You are on page 1of 244

‫السلفية الوسطى‬

‫العدل عديل الصلة‬


‫أم سلفيات الصبر على الطغاة ما أقاموا الصلة؟‬
‫مقاربة لتصفية المقياس السلفي من غبار‬
‫الصياغات العباسية والمملوكية والعثمانية‬

‫مقالت‬
‫د‪/‬أبو بلل عبد الله الحامد‬
‫الستاذ السابق في جامعة المام بالرياض‬
‫المسودة الولى ‪1423‬هـ ‪2002‬م‬
‫(نسخة حائل)المسودة العاشرة‪/14 ( 1428/08/01‬‬
‫‪)2007/08‬‬

‫شــــكــــر‬

‫أشكير دعاة الدسيتور السيلمي‪،‬مين قضاة وفقهاء وحقوقييين ومحاميين‪،‬‬


‫وأسيياتذة جامعات‪ ،‬ومهتمييين بالشأن العام‪ ،‬الذييين تكرموا بقراءة مسييودة هذه‬
‫المقالت‪ ،‬فأهدوني ثمارها ملحظة وتصويبا وتهذيبا‪- ،‬على أن شكرهم ل يلزم منه‬
‫تبعتهم عن شيء فيه‪-‬وأخص بالذكر منهم‪:‬‬
‫‪=1‬المحامي د‪ /‬موسى بن محمد القرني‪ .‬أستاذعلم أصول الفقه سابقا في‬
‫الجامعية السيلمية‪ ،‬فيي المدينية المنورة‪ .‬وأحيد دعاة الدسيتور السيلمي‪:‬العدل‬
‫والشورى وحقوق النسيان ‪ ،‬الذيين يواصيلون الدعوة بموقفهيم الشجاع خلف‬
‫القضبان‬
‫‪-2‬المحامي‪:‬سليمان بن إبراهيم الرشودي‪ /‬القاضي السابق‪ /‬وأحد أعضاء‬
‫لجنية حقوق النسيان الشرعيية ‪1413‬هيت(‪1992‬م)‪ .‬وأحيد دعاة الدسيتور‬
‫السيلمي‪:‬العدل والشورى وحقوق النسيان الذيين يواصيلون الدعوة بموقفهيم‬
‫الشجاع خلف القضبان‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬


‫الحمد لله رب العالمين‬
‫والصلة والسلم على المبعوث رحمة العالمين‪،‬‬
‫وعلى آله وأصحابه السابقين‪،‬‬
‫الذين أقاموا معالم العدل والشورى‪،‬‬
‫وعلى من تبعهم بإحسان‪،‬إلى يوم الدين‬
‫أ‪ -‬السلفية‪:‬نص وأصل هما المقياس‬
‫وصور أشتات‬
‫‪=1‬قابس مصطلح السلفية‪:‬‬
‫المام عبد الله بن مسعود‬
‫أ‪-‬المعني اللغوي و الصطلحيان للسلفية‪:‬‬
‫السلفية لها ثلثة معان‪:‬في اللغة‪:‬‬
‫‪-‬المع نى الول‪:‬المع نى اللغوي ال عم‪ :‬ال سلفية ‪ :‬و صف وثقا في واجتما عي‬
‫محا يد ‪ ،‬يش ير إلى أن الت صورات والت صرفات تع يد إنتاج الما ضي‪ ،‬سواء أكان هذا‬
‫الماضيي حسينا أم رديئا‪ ،‬فهيي القتداء بالسيلف مين الباء والجداد ‪ ،‬آباء الرواح‬
‫وآباء الجساد‪.‬‬
‫‪-‬المع نى ال صطلحي العام‪ :‬تقد يس تراث اتباع الماض ين‪ ،‬التعلق بعادات‬
‫وأعراف بالباء والجدود‪ ،‬واعتبار هم ح جة على كل جد يد‪ ،‬ف هي التباع دون ن ظر‬
‫وعلم‪ ،‬بل عجز عن التجديد ولزوم للتقليد‪ ،‬كما الذي ذمها الذكر الحكيم‪.‬‬
‫لن انتضاء أفكار ونظريات ووسائل منه ‪ ،‬لحل مشكلت الحاضر والمستقبل‪.‬‬
‫فهي رغبة في التعلق بالموات‪ ،‬ودوران حول ضريح الرفات الثقافي أو الجتماعي‪،‬‬
‫التي ل ت ستجيب لمتغيرات الحياة‪ .‬ولما كان إنتاج الماضي؛ ل يستطيع الجابة عن‬
‫السيئلة الحديثية‪ ،‬صيارت السيلفية مذهبيا اتباعييا‪ ،‬ولذلك ترد ذما للتصيورات‬
‫والتصرفات الماضوية العاجزة عن حل مشكلت الناس الحاضرة‪.‬‬
‫فال سلفية –ه نا‪(:-‬بمع نى الماضو ية‪ /‬ضد الم ستقبلية) ‪ :‬وكث ير من المثقف ين‬
‫يستخدمونها ذما لتجاه ثقافي أو اجتماعي أو سياسي‪ ،‬فإذا ذموا هذا التجاه أو ذاك‬
‫قالوا‪ :‬هو سلفي‪ .‬ويلحظون فيها نزعة التقليد‪ ،‬أو التباع من دون دليل‪.‬‬
‫‪-‬المعنى الثالث‪ :‬المعنى الصطلحي الخاص وصف عقيدي‪:‬‬
‫فالسيلفية‪ :‬هيي اتجاه يعلن أصيحابه أنهيم ل يرجعون إلى صييغة السيلم‬
‫التاريخيي‪ ،‬فيي أي عصير أموي أو عباسيي أو مملوكيي أو عثمانيي‪ ،‬بيل يعلنون‬
‫شوق هم المتجدد للتم سك بال سلم الن صي‪ ،‬ويتطلعون لضاءة درب هم بضوء سراج‬
‫القرآن والسنة‪ ،‬من خلل مشكاة تطبيقهما النبوية والراشدية‪،‬ويحاولون بناء فكرهم‬
‫وعملهم‪ ،‬وفق هذا النموذج العالي‪.‬‬
‫السلفي بهذا المعنى هو الصولي هو الذي يعلن أنه ينبذ المستحدثات والبدع‬
‫ويرجع إلى التطبيقات النبوية و الراشدية‪ ،‬كما جاءت في القرآن وأحاديث الرسول‪،‬‬
‫فالسلفية‪-‬هنا‪-‬هي"الصولية"‪ ،‬أي العودة إلى الصول‪.‬‬
‫فالسلفية إذن تبلورت‪-‬نظريا‪ -‬بمعنى العودة إلى النص‪ ،‬واستنباطه من خلل‬
‫مسرح تطبيقه الول‪.‬‬
‫فالسيلفية –نظرييا‪-‬هيي التيي تعلن التباع بدلييل‪ ،‬فهيي إذن حركية تجدييد‬
‫وتأصيل معا‪ ،‬إنها تعني استلهام الجذور الصحيحة‪ :‬قول في الكتاب والسنة‪ ،‬وعمل‬
‫في سير الر سول والراشد ين ر ضي ال عن هم‪ ،‬ولي ست عودة مطل قة إلى ما ورث‬
‫الناس عين آبائهيم وأجدادهيم‪ ،‬وهذا هيو الفرق بيين الصيطلح العام والصيطلح‬
‫الخاص‪.‬‬
‫ومفهوم ال سلفية يما ثل ال صولية‪ ،‬وبينه ما فرق لف ظي‪.‬والذي يعني نا في هذا‬
‫الكتاب‪ ،‬هيو السيلفية بهذا المع نى الثالث‪ ،‬وهيي السيلفية حصير المرجع ية بمصيباح‬
‫القرآن والسينة‪ ،‬فيي زجاجية مشكاة التطيبيق النبوي والراشدي‪ ،‬وسينن ال فيي‬
‫النسان والطبيعة‬
‫ب‪-‬نشأة مصــطلح الســلفية‪ ،‬والجــو الذي ترعرع‬
‫فيه‪:‬‬
‫أول من أطلق فكرة القتداء بالسلف؛ هو الصحابي الجليل عبد ال بن مسعود‬
‫وكان خازن بييت المال‪ ،‬لعثمان رضيي ال عنهميا‪ ،‬فأمره عثمان بصيرف مبلغ مين‬
‫بييت المال‪ ،‬لحيد الولة‪ ،‬ولكين ابين مسيعود رأى أن صيرف هذا المال للوالي‪ ،‬ل‬
‫ي ستند إلى مشروع ية‪ ،‬فرا جع عثمان فلم يقت نع برأ يه‪ ،‬فا ستقال من وظيف ته‪ ،‬وقال‬
‫"من كان منكم مستنا‪ ،‬فليستن بمن قد مات‪ ،‬فإن الحي ل تؤمن عليه الفتنة‪ ،‬أولئك‬
‫أ صحاب مح مد‪ ،‬كانوا أبر هذه ال مة قلو با‪ ،‬وأعمق ها علما‪ ،‬وأقل ها تكل فا" "أي أن ها‬
‫التجاه الذي كان علييه الصيحابة السيابقون‪ ،‬فهيم الذيين أشار إليهيم ابين مسيعود‪،‬‬
‫المتوفي سنة ‪32‬هي والتابعون لهم بإحسان‪.‬‬
‫وهذا يدل على أن وصف السلفية ل يس محصورا بأمور غيبية ول روح ية ؛‬
‫لن مناسيبة قول ابين مسيعود؛ كانيت فيي مجال العدل وحفيظ مال المية‪ ،‬وفيي‬
‫مشروعية تصرف الحاكم في بيت مال المة‪.‬‬
‫وهذا يؤكيد أن السيلفية لتهون مين أركان إقامية عدل الدولة وإسيلمها‬
‫المعتبرة‪.‬‬
‫ويسيتنبط مين ذلك أنيه ل يصيح إطلق السيلفية على أي اتجاه أو تيار أو‬
‫كتاب أو كاتب أو حاكم‪ ،‬يهون من شروط عدل الدولة وإسلمها والمجتمع العشرة‪،‬‬
‫وأن أي تصرف يفرق بين شق العقيدة الروحي والمدني؛ ليس سلفيا‪.‬‬
‫وبذلك تظهير فائدة تثيبيت مسيطرة القرآن الكرييم والسينة‪ ،‬مين خلل مشكاة‬
‫التطيبيق النبوي والراشدي وسينن ال فيي النسيان والطبيعية‪ ،‬واعتبارهيا مقياسيا‬
‫وحيدا للعلم والعمل‪.‬‬
‫يا أطلت الروح‬
‫يعود عبارة جاهزة‪ ،‬عندمي‬
‫ين مسي‬
‫يد ابي‬
‫ية بعي‬
‫يارت الكلمي‬
‫وصي‬
‫الصيحراوية البدويية والكسيروية‪،‬بقرونهيا السيياسية والفكريية‪ ،‬فظهرت الفرق‬
‫ال سياسية والفكر ية كالمو ية والخوارج والشيعة والجبرية التي ساندت ح كم ال جبر‬
‫والجور‪.‬‬
‫ير إلى اتجاه محدد‪ ،‬إبان المتزاج بالثقافات‬
‫وتحولت العبارة إلى خاتييم‪ ،‬يشيي‬
‫الجنبية‪ ،‬عندما ظهرت الفرق الفكرية كالقدرية والجهمية ‪ ،‬وكانت القدرية رد فعل‬
‫على الف كر ال جبري‪ ،‬فنادت بحر ية الرادة‪ ،‬وظ هر في ها مع بد الجه ني الذي د عا إلى‬
‫محاسبة الحاكم في المال العام‪ ،‬وقتله الحجاج‪ ،‬سنة ‪83‬هي‪ ،‬كما قتل الخليفة هشام‬
‫تلميذه غيلنا الدمشقي سنة ‪120‬هي‪.‬‬
‫وفي محضن القدرية نشأ المعتزلة‪ ،‬حينما ظهرت محاولة الجابة عن السؤال‬
‫الحريية‪ :‬هيل النسيان م سير أم مخيير‪ ،‬ول سيما فيي الفكير العتزالي‪ ،‬ليقول رموز‬
‫ال سلفية‪ :‬علي كم بإتباع طر يق من سلف من الرع يل الراشدي‪ ،‬فإ نه هيو ال صراط‬
‫المستقيم‪ ،‬أي أنها نادت بالعودة إلى ما كان عليه الصحابة‪ ،‬أي الصول الثوابت في‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬من خلل حقل تطبيقهما فوق المسرح الراشدي‪.‬‬
‫وحينميا وصيل المعتزلة إلى بلط السيلطان المأمون‪ ،‬وكان منهيم عدييد‬
‫مين القضاة والمسيتشارين؛ فحملوه على النتصيار لمذهبهيم‪ ،‬رد فعيل على ميا نال‬
‫رموز هم‪ ،‬م نذ ع هد هشام بن ع بد الملك وخالد الق سري‪ ،‬وا ستمرأ الخلي فة المأمون‬
‫هذا التجاه‪ ،‬تنكيل بالتيار الذي آزر أخاه المين وعمه إبراهيم بن المهدي ‪.‬‬
‫وأسيرف المأمون فيي امتحان الناس فيي سيؤال هيل القرآن مخلوق أم غيير‬
‫مخلوق‪ ،‬فجاءت السيلفية أيضا وسيطا لتقول ‪:‬عليكيم بمين سيلف مين خيار المية‪،‬‬
‫وسلف المة لم يتساءلوا هل القرآن مخلوق أم غير مخلوق‪ ،‬بل قالوا‪ :‬القرآن منزل‬
‫وكفى‪ ،‬وعلى ذلك جاء ما يمكن أن نسميه " السلف العباسي الصالح "‬
‫وجاء وصيف النسيان الذي يعلن أنيه يقدم القرآن الصيريح والحدييث‬
‫الصحيح الصريح ‪ ،‬على الرأي بأنه " سلفي " و" أثري " أي أنه إذا ثبت لديه الثر‬
‫أي النص ‪ ،‬لم يخرج عن معناه الصريح‪ ،‬الذي تعرفه العرب من أساليبها‪ ،‬فإذا جاء‬
‫في القرآن الكريم " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولً‪ ،‬فسروا الرسول بأنه النبي ‪،‬‬
‫فلم يحملوا النيص على غيير ظاهره‪ ،‬مادام ظاهره مقبول فيي السيياق اللغوي‪ ،‬و لم‬
‫يفسروه بالعقل‪ ،‬كما فعل المعتزلة‪.‬‬
‫ولكنهيم لم ينكروا المجاز‪-‬كميا يتصيور بعيض الناس‪ -‬عندميا قرأوا قول ال‬
‫تعالى"وسيع كرسييه السيماوات والرض"؛ فسيروا الكرسيي بالعلم والسيلطان‪ ،‬لن‬
‫ظاهره غير مقبول في السياق اللغوي‪ ،‬ول بد من أن يكون الكرسي مجازا‪.‬‬
‫وأكثير النصيوص التيي ثار حولهيا النقاش ‪ ،‬كانيت فيي شيق الشريعية‬
‫الروحيي الغييبي ‪ ،‬كأسيماء ال وصيفاته‪ ،‬وصيارت الفرق التيي تأثرت بالفلسيفة‬
‫الجنب ية التجريد ية تحاول أن تت صور البارئ ‪ ،‬من خلل إطار الفل سفة التجريد ية ‪،‬‬
‫فتؤول اليات ‪ ،‬حتيى تعطيل مدلولتهيا ‪ ،‬ولذلك جاءت السيلفية أيضا تعلن اللتزام‬
‫بف قه الكتاب وال سنة ‪ ،‬و فق ف هم ال صحابة في هذا الجا نب ( في ما أعلن ته و إن لم‬
‫تلتزم بذلك فيي كافية فكرهيا ومواقفهيا‪ ،‬ولنقول عين آيات الصيفات‪"" :‬أمروهيا كميا‬
‫جاءت"" دون تعطيل ول تأويل‪.‬‬
‫وجاءت كلمية المام مالك رحميه ال ‪ ،‬بلورة للمنهيج السيلفي –فيي المجال‬
‫الغييبي‪-‬لمين سيأله عين معنيى قوله تعالى "الرحمين على العرش اسيتوى" فقال‬
‫"ال ستواء معلوم ‪ ،‬والك يف مجهول‪ ،‬واليمان به وا جب"‪ ،‬أي ليشغل كم التفك ير في‬
‫مخلوقات ال‪ ،‬عن التقعر في صفاته وذاته‪ ،‬لنها ل يترتب عليها عمل‪.‬‬

‫‪=2‬المقياس السلفي مسطرة واحدة وصورة مثلى‬


‫أنتجتـــا صـــورا شتـــى حركات وصـــياغات واتجاهات‬
‫ومذاهب متقاربة‬
‫‪-1‬في الغيبي من شق العقيدة الروحي‪:‬‬
‫في خلق القرآن ثلثة اتجاهات‪:‬‬
‫ال سلفية ال تي يت صورها ب عض الناس؛ مذه با عبا سيا محددا‪ ،‬لي ست كذلك بل‬
‫هيي اتجاه منهجيي فكري محدد‪ ،‬يقول بمرجعيية سيراج الكتاب والسينة مين خلل‬
‫زجا جة الت طبيق النبوي والراشدي و مشكاة حقائق العلوم‪ ،‬و من ال طبيعي أن ين تج‬
‫المنهج عددا من الراء والمذاهب‪.‬‬
‫من أجل ذلك نجد فيها اتجاهات متشددة‪ ،‬وأخرى متفتحة‪ ،‬واتجاهات مناضلة‬
‫وأخرى م سالمة‪ ،‬واتجاهات ت نم عن ثقا فة وا سعة‪ ،‬وأخرى ت نم عن ثقا فة محدودة‪،‬‬
‫سواء في أصول الفقه‪ ،‬أو في فقه العقيدة الكبر‪.‬‬
‫وما بحثوه تحت عنوان العقيدة يضم أمرين‪:‬‬
‫‪-‬الول‪ :‬أمور قطعية كاليمان باليوم الخر‪ ،‬وتولى الصحابة‪.‬‬
‫يا فكرة أن العقيدة نظام‬
‫يت عنهي‬
‫يحتها‪ ،‬غابي‬
‫ين هذه القطعيات‪ ،‬على صي‬
‫ولكي‬
‫متكامل‪ ،‬كالجسد الواحد‪،‬‬
‫‪-‬الثاني‪ :‬أمور ظنية‪.‬‬
‫‪ -‬لهم أيضا في آيات الصفات مذهبان‪ ،‬الذين يمرونها على ظاهرها‪ ،‬والذين‬
‫ينفون يقسيمونها إلى ميا هيو حقيقية‪ ،‬وميا هيو مين المجاز‪ ،‬حسيب أسياليب اللغية‬
‫العربية‪.‬‬
‫وفي قضية خلق القرآن لم يحصل علي اتفاق كما يتصور بعض الناس؛ على‬
‫القول بأن القرآن غيير مخلوق‪ ،‬بيل لم يتوافقوا على بحيث القضيية‪ ،‬ول على الرأي‬
‫فيها –عند بحثها‪ -‬فلهم في ثلثة اتجاهات‪:‬‬
‫‪-‬القول بخلق القرآن الذي قالت به القل ية كأ بي حني فة‪،‬ك ما ذ كر ع بد ال بن‬
‫أحمد في كتاب السنة‬
‫‪ -‬والقول بأنه غير مخلوق الذي قالت به الكثرية‪ ،‬كأحمد بن حنبل‪.‬‬
‫‪-‬ال سكوت وترك الخوض في ال سؤال جملة وتف صيل‪،‬قال بذلك مالك وا بن‬
‫عبدالبر‪ ،‬وتابعهما الشاطبي والشوكاني‪.‬‬
‫واتجاه مالك أقرب إلى المنهج السلفي‪ ،‬للسباب التالية‪:‬‬
‫‪-‬أن السؤال لم يثر في عصر صدر السلم‪.‬‬
‫‪ -‬ولنه ليس أساسيا في العقيدة‪.‬‬
‫‪-‬ولنه ليس عمليا‪.‬‬
‫‪-‬ولنه ليست له أولوية‪ ،‬على سؤال العدل والشورى‪.‬‬
‫‪-‬ولن التدليل على الجواب ظني‪،‬من قبيل الجتهاد‪.‬‬
‫‪-‬ولن تركيز المعتزلة عليه إنما جاء في سياق رد المعتزلة على الملحدة‬
‫والنصارى‪ ،‬كيوحنا النصراني‪.‬‬
‫‪-‬ولن الدخول ف يه يث ير خلفات وتدابرا‪ ،‬في أمور ظن ية غيب ية ثانو ية‪ ،‬ت خل‬
‫بمابين المسلمين من تآلف وتعاون على المور الساسية‪.‬‬
‫‪-‬ولن إثارته لعبة من المأمون للنيل من خصومه أهل الحديث‪ ،‬الذين آزروا‬
‫أخاه الم ين وع مه إبراه يم المهدي‪ ،‬على ف سقهما وفضله وعل مه‪،‬ك ما ب ين فه مي‬
‫جدعان في كتاب المحنة‪.‬‬
‫ولهيم فيي تغلييب الروايية على القياس والدرايية مذهبان‪ :‬للشافعيي وأحميد‬
‫يتشدان ولبي حنيفة وأتباعه وجمهور الفقهاء من بعدهم يتوسعون‪.‬‬
‫‪ -‬وفي الحتجاج بأحاديث الحاد في أصول الدين هم أيضا فريقان‪.‬‬
‫وال سلفيون العبا سيون في الع قل المد ني وال سياسي (أو ما سموه التح سين‬
‫والتقبيح) فريقان‪:‬‬
‫‪-‬فقال المعتزلة ووافقهم الحنابلة‪ ،‬الذين قالوا‪ :‬إنما عماد التح سين والتقب يح‬
‫العقل والفطرة‪.‬‬
‫‪-‬أغلب الشاعرة‪ :‬الذيين قالوا‪ :‬إنميا عماد التحسيين والتقبييح الشرع ل‬
‫الفطرة‪ ،‬و رفضوا قول المعتزلة‪.‬‬
‫و الرأي الول هو الوج يه‪ ،‬و قد ن صره الشا طبي‪-‬ر غم أشعري ته‪ -‬ك ما أكده‬
‫الفقييه النجدي عبيد ال السيعد‪-‬فيي مقدمية تحقييق الموافقات‪ -‬لن صيريح علوم‬
‫الشريعة‪ ،‬ل يناقض صحيح علوم النسان و الطبيعة‪.‬‬

‫ب‪-‬ول هم في السياسة والحضارة اتجاهات ال كف عن‬


‫ما شجر بين الصحابة اتجاهان‪:‬‬
‫والسلفيون في الكف عن ما شجر بين الصحابة أو الخوض فيه فريقان‪:‬‬
‫‪ -‬من ترك الخوض جملة وتفصيل كالبربهاري والسيوطي‪.‬‬
‫‪ -‬من خاض كابن تيمية وابن العربي‪.‬‬
‫والمحدثون أيضيا فريقان‪ :‬فالباحيث فيي مدونات الحدييث كالصيحاح السيتة‬
‫ونحوهيا‪ ،‬ل مفير له مين أن يلحيظ أن المحدثيين كلهيم تأثروا بعواميل شتيى وهيم‬
‫يروون الحديييث‪ ،‬فالتجاه السييياسي كان حاضرا‪ ،‬وإن كان مضمرا‪ ،‬فمييا رواه‬
‫البخاري وأبو داوود‪ ،‬أميل إلى المسالمة‪.‬‬
‫‪-‬وما رواه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه أقرب إلى المقاومة‪.‬‬
‫وهم في الميول نحو آل البيت أو المويين أيضا فريقان‪:‬‬
‫ف ما رواه المام أح مد والن سائي والحا كم وا بن ع بد البر من فضائل علي وآل‬
‫البييت‪ ،‬أكثير مين مارواه البخاري وأبيو داوود‪ .‬ولحميد بين حنبيل كلمات كثار فيي‬
‫إنصاف علي بن أبي طالب‪ ،‬وهوالذي يقول لبنه صالح عن يزيد بن معاوية‪" :‬يابني‬
‫وهل يحب يزيدَ بن معاوية من يؤمن بال واليوم الخر؟"‪ ،‬والشافعي الذي يقول‪:‬‬
‫فليشهد الثقلن أني رافضي‬ ‫×‬ ‫إن كان رفضا حب آل محمد‬
‫وفريق آخر وضحت نزعته الموية‪ ،‬كابن العربي في العواصم وابن تيمية في‬
‫منهاج ال سنة‪ ،‬وم حب الد ين الخط يب‪ ،‬ول لوم ول تثر يب‪ ،‬فل كل مجت هد من ال جر‬
‫نصيب‪.‬‬
‫وهم في التعامل مع الخصوم والمخالفين فريقان‪:‬‬
‫‪-‬مت سامحون غ ير مذ هبيين و هم القلة‪،‬كأح مد بن حن بل (إذا حذف نا مبالغات‬
‫التكفير والتبديع التي نقلها بعض تلميذه و لسيما ابنه عبد ال؛ لن في تصحيحها‬
‫أك ثر من إشكال ومقال) وأ بي حني فة الشاف عي وع بد ال بن المبارك وا بن ع بد البر‬
‫والذهبي‪ ،‬والشاطبي والشوكاني والقاسمي‪.‬‬
‫‪-‬ومتشددون وهم الكثرة‪ :‬كعبد ال بن حنبل والبريهاري وابن بطة والخلل‬
‫والللكائي والدراميي ‪،‬والجوينيي وابين تيميية وابين القييم ومحميد بين عبدالوهاب‬
‫وتلميذ مدرسته وأبرزهم ابن سحمان‪.‬‬
‫ج‪-‬العباســيون ليســوا هــم المســطرة ول النموذج‬
‫الصلي يل صور‬
‫وبناء على مامير ينبغيي التفرييق‪ ،‬بيين السيلف المتبوع‪ ،‬وهيم الصيحابة‬
‫السيابقون الراشديون‪ ،‬والسيلف التابيع وهيم الموي والعباسيي التابيع‪ ،‬بإضافية ياء‬
‫النسيب إلى السيلف التابيع ( الموي والعباسيي) لنفرق بيين سيلف راشدي صيالح‬
‫وسيلفي أموي وعباسيي صيالح‪ ،‬تمييزا للتابعيين عين المتبوعيين(الصيحابة‬
‫السابقين)‪،‬ليزيل ذالك كثيرا من اللبس‪ ،‬الناتج عن دمج السلفي الموي والعباسي‪،‬‬
‫في السلف الراشدي‪.‬‬
‫ولهذا التمي يز أ ثر كبير في د فع اللتباس‪ ،‬عند ما نق يم ف كر ال سلفي العبا سي‬
‫ال صالح‪ ،‬ينب غي أن نتذ كر أن أكثر هم أن تج ل نا فكرا سياسيا غ ير صالح‪،‬و هو ف كر‬
‫عاش فيي مناخ السيتبداد السيياسي والختلل الجتماعيي‪ ،‬فاحتوى أفكار حيية‬
‫معيار ية وأخري آن ية‪ ،‬وأفكارا مي تة‪ ،‬ل كي ل يتما هى مع ف كر ال سلف‪ /‬القدوة ال تي‬
‫تجسد المرجعية‪.‬‬
‫ول كن اثبات ياء الن سب في قول نا ال سلفي الموي والعبا سي ال صالح‪،‬يحدث‬
‫لبسا آخر‪ ،‬إذ قد يظن بعض الناس أن المقصود هم الحكام‪ ،‬لذلك لعل من النسب‪،‬‬
‫ان يكون التمييز بوصف زمني‪ ،‬بأن يوصف السلف الصالح المتبوع بأنه الراشدي‬
‫والسيلفي التابيع بأنيه سيلف العصير الموي أوالعباسيي أو المملوكيي أو العثمانيي‬
‫أوالمبريالي الغربي‪.‬‬
‫سبب ذلك أن دور السلف العباسي الصالح‪ ،‬دورهم الظهر الشهر إنما هو‬
‫في بناء المنهج وتصحيح نصوص الملة وتدوينها‪ ،‬ولذلك اتفق السلفيون العباسيون‬
‫في المنهج ومادته‪ ،‬ولكنهم في التطبيقات ‪-‬كما ذكر محمد عمارة‪ -‬أشتات‪ ،‬فمنهم‬
‫محافظون جامدون‪ ،‬ومنهم مجددون‪ ،‬ومنهم من يتنكر للعقل جملة وتفصيل‪ ،‬ومنهم‬
‫من يعلى شأنه (انظر موسوعة الحضارة‪ 382-381:‬عن السلفية للزنيدي)‪.‬‬

‫‪=3‬السلفية ليست محصورة بالصلح الروحي‬


‫بل هي إصلح سياسي أيضا ذو وسائل شتى‬
‫أ‪-‬الكفر البواح وحمل السلح‪:‬‬
‫المنهج السلفي يقرر أن السلفية حفاظ على العقيدة إصلح في جانبيها‬
‫الروحي والمدني معا‪ ،‬وإصلح سياسي وروحي معا‪ ،‬ولم يتكون اتجاه سلفي‬
‫مع تبر بخلف ذلك‪ ،‬والن صوص قطع ية في وجوب مقاو مة ال ستبداد والظلم‪.‬‬
‫والثار والحاد يث ال تي تبرر أو تأ مر بال صبر على الجور معار ضة ب ما هو‬
‫أقوى من ها‪ ،‬وللمحدث ين وال صوليين‪ ،‬كلم قوا عد تبين ذلك في م سألة العلل‬
‫ونقيد المتين أو التعارض و الترجييح‪ ،‬فأدلة الصيبر على الجورغيير قطعيية‪،‬‬
‫لنها معارضة بما هو أقوى منها وأصرح‪ ،‬غير صريحة أو مرجوحة أو غير‬
‫صحيحة‪.‬‬
‫وأغلبها أحاديث صريحة أولها بعض الفقهاء الغافلين –في أزمنة الضطرار‪-‬‬
‫كحد يث "إل أن تروا كفرا بوا حا"‪ ،‬ف قد ب ين الفقهاء أن الك فر البواح‪ ،‬ل يقت صر على‬
‫الكفير المعنيى الحقيقيي‪:‬اللحاد‪ ،‬لن كلمية الكفير تطلق فيي القرآن والسينة كثيرا‪،‬‬
‫للتعبير عن كبار الفواحش‪ ،‬ولن الشريعة تصف كل جريمة ذات خطر جسيم بالكفر‪،‬‬
‫ولو لم تكن كفر إلحاد‪ ،‬كما قرر الصوليون كالشاطبي في الموافقات‪.‬‬
‫بيل إن المقصيود السياس بالكفير البواح‪-‬فيي الحدييث‪ -‬هيو الخلل بأركان‬
‫إسلم الدولة‪ ،‬وقد صرح على أن المقصود بالكفر البواح الستبداد والظلم؛ عدد من‬
‫الفقهاء كالنووي‪ ،‬و قد شهدت على ذلك روايات الحد يث الخرى"إل أن تروا مع صية‬
‫بواحا"‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك فإن الوصف بالكفر منطبق على كل إخلل كبير بأي ركن من‬
‫أركان إ سلم الدولة العشرة‪ .‬كال ستبداد والظلم المق نن والتفر يط بالهو ية‪ ،‬وانتشار‬
‫الزنا واللواط وشرب الخمور‪ ،‬وانتشار الفقر الذي يؤدي إلى اختلل المعايير‪.‬‬
‫و ليس الكفر خاصا بالمور الروحية كترك الصلة و الصوم‪.‬‬
‫وهم في الفقه السياسي ثلثة تيارات‪:‬‬
‫ية‪:‬العدل‬
‫يي البيعي‬
‫يم شرطي‬
‫يي‪:‬القائلون بإلزام الحاكي‬
‫التيار الول الجهاد الحربي‬
‫والشورى‪ ،‬حتى لو لم يمكن إلزامه إل بالسلح‪ ،‬وهم أغلب السلف الموي الصالح‬
‫من شيوخ التابع ين‪ ،‬ف قد كان أكثر هم يقاومون الف ساد ال سياسي‪ ،‬و لو عن طر يق‬
‫العنيف‪ ،‬فشاركوا أو شجعوا فيي الثورات السيبع‪ ،‬كثورة أهيل الحرة‪ ،‬وثورة ابين‬
‫الشعث عندما ثار على الحجاج‪ ،‬كالحسن البصري وسعيد بن جبير والعمش وزيد‬
‫بن علي والنفس الزكية‪ ،‬وإبراهيم النخعي ومنهم الحسين وابن الزبير‪.‬‬
‫فالفقهاء الموييين قاوموا الجور و الجيبر‪ ،‬وآزروا عمير بين عبدالعزييز و‬
‫عبدال بن الزب ير‪ ،‬اللذ ين أقرا الحر ية و التعدد ية و العدالة و الشور ية‪ ،‬و قد ات جه‬
‫هذا التجاه قول وعمل‪ ،‬عديد من رموز ال سلف الموي والمخضرم الصالح ‪ ،‬كأبي‬
‫حنيفة ومالك والشافعي‪ ،‬وصرح بذلك عديد من الفقهاء العباسيين كابن حزم وابن‬
‫عطية وابن خويز منداد‪ .‬وعلى تراثهم نشأت الوهابية‪ ،‬وحركات الصلح السياسي‬
‫السلمية الحديثة‪.‬‬
‫ب‪ -‬الصبر على الجائر ما أقام الصلة‪:‬‬
‫هناك آخرون مين السيلف الموي الصيالح ركبوا مطيية الضطرار‪ ،‬فمهادنوا‪،‬‬
‫كمحميد بين سييرين والوزاعيي وابين عون‪ .‬هؤلء ركزوا على جانيب المهادنية‬
‫السياسية‪ ،‬بعد أخفقت حركات الصلح السياسي‪ ،‬التي حملت السلح‪،‬ورأوا طاعة‬
‫المام المسيلم الجائر‪ ،‬ميا أقام الصيلة‪ ،‬الغزو معيه برا كان أم فاجرا‪ ،‬وركزوا على‬
‫الدعاء للسيلطان بالصيلح‪ ،‬أو الدعاء على أمثال الحجاج بالهلك‪ .‬وحصيروا جواز‬
‫بحالة الكفير البواح‪( ،‬التيي حددوهيا بكفير اللحاد )‪ ،‬بترك الصيلة‪ ،‬وقيد أخطأوا‬
‫خطأين‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن هم اع تبروا تارك ال صلة تهاو نا كا فر‪ ،‬ول يس ل هم دل يل قط عي على‬
‫هذا القول‪.‬‬
‫الثانيي‪ :‬أنهيم فرقوا بيين ترك العدل والصيلة‪ ،‬ففرقوا بيين ركنيي فسيطاط‬
‫السلم‪ :‬وهما بمنزلة واحده‪ .‬وعنونوا هذه التفرقة‪ ،‬من خلل أحاديث دست عليهم‬
‫منها حديث‪ :‬ما أقاموا فيكم الصلة‪.‬‬
‫وقيد اسيتقر على هذا الرأي أغلب الفقهاء‪ ،‬فيي الدولة العباسيية‪ ،‬لميا سييطر‬
‫عليهم الحباط‪.‬‬
‫وكا نت المطال بة بشر طي البي عة‪ :‬العدل والشورى‪ ،‬لتزال ماثلة‪،‬أوائل الع صر‬
‫العباسيي‪ ،‬ولكين شعلتهيا تتضائل‪ ،‬فاشترك فيهيا الئمية الثلثية‪ :‬أبيو حنيفية ومالك‬
‫والشافعي‪ ،‬فانهزم التيار‪ ،‬واضطر من بعدهم إلى الستسلم‪.‬‬
‫فظ هر ذلك التجاه في ج يل الع صر العبا سي الثا ني‪ ،‬كالمام أح مد بن حن بل‬
‫والفض يل بن عياض وأيوب ال سختياني‪ ،‬و سفيان بن عيي نة ثم شاي عه المتأخرون‬
‫كابين تيميية‪ ،‬و إنميا اسيتقر هذا التجاه؛ بسيبب رسيوخ السيتبداد‪،‬وغلبية سيلطان‬
‫الجور‪ ،‬واليأس من الخروج من الوقوع في مستنقع الفساد‪.‬بسببين‪:‬‬
‫‪-‬ترك الفقهاء تثم ين إنكار المنكرات ال سلطانية سلما‪ ،‬مع أن ال سلم اع تبر‬
‫ذلك خيرا من الجهاد الحربي وأفضل‪.‬‬
‫‪-‬غفلة الفقهاء عين آليات الجهاد السيلمي الفعالة‪-،‬التيي طورتهيا الشعوب‬
‫يلح الدولة ل يكون إل‬
‫يورهم إن إصي‬
‫يائر شعوب العالم اليوم_ وتصي‬
‫ية وسي‬
‫الغربيي‬
‫بالخروج العسكري‪ ،‬و ترك الجماهير مبدأ التجمع والتعاون‬
‫وإلزام الحاكيم بشرطيي العدل والشورى‪-‬بصيرف النظير عين الوسييلة‪-‬هيو‬
‫القول الصحيح‪ ،‬المتسق مع مقاصد السلم الكلية القطعية‪ ،‬والقول بأن السلم يأمر‬
‫المسلمين بالصبر عن ظلم الحاكم مادام يقيم الصلة؛ ليس مذهبا أصل‪ ،‬بل هو من‬
‫فقه الضطرار‪.‬‬
‫ج‪ -‬صور سلفية لإصلح روحي ولصلح سياسي‪:‬‬
‫وهذا يذكرنيا بأن السيلفيات اجتهادات وتشكيلت شتيى‪ ،‬فروعيا ومذاهيب‬
‫وحركات وعلماء‪ ،‬أن تج عديدا من المذا هب كالحنابلة والشاعرة والماتريد ية وا بن‬
‫تيمية والوهابية‪ ،‬وهي جميعها تنتسب إلى السلف الراشدي (الصحابة والتابعين قبل‬
‫الخلف)‪ ،‬و لكنهييا ل تنفصييل عيين مكانهييا و زمانهييا فييي المعالجات و‬
‫التطبيقات‪.‬وليست مرجعية‪ ،‬إنما هي محكومة بالمرجعية‪.‬‬
‫وهذا يشير إلى أن السلفية متفقة في منهج الستدلل‪ ،‬ولكنها شتى الصياغات‬
‫و المعالجات‪ ،‬و أهمها ثلث مجموعات‪:‬‬
‫الولى‪ :‬السلفية الموية‬
‫الثانية‪ :‬السلفيات العباسية القديمة‪:‬‬
‫‪ -1‬الحنبلية المتشددة‪ :‬وهي الحنبلية في شقها الذي تبناه الخلل وعبد ال‬
‫بن أحمد‪ ،‬وعلى تراثهم جاء ابن تيمية‪ .‬و هم الكثرة‪ :‬كعبدال بن حنبل و الخلل‪ ،‬و‬
‫البربهاري وابن بطة‪ ،‬و الللكائي و الدارمي‪ ،‬و الجويني و ابن تيمية و ابن القيم‪.‬‬
‫‪-2‬الحنابلة المتسامحة‪ :‬وهي الحنبلية في شقها الذي تبناه ابن الجوزي وابن‬
‫عقيل‪ ،‬وابن هبيرة وابن مفلح‪.‬‬
‫‪ -2‬الشعر ية في شق هم الذي بناه الشعري وا ستقل با سم الشاعرة‪ ،‬و من‬
‫رموزه الغزالي والعز بن عبد السلم والشاطبي‪.‬‬
‫‪ -3‬المعتزلة المتأخرون المعتدلون‪ ،‬من من شاركوا ال سلفية هذه ال صول‪،‬‬
‫كالزمخشري والقاضي عبد الجبار‪.‬‬
‫‪-4‬الوهاب ية‪ ،‬و هي مدر سة المام مح مد بن عبدالوهاب‪ ،‬و هي من أقرب‬
‫السلفيات إلى الروح العملية‪ ،‬والبعد عن التقعر اللفظي‪ ،‬لكنها عنيت بالتوازن بين‬
‫إقام العدل وإقام ال صلة‪ ،‬وإن اكت سبت من ال صحراء ب عض ق ساوتها وتشدد ها‪ ،‬فلم‬
‫تثمن قضية الحرية‪ ،‬وشروط ارتقاء المة المتحضرة‪..‬‬
‫الثالثة‪ :‬السلفيات السياسية‪:‬‬
‫وعلى المنهج نفسه؛ اعتمدت السلفيات السياسية ‪ ،‬عند محمد عبده‪ ،‬ومحمد‬
‫رشيد رضا‪ ،‬ثم حسن البنا وحركة الخوان المسلمين‪ ،‬ولعل أبرز من اهتم بإشكال‬
‫الستبداد ومحاولة جوابه فارسان‪:‬الكواكبي وخير الدين التونسي‪.‬‬
‫وجاءت اتجاهات السيلفية حسيب احتياجات المجتمعات‪ ،‬وذهنيات الشخاص‪،‬‬
‫والجغرافيا والمناخ الجتماعي‪ .‬فكانت حركة إصلح للتفكير‪ :‬عند أبي حنيفة ومالك‬
‫والشاف عي وا بن تيم ية‪ .‬وحر كة ر فض للدخ يل ع ند أح مد بن حن بل‪ .‬وحر كة ن قض‬
‫للفلسيفة اليونانيية عنيد الغزالي‪ .‬وحركية هدم لخرفات العتقاد بالموات عنيد ابين‬
‫تيميية‪ ،‬وحركية تأصييل للفكير الجتماعيي عنيد ابين خلدون‪ .‬وحركية بناء لمقاصيد‬
‫الشريعة الكلية القطعية عند الشاطبي في الموافقات‪ ،‬وعند الدهلوي في كتابه "حجة‬
‫ال البالغة"‪ .‬وحركات تنوير وتحرير للهوية من الجمود والتغريب؛ عند محمد عبده‬
‫ومحمد رشيد رضا والمودودي والكواكبي وحسن البنا وسيد قطب‪.‬‬
‫وحركية اسيتقلل سيياسي للهويية عنيد محميد بين عبدالوهاب وعبيد القادر‬
‫الجزائري‪ ،‬وابين بادييس‪ ،‬وحركية وعلل الفاسيي‪ ،‬و هيي حركية دعوة إلى قييم‬
‫المجتمع المدني‪ ،‬و تجمعاته الهلية‪ ،‬وضمانات الحكم العادل‪ ،‬والمطالبة بالدستور‪،‬‬
‫في اتجاهات بدأت منذ الكواكبي وخير الدين التونسي والفغاني وغيرهم‪ ،‬ثم تنامت‬
‫ع ند حروب الخل يج‪ ،‬م نذ مطلع القرن الخا مس ع شر الهجري‪ ،‬عند ما بدأت تت ساقط‬
‫القنعة القومية والشتراكية والسلمية والوطنية‪ ،‬عن وجه الدولة العربية القمعية‪.‬‬

‫‪=4‬الفرز بيـن ثلثـة متشابهات‪ :‬نـص و تطـبيق راشدي‬


‫هما المقياس‬
‫وصور أشتات‬
‫أ‪ : -‬المقياس السلفي نص ل ينحصر تجسيده بمذهب‬
‫محدد متقدم أو متأخر‪:‬‬
‫هناك خلط شائع بين التجاه السلفي والفرق السلفية‪ ،‬عند كثير من المنتسبين‬
‫إلي ها المقلد ين‪:‬أشاعرة وتيم ية ووهاب ية‪.‬ف قد ظنوا ال سلفية فر قة معي نة‪ ،‬أو مذه با‬
‫محددا تم بناؤه في العصر العباسي‪ ،‬وتوهموا أنه يحتوى على منظومة من الفكار‬
‫المتسقة المتكاملة‪ ،‬في العقيدة والمعرفة والتربية والسياسة‪ ،‬وفي أصول الفقه‪.‬‬
‫وسيعوا إلى إعادة إنتاجيه فيي كيل عصير ومصير‪،‬فقرروا فيي جامعاتهيم‬
‫ومدار سهم أمثال كتاب الطحاو ية وشرح ها والتدمر ية والوا سطية‪ ،‬ورو ضة النا ظر‪،‬‬
‫واحتكروا به مفهوم السنة والجماعة والستقامة والفرقة الناجية‪ ،‬فضل عن مفهوم‬
‫السلفية‪ ،‬ورموا من خالفهم بالبتداع أو الكفر‪ ،‬أو فساد العقيدة‪.‬‬
‫ولم ينتبهوا إلى أن الفرق السيلفية العباسيية وميا بعدهيا خلطات تجميعيية‬
‫منتقاة‪ ،‬ومعالجات وصيياغات‪ ،‬راعيت معطيات وتحديات ومناخات خاصية ببيئاتهيا‪،‬‬
‫توصف بالسلفية‪ ،‬ولكنها ليس مرجعية تحتكر المفهوم بمعالجاتها‪ ،‬فقد دخلت فيها‬
‫مؤثرات الخلفيية الجتماعيية والسيياسية والمزجية الشخصيية‪ ،‬والفرق السيلفية‬
‫العباسية؛ يصدق عليها قول البوطي‪" -‬تم تجميعها من التراث السلمي‪ ،‬ولم يجر‬
‫هذا التجمع بناء على فحص عملي" (السلفية مرحلة زمنية مباركة ل مذهب‪.)235:‬‬
‫ولذلك أن كر البو طي على من أرادوا ح صر ال سلم بال صياغات ال سلفية العبا سية ‪،‬‬
‫واعتبارها مذاهب‪ ،‬تتجاوز عصرها‪ ،‬لنها خلطات إصلح وعلج‪ ،‬ناسبت ما في تلك‬
‫البيئات من أمراض أواحتياج‪ ،‬وليس ذلك سمت المذهب‪.‬‬
‫فالواقع التاريخي يبين أن الفرق السلفية العباسية ‪ ،‬لم تكن لي واحدة منها‬
‫خلطة منسجمة‪ ،‬كما هو الحال في المذاهب الفقهية الربعة السنية والمذهب الشيعي‬
‫المامي‪ ،‬لكي يصح إطلق كلمة المذهب عليها‪ ،‬إل أن بعض المنتجين مذاهب منها‪،‬‬
‫حاولوا أن يحتكروا التجاه ال سلفي‪ ،‬في قالب مذهب هم المحدد‪ ،‬ول كن المشكلة ال تي‬
‫واجهت كل فريق‪ ،‬أنه استدعى كل الرموز من أبي بكر حتى أحمد بن حنبل وابن‬
‫تيم ية‪ ،‬فنحل هم ت صوراته‪ ،‬وب نى من شوارد هم مذه با محددا‪ ،‬احت كر به المفهوم‪،‬‬
‫واستبعد الخصوم‪.‬‬
‫ومن المغالطة أن يحدد محافظ على الصياغة العباسية اليوم‪ ،‬مفهوم السلفية‪،‬‬
‫بمذ هب الشاعرة دون مذ هب الحنابلة‪ ،‬أو بمذ هب ا بن تيم ية دون مذ هب الغزالي‪،‬‬
‫فكل الطائفتيين سيلفية‪ ،‬و لكيل منهميا اتجاهات فيي التطيبيقات و التفريعات ل تنزع‬
‫من ها النتماء إلى سلف الم صباح‪ ،‬ول كل منه ما معالجات و صياغات ن سبية وأخطاء‬
‫في التطبيقات و التفريعات‪ ،‬ول سيما في شق العقيدة المدني‪.‬‬
‫ل ينبغيي أن نتورط فيي أفخاخ هذه الدعاوي‪ ،‬التيي شاعيت فيي عصيورنا‬
‫القدي مة والحدي ثة‪ ،‬ال تي تح صر كل من ها ال سلفية في اتجاه ها‪ ،‬فال سلفي هو كل‬
‫ملتزم بأن يسيتضيء بمصيباح الكتاب والسينة أصيول‪ ،‬ويجعيل التطيبيق النبوي‬
‫والراشدي وحقائق علوم النسيان والطبيعية‪ ،‬نظارة يرى مين خللهيا المصيباح‪.‬‬
‫سيواء أكان عبدلييا(نسيبة إلى عبيد ال بين أحميد) أم أشعرييا أم تيمييا‪ ،‬وهابييا أم‬
‫إخوانيا أو حنفيا أومعتزليا (معتدل) أو زيديا‪.‬أم من دعاة الصحوة السلفية المدنية‬
‫اليوم‪.‬‬
‫ب‪-‬الســلفيات العباســية صــورا وليســت ل أصــل ول‬
‫مقياسا ول مرجعية‪:‬‬
‫ويلزم من حصرها في مذهب تاريخي محدد‪ ،‬وأن تكون أفعال الرعيل السلفي‬
‫العبا سي ال صالح ومعالجات هم صوابا مطل قا‪ ،‬وأن تكون تج سيدا تا ما لل نص‪ ،‬وأن ل‬
‫توجد كواكب أخرى تدور حول القطب في أزمنة وأمكنة أخرى‬
‫بل ول ي صح ح صرها في قالب مذهب تاري خي محدد؛ لنه لي ست لي سلفية‬
‫عبا سية أو مملوكية أو عثماني؛ منظو مة سياسية أو اجتماع ية أو قانونية حقوقية‬
‫أو تربوية أو معرفية‪.‬أو مشروع محدد‪ ،‬تجاه القضايا الساسية في حياة المة‪.‬‬
‫ولم تقدم أي من ها مشرو عا إ سلميا يوازن في العقيدة‪ ،‬ب ين عمودي ف سطاط‬
‫السيلم‪ :‬الصيلة والعدل‪ ،‬وينبثيق مين كون السيلم نظاميا‪ ،‬ل ينفيك الرتباط بيين‬
‫أركانيه العظام‪ ،‬وينبيه الغافليين إلى أن سيبب كيل بلييا المية‪ ،‬وسيقوط الفسيطاط‬
‫هوالتهوين من قدر عمود العدل‪ ،‬خوفا من انهيار عمود الصلة‪.‬‬
‫من أجل ذلك لم تستطع كل الفرق السلفية أن تقدم مشروعا إصلحيا‪ ،‬ذا فكر‬
‫ذي نظريات مت سقة‪ ،‬ل في ال سياسة ول في الترب ية ول في المن طق والفل سفة‪ ،‬ول‬
‫في نظرية المعرفة‪ ،‬كما يقول طه عبدالرحمن "لم يصلنا عن السلفيين أنهم صاغوا‬
‫أفكار هم في أن ساق منظ مة وتا مة‪ ،‬على طري قة أ صحاب المذا هب‪ ،‬وإن ما اقت صروا‬
‫على ضرورة التمسيك بالنصيوص الصيلية"‪ ...‬فهيي طريقية أو أسيلوب يدعيو إلى‬
‫اسيتنطاق النصيوص الصيلية لمعالجية الوضاع المترديية للمجتميع" (العميل الدينيي‬
‫وتجديد العقل‪ -115:‬عن الزنيدي‪.)89:‬‬
‫وفيي المعنيى نفسيه يقول سيعيد بين سيعيد "" السيلفية بصيفة عامية ل تشكيل‬
‫نظرية مكتملة‪ ،‬بقدر ما تشكل طريقة طرح أو تناول "" (دراسات مغربية‪ -189:‬عن‬
‫الزنيدي‪.)90:‬‬
‫يصعب حصر أن تكون أي من السلفيات العباسية‪ ،‬مذهبا محتذى لنها تفتقر‬
‫إلى فكر اقتصادي وسياسي واجتماعي‪ ،‬فضل عن النظريات والليات والبرامج‪ ،‬بل‬
‫ليمكن التعويل على السلفية؛إل إذا حصرنا السلم بشق العقيدة الروحي و الغيبي‪،‬‬
‫وهمشنا شقها المدني‪ ،‬تربويا وسياسيا واجتماعيا واقتصاديا‪.‬‬
‫لم ت كن ال سلفيات مذه با‪-‬ع ند رواد ها‪ ،-‬وإن ما كا نت حركات تجد يد وتحر ير‪،‬‬
‫وجهاد واجتهاد‪ ،‬كما قال سعيد بن سعيد تهدف ""إلى تقوية روح المبادرة‪ ،‬وتحرير‬
‫طاقات الفرد والجماعات‪ ،‬مين كيل تواكيل وخنوع"" (دراسيات مغربيية‪ /189 :‬عين‬
‫الزنيدي)‪.‬‬
‫أو ك ما عبر عز يز الحبا بي كا نت كفا حا من أ جل ف تح باب الجتهاد‪ ،‬وإنقاذا‬
‫للمسلم من روح القطيع (الشخصانية‪ /124:‬عن الزنيدي)‪.‬هذا المعنى لم ينتبه إليه‬
‫كثيير مين المحافظيين على الصيياغة العباسيية للعقيدة والتربيية والثقافية‪ ،‬لنهيم لم‬
‫يثمنوا أن السلفية أسلوب ومنهج‪ ،‬وليست مذهبا‪ ،‬وأن ما أنتجه الرواد والمجددون؛‬
‫كان خلطات إصلح‪ ،‬متأثرة بالمعطيات والمراض الشائعة في زمنها‪.‬‬
‫ولم يلحظوا أن خلطية التجدييد إلتجدييد إذا اسيتعملت فيي ظروف مغايرة؛‬
‫صارت تقليدا عاجزا‪ ،‬كما بينت في مقالة التجديد والتقليد التالية‪.‬‬

‫ج‪-‬اللبــس بيــن المقياس الســلفي‪ :‬النــص و الصــور‬


‫السلفية‬
‫ول كن مفهوم (ال سلفية) أي ضا مح صورا في فر قة عبا سية‪،‬كا نت فبادت‪ ،‬ك ما‬
‫زعم البوطي في كتابه"السلفية حركة مباركة"‪.‬‬
‫فاعتبار السلفية حركة بائدة‪ ،‬لبس وقع فيه كثير من الفضلء نتيجة خلط بين‬
‫ثلثة أمور ‪:‬الفرق السلفية‪ ،‬والمنهج السلفي‪.‬‬
‫الول‪ :‬المقياس السلفي‪ :‬النص وهي إعلن سلطة النص‪ ،‬والتمسك باللتزام‬
‫برؤ ية م صباح الكتاب وال سنة في زجا جة الت طبيق النبوي والراشدي ومشكاة سنن‬
‫ال في النسان والطبيعة‪ ،‬فهو اللتزام بالنصوص الشرعية وتقديمها على غيرها‪،‬‬
‫الثا ني‪:‬ال صل المحتذى هو الت طبيق النبوي والراشدي والحذر من إخضا عه‬
‫للمؤثرات التيي حدثيت بعيد الخلفية الراشدة‪ ،‬واللتزام بهدى الرسيول وإجماع‬
‫الصحابة علما وعمل‪ ،‬بصرف النظر عن مدى دقة هذا اللتزام‪.‬‬
‫‪-‬الثالث‪ :‬ال صور ال سلفية صياغات وحركات ومذا هب وفر قا ‪ ،‬و هي كوا كب‬
‫سلفية دوارة‪ ،‬تتجدد معالجاتها وتتغير‪ ،‬وتركز في كل عصر خلطة علج‪ ،‬حسب ما‬
‫فيي البيئة مين أمراض‪ ،‬حسيب المعطيات والتحديات والمناخات‪ ،‬فإن كان الخلل‬
‫يترك ش يء من منظو مة ال صلة‪ ،‬كاطواف حول أموات أرباب‪ ،‬ركزت عل جه‪ ،‬وإن‬
‫كان بشيء من منظومة العدل كالبطواف حول رؤساء أو علماء أرباب‪ ،‬ولكل مرض‬
‫علج‪ ،‬ول كل مق صد منهاج‪ ،‬وب ما أن ها خلطات علج ية؛ كان من ال طبيعي أن تبرز‬
‫السلفيات بعض العناصر على بعض‪ ،‬وأن ل تخلو من انتقاء انتقاء النصوص التي‬
‫تعضد اتجاها محددا‪ ،‬عند تركيب عناصر الدواء‪.‬‬
‫فالمذاهيب والصيياغات والحركات والفرق‪ ،‬إنميا هيي خلطات وطبخات منتقاة‪،‬‬
‫تتكون منهيا اتجاهات ومعالجات وصيياغات أشتات‪ ،‬حسيب المعطيات والتحديات‪.‬‬
‫لمعالجة في بيئة من البيئات‬
‫والسلفيات أموية وعباسية ومملوكية وعثمانية‪ ،‬إذن بنات علت‪:‬قبلتها قطب‬
‫واحد‪ ،‬هو مصباح النص في الزجاجة والمشكاة‪.‬‬
‫‪ =5‬السلفية ليست صورة عباسية محددة‬
‫بـل مسـطرة وتطـبيق راشدي لنتاج تيارات إسـلمية‬
‫بل تعصب لمذهبية‬
‫أ‪-‬معالم نجمة القطب والبوصلة‪:‬‬
‫معيار السيلفية هيو القول بمرجعيية نيص القرآن والسينة‪ ،‬مجردا مين كيل‬
‫التطبيقات والتف سيرات غ ير النبوية والراشدية وغ ير المعرف ية‪ ،‬فهي بو صلة مر نة‬
‫تجمع بين أمرين‪:‬‬
‫قدر مناسب من الضوابط‪ ،‬يمنع تحر يف المبادئ وكليات الشريعة ومقاصدها‬
‫وروحهيا‪ ،‬يمين مين أن يكون نيص القرآن والسينة نصيا مفتوحيا‪ ،‬لكيل مؤول أو‬
‫محرف‪ ،‬وحمال أوجه‪ ،‬لن تحديد رؤية المصباح بالزجاجة والمشكاة‪ ،‬يمنع من أن‬
‫يكون النص مفتوحا لمعالجات شتى‪ ،‬بل معالم‪.‬‬
‫المرونة في إنتاج حركات وصياغات آنية ووقتية‪ ،‬تعالج مشكلت أو تحديات‬
‫أو أخطاء شائعية‪ ،‬فيي بلد مين البلدان‪ ،‬سيواء أكانيت فيي شيق التوحييد الروحيي‬
‫كالطواف حول القبور‪ ،‬والسيتغاثة بالموات‪ ،‬وبدع الغلو فيي الدعاء‪ .‬أو فيي شيق‬
‫العقيدة المدني‪ ،‬كالتفريط بالخلق والتربية‪ ،‬والهوية‪ ،‬والظلم والستبداد‬
‫وضابيط أن يلتزم بأن ل يفهيم القرآن والسينة‪ ،‬إل حسيب فهيم الصيحابة‪ ،‬أي‬
‫حسب أصول فهم الكلم العربي‪ ،‬أي على معهود العرب في أساليبها‪ ،‬وما فيها من‬
‫خاص يراد به العام‪ ،‬وظاهر يراد به الظاهر‪ ،‬وحقيقة يراد بها المجاز‪ ،‬ومطلق يرد‬
‫إلى المقييد‪ ،‬وعام يرد إلى الخاص كميا قرر الشافعيي فيي الرسيالة‪ ،‬والشاطيبي فيي‬
‫الموافقات‪،‬‬
‫وكان لل سلف العبا سي ال صالح‪ ،‬من رواد ال سلفية العبا سية‘ ف ضل كبير في‬
‫كشف معالم أصول فقه الكتاب والسنة‪ ،‬كما بدأ أبو حنيفة وتلميذه محمد بن الحسن‪،‬‬
‫ثم بلور الشافعي ودون‪ ،‬وهذا ثاني عمل في الهمية قام به السلف العباسي الصالح‬
‫بعد الجمع‪.‬‬
‫وكان ذلك أساسا لتفسير القرآن وشرح الحديث وبناء فقه الفروع والصول‪.‬‬
‫و أصول الفقه التي دونوا صالحة صلبة كالمسطرة‪-‬في الجملة‪-‬منها ما هو‬
‫قط عي ي جب العتماد عل يه‪ ،‬أو ظ ني ل يس ف يه خلف مع تبر ينب غي الطمئنان إل يه‪،‬‬
‫وفي ها ما هو مجال خلف‪ ،‬ول سيما في شق شئون الحياة‪ .‬ول كن هذا وذاك ل ينال‬
‫من سلمة التأسيس في الجملة‪.‬‬
‫وهذا يدعونيا إلى أن نفرز النتاج السيلفي العباسيي‪ ،‬فيي أصيول فقيه الكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬إلى ما هو من القطعيات‪ ،‬أو شبه القطعيات وما هو من الجتهادات الظنية‬
‫ال تي ل يس في ها خلف مع تبر‪ ،‬أو ل يس ل ها معارض أقوى‪ ،‬من أ جل ضمان اعتماد‬
‫منهج صلب صارم‪ ،‬وتجنب التعصب للتمذهب‪ ،‬والبتداع في الدين‪ ،‬والتقليد‪.‬‬
‫فإن كان مين القطعيات أو شبههيا‪ ،‬فهيو مين الصيول السيلفية كالقول بأن‬
‫غرض الشارع تحق يق م صالح العباد في الدن يا والخرة‪ ،‬وإن كان ظن يا لي سلم من‬
‫معارض‪ ،‬كقول أك ثر علماء أ صول الف قه‪:‬ال عبرة بعموم الل فظ ل بخ صوص ال سبب‪،‬‬
‫وكالقول بالمصالح المرسلة‪ .‬فهو رأي يحتمل الصواب والخطأ‪ ،‬وهو من الجتهادات‬
‫التيي يجوز فيهيا الخلف‪ ،‬مالم تخالف حقائق الحياة سيواءا عدوه فيي الفروع‪ ،‬أو‬
‫الصيول‪ .‬وكيل قاعدة تعيد مين أصيول فقيه الكتاب و السينة‪ ،‬أو مقاصيد الشريعية‬
‫أوكليات ها‪ ،‬ي جب أن تكون قطع ية‪،‬أو ش به قطع ية‪ ،‬ك ما دلل الشا طبي‪ ،‬ل كي ل فك يف‬
‫نقييس بمقياس غيير منضبيط‪ ،‬وقيد أدرج الصيوليون ظنيات كثيرة‪ ،‬فيي المفهوم‬
‫السلفي‪ ،‬وقد ذكرت نماذج في كتابي(العديلين والجناحين)‪.‬‬
‫أ‪-‬الفرق بين السلفيين وغيرهم‪:‬‬
‫السلفية مسطرة بلورها السلفيون العباسيون ‪( ،‬بصرف النظر عن ما أنتجوه‬
‫مين أفكار ومواقيف) فمين ل يجعيل ثلثيية المصيباح والزجاجية والمشكاة فيي فقيه‬
‫الكتاب و السنة‪ ،‬له بوصلة‪ ،‬سيبدو القرآن و السنة نصين مفتوحين لكل تأويل‪ ،‬لن‬
‫رفض البوصلة التي بلوروها السلف العباسي الصالح‪ ،‬رفض للصول العربية‪ ،‬لفقه‬
‫القرآن والسنة‪ ،‬إنه يعني أن نقرأ القرآن والسنة قراءة فوضوية‪.‬‬
‫وعلى هذا فإن أروع وأكيبر ميا فيي السيلفيات العباسيية؛ أنهيا حفظيت‬
‫(المصباح) فدونت المصادر‪ ،‬وجلت (الزجاجة)‪ ،‬بينت المغازي والتاريخ‪ ،‬وضعته في‬
‫(المشكاة)‪ ،‬فحددت بذلك قواعد فقه الكتاب والسنة‪.‬‬
‫وعند ما يد عي أحد نا أن مرجعي ته الكتاب وال سنة‪ ،‬يد خل في هذه الدعوى كل‬
‫أهل القبلة من شيعة وسنة وخوارج وصوفية‪.‬‬
‫وعند ما تحدد ال سنة بمجام يع صحاح الحد يث ال ستة‪ ،‬من خلل مشكاة النبوة‬
‫والعهيد الراشدي‪ ،‬تخرج بعيض الفرق الخرى التيي لم ل تؤمين بحجيية الحدييث‬
‫الصيريح الصيحيح‪ ،‬و أو لم تؤمين بمشكاة بعيض فترات العهيد الراشدي كغلة‬
‫المعتزلة كالشي عة(المام ية) ال تي ل تح تج إل بفترة علي بن أ بي طالب‪ ،‬والخوارج‬
‫التي ل تحتج بفترة عثمان وعلي‪.‬‬
‫وعند ما نش ير إلى الع هد الراشدي‪ " ،‬ما أ نا عل يه وأ صحابي"‪ ،‬و" سنة الخلفاء‬
‫الرا سشدين"نر كز على أركان إقا مة الدولة الم سلمة العشرة‪ ،‬وند ين كل روح رهب نة‬
‫أو فرعنة فرقت بين إقام العدل وإقام الصلة‪.‬‬
‫بهذا القيد يخرج ما داخل فقه القرآن‪ ،‬من ابتسار صحراوي دون روح مدنية‬
‫وقيع ف يه الخوارج فيخرج –بهذا القييد‪-‬فهيم الخوارج الصيحراوي ‪ ،‬وعندميا ننيص‬
‫على تطبيق العهد الراشدي‪ ،‬يخرج بهذا القيد الفقه الشيعي(المامي) أصولً‪.‬‬
‫وعندما ينص على أن فقه الكتاب والسنة‪ ،‬يكون حسب فهم الصحابة يعني‬
‫ذلك فهم الكلم العربي‪ ،‬حسب أصول اللغة العربية نحوا وتركيبا ودللة وبلغة‪ ،‬و‬
‫فهيم القرآن الكر يم‪ ،‬حسيب دللت الكلم العربيي الشائع‪(،‬كميا شرح الشاطيبي فيي‬
‫الموافقات)‪ ،‬تخرج بذلك كل سفسطة وتق عر وتفي هق‪ ،‬كف هم ال صوفية ومتطر في‬
‫المعتزلة‪ ،‬ومنكري المجاز‪.‬‬
‫وعندميا يضبيط تفسيير القرآن بحقائق علوم النسيان والطبيعية‪ ،‬يخرج‬
‫الفلسفة القائلون بظاهر للنص وباطن‪ .‬فالتفيهق وتحويل القرآن إلى نص رمزي‬
‫مفتوح‪ ،‬ليست له دللت محددة ؛ إنما هو انحراف صوفي‪.‬‬
‫و مثله الفهم الباطني عند الصوفية والفلسفة التجريديين‪ .‬و صرف الكلم‬
‫عين ظاهره دون ضرورة‪ ،‬والفهيم الذي يقدم الهوى والتخرصيات والظنون‪ ،‬ثيم‬
‫يسميها بي(العقل)‪ ،‬ثم يقدمها ‪-‬باسم العقل‪ -‬على الشرع‪ ،‬فيصل إلى تأويل فاسد‬
‫بعيد عند غلة المعتزلة‪ ،‬وعند بعض العلمانيين اليوم‪.‬‬
‫ال سلفية إذن هي البو صلة المأمو نة للو صول إلى ال سلم ال صافي ف من قدم‬
‫أفكارا ناقصة أو كديرة‪ ،‬أو مخلة بتوازن الشق الروحي والمدني من العقيدة؛ فإنه‬
‫مجتهيد مأجور‪ ،‬ولكنيه لييس قدوة‪ ،‬منسيوب إلى كواكيب سيلفية دوارة؛ فيي سيماء‬
‫عبا سية أو مملوك ية أو عثمان ية‪ ،‬ول كن قي مة اجتهادا ته‪ ،‬محكو مة ب سلفية م صباح‬
‫والمشكاة‪.‬‬
‫ج‪-‬خطأ الذين حصروا المفهوم في صور عباسية‪:‬‬
‫وال سلف هم الذ ين ال صحابة ال سابقون الذ ين ا ستضاءوا بالم صباح و هو في‬
‫الزجا جة والزجا جة في مشكاة‪ ،‬و هم نج مة الق طب الذي عل يه المدار‪ ،‬و كل سلفي‬
‫بعدهم فإنما هو كوكب دوار‪.‬‬
‫وال سلفيات العبا سية إن ما هي حركات و صياغات ومعالجات حددت ها المعطيات‬
‫و المشكلت‪ ،‬أغلبها معالجات خاصة بعصورها‪ ،‬و أنها على مالها من فضل ظاهر‪،‬‬
‫ل تصيلح قدوة لغيرهيا إل فيي الروح و منهيج المعالجية‪،‬والتمسيك ببوصيلة سيلفية‬
‫الم صباح والمشكاة‪ ،‬ل المعالجات وال صياغات نف سها‪ .‬لن احتذاء سلفية الم صباح‬
‫والمشكاة؛ أنتيج أفكارا ومعالجات متباينية و متداخلة وحركات متعددة متشابهية و‬
‫غير متشابهة‪.‬‬
‫وتلك ال سلفيات العبا سية صياغات وخلطات‪ ،‬لمعال جة لشكالت كا نت فزالت‪،‬‬
‫ومحاولة إحياء الصيغ العباسية للسلفية _وغيرها_ إنما هي محاولة للغاء مؤثرات‬
‫الزمان والمكان‪ ،‬وتعمييم لنموذج فكري واحيد‪ ،‬بزعيم أنيه نموذج مجتميع السيلف‬
‫الراشدي ال صالح‪ ،‬ووقوف بالز من المتغ ير‪ ،‬د مج للو سائل وال صياغات والمعالجات‪،‬‬
‫وهي من المتغيرات في المبادئ والصول الثوابت‪.‬‬
‫لعيل البوطيي لم يفرق بيين السيلفية اتجاهيا‪ ،‬يحتذي النيص فيي الزجاجية‬
‫والمشكاة‪ ،‬وال صياغات ال سلفية العبا سية‪ ،‬ال تي تشكلت من ها مذا هب‪ .‬ولعله عند ما‬
‫قال (كميا السيلفية مرحلة زمنيية مباركية ل مذهيب‪ ،)235:‬لم يقصيد أن السيلفية‬
‫العباسيية؛ ليسيت مذهبيا محددا‪ ،‬إذ ل شيك فيي أن السيلفيات العباسيية والمملوكيية‬
‫والعثمان ية؛ صاغت من التجاه ال سلفي مذا هب‪ ،‬كالشعر ية والتيم ية والوهاب ية‪،) .‬‬
‫وأحسيبه أراد التذكيير بأن الفرق السيلفية العباسيية خلطات إصيلح وعلج‪ ،‬لعلهيا‬
‫ناسبت ما في تلك البيئات من أمراض أواحتياج‪ ،‬وأراد تشد يد النكار من أرادوها‬
‫مذهبا محددا‪ ،‬لكل عصر ومصر‪ ،‬مهما اختلفت المراض والتحديات والمعطيات‪.‬‬
‫ولك نه ق صد أن المذا هب ال سلفيات العبا سية؛ لي ست مذه با صالحا ل كل زمان‬
‫ومكان‪ ،‬فركيز القول على نفيي كونهيا مرجعيية‪ ،‬مبينيا أنهيا تاريخيية‪ ،‬وأن التجاه‬
‫ال سلفي ل يس مح صورا ب صياغاتها وحركات ها التاريخ ية‪ ،‬لن التجاه يطلق على كل‬
‫مذهيب متقدم أو متأخير؛ يسيتضيء بمصيباح الكتاب والسينة‪ ،‬ويجعيل مين التطيبيق‬
‫النبوي والراشدي وحقائق علوم النسييان والطبيعيية‪ ،‬نظارة يرى ميين خللهييا‬
‫المصباح‪ ،‬ولو أخطأ في بعض الجتهادات والممارسات‪.‬‬

‫ب‪-‬خمس لوحات سلفية‪:‬‬


‫‪=6‬الفرق بين الصل والصور‬
‫أ= كـــل ســـلفية ل توائم بيـــن الصـــلح الروحـــي‬
‫والسياسي فإنما هي صورة باهتة أو مختلة‬

‫وحديث جحر الضب يبرهن على ثنائية المقياس السلفي‪:‬‬


‫ومه ما ران على مفهوم ال سلف ال صالح وأ هل ال سنة والجما عة‪ ،‬من الغيوم‪،‬‬
‫فإنيه لييس طلسيما فيي رقييم مختوم‪ ،‬ل يدركيه إل متخصيص كيبير‪ ،‬بيل هيو معلوم‬
‫للخصوص وللعموم‪ ،‬لمن عزم على الستضاءة بالمصباح‪ ،‬وحرر نفسه من الهوى‪،‬‬
‫والراء الشائعة‪ ،‬فالتوحيد توأم يتكون من شقين‪:‬شق روحي وشق مدني سياسي‪.‬‬
‫فقد بين الرسول صلى ال عليه وسلم من أن الخلل بالعقيدة نوعان‪:‬‬
‫الول‪ :‬انحراف سياسي مدني كما في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي ال‬
‫عنيه "لتتبعين سينن مين كان قبلكيم‪ ،‬حذو القذة بالقذة‪ ،‬حتيى دخلوا جحير ضيب‬
‫لدخلتموه‪ ،‬قلنيا ييا رسيول ال‪ .‬فارس والروم فقال الرسيول صيلى ال علييه وسيلم‪:‬‬
‫فمن؟" رواه البخاري‪.‬‬
‫الثا ني‪ :‬انحراف رو حي ك ما في الحد يث الذي رواه أ بو سعيد الخدري ر ضي‬
‫ال عنيه "لتتبعين سينن مين كان قبلكيم‪ ،‬حذو القذة بالقذة‪ ،‬حتيى دخلوا جحير ضيب‬
‫لدخلتموه‪ ،‬قلنيا ييا رسيول ال‪ .‬فارس والروم فقال الرسيول صيلى ال علييه وسيلم‪:‬‬
‫فمن؟" رواه مسلم (قال الحافظ ابن حجر "ح يث قال (فارس الروم) كان هناك قرينة‬
‫تتعلق بالحكم بين الناس وسياسة الرعية‪ ،‬وحيث قال (اليهود والنصارى) كان هناك‬
‫قرينة تتعلق بأمور الديانات أصولها وفروعها"‪.‬‬
‫والنحراف ال سياسي م خل بالعقيدة أخ طر من النحراف الرو حي‪ ،‬ولذلك ب ين‬
‫الر سول صلى ال عل يه و سلم أن ضلل ال مة عن عقيدت ها يبدأ سياسيا وينت هي‬
‫روحيا‪ ،‬كما في الحديث الشريف "أول ما تفقدون من دينكم الحكم‪ ،‬وآخر ما تفقدون‬
‫منه الصلة"‪.‬‬
‫وفي هذا تذكير لمن أخلوا بسلم الولويات‪ ،‬ومبدأ التوازن في العقيدة‪.‬‬
‫ومادام شعار السلفية هي أن يرى مصباح القرآن والسنة في مشكاة التطبيق‬
‫النبوي والراشدي وحقائق علوم النسيان والطبيعية‪- ،‬إذن‪-‬السيلف القدوة‪ ،‬هيم‬
‫صحابة الع هد النبوي والراشدي"‪ .‬الذ ين وازنوا ب ين إقا مة العدل وإقام ال صلة‪ ،‬فلم‬
‫يغرقوا في الغ يبيات‪ ،‬وشغل هم الع مل عن الغراق في الجدل‪ ،‬وقاوموا جور الحا كم‬
‫واستبداده ‪.‬‬
‫فل يكون النسيان سيلفيا حتيى يكون آمرا بالمعروف ناهييا عين المنكير‪ ،‬حرا‬
‫ينادي بالعدل والشورى‪ .‬وهذا المعيار ين به إلى أهم ية إعادة ت صحيح كل حد يث أو‬
‫أثر يصرح بتهوين العدل في الحكم‪ ،‬أو يشرع الصبر على الجور‪،‬أويقول بتقبل ظلم‬
‫الحاكيم مادام يقييم الصيلة‪ ،‬ويدوس العدالة محور أركان إقامية الدولة المسيلمة‬
‫العشرة‪.‬‬
‫إن كل م سلم ي عد سلفيا‪ ،‬أي م سلما غ ير مبتدع و أ صوليا‪،‬مادام ملتز ما بأن‬
‫يسيتضيء بمصيباح الكتاب والسينة أصيول‪ ،‬ويجعيل التطيبيق النبوي والراشدي‬
‫وحقائق علوم الن سان والطبي عة‪ ،‬نظارة يرى من خلل ها الم صباح‪ ،‬أ ما أن يشترط‬
‫أحد نظارة أموية أو عباسية أو مملوكية أو عثمانية لرؤية المصباح‪ ،‬فذلك قول من‬
‫غير دليل‪.‬‬
‫إن ميزة الزجاجية فيي مشكاة؛ أن ليتبيع المتشابيه والحادييث والراء‬
‫والمواقف الضعيفة‪ ،‬المخلة بأي ركن من أركان السلم روحية ومدنية معا‪.‬‬
‫وأن ل يتشبيث بالنيص المتشابيه أو الضعييف المنقول‪ ،‬الذي يناقيض حقائق‬
‫علوم النسان والطبيعة‪ ،‬التي أدركتها العقول‪ ،‬كما بين ابن تيمية‪،‬في العقل والنقل‪،‬‬
‫ل لفقه الكتاب والسنة‪ ،‬بصرف‬
‫هذا ما أعلنه الرعيل السلفي العباسي الصالح‪ ،‬أص ً‬
‫النظر عن مدى التزام فكرهم ومواقفهم بما أعلنوه‪.‬‬
‫فالسلفية مسطرة وتطبيق راشدي أنتجا منهج استدلل موحد المقاصد متجدد‬
‫الوسائل‪ ،‬ينطلق من أن التوحيد فسطاط ذو عمودين ‪:‬‬
‫‪-‬سمو روحي عموده الصلة‬
‫‪ -‬وسمو مدني‪،‬عموده العدل‪.‬‬
‫ب‪-‬صور شتى حسب المعطيات والتحديات‪:‬‬
‫وفي العصور المواضي أموية وعباسية ومملوكية وعثمانية قام على المنهج‬
‫السيلفي سيلفيات‪ ،‬قدميت صيياغات فكريية عامية‪ ،‬نشأت عليهيا حركات إصيلحية‪،‬‬
‫ولبيان مرونة المنهج السلفي‪ ،‬وكونه إطارا يسمح بتجديد أصيل يجمع بين الحفاظ‬
‫على الثوابت القطعية‪ ،‬والتجديد في الوسائل والصياغة والفروع والحركة والتطبيق‪.‬‬
‫والفروع على المنهيج الصيول‪ ،‬والتجدييد فيي ؛ لعيل مين المناسيب أن نتعرف على‬
‫نماذج من هذه ال سلفيات المجددة خلل الع صور ثل ثة من أئ مة ال سفليات الماض ية‬
‫لنؤكد أمورا‪:‬‬
‫أولهيا‪:‬أن السيلفية منهيج وأسيلوب وليسيت مذهبيا محددا فيي زمين أموي أو‬
‫عباسي أو مملوكي أو عثماني‪.‬‬
‫ثانيها‪ :‬أن كل سلفية فإنماهي تجديد آني‪ ،‬يشكل خلطة دواء‪ ،‬تركز على وباء‬
‫ما‪ ،‬في زمانها ومكانها‪ ،‬وإن كان فيها طبخة غذاء‪ ،‬تعيد توازن عناصر الغذاء‪.‬وكل‬
‫سلفية إنما تستنبط من صيدلية القرآن والسنة‪ ،‬خلطة مناسبة توازن بين السموين‪،‬‬
‫وترتب الولويات‪ ،‬حسب التحدي الماثل‪.‬‬
‫ثالث ها‪ :‬لن نر فع شعار كف علم ال سياسة والن قد عن ماش جر ب ين ال سلفيات‪،‬‬
‫فمقاربة التقييم تهدف إلى العتبار بالماضي‪ ،‬ل إلى التعصب لحد ول على أحد ول‬
‫للبحث العلمي المجرد من الهدف المحدد‪ :‬استفادة البناء من آبائهم‪ ،‬مع تنبههم لما‬
‫في الماضي من عبر‪.‬‬
‫إن في كل حركة سلفية جوانب صواب كبير‪ ،‬ينبغي أن يستفيد منه الناس‪،‬‬
‫ولكنها لتخلو من أخطاء‪ ،‬ينبغي أن يتجنبه دعاة الصلح‪،‬‬
‫والسيلفيات إنماهيي خلطات أدويية وطبخات أغذيية‪ ،‬فمين وازن بيين عناصير‬
‫الغذاء‪ ،‬وأحسن تركيب الدواء‪ ،‬فالصحة تاج يرى على رءوس الصحاء‪.‬‬
‫ولكن صواب المجتهد على بصيرة أكثر من خطئه إن شاء ال‪،‬ومن لم يوازن‬
‫ف قد قام بمحاولة مشكورة‪ ،‬ل ها ن بل الغا ية والجتهاد والجهاد‪ ،‬ولكن ها ق صرت عن‬
‫الغاية‪ ،‬وكفى بالمحاولة شرفا‪:‬‬
‫وعلي أن أسعى وليس علي إدراك النجاح‪.‬‬
‫والتطبيقات والتنظيرات ليست وحيا معصوما لخطأ فيه‪ ،‬بل ل يبرأ من الخطأ‬
‫أي سياع‪ ،‬وروح النقيد والجتهاد فيي المنهيج السيلفي؛ تصيد عنيه عوادي التكلس‬
‫والتقليد‪ ،‬وبذلك صار اليوم قادرا على إنتاج علج لمراضنا الحاضرة‪.‬‬
‫مين أجيل ذلك سينذكر خميس لوحات مين المصيلحين بعيد السيلف الراشدي‬
‫الصالح‪:‬‬
‫اللوحة الولى‪ :‬فقهاء الصحابة والتابعين الذين جاهدوا الستبداد والظلم في‬
‫العصر الموي‪.‬‬
‫واللوحة الثانية‪ . :‬أحمد بن حنبل‬
‫واللوحة الثالثة‪ :‬ابن تيمية‪..‬‬
‫واللوحة الرابعة‪ :‬محمد بن عبد الوهاب‬
‫اللوحة الخامسة‪ :‬نموذج من السلفيات المتوازنة(في عصر الهيمنة الوربية‬
‫والمريكية) التي عنيت بصياغة العقيدة صياغة متوازنة‪ ،‬وراعت أولوية التصدي‬
‫للمبريالية الغربية‪.‬‬
‫هذه الدعوات والحركات عينات نموذجية لمصلحين كثير‪ ،‬في أصقاع البلدان‬
‫السلمية في العصر القديم والحديث‪ ،‬من الشخصيات والحركات التي طرحت فكرا‬
‫أو فعلً إسلميا‪ ،‬ثمن شروط البيعة الشرعية على الكتاب والسنة‪ :‬العدل والشورى‪.‬‬
‫ولعل البحث من خللها يفرق بين المنهج السلفي الذي النص وكيفية فهمه‬
‫‪ :‬المصيباح فيي زجاجية ومشكاة‪ ،‬وهيو القطيب الذي علييه المدار وبيين التطيبيقات‬
‫والحركات والصياغات في السلفيات التوابع‪ ،‬التي هي محاولة استلهام للمنهج من‬
‫جديد‪ ،‬من أجل تركيب أدوية لما ألم بالناس من أمراض جديدة‪.‬‬

‫‪ =7‬السلفية الموية واجهت المافيا السياسية‪:‬‬


‫أ‪-‬الصـلح السـياسي أسـاسي فـي المفهوم السـلفي‬
‫‪:‬‬
‫أبرزت السيلفية المويية أركان إسيلم الدولة العشرة‪ ،‬ونادت بمعالم العقيدة‬
‫السياسية ومبادئ السياسة الشرعية‪ ،‬منها‪:‬‬
‫الولى‪ :‬ينبغيي إلزام الحاكيم بالعدل فيي قسيمة المال وتوليية الولة‪ ،‬ولوازميه‬
‫كالمساواة والكرامة‪ ،‬ونحوهما من القيم الداخلة في مصطلح (العدل) في القرآن‪.‬‬
‫الثان ية‪:‬ينب غي إلزام الحا كم بالشورى‪ ،‬لن الحا كم وك يل عن ال مة في تنف يذ‬
‫مصالحها الشرعية‪ ،‬وليس وكيل عليها‪ .‬ولذلك يجب على أعيان المة قيادة المة‪،‬‬
‫لطره على مشاورت ها‪ ،‬ب صدوره عن تدب ير أ هل الرأي والع قل‪ ،‬المفوض ين من ق بل‬
‫المة‪ ،‬ليصبحوا هم أهل العقد والحل‪.‬‬
‫الثالثية‪ :‬التعدديية وحريية الرأي والتعيبير والجتماع والتجميع السيامية‪ ،‬كميا‬
‫جسدها تعامل الخليفتين الراشدين‪:‬عبد ال بن الزبير وعمر بن عبد العزيز‪ ،‬اللذين‬
‫جريا على تطبيق علي بن أبي طالب‪.‬‬
‫الرابعية‪ :‬قيام المية بالجهاد السيياسي‪ ،‬الذي هيو مقتضيى التواصيي بالحيق‬
‫والتعاون على البر والتقوى‪ ،‬و المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬روحيا ومدنيا‪،‬‬
‫سياسيا واجتماعيا‪.‬‬
‫وأن هذه المور من ما ينبغي الزام الحاكم بها‪ ،‬لنها هي مقتضى البيعة على‬
‫الكتاب والسنة‪.‬‬
‫فحركات الفقهاء المويين تذكرت الغافلين المحافظين على الصياغة العبا سية‬
‫اليوم في عهد المبريالية الغربية‪ ،‬بأصول السياسة الشرعية‪.‬‬
‫وترفع أصابع التساؤلت التالية‪ ،‬على مدونات العقيدة التي سادت في عصور‬
‫السيتبداد‪ ،‬ككتاب السينة لعبيد ال بين أحميد‪ ،‬وكتاب السينة للخلل وكتاب السينة‬
‫للبربهاري‪ ،‬والعقيدة الطحاوية وشرحها لبن أبي العز ‪ ،‬ونحوها من متون العقيدة‬
‫التي يدرس في الزهر بمصر وفي كليات الشريعة السعودية‪:‬‬
‫‪ -1‬أليست العدالة من أركان العقيدة ؟‪.‬‬
‫‪ -2‬أليس حفظ مال المة من أركان العقيدة ‪.‬‬
‫‪ -3‬أليست الشورى من أركان العقيدة؟‪.‬‬
‫‪ -4‬ألي ست الحر ية ال سامية والتعدد ية فكر ية واجتماع ية وثقاف ية من أركان‬
‫العقيدة؟ وشيوخ ال سلفية المو ية أك ثر الفقهاء انفتا حا في م سألة الحر ية الفكر ية‬
‫والسيياسية‪ ،‬وأنيه ل يجوز لسيلطان ول لفقييه أن يلزم الناس برأييه‪ ،‬وأن مسيألة‬
‫الحرية والعدل والشورى من أصول العقيدة‪.‬‬
‫‪-6‬أليس بناء الدولة المذهبية القمعية‪ ،‬من هوادم العقيدة؟‬
‫‪-7‬ألييس حفيظ حقوق القليات غيير المسيلمة أليسيت مين مسيلمات العقيدة‬
‫وأركانها؟‪.‬‬
‫‪ -8‬مشروعيية جهاد الطغيان السيياسي عامية والسيلمي خاصية‪ ،‬وكون إنكار‬
‫المنكرات السلطانية‪ ،‬من أصول العقيدة‪.‬‬
‫هذه المسيائل السيبع أجميع عليهيا عموم الفقهاء المويون‪ ،‬ولم يخالفهيم‬
‫صراحة أ حد من الفقهاء العبا سيين اللحق ين‪ ،‬لن هذه الم سائل قطع ية‪ ،‬ول كن من‬
‫خالفوهم لم يصرحوا بذلك‪.‬‬
‫أليسيت هذه الركان‪ ،‬هيي مقتضيى شروط البيعية الشرعيية‪ ،‬على الكتاب‬
‫والسنة‪.‬‬
‫التذكيير بذلك ضروري لكيي ل تنحصير أصيول العقيدة‪ ،‬بمدونات عباسيية‪ ،‬لم‬
‫ينة للمام البربهاري‬
‫يع العشرة‪ ،‬ككتاب السي‬
‫يلم الدولة والمجتمي‬
‫ين شروط إسي‬
‫تثمي‬
‫والطحاوية للطحاوي وشرحها لبن أبي العز‪ ،‬والسؤال الفاغر فاه‪ ،‬أمام المحافظين‬
‫اليوم على ال صياغة العبا سية في ع هد المبريال ية الغرب ية‪:‬أل تد خل شروط إقا مة‬
‫دولة العدل والشورى‪ ،‬في قطعيات العقيدة؟‪:‬‬
‫وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم‬ ‫فإن كنت ل تدري فتلك مصيبة‬

