب‪.‬‬
‫فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم أتى المقبرة فقال‪" :‬السلم عليكم دار قوم مؤمنين وإنا‬
‫إن شاء الله بكم لحقون‪ ،‬وددت أنا قد رأينا إخواننا‪ .‬فقالوا‪:‬‬
‫أوَلسنا إخوانك يا رسول الله؟‪ ،‬قال‪ :‬بل أنتم أصحابي‪ ،‬وإخواننا‬
‫الذين لم يأتوا بعد‪ ،‬وأنا فرطهم[‪ ]295‬على الحوض‪ .‬فقالوا‪ :‬كيف‬
‫تعرف من لم يأت بعد من أمتك يارسول الله؟‪ ،‬فقال‪ :‬أرأيت لو‬
‫أن رجل له خيل غر[‪ ]296‬محجلة[‪ ]297‬بين ظهري خيل دُهُم بُهُم[‬
‫‪ ]298‬أل يعرف خيله؟‪ .‬قالوا‪ :‬بلى يارسول الله‪ ،‬قال‪ :‬فإنهم يأتون‬
‫غرا محجلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض أل ليذادن‬
‫رجال عن حوضى كما يذاد البعير الضال أناديهم أل هلم‪ ،‬فيقال‪:‬‬
‫إنهم قد بدلوا بعدك فأقول سحقا سحقا"[‪.]299‬‬
‫فتلك عقوبة من حاد عن شرع المصطفى صلى الله عليه وسلم‬
‫ومال عنه واستبدل به غيره‪ .‬وعن عبد الله بن مسعود رضي الله‬
‫عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬هلك‬
‫المتنطعون" قالها ثلثا[‪.]300‬‬
‫قال النووي‪ " :‬أي المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في‬
‫أقوالهم وأفعالهم"[‪ ،]301‬فالنبي صلى الله عليه وسلم أخبر بهلك‬
‫كل من بالغ في التعمق في أمور الشرع وغل فيها وتكلف في‬
‫أمور لم ترد عن الشارع الكريم ولم تكن من مقصوده‪.‬‬
‫وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال‪" :‬لست تاركا شيئا كان‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إل عملت به‪ ،‬إني‬
‫أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ"‪ .‬والشواهد من القرآن‬
‫والسنة وكلم السلف الصالح في هذا الشأن كثيرة ول تكاد‬
‫تحصى‪.‬‬
‫والقصد هنا بيان أن التولي عما جاء به النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم من أمور الشرع من أكبر الذنوب‪ ،‬وهو سبب لنصباب‬
‫المصائب وتتابع النوائب‪ ،‬فإن الجزاء من جنس العمل ومن تولى‬
‫عن حكم الله وحكم رسوله تولى الله ورسوله عنه‪ ،‬ومن تولى‬
‫الله ورسوله عنه فهيهات أن يفلح ويعز بل يتركه الله أذل وأحقر‬
‫ه أُولَئ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ك فِي‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫حادُّو َ‬‫ن يُ َ‬ ‫ن ال ّذِي َ‬‫ما يكون قال تعالى‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫ن}[‪ .]302‬وليحذرالمسلم من مخالفة الشريعة التي جاء بها‬ ‫الذ َل ِّي َ‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم من عند ربه عز وجل‪ ،‬فإن في‬
‫ض‬ ‫المخالفة عين الهلك والخسران كما قال تعالى‪{ :‬وم َ‬
‫ن أعَْر َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫َ‬
‫مى}[‬ ‫مةِ أع ْ َ‬ ‫م الْقِيَا َ‬ ‫ح ُ‬
‫شُره ُ يَوْ َ‬ ‫ضنْكا ً َون َ ْ‬
‫ة َ‬ ‫ش ً‬‫معِي َ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ن ذِكْرِي فَإ ِ َّ‬ ‫عَ ْ‬
‫‪.]303‬‬

‫________________________________________‬
‫[‪ ]1‬اليتان (‪ )46 ،45‬من سورة الحزاب‪.‬‬
‫[‪ ]2‬الية (‪ )52‬من سورة الشورى‪.‬‬
‫[‪ ]3‬الية (‪ )43‬من سورة الزخرف‪.‬‬
‫[‪ ]4‬الية (‪ )80‬من سورة النساء‪.‬‬
‫[‪ ]5‬الية (‪ )64‬من سورة النساء‪.‬‬
‫[‪ ]6‬الية (‪ )6‬من سورة العراف‪.‬‬
‫[‪ ]7‬اليات (‪ )14 ،13‬من سورة النساء‪.‬‬
‫[‪ ]8‬اليات (‪ )29 ،28 ،27‬من سورة الفرقان‪.‬‬
‫[‪ ]9‬اليات (‪ )68 ،67 ،66‬من سورة الحزاب‪.‬‬
‫[‪ ]10‬الية (‪ )32‬من سورة آل عمران‪.‬‬
‫[‪ ]11‬الية (‪ )65‬من سورة النساء‪.‬‬
‫[‪ ]12‬الية (‪ )63‬من سورة النور‪.‬‬
‫[‪ ]13‬الية (‪ )69‬من سورة النساء‪.‬‬
‫[‪ ]14‬الية (‪ )64‬من سورة النساء‪.‬‬
‫[‪ ]15‬الية (‪ )52‬من سورة النور‪.‬‬
‫[‪ ]16‬الية (‪ )3‬من سورة نوح‪.‬‬
‫[‪ ]17‬الية (‪ )108‬من سورة الشعراء‪.‬‬
‫[‪ ]18‬انظر اليات (‪ )179 ،163 ،150 ،144 ،131 ،126‬من سورة الشعراء‪.‬‬
‫[‪ ]19‬الية (‪ )16 ،15 ،14‬من سورة الليل‪.‬‬
‫[‪ ]20‬الية (‪ )32 ،31‬من سورة القيامة‪.‬‬
‫[‪ ]21‬الية (‪ )16 ،15‬من سورة المزمل‪.‬‬
‫[‪ ]22‬الية (‪ )41‬من سورة النساء‪.‬‬
‫[‪ ]23‬الية (‪ )42‬من سورة النساء‪.‬‬
‫[‪ ]24‬الرد على الخنائي (ص ‪.)183 -180‬‬
‫[‪ ]25‬الية (‪ )64‬من سورة النساء‪.‬‬
‫[‪ ]26‬مجموع الفتاوى (‪ )100 ،99 /19‬بتصرف‪.‬‬
‫[‪ ]27‬الية (‪ )165‬من سورة النساء‪.‬‬
‫[‪ ]28‬مجموع الفتاوى (‪ )96 /19‬بتصرف‪.‬‬
‫[‪ ]29‬الية (‪ )157‬من سورة العراف‪.‬‬
‫[‪ ]30‬الية (‪ )104‬من سورة آل عمران‪.‬‬
‫[‪ ]31‬الية (‪ 1‬إلى ه) من سورة البقرة‪.‬‬
‫[‪ ]32‬الية (‪ )14 ،13‬من سورة النساء‪.‬‬
‫[‪ ]33‬الية (‪ )107‬من سورة النبياء‪.‬‬
‫[‪ ]34‬الية (‪ )153‬من سورة النعام‪.‬‬
‫[‪ ]35‬الصارم المسلول لشيخ السلم ابن تيمية (ص ‪.)56‬‬
‫[‪ ]36‬محمد بن الحسين بن عبد الله أبو بكر الجري‪ ،‬فقيه‬
‫شافعي‪ ،‬محدث‪ ،‬توفي سنة ‪ 360‬هـ بمكة وله مصنفات كثيرة منها‪:‬‬
‫كتاب الشريعة‪ .‬العلم (‪.)97 /6‬‬
‫[‪ ]37‬الشريعة (ص ‪.)49‬‬
‫[‪ ]38‬مجموع الفتاوى (‪.)103 /19‬‬
‫[‪ ]39‬الية (‪ )80‬من سورة النساء‪.‬‬
‫[‪ ]40‬الية (‪ )32‬من سورة آل عمران‪.‬‬
‫[‪ ]41‬الية (‪ )132‬من سورة آل عمران‪.‬‬
‫[‪ ]42‬الية (‪ )13‬من سورة النساء‪.‬‬
‫[‪ ]43‬الية (‪ )20‬من سورة النفال‪.‬‬
‫[‪ ]44‬الية (‪ )52‬من سورة النور‪.‬‬
‫[‪ ]45‬الية (‪ )71‬من سورة الحزاب‪.‬‬
‫[‪ ]46‬الية (‪ )17‬من سورة الفتح‪.‬‬
‫[‪ ]47‬الية (‪ )92‬من سورة المائدة‪.‬‬
‫[‪ ]48‬الية (‪ )33‬من سورة محمد‪.‬‬
‫[‪ ]49‬الية (‪ )54‬من سورة النور‪.‬‬
‫[‪ ]50‬الية (‪ )12‬من سورة التغابن‪.‬‬
‫[‪ ]51‬الية (‪ )59‬من سورة النساء‪.‬‬
‫[‪ ]52‬محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي ثم الدمشقي المشهور‬
‫بابن القيم‪ ،‬ولد سنة إحدى وتسعين وستمائة‪ ،‬تفنن في علوم‬
‫السلم‪ ،‬لزم شيخ السلم ابن تيمية‪ ،‬وله مؤلفات كثيرة في‬
‫الدفاع عن العقيدة والسنة‪ .‬توفي سنة إحدى وخمسين‬
‫وسبعمائة‪ .‬طبقات المفسرين للداودي (‪.)97 ،93 /2‬‬
‫[‪ ]53‬كما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬أل إني أوتيت‬
‫الكتاب ومثله معه‪ "...‬الحديث‪ .‬أخرجه أبو داود في سننه‪ ،‬كناب‬
‫السنة‪ ،‬باب في لزوم السنة (‪ )10 /5‬ح ‪4604‬‬
‫[‪ ]54‬أخرجه مسلم في صحيحه كتاب المارة‪ ،‬باب وجوب طاعة‬
‫المراء في غير معصية وتحريمها في المعصية (‪)15 /6‬‬
‫[‪ ]55‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب أخبار الحاد‪ :‬باب ما جاء‬
‫في إجازة خبر الواحد‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )233 /13‬ح ‪ ،7257‬ومسلم‬
‫في صحيحه‪ ،‬كتاب المارة‪ :‬باب وجوب طاعة المراء في غير‬
‫معصية وتحريمها في المعصية‪ .‬انظر (‪.)15 /6‬‬
‫[‪ ]56‬أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب المارة‪ ،‬باب‬
‫وجوب طاعة المراء في غير معصية وتحريمها في المعصية (‪/6‬‬
‫‪ .)12‬وأخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الحكام‪ :‬باب السمع‬
‫والطاعة للمام ما لم تكن معصية‪ .‬فتح الباري (‪ )122 ،121 /13‬ح‬
‫‪.7144‬‬
‫[‪ ]57‬إعلم الموقعين (‪.)49 ،48 /1‬‬
‫[‪ ]58‬الية (‪ )54‬من سورة النور‪.‬‬
‫[‪ ]59‬محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب‬
‫الزهري‪ ،‬الفقيه الحافظ متفق على جللته وإتقانه‪ ،‬مات سنة ‪125‬‬
‫هـ وقيل قبل ذلك‪ .‬تذكرة الحفاظ (‪.)102 /1‬‬
‫[‪ ]60‬الرسالة التبوكية (ص ‪.)38 ،37‬‬
‫[‪ ]61‬الية (‪ )31‬من سورة آل عمران‪.‬‬
‫[‪ ]62‬الية (‪ )158‬من سورة العراف‪.‬‬
‫[‪ ]63‬الية (‪ )7‬من سورة الحشر‪.‬‬
‫[‪ ]64‬الية (‪ )21‬من سورة الحزاب‪.‬‬
‫[‪ ]65‬الية (‪ )110‬من سورة الكهف‪ ،‬والية (‪ )6‬من سورة فصلت‪.‬‬
‫[‪ ]66‬الية (‪ )85‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫[‪ ]67‬الية (‪ )24‬من سورة النفال‪.‬‬
‫[‪ ]68‬الفوائد لبن القيم (ص ‪ )88‬بتصرف‪.‬‬
‫[‪ ]69‬المصدر السابق (ص ‪.)95‬‬
‫[‪ ]70‬تفسير ابن كثير (‪.)474 /3‬‬
‫[‪ ]71‬الية (‪ )65‬من سورة النساء‪.‬‬
‫[‪ ]72‬الية (‪ )6‬من سورة الحزاب‪.‬‬
‫[‪ ]73‬الرسالة التبوكية لبن القيم (ص ‪.)26 ،25‬‬
‫[‪ ]74‬تفسير ابن كثير (‪.)520 /1‬‬
‫[‪ ]75‬أي قبوله لحكم الرسول والتسليم له‪.‬‬
‫[‪ ]76‬الية (‪ )15 ،14‬من سورة القيامة‪.‬‬
‫[‪ ]77‬الرسالة التبوكية (ص ‪.)25‬‬
‫[‪ ]78‬الية (‪ )51‬من سورة النور‪.‬‬
‫[‪ ]79‬الية (‪ )36‬من سورة الحزاب‪.‬‬
‫[‪ ]80‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب العتصام بالكتاب‬
‫والسنة‪ :‬باب القتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )249 /13‬ح ‪.7285‬‬
‫[‪ ]81‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الحكام‪ :‬باب قول الله‬
‫َ‬ ‫تعالى {أَطيعوا الل َّه وأَطيعوا الَرسو َ ُ‬
‫م}‪ ،‬انظر‪:‬‬ ‫منْك ُ ْ‬
‫مرِ ِ‬‫ل وَأولِي ال ْ‬ ‫ّ ُ‬ ‫َ َ ِ ُ‬ ‫ِ ُ‬
‫فتح الباري (‪ )111 /13‬ح ‪ .7137‬وأخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب‬
‫المارة‪ :‬باب وجوب طاعة المراء في غير معصية وتحريمها في‬
‫المعصية (‪.)13 /6‬‬
‫[‪ ]82‬سعد بن مالك بن سنان النصاري أبو سعيد الخدري‪ ،‬شهد‬
‫الغزوات بعد أحد وكان من أفاضل الصحابة وحفظ حديثا كثيرا‬
‫توفي سنة ‪ 74‬هـ وقيل غير ذلك‪ .‬الصابة (‪.)33 ،32 /2‬‬
‫شرادا‪ :‬إذا نفر وذهب في‬ ‫شرودا‪ ،‬و ِ‬ ‫[‪ ]83‬يقال‪ :‬شرد البعير‪ ،‬يشرد‪ُ ،‬‬
‫الرض‪ .‬النهاية (‪.)457 /2‬‬
‫[‪ ]84‬أخرجه ابن حبان في صحيحه (‪ )153 /1‬وأورده الهيثمي في‬
‫مجمع الزوائد (‪ ،)80 /10‬وقال‪ :‬رواه الطبراني ورجاله رجال‬
‫الصحيح‪ .‬وله شاهد من طريق أبي هريرة بنحوه أخرجه الحاكم‬
‫في مستدركه (‪ )247 /4‬وقال صحيح على شرطهما ووافقه‬
‫الذهبي‪ .‬وله شاهد آخر من طريق أبي أمامة بنحوه‪ .‬أخرجه‬
‫الحاكم في المستدرك (‪ )247 /4‬وقال صحيح على شرطهما‬
‫ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫[‪ ]85‬محمد بن حبان بن أحمد التميمي‪ ،‬أبو حاتم البستي‪ ،‬المام‬
‫الحافظ الثبت الحجة‪ ،‬كان من أوعية العلم‪ ،‬ولد سنة ‪ 270‬هـ‬
‫وتوفي سنة ‪ 354‬هـ‪ .‬ميزان العتدال (‪.)506 /3‬‬
‫[‪ ]86‬صحيح ابن حبان (‪.)153 /1‬‬
‫[‪ ]87‬الية (‪ )153‬من سورة النعام‪.‬‬
‫[‪ ]88‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب اليمان‪ :‬باب بيان كون‬
‫النهي عن المنكر من اليمان (‪.)51 ،50 /1‬‬
‫[‪ ]89‬اليتان (‪ )104 ،103‬من سورة الكهف‪.‬‬
‫[‪ ]90‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الصلح‪ :‬باب إذا اصطلحوا‬
‫على جور‪ .‬فتح الباري (‪ )301 /5‬ح ‪ ،2697‬وأخرجه مسلم في‬
‫صحيحه‪ ،‬كتاب القضية‪ :‬باب نقض الحكام الباطلة (‪.)132 /5‬‬
‫[‪ ]91‬الية (‪ )110‬من سورة الكهف‪.‬‬
‫[‪ ]92‬تفسير ابن كثير (‪.)108 /3‬‬
‫[‪ ]93‬أي ساروا بالليل‪ .‬النهاية (‪.)129 /2‬‬
‫[‪ ]94‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب العتصام‪ :‬باب القتداء‬
‫بسنن الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬انظر‪ :‬فتح الباري (‪)250 /13‬‬
‫ح ‪ ،7283‬وأخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الفضائل‪ :‬باب شفقته‬
‫صلى الله عليه وسلم على أمته‪ .‬انظر‪.)63 /7( :‬‬
‫[‪ ]95‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب العتصام بالكتاب‬
‫والسنة‪ :‬باب القتداء بسنن الرسول صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫انظر‪ :‬فتح الباري( ‪ )249 /13‬ح ‪.7281‬‬
‫[‪ ]96‬بفتح التحتانية والزاي وضم العين المهملة‪ :‬أي يدفعهن‪ .‬فتح‬
‫الباري (‪.)318 /13‬‬
‫[‪ ]97‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الرقاق‪ :‬باب النتهاء عن‬
‫المعاصي‪ .‬انظر فتح الباري ( ‪ )316 /11‬خ ‪ ،6483‬وأخرجه مسلم في‬
‫صحيحه‪ ،‬كتاب الفضائل‪ :‬باب شفقته صلى الله عليه وسلم على‬
‫أمته‪.)64 /7( ...‬‬
‫[‪ ]98‬الية (‪ )49‬من سورة الحج‪.‬‬
‫[‪ ]99‬الية (‪ )1‬من سورة الفرتان‪.‬‬
‫[‪ ]100‬الية (‪ )28‬من سورة سبأ‪.‬‬
‫[‪ ]101‬الية (‪ )128‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫[‪ ]102‬الية (‪ )27‬من سورة الفرقان‪.‬‬
‫[‪ ]103‬الية (‪ )66‬من سورة الحزاب‪.‬‬
‫[‪ ]104‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب النكاح‪ :‬باب الترغيب في‬
‫النكاح‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )104 /9‬ح ‪ 563‬واللفظ له‪ .‬ومسلم في‬
‫صحيحه‪ ،‬كتاب النكاح‪ :‬باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه‬
‫إليه‪ ...‬انظر‪.)128 /4( :‬‬
‫[‪ ]105‬أخرجه أحمد بن حنبل في المسند (‪.)226 /6‬‬
‫[‪ ]106‬العرباض بن سارية السلمي أبو نجيح‪ ،‬صحابي مشهور من‬
‫أهل الصفة‪ ،‬مات سنة خمس وسبعين للهجرة وقيل قبل ذلك‪.‬‬
‫الصابة (‪.)466 /2‬‬
‫[‪ ]107‬أخرجه المام أحمد في مسنده (‪ .)127 ،126 /4‬وأخرجه أبو‬
‫داود في سننه‪ ،‬كتاب السنة‪ :‬باب في لزوم السنة (‪ )15 ،13 /5‬ح‬
‫‪ ،4607‬وأخرجه الترمذي في سننه‪ ،‬كتاب العلم‪ :‬باب في الخذ‬
‫بالسنة واجتناب البدعة (‪ )44 /5‬ح ‪ 2676‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن‬
‫صحيح وابن ماجة في سننه‪ ،‬في المقدمة‪ :‬باب اتباع سنة الخلفاء‬
‫الراشدين (‪ .)16 /1‬وابن حبان في صحيحه (‪ )139 /1‬والحاكم في‬
‫المستدرك (‪ )96 /1‬وصححه ووافقه الذهبي‪ ،‬والجري في الشريعة‬
‫(‪ ،)47 ،46‬والدارمي في سننه‪ ،‬باب اتباع السنة (‪ )45 ،44 /1‬وقال‬
‫اللباني‪ :‬سنده صحيح‪ ،‬وصححه جماعة منهم الضياء المقدسي‬
‫في اتباع السنن واجتناب البدع‪ ،‬انظر‪ :‬مشكاة المصابيح (‪ )58 /1‬ح‬
‫‪.165‬‬
‫[‪ ]108‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب العتصام‪ :‬باب القتداء‬
‫بسنن الرسول صلى الله عليه وسلم‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري (‪)251 /13‬‬
‫ح ‪ ،7288‬ومسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الحج‪ :‬باب فرض الحج مرة‬
‫في العمر (‪.)102 /4‬‬
‫[‪ ]109‬الية (‪ )286‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫[‪ ]110‬تقدم تخريجه ص ‪45‬‬
‫[‪ ]111‬الية (‪ )17‬من سورة الرعد‪.‬‬
‫[‪ ]112‬أخرجه ابن ماجة في السنن (‪ ،)188 /2‬كتاب المناسك‪ :‬باب‬
‫الخطبة يوم النحر‪ .‬وأخرجه الحاكم في المستدرك (‪ ،)87 /1‬وقال‪:‬‬
‫"وفي الباب عن جماعة من الصحابة"‪ ،‬وقد جمع طرق هذا‬
‫الحديث الشيخ عبد المحسن العباد في كتاب سماه "دراسة‬
‫حديث‪ :‬نضر الله امرءا سمع مقالتي‪ ...‬رواية ودراية" وذكر أن‬
‫الحديث صحيح وبلغ حد التواتر‪.‬‬
‫[‪ ]113‬الرسالة التبوكية (ص ‪.)56 ،55‬‬
‫[‪ ]114‬الرسالة التبوكية لبن القيم (ص ‪.)37‬‬
‫[‪ ]115‬مجموع الفتاوى (‪.)339 /11‬‬
‫[‪ ]116‬العناق هي النثى من أولد المعز ما لم يتم له سنة‪ .‬النهاية‬
‫(‪.)311 /3‬‬
‫[‪ ]117‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الزكاة‪ :‬باب وجوب‬
‫الزكاة‪ ،‬انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )262 /3‬ح ‪ ،1399‬وأخرجه مسلم في‬
‫صحيحه‪ ،‬كتاب اليمان‪ :‬باب المر بقتال الناس حتى يقولوا ل إله‬
‫إل الله محمد رسول الله (‪.)28 /1‬‬
‫[‪ ]118‬أخرجه مالك في الموطأ‪ ،‬كتاب الفرائض‪ :‬باب ميراث الجدة‬
‫(ص ‪ )346‬رقم ‪ 1087،‬وأخرجه أبو داود في السنن‪ ،‬كتاب الفرائض‪:‬‬
‫باب ما جاء في ميراث الجدة (‪ )317 ،316 /3‬ح ‪ ،2894‬وأخرجه‬
‫الترمذي في السنن‪ ،‬كتاب الفرائض‪ :‬باب ما جاء في ميراث‬
‫الجدة (‪ )420 ،419 /4‬ح ‪ ،2101 ،2100‬وأخرجه ابن ماجه في السنن‪،‬‬
‫أبواب الفرائض‪ ،‬باب ميراث الجدة (‪ )120 /2‬ح ‪.2756‬‬
‫[‪ ]119‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب فرض الخمس‪ :‬باب‬
‫فرض الخمس فتح الباري (‪ )197 /6‬ح ‪ ،3093‬وأخرجه مسلم في‬
‫صحيحه‪ ،‬كتاب الجهاد والسير‪ :‬باب قول النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬ل نورث وما تركنا صدقة" (‪.)155 /5‬‬
‫[‪ ]120‬محمد بن سيرين النصاري مولهم‪ ،‬مولى أنس بن مالك‪،‬‬
‫تابعي جليل كان إمام وقته‪ ،‬مات سنة ‪ 110‬هـ‪ .‬تهذيب التهذيب (‪/9‬‬
‫‪.)217 ،214‬‬
‫[‪ ]121‬إعلم الموقعين (‪.)54 /1‬‬
‫[‪ ]122‬السنة لللكائي (‪ )84 /1‬ح ‪ ،100‬والبدع والنهي عنها لبن وضاح‬
‫(ص ‪.)24‬‬
‫[‪ ]123‬عامر بن شراحيل الشعبي‪ :‬أهله من حمير اليمن‪ ،‬قال فيه‬
‫مكحول‪" :‬ما رأيت أحدا أعلم بسنة ماضية من الشعبي وقد تولى‬
‫القضاء في عهد عمر بن عبد العزيزعلى الكوفة‪ ،‬توفي سنة ‪105‬‬
‫هـ وقيل قبل ذلك‪ .‬تهذيب التهذيب (‪.)69 -65 /5‬‬
‫[‪ ]124‬شريح بن الحارث بن قيس الكندي‪ ،‬القاضي‪ ،،‬مخضرم‪،‬‬
‫ثقة‪ ،‬استقضاه عمر‪ .‬مات قبل الثمانين أوبعدها‪ .‬تهذيب التهذيب (‬
‫‪.)328 ،326 /4‬‬
‫[‪ ]125‬أخرجه الدارمي في السنن (‪ ،)60 /1‬وأورده السيوطي في‬
‫مفتاح الجنة (ص ‪ )46‬وعزاه للبيهقي والدارمي‪.‬‬
‫[‪ ]126‬شقيق بن سلمة السدي أبو وائل الكوفي‪ ،‬أدرك النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ولم يره‪ .‬قال ابن معين‪" :‬ثقة ل يسأل عن‬
‫مثله" مات سنة ‪ 82‬هـ‪ .‬تهذيب التهذيب (‪.)363 ،361 /4‬‬
‫[‪ ]127‬أخرجه في صحيحه‪ ،‬كتاب العتصام بالكتاب والسنة‪ :‬باب‬
‫القتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬انظر‪ :‬فتح‬
‫الباري (‪ )249 /13‬ح ‪.1275‬‬
‫[‪ ]128‬قال ابن حجر‪" :‬قال ابن بطال‪ :‬يحتمل أمرين‪ :‬أحدهما‪ :‬أن‬
‫الذين أثنوا عليه إما راغب في حسن رأيي فيه وتقريري له‪ ،‬وإما‬
‫راهب من إظهار ما يضره من كراهته‪ .‬أو المعنى راغب فيما‬
‫عندي وراهب مني‪ .‬أو المراد الناس راغب في الخلفة وراهب‬
‫منها‪ ،‬فإن وليت الراغب فيها خشيت أن ل يعان عليها‪ ،‬وان وليت‬
‫الراهب منها خشيت أن ل يقوم بها‪.‬‬
‫وذكر القاضي عياض توجيها آخر‪ :‬أنهما وصفان لعمر أي راغب‬
‫فيما عند الله‪ ،‬وراهب من عقابه فل أعول على ثنائكم وذلك‬
‫يشغلني عن العناية بالستخلف عليكم فتح الباري (‪.)207 /3‬‬
‫[‪ ]129‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الحكام‪ :‬باب الستخلف‬
‫واللفظ له‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري (‪ .)256 ،255 /13‬وأخرجه مسلم في‬
‫صحيحه‪ ،‬كتاب المارة‪ :‬باب الستخلف وتركه (‪.)5 ،6/4‬‬
‫[‪ ]130‬أخرجه في صحيحه‪ ،‬كتاب المارة‪ ،‬باب الستخلف وتركه (‬
‫‪)5 /6‬‬
‫[‪ ]131‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الحج‪ :‬باب الرمل في‬
‫الحج والعمرة‪ ،‬واللفظ له‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )471 /3‬ح ‪،1605‬‬
‫وأخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الحج‪ :‬باب استحباب تقبيل‬
‫الحجر السود في الطواف (‪.)67 /4‬‬
‫[‪ ]132‬عثمان بن عفان‪ ،‬ولد بعد الفيل بست سنين‪ ،‬أسلم على يد‬
‫الصديق‪ ،‬وقد تزوج بنتي رسرل الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬رقية‬
‫وأم كلثوم ولذلك سمي ذا النورين‪ ،‬وقد ولي الخلفة سنة ‪ 24‬هـ‪،‬‬
‫وقعت في عهده الفتنة فقتل رضي الله عنه سنة ‪ 35‬هـ‪ .‬تهذيب‬
‫التهذيب (‪.)142 ،139 /7‬‬
‫[‪ ]133‬زينب بنت كعب بن عجرة صحابية تزوجها أبو سعيد‬
‫الخدري‪ .‬الصابة (‪.)312 /4‬‬
‫[‪ ]134‬الفريعة بنت مالك بن سنان الخدرية‪ ،‬صحابية جليلة وقصتها‬
‫مذكورة في الحديث الذي معنا‪ .‬الصابة (‪.)375 /4‬‬
‫[‪ ]135‬أخرجه المام مالك في الموطأ (‪ )591 /2‬في الطلق‪ ،‬باب‬
‫مقام المتوفى عنها زوجها في بيتها وأخرجه أبو داود في السنن‪،‬‬
‫كتاب الطلق‪ ،‬باب في المتوفى عنها تنتقل (‪ )724 ،723 /2‬ح ‪،2300‬‬
‫وأخرجه الترمذي في سننه‪ ،‬كتاب الطلق‪ :‬باب ما جاء أين تعتد‬
‫المتوفى عنها زوجها واللفظ له‪ ،‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن صحيح (‬
‫‪ )508 /3‬ح ‪ ،1204‬وأخرجه النسائي‪ ،‬في السنن الصغرى‪ :‬كتاب‬
‫الطلق باب مقام المتوفى عنها زوجها في بيتها حتى تحل (‪/6‬‬
‫‪.)199‬‬
‫[‪ ]136‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الحج‪ :‬باب التمتع‬
‫والقران والفراد بالحج‪ ...‬انظر فتح الباري (‪ ،)421 /3‬وأخرجه‬
‫مسلم في صحيحه كتاب الحج‪ ،‬باب جواز التمتع (‪.)46 /4‬‬
‫[‪ ]137‬أورده القاضي عياض في الشفا (‪.)556 /2‬‬
‫[‪ ]138‬أبي بن كعب النصاري‪ ،‬كان من أصحاب العقبة الثانية‬
‫وشهد بدرا فما بعدها سيد القراء وهو أول من كتب للنبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬توفي سنة ‪ 22‬هـ‪ .‬الصابة (‪.)32 -31 /1‬‬
‫[‪ ]139‬أخرجه ابن المبارك في الزهد (‪ )22 ،21 /2‬والللكائي في‬
‫شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (‪ ،)54 /1‬وأبو نعيم في‬
‫الحلية (‪.)253 -252 /1‬‬
‫[‪ ]140‬أخرجه الدارمي في سننه‪ ،‬باب الفتيا وما فيه من الشدة (‪/1‬‬
‫‪ )57‬وأخرجه ابن وضاح في البدع والنهي عنها‪ ،‬باب تغيير البدع‬
‫(ص ‪ .)38‬وأورده الشاطبي في العتصام (‪.)81 /1‬‬
‫[‪ ]141‬أخرجه الدارمي في سننه‪ ،‬باب من هاب الفتيا وكره التنطع‬
‫والتبدع (‪.)53 /1‬‬
‫[‪ ]142‬أخرجه الدارمي في سننه‪ ،‬باب في كراهة أخذ الرأي (‪/1‬‬
‫‪ ،)69‬وأخرجه ابن وضاح في البدع والنهي عنها‪ ،‬باب ما يكون من‬
‫بدعة (ص ‪ ،)10‬وأخرجه الللكائي في السنة (‪ )86 /1‬ح ‪ ،104‬وقال‬
‫الهيثمي في مجمع الزوائد (‪ :)181 /1‬رجاله رجال الصحيح‪.‬‬
‫[‪ ]143‬أخرجه الللكائى في السنة (‪ )86 /1‬ح ‪.106‬‬
‫[‪ ]144‬أخرجه الحاكم في المستدرك (‪ )103 /1‬وقال على شرطهما‬
‫وأقره الذهبي‪ ،‬والللكائى في السنة (‪ )55 /1‬ح ‪ ،14‬وابن وضاح في‬
‫البدع والنهي عنها (ص ‪ )11‬وابن عبد البر في جامعه (‪.)230 /2‬‬
‫وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (‪ )188 /1‬رجاله ثقات‪.‬‬
‫[‪ ]145‬سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب‪ ،‬أحد فقهاء المدينة‬
‫السبعة ومن أفاضل التابعين‪ ،‬مات سنة ‪ 106‬هـ‪ .‬تهذيب التهذب (‪/3‬‬
‫‪.)438 ،437‬‬
‫[‪ ]146‬بلل بن عبد الله بن عمر بن الخطاب‪ ،‬ذكره مسلم في‬
‫الطبقة الولى من المدنيين وعده يحي القطان في فقهاء أهل‬
‫المدينة‪ .‬تهذيب التهذيب (‪.)554 /1‬‬
‫[‪ ]147‬أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الصلة‪ :‬باب‬
‫خروج النساء إلى المساجد (‪.)32 /2‬‬
‫[‪ ]148‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب العتصام‪ ،‬باب القتداء‬
‫انظر‪ :‬فتح الباري (‪)350 /3‬‬
‫[‪ ]149‬فتح الباري (‪ )257 /13‬باختصار يسير‪.‬‬
‫[‪ ]150‬عمر بن عبد العزيز‪ ،‬الخليفة الموي الصالح عده بعضهم‬
‫خامس الخلفاء‪ ،‬ولي الخلفة عام ‪ 99‬هـ‪ ،‬وتوفي عام ‪ 101‬هـ‪ ،‬وله‬
‫أخبار في العدل والزهد كثيرة‪ .‬تذكرة الحفاظ (‪.)118 /1‬‬
‫[‪ ]151‬الشريعة للجري (ص ‪ ،)48‬وكتاب البدع والنهي عنها لبن‬
‫وضاح (ص ‪ ،)30‬وكتاب العتصام للشاطبي (‪ ،)50 /1‬وجامع بيان‬
‫العلم وفضله (ص ‪.)21‬‬
‫[‪ ]152‬الشريعة للجري (ص ‪ ،)48‬وجامع بيان العلم وفضله (‪،)32 /2‬‬
‫والعتصام للشاطبي (‪.)87 /1‬‬
‫[‪ ]153‬تابعي من أهل المدينة‪ ،‬أول من دون الحديث وهو من كبار‬
‫الحفاظ الفقهاء‪ ،‬لقي بعض الصحابة قال مالك‪" :‬بقي ابن شهاب‬
‫وما له في الدنيا نظير"‪ ،‬توفي عام ‪ 124‬هـ‪.‬‬
‫التذكرة (‪ ،)108‬والبداية (‪.)345 /9‬‬
‫[‪ ]154‬أخرجه الدارمي في سننه (‪ )45 /1‬باب اتباع السنة‪.‬‬
‫[‪ ]155‬هو مجاهد بن جبر المكي تابعي إمام في التفسير‪ ،‬مات في‬
‫السجود عام ‪ 104‬هـ وقيل ‪ 103‬هـ‪ .‬التذكرة (‪ ،)92‬والتهذيب (‪.)42 /10‬‬
‫[‪ ]156‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪.)505 /8‬‬
‫[‪ ]157‬أبو العالية ُرفيع ‪ -‬بضم الراء مصغرا ‪ -‬بن مهران الرياحي ‪-‬‬
‫مولى امرأة من بني رياح‪ ،‬قال أبو بكر ابن أبي داود‪" :‬ليس أحد‬
‫أعلم بالقرآن بعد الصحابة من أبي العالية"‪ ،‬توفي عام ‪ 13‬هـ‪.‬‬
‫التذكرة (‪ ،)61‬والطبقات (‪ ،)112 /7‬واللباب (‪.)46 /2‬‬
‫[‪ ]158‬أخرجه ابن وضاح في البدع والنهي عنها (ص ‪ ،)32‬وأورده‬
‫الشاطبي في العتصام (‪)85 /1‬‬
‫[‪ ]159‬هو‪ :‬أبو بكر أيوب بن أبي تميمة السختيانى ‪ -‬بفتح السين ‪-‬‬
‫نسبة إلى عمل السختيان وبيعه ‪ -‬وهي الجلود الضأنية ‪ -‬قال ابن‬
‫سعد‪" :‬كان أيوب ثفة ثبتا في الحديث جامعا عدل ورعا كثير‬
‫العلم حجة"‪ ،‬توفي سنة ‪ 131‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬الطبقات (‪ ،)246 /7‬واللباب‬
‫(‪)108 /2‬‬
‫[‪ ]160‬أورده السيوطي في مفناح الجنة (ص ‪ )35‬وعزاه للبيهقي‪.‬‬
‫[‪ ]161‬أبو حنيفة هو النعمان بن ثابت التيمي مولهم الكوفي‪ ،‬أحد‬
‫الئمة الربعة وإليه ينتسب الحناف ولد سنة ‪ 80‬هـ‪ ،‬وتوفي سنة‬
‫‪ 150‬هـ‪ .‬البداية (‪.)107 /10‬‬
‫[‪ ]162‬المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي (ص ‪ )111‬بتحقيق محمد‬
‫ضياء الرحمن العظمي‪.‬‬
‫[‪ ]163‬المدخل إلى السنن (ص ‪.)204‬‬
‫[‪ ]164‬العتصام للشاطبي (‪.)49 /1‬‬
‫[‪ ]165‬العتصام للشاطبي (‪.)85 /1‬‬
‫[‪ ]166‬المصدر السابق (‪.)105 /1‬‬
‫[‪ ]167‬المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي (ص ‪.)201‬‬
‫[‪ ]168‬رسالة التقليد لبن القيم (ص ‪.)83‬‬
‫[‪ ]169‬الشفا (‪.)558 /2‬‬
‫[‪ ]170‬المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي (ص ‪ )205‬رقم ‪،250‬‬
‫وأخرجه ابن أبي حاتم في آداب الشافعي ومناقبه (ص ‪ ،)67‬وأبو‬
‫نعيم في الحلية (‪ ،)106 /9‬والخطيب في الفقيه والمتفقه (‪،)150 /1‬‬
‫وأورده السيوطي في مفتاح الجنة في الحتجاج بالسنة (ص ‪،49‬‬
‫‪.)50‬‬
‫[‪ ]171‬أخرجه الخطيب في الفقيه والمتفقه (‪ ،)150 /1‬والمدخل إلى‬
‫السنن (ص ‪ ،)205‬والحلية (‪.)107 /9‬‬
‫[‪ ]172‬مجموع الفتاوى (‪.)2 /4‬‬
‫[‪ ]173‬السنة لللكائي (‪.)156 /1‬‬
‫[‪ ]174‬إيقاظ همم أولي البصار (ص ‪.)113‬‬
‫[‪ ]175‬من أراد الستزادة من أقوال السلف في هذا الشأن فعليه‬
‫بالكتب التالية‪:‬‬
‫أ‪ -‬أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للحافظ الللكائي‪.‬‬
‫ب‪ -‬المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي‪.‬‬
‫ج‪ -‬المر بالتباع والنهي عن البتداع للسيوطي‪.‬‬
‫د‪ -‬مفتاح الجنة في الحتجاج بالسنة للسيوطي‬
‫[‪ ]176‬الية (‪ )44‬من سورة النحل‪.‬‬
‫[‪ ]177‬الية (‪ )64‬من سورة النحل‪.‬‬
‫[‪ ]178‬أخرجه أبو داود في سننه‪ ،‬كتاب السنة‪ :‬باب في لزوم‬
‫السنة (‪ )10 /5‬ح ‪ 4604‬وأخرجه المام أحمد في المسند (‪.)243 /2‬‬
‫[‪ ]179‬إعلم الموقعين (‪.)55 ،49 /1‬‬
‫[‪ ]180‬الية (‪ )9‬من سورة الحجر‪.‬‬
‫[‪ ]181‬الية (‪ )2‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫[‪ ]182‬تفدم تخريجه ص ‪120‬‬
‫[‪ ]183‬انظر‪ :‬المبحث الول من هذا الفصل‪.‬‬
‫[‪ ]184‬إعلم الموقعين (‪.)308 ،307 /2‬‬
‫[‪ ]185‬الية (‪ )82‬من سورة النعام‪.‬‬
‫[‪ ]186‬الية (‪ )24‬من سورة النساء‪.‬‬
‫[‪ ]187‬أعلم الموقعين (‪.)315 ،314 /2‬‬
‫[‪ ]188‬عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري‪ ،‬صاحب التصانيف‪،‬‬
‫صدوق قليل الرواية‪ ،‬توفي سنة ‪ 276‬هـ‪ .‬لسان الميزان (‪-357 /3‬‬
‫‪.)359‬‬
‫[‪ ]189‬الزبير بن العوام‪ :‬من أول من أسلم بمكة‪ ،‬كان يسميه‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم "حواريه" لمحبته له‪ ،‬وهو أحد‬
‫العشرة المشهود لهم بالجنة‪ ،‬قتل سنة ‪ 36‬هـ‪ .‬الصابة (‪-526 /1‬‬
‫‪.)528‬‬
‫[‪ ]190‬أبو عبيدة عامر بن عبد الله الجراح‪ ،‬أمين هذه المة‪ ،‬وأحد‬
‫العشرة السابقين إلى السلم‪ ،‬هاجر الهجرتين وشهد بدرا وما‬
‫بعدها‪ ،‬توفي سنة ‪ 18‬هـ‪ .‬الصابة (‪.)245 -243 /2‬‬
‫[‪ ]191‬سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل‪ ،‬أسلم قبل دخول رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم دار الرقم‪ ،‬شهد أحدا والمشاهد بعدها‬
‫وكان من فضلء الصحابة‪ ،‬وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة‬
‫توفي بالمدينة سنة خمسين وقيل بعد ذلك‪ .‬الصابة (‪.)44 /2‬‬
‫[‪ ]192‬كتاب تأويل مختلف الحديث‪ ،‬لبن قتيبة الدينورى (ص ‪.)30‬‬
‫[‪ ]193‬قبيصة بن ذؤيب بن حلحلة الخزاعي‪ ،‬تابعي ثقة‪ ،‬ولد عام‬
‫الفتح‪ ،‬وكان من فقهاء أهل المدينة وصالحيهم‪ ،‬مات سنة ‪ 86‬هـ‬
‫وقيل غير ذلك‪ .‬تهذيب التهذيب (‪.)347 ،346 /8‬‬
‫[‪ ]194‬هو أن تزلق الجنين قبل وقت الولدة‪ .‬النهاية (‪.)356 /4‬‬
‫[‪ ]195‬المغيرة بن شعبة بن أبي عامر الثقفي‪ ،‬صحابي جليل‪،‬‬
‫أسلم قبل عمرة الحديبية‪ ،‬وشهدها وبيعة الرضوان‪ ،‬وكان من‬
‫دهاة العرب‪ .‬مات سنة خمسين عند الكثر‪ .‬الصابة (‪.)434 ،433 /3‬‬
‫[‪ ]196‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب القسامة‪ ،‬باب دية الجنين‬
‫(‪.)112 ،111 /5‬‬
‫[‪ ]197‬أخرجه المام مالك في الموطأ (‪.)964 /2‬‬
‫[‪ ]198‬أخرجه أحمد في مسنده (‪ ،)2 /1‬وأخرجه ابن ماجة في‬
‫سننه‪ ،‬كتاب إقامة الصلة والسنة فيها‪ :‬باب ما جاء في أن الصلة‬
‫كفارة (‪ )446 /1‬ح ‪.1395‬‬
‫[‪ ]199‬عبد الله بن المبارك المروزي‪ ،‬المام الحافظ‪ ،‬شيخ‬
‫السلم‪ ،‬كان ثقة‪ ،‬مأمونا‪ ،‬حجة‪ ،‬كثير الحديث‪ ،‬مات سنة ‪ 181‬هـ‪.‬‬
‫تهذيب التهذيب (‪.)389 -382 /5‬‬
‫[‪ ]200‬السنة ومكانتها في التشريع ال سلمي للدكتور مصطفى‬
‫السباعي (ص ‪.)92‬‬
‫[‪ ]201‬يحي بن سعيد بن فروخ القطان‪ ،‬من حفاظ الحديث‪ ،‬ثقة‬
‫حجة من أقران مالك وشعبة‪ ،‬مات سنة ‪198‬هـ‪ .‬تهذيب التهذيب (‬
‫‪.)22 5 -216 /11‬‬
‫[‪ ]202‬السنة ومكانتها (ص ‪.)93‬‬
‫[‪ ]203‬أعلم الموقعين (‪.)248 /2‬‬
‫[‪ ]204‬البدع والنهي عنها لبن وضاح (ص ‪.)39‬‬
‫[‪ ]205‬جابر بن زيد الزدي أبو الشعثاء البصري‪ ،‬تابعي‪ ،‬ثقة‪ ،‬كان‬
‫من أعلم الناس بكتاب الله‪ ،‬مات سنة ‪ 93‬هـ وقيل بعدها‪ .‬تهذيب‬
‫التهذيب (‪.)38 /2‬‬
‫[‪ ]206‬أخرجه الدارمي في السنن (‪.)59 /1‬‬
‫[‪ ]207‬إعلم الموتعين (‪.)195 /2‬‬
‫[‪ ]208‬أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الجمعة‪ :‬باب‬
‫تخفيف الصلة والخطبة (‪ .)11 /3‬وأخرجه البخاري موقوقا‪ ،‬كتاب‬
‫العتصام بالكتاب والسنة‪ :‬باب القتداء بسنن الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )249 /13‬ح ‪.7277‬‬
‫[‪ ]209‬أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب القضية‪ :‬باب‬
‫نقض الحكام الباطلة ورد محدثات المور (‪ )132 /5‬وفي رواية‪:‬‬
‫"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" وهذه الرواية‬
‫أخرجها البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الصلح‪ :‬باب إذا اصطلحوا‬
‫على صلح جور فالصلح مردود‪ .‬فتح الباري (‪ )301 /5‬ح ‪.2697‬‬
‫[‪ ]210‬البداع في مضار البتداع للشيخ علي محفوظ (ص ‪)99‬‬
‫بتصرف‪.‬‬
‫[‪ ]211‬أخرجه محمد بن وضاح في البدع والنهي عنها (ص ‪.)10‬‬
‫[‪ ]212‬البدع والنهي عنها لبن وضاح (ص ‪.)11‬‬
‫[‪ ]213‬البداع في مضار البتداع (ص ‪.)96‬‬
‫[‪ ]214‬أخرجه الللكائي في السنة (‪ )55 /1‬ح ‪.12‬‬
‫[‪ ]215‬أخرجه ابن وضاح في البدع والنهي عنها (ص ‪.)25‬‬
‫[‪ ]216‬أخرجه ابن وضاح في البدع والنهي عنها (ص ‪.)25‬‬
‫[‪ ]217‬المصدر السابق (ص ‪.)25‬‬
‫[‪ ]218‬أخرجه الللكائي في السنة (‪ )92 /1‬ح ‪.226‬‬
‫[‪ ]219‬الحسن بن يسار البصري‪ ،‬ولد في عهد عمر‪ ،‬كان جامعا‪،‬‬
‫عالما‪ ،‬رفيعا‪ ،‬ثقة‪ ،‬مأمونا‪ ،‬عابدا‪ ،‬ناسكا كبير العلم فصيحا توفي‬
‫سنة ‪ 110‬هـ‪ .‬الطبقات لبن سعد (‪.)156 /7‬‬
‫[‪ ]220‬البدع والنهي عنها لبن وضاح (ص ‪.)27‬‬
‫[‪ ]221‬المصدر السابق (ص ‪.)47‬‬
‫[‪ ]222‬البدع والنهي عنها لبن وضاح (ص ‪.)27‬‬
‫[‪ ]223‬المصدر السابق (ص ‪.)47‬‬
‫[‪ ]224‬مجموع الفتاوى (‪.)472 /11‬‬
‫[‪ ]225‬أبو قلبة‪ :‬عبد الله بن زيد الجرمي أحد العلم قال أيوب‬
‫السختيانى‪" :‬كان والله من الفقهاء ذوي اللباب"‪ ،‬توفي سنة ‪104‬‬
‫هـ وقيل غير ذلك‪ .‬تهذيب التهذيب (‪.)226 ،224 /5‬‬
‫[‪ ]226‬البدع والنهي عنها (ص ‪.)48‬‬
‫[‪ ]227‬إعلم الموقعين (‪.)197 /2‬‬
‫[‪ ]228‬اليتان (‪ )139 ،138‬من سورة العراف‪.‬‬
‫[‪ ]229‬الية (‪ )30‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫[‪ ]230‬الية (‪ )31‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫[‪ ]231‬اليتان (‪ )24 ،23‬من سورة الزخرف‪.‬‬
‫[‪ ]232‬إعلم الموقعين (‪.)191 /2‬‬
‫[‪ ]233‬أخرجه الدارمي في سننه‪ ،‬المقدمة باب ‪.23‬‬
‫[‪ ]234‬إعلم الموقعين (‪.)192 /2‬‬
‫[‪ ]235‬المصدر السابق (‪.)193 /2‬‬
‫[‪ ]236‬المصدر السابق‬
‫[‪ ]237‬إعلم الموقعين (‪.)195 /2‬‬
‫[‪ ]238‬الروح لبن القيم (‪.)769 ،768 /2‬‬
‫[‪ ]239‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب العنصام‪ :‬باب ما يذكر‬
‫من ذم الرأي‪ .‬فتح الباري (‪ )282 /13‬ح ‪.7307‬‬
‫[‪ ]240‬إعلم الموقعين (‪ .)67 /1‬وقد تناول ابن القيم في هذا‬
‫الكتاب القول بالتفصيل عن أنواع الرأي فمن أراد التوسع‬
‫والستفادة فليرجع إليه‪.‬‬
‫[‪ ]241‬سموا بذلك لقولهم في القدر‪ ،‬وهم يزعمون أن العبد هو‬
‫الذي يخلق فعله استقلل‪ ،‬فأثبتوا خالقا مع الله‪ .‬الملل والنحل (‪/1‬‬
‫‪ ،)54‬ومجموع الفتاوى (‪)256 /8‬‬
‫[‪ ]242‬العفارة‪ :‬الخبث والشيطنة‪ .‬النهاية (‪.)262 /3‬‬
‫[‪ ]243‬الية (‪ )10‬من سورة الملك‪.‬‬
‫[‪ ]244‬إعلم الموقعين (‪.)69 -67 /1‬‬
‫[‪ ]245‬المصدر السابق (‪.)54 /1‬‬
‫[‪ ]246‬إعلم الموقعين (‪.)55 /1‬‬
‫[‪ ]247‬المصدر السابق (‪.)55 /1‬‬
‫[‪ ]248‬أخرجه أبو داود في سننه‪ ،‬كتاب الطهارة‪ ،‬باب كيف المسح‬
‫(‪ )115 ،114 /1‬ح ‪ 162‬وأورده ابن القيم في إعلم الموقعين (‪.)58 /1‬‬
‫[‪ ]249‬إعلم الموقعين (‪.)59 ،58 /1‬‬
‫[‪ ]250‬أخرجه الدارمي في السنن‪ ،‬المقدمة‪ ،‬باب تغير الزمان وما‬
‫يحدث فيه (‪ .)65 /1‬وأورده ابن القيم في إعلم الموقعين (‪.)57 /1‬‬
‫[‪ ]251‬إعلم الموقعين (‪.)73 /1‬‬
‫[‪ ]252‬المصدر السابق (‪.)74 /1‬‬
‫[‪ ]253‬المصدر السابق (‪.)74 /1‬‬
‫[‪ ]254‬الية (‪ )115‬من سورة المؤمنون‪.‬‬
‫[‪ ]255‬الية (‪ )36‬من سورة القيامة‪.‬‬
‫[‪ ]256‬كتاب تحذير أهل اليمان عن الحكم بغير ما أنزل الرحمن‪،‬‬
‫تأليف الشيخ إسماعيل بن إبراهيم الخطيب الحسني السعردي‬
‫مطرع ضمن الرسائل المنبرية (‪ )141 ،140 /1‬بتصرف‪.‬‬
‫[‪ ]257‬الية (‪ )63‬من سورة النور‪.‬‬
‫[‪]258‬الية (‪ )14‬من سورة النساء‪.‬‬
‫[‪ ]259‬لية (‪ )36‬من سورة الحزاب‪.‬‬
‫[‪ ]260‬الية (‪ )23‬من سورة الجن‪.‬‬
‫[‪ ]261‬الية (‪ )115‬من سورة النساء‪.‬‬
‫[‪ ]262‬الية (‪ )13‬من سورة النفال‪.‬‬
‫[‪ ]263‬الية (‪ )63‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫[‪ ]264‬الية (‪ )5‬من سورة المجادلة‪.‬‬
‫[‪ ]265‬الية (‪ )20‬من سورة المجادلة‪.‬‬
‫[‪ ]266‬تفسير ابن كثير (‪.)307 /3‬‬
‫[‪ ]267‬اليتان (‪ )61 ،60‬من سورة النساء‪.‬‬
‫[‪ ]268‬اليات (‪ )51 -58‬من سورة النور‪.‬‬
‫[‪ ]269‬الية (‪ )115‬من سورة النساء‪.‬‬
‫[‪ ]270‬الية (‪ )44‬من سورة القلم‪.‬‬
‫[‪ ]271‬الية (‪ )5‬من سورة الصف‪.‬‬
‫[‪ ]272‬الية (‪ )110‬من سورة النعام‪.‬‬
‫[‪ ]273‬تفسير ابن كثير (‪.)555 ،554 /1‬‬
‫[‪ ]274‬الية (‪ )44‬من سورة المائدة‪.‬‬
‫[‪ ]275‬الية (‪ )45‬من سورة المائدة‪.‬‬
‫[‪ ]276‬الية (‪ )47‬من سورة المائدة‪.‬‬
‫[‪ ]277‬الية (‪ )70‬من سورة النعام‪.‬‬
‫[‪ ]278‬الية (‪ )29 ،28‬من سورة إبراهيم‪.‬‬
‫[‪ ]279‬الية (‪ )21‬من سورة الشورى‪.‬‬
‫[‪ ]280‬الية (‪ )60‬من سورة النساء‪.‬‬
‫[‪ ]281‬تيسير العزيز الحميد (ص ‪.)493‬‬
‫[‪ ]282‬الية (‪ )42‬من سورة النفال‪.‬‬
‫[‪ ]283‬اليات (‪ )29 ،28 ،27‬من سورة الفرقان‪.‬‬
‫[‪ ]284‬الية (‪ )153‬مى سورة النعام‪.‬‬
‫[‪ ]285‬طلق بن حبيب العنزي البصري‪ ،‬تابعي ثقة كان أعبد أهل‬
‫زمانه قتله الحجاج مع سعيد بن جبير‪ .‬تهذيب التهذيب (‪.)32 -31 /5‬‬
‫[‪ ]286‬الية (‪ )3‬من سورة النسان‪.‬‬
‫[‪ ]287‬اليتان (‪ )15 ،14‬من سورة القيامة‪.‬‬
‫[‪ ]288‬اليات (‪ )41 ،40 ،39‬من سورة النجم‪.‬‬
‫[‪ ]289‬سلمة بن عمرو بن الكوع‪ ،‬صحابي جليل أول مشاهده‬
‫الحديبية‪ ،‬وكان من الشجعان ويسبق الفرس عدوا‪ ،‬مات بالمدينة‬
‫سنة أربع وسبعين على الصحيح‪ .‬الصابة (‪.)65 /2‬‬
‫[‪ ]290‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الشربة باب آداب الطعام‬
‫والشراب وأحكامهما (‪.)109 /6‬‬
‫[‪ ]291‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب مناقب النصار‪ :‬باب ما‬
‫لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المشركين بمكة‪.‬‬
‫انظر فتح الباري (‪ .)165 /7‬وأخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب‬
‫المساجد‪ ،‬باب سجود التلوة (‪.)88 /2‬‬
‫[‪ ]292‬فتح الباري (‪.)614 /8‬‬
‫[‪ ]293‬أخرجه المام أحمد في مسنده (‪ )92 /50 /2‬وقد جود إسناده‬
‫شيخ السلم ابن تيمية في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم (ص‬
‫‪ ،)39‬وحسنه الحافظ ابن حجر في الفتح (‪.)23 /10‬‬
‫[‪ ]294‬أخرجه ابن ماجة في السنن‪ ،‬كتاب الفتن‪ ،‬باب العقوبات (‪/2‬‬
‫‪ )1333 ،1332‬ح ‪4019‬‬
‫[‪ ]295‬فرطهم‪ :‬أي متقدمهم إليه‪ .‬يقال فرط يفرط‪ ،‬فهو فارط‬
‫وفرط إذا تقدم وسبق القوم ليرتاد لهم الماء‪ ،‬ويهيئ لهم الدلء‬
‫والرشية‪ .‬النهاية (‪.)434 /3‬‬
‫[‪ ]296‬الغر‪ :‬جمع الغر‪ ،‬من الغرة بياض الوجه‪ ،‬يريد بياض‬
‫وجوههم بنور الوضوء يوم القيامة‪ .‬النهاية (‪.)354 /3‬‬
‫[‪ ]297‬الحجل في صفة الخيل هو الذي يرتفع البياض في قوائمه‬
‫إلى موضع القيد‪ ،‬ويجاوز الرساغ ول يجاوز الركبتين‪ .‬النهاية (‪/1‬‬
‫‪.)346‬‬
‫[‪ ]298‬دُهُم‪ :‬أي سود‪ .‬النهاية (‪ ،)146 ،145 /2‬بُهُم‪ :‬جمع بهيم وهو‬
‫الذي ل يخالط لونه لون سواه‪ .‬النهاية (‪.)167 /1‬‬
‫[‪ ]299‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الطهارةك باب استحباب‬
‫إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء (‪.)151 ،150 /1‬‬
‫[‪ ]300‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب العلم‪ :‬باب هلك‬
‫المتنطعون (‪.)59 /8‬‬
‫[‪ ]301‬شرح النووي لمسلم (‪.)220 /16‬‬
‫[‪ ]302‬الية (‪ )20‬من سورة المجادلة‪.‬‬
‫[‪ ]303‬الية (‪ )124‬من سورة طه‪.‬‬

‫‪ -4 .29‬كتاب حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على‬


‫أمته في ضوء الكتاب والسنة [معنى المحبة]‬
‫الباب الثاني‪ :‬وجوب محبته صلى الله عليه وسلم‬
‫الفصل الول‪ :‬المعنى الصحيح لمحبته صلى الله عليه وسلم‬
‫والدلة على وجوبها‬

‫المبحث الول‪ :‬المعنى الصحيح لمحبته صلى الله عليه وسلم‪:‬‬


‫المطلب الول‪ :‬تعريف المحبة‪:‬‬
‫أحببت قبل الشروع في بيان المعنى الصحيح لمحبة النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم أن أتطرق للمعنى اللغوي والصطلحي لكلمة‬
‫المحبة‪ ،‬وذلك بهدف التعريف بهذه الكلمة وبيان مدلولها‪:‬‬
‫أ‪ -‬أصل اشتقاق المحبة‪:‬‬
‫قال صاحب لسان العرب‪" :‬المحبة‪ :‬اسم للحب"[‪ ،]1‬ويرى ابن‬
‫القيم أن مادة كلمة "حب" تدور في اللغة على خمسة أشياء‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬الصفاء والبياض‪ ،‬ومنه قولهم لصفاء بياض السنان‬
‫ونضارتها "حبب السنان"‬
‫الثاني‪ :‬العلو والظهور‪ ،‬ومنه "حبب الماء وحبابه" وهو ما يعلوه‬
‫عند المطر الشديد‪ ،‬وحبب الكأس منه‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬اللزوم والثبات‪ ،‬ومنه‪ ،‬حب البعير وأحب‪ ،‬إذا برك ولم‬
‫يقم‪.‬‬
‫قال الشاعر‪:‬‬
‫ضرب بعير السوء إذ أحبَّا‬ ‫حلت عليه بالفلة ضربا‬
‫الرابع‪ :‬اللب‪ ،‬ومنه‪ :‬حبة القلب‪ ،‬للبه وداخله‪.‬‬
‫ومنه‪ :‬الحبة لواحدة الحبوب‪ ،‬إذ هي أصل الشيء ومادته وقوامه‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬الحفظ والمساك‪ ،‬ومنه حب الماء للوعاء الذي يحفظ‬
‫فيه ويمسكه وفيه معنى الثبوت أيضا‪.‬‬
‫ثم قال رحمه الله‪ :‬ول ريب أن هذه الخمسة من لوازم المحبة‪:‬‬
‫‪ -1‬فإنها صفاء المودة‪ ،‬وهيجان إرادات القلب للمحبوب‪.‬‬
‫‪ -2‬وعلوها وظهورها منه لتعلقها بالمحبوب المراد‪.‬‬
‫‪ -3‬وثبوت إرادة القلب للمحبوب ولزومها لزوما ل تفارقه‪.‬‬
‫‪ -4‬ولعطاء المحب محبوبه لبه وأشرف ما عنده‪ ،‬وهو قلبه‪.‬‬
‫‪ -5‬ولجتماع عزماته وإراداته وهمومه على محبوبه‪.‬‬
‫فاجتمعت فيها المعاني الخمسة[‪.]2‬‬
‫ووضعوا لمعناها حرفين مناسبين للمسمى غاية المناسبة‪:‬‬
‫"الحاء" التي هي من أقصى الحلق‪.‬‬
‫و"الباء" الشفوية التي هي نهايته‪.‬‬
‫فللحاء البتداء‪ ،‬وللباء النتهاء‪ ،‬وهذا شأن المحبة وتعلقها‬
‫بالمحبوب‪ ،‬فإن ابتداءها منه وانتهاءها إليه‪.‬‬
‫ه‪.‬‬
‫حب ْ ُ‬‫ه وأ َ‬‫حب ْ ُ‬
‫وقالوا في فعلها‪َ :‬‬
‫ب" ولم‬ ‫ح ٌّ‬‫م ِ‬
‫ثم اقتصروا على اسم الفاعل من "أحب" فقالوا‪ُ " :‬‬
‫يقولوا "حاب"‪ .‬واقتصروا على اسم المفعول من "حب" فقالوا‪:‬‬
‫حب" إل قليل كما قال الشاعر‪:‬‬ ‫م َ‬‫"محبوب" ولم يقولوا " ُ‬
‫حب المكرم[‪]3‬‬ ‫م َ‬
‫ولقد نزلت فل تظني غيره مني بمنزلة ال ُ‬
‫وأعطوا "الحب" حركة الضم التي هي أشد الحركات وأقواها‪،‬‬
‫مطابقة لشدة حركة مسماه وقوتها‪.‬‬
‫حب" وهو المحبوب‪ :‬حركة الكسر لخفتها عن الضمة‬ ‫وأعطوا "ال ِ‬
‫وخفة المحبوب‪ ،‬وخفة ذكره على قلوبهم وألسنتهم‪...‬‬
‫فتأمل هذا اللطف والمطابقة والمناسبة العجيبة بين اللفاظ‬
‫والمعاني تطلعك على قدر هذه اللغة‪ ،‬وأن لها شأنا ليس لسائر‬
‫اللغات[‪.]4‬‬
‫ب‪ -‬الحد الصطلحي للمحبة‪:‬‬
‫قال ابن حجر[‪" :]5‬وحقيقة المحبة عند أهل المعرفة من‬
‫المعلومات التي ل تحد‪ ،‬وإنما يعرفها من قامت به وجدانا ول‬
‫يمكن التعبير عنها"[‪]6‬‬
‫وقال ابن القيم‪" :‬ل تحد المحبة بحد أوضح منها‪ ،‬فالحدود ل‬
‫تزيدها إل خفاء وجفاء‪ ،‬فحدها وجودها‪ .‬ول توصف المحبة بوصف‬
‫أظهر من المحبة‪ ،‬وإنما يتكلم الناس في أسبابها‪ ،‬وموجباتها‪،‬‬
‫وعلماتها‪ ،‬وشواهدها‪ ،‬وثمراتها‪ ،‬وأحكامها فحدودهم ورسومهم‬
‫دارت على هذه الستة‪ ،‬وتنوعت بهم العبارات وكثرت الشارات‪،‬‬
‫بحسب إدراك الشخص ومقامه وحاله وملكه للعبارة"[‪.]7‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا الذي ذكره ابن القيم وابن حجر هو الذي تطمئن له‬
‫النفس فالمحبة أمر شعوري وجداني يتعرف عليه بواسطة المور‬
‫الستة التي أشار إليها ابن القيم‪ ،‬وذلك لكون هذه المور هي‬
‫العناصر التي يمكن أن يعبر عن المحبة من طريقها‪.‬‬
‫ولذلك فل داعي لذكر تعريفات العلماء لها فحدها وجودها‪،‬‬
‫والحدود ل تزيدها إل خفاء وجفاء كما قال ابن القيم رحمه الله‬
‫تعالى‬
‫المطلب الثاني‪ :‬أقسام المحبة‪:‬‬
‫أ‪ -‬أقسام المحبة من حيث العموم‪:‬‬
‫تنقسم المحبة من حيث العموم إلى قسمين‪:‬‬
‫‪ -2‬خاصة‪.‬‬ ‫‪ -1‬مشتركة‪.‬‬
‫القسم الول‪ :‬المحبة المشتركة‪.‬‬
‫وهي ثلثة أنواع‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬محبة طبيعية كمحبة الجائع للطعام‪ ،‬والظمآن للماء ونحو‬
‫ذلك‪ ،‬وهذه ل تستلزم التعظيم‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬محبة رحمة وإشفاق‪ ،‬كمحبة الوالد لولده الطفل‪ ،‬وهذه‬
‫أيضا ل تستلزم التعظيم‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬محبة أنس وألف‪ ،‬وهي محبة المشتركين في صناعة أو‬
‫علم أو مرافقة أو تجارة أو سفر‪ ،‬لبعضهم بعضا‪ ،‬وكمحبة الخوة‬
‫بعضهم بعضا‪ .‬فهذه النواع الثلثة‪ ،‬التي تصلح للخلق‪ ،‬بعضهم من‬
‫بعض‪ ،‬ووجودها فيهم ل يكون شركا في محبة الله‪ ،‬ولهذا كان‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء والعسل‪ ،‬وكان‬
‫يحب نساءه‪ ،‬وعائشة أحبهن إليه‪ ،‬وكان يحب أصحابه‪ ،‬وأحبهم‬
‫إليه الصديق رضي الله عنه‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬المحبة الخاصة التي ل تصلح إل لله‪.‬‬
‫ومتى أحب العبد بها غيره‪ ،‬كان شركا ل يغفره الله‪ ،‬وهي محبة‬
‫العبودية المستلزمة للذل والخضوع والتعظيم‪ ،‬وكمال الطاعة‪،‬‬
‫وإيثاره على غيره‪.‬‬
‫فهذه المحبة ل يجوز تعلقها بغير الله أصل[‪ ]8‬بل يجب إفراد الله‬
‫بهذه المحبة الخاصة التي هي توحيد اللهية‪ ،‬بل الخلق والمر‬
‫والثواب والعقاب‪ ،‬إنما نشأ عن المحبة ولجلها‪ ،‬فهي الحق الذي‬
‫خلقت به السموات والرض‪ ،‬وهي الحق الذي تضمنه المر‬
‫والنهي وهي سر التأله‪ ،‬وتوحيدها هو شهادة أن ل إله إل الله‪،‬‬
‫وليس كما يزعم المنكرون‪ ،‬أن الله هو الرب الخالق‪ ،‬فإن‬
‫الشضركين كانوا مقرين بأنه ل رب إل الله ول خالق سواه‪ ،‬ولم‬
‫يكونوا مقرين بتوحيد اللهية الذي هو حقيقة ل إله إل الله‪ ،‬فإن‬
‫الله الذي تألهه القلوب حبا وذل وخوفا ورجاء وتعظيما وطاعة‪.‬‬
‫وإله بمعنى مألوه‪ ،‬أي‪ :‬محبوب معبود‪ ،‬وأصله من التأله وهو‬
‫التعبد الذي هو آخر مراتب المحبة‪ ،‬فالمحبة حقيقة العبودية[‪]9‬‬
‫وسيأتي مزيد تفصيل لهذا القسم‪.‬‬
‫ب‪ -‬أقسام المحبة باعتبار متعلقها ومحبوبها‪:‬‬
‫تنقسم المحبة باعتبار متعلقها ومحبوبها إلى قسمين‪:‬‬
‫‪ -2‬مذمومة ضارة‪.‬‬ ‫‪ -1‬نافعة محمودة‪.‬‬
‫القسم الول‪ :‬المحبة النافعة‬
‫وهي التي تجلب لصاحبها ما ينفعه وهو السعادة وهي ثلثة أنواع‪:‬‬
‫أ‪ -‬محبة الله‪.‬‬
‫ب‪ -‬محبة في الله‪.‬‬
‫ج‪ -‬محبة ما يعين على طاعة الله واجتناب معصيته‪.‬‬
‫فيحب الله تعالى حبا ل يشاركه فيه أحد‪ ،‬ويكون الله عز وجل هو‬
‫المحبوب المراد الذي ل يحب لذاته ول يراد لذاته إل هو‪ ،‬وهو‬
‫المحبوب العلى الذي ل صلح للعبد ول فلح ول نعيم ول سرور‬
‫إل بأن يكون هو محبوبه ومراده وغاية مطلوبه‪ .‬وتكون هذه‬
‫المحبة مستلزمة لما يتبعها من عبادته تعالى وخضوعه له‪،‬‬
‫وتعظيمه عز وجل‪.‬‬
‫والمحبة في الله‪ :‬بأن يحب المؤمنين ل يحبهم إل لله ويكون هواه‬
‫تبعا لحب الله تعالى ورضاه‪ ،‬فل يحب إل ما يحب الله تعالى‪.‬‬
‫ومحبة ما يعين على طاعة الله أنواع كثيرة تندرج فيها جميع‬
‫العبادات‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬المحبة الضارة‬
‫وهي المحبة المذمومة التي تجلب لصاحبها ما يضره وهو الشقاء‪.‬‬
‫وهي ثلثة أنواع أيضا‪:‬‬
‫‪ -1‬المحبة مع الله‪.‬‬
‫‪ -2‬محبة ما يبغضه الله‪.‬‬
‫‪ -3‬محبة ما تقطع محبته عن محبة الله تعالى أو تنقصها‪.‬‬
‫فمن النوع الول‪ :‬محبة المشركين آلهتهم كحب الله‪.‬‬
‫ومن النوع الثاني‪ :‬محبة الفواحش والمنكرات التي يبغضها الله‪.‬‬
‫ومن النوع الثالث‪ :‬عشق النساء الذي يزيد عن حده حتى يضيع‬
‫الوامر ويدخل في النواهي‪ ،‬وفي مقدمة ذلك عشق الفاسقات‬
‫والعاهرات والولدان‪ .‬فهذه ستة أنواع عليها مدار محاب الخلق‪.‬‬
‫فأصل المحاب المحمودة محبة الله تعالى بل وأصل اليمان‬
‫والتوحيد والنوعان الخران تبع لها‪.‬‬
‫كما أن المحبة مع الله أصل الشرك والمحاب المذمومة‪،‬‬
‫والنوعان الخران تبع لها[‪.]10‬‬
‫فأصل الشرك الذي ل يغفره الله هو الشرك في هذه المحبة‪،‬‬
‫فإن المشركين لم يزعموا أن آلهتهم وأوثانهم شاركت الرب‬
‫سبحانه في خلق السموات والرض وإنما كان شركهم بها من‬
‫جهة محبتها مع الله فوالوا عليها وعادوا عليها وتألهوها وقالوا‪:‬‬
‫س‬ ‫م َ َ‬
‫ن الن ّ َا ِ‬ ‫هذه آلهة صغار تقربنا إلى الله العظم‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬وَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شدُّ‬‫منُوا أ َ‬‫نآ َ‬ ‫ب الل ّهِ وَال ّذِي َ‬
‫ح ِّ‬ ‫ن الل ّهِ أَنْدَادا ً ي ُ ِ‬
‫حبُّونَهُ ْ‬
‫م كَ ُ‬ ‫ن دُو ِ‬ ‫ن يَت َّ ِ‬
‫خذ ُ ِ‬
‫م ْ‬ ‫م‬
‫َ ْ ً َّ‬
‫حبّا لِله}[‪.]11‬‬ ‫ُ‬
‫ففرق بين محبة الله أصل‪ ،‬والمحبة له تبعا‪ ،‬والمحبة معه شركا‪،‬‬
‫وعليك بتحقيق هذا الموضع فإنه مفرق الطرق بين أهل التوحيد‬
‫وأهل الشرك[‪.]12‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬حقيقة المحبة الشرعية‪:‬‬


‫المقصود بالمحبة الشرعية‪ :‬محبة الله سبحانه وتعالى ومحبة‬
‫رسوله صلى الله عليه وسلم وكل ما يدخل في فلكها ويدور مع‬
‫محورها‪.‬‬
‫فهذه المحبة من أعظم واجبات اليمان وأكبر أصوله‪ ،‬بل ومن‬
‫أوجب العبادات المناطة بقلب المؤمن‪ ،‬ذلك لنه لبد في إيمان‬
‫القلب من حب الله ورسوله‪ ،‬وأن يكون الله ورسوله صلى الله‬
‫عليه وسلم إليه مما سواهما‪.‬‬
‫فهي أصل كل عمل من أعمال اليمان والدين‪ ،‬كما أن التصديق‬
‫به أصل كل قول من أقوال اليمان والدين‪ ،‬فإن كل حركة في‬
‫الوجود إنما تصدر عن محبة‪ :‬إما محبة محمودة‪ ،‬أو عن محبة‬
‫مذمومة‪.‬‬
‫فجميع العمال اليمانية الدينية ل تصدر إل عن المحبة المحمودة‪،‬‬
‫وأصل المحبة المحمودة هي محبة الله سبحانه وتعالى‪ ،‬إذ العمل‬
‫الصادر عن محبة مذمومة ل يكون عمل صالحا عند الله‪ ،‬بل جميع‬
‫العمال اليمانية الدينية ل تصدر إل عن محبة الله‪ ،‬فإن الله‬
‫تعالى ل يقبل من العمل إل ما أريد به وجهه‪ .‬كما ثبت في‬
‫الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه أنه‬
‫قال‪" :‬أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عمل أشرك فيه‬
‫معي غيري تركته وشركه"[‪.]13‬‬
‫فإخلص الدين لله هو الدين الذي ل يقبل الله سواه وهو الذي‬
‫بعث به الولين والخرين من الرسل‪ ،‬وأنزل به جميع الكتب‬
‫واتفق عليه أهل اليمان‪،‬‬
‫وهذا هو خلصة الدعوة النبوية وهو قطب القرآن الذي تدور عليه‬
‫رحاه[‪ .]14‬فأصل الدين وقاعدته يتضمن أن يكون الله هو المعبود‬
‫الذي تحبه القلوب وتخشاه ول يكون لها إله سواه‪ ،‬والله ما تألهه‬
‫القلوب بالمحبة والتعظيم والرجاء والخوف والجلل والعظام‬
‫ونحو ذلك‪.‬‬
‫والله سبحانه أرسل الرسل بأنه ل إله إل هو فتخلو القلوب عن‬
‫محبة ما سواه بمحبته‪ ،‬وعن رجاء ما سواه برجائه‪ ،‬وعن سؤال‬
‫ما سواه بسؤاله‪ ،‬وعن العمل لما سواه بالعمل له‪ ،‬وعن‬
‫الستعانة بما سواه بالستعانة به[‪.]15‬‬
‫فإذا كان أصل العمل الديني هو إخلص الدين لله‪ ،‬وهو إرادة الله‬
‫وحده فالشيء المراد لنفسه هو المحبوب لذاته‪ ،‬وهذا كمال‬
‫المحبة‪ ،‬ولكن أكثر ما جاء المطلوب باسم العبادة كقوله تعالى‪:‬‬
‫ن}[‪ ،]16‬وقوله‪{ :‬يَا أَيُّهَا‬ ‫َ‬
‫س إِل ّ لِيَعْبُدُو َ ِ‬ ‫ن وَا َْلِن ْ َ‬ ‫ج َّ‬ ‫ت ال ْ ِ‬ ‫خلَقْ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫{وَ َ‬
‫م}[‪ ،]17‬وأمثال‬ ‫ن قَبْلِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م وَال ّذِي َ‬ ‫خلَقَك ُ ْ‬ ‫م ال ّذِي َ‬ ‫س اع ْبُدُوا َربَّك ُ ُ‬ ‫النَّا ُ‬
‫هذا والعبادة تتضمن كمال الحب ونهايته‪ ،‬وكمال الذل ونهايته‪،‬‬
‫فالمحبوب الذي ل يعظم ول يذل له ل يكون معبودا‪ ،‬والمعظم‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫س َ‬ ‫م َ َ‬
‫ن الن ّا َ ِ‬ ‫{و ِ‬
‫تعالى‪َ َ :‬‬ ‫َ‬
‫الذي ل يحب ل يكون معبودا‪ ،‬ولهذا قال‬
‫َ‬
‫حبّاً‬‫شد ُّ ُ‬ ‫منُوا أ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ب الل ّهِ وَال ّذِي َ‬ ‫ح ِّ‬ ‫م كَ ُ‬ ‫حبُّونَهُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ أَنْدَادا ً ي ُ ِ‬ ‫ن دُو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫خذ ُ ِ‬ ‫يَت َّ ِ‬
‫َ‬
‫لِل ّهِ}[‪]18‬‬
‫فبين سبحانه أن المشركين بربهم الذين يتخذون من دون الله‬
‫أندادا‪ ،‬وإن كانوا يحبونهم كما يحبون الله‪ ،‬فالذين آمنوا أشد حبا‬
‫لله منهم لله ولوثانهم لن المؤمنين أعلم بالله‪ ،‬والحب يتبع‬
‫العلم‪ ،‬ولن المؤمنين جعلوا جميع حبهم لله وحده‪ ،‬وأولئك جعلوا‬
‫بعض حبهم لغيره وأشركوا بينه وبين النداد في الحب‪ ،‬ومعلوم‬
‫َّ‬
‫شَركَاءُ‬ ‫جل ً فِيهِ ُ‬ ‫مثَل ً َر ُ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ب الل‬ ‫ضَر َ‬ ‫أن ذلك أكمل قال تعالى‪َ { :‬‬
‫َ‬
‫مد ُ لِل ّهِ ب َ ْ‬
‫ل‬ ‫ح ْ‬ ‫مثَل ً ال ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ستَوِيَا ِ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫ج ٍ‬ ‫سلَما ً لَِر ُ‬ ‫جل ً َ‬ ‫ن وََر ُ‬ ‫سو َ‬ ‫شاك ِ ُ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫ن}[‪.]19‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل يَعْل َ ُ‬ ‫أكْثَُرهُ ْ‬
‫واسم المحبة فيه إطلق وعموم فإن المؤمن يحب الله ويحب‬
‫رسله وأنبياءه وعباده المؤمنين‪ ،‬وان كان ذلك من محبة الله‪،‬‬
‫وإن كانا المحبة التي لله ل يستحقها غيره‪ .‬ولهذا جاءت محبة الله‬
‫سبحانه وتعالى مقرونة بما يختص به سبحانه من العبادة والنابة‬
‫إليه والتبتل له‪ ،‬ونحو ذلك‪ .‬فكل هذه السماء تتضمن محبة الله‬
‫سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫وكما أن محبته هي أصل الدين‪ ،‬فكذلك كمال الدين يكون بكمالها‬
‫ونقصه بنقصها[‪ ]20‬وكمال هذه المحبة هو بالعبودية والذل‬
‫والخضوع والطاعة للمحبوب سبحانه وتعالى فالحق الذي خلق به‬
‫ولجله الخلق هو عبادة الله وحده التي هي كمال محبته‬
‫والخضوع والذل له‪ ،‬ولوازم عبوديته من المر والنهي والثواب‬
‫والعقاب‪ ،‬ولجل ذلك أرسل الرسل‪ ،‬وأنزل الكتب‪ ،‬وخلق الجنة‬
‫والنار[‪.]21‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫م أيُّك ُ ْ‬ ‫حيَاة َ لِيَبْلُوَك ُ ْ‬ ‫ت وَال ْ َ‬ ‫موْ َ‬ ‫خلَقَ ال ْ َ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬ال ّذِي َ‬
‫ملً}[‪]22‬‬ ‫عَ َ‬
‫َ‬ ‫ما ع َلَى الَْر‬
‫م‬‫م أيُّهُ ْ‬ ‫ة ل َ َها لِنَبْلُوَهُ ْ‬ ‫ض زِين َ ً‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫جعَلْنَا‬‫وقال تعالى‪{ :‬إِنَّا َ‬
‫ت‬ ‫خلَقَ ال َّ‬ ‫ملً}[‪ ،]23‬وقال تعالى‪{ :‬وَهُوَ ال ّذِي َ‬ ‫َ‬
‫ماوَا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫أ ْ‬
‫شه ع َلَى ال ْماءِ لِيبلُوك ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م أيُّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫َْ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ن عَْر ُ ُ‬ ‫ستَّةِ أيَّام ٍ وَكَا َ‬ ‫ض فِي ِ‬ ‫وَاْلْر َ‬
‫ملً}[‪.]24‬‬ ‫َ‬
‫ن عَ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫أ ْ‬
‫فأخبر سبحانه في هذه اليات أن خلق العالم والموت والحياة‬
‫وتزين الرض بما عليها أنه للبتلء والمتحان ليختبر خلقه أيهم‬
‫أحسن عمل‪ ،‬فيكون عمله مواففا لمحاب الرب تعالى‪ ،‬فيوافق‬
‫الغاية التي خلق هو لها وخلق لجلها العالم وهي عبوديته‬
‫المتضمنة لمحبته وطاعته‪ ،‬وهي العمل الحسن وهو مواقع محبته‬
‫ورضاه‪ ،‬وقدر سبحانه مقادير تخالفها بحكمته في تقديرها‪،‬‬
‫وامتحن خلقه يين أمره وقدره ليبلوهم أيهم أحسن عمل‪.‬‬
‫فانقسم الخلق في هذا البتلء فريقين‪:‬‬
‫الفريق الول‪ :‬داروا مع أوامره ومحابه‪ ،‬ووقفوا حيث وقف بهم‬
‫المر‪ ،‬وتحركوا حيث حركهم المر‪ ،‬واستعملوا المر في القدر‪،‬‬
‫وركبوا سفينة المر في بحر القدر‪ ،‬وحكموا المر على القدر‪،‬‬
‫ونازعوا القدر بالقدر امتثال لمره واتباعا لمرضاته فهؤلء هم‬
‫الناجون‪.‬‬
‫والفريق الثاني‪ :‬عارضوا بين المر والقدر‪ ،‬وبين ما يحبه ويرضاه‬
‫وبين ما قدره وقضاه‪ ،‬فهؤلء هم المفرطون[‪.]25‬‬
‫وحقيقة المحبة‪ :‬حركة نفس المحب إلى محبوبه‪ ،‬فالمحبة حركة‬
‫بل سكون[‪ ]26‬فالحب يوجب حركة النفس وشدة طلبها‪ ،‬والنفس‬
‫خلقت متحركة بالطبع كحركة النار‪ ،‬فالحب حركتها الطبيعية‪،‬‬
‫فكل من أجل شيئا من الشياء وجد في حبه لذة وروحا‪ ،‬فإذا خل‬
‫عن الحب مطلقا تعطلت النفس عن حركتها وثقلت وكسلت‬
‫وفارقها خفة النشاط‪ ،‬ولهذا تجد الكسالى أكثر الناس هما وغما‬
‫وحزنا‪ ،‬ليس لهم فرح ول سرور‪ ،‬بخلف أرباب النشاط والجد في‬
‫العمل أي عمل كان‪ ،‬فإن كان النشاط في عمل هم عالمون‬
‫بحسن عواقبه وحلوة غايته كان التذاذهم بحبه ونشاطهم فيه‬
‫أقوى‪.‬‬
‫وإنه ليس للقلب والروح ألذ ول أطيب ول أحلى ول أنعم من‬
‫محبة الله والقبال عليه وعبادته وحده وقرة العين به‪ ،‬والنس‬
‫بقربه‪ ،‬والشوق إلى لقائه ورؤيته‪ ،‬وإن مثقال ذرة من هذه اللذة‬
‫ل يعدل بأمثال الجبال من لذات الدنيا ولذلك كان مثقال ذرة من‬
‫إيمان بالله ورسوله يخلص من الخلود في دار اللم فكيف‬
‫باليمان الذي يمنع من دخولها[‪.]27‬‬
‫ولهذا كان أعظم صلح العبد أن يصرف قوى حبه كلها لله تعالى‬
‫وحده بحيث يحب الله بكل قلبه وروحه وجوارحه فليس لقلب‬
‫العبد صلح ول نعيم إل بأن يكون الله ورسوله أحب إليه مما‬
‫سواهما‪ ،‬وأن تكون محبته لغير الله تابعة لمحبة الله‪ ،‬فل يحب إل‬
‫لله‪.‬‬
‫كما في الحديث الصحيح‪" :‬ثلث من كن فيه‪ ،‬وجد بهن حلوة‬
‫اليمان‪ :‬من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما‪ ،‬ومن كان‬
‫يحب المرء ل يحبه إل لله‪ ،‬ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد‬
‫أن أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار"[‪ ،]28‬فأخبر أن‬
‫العبد ل يجد حلوة اليمان إل بأن يكون الله أحب إليه مما سواه‪،‬‬
‫ومحبة الرسول هي من محبته‪ ،‬ومحبة المرء إن كانت لله فهي‬
‫من محبة الله‪ ،‬وإن كانت لغير الله فهي منقصة لمحبة الله‬
‫مضعفة لها‪ ،‬وتصدق هذه المحبة بأن يكون كراهته لبغض الشياء‬
‫إلى محبوبه ‪ -‬وهو الكفر ‪ -‬بمنزلة كراهته للقائه في النار أو أشد‪.‬‬
‫ول ريب أن هذا من أعظم المحبة‪ ،‬فإن النسان ل يقدم على‬
‫محبة نفسه وحياته شيئا‪ ،‬فإذا قدم محبة اليمان بالله على نفسه‬
‫بحيث لو خير بين الكفر وإلقائه في النار لختار أن يلقى في النار‬
‫ول يكفر كان الله أحب إليه من نفسه فالحديث دل على أن‬
‫حلوة اليمان تتبع كمال محبة العبد لله‪ ،‬وهذه الحلوة ل تحصل‬
‫إل بثلثة أمور‪:‬‬
‫‪ -3‬دفع ضدها‪.‬‬ ‫‪ -2‬تفريعها‪.‬‬ ‫‪ -1‬تكميل هذه المحبة‪.‬‬
‫‪" -1‬فتكميلها"‪ :‬أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما‪ ،‬فإن‬
‫محبة الله ورسوله ل يكتفي فيها بأصل الحب‪ ،‬بل لبد أن يكون‬
‫الله ورسوله أحب إليه مما سواهما‪.‬‬
‫‪ -2‬و"تفريعها"‪ :‬أن يحب المرء ل يحبه إل لله‪.‬‬
‫‪ -3‬و"دفع ضدها" أن يكره ضد اليمان أعظم من كراهته اللقاء‬
‫في النار[‪ ]29‬وهذه المحبة هي فوق ما يجده سائر العشاق‬
‫والمحبين من محبة محبوبهم‪ ،‬بل ل نظير لهذه المحبة كما ل‬
‫مثيل لمن تعلقت به‪.‬‬
‫وهي محبة تقتضي تقديم المحبوب فيها على النفس والمال‬
‫والولد وتقتضي كمال الذل والخضوع والتعظيم والجلل والطاعة‬
‫والنقياد ظاهرا وباطنا وهذا ل نظير له في محبة المخلوق كائنا‬
‫من كان‪.‬‬
‫ولهذا من أشرك بين الله وبين غيره في هذه المحبة الخاصة كان‬
‫ن‬‫م ْ‬‫س َ‬ ‫م َ َ‬
‫ن الن ّا َ ِ‬ ‫{و ِ‬
‫تعالى‪َ :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مشركا شركا ل يغفره الله كما قال الله‬
‫َ‬
‫حبّاً‬
‫شد ُّ ُ‬‫منُوا أ َ‬‫نآ َ‬ ‫ب الل ّهِ وَال ّذِي َ‬ ‫م كَ ُ‬
‫ح ِّ‬ ‫ن الل ّهِ أَنْدَادا ً ي ُ ِ‬
‫حبُّونَهُ ْ‬ ‫ن دُو ِ‬ ‫يَت َّ ِ‬
‫خذ ُ ِ‬
‫م ْ‬ ‫َ‬
‫لِل ّهِ} والصحيح أن معنى الية‪ :‬والذين آمنوا أشد حبا لله من أهل‬
‫النداد لندادهم كما تقدم بيانه أن محبة المؤمنين لربهم ل يماثلها‬
‫محبة مخلوق أصل‪ ،‬كما ل يماثل محبوبهم غيره‪ .‬وكل أذى في‬
‫محبة غيره فهو نعيم في محبته‪ ،‬وكل مكروه في محبة غيره فهو‬
‫قرة عين في محبته[‪.]30‬‬
‫وكثير من الناس يدعي محبة الله تعالى من غير تحقيق لموجباتها‬
‫قال بعض السلف‪ :‬ادعى قوم على عهد رسول الله صلى الله‬
‫ن‬ ‫عليه وسلم أنهم يحبون الله فأنزل الله هذه الية[‪{ ]31‬قُ ْ‬
‫ل إِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م}[‪]32‬‬ ‫م ذُنُوبَك ُ ْ‬ ‫فْر لَك ُ ْ‬ ‫ه وَيَغْ ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حبِبْك ُ ُ‬ ‫ه فَاتَّب ِ ُعونِي ي ُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫حبُّو َ‬ ‫م تُ ِ‬ ‫كُنْت ُ ْ‬
‫وهذا لن الرسول هو الذي يدعو إلى ما يحبه الله‪ ،‬وليس شيء‬
‫يحبه الله إل والرسول يدعو إليه‪ ،‬وليس شيء يدعو إليه الرسول‬
‫إل والله يحبه‪ ،‬فصار محبوب الرب ومدعو الرسول متلزمين بل‬
‫هذا هو هذا في ذاته‪ ،‬وإن تنوعت الصفات‪.‬‬
‫فكل من ادعى أنه يحب الله ولم يتبع الرسول فقد كذب‪،‬‬
‫وليست محبته لله وحده‪ ،‬بل إن كان يحبه فهي محبة شرك‪،‬‬
‫فإنما يتبع ما يهواه كدعوى اليهود والنصارى محبة الله‪ ،‬فإنهم لو‬
‫أخلصوا له المحبة لم يحبوا إل ما أحب فكانوا يتبعون الرسول‪،‬‬
‫فلما أحبوا ما أبغض الله مع دعواهم حبه كانت محبتهم من جنس‬
‫محبة المشركين‪.‬‬
‫وهكذا أهل البدع فمن قال إنه من المريدين لله المحبين له‪ ،‬وهو‬
‫ل يقصد اتباع الرسول والعمل بما أمر به‪ ،‬وترك ما نهى عنه‪،‬‬
‫فمحبته فيها شوب من محبة المشركين واليهود والنصارى‬
‫بحسب ما فيه من البدع‪ ،‬فإن البدع ليست مما دعا إليه الرسول‬
‫ول يحبها الله‪ ،‬فإن الرسول دعا إلى كل ما يحبه الله‪ ،‬فأمر بكل‬
‫معروف ونهى عن كل منكر[‪.]33‬‬
‫فمحبة الله ورسوله وعباده المتقين تقتضي فعل محبوباته وترك‬
‫مكروهاته والناس يتفاضلون في هذا تفاضل عظيما‪ ،‬فمن كان‬
‫أعظم نصيبا من ذلك كان أعظم درجة عند الله‪.‬‬
‫ومن كان أقل نصيبا كان ذلك سببا في نزول درجته ومنزلته‪ ،‬وأما‬
‫من كان غير متبع لسبيل النبي صلى الله عليه وسلم فكيف يكون‬
‫محبا لله سبحانه وتعالى[‪]34‬؟‪ ،‬ومعلوم أنه ل يتم اليمان والمحبة‬
‫لله إل بتصديق الرسول فيما أخبر وطاعته فيما أمر[‪.]35‬‬
‫فلبد لمحب الله من متابعة الرسول والمجاهدة في سبيل الله‬
‫َ‬
‫منُوا‬ ‫نآ َ‬ ‫ن ال ّذِي َ‬ ‫منُو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ما ال ْ ُ‬ ‫بل َ هذا لزم لكل مؤمن قال تعالى‪{ :‬إِن َّ َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ل‬‫سبِي ِ‬ ‫م فِي َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫م وَأن ْ ُف ِ‬ ‫موَالِهِ ْ‬ ‫جاهَدُوا بِأ ْ‬ ‫م يَْرتَابُوا وَ َ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫ه ث ُ َّ‬ ‫سول ِ ِ‬ ‫بِالل ّهِ وََر ُ‬
‫ن}[‪ ]36‬فهذا حب المؤمن لله‪.‬‬ ‫صادِقُو َ‬ ‫م ال َّ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫اللَّهِ أُولَئ ِ َ‬
‫َ‬
‫م‬‫خوَانُك ُ ْ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫م وَأبْنَاؤ ُك ُ ْ‬ ‫ن آبَاؤ ُك ُ ْ‬ ‫ن كَا َ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫وفد قال تعالى‪{ :‬قُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سادَهَا‬ ‫ن كَ َ‬ ‫شوْ َ‬ ‫خ َ‬‫جاَرة ٌ ت َ ْ‬ ‫موهَا وَت ِ َ‬ ‫ل اقْتََرفْت ُ َ ُ‬ ‫موَا ٌ‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫شيَرتُك ُ ْ‬ ‫م وَع َ ِ‬ ‫جك ُ ْ‬‫وَأْزوَا ُ‬
‫َ‬
‫سبِيلِهِ‬ ‫ج َهاد ٍ فِي َ‬ ‫سولِهِ وَ ِ‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬ ‫م ََ‬ ‫م ِ‬ ‫ب إِلَيْك ُ ْ‬ ‫ح َّ‬ ‫ضونَهَا أ َ‬ ‫ن تَْر َ ْ‬ ‫ساك ِ ُ‬‫م َ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن}[‬ ‫سقِي َ‬‫م الْفَا ِ‬ ‫ه ل يَهْدِي الْقَوْ َ‬ ‫مرِهِ وَالل ّ ُ‬ ‫ه بِأ ْ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫حتَّى يَأت ِ َ‬ ‫صوا َ‬ ‫فَتََرب َّ ُ‬
‫‪ ]37‬فأخبر أن من كانت محبوباته أحب إليه من الله ورسوله‬
‫والجهاد في سبيله فهو من أهل الوعيد‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫حبُّهُ ْ‬
‫م‬ ‫ه بِقَوْم ٍ ي ُ ِ‬ ‫ف يَأتِي الل ّ ُ‬ ‫سوْ َ‬ ‫وقال في الذين يحبهم ويحبونه {فَ َ‬
‫َ َ‬
‫ن فِي‬ ‫جاهِدُو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫عَّزةٍ ع َلَى الْكَافِرِي َ‬ ‫ن أَ ِ‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ه َأذِل ّةٍ ع َلَى ال ْ ُ‬ ‫حبُّون َ ُ‬ ‫وَي ُ ِ‬
‫ة لئِمٍ}[‪.]38‬‬ ‫م َ‬ ‫ن لَوْ َ‬ ‫خافُو َ‬ ‫ل الل ّهِ وَل ي َ َ‬ ‫سبِي ِ‬ ‫َ‬
‫فمن تمام محبة الله ورسوله بغض من حاد الله ورسوله‪ ،‬والجهاد‬
‫َ‬
‫خرِ‬‫ن بِالل ّهِ وَالْيَوْم ِ اْل ِ‬ ‫منُو َ‬ ‫وما ً يُؤ ْ ِ‬ ‫جد ُ قَ ْ‬ ‫في سبيله لقوله تعالى‪{ :‬ل ت َ ِ‬
‫يوادُون من حاد َ الل َّه ورسول َه ولَو كَانوا آباءَهُم أَو أَبناءَهُم أوَ‬
‫ْ ْ‬ ‫ْ ْ َْ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ ُ ُ َ ْ ُ‬ ‫ُ َ ّ َ َ ْ َ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫خوانه َ‬
‫ح‬‫م بُِرو ٍ‬ ‫ن وَأي ّدَهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م الِي َ‬ ‫ب فِي قُلوبِهِ ُ‬ ‫ك كَت َ َ‬ ‫م أولئ ِ َ‬ ‫شيَرتَهُ ْ‬ ‫م أوْ ع َ ِ‬ ‫إِ ْ َ َ ُ ْ‬
‫ه}[‪]39‬‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫س َ‬ ‫ن كَفَُروا لَبِئ ْ َ‬ ‫ن ال ّذِي َ‬ ‫م يَتَوَل ّوْ َ‬
‫َ‬ ‫منْهُ ْ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬تََرى كَثِيرا ً ِ‬
‫قَد َمت لَهم أَنفُسه َ‬
‫م‬
‫ب هُ ْ‬ ‫م وَفِي الْعَذ َا ِ‬ ‫ه ع َلَيْهِ ْ‬ ‫ط َ الل ّ ُ‬ ‫خ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ّ َ ْ ُ ْ ْ ُ ُ ْ‬
‫ما ات َّ َ‬ ‫ُ‬
‫م‬‫خذ ُوهُ ْ‬ ‫ل إِلَيْهِ َ‬ ‫ما أنْزِ َ‬ ‫ي َو َ‬ ‫ن بِالل ّهِ وَالنَّب ِ ِ ّ‬ ‫منُو َ‬ ‫و كَانُوا يُؤ ْ ِ‬ ‫ن‪ ،‬وَل َ ْ‬ ‫خالِدُو َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ن}[‪ ،]40‬وقال تعالى‪{ :‬قَد ْ كَان َ ْ‬ ‫سقُو َ‬ ‫م فَا ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫منْه‬‫ن كَثِيرا ً ِ‬ ‫أَوْلِيَاءَ وَلَك ِ َّ‬
‫َ‬ ‫لَك ُ ُ‬
‫م إِنَّا بَُرآءُ‬ ‫مهِ ْ‬ ‫ه إِذ ْ قَالُوا لِق ْ‬
‫َو ِ‬ ‫م َع ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م وََال ّذِي َ‬ ‫ة فِي إِبَْراهِي َ‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫ح َ‬‫سوَة ٌ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫م وَبَدَا بَيْنَنَا َوبَيْنَك ُ‬ ‫ُ‬
‫رنَا بِك ْ‬ ‫َ‬
‫ن اللهِ كفَ‬ ‫ّ‬ ‫ن دُو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ما تَعْبُدُو َ‬ ‫َ‬ ‫م ّ‬
‫م َو ِ‬ ‫ُ‬
‫منْك ْ‬ ‫ِ‬
‫ْ َّ‬ ‫َ‬
‫حدَهُ}[‪.]41‬‬ ‫منُوا بِاللهِ وَ ْ‬ ‫حتَّى تُؤ ْ ِ‬ ‫ضاءُ أبَدا ً َ‬ ‫الْعَدَاوَة ُ وَالْبَغْ َ‬
‫فأمر المؤمنين أن يتأسوا بإبراهيم ومن معه حيث أبدوا العداوة‬
‫والبغضاء لمن أشرك حتى يؤمنوا بالله وحده[‪.]42‬‬
‫وثبات المحبة إنما يكون بمتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫في أعماله وأقواله وأخلقه‪ ،‬فبحسب هذا التباع يكون منشأ هذه‬
‫المحبة وثباتها وقوتها‪ ،‬وبحسب نقصانه يكون نقصانها‪.‬‬
‫وهذا التباع يوجب المحبة والمحبوبية معا‪ ،‬ول يتم المر إل بهما‬
‫فليس الشأن في أن تحب الله‪ ،‬بل الشأن في أن يحبك الله‪ ،‬ول‬
‫يحبك الله إل إذا اتبعت حبيبه ظاهرا وباطنا‪ ،‬وصدقته خبرا‪،‬‬
‫وأطعته أمرا‪ ،‬وأجبته دعوة‪ ،‬وآثرته طوعا وفنيت عن حكم غيره‬
‫بحكمه‪ ،‬وعن محبة غيره من الخلق بمحبته‪ ،‬وعن طاعة غيره‬
‫بطاعته‪ ،‬وإن لم يكن ذلك فل تتعن‪ ،‬وارجع من حيث شئت‬
‫فالتمس نورا فلست على شيء[‪.]43‬‬
‫ومحبة الله ورسوله على درجتين‪:‬‬
‫واجبة‪ ،‬وهي درجة المقتصدين‪ .‬ومستحبة‪ ،‬وهي درجة السابقين‪.‬‬
‫فالولى‪ :‬تقتضي أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما‪،‬‬
‫ن‬
‫منُو َ‬ ‫جد ُ قَوْما ً يُؤ ْ ِ‬ ‫بحيث ل يحب شيئا يبغضه‪ ،‬كما قال َتعالى‪{ :‬ل ت َ ِ‬ ‫َ‬
‫ه} وذلك يقتضي‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫حاد َّ الل ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫خرِ يُوَادُّو َ‬ ‫بِالل ّهِ وَالْيَوْم ِ ال ِ‬
‫محبة جميع ما أوجبه الله تعالى‪ ،‬وبغض ما حرمه الله تعالى‪،‬‬
‫وذلك واجب‪ ،‬فإن إرادة الواجبات إرادة تامة تقتضي وجود ما‬
‫أوجبه الله‪ ،‬كما تقتضي عدم الشياء التي نهى الله عنها وذلك‬
‫مستلزم لبغضها التام‪.‬‬
‫فيجب على كل مؤمن أن يحب ما أحبه الله‪ ،‬ويبغض ما أبغضه‬
‫حب َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫الله قال تعالى‪{ :‬ذَل َ َ‬
‫ط‬ ‫ه فَأ ْ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما أنَْز‬ ‫م كَرِهُوا َ‬ ‫ك بِأنَّهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫منْهُ ْ‬ ‫سوَرةٌ فَ ِ‬ ‫ت ُ‬ ‫ما أنْزِل َ ْ‬ ‫م}[‪ .]44‬وقال تعالى‪{ :‬وَإِذ َا َ َ‬ ‫مالَهُ ْ‬ ‫أع ْ َ‬
‫مانا ً وَهُ ْ‬
‫م‬ ‫م إِي َ‬‫منُوا فََزادَتْهُ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ما ال ّذِي َ‬ ‫مانا ً فَأ َ َّ‬‫ه هَ َذِهِ إِي َ‬
‫م َزادَت ْ ُ‬
‫يقُو ُ َ‬
‫ل أيُّك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جسا إِلى‬ ‫م رِ ْ‬ ‫ض فََزادَتْهُ ْ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ن فِي قُلوب ِ َهِ ْ‬ ‫ما الذِي َ‬ ‫ن‪ ،‬وَأ ّ‬ ‫شُرو َ‬ ‫ستَب ْ ِ‬‫يَ ْ‬
‫ما‬‫ن بِ َ‬‫حو َ‬ ‫ب يَفَْر ُ‬ ‫م الْكِتَا َ‬ ‫ن آتَيْنَاهُ ُ‬ ‫م}[‪ ،]45‬وقال تعالى‪{ :‬وَال ّذِي َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫رِ ْ‬
‫ضه}[‪.]46‬‬ ‫ن يُنْكُِر بَعْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب َ‬ ‫حَزا ِ‬
‫َ‬
‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬
‫ك َو ِ‬ ‫َ‬
‫ل إِلي ْ َ‬ ‫أُنْزِ َ‬
‫وأما محبة السابقين بأن يحب ما أحبه الله من النوافل والفضائل‬
‫محبة تامة‪ ،‬وهذه حال المقربين الذين قربهم الله إليه‪ .‬فإذا كانت‬
‫محبة الله ورسوله الواجبة تقتضي بغض ما أبغضه الله ورسوله‪،‬‬
‫كما في سائر أنواع المحبة‪ ،‬فإنها توجب بغض الضد ‪.]47["...‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬المعنى الصحيح لمحبة النبي صلى الله عليه‬


‫وسلم وانقسام الناس فيها‪:‬‬
‫اعلم أن الله سبحانه وتعالى قد أوجب لنبينا صلى الله عليه‬
‫وسلم على القلب واللسان والجوارح حقوقا زائدة على مجرد‬
‫التصديق بنبوته‪ ،‬كما أوجب سبحانه على خلقه من العبادات على‬
‫القلب واللسان والجوارح أمورا زائدة على مجرد التصديق به‬
‫سبحانه‪ .‬وحرم سبحانه لحرمة رسوله ‪ -‬مما يباح أن يفعل مع‬
‫غيره ‪ -‬أمورا زائدة على مجرد التكذيب بنبوته‪.‬‬
‫فمن تلك الحقوق حقه صلى الله عليه وسلم بأن يكون أحب إلى‬
‫المؤمن من نفسه وولده وجميع الخلق كما دلت على ذلك الدلة‬
‫من القرآن والسنة[‪ ]48‬والتي سيأتي ذكرها‪.‬‬
‫"فحب النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم واجبات الدين"[‬
‫‪.]49‬‬
‫فهذه المحبة الواجبة له صلى الله عليه وسلم هي من محبة الله‪،‬‬
‫فهي حب لله وفي الله‪ ،‬ذلك لن محبة الله توجب محبة ما يحبه‬
‫الله‪ ،‬والله يحب نبيه وخليله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فوجب بذلك‬
‫محبته حقا‪ ،‬فهي متفرعة عن محبة الله وتابعة لها واقتران ذكرها‬
‫مع محبة الله في القرآن والسنة إنما هو للتنبيه على أهميتها‬
‫وعظم منزلتها‪.‬‬
‫وبمقتضى هذه المحبة يجب موافقة الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم في حب ما يحبه وكره ما يكرهه‪ ،‬أي بتحقيق المتابعة له‬
‫فيحب بقلبه ما أحب الرسول‪ ،‬ويكره ما كرهه الرسول‪ ،‬ويرضى‬
‫بما يرضى الرسول‪ ،‬ويسخط ما يسخط الرسول‪ ،‬ويعمل‬
‫بجوارحه بمقتضى هذا الحب والبغض‪.‬‬
‫وقد انقسم الناس في فهمهم لهذه المحبة إلى ثلثة أقسام هي‪:‬‬
‫القسم الول‪ :‬أهل الفراط‪.‬‬ ‫•‬
‫القسم الثاني‪ :‬أهل التفريط‪.‬‬ ‫•‬
‫القسم الثالث‪ :‬الذين توسطوا بين الفراط والتفريط‪.‬‬ ‫•‬
‫أما أصحاب القسم الول‪ :‬فهم الذين بالغوا في محبته بابتداعهم‬
‫أمورا لم يشرعها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ظنا منهم‬
‫أن فعل هذه المور هو علمة المحبة وبرهانها‪.‬‬
‫ومن تلك المور احتفالهم بمولده‪ ،‬ومبالغتهم في مدحه وإيصاله‬
‫إلى أمور ل تنبغي إل لله تعالى ومن ذلك قول قائلهم‪:‬‬
‫سواك عند حلول الحادث‬ ‫يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به‬
‫العمم‬
‫فضل وإل فقل يا زلة‬ ‫إن لم تكن في معادي آخذا بيدي‬
‫القدم[‪]50‬‬
‫وقوله‪:‬‬
‫ومن علومك علم اللوح‬ ‫فإن من جودك الدنيا وضرتها‬
‫والقلم‬
‫فإذا كانت الدنيا والخرة من جود الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬ومن بعض علومه علم اللوح والقلم لن "من" للتبعيض‪،‬‬
‫فماذا للخالق جل وعل؟‬
‫إضافة إلى صرف بعض أنواع العبادة له كالدعاء والتوسل‬
‫والستشفاع والحلف به والطواف والتمسح بالحجرة التي فيها‬
‫قبره صلى الله عليه وسلم إلى غير ذلك من البدعيَّات‬
‫والشركيَّات التي تفعل بدعوى المحبة للرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وهي أمور لم يشرعها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم‬
‫ولم يفعلها الصحابة رضوان الله عليهم الذين عرفوا بإجللهم‬
‫وتقديرهم ومحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وإضافة‬
‫إلى ذلك فإن ما يقوم به هؤلء هي أمور مخالفة لما جاء به‬
‫الشارع‪ ،‬بل هي أمور قد حذر الشارع من فعلها‪ ،‬ولقد صار حظ‬
‫أكثر أصحاب هذا القسم منه صلى الله عليه وسلم مدحه‬
‫بالشعار والقصائد المقترنة بالغلو والطراء الزائد الذي حذر منه‬
‫الشارع الكريم‪ ،‬مع عصيانهم له في كثير من أمره ونهيه‪ ،‬فتجد‬
‫هذا النوع من أعصى الخلق له صلوات الله عليه وسلمه[‪.]51‬‬
‫فيا ترى أي محبة هذه التي يخالف أصحابها شرع نبيهم‪ ،‬فيحلوا‬
‫ما حرم الله ويحرموا ما أحل الله‪ ،‬فكرهوا ما أحب الله ورسوله‪،‬‬
‫وأحبوا ما كرهه الله ورسوله‪ .‬فكيف تكون لهؤلء محبة وهم قد‬
‫ابتدعوا ما ابتدعوه من أمور لم تشرع في الدين‪ ،‬ونعلم أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تبرأ ممن ابتدع في هذا‬
‫الدين فقال‪" :‬من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"‪.‬‬
‫والذي يجب على أمثال هؤلء أن يعلموا أن محبة الرسول‬
‫وتعظيمه إنما تكون بتصديقه فيما أخبر به عن الله‪ ،‬وطاعته فيما‬
‫أمر به‪ ،‬ومتابعته‪ ،‬ومحبته وموالته‪ ،‬ل بالتكذيب بما أرسل به‪،‬‬
‫والشراك به والغلو فيه‪ ،‬فهذا ل يعدو كونه كفرا به‪ ،‬وطعنا فيما‬
‫جاء به ومعاداة له[‪.]52‬‬

‫كما يجب عليهم أن يفرقوا بين الحقوق التي يختص بها الله وحده‬
‫ويبين الحقوق التي له ولرسله‪ ،‬والحقوق التي يختص بها‬
‫ه‬
‫الرسول‪ ،‬فقد ميز سبحانه بين ذلك في مثل قوله {وَتُعَّزُِرو ُ‬
‫َ‬
‫صيلً}[‪ ،]53‬فالتعزير والتوقير للرسول‬ ‫حوه ُ بُكَْرة ً وَأ ِ‬ ‫سب ِّ ُ‬‫وَتُوَقُِّروه ُ وَت ُ َ‬
‫َ‬
‫سول َ ُ‬
‫ه‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن يُطِِع الل ّ َ‬
‫م ْ‬
‫{و َ‬
‫وأصيل لله‪ ،‬وكما قال‪َ :‬‬ ‫والتسبيح بكرة‬
‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن}‪ ،‬فالطاعة لله ولرسوله‪،‬‬ ‫م الفَائُِزو َ‬‫ك هُ ُ‬‫ه فَأولئ ِ َ‬‫ه وَيَت ّقْ ِ‬ ‫ش الل ّ َ‬
‫خ َ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫ن اع ْبُدُوا‬ ‫َ‬
‫والخشية والتقوى لله وحده وكما يقول المرسلون‪{ :‬أ ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ن}[‪.]54‬‬ ‫ه وَاتَّقُوهُ وَأطِيعُو ِ‬ ‫الل ّ َ‬
‫فعلى هؤلء أن يعلموا أن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫تنال بدعائه والستغاثة به‪ ،‬فتلك أمور صرفها لغير الله يعد شركا‬
‫مع الله فالله وحده هو الذي يدعى ويستغاث به فهو رب‬
‫العالمين‪ ،‬وخالق كل شيء‪ ،‬وهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه‪،‬‬
‫وهو القريب الذي يجيب الداع إذا دعاه وهو سميع الدعاء سبحانه‬
‫وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا‪ .‬وسيأتي بإذن الله مزيد‬
‫تفصيل لما وقع فيه أصحاب هذا القسم من الغلو في حقه‪ ،‬وذلك‬
‫في الباب الرابع الذي عقدته للكلم عن الغلو في حقه صلى الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫أما أصحاب القسم الثاني فهم أهل التفريط الذين قصروا في‬
‫تحقيق هذا المقام فلم يراعوا حقه صلى الله عليه وسلم في‬
‫وجوب تقديم محبته على محبة النفس والهل والمال‪ .‬كما لم‬
‫يراعوا ماله من حقوق أخرى كتعزيره وتوقيره وإجلله وطاعته‬
‫واتباع سنته والصلة والسلم عليه إلى غير ذلك من الحقوق‬
‫العظيمة الواجبة له‪ .‬والسبب في ذلك يعود إلى إحدى المور‬
‫التالية أو إليها جميعا وهي‪:‬‬
‫أول‪ :‬إعراض هؤلء عن سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم وعن‬
‫اتباع شرعه بسبب ما هم عليه من المعاصي‪ ،‬وإسرافهم في‬
‫تقديم شهوات أنفسهم وأهوائهم على ما جاء في الشرع من‬
‫الوامر والنواهي‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬اعتقاد الكثير أن مجرد التصديق يكفي في تحقيق اليمان‪،‬‬
‫وأن هذا هو القدر الواجب عليهم‪ ،‬ولذا تراهم يكتفون بالتصديق‬
‫بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬دون تحقيق المتابعة له‪ ،‬وهذا‬
‫هو حال أهل الرجاء الذين يؤخرون العمل عن مسمى اليمان‬
‫ويقولون إن اليمان هو التصديق بالقلب فقط‪ ،‬أو تصديق القلب‬
‫وإقرار اللسان وما أكثرهم في زماننا هذا‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬جهل الكثير منهم بأمور دينهم بما فيها الحقوق الواجبة له‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬والتي من ضمنها محبته صلى الله عليه‬
‫وسلم فكثير من الناس ‪ -‬ول حول ول قوة إل بالله ‪ -‬ليس لهم‬
‫من السلم إل اسمه وليس لهم من الدين إل رسمه‪.‬‬
‫فالواجب على هؤلء أن يعودوا إلى رشدهم وأن يقلعوا عن‬
‫غيهم‪ ،‬وما هم عليه من المعاصي والذنوب التي هي سبب نقصان‬
‫إيمانهم وضعف محبتهم وبعدهم عما يقربهم إلى الله تعالى‪.‬‬
‫كما يجب عليهم أن يعلموا أن مجرد التصديق ل يسمى إيمانا بل‬
‫اليمان قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالركان يزيد بطاعة‬
‫الرحمن وينقص بطاعة الشيطان‪ ،‬فليس لحد أن يخرج العمل‬
‫عن مسمى اليمان فلذلك يجب على كل من يؤمن بالله ورسوله‬
‫أن يطيع الله ورسوله ويتبع ما أنزل الله من الشرع على رسوله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فبذلك يحصل اليمان‪ ،‬فإن التباع هو‬
‫ميزان اليمان فبحسب اتباع المرء يكون إيمانه‪ ،‬فمتى ما قوي‬
‫اتباعه قوي إيمانه والعكس بالعكس‪.‬‬
‫كما يجب عليهم معرفة أمور دينهم وبخاصة الواجب منها والتي‬
‫من ضمنها معرفة ما للمصطفى صلى الله عليه وسلم من‬
‫الحقوق الواجبة فلقد ذم الله تبارك وتعالى أولئك النفر الذين لم‬
‫يعرفوا ما للنبي صلى الله عليه وسلم من حق في عدم رفع‬
‫الصوت عند مخاطبته أو مناداته ووصفهم الله بأنهم ل يعقلون‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫مل‬ ‫ت أكْثَُرهُ ْ‬ ‫جَرا ِ‬ ‫ح ُ‬‫ن وََراءِ ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬‫ن يُنَادُون َ َ‬‫ن ال ّذِي َ‬‫قال تعالى‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫ن}[‪ ،]55‬وفي السورة نفسها أثنى على الذين عرفوا حق‬ ‫يَعْقِلُو َ‬
‫َ َ‬
‫ن‬
‫ضو َ‬‫ن يَغُ ُّ‬ ‫ن ال ّذِي َ‬ ‫المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال تعالى‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َّ ُ َ َ َ‬
‫م لِلتَّقْوَى‬ ‫َ‬
‫ه قُلُوبَهُ ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬‫ح َ‬ ‫مت َ َ‬‫نا ْ‬ ‫ك ال ّذِي َ‬ ‫ل اللهِ أولئ ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫عنْد َ َر ُ‬
‫م ِ‬ ‫صوَاتَهُ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫م}[‪ ،]56‬والله سبحانه وتعالى يقول في‬ ‫جٌر عَظِي‬ ‫َ‬ ‫لَه‬
‫ٌ‬ ‫مغْفَِرة ٌ وَأ ْ‬‫َ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن}[‬ ‫مو َ‬ ‫ن ل يَعْل َ ُ‬ ‫ن وَال ّذِي َ‬ ‫مو َ‬ ‫ن يَعْل َ ُ‬
‫ستَوِي ال ّذِي َ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫كتابه العزيز {قُ ْ‬
‫‪ .]57‬وليعلم هؤلء أنه ل يتحقق لهم إيمان ول محبة إل باتباعهم‬
‫للمصطفى صلى الله عليه وسلم واقتدائهم بسنته والسير على‬
‫نهجه وهداه‪.‬‬
‫أما القسم الثالث‪ :‬فهم الذين توسطوا بين الطرفين السابقين‬
‫أهل الفراط وأهل التفريط‪ .‬فأصحاب هذا القسم هم السلف من‬
‫الصحابة والتابعين ومن سار على نهجهم الذين آمنوا بوجوب هذه‬
‫المحبة حكما وقاموا بمقتضاها اعتقادا وقول وعمل‪ .‬فأحبوا النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم فوق محبة النفس والولد والهل وجميع‬
‫الخلق امتثال لمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم‬
‫ي أوْلَى‬ ‫َ‬ ‫فجعلوه أولى بهم من أنفسهم تصديقا لقوله تعالى {النَّب ِ ُّ‬
‫م}[‪ ،]58‬وأيقنوا بوجوب أن يوقى بالنفس‬ ‫بال ْمؤ ْمنِين م َ‬
‫سهِ ْ‬ ‫ن أنْفُ ِ‬ ‫ِ ُ ِ َ ِ ْ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ما كَا َ‬
‫حوْلهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مدِينَةِ وَ َ‬ ‫ل ال َ‬ ‫ن َلهْ ِ‬ ‫لقوله تعالى { َ‬ ‫َ‬
‫والموال طاعة‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م عَ ْ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ل الل ّهِ وَل يَْرغَبُوا بِأنْفُ ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫خل ّفُوا ع َ ْ‬ ‫ن يَت َ َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫ن العَْرا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫سهِ}[‪ .]59‬وقاموا بمقتضى هذه المحبة اعتقادا وقول وعمل‬ ‫ن َ ْف ِ‬
‫بحسب ما أو جب الله لنبيه صلى الله عليه وسلم من حقوق‬
‫على القلب واللسان والجوارح من غير إفراط ول تفريط‪ .‬فآمنوا‬
‫وصدقوا بنبوته ورسالته وما جاء به من ربه عز وجل‪ .‬وقاموا‪-‬‬
‫بحسب استطاعتهم‪ -‬بما يلزم من طاعته والنقياد لمره والتأسي‬
‫بفعله والقتداء بسنته إلى غير ذلك مما يعد من لوازم اليمان‬
‫برسالته‪.‬‬
‫ه فَانْتَهُوا}[‬ ‫م ع َن ْ ُ‬ ‫ما نَهَاك ُ ْ‬ ‫خذ ُوه ُ وَ َ‬ ‫ل فَ ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫م الَّر ُ‬ ‫ما آتَاك ُ ُ‬ ‫{و َ‬ ‫قال تعالى‪َ :‬‬
‫‪ ]60‬وامتثلوا لما أمر به سبحانه وتعالى من حقوق زائدة على‬
‫مجرد التصديق بنبوَّته وما يدخل في لوازم رسالته‪.‬‬
‫فمن ذلك امتثالهم لمره سبحانه بالصلة عليه والتسليم قال‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫منُوا‬ ‫نآ َ‬ ‫ي يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬ ‫ن ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬ ‫صل ّو َ‬ ‫ه يُ َ‬ ‫ملئِكَت َ ُ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫تعالى‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫ُ‬
‫سلِيماً}[‪ .]61‬وما أمر به سبحانه من تعزيره‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ِّ ُ‬ ‫صل ّوا ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫َ‬
‫حوهُ}‪ .‬فتعزيره يكون بنصره‬ ‫سب ِّ ُ‬ ‫وتوقيره قال تعالى‪{ :‬وَتُوَقُِّروه ُ وَت ُ َ‬
‫وتأييده ومنعه من كل ما يؤذيه صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وتوقيره‪ :‬يكون بإجلله وإكرامه وأن يعامل بالتشريف والتكريم‬
‫والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار[‪.]62‬‬
‫جعَلُوا دُع َاءَ‬ ‫ويدخل في ذلك مخاطبته بما يليق قال تعالى‪{:‬ل ت َ ْ‬
‫م بَعْضاً}[‪.]63‬‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫م كَدُع َاءِ بَعْ ِ‬ ‫ل بَيْنَك ُ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫الَّر ُ‬
‫وحرمة التقدم بين يديه بالكلم حتى يأذن‪ ،‬وحرمة رفع الصوت‬
‫فوق صوته وأن يجهر له بالكلم كما يجهر الرجل للرجل قال‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫سولِهِ وَاتَّقُوا‬ ‫ي الل ّهِ وََر ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫موا‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ُ‬ ‫من‬‫َ‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫تعالى‪{ :‬يَا أَيُّهَا ال‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫صوَاتَك ُ ْ‬ ‫منُوا ل تَْرفَعُوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫م‪ ،‬يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬ ‫ميعٌ عَلِي ٌ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫الل ّ َ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ضأ ْ‬ ‫م لِبَعْ ٍ‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫جهْرِ بَعْ ِ‬ ‫ل كَ َ‬
‫َ‬ ‫ه بِالْقَوْ ِ‬ ‫جهَُروا ل َ ُ‬ ‫ي وَل ت َ ْ‬ ‫ت النَّب ِ ِ ّ‬ ‫صوْ ِ‬ ‫فَوْقَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ط أَع ْ‬
‫عنْدَ‬ ‫م ِ‬ ‫صوَاتَهُ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ضو َ‬ ‫ن يَغُ ُّ‬ ‫ن ال ّذِي َ‬ ‫ن‪ ،‬إ ِ َّ‬
‫َ‬
‫شعُُرو َ‬ ‫م ل تَ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م وَأنْت ُ‬ ‫ْ‬ ‫مالُك ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حب َ َ‬ ‫تَ ْ‬
‫ُ‬
‫مغْفَِرةٌ‬ ‫م َ‬ ‫م لِلتَّقْوَى لَهُ ْ‬ ‫ه قُلُوبَهُ ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مت َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ك ال ّذِي َ‬ ‫ل الل ّهِ أولَئ ِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫َر ُ‬
‫م}[‪.]64‬‬ ‫َ‬
‫جٌر عَظِي ٌ‬ ‫وَأ ْ‬
‫فقاموا بهذه المور امتثال وطاعة لمر الله تبارك وتعالى وأدوا ما‬
‫فرض عليهم من الحقوق الخرى التي يطول ذكرها والتي هي‬
‫مذكورة في ثنايا هذا البحث‪ .‬وهم مع قيامهم بهذه المور لم‬
‫يتجاوزوا ما أمروا به فلم يغالوا ولم يبالغوا كما فعل أهل الفراط‬
‫الذين وصفوا النبي صلى الله عليه وسلم بأمور ل تنبغي لغير الله‬
‫كعلم الغيب‪ ،‬وصرفوا له أمورا ل يجوز صرفها لغير الله كدعائه‬
‫والسجود له والستغاثة به والطواف بقبره‪.‬‬
‫بل هم مؤمنون بأن ما أكرم الله به نبيه صلى الله عليه وسلم‬
‫من النبوة والرسالة والرفعة وعظم القدر وشرف المنزلة‪ ،‬كل‬
‫ذلك ل يوجب خروجه عن بشريته وعبوديته لله قال تعالى‪{ :‬قُ ْ‬
‫ل‬
‫سولً}[‪.]65‬‬ ‫شرا ً َر ُ‬ ‫ت إَِّل ب َ َ‬ ‫ل كُن ْ ُ‬ ‫ن َربِّي هَ ْ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ُ‬
‫واعتقدوا أنه ليس من المحبة في شيء الغلو في حقه وقدره‬
‫ووصفه بأمور قد اختص الله بها وحده‪ ،‬بل علموا أن في هذا‬
‫مخالفة ومضادة لتلك المحبة ومناقضة لما أمر به سبحانه وتعالى‬
‫سي‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقوله لمته‪{ :‬قُ ْ‬
‫ك لِنَفْ ِ‬ ‫للأ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ستَكْثَْر ُ‬ ‫ب َل ْ‬ ‫م الْغَي ْ َ‬ ‫ت أع ْل َ ُ‬ ‫ه وَلَوْ َكُن ْ ُ‬ ‫شاءَ الل ّ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ضّرا ً إ ِ ّل َ‬ ‫نَفْعا ً وَل َ‬
‫سوءُ إ َ‬
‫ن}[‪.]66‬‬ ‫منُو َ‬ ‫شيٌر لِقَوْم ٍ يُؤ ْ ِ‬ ‫ن أنَا إ ِ ّل نَذِيٌر وَب َ ِ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ي ال ُّ‬ ‫سن ِ َ‬ ‫م َّ‬ ‫ما َ‬ ‫خيْرِ وَ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫سماوات وال َرض الْغَيب إلَّ‬
‫ْ َ ِ‬ ‫ن فِي ال َّ َ َ ِ َ ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل ل َ يَعْل َ ُ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬قُ ْ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ن}[‪.]67‬‬ ‫ن يُبْعَثُو َ‬ ‫ن أيَّا َ‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫فكل غلو في حقه صلى الله عليه وسلم ليس من محبته في‬
‫شيء بل يعد مخالفة لما أمر به فيجب البتعاد عن ذلك والحذر‬
‫َ‬ ‫خالِفُون ع َ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مرِهِ أ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫حذ َرِ ال ّذِي َ‬ ‫من عقوبته قال تعالى‪{ :‬فَلْي َ ْ‬
‫م} كما يعد مشاقة للرسول‬ ‫َ‬ ‫تصيبهم فتن ٌ َ‬
‫ب ألِي ٌ‬ ‫م عَذ َا ٌ‬ ‫صيبَهُ ْ‬ ‫ة أوْ ي ُ ِ‬ ‫ُ ِ َُ ْ ِ َْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫سو َ‬ ‫ق الَّر ُ‬ ‫شاقِ ِ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪ .‬قال تعالى‪{ :‬وَ َ‬
‫َّ‬
‫ما تَوَلى‬ ‫ن نُوَل ِّهِ َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫منِي َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫سبِي ِ‬ ‫ه الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيَْر َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ما تَبَي َّ َ‬ ‫بَعْد ِ َ‬
‫صيراً}[‪ ،]68‬ولذا فإنه يجب الحذر من حال‬ ‫م ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ساءَ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫جهَن َّ َ‬ ‫ه َ‬ ‫صل ِ ِ‬‫وَن ُ ْ‬
‫الغلة الذين غلوا في حق النبي صلى الله عليه وسلم بما‬
‫ابتدعوه من المور التي لم يشرعها الله في كتابه أو على لسان‬
‫رسوله‪ ،‬بل حذر الله ورسوله منها‪.‬‬
‫وقد يظن البعض بأن السير على منهج أهل التوسط فيه انتقاص‬
‫من قدر النبي صلى الله عليه وسلم وغمط لحقه‪ ،‬والمر على‬
‫عكس ما يظنون فالذي يعتقده السلف الصالح رضوان الله‬
‫عليهم أجمعين أن الحق الواجب أن يثنى على النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم بما هو أهل له من الخصائص الثابتة له التي خصه‬
‫الله بها والفضائل العظيمة التي شرفه بها والصفات الحقيقية‬
‫والخلقية التي كان عليها وذلك للتعرف وتعريف الناس بفضله‬
‫ومكانته وعظيم قدره عند الله وعند خلقه حتى يتأسى ويقتدى به‬
‫في أقواله وأفعاله فهو السوة والقدوة عليه أفضل الصلة‬
‫َ ُ‬
‫ة‬‫سن َ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫سوَة ٌ َ‬ ‫ل الل ّهِ أ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫م فِي َر ُ‬ ‫ْ‬ ‫ن لَك ُ‬ ‫والتسليم قال تعالى‪{ :‬لَقَد ْ كَا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه كَثِيراً}[‪.]69‬‬ ‫خَر وَذ َكََر الل ّ َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫ه وَالْيَوْ َ‬ ‫جو الل ّ َ‬ ‫ن يَْر ُ‬ ‫ن كَا َ‬ ‫م ْ‬ ‫لِ َ‬
‫فمن صميم المحبة له صلى الله عليه وسلم الشتغال بمعرفة‬
‫سيرته بقصد التأسي والقتداء بما كان عليه من كريم الخصال‬
‫ومحاسن الفعال والقوال‪ .‬وكذا معرفة شمائله ودلئل نبوته‬
‫التي تعمق إيمان المسلم بصدق نبوته وتزيد في محبته وتعظيمه‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ .‬ولقد اهتم السلف بهذه الجوانب وأولوها‬
‫رعايتهم واهتمامهم فاعتنوا بتأليف المؤلفات التي أوضحت هذه‬
‫الجوانب وأبرزتها فقد ألفت لهذا الغرض كتب الشمائل التي‬
‫اعتنت بذكر صفاته وأحواله في عباداته وخلقه وهديه ومعاملته[‬
‫‪ ،]70‬كما ألفت كتب الدلئل التي اعتنت بدلئل وعلمات نبوته‬
‫صلى الله عليه وسلم[‪.]71‬‬
‫هذا بالضافة إلى ما كتب في الفضائل والخصائص التي كانت‬
‫للنبي صلى الله عليه وسلم‪ .‬كما اعتنوا بأصل هذه الجوانب‬
‫جميعها أل وهو سيرته الشريفة صلى الله عليه وسلم فقد ألفت‬
‫لهذا الغرض المؤلفات التي اعتنت بحياته منذ ولدته إلى وفاته‬
‫وضمت في جوانب ذلك الحديث عن نشأته وبعثته وما حدث له‬
‫من المور قبل الهجرة وبعدها وما كان من أمر دعوته وغزواته‬
‫وسراياه وما يتعلق بهذه الجوانب وغيرها مما هو داخل في‬
‫سيرته[‪ .]72‬فقد دونت هذه الجوانب جميعها وخدمت بقصد أن‬
‫يتأسى الناس به صلى الله عليه وسلم وأن يتعرفوا على كمال‬
‫ذاته صلى الله عليه وسلم وما تميز به من صفات‪ ،‬وتفرد به من‬
‫أخلق لتزيد تلك المعرفة من محبتهم له وتنميتها في قلوبهم‬
‫ولتبعث في نفوسهم تعظيمه وإجلله‪.‬‬
‫وبهذا يعلم أن أهل التوسط لم ينتقصوا من قدره صلى الله عليه‬
‫وسلم بل حفظوا وحافظوا على كل ما من شأنه أن يضمن‬
‫استمرارية محبة المة وتعظيمها له‪.‬‬
‫فهذه حال أهل التوسط وهذا هو منهجهم فمن أراد أن يسير على‬
‫النهج القويم ويسلك الصراط المستقيم فعليه بسبيل أهل اليمان‬
‫وطريقهم أل وهو الكتاب والسنة فذاك طريق الحق‪ ،‬والحق أحق‬
‫أن يتبع‪.‬‬
‫وهذا منهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن‬
‫سار على نهجهم إلى يوم الدين‪ ،‬فقد كانت محبتهم للنبي صلى‬
‫الله عليه وسلم تحكمها قواعد الكتاب والسنة‪ ،‬فما أمر به‬
‫الشارع ائتمروا به وما نهى عنه الشارع انتهوا عنه‪ ،‬ولم يحكموا‬
‫في هذه المحبة عواطفهم وأهواءهم كما فعل أهل الفراط الذين‬
‫زلت بهم أقدامهم بسبب غلوهم في حقه ذاك الغلو الذي دفعهم‬
‫إليه تحكيم أهوائهم‪ ،‬وهو غلو ما أنزل الله به من سلطان بل إن‬
‫نصوص الشرع تنص على تحريمه‪ ،‬وإنه ليصدق وصف أهل‬
‫ض ُّ‬ ‫الفراط بقوله تعالى‪{ :‬وم َ‬
‫ن‬
‫م َ‬‫ن اتَّبَعَ هَوَاه ُ بِغَيْرِ هُدىً ِ‬ ‫م َّ‬
‫م ِ‬ ‫ل ِ‬ ‫نأ َ‬
‫ْ َ َ ْ َّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ن}[‪.]73‬‬ ‫مي َ‬ ‫م الظال ِ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ل يَهْدِي القَوْ َ‬ ‫الل ّهِ إ ِ ّ‬
‫فخلصة القول في هذا الجانب أن المفهوم الصحيح لمحبته صلى‬
‫الله عليه وسلم يتمثل في ذلك المفهوم الذي كان عليه سلف‬
‫المة وأئمتها من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن سار على‬
‫نهجهم وسلك سبيلهم‪ .‬ذلك المفهوم المستمد من آيات القرآن‬
‫ونصوص السنة والذي لم يخرج عنهما قيد أنملة‪.‬‬
‫وما ذكرته ههنا عن هذا المفهوم الصحيح على سبيل الجمال‪،‬‬
‫وتفصيل ذلك مستوفى بين دفتي هذا البحث فمنه ما سبق بيانه‬
‫ومنه ما سيأتي تفصيله ونسأل الله العانة على ذلك‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬الدلة على وجوب محبته صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫المطلب الول‪ :‬الدلة من القرآن على وجوب محبته صلى الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫لما كانت محبة الله ورسوله من أعظم واجبات اليمان‪ ،‬وأكبر‬
‫أصوله وأجل قواعده‪ ،‬بل هي أصل كل عمل من أعمال اليمان‬
‫والدين كما أن التصديق أصل كل قول من أقوال اليمان[‪.]74‬‬
‫ولما كانت هذه المحبة من اليمان الواجب الذي ل يتم إيمان‬
‫العبد إل به‪ .‬ولما كانت هذه المحبة هي إحدى الحقوق الواجبة‬
‫للنبي صلى الله عليه وسلم على أمته‪ ،‬فقد جعل الله هذه المحبة‬
‫فوق محبة النسان لنفسه وأهله وماله والناس أجمعين‪ .‬كما نص‬
‫على ذلك في كتابه الله العزيز‪:‬‬
‫َ‬
‫خوَانُك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫م وَأبْنَاؤ ُك ُ ْ‬ ‫ن آبَاؤ ُك ُ ْ‬
‫ن كَا َ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫أول‪ :‬قال تعالى‪{ :‬قُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سادَهَا‬ ‫ن كَ َ‬ ‫شوْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫جاَرة ٌ ت َ ْ‬ ‫موهَا وَت ِ َ‬ ‫ل اقْتََرفْت ُ َ ُ‬ ‫موَا ٌ‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫شيَرتُك ُ ْ‬ ‫م وَع َ ِ‬‫جك ُ ْ‬‫وَأْزوَا ُ‬
‫َ‬
‫سبِيلِهِ‬‫جهَاد ٍ فِي َ‬ ‫سولِهِ وَ ِ‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬ ‫م ََ‬‫م ِ‬ ‫ب إِلَيْك ُ ْ‬ ‫ح َّ‬ ‫ضوْنَهَا أ َ‬ ‫ن تَْر َ‬ ‫ساك ِ ُ‬‫م َ‬ ‫وَ َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن}[‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬‫م الفَا ِ‬ ‫ه ل يَهْدِي القَوْ َ‬ ‫مرِهِ وَالل ُ‬ ‫ه بِأ ْ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫حت ّى يَأت ِ َ‬ ‫صوا َ‬ ‫فَتََرب ّ ُ‬
‫‪.]75‬‬
‫فالية نصت على وجوب محبة الله ورسوله وأن تلك المحبة يجب‬
‫أن تكون مقدمة على كل محبوب‪ ،‬ول خلف في ذلك بين المة[‬
‫‪.]76‬‬
‫قال القاضي عياض‪" :‬كفى بهذه الية حضا وتنبيها ودللة وحجة‬
‫على لزوم محبته‪ ،‬ووجوب فرضها‪ ،‬واستحقاقه لها صلى الله عليه‬
‫وسلم إذ قرع تعالى من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله‬
‫مرِهِ}‬ ‫ورسوله‪ ،‬وأوعدهم بقوله تعالى‪{ :‬فَترب َصوا حتَى يأْتي الل َّ َ‬
‫ه بِأ ْ‬‫ُ‬ ‫َ ّ َ ِ َ‬ ‫ََ ّ ُ‬
‫ثم فسقهم بتمام الية وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده الله"[‬
‫‪.]77‬‬
‫والمتأمل لهذه الية يجد أن المر فيها لم يقتصر على وجود أصل‬
‫المحبة لله ورسوله‪ ،‬بل لبد مع ذلك أن يكون الله ورسوله أحب‬
‫إليه مما سواهما‪ .‬وهذه المحبة لله تقتضي تحقيق العبودية له لن‬
‫العبادة هي الغاية التي خلق الله لها العباد من جهة أمره ومحبته‬
‫َ‬
‫ن}[‬ ‫س إِل ّ لِيَعْبُدُو ِ‬ ‫ن وَالِن ْ َ‬ ‫ت ال ْ ِ‬
‫ج َّ‬ ‫خلَقْ ُ‬
‫ما َ‬ ‫{و َ‬
‫ورضاه كما قال تعالى‪َ :‬‬
‫‪ ]78‬وبها أرسل الرسل وأنزل الكتب‪ ،‬وهي اسم يجمع كمال الحب‬
‫لله ونهايته وكمال الذل لله ونهايته فالحب الخالي عن الذل‬
‫والذل الخالي عن الحب ل يكون عبادة‪ ،‬وإنما العبادة ما يجمع‬
‫كمال المرين ولهذا كانت العبادة ل تصلح إل لله‪ ،‬وهي وإن كانت‬
‫منفعتها للعبد والله غني عنها فهي له من جهة محبته لها ورضاه‬
‫بها [‪]79‬‬
‫وأما محبة الرسول فتقتضي تحقيق المتابعة له صلى الله عليه‬
‫وسلم وموافقته في حب المحبوبات وبغض المكروهات‪ .‬ومحبته‬
‫صلى الله عليه وسلم متفرعة عن محبة الله تعالى وتابعة لها‪.‬‬
‫فمن أحب الله ورسوله محبة صادقة من قلبه أوجب له ذلك أن‬
‫يحب بقلبه ما يحبه الله ورسوله‪ ،‬ويكره ما يكرهه الله ورسوله‪،‬‬
‫ويرضى ما يرضى الله ورسوله‪ ،‬ويسخط ما يسخط الله ورسوله‬
‫وأن يعمل بجوارحه بمقتضى هذا الحب والبغض‪ ،‬فإن عمل‬
‫بجوارحه شيئا يخالف ذلك‪ ،‬بأن ارتكب بعض ما يكرهه الله‬
‫ورسوله أو ترك بعض ما يحبه الله ورسوله مع وجوبه والقدرة‬
‫عليه دل ذلك على نقص محبته الواجبة فعليه أن يتوب من ذلك‬
‫ويرجع إلى تكميل المحبة الواجبة‪.‬‬
‫فجميع المعاصي إنما تنشأ من تقديم هوى النفوس على محبة‬
‫الله ورسوله‪ ،‬وقد وصف الله المشركين باتباع الهوى في مواضع‬
‫ك فَاع ْل َ َ‬
‫ن‬‫ما يَتَّبِعُو َ‬
‫م َ أن َّ َ‬‫ْ‬ ‫جيبُوا ل َ َ‬ ‫ست َ ِ‬
‫م يَ ْ‬‫ن لَ ْ‬
‫من كتابه فقال تعالى‪{ :‬فَإ ِ ْ‬
‫ن الل ّهِ}[‪،]80‬‬ ‫ض ُّ‬ ‫أَهْواءَهُم وم َ‬
‫م َ‬ ‫ن اتَّبَعَ هَوَاه ُ بِغَيْرِ هُدىً ِ‬ ‫م َّ‬
‫م ِ‬ ‫ل ِ‬ ‫نأ َ‬‫ْ َ َ ْ‬ ‫َ‬
‫وكذلك البدع إنما تنشأ من تقديم الهوى على الشرع‪ ،‬ولهذا‬
‫يسمى أهلها "أهل الهواء"[‪]81‬‬
‫والذنوب تنقص من محبة الله تعالى بقدر ذلك‪ ،‬ولكن ل تزيل‬
‫المحبة لله ورسوله إذا كانت ثابتة في القلب‪ ،‬ولم تكن الذنوب‬
‫عن نفاق كما في صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب رضي‬
‫الله عنه في حديث حمار[‪ ]82‬الذي كان يشرب الخمر‪ ،‬وكان‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم يقيم عليه الحد فلما كثر ذلك منه‬
‫لعنه رجل‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬ل تلعنه فإنه يحب‬
‫الله ورسوله"[‪ ]83‬وفيه دللة على أنا منهيون عن لعنة أحد بعينه‪،‬‬
‫وإن كان مذنبا‪ ،‬إذا كان يحب الله ورسوله[‪.]84‬‬
‫ثانيا‪ :‬ومن اليات التي يستدل بها على وجوب محبة النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم قوله تعالى‪{ :‬النَب ُ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫منِي َ‬‫مؤ ْ ِ‬‫ي أوْلَى بِال ْ ُ‬ ‫ِّ ّ‬
‫م}[‪ ]85‬فالية دليل على أن من لم يكن الرسول أولى به‬ ‫َ‬
‫سهِ ْ‬
‫أنْفُ ِ‬
‫من نفسه فليس من المؤمنين‪ ،‬وهذه الولوية تتضمن أمورا منها‪:‬‬
‫أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم إلى العبد من نفسه‪ ،‬لن‬
‫الولوية أصلها الحب‪ ،‬ونفس العبد أحب إليه من غيره‪ ،‬ومع هذا‬
‫يجب أن يكون الرسول أولى به منها‪ ،‬فبذلك يحصل له اسم‬
‫اليمان‪.‬‬
‫ويلزم من هذه الولوية والمحبة كمال النقياد والطاعة والرضا‬
‫والتسليم وسائر لوازم المحبة من الرضا بحكمه والتسليم لمره‪،‬‬
‫وإيثاره على ما سواه‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن ل يكون للعبد حكم على نفسه أصل‪ ،‬بل الحكم على‬
‫نفسه للرسول صلى الله عليه وسلم يحكم عليها أعظم من حكم‬
‫السيد على عبده أو الوالد على ولده‪ ،‬فليس له في نفسه تصرف‬
‫قط إل ما تصرف فيه الرسول الذي هو أولى به منها‪.‬‬
‫ومن العجب أن يدعي حصول هذه الولوية والمحبة التامة من‬
‫كان سعيه واجتهاده ونصيبه في الشتغال بأقوال غيره وتقريرها‬
‫والغضب والمحبة لها والرضا بها والتحاكم إليها‪ ،‬وعرض ما قاله‬
‫الرسول عليها‪ ،‬فإن وافقها قبله‪ ،‬وإن خالفها التمس وجوه الحيل‬
‫وبالغ في رده ليا وإعراضا[‪]86‬‬
‫ولذلك فإنه ينبغي على كل مسلم أن يعلم أن محبة النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ليست مجرد دعوى تتحقق بتلفظ اللسان فقط ‪-‬‬
‫كما يظن كثير من الناس ‪ -‬بل لبد لهذه الدعوى من البرهان‬
‫الذي يثبت صدقها‪ ،‬وبرهان المحبة تحقيق الولوية في شتى‬
‫صورها وأشكالها فبحسب ذلك التحقيق تتحدد درجة المحبة‬
‫وتتعين‪ .‬وليعلم أنه ل يتم للعبد مقام اليمان حتى يكون الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم أجل إليه من نفسه فضل عن ابنه وأبيه‪.‬‬
‫فإذا كان هذا شأن محبة عبده ورسوله فكيف بمحبته سبحانه؟‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬ومما يستدل به كذلك على وجوب محبة النبي صلى الله‬
‫َ‬ ‫منُوا أ َ َ‬ ‫َ‬
‫حبّا ً لِل ّهِ}[‪ .]87‬ووجه‬
‫شد ُّ ُ‬ ‫عليه وسلم قوله تعالى‪{ :‬وَال ّذِي َ‬
‫نآ َ‬
‫الستدلل بهذه الية‪ :‬أن الية قد تضمنت وجوب محبة النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم لنه مما يدخل في محبة الله محبة ما يحبه‬
‫الله‪ ،‬والله يحب نبيه وخليله صلى الله عليه وسلم فمن أجل ذلك‬
‫وجبت علينا محبته‪ .‬ومن المعلوم أن أصل حب أهل اليمان هو‬
‫حب الله‪ ،‬ومن أحب الله أحب من يحبه الله‪ ،‬وكل ما يحب سواه‬
‫فمحبته تكون تبعا لمحبة الله‪ ،‬إذ ليس في الوجود ما يستحق أن‬
‫يحب لذاته من كل وجه إل الله تعالى‪.‬‬
‫فالرسول عليه الصلة والسلم إنما يحب لجل الله ويطاع لجل‬
‫الله ويتبع لجل الله‪ ،‬وكذا النبياء والصالحون وسائر العمال‬
‫الصالحة تحب جميعا لنها مما يحب الله‪.‬‬
‫وبهذا يعلم تعين محبة النبي صلى الله عليه وسلم ووجوبها‬
‫ولزومها‪.‬‬
‫هذا وقد جاء ذكر محبة الرسول مقترنا بمحبة الله في قوله‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه} وكذلك في قوله صلى‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬
‫سول ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ب إِلَيْك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ح َّ‬
‫تعالى‪{ :‬أ َ‬
‫الله عليه وسلم‪" :‬ثلثة من كن فيه وجد بهن حلوة اليمان من‬
‫كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ‪"..‬‬
‫وفي مواطن أخرى متعددة من السنة كما سيأتي‪.‬‬

‫وهذا القتران يدلل على مدى الصلة الوثيقة يين محبة الله‬
‫ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وإن كانت محبة الرسول‬
‫داخلة ضمن محبة الله تعالى أصل‪ ،‬لكن إفرادها بالذكر مع أنها‬
‫ضمن محبة الله فيه إشارة إلى عظم قدرها وإشعار بأهميتها‬
‫ومكانتها‪.‬‬
‫َ‬
‫ه فَاتَّبِعُونِي‬
‫ن الل ّ َ‬
‫حبُّو َ‬
‫م تُ ِ‬‫ن كُنْت ُ ْ‬
‫ل إِ ْ‬‫رابعا‪ :‬ومن الدلة قوله تعالى‪{ :‬قُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م}[‪.]88‬‬ ‫حي ٌ‬‫ه غَفُوٌر َر ِ‬ ‫م وَالل ّ ُ‬ ‫فْر لَك ُ ْ‬
‫م ذ ُنُوبَك ُ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ه وَيَغْ ِ‬ ‫حبِبْك ُ ُ‬
‫يُ ْ‬
‫ففي هذه الية إشارة ضمنية إلى وجوب محبة النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬لن الله تبارك وتعالى قد جعل برهان محبته تعالى‬
‫ودليل صدقها هو اتباع النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وهذا التباع ل‬
‫يتحقق ول يكون إل بعد اليمان بالنبي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫واليمان به لبد فيه من تحقق شروطه التي منها محبة النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬فوالذي نفسي بيده ل يؤمن‬
‫أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده"[‪.]89‬‬
‫فمحبته صلى الله عليه وسلم شرط في اليمان الذي ل يتحقق‬
‫التباع إل بوجوده‪ .‬ومن جهة أخرى فإن محبة الله مستلزمة‬
‫لمحبة ما يحبه من الواجبات‪ ،‬واتباع رسوله هو من أعظم ما‬
‫أوجبه الله تعالى على عباده وأحبه‪ .‬وهو سبحانه أعظم شيء‬
‫بغضا لمن لم يتبع رسوله‪ .‬فمن كان صادقا في دعوى محبة الله‬
‫اتبع رسوله ل محالة‪ ،‬وكان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما‪.‬‬
‫فتأمل هذا التلزم بين محبة الله تعالى ومحبة نبيه صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الدلة من السنة على وجوب محبته صلى الله‬


‫عليه وسلم‪.‬‬
‫تضافرت الدلة من السنة على تأكيد وجوب محبة النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم باعتبار هذه المحبة من صميم الدين فل يتم لحد‬
‫إيمان إل بتحقيقها‪ .‬بل إنه ل يكتفي بوجود أصلها فقط‪ ،‬إذ لبد مع‬
‫ذلك من تقديم محبته بعد محبة الله على محبة النفس والوالد‬
‫والولد والناس أجمعين‪.‬‬

‫ومما يدل على وجوب تقديم محبته صلى الله عليه وسلم على‬
‫محبة النفس‪.‬‬
‫أول‪ :‬ما جاء في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال‬
‫للنبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬يا رسول الله‪ ،‬لنت أحب إلي من‬
‫كل شيء إل من نفسي‪.‬‬
‫فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬ل والذي نفسي بيده‪ ،‬حتى‬
‫أكون أحب إليك من نفسك"‪ .‬فقال له عمر‪ :‬فإنه الن والله لنت‬
‫أحب إلي من نفسي"‪ .‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬الن يا‬
‫عمر"[‪.]90‬‬
‫فالحديث نص على وجوب تقديم محبة الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم على محبة النفس‪.‬‬
‫وأما الدليل على وجوب تقديم محبته على محبة الوالد والولد‬
‫والناس أجمعين‪:‬‬
‫ثانيا‪ :‬فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قال‪" :‬فوالذي نفسي بيده ل يؤمن أحدكم حتى أكون‬
‫أحب إليه من والده وولده"‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬وعن أنس رضي الله عنه قال‪ :‬قال النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬ل يؤمن أحدكم‬
‫حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين"[‪.]91‬‬
‫"فالمراد من قوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬ل يؤمن أحدكم" أي‪:‬‬
‫ل يحصل له اليمان الذي تبرأ به ذمته‪ ،‬ويستحق به دخول الجنة‬
‫بل عذاب حتى يكون الرسول أحب إليه من أهله وولده والناس‬
‫أجمعين‪ ،‬بل ل يحصل له ذلك حتى يكون الرسول أحب إليه من‬
‫نفسه أيضا‪ ،‬كما تقدم في حديث عمر رضي الله عنه‪ .‬فمن لم‬
‫يكن كذلك‪ ،‬فهو من أصحاب الكبائر إذا لم يكن كافرا‪ ،‬فإنه ل‬
‫يعهد في لسان الشرع نفي اسم مسمى أمر الله به ورسوله إل‬
‫إذا ترك بعض واجباته‪ ،‬فأما إذا كان الفعل مستحبا في العبادة لم‬
‫ينفها لنتفاء المستحب‪ ،‬ولو صح هذا لنفي عن جمهور المؤمنين‬
‫اسم اليمان والصلة والزكاة والحج وحب الله ورسوله‪ ،‬لنه ما‬
‫من عمل إل وغيره أفضل منه‪ ،‬وليس أحد يفعل أفعال البر مثل‬
‫ما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬بل ول أبو بكر ول عمر‪ ،‬فلو‬
‫كان من لم يأت بكمالها المستحب يجوز نفيها عنه‪ ،‬لجاز أن ينفي‬
‫عن جمهور المسلمين من الولين والخرين‪ ،‬وهذا ل يقوله عاقل‪.‬‬
‫وعلى هذا فمن قال‪ :‬إن المنفي هو الكمال‪ ،‬فإن أراد أنه نفي‬
‫الكمال الواجب الذي يذم تاركه ويتعرض للعقوبة فقد صدق‪ ،‬وإن‬
‫أراد نفي الكمال المستحب فهذا لم يقع قط في كلم الله‬
‫ورسوله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وأكثر الناس يدعي أن الرسول أحب إليه مما ذكر‪ ،‬فل بد حينئذ‬
‫من تصديق ذلك بالعمل والمتابعة له‪ ،‬وإل فالمدعي كاذب‪.‬‬
‫فإن القرآن بين أن المحبة التي في القلب تستلزم العمل الظاهر‬
‫َ‬
‫م‬‫حبِبْك ُ ُ‬ ‫ه فَاتَّبِعُونِي ي ُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫حبُّو َ‬ ‫م تُ ِ‬‫ْ‬ ‫ن كُنْت ُ‬‫ل إِ ْ‬‫بحبها كما قال تعالى‪{ :‬قُ ْ‬
‫َ‬
‫ل وَأطَعْنَا ث ُ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫سو ِ‬ ‫منَّا بِالل ّهِ وَبِالَّر ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ه}‪ ،‬وقال تعالى‪{ :‬وَيَقُولُو َ‬ ‫الل ّ َُ‬
‫ن} إلى قوله‪:‬‬ ‫مؤْ ِ‬
‫منِي َ‬ ‫ما أُولَئ ِ َ‬
‫ك َ بِال ْ ُ‬ ‫ك َو َ‬ ‫ن بَعْد ِ ذَل ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫منْهُ ْ‬‫ول ّى فَرِيقٌ ِ‬ ‫يَت َ َ‬
‫م‬
‫م بَيْنَهُ ْ‬ ‫حك ُ َ‬‫سولِهِ لِي َ ْ‬‫ن إِذ َا دُع ُوا إِلَى الل ّهِ وََر ُ‬ ‫منِي َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن قَوْ َ‬ ‫{إِن َّ َ‬
‫ما كَا َ‬
‫ن}[‪ ،]92‬فنفي‬ ‫حو َ‬ ‫مفْل ِ ُ‬‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫معْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئ ِ َ‬ ‫ن يَقُولُوا َ‬
‫س ِ‬
‫َ‬
‫أ ْ‬
‫اليمان عمن تولى عن طاعة الرسول وأخبر أن المؤمنين إذا‬
‫دعوا إلى الله ورسوله سمعوا وأطاعوا‪.‬‬
‫فتبين أن هذا من لوازم اليمان والمحبة‪ ،‬ولكن كل مسلم لبد أن‬
‫يكون محبا بقدر ما معه من السلم‪ ،‬كما أن كل مؤمن لبد أن‬
‫يكون مسلما وكل مسلم لبد أن يكون مؤمنا‪ ،‬وإن لم يكن مؤمنا‬
‫اليمان المطلق‪ ،‬لن ذلك ل يحصل إل لخواص المؤمنين‪ ،‬فإن‬
‫الستسلم لله ومحبته ل يتوقف على هذا اليمان الخاص‪.‬‬
‫وهذا الفرق يجده النسان من نفسه ويعرفه من غيره‪ ،‬فعامة‬
‫الناس إذا أسلموا بعد كفر‪ ،‬أو ولدوا في السلم‪ ،‬والتزموا‬
‫شرائعه‪ ،‬وكانوا من أهل الطاعة لله ورسوله‪ ،‬وهم مسلمون‬
‫ومعهم مطلق اليمان‪ ،‬لكن دخول حقيقة اليمان إلى قلوبهم‬
‫يحصل شيئا فشيئا إن أعطاهم الله ذلك‪ ،‬وإل فكثير من الناس ل‬
‫يصلون إلى اليقين‪ ،‬ول إلى الجهاد ولو شككوا لشكوا ولو أمروا‬
‫بالجهاد لما جاهدوا‪ ،‬وليسوا كفارا ول منافقين‪ ،‬بل ليس عندهم‬
‫من علم القلب ومعرفته ويقينه ما يدرأ الريب‪ ،‬ول عندهم من‬
‫قوة الحق لله ورسوله ما يقدمونه على الهل والمال‪.‬‬
‫وهؤلء إن عوفوا من المحنة وماتوا دخلوا الجنة‪ ،‬وإن ابتلوا بمن‬
‫يدخل عليهم شبهات توجب ريبهم فإن لم ينعم الله عليهم بما‬
‫يزيل الريب وإل صاروا مرتابين وانتقلوا إلى نوع من النفاق"[‪.]93‬‬
‫رابعا‪ :‬وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم قال‪" :‬ثلث من كن فيه وجد حلوة اليمان‪ :‬أن يكون‬
‫الله ورسوله أحب إليه مما سواهما‪ .‬وأن يحب المرء ل يحبه إل‬
‫لله‪ .‬وأن يكره أن‪ ،‬يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما‬
‫يكره أن يقذف في النار"‪.‬‬
‫وفي هذا الحديث أخبر صلى الله عليه وسلم أن هذه الثلث من‬
‫كن فيه وجد حلوة اليمان‪ .‬والمتأمل في هذه المور الثلثة يرى‬
‫أنها تتبع كمال محبة العبد لله[‪ ]94‬لن محبة الله تكمل بأن يكون‬
‫الله ورسوله أحب إليه مما سواهما‪ ،‬ذلك لن محبة الله ورسوله‬
‫ل يكتفي فيها بأصل الحب‪ ،‬بل لبد أن يكون الله ورسوله أحب‬
‫إليه مما سواهما‪.‬‬
‫وتفريعها‪ :‬أن يحب المرء ل يحبه إل لله‪.‬‬
‫ودفع ضدها‪ :‬بأن يكره ضد اليمان أعظم من كراهة اللقاء في‬
‫النار[‪ .]95‬والشاهد من الحديث معنا قوله‪" :‬أن يكون الله‬
‫ورسوله أحب إليه مما سواهما"‪ .‬فمن المعلوم أن كل من آمن‬
‫بالنبي صلى الله عليه وسلم إيمانا صحيحا ل يخلو عن وجدان‬
‫شيء من تلك المحبة‪ ،‬غير أن الناس يتفاوتون فمنهم من أخذ‬
‫من تلك المرتبة بالحظ الوفى وهم الذين جعلوا محبة الله‬
‫ورسوله مقدمة على ما سواهما‪ .‬ومنهم من أخذ منها بالحظ‬
‫الدنى كمن كان مستغرقا في الشهوات محجوبا في الغفلت في‬
‫أكثر الوقات‪.‬‬
‫ومنهم من هو بين هذين المرين‪.‬‬
‫فالحظ الوفى هو بتحقيق هذه المرتبة من المحبة وهي أن يكون‬
‫الله ورسوله أحب إليه مما سواهما"‪ .‬وذلك بأن يتوجه بكليته نحو‬
‫هذه الغاية فيحب ما أحب الله ورسوله ويكره ما كرهه الله‬
‫ورسوله‪ ،‬فيمتثل للوامر ويجتنب النواهي ول يتلقى شيئا من‬
‫المأمورات والمنهيات إل من مشكاة النبي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫ول يسلك إل طريقته‪ ،‬ويرضى بما شرعه حتى ل يجد في نفسه‬
‫حرجا مما قضاه‪ ،‬ويتخلق بأخلقه‪ ،‬فمن جاهد نفسه على ذلك‬
‫وجد حلوة اليمان‪.‬‬
‫وأما قوله‪" :‬وأن يحب المرء ل يحبه إل لله" ففيه دللة واضحة‬
‫على أن حب الشخاص الواجب فيه أن يكون تبعا لما جاء به‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فيجب على المؤمن محبة الله‬
‫ومحبة من يحبه الله من الملئكة والرسل والنبياء والصديقين‬
‫والشهداء والصالحين عموما‪.‬‬
‫وفي الحديث "من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد‬
‫استكمل اليمان"[‪.]96‬‬
‫ومتى كان حب المرء وبغضه وعطاؤه ومنعه لهوى نفسه كان‬
‫ذلك نقصا في إيمانه الواجب فيجب عليه التوبة من ذلك والرجوع‬
‫إلى اتباع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من تقديم‬
‫محبة الله ورسوله وما فيه رضا الله ورسوله على هوى النفس‬
‫ومراداتها كلها[‪.]97‬‬
‫خامسا‪ :‬عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال‪" :‬جاء رجل إلى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬يا رسول الله متى‬
‫الساعة؟‪ ،‬قال‪" :‬وما أعددت للساعة؟"‪ ،‬قال‪ :‬حب الله ورسوله‪.‬‬
‫قال‪" :‬فإنك مع من أحببت"‪.‬‬
‫قال أنس‪ :‬فما فرحنا بعد السلم فرحا أشد من قول النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪" :‬فإنك مع من أحببت"‪ .‬قال أنس‪ :‬فأنا أحب الله‬
‫ورسوله وأبا بكر وعمر فأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل‬
‫بأعمالهم"[‪.]98‬‬
‫سادسا‪ :‬عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قال‪" :‬من أشد أمتي لي حبا ناس يكونون بعدي يود‬
‫أحدهم لو رآني بأهله وماله"[‪.]99‬‬
‫سابعا‪ :‬وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال‪ .‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" :‬أحبوا الله لما يغدوكم به من نعمه‪،‬‬
‫وأحبوني بحب الله وأحبوا أهل بيتي لحبي"[‪.]100‬‬
‫ثامنا‪ :‬وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قال يوم خيبر‪" :‬لعطين هذه الراية رجل يحب الله‬
‫ورسوله يفتح الله على يديه"‪.‬‬
‫قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه‪ :‬ما أحببت المارة إل يومئذ‪.‬‬
‫قال‪ :‬فتساورت لها[‪ ]101‬رجاء أن أدعى لها‪ .‬قال‪ :‬فدعا رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب فأعطاه إياها‪" ...‬‬
‫الحديث[‪.]102‬‬
‫وعن سهل بن سعد[‪ ]103‬رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قال يوم خيبر‪:‬‬
‫"لعطين الراية غدا رجل يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله‬
‫ويحبه الله ورسوله"‪ .‬قال‪ :‬فبات الناس يدوكون[‪ ]104‬ليلتهم‪ :‬أيهم‬
‫يعطاها؟‪ ،‬فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم كلهم يرجو أن يعطاها‪ .‬فقال‪" :‬أين علي بن أبي طالب؟"‬
‫فقيل‪ :‬هو يا رسول الله يشتكي عينيه‪ .‬قال‪" :‬فأرسلوا إليه فأتي‬
‫به فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له‬
‫فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع‪ ،‬فأعطاه الراية ‪ "....‬الحديث[‪.]105‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬ما جاء عن الصحابة في شأن محبته صلى الله‬


‫عليه وسلم‪:‬‬
‫إن مما ل ريب فيه أن حظ الصحابة من حبه صلى الله عليه‬
‫وسلم كان أتم وأوفر‪ ،‬ذلك أن المحبة ثمرة المعرفة‪ ،‬وهم بقدره‬
‫صلى الله عليه وسلم ومنزلته أعلم وأعرف من غيرهم فبالتالي‬
‫كان حبهم له صلى الله عليه وسلم أشد وأكبر‪.‬‬
‫وإن المتأمل لما ورد عن الصحابة رضوان الله عليهم من كلم‬
‫في هذا الخصوص يلمس صدق تلك المحبة وعظمها في‬
‫نفوسهم‪.‬‬
‫فعن عمرو بن العاص[‪ ]106‬رضي الله عنه قال‪" :‬وما كان أحد‬
‫أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ول أجل في‬
‫عيني منه وما كنت أطيق أن أمل عيني منه إجلل له‪ ،‬ولو سئلت‬
‫أن أصفه ما أطقت‪ ،‬لني لم أكن أمل عيني منه"[‪.]107‬‬
‫وقد سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه‪ :‬كيف كان حبكم‬
‫لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟‪ ،‬قال‪" :‬كان والله أحب إلينا‬
‫من أموالنا وأولدنا وآبائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ"[‬
‫‪.]108‬‬
‫وقد سأل أبو سفيان بن حرب ‪ -‬وهو على الشرك حينذاك ‪ -‬زيد‬
‫بن الدثنة[‪]109‬رضي الله عنه حينما أخرجه أهل مكة من الحرم‬
‫ليقلتوه ‪ -‬وكان قد أسر يوم الرجيع ‪ ]110[-‬أنشدك الله يا زيد‬
‫أتحب أن محمدا الن عندنا مكانك نضرب عنقه وإنك في أهلك؟‪،‬‬
‫قال‪" :‬والله ما أحب أن محمدا الن في مكانه الذي هو فيه‬
‫تصيبه شوكة تؤذيه وإني جالس في أهلي"‪.‬‬
‫فقال أبو سفيان‪ :‬ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب‬
‫أصحاب محمد محمدا[‪.]111‬‬
‫وعن الشعبي قال‪ :‬جاء رجل من النصار إلى رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬فقال‪ :‬لنت أحب إلي من نفسي وولدي وأهلي‬
‫ومالي ولول أني آتيك فأراك لظننت أني سأموت وبكى النصاري‪.‬‬
‫فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬ما أبكاك؟"‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ذكرت أنك ستموت ونموت فترفع مع النبيين ونحن إن دخلنا‬
‫الجنة كنا دونك‪.‬‬
‫فلم يخبره النبي صلى الله عليه وسلم بشيء فأنزل الله عز‬
‫َ‬
‫ن يُطِِع الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫م ْ‬‫صلى الله عليه َوسلم‪{ :‬وَ َ‬ ‫َ‬
‫وجل على رسوله‬
‫ن‬‫ن النَّبِيِّي َ‬‫م َ‬‫م ِ‬ ‫ه ع َلَيْهِ ْ‬
‫م الل ّ ُ‬
‫َ‬
‫ن أنْعَ َ‬ ‫معَ ال ّذِي َ‬
‫ك َ‬ ‫ل فَأُولَئ ِ َ‬ ‫وَالَّر ُ‬
‫سو َ‬
‫ك َرفِيقاً}[‪،]112‬‬ ‫ُ‬
‫ن أولَئ ِ َ‬ ‫شهَدَاءِ وَال َّ‬‫صدِّيقِين وال ُّ‬
‫س َ‬ ‫ح ُ‬‫ن وَ َ‬‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫َ َ‬ ‫وَال ِّ‬
‫فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬أبشر"[‪.]113‬‬
‫وقال سعد بن معاذ[‪ ]114‬رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم يوم بدر‪" :‬يا نبي الله أل نبني لك عريشا تكون فيه ونعد‬
‫عندك ركائبك‪ ،‬ثم نلقى عدونا‪ ،‬فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا‬
‫كان ذلك ما أحببنا وإن كان الخرى جلست على ركائبك فلحقت‬
‫بمن وراءنا من قومنا فقد تخلف عنك أقوام ما نحن بأشد حبا لك‬
‫منهم ولو ظنوا أنك تلقى حربا ما تخلفوا عنك‪ ،‬يمنعك الله بهم‬
‫يناصحونك ويجاهدون معك"‪ ،‬فأثنى عليه رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم خيرا ودعا له بخير[‪.]115‬‬
‫وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال‪ :‬لما كان يوم أحد جاض[‬
‫‪ ]116‬أهل المدينة جيضة وقالوا‪ :‬قتل محمد‪ ،‬حتى كثرت الصوارخ[‬
‫‪ ]117‬في ناحية المدينة‪ .‬فخرجت امرأة من النصار محرمة‬
‫فاستقبلت[‪ ]118‬بأبيها وابنها وزوجها وأخيها ل أدري أيهم استقبلت‬
‫به أول فلما مرت على أحدهم قالت‪ :‬من هذا؟‪ ،‬قالوا ‪ :‬أبوك‬
‫أخوك زوجك ابنك‪ .‬تقول‪ :‬ما فعل رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم؟‪ ،‬يقولون‪ :‬أمامك حتى دفعت إلى رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم فأخذت بناحية ثوبه ثم قالت‪ :‬بأبي أنت وأمي يا‬
‫رسول الله ل أبالي إذا سلمت من عطب[‪.]119‬‬
‫وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال‪ :‬مر رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم بامرأة من بني دينار وقد أصيب زوجها‬
‫وأخوها وأبوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد‪ ،‬فلما‬
‫نُعوا لها قالت‪ :‬ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا‪:‬‬
‫خيرا يا أم فلن هو بحمد الله كما تحبين‪ .‬قالت‪ :‬أرونيه حتى أنظر‬
‫إليه‪ .‬قال‪ :‬فأشير لها إليه حتى إذا رأته قالت‪ :‬كل مصيبة بعدك[‬
‫‪ ]120‬جلل"[‪.]121‬‬
‫ولقد حكم الصحابة رضوان الله عليهم رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم في أنفسهم وأموالهم فقالوا‪" :‬هذه أموالنا بين يديك‬
‫فاحكم فيها بما شئت وهذه نفوسنا بين يديك لو استعرضت بنا‬
‫البحر لخضناه‪ ،‬نقاتل بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن‬
‫شمالك"[‪.]122‬‬
‫وما هذا اليثار الذي تضمنته هذه الكلمات إل تعبيرا عما تكنه‬
‫نفوسهم من المحبة له صلى الله عليه وسلم واسمع إلى قول‬
‫قيس بن صرمة النصاري[‪ ]123‬إذ يقول‪:‬‬
‫يذكر لو يلقى حبيبا مؤاتيا‬ ‫ثوى في قريش بضع عشرة حجة‬
‫فلم ير من يؤوي ولم ير‬ ‫ويعرض في أهل المواسم نفسه‬
‫داعيا‬
‫وأصبح مسرورا بطيبة راضيا‬ ‫فلما أتانا واتقرت به النوى‬
‫وأنفسنا عند الوغى والتأسيا‬ ‫بذلنا له الموال من حل مالنا‬
‫جميعا وإن كان الحبيب‬ ‫نعادي الذي عادى من الناس كلهم‬
‫المصافيا‬
‫وأن رسول الله أصبح هاديا[‬ ‫ونعلم أن الله ل رب غيره‬
‫‪]124‬‬
‫________________________________________‬
‫[‪)290 /1( ]1‬‬
‫[‪ ]2‬زاد ابن القيم في كتابه روضة المحبين (ص ‪ )18 ،17‬على هذه‬
‫المعاني الخمسة مايلي‪" :‬وقيل‪ :‬بل هي مأخوذة من القلق‬
‫والضطراب‪ ،‬ومنه سمي القرط حبا لقلقه في الذن واضطرابه‪.‬‬
‫وقيل بل هي مأخوذة من الحب الذي هو إناء واسع فيمتلئ به‬
‫بحيث ل يسع لغيره‪ ،‬وكذلك قلب المحب ليس فيه سعة لغير‬
‫محبوبه‪ ،‬وقيل‪ :‬مأخوذة من الحب وهو الخشبات الربع التي‬
‫يستقر عليها ما يوضع من جرة أو غيرها فسمي الحب بذلك لن‬
‫المحب يتحمل لجل محبوبه الثقال‪ ،‬كما تتحمل الخشبات ثقل ما‬
‫يوضع عليها‪.‬‬
‫[‪ ]3‬البيت لعنترة بن شداد‪.‬‬
‫[‪ ]4‬مدارج السالكين (‪.)11 -9 /3‬‬
‫[‪ ]5‬أحمد بن علي بن حجر العسقلني‪ -‬صاحب كتاب فتح الباري‪-‬‬
‫من أئمة العلم والتاريخ‪ ،‬ولد بالقاهرة سنة ‪ 773‬هـ‪ ،‬وتوفي بها سنة‬
‫‪ 852‬هـ‪ ،‬وله مؤلفات كثيرة‪ .‬العلم (‪)178 /1‬‬
‫[‪ ]6‬فتح الباري (‪.)463 /10‬‬
‫[‪ ]7‬مدارج السالكين (‪.)9 /3‬‬
‫[‪ ]8‬تيسير العزيز الحميد (ص ‪.)411‬‬
‫[‪ ]9‬تيسير العزيز الحميد (ص ‪.)412‬‬
‫[‪ ]10‬إغاثة اللهفان (‪ ،)141 ،140 /2‬وجامع الرسائل (‪.)202 /2‬‬
‫[‪ ]11‬الية (‪ )165‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫[‪ ]12‬روضة المحبين (‪.)293‬‬
‫[‪ ]13‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كناب الزهد‪ :‬باب من أشرك في‬
‫عمله غير الله (‪.)223 /8‬‬
‫[‪ ]14‬مجموع الفتاوى (‪.)49 ،48 /12‬‬
‫[‪ ]15‬مجموع الفتاوى (‪.)524 ،523 /11‬‬
‫[‪ ]16‬الية (‪ )56‬من سورة الذاريات‪.‬‬
‫[‪ ]17‬الية (‪ )21‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫[‪ ]18‬الية (‪ )165‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫[‪ ]19‬الية (‪ )29‬من سورة الزمر‪.‬‬
‫[‪ ]20‬مجموع الفتاوى (‪.)57 ،56 /10‬‬
‫[‪ ]21‬روضة المحبين (ص ‪.)59‬‬
‫[‪ ]22‬الية (‪ )2‬من سورة الملك‪.‬‬
‫[‪ ]23‬الية (‪ )7‬من سورة الكهف‪.‬‬
‫[‪ ]24‬الية (‪ )7‬من سورة هود‪.‬‬
‫[‪ ]25‬روضة المحبين (‪.)61 ،60‬‬
‫[‪ ]26‬روضة المحبين (ص ‪.)59‬‬
‫[‪ ]27‬روضة المحبين (ص ‪ )168 ،166 ،165‬بتصرف‪.‬‬
‫[‪ ]28‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب اليمان‪ :‬باب حلوة‬
‫اليمان‪ ،‬فتح الباري (‪ )60 /1‬ح ‪ ،16‬وأخرجه مسلم في صحيحه‪،‬‬
‫كتاب اليمان‪ :‬باب بيان خصال من اتصف بهن وجد حلوة اليمان‬
‫(‪.)48 /1‬‬
‫[‪ ]29‬مجموع الفتاوى (‪.)206 /10‬‬
‫[‪ ]30‬روضة المحبين (‪.)200 ،199‬‬
‫[‪ ]31‬مجموع الفتاوى (‪.)315 /18‬‬
‫[‪ ]32‬الية (‪ )31‬من سورة آل عمران‪.‬‬
‫[‪ ]33‬مجموع الفتاوى (‪.)360 /8‬‬
‫[‪ ]34‬مجموع الفتاوى (‪.)316 /18‬‬
‫[‪ ]35‬مجموع الفتاوى (‪.)366 /8‬‬
‫[‪ ]36‬الية (‪ )15‬من سورة الحجرات‪.‬‬
‫[‪ ]37‬الية (‪ )24‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫[‪ ]38‬الية (‪ )54‬من سورة المائدة‪.‬‬
‫[‪ ]39‬الية (‪ )22‬من سورة المجادلة‪.‬‬
‫[‪ ]40‬الية (‪ )81 ،80‬من سورة المائدة‪.‬‬
‫[‪ ]41‬الية (‪ )4‬من سورة الممتحنة‪.‬‬
‫[‪ ]42‬مجموع الفتاوى (‪.)361 /8‬‬
‫[‪ ]43‬مدارج السالكين (‪.)37 /3‬‬
‫[‪ ]44‬الية (‪ )28‬من سورة محمد‪.‬‬
‫[‪ ]45‬اليتان (‪ )125 ،124‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫[‪ ]46‬اليتان (‪ )36‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫[‪ ]47‬قاعدة في المحبة لشيخ السلم ابن تيمية (ص ‪.)92 ،91‬‬
‫[‪ ]48‬الصارم المسلول (ص ‪ )421 ،420‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫[‪ ]49‬الرد على الخنائي (ص ‪.)231‬‬
‫[‪ ]50‬ديوان البوصيري (ص ‪.)238‬‬
‫[‪ ]51‬تيسير العزيز الحميد (ص ‪.)186‬‬
‫[‪ ]52‬الرد على الخنائي (ص ‪ )25 ،24‬بتصرف‪.‬‬
‫[‪ ]53‬الية (‪ )9‬من سورة الفتح‪.‬‬
‫[‪ ]54‬الية (‪ )3‬من سورة نوح‪.‬‬
‫[‪ ]55‬الية (‪ )4‬من سورة الحجرات‪.‬‬
‫[‪ ]56‬الية (‪ )3‬من سورة الحجرات‪.‬‬
‫[‪ ]57‬الية (‪ )9‬من سورة الزمر‪.‬‬
‫[‪ ]58‬الية (‪ )6‬من سورة الحزاب‪.‬‬
‫[‪ ]59‬الية (‪ )120‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫[‪ ]60‬الية (‪ )7‬من سورة الحشر‪.‬‬
‫[‪ ]61‬الية (‪ )56‬من سورة الحزاب‪.‬‬
‫[‪ ]62‬الصارم المسلول (ص ‪.)422‬‬
‫[‪ ]63‬الية (‪ )63‬من سورة النور‪.‬‬
‫[‪ ]64‬اليات (‪ )3 ،2 ،1‬من سورة الحجرات‪.‬‬
‫[‪ ]65‬الية (‪ )93‬من سورة السراء‪.‬‬
‫[‪ ]66‬الية (‪ )65‬من سورة النمل‪.‬‬
‫[‪ ]67‬الية (‪ )188‬من سورة العراف‪.‬‬
‫[‪ ]68‬الية (‪ )115‬من سورة النساء‪.‬‬
‫[‪ ]69‬الية (‪ )21‬من سورة الحزاب‪.‬‬
‫[‪ ]70‬من تلك الكتب‪ :‬كتاب الشمائل للترمذي‪ ،‬كتاب الشمائل‬
‫لبن كثير‪.‬‬
‫[‪ ]71‬منها‪ :‬كتاب دلئل النبوة لبي نعيم الصبهاني‪ ،‬وكتاب دلئل‬
‫النبوة للبيهقي‪.‬‬
‫[‪ ]72‬ومن أشمل الكتب التي تحدثت عن سيرته صلى الله عليه‬
‫وسلم كتاب السيرة لبن كثير‪.‬‬
‫[‪ ]73‬الية (‪ )50‬من سورة القصص‪.‬‬
‫[‪ ]74‬مجموع الفتاوى (‪.)49 ،48 /10‬‬
‫[‪ ]75‬الية (‪ )24‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫[‪ ]76‬تفسير القرطبي (‪ )95 /8‬بتصرف‪.‬‬
‫[‪ ]77‬الشفا (‪.)563 /2‬‬
‫[‪ ]78‬الية (‪ )56‬من سورة الذاريات‪.‬‬
‫[‪ ]79‬التحفة العراقية لشيخ السلم ابن تيمية (‪ )13 ،4/12‬مطبوعة‬
‫ضمن الرسائل المنيرية (بتصرف يسير)‪.‬‬
‫[‪ ]80‬الية (‪ )50‬من سورة القصص‪.‬‬
‫[‪ ]81‬جامع العلوم والحكم لبن رجب (ص ‪ )366‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫[‪ ]82‬هذا لقبه واسمه النعيمان بن عمرو بن رفاعة النصاري‪،‬‬
‫وقيل إن القصة وقعت لبنه عبد الله‪ .‬فتح الباري (‪،)77 /12‬‬
‫والصابة (‪.)541 ،540 /3‬‬
‫[‪ ]83‬أخرجه في كتاب الحدود‪ ،‬باب ما يكره من لعن شارب‬
‫الخمر وأنه ليس بخارج من الملة‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري (‪.)75 /12‬‬
‫[‪ ]84‬كتاب قاعدة في المحبة لشيخ السلم ابن تيمية (‪)73 ،72‬‬
‫بتحقيق محمد رشاد سالم‪.‬‬
‫[‪ ]85‬الية (‪ )6‬من سورة الحزاب‪.‬‬
‫[‪ ]86‬الرسالة التبوكية (ص ‪ )30 ،29‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫[‪ ]87‬الية (‪ )165‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫[‪ ]88‬الية (‪ )31‬من سورة آل عمران‪.‬‬
‫[‪ ]89‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب اليمان‪ :‬باب حب‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم من اليمان‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري (‪/1‬‬
‫‪ )58‬ح ‪.14‬‬
‫[‪ ]90‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب اليمان والنذور‪ :‬باب‬
‫كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري (‬
‫‪ )523 /11‬ح ‪.6632‬‬
‫[‪ ]91‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب اليمان‪ :‬باب حب‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم من اليمان‪ ،‬واللفظ له‪ .‬انظر‪:‬‬
‫فتح الباري (‪ )58 /1‬ح ‪ ،15‬وأخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب‬
‫اليمان‪ :‬باب بيان خصال من اتصف بها وجد حلوة اليمان (‪/1‬‬
‫‪.)48‬‬
‫[‪ ]92‬الية (‪ )51‬من سورة النور‪.‬‬
‫[‪ ]93‬تيسير العزيز الحميد (‪.)417 ،415‬‬
‫[‪ ]94‬المقصود كمال المحبة الواجب الذي يذم تاركه ويتعرض‬
‫للعقوبة وليس المراد الكمال المستحب‪.‬‬
‫[‪ ]95‬مجموع الفتاوى (‪.)206 /10‬‬
‫[‪ ]96‬أخرجه أبو داود في سننه‪ ،‬كتاب السنة‪ :‬باب الدليل على‬
‫زيادة اليمان ونقصانه (‪ )60 /5‬وصححه اللباني في صحيح الجامع‬
‫الصغير (‪.)229 /5‬‬
‫[‪ ]97‬جامع العلوم والحكم (ص ‪ )367 ،366‬بتصرف‪.‬‬
‫[‪ ]98‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الدب‪ :‬باب المرء مع من‬
‫أحب‪ ،‬انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )557 /10‬ح ‪ ،6171‬وأخرجه مسلم في‬
‫صحيحه‪ ،‬كتاب البر والصله‪ :‬باب المرء مع من أحب (‪)42 /8‬‬
‫واللفظ له‪.‬‬
‫[‪ ]99‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها‪:‬‬
‫باب فيمن يود رؤية النبي صلى الله عليه وسلم بأهله وماله‪.‬‬
‫انظر‪.)148 /8( :‬‬
‫[‪ ]100‬أخرجه الترمذي في سننه‪ ،‬كتاب المناقب‪ :‬باب مناقب أهل‬
‫بيت النبي صلى الله عليه وسلم (‪ )664 /5‬ح ‪ ،3789‬وقال الترمذي‬
‫حديث حسن غريب إنما نعرفه من هذا الوجه‪ .‬وأخرجه الحاكم‬
‫في مستدركه (‪ )150 ،149 /3‬وصححه‪ ،‬ووافقه الذهبي‪ .‬وأخرجه أبو‬
‫نعيم في الحلية (‪ .)211 /3‬والخطيب في تاريخ بغداد (‪،)160 /4‬‬
‫والطبراني في الكبير (‪ )341 /10‬ح ‪.10664‬‬
‫[‪" ]101‬تساورت لها"‪ :‬أي رفعت لها شخصي‪ .‬النهاية (‪.)420 /2‬‬
‫[‪ ]102‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب فضائل الصحابة‪ :‬باب‬
‫فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه (‪.)121 /7‬‬
‫[‪ ]103‬سهل بن سعد الساعدي النصاري من مشاهير الصحابة‪،‬‬
‫مات النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس عشرة سنة‪.‬‬
‫وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة‪ ،‬مات سنة إحدى‬
‫وتسعين وقيل قبل ذلك‪ .‬الصابة (‪.)87 /2‬‬
‫[‪ ]104‬أي يخوضون ويموجون فيمن يدفعها إليه‪ .‬النهاية (‪.)145 /2‬‬
‫[‪ ]105‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب المغازي‪ :‬باب غزوة‬
‫خيبر انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )476 /7‬ح ‪ ،4210‬وأخرجه مسلم في‬
‫صحيحه‪ ،‬كتاب فضائل الصحابة‪ :‬باب فضائل علي بن أبي طالب‬
‫رضي الله عنه (‪.)121 /7‬‬
‫[‪ ]106‬هو عمرو بن العاص بن وائل القرشي السهمي أسلم قبل‬
‫الفتح‪ ،‬أحد دهاة العرب في السلم‪ ،‬وأحد القادة الفاتحين‪ ،‬فتح‬
‫مصر وكان أميرا عليها‪ ،‬توفي سنة ‪ 43‬هـ‪ .‬الصابة (‪.)3 -2 /3‬‬
‫[‪ ]107‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب اليمان‪ :‬باب كون السلم‬
‫يهدم ما قبله وكذا الهجره (‪.)78 /1‬‬
‫[‪ ]108‬الشفا (‪.)568 /2‬‬
‫[‪ ]109‬زيد بن الدثنة ‪ -‬بفتح الدال وكسر المثلثة بعدها نون ‪ -‬ابن‬
‫معاوية النصاري البياضي‪ ،‬شهد بدرا وأحدا‪ ،‬وكان في غزوة بئر‬
‫معونة فأسره المشركون وقتلته قريش بالتنعيم‪ .‬الصابة (‪.)548 /1‬‬
‫[‪ ]110‬الرجيع‪ :‬بفتح الراء وكسر الجيم هو في الصل اسم للروث‪،‬‬
‫وسمي بذلك لستحالته‪ ،‬والمراد هنا‪ :‬اسم موضع من بلد هذيل‬
‫كانت الوقعة بالقرب منه‪ .‬فتح الباري (‪.)379 /7‬‬
‫[‪ ]111‬البداية لبن كثير (‪ ،)65 /4‬وأخرجه البيهقي في الدلئل (‪/3‬‬
‫‪ )326‬في أمر خبيب‪.‬‬
‫[‪ ]112‬اليتان (‪ )70 ،9‬من سورة النساء‪.‬‬
‫[‪ ]113‬أخرجه البيهقي في شعب اليمان (ص ‪ )13‬بتحقيق محمد بن‬
‫عبد الوهاب العقيل‪ ،‬رسالة ماجستير في الجامعة السلمية‪.‬‬
‫وأورده السيوطي في الدر المنثور وعزاه إلى سعيد بن منصور‬
‫وابن المنذر‪ .‬انظر (‪ .)182 /2‬والحديث له شاهد آخر من حديث‬
‫عائشة مرفوعا بنحوه‪ ،‬أخرجه الطبراني في المعجم الصغير (‪/1‬‬
‫‪ .)26‬وأبو نعيم في الحلية (‪ ،)125 /8‬وقال الهيثمي في مجمع‬
‫الزوائد (‪" :)7 /7‬رجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن عمران‬
‫العابدي وهو ثقة‪ ،‬وله شاهد آخر من حديث ابن عباس مرفوعا‬
‫بنحوه‪ ،‬أخرجه الطبراني في الكبير (‪ )86 /12‬ح رقم ‪ ،12559‬وقال‬
‫الهيثمي في مجمع الزوائد (‪ )7 /7‬وفيه عطاء بن السائب وقد‬
‫اختلط‪ .‬وله شاهد من طريق آخر عن سعيد بن جبير مرسل‪.‬‬
‫أخرجه ابن جرير في تفسيره (‪ .)163 /5‬وطرق هذا الحديث يقوي‬
‫بعضها بعضا‪ .‬والله أعلم‪.‬‬
‫[‪ ]114‬سعد بن معاذ بن النعمان النصاري الشهلي‪ ،‬سيد الوس‪،‬‬
‫صحابي جليل‪ ،‬شهد بدرا‪ ،‬ورمي بسهم يوم الخندق فعاش بعد‬
‫ذلك شهرا ثم مات‪ ،‬وذلك سنة خمس من الهجرة‪ .‬الصابة (‪/2‬‬
‫‪.)35‬‬
‫[‪ ]115‬أورده ابن هشام في السيرة (‪ )192 /2‬وعزاه لبن إسحاق‪،‬‬
‫وأورده ابن كثير في البداية (‪)268 /3‬‬
‫[‪ ]116‬يقال‪ :‬جاض في القتال‪ :‬إذا فر‪ .‬وجاض عن الحق‪ :‬عدل‪.‬‬
‫وأصل الجيض‪ :‬الميل عن الشيء‪ ،‬ويروى بالحاء والصاد‬
‫المهملتين النهاية (‪.)324 /1‬‬
‫[‪ ]117‬جمع صارخ‪ :‬وهو المصوت يعلمه بأمر حادث يستعين به‬
‫عليه أو ينعي له ميتا‪ .‬النهاية (‪.)21 /3‬‬
‫[‪ ]118‬أي أخبرت بمقتل أبيها‪ ،‬وابنها‪ ،‬وزوجها‪ ،‬وأخيها‪.‬‬
‫[‪ ]119‬أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (‪ )115 /6‬وقال‪ :‬رواه‬
‫الطبراني في الوسط عن شيخه محمد بن شعيب ولم أعرفه‬
‫وبقية رجاله ثقات‪.‬‬
‫[‪ ]120‬جلل‪ :‬أي هينة ويسيره‪ ،‬والكلمة من الضداد تكون للحقير‬
‫والعظيم النهاية (‪.)289 /1‬‬
‫[‪ ]121‬رواه ابن هشام في السيرة (‪ .)43 /3‬وعنه أورده ابن كثير‬
‫في البداية والنهاية (‪ )47 /4‬وأخرجه البيهقي في الدلئل (‪)302 /3‬‬
‫بنحوه‪.‬‬
‫[‪ ]122‬روضة المحبين (ص ‪.)277‬‬
‫[‪ ]123‬قياس بن صرمة‪ ،‬وقيل صرمة بن قيس‪ ،‬وقيل قيس بن‬
‫مالك بن صرمة وقيل غير ذلك‪ ،‬الوسي النصاري‪ ،‬أدرك السلم‬
‫شيخا كبيرا فأسلم‪ ،‬وقد قال هذه البيات حين قدم النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم المدينة‪ .‬الصابة (‪)177 -176 /2‬‬
‫[‪ ]124‬روضة المحبين (ص ‪.)277‬‬

