You are on page 1of 11

‫دور البنوك المركزية في إرساء السياسة‬

‫النقدية‬

‫مـؤتمـــر‬
‫"مستجدات العمل المصرفي في سورية‬
‫في ضوء التجارب العربية والعالمية"‬

‫د‪ .‬أمية طوقــان‬


‫محافظ البنك المركزي الردني‬

‫‪ 2-3‬تمـــوز ‪2005‬‬

‫دور البنوك المركزية في إرساء السياسة النقدية‬


‫مقدمــــة‪:‬‬
‫أرجو بداية أن أتقدم بالشكر والتقدير لكافة القائمين علــى هــذا‬
‫المؤتمر على دعوتهم الكريمة لي للمشاركة فــي أعمــاله وعلــى مــا‬
‫لمسناه من حسن العداد والتنظيم لهذا المؤتمر الهام الــذي يتنــاول‬
‫"مستجدات العمل المصرفي في سورية في ضوء التجارب العربيــة‬
‫والعالمية" راجيا ً أن تتكلل أعماله بالنجاح وتحقيق الغايات المنشودة‬
‫من انعقاده‪.‬‬
‫يعتبر القطاع المصرفي أحد القطاعات الرائدة في القتصــادات‬
‫الحديثة‪ ،‬ليس فقط لدوره الهام في حشد وتعبئة المدخرات المحلية‬
‫والجنبية وتمويل الستثمار الذي يمثــل عصــب النشــاط القتصــادي‪،‬‬
‫بل لكونه أصبح يمثل حلقة التصال الكثر أهمية مع العالم الخارجي‪.‬‬
‫فقد أصبح هذا القطاع‪ ،‬بفعل اتساعه وتشعب أنشطته‪ ،‬النافذة التي‬
‫يطل منها العالم علينــا‪ ،‬ونطــل منهــا علــى العــالم‪ .‬وأصــبح تطــوره‬
‫ومتانة أوضاعه معيــارا ً للحكــم علــى ســلمة اقتصــاداتنا وقابليتهــا أو‬
‫قدرتها علــى جــذب رؤوس المــوال المحليــة والخارجيــة‪ .‬وإذا كــان‬
‫القطــاع المصــرفي‪ ،‬والحالــة هــذه‪ ،‬واحــدا ً مــن أهــم القطاعــات‬
‫القتصادية‪ ،‬فإن البنك المركزي يمثل المحور الرئيــس لهــذا القطــاع‬
‫وزيادة قدرته على المنافسة والتطور وذلك لما يقوم به من دور في‬
‫إدارة السياسة النقدية والمصرفية‪ ،‬والحفاظ على الستقرار المالي‬
‫وبالتالي إرساء أسس نمو اقتصادي قابل للستمرار‪.‬‬
‫لعلي أجد من المناسب عند الحديث عن "دور البنوك المركزيــة‬
‫في إرساء السياسة النقدية" أن أعــود إلــى الــوراء قليل ً عــبر تنــاول‬
‫نشأة هــذه البنــوك ومــا تبــع ذلــك مــن تطــور فــي مهامهــا وأهــدافها‬
‫ووسائل تحقيــق تلــك الهــداف‪ ،‬ل لغــرض اســترجاع التاريــخ‪ ،‬وإنمــا‬
‫للوقوف عن كثب على التطور الذي حدث في الدور الذي تقــوم بــه‬
‫البنوك المركزية في اقتصاداتها الوطنية‪ .‬فدور البنوك المركزية فــي‬
‫القتصاد هو دور ديناميكي مّر بتبدلت عديدة منذ نشأة هــذه البنــوك‬
‫وحتى الن‪ ،‬ومن الطبيعي أن يواصل تطوره باستمرار طالمـا تطـور‬
‫هيكــل القتصــاد واتســعت قاعــدة الدوات الــتي يســتخدمها لتنفيــذ‬
‫سياسته النقدية‪ .‬وهو ما ستتناوله هذه الورقة في جزئها الول‪.‬‬
‫أمــا متطلبــات نجــاح مثــل هــذا الــدور الــذي تقــوم بــه البنــوك‬
‫المركزية فإنه سيكون عنوان حديثنا فــي الجــزء التــالي مــن الورقــة‬
‫بينما يتناول الجــزء الثــالث والخيــر مــن الورقــة تجربتنــا فــي البنــك‬
‫المركزي الردني‪ ،‬التي تجاوزت الربعيــن عامـًا‪ ،‬فــي إرســاء أســس‬
‫سياسة نقدية سليمة وفاعلة وفي بناء جهاز مصرفي يتمتع بــالملءة‬
‫والكفاءة‪ .‬هذه التجربة التي استفادت وأفــادت العديــد مــن البنــوك‬
‫المركزية العربية في الســابق‪ .‬وكلــي أمــل أن يكــون هــذا المــؤتمر‬
‫نقطة مضــيئة لنــا جميعـا ً فــي إكســاب تجاربنــا العمليــة المزيــد مــن‬
‫عناصر التطور والفاعلية‪.‬‬
‫أول‪ :‬نشأة البنوك المركزية )لمحة تاريخية(‬
‫لقد جاءت نشـأة البنـوك المركزيـة متـأخرة بعـض الشـيء عـن‬
‫نشأة البنوك التجارية التي ظهرت في الدول الوروبيــة قبــل القــرن‬
‫السابع عشر‪ .‬ففي بادئ المر‪ ،‬كانت البنوك التجارية تقــوم بإصــدار‬
‫النقود وتقبل الودائع وتقدم القروض‪ .‬وفــي ضــوء بســاطة وتواضــع‬
‫النشاط القتصادي والمالي في تلك الفــترة‪ ،‬لــم تكــن هنالــك حاجــة‬
‫لوجـود هيئة إشـرافية تتـولى رسـم سياسـة عامـة أو تضـع القواعـد‬
‫التنظيمية لعمل البنوك‪ .‬ولكن إفراط بعــض هــذه البنــوك وتوســعها‬
‫في إصدار النقود أدى إلى حدوث أزمات مالية انعكست ســلبا ً علــى‬
‫القتصاد‪ ،‬المر الذي استدعى وجود مؤسسة تعنى بتنظيــم النشــاط‬
‫المصرفي وتنظيم عملية إصدار النقود للتحكــم بعــرض النقــد‪ .‬وقــد‬
‫أوكلت هذه المهمة في بادئ المر إلــى أحــد البنــوك القائمــة‪ .‬ومــع‬
‫تزايــد النشــاط القتصــادي وتزايــد احتياجــات الحكومــات للتمويــل‪،‬‬
‫وتزايــد حركــة الســلع والمــوال عــبر الحــدود‪ ،‬أصــبحت المعــاملت‬
‫المصرفية أكثر تعقيدًا‪ ،‬ظهــرت الحاجــة إلــى وجــود هيئة مــن خــارج‬
