You are on page 1of 218

‫يحظر بيع هذا الكتاب للّرجال‬

‫نسيان‪com.‬‬

‫ب امرأة و انسيه كما ينسى الرجال‬


‫أحّبيه كما لم تح ّ‬

‫‪1‬‬
‫إهداء أّول‬

‫أهدي هذا الكتاب أّول إلى قراصنة كتبي‪ .‬فل أعرف أحًدا انتظر إصداًرا‬
‫جديًدا لي كما انتظروه‪.‬‬
‫أنا مدينة لهم بانتشاري‪ .‬فلولهم ما فاضت المكتبات بآلف النسخ ‪ -‬المقّلدة‬
‫طبق الصل ‪ -‬عن كتبي‪.‬‬

‫إلى صديقتي تلك‪.‬‬


‫إلى نبل ترّفعها أرفع هذا الكتاب‪.‬‬
‫إلى النساء اللواتي عقدن قرانهن على النتظار‬
‫و إلى " الرجال الرجال " الذين بمجيئهم تتغّير القدار‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫هكذا تورطت في هذا الكتاب‬

‫أغبطك نعمة الخشب‪ ،‬نعمة النسيان‬


‫أّيها الباب‬
‫سوف تحيا من بعدي‬

‫جار‬
‫فقيد الشعر بسام ح ّ‬

‫‪3‬‬
‫دا عاطفّيا‬
‫الكاتب مرش ً‬

‫بماذا يفيد الدب إن لم يعّلمنا كيف نح ّ‬


‫ب؟‬
‫كامي لورانس‬

‫للشاعر ريلكه كتاب عنوانه "رسائل إلى شاعر شاب"‪ .‬يشرح فيه لمن يريد‬
‫ي جحيم عليه أن يعبر قبل‬ ‫القبض على نار الشعر كيف يصبح شاعًرا‪ .‬و أ ّ‬
‫بلوغه فردوس القصيدة‪ .‬و مؤخًرا أصدر الروائي البيروفي ‪ -‬الوسيم شك ً‬
‫ل‬
‫و قلًما ‪ -‬ماريو بارغاس يوسا كتاًبا بعنوان "رسائل إلى روائي شاب"‪ .‬ه ّ‬
‫ب‬
‫من خلله لنجدة الروائّيين الشباب الحائرين أمام الكيمياء المعّقدة للبداع‬
‫التي تتفاعل في دهاليز النفس المعتمة و القصّية‪ ،‬مثل فن ل يمكن القبض‬
‫عليه‪.‬‬
‫أّما المفاجأة الخيرة فكانت القصيدة التي تركها محمود درويش قبل رحيله‬
‫كوصّية لشاعر شاب‪ .‬كمن يترك آخر تعاليمه و ُيهدي أخطاءه لمن‬
‫سيواصل الطريق بعده‪ ،‬مختصًرا عليه عمًرا من الهفوات‪.‬‬
‫حدث كثيرا أن تمّنيت لو أّني أملك الوقت و الصبر اللزمْين لكتابة‬
‫"رسائل إلى عاشقة شابة"‪.‬‬
‫ب‪ ..‬كيف ل نشقى‪ ..‬كيف ننسى‪ ..‬كيف نتداوى‬ ‫ل أحد يعّلمنا كيف نح ّ‬
‫ب‪ ..‬كيف ل نسهر‪..‬‬ ‫ب‪ ..‬كيف نكسر ساعة الح ّ‬ ‫من إدمان صوت من نح ّ‬

‫‪4‬‬
‫كيف ل ننتظر‪ ..‬كيف نقاوم تحّرش الشياء بنا‪ ..‬كيف نحبط مؤامرة‬
‫الذكريات‪ ..‬و صمت الهاتف‪.‬‬
‫كيف ل نهدر أشهًرا وأعواًما من عمرنا في مطاردة وهم العواطف‪ ..‬كيف‬
‫لدنا من دون أن نعود إلى جحيمه‪ ..‬كيف ننجو من جحيمه‬ ‫نتعاطف مع ج ّ‬
‫لح ّ‬
‫ب‬ ‫ب‪ ..‬كيف نخرج من بعد ك ّ‬ ‫من دون أن نلقي بأنفسنا في تهلكة أّول ح ّ‬
‫و أقوياء‪ ..‬و ربما سعداء‪.‬‬ ‫أحياء‬
‫هل من يخبرنا و نحن نبكي بسبب ظلم من أحببنا أّننا يوًما سنضحك مّما‬
‫اليوم يبكينا؟‬
‫ب مأخذ الجّد‪ .‬فل أحد قال لنا أّنه في الواقع أجمل‬ ‫سنندم كثيًرا لّننا أخذنا الح ّ‬
‫أوهامنا و أكثرها وجًعا‪.‬‬
‫ب الخيبة‪ .‬لّنه يولد بأحلم شاهقة أكبر من أصحابها‪.‬‬ ‫لسبب بسيط‪ :‬قدر الح ّ‬
‫ذلك أّنه يحتاج أن يتجاوزهم ليكون حّبا‪.‬‬
‫ل اللغات‬ ‫ل يمكن حصر عدد الكّتاب الذين عبر الزمنة و الحضارات و بك ّ‬
‫عملوا مرشدين عاطفّيين للتائهين من العشاق في الزقة و الشوارع الجانبّية‬
‫ب‪ .‬ليس لي هذا الدعاء‪ .‬أنا مجّرد ممرضة ل تملك سوى حقيبة إسعافات‬ ‫للح ّ‬
‫أولّية ليقاف نزيف القلوب النثوّية عند الفراق‪.‬‬
‫مع القطن و السبيرتو و الضّمادات‪ ,‬أحمل لكنّ كثيًرا من الضحك‪.‬هل تعرفن‬
‫جا أفضل ؟‬ ‫عل ً‬
‫‪ +‬كتبت " دليل النسيان " هذا بسخرية كبيرة‪ .‬أريدكن أن تضحكن‪ .‬ل شيء‬
‫ق السى‪ " .‬هل ثّمة ما هو أكثر سعادة من الفراق؟ " تسأل غادة‬ ‫يستح ّ‬
‫السّمان‪ .‬أو بالحرى هي تجزم بذلك‪.‬‬
‫في النهاية‪ ،‬ما النسيان سوى قلب صفحة من كتاب العمر‪ .‬قد يبدو المر‬
‫ل فصل من‬ ‫ل‪ ،‬لكن ما دمت ل تستطيع اقتلعها ستظل تعثر عليها بين ك ّ‬ ‫سه ً‬
‫فصول حياتك‪ .‬ليس نظرك هو الذي يتوقف عندها‪ ،‬بل عمرك المفتوح عليها‬
‫‪5‬‬
‫ل صفحات حياتك ‪ .‬لذا يعّلق مالك حداد بتهّكم‬
‫دوًما‪ ،‬كأّنها مستنسخة على ك ّ‬
‫مّر " يجب قلب الصفحة‪ ،‬هل فكرتم في وزن الصفحة التي نقلبها؟ "‪.‬‬
‫دور الكاتب تخفيف وزن هذه الصفحة ما استطاع‪ ،‬و قلبها نيابة عنكم‪.‬‬
‫دعوني أحاول‪ .‬ربما استطعت قلب صفحتكم هذه‪ .‬ذلك أّنه من السهل قلب‬
‫صفحة الخرين !‬

‫‪6‬‬
‫الفصول الربعة‪ ..‬للح ّ‬
‫ب‬

‫كتبتني‬
‫باليد التي أزهرت في ربيعك‬
‫بالقبلت التي كنت صيفها‬
‫بالورق اليابس الذي بعثره خريفك‬
‫بالثلج الذي سرت على ناره حافية‬

‫شاق في‬ ‫ن بعض الجمل التي جاءت في كتبي‪ ,‬يتبادلها الع ّ‬ ‫تأّ‬ ‫عِلْم ُ‬
‫قبل أعوام َ‬
‫ما بينهم كرسائل هاتفّية‪.‬‬
‫ل ذعري أمام هذا الخبر‪ .‬أّية مسؤولّية أن أصبح‬ ‫ما كان يضاهي سعادتي إ ّ‬
‫ب‪ ,‬و أن يغدو لي أتباع و مريدين يسيرون على مذهبي‬ ‫شيخة طريقة في الح ّ‬
‫ل لست واثقة تماًما من‬ ‫و يروون عني أقوا ً‬ ‫العاطفي‪,‬‬
‫و نصائح ما خبرت عواقبها‪ .‬فأنا ل أملك لهم فتاوى‬ ‫حتها‪.‬‬
‫صّ‬
‫و ل مذهب‪.‬‬ ‫ب ل شرع له‬ ‫و ل مواعظ و ل أحكام شرعّية‪ .‬الح ّ‬
‫حتى الرجال‬ ‫ب قّرائي‪.‬‬‫لكّني دوًما وجدتني متوّرطة في قصص ح ّ‬
‫ل مشاكلهم العاطفّية‪ ] .‬حين صدرت ذاكرة الجسد‬ ‫كانوا يستنجدون بي لح ّ‬
‫ل طوائف العشاق‪ .‬أذكر أّنني قضيت‬ ‫قبل خمس عشرة سنة التّفت حولي ك ّ‬
‫ب فتاة من غير‬ ‫ل مشكلة ضابط في الجيش يح ّ‬ ‫أسابيع على الهاتف أح ّ‬
‫طائفته‪ .‬و مشكل شاعر حجبوا عنه حبيبته ‪ -‬تماًما كما في العصر الجاهلي‬
‫‪ -‬منعوها من مغادرة البيت و منعوا عنها الهاتف و ما عاد يعلم عنها شيًئا‪.‬‬
‫صى أخبارها بعد أن جاءني بهاتف أهلها‪.‬‬ ‫ي أن أتنّكر و أن أتق ّ‬ ‫و كان عل ّ‬

‫‪7‬‬
‫أحدهم بعث لي مّرة رسالة من الردن يطلب مّني أن أهاتف حبيبته في عيد‬
‫ميلدها لّنها ترفض الرّد على هاتفه‪ .‬كان يريد أن أبلغها أّنه يحّبها و يعتذر‬
‫منها لّنه أخطأ في حّقها‪ .‬أو لعّله خانها‪.‬‬
‫قال أّنه ما وجد طريًقا إليها سواي لعلمه كم تحّبني‪ .‬و كم بإمكاني أن أؤّثر‬
‫ت بمكتب البريد يومها‪ .‬فقد وصلت‬ ‫ظه أّنني مرر ُ‬‫على قرارها‪ .‬من حسن ح ّ‬
‫و قضيت وقًتا على الهاتف أقنعها بالدفاع عن‬ ‫الرسالة في يوم عيدها‪.‬‬
‫حّبها‪ .‬و منح هذا العاشق فرصة أخرى‪.‬‬
‫و في أحد معارض الكتاب بالجزائر‪ .‬قصدني أحدهم سعيًدا برؤيتي قال أّنه‬
‫ن حبيبته طلبت منه مهًرا كتاب عابر‬ ‫ترّدد على المعرض عساه يصادفني ل ّ‬
‫ت لها قبلة على الكتاب و‬ ‫سرير بتوقيعي الذي كان قد صدر لتّوه‪ .‬فترك ُ‬
‫ي فندق‬‫حّدثتها على هاتفه و وعدتهما يوم زواجهما بثلثة أيام إقامة في أ ّ‬
‫حا أّنهما طالبان جامعّيان ل يملكان إ ّ‬
‫ل‬ ‫يختارانه في الجزائر‪ .‬فقد كان واض ً‬
‫ب‪ .‬كانت تلك أجمل وعودي على الطلق‪ .‬ككاتبة متوّرطة في‬ ‫ثراء الح ّ‬
‫حياة قّرائها حّد التحول إلى وكالة زواج و تأمين مراسيم الفراح للعرسان‬
‫منهم‪ .‬لكّنهما ما عاودا التصال بي‪ .‬لعّلهما افترقا‪ ..‬أو لعّلها ما أحّبت‬
‫الكتاب !‬
‫على مدى عمر من الكتابة‪ .‬كم استودعتني النساء من أسرار‪ .‬و كم تجّمعت‬
‫ب‪ .‬و كم امتلت دفاتري بأفكار و مقولت في الح ّ‬
‫ب‬ ‫ي قصص عن الح ّ‬ ‫لد ّ‬
‫يصعب حشرها جميعها في أعمالي الروائية‪ .‬كانت نّيتي الولى جمعها في‬
‫كتاب واحد‪ .‬لكّنها غدت أكبر من أن يضّمها كتاب‪ .‬و حين رحت أفّكر في‬
‫ي حسب‬ ‫ب‪ .‬أ ّ‬
‫سمة حسب مراحل الح ّ‬ ‫تقسيمها حسب المواضيع‪ .‬غدت مق ّ‬
‫فصوله الربعة‪:‬‬

‫فصل اللقاء و الدهشة‬


‫‪8‬‬
‫فصل الغيرة و اللهفة‬
‫فصل لوعة الفراق‬
‫فصل روعة النسيان‬

‫و أعاصير‬ ‫ب البدّية بربيعها و صيفها و خريفها‬ ‫إّنها رباعّية الح ّ‬


‫شتائها‪ .‬وحده إبراهيم ناجي استطاع أن يختصرها في قصيدة واحدة هي‬
‫رائعته " الطلل "‪.‬‬
‫ت هذه الفكرة أثناء حديث جمعني بصديقتي الغالية المطربة جاهدة‬ ‫حين ُولَد ْ‬
‫ي‪ .‬فجاهدة‬ ‫ن تناسب فصله العاطف ّ‬ ‫ل كتاب مرفًقا بأغا ٍ‬ ‫وهبي‪ .‬فّكرنا أن يكون ك ّ‬
‫صا شعرّيا‪ .‬تملك لي أرشيًفا غنائّيا‬ ‫حنت و غّنت لي أربعة عشر ن ّ‬ ‫التي ل ّ‬
‫طي الفصول الربعة و يزيد‪.‬‬ ‫يغ ّ‬
‫ب‪ .‬لن‬
‫و هكذا تحّول المشروع من كتاب إلى سلسلة من أربعة كتب عن الح ّ‬
‫جهة حصرّيا للنساء‪ ،‬في الفصول القادمة سيكون للرجال‬ ‫تكون جميعها مو ّ‬
‫ل بالدرجة الولى نسائّيا بنّية رفع‬ ‫مساحة أكبر‪ .‬و إن كان هذا الفضاء سيظ ّ‬
‫ب!‬‫ي عنهن بصفتهن أولى ضحايا الح ّ‬ ‫الغبن العاطف ّ‬
‫ي ) الذي أصبح‬ ‫ت من عملي الروائ ّ‬ ‫سَرْق ُ‬
‫ت لهذا المشروع إلى حّد َ‬ ‫س ُ‬‫لقد تحّم ْ‬
‫جاهًزا تقريًبا ( ثلثة أشهر لكتابة هذا الكتاب‪ .‬إن بقيت على هذا الحماس‬
‫ربما تمّكنت في حدود السنة إنجاز هذه السلسلة ) قولوا إن شاء ال (‪.‬‬
‫ل أّول و ليس اللقاء؟‬ ‫لماذا اخترت النسيان فص ً‬
‫ل يمكن‬ ‫ب ذاكرته الجديدة‪ .‬و من دونه‬ ‫سس الح ّ‬‫لن على النسيان ُيؤ ّ‬
‫ب أن يولد‪ ] .‬و لّنه الفصل الذي يتفّوق فيه علينا الرجال‪ ,‬و يذهلوننا‬ ‫لح ّ‬
‫بقدرتهم على التعافي و الشفاء‪ .‬بينما تترك بعض النساء سنوات من‬
‫أعمارهن‪ ،‬فائض قيمة إضافّية‪ ..‬ثمًنا لنسيان رجل سبق لحّبه أن أخذ منهن‬
‫سنوات أخرى [‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫ت هذا الكتاب و حولي نساء يخضن معارك بالسلح البيض مع‬ ‫كتْب ُ‬
‫ض الشتباك بينهن و بين الذكريات‪ .‬كما‬ ‫الماضي‪ .‬صديقات يستنجدن بي لف ّ‬
‫لو كنت " رجال القبعات الزرقاء" المكّلفين من جمعّية المم بالفصل بين‬
‫طرفي نزاع‪.‬‬
‫ن ينزفن‬ ‫بوهّ‬ ‫لولئك النساء المعّذبات‪ ,‬ما كان يمكن أن أقّدم كتاًبا في الح ّ‬
‫‪ -‬كما الرجال ‪ -‬أن يتقّبلن‬ ‫بجروح الماضي كان ل بّد أن يتعافين تماًما‬
‫فكرة أن ينسين أخيًرا مثلهم‪ ,‬ما دام النسيان في متناول الجميع‪ .‬كي يغادرن‬
‫ب إلى ربيعه‪.‬‬
‫شتاء الح ّ‬

‫] طلب أستاذ ياباني من تلميذه تعريف الثلج‪ .‬أحدهم أجاب " إّنه بداية‬
‫الربيع "‪ .‬كان التلميذ مشروع شاعر‪ .‬و كان بذلك التعريف يختصر لنا ميلد‬
‫ي مّما سيذيبه النسيان غًدا و‬
‫و الخيبات‪ .‬أ ّ‬ ‫ب من صقيع النهايات‬
‫الح ّ‬
‫ب الجديد [‬
‫يغّذي بجداوله مروج الح ّ‬
‫***‬
‫واذا التأم جرح جد بالتذكار جرح‬
‫فتعلم كيف تنسى و تعلم كيف تمحو‬
‫ابراهيم ناجي‬

‫‪10‬‬
‫ليشهد الدب أّنني بّلغت!‬

‫ب مثل الموت وعد ل يرّد و ل يزول‬


‫الح ّ‬
‫محمود درويش‬

‫ب‪.‬‬
‫أكبر لغزين في الحياة هما قطًعا الموت والح ّ‬
‫كلهما ضربة قدر صاعقة ل تفسير لها خارج ) المكتوب (‪ .‬لذا‪ ،‬تتغّذى‬
‫العمال البداعّية الكبرى من السئلة الوجودّية المحّيرة التي تدور حولهما ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫ن ل أحد يدري لماذا يأتي الموت في هذا المكان دون غيره‪ ،‬ليأخذ هذا‬ ‫ذلك أ ّ‬
‫ل بأخرى‪ ،‬و ل لماذا نقع في‬ ‫الشخص دون سواه‪ ،‬بهذه الطريقة‬
‫ب شخص بالذات ‪ .‬لماذا هو ؟ لماذا نحن ؟ لماذا هنا ؟ لماذا الن ؟‬ ‫ح ّ‬
‫ل أحد عاد من الموت ليخبرنا ماذا بعد الموت‪ .‬لكن الذين عادوا من " الح ّ‬
‫ب‬
‫صوا علينا عجائبه‪ ،‬ويصفوا لنا‬ ‫الكبير " ناجين أو مدّمرين‪ ،‬في إمكانهم أن يق ّ‬
‫سحره وأهواله‪ ،‬وأن ينّبهونا إلى مخاطره ومصائبه‪ ،‬لوجه ال ‪ ..‬أو لوجه‬
‫الدب‪.‬‬
‫ي من يتوله إذن ؟‬ ‫إذا لم يكن للدب في حياتنا دور المرشد العاطف ّ‬
‫ومن يعّدنا لتلك المغامرة الوجدانّية الكبرى‪ ،‬التي ستهّز كياننا عندما ل نكون‬
‫مهّيئين لها‪ .‬وستواصل ارتجاجاتها التأثير في أقدارنا و خياراتنا‪ ،‬حتى بعد أن‬
‫ب ويتوّقف زلزاله‪.‬‬ ‫ينتهي الح ّ‬
‫ت الزلزل على اليابان‪،‬‬ ‫إن كانت الهّزات العاطفّية قدًرا مكتوًبا علينا‪ ،‬كما ُكتَب ْ‬
‫فلنتعّلم من اليابانيين إذن‪ ،‬الذين هزموا الزلزال بالستعداد له‪ ،‬عندما اكتشفوا‬
‫أّنهم يعيشون وسط حزامه‪.‬‬
‫يمّر زلزال خفيف على بلد عربي‪ ،‬فيدّمر مدينة عن بكرة أبيها‪ ،‬ويقضي على‬
‫ي بطبعه‪ ،‬يترك للحياة‬ ‫ن النسان العربي قدر ّ‬ ‫الحياة فيها لسنوات عدة‪ .‬ذلك أ ّ‬
‫ب ل يرى أبعد من يومه‪ .‬وهو‬ ‫مهّمة تدّبر أمره‪ ،‬و في الحياة كما في الح ّ‬
‫جاهز تماًما لن يموت ضحّية الكوارث الطبيعّية أو الكوارث العشقّية‪ ،‬لّنه‬
‫و للحاكم المستبد‪..‬‬ ‫يحمل في تكوينه جينات التضحيات الغبّية للوطن‬
‫و للعائلة و الصدقاء و للحبيب ‪.‬‬
‫ل مرة تخرج أبراجها‬ ‫و تصمد جزر اليابان يومّيا في وجه أقوى الزلزل‪ .‬ك ّ‬
‫واقفة و أبناؤها سالمين‪ .‬عندهم يعاد إصلح أضرار الزلزل في بضعة أيام‪.‬‬
‫و تعّد الخسائر البشرية بأرقام مقياس ريختر‪ ..‬ل بقّوته‪ .‬فقّلما تجاوز الضحايا‬
‫عدد أصابع اليد ‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫صنعت اليابان معجزاتها بعقلها‪ ،‬و صنعنا كوارثنا جميعها بعواطفنا‪.‬‬
‫ب كارثة طبيعّية بمرتبة إعصار أو زلزال أو حرائق‬ ‫ماذا لو أعلّنا الح ّ‬
‫صنَع ْ‬
‫ت‬ ‫موسمّية‪ .‬لو جّربنا الستعداد لدمار الفراق بتقوية عضلة قلبنا الذي َ‬
‫سذاجته و هشاشته الغاني العاطفّية و الفلم المصرية التي ترّبينا عليها‪.‬‬
‫ل هّزة علينا أن نكتسب‬ ‫كما المباني اليابانّية المدروس عمارها ليتحّرك مع ك ّ‬
‫و التكّيف مع الهّزات العاطفّية‬ ‫ي‪.‬‬
‫ل طارئ عشق ّ‬ ‫مرونة التأقلم مع ك ّ‬
‫و ارتجاجات جدران القلب التي تنهار بها تلك الشياء التي أّثثنا بها‬
‫أحاسيسنا‪ .‬و اعتقدنا أّنها ثابتة و مسّمرة إلى جدران القلب إلى البد‪.‬‬
‫ب على توّقع احتمال الفراق‪ .‬و التأقلم مع‬ ‫لح ّ‬‫علينا أن نرّبي قلبنا مع ك ّ‬
‫ن في الفكرة يكمن شقاؤنا‪.‬‬ ‫فكرة الفراق قبل التأقلم مع واقعه‪ .‬ذلك أ ّ‬
‫ب بشيء من العقل ؟ لو قمنا بتقوية عضلة القلب‬ ‫ماذا لو جّربنا الستعداد للح ّ‬
‫ب‪ .‬أن نقاوم السقوط في فخاخ الذاكرة‬ ‫بتمارين يومّية على الصبر على من نح ّ‬
‫ب بقلب من " تيفال "‪.‬‬ ‫العاطفّية التي فيها قصاصنا المستقبلي‪ .‬أن ندخل الح ّ‬
‫ب كما نغادره دون‬ ‫ل يعلق بجدرانه شيء من الماضي‪ .‬أن نذهب إلى الح ّ‬
‫سى‪ ،‬لّننا مصّفحين ضّد الوهام العاطفّية‪ .‬ماذا لو تعّلمنا أ ّ‬
‫ل‬ ‫جراح‪ ،‬دون أ ً‬
‫ل نعطي أنفسنا بالكامل‪ ،‬وأن نتعامل مع هذا الغريب ل‬ ‫ب دفعة واحدة‪ ،‬و أ ّ‬ ‫نح ّ‬
‫ل يغادرنا احتمال أن يتحّول‬ ‫كحبيب‪ ،‬بل كمحتل لقلبنا وجسدنا وحواسنا‪ ،‬أ ّ‬
‫أو إعصار يكون‬ ‫اسمه الذي تنتشي لسماعه حواسنا‪ ،‬إلى اسم لزلزال‬
‫على يده حتفنا و هلكنا ؟‬
‫أّيتها العاشقات الساّذجات‪ ،‬الطّيبات‪ ،‬الغبّيات‪ ..‬ضعن هذا القول نصب‬
‫ل لم ير في خله عدّوا"‪.‬‬ ‫أعينكن‪" :‬ويل لخ ّ‬
‫ليشهد الدب أّنني بّلغت !‬

‫‪13‬‬
‫توضيح للرجال المتسّللين إلى هذا الكتاب‪:‬‬

‫ل كي يمل بفصيلتكم مجدًدا هذا العالم ‪ ,‬و أن يساعدنا‬


‫ل طوي ً‬
‫أّيها " الرجال الرجال " سنصلي ّ‬

‫على نسيان الخرين !‬

‫ي "‪.‬‬
‫ليس هذا " مانيفست" نسو ّ‬
‫عا عن الرجولة‪ .‬تلك السرة التي نباهي‬ ‫إّنه جردة نسائّية ضّد الذكورة دفا ً‬
‫ن من دونها ما كّنا لنكون إناًثا و ل نساًء‪.‬‬
‫بوقوعنا في فتنتها‪ .‬ل ّ‬
‫من قال أّننا نهجس بتلك الفحولة التي تباع في الصيدليات‪ .‬أو تلك الذكورة‬
‫النافشة ريشها التي تفتح أزرار قمصانها لكي تبدو السلسل الذهبّية الضخمة‬
‫و ما فاض من غابات الشعر و تضع في أصابعها خواتم بأحجار لفتة للنظر‪.‬‬
‫و‬ ‫رجولة الساعات الثمينة و السيجار الفخم التي تشهر أناقتها‬
‫عطرها و موديل سيارتها و ماركة جّوالها‪ ،‬كي تشي بفتوحاتها السابقة و‬
‫تغرينا بالنضمام إلى قائمة ضحاياها‪.‬‬
‫ما نريده من الرجال ل ُيباع‪ ،‬و ل ُيمكن للصين و ل لتايلند أن تقوم بتقليده‪،‬‬
‫و إغراق السواق ببضاعة رجالية تفي بحاجات النساء العربّيات‪.‬‬
‫خلق و إغراء‬ ‫ذلك أن الشهامة و الفروسّية و النفة و بهاء الوقار و نبل ال ُ‬
‫و الترفع عن الذى و‬ ‫التقوى و النخوة و الخلص لمرأة واحدة‬
‫ي الموجع في إغداقه و الستعداد للذود‬ ‫ستر المانة العاطفّية و السخاء العشق ّ‬
‫ل خلّية و حتى آخر خلّية و مواصلة الوقوف بجانبها‬ ‫عن شرف الحبيبة بك ّ‬
‫حتى بعد الفراق‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫ن مجرد سردها هنا يدفع للبتسام‪ ،‬و‬ ‫تلك خصال لعمري ليست للبيع‪ .‬بل إ ّ‬
‫يشعرنا بفداحة خساراتنا و ضآلة ما في حوزتنا‪.‬‬
‫ل يسأل‪.‬‬‫أين ذهب الرجال ؟ الك ّ‬
‫اختفاء الرجولة لم يلحق ضرًرا بأحلم النساء و مستقبلهن فحسب‪ ،‬بل‬
‫بناموس الكون و بقانون الجاذبّية‪.‬‬
‫ل احتجاج الكرة الرضّية على عدم وجود رجال‬ ‫ما الحتباس الحراري إ ّ‬
‫يغارون على أنوثتها‪ .‬لقد سّلموها كما سّلمونا " للعلوج "‪ ،‬فعاثوا فينا و‬
‫فيها خراًبا و فساًدا‪.‬‬
‫لتتعّلم النساء من أّمهن الرض‪ ،‬ل أحد استطاع إسكاتها و ل إبرام معاهدة‬
‫هدنة معها‪ .‬ما فتئت ترّد على تطاولهم عليها بالعاصير و الزوابع و‬
‫الحرائق و الفيضانات‪ .‬هي تعرف مع من تكون معطاءة و على من تقلب‬
‫طاولة الكون‪.‬‬
‫و ثقب‬ ‫حر و التلوث‬ ‫ليعقدوا ما شاؤوا من المؤتمرات ضّد التص ّ‬
‫الوزون و الحتباس الحراري‪ .‬ليست الرض مكترثة بما يقولون‪ .‬هي‬
‫ل أن تكون فيستقيم بوجودها‬ ‫ن الرجولة ل تتكّلم كثيًرا‪ ،‬ل تحتاج إ ّ‬ ‫تدري أ ّ‬
‫ناموس الكون‪.‬‬
‫ك أّنها وجدت في‬ ‫الرجولة‪ ..‬أعني تلك التي تؤمن إيماًنا مطلًقا ل يراوده ش ّ‬
‫ب و تهب‪.‬‬ ‫هذا العالم لتعطي ل لتؤذي‪ .‬لتبني و تح ّ‬
‫الرجولة‪ ...‬في تعريفها الجمل تختصرها مقولة كاتب فرنسي " الرجل‬
‫الحقيقي ليس من يغري أكثر من امرأة بل الذي يغري أكثر من مّرة المرأة‬
‫ن العذاب ليس قدر المحّبين و ل الدمار ممّرا حتمّيا‬ ‫نفسها "‪ ..‬التي تؤمن بأ ّ‬
‫ن النضال من أجل الفوز‬ ‫ل امرأة يمكن تعويضها بأخرى‪ .‬و أ ّ‬ ‫بولكّ‬ ‫لح ّ‬ ‫لك ّ‬
‫بقلب امرأة و الحفاظ عليه مدى العمر هي أكبر قضايا الرجل و أجملها على‬
‫الطلق‪ .‬و عليها يتنافس المتنافسون‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫هذا الكتاب يسمح لمن تسّلل من الرجال هنا‪ ،‬أن يتعّلم من أخطاء غيره من "‬
‫الذكور " من باب " تعّلم الدب من قليل الدب "‪.‬‬
‫ب‪ .‬أن يعتبروا بمصائر الكاذبين و‬ ‫ب من قليلي الح ّ‬‫عليهم أن يتعّلموا الح ّ‬
‫ن النساء استيقظن من‬ ‫الخونة و المتذاكين و النانّيين‪ .‬و ليأخذوا علًما أ ّ‬
‫سباتهن الزلي‪.‬‬
‫ب إثم ذكائهم‪ .‬فأنا واثقة أّنهم سينجحون‬ ‫أّما الرجال الحقيقّيون فأعتذر لهم‪ .‬أح ّ‬
‫" رجالية " ل تصمد أمام‬ ‫في رشوة النساء بما يملكون من وسائل‬
‫إغراءاتها امرأة‪.‬‬
‫لمزيد من العتداد بالنفس و السخرية‪ ،‬سيكّلفون امرأة بإحضار هذا الكتاب‬
‫المحظور عليهم‪ .‬كي يضحكوا في سّرهم قبل حتى أن يقرؤوه‪ .‬فهم يدرون أ ّ‬
‫ن‬
‫المرأة كالشعوب العربّية تتآمر على قضّيتها‪ .‬و تخون بنات جنسها ولًء منها‬
‫ي قلبها‪ :‬الرجل‪.‬‬‫لول ّ‬
‫لذا كلّ مكاسب المرأة عبر التاريخ كانت بفضل فرسان منقذين نّبهوها إلى‬
‫خدعة الذكورة‪.‬‬
‫ل نحلم أن تكون لنا بهؤلء الرجال قرابة‪ .‬أن نكون لهم أّمهات أو بنات‪..‬‬ ‫سنظ ّ‬
‫زوجات أو حبيبات‪ ..‬كاتبات أو ملهمات‪.‬‬
‫أولئك الجميلون الذين يسكنون أحلمنا النسائّية‪ .‬الذين يأتون ليبقوا‪ ..‬و‬
‫و يسندوا‪ ..‬الذين‬ ‫يطمئنوا‪ ..‬و يمّتعوا‪ ..‬و يذودوا‪ .‬ليحموا و يحنوا‬
‫ينسحبون ليعودوا‪ .‬و ل يتركون خلفهم عند الغياب كوابيس و ل جراح و ل‬
‫ضغينة‪ .‬فقط الحنين الهادر لحضورهم السر‪ ,‬و وعًدا غير معلن بعودتهم‬
‫لغرائنا كما المّرة الولى‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫‪ +‬كم من مّرة سنقع في حّبهم بالدوار ذاته‪ ،‬باللهفة إّياها‪ .‬غير معنّيات برماد‬
‫شعرهم و بزحف السنين على ملمحهم‪.‬‬
‫ليشيخوا مطمئنين‪ .‬ل الزمن ‪ ,‬ل المرض‪ ,‬ل الموت ‪ ,‬سيقتلهم من قلوبنا نحن‬
‫‪ " ".‬النساء النساء‬
‫ب رجل واحد ؟‬ ‫كيف لحياة واحدة أن تكفي لح ّ‬
‫كيف لرجل واحد أن يتكّرر‪ ..‬أن يتكاثر بعدد رجال الرض‪.‬‬
‫* * *‬
‫" ما أندر الرجال الذين نفشل في نسيانهم‪ ،‬و لكن إذا مّر أحدهم بصفحة‬
‫الروح‪ ،‬دمغها إلى البد بوشمه "‬
‫غادة السمان‬

‫شبهة النسيان‬

‫ب طعنة خرساء‪ ،‬و لنسيانه نهر من الخناجر‬


‫للح ّ‬
‫فوزية السندي‬

‫‪17‬‬
‫ب‪ ,‬و ل يسألك أحد في من كتبتها‪ .‬و ل هل‬ ‫تكتبين روايات و قصائد في الح ّ‬
‫ب‪ ) .‬لو كان نزار حّيا‬ ‫ب ليكتب عن الح ّ‬ ‫ل مّرة أن يح ّ‬‫يحتاج المرء حّقا ك ّ‬
‫ب‪ .‬لم‬‫لضحكه السؤال‪ .‬فالشاعر العربي الذي كتب خمسين ديواًنا في الح ّ‬
‫ب أقوى أثًرا من‬ ‫ن ذكرى الح ّ‬ ‫ب سوى مّرات معدودة في حياته ( ذلك أ ّ‬ ‫يح ّ‬
‫ب‪ ،‬لذا يتغّذى الدب من الذاكرة ل من الحاضر‪.‬‬ ‫الح ّ‬
‫" من‬ ‫لكّنك تقولين أّنك تكتبين كتاًبا عن النسيان و يصبح السؤال‬
‫تريدين أن تنسي " ؟‬
‫ب سعادة‪ .‬أّما السعي إلى‬ ‫ب نفسه‪ .‬فالح ّ‬
‫ن النسيان شبهة تفوق شبهة الح ّ‬ ‫‪ +‬لكأ ّ‬
‫النسيان فاعتراف ضمني بالنكسار و البؤس العاطفي‪ .‬و هي أحاسيس تثير‬
‫فضول الخرين أكثر من خبر سعادتك‪ .‬لكن الكتشاف الهم هو أن‬
‫ب‪.‬‬
‫المتحّمسين لقراءة " وصفات للنسيان " أكثر من المعنّيين بكتاب عن الح ّ‬
‫ضح للرجال " و لكّنه‬ ‫النساء و الرجال من حولي يريدون الكتاب نفسه‪ .‬أو ّ‬
‫ليس كتاب لكم "‪ ...‬يرّدون " ل يهم في في جميع الحالت نريده "!‬
‫ل من كنت أظّنهم سعداء‪ ،‬انفضحوا بحماسهم للنخراط في حزب النسيان‪.‬‬ ‫كّ‬
‫ألهذا الحّد كبير حجم البؤس العاطفي في العالم العربي؟!‬
‫حا ما‪ ،‬خيبة ما‪ ،‬طعنة ما‪،‬‬ ‫ل يخفي خلف قناعه جر ً‬ ‫ل أحد يعلن عن نفسه‪ .‬الك ّ‬
‫و يعترف‪ :‬ما استطعت أن أنسى!‬ ‫ينتظر أن يطمئن إليك ليرفع قناعه‬
‫أمام هذه الجماهير الطامحة إلى النسيان‪ .‬المناضلة من أجل التحرر من‬
‫استعباد الذاكرة العشقّية‪ .‬أتوّقع أن يتجاوز هذا الكتاب أهدافه العاطفّية إلى‬
‫طموحات سياسّية مشروعة‪ .‬فقد صار ضرورّيا تأسيس حزب عربي‬
‫للنسيان‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫سيكون حتًما أكبر حزب قومي‪ .‬فل شرط للمنخرطين فيه سوى توقهم للشفاء‬
‫من خيبات عاطفّية‪.‬‬
‫أراهن أن يجد هذا الحزب دعًما من الحّكام العرب لّنهم سيتوّقعون أن ننسى‬
‫من جملة ما ننسى ‪ ,‬منذ متى و بعضهم يحكمنا ‪ ,‬و كم نهب هو و حاشيته من‬
‫أموالنا‪ .‬و كم علقت على يديه من دمائنا‪.‬‬
‫دعوهم يعتقدون أّننا سننسى ذلك!‬
‫اذ أننا نحتاج أن نستعيد عافيتنا العاطفّية كأّمة عربّية عانت دوًما من قصص‬
‫ب‪ .‬حينها فقط‪،‬‬ ‫حّبها الفاشلة‪ .‬بما في ذلك حّبها لوطان لم تبادلها دائًما الح ّ‬
‫عندما نشفى من هشاشتنا العاطفّية المزمنة ‪ ,‬بسبب تاريخ طاعن في الخيبات‬
‫الوجدانّية‪ .‬يمكننا مواجهتهم بما يليق بالمعركة من صلبة و صرامة‪ .‬ذلك أّنه‬
‫ما كان بامكانهم الستقواء علينا لول أن الخراب في أعماقنا أضعفنا‪ .‬و ل ّ‬
‫ن‬
‫ب الفاشلة أّرقتنا و أنهكتنا‪ ,‬و الوضع في تفاقم‪ ..‬بسبب الفضائّيات‬ ‫قصص الح ّ‬
‫الهابطة التي وجدت كي تشغلنا عن القضايا الكبرى وتسّوق لنا الح ّ‬
‫ب‬
‫الرخيص و العواطف البائسة فتبقينا على ما نحن عليه من بكاء الحبيب‬
‫المستبد‪ ...‬و نسيان أنواع الستبداد الخرى‪...‬‬
‫من يشاركني الرأي و يوّد النخراط في حزب جديد ل ذاكرة له و ل سوابق‬
‫مصرفّية و ل تاريخ دموي‪ .‬و ل شعارات نضالّية أو أصولّية بإمكانه‬
‫النضمام إلينا في موقع‪:‬‬
‫‪www.nissyane.com‬‬
‫و العدوان‬ ‫طة سوى مواجهة إمبريالية الذاكرة‬ ‫ليس في مشروعنا من خ ّ‬
‫العاطفي للماضي علينا‪..‬‬
‫ليس في جيوبنا وعود بحقائب وزارّية‪ .‬فقط نعدكم بأن نحمل عنكم وزر‬
‫الخيبات‪ .‬ل نتوّقع دعًما مادّيا من أحد لذا نحن فقراء إلى دعواتكم بالخير‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫أيها الناس اسمعوا وعوا ‪ .‬ل أرى لكم وال من خلص ال في النسيان ‪ .‬فل‬
‫تشقوا بذاكرتكم بعد الن ‪ .‬انشّقوا عن أحزابكم و طوائفكم و جنسّياتكم و‬
‫مكاسبكم و انخرطوا في حزب جميعنا متساوين فيه أمام الفقدان‪.‬‬
‫ليخبر القارئ منكم من لم يقرأ هذا الكتاب‪.‬‬

‫طالبين النسيان‬

‫آمن أّنك ستنسى أكثر مما تتمّنى‬


‫ألفريد دي موسيه‬

‫بالذن من العزيز مروان نجار صاحب مسلسل‬


‫"طالبين القرب"‪ .‬إحنا "طالبين النسيان"‪ .‬فهذا عصر‬
‫مة من يطالب بتطبيق التفاقّيات الدولّية‪ .‬و‬ ‫المطالب‪ .‬ث ّ‬
‫آخر بإنقاذ الكرة الرضّية من مخاطر الحتباس الحراري و‬
‫ثالث بوقف الحظر القتصادي على كوبا و منع الطعمة‬
‫مة‬
‫دلة جينّيا و إيقاف البحاث حول الخليا الجذعّية‪ .‬و ث ّ‬ ‫المع ّ‬
‫ذا لمستقبل الرض‪.‬‬ ‫من يطالبك بتغيير لمبات الضاءة إنقا ً‬
‫‪20‬‬
‫ظا على الموارد المائّية و‬ ‫و ترشيد استهلك المياه حفا ً‬
‫حماية البيئة بعدم استعمال الكياس البلستيكّية‪.‬‬
‫ما نحن النساء‪ ،‬فجاهزات لترشيد استهلكنا للبطاقات‬ ‫أ ّ‬
‫المصرفّية و عدم مساءلة الرجال عن هدر ثرواتنا المائّية‪.‬‬
‫صتنا من الكسيجين على قّلتها في العالم‬ ‫و التنازل عن ح ّ‬
‫ل هذا مقابل مطلب واحد‪:‬‬ ‫العربي‪ .‬ك ّ‬
‫حمايتنا من عواقب تعّلقنا الغبي ب " كراكيب " الذاكرة‬
‫العاطفّية‪ .‬نحن نطالب بالمساواة في النسيان مع الرجال‪.‬‬
‫و نقسم بأغلظ اليمان‪ ،‬أّننا لن نطالب بعدها بأّية مساواة‬
‫أخرى في الجور‪ ،‬أو فرص العمل‪ ..‬أو الرث أو حتى قيادة‬
‫السيارة‪.‬‬
‫ل بد ّ للعلماء المنهمكين في أبحاث غبّية ل فائدة من ورائها‬
‫ل مشكل يعني نصف سكان الكرة‬ ‫أن ينكّبوا على ح ّ‬
‫الرضّية بتعديل جينات الذاكرة النسائّية حتى يتسّنى لنا‬
‫ما أن ننسى مثلما ينسى الرجال‪ .‬و نضيء مشاعرنا ‪-‬‬ ‫يو ً‬
‫كا للعصاب‬ ‫ل استهل ً‬ ‫بلمبات معتمدة حديًثا في الغرب ‪ -‬أق ّ‬
‫مر طويًل‪.‬‬ ‫و ببطرّيات لحاسيس ل تع ّ‬ ‫و الطاقة‬
‫‪-‬‬ ‫نطالب بتطوير البحاث حول الخليا الجذعّية‬
‫و الجذرّية ‪ -‬إن وجدت عّلنا نعرف جذر هذه البلوى‪ ...‬التي‬
‫شش فينا‬ ‫تجعلنا محكومات بالوفاء لذكريات تعيش و تع ّ‬
‫وحدنا‪.‬‬
‫إّنه نداء نرفعه إلى العلماء‪ .‬نناشدهم إيجاد علج للحد ّ من‬
‫تفشي داء الوفاء للماضي لدى إناث الجنس البشري‪ .‬ذلك‬

‫‪21‬‬
‫ن الوفاء مرض عضال لم يعد يصيب على أيامنا إّل‬ ‫أ ّ‬
‫الكلب‪ ...‬و الغبّيات من النساء!‬

‫‪22‬‬
‫هكذا توّرطت في هذا الكتاب‪:‬‬

‫سا‪ ،‬فالنسيان‬
‫دي ً‬
‫عا و ق ّ‬
‫ب يملك شفي ً‬
‫إذا كان الح ّ‬
‫يحتاج إلى آلهة‪ .‬من أجل هكذا مصائب وجدت‬
‫العناية اللهّية‪ ..‬و وجد الدب‪.‬‬

‫ب امرأة و‬ ‫حين قلت لصديقتي تلك " أحّبيه كما لم تح ّ‬


‫انسيه كما ينسى الرجال "!‪.‬‬
‫صاحت " يا الله‪ ...‬اكتبيها "!‬
‫جا نسائّيا‬‫لكن ما كان لهذه الفكرة أن تكون شعاًرا بل نه ً‬
‫تكتسبه المرأة بذكائها الذي هو وليد غباء سابق‪.‬‬
‫نصيحة بعد أخرى ولد من مكالماتنا الهاتفية ومواساتي لها‬
‫ما سيصبح كتاًبا‪ .‬كنت أكتب ليًل ما أقول لها في النهار‪.‬‬
‫ما به جميع‬ ‫فقد وجدت ما أقوله لمرأة يستحقّ أن تأخذ عل ً‬
‫ت من نجدة حلقة الصديقات و قبيلة‬ ‫النساء‪ .‬بعد أن تعب ُ‬
‫القارئات اللئي يعشن بالتناوب أسى الخيبات العاطفّية‪.‬‬
‫ل واحدة بإمدادي بنصائحها‬ ‫وعت ك ّ‬ ‫بدأ المر مزحة فقد تط ّ‬
‫و خلصة " حكمتها "‪.‬‬
‫رحت أهدي صديقتي تلك أخطائي و أخطاء النساء من‬
‫حولي‪ .‬أبحث في تلك الحفرّيات العاطفّية التي تراكمت‬
‫كلت مخزون السذاجة‬ ‫خلل الزمنة الجيولوجّية و ش ّ‬

‫‪23‬‬
‫النثوّية عن أسباب تطابق الخيبات النسائّية و تشابه‬
‫النماذج الرجالية‪.‬‬
‫ل نسائّيا‬‫" دلي ً‬ ‫عندها أصبح مطلب الصديقات أن أصدر كتاًبا يكون‬
‫صة صديقتي الغالية الدكتورة هنادي ربحي مديرة مكتب‬ ‫للنسيان "‪ .‬خا ّ‬
‫الرادة للستشارات والبحاث النفسية في دبي‪ .‬و التي كانت قد اتصلت بي‬
‫قبل خمس سنوات تدعوني إلى لقاء مع مرضاها الذين كانت تعالجهم‬
‫ي احتارت في علجي من حماقاتي‪.‬‬ ‫بكتاباتي ثّم عندما تعّرفت عل ّ‬
‫دة عثرت على روايتي " فوضى الحواس "‬ ‫و كنت قبل م ّ‬
‫تباع في صيدلّية في شارع الحمراء‪ .‬مع كتب الحمية‬
‫و علج السكري و أمراض الشرايين و القلب‪.‬‬
‫لفرط مفاجأتي اشتريتها أمام اندهاش الصيدلي‪ .‬و من جنوني رحت مساًء‬
‫ي ما فمنذ سنوات ما عدت كاتبتها‪.‬‬ ‫أقرؤها عساها تشفيني من مرض نفس ّ‬
‫ن العلج بالقراءة النتقائّية هو أحد أحدث طرق العلج‬ ‫و بالمناسبة‪ ،‬إ ّ‬
‫النفسي‪ .‬حتى أّنه صدر مؤخًرا في باريس كتاب يضّم مئة عنوان لرواية‬
‫ل حالة نفسية يمّر بها القارئ‪.‬‬
‫سمة حسب احتياجات ك ّ‬ ‫عالمّية مق ّ‬
‫ن قراءة كتاب في غير الظرف النفسي الموافق له‪ ،‬قد يكون فيه أًذى‬ ‫ذلك أ ّ‬
‫نفسّيا يعادل تناولك أدوية مضّرة بصحتك‪ .‬لذا في قسمه الثاني يدّلك هذا‬
‫الكتاب على عناوين الروايات التي ينبغي عليك عدم قراءتها عندما تكون في‬
‫حالت نفسّية معّينة‪.‬‬
‫ل أوجاع القلب هو الضحك‪ .‬و عدم أخذ الذاكرة‬ ‫ن العلج المثالي لك ّ‬ ‫يبقى أ ّ‬
‫مأخذ الجّد‪.‬‬
‫ت كثيًرا من وصفاته و أنا أضحك ملء قلبي‬ ‫هذا كتاب كتب ُ‬
‫كما في تلك الجلسات الجميلة جوار المدفئة في بيت‬
‫صديقتي الكبيرة بارعة الحمر‪ .‬فبارعة التي ترجمت‬
‫‪24‬‬
‫حد‬‫أعمالي إلى النكليزية تبرع في قراءة أحاسيسي و التو ّ‬
‫و بهجة حد ّ النصهار الوجداني حتى ما عدنا‬ ‫معي حزًنا‬
‫م إلينا صديقة‬ ‫ندري أّينا تترجم الخرى‪ .‬و يحدث أن تنض ّ‬
‫ثالثة امرأة بجمال و ثقافة عالية و بكبرياء طاٍغ‪ .‬بالمناسبة‬
‫الكبرياء هي الصفة المشتركة لصديقاتي‪.‬‬
‫ضا ‪ -‬لنفسي‪ .‬عّلني أعود‬ ‫ربما أكون كتبت هذا الدليل ‪ -‬أي ً‬
‫ما‪ .‬بل أنا التي أكره أن أقرأ كتاًبا لي بعد‬ ‫إليه و أقرؤه يو ً‬
‫ذبني الرغبة في إعادة كتابته ( أجزم‬ ‫أن يصدر ) حتى ل تع ّ‬
‫أّنني سأكون أّول من يهجم عليه حال صدوره‪ .‬عساني‬
‫و لو من نصيحة واحدة وردت فيه ‪.‬‬ ‫أستفيد‬
‫مي‬‫ذلك أّنني أولى بالنصح من قارئاتي‪ .‬لكن كما تقول أ ّ‬
‫" خّلت راجلها ممدود و راحت تعّزي في محمود ! "‪.‬‬
‫إذا كانت النصيحة بجمل أكون قد أهديتكن لوجه الله‪..‬‬
‫و نكاية في بعض الرجال قافلة من الجمال‪.‬‬
‫ن هذا الكتاب‬ ‫و ما أبقيت لي والله على ناقة و ل جمل‪ .‬كأ ّ‬
‫أعطاني وهم أن أكون طاعنة في الحكمة !‬
‫ن لي بالخير‪ .‬و لحًقا بالرحمة‪ .‬فأنا‬ ‫ل أطمع في غير دعواتك ّ‬
‫أعتبر هذا الكتاب صدقة جارية و أثق أّنه سيكون أكثر كتبي‬
‫قراءة نظًرا لما أتوّقعه من ازدهار حالي و مستقبلي‬
‫للخيبات النسائّية‪ ..‬و الخيانات الرجالية‪ .‬و هو ما يسعدني و‬
‫يؤلمني في آن‪.‬‬
‫لكون هذا الدليل ليس واحد من أعمالي التي استغرقت‬
‫كتابتها ثلث سنوات و أكثر‪ .‬و التي كتبت بعض فصولها و‬