‫‪ -5 .30‬كتاب حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على‬


‫أمته في ضوء الكتاب والسنة [علمات وفضل محبته]‬
‫الفصل الثاني‪:‬علمات محبته صلى الله عليه وسلم و الثواب‬
‫المترتب عليها‬
‫المبحث الول‪ :‬علمات محبته صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫تمهيد‪:‬‬
‫سن الشارع الكريم علمات ودلئل لمحبة النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬شرعت ليتسنى من خللها معرفة من يصدق في دعوى‬
‫محبته للمصطفى صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فكل دعوى لبد لها من‬
‫ن كُنْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ل هَاتُوا بُْرهَانَك ُ ْ‬ ‫برهان‪ ،‬يدل على صدقها قال تعالى‪{ :‬قُ ْ‬
‫ن}[‪.]1‬‬ ‫صادِقِي َ‬‫َ‬
‫ومن أجل ذلك فإن على كل مسلم أن يكون على علم بتلك‬
‫الدلئل والعلمات‪ ،‬وأن يعمل بها ويحققها‪ ،‬وأن ل يرغب عنها أو‬
‫يستبدل بها أمورا أخرى مبتدعة لم يرد فيها دليل من الشرع‪.‬‬
‫فبتلك العلمات والدلئل تظهر حقيقة المحبة‪ ،‬فمتى ما كان‬
‫التحقيق لتلك العلمات أكبر كانت درجة المحبة أرفع وأعظم‬
‫والعكس بالعكس‪.‬‬
‫ولذلك تجد أن الصادق في محبته للنبي صلى الله عليه وسلم هو‬
‫الذي تظهر عليه تلك العلمات والدلئل وتراه يسعى جاهدا إلى‬
‫تحقيقها حتى ينال بذلك منزلة عظيمة من منازل اليمان‪.‬‬
‫ومن أهم تلك العلمات ما يلي‪:‬‬
‫المطلب الول‪ :‬من علمات محبته اتباعه والخذ بسنته صلى الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫فاتباع النبي صلى الله عليه وسلم والقتداء به والسير على نهجه‬
‫والتمسك بسنته واقتفاء آثاره واتباع أقواله وأفعاله وامتثال‬
‫أوامره‪ ،‬واجتناب نواهيه والتأدب بآدابه في العسر واليسر‬
‫والمنشط والمكره‪ ،‬هو أول علمات محبته صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫فالصادق في حب النبي صلى الله عليه وسلم هو من تظهر عليه‬
‫هذه العلمة فيكون متبعا للرسول صلى‬
‫ظاهرا وباطنا ومؤثرا لموافقته في مراده بحيث يكون فعله‬
‫وقوله تبعا لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال‪ :‬قال لي رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" :‬يا بني إن قدرت أن تصبح وتمسي ليس‬
‫في قلبك غوش لحد فافعل"‪ ،‬ثم قال لي‪" :‬يا بني وذلك من‬
‫سنتي ومن أحيا سنتي فقد أحبني ومن أحبني كان معي في‬
‫الجنة"[‪.]2‬‬
‫فالمحب للرسول صلى الله عليه وسلم هو من حرص على‬
‫التمسك بسنته وإحيائها وذلك باستعمال السنة وامتثال الوامر‬
‫واجتناب النواهي في القوال والفعال‪ ،‬وتقديم ذلك على هوى‬
‫َ‬
‫م وَأبْنَاؤ ُك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن آبَاؤ ُك ُ ْ‬ ‫ن كَا َ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫النفس وملذاتها كما قال تعالى‪{ :‬قُ ْ‬
‫خوانك ُم وأ َزواجك ُم وع َشيرتك ُم وأ َ‬
‫جاَرةٌ‬ ‫موهَا وَت ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ل اقْتََرفْت ُ‬ ‫موَا ٌ‬ ‫ْ‬ ‫وَإ ِ ْ َ ُ ْ َ ْ َ ُ ْ َ ِ َ ُ ْ َ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫سول ِ ِ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن الل ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ب إِلَيْك ُ ْ‬ ‫ح َّ‬ ‫ضوْنَهَا أ َ‬ ‫ن تَْر َ‬
‫ساك ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫سادَهَا َو َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫خ َ‬
‫شوْ َ‬ ‫تَ ْ‬
‫صوا}[‪.]3‬‬ ‫سبِيلِهِ فَتََرب َّ ُ‬‫جهَاد ٍ فِي َ‬‫وَ ِ‬
‫فإحياء السنة واتباع المصطفى دليل محبته كما هو دليل محبة‬
‫َ‬
‫ه فَاتَّب ِ ُعونِي‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫حبُّو َ‬ ‫م تُ ِ‬ ‫ن كُنْت ُ ْ‬ ‫الله عز وجل‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬قُ ْ‬
‫ل إِ ْ‬
‫َ‬
‫م الل ّه} فهذه الية نزلت عندما ادعى قوم على عهد رسول‬ ‫حبِبْك ُ ُ‬
‫يُ ْ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم أنهم يحبون الله‪ ،‬فأنزل الله هذه الية‪.‬‬
‫وعلى هذا فإن محبة الله ورسوله تقتضي فعل المحبوبات وترك‬
‫المكروهات‪ ،‬ول يتصور أن يكون الشخص محبا لله ورسوله وهو‬
‫معرض عن اتباع سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك فإن الناس يتفاضلون في درجات محبتهم تفاضل‬
‫عظيما‪ ،‬فمن كان منهم أعظم نصيبا في اتباع الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم والقتداء بسنته فهو أعظم درجة عند الله‪ ،‬ومن‬
‫نقصت درجة اتباعه فل شك أن ذلك سيؤثر على المحبة ويضعف‬
‫درجتها‪.‬‬
‫وهذا ل يعني أن المخالفة لشيء من السنة ينافي المحبة منافاة‬
‫كلية‪ ،‬فالمخالفة إذا لم تصل إلى درجة الكفر فهي تنقص من‬
‫المحبة ولكن ل تخرج صاحبها عن دائرتها والدليل على ذلك قوله‬
‫صلى الله عليه وسلم للرجل الذي لعن شارب الخمر وقال ما‬
‫أكثر ما يؤتى به‪ ،‬فقال صلى الله عليه وسلم‪" :‬ل تلعنه فإنه يحب‬
‫الله ورسوله"‪ .‬فدل الحديث على أن وقوع المخالفة حتى وإن‬
‫كانت كبيرة من الكبائر ل يعني ذلك انتفاء وجود محبة الله‬
‫ورسوله في ذلك الشخص المخالف‪ .‬والواجب على كل مؤمن أن‬
‫يحب ما أحبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم محبة توجب له‬
‫التيان بما وجب عليه منه‪.‬‬
‫فإن زادت المحبة حتى أتى بما ندب إليه منه كان ذلك فضل‪.‬‬
‫والواجب عليه كذلك أن يكره ما كرهه الله ورسوله كراهة توجب‬
‫الكف عما حرم عليه منه‪.‬‬
‫فإن زادت الكراهة حتى أوجبت الكف عما كره تنزيها كان ذلك‬
‫فضل[‪.]4‬‬
‫"فمن أحب الله ورسوله محبة صادقة من قلبه أوجب له ذلك أن‬
‫يحب بقلبه ما يحبه الله ورسوله‪ ،‬ويكره ما يكرهه الله ورسوله‬
‫ويرضى ما يرضي الله ورسوله‪ ،‬ويسخط ما يسخط الله ورسوله‪،‬‬
‫وأن يعمل بجوارحه بمقتضى هذا الحب والبغض‪.‬‬
‫فإن عمل بجوارحه شيئا يخالف ذلك بأن ارتكب بعض ما يكرهه‬
‫الله ورسوله‪ ،‬أو ترك بعض ما يحبه الله ورسوله مع وجوبه‬
‫والقدرة عليه دل ذلك على نقص محبته الواجبة فعليه أن يتوب‬
‫من ذلك ويرجع إلى تكميل المحبة الواجبة"[‪.]5‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬من علمات محبته الكثار من ذكره صلى الله‬


‫عليه وسلم‪.‬‬
‫ومن علمات محبته صلى الله عليه وسلم الكثار من ذكره صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬فمن أحب شيئا أكثر من ذكره‪ ،‬ودوام الذكر‬
‫سبب لدوام المحبة وزيادتها ونمائها‪.‬‬
‫وفي هذا المعنى يقول ابن القيم رحمه الله في ضمن تعداده‬
‫للفوائد والثمرات الحاصلة من الصلة على النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬أنها سبب لدوام محبته للرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫وزيادتها وتضاعفها وذلك عقد من عقود اليمان الذي ل يتم إل به‪،‬‬
‫لن العبد كلما أكثر من ذكر المحبوب واستحضار محاسنه‬
‫ومعانيه الجالبة لحبه تضاعف حبه له وتزايد شوقه إليه واستولى‬
‫على جميع قلبه‪ .‬وإذا أعرض عن ذكره وإحضاره وإحضار محاسنه‬
‫بقلبه نقص حبه من قلبه ول شيء أقر لعين العبد المحب من‬
‫رؤية محبوبه ول أقر لقلبه من ذكره وإحضار محاسنه‪ ،‬فإذا قوي‬
‫هذا في قلبه جرى لسانه بمدحه والثناء عليه وذكر محاسنه‬
‫وتكون زيادة ذلك ونقصانه بحسب زيادة الحب ونقصانه في‬
‫قلبه"[‪.]6‬‬
‫والمقصود بالذكر هنا الذكر المشروع وعلى رأسه الصلة‬
‫والسلم عليه صلى الله عليه وسلم امتثال لمر الله تعالى الوارد‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫منُوا‬ ‫ي يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫نآ َ‬ ‫ن ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬‫صل ّو َ‬ ‫ملئِكَت َ ُ‬
‫ه يُ َ‬ ‫ه وَ َ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫في قوله {إ ِ ّ‬
‫ُ‬
‫سلِيماً}[‪.]7‬‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫صل ّوا ع َلَيْهِ وَ َ‬
‫سل ِّ ُ‬ ‫َ‬
‫وامتثال لقوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬إذا سمعتم المؤذن فقولوا‬
‫مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلة صلى الله‬
‫عليه بها عشرا" الحديث[‪.]8‬‬
‫وعن أبي بن كعب قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬إني أكثر الصلة‬
‫عليك‪ ،‬فكم أجعل لك من صلتي؟‪ ،‬قال‪" :‬ما شئت"‪ .‬قلت‪:‬‬
‫الربع؟‪ ،‬قال‪" :‬ما شئت‪ ،‬وإن زدت فهو خير"‪ .‬قلت‪ :‬النصف؟‪،‬‬
‫قال‪" :‬ما شئت‪ ،‬و إن زدت فهو خير"‪ .‬قلت‪ :‬الثلثين؟‪ ،‬قال‪" :‬ما‬
‫شئت‪ ،‬وإن زدت فهو خير"‪ .‬قال‪ :‬أجعل لك صلتي كلها‪ .‬قال‪" :‬إذا‬
‫تكفى همك‪ ،‬ويغفر لك ذنبك"[‪.]9‬‬
‫قال ابن القيم‪" :‬سئل شيخنا أبو العباس بن تيمية رضي الله عنه‬
‫عن تفسير هذا الحديث فقال‪ :‬كان لبي بن كعب دعاء يدعو به‬
‫لنفسه فسأل النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬هل يجعل له منه‬
‫ربعه صلة عليه فقال‪ :‬إن زدت فهو خير لك‪ ،‬فقال له‪ :‬النصف‪،‬‬
‫فقال إن زدت فهو خير لك‪ ،‬إلى أن قال‪ :‬أجعل لك صلتي كلها‪:‬‬
‫أي أجعل دعائي كله صلة عليك‪ ،‬قال‪ :‬إذا تكفى همك ويغفر‬
‫ذنبك‪ ،‬لن من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم صلة صلى‬
‫الله بها عشرا‪ ،‬ومن صلى الله عليه كفاه همه وكفر له ذنبه هذا‬
‫معنى كلمه"[‪.]10‬‬
‫والشاهد من الحديث أن من محبته صلى الله عليه وسلم مداومة‬
‫الصلة والسلم عليه والثناء عليه بما هو أهل له من الوصاف‬
‫والخصال الحميدة التي وصف بها صلى الله عليه وسلم‪ .‬وفي‬
‫الحديث الخر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬البخيل من ذكرت عنده فلم‬
‫يصل علي"[‪.]11‬‬
‫شرع لظهار محبته واحترامه وتوقيره وتعظيمه صلى الله‬ ‫فذكره ُ‬
‫عليه وسلم وهذا من علمات محبته‪ ،‬ولقد ورد أن الصحابة‬
‫رضوان الله عليهم كانوا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ل‬
‫يذكرونه إل خشعوا واقشعرت جلودهم وبكوا‪ ،‬وكذلك كان كثير‬
‫من التابعين من يفعل ذلك محبة له وشوقا إليه[‪.]12‬‬
‫ويدخل ضمن الذكر المشروع تعداد فضائله وخصائصه وما وهبه‬
‫الله من الصفات والخلق والخلل الفاضلة‪ ،‬وما أكرمه به من‬
‫المعجزات والدلئل‪ ،‬وذلك من أجل التعرف على مكانته ومنزلته‬
‫والتأسي بصفاته وأخلقه‪ ،‬وتعريف الناس وتذكيرهم بذلك‪،‬‬
‫ليزدادوا إيمانا ومحبة له صلى الله عليه وسلم ولكي يتأسوا به‪.‬‬
‫ول محظور في التمدح بذلك نثًرا وشعًرا مادام أن ذلك في حدود‬
‫المشروع الذي أمر به الشارع الكريم‪.‬‬
‫نصوص القرآن والسنة‪ ،‬كأن يتجاوز به حدود بشريته فيصرف له‬
‫شيء من المور الخاصة بالله عز وجل كما فعل بعض الغلة في‬
‫أشعارهم ومدائحهم للنبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وكذلك فإن من المور المنهي عنها الذكر المقترن بالغناء وأدوات‬
‫اللهو والطرب والرقص‪ ،‬وهذا الذكر البدعي هو الذي عليه حال‬
‫أرباب الطرق والتصوف‪ ،‬وقد وافقهم على ذلك كثير من عوام‬
‫الناس ظنا منهم أن فعل مثل هذه المور هو الطريق إلى تحقيق‬
‫محبة النبي صلى الله عليه وسلم وهو في حقيقة فعله يعد محادة‬
‫لله ورسوله فقد تبرأ صلى الله عليه وسلم ممن أحدث في‬
‫الدين حيث قال‪" :‬من عمل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد"‪.‬‬
‫وسيأتي مزيد تفصيل لهذا الموضوع في الباب الرابع بإذن الله‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬من علمات محبته صلى الله عليه وسلم تمني‬
‫رؤيته والشوق إلى لقائه‪.‬‬
‫ومن علمات محبته صلى الله عليه وسلم محبة رؤيته والشوق‬
‫إلى لقائه وتمني ذلك ولو كان ذلك مقابل بذل المال والهل‪.‬‬
‫وهذه العلمة نص عليها قوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬من أشد‬
‫أمتي لي حبا ناس يكونون بعدي يود أحدهم لو رآني بأهله‬
‫وماله"[‪ .]13‬فهو صلى الله عليه وسلم وصف أهل هذه العلمة‬
‫من أمته التي ستأتي من بعده بأنهم من أشد الناس محبة له‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وهذه المنية قدرها حق قدرها أهل‬
‫اليمان الذين ترسخت في قلوبهم محبة النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم حتى إنهم من شدة محبتهم له صلى الله عليه وسلم أن‬
‫جالت في خواطرهم وأحاسيسهم هذه المنية العظيمة حتى إن‬
‫الواحد منهم ل يبالي أن يدفع ثمنا لهذه المنية العزيزة على‬
‫نفسه ما عنده من الهل والمال ليرى النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬ولسان حالهم ومقالهم يقول مع ذلك كله ما أعظم المنية‬
‫وما أرخص الثمن‪.‬‬
‫فهذه علمة من علمات محبته يتصف بها أهل اليمان الصادق‬
‫الراسخ الذين آمنوا بوجوب تقديم محبة رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم على محبة الولد والوالد والناس أجمعين بل على كل‬
‫أمر من أمور الدنيا ومظاهرها فيا لها من نفوس سمت وسما بها‬
‫إيمانها لمثل هذا المطلب وهذه المنية العزيزة على قلب كل‬
‫مؤمن عرف قدر النبي صلى الله عليه وسلم وحقه وعظيم‬
‫منزلته‪.‬‬
‫فجدير بهذه النفوس أن تنال شهادة النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫لها بأنها أشد القلوب محبة له‬
‫وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬والذي نفس محمد في يده ليأتين على أحدكم يوم‬
‫ل يراني‪ ،‬ثم لن يراني معهم أحب إليه من أهله وماله"[‪.]14‬‬
‫ولقد كانت هذه السمة وهي الشوق إلى لقاء النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ورؤيته موجودة في الصحابة رضوان الله عليهم‬
‫ويشهد لذلك ما جاء في حديث الشعريين أنهم عند قدومهم إلى‬
‫المدينة كانوا يرتجزون فيقولون‪:‬‬
‫غدا نلقى الحبة محمد وحزبه[‪]15‬‬
‫وروي أن بلل رضي الله عنه لما حضرته الوفاة‪ ،‬نادت امرأته‬
‫واحزناه‪ .‬فقال‪ :‬واطرباه‪ ،‬غدا ألقى الحبة محمد وحزبه[‪.]16‬‬
‫وقد روي مثل ذلك عن حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر رضي‬
‫الله عنهم أجمعين[‪.]17‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬من علمات محبته صلى الله عليه وسلم‬


‫النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولئمة المسلمين وعامتهم‪.‬‬
‫فمن علمات محبته صلى الله عليه وسلم‪ :‬المناصحة لله‪ ،‬ولكتابه‬
‫ولرسوله‪ ،‬ولئمة المسلمين وعامتهم‪.‬‬
‫َ‬
‫حوا‬‫ص ُ‬‫ج إِذ َا ن َ َ‬ ‫حَر ٌ‬
‫ن َ‬ ‫ما يُنْفِقُو َ‬ ‫َ‬ ‫ن‬‫جدُو َ‬ ‫ِ‬ ‫ن ل يَ‬ ‫َ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬وَل ع َلَى ال ّذِي‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م}[‪.]18‬‬ ‫حي ٌ‬‫ه غَفُوٌر َر ِ‬ ‫ل وَالل ّ ُ‬ ‫سبِي ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫سنِي َ‬ ‫ح ِ‬‫م ْ‬ ‫ما ع َلَى ال ْ ُ‬ ‫سولِهِ َ‬ ‫لِل ّهِ وََر ُ‬
‫حوا} النصح‪ :‬إخلص‬ ‫ص ُ‬ ‫قال القرطبي[‪" :]19‬قوله تعالى‪{ :‬إِذ َا ن َ َ‬
‫العمل من الغش ومنه التوبة النصوح‪ ...‬ونصح الشيء‪ :‬إذا خلص‬
‫ونصح له القول‪ :‬أي أخلصه له"[‪.]20‬‬
‫وأصل النصح في اللغة‪ :‬الخلوص‪ ،‬يقال نصحت العسل‪ :‬إذا‬
‫خلصته من الشمع‪ .‬ويقال‪ :‬نصحته‪ ،‬ونصحت له[‪.]21‬‬
‫قال الخطابي‪" :‬النصاحة‪ :‬إخلص العمل‪ .‬والناصح‪ :‬الخالص من‬
‫كل شيء‪ ،‬ويقال‪ :‬نصحت العسل إذا صفيتها"[‪.]22‬‬
‫وعن تميم الداري[‪ ]23‬رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪" :‬إن الدين النصيحة"‪ .‬قلنا‪ :‬لمن؟ قال‪" :‬لله ولكتابه‬
‫ولرسوله ولئمة المسلمين وعامتهم"[‪ .]24‬فقوله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬إن الدين النصيحة" يدل على أن النصيحة تشمل خصال‬
‫السلم واليمان والحسان التي ذكرت في حديث جبريل‬
‫المشهور وسمى ذلك كله دينا‪ .‬فالنصيحة كلمة جامعة تتضمن‬
‫قيام الناصح للمنصوح له بوجوه الخير إرادة وفعل[‪.]25‬‬
‫قال المام محمد بن نصر المروزي[‪" :]26‬قال بعض أهل العلم‪:‬‬
‫جماع تفسير النصيحة‪ :‬هو عناية القلب للمنصوح له من كان‪.‬‬
‫وهي على وجهين‪ :‬أحدهما‪ :‬فرض‪ .‬والخر‪ :‬نافلة‪.‬‬
‫فالنصيحة المفترضة لله‪ :‬هي شدة العناية من الناصح‪ ،‬باتباع‬
‫محبة الله في أداء ما افترض‪ ،‬ومجانبة ما حرم الله‪.‬‬
‫وأما النصيحة التي هي نافلة‪ :‬فهي إيثار محبته على محبة نفسه‪،‬‬
‫وذلك أن يعرض له أمران‪ :‬أحدهما‪ :‬لنفسه‪ ،‬والخر‪ :‬لربه‪ .‬فيبدأ‬
‫بما كان لربه‪ ،‬ويؤخر ما كان لنفسه‪ .‬فهذه جملة تفسير النصيحة‬
‫له الفرض منه والنافلة‪ .‬فالفرض منها‪ :‬مجانبة نهيه‪ ،‬وإقامة‬
‫فرضه بجميع جوارحه‪ ،‬ما كان مطيعا له‪.‬‬
‫فإن عجز عن القيام بفرضه لفة حلت به من مرض‪ ،‬أو حبس‪ ،‬أو‬
‫غير ذلك عزم على أداء ما افترض عليه متى زالت عنه العلة‬
‫ضى وَل‬ ‫مْر َ‬ ‫ضعَفَاءِ وَل ع َل َ َى ال ْ َ‬ ‫س ع َلَى ال ُّ‬ ‫المانعة له قال تعالى‪{ :‬لَي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫سولِهِ َ‬ ‫حوا لِل ّهِ وََر ُ‬ ‫ص ُ‬
‫ج إِذ َا ن َ َ‬ ‫حَر ٌ‬‫ن َ‬ ‫ما يُنْفِقُو َ‬ ‫ن َ‬ ‫جدُو َ‬‫ن ل يَ ِ‬ ‫ع َلَى ال ّذِي َ‬
‫سبِيل}[‪ ]27‬فسماهم محسنين بنصيحتهم لله‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬‫سنِي َ‬
‫ح ِ‬ ‫ع َلَى ال ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫بقلوبهم‪ ،‬لما منعوا من الجهاد بأنفسهم‪.‬‬
‫وقد ترفع العمال كلها عن العبد في بعض الحالت‪ ،‬ول يرفع عنه‬
‫النصح لله لو كان من المرض بحال ل يمكنه عمل شيء بشيء‬
‫من جوارحه بلسان وغيره غير أن عقله ثابت‪ ،‬لم يسقط عنه‬
‫النصح لله بقلبه‪ ،‬وكذلك النصح لله ولرسوله فيما أوجبه على‬
‫الناس من أمر ربه‪.‬‬
‫ومن النصح الواجب لله أن ل يرضى معصية العاصي‪ ،‬ويحب‬
‫طاعة من أطاع الله ورسوله‪.‬‬
‫وأما النصيحة التي هي نافلة ل فرض‪ :‬فبذل المجهود بإيثار الله‬
‫على كل محبوب بالقلب وسائر الجوارح حتى ل يكون في الناصح‬
‫فضل عن غيره‪ ،‬لن الناصح إذا اجتهد لمن ينصحه لم يؤثر نفسه‬
‫عليه‪ ،‬وقام بكل ما كان في القيام به سروره ومحبته‪ .‬فكذلك‬
‫الناصح لربه‪ .‬ومن تنفل لله بدون الجتهاد فهو ناصح على قدر‬
‫عمله‪ ،‬غير محقق للنصح بالكمال"[‪.]28‬‬
‫قال القاضي عياض‪" :‬نصيحة الله تعالى‪ :‬صحة العتقاد له‬
‫بالوحدانية‪ ،‬ووصفه بما هو أهله‪ ،‬وتنزيهه عما ل يجوز عليه‪،‬‬
‫والرغبة في محابه والبعد عن مساخطه‪ ،‬والخلص في عبادته[‬
‫‪.]29‬‬
‫وقال الخطابي‪ " :‬معنى النصيحة لله سبحانه‪ :‬صحة العتقاد في‬
‫وحدانيته‪ ،‬وإخلص النية في عبادته"[‪.]30‬‬
‫وقال أبو عمرو بن الصلح[‪" :]31‬النصيحة لله تعالى‪ :‬توحيده‬
‫ووصفه بصفات الكمال والجلل‪ ،‬وتنزيهه عما يضادها ويخالفها‪،‬‬
‫وتجنب معاصيه والقيام بطاعته ومحابه بوصفه الخلص‪ ،‬والحب‬
‫فيه والبغض فيه وجهاد من كفر به تعالى وما ضاهى ذلك‪،‬‬
‫والدعاء إلى ذلك والحث عليه"[‪.]32‬‬
‫وأما النصيحة لكتاب الله‪ :‬فقال عنها محمد بن نصر المروزي‪" :‬‬
‫وأما النصيحة لكتاب الله‪ :‬فشدة حبه‪ ،‬وتعظيم قدره ‪ -‬إذ هو كلم‬
‫الخالق ‪ -‬وشدة الرغبة في فهمه‪ ،‬ثم شدة العناية في تدبره‪،‬‬
‫والوقوف عند تلوته لطلب معاني ما أحب موله أن يفهمه عنه‪،‬‬
‫ويقوم له بعد ما يفهمه‪.‬‬
‫وكذلك الناصح من القلب‪ ،‬يتفهم وصية من ينصحه‪ ،‬وإن ورد عليه‬
‫كتاب منه عني بفهمه‪ ،‬ليقوم عليه بما كتب به فيه إليه‪.‬‬
‫فكذلك الناصح لكتاب الله يُعنى بفهمه ليقوم لله بما أمر به كما‬
‫يحب ويرضى‪ ،‬ثم ينشر ما فهم في العباد‪ ،‬ويديم دراسته بالمحبة‬
‫له والتخلق بأخلقه والتأدب بآدابه"[‪.]33‬‬
‫وقال القاضي عياض‪" :‬والنصيحة لكتابه اليمان به‪ ،‬والعمل بما‬
‫فيه وتحسين تلوته‪ ،‬والتخشع عنده‪ ،‬والتعظيم له‪ ،‬وتفهمه‪،‬‬
‫والتفقه فيه‪ ،‬والذب عنه من تأويل الغالين وطعن الملحدين"[‪.]34‬‬
‫وقال أبو عمرو بن الصلح‪ " :‬والنصيحة لكتابه‪ :‬اليمان به‬
‫وتعظيمه‪ ،‬وتنزيهه‪ ،‬وتلوته حق تلوته‪ ،‬والوقوف مع أوامره‬
‫ونواهيه‪ ،‬وتفهم علومه وأمثاله‪ ،‬وتدبر آياته‪ ،‬والدعاء إليه‪ ،‬وذب‬
‫تحريف الغالين وطعن الملحدين عنه"[‪.]35‬‬
‫وقال النووي[‪" :]36‬وأما النصيحة لكتابه سبحانه وتعالى‪ :‬فاليمان‬
‫بأنه كلم الله تعالى وتنزيله ل يشبهه شيء من كلم الخلق ول‬
‫يقدر على مثله أحد من الخلق‪ ،‬ثم تعظيمه وتلوته حق تلوته‬
‫وتحسينها والخضوع عندها وإقامة حروفه في التلوة والذب عنها‬
‫تأويل المحرفين وتعرض الطاعنين‪ ،‬والتصديق بما فيه‪ ،‬والوقوف‬
‫مع أحكامه‪ ،‬وتفهم علومه وأمثاله والعتبار بمواعظه‪ ،‬والتفكر في‬
‫عجائبه‪ ،‬والعمل بمحكمه والتسليم لمتشابهه والبحث عن عمومه‬
‫وخصوصه‪ ،‬وناسخه ومنسوخه‪ ،‬ونشر علومه والدعاء إليه وإلى ما‬
‫ذكرنا من نصيحته"[‪.]37‬‬
‫وأما النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬فقال المام‬
‫أحمد‪" :‬من مفروضات القلوب النصيحة للرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم"[‪]38‬‬
‫وقال محمد بن نصر المروزي‪ " :‬وأما النصيحة للرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم في حياته‪ :‬فبذل المجهود في طاعته‪ ،‬ونصرته‬
‫ومعاونته وبذل المال إذا أراده‪ ،‬والمسارعة إلى محبته‪ .‬وأما بعد‬
‫وفاته‪ :‬فالعناية بطلب سنته‪ ،‬والبحث عن أخلقه وآدابه‪ ،‬وتعظيم‬
‫أمره‪ ،‬ولزوم القيام به‪ ،‬وشدة الغضب والعراض عن من يدين‬
‫بخلف سنته والغضب على من ضيعها لثرة دنيا‪ ،‬وإن كان متدينا‬
‫بها‪ .‬وحب من كان منه بسبيل من قرابة‪ ،‬أو صهر‪ ،‬أو هجرة‪ ،‬أو‬
‫نصرة أو صحبة ساعة من ليل أو نهار على السلم‪ ،‬والتشبه به‬
‫في زيه ولباسه "[‪.]39‬‬
‫وقال القاضي عياض "قال أبو بكر الجري وغيره‪ :‬النصح له‬
‫حا بعد مماته‪.‬‬ ‫حا في حياته‪ ،‬ونص ً‬ ‫يقتضي نصحين‪ :‬نص ً‬
‫ففي حياته نصح أصحابه له بالنصر والمحاماة عنه‪ ،‬معاداة من‬
‫عاداه‪ ،‬والسمع والطاعة له‪ ،‬وبذل النفوس والموال دونه كما‬
‫َ‬
‫ضى‬ ‫ن قَ َ‬‫م ْ‬
‫م َ‬‫منْهُ ْ‬‫ه ع َلَيْهِ فَ ِ‬ ‫ما ع َاهَدُوا الل ّ َ‬‫صدَقُوا َ‬ ‫ل َ‬ ‫جا ٌ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬رِ َ‬
‫ما بَدَّلُوا تَبْدِيلً}[‪.]40‬‬ ‫ن يَنْتَظُِر َو َ‬ ‫م ْ‬
‫م َ‬
‫منْهُ ْ‬
‫ه وَ ِ‬
‫حب َ ُ‬
‫نَ ْ‬
‫ُ‬
‫ه أولَئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫ن}[‪.]41‬‬ ‫صادِقُو َ‬‫م ال َّ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫سول َ ُ‬
‫ه وََر ُ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫صُرو َ‬‫وقال تعالى‪{ :‬وَيَن ْ ُ‬
‫وأما نصيحة المسلمين له بعد وفاته‪ :‬فالتزام التوقير والجلل‪،‬‬
‫وشدة المحبة له والمثابرة على تعلم سنته‪ ،‬والتفقه في شريعته‪،‬‬
‫ومحبة آل بيته وأصحابه‪ ،‬ومجانبة من رغب عن سنته وانحرف‬
‫عنها‪ ،‬وبغضه والتحذير منه والشفقة على أمته‪ ،‬والبحث عن‬
‫تعريف أخلقه وسيره وآدابه‪ ،‬والصبر على ذلك[‪.]42‬‬
‫وقال أبو عمرو بن الصلح‪" :‬والنصيحة لرسوله صلى الله عليه‬
‫وسلم اليمان به وبما جاء به‪ ،‬وتوقيره وتبجيله‪ ،‬والتمسك بطاعته‬
‫وإحياء سنته وانتشار علومه ونشرها‪ ،‬ومعاداة من عاداه وموالة‬
‫من واله ووالها‪ ،‬والتخلق بأخلقه‪ ،‬والتأدب بآدابه ومحبة آله‬
‫وأصحابه ونحوذلك "[‪.]43‬‬
‫وقال النووي‪" :‬أما النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫فتصديقه على الرسالة‪ ،‬واليمان بجميع ما جاء به‪ ،‬وطاعته في‬
‫أمره ونهيه ونصرته حيًا وميتًا‪ ،‬ومعاداة من عاداه‪ ،‬وموالة من‬
‫واله‪ ،‬وإعظام حقه وتوقيره‪ ،‬وإحياء طريقته وسنته‪ ،‬وبث دعوته‪،‬‬
‫ونشر شريعته ونفي التهمة عنها‪ ،‬واستثارة علومها‪ ،‬والتفقه في‬
‫معانيها‪ ،‬والدعاء إليها‪ ،‬والتلطف في تعلمها وتعليمها وإعظامها‬
‫وإجللها‪ ،‬والتأدب عند قرئتها والمساك عن الكلم فيها بغير علم‪،‬‬
‫وإجلل أهلها لنتسابهم إليها‪ ،‬والتخلق بأخلقه‪ ،‬والتأدب بآدابه‪،‬‬
‫ومحبة أهل بيته وأصحابه‪ ،‬ومجانبة من ابتدع في سنته أو تعرض‬
‫لحد من أصحابه ونحو ذلك"[‪.]44‬‬
‫وقال القرطبي‪" :‬والنصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫التصديق بنبوته‪ ،‬والتزام طاعته في أمره ونهيه‪ ،‬وموالة من واله‬
‫ومعاداة من عاداه‪ ،‬وتوقيره‪ ،‬ومحبته ومحبة آل بيته وتعظيمه‪،‬‬
‫وتعظيم سنته‪ ،‬وإحياؤها بعد موته بالبحث عنها‪ ،‬والتفقه فيها‬
‫والذب عنها ونشرها والدعاء إليها‪ ،‬والتخلق بأخلقه الكريمة "[‬
‫‪.]45‬‬
‫وأما النصح لئمة المسلمين‪ :‬فقال عنه محمد بن نصر المروزي‬
‫"فحب صلحهم ورشادهم وعدلهم‪ ،‬وحب اجتماع المة عليهم‪،‬‬
‫وكراهة افتراق المة عليهم‪ ،‬والتدين بطاعتهم في طاعة الله‪،‬‬
‫والبغض لمن رأى الخروج عليهم وحب إعزازهم في طاعة الله‬
‫"[‪.]46‬‬
‫وقال القاضي عياض‪" :‬وأما النصح لئمة المسلمين‪ :‬فطاعتهم‬
‫في الحق‪ ،‬ومعونتهم فيه‪ ،‬وأمرهم به‪ ،‬وتذكيرهم إياه على أحسن‬
‫وجه‪ ،‬وتنبيههم على ما غفلوا عنه وكتم عنهم من أمور‬
‫المسلمين‪ ،‬وترك الخروج عليهم وتضريب الناس وإفساد قلوبهم‬
‫عليهم"[‪.]47‬‬
‫وقال أبو عمرو بن الصلح‪" :‬والنصيحة لئمة المسلمين معاونتهم‬
‫على الحق‪ ،‬وطاعتهم فيه وتذكيرهم به‪ ،‬وتنبيههم في رفق‬
‫ولطف‪ ،‬ومجانبة الوثوب عليهم والدعاء لهم بالتوفيق وحث‬
‫الغيار على ذلك"[‪.]48‬‬
‫وقال القرطبي‪ " :‬والنصح للئمة المسلمين ترك الخروج عليهم‪،‬‬
‫وإرشادهم إلى الحق وتنبيههم فيما أغفلوا من أمور المسلمين‪،‬‬
‫ولزوم طاعتهم والقيام بواجب حقهم "[‪.]49‬‬
‫وقال النووي‪ " :‬قال الخطابي‪ :‬ومن النصيحة لهم الصلة خلفهم‬
‫والجهاد معهم وأداء الصدقات إليهم وترك الخروج بالسيف عليهم‬
‫إذا ظهر منهم حيف أو سوء عشرة‪ ،‬وأن ل يغروا بالثناء الكاذب‬
‫عليهم‪ ،‬وأن يدعى لهم بالصلح وهذا كله على أن المراد بأئمة‬
‫المسلمين الخلفاء وغيرهم ممن يقوم بأمور المسلمين من‬
‫أصحاب الوليات‪ ،‬وهذا هو المشهور"[‪.]50‬‬
‫وأما النصيحة لعامة المسلمين‪ :‬فيقول عنها محمد بن نصر‬
‫المروزي‪" :‬وأما النصيحة للمسلمين‪ :‬فأن يحب لهم ما يحب‬
‫لنفسه‪ ،‬ويكره لهم ما يكره لنفسه‪ ،‬ويشفق عليهم‪ ،‬ويرحم‬
‫صغيرهم‪ ،‬ويوقر كبيرهم‪ ،‬ويحزن لحزنهم‪ ،‬ويفرح لفرحهم‪ ،‬وإن‬
‫ضره ذلك في دنياه ‪-‬كرخص أسعارهم‪ -‬وإن كان في ذلك ربح ما‬
‫يبيع من تجارته‪ ،‬وكذلك جميع ما يضرهم عامة يحب صلحهم‬
‫وألفتهم ودوام النعم عليهم‪ ،‬ونصرهم على عدوهم‪ ،‬ودفع كل أذى‬
‫ومكروه عنهم"[‪.]51‬‬
‫وقال أبو عمرو بن الصلح‪" :‬والنصيحة لعامة المسلمين‪:‬‬
‫إرشادهم إلى مصالحهم‪ ،‬وتعليمهم أمور دينهم ودنياهم‪ ،‬وستر‬
‫عوراتهم‪ ،‬وسد خلتهم ونصرتهم على أعدائهم والذب عنهم‪،‬‬
‫ومجانبة الغش والحسد لهم وأن يحب لهم ما يحب لنفسه‪،‬‬
‫ويكره لهم ما يكره لنفسه وما شابه ذلك"[‪.]52‬‬
‫وقال القاضي عياض‪" :‬والنصح لعامة المسلمين‪ :‬إرشادهم إلى‬
‫مصالحهم‪ ،‬ومعونتهم في أمر دينهم ودنياهم بالقول والفعل وتنبيه‬
‫غافلهم‪ ،‬وتبصير جاهلهم ورفد محتاجهم‪ ،‬وستر عوراتهم‪ ،‬ودفع‬
‫المضار عنهم‪ ،‬وجلب المنافع إليهم"[‪.]53‬‬
‫وقال القرطبي‪" :‬والنصح للعامة‪ :‬ترك معاداتهم‪ ،‬وإرشادهم وحب‬
‫الصالحين منهم‪ ،‬والدعاء لجميعهم وإرادة الخير لكافتهم‪ .‬وفي‬
‫الحديث الصحيح "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم‬
‫مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد‬
‫بالسهر والحمى"[‪.]55[ ]54‬‬
‫وعن جرير بن عبد الله[‪ ]56‬قال‪" :‬بايعت رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم على السمع والطاعة فلقنني "فيما استطعت والنصح‬
‫لكل مسلم"[‪.]57‬‬
‫وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪" :‬حق المؤمن على المؤمن ست"‪ .‬قيل‪ :‬وما هن يا رسول‬
‫الله؟‬
‫قال‪ " :‬إذا لقيته فسلم عليه‪ ،‬وإذا دعاك فأجبه‪ ،‬وإذا استنصحك‬
‫فانصح له وإذا عطس فحمد الله فشمته‪ ،‬وإذا مرض فعده‪ ،‬وإذا‬
‫مات فاتبعه"[‪.]58‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬من علمات محبته صلى الله عليه وسلم تعلم‬
‫القرآن الكريم‬
‫من علمات محبته صلى الله عليه وسلم تعلم القرآن الكريم‬
‫الناطق بشريعته‪ ،‬والمداومة على تلوته‪ ،‬وفهم معانيه‪ ،‬وكذلك‬
‫تعلم سنته صلى الله عليه وسلم وتعليمها ومحبة أهلها‪.‬‬
‫قال القاضي عياض‪" :‬ومنها ‪-‬أي من علمات محبته‪ -‬أن يحب‬
‫القرآن الذي أتى به صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وهدى به واهتدى‪،‬‬
‫تخلق به حتى قالت عائشة رضي الله عنها‪" :‬إن خلق نبي الله‬
‫صلى الله عليه وسلم كان القرآن"[‪.]59‬‬
‫وحبه للقرآن تلوته والعمل به وتفهمه "[‪.]60‬‬
‫وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪" :‬خيركم من تعلم القرآن وعلمه"[‪.]61‬‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم‪" :‬كتاب الله عز وجل هو حبل الله‪،‬‬
‫من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على ضللة"[‪.]62‬‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم‪" :‬كتاب الله فيه الهدى والنور من‬
‫استمسك به وأخذ به كان على الهدى ومن أخطأه ضل"[‪.]63‬‬
‫وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال‪" :‬ل يسأل أحد عن نفسه إل‬
‫القرآن‪ ،‬فإن كان يحب القرآن فهو يحب الله ورسوله"[‪.]64‬‬
‫وقد سبق عند ذكر النصيحة "لكتاب الله" ذكر أقوال العلماء فيما‬
‫يجب على المسلم تجاه كتاب الله فليرجع إليه‪.‬‬
‫ومن علمات محبته صلى الله عليه وسلم أن يحب سنته ويقف‬
‫عند حدودها[‪ ]65‬وهذا ما سبق بيانه في الفصل الثاني من الباب‬
‫الول من هذه الرسالة‪.‬‬

‫الطلب السادس‪ :‬من علمات محبته صلى الله عليه وسلم محبة‬
‫من أحبهم النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫إن من علمات محبته صلى الله عليه وسلم والتي يجب على‬
‫المؤمن الخذ بها‪ ،‬محبته لمن أحب النبي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫ومن هو بسببه من آل بيته وصحابته من المهاجرين والنصار‬
‫رضوان الله عليهم أجمعين فمن أحب شيئًا أحب من يحبه[‪.]66‬‬
‫فإن من محبة الله وطاعته‪ :‬محبة رسوله وطاعته‪.‬‬
‫ومن محبة رسوله وطاعته‪ :‬محبة من حب الرسول‪ ،‬وطاعة من‬
‫أمر الرسول بطاعته[‪.]67‬‬
‫أ‪ -‬قال البيهقي‪" :‬ودخل في جملة محبته صلى الله عليه وسلم‬
‫حب آله[‪.]68‬‬
‫وإن من أصول أهل السنة والجماعة أنهم يحبون أهل بيت رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ويتولونهم ويحفظون فيهم وصية‬
‫رسول صلى الله عليه وسلم[‪.]69‬‬
‫فعن زيد بن أرقم[‪ ]70‬رضي الله عنه قال‪" :‬قام رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم يوما فينا خطيبا بماء يدعى "خما" بين مكة‬
‫والمدينة فحمد الله وأثنى عليه‪ ،‬ووعظ وذكر‪ ،‬ثم قال‪" :‬أما بعد‬
‫أل أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب‬
‫وأنا تارك فيكم ثقلين‪:‬‬
‫أوليهما‪ :‬كتاب الله فيه الهدى والنور‪ ،‬فخذوا بكتاب الله‬
‫واستمسكوا به "فحث على كتاب الله ورغب فيه‪ .‬ثم قال‪" :‬وأهل‬
‫بيتي‪ ،‬أذكركم الله في أهل بيتي‪ ،‬أذكركم الله في أهل بيتي‪،‬‬
‫أذكركم الله في أهل بيتي"‪ .‬فقيل لزيد‪ :‬ومن أهل بيته يا زيد؟‬
‫أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال‪ :‬نساؤه من أهل بيته‪ ،‬ولكن أهل‬
‫بيته من حرم الصدقة بعده‪ .‬قيل‪ :‬ومن هم؟ قال‪ :‬آل علي‪ ،‬وآل‬
‫عقيل‪ ،‬وآل جعفر‪ ،‬وآل عباس‪ .‬قيل‪ :‬كل هؤلء حرم الصدقة؟‬
‫قال‪ :‬نعم[‪.]71‬‬
‫وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله لما أنزل عليه‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫صل ّوا‬
‫منُوا َ‬ ‫ي يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫نآ َ‬ ‫ن ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬
‫صل ّو َ‬ ‫ملئِكَت َ ُ‬
‫ه يُ َ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫{إ ِ ّ‬
‫سلِيماً}[‪ .]72‬سأل الصحابة النبي صلى الله عليه‬ ‫موا ت َ ْ‬‫سل ِّ ُ‬‫ع َلَيْهِ وَ َ‬
‫وسلم كيف يصلون عليه فقال‪" :‬قولوا‪ :‬اللهم صل على محمد‬
‫وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪.‬‬
‫اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل‬
‫إبراهيم إنك حميد مجيد "[‪ .]73‬فالصلة على النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم حق له ولله دون سائر المة[‪.]74‬‬
‫وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه‪" :‬ارقبوا[‪ ]75‬محمدا صلى‬
‫الله عليه وسلم في أهل بيته"[‪.]76‬‬
‫وعنه أيضا أنه قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه‪" :‬والذي‬
‫نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن‬
‫أصل من قرابتي"[‪.]77‬‬
‫"فآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم من الحقوق ما‬
‫يجب رعايتها‪ ،‬فإن الله جعل لهم حقا في الخمس والفيء وأمر‬
‫بالصلة عليهم مع الصلة على رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم"[‪.]78‬‬
‫"فالصلة على آله هي من تمام الصلة عليه وتوابعها‪ ،‬لن ذلك‬
‫مما تقر به عينه‪ ،‬ويزيده الله به شرفا وعلوًا‪ ،‬صلى الله عليه‬
‫ما"[‪.]79‬‬ ‫وعلى آله وسلم تسلي ً‬
‫"وكذلك علينا احترامهم وإكرامهم والحسان إليهم فإنهم من‬
‫ذرية طاهرة من أشرف بيت وجد على وجه الرض فخًرا وحسبًا‬
‫ونسبًا‪.‬‬
‫ولسيما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية الصحيحة الواضحة الجلية‬
‫ي وأهل بيته وذريته‬ ‫كما كان عليه سلفهم كالعباس وبنيه‪ ،‬وعل ّ‬
‫رضي الله عنهم أجمعين"[‪.]80‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية[‪" ]81‬وآل محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم هم الذين حرمت عليهم الصدقة[‪ ]82‬هكذا قال الشافعي‬
‫وأحمد بن حنبل وغيرهما من العلماء"‪.‬‬
‫والحاديث في فضائلهم ومناقبهم كثيرة جدًا‪ ،‬وهي مبسوطة في‬
‫الصحيحين والمسند والسنن وغيرها من كتب الحديث‪.‬‬
‫ب‪ -‬وكذلك فإن من أصول أهل السنة أنهم يتولون أزواج رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬ويحفظون لهن فضلهن‪ ،‬وحقوقهن‪.‬‬
‫فقد أبانهن الله من نساء العالمين في الفضيلة فقال تعالى‪{ :‬يَا‬
‫نساءَ النَبي ل َست َ َ‬
‫ساءِ}[‪ .]83‬وجعلهن أمهات‬ ‫ن الن ِّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن كَأ َ‬
‫حد ٍ ِ‬ ‫ّ ِ ِّ ْ ُ ّ‬ ‫ِ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫المؤمنين فقال تعالى‪{ :‬الن ّب ِ ُّ‬
‫م‬
‫سهِ ْ‬‫ن أنْفُ ِ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫منِي َ‬ ‫ي أوْلى بِال ُ‬
‫م}[‪.]85[ ]84‬‬ ‫ه أ ُ َّ‬
‫م َهاتُهُ ْ‬ ‫ج ُ‬
‫َ‬
‫وَأْزوَا ُ‬
‫وجعل حرمة الزوجية بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم باقية‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ما بقين فقال تعالى‪{ :‬وما كَان لَك ُ َ‬
‫ل الل ّهِ وَل أ ْ‬
‫ن‬ ‫ن تُؤْذ ُوا َر ُ‬
‫سو‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ن بَعْدِهِ أَبَدا}[‪ ]86‬فعلينا من حفظ حقوقهن بعد‬ ‫ً‬ ‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫ج ُ‬
‫َ‬
‫حوا أْزوَا َ‬ ‫تَنْك ِ ُ‬
‫ذهابهن الصلة عليهن مع الصلة على النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫فعن أبي حميد الساعدي[‪ ]87‬رضي الله عنه أنهم قالوا‪ :‬يا رسول‬
‫الله كيف نصلى عليك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫"قولوا‪ :‬اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته‪ ،‬كما صليت على‬
‫آل إبراهيم‪ ،‬وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على‬
‫آل إبراهيم إنك حميد مجيد"[‪.]88‬‬
‫فالصلة على أزواجه تابعة لحترامهن[‪ .]89‬وكذلك الستغفار لهن‪،‬‬
‫وذكر مدائحهن‪ ،‬وفضائلهن وحسن الثناء عليهن‪ ،‬وما على الولد‬
‫في أمهاتهم اللتي ولدنهم وأكثر‪ ،‬وذلك لمكانتهن من رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وزيادة فضلهن على غيرهن من نساء هذه‬
‫المة[‪.]90‬‬
‫وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم هن من دخل بهن من النساء‬
‫وهن إحدى عشرة‪:‬‬
‫‪ -1‬خديجة بنت خويلد رضي الله عنها[‪.]91‬‬
‫‪ -2‬عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها وعن أبيها[‪.]92‬‬
‫‪ -3‬سودة بنت زمعة رضي الله عنها[‪.]93‬‬
‫‪ -4‬حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنها وعن أبيها[‪.]94‬‬
‫‪ -5‬أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنهما[‪.]95‬‬
‫‪ -6‬أم سلمة رضي الله عنها[‪.]96‬‬
‫‪ -7‬زينب بنت جحش رضي الله عنها[‪.]97‬‬
‫‪ -8‬زينب بنت خزيمة الهللية رضي الله عنها[‪.]98‬‬
‫‪ -9‬جويرية بنت الحارث رضي الله عند[‪.]99‬‬
‫صفية بنت حيي رضي الله عنها[‪.]100‬‬ ‫‪-10‬‬
‫ميمونة بنت الحارث الهللية رضي الله عنها[‪.]101‬‬ ‫‪-11‬‬
‫فهؤلء جملة من دخل لهن من النساء وهن إحدى عشرة‪.‬‬
‫ج‪ -‬ومن محبته صلى الله عليه وسلم محبة أصحابه رضوان الله‬
‫عليهم أجمعين‪:‬‬
‫قال البيهقي‪" :‬ويدخل في جملة حب النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫حب أصحابه؟ لن الله عز وجل أثنى عليهم ومدحهم فقال‪:‬‬
‫ل اللَّه والَّذين مع َ‬
‫م‬
‫ماءُ بَيْنَهُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫شدَّاءُ ع َلَى الْكُفَّارِ ُر َ‬ ‫هأ ِ‬ ‫ِ َ ِ َ َ َ ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫مد ٌ َر ُ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫{ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م فِي‬ ‫ماهُ ْ‬ ‫سي َ‬ ‫ضوَانا ً ِ‬ ‫ن الل ّهِ وَرِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ضل ً ِ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫جدا ً يَبْتَغُو َ‬ ‫س َّ‬ ‫م ُرك ّعا ً ُ‬ ‫تََراهُ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫جود ِ ذَل ِ َ‬ ‫ن أثَرِ ال ُّ‬ ‫َ‬
‫م فِي‬ ‫مثَلهُ ْ‬ ‫م فِي الت ّوَْراةِ وَ َ‬ ‫مثَلهُ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫س ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جوهِهِ ْ‬ ‫وُ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سوقِهِ‬ ‫ستَوَى ع َلَى ُ‬ ‫ظ فَا ْ‬ ‫ستَغْل َ َ‬ ‫شطْأهُ فَآَزَره ُ فَا ْ‬ ‫ج َ‬ ‫خَر َ‬ ‫ل كََزْرٍع أ ْ‬ ‫جي ِ‬ ‫اْلِن ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ملُوا‬ ‫منُوا وَع َ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ه ال ّذِي َ‬ ‫م الْكُفَّاَر وَعَد َ الل ّ ُ‬ ‫ظ بِهِ ُ‬ ‫ب الُّزَّراع َ لِيَغِي َ‬ ‫ج ُ‬ ‫يُعْ ِ‬
‫جرا ً عَظِيماً}[‪.]102‬‬ ‫َ‬ ‫ال َّ‬
‫مغْفَِرة ً وَأ ْ‬ ‫م َ‬ ‫منْهُ ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫ح َ‬ ‫ك تَ ْ‬ ‫ن إِذ ْ يُبَايِعُون َ َ‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ه عَ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬لَقَد ْ َر ِ‬
‫ض‬
‫م فَتْحاً‬ ‫َ‬
‫م وَأثَابَهُ ْ‬ ‫ة ع َلَيْهِ ْ‬ ‫سكِين َ َ‬ ‫ل ال َّ‬ ‫م فَأَنَْز َ‬ ‫ما فِي قُلُوبِهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫جَرةِ فَعَل ِ َ‬ ‫ش َ‬ ‫ال َّ‬
‫قَرِيباً}[‪.]103‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صارِ وَال ّذِي َ‬
‫ن‬ ‫ن وَاْلن ْ َ‬ ‫جرِي َ‬ ‫م َها ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن اْلَوَّلُو َ‬ ‫سابِقُو َ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬وَال َّ‬
‫َّ‬
‫َّ‬
‫ه}[‪.]104‬‬ ‫ضوا ع َن ْ ُ‬ ‫م وََر ُ‬ ‫ه ع َنْهُ ْ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ن َر ِ‬
‫ٍ َّ‬
‫سا‬ ‫ح َ‬ ‫م بِإ ِ ْ‬ ‫اتَّبَعُوهُ ْ‬
‫ل اللهِ‬ ‫سبِي ِ‬ ‫جاهَدُوا فِي َ‬ ‫جُروا وَ َ‬ ‫منُوا وَهَا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬وَالذِي َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫مغْفَِرة ٌ وَرِْزقٌ‬ ‫م َ‬ ‫حقّا ً لَهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫منُو َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫صُروا أولَئ ِ َ‬ ‫ن آوَوْا وَن َ َ‬ ‫وَال ّذِي َ‬
‫م}[‪.]105‬‬ ‫كَرِي ٌ‬
‫فإذا أنزلوا هذه المنزلة استحقوا من جماعة المسلمين أن‬
‫يحبوهم ويتقربوا إلى الله عز وجل بمحبتهم لن الله تعالى إذا‬
‫رضي عن أحد أحبه وواجب على العبد أن يحب من يحب موله[‬
‫‪.]106‬‬
‫فمن واجب المة نحو أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫محبتهم والترضي عنهم والدعاء لهم كما أمرنا الله تعالى بقوله‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫خوَانِنَا ال ّذِي َ‬
‫ن‬ ‫ن َربَّنَا اغْفِْر لَنَا وَِل ِ ْ‬
‫َ‬
‫م يَقُولُو َ‬ ‫ْ‬ ‫ن بَعْدِه ِ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫جاءُوا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬ ‫{وَال ّذِي‬
‫ك‬ ‫منُوا َربَّنَا إِن َّ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ل فِي قُلُوبِنَا ِغّل ً لِل ّذِي َ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫ن وَل ت َ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫سبَقُونَا بِاْلِي َ‬ ‫َ‬
‫م}[‪.]107‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫ف َر ِ‬ ‫َرؤ ُو ٌ‬
‫فهم قوم اختارهم الله وشرفهم بصحبة نبيه صلى الله عليه‬
‫وسلم وخصهم في الحياة الدنيا بالنظر إليه وسماع حديثه من‬
‫فمه الشريف و نصرته والذب عنه والجهاد معه في سبيل الله‬
‫ونشر دين السلم‪.‬‬
‫وبعد وفاته كانوا هم الواسطة بين الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫وبين المة‪ ،‬فقد بلغوا عن رسول الله ما بعثه الله به من النور‬
‫والهدى على أكمل الوجوه وأتمها ونشروا هذا الدين في شتى‬
‫بقاع الرض‪ :‬وجاهدوا في سبيل الله بأنفسهم وأموالهم‪ ،‬وذبوا‬
‫عن هذا الدين بسنانهم ولسانهم فكان لهم بذلك الجر العظيم‬
‫والمنزلة العالية عند ربهم وعند نبيهم وعند المسلمين الموحدين‬
‫جميعًا‪.‬‬
‫وكيف ل يكونون كذلك وهم خير قرون هذه المة كشهادة النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫فعن عمران بن حصين [‪ ]108‬رضي الله عنهما قال‪ :‬قال النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم "خيركم قرني‪ ،‬ثم الذين يلونهم‪ ،‬ثم الذين‬
‫يلونهم" قال عمران‪ :‬ل أدري أذكر النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫بعد قرنين أو ثلثة ‪ ...‬الحديث[‪ ]109‬وعن عبد الله بن مسعود‬
‫رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬خير الناس‬
‫قرني‪ ،‬ثم الذين يلونهم‪ ،‬ثم الذين يلونهم ‪ "...‬الحديث[‪.]110‬‬
‫ومما يدل على عظم فضل الصحبة وجللة شأنها ما جاء في‬
‫الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬ل تسبوا أصحابي‪ ،‬فوالذي نفسي‬
‫بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما أدرك مد أحدهم ول‬
‫نصيفه"[‪ ]111‬فهذا الحديث يدل على أن شأن الصحبة ل يعدله‬
‫شيء‪.‬‬
‫وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬آية اليمان حب النصار وآية النفاق بغضهم"[‪.]112‬‬
‫ولقد تواترت الحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يدل‬
‫على فضل الصحابة رضوان الله عليهم ووجوب تعظيمهم‬
‫وإكرامهم وكونهم خير قرون هذه المة بعد النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ .‬ولقد عقد البخاري ومسلم في صحيحيهما وكذا أهل‬
‫السنن وغيرهم‪ ،‬كل منهم كتابا لفضائل الصحابة أوردوا فيه الكثير‬
‫من الحاديث الواردة في فضل الصحابة رضوان الله عليهم‪.‬‬
‫وعن معتقد السلف نحو أصحاب رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يقول أبو زرعة الرازي [‪" :]113‬إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا‬
‫من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق‪.‬‬
‫وذلك أن الرسول حق والقرآن حق‪ ،‬وما جاء به حق‪ ،‬وإنما أدى‬
‫إلينا ذلك كله الصحابة‪ .‬وهؤلء يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا‬
‫الكتاب والسنة والجرح بهم أولى وهم زنادقة"[‪.]114‬‬
‫وقال الخطب البغدادي[‪" :]115‬عدالة الصحابة ثابتة ومعلومة‬
‫بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم‪ ،‬واختياره لهم في نص‬
‫القرآن‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫س}[‪.]116‬‬ ‫ت لِلن ّا ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫خرِ َ‬ ‫مةٍ أ ْ‬ ‫خيَْر أ َّ‬ ‫م َ‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬كُنْت ُ ْ‬
‫شهَدَاءَ ع َلَى‬ ‫سطا ً لِتَكُونُوا ُ‬ ‫ُ‬
‫ة وَ َ‬ ‫م ً‬ ‫م أ َّ‬ ‫جعَلْنَاك ُ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَكَذَل ِ َ‬
‫شهِيداً}[‪.]117‬‬ ‫م َ‬ ‫ل ع َلَيْك ُ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن الَّر ُ‬ ‫س َويَكُو َ‬ ‫الن ّا ِ‬
‫َ‬
‫ما فالمراد به الخاص وقيل‪ :‬هو وارد في‬ ‫وهذا اللفظ وإن كان عا ً‬
‫الصحابة دون غيرهم‪.‬‬
‫َ‬
‫ت‬
‫ح َ‬ ‫ك تَ ْ‬ ‫ن إِذ ْ يُبَايِعُون َ َ‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ه عَ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬لَقَد ْ َر ِ‬
‫ض‬
‫م فَتْحاً‬ ‫َ‬
‫م وَأثَابَهُ ْ‬ ‫ة ع َلَيْهِ ْ‬ ‫سكِين َ َ‬ ‫ل ال َّ‬ ‫م فَأَنَْز َ‬ ‫ما فِي قُلُوبِهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫جَرةِ فَعَل ِ َ‬ ‫ش َ‬‫ال َّ‬
‫قَرِيباً}[‪.]118‬‬
‫َ‬ ‫ن اْلَوَّلُو َ‬
‫ن وَاْلن ْ َ ِ‬
‫صار‬ ‫جري َ‬ ‫مهَا ِ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬
‫َّ‬
‫سابِقُو َ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَال َّ‬
‫َ‬
‫ه}[‪.]119‬‬ ‫ضوا ع َن ْ ُ‬ ‫م وََر ُ‬ ‫ه ع َنْهُ ْ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ن َر ِ‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫م بِإ ِ ْ‬ ‫ن اتَّبَعُوهُ ْ‬ ‫وَال ّذِي َ‬
‫ت‬ ‫جنَّا ِ‬ ‫ن فِي َ‬ ‫مقََّربُو َ‬ ‫ك ال ْ ُ‬ ‫ن أُولَئ ِ َ‬ ‫سابِقُو َ‬ ‫ن ال َّ‬ ‫سابِقُو َ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَال َّ‬
‫النَّعِيمِ}[‪.]120‬‬
‫ن اتَّبَعَ َ‬ ‫َ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬يَا أَيُّهَا النَّب ِ ُّ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ه َو َ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫سب ُ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ي َ‬
‫ن}[‪.]121‬‬ ‫َ‬ ‫منِي‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ال ْ‬
‫َ‬
‫م‬
‫ن َ دِيَارِه ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫جوا ِ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ن أُ ْ‬ ‫ن ال ّذِي َ‬ ‫جري َ‬ ‫مهَا َ ِ ِ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬لِلْفُقََراءِ ال ْ ُ‬
‫وأ َ‬
‫سول َ ُ‬
‫ه‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫صُرو َ‬ ‫ضوَانا ً وَيَن ْ ُ‬ ‫ه وَرِ ْ‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ضل ً ِ‬
‫َ‬
‫ن فَ ْ‬ ‫م يَبْتَغُو َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫موَالِه‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫م ال َّ‬ ‫أُولئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫ن قَبْلِهِ ْ‬
‫م‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ن تَبَوَّأوا الد ّاَر وَالِي َ‬ ‫ن وَالذِي َ‬ ‫صادِقُو َ‬ ‫ك هُ ُ‬
‫ما أُوتُوا‬ ‫م َّ‬‫ة ِ‬ ‫ج ً‬ ‫حا َ‬ ‫م َ‬ ‫صدُورِه ِ ْ‬ ‫ن فِي ُ‬ ‫جدُو َ‬ ‫م وَل ي َ ِ‬ ‫جَر إِلَيْهِ ْ‬ ‫ن هَا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫حبُّو َ‬ ‫يُ ِ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫س ِ‬‫ح ن َ ْف ِ‬ ‫ش َّ‬ ‫ن يُوقَ ُ‬ ‫م ْ‬‫ة َو َ‬ ‫ص ٌ‬ ‫صا َ‬ ‫خ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن بِهِ ْ‬ ‫م وَلَوْ كَا َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ن ع َلَى أن ْ ُف ِ‬ ‫وَيُؤْثُِرو َ‬
‫ن}[‪.]122‬‬ ‫حو َ‬ ‫مفْل ِ ُ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫فَأُولَئ ِ َ‬
‫في آيات يكثر إيرادها‪ ،‬ويطول تعدادها‪.‬‬
‫ووصف رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة مثل ذلك‪،،‬‬
‫وأطنب في تعظيمهم وأحسن الثناء عليهم ‪....‬‬
‫وجميع ذلك يقتضي طهارة الصحابة‪ ،‬والقطع على تعديلهم‬
‫ونزاهتهم فل يحتاج أحد منهم مع تعديل الله تعالى لهم المطلع‬
‫على بواطنهم إلى تعديل أحد من الخلق له ‪...‬‬
‫على أنه لو لم يرد من الله عز وجل ورسوله فيهم شيء مما‬
‫ذكرناه لوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة‪ ،‬والجهاد‪،‬‬
‫والنصرة‪ ،‬وبذل المهج والموال وقتل الباء والولد‪ ،‬والمناصحة‬
‫في الدين‪ ،‬وقوة اليمان واليقين‪ ،‬القطع على عدالتهم والعتقاد‬
‫لنزاهتهم‪ ،‬وأنهم أفضل من جميع المعدلين والمزكين الذين‬
‫يجيئون من بعدهم أبد البدين‪.‬‬
‫وهذا مذهب كافة العلماء ومن يعتد بقوله من الفقهاء[‪.]123‬‬
‫وقال ابن حجر‪" :‬اتفق أهل السنة على أن جميع الصحابة عدول‬
‫ولم يخالف في ذلك إل شذوذ من المبتدعة "[‪.]124‬‬
‫وقال صاحب العقيدة الطحاوية‪" :‬ونحب أصحاب رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ول نفرط في حب أحد منهم‪ ،‬ول نتبرأ من‬
‫أحد منهم‪ ،‬ونبغض من بغضهم‪ ،‬وبغير الخير يذكرهم‪ ،‬ول نذكرهم‬
‫إل بخير وحبهم دين وإحسان‪ ،‬وبغضهم كفر وطغيان"[‪]125‬‬
‫وقال البيهقي‪" :‬وإذا ظهر أن حب الصحابة من اليمان فحبهم أن‬
‫يعتقد فضائلهم ويعترف لهم بها ويعرف لكل ذي حق منهم حقه‪،‬‬
‫ولكل ذي عنا في السلم عناه ولكل ذي منزلة عند الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم مزلته‪ ،‬وينشر محاسنهم‬
‫ويدعو بالخير لهم ويقتدي بما جاء في أبواب الدين عنهم ول يتتبع‬
‫زلتهم وهفواتهم ول يتعمد تهجين أحد منهم ببث ما ل يحسن‬
‫عنه‪ ،‬ويسكت عما ل يقع ضرورة إلى الخوض فيه فيما كان بينهم‬
‫وبالله التوفيق "[‪.]126‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬ومن أصول أهل السنة والجماعة‬
‫سلمة قلوبهم وألسنتهم لصحاب رسول الله صلى الله عليه‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫جاءُوا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫تعالى‪{ :‬وَال ّذِي َ‬ ‫َ‬
‫وسلم‪ ،‬كما وصفهم الله به في قوله‬
‫ن وَل‬ ‫سبَقُونَا بِاْلِي َ‬
‫ما ِ‬ ‫ن َ‬ ‫خوَانِنَا ال ّذِي َ‬ ‫ن َربَّنَا اغْفِْر لَنَا وَل ِ ْ‬
‫َ‬
‫م يَقُولُو َ‬
‫بَعْدِه ِ ْ‬
‫م}[‪.]127‬‬ ‫حي ٌ‬‫ف َر ِ‬ ‫ك َرؤ ُو ٌ‬‫منُوا َربَّنَا إِن َّ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ل فِي قُلُوبِنَا ِغّل ً لِل ّذِي َ‬ ‫جعَ ْ‬‫تَ ْ‬
‫وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله‪" :‬ل تسبوا أصحابي‬
‫فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد‬
‫أحدهم ول نصيفه"‪.‬‬
‫ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والجماع‪ :‬من فضائلهم‬
‫ومراتبهم فيفضلون من أنفق من قبل الفتح ‪-‬وهو صلح الحديبية‪-‬‬
‫وقاتل‪ ،‬على من أنفق من بعده وقاتل‪ ،‬ويقدمون المهاجرين على‬
‫النصار‪ ،‬ويؤمنون بأن الله قال لهل بدر ‪-‬وكانوا ثلثمائة وبضعة‬
‫عشر‪" :-‬اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"[‪ ]128‬وبأنه ل يدخل‬
‫النار أحد بايع تحت الشجرة[‪ ]129‬كما أخبر به صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬بل قد رضي الله عنهم ورضوا عنه‪ ،‬وكانوا أكثر من ألف‬
‫وأربعمائة‪.‬‬
‫ويشهدون بالجنة لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫بالجنة كالعشرة وغيرهم من الصحابة‪.‬‬
‫ويقرون بما تواتر به النقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب‬
‫رضي الله عنه وعن غيره من أن خير هذه المة بعد نبيها أبو بكر‬
‫ثم عمر‪ ،‬ويثلثون بعثمان‪ ،‬ويربعون بعلي رضي الله عنهم‪ ،‬كما‬
‫دلت‪ ،‬عليه الثار وكما أجمع الصحابة رضي الله عنهم على تقديم‬
‫عثمان في البيعه‪ ...‬ويتبرءون من طريقة الروافض الذين‬
‫يبغضون الصحابة ويسبونهم"[‪.]130‬‬
‫وبعد‪ :‬فهذه نماذج من أقوال السلف ومعتقدهم تجاه الصحابة‬
‫رضوان الله عليهم تبين مدى اعترافهم بفضلهم ومراتبهم‬
‫ومنازلهم التي وردت بها نصوص القرآن والسنة‪ ،‬فهم أصحاب‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فبحبهم لرسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم‪ ،‬نحبهم‬
‫ونحفظ لهم فضلهم ونحترم لهم تلك المنزلة التي أنزلوا اياها‪،‬‬
‫ونرجوا أن يحشرنا الله معهم وأن يجمعنا بهم في الجنة على‬
‫سرر متقابلين‪.‬‬

‫المطلب السابع‪ :‬من علمات محبته صلى الله عليه وسلم بغض‬
‫من أبغض الله ورسوله‬
‫ومعاداة من عاداه‪ ،‬ومجانبة من خالف سنته‪ ،‬وابتدع في دينه‬
‫واستثقاله كل أمر يخالف شريعته[‪]131‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫خرِ يُوَادُّو َ‬ ‫ن بِالل ّهِ وَالْيَوْم ِ اْل ِ‬ ‫منُو َ‬ ‫جد ُ قَوْما ً يُؤ ْ ِ‬ ‫تعالى‪{ :‬ل ت َ ِ‬ ‫قال‬
‫خوانهم أوَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م أوْ إ ِ ْ َ َ ُ ْ ْ‬ ‫م أوْ أبْنَاءَهُ ْ‬ ‫ه وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُ ْ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫حاد َّ الل ّ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ُ َّ‬
‫من ْه‬
‫ح ِ‬ ‫م بُِرو ٍ‬ ‫ن وَأيَّدَهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م الِي َ‬ ‫ب فِي قُلوبِهِ ُ‬ ‫ك كَت َ َ‬ ‫م أولئ ِ َ‬ ‫شيَرتَهُ ْ‬ ‫عَ ِ‬
‫ه‬ ‫حتِهَا اْلنْهَاُر َ‬ ‫َ‬ ‫جنَّا ٍ‬ ‫خلُه‬
‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ن فِيهَا َر ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫خالِدِي‬
‫َ‬
‫ن تَ ْ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫جرِي ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫وَيُد ْ ِ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫ب الل ّهِ أل إ ِ َّ‬ ‫ه أولَئ ِ َ‬ ‫ُ‬
‫ب اللهِ هُ ُ‬ ‫حْز َ‬ ‫ن ِ‬ ‫حْز ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫ضوا ع َن ْ ُ‬ ‫م وََر ُ‬ ‫ع َنْهُ ْ‬
‫ن}[‪]132‬‬ ‫حو َ‬ ‫مفْل ِ ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬على المؤمن أن يعادي في الله‪،‬‬
‫ويوالي في الله‪ .‬فإن كان هناك مؤمن فعليه أن يواليه ‪ -‬وإن‬
‫ظلمه ‪ -‬فإن الظلم ل يقطع الموالة اليمانية‪.‬‬
‫َ‬
‫حوا بَيْن َ ُه َ‬
‫ما‬ ‫صل ِ ُ‬‫نَ اقْتَتَلُوا فَأ ْ‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن طَائِفَتَا ِ‬ ‫قال تعالى‪ { :‬وَإ ِ ْ‬
‫حتَّى تَفِيءَ إِلَى‬ ‫خَرى فَقَاتِلُوا ال ّتِي تَبْغِي َ‬ ‫ُ‬
‫ما ع َلَى اْل ْ‬ ‫فَإ ِ ْ‬
‫َ َّ‬ ‫حدَاهُ َ‬ ‫ت إِ ْ‬ ‫ن بَغَ َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الل َ‬
‫ه‬ ‫سطُوا إ ِ ّ‬ ‫ل وَأقْ ِ‬ ‫ما بِالْعَد ْ ِ‬ ‫حوا بَيْن َ ُه َ‬ ‫صل ِ ُ‬‫ت فَأ ْ‬ ‫ن فَاءَ ْ‬ ‫مرِ الل ّهِ فَإ ِ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫خوَةٌ }[‪]133‬‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫منُو َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ما ال ْ ُ‬ ‫ن إِن َّ َ‬ ‫سطِي َ‬ ‫م ْق ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ُّ‬ ‫يُ ِ‬
‫فجعلهم إخوة مع وجود القتال والبغي‪ ،‬وأمر بالصلح يينهم‪.‬‬
‫فالمؤمن تجب موالته وإن ظلمك واعتدى عليك‪.‬‬
‫والكافر تحب معاداته وإن أعطاك وأحسن إليك‪.‬‬
‫فإن الله سبحانه بعث الرسل وأنزل الكتب ليكون الدين كله لله‬
‫فيكون الحب والكرام والثواب لوليائه‪ .‬ويكون البغي والهانة‬
‫والعقاب لعدائه‪ .‬وإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر وفجور‪،‬‬
‫وطاعة ومعصية‪ ،‬وسنة وبدعة‪ .‬استحق الموالة والثواب بقدر ما‬
‫فيه من الخير‪ .‬واستحق المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من‬
‫الشر‪ .‬فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الكرام والخيانة‪،‬‬
‫فيجتمع له من هذا وهذا‪ :‬كاللص الفقير تقطع يده لسرقته‬
‫ويعطى من بيت المال ما يكفيه لحاجته‪ .‬هذا هو الصل الذي‬
‫اتفق عليه أهل السنة والجماعة[‪.]134‬‬
‫فالناس باعتبار الحب والبغض والولء والبراء ينقسمون إلى ثلثة‬
‫أصناف‪:‬‬
‫الصنف الول‪ :‬من يحب جملة‪:‬‬ ‫•‬
‫وهو من آمن بالله ورسوله‪ ،‬وقام بوظائف السلم ومبانيه‬
‫العظام علما وعمل واعتقادا‪ ،‬وأخلص أعماله وأفعاله وأقواله لله‪،‬‬
‫وانقاد لوامره وانتهي عما نهي الله عنه ورسوله‪ ،‬وأحب في الله‪،‬‬
‫ووالى في الله وأبغض في الله‪ ،‬وعادى في الله وقدم قول‬
‫رسول الله ل على قول كل أحد كائنا من كان‪.‬‬
‫الصنف الثاني‪ :‬من يحب من وجه ويبغض من وجه‪.‬‬ ‫•‬
‫وهو المسلم الذي خلط عمل صالحا وآخر سيئا‪.‬‬
‫فيحب ويوالي على قدر ما معه من الخير‪ ،‬ول يبغض أكثر مما‬
‫يصلح وإذا أردت الدليل على ذلك‪ :‬فهو في قصة ذلك الرجل من‬
‫الصحابة والذي كان يشرب الخمر‪ ،‬فأتى به إلى رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم فلعنه رجل وقال‪ :‬ما أكثر ما يؤتى به‪ ،‬فقال‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم "ل تلعنه فإنه يحب الله ورسوله "[‬
‫‪.]135‬‬
‫الصنف الثالث‪ :‬من يبغض جملة‪.‬‬ ‫•‬
‫وهو من كفر بالله وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر‪ ،‬ولم يؤمن‬
‫بالقدر خيره وشره وأنه كله بقضاء الله وقدره‪ ،‬وأنكر البعث بعد‬
‫الموت‪ ،‬أو أنكر أحد أركان السلم الخمسة‪ ،‬أو أشرك الله في‬
‫عبادته أحدا من النبياء والولياء والصالحين‪ ،‬وصرف لهم نوعا من‬
‫أنواع العبادة‪ :‬كالحب والدعاء والخوف والرجاء والتعظيم والتوكل‬
‫والستعانة والستعاذة والستغاثة والذبح والنذر والنابة والذل‬
‫والخضوع والخشية و الرغبة والرهبة والتعلق‪.‬‬
‫أو ألحد في أسمائه وصفاته واتبع غير سبيل المؤمنين‪ ،‬وانتحل ما‬
‫كان عليه أهل البدع والهواء المضلة‪ ،‬وكذلك من قامت به‬
‫نواقض السلم العشرة أو أحدها"[‪.]136‬‬
‫فعلى هذا التقسيم تتضح صورة الحب والبغض‪ ،‬والولء والبراء‪.‬‬
‫فيوالي ويحب المؤمن المستقيم على دينه ولء وحبا كاملين‪.‬‬
‫ويتبرء ويعادي الكفرة والملحدين والمشركين‪ ،‬والمرتدين‬
‫ويعادون عداوة وبغضا كاملين‪.‬‬
‫وأما من خلط عمل صالحا وآخر سيئا فيوالي بحسب ما عنده من‬
‫اليمان‪ ،‬ويعادى بحسب ما هو عليه من الشر‪.‬‬
‫المطلب الثامن‪ :‬من علمات محبته صلى الله عليه وسلم الزهد‬
‫في الدنيا‬
‫إن من علمات محبة النبي فالزهد في الدنيا والصبر على‬
‫شدائدها‪ ،‬وعدم الركون إلى زخرفها وملذاتها‪ .‬وذلك افتداء بالنبي‬
‫صلى الله عليه وسلم واتباعا لما كان عليه‪ .‬فلقد كان من صفاته‬
‫صلى الله عليه وسلم زهده في أمور الدنيا وحبه للكفاف من‬
‫العيش وإيثاره الخرة على الولى‪.‬‬
‫فهو القائل صلى الله عليه وسلم‪" :‬كن في الدنيا كأنك غريب أو‬
‫عابر سبيل"[‪.]137‬‬
‫وهو القائل‪" :‬مالي وللدنيا إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب سار في‬
‫يوم صائف[‪ ]138‬فاستظل تحت شجرة ثم راح وتركها"[‪.]139‬‬
‫والزهد المقصود هنا هو الزهد الشرعي ل الزهد البدعي‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬الزهد‪ :‬هو عما ل ينفع‪ .‬إما لنتفاء‬
‫نفعه‪ .‬أو لكونه مرجوحا‪ ،‬لنه مفوت لما هو أنفع منه‪ ،‬أو محصل‬
‫لما يربو ضرره على نفعه‪ .‬فالزهد من باب عدم الرغبة والرادة‬
‫في المزهود فيه‪ .‬فالواجبات والمستحبات ل يصلح فيها الزهد‪.‬‬
‫وكذا المنافع الخالصة أو الراجحة فالزهد فيها حمق‪ .‬أما‬
‫المحرمات والمكروهات فيصلح فيها الزهد وكذا المباحات "[‪.]140‬‬
‫" والفرق بين الزهد والورع‪ :‬أن الزهد‪ :‬ترك مال ينفع في الخرة‪.‬‬
‫وأما الورع‪ :‬فهو ترك ما يخشى ضرره في الخرة"[‪]141‬‬
‫"والقلب المعلق بالشهوات ل يصلح له زهد ول ورع"[‪]142‬‬
‫والزهد أنواع‪:‬‬
‫‪ -1‬زهد في الحرام وهو فرض عين‪.‬‬
‫‪ -2‬زهد في الشبهات‪ ،‬وهو بحسب مراتب الشبهة‪.‬‬
‫فإن قويت التحق بالواجب‪.‬‬
‫وإن ضعفت كان مستحبا‪.‬‬
‫‪ -3‬زهد في الفضول‪ :‬وهو الزهد فيما ل يغني من الكلم والنظر‬
‫والسؤال واللقاء وغيره‪.‬‬
‫‪ -4‬زهد في الناس أي فيما عندهم‪.‬‬
‫‪ -5‬زهد في النفس بحيث تهون عليه تفسه في الله‪ ،‬وهذا‬
‫أصعب النواع وأشقها‪.‬‬
‫‪ -6‬زهد جامع لذلك كله وهو الزهد فيما سوى الله وفي كل ما‬
‫شغلك عنه‪.‬‬
‫وأفضل الزهد‪ :‬إخفاء الزهد‪ ،‬وأصعبه الزهد في الحظوظ[‪.]143‬‬
‫والزهد الشرعي ينقسم باعتبار حكمه إلى قسمين‪:‬‬
‫القسم الول منه‪ :‬ما هو فرض على كل مسلم وهو الزهد في‬
‫الحرام‪ .‬القسم الثاني منه‪ :‬ما هو مستحب وهو الزهد في‬
‫المكروه وفضول المباحات والتفنن في الشهوات المباحة‪ ،‬وهو‬
‫على درجات في الستحباب بحسب المزهود فيه‪.‬‬

‫مفهوم الزهد في الدنيا‪:‬‬


‫ليس المراد بالزهد في الدنيا تخليتها من اليد وإخراجها‪ ،‬وقعوده‬
‫صفرا‪ .‬وإنما المراد إخراجها من القلب بالكلية بحيث ل يلتفت‬
‫الزاهد إليها ول يدعها تساكن قلبه وإن كانا في يده‪.‬‬
‫فليس الزهد أن تترك الدنيا من يدك وهي في قلبك‪ ،‬وإنما الزهد‬
‫أن تتركها من قلبك وهي في يدك‪.‬‬
‫وهذا كحال سيد ولد آدم ل حين فتح الله عليه من الدنيا ما فتح‪،‬‬
‫فلم يزده ذاك إل زهدا فيها‪.‬‬
‫وكحال الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز الذي يضرب‬
‫بزهدهم المثل مع أن خزائن الموال تحت أيديهم‪.‬‬
‫والذي يصحح هذا الزهد ثلثة أشياء‪:‬‬
‫‪ -1‬أحدها‪ :‬علم العبد أنها ظل زائل‪ ،‬وخيال زائر‪ ،‬وأنها كما قال‬
‫َ‬
‫خٌر‬‫ة وَتَفَا ُ‬‫و وَزِين َ ٌ‬‫ب وَلَهْ ٌ‬‫حيَاة ُ الدُّنْيَا لَعِ ٌ‬‫ما ال ْ َ‬ ‫موا أن َّ َ‬ ‫تعالى فيها‪{ :‬اع ْل َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب الْكُفَّاَر نَبَات ُ ُ‬
‫ه‬ ‫ج َ‬‫ث أع ْ َ‬ ‫ل غَي ْ ٍ‬ ‫ل وَاْلوْلد ِ ك َ َ‬
‫مث َ ِ‬ ‫موَا ِ‬ ‫م وَتَكَاثٌُر فِي اْل ْ‬ ‫بَيْنَك ُ ْ‬
‫حطَاماً}[‪ ]144‬ونحوها من اليات‪.‬‬ ‫ن ُ‬ ‫م يَكُو ُ‬ ‫صفَّرا ً ث ُ َّ‬ ‫م ْ‬ ‫ج فَتََراه ُ ُ‬
‫م يَهِي ُ‬‫ث ُ َّ‬
‫متَاع ُ الْغُُرورِ}[‪ ]145‬ونهي عن الغترار بها‬ ‫وسماها سبحانه { َ‬
‫وأخبرنا عن سوء عاقبة المغترين بها‪ ،‬وحذرنا مثل مصارعهم وذم‬
‫من رضي بها واطمأن إليها‪.‬‬
‫‪ -2‬الثاني‪ :‬علمه أن وراءها دارا أعظم منها قدرا وأجل خطرا‪،‬‬
‫وهي دار البقاء‪ ،‬فالزهد فيها لكمال الرغبة فيما هو أعظم منها‪.‬‬
‫‪ -3‬الثالث‪ :‬معرفته بأن زهده فيها ل يمنعه شيئا كتب له منها‪.‬‬
‫وأن حرصه عليها ل يجلب له ما لم يقض له منها‪.‬‬
‫فمتى تيقن ذلك ثلج له صدره‪ ،‬وعلم أن مضمونه منها سيأتيه‪،‬‬
‫وبقي حرصه وتعبه وكده ضائعا والعاقل ل يرضى‪ ،‬لنفسه بذلك‪.‬‬
‫فهذه المور الثلثة تسهل على العبد الزهد فيها ويثبت قدمه في‬
‫مقامه"[‪.]146‬‬

‫الزهد البدعي‪:‬‬
‫وهو الذي عليه حال كثير من المتصوفة الذين تركوا الكسب‬
‫والكتساب ولم يأخذوا بالسباب‪ ،‬وانقطعوا انقطاعا تاما عن‬
‫الوسائل المشروعة لتحصيل الرزق‪ .‬فأصبحوا بذلك عالة على‬
‫الناس يتكففونهم ويعيشون على صدقاتهم وزكاتهم وأوقافهم‪،‬‬
‫وصاروا عضوا أشل في مجتمعاتهم‪ ،‬فأوقعوا أنفسهم في محاذير‬
‫كثيرة منها‪:‬‬
‫‪ -1‬دخولهم في الرهبانية التي نهى الشارع الحكيم عنها‪.‬‬
‫‪ -2‬مخالفتهم لوامر الله لعباده بالسعي في الرض وطلب‬
‫الرزق الحلل‬
‫‪ -3‬وقوعهم في مسألة الناس مع قدرتهم على طلب الرزق‬
‫فاستحقوا بذلك الوعيد الشديد الوارد في هذا الشأن‪.‬‬
‫فالواجب على المسلم الحذر من مشابهة هؤلء في أحوالهم‬
‫فالزهد المشروع إنما هو قلة الرغبة في الموجود ل قلة الرغبة‬
‫في المفقود‪ .‬وعلمة قلة الرغبة في الموجود إنفاقه في سبيل‬
‫الله‪ .‬فخلصة القول‪ :‬إنه من المعلوم أن كل دعوى لبد لها من‬
‫دليل عليها‪ ،‬ليثبت صدقها ويؤكدها ويبرهن عليها‪.‬‬
‫ن}[‪]147‬‬‫صادِقِي َ‬ ‫ن كُنْت ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ل هَاتُوا بُْرهَانَك ُ ْ‬
‫م إِ ْ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬قُ ْ‬
‫وكذا الحال في دعوى محبة الرسول صلى الله عليه وسلم لبد‬
‫لمدعي هذه المحبة من علمات وأدلة تؤكد دعواه وتبرهن صدق‬
‫ما قاله‪ .‬وما تقدم من علمات وأدلة تعد أبرز وأهم العلمات التي‬
‫تدلل وتبرهن على صحة تلك الدعوى‪.‬‬
‫وعلى العموم فكل عمل يعمله المسلم مما حث الشارع على‬
‫فعله يعد ذلك دليل على محبة الرسول صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫شريطة تحري الخلص في ذلك العمل وإرادة وجه الله تعالى به‪.‬‬
‫وعلى هذا الساس فإنه بقدر التزام المسلم بعلمات المحبة‬
‫وحرصه على تطبيقها تتحدد درجة محبته للنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ودرجة إيمانه كذلك‪.‬‬
‫فمحبته همسا هي جزء من أجزاء اليمان‪ ،‬واليمان كما هو‬
‫معلوم يزداد بالطاعات وينقص بالمعاصي‪ .‬فتزداد المحبة بمقدار‬
‫اللتزام بتلك العلمات‪ .‬وتنقص بمقدار البعد عنها‪.‬‬

‫المطلب التاسع‪ :‬التحذير من علمات المحبة البدعية‬


‫يظن البعض من الناس أن له الحق في التعبير عن محبته للنبي‬
‫صلى الله عليه وسلم بما يراه ويستحسنه من المور‪ ،‬من غير أن‬
‫يراعي في ذلك قواعد الشرع وأصوله وهذا الصنف من الناس‬
‫تراه منساقا مع عواطفه جاعل لها حق التشريع في هذا الدين‪.‬‬
‫فتراه يغلو في حق النبي صلى الله عليه وسلم حتى كمل به إلى‬
‫بعض مراتب اللوهية‪ .‬وتراه يبتدع في دين الله أمورا تصل إلى‬
‫حد العظائم‪ .‬وتراه يقدم على الشركيات والكفريات‪ .‬وكل ذلك‬
‫بدعوى‪ ،‬محبة النبي صلى الله عليه وسلم ولقد حكم الله عز‬
‫ن‬ ‫م َّ‬ ‫ض ُّ‬ ‫وجل بالضلل على هذا الصنف فقال تعالى‪ { :‬وم َ‬
‫م ِ‬ ‫ل ِ‬ ‫نأ َ‬‫َ َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن الل ّهِ}[‪.]148‬‬ ‫اتَّبَعَ هَوَاه ُ بِغَيْرِ هُدىً ِ‬
‫م َ‬
‫فالمتبعون لعواطفهم وأهوائهم المحكمون لها‪ ،‬لبد وأن يكونوا‬
‫نابذين لهدي الله المتمثل في الكتاب والسنة‪ ،‬واللذين يشتملن‬
‫على قواعد هذا الدين وأصوله والتي من ضمنها تحريم البتداع‬
‫في الدين والحداث فيه‪ ،‬وتحريم الغلو بشتى مظاهره وأشكاله‪،‬‬
‫وتحريم الشرك بمختلف صوره وألوانه‪.‬‬
‫ولذلك حكم الله بضللهم وغوايتهم وبعداهم عن الصراط‬
‫المستقيم‪ .‬فحري بأمثال هؤلء أن يقلعوا عن غيهم‪ ،‬وأن يتحكموا‬
‫في عواطفهم كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫فمحبة النبي صلى الله عليه وسلم من الدين‪ ،‬وتحقيقها يكون‬
‫عن طريق ما شرع في هذا الدين‪ ،‬ل عن طريق البدع وما تهواه‬
‫النفوس فالبدع قد حذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم منها بقوله‪:‬‬
‫"إياكم ومحدثات المور" وهذا الحديث يعني في هذا المقام أن‬
‫ليس لحد الحق في التعبير عن محبة النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫إل بما جاء به النبي ل فعلى المسلم أن يدرك هذا المر وليحذر‬
‫من سبل أهل الضلل والنحراف‪.‬‬
‫سب ُ َ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ستَقِيما فَات ّبِعُوه ُ وَل تَت ّبِعُوا ال ُّ‬
‫م ْ‬‫صَراطِي ُ‬
‫ن هَذ َا ِ‬‫قال تعالى‪{ :‬وَأ َ َّ‬
‫سبِيلِهِ}[‪.]149‬‬
‫ن َ‬ ‫فَتَفََّرقَ بِك ُ ْ‬
‫م عَ ْ‬
‫وإن الناظر في أحوال أولئك المفتونين بالبدع تحت دعوى محبة‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم يجد أنهم قد رغبوا في تلك المور‬
‫المبتدعة لنها أمور ل مشقة فيها على النفس فجعلوها بدل مما‬
‫يجب عليهم من العمال والطاعات التي تشق على نفوسهم‬
‫الضعيفة المريضة‪ ،‬فالمحبة عند هؤلء تنحصر في مظاهر‬
‫التعظيم اللساني المليء بالغلو والشرك والمقترن بالجتماع‬
‫على موائد الطعام والذي ل يخلو في بعض الحيان من المنكرات‬
‫والمحرمات‪.‬‬
‫ويحق للمرء أن يتساءل أي محبة هذه التي تجيز لهؤلء أن‬
‫يبتدعوا في دين الله بزيادة أو نقص أو تغيير أو تبديل؟ لشك أن‬
‫فعل هذه المور يناقض المحبة ويضادها جملة وتفصيل‪ ،‬ول عذر‬
‫لفاعلها فيما أقدم عليه وإن كان فعل ذلك بحسن نية‪ ،‬فحسن‬
‫النية ل يبيح البتداع في الدين‪ ،‬فلقد كان جل ما أحدث أهل‬
‫الملل قبلنا من التغيير في دينهم عن حسن نية‪ ،‬فمازالوا على‬
‫حالهم تلك حتى صارت أديانهم على غير ما جاءت به رسلهم‪.‬‬
‫ومما يؤسف له أن كثيرا من الناس يتمسك بتلك البدع تقليدا‬
‫لمشائخه أو عشيرته أو أهل بلده‪ .‬إلى غير ذلك من العصبيات‬
‫الجاهلية التي ما أنزل الله بها من سلطان والتي أعمت بصائر‬
‫الكثير منهم وأضلتهم عن سبيل الله‪.‬‬
‫ولقد كان من الحري بهؤلء أن يقتدوا بصحابة رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬الذين كانوا أشد المة محبة للنبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وأشدهم تعظيما له وكانوا أحرص الناس على الخير‬
‫ممن جاء بعدهم‪ ،‬والذين بذلوا أنفسهم وأموالهم في هذا السبيل‪.‬‬
‫فلقد كان من سنن الصحابة رضوان الله عليهم حرصهم على‬
‫اتباع النبي صلى الله عليه وسلم لنهم يؤمنون بأن منشأ محبته‬
‫وثباتها قوتها إنما يكون بمتابعته صلى الله عليه وسلم في أقواله‬
‫وأفعاله وسلوكه وتصرفاته‪.‬‬
‫كما أنهم يؤمنون بأن البتداع في الدين يضاد تلك المحبة وينافيها‬
‫ولذلك لم يعهد عنهم أنهم ابتدعوا أشياء من عند أنفسهم لظهار‬
‫محبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم كما ابتدع المتأخرون ما‬
‫ابتدعوه من البدع تحت ستار المحبة والتعظيم له صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ .‬فإذا كان هذا هو شأن الصحابة فيما أثر عنهم من الثار‬
‫وهم المشهود لهم بأنهم أشد المة وأفضلها محبة وتعظيما للنبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أفل يسع من جاء بعدهم ما وسعهم‪،‬‬
‫فيتركوا تلك المور المبتدعة التي أحدثت من بعدهم‪ ،‬والتي لم‬
‫يأذن بها الله ولم تكن من هدي رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪،‬من ول من عمل أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم‪ ،‬ومن‬
‫لم يتسع له ما اتسع للصحابة رضي الله عنهم‪ ،‬فل وسع الله عليه‬
‫في الدنيا ول في الخرة‪.‬‬
‫فعن قتادة قال‪ :‬قال ابن مسعود رضي الله عنه‪" :‬من كان منكم‬
‫متأسيا فليتأس بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فإنهم كانوا‬
‫أبر هذه المة قلوبا‪ ،‬وأعمقها علما وأقلها تكلفا وأقومها هديا‬
‫وأحسنها حال‪ ،‬قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وإقامة دينه‪ ،‬فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم في آثارهم‬
‫فإنهم كانوا على الهدى المستقيم"[‪.]150‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬ثواب محبته صلى الله عليه وسلم‬
‫ويشتمل على تمهيد ومطلبين‪:‬‬
‫تمهيد‬
‫يؤمن المسلم أنه بفعله للطاعات وسائر العبادات يفعل ذلك كله‬
‫ابتغاء مرضاة الله ورجاء ما عنده من الثواب العاجل في الدنيا‬
‫والجل في الخرة‪.‬‬
‫ذلك لن كل عمل صالح مشروع له ثمرة‪ ،‬فالله سبحانه كريم‬
‫يجود على أهل طاعته وعبادته‪ ،‬ويمن عليهم بفضله في فيضاعف‬
‫ملُوا‬ ‫لهم درجات أعمالهم‪ .‬قال تعالى‪{ :‬لِيجزيهم الل َّ َ‬
‫ما ع َ ِ‬
‫ن َ‬‫س َ‬
‫ح َ‬‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ َُِ ُ‬ ‫َ‬
‫ب}[‪.]151‬‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫شاءُ بِغَيْرِ ِ‬‫ن يَ َ‬‫م ْ‬ ‫ه يَْرُزقُ َ‬ ‫ضلِهِ وَالل ّ ُ‬
‫ن فَ ْ‬
‫م ْ‬
‫م ِ‬
‫وَيَزِيدَهُ ْ‬
‫َ‬
‫مثَال ِ َها}[‪.]152‬‬
‫شُر أ ْ‬ ‫ه عَ ْ‬‫سنَةِ فَل َ ُ‬
‫ح َ‬‫جاءَ بِال ْ َ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬‫وقال تعالى‪َ { :‬‬
‫من ْ َها}[‪.]153‬‬ ‫خيٌْر ِ‬ ‫ه َ‬ ‫سنَةِ فَل َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫جاءَ بِال ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫وقال تعالى‪َ { :‬‬
‫والمحبة من أفضل أعمال العباد وأحبها إلى الله عز وجل‪ ،‬فبها‬
‫يذوق العبد حلوة اليمان كما في الحديث "ثلث من كن فيه وجد‬
‫حلوة اليمان‪ :‬أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما‪ ،‬وأن‬
‫يحب المرء ل يحبه إل لله‪ ،‬وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن‬
‫أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار"[‪.]154‬‬
‫وبها يستكمل اليمان كما في الحديث‪" :‬من أحب لله وأبغض لله‬
‫وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل اليمان"[‪.]155‬‬
‫وهي من أفضل اليمان كما في حديث معاذ بن جبل رضي الله‬
‫عنه أنه سئل‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل اليمان؟‬
‫قال‪" :‬أفضل اليمان أن تحب لله وتبغض لله في الله وتعمل‬
‫لسانك في ذكر الله‪ .]156["...‬فهذه الحاديث تبين اكتساب‬
‫المحبة لهذه الدرجة الرفيعة من الدين فمن أعظم الواجبات على‬
‫المؤمن محبة الله ومحبة ما يحبه من القوال والعمال الظاهرة‬
‫والباطنة وما يحبه من الشخاص كالنبياء والملئكة وصالحي بني‬
‫آدم وموالتهم‪ ،‬وبغض ما يبغضه الله من القوال والعمال‬
‫الظاهرة والباطنة‪ .‬مع وجوب تقديم محبة الله تعالى على جميع‬
‫المحاب وإيثار مرضاته على حظوظ النفس‪.‬‬
‫ولقد دلت النصوص على عظم ثواب المحبة ومدى نفع ثمرتها‪.‬‬
‫والحديث هنا عن ثمرة المحبة يتناول محبة الله ومحبة رسوله‬
‫صلى الله عليه وسلم وذلك لما بين المرين من التلزم‪.‬‬
‫فمحبة الله ل تتم إل بمحبة ما يحبه الله وكراهة ما يكرهه‪.‬‬
‫ول طريق إلى معرفة ما يحبه وما يكرهه إل بإتباع ما أمر به‬
‫واجتناب ما نهي عنه‪ ،‬فصار من لوازم محبته سبحانه وتعالى‬
‫محبة رسوله صلى الله عليه وسلم وتصديقه ومتابعته‪ ،‬ولهذا قرن‬
‫الله محبته ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى‪{ :‬قُ ْ‬
‫ل‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫موَا ٌ‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫شيَرتُك ُ ْ‬ ‫م وَع َ ِ‬ ‫جك ُ ْ‬ ‫م وَأْزوَا ُ‬ ‫خوَانُك ُ ْ‬
‫م وَإ ِ ْ‬ ‫م وَأبْنَاؤ ُك ُ ْ‬ ‫ن آبَاؤ ُك ُ ْ‬ ‫ن كَا َ‬ ‫إِ ْ‬
‫َ‬
‫ب إِلَيْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ح َّ‬ ‫ضوْنَهَا أ َ‬
‫َ‬
‫ن تَْر َ‬ ‫ُ‬ ‫ساك ِ‬ ‫م َ‬ ‫سادَهَا َو َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫شوْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫جاَرة ٌ ت َ ْ‬ ‫موهَا َوت ِ َ‬ ‫اقْتََرفْت ُ َ ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ه‬
‫مرِ ِ‬ ‫ه بِأ ْ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫حتَّى يَأت ِ َ‬ ‫صوا َ‬ ‫سبِيلِهِ فَتََرب َّ ُ‬ ‫جهَاد ٍ فِي َ‬ ‫سولِهِ وَ ِ‬ ‫ن الل ّ ِ‬
‫ه وََر ُ‬
‫َ‬ ‫م َ‬‫ِ‬
‫ن}[‪.]157‬‬ ‫سقِي َ‬ ‫ْ‬
‫م الفَا ِ‬ ‫ْ‬
‫ه ل يَهْدِي القَوْ َ‬ ‫ّ‬
‫وَالل ُ‬
‫وورد مثل ذلك في كلم النبي صلى الله عليه وسلم كما في‬
‫حديث‪" :‬ثلث من كن فيه وجد بهن حلوة اليمان‪ ،‬أن يكون الله‬
‫ورسوله أحب إليه مما سواهما ‪ "000‬الحديث‪ .‬ومما تجدر الشارة‬
‫إليه كذلك أن كل من الحب‪ ،‬واليمان والتصديق هي حقوق‬
‫مشتركة بين الله ورسوله‪ .‬فالله سبحانه وتعالى كما أوجب‬
‫اليمان به على خلقه أوجب كذلك عليهم اليمان برسوله صلى‬
‫َ‬
‫سولِهِ}‪.‬‬ ‫منُوا بِالل ّهِ وََر ُ‬ ‫الله عليه وسلم قال تعالى‪{ :‬آ ِ‬
‫َّ‬ ‫ب إِلَيْك ُ‬‫ح َّ‬ ‫َ‬
‫سولِهِ}‬ ‫ن اللهِ وََر ُ‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫م ِ‬ ‫ْ‬ ‫تال تعالى‪...{ :‬أ َ‬
‫َ‬
‫ما وَعَدَنَا الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫وكذا الحال بالنسبة للتصديق قال تعالى‪{ :‬قَالُوا هَذ َا َ‬
‫ه}[‪]158‬‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫وََر ُ‬
‫وقد نظم ابن القيم رحمه الله هذا في نونيته حيث قال‪:‬‬
‫يختص بل حقان مشتركان[‪ ]159‬والحب واليمان والتصديق ل‬
‫وثمار محبة الله ورسوله منها ما هو دنيوي‪ ،‬ومنها ما هو أخروي‪.‬‬
‫وسنعرض لكل النوعين ليعلم المسلم عظم فضل الله على عباده‬
‫المحبين له و لرسوله‪.‬‬
‫المطلب الول‪ :‬ثمار المحبة في الحياة الدنيا‬
‫من أعظم ثمار المحبة في هذه الحياة الدنيا هو ما تورثه في‬
‫الجوارح من فعل للطاعات والقربات مما يرضي الله عز وجل‬
‫ويكسب محبته‪.‬‬
‫فمتى ما تمكنت المحبة من القلب واستغرق بها واستولت عليه‬
‫لم تنبعث الجوارح إل إلى رضا الرب وطاعته‪ ،‬وصارت النفس‬
‫مطمئنة حينئذ بإيرادة مولها عن مرادها وهواها‪ ،‬فمن أحب الله‬
‫لم يكن شيء عنده آثر من رضاه‪.‬‬
‫وهذا هو معنى الحديث اللهي "ول يزال عبدي يتقرب إلي‬
‫بالنوافل حتى أحبه‪ ،‬فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به‪،‬‬
‫وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشى‬
‫بها"الحديث[‪.]160‬‬
‫فالمحبة الصادقة شجرة في القلب عروقها الذل للمحبوب‪،‬‬
‫وساقها معرفته‪ ،‬وأغصانها خشيته‪ ،‬وورقها الحياء منه‪ ،‬وثمرتها‬
‫طاعته‪ ،‬ومادتها التي تسقيها ذكره[‪.]161‬‬
‫فالمحبة تمل القلب ذل لله وتكسبه معرفة وخشية وخوفا وحياء‬
‫من الله تبارك وتعالى‪ ،‬لتثمر بذلك طاعته وامتثال أوامره‬
‫واجتناب نواهيه وخشيته في السر والعلنية‪ ،‬وثمار الطاعة ل تعد‬
‫ول تحصى وأعظمها‪ :‬محبة الله للعبد وهذا أشرف مقصود وأرفع‬
‫درجة وأعظم مقام يناله العبد‪.‬ثوابا وثمرة لمحبته لله عز وجل‪.‬‬
‫وقد يظن البعض أن الغاية هي أن تحب لله‪ ،‬ولكن المر خلف‬
‫ذلك‪ ،‬فالغاية أن يحبك الله عز وجل وليست الغاية أن تحب الله‬
‫عز وجل‪ ،‬فالمؤمن يسعى لهذه الغاية ويتمنى تحققها والفوز بها‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه وَيَغْفِْر‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ه فَاتَّبِعُونِي ي ُ ْ‬
‫حبِبْك ُ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫حبُّو َ‬‫م تُ ِ‬‫ن كُنْت ُ ْ‬‫ل إِ ْ‬‫قال تعالى‪{ :‬قُ ْ‬
‫َ‬
‫م}[‪.]162‬‬ ‫م ذ ُنُوبَك ُ ْ‬ ‫لَك ُ ْ‬
‫فْر لَك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ه وَيَغْ ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫حبِبْك ُ ُ‬‫فالية هنا إشارة إلى ثمرة المحبة {ي ُ ْ‬
‫م} قال ابن القيم عند هذه الية "فجعل سبحانه متابعة‬ ‫ذ ُنُوبَك ُ ْ‬
‫رسوله سببا لمحبتهم له‪ ،‬وكون العبد محبوبا لله أعلى من كونه‬
‫محبا لله‪ ،‬فليس الشأن أن تحب الله ولكن الشأن أن يحبك‬
‫الله"[‪.]163‬‬

‫وقد وصف الله سبحانه نفسه في كتابه العزيز بأنه يحب عباده‬
‫منُوا أ َ َ‬ ‫َ‬
‫دُ‬
‫ش ّ‬ ‫نآ َ‬ ‫المؤمنين‪ ،‬ويحبونه‪ ،‬وأخبر أنهم أشد حبا لله {وَال ّذِي َ‬ ‫َ‬
‫حبّا ً لِل ّهِ}[‪ .]164‬ووصف نفسه بأنه الودود {وَهُوَ الْغَفُوُر الْوَدُودُ}[‬ ‫ُ‬
‫‪ ]165‬والودود هو الحبيب‪ ،‬والود خالص الحب‪ ،‬فهو يود عباده‬
‫المؤمنين ويودونه[‪.]166‬‬
‫َ َ‬
‫م‬‫ل لَهُ ُ‬
‫جعَ ُ‬
‫سي َ ْ‬‫ت َ‬ ‫حا ِ‬ ‫ملُوا ال َّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫منُوا وَع َ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ن ال ّذِي َ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫ن وُدّاً}[‪ ]167‬قال بعض السلف في تفسيرها يحبهم ويحببهم‬ ‫م ُ‬
‫ح َ‬ ‫الَّر ْ‬
‫إلى عباده[‪.]168‬‬
‫فالفوز بمحبة الله فيه الخير كله فعن أنس بين مالك رضي الله‬
‫عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن‬
‫ربه عز وجل أنه قال‪" :‬من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة‪،‬‬
‫وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترقا عليه‪ ،‬ول يزال عبدي‬
‫يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه‪ ،‬فإذا أحببته كنت سمعه الذي‬
‫يسمع به وبصره الذي يبصر به‪ ،‬ويده التي يبطش بها‪ ،‬ورجله‬
‫التي يمشي بها‪ ،‬فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشى‪،‬‬
‫ولئن سألني لعطنه ولئن استعاذني لعيذنه‪ ،‬وما ترددت عن‬
‫شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره‬
‫الموت وأكره مساءته ولبد له منه"[‪.]169‬‬
‫فتأمل كمال الموافقة في الكراهة كيف اقتضى كراهة الرب‬
‫تعالى لمساءة عبده بالموت لما كره العبد مساخط ربه‪ ،‬وكمال‬
‫الموافقة كيف اقتضى موافقته في قضاء حوائجه وإجابة طلباته‬
‫وإعاذته مما استعاذ به‪ ،‬كما قالت عائشة رضي الله عنها للنبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" :‬ما أرى ربك إل يسارع في هواك"[‪.]170‬‬
‫وتأمل "الباء" في قوله "فبي يسمع وبي‪ ،‬يبصر وبي يبطش وبي‬
‫يمشي" كيف تجدها مبينة لمعنى قوله "كنت سمعه الذي يسمع‬
‫به وبصره الذي يبصر به‪ ...‬الخ " فإن سمع سمع بالله‪ ،‬وإن أبصر‬
‫أبصر به‪ ،‬وإن بطش بطش به‪ ،‬وإن مشى مشى به‪ ،‬وهذا تحقيق‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ن}[‪]171‬‬ ‫سنُو َ‬
‫ح ِ‬ ‫م ْ‬‫م ُ‬ ‫ن اتَّقَوْا وَال ّذِي َ‬
‫ن هُ ْ‬ ‫معَ ال ّذِي َ‬ ‫ه ََ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫ن}[‪ ]172‬وقوله تعالى‪:‬‬ ‫سنِي َ‬
‫ح ِ‬‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫معَ ال ُ‬ ‫َ‬
‫هل َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫َ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَإ ِ ّ‬
‫َ َ َ‬
‫ن}[‪]173‬‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫معَ ال ْ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫{وَأ ّ‬
‫وتأمل كذلك كيف جعل محبته لعبده متعلقة بأداء فرائضه‪،‬‬
‫والتقرب إليه بالنوافل بعدها ل غير‪ ،‬وفي هذا تعزية لمدعي‬
‫محبته بدون ذلك أنه ليس من أهلها‪ ،‬وإنما معه الماني الباطلة‬
‫والدعاوي الكاذبة[‪.]174‬‬
‫ومما يناله العبد كذلك من محبة الله له محبة من في السماء له‬
‫ووضع القبول له في أهل الرض‪.‬‬
‫فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪" :‬إذا أحب الله العبد نادى جبريل إن الله يحب فلنا فأحبوه‬
‫فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في أهل الرض "[‪.]175‬‬
‫وفي لفظ لمسلم‪" :‬إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال إني‬
‫أحب فلنا فأحبه " قال‪ :‬فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء‬
‫فيقول إن الله يحب فلنا فأحبوه فيحبه أهل السماء‪ .‬قال‪ :‬ثم‬
‫يوضع له القبول في الرض‪ " ...‬الحديث[‪.]176‬‬
‫وفي لفظ آخر لمسلم عن سهيل بن أبي صالح قال‪ :‬كنا بعرفة‬
‫فمر عمر بن عبد العزيز وهو على الموسم فقام الناس ينظرون‬
‫إليه‪ .‬فقلت لبي‪ :‬يا أبت إني أرى الله يحب عمر بن عبد العزيز‪.‬‬
‫قال‪ :‬وما ذاك؟‬
‫قلت‪ :‬لما له من الحب في قلوب الناس‪.‬‬
‫فقال‪ :‬إني سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يحدث عن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر الحديث[‪]177‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬ثواب المحبة في الخرة‬


‫أما على صعيد الثواب الخروي فمن أعظم ما ورد في ذلك تلك‬
‫البشارة التي وردت على لسان النبي كلها والتي استبشر لها‬
‫الصحابة رضوان الله عليهم ولم يفرحوا بشيء بعد السلم أشد‬
‫من فرحهم بها‪.‬‬
‫فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال‪ :‬جاء رجل إلى رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول الله متى الساعة؟‬
‫قال‪" :‬وما أعددت للساعة؟ "‬
‫قال‪ :‬حب الله ورسوله‪ .‬قال‪" :‬فإنك مع من أحببت"‪.‬‬
‫قال أنس‪ :‬فما فرحنا بعد السلم فرحا أشد من قول النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم "فإنك مع من أحببت "‪.‬‬
‫قال أنس‪ :‬فأنا أحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر فأرجو أن أكون‬
‫معهم وإن لم أعمل بأعمالهم[‪.]178‬‬
‫وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال‪" :‬جاء رجل إلى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كيف ترى‬
‫في رجل أحب قوما ولما يلحق بهم؟ قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم "المرء مع من أحب"[‪.]179‬‬
‫ولشك أن هذه البشرى عامة للمة جميعها بمعنى أن من‬
‫تحققت فيه محبة الله ورسوله فهو مستحق لتلك البشرى‪ ،‬ولكن‬
‫مما يجدر التنبيه عليه ههنا مرة أخرى أنه ل يكفي مجرد دعوى‬
‫محبة الله ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم باللسان فقط بل‬
‫لبد من تحقيق المتابعة له‪ ،‬وكل ما يوصل إلى تحقيق المحبة‪،‬‬
‫فمرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة لبد أن يصاحبها‬
‫اجتهاد ممن يطلبها‪ ،‬وإن كان ليس من شرط ذلك الجتهاد في‬
‫الطاعة أن يصل إلى درجة اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ومما يشهد لهذا ويؤكده ما ورد في حديث ربيعة بن كعب‬
‫السلمي[‪ ]180‬أنه قال‪ :‬كنت أبيت عند النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فأتيته بوضوئه وحاجته فقال لي‪" :‬سل"‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬يارسول الله أسألك مرافقتك في الجنة‪ .‬فقال‪ " :‬أو غير‬
‫ذلك؟ "‪ .‬قلت‪ :‬هو ذاك‪ .‬قال‪" :‬فأعني على نفسك بكثرة‬
‫السجود"[‪.]181‬‬
‫فطلب النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابي الذي سأل‬
‫مرافقته في الجنة أن يكثر من صلة النافلة‪ ،‬وفي هذا دليل على‬
‫أن العمل مطلوب ممن أراد أن يصل إلى هذه المنية العظيمة‬
‫وأن مجرد تمني القلب وقول اللسان ل يكفي لتحقيق ذلك‪.‬‬
‫ومما يؤكد أن نوال شرف مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ن يُطِِع‬ ‫م ْ‬‫{و َ‬
‫وطاعته‪ ،‬قوله تعالى‪َ :‬‬ ‫في الجنة متعلق باتباع شريعته‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل فَأُولَئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫ن النَّبِيِّي َ‬
‫ن‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ع َلَيْهِ ْ‬‫م الل ّ ُ‬ ‫ن أنْعَ َ‬ ‫معَ ال ّذِي َ‬ ‫ك َ‬ ‫سو َ‬ ‫ه وَالَّر ُ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ك َرفِيقاً}[‪ ]182‬ومن‬ ‫ن أُولَئ ِ َ‬ ‫س َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬‫شهَدَاءِ وَال َّ‬ ‫صدِّيقِين وال ُّ‬
‫َ َ‬ ‫وَال ِّ‬
‫الثواب الخروي الذي يناله المحب لله ولرسوله هو غفران‬
‫َّ‬
‫ه‬
‫ن الل َ‬ ‫حبُّو َ‬ ‫م تُ ِ‬‫ن كُنْت ُ ْ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫الذنوب وهذا ما دل عليه قوله تعالى‪{ :‬قُ ْ‬
‫َ‬
‫م}[‪]183‬‬ ‫م ذ ُنُوبَك ُ ْ‬ ‫ه وَيَغْفِْر لَك ُ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫فَاتَّبِعُونِي ي ُ ْ‬
‫حبِبْك ُ ُ‬
‫فأخبر سبحانه في هذه الية عن مغفرته لذنوب الذين حققوا‬
‫محبته ومحبة نبيه على الوجه المطلوب منهم‪ ،‬وهذه منة امتن‬
‫الله بها على أهل محبته‪ ،‬إذ وعدهم إن هم اتبعوا رسوله صلى‬
‫الله عليه وسلم وأطاعوه أنه يجزيهم على فعلهم ذلك‪ ،‬ويكرمهم‬
‫بشرف محبته لهم ويتوج ذلك الشرف العظيم والمنزلة العالية‬
‫بأن يمحو عنهم خطاياهم ويكفر عنهم سيئاتهم التي اكتسبوها‪.‬‬
‫ولشك أن حصول هذين المرين أي "المحبة" و "المغفرة" هما‬
‫غاية ما يتمنى المؤمن الفوز به‪ ،‬فأي فوز أعظم وأكبر من الفوز‬
‫برضى الله وغفرانه‪.‬‬
‫فرضى الله هو سبيل كل نعيم دائم مقيم‪ ،‬وغفرانه هو المان من‬
‫كل عذاب أليم‪ .‬ومن ثمرات محبته صلى الله عليه وسلم ما ورد‬
‫في ثواب ذكره الذي هو أحد علمات ودلئل محبته فعن أبي‬
‫هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫"من صلى علي واحد ة صلى الله عليه عشرا"[‪ ]184‬والصلة‬
‫معناها هنا الثناء‪ ،‬فهي ثناء على الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫وإرادة من الله أن يعلي ذكره ويزيده تعظيما وتشريفا والجزاء‬
‫من جنس العمل‪ ،‬فمن اثنى على رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم جزاه الله من جنس عمله بأن يثني عليه ويزيد تشريفه‬
‫وتكريمه[‪ .]185‬فهذه ثمرة من ثمرات الذكر الذي هو علمة من‬
‫علمات المحبة‪.‬‬
‫ومما ورد كذلك حديث أبي بن كعب قال‪ :‬قلت‪ :‬يارسول الله‪،‬‬
‫إني أكثر الصلة عليك‪ ،‬فكم أجعل لك من صلتي؟‬
‫قال‪" :‬ما شئت"‪ .‬قلت‪ :‬الربع؟‬
‫قال‪" :‬ما شئت‪ ،‬وإن زدت فهو خير"‪ .‬قلت‪ :‬النصف؟‬
‫قال‪" :‬ما شئت‪ ،‬وإن زدت فهو خير"‪ .‬قلت‪ :‬الثلثين؟‬
‫قال‪" :‬ما شئت وإن زدت فهو خير"‪.‬‬
‫قال‪ :‬أجعل لك صلتي كلها‪.‬‬
‫قال‪" :‬إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك"[‪.]186‬‬
‫والعبارة الخيرة هي موطن الشاهد ههنا‪ ،‬فهذا من الثواب‬
‫الحاصل من المحبة لن من أحب شيئا أكثر من ذكره‪" ،‬وكما أن‬
‫الذكر من نتائج الحب‪ ،‬فالحب أيضا من نتائج الذكر‪ ،‬فكل منهما‬
‫وشمر الخر‪ ،‬وزرع المحبة إنما يسقى بماء الذكر‪ ،‬وأفضل الذكر‬
‫ما صدر عن المحبة[‪.]187‬‬
‫وقد سبق بيان معنى الحديث[‪.]188‬‬
‫وعلى العموم فإن ثواب كل طاعة من الطاعات إنما هو في‬
‫الحقيقة ثمرة للمحبة وذلك لن المحبة أصل كل عمل من أعمال‬
‫اليمان والدين‪.‬‬

‫________________________________________‬
‫[‪ ]1‬الية (‪ )111‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫[‪ ]2‬أخرجه الترمذي في سننه‪ ،‬كتاب العلم‪ :‬باب ما جاء في الخذ‬
‫بالسنة واجتناب البدع (‪ )46 /5‬ح ‪ 2678‬وقال حديث حسن غريب‬
‫من هذا الوجه‪.‬‬
‫[‪ ]3‬الية (‪ )24‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫[‪ ]4‬جامع العلوم والحكم (ص ‪.)365‬‬
‫[‪ ]5‬جامع العلوم والحكم (ص ‪.)366‬‬
‫[‪ ]6‬جلء الفهام في الصلة والسلم على خير النام (ص ‪.)248‬‬
‫[‪ ]7‬الية (‪ )56‬من سورة الحزاب‪.‬‬
‫[‪ ]8‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الصلة‪ ،‬باب القول مثل‬
‫قول المؤذن لمن سمعه‪ ،‬ثم يصلي على النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ثم يسأل له الوسيلة (‪.)4 /2‬‬

‫[‪ ]9‬أخرجه المام أحمد في المسند (‪ .)136 /5‬وأخرجه الترمذي‬


‫في السنن‪ ،‬كتاب صفة يوم القيامة‪ ،‬باب ‪ )637 ،636 /4( ،23‬ح ‪2457‬‬
‫وقال‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪ .‬والحاكم في المستدرك (‪)421 /2‬‬
‫وقال هذا حديث صحيح السناد ولم يخرجاه‪ ،‬ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫وأخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلة على النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم (ص ‪ )8‬ح ‪ ،14‬وأخرجه أبو نعيم في الحلية (‪.)256 /1‬‬
‫والحديث في إسناده "عبد الله بن محمد بن عقيل" قال ابن‬
‫القيم‪ :‬عبد الله بن محمد بن عقيل احتج به الئمة الكبار‬
‫كالحميدي وأحمد‪ ،‬وإسحاق‪ ،‬وعلي بن المديني‪ ،‬والترمذي‬
‫وغيرهم‪ ،‬والترمذي يصحح هذه الترجمة تارة ويحسنها تارة‪ .‬جلء‬
‫الفهام (ص ‪ )66‬وقال اللباني في الصحيحة (‪" :)954‬إسناده حسن‬
‫من أجل الخلف المعروف في ابن عقيل"‪.‬‬
‫[‪ ]10‬جلء الفهام (ص ‪.)32‬‬
‫[‪ ]11‬أخرجه المام أحمد في المسند (‪ .)201 /1‬وأخرجه الترمذي‬
‫في السنن‪ ،‬كتاب الدعوات‪ ،‬باب قول النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬رغم أنف رجل" وقال‪ :‬هذا حديث حسن صحيح غريب (‬
‫‪ )551 /5‬ح ‪ ،3546‬وأخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة (ص ‪.)163‬‬
‫وأخرجه ابن حبان في صحيحه انظر موارد الظمآن رقم (‪)388‬‬
‫وأخرجه الحاكم في المستدرك (‪ )549 /1‬وقال‪ :‬هذا حديث صحيح‬
‫السناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي‪ ،‬أخرجه الطبراني في الكبير‬
‫(‪ )2 /139 /1‬وقال اللباني في صحيح سنن الترمذي (‪ )177 /3‬حديث‬
‫صحيح‪.‬‬
‫[‪ ]12‬الشفا (‪.)573 /2‬‬
‫[‪ ]13‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها‪:‬‬
‫باب فيمن يود رؤية النبي صلى الله عليه وسلم بأهله وماله (‪/8‬‬
‫‪.)145‬‬
‫[‪ ]14‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الفضائل‪ :‬باب فضل النظر‬
‫إلى النبي صلى الله عليه وسلم وتمنيه (‪.)96 /7‬‬
‫[‪ ]15‬أخرجه أحمد في مسنده (‪ )155 ،105 /3‬والبيهقي في الدلئل (‬
‫‪.)351 /5‬‬
‫[‪ ]16‬الشفا (‪.)569 /2‬‬
‫[‪ ]17‬المصدر السابق (‪.)573 ،569 /2‬‬
‫[‪ ]18‬الية (‪ )91‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫[‪ ]19‬محمد بن أحمد بن أبي بكر النصاري القرطبي‪ ،‬من كبار‬
‫المفسرين وهو صاحب التفسير المشهور الذي يعرف "تفسير‬
‫القرطبي" واسمه "الجامع لحكام القرآن" توفي رحمه الله سنة‬
‫‪ 671‬هـ‪ .‬طبقات المفسرين (‪.)70 -69 /2‬‬
‫[‪ ]20‬تفسير القرطبي (‪.)227 /8‬‬
‫[‪ ]21‬النهاية في غريب الحديث (‪ ،)63 /5‬وجامع العلوم والحكم (ص‬
‫‪.)74‬‬
‫[‪ ]22‬غريب الحديث للخطابي (‪.)228 /2‬‬
‫[‪ ]23‬تميم بن أوس بن حارثة الداري‪ ،‬صحابي مشهور‪ ،‬كان‬
‫نصرانيا ثم قدم المدينة فأسلم وذلك سنة تسع من الهجرة‪ ،‬غزا‬
‫مع النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬مات بالشام‪ .‬الصابة (‪.)186 /1‬‬
‫[‪ ]24‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب اليمان‪ :‬باب بيان أن الدين‬
‫النصيحة (‪.)53 /1‬‬
‫[‪ ]25‬جامع العلوم والحكم (ص ‪.)76 -74‬‬
‫[‪ ]26‬محمد بن نصر المروزي‪ ،‬أبو عبد الله‪ ،‬إمام في الفقه‬
‫والحديث كان من أعلم الناس باختلف الصحابة فمن بعدهم في‬
‫الحكام‪ ،‬ولد سنة ‪ 202‬هـ‪ ،‬وتوفي سنة ‪ 294‬هـ‪.‬‬
‫تذكرة الحفاظ (‪ ،)201 /2‬وتهذيب التهذيب (‪.)489 /9‬‬
‫[‪ ]27‬الية (‪ )91‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫[‪ ]28‬تعظيم قدر الصلة (‪.)692 -691 /2‬‬
‫[‪ ]29‬الشفا (‪.)583 /2‬‬
‫[‪ ]30‬جامع العلوم والحكم (ص ‪.)74‬‬
‫[‪ ]31‬واسمه‪ :‬عثمان بن عبد الرحمن (صلح الدين) بن عثمان‬
‫الكردي أبو عمرو‪ ،‬أحد أئمة المسلمين علما ودينا‪ ،‬ولد سنة ‪557‬‬
‫هـ وتوفي سنة ‪ 643‬هـ‪ .‬العلم (‪.)208 -207 /4‬‬
‫[‪ ]32‬جامع العلوم والحكم (ص ‪.)76‬‬
‫[‪ ]33‬تعظيم قدر الصلة (‪.)693 /2‬‬
‫[‪ ]34‬الشفا (‪.)583 /2‬‬
‫[‪ ]35‬جامع العلوم والحكم (ص ‪.)76‬‬
‫[‪ ]36‬يحيى بن شرف بن مري الحزامي الحوراني‪ ،‬النووي‪،‬‬
‫الشافعي علمة في الفقه والحديث‪ ،‬وله مصنفات كثيرة‪ ،‬توفي‬
‫سنة ‪ 676‬هـ العلم (‪.)149 /8‬‬
‫[‪ ]37‬شرح صحيح مسلم (‪.)8/2‬‬
‫[‪ ]38‬تعظيم قدر الصلة (‪.)2/693‬‬
‫[‪ ]39‬الية (‪ )23‬من سورة الحزاب‪.‬‬
‫[‪ ]40‬الية (‪ )8‬من سورة الحشر‪.‬‬
‫[‪ ]41‬الشفا (‪.)585-2/584‬‬
‫[‪ ]42‬الشفا (‪.)2/584‬‬
‫[‪ ]43‬جامع العلوم والحكم (ص ‪.)76‬‬
‫[‪ ]44‬شرح النووي (‪.)2/38‬‬
‫[‪ ]45‬تفسير القرطبي (‪.)8/227‬‬
‫[‪ ]46‬تعظيم قدر الصلة (‪.)694 -2/693‬‬
‫[‪ ]47‬الشفا (‪.)2/585‬‬
‫[‪ ]48‬جامع العلوم والحكم (ص ‪.)76‬‬
‫[‪ ]49‬تفسير القرطبي (‪.)227 /8‬‬
‫[‪ ]50‬شرح النووي (‪.)39 -38 /2‬‬
‫[‪ ]51‬تعظم قدر الصلة (‪.)694 /2‬‬
‫[‪ ]52‬جامع العلوم والحكم (ص ‪.)76‬‬
‫[‪ ]53‬الشفا (‪.)586 /2‬‬
‫[‪ ]54‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الدب‪ ،‬باب رحمة الناس‬
‫والبهائم فتح الباري (‪ )438 /10‬ح ‪ ،6011‬وأخرجه مسلم في صحيحه‪،‬‬
‫كتاب البر والصلة‪ ،‬باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم‪.‬‬
‫[‪ ]55‬تفسير القرطبي (‪.)8/227‬‬
‫[‪ ]56‬جرير بن عبد الله البجلي‪ ،‬صحابي جليل‪ ،‬اختلف في وقت‬
‫إسلمه وكان له بلء حسن في الفتوحات‪ ،‬مات سنة ‪51‬هـ‪ ،‬وقيل‬
‫‪54‬هـ الصابة (‪.)234-1/233‬‬
‫[‪ ]57‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الحكام‪ ،‬باب كيف بايع‬
‫المام الناس‪ .‬فتح الباري (‪ )193 /3‬ح ‪ ،7204‬وأخرجه مسلم في‬
‫صحيحه‪ ،‬كتاب اليمان‪ ،‬باب بيان أن الدين النصيحة (‪.)1/54‬‬
‫[‪ ]58‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب السلم‪ ،‬باب حق المسلم‬
‫على المسلم رد السلم (‪.)7/3‬‬
‫[‪ ]59‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب صلة المسافرين باب‬
‫جامع صلة الليل (‪.)170-2/168‬‬
‫[‪ ]60‬الشفا (‪.)2/576‬‬
‫[‪ ]61‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب فضائل القرآن‪ ،‬باب‬
‫خيركم من تعلم القرآن وعلمه‪ .‬فتح الباري (‪ )74 /9‬ح ‪5027‬‬
‫[‪ ]62‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب فضائل الصحابة‪ ،‬باب‬
‫فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه (‪.)7/123‬‬
‫[‪ ]63‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب فضائل الصحابة‪ ،‬باب‬
‫فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه (‪.)7/123‬‬
‫[‪ ]64‬أخرجه البيهقي في الدب (ص ‪ ،)522‬وعزاه السيوطي في‬
‫مناهل الصفا (ص ‪ )186‬للبيهقى في الداب وابن الضريس في‬
‫فضائل القرآن‪.‬‬
‫[‪ ]65‬الشفا (‪.)2/576‬‬
‫[‪ ]66‬الشفا (‪.)2/573‬‬
‫[‪ ]67‬حقوق آل البيت (ص ‪.)19‬‬
‫[‪ ]68‬شعب اليمان للبيهقي (‪.)1/282‬‬
‫[‪ ]69‬مجموع الفتاوى (‪.)3/407‬‬
‫[‪ ]70‬زيد بن أرقم بن زيد‪ ،‬صحابي جليل‪ ،‬لم يشهد بدًرا ول أحدًذا‬
‫لصغر سنه‪ ،‬وأول مشاهده الخندق وقيل المريسيع‪ ،‬مات بالكوفة‬
‫سنة ست وستين‪ ،‬وقيل ثمان وستين‪ .‬الصابة (‪.)1/542‬‬
‫[‪ ]71‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب فضائل الصحابة‪ ،‬باب‬
‫فضائل على بر؟ لي طالب رضي الله عنه (‪.)123 ،122 /‬‬
‫[‪ ]72‬الية (‪ )6‬من سورة الحزاب‪.‬‬
‫[‪ ]73‬أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الدعوات‪ ،‬باب الصلة‬
‫على النبي صلى الله عليه وسلم‪ .‬فتح الباري (‪ )152 /1‬ح ‪.6357‬‬
‫وأخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الصلة‪ ،‬باب الصلة على صلى‬
‫الله عليه وسلم بعد التشهد (‪.)2/16‬‬
‫[‪ ]74‬جلء الفهام (ص ‪.)174‬‬
‫[‪ ]75‬أرقبوا‪ :‬المراقبة للشيء المحافظة عليه‪ ،‬يقول‪ :‬احفظوه‬
‫فيهم فل تسيئوا إليهم‪ .‬فتح الباري (‪.)7/79‬‬
‫[‪ ]76‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كناب الصحابة‪ ،‬باب مناقب‬
‫قرابة الرسول كله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫فتح الباري (‪ )7/78‬ح ‪.3713‬‬
‫[‪ ]77‬أخرجه البخاري في صحيحه كتاب فضائل الصحابة‪ ،‬باب‬
‫مناقب قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم‪ .‬فتح الباري (‪،7/77‬‬
‫‪ )78‬ح ‪ ،3712‬وأخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الجهاد والسير‪،‬‬
‫باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "ل نورث وما تركناه‬
‫صدقة" (‪.)156 ،5/155‬‬
‫[‪ ]78‬مجموع الفتاوى (‪.)3/407‬‬
‫[‪ ]79‬جلء الفهام (ص ‪.)175‬‬
‫[‪ ]80‬تفسير ابن كثير (‪.)4/113‬‬
‫[‪ ]81‬مجموع الفتاوى (‪.)3/407‬‬
‫[‪ ]82‬قال ابن القيم رحمه الله تعالى‪" :‬واختلف في آل النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم على أربعة أقوال‪:‬‬
‫القول الول‪ :‬هم الذين حرمت عليهم الصدقة‪ .‬وفيهم ثلثة أقوال‬
‫للعلماء‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أنهم بنو هاشم‪ ،‬وبنو المطلب‪ ،‬وهذا مذهب الشافعي‬
‫وأحمد في رواية عنه‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أنهم بنو هاشم خاصة وهذا مذهب أبى حنيفة‪ ،‬والرواية‬
‫عن أحمد‪ ،‬واختيار ابن القاسم صاحب مالك‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬أنهم بنو هاشم ومن فوقهم إلى بني غالب‪ ،‬ويدخل فيهم‬
‫بنو المطب‪ ،‬وبنو أمية‪ ،‬وبنو نوفل ومن فوقهم إلى بني غالب‪،‬‬
‫وهذا اختيار أشهب من أصحاب مالك حكاه صاحب "الجراهر"‬
‫عنه وحكاه اللخمي في "التبصرة" عن أصبغ‪ ،‬ولم يحكه عن‬
‫أشهب‪.‬‬
‫وهذا القول في الل أعني ‪-‬أنهم الذين تحرم عليهم الصدقة هو‬
‫منصوص الشافعي وأحمد والكثرين‪ ،‬وهو اختيار جمهور أصحاب‬
‫أحمد والشافعي‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬أن آل النبي صلى الله عليه وسلم هم ذريته‬
‫وأزواجه خاصة‪ ،‬حكاه ابن عبد البر في التمهيد‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬أن آله صلى الله عليه وسلم أتباعه إلى يوم‬
‫القيامة حكاه ابن عبد البر عن بعض أهل العلم‪ ،‬وأقدم من روى‬
‫عنه هذا القول جابر بن عبد الله‪ ،‬ذكره البيهقي عنه‪ ،‬ورواه عن‬
‫سفيان الثوري وغيره‪ ،‬واختاره بعض أصحاب الشافعي‪ .‬حكاه عنه‬
‫أبو الطب الطبري في تعليقه‪ ،‬ورجحه الشيخ محي الدين النووي‬
‫في شرح مسلم واختاره الزهري‪.‬‬
‫القول الرابع‪ :‬أن آله صلى الله عليه وسلم هم التقياء من أمته‬
‫حكاه حسين والراغب وجماعة‪.‬‬
‫ثم ذكر رحمه الله حجج هذه القوال ويين ما فيها من الصحيح‬
‫والضعيف إلى أن قال‪" :‬والصحيح هو القول الول‪ ،‬ويليه القول‬
‫الثانى‪ .‬أما القول الثالث والرابع فضعيفان"‪ .‬جلء الفهام (ص‬
‫‪.)177 -164‬‬
‫[‪ ]83‬الية (‪ )32‬من سورة الحزاب‪.‬‬
‫[‪ ]84‬الية (‪ )6‬من سورة الحزاب‪.‬‬
‫[‪ ]85‬مجموع الفتاوى (‪ )3/154‬وتفسير القرطبي (‪.)177 ،123 /1‬‬
‫[‪ ]86‬الية (‪ )3‬من سورة الحزاب‪.‬‬
‫[‪ ]87‬أبو حميد الساعدي‪ ،‬اختلف في اسمه فقيل عبد الر‪ -‬ومن‬
‫بن سعد وقيل غير ذلك‪ ،‬لحالي مشهور‪ ،‬شهد أحذا وما بعدها‪،‬‬
‫وتوفر‪ ،‬في آخر خلفة معاوية أو أول خلفة يزيد‪ .‬الصابة ‪.)47 /41‬‬
‫[‪ ]88‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الدعوات‪ ،‬باب هل يصلى‬
‫على غير النبي صلى الله عليه وسلم‪ .‬فتح الباري ( ‪ )169 /1‬ح ‪6360‬‬
‫وأخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الصلة‪ ،‬باب الصلة على النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم بعد التشهد (‪.)2/17‬‬
‫[‪ ]89‬جلء الفهام (ص ‪)200‬‬
‫[‪ ]90‬شعب اليمان للبيهقي (‪.)284 -1/282‬‬
‫[‪ ]91‬وهي أولهن‪ ،‬وقد تزوجها صلى الله عليه وسلم بمكة‪ ،‬وهر‬
‫ابن خمس وعشرين سنة‪ ،‬وبقيت معه إلى أن أكرمه الله‬
‫برسالته فآمنت به ونصرته فكانت له وزير صدق وماتت قبل‬
‫الهجرة بثلث سنين في الصح ومن خصائصها رضي الله عنها‪:‬‬
‫‪ -1‬أنه لم يتزوج عليها غيرها‪.‬‬
‫‪ -2‬أن أولده كلهم منها إل إبراهيم فإنه من سريته مارية‪.‬‬
‫‪ -3‬أنها خير نساء المة‪ .‬جلء الفهام (ص ‪.)180‬‬
‫[‪ ]92‬تزوجها وهي بنت ست سنين قبل الهجرة بسنتين وقيل‬
‫لثلث وبنى بها بالمدينة أول مقدمه في السنة الولى‪ ،‬وهي بنت‬
‫تسع سنين‪ ،‬ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة‪.‬‬
‫ومن خصائصها رضي الله عنها‪:‬‬
‫‪ -1‬أنها كانت أحب أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه‬
‫فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس أحب إليك ؟‬
‫قال‪" :‬عائشة" قيل ومن الرجال؟ قال‪" :‬أبوها" متفق عليه (خ‪/‬‬
‫‪( )4358‬م‪.)2384/‬‬
‫‪ -2‬أنه لم يتزوج بكرا غيرها‪ .‬جلء الفهام (ص ‪.)185 -182‬‬
‫[‪ ]93‬سودة بنت زمعة بن قيس‪ .‬تزوجها بعد خديجة‪ ،‬وكبرت عنده‬
‫وأراد أن يطلقها فوهبت يومها لعائشة رضي الله عنها فأمسكها‬
‫وهذا من خواصها‪ :‬أنها آثرت حرمها لعائشة تقربًا إلى النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم وحبًا له‪ .‬جلء الفهام (ص ‪.)182‬‬
‫[‪ ]94‬حفصة بنت عمر بن الحطاب‪ ،‬تزوجها النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم بعد عائشة‪ ،‬وقيل إنها ولدت قبل المبعث بخمسة سنين‪،‬‬
‫وكانت قبل أن يتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم عند حصن بن‬
‫حذافة وكان ممن شهد بدًرا ومات بالمدينة‪ .‬وكانت رضي الله‬
‫عنها صوامة قرامة‪.‬‬
‫الصابة (‪ )360 ،4/362‬وجلء الفهام (ص ‪.)185‬‬
‫[‪ ]95‬واسمها رملة بنت صخر بن حرب‪ ،‬هاجرت مع زوجها عبيد‬
‫الله بن جحش إلى أرض الحبشة‪ ،‬فتنصر بالحبشة‪ ،‬وأتم الله لها‬
‫السلم‪ ،‬وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بأرض‬
‫الحبشة‪ ،‬وأصدقها عنه النجاشي‪ .‬وهي التي أكرمت فراش رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم أن يجلس عليه أبوها لما قدم المدينة‪،‬‬
‫وقالت‪ :‬إنك مشرك‪ ،‬ومنعته من الجلوس عليه‪ .‬الصابة (‪-4/298‬‬
‫‪.)300‬‬
‫[‪ ]96‬واسمها هند بنت أبي أمية‪ ،‬وكانت قبله عند أبي سلمة عبد‬
‫الله بن عبد السد‪ ،‬وتوفيت سنة اثنتين وستين ودفنت بالبقيع‪،‬‬
‫وهي آخر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم موتا‪ ،‬وقيل‪ :‬بل‬
‫ميمونة‪.‬‬
‫الصابة (‪ )408 -4 4/07‬وجلء الفهام (ص ‪.)197-195‬‬
‫[‪ ]97‬زينب بنت جحش‪ :‬وهي بنت عمته أميمة بنت عبد المطب‪،‬‬
‫وكانت قبل عند موله زيد بن حارثة‪ ،‬فطلقها فزوجها الله إياه من‬
‫فوق سبع سموات وكانت تفخر بذلك على سائر أزواج رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬وتقول‪" :‬زوجكن أهاليكن‪ ،‬وزوجني‬
‫الله من فوق سبع سماواته" توفيت بالمدينة ودفنت بالبقيع‪.‬‬
‫الصابة (‪.)308 -4/307‬‬
‫[‪ ]98‬زينب بنت خزيمة الهللية‪ ،‬تزوجها سنة ثلث من الهجرة‪،‬‬
‫وكانت قبله عند عبد الله بن جحش فاستشهد بأحد‪ ،‬وكانت‬
‫تسمى أم المساكين‪ ،‬لكثرة إطعامها المساكين‪ ،‬ولم تلبث عند‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم إل يسيرا شهرين أو ثلثة ثم‬
‫توفيت رضى الله عنها‪ .‬الصابة (‪ )310-309 /4‬وجلء الفهام (ص‬
‫‪.)198‬‬
‫[‪ ]99‬جويرية بنت الحارث المصطلقية‪ ،‬وكانت سبيت في غزوة‬
‫بني المصطلق‪ ،‬فوقعت في سهم ثابت بن قيس‪ ،‬فكاتبها‪ ،‬فقضى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابتها وتزوجها سنة ست من‬
‫الهجرة وتوفيت سنة ست وخمسين‪ ،‬وهي التي أعتق المسلمون‬
‫بسببها مائة أهل بيت من الرقيق‪ ،‬وقالوا‪ :‬أصهار رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم وكان ذلك من بركتها على قومها‪ .‬الصابة (‬
‫‪ )258 -4/257‬وجلء الفهام (ص ‪.)198‬‬
‫[‪ ]100‬صفية بنت حيي من ذرية هارون بن عمران‪ ،‬أخي موسى‪،‬‬
‫تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم سنة سبع‪ ،‬فإنها سبيت من‬
‫خيبر‪ ،‬وكانت قبله تحت كنانة بن أبي الحقيق‪ ،‬فقتله رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬توفيت سنة ست وثلثين‪ ،‬وقيل سنة‬
‫خمسين‪.‬‬
‫من خصائصها أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعتقها وجعل‬
‫عتقها صداقها‪ ،‬وقال لها النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬إنك لبنة‬
‫نبي وإن عمك لبي وإنك تحت نبي"‪ .‬الصابة (‪ )338 -4/337‬وجلء‬
‫الفهام (ص ‪.)199 -198‬‬
‫[‪ ]101‬ميمونة بنت الحارث الهللهية تزوجها بسرف‪ ،‬وبنى بها‬
‫بسرف‪ ،‬وماتت بسرف‪ ،‬وهي علي سبعة أميال من مكة‪ ،‬وهي‬
‫آخر من تزوج من أمهات المؤمنين‪ ،‬وتوفيت سنة ثلث وستين‪،‬‬
‫وهي خالة عبد الله بن عياس رضي الله عنهما‪ ،‬وهي خالة خالد‬
‫بن الوليد أيضا‪ .‬الصابة (‪ )399 -4/397‬وجلء الفهام (ص ‪.)199‬‬
‫[‪ ]102‬الية (‪ )9‬من سورة الفتح‪.‬‬
‫[‪ ]103‬الية (‪ )8‬من سورة الفتح‪.‬‬
‫[‪ ]104‬الية (‪ )100‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫[‪ ]105‬الية (‪ )4‬من سورة النفال‪.‬‬
‫[‪ ]106‬شعب اليمان للبيهقي (‪.)1/287‬‬
‫[‪ ]107‬الية (‪ )10‬من سورة الحشر‪.‬‬
‫[‪ ]108‬عمران بن حصين بن عبيد الخزاعي‪ ،‬صحابي جليل‪ ،‬أسلم‬
‫عام خيبر وغزا عدة غزوات وكان صاحب راية خزاعة يوم الفتح‬
‫مات سنة اثنتين وخمسين وقيل سنة ثلث وخمسين من الهجرة‪.‬‬
‫الصابة (‪.)27 /‬‬
‫[‪ ]109‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كناب الشهادات‪ ،‬باب ل يشهد‬
‫على جور إذا أشهد‪.‬‬
‫فتح الباري (‪ )259 -258 /‬ح ‪ ،2651‬وأخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب‬
‫فضائل الصحابة‪ ،‬باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين‬
‫بلونهم (‪.)184 -7/183‬‬
‫[‪ ]110‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الشهادات‪ ،‬باب ل يشهد‬
‫على جور إذا أشهد‪.‬‬
‫فتح الباري (‪ )5/259‬ح ‪ ،2652‬وأخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب‬
‫فضائل الصحابة‪ ،‬باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين‬
‫يلونهم (‪.)185 -7/184‬‬
‫[‪ ]111‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب فضائل الصحابة‪ ،‬باب‬
‫قول النبي صلى الله عليه وسلم "لو كنت متخذا خليلً"‪ .‬فتح‬
‫الباري (‪ )2 7/1‬ح ‪ ،3673‬وأخرجه مسلم في صحيحه من حدث أبي‬
‫هريرة رضي الله عنه‪ ،‬كتاب فضائل الصحابة‪ ،‬باب تحريم سب‬
‫الصحابة رضي الله عنهم (‪)7/188‬‬
‫[‪ ]112‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب مناقب النصار‪ ،‬باب حب‬
‫النصار من اليمان‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )7/113‬ح ‪ 3784‬واللفظ له‪.‬‬
‫وأخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب اليمان‪ ،‬باب الدليل على أن‬
‫حب النصار وعلي رضي الله عنهم من اليمان وعلماته ‪( ...‬‬
‫‪.)1/65‬‬
‫[‪ ]113‬هو عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد الرازي‪ ،‬أبو زرعة من‬
‫أئمة حفاظ الحديث‪ ،‬ذكر أنه يحفظ مائة ألف حديث‪ ،‬توفي سنة‬
‫(‪ 64‬هـ)‪ .‬تهذيب التهذيب (‪.)34 -7/30‬‬
‫[‪ ]114‬الكفاية في علم الرواية (ص ‪.)97‬‬
‫[‪ ]115‬أحمد بن علي بن ثابت البغدادي‪ ،‬أحد الحفاظ المؤرخين‬
‫المقدمين وصاحب مصنفات من أشهرها تاريخ بغداد‪ ،‬توفي سنة‬
‫(‪ 463‬هـ)‪ .‬العلم (‪.)1/172‬‬
‫[‪ ]116‬الية (‪ )110‬من سورة آل عمران‪.‬‬
‫[‪ ]117‬الية (‪ )143‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫[‪ ]118‬الية (‪ )17‬من سورة الفتح‪.‬‬
‫[‪ ]119‬الية (‪ )100‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫[‪ ]120‬اليات (‪ )12 ،11 ،10‬من سورة الواقعة‪.‬‬
‫[‪ ]121‬الية (‪ )64‬من سورة النفال‪.‬‬
‫[‪ ]122‬اليتان (‪ )9 ،8‬من سورة الحشر‪.‬‬
‫[‪ ]123‬الكفاية في علم الرواية (ص ‪.)96 -93‬‬
‫[‪ ]124‬الصابة (‪.)17 /1‬‬
‫[‪ ]125‬شرح العقيدة الطحاوية (ص ‪.)528‬‬
‫[‪ ]126‬شعب اليمان للبيهقي (ص ‪.)297‬‬
‫[‪ ]127‬الية (‪ )10‬من سورة الحشر‪.‬‬
‫[‪ ]128‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب المغازي‪ ،‬باب فضل من‬
‫شهد بدرا‪ .‬فتح الباري (‪ )305-7/304‬ح ‪ ،3983‬وأخرجه مسلم في‬
‫صحيحه‪ ،‬كتاب فضائل الصحابة‪ ،‬باب فضائل أهل بدر (‪.)169 -168 /‬‬
‫[‪ ]129‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب فضائل الصحابة‪ ،‬باب‬
‫فضائل أصحاب الشجرة أهل بيعة الرضوان (‪.)7/169‬‬
‫[‪ ]130‬مجموع الفتاوى (‪.)153 -152 /3‬‬
‫[‪ ]131‬الشفا (‪.)2/575‬‬
‫[‪ ]132‬الية (‪ )22‬من سورة المجادلة‪.‬‬
‫[‪ ]133‬اليتان (‪ )10 ،9‬من سورة الحجرات‪.‬‬
‫[‪ ]134‬مجموع الفتاوى (‪.)209-208 /28‬‬
‫[‪ ]135‬تقدم تخريجه ص ‪.303‬‬
‫[‪ ]136‬إرشاد الطالب لبن سحمان (ص ‪.)19‬‬
‫[‪ ]137‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الرقاق‪ ،‬باب قول النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل"‪.‬‬
‫فتح الباري (‪ )11/233‬ح ‪.6416‬‬
‫[‪ ]138‬يوم صائف‪ :‬أي حار‪ .‬القاموس (‪.)3/170‬‬
‫[‪ ]139‬أخرجه وكيع بن الجراح في الزهد (‪ )288 -286 /1‬ح ‪،64‬‬
‫وأخرجه عنه المام أحمد في المسند (‪ )441 /1‬وفي الزهد (‪)8‬‬
‫والحاكم في المستدرك (‪ )310 -309 /4‬وصححه ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (‪ )10/326‬بعد عزوه لحمد رجاله‬
‫رجال الصحيح‪ ،‬غير هلل بن خباب وهو ثقة‪ .‬وقال محقق كتاب‬
‫الزهد لوكيع‪" :‬والحديث مع ماله من الشواهد يرتقي إلى درجة‬
‫الصحة"‪ .‬الزهد لوكيع (‪.)1/288‬‬
‫[‪ ]140‬مجموع الفتاوى (‪ )615 /0‬بتصرف‪.‬‬
‫[‪ ]141‬الفوائد لبن القيم (‪.)118‬‬
‫[‪ ]142‬الفوائد لبن القيم (‪.)118‬‬
‫[‪ ]143‬الفرائد لبن القيم (ص ‪.)118‬‬
‫[‪ ]144‬الية (‪ )20‬من سورة الحديد‪.‬‬
‫[‪ ]145‬الية (‪ )185‬من سورة آل عمران‪.‬‬
‫[‪ ]146‬طريق الهجرتين (‪ )456 -453‬بتصرف‪.‬‬
‫[‪ ]147‬الية (‪ )111‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫[‪ ]148‬الية (‪ )50‬من سورة القصص‪.‬‬
‫[‪ ]149‬الية (‪ )153‬من سورة النعام‪.‬‬
‫[‪ ]150‬جامع بيان العلم وفضله (‪.)119 /2‬‬
‫[‪ ]151‬الية (‪ )38‬من سورة النور‪.‬‬
‫[‪ ]152‬الية (‪ )24‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫[‪ ]153‬الية (‪ )84‬من سورة القصص‪.‬‬
‫[‪ ]154‬تقدم تخريجه ص ‪.43‬‬
‫[‪ ]155‬تقدم تخريجه ص ‪.311‬‬
‫[‪ ]156‬أخرجه المام أحمد في مسنده (‪.)247 /5‬‬
‫[‪ ]157‬الية (‪ )24‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫[‪ ]158‬الية (‪ )22‬من سورة الحزاب‪.‬‬
‫[‪ ]159‬شرح النونية لبن عيسى (‪ )347 /2‬وتكميل للفائدة‪ :‬فإن‬
‫الحق الذي يختص الله به على عباده دون سواه هو‪ :‬عبادته بأمره‬
‫ل بهوى النفس‪ ،‬وذلك كالحج والصلة والذبح والنذر واليمين‬
‫والتوبة والتوكل والنابة والرجاء ونحوها من العبادات فهي حق‬
‫لله ل يشاركه فيه غيره‪.‬‬

‫وأما الحق الذي يختص بالرسول صلى الله عليه وسلم فهو‬
‫َ‬
‫ه‬
‫سول ِ ِ‬ ‫منُوا بِالل ّ ِ‬
‫ه وََر ُ‬ ‫التعزير والتوقير كما في قوله تعالى‪{ :‬لِتُؤ ْ ِ‬
‫وَتُعَّزُِروه ُ َوتُوَقُِّروهُ} الية (‪ )9‬من سورة الفتح‪.‬‬
‫انظر‪ :‬شرح النونية لبن عيسى (‪.)348 /2‬‬
‫[‪ ]160‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الرقاق‪ ،‬باب التواضع‪.‬‬
‫فتح الباري ( ‪ )341 -340 /11‬ح ‪.6502‬‬
‫[‪ ]161‬روضة المحبين (ص ‪.)409‬‬
‫[‪ ]162‬الية (‪ )9‬من سورة آل عمران‪.‬‬
‫[‪ ]163‬روضة المحبين ص (‪.)266‬‬
‫[‪ ]164‬الية (‪ )165‬من صورة البقرة‪.‬‬
‫[‪ ]165‬الية (‪ )14‬من سورة البروج‪.‬‬
‫[‪ ]166‬روضة المحبين (‪.)409‬‬
‫[‪ ]167‬الية (‪ )96‬من سورة مريم‪.‬‬
‫[‪ ]168‬روضة المحبين ص (‪.)412‬‬
‫[‪ ]169‬تقدم تخريجه (ص ‪)374‬‬
‫[‪ ]170‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب التفسير‪ ،‬تفسير سورة‬
‫الحزاب باب (‪ .)7‬فتح الباري (‪ )525 -524 /8‬ح ‪ ،4788‬وأخرجه مسلم‬
‫في صحيحه‪ ،‬كتاب الرضاع‪ ،‬باب القسم بين الزوجات (‪.)174 /4‬‬
‫[‪ ]171‬الية (‪ )128‬من سورة النحل‪.‬‬
‫[‪ ]172‬الية (‪ )69‬من سورة العنكبوت‪.‬‬
‫[‪ ]173‬الية (‪ )19‬من سورة النفال‪.‬‬
‫[‪ ]174‬روضة المحبين (ص ‪.)411‬‬
‫[‪ ]175‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الدب‪ ،‬باب المقة (المحبة) من الله‬
‫تعالى‪.‬‬
‫انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )461 /10‬ح ‪6040‬‬
‫[‪ ]176‬أخرجه مسلم كتاب البر والصلة والداب‪ ،‬باب إذا أحب الله‬
‫عبدا حببه إلى عباده (‪.)41 ،40 /8‬‬
‫[‪ ]177‬أخرجه مسلم كتاب البر والصلة والداب‪ ،‬باب إذا أحب الله‬
‫عبدا حببه إلى عباده (‪.)41 /8‬‬
‫[‪ ]178‬تقدم تخريجه (ص ‪.)312‬‬
‫[‪ ]179‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الدب‪ ،‬باب علمة الحب‬
‫في الله‪.‬‬
‫انظر‪ /:‬فتح الباري (‪ )557 /10‬ح ‪ ،6169‬وأخرجه مسلم في صحيحه‪،‬‬
‫كتاب البر والصلة والدب‪ ،‬باب المرء مع من أحب (‪ )43 /8‬واللفظ‬
‫له‪.‬‬
‫[‪ ]180‬رببعة بن كعب بن مالك السلمي‪ ،‬صحابي‪ ،‬كان من أهل‬
‫الصفة مات سنة ثلث وستين من الهجرة‪ .‬الصابة (‪)498 /1‬‬
‫[‪ ]181‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الصلة‪ ،‬باب فضل‬
‫السجود والحث عليه (‪.)52 /2‬‬
‫[‪ ]182‬الية (‪ )69‬من سورة النساء‪.‬‬
‫[‪]183‬الية (‪ )9‬من سورة آل عمران‪.‬‬
‫[‪ ]184‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الصلة‪ ،‬باب الصلة على‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد (‪.)17 /2‬‬
‫[‪ ]185‬جلء الفهام (ص ‪.)79‬‬
‫[‪ ]186‬تقدم تخريجه (ص ‪.)327‬‬
‫[‪ ]187‬روضة المحبين (ص ‪.)265‬‬
‫[‪ ]188‬انظر (ص ‪.)327‬‬

‫‪ -6 .31‬كتاب حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على‬


‫أمته في ضوء الكتاب والسنة [توقيره وتعظيمه]‬
‫الباب الثالث‪ :‬وجوب تعزيره وتوقيره وتعظيمه‬
‫صلى الله عليه وسلم‬
‫وفيه ثلثة فصول‪:‬‬
‫الفصل الول‪ :‬بيان عظيم قدره صلى الله عليه وسلم ورفعة‬
‫مكانته عند ربه عز وجل‪.‬‬
‫ويشتمل على‪ :‬تمهيد‪ ،‬وثلثة مباحث‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬بيان بعض الخصائص التي خص الله بها نبيه صلى‬
‫الله عليه وسلم في الحياة الدنيا‪.‬‬
‫تمهيد‪:‬‬
‫إن من الهمية بمكان‪ -‬قبل الشروع في توضيح الحق الواجب‬
‫للنبي صلى الله عليه وسلم في شأن تعظيمه وتوقيره‪ -‬عقد هذا‬
‫الفصل في بيان عظيم قدره صلى الله عليه وسلم ورفعة مكانته‬
‫عند ربه عز وجل وذلك لستعراض‪ -‬جملة طيبة من المكارم‬
‫والخصائص التي امتن الله بها على عبده ورسوله محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬والتي تدلل على تشريف الله عز و جل وتكريمه‬
‫لنبيه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وتظهر تفضيل الله له على العالمين‬
‫من الجن والناس أجمعين‪ ،‬بل والملئكة المقربين‪.‬‬
‫فلبد لكل مسلم صادق في إسلمه من أن يتعرف على تلك‬
‫الخصائص والفضائل‪ ،‬إذ إن هذه المعرفة تنير القلوب وتبصرها‬
‫وتزيدها إيمانا وحبا وتعظيما للنبي المصطفي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫ولهذه الزيادة‪ -‬ول شك‪ -‬ثمرتها في شحذ الهمم ودفعها لتباعه‬
‫والقتداء به والسير على نهجه والتمسك بسنته واقتفاء أثره‪،‬‬
‫ولزوم هديه‪.‬‬
‫والمتأمل في آيات الكتاب العزيز ونصوص السنة النبوية‬
‫الصحيحة يجد الكثير من الدلة التي تبين مكانة النبي الكريم‬
‫صلى الله عليه وسلم وعظم قدره عند ربه عز وجل‪ ،‬فقد حباه‬
‫الله وامتن عليه وأكرمه بخصائص في الدنيا والخرة دلت على‬
‫علو قدره‪ ،‬ورفعة مكانته‪ ،‬وسمو منزلته عند الخالق تبارك‬
‫وتعالى‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬‫ك الْكِتَا َ‬ ‫ه ع َلَي ْ َ‬‫ل الل ّ ُ‬ ‫فقد قال تعالى في محكم التنزيل {وَأنَْز َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ك عَظِيماً}‬ ‫ل الل ّهِ ع َلَي ْ َ‬ ‫ن فَ ْ‬
‫ض ُ‬ ‫م وَكَا َ‬ ‫ن تَعْل َ ُ‬ ‫ما ل َ ْ‬
‫م تَك ُ ْ‬ ‫ك َ‬‫م َ‬ ‫ة وَع َل ّ َ‬‫م َ‬‫حك ْ َ‬‫وَال ْ ِ‬
‫[‪ ]1‬ففي هذه الية يمتن الله على نبيه صلى الله عليه وسلم بما‬
‫أسبغ عليه من الفضائل التي هي المناقب والمراتب التي أعطاه‬
‫الله إياها وميزه بها عن بقية أنبيائه ورسله وسائر خلقه‪.‬‬
‫فالله سبحانه فضل بعض الرسل على بعض فقال تعالى‪{ :‬تِل ْ َ‬
‫ك‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ضهُ ْ‬‫ه وََرفَعَ بَعْ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ن كَل ّ َ‬ ‫م ْ‬‫م َ‬ ‫منْهُ ْ‬
‫ض ِ‬ ‫م ع َلى بَعْ ٍ‬
‫ضهُ ْ َ‬ ‫ضلْنَا بَعْ َ‬ ‫ل فَ َّ‬ ‫س ُ‬ ‫الُّر ُ‬
‫ت} [‪.]2‬‬ ‫جا ٍ‬ ‫دََر َ‬
‫فكان لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم النصيب الوفر من هذا‬
‫الفضل فقد خصه الله وميزه بخصائص ومناقب دنيوية وأخروية‬
‫فضل بها على سائر النبياء ومن سواهم من البشر‪ .‬وسأتعرض‬
‫لبعض هذه الخصائص على وجه الختصار وذلك حتى يتبين‬
‫للقارئ عظم قدره صلى الله عليه وسلم عند ربه عز وجل‪.‬‬

‫المبحث الول‪ :‬بيان بعض الخصائص التي خص الله‪ ،‬بها نبيه‬


‫صلى الله عليه وسلم في الحياة الدنيا‬
‫‪ -1‬أخذ العهد له صلى الله عليه وسلم على جميع النبياء والرسل‬
‫عليهم الصلة والسلم‪:‬‬
‫من المور التي تدل على عظيم قدره صلى الله عليه وسلم عند‬
‫ربه ما أخذه الله من العهد له صلى الله عليه وسلم على جميع‬
‫النبياء والرسل عليهم الصلة والسلم على أنهه لو بعث صلى‬
‫الله عليه وسلم وهم أحياء أو أحد منهم فإنه يجب عليهم أن‬
‫َ‬
‫ميثَا َ‬
‫ق‬ ‫ه ِ‬ ‫خذ َ الل ّ ُ‬ ‫يؤمنوا به ويتبعوه وينصروه‪ .‬قال تعالى {وَإِذ ْ أ َ َ‬
‫ما‬
‫صدِّقٌ ل ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫سو ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫جاءَك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫مةٍ ث ُ َّ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ب وَ ِ‬ ‫ن كِتَا ٍ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ما آتَيْتُك ُ ْ‬ ‫ن لَ َ‬ ‫النَّبِي ِّي َ‬
‫صرِي‬ ‫م إِ ْ‬ ‫م ع َلَى ذَلِك ُ ْ‬ ‫خذ ْت ُ ْ‬ ‫م وَأ َ َ‬ ‫ل أأقَْرْرت ُ ْ‬
‫ن به ولَتنصرن َه قَا َ َ َ‬
‫من ُ َّ ِ ِ َ َ ْ ُ ُ ّ ُ‬ ‫م لَتُؤ ْ ِ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن} [‪]3‬‬ ‫شاهِدِي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫شهَدُوا وَأنَا َ‬ ‫ل فَا ْ‬ ‫قَالوا أقَْرْرنَا قَا َ‬
‫وقد روي عن علي بن أبي طالب وابن‪-‬عباس رضي الله عنهما‬
‫في تفسير هذه الية قولهما‪" :‬ما بعث الله نبيا من النبياء إل أخذ‬
‫عليه الميثاق لئن بعث الله محمدا وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه‪،‬‬
‫وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته لئن بعث محمد وهم أحياء‬
‫ليؤمنن به ولينصرنه" [‪.]4‬‬
‫فهو المام العظم الذي لو وجد في أي عصر وجد لكان هو‬
‫الواجب الطاعة المقدم على النبياء كلهم‪ ،‬ولهذا كان إمامهم ليلة‬
‫السراء لما اجتمعوا ببيت المقدس [‪.]5‬‬
‫ولهذا فقد كان عند أهل الكتاب علم تام به صلى الله عليه وسلم‬
‫وبمبعثه ومكان بعثته ومهاجره‪ ،‬كما ورد وصفه في كتبهم حتى‬
‫َ‬
‫م‬‫ن آتَيْنَاهُ ُ‬ ‫إنهم ليعرفونه كما يعرفون أبناءهم قال تعالى {ال ّذِي َ‬
‫الْكتاب يعرفُونه ك َما يعرفُو َ‬
‫ن‬
‫مو َ‬ ‫م لَيَكْت ُ ُ‬ ‫منْهُ ْ‬ ‫ن فَرِيقا ً ِ‬ ‫م وَإ ِ َّ‬ ‫ن أبْنَاءَهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َِ َ َْ ِ َ ُ َ َْ ِ‬
‫ن} [‪]6‬‬ ‫مو َ‬ ‫ُ‬ ‫م يَعْل َ‬‫ْ‬ ‫حقَّ وَهُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ َ َ ُْ َ َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫جدُون َ ُ‬ ‫ي ال ّذِي ي َ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ي ال ِّ‬ ‫سول الن ّب ِ ّ‬ ‫ن الَّر ُ‬ ‫ن يَتَّبِعُو َ‬‫وقال تعالى {ال ّذِي َ‬
‫ل} [‪]7‬‬ ‫جي ِ‬ ‫م فِي التَّوَْراةِ وَالِن ْ ِ‬ ‫عنْدَهُ ْ‬ ‫مكْتُوبا ً ِ‬ ‫َ‬
‫وفي الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما حينما سئل‬
‫عن وصف النبي صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬أجل والله إنه‬
‫لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن‪ :‬يا أيها النبي إنا‬
‫أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للميين‪ ،‬فأنت ت عبدي‬
‫ورسولي سميتك المتوكل‪ ،‬ليس بفظ ول غليظ‪ ،‬ول سخاب في‬
‫السواق ول يدفع السيئة بالسيئة‪ ،‬ولكن يعفو ويغفر‪ ،‬ولن يقبضه‬
‫الله حتى‪ ،‬يقيم به الملة العوجاء‪ ،‬بأن يقولوا ل إله إل الله فيفتح‪،‬‬
‫به أعينا عميا‪ ،‬وآذانا صما وقلوبا غلفا‪]8[ "...‬‬
‫‪ -2‬أنه صلى الله عليه وسلم أكثر النبياء تبعًا‪:‬‬
‫فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪" :‬ما من نبي إل أعطي من اليات ما مثله آمن عليه البشر‪،‬‬
‫ي‪ ،‬فأرجو أن أكون‬ ‫وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إل ّ‬
‫أكثرهم تابعا يوم القيامة" [‪.]9‬‬
‫وعن أنس رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬أنا أكثر النبياء تبعا يوم القيامة" [‪.]10‬‬
‫وعنه رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫"لم يصدق نبي من النبياء ما صدقت‪ ،‬وإن من النبياء نبيا ما‬
‫يصدقه من أمته إل رجل واحد" [‪.]11‬‬
‫وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪" :‬عرضت علي الم‪ ،‬فرأيت النبي ومعه الرهيط‪ ،‬والنبي‬
‫ومعه الرجل والرجلن‪ ،‬والنبي ليس معه أحد‪ ،‬إذ رفع لي سواد‬
‫عظيم‪ ،‬فطنت أنهم أمتي فقيل لي‪ :‬هذا موسى صلى الله عليه‬
‫وسلم وقومه‪ ،‬ولكن أنظر إلى الفق الخر‪ ،‬فإذا سواد عظيم‬
‫فقيل لي هذه أمتك‪ ،‬ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير‬
‫حساب‪ ،‬ول عذاب‪ "...‬الحديث [‪.]12‬‬
‫وفي هذا المر فضل عظيم وخصيصة كبيرة لنبينا محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم فالله تعالى يكتب لكل نبي من النبياء من الجر‬
‫بقدر أعمال أمته وأحوالها وأقوالها فقد قال صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬من دعا إلى هدى كان له من الجر مثل أجور من تبعه ل‬
‫ينقص ذلك من أجورهم شيئا" الحديث [‪.]13‬‬
‫فما من معرفة ول حالة ول عبادة ول مقالة ول شيء مما يتقرب‬
‫به إلى الله عز وجل مما دل عليه رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ودعا إليه إل وله أجر من عمل به إلى يوم القيامة‪ ،‬ول يبلغ‬
‫أحد من النبياء إلى هذه المرتبة ذلك لن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قد نفع شطر أهل الجتة فقد ثبت في الحديث أن أمته‬
‫شطر أهل الجنة قال صلى الله عليه وسلم‪" :‬أترضون أن تكونوا‬
‫ربع أهل الجنة؟ قلنا‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬أترضون أن تكونوا ثلث أهل‬
‫الجنة؟ قلنا‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬والذي نفسي بيده إني لرجو أن تكونوا‬
‫شطر أهل الجنة " الحديث [‪.]14‬‬
‫فإذا كان صلى الله عليه وسلم قد نفع شطر أهل الجنة‪ ،‬وغيره‬
‫من النبياء إنما نفع جزءا من أجزاء الشطر‪ ،‬كانت منزلته في‬
‫القرب على قدر منزلته في النفع‪ ،‬فما من عارف من أمته إل وله‬
‫مثل أجر معرفته مضافا إلى معارفه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وما‬
‫من ذي حال من أمته إل وله صلى الله عليه وسلم مثل أجره‬
‫على‪ -‬حاله مضموما إلى أحواله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وما من‬
‫ذى مقال يتقرب به إلى الله عز و جل إل وله صلى الله عليه‬
‫وسلم مثل أجر ذلك القول مضموما إلى مقالته وتبليغ رسالته‪،‬‬
‫وما من عمل من العمال المقربة إلى الله عز وجل من صلة‬
‫وزكاة وعتق وجهاد وبر ومعروف وذكر وصبر وعفو وصفح إل وله‬
‫صلى الله عليه وسلم مثل أجر عامله مضموما إلى أجره على‬
‫أعماله‪ ،‬وما من درجة علية‪ ،‬ومرتبة سنية‪ ،‬نالها أحد من أمته‬
‫بإرشاده ودللته إل وله مئل أجرها مضموما إلى درجته صلى الله‬
‫عليه وسلم مرتبته‪ ،‬ويتضاعف ذلك بأن من دعا من أمته إلى‬
‫هدى أو سن سنة حسنة كان له أجر من عمل بذلك على عدد‬
‫العاملين‪ ،‬ثم يكون هذا المضاعف لنبينا صلى الله عليه وسلم لنه‬
‫دل عليه‪ ،‬وأرشد إليه‪.‬‬
‫ولجل هذا بكى موسى عليه السلم ليلة السراء بكاء غبطة غبط‬
‫بها النبي صلى الله عليه وسلم إذ يدخل من أمته الجنة أكثر مما‬
‫يدخل من أمة موسى عليه السلم‪ ،‬ولم يبك حسدا كما يتوهمه‬
‫بعض الجهال‪ ،‬وانما بكا أسفا على ما فاته من مثل مرتبته [‪.]15‬‬
‫ففي قصة المعراج من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه‬
‫مرفوعا وفيه "‪ ...‬ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة‪ ...‬فلما‬
‫خلصت فإذا موسى‪ ،‬قال (جبريل) هذا موسى فسلم عليه‪،‬‬
‫فسلمت عليه‪ ،‬فرد ثم قال‪ :‬مرحبا بالخ الصالح والنبي الصالح‪،‬‬
‫فلما تجاوزت بكى‪.‬‬
‫قيل له‪ :‬ما يبكيك؟ قال أبكى لن غلما بعث بعدي يدخل الجنة‬
‫من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي‪ "...‬الحديث [‪.]16‬‬
‫‪ -3‬أن قرنه صلى الله عليه وسلم خير قرون بني آدم كما أنه خير‬
‫قرون أمته والقرون التي تلي قرنه صلى الله عليه وسلم‪ .‬فعن‬
‫أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪" :‬بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا حتى كنت من‬
‫القرن الذي كنت منه" [‪.]17‬‬
‫وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪" :‬خير الناس قرني‪ ،‬ثم الذين يلونهم‪ ،‬ثم الذين يلونهم‪"...‬‬
‫الحديث [‪.]18‬‬
‫وعن عائشة رضي الله عنها قالت‪ :‬سأل رجل النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم أي الناس خير قال‪" :‬القرن الذي أنا فيه ثم الثاني ثم‬
‫الثالث" [‪]19‬‬
‫والحاديث في هذا المر كثيرة‪:‬‬
‫‪ -4‬أن الله تعالى أخبره بأنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر‬
‫حنَا ل َ َ‬
‫ك‬ ‫وهو حي صحيح يمشي على الرض‪ .‬قال الله تعالى {إِنَّا فَت َ ْ‬
‫ما تَأ َ َّ‬ ‫َ َ َ‬
‫ه‬
‫مت َ ُ‬
‫م نِعْ َ‬ ‫خَر وَيُت ِ َّ‬ ‫ك َوَ َ‬ ‫ن ذ َنْب ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما تَقَد َّ َ‬ ‫ه َ‬‫ك الل ّ ُ‬ ‫مبِينا ً لِيَغْفَِر ل‬
‫فَتْحا ً ُ‬
‫صرا ً ع َزِيزاً} [‪]20‬‬ ‫ه نَ ْ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫صَر َ‬ ‫قيما ً َويَن ْ ُ‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫صَراطا ً ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫ك َويَهْدِي َ َ‬ ‫ع َلَي ْ َ‬
‫وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه‪ -‬الذي في الشفاعة‪ -‬وفيه‬
‫قوله صلى الله عليه وسلم‪ ..." :‬فيأتوني فيقولون‪ :‬يا محمد أنت‬
‫رسول الله‪ ،‬وخاتم النبياء‪ ،‬وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما‬
‫تأخر‪ ،‬اشفع لنا إلى ربك‪.]21[ "...‬‬
‫وفي حديث أنس رضي الله عنه‪ -‬الذي في الشفاعة أيضا وفيه‬
‫قوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬ولكن ائتوا محمدا عبدا قد غفر له‬
‫ما تقدم من ذنبه وما تأخر‪.]22[ "...‬‬
‫قال العز بن عبد السلم [‪" :]23‬ولم ينقل أنه أخبر أحدا من‬
‫النبياء بمثل ذلك بل الظاهر أنه لم يخبرهم‪ ،‬لن كل واحد‪ .‬منهم‬
‫إذا طلبت منهم الشفاعة في الموقف ذكر خطيئته التي أصابها‬
‫وقال‪" :‬نفسي نفسي" ولو علم كل واحد منهم بغفران خطيئته‬
‫لم يوجل منها في ذلك المقام واذا استشفعت الحلئق بالنبي‬
‫صلىالله عليه وسلم في ذلك المقام قال‪" :‬أنا لها" [‪.]24‬‬
‫ك} [‪]25‬‬ ‫ك ذِكَْر َ‬ ‫‪ -5‬أن الله رفع له ذكره‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬وََرفَعْنَا ل َ َ‬
‫فل يذكر الله سبحانه إل ذكر معه‪ ،‬ول تصح للمة خطبة ول تشهد‬
‫حتى يشهدوا أنه عبده ورسوله‪ ،‬وأوجب ذكره في كل خطبة‪،‬‬
‫وفي الشهادتين اللتين هما أساس السلم وفي الذان الذي هو‬
‫شعار السلم وفي الصلة التي هي عماد الدين إلى غير ذلك من‬
‫المواضع‪.‬‬
‫‪ -6‬أن الله أقسم بحياته صلى الله عليه وسلم فقال تعالى‪:‬‬
‫ن} [‪ ]26‬والقسام بحياة‬ ‫م ُهو َ‬ ‫م يَعْ َ‬ ‫سكَْرتِهِ ْ‬ ‫م لَفِي َ‬ ‫ك إِنَّهُ ْ‬‫مُر َ‬ ‫{لَعَ ْ‬
‫المقسم بحياته يدل على شرف حياته وعزتها عند المقسم بها‪،‬‬
‫وأن حياته صلى الله عليه وسلم لجديرة أن يقسم بها لما فيها‬
‫من البركة العامة والخاصة ولم يثبت هذا لغيره صلى الله عليه‬
‫وسلم [‪.]27‬‬
‫‪ -7‬أن الله وقره في ندائه‪ ،‬فناداه بأحب أسمائه ممائه وأسنى‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل} [‪]29‬‬ ‫سو ُ‬ ‫ي‪ ]28[ }...‬و{يَا أيُّهَا الَّر ُ‬ ‫أوصافه فقال‪{ :‬يَا أيُّهَا النَّب ِ ّ‬
‫وهذه الخصيصة لم تثبت لغيره‪ ،‬بل ثبت أن كل منهم نودي باسمه‬
‫ْ َ َ َّ‬
‫ن‬
‫سى اب ْ َ‬ ‫عي َ‬
‫َّ‬
‫ه يَا ِ‬ ‫ُ‬ ‫ن} [‪{ ]30‬إِذ قال الل‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ما ْ‬ ‫فقال تعالى‪{ :‬يَا آد َ ُ‬
‫َ‬ ‫متِي ع َلَي ْ َ‬
‫ه} [‪]32‬‬ ‫سى إِنِّي أنَا الل ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ك} [‪{ ]31‬يَا ُ‬ ‫م اذ ْكُْر نِعْ َ‬ ‫مْري َ َ‬‫َ‬
‫ة فِي‬ ‫خلِيفَ ً‬ ‫َ‬
‫جعَلنَاك َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫سلمٍ} [‪{ ]33‬يَا دَاوُد ُ إِن ّا َ‬ ‫ْ‬
‫ح اهْب ِط ب ِ َ‬ ‫ل يَا نُو ُ‬ ‫{قِي َ‬
‫ط إِنَّا‬‫ت الُّرؤ ْيا} [‪{ ]35‬يَا لُو ُ‬ ‫َ‬
‫صدَّقْ َ‬ ‫م قَد ْ َ‬ ‫ض} [‪{ ]34‬يَا إِبَْراهِي ُ‬ ‫الْر ِ‬
‫ذ‬
‫خ ِ‬ ‫حيَى ُ‬ ‫ك} [‪{ ]37‬يَا ي َ ْ‬ ‫شُر َ‬ ‫ك} [‪{ ]36‬يَا َزكَرِيَّا إِنَّا نُب َ ّ ِ‬ ‫ل َرب ِّ َ‬‫س ُ‬‫ُر ُ‬
‫ب} [‪.]38‬‬ ‫الْكِتَا َ‬
‫ول يخفي على أحد أن السيد إذا دعي أحد عبيده بأفضل ما وجد‬
‫فيه من الوصاف العلية والخلق السنية‪ ،‬ودعا الخرين بأسمائهم‬
‫العلم التي ل تشعر بوصف من الوصاف ول بخلق من الخلق‪،‬‬
‫دل ذلك على أن منزلة من دعاه بأفضل السماء والوصاف أعز‬
‫عليه وأقرب إليه ممن دعاه باسمه العلم‪ .‬وهذا معلوم بالعرف‬
‫أن من دعي بأفضل أوصافه وأخلقه كان ذلك مبالغة في تعظيمه‬
‫واحترامه " [‪]39‬‬
‫‪ -8‬أن الله أمر المة بأن ل ينادونه باسمه بل ينادونه‪ :‬يا رسول‬
‫ل بَيْنَك ُ ْ‬
‫م‬ ‫سو ِ‬ ‫جعَلُوا دُع َاءَ الَّر ُ‬ ‫الله يا نبي الله فقال الله تعالى‪{ :‬ل ت َ ْ‬
‫م لِوَاذاً‬ ‫َ‬ ‫َّ َ‬
‫منْك ُ ْ‬‫ن ِ‬ ‫سل ّلُو َ‬ ‫ن يَت َ َ‬ ‫ه ال ّذِي َ‬ ‫م الل ُ‬ ‫م بَعْضا ً قَد ْ يَعْل َ ُ‬ ‫ضك ُ ْ‬‫كَدُع َاءِ بَعْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫صيبَهُ ْ‬ ‫ة أوْ ي ُ ِ‬ ‫م فِتْن َ ٌ‬ ‫صيبَهُ ْ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫مرِهِ أ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫خالِفُو َ‬‫ن يُ َ‬ ‫حذ َرِ ال ّذِي َ‬ ‫فَلْي َ ْ‬
‫م} [‪]40‬‬ ‫َ‬
‫ب ألِي ٌ‬ ‫عَذ َا ٌ‬
‫قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير [‪ ]41‬عند تفسيرها‪ ،‬كانوا‬
‫يقولون‪ :‬يا محمد‪ ،‬يا أبا القاسم؟ فنهاهم الله عز وجل عن ذلك‬
‫إعظاما لنبيه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وأمرهم أن يقولوا يا نبي الله‬
‫يارسول الله" [‪.]42‬‬
‫‪ -9‬أن الله نهي المة أن يرفعوا أصواتهم فوق صوته صلى الله‬
‫عليه وسلم ول يجهروا له بالقول ‪ -‬كما هو الحال بين الناس‪-‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫منُوا ل‬ ‫نآ َ‬ ‫حتى ل تحبط أعمالهم فقال الله تعالى‪{ :‬يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫َ‬
‫ر‬
‫جهْ ِ‬ ‫ل كَ َ‬ ‫ه بِالْقَوْ ِ‬ ‫جهَُروا ل َ ُ‬ ‫ي وَل ت َ ْ‬ ‫ت النَّب ِ ِ ّ‬ ‫صو ِ‬ ‫م فَوْقَ َ ْ‬ ‫صواتَك ُ ْ‬
‫تَْرفَعُوا أ ْ َ‬
‫َ‬ ‫بعضك ُم لِبعض أ َن تحب َ َ‬
‫ن} [‪ ]43‬اليات‪.‬‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫م ل تَ ْ‬ ‫م وَأنْت ُ ْ‬ ‫مالُك ُ ْ‬ ‫ط أع ْ َ‬ ‫َْ ِ ْ َْ ٍ ْ َ ْ َ‬
‫فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم افتقد ثابت بن قيس [‪ ]44‬فقال رجل يا رسول الله أنا أعلم‬
‫لك علمه‪ ،‬فأتاه فوجده جالسا في بيته منكسا رأسه فقال له ما‬
‫شأنك؟ فقال‪ :‬شر‪ .‬كان يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم فقد حبط عمله وهو من أهل النار‪ .‬فأتى الرجل‪،‬‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه قال كذا وكذا فقال‬
‫موسى [‪ :]45‬فرجع إليه المرة الخرة ببشارة عظيمة‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫اذهب إليه فقل له‪ :‬إنك ليست من أهل النار‪ ،‬ولكنك من أهل‬
‫الجنة" [‪.]46‬‬
‫وقال ابن الزبير [‪" :]47‬ما كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه‬
‫يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الية حتى‬
‫يستفهمه" [‪]48‬‬
‫‪ -10‬أن الله أمر المة بأنهم إذا أرادوا أن يناجوه صلى الله عليه‬
‫وسلم بأن يقدموا بين يدي نجواهم صدقة‪ ،‬ثم نسخ ذلك‪ ،‬وأمرهم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫سو َ‬ ‫م الَّر ُ‬ ‫جيْت ُ ُ‬ ‫منُوا إِذ َا نَا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫بالطاعة فقال تعالى‪{ :‬يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫َ‬
‫م‬‫ن لَ ْ‬ ‫م وَأطْهَُر فَإ ِ ْ‬ ‫خيٌْر لَك ُ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ة ذَل ِ َ‬ ‫صدَقَ ً‬ ‫م َ‬ ‫جوَاك ُ ْ‬ ‫ن يَدَيْ ن َ ْ‬
‫َ‬ ‫موا بَي ْ َ‬ ‫فَقَدِّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جوَاك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن يَدَيْ ن َ ْ‬ ‫موا بَي ْ َ‬ ‫ن تُقَدِّ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ش َفَقْت ُ ْ‬ ‫م أأ ْ‬ ‫حي ٌ‬‫ه غَفُوٌر َر ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫جدُوا فَإ ِ َّ‬ ‫تَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫صلة َ وَآتُوا‬ ‫موا ال َّ‬ ‫م فَأقِي ُ‬ ‫ه َ ع َليْك ُ ْ‬ ‫ب الل ُ‬ ‫م تَفْعَلوا وَتَا َ‬
‫َ‬ ‫ت فَإِذ ْ ل ْ‬ ‫صدَقَا ٍ‬ ‫َ‬
‫ن} [‪]49‬‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ملو َ‬ ‫ما تَعْ َ‬ ‫خبِيٌر ب ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه وَالل ُ‬ ‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ال ّزكاة َ وَأطِيعُوا الل َ‬
‫‪ -11‬ما وهبه الله له من المعجزات التي تميزت على معجزات من‬
‫قبله من النبياء‪ .‬فمعجزة سيد الولين والخرين وهي القرآن‬
‫العظيم الباقي إلى يوم الدين‪ ،‬الذي ل تنضب معانيه‪ ،‬ول تفنى‬
‫عجائبه‪ ،‬ول تنقطع فوائده‪ ،‬وهو المحفوظ بحفظ الله له‪ -‬من‬
‫التغيير والتبديل والتحريف‪ -‬فيه دواء وشفاء‪ ،‬ومواعظ وأحكام‪،‬‬
‫فيه خبر من سبقنا‪ ،‬وأحوال من بعدنا‪ ،‬وهو حبل الله المتين‪ ،‬من‬
‫آمن به واتبعه رشد ومن تركه وضل عنه غوى وهلك‪ ،‬وخاب‬
‫وخسر‪ .‬فهو المعجزة الخالده الباقية ما بقى النسان في هذه‬
‫الدنيا‪ ،‬بينما تصرمت وانقرضت معجزات من قبله من النبياء‪.‬‬
‫فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬ما من نبي إل أعطى من اليات ما مثله آمن عليه‬
‫البشر‪،‬وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحى الله إلي‪ ،‬فأرجو أن أكون‬
‫أكثرهم تابعا يوم القيامة" [‪.]50‬‬
‫وكذلك فقد وجد في معجزاته ما هو أظهر في العجاز من‬
‫معجزات غيره كتفجير الماء بين أصابعه [‪ ]51‬فهو أبلغ في خرق‬
‫العادة من تفجيره من الحجر‪ ،‬لن جنس الحجار مما يتفجر منه‬
‫الماء‪ ،‬وكانت معجزته بانفجار الماء من بين أصابعه أبلغ من‬
‫انفجار الحجر لموسى عليه السلم [‪.]52‬‬
‫وعيسى عليه السلم أبرأ الكمه مع بقاء عينه في مقرها ورسول‬
‫الله صلى الله عيه وسلم رد العين بعد أن سالت على الخد ففيه‬
‫معجزة من وجهين‪:‬‬
‫إحداهما‪ :‬التئامها بعد سيلنها والخرى‪ :‬رد البصر إليها بعد فقده‬
‫منها [‪ .]53‬فعن عاصم بن عمر بن قتادة [‪ ]54‬عن أبيه [‪ ]55‬عن‬
‫جده قتادة [‪ ]56‬أنه أصيبت عينه يوم أحد فسالت حدقته على‬
‫وجنته فأرادوا أن يقطعوها‪ ،‬فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫فقال‪" :‬ل فدعا به فغمز عينه براحته فكان ل يدرى أي عينيه‬
‫أصيبت" [‪.)1( ]57‬‬
‫والمثلة في هذا الباب كثيرة وقد تطرق إليها من كتب في‬
‫الدلئل والخصائص [‪.]58‬‬
‫قال الشافعي رحمه الله تعالى‪" :‬ما أعطى الله نبيا ما أعطى‬
‫محمدا صلى الله عليه وسلم" [‪]59‬‬
‫وقال السيوطي‪" :‬قال العلماء ما أوتى نبي معجزة ول فضيلة إل‬
‫ولنبينا صلى الله عليه وسلم نظيرها أو أعظم منها" [‪.]60‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬بيان بعض الخصائص التي خص الله بها نبيه‬


‫صلى الله عليه وسلم في الخرة‬
‫‪ -1‬أنه سيد ولد آدم يوم القيامة‪:‬‬
‫فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه‬
‫القبر وأول شافع وأول مشفع" [‪.]61‬‬
‫قال العز بن عبد السلم‪" :‬السيد من اتصف بالصفات العلية‬
‫والخلق السنية‪ ،‬وهذا مشعر بأنه أفضل منهم في الدارين‪ ،‬أما‬
‫في الدنيا فلما اتصف به من الخلق العظيمة‪.‬‬
‫وأما في الخرة فلن الجزاء مرتب على الخلق والوصاف‪ ،‬فإذا‬
‫فضلهم في الدنيا في المناقب والصفات‪ ،‬فضلهم في الخرة في‬
‫المراتب والدرجات‪ .‬وإنما قال صلى الله عليه وسلم‪" :‬أنا سيد‬
‫ولد آدم" لتعرف أمته منزلته من ربه عز وجل" [‪.]62‬‬
‫وسيادة النبي صلى الله عليه وسلم للناس يوم القيامة تظهر‬
‫واضحة جلية بما سيناله من الشرف العظيم يوم القيامة وعلى‬
‫رأس ذلك الشرف شفاعته في أهل الموقف واختصاصه بذلك‬
‫من بين النبياء والرسل‪.‬‬
‫فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪" :‬كنا مع النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم في دعوة‪ ،‬فرفعت إليه الذراع وكانت تعجبه‪ -‬فنهس‬
‫منا نهسة وقال‪" :‬أنا سيد الناس يوم القيامة‪ ،‬هل تدرون بمن‬
‫يجمع الله الولي ن والخرين في صعيد واحد‪ ،‬فيبصرهم الناظر‪،‬‬
‫ويسمعهم الداعي‪ ،‬وتدنو منهم الشمس‪ ،‬فيقرل بعض الناس‪ :‬أل‬
‫ترون إلى ما أنتم فيه إلى ما بلغكم؟‬
‫أل تنظرون إلى من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس‪:‬‬
‫أبوكم آدم‪ .‬فيأتونه فيقولون يا آدم أنت أبو البشر‪ ،‬خلقك الله‬
‫بيده‪ ،‬ونفخ فيك من روحه وأمر الملئكة فسجدوا لك‪ ،‬وأسكنك‬
‫الجنة أل تشفع لنا إلى ربك؟ أل ترى ما نحن فيه وما بلغنا؟‪.‬‬
‫فيقول‪ :‬ربي غضب غضبا لم يغضب قبله مثله‪ ،‬ول يغضب بعده‬
‫مثله ونهاني عن الشجرة فعصيت‪ ،‬نفسي نفسي اذهبوا إلى‬
‫غيري‪ ،‬اذهبوا إلى نوح‪.‬‬
‫فيأتون نوحا فيقولون‪ :‬يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الرض‪،‬‬
‫وسماك الله عبدا شكورا‪ ،‬أما ترى ما نحن فيه؟ أل ترى إلى ما‬
‫بلغنا؟ أل تشفع لنا إلى ربك؟ فيقول‪ :‬ربي غضب اليوم غضبا لم‬
‫يغضب قبله مثله‪ ،‬ول يغضه بعده مثله‪ ،‬نفسي نفسي‪ ،‬ائتوا النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم فيأتوني‪ ،‬فأسجد تحت العرش‪ ،‬فيقال‪ :‬يا‬
‫محمد ارفع رأسك واشفع تشفع‪ ،‬وسل تعطه" [‪.]63‬‬
‫‪ -2‬واشتمل الحديث كذلك على خصيصة أخرى تدل على‬
‫تخصيصه وتفضيله ل وهي كونه أول شافع وأول مشفع فهذا أمر‬
‫خص الله تعالى به رسوله صلى الله عليه وسلم إذ جعله الشفيع‬
‫يوم المحشر في إتيان الرب جل جلله لفصل القضاء بين عباده‬
‫وهو المقام المحمود الذي ل يليق إل له والذي يحيد عنه أولو‬
‫العزم من النبياء والمرسلين حتى تنتهي النوبة إليه فيكون هو‬
‫المخصوص به صلوات الله وسلمه عليه‪.‬‬
‫قال ابن تيمية رحمه الله‪" :‬وقد اتفق المسلمون على أنه صلى‬
‫الله عليه وسلم أعظم الخلق جاها عند الله‪ ،‬ول جاه لمخلوق عند‬
‫الله أعظم من جاهه‪ ،‬ول شفاعة أعظم من شفاعته" [‪.]64‬‬
‫كما أنه أول من يشفع في دخول الجنة فعن‪ ،‬أنس رضي الله عنه‬
‫قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬أنا أول الناس‬
‫يشفع في الجنة وأنا أكثر النبياء تبعا" [‪.]65‬‬
‫‪ -3‬أن الله جعل لواء الحمد بيد النبي صلى الله عليه وسلم يوم‬
‫القيامة‪:‬‬
‫فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" :‬أنا سيد الناس يوم القيامة ول فخر‪ ،‬ما‬
‫من أحد إل هو تحت لوائي يوم القيامة ينتظر الفرج‪ ،‬وإن معي‬
‫لواء الحمد‪ ،‬أنا أمشى ويمشى الناس معي‪ ،‬حتى آتي باب الجنة‪،‬‬
‫فأستفتح فيقال من هذا فأقول محمد‪ ،‬فيقال مرحبا بمحمد فإذا‬
‫رأيت ربي خررت له ساجدا أنظر إليه" [‪.]66‬‬
‫وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" :‬أنا سيد ولد آدم يوم القيامة‪ ،‬وبيدي لواء‬
‫الحمد ول فخر وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه‪ ،‬إل تحت‬
‫لوائي‪ ،‬وأنا أول من تنشق عنه الرض ول فخر" [‪.]67‬فهذه‬
‫الخصيصة وغيرها من الخصائص تدل على علو مرتبته خاص وعلو‬
‫منزلته إذ ل معنى للتفضيل إل التخصيص بالمناقب والمراتب [‬
‫‪.]68‬‬
‫‪ -4‬أنه أول من يجيز على الصراط وأول من يقرع باب الجنة وأول‬
‫من يدخلها‪ .‬وهذه المور مما خص به النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫عن باقي النبياء السابقين‪ .‬ففي حديث أبي هريرة رضي الله‬
‫عنه الطويل قال‪" :‬أن ناسا قالوا يارسول الله‪ ،‬هل نرى ربنا يوم‬
‫القيامة؟‪ "...‬الحديث‪.‬‬
‫وفيه "ويضرب الصراط بين ظهري جهنم‪ ،‬فأكون أول من يجوز‬
‫من الرسل بأمته؟ " [‪ ]69‬لحديث (‪.)2‬‬
‫وعن أنس رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬أنا أكثر النبياء تبعا يوم القيامة‪ ،‬وأنا أول من يقرع باب‬
‫الجنة" [‪.]70‬‬
‫وعن أنس رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح فيقول الخازن من‬
‫أنت؟ فأقول محمد‪ ،‬فيقول بك أمرت ل أفتح لحد قبلك" [‪.]71‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬بيان بعض الخصائص التي خص الله بها أمة‬


