Professional Documents
Culture Documents
مقالت
د/أبو بلل عبد الله الحامد
الستاذ السابق في جامعة المام بالرياض
المسودة الولى 1423هـ 2002م
(نسخة حائل)المسودة العاشرة/14 ( 1428/08/01
)2007/08
شــــكــــر
=35التعصب والتمذهب
أنتج منهج تربية الخضوع( :تربية القطيع)
أ -اشتق الفقه من الفهم فأصبح تلقينا وتقليدا:
عندما ساد التعصب للمذهبية ،صار الناشئة يربون على اللتزام بالمذهب ،
ويحفظون م سائله أك ثر من تحفيظ هم أدلت ها من الكتاب وال سنة ،وين شأ الناش يء
وهو يكرر أسماء علماء مذهبه ،أكثر من تكرار أسم أي صحابي ،ومن أجل ذلك فل
عجب أن يكون إعجابه بهم في العقل الباطن أشد ،و أن قبوله منهم أكثر.
ومن أجل ذلك فل عجب ،أن ينظر إلى أتباع المذاهب الخرى ،نظرات الريبة
والشك ،وأن ينغلق ذهنه عن سماع الرأي الخر ،فضل عن التسامح بوجوده ،ولو
كان اجتهادا مع تبرا مشروعا ،ول غرا بة أن يؤدي ذلك إلى القطي عة ب ين أ صحاب
الملة الواحدة .
وهذا التعصب ليس اجتهادا ،وليس موالة للفكار والجتهادات ،إنه هو إل
موالة للشخاص ،ولو كان للفكار ،لما وجدت أهل البلد يجمعون على الخذ عن
إمام مع ين ،ويتركون الئ مة الخر ين ،ول ما وجدت الجماعات تقت صر على أرب عة
مذا هب ،وتترك الع مل والفتوى ،بأقوال علماء كبار آخر ين ،كالبخاري وع بد اللّه
بن المبارك ،وسفيان الثوري ،وسعيد بن المسيب والحسن البصري.
وقد أثمر ذلك ثمارا مرة ،منها أن الناشيء ل يكاد يتذكر من غير أهل مذهبه
ييى الدارس أن الحنابلة والشاعرة ،والمعتزلة
يياوىء والمخازي ،فينسي
إل المسي
والخوارج والشي عة ،يلتقون في أك ثر الم سائل ال صولية والفروع ية ،ويلتقون في
سنن من الدين صريحة ل ينبغي إغفالها،ول سيما في أركان إسلم الدولة.
ولما أغرق العلماء في التنظير ،وتكونت المذاهب على شكل العمائر الناطحات
السحاب ،لم يكن من الممكن لطالب العلم والعالم أحيانا إل أن يقلد المذهب ،لنه ل
يسيتطيع أن يسيتحضر الحقيقية ،فيي مئات المسيائل ،وعشرات الدلة والنصيوص
والعتراضات في كل مسألة ،إل عبر أقوال علماء مذهبه ومواقفهم ،فلم يستطع أن
يكون كدوار الشميس ،الذي يدور ميع الضوء حييث دار ،بيل أصيبح كالمحجبية فيي
الهودج ال تي ل ترى إل ما هو أمامها ،ح يث ل تلت فت ذات اليمين أو اليسار ،فهي
مكفية ،ل تبحث عن الطريق ،و ل ترى إل ما يريد صاحب الهودج أن تراه.
و من أ جل ذلك جاءت ع ند الفرق المتمذه بة ،كراه ية جدال المخالف ين ،وتقدم
ذلك با سم اللتزام بالد ين ،واكت سب م صطلح الجدل سمعة سيئة ،لن قناعات طلب
العلم ،تبنيي على التقلييد والتلقيين ،لن المذهيب أصيبح أشبيه ميا يكون بالقلعية
المحاصرة ،التي تمنع التسلل وتتمنطق بالحذر والرتياب.