‫‪25‬‬
‫عا عن تلك القضايا الكبرى و المفلسة التي‬‫أنا أبكي دفا ً‬
‫آمنت بها‪.‬‬
‫ت‬
‫هذا الكتاب فتح شهّيتي للضحك حتى أّني كثيًرا ما قمع ُ‬
‫نزعتي للسخرية السياسّية أو النسائّية كي ل يمنع في ج ّ‬
‫ل‬
‫البلد العربّية‪ .‬فحتى قبل صدوره غير هذا الكتاب قدر‬
‫الكثيرات من حولي ‪ .‬أولهن الصبية التي تطوعت لطباعته‬
‫حبا لي ‪ ,‬وطمعا في النسيان مكتفية به مكسبا ‪ .‬فمع كل‬
‫مقال كنت أبعثه لها كانت تعيد النظر في خياراتها‬
‫السابقة ‪.‬‬
‫بفضل تواطئها الجميل والحاحها كل يوم على أن أزودها‬
‫بما كتبته منحتني – أنا المعروفة بكسلي – ما كان ينقصني‬
‫من حماس لنجازه في ثلثة أشهر مضحّية بهوسي بإعادة‬
‫قراءة مخطوطاتي أكثر من مّرة حد ّ ملحقة المخطوط‬
‫حتى المطبعة‪ .‬غير آبهة بمن سيفتح هذا الكتاب شهيتهم‬
‫للشهرة مشهرين بي ‪.‬‬

‫فقد أردته هدّية لنساء غوانتنامو الحب القابعات في معتقل‬


‫الذاكرة دون محاكمة عن تهمة ل يعرفها ال السجان!‬
‫و أردته خاصة تحد ًّيا نسائّيا أرفعه تجاه نفسي‪ .‬بعد أن‬
‫أصبح شعاري " بلى أستطيع ذلك " فيكفي أن تكسب‬
‫المرأة معركتها الولى حتى ل يعد بإمكان أحد أن يهزمها‪.‬‬
‫هل فهمتن الرسالة؟‬
‫***‬

‫‪26‬‬
27
‫هاتف النسيان‬

‫و على الحبيب إذا رحل‬ ‫ل تبكّين على الطلــــــــــل‬


‫بك في المناسبة اتصل‬ ‫و اقطع من الرحم الذي‬
‫من لم يصلك و من وصل‬ ‫سّيان عندك فلــــــــــــــيكن‬
‫من "الوصايا المضادة"لبي نواس‬

‫‪28‬‬
‫صديقتي التي تخاف أن تنسى‬
‫شهران على فراقنا ‪....‬قرن و بضع دقائق‬

‫ل ما يرافقها من حّمى الروح‬ ‫لي صديقة تعيش عذاب القطيعة العاطفّية‪ .‬مع ك ّ‬
‫و من هذيان تلك السئلة التي ل جواب لها لكونها تلي النشطار العشقي‬
‫الصاعق في مفاجأته‪.‬‬
‫كانت مطمئنة إلى رجل حياتها‪ .‬تملك مؤونة أربع سنوات من الذكريات‪ .‬و‬
‫مفكرة بيضاء وعدها أن يملها مًعا حتى آخر يوم من عمرهما بالمشاريع‬
‫الثنائّية الجميلة‪ .‬كانت الثرى بيننا فقد مل الرجل جيوب قلبها وعوًدا حتى‬
‫ل شيء عداه‪ .‬كان سّيدها و مولها‪ .‬كان نشرتها الجوّية‬ ‫زهدت في ك ّ‬
‫و بوصلتها في الكون‪ .‬فعذرنا انقطاعها عّنا نحن الصديقات‪.‬‬
‫كانت تعيش حّبا نحسدها عليه سًرا‪ .‬ثّم ذات صدمة بدأ عذابها‪.‬‬
‫واذ بها تمضي نحو جحيم ل نستطيع فيه شيًئا من أجلها‪.‬‬
‫راحت تموت أمامنا‪ ،‬لن الذي وضعت خصاله فوق الرجولة‪ .‬وعواطفه فوق‬
‫ب نفسه‪ .‬و بايعته نبّيا‪ ..‬غدر بها‪.‬‬
‫الح ّ‬
‫دون مقدمات‪ .‬دون شروح أو توضيحات‪ .‬توّقف هاتفه عن النبض بنوايا‬
‫إجرامّية معلنة لغتيالها صمًتا‪.‬‬
‫أشهر و هي معّلقة إلى مصل هاتف خارج الخدمة‪ ،‬صاحبه يعيش في بلد‬
‫أخرى‪.‬‬
‫‪29‬‬
‫" أسطورة ح ّ‬
‫ب‬ ‫ب‪ .‬كانت على مشارف‬ ‫لم تكن في منتصف عمر الح ّ‬
‫ك أزراره سواه‪،‬‬ ‫"‪ .‬ترتدي بغباء أنثى قميص النتظار ول تريد أن يف ّ‬
‫الغداق بالنصائح ل جدوى منه في هذه الحالة فهي واثقة من عودته‪.‬‬
‫دليلها ذكريات و " ميساجات " و وعود و ل تريد أكثر من أن يؤّكد لها أحد‬
‫هذا !‬
‫في البدء كنت أطمئنها إلى أوهامها‪ ،‬حتى ل أزيد من ألمها‪ .‬فقد كانت تسرد‬
‫ل عاشق يحتاج‬ ‫ل‪ .‬فك ّ‬
‫ي قصتها كأسطورة عشقّية بتفاصيلها المذهلة جما ً‬ ‫عل ّ‬
‫إلى صنع خرافته الشخصّية‪ .‬لكن قصتها كانت في تفاصيلها حّقا أقرب‬
‫للخرافة‪.‬‬
‫حين زرتها أرتني الكّم المذهل من البطاقات الهاتفّية التي تحّدث بها إليها‬
‫طي ثلث ساعات من الكلم‪ .‬و بإمكان‬ ‫ل بطاقة تغ ّ‬‫خلل أربع سنوات‪ .‬ك ّ‬
‫طي لو وضعت الواحدة بجوار‬ ‫عشرات البطاقات التي تحتفظ بها أن تغ ّ‬
‫الخرى المسافة الفاصلة بين لندن و بيروت‪.‬‬
‫ليس ثّمة شك لقد أحّبها هذا الرجل‪ .‬حّقا‪.‬‬
‫سعدت باستنتاجي كأّنها كانت تحتاج رأيي كي تتأّكد أّنها لم تحلم ول هي‬
‫ي رسائله التي تعود إلى‬ ‫ب فيها الحماس‪ .‬فتحت هاتفها تقرأ عل ّ‬ ‫توّهمت‪ .‬د ّ‬
‫الزمن الّول‪:‬‬
‫ل حين حتى و أنا نائم "‬ ‫" أحّبك ك ّ‬
‫" كّلما نسيتني استيقظت حتى و أنا في نومي "‬
‫" أن تختفي ثانية يعني أن أموت إّياك أن تختفي "‬
‫" أحتاج صوتك كي أرى "‬

‫أسألها‪:‬‬
‫أيكون مات ل قّدر ال ؟‬ ‫‪-‬‬

‫ترّد بإحراج‪:‬‬
‫‪30‬‬
‫‪ -‬ل‪ ..‬رقمه يد ّ‬
‫ق!‬
‫ربما أصيب من غير شّر بالعمى ؟‬ ‫‪-‬‬

‫تجيب باستحياء‪:‬‬
‫‪ -‬ل هو دائم التواجد على النترنت‪.‬‬
‫ي و يهاتفك ؟‬
‫و منذ متى لم يستيقظ من سباته الشتو ّ‬ ‫‪-‬‬

‫تمتمت‪:‬‬
‫‪ -‬آخر مّرة كّلمني كانت في ‪ 6‬حزيران عند الساعة الرابعة‬
‫عصًرا‪...‬‬
‫أوتعتقدين أّنه يحفظ اليوم و الساعة التي كّلمك فيها لخر مرة منذ‬ ‫‪-‬‬

‫سبعة أشهر ؟‬
‫ترتبك‪:‬‬
‫‪ -‬ل أدري‪..‬‬
‫ي سلم أو كلم متى بالضبط‬ ‫لو هاتفك اسأليه مباشرة قبل أ ّ‬ ‫‪-‬‬

‫ي شهر كان لقاؤنا الخير ؟‬ ‫ي يوم من أ ّ‬ ‫تحّدثنا معا لخر مرة ؟ و في أ ّ‬


‫إن تهّرب من الجابة أو أخطأ في تحديد التاريخ‪ ..‬اقطعي مباشرة‬
‫المكالمة ول ترّدي على هاتفه ما حييت‪.‬‬
‫ب ل يقاس بعدد الساعات التي كّلمك فيها بالبطاقات‬ ‫الح ّ‬
‫الهاتفّية‪ .‬بل بالزمن الذي في انتظاره كنت تحسبين أشهره و أسابيعه و‬
‫أيامه بالساعات‪ .‬وحده الوفاء يملك عّدادا دقيًقا للوقت‪ .‬إّنه النخاع الشوكي‬
‫للذاكرة‪.‬‬
‫كما توّقعت‪ ،‬راحت تدافع عنه كما تدافع ضحّية عن جلدها‪.‬‬
‫شاق‬‫ضا يحسب الوقت كما أحسبه أنا‪ .‬يحدث للع ّ‬ ‫‪ -‬ربما كان هو أي ً‬
‫أن يختلفوا و يعيشوا قطيعة قصيرة أو طويلة لكّنهم ل ينسون و ل‬
‫يخونون‪ .‬مثله ل ينسى‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫ن رجلً استطاع أن يعيش سبعة‬ ‫إن لم يخنك فقد خان الّلهفة‪ .‬إ ّ‬ ‫‪-‬‬

‫أشهر كنت خللها خارج مفكّرته يعني أّنك ما عدت ضمن اهتماماته‪،‬‬
‫عليك أن تضعيه بدورك خارج حياتك‪.‬‬
‫بدت مترّددة و غير مصّدقة أّنه نسيها حّقا‪ .‬أمام صمتها المتعاطف معه أخذت‬
‫ورقة‪ ،‬و رحت أحسب لها على الورق ما أراه شخصّيا خيانة‪.‬‬
‫) عدا قيلولته‬ ‫عزيزتي‪ ..‬لقد نام هذا الرجل و استيقظ خلل سبعة أشهر‬
‫حا ل عند‬ ‫ل و ل صبا ً‬ ‫ي و عشرة مرات‪ ،‬لم يشعر خللها ل لي ً‬ ‫اليومّية ( مئت ّ‬
‫غفوته و ل عند استيقاظه بحاجة عاشق لسماع صوتك‪.‬‬
‫ي ستمئة و ثلثين وجبة‬ ‫و تناول خلل هذه المّدة ثلث وجبات في اليوم أ ّ‬
‫ن غذاًء روحّيا ينقصه و أّنه يحتاج أن‬ ‫بالتمام و الكمال من دون أن يشعر أ ّ‬
‫و مّر به أثناء ذلك صيف و خريف و شتاء فل‬ ‫يقتات بك ليحيا‪.‬‬
‫فصل هزمه بحّره و ل بثلجه فعاد ليستعين بك عليه‪.‬‬

‫ب فيها حماس مفاجئ‪ ..‬قالت‪:‬‬ ‫د ّ‬


‫بلى‪ ،‬لقد رّد على معايدتي برسالة قال فيها " ل أستعين بغيرك‬ ‫‪-‬‬

‫على النساء و البرد "‪.‬‬


‫‪ -‬و منذ متى لم تلتقيا؟‬
‫‪ -‬منذ ‪ 20‬يناير الماضي‪...‬‬
‫ل لم تلتق به منذ أحد عشر شهًرا قد التحق‬
‫ن رج ً‬ ‫أو تعتقدين أ ّ‬ ‫‪-‬‬

‫بالدير في غيابك و أصبح راهًبا يستعين بذكراك على النساء و البرد‬


‫ي‪ .‬و أّنه منذ ذلك الحين معّلق على جدار كصورة ل امرأة عبرت‬ ‫اللندن ّ‬
‫أو مّرت بحياته‪ .‬ل امرأة جلست إلى طاولته أو تمّددت على سريره‬

‫‪32‬‬
‫أو تركت صوتها على هاتفه‪ ..‬أو قاسمته على النترنت صباحات‬
‫الضجر و ليالي السهر في مدن الصقيع‪.‬‬
‫اجلسي إلى نفسك و واجهيها بهذا السؤال‪:‬‬
‫لو قلت لك أّنني أثق في وفاء رجل يرفض الرّد على مكالماتي منذ سبعة‬
‫ي من سذاجتي !‬ ‫أشهر و لم ألتق به منذ سنة‪ ..‬أما كنت أشفقت عل ّ‬
‫دمعت عيناها و لم تقل شيًئا‪.‬‬
‫ب‪.‬‬
‫مزيج من الكبرياء و الغباء يجعلنها ترفض تصديق احتمال خيانة من تح ّ‬
‫ب بقدر منسوب وفائنا‪.‬‬ ‫فنحن نحكم على وفاء من نح ّ‬
‫ن تلك القصة " السطورّية " انتهت هو اعتراف ضمني‬ ‫ن اعترافها بأ ّ‬
‫ثّم إ ّ‬
‫ي‪ :‬من أجل ل شيء‪.‬‬ ‫بهدرها أربع سنوات من عمرها أ ّ‬

‫‪ 48‬شهًرا‪...‬‬
‫‪ 1460‬يوًما‪..‬‬
‫‪ 35040‬ساعًة‪...‬‬
‫‪ 2.102.400‬دقيقًة‪ .‬من أجل ل شيئ‬
‫يا ال! أكثر من مليوني دقيقة لم تبق منها دقيقة واحدة لقول كلمة واحدة تعيد‬
‫ب الحياة !‬‫للح ّ‬
‫ب هذا الذي يجرفك طوفانه حين يجيء‪ .‬و يقتلك ظمًأ حين يذهب‪ .‬فل‬ ‫أي ح ّ‬
‫يملك من أجلك قطرة وفاء للماضي تبّرر هذا الهدر و إثم نزيف الزمن‬
‫السائب في عمر امرأة‪.‬‬
‫ب‪ .‬عساها تتعّلم‬
‫تركت لها على ورقة جردة بأرقام خساراتها في بورصة الح ّ‬
‫ل تستثمر في المشاريع الوهمّية‪.‬‬ ‫أّ‬
‫فأربع سنوات في حياة امرأة أربعينّية هي ثروة زمنّية أغلى من أن تستعاد‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫صديقتي هذه نموذج للف النساء العربّيات اللئي يقّدمن سنوات من‬
‫ب ارتهاًنا‬
‫ن سوى الوعود‪ .‬و يرين الح ّ‬ ‫ن قرباًنا لرجل لم يقّدم له ّ‬
‫عمره ّ‬
‫لشخص ليس بالضرورة رهينة لهن بل لمزاجه و أفكاره المسبقة و عقده و‬
‫تطلعاته الشخصّية‪.‬‬
‫رجل كالزواحف يتخّلص من جلده و من ماضيه دون عناء‪ .‬و وحدها المرأة‬
‫تعيش مزدحمة بكراكيب الذاكرة‪ .‬تحفظ التواريخ عن ظهر قلب‪ .‬و تحتفظ‬
‫بالرسائل الهاتفّية كما لو كانت سندات ملكّية‪ .‬و تعيد استنساخ " الرسائل‬
‫ي و‬ ‫صة بدقائقها و ثوانيها كي تستعيد الزمن العشق ّ‬ ‫الهاتفّية " في دفاتر خا ّ‬
‫ب‪ .‬لكأّنها كانت تدري أّنها ذات يوم لن تملك‬ ‫تباهي به أمام نفسها وأمام الح ّ‬
‫ل على أّنه حًقا مّر بحياتها ‪.‬‬‫ل ما وّثقت من تفاصيل دلي ً‬ ‫إّ‬
‫يا للغباء‪ .‬صحت بها ‪:‬‬
‫ن حّبا مفقوًدا أفضل‬ ‫ضا‪ .‬إ ّ‬
‫ل يوم‪ ،‬و عمرك أي ً‬ ‫ب يتناقص ك ّ‬ ‫‪ -‬هذا الح ّ‬
‫ب منقوص‪ .‬اخلعي عنك حداد هذا الرجل‪ .‬و خذي قراًرا بينك و‬ ‫من ح ّ‬
‫بين نفسك بإنهاء هذه العلقة‪ .‬فأّيا كان ثمن إنهائها لن يكون أكثر من‬
‫شقاء بقائك هكذا " شردودة ل مطّلقة و ل مردودة " حسب قول أمي‪.‬‬
‫ثّم إن لم تحسمي هذا المر اعلمي أّنك ستخسرينني فما عاد مزاجي يتقّبل‬
‫استكانة امرأة و استعدادها للتضحيات الغبّية‪.‬‬
‫حا‪ .‬كنت ما أزال‬ ‫في الغد هاتفتني على غير عادتها عند الساعة التاسعة صبا ً‬
‫ل للكتابة‪.‬‬
‫نائمة‪ ،‬فأنا أسهر طوي ً‬
‫قالت‪:‬‬
‫ل قراًرا بأن‬‫‪ -‬أهاتفك لقول لك أّنني عملت بنصيحتك‪ .‬أخذت لي ً‬
‫أنساه و أردت أن تعرفي بذلك‪.‬‬
‫‪ -‬أما كان بإمكانك أن تزّفي لي هذا الخبر لحًقا؟!‬
‫رّدت ضاحكة‪:‬‬
‫‪34‬‬
‫‪ -‬في الواقع ما زلت أستيقظ عند الساعة إّياها التي اعتاد أن يهاتفني‬
‫فيها لسنوات‪.‬‬
‫ما دمت لم تكسري داخلك الساعة البيولوجّية لحّبه فلن يغادرك‬ ‫‪-‬‬

‫هذا الرجل‪ .‬كأّنك تهاتفينني الن لتقولي لي عكس ما توّدين قوله !‬


‫رّدت على استحياء‪:‬‬
‫‪ -‬أعترف ما استطعت أن أشفى من هاتف التاسعة صبا ً‬
‫حا‪ ..‬أو‬
‫بالحرى السابعة بتوقيت لندن‪..‬‬
‫ضا أن تشفين‪ .‬ل تدعي الساعة‬ ‫ما دام هو قد شفي بإمكانك أي ً‬ ‫‪-‬‬

‫تتحّكم فيك‪ ..‬لست كلب " بافلوف "‪ .‬اكسري هذه العادة بعادة أخرى‪..‬‬
‫كّلمي أحًدا آخر !‬
‫‪ -‬ليس في حياتي أحد‪.‬‬
‫ن امرأًة مثلك ليس حولها أحد‪.‬‬ ‫‪ -‬ل أصّدق أ ّ‬
‫‪ -‬ل و ال‪..‬‬
‫ت في سريري و قد راودتني فكرة‪.‬‬ ‫جلس ُ‬
‫قلت‪:‬‬
‫ل صباح عند التاسعة ؟‬ ‫ما رأيك أن أهاتفك أنا ك ّ‬ ‫‪-‬‬

‫صاحت بطفولة‪:‬‬
‫وااااو‪ ...‬إّنها فكرة جميلة‪ ..‬ل أصّدق أّنك ستستيقظين من أجلي !‬ ‫‪-‬‬

‫ليس من أجلك من أجل النسيان‪ .‬لنتّفق أّول‪ ..‬هاتفي لن يكون‬ ‫‪-‬‬

‫ل يوم سأقول لك عما فعله‬ ‫ب‪ ..‬سيكون هاتف النسيان‪ .‬ك ّ‬ ‫هاتف الح ّ‬
‫الرجال بنساء أخريات ما يجعلك تكرهين هذا الرجل‪.‬‬
‫‪ -‬لكّنني ل أريد أن أكرهه‪ ..‬أريد فقط أن أنساه‪.‬‬
‫‪ -‬برغم ذلك ستكرهينه‪.‬‬
‫صمتت كأّنها أمام خيار ما توّقعته‪.‬‬
‫‪35‬‬
‫قلت‪:‬‬
‫‪ -‬قّرري أتودين أن أهاتفك بتوقيته أم ل؟‬
‫ق هاتفها أخيًرا في ذلك التوقيت‪ ،‬أكثر من حاجتها‬ ‫لعّلها كانت تحتاج أن يد ّ‬
‫إلى سماعي‪ .‬ثّم كان لديها أمل أن نأتي على ذكره‪ .‬لكّنني ما كنت من الحماقة‬
‫لهاتفها كي أقع في فخ ذكرياتها بدل أن أنسيها إّياه‪.‬‬
‫رّدت‪:‬‬
‫ب هذا التواطؤ النسائي‪..‬‬ ‫يسعدني حّقا أن تهاتفيني‪ ..‬تدرين أح ّ‬ ‫‪-‬‬

‫قلت مازحة‪:‬‬
‫‪ -‬أنت ل تدرين ماذا فعلت قبل عشرين سنة في باريس لنقاذ‬
‫ي رجل!‬ ‫شّغالتي من بين فك ّ‬
‫صاحت بحماس‪:‬‬
‫‪ -‬احكي لي شو عملت‪..‬‬
‫قلت‪:‬‬
‫صة مع‬ ‫ل يوم ق ّ‬
‫ستستمعين إلى تلك القصة غًدا‪ ..‬سأروي لك ك ّ‬ ‫‪-‬‬

‫صتي تحكى في النهار ل في الليل‪ ..‬و أّنني ل أريد بها إنقاذ‬ ‫نق ّ‬‫الفرق أ ّ‬
‫شش في رأسك‪.‬‬ ‫رأسي من شهريار‪ ..‬بل الطاحة بشهريار المع ّ‬
‫ق " هاتف النسيان " في بيت صديقتي عند الساعة‬ ‫ل صباح يد ّ‬‫من يومها ك ّ‬
‫التاسعة‪.‬‬
‫ب!‬
‫ل الكلم المباح عن عمرها المستباح باسم الح ّ‬ ‫فأحكي لها بك ّ‬

‫‪36‬‬
‫شّغالتي العاشقة‪ ..‬و وصفتي السحرية‬

‫كأنــــّــــك لم يرّوعك البعاُد ؟‬ ‫فقلت لها أكحل و افتـــرا ُ‬


‫ق‬
‫فيغدو و هو في خّدي حداُد‬ ‫فقالت‪ :‬كي تحّوله دموعي‬

‫تميم الفاطمي‬

‫لدها‬ ‫في السبوع الثاني للنسيان‪ .‬لم أجد لنقاذ صديقتي الغبّية من حنينها لج ّ‬
‫سوى أن أعرض عليها وصفة قديمة للشفاء من حبيب ) أظّنني أملك براءة‬
‫اختراعها ( ابتكرتها قبل عشرين سنة في باريس عندما وجدت نفسي أمام‬
‫فتاة جاهزة للنتحار بسبب قسوة رجل‪.‬‬
‫ل بحاجة إلى سند عاطفي كي ل‬ ‫" الحاجة أّم الختراع " و كانت الفتاة فع ً‬
‫ضا مسوّدات "‬‫تنهار‪ .‬قلت لجّرب فيها الوصفة‪ .‬فقد كنت أجرب فيها أي ً‬
‫صة‬‫ذاكرة الجسد " عندما تنتهي من الشغال المنزلّية و أسألها كيف تجد الق ّ‬
‫و تناقشني المسكينة على قدر ثقافتها‪ ..‬و على قدر عقلي‪..‬‬ ‫و الحوارات‪.‬‬
‫فمن الواضح أّنني ما كنت سوّية‪ .‬و الن و أنا أكتب يحضرني قول نزار في‬
‫ما كتبه عن " ذاكرة الجسد " حين يقول للغالي الدكتور سهيل إدريس رحمه‬
‫ل مجانين "‪.‬‬‫ن العمال البداعّية الكبرى ل يكتبها إ ّ‬ ‫ن فإ ّ‬
‫ال " دعها تج ّ‬
‫سبحان ال‪ ..‬من أين له هذه النبوءة‪ ..‬و ما قدمت له يوًما برهاًنا على‬
‫جنوني !‬

‫‪37‬‬
‫كانت فتاة مغربّية رسبت في البكالوريا‪ .‬ل تملك أّية جاذبّية‪ .‬جاءتني بضفائر‬
‫قروّية و ملمح جبلّية‪ .‬كانت تقيم عند قريبتها و تأتي يومّيا لمساعدتي لبضع‬
‫و للهتمام بالولد‪.‬‬ ‫ساعات في أشغال البيت‬
‫ب رجل سوري ل أدري أين صادفته‪ .‬كان يعمل‬ ‫ذات يوم وقعت البنت في ح ّ‬
‫أستاًذا في سوريا و أصبح يعمل طّراشا في باريس‪ .‬كان الرجل يملك وسامة‬
‫مشرقّية تباهي بها‪ .‬فقد كانت تحمل صورته أينما حّلت‪ .‬تدريجّيا فقدت البنت‬
‫ن الرجل لم يفقد عقله كان فقط يتسّلى‪.‬‬ ‫صوابها‪ .‬جّنت به حّبا و غيرة‪ .‬لك ّ‬
‫جال و استحلى" كما يقول اللبنانّيون‪.‬‬ ‫"ر ّ‬
‫صتها فقد كانت تطلب مّني أن أكتب رسائل ح ّ‬
‫ب‬ ‫وجدت نفسي متوّرطة في ق ّ‬
‫نيابة عنها ) بعد أن اكتشفت موهبتي الدبّية ! ( بينما اكتشف الرجل لحًقا‬
‫و صوري في المجلت أّنها تعمل عند كاتبة و أ ّ‬
‫ن‬ ‫عندما أرته مقالتي‬
‫ق رواية ! (‬ ‫صة تستح ّ‬ ‫الرسائل المكتوبة إليه أجمل من ساعية البريد ! ) و الق ّ‬
‫ص ضفائرها و‬ ‫ذات يوم قّرر التخلي عنها برغم جهدي في تجميلها و ق ّ‬
‫ل كيف أعفيها من‬ ‫إهدائها أجمل ثيابي‪ .‬حتى أقسمت أمي أّنها سحرتني‪ .‬و إ ّ‬
‫و أكّرس وقتي لخدمتها و كنت أرّد أّنها لو‬ ‫الهتمام بأطفالي الثلثة‬
‫ن حالتها أصبحت‬ ‫كانت تعرف السحر لسحرت ذلك الرجل أّول ! ذلك أ ّ‬
‫بائسة و مشفقة حّد تركي " ذاكرة الجسد " جانًبا‪ .‬و النهماك في " كتابة "‬
‫حياتها العاطفّية‪.‬‬
‫كّلما هاتَفْته كان يقطع الهاتف في وجهها‪ .‬و إن دّقت بابه رمى عند الباب‬
‫بأشيائها حتى بدأت تراودها فكرة النتحار لمقاصصته بموتها‪ .‬أو إلحاق أ ّ‬
‫ي‬
‫ب لّول مرة‬ ‫أذى به‪ .‬فقد كانت البنت بربرّية من الطلس المغربي‪ ..‬و تح ّ‬
‫ي مدججة بكوكتيل من العواطف القابلة‬ ‫و أنفة و شراسة‪ .‬أ ّ‬ ‫بوفاء‬
‫للنفجار و الدمار !‬

‫‪38‬‬
‫وصلت معها إلى اتفاقّية أن تهاتفني كّلما شعرت برغبة في مهاتفته‪ ،‬فأشتمه‬
‫لها‪ ،‬و ألعن أبوه و أصيح بها " كيف تسمحين لطّراش أن يفعل بك هذا ؟ من‬
‫ن دخلك أكبر من دخله‪ .‬و أصلك أشرف‬ ‫يكون ليقطع الهاتف في وجهك ؟ إ ّ‬
‫من أصله‪ ..‬لو كانت له أخلق لما تصّرف هكذا مع فتاة‪ ..‬ثّم أنت التي نفختيه‬
‫و طلبت مّني أن أكتب له رسائل ما كتبتها جورج صاند لشوبان فراح يظن‬
‫نفسه فهد بلن ) كان المطرب السوري الراحل رمز الرجولة آنذاك (‪.‬‬
‫أهمليه‪ ..‬دعيه هو يتعّذب و يسأل عنك‪ .‬ثّم إّنه موسم التنزيلت‪ .‬اذهبي إلى‬
‫ذاك المحل الذي أشتري منه ثياًبا بجانب مدرسة الولد‪ .‬و اشتري ثياًبا‬
‫جميلة‪ ..‬حتى إذا رآك المرة القادمة يأكل أصابعه ندامة لّنه تركك !‬
‫ن الرجل كان منهمًكا في " أكل " ضحّية جديدة‪ .‬لكّنني‬ ‫طبًعا على الرجح أ ّ‬
‫ي شيء يقّوي من عزيمتها كي تصمد و تنساه‪.‬‬ ‫كنت أقول لها أ ّ‬
‫ل أناقتها و يصادف وجود أمي كانت‬ ‫و حين كانت تزورني بعد ذلك في ك ّ‬
‫أمي تعايرني طوال السهرة بسببها‪.‬‬
‫‪ -‬شفت مرا تبعث خديمتها إلى نفس المحل اللي تشري منو ثيابها‪ ..‬واش‬
‫يقولوا الناس ؟‬
‫إحنا في فرانسا يا أمي حتى واحد ما على بالو بيك واش لبسة‪ .‬و‬ ‫‪-‬‬

‫هذي البنت مسكينة كانت رايحة تقتل روحها !‬


‫هذي تقتل روحها ؟ تصيح أمي أنت اللي تقتلي روحك‪ .‬ذرك تشوفي‬ ‫‪-‬‬

‫واش راح يخرج منها " المعّلمة " متاعك !‬


‫" صانعة " عند‬ ‫كانت أّمي تصّر على أّني مسحورة و أعمل بدوام كامل‬
‫خادمتي‪ .‬أّما زوجي فما كان ليصّدق هذه الهواتف التي أقول أّنها من‬
‫ي كابينة تلفون تمّر بها لتخبرني بمستجّدات‬
‫الشغالة‪ ..‬فقد كانت تهاتفني من أ ّ‬
‫ن الجّوال لم يكن قد اخترع بعد‪.‬‬
‫صتها و ل أستطيع التصال بها لحًقا ل ّ‬ ‫ق ّ‬
‫‪39‬‬
‫فأقضي ما تسع بطاقتها من وقت في الشتم حيًنا و الوشوشة حيًنا‪ .‬أتساءل‬
‫ل قواي العقلّية‪ ،‬كيف لمرأة لها ثلث صبيان‬ ‫الن إن كنت يومها في ك ّ‬
‫أصغرهم عمره سنتين أن تضيف إلى واجبات أمومتها دور الم تريزا‪.‬‬
‫ب‪.‬‬
‫ل إنقاذ المهاجرات غير الشرعّيات في مراكب الح ّ‬ ‫ذلك أّنني ل أستطيع إ ّ‬
‫ن في مركب غير آمن للهجرة نحو أرض‬ ‫ن أحدهم و يبعث به ّ‬ ‫عندما يغّرر به ّ‬
‫العشق الموعودة‪ .‬ثّم ينساهن في عرض البحر‪.‬‬
‫ب المغرقة‪ .‬و ما‬‫قضيت عمري في انتشال الناث الغبّيات من قصص الح ّ‬
‫ل هذا‪.‬‬
‫زلت في هذا الكتاب ل أفعل إ ّ‬
‫و هكذا طلبت من تلك الصديقة أن تهاتفني كّلما راودها الحنين إلى مهاتفته‪.‬‬
‫فأقول لها عن الرجال ما يشفيها و ينسيها و أعايره لها كما لو كنت أمي !‬

‫‪40‬‬
‫الستيقاظ الموجع من الخدر العشقي‬

‫ل توقظو المرأة التي تحب ‪ ..‬دعوها في أحلمها حتى ل تبكي عندما تعود‬
‫الى الواقع المر ‪.‬‬
‫مارك توين‬

‫صباح الخير‪ ..‬إّنها التاسعة بتوقيت النسيان‪.‬‬


‫انتهى سباتك الشتوي عزيزتي‪.‬‬
‫قومي من تحت الردم ‪..‬قومي من حزنك قومي ‪ .‬افتحي نوافذ الحياة و إ ّ‬
‫ل‬
‫دخل الصقيع إلى قلبك و بقي هناك‪ .‬كنت غزالة و أصبحت من دببة القطب‬
‫الشمالي تنامين سبعة أشهر‪ .‬بأّية حقنة تّم تخديرك؟ بالشغف ؟ بالولع ؟‬
‫الوله ؟ الهيام ؟ الغرام ؟ الصبابة ؟‬
‫ب من اسم ؟ تسعون اسًما حسب مراتب العشق و جنونه‪.‬‬ ‫تدرين كم للح ّ‬
‫ستعرفين من مّدة غيبوبتك‪ ،‬في أّية درجة من العشق كنت حين خلدت إلى‬
‫سدة أحلمك‪.‬‬
‫النوم على تلك الغيمة القطنّية البيضاء متو ّ‬
‫ضا من العلّو الشاهق للوهام‪ .‬لذا ما أخذت‬
‫ما توّقعتها ستمطر و ترمي بك أر ً‬
‫معك كما المظلّيين ما يضمن نزولك بسلمة‪ .‬فالسقوط المفاجئ ما كان ضمن‬
‫شم داخلك من‬ ‫حساباتك و الن قلبك ل يتوّقف عن الصغاء لصوت ما ته ّ‬
‫أشياء سيصعب عليك ترميمها‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫ل قدرتك على الوقوف‪ ".‬نقع‬ ‫ل تدعي منظر الخراب يشّوه مزاجك‪ .‬و يش ّ‬
‫سبع مرات و نقوم ثمانية " يقول اليابانيون‪ .‬قومي‪ .‬ما ينتظرك أجمل مما‬
‫يحيط بك‪ .‬اشتري أحذية لحلمك و ستصبح كلّ الطرقات إلى الفرح سالكة‪.‬‬
‫سًدى تنتظرين‪.‬‬
‫ب يستطيع من أجلك شيًئا و ل النسيان‪ .‬ل زوارق في الفق‪ ..‬غادري‬ ‫ل الح ّ‬
‫مرفأ النتظار‪.‬‬
‫هو لن يعود طالما أنت في انتظاره‪.‬‬
‫ل بحرمانه منك‪.‬‬‫ل بفقدانه لك‪ .‬و لن تحافظي عليه إ ّ‬
‫أنت لن تكسبيه إ ّ‬
‫ل بالخسارة‪ .‬عندما ستنسينه حّقا‪ ،‬سيتذّكرك‪ .‬ذلك أّننا‬
‫ثّمة رجال ل تكسبينهم إ ّ‬
‫ل ننسى خساراتنا !‬

‫‪42‬‬
‫ل تطلبي الّلجوء العاطفي إلى السرير‬
‫فهو سيسّلمك‪ ..‬إلى عدّوك‬

‫لعّل لقاًء في المنام يكون‬ ‫و إّني لهوى النوم في غير حينه‬

‫سسس‬
‫سسسس‬

‫صباح الخير‪ ..‬هذا أنا‪.‬‬


‫ن لك‬‫ن لي موعًدا معك‪ .‬و تبقين في السرير‪ ..‬ل ّ‬
‫لقد أصبحت أستيقظ قبلك ل ّ‬
‫موعًدا معه‪.‬‬
‫السرير ليس مكاًنا آمنا لمرأة تنشد النسيان‪ .‬فل تطلبي اللجوء العاطفي إليه‪.‬‬
‫سيسّلمك إلى " عدّوك الحبيب " كما سّلم حسن الترابي كارلوس إلى فرنسا‪.‬‬
‫ل معارض يلجأ إليها و يأتمنها على حياته‪.‬‬
‫و كما تسّلم النظمة العربّية ك ّ‬

‫‪43‬‬
‫السرير كمين يقع فيه القلب النازف شوًقا‪ .‬المطعون عشًقا‪ .‬اعتقاًدا منه أّنه‬
‫ملذ آمن لفرط حميمّيته‪.‬‬
‫في الواقع‪ ،‬ل أخطر من حميمّيته هذه عليك‪ .‬أنت فيه مطّوقة بنفسك‪ .‬حدودك‬
‫ل صوب تحّدك الذكريات و المواجع و الماضي‪ .‬أنت‬ ‫القليمّية أنت‪ ،‬من ك ّ‬
‫طريدة ذاكرة تعتقدين الهروب منها إلى السرير‪.‬‬
‫لكّنها ستفترسك فيه لّنك هناك ل لتنسي من تحّبين بل لتستعيديه‪ ..‬لتنفردي‬
‫به‪ ..‬لتبكيه‪.‬‬
‫حتى النوم سيغدر بك‪ .‬فحسب آخر البحاث العلمّية‪ ،‬إحدى مهام النوم حماية‬
‫ل ما يعتقد المرء أّنه نسيه خلل‬ ‫الذاكرة‪ .‬فالنوم يساعد الدماغ على تخزين ك ّ‬
‫النهار‪ .‬و هكذا يصبح النوم وسيلة يسترّد بها الدماغ‪ ..‬الذكريات‪.‬‬
‫لذا قد يستيقظ البعض و وسادته مبّللة بدموعه‪ .‬لقد بكى أثناء نومه‪ .‬جرحه‬
‫ن النوم نفسه ما عاد فرصة للنسيان يقول العلماء ‪'' .‬‬ ‫يأّ‬
‫ظا‪ .‬أ ّ‬
‫ل مستيق ً‬‫ظّ‬
‫البشر ليسوا حقيقيين ال في اللحظة التي يكونون فيها في أسرتهم وحدهم ''‬
‫أخطر مكان عليك السرير‪ .‬إّنه يغّذي حزنك و يوقظ مواجعك‪ .‬و يخدعك‬
‫بإيهامك أّنك تلتقين فيه الرجل الذي ما عاد من مجال لللتقاء به في الحياة‪.‬‬
‫لهذا سمي السرير مخدع !‬
‫غادري مخدعك حال استيقاظك أتمّنى أن أجدك غًدا أمام فنجان قهوة‬
‫ل صباح أمام الطبيعة بدل‬ ‫تحتسينها على شرفة أحلمك‪ .‬اجلسي إلى نفسك ك ّ‬
‫أن تجلسي إلى ذاكرتك في سرير‪ ''.‬بنظرة خاطفة ذكريات كثيرة تستلقي على‬
‫سريري تقول عناية جابر''‬
‫ل يلزم السرير حداًدا على امرأة ؟‬ ‫هل رأيت رج ً‬
‫إّنه يقصد السرير " رفقة لوازم نسيانه "‪ .‬يستعين بامرأة على نسيان أخرى‪.‬‬
‫في هذا سّر شفائه‪.‬فالجنس عنده وصفة دواء يسهل تناوله بعد كل خيبة‬
‫عاطفية‪.‬‬
‫‪44‬‬
‫ما دمت عاجزة عن الخيانة‪ .‬أضعف اليمان أن تغادري السرير حتى ل‬
‫يكون فضاء متعته ‪ ..‬هو فضاء شقائك !‬
‫***‬
‫ب"‬‫" الجنس مجرد إرضاء للنفس عندما ل يحصل الواحد منا على الح ّ‬
‫غارسيا ماركيز‬

‫‪45‬‬
‫أّيتها الحمقاء‪ ..‬الحياة تنتظرك و أنت تنتظرينه !‬

‫و إذا غفا جفني فأنت الخر‬ ‫ت فأنت أّول خاطري‬


‫فإذا صحو ُ‬

‫صباحك نسيان‪..‬‬
‫صدًقا‪ ،‬ألست أفضل هذا الصباح؟ أشهر و أنت تنامين ظهًرا لظهر مع‬
‫جسدك المستلقي إلى جوارك‪ .‬مع الوقت أصبحت جارة جسدك‪ ،‬جارة حياتك‬
‫ل صاحبتها‪ .‬تعيشين حياة مؤجلة إلى حين يعود‪.‬‬
‫هكذا هي المرأة العربية‪ ..‬تؤجل فرحتها في انتظار السعادة‪ .‬الحياة موجودة‬
‫من أجلك‪ ..‬بعطورها و ورودها و فصولها‪ ..‬و مصادفاتها‪.‬‬
‫ب يحّبك‬
‫الحياة تنتظرك و أنت تنتظرينه‪ .‬السعادة تشتهيك و أنت تشتهينه‪ .‬الح ّ‬
‫و أنت تحبينه‪ .‬لّنه ألمك‪.‬‬
‫ط يتوق إلى خانقه تريدينه‪.‬‬
‫كق ّ‬

‫‪46‬‬
‫عندما يتجاوز الخذلن حّده‪ ،‬و ينفذ مخزون الصبر النسائي على سعته‪ ،‬عليك‬
‫أن تراجعي علقتك باللم‪ .‬فاللم ليس قدًرا‪ .‬إّنه اختيار‪.‬‬
‫عام من اللم يكفي و يزيد‪ .‬إّنه معدل الزمن النثوي المهدور الذي تحتاجه‬
‫ل‪ .‬فثّمة‬
‫امرأة للشفاء من رجل تفشى فيها داؤه‪ .‬الوعكة العاطفّية تأخذ وقًتا أق ّ‬
‫ب " تلتقطه النساء مثل النفلونزا في شتاء القلب‪.‬‬ ‫"ح ّ‬
‫ل أن يعيش أكثر من فصل و الحزن‬ ‫ب " ما كان مقّدرا له أص ً‬
‫مثل هذا " الح ّ‬
‫ق أكثر من أيام‪ .‬لكن ألم الفراق الكبير ل بّد أل يدوم أكثر من‬ ‫عليه ل يستح ّ‬
‫ن على الطرف‬ ‫سنة‪ .‬بعدها يصبح المر ضرًبا من النتحار‪ .‬فهل أنت واثقة أ ّ‬
‫الخر ثّمة عاشق ولهان قادم من العصور الغابرة‪ ..‬يبكيك و يخلص لغيابك ؟‬
‫كفى بربك حماقة !‬

‫‪47‬‬
‫بالروح‪ ..‬بالدم‪ ..‬نفديك يا نسيان!‬

‫أسقي الزهور في غيابك‬


‫و لكّنها‪ ..‬ترفض أن تنمو‬
‫غازي القصيبي‬

‫صباحك ورد‪..‬‬
‫يسعدني أن أراك تبدئين نهارك بالعتناء بنباتات حديقتك‪.‬‬
‫ل مناسبة‬‫لكن حذاري أن تتحّرشي بشجرة الذكريات‪ .‬أن تسقيها في ك ّ‬
‫ل يعطي النسيان ورًدا‪.‬‬
‫بالحنين و النتظار‪ ..‬ثّم تتعجبي أ ّ‬
‫ل يطرح النسيان ورًدا في الموسم الّول‪ .‬يحتاج إلى فصلين أو ثلثة قبل أن‬
‫يزهر‪ .‬في البدء يهديك شوكه‪ .‬ل تكوني على عجل و ل تقلقي‪ .‬سيجيء فصل‬
‫ب رزنامة ل علقة لها بمنطق الفصول‪.‬‬ ‫القطاف‪ .‬فللح ّ‬
‫ليس ثّمة نسيان جميل أو سريع‪ .‬ل أحد بإمكانه أن يهديك النسيان قبل وقته‪.‬‬
‫أو يبيعك إّياه قبل أن يتفّتح على أغصانه‪ .‬عليك أن تقتنيه بألمك و أرقك و‬
‫دموعك‪.‬‬
‫هذه هي العملة الوحيدة التي تتعامل بها الحاسيس في مواجهة الفقدان‪.‬‬
‫ثّم تذّكري نحن ل ننسى ال حين نريد ذلك حقا كوني صادقة في إصرارك‬
‫على النسيان‪.‬‬
‫ينجح الرجال في النسيان لّنهم يريدونه حّقا ) لبدء علقة جديدة ( و تفشل‬
‫النساء لّنهن يخفنه ) لخوفهن من القدام على تجربة جديدة (‪ .‬على أساس "‬

‫‪48‬‬
‫ذاكرة في اليد‪ ..‬خير من نسيان على الشجرة " فالمرأة تخاف أن يطير مع‬
‫النسيان آخر عصفور أمسكت به‪.‬‬
‫ب‪ .‬من هنا جاء هوسها‬ ‫ل تهديها الحياة حّبا بعد ذلك الح ّ‬ ‫كّلما أحّبت‪ ،‬توّقعت أ ّ‬
‫بكلمة " إلى البد " التي يطمئنها بها الرجل إلى حين يطير‪ ..‬إلى البد‪.‬‬
‫على النساء أن يشفين من خوفهن النثوي من المجهول‪ .‬فليس الرجال أق ّ‬
‫ل‬
‫ل من‬ ‫مّنا خوًفا‪ .‬و ل أكثر طمأنينة لما ينتظرهم‪ .‬هم فقط أكثر خيانة و تنص ً‬
‫وعودهم‪.‬‬
‫فليكن‪ .‬انتهى زمان " أنساك ده كلم \ أنساك يا سلم \ أهو ده اللي مش‬
‫ممكن أبًدا \ و ل أفكر فيه أبًدا "‪.‬‬
‫ن‪ ،‬أل يبدو هذا الكلم سخيًفا عندما تقرؤونه هكذا عاٍر من صوت أّم‬ ‫بربك ّ‬
‫ي شيء‪.‬‬ ‫كلثوم الذي لجماله بإمكانه إقناعنا بأ ّ‬
‫كان بإمكاننا أن نصّدقه و نموت من أجله‪ .‬و نخرج في مظاهرات نسائّية‬
‫حاشدة تنّدد بالنسيان كأحد أوجه المبريالية‪ .‬و نتهمه بالمشاركة في المؤامرة‬
‫الكبرى على المستقبل العاطفي للمة العربّية‪ ،‬لو أّننا رأينا الرجال يهتفون‪،‬‬
‫كما يهتفون للزعماء " بالروح بالدم نفديك يا وفاء "‪.‬‬
‫ن النسيان ممكن جًدا‪ .‬و ل نريد سوى‬ ‫الذي حدث أّنهم أقنعونا منذ عصور أ ّ‬
‫إشعارهم بأن النسيان ليس حكًرا عليهم‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫الباب الموارب للقفص‬

‫حا إن عاد فقد كان دائًما لك‬


‫ب كطائر في قفص‪ .‬أتركي له الباب مفتو ً‬
‫" الح ّ‬
‫و إن لم يعد فهو ما كان لك يوًما "‬

‫رحت أهاتفها في صباحات اللم لنقذها من سياط الذكرى‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫ب رغيف خبز بدل أن يدعوه إلى العشاء‪ .‬كنت أدري أن‬ ‫كمن يعطي الح ّ‬
‫كلماتي ما كانت تشبعها تماًما‪ .‬لكن تمنحها قوت يومها من الصبر‪ .‬و تغّذيها‬
‫بفيتامين الصمود‪.‬‬
‫يوًما بعد يوم بدت كأّنها تتعافى من الماضي‪ ..‬أو لعّلها كانت تحاول إقناعي‬
‫سا كان قد تغّير حّقا في حياتها‪ .‬قّلما كانت تقبل تلبية‬ ‫بذلك‪ .‬لكن ل شيء ملمو ً‬
‫دعوات أو حضور مناسبات‪ .‬كانت تعيش حدادها بجمالية و عزلة‪ .‬لكن‬
‫بطمأنينة أكبر‪.‬‬
‫ب إن لم تفتحي له الباب "‪ .‬و كانت‬ ‫كنت أصيح بها يائسة " من أين يأتي الح ّ‬
‫حا "‪.‬‬
‫ترد " بل تركت له الباب مفتو ً‬
‫لحًقا أدركت أّننا ما كّنا نحكي عن البواب نفسها‪ .‬كنت أحكي عن باب‬
‫الحياة‪ ..‬و كانت تقصد باب القفص !‬
‫ي أن تغلقي ك ّ‬
‫ل‬ ‫حا طمعا في عودة الطائر‪ .‬أ ّ‬ ‫] أن تتركي باب القفص مفتو ً‬
‫جلي سعادة في يدك‪ ..‬من‬ ‫أن تؤ ّ‬ ‫باب عداه‪ .‬دون أن تعترفي بذلك لحد‪.‬‬
‫أجل سعادة على الشجرة‪ .‬أن تختاري خسارة الحاضر كي ل تخسري‬
‫احتمال حلم‪.‬‬
‫ل تهجري‪ ..‬و أ ّ‬
‫ل‬ ‫ل تنسي تماًما و ل تتذكري تماًما‪ .‬أ ّ‬ ‫ل يوم أ ّ‬‫عليك ك ّ‬
‫ل تهاتفيه و أن تواصلي سماع صوته فيك يقول لك بكلمات الماضي‬ ‫تعودي‪ .‬أ ّ‬
‫صة حّبك‪ .‬و ل تحزني‬ ‫ل لق ّ‬ ‫ل تكوني مبتهجة فل تكوني أه ً‬ ‫أّنه سيعود‪ ..‬أ ّ‬
‫عا للشفقة‪.‬‬
‫فتصبحي موضو ً‬
‫أن تعثري على المسافة اللزمة بينك و بينه في الغياب‪ ..‬بينك و بين‬
‫الخرين‪ ..‬بينك و بين الذكريات‪ ..‬بينك و بين من يحاول أن يأتيك من باب‬
‫ل تخوني من يكون قد‬ ‫آخر ‪ -‬غير باب القفص ‪ -‬ليشغل محّله الشاغر‪ .‬أ ّ‬
‫ب هو‬ ‫خانك‪ .‬و ل تتأّلمي بوفائك له‪ .‬أن تخلصي لسطورتك ل لبطلها‪ .‬فالح ّ‬
‫البطل‪ ..‬ل ذلك الرجل !‬
‫‪51‬‬
‫ي أن تطلقي‬ ‫حا أ ّ‬
‫أمام فنجان قهوة قلت لها " أن تتركي باب القفص مفتو ً‬
‫قرار عليك أن‬ ‫ب و تدخلي القفص لتقيمي مكانه‪.‬‬ ‫سراح طائر الح ّ‬
‫و حساباتك العاطفية‪ .‬فوحدك‬ ‫ل قواك العقلية‬
‫تأخذيه وحدك و أنت في ك ّ‬
‫ي طائر هذا الذي تنتظرين‪ .‬أهو طائر نبيل أم عصفور من أسراب‬ ‫تعرفين أ ّ‬
‫ف ُتمّد نحوها‪ .‬و‬‫يك ّ‬ ‫ب في أ ّ‬
‫العصافير المهاجرة العابرة‪ .‬تلك التي تنقر الح ّ‬
‫ق في أيامنا‬
‫ب تستح ّ‬ ‫ل قصة ح ّ‬ ‫تعيش على فتافيت الموائد‪ ..‬صّدقيني ليست ك ّ‬
‫ل هذه التضحيات "‪.‬‬ ‫كّ‬
‫ق‪ .‬أنا جاهزة لوصفاتك " ل‬ ‫بدت مقتنعة بكلمي‪ .‬قال لسانها " أنت على ح ّ‬
‫أدري ربما كان قلبها يقول آنذاك عكس ذلك ‪.‬‬
‫***‬
‫ي كتاب صغير‬ ‫لد ّ‬
‫أكتب فيه حين أنساك‬
‫كتاب ذو غلف أسود‬
‫لم أخط فيه كلمة بعد‬
‫فيرناندو بيسوا‬