‫ب‪-‬حريـــة الرأي والتعـــبير فـــي مواقـــف وكلمات‬


‫الفقهاء المويين‪:‬‬
‫جسد عمر بن عبد العزيز اعتراف الدولة المسلمة؛ بحرية الرأي والتعبير‪،‬‬
‫فكتب عمر بن عبد العزيز بالكف عن الخوارج ونحوهم‪ ،‬ما لم يسفكوا دما حراما‪،‬‬
‫أو يأخذوا مالً‪ ،‬وكذلك تعامله مع الشي عة‪ ،‬و من أ جل ذلك تذكره الشر يف الر ضي‪،‬‬
‫بعيد بضعية قرون‪ ،‬وهيو يعانيي قميع بنيي العباس الشيعية‪ ،‬على صيمت مين بعيض‬
‫المحسوبين على السلفية أو تأييد‪:‬‬
‫يابن عبد العزيز لو بكت العييييييين فتى من أمية لبكيتك‬
‫أنت حررتنا من السر والقتيييل فنعم البيوت في الناس بيتك‬
‫وأنصف القدرية والمعتزلة‪ ،‬ولم يعتبر بدع أهل القبلة مخلة بالعدالة‪ ،‬بل ولى‬
‫بعض المبتدعة‪ ،‬كغيلن الدمشقي في أعمال الدولة‪.‬‬
‫قارن إقرار هذا الملك العادل‪ ،‬بصينيع ملوك بنيي أميية كهشام بين عبيد الملك‬
‫الطاغيية‪ ،‬وولتيه الطغاة الذيين حاوروا أهيل البدع بالسيلح‪ ،‬كخالد القسيري الذي‬
‫(ضحيى!) يالجعيد بين درهيم‪ ،‬منتضييا سييف الدفاع عين السينة‪ ،‬وقانون قتيل دعاة‬
‫البدع‪ ،‬وغفلة بعيض رموز السيلفية العباسيية الذيين أيدوه عين كوالييس السيياسة‪،‬‬
‫وقارن موقفهم بموقف البخاري ومسلم ورواة صحاح الحديث‪ ،‬الذين رووا الحديث‬
‫عن دعاة البدع!‬
‫ومنهم الحسن البصري الفقيه المجاهد بحمل السلح في ثورة ابن الشعث‪،‬‬
‫والمجاهد ال سلمي بقول كلمة الحق والعدل أمام السلطان الجائر‪ ،‬الذي قرر‪-‬أي ضا‪-‬‬
‫قاعدة أن ل يؤخذ الناس بآرائهم مهما تطرفت‪ ،‬ما لم تتحول إلى حمل السلح فقال‬
‫عندميا سيئل عين مين يرى رأي الخوارج ولم يخرج‪ ،‬فقال "العميل أملك بالناس مين‬
‫الرأي"‪.‬‬
‫ومنهم المام التقي العادل الشهيد الصابر عبدال بن الزبير‪ ،‬الذي صلت جميع‬
‫الطوائف خلفه‪ ،‬لعدله وإنصافه وتسامحه‪.‬‬
‫ومين ذلك نعرف أن كيل مين سيكت راضييا عين منكرات السيلطين الكيبرى‬
‫كالسيتبداد والظلم وانتهاك حريية الرأي والتعيبير والتعدديية السيامية‪ .‬ففيي إيمانيه‬
‫شك‪ ،‬لن "اليمان يه تف بالع مل فإن وجده وإن ل ارت حل" ك ما قال الح سن الب صري‬
‫فضل عن ينظر في أمره أهو سلفي أم غير سلفي‪.‬تطبيق عموم الفقهاء المويين‪،‬‬
‫بين أن الصلح السياسي من أعظم معالم المنهج السلفي‪.‬‬

‫ج‪-‬قررت حمل السلح عندما رأت الكفر البواح‪:‬‬


‫السلف الموي والعباسي الصالح رضي ال عنا وعنهم‪ ،‬لم يختلفوا في‬
‫وجوب الصيلح السيياسي‪ ،‬أمرا بالمعروف ونهييا عين المنكير‪ ،‬وأنيه مبدأ قطعيي‬
‫وركين مين أركان السيلم العظام‪ ،‬لسييما أن إنكار منكرات السيلطان الظاهرة‪ .‬ولم‬
‫ت كن مذاهب هم أقول م حبرة في أوراق‪ ،‬ول هم سات يلقون ها في رواق‪ ،‬بل موا قف‬
‫ولوحات بارزات‪(،‬ان ظر طر فا من ها للشه يد ع بد العز يز البدري‪:‬موا قف العلماء أمام‬
‫الحكام)‬
‫لم يختلفوا في المبدأ‪:‬إلزام الحا كم بشر طي البي عة على الكتاب وال سنة؛ العدل‬
‫والشورى‪ ،‬وقصره عن الجور قصرا‪ ،‬وأطره على العدل أطرا‪.‬‬
‫وإنميا اختلفوا فيي أسيلوب إزالة المنكير السيياسي‪ ،‬فلهيل السينة والجماعية‬
‫مذهبان في إجراءات المبدأ‪ ،‬مذهب القلية ومذهب الكثرية‪ ،‬كما بين الشيخ عبدال‬
‫بن محمد بن عبد الوهاب‪ ،‬في رسالة(جواب أهل السنة)‪.‬‬
‫أما مذهب القلية فهو الكتفاء بالكلم‪ :‬أي الكتفاء بالسلوب السلمي‪ ،‬فقالوا‬
‫أن المر بالمعروف والنهي عن المنكر إنما هو باللسان إن قدر على ذلك‪ ،‬وقد راق‬
‫ل هم م سلك سعد بن أ بي وقاص وأ سامة بن ز يد ومح مد بن م سلمة وعبدال بن‬
‫ع مر‪ ،‬وهو قول لحمد بن حنبل وجماعة من أهل الحديث (انظر تفصيل ذلك في‬
‫جواب أهل السنةلعبد ال بن محمد بن عبد الوهاب‪ 70:‬ومابعدها)‪.‬‬
‫أ ما مذ هب الكثر ية من فقهاء الع صر الموي؛ فقالوا بوجوب ح مل ال سلح‪،‬‬
‫عنيد مثول الكفير البواح‪ ،‬وهيو الظلم والسيتبداد(كميا ذكير النووي) إذا لم يقدر‬
‫المحتسبون على إنكار المنكر السياسي إل بذلك‪ ،‬وهو مذهب الفقهاء المويين الذين‬
‫سلوا السيوف‪ ،‬ورأوا أن سلها ذروة سنام المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪،‬‬
‫ل عين أكثير مين خمسيين مين رموز فقهاء العصير‬
‫وقيد روي هذا قول وعم ً‬
‫الموي‪،‬من صحابة وتابعين‪.‬‬
‫منهم الحسين بن علي وعبد ال بن الزبير‪ ،‬ومن قام معهما‪.‬‬
‫وهيو قول مين خرج على الحجاج‪ ،‬كعبيد الرحمين بين أبيي الشعيث‪ ،‬وعبيد‬
‫الرحمن بن أبي ليلى‪ ،‬وسعيد بن جبير وأبي البخترى الطائي‪ ،‬وعطاء من أبي رباح‬
‫السلمي والحسن البصري‪ ،‬والشعبي وإبراهيم النخعي‪.‬‬
‫وهو قول الذين خرجوا مع محمد بن عبد ال بن الحسين ذي النفس الزكية‪.‬‬
‫وهو قول أبي حنيفة ومالك بن أنس والشافعي سلوكهم‪ ،‬عندما خرجوا على‬
‫دول الستبداد والجور‪.‬‬
‫وهيو سيبب قول الميير يز يد بين الولييد الموي عندميا خرج على ابين ع مه‬
‫الوليد بن يزيد‪.‬‬
‫وهو قول سفيان الثوري وإبراهيم التيمي‪ ،‬وحماد بن أبي سليمان شيخ أبي‬
‫حنيفة والشهيد أحمد بن نصر الخزاعي‪.‬‬
‫هذا هيو رأي جمهور الفقهاء الموييين‪ ،‬وقيد نعتيه ابين تيميية وابين حجير‬
‫العسقلني‪:‬بمذهب السلف القدماء‪.‬‬
‫وعلى هذا قامت دعوة المام محمد بن عبدالوهاب (انظر لعبد ال بن محمد‬
‫بن عبد الوهاب‪ :‬جواب أهل السنة‪ -70" :‬وما بعدها")‪.‬‬
‫لن الماميين محميد بين عبيد الوهاب ومحميد بين سيعود خلعيا ييعية الخليفية‬
‫العثماني‪ ،‬لن الخليفة سلطان م ستبد جائر مفرط مه مل‪ ،‬وإن ما ا ستجازا ذلك لنه ما‬
‫داعيتي عدل‪ ،‬يخرجان على دولة ظلم وبغي فجريا على رأي قدماء السلف‪.‬‬
‫د‪-‬الســلفية المويــة كشفــت قناع المتفرعــن الذي‬
‫يعلن الجهاد ويقتل دعاة القسط‬
‫التذكير بالسلفيةالموية مهم أيضا لبراز أعظم خلل في كتب العقيدة العباسية‪،‬‬
‫و هو الجهاد مع ال سلطان الجائر‪ ،‬فال سلفية المو ية اكتش فت لع بة الحجاج‪،‬الطاغ ية‬
‫الذي يسيقى الناس كئوس السيتعباد والسيتبداد‪ ،‬ثيم يسيعى لفتوح السيتلب تحيت‬
‫عباءة الجهاد‪ ،‬وقد فصلت ذلك في كتاب الجناحين‪.‬‬
‫ل يسع أي طالب علم صغير ول كبير أن ينكر مشروعية الخروج على الدولة‬
‫المستبدة المتغلبة‪.‬‬
‫ول ي ستطيع طالب علم صغير ول كبير أن ين كر أن هذا ال سلوب ين جح أذ كر‬
‫ول سييما فيي المجتمعات العربيية صيحراوية‪ ،‬التيي لم تترسيخ فيهيا أعراف تكتيل‬
‫سياسي سلمي ‪ ،‬ين ظم الت عبير عن الرأي العام‪.‬ول سيما التك تل المن ظم الذي هو‬
‫شرط فعالية التعبير السلمي‪.‬‬
‫ول ين كر جا هل ول عالم أن أي دولة توا صل التفرد بالقرار ال سياسي والظلم‪،‬‬
‫وتمنع التعبير السلمي‪ ،‬وتعرض البلد للفوضى‪ ،‬وإلى مزيد من اختلل المن‪ ،‬فإنما‬
‫تدفع الناس دفعا إلى العنف‪.‬‬
‫ول كن ال سلوب ال سلمي أض من وأجدى‪ ،‬وأن تجارب التار يخ تعلم نا‪،‬أن سبيل‬
‫الصيلح السيياسي المسيتمر المضمون‪ ،‬هيو بناء أعراف سيياسية ناضجية‪ ،‬تفعييل‬
‫التجميع الهلي ول سييما المدنيي‪ ،‬وأن مركيب العنيف لييس مضمون النجاح ول‬
‫ال ستمرار‪ ،‬ل سباب ذكرت ها في مقالة سابقة‪ ،‬شرحت ها في كت يب ‪ /‬لل صلح‪ :‬هدف‬
‫منهاج الطرييق الثالث‪ :‬إلى دولة العدل والشورى ‪( .‬الدار العربيية للعلوم ‪1425‬هيي‬
‫‪2004‬م‪ .‬بيروت) وكتيب الكلمة أقوى من الرصاصة‪ :‬التكتلت الهلية السلمية هي‬
‫الجهاد الكبر (الدار العربية للعلوم ‪1425‬هي ‪2004‬م‪ .‬بيروت)‪.‬‬
‫‪-‬السـلفية المويـة بينـت أن المفهوم السـلفي ليـس‬
‫صلصال رخوا يفرق بين إقامة العدل وإقامة الصلة ‪:‬‬
‫من أهم ما بينته ‪-‬السلفية الموية أن المفهوم السلفي ليس صلصال رخوا‬
‫يفرق بين إقامة العدل وإقامة الصلة ‪:‬‬
‫لن السيلف الصيالح منيذ العصير الموي‪ ،‬لم يقروا أي حاكيم على المنكرات‬
‫ال سلطانية‪-،‬ر غم أن الدولة المو ية حافظتعلى هو ية ال مة‪ ،‬و لم تتهاونون أمام أي‬
‫عدوان خار جي‪ ،‬بل بال غت في د فع العدوان‪ ،‬ح تى غزت ال مم الخرى في حروب‬
‫وفتوحات ظاهرهيا الجهاد‪ ،‬وباطنهيا المتداد والسيتحواذ والعدوان‪ -‬ورغيم ذلك‬
‫قاوموهيا لنهيم كانوا يعلمون علم اليقيين أن الدولة المويية أخلت بقواعيد المامية‬
‫الكبرى‪ :‬قواعد الدولة والمة السلمية مثل‪:‬‬
‫‪ -1‬العدالة ولوازمها ووسائلها‪.‬‬
‫‪ -2‬الشورى الشعبيةولوازمها كالحرية السامية والتعددية‬
‫‪-3‬المير بالمعروف والنهيي عين المنكير عامية‪،‬فيي جمييع شعائر السيلم‪،‬‬
‫روحية ومدنية‪.‬‬
‫‪-4‬التعاون على البر والتقوى‬
‫‪ -5‬واعتيبر السيلف الموي الصيالح‪ ،‬أن تقوييم اعوجاج الحاكيم هيو الكفير‬
‫البواح‪ ،‬وأنه يجب من أجل إصلح الفساد السياسي حمل السلح‪.‬‬
‫ولو لم تكين العدالة والشورى مين أصيول الديين‪ ،‬لميا خاض السيلف الموي‬
‫المصلح أكثر من سبع ثورات‪.‬‬
‫لم يكن لديهم أدنى شك في حق المة في مقاومة الطغيان (المر بالمعروف)‬
‫والنهي عن المنكر‪ ،‬حتى لو كان الطاغية حاكما كالحجاج‪ ،‬يرسل جيشا يفتح الهند‬
‫وال سند‪ ،‬وي سمي العتداء على الكفار جهادا‪ ،‬مخال فا ما ا ستقر عل يه علماء ال مة‪،‬‬
‫كالح سن الب صري وا بن تيم ية(ان ظر ل بن تيم ية‪:‬قاعدة في قتال الكفار ومهادنت هم‪،‬‬
‫وتحر يم قتل هم لمجرد كفرهم)‪ ،‬ومز يد من الب سط في كتاب‪:‬العدالة والحر ية جناحان‬
‫حلق بهما السلم)‪.‬‬
‫ولذلك أنكر الفقهاء على بني أمية هذه الفظائع‪.‬‬
‫‪ =8‬أحمــد بــن حنبــل‪ :‬رفــض منهــج الفكــر التجريدي‪/‬‬
‫رفــض الســفسطة‪ /‬الجهاد الســلمي مــن أجــل حريــة‬
‫الجتهاد‬
‫أ‪ -‬هل القرآن مخلوق أم غير مخلوق؟‬
‫اللعبــة الســياسية‪:‬فرق تســد ‪/‬بســؤال بيزنطــي بدد‬
‫طاقات المة‪:‬‬
‫هذه القضيية رغيم أنهيا ثانويية‪ ،‬شغلت المجتميع فيي عصيري المأمون‬
‫والمعتصيم‪ ،‬وهيي مسيألة غيبيية اجتهاديية‪ ،‬و تفصييل دقييق ل يدركيه إل القلييل‪،‬‬
‫و سؤالها لم ي ثر في ع هد النبوة والخل فة الراشدة‪ ،‬ف قد كان سلفيو الع صر الرا شد‬
‫مشغولين بإتقان العمل‪ ،‬عن التشدق في الجدل‪.‬‬
‫إنهيا مظهير مين مظاهير الجدل الثقافيي‪ ،‬فيي أجواء القميع السيياسي‪ ،‬و قيد‬
‫تمخ ضت عن احتكاك أ مة جديدة بأ مم أخرى قدي مة‪ ،‬و صار بينه ما تماس وتمازج‪،‬‬
‫فانفرز الناس فيها إلى فريقين‪:‬‬
‫فر يق حا فظ على القد يم وبالغ‪ ،‬فجر ته المحاف ظة‪ ،‬إلى ت ساهل في تمح يص‬
‫المنقول‪-‬كما نجد في الحاديث الضعيفة والموضوعة‪ ،‬التي لم تخل منها حتى كتب‬
‫العقائد‪ ،‬ككتاب السنة لعبد ال بن أحمد بن حنبل‪.‬‬
‫وبالغ هذا الفريق في الحفاظ على الرواية‪ ،‬ح تى أنكر بعض رموزه المجاز ‪،‬‬
‫وحتيى هميش دور العقيل البرهانيي والسيياسي‪ ،‬الذي هيو هدف الخطاب القرآنيي‪،‬‬
‫وفرييق جره التجدييد فانبهير بالفكير الجنيبي‪ ،‬إلى العنايية بالجدل النظري ولو كان‬
‫تجريد يا‪ ،‬على ح ساب صحيح المنقول‪ ،‬وج نح بمفهوم الع قل إلى الهوى و النطباع‬
‫الشخصي‪ ،‬الذي ل يسانده تجريب عملي‪ ،‬و ل دليل حسي‪ .‬وبين الفعل ورد الفعل‪،‬‬
‫وظهرت حماسية واندفاع دون احتياط‪ ،‬وسيادت ثنائيية السيود المرفوض جملة‬
‫وتفصيل‪ ،‬والبيض المقبول جملة وتفصيل‪.‬‬
‫لقيد أثار المعتزلة قضيية خلق القرآن‪ ،‬فيي سيياق ردودهيم على الملحدة‬
‫والن صارى‪ ،‬عند ما قال يوح نا الدمش قي‪ :‬إن الم سيح غ ير مخلوق‪ ،‬ل نه "كل مة ال"‪،‬‬
‫وكلم ال غير مخلوق‪ ،‬فرد عليه المعتزلةبأن وصف عيسى بأنه " كلمة ال" مجاز‪،‬‬
‫لحقيقية‪ ،‬وكذلك القول بأن القرآن كلمية ال أيضيا مجاز‪ ،‬فسياقتهم المبالغية فيي‬
‫التنزيه‪ ،‬إلى مزالق التأويل الذي أوحى بالتعطيل‪.‬‬
‫وكان المأمون أعلم ملوك بني العباس‪،‬في الفقه والحديث‪ ،‬والفلسفة والعلوم‪،‬‬
‫وأكثرهم ترجمة للعلوم‪ ،‬وأكثرهم حبا للمناظرة والنقاش‪ ،‬وقد راق له قول المعتزلة‪،‬‬
‫منذ نعومة أظفاره‪ ،‬قبل أن يصل إلى سدة الحكم‪.‬‬
‫وكان أيضيا واجدا على أهيل الحدييث‪ ،‬المتحفظيين على الترجمية وجلب‬
‫المعارف‪ ،‬ل سيما أنهم وقفوا مع أخيه المين وعمه إبراهيم المهدي‪ ،‬عندما خرجا‬
‫عل يه‪ ،‬من أ جل أنه ما ليقولن بخلق القرآن‪،‬على أنه ما أقرب إلى الف سق والت جبر‬
‫والجور والجهل‪ ،‬وهو أقرب إلى العلم والعدل والعقل‪.‬‬
‫وكأن المأمون يرييد أن يفرض عقيدة أو مذهبيا للحكومية‪ ،‬يقوي بيه صيف‬
‫الموالين‪ ،‬ويفرزهم عن الفقهاء والمحدثين المعارضين‪ ،‬الذين جلب له تأييدهم أخاه‬
‫وعمه‪ ،‬مزيدا من الضطراب السياسي‪.‬‬
‫وكان المام أحمد بن حنبل يدرك أن الفتنة سلطانية‪ ،‬ولذلك لم يحمل المعتزلة‬
‫أوزارها‪ ،‬فسامح كل الذين آذوه إل المأمون‪ ،‬مشعل حربها‪.‬‬
‫ولكين مين بعده أوحوا بأن المؤامرة مؤامرة اعتزاليية‪ ،‬وذلك تعمييم غيير‬
‫دقيق‪.‬كما دلل على ذلك الدكتور فهمي جدعان‪ ،‬في كتابه(المحنة)‪.‬‬
‫ولم تكين الفتنية خا صة بالمعتزلة‪ ،‬فقيد أدارالمأمون امتحان القضاة؛بوا سطة‬
‫قاضي القضاة‪ :‬يحيى بن أكثم‪ ،‬وهو سني‪ ،‬وشارك فيها عبد الرحمن الشافعي‪ ،‬قبل‬
‫أحمد بن أبي دؤاد المعتزلي‪.‬‬
‫وكان كل من يشغل منصبا حكوميا‪ ،‬يقوم بتنفيذ تعليمات السلطان‪ ،‬وهذا أمر‬
‫طبيعي في قضاء وإفتاء ل استقلل لهما عن الحكومة‪ ،‬وأن يجرم القضاة والمفتون‬
‫خصوم الحكومة‪ ،‬ويقبضوا ثمن كل تجريم ترقيات وأعطيات‪.‬‬

‫ب مبالغة في الفعل أنتجت مبالغة في رد الفعل‪:‬‬


‫مين حيق المعتزلة أن تثيير سيؤالها فيي رواق وأوراق ‪ ،‬ولكين لم يكين مين‬
‫اللئق بهيا أن تعطييه حج ما كبيرا في مؤلفاتهيا‪ ،‬ولييس من اللئق بهيا أن تشغيل‬
‫الرأي العام بها في المجالس والمساجد والسواق‪.‬‬
‫ولكين أعظيم خطيأ ارتكبتيه المعتزلة أنهيا اسيتجابت ل سيتدراج السيلطان‪،‬‬
‫فا ستخدمها سلما لمآر به وأحابيله‪ ،‬عند ما واف قه ب عض شيوخ ها على ج عل القول‬
‫بخلق القرآن؛ مسيطرة تقاس بهيا اليمان‪ ،‬ويمتحين بهيا القضاة والعلماء والعيان‪،‬‬
‫ثم جرتها المبالغة في النجرار إلى فخ السلطان‪ ،‬فوافقته على التكفير والتبديع أول‪،‬‬
‫ثم وافقته على العنف والقمع المادي‪.‬‬
‫فاستدرج المأمون والمعتصم المعتزلة إلى التنكيل بخصومه السياسيين‪ ،‬عبر‬
‫سؤال فكري‪ ،‬واخت صر حز به ال سياسي‪ ،‬برنام جه الفارق ب ين محازب يه ومخالف يه‪،‬‬
‫بسؤال‪ ،‬كالفخ المنصوب‪ :‬هل القرآن مخلوق أم غير مخلوق؟‪.‬‬
‫خ سر ال سلفيون في ع هد المأمون‪ ،‬وخ سر المعتزلة في ع صر المتو كل‪ ،‬ولم‬
‫ي كن هذا نا صرا مخل صا لل سنة‪ ،‬ول ذاك مخل صا للعقلن ية‪ ،‬كله ما مخلص في بناء‬
‫قلعية السيتبداد‪ ،‬ولذلك ابتعيد المام أحميد عين المتوكيل‪ ،‬ولم يغترر بميا أبداه مين‬
‫تظاهر بنصر للسنة‪ ،‬ولكن تلميذه شربوا المقلب‪ ،‬كما شربه المعتزلة من قبل‪.‬‬
‫وكانيت خسيارة المعتزلة أكيبر‪ ،‬عندميا ضربيت فكرة حريية الرادة‪ ،‬أول مبدأ‬
‫أصلته في مذهبها‪ ،‬بمشاركة المحسوبين عليها في إجبار الناس على اعتناق رأي‬
‫لم يقتنعوا به‪.‬‬
‫اهتمام الفريقيين بهذه القضيية أكيبر دلييل على أن أولويية العدل والشورى‬
‫والحرية‪ ،‬لم تتغلغل في الثقافة الجتماعية‪ ،‬على الرغم من أنها فكرة إسلمية‪ ،‬بل‬
‫ظلت فكرة نظر ية ه شة‪ ،‬لم تتر سخ لتن تج فكرا مدن يا عمل يا‪ ،‬ب سبب الداء المزدوج‬
‫الكسروي الصحراوي‪ ،‬ومضاعفانه من سفسطة ورهبنة‪.‬‬
‫وراعيى المام أحميد بين حنبيل;أيضا أمرا آخير‪،‬هيو أن هذه المسيألة باب إذا‬
‫انفتح على مصراعيه؛ تدخل منه المنهجية العتزالية‪ ،‬التي بنيت على الميتافيزيقا‬
‫اليونانية‪ ،‬فوقف ذلك الموقف‪ .‬لن المعتزلة‪ ،‬أوحت بالعقل المتجرد من التجريب و‬
‫ال حس‪ ،‬حاكما على الشري عة‪ ،‬عند ما أكثرت من تأو يل الن صوص ال تي ل ت ستجيب‬
‫لهذا العقل التجريدي الذي ليفضي إلى عمل‪ ،‬و ليس العقل العملي والسياسي‪.‬‬
‫لقد جر المأمون الناس إلى فتنة‪ ،‬وكل الفريقين بالغ في فكرته‪ ،‬فالعقل ليس‬
‫بحا كم على الشري عة ول بمحكوم‪ ،‬لن الشري عة نور من الظلمات‪ ،‬ول كن الع قل هو‬
‫العينين اللتين يرى بهما النسان النور‪ ،‬فالشريعة رسالة إلى العقل نفسه‪ ،‬و العقل‬
‫البشري هيو المتلقيي لجمييع الرسيالت‪ ،‬فكييف يكون حاكميا أو محكوميا‪ ،‬وإنميا‬
‫المحكوم هو الهوى‪.‬‬
‫لقد حاول المام أحمد إذن مقاومة مساوئ تيار علم الكلم‪ ،‬ومساوئ المنطق‬
‫اليونانيي‪ ،‬كيي ل يكون أسياسا للمعرفية السيلمية‪،‬عندميا رفيع شعار القرآن غيير‬
‫مخلوق‪.‬‬
‫وعادة ما يكون المنادون في التجديد مبالغين‪ ،‬يكون المدافعون أيضا مبالغين‪،‬‬
‫ولذلك رد السيلح الكلميي الذي قال‪ ،‬القرآن مخلوق أداة للنتصيار‪ ،‬فقال (القرآن‬
‫غ ير مخلوق) أي أ نه رد الف كر العتزالي ب سلحه‪ ،‬فا ستل من المنظو مة العتزال ية‬
‫أدوات نقضها‪ ،‬وهذه وجهة نظر معتبرة‪.‬‬
‫وعلى كيل حال فالمام أحميد وجيله كان يجسيد فيي موقفيه مين خلق القرآن‪،‬‬
‫صورة واحدة من موا قف وحركات سلفية‪ ،‬تش كل معال جة آن ية‪ ،‬تف هم في سياقها‬
‫الجتماعيي‪ ،‬ممثل لونيا مين ألوان السيلفية الجتهاديية وهيي حركية فكريية‪ ،‬ولدهيا‬
‫الصراع الثقافي‪ ،‬فأجوبتها محددة بأسئلة مطروحة‪.‬‬

‫ج‪-‬ما العبر لنا في العصر المبريالي‪:‬‬


‫ينب غي اليوم أن ل نخلط ب ين ثل ثة أو جه في نشاط شخ صية متعددة الجوا نب‬
‫كالمام أحمد بن حنبل‪ ,‬رحمنا ال وإياه‪:‬‬
‫‪-‬مارواه فقد كان معياريا عندما ألف المسند‪ ,‬وانتصر للمحدثين‪ ،‬لقد كان أحد‬
‫حفظة النص الكبار‪ ،‬وهذا موضوع ذكرناه في أكبر إنجاز سلفي عباسي‪.‬‬
‫‪-‬وما رآه‪ ،‬في ما بنى منه تلميذه مذهبا فقهيا‪.‬‬
‫‪-‬ما رآه وسجله تلميذه في مدونات العقيدة‪ ،‬وهو جواب سؤال ماثل‪ ،‬ثار في‬
‫عصره ومن الصعب أن نحكم عليه بمقاييس عصرنا‪ ،‬ومن الصعب أن نقدر العلقة‬
‫بين الفعل ورد الفعل‪ ،‬في أجواء زمن متقدم‪ ،‬وليس هدف البحث ذلك‪ ،‬إنما الهدف‬
‫أن نقارب العبر التي قد تفيدنا اليوم في عصر المبريالية الغربية‪:‬‬
‫الولى‪ :‬بأن المنهج السلفي؛ يقرر أن السنة الواضحة‪ ،‬هي ما كان عليه النبي‬
‫صلى ال عل ية و سلم‪ ،‬أي ترك هذا النقاش جملة وتفصيل‪ ،‬فال سنة إذن هي ما قال‬
‫المام أح مد وغيره ق بل حدة ال صراع‪ :‬القرآن منزل وك فى‪ .‬الولى أن يتم سك المام‬
‫أحمد بما كان يقوله قبل المحنة‪ :‬القرآن منزل وكفي كما فعل مالك وأحمد بن نصر‬
‫الخزاعي‪ ،‬وآثر ابن عبد البر‪ .‬لن القول بخلق القرآن أو عدمه؛ ل يستند إلى نص‬
‫قطعيي صيريح ول إلى برهان عقلي‪ ،‬فهيو اجتهاد ظنيي‪ ،‬فيي مسيألة ل يترتيب على‬
‫كثرة الجدل فيها عمل‪.‬‬
‫الثان ية‪ :‬ل أولو ية للترك يز على الغ يبيات الظن ية‪ ،‬ال تي ل يس ل ها أولو ية‪ ،‬في‬
‫وقيت تعانيي المية المسيتضعفة‪،‬مين السيتبداد والجور‪ .‬فإذا كان الفقهاء سييدخلون‬
‫السيجون ويتعرضوا لضربات السيواط والسيياف‪ ،‬فإن قيام أعيان المية ول سييما‬
‫العلماء والفقهاء بدعوتهيا إلى إلزام الحاكيم بشروط البيعية على الكتاب والسينة‪:‬‬
‫العدل والشورى أولى وأحرى‪.‬‬
‫الثالثية‪ :‬مين الضروري أن تتعرف المية على المنطيق والفلسيفة والكلم‪,‬‬
‫والترج مة العلوم والمعارف‪ ،‬مه ما كان لذلك من سلبيات‪ ،‬فإن ها مؤق تة‪ ،‬فلول ف ضل‬
‫المنصيور والمأمون‪ ،‬لميا نبيغ نوابيغ السيلم فيي الطيب والكيمياء والجيبر والفلك‬
‫والهندسة‪.‬‬
‫الراب عة‪:‬النضال في سبيل الدفاع عن حر ية الجتهاد في الرأي والت عبير جزء‬
‫مين العقيدة‪:‬المام أحميد يدرك أن القول بأن القرآن غيير مخلوق‪ ،‬إنميا هيو رد‬
‫اجتهادي نبيع مين حريية الجتهاد‪،‬ولييس مسيألة قطعيية‪ ،‬يسيتند فيهيا إلى شعاره‬
‫المعلن‪" :‬ميا أنيا علييه وأصيحابي"‪ .‬ولكنيه جسيد قاعدة شرعيية جليلة‪ ،‬هيي حريية‬
‫الجتهاد‪ ،‬واع تبر دخول ال سجن في سبيل الدفاع عن الرأي من الجهاد‪ ،‬من أ جل‬
‫مقاومة سلطان يفرض اجتهاده أو تقليده على الناس‪ ،‬ويولى من قال برأيه القضاء‪،‬‬
‫ويجبر عليه المحدثين والفقهاء‪.‬‬
‫الخامسية‪:‬مين الواضيح أن المام أحميد‪ ،‬وإن لم يشارك مالكيا وأبيا حنيفية‬
‫والشافعي‪ ،‬القول بالخروج على السلطان المستبد المتغلب‪ ،‬كان معنيا بفكرة العدالة‪،‬‬
‫شجاعا يقول كلمة العدل أمام السلطان الجائر‪.‬‬
‫وهو أيضا من أكثر العلماء إنصافا لهل البيت رضي ال عنهم‪ ،‬وأكثر الناس‬
‫ثناء على علي رضي ال عنه وآل البيت‪ ،‬فقد رسخ التربيع بعلي‪ ،‬أي اعتباره رابع‬
‫الخلفاء الثلثة‪ ،‬وقد كان التربيع مجال جدال في عصره‪ ،‬حتى شدد النكير على من‬
‫لم ير بع بعلي‪ ،‬وا ستثمر ماناله من شهرة وم صداقية في تر سيخ ف ضل علي‪ ،‬و هو‬
‫أك ثر المحدث ين روا ية لفضائل علي‪ ،‬ك ما في كتا به ""الم سند""‪ ،‬مع أ نه كان عبا سي‬
‫الميل السياسي‪.‬‬

‫‪ =9‬الشقيقان المتنازعان على الميراث‬


‫أ‪-‬صــورة المام أحمــد بيــن رســم ابــن الجوزي وابــن‬
‫تيمية‪:‬‬
‫أح مد بن حن بل إمام عظ يم‪ ,‬والئ مة العظام يتعلق الناس بأقوال هم ومواقف هم‪،‬‬
‫ويصيوغ التابعون مين أقوالهيم ومواقفهيم‪ ،‬بيل قيد يصيوغون مين شوارد أقوالهيم‬
‫ومواقفهم العابرة؛ مذاهب واتجاهات‪ ,‬فالخميني ذكر (الوطنية)‪ ,‬فاتخذ قوميو إيران‬
‫منها مستندا لمذهب سياسي‪ ،‬وذكر فلسطين فجعلها السلميون قاعدة في عملهم‪،‬‬
‫وذ كر الحر ية فاتخذ ها ال صلحيون سندا‪ .‬الشخ صيات العظي مة تتعرض إلى إعادة‬
‫انتاج‪ ،‬بيين الفرقاء‪ ،‬و كيل فرييق يدعيم اتجاهيه بالحالة إليهيا‪ ،‬سيواء كان معتمدا‬
‫مستندا‪ ،‬أم معتضدا مستشهدا‪ ،‬و هذا أمر طبيعي في علم الجتماع المعرفي‪.‬‬
‫و قد ظ هر أح مد بن حن بل على م سرح المعار ضة ال سياسية‪ ،‬اكت سب سمعة‬
‫وذكرا‪ ،‬وا ستثمر تلميذه وأتبا عه ثبا ته ز من المح نة‪ ،‬و ما من حه ذلك من جاذب ية‬
‫جماهيرية‪.‬‬
‫كان المام أحمد يتكلم في المناسبات‪ ,‬ولكل مقام مقال‪ ,‬وكان يتكلم في أحوال‬
‫الغضب والرضا‪ ,‬والندفاع والنكماش‪ ,‬والنشاط والفتور وعلى الرغم من أن المام‬
‫أحمد أكثر العلماء تحذيرا لتلميذه من أن يكتبوا عنه‪ ،‬لنه كما ذكر يقول رأيا اليوم‬
‫و قد ينق ضه غدا‪ ،‬ول كن التلم يذ لم ينتهوا‪ ،‬ف قد كتبوا ك ما متجان سا وغ ير متجا نس‪،‬‬
‫ونسبوا إليه أقوال ومواقف وأحكاما على من حوله‪ ،‬بالرفض أو التحفظ أوالقبول‪.‬‬
‫ح تى أظهروه ب صورة من التنا قض‪ ،‬فلتكاد ت جد له رأ يا واحدا في الم سألة‬
‫الواحدة‪ ،‬بل وبنوا من أقواله مذهبا فقهيا رابعا‪ ،‬واكثر من ذلك استثمروا اسمه في‬
‫بناء مذهب في أصول الدين‪ ،‬صاغوه مبتعدين عن منهجه‪ ،‬كما بين أبو الفرج ابن‬
‫الجوزي‪.‬‬
‫ول يتو قع أن يكذب عل يه التلم يذ‪ ،‬على الر غم من صعوبة إثبات ما ن سبوه‬
‫إل يه‪ ،‬و فق المن هج النقدي‪ ,‬ول عل كل من هم ك تب ماف هم ل ما سمع وكرر ما إل يه‬
‫يم يل‪ ،‬و ل عل الرواة زادوا وحذفوا‪ ،‬ولذلك جاء مذ هب المام أح مد في ف قه الفروع؛‬
‫أكثر المذاهب اضطرابا في تعدد الحكام‪ ،‬وتناقض الروايات‪ ،‬فله قولن في كثير من‬
‫م سائل الف قه‪ ،‬بل أقوال في من هج الف قه أي ضا‪ ،‬وله تناقضات غ ير قليلة‪ ,‬ولذلك ل‬
‫يستغرب أن نجد له في بعض مسائل الصول قولن‪.‬‬
‫ولم يك تف التلم يذ ب ما ن سبوه إل يه بل زادوه إضافات وتراكمات من عند هم‪،‬‬
‫وكما استدعوا ما نسبوه إلى أحمد من أقوال‪ ،‬لبناء مذاهبهم‪ ،‬والدفاع آرائهم‪ ،‬بذلك‬
‫بل استدعوا جميع رموز السلف الموي والعباسي الذين سبقوه واستدعوا مجايليه‪.‬‬
‫ب‪-‬الســـلفية العباســـية تتحول إلى مذهـــب يصـــادر‬
‫مرجعيته ‪:‬‬
‫عيبر الزمين كرس المنتسيبون إلى أحميد بين حنبيل‪ ،‬مفهوم السيلفية خاصيا‬
‫بهيم‪،‬وربطوا مفهوم السيلفية بالفكير الذي نسيبوه إلييه أو بنوه علييه‪ ،‬أو صياغوه‪،‬‬
‫واستبدوا بمصطلح السلف الصالح‪،‬‬
‫وصار المنتسبون إليه فريقان‪:‬‬
‫فانتسب إليه الشاعرة‪ ,‬وصاغوا مذهبهم معلنين النتماء إليه‪ ،‬واستقلوا باسم‬
‫فرعيي جدييد هيو الشاعرة‪ ,‬وأيدهيم علماء كثيرون كابين الجوزي‪ ،‬و ظهير فيهيم‬
‫الغزالي و الشاطبي‪.‬‬
‫وجاءت صياغة التيار الثا ني عبر اب نه عبدال وتلميذه الخلل‪ ،‬ور سخها ا بن‬
‫تيمية‪ ,‬اختص ذلك التيار باسم بالحنابلة‪.‬‬
‫وكل الطرفين حاول احتكار السنة والجماعة والسلفية في حدود رؤية نسبها‬
‫إلى أحميد بين حنبيل‪ ،‬وحول شيخوخيه مين كواكيب سييارة فيي مدار القطعيات‪ ،‬إلى‬
‫أقطاب يدور حولهيم السيلم‪ ،‬وهيي منهيج قائم على‪ ,‬ولكين السينة والجماعية‬
‫وال سلفية‪ ,‬وت طبيقات نبو ية وراشد ية‪ ،‬ومعالم ل صول لف قه كل ذلك‪ ،‬ك شف عن ها‬
‫الحناف والشافعي قبل أحمد‪ ,‬وهي تسعهما معا‪.‬‬
‫و قد راوح عد يد من العلماء ب ين التيار ين‪ ،‬فلم يلتزموا أحده ما‪ ،‬كا بن جر ير‬
‫الطبري وابن حزم‪.‬‬
‫وكل الفرقت ين انت سبتا إلى أح مد بن حن بل‪ ،‬ك ما ذ كر ا بن الجوزي في كتا به‬
‫"د فع ش يه الت شبيه بأ كف التنز يه" فالشاعرة الذ ين يميلون إلى المجاز‪ ،‬في ب عض‬
‫آيات الصفات‪ ،‬يذكرون أنهم يقولون بقول المام أحمد‪ ،‬إذفسر قول ال تعالى "وجاء‬
‫ربك والمل صفا صفا"‪ ،‬فقال معناها‪ :‬جاء أ مر ربك‪ ،‬ويع تبرهم ا بن الجوزي الولى‬
‫بالنتسياب إلى المام أحميد‪ ،‬ومنهيم البيهقيي وابين عقييل‪ ،‬والذهيبي والرازي‪،‬‬
‫والشاطيبي وابين حجير العسيقلني‪ ،‬و الغزالي والعيز بين عبيد السيلم‪ ،‬والباقلنيي‬
‫والنووي‪.‬‬
‫والخرون الذ ين أنكروا المجاز في آيات ال صفات‪ ،‬يع تبرهم ا بن تيم ية الولى‬
‫بالنت ساب إلى المام أحمد‪ ،‬كع بد ال بن أح مد والدرامي‪ ،‬وابن خزي مة والبربهاري‬
‫وابن بطة‪ ،‬والقاضي أبو يعلى والهروي‪ ،‬ومقدسيون وحرانيون آخرون‪.‬‬
‫وكأي متنازعيين على الميراث؛ ثار بينهميا صيراع مريير‪ ،‬وكفرت كيل فرقية‬
‫الخرى‪ ،‬طوال الع صر العبا سي‪ ،‬و من أ شد معارك ها وطي سا‪ ،‬ما ثار ب ين ا بن تيم ية‬
‫والشاعرة‪.‬‬
‫اختلفهميا برهان آخير على أن السيلفيات العباسيية ليسيت قطبيا‪ ،‬بيل كواكيب‬
‫تدور في مداره‪.‬‬
‫ج‪ -‬فروق بين شقي التوأم الحنبلي‪:‬‬
‫السلفية (التيمية) اهتمت بالدعوة إلى ترك التقليد والجتهاد‪ ،‬وكان رموزها ‪،‬‬
‫أكثيير دعوة إلى روح الجتهاد‪ ،‬وأكثيير اهتمامييا بالجهاد‪ ،‬وتعرضييا للسييجون‬
‫والضطهاد‪ ،‬كابن تيمية وابن القيم‪ ،‬وعلى الرغم من أنهم مذهبيون متشددون في‬
‫القضاييا الغيبية الجتهاديية‪ ،‬فهيم متسيامحون‪-‬فيي الجملة ل بالجملة‪-‬فيي قضاييا‬
‫الشهادة والفقه العملي‪ ،‬قد حملوا على اللتزام بالمذهبية الفقهية‪ ،‬واعتبروها بدعة‬
‫في الد ين‪ .‬و قد نص ا بن تيم ية على أ نه ل يجوز للن سان أن يلتزم مذه با فقه يا‬
‫محددا ل يأخذ فتاواه إل منه‪ ،‬فدعوا إلى اللمذهبية‪.‬‬
‫ولكن هم أك ثر من غير هم تهميشا ل شق العقيدة المد ني‪ ،‬فهمشوا شروط إقا مة‬
‫الدولة الم سلمة‪ ،‬ول سيما الشورى ولوازم ها‪ ،‬فضل عن علوم التقن ية وال صناعة‬
‫والختراع‪ ،‬والمعارف والعلوم‪ ،‬ولذلك نرد أن يظهر في البيئات الحنبلية؛ نابغون في‬
‫ية والكيمياء والجتماع‬
‫يفة والطبيعي‬
‫ية والرياضيات والفلسي‬
‫يان والطبيعي‬
‫علوم النسي‬
‫والنفس‪ ،‬ماعدا ابن النفيس‪ ،‬ولذلك نشروا في العصر الحاضر‪ ،‬ميل إلى البتعاد عن‬
‫دراسية هذه المجالت‪ ،‬ول يكاد ينتشير فكرهيم فيي بيئة؛ إل وهمشيت التكنولوجييا‪،‬‬
‫بصورة يمكن أن يقال إن هذه السلفية‪ ،‬أقرب إلى الفهم الصحراوي للسلم‪.‬‬
‫وكانوا أكثر حرصا على محاربة مظاهر الشرك في العادات الروحية كالطواف‬
‫حول الضرحية والقبور‪ ،‬وحرموا بناء المبانيي على القبور‪ ،‬وحرموا الصيلة على‬
‫القبور‪ ،‬وحرموا الستغاثة بالموات‪ ،‬فهم أكثر تخليصا للدين من أدراك الشرك‪.‬‬
‫يفات‪ ،‬فقالوا إن ال تكلم القرآن‬
‫يي آيات الصي‬
‫ين في‬
‫ين حرفييي‬
‫وكانوا ظاهرييي‬
‫بأصوات‪ ،‬ومالوا إلى إنكار المجاز فيها‪ ،‬وبدعوا الذين قالوا بالمجاز من الشاعرة‪،‬‬
‫كالغزالي والجوي ني‪ ،‬والبيهقيي وابين الجوزي‪ ،‬والبغدادي والرازي‪ .‬وتبادلوا التهيم‪،‬‬
‫يصيفونهم خصيومهم بالحشويية والتشيبيه‪ ،‬وهيم يصيفون خصيومهم بالتجسييم‬
‫والتعطييل‪ ،‬ولهيم حروب فكريية تطول حول تفسيير قوله تعالى (ويبعثيك ربيك مقاما‬
‫محمودا)‪ ،‬وحول (الرح من على العرش ا ستوى)‪ ،‬وكل هم يد عي النت ساب إلى مالك‬
‫وأحمد بن حنبل‪ ،‬والحنابلة التيمية أكثر الفرق المنتسبة للسنة‪ ،‬هجوما على الفرق‬
‫الخرى‪ ،‬ومبالغة في ذمها‪ ،‬وأكثرهم هجوما على الشيعة المامية والباضية كثيرا‪.‬‬

‫د‪-‬كيف بنى تلميذ أحمد مذهبين كل منهما ينبذ الخر‬


‫واحتكروا المفهوم فتحولت مين منهيج أسياسه‪ :‬النيص فيي زجاجية التطيبيق‬
‫النبوي والراشدي ومشكاة سنن ال في الن سان والطبي عة‪ ،‬إتباع سلف ال صحابة‪:‬‬
‫في أصول قطعية ل ريب فيها‪ ،‬إلى صياغة وتفريعات اجتهادية‪ ،‬فيها مجال للتفاق‬
‫و الختلف‪ ،‬صاغها الحنابلة الوائل‪ ،‬محاولين في صياغتهم استخراج نظريات من‬
‫القرآن والسنة‪ ،‬للجابة على السئلة المثارة‪ ،‬والتحديات الوافدة‪.‬‬
‫وقد حدث لبس كبير في هذا الجانب‪ ،‬تحول فيه أتباع أحمد من المنهج الذي‬
‫أعلنيه و حاول رسيمه جييل متعدد الرموز والميول‪ ،‬مين مالك إلى أبيي حنيفية إلى‬
‫الشافعي‪ ،‬تحول إلى مذهب فكري تحكمه توجهات وأقوال تنسب إلى أحمد بن حنبل‪،‬‬
‫وشرح ذلك يطول‪ ،‬ويجده المع ني به في ك تب التار يخ والعقائد كتار يخ بغداد ل بن‬
‫الخطيب‪ ،‬لكن الشارة إلية ضرورية‪.‬‬

‫‪=10‬لكـــــي ل ننشغـــــل اليوم عـــــن التفاق على‬


‫الساسيات والولويات‬
‫بالشقاق على الثانويات‬

‫أ‪-‬أثــر الســياسة المتفرعنــة والمتصــحرة فــي تأجيــج‬


‫الصراع‪:‬‬
‫المسيألة هيي لون مين ألوان الصيراع بيين الشعيب والحكومية‪ ،‬فهيي قضيية‬
‫موقف‪ ،‬كما قال حسين مؤنس ((إن مسألة خلق القرآن ليست ذات بال‪ ،‬لكنها مظهر‬
‫من مظا هر ال صراع ب ين التيار الش عبي المتل بس بالد ين‪ ،‬وال سلطة الر سمية ال تي‬
‫لبست لبوس الدين))‪( ،‬عالم السلم‪.)54:‬‬
‫و سر رواج رأي المام أح مد بن حن بل في م سألة خلق القرآن‪ ،‬ل يس اقتناع‬
‫عامية الناس بقوله‪ ،‬لن القول بخلق القرآن‪ ،‬كالقول بعدم خلقيه يسيتند إلى مقدمات‬
‫فلسفية‪ ،‬ل يدركها أغلب المثقفين فضل عن عموم الناس معرفيا‪ ،‬بل لسببين‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن المام أح مد ر جل ب سيط غ ير مع قد الكلم‪ ،‬ذو ورع وز هد ظا هر‪،‬‬
‫قريب من العوام‪ ،‬بعيد عن الحكام‪.‬‬
‫الثا ني‪ :‬ل ر يب أن المأمون أ قل جورا من أمثال الم ين والمعت صم‪ ،‬ولك نه ل‬
‫يخرج عن نمط ولة الجور‪ ،‬وأن عموم الناس دائما مع كل عالم شجاع‪ ،‬يقول رأيه‬
‫أمام أي سيلطان جائر‪ ،‬فالناس "وقفيت إلى جانيب المام أحميد‪ ،‬لييس لنهيا تدرك‬
‫المعنيى الدقييق لعبارتيه‪ ،‬فضل عين أن تلتزم بتأييدهيا‪ ،‬بيل لنهيا تكره ولة الجور‪،‬‬
‫وتحب أن تتحداهم"(عالم السلم ‪.)54:‬‬
‫ولقد كسب ولة الجور‪ ،‬الذين يغيرون جلودهم‪-‬حسب التيار العام‪ ،-‬وخسرت‬
‫قضية العدل والشورى والحرية‪.‬‬
‫وكا نت خ سارة ال سلفية كبرى‪ ،‬لن ها تحولت من جهاد واجتهاد سياسي‪،‬ش هد‬
‫آخير مشاهده رموزهيم الثلثية‪:‬أبيو حنيفية ومالك و الشافعيي؛ فصيارت قرب إلى‬
‫التساهل تجاه قضية العدل والشورى‪ ،‬فقد انتسب إلى المام أحمد تيار مهادنة حكام‬
‫الجور والمر الصبر‪ ،‬وترك مقاومة الظلم‪ ،‬والكتفاء بالدعاء لحكام الجور بالهداية‪.‬‬
‫فضل عن الخروج إليه‪ ،‬وهذا التجاه مسألة مقبولة لو قصد تجنب الصراع‬
‫المادي‪ ،‬ولكنهيا غيير مقبول حيين يتسيع لتهمييش مبدأ الحتسياب على السيلطة‪ ،‬و‬
‫لرفض مبدأ التغيير السلمي‪ ،‬عبر الكلم والتجمع‪.‬‬
‫ومذ هب المعتزلة ‪-‬أحرى بأن يخ يف ا ستبداد ال سلطة‪ ،-‬ف هو مذ هب المناداة‬
‫بحر ية الدارة والن قد‪ ،‬و قد درج رجاله على ممار سة الن قد‪،‬ك ما في نقد هم ال صحابة‬
‫والتابعين‪ ،‬فهم لم يتركوا حادثة أو شخصية مهمة‪ ،‬إل خاضوا فيها تحليل وتصويبا‬
‫وتخطئة‪ .‬واعتاد التلميذ على نقد شيوخهم‪ ،‬كما نقد النظام أبا الهذيل العلف ونقد‬
‫الجاحظ النظام‪.‬‬
‫و هم إفراز القدر ية ال تي تقول بحر ية الدارة‪ ،‬كمع بد الجه ني‪ ،‬الذي كان في‬
‫صفوف ثورة ابن الشعث‪،‬‬
‫والعقل ية النقد ية أخ طر على الحكام الم ستبدين من أي ف كر آ خر‪ ،‬ف قد ورث‬
‫المعتزلة الثورة على حكام الجور مين شيوخهيم القدرييين‪ ،‬ومين سيلف التابعيين‬
‫المقاوميين‪ ،‬كأهيل الحرة والحسيين بين علي وأصيحاب ابين الشعيث‪ .‬وقيد خسيروا‬
‫خ سارة أ كبر وأخ طر‪ ،‬وبددوا كل هذا التراث‪ ،‬عند ما ل عب المأمون بعقول بعض هم‪،‬‬
‫وسكت الخرون عن اللعبة‪ ،‬ولو ابتعدوا عنه لكان ذلك هو مقتضى ما نادوا به‪ ،‬من‬
‫مباديء العدل والحرية والمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪.‬‬

‫ب‪-‬لكي ل نعمم تجارب في غير حقلها ‪:‬‬


‫أجيل كان للمام أحميد ميبرر واضيح‪ ،‬أن ينشغيل بالصيراع‪ ،‬وذلك مقبول أن‬
‫يستمر عقدا من الزمن‪ ،‬أو خمسين سنة‪ ،‬ولنهم كانوا أمام إشكال حاصل‪ ،‬وسؤال‬
‫ما ثل‪ ،‬و هم أدرى بوا قع زمان هم وإمكان هم‪ ،‬وترتيب هم لولويات هم‪ ،‬وإن ك نا نرى أن‬
‫جو القهر يدفع الناس إلى الخلل في ترتيب الولويات‪ ،‬وينبغي أن نعتذر للتين من‬
‫بعده‪ ،‬الذين ظلوا يتناحرون أكثر من خمس مئة عام‪ ،‬لنهم عاشوا في مناخ اختلل‪،‬‬
‫استدرجهم إلى هذا الجدال‪.‬‬
‫ولكين نقول للذيين يعتيبرون هذا الكلم مين مسيائل التوحييد مين المحافظيين‬
‫اليوم‪-‬في عصر المبريالية الغربية‪-‬على الصياغة العباسية للعقيدة‪ ،‬إنه ليس لهذه‬
‫البحاث أي قي مة عمل ية‪ ،‬وإذا وزنا ها بميزان المن هج ال سلفي الذي أعلنوه‪ " :‬ما أ نا‬
‫علييه وأصيحابي"‪ ،‬طاشيت فيي الميزان‪ ،‬وإذا وزناهيا بميزان "عليكيم بسينتي وسينة‬
‫الخلفاء الراشدين"‪ ،‬لم نجدها في سننه ولسننهم‪.‬‬
‫وا ستمرر ال مة ألف عام في تدابر وتنا حر حول ال سماء وال صفات‪،‬؛ وحول‬
‫سؤال خلق القرآن نفيا وإثباتا؛ دليل على غيبة وعي المة‪.‬‬
‫وينبغي للمثقفين من جميع التيارات‪ ،‬سواء أكانوا ملتزمين أم غير ملتزمين‪،‬‬
‫أن يحذروا من التحالف مع ال سلطان الجائر‪ ،‬سواء من أ جل ن شر مذهب هم أو من‬
‫أجل إقصاء خصومهم‪ ،‬بل ينبغي أن يكونوا في صف الشعب المستضعف‪ ،‬مدافعين‬
‫عن كرامته وحقوقه‪ ،‬فهذا هو لب القضية‪.‬‬
‫فها هم المعتزلة الذ ين روجوا للعقلن ية والتفك ير العل مي‪ ،‬وللرادة والحر ية‪،‬‬
‫يجبون أهم فكرة نادوا بها‪.‬‬
‫وها هم ال سلف العبا سي ال صالح الذ ين ي ستدرجون مئات ال سنين إلى معر كة‬
‫غير ذات أولوية‪ ،‬وليس لها أي قيمة عملية‪ ،‬في مجتمع يعاني من الحكم الجبري‬
‫الجائر‪ ،‬وهيم يعرفون أن السيلم إنميا لفسيطاطه عمودان‪ :‬الصيلة والعدل‪ ،‬ول‬
‫ينكرون كيف قاوم الفقهاء التابعون جور السلطة وفسادها‪.‬‬
‫ل ينب غي أن ينش غل الفقهاء عن الولويات ال سياسية‪ ،‬ول ف قه ع ند أي فق يه‬
‫غير مسيس‪ ،‬ل يتفاعل مع الرأي العام‪.‬‬
‫مبادئ السياسة الشرعية العشرة ووسائلها ‪ ،‬أولى من ما عداها ‪ ،‬في توجيه‬
‫الرأي العام وتفعيله‪ .‬فيي الجيو المقهور تختلط الولويات‪ ،‬وتسييطر العواطيف على‬
‫المواقف‪.‬‬
‫المناخ قيد يفرض على النسيان تصيرفا مناسيبا حسيب إمكانيه وزمانيه‪ ،‬ولو‬
‫نظر نا الم سألة المناخ لقل نا من دون ا ستثمر المام أح مد هذه الجموع ال تي وق فت‬
‫لتك تب مايتفوه به‪ ،‬عن سؤال خلق القرآن أو ال تي ترا صت على ش كل دائرة حول‬
‫بي ته‪ ،‬ولو ا ستثمر تلميذه من بعده هذه الجماه ير ال تي خر جت خلف جناز ته‪ ،‬في‬
‫مطال بة الحا كم بشر طي البي عة على الكتاب وال سنة‪ :‬العدل والشورى‪ ،‬لكان ذلك هو‬
‫الولى‪ ،‬لن العدل أول مرهم لعلج الشك والجدل والنحراف والزندقة‪.‬‬
‫من أ جل ذلك ف من الغلو ؛ أن يش به ال سلفيون العبا سيون مو قف المام أح مد‬
‫ميع المأمون؛بموقيف أبيي بكير أمام المرتديين‪ ،‬مسيتندين إلى مقولة رجيل مضطرب‬
‫المواقف‪ ،‬كعلي بن المديني‪.‬‬
‫فأبو بكر جاهد من فرق بين شقي العقيدة المدني و الروحي‪ ،‬جاهد عن فرق‬
‫بين الصلة و الزكاة‪ .‬جاهد من أجل بقاء مبدأ التكافل الجتماعي‪ ،‬ومن أجل الحفاظ‬
‫على قوة الدولة الناشئة‪ ،‬و من أجل حما ية السلم؛ في مهده الجزيرة العربية‪ ،‬من‬
‫التفكك والضياع‪ ،‬تلك من مبادئ السياسة الشرعية ووسائلها العشرة‪.‬‬
‫و لكين موقيف المام أحميد يمكين تثمينيه فيي باب حريية الجتهاد فيي الرأي‬
‫والتفك ير وهذا المو قف ضروري ينب غي ف يه ال صبر ح تى ال ستشهاد‪ ،‬ل يجوز ف يه‬
‫المجاراة والسكوت‪ ،‬إنه شجاع مجتهد مجاهد صدع برأيه‪ ،‬ورفض قيام الدولة بقسر‬
‫الناس على وجهة نظر لم يقتنعوا بها‪.‬‬
‫و لعل المام أحمد بن حنبل‪ ،‬كان مضطرا لعلن أن القرآن غير مخلوق‪ ،‬فلم‬
‫تكن القضية في خلق القرآن أو عدم خلقه‪ ،‬القضية هي رفض الجبر الفكري‪ ،‬ومنع‬
‫ال سلطة‪ ،‬من أن تفرض اجتهاد ها الفكري على الناس‪ .‬هذا هو جو هر الم سألة‪ ،‬لن‬
‫الفكر ل يفرض بالسوط ول بالسيف‪ ،‬الفكر يحارب بسلح من منظومته‪ ،‬هو سلح‬
‫الفكر‪.‬‬
‫فالدرس الذي ينبغيي تثمينيه اليوم‪ ،‬وإن لم ينتبيه إلييه تلميذه ويثمنوه‪ ،‬أن‬
‫الحكومة عندما تفرض فكرا وتلزم الناس بمذهب فيه خلف معتبر‪ ،‬من دون تقرير‬
‫ممثلي المية وعرفائهيا ونوابهيا؛ أنميا تمارس ضربيا مين ضروب الكراه والقميع‬
‫الديني‪.‬‬
‫إن ما يبدوا من نقص في اطروحات الفقهاء ليس ناجما عن نقص ورع ول‬
‫اجتهاد ول إخلص‪ ،‬يرجع في معظمه‪ ،‬إلى نقص الثقافة السياسية تنظيرا وتطبيقا‪.،‬‬
‫للمحافظون اليوم‪-‬فيي عصير المبرياليية الغربيية‪-‬على الصيياغة العباسيية‬
‫للعقيدة؛ لم ينتبهوا إلى أن الفقيهاء غ ير المت سيسين م نذ صدر الع صر العبا سي لم‬
‫يقصروا ‪ ،‬ولكن ضعف الحس ال سياسي‪ ،‬أحدث في عمومهم (قصورا) منهجيا في‬
‫مراعاة الولويات‪ ،‬فأضعيف مين جهودهيم‪،‬وأبعدهيم عين ابتكار الليات والوسيائل‪،‬‬
‫وغييم مفهوم (نظام) العقيدة‪ ،‬وتكاميل شقيهيا المدنيي والروحيي‪ ،‬فبدد كثيرا مين‬
‫الطاقات‪.‬‬
‫ومين أجيل ذلك فإن ميا لهيم مين نفيع مقدور مشكور‪ ،‬و مين تخلل جهده‬
‫القصيور فهيو معذور‪ ،‬واسيتحضار هذه القاعدة مهيم أمام كيل بحيث فيي الصيياغة‬
‫السلفية للعقيدة والسياسة والتربية والثقافة‪.‬‬
‫وهذا ل يبرئ الحنابلة من أن هم حملوا الناس على آرائ هم عند ما و صلوا إلى‬
‫السلطة أيضا بالكراه والقمع‪.‬‬

‫‪ =11‬ابـــن تيميـــة‪ :‬آراء متميزة فـــي شـــق العقيدة‬


‫السياسي والحضاري وتركيز على الروحي‬
‫أ‪-‬تحرير شق الدين الروحي من الخرافات الغيبية‪:‬‬
‫ا بن تيم ية كان مجددا تجديدا معيار يا‪ ،‬عند ما حارب الخرافات المخلة بال شق‬
‫الرو حي من التوح يد‪.‬فحرر مفهوم ال سنة من بدع ال تبرك بالموات ‪،‬والتو سل ب هم‬
‫والستغاثة ‪ ،‬والطواف حول قبورهم‪.‬وكان مجددا تجديدا معياريا‪ ،‬عندما رفض الغلو‬
‫في التصوف والتشيع‪.‬‬
‫كان كث ير الفائدة عند ما حارب ن قص الفاعل ية الجتماع ية‪ ،‬ور سوخ الخمول‬
‫والستسلم عبر المنظومة الدينية‪ ،‬ويعتبر مجددا تجديدا عظيما‪ ،‬عندما انتبه إلى ما‬
‫في ال ستغاثة بالموات‪ ،‬من انحراف عن ال سنة‪ ،‬وها جم معظ مي القبور والطوافين‬
‫عليها‪ .‬فتجديده الكبر في محاربة الخرافات الغيبية‪.‬‬
‫وكان سلفيا ثاق با عند ما أدرك أن ل تعارض ب ين الن قل والع قل‪ ،‬و سبك قاعدة‬
‫"النيص الصيريح ل يخالف العقيل الصيحيح"‪ ،‬وعندميا رفيض مصيطلح المصيالح‬
‫المرسلة‪ ،‬رافعا شعار‪ :‬ل مصلحة مرسلة لم تذكرها الشرعة‪ ،‬ولكن ذكر المصالح‪،‬‬
‫إما أن يأتي مفصل أو مجمل‪.‬‬
‫ولكنيه كان يقدم وجهية نظير مرجوحية عندميا يمدح معاويية بين أبيي‬
‫سفيان‪،‬فمعاوية رضي ال عنه‪-‬مع ماله من فضل في شق العقيدة الروحي‪ ،-‬أعظم‬
‫أهل عصره إخلل بعمود فسطاط السلم الثاني‪:‬العدل‪ ،‬عندما أهدم الحكم الشوري‪،‬‬
‫وأقام الملك عضوض‪ ،‬ول كن ا بن تيم ية تأ ثر بروح ع صره‪ ،‬الذي ذ كا ف يه ال صراع‪،‬‬
‫ال تي فا ستدرجته روح الع صر إلى معم عة صراع واختلف‪ ،‬كان من عوا مل التدابر‬
‫والتكا فر‪،‬عند ما صارع الشاعرة والشي عة المام ية‪ .‬و من ال صعب على متأ خر أن‬
‫يدرك الظروف ال تي أحا طت بمتقدم‪ ،‬عند ما ر تب أولويا ته‪ ،‬ل كن ل يس من ال صعب‬
‫على المتأخر؛ أن يدرك أنه ل ينبغي إعادة إنتاج هذا الجو المتدابر المتناحر‪.‬‬
‫وكا نت ف يه حدة وشده‪ ،‬دفع ته أحيا نا إلى المبال غة في التبد يع والتكف ير‪ ،‬ك ما‬
‫ذكر تلميذه الذهبي‪.‬‬

‫ب‪-‬بين الفعل ورد الفعل‪:‬‬


‫من أ صول المن هج ال سلفي الراشدي‪ ،‬ترك تكف ير الشخاص المعين ين إل ب عد‬
‫إزالة الشبه‪،‬وتعريفهم بأنهم خالفوا الدين‪ ،‬ولكن السلفيين العباسيين تكافروا‪ ،‬وغل‬
‫بعضهم في التكفير‪ ،‬فقد كفر بعضهم أشخاصا معينين من دون ضوابط التكفير‪ ،‬كابن‬
‫عربيي وابين سيينا‪ ،‬وتكفيير بعيض مقولت الشخاص كمقولت ابين عربيي صيواب‬
‫منه جي‪ ،‬ب صرف الن ظر عن صحة وج هة الن ظر وف سادها‪ ،‬أ ما تكفير هم بأعيان هم‪،‬‬
‫فخطيأ منهجيي لن للتفكيير ضوابيط لم يتحرهيا المبالغون‪ ،‬وبالغ السيلفيون الحنابلة‬
‫كغيرهيم مين الفرق فيي التكفيير‪ ،‬وبالغ التيميون فيي التبدييع‪ ،‬فبدع بعضهيم بعضيا‪،‬‬
‫وبدعوا أئمة من أعلم السنة‪ ،‬كابن خلدون والشاطبي والغزالي‪ ،‬وقد فتحت مبالغات‬
‫ا بن تيم ية الباب‪ ،‬للمام مح مد بن عبدالوهاب‪ ،‬عند ما أغرق فك فر من طاف حول‬
‫القبور أو تبرك بها‪ ،‬وزاد على ذلك فاستحل دماءهم‪.‬‬
‫ر كز ا بن تيم ية في صياغة العقيدة علي جانبي ها الغ يبي‪ ،‬و في صراعه مع‬
‫الباطنيية والصيوفية والفلسيفة‪ ،‬كان يحاول الجابية عين سيؤال فرض نفسيه على‬
‫المناخ الجتما عي‪،‬وحك مه على الفرق‪-‬وإن اش تد‪-‬كان حك ما على أناس موجود ين‪،‬‬
‫ومين أجيل ذلك للمحافظون اليوم‪-‬فيي عصير المبرياليية الغربيية‪-‬على الصيياغة‬
‫العباسية للعقيدة؛ أن ينتبهوا إلى أن أحكامه على الشيعة المامية‪ ،‬وعلى النصيرية‪،‬‬
‫وعلى طوائف أخرى؛ إنماهيي أحكام على قوم معينيين‪ ،‬بناء على ميا رأى وقرأ مين‬
‫أفعالهم ومقولتهم‪،‬وأنه ل ينبغي اليوم إطلقها‪ ،‬على أحفاد لم ت صدر منهم مقولت‬
‫وأفعال‪ ،‬وأن مقياس التكفير حدده علي بن أبي طالب‪ ،‬وعليه العتماد‪ ،‬وتابعه عمر‬
‫بن عبد العزيز‪ ،‬والمحدثون وبهم يحسن الستشهاد والعتضاد‪ .‬وما عداه يعتذر له‬
‫ول يعتذربه‪.‬‬
‫لم يكن متأنيا في الحكم على خصومه‪ ،‬لنه كان فارسا محاربا‪ ،‬والفارس في‬
‫جو ال صراع‪ ،‬ل يكون على قدر كاف من الموضوع ية‪ ،‬في كل ف كر وف عل مار سه‪،‬‬
‫كما أشار محمد البهي‬
‫وفيي أتون الصيراع السيني الشيعيي‪ ،‬الذي أريقيت فييه الدماء‪ ،‬وانشحنيت‬
‫النفوس بالهواء؛ لم يسيتطيع بأن ينفيك مين مناخ الصيراع‪ ،‬ول مين المؤثرات‬
‫الشام ية‪ ،‬و هي بيئة ي صعب في ها إن صاف علي ر ضي ال ع نه‪ ،‬وآل الب يت‪ ،‬بين ما‬
‫ي سهل ك يل المد يح لمعاو ية ر ضي ال ع نه‪ ،‬ولب نه يز يد وللموي ين‪ ،‬دون ميزان‪،‬‬
‫على خلف البيئة التي عاش فيها المام أحمد بن حنبل‪.‬‬

‫ج‪-‬الجو بة الخا صة بحقل ها ل ينب غي تعميم ها في كل‬


‫الحقول‪:‬‬
‫وينبغي أن نتذكر إن تركيزه على الجانب الغيبي من العقيدة‪ ،‬في ردوده‪ ،‬كانت‬
‫نتيجة فهمه روح عصره‪ ،‬ولقد حاول أن ينهض بالمة‪ ،‬حسب قدرة الفراد‪ ،‬وحسب‬
‫النظام المعرفي السائد‪ ،‬وأنه أخطأ وأصاب‪ ،‬فليس رسول معصوما بالوحي‪.‬‬
‫وهناك فرق بين مسلك الكوكبة الولى من السلفية العباسية كالشافعي وأحمد‪،‬‬
‫الذ ين تجاهلوا علم الكلم والفل سفة والمن طق‪ ،‬وم سلك الغزالي ونحوه وا بن تيم ية‬
‫خاصة‪ ،‬الذين رغم ذمها الفلسفة والمنطق كتبا العقيدة بمصطلحاتهما‪ ،‬ولذلك صار‬
‫فهم كتبها صعبا‪ ،‬على من لم يطلع على علم الكلم‪.‬‬
‫ول ينبغيي للمحافظون اليوم‪-‬فيي عصير المبرياليية الغربيية‪-‬على الصيياغة‬
‫العبا سية للعقيدة؛ أن يقرروا ر سائله‪ ،‬على أن ها متون تعايم ية جامع ية‪ ،‬ا بن تيم ية‬
‫رحمنيا ال وإياه جيل جهوده‪ ،‬كسيائر فقهاء تلك العصيور‪ ،‬عندميا يكتيب فيي شيق‬
‫العقيدة الروحي و الغيبي‪.‬‬
‫ولذلك فإن تق سيمٍات عديدة له في شق العقيدة الرو حي إن ما هي اجتهادات‪،‬‬
‫أبرزها تقسيم التوحيد إلى ثلثة أقسام‪ ،‬توحيد السماء والصفات‪ ،‬وتوحيد اللوهية‬
‫وتوح يد الربوب ية‪ ،‬وو ضع م سألة ال سماء وال صفات ‪ ،‬في أق سام التوح يد اجتهاد‬
‫ووجهة نظر معتبرة‪ ،‬ولكنها مبالغة‪ ،‬جر إليها أتون الصراع المذ بي‪ ،‬ومنأجل ذلك‬
‫فإن تخليص صياغة العقيدة من إشكالها أولى‪ ،‬وهي ل تلزم كل من امتطى المنهج‬
‫السلفي‪ ،‬والصراع فيها ثانوي غير أولي‪.‬‬
‫صياغة ابن تيمية للسلفية الحنبيلة‪ ،‬في شق العقيدة الروحي لمذاهب الحنابلة‬
‫فيي كتاب (التدمريية)‪ ،‬ونحوه كانيت أيضيا إجابية عين السيئلة المثارة‪ ،‬فيي البيئة‬
‫الزمنية والمكانية هناك‪ ،‬وما في الجو الثقافي من فرق إسلمية وغير إسلمية‪ ،‬وما‬
‫في الم ستوى الثقا في من ترك يب وتعق يد‪ .‬ل قد ت صارع ا بن تيم ية والشاعرة‪ ،‬في‬
‫قضاييا السيماء والصيفات‪ ،‬وتعرض للذى والنفيي والسيجن‪ ،‬وأنفيق الجمييع قدرا‬
‫كيبيرا مين الوراق والوقات‪ ،‬ولكنيه الحصييلة العمليية لهذه الجهود‪ ،‬ليسيت على‬
‫مقدار الجهود‪.‬‬

‫د‪ -‬أثر المناخ في معالجات ابن تيمبة‪:‬‬


‫ابين تيميية كان مجاهدا مناضل‪ ،‬وكان فارسيا ل يشيق له غبار‪ ،‬وعاش فيي‬
‫ع صر اضطراب سياسي وفكري واجتماعي‪ ،‬ول يس من طبي عة المور أن ي سلم من‬
‫الغبار‪ ،‬و من خلل صياغته أنط قه قوم كث ير ب ما لم ين طق‪ ،‬ولم يلحظوا أ نه يغ ضب‬
‫ويحتد ويشتد‪ ،‬كما ذكر تلميذه الذهبي‪ ،‬فيقع في مبالغات ل تنسجم مع منهجه‪ ،‬الذي‬
‫أعلنه مرارا‪ ،‬وكرسه في كتاب العقل والنقل‪.‬‬
‫ولكنيه‪-‬ولعيل ذلك للسيتقواء على خصيومه‪-‬بالغ فيي التعصيب لمثال‬
‫أفكار الخلل وعبيد ال بين أحميد والبربهاري‪ ،‬فناقيض منهجيه‪ ،‬فجاءت له أفكار ‪،‬‬
‫تندرج فييي مييا أسييميناها إغفال مبدأ الولويات‪ ،‬فشارك فييي معارك الخلفات‬
‫وال صراعات‪ ،‬في أمور اجتهاد ية غيب ية‪ ،‬ظلت تتنا قش في عالم الغ يب‪ ،‬أك ثر من‬
‫تناقش ها في عالم الشهادة‪ .‬وهذا جعل ها تك تب ألوف الن سخ‪ ،‬في ما يخل خل ال سلم‬
‫الجتماعي والوفاق‪ ،‬فكفر بعضها بعضا‪ ،‬وقمع بعضها بعضها ‪.‬‬
‫وجارى فرقيا عقدت على الناس فهيم العقيدة‪ ،‬عندميا رد عليهيا بمصيطلحات‬
‫كلمية‪ ،‬ليسير في غاباتها إل متفلسف‪.‬‬

‫‪=12‬المام محمد بن عبد الوهاب‪:‬‬


‫صورة سلفية صحراوية‪ :‬لتعادلية العدل والصلة‬
‫أ‪-‬صياغة شعبية للعقيدة‪:‬‬
‫كان المام محميد بين عبيد الوهاب فقيهيا سيياسيا عملييا‪ ،‬جدد شقيي العقيدة‬
‫الروحيي والسيياسي معيا‪ ،‬حينميا صياغ أبجديات السيلم صيياغة سيهلة مبسيطة‪،‬‬
‫مخل صة من التعق يد الذي حفلت به المتون العبا سية‪ ،‬ونقح ها من آثار علم الكلم‪،‬‬
‫ومن السفسطة والبلبلة‪ ،‬وجانب التجريد الذهني‪ ،‬وآثر التطبيق العملي‪.‬‬
‫صياغة الشيخ محمد بن عبد الوهاب‪ ،‬كانت بسيطة سهلة‪ ،‬تناسب المستوى‬
‫الشعبي من الناس‪ ،‬وتجيب عن بعض السئلة الشعبية المثارة في البيئة الصحراوية‬
‫المحدودة‪.‬‬
‫وهكذا فإن كيل مجدد يعييد صيياغة العقيدة‪ ،‬بالكيفيية التيي يسيتدعيها الجيو‬
‫الثقا في والجتما عي‪ ،‬وذلك هو أ ساس نجاح الفكار‪ ،‬ل كن هذه ال صورة اجتهاد ية‪،‬‬
‫ليست هي الصل‪ ،‬ول ينحصر المنهج السلفي بها‪ ،‬بل هي إحدى الكواكب السيارة‪،‬‬
‫حول قطب المنهج السلفي‪ ،‬من أجل ذلك ل تصلح لكل عصر ومصر‪.‬‬
‫ا بن تيم ية هو المجدد الول في تبد يع ال ستغاثة بالموات‪ ،‬ول كن ا بن ع بد‬
‫الوهاب شدد النكير حتى وصل إلى التكفير‪.‬‬
‫والوهاب ية أك ثر ال صياغات ال سلفية –ق بل ع صر المبريال ية الغرب ية‪ -‬حر صا‬
‫على تصفية شق التوحيد الروحي من شوائب الكفر والشرك البدع ‪ ،‬ولكنها أكثرها‬
‫مبالغة في التبديع والتكفير‪.‬‬
‫فقيد شددت الوهابيية فيي تصيفية التوحييد مين الشرك فبالغيت فيي التبدييع‬
‫والتفكيير‪ ،‬وأدخلت أمورا مين الكفير والشرك الصيغرين‪ ،‬فيي عداد الكفير والشرك‬
‫الكبرين‪.‬‬
‫ولذلك فإ نه تجاوز ا بن تيم ية‪ ،‬فا بن تيم ية عند ما حارب الخرافات الروح ية‬
‫بدع وغلظ‪ ،‬ولكين الشييخ محميد بين عبيد الوهاب أفرط فكفير‪ ،‬وشبيه المتوسيلين‬
‫بالجاهليين‪ ،‬وليس من النصاف‪ ،‬أن يُ َكفّر قوم يتجهون إلى القبلة خمس مرات في‬
‫اليوم‪ ،‬ويقولون إياك نعبد وإياك نستعين‪.‬‬
‫ب‪-‬كل مجاهد مجتهد يخطئ ويصيب‪:‬‬
‫والمصلح الفكري فضل عن السياسي لبد أن يقع في أخطاء‪ ،‬بل إن النبياء‬
‫المع صومون عن الكبائر‪ ،‬يخطئون ول كن يتنزل علي هم الو حي بالنكار و التنذ ير‪،‬‬
‫فإذا كان ال صلح فكر يا و سياسيا م عا‪ ،‬فإن الخطاء أك ثر‪ ،‬و كل حر كة إ صلحية‪ ،‬ل‬
‫يمكن أن تكون بدون أخطاء ولم تكن الوهاب ية هي ال ستثناء‪،‬لن الحما سة لصلح‬
‫الو ضع المخ تل والفا سد‪ ،‬تقترن في كل حر كة إ صلح بأخطاء ثانو ية في صياغة‬
‫الفكرة‪ ،‬أو فيي تطبيقاتهيا‪ .‬ولعيل الصيحراء طبعتهيا بالمييل إلى القسيوة والعنيف‬
‫والتزمت فنحت منحا متشددا عند التطبيق‪.‬‬
‫والحكم النهائي هو درجة التغيير نحو الصلح والنجاح‪ ،‬وهذا أمر قد تحقق‬
‫للوهابية بقدر كبير جدا‪.‬‬
‫ومح مد بن ع بد الوهاب كان معيار يا‪ ،‬عند ما ط بق أفكار ا بن تيم ية‪ ،‬فحارب‬
‫خرافات العقيدة الروحيية ‪ .‬وكان معيارييا واقعييا‪ ،‬فيي شيق العقيدة المدنيي‪ .‬عندميا‬
‫أدرك أن إقامية الحكيم العادل مين فروض الديين‪ ،‬ولييس بغييا على دولة عثمانيية‬
‫غارقة في الظلم و الستبداد‪ .‬وكان معياريا‪ ،‬عندما كتب الجانب الروحي من العقيدة‬
‫بل غة تخا طب الرأي العام سهلة مي سرة‪ ،‬بعيدة عن الجدال في ال سماء وال صفات‪.‬‬
‫وكان يقدم وجهات نظر عندما يرجح في الفقه‪ .‬ولكنه كان نسبيا عمليا عندما نادى‬
‫بالواقعيية السيياسية‪ ،‬فالمجتميع القبلي الصيحراوي‪ ،‬ل يحتميل فيي تلك العصيور أن‬
‫ينتج دولة شورية‪.‬‬
‫أراد ابن عبد الوهاب إقامة العدل من خلل نموذج المستبد العادل‪ ،‬لنه كغيره‬
‫مين المصيلحين بعيد الخلفية الراشدة؛ لم يثمنوا العلقية بيين العدل والشورى‬
‫والتعددية والحرية والروح المعرفية‪، ،‬فكان تجديده مرحليا آنيا‪ ،‬يناسب مرحلة من‬
‫مراحل مجتمع الجزيرة العربية الصحراوي‪.‬‬
‫و من أ جل ض عف هذه الق يم في ثقا فة المجت مع‪ ،‬لم يبدأ الناس بإقا مة هيا كل‬
‫وإجراءات وآليات لتفعيلها‪ ،‬كالتجمعات الهلية مدنية وغير مدنية‪.‬‬
‫هذه الشروط من القيم النسانية المشتركة بين المم المتحضرة‪ ،‬ومن أوليات‬
‫العقيدة السيلمية المعتيبرة‪ ،‬ولكين المجتميع العربيي عامية ومجتميع الجزيرة على‬
‫العموم‪ ،‬والنجدي على الخصوص‪ ،‬متأثر بالطبيعة الصحراوية والمزاج الصحراوي‪،‬‬
‫فلم يكين للدعوة الوهابيية اهتمام بالعلوم والمعارف‪ ،‬ول بالمور التقنيية‪ ،‬ولم يكين‬
‫لها معرفة بطبيعة المعادلت الدولية‪،‬‬

‫ج‪ -‬أقرب صورة سلفية للتوازن‪:‬‬


‫والمام محميد بين عبيد الوهاب رحمنيا ال وإياه‪ ،‬أدرك العلقية بيين عمودي‬
‫فسطاط العقيدة الروحي و المدني‪ ،‬وأدرك أن قيام الناس بالفرائض الروحية ل يكفي‬
‫لقامة السلم‪ ،‬وأن لبد من الجمع بين إقام العدل وإقام الصلة‪ ،‬وإقام العدل يحتاج‬
‫إلى دولة شورية‪ ،‬والدولة الشورية طريقها غير معبد في الصحراء‪ ،‬والدولة القبلية‬
‫قد تكون عادلة‪ ،‬ولو في حدود دنيا‪ :‬و لو كانت مستبدة‪ ،‬والصحراء ل تنتج تكتلت‬
‫مدنيية‪ ،‬فلن تنتيج إذن حكميا شورييا‪ ،‬فأدرك أن صيحة الفكار شييء آخير غيير‬
‫صلحها‪ ،‬وأدرك عل قة صلح الفكار بقدرت ها على الثمار‪ ،‬فنجاح البذور الفكر ية‬
‫مرتبط بصلحيتها للزرع في الحقل الجتماعي‪.‬‬
‫وكان مثقفا دينييا عملييا أي سيياسيا‪ ،‬أو راسيخا فيي العلم؛ حسيب إشارة‬
‫القر طبي إلى اشتراط الب صيرة ال سياسية‪ ،‬في مفهوم الر سوخ في العلم‪ .‬وأدرك أن‬
‫انتخاب الحاكم ل يتحقق في المجتمع الصحراوي إل من خلل القبيلة‪.‬‬
‫لم يكن ابن عبد الوهاب عالما كبيرا كابن تيمية أو ابن حنبل من رموز الفكر‬
‫ال سلفي العبا سي القدا مى‪ ، ،‬بل ولم ي كن أعلم من ب عض معا صريه كأخ يه سليمان‪،‬‬
‫فضل عين علماء فيي الحسياء والحجاز‪ ،‬ولكنيه أعظيم عقل سيياسيا‪ ،‬كان مفكرا‬
‫سياسيا عمليا‪.‬‬
‫لم ي كن عالما بالمفهوم التقليدي للعلماء‪ ،‬الذ ين تك ثر محفوظات هم ومعلومات هم‬
‫ومدوناتهم‪ ،‬ويشيع فيهم جانب الستظهار‪ ،‬بل كان مفكرا دينيا سياسيا صاحب أفكار‬
‫عملية طابعها البتكار وحسن الستثمار‪.‬‬
‫شكل خل طة دواء وطب خة غذاء‪ ،‬عالج ب ها أمراض ال صحراء‪،‬وا ستثمر ا سمي‬
‫الحمد ين‪:‬ا بن حن بل وا بن تيم ية‪،‬ومدر ستهما‪ ،‬ولم يأ خذ مبالغات ها في قضا يا الغ يب‬
‫الثانويية الظنيية‪ ،‬ول فيي إهمالهيا العدل‪ ،‬ول قولهميا بعدم الخروج‪ ،‬بيل خرج على‬
‫الدولة العثمان ية‪ ،‬ل نه أدرك أن إقا مة الح كم العادل من فروض الد ين ال كبرى‪ ،‬وأن‬
‫الحا كم إن ما ين صب لقا مة العدل‪ ،‬فغذا أ خل بوظيف ته‪ ،‬فك يف ت جب طاع ته‪.‬ولك نه لم‬
‫يقت صر على أفكار ا بن تيم ية ول المدر سة الحنبل ية بل انت قى منه ما و من غيره ما‪،‬‬
‫وأحسبه ألم بفكر ابن خلدون‪ ،‬وهو أكثر من رموز السلفيات قبل عصر المبريالية‬
‫الغربية بصيرة سياسية‪ ،‬أو لعله عرف ما هو الدور الذي إذا قام به نجح‪.‬‬

‫د‪-‬الدولة ل تكون قفزا فوق تضاريس المجتمع‪:‬‬


‫ول قد هداه ال حس ال سياسي‪ ،‬إلى التحالف مع الم ير مح مد بن سعود‪ ،‬فأقام‬
‫ل شق العقيدة الرو حي الفكري مظلة سياسية‪ ،‬فتزاوج شق العقيدة ال سياسي بشق ها‬
‫الرو حي‪ ،‬فأن تج سلطة مدن ية‪ ،‬فأراد أن تكون قوة العضلت ال سياسية‪ ،‬في خد مة‬
‫قوة الفكار الروح ية و قد ن جح في ذلك إلى حد ما‪ ،‬ول سيما في الدولة ال سعودية‬
‫الولى‬
‫ولم ي كن عالما طوباو يا‪ ،‬يق فز فوق الخري طة الجتماع ية‪ ،‬في مجت مع بدوي‪،‬‬
‫مغلق على نفسه تتحكم فيه العوائد القبلية والعشائرية‪ ،‬ويفتقر إلى الحد الدنى من‬
‫الرشد والنضج الجتماعي‪ ،‬الذي لبد منه إقامة دولة شورية‪ ،‬ولذلك استطاع تقديم‬
‫صيغة متوازنة بين شقي الروحي و المدني‪ ،‬فل ملة من دون دولة‪.‬‬
‫ومحميد ابين عبيد الوهاب كذلك‪ ،‬عالج جوهير التحدي‪ ،‬وهيو تحيد صيحراوي‬
‫يي‪ ،‬يعالج الخلل‬
‫يت بقيام بنيان مدني‬
‫يي يثبي‬
‫ييس خطاب روحي‬
‫يي‪ ،‬بتأسي‬
‫بدوي إقليمي‬
‫الصييحراوي‪ ،‬بأفكار بسيييطة‪،‬وبآليات بسيييطة‪ ،‬دون أن يقفييز فوق الخريطيية‬
‫الجتماعيية‪ ،‬لم يختصير مسيألة السيياسة بنصييحة الحاكيم‪ ،‬كميا فعيل حمائم الفقيه‬
‫السياسي في صيغته العباسية منذ أحمد بن حنبل‪ ،‬ولم يختزلها بالقفز فوق الجغرافيا‬
‫البشرية‪ ،‬كما فعل الخوارج‪ ،‬وإنما وضع صيغة واقعية نسبية لعلقة الملة بالدولة‪.‬‬
‫ا بن ع بد الوهاب أدرك في الم سألة ال سياسية‪،‬أمرا لم يدر كه سابقون كث ير‪،‬‬
‫ولعله ألم بفكر ابن خلدون الذي يقول" دعوة دينية من دون عصبية ل تتم"و"عصبية‬
‫مين دون قييم تفضيي إلى الهرج"فالخلفية الراشدة‪ ،‬ل تنبيت إل فيي مجتميع راشيد‪،‬‬
‫والرشد هنا سياسي‪ ،‬أي رسوخ العراف السياسية الناضجة‪.‬‬
‫وهذا الر سوخ ل ي ستقر إل في مجتمعات نض جت في ها ق يم المجت مع المد ني‪،‬‬
‫وتبلورت فيهيا مؤسيسات أهليية مدنيية اجتماعيية وسيياسية وثقافيية واقتصيادية‬
‫ومهنية‪ ،‬وبناء هذه الثقافة يستغرق أجيال‪ ،‬والمصلح الديني الذي ل ينطلق من فهم‬
‫موهوب أو مكسوب‪ ،‬لعلم الجتماع السياسي‪ ،‬لن يصل إلى نجاح يذكر‪ ،‬مهما أوتي‬
‫من علم‪ ،‬ومهما أوتي من حماسة وإخلص‪ ،‬ومهما أوتي من جاذبية شخصية‪.‬‬
‫و ما لقي ته الدعوة الوهاب ية من انتشار في العالم ال سلمي‪ ،‬لم ي كن ب سبب‬
‫صيحة أفكارهيا فيي جانيب العقيدة الروحيي‪ ،‬بيل بسيبب تفعييل شيق العقيدة المدنيي‬
‫السيياسي‪ ،‬ونزعية السيتقلل‪ ،‬فالنجاح السيياسي للدولة السيعودية‪ ،‬حميل السيلفية‬
‫الوهابية على جناحيه ونشرها‪ ،‬ولول الحامل السياسي لما انتشرت الفكار‪.‬‬
‫الوهابيية كانيت أول صيورة سيلفية بعيد السيلفية المويية توازن‪ ،‬بيين شيق‬
‫العقيدة الرو حي و المد ني‪ .‬وهذا هو أ هم ما في ها‪ ،‬و ل قد ا ستطاعت إقا مة مفهوم‬
‫الدولة على المواطنة إلى حد ما‪ ،‬في مجتمع قبلي متحارب‪ ،‬وزراعي متقاطع‪.‬‬
‫ل يدرك فضل الوهابية على الجزيرة العربية ولسيما بلد نجد‪ ،‬إل من عرف‬
‫الفوضى السياسية‪ ،‬وما اتصل بها من جوع وفقر وأمراض‪ ،‬في ذلك الزمان‪.‬‬
‫د‪-‬ماالعبر المستخلصة من الصورة السلفية الوهابية‪:‬‬
‫وسلوك المام محمد بن عبد الوهاب‪،‬واقعي وجيه عندما آثر مشروعية إنجاز‬
‫الحاكيم‪ ،‬على مشروعيية وصيوله إلى السيلطة بطرييق(النتخاب)‪ ،‬لن المجتميع‬
‫الصحراوي ل يحتمل أن ينتج نموذج حاكم منتخب‪.‬‬
‫ولكين تصيرفه‪ -‬قول وعمل‪ -‬غيير وجييه ول مشروع‪ ،‬ول يجسيد معيارا‬
‫سلفيا‪،‬عندمار كن إلى نموذج""الم ستبد العادل""‪ ،‬ولم ي خط أي خطوة يحاول ب ها ر بط‬
‫(العدل) بي(الشورى)‪.‬‬
‫وتصيرفه‪ -‬قول وعمل‪ -‬غيير وجييه ول مشروع‪ ،‬ول يجسيد معيارا سيلفيا‪،‬‬
‫عند ما أن تج دولة مذهب ية‪ ،‬لت قر بالتعدد ية ول بالحر ية والت سامح والتعا يش‪ ،‬وفوق‬
‫ذلك لتنهج أي شورى‪.‬‬
‫وفهذا النموذج قد ين جح‪ -‬في مجت مع صحراوي‪ ،‬ول كن نجا حه محدود حي نا‬
‫مين الدهير‪ ،‬ول يسيتقر ول يسيتمر‪ ،‬فضل عين أن يقييم أمية متحضرة غلبية‪ .‬لن‬
‫المين فييه يقوم على القهير والسييف والعنيف‪ ،‬لن نظريية المسيتبد العادل‪ ،‬تنطوى‬
‫تطبيقاتها ‪ ،‬على عناصر اختللها‪ ،‬خلل مال يزيد عن ثلثة أجيال‪.‬‬