‫البنوك لتتولى عملية الشراف على عمل تلك البنوك وتنظيم العمل‬
‫الصرفي‪ ،‬بالضافة إلــى تنظيــم عمليــة إصــدار النقــد‪ ،‬فكــانت نشــأة‬
‫‪2‬‬
‫البنوك المركزية‪ .‬ومن هنا فــإن إنشــاء البنــوك المركزيــة إنمــا جــاء‬
‫للتحكم في عرض النقود وتنظيم إصدارها‪.‬‬
‫وبعــد الحــرب العالميــة الثانيــة‪ ،‬ونظــرا ً لضــخامة حجــم رؤوس‬
‫الموال اللزمة لعادة بنــاء القتصــادات المــدمرة‪ ،‬تطــورت أهــداف‬
‫ومهام البنــوك المركزيــة مــن دور بســيط يتمثــل‪ ،‬كمــا أســلفنا‪ ،‬فــي‬
‫عملية إصدار النقود وتنظيم أعمال البنوك التجارية‪ ،‬إلى دور تنمــوي‬
‫دعمتــه الدبيــات القتصــادية آنــذاك وخاصــة تلــك الصــادرة عــن‬
‫المؤسسات الدولية كالبنك والصندوق الدوليين‪ .‬فمنذ انتهاء الحرب‬
‫العالمية الثانية وحتى أواخر السبعينات‪ ،‬راجت فكــرة تــدخل الدولــة‬
‫في النشاط القتصادي‪ ،‬وهيمنت على معظم الدول فكرة التخطيــط‬
‫القتصادي لتحقيق التنمية‪ .‬وقد فــرض هــذا الواقــع‪ ،‬وخصوصـا ً فــي‬
‫الدول النامية‪ ،‬على البنوك المركزية أن تتجاوز في سياستها النقدية‬
‫هــدف الســتقرار النقــدي إلــى هــدف المســاهمة فــي دعــم النمــو‬
‫القتصــادي‪ .‬ولتحقيــق ذلــك كــان مــن الطــبيعي أن تتوســع البنــوك‬
‫المركزية في تمويــل عجــوزات الموازنــات العامــة للحكومــات‪ ،‬وأن‬
‫تلجــأ إلــى التــأثير علــى السياســات الئتمانيــة للبنــوك مــن خلل‬
‫الجراءات النتقائيــة لتــوجيه الئتمــان نحــو القطاعــات الــتي ترغــب‬
‫الدولة بتنميتها وخاصة قطاعات النتاج السلعي كالصناعة والزراعة‪.‬‬
‫وبعد السير في هذا التجاه لكثر من ثلثة عقود‪ ،‬أثبتت التجربــة‬
‫العملية خطأ هذا النهج‪ ،‬حيث أدى التوسع النقــدي المبــالغ فيــه إلــى‬
‫ارتفاع‬
‫معدلت التضــخم‪ ،‬والــذي أدى بــدوره إلــى تزايــد ظــروف عــدم‬
‫اليقين ومن ثم الضرار بـالنمو القتصــادي‪ .‬ومــن ناحيــة ثانيــة‪ ،‬أدت‬
‫الجراءات النتقائية للسياسة النقدية إلى إســاءة اســتخدام المــوارد‬
‫وإضعاف النتاجية‪ ،‬المر الــذي انعكــس ســلبيا ً علــى معــدلت النمــو‬
‫القتصادي‪ .‬وخلصة القول‪ ،‬أن هذا النهج فشــل فــي تحقيــق هــدف‬
‫زيــادة معــدل النمــو القتصــادي‪ .‬بينمــا ســاهم فــي زيــادة معــدلت‬
‫التضخم وقاد في نهاية المطاف إلى أزمات مالية عميقــة فــي كــثير‬
‫من دول العالم النامية وخاصة دول أميركا اللتينية‪ .‬ول يخفى علــى‬
‫حضراتكم‪ ،‬أن دولنا العربية لم تكن في منأى عن مثــل هــذه النتــائج‬
‫السلبية‪.‬‬
‫وقد أملى ذلــك تغيــرا ً ملحوظـا ً فــي دور البنــوك المركزيــة منــذ‬
‫أوائل الثمانينات‪ ،‬حيث أصبح دور البنك المركزي يتمركــز مــن جديــد‬
‫حول إرساء سياســة نقديــة ســليمة ذات فاعليــة عاليــة فــي تحقيــق‬
‫الستقرار النقدي بالدرجــة الولــى‪ .‬وضــمن هــذا الطــار‪ ،‬انصــرفت‬
‫البنوك المركزية فــي بعــض الــدول المتقدمــة الــتي فصــلت وظيفــة‬
‫الشراف والتنظيم عن بنوكها المركزية‪ ،‬إلى التركيز على استهداف‬
‫معدل التضخم كهدف رئيس لسياستها النقدية وذلك في ضوء تحرير‬
‫مــا البنــوك المركزيــة الــتي تتــولى‬
‫أسواق رأس المال في العــالم‪ .‬أ ّ‬
‫مهام التنظيم والرقابة على البنوك‪ ،‬فتعتبر مسؤولة عن توفير البيئة‬
‫المصرفية المناســبة وعــن ضــمان ســلمة الوضــاع المصــرفية إلــى‬
‫جانب رسم وتنفيذ السياسة النقدية‪.‬‬
‫وبالنتيجة‪ ،‬فقد أصبحت السياسة النقدية‪ ،‬ورغم مرورها بالعديــد‬
‫كز على الســتقرار النقــدي ونقصــد هنــا الســتقرار‬ ‫من التحولت‪ ،‬تر ّ‬
‫الداخلي )استقرار المســتوى العــام للســعار( والســتقرار الخــارجي‬
‫)استقرار سعر الصرف(‪ ،‬هذا فض ـل ً عــن تــوفير المتطلبــات الماليــة‬
‫للنشاط القتصادي‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬متطلبات نجاح البنك المركزي‬
‫إن نجاح البنوك المركزية في تحقيق هذا الهدف‪ ،‬أي الســتقرار‬
‫النقــدي إنمــا تحــدده مجموعــة مــن العوامــل والشــروط الذاتيــة أو‬
‫‪3‬‬
‫المؤسســية تتعلــق بهياكــل هــذه البنــوك وتطورهــا ونوعيــة مواردهــا‬
‫البشرية وغير ذلك من العوامل الخاصة بهذه البنوك‪ .‬كمــا ويتطلــب‬
‫ذلــك تــوافر مجموعــة مــن الشــروط الموضــوعية‪ ،‬وأبرزهــا درجــة‬
‫استقللية البنوك المركزية ومصــداقية سياســاتها وإجراءاتهــا وتــوفر‬
‫قدر كبير من الشفافية في عمل هــذه البنــوك وخضــوعها للمســاءلة‬