‫‪52‬‬
‫نصائح بقطيع من الجمال‬

‫ذرك كمن ب ّ‬
‫شرك‬ ‫من ح ّ‬
‫المام علي‬

‫‪53‬‬
‫ب امرأة‪...‬‬
‫كما لم تح ّ‬

‫وحدها التي ستأتي بعدي ستنصفني‬


‫و هي تفرغ جيوب قلبك‬
‫ستكتشف‪ ..‬كم كنت ثرّيا بي‬

‫ب كبيرة‪ .‬و أخرجي منه أميرة‪ .‬لّنك كما تدخلينه‬ ‫أدخلي الح ّ‬
‫ستبقين‪.‬‬
‫ارتفعي حتى ل تطال أخرى قامتك العشقّية‪.‬‬
‫ل‬‫ب ل تفّرطي في شيء‪ .‬بل كوني مفرطة في ك ّ‬ ‫في الح ّ‬
‫شيء‪.‬‬
‫ل حالة إلى أقصاها‪ .‬في التطرف تكمن قوتك‬ ‫اذهبي في ك ّ‬
‫و يخلد أثرك‪ .‬إن اعتدلت أصبحت امرأة عادّية يمكن‬
‫نسيانها‪ ..‬و استبدالها ‪.‬‬
‫ل تحّبي‪ ...‬اعشقي‬
‫ل تنفقي‪ ...‬أغدقي‬
‫ل تصغري‪ ...‬ترفعي‬
‫ل تعقلي‪ ...‬افقدي عقلك‬
‫شي فيه‬‫ل تقيمي في قلبه‪ ...‬بل تف ّ‬
‫ل تتذّوقيه‪ ...‬بل التهميه‬
‫وهي شيًئا فيه‪ ...‬ج ّ‬
‫مليه‪.‬‬ ‫ل تش ّ‬
‫ل تكوني أمامه بل خلفه‪.‬‬
‫ل تكوني عذره بل غايته‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫ل تكوني عشيقته بل زوجة قلبه‪.‬‬
‫ل تكوني ممحاته بل قلمه‪.‬‬
‫ل تكوني واقعه‪ ...‬ظّلي حلمه‬
‫ما سعادته‪ ...‬كوني أحياًنا ألمه‬ ‫ل تكوني دائ ً‬
‫ل تعدلي كوني في النوثة ظلمه‬
‫ل َتبكيه‪ً ...‬أبكيه‬
‫ل تكوني متعته بل شهوته‬
‫كوني أرقه و أميرة نومه‬
‫ل تكوني سريره كوني وسادته‬
‫كوني بين النساء اسمه‬
‫ذكرياته و مشاريع غده‬
‫ل تكوني يده كوني بصمته‬
‫ل تكوني قلبه كوني قالبه‬
‫ل تغاري من ماضيه فأنت مستقبله‬
‫و ل من عائلته لّنك قبيلته‬
‫ل تكوني ساعته كوني معصمه‬
‫و ل وقته بل زمنه‬
‫ل امرأة لها قرابة به‬ ‫مصي ك ّ‬ ‫تق ّ‬
‫ل أنثى يمكن أن يحتاج إليها‬ ‫وك ّ‬
‫ل شيء يمكن أن يلمسه‬ ‫وك ّ‬
‫ل حيوان أليف يداعبه‬ ‫وك ّ‬
‫ل ما تقع عليه عيناه‬ ‫وك ّ‬
‫كوني ابنته و شّغالته و قطته‬
‫ومسبحته وصابون استحمامه و مناشفه‬
‫‪55‬‬
‫ومقود سّيارته وحزام أمانه‬
‫ومصعد بنايته‬
‫كوني مفاتيحه ومن يفتح بابه‪ ...‬حتى في الغياب‬
‫كوني عباءة بيته‪ ...‬سجاد صلته‬
‫كوني أريكة جلوسه ومسند راحته وشاشته‬
‫كوني بيته‬
‫كوني المرأة التي لم ير قبلها امرأة‬
‫و لن تأتي بعدها امرأة‪ ...‬بل مجرد إناث !‬

‫نصيحة‪:‬‬

‫ب الكبير‬
‫ل تعجبي إن تمّرد عليك برغم هذا و ل تحزني‪ .‬الح ّ‬
‫يخيف رجًل ما عرف قبلك امرأة‪ .‬إّنه ينسحب ليحمي‬
‫رجولته من إغداق أنوثتك‪ .‬و ليتداوى من تلشيه فيك‪.‬‬
‫لكّنني ل أعرف رجًل شفي من سرطان الروح بتناوله "‬
‫ب كبير‬‫أسبرين " الكذب على الذات‪ .‬ل أحد تعافى من ح ّ‬
‫تقول التقارير العاطفّية‪.‬‬
‫"‬ ‫مي‪ .‬ربما مع الوقت دخلت حياته‬ ‫فل تغاري و ل تهت ّ‬
‫إناث الهاتف " أو " قطط النت "‪ .‬ربما مّرت به ثياب‬
‫نسائّية و أحذية بكعب عال و قبل بأحمر شفاه‪ .‬و صدور‬
‫و عطور و كلمات‪.‬‬
‫و " ميساجات " ليست كالميساجات‪ .‬و نشوة في مذاق‬
‫م إعدادها من السكر الصافي المذاب‬ ‫" غزل البنات " ت ّ‬
‫الذي يصنع منه الباعة حلوى كلحية بيضاء قطنّية طّيبة‬
‫‪56‬‬
‫المذاق‪ .‬لكن ل شيء يبقى منها غير الدبق‪ ..‬إّنها تعلق‬
‫باليدين والفم و يحتاج المرء كّلما تناولها أن يغتسل‪.‬‬
‫هو لهن‪..‬‬
‫ب امرأة‪ .‬ل تبكي و ل تحزني‪ .‬ليسعدن‬ ‫إن أحببته كما لم تح ّ‬
‫ي‪.‬‬‫به‪ .‬سعادتك أّنك قصاصه المستقبل ّ‬
‫دم به العمر كبرت بذكراك خساراته‪ .‬ربما وجد‬ ‫كّلما تق ّ‬
‫امرأة تهديه نسيانك‪ ،‬لكن لن يعثر عن امرأة تهديه حّبك‪.‬‬

‫***‬
‫جراري مليئة بدموع نساء‬
‫أحببنك قبلي‬
‫لكّنني ل أبكي‬
‫ضحك‬
‫مشغولة بملء سلل ال ّ‬
‫لمرأة ستضحك بعدي‬
‫على كّل ما كنت فيك أخاف عليه‬

‫‪57‬‬
‫أصمدي!‬

‫صبرت على شيء أمّر من الصبر‬ ‫صبرت حتى يعلم الصبر أّني‬

‫ثّمة متعة في الصمود حتى‪ ..‬ألًما‪.‬‬


‫قاومي شهوة الستسلم لنداء الماضي‪ .‬فّوتي على الحنين ما ينصبه لك من‬
‫فخاخ‪ .‬أصمدي كي تبقي كبيرة في عين نفسك‪.‬‬
‫الذي تخّلى عنك‪ .‬أراد دهس كرامتك‪ .‬فليكن‪ ،‬يبقى لك كبرياء النسيان‪ .‬و‬
‫ل المناسبات و ك ّ‬
‫ل‬ ‫زهو امتناعك عن التصال به أّيا كانت المناسبة‪ .‬ستمّر ك ّ‬
‫العياد و " عيدّيتك " أّنك أفسدت عليه عيده‪ .‬ما دام قد أفسد عليك الحياة‬
‫بين عيدين !‬
‫و أعرف صديقة أبدعت في الحالتين‪ .‬كانت قد انفصلت عن الرجل الذي‬
‫تحّبه قبل أشهر‪ .‬فلم تطلبه في عيد ميلده‪ .‬رغم كونها تعرف تماًما التاريخ‬
‫بحكم السنوات التي احتفلت فيها به‪.‬‬
‫ثّم في العام التالي هاتفته في المناسبة إّياها‪ .‬و لم يصدق أن تكون تذّكرته‬
‫أخيًرا‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫لكّنها عكرت عليه فرحته حين قالت ببراءة ماكرة " ما هاتفتك العام‬
‫الماضي في عيد ميلدك لّنني كنت ما زلت أحّبك و أقوم بجهد المتناع‬
‫عن التصال بك‪ .‬لكن‪ ،‬و قد انطفأت تلك الحرائق منذ ذلك الحين‪ .‬أصبح‬
‫بإمكاني اليوم أن أتمّنى لك من قلبي عيد ميلد سعيد "‪.‬‬
‫سر‬‫ما كانت تتمّناه حّقا هو إيلمه بسلح جديد لم يتوّقعه‪ .‬تركته حزيًنا يتح ّ‬
‫على الزمن الذي كانت تشهر عداءها له‪ ..‬صمًتا !‬
‫ب مضاد مدفوع إلى أقصاه‪ ..‬أ ّ‬
‫ي‬ ‫ذلك أن الصمت في عنفه هو تعبير عن ح ّ‬
‫أّنه وجه آخر للعشق في تطّرفه‪ .‬أّما أن تتصلي برجل عشقته يوًما لتقولي له‬
‫كلًما عادّيا فذلك يعني أّنك أنزلته من عرشه و ساويته بالخرين‪.‬‬
‫ل امرأة أن تتقن استعماله في‬ ‫سُر الصمت سلح على ك ّ‬ ‫الصمت‪ ..‬كما َك ْ‬
‫مواجهة النقطاع الطويل‪..‬‬
‫و لنا في الرجال خير معّلم!‬

‫‪59‬‬
‫كّل مّتهم بريء إلى أن يشنق!‬
‫طغيان العربي‬
‫مقولة من أرشيف ال ّ‬

‫نهلك بما نعشق نحيا بما نخاف‬


‫ابراهيم الكوني‬

‫ل ترابطي بجوار الهاتف و تربطي حياتك به‪ .‬فذاك الرجل أخذ قراًرا بألّ‬
‫ت على أمل أن يقتلك بسكتة هاتفية‪ .‬دعيه يموت هو في انتظار‬ ‫يهاتفك و لو م ّ‬
‫ذلك !‬
‫إن كنت توّدين إسعاده واصلي التنكيل بنفسك‪ .‬فل هدف له‬
‫ل تعذيبك على جريمة وحده يعرفها‪ .‬يحتاج أن يزهق روحك ليتأّكد من‬ ‫إّ‬
‫و مشتقاته أبشري !‬ ‫براءتك‪ .‬إن كنت مولعة بالعشق الفاشست ّ‬
‫ي‬
‫إّنه يعّد لك محرقة حطبها‪ ..‬غباؤك‪.‬‬

‫عّوضي حاجتك إليه‪ ..‬بقضاء حوائج الخرين‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫صهم بقضاء حوائج الناس حّببهم في الخير و حّبب الخير‬‫ن ل عباًدا اخت ّ‬
‫إّ‬
‫إليهم‪ .‬إّنهم المنون من عذاب ال يوم القيامة‬
‫حديث شريف‬

‫و وقتك لناس‬ ‫أمام فاجعة الفقدان‪ .‬إزدادي كرًما و إحساًنا‪ .‬هبي نفسك‬
‫يرّدون على خيرك بالعرفان‪.‬‬
‫ب جاحد‪ .‬إّنه يحتاج أن يتنّكر لك ليشفى منك‪ .‬فهو يرى في اعترافه‬ ‫وحده الح ّ‬
‫صا من قيمته‪ .‬و تشويه لنفسه‪.‬‬‫بجميلك انتقا ً‬
‫و ما يريده هو تشويهك أنت في قلبه‪ .‬كي ل يشعر بفداحة خسارتك‪.‬‬
‫في قّمة ألمك‪ ،‬احتفي بمن يقصدك‪ .‬عّوضي حاجتك إلى من هجرك بحاجة‬
‫الخرين إليك‪.‬‬
‫ل من يرون فيه بهاء النبل و بهاء السخاء و بهاء‬‫فالخرون ل يقصدون إ ّ‬
‫القلب الطّيب‪ .‬هم مرآتك عندما ينسيك الزمن مواصفاتك و خصالك‪ .‬هم الذين‬
‫ينّبهونك إلى جزئّياتك الجميلة التي شّوهها العطاء لغير أهله‪.‬‬
‫***‬
‫"عليك بالصدقة و لو بالقليل‪ ،‬فإّنها تطفئ الخطيئة وتسّر القلب‪ ،‬و تذهب‬
‫الهّم و تزيد في الرزق"‬

‫‪61‬‬
‫تفوّقي عليه حّبا‬

‫صا أكبر من الح ّ‬


‫ب‬ ‫ل أعرف قصا ً‬
‫أنسي الحاج‬

‫ل تستسلمي لشهوة النتقام أّيا كان غدره بك‪ .‬وحدها النفوس الصغيرة تهجس‬
‫ل عليه‪ .‬غادري حياة من أحببت كنسمة‪ .‬ل تدّمري‬ ‫بالذى لّنها ل تقدر إ ّ‬
‫مكاًنا أقمت فيه‪.‬‬
‫ل تشّوهي صيت رجل أحببته‪ .‬كي حين تلتفتين خلفك بعد سنوات ل تجدين‬
‫خراًبا بل حديقة‪ .‬قصاصه في الورود التي ستواصلين سقيها في حديقته برغم‬
‫كونك لن تريها تتفّتح‪ .‬واصلي حماية بيته و لو بقلبك‪ .‬تمني له الخير صادقة‬
‫ان كان شهما لن ينسيه ما أتاه بعدك من خير ‪..‬خيرك و سيؤذيه نبلك‬
‫ويحرجه ‪.‬‬
‫كوني أميرة ‪ ,‬دّللي من تعرفين من أهله دون علمه‪ .‬تفّوقي عليه حّبا لتصغّريه‬
‫في عين نفسه‪ .‬ارفعي سقف العطاء حتى ل تجرؤ امرأة على أن تأتي بعدك‪.‬‬
‫هل تعرفين انتقاًما أكبر من هذا ؟‬

‫احتج الى من شئت و كن أسيره‬


‫أحسن الى من شئت و كن أميره‬
‫المام علي‬

‫‪62‬‬
‫"و عّزة نفسي منعاني"‬

‫ب الشخص حين تحّبه‬


‫ليست المسألة كم تح ّ‬
‫و إّنما كم تحّبه حين تكرهه‬
‫الممثل آستون كوتشر‬

‫ب إلى ضرب من المنازلة العاطفّية الموجعة‪.‬‬ ‫كّلما اّتسعت القطيعة تحّول الح ّ‬
‫ن الخر ل بّد أن‬ ‫ي ذراع الثاني مراهًنا على أ ّ‬‫ل واحد يريد من خللها ل ّ‬‫كّ‬
‫تهزمه الشواق و استبداد العادات العاطفّية المشتركة و الذكريات‪.‬‬
‫و أّنه حتًما أّول من سينهار و يرفع السماعة أو يرسل رسالة هاتفّية‪ .‬لكن‬
‫غالًبا ما ينقلب السحر على العاشق‪ .‬و بدل أن يقّرب البعاد المحّبين‪ ..‬يفّرقهم‬
‫نهائّيا عندما يتجاوز النفصال اليام و السابيع إلى الشهر‪ .‬و يبدأ عندها‬
‫ل واحد في التشكيك في عواطف الخر من أساسها‪.‬‬ ‫كّ‬
‫و توسوس‬ ‫و ينوب عن شوقه إليه حقده عليه‪ .‬فالغيرة تأخذ هنا مجدها‬
‫ل واحد بما يزيد من عناده و يشّوه صورة الخر في قلبه و يملؤه ندًما على‬ ‫لك ّ‬
‫ما ضاع سًدى من عمره‪.‬‬
‫ل حسب قناعاته و‬ ‫ل بالنتقام لكرامته العاطفّية‪ ،‬ك ّ‬
‫ل واحد إ ّ‬
‫و تغدو ل رغبة لك ّ‬
‫أخلقه و إمكانياته‪ .‬و ما يرى فيه الرّد الكثر إيلًما للخر‪ .‬لعبة غبّية و‬
‫سادّية قد يمتد دمارها إلى سنوات عّدة حسب عمق العلقة و عمرها‪.‬‬
‫ظي‬‫ب مدفوع إلى أقصاه حّد الدمار المشترك كنوع من التوحد في التش ّ‬ ‫إّنه ح ّ‬
‫على طريقة كامل الشناوي‪:‬‬
‫‪63‬‬
‫فهي مّني و أنا منها شظايا "‪.‬‬ ‫طمتها‬
‫طمتني مثلما ح ّ‬
‫"ح ّ‬
‫ب لنتحّدى به العالم ل‬
‫جَد الح ّ‬
‫ب ل يليق بغير النفوس المريضة‪ .‬لقد ُو ِ‬ ‫هكذا ح ّ‬
‫شع و‬‫و يجّمل و يسند‪ ،‬ل ليهّد و يب ّ‬ ‫جَد ليبني‬
‫ب‪ ،‬و ُو ِ‬
‫لنتحّدى به من نح ّ‬
‫يدّمر‪ .‬في الواقع كان يكفي كلمة واحدة‪ .‬كان يكفي رّنة هاتف و صوت‬
‫يباغتك يقول " إشتقتك "‪ " ،‬ما نسيتك "‪ " ،‬أحتاجك "‪ .‬لكن ل هاتف يد ّ‬
‫ق‬
‫ن كلمة واحدة‬ ‫ب الذي ولد وسط شللت الكلمات الجميلة‪ ...‬يموت ل ّ‬ ‫و الح ّ‬
‫تنقصه !‬
‫ل عاشق على الخر‪.‬‬ ‫كلمة ‪ ,‬بل دقة ‪ ,‬مجرد دقة هاتفية ‪ ,‬عن تحّد بخل بها ك ّ‬
‫ي في أّية لحظة لتفرقهما إلى البد‪ ..‬دّقة الموت‪.‬‬ ‫متناسًيا تلك الدّقة التي قد تأت ّ‬
‫* * *‬
‫كر و أنت‬ ‫ل مرة تنسى إّنما هو الموت ما تتذ ّ‬ ‫في ك ّ‬
‫تنسى‬
‫موريس بلنشو‬

‫‪64‬‬
‫غادري نفسك‪ ..‬كي تعودي و تجدينها‬

‫ن الذي سوف‬
‫ل ّ‬ ‫يظ ّ‬
‫ل يجيء الذي قد مضى‬
‫يأتي ذهب‬
‫المتنبي‬

‫دثي عن ماضيك سوى لصديقة واحدة‪ .‬فالماضي‬ ‫ل تتح ّ‬


‫يطوى و ل يروى‪ .‬كّلما رويته احترقت به‪ ،‬و عدت إلى‬
‫ما من الحديث‬ ‫زنزانته‪ .‬و منحته حقّ جلدك‪ .‬لكن أكثر أل ً‬
‫إلى أحد‪ ،‬ذلك الحديث الذي ل ينتهي مع نفسك حول‬
‫الجرح نفسه‪.‬‬
‫و هو ما يسميه رولن بارت " الثرثرة الذهنية " إّنه‬
‫" فيض كلم يحاجج من خلله العاشق دون كلل في رأسه‬
‫خم من‬ ‫مفاعيل جرح أو نتائج سلوك ما‪ :‬إّنها شكل مف ّ‬
‫ي‪ .‬العاشق الذي يقع فريسة‬ ‫أشكال الخطاب العشق ّ‬
‫ف عن ملمسة جرحه "‪.‬‬ ‫الثرثرة‪ ،‬ل يك ّ‬
‫حاولي النجاة بنفسك من هذا الهذيان بالخروج إلى نزهة‬
‫أو بمجالسة أناس جميلي المعشر‪ .‬اهربي من نفسك‪.‬‬
‫فالشخص الذي عليك أّل تفتحي معه سيرة جرحك‪ ..‬هو‬
‫أنت بالذات‪.‬‬
‫ن الحياة أجمل من الذي مضى‪.‬‬ ‫عليك أن تقتنعي بعد الن أ ّ‬
‫ن العودة إلى الماضي قتل‬ ‫أّنك ل تملكين إّل يومك‪ .‬و أ ّ‬

‫‪65‬‬
‫ن الجترار الذي يلمس الهذيان‬ ‫ضا‪ .‬و أ ّ‬
‫لحاضرك و لك أي ً‬
‫ما ما يريده لك !‬
‫ذبح لك على مدى الليل و النهار‪ .‬و هو تما ً‬
‫ي‪ ،‬من أجل رجل ليس أهًل لن‬ ‫ي و غب ّ‬
‫إّنه موت مجان ّ‬
‫تنحري نفسك حسرة عليه‪ .‬فالذي قاسمك الماضي و‬
‫مضى‪ ..‬كّلف الماضي باغتيالك بعده ) هل تعين هذا؟ (‬
‫وتي عليه فرصة قتلك‪ .‬ل تقيمي على أطلله‪ .‬فما زال‬ ‫ف ّ‬
‫في الحياة مّتسع لتبني لحلمك قصًرا‪.‬‬
‫الن فوًرا‪ ،‬أغلقي هذا الكتاب و غادري نفسك‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫"ليفتينغ" النسيان‪...‬‬

‫الحبّ هو أفضل عملّية شّد وجه‪ .‬لكن عموًما من السهل العثور على جراح‬
‫ب‪.‬‬
‫ق الح ّ‬
‫تجميل من العثور على رجل يستح ّ‬
‫الممثلة الفرنسّية إيمانويل بيار‬

‫ن أفضل كريم‬ ‫ب هو أفضل عملّية شد ّ وجه‪ .‬فإ ّ‬ ‫إن كان الح ّ‬


‫ضد التجاعيد هو النسيان‪.‬‬
‫سا و تجاعيد على وجهك‪.‬‬ ‫ل تدعي الفقدان ينكتب بؤ ً‬
‫فالخسارة العاطفّية تظهر أّول ما تظهر على وجه المرأة‪.‬‬
‫ملت ستشي بك الملمح المتعبة‪ .‬العيون التي لم‬ ‫مهما تج ّ‬
‫تنم‪ .‬الخدود التي كانت نضرة و مّرت بها سواقي الدموع‪.‬‬
‫الرموش التي كانت ساحرة و جارحة و انكسرت و ذبلت‬
‫لفرط بكائك السري و انهطالك الداخلي المتواصل‪.‬‬
‫أخرجي هذا الرجل أوًّل من وجهك‪ .‬ل بد ّ أّل ترينه في‬
‫المرآة عندما تقفين أمامها في الصباح‪.‬‬
‫م من الذى الذي ألحقه بك‪،‬‬ ‫فبشاعته داخلك‪ ،‬و ذلك الك ّ‬
‫ل مكان‬‫ول إلى أحاسيس قبيحة و ضارة تشغل ك ّ‬ ‫سيتح ّ‬
‫كان يحتله في جسدك‪ .‬سيعبر وحله شرايينك و كريات‬
‫و ينتهي في ملمح وجهك‪.‬‬ ‫دمك‬
‫ل تدفعي من جمالك و نضارتك‪ ..‬ثمن خروج هذا الرجل‬
‫من حياتك‪ .‬فهو لم يدفع هذه " القيمة المضافة " للفراق‪.‬‬
‫‪67‬‬
‫و ل زمًنا‪ .‬حداده عليك سيكون قصيًرا‪ .‬فلو كان‬ ‫ل ثمًنا‬
‫و موجًعا و مكلًفا لما تخّلى عنك‪.‬‬ ‫طويًل‬

‫نصيحة‪:‬‬

‫الوجه هو أّول ما يراه فيك الخرون‪.‬‬


‫ما ما‬
‫و أّول ما رآه فيك هذا الرجل يوم أحّبك‪ .‬يومها حت ً‬
‫ب‪.‬‬‫كنت على هذا القدر من الذبول‪ .‬كان حولك مشاريع ح ّ‬
‫كري كم كنت يومها‬ ‫فقد كنت تبّثين ذبذبات بهجة‪ .‬تذ ّ‬
‫ة‪ .‬كنت متأّلقة كنت واثقة‪ .‬كنت امرأة‪.‬‬ ‫و شهي ّ ً‬ ‫ة‬
‫مشرق ً‬
‫ن شعورك بأّنك محبوبة‬ ‫اعلمي أن للشعاع جاذبّية‪ .‬و أ ّ‬
‫ب‪.‬‬ ‫يجذب إليك الح ّ‬
‫دا من الذين كانوا‬‫ب‪ .‬ل تجدين أح ً‬ ‫لذا عندما يتخّلى عنك الح ّ‬
‫يتمّنونك يوم كنت عاشقة‪ .‬فإحباطك و ذبولك‬
‫و الذبذبات السلبّية التي تبّثها أنوثتك المجروحة تجعلهم‬
‫ينسحبون‪.‬‬

‫الح ّ‬
‫ل‪:‬‬

‫دا‪ .‬و لكي يحّبك أحد‪ .‬أحّبي نفسك‪.‬‬‫في انتظار أن تحّبي أح ً‬


‫مليها‪ .‬دّلليها‪ .‬غاري عليها‪ .‬اهديها ما كنت تبخلين به عليها‬
‫ج ّ‬
‫صصي لها من الوقت ما لم تكوني‬ ‫لتهدينه لمن تحّبين‪ .‬خ ّ‬
‫في الماضي تملكين‪.‬‬
‫ب دون أن تخبريها بذلك‪.‬‬ ‫ديها للح ّ‬
‫أع ّ‬
‫‪68‬‬
‫* * *‬

‫ن معّينة‬
‫كّل إنسان يصبح مسؤوًل عن وجهه بعد س ّ‬
‫ألبير كامو‬

‫‪69‬‬
‫ماذا هو فاعل الن ؟؟‬

‫بينمــــــــــــــــــــا أطارحــــــــــــــــــــك البكــــــــــــــــــــاء‬


‫ثّمــــــــــــة امــــــــــــرأة كمــــــــــــا دون قصــــــــــــد‬
‫تضــــــــــــــــــــــــــــــــّمها إليــــــــــــــــــــــــــــــــك‬
‫مـــــــــــــن دون شـــــــــــــعور بالـــــــــــــذنب‬
‫تعابثهـــــــــــــــــــــــــــــــــا يـــــــــــــــــــــــــــــــــدك‬
‫يــدك الــتي تحفظنــي عــن ظهــر قلــب‬
‫***‬
‫قلـــــــــــــــــــبي الـــــــــــــــــــذي يـــــــــــــــــــراك‬
‫و يـــــــــــــــدك الـــــــــــــــتي ل ترانـــــــــــــــي‬
‫كيف تسّنى لها أن تغدق على أخرى‬
‫ســرقت منــي‬ ‫بتلــك الشــهقة الــتي ُ‬
‫مشـــــــــهرة فـــــــــي وجـــــــــه قلـــــــــبي مســـــــــتندات الشـــــــــرعية!‬

‫ل أكثر أًذى من هذا السؤال‪.‬‬


‫كّلما راودك نحرت نفسك بسّكين غير صالح للذبح‪ .‬إّنه يقتل في الدقيقة مليون‬
‫مرة‪ .‬دماره يعادل القنبلة الذرية التي ألقتها أمريكا على هيروشيما فمسحتها‬
‫ل قبل نومك‪ .‬و في‬ ‫حا حال استيقاظك و لي ً‬ ‫عن وجه الرض‪ .‬إّنه يتكّرر صبا ً‬
‫نهايات اليوم و في نهايات السبوع‪.‬‬
‫في المناسبات و في عطل العياد‪ .‬عندما تمطر و حين تثلج‪ .‬و حين ترتفع‬
‫ن الرزنامة و الطبيعة تآمرتا عليك‪،‬‬ ‫حرارة الطقس و تتفّتح مباهج الحياة‪ .‬لكأ ّ‬

‫‪70‬‬
‫ل مناسبة ترين فرصة‬ ‫ل شيء و في ك ّ‬ ‫لخلق حاجة لديه لوجود امرأة‪ .‬في ك ّ‬
‫لخيانته لك‪.‬‬
‫ل لعاداته من خلل ذكرياتك معه‪ .‬واثقة تماًما‬ ‫ذلك أّنك تملكين مرجًعا و دلي ً‬
‫ل شيء بحذافيره و تفاصيله‪..‬‬ ‫أّنه في المناسبات إّياها‪ ،‬سيكّرر لو استطاع ك ّ‬
‫فالرجل ابن عاداته‪.‬‬
‫أطمئنك‪ .‬إّنه سيفعل‪ .‬و إن لم يخنك بعد فليس وفاًء لك‪ .‬بل خوًفا على نفسه من‬
‫المراض و عواقب المغامرات‪ .‬إّنه فقط يبحث عن مرفأ آمن لمركبه‪ .‬و ذات‬
‫يوم ستنهار مقاومته‪ .‬إّنه حيوان جريح يسهل اصطياده‪ .‬تشتّمه النساء على‬
‫بعد كيلومترات‪ .‬فالعثور على رجل بقلب منكسر غنيمة نسائية‪ .‬مواساته قد‬
‫تأخذ سنوات ذلك أن " الطريدة تسهر على صيادها " حسب طلل سلمان ‪.‬‬
‫ب كبير إلى مغامرة صغيرة‪ ،‬دون‬ ‫و لّنه يصعب على رجل أن ينتقل من ح ّ‬
‫أن يتلّوث أو يصغر أمام نفسه‪ .‬سيجد أكثر من ذريعة ليبّرر لنفسه ما أقدم‬
‫و يشّوهك ليجّمل نفسه‪ .‬و سيقاطعك كما‬ ‫عليه‪ .‬سيخّونك ليبّرأ ضميره‪.‬‬
‫لو كنت بضاعة اسرائيلّية‪ ..‬أو زبدة هولندّية‪ .‬في الواقع‪ ،‬ما عاد لديه صوًتا‬
‫يواجهك به‪ .‬فحتى صوته قد خانك !‬

‫نصيحة ‪:‬‬

‫توّقفي عن تعذيب نفسك بسؤال " ماذا تراه فاعل الن ؟ "‬
‫ما هو أقصى شيء يمكن في رأيك أن يفعله ؟ ليفعله !‬
‫فّكري في ما لن يستطيع فعله من دونك بعد الن‪ ،‬و سيصنع تعاسته‪ .‬كأن‬
‫يضّمك إلى صدره و يغدو ملًكا على العالم‪.‬‬
‫وما لن يستطيع قوله‪ ..‬وقد أصبحت لغيره‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫من تنادين مات‬

‫عندي بعض الوقت‬


‫دعني أتأمل غروب خطاك‬
‫ب ظهره‬ ‫عندما يوليني الح ّ‬
‫دعني ُأنصت إلى صخب غيابك‬
‫في هذه الّلحظة الرائعة للفول‬
‫عندما تعلن الشياء موتك‬

‫أمام أّول رسالة تبعثينها ول تتلّقين عليها جواًبا توّقفي نهائّيا‬


‫عن المراسلة‪.‬‬
‫ن النقطاع التام أخف على العاشق من رسائل يقابلها‬ ‫إ ّ‬
‫الصمت‪ .‬فالصمت مساحة للتأويلت التي قد تذهب بك في‬
‫ل التجاهات‪.‬‬‫ك ّ‬
‫ما في تفسير صمت الطرف الخر فبعض‬ ‫و ستخطئين حت ً‬
‫ب‬
‫ب‪ ...‬و ثالث ح ّ‬‫الصمت عتاب أو إهانة ‪ ....‬و آخر ح ّ‬
‫مضاد‪ ...‬لكن أّيا كان فهو يفسد و يغّير صورة الخر في‬
‫قلبك و طريقة إحساسك به‪ .‬كّلما طال الصمت تش ّ‬
‫وه‬
‫و أصبح كائًنا غريًبا عنك‪ .‬و ناب عن صوته‬ ‫الحبيب‬
‫وا بينكما‪ .‬و أّيا كانت الرسالة‬‫ل ما كان حل ً‬‫مرارة تقتل ك ّ‬
‫التي كان يريد إيصالها لك في البدء بصمته فلن تصلك إّل‬
‫مشوهة‪ .‬إّنها صورة عنه‪.‬‬
‫ذر فرويد الشاب خطيبته من عواقب‬ ‫في إحدى رسائله يح ّ‬
‫عدم رّدها على رسائله و انعكاس هذا على مستقبل‬

‫‪72‬‬
‫" ل أريد أن تبقى رسائلي دون جواب‪ ،‬و‬ ‫حّبهما‪:‬‬
‫سأتوّقف فوًرا عن الكتابة لك إن لم تجيبي على رسائلي‪.‬‬
‫تؤدي المناجاة المستمرة للمعشوق‪ ،‬التي ل تلقى منه‬
‫تغذّية أو تصويًبا‪ ،‬إلى أفكار خاطئة تطول العلقات‬
‫دد‬‫المتبادلة‪ .‬و تجعلنا غريبين‪ ،‬الواحد منا عن الخر‪ ،‬عند تج ّ‬
‫ورها‪ ،‬دون‬ ‫اللقاء‪ ،‬و عندها نجد الشياء مختلفة عما كّنا نتص ّ‬
‫التأكد من ذلك "‪.‬‬
‫الصمت هو بداية الغتراب بين عاشقين كانا لفرط‬
‫انصهارهما غرباء عن العالم‪ ،‬مكتفيان بذاتهما‪ .‬و أصبحا‬
‫بحكم النقطاع غرباء عن بعضهما البعض‪ .‬إّنها فاجعة‪.‬‬
‫ن‬
‫لكن ستكون صدمتك أقل إن أخذت علما بها باكًرا‪ .‬غير أ ّ‬
‫ن المرأة ستواصل محاولة‬ ‫خًرا ل ّ‬
‫هذا غالًبا ما يحدث متأ ّ‬
‫ب و لو بالتواصل المتق ّ‬
‫طع‪.‬‬ ‫إنقاذ الح ّ‬

‫نصيحة‪:‬‬
‫ب جديد‪.‬‬‫برغم ذلك ل تفتحي قلبك ) و هاتفك ( فوًرا لح ّ‬
‫ب "الكبير" و هي‬ ‫مل جّثة ذلك الح ّ‬
‫خذي الوقت الكافي لتأ ّ‬
‫تتحّلل فيك و حولك‪ .‬ستتأّلمين لكن ستشفين بطريقة‬
‫أفضل‪.‬‬
‫ب‬‫ملي مشهد غروب العواطف و قرص الح ّ‬ ‫ل مساء تأ ّ‬‫ك ّ‬
‫و هو يغرق بحمرته الدامية في بحر أوجاعك‪.‬‬
‫دا من المكان نفسه ستطلع الشمس ‪ .‬ذلك أنها مثلما‬ ‫غ ً‬
‫تغرب بداخلك ستشرق الشمس منك ‪.‬‬
‫'' الغروب هو ظاهرة ذهنية قبل كل شيئ ''‬
‫‪73‬‬
‫فرناندو بيسيوا‬

‫‪74‬‬
‫دعيه يجّرب!‬

‫لّننا لسنا الصبوحة‪ ،‬نواجه كنساء عربّيات حاجًزا نفسّيا كبيًرا يجعلنا أّيا كان‬
‫و نهجس بآخرين ل أمل يرجى من‬ ‫عمرنا نزهد في الشباب من الرجال‬
‫شعرهم الرمادي‪.‬‬
‫ن المرأة العربّية مثل الشعوب العربّية ترّبت على الحاكم الب و لم‬ ‫ذلك أ ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫ل حّكاما شابوا على الكرس ّ‬ ‫تعرف للرجولة رمًزا إ ّ‬
‫ل أصغر عمًرا من أبيها الحاكم‪ .‬و ل تفهم أ ّ‬
‫ن‬ ‫ب رج ً‬‫لذا ل تتصّور نفسها تح ّ‬
‫ل قواهن العقلّية صّوتن في أمريكا و روسيا على حّكام في فتّوة‬ ‫نساءً في ك ّ‬
‫ن نساء ينتمين إلى بلدين هما أعظم قّوتين في‬ ‫أوباما و ميدفيديف‪ .‬كيف أ ّ‬
‫العالم تجّرأن على هجر مخدع التاريخ و ارتمين في أحضان فتيان‬
‫السياسة ؟‬
‫بربكن أل تجدن هذا الرجل الممشوق كحصان أسود الذي حسب برلسكوني‬
‫" وسيم و يافع و كذلك مكتسب سمرة الشمس" رجل سكسي و هو يقفز‬
‫صة هل رأيتن حاكًما عربّيا يهرول هكذا ؟ ل تسألن أنفسكن‬ ‫ل إلى المن ّ‬‫مهرو ً‬
‫لماذا ! أم هذا الفتى الروسي الرشيق الخطى " الذي يمشي ملًكا " حسب‬
‫أّم كلثوم مغٍر في خبث ابتسامته !‪.‬‬
‫بعضنا عن مبدأ و أخريات عن عقدة زهدن في رجال يصغرّنهن و لو بعام‪.‬‬
‫فعندما ل نعاني من عقدة المومة‪ ...‬نعاني من عقدة الب‪ .‬و أحياًنا نحمل‬
‫ل على فائض عروبتنا‪ ،‬و أنوثتنا ) زيادة الخير‪ ..‬خيرين (‪.‬‬ ‫العقدتين مًعا دلي ً‬
‫ي ل تريد‬‫عكس نساء الرض‪ ،‬المرأة العربّية التي ترّبت في مجتمع أبو ّ‬
‫جا من كتب التاريخ‪ .‬لكّنها تعثر على رجل‬ ‫ل خار ً‬‫فتياًنا و ل شباًبا‪ ،‬تريد رج ً‬

‫‪75‬‬
‫جا بشعره الرمادي‬ ‫خارج من العيادات الطبّية‪ ،‬بحكم أّنها تريده رصيًنا و ناض ً‬
‫و همومه الوجودّية‪.‬‬
‫ل و إلى كذب أكثر‪..‬‬ ‫ب أق ّ‬
‫ن الرجل في خريف العمر يحتاج إلى ح ّ‬ ‫غير أ ّ‬
‫ب الكبير الذي تهجس به النساء على طريقة المسلسلت التركّية‪.‬‬ ‫ينهكه الح ّ‬
‫شاقا أوفياء حتى آخر‬ ‫ن يردن " مهّند " و" يحيى " كنموذج لرجال يبقون ع ّ‬ ‫هّ‬
‫حلقة من المسلسل‪.‬‬
‫جا " مكسيكّيا " قادم من مسلسلت ل يعرف فيها‬ ‫أّما الرجل فقد اكتسب مزا ً‬
‫من ابن من ؟ و ل مّمن حبلت الشغالة !‬
‫ربما كان الحلّ في أن نبدأ بمشاهدة المسلسلت نفسها‪.‬‬
‫ل تنسي أّنه في هذا العمر غالًبا ما يعاني الرجل من مرض السكري و من‬
‫ضغط الدم و من مرض القلب و الروماتيزم و الكولسترول ومن القسور‬
‫الكلوي ومشاكل في النظر ومن كآبة منتصف العمر‪ ...‬و من أمراض رجالية‬
‫و‬ ‫ي دواء‪ ،‬و بين القراص البيضاء‬ ‫وّفر ال علينا شّرها‪ .‬لكّنه بين جرعت ّ‬
‫ل يوم‪.‬‬‫بكّ‬‫تلك ( الزرقاء ) يحتاج إلى الوقوع في الح ّ‬
‫صة‬
‫لق ّ‬ ‫ب كبير‪ ،‬حّبا بالتقسيط المريح لعتقاده أّنه مع ك ّ‬‫فهو يفضل على ح ّ‬
‫ب يقع في شبابه !‬ ‫ح ّ‬
‫بعض الرجال يسّمون " المطّبات العاطفّية " حّبا‪ .‬مراوغة منهم للموت و‬
‫الشيخوخة و خوًفا من حفرة المطب الخير‪.‬‬
‫في الحالتين ل مفّر من المطب‪ .‬كان الصديق صالح العّزاز رحمه ال يقول "‬
‫سك بأذناب البقر رمين به في الحفر"!‬ ‫من تم ّ‬
‫دعيه إذن للبقر‪ ،‬أعني البقرات " الفاضلت "‪ " ،‬الماجدات" ) أل يذّكرك‬
‫ي ما ؟ (‪.‬‬
‫هذا التعبير بزمن عرب ّ‬
‫غًدا‪ ) ...‬و غًدا لناظره قريب ( عندما يسقط هذا المخلوق في حفرة و هو مثل‬
‫ط من بقرة إلى أخرى‪ ،‬سيذكرك بالخير و هو في قاع البئر‪.‬‬ ‫السنجاب ين ّ‬
‫‪76‬‬
‫حينها سيتنّبه و قد خانته رجله عند محاولة الصعود أّنه تجاوز عمر الجنون‪.‬‬
‫ن ل امرأة غيرك كانت‬ ‫و ما عادت تفيد معه أّية أدوية و ل تعاويذ سحرية و أ ّ‬
‫قادرة على انتشاله من قاع العمر‪.‬‬
‫ل تأخذك به الشفقة‬
‫ن الحماقة و أ ّ‬
‫و أتمّنى أن تكوني يومها قد تجاوزت س ّ‬
‫فتمّدين له يد المساعدة‪.‬‬
‫دعيه حيث هو‪ " .‬الّلي باعك بالفول‪ ...‬بيعو بقشور الفول"! تقول أمي!‬
‫***‬
‫''كلما زاد ايمانك بذكائك سهل على المرأة أن تخدعك''‬

‫بيرون‬

‫لست وحدك كّل‪ ..‬العشاق أهلك!‬

‫أو مأساة‬ ‫صتك حدث َكْوني‬ ‫نق ّ‬


‫ل تتوّقفي عند مأساتك العاطفّية‪ .‬كأ ّ‬
‫صتك قطرة في محيط العواطف العاتية‬ ‫ب شبيًها لها‪ .‬ق ّ‬
‫حصرّية لم يعرف الح ّ‬
‫التي ما انفكت تعبث بأقدار الناس مّدا و جزًرا منذ بدء التكوين‪.‬‬
‫صة بين‬‫لق ّ‬‫ل نجاة‪ .‬أن تحّبي و تتعّذبي يعني أّنك على قيد الحياة‪ .‬ما أنت إ ّ‬
‫مليين القصص التي يعيشها مليين العشاق الذين ل تعرفينهم‪ .‬أنت تنتمين‬

‫‪77‬‬
‫ب‪ .‬استمعي إلى الغاني العاطفّية بك ّ‬
‫ل‬ ‫إلى أكبر تجّمع بشري يدين بالح ّ‬
‫اللغات‪.‬‬
‫ل من يبكي حبيًبا له قرابة بك‪ .‬في دموعه عزاؤك‪.‬‬
‫كّ‬

‫‪78‬‬
‫سك بالفعى‬
‫من يسقط في النهر‪ ..‬يتم ّ‬

‫بين اللحظة التي تسبق الفتراس وغفلة "‬


‫الضحية مساحة من الهواجس ل يعرف مداها إّل‬
‫" الرجال‬

‫ل تستعيني لحظة سقوطك في هاوية الفراق بأّول رجل يصادفك و يعير‬


‫حزنك أذًنا صاغيًة‪.‬‬
‫إّنها أكبر الفخاخ التي يقع فيها الرجال‪ ،‬و أغلها تكلفة‪ .‬فامرأة تصغي إلى‬
‫أحزان رجل هي في منتصف طريقها إلى قلبه‪ ،‬و سينتهي به المر إلى‬
‫تسليمها قلبه معتقًدا أّنها أّمه‪ .‬اهتمامها به يعميه عن طرح السئلة‪ .‬الجوبة‬
‫سيكتشفها لحًقا‪ .‬عندما يستيقظ من تخديرها و يحتاج امرأة أخرى يشكو لها‬
‫ما حلّ به !‬
‫أنت منهكة و على مشارف الغرق‪ .‬و لن تمّيزي بين الفعى و خشبة‬
‫الخلص‪.‬‬
‫ثّمة أفاعي و تماسيح تنتظر في النهر سقوط امرأة ل تحسن العوم !‬
‫حا أو انفلونزا‪.‬‬
‫أنت دون مناعة عاطفية‪ " .‬تلتقطين حّبا " كما تلتقطين رش ً‬

‫حاذري الوقوع في ما يحدث للرجال الخارجين لتّوهم من خيبة عاطفية‪ .‬إّنهم‬


‫الطريدة السهل‪ .‬يقعون في شباك أّول امرأة تحُنو عليهم‪ .‬هرًبا من امرأة‬
‫ل ما ظّنوا أّنهم أنقذوه من المرأة الولى‪.‬‬
‫قسوا عليها‪ .‬فيسّلمونها مستبشرين ك ّ‬
‫فتنتقم الثانية للولى‪ ...‬و لو بعد حين و في هذا عزاؤنا ودرس لنا !‬

‫‪79‬‬
‫***‬
‫يجب استغلل أكبر عدد من النساءالغبيات لنسيان امرأة ذكية‬
‫ميشيل أوديار‬

‫‪80‬‬
‫الوفاء في عتمة الغياب‬

‫و ل منك لي بّد و ل عنك مهرب‬ ‫فل عنك لي صبر و ل فيك حيلة‬

‫أثناء الغياب الطويل‪ ،‬و أنت في عتمة السئلة‪ .‬ستنحازين إلى الخلص‬
‫لحبيب تراهنين على عودته‪ ،‬و تريدين أن تحتفظي له ساعة اللقاء بشهقة‬
‫ت في مباهج الدنيا في انتظاره‪.‬‬
‫أنوثة‪ ،‬زهَد ْ‬
‫ن ل أحد يدري كم دفعت و ماذا‬ ‫الوفاء مكلف‪ ،‬وحدك تحّددين ثمنه‪ .‬ل ّ‬
‫رفضت و كم انتظرت و هل الذي انتظرته أهل للثمن‪.‬‬
‫ن ما تكسبينه من إخلصك تأخذين‬ ‫ضعي في العتبار خساراتك‪ .‬و اعلمي أ ّ‬
‫مكافأته من عّزة نفسك أّول‪ .‬من زهوك بعّفتك فالعفة زينة المرأة‪ .‬و الوفاء‬
‫ب‪.‬‬
‫تاج الح ّ‬
‫ك فيك من‬‫ل تنتظري امتناًنا من حبيب فقد تفاجئين بعكس ما تتوّقعين‪ .‬قد يش ّ‬
‫أخلصت له كعمياء‪ .‬و قد يثق آخر في امرأة خانته بذكاء‪.‬‬
‫الوفاء على أيامنا " شطارة " !‬

‫‪81‬‬
‫صّلي‪ ..‬ففي سجود قلبك نسيانه‬

‫" من كان ال معه فما فقد أحًدا‬


‫و من كان ال عليه فما بقي له أحد"‬

‫ل عاطفة ل‬ ‫ب‪ .‬ك ّ‬


‫السلم الروحي يأتي قبل الهناء العاطفي‪ ،‬فهو أهّم من الح ّ‬
‫تؤّمن لك هذا السلم هي عاطفة تحمل في كينونتها مشروع دمارك‪.‬‬
‫ل المشاكل العاطفّية أو النفسّية باليمان‪ .‬و جاهدي الحزن بالتقوى‪.‬‬ ‫أمام ك ّ‬
‫بقدر إيمانك يسهل خروجك من محن القلب و فوزك بنعمة النسيان‪ .‬ل ّ‬
‫ن‬
‫اليمان يضعك في مكانة فوقّية يصغر أمامها ظلم البشر‪.‬‬
‫عليك بالصلة‪.‬بالصلة وحدها نستطيع أن نحقق بين الجهد و العقل و الروح‬
‫اتحادا يكسب العود البشري الواهي قوة ل تتزعزع ‪ .‬يقول كارلبل إن‬
‫ي شيء عدا‬ ‫ي أحد و أ ّ‬
‫صّليت صلة يحضر فيها قلبك فسيغيب عن فكرك أ ّ‬
‫ال‪ .‬و تكونين قد تجاوزت النسيان إلى الطمأنينة‪ .‬و هي أعلى مراتب السعادة‬
‫النفسّية‪ " .‬أل بذكر ال تطمئن القلوب "‪.‬‬
‫كان مسلم بن يسار في المسجد فانهّدت طائفة من المسجد‪ ،‬فقام الناس و لم‬
‫يشعر أن اسطوانة المسجد قد انهدت‪ .‬و كان يقول لهله إذا دخل في صلته‬
‫" تحّدثوا فلست أسمع حديثكم "‪.‬‬
‫سرق رداؤه عن كتفه و هو في‬ ‫و قد بلغ من زهد يعقوب الحضرمي أن ُ‬
‫الصلة و ُرّد إليه و لم يشعر‪.‬‬
‫أطيلي صلتك حتى ل تعودي تنتبهي إلى من سرق قلبك‪ ،‬إن كان أخذه‪ ..‬أم‬
‫رّده‪.‬‬
‫‪82‬‬
‫ل تكبيرة‬ ‫ل شيء حولك و في قلبك‪ .‬فك ّ‬‫صُغَر ك ّ‬
‫كّلما أقبلت على ال خاشعة‪َ .‬‬
‫ل ال و أ ّ‬
‫ن‬ ‫بين يدي ال تعيد ما عداه إلى حجمه الصغر‪ .‬تذّكرك أن ل جبار إ ّ‬
‫ل رجل متجّبر حتى في حّبه هو رجل قليل اليمان متكّبر‪ .‬فالمؤمن رحوم‬ ‫كّ‬
‫حنون بطبعه لّنه يخاف ال‪.‬‬
‫إبكي نفسك إلى ال و أنت بين يديه‪ .‬و ل تبكي في حضرة رجل يخال نفسه‬
‫ن عليك بالسعادة و الشقاء متى شاء‪.‬‬‫إله‪ ،‬يتحّكم بحياتك و موتك‪ .‬و يم ّ‬
‫البكاء بين يدي ال تقوى و الشكوى لغيره مذّلة‪ .‬هل فّكرت يوما أّنك غالية‬
‫على ال‪.‬‬
‫ن ال بجلله ينتظرك خمس مرات في اليوم‪ .‬و‬ ‫ل موعد صلة‪ .‬إ ّ‬ ‫اسعدي بك ّ‬
‫ب على الرض يبخل عليك بصوته و بكلمة طّيبة‪.‬‬ ‫ثّمة مخلوق بشري يد ّ‬
‫ما حاجتك إلى " صدقة " هاتفّية من رجل‪ .‬إن كانت المآذن ترفع آذانها لك و‬
‫ب هذا الكون ينتظرك و يحّبك‪.‬‬
‫تقول لك خمس مرات في اليوم أن ر ّ‬
‫'' لقد حررني ال فليس لحد أن يأسرني ''‬

‫‪83‬‬
‫صومي‪ ..‬تنسي!‬

‫" يعرف موت القلب بترك الطاعة‪ ،‬و إدمان الذنوب‪ ،‬و عدم المبالة بسوء‬
‫الذكر‪ ،‬و المن من مكر ال"‬

‫ل تيها‪.‬‬
‫و أنت تنشدين النسيان‪ ،‬قد تسلكين طرًقا ل تزيدك إ ّ‬
‫تسافرين كي تنسي فتعودي أكثر حزًنا‪ .‬و تشترين ثياًبا جميلة فل تدرين لمن‬
‫ترتدينها‪ .‬و تقصدين مطعًما و ل شهّية لك للكل‪ .‬و تلجئين إلى مشعوذ‬
‫فُيدخلك نفًقا ل ضوء في آخره‪.‬‬
‫و ماذا لو كان النسيان في ترك ما ُتقبلين عليه‪ .‬إّنه أقرب إليك من مكان‬
‫تأخذين الطائرة لبلوغه‪ .‬و أشهى من طعام ما عدت تستذوقينه‪ .‬و أبقى من‬
‫ب سيراك فيه و ينتظرك‪.‬‬ ‫ثوب ل ترتدينه لمن تنتظرينه‪ ،‬و قد يخذلك‪ ،‬بل لر ّ‬
‫هل أجمل من ثوب ل ُيشترى‪ ،‬بل ُيهدى‪.‬‬
‫وحده ال يكسو به من اصطفى من عباده فيستر به عيوبهم و يطّهر‬
‫ي‪ .‬بهاء التقوى‪.‬‬
‫قلوبهم‪ .‬و يمنحهم ذلك البهاء الستثنائ ّ‬
‫الصيام رداء التقياء‪ .‬ذلك أن النتصار على النفس لّذة المؤمنين و العظماء‪.‬‬
‫ل أعرف غير الصيام فريضة‪ ،‬توسع الصدر‪ ،‬و تقّوي الرادة‪ ،‬و تزيل‬
‫أسباب الهم‪ ،‬و تعلو بصاحبها إلى أعلى المنازل‪ .‬فيكبر المرء في عين نفسه‪.‬‬
‫ل من‬‫ل شيء في عينه‪ .‬حالة من السمّو الروحي‪ ،‬ل يبلغها إ ّ‬ ‫و يصغر حينها ك ّ‬
‫يتأّمل في حكمة ال من وراء هذه الفريضة‪.‬‬
‫الصوم يعيد للشياء قيمتها الولى بحرمانك منها‪ .‬فمن صام طاب طعامه‪.‬‬
‫وعل بين الناس مقامه‪ ..‬و قد كان نابليون يصوم من دون أن يكون مسلًما‪.‬‬
‫حة جسدّية و نفسّية و تقوية للعزيمة‪.‬‬
‫فقد كان يرى في الصيام ص ّ‬