‫محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫اختصت هذه المة بخصائص وفضائل‪ ،‬فلقد أكرم الله هذه المة‬
‫بنعم جليلة ومنح عظيمة‪ ،‬هي في أصلها إكرام كل من الله تعالى‬
‫لنبيه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ولو لم تتبعه لما أعطت هذه‬
‫الكرامات وتلك الميزات‪.‬‬
‫فلقد جعل الله تعالى هذه المة خير المم‪ ،‬واصطفاها من جميع‬
‫الخلق لتكون أمة لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬واجتباها‬
‫لتكون المة الوسط الشاهدة على جميع المم السابقة‪.‬‬
‫ْ‬
‫ف‬
‫معُْرو ِ‬ ‫ن بِال ْ َ‬
‫مُرو َ‬‫س تَأ ُ‬ ‫َ‬
‫ت لِلن ّا ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫خرِ َ‬ ‫مةٍ أ ُ ْ‬ ‫خيَْر أ ُ َّ‬ ‫م َ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬كُنْت ُ ْ‬
‫َّ‬
‫ه} [‪.]72‬‬ ‫ن بِالل ِ‬ ‫منُو َ‬ ‫منْكَرِ َوتُؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫ن عَ ِ‬ ‫و َ‬ ‫وَتَنْهَ ْ‬
‫شهَدَاءَ ع َلَى‬ ‫سطا ً لِتَكُونُوا ُ‬ ‫ُ‬
‫ة وَ َ‬‫م ً‬‫م أ َّ‬ ‫جعَلْنَاك ُ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬وَكَذَل ِ َ‬
‫شهِيداً} [‪.]73‬‬ ‫م َ‬ ‫ل ع َلَيْك ُ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن الَّر ُ‬ ‫س وَيَكُو َ‬ ‫َ‬
‫الن ّا ِ‬
‫ج} [‬‫حَر ٍ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دّي ِ‬
‫م فِي ال ِ‬ ‫ل ع َلَيْك ُ ْ‬
‫جعَ َ‬ ‫ما َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫جتَبَاك ُ ْ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬هُوَ ا ْ‬
‫‪.]74‬‬
‫وعن معاوية بن حيدة القشيري [‪ ]75‬رضي الله عنه أنه سمع‬
‫خيَْر‬
‫م َ‬‫النبي صلى الله عليه وسلم يقول في قوله تعالى‪{ :‬كُنْت ُ ْ‬
‫س} قال‪" :‬إنكم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها‬ ‫َ‬
‫ت لِلن ّا ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫خرِ َ‬‫مةٍ أ ُ ْ‬ ‫أ ُ َّ‬
‫وأكرمها على الله" وفي لفظ "أنتم أفخرها وأكرمها على الله عز‬
‫وجل" [‪.]76‬‬
‫وروى المام أحمد نحوه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه [‬
‫‪.]77‬‬
‫ومن فضل الله على هذه المة أنهم مع كونهم أقل عمل ممن‬
‫قبلهم‪ ،‬فهم أكثر أجرا كما جاء في الحديث الصحيح‪.‬‬
‫فعن أبي موسى الشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم قال‪" :‬مثل المسلمين واليهود والنصارى كمثل رجل‬
‫استأجر قوما يعملون له عمل يوما إلى الليل على أجر معلوم‪،‬‬
‫فعملوا له نصف النهار‪ ،‬فقالوا ل حاجة لنا إلى أجرك الذي‬
‫شرطت لنا وما عملنا باطل فقال لهم ل تفعلوا أكملوا بقية‬
‫عملكم وخذوا أجركم كامل‪ ،‬فأبوا وتركوا‪ ،‬واستأجر آخرين بعدهم‬
‫فقال‪ :‬أكملوا بقية يومكم هذا ولكم الذي شرطت لهم من الجر‬
‫فعملوا‪ ،‬حتى إذا كان حين صلة العصر قالوا‪ :‬لك ما عملنا باطل‪،‬‬
‫ولك الجر الذي جعلت لنا فيه‪ ،‬فقال لهم‪ :‬أكملوا بقية عملكم‬
‫فإن ما بقي من النهار شيء يسير‪ ،‬فأبوا‪ ،‬فاستأجر قوما أن‬
‫يعملوا له بقية يومهم‪ ،‬فعملوا بقية يومهم حتى غابت الشمس‪،‬‬
‫واستكملوا أجر الفريقين كليهما‪ ،‬فذلك مثلهم ومثل ما قبلوا من‬
‫هذا النور" [‪.]78‬‬
‫قال ابن كثير رحمه الله تعالى‪" :‬والمراد من هذا التشبيه بالعمال‬
‫تفاوت أجورهم‪ ،‬وأن ذلك ليس منوطا بكثرة العمل وقلته‪ ،‬بل‬
‫بأمور أخر معتبرة عند الله تعالى‪.‬‬
‫وكم من عمل قليل أجدى ما ل يجديه العمل الكثير‪ ،‬هذه ليلة‬
‫القدر العمل فيها أفضل من عبادة ألف شهر سواها‪ ،‬وهؤلء‬
‫أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنفقوا في أوقات لو أنفق‬
‫غيرهم من الذهب مثل أحد ما بلغ مد أحدهم ول نصيفه من تمر‪،‬‬
‫وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه الله على رأس‬
‫أربعين سنة من عمره وقبضه وهو ابن ثلث وستين على‬
‫المشهور وقد برز في هذه المدة التي هي ثلث وعشرون سنة‬
‫في العلوم النافعة والعمال الصالحة على سائر النبياء قبله حتى‬
‫على نوح الذي لبث في قومه ألف سنة إل خمسين عاما يدعوهم‬
‫إلى عبادة الله وحده ل شريك له ويعمل بطاعة الله ليل ونهارا‬
‫صباحا ومساء صلوات الله وسلمه عليه وعلى سائر النبياء‬
‫أجمعين‪.‬‬
‫فهذه المة إنما شرفت وتضاعف ثوابها ببركة سيادة نبيها وشرفه‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫منُوا اتَّقُوا الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫نآ َ‬ ‫وعظمته كما قال الله تعالى‪{ :‬يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫ن‬
‫شو َ‬ ‫م ُ‬‫م نُورا ً ت َ ْ‬ ‫ل لَك ُ ْ‬‫جعَ ْ‬ ‫متِهِ وَي َ ْ‬ ‫ح َ‬‫ن َر ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ِ‬ ‫م كِفْلَي ْ‬
‫سولِهِ يُؤ َْتِك ُ ْ‬ ‫منُوا بَِر ُ‬ ‫وَآ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب أل ّ يَقْدُِرو َ‬
‫ن‬ ‫ل الْكِتَا ِ‬ ‫م أهْ ُ‬
‫َ‬ ‫م لِئَل ّ يَعْل َ َ‬‫حي ٌ‬ ‫ه غَفُوٌر َر ِ‬
‫َ‬ ‫م وَالل ّ ُ‬ ‫بِهِ وَيَغْفِْر لَك ُ ْ‬
‫شاءُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬‫ل بِيَد ِ الل ّهِ يُؤ ْتِي ِ‬ ‫ض َ‬‫ن الْفَ ْ‬ ‫ل الل ّهِ وَأ َ َّ‬ ‫ض ِ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬‫يءٍ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ع َلَى َ‬
‫َ‬
‫ل الْعَظِيمِ} [‪.]79‬‬ ‫ض ِ‬‫ه ذ ُو ال ْ َف ْ‬‫وَالل ّ ُ‬
‫ومما أكرمت به هذه المة كذلك أنهم مع كونهم آخر الم زمانا‬
‫فهم الولون يوم القيامة‪.‬‬
‫فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم يقول‪" :‬نحن الخرون السابقون يوم القيامة‪ ،‬بيد أنهم‬
‫أتوا الكتاب من قبلنا" [‪.]80‬‬
‫فهذه المة هم أول من يقضى لهم يوم القيامة كما جاء في‬
‫الحديث الصحيح "‪ ...‬نحن الخرون من أهل الدنيا والولون يوم‬
‫القيامة المقضى لهم قبل الخلئق" [‪.]81‬‬
‫ومما خص الله تعالى به هذه المة يوم القيامة أنها تكون مع نبيها‬
‫صلى الله عليه وسلم أول من يجتاز الصراط من الم‪ ،‬كما في‬
‫الحديث الطويل عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم وفيه "‪ ...‬ويضرب الصراط دروس ظهري جهنم‪،‬‬
‫فأكون أنا وأمتي أول من يجيز ‪.]82[ "000‬‬
‫وكذلك فإن هذه المة هم أول من يدخل الجنة من المم فعن‬
‫أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬نحن الخرون الولون يوم القيامة ونحن أول من يدخل‬
‫الجنة " [‪]83‬‬
‫ومما خص الله به هذه المة أن جعل الزمرة الولى منها‪ -‬وهي‬
‫التي تدخل الجنة من غير حساب ول عذاب‪ -‬تدخل الجنة من‬
‫الباب اليمن من أبواب الجنة‪.‬‬
‫فقد جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه‪ -‬حديث الشفاعة‬
‫الطويل وفيه "فأقول يارب أمتي أمتي‪ ،‬فيقال‪ :‬يامحمد أدخل‬
‫الجنة من أمتك من ل‪ ،‬حساب عليه من الباب اليمن من أبواب‬
‫الجنة‪ ،‬وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من البواب‪]84[ "...‬‬
‫الحديث‪.‬‬
‫فهذه الخصائص والفضائل وغيرها كثير إنما هي شواهد وبراهين‬
‫على تفضيل الله تعالى لنبيه ورسوله محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وعلى‪ .‬ماله من منزلة عظيمة ودرجة رفيعة عنده تبارك‬
‫وتعالى‪.‬‬
‫ومن هذه الخصائص يعلم المسلم عظيم قد نبينا صلى الله عليه‬
‫وسلم ورفعة مكانته عند الله عز وجل‪ ،‬ومما لشك فيه أن هذا‬
‫العلم وهذه المعرفة ستثمربإذن الله في القلب المؤمن بالله‬
‫ورسوله‪ ،‬فيزداد تعظيما وتوقيرا للنبي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫وحرصا على اتباعه واقتفاء أثره والسير على سنته‪.‬‬
‫فحري بالمسلم الذي تتوق نفسه وتتطلع لن يكون في عداد أمة‬
‫المصطفى الذين يقودهم صلى الله عليه وسلم إلى الجنة بعد أن‬
‫يجتاز بهم الصراط‪ ،‬أن يحقق المور التي يستحق بها هذا الفضل‬
‫العظيم والمرتبة العالية‪.‬‬
‫فباليمان والتباع والمحبة والتعظيم والبعد عما يضاد هذه المور‬
‫يستحق النسان أن يكون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫أما من لم يتبع ويسلك سبيل النبي صلى الله عليه وسلم بل غير‬
‫بدل فهو محروم من هذا الفضل وذاك الشرف الذي تحدثت عنه‬
‫تلك النصوص‪.‬‬
‫فقد جاء في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬أنا فرطكم على الحوض‬
‫وليختلجن رجال دوني فأقول يارب أصحابي فيقال إنك ل تدري‬
‫ما أحدثوا بعدك‪ ،‬إنهم غيروا وبدلوا فيقول النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم سحقا سحقا لمن غير وبدل" [‪.]85‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬وجوب تعزيره وتوقيره وتعظيمه صلى الله عليه‬


‫وسلم على أمته في حياته وبعد مماته‪.‬‬
‫ويشتمل على أربعة مباحث‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬معنى التعزير والتوقير والتعظيم‪.‬‬
‫َ‬
‫سولِهِ وَتُعَّزُِروه ُ َوتُوَقُِّروهُ} [‪.]86‬‬ ‫منُوا بِالل ّهِ وََر ُ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬لِتُؤ ْ ِ‬
‫َ‬
‫صُروه ُ وَاتَّبَعُوا النُّوَر‬
‫ه وَعََّزُروه ُ َون َ َ‬ ‫منُوا ب ِ ِ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬فَال ّذِي َ‬
‫نآ َ‬
‫ن} [‪.]87‬‬ ‫حو َ‬ ‫مفْل ِ ُ‬‫م ال ْ ُ‬
‫ك هُ ُ‬ ‫ه أُولَئ ِ َ‬ ‫معَ ُ‬ ‫الَّذِي أُنْزِ َ‬
‫ل َ‬
‫أ‪ -‬أما التعزير في اللغة‪:‬‬
‫فيقول صاحب معجم مقاييس اللغة عن أصل هذه الكلمة‪" :‬عزر"‬
‫العين والزاء‪ .‬والراء‪ :‬كلمتان‬
‫أحدهما‪ :‬التعظيم والنصر‪ .‬والكلمة الخرى‪ :‬جنس من الضرب‪.‬‬
‫{وتُعَّزُِروه ُ وَتُوَقُِّروهُ}‬
‫فالولى‪ :‬النصر والتوقير كقوله تعالى‪َ :‬‬
‫والصل الخر‪ :‬التعزير وهو الضرب دون الحد" [‪.]88‬‬
‫وفي النهاية في غريب الحديث "أصل التعزير‪ :‬المنع والرد‪.‬فكأن‬
‫من نصرته قد رددت عنه أعداءه ومنعتهم من أذاه‪.‬ولهذا قيل‬
‫للتأديب الذي هو دون الحد تعزير‪ ،‬لنه يمنع الجاني أن يعاود‬
‫الذنب‪ ،‬يقال عزرته‪ ،‬وعزرته‪ .‬فهو من الضداد" [‪.]89‬‬
‫وجاء في تهذيب اللغة‪" :‬عزر" قال الله عز وجل‪{ :‬وَتُعَّزُِروهُ‬
‫وَتُوَقُِّروهُ}‬
‫{وتُعَّزُِروهُ} أي لتنصروه‬ ‫جاء في التفسير في قوله تعالى َ‬
‫م} عظمتموهم‪ .‬وقيل‪ :‬نصرتموهم‪.‬‬ ‫بالسيف {وَعََّزْرت ُ ُ‬
‫موهُ ْ‬
‫واللفظة تستعمل لعدة معان هي‪:‬‬
‫‪ .1‬التعزير‪ :‬النصر باللسان والسيف‪.‬‬
‫‪ .2‬التعزير‪ :‬التوقير‪.‬‬
‫‪ .3‬التعزير‪ :‬التأديب دون الحد‪.‬‬
‫‪ .4‬التعزير‪ :‬التوقيف على الفرائض والحكام" [‪.]90‬‬
‫وأما عن المعنى الشرعي المراد هنا‪:‬‬
‫فعن ابن عباس رضي الله عنهما‪{ :‬وَعََّزُروهُ} يقول‪" :‬حموه‬
‫ووقروه" [‪.]91‬‬
‫وعن مجاهد قال‪" :‬عزروه‪ :‬سددوا أمره‪ ،‬وأعانوا رسوله‬
‫ونصروه" [‪.]92‬‬
‫وعن قتادة في قوله‪{ :‬وَتُعَّزُِروهُ} قال ينصروه" [‪.]93‬‬
‫وقال ابن جرر الطبري‪{ :‬وَعََّزُروهُ} "وقروه وعظموه وحموه من‬
‫الناس" [‪]94‬‬
‫وقال أيضا بعد أن نقل قول ابن عباس ومجاهد وقتادة "وهذه‬
‫القوال متقاربات المعنى‪ ،‬وإن اختلفت ألفاظ أهلها بها ومعنى‬
‫التعزير في هذا الموضع‪ :‬التقوية بالنصر والمعونة‪ ،‬ول يكون ذلك‬
‫إل بالطاعة والتعظيم والجلل" [‪.)6( ]95‬‬
‫وقال شيخ السلم‪" :‬التعزير‪ :‬اسم جامع لنصره وتأييده ومنعه‬
‫من كل ما يؤذيه" [‪.]96‬‬

‫ب‪ -‬وأما عن التوقير في اللغة‪:‬‬


‫ففي معجم مقاييس اللغة‪" :‬وقر" الواو‪ .‬والقاف‪ .‬والراء‪ :‬أصل‬
‫يدل على ثقل في الشيء‪ ...‬ومنه الوقار‪ :‬الحلم والرزانه" [‪.]97‬‬
‫وجاء في تهذيب اللغة "وقر الرجل من الوقار‪ ،‬يقر‪ ،‬فهو وقور‪.‬‬
‫ووقرت الرجل‪ :‬إذا عظمته ومنه قوله عز وجل {وَتُعَّزُِروهُ‬
‫وَتُوَقُِّروهُ} [‪]98‬‬
‫وفي لسان العرب‪" :‬وقر الرجل‪ :‬بجله‪ ،‬والتوقير‪ :‬التعظيم‬
‫والترزين" [‪]99‬‬
‫وأما المعنى الشرعي المراد هنا‪:‬‬
‫{وتُوَقُِّروهُ} يعني التعظيم" [‪.]100‬‬
‫فقال ابن عباس‪َ :‬‬
‫وقال قتادة‪{ :‬وَتُوَقُِّروهُ} أمر الله بتسويده وتفخيمه" [‪.]101‬‬
‫{وتُوَقُِّروهُ} أي ليعظموه" [‪.]102‬‬
‫وقال أيضا‪َ ":‬‬
‫وقال ابن جرير الطبري‪" :‬فأما التوقير فهو التعظيم والجلل‬
‫والتفخيم" [‪.]103‬‬
‫وقال شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬التوقير‪ :‬اسم جامع لكل ما فيه‬
‫سكينة وطمأنينة من الجلل والكرام‪ ،‬وأن يعامل من التشريف‬
‫والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار"‬
‫[‪]104‬‬
‫قال ابن كثير‪" :‬التوقير‪ :‬هو الحترام والجلل والعظام" [‪.]105‬‬

‫ج‪ -‬وأما التعظيم في اللغة‪:‬‬


‫ففي لسان العرب "التعظيم‪ :‬التبجيل‪ :‬يقال لفلن عظمة عند‬
‫الناس‪ :‬أي حرمة يعظم لها" [‪.]106‬‬
‫ولفظ "التعظيم" ل يرد في خطاب الشارع كما ورد لفظ‬
‫"التعزير" و"التوقير" لكن العلماء استعملوه في كلمهم عند هذه‬
‫المسألة وذلك لقربه في المعنى إلى ذهن السامع‪ ،‬ولتأديته‬
‫للمعنى المراد من لفظتي "التعزير" و"التوقير"‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬وجوب توقيره وتعظيمه صلى الله عليه وسلم‬
‫والدلة على ذلك‪.‬‬
‫إن تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وإجلله‪ ،‬وتوقيره‪ ،‬شعبة‬
‫عظيمة من شعب اليمان‪ ،‬وهذه الشعبة غير شعبة المحبة [‪]107‬‬
‫بل إن منزلتها ورتبتها فوق منزلة ورتبة المحبة‪ .‬ذلك لنه ليس‬
‫كل محب معظما‪ ،‬أل ترى أن الوالد يحب ولده ولكن حبه إياه‬
‫يدعوه إلى تكريمه ول يدعوه إلى تعظيمه‪.‬‬
‫والولد يحب والده فيجمع له بين التكريم والتعظيم‪ .‬والسيد قد‬
‫يحب مماليكه ولكنه ل يعظمهم‪ .‬والمماليك يحبون ساداتهم‬
‫ويعظمونهم‪.‬‬
‫فعلمنا بذلك أن التعظيم رتبته فوق رتبة المحبة [‪.]108‬‬
‫فمن حق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته أن يهاب ويعظم‬
‫ويوقر ويجل أكثر من كل ولد لوالده ومن كل عبد لسيده‪ ،‬فهذا‬
‫حق من حقوقه الواجبة له مما يزيد على لوازم الرسالة [‪]109‬‬
‫َ‬
‫منُوا بِالل ّهِ‬
‫وهو ما أمر الله به في كتابه العزيز قال تعالى‪{ :‬لِتُؤ ْ ِ‬
‫سولِهِ وَتُعَّزُِروه ُ وَتُوَقُِّروهُ} [‪.]110‬‬ ‫وََر ُ‬
‫َ‬
‫صُروه ُ وَاتَّبَعُوا النُّوَر‬
‫منُوا بِهِ وَعََّزُروه ُ َون َ َ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬فَال ّذِي َ‬
‫نآ َ‬
‫ن} [‪.]111‬‬ ‫حو َ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫مفْل ِ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬‫ه أُولَئ ِ َ‬
‫معَ ُ‬ ‫الَّذِي أُنْزِ َ‬
‫ل َ‬
‫فأبان أن حق الرسول صلى الله عليه وسلم في أمته أن يكون‬
‫معزرا موقرا مهيبا‪.‬‬
‫وأخبر سبحانه أن الفلح إنما يكون لمن جمع بين اليمان به‬
‫وتعزيره ول خلف في أن التعزير هاهنا التعظيم [‪.]112‬‬
‫وفي الجمع الحاصل في اليتين بين اليمان به وتعظيمه‪ ،‬تنبيه‬
‫وإرشاد إلى أن القيام بحقوقه صلى الله عليه وسلم يعد من‬
‫اليمان الواجب الذي ل يتم إيمان العبد إل به‪ .‬قال الحليمي [‬
‫‪" :]113‬فمعلوم أن حقوق رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل‬
‫وأعظم وأكرم وألزم لنا وأوجب علينا من حقوق السادات على‬
‫مماليكهم والباء على أولدهم لن الله تعالى أنقذنا به من النار‬
‫في الخرة‪ ،‬وعصم به لنا أرواحنا وأبداننا وأعراضنا وأموالنا‬
‫وأهلينا وأولدنا في العاجلة‪ ،‬فهدانا به لما إذا أطعناه فيه أدانا إلى‬
‫جنات النعيم‪ .‬فأية نعمة توازي هذه النعم وأية منة تداني هذه‬
‫المنن‪ .‬ثم إنه جل ثناؤه ألزمنا طاعته‪ ،‬وتوعدنا على معصيته‬
‫بالنار‪ .‬ووعدنا باتباعه الجنة‪ .‬فأي رتبة تضاهي هذه الرتبة‪ ،‬وأي‬
‫درجة تساوي في العل هذه الدرجة‪ .‬فحق علينا أن نحبه ونجله‬
‫ونعظمه ونهابه أكثر من إجلل كل عبد سيده وكل ولد والده‪.‬‬
‫وبمثل هذا نطق القرآن ووردت أوامر الله جل ثناؤه" [‪.]114‬‬
‫ففي القرآن الكريم آيات كثيرة جاء فيها التأكيد على هذا الحق‬
‫من حقوقه صلى الله عليه وسلم وبخاصة في جوانب معينة من‬
‫جوانب تعظيمه ومن تلك اليات ما يلي‪:‬‬
‫ضك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م كَدُع َاءِ بَعْ ِ‬ ‫ل بَيْنَك ُ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫جعَلُوا دُع َاءَ الَّر ُ‬ ‫‪ -1‬قوله تعالى‪{ :‬ل َ ت َ ْ‬
‫بَعْضاً} [‪" ]115‬ففي هذه الية نهي من الله أن يدعوا رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم بغلظ وجفاء‪ ،‬وأمر لهم أن يدعوه بلين‬
‫وتواضع" [‪.]116‬‬
‫وروى الطبري بسنده عن مجاهد في تفسيرها فقال‪" :‬أمرهم أن‬
‫يدعوه يا رسول الله في لين وتواضع‪ ،‬ول يقولوا‪ :‬يا محمد‪ ،‬في‬
‫تجهم" [‪.)3( ]117‬‬
‫وعن قتادة قال‪" :‬أمرهم أن يفخموه ويشرفوه" [‪)4( ]118‬‬
‫وقال شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله في تفسيرها "خص الله‬
‫نبيه في هذه الية بالمخاطبة بما يليق به‪ ،‬فنهي أن يقولوا‪ :‬يا‬
‫محمد أو يا أحمد‪ ،‬أو يا أبا القاسم‪ ،‬ولكن يقولوا‪ :‬يا رسول الله‪،‬‬
‫يانبي الله وكيف ل يخاطبونه بذلك‪ ،‬والله سبحانه أكرمه في‬
‫مخاطبته إياه بما لم يكرم به أحدا من النبياء‪ ،‬فلم يدعه باسمه‬
‫ن‬‫ن كُنْت ُ َّ‬ ‫ك إِ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ل لْزوَا ِ‬
‫ي قُ ْ َ‬ ‫في القرآن قط‪ ،‬بل يقول {يَا أَيُّهَا النَّب ِ ُّ‬
‫حلَلْنَا ل َ َ‬ ‫َ‬ ‫حيَاة َ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} [‪{ ]119‬يَا أَي ُّ َها النَّب ِ ُّ‬
‫ك‬ ‫ي إِنَّا أ ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫تُرِد ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي إِنَّا‬ ‫ه} [‪{ ]121‬يَا أي ُّ َها النَّب ِ ُّ‬ ‫َ‬ ‫ي ات َّق الل ّ‬
‫ِ‬ ‫ك} [‪{ ]120‬يَا أيُّهَا النَّب ِ ُّ‬ ‫ج َ‬ ‫أْزوَا َ‬
‫َ‬ ‫شرا ً َونَذِيراً} [‪{ ]122‬يَا أَي ُّ َها النَّب ِ ُّ‬ ‫َ‬
‫ي إِذ َا طَل ّقْت ُ ُ‬
‫م‬
‫َ َّ َ‬
‫مب َ ّ ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫شاهِدا ً و‬ ‫ك َ‬ ‫سلْنَا َ‬ ‫أْر َ‬
‫ك} [‪{ ]124‬يَا‬ ‫ه لَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ح‬
‫ما أ َ‬ ‫م َ‬ ‫حّرِ ُ‬ ‫م تُ َ‬ ‫ي لِ َ‬ ‫ساءَ} [‪{ ]123‬يَا أَي ُّ َها النَّب ِ ُّ‬ ‫الن ِّ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫م ُ‬ ‫مَّز ِّ‬ ‫ك} [‪{ ]125‬يَا أي ُّ َها ال ْ ُ‬ ‫ن َرب ِّ َ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ك ِ‬ ‫ل إِلَي ْ َ‬ ‫ما أنْزِ َ‬ ‫ل بَل ِّغْ َ‬
‫سو ُ‬ ‫أيُّهَا الَّر ُ‬
‫ي‬ ‫م فَأَنْذِْر} [‪{ ]127‬يَا أَيُّهَا النَّب ِ ُّ‬ ‫مدَّثُِّر قُ ْ‬
‫َ‬
‫ل} [‪{ ]126‬يَا أي ُّ َها ال ْ ُ‬ ‫قُم ِ اللَّي ْ َ‬
‫َ َ‬
‫ه} [‪.]128‬‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫سب ُ‬‫ح ْ‬ ‫َ‬
‫ج َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ك} [‪]129‬‬ ‫ت وََزوْ ُ‬ ‫ن أن ْ َ‬ ‫سك ْ‬ ‫ما ْ‬ ‫مع أنه سبحانه قال‪{ :‬وَقُلنَا يَا آد َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل يا آد َ‬
‫ك}‬ ‫ن أهْل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬‫ه لَي ْ َ‬ ‫ح إِن َّ ُ‬ ‫م} [‪{ ]130‬يَا نُو ُ‬ ‫مائِهِ ْ‬ ‫س َ‬‫م بِأ ْ‬ ‫م أنْبِئْهُ ْ‬‫{قَا َ َ َ ُ‬
‫سى إِنِّي‬ ‫َ‬
‫مو َ‬ ‫ن هَذ َا} [‪{ ]132‬يَا ُ‬ ‫ض عَ ْ‬ ‫م أع ْرِ ْ‬ ‫[‪{ ]131‬يَا إِبَْراهِي ُ‬
‫ة فِي‬ ‫خلِيفَ ً‬ ‫ك َ‬ ‫جعَلْنَا َ‬ ‫س} [‪{ ]133‬يَا دَاوُد ُ إِنَّا َ‬ ‫ك ع َلى الن ّا ِ‬
‫َ‬ ‫صطَفَيْت ُ َ َ‬ ‫ا ْ‬
‫ك وَع َلَى‬ ‫متِي ع َلَي ْ َ‬ ‫َ‬
‫م اذ ْكُْر نِعْ َ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫سى اب ْ َ‬ ‫عي َ‬ ‫ض} [‪{ ]134‬يَا ِ‬ ‫الْر ِ‬
‫ك} [‪.]136[ ]135‬‬ ‫وَالِدَت ِ َ‬
‫وقال رحمه الله‪" :‬وإذا كنا في باب العبارة عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم علينا أن نفرق بين مخاطبته والخبار عنه‪ .‬فإذا‬
‫خاطبناه كان علينا أن نتأدب بآداب الله تعالى حيث قال‪{ :‬لَ‬
‫م بَعْضاً} [‪ ]137‬فل تقول‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫م كَدُع َاءِ بَعْ ِ‬ ‫ل بَيْنَك ُ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫جعَلُوا دُع َاءَ الَّر ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫يا محمد يا أحمد‪ ،‬كما يدعو بعضنا بعضا بل نقول‪ :‬يا رسول الله‪،‬‬
‫يا نبي الله‪ .‬والله سبحانه وتعالى خاطب النبياء عليهم الصلة‬
‫جن َّ َ‬ ‫والسلم بأسمائهم فقال‪{ :‬يا آدم اسك ُ َ‬
‫ة} [‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ت وََزوْ ُ‬ ‫ن أن ْ َ‬ ‫َ َ ُ ْ ْ‬
‫ُ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م َّ‬ ‫مم ٍ ِ‬ ‫ك وَع َلَى أ َ‬ ‫ت ع َلَي ْ َ‬ ‫منَّا َوبََركَا ٍ‬ ‫سلم ٍ ِ‬ ‫ط بِ َ‬ ‫ح اهْب ِ ْ‬ ‫‪{ ]138‬يَا نُو ُ‬
‫سى إِنِّي‬ ‫سى إِنِّي أنَا َرب ُّ َ‬ ‫َ‬ ‫معَ َ‬
‫عي َ‬ ‫ك} [‪{ ]140‬يَا ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ك} [‪{ ]139‬يَا ُ‬ ‫َ‬
‫ي} [‪]141‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫متَوَفِيك وََرافِعُك إِل ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ي} [‪{ ]142‬يَا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ولما خاطبه صلى الله عليه وسلم قال {يَا أي ّهَا الن ّب ِ ُّ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ن فِي الْكُفْرِ} [‪{ ]143‬يَا أي ُّ َها‬ ‫سارِعُو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ك ال ّذِي َ‬ ‫حُزن ْ‬ ‫ل ل يَ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫أيُّهَا الَّر ُ‬
‫َ‬ ‫ما أُنْزِ َ‬
‫ل} [‪]145‬‬ ‫م ُ‬ ‫مَّز ِّ‬ ‫ك} [‪{ ]144‬يَا أيُّهَا ال ْ ُ‬ ‫ن َرب ِّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ل إِلَي ْ َ‬ ‫ل بَل ِّغْ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫الَّر ُ‬
‫َ‬
‫مدَّثُِّر} [‪ ]146‬فنحن أحق أن نتأدب في دعائه وخطابه‪.‬‬ ‫{يَا أيُّهَا ال ْ ُ‬
‫وأما إذا كنا في مقام الخبار عنه قلنا‪" :‬أشهد أن ل إله إل الله‬
‫وأشهد أن محمدا رسول الله" وقلنا محمد رسول الله وخاتم‬
‫النبيين‪ ،‬فنخبر عنه باسمه كما أخبر الله سبحانه لما أخبر عنه‬
‫صلى الله عليه وسلم {ما كَان مح َ َ َ‬
‫م وَلَك ِ َ ْ‬
‫ن‬ ‫جالِك ُ َْ‬ ‫ن رِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫حد ٍ ِ‬ ‫مد ٌ أبَا أ َ‬ ‫َ ُ َ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ن‬ ‫ّ‬
‫سول اللهِ وَالذِي َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫مد ٌ َر ُ‬ ‫َ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن} [‪ ]147‬وقال { ُ‬ ‫َ‬ ‫م النَّبِيِّي‬ ‫خات َ َ‬ ‫ل الل ّهِ وَ َ‬ ‫سو‬ ‫َر ُ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جدا} [‪]148‬‬ ‫س ّ‬ ‫م ُرك ّعا ُ‬ ‫م تََراهُ ْ‬ ‫ماءُ بَيْنَهُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫شد ّاءُ ع َلى الكُفّارِ ُر َ‬ ‫هأ ِ‬ ‫معَ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ل} [‪]149‬‬ ‫س ُ‬ ‫ن قَبْلِهِ الُّر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫خل ْ‬ ‫ل قَد ْ َ‬ ‫سو ٌ‬ ‫مد ٌ إِل َر ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ما ُ‬ ‫{و َ‬ ‫وقال َ‬
‫َ‬
‫ل ع َلَى‬ ‫ما نُّزِ َ‬ ‫منُوا ب ِ َ‬ ‫ت وَآ َ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ملُوا ال َّ‬ ‫منُوا وَع َ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫وقال {وَال ّذِي َ‬
‫مدٍ} [‪]150‬‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫فالفرق يين مقام المخاطبة ومقام الخبار فرق ثابت بالشرع‬
‫والعقل" [‪]151‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ي اللهِ‬ ‫ن يَد َ ِ‬ ‫موا بَي ْ َ َ‬ ‫منُوا ل تُقَدِّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫{يَا أيُّهَا ال َذِي َ‬ ‫َ‬
‫‪ -2‬وقال تعالى‪:‬‬
‫َ‬
‫منُوا ل‬ ‫نآ َ‬ ‫م يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬ ‫ميعٌ عَلِي ٌ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ه إ ِ َّ‬ ‫سولِهِ وَاتَّقُوا الل ّ َ‬ ‫وََر ُ‬
‫جهروا ل َه بالْقَو‬ ‫َ‬
‫ر‬
‫جهْ ِ‬ ‫ل كَ َ‬
‫َ ُ ْ ُ ِ َ ْ ِ َّ‬
‫ي وَل ت َ ْ‬ ‫ت النَّب ِ ِ ّ‬ ‫صو ِ‬ ‫م فَوْقَ َ ْ‬ ‫صواتَك ُ ْ‬ ‫تَْرفَعُوا أ ْ َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫مالُك ُ‬ ‫َ‬ ‫حب َ َ‬ ‫َ‬ ‫ضك ُ‬
‫الذِي َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ن إِ ّ‬ ‫م ل ت َشعُُرو َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫م وَأنْت ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ط أع ْ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫ضأ ْ‬ ‫ٍ‬ ‫م لِبَعْ‬ ‫ْ‬ ‫بَعْ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ه قُلُوبَهُ ْ‬
‫م‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مت َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ك ال ّذِي َ‬ ‫ل الل ّهِ أولَئ ِ َ‬
‫َ‬ ‫سو ِ‬ ‫عنْد َ َر ُ‬ ‫م ِ‬ ‫صوَاتَهُ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ضو َ‬ ‫يَغُ ُّ‬
‫َ‬
‫ن وََراءِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن يُنَادُون َ َ‬ ‫ن ال ّذِي َ‬ ‫م إ ِ َّ‬ ‫جٌر عَظِي ٌ‬ ‫فَرة ٌ وَأ ْ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫لِلتَّقْوَى لَهُ ْ‬
‫َ‬ ‫ت أَكْثَُرهُ‬
‫م‬‫ج إِلَيْهِ ْ‬ ‫خُر َ‬ ‫حتَّى ت َ ْ‬ ‫صبَُروا َ‬ ‫م َ‬ ‫ن وَلَوْ أنَّهُ ْ‬ ‫م ل يَعْقِلُو َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫جَرا ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫م} [‪]152‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫ه غَفُوٌر َر ِ‬ ‫م وَالل ّ ُ‬ ‫خيْرا ً لَهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫لَكَا َ‬
‫فهذه اليات اشتملت على جملة من الداب التي أدب الله بها‬
‫عباده المؤمنين فيما يجب أن يعاملوا به الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم من التوقير والحترام والتبجيل والعظام وهذه الداب هي‪:‬‬
‫أول‪ :‬أنه حرم التقدم بين يديه بالكلم حتى يأذن‪ ،‬فقال تعالى‪{ :‬يَا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سولِهِ}‬ ‫ي الل ّهِ وََر ُ‬ ‫ن يَد َ ِ‬ ‫موا بَي ْ َ‬ ‫دّ ُ‬ ‫منُوا ل تُقَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫قال ابن كثير في معناها‪" :‬أي ل تسارعوا في الشياء بين يديه أي‬
‫قبله بل كونوا تبعا له في جميع المور‪ ،‬حتى يدخل في عموم هذا‬
‫الدب الشرعي حديث معاذ رضي الله عنه حيث قال له النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن "بم تحكم؟ "‬
‫قال‪:‬بكتاب الله تعالى‪ .‬قال صلى الله عليه وسلم "فإن لم تجد؟‬
‫"قال بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬قال صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬فإن لم تجد؟ "قال رضي الله عنه‪ :‬أجتهد رأي‪،‬‬
‫فضرب في صدره وقال‪" :‬الحمد لله الذي وفق رسول رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم لما يرضي رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم" [‪. ]153‬‬
‫فالغرض منه أنه أخر رأيه ونظره واجتهاده إلى ما بعد الكتاب‬
‫والسنة ولو قدمه قبل البحث عنهما لكان من باب التقدم بين‬
‫يدي الله ورسوله" [‪.]154‬‬
‫وقال الحليمي عند تعليقه على هذه الية‪" :‬والمعنى ل تقدموا‬
‫قول أو فعل بين يدي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫وفعله فيما سبيله أن تأخذوه عنه من أمر دين أو دنيا‪ ،‬بل أخروا‬
‫أقوالكم وأفعالكم إلى أن يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫في ذلك بما يراه فإنكم إذا قدمتم بين يديه كنتم مقدمين بين‬
‫َّ‬
‫ه!‬‫يدي الله عز وجل إذ كان رسوله ل يقضي إل عنه‪{ ،‬وَاتَّقُوا الل َ‬
‫أي احذروا عقابه بتقديمكم يين يدي رسول الله ومعاملته بما‬
‫يوهم الستخفاف به ومخالفة شيء مما يأمركم به عن الله‬
‫َ َ‬
‫م} أي سميع‬ ‫ميعٌ عَلِي ٌ‬
‫س ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫بوحي متلو أو بوحي غير متلو {إ ِ ّ‬
‫لما تقدمونه بين يدي رسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أو تأتونه‬
‫اقتداء به واتباعا له‪ ،‬عليم بما يكون منكم من إجلله أو خلف‬
‫ذلك فهو يجزيكم بما سمعه ويعلمه منكم" [‪.]155‬‬
‫ولقد تأدب الصحابة مع ربهم ومع رسولهم‪ ،‬فما عاد بعد نزول‬
‫هذه الية مقترح منهم يقترح على الله ورسوله‪ ،‬وما عاد واحد‬
‫منهم يدلي برأي لم يطلب منه رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫أن يدلي به‪ ،‬وما عاد أحد يقضي برأيه في أمر أو حكم إل أن‬
‫يرجع قبل ذلك إلى قول الله وقول النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫حتى كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسألهم عن اليوم الذي‬
‫هم فيه والمكان الذي هم فيه وهم يعلمونه حق العلم‪،‬‬
‫فيتحرجون أن يجيبوا إل بقولهم‪ :‬الله ورسوله أعلم‪ .‬خشية أن‬
‫يكون في قولهم تقدم بين يدي الله ورسوله‪ .‬ومن ذلك ما جاء‬
‫في حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفي رضي الله عنه أن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ -‬سأل في حجة الوداع "أي شهر‬
‫هذا؟"‪ ..‬قلنا‪ :‬الله ورسوله أعلم‪ .‬فسكت حتى ظننا أن سيسميه‬
‫بغير اسمه‪ ،‬قال‪" :‬أليس ذو الحجة؟" قلنا‪ :‬بلى‪ .‬قال‪" :‬فأي بلد‬
‫هذا؟" قلنا‪ :‬الله ورسوله أعلم‪ .‬فسكت حتى ظننا أنه سيسميه‬
‫بغير أسمه‪ ،‬قال‪" :‬أليس البلدة؟" قلنا بلى‪ .‬قال "فأي يوم هذا؟"‬
‫قلنا‪ :‬الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير‬
‫اسمه‪ .‬قال‪" :‬أليس يوم النحر؟" قلنا بلى ‪ "...‬الحديث [‪.]156‬‬
‫فهذه صورة من الدب‪ ،‬ومن التحرج‪ ،‬ومن التقوى التي انتهى‬
‫إليها الصحابة بعد سماعهم ذلك النداء‪ ،‬وذلك التوجيه‪ ،‬وتلك‬
‫الشارة إلى التقوى تقوى الله السميع العليم‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أنه حرم رفع الصوت فوق صوت النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم وأن يجهر له بالكلم كما يجهر الرجل للرجل‪ ،‬وهذا من‬
‫باب الدب مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث والخطاب‬
‫ومن التوقير الذي يجب له‪ ،‬ذلك التوقير الذي ينعكس على نبرات‬
‫أصوات الصحابة ليتميز بذلك شخص الرسول صلى الله عليه‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫منُوا‬‫نآ َ‬ ‫وسلم بينهم ويميز مجلسه فيهم فقال تعالى {يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫َ‬
‫ر‬
‫جهْ ِ‬‫ل كَ َ‬‫ه بِالْقَوْ ِ‬‫جهَُروا ل َ ُ‬ ‫ي وَل ت َ ْ‬ ‫ت النَّب ِ ِ ّ‬ ‫صوْ ِ‬ ‫م فَوْقَ َ‬‫صوَاتَك ُ ْ‬
‫ل تَْرفَعُوا أ ْ‬
‫َ‬ ‫بعضك ُم لِبعض أ َن تحب َ َ‬
‫ن} [‪.]157‬‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫م ل تَ ْ‬ ‫م وَأنْت ُ ْ‬ ‫مالُك ُ ْ‬
‫ط أع ْ َ‬ ‫َْ ِ ْ َْ ٍ ْ َ ْ َ‬
‫قال ابن كثير عند تفسيره لهذه الية‪" :‬هذا أدب ثان أدب الله‬
‫تعالى به المؤمنين أن ل يرفعوا أصواتهم بين يدي النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم فوق صوته‪ ،‬وقد روي أنها نزلت في الشيخين‬
‫أبي بكر وعمر رضي الله عنهما‬
‫فعن ابن أبي مليكة [‪ ]158‬قال‪" :‬كاد الخيران أن يهلكا أبو بكر‬
‫وعمر رضي الله عنهما رفعا أصواتهما عند النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم حين قدم عليه ركب بني تميم فأشار أحدهما بالقرع بن‬
‫حابس [‪ ]159‬رضي الله عنه أخي بن مجاشع وأشار الخر برجل‬
‫آخر‪ ،‬قال نافع [‪ ]160‬ل أحفظ اسمه فقال أبو بكر لعمر رضي الله‬
‫عنهما ما أردت إل خلفي‪ ،‬قال‪ :‬مما أردت خلفك فارتفعت‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫منُوا ل تَْرفَعُوا‬ ‫نآ َ‬ ‫أصواتهما في ذلك‪ ،‬فأنزل الله {يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫َ‬
‫م} الية‪.‬‬ ‫صوَاتَك ُ ْ‬
‫أ ْ‬
‫قال ابن الزبير [‪ ]161‬رضي الله عنه‪" :‬فما كان عمر رضي الله‬
‫عنه يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الية حتى‬
‫يستفهمه‪ ،‬ولم يذكر ذلك عن أبيه يعني أبا بكر" [‪]162‬‬
‫فقد نهي الله عز وجل عن رفع الصوات بحضرة رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر بن‬
‫الخطاب رضي الله عنه أنه سمع صوت رجلين في مسجد النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قد ارتفعت أصواتهما فجاء فقال‪ :‬أتدريان‬
‫أين أنتما؟ ثم قال‪ :‬من أين أنتما؟ قال‪ :‬من أهل الطائف‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫لو كنتما من أهل المدينة لوجعتكما ضربا [‪.]163‬‬
‫وقال العلماء‪ :‬يكره رفع الصوت عند قبره صلى الله عليه وسلم‬
‫كما كان يكره في حياته عليه الصلة والسلم لنه محترم حيا‬
‫وفي قبره صلى الله عليه وسلم دائما‪.‬‬
‫ثم نهي عن الجهر له بالقول كما يجهر الرجل لمخاطبة ممن‬
‫عداه‪ ،‬بل يخاطب بسكينة ووقار وتعظيم‪ ،‬ولهذا قال تبارك‬
‫ض} كما قال‬ ‫م لِبَعْ ٍ‬ ‫ضك ُ ْ‬‫جهْرِ بَعْ ِ‬ ‫ل كَ َ‬ ‫ه بِالْقَوْ ِ‬ ‫جهَُروا ل َ ُ‬ ‫وتعالى‪{ :‬وَل ت َ ْ‬
‫م بَعْضاً}‬ ‫ضك ُ ْ‬‫م كَدُع َاءِ بَعْ ِ‬ ‫ل بَيْنَك ُ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫جعَلُوا دُع َاءَ الَّر ُ‬ ‫{ل ت َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن} أي إنما‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫م ل تَ ْ‬ ‫م وَأنْت ُ ْ‬ ‫مالُك ُ ْ‬ ‫ط أع ْ َ‬ ‫حب َ َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫وقوله عز وجل {أ ْ‬
‫نهيناكم عن رفع الصوت عنده خشية أن يغضب من ذلك فيغضب‬
‫الله تعالى لغضبه فيحبط عمل من أغضبه وهو ل يدري كما جاء‬
‫في الصحيح "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ل‬
‫يلقي لها بال يكتب له بها الجنة‪ ،‬وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من‬
‫سخط الله تعالى ل يلقي لها بال يهوي بها في النار أبعد ما بين‬
‫السماء والرض" [‪.]164‬‬
‫ثم ندب الله تعالى إلى خفض الصوت عنده وحث على ذلك‬
‫ضو َ‬ ‫َ َ‬
‫عنْدَ‬
‫م ِ‬ ‫صوَاتَهُ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ن يَغُ ُّ َ‬ ‫ن َال ّذِي َ‬ ‫وأرشد إليه ورغب فيه فقال {إ ِ ّ‬
‫َّ ُ َ َ َ‬
‫م لِلتَّقْوَى} أي أخلصها‬ ‫ه قُلُوبَهُ ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مت َ َ‬‫نا ْ‬ ‫ك ال ّذِي َ‬ ‫ل اللهِ أولئ ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫َر ُ‬
‫م} [‪.]165‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جٌر عَظِي ٌ‬ ‫مغْفَِرة ٌ وَأ ْ‬ ‫م َ‬ ‫لها وجعلها أهل ومحل {لهُ ْ‬
‫وجاء في الكشاف عند تفسير هذه اليات قوله‪" :‬أعاد النداء‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م فَوْقَ‬ ‫صوَاتَك ُ ْ‬‫منُوا ل تَْرفَعُوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫عليهم‪ -‬أي في قوله {يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫ي} استدعاء منهم لتجديد الستبصار عند كل خطاب‬ ‫ت النَّب ِ ِ ّ‬ ‫صو ِ‬‫َ ْ‬
‫وارد‪ ،‬وتطرية النصات لكل حكم نازل‪ ،‬وتحريك هممهم لئل‬
‫يفتروا ويغفلوا عن تأملهم وما أخذوا به عند حضور مجلس‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدب الذي المحافظة عليه‬
‫تعود عليهم بعظيم الجدوى في دينهم‪.‬‬
‫وذلك لن في إعظام صاحب الشرع إعظام ما ورد به‪،‬‬
‫ومستعظم الحق ليدعه استعظامه أن يألو عمل بما يحدوه عليه‪،‬‬
‫وارتداعا بما يصده عنه‪ ،‬وانتهاء إلى كل خير‪.‬‬
‫َ‬
‫ي} أنه إذا‬ ‫ت النَّب ِ ّ‬ ‫صو ِ‬‫م فَوْقَ َ ْ‬ ‫صوَاتَك ُ ْ‬ ‫والمراد بقوله‪{ :‬ل تَْرفَعُوا أ ْ‬
‫نطق ونطقتم فعليكم أن ل تبلغوا بأصواتكم وراء الحد الذي يبلغه‬
‫بصوته وأن تغضوا منها بحيث يكون كلمه عاليا لكلمكم‪ ،‬وجهره‬
‫باهرا لجهركم‪ ،‬حتى تكون ميزته عليكم لئحة‪ ،‬وسابقته واضحة‪،‬‬
‫وامتيازه عن جمهوركم كشية البلق غير خاف‪ ،‬ل أن تغمروا‬
‫صوته بلغطكم‪ ،‬وتبهروا منطقه بصخبكم‪.‬‬
‫ل} أنكم إذا كلمتموه وهو صامت‬ ‫ه بِالْقَوْ ِ‬ ‫جهَُروا ل َ ُ‬ ‫وبقوله {وَل ت َ ْ‬
‫فإياكم والعدول عما نهيتم عنه من رفع الصوت‪ ،‬بل عليهم أن ل‬
‫تبلغوا به الجهر الدائر بينكم‪ ،‬وأن تتعمدوا في مخاطبته القول‬
‫البين المقرب من الهمس الذي ل يضاهي الجهر‪ ،‬كما تكون‬
‫ه‬
‫{وتُعَّزُِرو ُ‬ ‫مخاطبة المهيب المعظم‪ ،‬عاملين بقوله عز شأنه َ‬
‫وَتُوَقُِّروهُ} وليس الغرض من رفع الصوت ول الجهر ما يقصد به‬
‫الستخفاف والستهانة‪ ،‬لن ذلك كفر‪ ،‬والمخاطبون مؤمنون وإنما‬
‫الغرض صوت هو في نفسه والمسموع من جرسه غير مناسب‬
‫لما يهاب به العظماء‪ ،‬ويوقر الكبراء‪ ،‬فيتكلف الغض منه‪ ،‬ورده‬
‫إلى حد يميل به إلى ما يستبين فيه المأمور به من التعزير‬
‫والتوقير‪.‬‬
‫ولم يتناول النهي أيضا رفع الصوت الذي ل يتأتى به رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم وهو ما كان منهم في حرب‪ ،‬أو مجادلة‬
‫معاند‪ ،‬أو إرهاب عدو أو ما أشبهه‪ ،‬فلم ينهوا عن الجهر مطلقا‬
‫حتى ل يسوغ لهم أن يكلموه إل بالهمس والمخافتة‪ ،‬وإنما نهوا‬
‫عن جهر مقيد بصفة أعلى الجهر المنعوت بمماثلة ما قد اعتادوه‬
‫منه فيما بينهم‪ ،‬وهو الخلو عن مراعاة أبهة النبوة‪ ،‬وجللة‬
‫مقدارها‪ ،‬وانحطاط‬
‫سائر الرتب وإن جلت عن رتبتها" [‪]166‬‬
‫"ومن البداهة أن هذه اليات وأمثالها في تأديب المة وتعليمها‬
‫إنما جاءت بأسلوبها المعجز لتفخيم شأن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم وإظهار رفعة قدره المنيف‪ ،‬وسمو منزلته صلى الله عليه‬
‫وسلم فوق كل منزلة أحد من الخلق‪ ،‬وهي مسوقة في مواضعها‬
‫من القرآن الكريم لتعليم المة أفرادا وجماعات الدب الكمل مع‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما يتصل بمخاطبته والتحدث‬
‫إليه‪ ،‬والصغاء إلى حديثه‪ ،‬ومجالسته حتى يستشعر المؤمن بقلبه‬
‫وروحه وكافة إحساساته ومشاعره ما أوجبه الله تعالى من‬
‫توقيره صلى الله عليه وسلم توقيرا يجلي رفيع قدره‪ ،‬وعظيم‬
‫مقامه‪ ،‬ويظهر تشريف الله تعالى له بما ميزه به على سائر‬
‫الخلق‪ ،‬وقد اتفق أهل العلم من أئمة أعلم المة على أن حرمته‬
‫صلى الله عليه وسلم بعد وفاته كحرمته في حياته" [‪.]167‬‬
‫ثالثا‪ :‬أن الله تبارك وتعالى ذم الذين ينادونه من وراء الحجرات‬
‫َ‬
‫ن} ثم أرشد تعالى إلى‬ ‫م ل يَعْقِلُو َ‬
‫وهي بيوت نسائه فقال {أكْثَُرهُ ْ‬
‫َ‬
‫م لَكَا َ‬
‫ن‬ ‫ج إِلَيْهِ ْ‬ ‫حتَّى ت َ ْ‬
‫خُر َ‬ ‫صبَُروا َ‬
‫م َ‬ ‫الدب في ذلك فقال {وَلَوْ أنَّهُ ْ‬
‫م } أي لكان لهم في ذلك الخيرة والمصلحة في الدنيا‬ ‫خيْرا ً لَهُ ْ‬
‫َ‬
‫والخرة [‪ ]168‬فكره إليهم النداء على هذه الصفة المنافية للدب‬
‫والتوقير اللئق بشخص النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ولكن لهم‬
‫ما يجب عليهم وهو الصبر والنتظار حتى يخرج إليهم وحبب إليهم‬
‫التوبة والنابة‪ ،‬ورغبهم في المغفرة والرحمة [‪.]169‬‬
‫قال الحليمي "في هذه الية يسلى الله نبيه صلى الله عليه‬
‫وسلم بما أخبره من أن الذين يصيحون خارج منزله ول يصبرون‬
‫حتى يخرج إليهم إنما حملهم على ذاك جهلهم وقلة عقلهم‬
‫وأكثرهم ل يهتدون إلى ما يلزمهم من تعظيمك في حال‬
‫مخاطبتك" [‪.]170‬‬
‫َ‬ ‫ن ِلَهْ‬
‫ن اْلعَْرا ِ‬
‫ب‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫حوْلَهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مدِينَةِ َو َ‬
‫َ‬
‫ل ال ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ما كَا َ‬ ‫وقال تعالى‪َ { :‬‬ ‫َ‬
‫‪-3‬‬
‫َ‬
‫سهِ} [‪]171‬‬ ‫ن ن َ ْف ِ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫سهِ ْ‬‫ل الل ّهِ وَل يَْرغَبُوا بِأنْفُ ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫خل ّفُوا ع َ ْ‬ ‫ن يَت َ َ‬ ‫أ ْ‬
‫قال الحليمي‪" :‬فأعلمهم أن نفس الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫أكرم وأشرف وأزكى وأجمل من أنفسهم‪ ،‬فل يسعهم من ذلك‬
‫أن يصرفوا أنفسهم عمال يصرف نفسه عنه فيتخلفوا عنه إذا‬
‫خرج لجهاد أعداء الله معتذرين من شدة حر‪ ،‬أو طول طريق‪ ،‬أو‬
‫عوز ماء‪ ،‬أو قلة زاد‪ ،‬بل يلزمهم متابعته ومشايعته على أي حال‬
‫رضيها لنفسه‪ ،‬وفي هذا أعظم البيان لمن عقل‪ ،‬وأبين الدللة‬
‫على وجوب تعظيمه وإجلله وتوقيره [‪.]172‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ي إ ِل أ ْ‬ ‫ت الن ّب ِ ِ ّ‬ ‫خلُوا بُيُو َ‬ ‫منُوا ل تَد ْ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫‪ -4‬وقال تعالى‪{ :‬يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫خلُوا‬ ‫م فَاد ْ ُ‬ ‫عيت ُ ْ‬‫ن إِذ َا د ُ ِ‬ ‫ن إِنَاه ُ وَلَك ِ ْ‬ ‫م إِلَى طَعَام ٍ غَيَْر نَاظِرِي ْ َ‬ ‫ن لَك ُ ْ‬ ‫يُؤْذ َ َ‬
‫ن يُؤْذِي‬ ‫م كَا َ‬ ‫ن ذَلِك ُ ْ‬ ‫ث إ ِ َّ‬ ‫حدِي ٍ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫سي َ‬ ‫ستَأن ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شُروا وَل َ ُ‬ ‫م فَانْت َ ِ‬ ‫مت ُ ْ‬ ‫فَإِذ َا طَعِ ْ‬
‫َ‬
‫موهُ َّ‬
‫ن‬ ‫سألْت ُ ُ‬ ‫ق وَإِذ َا َ‬ ‫ح ِّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫حيِي ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ه ل يَ ْ‬ ‫م وَالل ّ ُ‬ ‫منْك ُ ْ‬ ‫حيِي ِ‬ ‫ست َ ْ‬‫ي فَي َ ْ‬ ‫النَّب ِ َّ‬
‫ب} [‪.]173‬‬ ‫جا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ن وََراءِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سأَلوهُ َّ‬ ‫متَاعا ً فَا ْ‬ ‫َ‬
‫فنهاهم سبحانه وتعالى عن أن يعاملوا رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم بالتوسع في النبساط والسترسال كما يعامل من ل يهاب‬
‫ول يتقى‪ ،‬فيدخل بيته بغير إذنه إذا دعاهم إلى طعام لم ينضج‪،‬‬
‫وأحاطوا به منتظرين إدراكه وإذا حضر الطعام ودخلوا وطعموا‬
‫لزموا مجالسهم مستأنسين بالمحادثة‪ ،‬وأخبرهم أن ذلك منهي‬
‫عنه‪ ،‬إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم قد تأذى منه ويستحى‬
‫أن يكلمهم‪ ،‬كما أدبهم فيما ينبغي عليهم تجاه معاملتهم مع‬
‫أزواجه صلى الله عليه وسلم وهذا كله مما يدل على ماله صلى‬
‫الله عليه وسلم من التعظيم والحترام‪.‬‬
‫‪ -5‬وقد جاء بعد هذه اليات المر بالصلة والسلم عليه صلى الله‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫ن ع َلَى‬ ‫صل ّو َ‬ ‫ه يُ َ‬ ‫ملئِكَت َ ُ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫عليه وسلم حيث قال تعالى‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سلِيماً} [‪.]174‬‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ِّ ُ‬ ‫صل ّوا ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫منُوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ي يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬ ‫النَّب ِ ِ ّ‬
‫ووجه إيصال هذه الية بما قبلها هو أنه لما كان من الواجب على‬
‫المكلفين تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم برفع الذى عنه‬
‫وإظهار شرفه وكرامته فذكر الله تعالى القسم الول‪ -‬أي رفع‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫خلُوا بُيُو َ‬ ‫منُوا ل تَد ْ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫الذى‪ -‬في قوله تعالى‪{ :‬يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫ي} [‪ ]175‬إلى آخرها وذكر القسم الثاني‪ -‬أي إظهار شرفه‬ ‫النَّب ِ ِ ّ‬
‫وكرامته‪ -‬في هذه الية الثانية‪ ،‬وبدأ بالول لن دفع المفاسد أهم‪.‬‬
‫وأيضا لما أرشد الله تعالى المؤمنين إلى تعظيمه صلى الله عليه‬
‫وسلم بتعلم سلوك طريق الدب معه في أشياء كثيرة تتعلق‬
‫بحياته وموته إظهارا لشرفه وتعظيما له‪ ،‬عقبه بما يدل على أنه‬
‫تعالى أيضا معظم لشأنه أيضا‪ ،‬وكذلك ملئكته المقربون حملة‬
‫العرش وحفظته الذين ل يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما‬
‫يؤمرون‪.‬‬
‫وفيه بيان لمنقبة عظيمة له صلى الله عليه وسلم فإن الملك قد‬
‫يأمربإكرام شخص ول يكون عنده بمكان فأزيل هذا التوهم وبين‬
‫أنه أكرم الخلق على ربه تعالى‪.‬‬
‫وأيضا لما أرشد الله المؤمنين إلى الحال التي يجب أن يكونوا‬
‫عليها مع نبيه صلى الله عليه وسلم من التعظيم والتوقير‪ -‬ولهم‬
‫معه حالتان‪:‬‬
‫‪ -1‬حالة الخلوة‪ :‬والواجب هناك عدم إزعاجه‪ -‬بين ذلك بقوله‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ي} [‪.]176‬‬ ‫ت النَّب ِ ّ‬ ‫خلُوا بُيُو َ‬ ‫منُوا ل تَد ْ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫تعالى‪{ :‬يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫‪ -2‬وحالة المل‪ :‬والواجب هناك إظهار التعظيم‪ ،‬بين ذلك بقوله‬
‫ُ‬
‫سلِيماً} [‪.]177‬‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ِّ ُ‬ ‫صل ّوا ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫{ َ‬
‫وأيضا لما أمر الله سبحانه وتعالى بالستئذان في بيوته‪ ،‬وعدم‬
‫النظر إلى وجوه زوجاته‪ ،‬وغير ذلك من الداب إكراما وتبجيل‪،‬‬
‫ُ‬
‫صل ّوا ع َلَيْهِ}‪.‬‬ ‫كمل سبحانه بيان حرمته بقوله { َ‬
‫وأيضا لما بين الدب معه في حال الخلوة‪ ،‬وكان حاله في المل‬
‫نوعين‪ ،‬لنه يكون أعلى وأسفل‪ ،‬فبين أنه في العلى محترم في‬
‫غاية الحترام‪ ،‬ثم بين ما يجب على المل السفل من ذلك‬
‫ُ‬
‫سلِيماً} [‪]178‬‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫سل ِّ‬‫صل ّوا ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫التعظيم بقوله { َ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه فِي‬ ‫م الل ُ‬ ‫ه لَعَنَهُ ُ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬
‫َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ن يُؤْذ ُو َ‬ ‫ن ال ّذِي َ‬ ‫‪ -6‬وقال تعالى‪{ :‬إ ِ َّ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫منِي َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫ن يُؤْذ ُو َ‬ ‫مهِينا ً وَال ّذِي َ‬ ‫م عَذ َابا ً ُ‬ ‫خَرةِ وَأعَد َّ لَهُ ْ‬ ‫الدُّنْيَا وَاْل ِ‬
‫مبِيناً} [‪]179‬‬ ‫ملُوا بُهْتَانا ً وَإِثْما ً ُ‬ ‫حت َ َ‬ ‫سبُوا فَقَد ِ ا ْ‬ ‫ما اكْت َ َ‬ ‫ت بِغَيْرِ َ‬ ‫منَا ِ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫وَال ْ ُ‬
‫فالله تعالى من تعظيمه لنبيه صلى الله عليه وسلم حفظ له‬
‫كرامته وصان له حقه ففرق بين أذاه وأذى المؤمنين‪ ،‬فأوجب‬
‫على من آذى النبي صلى الله عليه وسلم اللعن والطرد من‬
‫رحمته وهذا حكم على من آذاه بالكفر وفي الخرة له العذاب‬
‫المهين ومصيره إلى جهنم وبئس المصير‪ .‬بينما حكم على من‬
‫آذى المؤمنين بالبهتان والثم والفرق يين الحكمين ناتج عن‬
‫الفرق بين حق النبي صلى الله عليه وسلم وحق غيره‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية في استدلله بهذه الية على وجوب‬
‫قتل من أذى النبي صلى الله عليه وسلم "ودللتها من وجوه‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أنه قرن أذاه بأذاه كما قرن طاعته بطاعته‪ ،‬فمن آذاه‬
‫فقد آذى الله تعالى‪ ،‬وقد جاء ذلك منصوصا عنه‪ ،‬ومن آذى الله‬
‫فهو كافر حلل الدم‪ .‬بين ذلك أن الله تعالى جعل محبة الله‬
‫ورسوله‪ ،‬وإرضاء الله ورسوله وطاعة الله ورسوله شيئا واحدا‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م وَأْزوَا ُ‬ ‫خوَانُك ُ ْ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫م وَأبْنَاؤ ُك ُ ْ‬ ‫ن آبَاؤ ُك ُ ْ‬ ‫ن كَا َ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫فقال تعالى‪{ :‬قُ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ساك ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫سادَهَا وَ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫شوْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫جاَرة ٌ ت َ ْ‬ ‫موهَا وَت ِ َ‬ ‫ل اقْتََرفْت ُ ُ‬ ‫موَا ٌ‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫شيَرتُك ُ ْ‬ ‫وَع َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه} [‪ ]180‬وقال تعالى‪:‬‬ ‫سول ِ ِ‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ب إِلَيْك ُ ْ‬ ‫ح َّ‬ ‫ضونَهَا أ َ‬ ‫تَْر َ ْ‬
‫َ‬ ‫{وأ َ‬
‫ل} [‪ ]181‬في مواضع متعددة‪ ،‬وقال تعالى‪:‬‬ ‫سو َ‬ ‫ه وَالَّر ُ‬ ‫طِيعُوا الل ّ َ‬ ‫َ َّ‬
‫ضوهُ} [‪ ]182‬فوحد الضمير‪ ،‬وفي ذلك‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن يُْر ُ‬ ‫حقّ أ ْ‬ ‫هأ َ‬ ‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫{وَالل ُ‬
‫إشارة إلى أن إرضاء الله إرضاء للرسول وإرضاء الرسول فيه‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ه} [‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ما يُبَايِعُو َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك إِن َّ‬ ‫ن يُبَايِعُون َ َ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ّذِي‬ ‫إرضاء لله‪ ،‬وقال أيضا {إ ِ ّ‬
‫سول}‬ ‫ل لِل ّهِ وَالَّر ُ‬
‫َ‬
‫ل النْفَا ُ‬ ‫ل قُ ِ‬
‫َ‬
‫ن النْفَا ِ‬ ‫ك عَ ِ‬ ‫سأَلون َ َ‬ ‫‪ ]183‬وقال أيضا‪{ :‬ي َ ْ‬
‫[‪]184‬‬
‫وجعل شقاق الله ورسوله ومحادة الله ورسوله وأذى الله‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ك بِأنَّهُ ْ‬ ‫ورسوله ومعصية الله ورسوله شيئا واحدا‪ ،‬فقال‪{ :‬ذَل ِ َ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫ه} [‪ ]185‬وقال‪{ :‬إ ِ َّ‬
‫ن‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ق الل ّ َ‬ ‫ِ‬ ‫شاقِ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫َ‬ ‫شاقُّوا الل‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫موا أن َّ ُ‬
‫ه‬ ‫مَ يَعْل َ ُ‬ ‫ه} [‪ ]186‬وقال تعالى‪{ :‬أل َ ْ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫حادُّو َ‬
‫َّ‬
‫ن يُ َ‬ ‫َ‬ ‫ال ّذِي‬
‫ه}‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ص الل ّ َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫{و‬ ‫وقال‪:‬‬ ‫]‬ ‫‪187‬‬ ‫[‬ ‫ه}‬ ‫ُ‬ ‫سول َ‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫حادِد ِ الل‬ ‫ن يُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫[‪.]188‬‬
‫وفي هذا وغيره بيان لتلزم الحقين‪ ،‬وأن جهة حرمة الله تعالى‬
‫ورسوله جهة واحدة‪ ،‬فمن آذى الرسول فقد آذى الله‪ ،‬ومن‬
‫أطاعه فقد أطاع الله‪ ،‬لن المة ل يصلون ما بينهم ويين ربهم إل‬
‫بواسطة الرسول‪ ،‬ليس لحد منهم طريق غيره‪ ،‬ول سبب سواه‬
‫وقد أقامه الله مقام نفسه في أمره ونهيه وإخباره وبيانه‪ ،‬فل‬
‫يجوز أن يفرق بين الله ورسوله في شيء من هذه المور‪.‬‬
‫وثانيها‪ :‬أنه فرق بين أذى الله ورسوله وبين أذى المؤمنين‬
‫والمؤمنات‪ ،‬فجعل على هذا أنه قد احتمل بهتانا وإثما مبينا وجعل‬
‫على ذلك اللعنة في الدنيا والخرة وأعد له العذاب المهين‪،‬‬
‫ومعلوم أن أذى المؤمنين قد يكون من كبائر الثم وفيه الجلد‪،‬‬
‫وليس فوق ذلك إل الكفر والقتل‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أنه ذكر أنه لعنهم في الدنيا والخرة وأعد لهم عذابا‬
‫مهينا‪ ،‬واللعن‪ :‬البعاد عن الرحمة‪ ،‬ومن طرده عن رحمته في‬
‫الدنيا والخرة ل يكون إل كافرا فإن المؤمن يقرب إليها بعض‬
‫الوقات ول يكون مباح الدم‪ ،‬لن حقن الدم رحمة عظيمة من‬
‫الله‪ ،‬فل تثبت في حقه‪]189[ "...‬‬
‫ومما يوضح ذلك أن سب النبي صلى الله عليه وسلم قد تعلق به‬
‫عدة حقوق‪:‬‬
‫أ‪ -‬حق الله سبحانه من حيث كفر برسوله وعادى أفضل أوليائه‬
‫وبارزه بالمحاربة ومن حيث طعن في كتابه ودينه‪ ،‬فإن صحتهما‬
‫موقوفة على صحة الرسالة‪ ،‬ومن حيث طعن في ألوهيته‪ ،‬فإن‬
‫سل‪ ،‬وتكذيبه تكذيب لله تبارك‬ ‫الطعن في الرسول طعن في المر ِ‬
‫وتعالى وإنكار لكلمه وأمره وخبره وكثير من صفاته‪.‬‬
‫ب‪ -‬وتعلق به حق جميع المؤمنين من هذه المة ومن غيرها من‬
‫الم‪ ،‬فإن جميع المؤمنين مؤمنون به خصوصا أمته فإن قيام أمر‬
‫دنياهم ودينهم وآخرتهم به بل عامة الخير الذي يصيبهم في الدنيا‬
‫والخرة بوساطته وسفارته‪ ،‬فالسب له أعظم عندهم من سب‬
‫أنفسهم وآبائهم وأبنائهم وسب جميعهم‪ ،‬كما أنه أحب إليهم من‬
‫أنفسهم وأولدهم وآبائهم والناس أجمعين‪.‬‬
‫ج‪ -‬وتعلق به حق رسول الله كلها من حيث خصوص نفسه فإن‬
‫النسان تؤذيه الوقيعة في عرضه أكثر مما يؤذيه أخذ ماله‪ ،‬وأكثر‬
‫مما يؤذيه الضرب‪ ،‬بل ربما كانت عنده أعظم من الجرح ونحوه‪،‬‬
‫خصوصا من يجب عليه أن يظهر للناس كمال عرضه وعلو قدره‬
‫لينتفعوا بذلك في الدنيا والخرة [‪.]190‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫عنَا وَقُولُوا انْظُْرنَا‬ ‫منُوا ل تَقُولُوا َرا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫‪ -7‬وقال تعالى‪{ :‬يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫َ‬
‫م} [‪.]191‬‬ ‫ب ألِي ٌ‬ ‫ن عَذ َا ٌ‬ ‫م ُعوا وَلِلْكَافِرِي َ‬ ‫س َ‬‫وَا ْ‬
‫قال بعض المفسرين‪ :‬هي لغة كانت في النصار‪ ،‬نهوا عن قولها‬
‫ما للنبي صلى الله عليه وسلم وتبجيل له‪ ،‬لن معناها ارعنا‬ ‫تعظي ً‬
‫نرعك‪ ،‬فنهوا عن قولها‪ ،‬إذ مقتضاها كأنهم ل يرعونه إل برعايته‬
‫لهم‪ ،‬بل حقه أن يرعى على كل حال‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬كانت اليهود تعرض بها للنبي صلى الله عليه وسلم‬
‫بالرعونة [‪ ]192‬فنهي المسلمون عن قولها قطعا للذريعة‪ ،‬ومنعا‬
‫للتشبه بهم في قولها لمشاركة اللفظة وقيل غير هذا [‪]193‬‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫‪ -8‬وقال تعالى‪{ :‬وما كَان لَك ُ َ‬
‫حوا‬ ‫ل الل ّهِ وَل أ ْ‬
‫ن تَنْك ِ ُ‬ ‫ن تُؤْذ ُوا َر ُ‬
‫سو‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ً‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عنْد َ اللهِ عَظِيما} [‪.]194‬‬ ‫ن ِ‬ ‫م كا َ‬ ‫ن ذَلِك ْ‬ ‫ن بَعْدِهِ أبَدا إ ِ ّ‬ ‫م ْ‬
‫ه ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫أْزوَا َ‬
‫ففي هذه الية حرم الله على المة أن تنكح أزواجه من بعده لن‬
‫ذلك يؤذيه وجعله عظيما عند الله تعظيما لحرمته صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فحرم تعالى على المة ما هو مباح أن يعامل به بعضهم‬
‫بعضا‪ ،‬وذلك تمييزا لنبيه صلى الله عليه وسلم وتعظيما لشأنه‪.‬‬
‫وقد ذكر أن هذه الية نزلت لما قال بعض الناس‪ :‬لو قد توفي‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجت عائشة [‪.]195‬‬
‫ولو أن أحدا أقدم على هذا المر فنكح أزواجه أو سراريه لكانت‬
‫عقوبته في الشرع هي القتل جزاء له بما انتهك من حرمته‬
‫والدليل على ذلك ما رواه مسلم بسنده عن أنسى بن مالك‬
‫رضي الله عنه "أن رجل كان يتهم بأم ولد رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي اذهب‬
‫فاضرب عنقه فأتاه علي فإذا هو في ركي [‪ ]196‬يتبرد فيها‪ ،‬فقال‬
‫له علي أخرج فناوله يده فأخرجه فإذا هو مجبوب ليس له ذكر‬
‫فكف علي عنه‪ ،‬ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬يا‬
‫رسول الله إنه لمجبوب ما له ذكر" [‪]197‬‬
‫قال ابن تيمية رحمه الله‪" :‬فهذا الرجل أمر النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم بضرب عنقه لما قد استحل من حرمته‪ ،‬ولم يأمر بإقامة‬
‫حد الزنا‪ ،‬لن إقامة حد الزنا ليس هو ضرب الرقبة‪ ،‬بل إن كان‬
‫محصنا رجم‪ ،‬وان كان غير محصن جلد‪ ،‬ول يقام عليه الحد إل‬
‫بأربعة شهداء أو بالقرار المعتبر‪ ،‬فلما أمر النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم بضرب عنقه من غير تفصيل بين أن يكون محصنا أو غير‬
‫محصن علم أن قتله لما انتهكه من حرمته‪ ...‬فلما تبين أنه كان‬
‫مجبوبا علم أن المفسدة مأمونة منه‪ ]198[ "...‬وبالضافة إلى ما‬
‫تقدم‪ ،‬فقد أوجب الله على المة احترام أزواج النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم وجعلهن أمهات في التحريم والحترام [‪.]199‬‬
‫َ‬ ‫ي أَولَى بال ْمؤ ْمنِين م َ‬
‫ه‬
‫ج ُ‬‫م وَأْزوَا ُ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ن أنْفُ ِ‬ ‫ِ ُ ِ َ ِ ْ‬ ‫فقال تعالى‪{ :‬النَّب ِ ُّ ْ‬
‫م} [‪ ]200‬ففي هذه الية رفع الله مقام أزواج النبي صلى‬ ‫مهَاتُهُ ْ‬ ‫أ ُ َّ‬
‫الله عليه وسلم وبوأهن منزلة عالية‪ ،‬وهي منزلة المومة لجميع‬
‫المؤمنين‪ ،‬وفي ذلك من الحرمة والحترام والتوقير والكرام‬
‫والعظام ما يوجب على كل مسلم أن يحفظ لهن هذا الحق‬
‫ويؤديه على الوجه المطلوب منه شرعا‪.‬‬
‫وهذه المنزلة لمهات المؤمنين هي من التشريف والتعظيم الذي‬
‫أعطاه الله للنبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫سولِهِ وَإِذ َا‬ ‫منُوا بِاللهِ وََر ُ‬ ‫َ‬ ‫نآ‬‫َ‬ ‫ن ال ّذِي‬ ‫منُو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ما ال ْ‬ ‫َ‬ ‫‪ -9‬وقال تعالى‪{ :‬إِن َّ‬
‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫كَانوا معه ع َلَى أ َ‬
‫ن ْال ّذِي َ‬
‫ن‬ ‫ستَأذِنُوه ُ إ ِ ّ‬ ‫حتَّى ي َ ْ‬ ‫م يَذْهَبُوا َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫مع ل َ‬
‫ٍ‬ ‫جا ِ‬ ‫مرٍ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ُ‬
‫ْ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫ك‬‫ستَأذ َنُو َ‬ ‫سولِهِ فَإِذ َا ا ْ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن بِالل ّ ِ‬ ‫منُو َ‬ ‫ن يُؤ ْ ِ‬ ‫ك ال ّذِي َ‬ ‫ك أولَئ ِ َ‬ ‫ستَأذِنُون َ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫َ َّ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن الل َ‬
‫ه‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫م الل َ‬ ‫ستَغْفِْر لَهُ ُ‬ ‫م وَا ْ‬ ‫منْهُ ْ‬‫ت ِ‬ ‫شئ ْ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫م فَأذ َ ْ‬ ‫شأنِهِ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫لِبَعْ ِ‬
‫م بَعْضا ً قَدْ‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫م كَدُع َاءِ بَعْ ِ‬ ‫ل بَيْنَك ُ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫جعَلُوا دُع َاءَ الَّر ُ‬ ‫م ل تَ ْ‬ ‫حي ٌ‬ ‫غَفُوٌر َر ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ن عَ ْ‬ ‫خالِفُو َ‬ ‫ن يُ َ‬‫حذ َرِ الذِي َ‬ ‫م لِوَاذا ً فَلْي َ ْ‬ ‫منْك ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سل ّلُو َ‬ ‫ن يَت َ َ‬ ‫ه ال ّذِي َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫يَعْل َ ُ‬
‫م} [‪.]201‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب ألِي ٌ‬ ‫م عَذ َا ٌ‬ ‫صيبَهُ ْ‬ ‫ة أوْ ي ُ ِ‬ ‫م فِتْن َ ٌ‬ ‫صيبَهُ ْ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫مرِهِ أ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫ففي هاتين اليتين الكريمتين منهج تعظيم قدر النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وبيان ما ينبغي أن يكون عليه حال المؤمنين في‬
‫جميع أمورهم التي تربطهم به صلى الله عليه وسلم نبيا ورسول‪،‬‬
‫أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق‪ ،‬وخلع عليه جلبيب حرصه‬
‫عليهم‪ ،‬وعزة عنتهم عليه‪ ،‬وخصه باسمين من أسمائه الحسنى‪،‬‬
‫فجعله رؤوفا رحيما بالمؤمنين‪ ،‬وهذا تعظيم لم يكن قط لغيره‬
‫صلى الله عليه وسلم لنه تعظيم يرتبط بأصل اليمان برسالته‬
‫وهدايته‪.‬‬
‫وجاء في الكشاف عند تفسير هذه اليات‪" :‬أراد الله عز وجل أن‬
‫يريهم عظيم الجناية في ذهاب الذاهب عن مجلس رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم بغير إذنه‪ ،‬إذا كانوا معه على أمر جامع‬
‫فجعل ترك ذهابهم حتى يستأذنوه ثالث اليمان بالله واليمان‬
‫برسوله مع تصدير الجملة بإنما وإيقاع المؤمنين مبتدأ مخبرا عنه‬
‫بموصول أحاطت صلته بذكر اليمانين‪ ،‬ثم عقبه بما يزيده توكيدا‬
‫َ َ‬
‫ن ال ّذِي َ‬
‫ن‬ ‫وتشديدا حيث أعاده على أسلوب آخر وهو قوله {إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ ُ َ َ َ‬ ‫ْ‬
‫سولِهِ} [‪ ]202‬وضمنه شيئا‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن بِالل ّ ِ‬
‫منُو َ‬‫ن يُؤ ْ ِ‬ ‫ك ال ّذِي َ‬ ‫ستَأذِنُون َك أولئ ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫آخر‪ ،‬وهو أنه جعل الستئذان كالمصدق بصحة اليمان وعرض‬
‫بالمنافقين وتسللهم لواذا" [‪.]203‬‬
‫وبهذه النصوص يتبين للمسلم أن حقوق رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم أجل وأعظم وأكرم وألزم لنا وأوجب علينا من حقوق‬
‫السادات على مماليكهم والباء على أولدهم لن الله تعالى‬
‫أنقذنا به من النار في الخرة‪ ،‬وعصم به لنا أرواحنا وأبداننا‬
‫وأعراضنا وأموالنا وأهلينا وأولدنا في العاجلة‪ ،‬فهدانا به لمر إذا‬
‫أطعناه فيه أدانا إلى جنات النعيم‪ ،‬فأية نعمة توازي هذه النعم‬
‫وأية منة تداني هذه المنن‪ .‬ثم إنه جل ثناؤه ألزمنا طاعته وتوعدنا‬
‫على معصيته بالنار‪ ،‬ووعدنا باتباعه الجنة فأي رتبة تضاهي هذه‬
‫الرتبة‪ ،‬وأي درجة تساوي في العل هذه الدرجة‪.‬‬
‫فحق علينا إذا أن نحبه ونجله ونعظمه ونهابه‪ ،‬فبهذا نكون من‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صُروه ُ وَاتَّبَعُوا النُّوَر ال ّذِي‬ ‫منُوا بِهِ وَعََّزُروه ُ َون َ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫المفلحين {فَال ّذِي َ‬
‫ن} [‪ ]204‬فالية بينت أن الفلح إنما‬ ‫حو َ‬ ‫مفْل ِ ُ‬‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬‫ه أُولَئ ِ َ‬
‫معَ ُ‬
‫ل َ‬ ‫أُنْزِ َ‬
‫يكون لمن جمع إلى اليمان به تعزيره ول خلف أن التعزير هنا‬
‫التعظيم [‪ ]205‬فلقد سجل الله في هذه الية الفلح بأسلوب‬
‫الحصر للذين تأدبوا بهذا الدب القرآني الرفيع‪.‬‬
‫وكما قال تعالى في النافة بمقامه الشرف‪ ،‬وبيان حقه على كل‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫منُوا بِالل ّهِ‬ ‫شرا ً وَنَذِيرا ً لِتُؤ ْ ِ‬ ‫شاهِدا ً وَ ُ‬
‫مب َ ّ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫سلْنَا َ‬ ‫مؤمن ومؤمنة {إِنَّا أْر َ‬
‫سولِهِ وَتُعَّزُِروه ُ وَتُوَقُِّروهُ} [‪.]206‬‬ ‫وََر ُ‬
‫وقد ذهب علماء السلف إلى أن الضمير في قوله جل شأنه‬
‫{وَتُعَّزُِروه ُ وَتُوَقُِّروهُ} راجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ومعناه‪ :‬تعظموا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفخموه في‬
‫أدب المخاطبة والتحدث إليه ومجالسته‪.‬‬
‫قال ابن تيمية‪" :‬فالتسبيح لله وحده‪ ،‬والتعزير والتوقير للرسول‪،‬‬
‫واليمان بالله ورسوله" [‪.]207‬‬
‫فهذه اليات وغيرها نزلت لتبين مقام شرف رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم وعظيم منزلته عند ربه‪ ،‬مما يوجب على‬
‫المؤمنين برسالته أن يكونوا في مخاطباتهم معه على سنن‬
‫الجلل والتعظيم‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬تعظيم الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم في‬
‫حياته‬
‫من المعلوم المتقرر أن الصحابة رضوان الله عليهم هم أعرف‬
‫المة بالنبي صلى الله عليه وسلم ولذلك فقد كانوا بقدره‬
‫ومنزلته أعلم وأعرف من غيرهم‪.‬‬
‫وبناء على هذا العلم وهذه المعرفة‪ ،‬فقد كان تعظيمهم وتوقيرهم‬
‫للنبي صلى الله عليه وسلم أشد وأكبر من غيرهم‪.‬‬
‫وقد أوردت كتب السنة والتفسير وغيرها صورا متعددة من ذلك‬
‫التعظيم والتوقير الذي كان يفعله الصحابة رضوان الله عليهم مع‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ومن أبلغ ما قيل في وصف هذا التعظيم ما قاله عروة بن‬
‫مسعود [‪ ]208‬حين وجهته قريش إلى رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬ورأى من تعظيم أصحابه له ما رأى‪ ،‬وأنه ل يتوضأ إل‬
‫ابتدروا وضوءه‪ ،‬وكادوا يقتتلون عليه‪ ،‬ول يبصق بصاقا‪ ،‬ول ينتخم‬
‫نخامة إل تلقوها بأكفهم فدلكوا بها وجوههم وأجسادهم‪ ،‬ول‬
‫تسقط منه شعرة إل ابتدروها‪ ،‬وإذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره وإذا‬
‫تكلم خفضوا أصواتهم عنده‪ ،‬وما يحدون إليه النظر تعظيما له‪.‬‬
‫فلما رجع إلى قريش قال‪ :‬أي قوم‪ ،‬والله لقد وفدت على‬
‫الملوك‪ ،‬ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي‪ ،‬والله إن رأيت‬
‫مليكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم محمدا‪ ،‬والله إن انتخم نخامة إل وقعت في كف رجل‬
‫منهم فدلك بها وجهه وجلده‪ ،‬وإذا أمرهم ابتدروا أمره‪ ،‬وإذا توضأ‬
‫كادوا يقتتلون على وضوئه‪ ،‬وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده‬
‫وما يحدون إليه النظر تعظيما له‪]209[ "...‬‬
‫فهذه صورة لما كان عليه حال الصحابة وما كان من شأنهم في‬
‫تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره ومراعاة أموره‬
‫والتبرك بآثاره‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صوَاتَك ُ ْ‬
‫م‬ ‫منُوا ل تَْرفَعُوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ولما نزل قوله تعالى‪{ :‬يَا أي ُّ َها ال ّذِي َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ضأ ْ‬ ‫م لِبَعْ ٍ‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫ل كَ َ‬
‫جهْرِ بَعْ ِ‬ ‫ه بِالْقَوْ ِ‬ ‫جهَُروا ل َ ُ‬‫ي وَل ت َ ْ‬ ‫ت النَّب ِ ِ ّ‬ ‫صوْ ِ‬ ‫فَوْقَ َ‬
‫َ‬ ‫تحب َ َ‬
‫ن} [‪.]210‬‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫م ل تَ ْ‬ ‫م وَأنْت ُ ْ‬ ‫مالُك ُ ْ‬
‫ط أع ْ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ما كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسمع رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم حتى يستفهمه [‪ ]211‬وقال البيهقي‪ :‬إن هذه الية‬
‫"نزلت في ثابت بن قيس بن شماس النصاري كان إذا جالس‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم يرفع صوته إذا تكلم‪ ،‬فلما نزلت هذه‬
‫الية انطلق مهموما حزينا فمكث في بيته أياما مخافة أن يكون‬
‫قد حبط عمله‪.‬‬
‫وكان سعد بن عبادة [‪ ]212‬جاره‪ ،‬فانطلق حتى أتى النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم فأخبره بذلك فقال له النبي صلى الله عليه‬
‫ن بهذه الية ولست‬ ‫وسلم "اذهب فأخبر ثابت بن قيس أنك لم تُعْ َ‬
‫من أهل النار بل أنت من أهل الجنة فاخرج إلينا فتعاهدنا "ففرح‬
‫ثابت بذلك ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فلما أبصره النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬مرحبا برجل يزعم أنه من أهل النار‬
‫بل غيرك من أهل النار وأنت من أهل الجنة‪ .‬فكان بعد ذلك إذا‬
‫جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخفض صوته حتى ما يكاد‬
‫ضو َ‬ ‫َ َ‬
‫عنْدَ‬‫م ِ‬ ‫صوَاتَهُ ْ‬
‫نأ ْ‬‫ن يَغُ ُّ َ‬ ‫ن َال ّذِي َ‬
‫أن يسمع الذي يليه فنزلت‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫َّ ُ َ َ َ‬
‫فَرةٌ‬‫مغْ ِ‬‫م َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م لِلت ّقْوَى لهُ ْ‬ ‫ُ‬
‫ه قُلوبَهُ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫ح َ‬
‫مت َ َ‬
‫نا ْ‬ ‫ك ال ّذِي َ‬ ‫ل اللهِ أولئ ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫َر ُ‬
‫م} [‪ ]213‬فقتل يوم اليمامة" [‪.]214‬‬ ‫َ‬
‫جٌر عَظِي ٌ‬ ‫وَأ ْ‬
‫وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬لما نزلت {ل تَْرفَعُوا‬
‫َ‬
‫ي} قال أبو بكر رضي الله عنه ل أكلت‬ ‫ت النَّب ِ ّ‬‫صوْ ِ‬‫م فَوْقَ َ‬ ‫صوَاتَك ُ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫إل كأخي السرار حتى ألقي الله عز وجل" [‪.]215‬‬
‫وعن أسامة بن شريك [‪ ]216‬رضي الله عنه قال‪" :‬أتيت رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كأنما على رؤوسهم الطير‬
‫" الحديث [‪.]217‬‬
‫وعن البراء بن عازب [‪ )6( ]218‬رضي الله عنهما قال‪" :‬خرجنا مع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله كأن على رؤوسنا‬
‫الطير‪ "...‬الحديث [‪.]219‬‬
‫وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قام على المنبر فقال‪" :‬إنما أخشى عليكم من بعدي‬
‫ما يفتح عليكم من بركات الرض" ثم ذكر زهرة الدنيا فبدأ‬
‫إحداهما وثنى بالخرى‪ ،‬فقام رجل فقال‪ :‬يا رسول الله أو يأتي‬
‫الخير بالشر؟ فسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬قلنا‬
‫يوحى إليه‪ ،‬وسكت الناس كأن على رؤوسهم الطير " الحديث [‬
‫‪.]220‬‬
‫فالشاهد من الثار الثلثة المتقدمة قولهم "كأن على رؤوسهم‬
‫الطير" فهذه العبارة هي كناية عن التعظيم الذي كانوا يظهرونه‬
‫في مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم توقيرا وإجلل له‬
‫صلوات الله وسلمه عليه‪ ،‬فلم يكن من عادة الصحابة رضوان‬
‫الله عليهم أن يتجادلوا في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم أو‬
‫يعلوا أصواتهم بنقاش أو حوار بل يعطون لهذا المجلس حقه من‬
‫التشريف والحترام وعن بريدة بن الحصيب [‪ ]221‬رضي الله عنه‬
‫قال‪" :‬كنا إذا قعدنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لم‬
‫نرفع رؤوسنا إليه إعظاما له" [‪]222‬‬
‫وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال‪" :‬وما كان أحد أحب‬
‫إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ول أجل في عيني منه‬
‫وما كنت أطيق أن أمل عيني منة إجلل له‪ ،‬ولو سئلت أن أصفه‬
‫ما أطقت لني لم أكن أمل عيني منه" [‪.]223‬‬
‫وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله ل كان يخرج على‬
‫أصحابه من المهاجرين والنصار وهم جلوس فيهم أبو بكر وعمر‬
‫فل يرفع إليه أحد منهم بصره إل أبو بكر وعمر فإنهما كانا‬
‫ينظران إليه وينظر إليهما ويبتسمان إليه ويبتسم إليهما" [‪.]224‬‬
‫وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال‪ :‬قام رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل‪ ،‬قال‪ :‬فقمت وتوضأت‬
‫أصلي خلفه فأخذ بيده فجعلني حذاءه فخنست [‪ ]225‬فقمت خلفه‬
‫فأخذ بيدي فجعلني حذاءه فخنست فقمت خلفه‪ ،‬فانصرف‬
‫رسول الله فقال‪ " :‬مالي كلما جعلتك حذائي خنست؟"‪.‬‬

‫قال‪ :‬فقلت له‪ :‬ل ينبغي لحد أن يصلي حذاءك وأنت رسول الله‪.‬‬
‫قال‪ :‬فدعا الله أن يزيدني فهما وعلما" [‪.]226‬‬
‫وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال‪" :‬إن أبواب النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم كانت تقرع بالظافير" [‪.]227‬‬
‫وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال‪" :‬كان أصحاب رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ليقرعون بابه بالظافير" [‪.]228‬‬
‫وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪" :‬كان رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم يجلس معنا في المسجد يحدثنا فإذا قام‪ ،‬قمنا حتى‬
‫نراه‪ ،‬وقد دخل بعض بيوت أزواجه‪ "...‬الحديث [‪.]229‬‬
‫وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال‪" :‬لما كان يوم بدر‬
‫فذكر الحديث في السارى وذكر قول عمر في قتلهم فقال ابن‬
‫مسعود قلت‪ :‬يارسول الله إل سهل بن بيضاء [‪ ]230‬فإني سمعته‬
‫يذكر السلم فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فما‬
‫رأيتني في يوم بدر أخوف أن تقع علي حجارة من السماء مني‬
‫في ذلك اليوم حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسل إل‬
‫سهل بن بيضاء" [‪.]231‬‬
‫وعن أبي رمثة [‪ ]232‬قال‪ :‬قدمت المدينة ولم أكن رأيت رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم فخرج وعليه ثوبان أخضران فقلت‬
‫لبني هذا والله رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل ابني‬
‫يرتعد هيبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم" [‪.]233‬‬
‫وعن أبي جري جابر بن سليم [‪ ]234‬قال‪" :‬رأيت رجل يصدر‬
‫الناس عن رأيه ل يقول شيئا إل صدروا عنه‪ ،‬قلت‪ :‬من هذا؟‬
‫قالوا‪ :‬هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم " الحديث [‪.]235‬‬
‫وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال‪" :‬لقد رأيت رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم والحلق يحلقه وأطاف به أصحابه فما‬
‫يريدون أن تقع شعرة إل في يد رجل" [‪.]236‬‬
‫وعن أنسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫لما حلق رأسه كان أبو طلحة [‪ ]237‬أول من أخذ من شعره" [‬
‫‪.]238‬‬
‫وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال‪" :‬كان رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم إذا صلى الغداة جاء خدم المدينة بآنيتهم فيها‬
‫الماء‪ ،‬فما يؤتى إناء إل غمس يده فيها فربما جاؤوه في الغداة‬
‫الباردة فيغمس يده فيها" [‪.]239‬‬
‫ولما بعثت قريش أبا سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ليشد في عقد صلح الحديبية ويزيد في المدة‪ ،‬فلما قدم‬
‫المدينة دخل على ابنته أم حبيبة‪ ،‬فلما ذهب ليجلس على فراش‬
‫رسول الله طوته‪ ،‬فقال‪ :‬يا بنية ما أدري أرغبت لي عن هذا‬
‫الفراش أم رغبت به عني؟‬
‫فقالت‪ :‬هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وأنت‬
‫مشرك نجس فلم أحب أن تجلس على فراشة‪ ]240[ "...‬فأكرمت‬
‫فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجل عليه رجل‬
‫مشرك‪.‬‬
‫ولما قدم أبو سفيان مكة بعد ذلك قالت له قريش ما وراءك هل‬
‫جئت بكتاب من محمد أو عهد؟ قال"‪ :‬ل والله قد أبي علي وقد‬
‫تتبعت أصحابه فما رأيت قوما لملك عليهم أطوع منهم له‪[ "...‬‬
‫‪."]241‬‬
‫ولما قال رأس المنافقين عبد الله بن أبي سلول [‪ ]242‬لئن رجعنا‬
‫إلى المدينة ليخرجن العز منها الذل‪ .‬قال رسول الله ل‪" :‬ادعوا‬
‫لي عبد الله بن أبي [‪ ]243‬فدعاه‪ ،‬فقال‪ :‬أل ترى ما يقول أبوك؟‬
‫قال‪ :‬وما يقول بأبي أنت وأمي؟‬
‫قال‪ :‬يقول لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن العز منها الذل‪.‬‬
‫فقال‪ :‬فقد صدق والله يا رسول الله‪ ،‬أنت والله العز وهو الذل‬
‫أما والله قد قدمت المدينة يا رسول الله‪ ،‬وإن أهل يثرب‬
‫ليعلمون ما بها أحد أبر مني‪ ،‬ولئن كان يرضي الله ورسوله أن‬
‫آتيهما برأسه لتينهما به‪.‬‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬ل"‪ .‬فلما قدموا‬
‫المدينة‪ ،‬قام عبد الله بن عبد الله ابن أبي على بابها بالسيف‬
‫لبيه‪ ،‬ثم قال‪ :‬أنت القائل لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن العز‬
‫منها الذل‪ ،‬أما والله لتعرفن العزة لك أو لرسول الله‪ ،‬والله ل‬
‫يأويك ظله‪ ،‬ول تأويه أبدا إل بإذن من الله ورسوله‪.‬‬
‫فقال‪ :‬يا للخزرج ابني يمنعني بيتي‪ ،‬يا للخزرج ابني يمنعني بيتى‬
‫فقال‪ :‬والله ل تأويه أبدا إل بإذن منه‪.‬‬
‫فاجتمع إليه رجال فكلموه‪ ،‬فقال‪ :‬والله ل يدخله إل يإذن من الله‬
‫ورسوله فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه‪ .‬فقال‪:‬‬
‫"اذهبوا إليه‪ ،‬فقولوا له خله ومسكنه‪ ،‬فأتوه فقال‪ :‬أما إذا جاء أمر‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم فنعم" [‪.]244‬‬
‫وفي رواية عند الترمذي‪" :‬فقال له ابنه عبد الله بن عبد الله‪:‬‬
‫والله ل تنفلت حتى تقر أنك الذليل ورسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم العزيز‪ ،‬ففعل" [‪.]245‬‬
‫وبعد‪ .‬فهذا غيض من فيض مما ورد في تعظيم الصحابة رضوان‬
‫الله عليهم للنبي صلى الله عليه وسلم في حياته‪ ،‬وفي الحقيقة‬
‫فإن كل مواقفهم تشهد لهم بتعظيمه واحترامه وتوقيره‪.‬‬
‫فلقد كانوا يعظمونه في ذاته فيتبركون بآثاره كفضل وضوئه‪،‬‬
‫والخذ من شعره‪ ،‬ودلك أجسامهم بنخامته‪ ،‬وغير ذلك مما أقرهم‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم [‪ ،]246‬وهذا خاص في حقه صلى الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫كما كانوا يعظمونه في سلوكهم وتصرفاتهم معه صلى الله عليه‬
‫وسلم فما كانوا ينادونه إل بـ" يا نبي الله‪ ،‬يا رسول الله" كما‬
‫كانوا يسارعون في إجابته ويعاجلون في طاعته‪ ،‬تحقيقا لقوله‬
‫م بَعْضاً}‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫م كَدُع َاءِ بَعْ ِ‬ ‫ل بَيْنَك ُ ْ‬‫سو ِ‬ ‫جعَلُوا دُع َاءَ الَّر ُ‬ ‫تعالى {ل ت َ ْ‬
‫وكان صلى الله عليه وسلم عندهم معززا موقرا مهابا ولم يكونوا‬
‫يعاملونه بالسترسال والمباسطة كما يعامل الكفاء بعضهم‬
‫بعضا‪ .‬وكانوا يخفضون أصواتهم عنده صلى الله عليه وسلم حتى‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما يكاد أحدهم يسمع الذي يليه امتثال لقوله تعالى‪{ :‬يَا أي ُّ َها ال ّذِي َ‬
‫ن‬
‫َ‬
‫ه بِالْقَوْ ِ‬
‫ل‬ ‫جهَُروا ل َ ُ‬ ‫ي وَل ت َ ْ‬ ‫ت النَّب ِ ِ ّ‬ ‫صوْ ِ‬ ‫م فَوْقَ َ‬ ‫صوَاتَك ُ ْ‬ ‫منُوا ل تَْرفَعُوا أ ْ‬ ‫آ َ‬
‫ض ‪ }...‬الية‪.‬‬ ‫م لِبَعْ ٍ‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫جهْرِ بَعْ ِ‬ ‫كَ َ‬
‫فقد أدبهم الله مع نبيهم في الحدي والخطاب حتى يميز شخص‬
‫رسول الله بينهم‪ ،‬ويميز مجلسه فيهم‪.‬‬
‫َ‬
‫ن‬‫ضو َ‬ ‫ن ي َ ُغ ُّ‬‫ن ال ّذِي َ َ‬ ‫وبذلك امتدحهم سبحانه وتعالى بقوله‪{ :‬إ ِ َّ‬
‫َّ ُ َ َ َ‬
‫م لِلتَّقْوَى‬ ‫َ‬
‫ه قُلُوبَهُ ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مت َ َ‬‫نا ْ‬ ‫ك ال ّذِي َ‬ ‫ل اللهِ أولئ ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫عنْد َ َر ُ‬ ‫م ِ‬ ‫صوَاتَهُ ْ‬‫أ ْ‬
‫َ‬
‫م}‪.‬‬ ‫جٌر عَظِي ٌ‬ ‫مغْفَِرة ٌ وَأ ْ‬ ‫م َ‬ ‫لَهُ ْ‬
‫كما أنهم لم يكونوا ليتقدموا يين يديه بالكلم حتى يأذن لهم وذلك‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي الل ّهِ‬ ‫ن يَد َ ِ‬ ‫موا بَي ْ َ‬ ‫دّ ُ‬‫منُوا ل تُقَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫تعالى‪{ :‬يَا أي ُّ َهَا ال ّذِي َ‬ ‫طاعة لقوله‬
‫َ‬
‫م} ‪ -‬حتى كان النبي‪ -‬صلى‬ ‫ميعٌ عَلِي ٌ‬ ‫س ِ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ه إ ِ َّ‬‫سولِهِ وَاتَّقُوا الل ّ َ‬ ‫وََر ُ‬
‫الله عليه وسلم يسألهم عن اليوم الذي هم فيه والمكان الذي‬
‫هم فيه‪ ،‬وهم يعلمونه حق العلم‪ ،‬فيتحرجون أن يجيبوا إل بقولهم‬
‫الله ورسوله أعلم خشية أن يكون قولهم تقدما بين يدي الله‬
‫ورسوله‪.‬‬
‫وإذا جلسوا بين يديه صلى الله عليه وسلم أعطوا هذا المجلس‬
‫الشريف حقه من التعظيم والجلل والتكريم حتى لكأنما على‬
‫رؤوسهم الطير وذلك لما هم عليه من السكينة والدب الشرعي‬
‫الذي أدبهم الله به ورسوله صلوات الله وسلمه عليه‪ .‬وكانوا ل‬
‫يحدون إليه النظر تعظيما ومهابة له صلى الله عليه وسلم وإذا‬
‫أمرهم بأمر ابتدروا أمره فل يقول شيئا إل صدروا عنه وأطاعوه‬
‫فيه وبادروا إلى امتثاله وتنفيذه والعمل به‪.‬‬
‫وكيف ل يكون المر كذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم كان كل‬
‫شيء في حياتهم‪ ،‬فقد كان معلمهم ومربيهم وقائدهم وقدوتهم‪،‬‬
‫ومصلحهم في الدنيا والشهيد عليهم في الخرة‪ ،‬وكان يعنى بهم‬
‫أكثر من عنايتهم بأنفسهم‪ ،‬يهتم بما يصلحهم أكثر من اهتمامهم‬
‫بمصالحهم‪ ،‬ويرى أنه بما حمله الله من أمانة تكوينهم ورعاية‬
‫شؤونهم والسهر على مصالحهم‪ ،‬أولى بهم من أنفسهم‪ ،‬وهذا ما‬
‫أكده القرآن الكريم بقوله عز وجل‪{ :‬النَب ُ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ي أوْلَى بِال ْ ُ‬ ‫ِّ ّ‬
‫م} الية‪.‬‬ ‫َ‬
‫سهِ ْ‬ ‫أنْفُ ِ‬
‫ولذلك فقد كان من البداهة بمكان أن يكون للنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم هذه المنزلة في حياة الصحابة رضوان الله عليهم‪ ،‬وأن‬
‫يكون هو المر الناهي‪ ،‬والسيد المطاع الذي ل رد له أمر ول‬
‫ه‬
‫م ع َن ْ ُ‬ ‫ما نَهَاك ُ ْ‬ ‫خذ ُوه ُ َو َ‬ ‫ل فَ ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫م الَّر ُ‬ ‫ما آتَاك ُ ُ‬ ‫يخالف له رأي {وَ َ‬
‫فَانْتَهُوا}‪.‬‬
‫ولقد توالت اليات الكريمة التي تعلم الصحابة رضوان الله عليهم‬
‫آداب السلوك معه‪ ،‬وتبين مكانة النبي الكريم صلى الله عليه‬
‫وسلم الذي اختاره لحمل الرسالة‪ ،‬وما ينبغي أن يعطى من‬
‫الجلل والتكريم‪.‬‬
‫وكلما حدث إخلل وتقصير في جانب توقيره وتعظيمه صلى الله‬
‫عليه وسلم فإن آيات القرآن تنزل مبينة لذلك الخلل والتقصير‬
‫الذي وقع ومنبهة على خطورته ومحذرة من عواقب التمادي فيه‬
‫م كَدُع َاءِ‬ ‫ل بَيْنَك ُ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫جعَلُوا دُع َاءَ الَّر ُ‬ ‫كما في قوله تعالى‪{ :‬ل ت َ ْ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫موا بَي ْ َ‬ ‫منُوا ل تُقَ َدِّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫تعالى‪{ :‬ي ََا أي ُّ َها الذِي َ‬ ‫م بَعْضا ً الية وقوله‬ ‫ضك ُ ْ‬‫بَعْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫ن‬ ‫ميعٌ عَلِي ٌ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫سولِهِ وَاتَّقُوا الل ّ َ‬
‫ه إ ِ َّ‬ ‫ي الل ّهِ وََر ُ‬ ‫يَد َ ِ‬
‫َ‬
‫ي ‪ }...‬الية‪.‬‬ ‫ت النَّب ِ ّ‬ ‫صوْ ِ‬ ‫م فَوْقَ َ‬ ‫صوَ َاتَك ُ ْ‬‫منُوا ل تَْرفَعُوا أ ْ‬ ‫آ َ‬
‫َ‬
‫مل‬ ‫ت أكْثَُرهُ ْ‬ ‫جَرا ِ‬ ‫ح ُ‬‫ن وََراءِ ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬‫ن يُنَادُون َ َ‬ ‫ن ال ّذِي َ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬إ ِ َّ‬
‫ن}‪.‬‬ ‫قلُو َ‬ ‫يَعْ ِ‬
‫وغير ذلك من اليات التي نزلت في هذا الشأن‪ ،‬وإن شئت فاقرأ‬
‫أسباب نزول تلك اليات في كتب التفسير والحديث‪.‬‬
‫ومن ثم فإن المخاطبين بهذه اليات من الصحابة انتهوا إلى‬
‫العمل بها وذلك طاعة لمر الله وتعظيما لحق رسوله صلى الله‬
‫عليه وسلم الذي قررته تلك اليات وأرشدت إليه‪ .‬وكما كان هذا‬
‫هو الحال في جانب الطاعة‪ ،‬فكذلك الحال في جانب الحذر من‬
‫مخالفته ومعصيته‪.‬‬
‫فالصحابة الذين عرفوا واشتهر عنهم طاعته صلى الله عليه‬
‫وسلم هم الذين اشتهر عنهم بعدهم عن معصيته ومخالفته وذلك‬
‫لعلمهم بما في ذلك من المحادة والمحاربة له ولشرعه صلى‬
‫الله عليه وسلم وما يترتب على ذلك من العقوبة الشديدة قال‬
‫َ‬ ‫ه أُولَئ ِ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ‬
‫ن} [‪،]247‬‬ ‫ك فِي الذ َل ِّ َي َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫سول َ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫َ‬ ‫ن الل‬ ‫حادُّو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ّذِي‬ ‫تعالى‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫ن لَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه نَاَر‬
‫ُ َّ‬
‫ه فَأ َّ‬ ‫سول َ ُ‬‫ه وََر ُ‬
‫َ‬ ‫حادِد ِ الل ّ َ‬ ‫ن يُ َ‬
‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫موا أن َّ ُ‬ ‫م يَعْل َ ُ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬أل َ ْ‬
‫ه‬
‫ن الل َ‬ ‫حادُّو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ن ال ّذِي َ‬ ‫خالِدا ً فِيهَا} [‪ ،]248‬وقال تعالى‪{ :‬إ ِ َّ‬
‫َ‬
‫م َ‬‫َ‬ ‫جهَن َّ‬ ‫َ‬
‫م} [‪ ]249‬ولقد كانت منزلة‬ ‫ن قَبْلِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ت الذِي َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ما كب ِ َ‬ ‫َ‬
‫ه كبِتُوا ك َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫سول ُ‬ ‫وََر ُ‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم في قلوب أصحابه أغلى وأعز عليهم‬
‫من كل شيء حتى من نفوسهم وأهليهم وما سوى ذلك‪ ،‬فقد‬
‫كانوا يفتدونه بأرواحهم ويبذلون في سبيل نصرته كل ما يملكون‬
‫ل‬ ‫من غالي ورخيص فقد حثهم الله على ذلك بقوله {ما كَا َ َ‬
‫ن َ لهْ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل اللهِ وَل‬ ‫سو ِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫خل ّفُوا ع َ ْ‬ ‫ن يَت َ َ‬‫بأ ْ‬ ‫ن العَْرا ِ‬ ‫م َ‬‫م ِ‬ ‫حوْلَهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مدِينَةِ وَ َ‬
‫َ‬
‫ال ْ َ‬
‫سهِ} [‪]250‬‬ ‫ن ن َ ْف ِ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫سهِ ْ‬‫يَْرغَبُوا بِأن ْ ُف ِ‬
‫كما أنهم يعادون من يحارب الله ورسوله مهما كانت صلتهم‬
‫وثيقة به حتى وإن كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم‪ ،‬ومواقفهم‬
‫في ذلك كثيرة ومشتهرة‬
‫وقد تقدم ذكر موقف أم حبيبة رضي الله عنها مع أبيها أبو سفيان‬
‫وموقف عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول مع أبيه عبد الله‬
‫بن أبي‪.‬‬
‫وبالجملة فإن مجتمع الصحابة كان مجتمع المة المثالية التي‬
‫تمثلت حقيقة واقعة في فترة من فترات التاريخ‪ ،‬ولقد كان‬
‫الصحابة قبل السلم يعيشون في مجتمع اشتهر بغلظته وقساوة‬
‫طبعه وبعده عن كثير من الداب والسلوكيات فمن الله عليهم‬
‫بالسلم وهداهم له‪ ،‬واختارهم لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫فتوالت توجيهات القرآن الكريم والتربية النبوية الحكيمة عليهم‪،‬‬
‫فهذبت وشذبت ووجهت ودفعت حتى ظهر ذلك المجتمع الذي له‬
‫أدبه مع الله وأدبه مع رسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وأدبه مع‬
‫نفسه‪ ،‬وأدبه مع غيره أدبه‪ ،‬في هواجس ضميره‪ ،‬وفي حركات‬
‫جوارحه‪ ،‬وفي الوقت ذاته له شرائعه المنظمة لوضاعه‪ ،‬وله‬
‫نظمه التي تكفل صيانته‪ ،‬وهي شرائع ونظم تقوم على ذلك‬
‫الدب‪ ،‬وتنبثق منه‪ ،‬وتتسق معه‪.‬‬
‫فما ظنك في مجتمع اختاره الله لصحبة نبيه وتوله بعنايته‬
‫ورعايته‪ ،‬وتعاهدهم رسوله بتوجيهاته ونصائحه وإرشاداته حتى‬
‫سما وعل وبلغ تلك الدرجة الرفيعة عند الله سبحانه وتعالى وعند‬
‫رسوله صلى الله عليه وسلم‬

‫المبحث الرابع‪ :‬تعظيم المة للنبي صلى الله عليه وسلم بعد‬
‫مماته‪ .‬ويشتمل على تمهيد وأربعة مطالب‪:‬‬
‫تمهيد‪:‬‬
‫سبق وأن تقرر‪ -‬بما تقدم من أدلة وبراهين‪ -‬وجوب تعظيم النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم وتعزيره وتوقيره‪.‬‬
‫وعلمنا كذلك ما كان من حال الصحابة رضوان الله عليهم تجاه‬
‫هذا الواجب الذي فرضه الله على المة في حق نبيه صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وما كان منهم من تعظيم للنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم في حياته‪ ،‬حينما كان بين ظهرانيهم يعايشهم ويعايشونه‪.‬‬
‫والسؤال الذي يفرض نفسه في مثل هذا المقام هو‪ :‬كيف يتحقق‬
‫لهذه المة تعظيم نبيها صلى الله عليه وسلم بعد وفاته‪ ،‬وما هي‬
‫المور التي يشرع فعلها والقيام بها لتحقيق ما أمر الله به في‬
‫هذا الجانب من جوانب اليمان والدين؟‬
‫وقبل أن أشرع في تفاصيل جواب هذا السؤال وإيضاح جوانبه‬
‫أود أن أذكر بأن هذا التعظيم والتوقير الواجب للنبي صلى الله‬
‫عليه وسلم هو من أمور الدين المشروعة بأدلة القرآن والسنة‪،‬‬
‫وبذلك فل يحق لكائن من كان أن يعظم النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم بأمر من عنده لم يشرعه الله في كتابه أو على لسان‬
‫رسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أو ليس له أول فيهما‪.‬‬
‫فالقاعدة الشرعية المبنية على قول النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" تقول إن أي أمر‬
‫محدث في هذا الدين مما لم يشرعه النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫هو أمر مردود على فاعله كائنا من كان‪ ،‬وهو بدعة‪ ،‬وكل بدعة‬
‫ضللة‪ .‬وهذه القاعدة الشرعية هي الميزان الذي يعرض عليه ما‬
‫يقوم به الناس من أقوال وأفعال في هذا الجانب‪ -‬أي جانب‬
‫تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بل وفي كل جانب من‬
‫جوانب الدين‪.‬‬
‫وإذا كانت العبادة هي السم الجامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من‬
‫العمال والقوال الظاهرة والباطنة‪ ،‬فمما ل شك فيه أن تعظيم‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم من المور التي يحبها الله‪ ،‬وقد‬
‫ارتضاها لعباده حين أمرهم بذلك‪.‬‬
‫فإذا كان تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم من المور التعبدية‬
‫التي تعبد الله بها عباده‪ ،‬فالعبادات مبناها على الشرع والتباع‪ ،‬ل‬
‫على الهوى والبتداع‪ ،‬فالعبادة مبنية على أصلين هما‪:‬‬
‫الصل الول‪ :‬إخلص العبادة للهه وحده ل شريك له‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫حنَفَاءَ} [ ‪.)1( ]251‬‬ ‫ن ُ‬ ‫دّي َ‬ ‫ه ال ِ‬‫ن لَ ُ‬‫صي َ‬ ‫خل ِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫مُروا إِل ّ لِيَعْبُدُوا الل ّ َ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫{وَ َ‬
‫الصل الثاني‪ :‬أن نعبده بما شرعه على لسان رسوله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فل نعبده بالهواء والبدع‪ ،‬قال الله تعالى {ث ُ َّ‬
‫م‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫نل‬ ‫مرِ فَات َّ َبِعْهَا وَل تَتَّبِعْ أهْوَاءَ ال ّذِي َ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬‫شرِيعَةٍ ِ‬ ‫ك ع َلَى َ‬ ‫جعَلْنَا َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫شيْئاً} [‪ ]252‬وقال تعالى {أ ْ‬
‫م‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫م َ‬‫ك ِ‬ ‫ن يُغْنُوا ع َن ْ َ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫ن إِنَّهُ ْ‬‫مو َ‬ ‫يَعْل َ ُ‬
‫َّ‬ ‫ْ‬
‫ه} [‪]253‬‬ ‫م يَأذ َ ْ‬
‫ن بِهِ الل ُ‬ ‫ما ل َ ْ‬
‫ن َ‬ ‫دّي ِ‬
‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫شَرع ُوا لَهُ ْ‬ ‫شَركَاءُ َ‬ ‫م ُ‬ ‫لَهُ ْ‬
‫فليس لحد أن يعبد الله إل بما شرعه رسوله صلى الله عليه‬
‫وسلم من واجب أو مستحب‪ ،‬وليس لنا أن نعبده بالمور‬
‫المبتدعة [‪.]254‬‬
‫وهذان الصلن هما حقيقة قولنا "أشهد أن ل إله إل الله‪ ،‬وأشهد‬
‫أن محمدا عبده ورسوله"‪.‬‬
‫وعلى هذا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم هو المبلغ عن الله‬
‫تعالى أمره ونهيه وتحليله‪ ،‬وتحريمه‪ ،‬بالحلل مما أحله‪ ،‬والحرام‬
‫ما حرمه‪ ،‬والدين ما شرعه‪ ،‬فليس لحد كائنا من كان أن يشرع‬
‫في هذا الدين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وقد قدمت لكلمي بهذه العبارات نظرا لما أحدثه الناس في هذا‬
‫الجانب من بدع تحت دعوى تعظيم قدر النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬مما ليس له أصل في الدين وما أنزل الله به من‬
‫سلطان‪.‬‬
‫ومن العجيب أن الشيطان أظهر لهم ذلك في صورة محبته صلى‬
‫الله عليه وسلم وتعظيمه ومتابعته‪ ،‬وهذا شأن اللعين لبد وأن‬
‫يمزج الحق بالباطل ليروج على أشباه النعام أتباع كل ناعق‪،‬‬
‫الذين لم يستضيئوا بنور العلم‪ ،‬ولم يلجئوا إلى ركن وثيق‪.‬‬
‫ولقد كان حري بهؤلء الذين ابتدعوا تلك البدع‪ ،‬وكذلك الذين‬
‫أخذوا بها من بعدهم‪ ،‬أن يلتزموا بما ورد به أمر الشارع من أمور‬
‫في جانب تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره‪ ،‬ففيها‬
‫الغنية والنجاة‪ ،‬وبالتمسك بها والسير عليها يحصل الجر العظيم‬
‫بإذن الله تعالى‪.‬‬

‫المطلب الول‪ :‬تعظيم النبي كلبا محله القلب واللسان والجواب‬


‫لقد أرسل الله سبحانه وتعالى نبيه ورسوله محمدا صلى الله‬
‫عليه وسلم إلى الثقلين النس والجن‪ ،‬على حين فترة من‬
‫الرسل‪ ،‬فهدى به لقوم طريق وأوضح سبيل‪ ،‬وبعثه بالهدى ودين‬
‫الحق ليظهره على الدين كله‪ ،‬بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه‬
‫وسراجا منيرا‪ ،‬فهدى به من الضللة وبصر به من العمى وأرشد‬
‫به من الغي‪ ،‬وفتح به أعينا عميا وآذانا صما‪ ،‬وقلوبا غلفا‪ ،‬فإن‬
‫رسالته وافت أهل الرض أحوج ما كانوا إليها‪ ،‬فإنهم كانوا بين‬
‫عباد أوثان‪ ،‬وعباد صلبان‪ ،‬وعباد نيران‪ ،‬وعباد كواكب‪ ،‬ومغضوب‬
‫عليهم قد باؤوا بغضب من الله‪ ،‬وحيران ل يعرف ربا يعبده‪ ،‬ول‬
‫بماذا يعبده‪ ،‬والناس يهل بعضهم بعضا من استحسن شيئا دعا‬
‫إليه وقاتل من خالفه‪ ،‬وليس في الرض موضح قدم مشرق بنور‬
‫الرسالة‪" ،‬وقد نظر الله سبحانه إلى أهل الرض فمقتهم عربهم‬
‫وعجمهم إل بقايا على آثار دين صحيح" [‪ ]255‬فأغاث الله به البلد‬
‫والعباد وكشف به تلك الظلم وأحيا به الخليقة بعد الموت‪.‬‬
‫فبلغ الرسالة‪ ،‬وأدى المانة ونصح المة‪ ،‬وجاهد في الله حق‬
‫جهاده‪ ،‬وعبد ربه حتى أتاه اليقين‪.‬‬
‫ففرق بين الحق والباطل‪ ،‬والهدى والضلل‪ ،‬والرشاد والغي‪،‬‬
‫وطريق أهل الجنة وطريق أهل النار‪ ،‬وبين أوليائه وأعدائه‪،‬‬
‫فالحلل ما أحله الله ورسوله‪ ،‬والحرام ما حرمه الله ورسوله‪،‬‬
‫والدين ما شرعه الله ورسوله‪.‬‬
‫فعرف الناس ربهم ومعبودهم غاية ما يمكن أن تناله قواهم من‬
‫المعرفة‪ ،‬وأبدأ وأعاد‪ ،‬واختصر وأطنب في ذكر أسمائه وصفاته‬
‫وأفعاله وأحكامه‪ ،‬حتى تجلت معرفته سبحانه في قلوب عباده‬
‫المؤمنين‪ ،‬وانجابت سحائب الشك والريب عنها كما ينجاب‬
‫السحاب عن القمر ليلة إبداره‪ ،‬ولم يدع لمته حاجة في هذا‬
‫التعريف ل إلى من قبله ول إلى من بعده‪ ،‬بل كفاهم وشفاهم‬
‫َ‬
‫م‬
‫فه ِ ْ‬‫م يَك ْ ِ‬‫وأغناهم عن كل من تكلم في هذا الباب قال تعالى‪{ :‬أوَل َ ْ‬
‫ة وَذِكَْرى‬ ‫م ً‬ ‫ك لََر ْ‬
‫ح َ‬ ‫ب يُتْلَى ع َلَيْهِ ْ‬
‫م إ ِ َّ‬
‫ن فِي ذَل ِ َ‬ ‫ك الْكِتَا َ‬ ‫أَنَّا أَنَْزلْنَا ع َلَي ْ َ‬
‫ن} [‪.]256‬‬ ‫منُو َ‬ ‫لِقَوْم ٍ يُؤْ ِ‬
‫وعرف المة الطريق الموصل لهم إلى ربهم ورضوانه ودار‬
‫كرامته‪ ،‬ولم يدع حسنا إل أمرهم به‪ ،‬ول قبيحا إل نهى عنه كما‬
‫قال صلى الله عليه وسلم‪" :‬إنه لم يكن نبي قبلي إل كان حقا‬
‫عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه‬
‫لهم" [‪.]257‬‬
‫وقال أبو ذر رضي الله عنه‪" :‬لقد تركنا محمدا وما يحرك طائر‬
‫جناحيه في السماء إل أذكرنا منه علما" [‪.]258‬‬
‫وعرفهم حالهم بعد القدوم على ربهم أتم تعريف‪ ،‬فكشف المر‬
‫وأوضحه ولم يدع بابا من العلم النافع للعباد المقرب لهم إلى‬
‫ربهم إل فتحه ول مشكل إل بينه وشرحه‪ ،‬حتى هدى الله به‬
‫القلوب من ضللها‪ ،‬وشفاها به من أسقامها‪ ،‬وأغاثها به من‬
‫سلْنَا َ‬
‫ك‬ ‫َ‬
‫ما أْر َ‬ ‫جهلها‪ ،‬فهو الرحمة المهداة للعالمين قال تعالى‪{ :‬وَ َ‬
‫َ‬
‫ن} [‪ ]259‬فجزاه الله عن أمته أفضل الجزاء‪.‬‬ ‫مي َ‬‫ة لِل ْ َعال َ ِ‬
‫م ً‬ ‫إِل ّ َر ْ‬
‫ح َ‬
‫ولقد جبله الله على مكارم الخلق وكرائم الشيم‪ ،‬فإن من نظر‬
‫في أخلقه وشيمه صلى الله عليه وسلم علم أنها خير أخلق‪،‬‬
‫فإنه صلى الله عليه وسلم كان أعلم الخلق‪ ،‬وأعظمهم أمانة‬
‫وأصدقهم حديثا وأجودهم وأسخاهم وأشدهم احتمال‪ ،‬وأعظمهم‬
‫عفوا ومغفرة‪ ،‬وكان ل يزيده شدة الجهل عليه إل حلما‪ ،‬كما روى‬
‫البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمرو أنه قال في صفة‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة "محمد عبدي‬
‫ورسولي سميته المتوكل ليس بفظ ول غليظ ول سخاب‬
‫بالسواق‪ ،‬ول يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر‪ ،‬ولن‬
‫أقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء وأفتح به أعينا عميا وآذانا صما‬
‫وقلوبا غلفا‪ ،‬حتى يقولوا ل إله إل الله" [‪.]260‬‬
‫وأرحم الخلق وأرأفهم بهم وأعظم الخلق نفعا لهم في دينهم‬
‫ودنياهم وأفصح خلق الله وأحسنهم تعبيرا عن المعاني الكثيرة‬
‫باللفاظ الوجيزة الدالة على المراد وأصبرهم في مواطن الصبر‪،‬‬
‫وأصدقهم في مواطن اللقاء‪ ،‬وأوفاهم بالعهد والذمة‪ ،‬وأعظمهم‬
‫مكافأة على الجميل بأضعافه‪ ،‬وأشدهم تواضعا‪ ،‬وأعظمهم إيثارا‬
‫على نفسه‪ ،‬وأشد الخلق ذبا عن أصحابه وحماية لهم ودفاعا‬
‫عنهم‪ ،‬وأقوم الخلق بما يأمر به‪ ،‬وأتركهم لما ينهي عنه‪ ،‬وأوصل‬
‫الخلق لرحمه‪.‬‬
‫وكان أجود الناس صدرا‪ ،‬وأصدقهم لهجة‪ ،‬وألينهم عريكة‪،‬‬
‫وأكرمهم عشرة‪ ،‬من رآه بديهة هابه‪ ،‬ومن خالطه معرفة أحبه‪،‬‬
‫يقول ناعته لم ير قبله ولبعده مثله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وقد خصه الله بصفتين خص بهما أهل الصدق والخلص وهما‬
‫الجلل والمحبة‪ ،‬فقد ألقى عليه هيبة منه ومحبة‪ ،‬فكان كل من‬
‫يراه يهابه ويجله ويمل قلبه تعظيما وإجلل‪ ،‬وإن كان عدوا له‪،‬‬
‫فإذا خالطه وعاشره كان أحب إليه من كل مخلوق‪ ،‬فهو المجل‬
‫المعظم المحبوب المكرم‪ ،‬وهذا غاية كمال المحبة أن تقرن‬
‫بالتعظيم والهيبة‪ ،‬فالمحبة بل تعظيم ول هيبة ناقصة‪ ،‬والهيبة‬
‫والتعظيم من غير محبة‪ -‬كما يكون الظالم القادر‪ -‬نقص أيضا‪،‬‬
‫والكمال أن تجتمع المحبة والود والتعظيم والجلل‪ ،‬وهذا ل يوجد‬
‫إل إذا كان في المحبوب صفات الكمال التي يستحق أن يعظم‬
‫لجلها ويحب لجلها [‪.]261‬‬
‫ولقد جمع الله تعالى لنبينا صلى الله عليه وسلم من الصفات‬
‫والخصائص ما لم يجمعه لبشر وافترض على العباد طاعته‬
‫وتعزيره وتوقيره ورعايته والقيام بحقوقه‪ ،‬وامتثال ما قرره في‬
‫مفهومه ومنطوقه‪ ،‬والصلة عليه والتسليم ونشر شريعته بالعلم‬
‫والتعليم‪ ،‬وجعل الطرق مسدودة عن جنته‪ ،‬إل من سلك طريقه‬
‫واعترف بمحبته‪ ،‬وشرح له صدره‪ ،‬ورفع له ذكره‪ ،‬ووضع عنه‬
‫وزره‪ ،‬وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره‪ ،‬فياسعد من‬
‫وفق لذلك وياويح من قصر عن هذه المسالك [‪.)2( ]262‬‬
‫وما هذه المحبة والمهابة التي جعلها الله لنبيه صلى الله عليه‬
‫وسلم إل تبع لمحبته سبحانه وإجلله‪.‬‬
‫ذلك لن كل محبة وتعظيم للبشر إنما هي تبع لمحبة الله‬
‫وتعظيمه فمحبة الرسول وتعظيمه إنما هي من تمام محبة‬
‫مرسله وتعظيمه‪ ،‬فأمته يحبونه لمحبة الله له‪ ،‬ويعظمونه‬
‫ويبجلونه لجلل الله له فهي من موجبات محبة الله وتعظيمه‪،‬‬
‫ولهذا لم يكن بشر أحب إلى بشر ول أهيب ول أجل في صدره‬
‫من رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر أصحابه رضي‬
‫الله عنهم‪.‬‬
‫فإذا كان هذا شأن النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وهذه مكانته التي‬
‫بوأه الله إياها‪ ،‬فحرى بهذه المة أن تعرف له قدره وتعظم من‬
‫شأنه وذلك بموجب ما شرعه الله وأمر به‪ ،‬فذلك عقد من عقود‬
‫اليمان الذي ل يتم إل به‪.‬‬
‫وهذا التعظيم والتوقير الواجب له صلى الله عليه وسلم على كل‬
‫فرد من أفراد هذه المة محله القلب واللسان والجوارح‪.‬‬
‫أما تعظيم القلب‪ :‬فهو ما يتبع اعتقاد كونه عبدا رسول‪ ،‬من تقديم‬
‫محبته على النفس والولد والوالد والناس أجمعين‪ ،‬والتي من‬
‫لوازمها الكثار من ذكره الذي هو سبب لدوام محبته صلى الله‬
‫عليه وسلم وزيادتها وتضاعفها‪.‬‬
‫وكذلك فإن من تعظيم القلب استشعاره لهيبة النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم وجللة قدره وعظيم شأنه‪ ،‬واستحضاره لمحاسنه‬
‫ومكانته ومنزلته‪ ،‬والمعاني الجالبة لحبه وإجلله وكل ما من شأنه‬
‫أن يجعل القلب ذاكرا لحقه من التوقير والتعزير‪ ،‬ومعترفا به‬
‫ومذعنا له‪.‬‬
‫فالقلب ملك العضاء وهي له جند وتبع‪ ،‬فمتى ما كان تعظيم‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم مستقرا في القلب مسطورا فيه‬
‫على تعاقب الحوال فإن آثار ذلك ستظهر على الجوارح حتما ل‬
‫محالة‪ ،‬وحينئذ سترى اللسان يجري بمدحه والثناء عليه وذكر‬
‫محاسنه‪ ،‬وترى باقي الجوارح ممتثلة لما جاء به ومتبعة لشرعه‬
‫وأوامره‪ ،‬ومؤدية لما له من الحق والتكريم‪.‬‬
‫أما تعظيم اللسان‪ :‬فهو الثناء عليه بما هو أهله مما أثنى به عليه‬
‫ربه وأثنى على نفسه من غير غلو ول تقصير‪ .‬ومن أعظم ذلك‬
‫الصلة والسلم عليه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقد أمر الله عباده‬
‫المؤمنين بأن يصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم فقال تعال‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫صل ّوا‬
‫منُوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ن ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬
‫ي يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬ ‫صل ّو َ‬
‫ه يُ َ‬‫ملئِكَت َ ُ‬‫ه وَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫{إ ِ ّ‬
‫سلِيماً} [‪ ]263‬وهذا من تعظيمه صلى الله عليه‬ ‫موا ت َ ْ‬‫سل ِّ ُ‬‫ع َلَيْهِ وَ َ‬
‫وسلم وتوقيره‪ .‬قال الحليمي‪" :‬معنى الصلة على النبي علما‬
‫تعظيمه‪ ،‬فمعنى قولنا‪" :‬اللهم صل على محمد" عظم محمدا‪،‬‬
‫والمراد تعظيمه في الدنيا بإعلء ذكره وإظهار دينه وإبقاء‬
‫شريعته‪ ،‬وفي الخرة بإجزال مثوبته وتشفيعه في أمته وإبداء‬
‫ُّ‬
‫صلوا‬ ‫فضيلته بالمقام المحمود‪ ،‬وعلى هذا فالمراد بقوله تعالى { َ‬
‫ع َلَيْهِ} أدعوا ربكم بالصلة عليه" [‪.]264‬‬
‫فالصلة منا عليه صلى الله عليه وسلم تتضمن ثناء المصلي عليه‬
‫والشارة بذكر شرفه وفضله [‪ ]265‬وإرادة من الله تعالى أن يعلي‬
‫ذكره ويزيده تعظيما وتشريفا [‪ ]266‬وسيأتي مزيد تفصيل لهذا‬
‫الموضوع في الفصل الثالث من هذا الباب بإذن الله تعالى‪.‬‬
‫ومن تعظيم اللسان كذلك أن نتأدب عند ذكره بألسنتنا وذلك بأن‬
‫نقرن ذكر اسمه بلفظ النبوة أو الرسالة مع الرسالة والسلم‬
‫عليه صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ً‬
‫م بَعْضا}‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫م كدُع َاءِ بَعْ ِ‬ ‫ُ‬
‫ل بَيْنَك ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫جعَلُوا دُع َاءَ الَّر ُ‬‫قال تعالى‪{ :‬ل ت َ ْ‬
‫[‪ ]267‬فأمرسبحانه أن ل يدعى رسوله بما يدعو الناس بعضهم‬
‫بعضا بل يقال‪ :‬يارسول الله يانبي الله ول يقال يامحمد وقد كان‬
‫الصحابة ل يخاطبونه إل بـ"يارسول الله‪ ،‬يا نبي الله"‪.‬‬

‫وإذا كان هذا في حياته فهكذا في مغيبه ل ينبغي أن يجعل ذكره‬


‫من جنس ما يذكر به غيره‪ ،‬بل يجب أن يقرن ذكره بالنبوة أو‬
‫الرسالة وأن يدعى له بأشرف دعاء وهو الصلة عليه صلى الله‬
‫عليه وسلم [‪ .]268‬فهذا من التعظيم الواجب له صلى الله عليه‬
‫ي"‬
‫وسلم وفي الحديث "رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل عل ّ‬
‫[‪.]269‬‬
‫ي" [‬
‫وفي الحديث الخر "البخيل من ذكرت عنده فلم يصل عل ّ‬
‫‪.]270‬‬
‫ومن تعظيم اللسان تعداد فضائله وخصائصه ومعجزاته ودلئل‬
‫نبوته وتعريف الناس بسنته وتعليمهم إياها وتذكيرهم بمكانته‬
‫ومنزلته وحقوقه‪ ،‬وذكر صفاته وأخلقه وخلله‪ ،‬وما كان من أمر‬
‫دعوته وسيرته وغزواته والتمدح بذلك شعرا ونثرا‪ ،‬بشرط أن‬
‫يكون ذلك في حدود ما أمر به الشارع الكريم‪ ،‬مع البتعاد عن‬
‫مظاهر الغلو والطراء المحظور‪.‬‬
‫وأما وتعظيم الجوارح له صلى الله عليه وسلم‪ :‬فهو العمل‬
‫بشريعته‪ ،‬والتأسي بسنته‪ ،‬والخذ بأوامره ظاهرا وباطنا‪،‬‬
‫والتمسك بها والحرص عليها‪ ،‬وتحكيم ما جاء به في المور كلها‪،‬‬
‫والرضا بحكمه والتسليم له‪ ،‬والسعي في إظهار دينه‪ ،‬ونصر ما‬
‫جاء به‪ ،‬وتبليغ رسالته للناس ودعوتهم لليمان به والذب عن‬
‫سنته والدفاع عنها وتعلمها وتعليمها وخدمتها‪ ،‬والموالة والمعاداة‬
‫والحب والبغض لجله‪ ،‬وجهاد من خالفه‪.‬‬
‫والجتناب عما نهي عنه وزجر‪ ،‬والبعد عن معصيته ومخالفته‬
‫والحذر من ذلك‪ ،‬والتوبة والستغفار عما وقع فيه الزلل‬
‫والتقصير‪.‬‬
‫فالله سبحانه وتعالى هو الذي جعل لنبيه صلى الله عليه وسلم‬
‫هذه المنزلة في حياة المسلمين‪ ،‬فقد أوجب علينا طاعته وحرم‬
‫علينا معصيته وجعله المر الناهي والسيد المطاع الذي ل‪.‬يرد له‬
‫أمر‪ ،‬ول يخالف له رأي فمن أطاعه فقد أطاع الله‪ ،‬لن المة ل‬
‫يصلون ما بينهم وبين ربهم إل بواسطة الرسول‪ ،‬فليس لحد‬
‫منهم طريق غيره ول سبب سواه‪ ،‬وقد أقامه الله مقام نفسه‬
‫ل‬‫سو ُ‬ ‫م الَّر ُ‬ ‫ما آتَاك ُ ُ‬ ‫في أمره ونهيه وإخباره وبيانه‪ .‬قال تعالى‪{ :‬وَ َ‬
‫َّ‬
‫ه فَانْتَهُوا} [‪.]271‬‬ ‫م ع َن ْ ُ‬‫ما نَهَاك ُ ْ‬ ‫فَ ُ‬
‫خذ ُوه ُ وَ َ‬
‫َ‬
‫ه} [‪.]272‬‬ ‫ل فَقَد ْ أطَا َع َ الل َ‬ ‫سو َ‬ ‫ن يُطِِع الَّر ُ‬
‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫وقال تعالى‪َ { :‬‬
‫َ‬
‫ن} [‪.]273‬‬ ‫مو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫م تُْر َ‬ ‫ل لَعَل ّك ُ ْ‬ ‫سو َ‬ ‫ه وَالَّر ُ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬وَأطِيعُوا الل ّ َ‬
‫جَر بَيْنَهُ ْ‬
‫م‬ ‫ش َ‬‫ما َ‬ ‫ك فِي َ‬ ‫مو َ‬ ‫كّ ُ‬
‫ح ِ‬‫حتَّى ي ُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫منُو َ‬ ‫ك ل يُؤْ ِ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬فَل وََرب ِّ َ‬
‫سلِيماً} [‬ ‫َ‬
‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ِّ ُ‬‫ت َوي ُ َ‬ ‫ضي ْ َ‬‫ما قَ َ‬ ‫م َّ‬ ‫حَرجا ً ِ‬ ‫م َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫جدُوا فِي أن ْ ُف ِ‬ ‫م ل يَ ِ‬ ‫ث ُ َّ‬
‫‪.]274‬‬
‫َّ‬
‫ه‬
‫سول ِ ِ‬ ‫ن إِذ َا دُع ُوا إِلَى اللهِ وََر ُ‬ ‫مؤْ ِ‬
‫منِي َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ن قَوْ َ‬ ‫ما كَا َ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬إِن َّ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫لِيحك ُم بينه َ‬
‫ن} [‬ ‫حو َ‬‫مفْل ِ ُ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫معْنَا وَأطَعْنَا وَأولَئ ِ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ن يَقُولُوا َ‬ ‫مأ ْ‬‫َ ْ َ ََُْ ْ‬
‫‪.]275‬‬
‫فهذه اليات وغيرها تبين كظم أمر اتباع النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم في حياة المؤمنين‪ ،‬وأنه هو البرهان العملي على صدق‬
‫اليمان والمحبة والتعظيم لله تعالى ولنبيه صلى الله عليه وسلم‬
‫فالطاعة والتباع هما سمة المؤمنين الصادقين وسبيلهم الدائم‪،‬‬
‫ذلك لن اليمان (هو حقيقة مركبة من معرفة ما جاء به الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم علما‪ ،‬والتصديق به عقدا والقرار به نطقا‪،‬‬
‫والنقياد له محبة وخضوعا‪ ،‬والعمل به ظاهرا وباطنا وتنفيذه‬
‫والدعوة إليه حسب المكان‪.‬‬
‫وكماله الحب في الله‪ ،‬والبغض في الله‪ ،‬والعطاء لله والمنع لله‪،‬‬
‫وأن يكون الله وحده معبوده‪.‬‬
‫والطريق إليه تجريد متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ظاهرا وباطنا‪ ،‬وتغميض عين القلب عن اللتفات إلى غير الله) [‬
‫‪.]276‬‬
‫وبالجملة فإن التعظيم النافع هو تصديق النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فيما أخبر وطاعته فيما أمر والنتهاء عما نهي عنه وزجر‬
‫وأل يعبد الله إل بما شرع‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله‪" :‬وإنما تعظيم الرسل‬
‫بتصديقهم فيما أخبروا به عن الله وطاعتهم فيما أمروا به‬
‫ومتابعتهم ومحبتهم وموالتهم" [‪ ]277‬فالتباع هو المحك الذي‬
‫يميز من خلله مدى صدق مدعي التعظيم في دعواه تلك‪ .‬إذ‬
‫كيف يعقل أو يتخيل أن يدعي شخص تعظيم النبي وتوقيره وهو‬
‫ل يلتزم بما جاء به من أمر أو نهي‪ ،‬ول يقيم وزنا ول اعتبارا لما‬
‫جاء به‪.‬‬
‫ولقد جعل الله التباع هو برهان محبته سبحانه حيث قال‪{ :‬قُ ْ‬
‫ل‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫م ذُنُوبَك ُ ْ‬ ‫ه وَيَغْفِْر لَك ُ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫حبِبْك ُ ُ‬‫ه فَاتَّبِعُونِي ي ُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫حبُّو َ‬ ‫م تُ ِ‬ ‫ن َكُنْت ُ ْ‬ ‫إِ ْ‬
‫م} [‪.]278‬‬ ‫حي ٌ‬‫ه غَفُوٌر َر ِ‬ ‫ّ‬
‫وَالل ُ‬
‫وجعله كذلك شرطا لليمان الذي يعد تعظيم النبي صلى الله‬
‫حتَّى‬ ‫ن َ‬ ‫منُو َ‬ ‫ك ل يُؤ ْ ِ‬ ‫عليه وسلم جزءا منه‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬فَل وََرب ِّ َ‬
‫َ‬
‫ما‬‫م َّ‬ ‫حَرجا ً ِ‬ ‫م َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫جدُوا فِي أن ْ ُف ِ‬ ‫م ل يَ ِ‬ ‫م ث ُ َّ‬‫جَر بَيْنَهُ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ما َ‬ ‫ك فِي َ‬ ‫مو َ‬ ‫حكِّ ُ‬ ‫يُ َ‬
‫سلِيماً} [‪]279‬‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ِّ ُ‬ ‫ت َوي ُ َ‬ ‫ضي ْ َ‬ ‫قَ َ‬
‫ن‬ ‫ما كَا َ‬ ‫فالتباع صفة من صفات أهل َاليمان كما قال تعالى‪{ :‬إِن َّ َ‬
‫ن يَقُولُوا‬ ‫ل ال ْمؤ ْمنِين إذ َا دع ُوا إلَى الل ّه ورسولِه لِيحك ُم بينه َ‬ ‫قَوْ َ‬
‫مأ ْ‬ ‫ِ ََ ُ ِ َ ْ َ ََُْ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ُ ِ َ ِ ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫ن} [‪ ،]280‬وقال تعالى‪{ :‬وَ َ‬ ‫حو َ‬
‫َ‬
‫مفْل ِ ُ‬‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫معْنَا وَأطَعْنَا وَأولَئ ِ َ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ن لَهُ ُ‬ ‫ن يَكُو َ‬ ‫مرا ً أ ْ‬ ‫هأ ْ‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ضى الل ّ ُ‬ ‫منَةٍ إِذ َا قَ َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن وَل ُ‬ ‫م ٍ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن لِ ُ‬ ‫كَا َ‬
‫م} [‪.]281‬‬ ‫َ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫مرِه ِ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫خيََرة ُ ِ‬
‫فهل الموقر لرسول الله صلى الله عليه وسلم إل من تمسك‬
‫بسنته واعتصم بها وسار على نهجه واقتفى أثره‪.‬‬
‫فأتباع كل نبي ومحبوه ومعظموه هم الذين أخذوا بسنته واقتدوا‬
‫بأمره كما جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال‪:‬‬
‫"ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إل كان له من أمته حواريون‬
‫وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره‪ ،‬ثم إنها تخلف من بعدهم‬
‫خلوف يقولون مال يفعلون ويفعلون مال يؤمرون فمن جاهدهم‬
‫ييده فهو مؤمن‪ ،‬ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم‬
‫بقلبه فهو مؤمن‪ ،‬وليس وراء ذلك من اليمان حبة خردل" [‪.]282‬‬
‫فالنبي صلى الله عليه وسلم بين لنا صفة أتباع النبياء بأنهم هم‬
‫الذين عظموا أمرهم وأخذوا بسنتهم وعملوا بأوامرهم‪.‬‬
‫وأما من عداهم فهم ليسوا بأتباع لهم وإنما هم أناس يستحقون‬
‫المجاهدة ويستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬يقولون مال‬
‫يفعلون"؟ أن مجرد الدعوى القولية المجردة عن الفعل الذي أمر‬
‫به الشارع ل تغني صاحبها شيئا‪.‬‬
‫ويستفاد من قوله "ويفعلون مال يؤمرون" أن الفعال المبتدعة‬
‫التي لم يأمر بها الشارع هي كذلك ل تنفع صاحبها ول تغني عنه‬
‫من الله شيئا‪.‬‬
‫وهذا الوصف ينطق تماما على أصحاب البدع المقيمين للموالد‬
‫وغيرها من البدع‪ ،‬زاعمين أنهم ما فعلوا تلك المور إل محبة‬
‫للرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيما لشأنه‪ ،‬فهم فعلوا ما لم‬
‫يؤمروا به‪ ،‬وأفعالهم وأحوالهم ل تطابق أقوالهم‪ ،‬ولو بحثنا عن‬
‫وصف نصف به هؤلء لم نجد أبلغ من هذا الوصف "يقولون مال‬
‫يفعلون ويفعلون مال يؤمرون"‪.‬‬
‫وليتهم قاموا بما أوجب الله عليهم وشرعه لهم على لسان‬
‫رسوله صلى الله عليه وسلم لكان خيرا لهم وأجدى‪ .‬ولكنهم‬
‫أناس أوقعوا أنفسهم في محاذير متعددة منها‪:‬‬
‫‪ -1‬أنهم فعلوا ما لم يؤمروا به وهم معترفون بأن تلك الموالد‬
‫والمور التي تفعل فيها لم يشرعها الله في كتابه ولم يشرعها‬
‫رسوله صلى الله عليه وسلم ولم يفعلها أحد من أصحابه رضوان‬
‫الله عليهم‪.‬‬
‫‪ -2‬أنهم خالفوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم حيث أمرهم‬
‫بالتباع وترك البتداع فقد قال صلى الله عليه وسلم "من أحدث‬
‫ما‬
‫في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" [‪ ]283‬والله تعالى يقول‪{ :‬وَ َ‬
‫ه فَانْتَهُوا} [‪]284‬‬
‫م ع َن ْ ُ‬‫ما نَهَاك ُ ْ‬‫خذ ُوه ُ وَ َ‬ ‫ل فَ ُ‬‫سو ُ‬ ‫آتَاك ُ ُ‬
‫م الَّر ُ‬
‫‪ -3‬أنهم رغبوا عن سنن المصطفى ورضوا بما أملته عليهم‬
‫أهواؤهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪" :‬فمن رغب‬
‫عن سنتي فليس مني" [‪.]285‬‬
‫فالحداث في شريعته صلى الله عليه وسلم يعد رغبة عن سنته‬
‫وهذا ما دلت عليه القصة الواردة في الحديث السابق‪.‬‬
‫‪ -4‬أنهم بفعلهم للمولد وغيره من البدع لم يعظموا الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم إنما اتهموه بأنه لم يدلهم على هذا الخير الذي‬
‫جاءوا به‪ ،‬وفي هذا يقول المام مالك‪" :‬من ابتدع في السلم‬
‫بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا خان الرسالة‪ ،‬لن الله‬
‫يقول‪{ :‬الْيو َ‬
‫م} فما لم يكن يومئذ دينا فل‬ ‫م دِينَك ُ ْ‬‫ت لَك ُ ْ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫م أك ْ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫يكون اليوم دينا"‪.‬‬
‫والمر الذي ينبغي معرفته أن النصوص قد دلت على أنه بقدر ما‬
‫يكون المرء متبعا لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم‬
‫ومتمسكا بها بقدر ما يكون معظما وموقرا له والعكس بالعكس‪.‬‬
‫"هذا وإن كثيرا من الناس يعظمون الرسول ويعتقدون أنه من‬
‫أفضل الناس‪ ،‬ولكن يقولون إنه ل يجب عليهم اتباعه وطاعته بل‬
‫لهم طريق إلى الله تغنيهم عنه‪ .‬وقد يقولون إن طريقهم أفضل‬
‫من طريقه كما يعتقد كثير من اليهود والنصارى أنه كان مبعوثا‬
‫إلى الميين ل إليهم فهم يعظمونه ظاهرا وباطنا لكن يقولون ل‬
‫يجب علينا اتباعه وهؤلء كفار بإجماع المسلمين‪.‬‬
‫وكذلك كثير ممن يظهر السلم يثبتون نبوته على رأي الفلسفة‪،‬‬
‫وأنه كان صاحب قوة قدسية‪ ،‬وقد يفضلونه على جميع الخلق‪،‬‬
‫ومع هذا ل يقرون بما جاء به ول يوجبون على أنفسهم اتباعه‬
‫ظاهرا وباطنا‪ ،‬ويقولون هو رسول إلى العامة أو إلى الجميع في‬
‫الشرائع الظاهرة دون الحقائق الباطنة والحقائق العقلية كما‬
‫يقول مثل هذا كثير ممن يظهر السلم" [‪.]286‬‬
‫فمثل هذا الصنف ل ينفعه هذا التعظيم لفتقاره للتباع الذي هو‬
‫لب التعظيم وجوهره‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬توقير النبي صلى الله عليه وسلم في آله‬


‫وأزواجه أمهات المؤمنين‬
‫إن من توقير النبي صلى الله عليه وسلم ورعاية جنابه وتبجيله‬
‫وتعظيمه توقير آله وذريته وأزواجه‪ ،‬كما حض عليه صلى الله‬
‫عليه وسلم وسلكه السلف الصالح رضوان الله عليهم‪.‬‬
‫‪ -1‬فآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم لهم من الحقوق ما يجب‬
‫رعايتها فإن الله جعل لهم حقا في الخمس والفيء قال تعالى‪:‬‬
‫َ َ َ َ‬ ‫موا أَن َّ‬
‫ل وَلِذِي‬ ‫ِ‬ ‫سو‬ ‫ه وَلِلَّر ُ‬ ‫ُ‬ ‫س‬
‫م َ‬ ‫ُ‬ ‫ن لِل ّهِ ُ‬
‫خ‬ ‫يءٍ فأ ّ‬ ‫ْ‬ ‫ن َ‬
‫ش‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫م ِ‬ ‫ْ‬ ‫مت ُ‬‫ْ‬ ‫ما غَن ِ‬‫َ‬ ‫{وَاع ْل َ ُ‬
‫َّ‬
‫م بِاللهِ َو َ‬
‫ما‬ ‫من ْ َت ُ ْ‬
‫مآ َ‬ ‫ن كُنْت ُ ْ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫سبِي ِ‬‫ن ال َّ‬ ‫ن وَاب ْ ِ‬ ‫ساكِي ِ‬ ‫م َ‬‫مى وَال ْ َ‬ ‫الْقُْربَى وَالْيَتَا َ‬
‫ه ع َلَى ك ُ ِّ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ن وَالل ّ ُ‬ ‫معَا ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫م الْتَقَى ال ْ َ‬ ‫ن يَوْ َ‬ ‫م الْفُْرقَا ِ‬ ‫أنَْزلْنَا ع َلَى ع َبْدِنَا يَوْ َ‬
‫يءٍ قَدِيٌر} [‪.]287‬‬ ‫ش ْ‬‫َ‬
‫َ َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ل القَُرى فلِلهِ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫سولِهِ ِ‬ ‫ه ع َلى َر ُ‬ ‫ما أفَاءَ الل ُ‬ ‫وقال تعالى‪َ { :‬‬
‫ل} [‬ ‫سبِي ِ‬ ‫ن ال َّ‬ ‫ن وَاب ْ ِ‬ ‫ساكِي ِ‬ ‫م َ‬ ‫مى وَال ْ َ‬ ‫ل وَلِذِي الْقُْربَى وَالْيَتَا َ‬ ‫سو ِ‬‫وَلِلَّر ُ‬
‫‪.]288‬‬
‫وأمر بالصلة عليهم مع الصلة على رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‬
‫ففي الحديث عن كعب بن عجرة [‪ ]289‬رضي الله عنه قال‪ :‬خرج‬
‫علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا قد عرفنا كيف‬
‫نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ قال‪" :‬قولوا‪ :‬اللهم صل على‬
‫محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد‪،‬‬
‫اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل‬
‫إبراهيم إنك حميد مجيد" [‪.]290‬‬
‫فالصلة على آل محمد حق لهم عند المسلمين‪ ،‬وذلك سبب‬
‫لرحمة الله تعالى لهم بهذا النسب‪.‬‬
‫كما تجب محبتهم لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم‪،‬‬
‫ولن محبتهم من محبة رسول الله‪،‬كما‪ .‬وأن نتولهم ونحفظ‬
‫فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال في يوم‬
‫غدير خم‪" :‬وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي‪ ،‬أذكركم الله‬
‫في أهل بيتي‪ "...‬الحديث [‪.]291‬‬
‫قال ابن كثير رحمه الله تعالى‪" :‬ول تنكر الوصاة بأهل البيت‬
‫والمر بالحسان إليهم واحترامهم وإكرامهم فإنهم من ذرية‬
‫طاهرة من أشرف بيت وجد على ظهر الرض فخرا وحسبا‬
‫ونسبا ول سيما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية الصحيحة الواضحة‬
‫الجلية كما كان عليه سلفهم كالعباس وبنيه وعلي وأهل بيته‬
‫وذريته رضي الله عنهم أجمعين" [‪.]292‬‬
‫وقال ابن تيمية رحمه الله‪" :‬ول ريب أن لل محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم حقا على المة ل يشركهم فيه غيرهم‪ ،‬ويستحقون‬
‫من زيادة المحبة والموالة مال يستحقه سائر بطون قريش‪ ،‬كما‬
‫أن قريشا يستحقون من المحبة والموالة مال يستحقه غير‬
‫قريش من القبائل‪ ،‬كما أن جنس العرب يستحق من المحبة‬
‫والموالة مال يستحقه سائر أجناس بني آدم‪ ،‬وهذا على مذهب‬
‫الجمهور الذين يرون فضل العرب على غيرهم‪ ،‬وفضل قريش‬
‫على سائر العرب وفضل بني هاشم على سائر قريش‪ ،‬وهذا هو‬
‫المنصوص عن الئمة كأحمد وغيره [‪.]293‬‬
‫والنصوص دلت على هذا القول‪ ،‬كقوله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫"إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل‪ ،‬واصطفى قريش من‬
‫كنانة‪ ،‬واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني‬
‫هاشم" [‪.]294‬‬
‫وكقوله في الحديث الصحيح‪" :‬الناس معادن كمعادن الذهب‬
‫والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في السلم إذا فقهوا" [‬
‫‪ ]295‬وأمثال ذلك" [‪ ]296‬وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه‬
‫قال‪" :‬ارقبوا محمدا صلى الله عليه وسلم في أهل بيته" [‪]297‬‬
‫فأهل البيت يتولهم جميع المؤمنين ويحبونهم ل كما يزعم‬
‫الروافض أنهم المخصوصون بحب أهل البيت وحدهم أن غيرهم‬
‫هم الذين ظلموهم‪ ،‬فالحقيقة أن الروافض هم الذين ظلموا أهل‬
‫البيت ظلما ل نظير له فهم الذين خذلوهم وغروهم‪ ،‬وتسببوا في‬
‫رد كثير من روايات أهل البيت بسبب ما اشتهر عن أولئك‬
‫الروافض من الكذب على آل البيت‪.‬‬
‫وإضافة إلى ذلك فإن الروافض يحصرون محبتهم في نفر قليل‬
‫من أهل البيت مع أن الصالحين من أهل البيت الذين تبغضهم‬
‫الروافض وتذمهم أكثر عددا من الذين يتظاهرون بحبهم‪.‬‬
‫‪ -2‬أما زوجات النبي صلى الله عليه وسلم رضوان الله عليهن‬
‫أجمعين فيجب علينا أن نحفظ لهن حقهن في الحرمة والحترام‬
‫والتوقير والكرام‪ ،‬والعظام‪ ،‬والمكانة التي جعل الله لهن‪ .‬فلقد‬
‫رفع الله مقامهن وبوأهن أعلى منزلة عند جميع المؤمنين وهي‬
‫منزلة المومة‪ ،‬فجعلهن أمهات في التحريم والحترام فقد قال‬
‫م} [‬ ‫مهَاتُهُ ْ‬ ‫ه أ ُ َّ‬ ‫ج ُ‬
‫َ‬
‫م وَأْزوَا ُ‬ ‫سهِ ْ‬
‫ي أَولَى بال ْمؤ ْمنِين م َ‬
‫ن أن ْ ُف ِ‬ ‫ِ ُ ِ َ ِ ْ‬ ‫تعالى‪{ :‬النَّب ِ ُّ ْ‬
‫‪.]298‬‬
‫قال القرطبي عند تفسيره لهذه الية‪" :‬شرف الله تعالى أزواج‬
‫نبيه صلى الله عليه وسلم بأن جعلهن أمهات المؤمنين‪ ،‬أي في‬
‫وجوب التعظيم والمبرة والجلل وحرمة النكاح على الرجال‪،‬‬
‫وحجبهن رضي الله تعالى عنهن‪ ،‬بخلف المهات" [‪.]299‬‬
‫وكيف ل تكون لهن هذه المنزلة وتلك المكانة وهن اللتي اخترن‬
‫الله ورسوله والدار الخرة عندما نزلت آيتا التخيير قال تعالى‪:‬‬
‫حيَاة َ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ن تُرِد ْ َ‬ ‫ن كُنْت ُ َّ‬ ‫ك إِ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ِ‬ ‫ل لَْزوَا‬‫ي قُ ْ‬‫{يَا أَيُّهَا النَّب ِ ُّ‬
‫َ‬ ‫فَتعالَين أ ُمتِعك ُ َ ُ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ن تُرِد ْ َ‬ ‫ن كُنْت ُ َّ‬ ‫ميل ً وَإ ِ ْ‬ ‫ج ِ‬‫سَراحا ً َ‬
‫َ‬
‫ن َ‬ ‫حك ُ َّ‬ ‫سّرِ ْ‬‫ن وَأ َ‬‫ََ ْ َ َ ّْ ّ‬
‫جراً‬ ‫ن أَ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫منْك َّ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫سنَا ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ه أعَد ّ لِل ُ‬ ‫ن الل َ‬ ‫َ‬ ‫خَرة َ فَإ ِ ّ‬ ‫ه وَالدَّاَر ال ِ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫وََر ُ‬
‫عَظِيماً} [‪.]300‬‬
‫وبعد اختيارهن رضي الله تعالى عنهن الله ورسوله والدار الخرة‬
‫كرمهن الله تبارك وتعالى وكافأهن على اختيارهن أحسن تكريم‬
‫وأعظم مكافأة‪ .‬فكان لهن ما أعد الله لهن من الجر العظيم‪ ،‬ثم‬
‫ميزهن عن نساء العالمين في العذاب والجر‪ ،‬ثم أبانهن منهن‬
‫فقال‪{ :‬يا نساءَ النَبي ل َست َ َ‬
‫ساءِ} [‪ ]301‬يعني في‬ ‫ن الن ِّ َ‬ ‫م َ‬ ‫حدٍ ِ‬ ‫ن كَأ َ‬ ‫ّ ِ ِّ ْ ُ ّ‬ ‫َ ِ َ‬
‫الفضل والشرف‪ ،‬وذلك لما منحهن الله من صحبة نبيه صلى الله‬
‫عليه وسلم وعظيم المحل منه ونزول القرآن في حقهن [‪.]302‬‬
‫ولقد تضمنت سورة الحزاب كثيرا من المور التي أكرم الله بها‬
‫أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مجازاة لهن على حسن‬
‫صنيعهن في اختيارهن لله ورسوله والدار الخرة والمقام هنا ل‬
‫يسمح بالتوسع في ذكر هذه المور‪ ،‬وإنما المقصود تبيين مالهن‬
‫من مكانة عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وسلم‪ .‬فمن‬
‫حقهن علينا أن نحفظ لهن هذه المكانة‪ ،‬وذلك بأن نتولهن‪ ،‬وأن‬
‫نثني عليهن بما ورد من فضائلهن وما كان لهن من دور في‬
‫مؤازرة النبي صلى الله عليه وسلم ونصرته‪ ،‬وما كان لهن من‬
‫دور بعد وفاته في حفظ مسائل الدين ونشرها بين المة‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬ومن أصول أهل السنة والجماعة‬
‫أنهم يتولون أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات‬
‫المؤمنين ويؤمنون بأنهن أزواجه في الخرة‪ ،‬خصوصا خديجة‬
‫رضي الله عنها أم أكثر أولده‪ ،‬وأول من آمن به وعاضده على‬
‫أمره وكان له منها المنزلة العالية‪ .‬والصديقة بنت الصديق رضي‬
‫الله عنهما‪ ،‬التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬فضل‬
‫عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام" [‪.]304[ ]303‬‬
‫فمن الواجب أن ننشر هذه الفضائل ونعلمها‪ ،‬وبخاصة لنسائنا‬
‫حتى يكون لهن في ذلك السوة والقدوة‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬توقيره صلى الله عليه وسلم في أصحابه‬


‫رضوان الله عليهم‬
‫ومن توقيره وبره صلى الله عليه وسلم توقير أصحابه وبرهم‬
‫ومعرفة حقهم والقتداء بهم‪ ،‬وحسن الثناء عليهم‪ ،‬والستغفار‬
‫لهم‪ ،‬والمساك عما شجر بينهم‪ ،‬ومعاداة من عاداهم‪ ،‬والضراب‬
‫عن أخبار المؤرخين‪ ،‬وجهلة الرواة‪ ،‬وضلل الشيعة والمبتدعين‪،‬‬
‫القادحة في أحد منهم‪ ،‬وأن نلتمس لهم فيما نقل عنهم من مثل‬
‫ذلك فيما كان دينهم من الفتن أحسن التأويلت ويخرج لهم‬
‫أصوب الخارج‪ ،‬إذ هم أهل لذلك‪ ،‬ول يذكر أحد منهم بسوء ول‬
‫يغمص [‪ ]305‬عليه أمر‪ ،‬بل تذكر حسناتهم وفضائلهم‪ ،‬وحميد‬
‫سيرتهم‪ ،‬ويسكت عما وراء ذلك [‪.]306‬‬
‫فهم أناس قد اختارهم الله وشرفهم بصحبة نبيه صلى الله عليه‬
‫وسلم وخصهم في الحياة الدنيا بالنظر إلى النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم وسماع حديثه من فمه الشريف وتلقي الشريعة وأمور‬
‫الدين عنه وتبليغ ما بعث الله به رسوله من النور والهدى على‬
‫أكمل الوجوه وأتمها‪ .‬فكان لهم الجر العظيم لصحبتهم رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم والجهاد معه في سبيل الله وأعمالهم‬
‫الجليلة في نشر السلم والدعوة إليه‪ ،‬ولهم من الجر مثل أجور‬
‫من بعدهم لنهم الواسطة بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ومن دعا إلى هدى كان له من الجر مثل أجور من تبعه ل‬
‫ينقص ذلك من أجورهم شيئا‪.‬‬
‫ولقد أوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد والنصرة‬
‫وبذل المهج والموال وقتل الباء والولد والمناصحة في الدين‬
‫وقوة اليمان واليقين‪ ،‬القطع على عدالتهم وأنهم أفضل من‬
‫جميع المعدلين والمزكين الذين يجيؤون بعدهم أبد البدين‪.‬‬
‫ولقد أثنى ربهم عليهم أحسن الثناء ورفع ذكرهم في التوراة‬
‫والنجيل والقرآن ووعدههم المغفرة والجر العظيم فقال تعالى‪:‬‬
‫ل اللَّه والَّذين مع َ‬
‫م‬
‫ماءُ بَيْنَهُ ْ‬‫ح َ‬ ‫شدَّاءُ ع َلَى الْكُفَّارِ ُر َ‬ ‫هأ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ ِ َ َ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫مد ٌ َر ُ‬ ‫ح َّ‬‫م َ‬ ‫{ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م فِي‬ ‫ماهُ ْ‬ ‫سي َ‬ ‫ن الل ّهِ وَرِ ْ‬
‫ضوَانا ً ِ‬ ‫م َ‬ ‫ضل ً ِ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫جدا ً يَبْتَغُو َ‬ ‫س َّ‬ ‫م ُرك ّعا ً ُ‬ ‫تََراهُ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫جود ِ ذَل ِ َ‬ ‫ن أثَرِ ال ُّ‬ ‫َ‬
‫م فِي‬ ‫مثَلهُ ْ‬‫م فِي الت ّوَْراةِ وَ َ‬ ‫مثَلهُ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫س ُ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫جوهِهِ ْ‬ ‫وُ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سوقِهِ‬ ‫ستَوَى ع َلَى ُ‬ ‫ظ فَا ْ‬ ‫ستَغْل َ َ‬ ‫شطْأهُ فَآَزَره ُ فَا ْ‬ ‫ج َ‬ ‫خَر َ‬ ‫ل كََزْرٍع أ ْ‬ ‫جي ِ‬ ‫الِن ْ ِ‬
‫َّ َ‬
‫ملُوا‬ ‫منُوا وَع َ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ه ال ّذِي َ‬ ‫م الْكُفَّاَر وَعَد َ الل ُ‬ ‫ظ بِهِ ُ‬ ‫ب الُّزَّراع َ لِيَغِي َ‬ ‫ج ُ‬ ‫يُعْ ِ‬
‫جرا ً عَظِيماً} [‪ ]307‬وأخبر في آية أخرى‬ ‫َ‬ ‫ال َّ‬
‫مغْفَِرة ً وَأ ْ‬ ‫م َ‬ ‫منْهُ ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫ن الوَّلُو َ‬ ‫برضاه عنهم‪ ،‬ورضاهم عنه فقال‪{ :‬وَال َّ‬
‫م َ‬ ‫ن ِ‬
‫َّ‬
‫سابِقُو َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ه ع َنْهُ ْ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ن َر ِ‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫م بِإ ِ ْ‬ ‫ن اتَّبَعُوهُ ْ‬ ‫صارِ وَال ّذِي َ‬ ‫ن وَالن ْ َ‬ ‫جرِي َ‬ ‫م َها ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬
‫ه} [‪ ]308‬ثم بشرهم بما أعدلهم فقال‪{ :‬وَأعَد َّ لَهُ ْ‬
‫م‬ ‫ضوا ع َن ْ ُ‬ ‫وََر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م}‬ ‫ك الْفَوُْز الْعَظِي ُ‬ ‫ن فِيهَا أبَدا ً ذَل ِ َ‬ ‫خالِدِي َ‬‫َ‬
‫حتَهَا النْهَاُر َ‬ ‫جرِي ت َ ْ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جنَّا ٍ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫ح َ‬ ‫ك تَ ْ‬ ‫ن إِذ ْ يُبَايِعُون َ َ‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه عَ ِ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬لقَد ْ َر ِ‬
‫جَرةِ} [‪ ]309‬وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالعفو عنهم‬ ‫ش َ‬ ‫ال َّ‬
‫م} [‪ ]310‬وأمره‬ ‫ستَغْفِْر لَهُ ْ‬ ‫م وَا ْ‬ ‫ف ع َنْهُ ْ‬ ‫والستغفار لهم فقال‪{ :‬فَاع ْ ُ‬
‫بمشاورتهم تطيبا لقلوبهم‪ ،‬وتنبيها لمن بعدهم من الحكام على‬
‫َ‬
‫ت‬‫م َ‬‫مرِ فَإِذ َا عََز ْ‬ ‫م فِي ال ْ‬ ‫شاوِْرهُ ْ‬ ‫المشاورة في الحكام فقال‪{ :‬وَ َ‬
‫َ‬
‫ل ع َلَى الل ّهِ} [‪.]311‬‬ ‫فَتَوَك َّ ْ‬
‫وندب من جاء بعدهم إلى الستغفار لهم‪ ،‬وأن ل يجعلوا في‬
‫َ‬
‫ن‬‫م يَقُولُو َ‬ ‫ن بَعْدِه ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫جاءُوا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫قلوبهم غل للذين آمنوا َفقال‪{ :‬وَال ّذِي َ‬
‫ل فِي قُلُوبِنَا‬ ‫جعَ ْ‬‫ن وَل ت َ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫سبَقُونَا بِالِي َ‬ ‫ن َ‬ ‫خوَانِنَا ال ّذِي َ‬ ‫فْر لَنَا وَل ِ ْ‬ ‫َربَّنَا اغ ْ ِ‬
‫منُوا َربَّنَا إِن َّ َ‬ ‫َ‬
‫م} [‪.]312‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫ف َر ِ‬ ‫ك َرؤ ُو ٌ‬ ‫نآ َ‬ ‫ِغّل ً لِل ّذِي َ‬
‫وأثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم ونهى عن النيل‬
‫منهم فقد قال صلى الله عليه وسلم‪" :‬ل تسبوا أصحابي‪ ،‬فلو أن‬
‫أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ول نصيفه" [‪ ]313‬كما‬
‫شهدها بكونهم خير أمته التي هي خير المم فقال صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬خير الناس قرني" [‪.]314‬‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم‪" :‬خير أمتي القرن الذي بعثت فيهم"‬
‫[‪ ]315‬فهذه بعض اليات القرآنية والحاديث النبوية الدالة على‬
‫فضل أولئك الخيار الذين اختارهم الله لصحبة نبيه وشرفهم‬
‫بحمل رسالته من بعده والدعوة إلى سبيله ونصرة دينه‪.‬‬
‫فالصحابة كلهم عدول بتعديل الله لهم وثنائه عليهم وثناء رسوله‬
‫صلى الله عليه وسلم قال النووي‪" :‬الصحابة كلهم عدول من‬
‫لبس الفتن وغيرهم بإجماع من يعتد به" [‪]316‬‬
‫وقال ابن حجر‪" :‬اتفق أهل السنة على أن الجميع عدول ولم‬
‫يخالف في ذلك إل شذوذ من المبتدعة" [‪.]317‬‬
‫وعن أبي زرعة قال‪" :‬إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق‪ ،‬وذلك أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا حق‪ ،‬والقرآن حق‪ ،‬وإنما‬
‫أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة‬
‫والجرح بهم أولى وهم زنادقة" [‪.]318‬‬
‫ومذهب أهل السنة والجماعة في الصحابة وسط بين الفراط‬
‫والتفريط فليسوا من المفرطين الغالين الذين يرفعون من‬
‫يعظمون منهم إلى مال يليق إل بالله أو برسله‪ .‬وليسوا من‬
‫المفرطين الجافين الذين ينتقصونهم ويسبونهم فهم وسط بين‬
‫الغلة والجفاة‪.‬‬
‫ويحبونهم جميعا وينزلونهم منازلهم التي يستحقونها بالعدل‬
‫والنصاف فل يرفعونهم إلى مال يستحقون‪ ،‬ول يقصرون بهم عما‬
‫يليق بهم‪ ،‬فألسنتهم رطبة بذكرهم بالجميل اللئق بهم‪ ،‬وقلوبهم‬
‫عامرة بحبهم‪ ،‬وما صح فيما جرى بينهم من خلف فهم فيه‬
‫مجتهدون إما مصيبون ولهم أجر الجتهاد وأجر الصابة‪ ،‬وإما‬
‫مخطئون ولهم أجر الجتهاد وخطؤهم مغفور‪ ،‬وليسوا معصومين‪،‬‬
‫بل هم بشر يصيبون ويخطون‪ ،‬ولكن ما أكثر صوابهم بالنسبة‬
‫لصواب غيرهم‪ ،‬وما أقل خطأهم إذا نسب إلى خطأ غيرهم ولهم‬
‫من الله المغفرة والرضوان‪.‬‬
‫وكتب أهل السنة مليئة ببيان هذه العقيدة الصافية النقية في حق‬
‫هؤلء الصفوة المختارة من البشر لصحبة خير البشر صلى الله‬
‫عليه وسلم ورضي الله عنهم أجمعين [‪.]319‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬حفظ حرمة المدينة النبوية‬


‫إن من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم تعظيم المدينة النبوية‬
‫[‪ ]320‬التي هي دار المصطفى ومهاجره‪ ،‬فقد اختارها الله لنبيه‬
‫صلى الله عليه وسلم قرارا‪ ،‬وجعل أهلها شيعة له وأنصارا‪ .‬وهي‬
‫التي‪ ،‬انتشر منها دين الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم‬
‫حتى وصل مشارق الرض ومغاربها‪.‬‬
‫وهي التي ورد في فضلها وتعظيم شأنها وتحريمها وفضل بعض‬
‫البقاع فيها الكثير من الحاديث الثابتة الصحيحة والتي أورد بعضا‬
‫منها ههنا على سبيل المثال ل الحصر‪.‬‬
‫فعن سفيان بن أبي زهير [‪ ]321‬رضي الله عنه أنه قال‪ :‬سمعت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪" :‬تفتح اليمن فيأتي قوم‬
‫يبسون [‪ ]322‬فيتحملون بأملهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو‬
‫كانوا يعلمون‪.‬‬
‫وتفتح الشام‪ ،‬فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهلهم ومن أطاعهم‬
‫والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون‪.‬‬
‫وتفتح العراق‪ ،‬فيأتي قوم يبسون‪ ،‬فيتحملون بأهلهم ومن أطاعهم‬
‫والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون" [‪.]323‬‬
‫وعن عبد الله بن زيد بن عاصم [‪ ]324‬أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قال‪" :‬إن إبراهيم حرم مكة ودعا لهلها وإني حرمت‬
‫المدينة كما حرم إبراهيم مكة‪ ،‬وإني دعوت في صاعها ومدها‬
‫تمثلي ما دعا به إبراهيم لهل مكة" [‪.]325‬‬
‫وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" :‬إني أحرم ما بين لبتي المدينة أن يقطع‬
‫عضاهها أو يقتل صيدها" وقال‪" :‬المدينة خير لهم لو كانوا‬
‫يعلمون‪ ،‬ل يدعها أحد رغبة عنها إل أبدل الله فيها من هو خير‬
‫منه‪ ،‬ول يثبت أحد على لوائها وجهدها إل كانت له شفيعا أو‬
‫شهيدا يوم القيامة" [‪.]326‬‬
‫وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال‪ :‬كان الناس إذا رأوا أول‬
‫الثمر جاؤا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا أخذه رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬اللهم بارك لنا في ثمرنا وبارك‬
‫لنا في مدينتنا وبارك لنا في صاعنا وبارك لنا في مدنا اللهم إن‬
‫إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك وإني عبدك ونبيك وإنه دعاك لمكة‬
‫وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكة ومثله معه قال ثم يدعو‬
‫أصغر وليد له فيعطه ذلك الثمر" [‪ .]327‬وعن أبي هريرة رضي‬
‫الله عنه أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬المدينة حرم‬
‫فمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملئكة‬
‫والناس أجمعين ل يقبل منه يوم القيامة عدل ول صرف" [‪.]328‬‬
‫وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‪:‬‬
‫"إن اليمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها" [‪.]329‬‬
‫وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال‪ :‬سمعت النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم يقول‪" :‬ل يكيد أهل المدينة أحد إل انماع كما‬
‫ينماع الملح في الماء" [‪.]330‬‬
‫وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم "صلة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلة فيما‬
‫سواه‪ ،‬إل المسجد الحرام" [‪ .]331‬وعنه رضي الله عنه عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬ما بين بيتي ومنبري روضة من‬
‫رياض الجنة‪ ،‬ومنبري على حوضي" [‪.]332‬‬
‫والحاديث في فضل المدينة كثيرة ومتنوعة‪ ،‬ولقد أفرد البخاري‬
‫في صحيحه كتابا لفضائل المدينة‪ ،‬وكذا مسلم في صحيحه قد‬
‫أورد في آخر كتاب الحج العديد من الحاديث الواردة في شأن‬
‫المدينة‪ ،‬وكذا الحال عند أصحاب السنن والمسانيد‪.‬‬
‫والمقصود من تعظيم المدينة هو تعظيم حرمها وهذا أمر واجب‬
‫في حق من سكن بها أو دخل فيها‪ ،‬مع ما يجب على ساكنيها من‬
‫مراعاة حق المجاورة وحسن التأدب فيها وذلك لما لها من‬
‫المنزلة والمكانة عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫فإنها من المواطن التي عمرت بالوحي والتنزيل‪ ،‬واشتملت‬
‫تربتها على جسد سيد البشر وانتشر عنها من دين الله وسنن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ما انتشر‪ ،‬فهي مشاهد‬
‫الفضائل والخيرات ومعاهد البراهين والمعجزات‪.‬‬
‫فحري بمن أكرمه الله بالقامة فيها أن يتزود فيها من العمال‬
‫الصالحة التي تنفعه بعد الموت‪ ،‬وأن يحذر من الوقوع فيها بما‬
‫يسخط الله عز وجل‪ .‬وفيما سبق ذكره من الحاديث خير شاهد‬
‫على فضل سكناها والترغيب في الكثار من العمل الصالح فيها‪،‬‬
‫والتحذير من الساءة والمعصية والفساد فيها‪.‬‬