فتشكلت الذهن ية المغل قة ،ال تي لت سمع إل من ش يخ مع ين ،ول تن ظر إل من
خلل ثقب ضيق.
وبناء على منطق القلعة المحاصرة; استلت نظريات قمع الرأي الخر ووئده،
و صارت محار بة ك تب الرأي ال خر ،ف ساعد ذلك على ض عف المنهج ية في العلم،
وضعف الروح المعرفية.
ب-المذهبية تغلق الذهان وتفتك بالحرية والتسامح:
ورغيم ميا لعلمائنيا الفاضيل فيي العصيور العباسيية والمملوكيية والعثمانيية؛
إخلص وصيبر وتضحيية ،فيي مواقفهيم السيياسية ،ولكننيا فيي مقام تقيييم نتائج
الموقف سياسيا في إطار قضية الحرية ،فإن نتيجة منطق القلعة المحاصرة؛ هي
أنهيم بنوا المنهيج المعرفيي ،فيي ظيل الحصيار ،فكانيت أكثير المسيائل الجتماعيية،
مسيائل غيير عمليية فيي التعاييش ميع الحياة ،ومين أجيل ذلك حرموا مين الخيبرة
الجتماعيية الناتجية عين التجربية ،فجاء الفقيه مركزا على (التقيية( و(الضرورة)،
وهذا جانب ،وصار التفريع في شق العقيدة المدني ،يقدم وفق تداعى الحوادث،من
دون النطلق من صورة(نظام).فكأن المنظر الصولي ساكن في بيت ،وكلما ازداد
أولده وأحفاده ،أضاف للبيت غرفة أخرى ،من غير نسق هندسي عام ،قبل مباشرة
البناء .فصار بناء الفقه وحدات عشوائية تعاني من التفكك و التشرذم.
و لن الناس يكرهون حكم الجور والجبر ،نظروا إلى كل من يعارض السلطة
نظرة إجلل واحترام ،ول رييب أن مناضلة النسيان فيي الدفاع عين رأييه موقيف
كرييم ،حتيى لو لم يكين للمعارض ،رؤيية سيياسية أو فقيه سيياسي نيير ،يوصيف
بالبطولة والخلص والحما سة من الناح ية الخلق ية ،ول كن ل ينب غي أن ين ظر إلى
المعارضية ،على أنهيا تفرز الصيواب ،فمهميا كان تقديرنيا للتضحيية; ل ينبغيي أن
نظن باذلها الفرد الملهم ،المحتكر الصواب ،المالك للحقيقة ،ولكن الناس خلطوا بين
قوة القلب ،وقوة البصرة والفكر.
واكت سبت رموز كثيرة من المذا هب ،شهرت هم من خلل المعار ضة ،دون أن
يفرز اللحقون البصيييرة السييياسية ،ليفحصييوها مجردة ميين ظلل الخلص
والتضحية بالعلم والمصداقية الجتماعية جانبا.،
ولما كان الفكر المعارض ،يستبد به منطق العزلة ،شلت حراكه العزلة ،عن
النميو والمبادرة والبتكار ،فصيار مجرد احتجاج ،ل يقدم بدائل ،ونميا عيبر رموزه،
التز مت والتشدد في الد ين ،لن الض يق النف سي ،الذي ين مو في شخ صية الش عب
المقموع؛ يتحول إلى مذهب منغلق.
الدلييل على ذلك أن الشخصييات المعارضية ،نجيت عندميا ابتعدت عين فسياد
السلطان الجائر؛ ولكنها لم تنشئ فكرا عمليا ،يسهم في الوصول ،إلي وفاء الدولة
والمة بشروط إسلمها المعتبرة.