‫ج=السلفيات المواضي وقضايا العدالة والعمران‬

‫‪ =13‬النجاز السلفي العباسي الكبر‪:‬‬


‫إعلن المرجعية وتدوين نصوصها‬
‫المصباح في زجاجة ومشكاة‬
‫أ‪ -‬المصباح‪ :‬حفظ النص‪:/‬تدوين مصادر الملة‪/‬‬
‫ال سلفية‪ :‬هي المناداة بف هم م صباح القرآن وال سنة‪ ،‬من خلل صفاء زجا جة‬
‫التطبيق النبوي والراشدي‪ ،‬ومشكاة حقائق علوم النسان والطبيعة‪.‬‬
‫وهذا التعر يف يش ير إلى ثل ثة عنا صر‪:‬الم صباح‪/‬الت طبيق‪ /‬سنن ال البشر ية‬
‫والطبيعية‪.‬‬
‫فالعنصر الساس يحدد أن السلفية هي تحكِِيم النص القرآن والسنة‪ ،‬ومدونات‬
‫مصيادر الحدييث والتفسيير والسييرة‪ ،‬السيلم النصيي‪ ،‬الذي لم يتأثير بالمؤثرات‬
‫التاريخية‪،‬بعد الراشدين‪.‬‬
‫من أجل ذلك عني السلفيون العباسيون؛ بحفظ مصادر الملة‪ ،‬فدونوا الصول‬
‫من تفسير القرآن‪ ،‬ورواية الحديث والسيرة النبوية والراشدية‪ .‬فالمدونات السلفية‬
‫عنييت بتصيحيح الحدييث والسييرة وتدوينهيا‪،‬وسياقت مين أقوال الصيحابة وسييرهم‬
‫ومواقفهم ما يكفي لستنباط الحكام في شق العقيدة الروحي والمدني معا‪.‬‬
‫وهذا أ هم ع مل قام به ال سلف العبا سي ال صالح‪ ،‬فدونوا مادة أ صول المعر فة‬
‫الدينية‪ .‬وحفظوها من الضياع‪ ،‬وهي وظيفة جليلة ظاهرة ل خلف عليها‪،‬‬
‫و من هؤلء (أح مد بن حن بل مثل) فالمام أح مد بن حن بل ( في كتاب الم سند)‬
‫يقدم حدي ثا أي في الصول ينب غي اعتمادها‪( ،‬مادا مت أحاد يث صحيحة‪ ،‬في اعتبار‬
‫المحدثيين)‪ .‬ثيم ظهرت فيي تدويين الحدييث مجموعية الصيحاح‪ :‬لمالك والبخاري‬
‫ومسلم وابن خزيمة وابن حبان والمقدسي‪ ،‬وهي أصح الكتب‪ ،‬التي التزمت بشروط‬
‫الحديث الصحيح‪ ،‬وتجنبت إدخال الضعيف‪ ،‬وإن لم تخل من أحاديث ضعيفة وأخرى‬
‫موضوعة‪.‬‬
‫وأصحاب السنن‪ ،‬إنما جهدهم الكبر في تدوين السنة‪،‬‬
‫وف ضل ال سلفيين العبا سيين ال صالحين الذي ل يجاري هم ف يه سابق ول لحق‪،‬‬
‫هو ج مع أ صول الد ين والملة‪ ،‬كالحد يث والتف سير والتار يخ والمغازي‪ .‬و ل كن هذا‬
‫التدويين لم يكين مين دون أخطاء‪ ،‬و الخطاء تصيدر مين النيبياء‪ ،‬فكييف نسيتغرب‬
‫صدورها من الفقهاء و المحدثين‪.‬‬
‫و لكين ينبغيي عدم التعمييم‪ ،‬فغالب ميا جمعوه صيحيح فيي الجملة‪ ،‬أو يعضده‬
‫صحيح غيره‪،‬أو ل يخالف أصل شرعيا‪ ،‬وهم في مرحلة تصفية أولية وجمع‪ ،‬ولم‬
‫يكونوا في مرحلة ت صفية نهائ ية وفرز‪ ،‬ف ما اتب عه رواد التدو ين‪ ،‬هو ما أم كن في‬
‫ظل ظروف الختلل السياسي‪.‬‬
‫ب‪-‬لكـي ل يصـبح القرآن حمال أوجـه‪ /‬المصـباح فـي‬
‫زجاجة‪:‬‬
‫فك يف يقرأ نص القرآن وال سنة؟‪ ،‬و ما ف يه من إجمال يحتاج إلى تف صيل‪ ،‬أو‬
‫أصل يحتاج إلى تفريع‪ ،‬أو مبدأ يحتاج إلى آليات ووسائل؟‪.‬‬
‫وضمان ذلك أن يوضيع المصيباح فيي زجاجية التطيبيق النبوي والراشدي‪،‬‬
‫فالزجا جة تم نع من أن يكون القرآن وال سنة ن صا مفتو حا‪ ،‬تع بث به رياح الج هل‬
‫والهواء التيي قيد تعصيف بنور المصيباح‪،‬لكيي ل يكون القرآن حمال أوجيه‪،‬‬
‫وال سلفيون في كل ز من‪ ،‬يرددون الحد يث الشر يف (علي كم ب سنتي و سنة الخلفاء‬
‫الراشدين)‪.‬‬
‫وعلى الر غم من أن الحد يث على كل حال؛ ف يه مقال و في ت صحيحه جدال‪،‬‬
‫كميا ذكير حسيان عبيد المنان‪ ،‬فإن اتباع سينة الخلفاء الراشديين يتحدد بتطيبيقهم‬
‫القرآن وسنة النبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬وتفصيلهم ما أجمل‪ ،‬وبيانهم ما التبس‪،‬‬
‫وابتكار وسائل لتنفيذ القواعد‪ ،‬و كل حديث يأمر باتباع أي أحد غير الر سول صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ ،‬فإنما هو مقيد بهذا التوجيه‪.‬‬
‫بذلك يتحدد من هج ف قه الكتاب وال سنة‪- ،‬أي ضا‪-‬ح سب ف هم ال صحابة‪ ،‬وف هم‬
‫العرب الف صحاء وأ ساليبهم‪ ،‬دون تق عر يخرج بالكلم عن م ستوى ف هم العادي من‬
‫الناس‪ ،‬كما قرر الشاطبي في الموافقات‪ .‬لن القرآن نزل بلغة العرب‬
‫هذا الضا بط عبر ع نه الشاف عي عند ما قال " ال سنة حاك مة على القرآن"‪ .‬و قد‬
‫عبر نا ع نه بأ سلوب الزجا جة ال تي من خلل ها يتلل م صباح القرآن ب صورة أقوى‬
‫أكثر‪.‬‬
‫وأكيد رواد السيلفية والسينة والجماعية العباسييون الوائل؛ على أن السيلف‪-‬‬
‫الواجب القتداء بهم‪ -‬هم الصحابة السابقون والتابعون بإحسان‪-‬قبل الخلف‪-‬وأن‬
‫ينة‪ ،‬مين خلل تطبيقهميا النبوي‬
‫السيلفية هيي الرجوع إلى نيص الكتاب والسي‬
‫والراشدي‪.‬‬
‫ومين أجيل ذلك أكيد رواد السيلفية عيبر العصيور أن السيلفية التيي يجيب بهيا‬
‫القتداء‪ ،‬هي سلفية هي ما كان عليه النبي والصحابة السابقون ما أي قبل الصراع‬
‫والختلف والهواء‪ ،‬سلفية ما قبل العصر الموي فضل عن العباسي‪.‬‬
‫ففي ذلك الماضي الجميل‪ ،‬كان ضوء مصباح القرآن‪ ،‬يشع من خلل زجاجة‬
‫النبوة‪ ،‬كانت تزيده لمعانا‪ ،‬وترد عنه رياح الهواء‪.‬‬
‫وكانت لعموم الصحابة السابقين عقول سياسية بازغة‪ ،‬تدرك مشكاة سنن ال‬
‫الجتماع ية‪ ،‬وحقائق علوم الن سان والطبي عة‪ ،‬وتز يل الل بس عند ما ي صبح ال نص‪-‬‬
‫عنيد حدثاء السيلم‪ -‬حمال أوجيه‪ ،‬و هذا ميا أدركيه عمير عندميا دون الدواويين‪،‬‬
‫وأدركه الصحابة في طاعون عمواس‪ :‬الحجر الصحي‪.‬‬
‫وأدركيه علي بين أبيي طالب‪ ،‬مين أن ضرورة الحفاظ على عروة السيلم‬
‫ال كبرى الح كم الشوري ‪ ،‬ولم يدر كه من خذله أو ناز عه أوقاتله‪ ،‬أو هجن مذهبه‪،‬‬
‫وهذا ما أكده عموم الفقهاء‪ ،‬من أن تصرفاته السياسية؛ بينت السنة النبوية‪ ،‬وهذا‬
‫ميا أدركيه عموم فقهاء السيلف الموي‪ ،‬والسيلف مين مخضرميي العصير الموي‬
‫والعباسي‪ ،‬الذي عبر عن منهجهم ابن تيمية بأنه "مذهب للسلف قديم"‪.‬‬
‫وبذلك يتبين أن من زعم قال أن المامة الشورية العادلة ليست من أصول‬
‫العقيدة‪،‬التي يجب لجلها الجهاد والستشهاد‪،‬محجوج بما لزمه أبو بكر الصديق‪،‬‬
‫وعلي بن أبي طالب‪ ،‬في المواقف الصعبة‪ ،‬التي تشيب لهولها الولدان‪.‬‬
‫فلو لم تكن وحدة المة والعدل من أصول الدين؛لما قاتل أبوبكر المرتدين‪.‬‬
‫ولو لم يكين الحكيم الشوري مين أصيول الديين‪ ،‬لميا خاض الخليفية الراشيد‬
‫الرابع‪ ،‬ومعه جمهور المهاجرين والنصار‪ ،‬ثلث معارك طاحنة‪ ،‬ولترك السنة من‬
‫أجيل تخاذل بعيض كبار الصيحابة‪ ،‬ولعتزل الشأن العام‪ ،‬كسيعد بين أبيي وقاص‬
‫وأضرابه‪ .‬ولستسلم لتيار القبلية والبداوة‪ ،‬كما فعل ابنه الحسن ومن معه‪.‬‬
‫وبذلك نفرق ب ين مفهوم الجما عة في النموذج الشوري‪ ،‬ومفهوم الجما عة‬
‫فيي النموذج الجيبري العضوض‪ ،‬وندرك أن عام الجماعية الذي كال له بعيض‬
‫المؤرخ ين والفقهاء المد يح و الثناء؛ إن ما هو عام ر سوخ ن مط االملك العضوض‪،‬‬
‫عام نشوء البدعية الكيبرى فيي شيق الشريعية المدنيي‪ ،‬عام نقيض إحدى عروتيي‬
‫السلم‪ :‬الحكم الشوري والصلة‪.‬‬
‫وبهذا وذاك يصيبح المتشابيه مين النصيوص وحمال الوجيه صيريحا محدد‬
‫الدللة‪ ،‬أما في العقل المتصحر الجديب‪ ،‬فصار النص مفتوحا‪ ،‬وصار حمال أوجه‪،‬‬
‫كميا قال الخليفية علي بين أبيي طالب‪ ،‬لنيه أخرج عين ضابطيه (التطيبيق) النبوي‬
‫والراشدي‪.‬‬

‫‪=14‬للمجددين صور مضيئة وللمقلدين صور باهتة‬


‫أ‪ -‬عندما تكون للعلماء الكبار أخطاء كبرى ‪:‬‬
‫لم يدرك المحافظون على الصيياغة العباسيية اليوم فيي عهيد المبرياليية‬
‫الغرب ية‪ ،‬أن العلم المجرد من الرادة والعزي مة؛ إن ما هو من أ سباب الهزي مة‪ ،‬ولو‬
‫كان علماؤه من كبا النوابغ والحفاظ‪.‬‬
‫فالمجتميع المقهور والمتخلف ينتيج عباقرة ونابغيين‪ ،‬ولكنهيم‪-‬فيي الغالب‪-‬‬
‫يسيتسلمون للمناخ‪ ،‬فينكمشون أو يتشاءمون أو يتمردون تمردا سيلبيا‪ ،‬على شاكلة‬
‫ابي العلء وعبد ال القصيمي‪.‬‬
‫وأغلبهيم يطوعهيم القهير والتخلف فيصيبحون مين حراسيه‪ ،‬وهيم قديبهرون‬
‫الناس ببلغتهم وجدلهم‪ ،‬وتآليفهم وذكائهم ونبوغهم‪ ،‬ولكنهم حين عاشوا في وسط‬
‫ثقا فة اجتماع ية غ ير ذك ية‪ ،‬ل يمنع هم ذكاؤ هم من أن يكونوا سدنة من هج معر في‬
‫وتربوي؛ يروج ذهن ية الرهب نة وال صوفية المنقم عة والقام عة‪ ،‬ال تي تف صل الخلص‬
‫الذاتي عن الخلص الجتماعي والخلص الروحي عن الخلص المدني‪ ،‬والخلص‬
‫الخروي عن الخلص الدنيوي‪.‬‬
‫ول يمنيع تخصيصهم الدقييق مين أن يخطئوا فيي المنهيج أو الموضوع أو‬
‫كليهما معا‪ ،‬ول من أن يصبحوا وهم يشعرون أو ل يشعرون حراسا لقلعة الستبداد‬
‫والجور والقمع والفساد والحباط‪ ،‬طوعا أو كرها‪ ،‬فيقدمون فقها كسرويا أو صوفيا‬
‫منقم عا أو صحراويا متهورا لل سلم‪ ،‬ويح صرون الد ين في نطا قه‪ ،‬في صعب على‬
‫متحري النهوض اليوم إنتاج فقيه مدنيي‪ ،‬يحيل مشكلت المجتمعات الحديثية‪ ،‬إذا‬
‫استسلم إلى توصيفهم‪ ،‬وبنائهم المعرفي‪.‬‬
‫ب‪-‬لكي يحرق أتون الخلف شموع العقل والنصاف‪:‬‬
‫مين أخطير المور الشائعية‪ ،‬فيي التفكيير العربيي؛ كراهيية النقيد ومحاسيبة‬
‫النفيس‪ ،‬وإنصياف الخريين‪ .‬ومين أجيل دفاعنيا عين نفوسينا نخلط أنفسينا بآبائنيا‬
‫وشيوخنيا وأصيدقائنا‪ ،‬وتنفلت مين عقالهيا منيا حسياسية شديدة مين نقيد شيوخ‬
‫وآرائهم‪.‬‬
‫إننا بذلك نقدمهم ملئكة ل يخطئون‪ .‬متناسين أن البشر كلهم خطاءون‪ ،‬وأن‬
‫ال نبياء أنف سهم وإن كانوا مع صومين عن الخلل بالواجبات أو غشيان المنكرات‪،‬‬
‫يخطئون فيي الجتهاد‪ -‬ول تكون عصيمتهم إل بالتسيديد والتنيبيه‪ ،‬والقرآن شاهيد‬
‫بذالك‪ .‬ومين أسيوء المور أن يكون دورنيا؛ هيو تيبرير أخطاء الفقهاء‪ ،‬ومحاولة‬
‫إظهارها بصورة الصواب‪ ،‬بدل من إظهارها ومحاولة العتبار‪.‬‬
‫وينبغيي أن نذكير أن هذا العاب‪ ،‬ظاهير فيي تفكيير المحافظيين اليوم على‬
‫الصياغة العباسية في عهد المبريالية الغربية‪ ،‬ثمة غمط للفرق السلمية الخرى؛‬
‫ومالها من فكر صالح أوعمل فالح‪.‬‬
‫آيتان فيي كتاب ال هميا ميزان النصياف عنيد الختلف‪ ،‬فال يحذرنيا مين‬
‫غمط المخالفين‪" ":‬يا أيها الذين آمنوا‪ ،‬كونوا قوامين بالقسط شهداء ل‪ ،‬واتقوا ال‬
‫إن ال خبير ب ما تعلمون" (المائدة‪ ،)8:‬ول يجرمن كم شنئان قوم على أن لتعدلوا‪،‬‬
‫اعدلوا هيو أقرب للتقوى"ويحذرنيا مين كتيم الشهادة على الموافقيين‪ ،‬والعلم يدعيو‬
‫العلماء إلى أن يكونوا شهداء على الناس"‪ ....‬ولو كان ذا قربييى" فالحكميية ضالة‬
‫المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها‪.‬‬
‫ل يمكين أن نكون أسيوياء فضل عين أن نكون دعاة أو مصيلحين‪ ،‬مادمنيا‬
‫لنن صف الخر ين‪ ،‬ل كي ل نح صر ن صرة ال سلم بمذاهب نا‪ ،‬فال سلم قضا يا غ يب‬
‫وقضايييا شهادة‪ ،‬وأركان صييلة وأركان حضارة‪ ،‬وللنافييع فضله الجتماعييي‬
‫وال سياسي‪،‬ولو خالف مجتهدا في قضا يا غ يب ظن ية‪ ،‬مادام في قضا يا الشهادة قد‬
‫أفاد المة فقد أصاب السنة في هذا الجانب‪.‬‬
‫فل بن سينا في الطب‪ ،‬ما لم يستطع عالم ديني أن يسد مسده‪ ،‬رغم ما شان‬
‫فكره من انحراف ‪ ،‬ول بن ر شد في بدا ية المجت هد ج هد صالح مشكور‪ ،‬وإن ي كن‬
‫حاول في كتبه الفلسفية أن يجعل الفلسفة اليونانية إطارا للشريعة‪.‬‬
‫وللشاعرة فضل في تأصيل العلوم‪ ،‬وبناء المنهجية العلمية‪ ،‬ول سيما في‬
‫أصول الفقه والعقيدة‪ ،‬فضل عن غيرها من العلوم‪.‬‬
‫وللمرجئة والشيعة المامية‪ ،‬جهود خيرة في الدعوة إلى ال‪ ،‬فقد أسلم على‬
‫يديهم نفر كثير‪.‬‬
‫أما المعتزلة فهي أكثر الطرق تصديا لشبه الملحدين والوثنيين ‪ .‬وللغزالي‬
‫في هدم الفلسفة التجريدية من الداخل فضل عظيم‪ ،‬ولبن تيمية في هدم الفكر‬
‫الدخيل جهد كبير‪ ،‬ولبن خلدون علم سامق‪ ،‬لم يسبقه إليه سابق‪ ،‬ولم يلحق به‬
‫حتى اليوم من المسلمين لحق‪ ،‬في بيان سنن ال الجتماعية والسياسية‪.‬‬

‫ج‪-‬صياغات وحركات تتحرى القطب وليست هي إياه‬


‫المصيلحون والحرار فيي كيل مكان وزمان‪ ،‬تحدوهيم الشواق‪ ،‬إلى النماذج‬
‫العليا‪ ،‬ويرومون المعالي‪ ،‬ولكنهم عند التطبيق يجدون تضاريس الطريق الوعرة‪،‬‬
‫فيتراوح عمل هم ب ين اللتزام ب ما طمحوا إل يه‪ ،‬وب ين ما ي ستطيعونه‪ ،‬و ما تلجئ هم‬
‫ظروف الممارسة إليه‪.‬‬
‫وهذا أمر معروف في الشياء الصغيرة والكبيرة‪ ،‬كإدارة مدرسة أو هيئة أو‬
‫وزارة‪ ،‬بيل وحتيى فيي خطية تألييف كتاب‪ ،‬ولذلك قالوا عين ابين خلدون إنيه فيي‬
‫مقدمته رائد كبير‪ ،‬لكنه عندما طبق نظرياته‪ ،‬لم يكن بارعا‪ ،‬بل كان مؤرخا عاديا‪.‬‬
‫وعند ما يعلن فرد أو فر يق أن سيجعل م صباح القرآن وال سنة له قط با‪ ،‬فإن‬
‫هذا الهدف عظييم‪ ،‬ول كن المناخ الذي يعييش ف يه الفرد أو الفر يق أو الجماعية أو‬
‫حتى الدولة؛ ليس بهذا التبسيط‪ ،‬بل حتى في كتابة تفسير أو جمع أحاديث‪.‬‬
‫و قد طرح التماس للحضاري على سلفنا العبا سي ال صالح‪ ،‬أ سئلة ومشكلت‪،‬‬
‫كان لبد لهم من الجواب والجدال والصراع عليها‪ ،‬دفاعا عن الملة والمة‪ ،‬وفي أي‬
‫معركة يثور الغبار‪ ،‬وتظهر الحماسة‪.‬‬
‫وكل مصلح فإنما هو متوتر ثائر‪ ،‬فيه صفات الحدة والشدة‪ ,‬ولذلك فإنه من‬
‫ضيقه بالتيار السائد؛ يبالغ في أهمية فكرته‪ ,‬وقد يتطرف في ترسيخها وتركيزها‪,‬‬
‫وقد يغفل في سبيل التركيز عليها؛ أمورا أساسية أخرى‪ ،‬وقد يتحدث عن مخالفيه‬
‫بلغية غيير هادئة‪ ،‬وقيد يخدش غرورهيم واسيتبدادهم الثقافيي‪،‬فيعلن أنهيم جهال أو‬
‫فسقة كذبة‪ ،‬وقد يسيء الظن بنياتهم‪ ،‬وقد يستخدم العنف المادي والمعنوي‪ ،‬فيبالغ‬
‫في التبديع والخوين والتكفير‪.‬‬
‫وإذا كان المصيطلح ثائرا سيياسيا‪ ,‬فإن الثورة لهيا أخطاء واسيتثناءات لهيا‬
‫سياقها‪ ،‬ولها أحيانا فظائع غير مشروعة‪ ,‬ول عادية في سلوك البشر‪ .‬والذي يقرأ‬
‫تاريخ الثورات في الغرب والشرق‪ ،‬يشاهد كما من الفظائع‪ ،‬لم تتجسد في فكر تلك‬
‫الثورات‪ ،‬و إنما هي أخطاء في الممارسة والسلوك‪ .‬من أجل ذلك فإن أهل الحماسة‬
‫ل يكادون يهدأون ويحلمون‪ ،‬إل عند ما ي ستقر الصلح وينت شر‪ ،‬أويتجاوزون ع نق‬
‫الزجاجة‪.‬‬
‫فيي كثيير مين الحيان يسيتبد بنيا العجاب بالمصيلحين‪ ,‬فنخلط بيين صيلح‬
‫الفكار والشخاص‪ ،‬وفيي غمرة الحماس نغلو‪،‬فنغفيل عين أخطائهيم‪ ،‬الناتجية عين‬
‫سماتهم النفسية‪ ،‬أو عن ضغوط البيئة‪ ,‬أو عن مبالغاتهم في التركيز على ما يحتاج‬
‫السياق إلى المبالغة فيه‪ ،‬ونعد هذه المور تجديدا معياريا‪ ,‬وهذا مزلق خطير‪.‬‬
‫ولكن كثيرا من أتباع الحركات الصلحية؛ ل يلحظون أن هذه الخطاء ‪ ،‬من‬
‫عوارض التجاه السيلبية‪ ،‬بيل ربميا حسيبوها سيمات إيجابيية مين جوهير التجاه‪،‬‬
‫فيمتدحونها‪.‬‬
‫وهذا ما و قع فعل لب عض أتباع المام ين أح مد بن تيم ية والمام مح مد بن‬
‫ع بد الوهاب‪،‬عند ما اقتن صوا غلوه ما في التكف ير والتبد يع‪ ،‬وا ستباحة دماء الناس‪،‬‬
‫بناء على ذلك‪ ،‬خلفيا للقاعدة الشرعيية‪ ،‬التيي نيص عليهيا المصيباح‪ ،‬فيي زجاجية‬
‫التطيبيق النبوي نفسيه‪ ،‬وقال بهيا جمهور الفقهاء‪:‬حصير السيلح بدفاع الطغيان أو‬
‫العدوان‪.‬‬
‫وكثيير مين كارهيي الحركات الصيلحية؛ ل يلحظون ذلك أيضيا‪ ،‬فيركزون‬
‫على هنات هينات أوغيير هينات‪ ،‬وينسيون المصيالح الكيبرى‪ ،‬مين أجيل مفسيدة‬
‫صغرى‪ ،‬وينسون الطبيعة الستثنائية للثورات والحركات والدعوات‪.‬‬
‫إن شدة الشوق إلى الكمال‪ ،‬ل تمنع من العثراث‪ ،‬و عين الناقد بصيرة‪ ،‬ولكن‬
‫يده‪-‬لو كان في مكان الم صلحين‪-‬ق صيرة‪ ،‬بل رب ما كان أ قل من هم بعشرات المتار‪.‬‬
‫لكن هذا لينبغي أن يصد الناس عن التفكيك والنقد‪ ،‬عندما يتناول الشياء والفكار‪.‬‬
‫لننيا نظلم أنفسينا ونظلم مجتمعاتنيا ونظلم الحقيقية العلميية‪ ،‬و نظلم رواد السيلف‬
‫الصالح عندما نغفل عن جوانب القصور‪ ،‬فالتاريخ يقرأ للعتبار والدكار‪ ،‬ل لترتيب‬
‫منازل الناس في الجنة والنار‪ .‬ول بد لنا إذن من الملحظة والنقد‪ ،‬ومعرفة جوانب‬
‫الخطأ والصواب‪ ،‬وأسبابهما ونتائجهما‪ ،‬قدر الحول والطاقة‪.‬‬
‫أما التركيز على نقد الفكار الذي يمتزج بنقد الشخاص؛ ففيه مزالق وعثرات‬
‫كبار وصغار‪ ،‬لللسباب التالية‪:‬‬
‫الول‪ :‬الفرق بين راكب السيارة وقائدها‪ ،‬فكثير منا يلوم محتسبا أو مصلحا‪،‬‬
‫فيقول‪ :‬قصروا إذ لم يفعلوا كذا وكذا‪ ،‬وننسى أن مشاهد التمثلية‪ ،‬يستطيع أن يقترح‬
‫على الممثل ين والكا تب ما يشاء‪ ،‬ولك نه عند ما ي صعد على خش بة الم سرح‪ ،‬يدرك‬
‫معنى "السهل الممتنع"‪.‬‬
‫والرا كب في ال سيارة‪ ،‬يلوم سائقها ويقترح عل يه‪ ،‬ولو أم سك المقود مكا نه‪،‬‬
‫لدرك الفرق بين القول والفعل‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن الناس اعتادوا على القسمة الثنائية‪ ،‬فإما أن يكون النسان أبيض‬
‫ناصعا‪ ،‬أو أسود كالحا‪ ،‬فيذم الناس هذا الرمز أو ذاك‪ ،‬ويطعن بعض الناس في دين‬
‫الرمز ونيته‪ ،‬ويطعن آخرون في عمله‪ ،‬وعرضه وفضله‪.‬‬
‫لن هم ير سمون صورة مثال ية للمحت سب والم صلح‪ ،‬ويت صورون أن ال لن‬
‫ينفيع بإصيلح‪ ،‬إل إذا كان ميبرءا مين الخطاء كافية فكريية أوعمليية‪ .‬ويفترضون‬
‫سلمتهم الدعاة التامة؛ من الخطاء الشائعة‪ ،‬في الحقل الثقافي والمناخ الجتماعي‪،‬‬
‫وليكادون يدركون أن ال سلف العبا سي ال صالح‪ ،‬من الب شر ‪ ،‬والب شر مه ما كان ل هم‬
‫من ورع وعلم وحما سة وإخلص‪ ،‬و ل ي سلم من وقوع الخطاء‪ ،‬ح تى ال نبياء ‪،‬‬
‫ول عصمة لهم لول توجيه السماء‪ ،‬فما بالك بالعلماء و الفقهاء‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬للم صلحين موا قف إبداع وبطولة‪ ،‬ينب غي أن نث ني على تلك الموا قف‪،‬‬
‫ل كي تب قى القدوة الح سنة‪ ،‬ول كي ي جد النا شئ في سلفه موا قف ح ية‪ ،‬من طاقات‬
‫الجتهاد و بطولت الجهاد‪.‬‬
‫مين أجيل ذلك تبدو خطورة تركييز الضوء على الجوانيب المعتمية‪ ،‬فيي رموز‬
‫الفكر والصلح ونترك الجوانب المشرقة‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬روح العصير‪ :‬فمين المهيم الدقية عنيد البحيث التاريخيي‪ ،‬ولكين انتقاء‬
‫العبرة عند المعنيين بالصلح أهم منها‪.‬‬
‫الرابع احتياجاتنا‪ :‬نحن اليوم محتاجون إلى الحفاظ على الهوية‪ ،‬من دون أن‬
‫نفرط بشروط الحكيم الشوري‪ ،‬وسينظلم أجيالنيا ومسيتقبلنا‪ ،‬عندميا نمرر أو نيبرر‬
‫الخطاء أو الغلط الكبيرة‪.‬‬
‫فلل سلفيات العبا سية أخطاء قد تكون عا مة في الح قل الجتما عي والتعلي مي‬
‫والسيياسي عميت بهيا البلوى‪ ،‬أوخاصية هيي مين طبيعية البشير‪ ،‬سيواء فيي علم‬
‫الشريعة أو في علوم النسان والطبيعة‪.‬‬
‫ليس مهما أن يقال‪ :‬أخطأ السلفي فلن‪ ،‬ولكن المهم المهم أن يقال لمن يريد‬
‫إعادة الصيياغة العباسيية للعقيدة والتربيية والثقافية‪ ،‬إننيا بحاجية اليوم إلى صياغة‬
‫جديدة تر كز على ال ساسيات الولويات؛ وتعالج الخطاء الشائ عة اليوم‪ ،‬في ع صر‬
‫المبريالية الغربية‪ ،‬ل في العصر العباسي‪.‬‬
‫الخلصية إذن أن السيلفيين فيي كيل عصير لم يدعيو الناس إلى ترك القرآن‬
‫والسينة‪ ،‬والخيذ بأطروحاتهيم وكتبهيم‪ ،‬فهيم يصيرحون أنهيم يدورون حول قطيب‬
‫وهاج‪ ،‬وأن السلف هم الذين عايشوا المصباح في الزجاجة والمشكاة‪ ،‬ولكي تنضبط‬
‫ال سلفية بأن ها بو صلة تش ير إلى نج مة الق طب‪ ،‬تتقرى ب ها الجيال التوا بع‪ :‬خ طى‬
‫الجييل السيابق مين صيحابة العصير النبوي والراشدي السيابقون‪ ،‬هكذا نادى بهيا‬
‫السلفيون المويون‪.‬‬

‫‪=15‬السلم طائر حلق في السديم‬


‫فمن قص جناحيه؟‬
‫أ‪-‬شاعرنا محمود غنيم يرسم صورتنا الشاحبة‪:‬‬
‫ينب غي أن ل نن سى أن سبب سقوط حضارت نا أمام الغزو ين التتري وال صليبي‬
‫هو الخلل بقاعدة "العدل أ ساس الملك"‪ ،‬ول يس بقاعدة"ال صلة عماد الد ين" بالق يم‬
‫المدنية‪ ،‬هذا الخلل الذي تساهلت به ومررته عالصياغة العباسية للعقيدة والتربية‬
‫والسياسة والثقافة‬
‫هو أهلكنا ولم يشفع لنا تضخم الشطر الروحي على حساب المدني‪ ،‬لم تسقط‬
‫بغداد بسبب الخلل الشطر العقيدة الروحي كالصلة والدعاء والصيام‪.‬‬
‫بيل بالخلل بشروط إقامية الحكيم العادل التيي أهمهيا بقييم المجتميع المدنيي‬
‫الحر ية والعدالة و الم ساواة والكرا مة والتكا فل و الحت ساب على ال سلطة والتعاون‬
‫من خلل التجمعات الهل ية المدن ية‪ ،‬ال تي كا نت حا مل الدعوة ال سلمية‪ ،‬ل قد حلق‬
‫السيلم على يدي أجدادنيا الوليين بجناحيي العدالة والحريية‪ ،‬وعندميا نتفيت الروح‬
‫الصحراوية والكسروية الجناحين؛ صرنا كما قال محمود غنيم‪:‬‬
‫أنى اتجهت إلى السلم في بلد؛ × تجده كالطير مقصوصا جناحاه‬

‫ب‪-‬الفكر الوربي اليوم غير اليوناني بالمس‪:‬‬


‫التحدي الما ثل أمام نا خط ير و كبير‪ ،‬ل يس الفكراليونا ني‪ ,‬ولماتأ ثر بمناه جه‪،‬‬
‫ول ب عض أفكار أ هل القبلة‪ ،‬فتلك أفكار ومذا هب وحركات‪ ،‬كا نت قضايا ها أ ساسية‬
‫بال مس‪ ،‬ي بد أن بعض ها اليوم مات‪ ,‬و بعض ها صار ثانو يا ل ي سيطر على الو سط‬
‫السلمي‪ ،‬الذي انشغل بقضايا أساسية أخرى‪.‬‬
‫فنحين اليوم أمام تحديات العلمنية التيي امتطيت ظهير الحداثية السيياسية‬
‫والمدنيية ومعطياتهيا‪ ،‬وهذه الحداثية لييس لهيا علج شاف‪،‬فيي صييدلية الغزالي‬
‫والجويني والشعري ‪ ،‬ول في صيدلبة ابن تيمية وابن القيم‪ ،‬ول في صيدلية محمد‬
‫بن ع بد الوهاب‪ ،‬بل ول في صيدلية الشا طبي‪ .‬ول في ال سلفيات العبا سية القدي مة‬
‫التيي لم تكتيو بتيار التحولت الكيبرى فيي العصير الحاضير‪ .‬وكيل نجاحات الماضيي‬
‫البعييد أو القرييب نسيبية‪ ،‬ولسييما الفكير الذي لم يصيطدم بالحداثية السيياسية‬
‫والمدنية‪ ،‬واللبرالية والعلمانية‪ ،‬فليست لها صفة التعميم في كل زمان ومكان‪.‬‬
‫إن جوهير التحدي الذي نعانيي منيه اليوم ‪ ،‬لييس شغبيا بدوييا‪ ،‬ول إخلل‬
‫بالجانيب الروحيي مين العبادات‪ ،‬كالصيلة وذكير ال والدعاء‪،‬ول انتشارا لخرافات‬
‫العتقاد‪ ،‬كالذي واجه ابن تيمية وابن عبد الوهاب‪ .‬بل هو تحد حضاري مادي تقني‬
‫مدنيي‪،‬فييه مين التحديات‪،‬أنماط مركبية‪ ،‬تشكيل أنسياقا متكاملة متشابكية‪ ،‬فيهيا مين‬
‫المغريات والمعطيات‪ ،‬ميا ينتهيك حرمية بيوتنيا وأسيواقنا‪،‬ومدارسينا ودواويننيا‪،‬‬
‫وم ساجدنا ومجامع نا‪ .‬و هو ي ستهدف روح ال مة وكيان ها المادي والمعنوي‪.‬ون حن‬
‫ننسياق إلييه طوعيا عيبر الغراء والحتواء‪ ،‬أو مسيوقون إلييه كرهيا عيبر الضغيط‬
‫والقمع‪ ،‬ول يمكن أن يرفع المسلمون كابوس القهر والقمع الجاثم على صدورهم‪،‬‬
‫إذا لم يطاولوه بفكر عملي بديل‪ ،‬بيدأ ببناء الفقه السياسي الدستوري‪.‬‬

‫ج‪ -‬تجييـر السـلف الصـالح لتهميـش منظومتـي إسـلم‬


‫الدولة العدل والعمران‪:‬‬
‫لم يتنبه المحافظين اليوم في عهد المبريالية الغربية‪ ،‬على الصياغة العباسية‬
‫للعقيدة والترب ية وال سياسة والثقا فة‪ ،‬إلى ع مق الكار ثة التربو ية‪ ،‬ال تي هزمت نا أمام‬
‫المبريالية الغربية اليوم‪ ،‬كما هزمتنا أمام الغزو التتري والصليبي بالمس‪.‬‬
‫صارت لفتة السلف الصالح؛ تشكيكا بكل جديد‪ ،‬وصارت رفضا لقيم المدنية‬
‫والحضارة‪ ،‬وشروط إسيلم الدولة‪ ،‬ومبادئ السيياسة الشرعيية ووسيائلها العشرة‪،‬‬
‫التي نادى بها السلم‪ ،‬قبل أربعة عشر قرنا‪ ،‬كالحرية المسئولة والعدالة والمساواة‬
‫والكرامة والشورى النيابية‪،‬وسائر قيم المجتمع المدني والتجمعات الهلية ول سيما‬
‫المدني‪ ،‬بل وصارت تجهيل بمفهوم المجتمع الهلي نفسه‪ ،‬باعتباره علمنة وفصل‬
‫للدين عن الدولة‪ ،‬وشر الجهل ما يرتدي رداء العلم‪ ،‬ونحو ذلك من الراء المضللة‪،‬‬
‫التي حاولت كشفها في كتيب‪( :‬الطريق الثالث‪ :‬الدستور السلمي منقذا من الحكم‬
‫الصحراوي المفرط بالحقوق والحريات والعلماني المفرط بالخلق والهوية معا)‪.‬‬
‫و صار تحق يق التوح يد مبن يا على أمور ظن ية أو ثانو ية‪ ،‬ت سل في ها سيوف‬
‫القمع والوأد‪ ،‬فتقتل حيوية النسان‪ ،‬وتفتك بالسلم الجتماعي‪ ،‬تحت عنوان محاربة‬
‫البدع‪.‬‬
‫وهي من ف هم ال سلف الرواد العبا سيين على ال صياغة‪ ،‬سواء أكان هذا الف هم‬
‫يعالج أمورنا أم ل يعالجها‪ ,‬فجاءت الصياغة نزاعة إلى التجريد وتطبيق شيء آني‪،‬‬
‫صيغ في عصر ما‪ ،‬وثُبّ تَ على أنه معياري صالح لكل عصر ومصر‪ ،‬تحت شعار"‬
‫ماأ نا عل يه وأ صحابي"‪ ( " ،‬أ صله حد يث رواه الترمذي وأ بو داود والحا كم )‪ ،‬وكأن‬
‫السلف العباسي الصالح‪ ،‬هم الصحابة السابقون الراشديون‪.‬‬
‫وبكثرة ان صباب هذه المؤثرات؛ تحول الذ هن ال سلمي الم ستقبلي‪ ،‬إلى ذ هن‬
‫ماضوي أدار عقارب ال ساعة إلى الوراء‪ ،‬يحاول تجم يد ف هم ال سلم وح بس رو حه‬
‫في قالب لحظة عباسية‪ ،‬ويعلن اتباع السلف الراشدي قبل الختلل والختلف‪ ،‬وهو‬
‫في تنظيره وت طبيقه؛ إن ما يت بع ال سلفيات العبا سية ال تي ن سجت في ظلل الختلل‬
‫والختلف‪ ،‬والقمع والطغيان‪.‬‬
‫وصيارت السيلفية غفلة عين سينن ال الجتماعيية والطبيعيية المطردة‪ ،‬التيي‬
‫سير ال الكون عليها‪ ،‬وأمر الناس بالحركة‪ ،‬من أجل الحصول على البركة المودعة‬
‫فيي الرض‪ ،‬لكيل مين عميل عمل عمرانييا صيالحا‪ ،‬كميا قال تعالى"باركنيا فيهيا‬
‫للعالم ين"‪ ،‬و صارت رو حا غيب ية تنت ظر بر كة ال الخار قة‪ ،‬معفاة من بر كة ال سعي‬
‫والحركة‪.‬‬
‫وصيارت السيلفية روحيا بدويية صيحراوية‪ ،‬تعلن كراهيية التقنيية والتنميية‪،‬‬
‫وتزوَ ّر عن حقائق العلوم التطبيقية والتقنية‪ ،‬وتلعن الفلسفة والمنطق التجريبي‪ ،‬من‬
‫دون أن تفرق بيين منطيق أرسيطو ومنطيق بيكون‪ ،‬وكيل هذا الجهالت العريضية‪،‬‬
‫والبداوات الساذجة‪ ،‬والترهات والخرافات‪ ،‬تقدم تحت لفتة السلف الصالح‪.‬‬
‫و صارت ال سلفية تبريرا أو تمريرا‪ ،‬للخلل بشروط إ سلم الدولة والمجت مع‬
‫العشرة‪(،‬تفصيلها والبرهنة عليها كتابي‪ :‬العديلين والجناحين) وغفلة عن أن العدل‬
‫والشورى ولوازمها كالحرية والتعددية من أصول الدين‪.‬‬
‫وصارت الصياغة العباسية للعقيدة والتربية والسياسة والثقافة‬
‫عند جميع الفرق التي تقمصتها؛ منهجا يكره التفكير العلمي‪ ،‬ويشيع الجمود‬
‫والتقليد‪ ،‬ويئد كل نبض جديد‪ ،‬لن السلف الصالح لم يقل به‪ ،‬وباسم السلف الصالح‬
‫كم قتل فكر عملي صالح كثير‪.‬‬
‫و من الخلل بالشري عة‪ ،‬غفلة كث ير من الناس‪ ،‬عن نموذج ال سلم ال صافي‪،‬‬
‫الذي علييه الرسيول الكرييم والرعييل الراشدي القوييم‪ ،‬وانتسيابهم إلى آراء وأفكار‬
‫عديدة‪ ،‬تشكلت عبر الزمن‪ ،‬في مذاهب يحدد فهم الوحيين بها‪ ،‬مع أن الطبيعي أن‬
‫يه‪ ،‬وأن تكون أقوال جمهور‬
‫يو النموذج الذي يقاس عليي‬
‫يل الراشدي هي‬
‫يكون الحقي‬
‫الصحابة السابقين وأفعالهم؛ ذات مستوى فذ من المرجع ية والمعيارية‪،‬ليس لنهم‬
‫صحابة النبي صلى ال عليه وسلم فحسب‪ ،‬بل لنهم أيضا عاشوا في الحقل النبوي‬
‫يلم النموذجييي‪ ،‬وذلك لم يتوافيير لفراد ول‬
‫يل تطييبيق السي‬
‫والراشدي‪ ،‬أي حقي‬
‫لمجموعات من بعدهم‪.‬‬
‫فأعمال السيلف الصيالح أموييا وعباسييا وأقوالهيم‪ ،‬ليسيت هيي المعيار الذي‬
‫يقاس به السلم‪ ،‬فالمقياس الذي عل يه العتماد هو ب سلطة ال نص‪ :‬مصباح الكتاب‬
‫والسينة‪ ،‬فيي زجاجية التطيبيق النبوي والراشدي‪ ،‬ومشكاة سينن ال فيي النسيان‬
‫والطبيعة‪ ،‬وهو أصل السلفية‪ ،‬وصورتها النموذجية‪ ،‬هي العهد الراشدين وماعداها‬
‫صيور دقيقية أو باهتية‪ ،‬متكاملة أو جزئيية‪ ،‬متوازنية وغيير متوازنية‪ ،‬صيحراوية‬
‫ومدن ية‪ ،‬تقاس بالمقياس‪ ،‬ولي ست هي المقياس‪،‬وإن ما هي اجتهادات لم ي كن أهل ها‬
‫ذوي (تقصيير)‪ ،‬ولكين المناخ العام ذو (قصيور)؛ قصير بهيم عين بلورة منظومية‬
‫متسيقة‪،‬فنظروا إلى الديين كعقيد منثور ل منظوم‪ ،‬فهيي اجتهاديية ل يحتيج بهيا أو‬
‫ي ستدل‪ ،‬بل ي ستدل ل ها‪ ،‬لن ها لي ست أدلة بذات ها‪ ،‬وت صويبها وتخطئت ها واختيار ما‬
‫يناسيب فيهيا‪ ،‬إنميا معياره مقاصيد السيلم الكليية القطعيية‪ ،‬وهيي مبادئ محكمات‬
‫واضحات‪ ،‬حددتهيا الدلة النصيية والمسيتقرأة معيا‪ ،‬حسيب ميا قرر الصيوليون‬
‫كالشاطبي في الموافقات ‪.‬‬
‫وإذ بعد الناس عن المنبع‪ ،‬صاروا يحتجون أحيانا بأقوال بعض السلف – بعد‬
‫الراشديين‪ -‬أو أعمالهيم‪ ،‬التيي تخالف أحيانا مقاصيد السيلم وروحيه الكليية التيي‬
‫حددتها الدلة القطعية‪ ،‬واستحسان هذه الراء‪ ،‬من دون فحص وتأكد; من أنها هي‬
‫السينة النبويية‪ ،‬يدخيل فيي مفهوم البدعية‪ ،‬التيي يمييل فيهيا الناس إلى ميا يرون‪،‬‬
‫ويرون ح سب ما يهوون‪ ،‬في ستحسنون آراء هم وأهواء هم‪ ،‬دون أن يتذكروا أن أي‬
‫تفر يع‪ ،‬ح تى ولو كان على نص صريح صحيح‪ ،‬يشترط ل صحته أن يكون من سجما‬
‫مع الروح العا مة للشري عة‪ ،‬و ما عدا ذلك ف هو بد عة‪ ،‬وإن كان التفر يع ع ند الع قل‬
‫المجرد من الوحي حسنة‪ ،‬كما قال المام مالك‪» :‬من ابتدع في السلم بدعة يراها‬
‫حسنة‪ ،‬فقد زعم أن محمدا صلى ال عليه سلم خان الرسالة‪ ،‬لن ال يقول »اليوم‬
‫اكملت لكم دينكم« فما لم يكن يومئذ دينا‪ ،‬ل يكون اليوم دينا (العتصام‪.)1/65:‬‬
‫الخلصة أن اجترار تراث جو القمع والظلم أو صل ثقافتنا السياسية والمدنية‬
‫إلى مأزق‪.‬‬
‫د‪-‬البيدر الجتماعي هو ميزان صلح الفكر الديني‪:‬‬
‫و قد يقول قائل ‪:‬لم تبدئ القول وتع يد‪ ،‬وتز عم أن القدا مي لم يقدموا ل نا فكرا‬
‫كافيا نواصل عليه التجديد‪ ،‬ويورد نصا للشاطبي أو القرافي‪ ،‬وآخر لبن خلدون أو‬
‫ا بن فرحون‪ ،‬وثال ثا ل بن حزم أو العز بن ع بد ال سلم‪ ،‬وراب عا ل بن تيم ية أو ا بن‬
‫القييم‪ ،‬وخامسيا للف خر الرازي أو النيسيابوري‪ ،‬و قد يقت نص مقالة في كتاب‪ ،‬وهذا‬
‫ت ساؤل وج يه‪ ،‬ولك نه غ ير صحيح‪ ،‬على الم ستوى المعر في‪ ،‬فضل عن الم ستوى‬
‫الجتماعي‪ ،‬وهو المجال الذي نتساءل فيه‪.‬‬
‫عندميا نتحدث عين قصيية الصيلح الجتماعيي‪ ،‬فل ينبغيي أن نهميش‬
‫السياسيي‪ ،‬فإن القضية أعمق وأصعب من أن تنحصر بالكلم عن وجود نص لكاتب‬
‫أو كتاب أو فكرة عابرة ع ند مؤلف تيار‪ ، ،‬ف كم من شذرات ف كر إ صلحي‪ ،‬ولكن ها‬
‫تند في بطون الكتب‪ ،‬كما تضيع شذرات الذهب في أكوام الرمال‪ ..‬فالصلح ينبغي‬
‫أن يستوعب أمورا مهمة على مستوى الفكر والعمل‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن يتجلى فكر الصلح في نسق معرفي(أي بنية معرفية متماسكة) أي‬
‫أن تكون التصورات السلمية بنية تركيبية‪ ،‬ذات ترابط عضوي‪.‬‬
‫وذلك ل يكون إل بتوصييف جدييد للعقيدة‪-،‬يخرجهيا مين ضييق وجمود‬
‫التوصيف العباسي والمملوكي‪ -‬ولعله ينجلي بقسمها‪-‬للتفهيم والتوضبح‪ -‬ركنين‪:‬‬
‫شق مد ني عموده العدل و شق رو حي عموده ال صلة‪ ،‬من أ جل بيان شروط إ سلم‬
‫الدولة والمجتع‪ ،‬وبناء نظريات ونظم‪ ،‬كنظرية المفهوم الدستوري للحكم ‪.‬‬
‫الثاني‪:‬أن يكون الفكر الصلحي تيارا ثقافيا عاما‪ ،‬في عديد من الكتب‪ ،‬وعند‬
‫عدد من الكتاب‪ ،‬وإن ل فإن التجاه ال صلحي يوئد سراعا‪ ،‬ف كم كتاب في أ صول‬
‫الفقه انتشر في جامعاتنا‪ ،‬كروضة الناظر‪ ،‬بينما خمل كتاب (الموافقات للشاطبي)؟‪،‬‬
‫وكم من كتاب في التاريخ انتشر‪،‬كتاريخ ابن كثير وخملت مقدمة ابن خلدون؟‪ ،‬وكم‬
‫نسخة تطبع المطابع من تفسير ابن جرير وابن كثير ونحوهما‪ ،‬هل تقارن بتفسير‬
‫المنار لمحمد عبده ورشيد رضا‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن تنتقييل الفكار ميين عالم (التصييورات) إلى عالم (التصييرفات)‬
‫الجتماعيية الشائعية‪ ،‬أي أن تترسيخ فتتجسيد فيي قييم سيلوكية‪ ،‬فأسياس نجاح أي‬
‫مفهوم علميي إصيلحي ‪ ،‬أن يتغلغيل فيي الوجدان الشعيبي‪ ،‬وأن يقوم السيلوك‪ ،‬لن‬
‫الذي يوجيه مسيار النهير الجتماعيي‪ ،‬إنميا هيي الفكار التيي يعتنقهيا الجمهور‪ ،‬ل‬
‫الفكار الرائعية فيي بطون الكتيب ورؤوس العلماء أي أن مجال تقيييم جهود الفكير‬
‫المبذول‪ ،‬هو ما في البيدر الجتماعي من محصول‪.‬‬
‫وميدان الحكيم على الشياء بالوجود والعدم‪ ،‬إذن هيو القييم والمعاييير‪ ،‬التيي‬
‫تحكم السلوك‪ ،‬وميدان الحكم على السلوك هو الظواهر الجتماعية‪ ،‬تلك هي الحقيقة‬
‫البسيطة‪.‬‬

‫‪=16‬لكي ل نضع الصور بديل عن الصل‪ /‬لكيل يصادر‬


‫المقيس مقياسه‪ :‬توحيد السماء والصفات نموذجا‬
‫أ‪-‬النشغال بتوحيد السماء والصفات‪/‬وقضية القرآن‬
‫مخلوق أو غير مخلوق ليس مقياسا سلفيا‪:‬‬
‫إن الخوض اليوم في ع صر المبريال ية الغرب ية‪ .‬في تف صيلت إجتهاد ية في‬
‫م سائل ال سماء وال صفات‪ ،‬غ ير مشروع أ صلً‪ ،‬فل يس من سلمة العقيدة أن نؤلف‬
‫آلف الوراق‪ ،‬ونثير مئات المناقشات‪ ،‬ونتقاطع ونتخاصم و نتبادع و نتكافر‪ ،‬حول‬
‫حديث النزول"ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة‪ ،‬فيقول هل من سائل فأعطيه؟"‪.‬‬
‫ولييس مين سيلمة العقيدة أن نتشاجير اليوم فيي عصير المبرياليية الغربيية‬
‫ونتفارق ونصيبح فرقيا متدابره‪ ،‬ول أن نتكافير و نتقاميع‪ :‬هيل ينزل بذاتيه أم ينزل‬
‫بعلمه؟ فالغرض من الحديث ظاهر‪ ،‬وهو أن نقوم فنسال ال أن يعطينا من فضله‪،‬‬
‫ل أن نكثر الجدل‪ ،‬في ليس تحته عمل‪ ،‬فهذا هو التفكير العلمي العملي‪ ،‬فمنهج أهل‬
‫الكتاب والسنة ‪ ،‬هو صريح الكتاب والسنة‪ ،‬الذي جسده سلوك الجيل الراشدي‪.‬‬
‫فلييس مين سيلمة العقيدة أن نتعادى و نتكافير ونشوشير الرأي العام‪ :‬هيل‬
‫القرآن مخلوق أم غ ير مخلوق؟‪ ،‬أ هو حد يث أم قد يم‪ ،‬ون حو ذلك من النقاش الذي‬
‫جعلته الفرق العباسية مسطرة قاست به إيمان الناس بالملمترات‪ ،‬وهو بحث غيبي‬
‫ل يدركه أكثر الناس‪ ،‬ومصطلحات و مقاييس تولد التيه والتجريد والترف والخواء‪.‬‬
‫إن العلمة على سلمة العقيدة اليوم في عصر المبريالية الغربية بل أن نترك‬
‫نقاش طبيعية القرآن‪ ،‬ونفكير ميا هيي وظيفية القرآن‪ ،‬فنحين مطالبون بالوظيفية‬
‫المتيقنية‪ ،‬ل بكشيف الطبيعية المظنونية‪ ،‬بتنفييذ مضمون الرسيالة‪ ،‬ل بتحلييل أشكال‬
‫أوراقها ومدادها‪ ،‬مطالبون بالسعي إلى تجسيد توأم التوحيد القطعي المتيقن‪ :‬شقه‬
‫الروحي وشقه المدني السياسي وبمراعاة ذلك ننجو من التعطيل والتحريف‪.‬‬
‫فالكلم في طبي عة القرآن مخلو قا أم غ ير مخلوق‪ ،‬ل يس من منه جا سلفيا‪،‬‬
‫إنميا هيو اجتهادات حركات انتسيبت للسيلفية‪ ،‬السيلفية أصيل هيو النيص‪/‬المصيباح‪،‬‬
‫وصيورة نموذجيية فيي العهيد الراشدي‪ ،‬وميا عداهيا فإنميا صيور نسيبية‪ ،‬طبخات‬
‫وخلطاات ح سب المك نة والزم نة و ما في ها من أزمات‪ ( .‬سلفية) ال سلف الراشدي‬
‫السابق من الصحابة الراشديين هي الصورة المثلى‪.‬‬
‫‪":‬مسيألة الخلف فيي كلم ال سيبحانه‪- ،‬كميا قال الشوكانيي‪ -‬وإن طالت‬
‫ذيولها؛ وتفرق الناس فيها فرقا؛ وامتحن فيها من امتحن من أهل العلم‪ ،‬وظن ظان‬
‫أن ها من أع ظم م سائل أ صول الد ين؛ل يس ل ها من كث ير فائدة‪ ،‬بل هي من فضول‬
‫العلم‪ ،‬ولهذا صيان ال سيلف المية مين الصيحابة والتابعيين وتابعيهيم عين التكلم‬
‫فيها"(إرشاد الفحول‪.)1/98:‬‬
‫وما رأيت لفقيه أعقل من هذا الكلم‪ ،‬ولو شاء لقال‪ :‬إن معركة خلق القرآن؛‬
‫ليس لها محصول يناسب الجهد المبذول‪ ،‬بل إن النجرار إلى استدراجها؛ يدل على‬
‫ضمور الو عي ال سياسي‪ ،‬لن شروط وأركان إ سلم الدولة‪ ،‬أولى بهذا الحراك‪.‬و هي‬
‫أعظيم الدلئل على أن الناس‪ -‬في زمان القهير‪ -‬قد يفرغون طاقاتهيم وي ستدرجون‬
‫وينجرون ويجرون الخرين إلى ما ل طائل تحته‪ ،‬إلى الخلل بالولويات‪.‬‬
‫قابيل هذا الرأي العملي الحصييف بنميط مين المحافظيين على الصيياغة‬
‫العبا سية للعقيدة والترب ية والثقا فة؛ يقول‪ :‬ل نا اليوم في ع صر المبريال ية الغرب ية‬
‫‪:‬أجمع السلف على أن القرآن مخلوق‪ ،‬ومن قال خلف ذلك فهو كافر‪ .‬وبنمط آخر‬
‫يقول‪ :‬أجمع السلف على أن القرآن غير مخلوق ومن قال بخلقه فهو جهمي كافر‪.‬‬
‫وليس من سلمة العقيدة في عصر المبريالية الغربية‪.‬أن نتكافر أو أن نتبادع‬
‫في تف سير قوله تعالى"وجوه يومئذ ناضرة‪ ،‬إلى رب ها ناظرة"‪ ،‬و هل نرى رب نا رؤ ية‬
‫معنو ية أم ح سية‪ ،‬بل العقيدة ال سديدة ؛ أن نع مل عمل صالحا يدخل نا الج نة‪ ،‬فإذا‬
‫دخلناها فتلك الحسنى وزيادة‪.‬‬
‫فإذا عملنيا بالمقصيود مين اليية أو الحدييث ‪ ،‬فهذا هيو المطلوب فيي خطاب‬
‫التكل يف ‪ ،‬و من ف هم من ها شيئا ح سيا أو معنو يا وراء مق صد خطاب التكل يف‪ ،‬ف قد‬
‫اجتهد بما هو غير مطلوب شرعا‪،‬واجتهاده يلزمه ول يلزمنا‪ ،‬وليس استنباطه مهما‬
‫ل يتم التوحيد إل به‪.‬‬
‫و من عل مة العقيدة السديدة؛ ول سيما اليوم في ع صر المبريالية الغربية‬
‫أن يكون المؤمين كيسيا فطنيا‪ ،‬فيحترس مين المجادليين السيفسطيين المتقعريين‬
‫والمتفيهقين‪ ،‬الذين يستدرجون الناس إلى الثانويات‪ ،‬أو ينشغلون بما يبدد طاقتهم‪،‬‬
‫أو ي صرفون حما ستهم ل صراعات جانب ية‪ ،‬ت خل بوحدة ال مة ت حت شعار التوح يد‪،‬‬
‫ينبغي أن يقول لهم‪ :‬هذا النص اللهي الكريم أو النبوي الشريف جاء ليطالبنا بأمر‪،‬‬
‫فعلينا أن ننفذ المر المطلوب‪ ،‬فهذا هو المقصود الصريح من النص الصحيح‪ ،‬وهو‬
‫التوح يد ال سديد‪ ،‬و ما سواه من القول فضول‪ ،‬وينب غي أن يشغل نا إتقان الع مل عن‬
‫التفيقه‪ ،‬هذه هي طريق السلف الراشدي الصالح‪ ،‬وهم النموذج الذي ل يشطبه أي‬
‫سلفي لحق‪.‬‬
‫والخوض في تلك الصيفات عندميا يبعيد عين مقامات نزولهيا‪ ،‬ويخرجهيا مين‬
‫سياقها اللغوي والجتماعي غير مشروع أصلً‪.‬‬
‫وهناك سؤال مهم‪ :‬أي فرقة تزعم أنها الفرقة الناجية‪ ،‬وتعلن شعار (ما أنا‬
‫علييه وأصيحابي)‪ ،‬عليهيا أن تثبيت لنيا أن النيبي وأصيحابه‪ ،‬جلسيوا يثيرون هذه‬
‫القضايا‪.‬‬
‫إن المصطفى فصل أمورا صغرى‪ ،‬في آداب الكل واللباس و النظافة‪ ،‬فكيف‬
‫إذن يترك أمورا‪ ،‬تعتبرهيا الصيياغات العباسيية والمملوكيية والعثمانيية للعقيدة‪،‬‬
‫جوهر ية أ ساسية‪ ،‬وتع تبرالخلل ب ها بد عة كبرى بل كفرا‪ ،‬وتع تبر ال صراع ب ين‬
‫الفقهاء على أساسها‪ ،‬أولى من توحدهم لمطالبة السلطان الجبار الدكتاتور‪ ،‬باللتزام‬
‫بشرطي البيعة‪ :‬العدل والشورى‪.‬‬
‫ب‪ -‬ترتيــب الولويات‪:‬لكــي ل يخــل توحيــد الســماء‬
‫والصفات بتوحيد المة‪:‬‬
‫فيالك من أ مة تذ هب جهود نوابغ ها في اليوم في ع صر المبريال ية الغرب ية‬
‫جدليات ظنية ل تنتهي‪ ،‬وليس لها مردود عملي‪ ،‬وهم يرون ميزان العدالة مكسورا‪،‬‬
‫و الظلم فاشييا والعدل مطمورا‪ ،‬والحكيم الشوري مقبورا‪،‬وفكير النهوض بالمية‬
‫مهجورا‪ ،‬فيشغلهيم الكلم عين عدل الديان‪ ،‬و يتركون جور السيلطان‪ ،‬و يشغلهيم‬
‫الشقاق على عذاب ال قبر‪ ،‬عن التفاق على عذاب الف قر‪ ،‬ويقودون العا مة لل صراع‬
‫على مال يفهمون‪ ،‬وعلى ما يفرق المة أشتاتا‪.‬‬
‫فأضاعوا مال هم من قدرات‪ ،‬في عداوات وم صارعات‪ .‬أ جل ل ش يء أ هم من‬
‫تحق يق التوح يد‪ ،‬ولن يتح قق التوح يد‪-‬عند هم‪ -‬إل بتوح يد ال سماء وال صفات‪ ،‬ول‬
‫يتحقق توحيد السماء والصفات إل بهذه المعارك والخصومات‪.‬‬
‫وتوحيد السماء والصفات نظرية ابتكرها السلف العباسي الصالح رحمنا ال‬
‫وإياه ووسيعوها‪،‬مين أجيل الجابية على السيئلة التيي أثيرت فيي صيدر العصير‬
‫العبا سي‪.‬و من المقبول اعتبار ها صالحة في ز من المأمون والمعت صم‪ ،‬عند ما ثار‬
‫غبار الفل سفة اليونان ية والهند ية ونحوه ما‪ ،‬وأثار تمازج الجناس وتدا خل الثقافات‬
‫سؤالها‪.‬‬
‫ولكين اجترارهيا طوال العصيور‪ ،‬ورفيع علم الشقاق بضعية قرون؛ يدل على‬
‫عدة مساوئ‪:‬‬
‫أول ها‪ :‬خلل في من هج التفك ير الدي ني‪ ،‬وع جز عن التأ صيل والت صفية‪ ،‬ب عد‬
‫دهور مين التعرف والمحاكاة والقتباس‪ ،‬وإن ل فكييف يسيتمر الصيراع منيذ عصير‬
‫الشافعي حتى عصر ابن تيمية؟‪ ،‬من دون أن تحسم المة الخلف في هذه القضية‪.‬‬
‫وثاني ها‪ :‬فضل عن أ نه يدل على سيطرة روح الجدل في أمور ل يس علي ها‬
‫مدار الع مل‪ ،‬يدل انف صال الف كر الدي ني عن المجت مع‪ ،‬وبعده عن توج يه الناس إلى‬
‫حسن التدبير‪ ،‬وهذا نابع من ضعف الوعي السياسي‪.‬‬
‫أ نه يج سد غفلة عن كليات الشري عة و مقا صدها‪ ،‬أو عن من هج القرآن‪ ،‬في‬
‫توجييه الناس‪ ،‬فال طلب منيا أن نتآلف للعميل‪ ،‬وتلك (وظيفية القرآن)‪ ،‬ل أن نغرق‬
‫في وحل جدل لدراك (طبيعة القرآن)‪.‬‬
‫ولو حذف توح يد ال سماء وال صفات كله من أبحاث العقيدة‪ ،‬ل ما أ خل ب صحة‬
‫العقيدة‪ ،‬ولسدت المة منبعا من منابع الشقاق‪ ،‬فما سموه توحيد السماء والصفات؛‬
‫إنميا أفضيى إلى تفرييق المية إلى طوائف و جماعات أشتات‪ ،‬فهيو أجدر بأن يقال‬
‫للمحافظون على ال صياغة العبا سية للعقيدة والترب ية والثقا فة؛ الذ ين يعيدون إنتا جه‬
‫اليوم في عصر المبريالية الغربية‪ ،‬إنه "تفريق السماء والصفات"‪ ،‬ولو صح كل ما‬
‫قالوه‪ ،‬كانوا قدغفلوا إلى أن ضرب الوحدة بالتوح يد‪ ،‬خ طأ منه جي في الدعوة‪ ،‬قاله‬
‫هارون لموسى "يا ابن أم إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل و لم ترقب‬
‫قولي"‪.‬‬

‫‪=17‬مجتمع الختلل يبدد طاقات النوابغ والمصلحين‬


‫إل النادر‬
‫أ‪-‬مجاراة مجتمـــع الختلل ينتـــج تقديمــا للثانويات‬
‫على الساسيات الخلف السلفي المعتزلي‪:‬‬
‫العقيدة هي أصول الدين‪ ،‬فهي كل شيء أساسي‪ ،‬تبنى عليه الثانويات‪ ،‬وهي‬
‫كليلت الد ين‪ ،‬ال تي تب نى علي ها الجزئيات‪ ،‬و هي ثال ثا قطعيات الد ين الثاب تة بال نص‪،‬‬
‫مين خلل رؤيية مصيباح الكتاب والسينة‪ ،‬فيي زجاجية التطيبيق النبوي والراشدي‪،‬‬
‫ومشكاة حقائق علوم النسان والطبيعة‪ ،‬الواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار‪،‬‬
‫ف كل ش يء غ ير أ ساس‪ ،‬ف هو من الفروع‪ ،‬وإدخاله في علوم أ صول الد ين خلف‬
‫المنهيج‪ ،‬وكيل جزئي فإدخاله فيي الكليات خلف المنهيج‪ ،‬وكيل شييء غيير قطعيي‬
‫فإدخاله فيي مفهوم العقيدة خلف المنهيج‪ .‬وبهذا التحدييد يكون مين أنكير العقيدة‬
‫كافرا‪.‬‬
‫ومن المفيد –في هذا المقام‪-‬فرز أمرين مختلطين‪:‬‬
‫الول‪ :‬ينب غي احترام ال سلف العبا سي والمملو كي والعثما ني ال صالح‪-‬رحم نا‬
‫ال وإياهم‪،-‬والقتداء بروحهم في الخلص ل والتجرد من حظوظ النفس العاجلة‪،‬‬
‫والورع ومراقبية ال فيي السير والعلن‪ ،‬وبعدهيم عين مداهنية السيلطان الجائر‪،‬‬
‫وحرصيهم على اسيتقللهم المالي‪ ،‬لصييانة اسيتقللهم الفكري‪ ،‬وتقديرهيم وإحسيان‬
‫ال ظن ب هم‪.‬والحذر من ذم أشخا صهم والقدح في ها فذم الشخاص والقدح في هم ل يس‬
‫من سنن الدين و ل العلم‪ ،‬وتجنب تكبير أخطائهم‪ .‬و أن نعذر الماضين الذين عاشوا‬
‫في مناخ اختلل‪ ،‬واستدرجهم إلى هذا الجدال‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬ينبغي أن نقسم رموز االسلف العباسي والمملوكي والعثماني الصالح‬
‫إلى مجدديين ومقلديين‪ .‬وأن المجدديين منهيم‪ ،‬كانوا مجاهديين أحرارا‪ ،‬كالئمية أبيو‬
‫حنيفية ومالك والشافعيي وأحميد محميد بين عبيد الوهاب وحسين البنيا؛ وأنهيم فيي‬
‫صياغاتهم أدرى بإمكاناتهم ومشكلت زمنهم وترتيب أولوياتهم منا‪ .‬وأما مقلدوهم‬
‫كعبد ال بن أحمد والخلل والبهابرتي وسهل بن عبد ال التستري‪- ،‬غفر ال لنا‬
‫ولهم‪-‬فل عبرة بهم‪.‬‬
‫فأقوال المجددين من السلف العباسي والمملوكي والعثماني الصالح رحمنا ال‬
‫وإياهيم وأفعلهيم قيد تكون صيالحة لزمنهيم‪ ،‬فهيي خلطات دواء وطبخات غذاء‪ ،‬فيي‬
‫إبراز عناصر يستدعيها زمن دون آخر‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك ل يلزم أن تكون صالحة لزمننا‪.‬‬
‫الثالث‪:‬ولو صلحت أفكار هم ل ما جاز أن يكون علي ها المعت مد‪ ،‬وإن ما ي ستشهد‬
‫بهيا ويعتضيد‪ ،‬فل يجوز القتداء التام بأي إنسيان‪ ،‬سيواء أكان السيلف العباسيي‬
‫والمملوكي والعثماني الصالح‪ ،‬عدا النبي صلى ال عليو وسلم‪ ،‬كما شدد ابن تيمية‬
‫النكار‪ ،‬بل كفر من قلد أو اتبع إماما‪ ،‬في كل أموره‪,‬‬
‫فالنقياد التام ل يكون لغيير مصيباح الكتاب والسينة‪ ،‬فيي زجاجية التطيبيق‬
‫النبوي والراشدي‪ ،‬ومشكاة حقائق علوم النسيان والطبيعية‪،‬والقتداء التام ل ينبغيي‬
‫أن يكون لغير إجماع الجيل النبوي والراشدي‪.‬‬
‫ومين أجيل ذلك ينبغيي وزن أفكار اللسيلف العباسيي والمملوكيي والعثمانيي‬
‫ال صالح بميزانها الذي احتكمت إليه م صباح القرآن وال سنة في زجاج ته ومشكا ته‪.‬‬
‫ول بأس من ن قد أفكار هم وأعمال هم‪ ،‬تخطئة وت صويبا‪ ،‬فذلك من هج حم يد من سنن‬
‫الدين والعلم‪ ،‬ولكن ينبغي والقتصار على الجراحة الضرورية لسلمة الجسد‪ ،‬في‬
‫كل تشريح‪ .‬والحذر من تكبير أخطائهم‪.‬‬
‫ومن السنة أن نعرف أن الحكمة ضالة المؤمن‪ ،‬فنقول للذين يسلمون لعلماء‬
‫ال سلف العبا سي من دون مناق شة‪ ،‬إن أك ثر اجتهادات هم في شق العقيدة ل يس ل ها‬
‫قي مة عمل ية‪ ،‬بل و ل سيما‪ ،‬وإذا وزنا ها بميزان ال سلفية الذي أعلن ته‪ ":‬ما أ نا عل يه‬
‫وأ صحابي"‪ ،‬طا شت في الميزان‪ ،‬وإذا وزنا ها بميزان"علي كم ب سنتي و سنة الخلفاء‬
‫الراشدين"‪ ،‬لم نجدها في سنته ول في سننهم‪ .‬و إنما هي معالجات و قتية لشكالت‬
‫بادت و باد أهلها‪.‬‬
‫نؤكد هذا لكي ل ينحصر مفهوم السلفية وجهات نظر ثانوية أو غير عملية أو‬
‫غ ير ذات أولو ية‪ ،‬ع ند الحنابلة في صياغة ا بن تيم ية‪،‬أو عند هم في صياغة ال‬
‫شعري‪ ،‬سواء في عالم الغيب أو علم الشهادة‪.‬فالسلفية إصلح روحي ومدني معا‪،‬‬
‫ال سلفية أ صل هو ال نص‪/‬الم صباح‪ ،‬في زجاج ته ومشكا ته‪ ،‬و صورة نموذج ية في‬
‫العهيد الراشدي‪ ،‬وميا عداهيا فإنميا صيور نسيبية‪ ،‬طبخات وخلطاات حسيب المكنية‬
‫والزمنة وما فيها من أزمات‪ .‬وهي تخليص التوحيد من أوشاب اللحاد والستبداد‬
‫معا‪.‬دعوة إلى التحرير والعدل‪ ،‬فمن لم يسر في هذا السبيل‪ ،‬لم يدرك منها اللباب‪.‬‬
‫عند ما نقول بأن ال سلف ال صالح هم ال صحابة الراشديون‪ ,‬نكون أمام حقائق‬
‫إسيلمية مطلقية‪ ,‬أميا عندميا نكون أمام صييغتين منتسيبتين إلى المام أحميد‪ ،‬نكون‬
‫أمام نظريات نسبية‪ ,‬ولنتذكر أن كلتا الصياغتين –التيمية والشعرية‪-‬تدور في مدار‬
‫سياسي واجتماعي وجغرافي‪ ,‬منخفض تأثرت به و تأثر بها‪.‬‬
‫ولذلك ينبغيي الحذار‪ ،‬مين اتخاذ الصيياغة العباسيية الفكير الدينيي العباسيي‬
‫للعقيدة ولصيول فقيه الكتاب و السينة‪ ،‬مسيألة قطعيية‪ ،‬لكيي ل نجعلهيا مسيطرة‬
‫معيار ية‪ ،‬في كل ع صر و في كل م صر‪ ،‬نق يس ب ها إ سلم الناس‪ .‬ونتخذ ها أ صل‬
‫مسلما به لبناء فكر مدني وسياسي إسلمي‪ ،‬في عصر الهيمنة الغربية‪.‬‬
‫ل يمكين بناء فكير مدنيي وسيياسي إسيلمي ‪ ،‬يعييد للعقيدة نظامهيا المتمزق‬
‫ويجدد ثوبها المتهلهل‪ ،‬إل بالعودة إلى سراج الكتاب في زجاجته ومشكاته‬
‫إن وط يس الخلف ب ين الفرق جر إلى احتكار م صطلحات ل يجوز لي فر قة‬
‫احتكار ها‪ ،‬كم صطلح التوح يد‪ ،‬ذلك الذي جعله المعتزلة عنوان فرقت هم"أ هل التوح يد‬
‫والعدل"‪.‬‬
‫كميا جير بعيض رموز التيار السيلفي العباسيي إلى تركييز بحوثيه وندواتيه‬
‫و صراعاته‪ ،‬في جزئ ية ال سماء وال صفات‪ ,‬تلك الجزئ ية ال تي ضخ مت باجتهادات‬
‫ظنية‪ ،‬اعتبرت في ما بعد‪ ،‬قسما أساسيا‪ ،‬من أقسام التوحيد الثلثة‪.‬‬
‫فماذا أفاد الميية ذلك الصييراع المرييير حول هذا الختزال المسييتمر‬
‫ليي(التوحييد)‪ ،‬الذي حميل المبالغية فيي التكفيير والتبدييع؟‪ ،‬صيراع لم يزد المية إل‬
‫مزيدا من الصداع‪ ،‬ومزيدا من البلبلة والوجاع‪ ،‬فلم يقدم فكرا علميا ول أولويا ول‬
‫قطعيا‪ ,‬إنما هو ظنون تفر من اليقين إلى التخمين‪.‬‬
‫ب‪-‬نقد على نقد‪ /‬منطق الفعل ورد الفعل‬
‫لم يلحيظ المحافظون على الصيياغة العباسيية اليوم فيي عهيد المبرياليية‬
‫الغربيية‪ ،‬أمورا صيارت بديهيية فيي علم الجتماع المعرفيي‪ ،‬وهيي أن كيل الحركات‬
‫النسيانية‪- ،‬ماعدا النيبياء‪ -‬تخضيع إيغال واعتدال‪ ،‬لمنطيق الفعيل ورد الفعيل‪ ،‬فل‬
‫يمكنك أن تعرف سر إحجام الشعبي أو ابن أبي العز بعد القدام ‪ ،‬حتى تعرف أنهما‬
‫جر با فأخف قا فيئ سا‪ ،‬ول يمك نك أن تدرك مبال غة أح مد بن حن بل أو ا بن تيم ية في‬
‫التكفير والتبديع‪ ،‬حتى تطلع على هجوم خصومهما عليهما‪.‬‬
‫ول يمكن أن تتفهم مبالغة المام أحمد‪ ،‬بالعتداد بالحديث الضعيف في كتابه‬
‫»الم سند«‪ ،‬وقول ال صحابي والتاب عي‪ ،‬وتقد يم الع مل به ما على الرأي‪ ،‬إل إذا تبينت‬
‫أن ذلك كان في سياق الرد على إغراق المعتزلة في منهج العقلني‪ ،‬الذي بالغ في‬
‫في نقد كل حديث يرى أنه يخالف القرآن أو العقل أو العدل‪.‬‬
‫وكما بالغ المعتزلة في النتصار لما سموه العقل‪ ،‬بالغ السلفيون العباسيون‬
‫في تقديم النقل‪ ،‬ولو كان ضعيفا‪.‬‬
‫وهذا التصرف من المام أحمد إنما جاء رفضا للمبالغة في تقديم الرأي‪ ،‬لكن‬
‫هذا لم يمنع من سلمة الجمع في الجملة‪.‬‬
‫ل كن المحدث ين من بعده ا ستقروا على ا ستبعاد الحد يث الضع يف‪ .‬وقرروا أن‬
‫الحد يث الضع يف‪-‬ح سب ا صطلحهم ‪-‬ل يجوز ن سبته إلى الر سول صلى ال عل يه‬
‫و سلم‪ ،‬ول الع مل به أ صل كمان به ا بن تميم ية ‪ ,‬و في ك تب ال سنة من الحاد يث‬
‫الصحاح ‪ ,‬مايغنى عن الركون إلى الضعاف ‪.‬‬
‫و مين المهيم أن نتذكير أن تخوفهيم مين تسيرب كعقلنيية التجرييد والجدل‬
‫البيزنطي‪ ،‬التشكيكية‪ .‬وإغراقهم في الحذر جرهم إلى الغراق في العناية بالرواية‪،‬‬
‫عنايية قللت فيي أحيان قليلة مين الدرايية‪ .‬فيي نقيد المتين‪ ،‬ول سييما فيي أحادييث‬
‫السياسة‪.‬‬
‫وقيد جير تقدييم الروايية المطلق على الدرايية‪ ،‬إلى شحين كتيب العقيدة بله‬
‫التار يخ والموا عظ‪ ،‬بطائ فة غ ير قليلة من الحاد يث الضعي فة والموضو عة أي ضا‪،‬‬
‫وذلك كان له أثير خطيير فيي وأد التفكيير العلميي والعملي‪ ،‬وإبعاده عين المحضين‬
‫الديني‪.‬‬
‫‪ .‬وإن تراوحت بين التقليد والتجديد‪ ،‬وإن شاب أفكارها أو تطبيقاتها‪ ،‬شيء‬
‫مين القصيور أو التقصيير‪ ،‬كميا نرى فيي بعيض مواقيف السيلف العباسيي الصيالح‬
‫وأقوالهم‪.‬وإن لم يستطيعوا اللتزام بشعارها في بعض أفكارهم ومواقفهم‪ ،‬لظروف‬
‫خارج إرادتهم ولسيما في ترسيخ شروط إسلم الدولة العشرة‪.‬‬
‫ومنادات هم بأ صل معياري‪ ،‬يض بط ف قه الكتاب وال سنة‪ .‬ل كي ل يف ضي ذلك إلى‬
‫هز الثقة بكتب الحديث‪ .‬وحديث الفرقة الناجية "" تفترق أمتي على بضع وسبعين‬
‫فرقة‪ ،‬في النار إل واحدة‪ ،‬قالوا‪ :‬من هي يا رسول ال؟ قال ما أنا عليه وأصحابي"‪.‬‬
‫ولكيي ل تطفيئ عواصيف العواطيف والهواء وتقلب المناخ ؛مصيباح حقائق‬
‫القرآن والسينة وينبغيي وضعيه فيي زجاجية تطيبيقات النبوة والراشديية)‪ ،‬لتفصييل‬
‫المجمل وبيان وسائل المبادئ‪ ،‬ينبغي فك اللتباس بين المرجعية التي هي المقياس‪،‬‬
‫الذي أعل نه ال سلف الموي والعبا سي ال صالح‪ ":‬ما أ نا عل يه وأ صحابي"‪ ،‬والحركات‬
‫والدعوات المقيسية‪ ،‬فكيل يوزن عمله بمدى التزامهميا بهذه المرجعيية فيي مواقفيه‬
‫و صياغته‪ ،‬كي ل يؤدي الخلط إلى تنز يل الها مش الشارح منزلة ال نص المشروح‪،‬‬
‫وإعطائه الع صمة‪ ،‬فيف ضي إلى و ضع العالم المتم يز‪ ،‬في منزلة الر سول المع صوم‬
‫بالوحي‪.‬‬
‫وليسيت مذهبيا عباسيي محددا‪ ،‬ولكنهيا معالم لبناء صيياغات ومذاهيب‬
‫ومعالجات‪.‬‬
‫شغلوا الناس بتوحيد العدل والمساواة ومن يظنون أن كتب العقيدة التي ألفت‬
‫في ع صور ال ستبداد تج سد ال سلف ال صالح الرا شد‪ .‬وتذك ير للناس أن ‪ ،‬و لي ست‬
‫أيضيا حركية محدودة بفكير عباسيي معيين‪ .‬ثيم بعيد ذلك يختلف المجددون عندميا‬
‫ينشئون فكرا إسيلميا جديدا‪ .‬لن المسيألة مسيألة صيياغة‪ ،‬سيواء أكانيت لصيياغة‬
‫أصول العقيدة أو فروعها‪.‬‬
‫هذا هو ال صل في مفهوم ال سلفية‪ ،‬لي ست مذه با محددا‪ ،‬بتجارب عبا سية أو‬
‫مملوك ية أوعثمان ية ول اتجا ها منغلقا على رموز معي نة‪ ،‬إن ها بو صلة للو صول إلى‬
‫حقيقة الشريعة‪ ،‬وحقيقتها أنها إسلم بل مذهبية‪ .‬والقول بأنها مذهب يلزم منه أن‬
‫يحتكر السلف العباسي الصالح مفهوم السلفية‪.‬‬
‫نحين اليوم أحوج ميا نكون إلى تذكير أن السيلفية بوصيلة تشيير إلى قطيب‬
‫ولي ست الق طب نف سه‪ ،‬هذا الت صور ينب غي تر سيخه‪ ،‬لن التحديات أ كبر‪ ،‬واتجاهات‬
‫التجديد أكثر‪ ،‬وتجاوز الصول صار أخطر‪ ،‬وعجز الصياغات والمعالجات العباسية‬
‫صار افظع‪ ،‬بذلك تصبح سلفية المصباح والمشكاة هي نجمة القطب وبوصلتها‪.‬‬
‫ين‬
‫يم الثانويات على ‪ ،‬و الغفلة عي‬
‫ية‪ :‬إن تقديي‬
‫ياسا للعقيدة والثقافي‬
‫ليكون أسي‬
‫لصيياغة العباسيية للعقيدة على امتداد القرون‪ ،‬اختلطيت فيهيا أفكار تجدييد ودرايية‪،‬‬
‫بأفكار تقلييد وروايية‪ ،‬فلم يكين منتسيبوها بدرجية واحدة مين القتدار‪ ،‬على إجابية‬
‫سؤال التحدي‪ ،‬ولم يكونوا بدر جة واحدة في م ستوى ا ستلهام الكتاب وال سنة‪ ،‬ولم‬
‫ي كن رموز ها بدر جة واحدة من الر سوخ في العلم‪ ،‬ولم يكونوا بدر جة واحدة من‬
‫القدرة على تجديد الدين‪ .‬للعقيدة والتربية والثقافة السلمية‪.‬‬
‫إن ثقافتنا تشكو من إفرازات أمراض المجتمعات المقهورة‪،‬وقد تضاعف هذا‬
‫المرض اليوم فصارت العلة علتين‪.‬‬