‫________________________________________‬
‫[‪ ]1‬الية (‪ )113‬من سورة النساء‪.‬‬
‫[‪ ]2‬الية (‪ )253‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫[‪ ]3‬الية (‪ )81‬من سورة آل عمران‪.‬‬
‫[‪ ]4‬أخرجهما ابن جرير في تفسيره (‪ )332 /3‬وأوردهما ابن كثير‬
‫في تفسيره (‪.)378 /1‬‬
‫[‪ ]5‬تفسير ابن كثير (‪.)378 /1‬‬
‫[‪ ]6‬الية (‪ )146‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫[‪ ]7‬الية (‪ )157‬من سورة العراف‪.‬‬
‫[‪ ]8‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب كراهية‬
‫السخب في السواق‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )342 /4‬ح ‪2125‬‬
‫[‪ ]9‬تقدم تخريجه ص ‪74‬‬
‫[‪ ]10‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب اليمان‪ ،‬باب قول النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" :‬أنا أول الناس يشفع في الجنة" ‪1/130‬‬
‫[‪ ]11‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب اليمان‪ ،‬باب في قول‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬أنا أول الناس يشفع في الجنة وأنا‬
‫أكثر النبياء تبعا" (‪.)130/‬‬
‫[‪ ]12‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الطب‪ ،‬باب من اكتوى‬
‫أو كوى غيره فتح الباري (‪ )155 /10‬ح ‪ ،5705‬وأخرجه مسلم في‬
‫صحيحه‪ ،‬كتاب اليمان‪ ،‬باب الدليل على دخول طوائف من‬
‫المسلمين الجنة بغير حساب ول عذاب (‪.)138 /1‬‬
‫[‪ ]13‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب العلم‪ ،‬باب من سن سنة‬
‫حسنة أو سيئة ومن دعا إلى هدى أو ضللة‪ .‬انظر (‪)8/62‬‬
‫[‪ ]14‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الرقاق‪ ،‬باب الحشر‪.‬‬
‫فتح الباري (‪ )378 /11‬ح ‪ ،6528‬وأخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب‬
‫اليمان‪ ،‬باب كون هذه المة نصف أهل الجنة (‪)139-1/138‬‬
‫[‪ ]15‬بداية السول في تفضيل الرسول (ص ‪.)46 ،44‬‬
‫[‪ ]16‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب مناقب النصار‪ ،‬باب‬
‫المعراج‪ ،‬انظر‪ :‬فنح الباري (‪ .)202 -201 /7‬وأخرجه مسلم في‬
‫صحيحه‪ ،‬كتاب اليمان‪ ،‬باب السراء برسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم إلى السموات وفرض الصلوات ‪)104 /11‬‬
‫[‪ ]17‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب المناقب‪ ،‬باب صفة‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )566 /6‬ح ‪3557‬‬
‫[‪ ]18‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الشهادات‪ ،‬باب ل يشهد‬
‫على شهادة جور إذا أشهد‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )259 /6‬ح ‪،2652‬‬
‫وأخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كثاب فضائل الصحابة‪ ،‬باب فضل‬
‫الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم (‪.)184 /7‬‬
‫[‪ ]19‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب فضائل الصحابة باب فضل‬
‫الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم (‪)186 /7‬‬
‫[‪ ]20‬اليات (‪ )3 ،2 ،1‬من سورة الفتح‪.‬‬
‫[‪ ]21‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب التفسير‪ ،‬باب قول الله‬
‫شكُوراً}‪ .‬انظر‪:‬‬‫ن ع َبْدا ً َ‬ ‫ح إِن َّ ُ‬
‫ه كَا َ‬ ‫ملْنَا َ‬
‫معَ نُو ٍ‬ ‫ح َ‬
‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫عز وجل‪{ :‬ذُّرِي َّ َ‬
‫ة َ‬
‫فتح الباري (‪ )395 /8‬ح ‪ ،4712‬وأخرجه مسلم في صحيحه كتاب‬
‫اليمان‪ ،‬باب أدنى أهل الجنة منزلة (‪.)128 ،127 /1‬‬
‫[‪ ]22‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب اليمان‪ ،‬باب أدنى أهل‬
‫الجنة منزلة (‪.)134-1/133‬‬
‫[‪ ]23‬عبد العزيز بن عبد السلم السلمي الدمشقي الملقب‬
‫بسلطان العلماء فقيه شافعي بلغ رتبة الجتهاد وله مؤلفات‬
‫توفي سنة ‪660‬هـ‪ .‬العلم (‪.)4/21‬‬
‫[‪ ]24‬بداية السول (ص ‪.)36 -35‬‬
‫[‪ ]25‬الية (‪ )4‬من سورة الشرح‪.‬‬
‫[‪ ]26‬الية ‪ )721‬من سورة الحجر‪.‬‬
‫[‪ ]27‬بداية السرل (ص ‪.)37‬‬
‫[‪ ]28‬اليات (‪ )70 ،65 ،64‬من سورة النفال ومواضع أخرى‪.‬‬
‫[‪ ]29‬الية (‪ )67 ،41‬من سورة المائدة‬
‫[‪ ]30‬الية (‪ )35‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫[‪ ]31‬الية (‪ )110‬من سورة المائدة‬
‫[‪ ]32‬الية (‪ )30‬من سورة القصص‬
‫[‪ ]33‬الية (‪ )48‬من سورة هود‪.‬‬
‫[‪ ]34‬الية (‪ )26‬من سورة ص‪.‬‬
‫[‪ ]35‬الية (‪ )105‬من سورة الصافات‬
‫[‪ ]36‬الية (‪ )81‬من سورة هود‪.‬‬
‫[‪ ]37‬الية (‪ )7‬من سورة مريم‪.‬‬
‫[‪]38‬الية (‪ )12‬من سورة مريم‪.‬‬
‫[‪ )10( ]39‬غاية السول (ص ‪.)38‬‬
‫[‪ ]40‬الية (‪ )63‬من سورة النور‪.‬‬
‫[‪ ]41‬سعيد بن جبير السدي‪ ،‬بالولء‪ ،‬الكوفي‪ ،‬تابعي‪ ،‬أخذ العلم‬
‫من ابن عباس وابن عمر‪ ،‬ثقة‪ ،‬ثبت‪ ،‬فقيه‪ ،‬إمام حجة‪ ،‬قتل بين‬
‫يدي الحجاج سنة خمس وتسعين‪ .‬تهذيب التهذيب (‪)14 -11 /4‬‬
‫[‪ ]42‬تفسير ابن كثير (‪.)306 /3‬‬
‫[‪ ]43‬الية (‪ )2‬من سورة الحجرات‪.‬‬
‫[‪ ]44‬هو ثابت بن قيس بن شماس النصاري الخزرجي‪ ،،‬خطيب‬
‫النصار شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة‪ ،‬شهد أحدا‬
‫وما بعدها‪ ،‬قتل يوم اليمامة‪ .‬الصابة (‪.)197 /1‬‬
‫[‪ ]45‬موسى بن أنس بن مالك النصاري‪ ،‬قاضي البصرة‪ ،.‬تابعي‪،‬‬
‫ثقة قليل الحديث‪.‬‬
‫[‪ ]46‬أخرجه البخاري في صحيحه كتاب التفسير‪ ،‬باب "ل ترفعوا‬
‫أصواتهم فوق صوت النبي"‪ .‬انظر فتح الباري (‪4846 )590 /8‬‬
‫[‪ ]47‬هو عبد الله بن الزبير بن العوام‪ ،‬ولد عام الهجرة‪ ،‬وحنكه‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ودعا له‪ ،‬وكان أول مولود في‬
‫السلم بالمدينة وكان شهما فصيحا‪ ،‬رقد بويع له بالخلفة بعد‬
‫موت‪-‬يزيد بن معاوية فبقى ثمان سنوات حتى قتل في أيام عبد‬
‫الملك سنة ثلث وسبعين للهجرة‪ .‬الصابة (‪.)303 --301 /2‬‬
‫[‪ ]48‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب التفسبر‪ ،‬باب "ل ترفعوا‬
‫أصواتكم فوق صوت النبي"‪ .‬فتح الباري (‪ )590 /8‬ح ‪4845‬‬
‫[‪ ]49‬اليتان (‪ )13 ،12‬من سورة المجادلة‪.‬‬
‫[‪ ]50‬تقدم تخريجه ص ‪74‬‬
‫[‪ ]51‬تقدم تخريجه ص ‪.80‬‬
‫[‪ ]52‬بداية السول في تفضيل الرسول (ص ‪.)41‬‬
‫[‪ ]53‬المصدر السابق (ص ‪)42 -41‬‬
‫[‪ ]54‬عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان النصاري‪ ،‬تابعي ثقة‪،‬‬
‫كثير الحديث‪ ،‬وكان له علم بالمغازي والسيرة‪ ،‬توفي سنة‬
‫عشرين ومائة تهذيب التهذيب (‪.)34 -53 /5‬‬
‫[‪ ]55‬عمر بن قتادة بن النعمان النصاري‪ ،‬روى عن أبيه وله‬
‫صحبة تهذيب التهذيب (‪)7/489‬‬
‫[‪ ]56‬قتادة بن النعمان بن زيد الوسي ثم الظفري النصاري‪،‬‬
‫صحابي جليل شهد بدرا وما بعدها ومات في خلفة عمر فصلى‬
‫عليه ونزل في قبره وعاش خمسا وستين سنة‪ .‬الصابة ‪-217 /31‬‬
‫‪.)218‬‬
‫[‪ ]57‬أخرجه أبو نعيم في دلئل النبرة (ص ‪ )418‬وأخرجه البيهقي‬
‫في دلئل النبرة أيضا (‪ .)252 -251 /3‬وأورده الهيثمي في مجمع‬
‫الزوائد (‪ )298 ،297 /8‬وعزاه لبى يعلى وقال في إسناده يحى بن‬
‫عبد الحميد الحماني وهو ضعيف وقال اللباني في حاشية كتاب‬
‫بداية السول (ص ‪ )42‬ولكنه عند أبي نعيم من طريقين آخرين‬
‫فهو يتقوى بهما"‪ .‬والحديث أورده ابن كثير في البداية (‪.)34 ،33 /4‬‬
‫والسيوطي في الخصائص الكبرى (‪ )359 /1‬وعزاه لبن سعد‬
‫والبيهقي وأبي نعيم‪.‬‬
‫[‪ ]58‬انظر‪ :‬دلئل النبوة لبي نعيم الصبهاني (ص ‪)550 -512‬‬
‫ودلئل النبوة للبيهقي الجزء السادس‪ ،‬والخصائص الكبرى‬
‫للسيوطي (‪.)314 -304 /2‬‬
‫[‪ ]59‬آداب الشافعي ومناقبه لبن أبي حاتم (ص ‪.)83‬‬
‫[‪ ]60‬الخصائص الكبرى (‪.)304 /2‬‬
‫[‪ ]61‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الفضائل‪ ،‬باب تفضبل نبينا‬
‫صلى الله عليه وسلم على جميع الخلئق (‪.)59 /7‬‬
‫[‪ ]62‬بداية السول في تفضيل الرسول (ص ‪.)34‬‬
‫[‪ ]63‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب النبياء‪ ،‬باب‪ ،‬قول الله‬
‫َ‬
‫مهِ} انظر فتح الباري (‪)371 /6‬‬ ‫سلْنَا نُوحا ً إِلَى قَوْ ِ‬
‫عز وجل {وَلَقَد ْ أْر َ‬
‫ح ‪ 3340‬واللفظ له‪ .‬وأخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب اليمان‪،‬‬
‫باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها (‪.)128 ،127 /1‬‬
‫[‪ ]64‬مجموع الفتاوى (‪.)145 /1‬‬
‫[‪ ]65‬أخرجه مسلم فى صحيحه كتاب اليمان‪ ،‬باب في أول النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" :‬أنا أول الناس يشفع في الحنة وأنا أكثر‬
‫النبياء تبعا" (‪.)130 /1‬‬
‫[‪ ]66‬أخرجه الحاكم في مستدركه( ‪ )30 /‬وصححه وقال على‬
‫شرط الشيخين ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫[‪ ]67‬أخرجه أحمد في مسنده (‪ .)3/2‬وأخرجه الترمذى في سننه‪،‬‬
‫كتاب المناقب‪ ،‬باب فضل النبي صلى الله عليه وسلم (‪ )587 /5‬ح‬
‫‪ 3615‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪ .‬وأخرجه ابن ماجه في سننه‪،‬‬
‫كتاب الزهد‪ ،‬باب في الشفاعة (‪ )1440 /2‬ح ‪.4308‬‬
‫[‪ ]68‬غاية السول (ص ‪.)35‬‬
‫[‪ ]69‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬واللفظ له‪ ،‬كتاب الذان‪ ،‬باب‬
‫فضل السجود‪ ،‬انظر فتح الباري (‪ )293 ،292 /2‬ح ‪ ،806‬وأخرجه‬
‫مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب اليمان‪ ،‬باب معرفة طريق الرؤية (‪/1‬‬
‫‪.)113‬‬
‫[‪ ]70‬أخرجهما مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب اليمان‪ ،‬باب قول النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" :‬أنا أول الناس يشفع في الجنة" (‪)130 /1‬‬
‫[‪ ]71‬أخرجهما مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب اليمان‪ ،‬باب قول النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" :‬أنا أول الناس يشفع في الجنة" (‪)130 /1‬‬
‫[‪ ]72‬الية (‪ )110‬من سورة آل عمران‪.‬‬
‫[‪ ]73‬الية (‪ )143‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫[‪ ]74‬الية (‪ )78‬من سورة الحج‪.‬‬
‫[‪ ]75‬معاوية بن حيدة بن معاوية القشيري‪ ،‬له وفادة وصحبة‪،‬‬
‫وقال البخاري "سمع النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وتوفي‬
‫بخرسان‪ .‬الصابة (‪.)412 /3‬‬
‫[‪ ]76‬أخرجه أحمد في المسند (‪ -3 /5( )448 ،447 ،446 /4‬ه)‬
‫والترمذي في سننه‪ ،‬كتاب التفسير‪ ،‬تفسير سورة آل عمران (‪/5‬‬
‫‪ )226‬ح ‪ 3501‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن‪ .‬وأخرجه ابن ماجة في‬
‫السنن كتاب الزهد‪ ،‬باب صفة أمة محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫انظر (‪ )1433 /2‬والحاكم قي المستدرك (‪ )4/84‬وصححه ووافقه‬
‫الذهبي‪ .‬والدارمي في السنن (‪ )221 /2‬ح ‪ ،2763‬وحسنه اللباني في‬
‫المشكاة (‪.)6285‬‬
‫[‪ ]77‬المسند (‪.)3/61‬‬
‫[‪ ]78‬أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الجارة باب الجارة من‬
‫العصر إلى الليل‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )448 ،4/447‬ح ‪.2271‬‬
‫[‪ ]79‬اليتان (‪ )29 28‬من سورة الحديد‪.‬‬
‫[‪ ]80‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب فرض‬
‫الجمعة واللفظ له‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )354 /2‬ح ‪ 876‬وأخرجه‬
‫مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب هداية هذه المة ليوم‬
‫الجمعة (‪.)6 /3‬‬
‫[‪ ]81‬أخرجه مسل!م في صحيحه‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب هداية هذه‬
‫المة ليوم الجمعة (‪.)7 /3‬‬
‫[‪ ]82‬أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب اليمان‪ ،‬باب‬
‫معرفة طريق الرؤية‪ .‬انظر (‪)1/113‬‬
‫[‪ ]83‬أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب‬
‫هداية هذه المة ليوم الجمعة (‪)3/6‬‬
‫[‪ ]84‬أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب اليمان‪ ،‬باب‬
‫أدنى أهل الجنة منزلة فيها (‪.)129 -127 /1‬‬
‫[‪ ]85‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الرقاق‪ ،‬باب في‬
‫الحوض‪ .‬فتح الباري (‪ )463 /11‬ح ‪ ،6576‬وأخرجه مسلم في صحيحه‪،‬‬
‫كتاب الطهارة‪ ،‬باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء‬
‫(‪.)151 -150 /1‬‬
‫[‪ ]86‬الية (‪ )9‬من سورة الفتح‪.‬‬
‫[‪ ]87‬الية (‪ )157‬من سورة العراف‪.‬‬
‫[‪ ]88‬مقاييس اللغة (‪.)311 /4‬‬
‫[‪ ]89‬النهاية (‪.)228 /3‬‬
‫[‪ ]90‬تهذيب اللغة (‪ )130 -129 /2‬بتصرف‪.‬‬
‫[‪ ]91‬تفسير الطبري (‪.)85 /9‬‬
‫[‪ ]92‬تفسير الطبري (‪.)85 /9‬‬
‫[‪ ]93‬تفسير الطبري (‪.)75 /26‬‬
‫[‪ ]94‬تفسير الطبري (‪.)85 /9‬‬
‫[‪ ]95‬تفسير الطري (‪)75 /26‬‬
‫[‪ ]96‬الصارم المسلول (ص ‪.)422‬‬
‫[‪ ]97‬معجم مقاييس اللغة (‪)132 /6‬‬
‫[‪ ]98‬تهذيب اللغة (‪)280 /9‬‬
‫[‪ ]99‬لسان العرب (‪.)291 /5‬‬
‫[‪ ]100‬تفسير الطبري (‪.)74 /26‬‬
‫[‪ ]101‬تفسير الطبري (‪.)74 /26‬‬
‫[‪ ]102‬تفسير الطبري (‪.)75 /26‬‬
‫[‪ ]103‬تفسير الطبري (‪.)75 /26‬‬
‫[‪ ]104‬الصارم المسلول (ص ‪)422‬‬
‫[‪ ]105‬تفسير ابن كثير (‪)4/185‬‬
‫[‪ ]106‬لسان العرب (‪)411-12/410‬‬
‫[‪ ]107‬انظر المنهاج في شعب اليمان للحليمي (‪ )124 /2‬الشعبة‬
‫الخامسة عشرة‪ .‬وكذلك الجامع في شعب اليمان للبيهقي (‪/1‬‬
‫‪ )300‬الشعبة الخامسة عشرة‪.‬‬
‫[‪ ]108‬المنهاج في شعب اليمان للحليمي (‪.)124 /2‬‬
‫[‪ ]109‬المعنى المقصود هنا‪ :‬أنه يجوز أن يبعث الله رسول ول‬
‫يوجب له هذا الحق بخلف اليمان والتباع فإنهما من لوازم‬
‫الرسالة‪.‬‬
‫[‪ ]110‬الية (‪ )9‬من سورة الفتح‪.‬‬
‫[‪ ]111‬الية (‪ )157‬من سورة العراف‪.‬‬
‫[‪ ]112‬المنهاج في شعب اليمان (‪" )125 /2‬بتصرف"‪.‬‬
‫[‪ ]113‬الحسين بن الحسن بن محمد بن حليم البخاري الجرجانى‪،‬‬
‫فقيه شافعي‪ ،‬قاضي‪ ،‬كان رئيس أهل الحديث في ما وراء النهر‪،‬‬
‫توفي في بخارى سنة ‪403‬هـ وله كتاب المنهاج في شعب اليمان‪.‬‬
‫العلم (‪.)235 /2‬‬
‫[‪ ]114‬المنهاج في شعب اليمان (‪ )125 -124‬والجامع لشعب‬
‫اليمان (‪.)303 -302‬‬
‫[‪ ]115‬الية (‪ )63‬من سورة النور‪.‬‬
‫[‪ ]116‬تفسير الطبري (‪.)18/177‬‬
‫[‪ ]117‬تفسير الطبري (‪.)18/177‬‬
‫[‪ ]118‬تفسير الطبري (‪.)18/177‬‬
‫[‪ ]119‬الية (‪ )28‬من سورة الحزاب‪.‬‬
‫[‪ ]120‬الية (‪ )50‬من سورة الحزاب‪.‬‬
‫[‪ ]121‬الية (‪ )1‬من سورة الحزاب‪.‬‬
‫[‪ ]122‬الية (‪ )45‬من سورة الحزاب‬
‫[‪ ]123‬الية (‪ )1‬من سورة الطلق‪.‬‬
‫[‪ ]124‬الية (‪ )1‬من سورة التحريم‪.‬‬
‫[‪ ]125‬الية (‪ )67‬من سورة المائدة‪.‬‬
‫[‪ ]126‬اليتان (‪ )2 ،1‬من سورة المزمل‬
‫[‪ ]127‬اليتان (‪ )2 ،1‬من سورة المدثر‬
‫[‪ ]128‬الية (‪ )64‬من سورة النفال‬
‫[‪ ]129‬الية (‪ )35‬من سورة البقرة‬
‫[‪ ]130‬الية (‪ )33‬من سورة البقرة‬
‫[‪ ]131‬الية (‪ )46‬من سورة هود‬
‫[‪ ]132‬الية (‪ )76‬من سورة هود‬
‫[‪ ]133‬الية (‪ )144‬من سورة العراف‬
‫[‪ ]134‬الية (‪ )26‬من سورة ص‪.‬‬
‫[‪ ]135‬الية (‪ )110‬من سورة المائدة‬
‫[‪ ]136‬الصارم المسلول (ص ‪)423 -422‬‬
‫[‪ ]137‬الية (‪ )63‬من سورة النور‬
‫[‪ ]138‬الية (‪ )35‬من سورة البقرة‬
‫[‪ ]139‬الية (‪ )48‬من سورة هود‬
‫[‪ ]140‬اليتان (‪ )12 ،11‬من سورة طه‬
‫[‪ ]141‬الية (‪ )55‬من سورة آل عمران‬
‫[‪ ]142‬الية (‪ )64‬من سورة النفال‬
‫[‪ ]143‬الية (‪ )41‬من سورة المائدة‬
‫[‪ ]144‬الية (‪ )67‬من سورة المائدة‬
‫[‪ ]145‬الية (‪ )1‬من سورة المزمل‬
‫[‪ ]146‬الية (‪ )1‬من سورة المدثر‬
‫[‪ ]147‬الية (‪ )40‬من سورة الحزاب‬
‫[‪ ]148‬الية (‪ )29‬من سورة الفتح‬
‫[‪ ]149‬الية (‪ )144‬من سورة آل عمران‬
‫[‪ ]150‬الية (‪ )2‬من سورة محمد‬
‫[‪ ]151‬درء تعارض العقل والنقل (‪)298 ،1/297‬‬
‫[‪ ]152‬اليات من (‪ 1‬إلى ‪ )5‬من سورة الحجرات‬
‫[‪ ]153‬أخرجه المام أحمد فى مسنده (‪.)242 ،236 ،230 /5‬وأبو داود‬
‫في سننه‪ ،‬كتاب القضية‪ ،‬باب اجتهاد الرأي في القضاء (‪ )18 /4‬ح‬
‫‪ .3592‬والترمذي في سننه‪ ،‬كتاب الحكام‪ ،‬باب القاضي كيف‬
‫يقضي (‪ )3/616‬ح ‪ .1327‬وابن ماجة في سننه‪ ،‬المقدمة‪ ،‬باب اجتناب‬
‫الرأي والقياس بنحوه (‪.)21 /1‬‬
‫[‪ ]154‬تفسير ابن كثير (‪.)205 /4‬‬
‫[‪ ]155‬المنهاج في شعب اليمان (‪)127 /2‬‬
‫[‪ ]156‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب المغازي‪ ،‬باب حجة‬
‫الوداع واللفظ له‪ .‬انظر فتح الباري (‪ )108 /8‬ح ‪4406‬‬
‫[‪ ]157‬الية (‪ )2‬من سورة الحجرات‬
‫[‪ ]158‬عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة زهير بن عبد الله بن‬
‫جدعان التيمي المكي‪ ،‬تابعي ثقة‪ ،‬كان قاضيا لبن الزبير ومؤذنا‬
‫له‪ .‬مات سنة (‪17‬هـ) وقيل (‪18‬هـ) تهذيب التهذيب (‪)307 -306 /5‬‬
‫[‪ ]159‬القرع بن حابس بن عقال بن محمد بن سفيان التميمي‬
‫المجاشعي الدارمي‪ ،‬وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وشهد‬
‫فتح مكة وحنينا والطائف‪ ،‬وهو من المؤلفة قلوبهم‪ ،‬وقد حسن‬
‫إسلمه‪ ،‬وكان شريفا في الجاهلية والسلم وشارك في‬
‫الفتوحات‪ ،‬وقيل إنه قتل في اليرموك في عشرة من بنيه الصابة‬
‫(‪)73 -72 /1‬‬
‫[‪ ]160‬نافع بن عمر بن عبد الله الجمحي الحافظ المكي‪ ،‬كان من‬
‫أثبت الناس‪ ،‬روى عن ابن أبي مليكة وغيره‪ ،‬مات سنة تسع‬
‫وستين ومائة‪ .‬تهذيب التهذيب (‪)401 /10‬‬
‫[‪ ]161‬هو‪ :‬عبد الله بن الزبير رضي الله عنه وقد تقدم ترجمته‬
‫[‪ ]162‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب التفسير‪ ،‬تفسير سورة‬
‫الحجرات‪.‬‬
‫انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )590 /8‬خ ‪4845‬‬
‫[‪ ]163‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الصلة‪ ،‬باب رفع‬
‫الصوت في المسجد‪.‬‬
‫انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )560 /1‬خ ‪.470‬‬
‫[‪ ]164‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الرقاق‪ ،‬باب حفظ‬
‫اللسان‪.‬فتح الباري (‪ )308 /1 1‬ح ‪6478‬‬
‫[‪ ]165‬تفسير ابن كثير (‪)206 -205 /4‬‬
‫[‪ ]166‬الكشاف (‪)555 ،554 /3‬‬
‫[‪ ]167‬كتاب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم منهج‬
‫ورسالة تأليف محمد الصادق إبراهيم عرجون (‪)333 /4‬‬
‫[‪ ]168‬تفسير ابن كثير (‪)208 /4‬‬
‫[‪ ]169‬في ظلل القرآن لسيد قطب (‪ )3340 /6‬بتصرف يسير‬
‫[‪ ]170‬المنهاج في شعب اليمان (‪)128 /2‬‬
‫[‪ ]171‬الية (‪ )120‬من سورة التوبة‬
‫[‪ ]172‬المنهاج في شعب اليمان (‪)126 /2‬‬
‫الية (‪ )53‬من سورة الحزاب‬ ‫[‪]173‬‬
‫الية (‪ )56‬من سورة الحزاب‬ ‫[‪]174‬‬
‫الية (‪ )53‬من سورة الحزاب‬ ‫[‪]175‬‬
‫الية (‪ )53‬من سورة الحزاب‬ ‫[‪]176‬‬
‫الية (‪ )56‬من سورة الحزاب‬ ‫[‪]177‬‬
‫الصلت والبشر في الصلة على خير البشر (ص ‪)20 -19‬‬ ‫[‪]178‬‬
‫اليتان (‪ )58-57‬من سورة الحزاب‬ ‫[‪]179‬‬
‫الية (‪ )24‬من سورة التوبة‬‫[‪]180‬‬
‫الية (‪ )132‬من سورة آل عمران‬ ‫[‪]181‬‬
‫الية (‪ )62‬من سورة التوبة‬‫[‪]182‬‬
‫الية (‪ )10‬من سورة الفتح‬‫[‪]183‬‬
‫الية (‪ )1‬من سورة النفال‬ ‫[‪]184‬‬
‫الية (‪ )13‬من سورة النفال‬ ‫[‪]185‬‬
‫الية (‪ )20‬من سورة المجادلة‬ ‫[‪]186‬‬
‫الية (‪ )63‬من سورة التوبة‬‫[‪]187‬‬
‫الية (‪ )14‬من سورة النساء وآيات أخر‬ ‫[‪]188‬‬
‫الصارم المسلول (ص ‪)41 -40‬‬ ‫[‪]189‬‬
‫الصارم المسلول (ص ‪)394-393‬‬ ‫[‪]190‬‬
‫الية (‪ )104‬من سورة البقرة‬‫[‪]191‬‬
‫الخفة والحماقة‬‫[‪]192‬‬
‫الشفا (‪)2/591‬‬
‫[‪]193‬‬
‫الية (‪ )53‬من سورة الحزاب‬ ‫[‪]194‬‬
‫الصارم المسلول (ص ‪)59‬‬ ‫[‪]195‬‬
‫الركي‪ :‬جنس للركية‪ ،‬وهي البئر‪ ،‬وجمعها ركايا‪ .‬النهاية (‬ ‫[‪]196‬‬
‫‪)2/261‬‬
‫[‪ ]197‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب التوبة‪ ،‬باب براءة حرم النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم من الريبة (‪)119 /8‬‬
‫[‪ ]198‬الصارم المسلول (ص ‪)60 -59‬‬
‫[‪ ]199‬المصدر السابق (ص ‪)433‬‬
‫[‪ ]200‬الية (‪ )6‬من سورة الحزاب‬
‫[‪ ]201‬اليتان (‪ )63 ،62‬من سورة النور‬
‫[‪ ]202‬الية (‪ )62‬من سورة النور‬
‫[‪ ]203‬الكشاف (‪ )78 /3‬بتصرف يسير‬
‫[‪ ]204‬الية (‪ )157‬من سورة العراف‬
‫[‪ ]205‬شعب اليمان للبيهقي‪ ،‬شعبة التعظيم (‪)303 ،302 /1‬‬
‫[‪ ]206‬اليتان (‪ )9 ،8‬من سورة الفتح‬
‫[‪ ]207‬بغية المرتاد (ص ‪)504‬‬
‫[‪ ]208‬عروة بن مسعود الثقفي‪ ،‬كان أحد الكابر في قومه‪،‬‬
‫وكانت له اليد البيضاء في تقرير صلح الحديبية‪ ،‬اتبع أثر النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم لما انصرف من الطائف فأسلم‪ ،‬واستأذنه‬
‫أن يرجع إلى قومه‪ ،‬فأذن له فرجع فدعاهم‪ ،‬فرماه أحدهم بسهم‬
‫وهو يؤذن في السحر فقتله‪ .‬الصابة (‪)471 -470 /2‬‬
‫[‪ ]209‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الشروط‪ ،‬باب الشروط‬
‫في الجهاد‪ ،‬والمصالحة مع أهل الحرب‪ ،‬وكتابة الشروط‪ .‬انظر‪:‬‬
‫فتح الباري (‪)331 ،329 /5‬‬
‫[‪ ]210‬الية (‪ )2‬من سورة الحجرات‬
‫[‪ ]211‬تقدم تخريجه (ص ‪)432‬‬
‫[‪ ]212‬سعد بن عبادة النصاري‪ ،‬شهد الخزرج‪ ،‬شهد العقبة‪ ،‬وكان‬
‫أحد النقباء‪ ،‬وكان مشهورا بالجود وكان معه راية النصار‪ ،‬توفي‬
‫سنة خمسة عشرة وقيل سنة ست عشرة من الهجرة بالشام‪.‬‬
‫الصابة (‪)28 -27 /2‬‬
‫[‪ ]213‬الية (‪ )3‬من سورة الحجرات‬
‫[‪ ]214‬شعب اليمان للبيهقي (‪)313 /1‬‬
‫[‪ ]215‬أخرجه الحاكم في المستدرك (‪ )462 /2‬وقال حديث صحيح‬
‫على شرط الشيخين ولم يخرجاه‪ ،‬وقال الذهبي على شرط‬
‫مسلم‪ ،‬وأخرجه البيهقي في شعب اليمان‪ ،‬شعبة تعظيم النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم (‪ .)317 /1‬وأخرجه كذلك في المدخل إلى‬
‫السنن الكبرى‪ ،‬باب توقير العالم والعلم ص (‪ )379‬ح ‪ .653‬وأورده‬
‫السيوطي في الدر المنثور( ‪ )548 /7‬وعزاه لعبد بن حميد والحاكم‬
‫والبيهقي في الشعب‬
‫[‪ ]216‬أسامة بن شريك الثعلبي من بني ثعلبة‪ ،‬له صحبة‪ ،‬وروى‬
‫حديثه أصحاب السنن وأحمد وابن خزيمة‪ ،‬وابن حبان والحاكم‪.‬‬
‫الصابة (‪)47 -46 /1‬‬
‫[‪ ]217‬أخرجه بهذا اللفظ أبو داود في سننه كتاب الطب‪ ،‬باب في‬
‫الرجل يتداوى (‪ )193 -192 /4‬ح ‪ ،3855‬وأخرجه أحمد في المسند (‪/4‬‬
‫‪)278‬‬
‫[‪ ]218‬البراء بن عازب بن الحارث النصاري الوسي‪ ،‬له ولبيه‬
‫محبة استصغره النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر وشهد أحدا‬
‫وما بعدها ترفي سنة اثنتين وسبعين‪ .‬الصابة (‪)147 -146 /1‬‬
‫[‪ ]219‬أخرجه بهذا اللفظ المام أحمد في مسنده (‪.)287 /4‬‬
‫وأخرجه ابن ماجه في سننه‪ ،‬كتاب الجنائز‪ ،‬باب ما جاء في‬
‫الجلوس في المقابر (‪ )494 /1‬ح ‪1549‬‬
‫[‪ ]220‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الجهاد‪ ،‬باب فضل‬
‫النفقة في سبيل الله‪.‬انظر فتح الباري (‪ )49 ،48 /6‬ح ‪2842‬‬
‫[‪ ]221‬بريدة بن الحصيب بن عبد الله السلمي‪ ،‬قيل إنه أسلم‬
‫حين مر به النبي صلى الله عليه وسلم مهاجرا‪ ،‬وقيل‪ :‬أسلم بعد‬
‫منصرف النبي صلى الله عليه وسلم من بدر‪ ،‬وفي الصحيحين‬
‫عنه أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ست عشرة‬
‫غزوة‪ ،‬وأخباره كثيرة ومناقبه مشهورة‪ ،‬مات سنة ثلث وستين‪.‬‬
‫الصابة (‪)150 /1‬‬
‫[‪ ]222‬أخرجه البيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى‪ ،‬باب توقير‬
‫العالم والعلم (ص ‪ )381‬ح ‪658‬‬
‫[‪ ]223‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب اليمان‪ ،‬باب كون‬
‫السلم يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحج (‪)78 /1‬‬
‫[‪ ]224‬أخرجه الترمذي في سننه‪ ،‬كتاب المناقب‪ ،‬باب في مناقب‬
‫أبي بكر وعمر رضي الله عنهما كليهما (‪ )612 /5‬ح ‪ ،3668‬وقال‪ :‬هذا‬
‫حديث ل نعرفه إل من حديث الحكم بن عطية‪ ،‬وقد تكلم بعضهم‬
‫في الحكم بن عطية‬
‫[‪ ]225‬خنست‪ :‬أي انقبضت وتأخرت‪ .‬النهاية (‪)83 /2‬‬
‫[‪ ]226‬أخرجه أحمد في المسند (‪ .)330 /1‬وأخرجه الحاكم في‬
‫المستدرك (‪ )534 /3‬وقال‪ :‬حديث على شرط الشيخين ولم‬
‫يخرجاه ووافقه الذهبي‪ .‬وأخرجه البيهقي في شعب اليمان‪ ،‬باب‬
‫شعبة تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم (‪ )321 ،320 /1‬ح ‪129‬‬
‫[‪ ]227‬رواه البزار كما في كشف الستار (‪ .)421 /2‬والببهقي في‬
‫شعب اليمان‪ ،‬باب شعبة تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم (‪/1‬‬
‫‪ )338‬خ ‪134‬‬
‫[‪ ]228‬أخرب الحاكم في معرفة علوم الحديث النوع الخامس‬
‫(ص ‪ .)19‬وأخرجه البيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى (ص‬
‫‪.)381‬‬
‫وقال السخاوي في فتح المغيث (‪ )117 /1‬الحديث أخرجه الحاكم‬
‫في علومه وكذا في المالي كما عزاه إليهما البيهقي في المدخل‬
‫حيث أخرجه عن راو‪.‬‬
‫ورواه أبو نعيم في المستخرج على علوم الحديث له (أي الحاكم)‬
‫عن راو آخر كلهما عن أحمد ابن عمرو (كذا) الزيبقي عن زكريا‬
‫بن يحبس المنقري‪ ،‬عن الصمعي‪ ،‬عن كيسان مولى هشام ابن‬
‫حسان‪ ،‬وفي رواية أبي نعيم عن هشام بن حسان‪.‬‬
‫وفي رواية الخرين عن محمد بن حسان زاد البيهقي "وهو أخو‬
‫هشام بن حسان وهر حسن الحديث" انتهي قول السخاوي‬
‫[‪ ]229‬أخرجه أبو داود في سننه‪ ،‬كتاب الدب‪ ،‬باب في الحلم‬
‫وأخلق النبي صلى الله عليه وسلم (‪ )134 ،133 /5‬ح ‪ ،4773‬وأخرجه‬
‫النسائي في سننه‪ ،‬في القسامة‪ ،‬باب القود‪ ،‬من الجندة (‪،33 /8‬‬
‫‪ .)34‬وأخرجه البيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى (ص ‪ )401‬ح‬
‫‪717‬‬
‫سهل بن بيضاء القرشي‪ ،‬وبيضاء أمه واسمها دعد واسم‬ ‫[‪]230‬‬
‫أبيه وهب بن ربيعة بن هلل القرشي‪ ،‬كان ممن قام في نقض‬
‫الصحيفة التي كتبتها قريش على بني هاشم‪ ،‬أسلم بمكة فكتم‬
‫إسلمه فأخرجته قريشا إلى بدر فأسر يومئذ فشهد له ابن‬
‫مسعود أنه رآه يصلى بمكة فأطلق ومات بالمدينة‪ .‬الصابة (‪/2‬‬
‫‪)84‬‬
‫[‪ ]231‬أخرجه أحمد في مسنده (‪ .)383 /1‬وأخرجه الترمذي في‬
‫سننه‪ ،‬كتاب التفسير‪ ،‬تفسير سورة النفال (‪ )335 /4‬ح ‪ 5080‬وقال‪:‬‬
‫حديث حسن وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه‪ .‬وأخرجه الطبراني‬
‫في الكبير (‪ )177 /10‬ح ‪ 10258‬بنحوه‪ .‬وأخرجه الحاكم في‬
‫المستدرك (‪ )22 -21 /3‬وقال هذا حديث صحيح السناد ولم‬
‫يخرجاه ووافقه الذهبي‪ .‬وأخرجه البيهقي في شعب اليمان (‪/1‬‬
‫‪ )325‬ح ‪130‬‬
‫[‪ ]232‬أبو رمثة (بكسر أوله وسكون الميم ثم مثلثة) التيمي‬
‫اختلف في اسمه فقيل‪ :‬رفاعة بن يثربي‪ ،‬ويقال عكسه‪ ،‬ويقال‬
‫عمارة بن يثربي‪ ،‬وقيل غير ذلك‪ ،‬له صحبة‪ ،‬ومات‬
‫بأفريقية‪.‬الصابة‪ )71 /4( :‬وتقريب التهذيب (‪)406‬‬
‫[‪ ]233‬أخرجه المام أحمد في المسند (‪ )228 -227 -226 /2‬بعدة‬
‫طرق عن لقيط بن إياد عن أبي رمثة به‪ .‬وأخرجه أبو داود في‬
‫سننه‪ ،‬كتاب اللباس‪ ،‬باب في الخضرة (‪ )4/334‬ح ‪ ،4065‬وأخرجه‬
‫الترمذي في سننه‪ ،‬كتاب الدب‪ ،‬باب ما جاء عن الثوب الخضر (‬
‫‪ )119 /5‬ح ‪ .2812‬وأخرجه النسائي في سننه‪ ،‬كتاب الزينة‪ ،‬باب‬
‫لبس الخضر من الثياب (‪ ،)204 /8‬وأخرجه البيهقي في شعب‬
‫اليمان (‪ )342 /1‬وفي دلئل النبوة (‪)237 /1‬‬
‫[‪ ]234‬أبو جري (بالتصغير) الهجيمي واسمه جابر بن سليم وقيل‬
‫سليم بن جابر‪ ،‬وقال البخاري الول أصح‪ ،‬له صحبة‪ ،‬وهو من بني‬
‫أنمار بن الهجيم بن عمرو بن تميم‪ .‬تهذيب التهذيب (‪)54 /12‬‬
‫[‪ ]235‬أخرجه أبو داود في سننه‪ ،‬كتاب اللباس‪ ،‬باب ما جاء في‬
‫إسبال الزار (‪ )344 /4‬ح ‪ 4084‬واللفظ له‪ .‬وأخرجه الترمذي في‬
‫سننه‪ ،‬كتاب الستئذان‪ ،‬باب كراهية أن يقول عليك السلم مبتدئا‬
‫وقال حسن صحيح (‪ )72 ،71 /5‬ح ‪2721‬‬
‫[‪ ]236‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الفضائل‪ ،‬باب قرب النبي‬
‫عليه السلم من الناس وتبركهم به (‪)79 /7‬‬
‫[‪ ]237‬اسمه زيد بن سهل وقد تقدم ترجمته‬
‫[‪ ]238‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الوضوء‪ ،‬باب الماء‬
‫الذي يغسل به شعر النسان‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )237 /3‬ح ‪.171‬‬
‫[‪ ]239‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الفضائل‪ ،‬باب قرب النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم من الناس وتبركهم به (‪.)79 /7‬‬
‫[‪ ]240‬أورده ابن كثير في البداية (‪ )280 /4‬من طريق ابن اسحاق‪،‬‬
‫وابن حجر في الصابة (‪.)300 ،299 /4‬‬
‫[‪ ]241‬البداية لبن كثير (‪.)282 /4‬‬
‫[‪ ]242‬عبد الله بن أبي بن مالك بن الحارث بن عبيد الخزرجى‪،‬‬
‫أبو الحباب المشهور بابن سلول‪ ،‬وسلول جدته لبيه رأس‬
‫المنافقين في السلم أظهر السلم بعد وقعة بدر‪ ،‬تقية‪ ،‬مات‬
‫بالمدينة سنة تسع من الهجرة‪ ،‬طبقات ابن سعد (‪.)90 /3 /2‬‬
‫[‪ ]243‬عبد الله بن عبد الله بن أبي بن مالك‪ ،‬وهو ابن عبد الله‬
‫بن أبي رأس المنافقين الذي تقدمت ترجمته‪ .‬وكان اسم عبد الله‬
‫بن عبد الله "الحباب" فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد‬
‫الله وهو صحابي جليل‪ ،‬شهد بدرا وما بعدها‪ ،‬واستشهد باليمامة‬
‫في قتال الردة سنة اثنتي عشرة‪.‬الصابة (‪.)328 ،327 /2‬‬
‫[‪ ]244‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪ )115 ،114 /28‬تفسير سورة‬
‫المنافقرن الية (‪)8‬‬
‫[‪ ]245‬سنن الترمذي (‪ )418 /5‬ح ‪ 3315‬كتاب تفسير القرآن‪ ،‬باب‬
‫ومن سورة المنافقين‪ .‬وأورده ابن كئير في تفسيره (‪)4/372‬‬
‫وعزاه للحميدي في مسنده وأورده ابن حجر في فتح الباري (‪/8‬‬
‫‪.)652‬‬
‫[‪ ]246‬قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب‬
‫رحمه الله تعالى في كتابه تيسير العزيز الحميد (ص ‪:)154 ،153‬‬
‫ذكر بعض المتأخرين أن التبرك بآثار الصالحين مستحب كشرب‬
‫سؤرهم‪ ،‬والتمسح بهم أو بثيابهم‪ ،‬وحمل المولود إلى أحد منهم‬
‫ليحنكه بتمرة حتى يكون أول ما يدخل جوفه ريق الصالحين‪،‬‬
‫والتبرك بعرقهم ونحر ذلك‪ ،‬وقد أكثر في ذلك أبو زكريا النوري‬
‫في‬
‫"شرح مسلم" في الحاديث التي فيها أن الصحابة فعلوا شيئا مع‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم وظن أن بقية الصالحين في ذلك‬
‫كالنبي صلى الله عليه وسلم وهذا خطأ صريح لوجوه منها‪:‬‬
‫‪ -1‬عدم المقاربة فضل عن المساواة للنبي صلى الله عليه وسلم‬
‫في الفضل والبركة‪.‬‬
‫‪ -2‬ومنها عدم تحقق الصلح‪ ،‬فإنه ل يتحقق إل بصلح القلب‪ ،‬وهذا‬
‫أمر ل يمكن الطلع عليه إل بنص‪ ،‬كالصحابة الذين اثنى الله‬
‫عليهم ورسوله‪ ،‬أو أئمة التابعين‪ ،‬أو من شهر بصلح ودين كالئمة‬
‫الربعة ونحوهم من الذين تشهد لهم المة بالصلح وقد عدم‬
‫أولئك‪ ،‬أما غيرهم فغاية المر أن نظن أنهم صالحون فنرجو لهم‪.‬‬
‫‪ -3‬ومنها أنا لو ظننا صلح شخص فل نأمن أن يختم له بخاتمة‬
‫سوء‪ ،‬والعمال بالخواتيم‪ ،‬فل يكون أهل للتبرك بآثاره‪.‬‬
‫‪ -4‬ومنها أن الصحابة لم يكونوا يفعلون ذلك مع غيره ل في حياته‬
‫ول بعد موته‪ ،‬ولو كان خيرا لسبقونا إليه‪ ،‬فهل فعلوه مع أبي بكر‬
‫وعمر وعثمان وعلي ونحوهم من الذين شهد لهم النبي صلى‬
‫اللهعليه وسلم بالجنة‪ ،‬وكذلك التابعون هل فعلوه مع سعيد بن‬
‫المسيب وعلي بن الحسين وأويس القرني والحسن البصري‬
‫ونحوهم ممن يقطع بصلحهم‪ ،‬فدل أن ذلك مخصوص للنبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -5‬ومنها أن فعل هذا مع غيره شيء ل يؤمن أن يفتنه وتعجبه‬
‫نفسه‪ ،‬فيورثه العجب والكبر والرياء‪ ،‬فيكون هذا كالمدح في‬
‫الوجه بل أعظم" انتهي‪.‬‬
‫[‪ ]247‬الية (‪ )20‬من سورة المجادلة‪.‬‬
‫[‪ ]248‬الية (‪ )63‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫[‪ ]249‬الية (‪ )5‬من سورة المجادلة‪.‬‬
‫[‪ ]250‬الية (‪ )120‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫[‪ ]251‬الية (‪ )5‬من سورة البينة‪.‬‬
‫[‪ ]252‬اليتان (‪ )19 -18‬من سورة الجاثية‪.‬‬
‫[‪ ]253‬الية (‪ )21‬من سورة الشورى‪.‬‬
‫[‪ ]254‬مجموع الفتاوى (‪ )1/80‬بتصرف‪.‬‬
‫[‪ ]255‬هذه العبارة جزء من حديث رواه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب‬
‫الجنة وصفة نعيمها وأهلها‪ ،‬باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا‬
‫أهل الجنة وأهل النار (‪ )159 /8‬ولفظها في مسلم "وإن الله نظر‬
‫إلى أهل الرض فمقتهم عربهم وعجمهم إل بقايا من أهل‬
‫الكتاب‪ "...‬الحديث‪.‬‬
‫[‪ ]256‬الية (‪ )51‬من سورة العنكبوت‪.‬‬
‫[‪ ]257‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب المارة‪ ،‬باب المر بالوفاء‬
‫ببيعة الخلفاء الول فالول (‪.)6/18‬‬
‫[‪ ]258‬تقدم تخريجه ص ‪.124‬‬
‫[‪ ]259‬الية (‪ )107‬من سورة النبياء‪.‬‬
‫[‪ ]260‬تقدم تخريجه ص ‪.396‬‬
‫[‪ ]261‬جلء الفهام (ص ‪ )94 ،89‬بتصرف‬
‫[‪ ]262‬القول البديع في الصلة على الحبيب الشفيع للسخاوي‬
‫(ص ‪ )11‬بتصرف‪.‬‬
‫[‪ ]263‬الية (‪ )56‬من سورة الحزاب‪.‬‬
‫[‪ ]264‬المنهاج في شعب اليمان (‪ )134 /2‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫[‪ ]265‬جلء الفهام (ص ‪.)78‬‬
‫[‪ ]266‬جلء الفهام (ص ‪.)79‬‬
‫[‪ ]267‬الية (‪ )63‬من سورة النور‪.‬‬
‫[‪ ]268‬جلء الفهام (ص ‪ )80‬بتصرف‪.‬‬
‫[‪ ]269‬أخرجه الترمذي في السنن‪ ،‬كتاب الدعوات‪ ،‬باب قول‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسل "رغم أنف رجل" (‪ )5/550‬ح ‪3545‬‬
‫وأخرجه ابن حبان في صحيحه‪ .‬انظر موارد الظمآن (‪.)2387‬‬
‫وأخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلة على النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم (ص ‪ )10 -9 -8‬ح ‪ ،19 -18 -17 - 16 -15‬وقال اللباني في‬
‫تعليقه عليه‪" :‬حديث صحيح بشواهده"‪.‬وأخرجه الحاكم في‬
‫المستدرك (‪.)549 /1‬‬
‫[‪ ]270‬تقدم تخريجه ص ‪.328‬‬
‫[‪ ]271‬الية (‪ )7‬من سورة الحشر‪.‬‬
‫[‪ ]272‬الية (‪ )80‬من سورة النساء‪.‬‬
‫[‪ ]273‬الية (‪ )132‬من سورة آل عمران‪.‬‬
‫[‪ ]274‬الية (‪ )65‬من سورة النساء‪.‬‬
‫[‪ ]275‬الية (‪ )51‬من سورة النور‪.‬‬
‫[‪ ]276‬منزلة السنة في التشريع السلمي (ص ‪ )5 -4‬وعزاه لبن‬
‫القيم ولم أقف عليه في كتبه‪.‬‬
‫[‪ ]277‬كتاب الرد على الخنائي (ص ‪.)25 ،24‬‬
‫[‪ ]278‬الية (‪ )31‬من سورة آل عمران‬
‫[‪ ]279‬الية (‪ )65‬من سورة النساء‪.‬‬
‫[‪ ]280‬الية (‪ )51‬من سورة النور‪.‬‬
‫[‪ ]281‬الية (‪ )36‬من سورة الحزاب‪.‬‬
‫[‪ ]282‬تقدم تخريجه ص ‪188‬‬
‫[‪ ]283‬تقدم تخريجه ص ‪190‬‬
‫[‪ ]284‬الية (‪ )7‬من سورة الحشر‪.‬‬
‫[‪ ]285‬تقدم تخريجه ص ‪195‬‬
‫[‪ ]286‬الرد على الخنائي (ص ‪.)37‬‬
‫[‪ ]287‬الية (‪ )41‬من سورة النفال‪.‬‬
‫[‪ ]288‬الية (‪ )7‬من سورة الحشر‪.‬‬
‫[‪ ]289‬كعب بن عجرة بن أمية البلوي ويقال القضاعي‪ ،‬حليف‬
‫لنصار‪ ،‬صحابي مشهور‪ ،‬مات بعد الخمسين وله نيف وسبعون‬
‫سنة‪ .‬الصابة (‪.)282 ،281 /3‬‬
‫َ َّ‬
‫ه‬
‫ن الل َ‬ ‫[‪ ]290‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب التفسير‪ ،‬باب {إ ِ ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫موا‬ ‫سل ِّ ُ‬
‫صل ّوا ع َلَيْهِ وَ َ‬
‫منُوا َ‬ ‫ي يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫نآ َ‬ ‫ن ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬
‫صل ّو َ‬ ‫ملئِكَت َ ُ‬
‫ه يُ َ‬ ‫وَ َ‬
‫سلِيماً} انظر‪ :‬فتح الباري (‪ .)532 /8‬وأخرجه مسلم في صحيحه‪،‬‬ ‫تَ ْ‬
‫كتاب الصلة‪ ،‬باب الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد‬
‫التشهد‪ .‬انظر‪.)16 /2( :‬‬
‫[‪ ]291‬تقدم تخريجه ص ‪.345‬‬
‫[‪ ]292‬تفسير ابن كثير (‪.)113 /4‬‬
‫[‪ ]293‬هذا من تفضيل الجملة على الجملة وهو ل يقتضي تفضيل‬
‫كل فرد على كل فرد فالعرب في الجناس‪ ،‬وقريش فيها ثم‬
‫هاشم في قريش‪ ،‬مظنة أن يكون فيهم من الخير أعظم مما‬
‫يوجد في‪ ،‬غيرهم‪ ،‬ولهذا كان في بنى هاشم النبي صلى الله‬
‫عليهم وسلم الذي ل يماثله أحد في قريش فضل عن وجوده في‬
‫سائر العرب وغير العرب‪ ،‬وكان في قريش الخلفاء الراشدون‬
‫وسائر العشرة وغيرهم ممن ل يوجد له نظير في العرب وغير‬
‫العرب‪ ،‬وكان في العرب من السابقين الولين من ل يوجد له‬
‫نظير في سائر الجناس‪ .‬فلبد أن يوجد في الصنف الفضل ما ل‬
‫يوجد مثله في المفضول‪ .‬وقد يوجد في المفضول ما يكون‬
‫أفضل من كثير مما يوجد في الفاضل كما أن النبياء الذين ليسوا‬
‫من العرب أفضل من العرب الذين ليسوا بأنبياء‪ ،‬والمؤمنون‬
‫المتقون من غير قريش أفضل من القرشيين الذين ليسوا مثلهم‬
‫في اليمان والتقوى‪ ،‬وكذلك المؤمنون المتقون من قريش‬
‫وغيرهم أفضل ممن ليس مثلهم في اليمان والتقوى من بني‬
‫هاشم‪ .‬فهذا هو الصل المعتبر في هذا الباب دون من ألغى‬
‫فضيلة النساب مطلقا ودون من ظن أن الله تعالى يفضل‬
‫النسان بنسبه على من هو مثله في اليمان والتقوى‪ ،‬فضل عمن‬
‫هو أعظم إيمانا وتقوى‪ ،‬فكل القولين خطأ وهما متقابلن‪ ،‬بل‬
‫الفضيلة بالنسب فضيلة جملة وفضيلة لجل المظنة والسبب‪.‬‬
‫والفضيلة باليمان والتقوى فضيلة تعيين وتحقيق وغاية‪.‬‬
‫فالول‪ :‬يفضل به لنه سبب وعلمة‪ ،‬ولن الجملة أفضل من‬
‫جملة تساويها في العدد‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬يفضل به لنه الحقيقة والغاية‪ ،‬ولن كل من كان أتقى‬
‫لله كان أكرم عند الله‪ ،‬والثواب من الله يقع على هذا‪ ،‬لن‬
‫الحقيقة قد وجدت‪ ،‬فلم يعلق الحكم بالمظنة‪ ،‬ولن الله تعالى‬
‫يعلم الشياء على ما هي عليه‪ ،‬فل يستدل بالسباب والعلمات‬
‫َّ‬ ‫فالعتبار العام هو التقوى كما قال تعالى‪{ :‬إ َ َ‬
‫ه‬
‫عنْد َ الل ِ‬
‫م ِ‬‫مك ُ ْ‬
‫ن أكَْر َ‬‫ِ ّ‬
‫َ‬
‫م} الية (‪ )13‬من سورة الحجرات‪ .‬فكل من كان أتقى كان‬ ‫أتْقَاك ُ ْ‬
‫أفضل مطلقا‪ ،‬وإذا تساوى اثنان في التقوى استويا في الفضل‬
‫سراء كانا أو أحدهما عربيين أو أعجميين‪ ،‬أو قرشيين أو‬
‫هاشميين أو كان أحدهما من صنف والخر من صنف‪ ،‬وإن قدر‬
‫أن أحدهما له من سبب الفضيلة ومظنتها ما ليس للخر‪ ،‬فإذا‬
‫كان ذلك قد أتى بحقيقة الفضيلة كان أفضل ممن لم يأت‬
‫بحقيقتها‪ ،‬وإن كان أقدر على التيان بها‪ ،‬فالعالم خير من الجاهل‪،‬‬
‫وإن كان الجاهل أقدر على تحصيل العلم‪.‬‬
‫انظر‪ :‬منهاج السنة (‪ )608 -604 -603 -602 /4‬بتصرف‬
‫[‪ ]294‬أخرب مسلم في صحيحه كتاب الفضائل‪ ،‬باب فضل نسب‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم (‪.)58 /7‬‬
‫[‪ ]295‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب النبياء‪ ،‬باب قوله‬
‫َ‬
‫خلِيلً} فتح الباري (‪ )387 /6‬ح ‪،3353‬‬ ‫م َ‬ ‫خذ َ الل ّ ُ‬
‫ه إِبَْراهِي َ‬ ‫تعالى‪{ :‬وَات َّ َ‬
‫وأخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب البر والصلة والداب باب‬
‫الرواح جنود مجندة (‪ )42 ،41 /8‬واللفظ له‪.‬‬
‫[‪ ]296‬منهاج السنة النبوية (‪.)599 /4‬‬
‫[‪ ]297‬تقدم تخريجه ص ‪.345‬‬
‫[‪ ]298‬الية (‪ )6‬من سورة الحزاب‪.‬‬
‫[‪ ]299‬تفسير القرطبي (‪.)123 /14‬‬
‫[‪ ]300‬اليتان (‪ )29 ،28‬من سورة الحزاب‪.‬‬
‫[‪ ]301‬الية (‪ )32‬من سورة الحزاب‪.‬‬
‫[‪ ]302‬تفسير القرطبي (‪ )177 /14‬بتصرف‪.‬‬
‫[‪ ]303‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب فضائل أصحاب النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬باب فضل عائشة رضي الله عنها‪ .‬فتح‬
‫الباري (‪ )7/106‬ح ‪ ،377 0‬وأخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب فضائل‬
‫الصحابة‪ ،‬باب في فضل عائشة رضي الله تعالى عنها (‪.)138 /7‬‬
‫[‪ ]304‬مجموع الفتاوى (‪.)154 /3‬‬
‫[‪ ]305‬ل يغمص‪ :‬ل يعاب ول ينقص في أمر من أموره‪ .‬النهاية (‪/3‬‬
‫‪.)386‬‬
‫[‪ ]306‬الشفا (‪.)612 ،611 /2‬‬
‫[‪ ]307‬الية (‪ )29‬من سورة الفتح‪.‬‬
‫[‪ ]308‬الية (‪ )100‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫[‪ ]309‬الية (‪ )18‬من سورة الفتح‪.‬‬
‫[‪ ]310‬الية (‪ )159‬من سورة آل عمران‪.‬‬
‫[‪ ]311‬الية (‪ )159‬من سورة آل عمران‪.‬‬
‫[‪ ]312‬الية (‪ )10‬من سورة الحشر‪.‬‬
‫[‪ ]313‬تقدم تخريجه ص ‪.353‬‬
‫[‪ ]314‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الشهادات باب ل يشهد‬
‫على شهادة جور إذا أشهد‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )259 /5‬ح ‪.2652‬‬
‫وأخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب فضائل الصحابة‪ ،‬باب فضل‬
‫الصحابة ثم الذين يلونهم‪ .‬انظر (‪.)158 /7‬‬
‫[‪ ]315‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب فضائل أصحاب النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )3 /7‬ح ‪ ،3650‬وأخرجه مسلم في‬
‫صحيحه‪ ،‬كتاب فضائل الصحابة‪ ،‬باب فضل الصحابة ثم الذين‬
‫يلونهم (‪.)185 /7‬‬
‫[‪ ]316‬تدريب الراوي (‪)214 /2‬‬
‫[‪ ]317‬الصابة (‪.)17 /1‬‬
‫[‪ ]318‬كتاب الكفاية (ص ‪ )97‬للخطب البغدادي‪.‬‬
‫[‪]319‬عقيدة أهل السنة والثر في الصحابة الكرام رضي الله‬
‫عنهم وأرضاهم (ص ‪ )25 -24‬تأليف الشيخ عبد المحسن العباد‪،‬‬
‫مقالة طبعت في مجلة الجامعة السلمية‪ ،‬العدد الثاني‪ ،‬السنة‬
‫الرابعة‪.‬‬
‫[‪ ]320‬ذكر ذلك‪ :‬البيهقي في الجامع لشعب اليمان (‪،)2/130‬‬
‫والقاضي عياض في الشفا (‪)2/619‬‬
‫[‪ ]321‬سفيان بن أبي زهير الزدي‪ ،‬من أزد شنوءة (بفتح المعجمة‬
‫وبضم النون وبعد الواو همزة) من أصحاب النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ .‬يعد في أهل المدينة‪ .‬الصابة (‪.)52 /2‬‬
‫[‪ ]322‬يقال بسست الناقة وأبسستها إذا سقتها وزجرتها وقلت‬
‫لها بس بس بكسر الباء وفتحها‪ .‬النهاية (‪.)127 /1‬‬
‫[‪ ]323‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب فضائل المدينة‪ ،‬باب‬
‫من رغب عن المدينة "واللفظ له"‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )90 /4‬ح‬
‫‪ ،1875‬وأخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب الترغيب في‬
‫المدينة عند فتح المصار (‪.)122 /4‬‬
‫[‪ ]324‬عبد الله بن زيد بن عاصم بن كعب النصاري المازني‪،‬‬
‫صحابي شهير اختلف في شهوده بدرا‪ ،‬وشهد أحدا وغيرها‪،‬‬
‫وشارك مع وحشي في قتل مسيلمة‪ ،‬يقال قتل يوم الحرة سنة‬
‫ثلث وستين‪ .‬الصابة (‪.)305 /2‬‬
‫[‪ ]325‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب بركة صاع‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ومده‪ .‬فتح الباري (‪ )346 /4‬ح ‪،2129‬‬
‫وأخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب فضل المدينة‬
‫"واللفظ له" (‪.)112 /4‬‬
‫[‪ ]326‬أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب‬
‫فضل المدينة (‪.)113 /4‬‬
‫[‪ ]327‬أخرجه بهذا اللفظ‪،‬مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب‬
‫فضل المدينة (‪.)117 ،116 /4‬‬
‫[‪ ]328‬أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب‬
‫فضل المدينة (‪.)116 /4‬‬
‫[‪ ]329‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب فضائل المدينة‪ ،‬باب‬
‫اليمان يأرز إلى المدينة‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )93 /4‬ح ‪، 1876‬‬
‫وأخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب اليمان‪ ،‬باب بيان أن السلم‬
‫بدأ غريبا (‪.)91 -90 /1‬‬
‫[‪ ]330‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب فضائل المدينة‪ ،‬باب‬
‫إثم من كاد أهل المدينة‪ ،‬انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )94 /4‬ح ‪،1877‬‬
‫وأخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب من أراد أهل‬
‫المدينة بسوء أذابه الله (‪.)122 /4‬‬
‫[‪ ]331‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب فضل الصلة في مسجد مكة‬
‫والمدينة‪ ،‬باب فضل الصلة في مسجد مكة والمدينة‪ .‬انظر‪ :‬فتح‬
‫الباري (‪ )3/63‬ح ‪ ،1190‬وأخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الحج‪،‬‬
‫باب فضل الصلة بمسجدي مكة والمدينة (‪.)124 /4‬‬
‫[‪ ]332‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب فضائل المدينة‪ ،‬باب ‪.12‬‬
‫انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )99 /4‬ح ‪ ،1888‬وأخرجه مسلم في صحيحه‪،‬‬
‫كتاب الحج‪ ،‬باب ما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة (‪/4‬‬
‫‪.)123‬‬

‫‪ -7 .32‬كتاب حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على‬


‫أمته في ضوء الكتاب والسنة [الصلة على النبي]‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الصلة عليه صلى الله عليه وسلم‬
‫ويشتمل على تمهيد وثلثة مباحث‪:‬‬
‫تمهيد‪:‬‬
‫سبق الحديث في الفصل الثاني‪ ،‬من هذا الباب عن بعض المور‬
‫التي يتعين على هذه المة أداؤها والقيام بها في باب تعظيم‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم وتعزيره وتوقيره‪ .‬وفي هذا الفصل‬
‫نتناول جانبا مهما من جوانب توقيره وتعظيمه صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وذلك هو الصلة والسلم عليه صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫فقد أمرنا الباري تبارك وتعالى أن نصلي ونسلم على نبينا محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وذلك تشريف منه عز وجل لنبيه ورسوله‬
‫صلى الله عليه وسلم وإظهار للحترام والتعظيم الذي شرعه في‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫ي يَا أَيُّهَا‬
‫ن ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬
‫صل ّو َ‬ ‫ملئِكَت َ ُ‬
‫ه يُ َ‬ ‫ه وَ َ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫حقه فقد قال تعالى‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫سلِيماً} [‪ ]1‬فهذه الية فيها من‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ِّ ُ‬
‫صل ّوا ع َلَيْهِ وَ َ‬
‫منُوا َ‬ ‫ال ّذِي َ‬
‫نآ َ‬
‫تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم والتنويه به ما ليس في‬
‫غيرها‪ ،‬وذلك بسبب ما فيها من تمييز للنبي صلى الله عليه وسلم‬
‫عند ذكره ول شك أن ذلك فيه رفع لقدره وإعلء لمكانته في‬
‫حياته وبعد موته‪.‬‬
‫ولذلك فإن من أعظم شعب اليمان الصلة والسلم على النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم محبة له وأداء لحقه وتعظيما لقدره‪،‬‬
‫والمواظبة عليها من باب أداء شكره صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫وشكره واجب لعظمة النعام به‪ ،‬فقد جعله الله سببا لنجاتنا من‬
‫الجحيم‪ ،‬ودخولنا في دار النعيم‪ ،‬وإدراكنا الفوز بأيسر السباب‪،‬‬
‫ونيلنا السعادة من كل البواب‪.‬‬
‫وليست صلتنا على النبي صلى الله عليه وسلم شفاعة منا له‬
‫فإن مثلنا ل يشفع لمثله ولكن الله أمرنا بالمكافأة لمن أحسن‬
‫إلينا وأنعم علينا‪ ،‬فإن عجزنا عنها كافيناه بالدعاء فأرشدنا الله‪-‬‬
‫لما علم عجزنا عن مكافأة نبينا‪ -‬إلى الصلة عليه لتكون صلتنا‬
‫عليه مكافأة بإحسانه إلينا وإفضاله علينا إذ ل إحسان لمخلوق‬
‫أفضل من إحسانه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وكذلك فإن المقصود‬
‫بصلتنا على النبي صلى الله عليه وسلم هو التقرب إلى الله‬
‫تعالى بامتثال ما أمر به‪ ،‬وقضاء لحق من حقوق لصطفى صلى‬
‫الله عليه وسلم التي أوجبها الله علينا فحق على هذه المة أن‬
‫تعظم قدر نبيها وذلك بأن تكثر من الصلة والسلم عليه صلى‬
‫الله عليه وسلم اتباعا لمر ربها تبارك وتعالى وقياما بما لنبيها‬
‫صلى الله عليه وسلم من الحق عليها‪ .‬وقد اعتنى العلماء بهذه‬
‫الخصيصة العظيمة فأفردوها بالتأليف وتناولوا في مؤلفاتهم تلك‬
‫جوانب هذا الموضوع‪ ،،‬من أشهر تلك المؤلفات وأجمعها كتاب‬
‫"جلء الفهام" في الصلة والسلم على خير النام للعلمة ابن‬
‫القيم‪ ،‬بل هو أشهرها وأحسنها‪.‬‬
‫ومن تلك المؤلفات كتاب القول البديل في الصلة على الحبيب‬
‫الشفيع للسخاوي [‪ ]2‬المتوفى سنة ‪902‬هـ وقد ختم كتابه هذا‬
‫ببيان الكتب المصنفة في الصلة على النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم وذكر جملة كبيرة من هذه الكتب مرتبة [‪.]3‬‬

‫المبحث الول‪ :‬معنى الصلة على النبي صلى الله عليه‬


‫وسلم‪.‬وفيه مطلبان‪:‬‬
‫المطلب الول‪ :‬المعنى اللغوي للفظة "الصلة"‪.‬‬
‫قال الخليل بن أحمد [‪" :]4‬الصلة‪ :‬ألفها واو لن جماعتها‬
‫الصلوات ولن التثنية صلوان" [‪.]5‬‬
‫ومادة (ص‪ .‬ل‪ .‬و) وردت في اللغة لمعان منها‪:‬‬
‫‪(( -1‬الصلة))‪:‬‬
‫وهو وسط الظهر لكل ذي أربع وللناس‪ .‬وقيل‪ :‬ما انحدر من‬
‫َ‬
‫الوركين [‪ .]6‬قال الخليل بن أحمد‪ " :‬والصله‪ ،‬وسط الظ ّهْر لكل‬
‫ذي أربع وللناس وكل أنثى إذا ولدت انفرج صلها قال‪:‬‬
‫كأن صل جهيزة حين قامت**** حباب الماء يتبع الحبابا‬
‫وإذا أتى الفرس على أثر الفرس السابق قيل‪ :‬صلى‪ ،‬وجاء‬
‫مصليا لن رأسه يتلو الصل يين يديه" [‪.]7‬‬
‫وقال الزهري‪" :‬وقال أهل اللغة في الصلة‪ :‬إنها من الصلوين‪،‬‬
‫وهما مكتنفا الذنب من الناقة وغيرها‪ ،‬وأول مواصل الفخذين من‬
‫النسان فكأنهما في الحقيقة مكتنفا العصعص‪ ...‬وأما المصلى‬
‫الذي يلي السابق فهو مأخوذ من الصلوين ل محالة‪ ،‬وهما مكتنفا‬
‫ذنب الفرس‪ ،‬فكأنه يأتي ورأسه في ذلك المكان" [‪ .]8‬وقد قيل‬
‫إن اشتقاق الصلة الشرعية هو من هذا‪.‬‬
‫قال الحليمي‪" :‬وقيل للصلة المعهودة صلة لما فيها من حني‬
‫الصل وهو وسط الظهر" [‪.]9‬‬
‫‪" -2‬الصلى" بالقصر وهي النار‪:‬‬
‫قال الخليل بن أحمد‪" :‬والصل‪ :‬النار‪ ،‬وصلى الكافر نارا فهو‬
‫يصلها أي قاسى حرها وشدتها‪ ،‬وصليت اللحم صليا‪ :‬شويته‪ ،‬وإذا‬
‫ألقيته في النار قلت‪ :‬أصليته أصليه إصلء‪ ،‬وصليته‪ ،‬تصلية" [‪.]10‬‬
‫وفي معجم مقاييس اللغة‪" :‬صلى‪ :‬الصاد واللم والحرف المعتل‬
‫أصلن‪ :‬أحدهما‪ :‬النار وما أشبهها من الحمى‪ ...‬فقولهم‪ :‬صليت‬
‫العود بالنار‪ ،‬والصلى صلى النار‪ .‬واصطليت بالنار‪ .‬والصلء‪ :‬ما‬
‫يصطلى به وما يذكى به النار ويوقد وقال‪:‬‬
‫فجعل العود واليلنجوج والرذ*** صلء لها على الكانون [‪]11‬‬
‫قال الفيروز أبادي [‪:]12‬‬
‫"وقيل اشتقاق لفظة الصلة من الصلى بالقصر وهي النار من‬
‫صليت العصا إذا قومتها بالنار فالمصلي كأنما يسعى لتعديل‬
‫باطنه وظاهره كمن يحاول تقويم العود بالنار" [‪.]13‬‬
‫‪" -3‬الصلة" الملزمة‪:‬‬
‫قال الزهري‪" :‬قال الزجاج الصل في الصلة اللزوم يقال‪ :‬قد‬
‫صلى واصطلى إذا لزم‪ ،‬ومن هذا من يصلى في النار‪ :‬أي يلزم‬
‫النار فالصلة لزوم ما فرض الله‪ ،‬والصلة من أعظم الفرض‬
‫الذي أمر بلزومه" [‪.]14‬‬
‫صلَى‬‫وقال الفيروز أبادي "وقيل الصلة الملزمة‪ ،‬ومنه قوله {ت َ ْ‬
‫ب} [‪ ]16‬ومنه سمي ثاني‬ ‫ت لَهَ ٍ‬
‫صلَى نَارا ً ذ َا َ‬
‫سي َ ْ‬
‫ة} [‪َ { ]15‬‬‫مي َ ً‬ ‫نَارا ً َ‬
‫حا ِ‬
‫أفراس الحلبة مصليا" [‪.]17‬‬
‫‪(( -4‬الصلة)) الدعاء‪:‬‬
‫حاء في معجم مقاييس اللغة "صلى‪ :‬الصاد واللم والحرف‬
‫المعتل أصلن‪ :‬أحدهما‪ :‬النار وما أشبهها من الحمى‪ -‬وقد تقدم‬
‫ذكره‪ -‬والخر جنس من العبادة‪...‬‬
‫وأما الثاني‪ :‬فالصلة وهي الدعاء‪ ،‬وقال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن كان مفطرا‬
‫فليأكل وإن كان صائما فليصل" [‪ ]18‬أي فليدع لهم بالخير‬
‫والبركة‪.‬‬
‫قال العشى [‪:]19‬‬
‫تقول بنتي وقد قربت مرتحل*** يا رب جنب أبي الوصاب‬
‫والوجعا‬
‫عليك مثل الذي صليت فاغتمضي*** نوما فإن لجنب المرء‬
‫مضطجعا [‪]20‬‬
‫وقال في صفة الخمر‪:‬‬
‫وقابلها الريح في دنها*** وصلى على دنها وارتسم [‪]22[ ]21‬‬
‫"أي دعا لها أل تحمض وتفسد" [‪.]23‬‬
‫وأورد هذا المعنى أيضا الزهري في تهذيب اللغة [‪.]24‬‬
‫وقال ابن القيم "وأصل هذه اللفظة يرجع إلى معنيين‪ :‬أحدهما‪:‬‬
‫خذْ‬‫الدعاء والتبريك‪ .‬والثاني‪ :‬العبادة‪ .‬فمن الول قوله تعالى‪ُ { :‬‬
‫م َ‬
‫صلت َ َ‬
‫ك‬ ‫ن َ‬ ‫م إ ِ َّ‬‫ل ع َلَيْهِ ْ‬ ‫ص ِّ‬ ‫م بِهَا وَ َ‬ ‫م وَتَُزكِّيهِ ْ‬ ‫ة تُطَهُِّرهُ ْ‬ ‫صدَقَ ً‬ ‫م َ‬ ‫موَالِهِ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ ْ‬
‫ص ِّ‬
‫ل‬ ‫م} [‪ .]25‬وقوله تعالى في حق المنافقين‪{ :‬وَل ت ُ َ‬ ‫ن لَهُ ْ‬ ‫سك َ ٌ‬ ‫َ‬
‫م ع َلَى قَبْرِهِ} [‪ ]26‬وقول النبي‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت أبَدا ً وَل تَقُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫منْهُ ْ‬ ‫حد ٍ ِ‬ ‫ع َلَى أ َ‬
‫صلى الله عليه وسم‪" :‬إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن‬
‫كان صائما فليصل" فسر بهما‪ .‬قيل‪ :‬فليدع لهم بالبركة‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫يصلي عندهم بدل أكله‪ .‬وقيل إن الصلة في اللغة معناها الدعاء‪.‬‬
‫والدعاء نوعان‪ :‬دعاء عبادة‪ .‬ودعاء مسألة‪ .‬والعابد داع كما أن‬
‫م ادْع ُونِي‬ ‫ل َربُّك ُ ُ‬ ‫السائل داع‪ ،‬وبهما فسر قوله تعالى {وَقَا َ‬
‫َ‬
‫م} [‪ .]27‬قيل‪ :‬أطيعوني أثبكم‪ .‬وقيل‪ :‬سلوني أعطكم‪.‬‬ ‫ب لَك ُ ْ‬ ‫ج ْ‬ ‫ست َ ِ‬‫أ ْ‬
‫ب‬ ‫عبَادِي ع َنِّي فَإِنِّي قَرِي ٌ‬ ‫ك ِ‬ ‫سأَل َ َ‬ ‫وفسر بهما قوله تعالى‪{ :‬وَإِذ َا َ‬
‫ُ‬
‫ن} [‪."]28‬‬ ‫ب دَع ْوَة َ الدَّاِع إِذ َا دَع َا ِ‬ ‫جي ُ‬ ‫أ ِ‬
‫ثم قال رحمه الله تعالى‪" :‬والصواب‪ :‬أن الدعاء يعم النوعين‪،‬‬
‫وهذا لفظ متواطئ ل اشتراك فيه [‪ ،]29‬فمن استعماله في دعاء‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الل ّهِ ل‬ ‫ن دُو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫مت ُ ْ‬‫ن َزع َ ْ‬ ‫ل ادْع ُوا ال ّذِي َ‬ ‫العبادة قوله تعالى‪{ :‬قُ ِ‬
‫ض} [‪ ]30‬وقوله‬ ‫َ‬ ‫ل ذََّرةٍ فِي ال َّ‬ ‫مثْقَا َ‬ ‫ملِكُو َ‬
‫ت َوَل فِي الْر ِ‬ ‫ماوَا ِ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫ن ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫شيْئا ً وَهُ ْ‬
‫م‬ ‫ن َ‬ ‫خلُقُو َ‬ ‫ن الل ّهِ ل ي َ ْ‬ ‫ن دُو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن يَدْع ُو َ‬ ‫تعالى‪{ :‬وَال ّذِي َ‬
‫ن} [‪.]31‬‬ ‫خلَقُو َ‬ ‫يُ ْ‬
‫ُ‬
‫م} [‪ ]32‬والصحيح‬ ‫م َربِّي لَوْل دُع َاؤ ُك ُ ْ‬ ‫ما يَعْبَأ بِك ُ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬قُ ْ‬
‫من القولين لول أنكم تدعونه وتعبدونه أي‪ :‬شيء يعبأه بكم لول‬
‫عبادتكم إياه فيكون المصدر مضافا إلى الفاعل‪ .‬وقال تعالى‪:‬‬
‫سدُوا فِي‬ ‫ن وَل تُفْ ِ‬ ‫معْتَدِي َ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ُّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ة إِن َّ ُ‬ ‫خفْي َ ً‬‫ضُّرعا ً وَ ُ‬ ‫م تَ َ‬ ‫{ادْع ُوا َربَّك ُ ْ‬
‫معاً} [‪ ،]33‬وقال تعالى‬ ‫َ‬
‫خوْفا ً وَط َ َ‬ ‫حهَا وَادْع ُوه ُ َ‬ ‫صل ِ‬ ‫ض بَعْد َ إ ِ ْ‬ ‫الْر ِ‬
‫ت‬ ‫ن فِي ال ْ َ‬
‫خيَْرا ِ‬ ‫سارِع ُو َ‬ ‫إخبارا عن أنبيائه ورسله‪{ :‬إِنَّهُ ْ‬
‫م كَانُوا ي ُ َ‬
‫وَيَدْع ُونَنَا َرغَبا ً وََرهَباً} [‪.]34‬‬
‫وهذه الطريقة أحسن من الطريقة الولى‪ ،‬ودعوى الخلف في‬
‫مسمى الدعاء‪.‬‬
‫وبهذا تزول الشكالت الواردة على اسم الصلة الشرعية‪ ،‬هل‬
‫هو منقول عن موضعه في اللغة فيكون حقيقة شرعية أو مجازا‬
‫شرعيا‪.‬‬
‫فعلى هذا تكون الصلة باقية على مسماها في اللغة وهو الدعاء‪،‬‬
‫والدعاء‪ ،‬دعاء عبادة‪ ،‬ودعاء مسألة‪ ،‬والمصلي من حين تكبيره‬
‫إلى سلمه بين دعاء العبادة ودعاء المسألة فهو في صلة حقيقة‬
‫ل مجازا ول منقولة‪ ،‬لكن خص اسم الصلة بهذه العبادة‬
‫المخصوصة كسائر اللفاظ التي يخصها أهل اللغة والعرف ببعض‬
‫مسماها كالدابة والرأس ونحوهما‪ ،‬فهذا غاية تخصيص اللفظ‬
‫وقصره على بعض موضوعه‪ ،‬ولهذا ل يوجب نقل ول خروجا عن‬
‫موضوعه الصلي والله أعلم‪ .‬انتهي [‪.]35‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬المعني الشرعي لصلة الله عز وجل على نبيه‬


‫صلى الله عليه وسلم‬
‫لما كانت الصلة التي أمرت بها هذه المة على النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم تعني الطلب من الله ما أخبر به من صلته عليه‪ .‬إذ‬
‫المصلي يقول‪" :‬اللهم صل على محمد ‪ ...‬الخ" فالمر هنا يتطلب‬
‫شرح معنى صلة الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم‬
‫قال ابن القيم‪" :‬وأما صلة الله سبحانه فنوعان‪ :‬عامة وخاصة‪.‬‬
‫فالنوع الول‪ :‬الصلة العامة وهي صلته على عباده المؤمنين‪:‬‬
‫َ‬
‫ه} [‪]36‬‬ ‫ملئِكَت ُ ُ‬ ‫صل ِّي ع َلَيْك ُ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬هُوَ ال ّذِي ي ُ َ‬
‫ومنه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بالصلة على آحاد‬
‫المؤمنين كقوله‪" :‬اللهم صل على آل أبي أوفى" [‪.]37‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬صلته الخاصة على أنبيائه ورسله وخصوصا على‬
‫خاتمهم وخيرهم محمد صلى الله عليه وسلم [‪.]38‬‬
‫واختلفت الناس في معنى الصلة منه سبحانه على أقوال‪:‬‬
‫القول الول‪ :‬إنها رحمته‪.‬‬
‫فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن معنى صلة الرب الرحمة [‬
‫‪ ]39‬وروى إسماعيل القاضي [‪ ]40‬بسنده عن الضحاك [‪ ]41‬قال‪:‬‬
‫"صلة الله رحمته‪ ،‬وصلة الملئكة الدعاء" [‪.]42‬‬
‫وقال المبرد [‪" ]43‬أصل الصلة الرحمة فهي من الله رحمة‪ ،‬ومن‬
‫الملئكة رقة تبعث على استدعاء الرحمة" [‪.]44‬‬
‫قال ابن القيم‪" :‬وهذا القول هو المعروف عند كثير من‬
‫المتأخرين" [‪.]45‬‬
‫القول الثاني‪ :‬إن صلة الله مغفرته‪.‬‬
‫فقد روى إسماعيل القاضي بسنده عن الضحاك‪" :‬هو الذي‬
‫يصلي عليكم" قال‪" :‬صلة الله مغفرته‪ ،‬وصلة الملئكة الدعاء" [‬
‫‪.]46‬‬
‫وأورد ابن حجر في الفتح‪ :‬عن مقاتل بن حيان [‪ ]47‬قال‪" :‬صلة‬
‫الله مغفرته وصلة الملئكة الستغفار" [‪]48‬‬
‫قال ابن القيم‪" :‬وهذا القول هو من جنس الذي قبله" [‪.]49‬‬
‫القول الثالث‪ :‬أن معنى صلة الله تعالى على نبيه ثناؤه وتعظيمه‬
‫وإظهار شرفه وفضله وحرمته‪.‬‬
‫فإذا قلنا اللهم صل على محمد فإنما نريد اللهم عظم محمدا في‬
‫الدنيا بإعلء ذكره وإظهار دينه وإبقاء شريعته‪ ،‬وفي الخرة‬
‫بتشفيعه في أمته وإجزال أجره ومثوبته وإبداء فضله للولين‬
‫والخرين بالمقام المحمود وتقديمه على كافة المقربين والشهود‬
‫[‪ .]50‬قال أبو العالية [‪" :]51‬صلة الله ثناؤه عليه عند الملئكة" [‬
‫‪ .]52‬وعن الربيع بن أنس [‪ ]53‬قال‪" :‬صلة الله عليه ثناؤه عند‬
‫ملئكته" [‪ ]54‬وقال الخليل بن أحمد‪" :‬صلوات الله على أنبيائه‬
‫والصالحين من خلقه‪ :‬حسن ثنائة عليهم وحسن ذكره لهم" [‪.]55‬‬
‫وقال ابن القيم رحمه الله‪" :‬الصلة المأمور بها في هذه الية هي‬
‫الطلب من الله ما أخبر به عن صلته وصلة ملئكته‪ ،‬وهي ثناء‬
‫عليه وإظهار لفضله وشرفه وإرادة تكريمه وتقريبه‪ .‬فهي تتضمن‬
‫الخبر والطلب وسمى هذا السؤال منا والدعاء صلة عليه‬
‫لوجهين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أنه يتضمن ئناء المصلي عليه والشارة بذكر شرفه‬
‫وفضله والرادة والمحبة كذلك من الله تعالى‪ ،‬فقد تضمنت الخبر‬
‫والطلب‪.‬‬
‫والوجه الثاني‪ :‬أن ذلك سمي منا صلة لسؤالنا من الله أن يصلي‬
‫عليه‪ .‬فصلة الله عليه ثناؤه وإرادته لرفع ذكره وتقرببه‪ ،‬وصلتنا‬
‫نحن عليه سؤالنا الله تعالى أن يفعل ذلك به" [‪.]56‬‬
‫وزاد الحافظ ابن حجر‪ :‬أن صلة الله على خلقه تكون خاصة‬
‫وتكون عامة‪ .‬فصلته على أنبيائه هي ما تقدم من الثناء‬
‫والتعظيم‪.‬‬
‫وصلته على غيرهم الرحمة فهي التي وسعت كل شيء‪.‬‬
‫ونقل عياض عن بكر القشيري [‪ ]57‬قال‪" :‬الصلة على النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم من الله تشريف وزيادة وتكرمة‪ ،‬وعلى من‬
‫دون النبي رحمة‪ ،‬وبهذا التقرير يظهر الفرق يين النبي صلى الله‬
‫َ َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫عليه وسلم ويين سائر المؤمنين حيث قال الله تعالى‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫ُ‬
‫ي} وقال قبل ذلك في السورة‬ ‫ن َع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬ ‫صل ّو َ‬ ‫ه يُ َ‬ ‫ملئِكَت َ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫ه} ومن المعلوم أن‬ ‫ملئِكَت ُ ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫صل ِّي ع َلَيْك ُ ْ‬ ‫المذكورة {هُوَ ال ّذِي ي ُ َ‬
‫القدر الذي يليق بالنبي صلى الله عليه وسلم من ذلك أرفع مما‬
‫يليق بغيره‪ ،‬والجماع منعقد على أن في هذه الية من تعظيم‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم والتنويه به ماليس في غيرها" [‪.]58‬‬
‫وقد ضعف ابن القيم رحمه الله تفسير الصلة بالرحمة‬
‫والستغفار وذكر في تضعيفهما عدة أوجه منها‪:‬‬
‫‪ -1‬أن الله سبحانه فرق بين صلته على عباده ورحمته فقال‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة قَالُوا إِنَّا لِل ّهِ وَإِنَّا إِليْهِ‬
‫َ‬ ‫صيب َ ٌ‬
‫م ِ‬ ‫م ُ‬ ‫صابَتْهُ ْ‬
‫ن إِذ َا أ َ‬ ‫ن ال ّذِي َ‬ ‫ري َ‬‫صاب ِ ِ‬‫شرِ ال َّ‬ ‫{وَب َ ّ ِ‬
‫ُ‬
‫ة وَأولَئ ِ َ‬ ‫ُ‬
‫م‬
‫ك هُ ُ‬ ‫م ٌ‬‫ح َ‬‫م وََر ْ‬ ‫ن َرب ِّهِ ْ‬‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫صلَوَا ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ك ع َلَيْهِ ْ‬‫ن أولَئ ِ َ‬ ‫جعُو َ‬ ‫َرا ِ‬
‫ن} [‪ ]59‬فعطف الرحمة على الصلة فاقتضى ذلك‬ ‫مهْتَدُو َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫تغايرهما‪ ،‬وهذا أصل العطف‪ ،‬وأما قولهم‪:‬‬
‫***وألفى قولها كذبا ومينا***‬
‫فهو شاذ نادر ل يحمل عليه أفصح الكلم مع أن المين أخص من‬
‫الكذب‬
‫‪ -2‬أن صلة الله سبحانه خاصة بأنبيائه ورسله وعباده المؤمنين‪،‬‬
‫وأما رحمته فوسعت كل شيء‪ ،‬فليست الصلة مرادفة للرحمة‬
‫لكن الرحمة من لوازم الصلة وموجباتها وثمراتها‪ ،‬فمن فسرها‬
‫بالرحمة فقد فسرها ببعض ثمواتها ومقصودها‪ ،‬وهذا كثيرا ما‬
‫يأتي في تفسير ألفاظ القرآن‪ ،‬والرسول ل يفسر اللفظة بلزمها‬
‫وجزء معناها كتفسير الريب بالشك‪ ،‬والشك جزء مسمى الريب‬
‫وتفسير المغفرة بالستر‪ ،‬وهو جزء مه مسمى المغفرة‪ ،‬وتفسير‬
‫الرحمة بإرادة الحسان‪ ،‬وهو لزم الرحمة ونظائر ذلك‪ ،‬كثيرة‪.‬‬
‫‪ -3‬أن هذه اللفظة ل تعرف في اللغة الصلية بمعنى الرحمة أصل‬
‫والمعروف عند العرب من معناها إنما هو الدعاء والتبريك والثناء‪،‬‬
‫ول تعرف العرب قط "صلى عليه" بمعنى "رحمه" فالواجب‬
‫حمل اللفظ على معناه المتعارف في اللغة‪.‬‬
‫‪ -4‬أنه يسوغ بل يستحب لكل أحد أن يسأل الله أن يرحمه‬
‫فيقول‪ :‬اللهم ارحمني كما علم النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫الداعي أن يقول‪" :‬اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني"‬
‫فلما حفظها قال أما هذا فقد مل يديه من الخير" [‪ .]60‬ومعلوم‬
‫أنه ل يسوغ لحد أن يقول‪" :‬اللهم صل علي" بل الداعي بهذا‬
‫يكون معتديا في دعائه والله ل يحب المعتدين‪ ،‬بخلف سؤاله‬
‫الرحمة فإن الله يححب أن يسأله عبده مغفرته ورحمته فعلم أنه‬
‫ليس معناهما واحدا‪.‬‬
‫‪ -5‬أن أكثر المواضع التي تستعمل فيها الرحمة ل يحسن أن تقع‬
‫يءٍ} [‪]61‬‬ ‫ل َ‬ ‫سعَت ك ُ َّ‬
‫ش ْ‬ ‫متِي وَ ِ ْ‬ ‫ح َ‬
‫فيها الصلة كقوله تعالى‪{ :‬وََر ْ‬
‫َ‬
‫ن} [‪ ]62‬وقوله‬ ‫سنِي َ‬‫ح ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِ‬ ‫ت الل ّهِ قَرِي ٌ‬ ‫م َ‬‫ح َ‬ ‫ن َر ْ‬ ‫وقوله‪{ :‬إ ِ َّ‬
‫م} [‬ ‫حي ٌ‬
‫ف َر ِ‬
‫م َرؤ ُو ٌ‬ ‫ه بِهِ ْ‬‫حيماً} [‪ ]63‬وقوله‪{ :‬إِن َّ ُ‬ ‫ن َر ِ‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ن بِال ْ ُ‬
‫{وَكَا َ‬
‫‪ ]64‬وقول النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬الله أرحم بعباده من هذه‬
‫بولدها" [‪ .]65‬وقوله‪" :‬ارحموا من في الرض يرحمكم من في‬
‫السماء" [‪]66‬‬
‫فمواضع استعمال الرحمة في حق الله وفي حق العباد ل يحسن‬
‫أن تقع الصلة في كثير منها‪ ،‬بل في أكثرها‪ ،‬فل يصح تفسير‬
‫الصلة بالرحمة والله أعلم‪.‬‬
‫‪ -6‬أنه لو كانت الصلة بمعنى الرحمة لقامت مقامها في امتثال‬
‫المر وأسقطت الوجوب عند من أوجبها إذا قال‪" :‬اللهم ارحم‬
‫محمدا وآل محمد" وليس المر كذلك [‪ .]67‬وزاد السخاوي‪:‬‬
‫‪ -7‬أن الصحابة فهموا المغايرة بين الصلة والرحمة‪ ،‬فلذلك سألوا‬
‫عن كيفية الصلة مع ما تقدم من ذكر الرحمة في تعليم السلم‬
‫حيث جاء بلفظ "السلم عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته"‬
‫وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم فلو كانت الصلة بمعنى‬
‫الرحمة لقال لهم قد علمتم ذلك في السلم [‪.]68‬‬
‫وأولى القوال بالصواب ما تقدم عن أبي العالية "أن معنى صلة‬
‫الله تعالى على نبيه ثناؤه وتعظيمه"‪.‬‬
‫فهي من الله إكرام وتعظيم ومحبة وثناء لنبيه صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫فصلتنا عليه‪ :‬إنما هي ثناء عليه صلى الله عليه وسلم وإرادة من‬
‫الله أن يعلي ذكره ويزيده تعظيما وتشريفا‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬الدلة على مشروعية الصلة على النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم وكيفيتها ومواطنها وفضلها‬
‫المطلب الول‪ :‬الدلة من القرآن والسنة على مشروعية الصلة‬
‫على النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -1‬من القرآن‪:‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ن ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬
‫ي يَا أيُّهَا الذِي َ‬ ‫صل ّو َ‬ ‫ه يُ َ‬ ‫ملئِكَت َ ُ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬إ ِ َّ‬
‫ُ‬
‫سلِيماً} [‪.]69‬‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ِّ ُ‬ ‫صل ّوا ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫منُوا َ‬ ‫آ َ‬
‫وهذه الية هي الصل في هذا الباب [‪ ]70‬والجماع منعقد على أن‬
‫في هذه الية من تعظيم صلى الله عليه وسلم والتنويه به ما‬
‫ليس في غيرها [‪.]71‬‬
‫وهي مدنية النزول وقد جاءت بعد جملة من اليات في سورة‬
‫الحزاب ذكر الله فيها عددا من حقوق نبيه صلى الله عليه وسلم‬
‫وما خصه به دون أمته‪ ،‬من حل نكاحه لمن تهب نفسها له‪ ،‬ومن‬
‫تحريم نكاح أزواجه على المة من بعده‪ ،‬ومن سائر ما ذكر بعد‬
‫ذلك من حقوقه وتعظيمه وتبجيله‪.‬‬
‫ثم ذكر رفع الجناح عن أزواجه في تكليمهن آباءهن وأبناءهن‬
‫ودخولهم عليهن‪ ،‬وخلوتهم بهن‪.‬‬
‫ثم عقب ذلك بما هو حق من حقوقه الكيدة على أمته‪ ،‬وهو‬
‫أمرهم بصلتهم عليه وسلمهم‪ ،‬مستفتحا ذلك المر بإخباره بأنه‬
‫هو وملئكته يصلون عليه [‪]72‬‬
‫قال ابن كثير رحمه الله تعالى‪" :‬والمقصود من هذه الية أن الله‬
‫سبحانه وتعالى أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في المل‬
‫العلى بأنه يثني عليه عند الملئكة المقربين وأن الملئكة تصلي‬
‫عليه‪ ،‬ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلة والتسليم عليه‬
‫ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعا" [‬
‫‪.]73‬‬
‫"فهذه الية شرف الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم في‬
‫حياته وبعد موته" [‪( ]74‬وفيها تنبيه على كمال الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم ورفعة درجته وعلو منزلته عند الله وعند خلقه ورفع‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫ي} أي يثني الله‬ ‫ن ع َلَى النَّب ِ ّ‬‫صل ّو َ‬ ‫ه يُ َ‬ ‫ملئِكَت َ ُ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫ذكره‪ ،‬فقوله‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫عليه بين الملئكة وفي المل العلى لمحبته تعالى‪ ،‬ويثني عليه‬
‫الملئكة المقربون ويدعون له ويتضرعون‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سلِيماً} اقتداء بالله‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ِّ ُ‬ ‫صل ّوا ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫منُوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫{يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫وملئكته وجزاء له على بعض حقوقه عليكم‪ ،‬وتكميل ليمانكم‪،‬‬
‫وتعظيما له صلى الله عليه وسلم ومحبة وإكراما وزيادة في‬
‫حسناتكم وتكفيرا من سيئاتكم" [‪.]75‬‬
‫قال الحليمي‪" :‬وقد أمر الله تعالى في كتابه بالصلة والتسليم‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫ي يَا أَي ُّ َها‬
‫ن ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬ ‫صل ّو َ‬ ‫ه يُ َ‬ ‫ملئِكَت َ ُ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫عليه جملة فقال‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫سلِيماً} فأمر الله عباده أن‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ِّ ُ‬ ‫صل ّوا ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫منُوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ال ّذِي َ‬
‫يصلوا عليه ويسلموا‪ ،‬وقدم قبل أمرهم بذلك إخبارهم بأن‬
‫ملئكته يصلون عليه‪ ،‬لينبئهم بذلك على ما في الصلة عليه من‬
‫الفضل‪ ،‬إذ كانت الملئكة مع انفكاكهم من شريعته تتقرب إلى‬
‫الله بالصلة والتسليم عليه ليعلموا أنهم بالصلة والتسليم عليه‬
‫أولى وأحق " [‪.]76‬‬
‫ب‪ -‬من السنة النبوية‪:‬‬
‫ورد في شأن الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم كثير من‬
‫الحاديث التي وضحت وبينت ما يتعلق بشأن هذه الصلة من‬
‫جهة مشروعيتها وكيفيتها ومواطنها وفضلها إلى غير ذلك من‬
‫الجوانب المتعلقة بها‪.‬‬
‫وقد روى هذه الحاديث ما جمع من الصحابة رضوان الله عليهم‬
‫عدهم ابن القيم في كتابه "جلء الفهام في فضل الصلة‬
‫والسلم على محمد خير النام" فبلغوا اثثين وأربعين صحابيا‪.‬‬
‫وقد جمع ابن القيم هذه الحاديث وبين طرقها وصحيحها من‬
‫حسنها ومعلولها‪ ،‬وما في معلولها من العلل بيانا شافيا‪.‬‬
‫وسيأتي ذكر بعض هذه الحاديث في مواضعها المناسبة في‬
‫المطلب القادم وذلك تلفيا للتكرار والعادة‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬كيفية الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ورد في كيفية الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم عدد من‬
‫الحاديث منها‪:‬‬

‫‪ -1‬حديث كعب بن عجرة رضى الله عنه‪:‬‬


‫فعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال‪" :‬إن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم خرج علينا فقلنا‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬قد علمنا كيف نسلم‬
‫عليك‪ ،‬فكيف نصلي عليك؟ قال‪" :‬قولوا اللهم صل على محمد‬
‫وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪،‬‬
‫اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل‬
‫إبراهيم إنك حميد مجيد" متفق عليه [‪.]77‬‬
‫والمراد بالسلم في قوله‪" :‬قد علمنا كيف نسلم عليك" السلم‬
‫الذي في التشهد وهو قول "السلم عليك أيها النبي ورحمة الله‬
‫وبركاته" [‪.]78‬‬

‫‪ -2‬حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه‪:‬‬


‫عن أبي حميد الساعدي أنهم قالوا‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬كيف نصلي‬
‫عليك؟ قال‪" :‬قولوا اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما‬
‫صليت على آل إبراهيم‪ ،‬وبارك على محمد وأزواجه وذريته‪ ،‬كما‬
‫باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد" متفق عليه [‪.]79‬‬

‫‪ -3‬حديث أبي سعيد الخدري [‪ ]80‬رضي الله عنه‬


‫عن أبي سعيد الخدري قال‪ :‬قلنا يارسول الله‪ ،‬هذا السلم عليك‬
‫فكيف نصلي؟ قال‪" :‬قولوا اللهم صل على محمد عبدك ورسولك‬
‫كما صليت على إبراهيم‪ ،‬وبارك على محمد وآل محمد كما‬
‫باركت على إبراهيم وآل إبراهيم" [‪.]81‬‬

‫‪ -4‬حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو النصاري [‪ ]82‬رضي الله‬


‫عنه‬
‫عن أبي مسعود النصاري قال‪ :‬أتانا رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ونحن في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد [‬
‫‪ ]83‬أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك يارسول الله فكيف نصلي‬
‫عليك؟ قال‪ :‬فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا‬
‫أنه لم يسأله‪ ،‬ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬قولوا‬
‫اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل‬
‫إبراهيم‪ ،‬وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل‬
‫إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد والسلم كما قد علمتم" [‬
‫‪.]84‬‬

‫‪ -5‬حديث طلحة بن عبيد الله‪:‬‬


‫عن طلحة بن عبيد الله قال‪ :‬قلت يارسول الله كيف الصلة‬
‫عليك؟ قال‪" :‬قل اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما‬
‫صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد‪ ،‬وبارك على محمد وعلى آل‬
‫محمد كما باركت على آل إبراهيم انك حميد مجيد" [‪.]85‬‬
‫والملحظ في هذه الحاديث هو اختلف ألفاظها‪ ،‬ومن أجل ذلك‬
‫فإن المرء قد يسأل بأي هذه اللفاظ يدعو؟‬
‫قال ابن القيم‪ " :‬لقد سلك بعض المتأخرين في ذلك طريقة‪ ،‬وهو‬
‫أن الداعي يستحب له أن يجمع بين تلك اللفاظ المختلفة‪ ،‬ورأى‬
‫ذلك أفضل ما يقال فيها‪ ،‬فرأى أنه يستحب للمصلي على النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم أن يقول "اللهم صل على محمد وعلى آل‬
‫محمد وعلى أزواجه وذريته‪ ،‬وارحم محمدا وآل محمد وأزواجه‬
‫وذريته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم" وكذلك في‬
‫البركة والرحمة‪.‬‬
‫وعلل ذلك بقوله‪ :‬حتى يصيب ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫يقينا فيما شك فيه الراوي وليجتمع له ألفاظ الدعية الخر فيما‬
‫اختلفت ألفاظها‪.‬‬
‫ونازعه في ذلك آخرون وقال‪ :‬هذا ضعيف من وجوه‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أن هذه الطريقة محدثة لم يسبق إليها أحد من الئمة‬
‫المعروفين‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن صاحبها إن طردها لزمه أن يستحب للمصلي أن‬
‫يستفتح بجميع أنواع الستفتاحات‪ ،‬وأن يتشهد بجميع أنواع‬
‫التشهدات‪ ،‬وأن يقول في ركوعه وسجوده جميع الذكار الواردة‬
‫فيه‪ ،‬وهذا باطل قطعا فإنه خلف عمل الناس‪ ،‬ولم يستحبه أحد‬
‫من أهل العلم وهو بدعة‪ ،‬وإن لم يطردها تناقض وفرق بين‬
‫متماثلين‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن صاحبها إن طردها لزمه أن يستحب للمصلي والتالي‬
‫أن يجمع بين القراءات المتنوعة في التلوة في الصلة وخارجها‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ومعلوم أن المسلمين متفقون على أنه ل يستحب ذلك‬
‫للقارئ في الصلة ول خارجها إذا قرأ قراءة عبادة وتدبر‪ ،‬وإنما‬
‫يفعل ذلك القراء أحيانا ليمتحن بذلك حفظ القارئ لنواع‬
‫القراءات‪ ،‬وإحاطته بها واستحضاره إياها‪ ،‬والتمكن من‬
‫استحضارها عند طلبها‪ ،‬فذلك تمرين وتدريب ل تعبد مستحب‬
‫لكل تال وقارئ‪ ،‬ومع هذا ففي ذلك للناس كلم ليس هذا‬
‫موضعه‪ ،‬بل المشروع في حق التالي أن يقرأ بأي حرف شاء‪،‬‬
‫وإن شاء أن يقرأ بهذا مرة وبهذا مرة جاز ذلك‪.‬‬
‫وكذلك الداعي إذا صلى على النبي صلى الله عليه وسلم مرة‬
‫بلفظ هذا الحديث‪ ،‬ومرة بلفظ الخر‪ ،‬وكذلك إذا تشهد‪ ،‬فإن شاء‬
‫تشهد بتشهد ابن مسعود‪ ،‬وإن شاء بتشهد ابن عباس‪ ،‬وإن شاء‬
‫بتشهد ابن عمر‪ ،‬وإن شاء بتشهد عائشة رضي الله عنهم أجمعين‬
‫ول يستحب له أحد أن يجمع بين ذلك كله‪ .‬وقد احتج غير واحد‬
‫من الئمة منهم الشافعي رحمه الله تعالى على جواز النواع‬
‫المأثورة في التشهدات ونحوها بالحديث الذي رواه أصحاب‬
‫الصحيح والسنن وغيرهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه‬
‫قال‪" :‬أنزل القرآن على سبعة أحرف" [‪ .]86‬فجوز النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم القراءة بكل حرف من تلك الحرف‪ ،‬وأخبر أنه‬
‫"شافي كافي" ومعلوم أن المشروع في ذلك أن يقرأ بتلك‬
‫الحرف على سبيل البدل ل على سبيل الجمع كما كان الصحابة‬
‫يفعلون‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع بين تلك اللفاظ‬
‫الختلفة في آن واحد‪ ،‬بل إما أن يكون قال هذا مرة وهذا مرة‬
‫كألفاظ الستفتاح والتشهد‪ ،‬وأذكار الركوع والسجود وغيرها‪،‬‬
‫فاتباعه صلى الله عليه وسلم يقتضي أن ل يجمع بينها‪ ،‬بل يقال‬
‫هذا مرة وهذا مرة‪.‬‬
‫وإما أن يكون الراوي قد شك في أي اللفاظ قال‪ ،‬فإن ترجح‬
‫عند الداعي بعضها صار إليه وإن لم يترجح عنده بعضها كان‬
‫مخيرا بينهما‪ ،‬ولم يشرع له الجمع‪ ،‬فإن هذا نوع ثالث لم يرد عن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم فيعود الجمع بين تلك اللفاظ في آن‬
‫واحد على مقصود الداعي بالبطال لنه قصد متابعة الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ففعل ما لم يفعله قطعا‪.‬‬
‫ومثال ما يترجح فيه أحد اللفاظ حديث الستخارة فإن الراوي‬
‫شك هل قال النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬اللهم إن كنت تعلم‬
‫أن هذا المر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري" أو قال‪:‬‬
‫"وعاجل أمري وآجله" [‪ ]87‬بدل "وعاقبة أمري" والصحيح اللفظ‬
‫الول وهو قوله "وعاقبة أمري" لن عاجل المر وآجله هو‬
‫مضمون قوله "ديني ومعاشي وعاقبة أمري" فيكون الجمع بين‬
‫المعاش وعاجل المر وآجله تكرارا‪ ،‬بخلف ذكر المعاش‬
‫والعاقبة‪ ،‬فإنه ل تكرار فيه‪ ،‬فإن المعاش هو عاجل المر والعاقبة‬
‫أجله‪.‬‬
‫ومن ذلك ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‪" :‬من‬
‫قرأ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال"‬
‫رواه مسلم [‪.]88‬‬
‫واختلف فيه فقال بعض الرواة "من أول سورة الكهف"‪.‬‬
‫وقال بعضهم "من آخرها" وكلهما في الصحيح لكن الترجيح لمن‬
‫قال‪" :‬من أول سورة الكهف" لن في صحيح مسلم من حديث‬
‫النواس بن سمعان [‪ ]89‬في قصة الدجال "فإذا رأيتموه فاقرأوا‬
‫عليه فواتح سورة الكهف" [‪ ]90‬ولم يختلف في ذلك‪ ،‬وهذا يدل‬
‫على أن من روى العشر من أول السورة حفظ الحديث‪ ،‬ومن‬
‫روى من آخرها لم يحفظه‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬أن المقصود إنما هو المعنى والتعبير عنه بعبارة مؤدية‬
‫له‪ ،‬فإذا عبر عنه بإحدى العبارتين حصل المقصود‪ ،‬فل يجمع بين‬
‫العبارات المتعددة‪.‬‬
‫السادس‪ :‬أن أحد اللفظين بدل عن الخر‪ ،‬فل يستحب الجمع بين‬
‫البدل والمبدل معا كما ل يستحب ذلك في المبدلت التي لها‬
‫إبدال والله أعلم [‪]91‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬مواطن الصلة عليه صلى الله عليه وسلم‬


‫تتأكد الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم في مواطن إما‬
‫وجوبا وإما استحبابا مؤكدا [‪ ]92‬ومن هذه المواطن ما يلي‪:‬‬

‫الموطن الول‪ :‬في الصلة في آخر التشهد‪:‬‬


‫وهو أهمها وآكدها‪ ،‬وقد أجمع المسلمون على مشروعيته [‪)2( ]93‬‬
‫واختلفوا في وجوبه فيها‪.‬‬
‫فقالت طائفة‪ :‬ليس بواجب فيها وهذا قول أبي حنيفة ومالك‬
‫ورواية عن المام أحمد‪ ،‬وهو قول أكثر أهل العلم [‪.]94‬‬
‫وقالت طائفة‪ :‬بوجوب ذلك وهو قول الشافعي ورواية عن المام‬
‫أحمد والظاهر أنها آخر قوليه [‪ ]95‬وهي المعتمدة في المذهب [‬
‫‪ ]96‬وبهذا القول قال جمع من الصحابة والتابعين وأرباب‬
‫المذاهب‪ ،‬وبه قال ابن مسعود‪ ،‬وابن عمر‪ ،‬وأبو مسعود‪،‬‬
‫والشعبي‪ ،‬ومقاتل بن حيان‪ ،‬وأبو جعفر محمد بن على بن‬
‫الحسين [‪ ]97‬واسحاق بن راهويه [‪.]98‬‬
‫ولكل واحد من الفريقين أدلته‪ ،‬وهي مبسوطة في كتب الفقه‪.‬‬
‫وقد جمعها ابن القيم في كتابه القيم جلء الفهام [‪ ]99‬فمن أراد‬
‫الستزادة في هذا الشأن فليرجع إليه [‪.]100‬‬
‫وأما ما يتعلق بأدلة مشروعيتها في هذا الموطن فهي بعينها‬
‫الدلة التي تقدم ذكرها في المطلب السابق عند الحديث عن‬
‫كيفية الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫الموطن الثاني‪ :‬الصلة عليه صلى الله عليه وسلم في التشهد‬


‫الول‪:‬‬
‫قال ابن القيم‪" :‬وهذا قد اختلف فيه‬
‫القول الول‪ :‬قال الشافعي في "الم"‪" :‬يصلي على النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم في التشهد الول [‪ ]101‬وهذا هو المشهور من‬
‫مذهبه وهو الجديد‪ ،‬ولكنه يستحب وليس بواجب‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬قال الشافعي في القديم‪ " :‬ل يزيد على التشهد"‬
‫وهذه رواية المزني [‪ ]102‬عنه‪ ،‬وبهذا قال أحمد وأبو حنيفة ومالك‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫واحتج لقول الشافعي بما رواه الدارقطني بسنده عن ابن عمر‬
‫قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد التحيات‬
‫الطيبات الزاكيات لله‪ ،‬السلم عليك أيها النبي ورحمة الله‬
‫وبركاته‪ ،‬السلم علينا وعلى عباد الله الصالحين‪ ،‬أشهد أن ل إله‬
‫إل الله وحده ل شريك له وأن محمدا عبده ورسوله ثم يصلي‬
‫على النبي صلى الله عليه وسلم " [‪.]103‬‬
‫وروى الدارقطني أيضا من حديث عمرو بن شمر عن جابر عن‬
‫عبد الله بن بريدة‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬يا بريدة إذا صليت في صلتك فل تتركن الصلة علي‬
‫فيها‪ ،‬فإنها زكاة الصلة" [‪.]104‬‬
‫قالوا‪ :‬وهذا يعم الجلوس الول والخر‪.‬‬
‫واحتج له أيضا بأن الله تعالى أمر المؤمنين بالصلة والتسليم‬
‫على رسوله صلى الله عليه وسلم فدل على أنه حيث شرع‬
‫التسليم عليه شرعت الصلة عليه‪ ،‬ولهذا سأله أصحابه عن كيفية‬
‫الصلة عليه‪ ،‬وقالوا "قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي‬
‫عليك؟" فدل على أن الصلة عليه مقرونة بالسلم عليه صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬ومعلوم أن المصلي يسلم على النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم فيشرع له أن يصلي عليه‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ولنه مكان شرع فيه التشهد والتسليم على النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم فشرع فيه الصلة عليه كالتشهد الخير‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ولن التشهد الول محل يستحب فيه ذكر الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم فاستحب فيه الصلة عليه‪ ،‬لنه أكمل في ذكره‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ولن في حديث محمد بن إسحاق‪ :‬كيف نصلي عليك إذا‬
‫نحن جلسنا في صلتنا؟ [‪.]105‬‬
‫وقال الخرون‪ :‬ليس التشهد الول بمحل لذلك‪ ،‬وهو القديم من‬
‫قولي الشافعي رحمه الله تعالى‪ ،‬وهو الذي صححه كثير من‬
‫أصحابه لم لن التشهد الول تخفيفه مشروع‪ ،‬وكان النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم إذا جلس فيه كأنه على الرضف [‪ .]107[ ]106‬ولم‬
‫يثبت عنه أنه كان يفعل ذلك فيه‪ ،‬ول علّمه للمة‪ ،‬ول يعرف أن‬
‫أحدا من الصحابة استحبه‪ ،‬ولن مشروعية ذلك لو كانت كما‬
‫ذكرتم من المر لكانت واجبة في المحل كما في الخير‪ ،‬لتناول‬
‫المر لهما‪ ،‬ولنه لو كانت الصلة مستحبة في هذا الموضع‪،‬‬
‫لستحب فيه الصلة على آله صلى الله عليه وسلم لن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم لم يفرد نفسه دون آله بالمر بالصلة‬
‫عليه‪ ،‬بل أمرهم بالصلة عليه وعلى آله في الصلة وغيرها‪.‬‬
‫ولنه لو كانت الصلة عليه في هذه المواضع مشروعة لشرع فيها‬
‫ذكر إبراهيم وآل إبراهيم‪ ،‬لنها هي صفة الصلة المأمور بها‪،‬‬
‫ولنها لو شرعت في هذه المواضع لشرع فيها الدعاء بعدها‬
‫لحديث فضالة‪ ،‬ولم يكن فرق بين التشهد الول والخير‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وأما ما استدللتم به من الحاديث فمع ضعفها ل تدل‪ ،‬لن‬
‫المراد بالتشهد فيها هو الخير دون الول بما ذكرناه من الدلة [‬
‫‪.)1( ]108‬‬

‫الموطن الثالث من مواطن الصلة عليه صلى الله عليه وسلم‪:‬‬


‫آخر القنوت‬
‫قال ابن القيم رحمه الله تعالى‪" :‬استحبه الشافعي ومن وافقه‬
‫واحتج لذلك بما رواه النسائي بسنده عن الحسن بن علي [‪]109‬‬
‫قال علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلء الكلمات في‬
‫الوتر قال‪" :‬قل اللهم اهدني فيمن هديت‪ ،‬وبارك لي فيما‬
‫أعطت‪ ،‬وتولني فيمن توليت‪ ،‬وقني شر ما قضيت‪ ،‬فإنك تقضي‬
‫ول يقضى عليك‪ ،‬إنه ل يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت [‪]110‬‬
‫وصلى الله على النبي" [‪ ]111‬وهذا إنما هو في قنوت الوتر‪ ،‬وإنما‬
‫نقل إلى قنوت الفجر قياسا كما نقل أصل هذا الدعاء إلى قنوت‬
‫الفجر‪.‬‬
‫وهو مستحب في قنوت رمضان فعن عروة بن الزبير [‪ ]112‬أن‬
‫عبد الرحمن بن عبد القاري [‪ ]113‬وكان في عهد عمر بن‬
‫الخطاب مع عبد الله بن الرقم [‪ ]114‬على بيت المال‪ ،‬قال‪ :‬إن‬
‫عمر خرج ليلة في رمضان‪ ،‬فخرج معه عبد الرحمن بن عبد‬
‫القارى فطاف في المسجد‪ ،‬وأهل المسجد أوزاع متفرقون‬
‫يصلي الرجل لنفسه‪ ،‬ويصلي الرجل فيصلي بصلته الرهط فقال‬
‫عمر رضي الله عنه‪ ،‬والله إني لظن لو جمعت هؤلء على قارئ‬
‫واحد يكون أمثل‪ ،‬ثم عزم عمر على ذلك وأمر أبي بن كعب أن‬
‫يقوم بهم في رمضان‪ ،‬فخرج عليهم والناس يصلون بصلة‬
‫قارئهم‪ ،‬فقال عمر رضي الله عنه نعمت البدعة هذه‪ ،‬والتي‬
‫ينامون عنها أفضل من التي يقومون‪ ،‬يريد آخر الليل‪ ،‬وكان‬
‫الناس يقومون أوله‪ ،‬وقال‪ :‬كانوا يلعنون الكفرة في النصف‬
‫يقولون‪ :‬اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون‬
‫رسلك‪ ،‬ول يؤمنون بوعدك‪ ،‬وخالف بين كلمتهم‪ ،‬وألق في قلوبهم‬
‫الرعب‪ ،‬وألق عليهم رجزك وعذابك إله الحق‪ .‬ثم يصلي على‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ثم يدعو للمسلمين ما استطاع من‬
‫خير‪ ،‬ثم يستغفر للمؤمنين‪ ،‬قال‪ :‬فكان يقول إذا فرغ من لعنة‬
‫الكفار‪ ،‬وصلته على‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم واستغفاره للمؤمنين‪ ،‬ومسألته‪:‬‬
‫اللهم إياك نعبد‪ ،‬ولك نصلي ونسجد‪ ،‬وإليك نسعى ونحفد [‪]115‬‬
‫ونرجو رحمتك‪ ،‬ونخاف عذابك إن عذابك الجد لمن عاديت ملحق‪،‬‬
‫ثم يكبر ويهوي ساجدا [‪.]116‬‬
‫وروى إسماعيل بن إسحاق بسنده عن قتادة‪ ،‬عن عبد الله بن‬
‫الحارث [‪]117‬أن أبا حليمة‪ -‬معاذا‪ ]118[ -‬كان يصلى على النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم في القنوت [‪.]120[ ]119‬‬

‫الموطن الرابع من مواطن الصلة عليه صلى الله عليه وسلم‪:‬‬


‫في صلة الجنازة بعد التكبيرة الثانية‪:‬‬
‫ل خلف في مشروعيتها فيها‪ ،‬واختلف في توقف صحة الصلة‬
‫عليها‪ .‬فقال الشافعي‪ ،‬وأحمد في المشهور من مذهبهما‪ :‬إنها‬
‫واجبة في الصلة‪ ،‬ل تصح إل بها‪ ،‬ورواه البيهقي عن عبادة بن‬
‫الصامت وغيره من الصحابة‪ .‬وقال مالك وأبو حنيفة‪ :‬تستحب‬
‫وليست بواجبة‪ ،‬وهو وجه لصحاب الشافعي‪ .‬والدليل على‬
‫مشروعيتها في صلة الجنازة‪ ،‬ما روى الشافعي بسنده عن‬
‫الزهري‪ ،‬قال أخبرني أمامة بن سهل‪ ،‬أنه أخبره رجل من‬
‫أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن السنة في الصلة على‬
‫الجنازة أن يكبر المام ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الولى‬
‫سرا في نفسه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات ل يقرأ في شيء منهن ثم‬
‫يسلم سرا في نفسه [‪ .]121‬وروى إسماعيل بن إسحاق في كتاب‬
‫"الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم" بسنده عن الزهري‬
‫قال سمعت أبا أمامة بن سهل بن حنيف [‪ ]122‬يحدث سعيد بن‬
‫المسيب [‪ ]123‬قال‪ :‬إن السنة في صلة الجنازة أن يقرأ بفاتحة‬
‫الكتاب‪ ،‬ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يخلص‬
‫الدعاء للميت حتى يفرغ‪ ،‬ول يقرأ إل مرة واحدة‪ ،‬ئم يسلم في‬
‫نفسه [‪]124‬‬
‫وأبو أمامة هذا صحابي صغير‪ ،‬وقد رواه عن صحابي آخر كما‬
‫ذكره الشافعي‪.‬‬
‫وقال صاحب "المغني" [‪ ]125‬يروى عن ابن عباس أنه صلى على‬
‫جنازة بمكة فكبر‪ ،‬ثم قرأ وجهر وصلى على النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬ثم دعا لصاحبه فأحسن ثم انصرف‪ ،‬وقال‪ :‬هكذا ينبغي أن‬
‫تكون الصلة على الجنازة‪.‬‬
‫وفي الموطأ برواية يحى بن يحى الليثي [‪ ]126‬حدثنا مالك بن‬
‫أنس عن سعيد بن أبي سعيد المقبري [‪ ]127‬عن أبيه [‪ ]128‬أنه‬
‫سأل أبا هريرة كيف نصلي على الجنازة؟ فقال أبو هريرة رضي‬
‫الله عنه‪ :‬أنا لعمر الله أخبرك‪ ،‬أتبعها من أهلها‪ ،‬فإذا وضعت‬
‫كبرت وحمدت الله تعالى‪ ،‬وصليت على النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ثم أقول‪" :‬اللهم إنه عبدك وابن عبدك‪ ،‬وابن أمتك‪ ،‬كان‬
‫يشهد أن ل إله إل الله‪ ،‬وأن محمدا عبدك ورسولك‪ ،‬وأنت أعلم‬
‫به‪ ،‬اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه‪ ،‬وإن كان مسيئا فتجاوز‬
‫عن سيئاته‪ ،‬اللهم ل تحرمنا أجره ول تفتنا بعده" [‪.]129‬‬
‫إذا تقرر هذا فالمستحب أن يصلى عليه صلى الله عليه وسلم‬
‫في الجنازة كما يصلى عليه في التشهد‪ ،‬لن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم علم ذلك أصحابه لما سألوه عن كيفية الصلة عليه‪.‬‬
‫وفي مسائل " عبد الله بن أحمد "عن أبيه قال‪ :‬يصلى على النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ويصلى على الملئكة المقربين‪.‬‬
‫قال القاضي‪ :‬يقول‪ :‬اللهم صل على ملئكتك المقربين وأنبيائك‬
‫والمرسلين‪ ،‬وأهل طاعتك أجمعين من أهل السموات والرضين‪،‬‬
‫إنك على كل شيء قدير [‪.]130‬‬

‫الموطن الخامس من مواطن الصلة عليه صلى الله عليه وسلم‪:‬‬


‫في الخطب كخطبة الجمعة والعيدين‪ ،‬والستسقاء‪ ،‬وغيرها‪:‬‬
‫وقد اختلف في اشتراطها لصحة الخطة‬
‫قال الشافعي وأحمد في المشمهور من مذهبهما‪ :‬ل تصح الخطة‬
‫إل بالصلة عليه صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة ومالك‪ :‬تصح بدونها‪ ،‬وهو وجه في مذهب أحمد‬
‫ح لَ َ‬ ‫َ‬
‫ضعْنَا‬
‫ك وَوَ َ‬ ‫شَر ْ‬‫م نَ ْ‬ ‫الخطة بقوله تعالى‪{ :‬أل َ ْ‬ ‫َ‬
‫واحتج لوجوبها في‬
‫ك وََرفَعْنَا ل َ َ‬‫ض ظَهَْر َ‬ ‫َ‬
‫ك} [‪]131‬‬ ‫ك ذِكَْر َ‬ ‫ك ال ّذِي أنْقَ َ‬ ‫صدَْر َ‬ ‫ك وِْزَر َ‬
‫ك َ‬ ‫ع َن ْ َ‬
‫قال ابن عباس رضي الله عنهما‪" :‬رفع الله ذكره‪ ،‬فل يذكر إل‬
‫ذكر معه‪ .‬وفي هذا الدليل نظر‪ ،‬لن ذكره صلى الله عليه وسلم‬
‫مع ذكر ربه هو الشهادة له بالرسالة إذا شهد لمرسله بالوحدانية‪،‬‬
‫وهذا هو الواجب في الخطبة قطعا بل هو ركنها العظم‪ ،‬وقد‬
‫روى أبو داود‪ ،‬وأحمد وغيرهما من حديث أبي هريرة عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم أنه قال‪" :‬كل خطة ليس فيها تشهد فهي‬
‫كاليد الجذماء" [‪ ]132‬واليد الجذماء‪ :‬المقطوعة‪ ،‬فمن أوجب‬
‫الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم في الخطة دون التشهد‬
‫فقوله في غاية الضعف‪.‬‬
‫وقد روى ابن جرير في تفسيره بسنده عن قتادة {وََرفَعْنَا ل َ َ‬
‫ك‬
‫ك} رفع الله ذكره في الدنيا والخرة‪ ،‬فليس خطب ول‬ ‫ذِكَْر َ‬
‫متشهد‪ ،‬ول صاحب صلة إل ينادى بها‪ :‬أشهد أن ل اله إل الله‬
‫وأشهد أن محمدا رسول الله [‪.]133‬‬
‫ك} قال إذا ذكرت ذكرت معي ول‬ ‫وعن الضحاك {وََرفَعْنَا ل َ َ‬
‫ك ذِكَْر َ‬
‫يجوز خطبة ول نكاح إل بذكرك [‪ ]134‬معي‪.‬‬
‫ك} قال‪ :‬ل أذكر إل ذكرت معي‬ ‫ك ذِكَْر َ‬‫وعن مجاهد {وََرفَعْنَا ل َ َ‬
‫أشهد أن ل إله إل الله وأشهد أن محمدا رسول الله [‪.]135‬‬
‫فهذا هو المراد من الية‪ ،‬وكيف ل يجب التشهد الذي هو عقد‬
‫السلم في الخطبة‪ ،‬وهو أفضل كلماتها وتجب الصلة على النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم فيها‪.‬‬
‫والدليل على مشروعية الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫في الخطبة ما رواه المام أحمد في المسند بسنده عن عون بن‬
‫أبي جحيفة [‪ ]136‬قال‪ :‬كان أبي [‪ ]137‬من شرط علي‪ ،‬وكان تحت‬
‫المنبر‪ ،‬فحدثني‪ :‬أنه صعد المنبر‪ -‬يعني عليا‪ -‬رضي الله عنه فحمد‬
‫الله وأثني عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وقال‬
‫خير هذه المة بعد نبيها أبو بكر والثاني عمر‪ ،‬وقال يجعل الله‬
‫الخير حيث شاء [‪.]138‬‬
‫قال ابن القيم‪" :‬وقد كانت الصلة على النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم في الخطب أمرا مشهورا معروفا عند الصحابة رضي الله‬
‫عنهم أجمعين‪.‬‬
‫أما وجوبها فيعتمد دليل يجب المصير إليه وإلى مثله [‪.]139‬‬
‫الموطن السادس من مواطن الصلة عليه صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫الصلة عليه بعد إجابة المؤذن وعند القامة‬
‫لما روى مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو أنه‬
‫سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪" :‬إذا سمعتم‬
‫المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي‪ ،‬فإن من صلى علي‬
‫صلة صلى الله عليه بها عشرا‪ ،‬ثم سلوا الله لي الوسيلة‪ ،‬فإنها‬
‫منزلة في الجنة ل تنبغي إل لعبد من عباد الله تعالى‪ ،‬وأرجو أن‬
‫أكون أنا هو‪ ،‬فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي" [‬
‫‪.]140‬‬

‫الموطن السابع من مواطن الصلة عليه صلى الله عليه وسلم‪:‬‬


‫عند الدعاء‪:‬‬
‫والدليل على ذلك حديث فضالة بن عبيد [‪ ]141‬رضي الله عنه‬
‫قال‪ :‬سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل يدعو في صلة‬
‫لم يحمد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬عجل هذا" ثم دعاه‪ ،‬فقال له‬
‫أو لغيره‪" :‬إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه ثم‬
‫يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ثم يدعو بما شاء" [‪.]142‬‬
‫وعن عمر بن الخطاب رضي الله عند قال‪" :‬إن الدعاء موقوف‬
‫بين السماء والرض ل يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك‬
‫صلى الله عليه وسلم" [‪.]143‬‬

‫الموطن الثامن من مواطن الصلة على النبي صلى الله عليه‬


‫وسلم‪ :‬عند دخول المسجد وعند الخروج منه‬
‫لما في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه‪ ،‬أن رسول الله‬
‫لمج!ا قال‪" :‬إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬وليقل‪ :‬اللهم افتح لي أبواب رحمتك‪ ،‬وإذا خرج‬
‫فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل‪ :‬اللهم أجرني‬
‫من الشيطان الرجيم" [‪.]144‬‬
‫وعن فاطمة بنت الحسين [‪ ]145‬عن جدتها فاطمة الكبرى [‪]146‬‬
‫قالت‪" :‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد‬
‫صلى على محمد وسلم‪ ،‬وقال‪" :‬رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي‬
‫أبواب رحمتك‪ ،‬وإذا خرج صلى على محمد وسلم وقال‪" :‬رب‬
‫اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك" [‪.]147‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية "والصلة والسلم عليه عند دخول‬
‫المسجد مأثور عنه صلى الله عليه وسلم وعن غير واحد من‬
‫الصحابة والتابعين" [‪.]148‬‬
‫وقال القاضي عياض‪" :‬ومن مواطن الصلة والسلم عند دخول‬
‫المسجد" وذكرا عددا من الثار عن بعض الئمة [‪.]149‬‬

‫الموطن التاسع من مواطن الصلة عليه صلى الله عليه وسلم‪:‬‬


‫على الصفا والمروة‬
‫لما روى إسماعيل بن إسحاق القاضي بسنده عن نافع [‪ ]150‬أن‬
‫عمر رضي الله عنه كان يكبر على الصفا ثلثا‪ ،‬ويقول‪ :‬ل إله إل‬
‫الله وحده ل شريك له‪ ،‬له الملك وله الحمد وهو على كل شيء‬
‫قدر‪ ،‬ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ثم يدعو ويطل‬
‫القيام والدعاء‪ ،‬ثم يفعل على المروة نحو ذلك [‪.]151‬‬
‫وعن وهب بن الجدع [‪ ]152‬قال‪ :‬سمعت عمر بن الخطاب رضي‬
‫الله عنه يخطب الناس بمكة يقول إذا قدم الرجل منكم حاجا‬
‫فليطف بالبيت سبعا وليصل عند المقام ركعتين ثم يستلم الحجر‬
‫السود‪ ،‬ثم يبدأ بالصفا‪ ،‬فيقوم عليها ويستقبل البيت فيكبر سبع‬
‫تكبيرات يين كل تكبيرتين حمد الله عز وجل وثناء عليه عزوجل‪،‬‬
‫وصلة على النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ومسألة لنفسه وعلى‬
‫المروة مثل ذلك [‪.]153‬‬

‫الموطن العاشر من مواطن الصلة عليه صلى الله عليه وسلم‪:‬‬


‫عند اجتماع القوم قبل تفرقهم‪:‬‬
‫فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬ما جلس قوم مجلسا فلم يذكروا الله ولم يصلوا‬
‫على نبيه صلى الله عليه وسلم إل كان مجلسهم عليهم ترة [‪]154‬‬
‫يوم القيامة‪ ،‬إن شاء عفا عنهم‪ ،‬وإن شاء أخذهم" [‪.]155‬‬
‫وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال‪" :‬ما جلس قوم‬
‫مجلسا لم يصل فيه على النبي صلى الله عليه وسلم إل كانت‬
‫عليهم حسرة وإن دخلوا الجنة" [‪.]156‬‬
‫وعن جابرأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪ :‬ما جلس‬
‫قوم مجلسا ثم تفرقوا من غير صلة على النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم إل تفرقوا على أنتن من ريح جيفة" [‪.]157‬‬

‫الموطن الحادي عشر‪ :‬من مواطن الصلة عليه صلى الله عليه‬
‫وسلم عند ذكره‬
‫قال ابن القيم‪" :‬وقد اختلفت في وجوبها كلما ذكر اسمه صلى‬
‫الله عليه وسلم فقال أبو جعفر الطحاوي [‪ ]158‬وأبو عبيد الله‬
‫الحليمي‪ :‬تجب الصلة عليه صلى الله عليه وسلم كلما ذكر‬
‫اسمه‪ .‬وقال غيرهما إن ذلك مستحب‪ ،‬وليس بفرض يأثم تاركه‪.‬‬
‫ثم اختلفوا‪ :‬فقالت فرقة‪ :‬تجب الصلة عليه في العمر مرة‬
‫واحدة‪ ،‬لن المر مطلق ل يقتضي تكرارا‪ ،‬والماهية تحصل بمرة‪،‬‬
‫وهذا محكي عن أبي حنيفة ومالك‪ ،‬والثوري‪ ،‬والوزاعي [‪.]159‬‬
‫قال القاضي عياض وابن عبد البر‪ :‬وهو قول جمهور المة‪.‬‬
‫وقالت فرقة‪ :‬بل تجب في كل صلة في تشهدها الخير كما‬
‫تقدم‪ ،‬وهو قول الشافعي وأحمد في آخر الروايتين عنه‪،‬‬
‫وغيرهما‪.‬‬
‫وقالت فرقة‪ :‬المر بالصلة عليه أمر استحباب ل أمر إيجاب‪،‬‬
‫وهذا قول ابن جرير وطائفة‪ ،‬وادعى ابن جرير فيه الجماع‪ ،‬وهذا‬
‫على أصله فإنه إذا رأي الكثرين على قول‪ ،‬جعله إجماعا يجب‬
‫اتباعه‪.‬‬
‫واحتج الموجبون بحجج‪:‬‬
‫الحجة الولى‪ :‬حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم أنه قال‪:‬‬
‫"رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي‪ ،‬ورغم أنف رجل‬
‫دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له‪ ،‬ورغم أنف رجل‬
‫أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخله الجنة" [‪.]160‬‬
‫ورغم أنفه‪ :‬دعاء عليه وذم له‪ ،‬وتارك المستحب ل يذم ول يدعى‬
‫عليهز‪.‬‬
‫الحجة الثانية‪ :‬حديث أبي هريرة رضي الله عنه‪ ،‬عن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬أنه صعد المنبر فقال‪" :‬آمين‪ ،‬آمين‪ ،‬آمين‪ ،‬فقيل‬
‫له يارسول الله‪ ،‬ما كنت تصنع هذا؟ فقال‪" :‬قال لي جبريل رغم‬
‫أنف عبد دخل عليه رمضان ولم يغفر له‪ ،‬فقلت‪ :‬آمين‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫رغم أنفه عبد أدرك أبويه أو أحدهما الكبر لم يدخل الجنة‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫آمين ثم قال‪ :‬رغم أنف عبد ذكرت عنده فلم يصل عليك‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫آمين" [‪]161‬‬
‫الحجة الثالثة‪ :‬حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬من ذكرت عنده فليصل‬
‫علي‪ ،‬فإنه من صلى علي مرة صلى الله عليه عشرا" [‪ .]162‬وهذا‬
‫إسناد صحيح والمر ظاهره الوجوب‪.‬‬
‫الحجة الرابعة‪ :‬حديث الحسين بن علي [‪ ]163‬رضي الله عنهما‬
‫عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‪" :‬إن البخيل من ذكرت‬
‫عنده فلم يصل علي" [‪. ]164‬‬
‫وعن عوف بن مالك الشجعي أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قعد أو قعد أبو ذر‪ -‬فذكر حديثا طويل‪ -‬وفيه قال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم "إن أبخل الناس من ذكرت عنده فلم‬
‫يصل علي" [‪.]165‬‬
‫قالوا‪ :‬فإذا ثبت أنه بخيل فوجه الدللة به من وجهين‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أن البخل اسم ذم‪ ،‬وتارك المستحب ل يستحق اسم الذم‬
‫َ‬ ‫ب ك ُ َّ‬ ‫َ َ‬
‫خلُو َ‬
‫ن‬ ‫ن يَب ْ َ‬ ‫خورٍ ال ّذِي َ‬ ‫ل فَ ُ‬ ‫ختَا ٍ‬ ‫م ْ‬‫ل ُ‬ ‫ح ُّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫قال الله تعالى‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫ْ‬
‫ل} [‪ ]166‬فقرن البخل بالختيال والفخر‪،‬‬ ‫خ ِ‬ ‫س بِالْب ُ ْ‬ ‫ن النَّا َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫وَيَأ ُ‬
‫والمر بالبخل‪ ،‬وذم على المجموع‪ ،‬فدل على أن البخل صفة ذم‪،‬‬
‫وقال النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬وأي داء أدوأ من البخل" [‬
‫‪.]167‬‬
‫الثاني‪ :‬أن البخيل هو مانع ما وجب عليه‪ ،‬فمن أدى الواجب عليه‬
‫كله لم يسم بخيل‪ ،‬وإنما البخيل مانع ما يستحق عليه إعطاؤه‬
‫وبذله‪.‬‬
‫الحجة الخامسة‪ :‬أن الله سبحانه وتعالى أمر بالصلة والتسليم‬
‫عليه‪ ،‬والمر المطلق للتكرار‪ ،‬ول يمكن أن يقال‪ :‬التكرار هو كل‬
‫وقت‪ ،‬فإن الوامر المكررة إنما تتكرر في أوقات خاصة‪ ،‬أو عند‬
‫شروط وأسباب تقتضي تكرارها‪ ،‬وليس وقت أولى من وقت‪،‬‬
‫فتكرار المأمور بتكرار ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أولى لما‬
‫تقدم من النصوص‪ ،‬فهنا ثلث مقدمات‪:‬‬
‫الولى‪ :‬أن الصلة مأمور بها أمرا مطلقا‪ ،‬وهذه معلومة‪.‬‬
‫المقدمة الثانية‪ :‬أن المر المطلق يقتضي التكرار‪ ،‬وهذا مختلف‬
‫فيه فنفاه طائفة من الفقهاء والصوليين‪ .‬وأثبته طائفة‪ .‬وفرقت‬
‫طائفة يين المر المطلق والمعلق على شرط أو وقت‪ ،‬فأثبتت‬
‫التكرار في المعلق دون المطلق‪ .‬والقوال الثلثة في مذهب‬
‫أحمد والشافعي‪ ،‬وغيرهما‪.‬‬
‫ورجحت هذه الطائفة التكرار بأن عامة أوامر الشرع على‬
‫َ‬
‫خلُوا‬
‫سولِهِ} [‪ ]168‬وقوله {اد ْ ُ‬ ‫منُوا بِالل ّهِ وََر ُ‬ ‫التكرار كقوله تعالى‪{ :‬آ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل}‬‫سو َ‬ ‫ه وَأطِيعُوا الَّر ُ‬ ‫تعالى‪{ :‬أطِيعُوا الل ّ َ‬ ‫َّ‬
‫سلْمِ} [‪ ]169‬وقوله‬ ‫فِي ال ِّ‬
‫موا‬ ‫َ‬ ‫[‪ ]170‬وقوله تعالى‪{ :‬وَاتَّقُوا الل‬
‫تعالى {وَأقِي ُ‬ ‫َ‬
‫ه} [‪ ]171‬وقوله‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫منُوا‬ ‫نآ َ‬ ‫صلة َ وَآتُوا الَّزكَاةَ} [‪ ]172‬وقوله َتعالى‪{ :‬يَا أي ُّ َها ال ّذِي َ‬ ‫ال َّ‬
‫ه} [‪ ]173‬وقوله تعالى‪:‬‬ ‫صابُِروا وََرابِطُوا وَاتَّقُوا الل ّ َ‬ ‫صبُِروا َو َ‬ ‫ا ْ‬
‫َّ‬
‫ن} [‪.]174‬‬ ‫خافُو ِ‬ ‫{وَ َ‬
‫موا بِاللهِ} [‪،]176‬‬ ‫ص ُ‬ ‫شونِي} [‪ ،]175‬وقوله‪{ :‬وَاع ْت َ ِ‬
‫َ‬ ‫خ َ ْ‬ ‫وقوله‪{ :‬وَا ْ‬
‫ميعاً} [‪.]177‬‬ ‫ج ِ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫حب ْ ِ‬
‫موا ب ِ َ‬ ‫ص ُ‬‫وقوله‪{ :‬وَاع ْت َ ِ‬
‫وذلك في القرآن أكثر من أن يحصر‪ ،‬وإذا كات أوامر الله‬
‫ورسوله على التكرار حيث وردت إل في النادر‪ ،‬علم أن هذا‬
‫عرف خطاب الله ورسوله للمة‪ ،‬والمر وإن لم يكن في لفظه‬
‫المجرد ما يؤذن بتكرار ول فور فل ريب أنه في عرف خطاب‬
‫الشارع للتكرار‪ ،‬فل يحمل كلمه إل على عرفه والمألوف من‬
‫خطابه‪ ،‬وإن لم يكن ذلك مفهوما من أصل الوضع في اللغة‪ ،‬وهذا‬
‫كما قلنا‪ :‬ان المر يقتضي الوجوب‪ ،‬والنهي يقتضي الفساد‪ ،‬فإن‬
‫هذا معلوم من خطاب الشارع وإن كان ل تعرض لصحة المنهي‬
‫ول لفساده في أصل موضوع اللغة‪ ،‬وكذا خطاب الشارع لواحد‬
‫من المة يقتضي معرفة الخاص أن يكون اللفظ متناول له‬
‫ولمثاله‪ ،‬وإن كان موضوع اللفظ لغة ل يقتضي ذلك‪ ،‬فإن هذا‬
‫لغة صاحب الشرع وعرفه في مصادر كلمه وموارده‪ ،‬وهذا‬
‫معلوم بالضطرار من دينه قبل أن يعلم صحة القياس واعتباره‬
‫وشروطه‪ ،‬وهكذا الفرق يين اقتضاء اللفظ وعدم اقتضائه لغة‪،‬‬
‫ويين اقتضائه في عرف الشارع وعادة خطابه‪.‬‬
‫المقدمة الثالثة‪ :‬أنه إذا تكرر المأمور به‪ ،‬فإنه ل يتكرر إل بسبب‬
‫أو وقت‪ ،‬وأولى السباب المقتضية لتكراره ذكر اسمه صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬لخباره برغم أوف من ذكر عنده فلم يصل عليه‪،‬‬
‫وللسجال عليه بالبخل وإعطائه اسمه‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ومما يؤيد ذلك أن الله سبحانه أمر عباده المؤمنين بالصلة‬
‫عليه عقب إخباره لهم بأنه وملئكته يصلون عليه‪ ،‬لم يكن مرة‬
‫وانقطعت‪ .‬بل في صلة متكررة‪ ،‬ولهذا ذكرها مبينا بها فضله‬
‫وشرفه وعلو منزلته عنده‪ ،‬ثم أمر المؤمنين بها‪ ،‬فتكرارها في‬
‫حقهم أحق وآكد لجل المر‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ولن الله أكد السلم بالمصدر الذي هو التسليم‪ ،‬وهذا‬
‫يقتضي المبالغة والزيادة في كميته‪ ،‬وذلك بالتكرار‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ولن لفظ الفعل المأمور به يدل على التكثير وهو "صلى‬
‫سر‬‫وسلم" فإن "فعَّل" المشدد‪ ،‬يدل على تكرار الفعل‪ ،‬كقولك ك ّ‬
‫َ‬
‫الخبرز وقط ّع اللحم‪ ،‬وعلّم الخير‪ ،‬وشدّد في كذا‪ ،‬ونحوه‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ولن المر بالصلة عليه في مقابل إحسانه إلى المة‪،‬‬
‫وتعليمهم وإرشادهم وهدايتهم‪ ،‬وما حصل لهم ببركته من سعادة‬
‫الدنيا والخرة‪ ،‬ومعلوم أن مقابلة مثل هذا النفع العظيم ل يحصل‬
‫بالصلة عليه مرة واحدة في العمر‪ ،‬بل لو صلى العبد عليه بعدد‬
‫أنفاسه لم يكن موفيا لحقه ول مؤديا لنعمته‪ ،‬فجعل ضابط شكر‬
‫هذه النعمة بالصلة عليه عند ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ولهذا أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بتسميته‬
‫من لم يصل عليه عند ذكره بخيل‪ ،‬لن من أحسن إلى العبد‬
‫الحسان العظيم‪ ،‬وحصل له به هذا الخير الجسيم‪ ،‬ثم يذكر عنده‬
‫ول يثني عليه ول يبالغ في حمده ومدحه وتمجيده‪ ،‬ويبدي ذلك‬
‫ويعيده‪ ،‬ويعتذر من التقصير في القياع بشكره وحقه‪ ،‬عده الناس‬
‫بخيل لئيما كفورا فكيف بمن أدنى إحسانه إلى العبد يزيد على‬
‫أعظم إحسان المخلوقين بعضهم لبعض الذي بإحسانه حصل‬
‫للعبد خير الدنيا والخرة‪ ،‬ونجا من شر الدنيا والخرة‪ ،‬الذي ل‬
‫تتصور القلوب حقيقة نعمته وإحسانه‪ ،‬فضل عن أن تقوم بشكره‪،‬‬
‫أليس هذا المنعم المحسن أحق بأن يعظم ويثنى عليه‪ ،‬ويستفرغ‬
‫الوسع في حمده ومدحه إذا ذكر بين المل‪ ،‬فل أقل من أن يصلى‬
‫عليه مرة إذا ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ولهذا دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم برغم أنفه‪ ،‬وهو‬
‫أن يلصق أنفه بالرغام وهو التراب‪ ،‬لنه لما ذكر عنده فلم يصل‬
‫عليه استحق أن يذله الله ويلصق أنفه بالتراب‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ولن الله سبحانه نهى المة أن يجعلوا دعاء الرسول بينهم‬
‫كدعاء بعضهم بعضا‪ ،‬فل يسمونه إذا خاطبوه باسمه‪ ،‬كما يسمى‬
‫بعضهم بعضا بل يدعونه برسول الله ونبي الله‪ ،‬وهذا من تمام‬
‫تعزيره وتوقيره وتعظيمه‪ ،‬فهكذا ينبغي أن يخص باقتران اسمه‬
‫بالصلة عليه‪ ،‬ليكون ذلك فرقا بينه وبين ذكر غيره‪ ،‬كما كان‬
‫المر بدعائه بالرسول والنبي فرقا بينه ويين خطاب غيره‪ ،‬فلو‬
‫كان عند ذكره ل تجب الصلة عليه كان ذكره كذكر غيره في‬
‫ذلك‪ ،‬هذا على أحد التفسيرين في الية‪ ،‬وأما على التفسير الخر‬
‫وهو أن المعنى ل تجعلوا دعاءه إياكم كدعاء بعضكم بعضا‬
‫فتؤخروا الجابة بالعتذار والعلل التي يؤخر بها بعضكم إجابة‬
‫بعض ولكن بادروا إليه إذا دعاكم بسرعة الجابة ومعاجلة الطاعة‬
‫حتى لم يجعل اشتغالهم بالصلة عذرا لهم في التخلف عن إجابته‬
‫والمبادرة إلى طاعته فإذا لم تكن الصلة التي فيها شغل عذرا‬
‫يستباح بها تأخير إجابته فكيف ما دونها من السباب والعذار؟‬
‫فعلى هذا يكون المصدر مضافا إلى الفاعل‪ ،‬وعلى القول الول‬
‫يكون مضافا إلى المفعول‪.‬‬
‫وقد يقال‪ -‬وهو أحسن من القولين‪ -‬إن المصدر هنا لم يضف‬
‫إضافته إلى فاعل ول مفعول‪ ،‬وإنما أضيف إضافة السماء‬
‫المحضة‪ ،‬ويكون المعنى‪ :‬ل تجعلوا الدعاء المتعلق بالرسول‬
‫المضاف إليه كدعاء بعضكم بعضا‪ ،‬وعلى هذا فيعم المرين معا‪،‬‬
‫ويكون النهي عن دعائهم له باسمه كما يدعو بعضهم بعضا‪ ،‬وعن‬
‫تأخير إجابته صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وعلى كل تقدير فكما أمر‬
‫الله سبحانه أن يميز في خطابه ودعائهم إياه قياما للمة بما‬
‫يجب عليه من تعظيمه وإجلله فتمييزه بالصلة عليه عند ذكر‬
‫اسمه من تمام هذا المقصود‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم "أن من ذكر عنده‬
‫فلم يصل عليه خطىء طريق الجنة" [‪ ]178‬فلول أن الصلة عليه‬
‫واجبة عند ذكره لم يكن تاركها مخطئا لطريق الجنة‪ .‬قالوا‪ :‬وأيضا‬
‫فمن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أو ذكر عنده فلم يصل‬
‫عليه فقد جفاه‪ ،‬ول يجوز لمسلم جفاؤه صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫فالدليل على المقدمة الولى‪ :‬ما روي عن قتادة‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬من الجفاء أن أذكر عند‬
‫الرجل فل يصلي علي" [‪]179‬‬
‫ولو تركنا وهذا المرسل وحده لم نحتج به‪ ،‬ولكن له أصول‬
‫وشواهد قد تقدمت من تسمية تارك الصلة عليه عند ذكره بخيل‬
‫وشحيحا‪ ،‬والدعاء عليه بالرغم‪ ،‬وهذا من مرجبات جفائه‪.‬‬
‫والدليل على المقدمة الثانية‪ :‬أن جفاءه مناف لكمال حبه‪،‬‬
‫وتقديم محبته على النفس والهل والمال‪ ،‬وأنه أولى بالمؤمن‬
‫من نفسه فإن العبد ل يؤمن حتى يكون رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم أحب إليه من نفسه ومن ولده ووالده والناس‬
‫أجمعين‪ ،‬كما ثبت عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال‪ :‬يا‬
‫رسول الله‪ ،‬والله لنت أحب ألي من كل شيء إل من نفسي‪،‬‬
‫قال‪" :‬ل يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك" قال‪ :‬فوالله‬
‫لنت الن أحب إلي من نفسي‪ ،‬قال‪" :‬الن يا عمر" [‪ ]180‬وثبت‬
‫عنه في الصحيح أنه قال‪" :‬ل يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه‬
‫من ولده ووالده والناس أجمعين" [‪ ]181‬فذكر هذا الحديث أنواع‬
‫المحبة الثلثة فإن المحبة إما محبة إجلل وتعظيم‪ ،‬كمحبة الوالد‪،‬‬
‫وإما محبة تحنن وود ولطف كمحبة الولد‪ ،‬وإما محبة لجل‬
‫الحسان وصفات الكمال‪ ،‬كمحبة الناس بعضهم بعضا‪ ،‬ول يؤمن‬
‫العبد حتى يكون حب الرسول صلى الله عليه وسلم عنده أشد‬
‫من هذه المحاب كلها‪.‬‬
‫ومعلوم أن جفاءه صلى الله عليه وسلم ينافي ذلك‬
‫قالوا‪ :‬فلما كانت محبته فرضا‪ ،‬وكانت توابعها من الجلل‬
‫والتعظيم والتوقير والطاعة والتقديم على النفس‪ ،‬وإيثاره بنفسه‬
‫بحيث يقي نفسه فرضا‪ ،‬كانت الصلة عليه صلى الله عليه وسلم‬
‫إذا ذكر من لوازم هذه الحبية وتمامها‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وإذا ثبت بهذه الوجوه وغيوها وجوب الصلة عليه صلى‬
‫الله عليه وسلم على من ذكر عنده‪ ،‬فوجوبها على الذاكر نفسه‬
‫أولى‪ ،‬ونظير هذا أن سامع السجدة إذا أمر بالسجود إما وجوبا أو‬
‫استحبابا‪ ،‬فوجوبها على التالي أولى‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫قال نفاة الوجوب‪ :‬الدليل على قولنا من وجوه‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أن من المعلوم الذي ل ريب فيه أن السلف الصالح الذين‬
‫هم القدوة لم يكن أحدهم كلما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫يقرن الصلة عليه باسمه‪ ،‬وهذا في خطابهم للنبي صلى الله‬
‫عليه وسلم أكثر من أن يذكر فإنهم كانوا يقولون يارسول الله‪،‬‬
‫مقتصرين على ذلك وربما كان يقول أحدهم "صلى الله عليك"‬
‫وهذا في الحاديث ظاهر كثير‪ ،‬فلو كانت الصلة عليه واجبة عند‬
‫ذكره لنكر عليهم تركها‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن الصلة عليه لو كانت واجبة كلما ذكر لكان هذا من‬
‫أظهر الواجبات‪ ،‬ولبينه النبي صلى الله عليه وسلم لمته بيانا‬
‫يقطع العذر وتقوم به الحجة‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أنه ل يعرف عن أحد من الصحابة ول التابعين ول تابعيهم‬
‫هذا القول‪ ،‬ول يعرف أحد منهم قال به‪ ،‬وأكثر الفقهاء – بل قد‬
‫حكى الجماع ‪ -‬على أن الصلة عليه صلى الله عليه وسلم ليست‬
‫من فروض الصلة‪ ،‬وقد نسب القول بوجوبها إلى الشذوذ‬
‫ومخالفة الجماع السابق‪ ،‬فكيف تحب خارج الصلة‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬أنه لو وجبت الصلة عليه عند ذكره دائما‪ ،‬لوجب على‬
‫المؤذن أن يقول‪ :‬أشهد أن محمدا رسول الله‪ ،‬وهذا ل يشرع له‬
‫في الذان على أن يجب عليه‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬أنه كان يجب على من سمع النداء وأجابه أن يصلي‬
‫عليه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬اقتصاره على قوله "أشهد أن ل إله‬
‫إل الله وأشهد أن محمدا رسول الله" فإن هذا مثل ما قال‬
‫المؤذن‪.‬‬
‫السادس‪ :‬أن التشهد الول ينتهي عند قوله "وأشهد أن محمدا‬
‫عبده ورسوله" اتفاقا‪ ،‬واختلف هل يشرع أن يصلي على النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم وعلى آله فيه‪ ،‬على ثلثة أقوال‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬ل يشرع ذلك إل في الخير‪.‬‬ ‫•‬
‫والثاني‪ :‬يشرع‪.‬‬ ‫•‬
‫والثالث‪ :‬تشرع الصلة عليه خاصة دون آله‪ ،‬ولم يقل أحد‬ ‫•‬
‫بوجوبها في الول عند ذكر النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫السابع‪ :‬أن المسلم إذا دخل في السلم بتلفظه بالشهادتين لم‬
‫يحتج أن يقول أشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫الثامن‪ :‬أن الخطب في الجمع والعياد وغيرهما ل يحتاج أن‬
‫يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في نفس الشهد‪ ،‬ولو‬
‫كانت الصلة واجبة عليه عند ذكره لوجب عليه أن يقرنها‬
‫بالشهادة‪ ،‬ول يقال تكفي الصلة عليه في الخطبة فإن تلك‬
‫الصلة ل تنعطف على ذكر اسمه عند الشهادة‪ ،‬ول سيما مع‬
‫طول الفصل‪ ،‬والموجبون يقولون‪ :‬تجب الصلة عليه كلما ذكر‬
‫ومعلوم أن ذكره ثانيا غير ذكره أول‪.‬‬
‫التاسع‪ :‬أنه لو وجبت الصلة عليه كلما ذكر لوجب على القارئ‬
‫كلما مر ذكر اسمه أن يصلي عليه‪ ،‬ويقطع لذلك قراءته ليؤدي‬
‫هذا الواجب‪ ،‬وسواء كان في الصلة أو خارجها‪ ،‬فإن الصلة عليه‬
‫صلى الله عليه وسلم ل تبطل الصلة‪ ،‬وهي واجب قد تعين فلزم‬
‫أداؤه‪ ،‬ومعلوم أن ذلك لو كان واجبا لكان الصحابة والتابعون‬
‫أقوم به وأسرع إلى أدائه وترك إهماله‪.‬‬
‫العاشر‪ :‬أنه لو وجبت الصلة عليه كلما ذكر لوجب الثناء على‬
‫الله عز وجل كلما ذكر اسمه‪ ،‬فكان يجب على من ذكر اسم الله‬
‫أن يقرنه بقوله‪" :‬سبحانه وتعالى" أو "عز وجل" أو "تبارك‬
‫وتعالى" أو "جلت عظمته" أو "تعالى جده" ونحو ذلك‪ ،‬بل كان‬
‫ذلك أولى وأحرى فإن تعظيم الرسول وإجلله ومحبته وطاعته‬
‫تابع لتعظيم مرسله سبحانه وإجلله ومحبته وطاعته‪ ،‬فمحال أن‬
‫تثبت المحبة والطاعة والتعظيم والجلل للرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم دون مرسله‪ ،‬بل انما يثبت ذلك له تبعا لمحبة الله‬
‫وتعظيمه وإجلله‪ ،‬ولهذا كانت طاعة الرسول طاعة لله‪ ،‬فمن‬
‫َ َ‬
‫ن ال ّذِي َ‬
‫ن‬ ‫يطع الرسول فقد أطاع الله‪ ،‬ومبايعته مبايعة لله {إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫م} [‪ ]182‬ومحبته‬ ‫ه يَد ُ الل ّهِ فَوْقَ أيْدِيهِ َْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ك إِن َّ َ‬
‫ما يُبَايِعُو َ‬ ‫يُبَايِعُون َ َ‬
‫م‬ ‫ه فَاتَّبِعُونِي ي ُ ْ‬
‫حبِبْك ُ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫حبُّو َ‬ ‫ن كُنْت ُ ْ‬
‫م تُ ِ‬ ‫محبة لله قال تعالى‪{ :‬قُ ْ‬
‫ل إِ ْ‬
‫َ‬
‫ه} [‪ ،]183‬وتعظيمه تعظيم للهه‪ ،‬ونصرته نصرة لله‪ ،‬فإنه‬ ‫الل ّ ُ‬
‫رسوله وعبده الداعي إليه وإلى طاعته ومحبته وإجلله‪ ،‬وتعظيمه‬
‫وعبادته وحده ل شريك له‪ ،‬فكيف يقال تجب الصلة عليه كلما‬
‫ذكر اسمه‪ ،‬وهي ثناء وتعظيم كما تقدم‪ ،‬ول يجب الثناء والتعظيم‬
‫للخالق سبحانه وتعالى كلما ذكر اسمه؟ هذا محال من القول‪.‬‬
‫الحادي عشرة‪ :‬لو جلس إنسان ليس له هجيرى [‪ ]184‬إل قوله‪:‬‬
‫محمد رسول الله‪ ،‬أو اللهم صل على محمد‪ ،‬وبشر كثير‬
‫يسمعونه‪ ،‬فإن قلتم تجب على كل أولئك السامعين أن يكون‬
‫هجيراهم الصلة عليه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ولو طال المجلس‬
‫ما طال‪ ،‬كان ذلك حرجا ومشقة وتركا لقراءة قارئهم‪ ،‬ودراسة‬
‫دارسهم‪ ،‬وكلم صاحب الحاجة منهم‪ ،‬ومذاكرته في العلم‪،‬‬
‫وتعليمه القرآن وغيره‪ ،‬وإن قلتم ل تحب عليهم الصلة عليه في‬
‫هذه الحال‪ ،‬نقضتم مذهبكم‪ ،‬وإن قلتم‪ :‬تجب عليه مرة أو أكثر‪،‬‬
‫كان تحكما بل دليل مع أنه مبطل لقولكم‪.‬‬
‫الثاني عشر‪ :‬أن الشهادة له بالرسالة أفرض وأوجب من الصلة‬
‫عليه بل ريب‪ ،‬ومعلوم أنه ل يدخل في السلم إل بها‪ ،‬فإذا كانت‬
‫ل تجب كلما ذكر اسمه‪ ،‬فكيف تحب الصلة عليه كلما ذكر‬
‫اسمه‪ ،‬وليصر من الواجبات بعد كلمة الخلص أفرض من‬
‫الشهادة له بالرسالة‪ ،‬فمتى أقر له بوجوبها عند ذكر اسمه تذكر‬
‫العبد اليمان وموجبات هذه الشهادة فكان يجب على كل من‬
‫ذكر اسمه أن يقول محمد رسول الله‪ ،‬ووجوب ذلك أظهر بكثير‬
‫من وجوب الصلة عليه كلما ذكر اسمه‪.‬‬
‫ولكل فرقة من هاتين الفرقتين أجوبة عن حجج الفرقة المنازعة‬
‫لها‪ ،‬بعضها ضعيف جدا وبعضها محتمل‪ ،‬وبعضها قوي‪ ،‬ويظهر ذلك‬
‫لمن تأمل حجج الفريقين‪ ،‬والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب" [‬
‫‪.]185‬‬

‫الموطن الثاني عشر‪ :‬من مواطن الصلة عليه صلى الله عليه‬
‫وسلم يوم الجمعة‬
‫فعن أوس بن أوس [‪ ]186‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم "من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم‪ ،‬وفيه قبض‪،‬‬
‫وفيه النفخة وفيه الصعقة‪ ،‬فاكثروا علي من الصلة فيه‪ ،‬فإن‬
‫صلتكم معروضة علي"‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬يا رسول الله كيف تعرض عليك صلتنا وقد أرمت؟‪ -‬يعني‬
‫وقد بليت‪ -‬فقال‪" :‬إن الله عز وجل حرم على الرض أن تأكل‬
‫أجساد النبياء" [‪]187‬‬
‫وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة‪ ،‬فيه خلق‬
‫آدم وفيه أهبط‪ ،‬وفيه تيب عليه‪ ،‬وفيه مات وفيه تقوم الساعة‪،‬‬
‫وما من دابة إل هي مصيخة [‪ ]188‬يوم الجمعة‪ ،‬من حين تصبح‬
‫حتى تطلع الشمس‪ ،‬شفقا من الساعة‪ ،‬إل الجن والنس‪ ،‬وفيها‬
‫ساعة ل يصادفها عبد مسلم وهو يصلي‪ ،‬يسأل الله شيئا إل‬
‫أعطاه الله إياه" [‪.]189‬‬
‫قال ابن القيم‪" :‬فهذا الحديث الصحيح مؤيد لحديث أوس بن‬
‫أوس‪ ،‬دال على مثل معناه" [‪.]190‬‬
‫وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال‪" :‬قال رسول صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬أكثروا الصلة علي يوم الجمعة‪ ،‬فإنه يوم مشهود‬
‫ي إل عرضت علي صلته‬ ‫تشهده الملئكة‪ ،‬وإن أحدا ل يصلي عل ّ‬
‫حتى يفرغ منها" قال‪ :‬قلت بعد الموت؟ قال‪" :‬إن الله حرم على‬
‫الرض أن تأكل أجساد النبياء" فنبي الله حي يرزق" [‪.]191‬‬
‫وعن أبي أمامة [‪ ]192‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬أكثروا علي من الصلة في كل يوم جمعة‪ ،‬فإن صلة‬
‫أمتى تعرض علي في كل يوم جمعة‪ ،‬فمن كان أكثرهم صلة كان‬
‫أقربهم مني منزلة" [‪.]193‬‬
‫وعن أنس رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬أكثروا الصلة على يوم الجمعة‪ ،‬فإنه أتاني جبريل آنفا‬
‫من ربه عز وجل فقال‪ :‬ما على الرض من مسلم يصلي عليك‬
‫مرة واحدة إل صليت أنا وملئكتي عليه عشرا" [‪ .]194‬وعنه رضي‬
‫الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أكثروا‬
‫الصلة علي يوم الجمعة فإن صلتكم تعرض علي" [‪.]195‬‬
‫قال ابن القيم‪" :‬هذان وإن كانا ضعيفين فيصلحان للستشهاد" [‬
‫‪]196‬‬
‫وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬أكثروا‬
‫الصلة علي يوم الجمعة" [‪ ]197‬وكان الصحابة رضي الله عنهم‬
‫يستحبون إكثار الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم‬
‫الجمعة‪ .‬وعن زيد بن وهب [‪ ]198‬قال‪ :‬قال لي ابن مسعود رضي‬
‫الله عنه‪" :‬يا زيد بن وهب ل تدع‪ -‬إذا كان يوم الجمعة‪ -‬أن تصلي‬
‫على النبي صلى الله عليه وسلم ألف مرة تقول‪ :‬اللهم صل على‬
‫محمد النبي المي" [‪.]199‬‬
‫وعن أبي مسعود النصاري رضي الله عنه‪ ،‬عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم قال‪" :‬أكثروا علي من الصلة يوم الجمعة‪ ،‬فإنه ليس‬
‫أحد يصلي علي يوم الجمعة إل عرضت علي صلته" [‪.]200‬‬
‫وفي مراسيل الحسن [‪ ]201‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫"أكثروا الصلة علي يوم الجمعة فإنها تعرض علي" [‪.]202‬‬
‫وعن عمر بن عبد العزيز أنه كتب‪" :‬أن انشروا العلم يوم الجمعة‬
‫فإن غائلة العلم النسيان‪ ،‬وأكثروا الصلة على النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم يوم الجمعة" [‪.]203‬‬
‫وهناك مواطن أخرى غير ما ذكرنا ذكرها ابن القيم في كتابه جلء‬
‫الفهام [‪]204‬‬
‫وكذلك السخاوي في كتابه القول البديع‪ ،‬والفيروز أبادي في‬
‫الصلت والبشر ممن أراد الستزادة فليرجع إليها‪ ،‬وحسبي أني‬
‫أشرت لشهرها‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬فضل الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫قال ابن القيم‪" :‬إن طلب الصلة من الله على رسوله صلى الله‬
‫عليه وسلم هو من أجل أدعية العبد وأنفعها له في دنياه وآخرته"‬
‫[‪ ]205‬يدلك على ذلك ما جاء في فضلها من الحاديث‪.‬‬
‫فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬من صلى على واحدة صلى عليه عشرا" رواه‬
‫مسلم [‪.]206‬‬
‫وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم يقول‪ " :‬إذا سمعتم المؤذن فقولوا‬
‫مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلة صلى الله‬
‫عليه بها عشرا ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة ل‬
‫تنبغي إل لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي‬
‫الوسيلة حلت له الشفاعة" رواه مسلم [‪.]207‬‬
‫وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال‪ :‬قلت‪" :‬يارسول الله‪ ،‬إني‬
‫أكثر الصلة عليك‪ ،‬فكم أجعل لك من صلتي؟ قال‪" :‬ما شئت"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬الربع؟ قال‪" :‬ما شئت‪ ،‬وإن زدت فهو خير‪ .‬قلت‪ :‬النصف؟‬
‫قال‪" :‬ما شئت‪ ،‬وإن زدت فهو خير"‪ .‬قلت‪ :‬الثلثين؟ قال‪" :‬ما‬
‫شئت وإن زدت فهو خير"‪.‬قلت‪ :‬أجعل لك صلتي كلها؟ قال‪" :‬إذا‬
‫تكفي همك ويغفر لك ذنبك" [‪]208‬‬
‫وللحديث طريق آخر عن يعقوب بن زيد بن طلحة التيمي [‪]209‬‬
‫قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬أتاني آت من ربي‬
‫فقال‪ :‬ما من عبد يصلي عليك صلة إل صلى الله عليه بها‬
‫عشرا" فقام إليه رجل فقال‪ :‬يارسول الله أجعل نصف دعائي‬
‫لك؟ قال‪" :‬إن شئت" قال‪ :‬أل أجعل ثلثي دعائي لك؟ قال‪" :‬إن‬
‫شئت" قال‪ :‬أل أجعل دعائي كله؟ قال‪" :‬إذن يكفيك الله هم‬
‫الدنيا وهم الخرة" [‪]210‬‬
‫وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪" :‬من ذكرت عنده فليصل علي ومن صلى علي مرة‬
‫صلى الله عليه عشرا" [‪.]211‬‬
‫وفي رواية "من صلى علي صلة واحدة صلى الله عليه عشر‬
‫صلوات وحط عنه عشر خطيئات" [‪.]212‬‬
‫وفي رواية "من صلّى علي صلة واحدة صلى الله عليه عشر‬
‫صلوات وحط عنه عشر سيئات‪ ،‬ورفعه بها عشر درجات" [‪.]213‬‬
‫وفي رواية‪ " :‬خرج النبي صلى الله عليه وسلم يتبرز‪ ،‬فلم يجد‬
‫أحدا يتبعه فهرع عمر فاتبعه بمطهرة‪ -‬يعني إداوة‪ -‬فوجده ساجدا‬
‫في شربة‪ ،‬فتنحى عمر فجلس وراءه حتى رفع رأسه قال‪ :‬فقال‪:‬‬
‫"أحسنت يا عمر حين وجدتني ساجدا فتنحيت عني إن جبريل‬
‫عليه السلم أتاني فقال‪ :‬من صلى عليك واحدة صلى الله عليه‬
‫عشرا‪ ،‬ورفعه عشر درجات" [‪.]214‬‬
‫وأخرج هذا الحديث عن عمر بن الخطاب قال‪" :‬خرج النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم يتبرز‪ ،‬فاتبعته بإداوة‪ ،‬فوجدته قد فرغ‪ ،‬ووجدته‬
‫ساجدا لله في شربة‪ ،‬فتنحيت عنه فلما فرغ‪ ،‬رفع رأسه فقال‪:‬‬
‫"أحسنت يا عمر حين تنحيت عني إن جبريل أتاني فقال‪ :‬من‬
‫صلى عليك صلة صلى الله عليه عشرا ورفعه عشر درجات" [‬
‫‪.]215‬‬
‫وعن عبد الرحمن بن عوف [‪ ]216‬قال‪ :‬أتيت النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم وهو ساجد فأطال السجود قال‪" :‬أتاني جبريل قال‪ :‬من‬
‫صلى عليك صليت عليه‪ ،‬ومن سلم عليك سلمت عليه‪ ،‬فسجدت‬
‫لله شكرا" [‪.]217‬‬
‫وفي رواية " كان ل يفارق فيء النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫بالليل والنهار خمسة نفر من أصحابه أو أربعة لما ينوبه من‬
‫حوائجه قال‪ :‬فجئت فوجدته قد خرج فتبعته‪ ،‬فدخل حائطا من‬
‫حيطان السواف [‪ ]218‬فصلى فسجد سجدة أطال فيها‪ ،‬فحزن‬
‫وبكيت فقلت‪ :‬لرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبض‬
‫الله روحه‪ ،‬قال‪ :‬فرفع رأسه‪ ،‬وتراءيت له‪ ،‬فدعاني‪ ،‬فقال‪ :‬مالك؟‬
‫قلت‪ :‬يا رسول الله سجدت سجدة أطلت فيها فحزنت‪ ،‬وبكيت‪،‬‬
‫وقلت‪ :‬لرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبض الله‬
‫روحه‪.‬‬
‫قال‪" :‬هذه سجدة سجدتها شكرا لربي فيما آتاني في أمتي‪ ،‬من‬
‫صلى علي صلة كتب الله له عشر حسنات" [‪.]219‬‬
‫وفي رواية "إني سجدت هذه السجدة شكرا لله عز وجل في‬
‫أبلني في أمتي‪ ،‬فإنه من صلى علي صلة صلى الله عليه بها‬
‫عشرا" [‪.]220‬‬
‫وعن أبي طلحة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج‬
‫عليهم يوما يعرفون البشر في وجهه فقالوا‪ :‬إنا نعرف الن في‬
‫وجهك البشر يا رسول الله‪ .‬قال‪ :‬أجل أتاني الن آت من ربي‬
‫فأخبرني أنه لن يصلي علي أحد من أمتي إل ردها الله عليه عشر‬
‫أمثالها" [‪.]221‬‬
‫وفي رواية "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء يوما‬
‫والبشر يرى في وجهه فقالوا‪ :‬يا رسول الله إنا نرى في وجهك‬
‫بشرا لم نكن نراه‪ ،‬قال‪ :‬أجل إنه أتاني ملك فقال يا محمد إن‬
‫ربك يقول أما يرضيك أل يصلي عليك أحد من أمتك إل صليت‬
‫عليه عشرا‪ ،‬ول سلم عليك إل سلمت عليه عشرا" [‪.]222‬‬
‫وفي رواية "أصبح رسول لله صلى الله عليه وسلم يوما طيب‬
‫النفس يرى في وجهه البشر‪ .‬قالوا‪ :‬يا رسول الله أصبحت اليوم‬
‫طيب النفس يرى في وجهك البشر‪ .‬قال‪ :‬أجل أتاني آت من ربي‬
‫عز وجل فقال‪ :‬من صلى عليك من أمتك صلة كتب الله له بها‬
‫عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات ورد‬
‫عليه مثلها" [‪.]223‬‬
‫وعن أبي بردة بن نيار [‪ ]224‬قال‪ :‬قال رسول لله صلى الله عليه‬
‫وسلم "من صلى علي من أمتي صلة مخلصا من قلبه‪ ،‬صلى‬
‫الله عليه بها عشر صلوات‪ ،‬ورفعه بها عشر دارجات‪ ،‬كتب له بها‬
‫عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات" [‪.]225‬‬
‫وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال‪" :‬سمع رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم رجل يدعو في صلته لم يمجد الله‪ ،‬ولم يصل‬
‫على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله لجمحا‪ :‬عجل‬
‫هذا"‬
‫ثم دعاه فقال له أو لغيره‪" :‬إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد الله‬
‫والثناء عليه ثم يصلي علي‪ ،‬ثم يدعو بما شاء" [‪.]226‬‬
‫وفي رواية‪" :‬سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل يدعو‬
‫في صلته لم يمجد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "عجلت أيها‬
‫المصلي" ثم علمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل يصلي فمجد الله وحمده‬
‫وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم "ادع تجب وسل تعط" [‪.]227‬‬
‫وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم "إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم‬
‫علي صلة" [‪]228‬‬
‫فالمتأمل في هذه الحاديث يعرف عظم فضل الصلة على النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ .‬وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في الباب‬
‫الرابع من كتابه القيم جلء الفهام عددا من الفوائد والثمرات‬
‫الحاصلة بالصلة عليه صلى الله عليه وسلم أنتقى منها ما يلي‪:‬‬
‫الفائدة الولى‪ :‬امتثال أمر الله تعالى‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬موافقته سبحانه في الصلة عليه صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫وإن اختلفت الصلتان‪ ،‬فصلتنا عليه دعاء وسؤال‪ ،‬وصلة الله‬
‫تعالى عليه ثناء وتشريف‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬موافقة ملئكته فيها‪.‬‬
‫الرابعة‪ :‬حصول عشر صلوات من الله على المصلي مرة‪.‬‬
‫الخامسة‪ :‬أنه يرفع عشر درجات‪.‬‬
‫السادسة‪ :‬أنه يكتب له عشر حسنات‪.‬‬
‫السابعة‪ :‬أنه يمحي عنه عشر سيئات‪.‬‬
‫الثامنة‪ :‬أنه يرجى إجابة دعائه إذا قدمها أمامه‪ ،‬فهي تصاعد‬
‫الدعاء إلى عند رب العالمين‪.‬‬
‫التاسعة‪ :‬أنها سبب لشفاعته صلى الله عليه وسلم إذا قرنها‬
‫بسؤال الوسيلة له‪.‬‬
‫العاشرة‪ :‬أنها سبب لغفران الذنوب‪.‬‬
‫الحادية عشرة‪ :‬أنها سبب لكفاية الله العبد ما أهمه‪.‬‬
‫الثانية عشرة‪ :‬أنها سبب لقرب العبد منه صلى الله عليه وسلم‬
‫يوم القيامة‪.‬‬
‫الثالثة عشرة‪ :‬أنها سبب لدوام محبته للرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم وزيادتها وتضاعفها‪ ،‬وذلك عقد من عقود اليمان الذي ل‬
‫يتم إل به‪ ،‬لن العبد كلما أكثر من ذكر المحبوب‪ ،‬واستحضاره في‬
‫قلبه‪ ،‬واستحضار محاسنه ومعانيه الجالبة لحبه‪ ،‬تضاعف حبه له‬
‫وتزايد شوقه إليه‪ ،‬واستولى على جميع قلبه‪ ،‬وإذا أعرض عن‬
‫ذكره وإحضار محاسنه بقلبه‪ ،‬نقص حبه من قلبه‪ ،‬ول شيء أقر‬
‫لعين المحب من رؤية محبوبه‪ ،‬ول أقر لقلبه من ذكره وإحضار‬
‫محاسنه فإذا قوي هذا في قلبه جرى لسانه بمدحه والثناء عليه‬
‫وذكر محاسنه‪ ،‬وتكون زيادة ذلك ونقصانه بحسب زيادة الحب‬
‫ونقصانه في قلبه‪ ،‬والحس شاهد بذلك‪ .‬فقلب المؤمن توحيد الله‬
‫وذكر رسوله مكتوبان فيه ل يتطرق إليهما محو ول إزالة ودوام‬
‫الذكر سبب لدوام المحبة‪ ،‬فالذكر للقلب كالماء للزرع‪ ،‬بل كالماء‬
‫للسمك‪ ،‬ل حياة له إل به‪...‬‬
‫الرابعة عشرة‪ :‬أن الصلة عليه صلى الله عليه وسلم سبب‬
‫لمحبته للعبد‪ ،‬فإنها إذا كانت سببا لزيادة محبة المصلي عليه له‪،‬‬
‫فكذلك هي سبب لمحبته هو للمصلى عليه صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫الخامسة عشرة‪ :‬أنها سبب لهداية العبد وحياة قلبه‪ ،‬فإنه كلما‬
‫أكثر الصلة عليه وذكره‪ ،‬استولت محبته على قلبه‪ ،‬حتى للقى‬
‫في قلبه معارضة لشيء من أوامره ولشك في شيء مما جاء‬
‫به‪ ،‬بل يصير ما جاء به مكتوبا مسطورا في قلبه ل يزال يقرؤه‬
‫على تعاقب أحواله‪ ،‬ويقتبس الهدى والفلح وأنواع العلوم منه‪،‬‬
‫وكلما ازداد في ذلك بصيرة وقوة ومعرفة ازدادت صلته عليه‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ولهذا كانا صلة أهل العلم‪ -‬العارفين بسنته وهديه المتبعين له‬
‫عليه‪ ،‬خلف صلة العوام عليه الذين حظهم منها إزعاج أعضائهم‬
‫بها ورفع أصواتهم‪.‬‬
‫وأما أتباعه العارفون بسنته العالمون بما جاء به فصلتهم عليه‬
‫نوع آخر‪ ،‬فكلما ازدادوا فيما جاء به معرفة ازدادوا له محبة‬
‫ومعرفة بحقيقة الصلة المطوبة له من الله‪.‬‬
‫وهكذا ذكر الله سبحانه‪ ،‬كلما كان العبد به أعرف وله أطوع وإليه‬
‫أجل كان ذكره غير ذكر الغافلين واللهين‪ ،‬وهذا أمر إنما يعلم‬
‫بالخبر ل بالحبر وفرق بين من يذكر صفات محبوبه الذي قد ملك‬
‫حبه جميع قلبه ويثني عليه بها ويمجده بها‪ ،‬وبين من يذكرها إما‬
‫إمارة وإما لفظا‪ ،‬ل يدري ما معناه‪ ،‬ول يطابق فيه قلبه لسانه‪،‬‬
‫كما أنه فرق يين بكاء النائحة وبكاء الثكلى‪.‬‬
‫فذكره وذكر ما جاء به‪ ،‬وحمد الله تعالى على إنعامه علينا ومنته‬
‫بإرساله هو حياة الوجود وروحه‪ ،‬كما قيل‪:‬‬
‫روح المجالس ذكره وحديثه*** وهدى لكل ملدد حيران‬
‫وإذا أخل بذكره في مجلس*** فأولئك الموات في الحيان‬
‫السادسة عشرة‪ :‬أنها سبب لعرض اسم المصلي عليه صلى الله‬
‫عليه وسلم وذكره عنده‪ ،‬كما تقدم قوله صلى الله عليه وسلم‬
‫"إن صلتكم معروضة علي" وكفى بالعبد نبل أن يذكر اسمه بين‬
‫يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫السابعة عشرة‪ :‬أن الصلة عليه ل أداء لقل القليل من حقه‪،‬‬
‫وشكر له على نعمته التي أنعم الله ل علينا‪ ،‬مع أن الذي يستحقه‬
‫من ذلك ل يحصى علما ول قدرة ول إرادة‪ ،‬ولكن الله سبحانه‬
‫لكرمه رضي من عباده باليسير من شكره وأداء حقه‪.‬‬
‫الثامنة عشرة‪ :‬أنها متضمنة لذكر الله وشكره‪ ،‬ومعرفة إنعامه‬
‫على عبده بإرساله‪ ،‬فالمصلي عليه صلى الله عليه وسلم قد‬
‫تضمنت صلته عليه ذكر الله وذكر رسوله‪ ،‬وسؤاله أن يجزيه‬
‫بصلته عليه ما هو أهله‪ ،‬كما عرفنا ربنا أسماءه وصفاته‪ ،‬وهدانا‬
‫إلى طريق مرضاته‪ ،‬وعرفنا ما لنا بعد الوصول إليه والقدوم‬
‫عليه‪ ،‬فهي متضمنة لكل اليمان‪ ،‬بل هي متضمنة للقرار بوجود‬
‫الرب المدعو وعلمه وسمعه وقدرته وإرادته وصفاته وكلمه‪،‬‬
‫وإرسال رسوله وتصديقه في أخباره كلها‪ ،‬وكمال محبته‪ ،‬ول رضا‬
‫أن هذه هي أصول اليمان‪ ،‬فالصلة عليه صلى الله عليه وسلم‬
‫متضمنة لعلم العبد ذلك‪ ،‬وتصديقه به‪ ،‬ومحبته له‪ ،‬فكانت من‬
‫أفضل العمال‪.‬‬
‫التاسعة عشرة‪ :‬أن الصلة عليه صلى الله عليه وسلم من العبد‬
‫هي دعاء‪ ،‬ودعاء العبد وسؤاله من ربه نوعان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬سؤاله حوائجه ومهماته‪ ،‬وما ينوبه في الليل والنهار فهذا‬
‫دعاء وسؤال‪ ،‬وإيثار لمحبوب العبد ومطلوبه‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬سؤاله أن يثني على خليله وحبيبه‪ ،‬ويزيد في تشريفه‬
‫وتكريمه‪.‬‬
‫وإيثار ذكره‪ ،‬ورفعه‪ ،‬ول ريب أن الله تعالى يحب ذلك ورسوله‬
‫يحبه‪ ،‬فالمصلي عليه صلى الله عليه وسلم قد صرف سؤاله‬
‫ورغبته وطلبه إلى محاب الله ورسوله‪ ،‬وآثر ذلك على طلبه‬
‫وحوائجه ومحابه هو‪ ،‬بل كان هذا المطلوب من أحب المور إليه‬
‫وآثرها عنده‪ ،‬فقد آثر ما يحبه الله ورسوله على ما يحبه هون‬
‫وقد آثر الله ومحابه على سواه‪ ،‬والجزاء من جنس العمل‪ ،‬فمن‬
‫آثر الله على غيره آثره الله على غيره‪.‬‬
‫واعتبر هذا بما تجد الناس يعتمدونه عند ملوكهم ورؤسائهم إذا‬
‫أرادوا التقرب والمنزلة عندهم‪ ،‬فإنهم يسألون المطاع أن ينعم‬
‫على من يعلمونه أحب رعيته إليه‪ ،‬وكلما سألوه أن يزيد في‬
‫حبائه وإكرامه وتشريفه‪ ،‬علت منزلتهم عنده‪ ،‬وازداد قربهم منه‪،‬‬
‫وحظوا به لديه‪ ،‬لنهم يعلمون منه إرادة النعام والتشريف‬
‫والتكريم لمحبوبهم‪ ،‬فأحبهم إليه أشدهم له سؤال ورغبة أن يتم‬
‫عليه إنعامه وإحسانه‪ ،‬وهذا أمر مشاهد بالحس‪ ،‬ول تكون منزلة‬
‫هؤلء ومنزلة من سأل المطاع حوائجه هو – وهو فارغ من سؤاله‬
‫تشريف محبوبه والنعام عليه – واحدة‪.‬‬
‫فكيف بأعظم محب وأله لكرم محبوب وأحقه بمحبه ربه له‪.‬؟‬
‫ولو لم يكن من قفوائد الصلة عليه إل هذا المطلوب وحده لكفى‬
‫المؤمن به شرفا [‪.]229‬‬
‫وكما وردت أحاديث تذم تارك الصلة عليه صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال‪ :‬رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي‪ ،‬ورغم‬
‫أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له‪ ،‬ورغم‬
‫أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخله الجنة" [‪ ]230‬وعن‬
‫الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم "البخيل من ذكرت عنده فلم‬
‫يصل علي" [‪.]231‬‬
‫وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫ي خطئ طريق الجنة" [‪.]232‬‬ ‫عليه وسلم "من نسي الصلة عل ّ‬