وزاد الط ين بلة أن البيئات الجتماع ية المنغل قة وغ ير المفتو حة ،تم يل إلى
يد ،والطعام
يي اللوان ،فاللون واحي
يد ،وتكره التعدد في
يي الواحي
يق الجتماعي
النسي
واحد،والصحراء جافة قاحلة ،والمرائي ل خضرة فيها ول ظلل ،والطباع تميل إلى
الجفاء والخشونة،فينشأ الفكر أكثر انغلقا ،حتى نصل إلى الفقه البدوي.
ج -سيطرة التقليد:
وقد يحتج المتعصبون للتمذهب بأ نّ العامي يجوز له التقليد ،لنه ل يستطيع
الجتهاد ،وعلى هذا اعتراضات:
أني الذيين يحفظون كتيب الفقيه ومختصيراته المذهبيية،
العتراض الول ّ :
ويلتزمون بها ،أكثرهم طلب علم .
وهناك فرق بين تفقيه العامي بالكتاب والسنة ،وبين تلقينه الحكام ،الول :
هو الفقه الشرعي ،والثاني :هو الفقه الذي ينشر التعصب والنغلق .
ول كن المنهاج التعلي مي ،عندما ح فظ الدارس المتن بدون الدل يل ،جعله عاميا
في طريقة تفكيره فهذه الكتب أنتجت مقلدين في لباس مجتهدين ،وأميين في لبوس
متعلمين ،وعوام في لبوس خواص.
العتراض الثانيي :لو جاز للعام ّي أن يقلد ،فهيل يجوز له أن يقلد إنسيانا
بعينه? قال الدهلوي » :لقد صح إجماع الصحابة والتابعين ،وتابعيهم بإحسان من
السلف الصالح ،على المنع من أن يقصد إنسان إلى قول أحدٍ بعينه ،فيأخذ بجميع
أقوال أ بي حني فة ،أو جميع أقوال مالك ،أوجم يع أقوال الشاف عي ،أو جم يع أقوال
أحمد أو غيرهم ،وعلى أن من لم يعتمد على ماجاء في الكتاب والسنة ،فقد خالف
إجماع المة كلّها ،واتبع غير سبيل المؤمنين ،وهذا يؤدي إلى أن ليكون الرسول
هو المت بع ،لن من رأى غ ير الر سول أولى بالتباع ،ف قد و قع في عبادة العلماء
والئمة « .
وهذا يوق عه في الور طة المخال فة للشري عة ،ال تي بين ها الحد يث ال صحيح ،
ي بن حاتم رضي اللّه عنه ،أنه سمع النبي ص يقرأ قوله تعالى :
الذي رواه عد ّ
»اتخذوا أحبارهيم ورهبانهيم أربابا مين دون اللّه « قال » :فقلت :يارسيول اللّه !
يتحلوه ،وإذا
يم شيئا اسي
يوا إذا أحلوا لهي
يم ،فقال :أليسي
يم ماكانوا يعبدونهي
إنهي
حرمّواعليهيم شيئا حرمّوه ،قال فقلت :بلي قال :قتلك عبادتهيم « فمين يتعصيب
ن غ ير ر سول اللّه صلى ال عل يه و سلم ،ويرى أ نّ أقواله هي ال صواب
لواحدٍ معي ٍ
الذي يجب اتباعه ،دون الئمة الخرين فهو مخطىء .
ليسيوغ لعاميي وللمثقيف ،أن يأخيذ أحكام دينيه بدون دلييل ،بيل علييه أن
(يت بع) الذي يقن عه بالدل يل ،ل كي ليع طل عقله الذي وه به اللّه ،ليعرف الحلل من
الحرام.
سئل ابن تيمية عن المتمذهب بآراء إمام معين فقال :من زعم أن قول هذا
الواحيد المعيّن ،هيو الصيواب الذي ينبغيي اتباعُه ،دون المام الذي خالفيه يكون
جاهلً ،بييل يكون كافرا والعياذ باللّه .بييل شدد ابيين تيمييية النكييير على هذا
التجاه(كعادة التيار الشائع في ثقافت نا ال سلمية العبا سية ،الذي ا ستجاز ق تل دعاة
البدع) فقال » :من أو جب تقل يد إما مٍ بعي نه ا ستتيب وإن ل ق تل ; ل نّ هذا اليجاب
إشراك باللّه في التشريع ،الذي هو من خصائص الربوبية « .