‫‪84‬‬
‫ل أوجاع القلب على اختلف أنواعها و أسبابها في هذه الدنيا‪ .‬أمام كلّ‬ ‫أمام ك ّ‬
‫مصاب‪ ،‬أقبلي على الصيام‪ .‬كشيء تريدينه و تتمّنينه‪ .‬ل طمًعا في الثواب‬
‫فحسب‪ ،‬بل رغبة في إسعاد نفسك‪.‬‬
‫أقبلي عليه برغبة جارفة كمن يقصد نبًعا تتدّفق من عينه مياه مباركة تصنع‬
‫خِبَر ِنَعَم الصيام على الجسد و الروح‪ .‬عاش على ظمأ‬ ‫المعجزات‪ .‬فمن َ‬
‫يستعجل قدوم شهر رمضان‪ .‬يقوم ليله و يصوم نهاره‪ ..‬و ل يرتوي من تلك‬
‫السكينة و الغبطة التي ينزلها ال تعالى على قلوب الصائمين‪ .‬أعني‬
‫الصائمين بجوارحهم و حواسهم جميعها‪ .‬هذه السكينة هي بالضبط ما‬
‫تحتاجينه في محنتك مع النسيان الذي هو اضطراب نفسي و وجداني ُيفسد‬
‫عليك الحياة لشهر‪.‬‬
‫بالصيام يصل الصبر و الرضى إلى منتهاه‪ .‬من قاوم جوع جوارحه استقوى‬
‫بالحتمال على مطالب قلبه‪.‬‬
‫ق الفطر ؟ كذلك هي فرحة من فاز بالنسيان‬ ‫هل خبرت فرحة الصائم حين يش ّ‬
‫بعد حرمان و صبر‪.‬‬
‫***‬
‫غير‬ ‫ي النوم طيفك على بالي‬
‫" عازز عل ّ‬
‫الصل و الصوم ما يصّبروا حوالي "‬
‫من أغنية لبنانّية أحّبها‬

‫‪85‬‬
‫وصفات لنسيان رجل‬
‫" ل ليس أنا‪ ،‬إّنه غيري من يتأّلم‪.‬‬
‫مثل هذا اللم‪ ،‬ما كان في طاقتي و‬
‫احتمالــي "‬

‫آّنا أخمتوفا‬

‫ابعدي عن البحر‪ ..‬و غّني ُلو!‬

‫ها هو ذا البحر‬
‫بعيونه الزجاجية المستديرة‬
‫تلك التي لم تخلق للح ّ‬
‫ب‬
‫و ل خلقت للبكاء‬
‫فما الذي أوصلك إلى هنا؟‬
‫دمعتان أمام جدار من الموج أنت‬
‫و كّل البكاء على كتف البحر عبث‬

‫‪86‬‬
‫تفّرجي عليه من شرفتك المسائّية‬
‫و تعّلمي أن تكتفي بزرقة الشتهاء!‬

‫ها قد ركبت رأسك و قّررت النسيان‪ ...‬برافو عليك يا‬


‫" أخت الرجال " !‬
‫إن أردت الوصول إلى بّر المان ل تغادري البّر أصًل‪ .‬ابقي‬
‫على سطح الشياء‪ .‬لّنك كّلما ذهبت عمًقا‪ ،‬أعطيت‬
‫ل على مزيد‬ ‫ة للفتك بك‪ .‬و فتحت نوافذ تط ّ‬ ‫المشاعر فرص ً‬
‫من الذكرى‪.‬‬
‫ددي على الشاطئ بعد أن تحمي‬ ‫تريدين أن تنسي‪ .‬تم ّ‬
‫بشرتك بكريم واقي من الشعة فوق البنفسجّية للحنين‪.‬‬
‫ل ساعتين حسب نصيحة أطباء‬ ‫ددي وضع الكريم ك ّ‬ ‫)ج ّ‬
‫الجلد‪ .‬فالحنين قد يخترق مسامك من حيث ل تدرين ذلك‬
‫ن من تحّبين ملتصق بجلدك و هو ما لم تحسبي له‬ ‫أ ّ‬
‫ن مكانه في‬ ‫ل الغاني العربّية كانت تؤ ّ‬
‫كد أ ّ‬ ‫حساب‪ .‬فك ّ‬
‫قلبك (‪.‬‬
‫خه‪ .‬و لو توّفق‬ ‫خطأ عاطفي جغرافي آخر وقع العرب في ف ّ‬
‫العرب في تحديد المواقع الستراتجية لما كّنا خسرنا تلك‬
‫الحروب !‬
‫و لّنك يا ولّية‪ ،‬لست قد ّ المعارك المصيرّية اكتفي بالتمدد‬
‫على الشاطئ و التفرج على البحر و أنت تحت شمسّيتك‬
‫الزاهية اللوان ألوانها الزاهية جزء من علجك النفسي‪.‬‬
‫وكذلك كرسي الستلقاء بوسائله المريحة‬

‫‪87‬‬
‫ل تبحري بذريعة النسيان نحو الماضي بحًثا في جثث‬
‫البواخر الغارقة عن ذكرياتك الجميلة‪.‬‬
‫في ذلك العالم السفلي المعتم للمشاعر قد تفاجئك‬
‫كائنات بحرية مفترسة تترّبص بنزولك دون زّوادة‬
‫ل بك ما ح ّ‬
‫ل بنزار‪.‬‬ ‫الكسجين نحو السفل‪ ...‬سيح ّ‬
‫فيأخذك الموج نحو العماق‪ .‬و تصيحين " إّني أتنّفس تحت‬
‫الماء‪ ..‬إّني أغرق‪ ..‬أغرق‪ ..‬أغرق‪ "..‬و ل أحد سيستطيع من‬
‫أجلك شيًئا‪.‬‬
‫ل صوت لمن يغرق‪.‬‬
‫واللي غرق غرق و اللي هرب هرب !‬

‫نصيحة‪:‬‬

‫لقد هرب‪ .‬لكن لم يأخذ معه الذكريات‪.‬‬


‫إّنها قصاصك الثاني‪ .‬ستتشّبثين بها لكونها ك ّ‬
‫ل ما بقي لك‬
‫منه‪.‬‬
‫خطأ‪ .‬عليك الن إنقاذ حياتك التي أراد تدميرها‪.‬‬
‫و في أحسن النوايا هو ليس معنّيا بخرابها بعده‪ .‬كفاك إذن‬
‫صا بحًثا عن غنيمة ما يمكن انقاذها من الماضي ‪ .‬عندما‬ ‫غو ً‬
‫ب الغارقة على صندوق الذكريات‬ ‫تعثرين داخل باخرة الح ّ‬
‫الثمينة التي أضعتها تكونين قد عثرت على أسلحة دمارك‬
‫الشامل‪ .‬فهلكك بعد الن في أن تعيشي على الماضي‬
‫رهينة رجل يعيش أثناء ذلك حاضره‪ .‬ليذهب إلى الجحيم‬
‫هو و ذكرياته‪.‬‬
‫‪88‬‬
‫ملي إذن ذكرياتك‬‫ما دمت حّية ستكون لك ذكريات‪ .‬ج ّ‬
‫القادمة بالصرار على الحياة‪.‬‬
‫ل تراكم الحاضر ! كما يقول رينيه شار‬
‫‪.‬فما الذكريات إ ّ‬

‫***‬

‫تجّنبي الغاني العاطفّية ]إّل إن كنت مازوشّية![‬

‫ص عليك حياتك و أبكيك "‬


‫" قل لي ‪ 7‬أغان تحّبها و أنا أق ّ‬

‫هي بالضبط هذه الغاني السبعة التي عليك أن تنسيها في فترة نقاهتك‬
‫ب‪ .‬أو تلك‬
‫جد الح ّ‬
‫العاطفّية‪ .‬لن تجدي أّية سلوى أو مواساة في الغاني التي تم ّ‬

‫‪89‬‬
‫ن ثّمة أمًرا عجيًبا حّقا‪ :‬عندما تكونين‬
‫التي تشكو غدر الحبيب‪ .‬خاصًة أ ّ‬
‫ل الغاني‬‫أو تكونين في حالة فراق ) و حالتك حالة ! ( تبدو ك ّ‬ ‫عاشقة‬
‫صتك أنت بالذات‪ .‬و‬ ‫لق ّ‬‫حتى الكثر سذاجة و كأّنها كتبت لك و ل تحكي إ ّ‬
‫على غباء كلماتها‪ ..‬التي ما كنت تنتبهين لها في الماضي‪ ..‬ستبكيك ‪..‬‬
‫إن لم تكوني مازوشّية فاقلعي عن جلد نفسك و رفع ضغطك بما هبّ و د ّ‬
‫ب‬
‫ب‪.‬‬
‫من أغاني الح ّ‬
‫أّما قّمة الغباء فالستماع إلى الغاني التي كنتما تستمعان إليها مًعا في ذلك‬
‫ل مع غيرك‪.‬‬ ‫الزمن الجميل‪ .‬ما أدراك يا حمقاء ربما كان يقضي وقًتا جمي ً‬
‫" حسينّية " لتبكيه‪.‬‬ ‫بينما فتحت أنت في بيتك‬

‫نصيحة‪:‬‬

‫استمعي إلى الموسيقى‪ .‬الموسيقى الراقية الجميلة و المبتهجة‪ .‬فوحدها‬


‫الموسيقى تجعلنا حزينين بشكل أفضل‪.‬‬
‫جربي‪:‬‬
‫الدانوب الزرق ل "شتراوس"‪-‬‬
‫البوليرو لرافيل‬
‫معزوفات كليدرمان على البيانو‬
‫سيمفونيات شوبان المبهجة‬
‫!احزني بحضارة يا متخّلفة‬
‫ثّمة أغنية لفيروز عليك أن تجعلي منها نشيدك الوطني و هي " بتمرق عل ّ‬
‫ي‬
‫امرق ما بتمرق ما تمرق مش فارقة معاي "‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫استمعي طبًعا إلى أغاني جاهدة وهبي المرفقة بهذا الكتاب‪ .‬فقد عملنا على أن‬
‫يكون ال ‪ CD‬جزًءا من العلج الذي عليك إتباعه للتعافي من الماضي و‬
‫بلوغ النسيان‪.‬‬
‫يمكنك تناول هذه الغاني على الريق و قبل الكل و بعده‪ ..‬و قبل النوم و‬
‫حال الستيقاظ‪ .‬و قبل الفراق و بعده‪ .‬مّدة العلج مفتوحة و ل وجود لّية‬
‫صة‪ .‬لم تسجل أّية أعراض جانبّية عدا حالت بكاء لبعض‬ ‫تحذيرات خا ّ‬
‫ن يستمعن لغنية " لك وحدك " أو " صبرت عليك " ‪ .‬لكن‬ ‫النساء و ه ّ‬
‫سرعان ما تنسيهن " قبلة النسيان " دموعهن‪ ..‬و يأخذهن " التانغو " إلى‬
‫البهجة !‬

‫دقي الساطير‪ ..‬فمؤّلفوها رجال!‬


‫ل تص ّ‬

‫تعا و ل تجي‬
‫ي‬
‫و كذوب عل ّ‬
‫الكذبي مش خطيي‬
‫وعدني إّنو رح تجي‬
‫و تعا و ل تجي‪..‬‬
‫فيروز‬

‫‪91‬‬
‫إعتبري من مليين النساء العربّيات كما الخريات اللئي‬
‫أهدرن سنوات من أعمارهن في انتظار عودة‬
‫دا‪ ...‬و منذ الزل‪.‬‬
‫" الحبيب المنتظر" أب ً‬
‫في الساطير و الخرافات وحدها يعود فارس أحلمك‬
‫ليسأل عنك‪.‬‬
‫يمّر بغابة‪ .‬يرى تلك الجميلة النائمة التي حّلت بها لعنة‬
‫ساحرة شريرة‪ .‬يقّبلها فتستيقظ‪ .‬لقد أبطلت قبلته مفعول‬
‫ن الجميلة النائمة دفعت مئة عام من عمرها‬ ‫السحر‪ .‬لك ّ‬
‫في سبات سحريّ مقابل قبلة‪.‬‬
‫صة تمّر بسرعة على ذلك الزمن النثويّ المهدور لترّبينا‬ ‫الق ّ‬
‫ن‬
‫منذ الصغر على النتظار و الستكانة‪ .‬و على قيمة ما يم ّ‬
‫به رجل عليك أثناء عبوره‪ .‬فقبلة منه تعادل دهًرا بمقياس‬
‫النوثة !‬
‫في الوديسة تكافأ بنلوب بعودة زوجها أوليس ل لّنها على‬
‫مدى خمس عشرة سنة كانت تحيك رداء النتظار في‬
‫ك خيوطه ليًل عن وفاء‪ .‬بعد أن أعلنت لمن‬ ‫النهار و تف ّ‬
‫عرضوا عليها الزواج أّنها لن تتزّوج حتى تنتهي من حياكة‬
‫ن هذه السطورة ) التي كتبها رجل (‪،‬‬ ‫ذلك الثوب‪ .‬بل ل ّ‬
‫أرادت أن تقنع النساء اللئي يمّثلن نصف البشرّية بفضائل‬
‫انتظار النصف الخر‪ .‬انطلًقا من أّنه يحدث للرجال كما‬
‫و الحيوانات الليفة أن يتوهوا‪ ..‬و يصولوا‪ ..‬و‬ ‫القطط‬
‫و يضيعوا في الجزر المسحورة‪ .‬لكّنهم يعودون‬ ‫يجولوا‪..‬‬
‫ما لتلك المرأة الساذجة التي أثناء ذلك أهدرت أجمل‬ ‫دائ ً‬
‫‪92‬‬
‫سنوات عمرها في انتظارهم كخطيبة‪ ..‬أو كزوجة ترّبي‬
‫أثناء غيابهم أولدهم و تصون شرفهم‪ .‬و تحمي بيتهم‬
‫ما كما أراد لها هوميروس (‪.‬‬ ‫) تما ً‬
‫و إن كانت بنلوب قد سعدت بعودة زوجها بعد خمس‬
‫عشرة سنة من النتظار‪ .‬فأنا أعرف شخصّيا ثلث قصص‬
‫جا أسيًرا‪ ،‬حكم عليه‬
‫لنساء عربّيات انتظرن خطيًبا أو زو ً‬
‫بالسجن سبع عشرة سنة و عندما أطلق سراحه انفصل‬
‫أو المرأة التي ارتبطت به أثناء أسره‪ .‬ل أريد‬ ‫عن الفتاة‬
‫أن أحكم على هؤلء الرجال أو ألومهم‪ ،‬لعلمي بما يلحقه‬
‫السر الطويل من دمار بنفسّية رجل‪ .‬لكّنني ل أستطيع إّل‬
‫أن أتعاطف مع من انتظرنهم لسنوات في سجن الترقب‪.‬‬
‫يشهد الله سبحانه الذي خلقنا على هذا القدر من الصبر‬
‫و الغباء‪ ،‬أّننا كائنات نذرت عمرها للنتظار حتى نسينا ما‬
‫كّنا ننتظر بالضبط في البداية‪ .‬و حتى نسي من كّنا‬
‫ننتظرهم انتظارنا لهم‪.‬‬
‫طة قطار أو قاعة في‬ ‫ل امرأة مرفأ ً أو مح ّ‬‫ن في قلب ك ّ‬ ‫لكأ ّ‬
‫مطار‪ ،‬تقيم فيها أثناء إقامتها في بيت آخر‪ .‬فتصفر‬
‫القطارات و ترحل البواخر و تقلع الطائرات ويعبر‬
‫القادمون و يمضي المسافرون و هي دون وعيها في‬
‫انتظار الذي يأتي و ل يأتي‪...‬‬

‫نصيحة‪:‬‬

‫‪93‬‬
‫قليًل من الواقعّية‪ .‬العمر أقصر من أن تقامري به في‬
‫) روليت ( النتظار‪.‬‬
‫دا‪ .‬وربما كان هذا أفضل ‪.‬‬ ‫الذي ل يعود بعد يوم لن يعود أب ً‬
‫من أدراك لعل في غيابه من حياتك حكمة الهية ستدركين‬
‫لحقا نعمتها ‪.‬‬
‫ل قاعات الترانزيت في حياتك‪.‬‬ ‫أّول قرار‪ :‬إغلقك ك ّ‬
‫دا تجلسين و تنسين نفسك عليه‪ .‬انتظري‬ ‫ل تتركي مقع ً‬
‫كرك ركبتاك بنفاذ الوقت‪ ،‬و نفاذ قدرتك على‬ ‫واقفة كي تذ ّ‬
‫الوقوف‪ .‬فالذي تنتظرينه ربما كان أثناء ذلك ممد ًّدا أو‬
‫ما مع غيرك‪ .‬و قد يكون تزّوج و رزق منها‬ ‫ما‪ .‬أقصد نائ ً‬ ‫نائ ً‬
‫صغيرات و صغاًرا‪ ...‬أثناء عقد قرانك على النتظار !‬
‫***‬
‫صة للقفز‬‫ل في الماضي‪ ،‬و الماضي من ّ‬
‫كثير من الناس يعيشون طوي ً‬
‫ل أريكة للسترخاء‪.‬‬
‫توفيق الحكيم‬

‫‪94‬‬
‫ل تبحثي بعيًدا!‬

‫وك ّ‬
‫ل شيء‬ ‫أحببت من أجله من كان يشبهه‬
‫في المعشوق معشوق‬

‫في محاولته لنسيانك لن يذهب أبعد منك ‪ .‬فل تبحثي بعيدا ‪.‬‬
‫إّنه مع أقرب صديقة لك‪ .‬أو مع عدّوتك اللدود حسب الخيار المتوّفر و حسب‬
‫درجة حنينه إليك أو كرهه لك‪.‬‬
‫في الولى امتداد لك و تنكيل بك‪ .‬إّنها الطعنة الكثر إيلًما و لو استطاع‬
‫لخانك مع أختك أو أّمك‪.‬‬
‫في الثانية تحالف مع عدّوتك بحًثا عن امرأة تزايد عليه تشويًها لصورتك‪.‬‬
‫سيسعد لّنها بكرهها لك تطمئنه إلى صواب قراره في التخلي عنك‪ .‬أو‬
‫تخّفف إحساسه بالخسارة إن كنت من تخّلى عنه‪ .‬في كل علقة نسائية‬
‫ل ما يشبهك‪ ...‬و ما يؤلمك‪.‬‬‫سيتغّذى بك ّ‬
‫ب امرأة من بلدك‪ ..‬و ربما من‬ ‫إن لم يعثر على هذه و ل تلك‪ .‬سيسعى لح ّ‬
‫و لما ل‪ ..‬تحترف مهنتك !‬ ‫مدينتك و من منطقتك لها لهجتك‬
‫ستنصب له الذاكرة كمائن في كل امرأة لها شيئ منك أو تذكره بك ‪ .‬سيرى‬
‫في ذلك اشارة حب سماوية ‪ ,‬فيلحق بنبي جديد معتقدا انه ارتد بذلك عنك ‪.‬‬
‫في الواقع هو لم يغير ديانته ول مذهبه غير فقط وجهة قبلته ‪.‬‬
‫ل نسخة مقّلدة يهجس بامتلكها!‪.‬‬‫ل تهتّمي ما دمت الصل لك ّ‬

‫‪95‬‬
‫ل تسقطي عنه ديون انتظارك‪...‬‬

‫الذي ل يعتبرك رأس مال‪ ،‬ل تعتبره مكسًبا‬

‫ايزنهاور‬

‫ل تسقطي عنه ديون انتظارك السابقة‪ ،‬فهو ليس‬


‫ل عالمك‪.‬‬ ‫ما عالمك الّول‪ .‬بل ك ّ‬ ‫ما ثالًثا "‪ .‬لقد كان يو ً‬‫" عال ً‬
‫إن أعفيته من جريمة هدر ما مضى من سنين عمرك‪،‬‬
‫تكونين قد أعطيته حقّ استباحتك من جديد وهدر عمرك‬
‫التي‪.‬‬
‫كوني ضنينة عندما يتعّلق المر بالوقت‪ .‬فرصيدك منه‬
‫كأنثى سريع النفاذ‪ .‬وقتك ل يقاس بعملة وقته ول صبرك‬
‫ب في حسابه‪ .‬ما سيأخذه‬ ‫ن حسابك يص ّ‬ ‫يزن وزر صبره‪ .‬لك ّ‬
‫من خزينة قلبك سينتهي في أرصدته الخاصة التي أمام‬
‫أّول بوادر أزمة عاطفّية ستنهار النهيار الشاهق لبورصة "‬
‫وول ستريت "‪ ...‬أّيام الهّزات المالّية العالمّية الكبرى‪.‬‬
‫ل دفاتر توفيرك المضني لمتلك " بيت الحلم " قد‬ ‫ك ّ‬
‫خرت بفعل الفلس المفاجئ لمصرفه‪.‬‬ ‫ذهبت مع الريح و تب ّ‬
‫أنت لم تضاربي في أسواق البورصة العاطفّية‪ .‬لقد وضعت‬
‫دخرات عمرك في مصرف صغير يديره " رجل‬ ‫لم ّ‬ ‫ك ّ‬
‫واحد" ائتمنته على آمالك‪ .‬ما ظننت العواطف سوًقا مالّية‬
‫دقي ذلك !‬ ‫قد تنهار كقصور ورقّية‪ .‬لكن عليك الن أن تص ّ‬

‫‪96‬‬
‫نصيحة‪:‬‬

‫ل ما‬‫م عينك ك ّ‬‫ل شيء‪ ..‬و رأيت بأ ّ‬ ‫ما و قد خسرت ك ّ‬ ‫أ ّ‬


‫ما بعد يوم على مدى أعوام من‬ ‫سا‪ ،‬يو ً‬ ‫سا‪ ،‬فل ً‬ ‫جمعته فل ً‬
‫خر‪ ،‬و معه مدخراتك العاطفّية‪ .‬تعّلمي‬ ‫ي يتب ّ‬
‫الوهم العشق ّ‬
‫ما‪ .‬ل تستثمري ك ّ‬
‫ل‬ ‫سا ها ً‬
‫بعد الن من المصرفّيين در ً‬
‫دخراتك في بنك العواطف ‪.‬‬ ‫م ّ‬
‫سسه مضارب يلعب في سوق‬ ‫كا وهمّيا‪ ،‬أ ّ‬ ‫فربما كان بن ً‬
‫السهم بصغار المستثمرين و بالغبّيات من النساء الّلئي‬
‫يصدقن العثور على " الطائر النادر " بين الرجال‪،‬‬
‫و جاهزات أن يدفعن عمرهن من أجله‪.‬‬
‫لتكن لك سّلة عمولت‪ .‬احمي نفسك بعمولت احتياطّية‬
‫يديرها العقل ل القلب‪.‬‬
‫ضا‬
‫فمن يملك اليوم عملة واحدة‪ ،‬و وجًها واحًدا خاسر ل محالة‪ .‬تحتاجين أي ً‬
‫إلى عّدة ألسنة للكذب و النفاق و الغش‪ ،‬فل أحد سيصّدق صدقك‪ ،‬أو يثّمن‬
‫وفاءك للمانة‪ ،‬يلزمك عزيزتي سّلة أقنعة تتعاملين بها مع الرجل الذي‬
‫تحّبين‪ .‬فهو يملك أقنعته حتًما!‬
‫***‬
‫المس هو شيك ملغى‪ ،‬و غًدا هو شيك مؤجل‪ .‬و اليوم فقط هو النقود التي‬
‫تملكها فأنفقها بحكمة‪.‬‬
‫كاي لينوس‬

‫‪97‬‬
‫ل واحًدا في حياتك‪...‬‬
‫ل تبكي إّل رج ً‬

‫ول يبحث عن حبيب‪ ..‬و في‬‫"النسان في حّبه ال ّ‬


‫حّبه الّثاني يبحث عن الحبيب نفسه"‬

‫المرأة تأتي مرة واحدة في حياة الرجل‪ .‬و كذلك الرجل في حياة المرأة‪ .‬و ك ّ‬
‫ل‬
‫القصص الخرى هي محاولت للتعويض فحسب‪.‬‬
‫ي رجل هذا الذي تبكين‪ .‬الصل أم نسخة مزورة عنه‪ .‬إن كان‬ ‫اسألي نفسك أ ّ‬
‫الثاني فسيمكنك ما حييت العثور على نسخ أخرى منه‪.‬‬
‫ل فراق‬‫ب حياتك فعزاؤك أّنك لن تعرفي حزًنا بعد حزنه‪ .‬ك ّ‬ ‫أّما إن كان ح ّ‬
‫ل جرح بعد جرحه سيلتئم‪ .‬لقد دفعت ضريبة العواطف‬ ‫بعده سيبدو صغيًرا‪ .‬ك ّ‬
‫الشاهقة الكبيرة‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫و بعد هذا الرجل ل رجل سيستطيع الوصول بك حزًنا إلى مشارف الموت‪.‬‬
‫وهذا في حد ذاته خبر يستحق التفاؤل ‪ .‬أنت لن تبكين بحرقة سوى رجل‬
‫واحد في حياتك ‪.‬‬
‫* * *‬
‫أن تكون أول حبيب للمرأة ‪ ..‬ل يعني شيئا ’ ينبغي أن تكون حبيبها الخير‬
‫ففي ذلك كل شيئ ‪.‬‬
‫دوناي‬

‫إّنه "التستوستيرون" يا عزيزي !‬


‫‪99‬‬
‫ب!‬
‫أصعب اللم أن يكون آخر الحلول جرح من تح ّ‬
‫الفقيد الجميل طلل‬
‫الرشيد‬

‫ب أخطاًء ل تغتفر‪.‬‬ ‫ق من نح ّ‬‫ب نرتكب في ح ّ‬ ‫غالًبا ما أثناء دفاعنا عن الح ّ‬


‫حا عكس الذي نوّد قوله‪ .‬نهّدد بما ندري أّننا لن نقدم عليه‪.‬‬ ‫نقول كلًما جار ً‬
‫نّدعي قيامنا بما لم نفعل‪.‬‬
‫أمام الخوف من الفقدان‪ ،‬أو تحت تأثير نيران الغيرة‪ ،‬ل عاشق يشبه نفسه‪ .‬و‬
‫ب يكون عنف العاشقين‪.‬‬ ‫بقدر قّوة الح ّ‬
‫أنت تعّذب الخر لّنك تتعّذب به‪ .‬و أنت تتعّذب به لّنك ما زلت تحّبه‪ .‬و كان‬
‫أسهل أن تقول له هذا‪ .‬لكن تجد نفسك تقول له العكس تماًما لتؤلمه‪.‬‬
‫سا أن ل شيء مما قلته‬ ‫و برغم ألمه و عذابه بك سيقلب اللعبة و يعطيك إحسا ً‬
‫آلمه‪ .‬و حينها يصبح هدفك أن تدميه‪ .‬فتقول كلًما يدميك أنت‪ ،‬و تندم عليه‪ .‬و‬
‫سيرّد عليك بما يتركك تنزف لّيام‪ ..‬بينما هو ينزف بك على الطرف الخر!‬
‫عا من‬
‫أمام هذه العواطف الفّوارة المدّمرة لكل العاشقين‪ .‬يصبح الفراق نو ً‬
‫القتل الرحيم‪.‬‬
‫و الدوار و‬ ‫ب الذي ولد في لحظة شاعرّية‪ .‬وسط النبهار‬ ‫ذلك الح ّ‬
‫ب الذي توّقفت الكرة الرضّية عن الدوران‬ ‫رجفة البوح الّول‪ .‬ذلك الح ّ‬
‫شا بحدث قدومه‪ .‬هو الن إعصار ل يبقي على شيء قائًما‪ .‬يقتلع في‬ ‫اندها ً‬
‫ب‪ .‬و يترك قلوب العشاق للعراء‪.‬‬ ‫ل في حدائق الح ّ‬ ‫ل ما كان جمي ً‬ ‫طريقه ك ّ‬

‫‪100‬‬
‫رجاء‪ ...‬أوقفي المجزرة‪ .‬ل تدّمري بيدك أجمل ما أهدتك الحياة من ذكريات‪.‬‬
‫ل تتراشقي معه بالكريات المحرقة للغيرة‪ .‬إّنه الرجل الذي أحببت‪ .‬الذي كان‬
‫أنت‪ ،‬قبل أن‪. ....‬‬
‫فليكن‪ ،‬دعيه يمضي بسلم‪ .‬ستحكم بينكما الّيام‪.‬‬
‫و قاومي‬ ‫في هذا الموقف بالذات اختبري طينتك‪ ،‬قّوي إرادتك‪..‬‬
‫نزعتك النثوّية للشراسة حتى و إن كانت السباب محض هرمونّية!‬
‫جه إليهم‬‫سسون علينا بين الصفحات‪ .‬سأتو ّ‬ ‫بما أنني أشتّم رائحة رجال يتج ّ‬
‫ضح أن عدوانّية المرأة ل تعود غالًبا لمزاجها السيء بل ل ّ‬
‫ن‬ ‫مباشرة لو ّ‬
‫ب المرأة‬‫ب يجعلها كذلك‪ .‬و هذا حسب دراسات علمّية تجزم أّنه عندما تح ّ‬ ‫الح ّ‬
‫ترتفع لديها نسبة هرمون " التستوسيترون " الذكري المرتبط بالنزعة‬
‫العدوانّية‪ ) .‬ربما نّبهكم هذا الكتشاف إلى عدم الّثقة بامرأة تلطفكم و‬
‫و طمأنكم بالمقابل لصدق‬ ‫ل شيء‪.‬‬ ‫تسايركم و توافقكم على ك ّ‬
‫عواطف نساء بطباع عربّية شرسة ! (‬
‫ب تتراجع‬ ‫ن الرجال حين يقعون في الح ّ‬ ‫صلت إلى أ ّ‬ ‫هذه الدراسة نفسها تو ّ‬
‫لديهم مستويات " التستوستيرون " إّياه فيصبحون لطفاء و رقيقي المشاعر و‬
‫س‪ .‬و قبل أن تصدر هذه الدراسة‪ .‬كان رولن بارت‬ ‫عاطفّيين‪ .‬و مرهفي الح ّ‬
‫ي "‪.‬‬
‫ب الرجل يدخله العنصر النثو ّ‬ ‫قد قال " عندما يح ّ‬
‫ل أصبح فجأة عنيًفا و ذكورّيا في معاملته لنا هو‬ ‫ن رج ً‬‫هل علينا أن نستنتج أ ّ‬
‫رجل توّقف عن حّبنا ؟‬
‫ن امرأة ما عادت ترّد على رسائلهم الهاتفّية‬ ‫و هل على الرجال أن يدركوا أ ّ‬
‫بعنف و شراسة بل بأدب و لطف‪ .‬هي امرأة قّررت أن تهدي شراستها لرجل‬
‫آخر ؟‬
‫ب أصدق‬ ‫ب المضاد الذي تشهره عليه امرأة‪ .‬ل يكون الح ّ‬ ‫ليسعد الرجل بالح ّ‬
‫ل ّلحظة يطلق فيها عليك نار الكلمات كيفما اتفق‪.‬‬ ‫منه إ ّ‬
‫‪101‬‬
‫ن القتيل سيكون هو المتمّني‬
‫جه الطلقات لصدر رجل غيره‪ .‬لك ّ‬ ‫ذات يوم ستتو ّ‬
‫طلقة تحييه‪ ..‬لول أّنه سبق للنسيان أن قتله في قلب تلك المرأة !‬
‫* * *‬

‫عندما تكره المرأة رجل لدرجة الموت ‪ ..‬فاعلموا أنها كانت تحبه لدرجة‬
‫الموت ‪.‬‬
‫مارك توين‬

‫‪102‬‬
‫كما ينسى الرجال‬

‫أفضل ما يمكن توّقعه من الرجال هو النسيان‬

‫فرانسوا مورياك‬

‫‪103‬‬
‫عاودتني تلك المنية ذاتها‪ :‬ليت صوتها يباع في الصيدليات لشتريه‪ .‬إنني‬
‫أحتاج صوتها لعيش‪ .‬أحتاج أن أتناوله ثلث مرات في اليوم‪ .‬مّرة على‬
‫ي الحزن أو الفرح كما الن‪.‬‬
‫الريق‪ ،‬ومّرة قبل النوم‪ ،‬ومّرة عندما يهجم عل ّ‬
‫ب في‬
‫ي علم هذا الذي لم يستطع حتى الن أن يضع أصوات من نح ّ‬ ‫أ ّ‬
‫أقراص‪ ،‬أو في زجاجة دواء نتناولها سّرا‪ ،‬عندما نصاب بوعكة عاطفّية‬
‫بدون أن يدري صاحبها كم نحن نحتاجه‪.‬‬
‫عابر سرير‬

‫ذلك الصمت الثم للرجال‬


‫‪104‬‬
‫ب و ليس هذا بالصمت"‬
‫"ما عاد بإمكاننا أن نتحّدث مع من نح ّ‬
‫رينيه شار‬

‫إن كان سلح المرأة دموعها‪ .‬أو هكذا يقول الرجال الذين ما استطاعوا‬
‫الدفاع عن أنفسهم بمجاراتها في البكاء‪ .‬فقد عثر الرجل على سلح ليس‬
‫ضمن ترسانة المرأة‪ .‬و ل تعرف كيف تواجهه لّنها ليست مهّيأة له في‬
‫تكوينها النفسي‪ .‬لذا عندما يشهره الرجل في وجهها يتلخبط جهاز اللتقاط‬
‫طل رادارها‪ .‬إّنها تصاب بعمى النوثة أمام الضوء الساطع‬ ‫لديها و يتع ّ‬
‫لرجل اختار أن يقف في عتمة الصمت‪.‬‬
‫ل امرأة تستطيع تفسير صمت رجل‪ .‬و ل الجزم بأّنها تعرف تمامًا محتوى‬
‫ب عًمى آخر في‬ ‫الرسالة التي أراد إيصالها إليها‪ .‬خاصة إن كانت تحّبه‪ .‬فالح ّ‬
‫ف عن حّبه فل صمته و ل كلمه يعنيانها و هنا قد‬ ‫حّد ذاته‪ ) .‬أّما عندما تك ّ‬
‫يخطئ الرجل في مواصلة إشهار سلحه خارج ساحة المعركة على امرأة‬
‫ن بعض من يعاني من‬ ‫هو نفسه ما عاد موجوًدا في مجال رؤيتها ! ( كما أ ّ‬
‫طا يريد به جلدك فيجلد به نفسه‪.‬‬ ‫ازدواجّية المشاعر يغدو الصمت عنده سو ً‬
‫تكمن قوة الصمت الرجالي في كونه سلح تضليلي‪ .‬إنه حالة التباس كتلك‬
‫البدلة المرقطة التي يرتديها الجنود كي يتسّنى لهم التلشي في أّية ساحة‬
‫ي فضاء يتحّركون فيه‪.‬‬
‫للقتال‪ .‬إّنهم يأخذون لون أ ّ‬
‫إّنه صمت الحرباء‪ ..‬لو كان للحرباء صوت‪ .‬تقف أمامه المرأة حائرة‪.‬‬
‫تتناوب على ذهنها احتمالت تفسيره بحكم خدعة الصمت المتدّرج في ألوانه‬
‫من إحساس إلى نقيضه‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫صمت العشق‪ ..‬صمت التحدي‪ ..‬صمت اللم‪ ..‬صمت الكرامة‪ ..‬صمت‬
‫الهانة‪ ..‬صمت اللمبالة‪ ..‬صمت التشفي‪ ..‬صمت من شفي‪ ..‬صمت الداء‬
‫ضا به‪ ..‬صمت من يثق أّنه وحده‬ ‫العشقي‪ ..‬صمت من يريد أن يبقيك مري ً‬
‫يملك دواءك‪ ..‬صمت من يراهن على أّنك أّول من سيكسر الصمت‪ ..‬صمت‬
‫من يريد كسرك‪ ..‬صمت عاشقين أحّبا بعضهما حّد النكسار‪ ..‬صمت‬
‫النتقام‪ ..‬صمت المكر‪ ..‬صمت الكيد‪ ..‬صمت الهجر‪ ..‬صمت الخذلن‪..‬‬
‫ل الحزان‪ ..‬صمت التعالي‪..‬‬ ‫صمت النسيان‪ ..‬صمت الحزن الكبر من ك ّ‬
‫صمت من خانك‪ ..‬صمت من يعتقد أّنك خنته و يريد قتلك بصمته‪ ..‬صمت‬
‫من يعتقد أّنك ستتخّلين عنه يوًما فيتركك لعراء الصمت‪ ..‬الصمت الوقائي‪..‬‬
‫الصمت الجنائي‪ ..‬الصمت العاصف‪ ..‬و الصمت السابق للعاصفة‪ ..‬صمت‬
‫و‬ ‫ب‪..‬‬
‫النصهار و صمت العصار‪ ..‬الصمت كموت سريري الح ّ‬
‫ب ينصهر فيه عاشقان حتى الموت‪ ..‬الصمت الذي‬ ‫الصمت كسرير آخر للح ّ‬
‫ليس بعده شيء‪ ..‬و الصمت الذي ينقذ ذلك "الشيء" و منه تولد الشياء‬
‫ب‪.‬‬
‫و أبدّية بعد أن طّهرها الصمت من شوائب الح ّ‬ ‫مجّددا جميلة و نقّية‬
‫الصمت اختبار‪ ،‬طوبى لمن نجح فيه مهما طال‪ .‬إّنه يفوز إذن بالتاج البدي‬
‫ب‪ ..‬أو بإكليل الحرّية‪.‬‬
‫للح ّ‬

‫نصيحة‬

‫تعّلمي أن تمّيزي بين صمت الكبار و الصمت الكبير‪ .‬فصمت الكبار يقاس‬
‫بوقعه‪ ،‬و الصمت الكبير بمّدته‪.‬‬
‫الكبار يقولون في صمتهم بين جملتين أو في صمتهم أثناء عشاء حميم ما ل‬
‫ن الصمت يحتاج في لحظة ما‬ ‫يقوله غيرهم خلل أشهر من الصمت‪ .‬ذلك أ ّ‬
‫أن يكسره الكلم ليكون صمًتا‪.‬‬
‫‪106‬‬
‫أّما الصمت المفتوح على مزيد من الصمت‪ ،‬فهو يشي بضعف أو خلل‬
‫ي ما يخفيه صاحبه خلف قناع الصمت خوًفا من المواجهة‪ .‬وحده الذي‬‫عاطف ّ‬
‫يتقن متى يجب كسر الصمت‪ .‬و ينتقي كجوهرجي كلماته بين صمتين يليق‬
‫به صمت الكبار‪.‬‬
‫تعّلمي الصغاء إلى صمت من تحّبين‪ ،‬ل إلى كلمه فقط‪ .‬فوحده الصمت‬
‫يكشف معدن الرجال‪.‬‬

‫في مواجهة سياسة التجويع الهاتفي‬

‫و عندما سينتهي من تلميع حذائه‬


‫بكحل بكائك‬
‫طر‬ ‫و بعدما يتع ّ‬
‫منعا لعرق الّذكريات‬
‫قد يتذّكر‪...‬‬
‫و يهاتفك‪..‬سّيد الهاتف!‬

‫‪107‬‬
‫ذات يوم دون إنذار سيعلن عليك الهاتف الضراب العاطفي المفتوح‪ ..‬و بعد‬
‫ل أطباق الشواق الدسمة‪ .‬التي كان يمّد موائدها لك حّد‬ ‫بوكّ‬ ‫و لئم الح ّ‬
‫إصابتك بالتخمة و بالطفرة العاطفّية‪ .‬عليك الن أن تختبري " الريجيم‬
‫و " الطفرة " بما تعنيه الكلمة لبنانّيا‪.‬‬ ‫الهاتفي "‬
‫ي فقيرة إلى " يونيت " هاتفّية واحدة منه تسّدين‬ ‫أنت طفرانة و جوعانة‪ ..‬أ ّ‬
‫ل ليلة على جوعك‪ .‬تطبخين حصى المنيات كما تلك‬ ‫بها رمقك‪ .‬ستنامين ك ّ‬
‫العرابّية‪ ،‬كي تغفي‪.‬‬
‫أنت ل تملكين القّوة بعد و ل تدرين كم ستدوم مّدة تجويعك‪ ..‬و إعلن‬
‫الحصار الغذائي عليك‪ .‬لكي تأخذي قرار أن تكوني من يسحب المصل‬
‫الهاتفي الذي عشت معّلقة إليه أشهًرا‪ ،‬و تّم إغلقه بنّية قتلك‪.‬‬
‫لكن مع الوقت ستستيقظين‪ ،‬و تأخذين قرار اقتلع ذلك المصل الموصول‬
‫بقلبك‪ .‬و تعودين إلى الحياة‪ ..‬ببعض الضمادات حيث كان موقع الجرح‪ .‬و‬
‫ترفضين الحياة تحت رحمة دّقة هاتفّية‪.‬‬
‫برافو يا شاطرة‪ .‬لم يخلق الرجل الذي يهديك " دّقة الرحمة " كنوع من‬
‫الموت الرحيم‪.‬‬
‫ليذهب إلى الجحيم!‬
‫***‬

‫"النساء كالقطط يقعن دائما على قوائمهن"‬

‫‪108‬‬
‫تلك اللة التي تهيننا‬

‫ق"‬
‫ب هو هاتف ل يد ّ‬
‫"في القرن العشرين الح ّ‬
‫قول لكاتب فرنسي‬

‫و ماذا لو أن المشكل بدأ يوم نسي الناس في هذا الزمن المسرع المجنون لغة‬
‫العيون‪ .‬التي كانت لغة النسان الولى لنقل أحاسيسه للخر‪ .‬حتى في الفلم‬
‫ما عاد الناس ينظرون إلى بعضهم البعض مطّول تلك النظرات المؤثرة‪..‬‬
‫السرة‪.‬‬
‫" الممّثل‬ ‫أذكر الصديق الكبير نور الشريف الذي قال لي مرة‬
‫الحقيقي هو الذي تقول عيناه الجملة قبل أن يلفظها‪..‬حتى أّنه أحياًنا ل يحتاج‬
‫إلى قولها "‪ .‬لكأّنه كان يتحّدث عن العاشق‪.‬‬
‫اليوم بالذات قرأت مقابلة للمخرج المريكي الكبير ستيفن سبيلبرغ يقول‬
‫فيها‪:‬‬
‫" يوم نتوّقف عن الكلم بالعيون‪ .‬ستكون نهاية المجتمع "‪ .‬أنكون انتهينا لّننا‬
‫و لغة النترنت و نتبادل‬ ‫بدأنا نتكّلم لغة التلفون‪ ..‬و لغة التلفزيون‬
‫و التلفزيونّية‪ ..‬و من خلل "‬ ‫الشواق عبر الرسائل الهاتفّية‬
‫الشات "‪ .‬دون أن نرى عيون من نتحّدث إليه‪ .‬و ل هو يرى عيوننا‪ .‬جميعنا‬
‫عيوننا على الشاشة‪ .‬و قلوبنا جميعها معّلقة بجهاز يتحّكم في مزاجنا و‬
‫أحاسيسنا ‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫ب اليوم "إثنان ينظران في التجاه نفسه" بل اثنان‬ ‫‪ .‬ما عاد تعريف الح ّ‬
‫ب‪ .‬بل‬
‫ينظران إلى الجهاز نفسه‪ .‬و ل صارت فرحتنا في أن نلتقي بمن نح ّ‬
‫في تلّقي رسالة هاتفّية منه‪.‬‬
‫ماتت الحاسيس العاطفّية الكبيرة‪ .‬بسبب تلك "الفراح التكنولوجّية"‬
‫الصغيرة التي تأتي و تختفي بزّر منذ سّلمنا مصيرنا العاطفي لللت‪.‬‬
‫انتهى زمن النتظار الجميل لساعي البريد‪.‬‬
‫صندوق البريد الذي نحتفظ بمفتاحه سرا ‪ ,‬ونسابق الهل لفتحه ‪.‬‬
‫الرسائل التي نحفظها عن ظهر قلب و نخفيها لسنوات ‪ .‬العذار التي نجدها‬
‫لحبيب تأخرت رسالته أو لم يكتب الينا ‪.‬‬
‫اليوم ندري أن رسالته لم تته ‪ ..‬ول هي تأخرت ‪.‬‬
‫بامكاننا أن نحسب بالدقائق وقت الصمت المهين بين رسالة ‪ ..‬والرد عليها !‬

‫ظاهرة الختفاء المفاجئ لدى الرجال‬


‫‪110‬‬
‫قـــــــــــــل يـــــــــــــا رجـــــــــــــل‪...‬‬
‫إلــــــــــى أّيــــــــــة غيمــــــــــة تنتمــــــــــي شــــــــــفتاك‬
‫إلــــــــــى أّيــــــــــة أعاصــــــــــير تنتمــــــــــي يــــــــــداك‬
‫صــــوب أّيــــة وجهــــة تمضــــي نوايـــــاك‬
‫كـــــــــــي أســـــــــــافر فـــــــــــي حقيبـــــــــــة مطـــــــــــرك‬
‫ط حيـــــــــــــث تهطـــــــــــــل‬ ‫و أحـــــــــــــ ّ‬

‫سيختفي‪ .‬توّقعي ذلك منذ أّول ظهور له في حياتك‪.‬‬


‫ي‬
‫الرجل نجم مذّنب يختفي من سمائك دون أيّ إنذار من أ ّ‬
‫جمة‪ .‬أو‬‫ولي إلى من ّ‬
‫ي‪ .‬عليك آنذاك أن تتح ّ‬ ‫مرصد جو ّ‬
‫دا حال‬‫تتعّلمي الضرب بالرمل و خلط الحصى‪ .‬فمهم ج ّ‬
‫دخولك في علقة عاطفّية أن تكون لك دراية بالتنجيم‪.‬‬
‫فالتفكير المنطقي ل يساعدك بتاًتا على العثور على‬
‫الجوبة التي ستؤّرقك لحًقا‪.‬‬
‫مك ل على أيام التنجيم بالكمبيوتر‬ ‫كالبصارات على أيام أ ّ‬
‫عليك ربط رأسك و الجلوس أمام كرة من البلور لمتابعة‬
‫حركة المجرات و الكواكب التي تدور حولها النجوم‬
‫" المذّنبة " الرجالية‪.‬‬
‫أو حسب وصفة نسائّية عربّية " لضرب الخفيف "‪ ،‬أذيبي‬
‫ول إلى‬‫قطعة رصاص في وعاء حديدي صغير و عندما تتح ّ‬
‫سا حديدّيا فيه ماء‬
‫سائل فضي‪ ،‬ضعي بين رجليك مهرا ً‬
‫أحضرته من البحر و ارمي السائل في المهراس‪ .‬سيتطاير‬
‫مد السائل‬ ‫الماء بقدر ما في حياتك من شّر و حسد و يتج ّ‬

‫‪111‬‬
‫ك طلسمها و مساءلة أصغر‬ ‫ذا أشكاًل عجيبة‪ .‬عليك ف ّ‬ ‫آخ ً‬
‫و نتوءاتها‪.‬‬ ‫تفاصيلها‬
‫در الله مع من؟ "‬‫" أين اختفى المخلوق؟ "‪ " ،‬و ل ق ّ‬
‫أو اقلبي فنجان قهوتك و سائليه " متى تنقلب اليام عليه‬
‫فيعود ؟ "‪ ..‬و لن ل دراية لك بالخلطات السحرية و لم‬
‫ما الجوبة فهي في علم‬ ‫ن الله عليك إّل بالسئلة‪ ..‬أ ّ‬
‫يم ّ‬
‫و لدى أطباء علم النفس الرجالي‪ .‬فستقضين‬ ‫الغيب‬
‫ل كلمة قالها أو قلتها خلل آخر‬‫ما منهمكة في استعادة ك ّ‬ ‫أيا ً‬
‫اتصال هاتفي‪ .‬عساك تعثرين على " كلمة السر " التي‬
‫اختفى بعدها عن مجال الرؤية‪.‬‬
‫يلزمك الصندوق السود الذي وحده يحمل سّر اللحظات‬
‫ل كارثة جوّية‪ .‬هل السبب خطأ " إنساني "‬ ‫الخيرة في ك ّ‬
‫ب؟‬‫أم " خلل تقني " في اختلل العلقة ؟ نفاذ وقود الح ّ‬
‫ب آخر تخبئه لك أم له اليام ؟‬ ‫الصطدام القدري بح ّ‬

‫نصيحة‪:‬‬
‫ما‬
‫ل تستنزفي نفسك بالسئلة كوني قدرّية‪ .‬ل تطاردي نج ً‬
‫هارًبا فالسماء ل تخلو من النجوم‪.‬‬
‫ب القادم كان من نصيبك القمر !‬ ‫م ما أدراك ربما في الح ّ‬‫ث ّ‬

‫‪112‬‬
‫دعي هذا الرنب يهرب!‬

‫ل سبيل للرجل كي ينتصر على المرأة إلّ بالفرار منها‬


‫جون باري مور‬

‫ن الرجل أرنب أمام أّول مواجهة‬ ‫اعلمي يرحمك الله أ ّ‬


‫يهرب‪ .‬لّنه ل يملك تبريًرا ليّ تصّرف و ل أيّ جواب على‬
‫أسئلتك الكثيرة‪ .‬في الهروب مخرج مشّرف له‪.‬‬
‫مي ذلك انسحاًبا‪ .‬هذا ما يقوله لنفسه وعليك‬ ‫يكفي أن يس ّ‬
‫مي ذلك ما شئت فهو لن يكون هنا لمناقشتك‬ ‫أنت أن تس ّ‬
‫في تعريف الشياء‪.‬‬
‫ما إلى امرأة أخرى‪.‬‬ ‫أين يهرب؟ اطمئني هو ل يهرب دائ ً‬
‫في البدء كحيوان مطارد أو حيوان جريح سيهرب إلى‬
‫مغارته‪.‬‬
‫يستعيد نفسه و أنفاسه يرّتب أوراقه يبتهج بحّريته و‬
‫خا نسائّيا " أو عاطفّيا‪ .‬لكّنه لن‬
‫بإنقاذه رجولته مما يراه " ف ّ‬
‫ما‪ .‬يلزمه بعض الوقت ليصمد في وجه‬ ‫دا تما ً‬‫يكون سعي ً‬
‫رياح الحنين التي تعود به إلى الوراء‪.‬‬
‫بعدها ستعود له الروح تدريجّيا و تبدأ أطرافه في التحرك‬
‫كحشرة مقلوبة على ظهرها سيتخّبط بعض الوقت بحًثا‬
‫عن امرأة أخرى تساعده على الوقوف على قوائمه‪ .‬و‬
‫عندما سيجدها " أعني عندما ستجده " ستراوده المخاوف‬
‫و يكّرر معها سياسة الرنب‪.‬‬ ‫نفسها‬
‫‪113‬‬
‫نصيحة‪:‬‬