‫________________________________________‬
‫[‪ ]1‬الية (‪ )56‬من سورة الحزاب‪.‬‬
‫[‪ ]2‬محمد بن عبد الرحمن بن محمد شمس الدين السخاوي‪.،‬‬
‫مؤرخ حجة وعالم بالحديث والتفسير والدب‪ ،‬وصنف زهاء مئتي‬
‫كتاب‪ ،‬توفي بالمدينة‪ .‬العلم (‪.)194 /6‬‬
‫[‪ ]3‬انظر‪ :‬القول البديع (ص ‪.)259 -258‬‬
‫[‪ ]4‬الخليل بن أحمد الفراهيدي من أئمة اللغة والدب‪ ،‬وواضع‬
‫علم العروض‪ ،‬وهو أستاذ سيبويه النحوي‪ ،‬ومن أشهر كتبه كتاب‬
‫العين‪ ،‬ترفي سنة ‪170‬هـ بالبصرة‪ .‬العلم (‪.)314 /2‬‬
‫[‪ ]5‬كتاب العين (‪.)153 /7‬‬
‫[‪ ]6‬الصلت والبشر (ص ‪.)6‬‬
‫[‪ ]7‬كتاب العين (‪.)153 /7‬‬
‫[‪ ]8‬تهذيب اللغة (‪.)237 /12‬‬
‫[‪ ]9‬المنهاج (‪.)133 /2‬‬
‫[‪ ]10‬كتاب العين (‪.)154 /7‬‬
‫[‪ ]11‬معجم مقاييس اللغة (‪.)300 /3‬‬
‫[‪ ]12‬محمد بن يعقوب بن محمد بن الفيروز أبادي‪ ،‬من أئمة‬
‫اللغة والدب وكان مرجع عصره في اللغة والحديث والتفسير‪،‬‬
‫توفي سنة ‪ 817‬هـ في زبيد باليمن وأشهر مؤلفاته القاموس‬
‫المحيط‪.‬‬
‫العلم (‪.)147 -146 /7‬‬
‫[‪ ]13‬الصلت والبشر (ص ‪)6 -5‬‬
‫[‪ ]14‬تهذيب اللغة (‪.)238 /1 2‬‬
‫[‪ ]15‬الية (‪ )4‬من سورة الغاشية‪.‬‬
‫[‪ ]16‬الية (‪ )3‬من سورة المسد‪.‬‬
‫[‪ ]17‬الصلة والبشر (ص ‪.)6‬‬
‫[‪ ]18‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب المر بإجابة‬
‫الداعي إلى دعوة (‪.)4/153‬‬
‫[‪ ]19‬اسمه ميمون بن قيس بن جندل من بني قيس بن ثعلبة‬
‫الوائلي من شعراء الطبقة الولى في الجاهلية وأحد أصحاب‬
‫المعلقات أدرك السلم ورحل إلى الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم ليؤمن به‪ ،‬ولكن قريشا صرفته بمئة من البل‪ .‬العلم (‪/7‬‬
‫‪.)341‬‬
‫[‪ ]20‬ديوان العشى (‪.)73‬‬
‫[‪ ]21‬المصدر السابق (‪.)29‬‬
‫[‪ ]22‬معجم مقاييس اللغة (‪.)300 /3‬‬
‫[‪ ]23‬تهذيب اللغة (‪.)237 /12‬‬
‫[‪.)136 /12( ]24‬‬
‫[‪ ]25‬الية (‪ )103‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫[‪ ]26‬الية (‪ )84‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫[‪ ]27‬الية (‪ )60‬من سورة غافر‪.‬‬
‫[‪ ]28‬الية (‪ )186‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫[‪ ]29‬اللفاظ على أربعة أقسام‪:‬‬
‫ا‪ -‬اللفاظ المترادفة‪ :‬وهي ما اختلفت ألفاظها واتحدت معانيها‬
‫مثل‪ :‬الليث‪ ،‬السد‪ ،‬الغضنفر ألفاظ مختلفة ولكنها جميعها دلت‬
‫على معنى واحد وهو الحيوان المعروف‪.‬‬
‫‪ -2‬اللفاظ المشتركة‪ :‬وهي ما اتحدت ألفاظها واحتلفت معانيها‬
‫مثل‪ :‬العين‪ :‬تطلق على العين الباصرة‪ ،‬والعين الجارية‪،‬‬
‫والجاسوس‪.‬‬
‫‪ -3‬اللفاظ المتباينة‪ :‬ما اختلفت ألفاظها ومعانيها‪.‬مثل‪ :‬السماء‬
‫والرض‪ -‬الجدار والسقف‪.‬‬
‫‪ -4‬اللفاظ المتواطئة‪ :‬ما اتفقت ألفاظها ومعانيها‪.‬‬
‫فإذا كان المعنى متساويا في الجميع فهو التواطؤ المطلق‬
‫ومثاله‪" :‬الرجل"‪ :‬لزيد وعمرو‪.‬‬
‫وإذا كان المعنى متفاضل فهو التواطؤ المشكك ومثاله "النور"‪،‬‬
‫للشمس والسراج‪ .‬التحفة المهدية (‪.)209 /1‬‬
‫[‪ ]30‬الية (‪ )22‬من سورة سبأ‪.‬‬
‫[‪ ]31‬الية (‪ )20‬من سورة النحل‪.‬‬
‫[‪ ]32‬الية (‪ )77‬من سورة الفرقان‪.‬‬
‫[‪ ]33‬اليتان (‪ )56 ،55‬من سورة العراف‪.‬‬
‫[‪ ]34‬الية (‪ )90‬من سورة النبياء‪.‬‬
‫[‪ ]35‬جلء الفهام (ص ‪.)74 -73‬‬
‫[‪ ]36‬الية (‪ )43‬من سورة الحزاب‪.‬‬
‫[‪ ]37‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب صلة المام‬
‫ودعائه لصاحب الصدقة‪ .‬فتح الباري (‪ )361 /3‬ح ‪ ،1497‬وأخرجه‬
‫مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب الدعاء لمن أتى بصدقته (‬
‫‪.)121 /3‬‬
‫[‪ ]38‬جلء الفهام (ص ‪.)74‬‬
‫[‪ ]39‬فتح الباري (‪.)156 /11‬‬
‫[‪ ]40‬إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد‬
‫الجهضمي الزدي فقيه على مذهب المام مالك‪ ،‬جليل التصانيف‪،‬‬
‫من بيت علم وفضل توفر‪ ،‬سنة ‪ 282‬هـ‪ .‬العلم (‪.)310 /1‬‬
‫[‪ ]41‬الضحاك بن مزاحم الهللي أبو القاسم أو أبو محمد‪.‬‬
‫الخراساني‪ ،‬مفسر ولم يثبت له سماع من أحد من الصحابة‬
‫ترفي سنة ‪ 105‬هـ‪ .‬تهذيب التهذيب (‪)454 -453 /4‬‬
‫[‪ ]42‬كتاب فضل الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص‬
‫‪)40‬‬
‫[‪ ]43‬محمد بن يزيد بن عبد الكبر الثمالي الزدي‪ ،‬المعروف‬
‫بالمبرد إمام العربية ببغداد في زمانه‪ ،‬وأحد أئمة الدب والخبار‪،‬‬
‫توفي ببغداد سنة ‪ 286‬هـ‪ .‬العلم (‪.)144 /7‬‬
‫[‪ ]44‬فتح الباري (‪ )156 /11‬وجلء الفهام (ص ‪.)75‬‬
‫[‪ ]45‬جلء الفهام (ص ‪.)75‬‬
‫[‪ ]46‬كتاب فضل الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص‬
‫‪)41‬‬
‫[‪ ]47‬مقاتل بن حيان النبطي (بفتح النون والموحدة) أبو بسطام‬
‫البلخي‪ ،‬صدوق‪ ،‬وكان ناسكا فاضل خرج له الجماعة إل البخاري‪،‬‬
‫مات بكابل قبيل الخمسين ومائة‪ .‬تهذيب التهذيب (‪.)279 -277 /10‬‬
‫[‪ ]48‬ذكره ابن حجر في فتح الباري (‪.)156 -155 /11‬‬
‫[‪ ]49‬جلء الفهام (ص ‪.)75‬‬
‫[‪ ]50‬المنهاج (‪.)134 /2‬‬
‫[‪ ]51‬رفيع (بالتصغير) بن مهران أبو العالية الرياحي مولهم‪،‬‬
‫البصري أدرك الجاهلية وأسلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم بسنتين ودخل على أبي بكر وصلى خلف عمر‪ ،‬ثقة‪ ،‬توفي‬
‫سنة تسعين وقيل بعد ذلك‪ .‬تهذيب التهذيب (‪.)286 -284 /3‬‬
‫[‪ ]52‬ذكره تعليقا البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب التفسير‪ ،‬باب‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫ي‪ }...‬الية‪.‬‬ ‫ن ع َلَى النَّب ِ ّ‬
‫صل ّو َ‬ ‫ملئِكَت َ ُ‬
‫ه يُ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه وَ َ‬ ‫تفسير قوله تعالى {إ ِ ّ‬
‫انظر‪ :‬فتح الباري (‪.)532 /8‬‬
‫[‪ ]53‬الروح بن أنس البكري ويقال الحنفي البصري ثم الخرساني‬
‫روى عن أنس بن مالك وأبي العالية والحسن البصري وغيرهم‪،‬‬
‫مات في خلفة أبي جعفر المنصور‪.‬تهذيب التهذيب (‪.)239 -238 /3‬‬
‫[‪ ]54‬كتاب فضل الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص‬
‫‪ )40‬القول البديع (ص ‪ .)19‬وأورده ابن حجر في الفتح وعزاه لبن‬
‫أبي حاتم‪ .‬فتح الباري (‪.)8/533‬‬
‫[‪ ]55‬العين (‪.)154 /7‬‬
‫[‪ ]56‬جلء الفهام (ص ‪.)78‬‬
‫[‪ ]57‬بكر بن محمد بن العلء القشيري‪ ،‬قاض من علماء المالكية‬
‫من أهل البصرة‪ ،‬انتقل إلى مصر قبل سنة (‪ 330‬هـ) وتوفي بها‬
‫سنة ‪344‬هـ‪ .‬العلم (‪.)69 /2‬‬
‫[‪ ]58‬فتح الباري (‪)156 /11‬‬
‫[‪ ]59‬اليات (‪ 155‬إلى ‪ )157‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫[‪ ]60‬أخرجه أحمد في المسند (‪.)353 /4‬‬
‫[‪ ]61‬الية (‪ )156‬من سورة العراف‪.‬‬
‫[‪ ]62‬الية (‪ )56‬من سورة العراف‪.‬‬
‫[‪ ]63‬الية (‪ )43‬من سورة الحزاب‪.‬‬
‫[‪ ]64‬الية (‪ )117‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫[‪ ]65‬أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الدب‪ ،‬باب رحمة الولد‪.‬‬
‫فتح الباري (‪ )467 /10‬ح ‪ ،5998‬وأخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب‬
‫التوبة‪ ،‬باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه (‪.)97 /8‬‬
‫[‪ ]66‬أخرجه الترمذي في السنن‪ ،‬كتاب البر والصلة‪ ،‬باب ما جاء‬
‫في رحمة المسلمين (‪ )324 -323 /4‬ح ‪ ،1924‬وقال الترمذي‪ :‬حديث‬
‫حسن صحيح‪.‬‬
‫[‪ ]67‬جلء الفهام (ص ‪ )82 -75‬بتصرف‪.‬‬
‫[‪ ]68‬القول البديع (ص ‪.)20‬‬
‫[‪ ]69‬الية (‪ )56‬من سورة الحزاب‪.‬‬
‫[‪ ]70‬المنهاج للحليمي (‪.)143 /2‬‬
‫[‪ ]71‬القول البديع (ص ‪.)21‬‬
‫[‪ ]72‬جلء الفهام (ص ‪.)175 -174‬‬
‫[‪ ]73‬تفسير ابن كثير (‪.)507 /3‬‬
‫[‪ ]74‬تفسير القرطبي (‪ )232 /14‬بتصرف‬
‫[‪ ]75‬تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلم المنان للشيخ عبد‬
‫الرحمن بن ناصر بن السعدي (‪.)121-6/120‬‬
‫[‪ ]76‬المنهاج للحليمي (‪.)131 /2‬‬
‫[‪ ]77‬تقدم تخريجه (ص ‪.)480‬‬
‫[‪ ]78‬فتح الباري (‪.)155 /11‬‬
‫[‪ ]79‬تقدم تخريجه (ص ‪.)348‬‬
‫[‪ ]80‬واسمه سعد بن مالك بن سنان النصاري الخزرجي أبو‬
‫سعيد الخدري‪ ،‬مشهور بكنيته استصغر بأحد واستشهد أبوه بها‪،‬‬
‫وشهد هو ما بعدها‪ ،‬كان من أفاضل الصحابة وحفظ حديثا كثيرا‪،‬‬
‫مات بعد الستين من الهجرة‪ .‬الصابة (‪.)33 -32 /2‬‬
‫[‪ ]81‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الدعوات‪ ،‬باب الصلة‬
‫على النبي صلى الله عليه وسلم انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )152 /11‬ح‬
‫‪6358‬‬
‫عقبة بن عمرو بن ثعلبة النصاري أبو مسعود البدري‪،‬‬ ‫[‪]82‬‬
‫مشهور بكنيته شهد العقبة‪ ،‬والمشاهد كلها‪ ،‬مات بعد سنة أربعين‬
‫للهجرة‪ .‬الصابة (‪.)484 -483 /2‬‬
‫[‪ ]83‬بشير بن سعد بن ثعلبة النصاري البدري شهد العقبة وشهد‬
‫بدرا والمشاهد بعدها‪ ،‬استشهد بعين التمر مع خالد بن الوليد في‬
‫خلفة أبي بكر سنة اثنتي عشرة‪.‬الصابة (‪ )162 /1‬والستيعاب (‪/1‬‬
‫‪.)156 -155‬‬
‫[‪ ]84‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الصلة‪ ،‬باب الصلة على‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم بمد التشهد (‪.)2/17‬‬
‫[‪ ]85‬أخرجه المام أحمد في المسند (‪ .)262 /1‬وأخرجه النسائي‬
‫في السنن‪ ،‬كتاب السهو‪ ،‬باب كيف الصلة على النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم (‪ )48 /3‬وإسناده حسن‪.‬‬
‫[‪ ]86‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب فضائل القرآن‪ ،‬باب‬
‫أنزل القرآن على سبعة أحرف‪ .‬فتح الباري (‪ )23 / 9‬ح ‪،4992‬‬
‫وأخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب صلة المسافرين‪ ،‬باب بيان أن‬
‫القرآن على سبعة أحرف وبيان معناه (‪.)202 /2‬‬
‫[‪ ]87‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب التهجد‪ ،‬باب ما جاء في‬
‫التطوع مثنى مثنى‪ ،‬فتح الباري (‪ )48 /3‬ح ‪ 1162‬وقد جاءت رواية‬
‫البخاري على الشك الذي ذكره ابن القيم‪.‬‬
‫[‪ ]88‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب صلة المسافرين‪ ،‬باب‬
‫فضل سورة الكهف وآية الكرسي (‪ )199 /2‬وذكر مسلم أيضا هذا‬
‫الختلف فقال قال شعبة من آخر الكهف‪ ،‬وقال "همام من أول‬
‫الكهف كما قال هشام‬
‫[‪ ]89‬النواس في سمعان بن خالد بن عمرو العامري الكلبي له‬
‫ولبيه صحبة وحديثه عند مسلم فى صحيحه الصابة (‪.)546 /3‬‬
‫[‪ ]90‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الفتن وأشراط الساعة‪،‬‬
‫باب ذكر الدجال وصفته وما معه (‪)197-8/196‬‬
‫[‪ ]91‬جلء الفهام (‪ )179 -177‬بتصرف‪.‬‬
‫[‪ ]92‬جلء الفهام ص (‪.)251‬‬
‫[‪ ]93‬جلء الفهام ص (‪.)251‬‬
‫[‪ ]94‬مجموع الفتاوى (‪ )408 /27‬والمغني (‪ )542 /1‬وجلء الفهام‬
‫ص(‪)251‬‬
‫[‪ ]95‬مجموع الفتاوى (‪ )408 /27‬والمغني (‪ )542 /1‬وجلء الفهام‬
‫ص(‪)251‬‬
‫[‪ ]96‬المغني (‪.)1/541‬‬
‫[‪ ]97‬محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب‪ ،‬أبو‬
‫جعفر الباقر‪ ،‬من فقهاء أهل المدينة من التابعين‪ ،‬توفي سنة أربع‬
‫عشرة ومائة‪ .‬تهذيب التهذيب (‪.)352-9/350‬‬
‫[‪ ]98‬المغني (‪ )542 /1‬جلء الفهام (‪ )255 -253‬والقول البديع (‪-180‬‬
‫‪.)183‬‬
‫[‪ ]99‬انظر جلء الفهام (ص ‪.)276 -251‬‬
‫[‪ ]100‬صرفت النظر عن إيراد أدلة كل فريق نظرا‪:‬‬
‫ا‪ -‬كثرة الدلة والعتراضات الواردة في هذه المسألة‪.‬‬
‫‪ -2‬كون المسألة تتعلق بالنواحي الفقهية فهذا مما يتعارض مع‬
‫منهجية البحث الذي يتناول النواحي العقدية‪.‬‬
‫[‪ ]101‬الم للشافعي (‪.)117 /1‬‬
‫[‪ ]102‬إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل‪ ،‬أبو إبراهيم المزني‪،‬‬
‫صاحب المام الشافعي‪ ،‬كان زاهدا عالما مجتهدا قوي الحجة‪،‬‬
‫توفي سنة ‪ 264‬هـ‪ .‬العلم (‪.)329 /1‬‬
‫[‪ ]103‬أخرجه الدارقطنى فى السنن‪ ،‬كتاب الصلة‪ ،‬باب صفة‬
‫التشهد ووجوبه واختلف الروايات فيه (‪ )351 /1‬وإسناده ضعيف‬
‫جدا لن فيه خارجة بن مصعب‪ :‬متروك‪ ،‬وموسى بن عبيدة‪:‬‬
‫ضعيف‪.‬‬
‫[‪ ]104‬أخرجه الدارقطنى في السنن‪ ،‬كتاب الصلة‪ ،‬باب ذكر‬
‫وجوب الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد (‪/1‬‬
‫‪ )355‬وإسناده ضعيف فيه عبد المهيمن بن عباس ل يحتج به‪.‬‬
‫[‪ ]105‬أخرجه أحمد في المسند (‪ )4/119‬والحاكم في المستدرك (‬
‫‪.)268 /1‬‬
‫[‪ ]106‬الرضف‪ :‬الحجارة المحماة على النار‪ ،‬واحدتها‪ :‬رضفة‪.‬‬
‫النهاية (‪)231 /2‬‬
‫[‪ ]107‬أخرجه أحمد في المسند (‪.)460 ،436 ،428 ،410 ،1/386‬وأخرجه‬
‫أبو داود فى السنن‪ ،‬كتاب الصلة‪ ،‬باب تخفيف القعود (‪.)606 /1‬ح‬
‫‪ 995‬وأخرجه الترمذي في السنن‪ ،‬أبواب الصلة‪ ،‬باب ما جاء في‬
‫مقدار القعود في الركعتين الوليين (‪ )2/202‬ح ‪ .366‬وقال الترمذي‪:‬‬
‫"هذا حديث حسن إل أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه‪ .‬والعمل‬
‫على هذا عند أهل العلم يختارون أن ل يطيل الرجل القعود في‬
‫الركعتين الوليين ول يزيد على الثشهد شيئا" انتهى كلمه‪.‬‬
‫[‪ ]108‬جلء الفهام (ص ‪.)279 -277‬‬
‫[‪ ]109‬الحسن بن علي بن أب ي طالب‪ ،‬سبط رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم وريحانته في الدنيا‪ ،‬وأحد سيدي شباب أهل‬
‫الجنة‪ ،‬وكان أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم بويع‬
‫بالخلفة بعد مقتل أبيه ثم تنازل عنها لمعاوية حقنا لدماء‬
‫المسلمين‪ ،‬ومات سنة تسع وأربعين وقيل بعدها‪.‬الصابة (‪-327 /1‬‬
‫‪.)330‬‬
‫[‪ ]110‬الحديث إلى قوله "وتعاليت"‪ ،‬أخرجه أبو داود في سننه‪،‬‬
‫كتاب الصلة‪ ،‬باب القنوت في الوتر (‪ .)134-133 /2‬وأخرجه‬
‫الترمذي في السنن‪ ،‬كتاب أبواب الصلة‪ ،‬باب ما جاء في قنوت‬
‫الوتر (‪ )328 /1‬ح ‪ .464‬وأخرجه ابن ماجه في السنن‪ ،‬أبواب إقامة‬
‫الصلة‪ ،‬باب ما جاء في قنوت الوتر (‪ )213 /1‬ح ‪ ،1167‬وقال‬
‫الحافظ ابن حجر‪ :‬الحديث‪-‬حسن صحيح‪ .‬التلخيص (ص ‪.)95 -94‬‬
‫[‪ ]111‬أخرجه النسائي في السنن (‪ )248 /3‬وقد انفرد النسائي‬
‫بهذه الزيادة "وصلى الله على النبي"‪ ،‬وروايته ضعيفة‪ ،‬قال‬
‫الحافظ ابن حجر هذه الزيادة في هذا السند غريبة ل تثبت وإن‬
‫سنده ل يخلو إما من راو مجهول‪ ،‬أو انقطاع في السند‪.‬‬
‫[‪ ]112‬عروة بن الزبير بن العوام السدي أبو عبد الله المدني‪،‬‬
‫تابعي ثقة فقيه مشهور‪ ،‬ولد في أوائل خلفة الفاروق‪ ،‬وتوفي‬
‫سنة أربع وتسعين على الصحيح‪ .‬تهذيب التهذيب (‪.)185 -180 /8‬‬
‫[‪ ]113‬عبد الرحمن بن عبد من غير إضافة القارئ بتشديد الياء‬
‫من ولد القارة ابن الديش‪ ،‬ذكره العجلي في ثقات التابعين‬
‫واختلف قول الواقدي فيه قال تارة له صحبة‪ ،‬وتارة تابعي‪ ،‬مات‬
‫سنة ثمان وثمانين تقريب التهذيب (‪.)206‬‬
‫[‪ ]114‬عبد الله بن الرقم بن عبد يغوق بن وهب القرشي‬
‫الزهري‪ ،‬صحابي أسلم يوم الفتح‪ ،‬وكتب للنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ولبي بكر وعمر وكان على بيت المال أيام عمر‪ ،‬وتوفي‬
‫في خلفة عثمان‪ .‬الصابة (‪.)265 /2‬‬
‫[‪ ]115‬وإليك نسعى ونحفد أي نسرع في العمل والخدمة‪ .‬النهاية‬
‫(‪.)406 /1‬‬
‫[‪ ]116‬أخرجه الشافعي في الم (‪ )240 -239 /1‬والبيهقي في السنن‬
‫(‪ )39 /4‬ورجاله كلهم ثقات‪.‬‬
‫[‪ ]117‬عبد الله بن الحارث النصاري أبو الوليد البصري‪ ،‬ثقة من‬
‫رجال الشيخين‪ .‬تهذيب التهذيب (‪.)182 -181 /5‬‬
‫[‪ ]118‬معاذ بن الحارث النصاري النجاري أبو حليمة ويقال أبو‬
‫الحارث المدني القاري‪ ،‬قال ابن عبد البر شهد الخندق‪ ،‬ويقال لم‬
‫يدرك من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إل ست سنين‪،‬‬
‫وهو الذي أقامه عمر فيمن أقام في رمضان ليصلي التراويح‪،‬‬
‫يقال إنه قتل يوم الحرة‪ .‬تهذيب التهذيب (‪.)189 -188 /10‬‬
‫[‪ ]119‬فضل الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص ‪)45‬‬
‫رقم ‪ ،107‬قال اللباني‪" :‬إسناده موقوف صحيح‪ ،‬وأبو حليمة معاذ‬
‫هو أبن الحارث النصاري القاري قال ابن أبي حاتم‪)246 /1 /4( :‬‬
‫"وهو الذي أقامه عمر يصلي بهم في‪ .‬شهر رمضان صلة‬
‫التراويح وعبد الله بن الحارث هو أبو الوليد البصري ثقة من‬
‫رجال الشيخين‪ .،‬ورواه ابن نصر في "قيام الليل" (ص ‪ )136‬بلفظ‬
‫"كان يقوم في القنوت في رمضان يدعو ويصلي على النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ويستسقي الغيث"‪.‬‬
‫[‪ ]120‬جلء الفهام (ص ‪.)281 -279‬‬
‫[‪ ]121‬الم (‪ )240 -239 /1‬والبيهقي في السنن الكبرى (‪.)39 /4‬‬
‫[‪ ]122‬أبو أمامة بن سهل بن حنيف النصاري‪ ،‬ولد في حياة النبي‬
‫علما وسمي باسم جده لمه أسعد بن زرارة وكني بكنيته‪ ،‬وكان‬
‫من أكابر النصار وعلمائهم‪ ،‬توفي سنة مائة للهجرة‪ .‬تهذبب‬
‫التهذيب (‪.)264 -263 /1‬‬
‫[‪ ]123‬سعيد بن المسيب بن حزن الخزومي القرشي‪ ،‬وسيد‬
‫التابعين وأحد فقهاء المدينة السبعة‪ ،‬وكان زاهدا ورعا يعيش من‬
‫كسب يده توفي سنة ‪ 94‬هـ‪ .‬تهذيب التهذيب (‪.)88 -84 /4‬‬
‫[‪ ]124‬فضل الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص ‪)39‬‬
‫رقم ‪ .94‬و قال اللباني في تعليقه على هذا الكتاب‪ :‬اسناده‬
‫صحيح‪ ،‬وأبو أمامة هذا صحابي صغير كما قال ابن القيم‪ ،‬وقد‬
‫رواه عن جماعة من الصحابة‪ ،‬فقال يونس عن ابن شهاب‪ ،‬قال‬
‫أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف‪ -‬وكان من كبراء النصار‬
‫وعلمائهم‪ ،‬وأبناء الذين شهدوا بدرا مع رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬أخبره رجال من أصحاب رسول الله في الصلة على‬
‫الجنازة أن يكبر المام ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫الحديث نحوه وزاد‪ :‬قال الزهري‪ :‬حدثنا بذلك أبو أمامة وابن‬
‫المسيب يسمع فلم ينكر ذلك عليه‪ .‬قال ابن شهاب‪ :‬فذكرت‬
‫الذي أخبرني أبو أمامة من السنة في الصلة على الميت لمحمد‬
‫بن سويد فقال وأنا سمعت الضحاك بن قيمة يحدث عن حبيب‬
‫بن مسلمة في صلة صلها على الميت مثل الذي حدثنا أبو‬
‫امامة‪.‬‬
‫أخرجه الحاكم (‪ )360 /1‬وعنه البيهقي (‪ )40 ،39 /4‬وقال الحاكم‪:‬‬
‫صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي‪ ،‬وهو كما قال‪ ،‬ورواه‬
‫النسائي (‪ )281 /1‬من طريق الليث عن ابن شهاب به مختصرا "‬
‫انتهي‪.‬‬
‫[‪.)486 /2( ]125‬‬
‫[‪ ]126‬يحى بن يحى بن أبي عيسى كثير بن وسلس الليثي‬
‫بالولء‪ ،‬أبو محمد عالم الندلس في عصره بربري الصل‪ ،‬سمع‬
‫الموطأ من مالك قال عنه المام مالك هذا عاقل أهل الندلس‪،‬‬
‫توفي بقرطبة سنة ‪ 234‬هـ‪ .‬العلم (‪.)176 /8‬‬
‫[‪]127‬سعيد بن كيسان المقبري أبو سعد المدني‪ ،‬ثقة جليل تغير‬
‫قبل موته بأربع سنين‪ ،‬مات في حدود العشرين ومائة وقيل قبلها‬
‫وقيل بعدها‪ .‬تهذيب التهذيب (‪.)40 -38 /4‬‬
‫[‪ ]128‬كيسان أبو سعيد المقبري مولى أم شريك‪ ،‬تابعي ثقة كثير‬
‫الحديث توفي سنة مائة للهجرة‪ .‬تهذيب التهذيب (‪)454 -453 /8‬‬
‫[‪ ]129‬الموطأ (ص ‪ )152 -151‬ح ‪ ،535‬وأخرجه إسماعيل القاضي‬
‫في كتابه فضل الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص ‪)39‬‬
‫ح ‪ .93‬وقال اللباني المحقق عند تعليقه عليه‪ :‬إسناده موقوف‬
‫صحيح على شرط الشيخين‪ .‬وأخرجه البيهقي في السق (‪.)40 /4‬‬
‫[‪ ]130‬جلء الفهام (ص ‪.)284 -281‬‬
‫[‪ ]131‬اليات (‪ )4 -1‬من سورة الشرح‪.‬‬
‫[‪ ]132‬أخرجه أحمد في المسند (‪ .)343 ،302 /2‬وأخرجه أبو داود‬
‫في سننه‪ ،‬كتاب الدب‪ ،‬باب في الخطبة (‪ )173 /5‬ح ‪ 4841‬وأخرجه‬
‫الترمذي في سننه‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب ما جاء في خطبة النكاح (‪/3‬‬
‫‪ )414‬ح ‪ 1106‬وقال هذا حديث حسن صحيح غريب‪.‬‬
‫[‪ ]133‬تفسيرالطبري (‪.)235 /30‬‬
‫[‪ ]134‬أورده السيوطي في الدر المنثور وعزاه لعبد بن حميد (‪/6‬‬
‫‪)363‬‬
‫[‪ ]135‬أخرجه ابن جرير في تفسيره (‪.)235 /30‬‬
‫[‪ ]136‬عون بن أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي الكوفي‪،‬‬
‫ثقة من الرابعة‪ ،‬مات سنة ست عشرة ومائة‪ .‬تهذبب التهذيب (‬
‫‪.)8/170‬‬
‫[‪ ]137‬واسمه وهب بن عبد الله السرائي (بضم المهملة) ويقال‬
‫اسم أبيه وهب أيضا‪ ،‬أبو جحيفة مشهور بكنيته‪ ،‬ويقال له وهب‬
‫الخير‪ ،‬قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في أواخر عمره‬
‫وحفظ عنه ثم صحب عليا بعده ووله شرطة الكوفة‪ .‬مات سنة‬
‫أربع رستين‪ .‬الصابة (‪.)606 /3‬‬
‫[‪ ]138‬المسند (‪.)1/106‬‬
‫[‪ ]139‬جلء الفهام (ص ‪.)286‬‬
‫[‪ ]140‬تقدم تخريجه ص ‪326‬‬
‫[‪ ]141‬فضالة بن عبيد بن نافذ بن قيس النصاري الوسي‪،‬‬
‫صحابي جليل أسلم قديما ولم يشهد بدرا‪ ،‬وشهد أحدا فما بعدها‬
‫وشهد فتح مصر والشام قبلها‪ ،‬مات في خلفة معاوية‪ .‬الصابة (‬
‫‪.)251 /3‬‬
‫[‪ ]142‬أخرجه المام أحمد في المسند (‪ ،.)17 /6‬وأخرجه أبو داود‬
‫في سننه‪ ،‬كتاب الصلة‪ ،‬باب الدعاء ( ‪ )162 /2‬ح ‪ ،1 481‬وأخرجه‬
‫الترمذي في سننه كتاب الدعوات‪ ،‬باب ادع تجب (‪ )517 /5‬ح ‪،3473‬‬
‫‪ 3475‬وقال‪ :‬حديث حسن صحيح‪ .‬وأخرجه النسائي في سننه (‪/3‬‬
‫‪ )44‬باب التمجيد والصلة على النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫والحاكم في المستدرك (‪ )232 /1‬وصححه ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫[‪ ]143‬أخرجه الترمذي في سننه‪ ،‬باب ما جاء في فضل الصلة‬
‫على النبي صلى الله عليه وسلم ( ‪ .)356 /2‬وقال أحمد شاكر‬
‫بهامشه‪" :‬هذا موقوف بحكم المرفوع" وذكره اللباني في صحيح‬
‫سنن الترمذي (‪ .)151 ،150 /1‬وقال‪ :‬حسن‪ -‬الصحيحة ‪.2035‬‬
‫[‪ ]144‬صحيح ابن خزيمة (‪ )452‬وابن حبان (‪ )321‬موارد‪.‬‬
‫[‪ ]145‬فاطمة بنت الحسين بن على بن أبي طالب الهاشمية‬
‫المدنية روت عن أبيها وأخيها زين العابدين وغيرهم‪ ،‬وزوجها هو‬
‫ابن عمها الحسن بن الحسن بن على‪ ،‬وتزوجها بعده عبد الله بن‬
‫عمرو بن عثمان‪ .‬وذكرها ابن حبان في الثقات‪ ،‬وقال‪ :‬ماتت وقد‬
‫قاربت التسعين‪ .‬تهذيب التهذيب (‪.)443 -442 /12‬‬
‫[‪ ]146‬فاطمة الزهراء بنت رسرل الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أم‬
‫الحسنين سيدة نساء هذه المة‪ ،‬تزوجها علي بن أبي طالب‬
‫رضي الله عنهما في السنة الثانية للهجرة‪ ،‬وماتت بعد النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم بستة أشهر وقد جاوزت العشرين بقليل‪.‬‬
‫تقريب التهذيب (ص ‪.)471‬‬
‫[‪ ]147‬أخرجه بهذا اللفظ‪ :‬المام أحمد في المسند (‪.)272 /6‬‬
‫والترمذي في السنن أبواب الصلة باب ما جاء ما يقول عند‬
‫دخول المسجد (‪ )128 ،127 /2‬ح ‪ ،314‬وقال الترمذي‪" :‬وفي الباب‬
‫عن أبي حميد‪ ،‬وأبي أسيد‪ ،‬وأبي هريرة ‪ ،‬وقال‪" :‬حديث فاطمة‬
‫حديث حسن‪ ،‬وليس إسناده بمتصل وفاطمة بنت الحسين لم‬
‫تدرك فاطمة الكبرى‪ ،‬وإنما عاشت فاطمة بعد النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم أشهرا"‪ .‬وأخرجه بلفظ‪" :‬إذا دخل المسجد يقول‬
‫"بسم الله والسلم على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح‬
‫لي أبواب رحمتك وإذا خرج قال "بسم الله والسلم على رسول‬
‫الله‪ ،‬اللهم اغفم لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك"‪ .‬المام أحمد‬
‫في المسند (‪ .)283 /6‬وابن ماجه في السنن‪ ،‬أبواب المساجد‪،‬‬
‫الدعاء عند دخول المسجد (‪ )139 /1‬ح ‪ 755‬وله شاهد من حديث‬
‫أبي حميد وأبي أسيد النصاري قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي ا صلى‬
‫الله عليه وسلم ثم ليقل‪ :‬اللهم افتح لي أبواب رحمتك‪ ،‬فإذا خرج‬
‫فليقل‪ :‬اللهم إني أسألك من فضلك‪ .‬أخرجه أبو داود في سننه‪،‬‬
‫كتاب الصلة‪ ،‬باب فيما يقوله الرجل عند دخوله المسجد (‪،317 /1‬‬
‫‪ )318‬ح ‪ 465‬وهو عند مسلم في صحيحه كتاب صلة المسافرين‬
‫باب ما يقول إذا دخل المسجد (‪ )155 /2‬بلفظ إذا دخل المسجد‬
‫فليقل اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليقل‪ :‬اللهم افتح‬
‫لي أبواب فضلك وهو عند أحمد بهذا اللفظ (‪ .)425 /5‬وهو عند‬
‫النسائي بهذا اللفظ أيضا‪ ،‬انظر السنن كتاب المساجد باب القول‬
‫عند دخول المسجد والخروج منه (‪ )53 /2‬وفي سنن ابن ماجه‪،‬‬
‫أبواب المساجد‪ ،‬باب الدعاء عند دخول المسجد (‪ )139 /1‬ح ‪،756‬‬
‫قال رسول صلى الله عليه وسلم‪ :‬إذا دخل أحدكم المسجد‬
‫فليسلم ثم ليقل اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليقل‬
‫اللهم إني أسألك من فضلك‪ .‬وله شاهد من حديث أبي هريرة‬
‫رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال‪ :‬إذا دخل‬
‫أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل‪:‬‬
‫اللهم افتح لي أبواب رحمتك‪ ،‬وإذا خرج فليسلم على النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم وليقل اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم"‬
‫أخرجه ابن ماجة في سننه‪ ،‬أبواب المساجد‪ ،‬باب الدعاء عند‬
‫دخول المسجد (‪ )131 /1‬ح ‪ ،757‬وقال البوصيري في الزوائد‪:‬‬
‫إسناده صحيح ورجاله ثقات وأخرجه النسائي في عمل اليوم‬
‫والليلة‪ ،‬باب ما يقول إذا دخل المسجد ح ‪ 90‬وفيه‪ :‬فليقل‪ :‬اللهم‬
‫باعدني من الشيطان بدل قوله‪ :‬اللهم اعصمني من الشيطان‬
‫الرجيم‪ .‬وأخرجه من طريق آخر عن أبي هريرة ولم يذكر فيه‬
‫السلم ح ‪ 92 ،91‬وتعرض النسائي هنا لختلف ألفاظ الحديث‬
‫فليراجع‪.‬‬
‫والحديث أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (‪ .)452‬وأخرجه الحاكم‬
‫في المستدرك (‪ )207 /1‬كتاب الصلة ولفظه عند الحاكم إذا دخل‬
‫أحدكم المسجد فليصل على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل‪:‬‬
‫اللهم أجرني من الشيطان الرجيم وقال الحاكم‪ :‬حديث صحيح‬
‫على شرط الشيخين ولم يخرجاه‪ ،‬ووافقه الذهبي‪ .‬والحديث‬
‫صححه اللباني في صحيح الجامع (‪.)528‬‬
‫[‪ ]148‬الرد على الخنائي (ص ‪.)147‬‬
‫[‪ ]149‬الشفا (‪.)637 /2‬‬
‫[‪ ]150‬نافع الفقيه مولى ابن عمر أبو عبد الله المدني‪ ،‬ثقة ثبت‬
‫فقيه مشهور قال البخاري‪ :‬أصح السانبد مالك عن نافع عن ابن‬
‫عمره مات سنة سبع عشرة ومائة أو بعد ذلك‪ .‬تهذيب التهذيب (‬
‫‪.)414 -412 /10‬‬
‫[‪ ]151‬كتاب فضل الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص‬
‫‪ )37 -36‬ح ‪ .87‬وقال اللباني في تعليقه عليه‪" :‬إسناده موقوف‬
‫منقطع فإن نافعا لم يدرك عمر‪ ،‬ولكن في إجلء الفهام نقل عن‬
‫المصنف أن ابن عمر فإن صح هذا فيكون قد سقط من نسختنا‬
‫لفظة (ابن) ويكون السند حينئذ متصل صحيحا‪ ،‬وهذا مما‬
‫أستبعده‪ ،‬والله أعلم‪ ،‬انثهي كلمه‪.‬‬
‫[‪ ]152‬وهب بن الجدع الهمداني الخارفي الكرفي‪ ،‬تابعي ثقة‪،‬‬
‫روي عن عمر وعلي وعنه هلل بن سياف والشعبي‪ ،‬وكان قليل‬
‫الحديث‪ .‬تهذيب التهذيب (‪.)158 /1‬‬
‫[‪ ]153‬أخرجه إسماعيل بن اسحاق القاضي في كتاب فضل‬
‫الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص ‪ )34‬ح ‪ 81‬وأورده ابن‬
‫القيم في جلء الفهام (ص ‪ )293 -292‬وعزاه لجعفر بن عون وأبي‬
‫ذر الهروي‪ .‬وأورده السخاوي في القول البديع (ص ‪ )209‬وعزاه‬
‫للبيهقي وإسماعيل القاضي وأبي ذر الهروي وقال‪ -‬أي السخاوي‪-‬‬
‫اسناده قوي‬
‫[‪" ]154‬ترة"‪ :‬النقص‪ ،‬وقيل التبعة‪ .‬النهاية (‪)189 /1‬‬
‫[‪ ]155‬أخرجه المام أحمد في المسند (‪)484 ،481 ،453 ،446 /2‬‬
‫وأخرجه الترمذي في السنن‪ ،‬كتاب الدعاء‪ ،‬باب في القوم‬
‫يجلسون ل يذكرون الله (‪ )46 1 /5‬ح ‪ 338 0‬وقال حديث حسن‬
‫صحيح‪ .‬وأخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة (ص ‪ )159‬ح‬
‫‪ 449‬وأخرجه الحاكم في المستدرك (‪ )496 /1‬وقال هذا حديث‬
‫صحيح السناد ولم يخرجاه وصالح ليس بالساقط وتعقبه الذهبي‬
‫بقوله صالح ضعيف‪ .‬وأخرجه ابن حبان في صحيحه‪ .‬انظر موارد‬
‫الظمآن (‪.)2322‬‬
‫[‪ ]156‬أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة (ص ‪ )314‬ح ‪410‬‬
‫وأخرجه إسماعيل بن إسحاق في فضل الصلة على النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم (ص ‪ )22‬ح ‪55‬‬
‫وقال اللباني في تعليقه عليه‪ :‬إسناده صحيح موقوف ولكنه في‬
‫حكم المرفرع‪.‬‬
‫[‪ ]157‬أخرجه النساثي في عمل اليوم والليلة (ص ‪ )314‬ح ‪.411‬‬
‫[‪ ]158‬أحمد بن محمد بن سلمة الزدي الطحاوي‪ ،‬أبو جعفر‪،‬‬
‫فقيه انتهت إليه رياسة الحنفية بمصر‪ ،‬وهو أحد الثقات الثبات‬
‫الحفاظ‪ ،‬توفي سنة ‪ 321‬ص‪ .‬العلم (‪.)206 /1‬‬
‫[‪ ]159‬عبد الرحمن بن عمرو الوزاعي‪ ،‬أهله من سبي السند‬
‫استقر بدمشق وهو من شيوخ السلم كان عابدا مجاهدا‪ ،‬قال‬
‫عنه الحاكم‪ :‬الوزاعي إمام عصره عموما وإمام أهل الشام‬
‫خصوصا‪ ،‬توفي ببيروت عام ‪ 157‬ص‪ .‬البداية والنهاية (‪-115 /10‬‬
‫‪.)120‬‬
‫[‪ ]160‬أخرجه الترمذي في سننه‪ ،‬كتاب الدعوات‪ ،‬باب قول النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ :‬رغم أنف رجل" (‪ )550 /5‬ح ‪ 3545‬وقال‪:‬‬
‫"وهذا حديث حسن غريب من هذا الرجه‪ .‬وأخرجه الحاكم في‬
‫المستدرك (‪ )549 /1‬وصححه ووافقه الذهبي‪ .‬وأخرجه إسماعيل‬
‫بن اسحاق القاضي في كتابه فضل الصلة على النبي على (ص‬
‫‪ )9‬ح ‪ 16‬وقال اللباني في تعليقه عليه إسناده صحيح‪ ،‬رجاله رجال‬
‫الصحيح‪.‬‬
‫[‪ ]161‬أخرجه إسماعيل بن إسحاق القاضي في كتابه فضل‬
‫الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص ‪ )9‬ح ‪ 18‬وقال‬
‫اللباني في تعليقه عليه إسناده حسن‪ .‬وأخرجه ابن حبان في‬
‫صحيحه‪ .‬انظر موارد الظمآن (‪ )2387‬والحديث روي كذلك من‬
‫طرق أخرى عن كل من‪:‬‬
‫ا‪ -‬كعب بن عجرة رضي الله عنه‪:‬‬
‫أخرجه إسماعيل بن إسحاق في كتابه فضل الصلة على النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم (ص ‪ )15‬ح ‪ .19‬وأخرجه الحاكم في‬
‫المستدرك (‪ )154 ،153 /4‬وصححه ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫‪ -2‬أنس بن مالك رضي الله عنه‪:‬‬
‫قال السخاوي في القول البديع (ص ‪ )148‬أخرجه ابن أبي شيبة‬
‫والبزار في مسنديهما‪.‬‬
‫‪ -3‬مالك بن الحويرث رضي الله عنه‪:‬‬
‫أخرجه ابن حبان في صحيحه (‪ )2386‬موارد‪ ،‬وقال السخاوي (ص‬
‫‪ )148‬أخرجه ابن حبان في صحيحه وثقاته معا‪ ،‬والطبراني ورجاله‬
‫ثقات لكن فيهم عمران بن أبان الراسطي وهو وإن وثقه ابن‬
‫حبان وأخرج حديثه هذا في صحيحه فقد ضعفه غير واحد‪.‬‬
‫‪ -4‬جابر بن عبد الله رضي الله عنه‪:‬‬
‫أخرجه البخاري في الدب المفرد (ص ‪ .)95‬وقال السخاري في‬
‫كتابه القول البديع (ص ‪ :)148‬رواه البخاري في الدب المفرد‬
‫والطبري في تهذيبه والدارقطي في الفراد وهو حديث حسن‬
‫ونحوه من وجه آخر عند الطبراني في الوسط وابن السني في‬
‫عمل اليوم والليلة‪ ،‬وأشار إليه الترمذي في جامعه بقوله وفي‬
‫الباب عن جابر وقد أخرجه النسائي وساقه الضياء في المختارة‬
‫من طريق الطيالسي وقال هذا عندي على شرط مسلم‪ .‬انتهي‬
‫وفي ذلك نظر والله أعلم‪ -5 .‬جابر بن سمرة‪:‬‬
‫قال السخاوي‪ :‬أخرجه الدارقطني في الفراد والبزار في‬
‫مسنده‪ ،‬والطبراني في الكبير والدقيقي في أماليه‪ .‬وللحديث‬
‫طرق أخرى ذكرها السخاوي في القول البديع (ص ‪ )151 -147‬ول‬
‫يتسع المجال هنا لذكرها‪ .‬قال ابن القيم (ول ريب أن الحديث‬
‫بتلك الطرق المتعددة تفيد الصحة‪ ،‬جلء الفهام (ص ‪.)295‬‬
‫[‪ ]162‬أخرجه النسائبي في اليوم والليلة رقم (‪ )61‬وابن السني (‬
‫‪ )383‬وإسناده صحيح‪ .‬وأخرجه البخاري في الدب المفرد (‪.)643‬‬
‫[‪ ]163‬الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبو عبد الله‬
‫المدني سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته من‬
‫الدنيا‪ ،‬وأحد سيدي شباب أهل الجنة‪ ،‬استشهد يوم عاشوراء سنة‬
‫إحدى وستين وله ست وخمسرن سنة‪ .‬الصابة (‪.)334 -33 1 /1‬‬
‫[‪ ]164‬أخرجه المام أحمد في المسند (‪ .)201 /1‬والترمذي في‬
‫سننه‪ ،‬كتاب الدعوات‪ ،‬باب قول رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم رغم أنف رجل (‪ )551 /5‬ح ‪ 3546‬وقال‪ :‬حديث حسن صحيح‬
‫غريب والنسائي في اليوم والليلة (‪ .)55‬وابن حبان في صحيحه (‬
‫‪ )2388‬مرارد‪ .‬والحاكم في المستدرك (‪ )549 /1‬وصححه ووافقه‬
‫الذهبي‪ .‬وأخرجه إسماعيل بن اسحاق القاضي في فضل الصلة‬
‫على النبي صلى الله عليه وسلم (ص ‪ )15‬ح ‪.33‬‬
‫[‪ ]165‬أخرجه إسماعيل بن إسحاق القاضي (ص ‪ )16‬رقم ‪ 37‬وقال‬
‫اللباني في تعليقه عليه‪ :‬حديث صحيح بشاهده المتقدم والتي‬
‫بعده‪ ،‬ورجال إسناده ثقات لول الرجل الذي لم يسم‪ .‬وقد رواه‬
‫ابن أبي عاصم في "كتاب الصلة" من طريتى أخرى عن علي بن‬
‫يزيد عن القاسم عن أبي ذر‪ ،‬فأحد الطريقين يقوى الخر‪.‬‬
‫[‪ ]166‬اليتان (‪ )24 -23‬من سورة الحديد‪.‬‬
‫[‪ ]167‬أخرجه البخاري في الدب المفرد رقم (‪ )296‬عن جابر‬
‫رضي الذ عنه والمام أحمد في المسند (‪.)3/307‬‬
‫[‪ ]168‬الية (‪ )7‬من سورة الحديد‪.‬‬
‫[‪ ]169‬الية (‪ )208‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫[‪ ]170‬الية (‪ )59‬من سورة النساء‪.‬‬
‫[‪ ]171‬الية (‪ )194‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫[‪ ]172‬الية (‪ )43‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫[‪ ]173‬الية (‪ )200‬من سورة آل عمران‪.‬‬
‫[‪ ]174‬الية (‪ )175‬من سورة آل عمران‪.‬‬
‫[‪ ]175‬الية (‪ )150‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫[‪ ]176‬الية (‪ )78‬من سورة الحج‪.‬‬
‫[‪ ]177‬الية (‪ )103‬من سورة آل عمران‪.‬‬
‫[‪ ]178‬أخرجه ابن ماجة في السنن‪ ،‬أبواب إقامة الصلة‪ ،‬باب‬
‫الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم (‪ )164 /1‬ح ‪ 895‬وقال‬
‫اللباني حسن صحيح (صحيح ابن ماجة ‪ .)150 /1‬وأخرجه إسماعيل‬
‫بن إسحاق في فضل الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫(ص ‪ )18 -17‬ح ‪ .44 -43 -42 -41‬وقال اللباني في تعليقه عليه‪:‬‬
‫"إسناده مرسل صحيح‪ ،‬والحديث له طرق وإن كانت ل تخلو من‬
‫ضعف فبعضها يقوي بعضا فالحديث وتقي بها إلى درجة الحسن‬
‫على أقل الدرجات" انتهي كلمه‪ .‬وأخرجه البيهقي في شعب‬
‫اليمان (‪ )418 /1‬مرسل عن محمد بن الحنفية‪ .‬وأخرجه الطبراني‬
‫في الكبير (‪ )138 /3‬رقم ‪ 2887‬موصول عن الحسين بن علي من‬
‫طريق بشر بن محمد الكندي وهو ضعيف‪ .‬انظر‪ :‬مجمع الزوئد (‬
‫‪ .)164 /10‬وأخرجه البيهقي في الشعب (‪ )419 /1‬عن أبي هريرة‪.‬‬
‫[‪ ]179‬أورده ابن القيم وعزاه لسعيد بن العرابي " جلء الفهام‬
‫(ص ‪ )301‬وأورده السخاوي في القول البديع (ص ‪ )152‬وقال‬
‫أخرجه النميري من وجهين من طريق عبد الرزاق وهو في‬
‫جامعه ورواته ثقات‪.‬‬
‫[‪ ]180‬تقدم تخريجه ص ‪307‬‬
‫[‪ ]181‬تقدم تخريجه ص ‪308‬‬
‫[‪ ]182‬الية (‪ )10‬من سورة الفتح‪.‬‬
‫[‪ ]183‬الية (‪ )31‬من سورة آل عمران‪.‬‬
‫[‪ ]184‬هجيرى‪ :‬الدأب والشأن‪.‬‬
‫[‪ ]185‬جلء الفهام (ص ‪ 294‬الى ‪.)305‬‬
‫[‪ ]186‬أوس بن أوس الثقفي‪ ،‬صحابي‪ ،‬سكن الشام ومات بها‪.‬‬
‫الصابة (‪ )92 /1‬وتهذيب التهذيب (‪.)381 /1‬‬
‫[‪ ]187‬أخرجه المام أحمد في المسند (‪ )8 /4‬وأخرجه اسماعيل‬
‫القاضي في فضل الصلة على النبي (ص ‪ )11‬رقم ‪ .22‬وأخرجه أبو‬
‫داود في سننه (‪ )635 /1‬كتاب الصلة‪ ،‬باب فضل يوم الجمعة وليلة‬
‫الجمعة ح ‪ .1047‬وأخرجه النسائي في السنن (‪ )91 /3‬كتاب‬
‫الجمعة‪ ،‬باب ذكر فضل الجمعة‪ .‬وأخرجه ابن ماجة في سننه (‪/1‬‬
‫‪ )195‬أبواب إقامة الصلة‪ ،‬باب فضل الجمعة ح ‪ 1071‬وفي أبواب ما‬
‫جاء في الجنائز باب ذكر وفاته ودفنه صلى الله عليه وسلم (‪/1‬‬
‫‪ )300‬ح ‪ .1637‬وأخرجه الحاكم في المستدرك (‪ )60 /4‬وصححه‬
‫ووافقه الذهبي‪ .‬ورواه ابن حبان في صحيحه‪ .‬انظر الورارد (‪.)550‬‬
‫قال ابن القيم‪" :‬وقد أعله بعض الحفاظ بأن حسينا الجعفي حدث‬
‫به عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر‪ ،‬عن أبي الشعت الصنعاني‪،‬‬
‫عن أوس بن أوس‪ ،‬قال ومن تأمل هذا السناد لم يشك في‬
‫صحته‪ ،‬لثقة رواته وشهرتهم وقبول الئمة أحاديثهم وعلته‪ :‬أن‬
‫حسينا الجعفي لم يسمع من عبد الرحمن بن يزيد بن جابر‪ ،‬وإنما‬
‫سمع من عبد الرحمن بن يزيد بن تميم‪ ،‬وعبد الرحمن بن يزيد‬
‫ابن تميم ل يحتج به‪ ،‬فلما حدث به حبن الجعفي غلط في اسم‬
‫الجد‪ ،‬فقال ابن جابر‪ ،‬وقد بين ذلك الحفاظ ونبهوا عليه‪.‬‬
‫فقال البخاري في التاريخ الكبير "(‪ )1365 /5‬عبد الرحمن بن يزيد‬
‫بن تميم السلمي الشامى عن مكحول‪ ،‬سمع منه الوليد بن‬
‫مسلم‪ ،‬عنده مناكير‪ ،‬ويقال‪ :‬هو الذي روى عنه أبو أسامة‬
‫وحسين الجعفي‪ ،‬وقال‪ :‬هو يزيد بن جابر‪ ،‬وغلطا في نسبه ونريد‬
‫بن تميم أصح‪ ،‬وهو ضعيف الحديث‪ .‬وقال الخطيب‪ :‬روى‬
‫الكوفيون أحاديث عبد الرحمن بن يزيد بن تميم‪ ،‬عن عبد‬
‫الرحمن بن يزيد بن جابر ووهموا في ذلك‪ ،‬والحمل عليهم في‬
‫تلك الحاديث‪ .‬وقال موسى بن هارون الحافظ‪ :‬روى أبو أسامة‬
‫عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر وكان ذلك وهنا منه‪ ،‬وهو لم‬
‫يلق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر‪ ،‬وإنما لقي عبد الرحمن بن‬
‫يزيد بن تميم‪ ،‬فظن أنه ابن جابر نفسه‪ ،‬وابن تميم ضعيف‪ .‬وقد‬
‫أشار غير واحد من الحفاظ إلى ما ذكره هؤلء الئمة‪ .‬وجواب‬
‫هذا التعليل من وجوه‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أن حسينا الجعفي قد صرح بسماعه له من عبد الرحمن‬
‫بن يزيد بن جابر‪ .‬قال ابن حبان في صحيحه‪ :‬حدثنا ابن خزيمة‪،‬‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ،‬حدثنا حسين بن علي حدثنا عبد الرحمن بن يزيد‬
‫بن جابر‪ ،‬فصرح بالسماع منه‪.‬‬
‫وفولهم‪ :‬إنه ظن أنه ابن جابر وإنما هو ابن تميم‪ ،‬فغلط في اسم‬
‫جده بعيد‪ ،‬فإنه لم يكن يشببه على حسين هذا بهذا‪ ،‬مع نقده‬
‫وعلمه بهما وسماعه منهما‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬فقد قال عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتاب "العلل"‬
‫سمعت أبي يقول عبد الرحمن ابن يزيد بن جابر‪ ،‬ل أعلم أحدا‬
‫من أهل العراق يحدث عنه‪ ،‬والذي عندي أن الذي يروي عنه أبو‬
‫أسامة وحسين الجعفي واحد‪ ،‬وهو عبد الرحمن بن يزيد بن تميم‬
‫لن أبا أسامة روى عن عبد الرحمن بن يزيد‪ ،‬عن القاسم عن‬
‫أبي أمامة خمسة أحاديث أو ستة أحاديث منكرة‪ ،‬ل يحتمل أن‬
‫يحدث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بمثله‪ ،‬ول أعلم أحدا من‬
‫أهل الشام روى عن ابن جابر من هذه الحاديث شيئا‪ .‬وأما‬
‫حسين الجعفي فإنه يروي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن‬
‫أبي الشعث‪ ،‬عن أوس بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫في يوم الجمعة أنه قال‪" :‬أفضل اليام يوم الجمعة‪ ،‬فيه الصعقة‬
‫وفيه النفخة‪ ،‬وفيه كذا" وهو حديث منكر ل أعلم أحدا رواه غير‬
‫حسين الجعفي‪ ،‬وأما عبد الرحمن بن‪-‬نريد بن تميم فهو ضعيف‬
‫الحديث‪ ،‬وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر ثقة‪ ،‬تم كلمه‪ .‬قيل‪ :‬وقد‬
‫تكلم في سماع حسين الجعفي‪ ،‬وأبي أسامة من ابن جابر فأكثر‬
‫أهل الحديث أنكروا سماع أبي أسامة منه‪ .‬قال شيخنا (أبو‬
‫الحجاج المزي) في التهذيب‪ :‬قال ابن نمير‪ -‬وذكر أبا أسامة‪-‬‬
‫فقال‪ :‬الذي‪-‬يروي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر يرى أنه‬
‫ليس بابن جابر المعروف‪ ،‬ذكر لي أنه رجل يسمى باسم ابن‬
‫جابر‪ ،‬قال يعقوب‪ :‬صدق‪ ،‬هو عبد الرحمن ابن فلن بن تميم‪،‬‬
‫فدخل عليه أبو أسامة فكتب عنه هذه الحاديث فروى عنه‪ ،‬وإنما‬
‫هو إنسان يسمى بابن جابر‪ .‬قال يعقوب‪ :‬وكأني رأيت ابن نمير‬
‫يتهم أبا أسامة أنه علم ذلك وعرف ولكن تغافل عن ذلك قال‪:‬‬
‫وقال لي ابن نمير أما ترى روايته ل تشبه سائر حديثه الصحاح‬
‫الذي روى عنه أهل الشام وأصحابه؟ وقال عبد الرحمن بن أبي‬
‫حاتم‪ :‬سكت محمد بن عبد الرحمن ابن أخي حسين الجعفي عن‬
‫عبد الرحمن بن يزيد بن جابر‪ ،‬فقال قدم الكوفة عبد الرحمن بن‬
‫يزيد بن تميم وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر ثم قدم عبد الرحمن‬
‫بن يزيد بن جابر بعد ذلك بدهر والذي يحدث عنه أبو أسامة ليس‬
‫هو ابن جابر‪ ،‬بل هو ابن تميم وقال ابن داود سمع أبو أسامة من‬
‫ابن المبارك عن ابن جابر وجميعا يحدثان عن مكحول‪ ،‬وابن جابر‬
‫أيضا دمشقي‪ ،‬فلما قدم هذا قال‪ :‬أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد‬
‫الدمشقي‪ ،‬وحدث عن مكحول‪ ،‬فظن أبو أسامة أنه ابن يزيد ابن‬
‫جابر الذي روى عنه ابن المبارك وابن جابر ثقة مأمون يجمع‬
‫حديثه‪ ،‬وابن تميم ضعيف‪.‬‬
‫وقال أبو داود‪ :‬متروك الحديث‪ ،‬حدث عنه أبو أسامة وغلط في‬
‫اسمه‪ ،‬وقال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الشامي وكل‬
‫ما جاء عن أبي أسامة عن عبد الرحمن بن يزيد‪ ،‬فإنما هو ابن‬
‫تميم‪.‬‬
‫وأما رواية حسين الجعفي عن ابن جابر‪ ،‬فقد ذكر شيخنا في‬
‫التهذيب وقال‪ :‬روى عنه حسين بن علي الحعفي‪ ،‬وأبو أسامة‬
‫حماد بن أسامة إن كان محفوظا فجزم برواية حسين عن ابن‬
‫جابر‪ ،‬وشك في رواية حماد فهذا ما ظهر في جواب هذا التعليل‪.‬‬
‫ثم بعد أن كتبت ذلك رأيت الدارقطني قد ذكر ذلك نصا فقال في‬
‫كلمه على كتاب أبي حاتم في "الضعفاء" قوله‪ :‬حسين الجعفي‬
‫روى عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر‪ ،‬وأبو أسامة‪ -‬وي عن عبد‬
‫الرحمن بن يزيد بن تميم‪ .‬فيغلط في اسم جده‪ ،‬تم كلمه‪.‬‬
‫وللحديث علة أخرى‪ :‬وهي أن عبد الرحمن بن يزيد لم يذكر‬
‫سماعه من أبي الشعث‪.‬‬
‫قال علي بن المديني‪ :،‬حدثنا الحسين بن علي بن الجعفي‪ ،‬حدثنا‬
‫عبد الرحمن بن يزيد بن جابر سمعته يذكر عن أبي الشعث‬
‫الصنعاني عن أوس بن أوس‪ ...‬فذكره‪.‬‬
‫وقال إسماعيل بن إسحاق في كتابه (ص ‪ )11‬رقم ‪ 22‬حدثنا على‬
‫بن عبد الله‪ ...‬فذكره‪ .‬وليست هذه بعلة قادحة فإن للحديث‬
‫شواهد من حديث أبي هريرة وأبي الدرداء‪ ،‬وأبي أمامة‪ ،‬وأبي‬
‫مسعود النصاري‪ ،‬وأنس بن مالك والحسن عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم انتهى كلم ابن القيم جلء الفهام (ص ‪.)71 -69‬‬
‫[‪ ]188‬مصيخة‪ :‬أي مستمعة‪ ،‬مصغية‪.‬‬
‫[‪ ]189‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب فضل يوم‬
‫الجمعة (‪ )6 /3‬وأخرجه الترمذي في سننه‪ ،‬أبواب الجمعة‪ ،‬باب ما‬
‫جاء في فضل يوم الجمعة (‪ )359 /2‬ح ‪ .488‬وأخرجه النسائي في‬
‫سننه‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب ذكر فضل يوم الجمعة (‪ .)89 /3‬وأخرجه‬
‫مالك في الموطأ (‪.)108 /1‬‬
‫[‪ ]190‬جلء الفهام (ص ‪.)71‬‬
‫[‪ ]191‬أخرجه ابن ماجة في سننه‪ ،‬أبواب ما جاء في الجنائز‪ ،‬باب‬
‫ذكر وفاته ودفنه صلى الله عليه وسلم (‪ ،1638 )300 /1‬وقال في‬
‫الزوائد‪ :‬هذا حديث صحيح‪ ،‬إل أنه منقطع في موضعين لن عبادة‬
‫روايته عن أبي الدرداء مرسلة‪ ،‬قاله العلء‪ ،‬وزيد بن أيمن عن‬
‫عبادة مرسلة قاله البخاري‪ .‬وقال السخاوي‪ :‬أخرجه ابن ماجه‬
‫ورجاله ثقات لكنه منقطع‪ .‬وأخرجه الطبراني في الكبير بلفظ‪:‬‬
‫"أكثروا الصلة يوم الجمعة فإنه يوم مشهود تشهده الملئكة‬
‫ليس من عبد يصلي علي إل بلغتني صلته حيث كان" قلنا وبعد‬
‫وفاتك قال‪" :‬وبعد وفاتي إن الله تعالى حرم على الرض أن تأكل‬
‫أجساد النبياء"‪ .‬وقال العراقي إن إسناده ل يصح‪ .‬القول البديع‬
‫(ص ‪.)164‬‬
‫[‪ ]192‬صدي (بالتصغير) ابن عجلن بن الحارث الباهلي‪ ،‬أبو أمامة‬
‫صحابي مشهور يكنيه‪ ،‬سكن الشام ومات بها سنة ست وثمانين‪.‬‬
‫الصابة (‪.)176 -175 /2‬‬
‫[‪ ]193‬أخرجه البيهقي في السنن (‪ .)249 /3‬وقال السخاوي‪ :‬رواه‬
‫البيهقي بسند حسن ل بأس به‪ ،‬إل أن مكحول قيل إنه لم يسمع‬
‫من أبي أمامة في قول الجمهور‪ .‬وقد رواه أبو منصور الديلمي‬
‫في مسند الفردوس له فأسقط منه ذكر مكحول وسنده ضعيف‬
‫القول البديع (ص ‪ .)164‬وقال ابن القيم‪ :‬ولكن لهذا الحديث‬
‫علتان‪:‬‬
‫إحداهما‪ :‬أن برد بن سنان قد تكلم فيه‪ ،‬وقد وثقه يحى بن معين‬
‫وغيره‪.‬‬
‫العلة الثانية‪ :‬أن مكحول قد قيل إنه لم يسمع من أبي أمامة والله‬
‫أعلم‪ .‬جلء الفهام (ص ‪.)73 -72‬‬
‫[‪ ]194‬قال السخاوي‪ :‬رواه الطبراني بسند ل بأس به في‬
‫المتابعات‪ ،‬القول البديع (ص ‪.)162‬‬
‫[‪ ]195‬أخرجه ابن عدي في الكامل (‪ )144 /3‬وسنده ضعيف‪ ،‬كما‬
‫ذكر السخاوي فيه ثلثة رواة ضعفاء هم‪ :‬جبارة بن مغلس‪ ،‬وأبو‬
‫إسحاق خازم‪ ،‬ويزيد الرقاشي‪ .‬القول البديع (ص ‪.)162‬‬
‫[‪ ]196‬جلء الفهام (ص ‪.)73‬‬
‫[‪ ]197‬الكامل لبن عدي (‪.)1039 /3‬‬
‫[‪ ]198‬زيد بن وهب الجهني أبو سليمان الكوفي‪ ،‬رحل إلى النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم فقبض وهو في الطريق‪ ،‬ثقة جليل‪ ،‬كثير‬
‫الحديث‪ ،‬توفي سنة ست وتسعين وقيل قبلها‪ .‬تهذيب التهذيب (‬
‫‪.)3/427‬‬
‫[‪ ]199‬جلء الفهام (ص ‪ )74 ،73‬والقول البديع (ص ‪.)159‬‬
‫[‪ ]200‬أورده السخاوي في القول البديع وقال‪ :‬رواه الحاكم‪ ،‬وقال‬
‫صحيح السناد والبيهقي في شعب اليمان وحياة النبياء في‬
‫قبورهم له‪ ،‬وابن أبي عاصم في فضل الصلة له‪ ،‬وفي سنده أبو‬
‫رافع وهو إسماعيل بن رافع وثقه البخاري وقال يعقوب بن‬
‫سفيان يصلح حديثه للشواهد والمتابعات لكن قد ضعفه النسائي‬
‫ويحي بن معين وقيل إنه منكر الحديث (ص ‪ .)164‬وأورده ابن‬
‫القيم في جلء الفهام (ص ‪ )310‬وقال‪ :‬وفيه إسماعيل بن رافع‬
‫قال يعقوب بن سفيان‪ :‬يصلح حديثه للشواهد والمتابعات‪.‬‬
‫[‪ ]201‬الحسن البصري وقد تقدم ترجمته ص ‪269‬‬
‫[‪ ]202‬أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلة على النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم من وجهين انظر (ص ‪ )13‬ح ‪ ،28‬ح ‪ ،29‬قال‬
‫اللباني‪ :‬حديث صحيح بشاهده عن أوس بن أوس‪.‬‬
‫[‪ ]203‬أورده ابن القيم في جلء الفهام (ص ‪ )311‬وعزاه لبن‬
‫وضاح‪ ،‬والسخاوي في القول البديع (ص ‪ )200 -199‬وعزاه لبن‬
‫وضاح وابن بشكوال‪.‬‬
‫[‪ ]204‬من المواطن التي ذكرها ابن القيم غير ما تقدم ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬الصلة عليه صلى الله عليه وسلم عند استلم الحجر السود‪.‬‬
‫‪ -2‬الصلة عليه صلى الله عليه وسلم عند قبره‪.‬‬
‫‪ -3‬الصلة عليه صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى السوق أو إلى‬
‫دعوة أو غيرها‪.‬‬
‫‪ -4‬الصلة عليه صلى الله عليه وسلم إذا قام الرجل من نوم‬
‫الليل‪.‬‬
‫‪ -5‬الصلة عليه صلى الله عليه وسلم عقب ختم القرآن‪.‬‬
‫‪ -6‬الصلة عليه صلى الله عليه وسلم عند القيام من المجلس‪.‬‬
‫‪ -7‬الصلة عليه صلى الله عليه وسلم عند المرور على المساجد‬
‫ورؤيتها‪.‬‬
‫‪ -8‬الصلة عليه صلى الله عليه وسلم عند الهم‪ ،‬والشدائد وطلب‬
‫المغفرة‪.‬‬
‫‪ -9‬الصلة عليه صلى الله عليه وسلم عند كتابة اسمه صلى الله‬
‫عليه وسلم‬
‫‪ -10‬الصلة عليه في عند تبليغ العلم إلى الناس‪ ،‬والتذكير‬
‫والقصص‪.‬‬
‫‪ -11‬الصلة عليه صلى الله عليه وسلم في أول النهار وآخره‪.‬‬
‫‪ -12‬الصلة عليه صلى الله عليه وسلم عقب الذنب إذا أراد أن‬
‫يكفر عنه‪.‬‬
‫‪ -31‬الصلة عليه صلى الله عليه وسلم عند العطاس‪.‬‬
‫‪ -14‬الصلة عليه صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من الوضوء‪.‬‬
‫‪ --15‬الصلة عليه صلى الله عليه وسلم عند دخول المنزل‪.‬‬
‫‪ -16‬الصلة عليه صلى الله عليه وسلم في كل موطن يجتمع فيه‬
‫لذكر الله سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫‪ -17‬الصلة عليه صلى الله عليه وسلم عقب الصلوات‪.‬‬
‫‪ -18‬الصلة عليه صلى الله عليه وسلم عند النوم‪.‬‬
‫‪ -19‬الصلة عليه صلى الله عليه وسلم في أثناء صلة العيد‪.‬‬
‫[‪ ]205‬بدائع الفوائد (‪.)190 /2‬‬
‫[‪ ]206‬تقدم تخريجه ص ‪.381‬‬
‫[‪ ]207‬تقدم تخريجه ص ‪.326‬‬
‫[‪ ]208‬تقدم تخريجه‪.‬‬
‫[‪ ]209‬يعقوب بن زيد بن طلحة التيمي‪ ،‬أبو يوسف المدني‪،‬‬
‫قاضي المدينة‪ ،‬ثقة قليل الحديث و مات في ولية أبي جعفر‪.‬‬
‫تهذيب التهذيب (‪.)385 /11‬‬
‫[‪ ]210‬أخرجه اسماعيل القاضي في فضل الصلة على النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم (ص ‪ )87‬ح رقم ‪ 13‬وقال‪ :‬قال شيخ كان‬
‫بمكة يقال له منيع لسفيان‪ :‬عمن أسنده؟ قال‪ :‬ل أدري‪ ،‬وقال‬
‫اللباني في تعليقه‪ :‬هذا مرسل صحيح السناد‪ ،‬ويشهد له الحديث‬
‫الذي بعده‪ -‬يعني الحديث الذي تقدم ذكره‪.‬‬
‫[‪ ]211‬أخرجه النسائي في عمل أليوم والليلة (ص ‪ )165‬ح رقم ‪61‬‬
‫باب ثواب الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم وابن السني‬
‫في‪ ،‬عمل أليوم والليلة (ص ‪ )136 ،135‬ح رقم ‪380‬‬
‫[‪ ]212‬أخرجه المام أحمد في المسند (‪ .)261 ،102 /3‬والبخاري في‬
‫الدب المفرد (ص ‪ )95 ،94‬باب الصلة على النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ .‬والنسائي في عمل اليوم والليلة (ص ‪ )166‬ح ‪ 63‬باب ثواب‬
‫الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم‪ .‬وأخرجه ابن حبان في‬
‫صحيحه‪ .‬انظر موارد الظمآن (‪.)2395‬‬
‫[‪ ]213‬أخرجه النسائي في السنن (‪ )50 /3‬باب الفضل في الصلة‬
‫على النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك في عمل اليوم والليلة‬
‫(ص ‪ )166 ،165‬ح ‪ ،62‬ثواب الصلة على النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم وأخرجه الحاكم في المستدرك (‪ )550 /1‬وقال‪ :‬هذا حديث‬
‫صحيح السناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫وكل من رواية "صلى الله عليه عشر صلوات وحط عنه عشر‬
‫خطيئات"‪.‬‬
‫ورواية "صلى الله عليه عشر صلوات وحط عنه بها عشر سيئات‪،‬‬
‫ورفعه بها عشر درجات" جاءت من طريق بريد بن أبي مريم‬
‫وقد جاء في بعفى الروايات عن بريد بن أبي مريم عن الحسن‬
‫عن أنس وفي بعضها عن بريد بن أبي مريم عن أنس‪ ،‬وقد ذكر‬
‫ابن القيم أن هذه العلة ل تقدح فيه شيئا‪ ،‬لن الحسن لشك في‬
‫سماعه من أنس‪ ،‬وقد صح سماع بريد بن أبي مريم من أنس‬
‫أيضا هذا الحديث‪ ،‬فرواه ابن حبان في صحيحه موارد ‪2390‬‬
‫والحاكم في المستدرك (‪ )550 /1‬من حديث يونس بن أبي‬
‫إسحاق‪ ،‬عن بريد بن أبي مريم‪ ،‬قال سمعت أنس بن مالك‪...‬‬
‫نذكره‪ .‬ولعل بريدا سمعه من الحسن ثم سمعه من أنس‪ ،‬فحدث‬
‫به على الوجهين‪ ،‬فإنه قال‪ :‬كنت أزامل الحسن بن محمد‪ ،‬فقال‬
‫حدثنا أنس بن مالك قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فذكره‪ ،‬ثم إنه حدثه به أنس فرواه عنه كما تقدم"‪ .‬جلء الفهام‬
‫(ص ‪.)56‬‬
‫[‪ ]214‬أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلة على النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم (ص ‪ )4‬ح ‪ .4‬وقال اللباني‪ :‬إسناده ضعيف‪،‬‬
‫ولكن المرفوع من الحديث صحيح له شواهد كثيرة‪.‬‬
‫وأخرجه البخاري في الدب المفرد (ص ‪ )94‬باب الصلة على‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫[‪ ]215‬أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلة على النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم (ص ‪ )5‬ح رقم ‪ .5‬وأخرجه البخاري في‬
‫الدب المفرد (ص ‪ )94‬عن أوس بن الحدثان عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم وذكره‪ .‬وهذا الحديث والذي قبله هما من طريق‬
‫سلمة بن وردان وقال اللباني في سلسلة الحاديث الصحيحه (‪/2‬‬
‫‪ )503‬ح رقم ‪ 829‬وسلمة بن وردان ضعيف بغير تهمة‪ ،‬فيصلح‬
‫للستشهاد به وللحديث شاهد آخر من حديث عبد الرحمن بن‬
‫عرف‪.‬‬
‫[‪ ]216‬عبد الرحمن بن عوف الزهري‪ ،‬ولد بعد الفيل بعشر سنين‬
‫وأسلم قبل دخول دار الرقم‪ ،‬وهاجر الهجرتين وشهد المشاهد‬
‫كلها‪ ،‬وأحد العشرة المبشرين بالجنة‪ ،‬وأحد رجال الشورى الستة‪،‬‬
‫توفي سنة ‪ 31‬ص وقيل سنة ‪ 32‬ص وهو الشهر‪ .‬الصابة (‪-2/408‬‬
‫‪.)410‬‬
‫[‪ ]217‬أخرجه بهذا اللفظ إسماعيل القاضي في فضل الصلة‬
‫على النبي صلى الله عليه وسلم (ص ‪ )5‬ح ‪ 7‬وأخرجه المام أحمد‬
‫في المسند ‪ ،)1/191‬وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (‪( )287 /2‬رراه‬
‫أحمد ورجاله ثقات)‪ .‬وأخرجه الحاكم في المستدرك (‪)222 /1‬‬
‫وقال هذا حديث على شرط الشيخين ولم يخرجاه‪ ،‬ووافقه‬
‫الذهبي‪.‬‬
‫[‪ ]218‬السراف بالفتح آخره "فاء" موضع شامي البقيع‪ .‬وفاء‬
‫الوفاء (‪.)1125 /4‬‬
‫[‪ ]219‬أخرجه بهذا اللفظ إسماعيل القاضي في فضل الصلة‬
‫على النبوي صلى الله عليه وسلم (ص ‪ )7 -6‬ح ‪.10‬‬
‫[‪ ]220‬أورده ابن القيم في جلء الفهام (ص ‪ )64‬وعزاه لبن أبي‬
‫الدنيا والسخاوي في القول البديع (ص ‪ )112‬وعزاه لبن أبي‬
‫عاصم وابن أبي الدنيا‪.‬‬
‫[‪ ]221‬أخرجه اسماعيل القاضي فى فضل الصلة على النبى‬
‫صلى الله عليه وسلم ص ‪ 3‬ح رقم ‪1‬‬
‫[‪ ]222‬أخرجه المام أحمد في المسند (‪ .)30 /4‬وإسماعيل‬
‫القاضي‪ ،‬في فضل الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص‬
‫‪ )4 -3‬ح ‪ ،2‬والنسائي في السنن (‪ 44 /3‬و ‪ )50‬كتاب الصلة‪ ،‬باب‬
‫فضل التسليم على النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وباب الفضل‬
‫في الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم‪ .‬وكذلك أخرجه‬
‫النسائي في عمل اليوم والليلة‪ ،‬باب ثواب الصلة على النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم وقال الحافظ ابن حجر (رواته ثقات) فتح‬
‫الباري (‪ )11/167‬وأخرجه الحاكم في المستدرك (‪ )550 /1‬وابن حبان‬
‫في صحيحه (‪ )2391‬موارد‪.‬‬
‫[‪ ]223‬أخرجه بهذا اللفظ المام أحمد في المسند (‪.)29 /4‬‬
‫قال اللباني في سلسلة الحاديث الصحيحة (‪ )503 /2‬ح رقم ‪829‬‬
‫عن رواية أحمد هذه "وهذا إسناد ضعيف‪ ،‬لسوء حفظ أبي‬
‫معشر‪ ،‬وإسحاق بن كعب مجهول الحال فهر إسناد ل بأس به في‬
‫الشواهد والمتابعات" انتهي كلمه والحديث له شواهد متعددة‬
‫سبق ذكر بعضها‪.‬‬
‫[‪ ]224‬هانىء بن نيار بن عمرو البلوي أبو بردة بن نيار حليف‬
‫النصار‪ ،‬خال البراء بن عازب مشهور بكنيته وقيل اسمه الحرث‬
‫وقيل مالك والول أشهر‪ ،‬صحابي جليل شهد بدرا وما بعدها‪،‬‬
‫مات في أول خلفة معاوية‪ .‬الصابة (‪.)4/19( – )565 /3‬‬
‫[‪ ]225‬أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة (ص ‪ )167 ،166‬ح‬
‫رقم ‪ ،64‬باب ثواب الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم وقال‬
‫ابن حجر‪ :‬رواته ثقات‪ .‬فتح الباري (‪ .)167 /11‬وأورده ابن القيم في‬
‫جلء الفهام (ص ‪ )84 ،83‬وعزاه للطبراني في المعجم الكبير وابن‬
‫أبي عاصم في كتاب الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫[‪ ]226‬تقدم تخريجه (ص ‪.)535‬‬
‫[‪ ]227‬سنن النسائي (‪ )44 /3‬باب التمجيد والصلة على النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قال اللباني في صحيح سنن النسائي‪،‬‬
‫صحيح الترمذي (‪)3724‬‬
‫[‪ ]228‬أخرجه الترمذي في سننه (‪ )354 /2‬باب ما جاء في فضل‬
‫الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم رقم ‪ 484‬وقال الترمذي‬
‫هذا حديث حسن غريب‪ .‬وأخرجه ابن حبان في صحيحه‪ .‬انظر‬
‫موارد الظمآن (‪ .)2389‬وأورده ابن القيم في جلء الفهام وعزاه‬
‫كذلك إلى البزار والبغوي جلء الفهام (ص ‪ .)53‬وقال ابن حجر‬
‫في الفتح (‪ )167 /11‬وله شاهد عند البيهقي عن أبي أمامة بلفظ‬
‫"صلة أمتي تعرض على في كل يوم جمعة فمن كان أكثرهم‬
‫علي صلة كان أقربهم مني منزلة" ول بأس بسنده انتهي كلمه‪.‬‬
‫[‪ ]229‬جلء الفهام (ص ‪ )344 ،335‬بتصرف‪.‬‬
‫[‪ ]230‬تقدم تخريجه ص ‪472‬‬
‫[‪ ]231‬تقدم تخريجه ص ‪328‬‬
‫[‪ ]232‬تقدم تخريجه ص ‪548‬‬

‫‪ -9 .33‬حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته‬


‫في ضوء الكتاب والسنة [النهي عن الغلو في حقه]‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الصلة عليه صلى الله عليه وسلم‬
‫ويشتمل على تمهيد وثلثة مباحث‪:‬‬
‫تمهيد‪:‬‬
‫سبق الحديث في الفصل الثاني‪ ،‬من هذا الباب عن بعض المور‬
‫التي يتعين على هذه المة أداؤها والقيام بها في باب تعظيم‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم وتعزيره وتوقيره‪ .‬وفي هذا الفصل‬
‫نتناول جانبا مهما من جوانب توقيره وتعظيمه صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وذلك هو الصلة والسلم عليه صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫فقد أمرنا الباري تبارك وتعالى أن نصلي ونسلم على نبينا محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وذلك تشريف منه عز وجل لنبيه ورسوله‬
‫صلى الله عليه وسلم وإظهار للحترام والتعظيم الذي شرعه في‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫ي يَا أَيُّهَا‬‫ن ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬
‫صل ّو َ‬ ‫ملئِكَت َ ُ‬
‫ه يُ َ‬ ‫ه وَ َ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫حقه فقد قال تعالى‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫سلِيما}[‪ ]1‬فهذه الية فيها من‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫صل ّوا ع َلَيْهِ وَ َ‬
‫سل ِ ُ‬ ‫منُوا َ‬ ‫ال ّذِي َ‬
‫نآ َ‬
‫تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم والتنويه به ما ليس في‬
‫غيرها‪ ،‬وذلك بسبب ما فيها من تمييز للنبي صلى الله عليه وسلم‬
‫عند ذكره ول شك أن ذلك فيه رفع لقدره وإعلء لمكانته في‬
‫حياته وبعد موته‪.‬‬
‫ولذلك فإن من أعظم شعب اليمان الصلة والسلم على النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم محبة له وأداء لحقه وتعظيما لقدره‪،‬‬
‫والمواظبة عليها من باب أداء شكره صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫وشكره واجب لعظمة النعام به‪ ،‬فقد جعله الله سببا لنجاتنا من‬
‫الجحيم‪ ،‬ودخولنا في دار النعيم‪ ،‬وإدراكنا الفوز بأيسر السباب‪،‬‬
‫ونيلنا السعادة من كل البواب‪.‬‬
‫وليست صلتنا على النبي صلى الله عليه وسلم شفاعة منا له‬
‫فإن مثلنا ل يشفع لمثله ولكن الله أمرنا بالمكافأة لمن أحسن‬
‫إلينا وأنعم علينا‪ ،‬فإن عجزنا عنها كافيناه بالدعاء فأرشدنا الله‪-‬‬
‫لما علم عجزنا عن مكافأة نبينا‪ -‬إلى الصلة عليه لتكون صلتنا‬
‫عليه مكافأة بإحسانه إلينا وإفضاله علينا إذ ل إحسان لمخلوق‬
‫أفضل من إحسانه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وكذلك فإن المقصود‬
‫بصلتنا على النبي صلى الله عليه وسلم هو التقرب إلى الله‬
‫تعالى بامتثال ما أمر به‪ ،‬وقضاء لحق من حقوق لصطفى صلى‬
‫الله عليه وسلم التي أوجبها الله علينا فحق على هذه المة أن‬
‫تعظم قدر نبيها وذلك بأن تكثر من الصلة والسلم عليه صلى‬
‫الله عليه وسلم اتباعا لمر ربها تبارك وتعالى وقياما بما لنبيها‬
‫صلى الله عليه وسلم من الحق عليها‪ .‬وقد اعتنى العلماء بهذه‬
‫الخصيصة العظيمة فأفردوها بالتأليف وتناولوا في مؤلفاتهم تلك‬
‫جوانب هذا الموضوع‪ ،،‬من أشهر تلك المؤلفات وأجمعها كتاب‬
‫"جلء الفهام" في الصلة والسلم على خير النام للعلمة ابن‬
‫القيم‪ ،‬بل هو أشهرها وأحسنها‪.‬‬
‫ومن تلك المؤلفات كتاب القول البديل في الصلة على الحبيب‬
‫الشفيع للسخاوي[‪ ]2‬المتوفى سنة ‪902‬هـ وقد ختم كتابه هذا ببيان‬
‫الكتب المصنفة في الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫وذكر جملة كبيرة من هذه الكتب مرتبة[‪.]3‬‬

‫المبحث الول‪ :‬معنى الصلة على النبي صلى الله عليه‬


‫وسلم‪.‬وفيه مطلبان‪:‬‬
‫المطلب الول‪ :‬المعنى اللغوي للفظة "الصلة"‪.‬‬
‫قال الخليل بن أحمد[‪" :]4‬الصلة‪ :‬ألفها واو لن جماعتها‬
‫الصلوات ولن التثنية صلوان"[‪.]5‬‬
‫ومادة (ص‪ .‬ل‪ .‬و) وردت في اللغة لمعان منها‪:‬‬
‫‪(( -1‬الصلة))‪:‬‬
‫وهو وسط الظهر لكل ذي أربع وللناس‪ .‬وقيل‪ :‬ما انحدر من‬
‫َ‬
‫الوركين[‪ .]6‬قال الخليل بن أحمد‪ " :‬والصله‪ ،‬وسط الظ ّهْر لكل‬
‫ذي أربع وللناس وكل أنثى إذا ولدت انفرج صلها قال‪:‬‬
‫كأن صل جهيزة حين قامت**** حباب الماء يتبع الحبابا‬
‫وإذا أتى الفرس على أثر الفرس السابق قيل‪ :‬صلى‪ ،‬وجاء‬
‫مصليا لن رأسه يتلو الصل يين يديه"[‪.]7‬‬
‫وقال الزهري‪" :‬وقال أهل اللغة في الصلة‪ :‬إنها من الصلوين‪،‬‬
‫وهما مكتنفا الذنب من الناقة وغيرها‪ ،‬وأول مواصل الفخذين من‬
‫النسان فكأنهما في الحقيقة مكتنفا العصعص‪ ...‬وأما المصلى‬
‫الذي يلي السابق فهو مأخوذ من الصلوين ل محالة‪ ،‬وهما مكتنفا‬
‫ذنب الفرس‪ ،‬فكأنه يأتي ورأسه في ذلك المكان"[‪ .]8‬وقد قيل‬
‫إن اشتقاق الصلة الشرعية هو من هذا‪.‬‬
‫قال الحليمي‪" :‬وقيل للصلة المعهودة صلة لما فيها من حني‬
‫الصل وهو وسط الظهر"[‪.]9‬‬
‫‪" -2‬الصلى" بالقصر وهي النار‪:‬‬
‫قال الخليل بن أحمد‪" :‬والصل‪ :‬النار‪ ،‬وصلى الكافر نارا فهو‬
‫يصلها أي قاسى حرها وشدتها‪ ،‬وصليت اللحم صليا‪ :‬شويته‪ ،‬وإذا‬
‫ألقيته في النار قلت‪ :‬أصليته أصليه إصلء‪ ،‬وصليته‪ ،‬تصلية"[‪.]10‬‬
‫وفي معجم مقاييس اللغة‪" :‬صلى‪ :‬الصاد واللم والحرف المعتل‬
‫أصلن‪ :‬أحدهما‪ :‬النار وما أشبهها من الحمى‪ ...‬فقولهم‪ :‬صليت‬
‫العود بالنار‪ ،‬والصلى صلى النار‪ .‬واصطليت بالنار‪ .‬والصلء‪ :‬ما‬
‫يصطلى به وما يذكى به النار ويوقد وقال‪:‬‬
‫فجعل العود واليلنجوج والرذ*** صلء لها على الكانون[‪]11‬‬
‫قال الفيروز أبادي[‪:]12‬‬
‫"وقيل اشتقاق لفظة الصلة من الصلى بالقصر وهي النار من‬
‫صليت العصا إذا قومتها بالنار فالمصلي كأنما يسعى لتعديل‬
‫باطنه وظاهره كمن يحاول تقويم العود بالنار"[‪.]13‬‬
‫‪" -3‬الصلة" الملزمة‪:‬‬
‫قال الزهري‪" :‬قال الزجاج الصل في الصلة اللزوم يقال‪ :‬قد‬
‫صلى واصطلى إذا لزم‪ ،‬ومن هذا من يصلى في النار‪ :‬أي يلزم‬
‫النار فالصلة لزوم ما فرض الله‪ ،‬والصلة من أعظم الفرض‬
‫الذي أمر بلزومه"[‪.]14‬‬
‫صلَى‬‫وقال الفيروز أبادي "وقيل الصلة الملزمة‪ ،‬ومنه قوله {ت َ ْ‬
‫ب}[‪ ]16‬ومنه سمي ثاني‬ ‫ت ل َ َه ٍ‬ ‫صلَى نَارا ً ذ َا َ‬ ‫سي َ ْ‬
‫ة}[‪َ { ]15‬‬ ‫مي َ ً‬
‫حا ِ‬ ‫نَارا ً َ‬
‫أفراس الحلبة مصليا"[‪.]17‬‬
‫‪(( -4‬الصلة)) الدعاء‪:‬‬
‫حاء في معجم مقاييس اللغة "صلى‪ :‬الصاد واللم والحرف‬
‫المعتل أصلن‪ :‬أحدهما‪ :‬النار وما أشبهها من الحمى‪ -‬وقد تقدم‬
‫ذكره‪ -‬والخر جنس من العبادة‪...‬‬
‫وأما الثاني‪ :‬فالصلة وهي الدعاء‪ ،‬وقال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن كان مفطرا‬
‫فليأكل وإن كان صائما فليصل"[‪ ]18‬أي فليدع لهم بالخير والبركة‪.‬‬
‫قال العشى[‪:]19‬‬
‫تقول بنتي وقد قربت مرتحل*** يا رب جنب أبي الوصاب‬
‫والوجعا‬
‫عليك مثل الذي صليت فاغتمضي*** نوما فإن لجنب المرء‬
‫مضطجعا[‪]20‬‬
‫وقال في صفة الخمر‪:‬‬
‫وقابلها الريح في دنها*** وصلى على دنها وارتسم[‪]22[]21‬‬
‫"أي دعا لها أل تحمض وتفسد"[‪.]23‬‬
‫وأورد هذا المعنى أيضا الزهري في تهذيب اللغة[‪.]24‬‬
‫وقال ابن القيم "وأصل هذه اللفظة يرجع إلى معنيين‪ :‬أحدهما‪:‬‬
‫خذْ‬
‫الدعاء والتبريك‪ .‬والثاني‪ :‬العبادة‪ .‬فمن الول قوله تعالى‪ُ { :‬‬
‫م َ‬
‫ك‬‫صلت َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ل ع َلَيْهِ ْ‬
‫م إ ِ َّ‬ ‫ص ِّ‬‫م بِهَا وَ َ‬ ‫ة تُطَهُِّرهُ ْ‬
‫م وَتَُزكِّيهِ ْ‬ ‫صدَقَ ً‬
‫م َ‬ ‫موَالِهِ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ ْ‬
‫َ‬
‫ل ع َلى‬ ‫ص ِّ‬‫م}[‪ .]25‬وقوله تعالى في حق المنافقين‪{ :‬وَل ت ُ َ‬ ‫َ‬
‫ن له ُ ْ‬ ‫َ‬
‫سك ٌ‬ ‫َ‬
‫م ع َلى قبْرِهِ}[‪ ]26‬وقول النبي صلى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت أبَدا وَل تَقُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫منْهُ ْ‬‫حد ٍ ِ‬ ‫أ َ‬
‫الله عليه وسم‪" :‬إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن كان‬
‫صائما فليصل" فسر بهما‪ .‬قيل‪ :‬فليدع لهم بالبركة‪ .‬وقيل‪ :‬يصلي‬
‫عندهم بدل أكله‪ .‬وقيل إن الصلة في اللغة معناها الدعاء‪.‬‬
‫والدعاء نوعان‪ :‬دعاء عبادة‪ .‬ودعاء مسألة‪ .‬والعابد داع كما أن‬
‫م ادْع ُونِي‬ ‫ل َربُّك ُ ُ‬ ‫السائل داع‪ ،‬وبهما فسر قوله تعالى {وَقَا َ‬
‫َ‬
‫م}[‪ .]27‬قيل‪ :‬أطيعوني أثبكم‪ .‬وقيل‪ :‬سلوني أعطكم‪.‬‬ ‫ب لَك ُ ْ‬ ‫ج ْ‬ ‫أ ْ‬
‫ست َ ِ‬
‫ب‬‫عبَادِي ع َنِّي فَإِنِّي قَرِي ٌ‬ ‫ك ِ‬ ‫سأَل َ َ‬ ‫وفسر بهما قوله تعالى‪{ :‬وَإِذ َا َ‬
‫ُ‬
‫ن}[‪."]28‬‬ ‫ب دَع ْوَة َ الدَّاِع إِذ َا دَع َا ِ‬ ‫جي ُ‬ ‫أ ِ‬
‫ثم قال رحمه الله تعالى‪" :‬والصواب‪ :‬أن الدعاء يعم النوعين‪،‬‬
‫وهذا لفظ متواطئ ل اشتراك فيه[‪ ،]29‬فمن استعماله في دعاء‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الل ّهِ ل‬ ‫ن دُو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫مت ُ ْ‬‫ن َزع َ ْ‬ ‫ل ادْع ُوا ال ّذِي َ‬ ‫العبادة قوله تعالى‪{ :‬قُ ِ‬
‫ض}[‪ ]30‬وقوله‬ ‫َ‬ ‫ل ذََّرةٍ فِي ال َّ‬ ‫مثْقَا َ‬ ‫ملِكُو َ‬
‫ت َوَل فِي الْر ِ‬ ‫ماوَا ِ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫ن ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫شيْئا ً وَهُ ْ‬
‫م‬ ‫ن َ‬ ‫خلُقُو َ‬ ‫ن الل ّهِ ل ي َ ْ‬ ‫ن دُو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن يَدْع ُو َ‬‫تعالى‪{ :‬وَال ّذِي َ‬
‫ن}[‪.]31‬‬ ‫خلَقُو َ‬ ‫يُ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫م}[‪ ]32‬والصحيح‬ ‫م َربِّي لوْل دُع َاؤ ُك ُ ْ‬ ‫ما يَعْبَأ بِك ُ ْ‬ ‫ل َ‬‫وقوله تعالى‪{ :‬قُ ْ‬
‫من القولين لول أنكم تدعونه وتعبدونه أي‪ :‬شيء يعبأه بكم لول‬
‫عبادتكم إياه فيكون المصدر مضافا إلى الفاعل‪ .‬وقال تعالى‪:‬‬
‫سدُوا فِي‬ ‫ن وَل تُفْ ِ‬ ‫معْتَدِي َ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ُّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ة إِن َّ ُ‬ ‫خفْي َ ً‬ ‫ضُّرعا ً وَ ُ‬
‫م تَ َ‬ ‫{ادْع ُوا َربَّك ُ ْ‬
‫معاً}[‪ ،]33‬وقال تعالى إخبارا‬ ‫َ‬
‫خوْفا ً وَط َ َ‬ ‫حهَا وَادْع ُوه ُ َ‬ ‫صل ِ‬ ‫ض بَعْد َ إ ِ ْ‬ ‫الْر ِ‬
‫ت وَيَدْع ُونَنَا‬ ‫ن فِي ال ْ َ‬
‫خيَْرا ِ‬ ‫سارِع ُو َ‬ ‫م كَانُوا ي ُ َ‬ ‫عن أنبيائه ورسله‪{ :‬إِنَّهُ ْ‬
‫َرغَبا ً وََرهَباً}[‪.]34‬‬
‫وهذه الطريقة أحسن من الطريقة الولى‪ ،‬ودعوى الخلف في‬
‫مسمى الدعاء‪.‬‬
‫وبهذا تزول الشكالت الواردة على اسم الصلة الشرعية‪ ،‬هل‬
‫هو منقول عن موضعه في اللغة فيكون حقيقة شرعية أو مجازا‬
‫شرعيا‪.‬‬
‫فعلى هذا تكون الصلة باقية على مسماها في اللغة وهو الدعاء‪،‬‬
‫والدعاء‪ ،‬دعاء عبادة‪ ،‬ودعاء مسألة‪ ،‬والمصلي من حين تكبيره‬
‫إلى سلمه بين دعاء العبادة ودعاء المسألة فهو في صلة حقيقة‬
‫ل مجازا ول منقولة‪ ،‬لكن خص اسم الصلة بهذه العبادة‬
‫المخصوصة كسائر اللفاظ التي يخصها أهل اللغة والعرف ببعض‬
‫مسماها كالدابة والرأس ونحوهما‪ ،‬فهذا غاية تخصيص اللفظ‬
‫وقصره على بعض موضوعه‪ ،‬ولهذا ل يوجب نقل ول خروجا عن‬
‫موضوعه الصلي والله أعلم‪ .‬انتهي[‪.]35‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬المعني الشرعي لصلة الله عز وجل على نبيه‬


‫صلى الله عليه وسلم‬
‫لما كانت الصلة التي أمرت بها هذه المة على النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم تعني الطلب من الله ما أخبر به من صلته عليه‪ .‬إذ‬
‫المصلي يقول‪" :‬اللهم صل على محمد ‪ ...‬الخ" فالمر هنا يتطلب‬
‫شرح معنى صلة الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم‬
‫قال ابن القيم‪" :‬وأما صلة الله سبحانه فنوعان‪ :‬عامة وخاصة‪.‬‬
‫فالنوع الول‪ :‬الصلة العامة وهي صلته على عباده المؤمنين‪:‬‬
‫َ‬
‫ه}[‪]36‬‬ ‫ملئِكَت ُ ُ‬ ‫صل ِّي ع َلَيْك ُ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬هُوَ ال ّذِي ي ُ َ‬
‫ومنه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بالصلة على آحاد‬
‫المؤمنين كقوله‪" :‬اللهم صل على آل أبي أوفى"[‪.]37‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬صلته الخاصة على أنبيائه ورسله وخصوصا على‬
‫خاتمهم وخيرهم محمد صلى الله عليه وسلم[‪.]38‬‬
‫واختلفت الناس في معنى الصلة منه سبحانه على أقوال‪:‬‬
‫القول الول‪ :‬إنها رحمته‪.‬‬
‫فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن معنى صلة الرب الرحمة[‬
‫‪ ]39‬وروى إسماعيل القاضي[‪ ]40‬بسنده عن الضحاك[‪ ]41‬قال‪:‬‬
‫"صلة الله رحمته‪ ،‬وصلة الملئكة الدعاء"[‪.]42‬‬
‫وقال المبرد[‪" ]43‬أصل الصلة الرحمة فهي من الله رحمة‪ ،‬ومن‬
‫الملئكة رقة تبعث على استدعاء الرحمة"[‪.]44‬‬
‫قال ابن القيم‪" :‬وهذا القول هو المعروف عند كثير من‬
‫المتأخرين"[‪.]45‬‬
‫القول الثاني‪ :‬إن صلة الله مغفرته‪.‬‬
‫فقد روى إسماعيل القاضي بسنده عن الضحاك‪" :‬هو الذي‬
‫يصلي عليكم" قال‪" :‬صلة الله مغفرته‪ ،‬وصلة الملئكة الدعاء"[‬
‫‪.]46‬‬
‫وأورد ابن حجر في الفتح‪ :‬عن مقاتل بن حيان[‪ ]47‬قال‪" :‬صلة‬
‫الله مغفرته وصلة الملئكة الستغفار"[‪]48‬‬
‫قال ابن القيم‪" :‬وهذا القول هو من جنس الذي قبله"[‪.]49‬‬
‫القول الثالث‪ :‬أن معنى صلة الله تعالى على نبيه ثناؤه وتعظيمه‬
‫وإظهار شرفه وفضله وحرمته‪.‬‬
‫فإذا قلنا اللهم صل على محمد فإنما نريد اللهم عظم محمدا في‬
‫الدنيا بإعلء ذكره وإظهار دينه وإبقاء شريعته‪ ،‬وفي الخرة‬
‫بتشفيعه في أمته وإجزال أجره ومثوبته وإبداء فضله للولين‬
‫والخرين بالمقام المحمود وتقديمه على كافة المقربين‬
‫والشهود[‪ .]50‬قال أبو العالية[‪" :]51‬صلة الله ثناؤه عليه عند‬
‫الملئكة"[‪ .]52‬وعن الربيع بن أنس[‪ ]53‬قال‪" :‬صلة الله عليه‬
‫ثناؤه عند ملئكته"[‪ ]54‬وقال الخليل بن أحمد‪" :‬صلوات الله على‬
‫أنبيائه والصالحين من خلقه‪ :‬حسن ثنائة عليهم وحسن ذكره‬
‫لهم"[‪.]55‬‬
‫وقال ابن القيم رحمه الله‪" :‬الصلة المأمور بها في هذه الية هي‬
‫الطلب من الله ما أخبر به عن صلته وصلة ملئكته‪ ،‬وهي ثناء‬
‫عليه وإظهار لفضله وشرفه وإرادة تكريمه وتقريبه‪ .‬فهي تتضمن‬
‫الخبر والطلب وسمى هذا السؤال منا والدعاء صلة عليه‬
‫لوجهين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أنه يتضمن ئناء المصلي عليه والشارة بذكر شرفه‬
‫وفضله والرادة والمحبة كذلك من الله تعالى‪ ،‬فقد تضمنت الخبر‬
‫والطلب‪.‬‬
‫والوجه الثاني‪ :‬أن ذلك سمي منا صلة لسؤالنا من الله أن يصلي‬
‫عليه‪ .‬فصلة الله عليه ثناؤه وإرادته لرفع ذكره وتقرببه‪ ،‬وصلتنا‬
‫نحن عليه سؤالنا الله تعالى أن يفعل ذلك به"[‪.]56‬‬
‫وزاد الحافظ ابن حجر‪ :‬أن صلة الله على خلقه تكون خاصة‬
‫وتكون عامة‪ .‬فصلته على أنبيائه هي ما تقدم من الثناء‬
‫والتعظيم‪.‬‬
‫وصلته على غيرهم الرحمة فهي التي وسعت كل شيء‪.‬‬
‫ونقل عياض عن بكر القشيري [‪ ]57‬قال‪" :‬الصلة على النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم من الله تشريف وزيادة وتكرمة‪ ،‬وعلى من‬
‫دون النبي رحمة‪ ،‬وبهذا التقرير يظهر الفرق يين النبي صلى الله‬
‫َ َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫عليه وسلم ويين سائر المؤمنين حيث قال الله تعالى‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫ُ‬
‫ي} وقال قبل ذلك في السورة‬ ‫ن َع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬ ‫صل ّو َ‬ ‫ه يُ َ‬ ‫ملئِكَت َ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫ه} ومن المعلوم أن‬ ‫ملئِكَت ُ ُ‬ ‫م َو َ‬ ‫صل ِّي ع َلَيْك ُ ْ‬ ‫و ال ّذِي ي ُ َ‬ ‫المذكورة {هُ َ‬
‫القدر الذي يليق بالنبي صلى الله عليه وسلم من ذلك أرفع مما‬
‫يليق بغيره‪ ،‬والجماع منعقد على أن في هذه الية من تعظيم‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم والتنويه به ماليس في غيرها"[‪.]58‬‬
‫وقد ضعف ابن القيم رحمه الله تفسير الصلة بالرحمة‬
‫والستغفار وذكر في تضعيفهما عدة أوجه منها‪:‬‬
‫‪ -1‬أن الله سبحانه فرق بين صلته على عباده ورحمته فقال‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة قَالُوا إِنَّا لِل ّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ‬ ‫صيب َ ٌ‬
‫م ِ‬ ‫م ُ‬ ‫صابَتْهُ ْ‬
‫ن إِذ َا أ َ‬ ‫ن ال ّذِي َ‬ ‫ري َ‬‫صاب ِ ِ‬‫شرِ ال َّ‬ ‫{وَب َ ّ ِ‬
‫ُ‬
‫ة وَأولَئ ِ َ‬ ‫ُ‬
‫م‬‫ك هُ ُ‬ ‫م ٌ‬‫ح َ‬
‫م وََر ْ‬ ‫ن َربِّهِ ْ‬‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫صلَوَا ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ك ع َلَيْهِ ْ‬ ‫ن أولَئ ِ َ‬ ‫جعُو َ‬ ‫َرا ِ‬
‫ن}[‪ ]59‬فعطف الرحمة على الصلة فاقتضى ذلك‬ ‫مهْتَدُو َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫تغايرهما‪ ،‬وهذا أصل العطف‪ ،‬وأما قولهم‪:‬‬
‫***وألفى قولها كذبا ومينا***‬
‫فهو شاذ نادر ل يحمل عليه أفصح الكلم مع أن المين أخص من‬
‫الكذب‬
‫‪ -2‬أن صلة الله سبحانه خاصة بأنبيائه ورسله وعباده المؤمنين‪،‬‬
‫وأما رحمته فوسعت كل شيء‪ ،‬فليست الصلة مرادفة للرحمة‬
‫لكن الرحمة من لوازم الصلة وموجباتها وثمراتها‪ ،‬فمن فسرها‬
‫بالرحمة فقد فسرها ببعض ثمراتها ومقصودها‪ ،‬وهذا كثيرا ما‬
‫يأتي في تفسير ألفاظ القرآن‪ ،‬والرسول ل يفسر اللفظة بلزمها‬
‫وجزء معناها كتفسير الريب بالشك‪ ،‬والشك جزء مسمى الريب‬
‫وتفسير المغفرة بالستر‪ ،‬وهو جزء مه مسمى المغفرة‪ ،‬وتفسير‬
‫الرحمة بإرادة الحسان‪ ،‬وهو لزم الرحمة ونظائر ذلك‪ ،‬كثيرة‪.‬‬
‫‪ -3‬أن هذه اللفظة ل تعرف في اللغة الصلية بمعنى الرحمة أصل‬
‫والمعروف عند العرب من معناها إنما هو الدعاء والتبريك والثناء‪،‬‬
‫ول تعرف العرب قط "صلى عليه" بمعنى "رحمه" فالواجب‬
‫حمل اللفظ على معناه المتعارف في اللغة‪.‬‬
‫‪ -4‬أنه يسوغ بل يستحب لكل أحد أن يسأل الله أن يرحمه‬
‫فيقول‪ :‬اللهم ارحمني كما علم النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫الداعي أن يقول‪" :‬اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني"‬
‫فلما حفظها قال أما هذا فقد مل يديه من الخير"[‪ .]60‬ومعلوم أنه‬
‫ل يسوغ لحد أن يقول‪" :‬اللهم صل علي" بل الداعي بهذا يكون‬
‫معتديا في دعائه والله ل يحب المعتدين‪ ،‬بخلف سؤاله الرحمة‬
‫فإن الله يححب أن يسأله عبده مغفرته ورحمته فعلم أنه ليس‬
‫معناهما واحدا‪.‬‬
‫‪ -5‬أن أكثر المواضع التي تستعمل فيها الرحمة ل يحسن أن تقع‬
‫يءٍ}[‪]61‬‬ ‫ل َ‬ ‫سعَت ك ُ َّ‬
‫ش ْ‬ ‫متِي وَ ِ ْ‬ ‫ح َ‬
‫فيها الصلة كقوله تعالى‪{ :‬وََر ْ‬
‫َ‬
‫ن‬‫ن}[‪ ]62‬وقوله {وَكَا َ‬ ‫سنِي َ‬
‫ح ِ‬‫م ْ‬‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬ ‫ب ِ‬ ‫ت الل ّهِ قَرِي ٌ‬
‫م َ‬
‫ح َ‬
‫ن َر ْ‬ ‫وقوله‪{ :‬إ ِ َّ‬
‫م}[‪ ]64‬وقول‬ ‫حي ٌ‬
‫ف َر ِ‬ ‫م َرؤ ُو ٌ‬ ‫ه بِهِ ْ‬‫حيماً}[‪ ]63‬وقوله‪{ :‬إِن َّ ُ‬ ‫ن َر ِ‬ ‫منِي َ‬ ‫بِال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬الله أرحم بعباده من هذه بولدها"[‬
‫‪ .]65‬وقوله‪" :‬ارحموا من في الرض يرحمكم من في السماء"[‬
‫‪]66‬‬
‫فمواضع استعمال الرحمة في حق الله وفي حق العباد ل يحسن‬
‫أن تقع الصلة في كثير منها‪ ،‬بل في أكثرها‪ ،‬فل يصح تفسير‬
‫الصلة بالرحمة والله أعلم‪.‬‬
‫‪ -6‬أنه لو كانت الصلة بمعنى الرحمة لقامت مقامها في امتثال‬
‫المر وأسقطت الوجوب عند من أوجبها إذا قال‪" :‬اللهم ارحم‬
‫محمدا وآل محمد" وليس المر كذلك[‪ .]67‬وزاد السخاوي‪:‬‬
‫‪ -7‬أن الصحابة فهموا المغايرة بين الصلة والرحمة‪ ،‬فلذلك سألوا‬
‫عن كيفية الصلة مع ما تقدم من ذكر الرحمة في تعليم السلم‬
‫حيث جاء بلفظ "السلم عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته"‬
‫وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم فلو كانت الصلة بمعنى‬
‫الرحمة لقال لهم قد علمتم ذلك في السلم[‪.]68‬‬
‫وأولى القوال بالصواب ما تقدم عن أبي العالية "أن معنى صلة‬
‫الله تعالى على نبيه ثناؤه وتعظيمه"‪.‬‬
‫فهي من الله إكرام وتعظيم ومحبة وثناء لنبيه صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫فصلتنا عليه‪ :‬إنما هي ثناء عليه صلى الله عليه وسلم وإرادة من‬
‫الله أن يعلي ذكره ويزيده تعظيما وتشريفا‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬الدلة على مشروعية الصلة على النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم وكيفيتها ومواطنها وفضلها‬
‫المطلب الول‪ :‬الدلة من القرآن والسنة على مشروعية الصلة‬
‫على النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -1‬من القرآن‪:‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ي يَا أيُّهَا الذِي َ‬‫ن ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬ ‫صل ّو َ‬ ‫ه يُ َ‬ ‫ملئِكَت َ ُ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬إ ِ َّ‬
‫ُ‬
‫سلِيماً}[‪.]69‬‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ِّ ُ‬ ‫صل ّوا ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫منُوا َ‬ ‫آ َ‬
‫وهذه الية هي الصل في هذا الباب[‪ ]70‬والجماع منعقد على أن‬
‫في هذه الية من تعظيم صلى الله عليه وسلم والتنويه به ما‬
‫ليس في غيرها[‪.]71‬‬
‫وهي مدنية النزول وقد جاءت بعد جملة من اليات في سورة‬
‫الحزاب ذكر الله فيها عددا من حقوق نبيه صلى الله عليه وسلم‬
‫وما خصه به دون أمته‪ ،‬من حل نكاحه لمن تهب نفسها له‪ ،‬ومن‬
‫تحريم نكاح أزواجه على المة من بعده‪ ،‬ومن سائر ما ذكر بعد‬
‫ذلك من حقوقه وتعظيمه وتبجيله‪.‬‬
‫ثم ذكر رفع الجناح عن أزواجه في تكليمهن آباءهن وأبناءهن‬
‫ودخولهم عليهن‪ ،‬وخلوتهم بهن‪.‬‬
‫ثم عقب ذلك بما هو حق من حقوقه الكيدة على أمته‪ ،‬وهو‬
‫أمرهم بصلتهم عليه وسلمهم‪ ،‬مستفتحا ذلك المر بإخباره بأنه‬
‫هو وملئكته يصلون عليه[‪]72‬‬
‫قال ابن كثير رحمه الله تعالى‪" :‬والمقصود من هذه الية أن الله‬
‫سبحانه وتعالى أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في المل‬
‫العلى بأنه يثني عليه عند الملئكة المقربين وأن الملئكة تصلي‬
‫عليه‪ ،‬ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلة والتسليم عليه‬
‫ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعا"[‬
‫‪.]73‬‬
‫"فهذه الية شرف الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم في‬
‫حياته وبعد موته"[‪( ]74‬وفيها تنبيه على كمال الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم ورفعة درجته وعلو منزلته عند الله وعند خلقه ورفع‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫ي} أي يثني الله‬ ‫ن ع َلَى النَّب ِ ّ‬ ‫صل ّو َ‬ ‫ه يُ َ‬ ‫ملئِكَت َ ُ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ذكره‪ ،‬فقوله‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫عليه بين الملئكة وفي المل العلى لمحبته تعالى‪ ،‬ويثني عليه‬
‫الملئكة المقربون ويدعون له ويتضرعون‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سلِيماً} اقتداء بالله‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ِّ ُ‬ ‫صل ّوا ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫منُوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫{يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫وملئكته وجزاء له على بعض حقوقه عليكم‪ ،‬وتكميل ليمانكم‪،‬‬
‫وتعظيما له صلى الله عليه وسلم ومحبة وإكراما وزيادة في‬
‫حسناتكم وتكفيرا من سيئاتكم"[‪.]75‬‬
‫قال الحليمي‪" :‬وقد أمر الله تعالى في كتابه بالصلة والتسليم‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫ي يَا أَي ُّ َها‬
‫ن ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬
‫صل ّو َ‬ ‫ملئِكَت َ ُ‬
‫ه يُ َ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫عليه جملة فقال‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫سلِيماً} فأمر الله عباده أن‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ِّ ُ‬‫صل ّوا ع َلَيْهِ وَ َ‬‫منُوا َ‬ ‫ال ّذِي َ‬
‫نآ َ‬
‫يصلوا عليه ويسلموا‪ ،‬وقدم قبل أمرهم بذلك إخبارهم بأن‬
‫ملئكته يصلون عليه‪ ،‬لينبئهم بذلك على ما في الصلة عليه من‬
‫الفضل‪ ،‬إذ كانت الملئكة مع انفكاكهم من شريعته تتقرب إلى‬
‫الله بالصلة والتسليم عليه ليعلموا أنهم بالصلة والتسليم عليه‬
‫أولى وأحق "[‪.]76‬‬
‫ب‪ -‬من السنة النبوية‪:‬‬
‫ورد في شأن الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم كثير من‬
‫الحاديث التي وضحت وبينت ما يتعلق بشأن هذه الصلة من‬
‫جهة مشروعيتها وكيفيتها ومواطنها وفضلها إلى غير ذلك من‬
‫الجوانب المتعلقة بها‪.‬‬
‫وقد روى هذه الحاديث ما جمع من الصحابة رضوان الله عليهم‬
‫عدهم ابن القيم في كتابه "جلء الفهام في فضل الصلة‬
‫والسلم على محمد خير النام" فبلغوا اثثين وأربعين صحابيا‪.‬‬
‫وقد جمع ابن القيم هذه الحاديث وبين طرقها وصحيحها من‬
‫حسنها ومعلولها‪ ،‬وما في معلولها من العلل بيانا شافيا‪.‬‬
‫وسيأتي ذكر بعض هذه الحاديث في مواضعها المناسبة في‬
‫المطلب القادم وذلك تلفيا للتكرار والعادة‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬كيفية الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ورد في كيفية الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم عدد من‬
‫الحاديث منها‪:‬‬
‫‪ -1‬حديث كعب بن عجرة رضى الله عنه‪:‬‬
‫فعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال‪" :‬إن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم خرج علينا فقلنا‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬قد علمنا كيف نسلم‬
‫عليك‪ ،‬فكيف نصلي عليك؟ قال‪" :‬قولوا اللهم صل على محمد‬
‫وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪،‬‬
‫اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل‬
‫إبراهيم إنك حميد مجيد" متفق عليه[‪.]77‬‬
‫والمراد بالسلم في قوله‪" :‬قد علمنا كيف نسلم عليك" السلم‬
‫الذي في التشهد وهو قول "السلم عليك أيها النبي ورحمة الله‬
‫وبركاته"[‪.]78‬‬
‫‪ -2‬حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه‪:‬‬
‫عن أبي حميد الساعدي أنهم قالوا‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬كيف نصلي‬
‫عليك؟ قال‪" :‬قولوا اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما‬
‫صليت على آل إبراهيم‪ ،‬وبارك على محمد وأزواجه وذريته‪ ،‬كما‬
‫باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد" متفق عليه[‪.]79‬‬
‫‪ -3‬حديث أبي سعيد الخدري[‪ ]80‬رضي الله عنه‬
‫عن أبي سعيد الخدري قال‪ :‬قلنا يارسول الله‪ ،‬هذا السلم عليك‬
‫فكيف نصلي؟ قال‪" :‬قولوا اللهم صل على محمد عبدك ورسولك‬
‫كما صليت على إبراهيم‪ ،‬وبارك على محمد وآل محمد كما‬
‫باركت على إبراهيم وآل إبراهيم"[‪.]81‬‬
‫‪ -4‬حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو النصاري[‪ ]82‬رضي الله عنه‬
‫عن أبي مسعود النصاري قال‪ :‬أتانا رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ونحن في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد[‬
‫‪ ]83‬أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك يارسول الله فكيف نصلي‬
‫عليك؟ قال‪ :‬فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا‬
‫أنه لم يسأله‪ ،‬ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬قولوا‬
‫اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل‬
‫إبراهيم‪ ،‬وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل‬
‫إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد والسلم كما قد علمتم"[‬
‫‪.]84‬‬
‫‪ -5‬حديث طلحة بن عبيد الله‪:‬‬
‫عن طلحة بن عبيد الله قال‪ :‬قلت يارسول الله كيف الصلة‬
‫عليك؟ قال‪" :‬قل اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما‬
‫صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد‪ ،‬وبارك على محمد وعلى آل‬
‫محمد كما باركت على آل إبراهيم انك حميد مجيد"[‪.]85‬‬
‫والملحظ في هذه الحاديث هو اختلف ألفاظها‪ ،‬ومن أجل ذلك‬
‫فإن المرء قد يسأل بأي هذه اللفاظ يدعو؟‬
‫قال ابن القيم‪ " :‬لقد سلك بعض المتأخرين في ذلك طريقة‪ ،‬وهو‬
‫أن الداعي يستحب له أن يجمع بين تلك اللفاظ المختلفة‪ ،‬ورأى‬
‫ذلك أفضل ما يقال فيها‪ ،‬فرأى أنه يستحب للمصلي على النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم أن يقول "اللهم صل على محمد وعلى آل‬
‫محمد وعلى أزواجه وذريته‪ ،‬وارحم محمدا وآل محمد وأزواجه‬
‫وذريته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم" وكذلك في‬
‫البركة والرحمة‪.‬‬
‫وعلل ذلك بقوله‪ :‬حتى يصيب ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫يقينا فيما شك فيه الراوي وليجتمع له ألفاظ الدعية الخر فيما‬
‫اختلفت ألفاظها‪.‬‬
‫ونازعه في ذلك آخرون وقال‪ :‬هذا ضعيف من وجوه‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أن هذه الطريقة محدثة لم يسبق إليها أحد من الئمة‬
‫المعروفين‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن صاحبها إن طردها لزمه أن يستحب للمصلي أن‬
‫يستفتح بجميع أنواع الستفتاحات‪ ،‬وأن يتشهد بجميع أنواع‬
‫التشهدات‪ ،‬وأن يقول في ركوعه وسجوده جميع الذكار الواردة‬
‫فيه‪ ،‬وهذا باطل قطعا فإنه خلف عمل الناس‪ ،‬ولم يستحبه أحد‬
‫من أهل العلم وهو بدعة‪ ،‬وإن لم يطردها تناقض وفرق بين‬
‫متماثلين‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن صاحبها إن طردها لزمه أن يستحب للمصلي والتالي‬
‫أن يجمع بين القراءات المتنوعة في التلوة في الصلة وخارجها‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ومعلوم أن المسلمين متفقون على أنه ل يستحب ذلك‬
‫للقارئ في الصلة ول خارجها إذا قرأ قراءة عبادة وتدبر‪ ،‬وإنما‬
‫يفعل ذلك القراء أحيانا ليمتحن بذلك حفظ القارئ لنواع‬
‫القراءات‪ ،‬وإحاطته بها واستحضاره إياها‪ ،‬والتمكن من‬
‫استحضارها عند طلبها‪ ،‬فذلك تمرين وتدريب ل تعبد مستحب‬
‫لكل تال وقارئ‪ ،‬ومع هذا ففي ذلك للناس كلم ليس هذا‬
‫موضعه‪ ،‬بل المشروع في حق التالي أن يقرأ بأي حرف شاء‪،‬‬
‫وإن شاء أن يقرأ بهذا مرة وبهذا مرة جاز ذلك‪.‬‬
‫وكذلك الداعي إذا صلى على النبي صلى الله عليه وسلم مرة‬
‫بلفظ هذا الحديث‪ ،‬ومرة بلفظ الخر‪ ،‬وكذلك إذا تشهد‪ ،‬فإن شاء‬
‫تشهد بتشهد ابن مسعود‪ ،‬وإن شاء بتشهد ابن عباس‪ ،‬وإن شاء‬
‫بتشهد ابن عمر‪ ،‬وإن شاء بتشهد عائشة رضي الله عنهم أجمعين‬
‫ول يستحب له أحد أن يجمع بين ذلك كله‪ .‬وقد احتج غير واحد‬
‫من الئمة منهم الشافعي رحمه الله تعالى على جواز النواع‬
‫المأثورة في التشهدات ونحوها بالحديث الذي رواه أصحاب‬
‫الصحيح والسنن وغيرهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه‬
‫قال‪" :‬أنزل القرآن على سبعة أحرف"[‪ .]86‬فجوز النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم القراءة بكل حرف من تلك الحرف‪ ،‬وأخبر أنه‬
‫"شافي كافي" ومعلوم أن المشروع في ذلك أن يقرأ بتلك‬
‫الحرف على سبيل البدل ل على سبيل الجمع كما كان الصحابة‬
‫يفعلون‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع بين تلك اللفاظ‬
‫الختلفة في آن واحد‪ ،‬بل إما أن يكون قال هذا مرة وهذا مرة‬
‫كألفاظ الستفتاح والتشهد‪ ،‬وأذكار الركوع والسجود وغيرها‪،‬‬
‫فاتباعه صلى الله عليه وسلم يقتضي أن ل يجمع بينها‪ ،‬بل يقال‬
‫هذا مرة وهذا مرة‪.‬‬
‫وإما أن يكون الراوي قد شك في أي اللفاظ قال‪ ،‬فإن ترجح‬
‫عند الداعي بعضها صار إليه وإن لم يترجح عنده بعضها كان‬
‫مخيرا بينهما‪ ،‬ولم يشرع له الجمع‪ ،‬فإن هذا نوع ثالث لم يرد عن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم فيعود الجمع بين تلك اللفاظ في آن‬
‫واحد على مقصود الداعي بالبطال لنه قصد متابعة الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ففعل ما لم يفعله قطعا‪.‬‬
‫ومثال ما يترجح فيه أحد اللفاظ حديث الستخارة فإن الراوي‬
‫شك هل قال النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬اللهم إن كنت تعلم‬
‫أن هذا المر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري" أو قال‪:‬‬
‫"وعاجل أمري وآجله"[‪ ]87‬بدل "وعاقبة أمري" والصحيح اللفظ‬
‫الول وهو قوله "وعاقبة أمري" لن عاجل المر وآجله هو‬
‫مضمون قوله "ديني ومعاشي وعاقبة أمري" فيكون الجمع بين‬
‫المعاش وعاجل المر وآجله تكرارا‪ ،‬بخلف ذكر المعاش‬
‫والعاقبة‪ ،‬فإنه ل تكرار فيه‪ ،‬فإن المعاش هو عاجل المر والعاقبة‬
‫أجله‪.‬‬
‫ومن ذلك ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‪" :‬من‬
‫قرأ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال"‬
‫رواه مسلم[‪.]88‬‬
‫واختلف فيه فقال بعض الرواة "من أول سورة الكهف"‪.‬‬
‫وقال بعضهم "من آخرها" وكلهما في الصحيح لكن الترجيح لمن‬
‫قال‪" :‬من أول سورة الكهف" لن في صحيح مسلم من حديث‬
‫النواس بن سمعان[‪ ]89‬في قصة الدجال "فإذا رأيتموه فاقرأوا‬
‫عليه فواتح سورة الكهف"[‪ ]90‬ولم يختلف في ذلك‪ ،‬وهذا يدل‬
‫على أن من روى العشر من أول السورة حفظ الحديث‪ ،‬ومن‬
‫روى من آخرها لم يحفظه‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬أن المقصود إنما هو المعنى والتعبير عنه بعبارة مؤدية‬
‫له‪ ،‬فإذا عبر عنه بإحدى العبارتين حصل المقصود‪ ،‬فل يجمع بين‬
‫العبارات المتعددة‪.‬‬
‫السادس‪ :‬أن أحد اللفظين بدل عن الخر‪ ،‬فل يستحب الجمع بين‬
‫البدل والمبدل معا كما ل يستحب ذلك في المبدلت التي لها‬
‫إبدال والله أعلم[‪]91‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬مواطن الصلة عليه صلى الله عليه وسلم‬
‫تتأكد الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم في مواطن إما‬
‫وجوبا وإما استحبابا مؤكدا[‪ ]92‬ومن هذه المواطن ما يلي‪:‬‬
‫الموطن الول‪ :‬في الصلة في آخر التشهد‪:‬‬
‫وهو أهمها وآكدها‪ ،‬وقد أجمع المسلمون على مشروعيته[‪)2( ]93‬‬
‫واختلفوا في وجوبه فيها‪.‬‬
‫فقالت طائفة‪ :‬ليس بواجب فيها وهذا قول أبي حنيفة ومالك‬
‫ورواية عن المام أحمد‪ ،‬وهو قول أكثر أهل العلم[‪.]94‬‬
‫وقالت طائفة‪ :‬بوجوب ذلك وهو قول الشافعي ورواية عن المام‬
‫أحمد والظاهر أنها آخر قوليه[‪ ]95‬وهي المعتمدة في المذهب[‪]96‬‬
‫وبهذا القول قال جمع من الصحابة والتابعين وأرباب المذاهب‪،‬‬
‫وبه قال ابن مسعود‪ ،‬وابن عمر‪ ،‬وأبو مسعود‪ ،‬والشعبي‪ ،‬ومقاتل‬
‫بن حيان‪ ،‬وأبو جعفر محمد بن على بن الحسين[‪ ]97‬واسحاق بن‬
‫راهويه[‪.]98‬‬
‫ولكل واحد من الفريقين أدلته‪ ،‬وهي مبسوطة في كتب الفقه‪.‬‬
‫وقد جمعها ابن القيم في كتابه القيم جلء الفهام[‪ ]99‬فمن أراد‬
‫الستزادة في هذا الشأن فليرجع إليه[‪.]100‬‬
‫وأما ما يتعلق بأدلة مشروعيتها في هذا الموطن فهي بعينها‬
‫الدلة التي تقدم ذكرها في المطلب السابق عند الحديث عن‬
‫كيفية الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫الموطن الثاني‪ :‬الصلة عليه صلى الله عليه وسلم في التشهد‬
‫الول‪:‬‬
‫قال ابن القيم‪" :‬وهذا قد اختلف فيه‬
‫القول الول‪ :‬قال الشافعي في "الم"‪" :‬يصلي على النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم في التشهد الول[‪ ]101‬وهذا هو المشهور من‬
‫مذهبه وهو الجديد‪ ،‬ولكنه يستحب وليس بواجب‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬قال الشافعي في القديم‪ " :‬ل يزيد على التشهد"‬
‫وهذه رواية المزني[‪ ]102‬عنه‪ ،‬وبهذا قال أحمد وأبو حنيفة ومالك‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫واحتج لقول الشافعي بما رواه الدارقطني بسنده عن ابن عمر‬
‫قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد التحيات‬
‫الطيبات الزاكيات لله‪ ،‬السلم عليك أيها النبي ورحمة الله‬
‫وبركاته‪ ،‬السلم علينا وعلى عباد الله الصالحين‪ ،‬أشهد أن ل إله‬
‫إل الله وحده ل شريك له وأن محمدا عبده ورسوله ثم يصلي‬
‫على النبي صلى الله عليه وسلم "[‪.]103‬‬
‫وروى الدارقطني أيضا من حديث عمرو بن شمر عن جابر عن‬
‫عبد الله بن بريدة‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬يا بريدة إذا صليت في صلتك فل تتركن الصلة علي‬
‫فيها‪ ،‬فإنها زكاة الصلة"[‪.]104‬‬
‫قالوا‪ :‬وهذا يعم الجلوس الول والخر‪.‬‬
‫واحتج له أيضا بأن الله تعالى أمر المؤمنين بالصلة والتسليم‬
‫على رسوله صلى الله عليه وسلم فدل على أنه حيث شرع‬
‫التسليم عليه شرعت الصلة عليه‪ ،‬ولهذا سأله أصحابه عن كيفية‬
‫الصلة عليه‪ ،‬وقالوا "قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي‬
‫عليك؟" فدل على أن الصلة عليه مقرونة بالسلم عليه صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬ومعلوم أن المصلي يسلم على النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم فيشرع له أن يصلي عليه‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ولنه مكان شرع فيه التشهد والتسليم على النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم فشرع فيه الصلة عليه كالتشهد الخير‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ولن التشهد الول محل يستحب فيه ذكر الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم فاستحب فيه الصلة عليه‪ ،‬لنه أكمل في ذكره‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ولن في حديث محمد بن إسحاق‪ :‬كيف نصلي عليك إذا‬
‫نحن جلسنا في صلتنا؟[‪.]105‬‬
‫وقال الخرون‪ :‬ليس التشهد الول بمحل لذلك‪ ،‬وهو القديم من‬
‫قولي الشافعي رحمه الله تعالى‪ ،‬وهو الذي صححه كثير من‬
‫أصحابه لم لن التشهد الول تخفيفه مشروع‪ ،‬وكان النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم إذا جلس فيه كأنه على الرضف[‪ .]107[]106‬ولم‬
‫يثبت عنه أنه كان يفعل ذلك فيه‪ ،‬ول علّمه للمة‪ ،‬ول يعرف أن‬
‫أحدا من الصحابة استحبه‪ ،‬ولن مشروعية ذلك لو كانت كما‬
‫ذكرتم من المر لكانت واجبة في المحل كما في الخير‪ ،‬لتناول‬
‫المر لهما‪ ،‬ولنه لو كانت الصلة مستحبة في هذا الموضع‪،‬‬
‫لستحب فيه الصلة على آله صلى الله عليه وسلم لن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم لم يفرد نفسه دون آله بالمر بالصلة‬
‫عليه‪ ،‬بل أمرهم بالصلة عليه وعلى آله في الصلة وغيرها‪.‬‬
‫ولنه لو كانت الصلة عليه في هذه المواضع مشروعة لشرع فيها‬
‫ذكر إبراهيم وآل إبراهيم‪ ،‬لنها هي صفة الصلة المأمور بها‪،‬‬
‫ولنها لو شرعت في هذه المواضع لشرع فيها الدعاء بعدها‬
‫لحديث فضالة‪ ،‬ولم يكن فرق بين التشهد الول والخير‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وأما ما استدللتم به من الحاديث فمع ضعفها ل تدل‪ ،‬لن‬
‫المراد بالتشهد فيها هو الخير دون الول بما ذكرناه من الدلة[‬
‫‪.)1( ]108‬‬
‫الموطن الثالث من مواطن الصلة عليه صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫آخر القنوت‬
‫قال ابن القيم رحمه الله تعالى‪" :‬استحبه الشافعي ومن وافقه‬
‫واحتج لذلك بما رواه النسائي بسنده عن الحسن بن علي[‪]109‬‬
‫قال علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلء الكلمات في‬
‫الوتر قال‪" :‬قل اللهم اهدني فيمن هديت‪ ،‬وبارك لي فيما‬
‫أعطت‪ ،‬وتولني فيمن توليت‪ ،‬وقني شر ما قضيت‪ ،‬فإنك تقضي‬
‫ول يقضى عليك‪ ،‬إنه ل يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت[‪]110‬‬
‫وصلى الله على النبي"[‪ ]111‬وهذا إنما هو في قنوت الوتر‪ ،‬وإنما‬
‫نقل إلى قنوت الفجر قياسا كما نقل أصل هذا الدعاء إلى قنوت‬
‫الفجر‪.‬‬
‫وهو مستحب في قنوت رمضان فعن عروة بن الزبير[‪ ]112‬أن‬
‫عبد الرحمن بن عبد القاري[‪ ]113‬وكان في عهد عمر بن الخطاب‬
‫مع عبد الله بن الرقم[‪ ]114‬على بيت المال‪ ،‬قال‪ :‬إن عمر خرج‬
‫ليلة في رمضان‪ ،‬فخرج معه عبد الرحمن بن عبد القارى فطاف‬
‫في المسجد‪ ،‬وأهل المسجد أوزاع متفرقون يصلي الرجل‬
‫لنفسه‪ ،‬ويصلي الرجل فيصلي بصلته الرهط فقال عمر رضي‬
‫الله عنه‪ ،‬والله إني لظن لو جمعت هؤلء على قارئ واحد يكون‬
‫أمثل‪ ،‬ثم عزم عمر على ذلك وأمر أبي بن كعب أن يقوم بهم‬
‫في رمضان‪ ،‬فخرج عليهم والناس يصلون بصلة قارئهم‪ ،‬فقال‬
‫عمر رضي الله عنه نعمت البدعة هذه‪ ،‬والتي ينامون عنها أفضل‬
‫من التي يقومون‪ ،‬يريد آخر الليل‪ ،‬وكان الناس يقومون أوله‪،‬‬
‫وقال‪ :‬كانوا يلعنون الكفرة في النصف يقولون‪ :‬اللهم قاتل‬
‫الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك‪ ،‬ول يؤمنون‬
‫بوعدك‪ ،‬وخالف بين كلمتهم‪ ،‬وألق في قلوبهم الرعب‪ ،‬وألق‬
‫عليهم رجزك وعذابك إله الحق‪ .‬ثم يصلي على النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬ثم يدعو للمسلمين ما استطاع من خير‪ ،‬ثم يستغفر‬
‫للمؤمنين‪ ،‬قال‪ :‬فكان يقول إذا فرغ من لعنة الكفار‪ ،‬وصلته على‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم واستغفاره للمؤمنين‪ ،‬ومسألته‪:‬‬
‫اللهم إياك نعبد‪ ،‬ولك نصلي ونسجد‪ ،‬وإليك نسعى ونحفد[‪]115‬‬
‫ونرجو رحمتك‪ ،‬ونخاف عذابك إن عذابك الجد لمن عاديت ملحق‪،‬‬
‫ثم يكبر ويهوي ساجدا[‪.]116‬‬
‫وروى إسماعيل بن إسحاق بسنده عن قتادة‪ ،‬عن عبد الله بن‬
‫الحارث[‪]117‬أن أبا حليمة‪ -‬معاذا‪ ]118[-‬كان يصلى على النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم في القنوت[‪.]120[]119‬‬
‫الموطن الرابع من مواطن الصلة عليه صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫في صلة الجنازة بعد التكبيرة الثانية‪:‬‬
‫ل خلف في مشروعيتها فيها‪ ،‬واختلف في توقف صحة الصلة‬
‫عليها‪ .‬فقال الشافعي‪ ،‬وأحمد في المشهور من مذهبهما‪ :‬إنها‬
‫واجبة في الصلة‪ ،‬ل تصح إل بها‪ ،‬ورواه البيهقي عن عبادة بن‬
‫الصامت وغيره من الصحابة‪ .‬وقال مالك وأبو حنيفة‪ :‬تستحب‬
‫وليست بواجبة‪ ،‬وهو وجه لصحاب الشافعي‪ .‬والدليل على‬
‫مشروعيتها في صلة الجنازة‪ ،‬ما روى الشافعي بسنده عن‬
‫الزهري‪ ،‬قال أخبرني أمامة بن سهل‪ ،‬أنه أخبره رجل من‬
‫أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن السنة في الصلة على‬
‫الجنازة أن يكبر المام ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الولى‬
‫سرا في نفسه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات ل يقرأ في شيء منهن ثم‬
‫يسلم سرا في نفسه[‪ .]121‬وروى إسماعيل بن إسحاق في كتاب‬
‫"الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم" بسنده عن الزهري‬
‫قال سمعت أبا أمامة بن سهل بن حنيف[‪ ]122‬يحدث سعيد بن‬
‫المسيب[‪ ]123‬قال‪ :‬إن السنة في صلة الجنازة أن يقرأ بفاتحة‬
‫الكتاب‪ ،‬ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يخلص‬
‫الدعاء للميت حتى يفرغ‪ ،‬ول يقرأ إل مرة واحدة‪ ،‬ئم يسلم في‬
‫نفسه[‪]124‬‬
‫وأبو أمامة هذا صحابي صغير‪ ،‬وقد رواه عن صحابي آخر كما‬
‫ذكره الشافعي‪.‬‬
‫وقال صاحب "المغني"[‪ ]125‬يروى عن ابن عباس أنه صلى على‬
‫جنازة بمكة فكبر‪ ،‬ثم قرأ وجهر وصلى على النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬ثم دعا لصاحبه فأحسن ثم انصرف‪ ،‬وقال‪ :‬هكذا ينبغي أن‬
‫تكون الصلة على الجنازة‪.‬‬
‫وفي الموطأ برواية يحى بن يحى الليثي[‪ ]126‬حدثنا مالك بن أنس‬
‫عن سعيد بن أبي سعيد المقبري[‪ ]127‬عن أبيه[‪ ]128‬أنه سأل أبا‬
‫هريرة كيف نصلي على الجنازة؟ فقال أبو هريرة رضي الله عنه‪:‬‬
‫أنا لعمر الله أخبرك‪ ،‬أتبعها من أهلها‪ ،‬فإذا وضعت كبرت وحمدت‬
‫الله تعالى‪ ،‬وصليت على النبي صلى الله عليه وسلم ثم أقول‪:‬‬
‫"اللهم إنه عبدك وابن عبدك‪ ،‬وابن أمتك‪ ،‬كان يشهد أن ل إله إل‬
‫الله‪ ،‬وأن محمدا عبدك ورسولك‪ ،‬وأنت أعلم به‪ ،‬اللهم إن كان‬
‫محسنا فزد في إحسانه‪ ،‬وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته‪،‬‬
‫اللهم ل تحرمنا أجره ول تفتنا بعده"[‪.]129‬‬
‫إذا تقرر هذا فالمستحب أن يصلى عليه صلى الله عليه وسلم‬
‫في الجنازة كما يصلى عليه في التشهد‪ ،‬لن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم علم ذلك أصحابه لما سألوه عن كيفية الصلة عليه‪.‬‬
‫وفي مسائل " عبد الله بن أحمد "عن أبيه قال‪ :‬يصلى على النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ويصلى على الملئكة المقربين‪.‬‬
‫قال القاضي‪ :‬يقول‪ :‬اللهم صل على ملئكتك المقربين وأنبيائك‬
‫والمرسلين‪ ،‬وأهل طاعتك أجمعين من أهل السموات والرضين‪،‬‬
‫إنك على كل شيء قدير[‪.]130‬‬
‫الموطن الخامس من مواطن الصلة عليه صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫في الخطب كخطبة الجمعة والعيدين‪ ،‬والستسقاء‪ ،‬وغيرها‪:‬‬
‫وقد اختلف في اشتراطها لصحة الخطة‬
‫قال الشافعي وأحمد في المشمهور من مذهبهما‪ :‬ل تصح الخطة‬
‫إل بالصلة عليه صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة ومالك‪ :‬تصح بدونها‪ ،‬وهو وجه في مذهب أحمد‬
‫ح لَ َ‬ ‫َ‬
‫ضعْنَا‬
‫ك وَوَ َ‬ ‫شَر ْ‬‫م نَ ْ‬ ‫الخطة بقوله تعالى‪{ :‬أل َ ْ‬ ‫َ‬
‫واحتج لوجوبها في‬
‫ك وََرفَعْنَا ل َ َ‬
‫ض ظَهَْر َ‬ ‫َ‬
‫ك}[‪]131‬‬ ‫ك ذِكَْر َ‬ ‫ك ال ّذِي أنْقَ َ‬ ‫صدَْر َ‬ ‫ك وِْزَر َ‬
‫ك َ‬ ‫ع َن ْ َ‬
‫قال ابن عباس رضي الله عنهما‪" :‬رفع الله ذكره‪ ،‬فل يذكر إل‬
‫ذكر معه‪ .‬وفي هذا الدليل نظر‪ ،‬لن ذكره صلى الله عليه وسلم‬
‫مع ذكر ربه هو الشهادة له بالرسالة إذا شهد لمرسله بالوحدانية‪،‬‬
‫وهذا هو الواجب في الخطبة قطعا بل هو ركنها العظم‪ ،‬وقد‬
‫روى أبو داود‪ ،‬وأحمد وغيرهما من حديث أبي هريرة عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم أنه قال‪" :‬كل خطة ليس فيها تشهد فهي‬
‫كاليد الجذماء"[‪ ]132‬واليد الجذماء‪ :‬المقطوعة‪ ،‬فمن أوجب‬
‫الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم في الخطة دون التشهد‬
‫فقوله في غاية الضعف‪.‬‬
‫َ‬
‫وقد روى ابن جرير في تفسيره بسنده عن قتادة {وََرفَعْنَا ل َ‬
‫ك‬
‫ك} رفع الله ذكره في الدنيا والخرة‪ ،‬فليس خطب ول‬ ‫ذِكَْر َ‬
‫متشهد‪ ،‬ول صاحب صلة إل ينادى بها‪ :‬أشهد أن ل اله إل الله‬
‫وأشهد أن محمدا رسول الله[‪.]133‬‬
‫ك} قال إذا ذكرت ذكرت معي ول‬ ‫وعن الضحاك {وََرفَعْنَا ل َ َ‬
‫ك ذِكَْر َ‬
‫يجوز خطبة ول نكاح إل بذكرك[‪ ]134‬معي‪.‬‬
‫ك} قال‪ :‬ل أذكر إل ذكرت معي‬ ‫ك ذِكَْر َ‬‫وعن مجاهد {وََرفَعْنَا ل َ َ‬
‫أشهد أن ل إله إل الله وأشهد أن محمدا رسول الله[‪.]135‬‬
‫فهذا هو المراد من الية‪ ،‬وكيف ل يجب التشهد الذي هو عقد‬
‫السلم في الخطبة‪ ،‬وهو أفضل كلماتها وتجب الصلة على النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم فيها‪.‬‬
‫والدليل على مشروعية الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫في الخطبة ما رواه المام أحمد في المسند بسنده عن عون بن‬
‫أبي جحيفة[‪ ]136‬قال‪ :‬كان أبي[‪ ]137‬من شرط علي‪ ،‬وكان تحت‬
‫المنبر‪ ،‬فحدثني‪ :‬أنه صعد المنبر‪ -‬يعني عليا‪ -‬رضي الله عنه فحمد‬
‫الله وأثني عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وقال‬
‫خير هذه المة بعد نبيها أبو بكر والثاني عمر‪ ،‬وقال يجعل الله‬
‫الخير حيث شاء[‪.]138‬‬
‫قال ابن القيم‪" :‬وقد كانت الصلة على النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم في الخطب أمرا مشهورا معروفا عند الصحابة رضي الله‬
‫عنهم أجمعين‪.‬‬
‫أما وجوبها فيعتمد دليل يجب المصير إليه وإلى مثله[‪.]139‬‬
‫الموطن السادس من مواطن الصلة عليه صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫الصلة عليه بعد إجابة المؤذن وعند القامة‬
‫لما روى مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو أنه‬
‫سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪" :‬إذا سمعتم‬
‫المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي‪ ،‬فإن من صلى علي‬
‫صلة صلى الله عليه بها عشرا‪ ،‬ثم سلوا الله لي الوسيلة‪ ،‬فإنها‬
‫منزلة في الجنة ل تنبغي إل لعبد من عباد الله تعالى‪ ،‬وأرجو أن‬
‫أكون أنا هو‪ ،‬فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي"[‬
‫‪.]140‬‬
‫الموطن السابع من مواطن الصلة عليه صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫عند الدعاء‪:‬‬
‫والدليل على ذلك حديث فضالة بن عبيد[‪ ]141‬رضي الله عنه قال‪:‬‬
‫سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل يدعو في صلة لم‬
‫يحمد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬عجل هذا" ثم دعاه‪ ،‬فقال له‬
‫أو لغيره‪" :‬إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه ثم‬
‫يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ثم يدعو بما شاء"[‪.]142‬‬
‫وعن عمر بن الخطاب رضي الله عند قال‪" :‬إن الدعاء موقوف‬
‫بين السماء والرض ل يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك‬
‫صلى الله عليه وسلم"[‪.]143‬‬
‫الموطن الثامن من مواطن الصلة على النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ :‬عند دخول المسجد وعند الخروج منه‬
‫لما في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه‪ ،‬أن رسول الله‬
‫لمج!ا قال‪" :‬إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬وليقل‪ :‬اللهم افتح لي أبواب رحمتك‪ ،‬وإذا خرج‬
‫فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل‪ :‬اللهم أجرني‬
‫من الشيطان الرجيم"[‪.]144‬‬
‫وعن فاطمة بنت الحسين[‪ ]145‬عن جدتها فاطمة الكبرى[‪]146‬‬
‫قالت‪" :‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد‬
‫صلى على محمد وسلم‪ ،‬وقال‪" :‬رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي‬
‫أبواب رحمتك‪ ،‬وإذا خرج صلى على محمد وسلم وقال‪" :‬رب‬
‫اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك"[‪.]147‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية "والصلة والسلم عليه عند دخول‬
‫المسجد مأثور عنه صلى الله عليه وسلم وعن غير واحد من‬
‫الصحابة والتابعين"[‪.]148‬‬
‫وقال القاضي عياض‪" :‬ومن مواطن الصلة والسلم عند دخول‬
‫المسجد" وذكرا عددا من الثار عن بعض الئمة[‪.]149‬‬
‫الموطن التاسع من مواطن الصلة عليه صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫على الصفا والمروة‬
‫لما روى إسماعيل بن إسحاق القاضي بسنده عن نافع[‪ ]150‬أن‬
‫عمر رضي الله عنه كان يكبر على الصفا ثلثا‪ ،‬ويقول‪ :‬ل إله إل‬
‫الله وحده ل شريك له‪ ،‬له الملك وله الحمد وهو على كل شيء‬
‫قدر‪ ،‬ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ثم يدعو ويطل‬
‫القيام والدعاء‪ ،‬ثم يفعل على المروة نحو ذلك[‪.]151‬‬
‫وعن وهب بن الجدع[‪ ]152‬قال‪ :‬سمعت عمر بن الخطاب رضي‬
‫الله عنه يخطب الناس بمكة يقول إذا قدم الرجل منكم حاجا‬
‫فليطف بالبيت سبعا وليصل عند المقام ركعتين ثم يستلم الحجر‬
‫السود‪ ،‬ثم يبدأ بالصفا‪ ،‬فيقوم عليها ويستقبل البيت فيكبر سبع‬
‫تكبيرات يين كل تكبيرتين حمد الله عز وجل وثناء عليه عزوجل‪،‬‬
‫وصلة على النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ومسألة لنفسه وعلى‬
‫المروة مثل ذلك[‪.]153‬‬
‫الموطن العاشر من مواطن الصلة عليه صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫عند اجتماع القوم قبل تفرقهم‪:‬‬
‫فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬ما جلس قوم مجلسا فلم يذكروا الله ولم يصلوا‬
‫على نبيه صلى الله عليه وسلم إل كان مجلسهم عليهم ترة[‪]154‬‬
‫يوم القيامة‪ ،‬إن شاء عفا عنهم‪ ،‬وإن شاء أخذهم"[‪.]155‬‬
‫وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال‪" :‬ما جلس قوم‬
‫مجلسا لم يصل فيه على النبي صلى الله عليه وسلم إل كانت‬
‫عليهم حسرة وإن دخلوا الجنة"[‪.]156‬‬
‫وعن جابرأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪ :‬ما جلس‬
‫قوم مجلسا ثم تفرقوا من غير صلة على النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم إل تفرقوا على أنتن من ريح جيفة"[‪.]157‬‬
‫الموطن الحادي عشر‪ :‬من مواطن الصلة عليه صلى الله عليه‬
‫وسلم عند ذكره‬
‫قال ابن القيم‪" :‬وقد اختلفت في وجوبها كلما ذكر اسمه صلى‬
‫الله عليه وسلم فقال أبو جعفر الطحاوي[‪ ]158‬وأبو عبيد الله‬
‫الحليمي‪ :‬تجب الصلة عليه صلى الله عليه وسلم كلما ذكر‬
‫اسمه‪ .‬وقال غيرهما إن ذلك مستحب‪ ،‬وليس بفرض يأثم تاركه‪.‬‬
‫ثم اختلفوا‪ :‬فقالت فرقة‪ :‬تجب الصلة عليه في العمر مرة‬
‫واحدة‪ ،‬لن المر مطلق ل يقتضي تكرارا‪ ،‬والماهية تحصل بمرة‪،‬‬
‫وهذا محكي عن أبي حنيفة ومالك‪ ،‬والثوري‪ ،‬والوزاعي[‪.]159‬‬
‫قال القاضي عياض وابن عبد البر‪ :‬وهو قول جمهور المة‪.‬‬
‫وقالت فرقة‪ :‬بل تجب في كل صلة في تشهدها الخير كما‬
‫تقدم‪ ،‬وهو قول الشافعي وأحمد في آخر الروايتين عنه‪،‬‬
‫وغيرهما‪.‬‬
‫وقالت فرقة‪ :‬المر بالصلة عليه أمر استحباب ل أمر إيجاب‪،‬‬
‫وهذا قول ابن جرير وطائفة‪ ،‬وادعى ابن جرير فيه الجماع‪ ،‬وهذا‬
‫على أصله فإنه إذا رأي الكثرين على قول‪ ،‬جعله إجماعا يجب‬
‫اتباعه‪.‬‬
‫واحتج الموجبون بحجج‪:‬‬
‫الحجة الولى‪ :‬حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم أنه قال‪:‬‬
‫"رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي‪ ،‬ورغم أنف رجل‬
‫دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له‪ ،‬ورغم أنف رجل‬
‫أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخله الجنة"[‪.]160‬‬
‫ورغم أنفه‪ :‬دعاء عليه وذم له‪ ،‬وتارك المستحب ل يذم ول يدعى‬
‫عليهز‪.‬‬
‫الحجة الثانية‪ :‬حديث أبي هريرة رضي الله عنه‪ ،‬عن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬أنه صعد المنبر فقال‪" :‬آمين‪ ،‬آمين‪ ،‬آمين‪ ،‬فقيل‬
‫له يارسول الله‪ ،‬ما كنت تصنع هذا؟ فقال‪" :‬قال لي جبريل رغم‬
‫أنف عبد دخل عليه رمضان ولم يغفر له‪ ،‬فقلت‪ :‬آمين‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫رغم أنفه عبد أدرك أبويه أو أحدهما الكبر لم يدخل الجنة‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫آمين ثم قال‪ :‬رغم أنف عبد ذكرت عنده فلم يصل عليك‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫آمين"[‪]161‬‬
‫الحجة الثالثة‪ :‬حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬من ذكرت عنده فليصل‬
‫علي‪ ،‬فإنه من صلى علي مرة صلى الله عليه عشرا"[‪ .]162‬وهذا‬
‫إسناد صحيح والمر ظاهره الوجوب‪.‬‬
‫الحجة الرابعة‪ :‬حديث الحسين بن علي[‪ ]163‬رضي الله عنهما عن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‪" :‬إن البخيل من ذكرت عنده‬
‫فلم يصل علي"[‪. ]164‬‬
‫وعن عوف بن مالك الشجعي أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قعد أو قعد أبو ذر‪ -‬فذكر حديثا طويل‪ -‬وفيه قال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم "إن أبخل الناس من ذكرت عنده فلم‬
‫يصل علي"[‪.]165‬‬
‫قالوا‪ :‬فإذا ثبت أنه بخيل فوجه الدللة به من وجهين‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أن البخل اسم ذم‪ ،‬وتارك المستحب ل يستحق اسم الذم‬
‫َ‬ ‫ب ك ُ َّ‬ ‫َ َ‬
‫خلُو َ‬
‫ن‬ ‫خورٍ ال ّذِي َ‬
‫ن يَب ْ َ‬ ‫ل فَ ُ‬
‫ختَا ٍ‬
‫م ْ‬
‫ل ُ‬ ‫ح ُّ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ل يُ ِ‬ ‫قال الله تعالى‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫ْ‬
‫ل}[‪ ]166‬فقرن البخل بالختيال والفخر‪،‬‬ ‫خ ِ‬‫س بِالْب ُ ْ‬
‫ن النَّا َ‬
‫مُرو َ‬
‫وَيَأ ُ‬
‫والمر بالبخل‪ ،‬وذم على المجموع‪ ،‬فدل على أن البخل صفة ذم‪،‬‬
‫وقال النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬وأي داء أدوأ من البخل"[‬
‫‪.]167‬‬
‫الثاني‪ :‬أن البخيل هو مانع ما وجب عليه‪ ،‬فمن أدى الواجب عليه‬
‫كله لم يسم بخيل‪ ،‬وإنما البخيل مانع ما يستحق عليه إعطاؤه‬
‫وبذله‪.‬‬
‫الحجة الخامسة‪ :‬أن الله سبحانه وتعالى أمر بالصلة والتسليم‬
‫عليه‪ ،‬والمر المطلق للتكرار‪ ،‬ول يمكن أن يقال‪ :‬التكرار هو كل‬
‫وقت‪ ،‬فإن الوامر المكررة إنما تتكرر في أوقات خاصة‪ ،‬أو عند‬
‫شروط وأسباب تقتضي تكرارها‪ ،‬وليس وقت أولى من وقت‪،‬‬
‫فتكرار المأمور بتكرار ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أولى لما‬
‫تقدم من النصوص‪ ،‬فهنا ثلث مقدمات‪:‬‬
‫الولى‪ :‬أن الصلة مأمور بها أمرا مطلقا‪ ،‬وهذه معلومة‪.‬‬
‫المقدمة الثانية‪ :‬أن المر المطلق يقتضي التكرار‪ ،‬وهذا مختلف‬
‫فيه فنفاه طائفة من الفقهاء والصوليين‪ .‬وأثبته طائفة‪ .‬وفرقت‬
‫طائفة يين المر المطلق والمعلق على شرط أو وقت‪ ،‬فأثبتت‬
‫التكرار في المعلق دون المطلق‪ .‬والقوال الثلثة في مذهب‬
‫أحمد والشافعي‪ ،‬وغيرهما‪.‬‬
‫ورجحت هذه الطائفة التكرار بأن عامة أوامر الشرع على‬
‫َ‬
‫خلُوا‬‫سولِهِ}[‪ ]168‬وقوله {اد ْ ُ‬ ‫منُوا بِالل ّهِ وََر ُ‬ ‫التكرار كقوله تعالى‪{ :‬آ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل}[‬ ‫سو َ‬ ‫ه وَأطِيعُوا الَّر ُ‬ ‫تعالى‪{ :‬أطِيعُوا الل ّ َ‬ ‫َّ‬
‫سلْمِ}[‪ ]169‬وقوله‬ ‫فِي ال ِّ‬
‫موا‬ ‫َ‬ ‫‪ ]170‬وقوله تعالى‪{ :‬وَاتَّقُوا الل‬
‫تعالى {وَأقِي ُ‬‫َ‬
‫ه}[‪ ]171‬وقوله‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫منُوا‬‫نآ َ‬ ‫تعالى‪{ :‬يَا أي ُّ َها ال ّذِي َ‬ ‫َّ‬
‫صلة َ وَآتُوا الَّزكَاةَ}[‪ ]172‬وقوله‬ ‫ال َّ‬
‫ه}[‪ ]173‬وقوله تعالى‪:‬‬ ‫صابُِروا وََرابِطُوا وَاتَّقُوا الل َ‬ ‫صبُِروا َو َ‬ ‫ا ْ‬
‫َّ‬
‫ن}[‪.]174‬‬ ‫خافُو ِ‬‫{وَ َ‬
‫موا بِاللهِ}[‪،]176‬‬ ‫ص ُ‬ ‫شونِي}[‪ ،]175‬وقوله‪{ :‬وَاع ْت َ ِ‬
‫َ‬ ‫خ َ ْ‬ ‫وقوله‪{ :‬وَا ْ‬
‫ميعاً}[‪.]177‬‬ ‫ج ِ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫حب ْ ِ‬
‫موا ب ِ َ‬
‫ص ُ‬‫وقوله‪{ :‬وَاع ْت َ ِ‬
‫وذلك في القرآن أكثر من أن يحصر‪ ،‬وإذا كات أوامر الله‬
‫ورسوله على التكرار حيث وردت إل في النادر‪ ،‬علم أن هذا‬
‫عرف خطاب الله ورسوله للمة‪ ،‬والمر وإن لم يكن في لفظه‬
‫المجرد ما يؤذن بتكرار ول فور فل ريب أنه في عرف خطاب‬
‫الشارع للتكرار‪ ،‬فل يحمل كلمه إل على عرفه والمألوف من‬
‫خطابه‪ ،‬وإن لم يكن ذلك مفهوما من أصل الوضع في اللغة‪ ،‬وهذا‬
‫كما قلنا‪ :‬ان المر يقتضي الوجوب‪ ،‬والنهي يقتضي الفساد‪ ،‬فإن‬
‫هذا معلوم من خطاب الشارع وإن كان ل تعرض لصحة المنهي‬
‫ول لفساده في أصل موضوع اللغة‪ ،‬وكذا خطاب الشارع لواحد‬
‫من المة يقتضي معرفة الخاص أن يكون اللفظ متناول له‬
‫ولمثاله‪ ،‬وإن كان موضوع اللفظ لغة ل يقتضي ذلك‪ ،‬فإن هذا‬
‫لغة صاحب الشرع وعرفه في مصادر كلمه وموارده‪ ،‬وهذا‬
‫معلوم بالضطرار من دينه قبل أن يعلم صحة القياس واعتباره‬
‫وشروطه‪ ،‬وهكذا الفرق يين اقتضاء اللفظ وعدم اقتضائه لغة‪،‬‬
‫ويين اقتضائه في عرف الشارع وعادة خطابه‪.‬‬
‫المقدمة الثالثة‪ :‬أنه إذا تكرر المأمور به‪ ،‬فإنه ل يتكرر إل بسبب‬
‫أو وقت‪ ،‬وأولى السباب المقتضية لتكراره ذكر اسمه صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬لخباره برغم أوف من ذكر عنده فلم يصل عليه‪،‬‬
‫وللسجال عليه بالبخل وإعطائه اسمه‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ومما يؤيد ذلك أن الله سبحانه أمر عباده المؤمنين بالصلة‬
‫عليه عقب إخباره لهم بأنه وملئكته يصلون عليه‪ ،‬لم يكن مرة‬
‫وانقطعت‪ .‬بل في صلة متكررة‪ ،‬ولهذا ذكرها مبينا بها فضله‬
‫وشرفه وعلو منزلته عنده‪ ،‬ثم أمر المؤمنين بها‪ ،‬فتكرارها في‬
‫حقهم أحق وآكد لجل المر‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ولن الله أكد السلم بالمصدر الذي هو التسليم‪ ،‬وهذا‬
‫يقتضي المبالغة والزيادة في كميته‪ ،‬وذلك بالتكرار‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ولن لفظ الفعل المأمور به يدل على التكثير وهو "صلى‬
‫سر‬‫وسلم" فإن "فعَّل" المشدد‪ ،‬يدل على تكرار الفعل‪ ،‬كقولك ك ّ‬
‫َ‬
‫الخبرز وقط ّع اللحم‪ ،‬وعلّم الخير‪ ،‬وشدّد في كذا‪ ،‬ونحوه‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ولن المر بالصلة عليه في مقابل إحسانه إلى المة‪،‬‬
‫وتعليمهم وإرشادهم وهدايتهم‪ ،‬وما حصل لهم ببركته من سعادة‬
‫الدنيا والخرة‪ ،‬ومعلوم أن مقابلة مثل هذا النفع العظيم ل يحصل‬
‫بالصلة عليه مرة واحدة في العمر‪ ،‬بل لو صلى العبد عليه بعدد‬
‫أنفاسه لم يكن موفيا لحقه ول مؤديا لنعمته‪ ،‬فجعل ضابط شكر‬
‫هذه النعمة بالصلة عليه عند ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ولهذا أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بتسميته‬
‫من لم يصل عليه عند ذكره بخيل‪ ،‬لن من أحسن إلى العبد‬
‫الحسان العظيم‪ ،‬وحصل له به هذا الخير الجسيم‪ ،‬ثم يذكر عنده‬
‫ول يثني عليه ول يبالغ في حمده ومدحه وتمجيده‪ ،‬ويبدي ذلك‬
‫ويعيده‪ ،‬ويعتذر من التقصير في القياع بشكره وحقه‪ ،‬عده الناس‬
‫بخيل لئيما كفورا فكيف بمن أدنى إحسانه إلى العبد يزيد على‬
‫أعظم إحسان المخلوقين بعضهم لبعض الذي بإحسانه حصل‬
‫للعبد خير الدنيا والخرة‪ ،‬ونجا من شر الدنيا والخرة‪ ،‬الذي ل‬
‫تتصور القلوب حقيقة نعمته وإحسانه‪ ،‬فضل عن أن تقوم بشكره‪،‬‬
‫أليس هذا المنعم المحسن أحق بأن يعظم ويثنى عليه‪ ،‬ويستفرغ‬
‫الوسع في حمده ومدحه إذا ذكر بين المل‪ ،‬فل أقل من أن يصلى‬
‫عليه مرة إذا ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ولهذا دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم برغم أنفه‪ ،‬وهو‬
‫أن يلصق أنفه بالرغام وهو التراب‪ ،‬لنه لما ذكر عنده فلم يصل‬
‫عليه استحق أن يذله الله ويلصق أنفه بالتراب‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ولن الله سبحانه نهى المة أن يجعلوا دعاء الرسول بينهم‬
‫كدعاء بعضهم بعضا‪ ،‬فل يسمونه إذا خاطبوه باسمه‪ ،‬كما يسمى‬
‫بعضهم بعضا بل يدعونه برسول الله ونبي الله‪ ،‬وهذا من تمام‬
‫تعزيره وتوقيره وتعظيمه‪ ،‬فهكذا ينبغي أن يخص باقتران اسمه‬
‫بالصلة عليه‪ ،‬ليكون ذلك فرقا بينه وبين ذكر غيره‪ ،‬كما كان‬
‫المر بدعائه بالرسول والنبي فرقا بينه ويين خطاب غيره‪ ،‬فلو‬
‫كان عند ذكره ل تجب الصلة عليه كان ذكره كذكر غيره في‬
‫ذلك‪ ،‬هذا على أحد التفسيرين في الية‪ ،‬وأما على التفسير الخر‬
‫وهو أن المعنى ل تجعلوا دعاءه إياكم كدعاء بعضكم بعضا‬
‫فتؤخروا الجابة بالعتذار والعلل التي يؤخر بها بعضكم إجابة‬
‫بعض ولكن بادروا إليه إذا دعاكم بسرعة الجابة ومعاجلة الطاعة‬
‫حتى لم يجعل اشتغالهم بالصلة عذرا لهم في التخلف عن إجابته‬
‫والمبادرة إلى طاعته فإذا لم تكن الصلة التي فيها شغل عذرا‬
‫يستباح بها تأخير إجابته فكيف ما دونها من السباب والعذار؟‬
‫فعلى هذا يكون المصدر مضافا إلى الفاعل‪ ،‬وعلى القول الول‬
‫يكون مضافا إلى المفعول‪.‬‬
‫وقد يقال‪ -‬وهو أحسن من القولين‪ -‬إن المصدر هنا لم يضف‬
‫إضافته إلى فاعل ول مفعول‪ ،‬وإنما أضيف إضافة السماء‬
‫المحضة‪ ،‬ويكون المعنى‪ :‬ل تجعلوا الدعاء المتعلق بالرسول‬
‫المضاف إليه كدعاء بعضكم بعضا‪ ،‬وعلى هذا فيعم المرين معا‪،‬‬
‫ويكون النهي عن دعائهم له باسمه كما يدعو بعضهم بعضا‪ ،‬وعن‬
‫تأخير إجابته صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وعلى كل تقدير فكما أمر‬
‫الله سبحانه أن يميز في خطابه ودعائهم إياه قياما للمة بما‬
‫يجب عليه من تعظيمه وإجلله فتمييزه بالصلة عليه عند ذكر‬
‫اسمه من تمام هذا المقصود‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم "أن من ذكر عنده‬
‫فلم يصل عليه خطىء طريق الجنة"[‪ ]178‬فلول أن الصلة عليه‬
‫واجبة عند ذكره لم يكن تاركها مخطئا لطريق الجنة‪ .‬قالوا‪ :‬وأيضا‬
‫فمن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أو ذكر عنده فلم يصل‬
‫عليه فقد جفاه‪ ،‬ول يجوز لمسلم جفاؤه صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫فالدليل على المقدمة الولى‪ :‬ما روي عن قتادة‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬من الجفاء أن أذكر عند‬
‫الرجل فل يصلي علي"[‪]179‬‬
‫ولو تركنا وهذا المرسل وحده لم نحتج به‪ ،‬ولكن له أصول‬
‫وشواهد قد تقدمت من تسمية تارك الصلة عليه عند ذكره بخيل‬
‫وشحيحا‪ ،‬والدعاء عليه بالرغم‪ ،‬وهذا من مرجبات جفائه‪.‬‬
‫والدليل على المقدمة الثانية‪ :‬أن جفاءه مناف لكمال حبه‪،‬‬
‫وتقديم محبته على النفس والهل والمال‪ ،‬وأنه أولى بالمؤمن‬
‫من نفسه فإن العبد ل يؤمن حتى يكون رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم أحب إليه من نفسه ومن ولده ووالده والناس‬
‫أجمعين‪ ،‬كما ثبت عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال‪ :‬يا‬
‫رسول الله‪ ،‬والله لنت أحب ألي من كل شيء إل من نفسي‪،‬‬
‫قال‪" :‬ل يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك" قال‪ :‬فوالله‬
‫لنت الن أحب إلي من نفسي‪ ،‬قال‪" :‬الن يا عمر"[‪ ]180‬وثبت‬
‫عنه في الصحيح أنه قال‪" :‬ل يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه‬
‫من ولده ووالده والناس أجمعين"[‪ ]181‬فذكر هذا الحديث أنواع‬
‫المحبة الثلثة فإن المحبة إما محبة إجلل وتعظيم‪ ،‬كمحبة الوالد‪،‬‬
‫وإما محبة تحنن وود ولطف كمحبة الولد‪ ،‬وإما محبة لجل‬
‫الحسان وصفات الكمال‪ ،‬كمحبة الناس بعضهم بعضا‪ ،‬ول يؤمن‬
‫العبد حتى يكون حب الرسول صلى الله عليه وسلم عنده أشد‬
‫من هذه المحاب كلها‪.‬‬
‫ومعلوم أن جفاءه صلى الله عليه وسلم ينافي ذلك‬
‫قالوا‪ :‬فلما كانت محبته فرضا‪ ،‬وكانت توابعها من الجلل‬
‫والتعظيم والتوقير والطاعة والتقديم على النفس‪ ،‬وإيثاره بنفسه‬
‫بحيث يقي نفسه فرضا‪ ،‬كانت الصلة عليه صلى الله عليه وسلم‬
‫إذا ذكر من لوازم هذه الحبية وتمامها‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وإذا ثبت بهذه الوجوه وغيوها وجوب الصلة عليه صلى‬
‫الله عليه وسلم على من ذكر عنده‪ ،‬فوجوبها على الذاكر نفسه‬
‫أولى‪ ،‬ونظير هذا أن سامع السجدة إذا أمر بالسجود إما وجوبا أو‬
‫استحبابا‪ ،‬فوجوبها على التالي أولى‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫قال نفاة الوجوب‪ :‬الدليل على قولنا من وجوه‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أن من المعلوم الذي ل ريب فيه أن السلف الصالح الذين‬
‫هم القدوة لم يكن أحدهم كلما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫يقرن الصلة عليه باسمه‪ ،‬وهذا في خطابهم للنبي صلى الله‬
‫عليه وسلم أكثر من أن يذكر فإنهم كانوا يقولون يارسول الله‪،‬‬
‫مقتصرين على ذلك وربما كان يقول أحدهم "صلى الله عليك"‬
‫وهذا في الحاديث ظاهر كثير‪ ،‬فلو كانت الصلة عليه واجبة عند‬
‫ذكره لنكر عليهم تركها‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن الصلة عليه لو كانت واجبة كلما ذكر لكان هذا من‬
‫أظهر الواجبات‪ ،‬ولبينه النبي صلى الله عليه وسلم لمته بيانا‬
‫يقطع العذر وتقوم به الحجة‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أنه ل يعرف عن أحد من الصحابة ول التابعين ول تابعيهم‬
‫هذا القول‪ ،‬ول يعرف أحد منهم قال به‪ ،‬وأكثر الفقهاء – بل قد‬
‫حكى الجماع ‪ -‬على أن الصلة عليه صلى الله عليه وسلم ليست‬
‫من فروض الصلة‪ ،‬وقد نسب القول بوجوبها إلى الشذوذ‬
‫ومخالفة الجماع السابق‪ ،‬فكيف تحب خارج الصلة‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬أنه لو وجبت الصلة عليه عند ذكره دائما‪ ،‬لوجب على‬
‫المؤذن أن يقول‪ :‬أشهد أن محمدا رسول الله‪ ،‬وهذا ل يشرع له‬
‫في الذان على أن يجب عليه‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬أنه كان يجب على من سمع النداء وأجابه أن يصلي‬
‫عليه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬اقتصاره على قوله "أشهد أن ل إله‬
‫إل الله وأشهد أن محمدا رسول الله" فإن هذا مثل ما قال‬
‫المؤذن‪.‬‬
‫السادس‪ :‬أن التشهد الول ينتهي عند قوله "وأشهد أن محمدا‬
‫عبده ورسوله" اتفاقا‪ ،‬واختلف هل يشرع أن يصلي على النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم وعلى آله فيه‪ ،‬على ثلثة أقوال‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬ل يشرع ذلك إل في الخير‪.‬‬ ‫•‬
‫والثاني‪ :‬يشرع‪.‬‬ ‫•‬
‫والثالث‪ :‬تشرع الصلة عليه خاصة دون آله‪ ،‬ولم يقل أحد‬ ‫•‬
‫بوجوبها في الول عند ذكر النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫السابع‪ :‬أن المسلم إذا دخل في السلم بتلفظه بالشهادتين لم‬
‫يحتج أن يقول أشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫الثامن‪ :‬أن الخطب في الجمع والعياد وغيرهما ل يحتاج أن‬
‫يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في نفس الشهد‪ ،‬ولو‬
‫كانت الصلة واجبة عليه عند ذكره لوجب عليه أن يقرنها‬
‫بالشهادة‪ ،‬ول يقال تكفي الصلة عليه في الخطبة فإن تلك‬
‫الصلة ل تنعطف على ذكر اسمه عند الشهادة‪ ،‬ول سيما مع‬
‫طول الفصل‪ ،‬والموجبون يقولون‪ :‬تجب الصلة عليه كلما ذكر‬
‫ومعلوم أن ذكره ثانيا غير ذكره أول‪.‬‬
‫التاسع‪ :‬أنه لو وجبت الصلة عليه كلما ذكر لوجب على القارئ‬
‫كلما مر ذكر اسمه أن يصلي عليه‪ ،‬ويقطع لذلك قراءته ليؤدي‬
‫هذا الواجب‪ ،‬وسواء كان في الصلة أو خارجها‪ ،‬فإن الصلة عليه‬
‫صلى الله عليه وسلم ل تبطل الصلة‪ ،‬وهي واجب قد تعين فلزم‬
‫أداؤه‪ ،‬ومعلوم أن ذلك لو كان واجبا لكان الصحابة والتابعون‬
‫أقوم به وأسرع إلى أدائه وترك إهماله‪.‬‬
‫العاشر‪ :‬أنه لو وجبت الصلة عليه كلما ذكر لوجب الثناء على‬
‫الله عز وجل كلما ذكر اسمه‪ ،‬فكان يجب على من ذكر اسم الله‬
‫أن يقرنه بقوله‪" :‬سبحانه وتعالى" أو "عز وجل" أو "تبارك‬
‫وتعالى" أو "جلت عظمته" أو "تعالى جده" ونحو ذلك‪ ،‬بل كان‬
‫ذلك أولى وأحرى فإن تعظيم الرسول وإجلله ومحبته وطاعته‬
‫تابع لتعظيم مرسله سبحانه وإجلله ومحبته وطاعته‪ ،‬فمحال أن‬
‫تثبت المحبة والطاعة والتعظيم والجلل للرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم دون مرسله‪ ،‬بل انما يثبت ذلك له تبعا لمحبة الله‬
‫وتعظيمه وإجلله‪ ،‬ولهذا كانت طاعة الرسول طاعة لله‪ ،‬فمن‬
‫َ َ‬
‫ن ال ّذِي َ‬
‫ن‬ ‫يطع الرسول فقد أطاع الله‪ ،‬ومبايعته مبايعة لله {إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫م}[‪ ]182‬ومحبته محبة‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ه يَد ُ الل ّهِ فَوْقَ أَيْدِيه‬‫َ‬ ‫ن الل‬ ‫ما يُبَايِعُو َ‬
‫َ‬ ‫ك إِن َّ‬
‫يُبَايِعُون َ َ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ه}[‬ ‫م الل ُ‬ ‫حبِبْك ُ ُ‬‫ه فَاتَّبِعُونِي ي ُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫حبُّو َ‬ ‫ن كُنْت ُ ْ‬
‫م تُ ِ‬ ‫ل إِ ْ‬‫لله قال تعالى‪{ :‬قُ ْ‬
‫‪ ،]183‬وتعظيمه تعظيم للهه‪ ،‬ونصرته نصرة لله‪ ،‬فإنه رسوله‬
‫وعبده الداعي إليه وإلى طاعته ومحبته وإجلله‪ ،‬وتعظيمه‬
‫وعبادته وحده ل شريك له‪ ،‬فكيف يقال تجب الصلة عليه كلما‬
‫ذكر اسمه‪ ،‬وهي ثناء وتعظيم كما تقدم‪ ،‬ول يجب الثناء والتعظيم‬
‫للخالق سبحانه وتعالى كلما ذكر اسمه؟ هذا محال من القول‪.‬‬
‫الحادي عشرة‪ :‬لو جلس إنسان ليس له هجيرى[‪ ]184‬إل قوله‪:‬‬
‫محمد رسول الله‪ ،‬أو اللهم صل على محمد‪ ،‬وبشر كثير‬
‫يسمعونه‪ ،‬فإن قلتم تجب على كل أولئك السامعين أن يكون‬
‫هجيراهم الصلة عليه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ولو طال المجلس‬
‫ما طال‪ ،‬كان ذلك حرجا ومشقة وتركا لقراءة قارئهم‪ ،‬ودراسة‬
‫دارسهم‪ ،‬وكلم صاحب الحاجة منهم‪ ،‬ومذاكرته في العلم‪،‬‬
‫وتعليمه القرآن وغيره‪ ،‬وإن قلتم ل تحب عليهم الصلة عليه في‬
‫هذه الحال‪ ،‬نقضتم مذهبكم‪ ،‬وإن قلتم‪ :‬تجب عليه مرة أو أكثر‪،‬‬
‫كان تحكما بل دليل مع أنه مبطل لقولكم‪.‬‬
‫الثاني عشر‪ :‬أن الشهادة له بالرسالة أفرض وأوجب من الصلة‬
‫عليه بل ريب‪ ،‬ومعلوم أنه ل يدخل في السلم إل بها‪ ،‬فإذا كانت‬
‫ل تجب كلما ذكر اسمه‪ ،‬فكيف تحب الصلة عليه كلما ذكر‬
‫اسمه‪ ،‬وليصر من الواجبات بعد كلمة الخلص أفرض من‬
‫الشهادة له بالرسالة‪ ،‬فمتى أقر له بوجوبها عند ذكر اسمه تذكر‬
‫العبد اليمان وموجبات هذه الشهادة فكان يجب على كل من‬
‫ذكر اسمه أن يقول محمد رسول الله‪ ،‬ووجوب ذلك أظهر بكثير‬
‫من وجوب الصلة عليه كلما ذكر اسمه‪.‬‬
‫ولكل فرقة من هاتين الفرقتين أجوبة عن حجج الفرقة المنازعة‬
‫لها‪ ،‬بعضها ضعيف جدا وبعضها محتمل‪ ،‬وبعضها قوي‪ ،‬ويظهر ذلك‬
‫لمن تأمل حجج الفريقين‪ ،‬والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب"[‬
‫‪.]185‬‬
‫الموطن الثاني عشر‪ :‬من مواطن الصلة عليه صلى الله عليه‬
‫وسلم يوم الجمعة‬
‫فعن أوس بن أوس[‪ ]186‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم "من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم‪ ،‬وفيه قبض‪،‬‬
‫وفيه النفخة وفيه الصعقة‪ ،‬فاكثروا علي من الصلة فيه‪ ،‬فإن‬
‫صلتكم معروضة علي"‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬يا رسول الله كيف تعرض عليك صلتنا وقد أرمت؟‪ -‬يعني‬
‫وقد بليت‪ -‬فقال‪" :‬إن الله عز وجل حرم على الرض أن تأكل‬
‫أجساد النبياء"[‪]187‬‬
‫وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة‪ ،‬فيه خلق‬
‫آدم وفيه أهبط‪ ،‬وفيه تيب عليه‪ ،‬وفيه مات وفيه تقوم الساعة‪،‬‬
‫وما من دابة إل هي مصيخة[‪ ]188‬يوم الجمعة‪ ،‬من حين تصبح‬
‫حتى تطلع الشمس‪ ،‬شفقا من الساعة‪ ،‬إل الجن والنس‪ ،‬وفيها‬
‫ساعة ل يصادفها عبد مسلم وهو يصلي‪ ،‬يسأل الله شيئا إل‬
‫أعطاه الله إياه"[‪.]189‬‬
‫قال ابن القيم‪" :‬فهذا الحديث الصحيح مؤيد لحديث أوس بن‬
‫أوس‪ ،‬دال على مثل معناه"[‪.]190‬‬
‫وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال‪" :‬قال رسول صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬أكثروا الصلة علي يوم الجمعة‪ ،‬فإنه يوم مشهود‬
‫ي إل عرضت علي صلته‬ ‫تشهده الملئكة‪ ،‬وإن أحدا ل يصلي عل ّ‬
‫حتى يفرغ منها" قال‪ :‬قلت بعد الموت؟ قال‪" :‬إن الله حرم على‬
‫الرض أن تأكل أجساد النبياء" فنبي الله حي يرزق"[‪.]191‬‬
‫وعن أبي أمامة[‪ ]192‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫"أكثروا علي من الصلة في كل يوم جمعة‪ ،‬فإن صلة أمتى‬
‫تعرض علي في كل يوم جمعة‪ ،‬فمن كان أكثرهم صلة كان‬
‫أقربهم مني منزلة"[‪.]193‬‬
‫وعن أنس رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬أكثروا الصلة على يوم الجمعة‪ ،‬فإنه أتاني جبريل آنفا‬
‫من ربه عز وجل فقال‪ :‬ما على الرض من مسلم يصلي عليك‬
‫مرة واحدة إل صليت أنا وملئكتي عليه عشرا"[‪ .]194‬وعنه رضي‬
‫الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أكثروا‬
‫الصلة علي يوم الجمعة فإن صلتكم تعرض علي"[‪.]195‬‬
‫قال ابن القيم‪" :‬هذان وإن كانا ضعيفين فيصلحان للستشهاد"[‬
‫‪]196‬‬
‫وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬أكثروا‬
‫الصلة علي يوم الجمعة"[‪ ]197‬وكان الصحابة رضي الله عنهم‬
‫يستحبون إكثار الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم‬
‫الجمعة‪ .‬وعن زيد بن وهب[‪ ]198‬قال‪ :‬قال لي ابن مسعود رضي‬
‫الله عنه‪" :‬يا زيد بن وهب ل تدع‪ -‬إذا كان يوم الجمعة‪ -‬أن تصلي‬
‫على النبي صلى الله عليه وسلم ألف مرة تقول‪ :‬اللهم صل على‬
‫محمد النبي المي"[‪.]199‬‬
‫وعن أبي مسعود النصاري رضي الله عنه‪ ،‬عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم قال‪" :‬أكثروا علي من الصلة يوم الجمعة‪ ،‬فإنه ليس‬
‫أحد يصلي علي يوم الجمعة إل عرضت علي صلته"[‪.]200‬‬
‫وفي مراسيل الحسن[‪ ]201‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫"أكثروا الصلة علي يوم الجمعة فإنها تعرض علي"[‪.]202‬‬
‫وعن عمر بن عبد العزيز أنه كتب‪" :‬أن انشروا العلم يوم الجمعة‬
‫فإن غائلة العلم النسيان‪ ،‬وأكثروا الصلة على النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم يوم الجمعة"[‪.]203‬‬
‫وهناك مواطن أخرى غير ما ذكرنا ذكرها ابن القيم في كتابه جلء‬
‫الفهام[‪]204‬‬
‫وكذلك السخاوي في كتابه القول البديع‪ ،‬والفيروز أبادي في‬
‫الصلت والبشر ممن أراد الستزادة فليرجع إليها‪ ،‬وحسبي أني‬
‫أشرت لشهرها‪.‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬فضل الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫قال ابن القيم‪" :‬إن طلب الصلة من الله على رسوله صلى الله‬
‫عليه وسلم هو من أجل أدعية العبد وأنفعها له في دنياه‬
‫وآخرته"[‪ ]205‬يدلك على ذلك ما جاء في فضلها من الحاديث‪.‬‬
‫فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬من صلى على واحدة صلى عليه عشرا" رواه‬
‫مسلم[‪.]206‬‬
‫وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم يقول‪ " :‬إذا سمعتم المؤذن فقولوا‬
‫مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلة صلى الله‬
‫عليه بها عشرا ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة ل‬
‫تنبغي إل لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي‬
‫الوسيلة حلت له الشفاعة" رواه مسلم[‪.]207‬‬
‫وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال‪ :‬قلت‪" :‬يارسول الله‪ ،‬إني‬
‫أكثر الصلة عليك‪ ،‬فكم أجعل لك من صلتي؟ قال‪" :‬ما شئت"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬الربع؟ قال‪" :‬ما شئت‪ ،‬وإن زدت فهو خير‪ .‬قلت‪ :‬النصف؟‬
‫قال‪" :‬ما شئت‪ ،‬وإن زدت فهو خير"‪ .‬قلت‪ :‬الثلثين؟ قال‪" :‬ما‬
‫شئت وإن زدت فهو خير"‪.‬قلت‪ :‬أجعل لك صلتي كلها؟ قال‪" :‬إذا‬
‫تكفي همك ويغفر لك ذنبك"[‪]208‬‬
‫وللحديث طريق آخر عن يعقوب بن زيد بن طلحة التيمي[‪]209‬‬
‫قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬أتاني آت من ربي‬
‫فقال‪ :‬ما من عبد يصلي عليك صلة إل صلى الله عليه بها‬
‫عشرا" فقام إليه رجل فقال‪ :‬يارسول الله أجعل نصف دعائي‬
‫لك؟ قال‪" :‬إن شئت" قال‪ :‬أل أجعل ثلثي دعائي لك؟ قال‪" :‬إن‬
‫شئت" قال‪ :‬أل أجعل دعائي كله؟ قال‪" :‬إذن يكفيك الله هم‬
‫الدنيا وهم الخرة"[‪]210‬‬
‫وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪" :‬من ذكرت عنده فليصل علي ومن صلى علي مرة‬
‫صلى الله عليه عشرا"[‪.]211‬‬
‫وفي رواية "من صلى علي صلة واحدة صلى الله عليه عشر‬
‫صلوات وحط عنه عشر خطيئات"[‪.]212‬‬
‫وفي رواية "من صلّى علي صلة واحدة صلى الله عليه عشر‬
‫صلوات وحط عنه عشر سيئات‪ ،‬ورفعه بها عشر درجات"[‪.]213‬‬
‫وفي رواية‪ " :‬خرج النبي صلى الله عليه وسلم يتبرز‪ ،‬فلم يجد‬
‫أحدا يتبعه فهرع عمر فاتبعه بمطهرة‪ -‬يعني إداوة‪ -‬فوجده ساجدا‬
‫في شربة‪ ،‬فتنحى عمر فجلس وراءه حتى رفع رأسه قال‪ :‬فقال‪:‬‬
‫"أحسنت يا عمر حين وجدتني ساجدا فتنحيت عني إن جبريل‬
‫عليه السلم أتاني فقال‪ :‬من صلى عليك واحدة صلى الله عليه‬
‫عشرا‪ ،‬ورفعه عشر درجات"[‪.]214‬‬
‫وأخرج هذا الحديث عن عمر بن الخطاب قال‪" :‬خرج النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم يتبرز‪ ،‬فاتبعته بإداوة‪ ،‬فوجدته قد فرغ‪ ،‬ووجدته‬
‫ساجدا لله في شربة‪ ،‬فتنحيت عنه فلما فرغ‪ ،‬رفع رأسه فقال‪:‬‬
‫"أحسنت يا عمر حين تنحيت عني إن جبريل أتاني فقال‪ :‬من‬
‫صلى عليك صلة صلى الله عليه عشرا ورفعه عشر درجات"[‬
‫‪.]215‬‬
‫وعن عبد الرحمن بن عوف[‪ ]216‬قال‪ :‬أتيت النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم وهو ساجد فأطال السجود قال‪" :‬أتاني جبريل قال‪ :‬من‬
‫صلى عليك صليت عليه‪ ،‬ومن سلم عليك سلمت عليه‪ ،‬فسجدت‬
‫لله شكرا"[‪.]217‬‬
‫وفي رواية " كان ل يفارق فيء النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫بالليل والنهار خمسة نفر من أصحابه أو أربعة لما ينوبه من‬
‫حوائجه قال‪ :‬فجئت فوجدته قد خرج فتبعته‪ ،‬فدخل حائطا من‬
‫حيطان السواف[‪ ]218‬فصلى فسجد سجدة أطال فيها‪ ،‬فحزن‬
‫وبكيت فقلت‪ :‬لرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبض‬
‫الله روحه‪ ،‬قال‪ :‬فرفع رأسه‪ ،‬وتراءيت له‪ ،‬فدعاني‪ ،‬فقال‪ :‬مالك؟‬
‫قلت‪ :‬يا رسول الله سجدت سجدة أطلت فيها فحزنت‪ ،‬وبكيت‪،‬‬
‫وقلت‪ :‬لرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبض الله‬
‫روحه‪.‬‬
‫قال‪" :‬هذه سجدة سجدتها شكرا لربي فيما آتاني في أمتي‪ ،‬من‬
‫صلى علي صلة كتب الله له عشر حسنات"[‪.]219‬‬
‫وفي رواية "إني سجدت هذه السجدة شكرا لله عز وجل في‬
‫أبلني في أمتي‪ ،‬فإنه من صلى علي صلة صلى الله عليه بها‬
‫عشرا"[‪.]220‬‬
‫وعن أبي طلحة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج‬
‫عليهم يوما يعرفون البشر في وجهه فقالوا‪ :‬إنا نعرف الن في‬
‫وجهك البشر يا رسول الله‪ .‬قال‪ :‬أجل أتاني الن آت من ربي‬
‫فأخبرني أنه لن يصلي علي أحد من أمتي إل ردها الله عليه عشر‬
‫أمثالها"[‪.]221‬‬
‫وفي رواية "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء يوما‬
‫والبشر يرى في وجهه فقالوا‪ :‬يا رسول الله إنا نرى في وجهك‬
‫بشرا لم نكن نراه‪ ،‬قال‪ :‬أجل إنه أتاني ملك فقال يا محمد إن‬
‫ربك يقول أما يرضيك أل يصلي عليك أحد من أمتك إل صليت‬
‫عليه عشرا‪ ،‬ول سلم عليك إل سلمت عليه عشرا"[‪.]222‬‬
‫وفي رواية "أصبح رسول لله صلى الله عليه وسلم يوما طيب‬
‫النفس يرى في وجهه البشر‪ .‬قالوا‪ :‬يا رسول الله أصبحت اليوم‬
‫طيب النفس يرى في وجهك البشر‪ .‬قال‪ :‬أجل أتاني آت من ربي‬
‫عز وجل فقال‪ :‬من صلى عليك من أمتك صلة كتب الله له بها‬
‫عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات ورد‬
‫عليه مثلها"[‪.]223‬‬
‫وعن أبي بردة بن نيار[‪ ]224‬قال‪ :‬قال رسول لله صلى الله عليه‬
‫وسلم "من صلى علي من أمتي صلة مخلصا من قلبه‪ ،‬صلى‬
‫الله عليه بها عشر صلوات‪ ،‬ورفعه بها عشر دارجات‪ ،‬كتب له بها‬
‫عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات"[‪.]225‬‬
‫وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال‪" :‬سمع رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم رجل يدعو في صلته لم يمجد الله‪ ،‬ولم يصل‬
‫على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله لجمحا‪ :‬عجل‬
‫هذا"‬
‫ثم دعاه فقال له أو لغيره‪" :‬إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد الله‬
‫والثناء عليه ثم يصلي علي‪ ،‬ثم يدعو بما شاء"[‪.]226‬‬
‫وفي رواية‪" :‬سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل يدعو‬
‫في صلته لم يمجد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "عجلت أيها‬
‫المصلي" ثم علمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل يصلي فمجد الله وحمده‬
‫وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم "ادع تجب وسل تعط"[‪.]227‬‬
‫وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم "إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم‬
‫علي صلة"[‪]228‬‬
‫فالمتأمل في هذه الحاديث يعرف عظم فضل الصلة على النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ .‬وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في الباب‬
‫الرابع من كتابه القيم جلء الفهام عددا من الفوائد والثمرات‬
‫الحاصلة بالصلة عليه صلى الله عليه وسلم أنتقى منها ما يلي‪:‬‬
‫الفائدة الولى‪ :‬امتثال أمر الله تعالى‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬موافقته سبحانه في الصلة عليه صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫وإن اختلفت الصلتان‪ ،‬فصلتنا عليه دعاء وسؤال‪ ،‬وصلة الله‬
‫تعالى عليه ثناء وتشريف‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬موافقة ملئكته فيها‪.‬‬
‫الرابعة‪ :‬حصول عشر صلوات من الله على المصلي مرة‪.‬‬
‫الخامسة‪ :‬أنه يرفع عشر درجات‪.‬‬
‫السادسة‪ :‬أنه يكتب له عشر حسنات‪.‬‬
‫السابعة‪ :‬أنه يمحي عنه عشر سيئات‪.‬‬
‫الثامنة‪ :‬أنه يرجى إجابة دعائه إذا قدمها أمامه‪ ،‬فهي تصاعد‬
‫الدعاء إلى عند رب العالمين‪.‬‬
‫التاسعة‪ :‬أنها سبب لشفاعته صلى الله عليه وسلم إذا قرنها‬
‫بسؤال الوسيلة له‪.‬‬
‫العاشرة‪ :‬أنها سبب لغفران الذنوب‪.‬‬
‫الحادية عشرة‪ :‬أنها سبب لكفاية الله العبد ما أهمه‪.‬‬
‫الثانية عشرة‪ :‬أنها سبب لقرب العبد منه صلى الله عليه وسلم‬
‫يوم القيامة‪.‬‬
‫الثالثة عشرة‪ :‬أنها سبب لدوام محبته للرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم وزيادتها وتضاعفها‪ ،‬وذلك عقد من عقود اليمان الذي ل‬
‫يتم إل به‪ ،‬لن العبد كلما أكثر من ذكر المحبوب‪ ،‬واستحضاره في‬
‫قلبه‪ ،‬واستحضار محاسنه ومعانيه الجالبة لحبه‪ ،‬تضاعف حبه له‬
‫وتزايد شوقه إليه‪ ،‬واستولى على جميع قلبه‪ ،‬وإذا أعرض عن‬
‫ذكره وإحضار محاسنه بقلبه‪ ،‬نقص حبه من قلبه‪ ،‬ول شيء أقر‬
‫لعين المحب من رؤية محبوبه‪ ،‬ول أقر لقلبه من ذكره وإحضار‬
‫محاسنه فإذا قوي هذا في قلبه جرى لسانه بمدحه والثناء عليه‬
‫وذكر محاسنه‪ ،‬وتكون زيادة ذلك ونقصانه بحسب زيادة الحب‬
‫ونقصانه في قلبه‪ ،‬والحس شاهد بذلك‪ .‬فقلب المؤمن توحيد الله‬
‫وذكر رسوله مكتوبان فيه ل يتطرق إليهما محو ول إزالة ودوام‬
‫الذكر سبب لدوام المحبة‪ ،‬فالذكر للقلب كالماء للزرع‪ ،‬بل كالماء‬
‫للسمك‪ ،‬ل حياة له إل به‪...‬‬
‫الرابعة عشرة‪ :‬أن الصلة عليه صلى الله عليه وسلم سبب‬
‫لمحبته للعبد‪ ،‬فإنها إذا كانت سببا لزيادة محبة المصلي عليه له‪،‬‬
‫فكذلك هي سبب لمحبته هو للمصلى عليه صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫الخامسة عشرة‪ :‬أنها سبب لهداية العبد وحياة قلبه‪ ،‬فإنه كلما‬
‫أكثر الصلة عليه وذكره‪ ،‬استولت محبته على قلبه‪ ،‬حتى للقى‬
‫في قلبه معارضة لشيء من أوامره ولشك في شيء مما جاء‬
‫به‪ ،‬بل يصير ما جاء به مكتوبا مسطورا في قلبه ل يزال يقرؤه‬
‫على تعاقب أحواله‪ ،‬ويقتبس الهدى والفلح وأنواع العلوم منه‪،‬‬
‫وكلما ازداد في ذلك بصيرة وقوة ومعرفة ازدادت صلته عليه‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ولهذا كانا صلة أهل العلم‪ -‬العارفين بسنته وهديه المتبعين له‬
‫عليه‪ ،‬خلف صلة العوام عليه الذين حظهم منها إزعاج أعضائهم‬
‫بها ورفع أصواتهم‪.‬‬
‫وأما أتباعه العارفون بسنته العالمون بما جاء به فصلتهم عليه‬
‫نوع آخر‪ ،‬فكلما ازدادوا فيما جاء به معرفة ازدادوا له محبة‬
‫ومعرفة بحقيقة الصلة المطوبة له من الله‪.‬‬
‫وهكذا ذكر الله سبحانه‪ ،‬كلما كان العبد به أعرف وله أطوع وإليه‬
‫أجل كان ذكره غير ذكر الغافلين واللهين‪ ،‬وهذا أمر إنما يعلم‬
‫بالخبر ل بالحبر وفرق بين من يذكر صفات محبوبه الذي قد ملك‬
‫حبه جميع قلبه ويثني عليه بها ويمجده بها‪ ،‬وبين من يذكرها إما‬
‫إمارة وإما لفظا‪ ،‬ل يدري ما معناه‪ ،‬ول يطابق فيه قلبه لسانه‪،‬‬
‫كما أنه فرق يين بكاء النائحة وبكاء الثكلى‪.‬‬
‫فذكره وذكر ما جاء به‪ ،‬وحمد الله تعالى على إنعامه علينا ومنته‬
‫بإرساله هو حياة الوجود وروحه‪ ،‬كما قيل‪:‬‬
‫روح المجالس ذكره وحديثه*** وهدى لكل ملدد حيران‬
‫وإذا أخل بذكره في مجلس*** فأولئك الموات في الحيان‬
‫السادسة عشرة‪ :‬أنها سبب لعرض اسم المصلي عليه صلى الله‬
‫عليه وسلم وذكره عنده‪ ،‬كما تقدم قوله صلى الله عليه وسلم‬
‫"إن صلتكم معروضة علي" وكفى بالعبد نبل أن يذكر اسمه بين‬
‫يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫السابعة عشرة‪ :‬أن الصلة عليه ل أداء لقل القليل من حقه‪،‬‬
‫وشكر له على نعمته التي أنعم الله ل علينا‪ ،‬مع أن الذي يستحقه‬
‫من ذلك ل يحصى علما ول قدرة ول إرادة‪ ،‬ولكن الله سبحانه‬
‫لكرمه رضي من عباده باليسير من شكره وأداء حقه‪.‬‬
‫الثامنة عشرة‪ :‬أنها متضمنة لذكر الله وشكره‪ ،‬ومعرفة إنعامه‬
‫على عبده بإرساله‪ ،‬فالمصلي عليه صلى الله عليه وسلم قد‬
‫تضمنت صلته عليه ذكر الله وذكر رسوله‪ ،‬وسؤاله أن يجزيه‬
‫بصلته عليه ما هو أهله‪ ،‬كما عرفنا ربنا أسماءه وصفاته‪ ،‬وهدانا‬
‫إلى طريق مرضاته‪ ،‬وعرفنا ما لنا بعد الوصول إليه والقدوم‬
‫عليه‪ ،‬فهي متضمنة لكل اليمان‪ ،‬بل هي متضمنة للقرار بوجود‬
‫الرب المدعو وعلمه وسمعه وقدرته وإرادته وصفاته وكلمه‪،‬‬
‫وإرسال رسوله وتصديقه في أخباره كلها‪ ،‬وكمال محبته‪ ،‬ول رضا‬
‫أن هذه هي أصول اليمان‪ ،‬فالصلة عليه صلى الله عليه وسلم‬
‫متضمنة لعلم العبد ذلك‪ ،‬وتصديقه به‪ ،‬ومحبته له‪ ،‬فكانت من‬
‫أفضل العمال‪.‬‬
‫التاسعة عشرة‪ :‬أن الصلة عليه صلى الله عليه وسلم من العبد‬
‫هي دعاء‪ ،‬ودعاء العبد وسؤاله من ربه نوعان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬سؤاله حوائجه ومهماته‪ ،‬وما ينوبه في الليل والنهار فهذا‬
‫دعاء وسؤال‪ ،‬وإيثار لمحبوب العبد ومطلوبه‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬سؤاله أن يثني على خليله وحبيبه‪ ،‬ويزيد في تشريفه‬
‫وتكريمه‪.‬‬
‫وإيثار ذكره‪ ،‬ورفعه‪ ،‬ول ريب أن الله تعالى يحب ذلك ورسوله‬
‫يحبه‪ ،‬فالمصلي عليه صلى الله عليه وسلم قد صرف سؤاله‬
‫ورغبته وطلبه إلى محاب الله ورسوله‪ ،‬وآثر ذلك على طلبه‬
‫وحوائجه ومحابه هو‪ ،‬بل كان هذا المطلوب من أحب المور إليه‬
‫وآثرها عنده‪ ،‬فقد آثر ما يحبه الله ورسوله على ما يحبه هون‬
‫وقد آثر الله ومحابه على سواه‪ ،‬والجزاء من جنس العمل‪ ،‬فمن‬
‫آثر الله على غيره آثره الله على غيره‪.‬‬
‫واعتبر هذا بما تجد الناس يعتمدونه عند ملوكهم ورؤسائهم إذا‬
‫أرادوا التقرب والمنزلة عندهم‪ ،‬فإنهم يسألون المطاع أن ينعم‬
‫على من يعلمونه أحب رعيته إليه‪ ،‬وكلما سألوه أن يزيد في‬
‫حبائه وإكرامه وتشريفه‪ ،‬علت منزلتهم عنده‪ ،‬وازداد قربهم منه‪،‬‬
‫وحظوا به لديه‪ ،‬لنهم يعلمون منه إرادة النعام والتشريف‬
‫والتكريم لمحبوبهم‪ ،‬فأحبهم إليه أشدهم له سؤال ورغبة أن يتم‬
‫عليه إنعامه وإحسانه‪ ،‬وهذا أمر مشاهد بالحس‪ ،‬ول تكون منزلة‬
‫هؤلء ومنزلة من سأل المطاع حوائجه هو – وهو فارغ من سؤاله‬
‫تشريف محبوبه والنعام عليه – واحدة‪.‬‬
‫فكيف بأعظم محب وأله لكرم محبوب وأحقه بمحبه ربه له‪.‬؟‬
‫ولو لم يكن من قفوائد الصلة عليه إل هذا المطلوب وحده لكفى‬
‫المؤمن به شرفا[‪.]229‬‬
‫وكما وردت أحاديث تذم تارك الصلة عليه صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال‪ :‬رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي‪ ،‬ورغم‬
‫أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له‪ ،‬ورغم‬
‫أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخله الجنة"[‪ ]230‬وعن‬
‫الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم "البخيل من ذكرت عنده فلم‬
‫يصل علي"[‪.]231‬‬
‫وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫ي خطئ طريق الجنة"[‪.]232‬‬ ‫عليه وسلم "من نسي الصلة عل ّ‬
‫‪000000000000000‬‬
‫سورة الحزاب‪.‬‬ ‫[‪ ]1‬الية (‪ )56‬من‬
‫[‪ ]2‬محمد بن عبد الرحمن بن محمد شمس الدين السخاوي‪.،‬‬
‫مؤرخ حجة وعالم بالحديث والتفسير والدب‪ ،‬وصنف زهاء مئتي‬
‫كتاب‪ ،‬توفي بالمدينة‪ .‬العلم (‪.)194 /6‬‬
‫[‪ ]3‬انظر‪ :‬القول البديع (ص ‪.)259 -258‬‬
‫[‪ ]4‬الخليل بن أحمد الفراهيدي من أئمة اللغة والدب‪ ،‬وواضع‬
‫علم العروض‪ ،‬وهو أستاذ سيبويه النحوي‪ ،‬ومن أشهر كتبه كتاب‬
‫العين‪ ،‬ترفي سنة ‪170‬هـ بالبصرة‪ .‬العلم (‪.)314 /2‬‬
‫[‪ ]5‬كتاب العين (‪.)153 /7‬‬
‫[‪ ]6‬الصلت والبشر (ص ‪.)6‬‬
‫[‪ ]7‬كتاب العين (‪.)153 /7‬‬
‫[‪ ]8‬تهذيب اللغة (‪.)237 /12‬‬
‫[‪ ]9‬المنهاج (‪.)133 /2‬‬
‫[‪ ]10‬كتاب العين (‪.)154 /7‬‬
‫[‪ ]11‬معجم مقاييس اللغة (‪.)300 /3‬‬
‫[‪ ]12‬محمد بن يعقوب بن محمد بن الفيروز أبادي‪ ،‬من أئمة‬
‫اللغة والدب وكان مرجع عصره في اللغة والحديث والتفسير‪،‬‬
‫توفي سنة ‪ 817‬هـ في زبيد باليمن وأشهر مؤلفاته القاموس‬
‫المحيط‪.‬‬
‫العلم (‪.)147 -146 /7‬‬
‫[‪ ]13‬الصلت والبشر (ص ‪)6 -5‬‬
‫[‪ ]14‬تهذيب اللغة (‪.)238 /1 2‬‬
‫[‪ ]15‬الية (‪ )4‬من سورة الغاشية‪.‬‬
‫[‪ ]16‬الية (‪ )3‬من سورة المسد‪.‬‬
‫[‪ ]17‬الصلة والبشر (ص ‪.)6‬‬
‫[‪ ]18‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب المر بإجابة‬
‫الداعي إلى دعوة (‪.)4/153‬‬
‫[‪ ]19‬اسمه ميمون بن قيس بن جندل من بني قيس بن ثعلبة‬
‫الوائلي من شعراء الطبقة الولى في الجاهلية وأحد أصحاب‬
‫المعلقات أدرك السلم ورحل إلى الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم ليؤمن به‪ ،‬ولكن قريشا صرفته بمئة من البل‪ .‬العلم (‪/7‬‬
‫‪.)341‬‬
‫[‪ ]20‬ديوان العشى (‪.)73‬‬
‫[‪ ]21‬المصدر السابق (‪.)29‬‬
‫[‪ ]22‬معجم مقاييس اللغة (‪.)300 /3‬‬
‫[‪ ]23‬تهذيب اللغة (‪.)237 /12‬‬
‫[‪.)136 /12( ]24‬‬
‫[‪ ]25‬الية (‪ )103‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫[‪ ]26‬الية (‪ )84‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫[‪ ]27‬الية (‪ )60‬من سورة غافر‪.‬‬
‫[‪ ]28‬الية (‪ )186‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫[‪ ]29‬اللفاظ على أربعة أقسام‪:‬‬
‫ا‪ -‬اللفاظ المترادفة‪ :‬وهي ما اختلفت ألفاظها واتحدت معانيها‬
‫مثل‪ :‬الليث‪ ،‬السد‪ ،‬الغضنفر ألفاظ مختلفة ولكنها جميعها دلت‬
‫على معنى واحد وهو الحيوان المعروف‪.‬‬
‫‪ -2‬اللفاظ المشتركة‪ :‬وهي ما اتحدت ألفاظها واحتلفت معانيها‬
‫مثل‪ :‬العين‪ :‬تطلق على العين الباصرة‪ ،‬والعين الجارية‪،‬‬
‫والجاسوس‪.‬‬
‫‪ -3‬اللفاظ المتباينة‪ :‬ما اختلفت ألفاظها ومعانيها‪.‬مثل‪ :‬السماء‬
‫والرض‪ -‬الجدار والسقف‪.‬‬
‫‪ -4‬اللفاظ المتواطئة‪ :‬ما اتفقت ألفاظها ومعانيها‪.‬‬
‫فإذا كان المعنى متساويا في الجميع فهو التواطؤ المطلق‬
‫ومثاله‪" :‬الرجل"‪ :‬لزيد وعمرو‪.‬‬
‫وإذا كان المعنى متفاضل فهو التواطؤ المشكك ومثاله "النور"‪،‬‬
‫للشمس والسراج‪ .‬التحفة المهدية (‪.)209 /1‬‬
‫[‪ ]30‬الية (‪ )22‬من سورة سبأ‪.‬‬
‫[‪ ]31‬الية (‪ )20‬من سورة النحل‪.‬‬
‫[‪ ]32‬الية (‪ )77‬من سورة الفرقان‪.‬‬
‫[‪ ]33‬اليتان (‪ )56 ،55‬من سورة العراف‪.‬‬
‫[‪ ]34‬الية (‪ )90‬من سورة النبياء‪.‬‬
‫[‪ ]35‬جلء الفهام (ص ‪.)74 -73‬‬
‫[‪ ]36‬الية (‪ )43‬من سورة الحزاب‪.‬‬
‫[‪ ]37‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب صلة المام‬
‫ودعائه لصاحب الصدقة‪ .‬فتح الباري (‪ )361 /3‬ح ‪ ،1497‬وأخرجه‬
‫مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب الدعاء لمن أتى بصدقته (‬
‫‪.)121 /3‬‬
‫[‪ ]38‬جلء الفهام (ص ‪.)74‬‬
‫[‪ ]39‬فتح الباري (‪.)156 /11‬‬
‫[‪ ]40‬إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد‬
‫الجهضمي الزدي فقيه على مذهب المام مالك‪ ،‬جليل التصانيف‪،‬‬
‫من بيت علم وفضل توفر‪ ،‬سنة ‪ 282‬هـ‪ .‬العلم (‪.)310 /1‬‬
‫[‪ ]41‬الضحاك بن مزاحم الهللي أبو القاسم أو أبو محمد‪.‬‬
‫الخراساني‪ ،‬مفسر ولم يثبت له سماع من أحد من الصحابة‬
‫ترفي سنة ‪ 105‬هـ‪ .‬تهذيب التهذيب (‪)454 -453 /4‬‬
‫[‪ ]42‬كتاب فضل الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص‬
‫‪)40‬‬
‫[‪ ]43‬محمد بن يزيد بن عبد الكبر الثمالي الزدي‪ ،‬المعروف‬
‫بالمبرد إمام العربية ببغداد في زمانه‪ ،‬وأحد أئمة الدب والخبار‪،‬‬
‫توفي ببغداد سنة ‪ 286‬هـ‪ .‬العلم (‪.)144 /7‬‬
‫[‪ ]44‬فتح الباري (‪ )156 /11‬وجلء الفهام (ص ‪.)75‬‬
‫[‪ ]45‬جلء الفهام (ص ‪.)75‬‬
‫[‪ ]46‬كتاب فضل الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص‬
‫‪)41‬‬
‫[‪ ]47‬مقاتل بن حيان النبطي (بفتح النون والموحدة) أبو بسطام‬
‫البلخي‪ ،‬صدوق‪ ،‬وكان ناسكا فاضل خرج له الجماعة إل البخاري‪،‬‬
‫مات بكابل قبيل الخمسين ومائة‪ .‬تهذيب التهذيب (‪.)279 -277 /10‬‬
‫[‪ ]48‬ذكره ابن حجر في فتح الباري (‪.)156 -155 /11‬‬
‫[‪ ]49‬جلء الفهام (ص ‪.)75‬‬
‫[‪ ]50‬المنهاج (‪.)134 /2‬‬
‫[‪ ]51‬رفيع (بالتصغير) بن مهران أبو العالية الرياحي مولهم‪،‬‬
‫البصري أدرك الجاهلية وأسلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم بسنتين ودخل على أبي بكر وصلى خلف عمر‪ ،‬ثقة‪ ،‬توفي‬
‫سنة تسعين وقيل بعد ذلك‪ .‬تهذيب التهذيب (‪.)286 -284 /3‬‬
‫[‪ ]52‬ذكره تعليقا البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب التفسير‪ ،‬باب‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫ي‪ }...‬الية‪.‬‬ ‫ن ع َلَى النَّب ِ ّ‬
‫صل ّو َ‬ ‫ملئِكَت َ ُ‬
‫ه يُ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه وَ َ‬ ‫تفسير قوله تعالى {إ ِ ّ‬
‫انظر‪ :‬فتح الباري (‪.)532 /8‬‬
‫[‪ ]53‬الروح بن أنس البكري ويقال الحنفي البصري ثم الخرساني‬
‫روى عن أنس بن مالك وأبي العالية والحسن البصري وغيرهم‪،‬‬
‫مات في خلفة أبي جعفر المنصور‪.‬تهذيب التهذيب (‪.)239 -238 /3‬‬
‫[‪ ]54‬كتاب فضل الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص‬
‫‪ )40‬القول البديع (ص ‪ .)19‬وأورده ابن حجر في الفتح وعزاه لبن‬
‫أبي حاتم‪ .‬فتح الباري (‪.)8/533‬‬
‫[‪ ]55‬العين (‪.)154 /7‬‬
‫[‪ ]56‬جلء الفهام (ص ‪.)78‬‬
‫[‪ ]57‬بكر بن محمد بن العلء القشيري‪ ،‬قاض من علماء المالكية‬
‫من أهل البصرة‪ ،‬انتقل إلى مصر قبل سنة (‪ 330‬هـ) وتوفي بها‬
‫سنة ‪344‬هـ‪ .‬العلم (‪.)69 /2‬‬
‫[‪ ]58‬فتح الباري (‪)156 /11‬‬
‫[‪ ]59‬اليات (‪ 155‬إلى ‪ )157‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫[‪ ]60‬أخرجه أحمد في المسند (‪.)353 /4‬‬
‫[‪ ]61‬الية (‪ )156‬من سورة العراف‪.‬‬
‫[‪ ]62‬الية (‪ )56‬من سورة العراف‪.‬‬
‫[‪ ]63‬الية (‪ )43‬من سورة الحزاب‪.‬‬
‫[‪ ]64‬الية (‪ )117‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫[‪ ]65‬أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الدب‪ ،‬باب رحمة الولد‪.‬‬
‫فتح الباري (‪ )467 /10‬ح ‪ ،5998‬وأخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب‬
‫التوبة‪ ،‬باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه (‪.)97 /8‬‬
‫[‪ ]66‬أخرجه الترمذي في السنن‪ ،‬كتاب البر والصلة‪ ،‬باب ما جاء‬
‫في رحمة المسلمين (‪ )324 -323 /4‬ح ‪ ،1924‬وقال الترمذي‪ :‬حديث‬
‫حسن صحيح‪.‬‬
‫[‪ ]67‬جلء الفهام (ص ‪ )82 -75‬بتصرف‪.‬‬
‫[‪ ]68‬القول البديع (ص ‪.)20‬‬
‫[‪ ]69‬الية (‪ )56‬من سورة الحزاب‪.‬‬
‫[‪ ]70‬المنهاج للحليمي (‪.)143 /2‬‬
‫[‪ ]71‬القول البديع (ص ‪.)21‬‬
‫[‪ ]72‬جلء الفهام (ص ‪.)175 -174‬‬
‫[‪ ]73‬تفسير ابن كثير (‪.)507 /3‬‬
‫[‪ ]74‬تفسير القرطبي (‪ )232 /14‬بتصرف‬
‫[‪ ]75‬تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلم المنان للشيخ عبد‬
‫الرحمن بن ناصر بن السعدي (‪.)121-6/120‬‬
‫[‪ ]76‬المنهاج للحليمي (‪.)131 /2‬‬
‫[‪ ]77‬تقدم تخريجه (ص ‪.)480‬‬
‫[‪ ]78‬فتح الباري (‪.)155 /11‬‬
‫[‪ ]79‬تقدم تخريجه (ص ‪.)348‬‬
‫[‪ ]80‬واسمه سعد بن مالك بن سنان النصاري الخزرجي أبو‬
‫سعيد الخدري‪ ،‬مشهور بكنيته استصغر بأحد واستشهد أبوه بها‪،‬‬
‫وشهد هو ما بعدها‪ ،‬كان من أفاضل الصحابة وحفظ حديثا كثيرا‪،‬‬
‫مات بعد الستين من الهجرة‪ .‬الصابة (‪.)33 -32 /2‬‬
‫[‪ ]81‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الدعوات‪ ،‬باب الصلة‬
‫على النبي صلى الله عليه وسلم انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )152 /11‬ح‬
‫‪6358‬‬
‫عقبة بن عمرو بن ثعلبة النصاري أبو مسعود البدري‪،‬‬ ‫[‪]82‬‬
‫مشهور بكنيته شهد العقبة‪ ،‬والمشاهد كلها‪ ،‬مات بعد سنة أربعين‬
‫للهجرة‪ .‬الصابة (‪.)484 -483 /2‬‬
‫[‪ ]83‬بشير بن سعد بن ثعلبة النصاري البدري شهد العقبة وشهد‬
‫بدرا والمشاهد بعدها‪ ،‬استشهد بعين التمر مع خالد بن الوليد في‬
‫خلفة أبي بكر سنة اثنتي عشرة‪.‬الصابة (‪ )162 /1‬والستيعاب (‪/1‬‬
‫‪.)156 -155‬‬
‫[‪ ]84‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الصلة‪ ،‬باب الصلة على‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم بمد التشهد (‪.)2/17‬‬
‫[‪ ]85‬أخرجه المام أحمد في المسند (‪ .)262 /1‬وأخرجه النسائي‬
‫في السنن‪ ،‬كتاب السهو‪ ،‬باب كيف الصلة على النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم (‪ )48 /3‬وإسناده حسن‪.‬‬
‫[‪ ]86‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب فضائل القرآن‪ ،‬باب‬
‫أنزل القرآن على سبعة أحرف‪ .‬فتح الباري (‪ )23 / 9‬ح ‪،4992‬‬
‫وأخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب صلة المسافرين‪ ،‬باب بيان أن‬
‫القرآن على سبعة أحرف وبيان معناه (‪.)202 /2‬‬
‫[‪ ]87‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب التهجد‪ ،‬باب ما جاء في‬
‫التطوع مثنى مثنى‪ ،‬فتح الباري (‪ )48 /3‬ح ‪ 1162‬وقد جاءت رواية‬
‫البخاري على الشك الذي ذكره ابن القيم‪.‬‬
‫[‪ ]88‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب صلة المسافرين‪ ،‬باب‬
‫فضل سورة الكهف وآية الكرسي (‪ )199 /2‬وذكر مسلم أيضا هذا‬
‫الختلف فقال قال شعبة من آخر الكهف‪ ،‬وقال "همام من أول‬
‫الكهف كما قال هشام‬
‫[‪ ]89‬النواس في سمعان بن خالد بن عمرو العامري الكلبي له‬
‫ولبيه صحبة وحديثه عند مسلم فى صحيحه الصابة (‪.)546 /3‬‬
‫[‪ ]90‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الفتن وأشراط الساعة‪،‬‬
‫باب ذكر الدجال وصفته وما معه (‪)197-8/196‬‬
‫[‪ ]91‬جلء الفهام (‪ )179 -177‬بتصرف‪.‬‬
‫[‪ ]92‬جلء الفهام ص (‪.)251‬‬
‫[‪ ]93‬جلء الفهام ص (‪.)251‬‬
‫[‪ ]94‬مجموع الفتاوى (‪ )408 /27‬والمغني (‪ )542 /1‬وجلء الفهام‬
‫ص(‪)251‬‬
‫[‪ ]95‬مجموع الفتاوى (‪ )408 /27‬والمغني (‪ )542 /1‬وجلء الفهام‬
‫ص(‪)251‬‬
‫[‪ ]96‬المغني (‪.)1/541‬‬
‫[‪ ]97‬محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب‪ ،‬أبو‬
‫جعفر الباقر‪ ،‬من فقهاء أهل المدينة من التابعين‪ ،‬توفي سنة أربع‬
‫عشرة ومائة‪ .‬تهذيب التهذيب (‪.)352-9/350‬‬
‫[‪ ]98‬المغني (‪ )542 /1‬جلء الفهام (‪ )255 -253‬والقول البديع (‪-180‬‬
‫‪.)183‬‬
‫[‪ ]99‬انظر جلء الفهام (ص ‪.)276 -251‬‬
‫[‪ ]100‬صرفت النظر عن إيراد أدلة كل فريق نظرا‪:‬‬
‫ا‪ -‬كثرة الدلة والعتراضات الواردة في هذه المسألة‪.‬‬
‫‪ -2‬كون المسألة تتعلق بالنواحي الفقهية فهذا مما يتعارض مع‬
‫منهجية البحث الذي يتناول النواحي العقدية‪.‬‬
‫[‪ ]101‬الم للشافعي (‪.)117 /1‬‬
‫[‪ ]102‬إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل‪ ،‬أبو إبراهيم المزني‪،‬‬
‫صاحب المام الشافعي‪ ،‬كان زاهدا عالما مجتهدا قوي الحجة‪،‬‬
‫توفي سنة ‪ 264‬هـ‪ .‬العلم (‪.)329 /1‬‬
‫[‪ ]103‬أخرجه الدارقطنى فى السنن‪ ،‬كتاب الصلة‪ ،‬باب صفة‬
‫التشهد ووجوبه واختلف الروايات فيه (‪ )351 /1‬وإسناده ضعيف‬
‫جدا لن فيه خارجة بن مصعب‪ :‬متروك‪ ،‬وموسى بن عبيدة‪:‬‬
‫ضعيف‪.‬‬
‫[‪ ]104‬أخرجه الدارقطنى في السنن‪ ،‬كتاب الصلة‪ ،‬باب ذكر‬
‫وجوب الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد (‪/1‬‬
‫‪ )355‬وإسناده ضعيف فيه عبد المهيمن بن عباس ل يحتج به‪.‬‬
‫[‪ ]105‬أخرجه أحمد في المسند (‪ )4/119‬والحاكم في المستدرك (‬
‫‪.)268 /1‬‬
‫[‪ ]106‬الرضف‪ :‬الحجارة المحماة على النار‪ ،‬واحدتها‪ :‬رضفة‪.‬‬
‫النهاية (‪)231 /2‬‬
‫[‪ ]107‬أخرجه أحمد في المسند (‪.)460 ،436 ،428 ،410 ،1/386‬وأخرجه‬
‫أبو داود فى السنن‪ ،‬كتاب الصلة‪ ،‬باب تخفيف القعود (‪.)606 /1‬ح‬
‫‪ 995‬وأخرجه الترمذي في السنن‪ ،‬أبواب الصلة‪ ،‬باب ما جاء في‬
‫مقدار القعود في الركعتين الوليين (‪ )2/202‬ح ‪ .366‬وقال الترمذي‪:‬‬
‫"هذا حديث حسن إل أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه‪ .‬والعمل‬
‫على هذا عند أهل العلم يختارون أن ل يطيل الرجل القعود في‬
‫الركعتين الوليين ول يزيد على الثشهد شيئا" انتهى كلمه‪.‬‬
‫[‪ ]108‬جلء الفهام (ص ‪.)279 -277‬‬
‫[‪ ]109‬الحسن بن علي بن أب ي طالب‪ ،‬سبط رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم وريحانته في الدنيا‪ ،‬وأحد سيدي شباب أهل‬
‫الجنة‪ ،‬وكان أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم بويع‬
‫بالخلفة بعد مقتل أبيه ثم تنازل عنها لمعاوية حقنا لدماء‬
‫المسلمين‪ ،‬ومات سنة تسع وأربعين وقيل بعدها‪.‬الصابة (‪-327 /1‬‬
‫‪.)330‬‬
‫[‪ ]110‬الحديث إلى قوله "وتعاليت"‪ ،‬أخرجه أبو داود في سننه‪،‬‬
‫كتاب الصلة‪ ،‬باب القنوت في الوتر (‪ .)134-133 /2‬وأخرجه‬
‫الترمذي في السنن‪ ،‬كتاب أبواب الصلة‪ ،‬باب ما جاء في قنوت‬
‫الوتر (‪ )328 /1‬ح ‪ .464‬وأخرجه ابن ماجه في السنن‪ ،‬أبواب إقامة‬
‫الصلة‪ ،‬باب ما جاء في قنوت الوتر (‪ )213 /1‬ح ‪ ،1167‬وقال‬
‫الحافظ ابن حجر‪ :‬الحديث‪-‬حسن صحيح‪ .‬التلخيص (ص ‪.)95 -94‬‬
‫[‪ ]111‬أخرجه النسائي في السنن (‪ )248 /3‬وقد انفرد النسائي‬
‫بهذه الزيادة "وصلى الله على النبي"‪ ،‬وروايته ضعيفة‪ ،‬قال‬
‫الحافظ ابن حجر هذه الزيادة في هذا السند غريبة ل تثبت وإن‬
‫سنده ل يخلو إما من راو مجهول‪ ،‬أو انقطاع في السند‪.‬‬
‫[‪ ]112‬عروة بن الزبير بن العوام السدي أبو عبد الله المدني‪،‬‬
‫تابعي ثقة فقيه مشهور‪ ،‬ولد في أوائل خلفة الفاروق‪ ،‬وتوفي‬
‫سنة أربع وتسعين على الصحيح‪ .‬تهذيب التهذيب (‪.)185 -180 /8‬‬
‫[‪ ]113‬عبد الرحمن بن عبد من غير إضافة القارئ بتشديد الياء‬
‫من ولد القارة ابن الديش‪ ،‬ذكره العجلي في ثقات التابعين‬
‫واختلف قول الواقدي فيه قال تارة له صحبة‪ ،‬وتارة تابعي‪ ،‬مات‬
‫سنة ثمان وثمانين تقريب التهذيب (‪.)206‬‬
‫[‪ ]114‬عبد الله بن الرقم بن عبد يغوق بن وهب القرشي‬
‫الزهري‪ ،‬صحابي أسلم يوم الفتح‪ ،‬وكتب للنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ولبي بكر وعمر وكان على بيت المال أيام عمر‪ ،‬وتوفي‬
‫في خلفة عثمان‪ .‬الصابة (‪.)265 /2‬‬
‫[‪ ]115‬وإليك نسعى ونحفد أي نسرع في العمل والخدمة‪ .‬النهاية‬
‫(‪.)406 /1‬‬
‫[‪ ]116‬أخرجه الشافعي في الم (‪ )240 -239 /1‬والبيهقي في السنن‬
‫(‪ )39 /4‬ورجاله كلهم ثقات‪.‬‬
‫[‪ ]117‬عبد الله بن الحارث النصاري أبو الوليد البصري‪ ،‬ثقة من‬
‫رجال الشيخين‪ .‬تهذيب التهذيب (‪.)182 -181 /5‬‬
‫[‪ ]118‬معاذ بن الحارث النصاري النجاري أبو حليمة ويقال أبو‬
‫الحارث المدني القاري‪ ،‬قال ابن عبد البر شهد الخندق‪ ،‬ويقال لم‬
‫يدرك من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إل ست سنين‪،‬‬
‫وهو الذي أقامه عمر فيمن أقام في رمضان ليصلي التراويح‪،‬‬
‫يقال إنه قتل يوم الحرة‪ .‬تهذيب التهذيب (‪.)189 -188 /10‬‬
‫[‪ ]119‬فضل الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص ‪)45‬‬
‫رقم ‪ ،107‬قال اللباني‪" :‬إسناده موقوف صحيح‪ ،‬وأبو حليمة معاذ‬
‫هو أبن الحارث النصاري القاري قال ابن أبي حاتم‪)246 /1 /4( :‬‬
‫"وهو الذي أقامه عمر يصلي بهم في‪ .‬شهر رمضان صلة‬
‫التراويح وعبد الله بن الحارث هو أبو الوليد البصري ثقة من‬
‫رجال الشيخين‪ .،‬ورواه ابن نصر في "قيام الليل" (ص ‪ )136‬بلفظ‬
‫"كان يقوم في القنوت في رمضان يدعو ويصلي على النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ويستسقي الغيث"‪.‬‬
‫[‪ ]120‬جلء الفهام (ص ‪.)281 -279‬‬
‫[‪ ]121‬الم (‪ )240 -239 /1‬والبيهقي في السنن الكبرى (‪.)39 /4‬‬
‫[‪ ]122‬أبو أمامة بن سهل بن حنيف النصاري‪ ،‬ولد في حياة النبي‬
‫علما وسمي باسم جده لمه أسعد بن زرارة وكني بكنيته‪ ،‬وكان‬
‫من أكابر النصار وعلمائهم‪ ،‬توفي سنة مائة للهجرة‪ .‬تهذيب‬
‫التهذيب (‪.)264 -263 /1‬‬
‫[‪ ]123‬سعيد بن المسيب بن حزن الخزومي القرشي‪ ،‬وسيد‬
‫التابعين وأحد فقهاء المدينة السبعة‪ ،‬وكان زاهدا ورعا يعيش من‬
‫كسب يده توفي سنة ‪ 94‬هـ‪ .‬تهذيب التهذيب (‪.)88 -84 /4‬‬
‫[‪ ]124‬فضل الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص ‪)39‬‬
‫رقم ‪ .94‬و قال اللباني في تعليقه على هذا الكتاب‪ :‬اسناده‬
‫صحيح‪ ،‬وأبو أمامة هذا صحابي صغير كما قال ابن القيم‪ ،‬وقد‬
‫رواه عن جماعة من الصحابة‪ ،‬فقال يونس عن ابن شهاب‪ ،‬قال‬
‫أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف‪ -‬وكان من كبراء النصار‬
‫وعلمائهم‪ ،‬وأبناء الذين شهدوا بدرا مع رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬أخبره رجال من أصحاب رسول الله في الصلة على‬
‫الجنازة أن يكبر المام ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫الحديث نحوه وزاد‪ :‬قال الزهري‪ :‬حدثنا بذلك أبو أمامة وابن‬
‫المسيب يسمع فلم ينكر ذلك عليه‪ .‬قال ابن شهاب‪ :‬فذكرت‬
‫الذي أخبرني أبو أمامة من السنة في الصلة على الميت لمحمد‬
‫بن سويد فقال وأنا سمعت الضحاك بن قيمة يحدث عن حبيب‬
‫بن مسلمة في صلة صلها على الميت مثل الذي حدثنا أبو‬
‫أمامة‪.‬‬
‫أخرجه الحاكم (‪ )360 /1‬وعنه البيهقي (‪ )40 ،39 /4‬وقال الحاكم‪:‬‬
‫صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي‪ ،‬وهو كما قال‪ ،‬ورواه‬
‫النسائي (‪ )281 /1‬من طريق الليث عن ابن شهاب به مختصرا "‬
‫انتهي‪.‬‬
‫[‪.)486 /2( ]125‬‬
‫[‪ ]126‬يحى بن يحى بن أبي عيسى كثير بن وسلس الليثي‬
‫بالولء‪ ،‬أبو محمد عالم الندلس في عصره بربري الصل‪ ،‬سمع‬
‫الموطأ من مالك قال عنه المام مالك هذا عاقل أهل الندلس‪،‬‬
‫توفي بقرطبة سنة ‪ 234‬هـ‪ .‬العلم (‪.)176 /8‬‬
‫[‪]127‬سعيد بن كيسان المقبري أبو سعد المدني‪ ،‬ثقة جليل تغير‬
‫قبل موته بأربع سنين‪ ،‬مات في حدود العشرين ومائة وقيل قبلها‬
‫وقيل بعدها‪ .‬تهذيب التهذيب (‪.)40 -38 /4‬‬
‫[‪ ]128‬كيسان أبو سعيد المقبري مولى أم شريك‪ ،‬تابعي ثقة كثير‬
‫الحديث توفي سنة مائة للهجرة‪ .‬تهذيب التهذيب (‪)454 -453 /8‬‬
‫[‪ ]129‬الموطأ (ص ‪ )152 -151‬ح ‪ ،535‬وأخرجه إسماعيل القاضي‬
‫في كتابه فضل الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص ‪)39‬‬
‫ح ‪ .93‬وقال اللباني المحقق عند تعليقه عليه‪ :‬إسناده موقوف‬
‫صحيح على شرط الشيخين‪ .‬وأخرجه البيهقي في السق (‪.)40 /4‬‬
‫[‪ ]130‬جلء الفهام (ص ‪.)284 -281‬‬
‫[‪ ]131‬اليات (‪ )4 -1‬من سورة الشرح‪.‬‬
‫[‪ ]132‬أخرجه أحمد في المسند (‪ .)343 ،302 /2‬وأخرجه أبو داود‬
‫في سننه‪ ،‬كتاب الدب‪ ،‬باب في الخطبة (‪ )173 /5‬ح ‪ 4841‬وأخرجه‬
‫الترمذي في سننه‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب ما جاء في خطبة النكاح (‪/3‬‬
‫‪ )414‬ح ‪ 1106‬وقال هذا حديث حسن صحيح غريب‪.‬‬
‫[‪ ]133‬تفسير الطبري (‪.)235 /30‬‬
‫[‪ ]134‬أورده السيوطي في الدر المنثور وعزاه لعبد بن حميد (‪/6‬‬
‫‪)363‬‬
‫[‪ ]135‬أخرجه ابن جرير في تفسيره (‪.)235 /30‬‬
‫[‪ ]136‬عون بن أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي الكوفي‪،‬‬
‫ثقة من الرابعة‪ ،‬مات سنة ست عشرة ومائة‪ .‬تهذيب التهذيب (‬
‫‪.)8/170‬‬
‫[‪ ]137‬واسمه وهب بن عبد الله السرائي (بضم المهملة) ويقال‬
‫اسم أبيه وهب أيضا‪ ،‬أبو جحيفة مشهور بكنيته‪ ،‬ويقال له وهب‬
‫الخير‪ ،‬قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في أواخر عمره‬
‫وحفظ عنه ثم صحب عليا بعده ووله شرطة الكوفة‪ .‬مات سنة‬
‫أربع رستين‪ .‬الصابة (‪.)606 /3‬‬
‫[‪ ]138‬المسند (‪.)1/106‬‬
‫[‪ ]139‬جلء الفهام (ص ‪.)286‬‬
‫[‪ ]140‬تقدم تخريجه ص ‪326‬‬
‫[‪ ]141‬فضالة بن عبيد بن نافذ بن قيس النصاري الوسي‪،‬‬
‫صحابي جليل أسلم قديما ولم يشهد بدرا‪ ،‬وشهد أحدا فما بعدها‬
‫وشهد فتح مصر والشام قبلها‪ ،‬مات في خلفة معاوية‪ .‬الصابة (‬
‫‪.)251 /3‬‬
‫[‪ ]142‬أخرجه المام أحمد في المسند (‪ ،.)17 /6‬وأخرجه أبو داود‬
‫في سننه‪ ،‬كتاب الصلة‪ ،‬باب الدعاء ( ‪ )162 /2‬ح ‪ ،1 481‬وأخرجه‬
‫الترمذي في سننه كتاب الدعوات‪ ،‬باب ادع تجب (‪ )517 /5‬ح ‪،3473‬‬
‫‪ 3475‬وقال‪ :‬حديث حسن صحيح‪ .‬وأخرجه النسائي في سننه (‪/3‬‬
‫‪ )44‬باب التمجيد والصلة على النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫والحاكم في المستدرك (‪ )232 /1‬وصححه ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫[‪ ]143‬أخرجه الترمذي في سننه‪ ،‬باب ما جاء في فضل الصلة‬
‫على النبي صلى الله عليه وسلم ( ‪ .)356 /2‬وقال أحمد شاكر‬
‫بهامشه‪" :‬هذا موقوف بحكم المرفوع" وذكره اللباني في صحيح‬
‫سنن الترمذي (‪ .)151 ،150 /1‬وقال‪ :‬حسن‪ -‬الصحيحة ‪.2035‬‬
‫[‪ ]144‬صحيح ابن خزيمة (‪ )452‬وابن حبان (‪ )321‬موارد‪.‬‬
‫[‪ ]145‬فاطمة بنت الحسين بن على بن أبي طالب الهاشمية‬
‫المدنية روت عن أبيها وأخيها زين العابدين وغيرهم‪ ،‬وزوجها هو‬
‫ابن عمها الحسن بن الحسن بن على‪ ،‬وتزوجها بعده عبد الله بن‬
‫عمرو بن عثمان‪ .‬وذكرها ابن حبان في الثقات‪ ،‬وقال‪ :‬ماتت وقد‬
‫قاربت التسعين‪ .‬تهذيب التهذيب (‪.)443 -442 /12‬‬
‫[‪ ]146‬فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أم‬
‫الحسنين سيدة نساء هذه المة‪ ،‬تزوجها علي بن أبي طالب‬
‫رضي الله عنهما في السنة الثانية للهجرة‪ ،‬وماتت بعد النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم بستة أشهر وقد جاوزت العشرين بقليل‪.‬‬
‫تقريب التهذيب (ص ‪.)471‬‬
‫[‪ ]147‬أخرجه بهذا اللفظ‪ :‬المام أحمد في المسند (‪.)272 /6‬‬
‫والترمذي في السنن أبواب الصلة باب ما جاء ما يقول عند‬
‫دخول المسجد (‪ )128 ،127 /2‬ح ‪ ،314‬وقال الترمذي‪" :‬وفي الباب‬
‫عن أبي حميد‪ ،‬وأبي أسيد‪ ،‬وأبي هريرة ‪ ،‬وقال‪" :‬حديث فاطمة‬
‫حديث حسن‪ ،‬وليس إسناده بمتصل وفاطمة بنت الحسين لم‬
‫تدرك فاطمة الكبرى‪ ،‬وإنما عاشت فاطمة بعد النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم أشهرا"‪ .‬وأخرجه بلفظ‪" :‬إذا دخل المسجد يقول‬
‫"بسم الله والسلم على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح‬
‫لي أبواب رحمتك وإذا خرج قال "بسم الله والسلم على رسول‬
‫الله‪ ،‬اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك"‪ .‬المام أحمد‬
‫في المسند (‪ .)283 /6‬وابن ماجه في السنن‪ ،‬أبواب المساجد‪،‬‬
‫الدعاء عند دخول المسجد (‪ )139 /1‬ح ‪ 755‬وله شاهد من حديث‬
‫أبي حميد وأبي أسيد النصاري قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي ا صلى‬
‫الله عليه وسلم ثم ليقل‪ :‬اللهم افتح لي أبواب رحمتك‪ ،‬فإذا خرج‬
‫فليقل‪ :‬اللهم إني أسألك من فضلك‪ .‬أخرجه أبو داود في سننه‪،‬‬
‫كتاب الصلة‪ ،‬باب فيما يقوله الرجل عند دخوله المسجد (‪،317 /1‬‬
‫‪ )318‬ح ‪ 465‬وهو عند مسلم في صحيحه كتاب صلة المسافرين‬
‫باب ما يقول إذا دخل المسجد (‪ )155 /2‬بلفظ إذا دخل المسجد‬
‫فليقل اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليقل‪ :‬اللهم افتح‬
‫لي أبواب فضلك وهو عند أحمد بهذا اللفظ (‪ .)425 /5‬وهو عند‬
‫النسائي بهذا اللفظ أيضا‪ ،‬انظر السنن كتاب المساجد باب القول‬
‫عند دخول المسجد والخروج منه (‪ )53 /2‬وفي سنن ابن ماجه‪،‬‬
‫أبواب المساجد‪ ،‬باب الدعاء عند دخول المسجد (‪ )139 /1‬ح ‪،756‬‬
‫قال رسول صلى الله عليه وسلم‪ :‬إذا دخل أحدكم المسجد‬
‫فليسلم ثم ليقل اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليقل‬
‫اللهم إني أسألك من فضلك‪ .‬وله شاهد من حديث أبي هريرة‬
‫رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال‪ :‬إذا دخل‬
‫أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل‪:‬‬
‫اللهم افتح لي أبواب رحمتك‪ ،‬وإذا خرج فليسلم على النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم وليقل اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم"‬
‫أخرجه ابن ماجة في سننه‪ ،‬أبواب المساجد‪ ،‬باب الدعاء عند‬
‫دخول المسجد (‪ )131 /1‬ح ‪ ،757‬وقال البوصيري في الزوائد‪:‬‬
‫إسناده صحيح ورجاله ثقات وأخرجه النسائي في عمل اليوم‬
‫والليلة‪ ،‬باب ما يقول إذا دخل المسجد ح ‪ 90‬وفيه‪ :‬فليقل‪ :‬اللهم‬
‫باعدني من الشيطان بدل قوله‪ :‬اللهم اعصمني من الشيطان‬
‫الرجيم‪ .‬وأخرجه من طريق آخر عن أبي هريرة ولم يذكر فيه‬
‫السلم ح ‪ 92 ،91‬وتعرض النسائي هنا لختلف ألفاظ الحديث‬
‫فليراجع‪.‬‬
‫والحديث أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (‪ .)452‬وأخرجه الحاكم‬
‫في المستدرك (‪ )207 /1‬كتاب الصلة ولفظه عند الحاكم إذا دخل‬
‫أحدكم المسجد فليصل على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل‪:‬‬
‫اللهم أجرني من الشيطان الرجيم وقال الحاكم‪ :‬حديث صحيح‬
‫على شرط الشيخين ولم يخرجاه‪ ،‬ووافقه الذهبي‪ .‬والحديث‬
‫صححه اللباني في صحيح الجامع (‪.)528‬‬
‫[‪ ]148‬الرد على الخنائي (ص ‪.)147‬‬
‫[‪ ]149‬الشفا (‪.)637 /2‬‬
‫[‪ ]150‬نافع الفقيه مولى ابن عمر أبو عبد الله المدني‪ ،‬ثقة ثبت‬
‫فقيه مشهور قال البخاري‪ :‬أصح السانيد مالك عن نافع عن ابن‬
‫عمره مات سنة سبع عشرة ومائة أو بعد ذلك‪ .‬تهذيب التهذيب (‬
‫‪.)414 -412 /10‬‬
‫[‪ ]151‬كتاب فضل الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص‬
‫‪ )37 -36‬ح ‪ .87‬وقال اللباني في تعليقه عليه‪" :‬إسناده موقوف‬
‫منقطع فإن نافعا لم يدرك عمر‪ ،‬ولكن في إجلء الفهام نقل عن‬
‫المصنف أن ابن عمر فإن صح هذا فيكون قد سقط من نسختنا‬
‫لفظة (ابن) ويكون السند حينئذ متصل صحيحا‪ ،‬وهذا مما‬
‫أستبعده‪ ،‬والله أعلم‪ ،‬انثهي كلمه‪.‬‬
‫[‪ ]152‬وهب بن الجدع الهمداني الخارفي الكرفي‪ ،‬تابعي ثقة‪،‬‬
‫روي عن عمر وعلي وعنه هلل بن سياف والشعبي‪ ،‬وكان قليل‬
‫الحديث‪ .‬تهذيب التهذيب (‪.)158 /1‬‬
‫[‪ ]153‬أخرجه إسماعيل بن اسحاق القاضي في كتاب فضل‬
‫الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص ‪ )34‬ح ‪ 81‬وأورده ابن‬
‫القيم في جلء الفهام (ص ‪ )293 -292‬وعزاه لجعفر بن عون وأبي‬
‫ذر الهروي‪ .‬وأورده السخاوي في القول البديع (ص ‪ )209‬وعزاه‬
‫للبيهقي وإسماعيل القاضي وأبي ذر الهروي وقال‪ -‬أي السخاوي‪-‬‬
‫اسناده قوي‬
‫[‪" ]154‬ترة"‪ :‬النقص‪ ،‬وقيل التبعة‪ .‬النهاية (‪)189 /1‬‬
‫[‪ ]155‬أخرجه المام أحمد في المسند (‪)484 ،481 ،453 ،446 /2‬‬
‫وأخرجه الترمذي في السنن‪ ،‬كتاب الدعاء‪ ،‬باب في القوم‬
‫يجلسون ل يذكرون الله (‪ )46 1 /5‬ح ‪ 338 0‬وقال حديث حسن‬
‫صحيح‪ .‬وأخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة (ص ‪ )159‬ح‬
‫‪ 449‬وأخرجه الحاكم في المستدرك (‪ )496 /1‬وقال هذا حديث‬
‫صحيح السناد ولم يخرجاه وصالح ليس بالساقط وتعقبه الذهبي‬
‫بقوله صالح ضعيف‪ .‬وأخرجه ابن حبان في صحيحه‪ .‬انظر موارد‬
‫الظمآن (‪.)2322‬‬
‫[‪ ]156‬أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة (ص ‪ )314‬ح ‪410‬‬
‫وأخرجه إسماعيل بن إسحاق في فضل الصلة على النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم (ص ‪ )22‬ح ‪55‬‬
‫وقال اللباني في تعليقه عليه‪ :‬إسناده صحيح موقوف ولكنه في‬
‫حكم المرفرع‪.‬‬
‫[‪ ]157‬أخرجه النساثي في عمل اليوم والليلة (ص ‪ )314‬ح ‪.411‬‬
‫[‪ ]158‬أحمد بن محمد بن سلمة الزدي الطحاوي‪ ،‬أبو جعفر‪،‬‬
‫فقيه انتهت إليه رياسة الحنفية بمصر‪ ،‬وهو أحد الثقات الثبات‬
‫الحفاظ‪ ،‬توفي سنة ‪ 321‬ص‪ .‬العلم (‪.)206 /1‬‬
‫[‪ ]159‬عبد الرحمن بن عمرو الوزاعي‪ ،‬أهله من سبي السند‬
‫استقر بدمشق وهو من شيوخ السلم كان عابدا مجاهدا‪ ،‬قال‬
‫عنه الحاكم‪ :‬الوزاعي إمام عصره عموما وإمام أهل الشام‬
‫ص‪ .‬البداية والنهاية (‪-115 /10‬‬ ‫خصوصا‪ ،‬توفي ببيروت عام‬
‫‪157‬‬
‫‪.)120‬‬
‫[‪ ]160‬أخرجه الترمذي في سننه‪ ،‬كتاب الدعوات‪ ،‬باب قول النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ :‬رغم أنف رجل" (‪ )550 /5‬ح ‪ 3545‬وقال‪:‬‬
‫"وهذا حديث حسن غريب من هذا الرجه‪ .‬وأخرجه الحاكم في‬
‫المستدرك (‪ )549 /1‬وصححه ووافقه الذهبي‪ .‬وأخرجه إسماعيل‬
‫بن اسحاق القاضي في كتابه فضل الصلة على النبي على (ص‬
‫‪ )9‬ح ‪ 16‬وقال اللباني في تعليقه عليه إسناده صحيح‪ ،‬رجاله رجال‬
‫الصحيح‪.‬‬
‫[‪ ]161‬أخرجه إسماعيل بن إسحاق القاضي في كتابه فضل‬
‫الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص ‪ )9‬ح ‪ 18‬وقال‬
‫اللباني في تعليقه عليه إسناده حسن‪ .‬وأخرجه ابن حبان في‬
‫صحيحه‪ .‬انظر موارد الظمآن (‪ )2387‬والحديث روي كذلك من‬
‫طرق أخرى عن كل من‪:‬‬
‫ا‪ -‬كعب بن عجرة رضي الله عنه‪:‬‬
‫أخرجه إسماعيل بن إسحاق في كتابه فضل الصلة على النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم (ص ‪ )15‬ح ‪ .19‬وأخرجه الحاكم في‬
‫المستدرك (‪ )154 ،153 /4‬وصححه ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫‪ -2‬أنس بن مالك رضي الله عنه‪:‬‬
‫قال السخاوي في القول البديع (ص ‪ )148‬أخرجه ابن أبي شيبة‬
‫والبزار في مسنديهما‪.‬‬
‫‪ -3‬مالك بن الحويرث رضي الله عنه‪:‬‬
‫أخرجه ابن حبان في صحيحه (‪ )2386‬موارد‪ ،‬وقال السخاوي (ص‬
‫‪ )148‬أخرجه ابن حبان في صحيحه وثقاته معا‪ ،‬والطبراني ورجاله‬
‫ثقات لكن فيهم عمران بن أبان الراسطي وهو وإن وثقه ابن‬
‫حبان وأخرج حديثه هذا في صحيحه فقد ضعفه غير واحد‪.‬‬
‫‪ -4‬جابر بن عبد الله رضي الله عنه‪:‬‬
‫أخرجه البخاري في الدب المفرد (ص ‪ .)95‬وقال السخاري في‬
‫كتابه القول البديع (ص ‪ :)148‬رواه البخاري في الدب المفرد‬
‫والطبري في تهذيبه والدارقطي في الفراد وهو حديث حسن‬
‫ونحوه من وجه آخر عند الطبراني في الوسط وابن السني في‬
‫عمل اليوم والليلة‪ ،‬وأشار إليه الترمذي في جامعه بقوله وفي‬
‫الباب عن جابر وقد أخرجه النسائي وساقه الضياء في المختارة‬
‫من طريق الطيالسي وقال هذا عندي على شرط مسلم‪ .‬انتهي‬
‫وفي ذلك نظر والله أعلم‪ -5 .‬جابر بن سمرة‪:‬‬
‫قال السخاوي‪ :‬أخرجه الدارقطني في الفراد والبزار في‬
‫مسنده‪ ،‬والطبراني في الكبير والدقيقي في أماليه‪ .‬وللحديث‬
‫طرق أخرى ذكرها السخاوي في القول البديع (ص ‪ )151 -147‬ول‬
‫يتسع المجال هنا لذكرها‪ .‬قال ابن القيم (ول ريب أن الحديث‬
‫بتلك الطرق المتعددة تفيد الصحة‪ ،‬جلء الفهام (ص ‪.)295‬‬
‫[‪ ]162‬أخرجه النسائبي في اليوم والليلة رقم (‪ )61‬وابن السني (‬
‫‪ )383‬وإسناده صحيح‪ .‬وأخرجه البخاري في الدب المفرد (‪.)643‬‬
‫[‪ ]163‬الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبو عبد الله‬
‫المدني سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته من‬
‫الدنيا‪ ،‬وأحد سيدي شباب أهل الجنة‪ ،‬استشهد يوم عاشوراء سنة‬
‫إحدى وستين وله ست وخمسرن سنة‪ .‬الصابة (‪.)334 -33 1 /1‬‬
‫[‪ ]164‬أخرجه المام أحمد في المسند (‪ .)201 /1‬والترمذي في‬
‫سننه‪ ،‬كتاب الدعوات‪ ،‬باب قول رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم رغم أنف رجل (‪ )551 /5‬ح ‪ 3546‬وقال‪ :‬حديث حسن صحيح‬
‫غريب والنسائي في اليوم والليلة (‪ .)55‬وابن حبان في صحيحه (‬
‫‪ )2388‬موارد‪ .‬والحاكم في المستدرك (‪ )549 /1‬وصححه ووافقه‬
‫الذهبي‪ .‬وأخرجه إسماعيل بن إسحاق القاضي في فضل الصلة‬
‫على النبي صلى الله عليه وسلم (ص ‪ )15‬ح ‪.33‬‬
‫[‪ ]165‬أخرجه إسماعيل بن إسحاق القاضي (ص ‪ )16‬رقم ‪ 37‬وقال‬
‫اللباني في تعليقه عليه‪ :‬حديث صحيح بشاهده المتقدم والتي‬
‫بعده‪ ،‬ورجال إسناده ثقات لول الرجل الذي لم يسم‪ .‬وقد رواه‬
‫ابن أبي عاصم في "كتاب الصلة" من طريتى أخرى عن علي بن‬
‫يزيد عن القاسم عن أبي ذر‪ ،‬فأحد الطريقين يقوى الخر‪.‬‬
‫[‪ ]166‬اليتان (‪ )24 -23‬من سورة الحديد‪.‬‬
‫[‪ ]167‬أخرجه البخاري في الدب المفرد رقم (‪ )296‬عن جابر‬
‫رضي الذ عنه والمام أحمد في المسند (‪.)3/307‬‬
‫[‪ ]168‬الية (‪ )7‬من سورة الحديد‪.‬‬
‫[‪ ]169‬الية (‪ )208‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫[‪ ]170‬الية (‪ )59‬من سورة النساء‪.‬‬
‫[‪ ]171‬الية (‪ )194‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫[‪ ]172‬الية (‪ )43‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫[‪ ]173‬الية (‪ )200‬من سورة آل عمران‪.‬‬
‫[‪ ]174‬الية (‪ )175‬من سورة آل عمران‪.‬‬
‫[‪ ]175‬الية (‪ )150‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫[‪ ]176‬الية (‪ )78‬من سورة الحج‪.‬‬
‫[‪ ]177‬الية (‪ )103‬من سورة آل عمران‪.‬‬
‫[‪ ]178‬أخرجه ابن ماجة في السنن‪ ،‬أبواب إقامة الصلة‪ ،‬باب‬
‫الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم (‪ )164 /1‬ح ‪ 895‬وقال‬
‫اللباني حسن صحيح (صحيح ابن ماجة ‪ .)150 /1‬وأخرجه إسماعيل‬
‫بن إسحاق في فضل الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫(ص ‪ )18 -17‬ح ‪ .44 -43 -42 -41‬وقال اللباني في تعليقه عليه‪:‬‬
‫"إسناده مرسل صحيح‪ ،‬والحديث له طرق وإن كانت ل تخلو من‬
‫ضعف فبعضها يقوي بعضا فالحديث وتقي بها إلى درجة الحسن‬
‫على أقل الدرجات" انتهي كلمه‪ .‬وأخرجه البيهقي في شعب‬
‫اليمان (‪ )418 /1‬مرسل عن محمد بن الحنفية‪ .‬وأخرجه الطبراني‬
‫في الكبير (‪ )138 /3‬رقم ‪ 2887‬موصول عن الحسين بن علي من‬
‫طريق بشر بن محمد الكندي وهو ضعيف‪ .‬انظر‪ :‬مجمع الزوائد (‬
‫‪ .)164 /10‬وأخرجه البيهقي في الشعب (‪ )419 /1‬عن أبي هريرة‪.‬‬
‫[‪ ]179‬أورده ابن القيم وعزاه لسعيد بن العرابي " جلء الفهام‬
‫(ص ‪ )301‬وأورده السخاوي في القول البديع (ص ‪ )152‬وقال‬
‫أخرجه النميري من وجهين من طريق عبد الرزاق وهو في‬
‫جامعه ورواته ثقات‪.‬‬
‫[‪ ]180‬تقدم تخريجه ص ‪307‬‬
‫[‪ ]181‬تقدم تخريجه ص ‪308‬‬
‫[‪ ]182‬الية (‪ )10‬من سورة الفتح‪.‬‬
‫[‪ ]183‬الية (‪ )31‬من سورة آل عمران‪.‬‬
‫[‪ ]184‬هجيرى‪ :‬الدأب والشأن‪.‬‬
‫[‪ ]185‬جلء الفهام (ص ‪ 294‬الى ‪.)305‬‬
‫[‪ ]186‬أوس بن أوس الثقفي‪ ،‬صحابي‪ ،‬سكن الشام ومات بها‪.‬‬
‫الصابة (‪ )92 /1‬وتهذيب التهذيب (‪.)381 /1‬‬
‫[‪ ]187‬أخرجه المام أحمد في المسند (‪ )8 /4‬وأخرجه إسماعيل‬
‫القاضي في فضل الصلة على النبي (ص ‪ )11‬رقم ‪ .22‬وأخرجه أبو‬
‫داود في سننه (‪ )635 /1‬كتاب الصلة‪ ،‬باب فضل يوم الجمعة وليلة‬
‫الجمعة ح ‪ .1047‬وأخرجه النسائي في السنن (‪ )91 /3‬كتاب‬
‫الجمعة‪ ،‬باب ذكر فضل الجمعة‪ .‬وأخرجه ابن ماجة في سننه (‪/1‬‬
‫‪ )195‬أبواب إقامة الصلة‪ ،‬باب فضل الجمعة ح ‪ 1071‬وفي أبواب ما‬
‫جاء في الجنائز باب ذكر وفاته ودفنه صلى الله عليه وسلم (‪/1‬‬
‫‪ )300‬ح ‪ .1637‬وأخرجه الحاكم في المستدرك (‪ )60 /4‬وصححه‬
‫ووافقه الذهبي‪ .‬ورواه ابن حبان في صحيحه‪ .‬انظر الموارد (‪.)550‬‬
‫قال ابن القيم‪" :‬وقد أعله بعض الحفاظ بأن حسينا الجعفي حدث‬
‫به عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر‪ ،‬عن أبي الشعت الصنعاني‪،‬‬
‫عن أوس بن أوس‪ ،‬قال ومن تأمل هذا السناد لم يشك في‬
‫صحته‪ ،‬لثقة رواته وشهرتهم وقبول الئمة أحاديثهم وعلته‪ :‬أن‬
‫حسينا الجعفي لم يسمع من عبد الرحمن بن يزيد بن جابر‪ ،‬وإنما‬
‫سمع من عبد الرحمن بن يزيد بن تميم‪ ،‬وعبد الرحمن بن يزيد‬
‫ابن تميم ل يحتج به‪ ،‬فلما حدث به حبن الجعفي غلط في اسم‬
‫الجد‪ ،‬فقال ابن جابر‪ ،‬وقد بين ذلك الحفاظ ونبهوا عليه‪.‬‬
‫فقال البخاري في التاريخ الكبير "(‪ )1365 /5‬عبد الرحمن بن يزيد‬
‫بن تميم السلمي الشامى عن مكحول‪ ،‬سمع منه الوليد بن‬
‫مسلم‪ ،‬عنده مناكير‪ ،‬ويقال‪ :‬هو الذي روى عنه أبو أسامة‬
‫وحسين الجعفي‪ ،‬وقال‪ :‬هو يزيد بن جابر‪ ،‬وغلطا في نسبه ونريد‬
‫بن تميم أصح‪ ،‬وهو ضعيف الحديث‪ .‬وقال الخطيب‪ :‬روى‬
‫الكوفيون أحاديث عبد الرحمن بن يزيد بن تميم‪ ،‬عن عبد‬
‫الرحمن بن يزيد بن جابر ووهموا في ذلك‪ ،‬والحمل عليهم في‬
‫تلك الحاديث‪ .‬وقال موسى بن هارون الحافظ‪ :‬روى أبو أسامة‬
‫عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر وكان ذلك وهنا منه‪ ،‬وهو لم‬
‫يلق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر‪ ،‬وإنما لقي عبد الرحمن بن‬
‫يزيد بن تميم‪ ،‬فظن أنه ابن جابر نفسه‪ ،‬وابن تميم ضعيف‪ .‬وقد‬
‫أشار غير واحد من الحفاظ إلى ما ذكره هؤلء الئمة‪ .‬وجواب‬
‫هذا التعليل من وجوه‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أن حسينا الجعفي قد صرح بسماعه له من عبد الرحمن‬
‫بن يزيد بن جابر‪ .‬قال ابن حبان في صحيحه‪ :‬حدثنا ابن خزيمة‪،‬‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ،‬حدثنا حسين بن علي حدثنا عبد الرحمن بن يزيد‬
‫بن جابر‪ ،‬فصرح بالسماع منه‪.‬‬
‫وقولهم‪ :‬إنه ظن أنه ابن جابر وإنما هو ابن تميم‪ ،‬فغلط في اسم‬
‫جده بعيد‪ ،‬فإنه لم يكن يشببه على حسين هذا بهذا‪ ،‬مع نقده‬
‫وعلمه بهما وسماعه منهما‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬فقد قال عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتاب "العلل"‬
‫سمعت أبي يقول عبد الرحمن ابن يزيد بن جابر‪ ،‬ل أعلم أحدا‬
‫من أهل العراق يحدث عنه‪ ،‬والذي عندي أن الذي يروي عنه أبو‬
‫أسامة وحسين الجعفي واحد‪ ،‬وهو عبد الرحمن بن يزيد بن تميم‬
‫لن أبا أسامة روى عن عبد الرحمن بن يزيد‪ ،‬عن القاسم عن‬
‫أبي أمامة خمسة أحاديث أو ستة أحاديث منكرة‪ ،‬ل يحتمل أن‬
‫يحدث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بمثله‪ ،‬ول أعلم أحدا من‬
‫أهل الشام روى عن ابن جابر من هذه الحاديث شيئا‪ .‬وأما‬
‫حسين الجعفي فإنه يروي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن‬
‫أبي الشعث‪ ،‬عن أوس بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫في يوم الجمعة أنه قال‪" :‬أفضل اليام يوم الجمعة‪ ،‬فيه الصعقة‬
‫وفيه النفخة‪ ،‬وفيه كذا" وهو حديث منكر ل أعلم أحدا رواه غير‬
‫حسين الجعفي‪ ،‬وأما عبد الرحمن بن‪-‬نريد بن تميم فهو ضعيف‬
‫الحديث‪ ،‬وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر ثقة‪ ،‬تم كلمه‪ .‬قيل‪ :‬وقد‬
‫تكلم في سماع حسين الجعفي‪ ،‬وأبي أسامة من ابن جابر فأكثر‬
‫أهل الحديث أنكروا سماع أبي أسامة منه‪ .‬قال شيخنا (أبو‬
‫الحجاج المزي) في التهذيب‪ :‬قال ابن نمير‪ -‬وذكر أبا أسامة‪-‬‬
‫فقال‪ :‬الذي‪-‬يروي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر يرى أنه‬
‫ليس بابن جابر المعروف‪ ،‬ذكر لي أنه رجل يسمى باسم ابن‬
‫جابر‪ ،‬قال يعقوب‪ :‬صدق‪ ،‬هو عبد الرحمن ابن فلن بن تميم‪،‬‬
‫فدخل عليه أبو أسامة فكتب عنه هذه الحاديث فروى عنه‪ ،‬وإنما‬
‫هو إنسان يسمى بابن جابر‪ .‬قال يعقوب‪ :‬وكأني رأيت ابن نمير‬
‫يتهم أبا أسامة أنه علم ذلك وعرف ولكن تغافل عن ذلك قال‪:‬‬
‫وقال لي ابن نمير أما ترى روايته ل تشبه سائر حديثه الصحاح‬
‫الذي روى عنه أهل الشام وأصحابه؟ وقال عبد الرحمن بن أبي‬
‫حاتم‪ :‬سكت محمد بن عبد الرحمن ابن أخي حسين الجعفي عن‬
‫عبد الرحمن بن يزيد بن جابر‪ ،‬فقال قدم الكوفة عبد الرحمن بن‬
‫يزيد بن تميم وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر ثم قدم عبد الرحمن‬
‫بن يزيد بن جابر بعد ذلك بدهر والذي يحدث عنه أبو أسامة ليس‬
‫هو ابن جابر‪ ،‬بل هو ابن تميم وقال ابن داود سمع أبو أسامة من‬
‫ابن المبارك عن ابن جابر وجميعا يحدثان عن مكحول‪ ،‬وابن جابر‬
‫أيضا دمشقي‪ ،‬فلما قدم هذا قال‪ :‬أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد‬
‫الدمشقي‪ ،‬وحدث عن مكحول‪ ،‬فظن أبو أسامة أنه ابن يزيد ابن‬
‫جابر الذي روى عنه ابن المبارك وابن جابر ثقة مأمون يجمع‬
‫حديثه‪ ،‬وابن تميم ضعيف‪.‬‬
‫وقال أبو داود‪ :‬متروك الحديث‪ ،‬حدث عنه أبو أسامة وغلط في‬
‫اسمه‪ ،‬وقال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الشامي وكل‬
‫ما جاء عن أبي أسامة عن عبد الرحمن بن يزيد‪ ،‬فإنما هو ابن‬
‫تميم‪.‬‬
‫وأما رواية حسين الجعفي عن ابن جابر‪ ،‬فقد ذكر شيخنا في‬
‫التهذيب وقال‪ :‬روى عنه حسين بن علي الجعفي‪ ،‬وأبو أسامة‬
‫حماد بن أسامة إن كان محفوظا فجزم برواية حسين عن ابن‬
‫جابر‪ ،‬وشك في رواية حماد فهذا ما ظهر في جواب هذا التعليل‪.‬‬
‫ثم بعد أن كتبت ذلك رأيت الدارقطني قد ذكر ذلك نصا فقال في‬
‫كلمه على كتاب أبي حاتم في "الضعفاء" قوله‪ :‬حسين الجعفي‬
‫روى عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر‪ ،‬وأبو أسامة‪ -‬روى عن‬
‫عبد الرحمن بن يزيد بن تميم‪ .‬فيغلط في اسم جده‪ ،‬تم كلمه‪.‬‬
‫وللحديث علة أخرى‪ :‬وهي أن عبد الرحمن بن يزيد لم يذكر‬
‫سماعه من أبي الشعث‪.‬‬
‫قال علي بن المديني‪ :،‬حدثنا الحسين بن علي بن الجعفي‪ ،‬حدثنا‬
‫عبد الرحمن بن يزيد بن جابر سمعته يذكر عن أبي الشعث‬
‫الصنعاني عن أوس بن أوس‪ ...‬فذكره‪.‬‬
‫وقال إسماعيل بن إسحاق في كتابه (ص ‪ )11‬رقم ‪ 22‬حدثنا على‬
‫بن عبد الله‪ ...‬فذكره‪ .‬وليست هذه بعلة قادحة فإن للحديث‬
‫شواهد من حديث أبي هريرة وأبي الدرداء‪ ،‬وأبي أمامة‪ ،‬وأبي‬
‫مسعود النصاري‪ ،‬وأنس بن مالك والحسن عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم انتهى كلم ابن القيم جلء الفهام (ص ‪.)71 -69‬‬
‫[‪ ]188‬مصيخة‪ :‬أي مستمعة‪ ،‬مصغية‪.‬‬
‫[‪ ]189‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب فضل يوم‬
‫الجمعة (‪ )6 /3‬وأخرجه الترمذي في سننه‪ ،‬أبواب الجمعة‪ ،‬باب ما‬
‫جاء في فضل يوم الجمعة (‪ )359 /2‬ح ‪ .488‬وأخرجه النسائي في‬
‫سننه‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب ذكر فضل يوم الجمعة (‪ .)89 /3‬وأخرجه‬
‫مالك في الموطأ (‪.)108 /1‬‬
‫[‪ ]190‬جلء الفهام (ص ‪.)71‬‬
‫[‪ ]191‬أخرجه ابن ماجة في سننه‪ ،‬أبواب ما جاء في الجنائز‪ ،‬باب‬
‫ذكر وفاته ودفنه صلى الله عليه وسلم (‪ ،1638 )300 /1‬وقال في‬
‫الزوائد‪ :‬هذا حديث صحيح‪ ،‬إل أنه منقطع في موضعين لن عبادة‬
‫روايته عن أبي الدرداء مرسلة‪ ،‬قاله العلء‪ ،‬وزيد بن أيمن عن‬
‫عبادة مرسلة قاله البخاري‪ .‬وقال السخاوي‪ :‬أخرجه ابن ماجه‬
‫ورجاله ثقات لكنه منقطع‪ .‬وأخرجه الطبراني في الكبير بلفظ‪:‬‬
‫"أكثروا الصلة يوم الجمعة فإنه يوم مشهود تشهده الملئكة‬
‫ليس من عبد يصلي علي إل بلغتني صلته حيث كان" قلنا وبعد‬
‫وفاتك قال‪" :‬وبعد وفاتي إن الله تعالى حرم على الرض أن تأكل‬
‫أجساد النبياء"‪ .‬وقال العراقي إن إسناده ل يصح‪ .‬القول البديع‬
‫(ص ‪.)164‬‬
‫[‪ ]192‬صدي (بالتصغير) ابن عجلن بن الحارث الباهلي‪ ،‬أبو أمامة‬
‫صحابي مشهور يكنيه‪ ،‬سكن الشام ومات بها سنة ست وثمانين‪.‬‬
‫الصابة (‪.)176 -175 /2‬‬
‫[‪ ]193‬أخرجه البيهقي في السنن (‪ .)249 /3‬وقال السخاوي‪ :‬رواه‬
‫البيهقي بسند حسن ل بأس به‪ ،‬إل أن مكحول قيل إنه لم يسمع‬
‫من أبي أمامة في قول الجمهور‪ .‬وقد رواه أبو منصور الديلمي‬
‫في مسند الفردوس له فأسقط منه ذكر مكحول وسنده ضعيف‬
‫القول البديع (ص ‪ .)164‬وقال ابن القيم‪ :‬ولكن لهذا الحديث‬
‫علتان‪:‬‬
‫إحداهما‪ :‬أن برد بن سنان قد تكلم فيه‪ ،‬وقد وثقه يحى بن معين‬
‫وغيره‪.‬‬
‫العلة الثانية‪ :‬أن مكحول قد قيل إنه لم يسمع من أبي أمامة والله‬
‫أعلم‪ .‬جلء الفهام (ص ‪.)73 -72‬‬
‫[‪ ]194‬قال السخاوي‪ :‬رواه الطبراني بسند ل بأس به في‬
‫المتابعات‪ ،‬القول البديع (ص ‪.)162‬‬
‫[‪ ]195‬أخرجه ابن عدي في الكامل (‪ )144 /3‬وسنده ضعيف‪ ،‬كما‬
‫ذكر السخاوي فيه ثلثة رواة ضعفاء هم‪ :‬جبارة بن مغلس‪ ،‬وأبو‬
‫إسحاق خازم‪ ،‬ويزيد الرقاشي‪ .‬القول البديع (ص ‪.)162‬‬
‫[‪ ]196‬جلء الفهام (ص ‪.)73‬‬
‫[‪ ]197‬الكامل لبن عدي (‪.)1039 /3‬‬
‫[‪ ]198‬زيد بن وهب الجهني أبو سليمان الكوفي‪ ،‬رحل إلى النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم فقبض وهو في الطريق‪ ،‬ثقة جليل‪ ،‬كثير‬
‫الحديث‪ ،‬توفي سنة ست وتسعين وقيل قبلها‪ .‬تهذيب التهذيب (‬
‫‪.)3/427‬‬
‫[‪ ]199‬جلء الفهام (ص ‪ )74 ،73‬والقول البديع (ص ‪.)159‬‬
‫[‪ ]200‬أورده السخاوي في القول البديع وقال‪ :‬رواه الحاكم‪ ،‬وقال‬
‫صحيح السناد والبيهقي في شعب اليمان وحياة النبياء في‬
‫قبورهم له‪ ،‬وابن أبي عاصم في فضل الصلة له‪ ،‬وفي سنده أبو‬
‫رافع وهو إسماعيل بن رافع وثقه البخاري وقال يعقوب بن‬
‫سفيان يصلح حديثه للشواهد والمتابعات لكن قد ضعفه النسائي‬
‫ويحي بن معين وقيل إنه منكر الحديث (ص ‪ .)164‬وأورده ابن‬
‫القيم في جلء الفهام (ص ‪ )310‬وقال‪ :‬وفيه إسماعيل بن رافع‬
‫قال يعقوب بن سفيان‪ :‬يصلح حديثه للشواهد والمتابعات‪.‬‬
‫[‪ ]201‬الحسن البصري وقد تقدم ترجمته ص ‪269‬‬
‫[‪ ]202‬أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلة على النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم من وجهين انظر (ص ‪ )13‬ح ‪ ،28‬ح ‪ ،29‬قال‬
‫اللباني‪ :‬حديث صحيح بشاهده عن أوس بن أوس‪.‬‬
‫[‪ ]203‬أورده ابن القيم في جلء الفهام (ص ‪ )311‬وعزاه لبن‬
‫وضاح‪ ،‬والسخاوي في القول البديع (ص ‪ )200 -199‬وعزاه لبن‬
‫وضاح وابن بشكوال‪.‬‬
‫[‪ ]204‬من المواطن التي ذكرها ابن القيم غير ما تقدم ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬الصلة عليه صلى الله عليه وسلم عند استلم الحجر السود‪.‬‬
‫‪ -2‬الصلة عليه صلى الله عليه وسلم عند قبره‪.‬‬
‫‪ -3‬الصلة عليه صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى السوق أو إلى‬
‫دعوة أو غيرها‪.‬‬
‫‪ -4‬الصلة عليه صلى الله عليه وسلم إذا قام الرجل من نوم‬
‫الليل‪.‬‬
‫‪ -5‬الصلة عليه صلى الله عليه وسلم عقب ختم القرآن‪.‬‬
‫‪ -6‬الصلة عليه صلى الله عليه وسلم عند القيام من المجلس‪.‬‬
‫‪ -7‬الصلة عليه صلى الله عليه وسلم عند المرور على المساجد‬
‫ورؤيتها‪.‬‬
‫‪ -8‬الصلة عليه صلى الله عليه وسلم عند الهم‪ ،‬والشدائد وطلب‬
‫المغفرة‪.‬‬
‫‪ -9‬الصلة عليه صلى الله عليه وسلم عند كتابة اسمه صلى الله‬
‫عليه وسلم‬
‫‪ -10‬الصلة عليه في عند تبليغ العلم إلى الناس‪ ،‬والتذكير‬
‫والقصص‪.‬‬
‫‪ -11‬الصلة عليه صلى الله عليه وسلم في أول النهار وآخره‪.‬‬
‫‪ -12‬الصلة عليه صلى الله عليه وسلم عقب الذنب إذا أراد أن‬
‫يكفر عنه‪.‬‬
‫‪ -13‬الصلة عليه صلى الله عليه وسلم عند العطاس‪.‬‬
‫‪ -14‬الصلة عليه صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من الوضوء‪.‬‬
‫‪ --15‬الصلة عليه صلى الله عليه وسلم عند دخول المنزل‪.‬‬
‫‪ -16‬الصلة عليه صلى الله عليه وسلم في كل موطن يجتمع فيه‬
‫لذكر الله سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫‪ -17‬الصلة عليه صلى الله عليه وسلم عقب الصلوات‪.‬‬
‫‪ -18‬الصلة عليه صلى الله عليه وسلم عند النوم‪.‬‬
‫‪ -19‬الصلة عليه صلى الله عليه وسلم في أثناء صلة العيد‪.‬‬
‫[‪ ]205‬بدائع الفوائد (‪.)190 /2‬‬
‫[‪ ]206‬تقدم تخريجه ص ‪.381‬‬
‫[‪ ]207‬تقدم تخريجه ص ‪.326‬‬
‫[‪ ]208‬تقدم تخريجه‪.‬‬
‫[‪ ]209‬يعقوب بن زيد بن طلحة التيمي‪ ،‬أبو يوسف المدني‪،‬‬
‫قاضي المدينة‪ ،‬ثقة قليل الحديث و مات في ولية أبي جعفر‪.‬‬
‫تهذيب التهذيب (‪.)385 /11‬‬
‫[‪ ]210‬أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلة على النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم (ص ‪ )87‬ح رقم ‪ 13‬وقال‪ :‬قال شيخ كان‬
‫بمكة يقال له منيع لسفيان‪ :‬عمن أسنده؟ قال‪ :‬ل أدري‪ ،‬وقال‬
‫اللباني في تعليقه‪ :‬هذا مرسل صحيح السناد‪ ،‬ويشهد له الحديث‬
‫الذي بعده‪ -‬يعني الحديث الذي تقدم ذكره‪.‬‬
‫[‪ ]211‬أخرجه النسائي في عمل أليوم والليلة (ص ‪ )165‬ح رقم ‪61‬‬
‫باب ثواب الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم وابن السني‬
‫في‪ ،‬عمل أليوم والليلة (ص ‪ )136 ،135‬ح رقم ‪380‬‬
‫[‪ ]212‬أخرجه المام أحمد في المسند (‪ .)261 ،102 /3‬والبخاري في‬
‫الدب المفرد (ص ‪ )95 ،94‬باب الصلة على النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ .‬والنسائي في عمل اليوم والليلة (ص ‪ )166‬ح ‪ 63‬باب ثواب‬
‫الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم‪ .‬وأخرجه ابن حبان في‬
‫صحيحه‪ .‬انظر موارد الظمآن (‪.)2395‬‬
‫[‪ ]213‬أخرجه النسائي في السنن (‪ )50 /3‬باب الفضل في الصلة‬
‫على النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك في عمل اليوم والليلة‬
‫(ص ‪ )166 ،165‬ح ‪ ،62‬ثواب الصلة على النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم وأخرجه الحاكم في المستدرك (‪ )550 /1‬وقال‪ :‬هذا حديث‬
‫صحيح السناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫وكل من رواية "صلى الله عليه عشر صلوات وحط عنه عشر‬
‫خطيئات"‪.‬‬
‫ورواية "صلى الله عليه عشر صلوات وحط عنه بها عشر سيئات‪،‬‬
‫ورفعه بها عشر درجات" جاءت من طريق بريد بن أبي مريم‬
‫وقد جاء في بعفى الروايات عن بريد بن أبي مريم عن الحسن‬
‫عن أنس وفي بعضها عن بريد بن أبي مريم عن أنس‪ ،‬وقد ذكر‬
‫ابن القيم أن هذه العلة ل تقدح فيه شيئا‪ ،‬لن الحسن لشك في‬
‫سماعه من أنس‪ ،‬وقد صح سماع بريد بن أبي مريم من أنس‬
‫أيضا هذا الحديث‪ ،‬فرواه ابن حبان في صحيحه موارد ‪2390‬‬
‫والحاكم في المستدرك (‪ )550 /1‬من حديث يونس بن أبي‬
‫إسحاق‪ ،‬عن بريد بن أبي مريم‪ ،‬قال سمعت أنس بن مالك‪...‬‬
‫نذكره‪ .‬ولعل بريدا سمعه من الحسن ثم سمعه من أنس‪ ،‬فحدث‬
‫به على الوجهين‪ ،‬فإنه قال‪ :‬كنت أزامل الحسن بن محمد‪ ،‬فقال‬
‫حدثنا أنس بن مالك قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فذكره‪ ،‬ثم إنه حدثه به أنس فرواه عنه كما تقدم"‪ .‬جلء الفهام‬
‫(ص ‪.)56‬‬
‫[‪ ]214‬أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلة على النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم (ص ‪ )4‬ح ‪ .4‬وقال اللباني‪ :‬إسناده ضعيف‪،‬‬
‫ولكن المرفوع من الحديث صحيح له شواهد كثيرة‪.‬‬
‫وأخرجه البخاري في الدب المفرد (ص ‪ )94‬باب الصلة على‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫[‪ ]215‬أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلة على النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم (ص ‪ )5‬ح رقم ‪ .5‬وأخرجه البخاري في‬
‫الدب المفرد (ص ‪ )94‬عن أوس بن الحدثان عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم وذكره‪ .‬وهذا الحديث والذي قبله هما من طريق‬
‫سلمة بن وردان وقال اللباني في سلسلة الحاديث الصحيحه (‪/2‬‬
‫‪ )503‬ح رقم ‪ 829‬وسلمة بن وردان ضعيف بغير تهمة‪ ،‬فيصلح‬
‫للستشهاد به وللحديث شاهد آخر من حديث عبد الرحمن بن‬
‫عرف‪.‬‬
‫[‪ ]216‬عبد الرحمن بن عوف الزهري‪ ،‬ولد بعد الفيل بعشر سنين‬
‫وأسلم قبل دخول دار الرقم‪ ،‬وهاجر الهجرتين وشهد المشاهد‬
‫كلها‪ ،‬وأحد العشرة المبشرين بالجنة‪ ،‬وأحد رجال الشورى الستة‪،‬‬
‫توفي سنة ‪ 31‬ص وقيل سنة ‪ 32‬ص وهو الشهر‪ .‬الصابة (‪-2/408‬‬
‫‪.)410‬‬
‫[‪ ]217‬أخرجه بهذا اللفظ إسماعيل القاضي في فضل الصلة‬
‫على النبي صلى الله عليه وسلم (ص ‪ )5‬ح ‪ 7‬وأخرجه المام أحمد‬
‫في المسند ‪ ،)1/191‬وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (‪( )287 /2‬رواه‬
‫أحمد ورجاله ثقات)‪ .‬وأخرجه الحاكم في المستدرك (‪)222 /1‬‬
‫وقال هذا حديث على شرط الشيخين ولم يخرجاه‪ ،‬ووافقه‬
‫الذهبي‪.‬‬
‫[‪ ]218‬السراف بالفتح آخره "فاء" موضع شامي البقيع‪ .‬وفاء‬
‫الوفاء (‪.)1125 /4‬‬
‫[‪ ]219‬أخرجه بهذا اللفظ إسماعيل القاضي في فضل الصلة‬
‫على النبوي صلى الله عليه وسلم (ص ‪ )7 -6‬ح ‪.10‬‬
‫[‪ ]220‬أورده ابن القيم في جلء الفهام (ص ‪ )64‬وعزاه لبن أبي‬
‫الدنيا والسخاوي في القول البديع (ص ‪ )112‬وعزاه لبن أبي‬
‫عاصم وابن أبي الدنيا‪.‬‬
‫[‪ ]221‬أخرجه إسماعيل القاضي فى فضل الصلة على النبى‬
‫صلى الله عليه وسلم ص ‪ 3‬ح رقم ‪1‬‬
‫[‪ ]222‬أخرجه المام أحمد في المسند (‪ .)30 /4‬وإسماعيل‬
‫القاضي‪ ،‬في فضل الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص‬
‫‪ )4 -3‬ح ‪ ،2‬والنسائي في السنن (‪ 44 /3‬و ‪ )50‬كتاب الصلة‪ ،‬باب‬
‫فضل التسليم على النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وباب الفضل‬
‫في الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم‪ .‬وكذلك أخرجه‬
‫النسائي في عمل اليوم والليلة‪ ،‬باب ثواب الصلة على النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم وقال الحافظ ابن حجر (رواته ثقات) فتح‬
‫الباري (‪ )11/167‬وأخرجه الحاكم في المستدرك (‪ )550 /1‬وابن حبان‬
‫في صحيحه (‪ )2391‬موارد‪.‬‬
‫[‪ ]223‬أخرجه بهذا اللفظ المام أحمد في المسند (‪.)29 /4‬‬
‫قال اللباني في سلسلة الحاديث الصحيحة (‪ )503 /2‬ح رقم ‪829‬‬
‫عن رواية أحمد هذه "وهذا إسناد ضعيف‪ ،‬لسوء حفظ أبي‬
‫معشر‪ ،‬وإسحاق بن كعب مجهول الحال فهر إسناد ل بأس به في‬
‫الشواهد والمتابعات" انتهي كلمه والحديث له شواهد متعددة‬
‫سبق ذكر بعضها‪.‬‬
‫[‪ ]224‬هانىء بن نيار بن عمرو البلوي أبو بردة بن نيار حليف‬
‫النصار‪ ،‬خال البراء بن عازب مشهور بكنيته وقيل اسمه الحرث‬
‫وقيل مالك والول أشهر‪ ،‬صحابي جليل شهد بدرا وما بعدها‪،‬‬
‫مات في أول خلفة معاوية‪ .‬الصابة (‪.)4/19( – )565 /3‬‬
‫[‪ ]225‬أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة (ص ‪ )167 ،166‬ح‬
‫رقم ‪ ،64‬باب ثواب الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم وقال‬
‫ابن حجر‪ :‬رواته ثقات‪ .‬فتح الباري (‪ .)167 /11‬وأورده ابن القيم في‬
‫جلء الفهام (ص ‪ )84 ،83‬وعزاه للطبراني في المعجم الكبير وابن‬
‫أبي عاصم في كتاب الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫[‪ ]226‬تقدم تخريجه (ص ‪.)535‬‬
‫[‪ ]227‬سنن النسائي (‪ )44 /3‬باب التمجيد والصلة على النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قال اللباني في صحيح سنن النسائي‪،‬‬
‫صحيح الترمذي (‪)3724‬‬
‫[‪ ]228‬أخرجه الترمذي في سننه (‪ )354 /2‬باب ما جاء في فضل‬
‫الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم رقم ‪ 484‬وقال الترمذي‬
‫هذا حديث حسن غريب‪ .‬وأخرجه ابن حبان في صحيحه‪ .‬انظر‬
‫موارد الظمآن (‪ .)2389‬وأورده ابن القيم في جلء الفهام وعزاه‬
‫كذلك إلى البزار والبغوي جلء الفهام (ص ‪ .)53‬وقال ابن حجر‬
‫في الفتح (‪ )167 /11‬وله شاهد عند البيهقي عن أبي أمامة بلفظ‬
‫"صلة أمتي تعرض على في كل يوم جمعة فمن كان أكثرهم‬
‫علي صلة كان أقربهم مني منزلة" ول بأس بسنده انتهي كلمه‪.‬‬
‫[‪ ]229‬جلء الفهام (ص ‪ )344 ،335‬بتصرف‪.‬‬
‫[‪ ]230‬تقدم تخريجه ص ‪472‬‬
‫[‪ ]231‬تقدم تخريجه ص ‪328‬‬
‫[‪ ]232‬تقدم تخريجه ص ‪548‬‬