‫إزاء مدى نجاحها في تحقيق الهداف المنوطة بها‪.‬‬
‫واسمحوا لي هنا‪ ،‬وللهمية‪ ،‬أن أتوقف قليل ً عند هذه المفردات‪:‬‬
‫الســتقللية‪ ،‬والشــفافية‪ ،‬والمصــداقية‪ ،‬والمســاءلة وهــي مفــردات‬
‫أصبحت تتكرر كثيرا ً تحت عنوان الحوكمة الجيدة للبنوك المركزية‪.‬‬
‫إن اســتقللية البنــوك المركزيــة تعتــبر إحــدى المســائل‬
‫الهامة في أطار البحث عن الطار المؤسسي الذي يساعد السياسة‬
‫النقديــة فــي إبقــاء معــدلت التضــخم عنــد مســتوياتها المتدنيــة فــي‬
‫الجلين المتوســط والطويــل‪ .‬وتعنــي الســتقللية هنــا حريــة البنــك‬
‫المركزي في رسم وتنفيذ سياسته النقدية دونما خضـوع للعتبــارات‬
‫أو التدخلت السياسية‪ .‬ول تعني الستقللية بأي حال مــن الحــوال‪،‬‬
‫النفصال التام بين البنــك المركــزي والحكومــة‪ ،‬وانفــراد البنــك فــي‬
‫تحديد الهداف النهائية للسياسة النقدية‪ ،‬حيث يمكــن التفــاق علــى‬
‫هذه الهداف بين البنك والحكومة‪ .‬وعلــى ذلــك‪ ،‬فــإن البنــك يبحــث‬
‫عن الستقللية في تحديد الهــداف الوســيطة وفــي انتهــاج الدوات‬
‫المناسبة لبلوغ تلك الهــداف مــع ضــرورة الحفــاظ علــى أكــبر قــدر‬
‫ممكــن مــن النســجام والتنــاغم بيــن السياســة النقديــة و السياســة‬
‫المالية‪.‬‬
‫ما المصداقية‪ ،‬فإنها تمثل ركيزة أساسية تساعد فــي تحقيــق‬ ‫أ ّ‬
‫السياسة النقدية لهدافها‪ .‬ونعني بالمصداقية التزام البنك المركزي‬
‫باتخاذ الجراءات اللزمــة لتحقيــق أهــداف السياســة النقديــة‪ ،‬ودون‬
‫تهاون‪ .‬ول تثبت المصداقية إل ّ عبر الزمن حيــث يك ـّرر البنــك اتخــاذ‬
‫الجراءات نفسها إذا ما واجه ظروفا ً معينــة مــرة أخــرى ول يــتراجع‬
‫عن تلك الجراءات إل ّ بتحقق الهدف‪ .‬ومما ل شك فيه‪ ،‬أن اكتساب‬
‫البنــك المركــزي للمصــداقية يجعــل الفعاليــات الــتي تتــأثر بقراراتــه‬
‫ل( تسير بالتجاه المطلوب بشكل أسرع‪ .‬كمــا‬ ‫)الجهاز المصرفي مث ً‬
‫أن استقللية البنك المركزي تعتبر ركيزة هامة لتنفيذ سياسة نقديــة‬
‫أكثر فاعليــة وتســرع فــي تحقيــق الهــداف‪ ،‬المــر الــذي يعـّزز مــن‬
‫مصداقيته‪.‬‬
‫أمـا شـفافية السياسـة النقديــة‪ ،‬فتعنــي اطلع الجمهــور‪،‬‬
‫بشــكل واضــح وفــي أوقــات منتظمــة‪ ،‬علــى توجهــات وإجــراءات‬
‫السياســة النقديــة‪ .‬حيــث أن معرفــة الجمهــور وإدراكهــم لهــداف‬
‫وإجــراءات هــذه السياســة وأدواتهــا وتمكينهــم مــن الحصــول علــى‬
‫المعلومات المطلوبة في هذا الخصوص سيعمل على زيادة فعاليتهــا‬
‫وتمكين الجمهور‪ ،‬في ضوء ذلك‪ ،‬من بناء قرارات سليمة‪ ،‬فضل ً عــن‬
‫خلــق مزيــد مــن اللــتزام مــن قبــل البنــك المركــزي للوفــاء بهــذه‬
‫الهداف‪.‬‬
‫وفــي الــوقت الــذي اتســعت فيــه دائرة الهتمــام بالحوكمــة‬
‫المؤسســـية واســـتقللية البنـــك المركـــزي‪ ،‬فقـــد حظيـــت قضـــية‬
‫"مساءلة" البنك المركزي بنفس الهتمام أيضًا‪ ،‬فكلما تمتــع البنــك‬
‫بمزيــد مــن الســتقللية كلمــا ازدادت الحاجــة إلــى مســاءلته علــى‬
‫سياساته والنتائج التي تتمخض عنها‪ .‬وذلك اســتنادا ً إلــى مســؤوليته‬
‫تجاه تحقيق الهداف الــتي ينــص عليهــا قــانونه‪ .‬أمــا الجهــات الــتي‬
‫يكـون فيهــا البنــك مسـؤول ً أمامهـا فهــي متعــددة ومنهـا‪ :‬البرلمــان‪،‬‬
‫بصفته ممثل ً للشعب‪ ،‬ووسائل العلم والسواق المالية وذلــك وفــق‬
‫اللية أو السلوب الذي ينص عليه القانون‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫ثالثا‪ :‬تجربة البنك المركزي الردنــي فــي إدارة السياســة‬
‫النقدية‬
‫كما هو الحــال لــدى البنــوك المركزيــة فــي العــالم‪ ،‬فقــد أصــبح‬
‫تحقيـق السـتقرار النقـدي يعتلـي سـلم أولويـات السياسـة النقديـة‬
‫للبنك المركزي الردني فــي المرحلــة الحاليــة‪ .‬ونقصــد بالســتقرار‬
‫النقدي هنا‪ ،‬استقرار المستوى العام للسعار‪ ،‬واستقرار سعر صرف‬
‫الدينار وتوفير هيكل أسعار فــائدة ملئم‪ .‬فالســتقرار النقــدي يعتــبر‬
‫أحد أهم أركان الــبيئة الجاذبــة للســتثمارات ســواًء كــانت محليــة أم‬
‫أجنبية‪ ،‬وهذه الستثمارات هي المحرك الرئيس للنشاط القتصادي‪.‬‬
‫وبهذا يكون الدور الذي يلعبه البنك المركــزي فــي النمــو القتصــادي‬
‫دورا ً غير مباشر‪.‬‬
‫وإذا كــان تحقيــق الســتقرار النقــدي يمثــل المرتكــز الرئيــس‬
‫للسياسة النقدية في الوقت الراهن‪ ،‬فان البنك المركــزي لــم يغفــل‬