بل لي صح للعا مي مذ هب ومثله طالب العلم المقلد ،ولو تمذه با ،لنّ العا مي
والمقلد لمذ هب ل ها ،ك ما قال ا بن الق يم ،ل نّ الذي يتمذ هب هو الذي إذا سلك
سبيله; سلكه عن معرفةٍ واستدل ٍل .
إن تعوييد الناس على التقلييد والتلقيين،جرا المية فقدان الحيويية الذهنيية،
وفقدان الحيو ية الذهن ية ،هو الم سمار الول في ن عش أي حضارة،ل نه يف ضي إلى
شلل الحركة والفاعلية في المجتمع
العتراض الثالث:هيب أنيه جاز للعاميي أن يقلد فيي شيق العقيدة الروحيي
والغ يبي ،لن أك ثر م سائله مج مع علي ها ،وب عض م سائله المف صلة؛ ل ي ضر في ها
الخلف ،كالج هر بالب سملة ،والوضوء من ل حم الجزور ،ك يف يجوز له أن يقلد في
شقهيا المدنيي والسيياسي ،الذي جير التقلييد فييه إلى تحرييم الحلل وإباحية الحرام
كالظلم والجور ،و هي أمور بديه ية ،مع تبرة في كل دولة وأ مة قو ية متحضرة ،ل
تحتاج إلى مفت ول فقيه.
العتراض الرابع :هب أن تقيد العامي بمذهبه صحيح ،لم لم يعلم التسامح؟،
ل كي لتث ير العوام الف تن ،حول الم سائل ،كالج هر بالب سملة في ال صلة ،ك ما و قع
ببغداد ،في أواخر العهد العباسي.
وسيبيل فقيه النهضية السيلمي ،هيو التركييز على عودة العدل إلى مركزه،
كثا ني عماد ين لف سطاط العقيدة ،عودة ش طر العقيدة المع طل إلى مكان ته أول ،ل كي
تصلح قيم المجتمع التي خلختها الصياغة العباسية ،للثقا فة السلمية ولكي ندرك
أن السلم إصلح روحي ومدني معا.
ولكيي تنهيض المية وتتقدم ,لبيد مين أن تنتيج فكرا عمليا فعالً ,لن الفكير
العملي المدرك لسيباب الخلل وعلجيه ,وهيو الذي يأخيذ بييد المية ,للخروج مين
أزمتهيا الحضاريية ,فنقطية البدايية فيي عمليية التغييير الجدى ,إذن هيي المفاهييم
والفكار.
وإن لم نف عل ذلك ترك نا ال مم الح ية تنهش نا وتأ كل لحم نا ،وتر مي أشلء نا
عضوا عضوا ،وقبعنا نتبادع ونتكافر ،ونتدابر ونتناحر ،وكل يدعي أنه من الفرقة
الناجية ،ولو كنا فرقة ناجية لنجونا من مثلث فرمودا ،ولما ابتلعتنا حيتان المحيط
الطلسي.
فالتغريب لم يرتع في بلدنا السلمية ولم يلعب؛ إل لنه وجد مرعى خصيبا،
ل حمى دونه ول أسوار ،إل عندما علّمنا فقهاؤنا العباسيون الجدد أن نركز الدين
فيي منظومية الشطير الروحيي:التيي عمودهيا الصيلة والدعاء ،فيي عبادات بقييت
أشكال ها ،ول كن أرواح ها صعدت إلى بارئ ها ،لن ها ل تن هى عن فحشاء ال ستبداد
والظلم والتغر يب والتبع ية والشحاذة ،ول تأ مر بمعروف العدل والشورى الجماع ية
الملزمة والتربية والتنمية والتقنية