‫‪ =18‬كل تجديد بشري يئول إلى تقليد‬


‫فطال عليهم المد فقست قلوبهم‬
‫أ‪ -‬جدلية الصراع‪:‬‬
‫في الصراع بين القديم والجديد؛ هناك شيئان متناقضان يتصادمان‪ ،‬وكل من‬
‫المتصارعين يلبس عدة المحارب‪ ،‬ومن المستبعد أن يكون هادئا‪ ،‬ولذلك يجنح عن‬
‫العتدال‪ ،‬فل يس ر سول مع صوما‪ ،‬ل يف عل إل ح قا‪ ،‬ول يقول في حالة الغ ضب‪ ،‬إل‬
‫كما يقول في حالة الرضا‪.‬‬
‫والضطراب في بدا ية ال صراع طبيعي‪ ،‬إن ا صطدام رافد ين في حوض ن هر‬
‫وا حد‪ ،‬يحدث في اضطرا با في الن هر و صخبا‪ ،‬ثم ين ساب الماء في الن هر رقرا قا‬
‫سلسا‪ ،‬بعد أن كان ساعة الصطدام متموجا مضطربا‪.‬‬
‫وقد أشار ابن تميمة إشارة ذكية‪ ،‬في كتاب العقل والنقل‪ ،‬إلى أثر الصراع بين‬
‫الفعل ورد الفعل‪ ،‬في إنتاج ثنائية البيض الناصع المقبول جملة وتفصيلً‪،‬والسود‬
‫الكالح المرفوض جملة وتفصييلً‪ ،‬فالذيين أثبتوا الصيفات بالغوا حتيى جسيموا‪ ،‬وأو‬
‫غيل بعضهيم حتيى أنكير المجاز‪ ،‬وكانيت مبالغتهيم رد فعيل تيار راقيت له الفلسيفة‬
‫اليونانية التجريدية‪ ،‬وأرادها أطارا لفهم القرآن والسنة‪ ،‬فبالغ في التنزيه فجره ذلك‬
‫إلى النفيي والتعطييل‪ ،‬فبالغ أولئك فيي الثبات‪ ،‬حتيى وقعوا فيي التشيبيه والتمثييل‪،‬‬
‫وبالغ في العتداد بالعقل والتجديد‪ ،‬فبالغ أولئك في النقل والترديد‪،‬حتى آل بهم ذلك‬
‫إلى التقليد‪ ،‬وإلى العتداد بالحاديث الضعيفة‪ ،‬بل والموضوعة في إثبات الصفات ‪.‬‬
‫هناك حقيقة معروفة في تاريخ الصراع الثقافي‪ ،‬فكل صراع بين حدين‪ ،‬ينتج‬
‫موق فا ثال ثا متو سطا ب ين المذ هبين‪ ،‬ولذلك ف ما أن يثور ال صراع ب ين مغال ين في‬
‫المحافظة‪ ،‬ومغالين في التجديد‪ ،‬حتى يتوالد منهما موقف ثالث جديد‪ ،‬فالصراع بين‬
‫القدرية والجبرية في العصر الموي‪ ،‬له أيضا سببه من التماس الحضاري‪ ،‬فالقول‬
‫بالجيبر يخدم الخضوع للجور والسيتبداد‪ ،‬و ييبرر ذلك بألف دلييل ودلييل‪ ،‬تحيت‬
‫عناوين الصبرعلى ولة الجور؛ ولو أكلوا أموالنا وضربوا ظهورنا‪ ،‬لن الحاكم ظل‬
‫ال فيي الرض‪ ،‬فال هيو الذي وله علينيا‪ ،‬فحسيابه على ال‪ ،‬وعلينيا الصيبر على‬
‫يد‬
‫يب‪ ،‬وقي‬
‫ين الكسي‬
‫يف ال الخارج عي‬
‫جوره‪ ،‬وانتظار الفرج‪ ،‬بالدعاء‪ ،‬وانتظار لطي‬
‫تمخضت عن الصراع الصيغة الشائعة‪:‬النسان مسير ومخير معا‪.‬‬
‫وال صراع ب ين المحافظ ين والمجدد ين في الفل سفة والمن طق‪ ،‬تم خض عن‬
‫تهذيب المنطق وعلم الكلم عند الشاعرة‪ ،‬الذين كانوا فرسان أصول الفقه‪.‬‬
‫ب‪ -‬التجديد علج وباء أو وإعادة توازن نظام الغذاء‪:‬‬
‫التجدييد نوعان‪ :‬غذاء لبيد أن يسيتمر بيه الناس‪ ،‬فعناصير الغذاء –إذا كان‬
‫الناس يطبقونهيا‪-‬ل يمكين أن يقال فيي يوم مين اليام‪،‬إنيه يجيب تجديدهيا‪ ،‬وإذا‬
‫أهملو ها ينب غي تذكير هم ب ها‪ .‬و هو علج أمراض يتطلب خل طة دواء‪ ،‬تر كز ب عض‬
‫عنا صرها‪ ،‬وتع يد ترت يب الولويات‪ ،‬ح سب المقيا سين المهم ين‪ :‬ال ساسي ومعال جة‬
‫الخطاء الشائعة‪.‬‬
‫فإذا شفيي المرييض صيار تكرار الدواء نفسيه تقليدا‪ ،‬لن ل يحقيق نفعيا‪ ،‬بيل‬
‫ينتكس بالجسد‪.‬‬
‫إن أي حركة في التجديد الديني جاءت بعد عصر الراشدين قديمة أو حديثة‪،‬‬
‫إن ما هي صياغة أفكار فرع ية‪ ،‬أو ت طبيق برا مج‪ ،‬أو إبراز عنا صر مغي بة‪ ،‬و هي‬
‫إجابية عين أسيئلة ثقافيية واجتماعيية‪ ،‬ثارت فيي تلك البيئات‪ ،‬ولهيا حظوظ مين‬
‫ال صواب وحظوظ أخرى من الخ طأ‪ ،‬لن ها عند ما تر كز على ب عض المور المغفلة؛‬
‫تهميش أمورا أخرى‪ ،‬لنهيا اجتهاد بشري‪ ،‬وحظهيا مين النجاح والخفاق بقدر‬
‫روحهيا العمليية‪ ،‬والمناخ السيائد ومعرفية زارعيهيا بالمواسيم‪ ،‬والمحصيول الذي‬
‫يحتاج إليه الناس‪ ،‬و كل حركة إصلح‪ ،‬هي تجديد نسبي للدين‪ ،‬ل يتناول الثوابت‪،‬‬
‫يا‬
‫يا وروحهي‬
‫يد هي‬
‫ية ل مقاصي‬
‫يه يتناول المتغيرات‪ ،‬ول يتناول كليات الشريعي‬
‫ولكني‬
‫حتما‪.‬سواء أكان حركة فكرية أم حركة اجتماعية سياسية‪ ،‬وهو ضروب لعل أهمها‬
‫سبعة‪:‬‬
‫الضرب الول‪ :‬جلء ميا انطميس مين نظام العقيدة فيي شقهيا الروحيي أو‬
‫المد ني أو كليه ما م عا‪ ،‬كالقول بأن الح كم الشوري ر كن من أركان الد ين العظام‪،‬‬
‫يعادل فريضة الصلة‪.‬‬
‫الضرب الثانيي‪ :‬بناء فروع على الصيول‪ ،‬كيبيان مبادئ السيياسة الشرعيية‬
‫العشرة‪ ، .‬كالمناداة ب ي(المجت مع المد ني ال سلمي)‪ ،‬وتجمعا ته الهل ية‪ ،‬ول سيما‬
‫المدنيية‪،‬كالنقابات والروابيط والجمعيات‪ ،‬بصيفتها الوسييلة المثلى اليوم لتعيبير‬
‫المة‪-‬على المستوى الشعبي‪ -‬عن سلطتها وسيادتها وقوامتها‪ ،‬على كل من يحكم‬
‫با سمها‪ ،‬وقيام ها بحرا سة ا ستقلل القضاء‪ ،‬وحرا سة مجلس النواب‪ ،‬عن اختراق‬
‫السلطة التنفيذية‪.‬‬
‫الضرب الثالث‪ :‬إيجاد و سائل(أي إجراءات)‪ ،‬تض من تنف يذ المبادئ المعطلة‪،‬‬
‫بف قر الو سائل‪ ،‬م ثل(نظام الد ستور ال سلمي)الذي تض من إجراءا ته شروط إ سلم‬
‫الدولة والمجت مع العشرة‪ ،‬كضوا بط ا ستقلل القضاء العشر ين‪،‬وتوا فر محكمة عدل‬
‫العلييا فيي الدولة‪ ،‬وتوافير ديوان للمراقبية والمحاسيبة القضائيية‪ ،‬مرتبيط بالقضاء‬
‫العام‪ ،‬وتوافير هيئة ادعاء عام‪ ،‬يشرف عليهيا القضاء‪ ،‬وإن ارتبطيت بالسيلطة‬
‫التنفيذيية‪،‬وإنشاء مجلس نواب بصيفته آلة لتطيبيق مبدأ شورى أهيل الحيل والعقيد‬
‫الملزمة‪.‬‬
‫الضرب الرابع حلول مشكلت جدت‪ ،‬كفقر الدول السلمية التقني‪.‬‬
‫الضرب الخا مس‪ :‬التذك ير بأ صول اليمان والع مل ال صالح‪ ،‬بن بذ بدع خي مت‪،‬‬
‫سيواء أكانيت فيي شعائر التوحييد الروحيية‪،‬كبدع الطواف حول قبور الموات‪ ،‬أم‬
‫شعائر التوحيد المدنية‪ ،‬كبدع الطواف حول قصورالطغاة‪.‬‬
‫الضرب ال سادس‪ :‬التذك ير بمن هج ف قه القران وال سنة‪ ،‬وتجد يد ثوب الثقا فة‪،‬‬
‫صياغة الفكر الصالح‪ ،‬آليات و فروعا‪ ،‬بأشكال ولغة قريبة من أفهام الناس‪.‬‬
‫الضرب السابع‪ :‬التجديد الفعال سياسي اجتماعي‪ ،‬بإنتاج العمل الصالح‪ ،‬الذي‬
‫ي ساعد الناس على ف هم تلك ال صول والع مل ب ها‪ ،‬وللناس أحوال متغيرة‪ ،‬ول هم في‬
‫كل حال حاجة أو إشكال أو سؤال‪ ،‬ولن الجديد بالمس قد يصبح فكرا تقليديا اليوم‪،‬‬
‫عندميا ل تحتاجيه ال مة‪ .‬أو عندميا تحتاج إلى التركييز على إجابية أسيئلة لم يثرهيا‬
‫التجديد بالمس‪.‬وإنما يذكر الثقافي‪ ،‬لنه يمهد له‪.‬‬
‫ب‪-‬لمفهوم تجديد الدين أربعة مجالت‪:‬‬
‫العناصر الربعة في كل تجديد‬
‫وكيل مصيلح مجدد يخطيو فيي التجدييد خطوة أو خطوات‪ ،‬ويظيل فيي أعماله‬
‫الخرى عاديا‪ ,‬منغمسا في مايرين على مجتمعه من عادات‪.‬‬
‫وكل مصلح عندما يجدد تختلط في تجديده عنصران‪:‬معياري مطلق هو أساس‬
‫الصلح في كل زمان ومكان‪ ،‬و هو صريح ال سلم و صحيح الحك مة‪ ،‬ون سبي آ ني‬
‫عالج به مشكلة قائمة‪ ،‬ومن العنصرين تتكون خلطة التجديد‪.‬‬
‫وتتدا خل أرب عة خيوط في ن سيج ال صياغة والت طبيق‪ :‬ال ساس المعياري و هو‬
‫فكر صحيح‪ ،‬والفكر الجتهادي وهو ثلثة أقسام‪:‬‬
‫الول‪:‬ما هو صحيح معياري‪ ،‬يصلح لكل زمان ومكان‪ ،‬لنه توصيف صحيح‬
‫للكليات التي نطق بها الكتاب والسنة‪ ،‬كما في أغلب مفاهيم أصول الفقه التي أبانها‬
‫ال سلفيون العبا سيون‪ -‬في الجملة ل بالجملة‪ ،-‬وك ما في مفهوم الم صالح المر سلة‬
‫عند ابن تيمية‪ ،‬و كما نظريتي المقاصد والنظام في الشريعة‪ ،‬عند الشاطبي‪ ،‬و هذه‬
‫الفكار الثلثة‪ ،‬ينبغي أن تكون الشغل الشاغل اليوم‪ ،‬لدعاة السلفية المدنية المنادين‬
‫بأركان إسلم الدولة الخمسة‪.‬‬
‫الثالث‪:‬وما هو صحيح نسبيا‪ ،‬ولكنه غير دقيق أو غير شامل‪ ،‬أو يركز على‬
‫عناصر ثانوية‪ ،‬ولكنه يناسب التطور المعرفي‪ ،‬ويناسب البيئة التي صيغ لها‪ ،‬لنه‬
‫يجيب عن ما فيها من إشكال أو سؤال أو احتياج‪ ،‬كالتركيز على بحوث علم الكلم‪،‬‬
‫وحصير الفقهاء مقاصيد الشريعية فيي خمسية أشياء‪ ،‬وتركييز العلماء على جانيب‬
‫العقيدة الغيبي و الروحي‪ ،‬وتركيز الغيبي في الظنيات‪.‬‬
‫والرا بع ف كر أو ع مل اجتهادي خا طئ‪ ،‬نا تج عن ق صور علم أو تجر بة‪ ،‬أو‬
‫عيوب شخصيية أو ضغوط مناخيية‪ ،‬كشعار الكيف عين ميا شجير بيين الصيحابة‪،‬‬
‫وتهمييش شيق العقيدة المدنيي على متين الروحيي‪ .‬والمييز بيين العناصير الثلثية‬
‫الخيرة صعب‪ ،‬والم صلحون و دعاة الق سط مه ما كبروا ل يخلون من الخ طأ في‬
‫الرأي‪ ،‬ماعدا النبياء المسددين بالوحي‪.‬‬
‫ينبغي أن نسأل أو ًل عن مدى تناسق التطبيق مع الصياغة‪ ،‬أي مع الفكار‪،‬‬
‫ثم نسأل ثانيا عن صحة الفكار أي نسأل عن اتساق الفروع بالصول‪.‬‬
‫لكيي يتيبين لنيا أن الجتهادات يؤخيذ منهيا ويترك‪ ،‬فإذا حاول منتسيب إلى‬
‫السلفية‪ ،‬كعبد ال بن أحمد‪ :‬أن يلغي أبا حنيفة رفضنا قوله ‪ ،‬وعددنا ذلك زلة كتاب‬
‫أو لسان ‪ ،‬أو كبوة جواد ‪ ،‬وما قاله عبد ال ابن أحمد‪ :‬نزنه ونغربله بمنهج السلف‬
‫العبا سي أنف سهم‪ ،‬ف من من هج ال سلف نف سه نن بذ ذم أ بي حني فة‪ ،‬وهكذا في المور‬
‫الكبرى‪ ،‬التي تفرضها علينا اليوم الحداثة والعلمنة‪ ،‬والعولمة والهيمنة‪.‬‬

‫‪ =19‬التقليـــد العمـــى يحول المنهـــج المفتوح إلى‬


‫مذهب مغلق‬
‫( ويستقر في غيبة الحرية والتعددية والشورى)‬
‫أـ‪-‬السلف العباسي الول مجدد ولكن لزمنته‪:‬‬
‫فيي العصير العباسيي‪ ،‬صياغ سيلفنا الصيالح العقيدة‪ ،‬مركزيين على الشيق‬
‫الروحي الغيبي‪ ،‬معتمدين على حديث جبريل الشهير‪((،‬اليمان بال وملئكته وكتبه‬
‫ورسله ‪ ،‬واليوم الخر‪ ،‬والقدر خيره شره)) وحديث جبريل ليس على إطلقه‪ ،‬ففي‬
‫صيورة ال سلم جوانيب أخرى‪ ،‬و قد حدد حد يث جبرييل جانيب الت صور من ش قه‬
‫الروحيي‪ ،‬واليات والحدييث والتطيبيق جسيدت شيق التصيرفات‪ ،‬روحييا ومدنييا‪.‬‬
‫واخت صار السلم بهذه الصياغة يج سد اختلل في نظام العقيدة‪ ،‬لن السلم نظام‬
‫يعتمد على عمودين‪ :‬مدني و روحي‪ ،‬و لكنهم معذورون‪ ،‬لظروف شرحناها مرارا‪.‬‬
‫وهم على كل حال صاغوا بهذا ال شق الروحي من العقيدة بأ سلوب ينا سب‬
‫أسئلة عصرهم‪ ،‬حاولوا فيه أن يجيبوا على السئلة التي أثارتها الثقافات الجنبية‬
‫الوافدة‪ ،‬وإن لم ينجحوا في الخلص من أوشاب ها ‪ ،‬فكا نت ل هم حركات مباركات‪،‬‬
‫وصيفت بيي"السيلفية"‪ ،‬إذ أعلنوا أنهيم يلتزمون بصيفاء الكتاب والسينة‪ ،‬و قالب‬
‫تطبيق ها الع هد النبوي والراشدي‪ ،‬ور غم أن إعلن النت ساب إلى تلك المرج عة؛ لم‬
‫يحيل دون أخطاء كيبرى منهجيية وأخرى موضوعيية‪ ،‬فيي صيياغة العقيدة‪ ،‬ولكين‬
‫المهم في ذلك الن‪ ،‬هو أن نتذكر أن الصياغة كانت جوابا لسئلة فغرت أفواهها‪،‬‬
‫وتحديات أشرعت سيوفها‪ ،‬ومعطيات معرفية لبد من امتطائها‪.‬‬
‫ب‪-‬حلول خاصة ببيئات كانت وبادت‪:‬‬
‫والسيلفيات العباسييات حركات مباركات‪ ،‬على مسيرح الفكار والحياة‪،‬‬
‫امتدت إلى ما شاء ال‪ ،‬ول كن ال سلفيين رجال اجتهدوا في ما ب ين أيدي هم‪ ،‬و ما لم‬
‫يقل سلفيو اليوم‪ :‬أولئك القدامى رجال ونحن رجال‪ ،‬فلن يفلحوا في تجديد الدين‪ ،‬و‬
‫ل إلى النهوض على أساسه‪.‬‬
‫ف قد كا نت صياغتها تن ظر إلى تحديات قائ مة‪ ،‬و من أ جل ذلك اع تبر البو طي‬
‫السلفية حركة سادت فبادت‪.‬‬
‫والفروع والعمال والقوال السلفية العباسية‪ ،‬هي تراث بشري‪ ،‬تأثر بما لدى‬
‫الفراد والجماعات مين حماسية وتهاون‪ ،‬وتشدد وتسياهل‪ ،‬وموائمية بيين الظروف‬
‫العامية والخاصية‪ .‬فالسياس الثابيت لهيا هيو النيص و منهيج فقهيه‪ ،‬أميا الحركات‬
‫والصياغات‪ ،‬فهي علجات متغيرات‪ ،‬لزمن ومكان ما‪.‬‬
‫فالكف عن ما شجر بين الصحابة‪ ،‬شعار نادى به عمر بن عبد العزيز‪ ،‬في‬
‫منا سبة خا صة‪ ،‬وهذا أق صى ما يم كن صدوره من حا كم أموي‪ ،‬درج م نذ نعو مة‬
‫أظفاره على سماع ل عن علي‪ ،‬ول يس متوق عا م نه أن ي سب مؤ سس الح كم الموي‪.‬‬
‫فهيو قانون نسيبي آنيي مقبول فيي مقام معيين‪ ،‬ولكنيه غيير لزم ول دائم‪ .‬أميا أن‬
‫ينادى به معيارا من مسلمات للعقيدة‪ ,‬ويوضع ضمن فقراتها‪ ،‬وكأنه من قطعياتها‪،‬‬
‫أو من أصولها الكلية‪ ،‬فذلك أمر غير سليم‪ ،‬لنه ل يصح معياريا‪،‬فهل يجوز لنا أن‬
‫نكيف علم السيياسة عين ماشجير بيين الصيحابة؟‪ ،‬إن هذا بمثابية حمايية للجهيل‬
‫السياسي‪.‬‬
‫وقد أدرك ابن تيمية‪ ،‬فدخل في خضم ما شجر بين الصحابة‪ ،‬وخاض خوضا‬
‫دون احتياط‪ ،‬بكتاب (مناهيج السينة) لن المحذور زال‪ ،‬ولكنيه رغيم ذلك يقول فيي‬
‫الواسطية‪ ،‬إن الكف عن ماشجر بين الصحابة‪ ،‬من منهج أهل السنة والجماعة‪.‬‬
‫على أن مح صول شعار ال كف عن ماش جر ب ين ال صحابة؛ هو تأب يد الج هل‬
‫السياسي‪ ,‬ووضع حاكم مستبد مغتصب كمعاوية عديل لحاكم شوري منتخب كعلي‪.‬‬
‫وكذلك الفلسيفة والمنطيق والكلم‪ ،‬حذر منهيا الوائل‪ ،‬بييد أن الغزالي وابين‬
‫تيمية دخل فيها‪ ،‬لن جوهما تطلب الخوض فيها‪ ،‬وعلماء الصول في آخر المطاف‬
‫يعدون المنطق من العلوم الضرورية للدين‪ ،‬كما ذكر الغزالي‪ ،‬وكما فعل ابن تيمية‪.‬‬
‫ف ما لل سلفيات العبا سية من تراث وأفكار وحركات؛ إن ما هي محاولت إجا بة‬
‫للسيئلة المثارة‪ ،‬وهيي فيي غالبهيا مسيددة الخطوات‪ ،‬فيي علج أدواء بيئاتهيا‪،‬‬
‫ولكن ها‪-‬كأي ع مل بشري‪ -‬ل تخلو من عثرات‪ ،‬ولم تن تج كل ها من داء التبع يض‪،‬‬
‫هذا أهم سبب يجعلها ل تكفي أساسا لعلج أدواء العصور الحديثة‪.‬‬
‫وأ سلم ما في ها من هج ف قه الكتاب وال سنة وف قه المقا صد‪ ،‬في بناي ته ع ند‬
‫الشاطيبي والشوكانيي‪ ،‬وهيو قادر على أن يسياعدنا على بناء نظريات فيي المنهيج‬
‫نفسه‪ ،‬نقاوم بها الضغط الحديث‪ ،‬أما الصياغة العباسية لها‪ ،‬التي عاشت قبل صدمة‬
‫الحداثة واللبرالية والعلمانية؛ فغير قادرة على ذلك‪ ،‬من أجل ذلك ينبغي أن ل نخلط‬
‫بينهما‪.‬‬
‫فالمرجعية هي الكتاب و السنة‪ ،‬في مشكاة التطبيق النبوي والراشدي‪ ،‬و هي‬
‫التي دون السف العباسي الصالح‪ ،‬وأهم معالم مادتها و منهجها‪ ،‬هي المرجعية‪ ،‬هذا‬
‫ما اتفقت عليه حركات التجديد‪ ،‬وحركات التقليد‪.‬‬
‫والفرق بين حركات التقليد والتجديد‪ ،‬أمران‬
‫الول‪ :‬مدى اللتزام بالمرجعيية‪ ،‬وكيل حركية إصيلح لم توازن بيين شقيي‬
‫العقيدة المد ني والرو حي‪ ،‬ف قد أخلت بنظام ال سلم‪ ،‬لن ها لم تف طن أن شروط إقا مة‬
‫المة العشرة‪ ،‬كشروط إقامة الصلة كلهما من أصول الدين‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬في مسائل التفريغ‪ ،‬واستخراج النظريات والليات‪ ،‬وفي صياغة هذه‬
‫الصيول‪ ،‬فالسيلفيات تصيوغ مسيائل العقيدة‪ ،‬حسيب طبيعية السيياق الجتماعيي‪،‬‬
‫متفاعلة م عه‪ .‬ك ما ف عل ال سلفيون في صدر الع صر العبا سي‪ ،‬وك ما ف عل أح مد بن‬
‫تيمية‪ ،‬وكما فعل محمد بن عبد الوهاب‪ ،‬وكما فعل دعاة السلفية المدنية منذ إعلن‬
‫الدستور العثماني ‪1292‬هي (‪1876‬م)‪.‬‬
‫أما المقلدون فيكررون صياغات أنتجت لعلج مشكلت غابرة‪ ،‬ويثبتون عليها‬
‫عندما يقلدونها صفة السلفية‪ ،‬وينتزعون الوصف بالسلفية من سياقه‪ ،‬والسلفية في‬
‫الثريا و هم في الثرى‪ ،‬ويرددون ما كتب المجددون ومقولتهم‪ ،‬كابن تيمية أو ابن‬
‫عبدالوهاب‪ ،‬والشاطيبي والغزالي‪ .‬دون أن يدركوا أن تلك السيلفيات كواكيب دوارة‪،‬‬
‫حول قطب المرجعية‪ ،‬ول يدركون أن لكل عصر حركة سلفية‪ ،‬إنما يظلون يهمشون‬
‫ويشرحون‪ ،‬أو يلخصون وينظمون تلك المسائل‪.‬‬
‫ال سلفيون المقلدون يعيدون ال صياغات العبا سية‪ ،‬فيجترون أفكارا و صياغات‪،‬‬
‫فقدت ارتباطها بالحاضر‪ ،‬و أفكارا تجسد الخلل بنظام الدين‪ .‬من أجل ذلك يبذلون‬
‫جهودا كيبيرة‪ ،‬ولكين النتائج ضحلة قليلة‪ ،‬فيصيبحون كالمسيافر المنبيت‪ ،‬ل أرضيا‬
‫قطع‪ ،‬ول ظهرا أبقى‪.‬‬
‫أمييا السييلفيون الحرار فينادون بالعودة المباشرة‪ ،‬إلى القطييب الثابييت‪،‬‬
‫فيحاولون أن يتفاعلوا ميع الواقيع‪ ،‬و أن يسيتوعبوا الوقائع والنوازل‪ ،‬وأن يدركوا‬
‫التحدي الماثل‪ ،‬يونانيا أو سلطانيا أو علمانيا أوافرنجيا أو أمريكيا‪ ،‬ثم يحاولون أن‬
‫يسهموا في تقديم المخارج والبدائل‪.‬‬
‫و قيد ظهير تيار السيلفيين الحرار الحداثيى‪ ،‬فيي مقالت و إشارات لدعاة‬
‫ال صلح الدي ني كمح مد عبده و الكوا كبي و الفغا ني و خ ير الد ين التون سي و سيد‬
‫قطيب والمودودي ومحميد المبارك و كعلل الفاسيي‪ ،‬والطاهير بين عاشور و محميد‬
‫قطب وحسن البنا زمحمد الغزالي و القرضاوي‪.‬‬
‫وقد ظهر تيار السلفيين الحرار القدامى‪ ،‬في ماكتبه أحمد بن حنبل ومجايلوه‬
‫في الرد على الزنادقة والمبتدعة‪ ،‬تجديدا فكريا‪ ،‬لنه كان جوابا لسؤال ماثل‪ ،‬وتحد‬
‫هاجيم‪ ،‬وإشكال قائم‪ ،‬فلم تكين مقالتهيم تخاطيب الشباح‪ ،‬ول تخطيب فيي المقابر‪.‬‬
‫وجاء مين بعده وتغيرت أحوال المجتميع‪ ،‬ولكين السيلفيين المقلديين لم يدركوا‬
‫للتغيرات‪ ،‬فالتزموا ما كتبه المام أحمد وكأنه شرع منزل‪ ،‬فتحول التجديد بين أيدي‬
‫الجامدين من التلميذ إلى تقليد مترهل‪.‬‬
‫كيل تجدييد يرتبيط اعتباره تجديدا بالمشكلة الواقعية‪ ،‬فإذا نشير فيي المكان أو‬
‫الزمان الذي ليسيت فيهيا المشكلة فإنميا نشره تقلييد‪ ،‬وناشره مقلدن وإن كان قائله‬
‫مجددا‪.‬‬
‫و كل إ صلح إ سلمي يت سم بأمر ين‪ ،‬الول‪ :‬النجاح في علج الوباء بأ سلوب‬
‫عملي‪ ،‬الثا ني‪:‬ترك يب خل طة الدواء من صيدلية القرآن وال سنة‪ ،‬أي أن يكون ال حل‬
‫منطل قا من اللتزام بالمرجع ية‪ :‬ال نص الكتاب وال سنة ومن هج فق هه‪ ،‬على أن يقرأ‬
‫ال نص في مشكاة الت طبيق النبوي والراشدي‪،‬و صحيح علوم الن سان والطبي عة‪ ،‬فإذا‬
‫لم يكين الصيلح ملتزما بهذيين الشرطيين فهيو غيير سيلفي إن لم نقيل إنيه لييس‬
‫إسلميا‪ ،‬وإذا لم يعالج الداء أو يؤسس للعلج فليس بإصلح و ل تجديد‪.‬‬
‫ول فائدة لنيا اليوم مين عدييد مين ميا صياغه العباسييون‪ ،‬مين نظريات‬
‫واجتهادات‪ ،‬في شق السلم المدني‪ ،‬لن الذي أنتجها مناخ اجتماعي سالف‪،‬فكانت‬
‫محاولت لعلج مشكل ته ل مشكلت نا‪ ،‬ولكيل عصير معطيات وتحديات‪ ،‬تفرز تجديدا‬
‫في الدين يحل الشكالت‪،‬‬
‫لن مرور الزمن يحول كل نشاط إلى هبوط‪ ،‬وكل تجديد إلى تقليد‪ ،‬وكل حركة‬
‫حية مرنة تتحول عبر الزمن على هامدة رثة متزمتة‪.‬‬
‫ولكن هذه الحقيقة الجتماع ية على بداهتها؛ لم يدركها المتمذهبون بمذاهب‪،‬‬
‫جعلوهيا قالبيا حديدييا للعقيدة‪ ،‬و لم يلحظوا أن تلك السيلفيات التيي همشيت شروط‬
‫إقامة المة العشرة‪ ،‬قد تهاوت منذ إعلن الدستور العثماني‪ ،‬حوالي سنة ‪1300‬هي‬
‫و أن حرب الخلييج الثانيية قيد أصيدرت شهادة و فاتهيا سينة ‪1410‬هيي (‪2000‬م)‬
‫وغاب عن المحافظ ين على ال صياغة العبا سية ‪ ،‬أن تلك ال سلفيات غ ير قادرة على‬
‫أن تنتيج خطابيا يعالج المشكلت الجديدة‪ .‬وأنهيا ‪-‬إذن‪ -‬ل تختزل الديين‪ ،‬ول تحدد‬
‫آفاق الدعوة إلى ال‪ .‬وأن ها على كل حال؛ لي ست ميزا نا يوزن به الكتاب وال سنة‪،‬‬
‫فل يقرآن إل بعيون السلفي العباسي الصالح‪.‬‬

‫‪=20‬كيف نجدد ما يحتاج إلى تجديد‬


‫من دون قطيعة رموز السلف العباسي الصالح‬
‫أ‪-‬الحذرمن القطيعة والنقياد العمى معا‪:‬‬
‫إن تحقيير جهود المصيلحين السيالفين‪ ،‬والنظير إلى عيوبهيم‪،‬عيبر النظارات‬
‫المقعرة‪،‬والزوايا الحادة‪ ،‬والدعوة إلى شطب إنجازاهم من ذاكرة المة‪ ،‬ليس خصلة‬
‫محمودة ل في الدين ول في العلم‪ ،‬فالنصاف يقتضي العتراف بدور الخرين‪.‬‬
‫ل كن تحد يد صورة ال سلم النموذج ية‪ ،‬بتجر بة في زمان أو مكان سابق‪ ،‬أو‬
‫تحد يد النجاح بإعادة إنتاج نموذج ناجح‪ ،‬في معطيات وتحديات معينة‪ ،‬أو في مناخ‬
‫وتضارييس متميزة‪ ،‬يحتوي على نظرة اختزال متجمدة‪،‬تقدس الشخاص‪ ،‬وتظنهيم‬
‫تج سيدا كاملً للفكار‪ ،‬وتخلط ب ين المبادئ والشخاص‪ ،‬وتم نع الذهان من الحيو ية‬
‫اللزمة‪ ،‬لفهم ذواتنا وفهم من حولنا‪،‬فضل عن فهم السلم‪.‬‬
‫وال سلم ليم كن أن يختزل في الشخاص‪ ،‬ول في ال صياغات المحد ثة‪ ،‬ب عد‬
‫عصر الراشدين‪.‬‬
‫و من الضروري اليوم أن تتف تح الذهان‪ ،‬من أ جل ابتكار آليات وأفكار; تن جح‬
‫فيي مطاولة التحدي‪ ،‬فالذهين كمظلة الطيار‪ ،‬ليمكين أن تعينيه على النزول إذا لم‬
‫تنفتيح‪ ،‬وكذلك مظلة الماشيي أثناء هطول المطار‪ ،‬ل يمكين أن تقييه المطار إل إذا‬
‫انفتحت‪.‬‬
‫ومين أجيل ذلك فلبيد أن نسيتمد روح الطموح‪ ،‬التيي تغلغلت فيي شخصييات‬
‫الم صلحين‪ ،‬وتتأ سى ب ها لل ستشهاد و العتضاد‪ ،‬من ال سلفيين الموي والعبا سي‬
‫الصيالح والناجيح‪ ،‬روح حرصيهم علي فهيم الحقيقية الدينيية‪ ،‬وروح تعمقهيم فيي‬
‫الحقيقية العلميية‪ ،‬وروح إدراكهيم الحقيقية الجتماعيية معا‪ ،‬فبالحقائق الثلث‪ ،‬كان‬
‫ماكان من نجاح‪،‬وهذا يعني أن ل نحدد النجاح‪ ،‬في أوعية تجارب معينة‪.‬‬

‫ب‪ -‬نقد التراث ليكون إلبروح الولء والنتماء‪:‬‬


‫كييف تكون العلقية بيننيا‪ ،‬وبيين رموزنيا الفكريية والدينيية والثقافيية‪ ،‬التيي‬
‫أسهمت في بناء المجموع التراكمي للعقيدة والتربية والثقافة السلمية‪ ،‬في مختلف‬
‫العصيور؟ هيل تكون علقية تسيفيه وتكذييب‪ ،‬وطعين وهجاء‪ ،‬ولوم وتقرييع‪ ،‬وإنكار‬
‫وجحود‪ ،‬وقطيعة معرفية وتربوية‪،‬كما هو لسان الحال أو المقال ‪،‬من غلة التجديد‬
‫و بعض المندفعين فيه؟‪.‬‬
‫أم علقة مبالغة إغراق في الطراء والمديح؟‪ ،‬وتبرير كل خطأ‪ ،‬وعلى اعتبار‬
‫أن الصيل أن نخطييء و يصييبوا‪ ،‬وأنهيم خيير منيا جميعيا تقوى وورعيا‪ ،‬وعقل و‬
‫علما‪ ،‬ولذلك يجب علينا أن نقصر فهم الدين على منظارهم‪ ،‬وأن ل نجتهد في أمر‬
‫إل مين خلل أبصيارهم ‪ ،‬وأن ل نقول بشييء جدييد‪ ،‬إل بأثارة مين علمهيم‪ ،‬وأن ل‬
‫نسلك طريقا لم نجد عل يه آثار أقدامهم‪ ،‬ناقلين مقولتهم ومرددين معالجاتهم‪ ،‬كما‬
‫هو التيار الدي ني الشائع المحا فظ على ال صياغة العبا سية للعقيدة والترب ية والثقا فة‬
‫السلمية‪،‬اليوم‪ ،‬الذي لم يركز على سؤال الحرية والتعددية والشورى‪.‬‬
‫أم أ نه ل بد من ت صحيح ‪ ،‬مفهوم العل قة بين نا وب ين سلفنا العبا سي ال صالح‪،‬‬
‫لتكون علقية علميية موضوعيية‪ ،‬وكيل علقية علميية فهيي نقديية‪ ،‬أي علقية نقيد‬
‫ومناقشة‪ ،‬ل علقة تقديس وتسليم‪ ،‬فل نتخذهم مرجعية‪ ،‬بل شواهد يعتضد بها‪.‬‬
‫علقية مراجعية وتمحييص‪ ،‬ل يتهييب النسيان مين أن يخالف غيره إذا ملك‬
‫الدلييل‪ ،‬ول يتهييب التلمييذ مين أن يقول لسيتاذه‪ :‬كتابيك غيير مفهوم‪ ،‬ول يتهييب‬
‫المريض من أن يقول لطبيبه‪ :‬طبك لم يشفني رغم تقديري لخلصك وعلمك‪.‬‬
‫إن المبال غة في التعظ يم مرض نف سي اجتما عي‪ ،‬ين تج عن طبي عة المجت مع‬
‫مقهور‪ ،‬يف ضى إلى تقز يم الذات‪ ،‬وتعظ يم الماض ين‪ ،‬و هو أ سلوب احتماء عاط في‪،‬‬
‫يحاول الحفاظ على الهو ية‪ ،‬في ع صر الهيم نة الغرب ية‪ ،‬و هو نب يل الدوا فع والنيات‬
‫والمقاصد‪ ،‬ولكنه عاطفي الوسائل والمناهج‪.‬‬
‫ل ر يب أن للمعلم ين والمرشد ين والباء والمفكر ين‪ ،‬من الحُداثَى والقدا مى‬
‫تعظيما واحتراما وتقديرا‪ .‬فاحترام جهودهيم‪ ،‬شعيرة مين شعائر النصياف‪ ،‬التيي‬
‫تهدي إليها الفطرة والطبيعة‪ ،‬فضل عن هداية الشريعة‪ .‬وبرهم وإحسان الظن بهم‬
‫سنة حميدة في الدين‪.‬‬
‫ومين المهيم إذن إحسيان الظين‪ ،‬وترك الخوض فيي النيات والمقاصيد‪ ،‬فلكيل‬
‫مجتهد من الجر نصيب‪ ،‬حتى ولو أوقعه الجتهاد الشرعي‪ ،‬في أخطاء منهجية أو‬
‫موضوعيية‪ ،‬كميا نبيه ابين تيميية والغزالي‪ ،‬وينبغيي التخلص مين تصيويب البصير‬
‫وت صعيده على الجوا نب الخلف ية‪ ،‬أو من خلل الزوا يا الحادة‪ ،‬وينب غي ترك الغي بة‬
‫والنميمة والحقاد‪ ،‬ونبش الجثت والرفات‪ ،‬التي قد ترتدي رداء الكاديمية والبحث‬
‫العلمي والصلح‪.‬‬
‫والتقدير والجلل الشخصي‪ ،‬وإحسان الظن بالخرين‪ ،‬وتلمس العذار لهم‪،‬‬
‫حق من حقوق الناس عا مة‪ ،‬وللمؤمن ين حقوق خا صة‪ ،‬وللعلماء والمثقف ين حقوق‬
‫أخص‪.‬‬
‫ولكن ينبغي بعد ذلك‪ ،‬أن ل نخلط بين تقدير الشخاص والعمال‪ ،‬وهما أمران‬
‫تعودنا على الخلط بينهما‪ ،‬في علئقنا العلمية والجتماعية‪ ،‬أي ينبغي فصل التقدير‬
‫الشخصي‪ ،‬عن التقدير الموضوعي‪.‬‬
‫ففييي الحترام الشخصييي نعجييب بصييلح الشخييص الذاتييي‪ ،‬ونيتييه‬
‫الحسنة‪،‬وإخلصه وحماسته‪ ،‬وعفته وزهده واستقامته‪ ،‬ونشاطه وحيويته‪ ،‬أما في‬
‫الوزن الموضو عي‪ ،‬فنع جب بالعمال الناج حة والنتائج ال صالحة‪ ،‬والفكار العمل ية‪.‬‬
‫لنها هي الحكمة التي تؤخذ من أي شخص‪ ،‬وهي علمة الذين آمنوا‪ ،‬لنهم "عملوا‬
‫الصالحات"‪.‬‬
‫وعنيد دراسية العمال والقوال‪ ،‬ينبغيي أن يشكير الجييل اللحيق الجيال‬
‫السالفة‪ ،‬ويثني عليها‪ ،‬ويذكر محاسن موتاه‪ ،‬ويبرز فضائلهم وفواضلهم ‪.‬‬
‫و ينبغي أن ل يركز على أخطائهم‪ ،‬إل في مناسبات معينة‪،‬تهدف إلى إيضاح‬
‫الحق الملت بس‪ ،‬مع ضرورة الشارة إلى الجواء التي عاشوا فيها‪ ،‬والضغوط التي‬
‫ألجأتهم إلى بعض التجاهات‪ ،‬أو الخطاء أو النواقص‪ ،‬لن استخدام معايير حديثة‪،‬‬
‫لمحاسبة الماضين؛ إخلل بالمنهج العلمي الموضوعي‪،‬ول يمكن تطبيق آليات منهج‬
‫حد يث بأ ثر رج عي‪ ،‬على أناس كان لهم آليات ومنا هج و سقف معر في‪ ،‬ل يمكن أن‬
‫يحلقوا فوق أفقه‪ ،‬هذه مسألة علمية‪.‬‬
‫وهناك مسألة اجتماعية‪ ،‬لن المبالغة في نقد الماضين؛ ترسخ قطيعة مبيرة‪،‬‬
‫بيين سيلف المية وخلفهيا‪ ،‬تنجرح فيهيا الذات الجتماعيية‪ ،‬عيبر تهدييم رموزهيا‬
‫الفكرية‪ ،‬فتسقط السوة الحسنة في المة‪ ،‬لن التراث جزء من مكونات الشخصية‬
‫القومية للمة‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك ينبغي تجديده بروح الولء والمحبة والنتماء‪ ،‬ولبد إذن من‬
‫الشادة بخلياه الحية‪ ،‬أثناء استبعاد خلياه الميتة‪.‬‬
‫ج‪-‬محاولة لمعرفة الخطإ والصواب‬
‫مين حيق أي محافيظ اليوم‪-‬فيي عصير المبرياليية الغربيية‪-‬على الصيياغة‬
‫العبا سية للعقيدة أن يقول إن الحنابلة أ صابوا‪ ،‬عند ما تحدثوا عن (الفوق ية والعلو)‬
‫في مثل قوله تعالى(الرحمن على العرش استوى) فالنصوص التي تدل على أن ال‬
‫في ال سماء كثيرة وافرة‪ ،‬ول يم كن في سياق الكلم العر بي تأويل ها على العلم‪ ،‬أ ما‬
‫حديث النزول فالمقصود في الحديث الحث على قيام الليل‪.‬‬
‫ول كن ينب غي أن يقال للمحافظ ين اليوم‪ -‬في ع صر المبريال ية الغرب ية‪-‬على‬
‫الصيياغة العباسيية للعقيدة‪ :‬والكلم فيي أن ال ينزل بذاتيه أو لينزل ‪ ،‬وأن ذلك‬
‫يناقيض الفوقيية‪ ،‬ل طائل تحتيه ول يترتيب علييه عميل‪ .‬ولم يثره السيلف الراشدي‬
‫الصالح‪ ،‬فالبحث فيه غير مشروع أصل‪.‬‬
‫و مين حيق أي محافيظ اليوم‪-‬فيي عصير المبرياليية الغربيية‪-‬على الصيياغة‬
‫العبا سية للعقيدة أن يقول أ صاب الشاعرة عند ما ف سروا الع ين بالرعا ية‪ ،‬في قوله‬
‫تعالى ((ولتصينع على عينيي)) والييد فيي قوله تعالى وقالت اليهود ييد ال مغلولة‬
‫غلت أيديهييم"‪ ،‬وقوله تعلى"يوم يكشييف عيين سيياق ويدعون إلى السييجود فل‬
‫يسيتطيعون" وقوله "على مافرطيت فيي جنيب ال" ‪ ,‬وقول الرسيول صيلى ال علييه‬
‫و سلم يض حك ري نا ‪ ...‬وقوله "ب ين أ صبعين من أ صابع الرح من" فطبي عة ال سياق‬
‫اللغوي‪ ،‬تجعيل هذا التفسيير هيو المراد‪،‬وقيد مدح ال الصيالحين‪ ،‬مين "أولي اليدي‬
‫والبصار"‪ ،‬ولم يكن المراد إثبات العيون ول اليدي‪ ،‬بل إثبات الرادة والحكمة‪ ,‬ول‬
‫يم كن أن يف هم المتمرس بالبيان العر بي؛ أن المراد بم ثل هذه الن صوص‪ ،‬إثبات يد‬
‫ول عين ول ساق ‪ ,‬فضل أن يقول بعضهم أن ل عينين اثنتين‪.‬‬
‫ولكين ينبغيي أن يقال للمحافظيين اليوم‪-‬فيي عصير المبرياليية الغربيية‪-‬على‬
‫الصيياغة العباسيية للعقيدة‪ :‬ميا فائدة النشغال بالتصيويب والتخطئة‪ ،‬فيي قضاييا‬
‫تاريخ ية‪ ،‬تلك أ مة قد خلت ل ها ما ك سبت‪ ،‬كا نت تج يب عن أ سئلة ماثلة‪ ،‬وإشكالت‬
‫قائمة‪ ،‬واجتهد الحنابلة عندما تجاوزوا المعنى الساسي المقصود إلى معنى أضافي‪،‬‬
‫هو إثبات يد ورجل وعين وجنب وقدم ل‪ ،‬وحدا الشاعرة التنزيه فاجتهدوا عندما‬
‫تجاوزوا المعنى الساسي المجازي إلى النفي‪ ،‬وكل في اجتهاده راعى نوازل زمانه‬
‫ح سب إمكا نه‪ ،‬عند ما د خل هذه المضائق‪ ،‬واجتهاد هم ل يلزم أحدا‪ ،‬الدفاع ع نه إن‬
‫كان صوابا‪ ،‬ول نقضه إن كان خطأ‪ ،‬لنه ليس لست له أولوية‪ ،‬وليس سؤال مثارا‪،‬‬
‫فالسئلة اليوم هي الشيوعية والعلمانية والقومية والوطنية والمبريالية‪.‬‬
‫ولكين ينبغيي أن يقال للمحافظيين اليوم‪-‬فيي عصير المبرياليية الغربيية‪-‬على‬
‫ال صياغة العبا سية للعقيدة‪ :‬لماذا نخرج اليوم عن المعا ني ال ساسية المق صودة في‬
‫السياق‪ ،‬التي يفهمها جمهور الناس‪ ،‬من خلل سنن العرب في الكلم‪.‬‬
‫ولماذا نشغيل طلب الجامعات وجماهيير المجالس والمسياجد‪ ،‬ونجرهيم إلى‬
‫الخوض في أمور ل تدركوها‪ ،‬وفي مال طائل تحته‪ ،‬ول يترتب عليها عمل‪.‬‬
‫لماذا يستدعي المحافظون اليوم‪-‬في عصر المبريالية الغربية‪-‬على الصياغة‬
‫العباسية للعقيدة‪ ،‬الخلف في توحيد السماء والصفات‪ ,‬والتصارع المرير حول هذا‬
‫المفهوم الجدييد‪ ،‬والتكفيير والتبدييع‪ ،‬ويغرقون الناس فيي شقاق وصيراع؛ ل يفييد‬
‫المة إل مزيدا من الصداع‪ ،‬ومزيدا من البلبلة والوجاع‪ ،‬وهم أول من يعلم أنه ل‬
‫يقدم فكرا علميا ول أولويا ول قطعيا‪ ,‬إنما هو ظنون تفر من اليقين إلى التخمين‪.‬‬
‫نؤكيد هذا لكيي ل تختلط السيلفية منهجيا هيو نجيم القطيب ؛بآراء واجتهادات‬
‫خلف ية‪ ،‬ع ند الحنابلة في صياغة ا بن الطحاوي‪،‬أو عند هم في صياغة الشعري‪،‬‬
‫سواء في قضايا ظنية ثانوية اجتهادية‪ ،‬استبدت باسم العقيدة‪.‬‬
‫ولذلك ينب غي أن يحذر المحافظون اليوم‪ -‬في ع صر المبريال ية الغرب ية‪-‬على‬
‫الصيياغة العباسيية للعقيدة مين أن يجعلوهيا مسيطرة ‪ ،‬يقيسيون بهيا إسيلم الناس‪،‬‬
‫ويتخذونها أصل لبناء فكر إسلمي يقاوم العلمنة والفرنجة‪.‬‬
‫ليس من الضروري أن يكون دعاة السلفية الموازنة‪ ،‬بين الصلح الروحي‬
‫والسياسي‪ ،‬في عهد المبريالية الغربية؛جزءا من معركة قبل ألف عام‪ ،‬حول قضية‬
‫خلق القرآن ول ح تى حول م سألة ال سماء وال صفات برمت ها‪ ،‬ول يس من أضروري‬
‫أن نصيوب أشعرييا ول مين الضروري أن نخطيئ خللييا أو تيمييا‪ ،‬ولكين مين‬
‫الضروري أن نقول للجميع‪ :‬كلكم سلفي أصيل‪ ،‬والسلفية تسع الجميع‪ ،‬فل تضيقوا‬
‫على أنفسكم ول على الخرين‪.‬‬

‫‪=21‬مرض زمنهم القديم و أمراض عصرنا الجديدة‬


‫هل هما متشابهان؟‬
‫أ‪-‬لكل عصر معطيات وتحديات‪:‬‬
‫و المحافظون على ال صياغة العبا سية اليوم في ع هد المبريال ية الغرب ية‪ ،‬لم‬
‫يلحظوا مسألة مهمة‪ ،‬ول سيما في هذه الفترة العصيبة من حياة المة‪ ،‬لن ثقافتنا‬
‫اليوم تش كو من أمراض المجتمعات المقهورة وإفرازات ها‪،‬و قد تضا عف هذا المرض‬
‫اليوم فصارت العلة علتين‪:‬‬
‫المرض القدييم‪ :‬فقدان الحريية والكرامية والعدالة والتعدديية‪ ،‬عندميا سيلب‬
‫الحجاج وسيللته كرامية المية وحريتهيا وقرارهيا‪ ،‬وتصيرف فيهيا تصيرف الولي‬
‫الظلوم‪ ،‬باليتيم‪ ،‬عن أمرين‪:‬‬
‫المرض الجد يد‪ :‬ها جس الخوف على الهو ية‪ ،‬من دول غرب ية‪ ،‬تر يد بنظام ها‬
‫الحضاري زعزعة الثقة بالذات القومية بالصدمة الحضارية‪ ،‬وما جرته من اختلل‬
‫في اتزان النفوس‪ ،‬أدى إلى احتقار كل أهلي موروث‪ ،‬وتعظ يم كل وا فد جد يد‪ ،‬ع ند‬
‫أغلب النخب‪ ،‬وإلى التمسك بالموروث‪ ،‬عند عامة الناس‪ ،‬ول سيما النخب الدينية‪،‬‬
‫دون مييز بيين مصيباح الكتاب والسينة‪ ،‬وميا علق بيه مين تأوييل وتحرييف‪ ،‬أظهير‬
‫نماذجه كتب التفسير‪.‬‬
‫لم يدرك المحافظون على الصيياغة العباسيية اليوم فيي عهيد المبرياليية‬
‫الغربية أن المتغير ل بد أن يتغير‪،‬لنه مرتبط بالحركة الجتماعية للبشر‪ ،‬إذ يحتاج‬
‫الناس إلى صيياغة دينيية متغيرة‪ ،‬تواكيب حركية التغيير الثقافيي والجتماعيي‬
‫والحضاري‪.‬‬
‫ولم يدركوا أن الصياغة العباسية للعقيدة والثقافة إنما كانت جواب سؤال‪ ،‬أو‬
‫إزالة إشكال‪ ،‬أو التصدي لتحد فكري هاجم‪.‬‬
‫إذا تغيرت السيئلة والمشكلت والمعطيات‪ ،‬فلبيد مين أن تتغيير الجوبية‬
‫والحلول‪ ،‬ول تكون الحلول مشرو عة؛ إل بالعودة إلى صيدلية القرآن وال سنة‪ ،‬من‬
‫أجيل تركييب الدواء وتركيزه‪ ،‬ومين لم يدرك الوقائع الجديدة التيي تطرح أسيئلة‬
‫جديدة‪ ،‬فلن يمنع الرياح الشمالية من أن تسفو عليه التراب‪.‬‬
‫نسي التباع المقلدون أن أساتذتهم المجددون أنشأوا فكرا أجابوا به عن‬
‫السئلة المثارة في مطلع العصر العباسي‪ ،‬لن السلفيات العباسية انحصرت في شق‬
‫العقيدة الروحيي أول‪ ،‬ثيم ركزت على الشيق الغييبي ثانييا‪ ،‬مين إلهيات ونبوات‬
‫وغيبيات‪ ،‬وربما حصرها بعضهم بجزيئات الغيبيات الظنية ثالثا‪ ،‬كإثبات الصفات و‬
‫الرؤية‪ ،‬وإنكار القول بخلق القرآن (انظر‪:‬الزنيدي‪.)51:‬‬
‫لم يدرك التباع المقلدون هذه الحقيقية‪ ،‬ولذلك صياغوا العقيدة صيياغات ظلت‬
‫طوال القرون مثار فتن بين المسلمين‪ ،‬في أمور ظنية اجتهادية غير عملية‪،‬قوامها‬
‫الجدل العريض في صفات ال وأسمائه‪:‬هل القرآن مخلوق أم غير مخلوق؟‪ ،‬هل ل‬
‫يد وعين وأذن؟ وهل له ساق وقدم وأصابع؟‪.‬‬
‫ومن المقبول أن يستمر الجدل في هذا السؤال خمس سنين‪ ،‬أو حتى خمسين‬
‫سينة‪ ،‬أميا أن يسيتمر الجدل خميس مئة سينة‪ ،‬والشعوب تعانيي مين الفقير والظلم‬
‫والستبداد‪ ،‬فذلك خلل فظيع في سياق الولويات‪.‬‬
‫ب=لو اطلع رواد الســلفيات الحرار على تلميذهــم‬
‫اليوم ماذا سيقولون ؟‬
‫ترى لو أن الحرار من رواد السلفيات العباسية والمملوكية والعثمانية الذين‬
‫جددوا صياغة العقيدة والفقه‪،‬في العصور السوالف‪ ، ،‬بعثوا من مراقدهم‪ ،‬وظهروا‬
‫على تلميذهم في زمان المبريال ية الغربية؛ أل يقولون لنا‪ :‬أيها القوم! لقد اختلف‬
‫ع صركم عن ع صورنا‪ ،‬فبين نا وبين كم قرون‪ ،‬والناس أش به بزمان هم‪،‬من هم بآبائ هم‬
‫وأجدادهم‪.‬‬
‫أفل يقولون‪ :‬ل قد در سنا التحديات ال تي كا نت في ع صورنا‪ ،‬وا ستخرجنا ل ها‬
‫الفكار والليات المناسبة حسب اجتهادنا‪ ،‬وركبنا من صيدلية القرآن والسنة‪ ،‬أدوية‬
‫ووصفات‪ ،‬تحاول علج الوباء الذي أمامنا‪ ،‬فإذا نجح علجنا لزماننا‪ ،‬فلسببين‪:‬‬
‫الول‪ :‬أ نه ش خص الداء الم ستجد‪ ،‬و الثا ني‪ :‬أ نه ا ستل من صيدلية الكتاب‬
‫والسينة‪ ،‬خلطات علجيية يمتزج فيهيا الثابيت و المتغيير‪ ،‬بنسيب عمليية ل تقطيع‬
‫الوشائج بين صحة الفكار‪ ،‬والنجاح في الحقل الجتماعي‪.‬‬
‫أل يقولون لنا‪ :‬إذا أردتم أن تنجحوا‪ ،‬فشخصوا التحدي الماثل أمامكم‪ ،‬وركبوا‬
‫له الدوية المناسبة‪ ،‬حسب المعطيات‪ ،‬ول تظنوا أن علجا قدمه أحمد بن حنبل أو‬
‫ابن تيمية أو ابن عبد الوهاب‪ ،‬ونحوهم ومن قبلهم ومن بعدهم أيضا; صالحا لكل‬
‫وباء‪.‬‬
‫أل يقولون ل نا‪ :‬قد ظهرت لدي كم بدعُ جديدة‪،‬وأنواع من الشرك والك فر ال كبر‬
‫وال صغر عديدة‪ ،‬فعالجو ها قولً و عمل م عا‪ ،‬وخل صوا الناس من براثن ها‪ ،‬وخذوا‬
‫مين صييدلية القرآن الكرييم والسينة‪ ،‬علجا لمراضكيم‪ ،‬ول تظنوا أن العلج الذي‬
‫وضعناه‪ ،‬في القرن الثا ني ع شر أو ال سابع أو الثالث‪ :‬صالحا ل كل زمان ومكان‪ ،‬أو‬
‫صالحا لكل مريض‪ ،‬فلكل داءٍ دواء‪ ،‬ومن جَهلَ ذلك لم يكن طبيبا‪.‬‬
‫ج‪-‬التلميـــذ والتباع عندمـــا يســـتثمرون أســـاتذتهم‬
‫لصناعة مذهب‪:‬‬
‫المشكلة ليسيت فيي رواد السيلفيات العباسيية والمملوكيية والعثمانيية‪ ،‬الذيين‬
‫أعلنوا أن صياغتهم محكو مة بمعيار‪ ،‬وأعلنوا أن السيلفية المحتذاة‪ ،‬هيي المصيباح‬
‫في الزجاجة والمشكاة‪.‬‬
‫بيل المشكلة فيي التلمييذ الذيين ل يتصيورون أن ذالك الرائد أو ذاك‪ ،‬كان‬
‫مجددا فيي حدود زمانيه ومكانيه وإمكانيه‪ ،‬وأن أقواله وأفعاله وصيياغاته اجتهاد‪،‬‬
‫وليسيت هيي الميزان ول مقياس‪ ،‬إنماهيي موزون ومقييس‪ .‬التلمييذ الذي حبسيهم‬
‫فرط العجاب عين النظرة النقديية؛ أمثال هؤلء اليوم هيم الذيين حولوا السيلفيات‬
‫التيي فرطيت بمبادئ السيياسة الشرعيية ووسيائلها العشرة إلى ميزان‪ ,‬يزنون بيه‬
‫اليمان‪ ،‬فاعتيبروا الصيياغات العباسيية صيالحة لكيل زمان و مكان‪ ،‬فدفعهيم ضييق‬
‫الفق‪ ،‬إلى إعادة إنتاج الصياغة القديمة‪.‬‬
‫و قد ساعدت المحافظ ين على ال صياغة العبا سية اليوم في ع هد المبريال ية‬
‫الغرب ية‪ ،‬عدة عوا مل على تر سيخ الخضوع لفرع نة سللة الحجاج القدي مة وهيم نة‬
‫الغرب الحدي ثة‪ ،‬وأهم ها الن فط الذي شج عت مضخا ته دور الن شر و المطا بع‪ ،‬من‬
‫أجيل التعلق بالجداد والتشبيث بالبييت القدييم ‪ ،‬فنشطوا فيي نشير المخطوطات‬
‫والمطويات‪ ،‬تحيت عناويين (كنوز التراث)‪ ،‬وعناويين السيلف الصيالح‪ ،‬والسينة‬
‫والجماعة‪.‬‬
‫وأعادت تيارات الفكير الدينيي المحافظية على الصيياغة العباسيية للعقيدة‬
‫والثقافية السيلمية؛ ول سييما خلل العصيور المملوكيية والتركيية؛تشكييل الئمية‬
‫السابقين‪ ،‬على الوجه الذي يعضد آراءها‪.‬‬
‫وأكثر من اختلف الناس في آرائه المام أحمد بن حنبل‪ ،‬على الرغم من أنه‬
‫نهيى تلميذه عين كتابية فتاواه وآرائه‪ ،‬لكين تلميذه كتبوا عنيه وأكثروا‪ ،‬وقدموا‬
‫شخصيته العلمية بصورة مضطربة متناقضة‪ ،‬ففي كثير من المسائل له قولن‪ ،‬حتى‬
‫في أصول الفقه‪.‬‬
‫بيل إن ذلك وصيل إلى صيياغة الجانيب الغييبي مين العقيدة‪ ،‬فقدميه تلميذه‬
‫المختلفون ظهيرا ل هم؛ في اتجاه ين مختلف ين‪ ،‬ف قد اد عى مذه به الذ ين ركزوا على‬
‫إثبات صفات المخلوق للخالق‪ :‬كالو جه والع ين وال يد وال ساق‪ ،‬ك ما ف عل ا بن تيم ية‬
‫وابين خزيمية والبربهاري‪ .‬كميا قدميه ظهيرا لهيم؛الذيين كزوا على ماسيموه تنزييه‬
‫لخالق عن صفات المخلوق‪ :‬والذين اعتبروا الوجه والعين واليد والساق؛ تعبيرات‬
‫مجاز ية عن ال كل والقدرة والكرم والهول‪ ،‬كالشعري وأ بي الوفاء ا بن عق يل‪ ،‬ك ما‬
‫بين ذلك ابن الجوزي‪.‬‬
‫والذي ليدرك السنة يتصور أن الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬يجلس كل يوم‬
‫يعلم الصيحابة هذه السيفسطة فيقول‪ :‬إن ل وجهيا ويدا وعينيين وصيدرا وسياعدا‬
‫وفخذا وساقا وقدما وجنبا‪،‬وإن معناها كذا(على رأي البربهاري)‪ ،‬أو كذا وكذا (على‬
‫رأي الشعري)‪.‬‬
‫وجاء المحافظون على ال صياغة العبا سية اليوم في ع هد المبريال ية الغرب ية‬
‫فاعتيبروا اجتهادات الجييل السيلفي العباسيي الصيالح وإضافات العصيور المملوكيية‬
‫والتركية؛ هي الصل‪ ،‬فلم يروا الشريعة إل بعيونه‪ ،‬ولذلك أوجبوا على الناشئة‪ ،‬أن‬
‫ل تفهم الصول إل كما فهمها ذلك الجيل‪ ،‬في مسائل العقيدة خاصة‪.‬‬
‫فادعى كل من الشاعرة والتيمية أنهم الصواب‪ ،‬وعتبر الفرقتان المنتسبتان‬
‫للمام أحميد بين حنبيل؛ أن ميا قاله ابين حنبيل هيو الصيل‪ ،‬على أنهميا أعادا إنتاج‬
‫المام‪ ،‬ولذلك صيارا فرقتيين‪ ،‬وأضافتيا إلى ماقال المام شروحهميا وتفريعاتهميا‪،‬‬
‫واعتبر تا ذلك هو قول ال سلف ال صالح‪ ،‬واحتم تا بهذا الم صطلح‪ :‬ال سلفية وبالمام‬
‫أحميد‪ ،‬وأعلنتيا اللتزام بالصيل‪ ،‬ليكون رايية لنشير ماسيمي بمذهيب (الشاعرة)‪،‬‬
‫أومذهب (الحنابلة)‪ ،‬ودفاع عن الغزالي ضد ابن تيمية‪ ،‬أو ابن تيمية ضد الغزالي‪.‬‬
‫بيل هناك ميا هيو أخطير مين ذلك‪ ،‬وهيو أن المقلديين يضيفون إلى تعصيبهم‬
‫ل ساتذتهم أيضا‪ ،‬ب ما ل هم من صواب وخ طأ‪ ،‬وآ ني ومعياري‪ ،‬أن هم يعيدون تشك يل‬
‫ل بخلف الصل الذي كانوا عليه‪ ،‬من أجل الحتجاج بهم‪ ،‬عبر تكبير‬
‫أساتذتهم تشكي ً‬
‫بض آرائهم وتصغير أخرى‪ ،‬وعبر انتقاء بعضها وطمس أخرى‪.‬‬
‫دون ملحظة أن تلك الصياغات في زمنها‪ ،‬ربما كانت ناجحة وتجديدية‪ ،‬في‬
‫حدود معطيات وتحديات عصيورها‪ ،‬ولن أي فكير تجديدي‪ ،‬إنيا هيو طبخية غذاء‬
‫وخل طة دواء‪ ،‬إذا أع يد إنتاج ها جملة وتف صيل‪ ،‬لعلج أدواء مكان أو زمان مغا ير‪،‬‬
‫تصيبح تقليديية‪ ،‬لسييما و جمييع السيلفيات المحافظية‪ ،‬قيد أخلت بنظام العقيدة‬
‫المتوازن‪.‬‬
‫نحين اليوم أحوج ميا نكون إلى تذكير أن السيلفية بوصيلة تشيير إلى قطيب‬
‫ولي ست الق طب نف سه‪ ،‬هذا الت صور ينب غي تر سيخه‪ ،‬لن التحديات أ كبر‪ ،‬واتجاهات‬
‫التجديد أكثر‪ ،‬وتجاوز الصول صار أخطر‪ ،‬وعجز الصياغات والمعالجات العباسية‬
‫صار افظع‪ ،‬بذلك تصبح سلفية المصباح والمشكاة هي نجمة القطب وبوصلتها‪.‬‬
‫ين‬
‫يم الثانويات على ‪ ،‬و الغفلة عي‬
‫ية‪ :‬إن تقديي‬
‫ياسا للعقيدة والثقافي‬
‫ليكون أسي‬
‫لصيياغة العباسيية للعقيدة على امتداد القرون‪ ،‬اختلطيت فيهيا أفكار تجدييد ودرايية‪،‬‬
‫بأفكار تقلييد وروايية‪ ،‬فلم يكين منتسيبوها بدرجية واحدة مين القتدار‪ ،‬على إجابية‬
‫سؤال التحدي‪ ،‬ولم يكونوا بدر جة واحدة في م ستوى ا ستلهام الكتاب وال سنة‪ ،‬ولم‬
‫ي كن رموز ها بدر جة واحدة من الر سوخ في العلم‪ ،‬ولم يكونوا بدر جة واحدة من‬
‫القدرة على تجديد الدين‪ .‬للعقيدة والتربية والثقافة السلمية‪،‬‬

‫‪ =22‬أهمية فك انحباس المقياس السلفي بالصياغة‬


‫العباســية للعقيدة ‪/‬لكــي تصــادر الســلفيات العباســية‬
‫مسطرتها‬
‫أ‪-‬مسلسل الضافات السلفية ‪:‬‬
‫أهيم ميا وقيع فييه المحافظون على الصيياغة العباسيية اليوم فيي عهيد‬
‫المبرياليية الغربيية وأنهيم يمزجون‪-‬فيي سيذاجة معرفيية‪ -‬بيين نصيوص القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬وفهم السلفي العباسي‪ .‬فتنتقل قداسة النص المشروح إلى الشرح والشارح‪،‬‬
‫فيكتسيب الكتاب الشارح قداسية النيص المشروح‪ ،‬فلنيه تفسيير للقرآن أو شرح‬
‫للحد يث‪ ،‬يكت سب ع ند الناس تقديرا خا صا‪ ،‬ك ما أن ل صاحب الوز ير والم ير مكا نة‪،‬‬
‫أ جل من مكا نة صاحب البقال والحلق‪.‬وبذلك تم تقد يس آراء الوائل ل على أن ها‬
‫اجتهادات يجوز فيها الخلف‪ ،‬بل على أنها هي مقتضى النص الصريح‪.‬‬
‫‪.‬كان مين أعظيم أسيباب رسيوخ اختلل (نظام) العقيدة المتوازن اليوم؛ أن‬
‫التمذ هب والتع صب الذي أف ضى إلى إدخال اجتهادات الفقهاء العبا سيين‪ ،‬في منزلة‬
‫القطعيات وإجماع العصير الراشدي‪ ،‬على أن أغلب مثار النزاع فيي جانيب العقيدة‬
‫الغيبي كان مسائل ل تستند إلى دليل قطعي‪.‬‬
‫فوقيع اللبيس بيين السيلفية‪ :‬القطيب‪ ،‬وكواكبيه الدوارة حوله ‪ ،‬لن التيارات‬
‫المحافظية اليوم على الصيياغة العباسيية للعقيدة والثقافية‪ ،‬لم تفرق بيين السيلف‬
‫الراشدي الصالح‪ ،‬وبين من جاؤوا بعده‪ ،‬من من عاشوا في عصور جدب وتقليد‪.‬‬
‫من مفارقات التقليد؛ أن الجيال التالية التي أعلنت شعار عبدال بن مسعود‬
‫رضي ال عنه ((عليكم بمن سلف))‪ ،‬إنما وظفت عبارة ابن مسعود توظيفا أخرجها‬
‫عن إطار ها العملي‪.‬وكان ال سلف – في معيارا بن م سعود‪ -‬هم ال صحابة ال سابقون‬
‫والتابعون بإح سان‪ ،‬ع هد الشيخ ين أ بي ب كر وع مر‪.‬وكان الموضوع سياسيا‪ :‬و هو‬
‫وجوب تولية الكفاء‪ ،‬وحفظ بيت مال المسلمين‪.‬‬
‫ثم دخل في مفهوم السلف عهد الخلفاء الراشدين‪.‬عند جيل الحسن البصري‪،‬‬
‫والشيخان عثمان وعلي بذلك جديران‪ ،‬لنهما من الخلفاء الراشدين‪.‬‬
‫ثيم اتسيع مفهوم السيلف‪ ،‬فأدخيل جييل مالك وأبيي حنيفية والشافعيي‪.‬ف يه كيل‬
‫الفقهاء المويين المجتهدين المجاهدين‪.‬‬
‫ثم أدخل جيل أحمد بن حنبل فيه أمثال مالك وأبي حنيفة والشافعي‪ ،‬ونحوهم‬
‫من الذ ين أجازوا الخروج على ال سلطان الجائر بال سلح‪ .‬وو صف ا بن ح جر‪ ،‬وا بن‬
‫تيمية مذهبهم بأنه "مذهب للسلف قديم"‪.‬‬
‫ثم أدخل جيل عبد ال بن أحمد والخلل فيهم أحمد بن حنبل‪ ،‬بل عدوه عمدة‬
‫ال سلف‪ ،‬ولعله أش هر من ر فض الخروج على ال سلطان الجائر بال سلح‪ ،‬من يم كن‬
‫اعتبارهم أصحاب مذهب جديد للسلف‪ ،‬في مسألة الخروج ‪.‬‬
‫فلميا صياغ جييل أحميد ميا صياغ مين أمور فيي جانيب العقيدة الغييبي‪ ،‬صيار‬
‫الموضوع غيبيا‪ ،‬وصارعند أتباعه هو محور السلف الصالح‪.‬‬
‫وأضاف ابين تيميية مصيطلحا جديدا لقسيام التوحييد سيماه توحييد السيماء‬
‫والصفات‪ ،‬فجاء المحافظون على الصياغة العباسية للعقيدة؛ في العصور المملوكية‬
‫والعثمان ية فأدمجوه في العقيدة واع تبروا ا بن تيم ية محور ال سلفية‪ ،‬وهكذا صارت‬
‫السلفية إسفنجية بل لون ول شكل محدد‪ ،‬تتكون من إضافات وتعديلت لتنتهي‪.‬‬
‫ب‪-‬كيـف انحبـس المفهوم السـلفي بمعالجات أحمـد‬
‫بن حنبل‪ ،‬التي رواها ابنه عبد الله وتلميذه الخلل‪:‬‬
‫وأحميد بين حنبيل أكيبر علم تحول‪-‬رغميا عنيه المنهيج المفتوح إلى مذهيب‬
‫مغلق‪ ، -‬عندما أعاد إنتاجه اليوم المحافظون على الصياغة العباسية اليوم في عهد‬
‫المبريالية الغربية لعدة أسباب‪:‬‬
‫السبب الول‪ :‬أنه أشهر فقيه رفض إملءات السلطة‪ ،‬واحتفظ بحرية رأيه في‬
‫م سألة خلق القرآن‪ ،‬فكان من نتائج جهاده في سبيل حر ية رأ يه‪ ،‬أن الناس سلموا‬
‫باجتهاده في صياغة العقيدة‪.‬‬
‫السبب الثاني‪ :‬أنه صاحب أكبر مدونة في الحديث‪ ،‬ضمت مئة ألف حديث‪.‬‬
‫السيبب الثالث‪ :‬أن المحافظيين على الصيياغة العباسيية؛ ركزوا على دور‬
‫ال سلف العبا سي ال صالح مدو نا الحد يث وواض عا من هج أ صول ف قه الكتاب وال سنة‪،‬‬
‫وهذان محيل إجماع فيي الفكير السيني‪ ،‬وهميا داخلن فيي النيص وأسيلوب فهميه‪،‬‬
‫وكأن هم أدمجوا ما رواه رع يل أح مد بن حن بل من ن صوص ب ما رآه في صياغة‬
‫العقيدة ‪.‬‬
‫السبب الرابع‪ :‬أنهم لم يدركوا أن صياغة العقيدة كانت إجابة لسئلة ثارت في‬
‫عهد المأمون‪ ،‬فكانت صياغة نسبية‪ ،‬وليست أجوبة لوقائع كل زمان ومكان‪.‬‬
‫السبب الخامس‪ :‬لم يدركوا أن المسائل التي جرى فيها النقاش لم تستند إلى‬
‫أدلة قطعية‪.‬‬
‫ال سبب ال سامس‪ : :‬لم يدركوا أي ضا أ نه لي ست ل ها أولو ية‪-‬ح تى في ع هد‬
‫المأمون‪ -‬على مطالبة الحاكم بإقامة شرطي البيعة‪ :‬العدل والشورى‪.‬‬
‫يم تلك‬
‫يطرة لتقييي‬
‫يابع‪ :‬ضمور التفكيرالنقدي‪ :‬فلم يضعوا المسي‬
‫يبب السي‬
‫السي‬
‫الجتهادات والصيياغات‪ ،‬ليحكموا هيل جاء المقييس على قالب المقياس‪ ،‬وليدركوا‬
‫مدى د قة اللتزام بالمقياس‪ ،‬ليفرزوا ما وا فق المقياس‪ ،‬من ما زاد عل يه أو ن قص‬
‫عنيه‪ ،‬ولكنيه ناسيب المناخات‪ ،‬وميا فيهيا أخطاء تطيبيق أو تنظيير‪ ،‬بيل صيارت تلك‬
‫الممارسيات هيي المسيطرة‪ ،‬وعندميا رفعوا شعار السيلفية اختلط المران المقييس‬
‫والمقياس‪.‬‬
‫فصيارت الصيياغة والحركات هيي السيلفية‪ ،‬وجيرت جمييع الرموز السيلفية‬
‫القديمة‪ ،‬لخصوصية مذهب اجتهادي عباسي محوره مسألة السماء والصفات‪.‬‬
‫ال سبب الثا من‪ :‬لم يل حظ المحافظون على ال صياغة العبا سية اليوم في ع هد‬
‫المبريال ية الغرب ية ترا كم الخطاء والضافات‪ ،‬في جا نبي الت طبيق و التنظ ير‪ ،‬ال تي‬
‫ما وقع فيه منتسبو السلفيات العباسية‪ ،‬من بعد عصر أحمد بن حنبل‪ ،‬كعبد ال بن‬
‫أحمد بن حنبل وابن بطة والبربهاري‪.‬وهي أخطاء ومبالغات نمت بل دلت على عن‬
‫غفلة أو عجز أو تهاون أو ضيق أفق‪.‬‬
‫السيبب التاسيع‪ :‬لم يفرقوا بيين المعنيى العام للسيلف الصيالح‪ ،‬وهيو الورع‬
‫والحتساب والجتهاد‪ ،‬والمعنى الخاص‪ ،‬الذي هو انقياس الفعال فكرا وعمل‪ ،‬وفق‬
‫مقياس‪ :‬ما أنا عليه وأصحابي‪ ،‬فأدخلوا فيهم شخصيات وأنماطا‪ ،‬لم تستطع التحرر‬
‫مين طابيع الشخصيية المقهورة فيي مناخ الفرعنية‪ ،‬كعبيد ال بين سيهل التسيتري‪،‬‬
‫والفض يل بن عياض‪ ،‬رووا ل ها أقوال في الترب ية وعلم الجتماع ال سياسي‪ ،‬وكأن ها‬
‫من أنماط القابسي و ابن خلدون‪.‬‬
‫ب‪ -‬لكي ل تصبح الكواكب الدوارة هي القطب‪:‬‬
‫وهكذا ان ساق المحافظون على ال صياغة العبا سية اليوم في ع هد المبريال ية‬
‫الغربية‪ ،‬إلى تثبيت نظام رهباني أمي سياسيا‪ ،‬يستخذي لفرعنة الحجاج وإمبريالية‬
‫الغرب‪ ،‬وي سود المجالس والمدارس‪ ،‬ويتحول في الموا سم إلى موع ظة يوم ية تل قى‬
‫في المساجد‪ ،‬وتؤلف على إيحاءاته كتب في التربية والسلوك‪ ،‬تثبت مفاهيم العزلة‬
‫والخمول والفردية‪ ،‬في الثقافة الشعبية‪.‬‬
‫وابتلع الناس هذا الثقافة‪ ,‬عبر مواقف ومقاولت ‪,‬تلوي جيد النص الصحيح‬
‫الصيريح؛ بعشرات مين التأويلت الهشية التيى حولت الديين إلى عجائن لدائن؛ بيين‬
‫أناميل التقالييد الخاملة تكيفييه وتحجميه‪ ،‬وتصيغر قيميه المدنيية وتكيبر الروحيية‪،‬‬
‫وتحرف مقا صده القطع ية‪ ،‬وتأول ن صوصه ال صريحة‪ ،‬ح تى يكون ج بة على مقاس‬
‫ذهن ذهن صوفي قابع‪ ،‬تلتف في عباءة عقل صحراوي جامح‪.‬‬
‫وبالغ المحافظون على ال صياغة العبا سية اليوم في ع هد المبريال ية الغرب ية‬
‫فإذا ب هم يتخذون من سلفنا العبا سي ال صالح وا سطة بين هم وب ين م صباح الكتاب‬
‫وال سنة‪ ،‬فل يقبلون أن يف هم الناس م نه ما لم يفهموا‪ ،‬ول يقبلون أن يراه أ حد إل‬
‫بعيون هم‪ ،‬ول يكادون يحاكمون الفكار والبرا مج والمنا هج‪ ،‬إلى النتائج‪ ،‬بل يكتفون‬
‫بشعار‪ :‬مين أصياب فله أجران‪ ،‬ومين أخطيأ فله أجير‪ ،‬ومادام الجير مرجوا‪ ،‬فإن‬
‫محاك مة النيات بالنتائج أ مر غ ير وارد‪ .‬إن ها مشكلة الم صلحين عند ما يكونون غ ير‬
‫متسيسين‪.‬‬
‫ولم يقفوا خلل مئة عام مين بدايية ظهور المطابيع والمدارس‪ ،‬لتقيييم نتائج‬
‫هذه المتون العبا سية والمملوك ية‪ ،‬ال تي اكت سبت انتشارا في أ سواق الن شر‪ ،‬أوال تي‬
‫اكت سبت احترا ما أكاديم يا‪ ،‬كك تب الكلم‪ ،‬وك تب الف قه والقانون‪ ،‬وك تب علوم القرآن‬
‫وشروح الحدييث‪ ،‬وكتيب الوعيظ والخلق والتفسيير والتصيرف‪ ،‬وكتيب التارييخ‬
‫والدب والقصص الشعبي والمثال‪.‬‬
‫ومين أخطير المور أن يجير تقدييس القرآن والحدييث‪ ،‬إلى تقدييس صيياغات‬
‫البشر الشارحين والمفسرين‪ ،‬الذين صاغوا العقيدة والثقافة‪ .‬إن ذلك يعني أن يكون‬
‫ل هم حق مطلق‪ ،‬في احتكار ف هم الد ين‪ ،‬واحتكار الحقي قة‪ ،‬وال ستحواذ على تمث يل‬
‫سلف ال صحابة ال سابق ال صالح‪ ،‬وإعادة تشك يل الج يل ال سلفي العبا سي الرائد ك ما‬
‫يريدون‪ ،‬وتوظيفهم في المشاريع الفكرية التي يشتهون‪.‬‬

‫‪ /=23‬لئل يستخدم المفهوم السلفي مظلة للخطاب‬


‫الديني المحرف الذي صار حارسا مقدسا للستبداد‬
‫والتخلف‬
‫أ‪ -‬كيف ضحوا بالعدل من أجل إقامة الصلة‪:‬‬
‫ل عل أهم عيوب الذهنية السلفية‪ ،‬المحافظة على الصياغة العبا سية في‬
‫عهد المبريالية الغربية‪ ،‬أنها هونت من عمود العدل خوفا على عمود الصلة‪،‬‬
‫صار السلفيون المحافظون على الصياغة العباسية للعقيدة والثقافة والتربية‪،‬‬
‫في ع صر المبريال ية الغرب ية؛ سببا رئي سيا من أ سباب خذلن ال مة‪ ،‬وا ستشراء‬
‫ال ستبداد والهيم نة الغرب ية‪ ،‬لن هم أعادوا إنتاج خطاب دي ني محرف‪ ،‬صار حار سا‬
‫مقدسيا للسيتبداد والتخلف‪ ،‬فقدموا توحيدا روحييا رهبانييا‪ ،‬ركزوه على محاربية‬
‫الطواف حول الولياء في القبور‪ ،‬وأقلموه على الطواف حول الطغاة في القصور‪.‬‬
‫وقدموا السلفية‪ ،‬فقها سياسيا اضطراريا‪ ،‬يقول بطاعة السلطان الجائر مادام‬
‫يقيم الصلة‪ ،‬ولو سرق الموال وضرب الظهور‪ ،‬ووالى المبريالية الغربية‪ ،‬وصار‬
‫طرفا في منظومتها العسكرية والعلمية والتربوية‪.‬‬
‫وصاروا يمتشقون من الفرق السلفية العباسية ورموزها أسلحة‪ ،‬للطعن في‬
‫مبادئ ال سياسة الشرع ية العشرة‪ ،‬فيضربون حقوق ال مة وحقوق الن سان بحقوق‬
‫ال سلطان‪ ،‬وينكرون سلطة ال مة و سيادتها على ال سلطان‪ ،‬وينكرون مبادئ ا ستقلل‬
‫القضاء‪ ،‬ويزعمون أن القاضيي وكييل عين السيلطان ل عين المية‪ ،‬ويعتيبرون قييم‬
‫المجتمع المدني علمنة‪ ،‬وأن التجمعات الهلية ول سيما المدنية فتنة‪ ،‬وافتئاتا على‬
‫السيلطان‪ ،‬وييبيحون تعذييب المتهيم‪ ،‬ويقرون انتهاك حقوق النسيان‪ ،‬ويرفضون‬
‫وسائل الحد من الستبداد‪ ،‬كتوزيع السلطات‪ ،‬ويزعمون أن الفقهاء هم أولو المر‪،‬‬
‫وأن الشورى معلمة ل ملزمة‪.‬‬
‫وي سمون ال سلطان بولي ال مر‪ ،‬ويزعمون أ نه أدرى من ال مة بم صلحتها‪،‬‬
‫وأن ال هو الذي وله‪ ،‬و هو الذي يتولى ح سابه‪ ،‬وأن علي نا أن ند عو له بالهدا ية‪،‬‬
‫وأن ل نجاهيد جوره واسيتبداده‪ ،‬مادام يقييم الصيلة‪ ،‬وأ نه إنميا سيلط علينيا ب سبب‬
‫ذنوبنا‪ ،‬وأن صبرنا على الذل والفقر والهوان في الدنيا‪ ،‬مهر نيلنا السعادة في الدار‬
‫الخرى‪.‬‬
‫ولكيي ل يخرج أحيد مين هذا الطار‪،‬الذي كسير عمود العدل‪ ،‬متوهميا أن‬
‫التضحية به ضرورية لقامة عمود الصلة‪ ،‬تمادى العباسيون الجدد؛‬
‫بل نشطوا في إعادة ما كتب علماء العصر العباسي‪ ،‬من كتب العقيدة والوعظ‬
‫والتفسيير واتخذوا مين متونهيم منهجيا تربوييا‪ ،‬ولم تدرك أن المعالجات السيلفيات‬
‫العبا سية‪-‬على أف ضل افتراض‪ -‬كا نت حركات إ صلحية آن ية‪،‬إن لم ن قل إن ها ح تى‬
‫عن رواد ها الذ ين يم كن اعتبار هم مذ هب ال سلف الجد يد‪ ،‬هي ال تي هو نت من قدر‬
‫العدل‪ ،‬الذي هو أساس الملك‪ ،‬وهو أحد عمودي الملة‪ ،‬عندما نسبت إلى النبي صلى‬
‫ال علييه وسيلمن أقوال غريبية‪ ،‬كالقول بالصيلة خلف المام الجائر‪ ،‬والصيبر على‬
‫ولة ال سوء ما أقاموا في نا ال صلة‪ ،‬وطا عة الحا كم ولو ضرب ظهرك و سلب مالك‪،‬‬
‫ولم تفلتر أمثال هذه القوال‪ ،‬من خلل معياري نقد المتن والتعارض والترجيح‪.‬‬
‫لم يدرك المحافظون على الصياغة العباسية اليوم في عهد المبريالية الغربية‬
‫أن أهيم مين أسيباب ضعيف الصيلح الدينيي‪ ،‬خلل العصيور الغابرة والحاضرة‪ ،‬أن‬
‫أغلب حركات الصلح‪ ،‬لم تبدأ برأس الدواء‪:‬الصلح السياسي‪.‬‬
‫ب‪ -‬لئل ينحصـر فقـه مصـباح القرآن والسـنة بنظارات‬
‫عباسية‪:‬‬
‫وعندميا تحدث مشكلة‪ ،‬ل يتصيور هذا المحافظون على الصيياغة العباسيية‬
‫اليوم فيي عهيد المبرياليية الغربيية بسيبب روحهيم المقلدة لهيا حلً‪ ،‬إل مين خلل‬
‫نظارات السيلفيات العباسيية وأطروحاتهيا‪.‬وصيارت هذه التراكمات نظارة سيميكة‪،‬‬
‫مكونة من بضع طبقات‪ ،‬لبد أن يلبسها كل واعظ وموجه وفقيه ومصلح‪.‬‬
‫فاشترطوا أن ل يف هم الكتاب وال سنة‪ ،‬إل ك ما فهم ها ال سلف العبا سي؛ و هو‬
‫ينة أن يقرآ بعيون‬
‫يم القرآن والسي‬
‫ين شروط فهي‬
‫يس مي‬
‫يحيح‪ ،‬فليي‬
‫ير صي‬
‫شرط غيي‬
‫عبا سية‪،‬والخطاب القرآ ني "أفل يتدبرون القرآن" خطاب عام لل مة‪ ،‬ولم ي قل ال إن‬
‫التدبر خاص بالسلف العباسي الصالح‪ ،‬وإن دورنا هو أخذ ثمرة تدبرهم‪ ،‬ل في شق‬
‫العقيدة الروحي‪ ،‬فضل عن المدني ول في سننه الجتماعية والطبيعية‪.‬‬
‫أجيل مين الضروري اشتراط منهيج السيلف الراشدي الصيالح‪-‬الذي أعلنيه‬
‫السلفيون العباسيون الصالحون ‪ -‬أساسا للفهم‪،‬لنه هو منهج فهم الكلم العربي؛‬
‫الذي وصفه اللغويون والبلغيون‪.‬‬
‫أ ما التزام الناس بكث ير من اجتهادات ال سلف العبا سي ال صالح –ب عد ذهاب‬
‫دواعي ها‪-‬ف هو من لزوم ما ل يلزم‪ ،‬ول قد ج نى كثيرا على الف كر الدي ني‪ ،‬ل نه يد مج‬
‫الجتهاد و هو من قب يل الرأي الظ ني‪ ،‬في ال نص القط عي ‪ ،‬ويج عل الجتهاد الظ ني‬
‫البشري شيئا قطعيا‪ ،‬وبنزل الرأي منزلة الوحي‪ ،‬وبجعل الفكر النسبي فكرا مطلقا‪.‬‬
‫ومن هج ف قه الكتاب وال سنة الذي و صََفه ال سلف العبا سي من هج تجد يد عت يد‪،‬‬
‫ولكنه وصف للنص وليس نصا ليس عليه من مزيد‪.‬لقد اجتهدوا في تنظير ما طبق‬
‫السيلف الراشدي فيي فقيه الكتاب والسينة‪ ،‬ولكين توصييفهم لشيق العقيدة المدنيي‬
‫والسياسي؛ وتوسعهم في الجتهادات الغيبية ليس وحيا معصوما‪ ،‬فماكتب الشافعي‬
‫في الصول‪ ،‬من السس القيمة في فقه الكتاب والسنة‪ ،‬ولكن ليس من الصحيح أن‬
‫يقال‪ :‬ل ينبغي لغيره أن يبدئ فيه ويعيد ‪ ،‬وليس من الصحيح أن يقال إن ما كتبه‬
‫ابن تيمية ومن قبله في صياغة العقيدة‪ ،‬هو الصياغة التي ل ينبغي لحد أن يصوغ‬
‫خلفها‪.‬‬
‫عند ما ندرك أن ال سلفية من هج فهم لل نص‪ ،‬في زجا جة الت طبيق النبوي‬
‫والراشدي‪ ،‬وحقائق علوم النسيان والطبيعية‪ ،‬وأن ذلك هيو الصيل والمعيار‪ ،‬وأن‬
‫السلفيات اللواحق والسوابق حركات تجديد فكري واجتهاد وجهاد سياسي‪ ،‬نستطيع‬
‫أن نطالب كل من ينت سب إلى ال سلف ال صالح ب صحة الن سب‪ ،‬ون ستطيع أن نف تح‬
‫العيون على ما يقع فيه كل البشر من البون بين المنهج والتطبيق‪ ،‬والقول والفعل‪،‬‬
‫لكي ل نتصور السلفيات العباسية معيارا للسلم‪.‬‬
‫ج‪ -‬مـن أجـل إنهاء القطيعـة بيـن الفقـه المتمذهـب‬
‫ومصباح الكتاب والسنة‪:‬‬
‫ومن مساوىء التمذهب أنه يجعل الناس نصوص المتون المختصرة براهين‬
‫م سلمة ‪ ،‬فإذا سئل بعض هم عن البرهان قال ‪:‬ماقاله صاحب الكتاب الفل ني ‪،‬وهكذا‬
‫لم يعيد البرهان هيو القرآن ول الحدييث ‪ ،‬بيل ول أقوال التابعيين بيل أقوال أئمية‬
‫المذاهب من المتقدمين ‪ ،‬ثم أقوال المتأخرين ‪ ،‬الذين قلدهم متأخرو المتأخرين ‪ ،‬في‬
‫كتبهم المختصرة ‪ ،‬التي لتكاد تجد في المتن الواحد منها بضعة أحاديث ‪ ،‬بل تقرأ‬
‫بعضها (كزاد المستقنع)‪ ،‬الذي صار وشروحه‪ ،‬و أمثاله كتا با تعليم يا في المدارس‬
‫والجامعات السعودية وغيرها‪ .‬فل تكاد تجد آية أو حديثا ‪.‬‬
‫و من ال طبيعي أن ل تن تج هذه المخت صرات ‪ ،‬إل ذهن ية إمع ية‪ ،‬تقلد من دون‬
‫دليل‪ ،‬وأن تكون منغلقة على الماضي‪،‬وأن تفتقد الحيوية والمرونة ‪.‬‬
‫ول ما ا ستمرأ الناس التمذ هب ‪ ،‬ا ستمأروا كتا بة الف قه و فق أ فق ض يق ‪،‬‬
‫يلتزم بالمذ هب ‪ ،‬بل وجد نا كل مذ هب يحاول أن يحدد له أ صول ف قه ‪ ،‬ويحاول أن‬
‫يكون له من هج في الف قه ال سياسي ‪،‬أو على ال قل كتا بة م ستقلة ‪ ،‬وال ف ما الفرق‬
‫بين كتابي أبي يعلي والماوردي في(الحكام السلطانية)‪ ،‬وأحدهما ناقل عن الخر‪.‬‬
‫إذ إن المنافسة بين الحنابلة والشافعية‪ ،‬جرت إلى أن يكون لكل من المذهبين كتاب‬
‫يعتميد فيي الفقيه السيياسي‪ ،‬و لو كان أحدهميا ولعله أبيو يعلى الفراء‪ ،‬ناقل مين‬
‫الماوردي‪ .‬الفرق ب ين الكتاب ين هو المذهب ية‪.‬ال تي تحول المذ هب إلى مدي نة‪ ،‬كاملة‬
‫المرافق ل تحتاج لفكر لغيرها‪.‬‬
‫فتحولت كل مذاهب‪ ،‬إلى حصن عالي السوار ‪ ،‬يحبس فيه الطلب‪ ،‬فل يرون‬
‫مين السيلم إل هذا المذهيب‪ ،‬الذي يكرسيونه فيي حلقات المسياجد ‪ ،‬أو فيي قاعات‬
‫المدارس ‪ ،‬أو في حلقات المجالس‪.‬‬
‫وهكذا ترك الناس الينبوع ‪ ،‬وجروا خلف الجداول والفروع ‪ ،‬وشيئا فشيئا‬
‫اغتربوا عن الكتاب وال سنة ‪ ،‬فوقعوا في بدع التقل يد وبدع التأو يل ‪ ،‬لن من لم‬
‫ي ستضئ بم صباح الكتاب وال سنة في زجاج ته النبو ية والراشد ية‪ ،‬ومشكاة حقائق‬
‫علوم النسان والطبيعة؛ ضاع ووقع في الضللة‪ ،‬و إن أراد الهداية‪.‬‬
‫و مين آثير آراء الرجال مين دون ذلك المصيباح وقيع فيي البدع‪ ،‬وهيو ل‬
‫يدري ‪ ،‬ك ما قال الر سول ص ‪» :‬إيا كم ومحدثات المور ‪،‬فإن ها ضللة ‪ ،‬ف من أدرك‬
‫ذلك منكم فعليه بسنتي ‪ ،‬وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ‪ ،‬عضوا عليها بالنواجذ‬
‫«‪. .‬‬
‫مين أجيل ذلك‪.‬قال المعصيومي » إن الخيذ بأقوال الفقهاء ; بمنزلة التيميم ‪،‬‬
‫ي صار إل يه ع ند عدم الماء ‪ ، ..‬فك يف ب من عدلوا إلى التي مم ‪ ،‬والماء ب ين أظهر هم‬
‫أسهل من التيمم«‪:‬‬
‫كالعيس في البيداء يقتلها الظما والماء بين ظهورها محمول‬
‫بيل إن الولى أن ليقبيل الناس رأي أي عالم ‪ ،‬حتيى يصيحب رأييه بالدلييل ‪،‬‬
‫فيعرضوا رأيه على مصباح الكتاب والسنة ‪ ،‬فما وافقهما فهو مقبول ‪ ،‬وماخالفهما‬
‫فهيو مردود ‪ ،‬لننيا مطالبون باتباع الشارع ‪ ،‬وبذلك قام الدلييل‪ ،‬ولم يقيم دلييل على‬
‫أقوال الفقهاء ‪ ،‬لنها ليست أدلة مستقلة‪ ،‬بل هي آراء تحتاج إلى الدلة ‪.‬‬
‫ولن تعو يد الناس على أ خذ رأي أ حد ‪ ،‬غ ير ما روى عن ال نبي صلى اللّه‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬إنما هو تعويد للذهن على الفقه الستظهاري ‪ ،‬الذي جعل الذهن وعاء‬
‫معلومات ‪ ،‬ولم يجعله زند مهارات ‪.‬‬
‫لن إحالة الذ هن إلى التقا عد ‪ ،‬هي العا هة ال تى أ صابت ال مة في خليا ها ‪،‬‬
‫فلما تدمرت الخليا ‪ ،‬سرى الداء إلى سائر العضاء ‪.‬‬
‫إن ال مر غ ير جلل عند ما يكون خل فا في م سألة من شق العقيدة الرو حي‪،‬‬
‫ف سواء ج هر القارئ بالب سملة أم لم يج هر‪ ،‬ل كن ال مر جلل عند ما نأ تي إلى سياق‬
‫الولويات‪ ،‬فيي شقهيا المدنيي‪ ،‬عندميا تكون النتيجية‪ ،‬هيي التضحيية بالعدل ميا أقام‬
‫المام في نا ال صلة‪ ،‬ون حو ذلك من المقولت‪ ،‬ال تي ضر بت قطعيات القرآن وال سنة‪،‬‬
‫بالحاديث الموضوعة والضعيفة والشاذة‪.‬‬