‫ن رجًل هرب مرة‪..‬‬


‫ل تحزني على أرنب فّر خارج حياتك‪ .‬إ ّ‬
‫ل مّرة من ك ّ‬
‫ل امرأة !‬ ‫سيهرب ك ّ‬

‫‪114‬‬
‫الرجل‪ ..‬هذا الكائن الذي ل يعتذر!‬

‫في المور العظيمة يتظاهر الرجال كما يحلو لهم‪ .‬و في المور الصغيرة‬
‫يبدون على حقيقتهم‪.‬‬
‫شامبور‬

‫ن عليك بالعفو‪ ،‬و‬‫ي أن يضعك في قفص التهام كي يم ّ‬ ‫يحتاج الرجل العرب ّ‬


‫يكون حينها "سّيدك"‪.‬‬
‫ي صغير لم تسمح له الظروف أن يحكم شعًبا‪ .‬لكن وضعك‬ ‫الرجل حاكم عرب ّ‬
‫ال في طريقه‪ .‬و أنت شعبه‪.‬‬
‫و عليك أن تعرفي إذن أّنك لن تسمعي منه كلمة اعتذار ما حييت‪ ...‬و مهما‬
‫اقترف من أخطاء في حّقك‪ .‬لقد أهدر سنوات من عمرك ‪ -‬و ربما عمرك ‪-‬‬
‫و بّدد طاقتك للعمل‪ ،‬و اغتال ما كان يمكن أن يكون أكبر انجازاتك‪ .‬و سطا‬
‫ي و على بنك أحاسيسك و راح يبّذرها هكذا على مرًأى‬ ‫على رصيدك العاطف ّ‬
‫منك‪ .‬لن تستطيعي برغم ذلك محاسبته‪.‬‬
‫ي واحد‪ ،‬حاكًما على تبذيره‪ ،‬و سوء تصرفه بثروة‬ ‫هل حاكم شعب عرب ّ‬
‫ضا اعتذاًرا‪ ،‬هل أنت ل قدر ال‬‫ليست من خزانة أبيه ؟ ل تنتظري منه أي ً‬
‫ل بأن يعتذر لك لّنه كّذب عليك أو‬ ‫مواطنة أوروبّية أو أمريكّية لتطالبي رج ً‬
‫خان وعوده النتخابّية ) أيام الخطوبة ( أو اختلس أحلمك و أنفقها على‬
‫سا‬‫أخرى و مسكته بالجرم المشهود كما أمسكت الصحافة ببيل كلينتون متلب ً‬
‫بتدريب مونيكا في البيت البيض‪.‬‬
‫ق الستماع لرجل بدل أن يعتذر‬ ‫ي‪ .‬تملكين فيه ح ّ‬
‫ب ديمقراط ّ‬ ‫أنت تنعمين بح ّ‬
‫عن ظلمه لك و سوء ظّنه بك‪ ،‬ينتظر اعتذارك عن أمر ل علم لك به‪ .‬وليد‬

‫‪115‬‬
‫ضا العاشق‬
‫ي أي ً‬
‫ل حاكم عرب ّ‬
‫و شكوكه‪ ،‬فكك ّ‬ ‫ظنونه و مخاوفه الرجالية‬
‫ل المكائد‪ ،‬و الخيانات من أقرب‬‫" مشكاًكا " و ل يتوّقع إ ّ‬ ‫العرب ّ‬
‫ي‬
‫الناس إليه‪.‬‬
‫توّقعي أن يقاصصك أسابيع طويلة و أشهًرا إلى أن تستسلمي راكعة له‪.‬‬

‫نصيحة‪:‬‬

‫ظف ضّدك‪ .‬أصمتي‪ ...‬ل تقسمي أو تبكين فتضعي نفسك‬ ‫ل دفاع منك سيو ّ‬‫كّ‬
‫في موقف المتهم‪.‬‬
‫ق و أّنك مذنبة‪.‬‬
‫أنت تؤّكدين له بتصرّفك هذا أّنه على ح ّ‬
‫صة أن ل جدوى من الكلم‪ .‬ل شيء مّما تقولينه سيصّدقه‪ .‬هل يصّدق‬ ‫خا ّ‬
‫طاغية من يقول له أّنه يحّبه ويخلص في حبه ؟‬
‫ابتعدي عن رجل ل يملك شجاعة العتذار‪ ,‬حتى ل تفقدي يوًما احترام‬
‫نفسك و أنت تغفرين له إهانات و أخطاء في حّقك‪ ،‬ل يرى لزوم العتذار‬
‫عنها‪ .‬سيزداد تكراًرا لها‪ ..‬و احتقاًرا لك‪.‬‬
‫لو عرف الرجال عظمة رجولة تعترف بالخطأ‪ ،‬لتجّملوا بالعتذار‪.‬‬
‫‪ +‬بهذه الصفة بالذات يقاس السمّو الخلقي لرجل‪ ،‬يرى في اعترافه بالخطأ‬
‫صا من كرامته‪.‬‬ ‫فضيلة ل إنقا ً‬

‫‪116‬‬
‫ب و إّنما النسيان هو رجل حياتك‬
‫ليس الح ّ‬

‫ب"‬
‫ب يقتل الوقت‪ ..‬و الوقت يقتل الح ّ‬
‫"الح ّ‬

‫و التضحية‬ ‫ب‪ ،‬و التجّمل استعداًدا له‪.‬‬‫نقضي عمرنا في التغّزل بالح ّ‬


‫في سبيله حين يجيء‪ ..‬و التأقلم مع مزاجه المتقّلب و تجميل كوارثه‪ ،‬و‬
‫التغاضي عن عواقبه‪ ..‬و عن عيوبه‪.‬‬
‫نعّد له أجمل غرفة في قلبنا‪ .‬ثّم ل نلبث أن نسّلمه قلبنا شّقة مفروشة‪ .‬و نهيم‬
‫ل و مستبّدا‪.‬‬ ‫ب احتلل نرضى به‪ ،‬نطالب به محت ً‬ ‫مشّردين دون مأوى‪ .‬الح ّ‬
‫لعتقادنا أّنه رجل حياتنا المثل و الشهى و البقى‪.‬‬
‫ثّم مقابل أّيام من السعادة ندفع الثمن أشهًرا و أعواًما من الشقاء‪ ..‬فل أحد قال‬
‫و يواصل طريقه من دوننا مهما‬ ‫ب عابر سبيل يمّر بنا‬ ‫ن الح ّ‬‫لنا أ ّ‬
‫طال المشوار‪ ] .‬بينما النسيان هو المقيم في أيامنا و سريرنا و مفّكرتنا إّنه‬
‫رجل حياتنا [‪.‬‬
‫و نحتفي به و‬ ‫إن كان المر كذلك‪ ..‬لماذا إذن ل نستعد له و نتجّمل له‬
‫ندل و هو سندنا الحقيقي و الوحيد في هذه الدنيا‪ .‬عندما نفّكر بمنطق أل‬
‫ب عيًدا‪ .‬و نسينا‬ ‫صرون تجاهه ‪ .‬يكفي أّننا أوجدنا للح ّ‬ ‫نشعر بالحياء لّننا مق ّ‬
‫ب‪ .‬إن‬ ‫ل مرة لنجدتنا من ظلم الح ّ‬ ‫أن نحتفي بالنسيان برغم كونه من يأتي ك ّ‬
‫ب يوم فالمنطق يقتضي أن يكون للنسيان موسم أو فصل هو سّيده‬ ‫كان للح ّ‬
‫و موله‪.‬‬
‫ب يستفرد بنا و‬ ‫ل الح ّ‬ ‫ما دمنا غير جادين في رّد العتبار للنسيان سيظ ّ‬
‫ي يعمل فينا ما‬ ‫عو" كما نقول في الجزائر أ ّ‬ ‫يستقوي علينا و يدير فينا "كرا ُ‬
‫‪117‬‬
‫يعمله الكلب بكعبه في الكل الذي يقّدم إليه فيقلب الناء و يخلط الطعام‪ .‬و‬
‫يعبث به قبل أن يأكله‪.‬‬
‫حتنا‪ .‬و إنقاًذا‬
‫ظا على ص ّ‬
‫ي و ال "‪ "bio‬حفا ً‬ ‫بينما يقّدم لنا النسيان الكل الصح ّ‬
‫لنا من "سّم البدن" العاطفي !‬

‫‪118‬‬
‫بلى‪ ..‬أنت تستطيعين ذلك‬
‫“‪”Yes we can‬‬
‫يييييي ييييييييي‬

‫ييييييي‬

‫المستقبل يملكه هؤلء الذين يؤمنون بجمال أحلمهم‬


‫روزفلت‬

‫إن كان أوباما قد استطاع تحقيق معجزة تغيير وضعه‬


‫التاريخي من سليل عبد إفريقي إلى رئيس يحكم أعظم‬
‫دولة في العالم من بين مواطنيها من كانوا سادة أجداده‪.‬‬
‫ضا تستطيعين التخلص من استعباد رجل لك و‬ ‫فأنت أي ً‬
‫نسيان آثار قيده على معصمك‪ .‬و النطلق نحو إنجازات‬
‫حياتك‪ .‬الحرّية هي أّل تنتظري أح ً‬
‫دا‪.‬‬
‫فما العبودّية سوى وضع نفسك بملء إرادتك في حالة‬
‫انتظار دائم لرجل ما هو إّل عبد للتزامات و واجبات ليس‬
‫ما في أولوّياتها‪.‬‬
‫ب دائ ً‬‫الح ّ‬
‫الحرّية أن تكوني حّرة في اختيار قيودك التي قد تكون‬
‫أقسى من قيود الخر عليك‪ .‬إّنه النضباط العاطفي و‬
‫الخلقي الذي تفرضينه على نفسك‪ .‬و تحرصين عليه‬
‫كدستور‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫الحرية هي صرامتك في محاسبة الذات و رفضك تقديم‬
‫حسابات لرجل يصّر أن يكون سّيدك و عزرائيلك الذي‬
‫ل أخطائك و ل علم لك بخطاياه‪.‬‬ ‫يملك جردة عن ك ّ‬
‫تعّلمي أن تفّرقي بين القيود و الصفاد‪ُ .‬أرفضي الخيرة‬
‫حتى و إن جاءتك من ألماس ) كتلك التي أهداها أحد‬
‫صا له مطابقة للصفاد‬ ‫ممت خصي ً‬ ‫الثرياء إلى حبيبته و ص ّ‬
‫التي يضعها البوليسي في معصم الجناة (‪.‬‬
‫فقبولك بها و لو عشًقا للحبيب ستقودك إلى دخول‬
‫معسكرات العتقال العاطفي بشبهات ل علم لك بها‪،‬‬
‫جانك‪.‬‬‫شش في رأس س ّ‬ ‫تع ّ‬
‫مره‪ .‬لّنه ليس دليًل‬‫ب بل يد ّ‬
‫ن القيد ل يحمي الح ّ‬‫كري أ ّ‬‫تذ ّ‬
‫جانك ذات يوم‬ ‫عليه بل دليل شك فيه‪ .‬و أّيا كان ولعك بس ّ‬
‫ستكسرين قيده‪.‬‬
‫و ل بد ّ للقيد أن ينكسر‬ ‫فل بد ّ لّليل أن ينجلي‬
‫ما أراد الحياة "‪.‬‬
‫قال الشابي في رائعته " إذا الشعب يو ً‬

‫‪120‬‬
‫!أدركونا بفيل‬

‫"علمتني الدنيا‬
‫أن ليس كّل الّذئاب أعداء‬
‫و ل كّل العصافير أصدقاء‬
‫و ل كّل الرانب أليفة‪،‬‬
‫و ل كّل السود مفترسة‬
‫أن ليس كّل الطفال أنقياء‪،‬‬
‫و ل كّل الّثعالب ماكرة‬
‫و ل كّل العقارب ساّمة‪،‬‬
‫و ل كّل الكلب أوفياء"‬

‫الكاتبة الماراتّية شهرزاد‬

‫في كتاب " الرجال و النساء " و هو كتاب جدلي حواري‬


‫بين الكاتبة فرنسواز جيرو و الفيلسوف الفرنسي برنارد‬
‫هنري ليفي‪ .‬يقول ليفي أن أروع ما قيل في الخلص قرأه‬
‫ن الرجل يشبه‬‫ص لفرنسواز دي سال تقول فيه " إ ّ‬ ‫في ن ّ‬
‫دا في تبديل النثى التي اختارها‪.‬‬‫الفيل الذي ل يرغب أب ً‬
‫فهذا الحيوان الضخم الجّثة هو أجدر الحيوانات وفاًء على‬
‫وري زوجين يخلص أحدهما للخر مخافة‬ ‫الرض‪ .‬تص ّ‬

‫‪121‬‬
‫السيدا‪ .‬فأيّ قيمة لمثل هذا الخلص ؟ وحده إخلص‬
‫ي‪ .‬إّنهم مخلصون من الطراز الّول‪ .‬لّنهم‬ ‫الصوفيين حقيق ّ‬
‫و‬ ‫يدركون ضعفهم و يعزمون على الصمود‪ .‬و هذا أروع‬
‫أرقى أشكال الخلص "‪.‬‬
‫مليين النساء في العالم يحلمن بأن يلتقين بهذا الصوفي‬
‫ل نساء الرض‪ .‬و الذي ل يهجس سوى بامرأة‬ ‫الزاهد في ك ّ‬
‫واحدة‪ .‬تلك التي اختارها حبيبة لمدى العمر‪.‬‬
‫ن بينهم سادة في الوفاء‪.‬‬ ‫و حتى ل نظلم الرجال نقول أ ّ‬
‫رجال أوفياء كأنبياء لرسالة‪ .‬جميلون في تعّففهم‪ .‬كبار في‬
‫ن تلك العواطف الكبيرة توّلد لديهم‬ ‫عواطفهم‪ .‬لول أ ّ‬
‫ضا‪ .‬إّنهم ل يثقون في عواطف الطرف‬ ‫كا كبيرة أي ً‬ ‫شكو ً‬
‫صا و تزيد‪.‬‬
‫ن امرأة قد تضاهيهم إخل ً‬ ‫الخر‪ .‬و ل يتوّقعون أ ّ‬
‫هؤلء ‪ -‬مع السف ‪ -‬غالًبا ما يصنعون عذابهم بأنفسهم‬
‫م ينطفئون من الداخل إلى البد‪،‬‬ ‫ب حياتهم‪ .‬ث ّ‬ ‫و يخسرون ح ّ‬
‫ب الكبير‪ .‬و يأبى قلبهم القبول بفتافيت‬ ‫لّنهم خلقوا للح ّ‬
‫العواطف‪ .‬هم ليسوا عصافير إّنهم نسور‪ .‬فالنسر هو‬
‫الحيوان الخر اّلذي يكتفي بأنثى واحدة و يبقى مخل ً‬
‫صا لها‬
‫ما دام حّيا‪.‬‬
‫إن أهدتك الحياة هذا الطائر النبيل حبيًبا‪ .‬إّنها فرصتك‬
‫ب الكبير‪ .‬حافظي عليه بالصبر على‬ ‫لتعيشي أسطورة الح ّ‬
‫ذبي شكوكه بالوفاء‪ .‬اخلصي له مهما طال‬ ‫ظلمه‪ .‬ك ّ‬
‫ما‪.‬‬
‫الفراق‪ .‬فالطائر النبيل يعود دو ً‬
‫ما إن لم تضع الحياة في طريقك سوى الخونة و الكاذبين‬ ‫أ ّ‬
‫من الرجال‪ ..‬فأحّبي فيًل !‬
‫‪122‬‬
‫صحيح أّنك ستحتاجين للسفر إلى الهند أو إلى أفريقيا‬
‫للعثور على نصفك الخر‪ .‬لكن هل أنت واثقة من العثور‬
‫ي حيث أنت‪ .‬فالوفاء في تناقص و غوايات‬ ‫على رجل وف ّ‬
‫الخيانة في ازدياد‪.‬‬
‫م أنت مع الفيل تضمنين إلى جانب إخلصه عدم نسيانه‬ ‫ث ّ‬
‫لك‪ .‬فالذاكرة هي الصفة الولى التي يعرف بها الفيل‬
‫) و هو ما ل يتوّفر في النسر (‪.‬‬
‫وري كم أنت محظوظة‪ .‬بإمكانك أن تباهي أمام‬ ‫تص ّ‬
‫ي لن ينساك مدى‬ ‫صديقاتك بأّنك عثرت على مخلوق وف ّ‬
‫الحياة‪ ،‬تهجس به جميع النساء !‬
‫أليس النسيان مأخذنا الّول على الرجال ؟‬
‫دقيني ل أرى غير الفيل لتحقيق مطالبنا‪ ..‬أعني في‬ ‫ص ّ‬
‫حدود " إمكانياته " التي لن نذهب حد ّ مطالبته باستعمالها‬
‫جميعها !‬

‫نصيحة‪:‬‬

‫الحياة غابة‪ ) .‬أنفقت عمري قبل أن أكتشف ذلك ! (‪.‬‬


‫دم بك العمر ازددت توغًّل في الدغال‪ .‬و وجدت‬ ‫كّلما تق ّ‬
‫طرة إلى الّتعامل مع حيوانات بمظهر بشري‪.‬‬ ‫نفسك مض ّ‬
‫جا من‬‫خاصة إن كنت امرأة فراشة‪ .‬تخال العالم مر ً‬
‫ل كائن ترينه سواء‬‫نك ّ‬‫ما بأ ّ‬‫الزهور‪ .‬عليك أن تأخذي عل ً‬
‫كان رجًل أو امرأة يخفي كائًنا آخر‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫إّنهم يختلفون فقط في الفصيلة التي ينحدرون منها‪.‬‬
‫تجدين بينهم الحصان و الطاووس و الثعبان و الدولفين و‬
‫ط و الفيل و‬‫و العقرب و الكناري‪ .‬و الكلب و الق ّ‬ ‫الثعلب‬
‫و السد و الرنب و الفأر و الخنزير‪ .‬و عليك‬ ‫الزرافة‬
‫ل واحد قبل‬ ‫أن تتعّرفي على الجزئّيات الحيوانّية التي في ك ّ‬
‫أن تسّلميه نفسك‪ .‬و قبل حتى أن تسّلمي عليه‪ .‬ربما كان‬
‫صة ينقّ بها في المستنقعات !‬ ‫عا وصنع من سلمك ق ّ‬ ‫ضفد ً‬
‫و ربما خلته نسًرا و إذا به من فصيلة العقبان و الجوارح‬
‫التي تترّقب لحظة نهشك‪.‬‬
‫و ربما خلته دولفين و رحت تسبحين معه و تلعبينه و إذا‬
‫كيها للنقضاض عليك‪ .‬و ربما خلته‬ ‫به سمكة قرش تفتح ف ّ‬
‫ول‬ ‫كلًبا و إذا به ذئب‪ .‬أو ظننته ق ّ‬
‫طا سيماوّيا و إذا به يتح ّ‬
‫حش‪.‬‬ ‫في بيتك إلى أسد متو ّ‬
‫ما علينا أن نتعّلم علم الفراسة‪ ..‬و نتابع بدل قناة‬ ‫صار لزا ً‬
‫صة بالحيوانات حتى ل نخطئ في‬ ‫الجزيرة القناة المخت ّ‬
‫اختيار "حيوان" حياتنا‪.‬‬
‫كفانا صدمات !‬

‫‪124‬‬
‫كمائن الذاكرة‬

‫'' الذاكرة أحسن خادم للعقل‪ ،‬والنسيان أحسن خادم للقلب ''‬

‫‪125‬‬
‫هل تريدين النسيان حًقا؟‬

‫افتحي ذراعيك يا ذاكرتي فقد حان استقبال النسيان‬


‫ناديا تويني‬

‫مذ قّررت نسيانه‪ ،‬ألم يجتاحك ل تعرفين مكمنه‪.‬‬


‫ل شيء‬ ‫ي مكان كان يقيم فيك هذا الرجل بالضبط إلى الن ل تدرين‪ .‬فك ّ‬ ‫في أ ّ‬
‫ل مكان له بعد الن في حياتك‪ .‬تفهمين معنى‬ ‫في جسدك يؤلمك مذ قّررت أ ّ‬
‫ص جذور هواك من العماق "‪.‬‬ ‫قول نزار " أق ّ‬
‫اللم ل يوجد على السطح‪ .‬إّنه في نهايات عصب العضاء‪ .‬في مفاصلك و‬
‫خلياك‪.‬‬
‫ل ما فيك يبكيه و يحقد عليه‪ .‬يبكيك و يتمّرد عليك‪ .‬و أنت الخصم و الحكم‪.‬‬ ‫كّ‬
‫و القرار و اللم‪ .‬و عليك أن تحسمي أمرك بحزم‪ :‬هل تريدين النسيان حّقا ؟‬
‫" بنعم " اسألي نفسك مجّددا على طريقة جورج‬ ‫و حتى عندما تجيبين‬
‫ي "‪ .‬ففي هذا الموضوع بالذات‪.‬‬ ‫" هل هذا هو جوابك النهائ ّ‬ ‫قرداحي‬
‫ستغّيرين جوابك أكثر من مّرة‪ .‬حتى بعد انتهاء الوقت المحّدد‪.‬‬
‫ول‬ ‫ثّم‪ ..‬في هذا السؤال بالذات ل تستعيني بالجمهور‬
‫ل نهاًرا أشرس معارك حياتك‬ ‫بصديقة‪ .‬فلن يكونوا هنا حين ستخوضين لي ً‬
‫ي ضّد نفسك‪.‬‬‫ضّد الذاكرة‪ .‬أ ّ‬
‫ما توّدين القيام به هو بالذات أن تبتري أجزاًء منك و أن تستبدلي بها قطع‬
‫غيار بشرّية جديدة ل علقة لها بما فيك‪ .‬و ليس على قرصها المضغوط‬

‫‪126‬‬
‫ي أّنك تريدين استبدال الذاكرة بالنسيان‪ ،‬الذي هو جسم غريب‬
‫أّية ذكريات‪ .‬أ ّ‬
‫عنك‪ .‬لذا سيرفضه جسمك في البداية‪ .‬و تبدو عليك أعراض مرض عضوي‬
‫و نفسي يرافق مثل هذه الحالت‪.‬‬
‫إن نويت على النسيان أدخلي المعركة و أعطي الوقت وقًتا‪ .‬يحدث للجسم أن‬
‫ينسجم حتى مع قلب اصطناعي يخفق فيه‪ .‬ما أدراك ربما كنت أّول عربّية‬
‫تنجح معها التجربة !‬
‫***‬

‫نترك خلفنا ما يشي بنا‬

‫" يا كريم الغياب "‬


‫سعيد عقل‬

‫‪127‬‬
‫ب‪ ،‬و أحد مقاييسه‪.‬‬ ‫ذات الح ّ‬ ‫ن العطاء أحد مل ّ‬‫إ ّ‬
‫عندما يحبك رجل ‪ -‬أعني عندما يعشقك ‪ -‬يود ّ لو اقتسم‬
‫ل ما يملك و غدا ضيًفا‬ ‫ل ما هو له‪ .‬بل لو منحك ك ّ‬ ‫معك ك ّ‬
‫عليك لعتقاده أّنه يقيم فيك و ل عقارات له في الدنيا‬
‫سواك‪.‬‬
‫ن يده تسابق قلبه‪ .‬فيمنحك في‬ ‫البعض يفوق كرمه جيبه‪ .‬ل ّ‬
‫أيام ما ل يمنحك آخر في سنوات‪ .‬سيصعب عليك نسيان‬
‫رجل كريم‪ ( .‬كما يصعب على رجل نسيان امرأة كريمة (‪.‬‬
‫كرك أّنه ترك شيًئا من قلبه في ك ّ‬
‫ل‬ ‫ل الشياء بعده تذ ّ‬ ‫ستظ ّ‬
‫ما هو حولك‪ .‬و أّنه لم يقصد بسخائه رشوة قلبك بل‬
‫إسعادك لفرط سعادته بك‪.‬‬
‫ي‬
‫لم تكن لهداياه مناسبة‪ .‬المناسبة كانت المتنان اليوم ّ‬
‫للحياة التي وضعتك في طريق قلبه‪ .‬لكأّنه يريد تطويقك‬
‫دا سواه أو شيًئا إّل منه سواًء غل أو‬ ‫كي ل تلمسي أح ً‬
‫رخص سعره‪.‬‬
‫ل هم يشغلك‪.‬‬ ‫ل شيء عنك‪ ،‬ك ّ‬ ‫لكأّنه يريد أن يحمل ك ّ‬
‫ل شيء حولك‪ ،‬ل سد ّ يقف‬ ‫لفرط تدّفقه سيفيض على ك ّ‬
‫في وجه رجل يحّبك بجنون‪ .‬أخطر ما في هذا الرجل أّنه‬
‫ب‪ .‬ل بمقياس جيبه بل بمقياس‬ ‫سيصبح عندك مرجًعا للح ّ‬
‫قلبه‪ .‬فالهدّية بقدر ما يبذل فيها المرء من نفسه‪ ،‬ل بقدر‬
‫ما ينفق فيها من ماله‪ .‬و ستتساءلين إن كان الذين مّروا و‬
‫لم يتركوا خلفهم شيًئا تلمسينه يشهد بمرورهم ببيتك و‬
‫و بمواسم أعيادك قد أحّبوك حّقا‪.‬‬ ‫بخزانة ثيابك‬

‫‪128‬‬
‫نصيحة‪:‬‬

‫ن رجًل أحببته لسنوات‪ ،‬ما ترك شيًئا‬ ‫ما كنت لتنتبهي أ ّ‬


‫خلفه‪ .‬لول أّنك حين رحل و افتقدته بجنون‪ ،‬حاولت أن‬
‫تستعيني على غيابه بأشيائه‪ .‬فما وجدت شيًئا منه تلمسينه‬
‫أو تلبسينه‪.‬‬
‫تمنيت لو أّنك ما ارتديت سوى ما أهداك‪ .‬لو أحطت نفسك‬
‫طي احتياجاتك‬ ‫بأشيائه‪ .‬فأيّ شيء منه كان يكفي ليغ ّ‬
‫العاطفّية لشهر‪.‬‬
‫لكّنه تركك لعراء الشياء‪ .‬و عليك برغم ذلك أن تسعدي‪.‬‬
‫كرك به أو يعذبك بذكراه‪.‬‬ ‫ل شيء حولك أو فوقك سيذ ّ‬
‫ل شيء ستلمسينه ستشمينه و تبكين‪ .‬ل شيء سيتآمر‬
‫معه عليك‪ .‬و يوقظ فيك الحنين‪.‬‬
‫مع الوقت ستجدين عزاءك في غناك عنه‪ .‬و الستغناء‬
‫بداية النسيان !‬
‫ربما ما كان بخيًل و ل أنانّيا‪ .‬و رّبما كان سخّيا بما هو أثمن‬
‫من أن ُيشترى‪ ،‬لكّنه ما كان معنّيا بتطويقك به‪ ،‬بقدر ما‬
‫ما باستحواذه عليك‪.‬‬ ‫كان مهت ّ‬
‫تحكي سّيدة فرنسّية أّنها عندما لم تجد شيًئا من الرجل‬
‫ن له في بيته‬ ‫الذي تخّلى عنها لتلمسه‪ .‬رّبت ق ّ‬
‫طا لعلمها أ ّ‬
‫ط في المكان الذي‬ ‫طة متعّلق بها‪ ،‬و صارت تجلس الق ّ‬ ‫ق ّ‬
‫ط في‬ ‫كان يجلس عليه حبيبها‪ .‬كانت كّلما اشتاقته تضع الق ّ‬
‫ط لمداعبتها و‬ ‫و تداعب فروه‪ .‬فيستسلم الق ّ‬ ‫حجرها‬
‫يغفو‪ .‬فتسعد حيًنا‪ ..‬و حيًنا تبكي‪.‬‬
‫‪129‬‬
‫ط " رجل قلبها " يعرف خطوتها‪،‬‬ ‫مع الوقت أصبح الق ّ‬
‫ينتظر عودتها خلف الباب‪ ،‬يلحقها من غرفة إلى أخرى‪.‬‬
‫فتطعمه و تدلله وتحنو عليه فيرد ّ لها الكرم وفاًء و حناًنا‪.‬‬
‫كرت هذه السّيدة و‬ ‫طنا قبل فترة‪ .‬تذ ّ‬‫عندما مات ق ّ‬
‫ما‪ ،‬أيّ الثلثة ستبكي ؟ ذاتها‪..‬‬ ‫طها يو ً‬‫تساءلت لو مات ق ّ‬
‫ط ؟ و من منهما مات قبل الخر في‬ ‫أم الق ّ‬ ‫حبيبها‪..‬‬
‫قلبها ؟ و على من سيكون حدادها ؟‬
‫م‪ ..‬أيّ الخيارين الكثر خيانة للرجولة‪ :‬أن تستعين امرأة‬ ‫ث ّ‬
‫ط لينسيها‬ ‫على نسيان رجل برجل آخر ؟ أم أن تلجأ إلى ق ّ‬
‫رجًل بعدما لم تجد شيًئا منه يساعدها على انتظاره ؟‬
‫ب كبير إلى عواطف في‬ ‫و أيّ زمن هذا الذي ينتهي فيه ح ّ‬
‫ط ؟ فيخون الرجل العشرة‪ ،‬و تخلص المرأة‬ ‫عصمة ق ّ‬
‫لحيوان‪! .‬‬

‫***‬

‫ب"‬
‫مة براهين ح ّ‬
‫بث ّ‬
‫مة ح ّ‬
‫"ليس ث ّ‬

‫إّنه ينوي اغتيالك معنوّيا‬

‫كّلما ازداد حّبنا تضاعف خوفنا من الساءة لمن نح ّ‬


‫ب‬

‫‪130‬‬
‫بالزاك‬

‫النسيان هو جّثة الوقت العشقي الممّددة بين عاشقين سابقين‪.‬‬


‫عا ثّم شهًرا‬
‫الحتضار السريري الغبي لنتظار خلته يومًا‪ ،‬فإذ به يدوم أسبو ً‬
‫ثّم دهًرا بسبب أمر ل علم لك به‪.‬‬
‫ل وظائف أعضائك المغدور بها‪ .‬الموت‬ ‫ي في حياتك لك ّ‬‫اللغاء التدريج ّ‬
‫طل ساعتك الداخلية التي كانت تعمل‬ ‫طلت بتع ّ‬ ‫ل حواسك التي تع ّ‬‫الحسي لك ّ‬
‫ب‪.‬‬
‫بتوقيت الح ّ‬
‫هو ذاكرة تعمل كساعة داخلك‪ ،‬تنّبهك إلى عادات سابقة اغتالها رجل أعلن‬
‫ي‪ .‬ساعة كان هو عقاربها وغدا عقربها‪.‬‬ ‫اغتيالك المعنو ّ‬
‫ل مرة تنتظرين صوته في الساعة إّياها و ل يأتي‪ ،‬تموتين متسّممة‬ ‫في ك ّ‬
‫بالصمت‪ .‬سّمه يتسّرب إليك من جّثة الهاتف‪.‬‬
‫ل يغادرك إحساس بالهانة لما أعطيته من وفاء‪ .‬بعدم اكتراثه بألمك‪.‬‬
‫باستخفافه باحتمال موتك قهًرا‪ .‬بقهرك لفرط موت الوقت و موته هو داخلك‪.‬‬
‫أحاسيس موجعة ستنخرك و تقتلك بعدد الدقائق‪ .‬و ستكونين أكثر عذاًبا من‬
‫ن ال‬
‫ن سّمه هوالوصفة بالذات التي كانت تلزمك للشفاء منه‪ .‬و أ ّ‬ ‫أن تعي أ ّ‬
‫الذي يحّبك قد ألهمه وسيلة عتقك‪.‬‬
‫سم‪ ..‬و لن يعود له من تأثير‬ ‫يوًما بعد آخر سيعتاد جسدك على جرعات ال ّ‬
‫طته ربما ظ ّ‬
‫ن‬ ‫عليك‪ .‬لقد لّقحك من إدمانك إّياه‪ .‬طبًعا لم تكن هذه نّيته و ل خ ّ‬
‫أّنك على طريقة المدمنين اليائسين ستهجمين على صيدلّية و تسطين تحت‬
‫تهديد السلح على جرعتك من " الكوكايين العشقي " مطالبة بأقراص‬
‫صوته‪ ..‬و مصل كلماته تلك‪ .‬أو أّنك ستقومين بخطف عاشقْين كرهينة و‬
‫ب‪ ،‬إن هو لم يحضر !‬ ‫تهّددين بقتلهما نكاية في الح ّ‬

‫‪131‬‬
‫و قد تشفقين عليهما‪ ..‬و تقّررين النتحار نكاية فيه تاركة خلفك رسالة ولء و‬
‫وفاء لجلدك‪ ،‬عساه يشقى بموتك بقّية أيامه‪.‬‬
‫سا على جنونك به‪ .‬لكن أنت التي‬ ‫ل ملمو ً‬‫هذه أمنياته غير المعلنة‪ .‬إّنه يريد دلي ً‬
‫كنت مجنونة به حّقا ستستعيدين قواك العقلّية أمام هذا التحدي‪.‬‬
‫ل " قيس " هّمه البحث عن مجنونة !‬ ‫على أيامنا ما عاد قيس هو المجنون‪ ..‬ك ّ‬
‫" رّبي يكّتر المهابل حتى يعيشوا الفاهمين " ! تقول أّمي‪.‬‬
‫ذى شّره من‬ ‫ن حّبا يتغ ّ‬
‫كري أ ّ‬ ‫بسرعة استعيدي عافيتك‪ .‬تذ ّ‬
‫مه من صبرك ليس حّبا إّنه حالة مرضّية‪.‬‬ ‫خيرك و س ّ‬

‫‪132‬‬
‫عطر النسيان‬

‫عساها تطاردك رائحتي‬


‫و يحتجزك حضني‬
‫و تخذلك النساء جميعهن‬
‫فتعود منكسرا إل ّ‬
‫ي‬

‫ل عطر الذكريات‪.‬‬ ‫ليس للنسيان عطر‪ .‬العطر ل يمكن أن يكون إ ّ‬


‫‪ +‬وقعت على هذه الحقيقة و أنا أبحث للغياب عن عطر‪ ،‬ينقذنا من عطر‬
‫الذاكرة المرتبط وجدانّيا بما عشناه و تقاسمناه مع أحد‪.‬‬
‫شم‪ .‬مقابل أربعة فقط‬ ‫ل‪ .‬فالنسان يملك ‪ 347‬جينة خاصة بال ّ‬ ‫ل يبدو المر سه ً‬
‫ن‪ ..‬و نأكل‪ ..‬و نتذّكر‬
‫ب‪ ..‬و نشتهي‪ ..‬و نح ّ‬
‫ي أّننا نرى‪ ..‬و نح ّ‬
‫للبصر‪ .‬أ ّ‬
‫بأنوفنا‪.‬‬
‫العطر مزيج من كيمياء الجسد‪ ..‬و كيمياء عطر في قارورة‪ .‬لذا توجد عطور‬
‫بعدد البشر‪.‬‬
‫ل امرأة أن تخلق الخلطة السحرية لعطر لن تضعه امرأة سواها‪ .‬إّنه‬ ‫و على ك ّ‬
‫عطر نسيانها الشخصي الذي تلغي به عطر الماضي و عطر النساء‬
‫الخريات في ذاكرة رجل‪ ..‬أو تلغي به زمًنا وّلى مع رجل‪.‬‬
‫المطلوب عطر يمّكنها أن تنسى من دون أن يتمّكن الخرون من نسيانها!‬
‫لقد كان الرجال في الماضي في زمن البداوة الجميلة‪ ،‬يعرفون عطر نساء‬
‫القبيلة واحدة‪ ،‬واحدة‪ .‬و بإمكانهم رغم الحجاب التعّرف على اسم امرأة‬

‫‪133‬‬
‫عبرت أو غادرت لتّوها المجلس مّما تركته خلفها من شذى‪ .‬ربما علينا أن‬
‫ي حّد عطرنا ل يشبه سوانا‪.‬‬
‫نجّرب هذه الخدعة لنعرف إلى أ ّ‬
‫في سعيك إلى نسيان رجل ل تنسي أن تغيري عطرك الذي كنت تضعينه من‬
‫أجله‪ .‬اهدي صديقاتك عطر ذاكرتك العاطفّية‪ ..‬السابقة‪ .‬تخّلصي منها كي ل‬
‫تستقوي عليك القوارير‪ ..‬حتى بحضورها الصامت‪ ،‬تطالبك‪ ..‬به‪.‬‬
‫إن وفاءك لعطر كنت تضعينه على أيامه هو وفاء غير معلن له‪ .‬و قبولك‬
‫باستحواذه على حواسك حتى بعد انفصالك عنه‪.‬‬
‫ب عطر جديد‪ .‬هذه الفكرة في حّد ذاتها ستفعل مفعو ً‬
‫ل‬ ‫عليك أن تقعي في ح ّ‬
‫سحرّيا عليك‪ .‬و تقنعك أن ثّمة شيء انتهى‪ .‬و أن آخر سيجيء و سيكون‬
‫شة الولى‪ .‬تماًما كنظرة أولى‪.‬‬
‫له شذى عطر يعلق بك منذ الر ّ‬
‫ل تنسي أن تستعّدي لحدث اختيار عطرأيامك القادمة بارتداء أجمل ثيابك و‬
‫أحلى اكسسواراتك‪.‬‬
‫ب جديد‪ .‬و‬ ‫ق أن تتجّملي لها‪ .‬أنت على موعد مع عطر ح ّ‬ ‫‪+‬المناسبة تستح ّ‬
‫ل يجّمل‬ ‫ب‪ .‬عليك أن تخترعي للغياب عطًرا جمي ً‬ ‫حتى إن لم يجيء الح ّ‬
‫انتظارك‪.‬‬
‫ل أحلى عطر و أروعه على الطلق ذاك الذي اخترعه ‪GERLAIN‬‬ ‫يظ ّ‬
‫صاحب الماركة الشهيرة التي تحمل اسمه‪ .‬حين في الربعينات من القرن‬
‫ب من‬‫الماضي ابتكر عطًرا لمرأة واحدة‪ ..‬و لليلة واحدة يهديه لمن أح ّ‬
‫النساء‪] .‬كنت أعتقد أّنه بذلك يهديها العطر الفريد للحب‪ ،‬كمثل فستان زفاف‬
‫يصنع على قياس امرأة لُيرتدى مرة واحدة‪ .‬الن أتساءل ماذا لو كان يهديها‬
‫عطر النسيان؟‬
‫عطر ل وعود له‪ .‬ل مستقبل‪ .‬ل التزامات‪ .‬عطر ل ذاكرة له‪ .‬كشهرزاد‬
‫يتوّقف بوحه عند الصباح‪ .‬من مزاياه غير المعلنة أّنه يخذل ذاكرة الرجل و‬
‫يعيده إلى عطر امرأته الولى‪.‬‬
‫‪134‬‬
‫***‬

‫قلب في تلّفته إليك يخونني‬


‫حيث تمضي يلحق بك‬
‫ممسًكا بتلبيب عطرك‬

‫‪135‬‬
‫صهيل قارورة فارغة من عطره‬

‫ن الصــغاء‬ ‫عطــرك يعّلــم امــرأة فـ ّ‬


‫ل تبتعـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد‬
‫صــــــمم‬ ‫حّتــــــى ل تصــــــاب أنوثــــــتي بال ّ‬
‫لكـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــن‪..‬‬
‫إحـــــذر أنـــــثى يـــــثرثر عطرهـــــا كـــــثيًرا‬
‫إّنهـــــــــا ‪ -‬حتًمـــــــــا‪ -‬تخفـــــــــي شـــــــــيًئا مـــــــــا‬

‫ل الحواس تعمل عميلة لدى الحبيب‪ .‬تستحضره في الغياب‪ .‬تطالب به‪.‬‬ ‫كّ‬
‫ل النظر و الشم هما رؤساء‬ ‫ي دخيل فتنحاز إليه‪ .‬لكن يظ ّ‬‫تفاضل بينه و بين أ ّ‬
‫جل الحدث‪ .‬إ ّ‬
‫ن‬ ‫" عصابة الخمسة "‪ .‬إن كانت خليا دماغّية هي التي تس ّ‬
‫النظر و الشّم هما الحاستان اللتان تكّرسان الذكرى أما أشرس العملء و‬
‫أخبثهم هو النف‪.‬‬
‫ن " الشّم هو حاسة الذاكرة "‪ .‬نزار‬‫لم يخطئ مارسيل بروست حين قال أ ّ‬
‫قباني في تعليقه على قول محمود درويش " و رائحة البن جغرافيا " يرى‬
‫ضا بالنف‪.‬‬ ‫ن محمود درويش يستعيد أر ً‬ ‫كأ ّ‬
‫هكذا هو النف دوًما بإمكانه أن يستعيد حبيًبا‪ ،‬أن يستعيد ذكرى‪ ،‬أن يستعيد‬
‫مدينة بفضل ذلك الشيء اللمرئي الذي ل نستطيع منعه من اجتياحنا‪ .‬من‬
‫أو رائحة ؟‬ ‫يستطيع شيًئا ضّد عطر‬
‫ش أشرعة باخرتها بالعطر‪ ..‬حتى يبقى خيط‬ ‫العطر سلطة‪ .‬كانت كليوباترا تر ّ‬
‫عطر خلفها يشهد أن ملكة ل تشبه النساء مّرت من هنا‪.‬‬
‫‪136‬‬
‫العطر مكيدة‪ ..‬كانت جوزفين حين تغادر القصر واثقة أن نابليون سيستقبل‬
‫ل أسير ذكراها‪.‬‬‫ش جدران غرفته بعطرها حتى يظ ّ‬ ‫امرأة غيرها‪ .‬تر ّ‬
‫العطر قصاص مستقبلي‪ .‬إّنه يوقظ عبق الذكريات‪ .‬العطر ل يرأف بك‪ .‬إّنه‬
‫أكثر الحواس إجراًما عند الفراق‪.‬‬
‫حتى قارورة عطر فارغة‪ .‬قد تتحّول حين فتحها إلى قنبلة تنفجر فيك‪ .‬تشّلك‪.‬‬
‫في غياب صاحبها‪ .‬صهيل عطره الذي بقي بعده عالًقا بزجاجها يغدو عطًرا‬
‫مشحوًنا بالذكريات ينقصه كيمياء صاحبه لينطق‪.‬‬
‫يا لقارورة ثملة بما فرغت منه‪.‬‬
‫أكبر متحالف مع الذاكرة‪ .‬هي تلك القارورة الفارغة من الذكريات‪ .‬أو‬
‫بالحرى التي توهمك بفراغها‪.‬‬
‫ل تحتفظي بعطر رجل ما عاد في حياتك‪ .‬و ل ترتكبي حماقة مواصلة شراء‬
‫شي عطره عليك كّلما‬ ‫عطره لتوهمي نفسك بوجوده‪ ،‬إّنك تشترين ألمك‪ .‬أو تر ّ‬
‫ل للعطور في مدينة‪ ..‬أو في مطار‪ .‬كما تفعل صديقة حمقاء‬ ‫دخلت إلى مح ّ‬
‫ش عطره قبل أن‬ ‫ل مطار تقصد السوق الحرة‪ .‬تر ّ‬ ‫تعمل مضيفة طيران‪ .‬في ك ّ‬
‫ل مطار‪ ..‬ليطير معها !‬‫تطير‪ .‬لتوهم نفسها أّنه ينتظرها في ك ّ‬
‫أّول شيء عليك إبعاده تماًما من حياتك‪ ،‬هو هذا العطر بالذات‪ .‬ذلك أّنك إن‬
‫وضعته تكونين قد استحضرت صاحبه كما تستحضر الرواح الشوق إليه‬
‫ب حينها على دفعات كعطر‪ .‬ينفذ إلى خلياك يوقظ نسيانك‪ .‬يهزمك‪.‬‬ ‫سيه ّ‬

‫***‬

‫‪137‬‬
‫أحبطي مؤامرة عملئه!‬

‫و أسأل عنهم من لقيت و هم معي‬ ‫ن إليـــــــــــهم‬


‫و من عجب أّني أح ّ‬
‫و يحتاجهم قلبي و هم بين أضلعي‬ ‫و تحتاجهم عيني و هم في سوادها‬

‫أعترف‪ .‬كتبت هذا الكتاب لممازحة النسيان‪ .‬ذلك أّننا ل نستطيع منازلة‬
‫الذاكرة بجدّية‪ .‬هي تملك أسلحة ل قدرة لنا عليها‪.‬‬
‫ن لها عملء يقيمون فينا‪ .‬يديرون شؤونها لحساب‬ ‫تهزمنا الذاكرة ل ّ‬
‫ل عنده‪ .‬البعض‬ ‫ل حواسك تعمل عمي ً‬ ‫حبيب‪ .‬يتآمرون علينا لصالحه‪ .‬ك ّ‬
‫بمرتبة ضابط اتصال‪.‬‬
‫ل ‪ 5‬لدى عرفات له منهم ثلثة و لي اثنان" و إذا‬ ‫كان بيغين يقول " ك ّ‬
‫ل خمسة مقربين لعرفات استطاعت‬ ‫كانت اسرائيل بعميلين اثنين من ك ّ‬
‫نسف القضّية الفلسطينّية‪ .‬فما بالك إن كان الخمسة جميعهم عملء‪ .‬و‬
‫ل حرب‬ ‫يقيمون فيك‪ ،‬و يعملون لصالح رجل غريب يقول أّنه حبيب‪ .‬في ك ّ‬
‫كسبتها إسرائيل‪ ،‬ما كانت لتنجح لول توّفر الخونة و الجواسيس‪ .‬حواسك‬
‫ل قصص‬ ‫توّفر لحبيبك النتصار عليك‪ .‬تكتشفين ذلك متأخًرا كما في ك ّ‬
‫الجاسوسّية‪.‬‬
‫فقط عندما تحاولين نسيان رجل‪ .‬يكشف العملء عن وجوههم‪ .‬أنت لست‬
‫في حرب ضّد رجل‪ .‬بل ضّد جيش من ‪ --KGB‬و ‪ - CIA‬و‬
‫‪ GESTAPO‬الهتلرّية ‪ .‬لقد تركهم يخوضون الحرب نيابة عنه داخلك و‬
‫مضى‪.‬‬
‫‪138‬‬
‫إّنهم يقيمون في نخاعك الشوكي‪ .‬في دورتك الدموّية في الشبكة البصرّية‬
‫لعينيك في خياشيم أنفك و في مسام جلدك‪.‬‬
‫ما الفرق بين الحبيب و بين المحتل إذن‪ .‬لقد أقام فيك مستوطنة في مساحة‬
‫كيانك‪.‬‬
‫هو بصرك و شّمك و نظرك‪ .‬هو ما تتفّوهين به و ما تهذين حين تصمتين‪.‬‬
‫هو جلدك فكيف جلدك تخلعين‪ .‬هو خلياك و مسامك‪ .‬هو شيطان أرقك‪..‬‬
‫و إله نعاسك‪ .‬هو السّم الذي تتناولينه على مدار النهار خارج الوجبات‪ .‬و‬
‫هو الوجبة التي تقتاتين بها لتبقي على قيد الحياة‪.‬‬
‫حواسك الخمسة مجّندة على مدار الليل و النهار لتدافع عنه تطالبك‬
‫بإحضاره من السماء أو من تحت الرض‪.‬‬
‫أكبر فاجعة عندما تدخلين معركة النسيان اكتشافك أن حواسك خانتك‪ .‬و‬
‫ن العاطفي " من جسدك أن تعلني‬ ‫أن عليك إن شئت إخراج هذا " الج ّ‬
‫الحرب على نفسك‪ .‬أن تقولي " ل " بملء صوتك‪ .‬لحاسة تذّكرك بعطره‪.‬‬
‫و أخرى بصوته‪ .‬و أخرى بمذاق قبلته و أخرى بلمسته‪ .‬و أخرى بطّلته‪..‬‬
‫بمشيته‪ ..‬بضحكته‪ ..‬بجلسته‪ ..‬بثيابه‪.‬‬
‫إّنك باختصار تخوضين حرًبا عالمّية بمفردك ضّد جيوش قّوات الحلفاء‬
‫مجتمعة !‪.‬‬
‫كان ال في عونك‪ ..‬يا مرا !‬
‫ل الذين تصادفينهم في الحياة خاضوا مثل هذه‬ ‫برغم هذا ل تيأسي ج ّ‬
‫المعارك و انتصروا فيها‪ ..‬تقريًبا !‬
‫ذكرياتي‪ ..‬يا ذكرياتي‬

‫ل ننسى شيًئا مما نوّد نسيانه‪ .‬نحن ننسى كّل ما عداه‬

‫‪139‬‬
‫بوري سفيان‬

‫صا أحببته لسنوات‪ ،‬ل يعني أّنك محوته من ذاكرتك‪ .‬أنت فقط‬ ‫أن تنسي شخ ً‬
‫ل يوم بك ّ‬
‫ل‬ ‫غّيرت مكانه في الذاكرة‪ .‬ما عاد في واجهة ذاكرتك‪ .‬حاضًرا ك ّ‬
‫ل حين‪ .‬غدا ذاكرتك أحياًنا‪ .‬المر يتطّلب أن‬ ‫تفاصيله‪ .‬ما عاد ذاكرتك ك ّ‬
‫يشغل آخر مكانه‪ ،‬و يدفع بوجوده إلى الخلف في ترتيب الذكريات‪.‬‬
‫ذلك أن الذكريات ل تموت‪ .‬هي تتحرك فينا تخبو كي تنجو من محاولة قتلنا‬
‫لها‪ .‬ثّم في أّول فرصة تعود و تطفو على واجهة قلبنا‪ .‬فنختفي بها كضيف‬
‫افتقدناه منذ زمن بعيد و مّر يسّلم علينا و يواصل طريقه‪.‬‬
‫الذكريات عابر سبيل ل يمكن استبقاؤها مهما أغريناها بالقامة بيننا‪.‬‬
‫هي تمضي مثلما جاءت‪ .‬ل ذكريات تمكث‪ .‬ل ذكريات تتحّول حين تزورنا‬
‫و ألمنا حين تغادرنا‪ .‬إّنها ما نجا من‬ ‫إلى حياة‪ .‬من هنا سّر احتفائنا بها‪.‬‬
‫حياة سابقة‪.‬‬
‫ليس بإمكان أحد الدعاء أّنه من يتحّكم في ذكرياته‪ .‬و ل هو يحتاج أن يبحث‬
‫عنها في الزوايا خلف عنكبوت الزمن‪ .‬هي التي تتحّكم فيه‪ ..‬و هي التي‬
‫تبحث عنه حين تشاء‪.‬‬
‫يؤكد رأيي هذا‪ ،‬كتاب المحّلل النفسي باتريك استراد " هذه الذكريات التي‬
‫تحكمنا " حين يقول " الذكريات تمّثل بشرة جلدنا الداخلّية و تصوغ‬
‫شخصّيتنا من دون أن ندري‪ .‬الذكريات التي نتذكرها في مناسبات معّينة هي‬
‫ل لكثير من المشكلت التي تصبح حياتنا"‪.‬‬ ‫مفتاح الح ّ‬
‫بالنسبة للمؤلف الذكريات ل تقيم فينا بل هي تغّلف حياتنا‪ .‬فهي تمّثل بشرة‬
‫ل ما حولنا من أشياء نحيط أنفسنا بها‪ .‬ما نلمسه ما‬ ‫جلدنا الداخلية‪ .‬إّنها ك ّ‬
‫خنا !‬
‫نلبسه ما نحتفظ به‪ .‬ما ل ينفع لشيء و نرفض أن نلقي به‪ .‬إنها ف ّ‬
‫‪140‬‬
‫الذكريات هي هويتنا الخرى التي نخفي حقيقتها عن الخرين‪ .‬حتى أنّ‬
‫الكاتب يطلق شعاًرا جديًدا " قل لي ماذا تتذّكر‪ ..‬أقل لك من أنت " و هو‬
‫ي قرأته‪ .‬جّربوا هذه اللعبة‪ .‬تعّرفوا على أنفسكم من خلل‬ ‫أصدق شعار نفس ّ‬
‫سؤالكم‪ :‬ماذا تتذّكرون بالضبط‪ .‬أّية ذكريات نجت من النسيان خلل عبوركم‬
‫ي ذكريات ل تفارقكم كحياة تلك هي بالذات الذكريات التي‬ ‫متاهات العمر‪ ..‬أ ّ‬
‫تتحّكم في حياتكم‪.‬‬