‫الجانب التمويلي للنشطة القتصادية وإنما غير من منهجية التعامــل‬
‫معه‪ .‬فبــدل ً مــن الــتركيز علــى تــوفير التمويــل اللزم للســتثمارات‬
‫بأسعار فائدة تفضيلية‪ ،‬والتي غالبا ً ما كانت تتم مــن خلل إجــراءات‬
‫إدارية تحد من كفاءة تخصيص الموارد‪ ،‬أصـبح الهتمـام فـي الـوقت‬
‫الراهن يرتكز على تــوفير الــبيئة المصــرفية المناســبة الــتي تســاعد‬
‫على تسهيل عمليات الوساطة المالية‪.‬‬
‫فالبنــك المركــزي يــؤمن بــأن الــبيئة المصــرفية الــتي تمكــن‬
‫المؤسسات المصرفية المختلفة من التنــافس بحريــة وعلــى أســس‬
‫توفر التمويــل للنشــاط القتصــادي‬ ‫متكافئة هي البيئة المناسبة التي‬
‫بالحجم والكلفة المناسـبين اسـتنادا ً إلـى قـوى السـوق‪ ،‬وهـي الـتي‬
‫ترفع من كفاءة استخدام الموارد المالية‪ .‬وعلى عكــس ذلــك‪ ،‬فقــد‬
‫أثبتــت التجربــة العمليــة علــى مــدى عقــدين ونيــف مــن الزمــن أن‬
‫الجــراءات الداريــة لــم تــؤد إلــى حفــز الســتثمار فــي المجــالت‬
‫المرغوبة ومن ثم تشجيع النمو القتصادي بقدر ما أدت إلــى إســاءة‬
‫استخدام الموارد وتكريــس بعــض السياســات القتصــادية الخــاطئة‪.‬‬
‫وعليــه فــان البنــك المركــزي تخلــى نهائي ـا ً عــن التــدخل فــي إدارة‬
‫المحــافظ الماليــة للبنــوك وقصــر دوره التنظيمــي علــى الجــراءات‬
‫التنظيميــة الــتي تضــمن ســلمة الوضــع المــالي لمؤسســات الجهــاز‬
‫المصرفي وتعزيــز منعتهــا لتمكينهــا مــن المنافســة علــى الصــعيدين‬
‫المحلي والخارجي‪ .‬والى جانب ذلك‪ ،‬فان البنك يولي أهمية خاصــة‬
‫لتطوير القطاع المصرفي من الناحيتين المؤسسية والنوعية لتمكينه‬
‫من القيام بدوره المناسب في خدمة القتصاد الوطني‪.‬‬
‫وبعد هذه المقدمة الموجزة‪ ،‬سأسـتعرض بشـيء مـن التفصـيل‬
‫جهود البنك المركزي الرامية لتعزيــز دوره فــي النشــاط القتصــادي‬
‫وعلى وجه التحديد‪ ،‬سيتركز الحديث على المحاور الثلثة التالية‪:‬‬
‫‪ –1‬تحقيق الستقرار النقدي‪.‬‬
‫‪ –2‬تهيئة البيئة المصرفية المناسبة‪.‬‬
‫‪ –3‬تطوير سوق رأس المال‪.‬‬
‫تحقيق الستقرار النقدي‬
‫تتمثل عناصر الستقرار النقدي التي يســتهدف البنــك المركــزي‬
‫الردني تحقيقها فــي اســتقرار المســتوى العــام للســعار واســتقرار‬
‫سعر صرف الدينار وخلق هيكل أسعار فائدة ينســجم مــع الظــروف‬
‫القتصادية المحلية والتطورات الدولية‪ .‬ويسعى البنك المركزي إلــى‬
‫تحقيق ذلك مــن خلل تنظيــم نمــو الســيولة المحليــة فــي القتصــاد‬
‫الوطني بما يتناسب وتمويل النشاط القتصادي الحقيقي‪.‬‬
‫وحتى أوائل التسعينات‪ ،‬دأب البنك المركزي على ضبط نمو‬
‫السيولة في القتصاد الوطني من خلل استخدام أدوات السياسة‬
‫النقدية التقليدية‪ ،‬والمتمثلة في سعر إعادة الخصم ونسب‬
‫الحتياطي النقدي اللزامي‪ ،‬علوة على السقوف المباشرة على‬
‫‪5‬‬
‫التوسع الئتماني في حالت معينة‪ .‬والى جانب ذلك لجأ البنك خلل‬
‫تلك الفترة إلى الجراءات الدارية للتأثير على هيكل الئتمان‬
‫المصرفي وكلفته‪ ،‬وذلك من خلل تحديد أسعار الفائدة على‬
‫القروض والودائع وإلزام البنوك بتوجيه جزء من محفظتها المالية‬
‫نحو استثمارات بعينها‪ .‬وقد أثبتت التجربة‪ ،‬أن هذه الدوات لم تكن‬
‫بالفعالية المطلوبة للتأثير على حجم السيولة في القتصاد الوطني‪،‬‬
‫فضل ً عن أنها أدت إلى تشوهات سعريه وهيكلية في القطاع‬
‫المصرفي‪ ،‬وبالتالي إلى تقليل كفاءة تخصيص الموارد في القتصاد‬
‫الوطني‪.‬‬
‫ومنذ نهاية عام ‪ ،1993‬أخذ البنك المركزي يتبــع الســلوب غيــر‬
‫ـة مــن خلل عمليــات الســوق‬ ‫المباشــر فــي إدارة السياســة النقديـ‬
‫المفتوحة‪ ،‬وهو السلوب الكثر شــيوعا ً فــي إدارة السياســة النقديــة‬
‫ـوم‬ ‫عند البنوك المركزية للدول المتقدمة‪ .‬وضمن هــذا الســلوب يقـ‬
‫خصيصـا ً‬ ‫البنك المركزي باســتخدام شــهادات اليــداع الــتي أصــدرها‬
‫لهذه الغاية كأداة رئيسة لمتصــاص الســيولة الــزائدة فــي القتصــاد‬
‫وبالتالي منعها من التأثير على مستوى السعار بشكل عام من جهة‪،‬‬
‫وعلى سعر الصرف من جهة أخرى‪ .‬وقــد لجـأ البنــك المركــزي إلــى‬
‫استحداث أداة شهادات اليداع في ظل عدم كفاية إصدارات أدوات‬
‫الدين العام الحكومي والتي ترتبط مباشــرة بتمويــل عجــز الموازنــة‬
‫العامة من جهة‪ ،‬وضعف السوق الثانوي لتلك الدوات من جهة ثانية‪.‬‬
‫وفي المقابل‪ ،‬تساعد عمليات إعــادة شــراء شــهادات اليــداع لجــل‬
‫أسبوع في ضخ السيولة إلى القتصاد الوطني عند اللزوم فضل ً عــن‬