‫‪-24‬المحافظون على الصياغة العباسية‬


‫قدموا أفضل خدمة للمبريالية وهم ليشعرون‬
‫أ‪-‬قدموا السلم نصا ماضويا ‪:‬‬
‫لم يلحيظ المحافظون على الصيياغة العباسيية اليوم فيي عهيد المبرياليية‬
‫الغربية‪ ،‬مدى ارتباط حركة السلفيات العباسية بمواقف فكرية؛ أمام الفرق العباسية‪،‬‬
‫في جدل الفعل ورد الفعل‪ ،‬بل عزلوها عن سياقها‪ ،‬ونظروا لها نصا ل يتأثر بزمانه‬
‫ومكانه‪ ،‬واستمر تأثير هذه المواقف على صياغة الفكر الديني‪ ،‬حتى بعد زوال هذه‬
‫الفرق وأفكارها‪ ،‬ف صار الذي يقرأ الف كر الدي ني؛ حائرا أمام ف كر كان في زمن غابر‬
‫تجديدا‪ ،‬ولك نه في ع صرنا صار تقليدا‪ ،‬ل نه ينا قش فرقيا طواهيا الزمان‪ ،‬وصيرنا‬
‫مطالبين بأن تكون لنا خلفية معرفية عن هذه الفرق البائدة‪ ،‬لكي نفهم العقيدة‪.‬‬
‫وصرنا ل نرى في متون العقيدة إل كلما عن الماضين‪ ،‬وخلفا وشقاقا في‬
‫أمور ل نكاد فهمهيا‪ ،‬ول نكاد نحتاجهيا‪ ،‬وصيارت تغرس فينيا ميل إلى التشنيج‬
‫والتقوقيع‪ ،‬وميل آخير إلى الغلو فيي التبدييع والتكفيير‪ ،‬وإعجابيا نرجسييا بالذات‬
‫الفردية والجمعية‪ ،‬من دون أن تقدم حلولً للمشكلت التي نعاني منها‪ ،‬التي أساسها‬
‫ثنائ ية الف قر والق هر‪ ،‬بل نرى في ها أ نه ي جب أن ن صبر على ظلم الحكام ما أقاموا‬
‫الصلة‪ ،‬لكي يجهزنا سللة الحجاج لقمة سائغة في أفواه حيتان المحيط الطلسي‪.‬‬
‫مين أجيل ذلك ينبغيي أن نعذر العلمانييين واللبرالييين واليسياريين عندميا‬
‫يحكمون على السيلم بالتخلف‪ ،‬ويعتيبرون السيلم نصيا ماضوييا‪ ،‬غيير قادر على‬
‫ييغ‬
‫يم صي‬
‫يا نقدم لهي‬
‫ية‪ ،‬مادمني‬
‫ية الغربيي‬
‫يد المبرياليي‬
‫يي عهي‬
‫ية التحديات في‬
‫مجابهي‬
‫ال سلفيات‪:‬العبا سية والمملوك ية والعثمان ية م سطرة معيار ية لل سلم‪ ،‬في صياغة‬
‫للعقيدة والثقا فة ل توازن ب ين ش قي العقيدة الرو حي والمد ني‪ ،‬وب ين شروط إقا مة‬
‫العدل وشروط إقامة الصلة‪.‬‬
‫ن سيت ال سلفيات المحاف ظة على ال صياغة العبا سية للعقيدة والثقا فة اليوم؛ أن‬
‫الفكر البشري يعيش في تواصل وتراكم‪ ،‬فل يمكن حبسه في لحظة عاشها أحمد بن‬
‫حنبيل أو غيره‪ ،‬أمام الفكير اليونانيي‪ ،‬كميا ليمكين اختزال العلقية بأورييا‪ ،‬بروح‬
‫الحروب الصليبية‪ .‬لن الشيء الثابت في عادات الناس و أعرافهم‪ ،‬هو التغير‪.‬‬
‫ونسيت التيارات المحافظة على الصياغة العباسية اليوم في عهد المبريالية‬
‫الغربية أن إعادة إنتاج السلفيات العباسية؛ حلول لكل زمان ومكان؛ إنما هي انكفاء‬
‫على الذات‪ ،‬أمام رياح الحياة‪ ،‬وموقييف نكوصيييا‪ ،‬ل يملك القدرة على القتحام‪.‬‬
‫وإحالة إلى الماضي‪ ،‬تصور خواءا فكريا‪ ،‬يمثل غياب التفكير العلمي‪ ،‬تجاه التغيرات‬
‫الكبرى في العالم الحديث‪.‬‬
‫ب‪ -‬قدموا أفضل خدمة للعلمنة‪:‬‬
‫هذاه الصورة الكئيبة التي قدمها المحافظون على الصياغة العباسية اليوم في‬
‫عهيد المبرياليية الغربيية؛ باسيم السيلف الصيالح‪ ،‬هيي التيي اسيتثارت كثيرا مين‬
‫الباحث ين الذ ين هاجموا ال سلفية ‪ ،‬من اللبرالي ين وال سلميين العلماني ين‪ ،‬كع بد ال‬
‫كالجابري والعروي‪ ،‬وجابر عصفور‪ ،‬وأبو بكر حاج حمد‪ ،‬لقد أزعجهم أن الخطاب‬
‫الدي ني الم ستمسح بال سلفية‪ ،‬خدم ال ستبداد والتخلف‪ ،‬أك ثر من ماخدمه ما الخطاب‬
‫الخوارجي والشيعي والزيدي والمعتزلي‪.‬‬
‫تلبسيت الحركات السيلفية العباسيية والمملوكيية والعثمانيية؛اسيتحوذت على‬
‫صورة ال سلف النبوي والراشدي‪ ،‬ولم تن تج فكرا ول عمل‪ ،‬ينب ثق من مع نى" ما أ نا‬
‫عليه وأصحابي" فاستدعى خطابها هجوما شديدا على السلم نفسه‪ ،‬لن كثيرا من‬
‫الباحث ين لم يفرقوا ب ين ال سلم وال صياغة العبا سية‪ ،‬ول ب ين الفكار والشخاص‪،‬‬
‫ول بين المقلدين والمجددين والحرار من السلفيين‪.‬‬
‫من أجل ذلك نادى باحثون كثير بأن السلفية إنما هي حركة تاريخية‪ ،‬لينبغي‬
‫إعادة إنتاجها‪ ،‬ب سبب خلط هم بين السلفيات العباسية‪(،‬التاريخية)‪ ،‬وجوهر ال سلفية‬
‫وهو اتباع النص المحكم‪ ،‬كالبوطي وراشد الغنوشي‪.‬‬
‫ال سلفيات (ال تي اكت فت بإقا مة ال صلة عن إقا مة العدل) في ع هد المبريال ية‬
‫الغربية؛ خلطت بين(الثابت) الذي يجب أن يتوفر‪ ،‬في كل حركة أو دعوة إسلمية‪،‬‬
‫ل كي ت عد صحيحة التأ سيس و هو ال صول‪ ،‬وب ين المتغ ير الذي دا خل هذا الثا بت ‪،‬‬
‫وهو الصياغة والتفريع والوسائل‪ ،‬وعندما قلدت لم يفصل بينهما‪ ،‬وعندما هاجمت‬
‫مخالفيها لم نتبه إلى إمكان درء شبه كثير من المخالفين بهذا الفرز‪.‬‬
‫د‪-‬وأخيرا ‪ :‬أفسدت الصياغة العباسية التعليم‪:‬‬
‫وعندما جاء عصر الهيمنة الغربية‪ ،‬وأنشئت المدارس المدنية‪ ،‬نشطت تيارات‬
‫فكر ية دين ية م ستنسخة النظام المعر في ال سلمي ب عد الراشد ين‪- ،‬ح سب ال صياغة‬
‫العبا سية‪ -‬الذي يه مش الق يم المدن ية على م تن الروح ية‪ ،‬ول يع نى بالحياة المدن ية‬
‫والسيياسية‪ ،‬فأعادت إنتاج نظام معرفيي عجيز عين النهوض بأهله‪ ،‬فأنشئت مراكيز‬
‫لتدريس القرآن والتفسير‪ ،‬والحديث والعقيدة والفقه‪ ،‬في هياكل جامعات (إسلمية)‬
‫تارة‪ ،‬وكليات (شريعية) تارة ثانيية‪ ،‬ومدارس (دينيية) تارة ثالثية أخرى‪.‬فكرسيت‬
‫مفاهيم الدين المختلة‪ ،‬التي استقرت في العصور الوسيطة‪.‬‬
‫التيارات المحافظة على الصياغة العباسية اليوم ؛ ظنت أن الصياغات القديمة‬
‫كافيية لحلول المشكلت عصير الهيمنية الغربيية ‪ ،‬فأغرميت كثيير مين المؤسيسات‬
‫الدينية‪ ،‬بتقرير كتب التراث العباسية وتكرارها‪ ،‬وكأنها نهاية إبداع العقول‪ ،‬فوقفت‬
‫هذه الثقافة سدودا جبارة‪ ،‬أمام البداع الذي تتطلبه أسئلة الحداثة وتحديات العلمنة‪،‬‬
‫فضلً عن قوى الهيمنة‪ ،‬واستلب العولمة‪.‬‬
‫وقدم المحافظون على الصياغة العباسية اليوم في عهد المبريالية الغربية ؛‬
‫كتبهم وأفكارهم ومناهجهم‪ ،‬حافلة بالبليا التي ذكرناها من قبل‪ ،‬لكي تكون برنامجا‬
‫نموذجيا للتعليم الديني‪ .‬لو وازنوا بين منهجهم ومنهج الجيل الول السلف الراشدي‬
‫الصالح ‪ ،‬لكتشفوا ميلهم إلى التنظير والتجريد‪ ،‬تحت لفتة الحرص على التوحيد‪،‬‬
‫وميلهم إلى التنظير العلمي‪ ،‬الذي ليفضي إلى تطبيق عملي‪.‬‬
‫لن علم السلف الراشدي؛ كان تقنيا عمليا‪ ،‬لنه نشأ في مناخ الحرية والعدل‬
‫والشورى والقوة ‪ ،‬أماعلم السيلفيات العباسيية الذي بعثوه مين قيبره؛ فقيد كان‬
‫تجريدييا نظرييا جدلييا‪،‬معلومات يغلب عليهيا الغراق فيي التنظيير‪ ،‬والخلل‬
‫بالولويات‪ ،‬وتبعيييض الدييين‪ ،‬والتراكييم الرملي والتكرار والجترار‪ ،‬والتحفيييظ‬
‫والتلق ين‪ ،‬وت قل في ها المنهج ية والتفك ير العل مي‪ ،‬ل نه صيغ في ظلل الق مع والظلم‬
‫والجيب‪ .‬ونسيوا أننيا فيي عصير الهيمنية الغربيية‪ ،‬بحاجية إلى العودة إلى صييدلية‬
‫القرآن والسنة‪.‬‬
‫لم يلحيظ المحافظون على الصيياغة العباسيية اليوم فيي عهيد المبرياليية‬
‫الغربيية أن السيلفيات العباسيية‪ ،‬ومين بعدهيا خلل العهود العباسيية والمملوكيية‬
‫والعثمانية صاغت الفكر السياسي‪ ،‬صياغة مثالية متعالية على الواقع‪ ،‬وكأنها أمام‬
‫إمام راشدي للدولة‪ ،‬دون أن تجدد فيي فقيه الوسيائل‪ ،‬ميا يضمين تحقييق المقاصيد‪،‬‬
‫عندما يصبح رشد الحاكم نادرا‪ ،‬ل يتجاوز ‪ %3‬من عمر الدولة المسلمة‪.‬‬
‫وقيد فاضطرهيا هذا التعالي إلى إنتاج حلول مين فقيه الضرورة‪،‬وأوضيح مثيل‬
‫لذلك القول بأن القا ضي وك يل عن الحا كم‪ ،‬وأن الحا كم أدرى بالم صلحة‪ ،‬وأن إمام‬
‫الم سجد نائب عن الحا كم‪ ،‬فأ سهمت في خمول المة‪ ،‬و أفرزت عشرات من الفكار‬
‫والنظم‪ ،‬التي تدل على غبش في تصورها طبيعة الحياة النسانية‪ ،‬وخريطة الواقع‬
‫الجتماعيي وتضاريسيه المعاشية‪ ،‬وخلط بيين مقاصيد الديين الثابتية ‪ ،‬ووسيائلها‬
‫المتغيرات‪ ،‬ول سييما بيين مبادئ السيياسة الشرعيية ووسيائلها‪،‬وتكيبير للمور‬
‫الصغرى‪ ،‬وتصغير للمور الكبرى‪.‬‬
‫و من أ جل ذلك لم تث من مبدأ الف صل ب ين ال سلطات‪ ،‬ول تحد يد سلطة الحا كم‪،‬‬
‫ول مبدأ سيادة الشعب على الحكومة‪ ،‬ول قيمة التجمعات الهلية ول سيما المدنية‪،‬‬
‫في صيانة الحكم عن النحراف‪.‬‬

‫ج‪-‬الداء عـم جميـع الفرق العباسـية فهـل فـي إحدى‬


‫صيدلياتها لنا من علج؟‬
‫أين الحرية الفطرية أم الحقوق ‪ ،‬هل نجدها في تيارات الفكر الديني العباسي‬
‫والمملوكي والعثماني التي لم تكتف بتهميشها‪ ،‬بل شاركت حكام الجور في وئدها‪.‬‬
‫تلك القتيلة التي ينبغي أن نسأل معيدي إنتاج الصياغة العباسة‪ :‬بأي ذنب قتلت؟‪.‬‬
‫وحتى المعتزلة الذين نظروا للعدل والحرية‪ ،‬عاث بهم داء القمع الصحراوي‬
‫الكسيروي فأغروا حاكميا فاضل كالمأمون‪ ،‬فوسيم حكميه بسيمات القهير والقميع‬
‫الفكري‪ .‬وعند ما ا ستقرت ثقا فة الح كم الجائر الك سروية ال صحراوية‪ ،‬صار الق مع‬
‫طابيع المناخ‪ ،‬لذلك صيارت العدالة ثانويية‪ ،‬فهمشيت شروط البيعية الشرعيية على‬
‫الكتاب والسينة‪ ،‬ول سييما شرطيي العدل والشورى‪ ،‬على متين شروط الصيلة‬
‫والطهارة‪.‬‬
‫تيارات الف كر الدي ني العبا سي‪ ،‬والمملو كي والعثما ني من جم بع التجاهات ‪،‬‬
‫أخلت بمنهج فقه الكتاب وال سنة – في عمود العدل‪-‬إخلل كبيرا‪ ،‬لنها كانت تعيش‬
‫في مناخ ثقافي وسياسي قامع‪ ،‬ولذلك لم تر من شمس السلم‪ ،‬إل بقدر ما سمح‬
‫بيه الضباب المخييم‪ ،‬كانيت شاشية الخلفيية المعرفيية والجتماعيية مشوشية بأشباح‬
‫الصحراء والفرعنة والرهبنة والسفسطة المسيطرة على الحياة‪ ،‬من أجل ذلك فهي‬
‫معذورة مأجورة‪ ،‬إن شاء ال‪ ،‬أما نحن فغير مأجورين ول معذورين‪ ،‬إذا ظللنا نردد‬
‫ما قال أجدادنا من دون تفكير‪.‬‬

‫‪=25‬احتجاج سدنة الستبداد والتخلف‬


‫بأخطاء الســـلف العباســـي الصـــالح العابرة لضرب‬
‫الصـــلح الســـياسي يســـتدعي إعلن أخطاء الصـــياغة‬
‫السلفية العباسية ‪:‬‬
‫أ=مرض التعلق بنموذج متعال عـــن الواقـــع عطـــل‬
‫الوسائل الواقعية‬
‫وكان دعاة ال سلفية المواز نة ب ين إقا مة العدل وإقا مة ال صلة في هذا الع صر‬
‫عصر الهيمنة الغربية‪ ،‬كالكواكبي وحسن البنا وسيد قطب ومحمد المبارك‪ ،‬يبينون‬
‫ية‬
‫يية‪ ،‬أخذا بالحكمي‬
‫يياغة العباسي‬
‫يك الصي‬
‫شمول العقيدة‪ ،‬ول يجدون ضرورة لتفكيي‬
‫والموع ظة الح سنة‪ ،‬ول كن ا ستشراء ال سلفيين المحافظ ين على ال صياغة العبا سية‬
‫اليوم في ع هد المبريال ية الغرب ية اليوم‪ ،‬يد عو إلى النتقال إلى الجدال بال تي هي‬
‫أح سن‪ ،‬من خلل علوم العقيدة والف قه والمقا صد وأ صول الف قه وال سياسة عمو ما‬
‫والسياسة الشرعية خصوصا‪.‬‬
‫من أجل بيان أن الصياغة العباسية للعقيدة والثقافة والتربية‪ ،‬صورة سلفية‬
‫مقيسة وليست هي السلفية المقياس‪.‬‬
‫وأننا في عهد المبريالية الغربية؛بحاجة إلى صياغة جديدة للعقيدة والثقافة‪،‬‬
‫تر كز على شروط إ سلم الدولة العشرة‪ :‬كالحر ية والهو ية والقوة والعدالة والمدن ية‬
‫والمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬والجهاد‪.‬‬
‫واقتنص المحافظون على الصياغة العباسية اليوم في عهد المبريالية الغربية‬
‫؛ أقوال للئمة ولرموز لشاعة اليأس في المة السلفية‪ ،‬واستدعوا نصوصا عابرة‬
‫لح مد بن حن بل والشاف عي ومالك وا بن تيم ية والجوي ني وا بن الق يم وا بن قدا مة‬
‫والقرطبي وعبد ال بن سهل التستري وابن رجب وعبد ال بن أحمد‪ ،‬ولم يفطنوا‬
‫إلى أن أقوال السلفيين ليست حجة على نص القرآن والسنة‪.‬‬
‫فال سلفيات المو ية والعبا سية والمملوك ية والعثمان ية‪ ،‬لي ست هي المرجع ية‪،‬‬
‫وإنميا هيي حركات وصيياغات ومعالجات تنتسيب إلى السيلفية‪ ،‬فأقوال رموزهيا‬
‫وأفعالهم تساق للستشهاد بها والعتضاد‪ ،‬وليست هي السلفية نفسها التي عليها‬
‫العتماد‪ ،‬فالسيلفية التيي عليهيا العتماد هيي نيص القرآن والسينة‪ ،‬وهيو مصيباح‬
‫يتجلى ضوءه في زجاجة التطبيق النبوي والراشدي‪ ،‬ومشكاة سنن ال في النسان‬
‫والطبيعة‪.‬‬
‫الثانيي‪ :‬أن السيلفية هيي تحكييم نيص القرآن والسينة‪ ،‬وهيو مصيباح يتجلى‬
‫ضوءه فيي زجاجية التطيبيق النبوي والراشدي‪ ،‬ومشكاة سينن ال فيي النسيان‬
‫والطبيعة‪ ،‬فليس نصا معزول عن الواقع‪ ،‬أو حمال أوجه مفتوح‪.‬‬
‫أن هناك أفكار عديدة قال ب ها ب عض رموز ال سلفية العبا سية‪ ،‬لي ست الخوض‬
‫فيهيا محيط إجماع رواد السيلفية العباسيية الوائل‪ ،‬كمعركية‪:‬القرآن مخلوق أوغيير‬
‫مخلوق‪ ،‬أو القول بأن آيات الصيفات غيير الصيريحة مجازيية أو حقيقيية ل مجاز‬
‫فيها‪.‬‬
‫ون سي المحافظون على ال صياغة العبا سية اليوم في ع هد المبريال ية الغرب ية‬
‫أن من الخ طأ العملي‪ ،‬أن تقدم كل الجتهادات ال سلفية أشعر ية وتيم ية ووهاب ية ؛‬
‫على أنها هي ما كان عليه النبي صلى ال عليه وسلم وأصحابه‪ ،‬لن لها من الثار‬
‫والمواقف والولويات‪ ،‬ما ل يجسد الشعار السلفي‪ :‬ماأنا عليه وأصحابي‪ ،‬ونسوا أن‬
‫من الخ طأ أن تقدم تلك الجتهادات‪ ،‬طوال العهود العبا سية والمملوك ية والعثمان ية‪،‬‬
‫على أنها المحجة البيضاء‪ ،‬التي ل يزيغ عنها إل مبتدع‪،‬‬
‫وحييث إن السيلفية المعيار هيي نيص القرآن والسينة‪ ،‬وهيو مصيباح يتجلى‬
‫ضوءه فيي زجاجية التطيبيق النبوي والراشدي‪ ،‬ومشكاة سينن ال فيي النسيان‬
‫والطبي عة‪ ،‬ينب غي وزن أعمال ال سلف العبا سي والمملو كي والعثما ني ال صالح بهذا‬
‫المعيار‪ ،‬فل يس ميزان ال سلفية ما قال أح مد بن حن بل أو الشعري‪ ،‬ول ما قال ا بن‬
‫تيم ية أو الغزالي‪ ،‬ول ماقال مح مد بن ع بد الوهاب أو سيد ق طب‪ ،‬بل الميزان هو‬
‫قال ال وقال الرسول‪ ،‬قال الصحابة السابقون‪ ،‬كما قال ابن القيم نفسه‪:‬‬
‫العلم قال ال قال رسوله× قال الصحابة هم ألو العرفان‬
‫وفيي هذه المقالت دفاع عين المفهوم السيلفي وعين السيلف العباسيي‪ ،‬الذي‬
‫اسيتتثمروه ل فتية لهوان المية‪ ،‬ووأد كرامتهيا وحريتهيا‪ ،‬أمام القوى المبرياليية‪.‬‬
‫ولكين المقصيود السياس‪ ،‬هيو بيان أن السيلم هيو أسياس نهوضنيا‪.‬إذا تجاوزنيا‬
‫ال صياغات التاريخ ية‪ ،‬وعد نا إلى نص القرآن وال سنة‪ ،‬و هو م صباح يتجلى ضوءه‬
‫في زجاجة التطبيق النبوي والراشدي‪ ،‬ومشكاة سنن ال في النسان والطبيعة‪.‬‬

‫ب‪-‬لكي ل تصبح السلفية توحيد السماء والصفات‪:‬‬


‫ميا قيمية وميزة التأكييد على الفصيل بيين المقياس والصيور‪ ،‬التذكيير بأن‬
‫التطيبيق النبوي و الراشدي هيو المرجعيية والميزان‪ ،‬وأن السيلفيات التوالي إنميا‬
‫هي كواكب توابع‪ ،‬تدور في مدار؟‪ ،‬هناك ميزات و أسباب مهمة‪.‬‬
‫أولها‪ :‬لكي ل نجعل نص القرآن والسنة نصا مبهما‪ ،‬ل يفك مكنونه وإبهامه‬
‫إل بعيون ن فر من الج يل ال سلفي العبا سي ال صالح‪ ،‬الذي تأثرت أفكاره وانحب ست‬
‫مواقفه ومعالجاته وصياغاته؛ بالفق السياسي والجتماعي والمعرفي العباسي‪.‬‬
‫مثال بسييط على نصيب هذا الميزان أن للرعييل السيلفي العباسيي الصيالح‬
‫أخطاء ليسيت قليلة‪ ،‬ألجأتهيم إليهيا أحوال الختلل الجتماعيي والسيتبداد‪ .‬أنيه ل‬
‫يمكين أن يقال لكيل الذيين خاضوا فيي صيفات ال كالكلم‪ ،‬مين للرعييل السيلفي‬
‫العباسي الصالح‪ ،‬من من جمدوا على ظاهر النص‪ ،‬ولو كانت طبيعة الكلم العربي‬
‫تقت ضي المجاز‪ ،‬أو من من أ سرفوا في التأو يل‪ ،‬أو من من آل ب هم التنز يه إلى‬
‫التعطيل‪ ،‬إن رأيكم أفضل و أسلم وأحكم من السلف النبوي والراشدي ‪ ،‬بل ينبغي‬
‫أن يقال إن ما قل تم اجتهاد يث من في با به و سياقه وزم نه ومكا نه‪ ،‬ول كن اعتباره‬
‫مسطرة للعقيدة في كل زمان ومكان‪ ،‬إلزام بما ل يلزم‪.‬‬
‫و لكيي يتيبين للناس أن مرجعيية ابين تيميية ونحوه فيي ميا سيموه توحييد‬
‫السماء والصفات هي فقه الصحابة‪ ،‬فإذا قال سلفي معتزلي(معتدل)عباسي أو غير‬
‫عبا سي‪،‬إن القول بخلق القرآن من أ صول العتقاد‪ ،‬أو قال سلفي حنبلي إن القول‬
‫بعدم خلق القرآن‪ ،‬من أ صول العتقاد‪ ،‬قل نا‪ :‬هذا سؤال ي سعنا ترك الجا بة ع نه‪،‬‬
‫كما وسع الصحابة‪ ،‬فلماذا تجعلونه مسطرة تقيسون بها اليمان والكفر‪.‬‬
‫ج‪-‬لكي ليصبح المصباح نصا حمال أوجه‬
‫وميزة أخرى مه مة ل يعيرها كثير من الناس التفا تا؛ هي أن ننت به إلى أ ثر‬
‫الطار السياسي والسياق الجتماعي والثقافي في إنتاج الفكار والمواقف وترتيب‬
‫الولويات والهتمامات‪ ،‬وأن الطار السييياسي الراشدي كان حاضنييا‪ ،‬التكامييل‬
‫والتجا نس‪ ،‬وأن موا قف ال صحابة إذن كا نت أقوال و أفعالً‪ ،‬محم ية بإطار الح كم‬
‫الشوري ‪ ،‬الذي هو ح قل ت طبيق ال سلم النموذ جي‪ ،‬فضوء الم صباح قوي‪ ،‬يزيده‬
‫قوة انحبا سه في مشكاة الع هد النبوي تحديدا‪ ،‬جعل ته ف قه توازن و اختيار‪ ،‬ت صد‬
‫عنه الزجاجة رياح الهواء‪.‬‬
‫في العهد النبوي والراشدي كانت الحرية‪ ،‬فلم تحفل حياتهم بأقوال الضرورة‬
‫ومواقف ها‪ ،‬ولم تتأ ثر أفكار هم ب جو الح كم ال جبري الجائر‪ ،‬الذي خل خل الفكار‪ ،‬فآل‬
‫إلى خلخلة نظام العقيدة‪ ،‬عندميا سيلب الناس ضبابيه القدرة على تحدييق البصيار‪،‬‬
‫وسيلبها اضطرابيه القدرة على التوازن‪ ،‬وأفقدهيا خوفيه صيلبة الفكار‪ ،‬ولم يكين‬
‫العلم فيي الحقيل الراشدي مترفيا ول فارغيا‪ ،‬وإن كان غيير كثيير ول دقييق‪ ،‬فإنيه‬
‫بروحه العملية كبير جليل‪.‬‬
‫وميزة أخرى وهي أن كل منتسب إلى السلم يدعي أن مرجعيته هي الكتاب‬
‫والسينة‪ ،‬سيواءا أكان غالييا كالخوارج‪ ،‬أم محكميا الهوى القاصير فيي الصيريح‬
‫الورود والدللة من الشريعة‪ ،‬و لو سمي هواه عقل‪ ،‬ناسيا أن العقل هو ما استند‬
‫إلى التجرييب و الحيس والبرهان‪ ،‬أميا ميا اسيتند إلى الحدس‪ ،‬فقيد يداخله الهوى‬
‫ون قص ال خبرة وأمشاج من ال مس وهوا جس الن فس‪ ،‬كقدا مى المعتزلة‪ ،‬ومدر سة‬
‫نجيم الديين الطوفيي‪ ،‬ومعيدي إنتاجهيا مين غيير المتبصيرين بأصيول فقيه الكتاب‬
‫والسينة‪ ،‬وهؤلء يسيوقون اليات والحادييث‪ ،‬ويغرون الناس‪ ،‬ولييس لكيل الناس‬
‫قدرة على النظير والبحيث‪ ،‬وضبيط التنظيير بجييل النموذج‪ ،‬كوضيع السيراج فيي‬
‫مشكاة‪ ،‬يركز الضوء ويقويه‪.‬‬
‫ل كي ل ي صبح القرآن ن صا مفتوحا للتأو يل الفا سد‪ ،‬ع ند المترهبن ين‪ ،‬الذ ين‬
‫يعيدون تشك يل ن صوص الشري عة‪ ،‬لتشك يل سلفية متدرو شة‪ ،‬تف صل شروط إقا مة‬
‫ال صلة‪ ،‬عن شروط إقا مة العدل وإ سلم الدولة والمجت مع العشرة‪ ،‬وشعار ها"إمام‬
‫ظلوم خ ير من فت نة تدوم"‪ ،‬أو شعار"ال صلة خلف المام الجائر"‪ ،‬فت سقط من ك تب‬
‫العقيدة مبدأ العدل عموميا وعدل الحكيم خصيوصا‪ ،‬وهيو أسياس صيلح الفراد‬
‫والجماعات والدول‪.‬‬
‫وميزة أخرى لكي يتبين للناس أن مناهج التربية والتعليم التي جرى عليها‬
‫الرعييل السيلفي العباسيي الصيالح‪ ،‬لم يكين فيهيا الحصياد ‪ ،‬بقدر الجهيد المبذول ‪،‬‬
‫وأبرزهيا منهيج تعلييم القرآن الكرييم‪ ،‬الذي تحول عيبر الجيال إلى منهيج تخديير‬
‫وتنو يم‪ ،‬وت غن بال صوات وترن يم‪ ،‬ولم ي ستطع إنتاج كوادر الدارة والقيادة‪ ،‬ال تي‬
‫أنتجها منهج تعليم القرآن في العهد النبوي و الراشدي‪ ،‬كما فصل الباحث ذلك في‬
‫كتيب"تعليم القرآن الكريم‪:‬منهج الصحابة أم منهج التابعين؟"‪.‬‬

‫‪=26‬تطــبيق ميزان‪":‬مــا أنــا عليــه وأصــحابي" على‬


‫الصــياغة الســلفية العباســية للغيــبي مــن شــق العقيدة‬
‫الروحي‪ /‬الفرق بين ما رأوه وما رووه‬
‫أ‪ -‬الصوغ العباسي العقيدة ركز على اللحاد الغيبي‪:‬‬
‫لسنا هنا في ميدان تقييم تاريخي‪ ،‬بل في مجال تقييم ما ذا نحتاج إليه‬
‫من تلك الجهود المبرورة المشكورة المأجورة بإذن ال‪.‬‬
‫كان أ كبر نشاط لل سلفية العبا سية؛ ب عد تدويين ن صوص الم صباح وم سرحه‬
‫النبوي والراشدي ‪ ،‬فيي صيياغة الجانيب الغييبي مين شطير العقيدة الروحيي‪ ،‬لنهيا‬
‫جنحت إلى التوسع في الروحي‪ ،‬والختزال في المدني‪،‬‬
‫وتأثرت كتابية العقيدة على مير العصيور‪ ،‬بالصيياغة العباسيية‪ ،‬فعانيت مين‬
‫اختلل نظام العقيدة‪ ،‬وهذا هيو أهيم السيباب‪ ،‬التيي جعيل تيارات السيلفيات الحديثية‬
‫المتواز نة‪ ،‬ال تي ركزت على أن العدل أ ساس قوة ال مة الملة‪.‬؛ ينأى في ما صدر‬
‫ع نه من أبحاث عن اعتماد تلك ال صياغة‪ ،‬ول قد كان تيار ال سلفية المدن ية‪ ،‬يعا ني‬
‫عنتيا مين التصيريح بذلك‪ ،‬ولذلك سيمى سييد قطيب كتابيه (التصيور السيلمي) ولم‬
‫يسمه(العقيدة)‪ ،‬مع أنه عالج مسائل أساسية في العقيدة‪.‬‬
‫لقيد صياغ الجييل الرائد مين العلماء العباسيين؛ صيياغة آنيية لعلهيا ناسيبت‬
‫أولويات تحديات زمنهم‪ :‬اتسمت بأمور‪ ،‬لعل أهمها ثلثة أمور‪:‬‬
‫الول‪:‬أن تجييب العقيدة على السيئلة والتحديات والشكالت التيي طرحهيا‬
‫امتزاج الجناس وتماس الثقافات‪ .‬وحيث إنهم يعيشون عصر قوة الدولة السلمية؛‬
‫لم يكين هاجسيهم ميا يشغلنيا اليوم مين التركييز على مبدأ‪ :‬العدل أسياس قوة المية‬
‫والملة‪.‬‬
‫الثا ني‪ :‬صاغوها من خلل من هج علم الكلم‪ ،‬وا ستوعبوه ا ستيعابا مده شا‪،‬‬
‫واسيتطاعوا عيبره تنظييم البحاث والرد على الفلسيفة الملحديين‪ ،‬وعلم الكلم علم‬
‫كالعلوم الخرى؛ ل يذم لن أحدا أ ساء ا ستعماله‪،‬ف هو علم محا يد(ان ظر في أ صول‬
‫الحوار‪:‬طه عبد الرحمن‪ ،)68:‬ولكنه علم ل يناسب صياغة العقيدة في كل حين‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬تأ ثر صواغ الشري عة بالخلف ية المعرف ية‪ ،‬و ما ش فت ع نه من ضغوط‬
‫المناخ الك سروي ال صحراوي‪ ،‬فلم يثمنوا شروط إقا مة الح كم العادل فوأدوا الحر ية‬
‫وهمشوا شئون شيق العقيدة المدنيي فهمشوا العميل المدنيي الصيالح كالتقنيية‬
‫والقتصاد على متن القيم الروحية‪.‬‬
‫ولم يجرؤ مين بعدهيم فيي عهود شيخوخية الحضارة ورسيوخ التقلييد‪ ،‬على‬
‫محاولة تفكيك الصياغة العباسية للعقيدة‪ ،‬وكشف إمدى خللها بنظام العقيدة‪.‬‬
‫وبعد انقضاء المعركة ومرور الزمن‪ ،‬تكرس مفهوم العقيدة في هذه الجوبة‪،‬‬
‫الغيبية والروحية فتحولت (العقيدة) الشاملة في نص القرآن والسنة وحقل تطبيقهما‬
‫النبوي والراشدي؛ إلى بحوث غيبيية تجريديية جافية‪ ،‬همشيت الشهادة على متين‬
‫الغ يب‪ ،‬وخا ضت في ركزت التوح يد في غ يبيات ظن ية‪ ،‬صكت ل ها م صطلح (توح يد‬
‫السماء والصفات)‪ ،‬وكفرت من ليؤمن بهذا التوحيد وقمعته‪.‬‬
‫ولم تنتبيه الحركات السيلفية المعاصيرة المحافظية على الصيياغة العباسيية‬
‫للعقيدة والثقافة والتربية؛ في عصر المبريال ية الغربية‪ ،‬إلى ما في تلك الصياغة‪،‬‬
‫من إخلل بنظام (العقيدة) في المنهج والمادة والروح‪.‬‬
‫إن علي نا اليوم أن نحت كم إلى ال صل‪ :‬و هو نص القرآن وال سنة في زجا جة‬
‫التطيبيق النبوي والراشدي‪ ،‬ومشكاة سينن ال فيي النسيان والطبيعية‪ ،‬لكيي ل‬
‫نستدرجنا شعارات (كالسلفية) إلى مصادرة السلم‪،‬ول سيما في شق العقيدة المدني‬
‫والسياسي‪.‬‬
‫ولكي ندرك أن السلفيات بعد العهد الراشدي؛ إنما هي معالجات و حركات و‬
‫دعوات مباركات‪ ،‬ولكنها ليست هي السلم الصالح لكل زمان و مكان‪ ،‬ولكي نعرف‬
‫ما نأ خذ من ال صياغة العبا سية و ما نترك‪ ،‬فهناك أ مر أنجز ته ال سلفية العبا سية‪ ،‬ل‬
‫يشاركها فيه أحد‪ ،‬هو تدوين الحديث‪ ،‬وأمر أنجزته وشاركتها في إنجازه وبلورته‬
‫فرق أخرى كتيارات العتزال المتأخرة هيو منهيج فقيه الكتاب والسينة؛ هذا المنهيج‬
‫الذي بني على استقراء الكتاب والسنة‪ ،‬وتطبيق سيرة المصطفى والراشدين‪.‬‬
‫هذا المن هج هو البو صلة اليوم ال تي تهدي نا إلى هذا المن هل ال صافي‪،‬ل كي ل‬
‫نخرج عن مدار الدين‪ ،‬فالكوكب الذي ينفلت من مداره لن يجد غير الهلك‪.‬‬
‫أما المشاريع أو البرامج والمعالجات والصياغات السلفية العباسية؛ فإنما هي‬
‫حركات ل ها سياقها التاري خي‪ ،‬ول كل من ها دور مرحلي‪ ،‬ل ينب غي تكراره أو اجتراره‬
‫فيي كيل مرحلة‪ .‬والديين لييس محددا بحدود فهمهيم‪ ،‬وتطيبيقه لييس مؤطرا بأطير‬
‫بيئاتهم‪.‬‬
‫الصيياغة السيلفية العباسيية لعلم التوحييد؛ صيياغة نسيبية ومعينية لنيا إن‬
‫فرزناهيا‪ ،‬وانتخبنيا خلياهيا الحيية وتجاوزنيا الميتية‪ ،‬ومعيقية إن قلدناهيا وطبقناهيا‬
‫بحذافيرها‪.‬‬
‫وهذا يتطلب منيا جميعيا‪ ،‬أن نتجرد مين الخصيومات القديمية‪ ،‬وأن ندرك أن‬
‫جوهير كيل حركية أو دعوة يتسيمى بالسينة أو السيلفية؛هيو ثلثيية النيص مصيباح‬
‫القرآن والسنة في زجاجة التطبيق النبوي والراشدي‪ ،‬ومشكاة سنن ال في النسان‬
‫والطبيعة‪ ،‬ل الفكر ل الفرق ول المذاهب‪ ،‬ول الصياغات والجتهادات‪.‬‬
‫و للسلفيين العباسيين الوائل فضل كبير؛ في محاولة إبعاد المنهج التجريدي‬
‫اليونانيي‪ ،‬عين أن يكون إطارا لفهيم القرآن والسينة‪ ،‬وفضيل كيبير فيي لجيم تيارات‬
‫الزند قة والخروج عن ال نص‪ ،‬ل قد قا مت بدور هم في المحاف ظة على روح ال سلم‬
‫الصييلية‪ ،‬ومدافعيية ألوان البدع والمحدثات‪ ،‬وهذا دور انتهييى بإنتهاء التحدي‪،‬‬
‫فالتحدي ظاهرة عبا سية‪ ،‬أفرز ها تيار العتزال الذي بدأ مغال يا في العقلن ية ‪ ،‬ك ما‬
‫يقول محميد عمارة ""أشاع الفكير الفلسيفي فيي العقيدة واسيتهان بالنصيوص""‬
‫(موسوعة الحضارة‪( )2/383:‬الزنيدي‪.)138:‬‬
‫لقيد انبهير المعتزلة و اهتزت رؤسيهم‪ ،‬عندميا اطلعوا على تراث اليونان‪،‬‬
‫فاختيل فيي أذهانهيم الميزان‪ ،‬و لم يدركوا الفرق بيين العقيل التجرييبي والحسيي‬
‫والبرها ني‪ ،‬الذي أر شد إل يه القرآن‪ ،‬و الع قل التجريدي و الحد سي الذي ا ستند إل يه‬
‫اليونان في خريف فكرهم‪.‬‬
‫ولكين مين النصياف أن لنضييق مين العتراف بأن الجيو العباسيي القاميع‪،‬‬
‫أغطيش الرؤيية السيلفية فيي بعيض الجوانيب‪ ،‬وأن رد هجوم المعتزلة‪ ،‬دعاهيا إلى‬
‫التقلييل مين العقلنيية السيياسية‪ ،‬وحذف شروط إقامية الدولة العادلة مين مدونات‬
‫العقيدة‪ ،‬ومصيادرة محور العدالة‪،‬مين أجيل محور الصيلة‪ ،‬فانتقلت شروطهيا مين‬
‫أصول الدين إلى فروعه‪،‬‬
‫الصيياغة السيلفية لشيق العقيدة الروحيي فيي مجال الغييب‪ ،‬ركزت على‬
‫المشكلت التي طرحها غلة المعتزلة والقدرية والزنادقة والوثنيون‪ ،‬كما في الكتاب‬
‫المنسوب إلى أحمد"الرد على الزنادقة"‪.‬‬
‫من أ جل ذلك لم يك تب العبا سيون عن الطواف حول القبور‪-‬ر غم حضوره‪-‬‬
‫ولعن التمسح بالشجار والحجار‪ ،‬لن سؤال القبور لم يكن جوهر النقاش‪ ،‬ولعله‬
‫لم يكن بارزا‪ ،‬على شكل ظاهرة اجتماعية‪.‬‬
‫وهذه القضاييا ليسيت مجال الجدال اليوم‪.‬مين أجيل ذلك دعيت السيلفيات‬
‫الحديثية المتوازنية إلى الكتفاء بالنصيوص القطعيية‪ ،‬وترك أي اجتهادات مين قبييل‬
‫الرأي ل تفضيي إلى عميل‪ ،‬مجال للمعارك الفكريية‪ ،‬والتوازن بيين محوري العدل‬
‫والصلة‪.‬‬
‫ب‪ -‬عين الرضا عن كل عيب كليلة‬
‫و لكن الصياغة السلفية العباسية ترتيبا للغيبي من شق العقيدة الروحي إنما‬
‫هيي معالجية لشكالت كانيت فزالت‪ ،‬ولكين الزعيم بأن الصييغ العباسيية للثقافية‬
‫السلمية‪ ،‬هي ‪-‬وحدها‪ -‬هي السنة‪ ,‬إنما هي غفلة عن مؤثرات الزمان والمكان‪،‬‬
‫وتعمييم لنموذج معالجية محلي أو آنيي‪ ،‬ووضيع له فيي خانية المرجعيية‪ ،‬وإدراج‬
‫للوسائل والصياغات المتغيرة‪ ،‬في بوتقة المبادئ الكلية الثوابت‪.‬‬
‫لقيد عقدت الصيياغات العباسيية على الناس فهيم التوحييد‪ ،‬عندميا صياغت‬
‫التوحيد بمصطلحات كلمية‪ ،‬ل يسير في غاباتها إل متفلسف‪ ،‬ومثل هذه الصياغة‬
‫ينبغيي أن تطرح اليوم‪ ،‬ولو رفعيت فوق كتبهيا لفتية السيلف الصيالح‪ ،‬والسينة‬
‫والجماعة‪ ،‬لن هذه الصياغة‪ ،‬عندما تقدم اليوم حلولً لتحديات العلمنة و العولمة و‬
‫المركة و الوربة لن تحل مشكلة‪.‬‬
‫و هي ف كر يك ثر الجدل في مال يتر تب عل يه ع مل‪ ،‬تخالف مقت ضى الشعار‬
‫الذي أعلن ته " ما أ نا عل يه وأ صحابي"‪ ،‬فال نبي وأ صحابه طبقوا العقيدة نظا ما تكا مل‬
‫شطراه الروحيي و المدنيي معيا‪ ،‬وتوصييفات الفرق العباسيية‪ ،‬معتزلة وشيعيية‪،‬‬
‫وأشعرية وحنبلية؛ أخلت بهذا النظام‪ ،‬ولكنها معذورة‪ ،‬لن السياق السياسي القامع‪،‬‬
‫جرها إلى هذه المسالك‪ ،‬وبين الفعل ورد الفعل انطفأ العتدال‪.‬‬
‫والكلم فيي الصيياغات السيلفية العباسيية لمسيائل العقيدة طوييل‪ ،‬وتقييميه‬
‫وتقوي مه يحتاج إلى تف صيل‪(،‬قارب ته مقالت ك تب الم صباح والعديل ين والجناح ين)‪،‬‬
‫وخل صته أن إجمال هم في الجا نب الغ يبي من شق العقيدة الرو حي لغبار عل يه‪،‬‬
‫ماعدا ميا خرج بيه بعضهيم عين النيص الصيريح القطعيي‪ ،‬إلى تفصييلت اجتهاديية‬
‫ظنية‪،‬غير عملية ول ذات أولوية‪ ،‬كما نبه الشاطبي والشوكاني‪.‬‬
‫ير‬
‫يي عصي‬
‫يياغات اليوم‪-‬في‬
‫ير المحافظون على تلك الصي‬
‫يي أن يتذكي‬
‫وينبغي‬
‫المبريالية الغربية‪ -‬هذه المور لكي ل نضرب التفاق على الساسيات بالختلف‬
‫على الثانويات‬
‫ف قد كان المناخ العبا سي منت جا للحقاد والتدابر والتبا غض‪-‬كشأن كل ح كم‬
‫قمعي‪-‬فكثرت خلفاتها‪ ،‬في أمور اجتهادية‪ ،‬وثار الصراع بينها في أمور اجتهادية‬
‫غيبية‪ ،‬ظلت تتناقش في عالم الغيب‪ ،‬أكثر من تناقشها في عالم الشهادة‪ .‬وهذا جعل‬
‫التيارات المتشددة تكتب ألوف النسخ‪ ،‬في ما يسيء إلى السلم الجتماعي والوفاق‪،‬‬
‫فك فر بعض ها بع ضا‪ ،‬وق مع بعض ها بعض ها‪ ،‬وا ستثمرها ال ستبداد‪ ،‬في اللع بة‪:‬فرق‬
‫تسد‪ ،‬فصار كل فريق يغلب يقمع مذهب غيره‪.‬‬
‫على كل حال هم يجتهدون ويخالفون أحيا نا من قبلهم‪ ،‬و من حق من بعدهم‬
‫أن يدلي بدلوه‪ ،‬وكلمية أبيي حنيفية هيي النيبراس‪ ،‬عندميا لييم على مخالفية بعيض‬
‫التابعين‪" :‬نحن رجال وهم رجال"‪ ،‬هذه الكلمة التي يمكن أن نستنبط منها بسهولة‪:‬‬
‫وكل من أدوات الجتهاد علما وعمل من الخلف رجال‪ .‬ويمكن أن نستنبط منها أن‬
‫السلفية بوصلة تشير إلى نجمة القطب‪ :‬الذي هو المصباح والمشكاة‪ ،‬وذلك نجم ذو‬
‫بوصلة مفتوح لكل من ملك أدوات الجتهاد علما وعمل‬
‫وفهيم هذه الصيول والتفرييع عليهيا‪ ،‬لييس وقفيا على سيابق دون لحيق‪،‬‬
‫والرسرل صلى ال عليه وسلم يقول "رب حامل علم إلى من هو أوعى منه"‪ ،‬ويقول‬
‫ما معناه‪" :‬أمتى كالغيث الماطر‪ ،‬ل يدرى الخير في أوله أم في الخر"‪.‬‬

‫‪ =27‬الصـراع مـع الفرعنـة و الثقافـة الجنبيـة أنهـك‬


‫السلفيات العباسية‬
‫أ‪ -‬القلعة القامعة سياسيا ل تنتج إل فكرا محاصرا‪:‬‬
‫كان السلف العباسي الصالح‪ ،‬حريصا يعيش في مناخ سياسي قامع‪ ،‬اضطره‬
‫إلى أن يقصير إبداعيه على الروايية‪ ،‬فركيز على تدويين النيص‪/‬المصيباح ومسيرح‬
‫تطبيقه‪.‬‬
‫ول بد أن نفرق اليوم بين ما رووه وبين ما رأوه‪ ،‬لكي لنتصور صياغتهم‬
‫للعقيدة والثقافة والتربية مسلمة لشية فيها‪ ،‬فقد ألجأهم مناخ القمع إلى إلى وضع‬
‫شروط عدل الدولة وإسلمها العشرة‪ ،‬في إيط إسلم الفرد المدنية وإبط إيمان الفرد‬
‫والغيبية‪.‬‬
‫كما نجد ذلك واضحا في كتاب السنة للبربهاري‪ ،‬والطحاوية للطحاوي‪ ،‬وهم‬
‫مثل غيرهم من الفرق؛ لم يستطيعوا تنقية كتب التفسير (كالقرطبي و ابن جرير و‬
‫ابين كثيير) مين الخرافات و الترهات‪ ،‬والراء الهشية والنطباعات الرخوة‪ ،‬التيي ل‬
‫قيمة لها في ميزان صحيح علوم النسان والطبيعة‪.‬‬
‫وكان ثمية جدل أكثره عقييم حول العقيل والنقيل‪ ،‬فل السيلفيون حددوا النقيل‬
‫بأنيه الصيريح مين المصيباح الذي ثبتيت صيراحته فيي الزجاجية أو المشكاة‪ ،‬ول‬
‫المعتزلة حددوا العقل بأنه صحيح علوم النسان والطبيعة‪ ،‬ولو فعلوا ذلك لكفى ال‬
‫المتنازعين شر الجدال‪.‬‬
‫فل يس للفل سفة‪ ،‬بله المعتزلة امتياز احتكار الع قل‪ ،‬مفهوم الع قل في الع صر‬
‫العبا سي لم ي كن دقي قا‪ ،‬فالع قل الم سلم به هو صحيح علوم الن سان وال طبيعةوهو‬
‫الح سي والتجر يبي والبرها ني‪ ،‬أ ما كث ير من هرطقات الفل سفة‪ ،‬فإن ما هي أوهام‬
‫الهواء‪ ،‬ل سيما ونماذج الع قل‪ ،‬ع ند أمثال ا بن ر شد‪ ،‬إن ما هي تقل يد ون قل واجترار‬
‫للفكر اليوناني التجريدي وتكرار‪ ،‬ليس عليها أثر النقد فضل عن البتكار‪ ،‬فليس كل‬
‫ميا نسيبوه إلى العقيل معقول‪ ،‬وإن ادعوا العقلنيية‪ ،‬لن العقيل مفهوميه إنميا هيو‬
‫بوصلة‪ ،‬كما شهد القرآن‪ ،‬ولذلك تأتي مرادفاته النظر والتفكير والبصار والتذكر‪،‬‬
‫ولكنه بوصلة برهانية حسية تجريبية‪ ،‬وليس بلبلة تجريدية‪ ،‬ول فرملة صحراوية‪.‬‬
‫ول عل من المف يد ل نا اليوم أن نفرز ب ين المعياري والن سبي في ال صياغة‬
‫السيلفية لنتأميل ميا حافيظ علييه‪ ،‬فإن حافيظ على مبادئ وكليات قطعيية ثابتية‪،‬‬
‫فالمحافظة عليها واجبة‪،‬‬
‫وإن حافيظ على أمور طبيعتهيا التغيير بيين الجيال‪ ،‬أولم يفرز مين الوقائع‬
‫والنصيوص ماهيو مطلق عين ماهيو نسيبي‪ ،‬وماهيو مين الوسيائل مين ماهيو مين‬
‫المبادئ‪ ،‬لنكتشيف أن رأي مالك فيي رفيض توحييد وتدويين أحكام القضاء‪ ،‬اجتهاد‬
‫غير صحيح‪ ،‬وإن كان مالك معذورا و مأجورا بإذن ال‪.‬‬
‫وأن نفرز ماهيو قطعيي ثابيت مين مبادئ الديين‪ ،‬مين ماهيو اجتهاد فردي‬
‫ل صحابي‪ ،‬ولوكان راشد يا‪ ،‬عند ما نكون أمام قول المام مالك ل من سأله عن مع نى‬
‫الستواء‪» :‬ال ستواء معلوم‪ ،‬والكيف مجهول‪ ،‬واليمان به واجب"‪ ،‬فهذا هو من هج‬
‫السلف الذين نزل بينهم المصباح‪ ،‬أن يشغلهم العمل عن الشقاق والجدل‪ ،‬في الكلم‬
‫عن المور الغيبية التي لم تفصلها النصوص‪ ،‬ول يترتب عليها عمل‪.‬‬
‫ولكن جبه السائل أو ضربه أو إهانته‪ ،‬إنما هي معالجة فردية انطباعية‪ ،‬كما‬
‫في بقية قول مالك للرجل الذي سأل عن الستواء" السؤال عنه بدعة‪،‬أخرجوه عني‬
‫فإ نه ر جل سوء"‪.‬ول عل مال كا أراد اتباع ع مر بن الخطاب ل ما ضرب صبيغا‪ ،‬عند ما‬
‫سأل أسئلة منكرة‪.‬‬
‫ولكن عمر رضي ال عنه كان في بداية التماس‪ ،‬وقد اجتهد في إغلق هذا‬
‫الباب‪ ،‬ولكن هذا الباب لم ولن ينغلق بسيوف ول رماح‪ ،‬لن الفكر ل يحارب بسلح‬
‫من خارج منظومته‪ ،‬فكيف سنقنع الناس بفكرنا‪ ،‬إذا كنا سنقول للسائل‪ :‬أنت مبتدع‪،‬‬
‫أو أنت رجل سيء‪ ،‬حكمنا فيك أن تضرب بالجريد و النعال‪-‬كما ينسب للشافعي‪.-‬‬
‫ول يس ت صرف ع مر ول مالك ول الشاف عي قاعدة شرع ية من قوا عد الدعوة ل كي‬
‫نتمسك بها باسم السلفية‪،‬‬
‫بييد أن صيياغة العقيدة والثقافية فيي منحاهيا الصيافي‪ ،‬الذي جسيده الرواد‬
‫كالشاف عي و مح مد بن الح سن‪ ،‬ت مت في ظلل ال صراع‪ ،‬ومناخ التو تر و ال ستبداد‬
‫السياسي والفكري‪ ،‬وفي مناخ خلفية معرفية وحضارية محدودة‪ ،‬فغلب على كتابها‬
‫أسلوب الدفاع عن (القلعة المعاصرة)‪ ،‬فجاءت صياغة حذرة من الختراق‪.‬‬
‫ولذلك سمات ينب غي الفط نة ل ها‪ :‬من ها أن ها ركزت على جا نب ف كر الروا ية‬
‫فقلت عند ها الدرا ية‪،‬إذ إن انعزال الف كر عن صخب الحياة الجتماع ية و ال سياسية‪،‬‬
‫أفقده الحيويية والمرونية والسيتفادة مين المعطيات وحلول التحديات‪ ،‬كميا أنيه ظيل‬
‫م سكونا بها جس الحذر من كل ش يء‪ ،‬يت صل بال سلطة أو العقلن ية‪-،‬و هو في ذلك‬
‫معذور‪ -‬لن السيلطان كان جبارا جائرا‪ ،‬ولن مفهوم العقيل كان يونانييا‪ ،‬مين أجيل‬
‫آلت بيه كراهيية العقلنيية اليونانيية‪ ،‬إلى الزراء بالعقلنيية جملة وتفصييل ميع أن‬
‫القرآن قرر أن العقيل هيو أسياس الهدايية مين الضلل‪ ،‬فهميش العقيل العملي‬
‫والتجريبي والحسي ‪ ،‬ولذلك لم يكن لرموزه ‪-‬بعد العراك المعتزلي‪/‬السني سبق في‬
‫البداع المعرفي‪.‬‬
‫بدأ هذا التيار الصافي برسالة للشافعي‪ ،‬ولكن رموزه شغلهم تدوين الرواية‪،‬‬
‫عن جانب التأمل والنتاج والدراية‪ ،‬ومتأخروهم عايشوا شيخوخة الفكر والحضارة‪،‬‬
‫فلم يستطيعوا إنتاج فقه مدني ول سياسي كاف‪.‬‬
‫ب‪-‬استطاعوا‪-‬بعزلتهم وتدوينهم النص‪ -‬منع الفرعنة‬
‫من أن تتشرعن‪:‬‬
‫و لم يكادوا يخرجوا عين دوامية ردود الفعيل إل قليلً‪ ،‬لن الموجات التيي‬
‫اندفعيت عليهيم‪ ،‬أقوى مين طاقتهيم‪ ،‬ولن أوائلهيم لم يسيتوعبوا علوم النسيان‬
‫والطبيعية التيي جدت موضوعاتهيا ومناهجهيا عليهيم‪ ،‬فل نكاد نجيد فكرا عقلنييا‬
‫عمي قا‪ ،‬ق بل الغزالي وا بن تيم ية وا بن خلدون والشا طبي‪ ،‬فلم ي كن ل هم نشاط كاف‬
‫للتأسيس المعرفي‪.‬‬
‫ك ما أن التجاه ال صافي لم ي ستطع أن يكون حض نا اجتماع يا‪ ،‬تن مو ف يه ق يم‬
‫الحياة المدنية‪ ،‬والروح الجماعية‪ ،‬والحيوية والتفكير المنطقي‪ ،‬والمعرفة التطبيقية‪،‬‬
‫فضل عن شروط إقامة عدل الدولة وإسلمها العشرة‪.‬‬
‫و من خلل ا ستعراض مذا هب أ سماء النابغ ين في الفل سفة والكيمياء وال طب‬
‫والرياضيات‪ ،‬ندرك هذه الحقيقة‪.‬‬
‫ولذلك ظل أكثر رواد السلفية العباسية محافظا‪ ،‬يناقش الفكار بأسلوب القلعة‬
‫المحا صرة‪ ،‬وغلب علي هم الحذر من المعر فة الجديدة‪ ،‬ولذلك ك ثر في هم التحذ ير من‬
‫الجدل ومن علم الكلم‪ ،‬ولم يكن مسلكهم تطبيقا معياريا لقاعدة شرعية و ل موقفا‬
‫نقديا معرفيا‪ ،‬لنه هذه الثقافات لن يتوقف جريانها عبر أسلوب القلعة المحاصرة‪،‬‬
‫بل عبر أسلوب "ادخلوا عليهم الباب"‪ ،‬وهذه المسألة التي يثير بعضنا اليوم حولها‬
‫الجدل‪ ،‬من بديهيات علم الجتماع المعرفي‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك فقد تلونت الثقافة الصلية أيضا بهذه الروافد‪.‬‬
‫ولن مصيباح القرآن والسينة‪ ،‬لم يوضيع فيي مشكاة حقائق علوم النسيان‬
‫والطبيعية؛ صيار العالم والفقييه يسيشتهد بالقرآن والحدييث‪ ،‬ولو كان ذلك لنكار‬
‫كرويية الرض‪ ،‬أو لنكار حقيقية الكيمياء‪ ،‬أو الثبات أن التفكيير مركزه القلب ل‬
‫الدماغ‪ ،‬فظهرت فجوة متوهمية بيين علم الشريعية وعلوم النسيان والطبيعية‪،‬‬
‫وانتشرت الحاد يث والثار والخبار الضعي فة والموضو عة‪ ،‬وال ساطير والخرافات‬
‫والترهات‪،‬التي لم تسلم منها مدونات العقيدة‪ ،‬فضل عن كتب التفسير‪.‬‬
‫مؤثرات ضخمية الثار؛ حاصيرت التيار الصيافي‪ ،‬فجعلتيه غيير قادر على‬
‫صياغة ف كر مت سق عم يق‪ ،‬يش كل منظو مة معيار ية‪ ،‬يم كن أن تع تبر منارة للجيال‬
‫اللح قة‪ ،‬فأ صبح التيار ال سلفي‪ ،‬كغيره من التيارات عند ما يؤ صل أو يفرع‪ ،‬متأثرا‬
‫بها إن شعر وإن لم يشعر‪.‬‬
‫وهذه المؤثرات امتصتها الثقافة السلمية وليس من السهل فرز صوابها عن‬
‫عوارهيا‪ ،‬رغيم محاولت كثيير مين العلماء السيابقين‪ ،‬فيي علم النحيو كمحاولت‬
‫مدرسية الكوفية‪ ،‬وفيي علم البلغية كمحاولت عبيد القادر الجرجانيي‪ ،‬وفيي علم‬
‫المنطيق كمحاولت الغزالي‪ ،‬وفيي علوم العقيدة كمحاولت ابين تيميية‪ ،‬وفيي علوم‬
‫الجتماع كمحاولت ابين خلدون‪ ،‬وفيي علوم أصيول الفقيه والمقاصيد كمحاولت‬
‫القرافي والشاطبي‪.‬‬
‫هذه الصيياغة العباسيية للعقيدة والثقافية‪ ،‬إذن محاولت لتوصييف السيلم‬
‫واللغية والمجتميع‪ ،‬ولكنهيا ليسيت فكرا معيارييا متسيقا مكتمل‪ ،‬ولذلك ينبغيي علينيا‬
‫فح صها اليوم معرف يا‪ ،‬ت صحيحها معرف يا و إعادة نظام ها المخ تل منه جا‪ ،‬من أ جل‬
‫تأسييس فكير تربوي يحيل مشكلتنيا ويلبيي احتياجاتنيا ويقاوم الضغوط والتحديات‬
‫النازلة‪ ،‬ويستجيب للمعطيات المعرفية والتقنيات الواقعية‪.‬‬
‫كل هذه الروافد مازجت الثقافة السلمية الصافية‪ ،‬رغم حرص روادها على‬
‫حفظ السنة‪ ،‬وعلى نقاء الحديث من الوضع والتحريف‪ ،‬بنقل قراءات القرآن الكريم‪،‬‬
‫لكن هذا الجهد لم يستطع إيقاف موجة الفساد السياسي ول التأويل الفكري‪ ،‬ولكنه‬
‫استطاع أن يحول دون اكتسابهما مشروعية‪ ،‬عندما شكل الرواد الوائل وعاءا ناقل‬
‫حافظا للسلم‪ ،‬وهذا يكفيهم فخرا‪.‬‬
‫‪=28‬أكــبر إخفاق فــي الســلفية العباســية وصــورها‬
‫الحديثة اليوم‪:‬‬
‫غمـط منظومتـي العدل والعمران كالحريـة والتعدديـة‬
‫والتقنية‬
‫‪/‬البدعة الكبرى التي دست في متون العقيدة‬
‫أ‪-‬الســــــــلفيات العباســــــــية وشروط دولة العدل‬
‫والشورى‪:‬‬
‫لم يدرك المحافظون على الصيياغة العباسيية اليوم فيي عهيد المبرياليية‬
‫الغربية؛ أهم إخفاقات الصياغة السلفية عباسية ومملوكية وعثمانية؛ وهو صياغة‬
‫العقيدة السيياسية‪ ،‬الذي كان نتيجية اختلل التوازن بيين شيق العقيدة الروحيي‬
‫والمدني عامة والسياسي خاصة‪.‬‬
‫ومين أجيل ذلك لم يثمين هؤلء شروط إقا مة عدل الدولة وإ سلمها العشرة‪،‬‬
‫ومبادئ السياسة الشرعية‪ ،‬ووسائلها المعتبرة في كل دولة متحضرة‪،‬التي أهمها‪:‬‬
‫‪ -1‬سلطة ال مة و سيادتها وقوامت ها على الحكام‪ ،‬وكون ها ول ية أ مر نف سها‪،‬‬
‫وكون الحكام والقضاة وكلء عنهيا لعليهيا‪ ،‬وضرورة وجود وسيائل تضمين هذه‬
‫المبادئ‪ ،‬كتوزيع سلطات الدولة‪ ،‬وتواجد مجالس منتخبة وأجهزة مراقبة ومحاسبة‪.‬‬
‫‪ -2‬وضرورة بروز كيانات في المجتمع الهلي وفي الدولة لهل الحل والعقد‬
‫تجسد كون المة مرجعية الحاكم‪.‬‬
‫‪-3‬وحدة المية المسيلمة العقيديية واسيتقلل هويتهيا الثقافيية‪ ،‬وإن تعددت‬
‫وحداتها السياسية‪.‬‬
‫‪-4‬حفيظ الحقوق الفطريية النسيانية‪ ،‬التيي عرفتهيا الطبائع‪ ،‬وأكدنهيا جمييع‬
‫الشرائع‪ ،‬والمواطنية القائمية على حريية التفكيير والتعيبير والتجميع والتعدديية‬
‫والتسامح‬
‫‪ -5‬والتعاون على البر والتقوى‪،‬‬
‫‪ -6‬الروح العملية والعقلنية والمعرفية والتقنية‪.‬‬
‫‪-7‬المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪،‬روحيا ومدنيا‬
‫‪ -8‬التزام السلوب السلمي في حل أي صراع داخل المة‪.‬‬
‫‪ -9‬الحتساب على الحكومة‪/‬الجهاد السياسي لزالة الطغيان الداخلي وإلزام‬
‫الحاكم بشرطي البيعة‪ :‬العدل والشورى‪.‬‬
‫‪-10‬وإقامية العلقات الدوليية على السيلم والبر والقسيط‪ ،‬وحصير الجهاد‬
‫العسيكري برد العدوان‪،‬فالجهاد فيي السيلم إنميا هيو ضيد العدوان والظلم‪ ،‬لضيد‬
‫الكفر‪( .‬انظر تفصيل في كتاب(جناحين حلق بهما السلم)‪.‬‬
‫ب‪ -‬السـكوت عـن أئمـة الجور والتبعيـة للمبرياليةمـا‬
‫أقاموا الصلة‬
‫ومن أجل ذلك لم يلحظوا الخلل الكبر هو في شق العقيدة السياسي‪ ،‬عندما‬
‫همشوا أركان إقامية الدولة العادلة العشرة‪ ،‬فيي إبيط أركان إسيلم الفراد الروحيية‬
‫والغيبيية‪ ،‬بسيبب ماران على الخلفيية المعرفيية مين أوشاب الصيحراء‪ ،‬والرهبنية‬
‫والسفسطة والفرعنة‪ .‬تلك الروافد الربعة التي كدرت نهر السلم الصافي‪.‬‬
‫ولم يلحيظ المحافظون على الصيياغة العباسيية اليوم فيي عهيد المبرياليية‬
‫الغربية أن منهج الفقه الحرفي‪ ،‬وضباب الصحراء والفرعنة والرهبنة والسفسطة‪،‬‬
‫أسهم في التهوين من قدر المامة الكبرى‪ ،‬ونتج عن ذلك أن السلفيات العباسية لم‬
‫تبين أن العدل عد يل ال صلة‪ ،‬ولم تث من أ ثر العدل في بقاء المة وزوال ها‪ ،‬فلم ت عط‬
‫شروط عدل الدولة وإسلمها قدرها‪.‬‬
‫ومين أجيل ذلك لم يقدم المحافظون على الصيياغة العباسيية اليوم فيي عهيد‬
‫المبريالية الغربية أفكارا أو وسائل تحقق مقاصد السلم السياسية‪ ،‬وتسهم في لجم‬
‫ال ستبداد الداخلي‪ ،‬الذي ك شف ال مة اليوم للمبريال ية الغرب ية‪ ،‬فلم يثمنوا الد ستور‬
‫وا ستقلل القضاء‪ ،‬ولم يرشدوا الش عب إلى أن التفر يط بالعدالة‪ ،‬كالتفر يط بال صلة‪،‬‬
‫هذا بمثابة كفر روحي بواح وذاك بمثابة كفر سياسي بواح‪ ،‬وكلهما يتطلب جهادا‬
‫سيلميا واحتسيابا‪.‬لن هذه القضاييا كانيت غائبية عين الوعيي فيي العصير العباسيي‪،‬‬
‫ولنهم أعادوا إنتاج فكر لم يستقرئ أسباب سقوط بغداد تحت سنابك التتر‪.‬‬
‫ول بد للناس اليوم من ا ستقراء سر سقوط ال مة ت حت سنابك المبريال ية‬
‫الغربيية‪ .‬وهذا يدعيو دعاة النهضية مين السيلفيات الحديثية التوازن‪ ،‬لكيي ل تجعيل‬
‫الهويية نقيضيا للحريية؛ ول ترى التضحيية بالعدل على مذبيح المين‪ ،‬ول ترى أن‬
‫وظيفة الحاكم محصورة بإقامة الصلة‪ ،‬لكي تتنازل عن العدل والمساواة‪.‬‬
‫وهذا يتطلب تعميقا وترويجا لمواصلة نحت خطاب النهضة الذي بدأه روادها‪،‬‬
‫كالفغانيي و وخيير الديين التونسيي والكواكيبي و محميد عبده و شاه ولي ال‬
‫الدهلوي‪ ،‬ومحميد رشييد رضيا و حسين البنيا و سييد قطيب و محميد الغزالي و‬
‫القرضاوي وعبدالمجيد الزنداني‪ ،‬ومحمد أبو فارس نحوهم‪.‬‬
‫ويتطلب أن يدرك المحافظون على الصييياغة العباسييية اليوم فييي عهييد‬
‫المبرياليية الغربيية؛ مدى اختلل (نظام) العقيدة وتوازنهيا‪ ،‬وأنيه لم يكين فردييا ول‬
‫محصورا برعيل ول تيار ول فرقة‪ ،‬بل هو وتيرة العصور بعد الخلفة الراشدة‪ ،‬وقد‬
‫ر سخ في الف كر الدي ني‪ ،‬م نذ أن أ طل بعن قه ع ند ف شل حركات ال صلح ال سياسي‬
‫والعسكري‪ ،‬في العصر الموي وأناخ بكلكله منذ العصر العباسي‪.‬‬
‫ب‪-‬نتيجــــة الســــلفيات المحافظــــة على الصــــياغة‬
‫العباسية‪:‬أمية سياسية وتبعية للغرب‪:‬‬
‫ول زال المحافظون على الصيياغة العباسيية اليوم فيي عهيد المبرياليية‬
‫الغربية؛ غير مدركين أن السلم ل يتحدد بفكر السلف العباسي الصالح‪ ،‬ول يتحدد‬
‫بهذا الموضوع ول بهذه الصياغة‪ ،‬التي تكرست أجوبة وحلول لبيئات ماضية‪.‬‬
‫ولذلك تقيف التيارات المحافظية على الصيياغة العباسيية اليوم فيي عهيد‬
‫المبريالية الغربية أمام قضايا العصر في مواقف غير عملية‪ ،‬فهي إما رافضة جملة‬
‫وتفصييل‪ ،‬عيبر فقيه سيد الذرائع و ذلك مؤد إلى النتحار‪ ،‬وإميا مائعية عيبر فقيه‬
‫الضرورة وذلك مؤد إلى النبهار‪ ،‬وفي كلتا الحالتين تقدم حلول ترقيع وتلفيق‪.‬‬
‫ول بد من التذك ير بنظام العقيدة المتوازن‪ ،‬ل كي لنضرب الق يم المدن ية‪ ،‬ال تي‬
‫محورها العدل‪ ،‬الذي هو عديل الصلة‪ ،‬الذي أكده مصباح القرآن والسنة وزجاجته‬
‫ومشكاته‪.‬‬
‫ينبغيي أن نتذكير أن سيلفنا( العباسيي الصيالح ومين احتذاه) ‪-‬رحمنيا ال‬
‫وإياهم‪ -‬لم ير سخ لنا خطا با دين يا‪ ،‬يقدر العل قة ب ين العروت ين الما نة أو الح كم أو‬
‫العدل وعروة الصيلة‪ ،‬اللتيين صيرح بهميا الحدييث الصيحيح‪ ،‬ومين أجيل ذلك لم‬
‫تقدرالق يم المدن ية حق قدر ها‪،‬ولذلك لم ين شأ في البلد ال تي سادت في ها ال سلفيات‬
‫المحافظية على الصيياغة العباسيية اليوم فيي عهيد المبرياليية الغربيية محضين‬
‫اجتما عي‪ ،‬ير عى الق يم المدن ية ل عدل ول عمرا نا‪،‬وير سخ أن ها خيوط أ ساسية في‬
‫نسيج اليمان‪.‬‬
‫انقلب الهاميش على المتين‪ ،‬فحيل (الرأي) محيل الوحيي‪ ،‬وحلت الهواميش‬
‫والحواشيي والشروح‪ ،‬محيل الصيريح النيص الصيحيح‪ ،‬و ضربيت كليات الديين‬
‫بجزئياته‪ ،‬و ضربت كلياته القطعية بالنصوص المجتزأة من سياقها‪.‬‬
‫والتبس في الصياغة العباسية‪ ،‬وماهو رأي سياسي أو مدني فطير أو متخلف‬
‫لينبغي التسليم له‪ ،‬بماهو وحي صريح صحيح يجب التسليم له‪.‬‬
‫من أجل ذلك صار من الضروري؛ ضبط رؤية مصباح الكتاب والسنة بزجاجة‬
‫التطيبيق النبوي والراشدي‪ ،‬ومشكاة آيات ال الصيحيحة فيي ظواهير المجتمعات‬
‫والطبي عة‪ ،‬و آيات ال ال صحيحة في ظوا هر المجتمعات والطبي عة‪ ،‬ل تنا قض آيات‬
‫ال ال صريحة في ن صوص الشري عة‪.‬لن م صدر الحقيقت ين وا حد‪ ،‬ك ما قال تعالى" قل‬
‫كل من عند ال‪ ،‬فما لهؤلء القوم ليكادون يفقهون حديثا"‪ ،‬كما برهن ووضح ابن‬
‫تيمية في كتابي الرد على المنطقيين والعقل و النقل‪.‬‬
‫الف كر ال سياسي الدينا صوري‪ ،‬هو نق طة الض عف ال كبرى في صياغة ال سلف‬
‫العبا سي ل صياغة العقيدة‪ ،‬هو الذي م هد سقوط سد مأرب‪،‬الع قل ال سياسي غ يم في‬
‫ثقافتنا الدينية‪ ،‬فصارنا كلما ازددنا تدينا ازددنا بالسياسة جهل ‪ ،‬فصدق علينا قول‬
‫المعري‪:‬‬
‫الناس صنفان‪ :‬ذو دين بل عقل وآخر عقل ل دين له‬
‫وهؤلء معذورون في ما اجتهدوا فيه‪ ،‬لنهم اجتهدوا حسب استطاعتهم أولً‪،‬‬
‫واجتهدوا لعصرهم ثانيا‪ ،‬ولم يقل أحد منهم‪ :‬اتخذوني أو كتابي مرجعية في القرن‬
‫الخاميس عشير‪ ،‬ولكنيا اليوم لسينا معذوريين إذا ظننيا أن تقريير كتبهيم وآرائهيم‬
‫ومقولتهيم‪ ،‬وتصييد الشوارد مين مقولتهيم‪ ،‬سييبني لنيا فكرا نهوضييا‪ ،‬نقاوم بيه‬
‫أعاصير الهيمنة والعلمنة الطلسية‪.‬‬