‫‪ -11 .34‬حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته‬


‫في ضوء الكتاب والسنة [الشفاعة ‪ -‬الستغاثة به ‪-‬‬
‫أمور مبتدعة]‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الكلم على مسألة الشفاعة‬
‫أ‪ -‬أما الشفاعة فمعناها في اللغة‪:‬‬
‫قال صاحب اللسان‪" :‬شفع لي يشفع‪ ،‬شفاعة‪ ،‬وتشفع‪ :‬طلب‪.‬‬
‫ن ذ َا‬
‫م ْ‬‫وروي عن المبرد وثعلب [‪ ]1‬أنهما قال في قوله تعالى { َ‬
‫عنْدَه ُ إِل َّ بِإِذ ْنِهِ} [‪ ]2‬قال‪ :‬الشفاعة الدعاء ههنا‪.‬‬ ‫الَّذِي ي َ ْ‬
‫شفَعُ ِ‬
‫والشفاعة كلم الشفيع للملك في حاجة يسألها لغيره‪.‬‬
‫وشفع إليه‪ :‬في معنى طلب إليه‪.‬‬
‫والشافع‪ :‬الطالب لغيره يتشفع به إلى المطلوب‪.‬‬
‫يقال‪ :‬تشفعت بفلن إلى فلن فشفعني فيه‪.‬‬
‫واسم الطالب‪ :‬شفيع‪.‬‬
‫واستضفعته إلى فلن‪ :‬أي سألته أن يشفع لي إليه‪.‬‬
‫وتشفعت إليه في فلن‪ :‬فشفعني فيه تشفيعًا" [‪.]3‬‬
‫ويتضح من النقل السابق ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬أن معنى الشفاعة في اللغة‪ :‬الدعاء والطلب‪.‬‬
‫‪ -2‬أن الشفاعة لها أركان أربعة‪:‬‬
‫‪ -1‬الطلب ‪ -2‬المشفع فيه أي صاحب الحاجة‪ -3 ،‬الشافع أو‬
‫الشفيع‪ -4 ،‬المشفوع إليه‪.‬‬
‫وهذه الركان الربعة مذكورة في كلم صاحب اللسان حيث قال‪:‬‬
‫"الشفاعة‪ ،‬كلم الشفيع للملك في حاجة يسألها للغير" فهناك‪:‬‬
‫‪ -1‬شفيع‪ -2 ،‬ملك‪ -3 ،‬حاجة‪ -4 ،‬وغير‪.‬‬
‫‪ -3‬أن الشفاعة في لغة العرب لبد فيها من طلب الشافع‬
‫للسائل‪ ،‬فيطلب له ما يطلب من المسئول المدعو المشفوع‬
‫إليه‪.‬‬
‫قال صاحب اللسان‪" :‬الشافع الطالب لغيره‪ ،‬واسم الطالب‪:‬‬
‫شفيع‪ .‬وهذا ل يكون إل بوجود الشافع وحضوره‪ .‬وأما الستشفاع‬
‫بمن لم يشفع للسائل ول طلب له حاجة ليس هذا استشفاعا في‬
‫اللغة"‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬كثير من العامة يقولون لمن توسل‬
‫في دعائه بنبي أو غيره‪ :‬قد تشفع به‪ .‬من غير أن يكون المتشفع‬
‫به شفع له ول دعا له‪ ،‬بل قد يكون غائبا لم يسمع كلم ول شفع‬
‫له‪ .‬وهذا ليس هو لغة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه‬
‫وعلماء المة بل ول هو لغة العرب‪ .‬فان الستشفاع‪ :‬طلب‬
‫الشفاعة‪ .‬والشافع‪ :‬هو الذي يشفع للسائل فيطلب له ما يطلب‬
‫من المسئول المدعو المشفوع إليه‪ .‬وأما الستشفاع بمن لم‬
‫يشفع للسائل ول طلب له حاجة بل وقد ل يعلم بسؤاله‪ ،‬فليس‬
‫هذا استشفاعا ل في اللغة ول في كلم من يدري ما يقول‪ .‬نعم‬
‫هذا سؤال به‪ ،‬ودعاؤه‪ ،‬ليس هو استشفاعا به" [‪.]4‬‬
‫فالشفاعة في لغة العرب ولغة النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫وأصحابه رضوان الله عليهم‪ ،‬لبد فيها من "طلب الشافع" وهذا‬
‫ل يكون إل بوجوده وحضوره‪.‬‬
‫وأما توسل الشخص في دعائه بنبي أو غيره‪ ،‬وتسمية بعض‬
‫المبتدعة لهذا استشفاعا أي سؤال بالشافع‪ ،‬وصاروا يقولون‪:‬‬
‫استشفع به فيشفعك‪ ،‬أي يجيب سؤالك به‪ ،‬فهذا من تغيير معني‬
‫الشفاعة في اللغة والشرع‪ ،‬وأصحابه أرادوا أن يغيروا اللغة كما‬
‫غيروا الشريعة‪.‬‬
‫ب‪ -‬معنى الشفاعة في خطاب الشارع‪:‬‬
‫معنى الشفاعة في استعمال الشارع هو الدعاء كما ورد في وضع‬
‫اللغة فمما ورد في ذلك مما رواه أبو هريرة قال‪ :‬سمعت رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يقول في صلته على الجنازة‪" :‬اللهم‬
‫أنت ربها وأنت خالقها وأنت هديتها للسلم‪ ،‬وأنت قبضت روحها‪،‬‬
‫وأنت أعلم بسرها وعلنيتها جئنا شفعاء فاغفرلها" [‪.]5‬‬
‫وعن أنس وعائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬ما من‬
‫ميت يصلى عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون‬
‫له إل شفعوا فيه" [‪.]6‬‬
‫هذا وقد جاءت النصوص الشرعية بذكر نوعين من الشفاعة‪:‬‬
‫النوع الول‪ :‬الشفاعة المنفية‪.‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬الشفاعة المثبتة‪.‬‬
‫أما النوع الول‪ :‬أي الشفاعة المنفية‪.‬‬
‫فإنه لما كان المشركون في قديم الزمان وحديثه إنما وقعوا في‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫{ويَعْبُدُو َ‬ ‫الشرك َ لتعلقهم بأذيال الشفاعة كما قال تعالى َ‬
‫عنْدَ‬
‫شفَعَاؤ ُنَا ِ‬ ‫ن هَؤ ُلءِ ُ‬ ‫م وَيَقُولُو َ‬ ‫م وَل يَنْفَعُهُ ْ‬ ‫ضُّرهُ ْ‬ ‫ما ل ي َ ُ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫دُو َ ِ‬
‫الل ّهِ} [‪.]7‬‬
‫م إِل َّ لِيُقَّرِبُونَا إِلَى‬ ‫ما نَعْبُدُهُ ْ‬
‫َ‬
‫ن دُونِهِ أوْلِيَاءَ َ‬ ‫م ْ‬
‫خذ ُوا ِ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬ات َّ َ‬
‫َ‬
‫الل ّهِ ُزلْفَى} [‪.]8‬‬
‫فقد نفي الله هذه الشفاكة رنزه نفسه عنها‪ ،‬ونفي أن يكون‬
‫ن‬
‫م َْ‬ ‫خذ ُوا ِ‬ ‫للخلق من دونه من ولى أو شفيع كما قال تعالى {أَم ِ ات َّ َ‬
‫شفَعاءَ قُ ْ َ‬ ‫َ‬
‫ل لِل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ن قُ ْ‬ ‫قلُو َ‬ ‫شيْئا ً وَل يَعْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ملِكُو َ‬ ‫ل أوَلَوْ كَانُوا ل ي َ ْ‬ ‫ن الل ّهِ ُ َ‬ ‫دُو ِ‬
‫ن} [‪.]9‬‬ ‫جعُو َ‬ ‫م إِلَيْهِ تُْر َ‬‫ض ث ُ َّ‬‫ِ‬ ‫ت وَالَْر‬ ‫ماوَا ِ‬ ‫س َ‬‫ك ال َّ‬ ‫مل ْ ُ‬‫ه َُ‬ ‫ميعا ً ل َ َ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫ة َ‬ ‫شفَاع َ ُ‬ ‫ال َّ‬
‫َ‬ ‫خلَقَ ال َّ‬ ‫ه ال ّذِي َ‬
‫ما فِي‬ ‫ما بَيْن َ ُه َ‬ ‫ض وَ َ‬
‫ت وَالْر َ‬ ‫ماوَا ِ‬ ‫س َ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬الل ّ ُ‬
‫ي وَل‬ ‫ن وَل ِ ٍ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن دُونِهِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما لَك ُ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ستَوَى ع َلى العَْر ِ‬ ‫ما ْ‬ ‫ستَّةِ أَيَّام ٍ ث ُ َّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن} [‪.]10‬‬ ‫شفِيٍع أفَل تَتَذ َكُرو َ‬ ‫َ‬
‫وهذه الشفاعة المنفية هي الشفاعة المعروفة عند الناس عند‬
‫الطلق وهي أن يشفع الشفيع إلى غيره ابتداء فيقبل شفاعته" [‬
‫‪.]11‬‬
‫وأصحاب هذه الشفاعة المنفية جعلوا وسائط بين الله وبين خلقه‬
‫‪-‬كالحجاب الذي لن الملك ورعيته‪ -‬بحيث يكون أولئك الوسائط‬
‫هم الذين يرفعون إلى الله حوائج خلقه‪ ،‬فهم يعتقدون أن الله‬
‫إنما يهدي عباده ويرزقهم بتوسطهم‪ ،‬فالخلق يسألونهم وهم‬
‫يسألون الله كما أن الوسائط عند الملوك‪ :‬يسألون الملوك‬
‫حوائج الناس‪ ،‬لقربهم منهم‪ ،‬والناس يسألونهم أدبًا منهم أن‬
‫يباشروا سؤال الملك أو لن طلبه من الوسائط أنفع لهم من‬
‫طلبهم من الملك لكونهم أقرب إلى الملك من الطالب للحوائج‪.‬‬
‫فمن أثبتهم وسائط على هذا الوجه‪ :‬فهو مشرك‪ ،‬يجب أن‬
‫يستتاب فإن تاب وإل قتل‪.‬‬
‫وهؤلء مشبهون لله‪ ،‬شبهوا المخلوق بالخالق‪ ،‬وجعلوا لله أندادًا‬
‫وفي القرآن الكريم من الرد على هؤلء ما ل يتسع المجال لذكره‬
‫ههنا‪.‬‬
‫ومعلوم أن الوسائط التي بين الملوك وبين الناس‪ ،‬يكونون على‬
‫أحد وجوه ثلثة‪:‬‬
‫‪ -1‬إما لخبارهم من أحوال الناس مما ل يعرفونه‪.‬‬
‫أو أن يكون الملك عاجزا عن تدبير رعيته ودفع أعدائه إل بأعوان‬
‫يعينونه‪ ،‬فلبد له من أنصار وأعوان لذله وعجزه‪.‬‬
‫‪ -2‬وإما أن يكون الملك ليس مريدا لنفع رعيته‪ ،‬والحسان إليهم‬
‫ورحمتهم إل بمحرك يحركه من خارج‪.‬‬
‫فإذا خاطب الملك من ينصحه‪ ،‬ويعظمه‪ ،‬أو من يدل عليه‪ ،‬بحيث‬
‫يكون يرجوه أو يخافه‪ :‬تحركت إرادة الملك وهمته في قضاء‬
‫حوائج رعيته إما لما حصل في قلبه من كلم الناصح الواعظ‬
‫المشير‪ ،‬وإما لما يحصل من الرغبة أو الرهبة من كلم المدل‬
‫عليه‪.‬‬
‫وكل هذه المور ممتنعة في حق الله تعالى‪.‬‬
‫فمن قال إن الله ل يعلم أحوال عباده حتى يخبره بذلك بعض‬
‫الملئكة أو النبياء أو غيرهم فهو كافر‪.‬‬
‫بل هو سبحانه يعلم السر وأخفي‪ ،‬ول تخفى عليه خافية في‬
‫الرض ول في السماء وهو السميع البصير‪.‬‬
‫َ‬ ‫خفَى ع َلَيْهِ َ‬ ‫َ َّ‬
‫ض وَل فِي‬ ‫الْر ِ‬ ‫يءٌ فِي‬ ‫ْ‬ ‫ش‬ ‫ه ل يَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ن الل‬ ‫قال تعالى‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫يءٍ فِي‬‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫خفَى ع َلَى الل ّ ِ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫{و َ‬
‫ماءِ} [‪ ]12‬وقال تعالى‪َ :‬‬ ‫س َ‬‫ال َّ‬
‫ماءِ} [‪ .]13‬والله سبحانه ليس له ظهير‪ ،‬ول‬ ‫ض وَل فِي ال َّ‬ ‫َ‬
‫س َ‬ ‫الْر ِ‬
‫ولى من الذل‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ملِكُو َ‬ ‫ه ل يَ ْ‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫ن دُو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫مت ُ ْ‬‫ن َزع َ ْ‬ ‫ل ادْع ُوا ال ّذِي َ‬ ‫قال تعالى {قُ ِ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ما ِ‬ ‫يه َ‬‫م فِ ِ‬ ‫ما لَهُ ْ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ت وَل فِي الْر ِ‬ ‫ماوَا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ل ذََّرةٍ فِي ال َّ‬ ‫مثْقَا َ‬ ‫ِ‬
‫ن ظَهِيرٍ} [‪.]14‬‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫منْهُ ْ‬‫ه ِ‬ ‫ما ل َ ُ‬
‫ك وَ َ‬ ‫شْر ٍ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن لَ ُ‬
‫ه‬ ‫م يَك ُ ْ‬ ‫خذ ْ وَلَدا ً وَل َ ْ‬ ‫م يَت َّ ِ‬ ‫مد ُ لِل ّهِ ال ّذِي ل َ ْ‬ ‫ح ْ‬‫ل ال ْ َ‬ ‫وقال تعالى {وَقُ ِ‬
‫ل وَكَبِّْره ُ تَكْبِيراً} [‪.]15‬‬ ‫ن الذ ُّ ِّ‬ ‫م َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ه وَل ِ ٌّ‬ ‫ن لَ ُ‬‫م يَك ُ ْ‬ ‫ك وَل َ ْ‬ ‫مل ْ ِ‬‫ك فِي ال ْ ُ‬ ‫شرِي ٌ‬ ‫َ‬
‫وكل ما في الوجود من السباب فهو خالقه‪ ،‬وربه ومليكه‪ ،‬فهو‬
‫الغني عن كل ما سواه‪ ،‬وكل ما سواه فقير إليه‪ ،‬بخلف الملوك‬
‫المحتاجين إلى ظهرائهم وهم في الحقيقة شركاؤهم في الملك‪.‬‬
‫والله تعالى ليس له شريك في الملك‪ ،‬بل ل إله إل الله وحده ل‬
‫شريك له‪ ،‬له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير‪.‬‬
‫وهو سبحانه رب كل شيء ومليكه‪ ،‬وهو أرحم بعباده من الوالدة‬
‫بولدها‪ ،‬وكل الشياء إنما تكون بمشيئته فما شاء كان وما لم يشأ‬
‫لم يكن‪.‬‬
‫وهو سبحانه ل يرجو أحدا ول يخافه‪ ،‬ول يحتاج إلى أحد بل هو‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ض‬
‫ن فِ َي الَْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ماوَا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن فِي ال َّ‬ ‫م َْ‬ ‫ن لِل ّهِ َ‬ ‫الغني قال تعالى‪{ :‬أل إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫ن إِل ّ الظ ّ َّ‬
‫ن‬ ‫ن يَتَّبِعُو َ‬ ‫شَركَاءَ إ ِ ْ‬ ‫ن الل ّهِ ُ‬ ‫ن دُو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن يَدْعُو َ‬ ‫ما يَتَّبِعُ ال ّذِي َ‬ ‫وَ َ‬
‫ن} [‪.]16‬‬ ‫َ‬
‫م إِل ّ ي َ ْ‬
‫صو َ‬ ‫خُر ُ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫فالمشركون يتخذون شفعاء من جنس ما يعهدونه من الشفاعة‬
‫عند ملوكهم‪.‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫م‬‫م وَل يَنْفَعُهُ ْ‬ ‫ضُّرهُ َ ْ‬ ‫ما ل ي َ ُ‬ ‫ن َاللهِ َ‬ ‫ن دُو ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫قال تعالى {وَيَعْبُدُو َ‬
‫َ‬
‫م فِي‬ ‫ما ل يَعْل َ ُ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ل أتُنَب ِّئُو َ‬ ‫عنْد َ الل ّهِ قُ ْ‬ ‫شفَعَاؤُنَا ِ‬ ‫ن هَؤ ُلءِ ُ‬ ‫وَيَقُولُو َ‬
‫ن} [‪.]17‬‬ ‫شرِكُو َ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫ه وَتَعَالَى ع َ َّ‬ ‫ُ‬ ‫حان َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ض ُ‬ ‫ِ‬ ‫ت وَل فِي اْلَْر‬ ‫ماوَا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ال َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الل ّهِ قُْربَانا ً آلِهَ ً‬
‫ة‬ ‫ن دُو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫خذ ُوا ِ‬ ‫ن ات َّ َ‬ ‫م ال ّذِي َ‬ ‫صَرهُ ُ‬ ‫وقال ُتعالى {فَلَوْل ن َ َ‬
‫َّ‬
‫ن} [‪.]18‬‬ ‫ما كَانُوا يَفْتَُرو َ‬ ‫م َو َ‬ ‫ك إِفْكُهُ ْ‬ ‫م وَذَل ِ َ‬ ‫ضل ّوا ع َنْهُ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫بَ ْ‬
‫َ‬
‫م إِل ّ لِيُقَّرِبُونَا إِلَى اللهِ‬ ‫ما نَعْبُدُهُ ْ‬ ‫وأخبر عن المشركين أنهم قالوا { َ‬
‫ُزلْفَى} [‪ ]20[ ]19‬فالمشرك يقصد فيما يشرك به‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يشفع له عند الله‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يتقرب بعبادته إلى الله‪.‬‬
‫وهذا بعينه هو ما يوجد عند عباد القبور نعوذ بالله من حالهم‪.‬‬
‫وأما الشفاعة المثبتة‪ :‬فهي الشفاعة الشرعية المخالفة لما عليه‬
‫المشركون‪.‬‬
‫وهي التي أخبر الله تعالى أنها ل تنفع إل بشرطين‪:‬‬
‫الول‪ :‬إذنه سبحانه للشافع أن يشفع‪.‬‬ ‫•‬
‫الثاني‪ :‬رضاه سبحانه عن المشفوع له‪.‬‬ ‫•‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ن ذ َا ال ّذِي ي َ ْ‬
‫عنْدَه ُ إ ِل بِإِذ ْنِهِ} [‪.]21‬‬ ‫شفَعُ ِ‬ ‫م ْ‬‫قال تعالى‪َ { :‬‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫ن الل ُ‬ ‫ن يَأذ َ َ‬ ‫ن بَعْد ِ أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫شيْئا ً إِل ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫شفَاع َتُهُ ْ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬ل تُغْنِي َ‬
‫ضى} [‪.]22‬‬ ‫شاءُ وَيَْر َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫لِ َ‬
‫َ‬
‫ضى} [‪.]23‬‬ ‫ن اْرت َ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن إِل ّ ل ِ َ‬ ‫شفَعُو َ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬وَل ي َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫مئِذ ٍ ل تَنْفَعُ ال َّ‬
‫ن‬
‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ه الَّر ْ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ن أذ ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة إِل ّ َ‬ ‫شفَاع َ ُ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬يَوْ َ‬
‫ه قَوْلً} [‪.]24‬‬ ‫ي لَ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫وََر ِ‬
‫وهذه الشفاعة منها ما هو في الدنيا‪ .‬ومنها ما هو في يوم‬
‫القيامة‪ .‬والشفاعة كما سبق وأن ذكرنا هي‪ :‬الدعاء‪.‬‬
‫ول يرب أن دعاء الخلق بعضهم لبعض نافع والله قد أمر بذلك‪.‬‬
‫فمشروع أن يدعو العلى للدنى والدنى للعلى‪.‬‬
‫ولقد كان الصحابة يستشفعون بالنبي صلى الله عليه وسلم في‬
‫الستسقاء ويطلبون منه الدعاء‪ ،‬بل وكذلك بعده استسقى عمر‬
‫والمسلمون بالعباس عمه‪ ،‬وهذا من الشفاعة في الدنيا‪.‬‬
‫وفي يوم القيامة يطلب الناس الشفاعة من النبياء ومحمد صلى‬
‫الله عليه وسلم وهو سيد الشفعاء‪ ،‬وله شفاعات يختص بها‪.‬‬
‫ولكن لبد في هذه الشفاعة من الشرطين السابقين أي إذن الله‬
‫للشافع ورضاه عن المشفوع له‪.‬‬
‫فالداعي الشافع ليس له أن يدعو ويشفع إل بإذن الله في ذلك‪،‬‬
‫فل يشفع شفاعة نهي عنها‪ :‬كالشفاعة للمشركين والدعاء لهم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فُروا‬ ‫ستَغْ ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫منُوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ي وَال ّذِي َ‬ ‫ن لِلنَّب ِ ِ ّ‬ ‫ما كَا َ‬ ‫بالمغفرة قال تعالى { َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫م أنَّهُ ْ‬
‫م‬ ‫ن لَهُ ْ‬ ‫ما تَبَي َّ َ‬ ‫ن بَعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن وَلَوْ كَانُوا أولِي قُْربَى ِ‬ ‫شرِكِي َ‬ ‫م ْ‬ ‫لِل ْ ُ‬
‫َ‬
‫حيمِ} [‪.]25‬‬ ‫ج ِ‬‫ب ال ْ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫أ ْ‬
‫م‬ ‫وقال تعالى في حق المنافقين {سواءٌ ع َلَيهم أ َستغْفَرت لَه َ‬
‫مأ ْ‬ ‫ِْ ْ ْ َ ْ َ ُ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫م} [‪.]26‬‬ ‫ه لَهُ ْ‬ ‫ن يَغْفَِر الل ّ ُ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫ستَغْفِْر لَهُ ْ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫لَ ْ‬
‫وقال تعالى {استغْفر لَه َ‬
‫ست َ َغْفِْر لَهُ ْ‬
‫م‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ستَغْفِْر لَهُ ْ‬ ‫م أوْ ل ت َ ْ‬ ‫ْ َ ِ ْ ُ َْ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سولِهِ}‬ ‫م كَفَُروا بِاللهِ وََر ُ‬ ‫ك بِأن ّهُ ْ‬ ‫م ذَل ِ َ‬ ‫ه لهُ ْ‬ ‫ن يَغْفَِر الل ّ ُ‬ ‫مَّرة ً فَل َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫سبْعِي َ‬ ‫َ‬
‫[‪.]27‬‬
‫وشرط الرضي غير متحقق في المشفوع له مع أن الشافع هنا‬
‫هو خير الخلق وأعظمهم قدرا عند الله تعالى‪ .‬وقد قال تعالى‬
‫ن} [‪ ]28‬أي‬ ‫معْتَدِي َ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ُّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ة إِن َّ ُ‬ ‫خفْي َ ً‬ ‫ضُّرعا ً وَ ُ‬ ‫م تَ َ‬ ‫{ادْع ُوا َربَّك ُ ْ‬
‫المعتدين في الدعاء‪.‬‬
‫ومن العتداء في الدعاء‪ :‬أن يسأل العبد ما لم يكن الرب ليفعله‬
‫مئل‪ :‬أن يسأله منازل النبياء وليس منهم‪ ،‬أو مغفرة المشركين‬
‫ونحو ذلك‪ ،‬أو يسأله ما فيه معصية الله كإعانته على الكفر‬
‫والفسوق والعصيان‪.‬‬
‫فالشفيع الذي أذن الله له في الشفاعة‪ :‬شفاعته في الدعاء‬
‫الذي ليس فيه عدوان‪.‬‬
‫والنبياء لو سأل أحدهم دعاء ل يصلح له ل يقر عليه‪ ،‬فإنهم‬
‫معصومون أن يقروا على ذلك‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن أَهْلِي وَإ ِ َّ‬
‫م‬‫حك َ ُ‬ ‫تأ ْ‬ ‫حقُّ وَأن ْ َ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫ن وَعْد َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ابْنِي ِ‬ ‫كما قال نوح {إ ِ َّ‬
‫َ‬
‫ك إِن َّ ُ‬
‫ه‬ ‫ن أهْل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ه لَي ْ َ‬ ‫ح إِن َّ ُ‬ ‫ل يَا نُو ُ‬ ‫ن} [‪ ]29‬قال تعالى {قَا َ‬ ‫َ‬ ‫مي‬‫حاك ِ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫عظ ُ َ َ‬ ‫م إِنِّي أ َ ِ‬ ‫عل ْ ٌ‬ ‫س لَ َ‬ ‫ما لَي ْ َ‬ ‫صال ِح فَل ت َ ْ َ ْ‬
‫ن‬‫كأ ْ‬ ‫ك بِهِ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫سأل ِ‬ ‫ل غَيُْر َ ٍ‬ ‫م ٌ‬ ‫عَ َ‬
‫ن} [‪.]30‬‬ ‫جاهِلِي َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫تَكُو َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م وَإِل ّ تَغْفِْر‬ ‫عل ْ ٌ‬ ‫س لِي بِهِ ِ‬ ‫ما لَي ْ َ‬ ‫ك َ‬ ‫سأل َ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ب إِنِّي أع ُوذ ُ ب ِ َ‬ ‫ل َر ِّ‬ ‫{قَا َ‬
‫ن ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن} [‪.]31‬‬ ‫سري َ‬ ‫خا ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫منِي أك ُ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫لِي وَتَْر َ‬
‫وكل داع شافع‪ ،‬دعا الله سبحانه وشفع‪ :‬فل يكون دعاؤه‬
‫وشفاعته إل بقضاء الله وقدره ومشيئته‪ ،‬فهو الذي يجيب الدعاء‬
‫من جملة السباب التي قدرها الله سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫وإذا كان كذلك‪ :‬فاللتفات إلى السباب بالكلية شرك في التوحيد‬
‫ومحو السباب أن تكون أسبابًا نقص في العقل‪.‬‬
‫والعراض عن السباب بالكلية قدح في الشرع‪ ،‬بل العبد يجب‬
‫أن يكون توكله ودعاؤه وسؤاله ورغبته إلى الله سبحانه وتعالى‬
‫والله يقدر له من السباب من دعاء الخلق وغيرهم ما شاء‪.‬‬
‫فالدعاء للغير‪ ،‬ينتفع به الداعي‪ ،‬والمدعو له‪ ،‬وإن كان الداعي‬
‫دون المدعو في الدرجة والمنزلة‪.‬‬
‫فدعاء المؤمن لخيه ينتفع به الداعي والمدعو له‪.‬‬
‫فمن قال لغيره أدع لي وقصد انتفاعهما جميعا بذلك كان هو‬
‫وأخوه متعاونين على البر والتقوى‪ .‬فهو نبه المسئول وأشار عليه‬
‫بما ينفعهما‪ ،‬بمنزلة من يأمر غيره ببر وتقوى‪ ،‬فيثاب المأمور‬
‫على فعله‪ ،‬والمر أيضا يثاب مثل ثوابه لكونه دعا إليه‪ .‬وقد ثبت‬
‫عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال‪" :‬دعوة المرء المسلم لخيه‬
‫بظهر الغيب مستجابة‪ ،‬عند رأسه ملك موكل كلما دعا لخيه قال‬
‫الملك الموكل به آمين ولك بمثل" [‪.]32‬‬
‫وعند النظر في نصوص الشرع الواردة في شفاعة النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم نجد أن هناك شفاعة أخروية له في يوم القيامة‪،‬‬
‫وشفاعة دنيوية في حياته‪.‬‬
‫أما الشفاعة الخروية‪ :‬فقد أجمع المسلمون على أن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم يشفع للخلق يوم القيامة بعد أن يسأله الناس‬
‫ذلك‪ ،‬وبعد أن يأذن الله له في الشفاعة‪.‬‬
‫ثم إن أهل السنة والجماعة متفقون على ما اتفق عليه الصحابة‬
‫رضوان الله عليهم أجمعين‪ ،‬واستفاضت به السنن من أنه صلى‬
‫الله عليه وسلم يشفع لهل الكبائر من أمته ويشفع لعموم‬
‫الخلق‪.‬‬
‫فله صلى الله عليه وسلم شفاعات يختص بها ل يشركه فيها‬
‫أحد‪ ،‬وشفاعات فيها وغيره من النبياء والصالحين سواء‪ ،‬ولكن ما‬
‫له فيها أفضل مما لغيره‪ ،‬فإنه صلى الله عليه وسلم أفضل‬
‫الخلق وأكرمهم على ربه عز وجل‪ ،‬وله من الفضائل التي ميزه‬
‫الله بها على سائر النبيين ومن ذلك المقام المحمود الذي يغبطه‬
‫به الولون والخرون‪ ،‬وأحاديث الشفاعة كثيرة متواترة منها في‬
‫الصحيح أحاديث متعددة‪ ،‬وفي السنن والمسانيد مما يكثر عدده‪.‬‬
‫أما الشفاعة الدنيوية (التي كانت في حياته)‪ ،‬فقد أجمع أهل‬
‫العلم على أن‬
‫الصحابة كانوا يستشفعون به ويتوسلون به في حياته بحضرته‪.‬‬
‫كما ثبت في أحاديث الستسقاء‪ ،‬وهذا الستشفاع هو طلب‬
‫للدعاء منه‪ ،‬فإنه كان يدعو للمستشفع والناس يدعون معه‪ ،‬كما‬
‫جاء في الحديث الثابت في الستسقاء أن المسلمين لما أجدبوا‬
‫على عهد النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليه أعرابي فقال‪ :‬يا‬
‫رسول الله هلكت الموال‪ ،‬وانقطعت السبل‪ ،‬فادع الله يغيثنا‪.‬‬
‫فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال‪" :‬اللهم أغثنا اللهم‬
‫أغثنا اللهم أغثنا" [‪.]33‬‬
‫فهذا يبين أن معنى الستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم هو‬
‫استشفاع بدعائه وشفاعته‪ .‬وهذا ما فهمه الصحابة وعملوا به بعد‬
‫وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فعمر بن الخطاب استسقى‬
‫بالعباس بن عبد المطلب وقال "اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل‬
‫إليك بنبينا فتسقينا‪ ،‬وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا" [‪.]34‬‬
‫وكذلك معاوية بن أبي سفيان ‪-‬لما أجدب الناس بالشام‪-‬‬
‫استسقى بيزيد بن السود الجرشي [‪ ]35‬فقال‪" :‬اللهم إنا‬
‫نستشفع ونتوسل بخيارنا‪ ،‬يا يزيد ارفع يديك "فرفع يديه ودعا‪،‬‬
‫ودعا الناس حتى سقوا" [‪.]36‬‬
‫فهم لم يستسقوا ولم يتوسلوا ولم يستشفعوا في هذه الحال‬
‫بالنبي صلى الله عليه وسلم ل عند قبره ول غير قبره‪ ،‬بل عدلوا‬
‫إلى البدل كالعباس وكيزيد‪.‬‬
‫فجعلوا هذا بدل عن ذلك لما تعذر أن يتوسلوا به على الوجه‬
‫المشروع الذي كانوا يفعلونه‪.‬‬
‫وقد كان من الممكن أن يأتوا إلى قبره فيتوسلوا ويستشفعوا به‬
‫ويقولوا في دعائهم في الصحراء بالجاه ونحو ذلك من اللفاظ‬
‫التي تتضمن القسم بالمخلوق على الله عز وجل أو السؤال به‪،‬‬
‫فيقولون نسألك أو نقسم عليك أو نستشفع عليك أو نستشفع‬
‫بنبيك أو جاه نبيك‪ ،‬ونحو ذلك مما يفعله بعض الناس‪.‬‬
‫ولكنهم لم ينقل عنهم أنهم توسلوا أو استشفعوا بمثل هذه‬
‫العبارات فهذا يؤكد ويبرهن على أن التوسل بالذات في حضور‬
‫الشخص أو مغيبة أو بعد موته أمر لم يشرعه لهم الشارع ولم‬
‫يكن معروفا عندهم‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬الكلم على مسألة الستغاثة‬


‫قال شيخ السلم ابن تيمية‪ " :‬الستغاثة‪ :‬طلب الغاثة والتخليص‬
‫من الكربة والشدة‪ .‬والنبي صلى الله عليه وسلم في حياته يجوز‬
‫أن يستغاث به‪ ،‬فيطلب منه أن ينصر المظلوم‪ ،‬ويطعم الجائع‪،‬‬
‫ويسقى الظمآن‪ ،‬ويخلص السرى‪ ،‬ويقضي الدين عن المدين‪،‬‬
‫ويبين الدين‪ ،‬ويزيح شبهات المعارضين ويجب السائلين ونحو‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ومعلوم أن نبينا صلى الله عليه وسلم أفضل الناس عملً‪،‬‬
‫صا على البر والتقوى‪ ،‬بل كل خير في الوجود فهو‬‫وأعظمهم حر ً‬
‫معين عليه بل له مثل أجر كل عامل خير من أمته فإنه هو الذي‬
‫دعا إلى ذلك "من دعا إلى الهدى كان له مثل أجور من تبعه من‬
‫غير أن يتقص من أجورهم شيئا" [‪.]38[ ]37‬‬
‫واستغاثة الصحابة به في القحط‪ ،‬إنما به استغاثوا به ليدعو لهم‬
‫كما يستغيث الناس به يوم القيامة ليشفع لهم‪.‬‬
‫والستغاثة بالمخلوق ليدعو للعبد أو ليعينه بما يقدر عليه ليس‬
‫بممنوع منه‪ .‬وإنما الممنوع أن يستغاث به فيما ل يقدر عليه‪ ،‬وأن‬
‫يقسم على الله به ولسيما إذا كان المخلوق ميتًا أو غائبًا فل‬
‫يجوز أن يستغاث به فيما يقدر عليه حيًا‪ ،‬ول فيما ل يقدر عليه‪.‬‬
‫(وأما قول من يقول إن الستغاثة به بعد موته ثابتة ثبوتها في‬
‫حياته فهو كلم باطل قطعا لنه يلزم من ذلك أن يطلب منه أن‬
‫يخرج إلى الغزوات ويقيم الحدود ويعود المريض فاعل ً ذلك ببدنه‬
‫كما كان يفعل ذلك في حياته فهل يقول هذا إنسان؟ أو يحتاج رد‬
‫هذا إلى برهان" [‪.]39‬‬
‫فليس عليه بعد الموت فعل من الفعال ل واجبًا ول مستحب كما‬
‫ليس ذلك على غيره من الناس‪ ،‬بل الموت ينتهي به التكليف‬
‫الثابت في الحياة بإجماع الخلق‪ ،‬فليس على نبي ول غيره بعد‬
‫موته أن يفعل ما كان يؤمر به في حال الحياة من واجب‬
‫ومستحب‪.‬‬
‫ول يستطع أحد أن ينقل عن أحد من الصحابة ول من السلف‬
‫ة ول نصًرا ول إعانة ول استسقوا‬ ‫أنهم بعد موته طلبوا منه إغاث ً‬
‫بقبره ول استنصروا به كما كانوا يطلبون ذلك منه في حياته" [‬
‫‪.]40‬‬
‫ويفهم من كلم شيخ السلم المتقدم أن الستغاثة بالنبي صلى‬
‫الله عليه وسلم فيها تفصيل‪ .‬فهناك استغاثة جائزة مشروعة‬
‫وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬إما بالطلب منه في حياته فيما يقدر عليه وهذه لم ينازع فيها‬
‫أحد‪.‬‬
‫‪ -2‬وإما بالطلب منه في عرصات يوم القيامة أن يشفع لهم وهذه‬
‫ما دلت عليه النصوص الثابتة‪.‬‬
‫وهناك استغاثة غير مشروعة بل هي شركية وهي عائدة إلى‬
‫شيئين‪:‬‬
‫‪ -1‬الستغاثة به بعد موته‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يطلب منه ما ل يقدر عليه‪.‬‬
‫وكل المرين يجتمعان فيمن استغاث به بعد موته‪.‬‬
‫ومن تلفظ بهذه العبارة من المبتدعة فهو يريد بها أحد أمرين إما‬
‫أن يطلب الغاثة من الرسول نفسه لعتقاده أن له تصرفا في‬
‫هذه المور وقدرة على تحصيلها وهذا هو اعتقاد كثير من العوام‬
‫وهو ما يدل عليه استعمال الكلمة في لغة العرب‪.‬‬
‫وإما أن يكون مراده بهذه العبارة الطلب من الله بواسطة‬
‫الرسول أي أنه متوسل به إلى الله تعالى وهذا المعني يأباه‬
‫استعمال العرب لهذه اللفظة‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬ومن ظن أن الباب في التوسل‬
‫كالباب في الستغاثة فقد أخطأ فالمستغاث به هو المسئول‪.‬‬
‫وأما المتوسل به فهو الذي يتسبب به إلى المسئول [‪.]41‬‬
‫(والفرق واضح بين السؤال بالشخص والسغاثة به‪.‬‬
‫وأريد أن أُعرف من أين دخل اللبس على هؤلء الجهال‪ ،‬فإن‬
‫معرفة المرض وسببه يعين على مداواته وعلجه‪ ،‬ومن لم يعرف‬
‫أسباب المقالت وإن كانت باطلة‪ ،‬لم يتمكن من مداواة أصحابها‪،‬‬
‫وإزالة شبهاتهم‪ ،‬فوقع لي أن سبب هذا الضلل والشتباه عليهم‬
‫أنهم عرفوا أين يقال سألت الله بكذا كما في الحديث "اللهم إني‬
‫أسألك بأن لك الحمد ل إله إل أنت المنان" [‪.]42‬‬
‫ورأى أن الستغاثة تتعدى بنفسها كما يتعد السؤال كقوله {إِذْ‬
‫َّ‬
‫م} [‪.]43‬‬
‫َ‬ ‫ن َربَّك ُ ْ‬
‫ستَغِيثُو َ‬
‫تَ ْ‬
‫ن عَدُوِّهِ} [‪.]44‬‬
‫م ْ‬‫شيعَتِهِ ع َلَى الذِي ِ‬
‫ن ِ‬
‫م ْ‬‫ه ال ّذِي ِ‬
‫ستَغَاث َ ُ‬ ‫وقوله {فَا ْ‬
‫فظنوا أن قول القائل استغثت بفلن كقوله‪ ،‬سألت بفلن‪.‬‬
‫والمتوسل إلى الله بغائب أو ميت تارة يقول‪ :‬أتوسل إليك بفلن‪،‬‬
‫وتارة يقول أسألك بفلن‪.‬‬
‫فإذا قيل ذلك بلفظ الستغاثة فإما أن يقول أستغيثك بفلن‪ ،‬أو‬
‫أستغيث إليك بفلن‪ .‬ومعلوم أن كل هذين القولين ليس من كلم‬
‫العرب‪.‬‬
‫وأصل الشبهة على هذا التقدير‪ ،‬أنهم لم يفرقوا بين الباء في‬
‫استغثت به التي يكون المضاف بها مستغاثا مدعوًا مسؤل ً مطلوبًا‬
‫منه‪.‬‬
‫فإذا قيل توسلت به‪ ،‬أو سألت به‪ ،‬أو توجهت به فهي الستغاثة‬
‫كما تقول كتبت بالقلم‪ .‬وهم يقولون استغيثه به من الغاثة كما‬
‫يقولون استغثت الله واستغثت به من الغوث‪ ،‬فالله في كل‬
‫الموضعين مسؤول مطلوب منه‪.‬‬
‫وإذا قالوا لمخلوق استغثته واستغثت به من الغوث كان المخلوق‬
‫مسؤل ً مطلوبًا منه‪.‬‬
‫وأما إذا قالوا استغثت به من الغاثة فقد يكون مسؤل ً وقد ل‬
‫يكون مسؤلً‪.‬‬
‫وكذلك استنصرته‪ ،‬واستنصرت به‪ ،‬فإن المستنصر يكون مسؤلً‬
‫مطلوبًا‪.‬‬
‫وأما المستنصر به فقد يكون مسؤل ً وقد ل يكون مسؤلً‪ .‬فلفظ‬
‫الستغاثة في الكتاب والسنة وكلم العرب إنما هو مستعمل‬
‫بمعنى الطلب من المستغاث به‪.‬‬
‫وقول القائل‪ :‬استغثت فلنا واستغثت به بمعنى طلبت منه الغاثة‬
‫ل بمعنى توسلت به‪.‬‬
‫فل يجوز للنسان الستغاثة بغير الله فيما ل يقدر عليه إل الله" [‬
‫‪.]45‬‬
‫فإذا كان معنى الستغاثة هو الطلب منه‪ ،‬فما الدليل على أن‬
‫الطلب منه ميتًا كالطلب منه حيًا‪.‬‬
‫ول يمكن لحد أن يذكر دليل شرعيًا على أن سؤال الموتى من‬
‫النبياء والصالحين وغيرهم مشروع‪ .‬بل الدلة على تحريم ذلك‬
‫كثيرة جدًا‪ ،‬فهذه الستغاثة وتوجه القلب إلى المسئول بالسؤال‬
‫والنابة محظورة على المسلمين لم يشرعها لحد من أمته‬
‫رسول رب العالمين‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬سؤال الميت والغائب نبيًا كان أو‬
‫غيره من المحرمات المنكرة باتفاق أئمة المسلمين لم يأمر الله‬
‫به ول رسوله ول فعله أحد من الصحابة ول التابعين لهم بإحسان‪،‬‬
‫ل استحبه أحد من أئمة المسلمين‪.‬‬
‫وهذا مما يعلم بالضطرار من المسلمين أن أحدا منهم ما كان‬
‫يقول إذا نزلت به نازلة أو عرضت له حاجة لميت يا سيدي فلن‬
‫أنا في حسبك أو اقضي حاجتي‪ ،‬كما يقول بعض هؤلء‬
‫المشركين‪ ،‬لمن يدعونهم من الموتى والغائبين‪.‬‬
‫ول أحد من الصحابة رضي الله عنهم استغاث بالنبي صلى الله‬
‫عليه وسلم بعد موته ول بغيره من النبياء ل عند قبورهم‪ ،‬ول إذا‬
‫بعدوا عنها‪ ،‬وقد كانوا يقفون تلك المواقف العظام في مقابلة‬
‫المشركين في القتال ويشتد البأس بهم ويظنون الظنون ومع‬
‫هذا لم يستغث أحد منهم بنبي ول غيره من المخلوقين ول‬
‫أقسموا بمخلوق على الله أصل ول كانوا يقصدون الدعاء عند‬
‫قبور النبياء ول قبور غير النبياء ول الصلة عندها‪.‬‬
‫وقد كره العلماء كمالك وغيره أن يقوم الرجل عند قبر النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم يدعو لنفسه وذكروا أن هذا من البدع التي‬
‫لم يفعلها السلف‪.‬‬
‫وأما ما يروى عن بعضهم أنه قال‪ :‬قبر فلن الترياق المجرب‪،‬‬
‫وقول بعضهم فلن يدعى عند قبره‪ ،‬وقول بعض الشيوخ لمريده‪:‬‬
‫إذا كانت لك حاجة فاستغث بي‪ ،‬أو قال‪ :‬استغث عند قبري‪ ،‬ونحو‬
‫ذلك فإن هذا قد وقع فيه كثير من المتأخرين وأتباعهم‪.‬‬
‫وكثير من هؤلء إذا استغاث بالشيخ رأى صورته‪ ،‬وربما قضى‬
‫بعض حاجته فيظن أنه الشيخ نفسه‪ ،‬أو أنه ملك تصور على‬
‫صورته‪ ،‬وأن هذا من كراماته فيزداد به شركا وفيه مغالة‪ ،‬ول‬
‫يعلم أنا هذا من جنس ما تفعله الشياطين بعباد الوثان‪ ،‬حيث‬
‫تتراءى أحيانا لمن تعبدها وتخاطبهم ببعض المور الغائبة وتقضي‬
‫لهم بعض الطلبات‪.‬‬
‫لكن هذه المور كلها محدثة في السلم بعد القرون الثلثة‬
‫المفضلة‪.‬‬
‫وكذلك المساجد المبنية على القبور التي تسمى المشاهد محدثة‬
‫في السلم والسفر إليها محدث في السلم لم يكن شيء من‬
‫ذلك في القرون الثلثة المفضلة‪ ،‬بل ثبت في الصحيح عنه صلى‬
‫الله عليه وسلم قال‪" :‬لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور‬
‫أنبيائهم مساجد" يحذر ما فعالوا قالت عائشة رضي الله عنها‪:‬‬
‫"لول ذلك لبرز قبره ولكن كره أن يتخذ مسجدًا" [‪.]46‬‬
‫وثبت في الصحيح عنه أنه قال قبل أن يموت بخمس "إن من‬
‫كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد أل فل تتخذوا ا القبور‬
‫مساجد‪ ،‬فإني أنهاكم عن ذلك" [‪.]47‬‬
‫ولما أجدبوا في خلفة عمر رضي الله عنه استسقى عمر‬
‫بالعباس وقال‪" :‬اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك نبينا‪ ،‬وإنا‬
‫نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا" [‪.]48‬‬
‫فلم يذهبوا إلى القبور‪ ،‬ول توسلوا بميت ول غائب‪ ،‬بل توسلوا‬
‫بالعباس كما كانوا يتوسلون بالنبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وكان‬
‫توسلهم به توسلهم بدعائه كالمام مع المأموم‪ ،‬وهذا تعذر بموته‪.‬‬
‫فأما قول القائل عند ميت من النبياء والصالحين‪ :‬اللهم إني‬
‫أسألك بفلن أو بجاه فلن أو بحرمة فلن‪ ،‬فهذا لم ينقل عن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ول عن الصحابة ول عن التابعين‪ ،‬وقد‬
‫نص غير واحد من العلماء أنه ل يجوز‪.‬‬
‫فكيف يقول القائل للميت أنا أستغيث بك‪ ،‬وأستجير بك وأنا في‬
‫حسبك وسل لي الله ونحو ذلك‪ ،‬فتبين أن هذا ليس من السباب‬
‫ن لما يفعلونه تأثيرا‪ ،‬فليس هو من السباب‬ ‫المشروعة ولو قدر أ َّ‬
‫المشروعة‪ ،‬ول له تأثير صالح بل مفسدته راجحة على مصلحته‬
‫كأمثاله من دعاء غير الله تعالى‪ ،‬وذلك أن من الناس الذين‬
‫يستغيثون بغائب ميت من تتمثل له الشياطين‪ ،‬وربما كانت على‬
‫صورة ذلك الغائب‪ ،‬وربما كلمته‪ ،‬وربما قضت له أحيانا بعض‬
‫حوائجه كما تفعل شياطين الصنام بعبادها‪ ،‬وهذا مما قد جرى‬
‫لغير واحد فينبغي أن يعرف هذا" [‪.]49‬‬
‫وقال أيضا‪" :‬وسؤال الخلق هو في الصل محرم لن فيه أنواع‬
‫الظلم الثلثة‪:‬‬
‫‪ -1‬الظلم في حق الله بالشرك‪.‬‬
‫‪ -2‬الظلم للمسؤول‪ ،‬فإن فيه إيذاء له‪.‬‬
‫‪ -3‬وظلم النسان نفسه لما فيه من تعبيدها لغير الله‪.‬‬
‫وقد ألح من ذلك من سؤال الحي ما دل الشرع على إباحته وأما‬
‫سؤال الميت والغائب فلم يأذن الله به قط‪.‬‬
‫ومن عدل عما أمر به الرسول من عبادة الله وحده والتوكل عليه‬
‫والرغبة إليه وطاعته فيما أمر به من الحسان والخير الذي ينتفع‬
‫به هو وهم وغيره من المخلوقين‪ ،‬فإن العبد كلما عمل بما أمرت‬
‫به الرسل كان لهم مثل أجره وحصل له هو من الخير من إجابة‬
‫دعائه ونفعه وغير ذلك‪.‬‬
‫فمن عدل عن هذه الرحمة والخير وسعادة الدنيا والخرة إلى أن‬
‫يفعل ما لم تأمر به الرسل بل اتخذهم أربابا يسألهم ويستغيث‬
‫بهم في مماتهم ومغيبهم وغير ذلك كان مثله مثل النصارى فإن‬
‫َ‬
‫م} [‪ ]50‬وقال {إِنِّي‬ ‫ه َربِّي وََربَّك ُ ْ‬ ‫قال لهم‪{ :‬ع ْبُدُوا الل ّ َ‬ ‫َ‬
‫المسيح‬
‫ن التَّوَْراةِ} [‪.]51‬‬‫م َ‬‫ن يَدَيَّ ِ‬ ‫ما بَي ْ َ‬ ‫صدِّقا ً ل ِ َ‬
‫م َ‬ ‫ل الل ّهِ إِلَيْك ُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫سو ُ‬
‫َر ُ‬
‫فلو امتثلوا أمره كانوا مطعين لرسل الله موحدين لله‪ ،‬ونالوا‬
‫بذلك السعادة من الله تعالى في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫ولكنهم غلوا فيه واتخذوه وأمه إلهين من دون الله‪ ،‬يستغيثون‬
‫بهم‪ ،‬وكذبوا بالرسول الذي بشر به‪ ،‬وحرفوا التوراة التي صدق‬
‫بها‪ ،‬فظنوا في ذلك أنهم معظمون للمسيح‪ ،‬وكان هذا من جهلهم‬
‫وضللهم" [‪.]52‬‬
‫فخلصة القول‪ :‬إن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته‬
‫وسؤاله والستغاثة به وغير ذلك مما يفعل عند قبره أو بعيدًا عنه‬
‫هو من الدين الذي لم يشرعه الله في كتابه أو على لسان‬
‫رسوله صلى الله عليه وسلم ول فعله أحد من الصحابة والتابعين‬
‫لهم بإحسان ول أمر به إمام من أئمة المسلمين [‪.]53‬‬
‫وأما ما يحتج به أهل البدع الذين يفعلون مثل هذه المور ويدعون‬
‫الناس إليها فشبههم ل تخرج عن أحد المور التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬إما آيات وأحاديث صحيحة يتأولونها ويتعسفون في تفسيرها‬
‫حتى توافق ما جاءوا به من الباطل مع أنه ليس فيهات دللة على‬
‫ما يزعمون ويدعون‪.‬‬
‫‪ -2‬وإما أحاديث واهية أو موضوعة ل يحتج بها ول يعتمد عليها بل‬
‫هي مخالفة لهم قواعد هذا الدين المبنية على اليات والحاديث‬
‫الثابتة الصحيحة‪.‬‬
‫وهذا الصنف هو أغلب بضاعتهم‪ ،‬بل وأكثر ما يستدلون به عند‬
‫عرض بدعههم‪ ،‬إما جهل منهم بحكم هذه الحاديث‪ ،‬أو لعلمهم‬
‫بأن هذا النوع من الدلة هو مما يسهل ترويج باطلهـم عند العوام‬
‫الذين ل يستطيعون أن يميزوا لون الصحيح والضعيف من‬
‫الحاديث‪.‬‬
‫‪ -3‬وإما بحكايات مكذوبة منسوبة لبعض أئمة هذا الدين الذين لهم‬
‫في نفوس الناس منزلة ومكانة‪.‬‬
‫وتلك الحكايات مروية بأسانيد مظلمة عن رجال مجهولين وهي‬
‫مردودة بما اشتهر عن أولئك الئمة من أقوال ذكرت في كتبهم‬
‫أو رويت عن طريق تلميذهم بأسانيد صحيحة تؤكد زيف تلك‪،‬‬
‫الحكايات المنسوبة إليهم وتبرهن على بطلنها‪.‬‬
‫‪ -4‬أو بمنامات ل تخلو من أحد أمرين إما كذب صاحبها أو تلبيس‬
‫الشياطين عليه‪ ،‬ويشهد لهذا ويؤكده مخالفتها لقواعد هذا الدين‬
‫وأصوله‪.‬‬
‫ويا سبحان الله كيف يتصور أن يترك ا‪ ،‬وسلم شرع الله من أجل‬
‫أحلم ومنامات‪.‬‬
‫‪ -5‬أو أقوال من تكلم في الدين بل علم‪ ،‬وليس معه فيما يقول‬
‫ويدعى دليل شرعي‪ ،‬ويجادل في الله بغير علم ول هدى ول‬
‫كتاب منير‪.‬‬
‫‪ -6‬أو بحجج هي من جهة الرأي والذوق هي أوهن من بيوت‬
‫العنكبوت ول يخفى ضعفها وفسادها ومخالفتها لقواعد هذا الدين‬
‫وأصوله إل على الجهلة وأصحاب الهوى أتباع كل ناعق الذين لم‬
‫يستضيئوا بنور العلم‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬وأما أولئك الضلل أشباه‬
‫المشركين والنصارى فعمدتهم‪ :‬إما أحاديث ضعيفة أو موضوعة‪،‬‬
‫أو منقولت عمن ل يحتج بقوله إما أن يكون كذبا عليه وإما أن‬
‫يكون غلطا منه إذ هي نقل غير مصدق عن قائل غير معصوم‪،‬‬
‫وإن اعتصموا بشيء مما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫حرفوا الكلم عن مواضعه وتمسكوا بمتشابهه وتركوا محكمه كما‬
‫يفعل النصارى" [‪.]54‬‬
‫والمقام هنا ل يتسع لعرض تلك الشبه والرد عليها‪ ،‬فمن أراد‬
‫الستزادة في هذا الشأن فعليه بمظان ذلك في كتب علماء‬
‫السلف [‪.]55‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬حكم ما يفعل عند حجرته التي دفن فيها من‬
‫المور المبتدعة‬
‫ومن ذلك سؤاله الستغفار والشفاعة والتوسل والستغاثة‬
‫والسجود إلى حجرته والطواف بها والتمسح بالجدران المحيطة‬
‫بها وإلصاق البطن بها‪.‬‬
‫وجميع هذه المور وما شاكلها هي أمور مبتدعة أحدثها بعض‬
‫المتأخرين ولم يفعلها أحد من سلف المة وأئمتها‪ ،‬بل هي منهي‬
‫عنها‪.‬‬
‫وقد سبق بيان حكم دعائه واستغاثته والستشفاع والتوسل به‬
‫وأما السجود للحجرة والطواف بها فهو محرم أو كفر‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬وزاد بعض جهال العامة ما هو‬
‫محرم أو كفر بإجماع المسلمين كالسجود للحجرة والطواف بها‬
‫وأمثال ذلك" [‪.]56‬‬
‫"فل يجوز لحد أن يطوف بحجرة النبي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫وليس في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم شيء يطاف به‪،‬‬
‫ول فيه ما يتمسح به‪ ،‬ول ما يقبل‪.‬‬
‫بل ليس في الرض مكان يطاف به إل الكعبة‪ ،‬ومن اعتقد أن‬
‫الطواف بغيرها مشروع فهو شر ممن يعتقد جواز الصلة إلى‬
‫غير الكعبة" [‪.]57‬‬
‫وقال أيضا‪" :‬وقد اتفق المسلمون على أنه ل يشرع الطواف إل‬
‫بالبيت المعمور‪ ،‬فل يجوز الطواف بصخرة بيت المقدس ول‬
‫بحجرة النبي صلى الله عليه وسلم ول غير ذلك‪ .‬وكذلك اتفق‬
‫المسلمون على أنه ل يشرع الستسلم ول التقبيل إل للركنين‬
‫اليمانيين‪ ،‬فالحجر السود يستلم ويقبل‪ ،‬واليماني يستلم‪ .‬وقد‬
‫قيل إنه يقبل وهو ضعيف‪ .‬وأما غير ذلك فل يشرع استلمه ول‬
‫تقبيله‪ ،‬كجوانب البيت‪ ،‬والركنين الشاميين‪ ،‬ومقام إبراهيم‪،‬‬
‫والصخرة والحجرة النبوية وسائر قبور النبياء والصالحين [‪.]58‬‬
‫فالطواف بغير الكعبة لم يشرعه الله بحال [‪ ]59‬ول يفعل في‬
‫مسجد النبي صلى الله عليه وسلم إل ما يفعل في سائر‬
‫المساجد [‪ .]60‬وكذا الحال بالنسبة للسجود للحجرة‪ ،‬فلقد نهي‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم عن السجود له في حياته‪.‬‬
‫فعن عبد الله بن أبي أوفى قال‪ :‬قدم معاذ اليمن أو قال الشام‬
‫فرأى النصارى تسجد لبطارقتها وأساقفتها فرأى في نفسه أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن يعظم فلما قدم قال يا‬
‫رسول الله رأيت النصارى تسجد لبطارقتها وأساقفتها فرأيت في‬
‫نفسي أنك أحق أن تعظم‪ .‬فقال‪" :‬لو كنت آمرا أحذا أن يسجد‬
‫لحد لمرت المرأة أن تسجد لزوجها ‪ " ...‬الحديث‪.‬‬
‫وفي رواية‪" :‬فقلت لي شيء تصنعون هذا؟ قالوا هذا كان تحية‬
‫النبياء قبلنا‪ .‬فقلت‪ :‬نحن أحق أن نصنع هذا بنبينا‪.‬‬
‫فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬إنهم كذبوا على أنبيائهم‬
‫كما حرفوا كتابهم إن الله عز وجل أبدلنا خيًرا من ذلك السلم‬
‫تحية أهل الجنة" [‪.]61‬‬
‫وعن قيس بن سعد [‪ ]62‬قال‪ :‬أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون‬
‫لمرزبان لهم‬
‫فقلت‪ :‬رسول الله أحق أن يسجد له‪ ،‬قال‪ :‬فأتيت النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم فقلت‪ :‬إني أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون‬
‫لمرزبان لهم‪ ،‬فأنت يا رسول الله أحق أن نسجد لك‪.‬‬
‫قال‪" :‬أرأيت لو مررت بقبري أكنت نسجد له؟" قال‪ :‬قلت‪ :‬ل‪.‬‬
‫قال‪" :‬فل تفعلوا‪ ،‬لو كنت آمًرا أحدًا أن يسجد لحد لمرت النساء‬
‫أن يسجدن لزواجهن‪ ،‬لما جعل الله لهم عليهن من الحق" [‪.]63‬‬
‫فتأمل وجوب الصحابي عندما قال له النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له؟ فقال‪ :‬ل‬
‫فالسجود حق لله تعالى‪ ،‬وما كان حقا خالصا لله لم يكن لغيره‬
‫فيه نصيب" [‪.]64‬‬
‫ونبينا صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرك دقه وجله وحقيرة‬
‫وكبيره فالسجود حق للواحد المعبود خالق السموات والرض‬
‫سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫وكذا الحال بالنسبة للتمسح بالجدران المحيطة بالحجرة وإلصاق‬
‫البطن بها فليس شيء من هذا من الدين الذي بعث الله به‬
‫محمدًا صلى الله عليه وسلم باتفاق المسلمين‪.‬‬
‫ومن اعتقد أن هذا من الدين وفعله وجب أن ينهى عنه‪ ،‬ولم‬
‫يستحب هذا أحد من الئمة الربعة‪ ،‬ول فعله أحد من الصحابة‬
‫والتابعين لهم بإحسان‪ .‬والجر والثواب إنما يكون على العمال‬
‫الصالحة‪ ،‬والعمال الصالحة هي ما أوجبه الشارع أو استحبه‪،‬‬
‫وهذه المور من جملة ما نهي عنه من أسباب الشرك ودواعيه‬
‫وأجزائه [‪ ]65‬وقد قال صلى الله عليه وسلم‪" :‬اللهم ل تجعل‬
‫قبري وثنا يعبد" [‪ ]66‬وقال صلى الله عليه وسلم‪" :‬ل تتخذوا‬
‫قبري عيدا" [‪.]67‬‬
‫فالتمسح بالقبر ‪-‬أي قبر كان‪ -‬وتقبيله وتمريغ الخد عليه منهي‬
‫عنه باتفاق المسلمين‪ ،‬ولو كان ذلك من قبور النبياء؛ ولم يفعل‬
‫هذا أحد من سلف المة وأئمتها بل هذا شرك" [‪.]68‬‬
‫فإن كان هذا حكم من تمسح بالقبر فمن تمسح بالجدران‬
‫المحيطة من باب أولى‪.‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬حكم الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم‬


‫قال شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬تنازع الناس هل يحلف بالنبي صلى‬
‫الله عليه وسلم؟ مع اتفاقهم بأنه ل يحلف بشيء من المخلوقات‬
‫المعظمة كالعرش والكرسي والكعبة والملئكة‪ .‬فذهب جمهور‬
‫العلماء كمالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد في أحد قوليه إلى‬
‫أنه ل يحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ول تنعقد اليمين‪ ،‬كما ل‬
‫يحلف بشيء من المخلوقات‪ ،‬ول تجب الكفارة على من حلف‬
‫بشيء من ذلك وحنث‪ .‬فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫أنه قال‪" :‬من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت" [‪.]69‬‬
‫وفي رواية‪ " :‬أل من كان حالفا فل يحلف إل بالله " [‪ .]70‬وقال‪:‬‬
‫"من حلف بغير الله فقد أشرك" [‪ .]71‬وفي رواية‪" :‬فقد كفر"‪.‬‬
‫وعن أحمد بن حنبل رواية‪ :‬أنه يحلف بالنبي صلى الله عليه‬
‫صا‪ ،‬ويجب ذكره في الشهادتين‬ ‫وسلم لنه يجب اليمان به خصو ً‬
‫والذان فليمان به اختصاص ل يشركه فيه غيره‪ ،‬واختار هذا‬
‫طائفة من أصحاب المام أحمد كالقاضي أبي يعلى [‪ ]72‬وغيره‬
‫خصوا ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وقال ابن عقيل [‪ :]73‬بل هذا كونه نبيًا وطرد ذلك في سائر‬
‫النبياء‪.‬‬
‫والصواب‪ :‬قول الجمهور وأنه ل تنعقد اليمين بمخلوق ل بنبي ول‬
‫غيره‪ ،‬بل ينهى عن الحلف به‪ .‬وإيجاب الكفارة بالحف بمخلوق‬
‫وإن كان نبيًا قول ضعيف في الغاية مخالف للصول والنصوص‪.‬‬
‫فالذي عليه عامة علماء المسلمين سلفهم وخلفهم أنه ل يحلف‬
‫بمخلوق‪ ،‬ل نبي ول غير نبي‪ ،‬ول ملك من الملئكة‪ ،‬ول ملك من‬
‫الملوك‪ ،‬ول شيخ من الشيوخ‪ .‬والنهي عن ذلك نهي تحريم عند‬
‫أكثرهم‪ .‬وروي عن عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وعبد‬
‫الله بن عمر‪ :‬لئن أحلف بالله كاذبًا أحب إلي من أحلف بغير الله‬
‫صادقًا [‪ ]74‬وذلك لن الحلف بغير الله شرك‪ ،‬والشرك أ‪-‬تظم من‬
‫الكذب [‪.]75‬‬

‫المبحث الخامس‪ :‬حكم الحتفال بمولده وفيه مطلبان‪:‬‬


‫المطلب الول‪ :‬حكم فعل المولد‬
‫إن من جملة ما نهي النبي صلى الله عليه وسلم أمته عنه‪،‬‬
‫وحذرهم منه‪:‬‬
‫‪ -1‬البتداع في الدين‪.‬‬
‫‪ -2‬التشبه باليهود والنصارى‪.‬‬
‫والمقيم للمولد والمشارك فيه واقع في المحظورين معا‪.‬‬
‫فإقامة المولد من المور المحدثة المبتدعة التي لم يشرعها‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم لمته‪ ،‬ولم يفعله أصحابه من بعده بل‬
‫ول أهل القرون المفضلة‪.‬‬
‫فما ظنك بعمل لم يأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بفعله‪ ،‬ول‬
‫حث عليه ول رغب فيه‪ ،‬وهو المشهود له بأنه ما ترك أمر خير إل‬
‫وحث المة عليه ورغبهم فيه‪.‬‬
‫ضا‪ ،‬أو‬ ‫وما ظنك بعمل لم يفعله سلف المة‪" ،‬ولو كان خيًرا مح ً‬
‫حا لكانوا رضوان الله عليهم أحق منا به‪ ،‬فإنهم كانوا أشد‬ ‫راج ً‬
‫محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعطشا له منا‪ ،‬وهم‬
‫على الخير أحرص" [‪.]76‬‬
‫وما أحسن أن يستشهد المرء هنا بقول المام مالك رحمه الله‬
‫تعالى "من ابتدع في السلم بدعة يراها حسنة فقد زعم أن‬
‫م‬ ‫ْ‬
‫محمدًا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة‪ ،‬لن الله يقول {اليَوْ َ‬
‫َ‬
‫م} [‪ ]77‬فما لم يكن يومئذ دينًا‪ ،‬فل يكون اليوم‬ ‫م دِينَك ُ ْ‬‫ت لَك ُ ْ‬‫مل ْ ُ‬
‫أك ْ َ‬
‫دينًا" [‪.]78‬‬
‫وقال أيضا‪" :‬قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تم هذا‬
‫المر واستكمل فإنما ينبغي أن نتبع آثار رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ول نتبع الرأي" [‪.]79‬‬
‫هذا وإن أصل الحتفال بالمولد يرجع إلى العبيدين [‪ ]80‬الذين‬
‫يتسمون (بالفاطميين) فهم أول من أحدث هذه البدعة في المة‬
‫وما كانت الموالد تعرف في دولة سلم قبل هؤلء‪.‬‬
‫فقد جاء في كتاب الخطط المسمى كتاب المواعظ والعتبار‬
‫والثار تحت عنوان (ذكر اليام التي كان الخلفاء الفاطميون‬
‫يتخذونها أعيادًا ومواسم ‪.)...‬‬
‫قال‪ " :‬كان للخلفاء في طول السنة أعيادًا ومواسم‪:‬‬
‫رأس السنة‪ ،‬وموسم أول العام‪ ،‬ويوم عاشوراء‪ ،‬ومولد النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم" [‪.]81‬‬
‫فكانت الموالد من الثار التي خلفها هؤلء العبيديون الباطنيون‬
‫مع غيرها من البدع والمنكرات التي ما أنزل الله بها من سلطان‪.‬‬
‫قد حمل راية هذه البدعة من بعدهم المتصوفة‪ ،‬الذين وجدوا في‬
‫سا لنشر باطلهم وبدعهم‪ ،‬وما الطقوس‬ ‫إحياء هذه البدعة متنف ً‬
‫التي تعمل أثناء إقامة المولد إل أكبر شاهد على حمل الصوفية‬
‫لراية هذه البدعة‬
‫فقد وجدوا في هذه البدعة مرتعًا خصبًا لنشر غلوهم ورقصهم‬
‫وطقوسهم وشطحهم وذلك تحت ستار ما يدعونه من محبة النبي‬
‫َ‬
‫ل لَهُ ْ‬
‫م‬ ‫م وَوَي ْ ٌ‬ ‫ما كَتَب َ ْ‬
‫ت أيْدِيهِ ْ‬ ‫م َّ‬ ‫ل لَهُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫صلى الله عليه وسلم {فَوَي ْ ٌ‬
‫ن} [‪.]82‬‬ ‫سبُو َ‬ ‫ما يَك ْ ِ‬ ‫م َّ‬
‫ِ‬
‫وقد كان أول تأكد رسمي ناله المتصوفة لحياء هذه البدعة على‬
‫يد الملك المظفر ملك إربل‪ ،‬الذي كان يحتفل بالمولد احتفال‬
‫هائل ً ينفق فيه ثلثمائة ألف دينار‪ ،‬ويعمل فيه للصوفية سماع ًا من‬
‫الظهر إلى الفجر‪ ،‬ويرقص بنفسه معهم [‪.]83‬‬
‫وفد استمرت هذه الحتفالت بهذه البدعة إلى زماننا هذا وحسبك‬
‫ببدعة أنشأها ملحدة باطنيون معروفون بالبدع والمنكرات‪،‬‬
‫وتولها من بعدهم متصوفة ضالون مضلون لم يتركوا شيئا من‬
‫باطلهم وبدعهم إل وأدخلوه فيما يسمى بالمولد النبوي‪.‬‬
‫ول عجب في اتفاق الطائفتين على هذا المر فهم يجمعهم‬
‫مشرب واحد إذ الكل يزعم أن الشريعة لها ظاهر وباطن‪.‬‬
‫فمما ل شك فيه أن فعل ما يسمى بالمولد بدعة من البدع التي‬
‫ل أساس لها في القرآن ول في السنة ول في عمل السلف‬
‫الصالح وهي بالضافة إلى ذلك ل تحقق المراد من حب الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم فتحقيق محبته وتعظيمه كما سبق وأن بينا‪،‬‬
‫هو في متابعته وطاعته واتباع أمره وإحياء سنته باطنا وظاهرا‬
‫ونشر ما بعث به والجهاد في ذلك بالقلب واليد واللسان‪ ،‬فهذه‬
‫هي طريقة السابقين الولين من المهاجرين والنصار والذين‬
‫اتبعوهم بإحسان‪.‬‬
‫ويضاف إلى كون فعل هذا المر من البدع التي نهى الشارع عنها‬
‫ما فيه كذلك من مضاهاة ومشابهة للنصارى في ميلد عيسى‬
‫عليه السلم فإن النصارى تحتفل بيوم مولد عيسى ويتخذونه‬
‫عيدا وذلك بإيقاد الشموع وصنع الطعام وارتكاب المحرمات‬
‫وفعل الموبقات من شرب للخمور وفعل الفواحش وغير ذلك‬
‫من المهازل والقبائح‪ ،‬وفي هذا يقول بعضهم معلل مشروعية‬
‫الحتفال بفعل المولد "إذا كان أهل الصليب اتخذوا ليلة مولد‬
‫نبيهم عيدًا أكبر فأهل السلم أولى بالتكريم وأجدر" [‪.]84‬‬
‫ونسى هذا القائل أو تناسى تحذير النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫من مشابهة اليهود والنصارى فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم‬
‫أنه قال‪" :‬لتتبعن سنن من كان قبلكم شبًرا شبرا وذراع ًا ذراع ًا‬
‫حتى لو دخلوا حجر ضب تبعتموهم" [‪.]85‬‬
‫قلنا‪ :‬يا رسول الله اليهود والنصارى؟‬
‫قال‪" :‬فمن" [‪ ]86‬أي فمن هم غير أولئك‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬بيان ما يفعل في الموالد من الغلو والمنكرات‬


‫لقد اتخذ أصحاب الطرق الصوفية من المولد ستارا لترويج‬
‫باطلهم ونشر بدعتهم عند الجهلة من عوام الناس‪.‬‬
‫فهم باسم محبة الرسول صلى الله عليه وسلم يقيمون مثل هذه‬
‫الحتفلت‪ ،‬وبذكر شيء من سيرته يفتتحونها‪ ،‬ولكن سرعان ما‬
‫يظهر الباطل وتنجلي الغشاوة فيرى صاحب البصيرة ألوانًا‬
‫وأشكال ً من الغلو والبدع المنكرة تظهر من خلل ما يتلفظ به‬
‫من أقوال‪ ،‬وما ينشد فيه من أشعار‪ ،‬وما يقام من حركات‬
‫وأفعال‪ ،‬مبدية بذلك الوجه الحقيقي والهدف الرئيسي من إقامة‬
‫مثل هذه الموالد‪.‬‬
‫ومن عجيب حال هؤلء أنهم سموا كل اجتماعاتهم التي تقام فيها‬
‫هذه الباطيل مولدا مع أن التسمية ل تساعدهم على هذا‬
‫الطلق‪ ،‬وما ذاك إل أنهم عرفوا أن رواج باطلهم ل يتحقق إل‬
‫تحت هدا الستار ليروج أمرهم على خفافيش البصار إتباع كل‬
‫ناعق‪.‬‬
‫فمن البدع والمنكرات التي تقام في هذه الموالد ‪-‬وما أكثرها‪ -‬ما‬
‫يحصل من الغلو في حق النبي صلى الله عليه وسلم وذلك من‬
‫خلل القصائد التي يطلقون عليها اسم المدائح النبوية‪ ،‬والتي ل‬
‫تخلوا من ألفاظ الغلو في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫والتجاوز عما حدده الشارع مما يليق بمقامه الكريم من الجلل‬
‫والتقدير‪.‬‬
‫فالمتأمل لتلك القصائد يجدها مرصوفة بعبارات التوسل‬
‫والستشفاع والستغاثة‪ ،‬وجعل النبي صلى الله عليه وسلم هو‬
‫المتصرف في هذا الكون وجعله أول الموجودات والقطب الذي‬
‫تدور عليه الفلك‪ ،‬وجعله الغاية التي من أجلها هذا الكون إلى‬
‫غير ذلك الفتراءات والباطيل التي شحنت بها تلك القصائد‪.‬‬
‫وهذه مقتطفات من بردة البوصيري [‪ ]87‬تمثل جانبا من مظاهر‬
‫الغلو التي يتردد في عبارات ما يسمونه بالمدائح النبوية‪:‬‬
‫وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من لوله لم تخرج الدنيا إلى العدم‬
‫دع ما ادعته النصارى في نبيهم واحكم بما شئت مدحا فيه‬
‫واحتكم‬
‫وكل آي أتى الرسل الكرام بها فإنما اتصلت من نوره بهم‬
‫وكلهم من رسول الله ملتمس غرفا من البحر أو رشفا من‬
‫الديم‬
‫طوبى لمنتشق منه وملتئم‬ ‫ل طيب يعدل تربا ضم أعظمه‬
‫أقسمت بالقمر المنشق أن له من قلبه نسبة مبرورة القسم‬
‫ما سامني الدهر ضيما واستجرت به إل ونلت جوارا منه لم‬
‫يضم‬
‫ول التمست غني الدارين من يده إل استلمت الندى من خير‬
‫مستلم‬
‫يا خير من يمم العافون ساحته سعيا وفوق متون الينق الرسم‬
‫ذنوب عمر مضى في الشعر والخدم‬ ‫خدمته بمديح استقيل به‬
‫إن آت ذنبا فما عهدي بمنتقض من النبي ول حبلى بمنصرم‬
‫فإن لي ذمة منه بتسميتى محمدا وهو أوفى الخلق بالذم‬
‫إن لم تكن في معادى آخذا بيدي فضل وإل فقل يا زلة القدم‬
‫حاشاه أن يحرم الراجي مكارمه أو يرجع الجار منه غير محترم‬
‫ومنذ ألزمت أفكاري مدائحه وجدته لخلصي خير ملتزم‬
‫ولن يفوت الغني منه يدا تربت إن الحيا ينبت الزهار في الكم‬
‫يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به سواك عند حدوث الحادث‬
‫العمم‬
‫ولن يضيق رسول الله جاهك بي إذا الكريم تجلى باسم منتقم‬
‫ومن علومك علم اللوح والقلم‬ ‫فإن من جودك الدنيا وضرتها‬
‫[‪.]88‬‬
‫فتأمل هذه البيات وما فيها من غلو وإطراء ومظاهر شركية‬
‫تجاوز فيها الشاعر كل الحدود‪.‬‬
‫حيث جعل الرسول عليه الصلة والسلم هو الغاية في خلق‬
‫الدنيا وعلة وجودها "وجعله بمنزلة الله فهو يغني ويفقر ويغفر‬
‫الذنوب ويقيل العثرات وهو الملذ والملجأ في الدنيا والخر بل‬
‫انتهى به المر إلى أن جعل تصريف الكون كله بيد رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم" [‪.]89‬‬
‫فماذا أبقى للخالق عز وجل وخاصة عند قوله‪:‬‬
‫ومن علومك علم اللوح والقلم‬ ‫فإن من جودك الدنيا وضرتها‬
‫"فإذا كانت الدنيا وضرتها من جود الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫ومن بعض علومه علم اللوح والقلم‪ ،‬لن "من" للتبغيض‪ ،‬فماذا‬
‫للخالق جل وعل" [‪.]90‬‬
‫فهذا هو بعينه الغلو والطراء الذي حذر النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم أمته منه‪.‬‬
‫وبالضافة إلى ألفاظ الشرك وعبارات الغلو التي تحملها جل‬
‫القصائد والمدائح "فإن الحتفال عادة ما يختم بدعوات تحمل‬
‫ألفاظ التوسلت المنكرة والكلمات الشركية المحرمة‪ ،‬لن جل‬
‫الحاضرين عوام أو غلة في حب التوسلت الباطلة التي نهى‬
‫عنها الشارع" [‪.]91‬‬
‫أضف إلى ذلك ما يدعونه من أن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫يحضر هذه الموالد إما بجسده كما يدعيه بعضهم أو بروحه كما‬
‫يدعيه البعض الخر منهم‪ ،‬وسوف أتعرض لهذه النقطة في‬
‫المبحث القادم بإذن الله‪.‬‬
‫هذا فيما يتعلق بما يحصل في هذه الموالد من غلو في حق صلى‬
‫الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ويضاف إلى هذا المر ما قد يحصل في بعض الموالد من‬
‫منكرات وبدع أخرى كالرقص الصوفي‪ ،‬والذكر البدعي‪ ،‬وضرب‬
‫الدفوف‪ ،‬والتزمير بالمزامير [‪.]92‬‬
‫وقد يحصل فيها اختلط الرجال بالنساء وشيء من الفجور‬
‫وشرب الخمور ولكن ل يطرد ل في كل البلد ول في كل الموالد‬
‫[‪.]93‬‬
‫فنعوذ بالله من حال أهل الزيغ والضلل‪.‬‬
‫المبحث السادس‪ :‬حكم القول بحضوره في مجالس المحتفلين‬
‫ورؤيته بالعين الباصرة‬
‫إن من يتأمل في كلم الصوفية فيما يتعلق بشأن غلوهم في حق‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم بما في ذلك التوسل والستشفاع‬
‫والستغاثة وطلب تفريج الكروب ومغفرة الذنوب وغير ذلك مما‬
‫تقدم الشارة إليه يجد أن محور دعواهم يقوم على دعوى أن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم حي بجسده وروحه [‪ ]94‬وأنه يتصرف‬
‫ويسير حيث شاء في أقطار الرض وفي الملكوت‪ ،‬وهو بهيئته‬
‫التي‪ ،‬كان عليها قبل وفاته لم يتبدل منه شيء‪ ،‬وأنه مغيب عن‬
‫البصار كما في ببت الملئكة ‪-‬مع كونهم أحياء بأجسادهم‪ -‬فإذا‬
‫أراد الله تعالى رفع الحجاب عمن أراد إكرامه برؤيته رآه على‬
‫هيئته التي هو عليها‪ ،‬ل مانع من ذلك [‪.]95‬‬
‫والصوفية ليسوا على رأي واحد في هذا ا المر بل هم مختلفون‬
‫حالهم هذا يتذكر المرء قول الله تعالى‪{ :‬وَل َ ْ‬
‫و‬
‫َ‬
‫مضطربون وفي‬
‫ختِلفا ً كَثِيراً} [‪.]96‬‬ ‫عنْد ِ غَيْرِ الل ّهِ لَوَ َ‬
‫جدُوا فِيهِ ا ْ‬ ‫ن ِ‬‫م ْ‬
‫ن ِ‬‫كَا َ‬
‫فهم مختلفون في حقيقة المرئي‪:‬‬
‫فقال بعضهم المرئي ذات المصطفى بجسمه وروحه كما تقدم‬
‫في النقل السابق‪.‬‬
‫وبعضهم يقول ليس المراد أنه يرى جسمه وبدنه‪ ،‬بل مثال له‪،‬‬
‫وصار ذلك المثال آلة يتأدى بها المعنى الذي في نفسه‪.‬‬
‫وقالوا‪ :‬واللة تارة تكون حقيقة‪ ،‬وتارة تكون خيالية‪ ،‬والنفس غير‬
‫المثال المتخيل‪ ،‬فما رآه في الشكل ليس هو روح المصطفى‬
‫صلى الله عليه وسلم ول شخصه‪ ،‬بل هو مثال له على التحقيق‪.‬‬
‫وفصل بعضهم فقال‪ :‬رؤية [‪ ]97‬النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫بصفته المعلومة إدراك له على الحقيقة‪ .‬ورؤيته على غير صفته‬
‫إدراك للمثال [‪.]98‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬ومنهم من يرى روحه في اليقظة متشكلة بصورته‬
‫الشريفة‪.‬‬
‫ومنهم من يرى حقيقة ذاته الشريفة وكأنه معه في حياته صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬وهؤلء هم أهل المقام العلى في رؤيته صلى‬
‫الله عليه وسلم [‪.]99‬‬
‫وأعجب من ذلك كله ما ذكر عن بعضهم من أنه رأى السماء‬
‫والرض والعرش والكرسي مملوءة من رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫وزعم من زعم أن السؤال عن كيفية رؤية المتعددين له عليه‬
‫الصلة والسلم في زمن واحد في أقطار متباعدة ينحل به‪ ،‬ول‬
‫يحتاج معه إلى ما أشار إليه بعضهم وقد سئل عن ذلك فأنشد‬
‫كالشمس في كبد السماء وضؤها يغشى البلد مشارقا ومغاربا [‬
‫‪]100‬‬
‫فانظر إلى هذا الغلو عندهم‪ ،‬نعوذ بالله من حال أهل الزيغ‬
‫والضلل‪.‬‬
‫ويحسن قبل الشروع في تفنيد هذا الباطل وكان فساده أن أشير‬
‫إلى الوجه الخر لهذه الدعوى‪.‬‬
‫فهذه الطائفة لم تكن لتدعى هذه الدعوى إل لما فيها من‬
‫المكاسب والهداف والغايات التي يتحصلون عليها كل من وراء‬
‫ذلك‪.‬‬
‫فمنهم من يستغل هذه الدعوى ليحصل على إجازة من الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم للطريقة التي ابتدعها والذكار والوراد‬
‫التي اخترعها لتصبح بعد ذلك شرعا لتباعه‪.‬‬
‫ومنهم من يستغل ذلك ليهام الناس بأن ذلك من كراماته ليحظى‬
‫لديهم بالمنزلة والمكانة إلى غير ذلك من الغايات والمأرب‪.‬‬
‫هذا وإن لموضوع رؤية النبي صلى الله عليه وسلم جوانب‬
‫متعددة بخصنا منها ما يتعلق بعنوان المبحث وهو دعوى رؤيته‬
‫يقظة بعيني الرأس‪.‬‬
‫فهذه الدعوى مخالفة للشرع والعقل‪.‬‬
‫أما من جهة الشرع فليس هناك دليل شرعي يثبت حصول ذلك‬
‫وغاية ما دلت عليه النصوص إمكانية الرؤيا المنامية‪ ،‬فحملها أهل‬
‫الباطل على الرؤية البصرية‪ ،‬ومما يؤكد فساد هذا التأويل للرؤيا‬
‫واقع القرون المفضلة المشهود لهم بالخيرية من المصطفى‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فلم ينقل عن أحد من أهل هذه القرون‬
‫الثلثة أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقظة بعد موته‪.‬‬
‫مع أنه قد حدثت في أزمانهم حوادث كان الحاجة إلى ظهوره‬
‫شديدة جدا لو كان ذلك ممكنا‪.‬‬
‫فالصحابة قد وقع بينهم اختلف في عدد من المسائل الدينية‬
‫والدنيوية وفيهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي‪ ،‬ولم يبلغنا أنا أحدا‬
‫منهم ادعى أنه رأى في اليقظة رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫وأخذ عنه ما أخذ‪ ،‬وكذا لم يبلغنا أنه صلى الله عليه وسلم ظهر‬
‫لمتحير في أمر من أولئك الصحابة الكرام فأرشده وأزال تحيره‪.‬‬
‫"وقد قال ابن عبد البر لمن ظن أن الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم قد كلم بعض الناس بعد وفاته عند حجرته‪.‬‬
‫فقال له ابن عبد البر‪ :‬ويحك هذا أفضل من السابقين الولين من‬
‫المهاجرين والنصار؟ فهل من هؤلء من سأل النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم فأجابه؟‬
‫وقد تنازع الصحابة في أشياء‪ ،‬فهل سألوا النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فأجابهم‪ ،‬وهذه بنته فاطمة تنازع في ميراثه فهل سألته‬
‫فأجابه؟ [‪.]101‬‬
‫وأما من جهة العقل فلما يترتب على هذه الدعوى من اللوازم‬
‫الباطلة فليزم منها‪:‬‬
‫أن يخلو قبره من جسده فل يبقى في قبره منه‬ ‫‪-1‬‬
‫شيء فيكون من يزوره في ذلك الوقت يزور مجرد القبر ويسلم‬
‫على الغائب‪.‬‬
‫أن يحيا الن ويخرج من قبره ويمشي في السواق‬ ‫‪-2‬‬
‫ويخاطب الناس ويخاطبوه‪.‬‬
‫أن يكون الشخص الذي رأه يقظة له حكم الصحابة‬ ‫‪-3‬‬
‫رضوان الله عليهم‪.‬‬
‫أن يكون الكلم الذي تكلم به النبي صلى الله عليه‬ ‫‪-4‬‬
‫وسلم تشريعًا جديدًا لهذه المة وهذا لشك فيه‪ ،‬طعن في كمال‬
‫هذا الدين وكونه عرضة للتبديل والتغيير‪.‬‬
‫وهذه الجهالت ل يلتزم بها من كان له أدنى مسكة عقل‪.‬‬
‫ومن ظن أن جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم المودع في‬
‫المدينة خرج من القبر وحضر في المكان الذي رآه فيه فهذا‬
‫جهل ل جهل يشبهه‪.‬‬
‫فقد يراه في وقت واحد ألف شخص في ألف مكان على صور‬
‫مختلفة‪ .‬فكيف يتصور هذا في شخص واحد؟" [‪.]102‬‬
‫هذا وأن الذي يعتقده علماء السلف هو أن النبياء أحياء في‬
‫قبورهم حياة برزخية الله أعلم بكيفيتها‪ ،‬وقد حرم الله على‬
‫الرض أن تأكل أجسادهم‪ ،‬وأن هذه الجساد ل تخرج من القبور‬
‫حتى يبعث الله الخلئق كما في الحديث عنه صلى الله عليه‬
‫وسلم "فإن الناس يصعقون فأكون أول من تنشق عنه الرض" [‬
‫‪.]103‬‬
‫وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال‪" :‬أنا سيد ولد آدم يوم‬
‫القيامة‪ ،‬وأول من ينشق عنه القبر" الحديث [‪.]104‬‬
‫فالرسول صلى الله عليه وسلم ل يخرج من قبره قبل يوم‬
‫القيامة ول يتصل بأحد من الناس‪ .‬بل هو منعم في قبره وروحه‬
‫في أعلى عليين عند ربه في دار الكرامة‪.‬‬
‫والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل‪.‬‬

‫الخاتمة‬
‫جريا على عادة الباحثين في ذكر النتائج التي توصلوا إليها في‬
‫نهاية أبحاثهم ونظرا لهمية ذلك في الرسائل العلمية فإني ألخص‬
‫أهم النتائج التي توصلت إليها في بحثي بما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬هذه الحقوق المذكورة في ثنايا هذه الرسالة تشكل بمجموعها‬
‫أحد أصلي الدين‪ ،‬وهي معني "شهادة أن محمدا رسول الله"‪.‬‬
‫‪ -2‬هذه الحقوق ل يدخل فيها ما هو حق خالص لله عز وجل من‬
‫أمور اللوهية أو الربوية‪.‬‬
‫فما كان حقا لله عز وجل فل يجوز صرفه لغير الله ل للنبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ول لغيره‪ ،‬وهذا ما أكدته نصوص القرآن والسنة‪.‬‬
‫‪ -3‬أن أمور هذا الدين ل تقوم على التحلي والتمني والدعاوى‬
‫الزائفة وإنما تقوم على العتقاد الصحيح الذي يصدقه قول‬
‫اللسان وعمل الجوارج‪.‬‬
‫‪ -4‬أن النصوص من آيات وأحاديث وآثار قد وضحت ما يجب على‬
‫هذه المة في هذا الجانب فقد أرشدت ودلت وبينت وفصلت‬
‫وهذا هو الشأن في جميع جوانب هذا الدين‪ ،‬فقد أكمل الله عز‬
‫وجل لنا هذا الدين‪ ،‬وقد بلغ رسوله صلى الله عليه وسلم ما‬
‫أوحي إليه من رب العالمين البلغ المبين‪.‬‬

‫فلسنا في حاجة بعد ذلك إلى من يزيد على هذه الحقوق أو‬
‫ينقص منها‪ ،‬وإنما علينا أن نتبع ونقتدي ول نبتدع‪.‬‬
‫‪ -5‬أن على المة أن تعرف ما أوصى الله عليها من حقوق تجاه‬
‫نبيها صلى الله عليه وسلم فذلك عقد من عقود اليمان ل يتم‬
‫إيمان العبد إل به‪.‬‬
‫وعلى المسلم بذل الوسع في تعلم هذه الحقوق وتعليمها‬
‫ونشرها بين الناس‪.‬‬
‫‪ -6‬وجوب اليمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وأنه ل يتم اليمان‬
‫بالله بدون اليمان به‪ ،‬كما ل تحصل نجاة ول سعادة بدون اليمان‬
‫به‪ ،‬لنه هو الطريق إلى الله سبحانه وتعالى ولذلك كان أول‬
‫أركان السلم "شهادة أن ل إله إل الله وشهادة أن محمدا رسول‬
‫الله"‪.‬‬
‫‪ -7‬أن برهان اليمان بالنبي صلى الله عليه وسلم ومحبته‬
‫وتعظيمه يرتكز على محور التباع والتأسي‪ ،‬ولذلك كان السلف‬
‫من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن سار على نهجهم أشد الناس‬
‫حرصا على ذلك‪.‬‬
‫‪ -8‬خص الله عز وجل نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بحقوق‬
‫مما يزيد على لوازم الرسالة تفضل من الله عز وجل وتكريما‬
‫فعلينا حفظ تلك الحقوق والقيام بها‪.‬‬
‫‪ -9‬على المة أن تحفظ حرمة النبي صلى الله عليه وسلم بعد‬
‫وفاته في خاصة نفسه وفي آله وأزواجه أمهات المؤمنين‬
‫وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين‪ ،‬وفي كل ما له صلة بأمر‬
‫هذا الدين‪.‬‬
‫‪ -10‬على المسلم أن يحذر أشد الحذر من مخالفة هدي النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم لما في ذلك من الهلك والخسران في‬
‫الدنيا والخرة‪.‬‬
‫‪ -11‬الغلو في حقه صلى الله عليه وسلم ل يزيد إل بعدا عن شرع‬
‫المصطفى صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ول يحقق لصاحبه محبة ول‬
‫ما‪.‬‬
‫تعظي ً‬
‫وفي الختام أسأل الله عز وجل أن يرزقنا حسن التأسي والقتداء‬
‫والثبات على الحق‪ ،‬وأن يحشرنا في زمرة نبيه صلى الله عليه‬
‫وسلم إنه جواد كريم وعلى كل شيء قدير‪ .‬وآخر دعوانا أن‬
‫الحمد لله رب العالمين‪.‬‬

‫المراجع‬
‫‪ -1‬البداع في مضار البتداع‪ :‬للشيخ الستاذ علي محفوظ (ت‬
‫‪1361‬هـ) ط دار المعرفة بيروت‪.‬‬
‫‪ -2‬الحكام في أصول الحكام‪ :‬للمدي‪ ،‬سيف الدين على بن‬
‫محمد دار الفكر الطبعة الولى ‪1401‬هـ‪.‬‬
‫‪ -3‬آداب الشافعي ومناقبه‪ :‬للرازي أبي محمد عبد الرحمن بن‬
‫أبي حاتم (ت ‪327‬هـ) دار الكتب ا لعلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -4‬الدب المفرد‪ :‬للبخاري محمد بن إسماعيل (ت ‪256‬هـ) دار‬
‫الكتب العلمية بيروت‪.‬‬
‫‪ -5‬إرشاد الطالب‪ :‬للشيخ سليمان بن سحمان‪ ،‬مطبعة المنار‪،‬‬
‫مصر الطبعة الولى ‪ 1345‬هـ‪.‬‬
‫‪ -6‬الستيعاب في أسماء الصحاب‪ :‬لبن عبد البر‪ ،‬أبو عمر يرسف‬
‫بن عبد الله بن محمد (ت ‪ 463‬هـ) الناشر‪ :‬دار الكتاب العربي‪.‬‬
‫‪ -7‬أسد الغابة في معرفة الصحابة‪ :‬لعز الدين على بن أحمد بن‬
‫الثير الجزري ط دار الشعب‪ -‬القاهرة ‪ 1390‬هـ‪.‬‬
‫‪ -8‬الصول الثلثة وأدلتها‪ :‬لشيخ السلم محمد بن عبد الوهاب‬
‫(ت ‪1206‬هـ) مطبعة الكيلني‪.‬‬
‫‪ -9‬الصابة في تمييز الصحابة‪ :‬لبن حجر العسقلني (ت ‪852‬هـ)‬
‫دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‬
‫‪ -10‬أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن‪ :‬للشيخ محمد المين‬
‫بن محمد المختار الجنكى الشنقيطى (ت ‪1393‬هـ) ط عالم الكتب‪،‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ -11‬أطلس العلم‪ :‬لعدد من الساتذة‪ -‬الناشر مكتبة لبنان‪.‬‬
‫‪ -12‬العتصام‪ :‬للعلمة أبي إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي‪،‬‬
‫دار المعرفة للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت لبنان ‪ 1402‬هـ‪.‬‬
‫‪ -13‬العلم‪ :‬لخير الدين الزركلي دار العلم للمليين‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‬
‫الطبعة السادسة ‪ 1984‬م‪.‬‬
‫‪ -14‬أعلم الموقعين‪ :‬لمحمد بن أبي بكر المشهور بابن قيم‬
‫الجوزبة (ت ‪751‬هـ) مكتبة الكليات الزهرية ‪1388‬هـ‪.‬‬
‫‪ -15‬إغاثة اللهفان لمحمد بن أبي بكر المشهور بابن قيم الجوزية‬
‫(ت ‪751‬هـ) دار المعرفة بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ -16‬كتاب اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم‪:‬‬
‫لبن تيمية‪ ،‬أبو العباسي تقي الدين أحمد بن عبد الحليم (ت ‪728‬‬
‫هـ) مطابع المجد التجارية‪.‬‬

‫‪ -17‬الم‪ :‬للمام محمد بن إدريس الشافعي (ت ‪1104‬هـ) مطبعة‬


‫كتاب الشعب‪.‬‬
‫‪ -18‬النصاف فيما قيل في المولد من الغلو والجحاف لبي بكر‬
‫بن جابر الجزائري مطابع الرشيد بالمدينة المنورة ‪1402‬هـ‪.‬‬
‫‪ -19‬النوار المحمدية من المواهب اللدنية‪ :‬ليوسف بن إسماعيل‬
‫النبهاني دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع بيروت‪.‬‬
‫‪ -20‬إيضاح الدللة في عموم الرسالة‪ :‬لشيخ السلم ابن تيمية أبو‬
‫العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم (ت ‪ 728‬هـ) ضمن‬
‫مجموعة الرسائل المنيرية (الجزء الثاني) ط إدارة الطباعة‬
‫المنيرية‪ ،‬الناشر محمد أمين دمج‪ ،‬بيروت ‪ 1970‬م‪.‬‬
‫‪ -21‬كتاب اليمان‪ :‬لبن تيمية‪ ،‬أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد‬
‫الحليم (ت ‪ 728‬هـ) ط المكتب السلمي‪ ،‬الطبعة الثالثة‪.‬‬
‫‪ -22‬بداية السول في تفضيل الرسول‪ :‬للعلمة العز عبد العزيز بن‬
‫عبد السلم السلمي المكتب السلمي الطبعة الرابعة ‪ 1406‬هـ‬
‫‪ -23‬البداية والنهاية‪ :‬لبن كثير‪ ،‬عماد الدين أبو الفداء‪ ،‬إسماعيل‬
‫بن كثير القرشي (ت ‪ 774‬هـ) مكتبة المعارف‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‬
‫الرابعة ‪ 1401‬هـ‪.‬‬
‫‪ -24‬البدع والنهي عنها‪ :‬للمام محمد بن وضاح القرطبي الندلسي‬
‫دار الرائد العربي بيروت‪ -‬الطبعة الثانية ‪1402‬هـ‪.‬‬
‫‪ -25‬بدائع الفوائد‪ :‬لمحمد بن أبي بكر المشهور بابن قيم الجوزية‬
‫(ت ‪751‬هـ) دار الكتاب العربي بيروت‪.‬‬
‫‪ -26‬تاج العروس من جواهر القاموس‪ :‬للزبيدي محمد بن عبد‬
‫الرازق ط المطبعة الخيرية مصر الطبعة الولى‪.‬‬
‫‪ -27‬تاريخ البغدادى أبو بكر أحمد بن على (ت ‪ 463‬هـ) ط دار‬
‫الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ -28‬تاريخ الجهمية والمعتزلة‪ :‬جمال الدين القاسمي الدمشقي‬
‫مؤسسة الرسالة بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1401‬هـ‪.‬‬
‫‪ -29‬تاريخ الرسل والملوك (تاريخ الطبري)‪ :‬للطبري محمد بن‬
‫جرير (ت ‪ 310‬هـ) دار المعارف القاهرة ‪ 1968‬م‪.‬‬
‫‪ -30‬التاريخ الكبير‪ :‬للبخاري محمد بن إسماعيل (ت ‪2501‬هـ) دار‬
‫الكتب العلمية المصورة على نسخة حيدر آباد‪.‬‬
‫‪ -31‬التيجانية‪ :‬لعلي بن محمد الدخيل الله الناشر دار طيبة‬
‫الرياض‪.‬‬
‫‪ -32‬تحذير أهل اليمان عن الحكم بغير ما أنزل الرحمن‪:‬‬
‫للسعردي‪ ،‬إسماعيل بن إبراهيم الخطيب الحسني ضمن‬
‫مجموعة الرسائل المنيرية (الجزء الول) ط إدارة الطباعة‬
‫المنيرية‪.‬‬
‫‪ -33‬تأويل مختلف الحديث‪ :‬ابن قتيبة‪ :‬أبو محمد عبد الله بن‬
‫مسلم (ت ‪ 276‬هـ) الناشر دار الكتاب العربي بيروت لبنان‪.‬‬
‫‪ -34‬التحفة العراقية في العمال القلبية‪ :‬لشيخ السلم ابن تيمية‬
‫تقي الدين أحمد بن عبد الحليم (ت ‪ 728‬هـ) ضن مجموعة‬
‫الرسائل المنيرية (الجزء الرابع) ط (دارة الطباعة المنيرية‪.‬‬
‫الناشر محمد أمين دمج‪ ،‬بيروت ‪ 1970‬م‪.‬‬
‫‪ -35‬تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي‪ :‬للسيوطي‪ :‬جلل‬
‫الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت ‪ 911‬هـ) بتحقيق عبد الوهاب‬
‫بن عبد اللطف الناشر دار الكتب الحديثة‪ ،‬القاهرة مصر‪ .‬ط‬
‫الثانية ‪ 1385‬هـ‪.‬‬
‫‪ -36‬تذكرة الحفاظ‪ :‬للذهبي‪ ،‬أبو عبد الله شمس الدين (ت ‪748‬هـ)‬
‫دار إحياء التراث العربي‪ -‬طبعة مصورة عن مطبعة دائرة‬
‫المعارف بالهند‪.‬‬
‫‪ -37‬تعظيم قدر الصلة‪ :‬لمحمد بن نصر المروزى (ت ‪ 394‬هـ) ط‬
‫دار الرقم للطباعة والنشر‪ ،‬استانبول تركيا الناشر مكتبة الدار‬
‫المدينة المنورة الطبعة الولى ‪1406‬هـ‪.‬‬
‫‪ -38‬تفسير ابن كثير‪" :‬تفسير القرآن العظيم" ابن كثير‪ :‬عماد‬
‫الدين أبو الفداء إسماعيل بن كثير القرشي (ت ‪ 774‬هـ) ط دار‬
‫المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان عام ‪1402‬هـ‪.‬‬
‫‪ -39‬تفسير البغوى "معالم التنزيل"‪ :‬للبغوى الحسن بن مسعود‬
‫(ت ‪ 516‬هـ) ط مطبع المنار ط الولى‪.‬‬
‫‪ -40‬تفسير الطري "جامع البيان عن تأويل آي القرآن" الطري‪:‬‬
‫أبر جعفر محمد بن جرير (ت ‪310‬هـ) ط شركة ومكتبة مصطفى‬
‫الحلبي وأولده‪ ،‬مصر الطبعة الثالثة‪.‬‬
‫‪ -41‬تفسبر القرطبي "الجامع لحكام القرآن" للقرطبي أبو عبد‬
‫الله محمد بن أحمد النصاري (ت ‪ 671‬هـ) ط دار إحياء التراث‬
‫العربي‪.‬‬
‫‪ -42‬تلخيص كتاب الستغاثة المعروف بالرد على البكري‪ :‬لشيخ‬
‫السلم ابن تيمية‪ ،‬ط الدار العلمية للطباعة والنشر دلهي الهند‪.‬‬
‫‪ -43‬تنبيه أولي البصار إلى كمال الدين وما في البدع من‬
‫الخطار‪ :‬للدكتور صالح بن سعد السحيمي‪ ،‬الناشر دار ابن حزم‬
‫للنشر والتوزيع الرياض الطبعة الولى ‪1410‬هـ‪.‬‬
‫‪ -44‬تنبيه الحذاق على بطلن ما شاع بين النام من حديث النور‬
‫المنسوب لمصنف عبد الرزاق‪ :‬لمحمد أحمد عبد القادر‬
‫الشنقيطي المدني مطابع الجامعة السلمية‪ ،‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫‪ -45‬تهذيب التهذيب‪ :‬لبن حجر العسقلني طبعة مصورة من‬
‫طبعة دائرة المعارف بالهند‪.‬‬
‫‪ -46‬تهذيب اللغة‪ :‬للزهري‪ ،‬أبي منصور محمد بن أحمد (ت ‪375‬هـ)‬
‫المؤسسة المصرية للتأليف والترجمة (تحقيق عبد السلم‬
‫هارون)‪.‬‬
‫‪ -47‬توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة المام ابن‬
‫القيم‪ :‬لحمد بن إبراهيم بن عيسى‪ -‬بتحقيق زهير الشاويش‬
‫المكتب السلمي‪.‬‬
‫‪ -48‬تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد‪ :‬للشيخ سليمان‬
‫بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب (ت ‪ 1233‬هـ) الناشر المكتبة‬
‫السلفية‪.‬‬
‫‪ -49‬تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلم المنان‪ :‬للشيخ عبد‬
‫الرحمن بن ناصر السعدي ط مؤسسة مكة للطباعة والعلم‪.‬‬
‫‪ -50‬جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي روايته وحمله‪ :‬لبي عمر‬
‫يوسف بن عبد البر النصري القرطبي (ت ‪ 463‬هـ)‪ ،‬ط دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬ط دار الفكر بيروت‪.‬‬
‫‪ -51‬الجامع لشعب اليمان‪ :‬للبيهقي أبي بكر أحمد بن الحسين‬
‫(ت ‪458‬هـ) رسالة ماجستير بتحقيق فلح بن ثاني بن شامان‬
‫تتضمن أول الكتاب إلى نهاية الشعبة السابعة‪ .‬وقسم آخر‬
‫بتحقيق محمد بن عبد الوهاب العقيل وتتضمن الباب الرابع عشر‬
‫إلى نهاية الثامن عشر‪.‬‬
‫‪ -52‬جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع‬
‫الكلم‪ :‬لبن رجب‪ :‬زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد ط‬
‫دار المعرفة بيروت‪.‬‬
‫‪ -53‬الجامع الفريد‪ :‬ويحتوى على كتب ورسائل لئمة الدعوة‬
‫السلمية ط مطبعة المدينة‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -54‬جلء الفهام في فضل الصلة والسلم على خير النام‪ :‬لبن‬
‫القيم‪ :‬شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر (ت ‪751‬هـ)‬
‫تحقيق محي الدين مستو‪ .‬دار ابن كثير للطباعة والنشر‪ ،‬الطبعة‬
‫الولى ‪ 1408‬هـ‪ .‬ونسخة أخرى ط دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫لبنان‪.‬‬
‫‪ -55‬الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح‪ :‬لشيخ السلم ابن‬
‫تيمية‪ -‬ط مطابع المجد‪.‬‬
‫‪ -56‬الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي‪ :‬لبن القيم‬
‫الجوزية‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ -‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الولى ‪1405‬‬
‫هـ‪.‬‬
‫‪ -57‬حقوق آل البيت‪ :‬لشيخ السلم ابن تيمية‪ -‬ط دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -58‬حلية الولياء وطبقات الصفياء‪ :‬للحافظ أبي نعيم أحمد بن‬
‫عبد الله الصبهاني (ت ‪ 435‬هـ) الناشر دار الكتاب العربي‪.‬‬
‫‪ -59‬الخصائص الكبرى كفاية الطالب اللبيب في خصائص الحبيب‬
‫للسيوطي‪ :‬جلل الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت ‪ 911‬هـ) ط‪:‬‬
‫دار الكنب العلمية بيروت لبنان ط الولى ‪ 1405‬هـ‬
‫‪ -60‬درء تعارض العقل والنقل‪ :‬لشيخ السلم ابن تيمية‪ -‬بتحقيق‬
‫محمد رشاد سالم ط مطابع جامعة المام محمد بن سعود‬
‫السلمية‪ ،‬الطبعة الولى‪.‬‬
‫‪ -61‬كتاب دراسة حديث نضر الله امرأ‪ :‬للشيخ عبد المحسن بن‬
‫حمد العباد مطابع الرشيد بالمدينة المنورة‪.‬‬
‫‪ -62‬الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي جلل الدين عبد‬
‫الرحمن بن أبي بكر (ت ‪ 911‬هـ) ط دار المعرفة‪.‬‬
‫‪ -63‬دلئل النبوة‪ :‬للحافظ ابن نعيم أحمد بن عبد الله الصبهاني‬
‫(ت ‪ 430‬هـ) ط بدون‪.‬‬
‫‪ -64‬دلئل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة‪ :‬للبيهقي‪ :‬أحمد‬
‫بن الحسين (ت ‪458‬هـ) بتحقيق د‪ /‬عبد المعطي قلعجى‪ ،‬ط دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان الطبعة الولى ‪ 1405‬هـ‪.‬‬
‫‪ -65‬ديوان العشى‪ :‬ط القاهرة‪ ،‬عام ‪ 1950‬م‪.‬‬
‫‪ -66‬ديوان أبي الطيب المتنبي‪ :‬ط‪ .‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -67‬ديوان البوصيري‪ :‬محمد بن سعيد بن حماد بتحقيق سيد‬
‫كيلني ط مطبعة الحلبي القاهرة (‪ 1993‬م)‪.‬‬
‫‪ -68‬الرد على الخنائي‪ :‬لشيخ السلم ابن تيمية ط الدار العلمية‬
‫للطاعة والنشر‪ ،‬دلهي‪ ،‬الهند‪.‬‬
‫‪ -69‬الرد على الزنادقة والجهمية‪ :‬للمام أحمد بن حنبل (ت ‪241‬‬
‫هـ) ط المطبعة السلفية ومكتبتها‪ ،‬القاهرة ‪1393‬هـ‪.‬‬
‫‪ -70‬رسالة التقليد‪ :‬لبن القيم‪ :‬شمس الدين أبي عبد الله محمد‬
‫بن أبي بكر (ت ‪751‬هـ) بتحقيق محمد عفيفي ط المكتب‬
‫السلمي‪ ،‬بيروت الطبعة الثانية ‪1403‬هـ‪.‬‬
‫‪ -71‬روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني‪:‬‬
‫لللوسي أبي الفضل شهاب الدين محمد البغدادي (ت ‪1270‬هـ)‬
‫دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -72‬الروح في الكلم على أرواح الموات والحياء‪ :‬لبن القيم‬
‫شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر (ت ‪ 751‬هـ) بتحقيق‬
‫د‪ /‬بسام على سلمة العموش الناشر دار ابن تيمية للنشر الطبعة‬
‫الولى‪.‬‬
‫‪ -73‬روضة المحبين ونزهة المشتاقين‪ :‬لبن القيم‪ :‬شمس الدين‬
‫أبي عبد الله محمد بن أبي بكر (ت ‪ 751‬هـ) ط دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ -74‬رياض الصالحين‪ :‬للنووي يحيى بن شرف (ت ‪ 676‬هـ) ط‬
‫مؤسسة الرسالة‪.‬‬
‫‪ -75‬زاد المعاد في هدى خير العباد‪ :‬لبن القيم الجوزية‪ -‬بتحقيق‬
‫شعيب الرنؤوط وعبد القادر الرنؤوط الناشر مؤسسة الرسالة‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪ -‬الطبعة الثالثة عشر ‪1406‬هـ‪.‬‬
‫‪ -76‬زاد المهاجر إلى ربه الرسالة التبوكية لبن القيم الجوزية‪-‬‬
‫الناشر مكتبة المدني ومطبعتها‪.‬‬
‫‪ -77‬الزهد‪ :‬لعبد الله بن المبارك المروزي (ت ‪181‬هـ) بتحقيق‬
‫حبيب الرحمن العظمي دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ -78‬سلسلة الحاديث الصحيحة للشيخ محمد ناصر الدين اللباني‬
‫ط المكتب ط السلمي‪.‬‬
‫‪ -79‬سلسلة الحاديث الضعيفة وأثرها السيء على المة‪ :‬للشيخ‬
‫محمد ناصر الدين اللباني ط المكتب السلمي‪.‬‬
‫‪ -80‬السنن‪ :‬لبي داود‪ ،‬سليمان بن الشعث السجستاني (ت ‪275‬‬
‫هـ) بتعليق عزت عبيد الدعاس وعادل السيد نشر وتوزيع دار‬
‫الحديث‪ ،‬حمص‪ ،‬الطبعة الولى ‪1388‬هـ‪.‬‬
‫‪ -81‬السنن‪ :‬للترمذي‪ ،‬أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة (ت‬
‫‪ 279‬هـ) بتحقيق أحمد شاكر ط دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‬
‫لبنان‪.‬‬
‫‪ -82‬السنن‪ :‬للنسائي أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن على‬
‫بن بحر (‪ 353‬هـ) دار الكتب ا لعلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -83‬السنن‪ :‬لبن ماجه أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني (ت‬
‫‪ 275‬هـ) بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ط دار إحياء التراث‬
‫العربي ونسخة أخرى بتحقيق محمد مصطفى العظمي ط‬
‫شركة الطباعة العربية السعودية‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة الولى ‪ 1403‬هـ‪.‬‬
‫‪ -84‬السنن‪ :‬للدارقطي علي بن عمر الدارقطي (ت ‪ 385‬هـ) من‬
‫مطبوعات السيد عبد الله هاشم اليماني ‪ 1386‬هـ بالمدينة‬
‫المنورة‪.‬‬
‫‪ -85‬سنن الدارمي‪ :‬للدارمي عبد الله بن عبد الرحمن (ت ‪ 255‬هـ)‬
‫ط دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت لبنان‪.‬‬
‫‪ -86‬السنن الكبرى‪ :‬للبيهقي أحمد بن الحسين بن على (ت ‪458‬هـ)‬
‫مطبعة دائرة المعارف النظامية بحيدر أباد‪.‬‬
‫‪ -87‬السنة‪ :‬للحافظ أبي بكر عمرو بن عاصم الضحاك بن مخلد‬
‫الشيباني (ت ‪287‬هـ) بتحقيق ناصر الدين اللباني ط المكتب‬
‫السلمي الطبعة الولى ‪1405‬هـ‪.‬‬
‫‪ -88‬السيرة النبوية‪ :‬لبن هشام أبي محمد عبد الملك بن هشام‬
‫المعافري (ت ‪213‬هـ) بتحفيق طه عبد الرؤوف سعد ط شركة‬
‫الطباعة الفنية المتحدة القاهرة‪.‬‬
‫‪ -89‬شذرات الذهب في أخبار من ذهب‪ :‬لبن العماد الحنبلي‪ ،‬أبي‪،‬‬
‫الفلح عبد الحي بن العماد(ت ‪ 1089‬هـ) دار إحياء الكتاب العربي‪،‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ -90‬شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة‪ :‬لللكائي‪ :‬هبة الله‬
‫بن الحسن بن منصور الطبري (ت ‪ 418‬هـ) بتحقيق د‪ /‬أحمد بن‬
‫سعد الغامدي‪ ،‬الناشر دار طيبة للنشر والتوزيع‪.‬‬
‫‪ -91‬شرح العقيدة الصفهانية‪ :‬لشيخ السلم ابن تيمية الناشر دار‬
‫الكتب السلمية مصر‪.‬‬
‫‪ -92‬شرح العقيدة الطحاوية ط المكتب السلمي الطبعة الرابعة‪.‬‬
‫‪ -93‬شرح النحوي لصحيح مسلم‪ :‬للنووي أبي زكريا يحيى بن‬
‫شرف (ت ‪676‬هـ) الناشر دار الفكر للطاعة والنشر‪.‬‬
‫‪ -94‬الشفا بتعريف‪ .‬حقوق المصطفى‪ :‬للقاضي عياض أبي الفضل‬
‫عياض بن موسى بن عباس اليحصبي (ت ‪544‬هـ) بتحقيق على‬
‫محمد البجاوي الناشر دار الكتاب العربي ‪ 1404‬هـ‪.‬‬
‫‪ -95‬الشهادة الزكية في ثناء الئمة على ابن تيمية‪ :‬لمرعى بن‬
‫يوسف الكرمي الحنبلي (ت ‪1033‬هـ) بتحقيق نجم عبد الرحمن‬
‫خلف الناشر دار الفرقان‪ ،‬ومؤسسة الرسالة الطبعة الولى ‪1454‬‬
‫هـ‪.‬‬
‫‪ -96‬الشريعة‪ :‬للجري أبي بكر محمد بن الحسين (ت ‪360‬هـ)‬
‫بتحقيق محمد حامد الفقي الناشر حديث أكادمي‪ ،‬باكستان ط‬
‫الولى ‪ 1453‬هـ‪.‬‬
‫‪ -97‬الصارم المسلول على شاتم الرسول‪ :‬لشيخ السلم ابن‬
‫تيمية ط مطابع الحرس الوطني‪.‬‬
‫‪ -98‬صحيح الجامع الصغير وزياداته‪ :‬لللباني محمد ناصر الدين‬
‫اللباني المكتب السلمي‪.‬‬
‫‪ -99‬صحيح ابن خزيمة‪ :‬للمام أبي بكر محمد بن إسحاق بن‬
‫خزيمة (ت ‪311‬هـ) بتحقيق الدكتور محمد مصطفى عظمى‬
‫المكتب السلمي‪.‬‬
‫‪ -100‬صحيح مسلم "الجامع الصحيح" للمام مسلم بن الحجاج‬
‫القشيري (ت ‪261‬هـ) دار المعرفة بيروت لبنان‪.‬‬
‫‪ -101‬صيد الخاطر‪ :‬لبن الجوزي أبي الفرج عبد الرحمن بن علي‬
‫(ت ‪597‬هـ) المكتبة العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -102‬طبقات الحنابلة‪ :‬للقاضي أبي الحسن محمد بن أبي يعلى‬
‫تصحيح محمد حامد الفقي ط السنة المحمدية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -103‬الطبقات الكبرى‪ :‬لبن سعد محمد بن عبد الله بن سعد‬
‫البصري (ت ‪230‬هـ) دار صادر بيروت‪.‬‬
‫‪ -104‬طبقات المفسرين للداودي شمس الدين محمد بن علي بن‬
‫أحمد (ت ‪945‬هـ) الناشر دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ -105‬طريق الهجرتين وباب السعادتين‪ :‬للمام ابن القيم الجوزية‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت الطبعة الولى ‪1402‬هـ‪.‬‬
‫‪ -106‬عصمة النبياء‪ :‬للرازي محمد بن عمر بن الحسن (ت ‪606‬‬
‫كل) الناشر دار المطبوعات الحديثة‪ ،‬جدة‪ ،‬الطبعة الولى ‪1406‬هـ‪.‬‬
‫‪ -107‬عقيدة ختم النبوة بالنبوة المحمدية‪ :‬لحمد بن سعد الغامدي‬
‫الناشر دار طيبة‪ ،‬الرياض‪1405 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -108‬العلل المتناهية في الحاديث الواهية‪ :‬لبن الجوزي أبي‬
‫الفرج عبد الرحمن بن على (ت ‪ 597‬هـ) بتحقيق إرشاد الحق‬
‫الثري الناشر إدارة العلوم الثرية‪ ،‬فيصل آباد باكستان‪.‬‬
‫‪ -109‬عمل اليوم والليلة‪ :‬للنسائي أحمد بن شعيب النسائي (ت‬
‫‪303‬هـ) بتحقيق د‪ /‬فاروق حمادة الناشر مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫الطعة الثانية‪.‬‬
‫‪ -110‬عمل اليوم والليلة‪ :‬لبن السني‪ :‬أحمد بن محمد بن إسحاق‬
‫الدينوري (ت ‪364‬هـ) بتحقيق سالم بن أحمد السلفي الناشر‬
‫مؤسسة الكتب الثقافية ط الولى ‪1408‬هـ‪.‬‬
‫‪ -111‬كتاب العين‪ :‬للخليل بن أحمد الفراهيدى ط وزارة الثقافة‬
‫والعلم بالجمهورية العراقية‪.‬‬
‫‪ -112‬غاية الماني في الرد على النبهاني‪ :‬اللوسي محمود شكري‬
‫(ت ‪1342‬هـ) دار إحياء السنة النبرية‪.‬‬
‫‪ -113‬غريب الحديث‪ :‬للخطابي‪ :‬حمد بن محمد بن إبراهيم (ت‬
‫‪388‬هـ) بتحقيق عبد الكريم إبراهيم العزباوي ط دار الفكر دمشق‬
‫‪1402‬هـ‪.‬‬
‫‪ -114‬فتح الباري‪ :‬لبن حجر العسقلني‪ :‬محمد بن على بن حجر‬
‫(ت ‪852‬هـ) ط دار الفكر‪.‬‬
‫‪ -115‬فتح القدير‪ :‬الشوكاني محمد بن على بن محمد (ت ‪1250‬هـ)‬
‫مكتبة مصطفى البابي الحلبي‪ -‬الطبعة الثانية ‪1383‬هـ‪.‬‬
‫‪ -116‬فتح المغيث بشرح ألفية الحديث‪ .‬للسخاوي محمد بن عبد‬
‫الرحمن بتحقيق عبد الرحمن عثمان المكتبة السلفية بالمدينة‬
‫المنررة‪.‬‬
‫‪ -117‬الفرق بين الفرق‪ :‬عبد القاهر طاهر البغدادي‪ -‬تحقيق محمد‬
‫محيى الدين عبد الحميد نشر دار ا لمعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ -118‬الفصل في الملل والهواء والنقل‪ :‬لبن حزم الظاهري‪ ،‬أبي‬
‫محمد على بن أحمد (ت ‪456‬هـ) الناشر مكتبة الخانجي بمصر‪.‬‬
‫‪ 19‬ا‪ -‬فضل الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬للمام‬
‫إسماعيل بن إسحاق القاضي (ت ‪ 282‬كل) بتحقيق محمد ناصر‬
‫الدين اللباني‪ -‬منشورات المكتب السلمي بدمشق الطبعة‬
‫الولى ‪1383‬هـ‪.‬‬
‫‪ -120‬الفوائد‪ :‬لبن القيم الجوزية ط دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -121‬الفوئد المجموعة في الحاديث الموضوعة‪ :‬للشوكاني محمد‬
‫بن على (ت ‪1250‬هـ) تحقيق عبد الرحمن بن يحيى المعلمي دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ -122‬في ظلل القرآن‪ :‬لسيد قطب ط دار العلم‪.‬‬
‫‪ -123‬قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة‪ :‬لشيخ السلم ابن تيمية‬
‫بتحقيق د‪ /‬ربيع بن هادى عمير المدخلي الناشر‪ :‬مكتبة لينة‬
‫للنشر والتوزيع الطبعة الولى ‪ 1409‬هـ‬
‫‪ -124‬قاعدة في المحبة‪ :‬لشيخ السلم ابن تيمية بتحقيق د‪ /‬محمد‬
‫رشاد سالم الناشر مكتبة التراث السل مي‪.‬‬
‫‪ -125‬القاموس المحيط‪ :‬للفيروزآبادي ط عيسى البابي الحلبي‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪.‬‬
‫‪ -126‬القول البديع في الصلة على الحبيب الشفيع‪ :‬للسخاوي‬
‫شمس الدين محمد بن عبد الرحمن (ت ‪ 952‬هـ) الناشر دار‬
‫الكتب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الولى‪.‬‬
‫‪ -127‬الكامل في التاريخ‪ :‬لبن الثير‪ :‬على بن محمد بن عبد‬
‫الكريم الجزري (ت ‪630‬هـ) ط دار صادر‪ ،‬بيروت ‪ 1385‬هـ‪.‬‬
‫‪ -128‬الكامل في ضعفاء الرجال‪ :‬لبن عدى‪ :‬عبد الله بن عدى‬
‫الجرجاني (ت ‪ 365‬هـ) دار الفكر للطاع والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطعة‬
‫الولى ‪ 1303‬هـ‬
‫‪ -129‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون القاويل في‬
‫وجوه التأويل‪ :‬للزمخشري أبي القاسم جار الله محمود بن‬
‫الخوارزمي (ت ‪538‬هـ) مكتبة مصطفى البابي الحلبي وأولده‬
‫بمصر ‪ 1385‬هـ‪.‬‬
‫‪ -130‬الكفاية في علم الرواية‪ :‬للخطب‪ :‬أحمد بن على بن ثابت‬
‫المعروف بالخطب (ت ‪463‬هـ) الناشر دار الكتب الحديثة‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫‪ -131‬الكواشف الجلية عن معاني الواسطة‪ :‬لعبد العزيز بن محمد‬
‫السلمان مطابع المجد التجارية الطبعة العاشرة‪.‬‬
‫‪ -132‬لسان العرب‪ :‬لبن منظور‪ :‬أبي الفضل جمال الدين محمد‬
‫بن مكرم ط دار صادر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -133‬لسان الميزان‪ :‬لبن حجر العسقلني أحمد بن حجر (‪852‬هـ)‬
‫طبعة مصورة عن طبعة دائرة المعارف بالهند مؤسسة العلمي‬
‫للمطوعات‪ ،‬بيروت الطبعة الثانية ‪1390‬هـ‪.‬‬
‫‪ -134‬اللباب في تهذيب النساب‪ :‬لبن الثير الجزري (ت ‪630‬هـ)‬
‫دار صادر‪ ،‬بيروت ‪1400‬هـ‪.‬‬
‫‪ -135‬الماسونية ذلك العالم المجهول‪ :‬صابر طعبمة دار الجيل‪،‬‬
‫ببروت‪ ،‬الطبعة الخامسة عام ‪ 1406‬هـ‪.‬‬
‫‪ -136‬مجلة البحوث السلمية‪ :‬العدد التاسع‪.‬‬
‫‪ -137‬مجلة الجامعة السلمية‪ :‬العدد الثاني السنة الرابعة‪.‬‬
‫‪ -138‬مجمع الزوائد ومنبع الفوائد‪ :‬للهيثمي علي بن أبي بكر (ت‬
‫‪807‬هـ) دار الكتاب‪ ،‬بيروت الطعة الثانية‪.‬‬
‫‪ -139‬مجموع الفتاوى‪ :‬لشيخ السلم ابن تبمية جمع وترتيب عبد‬
‫الرحمن بن قاسم وابنه محمد ط دار العربية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -140‬كتاب‪ :‬محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم منهج‬
‫ورسالة‪ :‬تأليف محمد الصادق إبراهيم عرجون ط دار القلم‪،‬‬
‫دمشق‪.‬‬
‫‪ -141‬مدارج السالكين‪ :‬لبن القيم الجوزية بتحقيق محمد حامد‬
‫الفقي ط الكتاب العربي‪ ،‬بيروت لبنان ‪ 1972‬م‪.‬‬
‫‪ -142‬المدخل إلى السنن الكبرى‪ :‬للبيهقي أبي بكر أحمد بن‬
‫الحسين‪( ،‬ت ‪ 458‬هـ) بتحقيق د‪ /‬محمد ضياء الرحمن العظمي‬
‫الناشر دار الخلفاء للكتاب السلمي‪.‬‬
‫‪ -143‬المستدرك على الصحيحين‪ :‬للحاكم محمد بن عبد الله (ت‬
‫‪ 455‬هـ) مطبعة دائرة المعارف النظامية بحيدر آباد‪.‬‬
‫‪ -144‬المسند‪ :‬للمام أحمد بن حنبل الشيباني (ت ‪241‬هـ) ط دار‬
‫صادر بيروت‪.‬‬
‫‪ -145‬مشكاة المصابيح‪ :‬للتبريزى محمد بن عبد الله الخطيب‬
‫تحقيق محمد بن ناصر الدين اللباني المكتب السلمي بيروت‬
‫‪1399‬هـ‪.‬‬
‫‪ -146‬معارج القبول‪ :‬للشيخ حافظ بن أحمد حكمي ط المطبعة‬
‫السلفية ومكتبتها‪.‬‬
‫‪ -147‬المعجم الكبير‪ :‬للطبراني‪ :‬أبي القاسم سليمان بن أحمد (ت‬
‫‪365‬هـ) تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي الدار العربية‪ ،‬بغداد ط‬
‫الولى‪.‬‬
‫‪ -148‬المعجم المفهرس للفاظ القرآن الكريم‪ :‬لمحمد فؤاد عبد‬
‫الباقي الناشر المكتبة السلمية استانبول تركيا‪.‬‬
‫‪ -149‬معجم مقاييس اللغة‪ :‬لبن فارس‪ :‬أحمد‪ .‬بن فارس بتحقق‬
‫عبد السلم هارون ط مكتبة مصطفى الحلبي‪ ،‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫‪ -150‬معرفة علوم الحديث‪ :‬لحاكم أبي عبد الله محمد بن عبد‬
‫الله النيسابوري (ت ‪ 455‬هـ) المكتب التجاري للطاعة والتوزيع‬
‫والنشر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -151‬المغني‪ :‬لبن قدامة عبد الله بن أحمد بن محمد (ت ‪ 620‬هـ)‬
‫الناشر مكتبة الرياض الحديثة‪ ،‬الرياض ‪ 1405‬هـ‪.‬‬
‫‪ -152‬مفتاح الجنة في الحتجاج بالسنة‪ :‬للسيوطي عبد الرحمن بن‬
‫أبي بكر (ت ‪911‬هـ) ط مطابع الرشيد‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪1399‬هـ‪.‬‬
‫‪ -153‬المفردات في غريب القرآن‪ :‬لحسين بن محمد المعروف‬
‫بالراغب الصفهاني (ت ‪502‬هـ) ط دار المعرفة بيروت‪.‬‬
‫‪ -154‬مقالت السلميين‪ :‬لبي الحسن الشعري‪ :‬على بن‬
‫إسماعيل (ت ‪ 324‬هـ) ط دار إحياء التراث العربي بيروت‪.‬‬
‫‪ -155‬الملل والنحل‪ :‬للشهرستاني محمد بن عبد الكريم (ت ‪548‬هـ)‬
‫تحقيق محمد سيد الكيلني ط مصطفى الحلبي‪.‬‬
‫‪ -156‬مناهل الصفا في تخريج أحاديث الشفا‪ :‬للسيوطي عبد‬
‫الرحمن بن أبي بكر (ت ‪911‬هـ) بتحقيق سمير القاضي الناشر‬
‫مؤسسة الكتب الثقافية‪.‬‬
‫‪ -157‬منزلة السنة في التشريع السلمي‪ :‬للدكتور محمد أمان بن‬
‫على الجامي مطابع الجامعة السلمية الطبعة الثالثة‪.‬‬
‫‪ -158‬منهاج السنة النبوية لشيخ السلم ابن تيمية بتحقيق محمد‬
‫رشاد سالم ط جامعة المام محمد بن سعود السلمية‪.‬‬
‫‪ -159‬المنهاج في شعب اليمان‪ :‬للحليمي أبي عبد الله الحسين‬
‫بن الحسن (ت ‪403‬هـ) بتحقيق حلمي محمد فوده‪ -‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪ -160‬منهج القرآن في الدعوة إلى اليمان‪ :‬للدكتور على بن محمد‬
‫ناصر فقيهي الطبعة الولى ‪1405‬هـ‪.‬‬
‫‪ -161‬موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان‪ :‬للهيثمي على بن أبي‬
‫بكر بتحقيق محمد عبد الرزاق حمزة الناشر دار الكتب العلمية‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ -162‬المواعظ والعتبار بذكر الخطط والثار المعروف "بخطط‬
‫المقريزي" لتقي الدين أبي العباس أحمد بن على المقريزى (ت‬
‫‪845‬هـ) الناشر‪ :‬مكتبة الثقافة الدينية القاهرة الطبعة الثانية‪.‬‬
‫‪ -163‬الموطأ برواية يحيى بن يحيى الليثي‪ :‬للمام مالك بن أنس‬
‫الصبحي (ت ‪ 179‬هـ) دار النفائس الطبعة العاشرة ‪1407‬هـ‪.‬‬
‫‪ -164‬ميزان العتدال‪ :‬للذهبي محمد بن أحمد بن عثمان (ت‬
‫‪748‬هـ) بتحقيق على البجاوى دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -165‬كتاب النبوات‪ :‬لشيخ السلم ابن تيمية ط دار الكتب بيروت‪.‬‬
‫‪ -166‬نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض‪ :‬للخفاجي‬
‫أحمد شهاب الدين الناشر دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ -167‬النهاية في غريب الحديث‪ :‬لبن الثير‪ :‬مجد الدين أبي‬
‫السعادات المبارك بن محمد الجزري (ت ‪606‬هـ) بتحقيق طاهر‬
‫أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي الناشر المكتبة العلمية‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ -168‬هذه هي الصرفية‪ :‬لعبد الرحمن الوكيل دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الرابعة‪.‬‬
‫‪ -169‬الوافي بالوفيات‪ :‬للصفدي طبع سنة ‪1381‬هـ‪.‬‬
‫‪ -170‬وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى‪ :‬للسهمودي على بن أحمد‬
‫(ت ‪911‬هـ) بتحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد الناشر دار‬
‫إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الرابعة‪.‬‬
‫‪ -171‬وفيات العيان وأنباء أبناء الزمان‪ :‬لبن خلكان أبي العباس‬
‫شمس الدين أحمد بن محمد (ت ‪681‬هـ) بتحقيق د‪ /‬إحسان عباس‬
‫دار صادر بيروت‪.‬‬
‫‪ -172‬الولء والبراء في السلم‪ :‬لمحمد بن سعيد بن سالم‬
‫القحطاني الناشر دار طيبة‪.‬‬