‫دورها فــي تســهيل مهمــة البنــوك فــي إدارة محافظهــا الماليــة فــي‬
‫الجل القصير‪ .‬والى جانب شهادات اليداع‪ ،‬يستخدم البنك المركزي‬
‫أيضا ً أدوات ســعر إعــادة الخصــم ونافــذة اليــداع لليلــة واحــدة فــي‬
‫إدارته للسياسة النقدية‪.‬‬
‫ولقد اتخذت السياسة النقدية للبنك المركــزي اتجاهــات متباينــة‬
‫بيــن التشــدد والتســاهل فــي ضــوء التطــورات القتصــادية المحليــة‬
‫وتطورات أسعار الفائدة في السواق المالية الدولية‪ .‬فقــد تميــزت‬
‫فترة التسعينات بشكل عام بسياســة نقديــة متشــددة ســواء بهــدف‬
‫تخفيض معدلت التضخم كما حدث في أوائل التســعينات‪ ،‬أو بهــدف‬
‫تعزيــز اســتقرار ســعر الصــرف كمــا حــدث فــي أواســط وأواخــر‬
‫التسعينات‪ ،‬عندما ارتفع الطلب علــى العملت الجنبيــة بشــكل حــاد‬
‫ومفاجئ‪ .‬وقد ترتب على ذلك في حينه ارتفاع أسعار الفـائدة علــى‬
‫مختلف أدوات السياسة النقدية لدى البنك المركزي إلــى مســتويات‬
‫قياسية‪.‬‬
‫أم ًــا بعــد ترســخ الســتقرار النقــدي‪ ،‬ومنــذ أواســط عــام ‪1999‬‬
‫تحديدا‪ ،‬فقد تميزت السياسة النقدية باليسر‪ ،‬وقد أمكن خلل هــذه‬
‫الفترة تخفيض سعر الفائدة علــى مختلــف أدوات السياســة النقديــة‬
‫إلى أدنى مستوى لها منذ إتباع السلوب الجديد في إدارة السياســة‬
‫النقدية‪ .‬غير أن البنك اتجه منذ أواسط عــام ً‪ 2004‬لبعــض التشــدد‬
‫مــن خلل رفــع أســعار الفــائدة‪ ،‬وذلــك تجنب ـا للضــغوط التضــخمية‬
‫المحتملة جراء تزايد الطلب المحلي‪.‬‬
‫في‬ ‫ول بد من التنويه بأن سياسة سعر الصرف الحالية المتمثلة‬
‫ربط الدينار بالدولر الميركــي قــد خــدمت القتصــاد الردنــي جيــدًا‪،‬‬
‫حيث ساهمت بإحراز معدلت النمــو القتصــادي اليجابيــة وتخفيــض‬
‫معــدلت التضــخم إلــى مســتوى مماثــل لمــا هــو ســائد فــي الــدول‬
‫الصناعية‪ ،‬فضل ً عن تعزيز الثقة العامة بالدينار الردني‪ .‬وقــد ســاعد‬
‫على ذلــك ارتفــاع الحتياطيــات الجنبيــة لــدى البنــك المركــزي إلــى‬
‫مستوى مريح إذ تبلغ تلك الحتياطيات حاليا ً ‪ 4.6‬مليار دولر أميركي‬
‫)ما يكفي لتغطية مــا يزيــد علــى ثمانيــة أشــهر مــن المســتوردات(‪.‬‬
‫ويتوفر لدى البنك المركزي حاليا ً قناعة تامــة بــأن هــذه السياســة ل‬
‫زالت في صالح القتصاد الوطني‪ .‬وليس أدل على ذلــك مــن تزايــد‬
‫القدرة التنافسية للقتصاد الردني‪ ،‬حيــث نمــت الصــادرات الوطنيــة‬
‫بشكل ملحوظ خلل السنوات الخيرة‪.‬‬
‫أما على صعيد سياسة أسعار الفائدة‪ ،‬فقد أدخل البنك المركزي‬
‫فائدة‬ ‫إصلحات متعددة على هذه السياسة بهدف خلق هيكل أسعار‬
‫مــرن وملئم ينســجم مــع الوضــاع القتصــادية الســائدة محليــا ً و‬
‫تطورات أسعار الفائدة في الســواق العالميــة‪ .‬فمنــذ بدايــة تطــبيق‬
‫‪6‬‬
‫الصلحات القتصادية ‪ ،‬قام البنك المركــزي بتحريــر أســعار الفــائدة‬
‫السوق المصرفية وترك تحديــد مســتوياتها إلــى‬ ‫الدائنة والمدينة في‬
‫قوى السوق مستخدما ً السلوب غير المباشر لتوجيه تلك السعار‪.‬‬
‫ويعمل البنك المركزي للتأثير على أســعار الفــائدة فــي الســوق‬
‫المصرفي بشكل غير مباشر‪ ،‬وذلك من خلل تعديل أســعار الفــائدة‬
‫الرئيسة على أدوات سياســته النقديــة )ســعر إعــادة الخصــم‪ ،‬ســعر‬
‫نافــذة اليــداع‪ ،‬وســعر إعــادة شــراء شــهادات اليــداع( ومــن خلل‬
‫عمليات السوق المفتوحة المتمثلة في بيع شهادات اليداع بالدينار‪.‬‬
‫وبالنظر إلى مدى تجاوب البنوك مع إجــراءات البنــك المركــزي‪،‬‬
‫يلحظ عندما كان البنك المركـزي يســعى لتخفيــض أسـعار الفـائدة‪،‬‬
‫فإن البنوك كانت تخفض أسعار الفائدة على الــودائع بســرعة أعلــى‬
‫من تخفيضها لسعار الفائدة على التسهيلت‪ ،‬المر الذي يــؤدي إلــى‬
‫اتساع الهامش بين أسعار الفائدة المدينة والدائنة‪ .‬ولكن الملحظة‬
‫الجديرة بالهتمام‪ ،‬أن البنوك لم تبادر إلى رفع أسعار الفــائدة علــى‬
‫التسهيلت عندما بدأ البنك المركزي برفع أسعار الفائدة على أدوات‬
‫سياسته النقدية خلل فترة الثنــي عشــر شــهرا ً الخيــرة‪ .‬بـل علــى‬
‫العكس مالت أسعار الفائدة على التسهيلت نحو النخفاض مما أدى‬
‫إلى تقلص الهامش بين الفائدة الدائنة والمدينة بشكل واضــح ليبلــغ‬
‫‪ 4.73‬نقطة مئوية‪ .‬ويعكس هذا التجاه ارتفــاع مســتوى التنافســية‬
‫في الجهاز المصرفي الردني‪ ،‬وخاصة في أعقاب دخول ثلثــة بنــوك‬
‫عربية كبيرة إلى السوق الردني‪.‬‬