‫‪ =29‬الســلفيات المحافظــة فــي العصــر المــبريالي‬


‫على الصيغة العباسية‪ :‬تواجه نتيجة فساد المنهج‪/‬الجدب‬
‫الحضاري ‪/‬تقبـل ظلم الحجاج افضـى إلى التبعيـة لقيصـر‬
‫أيضا؟‬
‫أ‪-‬لكي لتجير المفهوم لتبرير ا الجدب الحضاري‪:‬‬
‫لم يدرك المحافظون على الصيياغة العباسيية اليوم فيي عهيد المبرياليية‬
‫الغربية كيف حل التفسير والشروح والفروع‪ ،‬محل الصول في التفكير الجتماعي‪،‬‬
‫وجرى انقلب على المتين‪ ،‬شيئا فشيئا‪ ،‬رويدا رويدا‪ ،‬فتسيللت البدع فيي شراييين‬
‫المية‪ ،‬كالماء تحيت التبين‪ ،‬فمين خلل الشروح والتفاسيير‪ ،‬وجرى لي النصيوص‪،‬‬
‫لتنطق بأهواء وانطباعات‪ ،‬رهبانية وبدوية وفرعونية وسفسطية‪.‬‬
‫إنه خلل كبير وخطير في صياغة العقيدة والثقافة والتربية‪ ،‬ليس قضية‬
‫كتاب أو كاتيب دون آخير‪ ،‬ول قضيية اتجاه ينتسيب للعقيل‪ ،‬دون اتجاه آخير ينتسيب‬
‫للنقل‪.‬‬
‫إنه اختلل عام سرى في الفكر الديني‪ ،‬وأنتج ما نراه من ثقافة دينية شعبية‬
‫خاملة سياسيا‪ ،‬مجسدة على المسرح الجتماعي؛ أنواعا من السلوك الراكد‪ ،‬الذي ل‬
‫يثمن التكتل والتعاون‪ ،‬في سبيل المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪.‬‬
‫عند ما يتحدث أ حد عن صياغة التراث الدي ني العبا سي‪ ،‬ين بض ببعض نا‬
‫هاجس الخوف على الدين‪ ،‬وهو هاجس مشروع‪ ،‬لنهم يجدون من ينادى بالقطيعة‬
‫مع التراث والدين‪ ،‬ولكن هذا الهاجس إذا سيطر علينا عمينا عن التفرقة بين نص‬
‫الشريعة المطهرة والتفسير العباسي‪.‬‬
‫و من أ جل ذلك غلب على التيارات الدين ية المحاف ظة على ال صياغات ال سلفية‬
‫والعباسيية اليوم فيي عهيد المبرياليية الغربيية الضطراب‪ ،‬والمييل إلى النزاع‬
‫والشقاق‪ ،‬والنزوع إلى التجريد والتنظير‪ ،‬والبعد عن فهم الواقع وتحليله‪ ،‬وضمرت‬
‫فيها الروح العملية المستقبلية‪.‬‬
‫وشاع الفقيه الحرفيي الظاهري‪ ،‬ومحاولت حلول المشكلت وتلبيية الحاجات‬
‫الحديثية‪ ،‬بيل وبناء الحياة الحديثية‪ ،‬على نماذج وأنماط اجتماعيية وثقافيية عباسيية‬
‫بائد‬
‫وأشاعوا الحرفية لن السلفيات العباسية أكثر الفرق تطبيقا لمنهج الستدلل‬
‫الحرفي في فقه الكتاب والسنة‪،‬‬
‫والمظهرية في فهم الدين‪.‬‬
‫‪-‬وغلبت على أفكارهم المحافظة والتشدد تجاه المستجدات‪.‬‬
‫وغلب عليهيم انتقاء النصيوص التيي تعضيد هذا اتجاههيا واعتبارهيا هيي‬
‫السلم‪.‬‬
‫وضرب ضرب التفاق على اليقينيات بالختلف على الظنيات الغيبية‬
‫ونسوا أن جوهر السلفية‪ :‬إسلم بل مذهبية‪:‬‬
‫ونسيوا أن مقتضيى لفسيطاط التوحييد عمودان إقامية شروط العدل و إقامية‬
‫شروط الصلة‬
‫وتناسيوا أن ينبغيي أن نسيتشهد بالسيلف العباسيي نعتضيد لأن نجعلهيم‬
‫مرجعية عليها نعتمد ؟‬
‫ولم يفرزوا بين سيلف نبوي راشدي عاييش المصيباح والزجاجية وسيلف‬
‫احتذا هم ون سوا أن سلفية الم صباح والزجا جة‪ /‬هي نج مة الق طب والبو صلة‪ /‬وأن‬
‫السلفيات العباسية وما بعدها توابع دوارة‪.‬‬
‫ون سي الذ ين يعيدون إنتاج الصياغات العبا سية؛ أن هم يوحون للناس بأ نه في‬
‫غمار معركية عباسيية‪ ،‬كانيت قائمية قبيل ألف سينة؟‪ ،‬فيجمعون النصيار‪ ،‬وينبشون‬
‫مادفن ته الع صور‪ ،‬ويقفون خطباء في المقابر‪ ،‬يناقشون قوما ماتوا‪ ،‬وطو يت مع هم‬
‫آراؤهيم‪ ،‬ويتركون أسيئلة الميزان والحسيان والعمران‪ ،‬تلك السيئلة الكيبرى التيي‬
‫يطرحهيا تحدي العلمنية و اللبرلة و العمولمية الطلسيية‪ ،‬فاغرة أفواههيا‪ ،‬دون أن‬
‫يدركوا دورهم أمام غزاة كونيين‪ ،‬يهددون ثقافتنا وحضارتنا‪ ،‬بأدوات غزو فتاكة؟‪.‬‬
‫ويطرحون قضاييا ومعارك الفرق العباسيية وغيرهيا‪ ،‬وكأنهيا لزالت حيية‬
‫تتحرك‪ ،‬ويقفون عند حدود الطر التي أطرتها‪ ،‬في حلول المشكلت‪ ،‬وفي القتصاد‬
‫والسياسية‪ ،‬وفي طرائق التعليم وفي اللباس‪ ،‬وينفصل انفصا ًل عن العصر الحديث‪.‬‬
‫ف هم يع يش في الما ضي أك ثر من الحاضر‪ ،‬ويحتمون بالماضي‪ ،‬كلما لفحت هم‬
‫رياح الحاضير‪ .‬ويحاولون بعيث الماضيي‪ ،‬دون أن يلحظوا علقية البنيية الثقافيية‬
‫بالجتماعية وما فيها من تغيرات كبرى‪.‬‬
‫وع قد المحافظون على ال صياغة العبا سية اليوم في ع هد المبريال ية الغرب ية‬
‫على الناس فهم العقيدة‪ ،‬عندما قرروا في مدارسهم كتبا صيغت بمصطلحات كلمية‪،‬‬
‫لي سير في غابات ها إل متفل سف‪ ،‬وم ثل هذا الف كر ينب غي أن يطرح‪ ،‬ولو ر فع فوق‬
‫كتابه لفتة السنة‪ ،‬لنه خالف مقتضى الشعار الذي أعلن‪.‬‬
‫ومن الضروري أن يلحظ المحافظون على الصياغة العباسية اليوم في عهد‬
‫المبرياليية الغربيية؛ أثير تقدييس آراء العلماء السيابقين‪ ،‬الذيين لم يثمنوا العدل‬
‫والشورى‪ ،‬في شيوع الجمود والتقليد‪ ،‬فقد أوحى التقليد المتلبس بالسلفية‪ ،‬بإمكان‬
‫تن صيب شيوخ عاشوا في القرن الثا ني أو الخا مس أو نحوه‪ ،‬مرجع ية ذات سلطة‬
‫معنويية مطلقية‪ ،‬تمارس وصياية على أجيال المية‪ ،‬وكأن شيخا مين قيبره يتحكيم‬
‫بالحياء‪ ،‬عبر إدارة أزرار الريموت‪.‬‬
‫إن من أخطر الشياء‪ ،‬أن نتصور الفقهاء مخولين بالتوقيع عن رب العالمين‪،‬‬
‫لن هم أولياء ال الذ ين يحددون ما ير يد‪ ،‬فال ل ين يب أحدا بالتوق يع ع نه‪ ،‬إل نبي‬
‫مرسل‪ ،‬يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا‪ ،‬ليعلم‪....‬‬
‫وفي عهد المبريالية الغربية؛ كيف يستطيع المحافظون على صياغة التراث‬
‫العباسي‪ ،‬تقديم أدوية من صيدليات علماء العصور الماضية‪ ،‬وأغذية من ثلجاتهم‪،‬‬
‫لتحديات الحداثة السياسية والعلمنة‪ ،‬والعولمة والهيمنة والفرنجة‪ ،‬وكيف يصوغون‬
‫فقهيا سيياسيا ‪ ،‬تنهيض بيه دول إسيلمية حديثية‪ ،‬وهيم ل يثمنون –أول يدركون‪-‬‬
‫مبادئ السيياسة الشرعيية ووسيائلها‪ ،‬كسيلطة المية‪ ،‬وسيلطة مجلس النواب‪،‬‬
‫واستقلل القضاء‪ ،‬والفصل بين السلطات‪ ،‬والتجمعات الهلية ول سيما المدنية‪.‬‬
‫وما من سبيل أمام المة من أجل بناء حياتها عن السلم؛ إل بالعودة إلى‬
‫فقه القرآن والسنة؛ إل بخلع النظارات العباسية‪ ،‬وتأمل مصباح الكتاب والسنة‪ ،‬في‬
‫زجاجية التطيبيق النبوي والراشدي‪ ،‬ومشكاة سينن ال فيي النسيان والطبيعية‪.‬‬
‫والستشهاد بالتراث وأقوال العلماء السايقين‪ ،‬دون اعتبارهم مرجعية عليها المعول‬
‫والعتماد‪.‬‬
‫فقد ظلم المحافظون على الصياغة العباسية اليوم في عهد المبريالية الغربية‬
‫العقيدة كثيرا‪ ،‬عندما حصروا الدين بالمحافظة على صياغات سابقة سلفية‪ ،‬حصروا‬
‫العقيدة ب ها‪ ،‬أو كونوا سلفيات انتقائ ية‪ .‬ظ هر في ها خط التقل يد على التجد يد‪ ،‬و خط‬
‫القمع والعنف على الحوارية واللطف‪ ،‬وخط النزواء على النفتاح‪.‬‬
‫وظلموا ال سلم وال مة كثيرا عند ما ح صروره في تجر بة سلفية اعتبرو ها‬
‫قطب السلم‪ ،‬فصار كل سلفي‪ ،‬يعلن السنة والرجوع إلى الكتاب والسنة‪ ،‬وهو يقدم‬
‫فكرا يعانيي مين اختلل التوازن‪ ،‬ل يختلف الناس فيي صيحة إعلن هذا التجاه مين‬
‫حيث الجمال‪ ،‬ولكل المشكلة في والتفصيلت والتطبيقات‪:‬‬
‫وظلموا العقيدة‪ ،‬عندميا أدمجوا فيهيا اجتهادت بعيض المتأخريين‪ ،‬التيي أخلت‬
‫بنظام السلم‪ ،‬وقدموها وكأنها دين ل يجوز أن يعبد ال بسواه‪.‬‬
‫وظلم المحافظون على ال صياغة العبا سية اليوم في ع هد المبريال ية الغرب ية‬
‫العقيدة عند ما ظنوا ب عض أن التزام ب عض آراء ال سلف ال صالح في ف هم آيات شق‬
‫العقيدة الروحيي‪ ،‬شروط لصيحة السيلم‪ ،‬وكأن فهيم القرآن والسينة‪ ،‬حيق خاص‬
‫محصور بعيون السلفيات العباسية وحدها حتى في علوم النسان الطبيعة و النفس‬
‫كالجتماع والتربيية والتارييخ والحضارة والفلك والجغرافيية‪ ،‬ميع أن السيلفيات‬
‫العباسية الصالح؛ لم ينشئ علما يذكر في هذه المجالت‪.‬و تلك من مصادرة للذهن‬
‫البشري‪.‬‬
‫وظلموا العقيدة عند ما قد مت على أن ها جدل لف ظي في ثانويات غيب ية‪ ،‬ح صر‬
‫بهيا مفهوم العقيدة‪ ،‬وتهمييش للعميل المدنيي الصيالح‪ ،‬وظلميت العقيدة عندميا قدم‬
‫اللتزام به على أنها رفض لكل جديد‪ ،‬وأشد الظلم هو ما يأتي من مَن يتوقع منهم‬
‫النصرة‪:‬‬
‫× على المرء من وقع الحسام المهند‬ ‫وظلم ذوي القربى أشد مضاضة‬
‫لماذا يعتيبر المحافظون على الصيياغة العباسيية اليوم فيي عهيد المبرياليية‬
‫الغربيية اليوم مقلديين؟‪ :‬لنهيم ل يدركون أن السيلفيات العباسيية حركات مباركات‪،‬‬
‫تحركت في عصرها‪ ،‬وليس مذاهب محددة‪ ،‬بل هي منهج‪ .‬وأن السلفيات العباسية‬
‫أخلت بي(نظام) العقيدة‪ ،‬اجتهادات السلف العباسي‪ ,‬لم يكن لديها تصور واف لهذا‬
‫النظام الذي كان عل يه ال نبي صلى ال عل يه و سلم وأ صحابه‪ ،‬وأن من حول ها إلى‬
‫مذهب فقد اجتهد في حدود إمكانه وزمانه ومكانه‬
‫أ ما من ألزم الناس ب صياغة رموز كوك بة ال سلفيات ال صالح المجدد ين؛ كا بن‬
‫حنبل وابن تيمية‪ ،‬فقد هلك وأهلك الناس‪ ،‬لنه صادر بها (نظام العقيدة) المتوازن‪.‬‬
‫و ل نه فرض تقليدهم واتخاذهم بوابات ل يدخل السلم إل عبرها‪ ،‬وعيونا ل يرى‬
‫الدين من دونها‪ ،‬وحصر طريق صلح المة اليوم بذلك‪.‬‬
‫د‪ -‬مــن الســتسلم للحجاج أفضــى إلى الســتسلم‬
‫لقيصر‪:‬‬
‫‪.‬كثيرون مين المحافظون على الصيياغة العبا سية اليوم فيي عهيد المبريال ية‬
‫الغرب ية؛ رفعوا شعار اللتزام بالكتاب وال سنة‪ ،‬و صلح الشري عة ل كل زمان ومكان‪،‬‬
‫ول كن لن هم يعزلون ف قه الم صباح عن زجاج ته ومشكا ته؛ ل يكادون ينجحون في‬
‫تقدييم فكير إسيلمي؛يعالج المرض العربيي الداخلي‪ :‬السيتسلم للمرض الداخلي‬
‫الحجاج‪(،‬التفريييط بالحرييية والكراميية)‪،‬فضل عيين علج السييتسلم للمرض‬
‫الخارجيي‪:‬قيصير(التفرييط بالهويية واسيتقلل الشخصيية)‪ .‬التيارات التيي اسيتسلمت‬
‫للحجاج‪ ،‬أثبتت قدرتها على التعايش مع المبريالية الغربية‬
‫إن هم من خلل الف كر الهل مي‪ ،‬يعلنون ل نا صباح م ساء‪ ،‬أن ال سلم صالح‬
‫لكيل زمان ومكان‪ ،‬وأن سيبب تأخرنيا هيو الخلل بالديين‪ ،‬لكنهيم مين خلل النتاج‬
‫الفكري‪ ،‬ل يبينون الشياء ال تي أخلل نا ب ها من الد ين‪ ،‬ول يقولون ل نا إن نا أهمل نا‬
‫أركان عدل الدولة وإسيلمها العشرة‪ ،‬ول يصيرحون لنيا أن أهيم فريضية دينيية‬
‫أهملناهيا هيي فريضية(الحكيم العادل)‪ .‬ول يكتبون لنيا ميا يدل على وعيهيم ضمانات‬
‫ووسائل الحكم العادل‪ ،‬التي جربتها المم فشفيت من أمراضها‪.‬‬
‫ولييس لدى كثيير منهيم إل الكلم الهلميي المكرور‪ ،‬الذي انشغيل بالكتابية‬
‫والتألييف والجدال‪ ،‬عين التخطييط واليثار والتضحيية والعميل والنضال‪ .‬إن هذه‬
‫الظاهرة أحيد إفرازات ثقافية الثرثرة والكلم‪ ،‬إنهيا إنتاج رباعيية البدونية والفرعنية‬
‫والرهبنية والسيفسطة‪ ،‬وهذا الفكير يعلن بلسيان الحال‪ :‬الديين لييس منفصيل عين‬
‫السياسة فحسب‪ ،‬بل منفصل عن الحياة‪.‬‬
‫لم يدرك المحافظون على الصيياغة العباسيية اليوم فيي عهيد المبرياليية‬
‫الغربية أن تعلقهم بالصياغة العباسية للفكر الديني‪ ،‬ليس محافظة على السلم ‪ ،‬بل‬
‫نتاج الستسلم للقيد ونتاج الحباط المتراكم‪ ،‬ونتاج التشبث بصورة الجد المرحوم‪،‬‬
‫وتعليق ها على الجدار‪ ،‬وكتا بة ق صائد ونقائض عن الح ساب والن ساب‪ .‬نتاج روح‬
‫قابعة نزاعة إلى تقديس القديم‪.‬‬
‫ولم يدركوا أن أفدح الخطاء أن يكسيو الصيياغات العباسيية أرديية السينة‬
‫النبوية المطلقة من دون فحص‪ ،‬فهذا خلل مركب‪ ،‬لنه خلل علمي ديني معا‪ ،‬لننا‬
‫بذلك نتخد من صياغة "السلفي العباسي الصالح"‪ ،‬نموذجا معرفيا متكامل‪ ،‬ل يجوز‬
‫تجاوزه‪ ،‬ونجعلها إطارا حديديا‪ ،‬صياغة جامدة مغلقة‪ ،‬تختزل السلم‪.‬‬
‫لوأدركوا منزلة العدل فييي الشريعيية؛ لقدموا صييورا حييية لنظام العقيدة‬
‫المتوازن ‪ ،‬ولشاعوا أدبياتيه ووسيائله‪ ،‬وصياغوا خطابيا يثبيت شروطيه وأعرافيه‪،‬‬
‫ويحدو المية إلى اليثار والحيويية والحتهاد والمبادرة والبتكار‪ ،‬والنضال والجهاد‬
‫والحت ساب والتضح ية وال ستشهاد‪ ،‬من أ جل الدفاع عن م صالح ال مة‪ ،‬و من أ جل‬
‫مقاومة الطغيان الداخلي‪ ،‬قبل مقاومة العدوان الخارجي‪.‬‬
‫ولو قلميت المية أظفار الحجاج‪ ،‬لصيدت هجمات التتار والغزو الصيليبي‬
‫بال مس‪ ،‬ول سلمت اليوم في ع صر المبريال ية الغرب ية من ال ستلب‪ ،‬من أ جل ذلك‬
‫نحتاج اليوم إلى تصيحيح نظام العقيدة‪ ،‬وهذا هيو التجدييد الذي تحتاج المية إلييه‬
‫اليوم‪ ،‬أشد الحاجة‪.‬‬

‫‪ =30‬النرجسـية والعصـبية للمذهبيـة‪/‬تجليات المجتمـع‬


‫المنقمع‪:‬‬
‫أ‪-‬مقلدو الصور العباسية صادروا بها الصل الراشدي‬
‫وهم ل يشعرون‪:‬‬
‫أساء مقلدو السلفيات العباسية اليوم في عهد المبريالية الغربية إليها لنهم‬
‫يتعصبون لمتونها وشيوخها‪ ،‬عندما ينحبسون في قمقم صياغة إمام قديم‪ ،‬أويعيدون‬
‫تشكيله وفقا لهوائهم‪ ،‬للتعبير عن شجون حاضرة‪ ،‬وهذه المسألة معروفة في علم‬
‫الجتماع المعرفي؛ بتأو يل الرمز الما ضي‪ .‬وينسون أن ال سلفيات منذ صدر الع صر‬
‫العبا سي حلول مؤق تة لزمان ها و مكان ها‪ ،‬ل ت صلح صياغتها لع صورنا لن ها أخلت‬
‫بي(نظام) الدين المتوازن‪.‬‬
‫بل إنهم أسياءوا إلى السنة نفسها‪ ،‬وهدموا التجاه الذي توهموا أنهم يبنونه‪،‬‬
‫بل إن هم أ ساءوا إلى ال سلم نف سه‪ ،‬عند ما اختزلوه ب صياغة ال سلفيات العبا سية‪،‬‬
‫وعند ما حاولوا الجا بة عن ال سئلة الحدي ثة المعا صرة‪ ،‬بمتون ال صياغة العبا سية‬
‫وهيي أجوبية لسيئلة غابرة‪ ،‬وأسياءوا إلى جهود رواد الصيياغة العباسيية‪ ،‬عندميا‬
‫قدموا للناس ما و قع فيه ب عض الرموز من أخطاء و أغلط‪ ،‬على أنها هي ما كان‬
‫عل يه ال نبي وأ صحابه‪ ،‬فجعلوا ال صياغة في مرت بة الكتاب وال سنة‪ ،‬واع تبروا القول‬
‫بغير ذلك كفرا أو بدعة ورفضا للصريح من الوحي‪.‬‬
‫لم يلحيظ المحافظون على الصيياغة العباسيية‪ ،‬أنهيا كانيت لزمين غابر‪ ،‬ولم‬
‫يلحظوا المناخ السيياسي والجتماعيي الذي عاش فييه فقهاء الصيلح الدينيي‬
‫ال سالفون‪ ،‬و ما ف يه من ق مع لق يم المجت مع المد ني ووأد للحر ية والكرا مة والعدالة‬
‫والمسياواة و التعدديية‪ ،‬و ميا فرض عليهيم ذلك المناخ‪ ،‬مين خيارات وأولويات‪،‬‬
‫وتفسيرات وتأويلت‪ ،‬وآليات ونظريات‪ ،‬حاولوا أن يجايهوا بها التحديات‪.‬‬
‫ب‪ -‬تغليــب الخلف على الوفاق مــن تجليات القمــع‬
‫السياسي‪:‬‬
‫يلحيظ موظفيو السيجون كثرة تنازع السيجناء‪ ،‬مهميا كان بينهيم مين ألفية‬
‫ومه ما كان ل هم من هدوء أع صاب خارج ال سجن‪ .‬ويل حظ المربون أن شدة ق مع‬
‫الباء تجعل البناء كثيري التصارع والحدة في ما بينهم‪.‬‬
‫لكين كثيرا منيا ليكاد يطبيق هذا المسيبار‪ ،‬عندميا يقرأ تناحير الفرق الدينيية‪،‬‬
‫خلل العهود العباسية والمملوكية والعثمانية‪ .‬بيد أن ذلك أمر طبيعي‪ ،‬فمناخ القمع‬
‫السياسي‪ ،‬أورث الفكر الديني إغفال التسامح‪ ،‬وكثرة الخلف وحدة التدابر‪.‬‬
‫والناس في دولة الستبداد‪ ،‬يسيطر عليهم سلم ظاهري‪ ،‬لكن النفوس تنشحن‬
‫بالحقاد‪ ،‬تماميا كالسيجناء فيي العنيبر‪ ،‬يكثرون التخاصيم‪ ،‬ويحولون رد فعلهيم على‬
‫الساجن القاهر‪ ،‬إلى زملئهم المقهورين في الزنازين‪.‬‬
‫وصياغة سلفنا العباسي الصالح‪-‬رحمنا ال وإياهم‪ ،-‬للعقيدة والثقافة تأثرت‬
‫بمناخ ال ستبداد الك سروي ال سياسي‪ ،‬فغلت في التبد يغ والتكف ير‪،‬ب سبب سريان داء‬
‫الق مع ال صحراوي الك سروي ال سياسي إلى الد ين‪،‬وتمازج في غالب الحوال‪ ،‬فأفرز‬
‫القمع السياسي‪ ،‬خطاب قمع ديني محرف‪ ،‬تصفى تحت لفتته المعارضة‪ ،‬وتضطهد‬
‫القليات‪.‬‬
‫فتكافير السينة والشيعية فيي مسيألة المامية‪ ،‬وتكافير المعتزلة والسينة‪,‬فيي‬
‫السيماء والصيفات‪ ،‬واتخيذ الفريقان مين مسيألة خلق القرآن ميزانيا‪ ،‬لهيل الجنية‬
‫والنار‪ ،‬وشاع الغلو فيي التبدييع والتكفيير‪ ،‬ومنيذ معركية خلق القرآن‪ ،‬شاع التشدد‬
‫والتعصب في التمذهب‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك نكرر مرارا‪ :‬ل يمكن أن ينبت في مناخ الستبداد السياسي؛ أي‬
‫صيلح دينيي ول اجتماعيي ل تربوي ول تعليميي‪ ،‬ول اقتصيادي ول صيناعي ‪ ،‬ول‬
‫معرفي ول تقني‪.‬‬
‫ج‪-‬تقديـــم الرؤيـــة المذهبيـــة‪-‬مـــن خلل التفاســـير‬
‫والشروح‪ -‬على أنها السلم الذي ل يزيغ عنه إل هالك‪:‬‬
‫وفوق ذلك دسيت الفرق العباسيية ‪ ،‬مين معتزلة سينة حنابلة أو أشاعرة؛ و‬
‫شيعية آراءهيا ومسيائل الصيراع بينهميا وبيين الفرق الخرى‪ ،‬فيي شروح الحدييث‬
‫والتف سير‪ ،‬ومررت ها‪ -‬في أحيان كثيرة‪ -‬من دون بيان الخلف‪ ،‬فجاءت اجتهادا ت ها‬
‫في فهم القرآن والسنة‪ ،‬كأنما هي الحق التي ل يزيغ عنه إل هالك‪.‬‬
‫وفوق ذلك أوحت للقراء بأن آراء غيرها؛ إنما هي بدع كبرى أو مكفرة‪ ،‬من‬
‫خلل قانون غرييب فيي علم المنطيق‪ ،‬هيو إلزام القائليين بميا يراه الناقيد (لزميا)‬
‫لقوالهم ‪ ،‬أي فحوى القول‪ ،‬ثم إصدار أحكام‪ ،‬على شخصه وسمعته وعلمه ودينه‪.‬‬
‫ورغم أن المام أحمد يقول" من ادعى الجماع فقد كذب"‪ ،‬فقد أكثر اللحقون‬
‫من ادعاء الجماع على اجتهادا تهم‪ ،‬أو أنها قول الجمهور‪ ،‬أو أنها صريح القرآن‬
‫والسنة‪ ،‬أو أنها قول الئمة المحققين‪ ،‬أو أنها مذهب الئمة الربعة‪.‬‬
‫أشيد عيوب تيارات الفكير الدينيي العباسيية؛ أنهيا توهيم قراءهيا وأتباعهيا‪،‬‬
‫أنهاهي السلم الصريح الصحيح‪ ،‬وأنها هي المحجة البيضاء‪ ،‬التي ليزيغ عنها إل‬
‫هالك‪ ،‬وأنها هي الفرقة الناجية التي كان عليها المصطفى وأصحابه‪،‬من خلل رفع‬
‫شعار الكتاب وال سنة‪ ،‬ول كن حقيقتها أنها رؤ ية اجتهاد ية‪ ،‬أي م سائل خلف ية‪ ،‬فيها‬
‫خلف معتبر لمسائل غيبية أكثرها يعتمد على أحاديث آحاد‪ ،‬وأغلب ما مناكفاتها في‬
‫ما ل يترتب عليه عمل‪.‬‬
‫و هي ل تفرق ب ين ما هو صريح القرآن في ال سنة‪ ،‬و ما هو آراء شيوخ ها‬
‫وعلمائها‪ ،‬وهي قد زاد هذه المنهج الحرفي في فقه النصوص‪ ،‬وتزداد هذه النزعة‬
‫إيغالً‪ ،‬عندما توحي لمن يقرأ أن فهم السلفيين العباسيين هو القرآن والسنة‪ .‬فتعتبر‬
‫ال صياغة العبا سية‪ ،‬لعلوم التوح يد و ال سياسة والقضاء‪ ،‬هي ال سلم الذي ل يز يغ‬
‫عنها إل هالك‪ ،‬وذلك يعني أنها تعبر عن سذاجة معرفية‪.‬‬

‫د‪ -‬احتكار الفرقة الناجية‪:‬‬


‫السيلم له حدود قطعيية‪ ،‬أجميع عليهيا أهيل القبلة‪ ،‬مين خرج عين أسياسي‬
‫صريح صحيح منها كفر‪ ،‬ما لم ي كن متأول تأويل ي سمح به الكلم العر بي‪ ،‬سواءا‬
‫أكان بعيدا مرجوحا أو فاسدا‪ .‬ومن خرج عن ثانوي صريح صحيح ابتدع‪.‬‬
‫ومين أطرف مسيائل الصيراع‪ ،‬ميا دار حول حدييث الفرقية الناجيية إذ جالت‬
‫تيارات الف كر الدي ني العبا سية؛ حول حد يث الفر قة الناج ية‪ ،‬و كل يد عي أ نه الفر قة‬
‫الناجيية‪ ،‬ويعدد الفرق السيبعين‪ ،‬ونسيي الناس أن بلوغ الفرق السيبعين‪-‬إذا صيح‬
‫منطوق الحدييث‪ -‬ل يكون إل فيي نهايية المطاف‪ ،‬عندميا يرث ال الرض ومين‬
‫عليها‪،‬وأن الحديث ل ينص على أمة الجابة‪ ،‬بل قد يقصد به أمة الدعوة‪ ،‬وأن أهل‬
‫القبلة جميعا هم الفرقة الناجية‪ ،‬وإن ل فكيف تكون أمة محمد صلى ال عليه وسلم‬
‫أكثر أهل الجنة؟‪ ،‬إذا كان لن يدخل الجنة منها إل واحدة من سبعين فرقة من المة‬
‫المسيلمة؛ وإذا كان لن يدخيل الجنية إل إحدى الفرق أي الحنابلة أو الشاعرة أو‬
‫الزيدية‪ ,‬أو الباضية أوالشيعة المامية أوالمعتزلة ‪.‬‬
‫وفي كل تيارات الفكر الديني العباسية نرجسية غير عملية‪ ،‬عندما تتخذ مثل‬
‫هذا الحد يث ‪ ،‬مرز بة لضرب كل رأي يخالف رأي ها‪ ،‬وتز عم أن فريق ها هو الفر قة‬
‫الناجية‪ ،‬و أقرب توجيه لهذا الحديث من أحاديث الوعيد‪ ،‬التي تتضمن التحذير من‬
‫مخالفية السينة‪ ،‬ول يؤخيد بمنطوقهيا الصيريح‪ ،‬والدخول فيي النار هنيا ليلزم منيه‬
‫التخليد‪ ،‬فقد ثبت ثبوتا قطعيا‪ ،‬في الحاديث الصحيحة المتواترة المعنى‪"" :‬من قال ل‬
‫إله إل ال د خل الج نة""‪ ،‬و قد ذ كر ا بن تيم ية رحم نا ال وإياه هؤلء الغافل ين‪ ،‬بأن‬
‫من عين الفرقة الناجية قد تألى على ال‪.‬‬
‫ولكن ابن تيمية نفسه‪-،‬غفرال لنا وله‪ -‬رغم ما تستفيد المة من من أفكاره‬
‫البازغة؛ لم ينج هو ول غيره من المبالغة في التكفير والتبديع؛ لن المبالغة كانت‬
‫وباء معرفييا سياد المناخ العام‪ ،‬تجلييا وإفرازا طبيعييا للقميع والسيتبداد السيياسي‪،‬‬
‫فالستبداد جرثومة كل فساد‪ ،‬كما يقول الكواكبي‪.‬‬

‫‪ =31‬التخندق فــي نفــق التمذهــب صــادر مرجعيــة‬


‫الكتاب والسنة‪:‬‬
‫ثم رسخ النغلق والتدابر‬
‫أ‪ -‬اختلف الصحابة واختلف المتمذهبين ‪:‬‬
‫التع صب للمذهب ية‪ ،‬من م ساوىء الترب ية الدين ية المنغل قة‪ ،‬في جو ال ستبداد‬
‫السياسي‪،‬حينما ترك الناس الكتاب والسنة ‪ ،‬وصارت مرجعيتهم قول المام مالك أو‬
‫أحمد‪،‬أو الشافعي أو أبي حنيفة ‪.‬‬
‫وصار اسم إمام المذهب يتردد في مقولتهم ‪ ،‬أكثر من تردد اسم النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ ،‬وصارت أقواله تتردد أكثر من أقوال اللّه ورسوله ‪ ،‬وصارت كلمة‬
‫المالكية والحنابلة والشافعية والحنفية‪،‬تتردد أكثر من كلمة الصحابة ‪.‬‬
‫كما صارت أقوالهم‪،‬تتردد في المتون والمختصرات والشروح‪،‬أكثر من أقوال‬
‫الصحابة ‪.‬‬
‫وصارت عبارات ‪ :‬إمامنا وإمامهم ‪،‬ودليلنا ودليلهم ‪ ،‬لوازم في هذه العصبية‬
‫فإذا ق يل لم كل هذه الختلفات‪،‬قالوا ك ما اختلف ال صحابة من ق بل‪ .‬واختلف‬
‫الصحابة يمتاز عن اختلف المتأخرين بالسمات التالية ‪:‬‬
‫هناك خلف بيين الصيحابة السيابقين والصيحابة التابعيين لهيم‪.‬و الصيحابة‬
‫التابعون ي سعون إلى أن يكونوا من التابع ين بأح سان‪ ،‬والتباع بإح سان يتحدد بأن‬
‫على الصف الثاني ‪ ،‬أن يقتدي بالصف الول‪ ،‬في العتماد على القرآن والسنة‪.‬‬
‫الخلف بيين الصيحابة كان خلفا على فهيم نيص القرآن والسينة‪ ،‬وكانيت‬
‫الحاد يث لدي هم طر ية‪ ،‬لم يختلط موضوعهيا بصيحيحها‪ ،‬ولم يصيل إليهيا تحرييف‬
‫الرواة واختلفهم‪ .‬وكانوا يرون مصباح الكتاب وال سنة‪ ،‬في مشكاة الت طبيق النبوي‬
‫والراشدي‪.‬‬
‫وال صل ع ند ال صحابة هو القرآن والحد يث‪ ،‬وت طبيبق الر سول‪ ،‬أ ما اختلف‬
‫أ هل المذا هب‪ ،‬فإن المذ هب عند هم ال صل‪ ،‬لن بعض هم قد ي جد الح جة‪ ،‬من الكتاب‬
‫والسنة تؤيد مذهبا آخر‪ ،‬فيدعها لنها خلف مذهبه‪ ،‬وكأن مذهبه هو الدين‪ ،‬الذي‬
‫جاء به محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وكأن المذهب الخر دين منسوخ‪ ،‬كما قال أحد‬
‫العلماء‪.‬‬
‫ومادام الفق يه ل يحرر الم سألة‪ ،‬إل من خلل أقوال علماء المذ هب‪ ،‬ف قد ق يد‬
‫الد ين بف هم علماء المذ هب‪ ،‬وحدد الحقي قة الدين ية سلفا‪ ،‬من خلل منظار مذ هبي‪،‬‬
‫وصار دور العالم المذهبي هو التبرير والحتجاج لمذهبه‪.‬‬
‫كماقال ولي ال الدهلوي)فيي التفهيمات الليية( عين أهيل التقلييد‪ :‬إذا بلغهيم‬
‫حديث عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ل يعملون به‪ ،‬وإنما يقولون‪:‬عملنا على‬
‫مذ هب فل نٍ ل على الحد يث‪ ،‬وإمام نا أعلم منّا‪ ،‬ف هو لم يتر كه إل لوج هة ن ظر له‪،‬‬
‫ويزعمون أن كل حديث لم يأخذ به إمامهم منسوخ «أو مجروح‪ ،‬أو مؤول‪ ،‬أو غير‬
‫صحيح ‪.‬‬
‫»بل إنهم يطعنون بأئمة المذاهب الخرين‪ ،‬وينسبون إليهم الجهل‪ ،‬ونسوا أن‬
‫الحدييث جميع بعيد هؤلء الئمية الربعية رحمهيم اللّه«وكأن منهجيية اختلف‬
‫الصيحابة‪،‬مثيل منهجيية مذاهبهيم ‪ ،‬ويرون أن اختلف المذاهيب محمود‪،‬كاختلف‬
‫الصحابة‪ .‬و اختلف الصحابة طبيعي‪ ،‬لنه اختلف أمام فهم النص‪ ،‬أو أمام عدمه‬
‫‪ .‬فهو اختلف اجتهاد ‪ ،‬يسوق كل منهم حديثا رواه ‪ ،‬أو حدثا رآه ‪،‬ول تكادأن تجد‬
‫لحدهم قولين متناقضين‪ ،‬في مسألة واحدة‪.‬‬
‫عند ما حك مت المذهب ية ‪ ،‬تكر ست القطي عة ب ين الف قه المتمذ هب وف قه الكتاب‬
‫والسنةكما أشار اللباني في مقدمة كتاب (الصلة)‪ ،‬فذكر أن سبب تأليفه الكتاب ‪،‬‬
‫كثرة اختلفات المذا هب ‪ ،‬وكون معر فة ذلك على و جه التف صيل ‪ ،‬تتعذر على أك ثر‬
‫الناس حتى على كثير من العلماء ‪ ،‬لتقيدهم بمذهب معين ‪.‬‬
‫ثم قال ‪» :‬و قد علم كل مشت غل بخد مة ال سنة المطهرة جمعا وتفقها ‪ .‬أن في‬
‫كل مذهب من المذاهب سننا‪ ،‬ل توجد في المذاهب الخرى ‪ ،‬وأن فيها جميعا مال‬
‫يصح نسبته إلى النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬من القوال والفعال ‪ ،‬وأكثر ما يوجد‬
‫ذلك في كتب المتأخرين‪.‬‬
‫إنها إذن نتيجة التعصب للمذهبية ; خطيرة فظيعة‪،‬لنها كرست القطعية‬
‫المعرفية ‪،‬بين فقه الكتاب والسنة‪ ،‬وفقه المذهبية‪ .‬أعلنها اللباني‪ :‬في جميع كتب‬
‫المذاهب ما ل يصح نسبته إلى النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬من القوال والفعال!!!‪.‬‬
‫ولذلك قال ابن القيم ‪ -‬رحمه اللّه ‪ -‬عن هؤلء إنهم » قد أقروا على‬
‫أنفسهم بالتقليد المحض من جميع الوجوه ‪ ،‬فإن ذكروا الكتاب والسنة يوما ‪ ،‬فعلى‬
‫سبيل ال تبرك والفضيلة ‪ ،‬ل على سبيل الجتهاد والع مل ‪ ،‬وإذا رأوا حديثا صحيحا‬
‫مخال فا لقول من انت سبوا إل يه ;أخذوا بقوله ‪ ،‬وتركوا الحد يث ‪ ،‬وإذا رأوا أ با ب كر‬
‫وعمير وعثمان وعليا; وغيرهيم مين الصيحابة رضيي اللّه عنهيم ;قيد أفتوا بفتييا ‪،‬‬
‫ووجودوا لمامهم فتيا تخالفهم ‪ ،‬أخذوا فتيا إمامهم ‪ ،‬وتركوا فتاوى الصحابة قائلين‬
‫‪ :‬المام أعلم بذلك منا‪ ،‬ونحن قلدناه ‪ ،‬فل ننتعداه ‪ ،‬ولنتخطاه ‪ ،‬لنه أعلم بما ذهب‬
‫إليه منا«‪.‬‬
‫وإن تعجيب فعجيب أن يعيد الترجييح بيين روايات المذهيب اجتهادا ‪ .‬ولكين‬
‫لعجب فالجتهاد نال مفهومه ما نال مفهوم الفقه من الركود ‪.‬‬
‫يد‪ ،‬فهؤلء المجتهدون‬
‫يد إلى تقليي‬
‫ين تقليي‬
‫يس اجتهادا ‪،‬هذا انتقال مي‬
‫وهذا ليي‬
‫المذ هبيون‪ ،‬يكتفون بالت صوير والنماذج ‪،‬والتحر ير والتقر ير والتلخ يص و الشرح‪،‬‬
‫والترجيح بين روايات المذهب‪.‬‬
‫ب‪-‬تجيير أئمة المذاهب لنظريات وأفكار جديدة‪:‬‬
‫ولما كان الفقه‪ ،‬ل يكونات إل بأثارة من علم الدين‪ ،‬ولما كان للسابقين من‬
‫الصيحابة‪ ،‬فضيل ميبين‪ ،‬فقيد حاولت الفرق فيي الفروع والصيول‪ ،‬تسيتندت دعيم‬
‫مذهبيت ها إلى (ال سلف ال صالح) تح تج به‪ ،‬وت ستثمر سمعته وزعام ته‪ ،‬ولو ضر بت‬
‫فكره الساسي بالفروع التي نسبتها إليه‪.‬‬
‫وهكذا بنيي الحناف ثلثيي المذهيب‪ ،‬فلييس للمؤسيس المام أبيي حنيفية إل‬
‫الثلث‪ ،‬وبنى الحنابلة من إحدى الروايتين أو الثلث أو السبع عن المام أحمد ابن‬
‫حن بل من محدث إلى فق يه‪ ،‬مذا هب محددة‪.‬وأ بو حني فة وأ بو ع بد ال لم يكت با‪ ،‬بل‬
‫حذرا من الكتابة‪ ،‬فهما كسائر أئمة المذاهب‪ ،‬الذين حذروا طلبتهم من التزام أقوالهم‬
‫قال أ بو حني فة ‪ :‬ل ي حل ل حد أن يأ خذ بقول نا ما لم يعلم من أ ين أخذناه ‪،‬‬
‫وقال ليعقوب ‪ :‬وي حك يا يعقوب ‪ ،‬ل تك تب كل ما ت سمع م ني ‪ ،‬فإن ني أرى الرأي‬
‫اليوم وأتركه غدا ‪ ،‬وأرى الرأي غدا وأتركه بعد الغد ‪.‬‬
‫ولكين التلمييذ كانيو ا معجيبين بشيوخهيم ‪،‬يرون أنيه ل يمكين تجاوزهيم ‪،‬‬
‫وليرون أنه يمكن أن يصعدوا على أكتافهم ‪ ،‬ليروا آفاقا أوسع ‪.‬‬
‫لقيد نصيح أبيو حنيفية تلميذه أن ليكتبوا ‪،‬ولكنهيم كتبوا‪ .‬كميا نصيح أحميد‬
‫تلميذه أن ليكتبوا ‪ .‬ولكنهيم كتبوا ‪ ،‬فأسياءوا إلى شيوخهيم ‪ ،‬عندميا قدموا آراء‬
‫متناقضة تفتقد المنهجية ‪ ،‬ونسبوها إليهم ‪،‬‬
‫ولذلك قال المام ابيين حزم رحمييه ال‪ »:‬إن الفقهاء الذييين ُقلّدوا مبطلون‬
‫للتقليد‪ ،‬وإنهم نهوا أصحابهم عن تقليدهم‪ ،‬وكان أشدهم في ذلك الشافعي«‪.‬‬
‫وهكذا فكيم شييخ مين شيوخ التجدييد الحرار؛ يبتلى بأتباع يترعرعون فيي‬
‫عصيور الجدب والقميع‪ ،‬فيحملونيه أفكارهيم‪ ،‬ومين أجيل ذلك وجدنيا لعدد مين أئمية‬
‫المذاهب آراء متباينة متناقضة ‪.‬‬
‫وبناء على القواعد الصولية‪،‬ينبغي أن يكون أحد الرأيين المتناقضين قديما‪،‬‬
‫والخر جديدا‪،‬أوأن يكون أحدهما حكما ثابتاعاما‪،‬والخر فتيامتغيرة (شخصية)‪،‬أو أن‬
‫يكون أحدهما صورة والخر صورة أخرى‪.‬‬
‫أميا يكون له رأيان متناقضان فيي الصيل والصيورة‪،‬فذالك خلل مين التلمييذ‬
‫الذين نقلوا‪،‬إن أعفينا الشيخ من التناقض ‪ .‬وعلى كل حال فالنقيضان يتساقطان‪،‬كما‬
‫لو أحدا قال و هو يو صف منزلً‪ :‬إ نه غرب المح طة‪ ،‬ثم قال مرة أخرى إ نه شرق ها‬
‫فالصواب واحد‪،‬وهو إن المنزل شرقها أو غربها‪ ،‬أما القائل فإنه ل يكون له رأي‬
‫في السألة ينسب إليه‪.‬‬
‫ولو أن التلمييذ لم ينقلوا إل مين كتيب مكتوبية ‪ ،‬لحسينوا إلى إمامهيم وإلى‬
‫المية ‪.‬لن العالم عندميا يكتيب ‪،‬يفكير ويدلل ويحلل ‪ ،‬ويراجيع ويهذب ‪ ،‬ويزييل‬
‫التناقض في المادة والمنهج ‪.‬‬
‫ج‪ -‬أثــــر التمذهــــب فــــي ضبابيــــة المفاهيــــم و‬
‫المصطلحات‪:‬‬
‫ترى ألم تكن كتابة التلميذ مجالس شيوخهم الشفوية خطأً منهجيا ?‪،‬‬
‫لنهيا جمعيت فيي المسيألة الواحدة أكثير مين رأي‪ .‬و الذهين ينسيى ‪ ،‬ولذلك يكون‬
‫لل ستاذ رأي في مجلس ‪ ،‬ثم ينق ضه في مجلس آ خر‪.‬وي ستحضر آ ية أو حدي ثا في‬
‫مجلس ‪ ،‬وين ساها في آ خر‪ ،‬وي مر بلح ظة صفاء وإشراق في حال ‪ ،‬وي مر بلح ظة‬
‫فتور في حال أخرى‪.‬‬
‫من الخطأ المنهجي إذن تسجيل آراء الئمة ‪،‬في المجالس الشفوية ‪ ،‬فليسوا‬
‫ر سلً ل ينطقون عن الهوى ‪ ،‬وهذه البلبلة ال تي تجد ها اليوم ‪ ،‬هي نتي جة أ سلوب‬
‫التلم يذ ‪ ،‬في ت سجيل آراء الشيوخ ‪ ،‬ولذلك وجد نا آراءا متناق ضة ‪ ،‬تناقضا غري با‬
‫عجيبا ‪ ،‬يدل على خلل منهجي‪.‬‬
‫عندما ساد العصب الذهبي‪ ،‬كثرت البلبلة‪،‬واضطربت المفاهيم‪،‬كما قال ولي ال‬
‫الدهلوي ‪»:‬وهذا أمير ج عل الح كم ‪ ] ...‬في القضيية الواحدة[يتضاربُي ويختلف بيين‬
‫أني ينزله اللّه‬
‫الوجوب والحرمية ‪ ،‬والكراهيية والندب والباحية ‪ ،‬مميا ليتصيور ْ‬
‫سبحانه وتعالى القائل ‪ » :‬ولو كان من عند غير اللّه ‪ ،‬لوجدوا فيه اختلفا كثيرا «‬
‫ولذلك صَرّح أ حد العلماء بأن هؤلء الئ مة ‪ ،‬لو جاءوا اليوم لرجعوا عن كث ير من‬
‫آرائهم ‪ ،‬بعد أن جمع الحديث وصحح‪.‬‬

‫‪ =32‬دولة الســتبداد والمافيــا القبليــة والصــحراوية‪:‬‬


‫وظفت المذهبية والطائفية لطاعتها‬
‫أ‪-‬عندما مهدت المذهبية الفكرية للدولة المذهبية‪:‬‬
‫وقد دشنت العصبية المذهبية‪ ،‬ضيق أفقها بالصراع الشرس‪ ،‬الذي شوه الجو‬
‫الرو حي للم ساجد‪ ،‬وثارت عنجهيات ها في المور ال صغيرة‪ ،‬و من يقرأ تار يخ ب ني‬
‫العباس‪ ،‬يعجب لتقاتل الناس حول الجهر بالبسملة في الصلة‪ ،‬أو حول أمور غيبية‪،‬‬
‫لي ستطيع أ حد الطرف ين أن يأ تي ب نص صحيح صريح يبرهن به صحة رأ يه‪ ،‬و كل‬
‫يحابة‪ ،‬دون أن يدرك المتدابرون أن‬
‫يم يعزو ماله ميين رأي إلى منهييج الصي‬
‫منهي‬
‫الصيحابة كانوا يختلفون ولكنهيم يصيلون خلف إمام واحيد‪ ،‬ولم يكين لي فرييق‬
‫سياسي أو اجتماعي مساجد معينة‪.‬‬
‫فمن يسر بالبسملة صلي منهم مع من يجهر ومن يرى استحباب رفع اليدين‬
‫مع من ليرفع ‪ .‬ومن يرى نقض الوضوء بمس المرأة مع من ليراه ‪ .‬ومن يرى‬
‫التو ضؤ من ل حم الجزور مع من ليراه ‪ .‬وي صلون خلف إمام وا حد‪ ،‬ولي ستنكف‬
‫أحدُ أن يصلي خلف المام لخلف مذهبي‪ ،‬بل إنهم يصلون خلف أي إمام حتى ولو‬
‫كان فاسقا‪ ،‬بل يصلون خلف المام حتى لو كان مبتدعا‪.‬‬
‫أ ما الناس في عهود التخلف ‪ ،‬ف قد صار كل أ هل مذ هب فرقا ‪ .‬ف صرت تجدُ‬
‫في المدينة الواحدة لكل مذهب مساجد‪ ،‬ل يصلي بعضهم خلف بعض‪.‬‬
‫حكيى المعصيومي فيي كتابيه » هيل المسيلم ملزم باتباع مذهيب معيين مين‬
‫المذا هب الرب عة « إ نّ رجا ًل من اليابان أرادوا أ نْ يدخلوا في ال سلم ‪ ،‬فقال ل هم‬
‫أ هل اله ند ‪ :‬أ سلموا على مذ هب المام أ بي حني فة ‪ ،‬ل نه سراج ال مة ‪ ،‬فقال أ هل‬
‫جاوة ‪ :‬يلزمُ أن تكونوا شافعيين ‪.‬‬
‫فلما سمع اليابانيون كلمهم تعجبوا وتحيّروا ‪ ،‬وصارت مسألة المذاهب سدا‬
‫في سبيل إ سلمهم ‪ ،‬و سألوا المع صومي ك يف ي سلمون? وماعلج الداء ? وطلبوا‬
‫بيان الحقي قة‪ ،‬فك تب ل هم ر سالة نفي سة ‪ ،‬سخر في ها من رعاة المذهب ية ودعات ها‪،‬‬
‫وقال عن هم ‪» :‬لو د خل ال سلم ر جل وليدري ب ما يأ خذ ‪ ،‬ولأي المذا هب و الك تب‬
‫في ال صول والفروع يعت مد ‪ ،‬ل صعب علي نا إقنا عه ‪ ،‬بأ نّ هذا هو الد ين الق يم دون‬
‫سيواه‪ ،‬وبأن كيل المذاهيب على اختلفهيا شييء واحيد‪ ،‬وإنميا حدث ذلك ‪ ،‬لن‬
‫المذاهب تحولت إلى أديان‬
‫افتقدت أغلب التيارات الدينيية ;الحيس السيياسي والجتماعيي ‪ ،‬الذي يربيط‬
‫عقيدة التوحييد بالوحدة أيضا ‪ ،‬ولم تدرك أن ال سلم لم يأمير بشييء بعيد التوحييد;‬
‫ك ما أ مر بالن سجام ‪ ،‬وتآلف القلوب ‪ ،‬ولم ي نه عن ش يء ب عد الك فر‪ ،‬ك ما ن هى عن‬
‫الشقاق والتحارب والتباغض ‪.‬‬
‫ف صارت الخلفات المذهب ية ‪ ،‬حط با جاهزا‪ ،‬تو قد به نيران الف تن والعداوة‬
‫والتدابر والتناحر بين المسلمين‪ ،‬حتى رأى بعض المسلمين بعضا ‪ ،‬شرا من اليهود‬
‫والنصيارى ‪.‬وبذالك أعاد المسيلمون إنتاج الغلو فيي الفكير والفعيل‪ ،‬الذي دشنيه‬
‫الخوارج; وهم ل يشعرون‪.‬‬
‫وق صة وا صل بن عطاء مع الخوارج مشهورة ‪ ،‬عند ما خرج إلى البر ية مع‬
‫نفر من أصحابه ‪ ،‬فأقبل عليهم الخوارج ‪ ،‬وعلم أصحابه أنهم ل محالة مقتولون ‪،‬‬
‫فأق بل علي هم فهدأ خواطر هم وقال دعو هم لي ‪ ،‬ثم أق بل على الخوارج ‪ :‬ف سألوه ‪:‬‬
‫من أن تم فقال‪:‬إخوان كم من المشرك ين‪ ،‬ي ستجيرون ب كم‪ ،‬فرحبوا به و قرأوا عل يه‬
‫شيئا من القرآن ‪ ،‬ثم أرادوا النصراف ‪ ،‬فقال ‪:‬ل‪ ،‬بل أبلغو نا أطراف المدينة ح يث‬
‫نأ من‪ ،‬أل يس كتاب كم يقول » وإن أ حد من المشرك ين ا ستجارك ‪،‬فأجره ح تى ي سمع‬
‫كلم اللّه ‪ ،‬ثم ابلغه مأمنه « ففعلوا !!(الكامل للمبرد) ‪.‬‬

‫ب‪-‬القمــع هــو ســر فســاد الدولة العربيــة القديمــة‬


‫والحديثة‪:‬‬
‫والحاكم المستبد أكثر البشر عرضة للغرور‪ ،‬لنه يجمع بين المال والشهرة‬
‫والسلطة‪ ،‬وهو كأي إنسان يمكن أن تسكره خمرة السلطة فيطغى‪ ،‬ويتصور كل من‬
‫يدعوه للعدل مشاغ با مقل قا‪ ،‬فإذا اجت مع ق صر نظره مع ق صر ن ظر حاش ية ل تدرك‬
‫السييياسة‪ ,‬أو قصيير نظيير فقهاء ل يدركون نتائج المور؛ زجوا الدولة بالفتيين‬
‫والقلقل‪ ،‬تحت شعارات دينية براقة‪,‬كالجهاد والجتهاد‪ ،‬وقمع أهل الزيغ والفساد‪.‬‬
‫والنتيجية هيي الضطهاد‪ ,‬الذي يصيبح اجتماعييا‪ ،‬فإذا الفرق الخرى‪ ,‬تئن‬
‫تحت وطأة التفرقة‪ ،‬فيصبح أهلها مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة أو الرابعة‪،‬‬
‫وإذا بالحقاد تنفجر في لحظة من اللحظات‪ ,‬وإذا بالمقموعين يلتمسون خلصهم من‬
‫كيل مين يلوح لهيم بيه‪ ،‬و لو كان عدوا أو كافرا‪ ،‬كالفرنيج والتتار‪ ،‬وبالفقهاء‬
‫والمؤرخين السذج يحملون تلك الفرق ورموزها‪ ,‬انحلل الدولة وسقوطها من دون‬
‫أن يدركوا أن السيبب هيو القميع‪ ،‬قميع الحريية والتسيامح‪ ،‬وأد التعدديية فكريية‬
‫وسياسية‪.‬‬
‫ل عل هذه ق صة دور ا بن العلق مي ‪-‬إن صح أن له دورا‪ -‬في سقوط بغداد‪,‬‬
‫على أيدي التتتار‪ ،‬وكيم سيقطت دول بسيبب سيوء التعاميل السيياسي‪ ,‬ميع القليات‬
‫والطوائف‪ ،‬بل كم جر الفقهاء المنغلقون والسذج ‪ ،‬دول صغيرة‪ ،‬إلى سوء العلقات‬
‫ميع دول كيبيرة‪ ,‬باسيم قميع البدع‪ ,‬أو الولء والبراء‪ ،‬فإذا بالدول الكيبرى; نقضيي‬
‫على الدولة الصيغيرة‪ ,‬قضاء ميبرما وتحولهيا إلى أطلل‪ ،‬والسيبب غفلة الفقييه و‬
‫المير عن الحنكة السياسية‪ ،‬وعن مبادئ الشريعة السمحة في التعددية‪ ،‬لعل هذه‬
‫هي قصة سقوط الدولة السعودية الولى ‪1233‬هي ‪.‬‬
‫السلوك القمعي صحراوي فرعوني‪ ،‬ضد المجتمع المدني السلمي‪ ،‬إنه‬
‫يمزق المجتمع‪,‬ويمزيق الدولة‪ ،‬ولذلك فإن العقائد القمعية‪ ,‬تتساقط من على مسرح‬
‫الحياة تباعا‪ ،‬سواء لبست لبوسا دينيا أو قوميا‪ ,‬أو شيوعيا أو وطنيا أو علمانيا‪.‬‬
‫لن ضييق الفيق فكير غيير عملي‪ ،‬وهيو ضيد مفهوم المجتميع المدنيي‪ ،‬ضيد‬
‫الحقوق الشرعية للفراد والجماعات‬
‫ج‪-‬القمع وفي لمنهجه لذلك يرتد حتى على منتجه‪:‬‬
‫و من أ جل ذلك فإن الف كر القم عي يؤدى في نها ية المطاف إلى ال صراع ب ين‬
‫أهله أنفسهم والفكرالقمعي يجر منتجيه إلى التقاتل والتناحر‪ ,‬فيقتل بعضهم بعضا‪,‬‬
‫حتيى ينقتلوا بسييوفهم أكثير مين ميا ينقتلون بسييوف خصيومهم‪ ,‬كدأب الشراة‬
‫الخوارج في قد يم الز من‪ ،‬وكدأب الشيوعي ين من بعد هم‪ ،‬في أفغان ستان والي من‪،‬‬
‫وكدأب عدد من الفرق ال سلمية‪ ,‬شو هت مفهوم الجهاد وال سنة‪ ،‬ح تى صكت من‬
‫فكرها أسلحة قضت بها في نهاية المطاف على نفسها‪.‬‬
‫ما من دولة استسلمت للعصبية المذهبية الضيقة‪ ،‬ورفضت التعددية الفكرية‬
‫والتسامح إل وجدت نفسها في نهاية المطاف ;ضحية من ضحايا قمعها‪.،‬‬
‫يا ل لرموزه‬
‫يس وفيي‬
‫يبيعته‪ ،‬وليي‬
‫يه وطي‬
‫يي لمنهجي‬
‫يع مبدأ‪ ،‬المبدأ وفي‬
‫فالقمي‬
‫وشخوصهول لمنتجه‪.‬‬
‫و لذلك فإن رموز المذهب ية الحاد ية في نها ية المطاف‪ ،‬يشربون من الكأس‬
‫التى صنعوها لخصوصهم‪ ،‬ورفاق القمع هم إخوان الشاعر‪:‬‬
‫فكانوها و لكن للعادي‬ ‫و إخوان تخذتهمو دروعا ‪#‬‬
‫فكانوها ولكن في فؤادي‬ ‫‪#‬‬ ‫وخلتهمو سهاما صائبات‬

‫‪ =33‬الدولة المذهبية المحاصرة‬


‫قامعة داخليا مقموعة خارجيا‪:‬‬
‫أ‪ -‬السياسي المتفرعن المتغلب واستثمار التمذهب‪:‬‬
‫أكثير المذاهيب السيلمية الدينيية‪ ،‬خرج مين رحيم الصيراع الجتماعيي‬
‫والسيياسي‪ ،‬ومين أجيل ذلك تشكلت بنيية المذهبيية‪ ،‬على فكرة القلعية المحاصيرة‪،‬‬
‫وصياحب القلعية المحاصيرة‪ ،‬يلجؤه الحذر والحيس المنيي‪ ،‬إلى إلغاء الخريين‬
‫وقمعهم‪،‬خوفا من تسلل أفكارهم إلى قلعته‪..‬‬
‫وأكثير المذاهيب السيلمية أيضا أحرز انتشاره‪ ،‬عيبر وقوف زعمائه موقيف‬
‫معار ضة ح كم قائم‪ ،‬فاكت سب فكره التشدد والتخندق ‪ ،‬وانحرم من الواقع ية‪ ،‬وأغرق‬
‫في نبذ الخرين‪ ،‬عبر مظلة التكفير والتبديع‪.‬‬
‫و ينزلق أهيل السيياسة‪ ،‬فيي إغراءات المذهبيية‪ ;،‬يضطرون إلى النقياد إلى‬
‫ضيق أفق المذهبية الفكرية‪ ،‬لنها تقدم لهم مبررات قمع خصومهم دون هوادة‪ .‬لن‬
‫بن ية الع صبية الفكر ية‪ ،‬حديد ية أحاد ية حد ية‪،‬ل يس في ها أن صاف حلول; فالناس إ ما‬
‫أهل سنة وإيمان معها‪ ،‬وإما أهل بدعة وكفر ضدها‪.‬‬
‫والسياسي ل خيار أمامه إل القبول بما هو مطروح في الساحة‪ ،‬فليس أهل‬
‫يياسي‪،‬‬
‫يتثمرون النتاج الفكري‪ ،‬لنتاج سي‬
‫يا يسي‬
‫ياسة أدوات إنتاج فكري‪ ،‬إنمي‬
‫السي‬
‫ويجدفون في بحره‪ ،‬حسب مايتوافر لهم من سفائن‪.‬‬
‫ولرييب أن العصيبية المذهبيية‪ ،‬قيد تفييد الدول حيين نشؤئهيا وقيد يسيتثمر‬
‫السيياسي المذهبيية للصيلح الجتماعيي والمدنيي حينيا مين الدهير‪ ،‬وقيد يصيبح‬
‫السيياسي انتهازييا فيسيتخدم المذهبيية فيي تقدييم المصيالح النيية على المصيالح‬
‫الستراتيجية‪ ،‬والخلل بالعدالة الجتماعية وحقوق الناس‪.‬‬
‫ولكن استسلم السياسي‪ ،‬لضيق أفق الفكر المذهبي‪ ،‬وقمع التعددية الفكرية‬
‫ي سوق بالدولة في نها ية المطاف إلى حتف ها‪ ،‬وح تف الف كر المذ هبي الحادي م عا‪،‬‬
‫لن الحاد ية المذهب ية انب نى ن سقها‪ ،‬على أ سلوب القل عة المحا صرة‪ ،‬و انب نى على‬
‫فكرة القطيعية الجتماعيية‪ ،‬فانحرم مين التسيامح تجاه الطوائف والطياف الخرى‬
‫فيقميع المذاهيب الخرى‪ ،‬لنيه مين دون فكير مرن‪ ،‬يسيتوعب الفسييفساء الدينيية‬
‫والجتماعية‪.‬‬
‫وقيد يصيل أصيحاب المذهيب المتعصيب إلى السيلطة‪ ،‬مين دون فكير عملي‬
‫للدارة السيياسية‪ ،‬وهذا يؤدي فيي النهايية‪،‬إلى أن تكون العصيبية المذهبيية; سيبب‬
‫سقوط الدولة واضمحلل المذهب‪ ،‬ومن يقرأ تاريخ الدول في العصور الوسيطة‪،‬لن‬
‫يجد صعوبة‪،‬في استخلص هذه العبرة‪.‬‬
‫مين لوازم قميع التعدديية الدينيية فقدان السيلم الجتماعيي‪،‬فيي النسييج‬
‫الجتماعي ‪ ،‬عبر أساليب القصاء الجتماعي باسم الدين‪ .‬و انتضاء سلح التفسيق‬
‫والتبديع و التكفير‪ ،‬ومهما يكن لهذه الساليب من المبررات العلمية على المستوى‬
‫النظري‪ ،‬فإن صيورها التطبيقية الشائعية‪ ،‬تدل على جهيل يقدم باسيم العلم‪ ،‬وغلو‬
‫ي ستساغ با سم الد ين‪ .‬وض عف حس سياسي واجتما عي‪ ،‬ل يرا عي ضوا بط إنكار‬
‫المنكر‪.‬والدليل على ذلك تفرق المة‪ ،‬وضرب وحدتها‪ ،‬باسم التوحيد‪.‬‬
‫ب‪ -‬عندما تلقى العصبية المذهبية خصومها‬
‫في جحيم الدنيا والخرة معا‪:‬‬
‫لقيد وسيعت المذهبيية خلل العهود العباسيية والمملوكيية والعثمانيية مفاهييم‬
‫البد عة والك فر ‪ ،‬وحاول كل فر يق أن يل قى خ صومه في نار الدار الخرة‪ .‬م ستدل‬
‫بمثل الحديث» ستفترق أمتى على ثلث وسبعين فرقة ‪ ،‬كلها في النار ‪ ،‬إل واحدة‬
‫قالوا‪ :‬من هي يارسول اللّه?قال ‪ :‬من كان على ماأنا عليه وأصحابي « ‪ ،‬وظلت كل‬
‫الفرق تد عي أن ها هي ال حق بالنت ساب إلى ال سلم ‪ ،‬وأن ها هي الواحدة المعن ية‬
‫بالدخول إلى الجنة‪.‬‬
‫على أن الحدييث مين أحادييث الوعييد‪ ،‬التيي تفييد التحذيير والترهييب‪ ،‬مين‬
‫الفتراق والختلف‪،‬وليلزم من منطوقها تكفيرأحد من أهل القبلة ‪.‬‬
‫ولذلك قال الغزالي رحميه اللّه فيي (فيصيل التفرقية بيين السيلم والزندقية)‬
‫»أ صول اليمان ثل ثة‪ :‬اليمان باللّه ور سوله وباليوم ال خر وماعداه فروع ‪.‬واعلم‬
‫أ نه لتكف ير في الفروع أ صلً ‪ .‬إ ّل أن ين كر الن سان أ صل‪ ،‬علم عن الر سول صلى‬
‫ال عليه وسلم بالتواتر «‪.‬‬
‫وابن حزم يدعم هذا القول في الملل والنحل ‪ ،‬فيقول »ذهبت طائفة‬
‫إلى أنه ليُكفر وليُفسق مسلم ‪ ،‬بقولٍ قاله في اعتقاد أو فتيا ‪ .‬وأن كل من اجتهد‬
‫فيي شيءٍ مين ذلك ‪ ،‬فدان بميا رأى أنيه الحيق ‪ ،‬فإنيه مأجور على كيل حال ‪ ،‬فإن‬
‫أ صاب ال حق فأجران ‪ ،‬وإن أخ طأ فأ جر وا حد« وقوى ا بن حزم هذا الرأي بن سبته‬
‫إلى عدد ميين كبار الفقهاء فقال ‪» :‬وهذا قول ابيين أبييي ليلى ‪ ،‬وأبييي حنيفيية‬
‫والشاف عي‪،‬و سفيان الثوري وداوود بن علي‪،‬ر ضي اللّه عن هم أجمع ين ‪ .‬و هو قول‬
‫من عرفنا له قولً في هذه المسألة من الصحابة رضي اللّه عنهم «‬
‫ور غم ظهور تيارات علم ية ‪ ،‬تحررت من اللتزام بالمذا هب الرب عة ‪،‬‬
‫فإن روح المذهبيية سييطرت عليهيا فيي بناء آرائهيا ‪ ،‬وفيي النظرة إلى مخالفيهيا‪،‬‬
‫وهذايدل على خلل فيي المعرفيية‪:‬غايية ومسيارا‪،‬نتيج عنيه (الوثوقيية) الشخصيية‪،‬‬
‫وادعاء القدرة على التكلم باسيم السيلم والمسيلمين ‪ ،‬بيل ادعاء التوقييع عين رب‬
‫العالمين‪.‬‬
‫فحصروا السلم في مذاهبهم‪ ،‬فالسلم هو مذهب كذا وكذا‪ ،‬ومذهب كذا وكذا‬
‫هو السلم‪ ،‬كما قال أحدهم‪:‬‬
‫أنا حنبلي ما حييت فإن أمت فوصيتي للناس أن يتحنبلوا‬
‫ويلزم من ذلك أن من لم يكن على مذهب كذا وكذا فليس بمسلم‪ ،‬وتجد رجل‬
‫المذ هب‪ ،‬يقدم فكرة المذ هبي‪ ،‬على أ نه المالك لحقي قة ك ما قال احد هم‪ :‬من ا ستحل‬
‫شيئا خلف ما في هذا الكتاب‪ ،‬فإ نه ل يس بد ين ال بد ين‪ ،‬و قد رده كله‪ ،‬ك ما لو أن‬
‫عبدا آمن بجميع ماقال ال ورسوله‪ ،‬إل أنه شك في حرف‪ ،‬فقد رد جميع ماقال ال‬
‫وهو كافر« (شرح السنة للبربهاري ‪.)10:‬‬
‫وهذه الوثوقيية هيي ميا مل كتيب التراث بغميط المخالفيين وتكفيرهيم ‪ ،‬وعدم‬
‫ض بط م صطلحات البد عة والك فر ‪ ،‬ضبطا شرعيا مت سامحا‪ ،‬ح سب ما قرر الغزالي‬
‫وابين حزم والشاطيبي‪ ،‬مين حييث التنظيير فضل عين التطيبيق ‪ ،‬ولذلك ل تكاد تجيد‬
‫عالميا لم يُكَف ِر أو يُ َكفَرّ‪ ،‬و ل تكاد تجيد عرضيا لم يمزق ‪ ،‬تحيت رايية الذب عين‬
‫الشريعة‪.‬‬
‫وذلك يدل على خلل فظ يع ب ين سماحة الشري عة وتن طع العقل ية المذهب ية ‪،‬‬
‫ير‬
‫ين الفكي‬
‫يع بيي‬
‫ييئة‪ ،‬وخلل أفظي‬
‫ينة‪،‬والنتائج والسي‬
‫ين النيات الحسي‬
‫ير بيي‬
‫وخلل آخي‬
‫والممارسة‪،‬وخلل بين الفكر الديني وحسن السياسة‪.‬‬
‫وأسلوب القلعة المحاصرة‪ ،‬حول المذاهب إلى جنسيات‪ ،‬حتى أصبح التزاوج‬
‫ب ين أ هل المذا هب; في ب عض الفترات المظل مة أمرا محذورا‪ ،‬ك ما ين سب إلى أ حد‬
‫الحناف‪-‬بعد أن تحول الفقه الحنفي من فقه رأي وسعة أفق إلى فقه تقليد و ضيق‬
‫أفق‪:-‬ل بأس أن يتزوج الرجل المرأة الشافعية‪ ،‬قياسا على الكتابية ‪(،‬أي اليهودية‬
‫والن صرانية)‪ ،‬إذن ليجوز أن يتزوج الشاف عي حنف ية ‪ ،‬ع ند هذا الش يخ‪ ،‬قيا سا على‬
‫أن الكتا بي لي سمح له أن يتروج م سلمة !! ‪ ،‬فك يف لو سئل هذا الش يخ ‪ ،‬عن ح كم‬
‫تزاوج أهل القبلة ‪ ،‬من السنة والشيعة؟‪.‬‬
‫وفي المدينة المذهبية صار التزاوج بين المذاهب أمرا محذورا أيضا‪ .‬فلبعض‬
‫فقهاء عصيور النحطاط فتاوى‪ ،‬تمنيع تزاوج السينة والشيعية‪ ،‬بيل بيين المذاهيب‬
‫الفقهية السنية كالشافعة والحنفية‪ ،‬فهل تراكمت الضافات حتى صار المذهب دينا‪،‬‬
‫ولذلك فإن غالب الدعاة إلى ال سلم‪ ،‬عند ما يدعون إلى ال سلم من منظار مذ هبي‪،‬‬
‫"يتنافسون بينهم ويتصارعون حتى يحبط بعضهم جهود بعض‪ ،‬ويزيدون الراغبين‬
‫فيي السيلم حيرة"(كميا قال المعصيومي)‪ ،‬وكيم انفيق المسيلمون مين أموال‪ ،‬وكيم‬
‫أهرقوا من دماء‪ ،‬في سبيل نشر المذهبية على أنها السلم الوحيد الذين لن ينجى‬
‫من النار سواه‪.‬‬

‫‪ =34‬القمع مفسدة للمجتمع والدولة معا‬


‫أ‪-‬المالك الحقيقة والوصي على الخليقة‪:‬‬
‫الستبداد لم يكن مرضا سياسيا فحسب‪ ،‬بل هو مرض داخل الذهن العربي‪،‬‬
‫فيي أغلب تجلياتيه‪ ،‬خلل العهود العهود العباسيية والمملوكيية والعثمانيية فكرتيين‬
‫مخلتين بالنسجام الجتماعي‪,‬‬
‫الولى‪ :‬أن يقدم النسان نفسه بأنه المالك للحقيقة‪,‬‬
‫و الثانية‪ :‬أن يقدم نفسه بأنه الوصي على الخليقة ثانيا‪.‬‬
‫وكان العصر الموي عصر شقاق بين المذاهب والطوائف‪ ,‬بسبب السياسة‬
‫المو ية‪ ،‬ال تي إن ما هي إفراز طبيعي لحياة المجت مع البدوي الك سروي‪ ،‬الذي يفت قد‬
‫قيم المجتمع المدني و هياكلها الشعبية الهلية‪ ،‬وهيكلها الحكومي‪ .‬الذي يقوم على‬
‫توزييع سيلطات الدولة‪ .‬و لذلك صيار مين الطيبيعي أن تقوم الحياة السيياسية على‬
‫القميع والعنيف‪ ,‬وإلغاء الخصيوم وتقدييم أمين الدولة‪ ,‬على حسياب أمين المجتميع‪،‬‬
‫وكون الدولة هي الحكو مة‪ ،‬وتج سد الحكو مة هي ش خص الحا كم‪ ،‬وأن أ من الدولة‬
‫هو أن يأمن الحاكم وأسرته وقبيلته‪ ،‬وتقديم مفهوم المن الجتماعي على أنه المن‬
‫البوليسي القائم على الخوف والعنف‪ ،‬الذي يحول الناس إلى قطيع‪ ,‬عليه أن يسمع‬
‫ويطيع‪ ,‬وأن ينفذ واجباته‪ ,‬ويؤجل نيل حقوقه إلى الدار الخرة‪.‬‬
‫ورغيم ماحصيل مين اسيتقرار ظاهري‪ ,‬واسيتمرار محدود‪ ,‬فقيد كانيت الدولة‬
‫الموية‪ ,‬حبلى بجنين فنائها الوشيك فالعدل أساس الحكم ل الظلم والجور‪ ،‬والجور‬
‫هو مولد العنف‪.‬‬
‫هذه الحقيقة فطن لها عمر بن عبد العزيز الحاكم الموي‪ ،‬فكاد أن يستل من‬
‫الخوارج ومن الشيعة‪ ,‬دوافع مالهم غلو أو إيغال‪,‬أو تمرد اجتماعي أو فكري‪ ,‬ناتج‬
‫عن الغتراب ‪ ,‬الناتج عن الفوضى الثقافية والجتماعية‪ ،‬ولكن لم يفطن لها حاكم‬
‫أموي آخر إل لماما‪ ،‬ولكن عمر لم ينجح في إقامة عدل مستمر‪ ،‬لن إصلحاته لم‬
‫تكن علجا مؤسسيا‪ ،‬بل كان علجا شخصيا يعالج ظواهر الداء و مضاعفاته‪ ،‬دون‬
‫أن ي ستطيع معال جة جو هر الداء نف سه‪ .‬و هو ال ستبداد‪ ،‬الذي ل يزول إل بقوا عد‬
‫الحكم الشوري‪.‬‬
‫لكين عمير على كيل حال كان شذوذا على قاعدة النتهازيية السيياسية‪ ,‬التيي‬
‫نمذجها عدد من بني أمية وبني العباس ‪ ,‬ولم تكن تلك النتهازية سياسة‪ ,‬بل هي‬
‫دللة على ضعف في الفكر السياسي همش مصاد الرياح‪ ،‬التي تضمن العدالة‪ ،‬وهي‬
‫الحر ية والشورى والتعددية وتجمعات المجت مع المد ني الهلي‪ .‬وفقدان ها أفضى إلى‬
‫أضرار كبيرة على الدولة والمجتمع‪.‬‬

‫ب‪-‬بين الدهاء الصحراوي والمدني‬


‫صياحب النتهازيية قيد يكون على حيظ مين الذكاء والدهاء ‪ ،‬ولكنيه دهاء‬
‫بدوي فرعو ني‪ ،‬ل يف يد الدولة بل ي ستنزفها‪ ،‬ور غم ذلك ي سمونه في ثقافت نا دهاءا‬
‫سياسيا‪ ،‬وهو أبعد ما يكون عن السياسة‪ ،‬إنه انتهازية وأنانية‪ ،‬الدهاء السياسي هو‬
‫الذي يحفيظ الدولة بصيفتها مؤسيسة ضخمية‪ ،‬الدهاء السيياسي هيو السيتراتيجي ‪,‬‬
‫الذي يدرك أن كوابح الستبداد والجور‪ ،‬وهي جوهر السياسية‪.‬‬
‫والدهاء السيياسي هيو الذي يدرك أن التمرد الجتماعيي والتيارات الفكريية‬
‫الغالية؛ ليست شجرة منبتة متسلقة؛ ل جذور لها ول تربة؛ فيمكن اجتثاثها بمسحاة‬
‫أو قدوم‪ ،‬فيدرك أن لهيا علقية بيي(اختلل المعاييير) الجتماعيية‪ ،‬أو أنهيا حصييلة‬
‫التناقض بين القيم الثقافية النموذجية التي يؤمن بها الناس‪ ،‬والمسرح الجتماعي‬
‫والسياسي‪ ،‬الذي يخنقها ويرفضها‪.‬‬
‫ويدرك أن هذه المور ظوا هر و إفرازات‪ ،‬ل بد أن تظ هر‪ ،‬وأن الحن كة هي‬
‫تركها معرضة للهواء والشمس حتى تنضج‪ ،‬ويدرك أن المياه التى تغذيها تنبع من‬
‫بيئة الظلم والجور‪ ،‬وأن الرياح ال تى تمد ها بالهواء؛ هي مؤثرات حضار ية أجنب ية‪،‬‬
‫ه بت على ال مة من جم يع الجهات‪ ،‬ال تي ورث الم سلمون ملك ها‪ ،‬ول بد أن تتأ ثر‬
‫المة بهذه الثقافات الجديدة‪ ,‬من سريانية ويونانية‪ ,‬وهندية وفارسية‪.‬سواءا شاءت‬
‫أم أبت‪.‬‬
‫و ظواهيير التملمييل والتمرد الجتماعييي‪ ،‬ل ترد إل بالشورى والحوار‬
‫والتسامح والتعددية‪.‬‬
‫و من ما زاد أل سنة الل هب طول; أن الموي ين اعطوا الروح الشيع ية خا صة‬
‫والدينية عامة‪ ,‬ما زادها توهجا واتساعا‪ ،‬باستخدام القمع والعنف‪ ،‬و الظلم وظهر‬
‫ذلك بقتيل الحسيين بين علي رضيي ال عنيه‪ ،‬واسيتباحة أعراض نسياء النصيار‬
‫والمهاجر ين في مدي نة الر سول صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬وك ما اضطهدوا المهاجر ين‬
‫والنصار‪ ,‬اضطهدوا غير العرب من الشعوب التي حكموها‪.‬‬

‫ج‪ -‬التبادلية بين العنف الفكري والسياسي‪:‬‬


‫السياسة الموية هي سبب جوهري لنشوء الغلو الفكري‪،‬‬
‫كان العبا سيون ‪ -‬في الجملة‪-‬أك ثر إدراكا لطبيعة امتزاج الجناس‪ ،‬في بوتقة‬
‫ال مة العرب ية ال سلمية الجديدة ولذلك طال عمر هم‪ ،‬و علماؤ نا ومثقفو نا الوائل‪-‬‬
‫في الجملة‪-‬كانوا أك ثر إدرا كا لهت ين الحقيقت ين‪ ,‬ولذلك صار الف كر والمناظرة ب ين‬
‫الفرق السيلمية‪ ,‬طابيع الحياة الثقافيية والدينيية فيي العصير العباسيي‪- ،‬رغيم ميا‬
‫تخللها من توتر وعنف‪ ،‬فنما الفكر في وسط ثقافي أقرب إلى المتسامح‪ ،‬تحت أشعة‬
‫الشمس ونسمات الهواء‪.‬‬
‫إذا أدرك المثقفون الف صل ب ين ما هو سياسي و ما هو ثقا في‪ ,‬ا ستراحوا‬
‫وأراحوا‪ ،‬ونضيج الفكير واعتدل‪ ,‬وإذا خلطوا بيين المريين هلكوا وأهلكوا‪ ,‬أهلكوا‬
‫أفكارهم ومذاهبهم أولً‪ ,‬وأهلكوا المجتمع ثانيا‪ ,‬وإن أهلكوا خصماءهم ضمنا‪.‬‬
‫وإذا أدرك السياسيون طبيعة إقامة السلطة استطاعوا الفرز بين أمور شتى‪،‬‬
‫ففرزوا بيين النشاط الفكري‪ ,‬الذي ييبري القلم‪ ،‬والنشاط العسيكري الذي ييبري‬
‫السهام‪ ،‬وسمحوا للناس بالتنفس‪ ،‬و أتاحوا شيئا من التعددية الفكرية والجتماعية‪،‬‬
‫والسياسية‪.‬‬
‫وعرفوا أن الفت نة الفكر ية; ل تهدأ إل بالحوار و سلح الكل مة‪.‬فا ستطاعوا‬
‫نزع شو كة الغلو من الف كر‪ ،‬ك ما ف عل على بن أ بي طالب ر ضي ال ع نه‪ ,‬عند ما‬
‫انتدب ا بن عباس لحوار الخوارج‪,‬ولم يبدأ هم بحرب‪ ,‬ول اعتقال ول تضي يق‪ ,‬ح تى‬
‫مدوا أيديهم إلى السيوف‪.‬‬
‫بيل يسيتطيع الحوار والتسيامح أن ينزع الشوكية مين غلة الفكير‪ ،‬الذيين‬
‫تحول غلو فكر هم‪ ,‬إلى ما ي سمى فى الف قه بالجري مة ال سياسية‪ ,‬ك ما ف عل ع مر بن‬
‫عبد العزيز مع الخوارج‪.‬‬
‫و الظوا هر الفكر ية ل ترد إل بالنقاش والحوار‪ ،‬فالف كر ل يحارب ب سلح من‬
‫خارج منظرمته‪ ،‬ومنظومة الفكر هي العلم والمعرفة‪ ،‬وسلحه هو البرهان والحجة‪،‬‬
‫وآلتيه هيي اللسينة والقلم‪ ،‬و أجواؤه هيي التسيامح والحوار والتعدديية‪ ،‬و قبول‬
‫ال خر ك ما هو والتعاون م عه من باب أن المواطنون شركاء‪ ،‬ل عب يد أتباع‪ ،‬خلف‬
‫سادة طغاة‪.‬وميدان معركته هو المجالس والنوادي والمساجد والمجامع‪.‬‬
‫وإذا عرف حملة العلم حدود ما هو حق طبيعي‪ ،‬ينبغي أن يتسامح فيه‪ ،‬وأن‬
‫تتيم معالجتيه بالرفيق والليين‪ ،‬عالجوا سيلبيات الحريية والتعدديية بإيجابياتهيا‪ ،‬وإذا‬
‫غفلوا عن ذلك ‪ ،‬دفعهم الخلف العلمي‪ ,‬إلى القمع والعنف‪ ،‬وضربوا خصومهم بتهم‬
‫سياسية‪ ،‬فأساءوا إلى الفكر و الدين والعلم‪ ,‬واستدرجوا السلطان واستدرجهم‪ ،‬في‬
‫لعبة تبادل المنافع والمصالح‪ ،‬فضعف الطالب والمطلوب‪.‬‬
‫ك يف فا تت هذه البديه ية فر قة تد عو إلى الحر ية والعدل والع قل كالمعتزلة؟‪.‬‬
‫فأستدرجت السلطان إلى وأد الحرية و التعددية‪.‬‬
‫وإذا جهل السلطان حق الناس في التعددية الفكرية والسياسية‪ ،‬افتقد الحس‬
‫السياسي‪ ,‬فأراد تقوية الحكم بما هو إضعاف له‪ ،‬وقدم النتهازية السياسية‪ ،‬والمن‬
‫البوليسي‪ ،‬والق مع والعنف على أنه الدهاء‪ ،‬وانجر إلى سعايات العلماء والمثقفين‪,‬‬
‫و من خلف هم‪ ،‬من ذوى الرأي غ ير الم ستنير‪ ،‬الذ ين يقدمون ج صومهم; على أن هم‬
‫مجرمون سياسيا أيضا‪ ،‬فافتقد السياسة الحكيمة‪ ،‬فكيف فاتت هذه البديهية السياسية‬
‫حاكما مستنيرا كالمأمون‪.‬‬
‫كيف فاته أن من حسن السياسية‪ ,‬أن يفطن السياسي للمتنازعين الذين يشكو‬
‫بعض هم بع ضا‪ ,‬ويدعو نه إلى ق مع خ صومهم‪ ،‬ول ينب غي له ق مع التعدد ية الفكر ية‪،‬‬
‫فالسياسي ل ينبغي أن يحلق في سقف منخفض‪ ،‬فليس كل صواب في عالم الفكر‪,‬‬
‫هو صواب في عالم السياسة‪ ,‬لصاحب الفكر والعلم‪ ,‬أن يخطأ ويصوب‪ ,‬حين يجتهد‬
‫ويف كر‪ ,‬فيخ طئ وي صيب‪ ,‬فله أ جر إن أخ طأ وأجران إن أ صاب‪ ،‬و ل صواب في‬
‫أحاديية فكريية‪ ،‬فمنهيج الحوار والتسيامح‪ ،‬هيو الصيواب المنهجيي‪ ،‬الذي تولد فيي‬
‫أحضانه الفكار النيرة البانية‪.‬‬
‫أميا السيياسي فليسيت المسيألة بهذه البسياطة‪ ،‬فالتأثييم والتثوييب مسيألتان‬
‫أخرويتان‪ ،‬حسابهما أخروي خاص‪ ،‬ولكن الخطأ السياسي‪ ,‬حسابه دنيوي عام‪ ،‬فقد‬
‫يؤدي النغلق والقميع الفكري إلى كوارث اجتماعيية‪ ،‬وقيد يثيير حفائظ الناس‪ ،‬أو‬
‫يجعيل المية قطيعيا مطيعيا‪ ،‬ل يفكير ول يعميل‪ ,‬خوفيا مين الخطيأ فيي الكلم‪ ،‬كالذي‬
‫يمشي في الظلم‪ ،‬يتوقف خوفا من العثار‪.‬‬
‫والذى ينبغي للسياسي أن يدرك أن الفكر عندما يظهر غاليا أو معتدلً‪ ،‬إنما‬
‫هو إفراز اجتما عي‪ ,‬للق مع وال جبر أحيا نا‪ ،‬وإفراز حضاري للمتزاج الحضاري مع‬
‫الثقافية الجنبيية حينيا آخير‪ ،‬وميع مجتمعات لهيا خلفياتهيا الدينيية والعرقيية و‬
‫الحضارية‪.‬‬
‫وعلج هذا هيو تنشييط الفكير الناقيد‪ ،‬ودعيم البحيث والحوار‪ ،‬ودعيم السيعي‬
‫الحث يث إلى الترج مة‪ ،‬با ستيعاب العلوم حي نا آ خر‪ ،‬ك ما ف عل المهدي العبا سي‪ ،‬حي نا‬
‫وكما فعل المأمون العباسي أحيانا كثيرة‪.‬‬

‫‪ =35‬التعصب والتمذهب‬
‫أنتج منهج تربية الخضوع‪( :‬تربية القطيع)‬
‫أ‪ -‬اشتق الفقه من الفهم فأصبح تلقينا وتقليدا‪:‬‬
‫عندما ساد التعصب للمذهبية ‪ ،‬صار الناشئة يربون على اللتزام بالمذهب ‪،‬‬
‫ويحفظون م سائله أك ثر من تحفيظ هم أدلت ها من الكتاب وال سنة ‪ ،‬وين شأ الناش يء‬
‫وهو يكرر أسماء علماء مذهبه‪ ،‬أكثر من تكرار أسم أي صحابي‪ ،‬ومن أجل ذلك فل‬
‫عجب أن يكون إعجابه بهم في العقل الباطن أشد ‪ ،‬و أن قبوله منهم أكثر‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك فل عجب ‪ ،‬أن ينظر إلى أتباع المذاهب الخرى‪ ،‬نظرات الريبة‬
‫والشك ‪ ،‬وأن ينغلق ذهنه عن سماع الرأي الخر‪ ،‬فضل عن التسامح بوجوده‪ ،‬ولو‬
‫كان اجتهادا مع تبرا مشروعا ‪ ،‬ول غرا بة أن يؤدي ذلك إلى القطي عة ب ين أ صحاب‬
‫الملة الواحدة ‪.‬‬
‫وهذا التعصب ليس اجتهادا ‪ ،‬وليس موالة للفكار والجتهادات ‪ ،‬إنه هو إل‬
‫موالة للشخاص ‪ ،‬ولو كان للفكار ‪ ،‬لما وجدت أهل البلد يجمعون على الخذ عن‬
‫إمام مع ين ‪ ،‬ويتركون الئ مة الخر ين ‪ ،‬ول ما وجدت الجماعات تقت صر على أرب عة‬
‫مذا هب ‪ ،‬وتترك الع مل والفتوى ‪ ،‬بأقوال علماء كبار آخر ين ‪ ،‬كالبخاري وع بد اللّه‬
‫بن المبارك ‪ ،‬وسفيان الثوري ‪ ،‬وسعيد بن المسيب والحسن البصري‪.‬‬
‫وقد أثمر ذلك ثمارا مرة‪ ،‬منها أن الناشيء ل يكاد يتذكر من غير أهل مذهبه‬
‫ييى الدارس أن الحنابلة والشاعرة‪ ،‬والمعتزلة‬
‫يياوىء والمخازي‪ ،‬فينسي‬
‫إل المسي‬
‫والخوارج والشي عة‪ ،‬يلتقون في أك ثر الم سائل ال صولية والفروع ية‪ ،‬ويلتقون في‬
‫سنن من الدين صريحة ل ينبغي إغفالها‪،‬ول سيما في أركان إسلم الدولة‪.‬‬
‫ولما أغرق العلماء في التنظير‪ ،‬وتكونت المذاهب على شكل العمائر الناطحات‬
‫السحاب‪ ،‬لم يكن من الممكن لطالب العلم والعالم أحيانا إل أن يقلد المذهب‪ ،‬لنه ل‬
‫يسيتطيع أن يسيتحضر الحقيقية‪ ،‬فيي مئات المسيائل‪ ،‬وعشرات الدلة والنصيوص‬
‫والعتراضات في كل مسألة‪ ،‬إل عبر أقوال علماء مذهبه ومواقفهم‪ ،‬فلم يستطع أن‬
‫يكون كدوار الشميس‪ ،‬الذي يدور ميع الضوء حييث دار‪ ،‬بيل أصيبح كالمحجبية فيي‬
‫الهودج ال تي ل ترى إل ما هو أمامها‪ ،‬ح يث ل تلت فت ذات اليمين أو اليسار‪ ،‬فهي‬
‫مكفية‪ ،‬ل تبحث عن الطريق‪ ،‬و ل ترى إل ما يريد صاحب الهودج أن تراه‪.‬‬
‫و من أ جل ذلك جاءت ع ند الفرق المتمذه بة‪ ،‬كراه ية جدال المخالف ين‪ ،‬وتقدم‬
‫ذلك با سم اللتزام بالد ين‪ ،‬واكت سب م صطلح الجدل سمعة سيئة‪ ،‬لن قناعات طلب‬
‫العلم‪ ،‬تبنيي على التقلييد والتلقيين‪ ،‬لن المذهيب أصيبح أشبيه ميا يكون بالقلعية‬
‫المحاصرة‪ ،‬التي تمنع التسلل وتتمنطق بالحذر والرتياب‪.‬‬
‫فتشكلت الذهن ية المغل قة‪ ،‬ال تي لت سمع إل من ش يخ مع ين‪ ،‬ول تن ظر إل من‬
‫خلل ثقب ضيق‪.‬‬
‫وبناء على منطق القلعة المحاصرة; استلت نظريات قمع الرأي الخر ووئده‪،‬‬
‫و صارت محار بة ك تب الرأي ال خر‪ ،‬ف ساعد ذلك على ض عف المنهج ية في العلم‪،‬‬
‫وضعف الروح المعرفية‪.‬‬
‫ب‪-‬المذهبية تغلق الذهان وتفتك بالحرية والتسامح‪:‬‬
‫ورغيم ميا لعلمائنيا الفاضيل فيي العصيور العباسيية والمملوكيية والعثمانيية؛‬
‫إخلص وصيبر وتضحيية‪ ،‬فيي مواقفهيم السيياسية‪ ،‬ولكننيا فيي مقام تقيييم نتائج‬
‫الموقف سياسيا في إطار قضية الحرية‪ ،‬فإن نتيجة منطق القلعة المحاصرة؛ هي‬
‫أنهيم بنوا المنهيج المعرفيي‪ ،‬فيي ظيل الحصيار‪ ،‬فكانيت أكثير المسيائل الجتماعيية‪،‬‬
‫مسيائل غيير عمليية فيي التعاييش ميع الحياة‪ ،‬ومين أجيل ذلك حرموا مين الخيبرة‬
‫الجتماعيية الناتجية عين التجربية‪ ،‬فجاء الفقيه مركزا على (التقيية( و(الضرورة)‪،‬‬
‫وهذا جانب‪ ،‬وصار التفريع في شق العقيدة المدني‪ ،‬يقدم وفق تداعى الحوادث‪،‬من‬
‫دون النطلق من صورة(نظام)‪.‬فكأن المنظر الصولي ساكن في بيت‪ ،‬وكلما ازداد‬
‫أولده وأحفاده‪ ،‬أضاف للبيت غرفة أخرى‪ ،‬من غير نسق هندسي عام‪ ،‬قبل مباشرة‬
‫البناء‪ .‬فصار بناء الفقه وحدات عشوائية تعاني من التفكك و التشرذم‪.‬‬
‫و لن الناس يكرهون حكم الجور والجبر‪ ،‬نظروا إلى كل من يعارض السلطة‬
‫نظرة إجلل واحترام‪ ،‬ول رييب أن مناضلة النسيان فيي الدفاع عين رأييه موقيف‬
‫كرييم‪ ،‬حتيى لو لم يكين للمعارض‪ ،‬رؤيية سيياسية أو فقيه سيياسي نيير‪ ،‬يوصيف‬
‫بالبطولة والخلص والحما سة من الناح ية الخلق ية‪ ،‬ول كن ل ينب غي أن ين ظر إلى‬
‫المعارضية ‪ ،‬على أنهيا تفرز الصيواب‪ ،‬فمهميا كان تقديرنيا للتضحيية; ل ينبغيي أن‬
‫نظن باذلها الفرد الملهم‪ ،‬المحتكر الصواب‪ ،‬المالك للحقيقة‪ ،‬ولكن الناس خلطوا بين‬
‫قوة القلب‪ ،‬وقوة البصرة والفكر‪.‬‬
‫واكت سبت رموز كثيرة من المذا هب‪ ،‬شهرت هم من خلل المعار ضة‪ ،‬دون أن‬
‫يفرز اللحقون البصيييرة السييياسية‪ ،‬ليفحصييوها مجردة ميين ظلل الخلص‬
‫والتضحية بالعلم والمصداقية الجتماعية جانبا‪.،‬‬
‫ولما كان الفكر المعارض‪ ،‬يستبد به منطق العزلة‪ ،‬شلت حراكه العزلة‪ ،‬عن‬
‫النميو والمبادرة والبتكار‪ ،‬فصيار مجرد احتجاج‪ ،‬ل يقدم بدائل‪ ،‬ونميا عيبر رموزه‪،‬‬
‫التز مت والتشدد في الد ين‪ ،‬لن الض يق النف سي‪ ،‬الذي ين مو في شخ صية الش عب‬
‫المقموع؛ يتحول إلى مذهب منغلق‪.‬‬
‫الدلييل على ذلك أن الشخصييات المعارضية‪ ،‬نجيت عندميا ابتعدت عين فسياد‬
‫السلطان الجائر؛ ولكنها لم تنشئ فكرا عمليا‪ ،‬يسهم في الوصول‪ ،‬إلي وفاء الدولة‬
‫والمة بشروط إسلمها المعتبرة‪.‬‬
‫وزاد الط ين بلة أن البيئات الجتماع ية المنغل قة وغ ير المفتو حة‪ ،‬تم يل إلى‬
‫يد‪ ،‬والطعام‬
‫يي اللوان‪ ،‬فاللون واحي‬
‫يد‪ ،‬وتكره التعدد في‬
‫يي الواحي‬
‫يق الجتماعي‬
‫النسي‬
‫واحد‪،‬والصحراء جافة قاحلة‪ ،‬والمرائي ل خضرة فيها ول ظلل‪ ،‬والطباع تميل إلى‬
‫الجفاء والخشونة‪،‬فينشأ الفكر أكثر انغلقا‪ ،‬حتى نصل إلى الفقه البدوي‪.‬‬
‫ج‪ -‬سيطرة التقليد‪:‬‬
‫وقد يحتج المتعصبون للتمذهب بأ نّ العامي يجوز له التقليد ‪ ،‬لنه ل يستطيع‬
‫الجتهاد‪ ،‬وعلى هذا اعتراضات‪:‬‬
‫أني الذيين يحفظون كتيب الفقيه ومختصيراته المذهبيية‪،‬‬
‫العتراض الول ‪ّ :‬‬
‫ويلتزمون بها‪ ،‬أكثرهم طلب علم ‪.‬‬
‫وهناك فرق بين تفقيه العامي بالكتاب والسنة ‪ ،‬وبين تلقينه الحكام ‪ ،‬الول ‪:‬‬
‫هو الفقه الشرعي ‪ ،‬والثاني‪ :‬هو الفقه الذي ينشر التعصب والنغلق ‪.‬‬
‫ول كن المنهاج التعلي مي ‪،‬عندما ح فظ الدارس المتن بدون الدل يل‪ ،‬جعله عاميا‬
‫في طريقة تفكيره فهذه الكتب أنتجت مقلدين في لباس مجتهدين ‪،‬وأميين في لبوس‬
‫متعلمين‪ ،‬وعوام في لبوس خواص‪.‬‬
‫العتراض الثانيي ‪ :‬لو جاز للعام ّي أن يقلد ‪ ،‬فهيل يجوز له أن يقلد إنسيانا‬
‫بعينه? قال الدهلوي‪ » :‬لقد صح إجماع الصحابة والتابعين‪ ،‬وتابعيهم بإحسان من‬
‫السلف الصالح‪ ،‬على المنع من أن يقصد إنسان إلى قول أحدٍ بعينه ‪ ،‬فيأخذ بجميع‬
‫أقوال أ بي حني فة ‪ ،‬أو جميع أقوال مالك ‪،‬أوجم يع أقوال الشاف عي ‪ ،‬أو جم يع أقوال‬
‫أحمد أو غيرهم ‪ ،‬وعلى أن من لم يعتمد على ماجاء في الكتاب والسنة‪ ،‬فقد خالف‬
‫إجماع المة كلّها ‪ ،‬واتبع غير سبيل المؤمنين ‪ ،‬وهذا يؤدي إلى أن ليكون الرسول‬
‫هو المت بع ‪ ،‬لن من رأى غ ير الر سول أولى بالتباع ‪ ،‬ف قد و قع في عبادة العلماء‬
‫والئمة « ‪.‬‬
‫وهذا يوق عه في الور طة المخال فة للشري عة ‪ ،‬ال تي بين ها الحد يث ال صحيح ‪،‬‬
‫ي بن حاتم رضي اللّه عنه ‪ ،‬أنه سمع النبي ص يقرأ قوله تعالى ‪:‬‬
‫الذي رواه عد ّ‬
‫»اتخذوا أحبارهيم ورهبانهيم أربابا مين دون اللّه « قال ‪» :‬فقلت ‪ :‬يارسيول اللّه !‬
‫يتحلوه ‪ ،‬وإذا‬
‫يم شيئا اسي‬
‫يوا إذا أحلوا لهي‬
‫يم ‪ ،‬فقال ‪ :‬أليسي‬
‫يم ماكانوا يعبدونهي‬
‫إنهي‬
‫حرمّواعليهيم شيئا حرمّوه ‪ ،‬قال فقلت ‪ :‬بلي قال ‪ :‬قتلك عبادتهيم « فمين يتعصيب‬
‫ن غ ير ر سول اللّه صلى ال عل يه و سلم ‪،‬ويرى أ نّ أقواله هي ال صواب‬
‫لواحدٍ معي ٍ‬
‫الذي يجب اتباعه ‪ ،‬دون الئمة الخرين فهو مخطىء ‪.‬‬
‫ليسيوغ لعاميي وللمثقيف ‪ ،‬أن يأخيذ أحكام دينيه بدون دلييل ‪ ،‬بيل علييه أن‬
‫(يت بع) الذي يقن عه بالدل يل ‪ ،‬ل كي ليع طل عقله الذي وه به اللّه ‪،‬ليعرف الحلل من‬
‫الحرام‪.‬‬
‫سئل ابن تيمية عن المتمذهب بآراء إمام معين فقال‪ :‬من زعم أن قول هذا‬
‫الواحيد المعيّن ‪ ،‬هيو الصيواب الذي ينبغيي اتباعُه ‪ ،‬دون المام الذي خالفيه يكون‬
‫جاهلً‪ ،‬بييل يكون كافرا والعياذ باللّه ‪ .‬بييل شدد ابيين تيمييية النكييير على هذا‬
‫التجاه(كعادة التيار الشائع في ثقافت نا ال سلمية العبا سية‪ ،‬الذي ا ستجاز ق تل دعاة‬
‫البدع) فقال‪ » :‬من أو جب تقل يد إما مٍ بعي نه ا ستتيب وإن ل ق تل ; ل نّ هذا اليجاب‬
‫إشراك باللّه في التشريع ‪ ،‬الذي هو من خصائص الربوبية « ‪.‬‬
‫بل لي صح للعا مي مذ هب ومثله طالب العلم المقلد‪ ،‬ولو تمذه با ‪ ،‬لنّ العا مي‬
‫والمقلد لمذ هب ل ها ‪ ،‬ك ما قال ا بن الق يم ‪ ،‬ل نّ الذي يتمذ هب هو الذي إذا سلك‬
‫سبيله; سلكه عن معرفةٍ واستدل ٍل ‪.‬‬
‫إن تعوييد الناس على التقلييد والتلقيين‪،‬جرا المية فقدان الحيويية الذهنيية‪،‬‬
‫وفقدان الحيو ية الذهن ية ‪ ،‬هو الم سمار الول في ن عش أي حضارة‪،‬ل نه يف ضي إلى‬
‫شلل الحركة والفاعلية في المجتمع‬
‫العتراض الثالث‪:‬هيب أنيه جاز للعاميي أن يقلد فيي شيق العقيدة الروحيي‬
‫والغ يبي‪ ،‬لن أك ثر م سائله مج مع علي ها‪ ،‬وب عض م سائله المف صلة؛ ل ي ضر في ها‬
‫الخلف‪ ،‬كالج هر بالب سملة‪ ،‬والوضوء من ل حم الجزور‪ ،‬ك يف يجوز له أن يقلد في‬
‫شقهيا المدنيي والسيياسي‪ ،‬الذي جير التقلييد فييه إلى تحرييم الحلل وإباحية الحرام‬
‫كالظلم والجور‪ ،‬و هي أمور بديه ية‪ ،‬مع تبرة في كل دولة وأ مة قو ية متحضرة‪ ،‬ل‬
‫تحتاج إلى مفت ول فقيه‪.‬‬