‫________________________________________‬
‫[‪ ]1‬واسمه أحمد بن يحيى بن زيد الشيباني بالولء‪ ،‬أبو العباس‬
‫المعروف بثعلب‪ ،‬إمام الكوفيين في النحو واللغة‪ ،‬كان راوية‬
‫للشعر‪ ،‬ثقة حجة‪ ،‬مات ببغداد سنة ‪291‬هـ‪.‬‬
‫العلم (‪.)1/267‬‬
‫[‪ ]2‬الية (‪ )255‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫[‪ ]3‬لسان العرب (‪ )184 /8‬مادة شفع‪.‬‬
‫[‪ ]4‬قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (ص ‪.)152 -151‬‬
‫[‪ ]5‬أخرجه المام أحمد في المسند (‪.)363 ،345 /2‬‬
‫[‪ ]6‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الجنائز‪ ،‬باب من صلى عليه‬
‫مائة شفعوا فيه‪.)53 ،3/52( :‬‬
‫[‪ ]7‬الية (‪ )18‬من سورة يونس‪.‬‬
‫[‪ ]8‬الية (‪ )3‬من سورة الزمر‪.‬‬
‫[‪ ]9‬اليتان (‪ )44 ،43‬من سورة الزمر‪.‬‬
‫[‪ ]10‬الية (‪ )4‬من سورة السجدة‪.‬‬
‫[‪ ]11‬مجموع الفتاوى (‪.)118 /1‬‬
‫[‪ ]12‬الية (‪ )5‬من سورة آل عمران‪.‬‬
‫[‪ ]13‬الية (‪ )38‬من سورة إبراهيم‪.‬‬
‫[‪ ]14‬الية (‪ )22‬من سورة سبأ‪.‬‬
‫[‪ ]15‬الية (‪ )111‬من سورة السراء‪.‬‬
‫[‪ ]16‬الية (‪ )66‬من سورة يونس‪.‬‬
‫[‪ ]17‬الية (‪ )18‬من سورة يونس‪.‬‬
‫[‪ ]18‬الية (‪ )28‬من سورة الحقاف‪.‬‬
‫[‪ ]19‬الية (‪ )3‬من سورة الزمر‪.‬‬
‫[‪ ]20‬مجموع الفتاوى (‪ )129 -126 /1‬بتصرف‪.‬‬
‫[‪ ]21‬الية (‪ )255‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫[‪ ]22‬الية (‪ )26‬من سورة النجم‪.‬‬
‫[‪ ]23‬الية (‪ )28‬من سورة النبياء‪.‬‬
‫[‪ ]24‬الية (‪ )109‬من سورة طه‪.‬‬
‫[‪ ]25‬الية (‪ )113‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫[‪ ]26‬الية (‪ )6‬من سورة المنافقون‪.‬‬
‫[‪ ]27‬الية (‪ )80‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫[‪ ]28‬الية (‪ )55‬من سورة العراف‪.‬‬
‫[‪ ]29‬الية (‪ )45‬من سورة هود‪.‬‬
‫[‪ ]30‬الية (‪ )46‬من سورة هود‪.‬‬
‫[‪ ]31‬الية (‪ )47‬من سورة هود‪.‬‬
‫[‪ ]32‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الذكر والدعاء والتوبة‬
‫والستغفار‪ ،‬باب فضل الدعاء للمسلمين بظهر الغيب (‪.)86 /8‬‬
‫[‪ ]33‬تقدم تخريجه ص ‪737‬‬
‫[‪ ]34‬تقدم تخريجه ص ‪737‬‬
‫[‪ ]35‬يزيد بن السود الجرشي أبو السود‪ ،‬من سادة التابعين‬
‫أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وكان من العباد‬
‫الخشن وقصته مع معاوية تدل على فضله وصلحه‪ ،‬توفي سنة ‪71‬‬
‫هـ‪.‬‬
‫الصابة (‪ )3/634‬وسبر أعلم النبلء (‪.)137 -136 /4‬‬
‫[‪ ]36‬أورده ابن حجر في الصابة (‪ )634 /3‬وقال‪" :‬أخرجه أبو‬
‫زرعة الدمشقي ويعقوب بن سفيان في تاريخيهما بسند صحيح"‬
‫وأورده الذهبي في سير أعلم النبلء (‪ )4/137‬وابن كثير في البداية‬
‫(‪.)324 /8‬‬
‫[‪ ]37‬تقدم تخريجه ص ‪.445‬‬
‫[‪ ]38‬الرد على البكري (ص ‪ )88‬بتصرف‪.‬‬
‫[‪ ]39‬الرد على البكري (ص ‪.)90‬‬
‫[‪ ]40‬الرد على البكري (‪ )91 ،90‬بتصرف‪.‬‬
‫[‪ ]41‬الرد على البكري (‪.)262 ،261‬‬
‫[‪ ]42‬أخرجه النسائي في سننه‪ ،‬كتاب السهو‪ ،‬باب الدعاء بعد‬
‫الذكر (‪.)52 /3‬‬
‫[‪ ]43‬الية (‪ )9‬من سورة النفال‪.‬‬
‫[‪ ]44‬الية (‪ )15‬من سورة القصص‪.‬‬
‫[‪ ]45‬الرد على البكري (ص ‪.)82 -80‬‬
‫[‪ ]46‬تقدم تخريجه ص ‪588‬‬
‫[‪ ]47‬تقدم تخريجه ص ‪589‬‬
‫[‪ ]48‬تقدم تخريجه ص ‪737‬‬
‫[‪ ]49‬الرد على البكري (ص ‪ )233 -231‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫[‪ ]50‬الية (‪ )72‬من سورة المائدة‪.‬‬
‫[‪ ]51‬الية (‪ )6‬من سورة الصف‪.‬‬
‫[‪ ]52‬الرد على البكري (ص ‪.)103‬‬
‫[‪ ]53‬مجموع الفتاوى ‪ )159 /11‬بتصرف‪.‬‬
‫[‪ ]54‬الرد على البكري (ص ‪.)352‬‬
‫[‪ ]55‬انظر‪:‬‬
‫أ‪ -‬قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لشيخ السلم ابن تيمية‪.‬‬
‫ب‪ -‬الرد على الخنائي لشيخ السلم ابن تيمية‪.‬‬
‫ج‪ -‬الرد على البكري لشيخ السلم ابن تيمية‪.‬‬
‫د‪ -‬صيانة النسان عن وسوسة الشيخ دحلن للشيخ محمد بشير‬
‫السهسواني‪.‬‬
‫هـ‪ -‬الصواعق المرسلة الشهابية للشبح سليمان بن سحمان‪.‬‬
‫و‪ -‬غاية الماني في الرد على النبهاني للشيخ محمود شكري‬
‫اللوسي‪.‬‬
‫[‪ ]56‬الرد على البكري (ص ‪.)215‬‬
‫[‪ ]57‬مجموع الفتاوى (‪.)10 /27‬‬
‫[‪ ]58‬مجموع الفتاوى (‪.)521 /4‬‬
‫[‪ ]59‬مجموع الفتاوى (‪.)11 /27‬‬
‫[‪ ]60‬مجموع الفتاوى (‪.)150 /26‬‬
‫[‪ ]61‬تقدم تخريجه ص ‪.686‬‬
‫[‪ ]62‬قيس بن سعد بن عبادة الخزرجي النصاري‪ ،‬صحابي جليل‪،‬‬
‫شهد المشاهد مع رسول صلى الله عليه وسلم وكان أحد‬
‫الفضلء الجلة من دهاة العرب‪ ،‬مات في آخر خلفة معاوية‬
‫بالمدينة‪ .‬الصابة (‪.)239 /3‬‬
‫[‪ ]63‬أخرجه أبو داود في سننه‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب في حق الزوج‬
‫على المرأة (‪ )605 ،604 /2‬ح ‪2140‬‬
‫[‪ ]64‬مجموع الفتاوى (‪.)93 /27‬‬
‫[‪ ]65‬مجموع الفتاوى (‪ )101 ،158‬بتصرف‪.‬‬
‫[‪ ]66‬تقدم تخريجه ص ‪.591‬‬
‫[‪ ]67‬تقدم تخريجه ص ‪580‬‬
‫[‪ ]68‬الجامع الفريد (ص ‪.)444‬‬
‫[‪ ]69‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب اليمان والنذور‪ ،‬باب ل‬
‫تحلفوا بآبائكم حديث (‪ )66646‬انظر فتح الباري (‪ .)530 /11‬وأخرجه‬
‫مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب اليمان‪ ،‬باب النهي عن الحلف بغير‬
‫الله تعالى (‪.)80 /5‬‬
‫[‪ ]70‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب مناقب النصار‪ ،‬باب أيام‬
‫الجاهلية‪.‬‬
‫انظر فتح الباري (‪ )1 48 /7‬ح ‪ 3836‬واللفظ له‪ .‬أخرجه مسلم في‬
‫صحيحه‪ ،‬كتاب اليمان باب النهي عن الحلف بغير الله تعالى (‪/5‬‬
‫‪.)81‬‬
‫[‪ ]71‬أخرجه المام أحمد في المسند (‪ .)1 25 ،86 ،34 /2‬وأخرجه‬
‫الترمذي في سننه‪ ،‬كتاب النذور واليمان‪ ،‬باب ما جاء في كراهية‬
‫الحلف بغير الله وقال‪ :‬حديث حسن (‪ )110 /4‬ح ‪ ،1535‬وأخرجه أبو‬
‫داود في السنن‪ ،‬كتاب اليمان والنذور‪ ،‬باب في كراهة الحلف‬
‫بالباء (‪ )57 0 /3‬ح ‪ 325 1‬وأخرجه ابن حبان كما في الموارد (ص‬
‫‪ )286‬ح ‪1177‬‬
‫والحاكم في المستدرك (‪ )18 /1‬كتاب اليمان (‪ )4/279‬كتاب اليمان‬
‫والنذور وقال‪" :‬هذا حديث صحيح على شرط الشيخين‪ ،‬ووافق‬
‫الذهبي"‪.‬‬
‫[‪ ]72‬هو‪ :‬محمد بن الحسين بن محمد بن خلف الفراء‪،‬؟ أبو يعلى‬
‫عالم عصره في الصول والفروع وأنواع الفنون‪ ،‬ومن كبار‬
‫الحنابلة ولد سنة ‪ 380‬هـ‪ ،‬وتوفي سنة ‪ 458‬هـ‪.‬‬
‫العلم (‪.)100 - 6/99‬‬
‫[‪ ]73‬هو‪ :‬على بن عقيل بن محمد بن عقيل البغدادي‪ ،‬عالم‬
‫العراق وشيخ الحنابلة ببغداد في وقته‪ ،‬ولد سنة ‪431‬هـ وتوفي‬
‫سنة ‪ 513‬هـ‪ .‬العلم (‪.)313 /4‬‬
‫[‪ ]74‬أخرجه عبد الرزاق في المصنف (‪.)469 /8‬‬
‫وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (‪ )177 /4‬وقال رواه الطبراني‬
‫في الكبير ورجاله رجال الصحيح وهو في الطبراني (‪ )2 9/05‬ح‬
‫‪8902‬‬
‫انظر قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (ص ‪)86 -84‬‬ ‫[‪]75‬‬
‫ومجموع الفتاوى (‪ )27/349‬والرد على الخنائي (‪.)107 ،106‬‬
‫[‪ ]76‬اقتضاء الصراط المستقيم (ص ‪.)295‬‬
‫[‪ ]77‬الية (‪ )3‬من سورة المائدة‪.‬‬
‫[‪ ]78‬تقدم تخريجه‪.‬‬
‫[‪ ]79‬تقدم تخريجه ص ‪.247‬‬
‫[‪ ]80‬العبيديون ص م أبناء عبيد الله بن ميمون بن ديصان‬
‫المشهور بالقداح اليهودي قامت دولتهم في مصر (‪ 564 -362‬هـ)‬
‫وكانوا من أجرأ الناس على استحداث البدع والمنكر كتاب ول‬
‫سنة‪ .‬انظر كتاب قصة نسب الفاطميين للدكتور عبد الحليم‬
‫عويس‪ ،‬والبداية والنهاية لبن كثير (‪.)267 /12‬‬
‫[‪ ]81‬المواعظ والعتبار بذكر الخطط والثار (‪.)1/490‬‬
‫[‪ ]82‬الية (‪ )79‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫[‪ ]83‬البداية لبن كثير (‪.)137 /13‬‬
‫[‪ ]84‬التبر المسبوك للسخاوي (ص ‪.)14‬‬
‫[‪ ]85‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب العتصام بالكتاب‬
‫والسنة باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "لتتبعن سنن من‬
‫كان قبلكم"‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )1/305 3‬ح ‪ ،732 0‬وأخرجه مسلم‬
‫في صحيحه‪ ،‬كتاب العلم‪ ،‬باب اتباع سنن اليهود والنصارى (‪.)8/57‬‬
‫[‪ ]86‬هو‪ :‬محمد بن سعيد بن حماد البوصيري‪ ،‬شاعر صوفي غال‪،‬‬
‫له عدد من القصائد في المدائح النبوية‪ ،‬وقد عرف عنه قلة‬
‫علمه‪ ،‬وسلطة لسانه‪ ،‬وتكففه للناس وقد ذكر محقق ديوانه‬
‫عددا من الخصال التي تدل على حقيقة الرجل وقدره‪.‬‬
‫انظر‪ :‬مقدمة ديوان البوصيري بتحقيق محمد سيد كيلني‪.‬‬
‫[‪ ]87‬هو‪ :‬محمد بن سعيد بن حماد البوصيري‪ ،‬شاعر صوفي غال‪،‬‬
‫له عدد من القصائد في المدائح النبوية‪ ،‬وقد عرف عنه قلة‬
‫علمه‪ ،‬وسلطة لسانه‪ ،‬وتكففه للناس وقد ذكر محقق ديوانه‬
‫عددا من الخصال التي تدل على حقيقة الرجل وقدره‪.‬‬
‫انظر‪ :‬مقدمة ديوان البوصيري بتحقيق محمد سيد كيلني‪.‬‬
‫[‪ ]88‬ديوان البوصيري (ص ‪ )248 -240‬وهذه البيات منتقاة من‬
‫قصيدته المعروفة بالبردة‪..‬‬
‫[‪ ]89‬تنبيه أولى البصار (ص ‪.)249‬‬
‫[‪ ]90‬منهج القرآن في الدعوة إلى اليمان (ص ‪.)163‬‬
‫[‪ ]91‬النصاف فيما قيل في المولد من الغلو والحجاف (ص ‪.)31‬‬
‫[‪ ]92‬النصاف فيما قيل في المولد من الغلو والحجاف (ص ‪.)28‬‬
‫[‪ ]93‬النصاف فيما قيل في المولد من الغلو والحجاف (ص ‪.)28‬‬
‫[‪ ]94‬ل يقصد هؤلء بالحياة هنا الحياة البرزخية وهذا يتضح من‬
‫سياق العبارات التالية لهذه العبارة‪ ،‬فهم يرون أن النبي صلى اله‬
‫عليه وسلم يخرج من قبره وله التصرف الملكوت العلوي‬
‫والسفلي‪.‬‬
‫[‪ ]95‬غاية الماني في الرد على النبهاني (‪.)52 /1‬‬
‫[‪ ]96‬الية (‪ )82‬من سورة النساء‪.‬‬
‫[‪ ]97‬ل يقصدون هنا الرؤيا المنامية وإنما يقصدون رؤية اليقظة‬
‫فهم يقولون‪ :‬إن رؤيته أكثر ما تقع بالقلب ثم يترقى الحال إلى‬
‫أن يرى بالبصر على ما زعموا‪.‬‬
‫[‪ ]98‬غاية الماني (‪.)1/51‬‬
‫[‪ ]99‬التيجانية (ص ‪.)127‬‬
‫[‪ ]100‬غاية الماني (‪.)1/52‬‬
‫[‪]101‬مجموع الفتاوى (‪.)407 /10‬‬
‫[‪ ]102‬صيد الخاطر (ص ‪.)429‬‬
‫[‪ ]103‬أخرجه بهذا اللفظ البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الخصومات‪،‬‬
‫باب ما يذكر في الشخاص والخصومة بين المسلم واليهودي‪.‬‬
‫انظر‪ :‬فتح الباري (‪.)5/70‬‬
‫[‪ ]104‬تقدم تخريجه (ص ‪.)457‬‬
‫من حقوق النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬الصلة‬ ‫‪.35‬‬
‫والسلم عليه‬

‫ن النبي صلى الله عليه وسلم عند‬


‫شأ ُ‬ ‫‪.36‬‬
‫المسلمين‪[ :‬حديث صلح الحديبية]‬

‫ي صلى الله عليه وسلم وتعظيمـه‬


‫‪ .37‬محبـة النب ً‬
‫بقلم ‪/‬فهد عبد الله الحبيشي‬
‫‪alfhdabd@maktoob.com‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫الحمد لله رب العالمين والصلة والسلم على خير خلق الله‬
‫محمد ابن عبد الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد‪.‬‬
‫صاَرى‬ ‫ك الْيَهُود ُ وَل َ الن َّ َ‬ ‫ضى ع َن َ‬ ‫{ولَن تَْر َ‬‫ربي حين قال‪َ :‬‬ ‫َ‬
‫لقد صدق‬
‫َ‬
‫ت أهْوَاءهُم‬ ‫ن اتَّبَعْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ن هُدَى اللهِ هُوَ الهُدَى وَلئ ِ ِ‬ ‫ل إ ِ َّ‬
‫م قُ ْ‬‫مل ّتَهُ ْ‬‫حتَّى تَتَّبِعَ ِ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ي وَلَ‬‫من وَل ِ ٍ ّ‬ ‫ه ِ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ِ‬‫م َ‬
‫ك ِ‬ ‫َ‬
‫ما ل َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن العِلم ِ َ‬ ‫م َ‬‫ك ِ‬‫جاء َ‬ ‫ّ‬
‫بَعْد َ الذِي َ‬
‫صيرٍ}(البقرة ‪)120‬‬ ‫نَ ِ‬
‫ففي حين يحاول بعض العلمانيين أن يشككوا بمصداقية القرآن‬
‫والنبوات والغيبيات والخرة والقدر وكل ما هو إسلمي‪ ،‬حاولوا‬
‫التشكيك في هذه الية قصدًا منهم لضرب السلم في كتابه ثم‬
‫تثبت اليام خطأ ما قالوه وما روجوا لها وضاعت تفاهاتهم وذهبت‬
‫أدراج الرياح حين قام ثلة ممن امتلت قلوبهم حقدًا وحنقًا على‬
‫خير خلق الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم بعملهم‬
‫الشائن والذي يستنكره كل ذي لب فضل ً عمن يكن لهذا النبي‬
‫الكريم كل تعظيم وتبجيل واحترام‪ ،‬نعم لقد صدق الله وكذب‬
‫هؤلء‪.‬‬
‫وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬لتتبعن سنن من كان‬
‫قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب‬
‫تبعتموهم قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال‪ :‬فمن([‪.)]1‬‬
‫وعلى النقيض من أولئك حاول آخرون تزوير حقائق الدين‬
‫بالدعاوى العريضة الباطلة وجعلوا من المخلوق شريكًا للخالق‬
‫وناقضوا أصل ما جاء به الرسل وأصلت له الكتب السماوية‬
‫فادعوا في النبي صلى الله عليه وسلم الخالقية سواء صرحوا‬
‫بهذا أم أتوا بمعناه مما ستراه في هذه الرسالة‪ ،‬وهم بهذا لم‬
‫يأتوا بجديد إذ قد سبقهم سابقون‪ ,‬فهاهم اليهود يدعون في عزير‬
‫أنه ابن الله ويدعي النصارى أن المسيح ابن الله‪ ,‬كذبوا جميعًا‬
‫فما هؤلء إل عبيده له سبحانه‪.‬‬
‫لقد وقف الناس في شأن النبياء وعلى رأسهم نبينا محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم على طرفين‪ :‬الجحود والغلو وكل القولين‬
‫منبوذان ذميمان تردهما الحقائق القرآنية والنبوية والتاريخية‬
‫والواقعية‪ ،‬ودين الله وسط بين الغالي والجافي‪ ،‬وهذه الوسطية‬
‫في شأن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو ما تتحدث عنه هذه‬
‫الرسالة مبينة ما يتعلق بها من جوانب مهمة ينبغي أن يتنبه لها‬
‫ما‪ ،‬محذرة من الغلو الذي وقع فيه‬ ‫المسلم وأن يتذكرها دو ً‬
‫البعض جهًل أو تجاهًل‪ ،‬كما أبغي من كل من طالع هذه الرسالة‬
‫أن يدعو لي في ظهر الغيب والله المستعان‪.‬‬
‫تمهيــد‬
‫حا‬
‫تعريف المحبة لغة واصطل ً‬
‫المحبة لغة‪-:‬‬
‫ذهب ابن القيم إلى أن مادة كلمة حب تدور في اللغة على‬
‫خمسة أشياء هي‪-:‬‬
‫‪ .1‬الصفاء والبياض ومنه قولهم لصفاء بياض السنان ونضارتها‪:‬‬
‫حبب السنان‪.‬‬
‫‪ .2‬العلو و الظهور ومنه "حبب الماء وحبابه" وهو ما يعلوه عند‬
‫المطر الشديد‪.‬‬
‫‪ .3‬اللزوم و الثبات و منه حب البعير وأحب إذا برك و لم يقم‪.‬‬
‫‪ .4‬اللب ومنه حبه القلب للبه وداخله‪.‬‬
‫‪ .5‬الحفظ والمساك و منه حب الماء للوعاء الذي يحفظ فيه‬
‫ضا‪.‬‬
‫ويمسكه وفيه معنى الثبوت أي ً‬
‫ثم قال‪ :‬ول ريب أن هذه الخمسة من لوازم المحبة فإنها صفاء‬
‫المودة وهيجان إرادة القلب للمحبوب وعلوها وظهورها منه‬
‫لتعلقها بالمحبوب المراد‪ ،‬وثبوت إرادة القلب للمحبوب ولزومها‬
‫ما ل تفارقه ولعطاء المحب محبوبه لبه وأشرف ما عنده‬ ‫لزو ً‬
‫وهو قلبه ولجتماع عزماته وإرداته وهمومه على محبوبه([‪)]2‬‬
‫حا‪:‬‬
‫المحبة اصطل ً‬
‫قال ابن حجر‪ :‬وحقيقة المحبة عند أهل المعرفة من المعلومات‬
‫التي ل تحد وإنما يعرفها من قامت به وجدانًا ول يمكن التعبير‬
‫عنها([‪ )]3‬ونحو هذا قال ابن القيم‪ :‬لتحد المحبة بحد أوضح منها‪،‬‬
‫فالحدود ل تزيدها إل خفاء وجفاء‪ ،‬فحدها وجودها‪ ،‬ول توصف‬
‫المحبة بوصف اظهر من المحبة([‪.)]4‬‬
‫المبحث الول ‪:‬وجوب محبة النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫إن محبة النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم الواجبات في‬
‫الدين ومن أعظم الحقوق الواجبة علينا تجاهه صلى الله عليه‬
‫وسلم على هذا دل القران والسنة من هذه الدلة‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م وَأْزوَا ُ‬ ‫خوَانُك ُ ْ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫م وَأبْنَآؤ ُك ُ ْ‬ ‫ن آبَاؤ ُك ُ ْ‬
‫ل إِن كَا َ‬ ‫‪ -1‬قوله تعالى‪{ :‬قُ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ساك ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫سادَهَا وَ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫شوْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫جاَرة ٌ ت َ ْ‬ ‫موهَا وَت ِ َ‬‫ل اقْتََرفْت ُ ُ‬ ‫موَا ٌ‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫شيَرتُك ُ ْ‬ ‫وَع َ ِ‬
‫صواْ‬ ‫َ‬
‫سبِيلِهِ فَتََرب َّ ُ‬ ‫جهَاد ٍ فِي َ‬ ‫سولِهِ وَ ِ‬ ‫ن اللّهِ وََر ُ‬ ‫م َ‬‫ب إِلَيْكُم ِّ‬ ‫ح َّ‬‫ضوْنَهَا أ َ‬ ‫تَْر َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ن}(التوبة‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬ ‫م الفَا ِ‬ ‫ه ل َ يَهْدِي القَوْ َ‬ ‫مرِهِ وَالل ُ‬ ‫ه بِأ ْ‬‫ي الل ُ‬ ‫حتَّى يَأت ِ َ‬‫َ‬
‫‪)24‬دلت هذه الية على وجوب محبة النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫وليس كذلك فقط بل يجب أن تكن هذه المحبة مقدمه على كل‬
‫محبوب([‪ )]5‬كالب والبن والخ‪...‬الخ‬
‫قال القاضي عياض‪" :‬كفى بهذه الية حظًا وتنبيهًا ودللة وحجة‬
‫على لزوم محبته ووجوب فرضها واستحقاقه لها صلى الله عليه‬
‫وسلم؛ إذ قرع تعالى من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من‬
‫الله ورسوله وأوعدهم بقوله تعالى‪( :‬فتربصوا حتى يأتي الله‬
‫بأمره) ثم فسقهم بتمام الية وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده‬
‫الله"([‪)]6‬‬
‫‪ -2‬ثبت في البخاري من حديث عمر رضي الله عنه أنه قال‬
‫للنبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬يا رسول الله لنت أحب إلي من‬
‫كل شي إل من نفسي‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬ل‬
‫والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك" فقال له‪:‬‬
‫عمر فإنه الن والله لنت أحب إلى من نفسي فقال النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪" :‬الن يا عمر"([‪)]7‬‬
‫‪ -3‬عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬فو الذي نفسي بيده ل يؤمن‬
‫أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده"([‪.)]8‬‬
‫‪ -4‬عن أنس رضي الله عنه قال‪ :‬قال النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬ل يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده‬
‫والناس أجمعين"([‪.)]9‬‬
‫‪ -5‬عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬ثلث من كن‬
‫فيه وجد حلوة اليمان‪ :‬أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما‬
‫سواهما‪ ،‬وأن يحب المرء ل يحبه إل لله‪ ،‬وأن يكره أن يعود في‬
‫الكفر كما يكره أن يقذف في النار" ([‪)]10‬‬
‫‪ -6‬عن أنس بن مالك قال‪:‬جاء رجل إلى رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم فقال يا رسول الله متى الساعة ؟ قال‪ :‬وما أعددت‬
‫للساعة؟ قال‪ :‬حب الله ورسوله قال‪" :‬فإنك مع من أحببت"‪.‬‬
‫حا أشد من قول النبي صلى‬ ‫قال أنس فما فرحنا بعد السلم فر ً‬
‫الله عليه وسلم‪ :‬فإنك مع من أحببت‪ ،‬قال أنس‪ :‬فأنا أحب الله‬
‫ورسوله وأبا بكر وعمر فأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل‬
‫بأعمالهم([‪)]11‬‬
‫هذه الحاديث وغيرها تدل على وجوب محبة النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم وعظمها في الدين ولهذا كان صحابة رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم من أشد الناس حبًا له صلى الله عليه‬
‫وسلم فعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال‪ :‬ما كان أحد‬
‫أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ول أجل في‬
‫عيني منه وما كنت أطيق أن أمل عيني منه إجلل له‪ ،‬ولو سئلت‬
‫أن أصفه ما أطقت لني لم أكن أمل عيني منه([‪)]12‬‬
‫وسئل علي ابن أبي طالب رضي الله عنه كيف كان حبكم‬
‫لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال‪ :‬كان والله أحب إلينا من‬
‫أموالنا وأولدنا وآبائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الضمأ([‪.)]13‬‬
‫والمطالع في كتب السير يجد صورا كثيرة رائعة تدل على مدى‬
‫حب الصحابة له صلى الله عليه وسلم وإيثارهم له وتقديم‬
‫أرواحهم رخيصة فداء له صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫أما الناس بعد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد‬
‫انقسموا في محبته إلى ثلثة أقسام‪:‬‬
‫‪ -1‬أهل إفراط‬
‫‪ -2‬أهل تفريط‪.‬‬
‫‪ -3‬الذين توسطوا بين الفراط والتفريط‪.‬‬
‫فأهل الفراط منهم الذين بالغوا في محبته صلى الله عليه وسلم‬
‫بابتداعهم أموًرا لم يشرعها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم‬
‫ظنا منهم أن فعل هذه المور علمة المحبة وبرهانها كالحتفال‬
‫بمولده والمبالغة في مدحه لدرجة إشراكه في صفات خاصة لله‬
‫عز وجل كما سأذكر نماذج منه لحقًا‪ ،‬وهؤلء ينبغي أن يعلموا أن‬
‫محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ل تكون بالغلو فيه بل‬
‫بتصديقه فيما اخبر به عن الله‪ ،‬وطاعته فيما أمر به ومتابعته‬
‫ومحبته وموالته‪.‬‬
‫أما أهل التفريط وهم المقصرون في حق النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فلم يقدموا حبه على حب النفس والهل و المال والولد‬
‫ولم يعزروه ويوقروه ويتبعوا سنته والسبب في ذلك يعود إلى‪:‬‬
‫‪ -1‬جهل الكثير منهم بأمور دينهم بما فيها الحقوق الواجبة له‬
‫صلى الله عليه وسلم والتي من ضمنها محبته فهؤلء يجب عليهم‬
‫أن يتعلموا أمور دينهم بما فيها الحقوق الواجبة له صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫‪ -2‬إعراض هؤلء عن سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم وعن‬
‫اتباع شرعه بسبب ما هم عليه من المعاصي وإسرافهم على‬
‫أنفسهم وتقديمهم شهوات أنفسهم وأهوائهم على ما جاء في‬
‫الشرع من الوامر والنواهي‪.‬‬
‫فالواجب على هؤلء القلع عن الذنوب والمعاصي التي هي‬
‫سبب نقصان إيمانهم وضعف محبتهم وبعدهم عما يقربهم إلى‬
‫الله تعالى‪.‬‬
‫وأما الذين توسطوا بين الفراط والتفريط فهؤلء هم السلف‬
‫الصالحين من الصحابة والتابعين ومن سار على نهجهم من الذين‬
‫آمنوا بوجوب هذه المحبة حكما ً وقاموا بمقتضاها اعتقادًا وقولً‬
‫وعمل ً فأحبوا النبي صلى الله عليه وسلم فوق محبة النفس‬
‫والولد والهل وجميع الخلق امتثال ً لمر الله وأمر رسوله صلى‬
‫الله عليه وسلم فجعلوه أولى بهم تصديقًا لقوله تعالى‪( :‬النبي‬
‫أولى بالمؤمنين من أنفسهم) وقاموا بمقتضى هذه المحبة فآمنوا‬
‫وصدقوا بنبوته ورسالته وما جاء به عن ربه عز وجل‪ ،‬واعتقدوا‬
‫أنه ليس من المحبة فيء شيء الغلو في حقه وقدره ووصفه‬
‫بأمور اختص الله بها وحده بل علموا أن في هذا مخالفة ومضادة‬
‫لتلك المحبة ومناقضة لما أخبر به سبحانه وتعالى([‪.)]14‬‬
‫أقسام محبته ‪-:‬‬
‫وهنا يذكر ابن رجب أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم على‬
‫درجتين‪:‬‬
‫أحداهما‪ :‬فرض‪ ،‬وهي المحبة التي تقتضي قبول ما جاء به‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم من عند الله وتلقيه بالمحبة‬
‫والرضا والتعظيم والتسليم‪ ،‬وعدم طلب الهدى من غير طريقه‬
‫بالكلية ثم حسن التباع له فيما بلغه عن ربه من تصديق في كل‬
‫ما أخبر به وطاعته فيما أمر به من الواجبات والنتهاء عما نهى‬
‫عنه من المحرمات ونصرة دينه والجهاد لمن خالفه بحسب‬
‫القدرة فهذا القدر لبد منه ول يتم اليمان يدونه‪.‬‬
‫والدرجة الثانية‪ :‬فضل‪ ،‬وهي المحبة التي تقتضي حسن التأسي‬
‫به‪ ،‬وتحقيق القتداء بسنته وأخلقه وآدابه ونوافله وتطوعاته‪،‬‬
‫وأكله وشربه ولباسه وحسن معاشرته لزواجه وغير ذلك من‬
‫آدابه الكاملة وأخلقه الطاهرة([‪.)]15‬‬
‫وفي فتح الباري عن بعض العلماء أنه قال‪ :‬محبة الله على‬
‫قسمين فرض وندب‪،‬‬
‫فالفرض‪ :‬المحبة التي تبعث على امتثال أوامره والنتهاء عن‬
‫مناهيه والرضا بما يقدره فمن وقع في معصية من فعل محرم أو‬
‫ترك واجب فلتقصيره في محبة الله حيث قدم هوى نفسه‪،‬‬
‫والتقصير تارة يكون مع السترسال في المباحات والستكثار منها‬
‫فيورث الغفلة المقتضية للتوسع في الرجاء فيقدم على المعصية‬
‫أو تستمر الغفلة فيقع‪ ،‬كذلك محبة الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم على قسمين كما تقدم‪ ،‬ويزداد‪ :‬أل يتلقى شيئًا من‬
‫المأمورات والمنهيات إل من مشكاته‪ ،‬ول يسلك إل طريقته‬
‫جا مما قضاه‬
‫ويرضى بما شرعه حتى ل يجد في نفسه حر ً‬
‫ويتخلق بأخلقه في الجود واليثار والحلم والتواضع وغيرها([‬
‫‪.)]16‬‬
‫بواعث محبة النبي صلى الله عليه وسلم‪-:‬‬
‫يدعو المسلم إلى محبة النبي صلى الله عليه وسلم أمور عدة‬
‫منها‪-:‬‬
‫‪ -1‬موافقة مراد الله عز و جل في محبته لنبيه وتعظيمه له فقد‬
‫أقسم بحياته تعظيما له في قوله (لعمرك إنهم لفي سكرتهم‬
‫يعمهون) كما أثنى عليه فقال‪(:‬وانك لعلى خلق عظيم)(القلم ‪)4‬‬
‫وقال‪( :‬ورفعنا لك ذكرك)‪.‬‬
‫قال ابن القيم‪ :‬وكل محبة وتعظيم للبشر فإنما تجوز تبعا لمحبة‬
‫الله وتعظيمه كمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمه‬
‫فإنها من تمام محبة مرسله وتعظيمه‪ ،‬فإن أمته يحبونه لمحبة‬
‫الله له ويعظمونه ويجلونه لجلل الله له فهي محبه لله من‬
‫موجبات محبة الله‪ ،‬وكذلك محبة أهل العلم واليمان ومحبة‬
‫الصحابة رضي الله عنهم – وإجللهم تابع لمحبة الله ورسوله‬
‫صلى الله عليه وسلم ([‪)]17‬‬
‫‪ -2‬أن محبته وتعظيمه صلى الله عليه وسلم من شرط إيمان‬
‫العبد بل المر كما قال ابن تيمية‪" :‬إن قيام المدحة والثناء عليه‬
‫والتعظيم والتوقير له قيام الدين كله وسقوط ذلك سقوط الدين‬
‫كله"([‪.)]18‬‬
‫‪ -3‬ما ميزه الله تعالى به من شرف النسب وكرم الحسب وصفاء‬
‫النشأة وكمال الصفات والخلق والفعال‪.‬‬
‫‪ -4‬شدة محبته صلى الله عليه وسلم لمته وشفقته عليها ورحمته‬
‫بها قال الله تعالى‪( :‬لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما‬
‫عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم)(التوبة ‪ )125‬وكم كان‬
‫يسأل الله تعالى الخير لمته ويفرح بفضل الله عليها وكم تحمل‬
‫من مشاق نشر الدعوة وأذى المشركين بالقول والفعل حتى أتم‬
‫الله به الدين وأكمل به النعمة([‪.)]19‬‬
‫علمات محبة النبي صلى الله عليه وسلم‪-:‬‬
‫اعلم أن من أحب شيئًا آثره وآثر موافقته وإل لم يكن صادقًا في‬
‫حبه وكان مدعياً([‪ )]20‬ول يوافق قوله فعله‪ ،‬ومحبة النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ل تخرج عن هذا الطار‪ ،‬ول شك أن لمحبة النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم علمات ودلئل تدل على حقيقة صدق هذه‬
‫المحبة‪ ،‬ولهذا كان لزاما ً على المسلم أن يعرفها ليحققها ويعمل‬
‫بها وأهم هذه العلمات ما يلي‪-:‬‬
‫‪ -1‬القتداء به صلى الله عليه وسلم واستعمال سنته وسلوك‬
‫طريقته والهتداء بهديه وسيرته والوقوف عندما حد لنا من أحكام‬
‫شريعته ومحبته صلى الله عليه وسلم من مهماتها وهذه‬
‫أعظمها([‪ )]21‬فعن أنس بن مالك قال‪ :‬قال لي رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪" :‬يا بني إن قدرت أن تصبح وتمسي ليس في‬
‫قلبك غش لحد فافعل ثم قال لي يا بني وذلك من سنتي ومن‬
‫أحيا سنتي فقد أحبني ومن أحبني كان معي في الجنة([‪.)]22‬‬
‫وتأمل قوله تعالى‪( :‬قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم‬
‫الله) أي الشأن في أن الله يحبكم‪ ،‬ل في أنكم تحبونه وهذا ل‬
‫ينالونه إل بإتباع الحبيب صلى الله عليه وسلم ([‪ )]23‬قال‬
‫المحاسبي‪ :‬وعلمة محبة العبد لله عز و جل اتباع مرضاة الله‪،‬‬
‫والتمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا ذاق العبد‬
‫حلوة اليمان‪ ،‬ووجد طعمه ظهرت ثمرة ذلك على جوارحه‬
‫ولسانه([‪)]24‬‬
‫وقال غيره‪ :‬من الزم نفسه آداب السنة نور الله قلبه بنور‬
‫المعرفة‪ ،‬ول مقام أشرف من مقام متابعة الحبيب في أوامره‬
‫ونواهيه وأفعاله وأخلقه و قال أبو إسحاق الرقي‪ :‬علمة محبة‬
‫الله إيثار طاعته ومتابعة نبيه صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وقال غيره‪ :‬ل يظهر على أحد شئ من نور اليمان إل بإتباع‬
‫السنة ومجانبة البدعة([‪)]25‬‬
‫‪ -2‬أن يرضى مدعيها بما شرعه الله حتى ل يجد في نفسه حرجا‬
‫مو َ‬
‫ك‬ ‫حكِّ ُ‬ ‫ى يُ َ‬ ‫ن َ َ‬ ‫ك ل َ يُؤ ْ ِ‬ ‫مما قضى([‪ )]26‬قال تعالى‪{ :‬فَل َ وََرب ِّ َ‬
‫حت ّ َ‬ ‫منُو َ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫ما قَ َ‬
‫ضي ْ َ‬ ‫م َّ‬‫حَرجا ً ِّ‬ ‫م َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫جدُوا ْ فِي أنفُ ِ‬ ‫م ل َ يَ ِ‬ ‫م ث ُ َّ‬‫جَر بَيْنَهُ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ما َ‬ ‫فِي َ‬
‫سلِيماً}(النساء ‪ )65‬فسلب اليمان عمن وجد في صدره‬ ‫موا ْ ت َ ْ‬ ‫سل ِّ ُ‬‫وَي ُ َ‬
‫جا من قضائه و لم يسلم له‪.‬‬ ‫حر ً‬
‫‪ -3‬وهي داخله فيما قبلها ‪:‬إيثار ما شرعه وحض عليه على هدى‬
‫َ‬
‫ن تَبَوَّؤ ُوا الدَّاَر‬ ‫نفسه وموافقة شهوته قال الله تعالى‪{ :‬وَال ّذِي َ‬
‫ن فِي‬ ‫جدُو َ‬ ‫م وََل ي َ ِ‬ ‫جَر إِلَيْهِ ْ‬ ‫ن هَا َ‬ ‫م ْ‬‫ن َ‬‫حبُّو َ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫من قَبْلِهِ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ما َ‬ ‫وَاْلِي َ‬
‫َ‬ ‫ةم َ ُ‬
‫م‬‫ن بِهِ ْ‬ ‫م وَلَوْ كَا َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ن ع َلَى أن ُف ِ‬ ‫ما أوتُوا وَيُؤْثُِرو َ‬ ‫ج ً ِّ ّ‬ ‫حا َ‬ ‫م َ‬ ‫صدُورِه ِ ْ‬ ‫ُ‬
‫ن}(الحشر ‪)9‬‬ ‫حو‬ ‫ل‬ ‫ف‬
‫ْ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ئ‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬‫ُ‬ ‫أ‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫س‬ ‫ف‬
‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ح‬‫َ‬ ‫ُ‬
‫ش‬
‫ُ ِ ُ َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ّ َ ِ ِ‬ ‫خ َ َ ٌ َ َ ُ َ‬
‫ق‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫من‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫ص‬ ‫صا‬ ‫َ‬
‫وإسخاط العبد في رضا الله تعالى([‪)]27‬‬
‫‪ -4‬كثرة ذكره له فمن أحب شيئا أكثر ذكره([‪ )]28‬و لبعضهم ‪:‬‬
‫المحبة دوام ذكر المحبوب([‪ )]29‬قال ابن القيم في الصلة على‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬إنها سبب لدوام محبته للرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم وزيادتها و تضاعفها‪ ،‬و ذلك عقد من عقود‬
‫اليمان الذي ل يتم إل به‪ ،‬لن العبد كلما أكثر من ذكر المحبوب‬
‫واستحضار محاسنه ومعانيه الجالبة لحبه تضاعف حبه له وتزايد‬
‫شوقه إليه و استولى على جميع قلبه‪ ،‬وإذا أعرض عن ذكره و‬
‫إحضاره‪ ،‬و إحضار محاسنه بقلبه نقص حبه من قلبه‪ ،‬ول شئ أقر‬
‫لعين العبد المحب من رؤية محبوبه‪ ،‬ول أقر لقلبه من ذكره و‬
‫إحضار محاسنه‪ ،‬فإذا قوى هذا في قلبه جرى لسانه بمدحه‬
‫والثناء عليه وذكر محاسنه‪ ،‬و تكون زيادة ذلك ونقصانه بحسب‬
‫زيادة الحب ونقصانه في قلبه([‪.)]30‬‬
‫و ذكره صلى الله عليه وسلم يكون بالصلة عليه وبهذا يعلم‬
‫فضيلة الحديث و أهله لذكرهم له صلى الله عليه وسلم كثيًرا ([‬
‫‪)]31‬و صح في السنة قوله صلى الله عليه وسلم‪:‬البخيل من‬
‫ذكرت عنده فلم يصلي على([‪.)]32‬‬
‫وقد شرع ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لظهار محبته‬
‫واحترامه وتوقيره وتعظيمه صلى الله عليه وسلم و هذا من‬
‫علمات محبته‪ ،‬ولقد ورد أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا‬
‫بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ل يذكرونه إل خشعوا و اقشعرت‬
‫جلودهم وبكوا‪ ،‬وكذلك كان كثير من التابعين من يفعل ذلك محبة‬
‫له و شوقًا إليه([‪.)]33‬‬
‫و يدخل ضمن الذكر المشروع تعداد فضائله وخصائصه وما وهبه‬
‫الله من الصفات و الخلق والخلل الفاضلة‪ ،‬وما أكرمه به من‬
‫المعجزات و الدلئل و ذلك من أجل التعرف على مكانته ومنزلته‬
‫والتأسي بصفاته وأخلقه و تعريف الناس وتذكيرهم بذلك‬
‫ليزدادوا إيمانًا ومحبه له صلى الله عليه وسلم ولكي يتأسوا به‪،‬‬
‫ول محظور في التمدح بذلك نثًرا وشعًرا مادام ذلك في حدود‬
‫المشروع الذي أمر به الشارع الكريم([‪.)]34‬‬
‫‪ -5‬نصر دينه بالقول والفعل والذب عن شريعته والتخلق بأخلقه‬
‫في الجود واليثار والحلم والصبر والتواضع وغيرها‪ ،‬فمن جاهد‬
‫نفسه على ذلك وجد حلوة اليمان‪ ،‬ومن وجدها استلذ الطاعات‬
‫و تحمل المشاق في الدين‪ ،‬واثر ذلك على أغراض الدنيا الفانية([‬
‫‪.)]35‬‬
‫‪ -6‬كثرة الشوق إلى لقائه فكل حبيب يحب لقاء حبيبه([‪ ،)]36‬أما‬
‫في حياته صلى الله عليه وسلم فمعروف وأما بعد موته فبأن‬
‫يشتاق إلى لقائه في الخرة ويشاهد ذاته الكريم صلى الله عليه‬
‫وسلم ([‪.)]37‬‬
‫و قد نص النبي صلى الله عليه وسلم على هذه العلمة فقال‪:‬‬
‫"من أشد أمتي لي حبًا ناس يكونون بعدي يود أحدهم لو رآني‬
‫بأهله و ماله"([‪.)]38‬‬
‫وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬والذي نفسي محمد في يده ليأتيني على أحدكم‬
‫يوم ل يراني ثم لن يراني معهم أحب إليه من أهله و ماله"([‬
‫‪.)]39‬‬
‫ومن المثلة التطبيقية لهذه العلمة أن الشعريين عند قدومهم‬
‫المدينة كانوا يرتجزون‪ :‬غدًا نلقى الحبة‪ ...‬محمدًا و حزبه([‪)]40‬‬
‫و روي إن بلل ً و حذيفة بن اليمان و عمار بن ياسر كانوا يقولون‬
‫لما حضرتهم الوفاة‪ :‬غدًا ألقى الحبة محمدًا و حزبه([‪)]41‬‬
‫‪ -7‬حب القرآن الذي أتى به صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وهدى به‬
‫واهتدى و تخلق به حتى قالت عائشة‪ :‬رضي الله عنها‪ :‬إن خلق‬
‫نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن([‪ )]42‬أي كان دأبه‬
‫صلى الله عليه وسلم التمسك به والتأدب بآدابه والعمل بما فيه‬
‫من مكارم الخلق فجعلت عائشة رضي الله عنها القرآن نفس‬
‫خلقه مبالغة في شدة تمسكه به‪ ،‬وأنه صار سجية له وطبيعة‬
‫كأنه طبع عليها([‪.)]43‬‬
‫وتمثيل حب القران بكثرة تلوته له على الوجه المرضي فيها عند‬
‫أهل الداء‪ ،‬و ليس المراد مطلق القراءة كذا قال الخفاجي([‪)]44‬‬
‫و الصواب أن كثرة تلوته تدل على حب القرآن و الشغف به‪ ،‬و‬
‫قد صح أن من يتعتع في قراءته له أجران فل وجه لقصر محب‬
‫القرآن على المقرئين فقط‪ ،‬وإضافة إلى كثرة تلوته ودوام‬
‫قرأته‪ ،‬العمل بما فيه من أحكام و مواعظ‪ ،‬و تفهمه أي طلب‬
‫فهمه في مواعظه و قصصه ووعده ووعيده و بيان أحوال أنبيائه‬
‫وأوليائه و عاقبة أعدائه([‪ )]45‬وكذا التقيد بفهم معانيه([‪.)]46‬‬
‫هذا والسنة مليئة بالحث على تعلم القران وإتباعه‪ ،‬فصح عن‬
‫عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫"خيركم من تعلم القران وعلمه"([‪.)]47‬‬
‫و صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال‪" :‬كتاب الله عز وجل‬
‫هو حبل الله من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على‬
‫ضللة"([‪.)]48‬‬
‫و لهذا إذا أردت إن تعرف ما عندك وعند غيرك من محبة الله و‬
‫رسوله فانظر محبة القرآن من قلبك‪ ،‬والتذاذك بسماعه أعظم‬
‫من التذاذ أصحاب الملهي والغناء المطرب بسماعهم‪ ،‬فإنه من‬
‫المعلوم أن من أحب محبوبًا كان كلمه وحديثه أحب شئ إليه‬
‫كما قيل‪:‬‬
‫إن كنت تزعم حبي‪ ...‬فلم هجرت كتابي‬
‫أما تأملت ما فيـ‪ ...‬ـه من لذيد خطابي‬
‫و يروى أن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال‪ :‬لو طهرت قلوبنا‬
‫لما شبعت من كلم الله([‪.)]49‬‬
‫‪ -8‬محبة سنته صلى الله عليه وسلم‪ ،‬والذي يشمل‪ :‬طريقه‬
‫وهديه بالقتداء به قول ً وفعلً‪ ،‬وأحاديثه فيقف عند حدودها‪ ،‬وهي‬
‫أوامرها ونواهيها([‪ )]50‬وأن يكثر من قراءتها فإن من دخلت‬
‫حلوة اليمان في قلبه إذا سمع كلمه من كلم الله تعالى أو من‬
‫حديث رسوله صلى الله عليه وسلم تشربتها روحه وقلبه‬
‫ونفسه([‪ )]51‬قال سهل بن عبد الله‪ :‬علمة حب الله حب القران‬
‫وعلمة حب القران حب النبي صلى الله عليه وسلم وعلمة حب‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم حب السنة وعلمة حب السنة حب‬
‫الخرة([‪)]52‬‬
‫‪ -9‬محبته لمن أحب النبي صلى الله عليه وسلم ومن هو بسببه‬
‫من آل بيتة وحمايته من المهاجرين والنصار‪ ،‬وعداوة من‬
‫عاداهم‪ ،‬وبغض من يبغضهم وسبهم‪ ،‬فمن أحب سيئا ً أحب من‬
‫يحب([‪ )]53‬فعن زيد بن رقمه رضي الله عنة قال ‪ :‬قام رسول‬
‫ما)) بين مكة‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيبا ً بما يدعي ((ض ً‬
‫والمدينة فحمد الله وأثنى عليه‪ ،‬ووعظ وذكر ثم قال‪" :‬أما بعد أل‬
‫أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا‬
‫تارك فيكم ثقلين ‪ :‬أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور‪ ،‬فخذوا‬
‫بكتاب الله واستمسكوا به‪،‬فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم‬
‫قال ‪ :‬وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي‪،‬أذكركم الله في أهل‬
‫بيتي"([‪.)]54‬‬
‫ومن آل بيته أزواجه صلى الله عليه وسلم قال البهيقي‪ :‬ويدخل‬
‫في جمله حب النبي صلى الله عليه وسلم حب أصحابه؛ لن الله‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫ل الل ّهِ وَال ّذِي َ‬
‫ن‬ ‫سو‬ ‫مد ٌ َّر ُ‬
‫َ‬
‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫عز وجل أثنى عليهم ومدحهم فقال‪ُّ { :‬‬
‫مع َ‬
‫جدا ً يَبْتَغُو َ‬
‫ن‬ ‫س َّ‬ ‫م ُرك ّعا ً ُ‬ ‫م تََراهُ ْ‬ ‫ماء بَيْنَهُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫شدَّاء ع َلَى الْكُفَّارِ ُر َ‬ ‫هأ ِ‬ ‫َ َ ُ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن أث َ ِ‬
‫ر‬ ‫م ْ‬ ‫جوهِهِم ِّ‬ ‫م فِي وُ ُ‬ ‫ماهُ ْ‬ ‫سي َ‬ ‫ضوَانا ِ‬ ‫ن اللهِ وَرِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ضل ً ِّ‬ ‫فَ ْ‬
‫جودِ‪(}...‬الفتح ‪ )29‬وغيرها من اليات([‪ )]55‬وصح في السنة‬ ‫س ُ‬ ‫ال ُّ‬
‫من حديث أنس بن مالك رضي الله عنة قال ‪:‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪:‬آية اليمان حب النصار‪ ،‬وآية النفاق‬
‫بغضهم([‪)]56‬‬
‫‪ -10‬بغض من أبغض الله ورسوله‪ ،‬ومعاداة من عاداه‪ ،‬ومجانبة‬
‫من خالف سنته وابتدع في دينة واستثقاله كل أمر يخالف‬
‫َ‬
‫ن ب ِ َالل ّهِ وَالْي َ َوْم ِ اْل ِ ِ‬
‫خر‬ ‫منُو َ‬ ‫جد ُ قَوْما ً يُؤْ ِ‬ ‫شريعته([‪ )]57‬قال َ تعالى‪َ{ :‬ل ت َ ِ‬
‫يوادُون من حاد َ الل ّه ورسول َه ولَو كَانوا آباءهُ َ‬
‫م أوْ‬ ‫م أوْ أبْنَاءهُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ ُ ُ َ ْ ُ‬ ‫ُ َ ّ َ َ ْ َ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م أوْلئ ِ َ‬ ‫خوانه َ‬
‫ح‬ ‫ن وَأي ّدَهُم بُِرو َ ٍ‬ ‫ما َ‬ ‫م الِي َ‬ ‫ب فِي قُلوبِهِ ُ‬ ‫ك كت َ َ‬ ‫شيَرتَهُ ْ‬ ‫م أوْ ع َ ِ‬ ‫إِ ْ َ َ ُ ْ‬
‫َ‬
‫ي الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ض َ‬ ‫ن فِيهَا َر ِ‬ ‫خالِدِي َ َ‬ ‫حتِهَا اْلن ْ َهاُر َ‬
‫َ‬
‫من ت َ ْ‬ ‫جرِي ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جنَّا ٍ‬‫م َ‬ ‫خلُهُ ْ‬ ‫ه وَيُد ْ ِ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ِّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬‫حو َ‬ ‫مفْل ِ ُ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ب الل ّهِ هُ ُ‬ ‫حْز َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ه أَل إ ِ َّ‬ ‫ب الل ّ ِ‬ ‫حْز ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫ه أوْلَئ ِ َ‬ ‫ضوا ع َن ْ ُ‬ ‫م وََر ُ‬ ‫ع َنْهُ ْ‬
‫}المجادلة ‪22‬‬
‫وهؤلء أصحابه صلى الله عليه وسلم قد قتلوا أحباءهم وقاتلوا‬
‫آباءهم وأبناءهم في مرضاته‪ ،‬وقال له عبد الله بن عبد الله بن‬
‫أبي‪ :‬لو شئت لتيتك برأسه –يعني أباه‪.)]58[("-‬‬
‫‪ -11‬شفقته على المة بأن يحبهم ويتلطف بهم ويرقق قلبه عليهم‬
‫ونصحه لهم في أمرهم ونهيهم وموعظتهم وبيان ما يصلحهم من‬
‫أمورهم وسعيه في مصالحهم الدينية والدنيوية بشفاعته ومعاونته‬
‫وقضاء حوائجهم ورفع المضار عنهم بدفع المظالم وإزالة‬
‫مضايقتهم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين‬
‫ما"([‪.)]59‬‬‫رؤوفًا رحي ً‬
‫ثواب محبته ‪:‬‬
‫لقد صحت أحاديث تبين عظم ثواب محبة النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم منها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال‪ :‬جاء رجل‬
‫إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬يا رسول الله متى‬
‫الساعة؟ قال‪ :‬وما أعددت للساعة؟ قال‪ :‬حب الله ورسوله‪،‬‬
‫قال‪ :‬فإنك مع من أحببت‪.‬‬
‫حا أشد من قول النبي صلى‬ ‫قال أنس‪ :‬فما فرحنا بعد السلم فر ً‬
‫الله عليه وسلم فإنك مع من أحببت‪ ..‬قال أنس‪ :‬فأنا أحب الله‬
‫ورسوله وأبا بكر وعمر فأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل‬
‫بأعمالهم‪)]60[(.‬‬
‫ففي هذا الحديث بشارة عظيمة للسائل ولكل من أحب الله‬
‫تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وليس المراد بالمعية هنا المساواة في المنزلة وعلو الرتبة وإنما‬
‫المراد أنه يدخل الجنة في زمرة المؤمنين وإن كانت مراتبهم‬
‫متفاوته([‪.)]61‬‬
‫ونحو الحديث السابق جاء عن عبد الله بن مسعود‪ :‬جاء رجل إلى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬يا رسول الله كيف تقول‬
‫في رجل أحب قوما ولم يلحق بهم ؟‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬المرء مع من أحب"([‬
‫‪.)]62‬‬
‫ومعلوم أن المحبة القلبية لبد أن تنعكس على الجوارح ويكون‬
‫لها الثر الواقعي الذي يدل على تلك الصفة اليمانية‪ ،‬فدعوى‬
‫المحبة القلبية دون برهان واقعي يجسد معانيها ويدل عليها تبقى‬
‫دعوى‪ ،‬إذ إن المحبة تعني التباع والمتابعة له صلى الله عليه‬
‫وسلم والجتهاد في الطاعة لكي يصل إلى مرتبة عالية في الجنة‬
‫والتي يتيسر لها من خللها معيته صلى الله عليه وسلم ومما يدل‬
‫على هذا حديث ربيعة بن كعب السلمي قال‪:‬كنت أبيت مع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته بوضوئه وحاجته فقال‬
‫لي‪ :‬سل فقلت أسألك مرافقتك في الجنة قال أو غير ذلك ؟‬
‫قلت هو ذاك قال فأعني على نفسك بكثرة السجود([‪)]63‬‬
‫من يُطِِع الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫المعنى قوله تعالى‪{ " :‬وَ َ‬ ‫َّ‬
‫ومما يدل على هذا‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫ن الن ّبِيِّي َ‬‫م َ‬ ‫ه ع َليْهِم ِّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬
‫َ‬
‫ن أنْعَ َ‬ ‫معَ الذِي َ‬ ‫ك َ‬ ‫ل فَأُوْلَـئ ِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫وَالَّر ُ‬
‫ك َرفِيقاً}(النساء‬ ‫ن أولَـئ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫شهَدَاء وَال َّ‬ ‫صدِّيقِين وال ُّ‬
‫س َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫َ َ‬ ‫وَال ِّ‬
‫‪.)69‬‬
‫ومما يدخل في ثواب محبته صلى الله عليه وسلم ثواب كل‬
‫طاعة من الطاعات ذلك لنها في الحقيقة ثمرة للمحبة لن‬
‫المحبة أصل كل عمل من أعمال اليمان والدين([‪.)]64‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬وجوب تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫إن تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره وإجلله شعبة‬
‫عظيمة من شعب اليمان وهذه الشعبة غير شعبة المحبة بل إن‬
‫منزلتها ورتبتها فوق منزلة ورتبة المحبة ذلك لنه ليس كل محب‬
‫ما أل ترى أن الوالد يحب ولده ولكن حبه إياه يدعوه إلى‬ ‫معظ ً‬
‫تكريمه ول يدعوه إلى تعظيمه والولد يحب والده فيجمع له بين‬
‫التكريم والتعظيم فعلمنا بذلك أن التعظيم رتبته فوق رتبة‬
‫المحبة([‪.)]65‬‬
‫وفي تعظيمه صلى الله عليه وسلم يقول سبحانه‪( :‬لتؤمنوا بالله‬
‫ورسوله وتعزروه وتوقروه) أي تعظموه وتفخموه‪ ،‬وقال قتادة‪:‬‬
‫تنصروه وتمنعوا منه([‪ ،)]66‬فأوجب سبحانه تعزيره وتوقيره‬
‫وإلزام إكرامه وتعظيمه([‪ ،)]67‬وأخبر سبحانه أن الفلح إنما يكون‬
‫لمن جمع بين اليمان به وتعزيره ول خلف أن التعزير هاهنا‬
‫َ‬
‫صُروهُ‬ ‫منُوا ْ بِهِ وَعََّزُروه ُ وَن َ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫التعظيم([‪َ )]68‬فقال تعالى‪( :‬فَال ّذِي َ‬
‫ن}(العراف ‪)157‬‬ ‫حو َ‬ ‫مفْل ِ ُ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ه أُوْلَـئ ِ َ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫وَاتَّبَعُوا ْ النُّوَر ال ّذِيَ أُنزِ َ‬
‫ضا من مظاهر تعظيمه منها‪:‬‬ ‫وفي القرآن ما يبين بع ً‬
‫ضكُم‬ ‫م كَدُع َاء بَعْ ِ‬ ‫ل بَيْنَك ُ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫جعَلُوا دُع َاء الَّر ُ‬ ‫‪ -1‬قوله تعالى‪َ{ :‬ل ت َ ْ‬
‫ب َ ْعضاً}(النور ‪ )63‬أي ل تغلظوا له بالخطاب أو رفع الصوت ول‬
‫تنادوه باسمه نداء بعضكم لبعض أو تجعلوا دعوته إياكم كالدعاء‬
‫من بعضكم لبعض في التساهل في بعض الحوال عن الجابة أو‬
‫الرجوع بغير استئذان ولكن عظموه ووقروه ونادوه بأشرف ما‬
‫يحب أن ينادى به نحو يا رسول الله‪ ،‬يا نبي الله([‪ ،)]69‬وقال‬
‫سعيد بن جبير ومجاهد‪ :‬المعنى قولوا يا رسول الله في رفق‬
‫ولين ول تقولوا يا محمد بتجهم وقال قتادة‪ :‬أمرهم أن يشرفوه‬
‫ويفخموه([‪.)]70‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سولِهِ‬ ‫ي اللهِ وََر ُ‬ ‫ن يَد َ ِ‬ ‫موا بَي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫منُوا َل تُقَدِّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫تعالى‪{ :‬ي ََا أيُّهَا ال ّذِي َ‬ ‫َ‬
‫‪ -2‬قال‬
‫منُوا َل تَْرفَعُوا‬ ‫َ‬
‫نآ َ‬ ‫م () يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬ ‫ميعٌ عَلِي ٌ‬ ‫س ِ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫وَاتَّقُوا الل ّ َ‬
‫ه إ ِ َّ‬
‫َ‬
‫ضك ُ ْ‬
‫م‬ ‫جهْرِ بَعْ ِ‬ ‫ل كَ َ‬ ‫ه بِالْقَوْ ِ‬ ‫جهَُروا ل َ ُ‬ ‫ي وََل ت َ ْ‬ ‫ت النَّب ِ ِ ّ‬ ‫صوْ ِ‬ ‫م فَوْقَ َ‬ ‫صوَاتَك ُ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ضو َ‬ ‫ن يَغُ ُّ‬ ‫ن َال ّذِي َ‬ ‫ن()إ ِ ّ‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫م َل ت َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫م وَأنت ُ‬ ‫ْ‬ ‫مالُك ُ‬ ‫َ‬ ‫ط أَع ْ‬ ‫حب َ َ‬ ‫ض أن ت َ ْ‬
‫َ‬
‫ل َِبَعْ ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م لِلتَّقْوَى‬ ‫ه قُلُوبَهُ ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مت َ َ‬‫نا ْ‬ ‫ك ال ّذِي َ‬ ‫ل الل ّهِ أوْلَئ ِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫عند َ َر ُ‬ ‫م ِ‬ ‫صوَاتَهُ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫م لَكَا َ‬‫ج إِلَيْهِ ْ‬ ‫خُر َ‬ ‫حتَّى ت َ ْ‬ ‫صبَُروا َ‬ ‫م َ‬ ‫م()وَلَوْ أنَّهُ ْ‬ ‫جٌر عَظِي ٌ‬ ‫مغْفَِرة ٌ وَأ ْ‬ ‫لَهُم َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م{(الحجرات ‪ )5:1‬لقد بين الله سبحانه‬ ‫حي ٌ‬ ‫ه غَفُوٌر َّر ِ‬ ‫م وَالل ّ ُ‬ ‫خيْرا ً ل ّهُ ْ‬ ‫َ‬
‫في هذه اليات جملة آداب مع النبي صلى الله عليه وسلم وهي‪:‬‬
‫أ‍‪ -‬حرمة المسارعة ومسابقته صلى الله عليه وسلم قوًل أو فعلً‪.‬‬
‫ب‍‪-‬حرمة رفع الصوت فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ت‍‪-‬حرمة الغلظة له بالخطاب ومناداته باسمه‪.‬‬
‫ث‍‪-‬ذم الله سبحانه الذين ينادونه من وراء حجرات نسائه إذ هو‬
‫منافي للدب معه صلى الله عليه وسلم وبين لهم أن يصبروا‬
‫حتى يخرج إليهم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب أن‬ ‫ن العَْرا ِ‬ ‫م َ‬ ‫حوْلَهُم ِّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مدِينَةِ وَ َ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫ن ِلهْ ِ‬ ‫ما كَا َ‬ ‫قال تعالى‪َ { :‬‬ ‫‪-3‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫سهِ}(التوبة‬ ‫م ع َن ن ّفْ ِ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ل اللهِ وَل َ يَْرغَبُوا بِأن ُف ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫خلفُوا ع َن َّر ُ‬ ‫يَت َ َ‬
‫‪ )120‬قال الحليمي‪" :‬فأعلمهم أن نفس الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم أكرم وأشرف وأزكى وأجمل من أنفسهم‪ ،‬فل يسعهم من‬
‫ذلك أن يصرفوا أنفسهم عما ل يصرف نفسه عنه فيتخلفوا عنه‬
‫إذا خرج لجهاد أعداء الله معتذرين من شدة حر أو طول طريق‬
‫أو عوز ماء أو قلة زاد بل يلزمهم متابعته ومشايعته على أي حال‬
‫رضيها لنفسه وفي هذا أعظم البيان لمن عقل وأبين الدللة على‬
‫وجوب تعظيمه وإجلله وتوقيره"([‪.)]71‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ‬
‫ه فِي‬ ‫م الل ُ‬ ‫ه لَعَنَهُ ُ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن الل‬ ‫ن يُؤْذ ُو َ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ّذِي‬ ‫‪ -4‬قال سبحانه‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫منِي َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ن يُؤْذ ُو َ‬ ‫مهِيناً()وَال ّذِي َ‬ ‫م عَذ َابا ً ُّ‬ ‫خَرةِ وَأعَد َّ لَهُ ْ‬ ‫الدُّنْيَا وَاْل ِ‬
‫ملُوا بُهْتَانا ً وَإِثْماً‬ ‫حت َ َ‬‫سبُوا فَقَد ِ ا ْ‬ ‫ما اكْت َ َ‬ ‫ت بِغَيْرِ َ‬ ‫منَا ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫وَال ْ ُ‬
‫مبِيناً}(الحزاب ‪ )57،58‬فالله تعالى من تعظيمه لنبيه حفظ له‬ ‫ُّ‬
‫كرامته وصان له حقه ففرق بين أذاه وأذى المؤمنين فأوجب‬
‫على من آذى النبي صلى الله عليه وسلم اللعن والطرد من‬
‫رحمته وهذا حكم على من آذاه بالكفر وفي الخرة له العذاب‬
‫المهين ومصيره إلى جهنم وبئس المصير بينما حكم على من‬
‫آذى المؤمنين بالبهتان والثم والفرق بين الحكمين ناتج عن‬
‫الفرق بين حق النبي صلى الله عليه وسلم وحق غيره([‪.)]72‬‬
‫هذا وتذكر لنا كتب الثار نماذج رائعة لتعظيم النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم من خير الناس صحابة رسول الله منها ما جاء عن‬
‫عمرو بن العاص السابق الذكر والذي فيه "وما كنت أطيق أن‬
‫أمل عيني منه إجلل ً له ولو سئلت أن أصفه ما أطقت"‪.‬‬
‫ومنها أنه صلى الله عليه وسلم كان ل يتوضأ إل ابتدر الصحابة‬
‫وضوءه وكادوا يقتتلون عليه‪ ،‬ول يبصق بصاقا ول يتنخم نخامة إل‬
‫تلقوها بأكفهم فدلكوا بها وجوههم وأجسادهم ول تسقط منه‬
‫شعرة إل ابتدروها وإذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره وإذا تكلم خفضوا‬
‫أصواتهم عنده وما يمدون إليه النظر تعظيما له([‪.)]73‬‬
‫تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم محله القلب واللسان‬
‫والجوارح‪:‬‬
‫أما تعظيم القلب فهو ما يتبع اعتقاد كونه عبدًا رسول ً من‬
‫تقديم محبته على النفس والولد والوالد والناس أجمعين والتي‬
‫من لوازمها الكثار من ذكره وتعظيم القلب له صلى الله عليه‬
‫وسلم واستشعاره لهيبته وجللة قدره وعظيم شأنه‪.‬‬
‫وأما تعظيم اللسان فهو الثناء عليه بما هو أهله مما أثنى به عليه‬
‫ربه وأثنى على نفسه من غير غلو ول تقصير ومن أعظم ذلك‬
‫الصلة والسلم عليه صلى الله عليه وسلم كما أمر الله تعالى‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫منُوا‬
‫نآ َ‬ ‫ن ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬
‫ي يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬ ‫صل ّو َ‬ ‫مَلئِكَت َ ُ‬
‫ه يُ َ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫حين قال‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫ُ‬
‫سلِيما} (الحزاب ‪ )56‬ذلك أن معنى الصلة‬ ‫ً‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫ّ‬
‫سل ِ ُ‬‫صل ّوا ع َلَيْهِ وَ َ‬
‫َ‬
‫على النبي صلى الله عليه وسلم تعظيمه فمعنى قولنا‪ :‬اللهم‬
‫صل على محمد عظم محمدا والمراد تعظيمه في الدنيا بإعلء‬
‫ذكره وإظهار دينه وإبقاء شريعته وفي الخرة بإجزال مثوبته‬
‫وتشفيعه في أمته وإبداء فضيلته بالمقام المحمود وعلى هذا‬
‫فالمراد بقوله تعالى‪( :‬صلوا عليه) ادعوا ربكم بالصلة عليه"([‬
‫‪.)]74‬‬
‫ومن تعظيم اللسان أل نذكره باسمه فقط بل لبد من زيادة ذكر‬
‫النبوة والرسالة والصلة والسلم عليه لقوله تعالى‪( :‬ل تجعلوا‬
‫ضا)‪.‬‬
‫دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بع ً‬
‫ومن تعظيم اللسان تعداد فضائله وخصائصه ومعجزاته ودلئل‬
‫نبوته وتعريف الناس بسنته وتعليمهم إياها وتذكيرهم بمكانته‬
‫ومنزلته وحقوقه وذكر صفاته وأخلقه وخلله وما كان من أمر‬
‫دعوته وسيرته وغزواته والتمدح بذلك شعًرا ونثًرا بشرط أن‬
‫يكون ذلك في حدود ما أجازه الشرع بعيدا عن مظاهر البدعة‬
‫والغلو والطراء المحظور‪.‬‬
‫وأما تعظيم الجوارح له صلى الله عليه وسلم فهو العمل‬
‫بشريعته والتأسي بسنته ظاهًرا وباطنًا والتمسك بها والحرص‬
‫عليها وتحكيم ما جاء به في المور كلها والسعي في إظهار دينه‬
‫ونصر ما جاء به والجتناب عما نهى عنه([‪.)]75‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬النهي عن الغلو في حقه صلى الله عليه وسلم‬
‫الغلو في اللغة‪ :‬هو مجاوزة الحد‪.‬‬
‫وشرع ًا‪ :‬مجاوزة حدود ما شرع الله سواء كان ذلك التجاوز في‬
‫جانب العتقاد أو القول أو العمل([‪.)]76‬‬
‫ب ل َ تَغْلُوا ْ فِي‬ ‫ل الْكِتَا ِ‬ ‫وقد نهى عز وجل عن الغلو فقال‪{ :‬يَا أَهْ َ‬
‫ب ل َ تَغْلُوا ُْ فِي دِينِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ل الْكِتَا ِ‬ ‫ل يَا أَهْ َ‬ ‫م}(النساء ‪ )171‬وقال‪{ :‬قُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫دِينِك ُ‬
‫ضل ّوا ْ كَثِيراً‬ ‫غَير ال ْحق ول َ تتَبعوا ْ أَهْواء قَوم قَد ضلُّوا ْ من قَب ُ َ‬
‫ل وَأ َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ ٍ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ِّ َ َ ّ ِ ُ‬ ‫َْ‬
‫سوَاء ال َّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ل}(المائدة ‪.)77‬‬ ‫سبِي ِ‬ ‫ضلوا ع َن َ‬ ‫وَ َ‬
‫قال ابن القيم‪ " :‬ومن أسباب عبادة الصنام الغلو في المخلوق‬
‫وإعطاؤه فوق منزلته حتى جعل فيه حظ من اللهية وشبهوه‬
‫بالله سبحانه وهذا هو التشبيه الواقع في المم الذي أبطله الله‬
‫سبحانه وبعث رسله وأنزل كتبه بإنكاره والرد على أهله"([‪.)]77‬‬
‫وعن بن عباس قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫"إياكم والغلو في الدين فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في‬
‫الدين"([‪.)]78‬‬
‫وهذا التحذير من الغلو عام في جميع أنواع الغلو فيشمل‬
‫العتقادات والعمال كما قال شيخ السلم‪ ،‬ولهذا كانت الوسطية‬
‫مما تميز به هذا الدين عن غيره من الديان التي دخلها التحريف‬
‫فسار بعضها مشرقا وبعضه الخر مغربًا‪ ،‬ونرى بجلء هذا التوسط‬
‫والعتدال في جوانب شتى منها عقيدة اليمان بالنبياء‪ ،‬فاليهود‬
‫كذبوا الرسل وعذبوهم وقتلوهم‪ ،‬والنصارى غالوا فيهم لدرجة‬
‫رفع بعضهم إلى مرتبة اللهية‪ ،‬ولهذا حذر الله من هذا الغلو‬
‫ونسبه إلى أهل الكتاب كما في اليات السابقة‪.‬‬
‫ولخطر الغلو في النبياء وخاصة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫فقد امتل القرآن ببيان بشريته صلى الله عليه وسلم وعبوديته‬
‫لخالقه سبحانه‪ ،‬فقال تعالى‪( :‬قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى‬
‫إلي)(الكهف ‪ )110‬وذكره سبحانه بصفة العبودية في عدة آيات‬
‫فقال‪( :‬سبحان الذي أسرى بعبده ليل من المسجد الحرام إلى‬
‫المسجد القصى)(السراء ‪ )1‬وقال‪( :‬فأوحى إلى عبده ما‬
‫أوحى)(النجم ‪.)10‬‬
‫وبين سبحانه أن الرسل ل يملكون شيئا من خصائص اللوهية‬
‫ن اللّهِ وَل‬ ‫خَزآئ ِ ُ‬ ‫عندِي َ‬ ‫م ِ‬ ‫ل لَك ُ ْ‬ ‫والربوبية فقال سبحانه‪{ :‬قُل ل َّ أَقُو ُ‬
‫حى إِل َ َّ‬ ‫َ‬ ‫كإ َ‬ ‫ب وَل أَقُو ُ‬ ‫َ‬
‫ي قُ ْ‬
‫ل‬ ‫ما يُو َ‬ ‫ن أتَّبِعُ إِل ّ َ‬ ‫مل َ ٌ ِ ْ‬ ‫م إِنِّي َ‬ ‫ل لَك ُ ْ‬ ‫م الْغَي ْ َ‬ ‫أع ْل َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن}(النعام ‪ )50‬وقال‬ ‫صيُر أفَل َ تَتَفَك ُّرو َ‬ ‫مى وَالْب َ ِ‬ ‫ستَوِي الع ْ َ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫هَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه وَل َ ْ‬
‫و‬ ‫شاء الل ّ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ضّرا ً إِل ّ َ‬ ‫سي نَفْعا ً وَل َ َ‬ ‫ك لِنَفْ ِ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫تعالى‪{ :‬قُل ل ّ أ ْ‬
‫سوءُ إن أناَْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ِ ْ َ‬ ‫ي ال ُّ‬ ‫سن ِ َ‬ ‫م َّ‬ ‫ما َ‬ ‫خيْرِ وَ َ‬ ‫م َ‬‫ت ِ‬ ‫ستَكْثَْر ُ‬ ‫ب لَ ْ‬ ‫م الْغَي ْ َ‬ ‫ت أع ْل َ ُ‬ ‫كُن ُ‬
‫َ‬
‫ن }(العراف ‪ )188‬وقال سبحانه‪:‬‬ ‫منُو َ‬ ‫شيٌر ل ِّقَوْم ٍ يُؤ ْ ِ‬ ‫إِل ّ نَذِيٌر وَب َ ِ‬
‫يءٌ}(آل عمران ‪ )128‬وبين سبحانه كفر من‬ ‫مرِ َ‬
‫ش‬ ‫َ‬ ‫س لَ َ‬ ‫{لَي ْ‬
‫ْ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ك ِ‬ ‫َ‬
‫ْ‬
‫خذ ُواْ‬ ‫م أَن تَت َّ ِ‬ ‫مَرك ُ ْ‬ ‫يرفع النبيين فوق مقامهم قال تعالى‪{ :‬وَل َ يَأ ُ‬
‫مُركُم بِالْكُفْرِ بَعْد َ إِذ ْ أَنتُم ُّ‬ ‫َ ْ‬ ‫ة والنِبيي َ‬
‫ن}(آل‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن أْربَابا ً أيَأ ُ‬ ‫ملَئِك َ َ َ ّ ِ ِّ ْ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫عمران ‪ )80‬أي كما اتخذت الصابئة الملئكة واليهود عزيراً‬
‫والنصارى عيسى‪.‬‬
‫ووصف النبياء بما سبق ل يعني البتة النتقاص من قدرهم أو‬
‫مكانته بل لهم المقام الرفيع والمكانة السامية كيف ل وهم‬
‫مبلغوا دين الله إلى البشر والدعاة الول إلى اليمان‪ ،‬يقول‬
‫ن الَّذين يكْفُرون باللّه ورسلِه ويريدو َ‬
‫ن أن يُفَّرِقُوا ْ بَي ْ َ‬
‫ن‬ ‫ِ َ َ ُ َ ِ ِ َُ ُ ِ َُ ِ ُ َ‬ ‫سبحانه‪{ :‬إ ِ َّ‬
‫َ‬
‫ن أن‬ ‫ض َونَكْفُُر بِبَعْ ٍ‬
‫ض وَيُرِيدُو َ‬ ‫ن بِبَعْ ٍ‬
‫م ُ‬ ‫سلِهِ وَيقُولُو َ‬
‫ن نُؤ ْ ِ‬ ‫اللّهِ وَُر ُ‬
‫سبِيلً}(النساء ‪ )150‬فحكم سبحانه بكفر من يرفع‬ ‫ك َ‬ ‫ن ذَل ِ َ‬ ‫يَت َّ ِ‬
‫خذ ُوا ْ بَي ْ َ‬
‫النبيين فوق قدرهم بحيث يضفي عليهم صفات اختص بها الله‬
‫سبحانه كما حكم بكفر من كذب بنبي واحد إذ الكفر بواحد "كفر‬
‫بسائر النبياء فإن اليمان واجب بكل نبي بعثه الله إلى أهل‬
‫الرض"([‪.)]79‬‬
‫وفي النهي عن الغلو في حقه صلى الله عليه وسلم صح عنه أنه‬
‫قال‪" :‬ل تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد الله‬
‫فقولوا عبد الله ورسوله"([‪.)]80‬‬
‫وصح عنه أيضا قوله‪" :‬ل تتخذوا قبري عيدًا"([‪.)]81‬‬
‫وقال له رجل‪ :‬ما شاء الله وشئت‪ ،‬فقال‪" :‬أجعلتني لله عدل –أي‬
‫ندا‪ -‬بل ما شاء الله وحده "([‪.)]82‬‬
‫نماذج من الغلو‪:‬‬
‫رغم النهي الوارد في القرآن والسنة عن الغلو فيه بما يجعله ندا‬
‫لله أو إضفاء صفات أو بعض صفات اللوهية عليه صلى الله عليه‬
‫وسلم رغم ذلك فقد وجد من لم يفقه ذلك كله‪ ،‬ورفضه قوًل‬
‫وعمًل‪ ،‬ولم يكتف بهذا بل جادل وناظر وألف حاضر في سبيل‬
‫بث هذه الروح والرؤية المنحرفة التي ل تمت إلى شريعة‬
‫السلم الحقة النقية بأدنى صلة‪ ،‬وقد تنوعت أساليب الغلو‬
‫وأخذت أشكال عقدية عدة ورغم أنها بدأت بذرات وأفكار متناثرة‬
‫هنا وهناك إل أن فترة الجمود والتقليد والتي خيم ظلمها على‬
‫المة في العصر المتأخرة كانت كفيلة بأن ترعى تلك البذرة‬
‫بالري كي تنمو وتزداد مع مرور اليام‪ ،‬فكان ل يأتي عصر إل وقد‬
‫زادت البدعة بدع ًا والظلم حلوكًا‪ ،‬وكان كل من يريد أن يجعل‬
‫لنفسه موطئ قدم في هذا الفكر البدعي أضاف بدع ًا‪ ،‬لتغدو هذه‬
‫البدع ككرة الثلج المتدحرجة التي تبدأ أول الجبل صغيرة خفيفة‬
‫لتصل نهايته ضخمة كبيرة‪ ،‬وإنك لتقرأ لبعض هؤلء الغلة فتجد‬
‫العجب لدرجة أنك ربما ل تستطيع المواصلة لما تجد من ضللت‬
‫هي أقرب إلى الحماقات ومضادة الشرع‪ ،‬وليصبح هذا الغلو‬
‫مجال للمزايدات فكل من أراد تعظيم رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم حسب ظنه زاد على غيره وكل من أراد أن يصل إلى‬
‫مرتبة الولية والمعرفة اللدنية سحب من الصفات اللهية وألقاها‬
‫على رسول الله‪ ،‬وفي النهاية ل يصبح لهذا الغلو حدود يقف‬
‫عنده‪ ،‬وبموجبه يزال الحاجز بين الخالق والمخلوق‪ ،‬أو أن يصبح‬
‫الله عز وجل خالقا بل خلق فليس له المر والنهي وكل متعلقات‬
‫اللوهية والربوبية كما سيظهر هذا مما يأتي‪.‬‬
‫لغد غدا الغلو فلسفة ليس فقط في جانبه الكلمي بل والصوفي‬
‫كذلك‪ ،‬ولم يسلم من هذه الفلسفة خير ولد آدم محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وبدون حياء من البعض يتبنى مناهج فلسفية مغايرة‬
‫تمام المغايرة لشرعه صلى الله عليه وسلم ولما جاء به لينزلها‬
‫بعد ذلك عليه صلى الله عليه وسلم ومن المعلوم أن هناك‬
‫تيارات عقدية اغترفت من العلوم والمعتقدات الفلسفية السنة‬
‫والتي تنوعت بين إغريقية وفارسية وهندية وتمثلت في مدارس‬
‫شتى مشائية وغنوصية وإشراقية وأفلوطنية محدثة وصاغتها‬
‫صياغة توحي بإسلميتها حيث استبدلت السماء الجنبية بأخرى‬
‫إسلمية‪ ،‬وسمت بعض تلك الجهالت بأسماء عربية لتخفي‬
‫السماء الحقيقية وليبدو لمن ل يعلم أن ما قيل نابع من القرآن‬
‫والسنة والحقيقة أن المر ليس كذلك‪.‬‬
‫وهنا أسوق هنا بعض المثلة على الغلو الممقوت والذي يتعارض‬
‫مع الشرع الحنيف مهما حاول قائلوه أن يأسلموه فالماء والنار ل‬
‫يجتمعان‪:‬‬
‫الحقيقة المحمدية‪:‬‬ ‫‪-1‬‬
‫يقول النبهاني وهو من المنظرين لهذا الفكر الغريب عن المة‬
‫مبينا معنى هذا المصطلح الغريب عن عقيدة المة والذي ظهر‬
‫متأخًرا تأثًرا بالفكر الوافد يقول‪" :‬اعلم أنه لما تعلقت إرادة‬
‫الحق تعالى بإيجاد خلقه أبرز الحقيقة المحمدية من أنواره ثم‬
‫سلخ منها العوالم كلها علوها وسفلها‪...‬ثم ابجست منه صلى الله‬
‫عليه وسلم عيون الرواح فهو الجنس العالي على جميع الجناس‬
‫والب الكبر لجميع الموجودات"([‪.)]83‬‬
‫معنى هذا أن الله سبحانه خلق محمدًا صلى الله عليه وسلم من‬
‫نوره‪ ،‬وأنه خلقه قبل آدم بل قبل خلق العوالم جميعًا‪ ،‬بل إن‬
‫الشياء جميعها خلقت من نوره صلى الله عليه وسلم وهذه‬
‫دعاوى باطلة ل دليل عليها ل من قرآن ول من سنة وما احتج به‬
‫قائلوا هذه الكلم من أحاديث كلها موضوعة كحديث "كنت نبيًا‬
‫وآدم ول آدم ول ماء ول طين" وحديث "إنه كان نوًرا حول‬
‫العرش فقال‪ :‬يا جبريل أنا كنت ذلك النور" وغيرها من الحاديث‬
‫الموضوعة والمنكرة سندًا ومتنًا‪ ،‬ومن المعلوم أن الستدلل ل‬
‫يكون إل بالحاديث الصحيحة والتي بذل حفاظ السلم جهودًا‬
‫جبارة في بيانها وتنقيتها‪ ،‬ولكن هؤلء لجئوا إل هذه الموضوعات‬
‫لنهم لم يجدوا دليل ً يؤيد رأيهم من القرآن أو صحيح السنة‪ ،‬كما‬
‫أن منهج هؤلء الستدلل بالمتواتر فيما يتعلق بالعقديات وقد‬
‫أقام أسلفهم الدنيا وأقعدوها في قبول صحيح أحاديث الحاد في‬
‫هذا المجال وتفريقهم بين الصول والفروع العقدية في هذا‬
‫المجال غير مقبول‪ ،‬وإذا بهم يدعمون بدع ًا مخالفة للنصوص‬
‫الثابتة مثل قوله سبحانه‪( :‬سبحان ربي هل كنت إل بشرا رسول)‬
‫وقوله سبحانه‪( :‬قل ما كنت بدعا من الرسل)‪.‬‬
‫زعم بعضهم أن الدنيا خلقت من أجل النبي‬ ‫‪-2‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ويقول أحد هؤلء تعبيًرا عن هذه العقيدة‪:‬‬
‫لوله ما خلقت شمس ول قمر‪ ...‬ول نجوم ول لوح ول‬
‫قلم([‪)]84‬‬
‫وعندما يطالب هؤلء بالدليل الصحيح الصريح الخالي عن‬
‫المعارضة يحتجون بحديث موضوع وهو‪" :‬لولك ما خلقت‬
‫الفلك" فهل يصح هذا دليل في دين الله‪ ،‬كيف يستدل بحديث‬
‫مكذوب من يريد رضا الله عز وجل دنيا وأخرى‪ ،‬كيف يستحق‬
‫هذا القائل محبة الله ومغفرته وجنته وهو يكذب عليه ويعارض‬
‫قوله‪( :‬وما خلقت الجن والنس إل ليعبدون) لقد بين الله سبحانه‬
‫في هذه الية أنه ما خلق الجن والنس جميعًا بما فيهم رسوله‬
‫صلى الله عليه وسلم إل لعبادته وحده ثم يأتي هؤلء ويحرفون‬
‫مسار العقيدة السلمية والتي هي توحيده سبحانه ليصبح سبب‬
‫خلق المخلوقات جميعا إنما هو لكي يرسل رسول الله إليهم!!!‬
‫وهم انتحوا هذا الضلل ليضيعوا معنى التوحيد وليعبدوا الناس‬
‫لهوائهم وشهواتهم وقبورهم وليدخلوا من هذه البدعة الكثير‬
‫والكثير من البدع‪ ،‬ولست أدري كيف مررت هذه العقيدة على‬
‫بعض المسلمين وكأنهم لم يقرؤوا الية السابقة ربما كان للجهل‬
‫المطبق دوره الفعال‪.‬‬
‫وصف بعضهم للنبي صلى الله عليه وسلم واستغاثتهم به‬ ‫‪-3‬‬
‫بما ل يجوز إل لله سبحانه والمثلة على هذا كثيرة في كلمهم‬
‫منها قول أحدهم‪:‬‬
‫أل بأبي من كان ملكا وسيدا‪ ...‬وآدم بين الماء والطين واقف‬
‫إذا رام أمرا ل يكون خلفه‪ ...‬وليس لذاك المر في الكون‬
‫صارف([‪)]85‬‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫يا ملذي يا منجدي يا منائي‪ ...‬يا معاذي يا مقصدي يا رجائي‬
‫يا نصير يا عمدتي يا مجيري‪ ...‬يا خفيري يا عدتي يا شفائي‬
‫أدرك أدرك أغث أغث يا شفيعي‪ ..‬عند ربي واعطف وجد بالرضاء‬
‫أنت غوثي وملجئي وغياثي‪ ...‬وجل كربتي وأنت غنائي([‪)]86‬‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫يا رسول الله إني ضعيف‪ ...‬فاشفني أنت مقعد للشفاء([‪)]87‬‬
‫وقال النبهاني‪:‬‬
‫سيدي أبا البتول أغثني‪ ...‬أنت أدرى بما حواه الضمير([‪!!!)]88‬‬
‫ويقول صاحب البردة‪:‬‬
‫يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به‪ ...‬سواك عند حلول الحادث‬
‫العمم‬
‫ويقول آخر‪" :‬إن مفاتيح الكون كلها في يد رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم وهو مالك الكل وإنه النائب الكبر للقادر وهو الذي‬
‫يملك كلمة كن"([‪)]89‬‬
‫ضا ‪" :‬إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المبرئ‬ ‫وقال أي ً‬
‫من السقم واللم والكاشف عن المة كل خطب‪ ،‬وهو المحيي‬
‫وهو الدافع للمعضلت والنافع للخلق والرافع للرتب وهو الحافظ‬
‫والناصر وهو دافع البلء وهو الذي برد على الخليل النار وهو الذي‬
‫يهب ويعطي وحكمه نافذ وأمره جار في الكونين"([‪ )]90‬فماذا‬
‫أبقى لله؟!!!‬
‫إن المقالت الشركية التي تنحو هذا المنحى كثيرة([‪ )]91‬وهي‬
‫من مخلفات عصور النحطاط‪ ،‬مع أن القرآن قد رد هذه المزاعم‬
‫ضا من البيان القرآني والنبوي لعقيدة‬ ‫جميعها وقد أوردنا سابقًا بع ً‬
‫السلم والداعية إلى توحيده سبحانه‪ ،‬ونزيد هنا آيات لها تعلق‬
‫بما قال هؤلء فنقول‪:‬‬
‫لقد بين الله سبحانه في القرآن أنه ‪:‬‬
‫من‬ ‫منْهَا وَ ِ‬‫جيكُم ِّ‬ ‫ه يُن َ ِّ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫هو الذي ينجي من كل كرب فقال‪{ :‬قُ ِ‬
‫ل ك َرب ث ُ َ َ‬
‫ن }النعام ‪64‬‬ ‫شرِكُو َ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫م أنت ُ ْ‬ ‫ك ُ ِّ ْ ٍ ّ‬
‫ن اللّهِ‬ ‫مةٍ فَ ِ‬
‫م َ‬ ‫من نِّعْ َ‬ ‫ما بِكُم ِّ‬ ‫{و َ‬‫وأن النعم كلها منه سبحانه َفقال‪َ :‬‬
‫ن}النحل ‪53‬‬ ‫جأُرو َ‬ ‫ضُّر فَإِلَيْهِ ت َ ْ‬ ‫م ال ُّ‬ ‫سك ُ ُ‬ ‫م َّ‬ ‫م إِذ َا َ‬ ‫ث ُ َّ‬
‫ف‬
‫ش َ‬ ‫ضّرٍ فَل َ كَا ِ‬ ‫ه بِ ُ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫س َ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫وأنه هو كاشف الضر فقال‪{ :‬وَإِن ي َ ْ‬
‫خيْرٍ فَهُوَ ع َلَى ك ُ ِّ‬ ‫َ‬
‫ر}النعام ‪17‬‬
‫َّ‬ ‫ٌ‬ ‫يءٍ قَدُي‬ ‫ْ‬ ‫ل َ‬
‫ش‬ ‫ك بِ َ‬ ‫س َ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬ ‫ه إِل ّ هُوَ وَإِن ي َ‬ ‫لَ ُ‬
‫ن‬
‫ل ادْع ُوا الذِي َ‬ ‫الله ل يملك مثقال ذرة فقال‪{ :‬قُ ِ‬ ‫َ‬
‫وأن كل ما سوى‬
‫ت وََل فِي‬ ‫ماوَا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ل ذََّرةٍ فِي ال َّ‬ ‫مثْقَا َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ملِكُو َ‬ ‫ن الل ّهِ َل ي َ ْ‬ ‫من دُو ِ‬ ‫متُم ِّ‬ ‫َزع َ ْ‬
‫من ظَهِيرٍ}سبأ ‪)22‬‬ ‫َْ‬
‫منْهُم ِّ‬ ‫ه ِ‬ ‫ما ل َ ُ‬ ‫ك َو َ‬ ‫شْر ٍ‬‫من ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫م فِيهِ َ‬ ‫ما لَهُ ْ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫الْر ِ‬
‫ل إِنِّي‬ ‫وأمر نبيه أن يبين أن الضرار والرشاد بيد الله وحده {قُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حدٌ‬ ‫ن الل ّهِ أ َ‬ ‫م َ‬ ‫جيَرنِي ِ‬ ‫ل إِنِّي لَن ي ُ ِ‬ ‫شدا ً () قُ ْ‬ ‫ضّرا ً وََل َر َ‬ ‫م َ‬ ‫ك لَك ُ ْ‬ ‫مل ِ ُ‬‫َل أ ْ‬
‫حداً}(الجن ‪ )21،22‬والمعنى كما يقول ابن‬ ‫ول َ َ‬
‫ملْت َ َ‬ ‫من دُونِهِ ُ‬ ‫جد َ ِ‬ ‫نأ ِ‬ ‫َ ْ‬
‫كثير‪ " :‬أي إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي وعبد من عباد الله ليس‬
‫إلي من المر شيء في هدايتكم ول غوايتكم بل المرجع في ذلك‬
‫كله إلى الله عز وجل ثم أخبر عن نفسه أيضا أنه ل يجيره من‬
‫الله أحد أي لو عصيته فإنه ل يقدر أحد على إنقاذي من عذابه"([‬
‫‪.)]92‬‬
‫ويلحظ بجلء من اليات مقدار التشنيع والتقريع والتوبيخ لمن‬
‫يدعو مع الله غيره ويرجوه‪ ،‬ولمن دعا الله في الضراء والكرب‬
‫فلما نجاه مما هو فيه إذا به يشرك مع الله غيره‪ ،‬فكيف بالله‬
‫عليك من يدعو غير الله في كلتا الحالتين الضراء والسراء أليس‬
‫أتعس حاًل‪.‬‬
‫كما بين سبحانه بأنه القادر وحده والمالك وحده والمجيب دعوة‬
‫المطر وكاشف السوء وأن من يضفي هذه الصفات على غيره‬
‫سبحانه يكون مشركا ويكون قد اتخذ إلها من دون الله يقول‬
‫جعَلُك ُ ْ‬
‫م‬ ‫سوءَ وَي َ ْ‬ ‫ف ال ُّ‬ ‫ضطََّر إِذ َا دَع َاه ُ وَيَك ْ ِ‬
‫ش ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ َ ُ‬
‫جي ُ‬ ‫من ي ُ ِ‬ ‫سبحانه‪{ :‬أ َ َّ‬
‫َ‬ ‫معَ الل ّهِ قَلِيل ً َّ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫ن}(النمل ‪)62‬‬ ‫ما تَذ َك ُّرو َ‬ ‫ه َّ‬‫ض أإِل َ ٌ‬
‫خلفَاء الْر ِ‬
‫ُ َ‬
‫وصدق ربي فقليل ما يتذكر هؤلء أن الله هو الخالق البارئ الذي‬
‫َ‬ ‫ل إ َّ َ‬
‫مَر كُل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ن ال ْ‬ ‫بيده مقاليد السموات والرض وأن المر كله لهَ (قُ ْ ِ‬ ‫َّ‬
‫ض وَإِلَيْهِ يُْر َ‬
‫جعُ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫ال‬‫َ‬ ‫و‬ ‫ت‬
‫ِ‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫ماو‬‫َ‬ ‫َ‬
‫س‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ب‬‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫غ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫{ولِل ّ‬‫َ‬ ‫)‬ ‫‪154‬‬ ‫عمران‬ ‫)(آل‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫لِل‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن}(هود‬ ‫ملُو َ‬ ‫ل ع َ َّ‬
‫ما تَعْ َ‬ ‫ك بِغَافِ ٍ‬ ‫ما َرب ُّ َ‬ ‫ل ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫ه فَاع ْبُدْه ُ وَتَوَك ّ ْ‬ ‫مُر كُل ّ ُ‬
‫ال ْ‬
‫‪.)123‬‬
‫إن من يغلو بالباطل في حق النبي صلى الله عليه وسلم لهو‬
‫ممن يعارض ويضاد شرعه‪ ،‬فل يحسبن أنه بعمله هذا يحسن‬
‫صنعا‪ ،‬بل هو جرأة عظيمة في القول على الله بالباطل وزيغ عن‬
‫الطريق‪ ،‬وهو ل يقل فداحة عن أولئك الذين يتنقصون من قدره‬
‫صلى الله عليه وسلم ممن كان بعضهم أبناء لهذا الفكر أو‬
‫قريبين منه أو ممن ـاثروا بالثقافات الوافدة أل فاليعلموا جميعًا‬
‫أنهم قد سلكوا الطريق الخطأ وأنهم سيدركون الحق عما قريب‬
‫ولكن أخشى أن يكون بعد فوات الوان‪.‬‬
‫وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫‪00000000000000000000‬‬
‫ومسلم‬
‫‪4/2054‬‬ ‫[‪ ))]1‬البخاري ‪،6/2669‬‬
‫انظر لسان العرب‪.‬‬ ‫[‪))]2‬‬
‫الفتح ‪10/463‬‬ ‫[‪))]3‬‬
‫انظر مدارج السالكين ‪3/9‬‬ ‫[‪))]4‬‬
‫انظر تفسير القرطبي ‪8/95‬‬ ‫[‪))]5‬‬
‫الشفاء للقاضي عياض‬ ‫[‪))]6‬‬
‫البخاري ‪ 11/523‬مع الفتح‬ ‫[‪))]7‬‬
‫البخاري ‪ 1/58‬مع الفتح‬ ‫[‪))]8‬‬
‫‪1/48‬‬ ‫البخاري ‪ 1/58‬مع الفتح ومسلم‬ ‫[‪))]9‬‬
‫‪8/42‬‬ ‫مع الفتح ومسلم‬ ‫‪1/72‬‬ ‫[‪ ))]10‬البخاري‬
‫[‪ ))]11‬مسلم ‪8/145‬‬
‫[‪ ))]12‬مسلم ‪8/145‬‬
‫[‪ ))]13‬الشفاء‬
‫[‪ ))]14‬انظر هذه القسام في حقوق النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫لمحمد التميمي‬
‫[‪ ))]15‬استنشاق نسيم النس من نفحات رياض القدس ‪35،34‬‬
‫[‪ ))]16‬فتح الباري ‪1/61‬‬
‫[‪ ))]17‬جلء الفهام ‪297‬‬
‫[‪ ))]18‬انظر الصارم المسلول ‪72‬‬
‫[‪ ))]19‬انظر حقوق النبي صلى الله عليه وسلم بين الجلل‬
‫والخلل ‪72‬‬
‫[‪ ))]20‬الشفاء ‪2/24‬‬
‫[‪ ))]21‬المواهب اللدنية مع الشرح ‪9/117‬‬
‫[‪ ))]22‬الترمذي ‪5/46‬‬
‫[‪ ))]23‬المواهب اللدنية ‪ 9/120‬مع شرح الزرقاني‬
‫[‪ ))]24‬المصدر السابق‬
‫[‪ ))]25‬المصدر السابق ‪9/121‬‬
‫[‪ ))]26‬المصدر السابق ‪9/124‬‬
‫[‪ ))]27‬الشفاء ‪2/24‬‬
‫[‪ ))]28‬المصدر السابق ‪2/25‬‬
‫[‪ ))]29‬المواهب ‪9/132‬‬
‫[‪ ))]30‬جلء الفهام ‪248‬‬
‫[‪ ))]31‬انظر نسيم الرياض للخفاجي ‪3/361‬‬
‫[‪ ))]32‬أخرجه الترمذي ‪ 5/551‬وصححه‪ ،‬كما صححه ابن حبان ‪3/189‬‬
‫والحاكم ‪ 1/549‬ووافقه الذهبي‬
‫[‪ ))]33‬الشفاء‬
‫[‪ ))]34‬حقوق النبي صلى الله عليه وسلم ‪1/328‬‬
‫[‪ ))]35‬المواهب ‪9/129‬‬
‫[‪ ))]36‬الشفاء ‪2/20‬‬
‫[‪ ))]37‬انظر نسيم الرياض ‪3/361‬‬
‫[‪ ))]38‬مسلم ‪8/145‬‬
‫[‪ ))]39‬مسلم ‪7/96‬‬
‫[‪ ))]40‬أحمد ‪ 3/105‬وانظر الشفاء ‪2/25‬‬
‫[‪ ))]41‬انظر الشفاء‬
‫[‪ ))]42‬مسلم ‪2/168‬‬
‫[‪ ))]43‬نسيم الرياض ‪3/368‬‬
‫[‪ ))]44‬المصدر السابق‬
‫[‪ ))]45‬شرح الشفاء للقاري بهامش نسيم الرياض ‪3/368‬‬
‫[‪ ))]46‬نسيم الرياض ‪3/369‬‬
‫[‪ ))]47‬أخرجه البخاري ‪4/1919‬‬
‫[‪ ))]48‬أخرجه مسلم ‪4/1873‬‬
‫[‪ ))]49‬المواهب ‪9/143،142‬‬
‫[‪ ))]50‬انظر المصدر السابق ‪ ،9/146‬والشفاء ‪ ،2/28‬وشرحه للقاري‬
‫والخفاجي ‪3/369‬‬
‫[‪ ))]51‬المواهب ‪9/147،146‬‬
‫[‪ ))]52‬الشفاء ‪2/28‬‬
‫[‪ ))]53‬المرجع السابق ‪2/26‬‬
‫[‪ ))]54‬مسلم ‪4/1873‬‬
‫[‪ ))]55‬انظر شعب اليمان ‪1/287‬‬
‫[‪ ))]56‬البخاري ‪ ،1/14‬ومسلم ‪1/85‬‬
‫[‪ ))]57‬الشفاء ‪2/27‬‬
‫[‪ ))]58‬المرجع السابق ‪2/28،27‬‬
‫[‪ ))]59‬انظر الشفاء وشرحيه ‪3/369‬‬
‫[‪ ))]60‬سبق تخريجه‬
‫[‪ ))]61‬انظر عمدة القاري ‪ 22/196‬ونسيم الرياض ‪3/348‬‬
‫[‪ ))]62‬البخاري ‪ 5/2283‬ومسلم ‪4/2034‬‬
‫[‪ ))]63‬مسلم ‪1/353‬‬
‫[‪ ))]64‬انظر حقوق النبي صلى الله عليه وسلم ‪1/382‬‬
‫[‪ ))]65‬انظر المنهاج في شعب اليمان للحليمي ‪ 2/124‬نقل عن‬
‫المرجع السابق ‪2/423‬‬
‫[‪ ))]66‬فتح القدير للشوكاني ‪5/56‬‬
‫[‪ ))]67‬الشفاء ‪2/34‬‬
‫[‪ ))]68‬انظر فتح القدير ‪5/56‬‬
‫[‪ ))]69‬المرجع السابق‬
‫[‪ ))]70‬انظر المنهاج في شعب اليمان ‪ 2/125‬نقل عن حقوق النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪2/424‬‬
‫[‪ ))]71‬المنهاج في شعب اليمان ‪ 2/128‬نقل عن حقوق النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم على أمته ‪2/436‬‬
‫[‪ ))]72‬حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته ‪2/439‬‬
‫[‪ ))]73‬البخاري ‪2/974‬‬
‫[‪ ))]74‬انظر المنهاج للحليمي ‪1/134‬‬
‫[‪ ))]75‬انظر حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته ‪2/466‬‬
‫وما بعدها‬
‫‪2/643‬‬‫[‪ ))]76‬المصدر السابق‬
‫([‪ )]77‬إغاثة اللهفان ‪2/226‬‬
‫([‪ )]78‬سنن النسائي ‪ ،5/268‬وصححه ابن حبان ‪9/183‬‬
‫([‪ )]79‬تفسير ابن كثير ‪1/342‬‬
‫([‪)]80‬البخاري ‪3/1271‬‬
‫([‪ )]81‬أبو داود ‪ 1/622‬وصححه اللباني‬
‫([‪ )]82‬المسند ‪1/214‬وصححه الرنؤوط في تحقيقه للمسند‪.‬‬
‫([‪ )]83‬النوار المحمدية ‪9‬‬
‫([‪ )]84‬تنبيه الحذاق ‪ 27‬نقل عن حقوق النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫‪2/714‬‬
‫المواهب‬
‫‪1/3‬‬ ‫([‪)]85‬‬
‫([‪ )]86‬شواهد الحق للنبهاني ‪ 355‬نقل عن الشرك في القديم‬
‫والحديث لمحمد زكريا ‪2/893‬‬
‫([‪ )]87‬المصدر السابق ‪352‬‬
‫([‪ )]88‬المرجع السابق ‪362‬‬
‫([‪ )]89‬الستمداد على أجيال الرتداد للبريلوي ‪32‬‬
‫([‪ )]90‬المرجع السابق ‪352‬‬
‫([‪ )]91‬انظر الكثير من هذه الشركيات في كتاب الشرك بين‬
‫القديم والحديث ‪ 2/893‬وما بعدها‬
‫[‪ ))]92‬تفسير ابن كثير ‪4/555‬‬

‫‪ .38‬حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم‬


‫فهد عبد الله‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على خير خلق الله وحمد بن عبد الله‬
‫وعلى آله وصحبه وسلم وبعد‪.‬‬
‫فل شك أن للنبي صلى الله عليه وسلم حقوقًا على أمته ومن‬
‫هذه الحقوق الصلة والسلم عليه‪ ,‬وكلمنا هنا سيدور حول هذا‬
‫الموضوع مبينًا حكم الصلة والسلم عليه صلى الله عليه وسلم‬
‫وصيغها ومواضعها وجمل مما له علقة بما نحن فيه‪.‬‬
‫أوًل‪ :‬الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫قال علماء اللغة‪ :‬الصلة وسط الظهر لكل ذي أربع وللناس وكل‬
‫أنثى إذا ولدت انفرج صلها"(‪.)1‬‬
‫والصلة في اللغة الدعاء‪.‬‬
‫قال ابن القيم‪" :‬وأصل هذه اللفظة في اللغة يرجع إلى معنيين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬الدعاء والتبريك‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬العبادة‪.‬‬
‫فمن الول قوله تعالى‪( :‬خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم‬
‫بها وصل عليهم إن صلتك سكن لهم)(التوبة ‪ )103‬وقوله تعالى‬
‫في حق المنافقين (ول تصل على أحد منهم مات أبدا ول تقم‬
‫على قبره)(التوبة ‪.)84‬‬
‫وقول النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬إذا دعي أحدكم إلى الطعام‬
‫ما فليصل"(‪ )2‬فسر بهما قيل‪ :‬فليدع لهم‬ ‫فليجب فإن كان صائ ً‬
‫بالبركة‪ ،‬وقيل‪ :‬يصلي عندهم بدل أكله‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إن الصلة في اللغة معناها الدعاء‪،‬‬
‫والدعاء نوعان‪ :‬دعاء عبادة ودعاء مسألة‪ ،‬والعابد داع كما أن‬
‫السائل داع‪ ،‬وبهما فسر قوله تعالى‪( :‬وقال ربكم ادعوني‬
‫أستجب لكم)(غافر ‪ )60‬قيل‪ :‬أطيعوني أثبكم‪ ،‬وقيل سلوني‬
‫أعطكم‪ ،‬وفسر بهما قوله تعالى‪( :‬وإذا سألك عبادي عني فإني‬
‫قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان)(البقرة ‪.)186‬‬
‫والصواب أن الدعاء يعم النوعين‪ ،‬وهذا لفظ متواطئ ل اشتراك‬
‫فيه‪ ،‬فمن استعماله في دعاء العبادة قوله تعالى‪( :‬قل ادعوا‬
‫الذين زعمتم من دون الله ل يملكون مثقال ذرة في السماوات‬
‫ول في الرض)(سبأ ‪ )22‬وقوله تعالى‪( :‬والذين يدعون من دون‬
‫الله ل يخلقون شيئا وهم يخلقون)(النحل ‪ )20‬وقوله تعالى‪( :‬قل‬
‫ما يعبأ بكم ربي لول دعاؤكم) (الفرقان ‪. )77‬‬
‫والصحيح من القولين لول أنكم تدعونه وتعبدونه أي‪ :‬أي شيء‬
‫يعبأ بكم لول عبادتكم إياه‪ ،‬فيكون المصدر مضافا ً إلى الفاعل‪.‬‬
‫وقال تعالى‪( :‬ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه ل يحب المعتدين ول‬
‫تفسدوا في الرض بعد إصلحها وادعوه خوفًا وطمعًا)(العراف‬
‫‪ )55،56‬وقال تعالى إخبارا ً عن أنبيائه ورسله‪( :‬إنهم كانوا يسارعون‬
‫في الخيرات ويدعوننا رغبا ً ورهباً)(النبياء ‪)90‬وهذه الطريقة‬
‫أحسن من الطريقة الولى ودعوى الختلف في مسمى الدعاء‬
‫وبهذا تزول الشكالت الواردة على اسم الصلة الشرعية هل هو‬
‫منقول عن موضعه في اللغة فيكون حقيقة شرعية أو مجاًزا‬
‫شرعيًا‪ ،‬فعلى هذا تكون الصلة باقية على مسماها في اللغة‬
‫وهو الدعاء‪ ،‬والدعاء دعاء عبادة ودعاء مسألة والمصلي من حين‬
‫تكبيره إلى سلمه بين دعاء العبادة ودعاء المسألة‪ ،‬فهو في‬
‫صلة حقيقية ل مجازا ً ول منقولة‪ ،‬لكن خص اسم الصلة بهذه‬
‫العبادة المخصوصة كسائر اللفاظ التي يخصها أهل اللغة‬
‫والعرف ببعض مسماها كالدابة والرأس ونحوهما‪ ،‬فهذا غايته‬
‫تخصيص اللفظ وقصره على بعض موضوعه‪ ،‬ولهذا ل يوجب نقلً‬
‫ول خروجا ً عن موضوعه الصلي والله أعلم"(‪.)3‬‬
‫وجاء لفظ الصلة في الصطلح الشرعي على عدة معاني‬
‫بحسب ما تقترن به وهي كما يلي‪-:‬‬
‫‪ -1‬صلة الله على رسوله رحمته له وحسن ثنائه عليه‪ ،‬ومنه قوله‬
‫عز وجل (إن الله وملئكته يصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا‬
‫صلوا عليه وسلموا تسليما)‪.‬‬
‫‪ -2‬الصلة من الملئكة دعاء واستغفار‪.‬‬
‫‪ -3‬ومن الله رحمة وبه سميت الصلة‪ ،‬لما فيها من الدعاء‬
‫والستغفار وفي الحديث‪" :‬التحيات والصلوات" والصلوات‬
‫معناها الترحم وقوله تعالى‪( :‬إن الله وملئكته يصلون على‬
‫النبي) أي يترحمون‬
‫‪ -4‬الصلة بمعنى الدعاء‪ ،‬وفي الحديث قوله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن كان مفطراً‬
‫فليطعم وإن كان صائما ً فليصل" فقوله "فليصل" يعني فليدع‬
‫لرباب الطعام بالبركة والخير والصائم إذا أكل عنده الطعام‬
‫صلت عليه الملئكة‪ ،‬ومنه قوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬من صلى‬
‫علي صلة صلت عليه الملئكة عشراً"(‪ )4‬وكل داع فهو مصل‪.‬‬
‫‪ -5‬والصلة بمعنى الستغفار كحديث سودة أنها قالت‪ :‬يا رسول‬
‫الله إذا متنا صلى لنا عثمان بن مظعون حتى تأتينا؟‬
‫فقال لها‪" :‬إن الموت أشد مما تقدرين"(‪.)5‬‬
‫‪ -6‬وأما قوله تعالى‪( :‬أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة)‬
‫فمعنى الصلوات ههنا الثناء عليهم من الله تعالى‪.‬‬
‫وقال بعضهم‪:‬‬
‫‪ -1‬الصلة من الله رحمة‪.‬‬
‫‪ -2‬ومن المخلوقين الملئكة والنس والجن القيام والركوع‬
‫والسجود والدعاء والتسبيح‬
‫‪ -3‬و الصلة من الطير والهوام التسبيح(‪.)6‬‬
‫وقال ابن القيم‪ :‬وأما صلة الله سبحانه على عبده فنوعان‪ :‬عامة‬
‫وخاصة‪.‬‬
‫أما العامة فهي صلته على عباده المؤمنين قال تعالى‪( :‬هو الذي‬
‫يصلي عليكم وملئكته)(الحزاب ‪ )43‬ومنه دعاء النبي بالصلة على‬
‫آحاد المؤمنين‪.‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬صلته الخاصة على أنبيائه ورسله خصوصا على‬
‫خاتمهم وخيرهم محمد فاختلف الناس في معنى الصلة منه‬
‫سبحانه على أقوال‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أنها رحمته فعن الضحاك قال‪ :‬صلة الله رحمته‪ ،‬وصلة‬
‫الملئكة الدعاء‪.‬‬
‫وقال بض علماء اللغة‪ :‬أصل الصلة الرحمة‪ ،‬فهي من الله رحمة‬
‫ومن الملئكة رقة واستدعاء للرحمة من الله‪ ،‬وهذا القول هو‬
‫المعروف عند كثير من المتأخرين‪.‬‬
‫والقول الثاني‪ :‬أن صلة الله مغفرته فعن الضحاك في قوله‬
‫تعالى‪( :‬هو الذي يصلي عليكم) قال‪ :‬صلة الله مغفرته‪ ،‬وصلة‬
‫الملئكة الدعاء‪.‬‬
‫وهذا القول من جنس الذي قبله وهما ضعيفان؛ لن الله سبحانه‬
‫فرق بين صلته على عباده ورحمته فقال تعالى‪( :‬وبشر‬
‫الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون‬
‫أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم‬
‫المهتدون)(البقرة ‪ )157‬فعطف الرحمة على الصلة فاقتضى ذلك‬
‫تغايرهم(‪..)7‬‬
‫القول الثالث‪ :‬أن معنى صلة الله تعالى على نبيه ثناؤه‬
‫وتعظيمه وإظهار شرفه وفضله وحرمته‪ ،‬قال أبو العالية‪" :‬صلة‬
‫الله عليه ثناؤه عليه عند الملئكة"(‪.)8‬‬
‫قال ابن القيم‪" :‬الصلة المأمور بها هي الطلب من الله ما أخبر‬
‫به عن صلته وصلة ملئكته‪ ،‬وهي ثناء عليه وإظهار لفضله‬
‫وشرفه وإرادة تكريمه وتقريبه‪ ،‬فهي تتضمن الخبر والطلب‪،‬‬
‫وسمي هذا السؤال والدعاء منا نحن صلة عليه لوجهين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أنه يتضمن ثناء المصلي عليه‪ ،‬والشادة بذكر شرفه‬
‫وفضله والرادة والمحبة لذلك من الله تعالى‪ ،‬فقد تضمنت الخبر‬
‫والطلب‪.‬‬
‫والوجه الثاني‪ :‬أن ذلك سمي منا صلة لسؤالنا من الله أن يصلي‬
‫عليه فصلة الله عليه ثناؤه وإرادته لرفع ذكره وتقريبه‪ ،‬وصلتنا‬
‫نحن عليه سؤالنا الله تعالى أن يفعل ذلك به"(‪.)9‬‬
‫صفة الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم‪-:‬‬
‫وردت الصلة على النبي بصيغ عدة وهي كما يلي‪-:‬‬
‫‪ -1‬عن أبي مسعود(‪ )10‬قال‪ :‬أقبل رجل حتى جلس بين يدي‬
‫رسول الله ونحن عنده فقال‪ :‬يا رسول الله أما السلم عليك‬
‫فقد عرفناه فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلتنا؟‬
‫قال‪ :‬فصمت رسول الله حتى أحببنا أن الرجل لم يسأله‪.‬‬
‫فقال‪" :‬إذا أنتم صليتم علي فقولوا‪" :‬اللهم صل على محمد النبي‬
‫المي‪ ،‬وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم"(‬
‫‪.)11‬‬
‫‪ -2‬عن ابن أبي ليلى(‪)12‬قال لقيني كعب بن عجرة(‪ )13‬فقال‪ :‬أل‬
‫أهدي لك هدية‪ :‬خرج علينا رسول الله فقلنا‪ :‬قد عرفنا كيف‬
‫نسلم عليك فكيف نصلي عليك‪.‬‬
‫قال‪" :‬قولوا اللهم صل على محمد‪ ،‬وعلى آل محمد كما صليت‬
‫على آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪ ،‬اللهم بارك على محمد وعلى‬
‫آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد" (‪.)14‬‬
‫‪ -3‬عن أبي حميد الساعدي(‪ )15‬أنهم قالوا يا رسول الله كيف‬
‫نصلي عليك فقال رسول الله‪" :‬قولوا اللهم صل على محمد‬
‫وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم‪ ،‬وبارك على محمد‬
‫وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد" (‬
‫‪.)16‬‬
‫‪ -4‬أبي سعيد الخدري(‪ )17‬رضي الله عنه قال‪ :‬قلنا‪ :‬يا رسول الله‬
‫هذا السلم عليك قد عرفناه فكيف الصلة عليك؟‬
‫قال‪" :‬قولوا‪ :‬اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت‬
‫على إبراهيم‪ ،‬وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل‬
‫إبراهيم(‪.)18‬‬
‫‪ -5‬عن طلحة بن عبيد الله(‪ )19‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول الله كيف‬
‫الصلة عليك؟‬
‫قال‪" :‬قل اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على‬
‫إبراهيم إنك حميد مجيد‪ ،‬وبارك على محمد وعلى آل محمد كما‬
‫باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد" قال ابن القيم إسناده‬
‫صحيح(‪.)20‬‬
‫حكم الصلة عليه صلى الله عليه وسلم‪-:‬‬
‫ورد المر بالصلة عليه صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى‪:‬‬
‫(إن الله وملئكته يصلون على النبي يا أيا الذين آمنوا صلوا عليه‬
‫ما)(الحزاب ‪.)56‬‬
‫وسلموا تسلي ً‬
‫قال سهل بن عبد الله(‪ :)21‬الصلة على محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم أفضل العبادات؛ لن الله تعالى تولها هو وملئكته ثم أمر‬
‫بها المؤمنين وسائر العبادات ليس كذلك‪.‬‬
‫قال ابن كثير‪" :‬والمقصود من هذه الية أن الله سبحانه وتعالى‬
‫أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في المل العلى بأنه يثني‬
‫عليه عند الملئكة المقربين‪ ،‬وأن الملئكة تصلي عليه‪ ،‬ثم أمر‬
‫تعالى أهل العالم السفلي بالصلة والتسليم عليه؛ ليجمع الثناء‬
‫عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعا"(‪.)22‬‬
‫قال الحليمي(‪" :)23‬وقد أمر الله تعالى في كتابه بالصلة‬
‫والتسليم عليه جملة فقال‪( :‬إن الله وملئكته يصلون على النبي‬
‫ما) فأمر الله عباده أن‬ ‫يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسلي ً‬
‫يصلوا عليه ويسلموا‪ ،‬وقدم قبل أمرهم بذلك إخبارهم بأن‬
‫ملئكته يصلون عليه‪ ،‬لينبئهم بذلك على ما في الصلة عليه من‬
‫الفضل؛ إذ كانت الملئكة مع انفكاكهم من شريعته تتقرب إلى‬
‫الله بالصلة والتسليم عليه ليعلموا أنهم بالصلة والتسليم عليه‬
‫أولى وأحق"(‪.)24‬‬
‫وقد اختلف الفقهاء في حكم الصلة على النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم على أقوال أجملها فيما يلي‪-:‬‬
‫‪ -1‬مستحبة‪.‬‬
‫‪ -2‬واجبة بغير حصر‪ ،‬لكن أقل ما يحصل به الجزاء مرة‪ ،‬وادعى‬
‫بعض العلماء الجماع عليه‪.‬‬
‫‪ -3‬تجب مرة في العمر في صلة أو في غيرها وهي مثل كلمة‬
‫التوحيد‪.‬‬
‫‪ -4‬تجب في القعود آخر الصلة بين قول التشهد وسلم التحليل‪.‬‬
‫‪ -5‬يجب في التشهد‪.‬‬
‫‪ -6‬تجب في الصلة من غير تعيين المحل‪.‬‬
‫‪ -7‬يجب الكثار منها من غير تقييد بعدد‪.‬‬
‫‪ -8‬يجب كلما سمع ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من غيره‪ ،‬أو‬
‫ذكره هو بنفسه‬
‫‪ -9‬في كل مجلس مرة ولو تكرر ذكره مرارا‪.‬‬
‫‪ -10‬في كل دعاء(‪.)25‬‬
‫والراجح أنها تجب مرة واحدة في العمر‪ ،‬وكذلك في المواطن‬
‫التي يجب الصلة والسلم عليه فيها‪.‬‬
‫** ومن أدلة وجوبها ما يلي‪:‬‬
‫قال تعالى‪[ :‬إن الله وملئكته يصلون على النبي يا أيها الذين‬
‫آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً] ( الحزاب ‪.) 56‬‬
‫وعن عبد الله بن عمرو بن العاص (‪ )26‬رضي الله عنهما أنه سمع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪" :‬من صلى علي صلة‬
‫صلى الله عليه بها عشراً" (‪)27‬‬
‫وعن ابن مسعود ‪ t‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫"أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلة "(‪)28‬‬
‫وعن فضالة بنى عبيد(‪ )29‬قال‪" :‬سمع رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم رجل ً يدعو في صلته لم يمجد الله‪ ،‬ولم يصل على‬
‫النبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬عجل هذا‪ ،‬ثم‬
‫دعاه فقال له أو لغيره‪" :‬إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد الله عز‬
‫وجل والثناء عليه ‪ ،‬ثم ليصل على النبي ثم ليدع بما شاء"(‪)30‬‬
‫وعن أبي هريرة ‪ t‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫"رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصلي علي"(‪.)31‬‬
‫أما ابن القيم فقد عدد المواطن التي يجب أو يستحب فيها‬
‫الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم وهي‪-:‬‬
‫‪ -1‬في الصلة في آخر التشهد‪ ،‬وهو أهمها وآكدها في الصلة في‬
‫آخر التشهد‪ ،‬وقد أجمع المسلمون على مشروعيته واختلفوا في‬
‫وجوبه فيها فقالت‪ :‬طائفة ليس يواجب فيها وهو قول أبي حنيفة‪،‬‬
‫وقال الشافعي بوجوبه(‪.)32‬‬
‫‪ -2‬في التشهد الول وهذا قد اختلف فيه فقال الشافعي رحمه‬
‫الله في الم‪" :‬يصلى على النبي في التشهد الول"(‪ )33‬هذا هو‬
‫المشهور من مذهبه وهو الجديد‪ ،‬لكنه يستحب وليس بواجب‪،‬‬
‫وقال في القديم ل يزيد على التشهد‪ ،‬وبهذا قال احمد أبو حنيفة‬
‫ومالك وغيرهم(‪.)34‬‬
‫‪ -1‬آخر القنوت استحبه الشافعي ومن وافقه(‪.)35‬‬
‫‪ -2‬الصلة عليه في صلة الجنازة بعد التكبيرة الثانية ول خلف‬
‫في مشروعيتها فيها‪ ،‬واختلف في توقف صحة الصلة عليها فقال‬
‫الشافعي وأحمد في المشهور من مذهبهما إنها واجبة في الصلة‬
‫ل تصح إل بها‪ ،‬وقال مالك وأبو حنيفة تستحب وليست بواجبة‬
‫وهو وجه لصحاب الشافعي(‪.)36‬‬
‫‪ -3‬الصلة عليه في الخطبة‪ ،‬وقد اختلف في اشتراطها لصحة‬
‫الخطبة‪ ،‬فقال الشافعي وأحمد في المشهور من مذهبهما ل تصح‬
‫الخطبة إل بالصلة عليه‪ ،‬وقال أبو حنيفة ومالك تصح بدونها‪ ،‬وهو‬
‫وجه في مذهب أحمد(‪)37‬‬
‫‪ -4‬الصلة عليه بعد إجابة المؤذن وعند القامة‪ ،‬فعن عبد الله بن‬
‫عمرو رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله يقول‪" :‬إذا سمعتم‬
‫المؤذن فقولوا مثل ما يقول‪ ،‬ثم صلوا علي‪ ،‬فإنه من صلى علي‬
‫صلة صلى الله عليه بها عشراً‪ ،‬ثم سلوا الله لي الوسيلة‪ ،‬فإنها‬
‫منزلة في الجنة ل تنبغي إل لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا‬
‫هو‪ ،‬فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة"(‪.)38‬‬
‫‪ -5‬عند الدعاء لحديث فضالة عن عبيد وقول النبي فيه‪" :‬إذا دعا‬
‫أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه ثم ليصل على النبي ثم‬
‫يدعو بما شاء"(‪.)39‬‬
‫‪ -6‬عند دخول المسجد وعند الخروج منه‪ ،‬فعن أبي هريرة رضي‬
‫الله عنه أن رسول الله قال‪" :‬إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم‬
‫على النبي وليقل‪ :‬اللهم افتح لي أبواب رحمتك‪ ،‬وإذا خرج‬
‫فليسلم على النبي وليقل‪ :‬اللهم أجرني من الشيطان الرجيم"(‬
‫‪.)40‬‬
‫‪ -7‬عند اجتماع القوم قبل تفرقهم‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫سا‪ ،‬ثم تفرقوا ولم يذكروا الله‪ ،‬ولم يصلوا‬‫"ما جلس قوم مجل ً‬
‫على النبي إل كان عليهم من الله ترة إن شاء عذبهم وان شاء‬
‫غفر لهم"(‪.)41‬‬
‫‪ -8‬الصلة عليه عند ذكره فعن علي بن أبي طالب رضي الله‬
‫عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬إن البخيل من‬
‫ذكرت عنده ولم يصل علي"(‪.)43()42‬‬
‫ومواطن الصلة فيها على النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة‬
‫ذكرها أهل العلم في كتبهم وسأجملها اختصارا ً فيما يلي‪:‬‬
‫* على الصفا والمروة‪.‬‬
‫* عند الجتماع في المجالس‪.‬‬
‫* عند الفراغ من التلبية‪.‬‬
‫* عند استلم الحجر السود في الطواف‪.‬‬
‫* عند إلقاء الدروس والمحاضرات والندوات‪.‬‬
‫* عقب ختم القرآن‪.‬‬
‫* عند القيام من المجلس‪.‬‬
‫* عند المرور على المساجد ورؤيتها‪.‬‬
‫* عند الهم والغم والشدائد‪.‬‬
‫* عند طلب المغفرة والرحمة من الله عز وجل‪.‬‬
‫* في أول النهار وآخره‪.‬‬
‫* عقب الذنب أو المعصية إذا أراد المذنب أو العاصي أن يكفر‬
‫الله عنه‪.‬‬
‫* عند خطبة الرجل المرأة‪.‬‬
‫* عند دخول المنزل‪.‬‬
‫* كلما ذكر الله عز وجل‪.‬‬
‫* إذا نسي الشيء وأراد ذكره‪.‬‬
‫* عند النوم‪.‬‬
‫* عقب الصلوات‪.‬‬
‫* عند طنين الذن‪.‬‬
‫كان هذا بعض ما ذكره أهل العلم من مواطن ذكره صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ,‬وإل ّ فذكره في كل وقت وحين فقد روى مسلم‬
‫في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول‪( :‬من صلّى‬
‫علي صلة صلى الله عليه بها عشراً) (‪.)44‬‬
‫ثانيًا‪ :‬السلم عليه صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫اشتملت الية السابقة المرة بالصلة على التسليم عليه صلى‬
‫ما)‪.‬‬
‫الله عليه وسلم فقال سبحانه‪( :‬وسلموا تسلي ً‬
‫وفي معنى السلم عليه صلى الله عليه وسلم ثلثة أوجه‪-:‬‬
‫أحدها‪ :‬السلمة من النقائص والفات لك ومعك‪ ،‬أي مصاحبة‬
‫وملزمة‪ ،‬فيكون السلم مصدرا ً بمعنى السلمة كاللذاذ واللذاذة‪،‬‬
‫والملم والملمة‪ ،‬ولما في السلم من الثناء عدى بعلى لعتبار‬
‫معنى القضاء أي قضى الله تعالى عليك السلم‪ ،‬لن القضاء‬
‫كالدعاء ل يتعدى بعلى للنفع ول لتضمنه معنى الولية والستيلء‬
‫لبعده في هذا الوجه‪.‬‬
‫ثانيها‪ :‬السلم مداوم على حفظك ورعايتك‪ ،‬ومتول له وكفيل به‬
‫ويكون السلم هنا اسم الله تعالى‪ ،‬ومعناه على ما اختاره بعضهم‬
‫من عدة أقوال‪ :‬ذو السلمة من كل آفة ونقيصة ذاتا وصفة وفعل‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إذا أريد بالسلم ما هو من أسمائه تعالى فالمراد ل خلوت‬
‫من الخير والبركة‪ ،‬وسلمت من كل مكروه؛ لن اسم الله تعالى‬
‫إذا ذكر على شيء أفاده ذلك‪ ،‬وقيل‪ :‬الكلم على هذا التقدير‬
‫على حذف المضاف أي حفظ الله تعالى عليك‪ ،‬والمراد الدعاء‬
‫بالحفظ‪.‬‬
‫وثالثها‪ :‬النقياد عليك‪ ،‬على أن السلم من المسالمة‪ ،‬وعدم‬
‫المخالفة والمراد الدعاء بأن يصير الله تعالى العباد منقادين‬
‫مذعنين له عليه الصلة والسلم ولشريعته(‪)45‬‬
‫‪ -‬صيغة السلم‪-:‬‬
‫وصيغة السلم على النبي صلى الله عليه وسلم هو قولنا في‬
‫التشهد‪ :‬السلم عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته‪ ،‬وحكى ابن‬
‫عبد البر(‪ )46‬احتمال ً آخر وهو أنه السلم الذي يعقبه التحلل‪،‬‬
‫واستظهر الول وهو كذلك (‪.)47‬‬
‫‪ -‬حكم السلم عليه صلى الله عليه وسلم‪-:‬‬
‫قال العلماء الصل في السلم عليه صلى الله عليه وسلم‬
‫الندب‪ ،‬ولكن قد يرتقي إلى درجة الوجوب في مواضع‪-:‬‬
‫‪ -1‬في التشهد الخير‪.‬‬
‫‪ -2‬كلما ذكر ذهب إلى هذا بعض السلف‪.‬‬
‫‪ -3‬يجب بالنذر لنه قربة(‪.)48‬‬
‫والحمد لله رب العالمين‬
‫‪------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬كتاب العين ‪7/153‬‬
‫(‪ )2‬صحيح مسلم ‪2/1054‬‬
‫(‪ )3‬جلء الفهام ‪155‬‬
‫(‪ )4‬الحاديث المختارة ‪ ،8/189‬وشعب اليمان ‪2/211‬‬
‫(‪ )5‬المعجم الكبير للطبراني ‪ 24/34‬تحقيق‪ :‬حمدي السلفي‪،‬مكتبة‬
‫العلوم والحكم‪ ،‬الموصل‪ ،‬الثانية‪1983 ،‬م‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر لسان العرب ‪14/465‬‬
‫(‪ )7‬المرجع السابق‬
‫(‪ )8‬انظر جلء الفهام ‪161‬‬
‫(‪ )9‬المرجع السابق‬
‫(‪ )10‬عقبة بن عمرو بن ثعلبة النصاري أبو مسعود البدري‬
‫مشهور بكنيته‪ ،‬اتفقوا على أنه شهد العقبة‪ ،‬واختلفوا في شهوده‬
‫بدرا نزل الكوفة‪ ،‬وكان من أصحاب علي واستخلف مرة على‬
‫الكوفة مات قبل سنة أربعين‪ ،‬مات بعد الربعين‪ .‬الصابة ‪4/524‬‬
‫(‪ )11‬صحيح البخاري ‪ 3/1232‬وصحيح مسلم ‪1/305‬‬
‫(‪ )12‬عبد الرحمن بن أبي ليلى ‪ ،‬مات سنة ثلث وثمانين في‬
‫وقعة الجماجم‪ .‬طبقات الحفاظ ‪1/26‬‬
‫(‪ )13‬كعب بن عجرة بن أمية البلوي حليف النصار‪ ،‬قطعت‬
‫يده في بعض المغازي‪ ،‬ثم سكن الكوفة قيل مات بالمدينة سنة‬
‫إحدى وقيل ثنتين‪ ،‬وقيل ثلث وخمسين وله خمس وقيل سبع‬
‫وسبعون سنة‪ .‬الصابة ‪5/599‬‬
‫(‪ )14‬صحيح البخاري ‪ ،1233 /3‬وصحيح مسلم ‪1/305‬‬
‫(‪ )15‬عبد الرحمن بن سعد ‪ ،‬شهد أحدا وما بعده‪ ،‬توفي في آخر‬
‫خلفة معاوية أو أول خلفة يزيد بن معاوية‪ .‬الصابة ‪7/94‬‬
‫(‪ )16‬صحيح البخاري ‪ ،3/1232‬وصحيح مسلم ‪1/306‬‬
‫(‪ )17‬سعد بن مالك بن سنان النصاري الخزرجي أبو سعيد‬
‫الخدري ‪ ،‬وهو مكثر من الحديث‪ ،‬كان من أفقه أحداث الصحابة‪،‬‬
‫مات سنة ثلث وستين‪.‬الصابة ‪3/78‬‬
‫(‪ )18‬صحيح البخاري ‪،3/1232‬‬
‫(‪ )19‬طلحة بن عبيد الله بن عثمان القرشي التيمي‪ ،‬أبو محمد‬
‫أحد العشرة‪ ،‬وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى السلم‪ ،‬وأحد‬
‫الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر‪ ،‬وأحد الستة أصحاب ‪،‬‬
‫مات في جمادى الولى سنة ست وثلثين من الهجرة‪ .‬الصابة‬
‫‪3/592‬‬
‫سنن النسائي ‪،3/48‬والسنن الكبرى للبيهقي ‪ ،1/383‬والمعجم‬ ‫(‪)20‬‬
‫الوسط للطبراني ‪2/181‬‬
‫(‪ )21‬سهل بن عبد الله ابن يونس أبو محمد التستري الصوفي‬
‫له كلمات نافعة ومواعظ حسنة وليس بشيء بل الصواب موته‬
‫في المحرم سنة ثلث وثمانين ومئتين ويقال عاش ثمانين سنة‬
‫أو أكثر‪ .‬سير أعلم النبلء ‪13/330‬‬
‫(‪ )22‬تفسير القرآن العظيم ‪3/508‬‬
‫(‪ )23‬هو أبو عبد الله الحسن بن الحسين بن محمد بن حليم‬
‫المعروف بالحليمي منسوبا إلى جده كان شيخ الشافعية بما وراء‬
‫النهر ومات سنة ست وأربعمائة‪ ،‬قيل في جمادى الخر وقيل في‬
‫ربيع الول‪ .‬طبقات الفقهاء ‪221‬‬
‫(‪ )24‬المنهاج للحليمي ‪ 2/131‬نقل عن حقوق النبي للتميمي ‪2/516‬‬
‫(‪ )25‬انظر القول البديع للسبكي ‪22‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بيروت‪،‬الولى‪1989،‬م‬
‫(‪)26‬عبد الله بن عمرو بن العاص القرشي السهمي‪ ،‬كنيته أبو‬
‫محمد‪ ،‬روى عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا‪ ،‬مات بالشام‬
‫سنة خمس وستين وهو يومئذ بن اثنتين وسبعين‪ .‬الصابة ‪4/193‬‬
‫(‪ )27‬صحيح مسلم ‪1/288‬‬
‫(‪ )28‬سنن الترمذي ‪ ،2/354‬وصححه ابن حبان ‪3/192‬‬
‫(‪)29‬فضالة بن عبيد بن نافذ النصاري الوسي أبو محمد‪ ،‬أسلم‬
‫قديما ولم يشهد بدرا وشهد أحدا فما بعدها ‪ ،‬مات سنة ثلث‬
‫وخمسين‪ .‬الصابة ‪5/371‬‬
‫(‪ )30‬شعب اليمان ‪3/143‬‬
‫(‪ )31‬سنن الترمذي ‪ 5/551‬وصححه ابن حبان ‪2/140‬‬
‫(‪ )32‬انظر الم ‪ 1/130‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬الثانية ‪1393‬هـ‪ ،‬وبداية‬
‫المجتهد لبن رشد ‪ 1/94‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫(‪ )33‬انظر الم ‪1/130‬‬
‫(‪ )34‬انظر المغني لبن قدامة ‪ 1/367‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬الولى‪،‬‬
‫‪1405‬هـ‪.‬‬
‫(‪ )35‬انظر الم ‪7/248‬‬
‫(‪ )36‬انظر المغني ‪،2/181‬‬
‫(‪ )37‬انظر المرجع السابق ‪2/75‬‬
‫(‪ )38‬صحيح مسلم ‪1/288‬‬
‫(‪ )39‬سنن الترمذي ‪ ،5/517‬صحيح ابن حبان ‪5/290‬‬
‫(‪ )40‬سنن ابن ماجه ‪ ،1/254‬وصحيح ابن حبان ‪.5/369‬‬
‫(‪ )41‬سنن الترمذي ‪ ،5/461‬وصححه ابن حبان ‪3/133‬‬
‫(‪ )42‬السنن الكبرى ‪ 6/19‬المستدرك ‪ ،1/734‬وصحيح ابن حبان ‪3/188‬‬
‫(‪ )43‬انظر جلء الفهام ‪ 361‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )44‬صحيح مسلم ‪ ،1/288‬وانظر هذه المواطن في جلء الفهام‪.‬‬
‫(‪ )45‬انظر روح المعاني ‪ ،22/79‬والجامع لحكام القرآن ‪14/235‬‬
‫والقول البديع ‪65‬‬
‫(‪)46‬يوسف بن عمر بن عبد البر بن عبد الله بن محمد بن عبد‬
‫البر النمري الحافظ شيخ علماء الندلس‪ ،‬وكبير محدثيها‪ .‬الديباج‬
‫المذهب ‪357‬‬
‫(‪)47‬انظر روح المعاني ‪ ،22/79‬والجامع لحكام القرآن ‪14/235‬‬
‫والقول البديع ‪65‬‬
‫(‪ )48‬القول البديع ‪65‬‬
‫‪ .39‬برنامج عملي لمعرفة مكانة النبي في قلبك‬
‫برنامج عملي لمعرفة مكانة النبي صلى الله عليه وسلم في‬
‫قلبك‬
‫ل يخفى على مسلم مكانة النبي صلى الله عليه وسلم في‬
‫السلم ويعلم كل مسلم أن أول ركن من أركان السلم يقتضي‬
‫اليمان برسالته والتصديق بنبوته‪.‬‬
‫كما يعلم جميع المسلمين أنه ل يصح إيمان عبد ما لم يكن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم أحب إليه من نفسه وولده ووالده والناس‬
‫أجمعين‪.‬‬
‫ومن أوجب واجباتنا أن نعظم نبينا عليه الصلة والسلم ونرفع‬
‫قدره وننزله المنزلة التي أنزله إياها ربه تبارك وتعالى‪...‬‬
‫وهذا البرنامج العملي إنما هو محاولة لمعرفة مكانة النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم من قلبك‪ ..‬وعليك بالجابة على السئلة‬
‫المطروحة أمامك لتعرف مكانته صلى الله عليه وسلم في قلبك‪.‬‬
‫‪ -‬هل تحب القتداء به في الملبس والهيئة؟‬
‫‪ -‬هل تحب قراءة سيرته ومعرفة قصص بعثته؟‬
‫‪ -‬إذا ترددت في أمر من المور فهل تبحث عن حكمه وأمره‬
‫ونهيه لتعرف الحلل والحرام؟‬
‫‪ -‬هل لديك استعداد لترك شيء من الشياء التي تحبها طاعة‬
‫للنبي صلى الله عليه وسلم؟‬
‫‪ -‬هل تشتاق لرؤيته صلى الله عليه وسلم وتتمنى لو أنك رأيته‬
‫وصحبته؟‬
‫‪ -‬هل تغضب حينما تسمع أحدا ً يسبه أو يستهزئ بشيء من‬
‫سنته؟ وتدافع عنه؟‬
‫‪ -‬إذا كانت إجابتك بنعم فأنت محب للنبي صلى الله عليه وسلم‬
‫وعلى خير نأمل أن تزداد منه‪.‬‬
‫وإذا كانت إجابتك بل ! فأنت على خطر ويحب عليك أن تراجع‬
‫نفسك وإيمانك‪.‬‬
‫أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلني وإياك من‬
‫حزب نبيه الكريم وأن يحشرنا في زمرته آمين‪ ..‬آمين‪.‬‬
‫‪ .40‬رسالة إلى الحبيب‬
‫د‪.‬خالد الطراولي**‬
‫هل نحن أهل لمحبته؟‬
‫من وراء اللحود‪ ،‬من وراء الحدود‪ ،‬بعيدا في الزمان والمكان‪،‬‬
‫تفصلني عنك يا سيدي الكريم البحار والخاديد‪ ،‬ولكن قلبي عنك‬
‫ما انفصل‪ ..‬أردت مناجاتك أردت مخاطبتك‪ ،‬مساررتك وأنت من‬
‫أنت في مكانته‪ ،‬وأنا الفقير في أرض الله وتحت سمائه‪ ،‬أهنئ‬
‫نفسي أم أعزيها؟ بماذا أبدأ شكواي وعن ماذا أحدثك‪.‬‬
‫تركت يا سيدي بلد بلقيس واحدة‪ ،‬فصار لعقود طوال اليمن‬
‫يمنين‪ ،‬وكاد لبنان أن يصبح لبنانين‪ ،‬والسودان في الطريق إلى‬
‫سودانين‪ ،‬حتى "بلغ العجاز لدينا أن الواحد منا يستطيع أن يكون‬
‫من نفس فرقة ناجية‪ ،‬ثم ل يلبث نصفه اليمن أن يعلن انشقاقه‬
‫على نصفه اليسر"!!‪.‬‬
‫أذلة مستضعفين!‬
‫هل تعلم يا سيدي أننا أصبحنا كثرة حتى إنك تجد آثارنا في كل‬
‫منا‪ ،‬فالكيف قد انحسر‬ ‫جد ِ ك ّ‬‫ناحية من هذه الرض‪ ،‬لكننا لم ي ُ ْ‬
‫وغاب‪ ،..‬أصبحنا أذلة مستضعفين‪ ،‬نمشي الهوينا‪ ،‬نحاذي الجدران‬
‫على استحياء‪ ،‬حتى ل نوقظ الجيران أو نستثير غضبهم‬
‫وويلتهم‪...‬‬
‫وضعنا المشانق ومحاكم التفتيش لمن خالفنا الرأي من أبناء‬
‫جلدتنا‪ ،‬من بين أحفادك‪ ،‬وكثرت جرائمنا‪ ،‬وانتزعنا الرأفة‬
‫والرحمة من قلوبنا‪ ،‬حتى حفرنا المقابر الجماعية لبناء وطننا‪،‬‬
‫ورششنا المواد السامة على أطفالنا وعجائزنا‪ ،‬ونسينا ما تركته‬
‫فينا‪ ...‬حتى قيل فينا‪" :‬إن امتيازنا الوحيد هو أننا شعب بإمكان أي‬
‫مواطن فيه أن يكفّر جميع المواطنين‪ ،‬ويحجز الجنة التي عرضها‬
‫السماوات والرض له وحده"!!‪.‬‬
‫عن أبي هريرة أن أعرابيًا دخل المسجد ورسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم جالس فصلى‪ ،‬قال ابن عبدة ركعتين‪ ،‬ثم قال‪ :‬اللهم‬
‫ارحمني ومحمدًا ول ترحم معنا أحدًا؛ فقال النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬لقد تحجرت واسعا"‪ ،‬ثم لم يلبث أن بال في ناحية‬
‫المسجد فأسرع الناس إليه فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫وقال‪ " :‬إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين صبوا عليه سجل‬
‫من ماء أو قال ذنوبا من ماء"‪( .‬صححه اللباني)‪.‬‬
‫وأرهبنا الناس يا سيدي‪ ...‬حتى ضاقوا ذرعا بنا‪ ،‬ولول أن دينك‬
‫سمح معقول‪ ،‬وسهل الستساغة والقبول‪ ،‬لنبذه الناس من حالنا‪،‬‬
‫فقد فتناهم بضعفنا وفقرنا وتخلفنا‪ ،‬وكادوا يربطون دينك بسلوكنا‬
‫وتصرفاتنا‪ ،‬ونسينا أننا أصحاب مشروع رحمة ورفق ولطف‬
‫وإنسانية‪ ..‬قيل لك يا رسول الله ادع على المشركين‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫ة" رواه مسلم‪.‬‬ ‫م ً‬
‫ح َ‬‫ت َر ْ‬ ‫ما بُعِث ْ ُ‬ ‫م أُبْعَ ْ‬
‫ث ل َ ّعَانًا وَإِن َّ َ‬ ‫"إِنِّي ل َ ْ‬
‫لعلك يا سيدي تسأل عن أحفاد حمزة وخالد وعلي والقعقاع‬
‫وسعد وعقبة وطارق‪ ،‬لعلك تسأل عمن خلف ابن الخطاب وابن‬
‫عبد العزيز في حكمهم وعدلهم وسؤددهم‪ ،‬إني لستحي حياء‬
‫العذراء عن إجابتك! هل أقول لك عجزت النساء أن يلدن‬
‫أمثالهم؟ أم أقول لك عجزنا أن نكون أتباعهم؟ هل أقول ظلمنا‬
‫الناس وما كنا لنفسنا ظالمين؟ أم أقول لك‪ ...‬بأيد مرتعشة‪،‬‬
‫وألسنة مضطربة‪ ...‬حتى ل تفهم قولي‪ ..‬حتى ل أجرح‬
‫مشاعرك‪ ..‬حتى ل أبخس آمالك فينا‪ ..‬حتى ل تقول عنا يوم‬
‫نلقاك سحقا سحقا‪ ،‬فما هم أصحابي‪ ،‬ما هم أحبابي‪ ،‬ما هم من‬
‫أمتي‪ ..‬عذرا يا سيدي لن أجيب‪ ،‬لن أجيب‪ ،‬لن أجيب‪...‬‬
‫هذا حالنا يا سيدي ولكن بشائرك لم ننسها ولن ننساها‪ ،‬وهي‬
‫آمالنا وأحلم يقظتنا‪ ،‬ودافعنا إلى النهوض والتوكل وعدم‬
‫ن َربِّي َزوَى لِي‬ ‫ل إ ِ َّ‬ ‫ض أَوْ قَا َ‬ ‫ه َزوَى لِي الْر َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫التواكل‪" ...‬إ ِ َّ‬
‫ما ُزوِيَ‬ ‫سيَبْلُغُ َ‬ ‫متِي َ‬ ‫ك أ ُ َّ‬‫مل ْ َ‬
‫ن ُ‬ ‫مغَارِب َ َها وَإ ِ َّ‬ ‫شارِقَهَا وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ت َ‬
‫َ‬
‫ض فََرأي ْ ُ‬ ‫الْر َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ت َربِّي‬ ‫سأل ْ ُ‬ ‫ض وَإِنِّي َ‬ ‫مَر والبْي َ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫منْهَا وَأعْطِي ُ ْ‬
‫ت الكَنَْزي ْ ِ‬ ‫لِي ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ل ُ َّ‬
‫سوَى‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م عَدُوًّا ِ‬ ‫سل ِط ع َليْهِ ْ‬ ‫مةٍ ول ي ُ َ‬ ‫سنَةٍ بِعَا َّ‬ ‫ن ل يُهْلِكَهَا ب ِ َ‬ ‫متِي أ ْ‬
‫َ‬
‫م"‪.‬‬ ‫ضتَهُ ْ‬‫ح بَي ْ َ‬‫ستَبِي َ‬‫م فَي َ ْ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫أنْفُ ِ‬
‫حملت يا سيدي هموم المة وأردتها عالية بين المم‪ ،‬وتركتها‬
‫وأنت راض عنها‪ ،‬فكان الجداد وبنوا حضارة‪ ،‬ثم خلف الحفاد‬
‫وأضحوا أجلفا إل من رحم ربك وهم قليل‪ ،‬يتذللون على موائد‬
‫الغير ويأكلون الفتات ويعيشون مع الموات‪ .‬كان مشروعك‬
‫مشروع أمة سهرت عليه الليالي‪ ،‬كنت منتصبا بالليل قائما‬
‫بالنهار‪.‬‬
‫ما أنصفناك‪!..‬‬
‫عذًرا يا سيدي فقد أنصفك الغير وما أنصفك قومك‪ ،‬وهذا ملذي‬
‫وخلصي؛ فاسمع يا سيدي هذه الكلمات على حياء من تقصيري‬
‫وجهلي لعلها أن تزيد أملي وتنزع إحباطي وتفتح عيني على‬
‫عظمتك ورحمتك‪...‬‬
‫فهذا النكليزي "برناردشو" يُحيي ذكراك وهو من غير ملتك‪،‬‬
‫اعتبارا لشأنك واحتراما لمشروعك‪" :‬إن العالم أحوج ما يكون‬
‫إلى رجل في تفكير محمد‪ ،‬هذا النبي الذي وضع دينه دائما موضع‬
‫الحترام والجلل فإنه أقوى دين على هضم جميع المدنيات‪،‬‬
‫خالدا خلود البد‪ ،‬وإني أرى كثيرا من بني قومي قد دخلوا هذا‬
‫الدين على بينة‪ ،‬وسيجد هذا الدين مجاله الفسيح في هذه‬
‫القارة"!!‪.‬‬
‫وهذا المريكي "مايكل هارت" يجعلك الول بين العظام في‬
‫التاريخ وقد غفلنا عن عظمتك وتجاهلنا مركزك ومكانتك‪" :‬إن‬
‫اختياري محمدا ليكون الول في أهم وأعظم رجال التاريخ قد‬
‫يدهش القراء‪ ،‬ولكنه الرجل الوحيد في التاريخ كله الذي نجح‬
‫أعلى نجاح على المستويين‪ :‬الديني والدنيوي"!!!‪.‬‬
‫وهذا الفرنسي "ل مرتين" ل يهضمك حقك ولعله قد هضمناه لما‬
‫تنكرنا لرثك واستحيينا من حمله عاليا بين المم‪" :‬إذا كانت‬
‫الضوابط التي نقيس بها عبقرية النسان هي سمو الغاية والنتائج‬
‫المذهلة لذلك رغم قلة الوسيلة‪ ،‬فمن ذا الذي يجرؤ أن يقارن أيا‬
‫من عظماء التاريخ الحديث بالنبي محمد"!!!‪.‬‬
‫ولم يسع رجل ً في سماحته كـ"غاندي" إل أن يبادلك لطفه‬
‫وتقديره‪ ،‬وقد تناسينا سلوكك ويومك وليلك ورفقك وزهدك‪" :‬لقد‬
‫أصبحت مقتنعا كل القتناع أن السيف لم يكن الوسيلة التي من‬
‫خللها اكتسب السلم مكانته‪ ،‬بل كان ذلك من خلل بساطة‬
‫الرسول مع دقته وصدقه في الوعود‪ ،‬وتفانيه وإخلصه لصدقائه‬
‫وأتباعه‪ ،‬وشجاعته مع ثقته المطلقة في ربه وفي رسالته"‪.‬‬
‫وهذا الروسي "تولستوي" يتنبأ لك ولمشروعك بالسيادة رغم‬
‫هناتنا وضعفنا وكأننا قد استبدلنا الله وجعل شرف الحمل لغيرنا‪:‬‬
‫"يكفي محمدا فخرا أنه خلّص أمة ذليلة دموية من مخالب‬
‫شياطين العادات الذميمة‪ ،‬وفتح على وجوههم طريق الرقي‬
‫والتقدم‪ ،‬وأن شريعة محمد ستسود العالم لنسجامها مع العقل‬
‫والحكمة"!!!‪.‬‬
‫عذًرا يا سيدي على الطالة‪ ،‬أعلم أني لم أطيب خاطرك ولكن‬
‫هذا حالي وحال أمتك‪ .‬ورغم المطبات والزقة‪ ،‬رغم المنافي‬
‫والخاديد؛ فما زلت متفائًل بأن إرهاصات النهوض قد غلبت‬
‫وداعات المثوى الخير‪ ،‬وأن المارد قد تمدد‪ ،‬والرماد قد تمرد‪،‬‬
‫والفق قد تلبد‪ ،‬والضمير قد تنهد‪ ،‬والسيد قد تسيد‪ ،‬وإن الصبح‬
‫لقريب‪.!...‬‬
‫‪00000000000‬‬
‫** كاتب تونسي مقيم بباريس‪،‬‬
‫‪-41‬الصلة علي النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫أ‪.‬د جاد المولى عبد العزيز جاد‪ -‬أستاذ بطب المنصورة‬
‫‪elmawla@hotmail.com‬‬
‫الله وملئكته يصلون علي النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫صلوا‬ ‫منُوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ي يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬ ‫ن ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬ ‫صل ّو َ‬ ‫ه يُ َ‬ ‫مَلئِكَت َ ُ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫{إ ِ ّ‬
‫سلِيماً}الحزاب ‪56‬‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ِّ ُ‬ ‫ع َلَيْهِ وَ َ‬
‫الله وملئكته يصلون علي المؤمنين‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حوه ُ بُكَْرةً‬ ‫سب ِّ ُ‬‫ه ذِكْرا ً كَثِيراً{‪ }41‬وَ َ‬ ‫من َُوا اذ ْكُُروا الل ّ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫}يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫جكُم ِّ‬ ‫خرِ َ‬ ‫ه لِي ُ ْ‬ ‫مَلئِكَت ُ ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫صل ِّي ع َلَيْك ُ ْ‬ ‫صيلً{‪ }42‬هُوَ ال ّذِي ي ُ َ‬ ‫وَأ ِ‬
‫ُ‬
‫حيماً{‪ }43‬الحزاب‪.‬‬ ‫ن َر ِ‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ن بِال ْ ُ‬ ‫ت إِلَى النُّورِ وَكَا َ‬ ‫ما ِ‬ ‫الظ ّل ُ َ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ف وَال ْ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫}وَلَنَبْلُوَنَّك ُ‬
‫موَا ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ص ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬
‫جوِع وَنَقْ‬ ‫خو ْ‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫يءٍ ِّ‬ ‫ْ‬ ‫ش‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صابَتْهُم‬ ‫ن إِذ َا أ َ‬ ‫ن{‪ }155‬ال ّذِي َ‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫صاب ِ‬ ‫شرِ ال َّ‬ ‫ت وَب َ ّ ِ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫س وَالث ّ َ‬ ‫وَالنفُ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{‪ }156‬أولـئ ِ َ‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫ت‬
‫صلوَا ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ك ع َليْهِ ْ‬ ‫جعو َ‬ ‫ة قَالوا إِن ّا لِلهِ وَإِن ّـا إِليْهِ َرا ِ‬ ‫صيب َ ٌ‬ ‫م ِ‬
‫ُ‬
‫ن{‪ }157‬البقرة‪.‬‬ ‫مهْتَدُو َ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ة وَأولَـئ ِ َ‬ ‫م ٌ‬‫ح َ‬ ‫م وََر ْ‬ ‫من َّرب ِّهِ ْ‬ ‫ِّ‬
‫" إن الله وملئكته يصلون على ميامن الصفوف" ابن حبان وأبو‬
‫داود وابن ماجة والبيهقي‪.‬‬
‫" إن الله وملئكته يصلون على الذين يصلون الصفوف" البيهقي‪.‬‬
‫معنى صلة الله علي النبي صلى الله عليه وسلم وعلي‬
‫المؤمنين‪:‬‬
‫‪ -‬قال أبو العالية‪ :‬صلة الله علي النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ثناؤه عليه عند الملئكة‪ ،‬وصلة الملئكة علي النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم الدعاء له‪ .‬عبد بن حميد وابن أبي حاتم‪.‬‬
‫‪ -‬روي عن سفيان الثوري‪ :‬صلة الرب الرحمة‪ ،‬وصلة الملئكة‬
‫الستغفار‪.‬‬
‫‪ -‬عن عطاء بن أبي رباح‪ :‬أن الله سبحانه وتعالى أخبر عباده‬
‫بمنزلة عبده ونبيه عنده في المل العلى بأنه يثني عليه عند‬
‫الملئكة المقربين‪ ،‬وأن الملئكة تصلي عليه‪ ،‬ثم أمر تعالى‬
‫المؤمنين بالصلة والتسليم عليه ليجتمع الثناء عليه من أهل‬
‫السماء وأهل الرض‪ .‬ابن كثير‪.‬‬
‫‪ -‬عن ابن عباس أن بني إسرائيل قالوا لموسى عليه السلم‪ :‬هل‬
‫يصلي ربك؟ فناداه ربه عز وجل‪ :‬يا موسى سألوك هل يصلي‬
‫ربك؟ فقل‪ :‬نعم‪ ،‬أنا أصلي وملئكتي على أنبيائي ورسلي‪ ،‬فأنزل‬
‫َ َ‬
‫مَلئِكَت َ ُ‬
‫ه‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه وَ َ‬ ‫الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم {إ ِ ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫سلِيماً}‬ ‫َ‬
‫موا ت َ ْ‬ ‫صل ّوا ع َلَيْهِ وَ َ‬
‫سل ِّ ُ‬ ‫منُوا َ‬
‫نآ َ‬‫ي يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫ن ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬
‫صل ّو َ‬
‫يُ َ‬
‫ابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردويه‪.‬‬