‫هيكل أسعار الفائدة في السوق المصرفي الردني‬


‫)نسب مئوية(‬

‫‪2004‬‬ ‫‪2003‬‬ ‫‪1998‬‬ ‫‪1993‬‬


‫أيار‬
‫‪2005‬‬
‫شهادات إيداع‬

‫‪4.05‬‬ ‫‪2.85‬‬ ‫‪2.10‬‬ ‫‪9.45‬‬ ‫‪3.25‬‬ ‫‪ 3‬أشهر‬

‫‪4.50‬‬ ‫‪3.20‬‬ ‫‪2.15‬‬ ‫‪9.55‬‬ ‫‪4.10‬‬ ‫‪ 6‬أشهر‬

‫‪4.50‬‬ ‫‪3.75‬‬ ‫‪2.50‬‬ ‫‪9.00‬‬ ‫‪8.50‬‬ ‫سعر إعادة الخصم‬

‫اتفاقيات إعادة شراء‬

‫‪5.50‬‬ ‫‪4.75‬‬ ‫‪3.50‬‬ ‫‪11.50‬‬ ‫*‬


‫‪5.50‬‬ ‫شهادات اليداع‬

‫‪3.00‬‬ ‫‪2.250‬‬ ‫‪2.00‬‬ ‫‪8.50‬‬ ‫**‬


‫‪4.13‬‬ ‫اليداع لليلة‬ ‫نافذة‬
‫واحدة‬

‫‪3.249‬‬ ‫‪2.805‬‬ ‫‪2.13‬‬ ‫‪5.83‬‬


‫**‬
‫‪7.03‬‬
‫*‬
‫لليلةالبنوك‬
‫القراض بين‬
‫واحدة‬

‫‪7‬‬
‫الودائع لدى البنوك‬
‫نيسان‬
‫‪2005‬‬
‫‪0.36‬‬ ‫‪0.36‬‬ ‫‪0.50‬‬ ‫‪1.35‬‬ ‫‪0.88‬‬ ‫تحت الطلب‬

‫‪0.75‬‬ ‫‪0.74‬‬ ‫‪0.88‬‬ ‫‪5.13‬‬ ‫‪5.14‬‬ ‫توفير‬

‫‪2.69‬‬ ‫‪2.50‬‬ ‫‪2.75‬‬ ‫‪8.33‬‬ ‫‪6.87‬‬ ‫لجل‬


‫التسهيلت‬
‫من‬ ‫المقدمة‬
‫البنوك‬
‫‪8.66‬‬ ‫‪8.81‬‬ ‫‪9.43‬‬ ‫‪12.49‬‬ ‫‪11.03‬‬ ‫جاري مدين‬

‫‪7.42‬‬ ‫‪7.59‬‬ ‫‪8.92‬‬ ‫‪8.04‬‬ ‫‪10.27‬‬ ‫قروض وسلف‬

‫‪8.62‬‬ ‫‪8.96‬‬ ‫‪10.24‬‬ ‫‪13.97‬‬ ‫‪11.11‬‬ ‫كمبيالت‬

‫يمثل سعر الفائدة على اتفاقيات إعادة الشراء اعتبارا ً‬ ‫من *‬


‫شهر نيسان ‪.1994‬‬
‫**‪ .‬يمثل سعر الفائدة على نافذة اليداع اعتبارا ً من آذار‬
‫‪1998‬‬
‫سعر‪ .‬الفائدة على القراض بين البنوك اعتبارا ً من‬ ‫يمثل‬ ‫***‬
‫تشرين ثاني ‪1996‬‬