‫***‬

‫النسيان يمتلك السلطة و معنى السر‬


‫موريس بلنشو‬

‫‪141‬‬
‫اصنعي من الذكريات‪ ..‬تبولة!‬

‫إلوي عنق الدجاجة التي تأكل عندك و تذهب لتبيض عند غيرك‬
‫)مثل اسباني(‬

‫ل نستطيع شيًئا‬ ‫نموت قاصرين من دون أن نبلغ السن القانونّية للنسيان‪.‬‬


‫ضّد الذاكرة‪ .‬إّنها تقيم في ثنايا الحفريات العاطفّية‪ .‬لذا رأى البعض أن الح ّ‬
‫ل‬
‫في التخلص من الذكريات أّول بأّول كي ل نمنحها فرصة اختراقنا و التمّدد‬
‫فينا‪ .‬فما الذكريات سوى تراكم الحاضر‪.‬‬
‫ل ما يريدون نسيانه و التخلص‬ ‫النيويوركّيون اخترعوا طريقة جديدة لرمي ك ّ‬
‫منه من ذكريات العام الماضي‪ .‬فقد وضعوا بمناسبة نهاية السنة مفرمة كبيرة‬
‫ل ما ل‬ ‫في ساحة " تايمز سكوير " راحوا يلقون فيها ببهجة احتفالّية‪ ،‬ك ّ‬
‫يريدون أن يكون له مكاًنا في حياتهم بعد الن‪.‬‬
‫رجل يرمي صورة صديقته التي تخونه‪ .‬و آخر يرمي ديونه‪ ،‬و امرأة تقذف‬
‫هاتفها الخليوي‪ ،‬و أخرى هدايا من حبيب سابق‪ .‬و نساء يخطبن و يقسمن‬
‫على النسيان و رجال يلعنون و يضحكون و يصّفقون‪.‬‬
‫بعد منتصف الليل في الليلة الخيرة من السنة‪ ،‬كانت الذكريات القبيحة قد‬
‫انتهت في حاوية القمامة‪ .‬و غادر الناس الساحة إلى بيوتهم مبتهجين بعدما‬
‫تخلوا عن الذكريات التي تزعجهم‪.‬‬
‫" مفرمة‬ ‫ل تحتاجين إلى انتظار نهاية السنة لتلقي بما يزعجك إلى‬
‫الذكريات "‪ .‬المناسبات ل تنقصك‪ .‬كأن تكون ذكرى لقائك به لّول مرة‪ .‬أو‬

‫‪142‬‬
‫مرور عام على صمته و انقطاعه عنك‪ .‬أو ذكرى آخر لقاء جمعكما‪ .‬أو‬
‫ذكرى طعنته و حدادك عليه‪.‬‬
‫ل ما أصبح مصدر‬ ‫ب و افرمي ك ّ‬‫في غياب " المفرمة " ادخلي إلى مطبخ الح ّ‬
‫إزعاج و ألم في حياتك‪ .‬اصنعي من الذكريات المفرومة " تبولة " انقعي‬
‫صي رأس بندورة جبلّية لها مذاق‬ ‫برغل المنيات التي يبست في الغياب‪ .‬ق ّ‬
‫ض لفرم الماضي مّرة واحدة‪ .‬كي ل تقعي‬ ‫شهوات ‪ .bio‬استعيني بسكين ما ٍ‬
‫في فخ الجترار‪.‬‬
‫طبًعا ل يمكن أن تشتري النسيان بثمن ربطة بقدونس‪ .‬لكن المهم ليس‬
‫البقدونس‪ ،‬إّنما السكين‪ .‬المهم أن تفرمي الذكريات التي تفرمك يومّيا دون‬
‫رحمة‪.‬‬
‫ل ما تعّفن فيه دون أن تنتبهي‬‫ضا بفتح براد الماضي‪ .‬ألقي بك ّ‬
‫أنصحك أي ً‬
‫ل ما انتهت صلحية تناوله و ل جدوى من الحتفاظ به‪ .‬المعلبات‬ ‫لذلك‪ .‬ك ّ‬
‫النصف المفتوحة لمنيات غطى الصوف وجهها‪ .‬أحزان طرية كجبنة‬
‫الكاممبير المستوردة من بلد ما عادت تصدر الحلم الوردّية‪ .‬و ستفتح‬
‫شهّية الفئران لزيارتك ليس أكثر‪.‬‬
‫أّما ما بقي عندك من خضار في براد الذكريات‪ .‬فاطبخيها كسكسي و ادعي‬
‫صديقاتك للعشاء من دون أن تخبريهن بالمناسبة‪ .‬زّيني مائدة النسيان‬
‫بشمعدان‪ .‬تأّملي الشمع و هو يذوب و اسعدي‪ ..‬هكذا كنت قبل اليوم‪.‬‬
‫لقد أنقذتك " المفرمة " من محرقة الماضي ! و ل بأس إن بكيت وحدك في‬
‫ل ما تنزل دمعة تضوي شمعة" يقول مثل جزائري‪.‬‬ ‫آخر المساء " ك ّ‬

‫‪143‬‬
‫ب النسيان‬
‫نساء في مه ّ‬
‫النساء دائما ما تقلق على الشياء التي ينساها الرجال ’ والرجال دائما ما‬
‫تقلق على الشياء التي تتذكرها النساء ‪.‬‬
‫محمد خليل‬

‫‪144‬‬
‫ي الذي يعبث بحياتك‬
‫هذا المخلوق الهاتف ّ‬

‫ل عمر لها‬
‫ن الرشد بقبلة‬ ‫تبلغ س ّ‬
‫ن اليأس‬ ‫و تدخل س ّ‬
‫بانقطاع هاتف ّ‬
‫ي‬
‫كان ال في عون امرأة‬
‫ب على شفتيك‬ ‫أدركها الح ّ‬

‫تنبيه‪:‬‬

‫ل تفّوتي قراءة هذا الفصل‪ .‬لّنك حتًما ستحتاجين إلى العودة إليه ما‬ ‫أتمّنى أ ّ‬
‫دمت حّية‪ .‬حتى ل تموتين في حادث صمت معلن‪ ،‬على يد رجل قّرر فجأة‬
‫أن يقتلك بسكتة هاتفّية‪ ،‬بعد أن سعى خلل أشهر و ربما سنوات إلى جعلك‬
‫في حالة إدمان و تبعّية مرضّية لصوته‪.‬‬
‫ن الشياء تبدأ غالًبا هكذا‪:‬‬
‫تجمع النساء على أ ّ‬
‫س من تلفون‪ .‬ل تدرين و هو يجتاح حياتك هاتفّيا‪ ،‬نسبة العقل‬ ‫ن به م ّ‬
‫رجل كأ ّ‬
‫فيه من نسبة الجنون‪ .‬رجل يهاتفك بعدد ساعات النهار‪ .‬يبعث لك رسالة‬
‫ل لحظة‪.‬‬‫حيثما ذهب‪ .‬ليقول لك شيًئا مهّما ل يحتمل التأجيل‪ :‬يحتاجك ك ّ‬
‫" أنا خارج البيت‪ ..‬في قلبك "‬
‫" أنا في زحمة السّيارات و قلبي مزدحم بك "‬
‫" أنا عائد إلى البيت‪ ..‬إليك "‬
‫" أنا أشتري خبًزا‪ ..‬كّلما اشتريت خبًزا أكلتك "‬

‫‪145‬‬
‫ل إليك "‬‫شى مع أصدقاء و ل جوع إ ّ‬ ‫" أنا أتع ّ‬
‫" سأخلد للّنوم‪ ..‬في عينيك "‬
‫ل صباحاتي "‬ ‫" صباح الشوق يا ك ّ‬
‫ل‪ ...‬جملة و تفصي ً‬
‫ل‬ ‫‪ +‬و تمضي اليام هكذا و أنت ترافقينه بكرة و أصي ً‬
‫ل ما يفعل‪ .‬و كأّنك مشتركة في خدمة "الخبر العاجل" التي‬ ‫ل و في ك ّ‬
‫حيثما ح ّ‬
‫تزودك بالخبار أّول بأّول على مدى الليل و النهار‪.‬‬
‫ل‪ .‬و هنا تولد نواة‬ ‫ل حين قد يحدث أن يجد هاتفك مشغو ً‬ ‫و لّنه يهاتفك ك ّ‬
‫المشكل الذي ستبنى عليه مشاكل تتوالد أمام اندهاشك من حيث ل تدرين‪.‬‬
‫ي " يرى في‬ ‫فهذا الحبيب الذي تحّول بحكم المسافة إلى " مخلوق هاتف ّ‬
‫ل عنه‪ ..‬و ربما خيانة له‪ .‬فالهاتف‪ "..‬هاتفه "‪ .‬و ليس من‬ ‫انشغال هاتفك انشغا ً‬
‫ل عداه‪ .‬حتى و إن كنت محّررة في قناة إخبارية‬ ‫المفروض أن يكون لك شغ ً‬
‫عالمّية‪.‬‬
‫تسألني صديقتي و هي على حافة البكاء " ماذا أفعل لقد بدأت المشاكل بيننا‪..‬‬
‫و انقطع عن مهاتفتي يوًما أو‬ ‫ل قامت القيامة‬‫كّلما وجد الهاتف مشغو ً‬
‫شرها " ذات يوم سينقطع لّيام‪ ..‬ثّم لسابيع‪ ..‬و رّبما لكثر‪"..‬‬ ‫يومين‪ُ ،‬أب ّ‬
‫تصيح " لكّنني أحّبه ‪ ..‬أنت تدرين كم أحّبه ليس في حياتي غيره‪ .‬إّنه ح ّ‬
‫ب‬
‫حياتي ل أريد أن أخسره "‪.‬‬
‫لكن يا عزيزتي منذ اللحظة التي دخلت سوسة الشك إلى قلبه أصبحت مهّددة‬
‫بخسارته‪ .‬سيصّدق السوسة و لن يصّدقك !‬
‫لقد كان العشاق أسعد و أكثر طمأنينة و ثقة في بعضهم البعض‪ ..‬قبل أن يأتي‬
‫ألكسندر غراهام بيل ‪ -‬ل سقى ال قبر والد ولده ‪ -‬و يخترع لنا الهاتف يكفيه‬
‫صل و لو مّرة هاتفّيا بأّمه و ل بزوجته‪ ..‬لّنهما‬ ‫لعنة أّنه ما استطاع أن يت ّ‬
‫كانتا مصابتين بالصمم !‬

‫‪146‬‬
‫ن كما الثورة تأكل أبناءها يأكل الهاتف عشاقه‪ .‬على‬ ‫عبًثا أشرح لصديقتي أ ّ‬
‫يده يكون حتفهم‪ .‬و عليها الستعداد منذ الن لقطع حبل السرة الهاتفي الذي‬
‫يوصلها بذلك الرجل على مدى الليل و النهار‪.‬‬
‫ن صديقة أخرى من إحدى‬ ‫في ذلك العشاء الذي جمعنا‪ ،‬دمعت عيناها ل ّ‬
‫نجمات العلم الخليجي أّكدت لها رأيي و هي تفاجئنا بالعتراف أّنها منذ‬
‫ثلث سنوات تعيش خارج مجّرة العشاق للسبب نفسه‪ .‬صحنا مندهشات " و‬
‫ب حياتي "‪.‬‬‫لم تحّبي أحًدا منذ ذلك الحين ؟! " قالت " ل‪ ..‬كان هو ح ّ‬
‫أّما هو فما يصّدق أن تكون امرأة على ذلك القدر من الجمال و النجومّية و‬
‫الشهرة وفّية له‪ .‬قالت له السوسة " كيف تخلص لك و حولها هذا القدر من‬
‫الثرياء و المشاهير " المؤلم حّقا أّنه ل يدري أّنها ما زالت على عصمته‪.‬‬
‫سر قرارها بعدم‬ ‫ل هذا لهدر‪ .‬و كيف تراه ف ّ‬ ‫أكان سيسعد أم سيحزن لك ّ‬
‫التصال به أبًدا مذ انقطع فجأة عن مهاتفتها‪ .‬رّبما ظّنها مشغولة بحبّ آخر و‬
‫هاتفها كقلبها خارج الخدمة‪ .‬فتمادى في القطيعة‪ ..‬و في الخيانة‪.‬‬
‫عدت من ذلك العشاء مثقلة بالغيوم العاطفّية‪ .‬ل أفهم كيف تتظافر جهود سوء‬
‫ل هذه القصص العاطفّية الجميلة‪.‬‬ ‫الفهم و سوء الظن و سوء الحظ لغتيال ك ّ‬
‫من دون أن يدري الطرف الخر كم كان آثًما و ظالًما في مّده و جزره‬
‫الهاتفي‪.‬‬
‫دون أدني شعور بالذنب تموت قلوب النساء بسبب رجل دخل حياتهن بك ّ‬
‫ل‬
‫ي شرح ليتسّلى بتحطيم‬ ‫ل تلك القسوة‪ ،‬من دون أ ّ‬ ‫ذلك الجتياح‪ ،‬ثّم غادرها بك ّ‬
‫قلب امرأة أخرى يهرب إليها من الولى‪ ..‬وهلمّ جرى‪.‬‬
‫ب ؟ فائض التفاصيل التي‬ ‫أيكون فائض الكلم بين العشاق قد قتل الح ّ‬
‫ب يحتاج إلى غموض‪ ..‬إلى‬ ‫ب ليحيا و لكّنه ل يحتاجها ليحلم‪ .‬الح ّ‬‫يحتاجها الح ّ‬
‫أسرار صغيرة ل يترك لها الهاتف " المرضي " مساحة‪ .‬لذا يصبح ح ّ‬
‫ب‬
‫ل واحد على‬ ‫و أعنف بعد النقطاع الهاتفي‪ .‬إّنه يجبر ك ّ‬ ‫العشاق أقوى‬
‫‪147‬‬
‫صنع حياة افتراضّية للخر بما يعرف عنه من عادات سابقة و من أسرار‪.‬‬
‫ل كما في الزمنة الغابرة‪ .‬في العواطف الكبيرة‬ ‫ب على ألمه جمي ً‬ ‫فيعود الح ّ‬
‫ب و تزّوده‬
‫جج الح ّ‬
‫لكبار العشاق فقط ل تقتل القطيعة بل تحيي‪ .‬إّنها تؤ ّ‬
‫بالوقود الذي يحتاجه‪ :‬تحّدي الزمن‪ .‬بالوفاء لشخص ل تدري ما هو فاعل‬
‫ن ما تعرفه عنه من عادات و ما قال لك‬ ‫على الطرف الخر من الحياة‪ .‬ل ّ‬
‫على مدى أشهر و أعوام يجعلك تثقين في معدنه‪.‬‬
‫برغم ذلك كم من الهواجس و الوساوس ستراودك أمام صمته‪ .‬فالصمت‬
‫ل إشارة حتى في الصوت‬ ‫شكين مع الوقت في ك ّ‬ ‫مساحة اللتباس العاطفي‪ .‬ست ّ‬
‫النسائي اللي الذي يرّد عليك‪.‬‬
‫ن التصال بالرقم المطلوب غير ممكن حالّيا‪.‬‬ ‫" أكره المرأة التي تقول‪ :‬إ ّ‬
‫كيف أثق بأّنها ليست من مجموعة النساء اللواتي يحطن بك !" تقول ماري‬
‫القصيفي‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫ذاك الكبرياء القاتل للح ّ‬
‫ب‬

‫يبلغ الحب القمة متى تنازلت المرأة عن عنادها و الرجل عن كبريائه‬


‫'' أنوري دي بالزاك ''‬

‫ضع كما‬‫ل تنازلي رجًل بتقديم مزيد من التنازلت‪ .‬في التب ّ‬


‫ب التنزيلت‪ .‬يريد ما ندر و غل‪.‬‬ ‫ب الرجل ل يح ّ‬ ‫في الح ّ‬
‫ذات يوم ‪ -‬أكيد ‪ -‬سيختبر معدنك بقدرتك على الصبر على‬
‫ما أو أسابيع‬ ‫انقطاع كأّنه قطيعة‪ .‬قد يدوم اختفاؤه أيا ً‬
‫أو أشهًرا‪ .‬و قد يكون النهاية التي ل تدرين بعد بها‪.‬‬
‫فليكن‪ ..‬ادخلي حلبة صمته‪ .‬ستكبرين بالصبر عليه‪.‬‬
‫استمتعي بالنقطاع عنه‪ .‬ل تعيشي قطيعته عذاًبا‪ .‬عيشيها‬
‫تمريًنا في الكبرياء و إعلء شأنك‪ " .‬ما أقوى من الحب‬
‫سوى الكبرياء عند أمنع النساء"‪.‬‬
‫ما بعد يوم ستتوّقفين عن عد ّ اليام التي لم تسمعي‬ ‫يو ً‬
‫دا‪ ،‬برغم‬
‫صوته فيها‪ .‬و المناسبات و العياد التي أخلفها قص ً‬
‫سا ل يعنون له ما تعنين‪.‬‬
‫أّنه عايد أنا ً‬
‫لن يكون المر سهًل‪ .‬لكن غدره بك هو وقود تحديك‪،‬‬
‫فتزّودي به ما استطعت‪ .‬عليك أن تكسبي عادات جديدة‬
‫ذي‬ ‫لقتل عاداتك القديمة‪ .‬و قبل هذا كّله عليك أن تغ ّ‬
‫إحساسك بالنفة في مواجهة من كان أقرب إنسان إلى‬
‫روحك‪ .‬و غدا ألد ّ أعدائك لّنه يملك مفاتيحك‪ ،‬و يعرف‬
‫‪149‬‬
‫المداخل غير المحصنة لقلبك‪ .‬و يعرف كم أنت ضعيفة‬
‫تجاهه‪.‬‬
‫ل تضعفي و تطلبي رقمه‪ ،‬لّنك ستخسرين عّزة نفسك من‬
‫دون أن تكوني قد كسبته‪ .‬في هذه المزايدات بالذات على‬
‫ب الكبير أرخص ميتة من أجل‬ ‫الكبرياء و الجفاء يموت الح ّ‬
‫إعلء شأن عاشقين يتلوعان و يشقيان في الوقت نفسه‪.‬‬
‫ب‪.‬‬‫ل أعرف جريمة أكبر من هذه تجاه أنفسنا و تجاه الح ّ‬
‫و ل أعرف خسارة أكثر فداحة و حماقة‪.‬‬
‫و لكن ما دامت هذه اللعبة الجرامّية هي التي يحلو‬
‫للرجال أن يلعبوها معنا ل نملك إّل أن ننزل إلى الحلبة و‬
‫ي قلبنا ف" آخر‬ ‫نكسب الجولة‪ .‬حتى لو اقتضى المر بك ّ‬
‫ي!"‪.‬‬
‫الدواء الك ّ‬
‫لي صديقة هزمها الشوق وخانتها يدها بعد أسابيع من‬
‫القطيعة‪ ،‬فطلبت رقم الرجل الذي كانت تحّبه‪ .‬و حين‬
‫قطع الهاتف في وجهها‪ .‬أشعلت سيجارة و كوت بها يدها‬
‫اليمنى حتى كّلما رأت آثار الحريق على يدها كرهته و‬
‫رفضت يدها أن تطلبه مجدًدا‪.‬‬
‫دا لّنه اعتقد أنه كعادته بإمكانه أن يذهب‬ ‫راح يتمادى ص ّ‬
‫م يجدها في انتظاره متى عاد‪ .‬ما تخّيل‬ ‫دا في ظلمها‪ ،‬ث ّ‬ ‫بعي ً‬
‫لحظة أّنها هذه المرة لن تنتظره‪ .‬فقد دخل إلى حياتها‬
‫وجها أميرة و أحّبها و دّللها كما لم يفعل رجل‪ .‬و‬ ‫رجل ت ّ‬
‫ما آثار‬
‫عشقها حد ّ تقبيل أصابع قدميها و لم يلحظ يو ً‬
‫الحريق على يدها‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫في آخر أخبارها‪ ،‬جاء الحبيب الّول من بلده ليودعها و هو‬
‫على مشارف الموت بعد أن تدهورت صحته بسبب مرض‬
‫فاجأه و هو في عّز رجولته و كامل عنفوانه‪ .‬قال لها أّنه‬
‫ب سواها‪.‬‬ ‫ما و أّنه ما أح ّ‬
‫خلل أربع سنوات ما نسيها يو ً‬
‫و ما زالت صديقتي تبكي و ل تدري كيف عليها أن‬
‫صة ل بد ّ أن تكتبيها‪.‬‬ ‫تتصّرف‪ .‬هاتفتني تقول " عندي لك ق ّ‬
‫تذكرين فلن‪ ...‬لقد عاد"‪ ..‬صحت " ل معقول "‪ ..‬قالت‬
‫" عاد يوّدعني "‪ ..‬قلت " أما افترقتما منذ سنوات ؟ "‪..‬‬
‫دعني هذه المّرة لّنه قد يموت "‪.‬‬ ‫قالت " يو ّ‬
‫ل بلد‬ ‫عندما تزّوج في بلده امرأة غيرها ما ودعها‪ .‬في ك ّ‬
‫دث‬ ‫سافرنا إليها مًعا‪ ،‬كنت أراها تبكيه‪ .‬كّلما رأت امرأة تح ّ‬
‫حبيًبا على الهاتف‪ .‬كّلما استمعت إلى أغنية من بلده‪ .‬كّلما‬
‫تزّوج اثنان‪.‬‬
‫صديقتي التي كانت قبل سنوات تبكي بسبب ظلمه‬
‫و هجره‪ ،‬عادت في عّز حّبها الجديد تبكي عليه‪ .‬عرضت‬
‫عليه أن تعيش ما بقي من عمره معه‪ .‬أن ترافقه إلى‬
‫مستشفيات العالم‪ .‬أقسمت له أّنها بمعجزة حّبها قادرة‬
‫على شفائه‪ .‬لكّنه أجابها أّنه كان يريدها زوجة ل ممرضة‪.‬‬
‫و غادر إلى قدره‪.‬‬
‫ب آخر في حياتها جهدت‬ ‫ضا شعوره بوجود ح ّ‬ ‫لقد زاده مر ً‬
‫لخفائه عنه‪ ،‬كي ل تزيد من ألمه‪.‬‬
‫مة نوعان من الشقاء‪ .‬الّول أّل تحصل على ما تتمّناه‪.‬‬ ‫ث ّ‬
‫خر الوقت و تغّيرت أنت و تغّيرت‬ ‫و الثاني أن يأتيك و قد تأ ّ‬
‫المنيات بعد أن تكون قد شقيت بسببها بضع سنوات !‬
‫‪151‬‬
‫ما في هذه‬ ‫ما فتئت أسأل نفسي‪ :‬من الظالم أو الكثر ظل ً‬
‫صة؟‬‫الق ّ‬
‫ن حبيبها كان‬ ‫ل الجوبة‪ ،‬أجاب بأ ّ‬ ‫لعل القدر الذي يملك ك ّ‬
‫طى حّبا‬ ‫ن بإمكانه أن يتخ ّ‬ ‫الظلم لنفسه و لها‪ .‬لقد اعتقد أ ّ‬
‫كبيًرا‪ .‬و يبني حياة زوجّية على أطلله‪ .‬لكن أمام الموت‬
‫و في لحظة الصدق الحقيقّية ارتفع صوت القلب ليطالبه‬
‫بزوجة قلبه‪ .‬لقد اكتشف جريمة أن نموت بعيدين عن‬
‫قلبنا‪.‬‬
‫ل تلك السنوات ؟‬ ‫لماذا كابر إذن ك ّ‬
‫لماذا كان يشقى و يشقيها به ؟‬
‫لماذا كان يبكي في السّر‪ ..‬و يبكيها ؟‬
‫ي تركها لرجل غيره؟‬ ‫لماذا و هو البدويّ الغيور كغزال عرب ّ‬
‫من الرجح أن احتمال خسارتها لم يكن في حسبانه‪.‬‬
‫فالرجل يعتقد أن المرأة موجودة أصًل لنتظاره و أّنها‬
‫مة‬‫نث ّ‬ ‫أضعف من أن تأخذ قرار النفصال أو تلتزم به‪ .‬لك ّ‬
‫دا يصبح فيه الخلص إهانة للذات‪.‬‬ ‫ح ّ‬
‫وأشهد أّنها أخلصت له حتى بعد الفراق‪ .‬أخلصت كما‬
‫ب شيخ قبيلة‪ .‬و ما كان‬ ‫تخلص امرأة عصرّية تقع في ح ّ‬
‫خا‪ .‬كان رجًل أحّبها ببداوة‪ .‬و ما توّقع كم بإمكان امرأة‬ ‫شي ً‬
‫ما‬
‫أن تعطي‪ .‬و كم في وسعها أن تنتظر حتى يأتي القدر يو ً‬
‫و يهديها حّبا ينسيها شقاءها‪.‬‬
‫ب حياته‪ ،‬أّنه ينتصر‬‫يعتقد الرجل و هو يتخّلى عن ح ّ‬
‫لكبريائه‪ .‬فتقّبل الخسارات الفادحة لمجرد رفع التحدي‬
‫حي‬ ‫ليس أكثر‪ ،‬هو جزء من فحولة تاريخنا العربي‪ ،‬الذي يض ّ‬
‫‪152‬‬
‫فيه الحاكم المستبد بوطن ويسّلمه للمحتل حتى ل يخسر‬
‫ماء وجهه و يتنازل عن عناده !‬
‫يأبى الرجل أن يعود إلى حّبه الكبير بعد قطيعة معتذًرا‬
‫ومنكسًرا‪ .‬تربيته تمنعه أن يرى في لحظة ضعفه أمام‬
‫ب أجمل لحظات عمره على الطلق‪.‬‬ ‫الح ّ‬
‫ب الذي كان يمكن أن يولد مرة أخرى من رماده‬ ‫إّنه الح ّ‬
‫و من غيابه و جراحه أكثر جماًل ونضو ً‬
‫جا‪.‬‬
‫أكثر من مّرة يتمّنى لو طلب رقمها‪ .‬هو ل يتوّقع أن تشهق‬
‫ب أكثر‬ ‫امرأة على الطرف الخر للخط‪ .‬و تعطيه من الح ّ‬
‫ن المرأة تعشق من يعود إليها ليقول‬ ‫مما يتوّقع‪ .‬ذلك أ ّ‬
‫دا عنك " في الواقع هي ل تزدري إّل‬ ‫" ل حياة لي بعي ً‬
‫طغاة‪ ،‬و الجبناء أمام العواطف‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫ب‪ ،‬المتجّبر على الحبيبة‪.‬‬ ‫ن الرجل المتشاغل عن الح ّ‬ ‫غير أ ّ‬
‫ل يكتشف إّل بعد فوات الوان صدق تلك المقولة‬
‫السويسرّية " ل تندم و أنت على فراش الموت لّنك لم‬
‫تحصل على ترقية بل لّنك لم تقض الوقت الكافي مع من‬
‫ب "‪.‬‬‫تح ّ‬
‫ل شيء إّل الموت‪.‬‬ ‫لقد وضع في حسبانه ك ّ‬
‫ل الكاذيب و تنتهي به‬ ‫الموت الذي تموت في حضرته ك ّ‬
‫المزايدات العاطفّية‪ .‬ل كبرياء أمامه لكبير‪ .‬إّنه الحقيقة‬
‫التي يصغر أمامها الجميع‪.‬‬
‫لحظة يحضر الموت‪ .‬هل يبقى لرجل من صوت ليقول‬
‫دي‪ ،‬أّنه أحّبها‬‫لمرأة بينه و بينها قارات من الفراق و التح ّ‬
‫حد ّ الموت‪.‬‬
‫‪153‬‬
‫ما‪ ،‬أن ترحل هي قبله و تتركه ما بقي من عمر‬ ‫ما الكثر أل ً‬‫أ ّ‬
‫ل الكلمات‬ ‫ما لّنه ل يدري ماذا يفعل بعد الن بك ّ‬ ‫ينزف ند ً‬
‫التي لم يقلها لها و ستموت معه‪ ..‬إن لم تقتله‪.‬‬
‫صة صديقتي التي ما زالت تعيشها بكاًء كّلما‬ ‫أمام ق ّ‬
‫كرت أن على العشاق المتناحرين المزايدين‬ ‫هاتفتني‪ .‬ف ّ‬
‫على الذى بشراسة الحياة و عنفوانها‪ ..‬أن يتوّقفوا و لو‬
‫كروا في احتمال موت أحدهما خلل أشهر‪ ..‬و‬ ‫ليوم ليف ّ‬
‫سنوات القطيعة‪.‬‬
‫ليستحضروا بخيالهم جّثة الحبيب هامدة باردة قبل أن‬
‫تسّلمها اليدي إلى التراب‪ .‬ليبكوه حّيا حتى ل يبكوه ميًتا‪،‬‬
‫عندما يكون الوقت قد تأخر إلى البد‪ .‬و ما عاد له من‬
‫عيون ليرى دموعهم عليه‪ .‬عندما ل يعد لطعناتهم على‬
‫جسده من إيلم‪ ..‬سيغدو اللم من نصيب الذي كان‬
‫كا بالخنجر!‬ ‫ممس ً‬
‫كر العشاق‬ ‫ب كان يمكن إنقاذها لو ف ّ‬
‫كم من قصص ح ّ‬
‫بمنطق الموت ل بمنطق الحياة‪ .‬فهل يعتبر المحّبون؟!‬
‫***‬

‫صا ما‬
‫ب شخ ً‬‫عندما أحاول أن أعرف ما إذا كنت أح ّ‬
‫و أراقب كيف يستجيب‬ ‫وره ميًتا‪.‬‬
‫أتص ّ‬
‫جسمي لذلك‪.‬‬
‫العلمّية إيمي‬
‫جينكز‬

‫‪154‬‬
‫يا ظالم لك يوم‪...‬‬

‫يدعو عليك و‬ ‫" تنام عينك و المظلوم منتبه‬


‫عين الله لم تنم "‬

‫حكى الصمعي أّنه رأى رجًل يدعى أبا السائب من بني‬


‫مخزوم متعل ًّقا بأستار الكعبة و هو يقول‪ :‬الّلهم ارحم‬
‫العاشقين‪ ،‬و اعطف على قلوب المعشوقين بالرأفة‬
‫و الرحمة‪ ،‬يا أرحم الراحمين‪ .‬قال الصمعي‪ :‬يا أبا السائب‬
‫أفي هذا المقام تقول هذا المقال؟‬
‫جة بعمرة‪ ،‬ثم‬ ‫قال‪ :‬إليك عني! الدعاء لهم أفضل من ح ّ‬
‫أنشأ يقول‪:‬‬
‫الهوى للعاشقين يطيب يا‬ ‫ف عن الـــهوى و دع‬ ‫يا هجر ك ّ‬
‫هجر‬
‫قرحى و حشو‬ ‫ماذا تريد من الذين جفونـــــــهم‬
‫صدورهم جمر‬
‫هطًل تلوح كأّنها‬ ‫و سوابق العبرات فوق خدودهم‬
‫القــــــــــطر‬

‫‪155‬‬
‫ئهم بنفوسهم يتلعب‬ ‫صرعى على جسر الهوى لشقا‬
‫الدهـــــر‬

‫صة بعدما أديت العمرة قبل سنة من الن‪ .‬و‬ ‫قرأت هذه الق ّ‬
‫لو علمت آنذاك أّنه يجوز للمحّبين أن يرفعوا لله شكواهم‪.‬‬
‫ويدعون و هم في بيته على أحد‪ ،‬كما يدعون بالخير على‬
‫ن من‬ ‫صة أ ّ‬ ‫آخر‪ .‬لستفدت من عمرتي لتصفية حساباتي‪ .‬خا ّ‬
‫ن يقلن لي " أطلبي‪ ..‬أطلبي ما تشائين‪ .‬اسألي‬ ‫رافقني ك ّ‬
‫ل شيء يخطر في بالك " و كنت أرى الناس‬ ‫الله ك ّ‬
‫يطوفون مرّددين أدعية و ل أدري ما أطلب من الله غير‬
‫ما‬
‫و الصحة و العافية لي و للمسلمين‪ .‬دائ ً‬ ‫المغفرة‬
‫استحيت أن أسأل الله شيًئا له علقة بالحياة الدنيا‪ .‬كنت‬
‫ن الله يدري ما أريد و لو شاء لعطاني إّياه من‬ ‫أقول أ ّ‬
‫ب من ل‬ ‫ن الله ل يح ّ‬ ‫دون أن أطلبه منه‪ .‬حتى قرأت أ ّ‬
‫يسأله‪ ،‬و يرى في سلوكه تكب ًّرا يستحقّ عليه العذاب‪.‬‬
‫يا للمصيبة ! المر إذن أصبح يستدعي إعادة نظر و ربما‬
‫إعادة العمرة‪.‬‬
‫و في عمرتي القادمة سأستعد إن شاء ال للمر بطريقة عملّية فأحمل معي‬
‫قائمة واضحة كاملة بأسماء مكتوبة بلونين‪ :‬الذين أدعو لهم بالزرق و الذين‬
‫ي ال‪.‬‬‫ي السماء و أنا بين يد ّ‬ ‫أدعو عليهم بالحمر‪ .‬خشية أن تتلخبط عل ّ‬
‫ن الدعوات قد تضيع في بريد‬ ‫ن إحداهن زادتني خوفا حين قالت لي أ ّ‬ ‫صة أ ّ‬
‫خا ّ‬
‫السماء إن لم تتوّفر فيها شروط الدعاء‪ .‬و منها أن ترفقيها باسم أّم الذي‬
‫تدعين له‪ ..‬أو عليه! و قالت ثانية "بل اسم أبيه هو الهم فالمسلم ينادى عليه‬
‫يوم القيامة على اسم أبيه"‪.‬‬
‫‪156‬‬
‫ل هذه الدعوات غير محّددة الهوّية كيف بربكم تجد طريقها إلى‬ ‫تصّوروا ك ّ‬
‫السماء‪.‬‬
‫ل أصّدق‪ ..‬أّنك تدعين لمحمد في الجزائر فتذهب دعواتك لمحمد آخر في‬
‫ي واحد من المليين الذين‬ ‫باكستان‪ .‬و تدعين على عبد ال و ل تدرين على أ ّ‬
‫ل اللعنة‪.‬‬
‫يحملون السم نفسه من ماليزيا إلى الصومال ستح ّ‬
‫في هذه الحالة‪ .‬كّلما ندر السم قّلت نسبة احتمال أن ينتهي الدعاء عند غير‬
‫الذي يعنيه الداعي‪.‬‬
‫ي و على المطربة‬ ‫وكنت سعدت لو كان المر كذلك ‪ ،‬لقتصار اسم أحلم عل ّ‬
‫المارتّية أحلم كإسمي علم ‪.‬‬
‫فالدعوات حينها ل تخرج عن إطارنا نحن الثنتين‪ .‬ومن هذا المنطلق‬
‫وجدتني معنية بها ‪ ,‬وبدأ يراودني الشك في أن تكون كثيرا من دعوات الخير‬
‫التي سعيت لجمعها على مدى حياتي قد انتهت عندها‪ .‬بعد أن أعلنت أكثر من‬
‫ن ثروتها ما شاء ال تقارب المليار دولر!‬ ‫مّرة أ ّ‬
‫ن دعوات الخير كفيلة بالضراء فإن المر يحتاج إلى مبادرة من‬ ‫‪ +‬بما أ ّ‬
‫طرفها لعادة توازن السراء في ما بيننا‪.‬‬
‫أّما في حال رفضها لهذا القتراح فأنا أطالبها بأن تعلن عن اسم أّمها حتى ل‬
‫أتلّقى نيابة عنها دعوات من يدعون عليها مّمن تشاجرت معهم على مدى‬
‫ن اللتباس زاد بيننا مذ تم منحها دكتوراه فخرّية‪..‬‬ ‫صة أ ّ‬
‫ي‪ .‬خا ّ‬
‫مسارها الفن ّ‬
‫تصّوروا حتى إذا أراد أحدهم لمزيد من الضمان لدعواته أن يحّدد بأّنه يعني‬
‫ضا سينتهي عندي‪! .‬‬ ‫" الدكتورة أحلم " شخصّيا‪ ..‬فدعاؤه أي ً‬
‫مّما يجعلني أفّكر في أن أتنازل عن هذا الّلقب الذي أمضيت خمس سنوات‬
‫في متاهات السوربون للفوز به‪ .‬والذي في جميع الحالت لم أستعمله في‬
‫حياتي‪ .‬غير أني ل أستطيع أن أتنازل عن اسمي لكونه اسمي الحقيقي ‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫ما يبدو‪ .‬فإن شئت الدعاء على‬ ‫دا م ّ‬
‫المر إذن أكثر تعقي ً‬
‫ذبك و أبكاك و طّلع روحك‪ " ..‬وطّلع عينك "‬ ‫الرجل الذي ع ّ‬
‫كما يقول المصرّيون‪ .‬عليك أن تكوني مسّلحة باسم أ ّ‬
‫مه‬
‫م المصاعب " كيف‬ ‫م المعارك " و " أ ّ‬ ‫و هذه لعمري " أ ّ‬
‫مه إن لم تكن حماتك أو مشروع‬ ‫تطلبين من رجل اسم أ ّ‬
‫حماة!‬
‫ل واحدة و غباء الرجل الذي عليها أن تفتك‬ ‫ل واحدة و شطارتها‪ ..‬و ك ّ‬ ‫هنا ك ّ‬
‫منه هذا السم قبل أن يفتك بها‪ .‬و في هذا الموضوع بالذات ل أملك من‬
‫أجلكن أّية حيلة‪ ,‬فأنا لم آخذ الموضوع بعد مأخذ الجّد‪ .‬لكن لكوني روائية‪ ،‬قد‬
‫ن بعض السيناريوهات لهذه المهّمة‪.‬‬ ‫أعود يوًما وأقترح عليك ّ‬
‫ل ذكائك النثويّ يقاس بهذا المتحان‪.‬‬ ‫نك ّ‬ ‫إ ّ‬
‫مه‬
‫إحدى الصديقات تنصحكن بالمباشرة بسؤاله عن اسم أ ّ‬
‫ب جديد ‪,‬‬‫في أيام التعارف الولى‪ .‬فسعادته حينها بح ّ‬
‫تجعله جاهًزا في البدء للبوح بأيّ شيء ‪ .‬بما في ذلك‬
‫السرار العسكرّية التي أؤتمن عليها ويهدد الفشاء بها أمن‬
‫الدولة‪.‬‬
‫جلي السم فوًرا في‬ ‫نصيحة أخرى من الصديقة نفسها‪ .‬س ّ‬
‫سًبا ليوم ستعلنين عليه النسيان و تنسين من‬ ‫دفتر‪ .‬تح ّ‬
‫مه‪،‬‬‫جملة ما ستنسين في حملة " نفض الذاكرة " اسم أ ّ‬
‫في الوقت الذي تحتاجينه الكثر‪ ..‬لتدعي عليه!‬
‫ن رجاًل يقرؤون الن هذه الصفحات و يقولون‬ ‫أدري أ ّ‬
‫ن تلك المرأة التي‬ ‫" أرأيتم كم النساء شريرات ! أيعقل أ ّ‬
‫أحّبتنا بطيبة و حنان هي الن تتضّرع لله كي يهلكنا؟"‪.‬‬
‫أجيب‪ :‬بلى‪ ..‬نعم‪ ..‬أجل يا رجل‪.‬‬
‫‪158‬‬
‫م المر ل علقة‬ ‫إّنه الظلم الذي يخرج امرأة عن طورها‪ .‬ث ّ‬
‫ت رجاًل يدعون على حبيباتهن‬ ‫له بكوننا نساء فقد سمع ُ‬
‫ضا‪.‬‬‫لفرط اللم‪ .‬فبعض النساء ظالمات و جّبارات أي ً‬
‫القضية هنا تتعّلق بكوننا عاشقات‪.‬‬
‫ل بد ّ للمر أن يطمئن الرجال‪ .‬فأن تدعو عليك امرأة يعني‬
‫أّنها ما زالت تحّبك‪ .‬و أن تدعو مّرة لك و مّرة عليك يعني‬
‫ضا تخاف أن‬ ‫م إّنها أي ً‬
‫ما في عودتك‪ .‬ث ّ‬ ‫أّنها لم تفقد المل تما ً‬
‫ن و تكون أّول من يموت‬ ‫يستجيب الله حّقا لدعائها فتج ّ‬
‫حزًنا عليك!‬
‫لذا من نعم الله علينا أّنه ل يستجيب لدعاء المحّبين لّنهم‬
‫أصًل في حيرة من أمرهم ل يدرون ماذا يريدون منه‬
‫جا عن‬ ‫شاق نموذ ً‬ ‫بالتحديد‪ .‬و لنا في جميل بثينة إمام الع ّ‬
‫تذبذب رأيّ المحّبين و تناقض مطالبهم و دعواتهم وصًل‬
‫و هجًرا‪.‬‬
‫ي على حبيبته لفرط هيامه بها‪.‬‬ ‫سم َ‬‫فجميل بثينة الذي ُ‬
‫و القائل‪:‬‬
‫دعاء الحبيب كنت أنت‬ ‫درت رجلي و كان شفاؤها‬ ‫إذا خ ّ‬
‫دعائيا‬
‫حدث أن فقد من لوعة الهجر صوابه‪ ،‬و راح يدعو على‬
‫مم على الرجال منذ‬ ‫بثينة بالعمى‪ .‬و هو دعاء يبدو كأّنه مع ّ‬
‫الزل و إلى اليوم‪ .‬فقد سمعت قبل عشرين سنة أحدهم‬
‫يدعو في الجزائر على قريبة لي رفضت الزواج منه قائًل "‬
‫الله يعميك و ل تجدي من يقودك !"‬

‫‪159‬‬
‫ما جميل بثينة الذي لقي حبيبته بعد تهاجر كان بينهما‬‫أ ّ‬
‫دته فتعاتبا ساعة‪ .‬فقالت له‪ :‬ويحك يا جميل تزعم‬ ‫طالت م ّ‬
‫أّنك تهواني و أنت الذي تقول‪:‬‬
‫و في الغّر من أنيابها‬ ‫ي بثينة بالقذى‬
‫رمى الله في عين ّ‬
‫بالقوادح!‬
‫فأطرق طويًل يبكي ث ّ‬
‫م قال بل أنا القائل‪:‬‬
‫ي‬
‫بثينة ل يخفى عل ّ‬ ‫أل ليتني أعمى أصم تقودنـــي‬
‫كلمـــها‬
‫فقالت‪ :‬و ما حملك على هذه المنى ؟ أوليس في سعة‬
‫العافية ما كفانا ؟‬
‫فكيف تريدون أن يستجيب الله لدعاء عاشق يدعو على‬
‫م يندم على هول دعائه عليها فيعود باكًيا‬ ‫الحبيبة بالعمى‪ ،‬ث ّ‬
‫ضا عنها و أن تكون هي‬ ‫و يدعو على نفسه أن يعمى عو ً‬
‫من تقوده !‬
‫ن الله استجاب في المّرتين لدعائه‪ .‬أما‬ ‫ورن لحظة لو أ ّ‬ ‫تص ّ‬
‫كان الثنين قد عميا‪.‬‬
‫ل هذا الكلم لن يثني بعض القارئات عن‬ ‫نك ّ‬ ‫أدري أ ّ‬
‫ن ل شيء‬ ‫الدعاء على الحبيب أو على الزوج الغادر‪ .‬و أ ّ‬
‫يطفئ حرقتهن غير البكاء بين يديّ الله‪ .‬شاكيات ظلم من‬
‫و من أخلصن له فغدر بهن‪.‬‬ ‫أحببن‬
‫لولئك أقول أبشرن " فمن ظلم العباد كان الله خصمه "‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫ي ‪ ,‬و الجور و الذى كبيرين ‪,‬‬ ‫و عندما يكون الظلم حقيق ّ‬
‫ن و هو خير‬ ‫من مكر بك ّ‬ ‫فل بد ّ لله سبحانه أن يثأر لك ُ ّ‬
‫نم ّ‬
‫الماكرين‪.‬‬
‫دم‬‫للقارئات الموجوعات‪ ،‬الطالبات للسلوان و النسيان أق ّ‬
‫ن من الصديقات و بعضها من‬ ‫هذه الدعية التي جمعتها لك ُ ّ‬
‫صة‪.‬‬
‫دعواتي الخا ّ‬
‫مه‪.‬‬
‫ن بالحصول على اسم أ ّ‬ ‫و الن يا شاطرات‪ ،‬إن فزت ّ‬
‫ن اختيار التوقيت المناسب لرفعها إلى السماء‪ .‬فإن‬ ‫عليك ّ‬
‫ن‬
‫فاتكن شهر رمضان و العشر الواخر و ليلة القدر‪ .‬عليك ّ‬
‫بصلة الفجر‪ .‬فل دعاء يرد ّ لواقف بين يديّ الله في هذه‬
‫الساعة‪ .‬صلين ركعتين ثم ابكين بحرقة المغدور بها‪.‬‬
‫و ادعين بما شئتن من الدعوات المقترحة أدناه‪:‬‬
‫دعاء المؤمنة‪:‬‬
‫الّلهم اجعله نسًيا منسّيا‪ .‬الّلهم امسحه من قلبي كما‬
‫مسحت الحزن من قلب محمد‪.‬‬

‫دعاء المظلومة‪:‬‬
‫ل لحظة صدق كنت فيها معه‬ ‫ب يا منتقم على ك ّ‬
‫انتقم يا ر ّ‬
‫صادقة وفّية فجازاني عليها غدًرا و مكًرا‪ .‬لتعد إن شاء الله‬
‫ما‪.‬‬
‫ما عظي ً‬
‫عليه أل ً‬
‫دعاء التقّية‪:‬‬

‫‪161‬‬
‫الّلهم أنت خصمه أوكلتك أمره فأشهدني فيه على جبروتك‬
‫فقد كان يا رّبي جّباًرا‪.‬‬
‫دعاء الولّية‪:‬‬
‫إن أوصلك أحدهم بأذاه حد ّ المرارة‪ ،‬و اتهمك بما ليس‬
‫ت عليه‬ ‫فيك‪ ،‬و شّهر بك‪ .‬ليكن دعاءك "الّلهم إّني تص ّ‬
‫دق ُ‬
‫بعرضي أنت الدرى بي فكن وكيلي عليه"‪.‬‬
‫دعاء الشريرة ) سمعت هذا الدعاء قبل عشر سنوات‬
‫من صديقة لبنانّية تدعو به على رجل أحّبته (‪:‬‬
‫"الله يبعتلو شلل و طولة عمر"‪.‬‬
‫ي‬‫دعاء المخدوعة )دعاء سمعته في المغرب العرب ّ‬
‫ي للرجل(‪:‬‬
‫لبطال الداء الجنس ّ‬
‫" يا رّبي اجعلو حيط و النساء خيط‪ ..‬و حشمو مع ك ّ‬
‫ل‬
‫مرا"‪.‬‬
‫و هو أفظع دعاء و أمكره‪ .‬فكيف لخيط أن يخترق حائط!‬
‫ل امرأة حد ّ‬‫و مطلب هذا الدعاء أن "يتبهدل" الرجل مع ك ّ‬
‫استحيائه من نفسه!‬

‫م الدعوات‪:‬‬
‫أ ّ‬
‫ستسألنني " و ما هو دعاؤك أنت؟ "‬
‫دعائي يا عزيزاتي ظاهره خير و باطنه شّر‪:‬‬

‫‪162‬‬
‫ل ما أعطاني أضعافه "‪ .‬و هو دعائي‬ ‫" الّلهم أعطه من ك ّ‬
‫ل من ظلمني‪.‬‬ ‫على ك ّ‬
‫ل أعرف دعاًء أكثر إنصاًفا و أكثر مكًرا في آن‪ .‬لّنك‬
‫سا إلى إحسانه ‪ ,‬و‬‫ما كم كان أذاه كبيًرا قيا ً‬ ‫تعرفين تما ً‬
‫ة بخيره‪.‬‬ ‫غدره مجحًفا مقارن ً‬
‫ن الن أن تخلدن إلى النوم مطمئنات‪ .‬أفضل للمرء‬ ‫بإمكانك ّ‬
‫ما‪.‬‬
‫ما على أن ينام ظال ً‬ ‫أن ينام مظلو ً‬