‫‪ -‬إذا أضيفت الصلة إلى الله تعالى فمعناها المدح والثناء‬


‫والرحمة والبركة‪ ،‬وإذا أضيفت إلى الملئكة فمعناها الستغفار‬
‫وطلب الشفاعات‪ ،‬وإذا أضيفت إلى المؤمنين فالمراد الدعاء‪،‬‬
‫فصلة الله عز وجل إظهاره رحمته ومدحه وثناؤه‪ ،‬وصلة‬
‫الملئكة استغفارهم وسؤالهم الفضل والدرجة لمن يصلون عليه‪،‬‬
‫وصلة المؤمنين دعاؤهم ربهم بإنزال البركات والرحمة على من‬
‫يصلون عليه‪.‬‬
‫‪ -‬ومن صلى الله تعالى عليه وملئكته فقد أفلح كل الفلح وفاز‬
‫كل الفوز‪ ،‬وإذا حصلت لهم الصلة من الله تبارك وتعالى‬
‫وملئكته فأي خير فاتهم وأي شر لم يدفع عنهم‪.‬‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم يصلي علي المؤمنين‪:‬‬
‫خذ ْ م َ‬
‫ص ِّ‬
‫ل‬ ‫م وَتَُزكِّيهِم بِهَا وَ َ‬‫ة تُطَهُِّرهُ ْ‬
‫صدَقَ ً‬‫م َ‬ ‫موََالِهِ ْ‬‫نأ ْ‬ ‫قال تعالى‪ْ ِ ُ { :‬‬
‫م} التوبة ‪103‬‬ ‫ميعٌ عَلِي ٌ‬ ‫س ِ‬‫ه َ‬ ‫م وَالل ّ ُ‬‫ن ل ّهُ ْ‬‫سك َ ٌ‬ ‫صلَت َ َ‬
‫ك َ‬ ‫ن َ‬ ‫ع َلَيْهِ ْ‬
‫م إ ِ َّ‬
‫عن عبد الله بن أبي أوفى قال‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم إذا أتى بصدقة قال‪ " :‬اللهم صل على آل فلن " فأتاه أبي‬
‫بصدقة فقال‪ " :‬اللهم صل على آل أبي أوفي" ابن أبي شيبة‬
‫والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة‪.‬‬
‫عن جابر بن عبد الله قال‪ :‬أتانا النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫فقالت له امرأتي‪ :‬يا رسول الله صل علي وعلى زوجي‪ ،‬فقال‪" :‬‬
‫صلى الله عليك وعلى زوجك" ابن أبي شيبة‪.‬‬
‫عن حذيفة‪ :‬أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا لرجل‬
‫أصابته وأصابت ولده وولد ولده‪ .‬أحمد‪.‬‬
‫ضا‪ :‬إن صلة النبي صلى الله عليه وسلم لتدرك‬ ‫وعن حذيفة أي ً‬
‫الرجل وولده وولد ولده‪ .‬أحمد‪.‬‬
‫معنى صلة النبي علي المؤمنين‪:‬‬
‫‪ -‬عن ابن عباس في قوله‪ " :‬وصل عليهم" قال‪ :‬استغفر لهم من‬
‫ذنوبهم التي أصابوها‪" ،‬إن صلتك سكن لهم" قال‪ :‬رحمة لهم‪،‬‬
‫وقال أيضا‪ :‬أمن لهم‪ .‬ابن أبي حاتم وابن حبان‪.‬‬
‫‪ -‬عن السدي في قوله‪ " :‬وصل عليهم" يقول‪ :‬ادع لهم " إن‬
‫صلتك سكن لهم" قال‪ :‬استغفارك يسكن قلوبهم ويطمن لهم‪.‬‬
‫ابن أبي حاتم وابن حبان‪.‬‬
‫فضل الصلة علي النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫‪ -1‬ل تزال الملئكة تصلي علي الذي يصلي علي النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪:‬‬
‫عن عامر بن ربيعة عن أبيه رضي الله عنه قال‪ :‬سمعت رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يخطب ويقول‪ " :‬من صلى علي صلة‬
‫لم تزل الملئكة تصلي عليه ما صلى علي‪ ،‬فليقل عبد من ذلك أو‬
‫ليكثر" أحمد وابن أبي شيبة وابن ماجه‪.‬‬
‫‪ -2‬الذين يصلون علي النبي صلى الله عليه وسلم هم أولى الناس‬
‫به وبشفاعته يوم القيامة‪:‬‬
‫‪ " -‬إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلة" رواه‬
‫الترمذي وابن حبان‪.‬‬
‫‪ " -‬إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي‪ ،‬فإنه‬
‫من صلى علي صلة صلى الله عليه بها عشرا‪ ،‬ثم سلوا لي‬
‫الوسيلة فإنها منزلة من الجنة ل تنبغي إل لعبد من عباد الله‬
‫وأرجو أن أكون أنا هو‪ ،‬فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له‬
‫الشفاعة" مسلم وأبو داود والترمذي‪ -3 .‬الذي يصلي علي النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم يصلى الله عليه‪:‬‬
‫عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال‪ :‬خرج رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فاتبعته حتى دخل نخل ً فسجد فأطال‬
‫السجود حتى خفت أو خشيت أن يكون الله قد توفاه أو قبضه‪،‬‬
‫قال‪ :‬فجئت أنظر فرفع رأسه فقال‪ " :‬ما لك يا عبد الرحمن؟ "‬
‫قال‪ :‬فذكرت ذلك له‪ ،‬فقال‪ " :‬إن جبريل عليه السلم قال لي أل‬
‫أبشرك؟ أن الله عز وجل يقول‪ :‬من صلى عليك صليت عليه‪،‬‬
‫ومن سلم عليك سلمت عليه" (زاد في رواية‪ " :‬فسجدت لله‬
‫شكًرا") أحمد والحاكم‪.‬‬
‫" من صلى علي صلة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات‪،‬‬
‫وحط عنه عشر خطيئات" أحمد‪.‬‬
‫عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال خرج رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم لحاجة فلم يجد أحدًا يتبعه ففزع عمر فأتاه‬
‫بمطهرة من خلفه فوجد النبي صلى الله عليه وسلم ساجدًا في‬
‫مشربة (غرفة) فتنحى عنه من خلفه حتى رفع النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم رأسه فقال‪ " :‬أحسنت يا عمر حين وجدتني ساجدًا‬
‫فتنحيت عني‪ ،‬إن جبريل أتاني فقال‪ :‬من صلى عليك من أمتك‬
‫واحدة صلى الله عليه عشر صلوات ورفعه عشر درجات"‬
‫الطبراني‪.‬‬
‫عن أبي طلحة النصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم جاء ذات يوم والسرور يرى في وجهه فقالوا‪ :‬يا‬
‫رسول الله إنا لنرى السرور في وجهك؟ فقال‪ " :‬إنه أتاني الملك‬
‫فقال‪ :‬يا محمد أما يرضيك أن ربك عز وجل يقول إنه ل يصلي‬
‫عليك أحد من أمتك إل صليت عليه عشًرا‪ ،‬ول يسلم عليك أحد‬
‫من أمتك إل سلمت عليه عشًرا؟ قلت‪ :‬بلى" أحمد وابن حبان‪.‬‬
‫عن أبي طلحة النصاري رضي الله عنه قال‪ :‬أصبح رسول الله‬
‫ما طيب النفس يرى في وجهه البشر‪،‬‬ ‫صلى الله عليه وسلم يو ً‬
‫قالوا‪ :‬يا رسول الله أصبحت اليوم طيب النفس يرى في وجهك‬
‫البشر‪ ،‬قال‪ " :‬أجل‪ ،‬أتاني آت من ربي عز وجل فقال‪ :‬من صلى‬
‫عليك من أمتك صلة كتب الله له بها عشر حسنات‪ ،‬ومحا عنه‬
‫عشر سيئات‪ ،‬ورفع له عشر درجات‪ ،‬ورد عليه مثلها" أحمد‬
‫والنسائي‪.‬‬
‫" إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي‪ ،‬فإنه من‬
‫صلى علي صلة صلى الله عليه بها عشرا‪ ،‬ثم سلوا لي الوسيلة‬
‫فإنها منزلة من الجنة ل تنبغي إل لعبد من عباد الله وأرجو أن‬
‫أكون أنا هو‪ ،‬فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له الشفاعة"‬
‫مسلم وأبو داود والترمذي‪.‬‬
‫" من صلى علي صلة واحدة صلى الله عليه عشًرا" مسلم وأبو‬
‫داود والنسائي والترمذي وابن حبان‪.‬‬
‫" من ذكرت عنده فليصل علي‪ ،‬ومن صلى علي مرة صلى الله‬
‫عليه بها عشًرا " أحمد والنسائي وأبو داود والحاكم‪.‬‬
‫" من صلى عليك صليت عليه ومن سلم عليك سلمت عليه"‬
‫حديث قدسي‪ -‬أحمد والحاكم‪.‬‬
‫‪ -4‬الذي يصلي علي النبي صلى الله عليه وسلم تكثر حسناته‬
‫وتمحى سيئاته وترفع درجاته‪:‬‬
‫صا من قلبه صلى الله عليه‬ ‫" من صلى علي من أمتي صلة مخل ً‬
‫بها عشر صلوات‪ ،‬ورفعه بها عشر درجات‪ ،‬وكتب له بها عشر‬
‫حسنات‪ ،‬ومحا عنه بها عشر سيئات" النسائي والطبراني والبزار‪.‬‬
‫‪ -5‬الذي يجعل صلته كلها للنبي صلى الله عليه وسلم يكفيه الله‬
‫همه ويغفر له ذنبه‪:‬‬
‫" سأل أبي بن كعب رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم كم أجعل لك من صلتي؟ قال‪ " :‬ما شئت‪ ،‬قلت‪ :‬الربع؟‬
‫قال‪ :‬ما شئت فإن زدت فهو خير لك‪ ،‬فقلت‪ :‬النصف؟ قال‪ :‬ما‬
‫شئت وإن زدت فهو خير لك‪ ،‬قلت‪ :‬أجعل لك صلتي كلها؟ قال‪:‬‬
‫إذا يُكفي همك ويغفر ذنبك" أحمد والترمذي والحاكم‪.‬‬
‫عن أبي بن كعب قال‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا‬
‫ذهب ثلثا الليل قام فقال‪ " :‬يا أيها الناس اذكروا الله‪ ،‬اذكروا‬
‫الله‪ ،‬جاءت الراجفة تتبعها الرادفة‪ ،‬جاء الموت بما فيه‪ ،‬جاء‬
‫الموت بما فيه " قال أبي قلت‪ :‬يا رسول الله إني أكثر الصلة‬
‫عليك‪ ،‬فكم أجعل لك من صلتي؟ قال‪ " :‬ما شئت" قلت‪ :‬الربع؟‬
‫قال‪ " :‬ما شئت‪ ،‬فإن زدت فهو خير لك" قلت‪ :‬فالنصف؟ قال‪" :‬‬
‫ما شئت فإن زدت فهو خير لك" قلت‪ :‬فالثلثين؟ قال‪ " :‬ما شئت‬
‫فان زدت فهو خير لك" قلت‪ :‬أجعل لك صلتي كلها؟ قال‪ " :‬إذن‬
‫تكفى همك‪ ،‬ويغفر لك ذنبك" الترمذي‪.‬‬
‫عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال‪ :‬كان رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم إذا ذهب ربع الليل قام فقال‪ :‬يا أيها الناس اذكروا‬
‫الله‪ ،‬اذكروا الله‪ ،‬جاءت الراجفة تتبعها الرادفة‪ ،‬جاء الموت بما‬
‫فيه‪ ،‬جاء الموت بما فيه" قال أبي بن كعب‪ :‬فقلت يا رسول الله‬
‫إني أكثر الصلة فكم أجعل لك من صلتي؟ قال‪ " :‬ما شئت"‬
‫قال‪ :‬قلت الربع؟ قال‪ " :‬ما شئت وإن زدت فهو خير لك" قال‪:‬‬
‫فقلت فثلث؟ قال‪ " :‬ما شئت فإن زدت فهو خير لك" قلت‪:‬‬
‫النصف؟ قال‪ " :‬ما شئت وإن زدت فهو خير لك" قال‪ :‬أجعل لك‬
‫صلتي كلها؟ قال‪ " :‬إذا يكفى همك ويغفر لك ذنبك" أحمد‬
‫والترمذي والحاكم‪( .‬قوله أكثر الصلة فكم أجعل لك من صلتي‪:‬‬
‫معناه أكثر الدعاء فكم أجعل لك من دعائي صلة عليك)‪.‬‬
‫قال رجل‪ :‬يا رسول الله أرأيت إن جعلت صلتي كلها عليك؟‬
‫قال‪ " :‬إذا يكفيك الله تبارك وتعالى ما أهمك من دنياك وآخرتك"‬
‫أحمد‪.‬‬
‫‪ -6‬الصلة علي النبي صلى الله عليه وسلم زكاة للمصلي‪:‬‬
‫" صلوا علي فإنها زكاة لكم‪ ،‬وسلوا الله لي الوسيلة فإنها درجة‬
‫في أعلى الجنة ول ينالها إل رجل وأرجو أن أكون أنا هو" أحمد‪.‬‬
‫" أيما رجل مسلم لم يكن عنده صدقة فليقل في دعائه‪ :‬اللهم‬
‫صل على محمد عبدك ورسولك‪ ،‬وصل على المؤمنين والمؤمنات‬
‫والمسلمين والمسلمات فإنها له زكاة" البخاري وابن حبان‪.‬‬
‫‪ -7‬الصلة والسلم علي النبي صلى الله عليه وسلم تبلغه مهما‬
‫كان مكان المصلي والمسلم‪:‬‬
‫" إن لله ملئكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلم" النسائي وابن‬
‫حبان‪.‬‬
‫" حيثما كنتم فصلوا علي فإن صلتكم تبلغني" الطبراني‪.‬‬
‫" من صلى علي بلغتني صلته وصليت عليه وكتب له سوى ذلك‬
‫عشر حسنات" الطبراني‪.‬‬
‫" ما من أحد يسلم علي إل رد الله إلي روحي حتى أرد عليه‬
‫السلم" أحمد وأبو داود‪.‬‬
‫" من أفضل أيامكم يوم الجمعة‪ ،‬فيه خلق آدم‪ ،‬وفيه قبض‪،‬‬
‫وفيه النفخة‪ ،‬وفيه الصعقة‪ ،‬فأكثروا علي من الصلة فيه‪ ،‬فإن‬
‫صلتكم معروضة علي" قالوا‪ :‬يا رسول الله وكيف تعرض عليك‬
‫صلتنا وقد أرمت؟ (يعني وقد بليت) قال‪ " :‬إن الله حرم على‬
‫الرض أن تأكل أجساد النبياء" أحمد وابن حبان‪.‬‬
‫" أكثروا علي من الصلة كل يوم الجمعة فإنه مشهود تشهده‬
‫الملئكة‪ ،‬وإن أحدا لن يصلي علي إل عرضت علي صلته حتى‬
‫يفرغ منها" قيل وبعد الموت؟ قال‪ " :‬إن الله حرم على الرض‬
‫أن تأكل أجساد النبياء عليهم الصلة والسلم" ابن ماجه‪.‬‬
‫‪ -8‬الصلة والسلم علي النبي صلى الله عليه وسلم تجعل الدعاء‬
‫مقبول‪:‬‬
‫عن علي رضي الله عنه قال‪ " :‬كل دعاء محجوب حتى يصلى‬
‫على محمد صلى الله عليه وسلم " الطبراني‪ -‬موقوفا ورفعه‬
‫بعضهم‪.‬‬
‫عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال‪ " :‬إن الدعاء موقوف‬
‫بين السماء والرض ل يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك‬
‫صلى الله عليه وسلم " الترمذي‪.‬‬
‫عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال‪ :‬سمع رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم رجل يدعو في صلته لم يمجد الله تعالى ولم‬
‫يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ " :‬عجل هذا" ثم دعاه فقال له أو لغيره‪ " :‬إذا‬
‫صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه سبحانه والثناء عليه‪ ،‬ثم يصلي‬
‫على صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بعد بما شاء" أبو داود‬
‫والترمذي أحمد والنسائي والحاكم‪(.‬وفي رواية‪ :‬فليبدأ بتحميد ربه‬
‫عز وجل)‪.‬‬
‫عن عبد الله بن مسعود قال‪ :‬كنت أصلي والنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم وأبو بكر وعمر معه‪ ،‬فلما جلست بدأت بالثناء على الله ثم‬
‫الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم دعوت لنفسي‪ ،‬فقال‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ " :‬سل تعطه‪ ،‬سل تعطه" الترمذي‪.‬‬
‫‪ -9‬الذي يصلي علي النبي صلى الله عليه وسلم يشهد له‬
‫بالشهادة ويشفع له‪:‬‬
‫" من قال‪ :‬اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت‬
‫على إبراهيم وآل إبراهيم‪ ،‬وبارك على محمد وعلى آل محمد كما‬
‫باركت على إبراهيم وآل إبراهيم‪ ،‬وترحم على محمد وعلى آل‬
‫محمد كما ترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم‪ ،‬شهدت له يوم‬
‫القيامة بالشهادة وشفعت له" البخاري‪.‬‬
‫‪ -10‬أكثر الناس صلة علي النبي صلى الله عليه وسلم أقربهم‬
‫منه منزلة يوم القيامة‪:‬‬
‫" أكثروا علي من الصلة في كل يوم الجمعة فإن صلة أمتي‬
‫تعرض علي في كل يوم جمعة‪ ،‬فمن كان أكثرهم علي صلة كان‬
‫أقربهم مني منزلة" البيهقي‪.‬‬
‫‪ -11‬النجاة من أهوال يوم القيامة‪:‬‬
‫" إن أنجاكم يوم القيامة من أهوالها ومواطنها أكثركم علي في‬
‫دار الدنيا صلة‪ ،‬إنه قد كان في الله وملئكته كفاية ولكن خص‬
‫المؤمنين بذلك ليثيبهم عليه" الصفهاني والديلمي‪.‬‬
‫‪ -12‬البراءة من النفاق والبراءة من النار‪:‬‬
‫" من صلى على صلة واحدة صلى الله عليه عشرا‪ ،‬ومن صلى‬
‫على عشرا صلى الله عليه مائة‪ ،‬ومن صلى على مائة كتب الله‬
‫بين عينيه براءة من النفاق وبراءة من النار‪ ،‬وأسكنه الله يوم‬
‫القيامة مع الشهداء" الطبراني‪.‬‬
‫جزاء الغافل عن الصلة علي النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ -1‬أبعده الله‪:‬‬
‫صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فلما رقي عتبة‬
‫قال‪ " :‬آمين" ثم رقي أخرى فقال‪ " :‬آمين" ثم رقي عتبة ثالثة‬
‫فقال‪ " :‬آمين" ثم قال‪ " :‬أتاني جبريل عليه السلم فقال‪ :‬يا‬
‫محمد من أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده الله‪ ،‬فقلت‪ :‬آمين‪،‬‬
‫قال‪ :‬ومن أدرك والديه أو أحدهما فدخل النار فأبعده الله‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫آمين‪ ،‬قال‪ :‬ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فأبعده الله قل‬
‫آمين‪ ،‬فقلت‪ :‬آمين" ابن حبان‪.‬‬
‫" احضروا المنبر" فحضرنا فلما ارتقى درجة قال‪ " :‬آمين" فلما‬
‫ارتقى الدرجة الثانية قال‪ " :‬آمين" فلما ارتقى الدرجة الثالثة‬
‫قال‪ " :‬آمين" فلما نزل قلنا‪ :‬يا رسول الله لقد سمعنا منك اليوم‬
‫شيئا ما كنا نسمعه‪ ,‬قال‪ " :‬إن جبريل عرض لي فقال‪ :‬بعد من‬
‫أدرك رمضان فلم يغفر له‪ ،‬قلت‪ :‬آمين‪ ،‬فلما رقيت الثانية قال‪:‬‬
‫بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليك‪ ،‬فقلت‪ :‬آمين‪ ،‬فلما رقيت‬
‫الثالثة قال‪ :‬بعد من أدرك أبويه الكبر عنده أو أحدهما فلم يدخله‬
‫الجنة‪ ،‬قلت‪ :‬آمين" الحاكم‪.‬‬
‫عن عبد الله بن الحارث رضي الله عنه‪ :‬أن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم دخل المسجد وصعد المنبر فقال‪ " :‬آمين‪ ،‬آمين‪،‬‬
‫آمين" فلما انصرف قيل‪ :‬يا رسول الله رأيناك صنعت شيئا ما‬
‫كنت تصنعه‪ ،‬فقال‪ " :‬إن جبريل تبدى لي في أول درجة فقال‪ :‬يا‬
‫محمد من أدرك والديه فلم يدخله الجنة فأبعده الله ثم أبعده‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬آمين‪ ،‬ثم قال لي في الدرجة الثانية‪ :‬ومن أدرك شهر‬
‫رمضان فلم يغفر له فأبعده الله ثم أبعده‪ ،‬فقلت‪ :‬آمين‪ ،‬ثم تبدى‬
‫لي في الدرجة الثالثة فقال‪ :‬ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك‬
‫فأبعده الله ثم أبعده‪ ،‬فقلت‪ :‬آمين" البزار والطبراني‪.‬‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم صعد المنبر فقال‪ :‬آمين‪ ،‬آمين‪ ،‬آمين" قيل‪ :‬يا رسول الله‬
‫إنك صعدت المنبر فقلت‪ :‬آمين‪ ،‬آمين‪ ،‬آمين‪ ،‬فقال‪ " :‬إن جبريل‬
‫عليه السلم أتاني فقال‪ :‬من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له‬
‫فدخل النار فأبعده الله قل آمين‪ ،‬فقلت‪ :‬آمين‪ ،‬ومن أدرك أبويه‬
‫أو أحدهما فلم يبرهما فمات فدخل النار فأبعده الله قل آمين‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬آمين‪ ،‬ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات فدخل‬
‫النار فأبعده الله قل آمين‪ ،‬فقلت‪ :‬آمين" ابن خزيمة وابن حبان‪.‬‬
‫‪ -2‬رغم أنفه‪:‬‬
‫" رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي‪ ،‬ورغم أنف رجل‬
‫دخل عليه شهر رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له‪ ،‬ورغم أنف‬
‫رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخله الجنة" الترمذي‬
‫والبخاري‪( .‬رغم أي لصق بالرغام وهو التراب ذل وهوانا)‪.‬‬
‫‪ -3‬يكون بخيلً‪:‬‬
‫" البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي" (وفي رواية‪ :‬ثم لم‬
‫يصل علي) النسائي وابن حبان والحاكم والترمذي‪.‬‬
‫" إن أبخل الناس من ذكرت عنده فلم يصل علي" الترمذي‪.‬‬
‫‪ -4‬يكون عليه حسرة يوم القيامة‪:‬‬
‫" ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيهم‬
‫إل كان عليهم ترة يوم القيامة فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر‬
‫لهم" الترمذي والطبراني‪( .‬الترة هي النقص وقيل التبعة)‬
‫" ما من قوم يقعدون ثم يقومون ول يصلون على النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم إل كان عليهم يوم القيامة حسرة وإن دخلوا‬
‫الجنة لما يرون من الثواب" البيهقي‪.‬‬
‫" أيما قوم جلسوا فأطالوا الجلوس (وفي رواية‪ :‬فطال‬
‫مجلسهم) ثم تفرقوا قبل أن يذكروا الله عز وجل ويصلوا على‬
‫نبيهم إل كانت عليهم من الله عز وجل ترة‪ ،‬إن شاء عذبهم وإن‬
‫شاء غفر لهم" الطبراني‪.‬‬
‫" ما اجتمع قوم ثم تفرقوا عن غير ذكر الله وصلة على النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم إل قاموا عن أنتن جيفة" البيهقي‬
‫والطيالسي والمناوي‪.‬‬
‫‪ -5‬يخطأ طريق الجنة‪:‬‬
‫ي أخطأ طريق الجنة" ابن ماجه والبيهقي‪.‬‬ ‫" من نسي الصلة عل ّ‬
‫ى أخطأ (خطئ) طريق الجنة" ابن ماجة‪.‬‬ ‫" من نسى الصلة عل ّ‬
‫" من ذكرت عنده فخطئ الصلة على خطئ طريق الجنة"‬
‫الطبراني‪.‬‬
‫كيفية الصلة علي النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫عن كعب بن عجرة قال‪ :‬قيل يا رسول الله أما السلم عليك فقد‬
‫عرفناه فكيف الصلة؟ قال‪ " :‬قولوا اللهم صل على محمد وعلى‬
‫آل محمد‪ ،‬كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪ ،‬اللهم‬
‫بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك‬
‫حميد مجيد" متفق عليه‪( .‬ومعنى قولهم أما السلم عليك فقد‬
‫عرفناه هو الذي في التشهد الذي كان يعلمهم إياه كما كان‬
‫يعلمهم السورة من القرآن وفيه السلم عليك أيها النبي ورحمة‬
‫الله وبركاته)‬
‫قال ابن أبي ليلى‪ :‬لقيني كعب بن عجرة فقال‪ :‬أل أهدي لك‬
‫هدية؟ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا‪ :‬يا‬
‫رسول الله قد علمنا أو عرفنا كيف السلم عليك‪ ،‬فكيف الصلة؟‬
‫فقال‪ " :‬قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت‬
‫على آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪ ،‬اللهم بارك على محمد وعلى‬
‫آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد" أخرجه‬
‫الجماعة‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫صلو َ‬ ‫مَلئِكَت َ ُ‬
‫ه يُ َ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫عن كعب بن عجرة قال‪ :‬لما نزلت {إ ِ َّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫سلِيماً}الحزاب‬ ‫َ‬
‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ِّ ُ‬‫صل ّوا ع َلَيْهِ وَ َ‬
‫منُوا َ‬
‫نآ َ‬ ‫ي يَا أي ُّ َها ال ّذِي َ‬
‫ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬
‫‪ 56‬قال‪ :‬قلنا يا رسول الله قد علمنا السلم عليك فكيف الصلة‬
‫عليك؟ قال‪ " :‬قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما‬
‫صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪ ،‬وبارك‬
‫على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل‬
‫إبراهيم إنك حميد مجيد" وكان عبد الرحمن بن أبي ليلى يقول‬
‫وعلينا معهم‪ .‬الترمذي‪.‬‬
‫عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال‪ :‬قلنا يا رسول الله‬
‫هذا السلم عليك فكيف نصلي عليك؟ قال‪ " :‬قولوا اللهم صل‬
‫على محمد عبدك ورسولك كما صليت على آل إبراهيم‪ ،‬وبارك‬
‫على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم"‬
‫البخاري‪( .‬وفي رواية‪ :‬كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد‬
‫وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم)‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ قال‪ " :‬قولوا اللهم صل‬
‫على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم‪ ،‬وبارك على‬
‫محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد‬
‫مجيد" النسائي وابن ماجة وأحمد‪.‬‬
‫عن أبي مسعود النصاري قال‪ :‬أتانا رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ونحن في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد‪:‬‬
‫أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك؟‬
‫قال‪ :‬فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه‬
‫لم يسأله‪ ،‬ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ " :‬قولوا‪:‬‬
‫اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل‬
‫إبراهيم‪ ،‬وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل‬
‫إبراهيم في العالمين‪ ،‬إنك حميد مجيد‪ ،‬والسلم كما قد علمتم"‬
‫أبو داود والترمذي والنسائي‪.‬‬
‫" من سره أن يكتال بالمكيال الوفى إذا صلى علينا أهل البيت‬
‫فليقل‪ :‬اللهم صل على محمد النبي وأزواجه وذريته وأهل بيته‬
‫كما صليت على آل إبراهيم انك حميد مجيد" أبو داود وابن‬
‫مردويه والبيهقي‪.‬‬
‫مواطن الصلة علي النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ -1‬كلما ذكر اسم النبي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫" رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي‪ ،‬ورغم أنف رجل‬
‫دخل عليه شهر رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له‪ ،‬ورغم أنف‬
‫رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخله الجنة" الترمذي‬
‫والبخاري‪.‬‬
‫" البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي" (وفي رواية‪ :‬ثم لم‬
‫يصل علي) النسائي وابن حبان والحاكم والترمذي‪.‬‬
‫‪ -2‬مع أذكار الصباح والمساء‪:‬‬
‫" من قال إذا أصبح وإذا أمسى‪ :‬رضينا بالله‪ ،‬ربا وبالسلم دينا‪،‬‬
‫وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسول‪ -‬إل كان حقا على الله أن‬
‫يرضيه" أبو داود والترمذي وأحمد‪( .‬وفي رواية‪ :‬وبمحمد نبيا‪-‬‬
‫فينبغي أن يجمع بينهما فيقال‪ :‬وبمحمد نبيا ورسول‪ ،‬وعند أحمد‬
‫أنه يقول ذلك ثلث مرات حين يمسي وحين يصبح)‬
‫كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أصبح قال‪ " :‬أصبحنا على‬
‫فطرة السلم‪ ،‬وكلمة الخلص‪ ،‬وعلى دين نبينا محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم وعلى ملة أبينا إبراهيم حنيفا (مسلما) وما كان من‬
‫المشركين" وإذا أمسى قال مثل ذلك‪ .‬النسائي وأحمد وابن‬
‫حبان‪.‬‬
‫عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال‪ :‬كان رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم يعلمنا إذا أصبح أحدنا أن يقول‪ " :‬أصبحنا على فطرة‬
‫السلم‪ ،‬وكلمة الخلص‪ ،‬وعلي دين نبينا محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم ووعلي ملة أبينا إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين"‬
‫الطبراني‪.‬‬
‫‪ -3‬مع الدعاء‪:‬‬
‫عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال‪ :‬سمع رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم رجل يدعو في صلته لم يمجد الله تعالى ولم‬
‫يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ " :‬عجل هذا" ثم دعاه فقال له أو لغيره‪ " :‬إذا‬
‫صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه سبحانه والثناء عليه‪ ،‬ثم يصلي‬
‫على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بعد بما شاء" أبو داود‬
‫والترمذي أحمد والنسائي والحاكم‪(.‬وفي رواية‪ :‬فليبدأ بتحميد ربه‬
‫عز وجل)‬
‫عن عبد الله بن مسعود قال‪ :‬كنت أصلي والنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم وأبو بكر وعمر معه‪ ،‬فلما جلست بدأت بالثناء على الله ثم‬
‫الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم دعوت لنفسي‪ ،‬فقال‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ " :‬سل تعطه‪ ،‬سل تعطه" الترمذي‪.‬‬
‫عن علي رضي الله عنه قال‪ " :‬كل دعاء محجوب حتى يصلى‬
‫على محمد صلى الله عليه وسلم " الطبراني‪ -‬موقوفا ورفعه‬
‫بعضهم‪.‬‬
‫عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال‪ " :‬إن الدعاء موقوف‬
‫بين السماء والرض ل يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك‬
‫صلى الله عليه وسلم " الترمذي‪.‬‬
‫‪ -4‬بعد الذان‪:‬‬
‫" إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي‪ ،‬فإنه من‬
‫صلى علي صلة صلى الله بها عشًرا‪ ،‬ثم سلوا الله لي الوسيلة‬
‫فإنها منزلة في الجنة ل تنبغي إل لعبد من عباد الله وأرجو أن‬
‫أكون أنا هو‪ ،‬فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة" مسلم‬
‫وأبو داود والترمذي والنسائي‪.‬‬
‫" من قال حين يسمع المؤذن وأنا أشهد أن ل إله إل الله وحده ل‬
‫شريك له وأن محمدا عبده ورسوله‪ ،‬رضيت بالله ربا وبالسلم‬
‫دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسول غفر الله له ذنوبه"‬
‫مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وأبو داود‪(.‬وفي رواية‪ :‬غفر‬
‫له ذنبه‪ ،‬وفي أخرى‪ :‬غفر الله له)‬
‫‪ -5‬عند دخول المسجد وعند الخروج منه‪:‬‬
‫عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت‪ " :‬كان‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد صلى على‬
‫محمد وسلم ثم قال‪ :‬اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب‬
‫رحمتك وإذا خرج صلى على محمد وسلم ثم قال‪ :‬اللهم اغفر‬
‫لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك" أحمد والترمذي وابن ماجة‪.‬‬
‫‪ -6‬في التشهد‪:‬‬
‫عن عبد الله بن مسعود قال‪ :‬علمني رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم التشهد وكفى بين كفيه كما يعلمني السورة من‬
‫القران‪ " :‬التحيات لله والصلوات والطيبات‪ ،‬السلم عليك أيها‬
‫النبي ورحمة الله وبركاته‪ ،‬السلم علينا وعلى عباد الله‬
‫الصالحين‪ ،‬اشهد أن ل اله إل الله واشهد أن محمدا عبده‬
‫ورسوله" متفق عليه‪.‬‬
‫عن كعب بن عجرة قال‪ :‬قيل يا رسول الله أما السلم عليك فقد‬
‫عرفناه فكيف الصلة؟ قال‪ " :‬قولوا اللهم صل على محمد وعلى‬
‫آل محمد‪ ،‬كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪ ،‬اللهم‬
‫بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك‬
‫حميد مجيد" متفق عليه‪( .‬ومعنى قولهم أما السلم عليك فقد‬
‫عرفناه هو الذي في التشهد الذي كان يعلمهم إياه كما كان‬
‫يعلمهم السورة من القرآن وفيه السلم عليك أيها النبي ورحمة‬
‫الله وبركاته)‪.‬‬
‫عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال‪ :‬قلنا يا رسول الله‬
‫هذا السلم عليك فكيف نصلي عليك؟ قال‪ " :‬قولوا اللهم صل‬
‫على محمد عبدك ورسولك كما صليت على آل إبراهيم‪ ،‬وبارك‬
‫على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم"‬
‫البخاري‪( .‬وفي رواية‪ :‬كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد‬
‫وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم)‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ قال‪ " :‬قولوا اللهم صل‬
‫على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم‪ ،‬وبارك على‬
‫محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد‬
‫مجيد" النسائي وابن ماجة وأحمد‪.‬‬
‫‪ -7‬الصلة عليه صلى الله عليه وسلم في صلة الجنازة‪:‬‬
‫فإن السنة أن يقرأ في التكبيرة الولى فاتحة الكتاب وفي الثانية‬
‫أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وفي الثالثة يدعو‬
‫للميت وفي الرابعة يقول اللهم ل تحرمنا أجره ول تفتنا بعده‪.‬‬
‫‪ -‬عن أبو أمامة قال‪ :‬من السنة في الصلة على الجنازة أن يكبر‬
‫المام ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الولى سرا في نفسه‬
‫ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويخلص الدعاء‬
‫للجنازة وفي التكبيرات ل يقرأ في شيء منها ثم يسلم سرا في‬
‫نفسه‪ .‬النسائي‪.‬‬
‫ملحوظة‪ :‬عن أبي أمامة أنه قال من السنة ‪ -‬وهذا من الصحابي‬
‫في حكم المرفوع على الصحيح‪.‬‬
‫‪ -8‬الصلة علي النبي صلى الله عليه وسلم في صلة العيد‪:‬‬
‫عن علقمة أن عبد الله بن مسعود وأبا موسى وحذيفة خرج‬
‫عليهم الوليد بن عقبة قبل العيد يوما فقال لهم‪ :‬إن هذا العيد قد‬
‫دنا فكيف التكبير فيه؟ فقال عبد الله‪ :‬تبدأ فتكبر تكبيرة تفتح بها‬
‫الصلة وتحمد ربك وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم‬
‫تدعو وتكبر وتفعل مثل ذلك‪ ،‬ثم تدعو وتكبر وتفعل مثل ذلك‪ ،‬ثم‬
‫تدعو وتكبر وتفعل مثل ذلك‪ ،‬ثم تدعو وتكبر وتفعل مثل ذلك‪ ،‬ثم‬
‫تدعو وتكبر وتفعل مثل ذلك‪ ،‬ثم تكبر وتفعل مثل ذلك‪ ،‬ثم تكبر‬
‫وتفعل مثل ذلك‪ ،‬ثم تركع‪ .‬فقال حذيفة وأبو موسى‪ :‬صدق أبو‬
‫عبد الرحمن‪ .‬الثرم في سننه والمغني لبن قدامة‪.‬‬
‫قال أبو عبد الله يكبر في الولى سبعًا مع تكبيرة الحرام ول يعتد‬
‫بتكبيرة الركوع لن بينهما قراءة ويكبر في الركعة الثانية خمس‬
‫تكبيرات ول يعتد بتكبيرة النهوض ثم يقرأ في الثانية ثم يكبر‬
‫ويركع‪ .‬ويستفتح في أولها ويحمد الله ويثني عليه ويصلي على‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم بين كل تكبيرتين وإن أحب قال‪ :‬الله‬
‫أكبر كبيرا والحمد لله كثيًرا وسبحان الله بكرة وأصيل وصلى الله‬
‫على محمد النبي المي وعلى آله وصحبه وسلم‪ ،‬وإن أحب قال‬
‫غير ذلك ويكبر في الثانية خمس تكبيرات سوى التكبيرة التي‬
‫يقوم بها من السجود ويرفع يديه مع كل تكبيرة‪ -‬المغني لبن‬
‫قدامة‪( .‬يستفتح يعني يدعو بدعاء الستفتاح عقيب التكبيرة‬
‫الولى)‪.‬‬
‫‪ -9‬مع صلة الحاجة‪:‬‬
‫" من كانت له حاجة إلى الله تعالى أو إلى أحد من بني آدم‬
‫فليتوضأ وليحسن وضوءه ثم ليصل ركعتين‪ ,‬ثم يثني على الله‬
‫تعالى‪ ,‬وليصل على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل‪ :‬ل إله إل‬
‫الله الحليم الكريم‪ ,‬سبحان الله رب العرش العظيم‪ ,‬الحمد لله‬
‫رب العالمين‪ ,‬أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك‪ ,‬والعصمة‬
‫من كل ذنب‪ ,‬والغنيمة من كل بر‪ ,‬والسلمة من كل إثم‪ ,‬ل تدع‬
‫لي ذنبا إل غفرته‪ ,‬ول هما إل فرجته‪ ,‬ول حاجة هي لك رضا إل‬
‫قضيتها يا أرحم الراحمين‪ ,‬ثم يسأل من أمر الدنيا والخرة ما‬
‫شاء فإنه يقدر" الترمذي والنسائي‪.‬‬
‫‪ -10‬مع دعاء القنوت‪:‬‬
‫عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال‪ :‬علمني رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر‪ " :‬اللهم اهدني‬
‫فيمن هديت‪ ،‬وعافني فيمن عافيت‪ ،‬وتولني فيمن توليت‪ ،‬وبارك‬
‫لي فيما أعطيت‪ ،‬وقني شر ما قضيت‪ ،‬فإنك تقضي ول يقضى‬
‫عليك‪ ،‬وإنه ل يذل من واليت‪ ،‬ول يعز من عاديت‪ ،‬تباركت ربنا‬
‫وتعاليت" أحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم‪( .‬وفي رواية‪" :‬‬
‫وصلى الله على محمد" النسائي )‬
‫‪ -11‬يستحب الكثار من الصلة عليه يوم الجمعة وليلة الجمعة‪:‬‬
‫" أكثروا الصلة علي يوم الجمعة فإنه مشهود تشهده الملئكة‬
‫وإن أحدا ل يصلي علي فيه إل عرضت علي صلته حتى يفرغ‬
‫منها" قلت‪ :‬وبعد الموت؟ قال‪ " :‬إن الله حرم على الرض أن‬
‫تأكل أجساد النبياء‪ ،‬فنبي الله حي يرزق" أبو داود والنسائي وابن‬
‫ماجة وابن خزيمة وابن حبان والدارقطني‪.‬‬
‫" من أفضل أيامكم يوم الجمعة‪ ،‬فيه خلق آدم‪ ،‬وفيه قبض‪ ،‬وفيه‬
‫النفخة‪ ،‬وفيه الصفقة‪ ،‬فأكثروا علي من الصلة فيه فإن صلتكم‬
‫معروضة علي" قالوا‪ :‬يا رسول الله وكيف تعرض صلتنا عليك‬
‫وقد أرمت؟ (يعني بليت) فقال‪ " :‬إن الله عز وجل حرم على‬
‫الرض أن تأكل أجساد النبياء" أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن‬
‫حبان والحاكم‪.‬‬
‫" أكثروا الصلة علي يوم الجمعة فإنه أتاني جبريل آنفا عن ربه‬
‫عز وجل فقال‪ :‬ما على الرض من مسلم يصلي عليك مرة‬
‫واحدة إل صليت أنا وملئكتي عليه عشرا" الطبراني‪.‬‬
‫‪ -12‬الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر يوم‬
‫الجمعة في الخطبتين‪:‬‬
‫‪ -‬يجب على الخطيب أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫يوم الجمعة على المنبر في الخطبتين ول تصح الخطبتان إل بذلك‬
‫لنها عبادة وذكر الله شرط فيها فوجب ذكر الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم فيها كالذان والصلة هذا مذهب الشافعي وأحمد‪.‬‬
‫‪ -13‬الصلة والسلم عليه عند زيارة قبره صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫" ما منكم من أحد يسلم علي إل رد الله على روحي حتى أرد‬
‫عليه السلم" أبو داود‪.‬‬
‫" ل تجعلوا بيوتكم قبورا ول تجعلوا قبري عيدا‪ ،‬وصلوا علي فإن‬
‫صلتكم تبلغني حيثما كنتم" أبو داود‪.‬‬
‫" ل تجعلوا قبري عيدا‪ ،‬ول تجعلوا بيوتكم قبورا‪ ،‬وصلوا علي‬
‫وسلموا حيثما كنتم فتبلغني صلتكم وسلمكم" أحمد‪.‬‬
‫" صلوا علي حيثما كنتم فإن صلتكم تبلغني" الطبراني‪.‬‬
‫" إن لله ملئكة سياحين في الرض يبلغوني عن أمتي السلم"‬
‫أحمد والنسائي‪.‬‬
‫عن العتبي قال‪ :‬كنت جالسا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫فجاء أعرابي فقال‪ :‬السلم عليك يا رسول الله‪ ،‬سمعت الله‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ستَغْفَُروا ْ الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ك فَا ْ‬ ‫جآؤ ُو َ‬ ‫م َ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫موا ْ أن ُف َ‬ ‫م إِذ ظ ّل َ ُ‬ ‫يقول‪{ :‬وَلَوْ أنَّهُ ْ‬
‫حيماً} النساء ‪ ,64‬وقد‬ ‫ه تَوَّابا ً َّر ِ‬ ‫جدُوا ْ الل ّ َ‬ ‫ل لَوَ َ‬ ‫سو ُ‬‫م الَّر ُ‬ ‫ستَغْفََر لَهُ ُ‬‫وَا ْ‬
‫جئتك مستغفرا لذنبي مستشفعا بك إلى ربي‪ ،‬ثم أنشأ يقول‪ :‬يا‬
‫خير من دفنت بالقاع أعظمه‪ ،‬فطاب من طيبهن القاع والكم‪،‬‬
‫نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه‪ ،‬فيه العفاف وفيه الجود والكرم‪،‬‬
‫ثم انصرف العرابي فحملتني عيني فنمت فرأيت النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم في النوم فقال‪ " :‬يا عتبي الحق العرابي‬
‫فبشره أن الله قد غفر له‪ .‬المغني لبن قدامة‪.‬‬
‫عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله‬
‫عنها‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمها أن تأتي القبر‬
‫فتولي ظهرها القبلة وتستقبل وسطه وتقول‪ " :‬السلم عليك أيها‬
‫النبي ورحمة الله وبركاته‪ ،‬السلم عليك يا نبي الله وخيرته من‬
‫خلقه‪ ،‬أشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له وأشهد أن محمدا‬
‫عبده ورسوله‪ ،‬أشهد أنك قد بلغت رسالت ربك‪ ،‬ونصحت لمتك‪،‬‬
‫ودعوت إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة‪ ،‬وعبدت الله‬
‫حتى أتاك اليقين‪ ،‬فصلى الله عليك كثيًرا كما يحب ربنا ويرضى‪،‬‬
‫اللهم اجز عنا نبينا أفضل ما جزيت أحدًا من النبيين والمرسلين‪،‬‬
‫وابعثه المقام المحمود الذي وعدته يغبطه به الولون والخرون‪،‬‬
‫اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم‬
‫وآل إبراهيم إنك حميد مجيد‪ ،‬وبارك على محمد وعلى آل محمد‬
‫كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد‪ ،‬اللهم إنك‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬‫جآؤ ُو َ‬ ‫م َ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫موا ْ أنفُ َ‬ ‫م إِذ ظ ّل َ ُ‬ ‫قلت وقولك الحق‪ { :‬وَلَوْ أنَّهُ ْ‬
‫حيماً}‬ ‫ه تَوَّابا ً َّر ِ‬
‫جدُوا ْ الل ّ َ‬ ‫ل لَوَ َ‬‫سو ُ‬ ‫م الَّر ُ‬ ‫ستَغْفََر لَهُ ُ‬ ‫ه وَا ْ‬ ‫ستَغْفَُروا ْ الل ّ َ‬‫فَا ْ‬
‫النساء ‪ - 64‬وقد أتيتك مستغفرا من ذنوبي ومستشفعًا بك إلى‬
‫ربي‪ ،‬فأسألك يا رب أن توجب لي المغفرة كما أوجبتها لمن أتاه‬
‫في حياته‪ ،‬اللهم اجعله أول الشافعين وأنجح السائلين وأكرم‬
‫الخرين والولين‪ ،‬برحمتك يا أرحم الراحمين‪ -‬ثم يدعو لوالديه‬
‫ولخوانه وللمسلمين أجمعين‪ .‬المغني لبن قدامة‪.‬‬
‫‪ -14‬يستحب للمحرم إذا لبى وفرغ من تلبيته أن يصلي على النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق قال‪ :‬كان يؤمر الرجل‬
‫إذا فرغ من تلبيته أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫على كل حال‪ .‬الشافعي والدارقطني‪.‬‬
‫‪ -15‬علي الصفا والمروة‪:‬‬
‫عن وهب بن الجدع قال‪ :‬سمعت عمر بن الخطاب رضي الله‬
‫عنه يقول‪ :‬إذا قدمتم فطوفوا بالبيت سبعا‪ ،‬وصلوا عند المقام‬
‫ركعتين‪ ،‬ثم ائتوا الصفا فقوموا عليه من حيث ترون البيت فكبروا‬
‫سبع مرات تكبيرا بين حمد الله وثناء عليه وصلة على النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ومسألة لنفسك‪ ،‬وعلى المروة مثل ذلك‪.‬‬
‫فضل الصلة علي النبي‪ -‬تحقيق اللباني‪.‬‬
‫‪ -16‬عند طنين الذن‪:‬‬
‫‪ -‬يستحب الصلة علي النبي صلى الله عليه وسلم عند طنين‬
‫الذن إن صح الخبر في ذلك‪.‬‬
‫" إذا طنت أذن أحدكم فليذكرني وليصل علي وليقل ذكر الله من‬
‫ذكرني بخير" ابن خزيمة‪.‬‬
‫خوَان المتحابان‪:‬‬ ‫‪ -17‬عند التقاء ال َ‬
‫" ما من عبدين متحابين يستقبل أحدهما صاحبه ويصليان على‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم لم يتفرقا حتى يغفر لهما ذنوبهما ما‬
‫تقدم منهما وما تأخر" أبو يعلى‪.‬‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم يشهد لنفسه بالرسالة‬
‫مل ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ميعا ً ال ّذِي ل َ ُ‬
‫ه ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل اللّهِ إِلَيْك ُ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫س إِنِّي َر ُ‬ ‫ل يَا أيُّهَا النَّا ُ‬ ‫{قُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫منُوا ْ بِاللّهِ‬
‫ت فَآ ِ‬ ‫مي ُ‬ ‫حيِـي وَي ُ ِ‬ ‫ه إِل ّ هُوَ ي ُ ْ‬‫ض ل إ َِلَـ َ‬ ‫ت وَالْر ُ ِ‬ ‫ماوَا ِ‬‫س َ‬‫ال َّ‬
‫َ‬
‫م‬‫ماتِهِ وَاتَّبِعُوه ُ لَعَل ّك ُ ْ‬
‫ن بِاللّهِ وَكَل ِ َ‬ ‫م ُ‬‫ي ال ّذِي يُؤْ ِ‬ ‫م ِّ‬‫ي ال ِّ‬ ‫سولِهِ النَّب ِ ِ ّ‬ ‫وََر ُ‬
‫ن}العراف ‪158‬‬ ‫تَهْتَدُو َ‬
‫عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وعمر بن‬
‫الخطاب معه فعرضت امرأة فقال لها النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ادعي زوجك فدعته وكان ضرارا فقال النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ " :‬ما تقول امرأتك يا عبد الله؟" فقال الرجل‪ :‬والذي‬
‫أكرمك ما جف رأسي منها‪ ،‬فقالت امرأته‪ :‬ما مرة واحدة في‬
‫الشهر‪ ،‬فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬أتبغضيه؟"‬
‫قالت‪ :‬نعم‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬ادنيا رأسيكما"‬
‫فوضع جبهتها على جبهة زوجها ثم قال‪ " :‬اللهم ألف بينهما‪،‬‬
‫وحبب أحدهما إلى صاحبه" ثم مر رسول الله بسوق النمط ومعه‬
‫عمر بن الخطاب فطلعت امرأة تحمل إدما على رأسها فلما رأت‬
‫النبي طرحته وأقبلت فقبلت رجليه فقال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ " :‬كيف أنت وزوجك؟" فقالت‪ :‬والذي أكرمك ما‬
‫طارف ول تالد ول ولد بأحب إلي منه‪ ،‬فقال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ " :‬أشهد أني رسول الله" فقال عمر‪ :‬وأنا أشهد‬
‫أنك رسول الله‪ .‬البيهقي‪.‬‬
‫عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال‪ :‬كان بالمدينة يهودي‬
‫وكان يسلفني في تمري إلى الجذاذ‪ -‬وكانت لجابر الرض التي‬
‫بطريق رومة‪ -‬فجلست فخل عاما فجاءني اليهودي عند الجذاذ‬
‫ولم أجد منها شيئا‪ ،‬فجعلت أستنظره إلى قابل فيأبى‪ ،‬فأخبر‬
‫بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لصحابه‪ " :‬امشوا‬
‫نستنظر لجابر من اليهودي" فجاءوني في نخلي فجعل النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم يكلم اليهودي فيقول‪ :‬أبا القاسم ل أنظره‪،‬‬
‫فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم قام فطاف في النخل ثم‬
‫جاءه فكلمه فأبى‪ ،‬فقمت فجئت بقليل رطب فوضعته بين يدي‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم فأكل ثم قال‪ " :‬أين عريشك يا‬
‫جابر؟" فأخبرته فقال‪ " :‬افرش لي فيه" ففرشته فدخل فرقد ثم‬
‫استيقظ فجئته بقبضة أخرى فأكل منها ثم قام فكلم اليهودي‬
‫فأبى عليه‪ ،‬فقام في الرطاب في النخل الثانية ثم قال‪ " :‬يا جابر‬
‫جذ واقض" فوقف في الجذاذ فجذذت منها ما قضيته وفضل‬
‫مثله‪ ،‬فخرجت حتى جئت النبي صلى الله عليه وسلم فبشرته‬
‫فقال‪ " :‬أشهد أني رسول الله" البخاري (استنظره‪ :‬اطلب منه‬
‫أن ينظرني إلى قابل أي عام آت‪ ،‬عريشك‪ ،‬العريش‪ :‬ما يستظل‬
‫به عند الجلوس تحته‪ ،‬وقيل البناء‪ ،‬أي أين المكان الذي اتخذته‬
‫في بستانك لتستظل به‪ ،‬فقام في الرطاب في النخل الثانية أي‬
‫المرة الثانية‪ ،‬وأقض أي اقض الدين الذي عليك يعني أوفه‬
‫لليهودي‪ ،‬وفضل مثله أي مثل الدين‪ ،‬ويروى وفضل منه‪ ،‬قوله‬
‫أشهد أني رسول الله إنما قال ذلك لن فيه خرق العادة الظاهرة‬
‫وهو دليل من أدلة النبوة وعلم من أعلمها حيث قضى بالقليل‬
‫الذي لم يكن يفي بدينه تمام الدين وفضل منه مثله)‪.‬‬
‫عن أبي هريرة‪ :‬أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم رجلن‬
‫أحدهما ل يكاد يفارقه ول يعرف له كبير عمل‪ ،‬وكان الخر ل يكاد‬
‫يرى ول يعرف له كبير عمل‪ ،‬فقال الذي ل يكاد يفارقه‪ :‬يا رسول‬
‫الله بأبي وأمي ذهب المصلون بالجر‪ ،‬بأجر الصلة‪ ،‬والصائمون‬
‫بأجر الصيام‪ ،‬فذكر أعمال الخير فقال‪ " :‬ويحك ماذا عندك؟"‬
‫قال‪ :‬ل والذي بعثك بالحق إل حب الله ورسوله‪ ،‬قال‪ " :‬لك ما‬
‫احتسبت وأنت مع من أحببت" قال‪ :‬وأما الخر فمات فقال النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم وهو في أصحابه‪ " :‬هل علمتم أن الله قد‬
‫أدخل فلنا الجنة؟" فعجب القوم أنه كان ل يكاد يرى‪ ،‬فقام‬
‫بعضهم إلى أهله فسأل امرأته عن عمله‪ ،‬قالت‪ :‬ما كان له كبير‬
‫عمل إل ما قد رأيتم غير أنه قد كانت له خصلة‪ ،‬قالوا‪ :‬وما هي؟‬
‫قالت‪ :‬ما كان يسمع المؤذن من ليل ول نهار ول على أي حال إل‬
‫كان يقول أشهد أن ل إله إل الله مثل قوله أقر بها وأكفر من‬
‫أباها‪ ،‬قالت‪ :‬فإذا قال‪ :‬أشهد أن محمدا رسول الله قال‪ :‬أشهد أن‬
‫محمدًا رسول الله أقربها وأكفر من أبى‪ ،‬قال الرجل‪ :‬دخل‬
‫الجنة‪ ،‬فأقبل حتى إذا كان من النبي صلى الله عليه وسلم وهو‬
‫في أصحابه حيث يسمعه الصوت نادى النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم بأعلى صوته‪ :‬أتيت أهل فلن فسألتهم عن عمله فأخبروني‬
‫بكذا وكذا‪ ،‬قال الرجل‪ :‬أشهد أنك رسول الله‪ ،‬قال‪ " :‬وأنا أشهد‬
‫أني رسول الله" الصبهاني‪.‬‬
‫قال رجل للبراء بن عازب رضي الله عنهما‪ :‬أفررتم عن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قال‪ :‬لكن رسول الله لم‬
‫يفر إن هوازن كانوا قوما رماة‪ ،‬وإنا لما لقيناهم حملنا عليهم‬
‫فانهزموا فأقبل المسلمون على الغنائم واستقبلونا بالسهام‪ ،‬فأما‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفر فلقد رأيته وإنه لعلي‬
‫بغلته البيضاء وإن أبا سفيان آخذ بلجامها والنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم يقول‪ " :‬أنا النبي ل كذب‪ ،‬أنا بن عبد المطلب" البخاري‬
‫ومسلم وابن حبان والنسائي والترمذي‪.‬‬
‫القرآن والشهادة للرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة‬
‫َ َ‬ ‫ما كَان مح َ َ َ‬
‫م‬
‫خات َ َ‬ ‫ل الل ّهِ وَ َ‬ ‫سو‬‫م وَلَكِن َّر ُ‬ ‫جالِك ُ ْ‬ ‫من ّرِ َ‬ ‫حد ٍ ِّ‬ ‫مد ٌ أبَا أ َ‬ ‫َ ُ َ ّ‬ ‫{ َّ‬
‫َ‬
‫يءٍ عَلِيماً}الحزاب ‪40‬‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه بِك ُ ِّ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ن وَكَا َ‬ ‫النَّبِيِّي َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ماء بَيْنَهُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫شدَّاء ع َلَى الْكُفَّارِ ُر َ‬ ‫هأ ِ‬ ‫ُ‬ ‫معَ‬ ‫َ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ل الل ّهِ وَال ّذِي‬ ‫سو ُ‬ ‫مد ٌ َّر ُ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫{ ُّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م فِي‬ ‫ماهُ ْ‬ ‫سي َ‬ ‫ضوَانا ً ِ‬ ‫ن الل ّهِ وَرِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ضل ً ِّ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫جدا ً يَبْتَغُو َ‬ ‫س َّ‬ ‫م ُرك ّعا ً ُ‬ ‫تََراهُ ْ‬
‫َ‬
‫م فِي‬ ‫مثَلُهُ ْ‬ ‫م فِي التَّوَْراةِ وَ َ‬ ‫مثَلُهُ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫جود ِ ذَل ِ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ن أثَرِ ال ُّ‬ ‫م ْ‬ ‫جوهِهِم ِّ‬ ‫وُ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سوقِهِ‬ ‫ستَوَى ع َلَى ُ‬ ‫ظ فَا ْ‬ ‫ستَغْل َ َ‬ ‫شطْأهُ فَآَزَره ُ فَا ْ‬ ‫ج َ‬ ‫خَر َ‬ ‫ل كََزْرٍع أ ْ‬ ‫ِ‬ ‫جي‬‫ِ‬ ‫اْلِن‬
‫َّ َ‬
‫ملُوا‬ ‫منُوا وَع َ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ه ال ّذِي َ‬ ‫م الْكُفَّاَر وَعَد َ الل ُ‬ ‫ظ بِهِ ُ‬ ‫ب الُّزَّراع َ لِيَغِي َ‬ ‫ج ُ‬ ‫يُعْ ِ‬
‫جرا ً عَظِيماً}الفتح ‪29‬‬
‫َ‬ ‫منْهُم َّ‬ ‫ال َّ‬
‫فَرة ً وَأ ْ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫ت ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن اْل ْ ِ‬
‫مر‬ ‫م َ‬ ‫م فِي كَثِيرٍ ِّ‬ ‫ل الل ّهِ لَوْ يُطِيعُك ُ ْ‬ ‫سو َ‬ ‫م َر ُ‬ ‫ن َفِيك ُ ْ‬ ‫موا أ َّ‬ ‫{وَاع ْل َ ُ‬
‫م‬‫م وَكََّره َ إِلَيْك ُ ُ‬ ‫ه فِي قُلُوبِك ُ ْ‬ ‫ن وََزيَّن َ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫م اْلِي َ‬ ‫ب إِلَيْك ُ ُ‬ ‫حب َّ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م وَلَك ِ َّ‬ ‫لَعَنِت ُّ ْ‬
‫ن }الحجرات ‪7‬‬ ‫شدُو َ‬ ‫م الَّرا ِ‬ ‫ُ‬ ‫ك هُ‬ ‫ن أُوْلَئ ِ َ‬ ‫صيَا َ‬ ‫سوقَ وَالْعِ ْ‬ ‫الْكُفَْر وَالْفُ ُ‬
‫م إِن َّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ه يَعْل َ ُ‬ ‫ل الل ّهِ وَالل ّ ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫ك لََر ُ‬ ‫شهَد ُ إِن َّ َ‬ ‫ن قَالُوا ن َ ْ‬ ‫منَافِقُو َ‬ ‫ك َال ْ ُ‬ ‫جاء َ‬ ‫{إِذ َا َ‬
‫ن } المنافقون ‪1‬‬ ‫ن لَكَاذِبُو َ‬ ‫منَافِقِي َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫شهَد ُ إ ِ َّ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ه وَالل ّ ُ‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫لََر ُ‬
‫شرا ً وَنَذِيرا ً } الحزاب ‪45‬‬
‫َ‬ ‫{يَا أَيُّهَا النَّب ِ ُّ‬
‫مب َ ّ ِ‬ ‫شاهِدا ً وَ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫سلْنَا َ‬ ‫ي إِنَّا أْر َ‬
‫َ‬ ‫ما أُنزِ َ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫ل فَ َ‬ ‫م تَفْعَ ْ‬ ‫ك وَإِن ل ّ ْ‬ ‫من َّرب ِّ َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ل إِلَي ْ َ‬ ‫ل بَل ِّغْ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫{يَا أيُّهَا الَّر ُ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ه ل َ يَهْدِي الْقَوْ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫س إ ِ َّ‬ ‫ن الن ّا ِ‬
‫م َ َ‬ ‫ك ِ‬ ‫م َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ه يَعْ ِ‬ ‫ه وَالل ّ ُ‬ ‫سالَت َ ُ‬ ‫ت رِ َ‬ ‫بَل ّغْ َ‬
‫ن } المائدة ‪67‬‬ ‫الْكَافِرِ َي َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫دّي ِ‬ ‫ق لِيُظْهَِره ُ ع َلَى ال ِ‬ ‫ح ِّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ه بِالهُدَى وَدِي ِ‬
‫سول َ ُ ْ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫س َ‬ ‫{هُوَ ال ّذِي أْر َ‬
‫ن } التوبة ‪33‬‬ ‫شرِكُو َ‬ ‫م ْ‬ ‫كُل ِّهِ وَلَوْ كَرِه َ ال ْ ُ‬
‫شرا ً وَنَذِيرا ً } الفتح ‪8‬‬
‫َ‬
‫مب َ ّ ِ‬ ‫شاهِدا ً وَ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫سلْنَا َ‬ ‫{إِنَّا أْر َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫دّي ِ‬ ‫ق لِيُظْهَِره ُ ع َلَى ال ِ‬ ‫ح ِّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ه بِالهُدَى وَدِي ِ‬
‫سول َ ُ ْ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫س َ‬ ‫{هُوَ ال ّذِي أْر َ‬
‫شهِيدا ً } الفتح ‪28‬‬ ‫كُل ِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫قّ لِيُظهَِره ُ ع َلى الدِّي ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ه بِالهُدَى وَدِي ِ‬
‫سول َ ُ ْ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫س َ‬ ‫{هُوَ ال ّذِي أْر َ‬
‫ن } الصف ‪9‬‬ ‫شرِكُو َ‬ ‫م ْ‬ ‫كُل ِّهِ وَلَوْ كَرِه َ ال ْ ُ‬
‫ب‬
‫حا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫نأ ْ‬
‫ل عَ َ‬
‫ْ‬ ‫سأ َ ُ‬ ‫شيرا ً َونَذِيرا ً وَل َ ت ُ ْ‬ ‫ق بَ ِ‬ ‫ح ِّ‬ ‫ك بِال ْ َ‬ ‫سلْنَا َ‬ ‫{إِنَّا أْر َ‬
‫َ‬
‫حيم ِ } البقرة ‪119‬‬ ‫ج ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫شرا ً وَنَذِيرا ً } الحزاب ‪45‬‬ ‫شاهِدا ً و‬ ‫سلْنَا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مب َ ّ ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ك َ‬ ‫ي إِنَّا أْر َ‬ ‫{يَا أيُّهَا النَّب ِ ُّ‬
‫َ‬ ‫ن أ ُ َّ‬ ‫َ‬
‫مةٍ إ ِ ّل خَل فِيهَا نَذِيٌر }‬ ‫م ْ‬ ‫شيرا ً َونَذِيرا ً وَإِن ِّ‬ ‫قّ ب َ ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ك بِال ْ َ‬ ‫سلْنَا َ‬ ‫{إِنَّا أْر َ‬
‫فاطر ‪24‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫شرا وَنَذِيرا } الفتح ‪8‬‬ ‫مب َ ّ ِ‬ ‫شاهِدا وَ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫سلنَا َ‬ ‫{إِنَّا أْر َ‬
‫َ‬ ‫{ َ َ‬
‫ك‬‫س َ‬ ‫من نَّفْ ِ‬ ‫سي ِّئَةٍ فَ ِ‬ ‫من َ‬ ‫ك ِ‬ ‫صاب َ َ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ن اللّهِ َو َ‬ ‫م َ‬ ‫سنَةٍ فَ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫صاب َ َ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ّ‬
‫شهِيدا ً } النساء ‪79‬‬ ‫سول ً وَكَفَى بِاللّهِ َ‬ ‫ر‬ ‫س‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫لن‬ ‫ل‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِ ّ ِ َ ُ‬ ‫وَأ ْ َ َ‬
‫ن‬ ‫سل‬ ‫ر‬
‫م فَأَنذِْر{‪ }2‬المدثر‪.‬‬ ‫مدَّثِّر{‪ }1‬قُ ْ‬ ‫}يَا أيُّهَا ال ْ ُ‬
‫َ‬
‫{ك َ َ‬
‫م‬‫م آيَاتِنَا َويَُزكِّيك ُ ْ‬ ‫م يَتْلُو ع َلَيْك ُ ْ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫سول ً ِّ‬ ‫م َر ُ‬ ‫سلْنَا فِيك ُ ْ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫َ‬
‫ن } البقرة‬ ‫مو َ‬ ‫م تَكُونُوا ْ تَعْل َ ُ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫مكُم َّ‬ ‫ة وَيُعَل ِّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ب وَال ْ ِ‬ ‫م الْكِتَا َ‬ ‫مك ُ ُ‬ ‫وَيُعَل ِّ ُ‬
‫‪151‬‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م الذِيَ‬ ‫م ل ِّتَتْلُوَ ع َلَيْهِ ُ‬ ‫م ٌ‬ ‫من قَبْلِهَا أ َ‬ ‫ت ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫مةٍ قَد ْ َ‬ ‫ك فِي أ َّ‬ ‫سلْنَا َ‬ ‫ك أْر َ‬ ‫{كَذَل ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه إِل ّ هُوَ ع َلَي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫ل هُوَ َربِّي ل إِلَـ َ‬ ‫ن قُ ْ‬ ‫مـ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن بِالَّر ْ‬ ‫م يَكْفُُرو َ‬ ‫ك وَهُ ْ‬ ‫حيْنَا إِلَي ْ َ‬ ‫أوْ َ‬
‫َ‬
‫ب} الرعد ‪30‬‬ ‫متَا ِ‬ ‫ت وَإِلَيْهِ َ‬ ‫تَوَك ّل ْ ُ‬
‫شرا ً وَنَذِيراً}‬ ‫ل وما أ َرسلْنا َ َ‬ ‫َ‬
‫مب َ ّ ِ‬ ‫ك إِل ّ ُ‬ ‫قّ نََز َ َ َ ْ َ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫قّ أنَزلْنَاه ُ وَبِال ْ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫{وَبِال ْ َ‬
‫السراء ‪105‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن } النبياء ‪107‬‬ ‫مي َ‬ ‫ة ل ِّلْعَال َ ِ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫ك إ ِ ّل َر ْ‬ ‫سلْنَا َ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫{وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫شرا ً وَنَذِيرا ً } الفرقان ‪56‬‬ ‫مب َ ّ ِ‬ ‫ك إ ِ َّل ُ‬ ‫سلْنَا َ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫{وَ َ‬
‫ن أَكْثََر النَّاس لَ‬ ‫َ‬
‫شيرا َونَذِيرا وَلك ِ َّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫س بَ ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ك إ ِل كَافّ ً‬ ‫ّ‬ ‫سلنَا َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ة لِلن ّا ِ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫{وَ َ‬
‫ن } سبأ ‪28‬‬ ‫مو َ‬ ‫يَعْل َ ُ‬
‫شاهدا ً ع َلَيك ُم ك َ َ‬ ‫َ‬
‫سلْنَا إِلَى فِْرع َوْ َ‬
‫ن‬ ‫ما أْر َ‬ ‫ْ ْ َ‬ ‫سول ً َ ِ‬ ‫م َر ُ‬ ‫سلْنَا إِلَيْك ُ ْ‬ ‫{إِنَّا أْر َ‬
‫سول ً } المزمل ‪15‬‬ ‫َر ُ‬
‫الشهادة للرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة في الكتب‬
‫السماوية وعلي لسان النبياء‬
‫ُ َ‬
‫ل الل ّهِ إِلَيْكُم‬ ‫سو‬ ‫ل إِنِّي َر ُ‬ ‫سَرائِي َ‬ ‫م يَا بَنِي إ ِ ْ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫سى اب ْ ُ‬ ‫عي َ‬ ‫ل ِ‬ ‫{وَإِذ ْ قَا َ‬
‫ْ‬
‫من بَعْدِي‬ ‫ل يَأتِي ِ‬ ‫سو ٍ‬ ‫شرا ً بَِر ُ‬ ‫مب َ ّ ِ‬ ‫ن التَّوَْراةِ َو ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن يَدَيَّ ِ‬ ‫ما بَي ْ َ‬ ‫صدِّقا ً ل ِّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ُّ‬
‫اس م َ‬
‫ن } الصف ‪6‬‬ ‫مبِي ٌ‬ ‫حٌر ُّ‬ ‫س ْ‬ ‫ت قَالُوا هَذ َا ِ‬ ‫جاءهُم بِالْبَيِّنَا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫مد ُ فَل َ َّ‬ ‫َ‬ ‫ح‬
‫هأ ْ‬ ‫ْ ُ ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م‬
‫ماء بَيْنَهُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫شد ّاء ع َلى الكُفّارِ ُر َ‬ ‫هأ ِ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ل اللهِ وَالذِي َ‬ ‫سو ُ‬ ‫مد ٌ َّر ُ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫{ ُّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م فِي‬ ‫ماهُ ْ‬ ‫سي َ‬ ‫ضوَانا ً ِ‬ ‫ن الل ّهِ وَرِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ضل ً ِّ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫جدا ً يَبْتَغُو َ‬ ‫س َّ‬ ‫م ُرك ّعا ً ُ‬ ‫تََراهُ ْ‬
‫َ‬
‫م فِي‬ ‫مثَلُهُ ْ‬ ‫م فِي التَّوَْراةِ وَ َ‬ ‫مثَلُهُ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫جود ِ ذَل ِ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ن أثَرِ ال ُّ‬ ‫م ْ‬ ‫جوهِهِم ِّ‬ ‫وُ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫اْلِن‬
‫ه‬
‫سوقِ ِ‬ ‫ستَوَى ع َلى ُ‬ ‫ستَغْلظ فَا ْ‬ ‫شطأهُ فَآَزَره ُ فَا ْ‬ ‫ج َ‬ ‫خَر َ‬ ‫ل كََزْرٍع أ ْ‬ ‫ِ‬ ‫جي‬‫ِ‬
‫َّ َ‬
‫ملُوا‬ ‫منُوا وَع َ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ه ال ّذِي َ‬ ‫م الْكُفَّاَر وَعَد َ الل ُ‬ ‫ظ بِهِ ُ‬ ‫ب الُّزَّراع َ لِيَغِي َ‬ ‫ج ُ‬ ‫يُعْ ِ‬
‫جرا ً عَظِيما ً }الفتح ‪29‬‬
‫َ‬ ‫منْهُم َّ‬ ‫ال َّ‬
‫مغْفَِرة ً وَأ ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬
‫َ‬
‫مةٍ ث ُ َّ‬
‫م‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ب وَ ِ‬ ‫من كِتَا ٍ‬ ‫ما آتَيْتُكُم ِّ‬ ‫ن لَ َ‬ ‫ميثَاقَ النَّبِيِّي ْ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫خذ َ الل ّ ُ‬ ‫{وَإِذ ْ أ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل أأقَْرْرت ُ ْ‬
‫م‬ ‫ه قَا َ‬ ‫صُرن َّ ُ‬ ‫ن بِهِ وَلَتَن ُ‬ ‫من ُ َّ‬ ‫م لَتُؤ ْ ِ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫صدِّقٌ ل ِّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُّ‬ ‫سو ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫جاءك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫معَكُم‬ ‫شهَدُوا ْ وَأنَا ْ َ‬ ‫ل فَا ْ‬ ‫صرِي قَالُوا ْ أقَْرْرنَا قَا َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫م ع َلَى ذَلِك ُ ْ‬ ‫خذ ْت ُ ْ‬ ‫وَأ َ‬
‫ن }آل عمران ‪81‬‬ ‫َ‬ ‫ن ال ّ‬
‫َ‬ ‫شاهِدِي َ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫ِّ‬
‫مكْتُوبا ً ِ‬ ‫ُ‬
‫م‬‫عندَهُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫جدُون َ ُ‬ ‫ي ال ّذِي ي َ ِ‬ ‫م َّ‬ ‫ي ال ِّ‬ ‫ل النَّب ِ َّ‬ ‫سو َ‬ ‫ن الَّر ُ‬ ‫ن يَتَّبِعُو َ‬ ‫َ‬ ‫{ال ّذِي‬
‫ح ُّ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫منكَرِ وَي ُ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ِ‬ ‫م عَ‬ ‫ف وَيَنْهَاهُ ْ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫مُرهُم بِال ْ َ‬ ‫ل يَأ ُ‬ ‫جي ِ‬ ‫فِي التَّوْ ََراةِ وَالِن ْ ِ‬
‫ل‬‫م وَالَغْل َ َ‬ ‫صَرهُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ضعُ ع َنْهُ ْ‬ ‫ث وَي َ َ‬ ‫خبَآئ ِ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫م َع َلَيْهِ ُ‬ ‫حّرِ ُ‬ ‫ت وَي ُ َ‬ ‫م الط ّيِّبَا ِ‬ ‫ل َ َهُ ُ‬
‫صُروه ُ وَاتَّبَعُوا ْ النُّوَر‬ ‫منُوا ْ بِهِ وَعََّزُروه ُ َون َ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫م فَال ّذِي َ‬ ‫ت ع َلَيْهِ ْ‬ ‫ال َّتِي كَان َ ْ‬
‫ن} العراف ‪157‬‬ ‫حو َ‬ ‫مفْل ِ ُ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ه أُوْلَـئ ِ َ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ال ّذِيَ أُنزِ َ‬
‫" قال موسى‪ :‬رب إني أجد في اللواح أمة هم الخرون‬
‫السابقون يوم القيامة‪ ،‬الخرون في الخلق والسابقون في دخول‬
‫الجنة فاجعلهم أمتي‪ ،‬قال‪ :‬تلك أمة أحمد‪ ،‬قال‪ :‬رب إني أجد في‬
‫اللواح أمة خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون‬
‫عن المنكر ويؤمنون بالله فاجعلهم أمتي‪ ،‬قال‪ :‬تلك أمة أحمد‪،‬‬
‫قال‪ :‬رب إني أجد في اللواح أمة يؤمنون بالكتاب الول والكتاب‬
‫الخر ويقاتلون فضول الضللة حتى يقاتلوا العور الكذاب‬
‫فاجعلهم أمتي‪ ،‬قال‪ :‬تلك أمة أحمد‪ ،‬قال‪ :‬رب إني أجد في‬
‫اللواح أمة أناجيلهم في قلوبهم يقرأونها فاجعلهم أمتي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫تلك أمة أحمد قال رب إني أجد في اللواح أمة صدقاتهم يأكلونها‬
‫في بطونهم ويؤجرون عليها فاجعلهم أمتي‪ ،‬قال‪ :‬تلك أمة أحمد‪،‬‬
‫قال‪ :‬رب إني أجد في اللواح أمة إذا هم أحدهم بحسنة ثم لم‬
‫يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشر أمثالها إلى‬
‫سبعمائة ضعف فاجعلهم أمتي‪ ،‬قال‪ :‬تلك أمة أحمد‪ ،‬قال‪ :‬رب‬
‫إني أجد في اللواح أمة إذا هم أحدهم بسيئة لم تكتب عليه حتى‬
‫يعملها فإن عملها كتبت سيئة واحدة فاجعلهم أمتي‪ ،‬قال‪ :‬تلك‬
‫أمة أحمد‪ ،‬قال‪ :‬رب إني أجد في اللواح أمة هم المستجيبون‬
‫والمستجاب لهم فاجعلهم أمتي‪ ،‬قال‪ :‬تلك أمة أحمد‪ ،‬فألقى‬
‫موسى عليه السلم اللواح وقال‪ :‬رب فاجعلني من أمة أحمد"‬
‫عبد بن حميد وابن حبان‪( .‬قال قتادة‪ :‬وكان من قبلكم إنما‬
‫يقرؤون كتابهم نظًرا فإذا رفعوها لم يحفظوا منه شيئا ولم يعوه‬
‫وإن الله أعطاكم أيتها المة من الحفظ شيئا لم يعطه أحدا من‬
‫المم قبلكم فالله خصكم بها وكرامة أكرمكم بها‪ ،‬وكان من‬
‫قبلكم إذا تصدق بصدقة فقبلت منه بعث الله عليها نارا فأكلتها‬
‫وإن ردت تركت فأكلتها السباع والطير وإن الله أخذ صدقاتكم‬
‫من غنيكم لفقيركم رحمة رحمكم بها وتخفيفا خفف به عنكم)‬
‫تعريف النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه‬
‫" أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر وأول‬
‫شافع وأول مشفع" مسلم وأبو داود‪.‬‬
‫" أنا سيد ولد آدم يوم القيامة‪ ،‬وبيدي لواء الحمد ول فخر‪ ،‬وما‬
‫من نبي يومئذ آدم فمن سواه إل تحت لوائي‪ ،‬وأنا أول من تنشق‬
‫عنه الرض ول فخر" الترمذي وابن ماجة‪.‬‬
‫" أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ول فخر‪ ،‬وأول من تنشق عنه‬
‫الرض‪ ،‬وأول شافع ومشفع‪ ،‬بيدي لواء الحمد تحتي آدم فمن‬
‫دونه" أبو يعلى والطبراني وابن ماجة‪.‬‬
‫" أنا قائد المرسلين ول فخر‪ ،‬وأنا خاتم النبيين ول فخر‪ ،‬وأنا أول‬
‫شافع ومشفع ول فخر" الطبراني‪.‬‬
‫" أنا حبيب الله ول فخر وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ول‬
‫فخر وأنا أول من يحرك بحلق الجنة ول فخر فيفتح الله فيدخلبيها‬
‫ومعي فقراء المؤمنين ول فخر وأنا أكرم الولين ولخرين علي‬
‫الله ول فخر" الدارمي‪.‬‬
‫" أنا النبي ل كذب أنا ابن عبد المطلب" مسلم والبخاري‬
‫والنسائي والطبراني وأحمد‪.‬‬
‫أتي رجل النبي صلى الله عليه وسلم من بين يديه فاستقبلته‬
‫رعدة فقال البني صلى الله عليه وسلم "هون عليك فإني لست‬
‫بملك‪ ،‬إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد" الطبراني‬
‫والحاكم‪.‬‬
‫"خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلي أن ولني‬
‫أبي وأمي" الطبراني‪.‬‬
‫" إن الله عز وجل خلق السموات سبعا فاختار العليا منها‬
‫فسكنها وأسكن سماواته من شاء من خلقه وخلق الخلق فاختار‬
‫نم الخلق بني آدم واختار من بني آدم العرب واختار من العرب‬
‫مضر واختار من مضر قرشيا واختار من قريش بني هاشم‬
‫واختارني من بني هاشم فأنا من خيار إلي خيار‪ ،‬فمن أحب‬
‫العرب فبحبي أحبهم ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم"‬
‫الطبراني‪.‬‬
‫" إن الله خلق خلقه فجعلني من خير خلقه ثم فرقهم فرقتين‬
‫فجعلني من الفرقتين ثم جعلهم فبائل فجعلني من خيرهم قبيلة‬
‫ثم جعلهم بيوتا فجعلني من خيرهم بيتا فأنا خيركم بيتا وخيركم‬
‫نفسا" ابن أبي شيبة‪.‬‬
‫" إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل‪ ،‬واصطفى قريشا من‬
‫كنانة‪ ،‬واصطفى بني هاشم من قريش‪ ،‬واصطفاني من بني‬
‫هاشم‪ ،‬فأنا سيد ولد آدم ول فخر‪ ،‬وأول من تنشق عنه الرض‪،‬‬
‫وأول شافع وأول مشفع" ابن حبان‪.‬‬
‫أحوال المحبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫عن أنس رضي الله عنه قال‪ :‬رأيت النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫والحلق يحلقه وقد أطاف به أصحابه‪ ،‬ما يريدون أن تقع شعرة‬
‫إل في يد رجل‪.‬‬
‫ً‬
‫خرج بلل رضي الله عنه يوما بوضوء رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فإذا بالناس يتدبرون ذلك الوضوء فمن أصاب منه شيئا‬
‫تمسح به ومن لم يصب أخذ من بلل يد صاحبه‪ ،‬ثم خرج النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم فقام الناس وجعلوا يتمسحون بيده‪ ،‬فكانت‬
‫لهم أبرد من الثلج وأطيب من ريح المسك‪.‬‬
‫لما أخرج أهل مكة زيد بن الدثنة رضي الله عنه من الحرم‬
‫ليقتلوه فقال له أبو سفيان بن حرب‪ :‬أنشدك بالله يا زيد أتحب‬
‫أن محمدا الن عندنا نضرب عنقه وأنك الن في أهلك‪ ،‬فقال‬
‫زيد‪ :‬والله ما أحب أن محمدا الن في مكانه الذي هو فيه تصيبه‬
‫شوكة وإني جالس في أهلي‪ ،‬فقال أبو سفيان‪ :‬ما رأيت أحدا‬
‫من الناس يحب أحدا كما يحب أصحاب محمد محمدا ‪.‬‬
‫لما كانت ليلة الغار قال أبو بكر رضي الله عنه‪ :‬يا رسول الله‬
‫دعني أدخل قبلك فإن كان حية أو شيء كانت لي قبلك‪ ،‬قال‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬ادخل" فدخل أبو بكر فجعل يتلمس‬
‫بيديه كلما رأى جحرا أخذ بثوبه فشقه ثم ألقمه الجحر‪ ،‬حتى‬
‫فعل ذلك بثوبه أجمع ‪ .‬فبقي جحر فوضع عقبه عليه‪ ،‬ثم أدخل‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫لما كان يوم أحد وقد انهزم عنه الناس وقف أبو طلحة بين يدي‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم يحميه بترس له‪ ،‬فأشرف النبي‬
‫يريد أن ينظر إلى القوم فقال له أبو طلحة‪ :‬بأبي أنت وأمي يا‬
‫رسول الله ‪،‬ل تشرف يصبك سهم من سهام القوم‪ ،‬نحري دون‬
‫نحرك‪.‬‬
‫في أحد أيضا كان شماس بن عثمان المخزومي رضي الله عنه‬
‫ل يتلفت رسول الله يمينا ول شمال ً إل رآه أمامه يزود عنه‬
‫بسيفه‪ ،‬حتى غشي رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فترس‬
‫بنفسه دونه حتى استشهد رحمه الله ‪ .‬وترس عنه أبو دجانة أيضا‬
‫ًبنفسه فجعل النبل يقع في ظهره وهو منحن على رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬حتى كثر فيه النبل‪.‬‬
‫روي أن امرأة من لنصار(من بني دينار) قتل أبوها وزوجها‬
‫وأخوها يوم أحد ‪ ،‬فقالت‪ :‬ما فعل رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قالوا‪ :‬خيرا هو بحمد الله كما تحبين‪ ،‬فقالت‪ :‬أرونيه حتى‬
‫أنظر إليه‪ ،‬فلما رأته قالت‪ :‬كل مصيبة بعدك تهون ‪.‬‬
‫قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوما للرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬وهو آخذ بيده ‪ :-‬يا رسول الله لنت أحب إلي من‬
‫كل شئ إل نفسي‪ ،‬فقال‪ " :‬ل والذي نفسي بيده حتى أكون أحب‬
‫إليك من نفسك " فقال له عمر‪ :‬فإنه الن والله لنت أحب إلي‬
‫من نفسي‪ .‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪ " :‬الن يا عمر"‪.‬‬
‫كان ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد الحب‬
‫له‪ ،‬قليل الصبر عنه‪ ،‬أتاه يوما وقد تغير لونه‪ ،‬والحزن باد على‬
‫وجهه‪ ،‬فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ " :‬ما غير‬
‫لونك؟" فقال‪ :‬يا رسول الله ما بي مرض أو وجع غير أني إذا لم‬
‫أرك استوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك‪.‬‬
‫كان أسيد بن حضير رضي الله عنه يوما يحدث القوم‬
‫ويضحكهم ‪ ،‬فيضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ويغمزه‬
‫بيده الشريفة في خاصرته استحسانًا لما قال‪ ،‬فقال أسيد‪:‬‬
‫أوجعتني!!‪..‬فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم‪ " :‬اقتص" فقال‪:‬‬
‫يا رسول الله عليك قميص ولم يكن علي قميص‪ ،‬فرفع رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قميصه فقام أسيد واحتضنه وجعل‬
‫يقبله وهو يقول‪ :‬بأبي أنت وأمي يا رسول الله أردت هذا‪.‬‬
‫لما أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أبي أيوب‬
‫النصاري‪ ،‬كان يصنع له العشاء وينتظر حتى يفرغ منه رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فيأكل منه هو وزوجته‪ ،‬متيممين موضع‬
‫يده ابتغاء بركته صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫كان أبو أيوب النصاري رضي الله عنه شديد الحب والحرص‬
‫على رسول الله ‪ ،‬فحين رجع صلى الله عليه وسلم من غزوة‬
‫خيبر ومعه أم المؤمنين صفية‪ ،‬رضي الله عنها وقد كانت يهودية‬
‫أسرت ثم أعتقها الرسول صلى الله عليه وسلم وتزوجها فبات‬
‫حا سيفه يحرس الرسول ويطوف‬ ‫أبو أيوب تلك الليلة كلها متوش ً‬
‫بقبته خوفا منها (أي أم المؤمنين)‪.‬‬
‫بعد أن ذهب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق العلى‪،‬‬
‫أبى بلل أن يؤذن لحد بعده‪ ،‬وقد توسل المسلمون إليه مرة أن‬
‫يؤذن لهم‪ ،‬فلم يكن ينطق أشهد أن محمدا رسول الله حتى‬
‫يختفي صوته تحت وقع أساه‪ ،‬وتغلبه دموعه وعبراته‪ ،‬وقد بكى‬
‫الصحابة يومها كما لم يبكوا من قبل‪.‬‬
‫أصاب خالد بن الوليد رضي الله عنه في حجة الوداع شعرات‬
‫من رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فجعلها في قلنسوة له‬
‫وأصبحت هذه القلنسوة ل تفارقه أينما ذهب‪.‬‬
‫كانت أم سليم رضي الله عنها ترقب رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم حتى ينام‪ ،‬ويعرق على بساط لها فتسرع لجمع‬
‫قطرات هذا العرق الشريف‪ ،‬فتمزجه في طيبها‪ ،‬تبتغي بذلك‬
‫بركته صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪ " :‬ل يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده‬
‫والناس أجمعين" البخاري‪.‬‬
‫من علمات محبته النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ -1‬القتداء به والتخلق بأخلقه وحب سنته والعمل علي تطبيقها‪.‬‬
‫‪ -2‬حب آل بيته وصحابته ‪.‬‬
‫‪ -2‬نصرة دين الله بالقول والفعل‪.‬‬
‫‪ -3‬كثرة الصلة عليه صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -4‬كثرة الشوق إلى لقاءه‪.‬‬
‫‪ -5‬العمل على إحياء سنته و قراءة سيرته وأحاديثه والهتداء بها‪.‬‬
‫‪ -6‬الدعوة إلي الله علي بصيرة‪ ،‬وبالحكمة والموعظة الحسنة‬
‫مهتدين بسنته‪.‬‬
‫نسأل الله أن يرزقنا حبه وحب رسوله وحب عمل صالح يقربنا‬
‫إليه تعالى‪.‬‬
‫أ‪.‬د جاد المولى عبد العزيز جاد‪ -‬أستاذ بطب المنصورة‬

‫ن النبي عند المسلمين‪[ :‬حديث صلح الحديبية]‬ ‫‪ -42‬شأ ُ‬


‫د‪ /‬السيد العربى بن كمال‬
‫الحمد لله وكفى وسلم على عباده الذين اصطفى‪.......‬وبعد‪:‬‬
‫ن الُّزبَي ْ ِ‬
‫ر‬ ‫* أخرج البخاري في كتاب الشروط من حديث‪:‬عُْروَة ُ ب ْ ُ‬
‫ث‬‫حدِي َ‬ ‫ما َ‬ ‫دّقُ ك ُ ُّ‬ ‫ن ال ْ ِ‬
‫من ْ ُه َ‬‫حد ٍ ِ‬
‫َّ‬
‫ل وَا ِ‬
‫َ‬
‫ص ِ‬ ‫َ‬ ‫ن يُ‬
‫َ‬
‫مْروَا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ةو‬ ‫م َ‬
‫َ‬ ‫خَر‬‫م ْ‬
‫َ‬ ‫ن‬‫ِ‬ ‫سوَرِ ب ْ‬ ‫م ْ‬ ‫عَ ْ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫م َز َ‬ ‫سل َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ج َر ُ‬‫خَر َ‬ ‫حبِهِ قَاَل َ‬ ‫صا ِ‬ ‫َ‬
‫حدَيْبِيَةِ‪{..‬وهي بئر سمي المكان بها‪ ,‬وقيل شجرة حدباء صغرت‬ ‫ال ْ ُ‬
‫وسمي المكان بها‪ .‬وقال المحب الطبري‪ .‬الحديبية قرية قريبة‬
‫َ‬
‫ض الط ّرِيق‪{..‬في‬ ‫حت ّى إِذ َا كَانُوا بِبَعْ ِ‬
‫من مكة أكثرها في الحرم}‪َ َ ..‬‬
‫رواية‪ :‬حتى إذا كانوا بغدير الشطاط قريبا من عسفان‪ ..‬وهو‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫خالِد َ ب ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م إ ِ َّ‬ ‫سل ّ َ‬‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ل النَّب ِ ُّ‬ ‫جانب الوادي}‪ .ِ .‬قَا َ‬
‫ل‬
‫خي ْ ٍ‬‫ميمِ‪{..‬وهو موضع بين مكة والمدينة}‪ ..‬فِي َ‬ ‫الْوَلِيد ِ بِالْغَ ِ‬
‫َ‬
‫حتَّى‬ ‫خالِد ٌ َ‬ ‫م َ‬ ‫شعََر بِهِ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ن‪ ,‬فَوَ الل ّهِ َ‬ ‫مي ِ‬ ‫ت الْي َ ِ‬ ‫خذ ُوا ذ َا َ‬ ‫ة فَ ُ‬ ‫ش طَلِيعَ ٌ‬ ‫لِقَُري ْ ٍ‬
‫الغبار السو}‪ َ ِ..‬فَانْطَلَقَ يَْرك ُ ُ‬
‫ض‬
‫َ‬
‫جيْش‪{..‬القترة‬
‫َ‬
‫م بِقَتََرةِ ال ْ َ‬ ‫إِذ َا هُ ْ‬
‫ن‬‫حتَّى إِذ َا كَا َ‬ ‫م َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ساَر النَّب ِ ُّ‬ ‫ش وَ َ‬ ‫نَذِيًرا لِقُ ََري ْ ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫ح ْ‬ ‫س َ‬ ‫ل َالن ّا ُ‬ ‫ه فَقَا َ‬ ‫حلت ُ ُ‬ ‫ه َرا ِ‬ ‫ت بِ ِ‬ ‫منْهَا بََرك َ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫بِالث ّنِيَّةِ ال ّتِي يُهْب َط ع َليْهِ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫حت‪{..‬أي‬ ‫ل‪{..‬كلمة تقال للناقة للزجر إذا تركت السير}‪ ..‬فَأل َ َّ‬ ‫ح ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫خَل ْ‬
‫ت‬ ‫صوَاءُ َ‬ ‫ت الْقَ ْ‬ ‫خَل ْ‬ ‫تمادت على عدم القيام }ْ فَقَالُوا َ‬
‫ه‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ل النَّب ِ ُّ‬ ‫صوَاءُ‪{..‬والخلء للبل كالحران للخيل}‪ ..‬فَقَا َ‬ ‫ْ‬ ‫الْقَ‬
‫ع َلَيْهِ وسل َّم ما َ َ‬
‫سهَا‬ ‫حب َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ق وَلَك ِ ْ‬ ‫خل ٍ‬
‫ك لَهَا ب ِ ُ ُ‬ ‫ما ذ َا َ‬ ‫صوَاءُ وَ َ‬ ‫ت الْقَ ْ‬ ‫خَل ْ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫ل‪{..‬أي حبسها الله عز وجل عن دخول مكة كما‬ ‫س الْفِي ِ‬ ‫حاب ِ ُ‬ ‫َ‬
‫حبس الفيل عن دخولها‪ ..‬ومناسبة ذكرها أن الصحابة لو دخلوا‬
‫مكة على تلك الصورة وصدهم قريش عن ذلك لوقع بينهم قتال‬
‫قد يفضي إلى سفك الدماء ونهب الموال كما لو قدر دخول‬
‫الفيل وأصحابه مكة‪ ,‬لكن سبق في علم الله تعالى في‬
‫الموضعين أنه سيدخل في السلم خلق منهم‪ ,‬ويستخرج من‬
‫أصلبهم ناس يسلمون ويجاهدون‪ ,‬وكان بمكة في الحديبية جمع‬
‫كثير مؤمنون من المستضعفين من الرجال والنساء والولدان‪,‬‬
‫فلو طرق الصحابة مكة لما أمن أن يصاب ناس منهم بغير عمد‬
‫كما أشار إليه تعالى في قوله‪( :‬ولول رجال مؤمنون) الية‪..‬‬
‫وفي هذه القصة جواز التشبيه من الجهة العامة وإن اختلفت‬
‫الجهة الخاصة‪ ,‬لن أصحاب الفيل كانوا على باطل محض‬
‫وأصحاب هذه الناقة كانوا على حق محض‪ ,‬لكن جاء التشبيه من‬
‫جهة إرادة الله منع الحرم مطلقا‪ ,‬أما من أهل الباطل فواضح‪,‬‬
‫َ‬
‫ل‪ :‬وَال ّذِي‬ ‫م قَا َ‬ ‫وأما من أهل الحق فللمعني الذي تقدم ذكره‪ ..}.‬ث ُ َ‬
‫ّ َّ َّ‬ ‫َ‬ ‫ن ْفسي بيده َل ي َ‬
‫ت اللهِ إ ِل‬ ‫ما ِ‬ ‫حُر َ‬ ‫ن فِيهَا ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ة يُعَظ ِّ ُ‬ ‫خط ّ ً‬ ‫سألُونِي ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫َِ ِ ِ‬ ‫َ ِ‬
‫م إِي ّاهَا‪{..‬قال الخطابي‪ :‬معني تعظيم حرمات الله في‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أع ْطيْتُهُ ْ‬
‫هذه القصة ترك القتال في الحرم‪ ,‬والجنوح إلى المسالمة‬
‫م‪{..‬‬ ‫ل ع َنْهُ ْ‬ ‫ل فَعَد َ َ‬ ‫ت قَا َ‬ ‫جَرهَا فَوَثَب َ ْ‬ ‫م َز َ‬ ‫والكف عن إراقة الدماء‪ ..}.‬ث ُ َّ‬
‫َ‬
‫مدٍ‬ ‫حدَيْبِيَةِ ع َلَى ث َ َ‬ ‫صى ال ْ ُ‬ ‫ل بِأقْ َ‬ ‫حتَّى نََز َ‬ ‫في رواية فولى راجعا}‪َ ..‬‬
‫ه النَّا ُ‬
‫س‬ ‫ض ُ‬ ‫ماء‪{..‬أي حفيرة فيها ماء مثمود أي قليل }ِيَتَبََّر ُ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫قَلِي ِ‬
‫س‪ {..‬أي لم يتركوه‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫النَّا ُ‬ ‫َ‬ ‫م يُلَبِّث ْ ُ‬
‫ه‬ ‫ضا‪{..‬هو الخذ قليل قليلً}‪ ..‬فَل َ ْ‬ ‫تَبَُّر ً‬
‫ه ع َلَيْهِ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ي إِلَى َر ُ‬ ‫شك ِ َ‬ ‫حوه ُ وَ ُ‬ ‫حتَّى نََز ُ‬ ‫يلبث}‪َ ..‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جعَلُوهُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫مَرهُ ْ‬ ‫مأ َ‬ ‫ن كِنَانَتِهِ ث ُ َّ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫س ْه ً‬ ‫ش فَانْتََزع َ َ‬ ‫م الْعَط َ ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ه‪{..‬وفى رواية‪ :‬أنه صلى الله عليه وسلم جلس على البئر ثم‬ ‫فِي ِ‬
‫دعا بإناء فمضمض ودعا الله ثم صبه فيها ثم قال‪ :‬دعوها ساعة‪.‬‬
‫َ‬
‫حتَّى‬ ‫ي َ‬ ‫م بِالّرِ ِ ّ‬ ‫ش لَهُ ْ‬ ‫جي ُ‬ ‫ل يَ ِ‬ ‫ما َزا َ‬ ‫ثم أنهم ارتووا بعد ذلك}‪ ..‬فَوَ الل ّهِ َ‬
‫ه‪ {..‬أي رجعوا رواء بعد وردهم‪ .‬زاد ابن سعد " حتى‬ ‫صدَُروا ع َن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫اغترفوا بآنيتهم جلوسا على شفير البئر "}‪..‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ي فِي نَفَرٍ ِ‬ ‫ع ُّ‬ ‫خَزا ِ‬ ‫ن وَْرقَاءَ ال ْ ُ‬ ‫ل بْ ُ‬ ‫جاءَ بُدَي ْ ُ‬ ‫ك إِذ ْ َ‬ ‫م كَذَل ِ َ‬ ‫ما هُ ْ‬ ‫فَبَيْن َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه ع َلَيْهِ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫صِح َر ُ‬ ‫ة نُ ْ‬ ‫ة وَكَانُوا ع َيْب َ َ‬ ‫خَزاع َ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫مهِ ِ‬ ‫قَو ِ‬
‫ْ َّ‬
‫م‪{..‬والعيبة‪ :‬ما توضع فيه الثياب لحفظها أي أنهم موضع‬ ‫سل َ‬ ‫وَ َ‬
‫النصح له والمانة على سره‪ ,‬كأنه شبه الصدر الذي هو مستودع‬
‫خزاعة‬ ‫السر بالعيبة التي هي مستودع الثياب‪..‬وفى رواية‪ :‬وكانت ُ‬
‫ع َيبَة رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلُمها ومشركُها ل‬
‫ة‪{..‬وتِهامة بالكسر‬ ‫م َ‬ ‫يخفون عليه شيئا ً كان بمكة }‪ ..‬م َ‬
‫ل تِهَا َ‬ ‫ن أه ْ ِ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫مَر ب ْ َ‬ ‫ي وَعَا ِ‬ ‫ُ‬
‫ن لؤ َ ٍ ّ‬ ‫ب بْ َ‬ ‫ت كعْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ل إِنِّي تََرك ُ‬ ‫هي مكة وما حولها}‪ ..‬فَقَا َ‬
‫مع ترجعُ‬ ‫لُؤ َي‪{..‬ذ َكر هَذين لكون قريش الذين كانوا بمكة أج َ‬
‫َ‬
‫حدَيْبِيَةِ‪{..‬العداد بالفتح جمع‬ ‫ميَاهِ ال ْ ُ‬ ‫أنسابُهم إليهما}‪..‬نََزلُوا أعْدَاد َ ِ‬
‫م‬‫معَهُ ْ‬ ‫عد بالكسر والتشديد وهو الماء الذي ل انقطاع له}‪َ ..‬و َ‬ ‫ِ‬
‫مطَافِيل‪{..‬العوذ بالضم جمع عائذ وهي الناقة ذات اللبن‪,‬‬ ‫الْعُوذ ُ ال ْ َ‬
‫والمطافيل المهات اللتي معها أطفالها‪ ,‬يريد أنهم خرجوا معهم‬
‫بذوات اللبان من البل ليتزودوا بألبانها ول يرجعوا حتى يمنعوه‪,‬‬
‫أو كنى بذلك عن النساء معهن الطفال‪ ,‬والمراد أنهم خرجوا‬
‫منهم بنسائهم وأولدهم لرادة طول المقام وليكون أدعى إلى‬
‫ُ َّ‬
‫سول اللهِ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ت فَقَا َ‬ ‫ن الْبَي ْ ِ‬ ‫ك عَ ْ‬ ‫صادُّو َ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫مقَاتِلُو َ‬ ‫م َُ‬ ‫الفرار}‪..‬وَهُ ْ‬ ‫عدم‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫مرِي َ‬ ‫معْت َ ِ‬ ‫جئْنَا ُ‬ ‫حد ٍ وَلَكِنَّا ِ‬ ‫لأ َ‬ ‫قتَا ِ‬ ‫ئ لِ ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫م نَ ِ‬ ‫م‪ :‬إِنَّا ل َ ْ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫مادَدْتُهُ ْ‬ ‫شاءُوا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م فَإ ِ ْ‬ ‫ت بِهِ ْ‬ ‫ضَّر ْ‬ ‫ب وَأ َ‬ ‫حْر ُ‬ ‫م ال َ‬ ‫شا قَد ْ نَهِكتْهُ ْ‬ ‫ن قَُري ْ ً‬ ‫وَإ ِ ّ‬
‫مدَّةً‪ {..‬أي جعلت بيني وبينهم مدة يُترك الحرب بيننا وبينهم‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن أظْهَر‪{..‬وإنما ردد المر مع‬ ‫س فَإ ِ ْ‬ ‫ن الن ّا ِ‬
‫خل ّوا بَيْنِي وَبَي ْ َ َ‬ ‫فيها}‪ ..‬وَي ُ َ‬
‫أنه جازم بأن الله تعالى سينصره ويظهره لوعد الله تعالى له‬
‫بذلك‪ ,‬على طريق التنزل مع الخصم وفرض المر على ما زعم‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫س فَعَلُوا وَإ ِل‬ ‫ل فِي َهِ النَّا ُ‬ ‫خ َ‬ ‫ما د َ َ‬ ‫خلُوا فِي َ‬ ‫ن يَد ْ ُ‬ ‫شاءُوا أ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫الخصم }‪ ْ..‬فَإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫سي بِيَدِهِ‬ ‫م أبَوْا فَوَال ّذِي نَفْ ِ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫موا‪ {..‬أي استراحوا}‪ ..‬وَإ ِ ْ‬ ‫ج ُّ‬ ‫فَقَد ْ َ‬
‫َ‬ ‫َلُقَاتِلَنَّه‬
‫سالِفَتِي‪ {..‬السالفة صفحة‬ ‫حتَّى تَنْفَرِد َ َ‬ ‫مرِي هَذ َا َ‬ ‫ْ‬ ‫م ع َلَى أ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ن الل َّ َ‬
‫مَره"ُ‪.‬‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫فذ َ َّ‬ ‫العنق‪ ,‬وكنى بذلك عن القتل}‪ ..‬وَلَيُن ْ ِ‬
‫حتَّى أتَى قَُري ْ ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫شا قَا َ‬
‫ل‬ ‫ل‪ :‬فَانْطَلَقَ َ‬ ‫ل قَا َ‬ ‫ما تَقُو ُ‬ ‫م َ‬ ‫سأبَل ِّغُهُ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ل بُدَي ْ ٌ‬ ‫فَقَا َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫مأ ْ‬ ‫شئْت ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ل قَوًْل فَإ ِ ْ‬ ‫معْنَاه ُ يَقُو ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ن هَذ َا الَّر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جئْنَاك ُ ْ‬ ‫إِنَّا قَد ْ ِ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫خبَِرنَا ع َن ْ ُ‬ ‫ن تُ ْ‬ ‫ة لَنَا أ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫حا َ‬ ‫م َل َ‬ ‫سفَ َهاؤُهُ ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫م فَعَلْنَا فَقَا َ‬ ‫ه ع َلَيْك ُ ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫نَعْرِ َ‬
‫ل‪ ,‬قَا َ‬ ‫ْ‬
‫ه‬
‫معْت ُ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ل َ‬
‫َ‬
‫ه يَقُو ُ‬
‫َ‬ ‫مَعْت َ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ت َ‬ ‫م هَا ِ‬ ‫منْهُ ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫ل ذ َوُو الَّرأ ِ‬ ‫يءٍ وَقَا َ‬ ‫ش ْ‬ ‫بِ َ‬
‫م فَقَا َ‬
‫م‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ل النَّب ِ ُّ‬ ‫ما قَا َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫حدَّثَهُ ْ‬ ‫ل كَذ َا وَكَذ َا فَ َ‬ ‫يَقُو ُ‬
‫م بِالْوَالِد ِ قَالُوا بَلَى قَا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ست ُ ْ‬ ‫ل أيْ قَوْم ِ أل َ ْ‬ ‫س ُعود ٍ فَقَا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫عُْروَة ُ ب ْ ُ‬
‫ت بِالْوَلَد‪{..‬يعنى أنتم أهلى وأبائى وفيكم أبنائى}ِ قَالُوا بَلَى‬ ‫َ‬
‫س ُ‬ ‫أوَل َ ْ‬
‫ت أَهْ َ‬
‫ل‬ ‫ستَنْفَْر ُ‬ ‫ن أنِّي ا ْ‬
‫ل أَل َستم تعل َمو َ‬
‫ْ ُ ْ َْ ُ َ‬ ‫مونِي قَالُوا َل قَا َ‬ ‫ل تَتَّهِ ُ‬ ‫ل فَهَ ْ‬ ‫قَا َ‬
‫َ َ َ َّ‬ ‫ع ُكَا َ‬
‫حوا‪ {..‬أي‬ ‫ما بَل ُ‬ ‫ظ‪ {..‬أي دعوتهم إلى نصركم}‪ ..‬فل ّ‬
‫ن أطَاع َنِي قَالُوا بَلَى قَا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫م ْ‬ ‫م بِأهْلِي وَوَلَدِي َو َ‬ ‫جئْتُك ُ ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫امتنعوا}‪..‬ع َل َ َّ‬
‫َ‬
‫شدٍ‪ {..‬أي خصلة خير وصلح‬ ‫ة ُر ْ‬ ‫خط ّ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ض لَك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ن هَذ َا قَد ْ عََر‬ ‫فَإ ِ َّ‬
‫م النَّب ِ َّ‬ ‫َ‬
‫ي‬ ‫ل َيُكَل ِّ ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫وإنصاف} اقْبَلُوهَا وَدَعُونِي آتِيهِ قَالُوا ائْتِهِ فَأتَاه ُ فَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫حوًا ِ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ل النَّب ِ ُّ‬
‫ي‬ ‫م فَقَا َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ح َّ‬ ‫َ‬ ‫عنْد َ ذَل ِ َ‬ ‫ل فَقَا َ‬
‫ت‬ ‫صل َ‬ ‫ستَأ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ت إِ ْ‬ ‫مد ُ أَرأي ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ك أيْ ُ‬ ‫ل عُْروَة ُ ِ‬
‫َ‬ ‫قَوْلِهِ لِبُدَي ْ ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‪ {..‬أي أهلك‬ ‫ح أهْل َ ُ‬ ‫جتَا َ‬ ‫با ْ‬ ‫ن الْعََر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫حد ٍ ِ‬ ‫ت بِأ َ‬ ‫معْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ك هَ ْ‬ ‫م َ‬ ‫مَر قَوْ ِ‬ ‫أ ْ‬
‫خَرى‪{..‬والمعني وإن تكن‬ ‫ن اْل ُ ْ‬ ‫ن تَك ُ ِ‬ ‫ك‪ ,‬وَإ ِ ْ‬ ‫أهله بالكلية}‪ ..‬قَبْل َ َ‬
‫الغلبة لقريش ل آمنهم عليك مثل‪ --‬والحاصل أن عروة ردد المر‬
‫بين شيئين غير مستحسنين عادة وهو هلك قومه إن غلب‪,‬‬
‫وذهاب أصحابه إن غلب‪ ,‬لكن كل من المرين مستحسن شرعا‬
‫كما قال تعالى‪ ( :‬قل هل تربصون بنا إل إحدى الحسنيين)الية}‪..‬‬
‫جوهًا وَإِنِّي َلََرى أَوْ َ‬ ‫َ‬
‫ن النَّاس‪{..‬أى‬ ‫م ْ‬ ‫شابًا ِ‬ ‫فَإِنِّي وَالل ّهِ َلََرى وُ ُ‬
‫ه أَبُو‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫ك فَقَا َ‬ ‫ن يَفُِّروا وَيَدَع ُو َ‬ ‫َ‬
‫خلِيقًا أ ْ‬ ‫الخلط من أنواع شتى }‪َ ِ..‬‬
‫ص بِبَظْرِ اللّت‪ {..‬في قول أبي بكر تخسيس‬ ‫ص ْ‬ ‫م ُ‬ ‫صدِّيقُ ا ْ‬ ‫بَكْرٍ ال ِّ‬
‫للعدو وتكذيبهم‪..‬وإن كان مما يستفحش‪ ,‬وحمله على ذلك ما‬
‫َ‬
‫ن نَفُِّر ع َن ْ ُ‬
‫ه‬ ‫ح ُ‬ ‫أغضبه به من نسبة المسلمين إلى الفرار }ِ‪ ..‬أن َ ْ‬
‫َ‬
‫سي بِيَدِهِ لَوَْل‬ ‫ل من ذ َا قَالُوا أَبو بكْر قَا َ َ‬
‫ما وَال ّذِي نَفْ ِ‬ ‫لأ َ‬ ‫ُ َ ٍ‬ ‫ه فَقَا َ َ ْ‬ ‫وَنَدَع ُ ُ‬
‫يَد‪ {..‬أي نعمة‪..‬وهى انه كان قد تحمل بدية فأعانه أبو بكر فيها‬
‫عندي ل َ َ‬
‫ك‪ {..‬أي لم‬ ‫جبْت ُ َ‬ ‫ك بِهَا َل َ َ‬ ‫جزِ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ك ِ ْ ِ‬ ‫ت لَ َ‬ ‫بعون حسن }‪ ٌ..‬كَان َ ْ‬
‫أكافئك بها‪ ..‬أي جازاه بعدم إجابته عن شتمه بيده التي كان‬
‫أحسن إليه بها}‪..‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خذَ‬ ‫مأ َ‬ ‫ما تَكَل ّ َ‬ ‫م فَكُل ّ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫م النَّب ِ َّ‬ ‫ل يُكَل ِّ ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫قَا َ‬
‫حيَتِهِ‪{..‬وفى رواية‪ :‬فكلما كلمه أخذ بلحيته"‪ ..‬وكانت عادة‬ ‫بِل ِ ْ‬
‫العرب أن يتناول الرجل لحية من يكلمه ول سيما عند الملطفة‬
‫وفي الغالب إنما يصنع ذلك النظير بالنظير‪ ,‬لكن كان النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم يغضي لعروة عن ذلك استمالة له وتأليفا}‪..‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ة قَائ ِم ع َلَى ْ‬
‫م‬ ‫سل َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫س النَّب ِ ِ ّ‬ ‫رأ َِ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫شعْب َ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫مغِيَرة ُ ب ْ ُ‬ ‫وَال ْ ُ‬
‫َ‬
‫ة‬
‫حي َ ِ‬ ‫ما أهْوَى عُْروَة ُ بِيَدِهِ إِلَى ل ِ ْ‬ ‫مغْفَ َُر فَكُل ّ َ‬ ‫ف وَع َلَيْهِ ال ْ ِ‬ ‫سي ْ ُ‬ ‫ه ال َّ‬ ‫معَ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ف‪ {..‬وهو ما‬ ‫سي ْ ِ‬ ‫ل ال َّ‬ ‫ب يَدَه ُ بِنَعْ ِ‬ ‫ضَر َ‬ ‫م َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫النَّب ِ ِ ّ‬
‫ن‬
‫ك عَ ْ‬ ‫خْر يَد َ َ‬ ‫ه أ َ ِّ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫يكون أسفل القراب من فضة أو غيرها}‪..‬وَقَا َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ه فَقَا َ‬ ‫س ُ‬ ‫م فََرفَعَ عُْروَة ُ َرأ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫حيَةِ َر ُ‬ ‫لِ ْ‬
‫شعْبَة‪ {..‬وفى رواية‪ :‬قال‪ :‬هذا ابن‬ ‫ن ُ‬ ‫مغِيَرة ُ ب ْ ُ‬ ‫ن هَذ َا؟ قَالُوا ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ل أيْ غدَُر‪ {..‬مبالغة في وصفه‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫} فقَا َ‬ ‫َ‬ ‫أخيك المغيرة بن شعبة َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫ب قَوْ ً‬ ‫ح َ‬ ‫ص ِ‬ ‫م َغِيَرة ُ َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ك وَكَا َ‬ ‫سعَى فِي غَدَْرت ِ َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫بالغدر}‪ ..‬أل َ ْ‬
‫في ال ْجاهلِيَة فَقَتلَهم وأ َ َ َ‬
‫م‪{ ..‬أشار عروة‬ ‫سل َ َ‬ ‫جاءَ فَأ ْ‬ ‫م َ‬ ‫م ث ُ َّ‬ ‫موَالَهُ ْ‬ ‫خذ َ أ ْ‬ ‫َ ُ ْ َ‬ ‫َ ِ ّ ِ‬ ‫ِ‬
‫بهذا إلى ما وقع للمغيرة قبل إسلمه‪ ,‬وذلك أنه خرج مع ثلثة‬
‫عشر نفًرا من ثقيف من بني مالك فغدر بهم وقتلهم وأخذ‬
‫أموالهم‪ ,‬فتهايج الفريقان بنو مالك والحلف رهط المغيرة‪,‬‬
‫فسعى عروة بن مسعود عم المغيرة حتى أخذوا منه دية ثلثة‬
‫ما‬ ‫سلَّم‪ َ:‬أ َّ‬
‫َ‬
‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬
‫َ‬
‫صل ّى الل ّ ُ‬
‫َ‬
‫ي َ‬ ‫ل النَّب ِ ُّ‬ ‫عشر نفسا واصطلحوا}‪ ..‬فَقَا َ‬
‫يءٍ‪{ ..‬أي ل أتعرض‬ ‫ش ْ‬ ‫ه فِي َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ل فَل َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ما ال ْ َ‬ ‫ل وَأ َ َّ‬ ‫م فَأَقْب َ ُ‬ ‫سَل َ‬ ‫اْل ِ ْ‬
‫له لكونه أخده غدرا‪ --‬ويستفاد منه أنه ل يحل أخذ أموال الكفار‬
‫في حال المن غدرا لن الرفقة يصطحبون على المانة والمانة‬
‫ح ُ‬
‫ل‬ ‫تُؤ َدى إلى أهلها مسلما كان أو كافرا‪ ,‬وأن أموال الكفار إنما ت ِ‬
‫بالمحاربة والمغالبة‪ ,‬ولعل النبي صلى الله عليه وسلم ترك المال‬
‫م إ ِ َّ‬
‫ن‬ ‫مه فيُرد إليهم أموالهم }‪ ..‬ث ُ َّ‬ ‫في يده لمكان أن يُسلم قو ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه ع َلَيْهِ‬ ‫صل ّى َ الل ّ ُ‬ ‫يَ َ‬ ‫ب َالنَّب ِ ِ ّ‬ ‫حا َ‬ ‫ص َ‬ ‫أي يلحظ}‪ ..‬أ ْ‬ ‫مقُ‪{..‬‬ ‫ل يَْر ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫عُْروَة َ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬
‫ه ع َليْهِ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫م َر ُ‬ ‫خ َ‬ ‫ما تَن َ ّ‬ ‫ل فَو اللهِ َ‬ ‫م بِعَيْنَيْهِ قَا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سل‬ ‫وَ َ‬
‫ه‬
‫جهَ ُ‬ ‫ك ب ِ َها وَ ْ‬ ‫م فَدَل َ َ‬ ‫منْهُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ف َر ُ‬ ‫ت فِي ك َ ِ ّ‬ ‫ة إ ِ ّل وَقَعَ ْ‬ ‫م ً‬ ‫خا َ‬ ‫م نُ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫جلْدَهُ‪{..‬وفى رواية" ول يسقط من شعره شيء إل أخدوه "}‬ ‫وَ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ضوئِهِ‬ ‫ن ع َلى وَ ُ‬ ‫ضأ كَادُوا يَقْتَتِلو َ‬ ‫و ّ‬ ‫مَره ُ وَإِذ َا ت َ َ‬ ‫م ابْتَدَُروا أ ْ‬ ‫م ََرهُ ْ‬ ‫وَإِذ َا أ َ‬
‫َ‬
‫ن‪ {..‬أي يديمون}‪..‬‬ ‫حدُّو َ‬ ‫ما ي ُ ِ‬ ‫عنْدَه ُ وَ َ‬ ‫م ِ‬ ‫صوَاتَهُ ْ‬ ‫ضوا أ ْ‬ ‫خفَ ُ‬ ‫م َ‬ ‫وَإِذ َا تَكَل ّ َ‬
‫ه‪{..‬ولعل الصحابة فعلوا ذلك بحضرة عروة‬ ‫ما ل َ ُ‬ ‫إِلَيْهِ النَّظََر تَعْظِي ً‬
‫وبالغوا في ذلك إشارة منهم إلى الرد على ما خشيه من‬
‫فرارهم‪ ,‬وكأنهم قالوا بلسان الحال‪ :‬من يحب إمامه هذه المحبة‬
‫ويعظمه هذا التعظيم كيف يظن به أنه يفرعنه ويسلمه لعدوه ؟‬
‫بل هم أشد اغتباطًا به وبدينه وبنصره من القبائل التي يُراعي‬
‫حم}‪..‬‬ ‫ضها بعضا بمجرد الر ِ‬ ‫بع ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت ع َلَى‬ ‫ل أيْ قَوْم ِ وَالل ّهِ لَقَد ْ وَفَد ْ ُ‬ ‫حابِهِ فَقَا َ‬ ‫ص َ‬ ‫جعَ عُْروَة ُ إِلَى أ ْ‬ ‫فََر َ‬
‫ي‪{..‬وذكر الثلثة‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ش‬
‫جا ِ‬ ‫سَرى وَالن َّ َ‬ ‫صَر وَك ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ت ع َلَى قَي ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك وَوَفَد ْ‬ ‫ملُو ِ‬ ‫ُ‬ ‫ال ْ‬
‫ً َ ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ط‬ ‫ملِكا ق‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ُ‬ ‫ن َرأي ْ‬ ‫لكونهم كانوا أعظم ملوك ذلك الزمان}‪..‬وَالل ّهِ إ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫يعظ ّمه أ َصحابه ما يعظ ّم أ َ‬
‫سل ّ َ‬
‫م‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫مد ٍ َ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ب ُ‬ ‫حا ُ‬
‫َ‬
‫ص َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ ِ ُ ُ َْ َ ُ ُ َ ُ َ ِ ُ‬
‫ك‬‫م فَدَل َ‬ ‫َ‬ ‫منْهُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج ٍَ‬ ‫ف َر ُ‬ ‫ت فِي ك ِ ّ‬‫َ‬ ‫ة إ ِل وَقَعَ ْ‬ ‫ّ‬ ‫م ً‬ ‫خا َ‬ ‫م نُ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ن تَن َ َّ‬ ‫مدًا وَالل ّهِ إ ِ ْ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ضأ كادُوا يَقْتَتِلو َ‬ ‫مَره ُ وَإِذ َا تَوَ ّ‬ ‫م ابْتَدَُروا أ ْ‬ ‫مَرهُ ْ‬ ‫جلدَهُ وَإِذ َا َ أ َ‬ ‫ه وَ ِ‬ ‫جهَ ُ‬ ‫ب ِ َها وَ ْ‬
‫َ‬
‫ن إِلَي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫حدُّو َ‬ ‫ما ي ُ ِ‬ ‫عن ْ َدَه ُ وَ َ‬ ‫م ِ‬ ‫صواتَهُ ْ‬ ‫ضوا أ ْ َ‬ ‫خ َف ُ‬ ‫م َ‬ ‫ضوئِهِ وَإِذ َا تَكَل ّ َ‬ ‫ع َلَى وَ ُ‬
‫شدٍ‬ ‫ة ُر ْ‬ ‫خط ّ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ض ع َلَيْك ُ ْ‬ ‫ه قَد ْ عََر َ‬ ‫ه وَإِن َّ ُ‬ ‫ما ل َ ُ‬ ‫النَّظََر تَعْظِي ً‬
‫فَاقْبَلُوهَا‪{..‬وفى رواية‪ :‬وما أراكم إل ستصيبكم قارعة‪ ,‬فانصرف‬
‫هو ومن اتبعه إلى الطائف"}‪..‬‬
‫ف‬ ‫شَر َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫َ‬ ‫ة دَع ُونِي آتِيهِ فَقَالُوا ائْتِهِ فَل َ َّ‬ ‫ن بَنِي كِنَان َ َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫فَقَا َ‬
‫َّ‬ ‫ُ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م َْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ل َر ُ‬
‫َ‬
‫صلى‬ ‫سول اللهِ َ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫حابِهِ قَا َ‬ ‫ص َ‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ي َ‬ ‫ع َل ََى النَّب ِ ِ ّ‬
‫ن فَابْعَثُوهَا‬ ‫ن الْبُد ْ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ن قَوْم ٍ يُعَظ ِّ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن وَهُوَ ِ‬ ‫م هَذ َا فَُل ٌ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫س يُلَبُّو َ‬
‫ن‬ ‫ه النَّا ُ‬ ‫ستَقْبَل َ ُ‬ ‫ه وَا ْ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫واحدة}‪ ..‬فَبُعِث َ ْ‬ ‫ه‪ {..‬أي أثيروها دفعة‬ ‫ُ‬ ‫لَ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ما َرأَى ذَل ِ َ‬
‫ن‬ ‫صدُّوا ع َ ْ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ما يَنْبَغِي لِهَؤَُلءِ أ ْ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ل‪ُ :‬‬ ‫ك قَا َ‬ ‫فَل َ َّ‬
‫َ‬
‫حابِهِ‪ {..‬وفى رواية‪ :‬رجع ولم يصل إلى‬ ‫ص َ‬ ‫جعَ إِلَى أ ْ‬ ‫ما َر َ‬ ‫ت فَل َ َّ‬ ‫الْبَي ْ ِ‬
‫َ‬
‫ت‬‫ن قَد ْ قُل ِّد َ ْ‬ ‫ت الْبُد ْ َ‬ ‫ل َرأي ْ ُ‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم }‪..‬قَا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫وَأ ُ ْ‬
‫ت‪{..‬وفى رواية‪ :‬وغضب‬ ‫ن الْبَي ْ ِ‬ ‫صدُّوا ع َ ْ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ما أَرى أ ْ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫شعَِر ْ‬
‫وقال‪ :‬يا معشر قريش ما على هذا عاقدناكم‪ ,‬أيصد عن بيت الله‬
‫من جاء معظما له ؟ فقالوا‪ :‬كف عنا يا حليس حتى نأخذ لنفسنا‬
‫ل‬ ‫ص فَقَا َ‬ ‫حفْ‬ ‫ن َ‬ ‫ُ‬ ‫مكَْرُز ب ْ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ل لَ‬ ‫م يُقَا ُ‬ ‫منْهُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫ما نرضى}‪ ..‬فَقَا َ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ل النَّب ِ ُّ‬ ‫م قَا َ‬ ‫ف ع َلَيْهِ ْ‬ ‫شَر َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫دَعُونِي آتِيهِ فَقَالُوا ائْتِهِ فَل َ َّ‬
‫َّ‬
‫جٌر‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ل فَا‬ ‫ج ٌ‬ ‫مكَْرٌز وَهُوَ َر ُ‬ ‫م هَذ َا ِ‬ ‫َ‬ ‫سل‬ ‫ع َلَيْهِ وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جاءَ‬ ‫ه إِذ ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ما هُوَ يُكَل ِّ ُ‬ ‫م فَبَيْن َ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫م النَّب ِ َّ‬ ‫ل يُكَل ِّ ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫فَ َ‬
‫ه ل َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جاءَ‬ ‫ما َ‬ ‫ة أن َّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫عكْرِ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ب ع َ َْ‬ ‫خبََرنِي أيُّو ُ‬
‫َ‬
‫مٌر فَأ ْ‬
‫َ‬ ‫معْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫مرٍو قَا َ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫ل بْ ُ‬ ‫سهَي ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫م‬ ‫ل لَك ُ ْ‬ ‫سهُ َ‬ ‫م لَقَد ْ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ل النَّب ِ ُّ‬ ‫مرٍو قَا َ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫ل بْ ُ‬ ‫سهَي ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ل ب ْ َُ‬ ‫سهَي ْ ُ‬
‫َ‬
‫جاءَ ُ‬ ‫حدِيثِهِ فَ َ‬ ‫ل ال ّزهْرِيُّ فِي َ‬ ‫مٌر قَا َ‬ ‫معْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫م قَا َ‬ ‫مرِك ُ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫صل ّى الل ّه‬ ‫يَ َ‬ ‫م كِتَابًا فَدَع َا النَّب ِ ُّ‬ ‫ب بَيْنَنَا وَبَيْنَك ُ ْ‬ ‫ت اكْت ُ ْ‬ ‫ل هَا ِ‬ ‫مرٍو فَقَا َ‬ ‫عَ ْ‬
‫ُ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سم ِ اللهِ‬ ‫م بِ ْ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬
‫َّ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ل النَّب ِ ُّ‬ ‫ب فَقَا َ‬ ‫م الْكَات ِ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ع َلَيْهِ وَ َ‬
‫َ‬ ‫ل أ َّ‬ ‫َ‬
‫َ َّ‬
‫ما هُو‬ ‫ما أدْرِي َ‬ ‫ن فَو اللهِ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ما الَّر ْ‬ ‫سهَي ْ ٌ‬ ‫ل ُ‬
‫َ‬
‫حيم ِ قَا َ‬ ‫ن الَّر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫الَّر ْ‬
‫ن وَاللهِ‬ ‫مو َ‬
‫َ‬ ‫سَل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ب فَقَا َ‬ ‫ت تَكْت ُ ُ‬ ‫ما كُن ْ َ‬ ‫م كَ َ‬ ‫ك الل ّهُ َّ‬
‫َ‬
‫م َ‬ ‫س ِ‬ ‫ب بِا ْ‬ ‫ن اكْت ُ ْ‬
‫َ‬ ‫وَلَك ِ ْ‬
‫ه ع َلَيْهِ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ل النَّب ِ ُّ‬ ‫حيم ِ فَقَا َ‬ ‫ن الَّر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫سم ِ الل ّهِ الَّر ْ‬ ‫َل نَكْتُبُهَا إ ِ ّل ب ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫د‬
‫م ٌ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ضى ع َلَيْهِ َُ‬ ‫ما قَا َ‬ ‫ل‪ :‬هَذ َا َ‬ ‫م قَا َ‬ ‫م ث ُ َّ‬
‫َ‬
‫ك الل ّهُ َّ‬ ‫م َ‬ ‫س ِ‬ ‫ب بِا ْ‬ ‫م اكْت ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫سل‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬
‫ما‬ ‫ل الل ّهِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ك َر ُ‬ ‫م أن َّ َ‬ ‫ل وَالل ّهِ لَوْ كُنَّا نَعْل َ ُ‬ ‫سهَي ْ ٌ‬ ‫ل ُ‬ ‫ل الل ّهِ فَقَا َ‬ ‫سو ُ‬ ‫َر ُ‬
‫َ َّ‬
‫ن ع َبْد ِ الل ِ‬
‫ه‬
‫ُ ُ َّ‬
‫مد ُ ب ْ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ب ُ‬ ‫ن اكْت ُ ْ‬
‫َ‬ ‫ك َوَلَك ِ ْ‬ ‫ت وََل قَاتَلْنَا َ‬
‫َ‬
‫ن الْبَي ْ ِ‬
‫َ‬ ‫ك عَ ْ‬ ‫صدَدْنَا َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫سول اللهِ وَإ ِ ْ‬ ‫م وَاللهِ إِنِّي لَر ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه ع َليْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ي َ‬ ‫ل الن ّب ِ ُّ‬ ‫َ‬ ‫فَقَا َ‬
‫َ‬
‫ك لِقَوْلِهِ َل‬ ‫ل الُّزهْرِيُّ وَذَل ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ع َبْد ِ الل ّهِ‪ .‬قَا َ‬ ‫مد ُ ب ْ ُ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ب ُ‬ ‫مونِي اكْت ُ ْ‬
‫َ‬ ‫كَذَّبْت ُ ُ‬
‫َ‬ ‫ي َ‬
‫م إِيَّاهَا فَقَا َ‬
‫ل‬ ‫ه إ ِ ّ ُل أع ْطَيْتُهُ ْ‬ ‫ت الل ّ ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫حُر َ‬ ‫ن فِيهَا ُ‬
‫َّ‬
‫مو َ‬ ‫ُ‬ ‫ة يُعَظ ِّ‬
‫َّ‬
‫خط ّ ً‬
‫َّ‬
‫سألُونِي ُ‬ ‫َ ْ‬
‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه الن ّب ِ ُّ‬ ‫َ‬ ‫لَ‬
‫ن البَي ْ ِ‬ ‫خلوا بَيْنَنَا وَبَي ْ َ‬ ‫ن تُ َ‬ ‫م‪ :‬ع َلى أ ْ‬ ‫سل َ‬ ‫ه ع َليْهِ وَ َ‬ ‫ُ‬ ‫صلى الل‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫خذ ْنَا‬ ‫ب أَنَّا أ ُ ِ‬ ‫ث الْعََر ُ‬ ‫حد َّ ُ‬ ‫ل وَالل ّهِ َل تَت َ َ‬ ‫سهَي ْ ٌ‬ ‫ل ُ‬ ‫ف بِهِ فَقَا َ‬ ‫فَنَطُو َ‬
‫َ َّ‬
‫ب‪.‬‬ ‫ل فَكَت َ َ‬ ‫مقْب ِ ِ‬ ‫ن الْعَام ِ ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن ذَل ِ َ‬ ‫ة‪ {..‬أي قهرا}‪..‬وَلَك ِ ْ ْ‬ ‫ضغْط َ ً‬ ‫ُ‬
‫ن ع َلى دِين ِك إ ِل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫َ‬ ‫ه ل يَأتِي َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫سهَي ْ ٌ‬ ‫فَقَا َ‬
‫ن كا َ‬ ‫ل وَإ ِ ْ‬ ‫من ّا َر ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫ل وَع َلى أن ّ ُ‬ ‫ل ُ‬
‫َ‬
‫ن‬‫شرِكِي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ف يَُرد ُّ إِلَى ال ْ ُ‬ ‫ن الل ّهِ كَي ْ َ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ه إِلَيْنَا قَا َ‬ ‫َردَدْت َ ُ‬
‫َ‬ ‫م كَذَل ِ َ‬
‫ن‬ ‫ل بْ ِ‬ ‫سهَي ْ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫ل بْ ُ‬ ‫جنْد َ ِ‬ ‫ل أبُو َ‬ ‫خ َ‬ ‫ك إِذ ْ د َ َ‬ ‫ما هُ ْ‬ ‫ما فَبَيْن َ َ‬ ‫سل ِ ً‬ ‫م ْ‬ ‫جاءَ ُ‬ ‫وَقَد ْ َ‬
‫ف‪ {..‬أي يمشي مشيا بطيئا بسبب القيد }‪..‬فِي قُيُودِهِ‬ ‫س ُ‬ ‫مرٍو يَْر ُ‬ ‫عَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أظْهُ ِ‬
‫ر‬ ‫سهِ بَي ْ َ‬ ‫مى بِنَفْ ِ‬ ‫حتَّى َر َ‬ ‫ة َ‬ ‫مك ّ َ‬ ‫ل َ‬ ‫سفَ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫خَر َ‬ ‫وَقَد ْ َ‬
‫مين‪ " {..‬وكان سهيل أوثقه وسجنه حين أسلم‪ ,‬فخرج من‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫السجن وتنكب الطريق وركب الجبال حتى هبط على المسلمين‬
‫ل‬ ‫مد ُ أَوَّ ُ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ل هَذ ََا يَا ُ‬ ‫سهَي ْ ٌ‬ ‫ل ُ‬ ‫ففرح به المسلمون وتلقوه " }‪ َ..‬فَقَا َ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م‬‫سل َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ل النَّب ِ ُّ‬ ‫ي فَقَا َ‬ ‫ن تَُردَّه ُ إِل َ َّ‬ ‫ك ع َلَيْهِ أ ْ‬ ‫ضي َ‬ ‫ما أقَا ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ح َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يءٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫ك ع َلى َ‬ ‫صال ِ ْ‬ ‫مأ َ‬ ‫ل فَوَ الل َهِ إِذ ًا ل ْ‬ ‫ب بَعْد ُ قَا َ‬
‫َ‬
‫ض الكِتَا َ‬
‫َ‬ ‫م نَقْ ِ‬ ‫إِن ّا ل ْ‬
‫َ‬ ‫أَبَدًا قَا َ‬
‫جْزه ُ لِي‪ {..‬أي أمض لي‬ ‫م فَأ ِ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ل النَّب ِ ُّ‬
‫ل بَلَى فَافْعَ ْ‬
‫ل‬ ‫ك قَا َ‬ ‫جيزِهِ ل َ َ‬ ‫َ‬ ‫فعلي فيه فل أرده إليك}‪..‬قَا َ‬
‫م ِ‬ ‫ما أنَا ب ِ ُ‬ ‫ل َ‬
‫جْزنَاه ُ ل َ َ‬ ‫َ‬ ‫مكَْرٌز ب َ ْ‬ ‫ما أَنَا بِفَا ِ‬
‫ك‪ {..‬والمعنى إنه لم‬ ‫ل قَد ْ أ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ل قَا َ‬ ‫ع ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫قَا َ‬
‫يجزه بأن يقره عند المسلمين بل ليكف العذاب عنه ليرجع إلى‬
‫ن أَُرد ُّ إِلَى‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شَر ال ْ ُ‬ ‫معْ َ‬ ‫ل أيْ َ‬
‫ل أَبو جند َ‬
‫طواعية أبيه}‪..‬قَا َ ُ َ ْ َ ٍ‬
‫َ‬
‫ب‬‫ن قَد ْ عُذِّ َ‬ ‫ت وَكَا َ‬ ‫ما قَد ْ لَقِي ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ما أَل تََروْ َ‬ ‫سل ِ ً‬ ‫م ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫جئ ْ َ ُ‬ ‫ن وَقَد ْ ِ‬ ‫شرِكِي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ه‪ {..‬وفى رواية" فقال رسول الله صلى الله‬ ‫شدِيدًا فِي الل ّ ِ‬ ‫عَذ َابًا َ‬
‫عليه وسلم‪ :‬يا أبا جندل‪ ,‬اصبر واحتسب فإنا ل نغدر‪ ,‬وإن الله‬
‫جاعل لك فرجا ومخرجا " وفي رواية" فأوصاه رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ,‬قال فوثب عمر مع أبي جندل يمشي إلى جنبه‬
‫ويقول‪ :‬اصبر‪ ,‬فإنما هم مشركون‪ ,‬وإنما دم أحدهم كدم كلب‪,‬‬
‫قال ويدني قائمة السيف منه‪ ,‬يقول عمر‪ :‬رجوت أن يأخذه مني‬
‫فيضرب به أباه‪ ,‬فضن الرجل ‪ -‬أي بخل ‪ -‬بأبيه ونفذت القضية‬
‫" }‪..‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫سل َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ي الل ّهِ َ‬ ‫ت نَب ِ َّ‬ ‫ب فَأتَي ْ ُ‬ ‫خط ّا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫مُر ب ْ ُ‬ ‫ل عُ َ‬ ‫ل فَقَا َ‬ ‫قَا َ‬
‫َ‬ ‫حقًّا قَا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ق وَعَدُوُّنَا‬ ‫ح ِّ‬ ‫سنَا ع َلَى ال ْ َ‬ ‫ت أل َ ْ‬ ‫ل بَلَى قُل ْ ُ‬ ‫ي الل ّهِ َ‬ ‫ت نَب ِ َّ‬ ‫س َ‬ ‫ت أل َ ْ‬ ‫فَقُل ْ ُ‬
‫ة فِي دِينِنَا إِذ ًا‪{..‬وفى‬ ‫م نُعْطِي الدَّنِي َّ َ‬ ‫ت فَل ِ َ‬ ‫ل بَلَى قُل ْ ُ‬ ‫ل قَا َ‬ ‫ع َلَى الْبَاط ِ ِ‬
‫رواية‪ " :‬قال عمر‪ :‬لقد دخلني أمر عظيم‪ ,‬وراجعت النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم مراجعة ما راجعته مثلها قط "‪..‬وفى رواية" كان‬
‫الصحابة ل يشكون في الفتح لرؤيا رآها رسول الله‪ ,‬فلما رأوا‬
‫الصلح دخلهم من ذلك أمر عظيم حتى كادوا يهلكون " }‪ --‬قَا َ‬
‫ل‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫ت‬‫س كُن ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ت أوَلَي ْ‬ ‫صرِي قُل ْ ُ‬ ‫صيهِ وَهُوَ نَا ِ‬ ‫ت أع ْ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ل الل ّهِ وَل َ ْ‬ ‫سو‬ ‫إِنِّي َر ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ك أنَّا نَأتِيهِ‬ ‫خبَْرت ُ َ‬ ‫ل بَلَى فَأ ْ‬ ‫ف بِهِ قَا َ‬ ‫ت فَنَطُو ُ‬ ‫سنَأتِي الْبَي ْ َ‬ ‫حدِّثُنَا أنَّا َ‬ ‫تُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت أبَا بَك ْ ٍ‬
‫ر‬ ‫ل فَأتَي ْ ُ‬ ‫ف بِهِ قَا َ‬ ‫مط ّوِّ ٌ‬ ‫ك آتِيهِ َوَ ُ‬ ‫ل فَإِن َّ َ‬ ‫ت َل قَا َ‬ ‫ل قُل ْ ُ‬ ‫م قَا َ‬ ‫الْعَا َ‬
‫سنَا ع َلَى‬ ‫َ‬ ‫ح ًّقا قَا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت أل َ ْ‬ ‫ل بَلَى قُل ْ ُ‬ ‫ي الل ّهِ َ‬ ‫س هَذ َا نَب ِ َّ‬ ‫ت يَا أبَا بَكْرٍ ألَي ْ َ‬ ‫فَقُل ْ ُ‬
‫َّ‬
‫ة فِي‬ ‫م نُعْطِي الدَّنِي َّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت َفَل ِ َ‬ ‫ل بَلَى قُل ْ ُ‬ ‫ل قَا َ‬ ‫قّ وَعَدُوُّنَا ع َلَى الْبَاط ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ح‬
‫دينِنا إذ ًا ‪ --‬قَا َ َ‬
‫م‬
‫سل َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ه لََر ُ‬ ‫ل إِن َّ ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫ل أيُّهَا الَّر ُ‬ ‫ِ َ ِ‬
‫ك بِغَْرزِه‪ {..‬والمراد به‬ ‫س ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫صُرهُ فَا ْ‬ ‫ه وَهُوَ نَا ِ‬ ‫َ‬
‫صي َرب ّ ُ‬ ‫س يَعْ ِ‬ ‫وَلَي ْ َ‬
‫التمسك بأمره وترك المخالفة له كالذي يمسك بركب الفارس‬
‫َ‬
‫دّثُنَا أَنَّا‬ ‫ح ِ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫س كَا َ‬ ‫َ‬ ‫ت ألَي ْ‬
‫َ‬
‫ق قُل ْ ُ‬ ‫ح ِّ‬ ‫ه ع َلَى ال ْ َ‬ ‫فل يفارقه }ِ‪..‬فَوَ الل ّهِ إِن َّ ُ‬
‫ك أَن َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ت َل‬ ‫م قُل ْ ُ‬ ‫ك تَأتِيهِ الْعَا َ‬ ‫خبََر َ ّ‬ ‫ل بَلَى أَفَأ ْ‬ ‫ف بِهِ قَا َ‬ ‫ت َونَطُو ُ‬ ‫َ‬ ‫سنَأتِي الْبَي ْ‬ ‫َ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ف بِهِ‪ {..‬وفي جواب أبي بكر لعمر بنظير ما‬ ‫و ٌ‬ ‫مط ِّ‬ ‫ل فَإِن ّك آتِيهِ وَ ُ‬ ‫قَا َ‬
‫أجابه النبي صلى الله عليه وسلم سواء دللة على أنه كان أكمل‬
‫الصحابة وأعرفهم بأحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫وأعلمهم بأمور الدين وأشدهم موافقة لمر الله تعالى‪ --} .‬قَا َ‬
‫ل‬
‫ماًل‪ {..‬فى رواية" فقال عمر‪:‬‬ ‫ل ع ُمر فَعمل ْت لِذَل ِ َ َ‬ ‫الُّزهْرِيُّ قَا َ‬
‫ك أع ْ َ‬ ‫َ ُ َ ِ ُ‬
‫اتهموا الرأي على الدين‪ ,‬فلقد رأيتني أرد أمر رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم برأي‪ ,‬وما ألوم عن الحق "وفى رواية‪ " :‬وكان‬
‫عمر يقول مازلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق من الذي صنعت‬
‫يومئذ‪ ,‬مخافة كلمي الذي تكلمت به " }—‬
‫ب‪ {..‬في رواية‪ ":‬فلما انتهى إلى‬ ‫ضيَّةِ الْكِتَا ِ‬ ‫ن قَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما فََرغ َ ِ‬ ‫ل فَل َ َّ‬ ‫قَا َ‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم جرى بينهما القول حتى وقع بينهما‬
‫الصلح على أن توضع الحرب بينهما عشر سنين وأن يأمن الناس‬
‫بعضهم بعضا‪ ,‬وأن يرجع عنهم عامهم هذا "‪ ...‬ولما كانت الهدنة‬
‫ووضعت الحرب وأمن الناس كلم بعضهم بعضا والتقوا وتفاوضوا‬
‫في الحديث والمنازعة ولم يكلم أحد بالسلم يعقل شيئا في تلك‬
‫المدة إل دخل فيه‪ ,‬ولقد دخل في تينك السنتين مثل من كان في‬
‫السلم قبل ذلك أو أكثر‪ ,‬يعني من صناديد قريش‪ --‬وكان في‬
‫الصورة الظاهرة ضيما للمسلمين وفي الصورة الباطنة عزا لهم‪,‬‬
‫فإن الناس لجل المن الذي وقع بينهم اختلط بعضهم ببعض من‬
‫غير نكير‪ ,‬وأسمع المسلمون المشركين القرآن‪ ,‬وناظروهم على‬
‫السلم جهرة آمنين‪ ,‬وكانوا قبل ذلك ل يتكلمون عندهم بذلك إل‬
‫خفية‪ ,‬وظهر من كان يخفي إسلمه فذل المشركون من حيث‬
‫ُ َ‬
‫ل الل ّهِ‬ ‫سو‬ ‫ل َر ُ‬ ‫أرادوا العزة وأقهروا من حيث أرادوا الغلبة }‪..‬قَا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل فَو‬ ‫حلِقُوا قَا َ‬ ‫ما ْ‬ ‫حُروا ث ُ َّ‬ ‫موا فَان ْ َ‬ ‫حابِهِ قُو ُ‬ ‫ص َ‬ ‫م ِل ْ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‪ {..‬قيل كأنهم‬ ‫مَّرا ٍ‬ ‫ث َ‬ ‫ك ث َل َ‬ ‫َ‬ ‫ل ذَل ِ َ‬ ‫حت ّى قَا َ‬ ‫َ‬ ‫ل َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫منْهُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما قَا َ‬ ‫اللهِ َ‬ ‫ّ‬
‫توقفوا لحتمال أن يكون المر بذلك للندب‪ ,‬أو لرجاء نزول‬
‫الوحي بإبطال الصلح المذكور‪ ,‬أو تخصيصه بالذن بدخولهم مكة‬
‫ذلك العام لتمام نسكهم‪ ,‬وسوغ لهم ذلك لنه كان زمان وقوع‬
‫النسخ }‪..‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ما ل َ ِ‬ ‫ة فَذ َكََر لَهَا َ‬ ‫م َ‬ ‫سل َ َ‬ ‫مِ َ‬ ‫ل ع َلَى أ ّ‬ ‫خ َ‬ ‫حد ٌ د َ َ‬ ‫مأ َ‬ ‫منْهُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م يَقُ ْ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫فَل َ َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م َل تُكَل ِّ ْ‬
‫م‬ ‫ج ث ُ َّ‬ ‫خُر ْ‬ ‫كا ْ‬ ‫ب ذَل ِ َ‬ ‫ح ُّ‬ ‫ي الل ّهِ أت ُ ِ‬ ‫ة يَا نَب ِ َّ‬ ‫م َ‬ ‫سل َ َ‬ ‫م َ‬ ‫ت أ ُّ‬ ‫س فَقَال َ ْ‬ ‫َالن ّا ِ‬
‫َ‬
‫ك‪ {..‬قال‬ ‫حلِقَ َ‬ ‫ك فَي َ ْ‬ ‫حالِقَ َ‬ ‫ك وَتَدْع ُوَ َ‬ ‫حَر بُدْن َ َ‬ ‫حتَّى تَن ْ َ‬ ‫ة َ‬ ‫م ً‬ ‫م كَل ِ َ‬ ‫منْهُ ْ‬ ‫حدًا ِ‬ ‫أ َ‬
‫إمام الحرمين‪ :‬ل نعلم امرأة أشارت برأي فأصابت إل أم‬
‫ل ذَل ِ َ‬ ‫حتَّى فَعَ َ‬ ‫خرج فَل َم يكَل ِّ َ‬
‫ه‬
‫حَر بُدْن َ ُ‬ ‫ك نَ َ‬ ‫م َ‬ ‫منْهُ ْ‬ ‫حدًا ِ‬ ‫مأ َ‬ ‫ْ ُ ْ‬ ‫سلمة‪..}.‬فَ َ َ َ‬
‫َ‬ ‫ه فَل َ َّ‬
‫م‬‫ضهُ ْ‬ ‫ل بَعْ ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫حُروا وَ َ‬ ‫موا فَن َ َ‬ ‫ك قَا ُ‬ ‫ما َرأوْا ذَل ِ َ‬ ‫حلَقَ ُ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫حالِقَ ُ‬ ‫وَدَع َا َ‬
‫ة‬
‫سو ٌ‬ ‫جاءَه ن ِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ما ث ُ َّ‬ ‫ضا غ َ ًّ‬ ‫ل بَعْ ً‬ ‫م يَقْت ُ ُ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫حتَّى كَاد َ بَعْ ُ‬ ‫ضا َ‬ ‫حلِقُ ب َ ْع ً‬ ‫يَ ْ‬
‫َ َ ُ َ َ َّ‬
‫ه‬
‫وإنما جئن إليه بعد في أثناء المدة }‪..‬فأنَْزل الل ُ‬ ‫ت‪{..‬‬ ‫منَا ٌ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ُ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫جَرا ٍ‬ ‫مهَا ِ‬ ‫ت ُ‬ ‫منَا ُ‬ ‫جاءَكم المؤْ ِ‬ ‫منُوا إِذ َا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫تَعَالى‪ ":‬يَا أي ّهَا الذِي َ‬
‫َ‬ ‫ْ َ ُ َ َّ‬
‫ن‬‫مَرأتَي ْ ِ‬ ‫مئِذ ٍ ا ْ‬ ‫مُر يَوْ َ‬ ‫صم ِ الْكَوَافِر"‪ ِ..‬فطلقَ ع ُ َ‬ ‫حتَّى بَلَغَ بِعِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫حنُوهُ َّ‬ ‫مت َ ِ‬ ‫فَا ْ‬
‫َ‬ ‫كَانَتَا ل َ‬
‫ن‬‫سفْيَا َ‬ ‫ن أبِي ُ‬ ‫ُ‬ ‫ة بْ‬ ‫اوي َ ُ‬‫ِ‬ ‫معَ‬ ‫ُ‬ ‫ما‬‫َ‬ ‫حدَاهُ‬ ‫ج إِ ْ‬ ‫ك فَتََزوَّ َ‬ ‫شْر ِ‬ ‫ه فِي ال ّ ِ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫خرى صفْوان ب ُ‬
‫م إِلَى‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ي‬‫جعَ النَّب ِ ُّ‬ ‫م َر َ‬ ‫ة ث ُ َّ‬ ‫مي َّ َ‬ ‫نأ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫وَاْل ُ ْ‬
‫سلُوا فِي‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م فَأْر َ‬ ‫سل ِ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ش وَهُوَ ُ‬ ‫ن قَُري ْ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج ٌ‬
‫َ‬
‫صيرٍ َر ُ‬ ‫جاءَه ُ أبُو ب َ ِ‬ ‫مدِينَةِ فَ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن‪{..‬‬ ‫ه إِلَى الَّر ُ َ‬ ‫ت لَنَا فَدَفَعَ ُ‬ ‫جعَل ْ َ‬ ‫ن فَقَالُوا الْعَهْد َ ال ّذِي َ‬ ‫طَلَبِهِ َر ُ َ‬
‫جلي ْ ِ‬ ‫جلي ْ ِ‬
‫وفى رواية‪ ":‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬يا أبا بصير‬
‫إن هؤلء القوم صالحونا على ما علمت‪ ,‬وإنا ل نغدر‪ ,‬فالحق‬
‫بقومك‪ .‬فقال‪ :‬أتردني إلى المشركين يفتنوني عن ديني‬
‫ويعذبونني؟ قال‪ :‬اصبر واحتسب‪ ,‬فإن الله جاعل لك فرجا‬
‫ومخرجا " وفي رواية " فقال له عمر‪ :‬أنت رجل وهو رجل ومعك‬
‫ْ‬
‫مرٍ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫حلَيْفَةِ فَنََزلُوا يَأكُلُو َ‬ ‫حتَّى بَلَغَا ذ َا ال ْ ُ‬ ‫جا بِهِ َ‬ ‫خَر َ‬ ‫السيف "}‪..‬فَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫لَهم فَقَا َ َ‬
‫ك هَذ َا يَا‬ ‫سيْفَ َ‬ ‫ن وَالل ّهِ إِنِّي َلَرى َ‬ ‫ِ‬ ‫جلَي ْ‬ ‫حد ِ الَّر ُ‬ ‫صيرٍ ِل َ َ‬ ‫ل أبُو ب َ ِ‬ ‫ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ت بِهِ‬ ‫جَّرب ْ ُ‬ ‫جي ِّد ٌ لقَد ْ َ‬ ‫هل َ‬ ‫ل وَاللهِ إِن ّ ُ‬ ‫ج ْ‬ ‫لأ َ‬ ‫خُر فَقَا َ‬ ‫ه ال َ‬ ‫ستَل ُ‬ ‫جي ِّدًا فَا ْ‬ ‫ن َ‬ ‫فَُل ُ‬
‫حتَّى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م جَربت فَقَا َ َ‬
‫ه َ‬ ‫ضَرب َ ُ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ه ِ‬ ‫مكَن َ ُ‬ ‫صيرٍ أرِنِي أنْظُْر إِلَيْهِ فَأ ْ‬ ‫ل أبُو ب َ ِ‬ ‫ث ُ َّ َ ّ ْ ُ‬
‫بََردَ‪ {..‬أي خمدت حواسه}‪..‬‬
‫سو ُ‬
‫ل‬ ‫ل َر ُ‬ ‫جد َ يَعْدُو فَقَا َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ة فَد َ َ‬ ‫مدِين َ َ‬ ‫َ‬ ‫حتَّى أَتَى ال ْ‬ ‫خُر َ‬ ‫وَفََّر اْل َ‬
‫ن َرآه ُ لَقَد ْ َرأَى هَذ َا ذُعًْرا فَل َ َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما انْتَهَى‬ ‫َ‬ ‫حي‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬ ‫سل‬‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫ُ‬ ‫صل ّى الل‬ ‫َ‬ ‫الل ّهِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حبِي وَإِنِّي‬ ‫صا ِ‬ ‫ل وَالل ّهِ َ‬ ‫ل قُت ِ َ‬ ‫م قَا َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫إِلَى النَّب ِ ِ ّ‬
‫َ‬
‫ي‬‫ل يَا نَب ِ َّ‬
‫َّ‬
‫صيرٍ فَقَا َ‬ ‫جاءَ أبُو ب َ ِ‬ ‫ل‪{..‬أي إن لم تردوه عني}‪..‬فَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مقْتُو ٌ‬
‫َ‬ ‫لَ َ‬
‫ك قَد رددتنِي إلَيهم ث ُ َ َ‬ ‫الل ّهِ قَد ْ وَالل ّهِ أَوْفَى الل ّ‬
‫ه‬ ‫جانِي الل ُ‬ ‫م أن ْ َ‬ ‫ِ ِْ ْ ّ‬ ‫مت َ َ ْ َ َ ْ َ‬ ‫ه ذ ِ َّ‬ ‫ُ‬
‫ي صلَّى الل َّه ع َلَيه وسل َّم وي ُ ُ‬
‫مهِ‪ {..‬وهي كلمة ذم‬ ‫ل أ ِّ‬ ‫ْ ِ َ َ َ َْ‬ ‫ُ‬ ‫ل النَّب ِ ُّ َ‬ ‫م قَا َ‬ ‫منْهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫تقولها العرب في المدح ول يقصدون معنى ما فيها من‬
‫ب‪ {..‬كأنه يصفه بالقدام في الحرب والتسعير‬ ‫حْر ٍ‬ ‫سعََر َ‬ ‫م ْ‬ ‫الذم}‪ِ ..‬‬
‫حدٌ‪{..‬وفى رواية‪ " :‬فلقنها أبو بصير‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫هأ َ‬ ‫نل ُ‬ ‫لنارها }‪..‬لوْ كا َ‬
‫فانطلق"‪ ,‬وفيه إشارة إليه بالفرار لئل يرده إلى المشركين‪,‬‬
‫ما‬ ‫ورمز إلى من بلغه ذلك من المسلمين أن يلحقوا به‪..} ,‬فَل َ َّ‬
‫َ‬ ‫ك ع َر َ َ‬
‫حرِ‪{..‬‬ ‫ف الْب َ ْ‬ ‫سي َ‬ ‫حتَّى أتَى ِ‬ ‫ج َ‬ ‫خَر َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫سيَُردُّه ُ إِلَيْهِ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ف أن َّ ُ‬ ‫معَ ذَل ِ َ َ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫ل‪ {..‬أي من‬ ‫َ‬ ‫أي ساحله }‪..‬قَا َ‬
‫سهَي ْ ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫ل بْ ُ‬ ‫جنْد َ ِ‬ ‫م أبُو َ‬ ‫منْهُ ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ل وَيَنْفَل ِ ُ‬
‫َ‬
‫صيرٍ‪ {..‬وفي رواية‪ ":‬وانفلت أبو جندل‬ ‫حقَ بِأبِي ب َ ِ‬ ‫أبيه وأهله}‪ ..‬فَل َ ِ‬
‫في سبعين راكبا مسلمين فلحقوا بأبي بصير فنزلوا قريبا من ذي‬
‫ل َل‬ ‫جعَ َ‬ ‫المروة على طريق عير قريش فقطعوا مادتهم " }‪..‬فَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫معَ ْ‬ ‫جت َ َ‬ ‫حتَّى ا ْ‬ ‫صيرٍ َ‬ ‫حقَ بِأبِي ب َ ِ‬ ‫م إ ِ ّل ل َ ِ‬ ‫سل َ َ‬ ‫ل قَد ْ أ ْ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ش َر ُ‬ ‫ن قَُري ْ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫ْ‬ ‫ت لِقُري ْش إلَى ال َّ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫شأ ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫َ‬ ‫ج ْ‬ ‫خَر َ‬ ‫ن بِعِيرٍ َ‬ ‫م ُعو َ‬ ‫س َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ة فَوَ الل ّهِ َ‬ ‫صاب َ ٌ‬ ‫ع َ‬ ‫م ِ‬ ‫منْهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ش إِلَى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت قَُري ْ ٌ‬ ‫سل َ ْ‬ ‫م فَأْر َ‬ ‫موَالَهُ َ ْ‬ ‫خذ ُوا أ ْ‬ ‫م وَأ َ‬
‫َ‬ ‫ضوا لَهَ َا فَقَتَلُوهُ ْ‬ ‫إ ِ ّل اع ْتََر ُ‬
‫َ‬
‫حم ل َ َ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫س َ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫شدُه ُ بِالل ّهِ وَالَّر ِ ِ ّ‬ ‫م تُنَا ِ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫النَّب ِ ِ ّ‬
‫َ‬
‫ن‪ {..‬في رواية "يسألونه ويتضرعون إليه أن يبعث‬ ‫م ٌ‬ ‫وآ ِ‬ ‫أتَاه ُ فَهُ َ‬
‫إلى أبي جندل ومن معه وقالوا‪ :‬ومن خرج منا إليك فهو لك حلل‬
‫م فَأَنَْز َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫م إِلَيْهِ ْ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ل النَّب ِ ُّ‬ ‫س َ‬ ‫غير حرج " }‪ ..‬فَأْر َ‬
‫َ‬
‫مك ّ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫الل َّه تعالَى‪":‬وهُو الَّذي ك َ َّ َ‬
‫ة‬ ‫ن َ‬ ‫م بِبَط ِ‬ ‫م ع َنْهُ ْ‬ ‫م وَأيْدِيَك ُ ْ‬ ‫م ع َنْك ُ ْ‬ ‫ف أيْدِيَهُ ْ‬ ‫َ َ ِ‬ ‫ُ ََ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جاهِلِيَّةِ "‪--‬‬ ‫ة ال ْ َ‬ ‫مي َّ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ة َ‬ ‫مي َّ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫حتَّى بَلَغَ ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ع َلَيْهِ ْ‬ ‫ن أظْفََرك ُ ْ‬ ‫ن بَعْد ِ أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫سم ِ الل ِ‬ ‫ب بِ ْ‬ ‫قُّروا ِ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫ي الل ّهِ وَل َ ْ‬ ‫ه نَب ِ ُّ‬ ‫قُّروا أن َّ ُ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫م أنَّهُ ْ‬ ‫ميَّتُهُ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫ت َ‬ ‫وَكَان َ ْ‬
‫ت‪[........‬خ‪..‬ك‪..‬الشروط‪..‬‬ ‫ن الْبَي ْ ِ‬ ‫م وَبَي ْ َ‬ ‫حالُوا بَيْنَهُ ْ‬ ‫حيم ِ وَ َ‬ ‫ن الَّر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫الَّر ْ‬
‫‪.]2734‬‬
‫** هذا وصلى اللهم على محمد وصحبه أجمعين‪....‬والحمد لله‬
‫رب العالمين‬
‫جمعه ورتبه وكتبه الفقير‬
‫د‪ /‬السيد العربي بن كمال‬
‫فتح الباري لبن حجر ‪( -‬ج ‪ / 8‬ص ‪)283‬‬
‫مْروَان )‬ ‫ة وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫خَر َ‬ ‫م ْ‬ ‫سوَر بْن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫قَوْله ‪ ( :‬ع َ ْ‬
‫َ‬
‫حكَم‬ ‫أيْ اِبْن ال ْ َ‬
‫ج)‬ ‫خَر َ‬ ‫( قَاَل َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫ه ‪ ،‬وَأ َّ‬ ‫حبَة ل َ ُ‬ ‫ص ْ‬ ‫ه َل ُ‬ ‫سلَة ِلن َّ ُ‬ ‫مْر َ‬ ‫مْروَان ُ‬ ‫ة إِلَى َ‬ ‫سب َ ِ‬ ‫هَذِهِ الّرِوَايَة بِالن ِّ ْ‬
‫ضر ال ْ ِق َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صة ‪،‬‬ ‫ح ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ه لَ ْ‬ ‫سلَة ِلن َّ ُ‬ ‫مْر َ‬ ‫ضا ُ‬ ‫سبَةِ إِلَيْهِ أي ْ ً‬ ‫ي بِالن ِّ ْ‬ ‫سوَر فَهِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫ن‬
‫يّ ع َ ْ‬ ‫ن الُّزهْرِ ِ‬ ‫خَرى ع َ ْ‬ ‫ن طَرِيق أ ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫شُروط ِ‬ ‫م فِي أَوَل ال ُّ‬
‫ّ‬ ‫وَقَد ْ تَقَد َّ َ‬
‫َ‬ ‫عُْروَة " أَن َّ‬
‫سول‬ ‫حاب َر ُ‬ ‫ص َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫خبَِرا ِ‬ ‫مْروَان ي ُ ْ‬ ‫سوَ َر وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫معَ ال ْ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫معَ‬ ‫س ِ‬ ‫حدِيث ‪ ،‬وَقَد ْ َ‬ ‫م " فَذ َكََر بَعْض هَذ َا ال ْ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫صل ّى الل ّه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫الل ّه َ‬
‫صة‬‫شهِدُوا هَذِهِ الْقِ َّ‬ ‫حابَة َ‬ ‫ص َ‬ ‫ن ال َّ‬ ‫م ْ‬ ‫ماع َة ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مْروَان ِ‬ ‫سوَر وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫ُ‬
‫ف‬ ‫حنَي ْ ٍ‬ ‫سهْل بْن ُ‬ ‫مة وَ َ‬ ‫سل َ َ‬ ‫م َ‬ ‫مغِيَرة وَأ ّ‬ ‫ي وَال ْ ُ‬ ‫مان وَعَل ِ ّ‬ ‫مر وَع ُث ْ َ‬ ‫كَعُ َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ه عَ ْ‬ ‫ل ع َلَى أن َّ ُ‬ ‫يء يَد ُ ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫حدِيث َ‬ ‫م ‪ ،‬وَوَقَعَ فِي نَفْس هَذ َا ال ْ َ‬ ‫وَغَيْره ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫سوَد ع َ ْ‬ ‫مكَانه ‪ ،‬وَقَد ْ َروَى أبُو اْل ْ‬ ‫سيَأتِي التَّنْبِيه ع َلَيْهِ فِي َ‬ ‫ما َ‬ ‫مر ك َ َ‬ ‫عُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫عُْروَة هَذِهِ القِ َّ‬
‫سلهَا ‪،‬‬ ‫ن أْر َ‬ ‫مْروَان لك ِ ْ‬ ‫سوَر وَل َ‬ ‫م ْ‬ ‫م يَذ ْكر ال ِ‬ ‫صة فَل ْ‬
‫جهَا اِبْن عَائِذ فِي‬ ‫َ‬
‫مغَازِي عُْروَة بْن الُّزبَيْر " أ ْ‬ ‫ي كَذَل ِ َ‬
‫خَر َ‬ ‫ك فِي " َ‬ ‫وَه ِ َ‬
‫ن طَرِيق‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫حاكِم فِي " اْلِكْلِيل " ِ‬ ‫جهَا ال ْ َ‬ ‫خَر َ‬ ‫ه بِطُولِهَا ‪ ،‬وَأ ْ‬ ‫مغَازِي ل َ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مقَطعَة ‪.‬‬ ‫ضا ُ‬ ‫ن عُْروَة أي ْ ً‬ ‫سوَد ع َ ْ‬ ‫أبِي اْل ْ‬
‫حدَيْبِيَة )‬ ‫من ال ْ ُ‬ ‫قَوْله ‪َ ( :‬ز َ‬
‫مكَان بِهَا ‪ ،‬وَقِي َ‬
‫ل‬
‫َ‬ ‫ي ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫س ِّ‬ ‫ي بِئْر ُ‬ ‫ج ‪ ،‬وَه ِ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫حدَيْبِيَة فِي ال ْ َ‬ ‫ضبْط ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫تَقَد َّ َ‬
‫ب الط ّبَرِيُّ ‪.‬‬ ‫ح ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫مكَان بِهَا ‪ .‬قَا َ‬ ‫ي ال ْ َ‬ ‫م ََ‬ ‫س ِّ‬ ‫ت َو ُ‬ ‫صغَِّر ْ‬ ‫حدْبَاء ُ‬ ‫جَرة َ‬ ‫ش َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫حَرم ‪ ،‬وَوَقَعَ فِي رِوَايَة‬ ‫مك ّة أكْثَرهَا فِي ال ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫حدَيْبِيَة قَْريَة قَرِيبَة ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ريد‬ ‫حدَي َْبِيَة ي ُ َ ِ‬ ‫ج ع َام ال ْ ُ‬ ‫خَر َ‬ ‫ي" َ‬ ‫ن الُّزهْرِ ِ ّ‬ ‫مغَازِي ع َ ْ‬ ‫حاق فِي ال ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫اِبْن إ ِ ْ‬
‫صل ّى الل ّه‬ ‫َ‬
‫ه َ‬ ‫سعْد " أن َّ ُ‬ ‫عنْد اِبْن َ‬ ‫زِيَاَرة الْبَيْت َل يُرِيد قِتَاًل " وَوَقَعَ ِ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫سفْيَان ع َ ْ‬ ‫ل ذِي الْقِعْدَة " َزاد َ ُ‬ ‫ن لِهَِل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ج يَوْم اِلثْنَي ْ‬ ‫خَر َ‬ ‫م َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ع َلَيْهِ وَ َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫مدَ ع َ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫مغَازِي وَكَذ َا فِي رِوَايَة أ ْ‬ ‫ي فِي الّرِوَايَة اْلتِيَة فِي ال ْ َ‬ ‫الُّزهْرِ ِ ّ‬
‫َ‬
‫حلَيْفَة قَل ّ َ‬
‫د‬ ‫ما أتَى ذ َا ال ْ ُ‬ ‫مائَة ‪ ،‬فَل َ َّ‬ ‫شَرة ِ‬ ‫ضع ع َ ْ‬ ‫ع َبْد الَّرَّزاق " فِي ب ِ ْ‬
‫َ‬ ‫الْهَدْي وَأ َ ْ‬
‫خَزاع َة "‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ث ع َيْنًا ل َ ُ‬ ‫مَرةٍ ‪َ ،‬وبَعَ َ‬ ‫من ْ َها بِعُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫حَر َ‬ ‫شعََره ُ وَأ ْ‬
‫عنْد اِبْن‬ ‫حدِيث ِ‬ ‫ي فِي هَذ َا ال ْ َ‬ ‫ن الُّزهْرِ َ ِ ّ‬ ‫ي َ عَ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ما ِ‬ ‫وََروَى ع َبْد الْعَزِيز اْل ِ َ َ‬
‫َ‬ ‫أَبِي َ‬
‫مائَةٍ ‪،‬‬ ‫مان ِ‬ ‫م فِي ألْف وَث َ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫صل ّى الل ّه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ج‬
‫خَر َ‬ ‫شيْبَة " َ‬
‫ْ‬
‫خبَرِ قَُريْش " كَذ َا‬ ‫جيَة يَأتِيه ب ِ َ‬
‫َ‬ ‫خَزاع َة يُدْع َى نَا ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ث ع َيْنًا ل َ ُ‬ ‫وَبَعَ َ‬
‫ه الْهَدْي‬ ‫سم ال ّذِي بَعَ َ‬ ‫َ‬
‫معَ ُ‬ ‫ث َ‬ ‫َ‬
‫جيَة ا ِ ْ‬ ‫ن نَا ِ‬ ‫معُْروف أ َّ‬ ‫جيَة ‪ ،‬وَال ْ َ‬ ‫ماه ُ نَا ِ‬ ‫س َّ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫خبَرِ قَُريْش‬ ‫ه ع َيْنًا ل ِ َ‬ ‫ما الذِي بَعَث َ ُ‬ ‫حاق وَغَيْره ‪ ،‬وَأ َّ‬ ‫س َ‬ ‫ح بِهِ اِبْن إ ِ ْ‬ ‫صَّر َ‬ ‫ما َ‬ ‫كَ َ‬
‫م‬
‫ض ِّ‬ ‫حاق ‪ ،‬وَهُوَ ب ِ َ‬ ‫س َ‬ ‫ماه ُ اِبْن إ ِ ْ‬ ‫س َّ‬ ‫سفْيَان كَذ َا َ‬ ‫سر بْن ُ‬ ‫سمه ب ُ ْ‬ ‫فَا ْ‬
‫خَلف فِي‬ ‫َ‬
‫سأذ ْكُُر ال ْ ِ‬ ‫حيح ‪ ،‬وَ َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ملَة ع َلَى ال َّ‬ ‫مهْ َ‬ ‫سكُون ال ْ ُ‬ ‫حدَة وَ ُ‬ ‫موَ َّ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫شاءَ الل ّه تَعَالَى ‪.‬‬ ‫ن َ‬ ‫مغَازِي إ ِ ْ‬ ‫حدَيْبِيَة فِي ال ْ َ‬ ‫عَدَد أهْل ال ْ ُ‬
‫َ‬
‫ض الط ّرِيق )‬ ‫ِ‬ ‫حتَّى إِذ َا كَانُوا بِبَعْ‬ ‫قَوْله ‪َ ( :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫سقْ ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ه لَ ْ‬ ‫معَ أن َّ ُ‬ ‫حدِيث الط ّوِيل َ‬ ‫صدْر هَذ َا ال ْ َ‬ ‫صنِّف َ‬ ‫م َ‬ ‫ال ْ ُ‬ ‫َ‬
‫صَر‬ ‫خت َ َ‬ ‫اِ ْ‬
‫ن طَرِيق‬ ‫م ْ‬ ‫مغَازِي ِ‬ ‫عنْده فِي ال ْ َ‬ ‫ضع ‪ ،‬وَبَقِيَّته ِ‬ ‫موْ ِ‬ ‫بِطُولِهِ إ ِ ّل فِي هَذ َا ال ْ َ‬
‫َ‬
‫ي‪:‬‬ ‫ن الُّزهْرِ ِ ّ‬ ‫مر ع َ ْ‬ ‫معْ َ‬ ‫ل ‪َ " :‬ونَبَّأنِيهِ َ‬ ‫ي قَا َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن الُّزهْر‬
‫َ‬ ‫ة عَ ْ‬ ‫سفْيَان بْن ع ُيَيْن َ َ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن بِغَدِيرِ ال ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ط أتَا ُ‬ ‫شطا ِ‬ ‫حت ّى كا َ‬ ‫م َ‬ ‫سل َ‬ ‫صلى الله ع َليْهِ وَ َ‬ ‫ي َ‬ ‫ساَر الن ّب ِ ّ‬ ‫وَ َ‬
‫حابِيش ‪،‬‬ ‫َ‬
‫معُوا لَك اْل َ‬ ‫موع ًا وَقَد ْ َ‬ ‫ن قَُري ْ ً‬ ‫ل ‪ :‬إ ِ َّ‬ ‫ع َيْنه فَقَا َ‬
‫ج َ‬ ‫ج ُ‬ ‫معُوا ُ‬ ‫ج َ‬ ‫شا َ‬
‫شيُروا أيّهَا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫مان ِ ُعوك ‪ .‬فَقَا َ‬ ‫ن الْبَيْت و‬ ‫صادُّوك ع َ‬ ‫مقَاتِلُوك َو‬
‫ل‪:‬أ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫م ُ‬ ‫وَهُ ْ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م وَذََرارِيّ َ هَؤَُلءِ الذِي َ‬
‫ن‬ ‫عيَاله ْ‬
‫ْ‬
‫ميل إِلَى ِ‬ ‫نأ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ي ‪ ،‬أتََروْ َ‬ ‫النَّاس ع َل َ َّ‬
‫ج َّ‬ ‫يريدو َ‬
‫ل قَدْ‬ ‫ن الل ّه عََّز وَ َ‬ ‫ن يَأتُونَا كَا َ‬ ‫ن الْبَيْت ‪ ،‬فَإ ِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫صدُّونَا ع َ‬ ‫ُ‬ ‫ن يَ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ُ ِ ُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ل أبُو بَكْر ‪:‬‬ ‫ن ‪ .‬قَا َ‬ ‫حُروبِي َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ‪ ،‬وَإ ِل تََركْنَاهُ ْ‬ ‫شرِكِي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫مَ ْ‬ ‫قَطَعَ ع َيْنًا ِ‬
‫َ‬
‫حْرب‬ ‫حد وََل َ‬ ‫مدًا لِهَذ َا الْبَيْت َل تُرِيد قَتْل أ َ‬ ‫جت ع َا ِ‬ ‫خَر ْ‬ ‫سول الل ّه َ‬ ‫يَا َر ُ‬
‫َ‬
‫سم‬ ‫ضوا ع َلَى ا ِ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ل ‪ :‬اِ ْ‬ ‫ه قَاتَلْنَاه ُ ‪ .‬قَا َ‬ ‫صدَّنَا ع َن ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ‪ ،‬فَ َ‬ ‫ه لَ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫حد ‪ ،‬تَوَ َّ‬ ‫أ َ‬
‫َ‬
‫جه ‪ ،‬وََزا َد‬ ‫ن هَذ َا الْوَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫مغَازِي ِ‬ ‫خارِيّ فِي ال ْ َ‬ ‫ساقَ الْب ُ َ‬ ‫الل ّه " إِلَى هَاهُنَا َ‬
‫ن طَرِيقه قَا َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫ل ‪ " :‬قَا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫حبَّا َ‬ ‫ه اِبْن ِ‬ ‫ساقَ ُ‬ ‫ن ع َبْد الَّرَّزاق وَ َ‬ ‫مد ع َ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫أ ْ‬
‫حدًا قَ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن أَبُو هَُريَْرة يَقُول ‪:‬‬
‫ط‬ ‫ما َرأيْت أ َ‬ ‫َ‬ ‫ل الُّزهْرِيُّ ‪ :‬وَكَا َ‬ ‫مر قَا َ‬ ‫معْ َ‬ ‫َ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫سل َ‬ ‫صلى الله ع َليْهِ وَ َ‬ ‫سول الله َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫حابِهِ ِ‬ ‫ص َ‬ ‫شاوََرة ِل ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن أكثَر ُ‬ ‫كا َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫مع ِ‬ ‫س َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن الُّزهْرِيَّ ل َ ْ‬ ‫سالِهِ ِل َّ‬ ‫خارِيّ ِلِْر َ‬ ‫ه الْب ُ َ‬ ‫حذَفَ ُ‬ ‫ا ه وَهَذ َا الْقَدْر َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حتَّى إِذ َا كَانُوا بِغَد ِ ِ‬
‫ير‬ ‫مذ ْكُوَرة " َ‬ ‫مد ال ْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫أبِي هَُريَْرة ‪ ،‬وَفِي رِوَايَة أ ْ‬
‫مة‬ ‫ج َ‬ ‫معْ َ‬ ‫سفَان " ا ه وَغَدِير بِفَتِْح الْغَيْن ال ْ ُ‬ ‫ن عُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ط قَرِيبًا ِ‬ ‫شطَا ِ‬ ‫اْل َ ْ‬
‫جانِب‬ ‫ط وَهُوَ َ‬ ‫ش ّ‬ ‫مع َ‬ ‫ج ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ملتَي ْ ِ‬
‫م ْه َ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫مة وَطاءَي ْ ِ‬
‫َ‬ ‫ج َ‬ ‫معْ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫شي ٍ‬ ‫شطَاط ب ِ ِ‬ ‫وَاْل َ ْ‬
‫سخ‬ ‫شارِق " ‪ ،‬وَوَقَعَ فِي بَعْض ن ُ َ‬ ‫م َ‬ ‫حب " ال ْ َ‬ ‫صا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫م بِ ِ‬ ‫جَز َ‬ ‫الْوَادِي كَذ َا َ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫نأ ْ‬ ‫ضا " أتََروْ َ‬ ‫مد أي ْ ً‬ ‫ح َ‬ ‫ما ‪ ،‬وَفِي رِوَايَة أ ْ‬ ‫مة َفِيهِ َ‬ ‫ج َ‬ ‫معْ َ‬ ‫أبِي ذَّر بِالظ ّاءِ ال ْ ُ‬
‫ن قَعَدُوا قَعَدُوا‬ ‫م فَإ ِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫صيبه‬ ‫م فَن ُ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ن أَع َانُوهُ‬ ‫ميل إِلَى ذََرارِيّ هَؤَُلءِ ال ّذِي َ‬ ‫نَ ِ‬
‫َّ‬
‫حوه‬ ‫ن ع ُنُقًا قَطَعَهَا الله " وَن َ ْ‬ ‫جيئُوا تَك ُ ْ‬ ‫ن يَ ِ‬ ‫ن ‪ ،‬وَإ ِ ْ‬ ‫حُروبِي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫وري َ‬ ‫موت ُ ِ‬ ‫َ ْ‬
‫هَ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫مَراد أن ّ ُ‬ ‫ي ‪َ ،‬وَال ُ‬ ‫ن ال ّزهْرِ ِ ّ‬ ‫مغَازِي ع َ ْ‬ ‫حاق فِي رِوَ َايَته فِي ال َ‬ ‫س َ‬
‫َ‬
‫ن إِ ْ‬ ‫ِلب ْ َ ِ‬
‫َ‬
‫صُروا‬ ‫ن نَ َ‬ ‫خالِف ال ّذِي َ‬ ‫ل يُ َ‬ ‫حابه هَ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫شاَر أ ْ‬ ‫ست َ َ‬ ‫م اِ ْ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫صل ّى الل ّه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫شا إلَى مواضعهم فَيسبي أ َْ‬
‫م‬
‫ْ‬ ‫صره‬ ‫َ ْ‬ ‫ن‬ ‫ى‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ُوا‬ ‫ء‬ ‫جا‬ ‫ِ ْ َ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫له‬ ‫ه‬ ‫ْ َ ْ ِ‬ ‫َ َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫قُ َ ْ‬
‫ري‬
‫َ‬
‫َولِهِ ‪" :‬‬ ‫مَراد بِق ْ‬ ‫ك ال ْ ُ‬ ‫ش ‪ ،‬وَذَل ِ َ‬ ‫ري ْ ٍ‬ ‫حابه بِقُ َ‬ ‫ص َ‬ ‫م وَانْفََرد َ َ هُوَ وَأ َ ْ‬ ‫شتَغَلُوا بِهِ ْ‬ ‫اِ ْ‬
‫ك الْقِتَال‬ ‫َ‬
‫صدِّيق بِتَْر ِ‬ ‫شاَر ع َلَيْهِ أبُو بَكْر ال ِّ‬ ‫ن ع ُنُقًا قَطَعَهَا الل ّه " فَأ َ‬ ‫تَك ُ ْ‬
‫قتَال‬ ‫حتَّى يَكُون بَدْء ال ْ ِ‬ ‫مَرة َ‬ ‫ن ال ْ ُع ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ج لَ ُ‬ ‫خَر َ‬ ‫ما َ‬ ‫مَرار ع َلَى َ‬ ‫ست ِ ْ‬ ‫وَاِل ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ل أبُو بَكْر ‪:‬‬ ‫مد فِي رِوَايَته " فَقَا َ‬ ‫ح َ‬ ‫جعَ إِلَى َرأيه ‪ .‬وََزاد َ أ ْ‬ ‫م ‪ ،‬فََر َ‬ ‫من ْ َهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ن إِل َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خ"‬ ‫مري َ‬ ‫معْت َ ِ ِ‬ ‫جئْنَا ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫ي الل ّه ‪ ،‬إِن َّ َ‬ ‫سوله أع ْلَم يَا نَب ِ ّ‬ ‫الل ّه وََر ُ‬
‫حدهَا‬ ‫مة وَا ِ‬ ‫ج َ‬ ‫معْ َ‬ ‫خره ُ‬ ‫حدَة وَآ ِ‬ ‫موَ َّ‬ ‫ملَة وَال ْ ُ‬ ‫م ْه َ‬ ‫حاءِ ال ْ ُ‬ ‫حابِيش بِال ْ َ‬ ‫وَاْل َ َ‬
‫مدْرِكَة َوبَنُو‬ ‫م بَنُو ال ْ َهوْن بْن ُ‬ ‫ض َّ‬ ‫ُ‬
‫ة بْن ُ‬ ‫م َ‬ ‫خَزي ْ َ‬ ‫ن وَهُ ْ‬ ‫متَي ْ ِ‬ ‫حبُوش ب ِ َ‬ ‫أ ْ‬
‫خَزاع َة كَانُوا‬ ‫ن ُ‬ ‫ْ‬ ‫م‬ ‫صطَلِق ِ‬ ‫م ْ‬ ‫منَاة بْن كِنَانَة َوبَنُو ال ْ ُ‬ ‫حارِث بْن ع َبْد َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫مكَّة ‪،‬‬ ‫سفَل َ‬ ‫يأ ْ‬
‫َ‬
‫ش ّ‬ ‫حب َ ِ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫جبَل يُقَال ل َ ُ‬ ‫حت َ‬ ‫ل تَ ْ‬ ‫معَ قَُريْش قِي َ‬ ‫حالَفُوا َ‬ ‫تَ َ‬
‫َ‬
‫مع‬ ‫ج ُّ‬ ‫حبُّش الت َّ َ‬ ‫م وَالت َّ َ‬ ‫معه ْ‬ ‫ج ُّ‬ ‫م أيْ ت َ َ‬ ‫شهِ ْ‬ ‫حب ُّ ِ‬ ‫ك لِت َ َ‬ ‫موا بِذَل ِ َ‬ ‫س ُّ‬ ‫ل ُ‬ ‫وَقِي َ‬
‫ن طَرِيق ع َبْد الْعَزِيز بْن أَبِي‬ ‫م ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫ماع َة ‪ .‬وََروَى الْفَاكِهِ ّ‬ ‫ج َ‬ ‫شة ال ْ َ‬ ‫حبَا َ‬ ‫وَال ْ ُ‬
‫ي بْن كَِلب ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ص‬
‫َ‬ ‫ن ع َلَى يَد قُ‬ ‫معَ قَُريْش كَا َ‬ ‫َ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫حلْفه‬ ‫ن اِبْتِدَاء ِ‬ ‫ثَابِت أ َ َّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن اْلِتْيَان إ ِ ّل اِبْن‬ ‫م ْ‬ ‫ن يَأتُونَا " ِ‬ ‫وَاتَّفَقَ الُّروَاة ع َلَى قَوْله ‪ " :‬فَإ ِ ْ‬
‫شدَّدَة وَاْلَوَّل‬ ‫م َ‬ ‫مثَنَّاة ُ‬ ‫م ُ‬ ‫حدَةٍ ث ُ َّ‬ ‫موَ َّ‬ ‫ن بَاتُّونَا " ب ِ ُ‬ ‫سكَن فَعِنْده " فَإ ِ ْ‬ ‫ال َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سعْد "‬ ‫عنْد اِبْن َ‬ ‫جيء ‪ ،‬وَوَقَعَ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ظ ال ْ َ‬ ‫مد بِلَفْ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫أوْلَى ‪ ،‬وَيُؤَي ِّده ُ رِوَايَة أ ْ‬
‫مكَّة‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن َ‬ ‫صدّه ع َ ْ‬ ‫م ع َلَى َ‬ ‫معَ َرأيه ْ‬ ‫ج َ‬ ‫خُروجه فَأ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫شرِكِي َ‬ ‫م ْ‬ ‫وَبَلَغَ ال ْ ُ‬
‫حاء‬ ‫م َ‬ ‫ساكِنَة ث ُ َّ‬ ‫ما َلم َ‬ ‫ملَة بَيْنه َ‬ ‫مهْ َ‬ ‫ة وَال ْ ُ‬ ‫حد َ ِ‬ ‫موَ َّ‬ ‫ح بِال ْ ُ‬ ‫سكَُروا بِبَلْد َ َ‬ ‫وَع َ ْ‬
‫مك ّة " ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫خارِج‬ ‫ضع َ‬ ‫ملَة‬
‫َ‬ ‫موْ ِ‬ ‫َ‬ ‫م ْه َ‬ ‫ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫خالِد بْن الوَلِيد‬ ‫ن َ‬ ‫م ‪ :‬إِ ّ‬ ‫سل َ‬ ‫صلى الله ع َليْهِ وَ َ‬ ‫ي َ‬ ‫قَوْله ‪ ( :‬قال الن ّب ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ش طَلِيعَة )‬ ‫خيْل لِقَُري ْ ٍ‬ ‫ميم ِ فِي َ‬ ‫بِالْغَ ِ‬
‫ميم ِ "‬ ‫خالِد بْن الْوَلِيد بِالْغَ ِ‬ ‫ه ع َيْنه ‪ :‬هَذ َا َ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫ي " فَقَا َ‬ ‫م ّ‬ ‫ما ِ‬ ‫فِي رِوَايَة اْل ِ َ‬
‫ب‬‫ح ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫صغِير ‪ ،‬قَا َ‬ ‫عيَاض فِيهَا الت َّ ْ‬ ‫حكَى ِ‬ ‫مة وَ َ‬ ‫ج َ‬ ‫معْ َ‬ ‫ميم بِفَتِْح ال ْ ُ‬ ‫وَالْغَ ِ‬
‫راد ك ُراع الْغَميم وهو موضع بين مك ّةَ‬
‫َ ُ َ َ ْ ِ َْ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫الطَّبَرِيُّ ‪ .‬يَظْهَر أ َّ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ن قَرِيبًا ِ‬ ‫ه كَا َ‬ ‫ظَاهِر فِي أن َّ ُ‬ ‫َ‬
‫حدِيث‬ ‫سيَاق ال ْ َ‬ ‫مدِينَة ا ه ‪ ،‬وَ ِ‬ ‫وَال ْ َ‬
‫صيَام وَهُوَ‬ ‫ميم ال ّذِي وَقَعَ ذِكْره فِي ال ِّ‬ ‫حدَيْبِيَة فَهُوَ غَيْر كَُراع الْغَ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫و‬
‫حبِيب ‪ .‬هُ َ‬ ‫ل اِبْن َ‬ ‫ميم هَذ َا فَقَا َ‬ ‫ما الْغَ ِ‬ ‫مدِينَة ‪ ،‬وَأ َّ‬ ‫مك ّة وَال ْ َ‬ ‫ال ّذِي بَيْن َ‬
‫جرير‬ ‫شعْ َر َ ِ‬ ‫حفَة ‪ ،‬وَقَد ْ وَقَعَ فِي ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫مكَان بَيْن َرابِغ وَال ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫قَرِيب ِ‬
‫سعْد أ َّ‬ ‫صغِير وَاَلل ّه أع ْلَم ‪َ .‬وبَي َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫صيغَةِ الت َّ‬ ‫ش َّ‬ ‫وال َّ‬
‫خالِدًا‬ ‫ن َ‬ ‫ن اِبْن َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ماخ ب ِ ِ‬ ‫َ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫جهْل ‪ ،‬وَالطلِيعَة‬ ‫مة بْن أبِي َ‬ ‫عكرِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ي فَارِس فِيهِ ْ‬ ‫مائَت َ ْ‬ ‫ن فِي ِ‬ ‫كا َ‬
‫جيْش ‪.‬‬ ‫مة ال ْ َ‬ ‫مقَدِّ َ‬ ‫ُ‬
‫مين )‬ ‫خذ ُوا ذ َات الْي َ ِ‬ ‫قَوْله ‪ ( :‬فَ ُ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫حابه ‪.‬‬ ‫ص َ‬ ‫خالِد وَأ ْ‬ ‫أَيْ الط ّرِيق التِي فِيهَا َ‬
‫جيْش فَانْطَلَقَ يَْركُض نَذِيًرا )‬ ‫م بِقَتََرةِ ال ْ َ‬ ‫حتَّى إِذ َا هُ ْ‬ ‫قَوْله ‪َ ( :‬‬
‫َ‬
‫سوَد ‪.‬‬ ‫مثَنَّاة الْغُبَار اْل ْ‬ ‫الْقَتََرة بِفَتِْح الْقَاف وَال ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن بِالثَّنِيَّةِ )‬ ‫حتَّى إِذ َا كَا َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫سل ّ‬ ‫صل ّى الل ّه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ي‬‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ساَر النَّب‬ ‫قَوْله ‪ ( :‬وَ َ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خرِجنَا‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م‪َ :‬‬ ‫سل َ‬ ‫صل ّى الل ّه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫ل َ‬ ‫حاق " فَقَا َ‬ ‫س َ‬ ‫فِي رِوَايَة اِبْن إ ِ ْ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫حدَّثَنِي ع َبْد الله‬
‫َّ‬
‫ل ‪ :‬فَ َ‬ ‫م بِهَا ؟ قَا َ‬ ‫م ال ّتِي هُ ْ‬ ‫ع َلَى طَرِيق غَيْر طَرِيقه ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫حْزم أ َ َّ‬ ‫َ‬
‫سول الله ‪،‬‬ ‫ل ‪ :‬أنَا يَا َر ُ‬ ‫م قَا َ‬ ‫سل َ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫جًل ِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫بْن أبِي بَكْر بْن َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫م‪،‬‬ ‫شقَّ َع َلَيْهِ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫من ْ َها بَعْد أ ْ‬ ‫جوا ِ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫م طَرِيقًا وَعًْرا فَأ ْ‬ ‫ك بِهِ ْ‬ ‫سل َ َ‬ ‫فَ َ‬
‫فُروا الل ّه ‪ ،‬فَفَعَلُوا ‪.‬‬ ‫ل لَه‬ ‫سهْلَة ‪ ،‬فَقَا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ستَغْ ِ‬ ‫م ‪ :‬اِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ضوْا إِلَى أْرض َ‬ ‫وَأفْ َ‬
‫ْ َ َ‬ ‫َ‬
‫ت ع َلَى بَنِي‬ ‫ض ْ‬ ‫حط ّةِ ال ّتِي عََر َ‬ ‫سي بِيَدِهِ إِنَّهَا لِل ِ‬ ‫ل ‪ :‬وَاَل ّذِي نَفْ ِ‬ ‫فَقَا َ‬
‫حدِيثه "‬ ‫ي فِي َ‬ ‫ن الُّزهْرِ ِ ّ‬ ‫حاق ع َ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ل اِبْن إ ِ ْ‬ ‫متَنَعُوا " قَا َ‬ ‫سَرائِيل فَا ْ‬ ‫إِ ْ‬
‫ه‬
‫خرِج ُ‬ ‫مض فِي طَرِيق ت ُ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫مين بَيْن ظَهَْريْ ال ْ َ‬ ‫سلُكُوا ذ َات الْي َ ِ‬ ‫ل ‪ :‬اُ ْ‬ ‫فَقَا َ‬
‫ميم‬ ‫سرِ ال ْ ِ‬ ‫مَرار بِك َ ْ‬ ‫حدَيْبِيَة " ا ه ‪ .‬وَثَنِيَّة ال ْ ِ‬ ‫مهْبِط ال ْ ُ‬ ‫مَرار َ‬ ‫ع َلَى ثَنِيَّة ال ْ ِ‬
‫حدَيْبِيَة ‪.‬‬ ‫شرِف ع َلَى ال ْ ُ‬ ‫جبَل ت ُ ْ‬ ‫ي طَرِيق فِي ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫خفِيف الَّراء ه ِ‬ ‫وَت َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مك ّة ‪ ،‬وَهُوَ وَهْم ‪،‬‬ ‫سفَل َ‬ ‫شارِح أنَّهَا الث ّنِيَّة ال ّتِي أ ْ‬ ‫م الدَّاوُدِيّ ال ّ‬ ‫وََزع َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مي ‪ ،‬وَفِي‬ ‫سل َ ِ‬ ‫مرو اْل ْ‬ ‫مَزة بْن ع َ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫م َ‬ ‫ك بِهِ ْ‬ ‫سل َ َ‬ ‫سعْد ال ّذِي َ‬ ‫ي اِبْن َ‬ ‫م َ‬ ‫س ِّ‬ ‫وَ ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مين‬ ‫ن يَ ِ‬ ‫خذ بِنَا ع َ ْ‬ ‫جل يَأ ُ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ْ‬ ‫م‬‫َ‬ ‫ل"‬ ‫ن عُْروَة فَقَا َ‬ ‫ْ‬ ‫سوَد ع َ‬ ‫رِوَايَة أبِي اْل ْ‬
‫حة الْقَوْم ‪ ،‬وَذَل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫حر لَعَل ّنَا نَطْوِي ُ‬ ‫سيْف الْب َ ْ‬ ‫حو َ‬ ‫جة ن َ ْ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ال ْ َ َ‬
‫صة ‪.‬‬ ‫ن دَابَّته " فَذ َكََر ال ْ ِق َّ‬ ‫جل ع َ ْ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫الل ّيْل ‪ ،‬فَنََز َ‬
‫ل)‬ ‫ح ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ل النَّاس ‪َ :‬‬ ‫حلَته ‪ ،‬فَقَا َ‬ ‫ت بِهِ َرا ِ‬ ‫قَوْله ‪ ( :‬بََرك َ ْ‬
‫َ‬
‫سيْر ‪،‬‬ ‫ت ال َّ‬ ‫مة تُقَال لِلنَّاقَةِ إِذ َا تََرك َ ْ‬ ‫سكُون ال ّلم ‪ .‬كَل ِ َ‬ ‫ملَة وَ ُ‬ ‫مهْ ََ‬ ‫بِفَتِْح ال ْ ُ‬
‫ن أَعَدْتهَا‬ ‫سكُون ‪ ،‬وَإ ِ ْ‬ ‫حدَة فَال ُّ‬ ‫ل وَا ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن قُلْت َ‬ ‫ي ‪ :‬إِ ْ‬ ‫خط ّاب ِ ُّ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫وَقَا َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ما‬ ‫يه َ‬ ‫سكُون فِ ِ‬ ‫حكَى غَيْره ال ُّ‬ ‫سك ّنْت فِي الثَّانِيَة ‪ ،‬وَ َ‬ ‫نَوَّنْت فِي اْلولَى وَ َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫جته ع َ ْ‬ ‫حلْت فَُلنًا إِذ َا أْزع َ ْ‬ ‫حل ْ َ‬ ‫وين كَنَظِيرِهِ فِي بٍَخ بٍَخ ‪ ،‬يُقَال َ‬ ‫وَالتَّن ْ ِ‬
‫ضعه ‪.‬‬ ‫موْ ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت)‬ ‫ح ْ‬ ‫قَوْله ‪ ( :‬فَأل ّ‬
‫َ‬
‫حاح ‪.‬‬ ‫ن اْلِل ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ع َلَى عَدَم الْقِيَام وَهُوَ ِ‬ ‫ماد َ ْ‬ ‫ملَة أيْ ت َ َ‬ ‫م ْه َ‬ ‫شدِيد ِ ال ْ ُ‬ ‫بِت َ ْ‬
‫َ‬
‫صوَاء )‬ ‫ت ال ْ َق ْ‬ ‫خَل ْ‬ ‫قَوْله ‪َ ( :‬‬
‫ل اِبْن قُتَيْبَة ‪َ :‬ل‬ ‫ل ‪ ،‬وَقَا َ‬ ‫خي ْ ِ‬ ‫ن لِل ْ َ‬ ‫حَرا ِ‬ ‫ل كَال ْ ِ‬ ‫مد ّ لِْلِب ِ ِ‬ ‫مةِ وَال ْ َ‬ ‫ج ََ‬ ‫معْ َ‬ ‫خَلء بِال ْ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ل‬‫م ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ل اِبْن فَارِس ‪َ :‬ل يُقَال لِل ْ َ‬ ‫صة ‪ .‬وَقَا َ‬ ‫خا َّ‬ ‫ق َ‬ ‫خ ََلء إ ِ ّل لِلنُّو ِ‬ ‫يَكُون ال ْ َ‬
‫سم نَاقَة‬ ‫مد ّ ‪ .‬ا ِ ْ‬ ‫ملَة وَ َ‬ ‫م ْه َ‬ ‫صوَاء بِفَتِْح ال ْ َقَاف بَعْدهَا ُ‬ ‫ح ‪َ .‬وَالْقَ َ ْ‬ ‫ن أل َ َّ‬ ‫ْ‬ ‫خَل َ لَك ِ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن طَرف أذ ُنهَا‬ ‫ل كَا َ‬ ‫م ‪ ،‬وَقِي َ‬ ‫سل َ‬ ‫صلى الله ع َليْهِ وَ َ‬ ‫سول الله َ‬ ‫َر ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫صى وَنَاقَة‬ ‫صو قَطْع طََرف اْلذ ُن يُقَال ‪ :‬بَعِير أقْ َ‬ ‫مقْطُوع ًا ‪ ،‬وَال ْ َق ْ‬ ‫َ‬
‫ك فِي بَعْض‬ ‫صرِ ‪ ،‬وَقَد ْ وَقَعَ ذَل ِ َ‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ال‬ ‫ب‬ ‫ون‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫قُصوى ‪ ،‬وكَان الْقياس أ َ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ ِ َ‬ ‫ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل ل َها‬ ‫سبَق فَقِي َ‬ ‫ت ل تُ ْ‬ ‫م الد ّاوُدِيّ أن ّ َها كَان َ ْ‬ ‫سخ أبِي ذَّر ‪ ،‬وََزع َ َ‬ ‫نُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صاه ُ ‪.‬‬ ‫سبْق أقْ َ‬ ‫ن ال َّ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫صوَاء ِلنَّهَا بَلَغَ ْ‬ ‫الْقَ ْ‬
‫ق)‬ ‫ك لَهَا ب ِ ُ ُ‬ ‫ما ذ َا َ‬ ‫قَوْله ‪َ ( :‬و َ‬
‫خل ٍ‬ ‫َ‬
‫ستِتَار‬ ‫جوَاز اِل ْ‬ ‫صل َ‬ ‫ل اِبْن بَط ّال وَغ َ َيْره ‪ :‬فِي هَذ َا الْفَ ْ‬ ‫أَيْ بِعَادَةٍ ‪ ،‬قَا َ‬
‫جوَاز‬ ‫م ‪ ،‬وَ َ‬ ‫ش ط َ َلَبًا لِغَِّرتِهِ ْ‬ ‫جي ْ ِ‬ ‫م بِال ْ َ‬ ‫جأته ْ‬ ‫مفَا َ‬ ‫ن َو ُ‬ ‫شرِكِي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن طََلئِع ال ْ ُ‬ ‫عَ ْ‬
‫سهْلَة إِلَى‬ ‫ن الط ّرِيق ال َّ‬ ‫جوَاز التَّنْكِيب ع َ ْ‬ ‫جةِ وَ َ‬ ‫حا َ‬ ‫حده لِل ْ َ‬ ‫سفَر وَ ْ‬ ‫ال َّ‬
‫ن‬ ‫حكْم ع َلَى ال َّ‬ ‫جوَاز ال ْ ُ‬ ‫صل َ َ‬ ‫عَرة لِل ْ َ‬ ‫الْوَ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ما ع ُرِ َ‬ ‫يء ب ِ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫حةِ ‪ ،‬وَ َ‬ ‫م ْ‬
‫خص هَفْوَة َل‬ ‫َ‬
‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن يَطَْرأ ع َلَيْهِ غَيْره ‪ ،‬فَإِذ َا وَقَعَ ِ‬ ‫جاَز أ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ع َادَته وَإ ِ ْ‬
‫معْذَِرة‬ ‫ه إِلَيْهَا ‪ ،‬وَ َ‬ ‫سب َ ُ‬ ‫ن نَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫سب إِلَيْهَا َويَُرد ّ ع َلَى َ‬ ‫مثْل َها َل يُن ْ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫يُعْهَد ِ‬
‫صوَاء لَوَْل‬ ‫خَلء ال ْ َق ْ‬ ‫ن َ‬ ‫حاله ‪ِ ،‬ل َ َّ‬ ‫صوَرة َ‬ ‫ن َل يَعْرِف ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م َّ‬ ‫ه إِلَيْهَا ِ‬ ‫سب َ ُ‬ ‫ن نَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫م الن ّب ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫م يُعَاتِبهُ ْ‬ ‫َ‬
‫حا وَل ْ‬ ‫حي ً‬ ‫ص ِ‬ ‫حابَة َ‬ ‫ص َ‬ ‫َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫َ‬
‫ما ظن ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫خارِق العَادَة لكا َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ل ‪ :‬وَفِي ِ‬ ‫م ‪ ،‬قَا َ‬ ‫م فِي ظَنّه ْ‬ ‫ك لِعُذ ْرِه ِ ْ‬ ‫م ع َلَى ذَل ِ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫صل ّى الل ّه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫صرِيح إِذ َا كا َ‬ ‫حةِ بِغَيْرِ إِذ ْنه ال َّ‬ ‫صل َ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ملك الغَيْر بِال َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫صُّرف فِي ِ‬ ‫جوَاز الت ّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ح ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ما يَد ُ ّ‬
‫ل‬ ‫ل َ‬ ‫م قالوا َ‬ ‫ضا بِذَل ِك ‪ِ ،‬لن ّهُ ْ‬ ‫ل ع َلى الّرِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫سبَقَ ِ‬ ‫َ‬
‫م ع َلَيْهِ ‪.‬‬ ‫م ي ُ َعاتِبهُ ْ‬ ‫جُروهَا بِغَيْرِ إِذ ْن ‪ ،‬وَل َ ْ‬ ‫فََز َ‬
‫حابِس الْفِيل )‬ ‫سهَا َ‬ ‫حب َ َ‬ ‫قَوْله ‪َ ( :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ل عَ ْ‬ ‫ج ّ‬ ‫سهَا الل ّه عََّز وَ َ‬ ‫حب َ َ‬ ‫مك ّة " أيْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫حاق فِي رِوَايَته " ع َ ْ‬ ‫س َ‬ ‫َزاد َ إ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ش ُهوَرة‬ ‫م ْ‬ ‫فيل َ‬ ‫صة ال ْ ِ‬ ‫خولهَا ‪ .‬وَقِ َّ‬ ‫ن دُ ُ‬ ‫فيل ع َ ْ‬ ‫س ال ْ ِ‬ ‫حب َ َ‬ ‫ما َ‬ ‫مك ّة ك َ َ‬ ‫خول َ‬ ‫دُ ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫حابَة ل َ ْ‬
‫و‬ ‫ص َ‬ ‫ن ال َّ‬ ‫سبَة ذِكْرهَا أ َّ‬ ‫منَا َ‬ ‫مكَانهَا ‪ ،‬وَ ُ‬ ‫شاَرة إِلَيْهَا فِي َ‬ ‫ستَأتِي اْل ِ َ‬ ‫َ‬
‫ك لَوَقَعَ بَيْنه ْ‬
‫م‬ ‫ن ذَل ِ َ‬ ‫م قَُريْش ع َ ْ‬ ‫صدَّهُ ْ‬ ‫صوَرة وَ َ‬ ‫ك ال ُّ‬ ‫مكَّة ع َلَى تِل ْ َ‬ ‫خلُوا َ‬ ‫دَ َ‬
‫ما لَوْ قُدَِّر د ُ ُ‬ ‫َ‬
‫خول‬ ‫موَال ك َ َ‬ ‫ماء وَنَهْب اْل َْ‬ ‫سفْك الدِّ َ‬ ‫ضي إِلَى َ‬ ‫قِتَال قَد ْ ي ُ ْف ِ‬
‫علْم الل ّه تَعَالَى فِي‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سبَقَ فِي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مك ّة ‪ ،‬لَك ِ ْ‬ ‫حابه َ‬ ‫ص َ‬ ‫الْفِيل وَأ ْ‬
‫ال ْموضعي َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫خَرج ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م ‪ ،‬وَي ُ ْ‬ ‫منْهُ ْ‬ ‫خلْق ِ‬ ‫سَلم َ‬ ‫ل فِي اْل ِ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫سيَد ْ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن أن َّ ُ‬ ‫َ َ ْ ِ َ ْ ِ‬
‫َ‬
‫مع‬ ‫ج ْ‬ ‫حدَيْبِيَة َ‬ ‫مك ّة فِي ال ْ ُ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ن ‪ ،‬وَكَا َ‬ ‫جاهِدُو َ‬ ‫ن وَي ُ َ‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م نَاس ي ُ ْ‬ ‫صَلبه ْ‬ ‫أ ْ‬
‫ساء وَالْوِلْدَان ‪،‬‬ ‫جال وَالن ِّ َ‬ ‫ن الّرِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ضعَفِي َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫منُو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫كَثِير ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مد‬ ‫م بِغَيْرِ ع َ ْ‬ ‫منْهُ ْ‬ ‫صاب نَاس ِ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫مك ّة ل َ َ‬ ‫حابَة َ‬ ‫ص َ‬ ‫فَلَوْ طََرقَ ال َّ‬
‫ن ) اْليَة ‪،‬‬ ‫منُو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫جال ُ‬ ‫شاَر إِلَيْهِ تَعَالَى فِي قَوْله ‪ ( :‬وَلَوَْل رِ َ‬ ‫ما أ َ َ‬ ‫َ‬ ‫كَ‬
‫َ َْ َ‬
‫حابِس الْفِيل "‬ ‫ي" َ‬ ‫مة وَه ِ ََ‬ ‫جوَاز هَذِهِ الْكَل ِ َ‬ ‫ستِبْعَاد َ‬ ‫مهَل ّب ا ِ ْ‬ ‫وَوَقعَ لل َ ُ‬
‫ب‬ ‫َ‬ ‫ج ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ع َلَى الل ّه تَعَالى فَقَا َ‬ ‫َ‬
‫ل ‪ ،‬وَتُعُقِّ َ‬ ‫مر الله ع َ ّز وَ َ‬ ‫ْ‬ ‫سهَا أ‬ ‫حب َ َ‬ ‫مَراد َ‬ ‫ُ‬ ‫ل ‪ :‬ال‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫بِأَن َّ‬
‫حابِس‬ ‫سهَا الل ّه َ‬ ‫حب َ َ‬ ‫حقّ الل ّه فَيُقَال َ‬ ‫ك فِي َ‬ ‫جوز إِطَْلق ذَل ِ َ‬ ‫ه يَ ُ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حابِس‬ ‫حانه وَتَعَالَى َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ميَته ُ‬ ‫س ِ‬ ‫منَع ت َ ْ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫مكِن أ ْ‬ ‫ما ال ّذِي ي ُ ْ‬ ‫فيل وَإِن َّ َ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫ي ع َلَى ال َّ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫حيح ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫مبْن ِ ّ‬ ‫منِير ‪ ،‬وَهُوَ َ‬ ‫ب اِبْن ال ْ ُ‬ ‫جا َ‬ ‫حوه ‪ ،‬كَذ َا أ َ‬ ‫الْفِيل َون َ ْ‬
‫أ َ َّ َ‬
‫ح ّ‬
‫ل‬ ‫م َ‬ ‫ي وَطَائِفَة فَقَالُوا ‪َ :‬‬ ‫ط الْغََزال ِ ّ‬ ‫س َ‬ ‫ماء تَوْقِيفِيَّة ‪ .‬وَقَد ْ تَوَ َّ‬ ‫س َ‬ ‫ن اْل ْ‬
‫ن َل يَكُون ذَل ِ َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫شْرط أ ْ‬ ‫ه‪َ ،‬‬ ‫من ْ ُ‬ ‫شتَقْ ِ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫ص بِ َ‬ ‫م يَرِد ن َ ّ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫منْع َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ميَته الْوَاقِي لِقَوْلِهِ‬ ‫س ِ‬ ‫جوز ت َ ْ‬ ‫ص ‪ ،‬فَي َ ُ‬ ‫شعًِرا بِنَقْ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫شتَقّ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫سم ال ْ ُ‬ ‫اِل ْ‬
‫ميَته‬ ‫س ِ‬ ‫جوز ت َ ْ‬ ‫مته ) وََل ي َ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ومئِذ ٍ فَقَد ْ َر ِ‬ ‫ْ‬ ‫سي ِّئَات ي َ‬ ‫ق ال َّ‬ ‫ِ‬ ‫ن تَ‬ ‫ْ‬ ‫تَعَالَى ‪َ ( :‬و َ‬
‫م‬
‫ماء بَنَيْنَاهَا بِأَيْد ٍ ) ‪.‬‬ ‫س َ‬ ‫ن وََرد َ قَوْله تَعَالَى ‪ ( :‬وَال َّ‬ ‫الْبِنَاء وَإ ِ ْ‬
‫ت‬ ‫ختَلَفَ ْ‬ ‫ن اِ ْ‬ ‫مة وَإ ِ ْ‬ ‫جهَة الْعَا َّ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شبِيه ِ‬ ‫جوَاز الت َّ ْ‬ ‫صة َ‬ ‫وَفِي هَذِهِ الْقِ َّ‬
‫صة ‪ِ ،‬ل َ َ َ‬
‫حض‬ ‫م ْ‬ ‫حاب الْفِيل كَانُوا ع َلَى بَاطِل َ‬ ‫ص َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ّ‬ ‫خا َّ‬ ‫جهَة ال ْ َ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫جاءَ الت َّ ْ‬ ‫وأ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫شبِيه ِ‬ ‫ن َ‬ ‫حض ‪ ،‬لَك ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫حقّ َ‬ ‫حاب هَذِهِ النَّاقَة كَانُوا ع َلَى َ‬
‫َ‬
‫ص َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مطلقًا ‪ ،‬أ َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ضح ‪،‬‬ ‫ن أهْل البَاطِل فَوَا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫حَرم ُ‬

You might also like