‫تهيئة البيئة المصرفية المناسبة‬


‫كما سبق وأشرت‪ ،‬فان البيئة المصرفية السليمة‪ ،‬تعتبر من أهم‬
‫شروط تحقيق الكفاءة في عملية تخصيص المــوارد وبالتــالي تــوفير‬
‫التمويــل المناســب للنشــاط القتصــادي‪ .‬لــذلك فــان هــدف تطــوير‬
‫الجهاز المصرفي وضمان سلمته ل يقــل أهميــة عــن هــدف تحقيــق‬
‫الستقرار النقدي‪ .‬إذ تعتبر وحدات الجهاز المصرفي إحدى القنوات‬
‫الحيوية التي تلعب دورا ً بارزا ً في النشــاط القتصــادي‪ ،‬فهــي بمثابــة‬
‫حلقة وصل بين وحدات الفائض ووحدات العجز في القتصاد أو بيــن‬
‫المدخر والمستثمر‪ .‬وللدللة على أهمية هذا القطاع يمكن الشــارة‬
‫إلى إجمالي حجم موجودات البنوك والتي شكلت مـا نسـبته ‪%239‬‬
‫من الناتج المحلي الجمالي في عام ‪ .2003‬وفي ضوء ذلــك أولــى‬
‫البنك المركزي عملية إصلح القطاع المالي والمصرفي عناية كبيرة‬
‫وذلك لضمان سلمته ومنعتـه وتطــوير أنشـطته‪ .‬ومـن أبــرز ملمـح‬
‫جهود البنك المركزي في هذا المجال‪:‬‬
‫‪ .1‬تعزيز سلمة ومنعة الجهاز المصرفي‬
‫إيمانا ً من البنك المركزي بأن وجود مؤسسات مصرفية قوية‬
‫يعتبر من أساسيات تعزيز قدرة تلك المؤسسات على المنافسة‬
‫المحلية والخارجية‪ ،‬فقد طلب البنك المركزي من البنوك‬
‫الردنية رفع الحد الدنى لرأسمالها من ‪ 20‬مليون دينار إلى‬
‫‪ 40‬مليون دينار على أن يتم تحقيق هذا المستوى بنهاية عام‬
‫‪ .2007‬كما رفع الحد الدنى لمعدل كفاية رأس المال إلى‬
‫‪8‬‬
‫‪ %12‬بالمقارنة مع النسبة المقررة في لجنة بازل والبالغة‬
‫‪ .%8‬وفي إطار تحسين نوعية موجودات البنوك بما ينعكس‬
‫إيجابيا ً على سلمة مراكزها المالية‪ ،‬فقد تم تخفيض المدة‬
‫الزمنية لتصنيف الديون المتعثرة وتعليق الفوائد عليها من ستة‬
‫أشهر إلى ثلثة أشهر‪ .‬كذلك أصدر البنك المركزي تعليمات‬
‫تتعلق بمكافحة غسيل الموال بغية الحفاظ على سلمة الجهاز‬
‫المصرفي الردني داخل المملكة وخارجها‪ .‬إضافة إلى ذلك‬
‫فقد أصدر البنك المركزي إطارا شامل ً للجراءات التصحيحية‬
‫لتجنب الممارسات والسياسات المصرفية غير السليمة أو غير‬
‫المنة ومعالجة نقاط الضعف في مراحل مبكرة‪.‬‬
‫‪ .2‬تعزيز الرقابة المصرفية الحصيفة‬
‫ارتفع مستوى الرقابة التي يمارسها البنك المركزي الردني‬
‫على المصارف إلى مستوى جيد وبما ينسجم مع المعايير‬
‫الدولية بهذا الخصوص‪ .‬وضمن هذا الطار فقد فرض البنك‬
‫كزات الئتمانية المباشرة وغير‬ ‫المركزي حدودا ً قصوى للتر ّ‬
‫المباشرة‪ ،‬ووضع حدا ً أدنى لنسبة حقوق المساهمين إلى‬
‫الموجودات )‪ .(%6‬كما تمت إضافة مخاطر السوق إلى معادلة‬
‫احتساب معدل كفاية رأس المال‪ ،‬وتم تطوير نظام إنذار مبكر‬
‫للمصارف يساعد البنك المركزي في التعرف على مواطن‬
‫الضعف في الوضع المالي والداري لي بنك وهي في مراحلها‬
‫الولى‪ .‬كما تم تطبيق مفاهيم الرقابة الشاملة لتشمل‬
‫التفتيش الميداني والمكتبي لمختلف فروع البنك الواحد في‬
‫الداخل والخارج‪ ،‬هذا إلى جانب تطبيق معايير المحاسبة‬
‫والفصاح المالي المعمول بها دوليًا‪.‬‬
‫‪ .3‬الستفادة من الخبرات المصرفية الخارجية‬
‫في إطار تطوير الخدمات المصرفية‪ ،‬أفسح البنك المركزي‬
‫المجال أمام ترخيص المزيد من المؤسسات المصرفية‬
‫الخارجية خاصة ذات الخبرة المميزة منها كبنك الكويت الوطني‬
‫الذي باشر أعماله قبل بضعة أشهر و "بنك لبنان والمهجر"‬
‫وبنك عودة والمتوقع مباشرتهما العمل قريبًا‪ .‬ويأتي ذلك‬
‫انسجاما ً مع تحرير قطاع الخدمات المصرفية في إطار انضمام‬
‫ما ل شك فيه أن دخول‬ ‫الردن إلى منظمة التجارة العالمية‪ .‬وم ّ‬
‫مثل هذه المؤسسات سيعّزز الخبرات المصرفية في الردن‪.‬‬
‫‪ .4‬تعزيز المنافسة في القطاع المصرفي‬
‫اتخذ البنك المركزي العديد من الجراءات بهذا الشأن ومنها‪،‬‬
‫إزالة المزايا التفضيلية التي كانت تتمتع بها بعض البنوك في‬
‫مجال التسليف‪ ،‬وتوحيد نسبة الحتياطي اللزامي على كافة‬
‫أنواع الودائع بالدينار وبالعملت الجنبية ولدى كافة البنوك‪،‬‬
‫وتشجيع البنوك على الندماج فيما بينها لخلق مؤسسات‬
‫مصرفية قوية وذات قاعدة رأسمالية كبيرة تمكنها من‬
‫المنافسة بشكل ملئم في الداخل والخارج‪ ،‬هذا بالضافة إلى‬
‫الطلب من البنوك العلن عن سعر فائدة القراض لفضل‬
‫العملء بمختلف الوسائل العلمية‪.‬‬
‫‪ .5‬تطوير أنشطة البنوك‬
‫قام البنك المركزي بتشجيع البنوك على إدارة المحافظ‬
‫الستثمارية بالدينار وبالعملت الجنبية من خلل إعفاء هذه‬
‫المحافظ من نسبة الحتياطي النقدي اللزامي‪ .‬كما عمل على‬
‫تطوير نظام الستعلم المتعلق بالخطار المصرفية من خلل‬
‫الربط الشبكي اللي‪ ،‬وإنشاء وحدة للشيكات المرتجعة في‬
‫البنك المركزي بغرض الحد من هذه الظاهرة‪ .‬هذا‪ ،‬بالضافة‬
‫إلى قيامه بتطوير نظام المدفوعات الوطني على أحدث‬
‫‪9‬‬
‫السس بهدف تقليل المخاطر المتعلقة بالسيولة والتسوية‬
‫وإيجاد آلية متطورة لمقاصة وتسوية الوراق المالية مما يسهل‬
‫عمليات التحويل فيما بين البنوك وتمكينها من تقديم خدمة‬
‫سريعة ومأمونة للمواطنين‪.‬‬
‫‪ .6‬تحديث التشريعات المصرفية والمالية‬
‫حرص البنك المركزي على تحديث التشريعات الناظمة‬
‫للعمل المصرفي في الردن بهدف مواكبتها لما هو معمول به‬
‫في السواق المالية المتقدمة‪ .‬فقد صدر قانون البنوك في‬
‫شهر آب من عام ‪ 2000‬والذي يشكل نقلة نوعية لتطوير‬
‫العمل المصرفي بما يتماشى مع المستجدات في الصناعة‬
‫المصرفية العالمية‪ .‬وقد فتح هذا القانون الباب أمام البنوك‬
‫لتقديم حزمة شاملة من الخدمات المالية في إطار ما يعرف‬
‫بمفهوم البنك الشامل‪ .‬فلم يعد دور البنــك يقتصر علــى‬
‫تقديم الخدمات المالية التقليديــة‪ ،‬بل توسع ليشمل خدمات‬
‫الوكالة‪ ،‬والستشارات المالية‪ ،‬وإدارة المحافظ الستثمارية‪،‬‬