‫العتراض الرابع‪ :‬هب أن تقيد العامي بمذهبه صحيح‪ ،‬لم لم يعلم التسامح؟‪،‬‬
‫ل كي لتث ير العوام الف تن‪ ،‬حول الم سائل‪ ،‬كالج هر بالب سملة في ال صلة‪ ،‬ك ما و قع‬
‫ببغداد‪ ،‬في أواخر العهد العباسي‪.‬‬

‫‪ =36‬العبوديـة السـياسية كرسـت التعليـم التلقينـي‬


‫المثبط‬
‫أ‪-‬العمارة المذهبية‪:‬‬
‫كان الناس في العهدين الراشدي والموي يفقهون القرآن و الحديث من خلل‬
‫مشكاة الحقل النبوي والراشدي‪ ،‬فكانوا يفهمون المخطط الفكري‪(،‬نظام السلم) من‬
‫خلل المب نى الجتما عي وال سياسي النبوي والراشدي ‪ ،‬وكا نت أقوال ال صحابة في‬
‫ما بعد تكتسب دقتها ومنهجتها وانسجامها في إطارهذا الحقل‪ ،‬حتى بعد زوال الحكم‬
‫الرا شد‪ ،‬كا نت صورة النظام ماثلة في العيون‪ ،‬و من أ جل ذلك اشترك فقهاء الع صر‬
‫الموي في ثورات سبع‪ ،‬من أجل إعادة شروط إسلم المة والدولة‪ ،‬وكانوا يتبعون‬
‫أقوال التابع ين ‪ ،‬والتابعون وفقهاء الع صر الموي كانوا يتحدثون ويفتون‪ ،‬منشد ين‬
‫إلى وأمامهيم صيورة حكيم الرشيد الماضيية‪ ،‬ومتضايقيين مين صيورة حكيم الجور‬
‫الحاضرة‪ ،‬ولم تختلط الصيورتان فيي أذهانهيم‪ ،‬فكانوا أقرب إلى الصيواب فيي ميا‬
‫يقولون ويفعلون‪.‬‬
‫ول ما جاء الع صر العبا سي‪ ،‬ر سخ ح كم الجور وتقل به الفقهاء على أ نه ح كم‬
‫اضطرار‪ ،‬فتماز جت ال صورتان‪ ،‬وأنشأوا في شق العقيدة المد ني أحكا ما كثيرة‪ ،‬من‬
‫فقيه الضرورة‪ ،‬وتضخيم شيق العقيدة الروحيي‪ ،‬وسييطر على اهتمامهيم‪ ،‬لنيه كان‬
‫المجال الم سموح به‪ ،‬و صارت أقوال ال صحابة ك ما صارت ن صوص الحد يث أي ضا‪،‬‬
‫تروى في المدونات من دون إطار وسياق‪ ،‬ينبثق من (صورة النظام)فأمكن التأويل‬
‫والتحرييف والتصيغير والتكيبير‪ ،‬لسييما وقيد درج المحدثون كالبخاري على حذف‬
‫المناسبات‪.‬‬
‫ثم ظ هر أئ مة المذا هب في مطلع الع صر العبا سي‪ ،‬وكانوا أحرارا مجاهد ين‪،‬‬
‫ولكين تتابيع الخفاق السيياسي؛ ألزمهيم مضائق فقيه الضطرار‪ ،‬فاتبعهيم الناس‪.‬‬
‫وم نذ ع صر الرش يد والمأمون بدأ ين شأ ف قه الضطرار الذي ن ظر إلى سيطرة الملك‬
‫العضوض‪ ،‬على أن ها حقي قة اجتماع ية‪ ،‬ل مجال لتفنيد ها دين يا‪ ،‬في ج يل أح مد بن‬
‫حنبيل‪ ،‬ثيم رسيخ ‪ ،‬مبنيية على اسيتقرار سييطرة المتغلب وشيوع الظلم‪ ،‬الذي أفرز‬
‫كثرة الل صوص وال سراق والف ساد‪ ،‬فأنشأوا أحكا ما جديدة‪ ،‬نالت من حقوق الن سان‬
‫وحقوق المتهيم فاتبعهيم مين بعدهيم‪ ،‬ورسيخت المذاهيب الفقهيية منيذ مطلع العهيد‬
‫العبا سي‪ ،‬واكت مل ب نت منظومات ها المخلة بشروط إ سلم الدولة وال مة ال سياسية‪،‬‬
‫ولم يكن أمام المتأخرين في عهد شيخوخة الحضارة العباسي إل التباع‪ ،‬فضل عن‬
‫من بعد هم في الع صور المملوك ية والعثمان ية‪ ،‬ثم جئ نا ن حن في ع هد المبريال ية‬
‫الغرب ية؛ فقلد نا المتأخر ين ‪ ،‬ف صرنا نها ية هذه ال سلسلة‪ ،‬وهكذا أ صبحنا ك من ين ظر‬
‫إلى الشيء ‪ ،‬من وراء نظارة ذات بضع عدسات‪.‬‬
‫و نشط أتباع كل مذهب ‪ ،‬في تأليف مختصرات وشروح‪ ،‬لم تتجه إلى القرآن‬
‫أو الحديث مباشرة‪ ،‬إنما عُنيت برأي إمام المذهب ‪ ،‬وكأن النسان سيسأل في قبره‪:‬‬
‫على أي مذهب من المذاهب الربعة أنت ? أحنفي أم شافعي أم حنبلي أم مالكي ?‬
‫وأصيبح لكيل مذهيب أصيول وفروع ‪ ،‬فأصيبح النسيان يقرأ كتيب الفقيه‬
‫المتمذ هب‪ ،‬فل يكاد ي جد آ ية ولحديثا ‪ ،‬بل رأي إمام نا الفل ني‪،‬الذي ي ساق بألفاظ‬
‫تلغي روح الممانعة‪ ،‬كالمام العظم ‪ ،‬وإمام المذهب‪ ،‬وشيخ السلم وحجة السلم‬
‫والمام المبجل‪.‬‬
‫وظل مسلسل الضافات‪ ،‬ينمي نزعة الستقلل المذهبي‪ ،‬حتى تصور بعض‬
‫العلماء‪ ،‬أن المذا هب كالمدائن‪ ،‬فب ني كل مذ هب الف قه بناء مذهب يا منغل قا متع صبا‪،‬‬
‫يو حي بأ نه د ين م ستقل‪ ،‬ولذلك ل ع جب أن ت جد ح تى ال مس القر يب‪ ،‬في الم سجد‬
‫الحرام‪ ،‬ر مز وحدة الم سلمين‪ ،‬طوائف الناس أشتا تا‪ ،‬و كل طائ فة ل ت صلى إل خلف‬
‫إمامها‪،‬حسب المذاهب السنية الربعة‪.‬‬
‫ول غرا بة إذن أن ت جد المذا هب في المدائن‪ ،‬ل كل مذ هب مدار سه وم ساجده‬
‫وأوقا فه‪ ،‬وأن ت جد‪-‬أي ضا‪ -‬أ هل المه جر من الم سلمين‪ ،‬و قد حملوا مذ هبيتهم‪ ،‬إلى‬
‫أوربا وغيرها‪ ،‬فتفرقوا شتى‪ ،‬وصرفوا أموالً كثيرة‪ ،‬من أجل أن يكون لكل مذهب‬
‫أيضا مسياجده ومدارسيه‪ ،‬ولقيد أحسين بعيض الفقهاء الوعاة صينعا‪ ،‬حينميا قرروا‬
‫جواز أن يصيلي المسيلم خلف أي إمام مين أهيل القبلة‪ ،‬سيواء كان مبتدعا أم غيير‬
‫مبتدع‪ ،‬سيواء أن كان حسين السييرة أم سييئها‪ .‬ولكين كثيرا مين المعتصيبين ل‬
‫يقبلون‪.‬‬
‫وأ صبح النتماء إلى المذ هب أ ساسيا ‪ ،‬وكأ نه جزء من الن سب ‪ ،‬الذي ينب غي‬
‫أن يث بت في حفي ظة النفوس ‪ ،‬فيقال فلن بن فلن الشاف عي التمي مي ‪ ،‬وفلن بن‬
‫فلن الحنبلي النجدي ‪ ،‬وفلن بين فلن المالكيي المراكشيي‪ ،‬وأصيبحت تجيد هذا‬
‫التعريف‪ ،‬على طرر الكتب ودففها‪.‬‬
‫وفي ظل الصراع والتفتيت الجتماعي‪ ،‬تحول كل مذهب‪ ،‬إلى منطق القلعة‬
‫المحاصرة‪ ،‬التي يستبدبها الحذر من مكائد العداء‪ ،‬ولذلك تحاول أن تحقق الكتفاء‬
‫الذائي‪ ،‬مين اللباس والثاث والغذاء‪ ،‬ولذلك تجيد فيي كتيب العقيدة وهيي كتيب فيي‬
‫أصول الدين‪ ،‬مسائل فرعية‪ ،‬وما سجلت في كتب الصول إل رغبة في التميز عن‬
‫العداء‪ ،‬وبهذا نف هم إدراج ب عض علماء العقيدة‪ ،‬م سألة الم سح على الخف ين‪ ،‬في‬
‫متون أصول الدين‪.‬‬
‫منطق القلعة المحاصرة‪:‬‬
‫ونشط كل قوم في الثناء على إمامهم وتأليف الكتب في مناقبه‪ ،‬وكأنه الملهم‬
‫المسيدد للصيواب وحده ‪ ،‬وأطروا فقهاء مذهبهيم ‪ .‬فتجيد كتبا فيي تراجيم الحنابلة‪،‬‬
‫وأخرى في ترا جم الشافع ية والمالك ية ‪ .‬وكأن هؤلء يتميزون عن أولئك ‪ .‬بل قد‬
‫تجيد همزا ولمزا للخريين ‪ ،‬بيل قيد تجيد غيبية ونميمية ‪ ،‬وأحيانا قيد تجيد هجاء‬
‫وإقذاعا‪.‬‬
‫وفيي سيياق أدب المدييح والذم‪ ،‬جاءت القاصييص والخبار‪ ،‬ومايحتميل‬
‫وماليحتمل‪ ،‬ودخلت الساطير‪ ،‬ودخل الجن والجمادات‪ ،‬في الشادة بالموافقين‪ ،‬وذم‬
‫المخالفيين‪ .‬وتلونيت الخبار بالمذهبيية‪ ،‬فأدى ذلك إلى تضيعيف ثقاة‪ ،‬وإلى توثييق‬
‫ضعاف‪ ،‬وارج حن ميزان الحرج والتعد يل‪ ،‬وضا عت الحقي قة التاريخ ية‪ ،‬في خ ضم‬
‫اتهام المخالفيين فيي سييرهم وعلمهيم‪ ،‬بيل وفيي عقولهيم وأديانهيم‪ ،‬والعتذار‬
‫للموافقين‪ ،‬والغلو في أقدارهم‪.‬‬
‫وحفلت ك تب الطبقات والترا جم‪ ،‬ب كم غ ير قل يل من هذه الموبقات‪ .‬و في ظل‬
‫لفتية القلعية العاصيرة‪ ،‬أصيبح ل صيوت يعلوفوق صيوت المذهيب‪ ،‬ودخلت العقليية‬
‫الشعرية في دراسة الدين‪ ،‬وصار الناس قمسين موالون وغير موالين‪ ،‬وجاء منطق‬
‫الف عل ورد الف عل‪" ،‬نك فر كل من يكفر نا« فتحول الهدوء والد قة العلم ية‪ ،‬إلى هيجان‬
‫شعري خطا بي‪ .‬وامتلت ال ساحة ال سلمية بالصراعات‪ ،‬ولذلك ن جد أن الخلف في‬
‫الجهر بالبسملة أو السرار‪ ،‬يؤدي إلى التنافر والتدابر‪.‬‬
‫إنه ليس المطلوب من الناس أن لتختلف عقولهم واجتهادتهم فاختلف الئمة‬
‫رحمة‪ ،‬كما ذكر عمر بن عبدالعزيز‪ ،‬والختلف والجتهاد حق من حقوق النسان‬
‫والم سلم مطالب بأن ليعت نق رأيا‪ ،‬وأن ل يت جه في ع مل إل بالقتناع‪ .‬ول كن ينتظر‬
‫من الدعاة ومثقفي الدين أمران‪:‬‬
‫الول‪ :‬التقلييل مين قدر العمارة المذهبيية‪ ،‬لكيي ل يرتبيط الناس بأشخاص‬
‫محدديين‪ ،‬وينظرون إليهيم على أنهيم النظارة التيي يجيب لبسيها‪ ،‬وكأنهيم مصيدر‬
‫التشريع واللهام‪ ،‬وترك التشقيق المذهبي‪ ،‬الذي يعمي عن الحقيقة العلمية‪ ،‬والحذر‬
‫من تحويل المذاهب إلى مدائن‪ ،‬كاملة المرافق‪ ،‬بإنشاء أصول فقه خاصة بالمذاهب‪،‬‬
‫وترك كتابة مؤلفات ملتزمة بالفقه المذهبي‪.‬‬
‫الثا ني‪ :‬الت سامح مع المخالف ين‪ ،‬و بث روح التعادن والتآلف ب ين الم سلمين‪،‬‬
‫والحذر من تجي ير الخلفات الفكر ية‪ ،‬لخلفات اجتماع ية‪ ،‬تمزق الن سيج الجتما عي‬
‫في ال مة‪ .‬للعلماء الجلء من علماء المذا هب في الع صور المختل فة من العذار‬
‫مانعرف وميا لنعرف‪ ،‬ولكين الشييء الذي ينبغيي لنيا أن نعرف‪ ،‬أن هذا المذهبيية‬
‫باطلة شرعا‪ ،‬وأن مين التزم بهيا فقيد أقدم على عميل شنييع فظييع‪ ،‬وأن ترسييخ‬
‫التقليد والعصبية‪ ،‬أسهم في النحطاط السياسي‪ ،‬وجمد الذهن والبداع الجتماعي‪،‬‬
‫وأن مالل سابقين ف يه معذرة‪ ،‬ل نا ع نه منذو حة‪ ،‬وأن القناع بأي فكرة‪ ،‬إن ما سبيله‬
‫الستدلل بمصباح الكتاب والسنة‪ ،‬في مشكاة العهد النبوي والراشدي‪.‬‬
‫‪.‬مطلوب أمير ثالث‪ ،‬وهيو مراعاة الولويات‪ ،‬والحذر مين أن يمنيع الخلف‬
‫في القضا يا الثانو ية والفرع ية والجانب ية‪ ،‬من التفاق على الم سائل ال ساسية ال تي‬
‫هي شروط قيام ال مة والدولة‪ ،‬ال تى ينب غي أن يت فق علي ها الم سلمون‪ ،‬مه ما كا نت‬
‫مذاهبهم وطوائفهم ‪.‬‬

‫‪ =37‬نتائج تلبس النزعة الصحراوية بالسلم‪/‬‬


‫التوجــس الدينــي مــن علوم‪:‬العقلنيــة والمنطــق‬
‫والفلسفة والتقنية‬

‫أ‪-‬عجــز الخطاب الدينــي المحرف عــن إنشاء وســط‬


‫تترعرع فيه التقنية والختراع‪:‬‬
‫من أهم مظاهر قصور الصياغة العبا سية؛ تهميش أركان السلم الحضارية‬
‫والسيياسية على متين أركانيه الروحيية‪ :‬فل تجيد مين ثمين الجانيب السيياسي‬
‫والحضاري والعمرا ني‪ ،‬فأدخله فيي أركان العبادة‪ ،‬بيل ل تكاد تجيد من حلل م سائل‬
‫الجتماع والنفس والسياسة‪ ،‬تحليل علميا موضوعيا‪.‬‬
‫ولم تصيغ التيارات الدينيية العباسيية وميا بعدهيا خطابيا قادرا على احتضان‬
‫علوم النسان و الطبيعة‪ ،‬بحتة أو تطبيقية بل لقد حقرت علوم العمران‪.‬‬
‫والسيلفيات أكثير الفرق وأدا لعلوم الطبيعية والنسيان‪ ،‬والتفكيير العملي‬
‫وال صناعي والتق ني‪ ،‬ك ما في أقوال الغزالي في مقد مة الم ستصفى وا بن الحا جب‬
‫وابن قدامة‪.‬‬
‫ولنها متأثرة بالروح الصحراوية‪ ،‬صارت غير معنية بإنشاء وسط اجتماعي‪،‬‬
‫يحتضن علوم العمران‪ ،‬فل تكاد تجد سلفيا عباسيا في أسماء المختزعين والنابغين‪،‬‬
‫فيي الفلك والرياضيات والطيب والعلوم‪ ،‬ول المنطيق والفلسيفة‪ ،‬إذا اسيتثنيت ابين‬
‫النفيس‪.‬‬
‫بشعار المحافظية على الصيول السيلمية‪ ،‬همشيت المكتسيبات والمنجزات‬
‫النسانية‪ ،‬عندما توجس منها أكثر الفقهاء لنها دخيلة أجنبية‪ ،‬ولم تكن دخيلة على‬
‫السيلم الذي بعيث رسيوله ليتيم مكارم الخلق‪ ،‬إنميا هيي دخيلة على الروح‬
‫ال صحراوية‪ ،‬والخوف من سلبيات المن طق والفل سفة؛ د فع النز عة ال صحراوية إلى‬
‫النغلق على الذات‪ ،‬فردت ما صح من أ صول الفل سفة والمن طق وال طب‪،‬والكيمياء‬
‫والفلك والنجوم‪ ،‬وقد أشارابن تيمية إلى هذه الملحظة في أحد كتبه‪.‬‬

‫ب‪ -‬الموقـف مـن الترجمـة والثقافـة صـحراوي بقناع‬


‫إسلمي‪:‬‬
‫و من ذلك آراء و موا قف شائ عة‪ ,‬دشن ها الف كر العبا سي‪ ,‬تحذر من الترج مة‬
‫والثقا فة الجنب ية‪ ,‬وتش كك في د ين الحكام العبا سين الذ ين رعو ها كالمأمون فضل‬
‫عين نوابيغ المترجميين و رواد العلوم التيي توجسيوا منهيا فسيموها الجنبيية أو‬
‫الدخيلة‪.‬‬
‫ت صورت ال سلفيات العبا سية؛ أن الثقا فة وال مة قل عة محا صرة‪ ،‬فرفعوا من ها‬
‫السيوار‪ ،‬وشغلوا الرادار‪ ،‬وحركوا قرون السيتشعار‪ ،‬التيي ل تفرق بيين طائرة‬
‫مواليية ومعاديية‪ ،‬فجاءت السيلفيات ذات نسيق دائري مغلق‪ ،‬تتصيور فكرهيا كيانيا‬
‫معق ما نق يا‪ ،‬ل يم كن أن تت سرب إل يه جراث يم الوا قع ال تي تش كل ف يه‪ ،‬سواء أكا نت‬
‫الجراثييم أهليية كالصيحراوية أم أجنبيية كالكسيروية (انظير السيلفية‪ :‬عبيد الرحمين‬
‫الزنيدي‪.)111:‬‬
‫وحملت السلفية العباسية؛ على رعاة الترجمة كالمأمون‪ ،‬وشككت في دينهم‪،‬‬
‫فلم تدرك أن هذه الترجمة حتمية اجتماعية‪ ،‬فالفتوح في عهد الراشدين‪ ،‬أنتجت هذا‬
‫المتزاج‪ ،‬والترج مة على ما في ها من سلبيات‪ ،‬ل ينب غي أن تم نع الناس م ساوئها‬
‫المؤقتية والخفيفية‪ ،‬مين إيجابيات الدائمية ‪ ،‬ولو كان بعيض محافظيي السيلفيات‬
‫العباسية في عهد عمربن الخطاب؛ ربما حرموا عليه الفتوح‪ ،‬من باب سد الذرائع‪،‬‬
‫ولحرموا زواج المسلم من الكتابية‪ ،‬خيفة أن يتنصر أو يتهود الولد‪.‬‬
‫فهيل ننظير نظرة مسيطحة جاهزة صيحراوية؛ إلى المنصيور أو إلى المأمون‪،‬‬
‫يد‬
‫يتقدام كتاب أو عالم‪ ،‬نكون إذن قي‬
‫يم يترجمون وينفقون الموال الطائلة‪ ،‬لسي‬
‫وهي‬
‫جهلنا دور العلوم والنظم الحضارية‪ ،‬في تقدم المة وترقيها‪.‬‬

‫ج‪ -‬الشافعــي أدرك الخلل ولكــن‪..‬الغزالي يقول عــن‬


‫علم الرياضيات‪ :‬نعوذ بالله‬
‫لم يكين خفييا على الفقهاء الوائل دور هذه العلوم‪ ،‬فيي قوة المية والملة‬
‫يب‬
‫يا;الطي‬
‫ية متعاطيهمي‬
‫يا ضعي‬
‫يي‪ ,‬يقول""علمان شريفان وضعهمي‬
‫والدولة‪ :‬فالشافعي‬
‫والنجوم""‪ ,‬وهذا يشيير إلى أن الصيحراوية مارسيت دورهيا‪ ،‬فيي رفيض الصيناعة‬
‫والحرفة ونحوها من قيم المدنية‪ ,‬ولذلك كان أكثرالنوابغ في العلوم التطبيقية‪ ,‬من‬
‫غير المسلمين عامة‪ ,‬وعندما درسها العرب‪ ،‬صارت في غير أهل الحسب والنسب‬
‫البدوي خا صة‪ ،‬وعند ما در سها الم سلمون‪ ،‬لم تترعرع في البيئات ال سلفية‪ ،‬وهذا‬
‫التجاه الصحراوي‪ ,‬تقمص الدين‬
‫والصيحراوية ليسيت مين الديين‪ ,‬إنميا هيي مين أثير خلط الفقهاء بيين الحقيل‬
‫الجتما عي الذي ن شأ ف يه ال سابقون الولون من الم سلمين‪ ,‬و هو في الجملة ح قل‬
‫صيحراوي‪ ,‬ذو مجتميع بسييط نسيبي ‪ ,‬وبيين (نظام)السيلم المعياري‪ ،‬هيو نظام‬
‫متكامل فيه من الثوابت والمتغيرات‪ ,‬ما يجعله صالحا لكل زمان ومكان‪.‬‬
‫ولذلك صارت ب عض الناس يت خذ ال سلفيات العبا سية والمملوك ية والعثمان ية‬
‫مطيية؛ يدعيم أو ينتيج آراء سياذجة أو خرافيية‪ ،‬فيي الطبيعيية كالجغرافييا والفلك‬
‫والطب‪ ،‬وكروية الرض‪ ،‬وتحديد مكان التفكير في النسان هل هو القلب أم الدماغ‪.‬‬
‫وفيي علم النفيس والجتماع والتربيية و علوم السيياسة والجتماع‪ ،‬ككيف علم‬
‫السياسة عن ما شجر بين الصحابة‪ ،‬و القول بسلطة مطلقة للحاكم وتسميته بولي‬
‫الميير‪ ،‬واعتبار القضاة وكلء عيين المراء‪ ،‬والخلل بشروط إسييلمية الدولة‬
‫كالشورى و التعددية و الحرية والتسامح‪.‬‬
‫ل قد تشوه مفهوم الذ هن ال سلمي‪ ،‬في الف كر الدي ني العبا سي الشائع‪ ،‬فف قد‬
‫وظيفته ودوره عند السلف الراشدي‪ ،‬وهو أن يكون للسلوك الراشد بوصلة‪ ،‬فتحول‬
‫عنيد فرق الفلسيفة وغلة المعتزلة التيى هوميت باجتهاداتهيا فيي عالم الغييب إلى‬
‫بلبلة‪ ،‬و صار –عنيد ال سلفيات العباسيية‪-‬فيي عالم الشهادة عين التقن ية والترج مة‬
‫وعلوم الحضارة فرملة‪ ،‬وقدم كيل هذا الفكير تحيت عنوان‪":‬عليكيم بسينتي وسينة‬
‫الخلفاء الراشدين‪ ،‬عضوا عليها بالنواجذ"‪.‬‬
‫هناك مو قف عام من علوم الن سان والطبي عة‪ ,‬أف ضى إلى التقليل من قدرها‪,‬‬
‫مبني على ضعف إدارك أهميتها ومادتها‪ ,‬ومناهجها وطبيعتها‪.‬‬
‫هناك خلل جذري فيي النظام المعرفيي الدينيي القدييم‪ ,‬بسيب ضبابيية شروط‬
‫إ سلم الدولة‪ ،‬أن تج نظرات جزئ ية سطحية‪ .‬تغلغلت في التر بة الجتماع ية‪ ،‬وتغ شت‬
‫الفق العلمي‪ ,‬حتى لم يستطع أن يتخلص من ضبابها‪,‬مفكر نابغ كالغزالي أو ابن‬
‫تيمية‪.‬‬
‫وتيار الحنابلة و الشاعرة‪ ،‬على العموم أكثيير إعراضييا عيين طبائع المدن‬
‫والعمران‪ ،‬من تيار المعتزلة‪ .‬و الحنابلة أك ثر إعرا ضا وتشددا من الشاعرة؛ تجاه‬
‫علوم العمران‪ ،‬ولذلك كانيت البيئات التيي انتشرت فيهيا السيلفيات الحنبليية‪ ،‬أقيل‬
‫احتضانا للعلوم ول سيما الفقه السياسي والتقنية‪ ،‬من البيئات الشعرية‪.‬‬
‫و رغم أن الغزالي أفضل‪ ،‬نموذج حنبلي أشعري؛ هضم الثقافة الجنبية‬
‫(كما في كتابه مقاصد الفلسفة)‪ ,‬ومن أفضل من حاول أن يفككها من الداخل ‪(,‬كما‬
‫في كتابه تهافت الفلسفة)‪ -‬لكن هذا كان في عنفوان شبابه‪ . -‬لنه في شيخوخته‬
‫لم ينج من نزعة تحقير العلوم الطبيعية والجتماعية‪ - ,‬وهو يؤلف أصول الفقه في‬
‫شيخوخ ته ‪ ،‬إذ يقول في مقد مة كتاب ال صول‪"":‬العلوم ‪ :....‬عقلي م حض ل ي حث‬
‫عليه الشرع ول يندب إليه‪ ,‬كالحساب والهندسة والنجوم‪ ,‬وأمثاله من العلوم‪ ,‬فهي‬
‫بين ظنون كاذبة لثقة بها‪ ,‬وإن بعض الظن إثم‪ ,‬وبين علوم صادقة ل منفعة لها‪,‬‬
‫ونعوذ بال من علم ل ينفع"" (المستصفى ‪.)1/3‬‬
‫وهذا يدل على أن تقيييم هذه العلوم‪ ,‬قيد انطلق مين تحرييك قرون الحذار‬
‫والسيتشعار‪ ,‬وتقدييم شعار سيد الذرائع‪ ,‬على شعار فتيح المنافيع‪ .‬ويعنيي أن دور‬
‫علماء الد ين‪ ,‬لم يتجاوز ردود الف عل العاط في‪ ،‬التحذ ير العاط في من أخطاء العلوم‪,‬‬
‫كدخول السيحر فيي الكيمياء‪ ،‬ودخول التنجييم فيي علم الفلك‪ ،‬ودخول الكفير فيي‬
‫الفلسفة ودخول السفسطة في المنطق‪.‬‬
‫الدور المشروع‪-‬المنب ثق من ف قه مقا صدالشريعة الكل ية القطع ية‪ -‬أن ت حض‬
‫الثقافية الدينيية‪ ،‬على التمرس بهذه العلوم‪ ،‬مين أجيل اسيتيعابها أولً‪ ،‬ثيم نخلهيا‬
‫وتصفيتها ثانيا‪ ،‬ثم توظيفها ثالثا‪ .‬ثلث مراحل ل يمكن اختصارها في أي استعارة‬
‫حضاريية ‪ .‬ولكين الثقافية السيلفية العباسيية‪ ،‬أحكميت مزالييج أقفال ذرائع الفسياد؛‬
‫فأغل قت أبوا با من ماف يه منا فع للبلد والعباد‪ ،‬فرف ضت الكيمياء خو فا من ال سحر‪،‬‬
‫والفلسفة خوفا من الكفر‪ ،‬وعلم النجوم خوفا من التنجيم‪.‬‬
‫واستعاذة الغزالي ‪,‬من هذا العلم الذي ‪-‬زعم أنه ‪ -‬ل ينفع ;تختصر الموقف‬
‫ال سلفي العبا سي الدي ني ال سائد‪,‬لدى علماء أ صول الف قه فضل عن الفقهاء وعلماء‬
‫العقيدة; بما ليحتاج إلي توضيح‪ ,‬ول إلى ذكر مواقف أمثال ابن قدامة في (منهاج‬
‫القاصدين)‪ ,‬فضل عن أمثال ابن الحاجب‪.‬‬
‫د‪-‬الفقه الصحراوي يلبس جبة إسلمية‪:‬‬
‫هذه النظرة الصيحراوية للعلوم‪ ,‬تنتيج عقل مدنييا سياذجا‪ ،‬ل معرفية له‬
‫بالسياسة والمدنية‪ ،‬كما أدرك ابن خلدون‪ ,‬فقال في المقدمة‪" :‬فصل في أن الصنائع‬
‫والكتابية والحسياب; تنتيج عقل"‪ .‬وجئنيا اليوم لنحاول إحياء هذا التراث المأزوم‬
‫ونتعامل معه و كأنه معصوم‪ ،‬وكأنه ل يمكن فقه الكتاب والسنة إل بعيون عباسية‬
‫أو مملوكيية‪ ،‬فلم يسيتطع هذا الفكير أن يشييع فينيا شروط إقامية العدل الجتماعيي‪،‬‬
‫فضل عن أن يمدنا بمناهج ونظريات وآليات‪ ،‬تدفع عنها الضغط الحضاري المهاجم‬
‫والتخلف السياسي الجاثم‪.‬‬
‫يم كليات‬
‫يلفهم‪ ,‬على فهي‬
‫ين أسي‬
‫يلمين اليوم; أقدر مي‬
‫ولذلك فإن علماء المسي‬
‫الشريعية و مقاصيدها القطعيية فيي مجال علوم الطبيعية عامية‪ ،‬و علوم الجتماع و‬
‫ال سياسة والدارة والن فس والترب ية خا صة‪ ,‬ل لن هم أذ كى أو أ صلح أو أك ثر جهدا‪,‬‬
‫بل لن الجو المعرفي والمدني والحضاري اليوم أسمق‪ ,‬ولن هذه العلوم بلغت من‬
‫النضيج شأوا; لم تبل غه العلوم الجتماعيية والطبيع ية القديمية‪ ،‬و لن أدوات البحيث‬
‫العلمي أدق و أوفر‪.‬‬
‫ان النظرة الصحراوية للشياء غير عميقة ول شاملة ول كلية‪ ،‬ولكن النظرة‬
‫السيلمية الصيافية عميقية وكليية شاملة‪ ،‬ول تتسيق ميع نظرة علماء الصيول‬
‫والمقاصيد‪ ،‬الذيين أدركوا أن السيلم (نظام) كالشاطيبي‪ ،‬عندميا أضاف إلى شروط‬
‫الجتهاد؛ أن يكون الفقيه بصيرا بمقاصد الشريعة‪ ،‬أي كما قال "فقه مقاصد الشريعة‬
‫على كمالها" ‪ ،‬وكالشافعي الذي قرر أن ‪ :‬فقه الكليات قبل فقه الجزئيات‪.‬‬

‫‪=38‬أمــــا حان الوقــــت ليتذكــــر المحافظون على‬


‫الصياغة العباسية للعقيدة سلفية أو غير سلفية ‪:‬‬
‫التفريط بالهوية والعدل والحرية والتعددية‬
‫إخلل في العقيدة وحكم بغير ما أنزل الله‬

‫أ‪-‬قمـع الحريـة إخلل فظيـع بالعقيدة وحكـم بغيـر مـا‬


‫أنزل الله‪:‬‬
‫إذا علم الذيين يتخذون الديين السيلمي سيلحا لوأد الحريية‪ ،‬أن كيل عقيدة‬
‫ت صادم الحر ية فل بد أن تنهزم‪ ،‬فليعلموا أي ضا أن مبدأ الحر ية والتعدد ية والت سامح‬
‫من أركان العقيدة السلمية‪.‬‬
‫كان من المتو قع أن يشرح الفقهاء وعلماء العقيدة؛ نظر ية الحر ية ال تي جاء‬
‫بها القرآن والسنة وطبقها النبي والراشدون‪ ،‬ولكن ياليتها سلمت منهم‪-‬غفرال لنا‬
‫ولهيم‪ -‬ييل هتكوهيا ووأدوهيا‪ ،‬فضل عين أن ينادوا بتطبيقهيا‪ .‬بيل إن عديدا منهيم‬
‫انزج فيي مزلق القميع الصيحراوي والكسيروي‪ ،‬حتيى المعتزلة الذي نظروا للعدل‬
‫والحرية‪ ،‬قمعوا خصومهم من دون هوادة‪.‬‬
‫فل تكاد تجيد عالميا فيي الديين‪ ،‬فيي العصيور الماضيية‪ ،‬لم يغيل فيي التكفيير‬
‫والتبديع‪ ،‬ولم يقمع خصومه‪ ،‬سواء فيهم العالم الصغير والكبيرن القديم والحديث‪،‬‬
‫ول تجد مذهبا لم يمارس القمع والغلو في التكفير والتبديع‪.‬‬
‫مبدأ الحرية أكثر القيم التي أخل بها الفكر الديني الشائع‪ ،‬مستدعيا ما شاع‬
‫ع ند الفرق العبا سية من مذهب ية وق مع وا ستئصال مادي ومعنوي‪ ،‬نبات في كهوف‬
‫الستبداد‪ ،‬بصفة القمع الديني نباتا طبيعيا في الستبداد السياسي والستبداد‪.‬‬
‫إن أعلى ما وصل إليه القمع‪ ،‬هو القول بعدم قبول توبة الزنديق‪ ،‬سبحان ال‬
‫ح تى الزند يق‪ ،‬أي المنا فق الذي علم بكفره الر سول صلى ال عل يه و سلم وتر كه‪،‬‬
‫ندعي أننا نطلع على سريرته أول‪ ،‬ثم نحكم عليه بالعدام ثانيا‪ ،‬فإذا أعلن أنه تاب‬
‫وأناب رفضنيا توبتيه ثالثيا‪ ،‬وقلنيا إنماهيو كذاب‪ ،‬وكذبيه لن يخدعنيا ويسيقط عنيه‬
‫العقاب‪ ،‬و قد ا ستغل هذا التجاه حكام جور وأدوا المعار ضة ال سياسية‪ ،‬ت حت عنوان‬
‫القضاء على الزنادقة‪ ،‬ولم نجد فقيها طالب حاكما كالمهدي بعدالة محاكمة المتهمين‬
‫في دينهم‪،‬بإقامة محكمة علنية عادلة مستقلة‪ ،‬لهؤلء المتهمين بالزندقة‪ .‬إن أكثر‬
‫الفقهاء تسيامحا ميع المتهيم بالزندقية؛ هيو مين قال‪ :‬يترك ذلك للمام‪ ،‬وياهول أن‬
‫يترك م ثل ذلك لملك‪ ،‬ل ي عد مثله العلى في الح كم خلي فة راشد يا‪ ،‬بل ي عد معاو ية‬
‫مثله العلى‪ ،‬أي في الدهاء الذي غايته شراء الذمم‪.‬‬
‫وأسوأ من ذلك تشريعهم قمع أهل البدع‪ ،‬وقتل دعاة البدع‪ ،‬وتشجيع القضاء‬
‫على المعارضيين دون إجراءات قانونيية عادلة‪.‬وكتكفيير مين ترك الصيلة تهاونيا‪،‬‬
‫وهذه الفكار القمعيية‪ ،‬نجيد لهيا بذورا فيي أقوال ومواقيف تنسيب إلى المام مالك‬
‫والشافعي وأحمد بن حنبل‪-‬رحمنا ال وإياهم‪ ،-‬وقد ل تصح عنهم‪ ،‬وإن صحت‪-‬‬
‫فهم عزيزون علينا‪ -‬ولكن قول ما نراه حقا أعز علينا‪ ،‬وهو شعبة من الدين‪ ،‬وال‬
‫يقول لنا "وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى"‪ ،‬وشعارنا قول مالك نفسه‪ :‬كل يؤخذ‬
‫من كلمه ويرد إل صاحب هذا القبر‪.‬‬
‫ب‪-‬فك الرتباط بين وحدات السلم‪:‬‬
‫ويتجلى من جا نب آ خر‪ ،‬في فك الرتباط ب ين ف قه الر فض والتحر يم‪ ،‬وف قه‬
‫البدائل والحلول‪..‬‬
‫فالخلل الصولي يتجلى في اعتناق أفكار ما أنزل ال بها من سلطان و لسيما‬
‫في م سألة حر ية الرأي والت عبير والتج مع والتعدد ية‪ ،‬م ثل قول ب عض فقهائ نا في‬
‫الع صر العبا سي‪-‬رحم نا ال وإيا هم‪ -‬بجواز ق تل الزند يق‪ ،‬أي المنا فق الذي يب طن‬
‫الكفر ويعلن السلم‪ ،‬وأعظم من ذلك القول بعدم قبول توبة الزنديق إذا تاب‪ ،‬وهذا‬
‫اجتهادي من منظومة الحكم القمعي‪ ،‬مردود‪ ،‬بسنة الرسول السمحة‪ ،‬صلى ال عليه‬
‫و سلم‪ ،‬الذي أطل عه ال على سرائر المنافق ين‪ ،‬فعامل هم في الحكام المدن ية‪ ،‬معاملة‬
‫الم سلمين‪ ،‬مع أن القرآن تحدث عن هم كثيرا‪ ،‬وب ين من علمات هم‪ ،‬مال يخ فى على‬
‫الصحابة المتابعين‪ ،‬فكان المنافقون معروفين للرسول على وجه اليقين‪ ،‬لعلى وجه‬
‫الظن والتخمين‪.‬‬
‫و من ذلك قول ب عض فقهائ نا القدم ين ‪-‬غ فر ال ل نا ول هم‪-‬بق مع أ هل البدع‪،‬‬
‫وليسوا أعرف بالسنة النبوية‪ ،‬من علي بن أبي طالب‪ ،‬الذي ترك الخوارج أحرارا‪،‬‬
‫ولم يقاتلهم حتى حملوا السلح‪ ،‬والخوارج كما ذكر المام أحمد بن حنبل شر أهل‬
‫البدع‪.‬‬
‫ومن ذلك قولهم بقتل دعاة أهل البدع‪ ،‬وليس هؤلء بأعرف بالسنة من عمر‬
‫بن ع بد العز يز‪ ،‬ول أت قى ل‪ ،‬و هو الذي ترك دعاة البدع دون ق مع مادي‪ ،‬بل ولى‬
‫أحد دعاتهم بيت مال المسلمين‪ ،‬وعمر أعرف بالسنة‪ ،‬وأتقى ل من ولة بنى أمية‪،‬‬
‫الذين قتلوا بعض دعاة البدع‪.‬‬
‫ومن المهم أن يتذكر بعض الناس‪ ،‬أنهم يفسرون نصوص الدين من دون أن‬
‫يتخذوا التطبيقات النبوية والراشدية‪ ،‬مشكاة لرؤية مصباح الكتاب والسنة‪ ،‬فيردون‬
‫بالراء الشائعة‪ ،‬ويكفرون بدون دليل‪ ،‬وليس هؤلء بأعرف بحدود الكفر والسلم‪،‬‬
‫مين جلة المحدثيين كالبخاري ومسيلم‪ ،‬الذيين رووا عين عشرات المبتدعية‪ ،‬مين‬
‫الخوارج والشي عة المام ية‪ ،‬والقدر ية والجهم ية والمرجئة والمعتزلة‪ ،‬ولو كان لدى‬
‫هؤلء المحدث ين أد نى شك في إ سلم المبتد عة؛ لنزهوا الحد يث الشر يف‪ ،‬عن أن‬
‫يروى عن كفار أو مشكوك في إسلمهم‪.‬‬
‫بل إن روا ية المحدث ين عن المبتد عة‪ ،‬تدل على أن البد عة ل ت خل بالعدالة‪،‬‬
‫وتدل على أن الذين فسقوا بالبدعة‪ .‬ليس لهم دليل متين‪.‬بل إن المحدثين لم يرووا‬
‫عن المبتد عة العادي ين فح سب‪ ،‬بل رووا عن دعاة أ هل البدع‪ ،‬الذ ين أف تى آخرون‬
‫بقتلهم وتكفيرهم‪.‬‬
‫بيل إن النصياف ألهيم العلماء المحققيين العتراف بفضيل الفاضليين مين‬
‫المبتدعة‪ ،‬فقد أثنى ابن تيمية رحمنا ال وإياه‪ ،‬على جهود الرافضة والمرجئة‪ ،‬في‬
‫الدعوة إلى ال‪ ،‬وذكر أن ال هدى على أيديهم إلى السلم كثيرا‪.‬‬

‫ج‪-‬نحو جلء غبار الصحراء وكسرى عن العقيدة‪:‬‬


‫ولقضية الحرية السلمية أولوية في الخطاب السلمي الحديث‪ ,‬لن التحدي‬
‫الحضاري اليوم‪ ,‬جاء عبر آل ية الحر ية ومشتقات ها‪ ,‬وإغرائ ها وإغوائ ها‪ ,‬و ما لم‬
‫يدا فع مثق فو ال مة عن الد ين والهو ية‪ ,‬عبر آل ية الحر ية‪ ,‬بضوابط ها ال سلمية‬
‫القطعية‪ ,‬فستحتل العلمانية الغربية‪,‬كثيرا من حصوننا‪,‬التي نظنها منيعة‪ ,‬رغم أننا‬
‫نراها تتهاوى‪,‬كحبات مسبحة انقطع عقدها‪.‬‬
‫إن أز مة الدعوة ال سلمية إذن‪ ،‬ناب عة من أز مة المث قف الدي ني‪ ،‬ف هي أز مة‬
‫أ هل الترب ية والتعل يم ق بل غير هم‪ ،‬لن هم ل يقدمون ال سلم ك ما تنزل وطب قه ال نبي‬
‫صيلى ال علييه وسيلم والراشديين‪ ،‬بيل يقدمون السيلم كميا تشكيل‪ ،‬عيبر الزمنية‬
‫والمكنة الموية والعباسية‪ ،‬فيسوء فهم النص المقدس الذي جرده التطبيق النبوي‬
‫والراشدي‪ ،‬بالراء التيي ترعرعيت فيي ظلل القميع و فيهيا ميا هيو صيواب يجيب‬
‫احترامه‪ ،‬وفيها ما هو خطأ‪ ،‬يجب أن يملك الناس الجرأة لتجاوزه‪.‬‬
‫مين الضروري إذن تجدييد فقيه الحريية‪ ,‬وإعادة تشكيله على الثوابيت مين‬
‫قطعيات الكتاب والسينة‪,‬كيي ل يشكيك الفوضويون والعدميون بالديين‪ ,‬تحيت لفتية‬
‫الحرية‪,‬وكي ل يوأد البداع والتجديد الحضاري الديني‪,‬باسم الدفاع عن الدين‪ ,‬وكي‬
‫ليعييد الناس إنتاج الخلييا الميتية مين التراث ‪,‬ويعتبرونهيا هيي الكتاب والسينة‪,‬‬
‫أوليدركون الليات الناجحية‪ ,‬لتطيبيق الشريعية ‪ ,‬ثيم يقدمون أنفسيهم على أنهيم‬
‫المتحدثون الرسميون باسم الدين‪ ,‬أو الموقعون عن رب العالمين‪.‬‬
‫ول بد من بناء هذه المفاه يم‪ ,‬على الكتاب وال سنة‪ ,‬وت طبيقات الر سول صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪,‬ثم جيل الراشدين ‪,‬وتقديم القطعي على الظني‪ ,‬وماصح من العمل ‪,‬‬
‫على ما ماروي من القول‪.‬واستبعاد مالم ينسجم مع هذا النسق‪ ,‬من تراث اللحقين‪,‬‬
‫مهما كان تقديرنا لهم واحترامنا‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك تكتسب التربية الحرة أهميتها‪ ،‬لنها تعود الناس على المناقشة‬
‫والمحاورة‪ ،‬وتعلم الناس فضائل النصاف عند الختلف‪ ،‬النصات عند سماع الرأي‬
‫الخر‪ ،‬والموضوعية التي تدرك بها الحكمة‪ ،‬التي هي ضالة المؤمن‪ ،‬إذ يجب عليه‬
‫أن يبحث عنها‪ ،‬فأنّى وجدها‪ ،‬وجب أن يحني هامته للتقاطها‪ ،‬سواءا وجدها عند‬
‫إنسيان صيغير أو كيبير‪ ،‬وعالم أو متعلم‪ ،‬وامرأة أو رجيل‪ ،‬ومسيلم أو غيير مسيلم‪،‬‬
‫وبذلك تنشيأ مهارة المحاورة والنقيد‪ ،‬وتنشيأ مهارة التأميل والبداع‪ ،‬وينشيأ خلق‬
‫الت سامح والتعا يش والتعاون‪ ،‬والتفا هم والتنا غم‪ .‬و من دون ذلك ل يجدي علم ول‬
‫تنفع تجربة‪.‬‬
‫د‪-‬كـل سـلفية لتعنـى –اليوم‪-‬بشـق العقيدة السـياسي‬
‫والحضاري فإنماهي تفريع على غير أصل‪:‬‬
‫وهذا يش ير إلى أن نا بحا جة إلى أن ن صحح مفهوم ال سلفية‪ ،‬بأ نه ل ي صح أن‬
‫يقال عن دعوة ما إنها سلفية‪ ،‬مالم تعن باشقين معا‪ :‬الصلح الروحي والصلح‬
‫السياسي معا‪ ،‬لنها (شعار) أعلنه ابن مسعود في قضية سياسية‪ ،‬والسلفي الموي‬
‫الصالح أيضا أعلنه في مناسبات سياسية‪.‬‬
‫ال سلفية من هج هي الحتكام إلى م صباح القرآن وال سنة‪ ،‬وفقهه ما من خلل‬
‫الت طبيق النبوي النا جح وت طبيق ال سلف الراشدي ال صالح وفق هه‪ ،‬ونز يد على ذلك‬
‫التركيز على ضوء حقائق علوم الجتماع والطبيعة‪.‬‬
‫وال سلفية مبادئ‪ :‬إ صلح رو حي ومد ني متوازنان‪ ،‬وذلك هو ق طب ال سلفية‪،‬‬
‫والسيلفيات كواكيب حوله دوارة‪ .‬فمين غفيل عين هذا المدار‪ ،‬أو دار فترة ثيم انطفيأ‬
‫فدوره محدود بزمانه ومكانه‪.‬‬
‫وكل دعوة سلفية ل تبرز معالم العقيدة السياسية؛ سلفية عباسية أو مملوكية‬
‫فقد أخلت بمفهوم السلفية‪.‬‬
‫أجل السلف العباسي الصالح أنشأ فكرا يعالج مشكلته‪ ،‬وينبغي أن ننشئ فكرا‬
‫يعالج مشكلتنا‪ ،‬ينبغي أن نحل السلف العباسي الصالح ونحترمه‪ ،‬نعظمهم ونقتدي‬
‫بهم في جوانب حفظ الشطر الروحي من العقيدة والسنة والفقه‪ ،‬رواية وتدوينا‪ ،‬فلو‬
‫لم يكين لهيم إل تصيحيح الحدييث الشرييف‪ ،‬لكفاهيم أجرا ودورا‪ ،‬ولكين السيلف‬
‫العباسي الصالح لم يكتب لنا فكرا سياسيا ول اجتماعيا (صالحا) للتمكين والعلو في‬
‫الحياة‪ ،‬ول ينبغيي لنيا اليوم أن نضرب حقائق علوم النسيان والطبيعية والفكير‬
‫الجتما عي النا جح ال صالح؛ بمطر قة اتباع ال سلف العبا سي ال صالح‪،‬ونلت مس ل هم‬
‫المعذرة في جانب فقه القيم المدنية والحضارة‪.‬‬
‫فكل حركة إسلمية‪ ,‬ل تهتم بشروط بقاء المم وارتقائها المعتبرة‪ ،‬ول تدرك‬
‫أن العدل أساس في الدين؛ ليست صحيحة النتساب‪.‬‬
‫حتى ولو أسماها أهلها صحوة‪ ،‬إنما هي غفوة رهبانية سكونية‪ ،‬لبست جبة‬
‫ال سلم‪ ،‬لن كل حر كة دين ية تتعا مل مع الوا قع المتجدد‪ ,‬بو سائل غ ير عمل ية ول‬
‫عقلنية‪ ،‬لن تحل المعضلة الساسية‪ ،‬وهي سياسية‪.‬‬
‫حتى ولو وصفها أهلها بالسلفية فإنماهي صورة من صور السلفية البواهت‬
‫المنطفئات‪ ،‬كسيلفيات عبيد ال بين أحميد والبهاري‪ ،‬قيد تكون سيلفية عباسيية‬
‫أوصحراوية‪ ,‬أورهبانية‪ ،‬ولكنها –مالم تركز على الصلح السياسي‪ -‬ليست قريبة‬
‫من صورة السلفية النموذجية الراشدية‪.‬‬
‫حتى ولو وصف أ صحابها أنف سهم بأهل ال سنة والجماعة‪ ،‬فالسنة والجماعة‬
‫المعياريية‪ ،‬ل تكون لمين يبعضون الديين‪ ،‬ول ينبثيق عملهيم أن العقيدة نظام‪ ،‬وكيل‬
‫حر كة ت ستبعد ال صلح ال سياسي أو تهم شه‪ ،‬ل عل قة ل ها ل بال سلف ال صالح ول‬
‫بمنهج أهل السنة والجماعة‪.‬‬
‫وفوق ذلك لن يك تب ل كل الحركات ال تي ل تر فع را ية ال صلح ال سياسي إل‬
‫الخفاق‪ ,‬ومين الطيبيعي إذن أن يكون سيبيل النجاح‪ ,‬إذن هيو لزوم العقيدة‪ ،‬كميا‬
‫جاءت في (مصباح)الكتاب والسنة‪ ،‬و(مشكاة) الرعيل الول من المة‪.‬‬
‫فقدآثر سلفنا العبا سي ال صالح رحم نا ال وإيا هم ‪-‬دفا عا عن الد ين‪ -‬جا نب‬
‫العقيدة الروحيي والغييبي التجريدي‪ ،‬على جانبهيا المدنيي الشهادة العملي‪ ،‬وكانيت‬
‫عنايتهيم بشروط اليمان الغييبي السيتة‪ ،‬على حسياب عنايتهيم بشروط إقامية عالم‬
‫الشهادة‪.‬‬
‫وكانيت عنايتهيم بأركان إسيلم الفراد الخمسية‪ ،‬على حسياب أركان إسيلم‬
‫الدولة والمية المسيلمة‪ ،‬لن السيئلة المثارة يونانيية تجريديية‪ ،‬فامتلت الفعال‬
‫وردودها بذلك‪ ،‬ولكل سؤال جواب‪ ،‬ولكل مقام مقال‪.‬‬
‫عند ما حملت صورة العقيدة آثار إ سقاطات وتجزئات عبا سية‪ ،‬تعرض النظام‬
‫الكلي للختلل والتشويش والتشويه‪،‬‬
‫من أجل ذلك ل ينبغي اليوم أن ينجر الناس جميعا إلى إيثار التصارع بالظنون‬
‫على التفاق على اليق ين‪ ،‬وينشغلوا ب ما كفا نا ال إياه من علم الغ يب‪ ،‬عن ما كلف نا‬
‫به من علم الشهادة‪،‬ولينبغي اليوم أن ينشغل الناس بذاته وصفاته في السماء‪ ،‬أو‬
‫فناء النار أوعدمه‪،‬عن الحديث عن عدل ال وإرادته وصفاته في الرض‪"،‬وهو الذي‬
‫في السماء إله‪ ،‬وفي الرض إله"‪.‬‬
‫لكل سؤال جواب‪ .‬السلف العباسي؛ إنما أجابوا عن إشكالت زمانهم‪ ،‬عندما‬
‫شغل هم الخلف حول صفة من صفات ال‪ ،‬هي كلم ال عز و جل‪ ،‬فجاء م صطلح‬
‫علم الكلم إفرازا لهذا الترك يز‪ ،‬ولم يكتفوا بماقرر القرآن‪،‬وكا نت الم سألة في بدا ية‬
‫ال مر جوا با واقع يا ل سؤال ما ثل‪ ،‬ق بل القرن الهجري الرا بع‪ ،‬ول كن تكرار ها اليوم‬
‫تقل يد واجترار لمعارك مع أموات هلكوا و مع أفكار بادت‪ ،‬ل يرا عي الولويات‪ ،‬ول‬
‫يراعي أن االتعاون على الساسيات‪ ،‬أولى من التشرذم على الثانويات‪.‬‬
‫من التراث العبا سي‪ ،‬جذر في نا مفاه يم تجزئة وتخم يل لليمان؛ ل زالت تئط‬
‫منهيا ظهورنيا‪ .‬ومين المناسيب‪-‬إذن‪ -‬أن نيبرز سينن ال الجتماعيية والطبيعيية‪،‬‬
‫بصيفتها سيننا مطردة محايدة‪ ،‬ل تحابيي مؤمنا ول تعادي كافرا‪ ،‬وبصيفة ذلك مين‬
‫العودة إلى فقه اليمان في الكتاب والسنة‪.‬‬
‫‪ =39‬من دون بصيرة سياسية وحضارية‬
‫هل يعتبر المرأ فقيها أو مثقفا؟‬
‫أ‪ -‬هـل كذب العلمانيون عندمـا اتهموا الفقهاء الذيـن‬
‫ليسعون إلى بناء الدولة العادلة بالتخلف‪:‬‬
‫هناك عنيد كثيير مين النخيب اللبراليية و العلمانيية اليوم‪ ،‬أحكام على السيلم‬
‫بالجمود والماضويية‪ ،‬أو الظلميية أو التخلف‪ ،‬سيببها مرتبيط بضمور مبادئ شيق‬
‫العقيدة المدنيي والسيياسي‪ ،‬وتوقيف الوسيائل عين تجسييد المبادئ‪ ،‬وقيد ظهير هذا‬
‫الضمور فيي مقولت أو مواقيف‪ ،‬لتيارات ومذاهيب وجماعات‪ ،‬وشخصييات ورموز‬
‫علمية وفقهية وسياسية‪ ،‬قدمت فكرا أو عمل كديرا‪ ،‬على أنه السلم الصافي‪.‬‬
‫ولكن هذه النخب اللبرالية و العلمانية لم تناقش مدى دقة انتساب المقولت‬
‫والموا قف والمذا هب إلى ال سلم‪ ،‬ولم ي كن لدى الن خب العلمان ية معر فة كاف ية‪ ،‬في‬
‫علوم الشري عة‪ ،‬ل كي تشرح الخطاب الدي ني العبا سي والمملو كي والعثما ني تشري حا‬
‫معرفييا‪،‬على مشرحية أصيول الديين الصيحيحة الصيريحة‪ ،‬وتطبيقاتهيا النبويية‬
‫والراشدية القطعية الدللة‪.‬‬
‫وينبغي أن نلتمس لها العذر‪ ،‬ما دام الفقهاء وعلماء الدين أنفسهم عاجزين‪،‬‬
‫عن تقديم صورة السلم الصافية‪ ،‬وليس هذا طعنا في ما لعلماء الدين من إخلص‬
‫وذكاء وعلم و ورع واحتسياب وشجاعية‪ .‬لن الخلل كامين فيي الجذور‪ ،‬ظاهير فيي‬
‫المراجيع السياسية التيي أنشأهيا القدمون‪ ،‬مين أجيل ذلك كان الفكير الدينيي الذي‬
‫أعادت إنتاجه مؤسساتنا التعليمية الدينية‪ ،‬كسيحا عاجزا‪ ،‬فلم يستطع أن يقدم الدين‬
‫صافيا ك ما تنزل‪ ،‬بل قد مه كديرا مضطر با ك ما تأول تأويل فا سدا أو بعيدا من دون‬
‫مرجح‪ ،‬عندما تراكم تراكما رمليا‪ ،‬في المتون المتناسخة‪ ،‬التي ل يكاد يضيف فيها‬
‫جديد إلى قديم‪ ،‬إل الترديد والتعقيد‪.‬‬
‫ولعل المقارنة في أصول الفقه‪ ،‬بين رسالة الشافعي‪ ،‬وبين مستصفى الغزالي‬
‫أو روضة ابن قدامة‪ ،‬تكفي دليل‪ ،‬على أن النمو المعرفي‪ ،‬لم يكن بناءا هرميا‪ ،‬بل‬
‫كان تراكميا وتكديسيا رملييا‪،‬وأن أثير التعقييد والتجرييد اليونانيي‪ ،‬تجاوز النحيو‬
‫والبلغة‪ ،‬فوصل إلى كتب العقيدة ‪ ،‬وظهر أثره في الفقه وأصوله‪.‬‬
‫ل قد تراك مت الثقا فة ال سلمية‪ ،‬تراك ما أكثره رملي فوضوي‪ ،‬ولذلك صار من‬
‫الصعب على كثير منا‪ ،‬فرز العناصر الصافية من الكديرة‪.‬‬
‫ل عل من ما ي ساعد على الفرز؛ أن نتذ كر أن الثقا فة العرب ية ال سلمية ‪،‬ال تي‬
‫نم تح من ها ‪ ،‬في أمهات ك تب التراث وبنات ها‪ ،‬لي ست هي الثقا فة إ سلمية ال صافية‬
‫المحكمة‪ ،‬بل هي صياغة عباسية ومملوكية وعثمانية؛ للعقيدة وللثقافة السلمية‪،‬‬
‫جنحت إلى التأويل البعيد المرجوح و الفاسد‪.‬‬
‫لقد أصيب العقل السلمي بأمية سياسية‪ ،‬أبعدته عن التفكير العملي الناجح‪،‬‬
‫بسيبب مرضيين‪ :‬المرض الكسيروي والصيحراوي‪(،‬الفرعنية والبدونية) دخل إلى‬
‫الجينات التربو ية‪ ،‬فكان لدى كل ع قل عبا سي ومملو كي وعثما ني ا ستعداد ورا ثي‪،‬‬
‫لنشوء المرض‪ ،‬وسهلت هشاشة المعرفة في علوم النسان والطبيعة‪ ،‬مهمة انتشار‬
‫المرض لكي يصبح وباءا‪ ،‬وهشاشة الخلفية المعرفية ساعدت على تثبيت الفرعنة‬
‫والبدونة بخطاب علمي‪ ،‬فظهرت آراء كسروية وصحراوية‪ ،‬على أنها اجتهادات في‬
‫الشريعة‪.‬‬
‫ولما كان الفقهاء يعتبرون الفقيه نائبا عن النبي في التبليغ‪ ،‬و لما كان النبي‬
‫مكلفا بتبليغ الرسالة‪ ،‬جرهم ذلك إلى اعتبار الفقيه كالنبي في التشريع‪ ،‬فصار الفقيه‬
‫مشرعا‪ ،‬وبدل من أن يصبح كلم الفقيه رأيا‪ ،‬تقدس فصار كالوحي‪ ،‬هذا ما صرح‬
‫به فقهاء كبار‪ ،‬كالشاطبي في باب الجتهاد‪ ،‬وتلك طامة كبرى‪.‬‬
‫وعندما يظهر أي مرض خطير على جسم النسان‪ ،‬فإنه يسم سلوكه وأفكاره‬
‫ببعض التجاهات‪ ،‬ويفقده المناعة الطبيعية‪ ،‬فيصبح أكثر عرضة لهجوم الفيروسات‬
‫والميكروبات‪ .‬فامتص الفكر السلمي عشرات من النزعات السلبية‪ ،‬التي حفلت بها‬
‫الثقافات الجنبية‪ ،‬فامتص النزعة الرهبانية من النصرانية وعقائد الهنود‪ ،‬وامتص‬
‫النزعية اللعمليية مين الفكير اليونانيي فيي خريفيه‪ .‬فوقيع فيي سيوء القتباس مين‬
‫الثقافات التي أحدثها تماس الجناس وتقارض الثقافات‪.‬‬
‫ملونات ومشوهات ومكدرات‪ ،‬أنتجييت عشرات ميين المفاهيييم والنظريات‬
‫والفكار السياسية‪ ،‬صبغت الثقافية ال ساسية‪ ،‬وبنييت عليهيا مئات الفكار الثانويية‬
‫الفرع ية‪ ،‬و من هذا المز يج تشكلت مذا هب ومدارس وتيارات‪ ،‬ظهرت في مدونات‪،‬‬
‫اعتبرت أمهات العقيدة والثقافة و قدمت نفسها على أنها السلم الوحيد‪ ،‬الذي من‬
‫آثر غيره هلك‪.‬‬
‫تزاوج فيي الذهين العربيي والسيلمي مرضان أسياسيان‪ :‬الصيحراوية‬
‫والك سروية‪ ،‬و قد أنت جا مع تدا خل الجناس‪ ،‬والثقافات الج نبيةعديدا من ال سللت‬
‫والعادات المعرفية والنظريات‪ ،‬ومن أهمها هشا شة العلوم الجتماعية‪ ،‬وساعد ذلك‬
‫على هشاشية توصييف الجانيب المدنيي مين السيلم‪.‬وصيار الفكير السيلمي –فيي‬
‫الجملة‪-‬إ سفنجيا زئبق يا‪ ،‬يفت قد ال صلبة و المعيار ية‪ ،‬مجزأً متناق ضا‪ ،‬يفت قد الوحدة‬
‫والنسجام‪ ،‬لن النص –في ظل هشاشة الخلفية المعرفية‪-‬صار نصا مفتوحا‪ ،‬قابل‬
‫شتيى التأويلت الفاسيدة والبعيدة التجاهات‪ ،‬و بسيبب هشاشية الخلفيية المعرفيية؛‬
‫صار القرآن حمال أو جه‪.‬‬
‫ب‪-‬ولكل زواج ذرية‪:‬‬
‫وأهيم مولود أضير بالفكير السيلمي بعيد المرضيين الصيحراوي‬
‫والكسروي؛ هو الذهن ية الرهبانية‪ ،‬التي أف ضت إلى تخميل الفكر السلمي‪ .‬ولذلك‬
‫غ ظت نز عة القنوط والخمول جوا نب كثرة من الف كر الدي ني والدب العر بي شعرا‬
‫ونثرا‪ ،‬ثيم ختميت على هذه الرؤيية الرهبانيية القانطية بخاتيم السيلف الصيالح تارة‪،‬‬
‫والسنة تارة‪ ،‬والجماعة تارة ثالثة أخرى‪.‬‬
‫والرهبانييية نتاج النزعتييين الدخيلتييين على السييلم‪ :‬الصييحراوية‬
‫والكسروية‪ .‬وهما دخليتان على السلم‪ ،‬الولى‪ :‬ورثها الخطاب الديني العباسي من‬
‫خيام الصحراء‪ ،‬والثانية‪ :‬ورثها الخطاب من مدائن كسرى‪ .‬وقد أنتج الزواج سلسلة‬
‫من الن سال غ ير ال سوية‪ .‬أهم ها النز عة الرهبان ية‪ ،‬إن ها نا تج ترك يب المرض ين‪،‬‬
‫فأجواء القهر تنتج فكرا مقهورا هشا‪ ،‬معنيا بالقشور‪،‬مشغول بالمظاهر اللغوية‪.‬‬
‫حبيل المجتميع بالصيحراوية والكسيروية منيذ العصير الموي‪ ،‬بسيبب اختلل‬
‫المعايير الجتماعية‪ ،‬والستبداد أنتج الرهبنة‪ ،‬والستسلم للفساد‪ ،‬وانتظار الخلص‬
‫مين خارج قدرة النسيان‪ ،‬وأشاع الذكير والدعاء والبتهال‪ ،‬بدائل عين القيام بالدور‬
‫والسعي والعقلنية والنضال‪.‬‬
‫وكانيت الروح اللعمليية واللعقلنيية ناتجية عين تزاوج المرضيين‪ ،‬فأجواء‬
‫الق هر تن تج فكرا مقهورا ه شا‪ ،‬معن يا بالقشور‪ ،‬مشغول بالمظا هر اللغو ية والخلف ية‬
‫المعرفية ساعدت على دخول سلبيات عديدة ‪.‬‬
‫وكانت هشاشة المعرفة بعلوم الجتماع و السياسة و الطبيعة سببا أساسيا في‬
‫سك خطاب معر في يح مي ال ستبداد والتخلف‪ ،‬م نذ ز من بع يد صار الد ين يتش كل‬
‫تشكل مشو ها‪ ،‬عند ما صبت الروا فد الخم سة الكديرة في ن هر ثقافت نا ال سلمية‪:‬‬
‫يي‬
‫يروي و المكدر اليونانييي و المكدر الرهباني‬
‫يحراوي والمكدر الكسي‬
‫المكدر الصي‬
‫وهشا شة المعر فة بعلوم الن سان و الطبي عة‪ ،‬و صيغت ثقافت نا في الع صر العبا سي‪،‬‬
‫ين الكتاب‬
‫حاملة هذه المؤثرات‪ ،‬وصييغ الفكير تيارات‪ ،‬وصيار الناس يأخذون مي‬
‫وال سنة الجزاء المتناثرة ال تي يرون ها من خلل هذه الشاشات‪ ،‬وال تي تروق ل هم‪،‬‬
‫وتنسجم مع هذه المتناقضات‪.‬‬
‫ج‪-‬نتاج الداء الصحراوي والفرعوني ‪:‬‬
‫و من هذ ين الوبائ ين مع مضاعفاته ما وتداعيات امتزاج الجناس والثقافات‪،‬‬
‫تكونت روافد خمسة كدرت صفاء السلم‪ ،‬و أسهمت و تعاونت في الخلل بمنهج‬
‫فقه الكتاب والسنة‪ ،‬فظهر هذا الخلل في جذور المنهج‪ ،‬منتجا بضع مشكلت‪:‬‬
‫الولى‪ :‬ركون إلى الفقيه الحرفيي لنصيوص القرآن و السينة‪ ،‬وأغفال شائع‬
‫للدليل المعنوي‪ ،‬الذي يمكن استنباطه من عديد من النصوص والوقائع والمواقف‪،‬‬
‫كما بين الشاطبي في المقاصد‪ ،‬والدهلوي في حجة ال البالغة‪.‬‬
‫الثانيية‪ :‬تعمييم أحكام ظروف المسيرح الجتماعيي (النبوي والراشدي) الول‪,‬‬
‫ومافي طبائع المعاش من وسائل اقتصاد ابتدائي‪ ،‬ومافي طبائع المجتمع من بساطة‬
‫العييش فيي القروى والبوادي‪ ،‬على عالم الدولة الكيبرى والمدن المكتظية بالسيكان‪،‬‬
‫وأوضيح مثال لذلك عزوف الفقهاء عين تدويين القواعيد القضائيية وتحديدهيا‪،‬‬
‫واعتبارهم الحاكم‪ ،‬كونه مرجعا للسلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية‪ ،‬و ترسيخ‬
‫ذلك مين خلل تسيميته (ولي المير) و إعطائه صيلحية الوصياية على معرفية‬
‫م صالحها‪ ،‬من خلل مقولة "ولي ال مر أدرى بالم صلحة" فق صر ف هم ال سلم على‬
‫ظروف دولة ناشئة‪ ،‬إنما من الفقه الحرفي للسيرة و أحوال الخلفة الراشدة‪ ،‬فحل‬
‫نموذج التطبيق النبوي والراشدي محل النظرية‪ :‬وحلت الوسائل التي تتغيير‪ ،‬محل‬
‫المبادئ الثابتية‪ ،‬وتيم صيوغ فقيه السيياسية الشرعيية‪ ،‬بوسيائل الحقيل النبوي‬
‫والراشدي‪ ،‬مطبقة على حاكم عباسي أو مملوكي أو عثماني جائر!!‪.‬‬
‫الثالثية‪ :‬الشريعية (نظام) محكيم الصيورة والعلقات‪ ،‬وذلك هيو ضمان فقيه‬
‫مقاصد السلم الكبرى وروحه العامة‪ ،‬هذه التصور لم يكن دائم الحضور‪:‬إنه خلل‬
‫في التأسيس الموضوعي أو في فقه مقاصد الشريعة الكلية القطعية‪ ،‬أوهى ارتباط‬
‫القييم المدنيية باليمان‪ ،‬فهميش ميا تتطلبيه إقامية حياة النسيان مين مكارم أخلق‬
‫سياسية و عمران على م تن إقا مة اليمان‪ ،‬ولم يف عل مبدأ أن ال سلم جاء لتحق يق‬
‫م صالح الدن يا والخرة م عا‪ ،‬ول أ نه ع قد منظوم ل يم كن تقد يم أجزاءً متناثرة‪،‬على‬
‫أنها صورته التامة‪ ،‬ول يمكن فقه جزئياته من دون إطار قوعدها الكلية‪ ،‬ول يمكن‬
‫الجمع بين النصوص أو الترجيح؛ من دون إدراك مقاصد السلم وروحه الكلية‪.‬‬
‫الرابعية‪ :‬القرآن طالب الناس بالعقلنيية‪ ،‬لكيي يفهموا أن للكون خالقيا رازقيا‬
‫مستحقا للعبادة‪ ،‬ولكي يدركوا سنن البقاء والفناء الحضاري‪ ،‬ولكن التيار الغالب في‬
‫الصياغة العباسية للعقيدة والثقافة‪ ،‬لم يستند على حقائق علوم الجتماع والسياسة‪،‬‬
‫و هي نتاج العقل التجريبي في المم والملل والحضارات والدول‪ ،‬ومن أجل ذلك لم‬
‫يبن فكرا سياسيا متسقا‪.‬‬
‫ل يمكن أن يوجد فكر صحيح‪ ،‬في ظلل المية السياسية‪ ،‬فالمي سياسيا حتى‬
‫لو كان مخل صا صالحا محت سبا حرا مقدا ما‪ ،‬سهل النخداع والنقياد‪ ،‬تنطلى عل يه‬
‫الكاذييب‪ ،‬ويخطيئ فيي البديهيات‪ ،‬وينتيج الفكار الميتية‪ ،‬ويسيتدرج إلى الخطاء‬
‫الفتاكية‪ ،‬ول يربيط بيين الوسيائل والغايات‪ ،‬ويقدم الثانويات على السياسيات‪ ،‬ول‬
‫يحاكيم النيات بالنتائج‪ ،‬ويسيهل تضليله أو توظيفيه طلءا براقيا‪ ،‬لخدمية الطغيان‬
‫والفساد‪ ،‬وإن كان عالما أو فقيها فذا‪ ،‬كثير التباع والمؤلفات‪.‬‬

‫د‪-‬نحــو صــياغة ســلفية توازن بيــن شقــي العقيدة‬


‫الروحي والمدني وتركز على الميزان والعمران ‪/‬‬

‫‪=40‬طريقان سـلكهما التجديـد السـلفي فـي العصـر‬


‫المبريالي‬
‫لتخليص العقيدة من التعقيدات العباسية‬
‫أ‪-‬جمعــت الفرق الســلفية على تهميــش عمود العدل‬
‫وشروطه‪:‬‬
‫درج نا على تق سيم المذا هب في ال صول إلى سنة وشي عة وخوارج ونحو ها‪،‬‬
‫وعلى تق سيمها في الفروع إلى حنابلة وشافع ية ومالك ية وزيد ية‪ ،‬وشيع ية جعفر ية‬
‫ونحوها‪ ،‬وظل كل فريق يدافع عن صحة مذهبه ويتهم الخرين بالبتداع‪ ،‬وهذا أمر‬
‫طبيعي فمن حق أي فرد أو مجموعة أن تفهم التنزيل‪ ،‬بقدر ما تستطيع‪ ،‬ومن حقها‬
‫أن تضلل وتبدع‪ ،‬من دون غلو و ل تطرف‪ ،‬و ل تكف ير‪ ،‬ول يس من حق ها على كل‬
‫حال أن تستخدم العنف والقمع‪ ،‬لقصاء الخرين وإلغائهم من المسرح الثقافي ول‬
‫الجتماعي‪.‬‬
‫ول يس هذا مجال الجدال في هذا المجال‪ ،‬ول كن أ هم من ذلك الن‪ ،‬أن نتذ كر‬
‫فكرة – على أهميتها لم تلق ما تستحق من عناية‪ ،‬وهي أن فرقنا العباسية القديمة‪،‬‬
‫كلهيا لم تبدع فكرا سيياسيا اجتماعييا‪ ،‬يحدو المية إلى النهوض‪ ،‬وذلك هيو بييت‬
‫القصيد الذي يهمنا اليوم في عهد المبريالية الغربية‪.‬‬
‫فما سبب ذلك?‬
‫ولعيل سيبب ذلك يتجاوز شكيل الخطاب الوعظيي‪ ,‬الذي يصيوغه الواعظون‬
‫والكتاب;إلى جذوره التيي صياغها مفكرو الديين و فقهاؤه‪ ,‬فيي العصير العباسيي‪,‬‬
‫وصييغ على أسياسها‪ ،‬علم أصيول الفقيه‪ ,‬ومدونات العقيدة‪ ،‬ميا بنيي عليهيا خلل‬
‫العصور العباسية والمملوكية والعثمانية الغابرة‪.‬‬
‫مين المفييد أن تتذكير أن الصيياغة العباسيية للعقيدة والثقافية ‪ ،‬فيهيا عيوب‬
‫كبرى‪ ،‬وال صور ال سلفية م ثل وا ضح‪ ،‬ف هي ع ند مجددي ها لي ست دون أخطاء فضل‬
‫عن أتباعهم ‪ ،‬ولكن أهم أخطائها تعم الفرق ول تختص بها‪ ،‬إن الصياغات العباسية‬
‫حفلت بنواقيص عامية مشتركية بيين الفرق السيلمية كلهيا‪ ،‬ناتجية عين الحقيل‬
‫الجتماعي وما فيه من تماس أجناس‪ ،‬وعن النظام السياسي وما فيه من احتباس‪،‬‬
‫وعن الخلفية المعرفية و ما في سقفها من انخفاض‪.‬‬

‫ب‪-‬طريقان للتجديــد‪ :‬أهمهمــا العودة المباشرة إلى‬


‫المصباح‬
‫وأدرك عدييد مين فقهاء الصيلح الدينيي مين دعاة السيلفية التوازنية‬
‫والحضاريية جوانيب الخلل فيي الصيياغة العباسيية العقيدة‪ ،‬وهناك طريقان سيلكهما‬
‫المجددون السلفيون‪ ،‬في العصر المبريالي‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن يضربوا عن كل هذه الصياغات العباسية صفحا‪،‬‬
‫كميا فعيل سييد قطيب التصيور السيلمي عزز هذا التجاه‪ ،‬فأخيذ العقيدة مين‬
‫ن صوص القرآن وال سنة‪ ،‬وتجاوز ف هم رجال الفرق الكلم ية كل ها‪ ،‬ولذلك ي صح أن‬
‫يقال فيي اتجاهيه‪ :‬إنيه كسيائر تيار الخوان المسيلمين‪ ،‬يسيير فيي مسيار الصيلح‬
‫الديني‪ ،‬الذي يقصر مفهوم السلفية المحتذاة على السلفية الراشدية‪ ،‬سلفية ما قبل‬
‫الخلف ال سياسي والمذ هبي والكل مي ب ين الم سلمين‪ ،‬ك ما يقول صلح عبدالفتاح‬
‫الخالدي (في ظلل القرآن في الميزان‪29:‬نقل عن الزنيدي‪ ،)143 :‬وكما يرى أيضا‬
‫عدنان زرزور؛ أن مين مزاييا تفسيير الظلل؛ تجاوز عصير الخلف أو عصير‬
‫المذهبية‪ ،‬في تفسير القرآن (عن الزنيدي‪ ،)143:‬وفي التجاه نفسه كتب آخرون‪،‬‬
‫كعلي الطنطاوي وعبد المجيد الزنداني‪.‬‬
‫ل حظ تيار ال صلح الدي ني أن تيارات الف كر الدي ني العبا سي و ما تأ ثر ب ها؛‬
‫اهتمت بالمذاهب القديمة ‪ ،‬في ظل التماس الثقافي في المجتمع العباسي‪ ،‬وينبغي أن‬
‫تراعي صياغة العقيدة اليوم؛التماس الثقافي الحديث‪ ،‬فتحتوي أجوبة شافية كافية‪،‬‬
‫ل ما تطر حه التيارات الغرب ية الحدي ثة الوافدة‪ ،‬من مقولت وأفكار ون ظم وق يم‪ ،‬ك ما‬
‫يبدو هذا التجاه في كتابات الشيخ محمد الغزالي‪.‬‬
‫ورأوا أنيه ينبغيي أن تأخيذ صيياغة العقيدة اليوم؛ مين تيارات الفكير الدينيي‬
‫العباسي‪ ،‬ما هو معياري في السلم‪ ،‬وهو اللتزام بمرجعية صريح الكتاب والسنة‬
‫القط عي‪ ،‬وإجماع الراشد ين وال صحابة ال سابقين‪ .‬و هي المرجع ية ال تي د عا إلي ها‬
‫الفقهاء الوائل‪ ،‬رافعي شعار السلفية‪.‬‬
‫و تأخيذ مين تيارات الفكير الدينيي العباسيي أيضيا كراهيية الفلسيفة اليونانيية‬
‫التجريدية‪ ،‬والبحث الخيالي السوفطائي‪ ،‬وتأخذ من سلفية ابن تيمية‪ ،‬تخليص العقل‬
‫من الخرافات الروحية في جانب التصورات‪ ،‬كالستغاثة بالموات‪ ،‬وتأخذ من سلفية‬
‫مح مد بن ع بد الوهاب ب ساطة الت عبير‪،‬وروح الع مل البعيدة عن و حل الجدل‪ ،‬وفكرة‬
‫التوازن ب ين شق العقيدة المد ني والرو حي‪ ،‬وأ نه ل دعوة من دون دولة‪ ،‬ول ملة‬
‫دون استقلل‪،‬كما ظهر في حركة الخوان المسلمين في مصر‪ ،‬والجماعة السلمية‬
‫في باك ستان‪ ،‬وتحاول ان تج يب على ال سئلة الشاخ صة‪ .‬وأن تتج نب الخطاء ال تي‬
‫وقعت فيها السلفيات المواضي‪ ،‬أثناء التنظير أو الممارسة‪ ،‬أو هما معا‪.‬‬
‫ولن تخلص العقيدة مين الشوائب‪ ،‬إل بالرجوع المباشير إلى الكتاب والسينة‪،‬‬
‫من دون ا ستعمال النظارات العبا سية‪،‬يقول سيد ق طب ( في كتاب خ صائص الت صور‬
‫السيلمي)‪ :‬أنيا على يقيين حازم بأن التصيور السيلمي‪ ،‬لن يخلص مين التشوييه‬
‫والنحراف والمسيخ إل حيين نلقيي عنيه جملة بكيل ميا أطلق علييه اسيم الفلسيفة‬
‫ال سلمية وب كل مبا حث علم الكلم‪ ،‬وب كل ما ثار من الجدل ب ين الفرق ال سلمية‬
‫المختلفية فيي شتيى العصيور أيضيا‪"" ،‬ومين ثيم يحسين عزل ذلك التراث جملة عين‬
‫مفهومنا الصيل للسلم‪ ،‬ودراسته دراسة تاريخية بحتة" وأكد على خطورة السقوط‬
‫في فخ الدراسات العقيدية الخلفية‪ ،‬والتطاوح بين تطرفاتها‪.‬‬
‫ورفيض الفتتان بعلم الكلم‪ ،‬واسيتعارة القالب الفلسيفي الغريقيي‪ ،‬لعرض‬
‫العقيدة السيلمية‪ ،‬وذكير أن مين نتائجيه تحرييف النصيوص عين حقانقهيا‪ ،‬وإهدار‬
‫الطاقات العقلية في غير مجالها الصحيح‪ ،‬فالرجوع إلى سلفية ما قبل الخلف يحمى‬
‫الع قل من الت يه‪ ،‬وتبدد الطا قة‪ ،‬ويك سبه قوة في ارتياد مجال ته المشرو عة‪(،‬ان ظر‬
‫كتابه التصور السلمي)‪.‬‬
‫ونفس التجاه عند المفكر محمد المبارك في كتيب (العقيدة والعبادة)‪.‬‬
‫ج‪-‬ضرورة تصــفية الصــياغات العباســية للعقيدة فــي‬
‫مصفاة المصباح‬
‫ول كن ت صفية العقيدة من أوشاب التراث‪ ،‬خلل الع صور العبا سية والمملوك ية‬
‫والعثمانيية الغابرة‪.‬أمير ضروري‪ ،‬ليغنيي عين المسيار الول‪ ،‬ول يغنيي هيو عنيه‪.‬‬
‫لعتبارات أهمها مايلي‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن كيل فكير ابتكاري يسيبقه فكير نقدي‪ .‬ومين هنيا يصيبح لفحيص‬
‫ال صياغة العبا سية للعقيدة والترب ية وال سياسة والثقا فة أولو ية‪ ،‬ت سبق أي محاولة‬
‫ناجحة لبناء فكر إسلمي حديث‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن أفكار التجديد إذالم تناقش مقولت رموز السلف الصالح‪ ،‬قد تحدث‬
‫قطي عة معرف ية‪ .‬وينب غي أن ل تدعو نا أخطاء التفا صيل‪ ،‬إلى التعم يم على ال صول‪،‬‬
‫ول أخطاء التطيبيق إلى شطيب المنهيج‪ ،‬وينبغيي أن ل تدعونيا إلى غميط النجاز‪،‬‬
‫وشطبه من خارطة الصلح‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن بناء العقيدة بناء على مقدمات ظنيية‪ ،‬فيي علم أصيول فقيه الكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬بنيت عليها قواعد صارت في عداد القطعية‪ ،‬فالخطأ مركب‪.‬‬
‫الرابيع‪ :‬أن المحافظيين اليوم فيي عهيد المبرياليية الغربيية‪.‬على الصيياغة‬
‫العباسية للعقيدة والتربية والسياسة والثقافة‪،‬سيضربون التجديد بأقوال وممارسات‬
‫اضطرارية أو عابرة‪ ،‬أو ناتجة عن اتجاهات غير مسيسة‪ ،‬كما وقع فعل من انكفاء‬
‫وعودة إلى الصيياغة العباسيية للعقيدة والتربيية والسيياسة والثقافية‪،‬بعيد أن قطيع‬
‫المجددون السلفيون شوطا طويل‪،‬‬
‫ولكن فحص المسلمات التراثية‪ ،‬طريق وعر مخوف‪ ،‬وهو عرضة للخطأ و‬
‫التأويل والسقاط‪ ،‬ولكنه ضروري ل مناص منه‪.‬‬
‫من أجل التصفية ينبغي من أجل فهم الصياغة العباسية للفكر السلمي العلوم‬
‫الدينيية والعلوم النسيانية والطبيعيية القديمية;وفرز خلياهيا الحيية عين الميتية‪ ،‬أن‬
‫نفحصها على ضوء مصباح الكتاب والسنة‪ ،‬في زجاجة التطبيق النبوي والراشدي‬
‫ومشكاة سينن ال فيي النسيان والطبيعية‪ ،‬لن صيريح الشريعية ل يناقيض صيحيح‬
‫علوم النسيان والطبيعية ‪ ،‬على هذا الضوء ينبغيي تشريحهيا وتفكيكهيا وتحليلهيا‪،‬‬
‫ونقدها‪ ،‬من أجل استحياء خلياها الحية‪ ،‬ونبذ خلياها الموات‪.‬‬