‫ي!‬
‫تذّكري ليلة الجد ّ‬

‫ل اللم‬
‫بل مكانه بعد أن يزول‬
‫مكانه الذي له‬
‫يبقى موجًعا‬
‫لشّدة ما يزول‬
‫جار‬
‫بسام ح ّ‬
‫‪163‬‬
‫ثّمة حكمة بدوّية يحلو لّمي أن ترويها‪.‬‬
‫ي‪ .‬ذهبت‬ ‫ن امرأة من إحدى قبائل البدو المقيمين في الجنوب الجزائر ّ‬ ‫‪ +‬يقال أ ّ‬
‫مّرة تزور ابنتها التي تزّوجت و انتقلت للعيش في كنف قبيلة أخرى‪.‬‬
‫ففرحت البنت بمجيء أّمها أّية سعادة‪ .‬و ذبحت جدًيا احتفاًء بها‪ .‬حين عاد‬
‫ي ينقص‬ ‫زوجها في المساء ذهب قبل أن يدخل الخيمة يتفّقد أغنامه‪ .‬فإذا بجد ّ‬
‫من الحساب‪ .‬فدخل على زوجته فوجدها تعّد العشاء‪ .‬فراح يضربها ضرًبا‬
‫ي‪.‬‬
‫مبّرحا لّنها ذبحت الجد ّ‬
‫و قبل الفجر‬ ‫من قهرها‪ ،‬تظاهرت الّم بالنوم و لم تتناول العشاء‪.‬‬
‫شّدت الرحال إلى قبيلتها‪ .‬بعد فترة جاءها مرسول بين القبائل يخبرها بوفاة‬
‫زوج ابنتها‪.‬‬
‫ضا تجذب شعرها و تلقي التربة على نفسها‬ ‫فذهبت لزيارتها فوجدتها أر ً‬
‫طاها بعده "‪.‬‬
‫سى على زوج " تمّنت لو التراب غ ّ‬ ‫حداًدا و أ ً‬
‫فقالت لها الم و هي تراها في تلك الحالة " ابكي‪ ..‬ابكي‪ ..‬و زّيني ْبكاك‪..‬‬
‫ي " ‪ .‬فتذّكرت المرأة حينها كم بكت على يد زوجها في‬ ‫و اذكري ليلة الجد ّ‬
‫ي يوم أبرحها ضرًبا عن ظلم‪ .‬فتوّقفت عن البكاء و قامت و نفضت‬ ‫ليلة الجد ّ‬
‫و سرى هذا القول حكمة بين النساء منذ ذلك الحين‪.‬‬ ‫عنها التراب‪.‬‬
‫" ليلة الجد ّ‬
‫ي‬ ‫ل و تلطمي و تشّقي ثيابك‪ .‬تذّكري‬ ‫قبل أن تبكي رج ً‬
‫"‪ .‬و تلك الكدمات التي اخترقت زرقتها قلبك‪ .‬ذلك التجريح‪ ...‬و تلك‬
‫و يخفيها‪ .‬و ها هي اليوم الذاكرة‬ ‫ب يغفرها‬‫الهانات‪ .‬التي كان الح ّ‬
‫ب الحصانة‪.‬‬ ‫تعّريها‪ .‬بعد أن رفع عنها الح ّ‬
‫ب رجل كمجنونة و تصفه لي على مدى‬ ‫صديقة صحافّية‪ ،‬ظّلت تهذي بح ّ‬
‫ي لولدة بنت المستكفي‪.‬‬ ‫ثلث سنوات كما لو كان ابن زيدون في حّبه الخراف ّ‬
‫‪164‬‬
‫كان الروع كان الصدق كان ملًكا على الرجال‪ .‬لكّنه كان في لحظات‬
‫غضبه يقول لها أشياء موجعة اعترفت بها لي الن فقط بعد مضي سنوات‪.‬‬
‫لن بإمكانها الن أن تحكي عنها‪ .‬قال لها مّرة " أنت كذبة كبرى‪ ..‬أتعتقدين‬
‫أّنك صحافّية كبيرة‪ ..‬ثّمة مليون امرأة أهّم منك و أجمل منك‪ " ...‬فلنة "‬
‫ل أشرف منك مليون مرة‪ .‬تتمّنى لو فقط سّلمت عليها و ل أفعل‪."..‬‬ ‫مث ً‬
‫مضت سنوات و ما استطاعت صديقتي أن تنسى أن يعايرها الرجل الذي‬
‫ل‪.‬‬
‫ل منها شأًنا ونب ً‬
‫أحّبته بامرأة أق ّ‬
‫" فلنة " هذه كانت صحافّية جاهزة لتبيع نفسها مقابل أن تحضر مؤتمًرا‬
‫ل مكان عساها تحّقق شهرة ما‪.‬‬ ‫ل ما يعنيها أن تتواجد في ك ّ‬ ‫في الخارج‪ .‬ك ّ‬
‫سسات العلمّية‪،‬‬ ‫ق باب مدراء المؤ ّ‬ ‫بينما كانت صديقتي تأبى أن تد ّ‬
‫ي مكسب مهما غل‪.‬‬ ‫وترفض أن تستباح كرامتها مقابل أ ّ‬
‫لذا ظّلت لفترة دون عمل كي ل تعطيه سبًبا للغيرة‪ .‬ما كان لها من شغل إ ّ‬
‫ل‬
‫ن و يتزّوجها‪ .‬لكّنه لم‬‫ل شيء من أجله عساه يطمئ ّ‬ ‫تدليل الرجل الذي تركت ك ّ‬
‫ن برغم ذلك و ل كان معنّيا بالفرص التي أضاعها عليها‪ .‬و في ليلة من‬ ‫يطمئ ّ‬
‫ي " راح يضربها بما أوتي من ذكورة بعد أن خّيل له أّنه‬ ‫" الجد ّ‬ ‫ليالي‬
‫رآها تبتسم أثناء العشاء للنادل!‬
‫أسالها مدهوشة " كيف بقيت مع رجل كهذا ؟"‬
‫ترّد " كانت له خصال جميلة خصال نادرة تنسيني عيوبه‪ .‬كان حنوًنا و وفّيا‬
‫و شريًفا و كريم النفس‪ .‬لكّنه كان عدوانّيا في غيرته‪ ،‬كثير الشكوك عنيًفا في‬
‫لفظه‪ ،‬نوبات غضبه ل منطق لها و ل تطاق‪ .‬حتى عندما أتذّكرها الن أبكي‬
‫كما لو أّني أعيشها من جديد"‪.‬‬
‫ل‪ ..‬بعد الذكريات الجميلة‪.‬‬
‫خرا‪ .‬إّنه يعيش طوي ً‬ ‫ن اللم يستيقظ متأ ّ‬‫ذلك أ ّ‬
‫اللم هو ظلم الخر لك‪ .‬و تجّنيه عليك‪ .‬هو قسمك الذي ل يصّدقه‪ .‬و صدقك‬
‫الذي يشّكك فيه‪ .‬و دموعك التي يسترخصها‪.‬‬
‫‪165‬‬
‫ثّم ذات يوم تقولين "كفى"!!‬
‫و تمضين‪.‬‬ ‫ل يمكن لظلم كهذا أن يكون حّبا‪ .‬ستصفقين الباب خلفك‬
‫لتتركينه لمليين النساء اللئي كان يراهن " الهم " و " الشرف " و "‬
‫و " ال‪ ."...‬هو لهن الن‪ .‬ما عاد‬ ‫الجمل " و " الصدق "‪...‬‬
‫المر يعنيك‪.‬‬
‫حزمت صديقتي حقيبتها إلى نيويورك لتعمل في المم المتحدة‪ .‬لم تأخذ معها‬
‫ي!‬‫عا و ل ندم‪ .‬أخذت ذكرى ليلة الجد ّ‬‫دمو ً‬

‫كلم أقّل‪...‬‬

‫ينبغي للنسان الذي يريد أن يعيش أن يقول نصف الحقيقة و يخفي نصف‬
‫الشعور‪.‬‬
‫جان كوكتو‬

‫‪166‬‬
‫المشكل عبارة عن مجموع كلمات إذا دخلت حوزتها تصبح ألًفا‪.‬‬
‫إّنها فتيل يمكن إطفاؤه بالتسامح أو بكلمة اعتذار من الطرف المخطئ فتنازل‬
‫أحد الطرفين عن كبريائه أو عن حّقه ل يعّد خسارة بل هي التضحية الجميلة‬
‫ي التحدي‪.‬‬ ‫ب من فك ّ‬ ‫التي سيكبر بها في عين الحبيب و ينقذ بها الح ّ‬
‫لكن هذا " المشكل الفتيل "‪ ،‬قد يتحّول بالعناد إلى نار ل يمكن السيطرة عليها‬
‫ل واحد في قلبه ليوم‬ ‫حين تتغّذى من حطب الكلمات القاسية التي احتفظ بها ك ّ‬
‫كهذا‪.‬‬
‫ل خلف ل نواجه المشكل الجديد‬ ‫الخلفات العاطفّية تكبر لّننا عند ك ّ‬
‫الطارئ‪ .‬بل نعود في مواجهتنا مع الطرف الخر إلى استعراض قائمة‬
‫ل مناسبة‪ ،‬واحدة‪ ،‬واحدة‪،‬‬ ‫في ك ّ‬ ‫المشاكل و التي يستعرضها الرجل غالًبا‬
‫ضمن لئحة المآخذ و التهم التي جمعها على مدى العلقة من يوم لقائكما‪...‬‬
‫ل ما أسدى إليك من خدمات عاطفّية يوم انتشلك‬ ‫و إلى يوم القيامة‪ .‬مرفوقة بك ّ‬
‫من حزن سابق و غفر لك أخطاء اقترفت معظمها حّبا فيه‪.‬‬
‫يفعل ذلك على طريقة فيديل كاسترو الذي كانت بعض خطبه تدوم سبع‬
‫ل ما حّقق له‬‫ل مّرة على تذكير الشعب الكوبي بك ّ‬ ‫ساعات بسبب إصراره ك ّ‬
‫ن عليه من رفاهّية خلل نصف قرن من الحكم‪ .‬و كان‬ ‫من إنجازات و م ّ‬
‫الوقت يمتّد إلى حّد يكفي معه لمستمعيه المساكين أن يمرض منهم من كان‬
‫ضا‪.‬‬
‫و يموت من كان مري ً‬ ‫معاًفى‬
‫و تحبل نساء و تنجب من يفاجئها المخاض أثناء الخطاب المفّدى و حدث‬
‫للرفيق الله أن كان هو من سقط فاقًدا الوعي لفرط كلمه‪.‬‬
‫شاق‪.‬‬‫فل تدعن الكلمات تغتال الع ّ‬
‫و قد كان يكفي كلمة واحدة لنقاذ العشق !‬

‫‪167‬‬
‫نصيحة‪:‬‬

‫ن الكلمات كالرصاصة ل تسترد‪ .‬و قد يفرغ فيك‬ ‫من الرجال من ل يعلم أ ّ‬


‫في لحظة غضب ذخيرته من الكلم الذي يفاجئك بأذاه‪ .‬فما توّقعت ذلك‬
‫الحبيب قادًرا على حمل ذلك الكّم من الشر في نفسه‪.‬‬
‫حا " من غضب‬ ‫ن الغضب يفضح طينة الرجال‪ .‬و قد قال أحد الحكماء ناص ً‬ ‫إّ‬
‫منك ثلث مرات و لم يقل فيك شًرا اختره صاحًبا "‪.‬‬
‫ل فأغضبه‪ ،‬فإن‬ ‫ي إذا أردت أن تصاحب رج ً‬ ‫و قال الحنف بن عيسى " يا بن ّ‬
‫ل فاحذره "‪.‬‬ ‫أنصفك من نفسه فل تدع صحبته‪ ،‬و إ ّ‬
‫ل سريع الغضب‪ .‬يصعب عليه السيطرة على انفعالته أّيا كانت‬ ‫احذري رج ً‬
‫خصاله‪ ،‬و ربما كانت خصاله ل تعّد و كان له قلًبا طّيبا‪ .‬و كان حبيًبا نادًرا‪.‬‬
‫لكن نوبة غضب واحدة يلقي فيها عليك بحممه و بالجمر المتطاير من فمه‪.‬‬
‫سيحّول قلبك إلى مدينة مدّمرة ) كشرنوبيل ( يصعب عودة الحياة النقّية إلى‬
‫رئتيها‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫خراب ما كان جمي ً‬
‫ل‬

‫" و كما خّربت حياتك هنا في هذه الزاوية الصغيرة ‪-‬‬


‫فهي خراب أّنى ذهبت "‬
‫كافافي‬

‫ي بمناسبة مروره ببيروت‪ .‬على غير عادتي قبلت‬ ‫دعاني إلى فنجان شا ّ‬
‫الدعوة‪ .‬قلت عساه يحتاجني رسولة لصديقتي التي انقطع عنها منذ أشهر‪.‬‬
‫قال و قد أشعل سيجارته الثالثة ‪:‬‬
‫ب!‬‫ب ‪ -‬ثّم كّرر بصوت أعلى‪ -‬سأح ّ‬ ‫‪-‬لقد شفيت منها و سأح ّ‬
‫ب ل يحتاج‬‫ل في نّيته أن يح ّ‬
‫ن رج ً‬
‫ن حّبا تسبقه نواياه ليس حّبا‪ .‬و أ ّ‬ ‫لم أقل له أ ّ‬
‫ل‪ .‬و ل أن يوصل الخبر لمن شفي منها‪.‬‬ ‫إلى إعلن ذلك بصوت عا ٍ‬
‫كانت ملمحه أكثر قسوة و تعًبا من أن تتوافق مع ما يتّلفظ به‪ .‬كانت من‬
‫شى فيها‪ .‬و كان حّبهما كمرض خبيث‬ ‫شت فيه كما تف ّ‬ ‫يّدعي الشفاء منها قد تف ّ‬
‫ل شيء‪.‬‬ ‫في مراحله الخيرة قد شّوه ك ّ‬
‫ك يجلس أمامي‪ .‬ليس لظنونه من منطق‪ .‬لكّنه يصّر عليها‪.‬‬ ‫رجل دّمره الش ّ‬
‫ل توازنه و يطيح‬‫فهو يحتاج أن يكون الضحية ليشفى‪ .‬إقناعه بالعكس يخ ّ‬
‫بالملف الذي بنى عليه دفاعه و يجتّره دون كلل‪.‬‬
‫ب كبير‪ .‬رجل عهدته راقًيا و شهما يطلق‬ ‫طلبني ليشهدني على خراب ح ّ‬
‫ب‪ .‬يعرض اطلعي على‬ ‫ق على من أح ّ‬ ‫الن رصاصه الطائش كيفما اتف ّ‬
‫رسائلها الهاتفية إليه‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫أقول ‪:‬‬
‫‪ -‬هذه امرأة تمّنت أن تسبقك إلى الموت حتى ل تغادر قبلها‪ .‬فكيف تغادرها‬
‫حّيا و تتخّلى عنها‬
‫يرّد ‪:‬‬
‫‪ -‬أنت مخدوعة بها مثلي‪.‬‬
‫ن أسعد أّيامه يوم يسمع أّنها‬‫ل أمل‪ .‬هو الذي كان يغار عليها من ثيابها قال‪ ،‬أ ّ‬
‫سعيدة مع رجل آخر !‬
‫نكتة ما استطعت أن أضحك لها‪ .‬كانت خارجة من عمق اللم و القهر‪.‬‬
‫كم يكون قد تعّذب ليقول كلًما كهذا‪ .‬و كم تعّذبت صديقتي التي أعطت و ما‬
‫استبقت لنفسها شيًئا‪ .‬لّنها ما توّقعت أن يجيء يوم كهذا !‬
‫كم انتظرته و قالت كّلما أغريتها بإنهاء عذابها‪ ،‬و فتح قلبها لغيره " ل بعده‬
‫ل التراب !"‬ ‫إّ‬
‫هو ل يصّدق شيًئا مما أقوله عنها‪.‬‬
‫دافعت عن أسطورة حّبهما ما استطعت‪ .‬لكن اللم أعماه عن سماع صوت‬
‫غير صوت وسواسه و غيرته‪.‬‬
‫فّكرت أّنه برغم ذلك لم يلمس عمق القهر بعد‪ ،‬سيبلغه بعد سنوات‪ ،‬عندما‬
‫ب أخرى‪ ،‬و أحّبت هي سواه‪ .‬و‬ ‫ب بينهما قد مات و يكون قد أح ّ‬ ‫يكون الح ّ‬
‫يلتقيان مصادفة في مساء الحياة‪ .‬و قد انطفأت بينهما الحرائق‪.‬‬
‫يومها فقط‪ ،‬و هي تروي له تفاصيل حدادها عليه و وفائها له سيصّدقها‪ ،‬و‬
‫يخترقه الخنجر الصدئ للندم‪ ..‬كيف تركها من يأسها فيه تمضي لسواه ؟!‬
‫حين افترقنا كان خرابه قد انتقل إلى قلبي‪ .‬خفت على الحب مما رأيت‪ .‬خفت‬
‫ل عشاق العالم‪.‬‬ ‫ل‪ .‬و حزنت مسبًقا من أجل ك ّ‬ ‫ب حاضًرا و مستقب ً‬ ‫لح ّ‬ ‫على ك ّ‬
‫حا كذاك ينتهي هكذا فعلى الدنيا السلم‪ .‬أّية جدوى مّما نكتبه‬ ‫‪+‬إن كان صر ً‬
‫ب إذن ؟‬ ‫عن الح ّ‬
‫‪170‬‬
‫ن حّبهما أقوى حتى من الموت‪ .‬لكن حّبا أقوى من الموت ل‬ ‫كانا يعتقدان أ ّ‬
‫ك التي تنخر بوسواسها‬
‫يقوى على أصغر حشرة‪ .‬تلك السوسة اللمرئّية للش ّ‬
‫ضا برغم‬
‫ب من الداخل ستجعلها تهوي ذات يوم بطولها الفارع أر ً‬ ‫شجرة الح ّ‬
‫أوراقها الخضراء‪.‬‬
‫طى واسعة كرجل مسرع نحو قدر ما‪.‬‬ ‫افترقنا‪ ، .‬رأيته يبتعد بخ ً‬
‫***‬

‫الرجل المنتعل نسيانه‬


‫نسي أن يربط حبل حذائه‬
‫حتًما‬
‫سيتعّثر بالذكريات‬

‫‪171‬‬
‫تجّملي بذاكرة البدايات‬

‫ن خرائبها الن تكفيني"‬


‫"بنيت قصوًرا فاتنة إلى حّد أ ّ‬

‫ي أن أنقل رسالة النهاية إلى صديقتي‪.‬‬‫كان عل ّ‬


‫ن الرجل الذي أوقفت حياتها عليه أصبحت خارج حياته‪.‬‬ ‫كيف أقول لها أ ّ‬
‫لماذا لم يبلغها بقراره قبل أشهر ؟ حتما كان قصده هدر المزيد من وقتها‬
‫فبينما كان هو يتداوى منها‪ ..‬كانت هي في انتظاره تمرض به !‬
‫خفت عليها أن تنهار لسماع الخبر‪ .‬فقد كانت تثق في عودته‪ .‬ذلك الحريق‬
‫الجميل الذي اشتعل بينهما و أضاء العالم‪ .‬مهما حدث ستبقى منه شررات‬
‫نكّ‬
‫ل‬ ‫متناثرة في القلب جاهزة لضرام نار الحنين فيهما‪ .‬لكنه أراد إشعارها أ ّ‬
‫شيء بما في ذلك الذكرى الجميلة بينهما قد انطفأت ‪.‬‬

‫طم سيارة أختي‬


‫صة أخي ياسين يوم في حادث مريع ح ّ‬ ‫‪ +‬حضرتني ق ّ‬
‫الجديدة‪ .‬حين قادها أثناء زيارته للجزائر و خرج من الحادث حّيا بأعجوبة‪.‬‬
‫قال لها يومها و هو يعود إلى البيت تحسًبا لرد فعلها‪:‬‬
‫عندي لك خبران‪ .‬الّول خبر سعيد و الثاني خبر سيء‪ ..‬بماذا‬ ‫‪-‬‬

‫أبدأ ؟‬
‫أجابت صوفيا مندهشة ‪:‬‬
‫بالخبر السعيد‬
‫قال‪:‬‬

‫‪172‬‬
‫خا‪ ..‬لقد بعثت اليوم حّيا!‬
‫كسبت أ ً‬
‫سألته عجلى‪:‬‬
‫‪ -‬و الخبر السيء ؟‬
‫قال ‪:‬‬
‫طمت تماًما !‪.‬‬ ‫‪ -‬لقد خسرت سيارتك‪ ..‬لقد تح ّ‬
‫حين رأت صوفيا حال السيارة التي خرج منها ياسين حّيا‪ .‬نسيت خسارتها‬
‫المادية على فداحتها‪ ،‬و ظّلت لّيام كّلما رأت ياسين حمدت ال على بقائه‬
‫حّيا‪.‬‬
‫دخلت على صديقتي‪ .‬فوجدتها تنتظر بلهفة تقريري عن ذلك اللقاء‪ .‬قلت لها و‬
‫أنا أقاسمها قهوة‪.‬‬
‫‪ -‬عندي لك خبران‪ .‬خبر جميل و آخر سيء‪ .‬بماذا أبدأ ؟‬
‫قالت مذعورة‪:‬‬
‫‪ -‬بالخبر الجميل‪.‬‬
‫قلت‪:‬‬
‫‪ -‬أبشري لقد كسبت نفسك‪.‬‬
‫سألت عجلى‪:‬‬
‫‪ -‬و الخبر السيء؟‬
‫‪ -‬لقد خسرت ذلك الرجل‪.‬‬
‫أعادت فنجان القهوة إلى الطاولة و لمعت دمعة في عينيها‪.‬‬
‫قلت‪:‬‬
‫‪ -‬ل تحزني ما عاد من شيء يمكن إنقاذه‪ .‬هو نفسه ما عاد يشبه نفسه‪.‬‬
‫قالت‪:‬‬
‫‪173‬‬
‫‪-‬مثله ل يتغير‬
‫قلت ‪:‬‬
‫‪ -‬سوءالظن عندما يتمكن من أحد يغيره‬
‫قالت‪:‬‬
‫‪ -‬أأخبرته كم أخلصت له؟‬
‫قلت ‪:‬‬
‫‪ -‬ربما في أعماقه هو يدري ذلك‪ .‬لكن صوت تلك " السوسة " كان‬
‫أعلى من صوت قلبه‪ .‬لقد قال فيك كلًما موجًعا أراد حتًما أن أنقله لك‪،‬‬
‫ت قهًرا‪..‬‬
‫لو سمعته لم ّ‬
‫‪ -‬أريد أن أسمعه‬
‫‪ -‬ل داعي لمزيد من الالم‬
‫‪ -‬ل ترأفي بي أريد أن أعرف كيف يتحّدث عّني الرجل الذي أحببت حّد‬
‫الموت ويريد اليوم موتي‬
‫‪ -‬ليس هو الذي كان يتكّلم‪ .‬هذه لغة تلك الحشرة‪ .‬التي تنخر قلبه هو‬
‫ل‪.‬‬
‫رجل نبيل و شهم‪ .‬لو لم يكن كذلك لما كنت أحببته أص ً‬
‫ل بالخير‪ .‬لماذا يشّوه الرجال امرأة‬
‫‪ -‬لكّنني أفوقه نبل ما ذكرته يوًما إ ّ‬
‫عندما يغادرون ؟ لماذا يلوكون شرفها في المجالس ؟ أليس لهم أخوات ؟‬
‫أليس لهم بنات ؟‬
‫قلت و أنا أرى دموعها‪:‬‬

‫‪174‬‬
‫شع ما كان‬‫ل تبكي إن من يشّوه امرأة أحّبته ل يشّوه ال نفسه و يب ّ‬ ‫‪-‬‬

‫صا‬
‫جميل في ماضيه‪ ,‬و ذاكرته لن تغفر له ذلك‪ .‬هل تعرفين قصا ً‬
‫ل الخراب؟ ل‬ ‫أكبر من هذا أن يلتفت المرء إلى الخلف فل يرى إ ّ‬
‫ل في ذاكرتك‪ .‬ل تتذّكري منه‬ ‫تزايدي عليه بشاعة و دماًرا‪ ..‬أبقيه جمي ً‬
‫ب الخرافّية يوم رأيته‬
‫ل و استثنائّيا بينكما‪ .‬لحظة الح ّ‬
‫ل ما كان جمي ً‬
‫إّ‬
‫ق هاتفك و‬‫لّول مرة‪ .‬أّول رسالة هاتفية وصلتك منه‪ ..‬أّول مّرة د ّ‬
‫كان هو على الخط‪ ..‬أّول مرة قّبلك فخانتك رجلك‪ ..‬أّول مّرة‬
‫انتظرك عند بوابة مطار‪ ..‬أّول مرة جلس أمامك في مطعم‪ ..‬توّقفي‬
‫عند روعة البدايات و دعي له بشاعة النهايات‪ .‬ما دام هو الذي‬
‫و تغفري ظلمه لك‬ ‫اختارها‪ .‬صّدقيني عندما تترّفعين عن أذاه‬
‫ستصبحين أجمل‪ .‬و سيمكنك حينها أن تحّبي من جديد بسعادة أكبر‪.‬‬
‫ب يوًما سواه‪.‬‬
‫لكّنني ما كنت أريد أن أح ّ‬ ‫‪-‬‬

‫سا‬
‫ل أرسل لك معي كي ً‬
‫برغم ذلك لن تستطيعي بعد الن أن تحّبي رج ً‬ ‫‪-‬‬

‫من التهم و الهانات‪.‬‬


‫ل مفّر ربما كانت تحتاج أن تسمع أذاه لتشفى منه‪ .‬فتحت الكيس‪ .‬قلت لها‬
‫ل شيء دفعة واحدة‪ .‬وصفت لها شظايا الرصاص الذي تلقيته نيابة عنها‪.‬‬ ‫كّ‬
‫ل كلمة قالها‪ .‬عن عدد السجائر التي‬
‫ل التفاصيل‪ .‬عن ك ّ‬
‫ظّلت تسألني عن ك ّ‬
‫دخنها‪ .‬عن الثياب التي كان يرتديها‪ .‬عن لون شعره بعدها‪ .‬عن الساعة التي‬
‫وصل و غادر فيها‪.‬‬
‫ثّم‪ ..‬كما لو أّنها تناولت جرعات الدواء دفعة واحدة‪ .‬أصبحت خلل لحظة‬
‫امرأة أخرى‪ .‬ثّمة من يولد من طعنة‪ .‬و ثّمة من يموت في قلبنا إثرها‪.‬‬
‫ما رأيتها بعد ذلك تبكيه أو تأتي على ذكره‪ .‬لكّنها كانت تبدو لي أجمل في ك ّ‬
‫ل‬
‫مرة ألتقيها‪.‬‬
‫‪175‬‬
‫***‬

‫ل يولد البشر مّرة واحدة يوم تلدهم أّمهاتهم و حسب‪ ،‬فالحياة ترغمهم على‬
‫أن ينجبوا أنفسهم‪.‬‬
‫غبريال غارسيا ماركيز‬

‫من قصص النساء الغبيات‬

‫يعتقد الرجل أّنه بلغ غايته إذا استسلمت المرأة له‪ .‬بينما تعتقد المرأة أّنها ل‬
‫تبلغ غايتها إلّ إذا شعرت أن الرجل قد قّدر ما قدمته له‬
‫بلزاك‬

‫صة الولى‬
‫الق ّ‬

‫ل تتنهدن بعد الن أّيتها النساء‪ .‬ل تتنهدن أبًدا‪ .‬فالرجال خادعون أبًدا‬
‫شكسبير‬

‫ل سيجارة ل تشعلها‬
‫كانت تقيس حّبه لها بالسجائر التي ل يدخنها‪ .‬تقول " ك ّ‬
‫هي يوم تهديني إّياه ‪ .‬يضاف إلى عمر حّبنا‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫كم مّنت نفسها بإنقاذه من النيكوتين‪ .‬لكّنه يوم أقلع عن التدخين‪ ،‬أطفأ آخر‬
‫سيجارة في منفضة قلبها‪ .‬تركها رماد امرأة‪ .‬و أهدى أّيامه القادمة لمرأة‬
‫خن الرجال‪.‬‬‫تد ّ‬

‫‪177‬‬
‫صة الثانية‬
‫الق ّ‬

‫المرأة ناقة تساعد الرجل على اجتياز الصحراء‬

‫حيث سافرت‪ ،‬كانت تشتري له جاكيًتا و بدلت و ربطات عنق و قمصان‪.‬‬


‫و عندما فاضت خزانة قلبه‬ ‫حتى كّلما خلع شيًئا منها عاد فارتداها‪.‬‬
‫بحّبها‪ .‬خلعها و ارتدى امرأة سواها‪ .‬فقد أصبح أكثر أناقة من أن يرتدي "‬
‫ب "‪.‬‬
‫أسمال ح ّ‬

‫‪178‬‬
‫صة الثالثة‬
‫الق ّ‬

‫ن المرأة إذا تعّلقت بالرجل كانت أسبق منه إلى التصديق‪ ،‬وكان خداعه‬
‫إّ‬
‫إّياها أسهل من خداعها إّياه‪..‬‬
‫عباس محمود العقاد‬

‫كّلما نزل هاتف جديد إلى السواق‪ ،‬أهدته إّياه‪ .‬كي تطيل عمر صوته و كي‬
‫ي لكلماته‪.‬‬
‫يكون لها من أنفاسه نصيب‪ .‬أمنيتها كانت أن تصير الممّر الحتم ّ‬
‫أن تضمن لها مكاًنا في جيب سترته‪ .‬أن‬ ‫أن تقتسم مع الهاتف لمسته‪.‬‬
‫تكون في متناول قلبه و يده‪.‬‬
‫" مجال‬ ‫بعد الهاتف الثالث‪ ،‬طّلقها بالثلث‪ .‬ترك قلبها للعراء خارج‬
‫التغطية "‪.‬‬
‫" خارج‬ ‫حا‪ .‬أعلن نفسه‬
‫و دون أن يقول شيًئا‪ .‬دون أن يقّدم شرو ً‬
‫الخدمة "‪.‬‬
‫في الواقع‪ ،‬كان قد بدأ يعمل خادًما بدوام كامل لدى امرأة يقال أّنها تدعى "‬
‫الخيانة "‪.‬‬

‫صة الرابعة‬
‫الق ّ‬

‫‪179‬‬
‫" الجمال يوجد في عين الذي ينظر إليه "‬

‫أعوام و هي تقول له " كم أنت وسيم "‪ .‬كانت تراه بعيون القلب‪ .‬و عيون‬
‫و عيون المتنان للحياة‪ .‬و‬ ‫الماضي و عيون الغد‪ .‬و عيون النعمة‪.‬‬
‫عيون الغاني و عيون الشعار‪ .‬و عيون النساء و عيون الوفاء‪ ..‬و عيون‬
‫الغباء‪.‬‬
‫ل عيونها كانت مشغولة بتلميع تمثاله‪ .‬يوم أحّبته غدت كّلها عيون‪.‬‬ ‫كّ‬
‫" كم أنت‬ ‫ما تركت لنفسها من آذان لتسأل‪ :‬لماذا لم يقل لها يوًما‬
‫ضا‬
‫ل العيون من حولها كانت تقول لها ذلك كان حّبها فضفا ً‬ ‫جميلة " ! بينما ك ّ‬
‫ل عيب فيه‪ .‬و حّبه ضّيقا إلى حّد‪ ،‬لم تبق شعرة في‬ ‫طى ك ّ‬‫إلى حّد غ ّ‬
‫ل و رآها‪.‬‬
‫وجهها لم يطالها الملقط إ ّ‬

‫‪180‬‬
‫القصّة الخامسة‬

‫ب ليسعد بالحياة‬
‫ب ‪ . .‬والرجل يح ّ‬
‫المرأة تحيا لتسعد بالح ّ‬
‫جان جاك روسو‬

‫ما كانت قبله امرأة و ل كان قبلها حّيا‪.‬‬


‫يوم التقت به كان مولًيا ظهره للحياة‪.‬لم يغازل قبلها غير الموت ‪ ,‬يستعجل‬
‫الرحيل‪ .‬يقتل الوقت بإطلق النار على أيامه‪ ،‬كما في لعبة إلكترونّية‪.‬‬
‫أحّبت شاعرية كآبته‪ .‬نخوته‪ .‬براءة مشاعره‪ .‬إخلصه لذاكرته‪ .‬طفولته‬
‫المتأخرة‪ .‬راحت تنفخ فيه من حياتها ليحيا‪ ،‬كما لو كانت أّمه‪ .‬تقاسمت معه‬
‫أنفاسها حمته بخوفها‪ .‬حّببت له الجمال و الفصول و المطر و البحر و السفر‬
‫ل‪ .‬أهدته‬ ‫ب‪ .‬أن يكون رج ً‬ ‫و الشعر و البوح و الرقص‪ .‬حّببت له أن يح ّ‬
‫كنوز المل حتى ينسى طريقه إلى ضّرتها‪ ...‬المقبرة‪.‬‬
‫ل أناقته‪ .‬سعيدا كما لم يكن يوما إرتدى البدلة التي‬ ‫ذات يوم جاءها في ك ّ‬
‫اشتراها معها‪ .‬دعاها إلى نزهة بمناسبة تخّرجه من مدرسة البهجة‪.‬‬
‫ن كانا يرقصان عليها مًعا‪ .‬لحقت به فرحى‪ .‬لكّنه‬ ‫‪ +‬في السيارة وضع أغا ٍ‬
‫أوقف السيارة فجأة و طلب منها أن تنزل‪.‬‬
‫‪ +‬تركها عند باب المقبرة ترتجف غير مصدقة ‪ .‬و مضى يعقد قرانه على…‬
‫الحياة‪.‬‬

‫‪181‬‬
‫القصّة السادسة‬

‫ل‪ .‬يحّبها و يحميها‪ .‬يهديها اسمه و‬


‫لم تطلب من ال سوى أن يبعث لها رج ً‬
‫طت‬ ‫تهديه ذرّية صالحة‪ .‬و عندما دخل حياتها أمير لم تصّدق سخاء القدر‪ .‬ح ّ‬
‫طائرته في قلبها و نزل منها تسبقه سلل الورود و الهدايا و وشوشات هاتفّية‬
‫" ستكونين لي "‪.‬‬ ‫تقول‬
‫أيام من الدوار العشقي‪ ...‬ثّم فتحت عينيها يوًما على أزيز طائرته‪ .‬طار الحلم‬
‫نحو امرأة أخرى و معه حلمها بثوب أبيض ‪.‬‬
‫‪ +‬ما زالت منذ أعوام في المطار تراقب حالة الهبوط و القلع‪ .‬هي ل تتوّقع‬
‫ب يأتي من السماء في طائرة‬ ‫عودته‪ .‬لكن ما عاد بإمكانها أن ترضى بغير ح ّ‬
‫صة‪ ..‬ما استطاعت أن تنسى أّنها كانت يوًما أميرة‪ ..‬لكّنها نسيت لعوام‬
‫خا ّ‬
‫أن تعيش كامرأة‪.‬‬

‫***‬

‫معظم المراء كالطفال مفرطون في الدلل لكنهم سريعوا النسيان ‪.‬‬


‫جان لورون دالميير‬

‫‪182‬‬
‫صة السابعة‬
‫الق ّ‬

‫أحّبها‪ .‬دّللها‪ .‬عشقها‪ ..‬خاف عليها‪ .‬حماها‪ .‬بكاها‪ .‬أبكاها‪ .‬ما غار عليها من‬
‫الخرين‪ ،‬غار عليها من الفشل‪ .‬أرادها كبيرة كما لو أّنه أنجبها‪ .‬أرادها‬
‫ل من القّمة‪ .‬صقلها كي تلمع‬ ‫ل مادة‪ .‬قسا عليها كي ل تقبل بأق ّ‬
‫الولى في ك ّ‬
‫كالماسة حيثما ُوجدت‪ .‬وضعها أعلى السلم ثم سحب من تحتها السلم حتى ل‬
‫تنزل درجة عن أحلمه‪.‬‬
‫عبر حياتها كنهر‪ ،‬و مضى إلى مصّبه صوب البحر دون أن يلتفت إلى الخير‬
‫الذي تركه على ضفافها‪...‬‬

‫ي‪ .‬ما استطاعت‬ ‫تلك البّوة العاشقة حين تنسحب تترك خلفها مذاق ُيتم أبد ّ‬
‫نسيانها‪.‬‬
‫‪.‬لتشفى منه راحت تقّلده‪ ..‬أصبحت أّم من أحّبت بعده‪ .‬أحّبته دّللته‪ .‬عشقته‪.‬‬
‫خافت عليه‪ .‬حمته‪ .‬بكته‪ .‬أبكته‪ .‬ما غارت عليه من الخريات‪ ،‬غارت عليه‬
‫من الفشل‪ .‬أرادته كبيًرا كما لو أّنها أنجبته‪ .‬و خذلها ذلك الرجل‪...‬‬
‫ب ُينتقم لنفسه [‪.‬‬‫] الح ّ‬

‫‪183‬‬
‫تانغو النسيان‬
‫كان ذلك غًدا لّني ما زلت أحّبك‬
‫كان ذلك البارحة لّنك نسيتنـــي‬

‫غادة السمان‬

‫‪184‬‬
‫ب جديد‬
‫الحذاء الموجع‪ ..‬لح ّ‬

‫شرات على ما‬


‫ن الحذية هي أفضل المؤ ّ‬
‫نحن نرتدي قلوبنا على أقدامنا‪ ..‬إ ّ‬
‫يمّر به الناس من حالت شعورية‪ .‬الحذية مزّينة بالثقوب و أحياًنا بالندوب‬
‫)متخ ّ‬
‫صصة في تاريخ الحذية‬ ‫)جون سوان‬

‫ظف طاولة الح ّ‬


‫ب‬ ‫ب يؤسس نفسه على ذاكرة جديدة‪ .‬يحتاج إلى نادل ين ّ‬ ‫الح ّ‬
‫ينفض عنها الغطاء قبل أن يجلسك عليها‪.‬‬
‫ب جديد سيفترسنا لحًقا‪ .‬لكّننا نريده‬ ‫نهرب من الذكريات المفترسة‪ .‬إلى ح ّ‬
‫ب في‬ ‫ب سابق‪ .‬نحن تماًما كمن يهرب من حريق يش ّ‬ ‫برغم ذلك‪ ،‬هرًبا من ح ّ‬
‫ل يموت محترًقا‪.‬‬ ‫شم‪ .‬المهم أ ّ‬‫بيته‪ ،‬بإلقاء نفسه من أعلى طابق‪ .‬ل يهمه أن يته ّ‬
‫ضا و‬ ‫أن ينجو بجلده من ألسنة النار‪ .‬و ل يتنّبه لحظتها إلى ما ينتظره أر ً‬
‫هو يلقي بنفسه إلى المجهول‪.‬‬
‫ل تجد حّبا على مقاسك‪.‬‬ ‫ب جديد لتنسى حّبا كبيًرا‪ .‬توّقع أ ّ‬
‫عندما تلجأ إلى ح ّ‬
‫جا كحذاء جديد‪ .‬تريده لّنه أنيق و ربما ثمين‪ .‬لّنه‬ ‫سيكون موجًعا مزع ً‬
‫يتماشى مع بدلتك لكّنه ل يتماشى مع قلبك‪ .‬و لن تعرف كيف تمشي به‪.‬‬
‫ل بإمكانك انتعاله‪.‬‬ ‫ستقنع نفسك لمدة قصيرة أو طويلة وأّنك إن جاهدت قلي ً‬
‫ن "صانع الحذاء يريدنا أن نتألم كي نتذّكره"‪ .‬ستّدعي أن الجرح الذي‬ ‫لك ّ‬
‫ل هذا‬ ‫يتركه على قدمك هو جرح سطحي يمكن معالجته بضمادة لصقة‪ .‬ك ّ‬
‫صحيح‪ .‬لكنك غالًبا ما ل تستطيع أن تمشي بهذا الحذاء مسافات طويلة‪ .‬قدمك‬

‫‪185‬‬
‫ل تريده‪ .‬لقد أخذ على حذاء قديم مهترئ‪ ..‬مشى به سنوات‪ .‬و لهذا قال‬
‫القدماء " قديمك نديمك " وأنت في كل خطوة تتقدمها ل تملك ال أن تعود‬
‫بقلبك الى الوراء ‪.‬‬
‫قد تقول لك صديقات و أنت تسيرين مع رجل وسيم أو ثري أو مهّم " كم‬
‫أنت محظوظة بهذا الرجل! " وحده قلبك الذي تنتعلينه و يمشي بصعوبة إلى‬
‫جوارك‪ ..‬يطالبك بالعودة إلى البيت و إخراج ذلك الحذاء القديم من صندوق‬
‫الماضي‪.‬‬
‫ب جديد‪ .‬و القبول بالحديث إلى رجل‬ ‫حين حاولت إقناع كاميليا بفتح قلبها لح ّ‬
‫آخر و لو على الهاتف‪ .‬رفضت الفكرة تماًما‪ .‬قالت " إن خانه هاتفي سيخونه‬
‫ن حّبا كبيًرا و هو يموت أجمل من‬ ‫غًدا قلبي و بعدها جسدي‪ .‬ألست من قلت إ ّ‬
‫ب صغير يولد ؟"‬ ‫ح ّ‬
‫أسقط بيدي‪ .‬قلت " بلى "‪ .‬قالت " ما أريده منك هو أن تساعديني على البقاء‬
‫ب الكبير‪ .‬ل أريد أن أفّوت يوًما‪..‬‬
‫على قيد الحياة بينما داخلي يموت هذا الح ّ‬
‫أو لحظة من احتضاره العظيم‪ .‬للسد هيبة في موته ليست للكلب في حياته‪.‬‬
‫حتى و هو يموت لن أستبدل بجّثة هذا السد رفقة كلب سائبة ! "‬
‫مشكلتي مع صديقاتي أّنهن قارئاتي‪ .‬و حين يشهرن في وجهي كلماتي‬
‫يهزمنني‪ .‬ما عدت أعرف لكاميليا دواًء‪ .‬فهي تريد أن تنسى و ل تريد‪ .‬و‬
‫تريد أن تشفى و ل تريد‪ .‬و تريد حذاءها القديم و تدري أّنها في النهاية يوم‬
‫ي يمكنه إصلحه‪ .‬ستحتاج إلى حذاء‬ ‫تتأّكد من أّنه اهترى تماًما و ل اسكاف ّ‬
‫جديد كي ل تواصل الحياة حافية !‬
‫على اللئي يشقين في الحياة بسبب ألم حذاء جديد أو ذكرى حذاء قديم‪ ،‬أن‬
‫يحمدن ال كثيًرا على نعمة امتلكهن أقداًما‪ .‬أعني قلًبا مشين به في دروب‬
‫ب‪ .‬ثّمة من جاء و مضى من دون أن يبرح مكانه‪ .‬لم تمنحه الحياة‬ ‫الح ّ‬

‫‪186‬‬
‫ن عليهم ال حّتى بنعمة الشقاء والعذاب‬
‫و أولئك لم يم ّ‬ ‫قدمين‪ ..‬عاشقين ‪.‬‬
‫ب‪.‬‬
‫من الح ّ‬
‫***‬
‫بقيت أتذمر من عدم امتلكي حذاءً حتى رأيت‬
‫رجًل بل قدمين‬
‫كون‬
‫فوشيوس‬

‫ب الذي ما كنت تنتظرينه‬


‫طائر الح ّ‬

‫ل هنا‪ ..‬لكن جميل أن تأتي‬


‫لن أبقى طوي ً‬
‫‪187‬‬
‫عباس بيضون‬

‫شهران و أنا أواظب على مهاتفتها يومّيا كي ل تضيع جهودي سًدى‪ .‬فقد‬
‫ب كما مع المضادات الحيوّية ل بد من إتمام العلج حتى‬ ‫ن في الح ّ‬‫تعّلمت أ ّ‬
‫آخر يوم و آخر حّبة دواء‪ .‬تفادًيا للنتكاسات العاطفّية التي ل يعد يفيد معها‬
‫ب و يعود أقوى‪.‬‬‫شيء بعد ذلك حين يستفحل داء الح ّ‬
‫ب لتعود إلى الحياة‪.‬‬ ‫سن دائم‪ .‬لكّنها كانت تحتاج إلى ح ّ‬
‫كانت صديقتي في تح ّ‬
‫ل و اهتماًما بنفسها‪ .‬أصبحت أكثر‬ ‫ل نصائحي أصبحت أكثر جما ً‬ ‫طّبقت ك ّ‬
‫ل بهواياتها‪ .‬لكن ل رجل دخل حياتها ربما لّنها ما زالت تحرس باب‬ ‫انشغا ً‬
‫ب الذي مضى‪.‬‬ ‫القفص تنتظر منذ عام عودة طائر الح ّ‬
‫هاتفتها ذات مساء أعرض عليها مرافقتي الى أمسية شعرية لشاعر كبير‬
‫ل للرفض‪ .‬قلت " سأمّر لصطحبك معي‬ ‫يزور بيروت‪ .‬لم أترك لها مجا ً‬
‫ل مناسبة‬‫كوني جاهزة‪ ..‬أعني كوني جميلة بعد الن سأصطحبك إلى ك ّ‬
‫ثقافية‪."..‬‬
‫أمام كسلها و ترددها قلت " غادري القفص طائرك لن يعود طالما ذبذباتك‬
‫تقول له أّنك في انتظاره‪ .‬نسيت أن أعّلمك الدرس الهم‪ .‬فقط عندما ل‬
‫ب يعود‪ .‬و عندما ل تتحّرشين به يجيء صاعًقا و فتاًكا كما أّول‬ ‫تنتظرين الح ّ‬
‫مرة‪.‬‬
‫عندما نزلت من البيت‪ .‬كدت أشهق و أنا أراها قادمة‪ .‬صحت بها ممازحة "‬
‫أنا مجنونة لدخل إلى الصالة معك‪ ..‬كم أنت جميلة اليوم ! " قّبلتني و قالت‬
‫" بل أنت الجمل‪ ..‬أحّبك "‪.‬‬

‫‪188‬‬
‫كآخر مّرة قبل سنوات يوم رافقتني إلى مناسبة كهذه كنت أرى الجميع‬
‫يحتفون بها يأتون للسلم عليها‪ .‬لكنها فقدت صوتها بعد أن غدا الصمت‬
‫مهنتها‪.‬‬
‫و هي ترى‬ ‫ثّم فجأة‪ ،‬ما عادت تتابع الحديث من حولها‪ .‬تجّمد نظرها‬
‫ل بمظهر ممّيز يلج إلى البهو‪ .‬كأّنما الرجال اختفوا‪ ،‬فلم يبق سواه رج ً‬
‫ل‬ ‫رج ً‬
‫بين الحضور‪.‬‬
‫جه الرجل نحوها‪ .‬كأّنه جاء من‬ ‫ي‪ .‬ما كاد يراها حتى تو ّ‬ ‫ذهولها انتقل إل ّ‬
‫أجلها‪ ،‬برغم كونه بدا متفاجًئا و هو يلمحها‪.‬‬
‫ل شيء فيه‬ ‫لم يصافحها‪ .‬لم يقّبلها على وجنتيها‪ .‬لم يقل تقريًبا شيًئا‪ ،‬لكن ك ّ‬
‫كان يضّمها‪.‬‬
‫سا‪ .‬حتى هي المخرجة تجاوزت‬ ‫ما رأيت مشهًدا عشقّيا أكثر عنًفا و التبا ً‬
‫صاعقة المصادفة خيالها السنمائي لكأني جئت بها لتلقاه‪ .‬ربما امتنانا لي‬
‫قالت وهي تعرفه بي ‪:‬‬
‫‪ -‬صديقتي الكاتبة ‪...‬‬
‫أضافت الى اسمي صفة الكاتبة كما لتقول أنني من شارك القدر في كتابة‬
‫هذه المصادفة‪.‬‬
‫رفع الرجل نحوي نظرة آسرة دون جهد ‪ .‬مد يده يصافحني بفرح مهذب ‪.‬‬
‫قال فقط ‪:‬‬
‫سعيد بمعرفتك‬ ‫‪-‬‬

‫لم يبدو عليه ما يشي بأنه قرأني أو عرفني ‪ .‬لعله سمع بي ‪ ,‬أو لعله لم‬
‫يسمع ‪ .‬رآني يوما ما على صفحات الجرائد او لم يرني من قبل ‪.‬‬
‫كانت حواسه كما ذاكرته مأخوذة بالمرأة التي ترافقني ‪ .‬وكنت سعيدة‬
‫أنهما نسيا حضوري الصامت المنسحب في حضرة الحب ‪.‬‬
‫ابتعدت كي يتبادل الشتياق ‪.‬‬
‫‪189‬‬
‫‪ .‬ثّم رأيته يوّدعها و يمضي صوب قاعة المحاضرات‪.‬‬
‫ل تدخل معه في الوقت نفسه‬‫خرنا عن اللتحاق بالقاعة‪ .‬كانت تتعّمد أ ّ‬ ‫تأ ّ‬
‫حا أّنها لم تستمع إلى شيء مّما ألقي من كلمات‪.‬‬
‫فتغّذي الشاعات‪ .‬كان واض ً‬
‫راحت تبحث عنه بعيون قلبها‪ .‬كانت ركبتاها ترتجفان بعض الشيء‪.‬‬
‫ل ما قالته‪:‬‬
‫كّ‬
‫‪ -‬لن تصّدقي ما يحدث‪.‬‬
‫و حين أعدت طرح السؤال عليها " ماذا يحدث ؟ " التزمت الصمت‪ .‬أو‬
‫ل إلى دّقات قلبه الذي يخفق في مكان‬
‫لعّلها لم تسمعني‪ .‬قلبها ما كان يستمع إ ّ‬
‫ما في القاعة‪.‬‬
‫في السيارة و بعد شوط من الصمت‪ .‬حاولت استدراجها لعتراف ما قلت‪:‬‬
‫‪ -‬كأّني أعرف ذلك الرجل الذي سّلمت عليه‪ .‬ل أدري أين رأيته‬
‫من قبل‪.‬‬
‫قالت ممازحة هرًبا من سؤالي‪:‬‬
‫ب هو الذي نعثر‬
‫‪ -‬ربما صادفته في كتبك‪ .‬ألم تقولي " أجمل ح ّ‬
‫عليه أثناء بحثنا عن شيء آخر"‪.‬‬
‫لم أفهم‪ ..‬أتكون عثرت على حبيبها حين يئست من انتظاره و ذهبت عساها‬
‫تلتقي بسواه‪ .‬أم هي عثرت على سواه أثناء بحثها عنه‪ .‬المؤّكد أّنه حبّ قديم‬
‫اشتعل بعد غياب من رماده‪.‬‬
‫ل لم تحّدث أحًدا عدا ذلك الرجل‪.‬‬ ‫ي حديث‪ .‬هي أص ً‬ ‫ما كانت جاهزة لفتح أ ّ‬
‫كأّنها جاءت لتكسر به حداد صمتها‪ .‬تركُتها تعيش ذهولها به‪.‬‬
‫ت لها و أنا أوّدعها " بعد غد سنحضر العرض الّول لفيلم‪ "..‬رّدت "‬ ‫قل ُ‬
‫ب هذه المناسبات"‪.‬‬
‫اعذريني‪ ،‬تدرين أّنني ل أح ّ‬

‫‪190‬‬
‫ل أربع سنوات‪..‬‬ ‫قلت مازحة " أفهم ذلك‪ ..‬يكفي أن تحضري مناسبة ك ّ‬
‫ب‪ .‬برغم ذلك لن أدعك تعودين إلى خمولك سأهاتفك غًدا‪ ..‬ربما‬ ‫لتعودي بح ّ‬
‫غّيرت رأيك "‪.‬‬
‫طها‬
‫في الغد عبًثا حاولت التصال بها بتوقيت ساعتنا الصباحّية‪ .‬كان خ ّ‬
‫ضا بالستعداد للسفر‪ .‬بعد يومين عاودت‬ ‫ل‪ ،‬و كنت مشغولة أي ً‬ ‫مشغو ً‬
‫حا‪ .‬قالت أّنها استيقظت باكًرا و أّنها تأخذ‬
‫التصال بها عند التاسعة صبا ً‬
‫فطورها على الشرفة‪ .‬سألتني إن كنت أوّد المرور بها لنتناول الفطور مًعا‪.‬‬
‫أجبتها أّنني على أهبة سفر و ل وقت لي‪.‬‬
‫‪ -‬كم ستتغّيبين‪.‬‬
‫‪ -‬ثلثة أسابيع‪ ..‬لكن اطمئني سأهاتفك من الجزائر بتوقيت‬
‫موعدنا‪.‬‬
‫معقول ؟ المر مكلف‪ .‬ل تهاتفيني رجاًء‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫عّلقت مازحة‪:‬‬
‫‪ -‬و ما دخلك في مصاريفي ؟ أنا أهاتفك لّني أحتاج أن أهاتف‬
‫أحًدا عند الساعة التاسعة !‬
‫ضحكنا كثيًرا‪.‬‬
‫قالت‪:‬‬
‫إذن دّقي دّقة واحدة عند الساعة التاسعة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫قلت‪:‬‬