‫وإدارة الموال واستثمارها للغير‪ ،‬وكذلك إدارة إصدارات‬
‫الوراق المالية والتعهد بتغطيتها وتوزيعها‪ ،‬بالضافة إلى تقديم‬
‫خدمات الحفظ المين للوراق المالية‪ .‬وأتاح القانون أيضا ً‬
‫للبنوك القيام بعمليات الوساطة واليجار )‪ (Leasing‬والدفع‬
‫والتحصيل والتعامل بأدوات السوق النقدي وأدوات رأس المال‬
‫والتعامل بالعملت الجنبية في أسواق النقد النية والجلة‬
‫والمشتقات )‪ .(Derivatives‬كما سمح القانون للبنوك امتلك أو‬
‫تأسيس شركات تابعة مالية غير مصرفية كشركات التأمين‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫كما صدر قانون مؤسسة ضمان الودائع في أيلول من عام‬
‫‪ 2000‬والذي مهد الطريق لنشاء مؤسسة ضمان الودائع‪.‬‬
‫وتهدف هذه المؤسسة إلى حماية أموال المودعين ورفع درجة‬
‫المان والثقة بالجهاز المصرفي‪ ،‬وقد أناط القانون عمليات‬
‫تصفية البنوك المتعثرة بالمؤسسة‪ .‬وصدر في كانون أول‬
‫‪ 2001‬قانون المعاملت اللكترونية الذي يهدف إلى تسهيل‬
‫استعمال الوسائل اللكترونية في إجراء المعاملت التجارية‬
‫والمالية‪.‬‬
‫وساهم البنك المركزي أيضا ً بإصدار قانون إدارة الدين‬
‫العام والذي صدر في شهر تموز ‪ ،2001‬وبموجب هذا القانون‬
‫تم تنظيم العلقة بين البنك المركزي ووزارة المالية‪ ،‬هذا فضل ً‬
‫عن قصر تمويل عجوزات الموازنة العامة من خلل إصدار‬
‫أدوات الدين العام مما يساهم في تعميق السوق المالي ويحد‬
‫من أي آثار سلبية لتمويل هذه العجوزات‪.‬‬
‫ملة‬
‫‪ .7‬استحداث المؤسسات المالية المك ّ‬
‫إيمانا ً من البنك المركزي بالدور الذي تلعبه المؤسسات‬
‫المالية المساندة للعمل المصرفي جنبا ً إلى جنب مع البنوك‬
‫المرخصة‪ ،‬فقد ساهم البنك المركزي مساهمة فاعلة في خلق‬
‫مثل هذه المؤسسات لتساهم بصورة مباشرة في النهوض‬
‫بالقتصاد الوطني‪ .‬فمنذ الستينات‪ ،‬لعب البنك المركزي دورا ً‬
‫ملموسا ً في استحداث مؤسسات القراض المتخصصة لتقوم‬
‫مل لدور البنوك التجارية في تمويل القطاعات‬ ‫بدور مك ّ‬
‫التنموية‪ .‬ومن أبرز هذه المؤسسات‪ :‬بنك النماء الصناعي‬
‫وبنك تنمية المدن والقرى ومؤسسة القراض الزراعي‪ .‬وفي‬
‫مان‬ ‫أواخر السبعينات ساهم البنك المركزي في إنشاء سوق ع ّ‬
‫ما أحدث المثلة على هذه المؤسسات فتتمثل في‬ ‫المالي‪ .‬أ ّ‬
‫شركة ضمان القروض وشركة إعادة تمويل الرهن العقاري‬
‫وأخيرا ً مؤسسة ضمان الودائع التي أشرت إليها فيما سبق‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫‪ .8‬تطوير سوق رأس المال‬
‫يلعب سوق رأس المال دورا ً أساسيا ً في دفع عجلة النشاط‬
‫القتصادي باعتباره وعاًء ضروريا ً لحشد وتعبئة المدخرات‬
‫الوطنية ولجذب الستثمارات الجنبية‪ .‬ومن هذا المنطلق كان‬
‫للبنك المركزي دورا ً مباشرا ً في إنشاء سوق عمان المالي في‬
‫أواخر السبعينات‪ ،‬والذي تمت إعادة هيكلته فيما بعد ليتكون‬
‫من ‪ :‬هيئة الوراق المالية ‪ ،‬وبورصة عمان‪ ،‬ومركز البداع ‪.‬‬
‫ولتعميق سوق رأس المال وتطوير أدواته‪ ،‬فقد قام البنك‬
‫المركزي بالتنسيق مع وزارة المالية لصدار أذونات وسندات‬
‫خزينة بشكل دوري ومنتظم منذ نهاية عام ‪ .1998‬كما ساهم‬
‫البنك المركزي بشكل فعال في إنشاء الشركة الردنية لعادة‬
‫تمويل الرهن العقاري والشركة الردنية لضمان القروض‬
‫وائتمان الصادرات‪ .‬وشجع البنوك على إصدار إسناد القرض بدل ً‬
‫من القتصار على القراض المباشر لعملئها‪ ،‬وحث الشركات‬
‫الكبرى على الحصول على التمويل عن طريق السندات وعدم‬
‫الكتفاء بالعتماد على القتراض المصرفي المباشر‪ .‬كما تم‬
‫إعفاء السندات ذات الجال الطويلة التي تصدرها الشركات‬
‫وتكتتب بها البنوك من الوعاء الخاضع للحتياطي النقدي‬
‫اللزامي‪ .‬هذا بالضافة إلى تشجيع البنوك والشركات على‬
‫استحداث الدوات الرأسمالية كشهادات اليداع وإسناد القرض‬
‫والسندات‪.‬‬
‫‪ .9‬إنجازات السياسة النقدية‬
‫إن المتتّبع لداء السياسة النقدية خلل السنوات القليلة‬
‫الماضية‪ ،‬يلحظ بوضوح أن هذه السياسة حققت إنجازات‬
‫ملموسة‪ .‬فقد تم المحافظة على استقرار سعر صرف الدينار‪،‬‬
‫مما عزز الستقرار والثقة بمناخ الستثمار في الردن وعاد‬
‫بالنتائج اليجابية على أداء القتصاد الردني وذلك حسبما تشير‬
‫إليه التقارير الحديثة للمؤسسات الدولية‪ .‬وبقيت معدلت‬
‫التضخم ضمن مستويات مقبولة لم تتجاوز ‪ %2‬في المتوسط‬
‫خلل السنوات الخمس الخيرة‪ .‬وتم توفير السيولة الملئمة‬
‫للنشاط القتصادي وبمعدلت بلغت ‪ %9.2‬في المتوسط خلل‬
‫السنوات الخمس الخيرة وإضافة إلى ذلك‪ ،‬تم بلورة هيكل‬
‫أسعار فائدة ينسجم مع الوضاع القتصادية المحلية ويتماشى‬
‫مع التطورات القتصادية الدولية‪ .‬ول ننسى هنا الحتياطيات‬
‫الجنبية للبنك المركزي والمستوى القياسي الذي وصلت إليه‪،‬‬
‫إذ تبلغ هذه الحتياطيات حاليا ً حوالي ‪ 4.7‬مليار دولر وهو‬
‫مستوى يكفي لتغطية مستوردات المملكة من السلع‬
‫والخدمات لفترة تزيد عن ستة أشهر‪.‬‬
‫وفيما يتعلق بأداء القطاع المصرفي خلل السنوات الخمس‬
‫الخيرة‪ ،‬فقد نما إجمالي موجودات البنوك المرخصة بنسبة‬
‫‪ %8.5‬في المتوسط‪ ،‬ونما إجمالي الودائع بنسبة ‪ %9.0‬في‬
‫المتوسط‪ ،‬كما نمت التسهيلت الئتمانية بنسبة ‪ %8.2‬في‬
‫المتوسط‪ ،‬وارتفع رأس المال والحتياطيات من ‪ 935‬مليون‬
‫دينار في نهاية عام ‪ 1999‬إلى ‪ 1.3‬مليار دينار في نهاية عام‬
‫‪.2004‬‬
‫وإضافة إلى ذلك‪ ،‬بلغت نسبة كفاية رأس المال في نهاية‬
‫عام ‪ 2004‬نحو ‪ %17.8‬مقارنة مع النسبة المقررة بموجب‬
‫اتفاقية بازل والبالغة ‪ ،%8‬وحصلت بعض مؤسسات الجهاز‬
‫المصرفي على تصنيف ائتماني مرتفع من مؤسسات التصنيف‬
‫الدولية‪.‬‬
‫دور البنك المركزي في إرساء السياسة النقدية‬
‫‪11‬‬

You might also like