‫‪191‬‬
‫‪ -‬صدقت‪ .‬في النهاية ل يحتاج الحب الى أكثر من دقة السعادة‬
‫ضا التحايل على جبروت العادات‬‫تكفيها دّقة واحدة‪ ...‬و أي ً‬
‫الهاتفية !‬
‫احترمت وعدي كي ل أكسر عادتي‪.‬‬
‫ق دّقة على هاتفها عند التاسعة بتوقيت بيروت‪،‬‬
‫على مدى أسبوعين كنت أد ّ‬
‫الثامنة بتوقيت الجزائر‪ ،‬السابعة بتوقيت لندن‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫إّنه الجنون‪ ...‬مجدّدا‬

‫ب بعقل و روّية و لكن من الممتع حّقا أن تح ّ‬


‫ب‬ ‫" رّبما كان من الخير أن نح ّ‬
‫بجنون "‪.‬‬
‫البارونة أوركزي‬

‫ت صباحي بالتصال‬ ‫حال عودتي إلى بيروت‪ ،‬استعدت عادتي الهاتفّية‪ .‬بدأ ُ‬
‫ق الهاتف في بيتها‬
‫بكاميليا بتوقيت موعدنا عساني أعرف أخبارها‪ .‬أخيًرا د ّ‬
‫ل مرة حاولت التصال بها من الجزائر ‪.‬‬ ‫ل هذه المّرة كما في ك ّ‬
‫ما كان مشغو ً‬
‫ي صوت رجل!‬ ‫لكن المفاجأة كانت أن رّد عل ّ‬
‫‪193‬‬
‫من صدمتي اعتذرت منه و أعدت طلب الرقم‪ .‬لكن الصوت نفسه رّد على‬
‫الطرف الخر من الخط‪.‬‬
‫سألته غير مصدقة تماًما‪:‬‬
‫هل يمكن أن أتحّدث إلى كاميليا ؟‬ ‫‪-‬‬

‫أجاب الرجل‪:‬‬
‫‪ -‬إّنها عند الحلق‪.‬‬
‫حا عند الحلق ؟!‬ ‫التاسعة صبا ً‬ ‫‪-‬‬

‫كانت تلك المفاجآت مجتمعة أكبر من أن أستوعبها‪ .‬كيف أشرح له أن‬


‫حا هي " ساعتي " و أّنه ليس من عادة كاميليا أن تغادر البيت‬ ‫التاسعة صبا ً‬
‫في هذا الوقت‪.‬‬
‫ق أطرح‬‫يح ّ‬ ‫ثّم‪ .‬من هو هذ الرجل ؟ السؤال الهم هو هذا بالتحديد‪ .‬لكن بأ ّ‬
‫ل كهذا و هو في بيتها‪ .‬و يرّد على هاتفها في غيابها‪.‬‬ ‫عليه سؤا ً‬
‫قلت معتذرة‪:‬‬
‫طها مشغول‬ ‫أنا صديقتها‪ ..‬أحاول التصال بها منذ أيام لكن خ ّ‬ ‫‪-‬‬

‫دائًما‪ .‬أردت الطمئنان عليها ليس أكثر‪.‬‬


‫‪ -‬إّنها جيدة‪ ..‬فقط هي مشغولة بالستعداد للسفر‪ .‬سنسافر بعد‬
‫الظهر‪ .‬لذا هي مزدحمة بعض الشيء‪.‬‬
‫‪ -‬تسافران اليوم ؟!‬
‫كانت نبرتي شبيهة بنبرة عشيق غّيور اكتشف خيانة حبيبته‪.‬‬
‫حاولت تخفيف وقع سؤالي‪ ،‬بسؤال آخر‪.‬‬
‫إنها مفاجأة‪ ...‬تسافران إلى أين ؟‬ ‫‪-‬‬
‫إلى اليونان‪..‬‬ ‫‪-‬‬
‫عّلقت بنبرة زوج مخدوع‪:‬‬
‫متى قّررتما هذه السفرة ؟‬ ‫‪-‬‬
‫‪194‬‬
‫البارحة‪ ...‬أو بالحرى منذ زمن‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫لم أناقش الرجل في ما يقوله‪ .‬كنت أريد مناقشتها هي‪ .‬متى دخل هذا الرجل‬
‫في حياتها ؟ أيكون هو ذلك الرجل الذي التقت به ذلك اليوم في البهو ؟ و هل‬
‫يمكن أن تسافر مع رجل التقت به قبل أيام ؟ مثل هذا التصرف ل يشبهها‪ .‬أو‬
‫ل الخر عاد‪ .‬لماذا لم تخبرني بذلك إذن ؟ لعّلها خافت أن أعود و أحّذرها‬ ‫لع ّ‬
‫منه‪ .‬استناًدا إلى عام من العذاب‪ .‬و ماذا لو كان صديًقا قديًما أو مشروع ح ّ‬
‫ب‬
‫سابق وجد الن فرصته لدخول حياتها‪ .‬فكثيرون كانوا يتمّنونها حبيبة و‬
‫و أخلصت له من دون الرجال‪ .‬كان في وفائها‬ ‫يحسدون من اختارته‬
‫ظهم‪.‬‬
‫ي له إهانًة معلنًة لرجولتهم ربما عادوا الن ليجّربوا ح ّ‬ ‫المرض ّ‬
‫كنت سأستدرجه للكلم‪ .‬عساه يقول ما يشي به‪ .‬لكّنه هو من قال ما فاجأني‪:‬‬
‫سأخبرها أّنك اتصلت‪ .‬ثّم أضاف بضحكة مخاتلة‪ ..‬ألست‬ ‫‪-‬‬

‫صديقتها التي تحّرضها على النسيان؟‬


‫ظا‪ .‬كيف لم تحتفظ بسّر كهذا‪.‬‬ ‫أفقدتني سخريته المهّذبة صوتي‪ .‬و امتلت غي ً‬
‫و أفشت به لّول رجل دخل إلى حياتها‪ .‬أو لذاك الذي عاد إليها و قضي ُ‬
‫ت‬
‫شهرين أقنعها بنسيانه‪ .‬يا لحماقة النساء!‬
‫قلت‪:‬‬
‫كنت فقط أساعدها كي تتماثل للشفاء‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ل شيء هل‬ ‫تقصدين تتماثل للشقاء‪ .‬و عندما تكون قد نسيت ك ّ‬ ‫‪-‬‬

‫ب لينسيك الموت‪ .‬لذا كّلما تنازلت عن مساحة‬ ‫ستكون أسعد ؟ ُوجد الح ّ‬
‫من ذكرياتك تقّدم الموت و احتلها‪.‬‬
‫ل الدوار و أصبحت في دور المتهم وجدتني أدافع عن نفسي‪:‬‬ ‫انقلبت ك ّ‬
‫أنا ما أردتها أن تتخّلى عن ذكرياتها‪ .‬بل فقط عن رجل عّذبها و‬ ‫‪-‬‬

‫أبكاها و أشقاها و نسيها‪.‬‬

‫‪195‬‬
‫و‬ ‫ن وحده الفيل يتذّكر ؟‬‫من قال أّنه نسي ؟ أتعتقدين أ ّ‬ ‫‪-‬‬

‫وحدها التماسيح تبكي ؟ و وحده النسر ُيخلصى ؟‬


‫أيكون ذلك الرجل عاد بعد عام من الغياب و هو الن يصفي حساباته معي ؟‬
‫يا لتلك الحمقاء‪ .‬لكأّنها قضت فترة غيابي في الحديث عني‪.‬‬
‫سألته ممازحة تلطيًفا للجّو‪:‬‬
‫عذًرا‪ ..‬أتكون نسًرا ؟‬ ‫‪-‬‬

‫غا‪:‬‬
‫جاء جوابه مراو ً‬
‫ل لو كنت نسًرا‪ .‬أنا مجّرد رجل‪ .‬لكن النساء عامًة ل‬ ‫كان جمي ً‬ ‫‪-‬‬

‫ط على جيفة و ل يعود إ ّ‬


‫ل‬ ‫يفّرقن بين النسور و الصقور‪ .‬النسر ل يح ّ‬
‫لنثاه‪.‬‬
‫ن جناحيه أضخم‬ ‫و لماذا يتخّلى عنها إذن ؟ أهو نداء المدى‪ ..‬و ل ّ‬ ‫‪-‬‬

‫ضا ؟!‬‫من أن يبقياه أر ً‬


‫‪ -‬ل‪ ..‬مأساة النسر أّنه أسد يطير‪ .‬إّنه أسد السماء‪ .‬لكن أنثاه ل ترى فيه‬
‫و أنفته ؟ عن جنونه‬ ‫ل طائًرا‪ .‬ماذا تعرف النساء عن غيرة السد‬ ‫إّ‬
‫ك في أنثاه فيعود لينّكل بصغارها‪.‬‬ ‫حين يش ّ‬
‫على علمي هو يفعل ذلك حين يريدها و تمانع‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫جميل‪ ..‬يبدو أّنك تعرفين عن الحيوانات أكثر مّما تعرفين عن‬ ‫‪-‬‬

‫الرجال !‬
‫معلوماتي تقتصر على الحيوانات التي أحببت‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫في المرة القادمة أحّبي نسًرا كي تطمئني إلى كونه سيعود‪ .‬فالفيل‬ ‫‪-‬‬

‫يملك ذاكرة انتقامّية‪..‬‬


‫و لهذا يموت وحيًدا !‬ ‫‪-‬‬

‫ضا ؟!‬
‫ل أي ً‬ ‫و هل أحببت في ً‬ ‫‪-‬‬

‫‪196‬‬
‫كنت سأفعل طمًعا في وفائه‪ .‬لكن عيوب الفيل أكبر من حسناته‬ ‫‪-‬‬
‫ب رجل‪.‬‬ ‫لذا ألغيت المشروع‪ .‬سأكتفي بح ّ‬
‫ن الرجال جميعهم خونة ثّمة سادة للوفاء‬ ‫لماذا تعتقد النساء أ ّ‬ ‫‪-‬‬
‫جاهزين للموت عشًقا‪ .‬كما ثّمة نساء خائنات يقتلن في الرجل رغبته‬
‫في الخلص‪ .‬الرجل يحلم بامرأة يخلص لها بإمكانه أن ينتظرها عاًما‬
‫ل نساء الرض فقط من أجل شهقة‬ ‫و أكثر سيستعين بذكراها على ك ّ‬
‫اللقاء حين يعود لها‪.‬‬
‫ظننتني أمسكت بدليل على أّنه الحبيب السابق‪ .‬سألته‪:‬‬
‫هل أفهم أّنك عائد من الماضي ؟‬ ‫‪-‬‬

‫ضحك ضحكة ماكرة و قال‪:‬‬


‫الماضي؟ ل أنا رجل الحاضر‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫و لماذا تدافع عن الماضي إذن ؟‬ ‫‪-‬‬

‫أنا ل أدافع عن الماضي‪ .‬أنا أؤمن بالحيوات العّدة لقلب واحد‬ ‫‪-‬‬
‫ليس أكثر‪.‬‬
‫أسقط بيدي‪ .‬هذا رجل خارج التقويم الزمني العاطفي‪ .‬لن أعرف أبًدا من‬
‫يكون‪ .‬لكّنني أتوّقع أن يكون أحّبها بجنون في زمن ما‪.‬‬
‫كما حين قال‪:‬‬
‫أتظنين العشاق الذين انصرفوا باكًرا مستغرقين في النسيان ؟‬ ‫‪-‬‬

‫ب أقل‪ .‬كّلما ينسحب الحبّ يعود‬ ‫ب أكثر أح ّ‬‫عندما يتعّذر عليك أن تح ّ‬


‫أقوى‪ .‬إّنه يتغّذى من فقدانه‪ .‬صمت بعض الشيء ثّم واصل‪ ..‬تلك اللبؤة‬
‫ل حين و كانت أنا أحياًنا‪ .‬و هو ما ل يقبل به أسد !‬ ‫كنت هي ك ّ‬
‫تراه كان يعني صديقتي ؟ كنت أعّد دفاعي عنها فأنا أعرفها بقدر ما يعرفها‬
‫ل أحّبته يوًما في‬
‫و أكثر‪ .‬أنا صديقتها منذ خمس عشرة سنة و إن كان رج ً‬
‫ب ل يكتفي و ل يشبع إّنه التهام و‬ ‫الماضي فهي حتًما أخلصت له‪ .‬لكن الح ّ‬
‫‪197‬‬
‫و أّنه‬ ‫ل مما أعطي‪.‬‬ ‫ن ما أعطاه أق ّ‬
‫افتراس للخر‪ .‬كل العاشقين يرى أ ّ‬
‫لم يفترس حبيبه تماًما و كلّيا ثّمة شيء منه نجا من بين فكيه‪ ،‬و على هذا‬
‫القليل يختصمان‪ ..‬و يفترقان!‬
‫ق هاتفه الجوال و اضطر إلى قطع مكالمتي‬ ‫قبل أن أبدأ في مرافعتي د ّ‬
‫معتذًرا‪ .‬ربما كانت كاميليا على الخط‪ .‬حتًما هي ما اكتفت بما أرسلت إليه من‬
‫ميساجات أثناء وجودها تحت السيشوار‪ ..‬الن يلزمها صوته !‬
‫ي مجيء الهاتف كثيًرا من الجدل و عناء الدفاع دون جدوى عنها‪ .‬ثّم‬ ‫وّفر عل ّ‬
‫ق‪ .‬يقول مثل لبناني" قاضي الولد شنق حالو‬ ‫أنا لن أعرف أبًدا أّيهما على ح ّ‬
‫" فما بالك إذن بقاضي العشاق !‬
‫حين توّقف صوته لعنته في قلبي‪.‬‬
‫كم شّوش هذا الرجل عقلي‪ .‬كنت سعيدة قبل سماعه‪ .‬كنت من حزب النسيان‪.‬‬
‫و أصبحت من أنصار النسور‪ .‬و لو استمّر الحديث معه‪ ،‬كنت سأنشقّ عن‬
‫حزب النساء‪ ،‬و انخرط في حزب الرجال‪.‬‬
‫حح نفسي‪ .‬بل انخرط في حزب العشاق فهذا الرجل أسرني‬ ‫أعود و أص ّ‬
‫ب‪ .‬كيف أعلن الحرب‬ ‫ب‪ .‬كّلنا ضعفاء أمام الح ّ‬ ‫بكلمه‪ ،‬لّنه يدافع عن الح ّ‬
‫ل دقيقة و مأخذه عليها أّنها‬‫ب امرأة ك ّ‬‫على رجل يقول أّنه يريد أن يح ّ‬
‫احتفظت بدقائق لنفسها‪.‬‬
‫ل‪ .‬هو نفسه يقول‬ ‫ن هذا المخلوق ليس رج ً‬ ‫ماذا نريد غير رجل كهذا ؟ لول أ ّ‬
‫أّنه نسر‪ ..‬و أسد‪ .‬فكيف نعيش معه في غاب هو ملك فيه علينا‪ .‬لماذا ناضلنا‬
‫إذن نحن النساء على مدى قرون ؟‬
‫في الواقع‪ ،‬نحن ناضلنا لنستعيد حقوقنا من هذا الرجل بالذات‪ .‬ثّم عدنا و‬
‫ناضلنا لنستعيده هو بالذات‪ .‬و ما زلنا ل ندري ماذا نريد منه بالتحديد !‬
‫أنا نفسي ل أدري ما أريده منه‪ .‬أشعر أّني بقيت على جوع إلى حديثه‪ .‬ثّمة‬
‫أشياء كان يمكن أن أسرق بوحه بها و هو في فرحته هذه بعودة الحبّ إّنها‬
‫‪198‬‬
‫اللحظة المثل لقتناص بوحه‪ .‬بعدها سيأتي زمن تتوّقف فيه ثرثرة الرجال‪.‬‬
‫تحتاجين حينها إلى إجلسه على كرسي كهربائي‪ ..‬لتأخذي منه كلمة‪.‬‬
‫قّررت أن أعاود التصال به‪ .‬لي ذريعة منطقّية‪:‬‬
‫ألو‬ ‫‪-‬‬
‫أهل‬ ‫‪-‬‬

‫عذًرا‪ ..‬أدري أّنك تستعد للسفر أشكرك لّنك أعطيتني من‬ ‫‪-‬‬
‫وقتك‪...‬‬
‫عندما أعطي أنسى‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ل أنسى لطفك برغم كوني أعمل على النسيان !‬ ‫لكن من واجبي أ ّ‬ ‫‪-‬‬

‫ألهذا اشتريت موقًعا للنسيان على النترنت ؟‬ ‫‪-‬‬

‫يا ال حتى هذا أخبرته به !‬


‫قلت بتحّد‪:‬‬

‫بل اشتريت اثنين‪ .‬حتى " نسيان‪ "NET.‬اشتريته !‬ ‫‪-‬‬

‫إّنه استثمار سيء‪ ..‬لقد اشتريت إفلسك‪ .‬ل أفقر ممن ل ذكريات‬ ‫‪-‬‬

‫له !‬
‫لن أكون المفلسة الوحيدة‪ ..‬العالم كّله يمّر بأزمة اقتصادية‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫الجميع أفلس‪.‬‬
‫و لّنه أفلس يحتاج إلى ذكرياته و ماضيه‪..‬‬ ‫‪-‬‬
‫ذكرياته الجميلة‪ ..‬ل البائسة‪ .‬المطلوب ذاكرة انتقائّية‪ ..‬ل يمكن‬ ‫‪-‬‬

‫أن نسمح للذين آذونا أن يواصلوا العبث بحاضرنا‪ .‬أًذى واحد يكفي‪ .‬و‬
‫ل تقل " اغفري " أنا ل أغفر ! هل تغفر أنت ؟!‬

‫‪199‬‬
‫ل أًذى‪ .‬لّنك ل تتناولينه بجرعات‬ ‫ب أص ً‬
‫ب ؟ الح ّ‬‫تقصدين في الح ّ‬ ‫‪-‬‬

‫محدودة‪ .‬تكثرين من الحبيب و تدمنينه فتتأّذي به و تؤذيه لفرط حاجتك‬


‫الدائمة و المتزايدة إليه‪.‬‬
‫ثم تتمّردين عليه‪ ..‬و تهجرينه فتمرضين به و تتسّببين‬
‫يؤذيك حّبا‬ ‫في مرضه‪ .‬و في هذه الحالة فقط أغفر‪ .‬عندما من‬
‫يفوقك عذاًبا بك‪.‬‬
‫ف لي بشرى‪.‬‬‫شكًرا‪ ..‬لكأّنك تز ّ‬ ‫‪-‬‬

‫ف لك خبرة‪.‬‬ ‫بل أز ّ‬ ‫‪-‬‬

‫ب‪..‬‬
‫أتكون طاعًنا في الح ّ‬ ‫‪-‬‬
‫طاعن في الذى‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫حاولت أن آخذ " الذى " مأخذه الجمل‪.‬‬
‫قلت‪:‬‬
‫في جميع الحالت يسعدني أن أكون شاهدة على حّبكما‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫قال كما ليذكرني بدوري السابق في إقناعها بنسيانه‪ ,‬قاطعا علي طريق‬
‫العودة للتدخل في قصتهما ‪.‬‬
‫العشاق و الشرفاء ليسوا في حاجة إلى شهود‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫حا أّنه يعاتبني و يلغي دوري في حياتهما بعد الن‪ .‬ككل الرجال هو‬ ‫كان واض ً‬
‫ل يطمأن الى الصديقات الئي يحطن بحبيبته ‪ .‬يدري قدرتهن على تشكيل‬
‫حزب في مواجهته عند أول خلف ‪ .‬انه كأي حاكم ل يرضى بتأسيس اي‬
‫تجمع خارج الحزب الحاكم ‪.‬‬
‫راودني الحساس أّنه قد يسعدها لّيام ثم سيستفرد بتعذيبها‪ .‬و لن تجرؤ‬
‫على أن تعود لتشكوه لي مجدًدا‪.‬‬
‫قلت‪:‬‬

‫‪200‬‬
‫ن لي طلب عندك‪ .‬ربما لن تسمعني‬ ‫لقد عاودت التصال بك ل ّ‬ ‫‪-‬‬

‫مجدًدا‪ .‬ربما لن نلتقي أبًدا‪ .‬لكن لي ثقة في شهامتك‪ .‬أّيا كنت عدني أ ّ‬
‫ل‬
‫تعذبها‪ .‬فقد تعّذبت كثيًرا في الشهر الماضية‪ .‬ما عاد لي من وقت و ل‬
‫جهد لمساندتها مرة أخرى‪ .‬كن أنت سندها حتى حين تكون أنت‬
‫الخصم‪ .‬إّني أودعتك إّياها‪.‬‬

‫صمت ثّم قال‪:‬‬


‫الغالي وديعة الغالي‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫و أغلق الخط‪.‬‬

‫ما أحلى الرجوع إلى‪ ...‬مصائبه!‬


‫‪201‬‬
‫ما "‬
‫ب و تكون حكي ً‬
‫" من الصعب أن تح ّ‬

‫عاد الحب ‪..‬‬


‫وعادت كاميليا الى عادتها القديمة ‪.‬‬
‫عشقها المفترس افترس أعصابي‪ .‬و أتّوقع أن يعود و يفترس أحلمها‬
‫مجدًدا‪.‬‬
‫ط بيانها انها تستنزف أصحابها مّدا‬ ‫هكذا أحاسيس أقوى من أن تحافظ على خ ّ‬
‫و جزًرا‪.‬وصال وهجرا هو العشق‪ .‬إّنه التطرف نفسه‪ .‬و قريًبا ستبكي‬
‫كاميليا من جوره و من ظلمه و صّده‪ .‬و لن أكون هنا بعد اليوم لتبكي على‬
‫كتفي‪.‬‬
‫عا عن النسيان‪ .‬من أجلها و من أجل الحمقاوات‬ ‫شهران و أنا أستميت دفا ً‬
‫صبت‬‫سست حزًبا ن ّ‬ ‫ل نسيان العالم و استحدثت موقًعا‪ .‬و أ ّ‬ ‫أمثالها اشتريت ك ّ‬
‫و نائًبا‪ .‬واثقة أّنني لو رشحت نفسي في‬ ‫نفسي عليه أميًنا عاًما‬
‫ضا( سأكتسح‬ ‫ق لي بصفتي لبنانية أي ً‬‫النتخابات اللبنانّية ) و هو ما يح ّ‬
‫الساحة السياسية‪ .‬و لن أبقي من كرسي لقطاب ‪ 8‬أو ل ‪ 14‬آذار فأنا ل‬
‫أحتاج إلى طبل أو إلى مزمار و ل إلى ليرة أو دولر لقنع خمسة منتخبين‬
‫ن هذه هي نسبة الفتيات في لبنان‬ ‫على ستة بإعطائي أصواتهم‪ .‬نظًرا إلى أ ّ‬
‫مقابل رجل واحد أحد!‬
‫أسوق هذه التوضيحات ‪ ,‬حتى ل يقول أحدكم ان أنا فزت بنسبة تفوق‬
‫التسعين في المئة بفتات من الصوات أنني زورت النتخابات ‪.‬‬
‫وفي جميع الحالت انه غير وارد على الطلق أن تسمح أنفتي بأقل من‬
‫تسعين بالمئة من الصوات ‪ ,‬فهذا رقم أزلي من ثوابت الديمقراطية عندنا‬
‫غير قابل للمساس أو النقاش ‪.‬‬
‫‪202‬‬
‫تماما كرقم المليون بالنسية للشعوب العربية ‪ ,‬التي ترى في نقصان صفر من‬
‫هذا الرقم انقاصا لكرامتها ‪ .‬هي ليست معنية بديمقراطية "التسعين" بل بمجد‬
‫"المليين"‪.‬‬
‫لن أحتاج أن يتبنى حملة انتخابي عصابة من المقاولين وكبار اللصوص ‪,‬‬
‫فأعدهم بالصفقات و المناصب الحلوب‪ .‬ول أن أمد يدي الى خبز الفقراء‬
‫لمول من خزينة الدولة صوري العملقة على الجدران و منشوراتي‬
‫الدعائية ‪.‬‬
‫حمدا ل النسيان مطلب نسائي جماهيري ل يستدعي ترويجا ول تهريجا ‪.‬‬
‫و قد تؤّهلني نتائج النتخابات لعلن نفسي رئيسة جمهورّية النسيان لك ّ‬
‫ل‬
‫نسوان العالم العربي‪ .‬و حينها سأتصّرف لمّرة كرجل‪ .‬لتعذرني الخوات‬
‫المناضلت لن أرضى بتقاسم السلطة أو تداولها مع أحد‪ .‬و كما يشغل الحّكام‬
‫شعوبهم بالحروب و القضايا المصيرّية‪ ،‬سأشغل‬
‫ن الولى و أستحدث من أجلهن أعياًدا‬ ‫وأجعل من " الشوبينغ " قضيته ّ‬
‫للتسوق و مواسم للتنزيلت تبدأ من هل يناير إلى هل ديسمبر كي أتمّكن‬
‫من التفّرغ لحراسة الكرسي‪.‬‬
‫ي " حتى و إن كان كرسّيا‬ ‫ثّمة وجاهة في أن يكون المرء " حارس كرس ّ‬
‫شاغًرا للنسيان‪.‬‬
‫حتًما ستواجهني إشكالّية توريث هذا الكرسي‪ .‬نظًرا إلى كون المنصب‬
‫ل صبياًنا‪ .‬لكن سأباشر منذ الن بإعداد أختي‬ ‫يتطّلب امرأة و أنا لم أنجب إ ّ‬
‫صوفيا لهذا المنصب‪ .‬فلقد شّرع لنا الرفيق فيدال كاسترو أطال ال عمره ح ّ‬
‫ق‬
‫توريث السلطة بعد نصف قرن من الحكم‪ ..‬إلى الخ!‬
‫و لم ل ؟ مادام " زيتنا في دقيقنا "‪ .‬المشكل الحقيقي‪ ،‬سيكون في صعوبة‬
‫حكم مليين النساء الحمقاوات اللئي ل يمتثلن للتعليمات و ل يعرفن ماذا‬

‫‪203‬‬
‫ن منخرطات في حزب النسيان و عينهن على‬ ‫يردن بالضبط من الحياة‪ .‬ه ّ‬
‫الرجال‪ .‬يقلن " ل " و يضمرن " نعم "‪.‬‬
‫ت شهرين في إقناعها بالنسيان و ما كاد يقول لها هذا‬ ‫كهذه المجنونة التي أنفق ُ‬
‫الرجل " هاي " حتى قالت لي " باي " و لحقت به‪ .‬بل لم تقل لي حتى‬
‫ل بها‪ .‬و ل كيف تطّورت المور بهذه السرعة‬ ‫" باي " و ل أخبرتني بما ح ّ‬
‫و حصلت المعجزة‪ .‬أليس من حّقي أن أعرف ؟! أهاتفها فيطلع‬ ‫بينهما‬
‫ل شيء عّني‬ ‫لي رجل‪ ..‬ل أعرف حتى الن من هو! معقول ؟! يعرف هو ك ّ‬
‫و ل أعرف حتى اسمه‪.‬‬
‫ب بسعادته‬‫ل‪ .‬حين يجيء الح ّ‬ ‫ب ل مبا ٍ‬‫يا ال كم الفرح أناني‪ .‬و كم الح ّ‬
‫الخرافية تلك‪ .‬تنسى الخت أختها‪ .‬و الصديقة صديقتها‪ .‬و يتنّكر الب‬
‫لولده‪ ..‬و الولد لّمهم‪.‬‬
‫ب مجّرة ل علقة لها بأفلكنا‪ .‬كاميليا الن في كوكب على بعد سنوات‬ ‫للح ّ‬
‫ضوئّية من عالمي الرضي‪ .‬ل يمكنها رؤيتي حتى بالعين المجّردة‪.‬‬
‫باختصار ما عدت موجودة بالنسبة لها‪ .‬و قد كنت على مدى شهرين ك ّ‬
‫ل‬
‫حياتها‪.‬‬
‫ي بشهقة الفرحة من كوكبها‬ ‫أخذت السماعة و طلبتها على جّوالها‪ .‬فرّدت عل ّ‬
‫و هي وسط ضجيج صالون الحلقة‪.‬‬
‫‪ -‬أهل‪ ..‬حبيبتي اشتقت لك‪ ..‬متى وصلت‪ ..‬طمنيني عنك‪..‬‬
‫‪ -‬وصلت البارحة حاولت التصال بك لكن‪..‬‬
‫أنا ل أسمعك جّيدا إّني في صالون الحلقة‪..‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -‬متى أراك ؟‬
‫‪ -‬سيكون صعًبا أن نلتقي اليوم‪ ..‬سأغادر إلى المطار بعد‬
‫ساعتين‪ ..‬أراك حين عودتي بعد أسبوع أو أطلبك من هناك‪..‬‬
‫‪204‬‬
‫‪ -‬أحتاج أن أراك قبل أن تغادري‪..‬‬
‫‪ -‬هل ثّمة شيء ؟‬
‫) سبحان ال تسألني أنا إن كان ثّمة شيء أو " خبر عاجل " ما ؟ (‬
‫‪ -‬ثّمة أشياء‪ ..‬ل بّد أن نلتقي قبل سفرك‪ ..‬أعطني عنوان‬
‫الصالون حيث أنت سأكون عندك بعد نصف ساعة على أبعد‬
‫تقدير‪.‬‬
‫جلت عنوان الحلق على ورقة بيضاء كانت على مكتبي‪ .‬ثّم تنّبهت إلى‬ ‫سّ‬
‫شيء‪ .‬فجلست في مكتبي‪ .‬قلبت الورقة و رحت أكتب على وجهها الخر‬
‫صه في ذهني‪ .‬فالكلم في مثل هذه الحالت ل جدوى منه !‬ ‫تعّهدا خطر ن ّ‬
‫ارتديت ثيابي على عجل و لحقت بها عند الحلق‪ .‬كانت الصبغة على‬
‫ي بشيء من الستغراب‪.‬‬‫شعرها‪ .‬وقفت تسلم عل ّ‬
‫قالت‪:‬‬
‫‪ -‬شغلتي لي بالي هل ثّمة شيء؟‬
‫ت أن ألحق بك يا عزيزتي لتوّقعي لي هذه الورقة قبل أن تأخذي‬
‫أرد ُ‬ ‫‪-‬‬

‫الطائرة‪..‬‬
‫ت إلى الورقة باستغراب و أخذتها مّني و راحت تطالعها بفضول‪.‬‬
‫] نظر ْ‬
‫كان على أظافرها طلء لم يجف بعد‪ .‬أمسكت بالورقة بحذر بإصبعين و‬
‫هي مدهوشة ل تفهم ما الموضوع‪.‬‬
‫أخذت منها الورقة وضعتها على الطاولة الصغيرة المقابلة لها تحت المرآة‪.‬‬
‫و قلت‪:‬‬

‫‪205‬‬
‫ي رجل‪ .‬أتوّقع أن يكون حبيبك المنتظر أو‬
‫طلبتك في البيت و رّد عل ّ‬ ‫‪-‬‬

‫حبيًبا سابًقا ل يهم‪.‬‬


‫بدا عليها الرتباك ‪.‬قلت‪:‬‬
‫ي الخبر‪ .‬كأّني بك قد خشيت رّد فعلي‪ .‬أنا‬ ‫‪-‬كان عليك أن ل تخفي عل ّ‬
‫لست ضّد عودته‪ ..‬و ل ضّد دخول رجل جديد في حياتك‪ .‬النسيان‬
‫ت أريده أ ّ‬
‫ل‬ ‫ل ما كن ُ‬
‫ب آخر‪ .‬ك ّ‬
‫ليس غاية‪ .‬إّنه طريق يفضي إلى ح ّ‬
‫ق ما عشته من آلم‪ .‬ل‬ ‫تتعّذبي بعد الن بسبب رجل‪ .‬ل شيء يستح ّ‬
‫تقبلي أن يتسّلى رجل بتعذيبك من أجل ل شيء ثّم يعود متى شاء‪..‬‬
‫ن شيًئا لم يحدث‪.‬‬
‫كأ ّ‬
‫رّدت‪:‬‬
‫ضا تعّذب‪.‬‬
‫‪ -‬هو أي ً‬
‫ل تضعي تكاليف عذابه على‬‫انه من أراد ذلك‪ .‬هذا شأنه أتمّنى أ ّ‬ ‫‪-‬‬

‫ب الرجال قلب الدوار!‬ ‫فاتورتك و تعتذري له‪ .‬يح ّ‬


‫ما كان يعنيها كثيًرا ما أقوله‪ .‬سألتني بلهفة‪:‬‬
‫‪ -‬ما دمت قد تحّدثت إليه ‪ ..‬كيف وجدته ؟‬
‫الحقيقة‪ ..‬أنا سعيدة أن تكون الحياة قد كافأتك بهذا الرجل‪ .‬ربما ليس‬ ‫‪-‬‬

‫ق ذلك‪ .‬هذا رجل من سللة النسور‪.‬‬ ‫هو من انتظرته لكّنه كان يستح ّ‬
‫ل أسميته " الرجل النسر "‪ .‬كان خوفي أن تكوني‬ ‫إّنه طائر نادر فع ً‬
‫جَد‬
‫انتظرت واحًدا من الرجال العصافير الذين ينقرون الفتات حيث ُو ِ‬
‫و يطيرون‪.‬‬
‫نجحت في‬ ‫سعدت لكلمي‪ .‬امتلت ملمحها بهجة‪ .‬كما لو أّنها‬
‫المتحان‪.‬‬

‫‪206‬‬
‫قلت‪:‬‬
‫ن من‬
‫ن مثل هذا الرجل سيعاود الطيران‪ .‬إ ّ‬‫عليك برغم ذلك أن تعلمي أ ّ‬ ‫‪-‬‬

‫ل هذه المّدة اكتسب مناعة ضّد الفقدان‪ .‬أجنحته أكبر من أن‬


‫غاب ك ّ‬
‫جنيها‪ .‬و عشقه أكبر شراسة من أن ل يؤذيك مجدّدا‪ .‬و في المّرة‬ ‫تد ّ‬
‫القادمة انتكاستك ستكون أكبر‪ ،‬و ألمك أعظم‪ ،‬لّنني لن أكون هنا‬
‫لمساندتك‪.‬‬
‫ن صوت قلبها كان يغطي على صوتي‪ .‬هي‬ ‫صمتت و شحب لونها فجأة‪ .‬لك ّ‬
‫كانت تصّدق نصف ما أقول‪ .‬تراهن على المعجزة‪ .‬ربما عاد ليرتاح و‬
‫يريحها‪ .‬ليس في مقتبل العمر هذا النسر !‬
‫قلت‪:‬‬
‫خر أمام فرحتك بعودته‪ .‬ليبق لك‬ ‫ن ما قلته لك على مدى شهرين قد تب ّ‬ ‫أتوّقع أ ّ‬
‫مما قلته على القل أربع نصائح‪ .‬إن حفظتها و عملت بها لن يعّذبك رجل بعد‬
‫الن‪ .‬لقد كتبتها لك في هذه الصفحة في صيغة تعّهد‪ .‬أريد منك أن تقرئيها‬
‫بتمّعن و أن توّقعي أسفل هذه الورقة‪.‬‬
‫ضحكت و قالت‪:‬‬
‫‪ -‬معقول‪ ..‬جّنيت؟!‬
‫ن قانون الح ّ‬
‫ب‬ ‫ن السعادة جّردتك من قواك العقلّية‪ .‬إ ّ‬
‫ل‪ ..‬لكّنني أدري أ ّ‬ ‫‪-‬‬

‫ل يحمي الغبياء‪ ..‬أريدك الن قبل أن تلتحقي به أن تطالعي هذه‬


‫الصفحة‪ .‬و تحفظيها كما كنت تحفظين عن ظهر قلب المحفوظات في‬
‫المدرسة‪ .‬فقد توّفر عليك نصائحها كثيًرا من اللم في المستقبل‪.‬‬
‫ألقت نظرة عجلى على ما جاء فيها‪ .‬ثّم قالت‪:‬‬
‫‪ -‬أعرفها‪ ..‬سبق أن قلتها لي‪..‬‬
‫‪ -‬ليس مهّما أن تعرفيها بل أن تتذّكريها‪ .‬ثمّ أريد توقيعك أسفل الورقة‪.‬‬
‫‪207‬‬
‫" كاميليا‬ ‫أخذت قلًما من محفظتها و وّقعت أسفلها و هي تضحك‪..‬‬
‫"‪.‬‬
‫قلت‪:‬‬
‫ل أّبا عن جد‪ ..‬فهكذا توّقع النساء اللئي تحترمن‬
‫‪ -‬أريد اسمك كام ً‬
‫أنفسهن و تحترمن معاهداتهن‪.‬‬
‫قالت ضاحكة‪:‬‬
‫‪ -‬معقول‪ ..‬تريدين شجرة عائلتي!‬
‫طبًعا‪ ..‬المرأة توّقع بأصلها ل باسمها‪ .‬حتى يردعها أصلها‪ .‬ثّم تعّلمي‬ ‫‪-‬‬

‫ب مقطوعة من‬ ‫ي رجل أبوك‪ .‬ل تدخلي الح ّ‬


‫أن تضعي بينك و بين أ ّ‬
‫شجرة فُيصبح الحبيب فأسك‪ ..‬الخر‪.‬‬
‫ل أدري إن كان كلمي قد أقنعها أم أّنها كانت تستعجل التخّلص من‬
‫ل على الورقة‪ .‬أثناء ذلك حضرت الحلقة‬ ‫مواعظي‪ .‬راحت تكتب اسمها كام ً‬
‫تطلب منها مرافقتها لغسل الصبغة عن شعرها‪.‬‬
‫قلت و أنا آخذ منها الورقة و أقّبلها موّدعة‪:‬‬
‫‪ -‬سأحتفظ بها لذّكرك بها في حالة ما عدت لتشكين لي خيباتك‪.‬‬
‫استمتعي بسفرتك فأنت تستحقينها حّقا !‬
‫ها أنا وحدي ‪ ,‬في حقيبة يدي معاهدة النسيان‪ .‬و في حقيبتها تذكرة سفر‬
‫ب‪.‬‬
‫إلى جزر الح ّ‬
‫يا للحماقة!‬

‫‪208‬‬
‫تعّهد‬

‫طلعت على هذه الوصايا‪ .‬و أتعّهد أمام‬ ‫اّ‬ ‫أنا الموقعة أدناه أقّر أّنني‬
‫ب‪ ،‬و أمام القارئات‪ ،‬و أمام خلق ال أجمعين المغرمين‬ ‫نفسي‪ .‬و أمام الح ّ‬
‫منهم و التائبين‪ ،‬من الن و إلى يوم الدين‪ .‬بالتزامي بالتالي‪:‬‬
‫ب أبدي‪.‬‬ ‫ب و أنا على ثقة تاّمة أّنه ل وجود لح ّ‬ ‫• أن أدخل الح ّ‬
‫• أن أكتسب حصانة الصدمة و أتوّقع ك ّ‬
‫ل شيء من حبيب‪.‬‬
‫ق دموعي‪ .‬فالذي يستحّقها حّقا‬
‫ل أبكي بسبب رجل‪ .‬فل رجل يستح ّ‬ ‫أّ‬ ‫•‬

‫ما كان ليرضى بأن ُيبكيني‪.‬‬


‫• أن أحّبه كما لم تح ّ‬
‫ب امرأة‪ .‬و أن أكون جاهزة لنسيانه‪ ..‬كما ينسى‬
‫الرجال‪.‬‬
‫التوقيع‪:‬‬

‫حا‬
‫بيروت التاسعة صبا ً‬
‫‪ 18‬مارس ‪2009‬‬

‫ل قارئة إضافة اسمها أسفل هذا التوقيع‬


‫‪ +‬ملحظة‪ :‬مطلوب من ك ّ‬

‫‪209‬‬
‫!و الن‪ ..‬حّلوا عني‬

‫أحمل شهادة من جامعة الّنسيان و‬


‫يداي خاليتان كمثل قميص على الحبل‬
‫الشاعر السويدي توماس‬
‫ترانسترومر‬

‫في الغد ‪ ،‬استيقظت باكًرا‪ .‬صديقتي التي حاولت إنقاذها من ذاكرة الساعة‬
‫التاسعة‪ .‬سافرت و أورثتني " ساعتها "‪.‬‬
‫ذهبت مع حبيبها و تركت لي جّثة هاتف‪ .‬ينوب عنها‪ " .‬إذا رميت طوق نجاة‬
‫إلى غريق فسيطالبك حتًما بركوب سفينتك "!‬
‫كاميليا ركبت مركب الحب مجددا و ها هي وصلت إلى الشاطئ )لن أقول‬
‫ب!(‬ ‫إلى بّر المان فأنا ل أثق في ما ينتظرها في الجزر المسحورة للح ّ‬
‫ما عاد لها من عقل لتذكرني‪ ،‬أردتها أن تنساه فنستني خلفها أجدف في بحار‬
‫ل يوم عند الساعة إّياها !‬
‫الذاكرة‪ ،‬ك ّ‬
‫كان صوتي خدعة عاطفّية تكسر ساعتها الداخلّية‪ ،‬تخّفف بالكلمات‪ ،‬زرقة‬
‫ل صباح في تضليل هاتف ّ‬
‫ي‬ ‫الكدمات التي تركها الفقدان‪ .‬قرص حنان تتناوله ك ّ‬
‫ينسيها هاتًفا ل يأتي‪.‬‬
‫ل‪..‬‬‫ي الن أن أعثر على من يهاتفني في الساعة نفسها و لو تضلي ً‬ ‫صار عل ّ‬
‫ي نيكوتين عادة هاتفية عل ّ‬
‫ي‬ ‫] تّبا لها‪ ..‬لقد أوجدت لي حاجة جديدة‪ .‬بّثت ف ّ‬
‫الن الشفاء منها‪.‬‬
‫‪210‬‬
‫ثّمة خيارين‪ :‬أن أباشر بالبحث عمن يهاتفني من الصديقات‪ .‬و في هذا‬
‫الدواء داء ل أريده‪ .‬أو أسمح لرجل أن يقوم بهذه المهمة الهاتفّية " العاطفّية‬
‫ي لحًقا أن أستعين برجل آخر لتخّلص من طغيان عادته ‪،‬‬ ‫"‪ .‬و سيكون عل ّ‬
‫ي أّنني سأكّرر حماقة الشعوب العربّية التي درجت عبر‬ ‫و أستعيد حرّيتي‪ .‬أ ّ‬
‫التاريخ أن تتّكئ على محتل لتتخّلص من طاغية !‬
‫ل آخر حضرني للتو‪ .‬أن أعيد قراءة هذا الكتاب عساني أتعّلم منه كيف‬ ‫ثّمة ح ّ‬
‫أنسى‪ .‬فل أعرف أحًدا غيري أولى بقراءته‪.‬‬
‫و الرجال‬ ‫أحتاج أن أنسى أّول صديقتي و حبيبها‪ ،‬و الرجال النسور‪،‬‬
‫و الفيلة‪ .‬و ك ّ‬
‫ل‬ ‫ل الذكور و العصافير و السود‬ ‫الصقور‪ ،‬و ك ّ‬
‫الحيوانات البشرية‪ ،‬التي تمشي على هذه الرض‪ ،‬من عقارب و أفاعي و‬
‫حرباء‪ " .‬و مالك و مال الحيوانات؟ " ستسألني ليلى و الساذجات مّمن‬
‫خالفن وصايا النسيان‪ ،‬و سيأكلهن الذئب الحبيب‪ .‬و لن أجيب‪.‬‬
‫حا لحد‪ .‬أصدقاؤك الحقيقّيون ليسوا في حاجة إليها و‬ ‫" ل تقّدم أبًدا شرو ً‬
‫أعداؤك لن يصّدقوها "‪.‬‬
‫ن تحملن إليها الفاكهة‬ ‫لقد قمت من أجلّكن بما لم تقم به الجّدة الطّيبة التي كنت ّ‬
‫) أو كنتن تتذّرعن بزيارتها‬ ‫ن الذئب في الغابة‪.‬‬ ‫حين تحّرش بك ّ‬
‫" حضانة عاطفّية " في النترنت‬ ‫لتتحرشن به !( و فتحت لك ّ‬
‫ن‬
‫لستقبال ضحايا الذكريات التعيسة‪ ،‬قصد إعادة تأهيلكن للحياة‪.‬‬
‫و الن " حّلوا عّني "!‬
‫حا‪.‬‬
‫إّنها التاسعة صبا ً‬
‫ت لك ّ‬
‫ن‬ ‫هنا ينتهي الكلم المباح عن عمركن المستباح باسم الحب‪ .‬لذا ترك ُ‬
‫ب و النسيان‪ .‬ربما‬ ‫صفحات بيضاء‪ ،‬إملنها بما تشأن من حكاياتكن مع الح ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫أهديتن الكتاب بعد ذلك إلى صديقة‪ ..‬أو إلى حبيب منس ّ‬

‫‪211‬‬
‫ل تنسين في خضم النسيان أن توّقعن تلك المعاهدة‪ .‬و أن ترسلن إشعاًرا بذلك‬
‫إلى موقع ‪ nessyane.com‬ليضاف إلى توقيع كاميليا و توقيعي و توقيع‬
‫حزب الصديقات‪.‬‬
‫‪ +‬من المفروض أن نجمع أربعين ألف توقيع نسائي بعدد نسخ الطبعة الولى‬
‫ل إذا قام الرجال بشراء نصف الكمّية من النسخ عن‬ ‫من هذا الكتاب وحده‪ ) .‬إ ّ‬
‫فضول‪ ..‬أو لمصادرة حّقنا في النسيان (‪.‬‬
‫أما الهم فأن تحفظن وصايا هذه المعاهدة جّيدا‪ .‬توفيًرا لشهر من العذاب و‬
‫أعوام من الوهام‪.‬‬
‫ل تأتي إحداكن في المستقبل لتشكوني ذاكرة عشقّية ما‪.‬‬ ‫أتمّنى أ ّ‬
‫دبروا راسكم ما عاد لي علقة بالنسيان‪ .‬سأشرع فوًرا بكتابة " فصل الفراق‬
‫"‪.‬‬
‫بعد الن‪ .‬النسيان‪ " ....‬نسيان‪ُ .‬كم "!‬

‫أكبر الخيانات النسيان‬

‫صبرت عليك و أدري‬


‫كان رهانك كسري‬
‫من قهري‬
‫قاطعت حنين الوقت إليك‬
‫ارتشافي صباحًا لصوتك‬
‫ارتطام أشواقي بموجك‬
‫‪212‬‬
‫من فرط سهادي بك‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ما خنتك‬
‫لكّني رحت أخون الزمان بعدك‬
‫أعصى عادة العيش بإذنك‬
‫أنسى انتظاري لك‬
‫فرحتي حين يحّل رقمك‬
‫ازدحام هاتفي بك‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫كم أخلصت لغيابك‬


‫لكّنها ذاكرتي خانتني‬
‫تصّور‬
‫ما عدت أذكر عمر صمتك‬
‫و ل متى لخر مّرة قابلتك‬
‫و كم من الوقت مّر من دونك‬
‫فكيف قل لي أنتظرك‬
‫و أنا ما عدت أعرف وقع خطوك‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫مذ افترقنا‬
‫ما عاد المر يعنيني‬
‫‪213‬‬
‫سّيان عندي إن غدرت أو وفيت‬
‫يكفيني يا سّيد الحرائق‬
‫أّنك خنت اللهفة‬
‫و أطفأت جمر الدقائق‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫ما خنتك‪ ..‬لكن خانك حبري‬


‫مذ قّررت أل أكتبك‬
‫لن تدري‬
‫كم اغتلت قصائد في غيبتك‬
‫حتى ل تزهو بحزني‬
‫حين تشي بي الكلمات‬
‫ما ختنك‪..‬‬
‫فقط نسيت أن أعيش بتوقيتك‬
‫ما عدت أذكر‬
‫ط قلبي بها‬
‫كم من المطارات ح ّ‬
‫دون علمك‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫و ال ما خنتك‬
‫و ل ظننت قلبي‬
‫سيقوى على الحياة بعدك‬
‫لكّنه الخذلن‬
‫‪214‬‬
‫عّلمني أن أستغني عنك‬
‫أصبحت فقط‬
‫أنسى أن أسهرك‬
‫أأبى أن أذرفك‬
‫أكثر إنشغالً من أن أذكرك‬
‫و أكبر الخيانات‪ ..‬النسيان!‬

‫ديسمبر ‪2007‬‬

‫‪215‬‬
‫أّيها النسيان هبني قبلتك‬

‫أّيها النسيان أعطني يدك‬


‫كي أسير في مدن ذكرى معك‬
‫نضج الفراق‬
‫على شفاهي أزهرت قبل الوداع‬
‫لك قطافي‬
‫يا نسيان هبني قبلتك‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫يا واهب السلوان‬
‫عاٍر من ذكراه عمري‬
‫معطفي أنت‬
‫إليك افتقاري‬
‫يا سّيد الياب‬
‫تفّرق الحباب‬
‫موارب البواب قلبي‬
‫كّل افتراق و أنت انتظاري‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪216‬‬
‫نسياني‪ ..‬يا نسياني‬
‫امرأة تشبهني يوما بكت‬
‫من رجل كم يشبهك‬
‫ها هي ذي اليوم سلت‬
‫هو هناك‬
‫و هي هنا تراقصك‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫يا قدري‪ ..‬يا أملي‪ ..‬يا رجلي من دون الرجال‬
‫يا نسياني‬
‫راقصني‪ ..‬خاصرني‪ ..‬طيرني‪ ..‬غازلني‬
‫قل "ما أجملك!"‬
‫بك أحتفي‬
‫لك أفي‬
‫ما دمت لي‪ ..‬ما دمت لك‬
‫لن أرتدي حداد الحب‬

‫حزيران ‪2007‬‬

‫‪217‬‬
‫أبًدا لن تنسى‬

‫لك وحدك‬
‫كانت كلماتي تخلع خمارها‬
‫و القلب تحت خيمتك‬
‫ضا ضيف ح ّ‬
‫ب‬ ‫يجلس أر ً‬
‫تطعمه بيدك‬

‫*‬ ‫* *‬
‫كم احتفاًء بي‬
‫نحرت من غنيمة‬
‫ثمّ ذات غيرة بيدك تلك‬
‫جوًرا نحرتني‬

‫* * *‬
‫أبًدا لن تنساني‬
‫أبًدا لن تنسى‬
‫أبٌد من الندم ينتظرك‬
‫من أضاعني قضى وحيًدا كحصان‬
‫ل مربط بعدي لقلبه‬

‫يناير ‪2006‬‬

‫‪218‬‬

You might also like