‫‪=41‬هم أمام إلحاد روحي أو تحد غيبي يوناني‪:‬‬


‫أ‪-‬اختلط الجناس اســتدعى الحتراس فــي ترتيــب‬
‫وتبويب وتوصيف شقي العقيدة الروحي والمدني‬
‫وللسيلفيات العباسيية ميزة كشيف منهيج فقيه الكتاب والسينة‪( ،‬كميا بينيت‬
‫مقالة"النجاز السلفي الكبر في كتاب‪ :‬المصباح والزجاجة والمشكاة)‪ .‬أما الصياغة‬
‫المعرفية تنظيرا وتطبيقا للفكر الجتماعي عامة والسياسي خاصة‪ ،‬فإنما هي تراكم‬
‫هرمي‪ ،‬يقف فيه اللحق‪ ،‬على كتفي السابقين‪ ،‬فيرى ما هو أبعد من رؤيتهم‪ ،‬وقد‬
‫يستلهم من التحديات والمعطيات الجديدة‪.‬‬
‫للسيلفيات العباسيية جهود موفورة مشكورة‪ ،‬فيي سيياق الجتهادات‪ ،‬التيي‬
‫حاولت بها أن تحل النوازل والتحديات‪ ،‬من خلل مابين يديها من معطيات‪.‬‬
‫وأهم جهد لها كان في تبويب وترتيب مسائل شق العقيدة الروحي كالصلة‪،‬‬
‫وفي توصيفا لماهو مجمل من شق العقيدة المدني كالمعاملت‪.‬‬
‫وتف صيل م سائل ف قه الفروع‪ ،‬ع مل يكاد أن يكون متكامل في جا نب العبادات‬
‫الروحيية‪ ،‬بحدود حوالي ‪ ،%90‬كميا أشار القرضاوي‪ ،‬أميا جانيب شئون الحياة‬
‫المدنيية أغلبيه مجميل‪ ،‬أو غيير مجدول أو غيير منسيق‪ ،‬فلم يفصيل منيه إل حوالي‬
‫‪.%10‬‬
‫عندميا يطالب دعاة الصيلح السيياسي بإعادة صيياغة العقيدة والتربيية‬
‫والثقافية‪ ،‬يتخوف المحافظون على الصيياغة العباسيية اليوم فيي عهيد المبرياليية‬
‫الغربيية‪ ،‬مين الخلل بالشريعية‪،‬وتخوفهيم مشروع‪ ،‬ولكنهيم ل يدركون أن المنطقية‬
‫التي تستدعي التجديد هي شق العقيدة المدني المجمل‪ ،‬من التفصيل ومن الوسائل‪.‬‬
‫وأنهيا كافيية بيل وافيية صيياغة السيلف العباسيي وتوصييفهم لفقيه العبادات‬
‫الروحية ولماهو مفصل من شق العبادات المدنية‬
‫فقيد اسيتنبطوا وفيي توصييف لشيق العقيدة الروحيي العملي‪ ،‬أفكارا تفصييلية‬
‫كثيرة‪ ،‬وأك ثر من ت سعين بالمئة من تو صيفهم وتف صيلهم في شق العقيدة الرو حي‬
‫والفردي والسري ل خلف عليه‪ .‬كالمواريث والخلق وهي إنجازات اتفقت عليها‬
‫السلفيات‪ ،‬وتوافق عليها عموم أهل القبلة‪.‬‬
‫وهذا ينبه نا إلى م سألة في غا ية الهم ية‪ ،‬و هي أن الرع يل ال سلفي العبا سي‬
‫ال صالح عند ما يكتبون في شق العقيدة الرو حي العملي كال صلة وال صوم‪ ،‬يكثرون‬
‫مين العتماد على صيريح القرآن والسينة‪ .‬ولكنهيم عندميا يتحدثون جانيب العقيدة‬
‫الغ يبي‪ ،‬وينحتون‪-‬أحيا نا‪ -‬مقولت هم‪ ،‬تق سيماتهم و تقعيدات هم وردود هم؛ ل يكادون‬
‫يعتمدون على نيص صيريح صيحيح‪ ،‬ويصيوغون أفكارهيم بلغية جافية‪ ،‬تعتميد على‬
‫مقدمات فلسفية تجريدية‪ ،‬ويدخلون الناس في شقاشق كلمية‪ ،‬ل طائل تحتها‪.‬‬
‫وأح مد بن حن بل نموذج ما ثل عند ما يقدم رأ يا في ما ك تب ع نه تلميذه في‬
‫صياغة العقيدة في جانبها الروحي‪ ،‬كما في شعار القرآن غير مخلوق‪.‬‬
‫وهذا يدعونيا إذن إلى التفرييق بيين الصيل الذي يعلنيه المنتمون‪ ،‬السيلف‬
‫الصحابة السابقين والصياغة السلفية العباسية‪ ،‬لنقول إن المام أحمد بن حنبل إنما‬
‫يقدم وحيا في المسند(عندما يورد حديثا صحيحا)‪ ،‬ينبغي أن نعتمد على هذا الوحي‪،‬‬
‫ولكنه في صياغة جانب العقيدة الغيبي إنما يقدم رأيا‪ ،‬علينا أن نزنه بميزان الصل‪.‬‬
‫وكل شيء يسمى بالعقيدة أو بأصول الدين‪ ،‬فل بد من أن يكون قطعيا‪ ،‬وإن‬
‫ل فك يف ي عد أ صل‪ ،‬وك يف يكون من أنكره كافرا‪ ،‬فإن كان قطع يا‪ ،‬فذلك هو سلفية‬
‫المصباح والمشكاة‪ ،‬و إن كان ظنيا من الجتهادات‪ ،‬فهو من كواكب سلفية دوارة‪.‬‬
‫وهذا يدعونا إلى أن نفرز ما رواه السلف العباسي الصالح في العقيدة عن‬
‫ما أنتجوه ‪ ،‬فإن كان أمرا ثابتا بقرآن صريح‪ ،‬أو بحديث متواتر صحيح صريح فهو‬
‫قطعيي‪ ،‬فهيو سيواء أكان أصيل كاليمان بالقدر‪ ،‬أو فرعيا كالتيميم؛ فهيو مين قطيب‬
‫السلفية‪.‬‬
‫وإن كان كالقول ب صحة نص الكتاب ورودا‪ ،‬والتزام فه مه ح سب سنن العرب‬
‫الفصيحاء‪ ،‬العارفيين بأصيول البلغية العربيية ودللتهيا‪ ،‬فهيو قطعيي ‪ ،‬ومين قطيب‬
‫السلفية ‪.‬‬
‫وإن كان من ما رآه السلف العباسي الصالح‪ ،‬فهو اجتهاد يجوز فيه الخلف‪،‬‬
‫كالقول بخلق القرآن أو عد مه؛ ف هو من من الكوا كب ال سلفية الدوارة‪.‬اجتهادات و‬
‫حركات زمنية مكانية‪ .‬وهو مجموعة من الراء البشرية‪ ،‬تحتمل الصواب والخطأ‪،‬‬
‫وهو من ما أنتجوه‪.‬‬
‫وكل السلفيات العباسية و ما بعدها‪ ،‬محكومة بمرجعيتها المعلنة‪ ،‬وهي رؤية‬
‫مصباح القرآن والسنة في مشكاة التطبيق النبوي والراشدي‪،‬وحقائق علوم النسان‬
‫والطبيعة‪ .‬أي أن السلفية قطب له بوصلة تشير إلى نجمته‪ .‬وكل سلفية فإنما هي‬
‫كوكب سيار في هذا المدار‬
‫هذا هيو مفهوم السيلفية الذي أرسياه الئمية كمالك وأبيي حنيفية والشافعيي‬
‫وأحمد‪.‬‬
‫وكيل السيلفيات يحدوهيا المصيباح والمشكاة‪،‬إلى إنتاج صييغ فكريية وبراميج‬
‫اجتماعيية وسيياسية‪ ،‬تحتذي بهيا سيلفية المصيباح والمشكاة‪ ،‬سيواء قاربنهيا أم‬
‫قصرن‪.‬‬

‫ب‪ -‬سؤال الثقافة الجنبية استدعى شعار السلفية‬


‫نحن اليوم بعد مرور أكثر من ألف عام أقدر من السابقين‪ ،‬على تأمل مسرح‬
‫خلفات الفرق العباسيية‪ ،‬بسيبب بعيد الزمان‪ ،‬واختلف المناخ‪ ،‬وتغيير التحديات‬
‫والمعطيات‪،‬ولعلنيا أقيل عاطفيية وأكثير موضوعيية‪ ،‬وأقدر على النظير إلييه بعيين‬
‫الن صاف‪ ،‬لن نا نملك ك ما من المعلومات‪ ،‬ون ستطيع أن نقيم أ ثر هذه القضا يا‪ ،‬على‬
‫الحركة الجتماعية اليوم‪.‬وهذه العوامل تدفعنا إلى الحيدة في الرؤية‪،‬‬
‫أسيلفنا العباسييون كانوا يعيشون زمين تماس حضاري عنييف‪ ،‬اختلط فييه‬
‫الجنس العربي‪ ،‬بالجناس الفارسية والرومية والسريانية والقبطية والهندية‪ ،‬وأسلم‬
‫من أ سلم بخلفي ته الثقاف ية وهوي ته القوم ية‪ ،‬واختل طت ف يه عوا مل إقليم ية‪ .‬و سرى‬
‫الدين البسيط الواضح‪ ،‬إلى نفوس أمم شتى‪ ،‬اعتادت على تقاليد فكرية واجتماعية‬
‫را سخة‪ ،‬ف صعب علي ها أن تف هم الد ين فه ما نق يا‪ ،‬ك ما فه مه ال صحابة ال سابقون‪،‬‬
‫ففهمت الدين من خلل معتقداتها الوثنية والسطورية‪.‬‬
‫وكا نت الثقا فة اليونان ية‪ ،‬حاضرة من خلل و ساطة الثقا فة ال سريانية‪ ،‬وكان‬
‫يابئة‬
‫ين الصي‬
‫يل مي‬
‫ير قليي‬
‫يد‪ ،‬وكان هناك عدد غيي‬
‫للعرب ولوع بالتعرف على الجديي‬
‫والمجوس والوثنييين‪ ،‬وكانيت بغداد والبصيرة ملتقيى عالمييا‪ ،‬يفرز شتيى الفكار‬
‫والراء‪ ،‬وكان المعتزلة أول إفراز إسلمي لهذه الثقافات‪.‬‬
‫كان لبيد لهذا التماس مين أن يفرز إفرازاتيه‪ ،‬وأول تلك الفرازات‪-‬الخفيية‬
‫الرتباط به‪ -‬سقوط الخل فة الراشدة‪ ،‬ثم ظهور الفكار المتأثرة بالثقافات الفار سية‬
‫وال سريانية والن صرانية واليونان ية‪ ،‬فالجد يد الوا فد فر ضه التماس الحضاري‪،‬فأعلن‬
‫عين نفسيه‪ .‬وكميا فرضيت الثقافية العلمانيية نفسيها علينيا اليوم‪ ،‬فرضيت بالميس‬
‫الثقافة الجنبية نفسها على المثقفين‪ ،‬الذين احتكوا بالجديد أكثر من غيرهم‪.‬‬
‫وعندما نتصور أن طه حسين مثل هو الذي فعل كذا وكذا‪ ،‬ونكاد نفصله عن‬
‫منا خه؛ نخ طئ خ طأ كبيرا في ميزان علم الجتماع المعر في‪ ،‬ل نه تماما كالج عد بن‬
‫در هم وج هم بن صفوان وغيلن الدمش قي‪ ،‬نتاج ال تبرم بوا قع سائد‪،‬اجتما عي أو‬
‫ثقافي أو سياسي‪ ،‬أو ردود فعل على تيارات أخرى‪ ،‬فقد كانت القدرية رد فعل على‬
‫جبرية بني أمية‪ ،‬أو منبهرين بوافد جديد‪.‬‬
‫والذين يحتكون بالجديد أول مرة‪ ،‬يقفون أمامه مندهشين معجبين‪ ،‬فيأخذون‬
‫ف يه بإفراط‪ ،‬وهم في التجديد مغالون مندفعون‪ ،‬ولكنهم لي سوا من دون ح سنات و‬
‫ل من دون نيات حسنة‪.‬‬
‫و هم –على كل حال‪-‬مرحلة طبيع ية‪ ،‬من وج هة ن ظر علم الجتماع المعر في‪،‬‬
‫وعلم الحضارة المقارن‪ ،‬لبيد للفكير والمجتميع أن يمير بهيا‪ ،‬وتقيييم أدوارهيم ل‬
‫ين صفهم إذا ن ظر إلي هم ب صفتهم أفرادا خطائ ين‪ ،‬بل إذا ن ظر إلي هم ب صفتهم نماذج‬
‫اجتماعيية‪ ،‬حاولت التعرف على الجدييد‪ .‬وأنهيم بأخطائهيم كانوا ضحاييا‪ ،‬ولكنهيم‬
‫بصوابهم كانوا روادا‪ ،‬وأخطاؤهم كانت جسرا عبر عليه الخرون‪ ،‬لم يكن منها بد‬
‫فيي مسيير التطور الجتماعيي والثقافيي‪ ،‬فلول سيؤالهم لميا انبثيق الجواب‪ ،‬ولول‬
‫أخطاؤهم لما نبع الصواب‪ ،‬ومن أجل ذلك جاء الحديث الشريف مقررا للمخطئ أجرا‬
‫وللمصيب أجرين‪.‬‬
‫وإذا نظرنا إلى المندفعين في الجديد؛بصفتهم نماذج ثقافية واجتماعية‪ ،‬أدركنا‬
‫أنهيم مرحلة طبيعيية‪ ،‬لبيد أن يفرزهيا الحتكاك الثقافيي والجتماعيي‪ ،‬أي مرحلة‬
‫ضرور ية في ف كر ال مة‪ ،‬وأدرك نا أن مهمت هم الولى هي ا ستيعاب الجد يد وتمثله‪،‬‬
‫وهذا هيو دورالكندي والفارابيي وابين سيينا أيضيا ونحوهيم‪ ،‬إنهيم مرحلة اسيتيعاب‬
‫الجديد‪.‬‬
‫ج‪ -‬أثر الزمان في تراكم البناء المعرفي‪:‬‬
‫المذاهيب والحركات ؛ يصيعب تقسييمها إلى أسيود كالح‪ ،‬وأبييض ناصيع‪ ،‬ول‬
‫سييما إذا كانيت طويلة العمار‪ ،‬ميا مين صيياغة إسيلمية انتشرت بيين الناس‪ ،‬إل‬
‫وفيها جوانب من الحيوية الدينية‪ ،‬و ما من مذهب إصلح فكري أو اجتماعي‪ ،‬بعد‬
‫كتاب ال وسينة نيبيه المعصيوم بالوحيي‪ ،‬إل وفييه خطيأ و صيواب‪ ،‬فالحيق المطلق‬
‫صريح الكتاب و صريح السنة الصحيحة‪ ،‬والحق النسبي هو ما جاوب على سؤال‬
‫مثار‪ ،‬أو عالج داء بيئة مريضة‪.‬‬
‫فليس كل ما قاله المعتزلة من البدعة‪،‬ول كل ما قاله المنتسبون إلى السلفية‬
‫في الع صر العبا سي من ال سنة‪ ،‬فلهؤلء وهؤلء أفكار ه نا وهناك هي من ال سنة‪،‬‬
‫وهذه الفكار حاول لم شتاتهيا الشعري‪ ،‬الذي حاول أن يقيف موقفيا وسيطا‪ ،‬بيين‬
‫المحافظ ين الذ ين توقفوا‪ ،‬والمجدد ين الذ ين اندفعوا أو ا ستعجلوا وانبهروا‪ ،‬وحاول‬
‫أن ينزع من المحافظين بعض بطئهم وتوجسهم‪.‬‬
‫ثم جاء الغزالي‪ ،‬الذي كان أعمق منه‪ ،‬لن قدر على تفكيك خطاب التجديد من‬
‫الداخل‪ ،‬فرفض منه وقبل‪ ،‬ولكن الروح الشعرية الساكنة‪ ،‬حرمته من نفحة المجالد‬
‫المجا هر وهاتان الخطوتان مهد تا المجال ل بن تيم ية‪ ،‬ل كي يف كك الفل سفة اليونان ية‬
‫ومنطقها‪ ،‬بصورة أفضل‪ ،‬ولكي يعيد للفكر واقعيته‪ ،‬وروحه العملية‪.‬‬
‫ول ينب غي أن نن سى أ ثر ترا كم البناء الفكري‪ ،‬في تحو ير وتهذ يب الفكار‪،‬إذ‬
‫نجد من نماذجه أن آراء ابن تيمية أكثر دقة وعمقا من آراء من سابقيه الحنابلة‪،‬‬
‫ل نه ا ستوعب ما قبله‪ ،‬وأن آراء الغزالي أف ضل من آراء الشعري‪ ،‬ل نه ا ستوعب‬
‫أيضا ما قبله‪ ،‬فبني عليه‪ ،‬وأن آراء الشاطبي في مقاصد الشريعة‪ ،‬أعمق من آراء‬
‫ابن تيمية‪ ،‬لنه استوعب أيضا ما قبله‪ ،‬فبني عليه‪ ،‬واللحقون أفضل من السابق‪،‬‬
‫في بناء الفكار‪ ،‬لنهم يصعدون فوق كتفيه‪ ،‬فيرون من الفق ما لم يره السابق‪.‬‬
‫‪=42‬جـــــــو الضطراب والضباب يخـــــــل بالولويات‬
‫والساسيات‬
‫أ‪-‬فكـر الشيخوخـة بدأ مبكرا فـي فـي تصـور العقيدة‬
‫والمفاهيم‬
‫لم يلحيظ المحافظون اليوم فيي عهيد المبرياليية الغربيية؛ على الصيياغة‬
‫العبا سية للعقيدة والترب ية وال سياسة والثقا فة‪ ،‬أن الز مة كام نة في الف كر الدي ني‬
‫ال سلفي العبا سي نف سه‪ ,‬الذي انحرف عن النموذج الم ثل‪ ،‬الذي ج سد ت طبيقه ع هد‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم والراشدين‪.‬‬
‫منيذ يدايية العصير الموي تراكميت رمال الختلل وتنوعيت واتسيعت‪ ،‬مخلة‬
‫بوحدة الشريعية وحيويتهيا‪ ،‬مهمشية الشطير المدنيي منهيا‪ .‬ذلك التراكيم منيذ زمين‬
‫بعييد‪,‬اسيتقر فيي مطلع العهيد العباسيي‪ ،‬عهيد إنشاء النظريات وجميع الحدييث‬
‫والتدو ين‪،‬عند ما صيغ الف كر ال سلمي في جو الق مع والجور‪ ،‬الذي أن تج الختلل‬
‫والختلف‪.‬‬
‫واستقرت هذه الصياغة المختلة واستمرت‪ ،‬ولكن لم يظهر أثرها في القديم‪,‬‬
‫ولسييما فيي العهيد الموي‪ ,‬وصيدر العهيد العباسيي‪ ,‬لن الثقافية القرآنيية أشعلت‬
‫المولد‪ ،‬بفكير صيعود ونهوض فدارت آلت المولد مين قوة ذلك الشحين النبوي‬
‫الراشدي قرونا عديدة‪ ،‬فالعصر الذهبي العباسي إنما هو ثمرة ذلك الشعال‪ ،‬وليس‬
‫هو المشعِل‪.‬‬
‫وف كر الشيخو خة بدأ مبكرا ق بل أن تش يخ الحضارة‪ ،‬ر غم كتابات أفراد أفذاذ‬
‫حاولو أن يغردوا خارج السيرب كالشافعيي ومحميد بين الحسين‪ ،‬ولكين لم تمكنهيم‬
‫خلفيت هم المعرف ية في علوم ال سياسة‪ ،‬من بناء ف كر سياسي مت سق‪ ،‬ومل مح الخلل‬
‫واض حة في ترك يز الف كر الدي ني على ش طر العقيدة الرو حي‪ ،‬وغفل ته عن الش طر‬
‫المدني‪.‬‬
‫فغفيل العلماء عين الفكير السيياسي العملي‪ ،‬الذي هيو شريان حياة المية‬
‫والملة‪ ،‬أفرادا ومجتمعيا ودولة‪ .‬فاسيتمرت الدولة فيي القمية‪ ،‬ثيم بان الخلل واتسيع‬
‫فشاخ الشطر المدني فضعفت الدولة‪ ،‬عندها ضعفت الملة‪ ،‬وصدق الرسول الكريم‪،‬‬
‫الذي أشار إلى أن إهمال الح كم الشوري الذي هو عمود ال شق المد ني من الد ين؛‬
‫يفضيي حتميا إلى انهيار عمود الشيق الروحيي مين الديين‪ :‬الصيلة ‪ ،‬فقال‪":‬أول ميا‬
‫تفقدون من دينكم الحكم وآخر ما تفقدون منه الصلة"‪.‬‬
‫والر سول صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬إن ما يق صد بالح كم‪ ،‬المفهوم الشوري‪،‬الذي‬
‫ليضمن إل بطوق بآليات النظام الدستوري‪ ،‬وهذا سر زوال الندلس وسقوط بغداد‪.‬‬
‫ولم تكين أمام المسيلمين –فيي العصيور العباسيية والمملوكيية‪-‬حضارات‬
‫تتحداهيم‪ ,‬فكانوا سيادة العالم‪ ,‬طيلة العصيور‪ ,‬حتيى قبييل سيقوط الدولة العثمانيية‪،‬‬
‫ولكن هم ظلوا ب عد ع هد الراشد ين؛ يبتعدون شيئا فشيئا عن نموذج خ ير أ مة أخر جت‬
‫للناس‪ ,‬حتيى نهايية القرون الثلثية المفضلة(العصير الذهيبي)‪ ,‬عندميا أكملت الدولة‬
‫ابتلع التجمعات الهليية عموميا والمدنيية منهيا خصيوصا‪ ،‬وتلشيى التواصيي‬
‫بالمعروفات والتناهي عن المنكرات السياسية‪ ،‬ولم يدركوا فظاعة تهميش الحتساب‬
‫السياسي ‪.‬‬
‫وقيد أدت هذه إلى ميا عاناه المسيلمون‪ ،‬مين ضعيف قييم المجتميع المدنيي‪،‬‬
‫كالحرية والتعددية والتسامح والمواطنة‪ ،‬والتجمعات الهلية ول سيما المدنية‪ ،‬هذا‬
‫ميا أعجزهيم عين بناء الدولة الشوريية العادلة‪ ،‬فكثرت الخلفات والشقاق‪ ,‬وقيل‬
‫التعاون والتلحم‪ ,‬وعم الركود والخمول‪ ,‬فآل بهم ذلك إلى السقوط الحضاري‪.‬‬
‫ول كن الز مة ازدادت حدة‪ ,‬عند ما جاءت الحضارة الغرب ية‪ ,‬بجبروت ها العل مي‬
‫والتقني‪,‬وهو أشد أثرا من العسكري‪ ,‬فأصابت الفكر الديني السلمي بصدمة ثقافية‬
‫كبرى‪ ،‬ك ما أ صابت بمضاعفات ها العمل ية‪ ،‬كل المجتمعات ال سلمية عا مة والعرب ية‬
‫خاصة‪ ،‬عسكريا واقتصاديا وتربويا‪.‬‬
‫الزمة التي هزمت المسلمين أمام الستعمار اليوم‪ ,‬هي التي هزمتها بلمس‬
‫أمام العدوان التتري والصليبي؛ ليست إخلل بالجانب الروحي من العقيدة‪ ،‬ول أزمة‬
‫أخلق أسيرية‪ ،‬فقيد ظيل المسيلمون فيي الجملة‪ ,‬مسيتقيمي العقيدة‪ ,‬وظيل النظام‬
‫الخلق الجتماعي متينا‪ ,‬وظلت السرة بعيدة عن التفكك‪ ،‬ولكن تنامي الفساد في‬
‫نظام الدارة الياسية‪ ،‬هو الذي خرب سد مأرب‪.‬‬
‫و لكين الزمية هيي الخلل بشيق السيلم المدنيي‪ ،‬وأكيبر مظاهرهيا التخلف‬
‫السيياسي‪ ،‬إنيه مرض الدماغ‪ ،‬الذي أفضيت مضاعفاتيه إلى سيائر ألوان الفسياد‬
‫والقتصادي‪ ,‬والعمراني والعلمي التقني‪.‬‬
‫وكان لبيد للمية التيي اسيتوعبت انتصيرت بالميس على الغزو التتري‬
‫والصليبي; أن تنهزم اليوم أمام الستعمار‪ ,‬لنها خاضت المعركة مع الغرب‪ ،‬بأنظمة‬
‫سيياسية ظالمية قامعية‪ ،‬بدويية كسيروية ‪ ،‬أنتجيت أنظمية إداريية متآكلة‪ ,‬وأنظمية‬
‫اقتصادية هرمة‪ ,‬فانطوت على تخلف عمراني وتقني فظيع‪.‬‬
‫فالزمية إذن أزمية فيي النموذج التربوي‪ ،‬وسيبيل إصيلحه ل يكون إل عيبر‬
‫العودة المباشرة إلى م صباح الكتاب وال سنة‪ ،‬وزجا جة الت طبيقه النبوي والراشدي‪،‬‬
‫يل‬
‫يع المتكتي‬
‫يعي إلى بناء المجتمي‬
‫ية‪ ،‬والسي‬
‫ومشكاة حقائق علوم الجتماع والطبيعي‬
‫المتعاون الفاضل‪ ،‬لوصل ما انقطع بين السمو الروحي والمدني‪.‬‬
‫ج‪ -‬لكي ل نكرس ثنائية الصراع العباسي‪:‬‬
‫و ينبغيي لدعاة الصيلح اليوم ‪ ،‬أن يكتشفوا أن قييم المجتميع المدنيي هيي‬
‫ال ساسيات‪ ،‬بدلً من التنا حر على الثانويات‪ ،‬ل كي ل تغ يب عن هم الم سألة ال ساسية‬
‫التيي غابيت عين تيارات التأصييل والتحدييث‪ ,‬فيي العصير العباسيي‪ ,‬عندميا اسيتمر‬
‫الصراع بين دعاة العقل والثقافة الجنبية‪ ,‬الذين (استنونوا‪/‬قلدوا اليونان) وبهرتهم‬
‫الثقافة اليونانية‪ ,‬فلم يستطيعوا أسلمة الفكر الوافدالجنبي عامة واليوناني خاصة‪,‬‬
‫يل حاولوا (يوننة) الشريعة‪ ,‬واعتبروا العقل اليوناني‪ ,‬معيارا نموذجيا‪ ,‬والذين ظنوا‬
‫ال صالة وال سنة في الن قل من دون ت صحيح المفاه يم‪ ،‬وبناء ف قه سياسي ومجت مع‬
‫مد ني وابتكار النظريات‪ ,‬والنتقال ب عد ت صحيح الروا ية‪ ,‬إلى فن البتكار والدرا ية‪,‬‬
‫وكا نت نتي جة صراع الثقافت ين أن "درء تعارض الع قل والن قل" الذي ع ني به أمثال‬
‫الغزالي وا بن تيم ية‪ ,‬تأ خر بض عة قرون‪ ,‬ح ين شا خت الحضارة‪,‬إذ لم ي بق في ق يم‬
‫المية عقيل ول نقيل‪ ,‬فسيقطت ذلك السيقوط الشنييع‪ ,‬رغيم أنيه لييس أمامهيا تحيد‬
‫حضاري ماثل‪.‬‬
‫و في التار يخ عبر ودروس‪ ,‬للحا ضر والم ستقبل‪ ,‬وإن لم ي ستوعب المعنيون‬
‫بالتعلييم الدينيي مين المحافظيين اليوم على الصيياغة العباسيية للعقيدة والتربيية‬
‫والسياسة والثقافة تلك الدروس‪ ,‬فإننا مرشحون لمزيد من الستخذاء والهوان‪ ,‬لن‬
‫الغفلة عن ض عف ارتباط المدن ية بالروح ية في العقيدة ال سلمية‪ ,‬يطأ طئ هامات نا‬
‫للستلب والستحواذ رويدا رويدا‪ ,‬في حركات إرادية وغير إرادية‪ ,‬تزداد استمتاعا‬
‫بالرق الحضاري‪ ،‬فنزرع فكر الخمول والتخلف في المة‪ ,‬أو فكر التغريب والفرنجة‬
‫المجتلب‪.‬‬
‫د‪-‬مـن ترك إقامـة العدل رعايـة لقامـة الصـلة فقـد‬
‫آثر هوى كسرى وقيصر على هدى محمد ‪:‬‬
‫لقد ذلت المة وخضعت‪ ،‬وكان أهم أسباب خضوعها أمران‪:‬‬
‫أولهميا الطابيع البدوي الصيحراوي‪ ،‬الذي لم يكتسيب عقل مدنييا‪ ،‬يبنيي فييه‬
‫أعرافا تجمع مدني راسخة‪ ،‬تمنع من الستبداد‪ ،‬وتسعى إلى أسباب العلو والقوة‪.‬‬
‫ثانيهما‪:‬الفكر الديني المحرف‪ ،‬الذي طوعه الحجاج‪ ،‬حتى أقنع الفقهاء الناس‬
‫بأن ويصيبروا على جور الحاكيم الباغيي‪ ،‬وأن يكتفوا منيه بالصيلة‪ ،‬وأن يجاهدوا‬
‫مع‪-‬وهو أولى بالجهاد من غيره‪ -‬في حروب أكثرها عدوان لم يشرع في القرآن‪،‬‬
‫ول طبقه محمد صلى ال عليه وسلم‪،‬فالحرب في السلم دفاعية وليست هجومية‪،‬‬
‫أخل بالولويات‪ ،‬بل وقبل ذلك أضاع فقه التوازن وبعض الشريعة‪.‬‬
‫كم مكسب للمة لو أن المثقف الديني بذل من الجهد فكرا وعمل‪ ،‬في شروط‬
‫عمود ف سطاط الثا ني‪ :‬العدل وفرائض ال سمو المد ني‪ ،‬قدر مابذل في نوا فل فرائض‬
‫السمو الروحي‪ ،‬بل لو بذل في فرائض الرقي المدني مثل ما بذل في الرقي الروحي‬
‫كقيام اللييل والوتير والرواتيب والسيواك وآداب الكيل وصييام عاشورا وعشير ذي‬
‫الحجة والست من شوال ونوافل الحج والعمرة؟‪.‬‬
‫كم مك سب لل مة لو أن المث قف الدي ني‪ ،‬بذل في شروط إقا مة ال مة‪ ،‬كالعدالة‬
‫وضابط ها الشوري الجتماع ية‪ ،‬مقدار ما بذل لل مر بإعفاء الل حى وتق صير الثياب‬
‫وقص الظافر‪.‬‬
‫كيم مكسيب للمية لو أن المثقيف المتذهيب بذل فيي عالم الشهادة القطعيي‬
‫ال ساسي‪ ،‬قدر ما بذل من اجتهادات ظن ية وثانو ية في عالم الغ يب‪ ،‬جعل ها م سطرة‬
‫لصحة العقيدة‪ ،‬وكفر على أساسها الناس‪ ،‬وشغل بها المجالس والمساجد‪.‬‬
‫يا لم يدرك الفقهاء أن نظام‬
‫يا لم يدرك الناس‪ ،‬ومي‬
‫يع هذه المنيات‪ ،‬مي‬
‫لن تقي‬
‫العقيدة نظام شامل متكامل‪ ،‬و ما لم يدرك الناس‪ ،‬ولسيما المثقف الديني المتذهب‬
‫أن ال سلفية أ صل و صور وأن صورتها النموذج ية هي الراشد ية‪ ،‬وأن ال صل هو‬
‫المصيباح فيي زجاجية التطيبيق النبوي والراشدي ومشكاة حقائق علوم النسيان‬
‫والطبيعة‪.‬‬
‫وما لم يدرك أهل العلم عامة والفقهاء خاصة حجم المشكلة الحضارية أيضا;‬
‫لكي يبتكروا وسائل الدفاع المتطورة‪ ,‬وسيزداد الناس ‪-‬إذن‪ -‬تأخرا وانكماشا‪ ,‬عبر‬
‫فقه الحجام والوقوف عند الباب‪ ،‬وإن أعلن الفقهاء والعلماء أنهم ‪ ،‬أنهم يمسكون‬
‫بالكتاب والسنة‪ ،‬فالمشكلة في التفصيلت‪ ،‬والعمال أصدق من القوال‪:‬‬
‫والنتائج هيي ميا فيي البيدر مين محصيول‪ ،‬ل ميا ادعيى الفلح مين الصيدق‬
‫والمعرفة والخبرة‪.‬‬
‫وكل يدعي وصل لليلى وليلى هل تقر لهم بذاكا؟‬
‫وليلى لن تسمح بوصلها إل لمن يدفع مهرها‪ ،‬ويذود عن عرضها المستباح‪.‬‬

‫‪ =43‬ونحن أمام مثلث برمودا‪ :‬ترد حضاري‬


‫و تحــد أوربــي وأمريكــي إمــبريالي وثالثــة الثافــي‬
‫استبداد سياسي‬
‫أ‪ -‬إمــــا تفعيــــل خطاب شروط إســــلم الدولة ‪ ،‬أو‬
‫استمرار الستسلم لقيصر‪:‬‬
‫ونحن اليوم في عهد المبريالية الغربية نواجه أعنف تحد وأعظمه وأخطره‪،‬‬
‫بحاجية إلى مواصيلة بناء صيورة سيلفية حضاريية‪ ،‬بدأهيا رموز نهضية السيلم‬
‫الحديثية‪ ،‬التيي أشعيل منارهيا بالمناداة بالصيلح السيياسي‪:‬جمال الديين الفغانيي‬
‫والكوا كبي وخ ير الد ين التون سي‪ ،‬وتبلورت ب عض مفردات ها في التجاه الخوا ني‪،‬‬
‫لن بذور هذا الفكير يمكين أن تنتيج ميا يقاوم العلمنية ويقاوي الحداثية الغربيية‬
‫ويطاول العولمة‪.‬‬
‫ل بد من تعميق وتوسيع خطاب السلفية المدنية والحضارية‪ ،‬بعد أن أخفقت‬
‫جم يع ال سلفيات المحاف ظة على ال صياغة العبا سية في مطاولة العلم نة والفرن جة‪،‬‬
‫وأصدرت حروب الخليج شهادة وفاتها‪ .‬لنها لم تستطع الخلص من حبلها السُُري‬
‫الذي أح كم ارتباطها بتلك الفرق العبا سية‪ ،‬و من أ جل ذلك لن ت ستطيع الجا بة عن‬
‫أسئلة العلمنة والهيمنة الجنبية و العولمة‪ ،‬التي تهب بها علينا الرياح الطلسية‪.‬‬
‫ول سبيل إلى إنشاء ف كر وف عل يطاول الهيم نة والعول مة والفرن جة والعلم نة‬
‫ويقاويهيا ويقاومهيا اليوم؛ إل بالعودة إلىالصيول لسيتعادة التوازن المفقود بيين‬
‫شطري العقيدة‪ :‬الروحي والمدني‪ ,‬وبذلك يمكن النظر إلى الشريعة بصفتها (نظاما)‬
‫مترابيط الحكام ويمكين ضبيط فقيه مصيباح القرآن والسينة‪ ،‬فيي زجاجية التطيبيق‬
‫النبوي والراشدي‪ ،‬ومشكاة حقائق علوم النسان والطبيعة‪.‬‬
‫من أ جل بناء تأ سيس معر في يبدأ صورة وإض حة ل ي(نظام) أ صول الد ين‪,‬‬
‫لن أصول الفقه القديم‪ ,‬لم يبن على إدراك كاف لعلقة شطر السمو المدني بالدين‪.‬‬
‫ينبغي البدء بهذا قبل العمل على خطاب تربوي‪ ،‬أو ترويج خطاب وعظ جماهيري‪.‬‬
‫فيي الصيياغة العباسيية للعقيدة خاصية و للثقافية السيلمية؛ خرجيت القييم‬
‫المدنية وهي شطر الدين‪ ،‬من بؤرة العقيدة إلى هامشها ‪ ،‬وإذا لم تعد القيم المدنية‬
‫إلى أصول العقيدة‪ ،‬فلن يكون السلم مشروعا للتقدم في الدنيا والخرة معا‪ ،‬للناس‬
‫جميعيا أفرادا وجماعات ومجتمعات ودو ًل ولن نكون أمام السيلم الذي تنزل على‬
‫مح مد صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬بل سنكون أمام ال صياغة العبا سية للعقيدة والثقا فة‬
‫السلمية‪.‬‬
‫ولن يكون ذلك ما لم يدرك أن إقامة مبادئ أمة التمكين العشرة المعتبرة بين‬
‫المم المتحضرة منذ القدم هي شطر هذا الدين‪ :،‬ولسيما العدل والحرية والتعددية‬
‫والتسامح ‪ ،‬والمساواة والكرامة والمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬والحتساب‬
‫على السيلطة والتعاون على البر والتقوى مين خلل تجمعات المدنيية ول سييما‬
‫الهلية‪.‬‬
‫وينب غي أن يدرك المحافظ ين اليوم في ع هد المبريال ية الغرب ية متا نة العل قة‬
‫بين شروط إقامة المة بقاءا وارتقاءا‪ ،‬بشروط إقامة الصلة‪ ،‬وأن الشقين معا هما‬
‫العبادة‪ ،‬وأنه على هذا التوازن‪ ،‬تقوم في السلم معادلة الحضارة‪.‬‬
‫أجل لن يدرك التشري عة إل من كان عارفا بأن السلم شطران‪ :‬سمو روحي‬
‫و سمو مد ني‪ ،‬وأن ال سمو المد ني هو أ ساس التمك ين‪ ،‬ل كي يبدع الناس في المور‬
‫الجوهر ية‪ ,‬في ال سياسة والقت صاد‪ ,‬و في الن فس والترب ية والجتماع‪ ,‬و في ش تى‬
‫متطلبات الحياة البشرية‪.‬‬
‫هذه الخلفية المعرفية والمنهجية ضرورية‪ ,‬لكل من أراد أن يفسر القرآن أو‬
‫الحدييث‪ ,‬أو يسيتنبط أحكاما أو أفكارا‪ ,‬فيي مجال الجتماع والسيياسة أو العمران‬
‫والتقنيية‪ .‬أو الفقيه الصيغر فقيه الفروع الولويات‪ .‬بله أن يكتيب فيي الفقيه الكيبر‬
‫(العقيدة) أصول الدين‪.‬‬
‫مــن ســلفيات الصــحوة إلى ســلفيات الغفوة فــي‬
‫أحضان المبريالية‪:‬‬
‫إذن ال سلفية لي ست مادة صلصالية يكفي ها المقلدون ك ما يشاءون‪ ،‬ال سلفية‬
‫جهاد وإصلح سياسي واقتصادي وحقوقي وتربوي وقضائي وإداري وتعليمي‪ .‬ول‬
‫يمكين لي عالم ول طالب علم أن ينكير أن إنكار المنكير السيياسي جهاد‪ .‬وأن هذه‬
‫مسيألة قطعيية‪.‬ل يمكين لي عالم ول طالب علم أن ينكير أن وجوب تغييير المنكير‬
‫باللسان مسألة قطعية انعقد عليها الجماع‪ ،‬والخلف إنما هو في جواز إنكاره باليد؛‬
‫عند عدم زواله بالكلم أو عند منع الكلم‪.‬‬
‫من أجل ذلك نقول إن السلفية أصل وصور متعددة فالصل هو المصباح في‬
‫زجاجيية التطييبيق النبوي والراشدي ومشكاة حقائق علوم النسييان والطبيعيية‪،‬‬
‫والصورة المقياس هي سلفية الراشدين‪ ،‬وهي الساس‪ ،‬والبواقي ما الصور يمكن‬
‫القتباس منهيا‪ ،‬والسيتئناس بمعالجاتهاأ ولكين ل يصيح النحباس بهيا‪،‬مين الصيور‬
‫ال سلفية صور باه تة و صور مضيئة‪ ،‬و صور غفوة صوفية و صور صحوة جهاد ية‬
‫سلمية أو عسكرية‪ ،‬وهي على العموم نوعان‪:‬‬
‫‪ -‬سلفيات الغفوة‪ ،‬و هي ديدن كل مشغول بالقضا يا الغيب ية الجتهاد ية‪ ،‬ال تي‬
‫ليترتب عليها عمل‪ ،‬وكل من يبرر الستبداد والظلم أو يمررهما‪ ،‬أوينشغل بالثانوي‬
‫عن السياسي الساسي‪ ،‬وكل فكر وفعل غير مسيس‪ ،‬فهو إلى الغفوة أقرب‪.‬‬
‫‪ -‬سلفيات ال صحوة‪ ،‬و هي من هج كل من وازن ب ين عمودي ف سطاط ال سلم‪:‬‬
‫العدل والصلة‪ ،‬وما لكل منهما من أروقة وأطناب وأوتاد‪.‬‬
‫وإن ل فكييف يكون النسيان اليوم سيلفيا وهيو لم يكتيب ببنان و لم يتكلم‬
‫بل سان‪ ،‬فضل عن أن يشارك دعاة ال صلح ال سياسي في إ صدار بيان‪ ،‬فضل عن‬
‫يعتصم ويتظاهر في ميدان‪ ،‬وهو يرى المنكرات الكبرى في الدولة العربية القامعة‬
‫داخليا‪ ،‬المنقمعة خارجيا‪ ،‬ول سيما تلك الفواحش العظمى‪:‬‬
‫وأول ها‪ :‬ترك مشاورة أ هل ال حل والع قد‪ ،‬أ هل الرأي والتدب ير في القرارات‬
‫ال كبرى في الدولة‪ .‬أي ال ستبداد بالقرار ال سياسي والقت صادي والتربوي والداري‬
‫الداخلي‪ ،‬فضل عن المعاهدات الدولية‪.‬‬
‫ثانيهيا‪:‬إخلل الحاكيم بحريية الرأي والتعيبير والمير بالمعروف والنهيي عين‬
‫المنكر‪ ،‬والجتماع والتجمع‪ ،‬وأده التعددية الفكرية والجتماعية‪ ،‬وتشريع القمع‪.‬‬
‫ثالثهيا‪ :‬الخلل بمبدأ العدالة‪ ،‬عندميا اسيتبد الحاكيم بالدارة‪ ،‬وقصير مناصيب‬
‫الدولة على أقاربه‪ ،‬ولسيما عندما ولى غير ذوي العدالة والكفاية‪.‬‬
‫رابع ها‪:‬إهدار ثروة ال مة‪ ،‬وتقن ين الظلم بقوان ين جار ية‪ ،‬تز يد الغنياء غ نى‪ ،‬وتز يد‬
‫الفقراء فقرا‪.‬‬
‫وخامسيها الخلل بالنموذج التربوي السيلمي‪ ،‬فأسيهم فيي شيوع الخنيا والفسياد‬
‫والمخدرات وتمزق روابط السرة‪.‬‬
‫وسيادسها‪ :‬التبعيية للقوى المبرياليية العظميى‪،‬والدوران فيي مدارهيا التفرييط بمبدأ‬
‫الستقلل والسيادة‪.‬‬
‫ج‪-‬لكــي ل يكون إحباط الســلف العباســي مقياســا‬
‫سلفيا‪:‬‬
‫ينبغي أن يتذكر المحافظون اليوم في عهد المبريالية الغربية‪ ،‬على الصياغة‬
‫العباسية للعقيدة والتربية والسياسة والثقافة إن السلف الصالح القدوة‪ ،‬هم الصحابة‬
‫السيابقون‪ ،‬الذيين أقاموا الحكيم الشوري الراشيد العادل‪ ،‬ومين بعدهيم الصيحابة‬
‫والفقهاء المويون‪ ،‬الذيين أنكروا المنكرات السيلطانية‪ .‬ومين بعدهيم المخضرمون‬
‫الذين أدركوا الدولتين‪.‬‬
‫أما الفقهاء الذين عاشوا أزمنة استقرار الحكم (الكسروي) البوليسي أو‬
‫الدكتاتوري؛ فقد أصاب أغلبهم اليأس والحباط‪ ،‬وحجب ضباب الرأي العام المقموع‬
‫سواء الصراط‪ ،‬في فقه السياسة الشرعية‪ .‬ولم يكونوا مسيسين ليعوا وعيا عمليا‬
‫المفاهيم الثلثة‪:‬‬
‫‪-‬طبيعة الدولة ووظيفتها‪.‬‬
‫‪-‬دور الفرد‬
‫‪-‬وسائل العلقة بين الفراد الشتات والدولة المنظمة‪.‬‬
‫‪-‬الفرق ب ين مبادئ ال سياسة الشرعيية وو سائل تطبيق ها في العهيد النبوي‬
‫والراشدي‬
‫ف كل من هم معذور و هو إن شاء ال مأجور‪ ،‬ول كن ل يح تج ب هم ح تى يتأ كد‬
‫أنهيم طبقوا القواعيد‪ ،‬وإنميا أقوالهيم شواهيد‪ ،‬يسيتشهد بهيا إن وافقيت النصيوص‬
‫الشرعية الصريحة والتطبيقات النبوية والراشدية‪ .‬ول يعتمد عليها‪.‬‬
‫وإذا لم ينتبيه المحافظون اليوم فيي عهيد المبرياليية الغربيية‪ ،‬على الصيياغة‬
‫العباسية للعقيدة والتربية والسياسة والثقافة‪ ،‬فسيضربون مبادئ السياسة الشرعية‬
‫وو سائلها‪ ،‬بم ثل زلت سهل الت ستري والطحاوي والبربهاري وع بد ال بن أح مد‬
‫وأصيحابه‪ ،‬مين مين يظنهيم بعيض الناس صيورة دقيقية للسيلف العباسيي الصيالح‬
‫المسييس؛ وهيم ليعرف الناس أركان إسيلم الدولة‪ ،‬فضل عين معالم طرييق إقامية‬
‫الحكم الشوري‪.‬‬
‫وباسيم السيلف الصيالح‪ ،‬يأتيي بعيض الناس ليصيادر حقوق النسيان اليوم‬
‫أيضا‪ .‬وبمثل هذه القوال سكت الفقهاء غير المسيسين عن شروط البيعة الشرعية‬
‫على الكتاب والسينة‪ ،‬التيي مقتضاهيا‪ :‬اللتزام بالعدل والشورى‪ .‬وشغلوا المية‬
‫بالثانويات واتخذوا مين فقيه الضرورة وسيد الذرائع‪ ،‬ميا فوت على المية كيبريات‬
‫المصالح والمنافع‪ .‬حتى أوصلونا إلى ما نحن فيه اليوم‪.‬‬
‫إن الفقهاء الذين يخلون بأصول الدين القطعية في المامة الكبرى‪ ،‬كالعدالة‬
‫والشورى والحر ية ال سامية والتعدد ية والحت ساب على ال سلطان‪ ،‬إ ما خادعون أو‬
‫مخدوعون أوغافلون أوقانطون‪.‬‬
‫الصيحابة فيي العهيد الراشدي –وهيم الوا الصيورة النموذجيية القدوة‪-‬بينوا‬
‫بتطبيقهم أن العدالة والشورى من أصول الدين‪ ،‬ومن أجل ذلك حارب علي بن أبى‬
‫طالب‪ ،‬معاوية بن أبي سفيان‪.‬‬
‫واقتدى بهييم الفقهاء المويون الذييين ظهرت على أيامهييم بدع الظلم‬
‫وال ستبداد‪ ،‬ل قد أنكروا هذ ين المنكر ين‪ ،‬وإن كان بعض هم قد ل جأ إلى ال سلح ك ما‬
‫ثورة الح سين بن علي وع بد ال بن الزب ير وأ هل الحرة‪ ،‬والقراء وكذلك ع مر بن‬
‫عبد العزيز‪.‬‬
‫خطب هم كا نت واض حة‪ ،‬في أن العدالة والشورى من أ صول الد ين‪ ،‬والفقهاء‬
‫المخضرمون الذ ين عاشوا في الع صر الموي وأدركوا مطلع العبا سي‪ ،‬كالوزا عي‬
‫ومالك وأبي حنيفة والشافعي‪ .‬كانوا يعبرون بمواقفهم عن أن العدل والشورى من‬
‫أصول الدين‪.‬‬
‫المامان الحمدان ابن حنبل وابن تيمية وتلميذهما كانوا بمواقفهم يقولون‪:‬‬
‫حر ية الرأي في الجتهاد من أ صول الد ين‪ ،‬وال صبر على ال سجن في ها من الجهاد‪،‬‬
‫والقتل في سبيلها إنما هو استشهاد‪.‬‬
‫لم يمار في أن العدل والحرية من أصول الدين أحد من أهل السنة والجماعة‬
‫من بعد الفقهاء المويين عنهم‪ ،‬إل المحبطين والغافلين والذين قالوا كلمات عابرة‪،‬‬
‫في مناسبات خاصة‪.‬‬
‫والخلف بيين أهيل السينة والجماعية فيي العصير الموي لم يكين حول كون‬
‫العدالة والشورى ركن ين‪ ،‬و ل أنه ما من شروط البي عة‪ .‬بل كان حول إنكار المن كر‬
‫باليد والسلح‪ ،‬هل يجوز أم ل يجوز وهم في ذلك مذهبان‪:‬‬
‫مذ هب الكثر ية الذي سلكه أ بو حنيفة ومالك والشاف عي‪ ،‬ومذهب جم يع دعاة‬
‫القسط الذين ثاروا على بني العباس‪ ،‬ومحمد بن عبد الوهاب‪.‬‬
‫ومذهب القلية الذي سلكه المام أحمد بن حنبل‪ .‬كما بين الشيخ عبد ال بن‬
‫محمد بن عبد الوهاب في كتاب (جواب أهل السنة)‪.‬‬

‫‪=44‬ل نجاة للعرب من الستحواذ المبريالي إل‬


‫بخطاب النقاذ السلمي الذي يذكر أن العدل والشورى‬
‫شرطان للبيعة ليصحح خطاب الرهبان الذي هادن‬
‫الطغيان‬
‫أ‪-‬للصـور السـلفية المحافظـة على الصـياغة العباسـية‬
‫فضل ولكن‬
‫المطالع اليوم كثيرا مين العمال الفكريية التيي ينتجهيا المحافظون اليوم فيي‬
‫عهد المبريالية الغربية على الصياغة العباسية للعقيدة والتربية والسياسة والثقافة‪،‬‬
‫ي جد كثرة القلقلة قال‪ :‬المام أح مد قال ا بن تيم ية قال ا بن الق يم‪ ،‬قال الشعري قال‬
‫الغزالي‪ ،‬ويلحظ كثرة المعلومات المجترة‪ ،‬ويرى أكواما من المتون العتيقة‪ ،‬المليئة‬
‫بالحادييث الضعيفية‪ ،‬والفكار الهشية التجريديية الجافية‪ ،‬والعبارات العويصية‪،‬‬
‫والسلوب الركيك‪.‬‬
‫ولم تقدم مدار سهم شيئا مذكورا‪ ،‬في حلول الزمات‪ ،‬ما عدا تكرار ها أ سماء‬
‫الرموز‪ ،‬كابن تيمية وابن القيم والغزالي‪ ،‬ولكن الزمة ازدادت اتساعا‪ .‬لقد انتسبت‬
‫إلى الكتاب والسينة قول‪ ,‬وانتسيبت إلى السيلف العباسيي الصيالح فعل‪ ،‬والسيلف‬
‫العباسي الصالح صالح على المستوى الشخصي‪ ،‬ولكنه عاش في جو ضبابي غير‬
‫صالح‪ ،‬فلم يكتب لنا من الفكار الصوالح‪ ،‬إل بقدر ما سمح له مناخ الحكم الجبري‪،‬‬
‫وما فيه من ضباب كسروي وصحراوي كاسح‪ ،‬ورهباني وتجريدي كسيح‪.‬‬

‫وسيبيل فقيه النهضية السيلمي‪ ،‬هيو التركييز على عودة العدل إلى مركزه‪،‬‬
‫كثا ني عماد ين لف سطاط العقيدة‪ ،‬عودة ش طر العقيدة المع طل إلى مكان ته أول‪ ،‬ل كي‬
‫تصلح قيم المجتمع التي خلختها الصياغة العباسية‪ ،‬للثقا فة السلمية ولكي ندرك‬
‫أن السلم إصلح روحي ومدني معا‪.‬‬
‫ولكيي تنهيض المية وتتقدم‪ ,‬لبيد مين أن تنتيج فكرا عمليا فعالً‪ ,‬لن الفكير‬
‫العملي المدرك لسيباب الخلل وعلجيه‪ ,‬وهيو الذي يأخيذ بييد المية‪ ,‬للخروج مين‬
‫أزمتهيا الحضاريية‪ ,‬فنقطية البدايية فيي عمليية التغييير الجدى‪ ,‬إذن هيي المفاهييم‬
‫والفكار‪.‬‬
‫وإن لم نف عل ذلك ترك نا ال مم الح ية تنهش نا وتأ كل لحم نا‪ ،‬وتر مي أشلء نا‬
‫عضوا عضوا‪ ،‬وقبعنا نتبادع ونتكافر‪ ،‬ونتدابر ونتناحر‪ ،‬وكل يدعي أنه من الفرقة‬
‫الناجية‪ ،‬ولو كنا فرقة ناجية لنجونا من مثلث فرمودا‪ ،‬ولما ابتلعتنا حيتان المحيط‬
‫الطلسي‪.‬‬
‫فالتغريب لم يرتع في بلدنا السلمية ولم يلعب؛ إل لنه وجد مرعى خصيبا‪،‬‬
‫ل حمى دونه ول أسوار‪ ،‬إل عندما علّمنا فقهاؤنا العباسيون الجدد أن نركز الدين‬
‫فيي منظومية الشطير الروحيي‪:‬التيي عمودهيا الصيلة والدعاء‪ ،‬فيي عبادات بقييت‬
‫أشكال ها‪ ،‬ول كن أرواح ها صعدت إلى بارئ ها‪ ،‬لن ها ل تن هى عن فحشاء ال ستبداد‬
‫والظلم والتغر يب والتبع ية والشحاذة‪ ،‬ول تأ مر بمعروف العدل والشورى الجماع ية‬
‫الملزمة والتربية والتنمية والتقنية‬

‫أ‪ -‬فشل في البرامج و المناهج أم في أسس التربية‬


‫ومفاهيمها؟‬
‫يج‬
‫ير والترويي‬
‫يي النشي‬
‫ين فشل في‬
‫يه لم يكي‬
‫يل التربوي الذي نعيشي‬
‫الفشي‬
‫والو عظ‪،‬فالف كر الذي ن شر ت حت لف تة ال سلف ال صالح كث ير‪ ،‬والمدارس والدروس‬
‫الدينية كثيرة وافرة‪ ،‬ولكن ضآلة المحصول رغم كثافة وضخامة الجهد المبذول‪،‬تدل‬
‫على أن الفشيل فيي النظريةالتربويية‪ ،‬وأننيا بحاجية إلى إعادة بناء نظريية التربيية‬
‫السيلمية‪،‬إننيا أمام عجيز فكري فيي التنظيير‪ ،‬ل أمام عجيز تربوي فيي التطيبيق‪،‬‬
‫وعندما نقول السلم هو الحل علينا أن نواجه الفشل الجاثم‪ ،‬من خلل مثل بسيط‪،‬‬
‫كان الر سول صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬يج عل ح فظ القرأن هو أ ساس اختيار عنا صر‬
‫القيادة‪ ،‬لن حفيظ القرآن كان يلهيم سيعة عقيل وكياسية‪ ،‬ومرونية وحسين إدارة‬
‫و سياسة‪ ،‬ك يف كان القرآن في ذلك الع هد ين تج الع قل الم سيس‪ ،‬و صار اليوم ين تج‬
‫العقيل المدروش؟ فهيل مدارسينا ودروسينا الدينيية اليوم قادرة على تخرييج هذا‬
‫النموذج المسيس ؟‪ .‬لماذا لن التفسير المقرر وطريقة تعليم القرآن الكريم السائدة‬
‫هي المشكل‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك يتبين مدى الحاجة إلى التأصيل والتأسيس والتجديد‬
‫لعل نا اليوم أحوج ما نكون إلى الترك يز على تأ سيس خطاب دي ني للنه ضة‪،‬‬
‫قبل الدعوة إليه وترويجه والدعوة إليه‪،‬‬
‫إن سيلفنا( الموي والعباسيي) الصيالح‪-‬رحمنيا ال وإياهيم‪ -‬لم يرسيخ لنيا‬
‫أدبيات دينيية‪ ،‬فيي شطير العقيدة المدنيي‪ ،‬تحتوي الخلق العمليية والتقنيية‪ ،‬القييم‬
‫المدن ية والتقن ية‪ ،‬فتنش يء و سطا اجتماع يا‪ ،‬يدرك أن الق يم المدن ية والتقن ية؛ خيوط‬
‫أساسية في نسيج اليمان‪.‬‬
‫من أجل الوصول إلى هذه الغاية؛ أل ينبغي لنا التنادي للعناية بالقيم المدنية‪،‬‬
‫حفرا ونح تا وتأ صيل وتأ سيسا‪ ،‬وتعمي قا وتروي جا ونشرا ‪ ،‬دون أن نح صر الح فر‬
‫بإطار اجتهادات السابقين‪ ،‬بل ل بد من التأسيس المتجدد‪،‬على مصباح نص الكتاب‬
‫وال سنة‪ ،‬في زجا جة الح قل الح قل النبوي والراشدي‪ ،‬ومشكاة حقائق علوم الن سان‬
‫والطبيعة‪.‬‬
‫نحن اليوم بحاجة إلى بناء فكر اجتماعي ديني أصيل‪ ،‬لن يغنينا كثيرا ما كتب‬
‫ابن جرير أو ابن كثير في تفسيريهما‪ ،‬لنه خطاب ديني غير مسيس‪ ،‬فهو يخلخل‬
‫عقل نا الجتما عي‪ ،‬متتر سا بالد ين‪ ،‬بل لن يكفي نا ماك تب الغزالي ول ا بن تيم ية ول‬
‫الشا طبي بل ول ا بن خلدون‪ ،‬ف كل هؤلء رحم نا ال وإيا هم؛ لم يطلبوا م نا أن ن قف‬
‫على حدود قامات أزمانهم‪.‬‬
‫ب‪-‬تصفية المفاهيم قبل التربية والتعليم‪:‬‬
‫عندما سيطر الهامش على المتن‪ ،‬ثم تحويل مفاهيم صريح التنزيل المنشطة‪،‬‬
‫إلى مفاه يم مثب طة‪ ،‬فض مر الع قل المد ني التق ني‪ ،‬وض مر الع قل الداري ال سياسي‪،‬‬
‫فدمرت الزراعية والصيناعة‪ ،‬والحرف والتجارة‪ ،‬والعدل والعمران‪ ،‬وهلكيت عباد‪،‬‬
‫وهزمت جيوش‪ ،‬واستبيحت بلد‪.‬‬
‫و سقطت ق بل أ مس بغداد ت حت سنابك التتار‪ ،‬و سقطت المقدس ت حت سنابك‬
‫الغزو الصليبي‪ ،‬كما انهزم بالمس السطول العثماني‪ ،‬أمام الفرنج على الرغم من‬
‫أن ال سلطان وزع عل يه ن سخ البخاري‪ ،‬ل كي ي تبركوا ب ها‪ ،‬وانهزم الج يش الم صري‬
‫الذي يحارب الفرنيج فيي شرق أفريقيية‪ ،‬رغيم أن الخديوي جميع علماء الزهير‪،‬‬
‫وأمرهم بقراءة صحيح البخاري; من أجل الدعاء والتوسل‪.‬‬
‫ل كي ينت صر ج يش الذي لم ينت صر لماذا كل هذا؟ إن ال سبب هو سقوط الع قل‬
‫السياسي‪ ،‬وسقوط العقل إحدى الثمرات المرة في حقول القمع والجبر‪:‬‬
‫ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها‪ ،‬إن السفينة ل تجري على اليبس‬
‫و سقطت الخل فة ال سلمية‪ ،‬ت حت سنابك الجيوش الورب ية‪ ،‬ور كل الجنرال‬
‫النجليزي قبر صلح الدين‪ :‬هانحن قد عدنا إلى فلسطين‪ ،‬ثم سلم الغربيون اليهود‬
‫مفاتيح المقدس‪.‬‬
‫أل يمكن أن نستنتج من ذلك أن سقوطنا تربوي‪ ،‬وهذا يذكرنا بأولية تصحيح‬
‫المفاه يم والم صطلحات وت صفيتها‪ ،‬في م صفاة الكتاب وال سنة‪ ،‬على ت طبيق برا مج‬
‫التربية والتعليم‪ ،‬بإزالة التأويل الذي انحرف بها عن صريح التنزيل وتراكم عليها‪،‬‬
‫عبر مسيرة التراث‪.‬في الشروح والتفاسير‪ ،‬والهوامش والحواشي‪.‬‬
‫و هل يم كن الحفاظ على هو ية ال مة‪ ،‬من دون مقاو مة هيم نة المبريال ية‬
‫والعلمنية‪ ،‬فيي عصير التقنيية والعولمية؟‪ .‬وهيل يمكين مقاومية هيمنية العولمية‬
‫والمبرياليية مين دون سيك خطاب نهوض وتقدم؟‪ .‬وهيل يمكين سيك خطاب نهوض‬
‫وتقدم من دون تأسيسه على السلم؟‪.‬‬
‫وهل يمكن التأسيس على السلم إل باكتشاف مفاهيم التقدم التي صرح بها‬
‫التنزيل‪ ،‬وكانت أساس انطلق المسلمين الول؟‪ ،‬وهل يمكن اكتشاف مفاهيم التقدم‬
‫التي صرح بها التنزيل‪ ،‬إل بعد تخليص ثقافة الكتاب والسنة الصافية‪ ،‬من ترهات‬
‫ال صلة خلف المام الجائر وال صلة خل فه‪ ،‬والجهاد م عه!!! تلك الشروح والحوا شي‬
‫والهوامش التي حاصرت ضوء المصباح ‪ ،‬والتفت عليه‪.‬‬
‫بل إن مجال "التصفية قبل التربية" أوسع وأعمق‪،‬في رأي المحدث ناصرالدين‬
‫اللبا ني إ نه أول كثرة الحاد يث الضعي فة والموضو عة‪ ،‬والبدع الناج مة عن ها‪ ،‬إ نه‬
‫إذن بتخل يص ال سنة من الضع يف والموضوع‪ ،‬اللذ ين اع تبرا من صحيح المنقول‬
‫أول‪.‬‬
‫وت صفية شروح التنز يل وال سنة‪ ،‬من تحر يف التأو يل ثان يا‪ ،‬إن طر يق ف قه‬
‫النهضة شائك طويل‪ ،‬يحتاج إلى جهود مضاعفة كبرى‪.‬‬
‫ولكين المير فيي سينن ال الطبيعيية والجتماعيية؛ لييس شدييد الخفاء‪ ،‬لن‬
‫الوضاعيين ليسيتطيعون بميا يضعون مين أحادييث طميس سينن ال فيي الطبيعية‬
‫والجتماع‪ ،‬ونقيد المتين منهيج كرسيه علماء الحدييث القدمون‪ ،‬وبقيي على علماء‬
‫الحد يث الحدا ثى‪ ،‬أن تكون ل هم خلف ية في علوم الجتماع والطبي عة‪ ،‬ق بل أن يدلفوا‬
‫إلى ت صحيح الحد يث‪ ،‬وب قي على من يريدون ت صحيح التف سير والشروح أن يكون‬
‫لهيم مثيل هذه الخلفيية المعرفيية‪ ،‬لكيي ينبذوا عين مصيباح التنزييل والسينة‪ ،‬ذلك‬
‫الضباب الكثيف من التأويل الفاسد والتحريف‪.‬‬
‫وأفضيل وسييلة للجيم التأوييل والتحرييف‪ ،‬هيي وضيع المصيباح فيي زجاجية‬
‫وهاجة ومشكاة مصفاة‬
‫وعلى كل حال فإن أصحاب التأويل الفاسد؛ قد يجدون نصوصا يلوون أعناقها‬
‫بالهوى‪ ،‬ولكن هم لن ي ستطيعوا لي أعناق حقائق علم الجتماع ال سياسي‪ ،‬فضل عن‬
‫سيائر حقائق المعارف الجتماعيية والكونيية‪ ،‬لنهيا صيلبة مين حاول لي أعناقهيا‪،‬‬
‫داسته بأرجلها‪.‬‬
‫ج‪ -‬فكيف تحولت القيم المنشطة إلى مثبطة؟‬
‫عندما طال على الناس المد قست قلوبهم‪ ،‬فصارت القيم الفرسانية المنشطة‬
‫قيما رهبانية مثبطة تخدرهم عن العمل والكسب‪ ،‬ولما كانوا يستشهدون بالقرآن من‬
‫دون م سطرة‪ ،‬انحر فت المفاه يم عن سمتها‪ ،‬ك ما ينحرف خط من يك تب على ورق‬
‫غيير مسيطر‪ ،‬فاسيتشهدوا بالنصيوص الدينيية‪ ،‬على مفاهييم هابطية‪ ،‬فأولوا ولووا‬
‫نصيوص الشريعية عين مقاصيدها‪ ،‬فيي شيق العقيدة المدنيي عموميا والسيياسي‬
‫خصوصا‪.‬‬
‫كشأن هم في مفاه يم أخرى كال صبر والز هد‪ ،‬وتعل يم القرآن الكر يم والف قه‪،‬‬
‫ضيعوا المفاه يم الحيو ية الفعالة‪ ،‬ال تي ق صدها الشارع‪ ،‬عند ما حث على تلك الق يم‪،‬‬
‫فصارت النصوص المحكمة‪ ،‬أدلة على قيم باردة ساكنة‪ ،‬أو مجزوءة مهشمة ‪.‬‬
‫من اختلل الم صطلحات والمفاه يم؛ أن يحول الناس المع نى العادي اللغوي‪،‬‬
‫إلى معنيى خاص شرعيي‪ ،‬كميا عبثوا بمفهوم الجهاد‪ ،‬فتصيوروا أن الجهاد مرتبيط‬
‫ببذل الجهد في أمر مشروع عادي‪ ،‬ومنها أيضا أن يحولوا الخاص الشاذ المستثنى‬
‫من قوا عد ال سنن الكون ية والجتماع ية‪ ،‬إلى قاعدة وا سعة‪ ،‬انحرف الناس بمفهوم‬
‫التوكيل والكرامية والبركية‪ ،‬فضربوا العقيل الذي خاطبيه القرآن‪ ،‬عقيل التجربية‬
‫والبرهنة‪ ،‬والربط بين السباب والمسببات‪ ،‬والربط بين العلم والعمل‪ ،‬وكأن التدين‬
‫تصوفا رهبانيا ودروشة‪.‬‬

‫‪=45‬تحديد المشكلة وبوصلة البحث عن الحل‬


‫أ‪-‬تهميش مبادئ السياسة الشرعية ووسائلها‬
‫ظل السلفيون المحافظون على الصياغة العباسية للعقيدة والتربية‬
‫والسياسة والثقافة ‪ ،‬يرددون ما كتب مدارس الشعري وابن تيمية أو ابن‬
‫عبدالوهاب‪ ،‬ل يزيدون على ذلك‪ ،‬يهمشون ويشرحون‪ ،‬أويلخصون وينظمون تلك‬
‫المسائل‪.‬‬
‫ويعيدون ال صياغة العبا سية للعقيدة والترب ية والثقا فة‪ ،‬فيجترون أفكارا غ ير‬
‫عملية‪ ،‬فقدت ارتباطها بالحاضر‪،‬ويبذلون جهودا كبيرة‪ ،‬ولكن النتائج ضحلة وسلبية‬
‫ووهيم وفقنيا ال وإياهيم ل يتنبهون إلى واقعهيم‪ ،‬وإلى أن السيلفيات خلل‬
‫الع صور المو ية والعبا سية والمملوك ية والعثمان ية الغابرة‪ .‬كل ها حركات مباركات‪،‬‬
‫ولكن ها كوا كب سيارة‪ ،‬تدور حول الق طب‪ ،‬ولي ست هي الق طب ول البو صلة‪ ،‬إن ما‬
‫الق طب هو م صباح الكتاب وال سنة‪ ،‬والبو صلة زجا جة التطي بق النبوي والراشدي‪،‬‬
‫ومشكاة سينن ال فيي النسيان والطبيعية‪ ،‬والكوكيب السييار يدور حول مداره‪ ،‬فيي‬
‫زمنه أو في دياره‪ ،‬فإذا ظل عن الدوران‪ ،‬أو ظل طريقه أو فقد بريقه‪ .،‬فإن القطب‬
‫ما ثل‪ ،‬والبو صلة حاضرة‪ ،‬والمجال يت سع لكوا كب أخرى‪ ،‬وال صل ال سلفي إن ما هو‬
‫الم صباح وال صورة النموذ جة العل يا إن ما هي ال سلفية الراشد ية‪ ،‬و ما عدا ها من‬
‫الصور ليست بمسطرة ل بمقياس‪ ،‬وإن حسن القتباس بها والستئناس‪.‬‬
‫لقد وقعت ردة عن سلفية الصحوة الحضارية والسياسية‪ ،‬الذي نادى بحداثة‬
‫الوسائل الحضارية والسياسية‪.‬‬
‫فهل كان ذلك لنه كان استجابة استثنائية‪ ,‬وردود أفعال آنية‪ ،‬لحوادث كبرى‬
‫كسقوط الخلفة السلمية العثمانية?‪.‬‬
‫فكان فقهاء سلفية ال صحوة ال سياسية ‪ ،‬كالكوا كبي والتون سي يزرعون في‬
‫ح قل صحراوي جد يب‪،‬بخلف الح قل اليرا ني الخ صيب‪ ،‬الذي تر جم ك تب الكوا كبي‬
‫وأمثاله‪ ،‬ولم يستفد من دعوتهم إلى الدستور إل اليرانيون سنة ‪1905‬م‪،?.‬‬
‫ولرسوخ عوائد المية السياسية‪ ،‬في المجتمعات العربية لم يؤثر أمثال‬
‫الكواكبي والتونسي؛ تأثيرا سريعا كبيرا‪.‬‬
‫لن التخلف العربي راسخ الجذور‪ ،‬يعاني من تزاوج المرضين في الجينات‬
‫التربوية‪ :‬ثنائية العوائد البدوية التي لتنتج عقل سياسيا حضاريا‪ ،‬والخطاب الديني‬
‫المحرف الذي انبرى حارسا مقدسا للستبداد والتخلف‪ .‬الذي جسدته تيار الصياغة‬
‫العباسية للعقيدة والتربية والسياسة والثقافة‪.‬‬
‫ول ر يب أن المبريال ية الغرب ية‪ ،‬ال تي خط طت ل فل قوة العرب الذ ين هم مادة‬
‫السيلم‪ ،‬وبؤرة قوتيه‪ ،‬بزرع دولة للصيهاينة‪ ،‬واسيتراج الحكام العرب إلى إضاعية‬
‫نفطهيم فيي مغامرات وخلفات‪ ،‬واسيتدرج السيلفيون المحافظون على الصيياغة‬
‫العباسيية للعقيدة والثقافية‪ ،‬للنضواء فيي هذا المشروع‪ ،‬وهيم ليدركون‪ ،‬وزادتهيم‬
‫صدارتهم في الف كر ال سني غفلة‪ ،‬فتضاع فت غفلت هم عن و سائل حدا ثة ال سياسة‬
‫الشرعيية‪ ،‬وظلوا يشككون فيي الدسيتور‪،‬الذي أرغيم الحرار كمدحيت باشيا الحكام‬
‫المسيتبدين كعبيد الحمييد على إعلنيه (‪1876‬م)‪ ،‬وظلوا يرددون قول سيليمان بين‬
‫سحمان النجدي‪:‬‬
‫ويحكم بالدستور بين ظهوركم‬
‫مهميا يختلف الناس فيي السيباب‪ ,‬فإن النتائج واضحية للعيان‪ ,‬هيي أن فكير‬
‫الف قه الحضاري وال سياسي لم يتغل غل في الثقا فة المجتمع ية‪ .‬ف صارت قوا عد الملة‬
‫ال كبرى؛ وأبجديات الدولة مجا ًل للتشك يك والختلف‪ ،‬والق مع ب سيف الخطاب الدي ني‬
‫المحرف‪ ،‬الذي انبرى حارسا مقدسا للستبداد والتخلف‪.‬‬

‫ب‪-‬اللبراليون ســــــــــــــبقوا للمناداة بآليات العدل‬


‫والعمران‪:‬‬
‫فضيلة اللبرالي ين أن هم ج سدوا ش طر التمد ين من الد ين‪ ،‬ولكن هم لم يؤ سسوا‬
‫التمد ين على العقيدة ال سلمية‪ ،‬ل كي يخل صوا الجماه ير من تخد ير خطاب المنا سك‬
‫الرهبانيي‪ ،‬الذي أعاد إنتاجيه اليوم المحافظيين افيي عهيد المبرياليية الغربيية‪ ،‬على‬
‫الصياغة العباسية للعقيدة والتربية والسياسة والثقافة‪.‬‬
‫وبعضهيم اللبرالييين اتخيذ الفكير الوربيي له مرجعيية‪ ،‬فعرض الخصيوصية‬
‫والهوية للتمزق‪.‬‬
‫لقيد ظنوا أن بناء الثقافية والحضارة‪ ,‬مسيألة ماديية بحتية‪ ,‬كبناء العمارة‪ ,‬ل‬
‫عل قة لها بالتار يخ‪ ,‬فبناء عمارة في الصين أو في أور با‪ ,‬أو في العالم العر بي أو‬
‫السلمي‪ ,‬متماثل المواد‪ ,‬فل غنى لبان عن الحديد والسمنت‪ ,‬والحصباء والعمالة‬
‫المدربية‪ ,‬والمهندس البارع والمال‪ .‬وتصيوروا أن اختلف الماكين إذن‪ ,‬كاختلف‬
‫النيات والدوافيع‪ ,‬ل يمنيع مين اللتقاء على النتائج‪ ,‬وفتيح الطرق الموصيلة إلى‬
‫الستقلل الحضاري‪.‬‬
‫وغاب عنهيم أن الحضارة‪ ,‬ليسيت بناء ماديا فوقييا‪ ,‬بيل هيي مين إفراز القييم‬
‫والعراف‪,‬الثقا فة تج سد عقيدة ال مة وروح ها وعبقريت ها‪ ,‬وأ صالة عبقر ية ال مة‬
‫وروح ها‪ ,‬هي في عقيدت ها ال سلمية‪ .‬ولذلك ين بض ش كل البناء بروح ال مة‪ ،‬و هو‬
‫مادي من أحجار وطين‪ ,‬وهو فني وشكل هندسي‪ , ,‬كما نجد ذلك في نماذج البناء‬
‫القوطي والروماني وغيرهما‪.‬‬
‫أ‪-‬تأخر نضج الفقه السياسي والمدني‬
‫نحن مضطرون اليوم عندما نتحدث من الخلل في (نظام) العقيدة‪ ،‬إلى اقتناص‬
‫الشواهيد مين التراث‪ ,‬لن الناس ل يكادون يقبلون فكرة‪ ,‬مهميا كانيت صيحيحة‬
‫وسليمة وعملية ‪ ,‬إل إذا كان عضدها رأي فقيه قديم معتبر‪ ،‬كالشافعي وابن تيمية‬
‫والشاطبي وهذه حقيقة اجتماعية ل ينبغي القفز فوق‪ ،‬ولكن على كل حال ل بد لمن‬
‫ن قد نشاز الش عر من أن يدلل على النشاز بعلم العروض‪ ،‬ومه ما كا نت حا سة وزن‬
‫الجرس عنده صافية‪ ،‬ل بد ل من ن قد ركا كة الل غة‪ ،‬من أن يعول على ما قال ع بد‬
‫القاهير والسيكاكي والخطييب‪ ،‬فالذائقية الفنيية ل تكفيي‪ ،‬مين دون التدلييل بأصيول‬
‫البلغة‪ ،‬والعتضاد بأقوالهم أحيانا‪.‬‬
‫ل يكفي أن يقول فصيح أن هذه الجملة تنكرها سليقتي اللغوية‪ ،‬بل ل بد من‬
‫أن ي ستدل بقاعدة نحو ية‪ .‬وإن كان ت طبيق القوا عد النحو ية أحيانا مضلل‪ ،‬ف كم ل فظ‬
‫صح إعرابه عند النحاة‪ ،‬ولم يصح عند المتذوقين كما قال الشاعر‪:‬‬
‫ولست بنحوي يلوك لسانه ولكن سليقي أقول فأعرب‬
‫ل كن هذا لو صح في البل غة والبيان‪ ،‬ل ما صح في التف سير وشرح الحد يث‪،‬‬
‫فضل عن العقيدة‪.‬‬
‫فل بد من سلوك هذا السبيل‪ ،‬لبد من البرهان للعتماد‪ ،‬و لبد من الشواهد‬
‫للعتضاد‪ ،‬وكذلك هو شأن الداعين إلى نهوض على أساس السلم ‪ ،‬ل بد لهم من‬
‫ين ل‬
‫ين المتعلمنيي‬
‫يد يعدون مي‬
‫ين‪ ،‬وإن ل فقي‬
‫يتدلل بأقوال الفقهاء والمتقدميي‬
‫السي‬
‫المتدين ين‪ ،‬وعدوا من المخل ين بعقيدة ال سلف العبا سي ال صالح‪ ،‬وعلى أ قل حال قد‬
‫يعدون من أهل خطاب الوعظ الحضاري العقلني‪ ،‬الذين ذمهم أحمد بن حنبل وابن‬
‫تيمية والغزالي‪.‬‬
‫وميا لم يكين لديهيم برهنية على أن السيلفيات العباسيية‪ ،‬أخلت بنظام العقيدة‪،‬‬
‫فسيعدون من الخارجين على النهج السلفي‪ ،‬ومن هنا ينبغي العودة إلى المتقدمين‪،‬‬
‫ولو كانيت الرحلة الشاقية‪ ،‬إذ ل تكاد تعثير فيي أكوام الرمال المتراكمية‪ ،‬إل على‬
‫شذرات متفرقية متناثرة‪ ،‬ولكين ل بيد مين أن يقيف الباحثون عليهيا‪ ،‬وقوف شحييح‬
‫ضاع في الترب خاتمه‪ ،‬وعندما يقفون ينبغي أن يتذكروا‪:‬‬
‫كفى المرء نبل ان تعد معائبه‬
‫لعلهيم يدركون أن الجيال الولى مين الفقهاء شغلهيا الجميع والتدويين فيي‬
‫مجال الحدييث‪ ،‬كالبخاري ومسيلم وسيائر أهيل السينة ومنهيم احميد بين حنبيل فيي‬
‫المسند‪.‬‬
‫وآخرون شغل هم تأ صيل أ صول الف قه‪ ،‬كالشاف عي‪ ،‬وآخرون شغل هم الت صدي‬
‫للفكير الجدييد الناتيج عين امتزاج الجناس وتماس الثقافات كأحميد بين حنبيل فيي‬
‫السؤال الشهير‪ :‬هل القران مخلوق أم غير مخلوق؟‪.‬‬
‫ب‪-‬لمحات الفقهاء البازغة للعتضاد والستشهاد(ل‬
‫العتماد) ‪:‬‬
‫وأغلب الفقهاء المتقدمين لم يثمنوا القيم المدنية ولم تؤكد كتاباتهم على أنها‬
‫في البؤرة من العقيدة‪ .‬إن ما أدرك ها العلماء الحرار والمتنورون ول كن م تى ؟ ب عد‬
‫شيخوخة الحضارة‪ ،‬وسقوط بغداد بين يدي التتر‪ ،‬وسقوط المقدس بين يدي الفرنج‬
‫وظهور علمات سقوط الندلس‪ ،‬فالفقهاء الذين عايشوا مرحلة السقوط كانوا أوعى‬
‫بشروط العمران والحضارة‪ .‬وهؤلء إذن جمعوا بين أمور‪:‬‬
‫‪-‬الول الوعي بكليات و مقاصد الدين‪.‬‬
‫‪-‬الثانيي‪ :‬مشاهدتهيم أثير الغراق فيي الشيق الروحيي والغييبي والفردي‪،‬‬
‫وتهميش المدني‪.‬‬
‫‪-‬الثالث‪ :‬استيعاب الفكر الفقهي القديم‪.‬‬
‫و من ا جل ذلك ي صبح الترك يز علي هم أولى وأحرى ومه ما نحاول أن نتهرب‬
‫من ملحقة السؤال‪ ،‬فإن تقدمنا وتأخرنا مرتبط بالسلم‪ ،‬وتاريخنا يقول هذا وذاك‪،‬‬
‫فالسيلم حدانيا إلى النهوض وصيلح الناس‪ ،‬أفرادا و جماعات مجتمعات ودولً‪،‬‬
‫فكان صراط مستقيما إلى سعادة في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫وجدليية التقدم والتخلف فيي الدول العربيية والسيلمي مرتبطية بالخطاب‬
‫السلمي لسببين‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن التخلف غلف برداء دينيي‪ ،‬عيبر صيك قييم الرهبنية والعزلة عين‬
‫الشئون العامة‪ ،‬وبناء سعادة الخرة على أنقاض السعادة والكرامة الدنيوية‪.‬‬
‫‪-‬الثانيي‪ :‬أن هذا التخلف إنميا هيو تحرييف للسيلم‪ ،‬وأن حمايية التخلف‬
‫السيياسي والقتصيادي والمدنيي بخطاب دينيي أعظيم النحرافات فيي العقيدة‪ ،‬ونزع‬
‫قناع السلم والسنة والسلفية‪ ،‬عن الروح الصحراوية والكسروية‪ ،‬من أعظم أنواع‬
‫الجهاد والجتهاد‪.‬‬
‫‪-‬الثالث‪ :‬أن ل سبيل أمامنا من أجل شحذ الروح الجماعية‪ ،‬التي يحس فيها‬
‫كل فرد بتبعته في الشان العام‪ ،‬إل بالسلم‪ ،‬وكل المفاهيم التي ل تنبثق من السلم‬
‫إنما هي أشجار اجتثت من فوق الرض ما لها من فرار‪.‬‬

‫‪ =46‬معالم سلفية التوازن والولويات ‪:‬‬


‫وسقوط الخلفة العثمانية‬
‫الســــعي إلى التذكيــــر بشرطــــي البيعــــة‪:‬العدل‬
‫والشورى‪:‬‬

‫أ‪ -‬طلئع الصحوة السياسية والحضارية الحديثة‪:‬‬


‫رواد النه ضة ال سلمية ال سلفيون صوبوا الب صر في الق مة فرأوا الغرب في‬
‫الروابيي‪ ،‬وخفضوه فوجدوا أهليهيم فيي الحضييض‪ ،‬والحتكاك بالوسيائل الحديثية‬
‫لتجسيد قاعدة"العدل أساس الحياة"السياسية هو بداية فكر النهضة‪ .‬بدأ يومض بعد‬
‫أن اصيطدمت المية السيلمية بحملة نابليون‪ ،‬فكانيت الحملة منبهيا حضارييا‪ .‬كأن‬
‫ال مة سيارة من طول الرقاد‪ ،‬فر غت (بطاريت ها)‪ ،‬ف صارت بحا جة إلى ق بس قا بس‪،‬‬
‫من بطارية سيارة أخرى‪ ،‬فكان دور الغرب منبها من جانب‪ ،‬ومن جا نب آخر كان‬
‫كالجراثيم التي غزت الجسد فحركت كريات الدم بالحيوية والنشاط‪.‬‬
‫فجاءت مبادرات ونظريات وأفكار ركزت على في الفقه الحضاري والسياسي‪،‬‬
‫عند خير الدين التونسي والكواكبي‪ ،‬والفغاني ومحمد عبده‪ ،‬ثم الطهطاوي و محمد‬
‫رشييد رضيا وحسين البنيا وسييد قطيب‪ ،‬ومحميد أسيد ومالك بين نيبي‪ ،‬والندوي و‬
‫المودودي والطاهر بن عاشور و علل الفاسي‪ ،‬ومن جايلهم ومن أتى بعدهم‪ ،‬في‬
‫شتى البيئات العربية والسلمية‪.‬‬
‫ألئك الطلئع والرواد تأملوا التحدي الحضاري والسييياسي‪ ،‬الذي طرح على‬
‫ثقافت نا كم من سؤال وإشكال‪ ،‬وحاولوا الجا بة علي ها‪ ،‬بين ما ظل التيارات ال سلفية‬
‫المحافظة على الصياغة العباسية‪ ،‬مكبة على تحقيق التراث‪ ،‬من دون ميز واشتيار‪،‬‬
‫وكأن الترياق هو التحقيق والشرح والتكرار الفكر العباسي‪.‬‬
‫لم تخل خطوات طلئع الصحوة السياسية من أخطاء كبار وصغار‪،‬ولكنها في‬
‫التف صيلت ل في المن هج والكليات‪ ،‬أي أن منهج ها في الترك يز على الق يم المدن ية‬
‫والفقه السياسي صحيح ل ريب فيه‪ ،‬ول مناص منه‪.‬‬
‫وهذه الخطاء أول أمر طبيعي‪ ،‬لنها تمشي في طريق غير لحب ول واضح‬
‫المعالم‪ ،‬ول سهل التضاريس‪ ،‬وتحاول أن أن تشق طريقا جديدا‪ ،‬والباحثون عن في‬
‫طريق جديد؛ أكثر أخطاءا من من يسلكون دربا ل حبا سهل‪.‬‬
‫ول كن هذا الدرب هو طر يق النجاة‪ ،‬مه ما كثرت العثرات‪ ،‬و كل محاولة جادة؛‬
‫تتطلع إلى الضوء الذي يوميض فيي نهايية النفيق‪ ،‬سيتفضي بميا فيهيا مين خطيأ‬
‫وصيواب‪ ،‬إلى تراكيم مين التجارب فكرا وعمل‪ ،‬ومين خلل هذا التراكيم الهرميي؛‬
‫ينشق الطريق اللحب للخروج من النفق‪.‬‬
‫والذ ين ي صلون إلى ال صواب‪ ،‬لن ي صلوا إل يه بمال هم من ف كر توليدي خاص‬
‫ب هم فح سب‪ ،‬بل ب ما ترا كم من تجارب ومحاولت أي ضا‪ ،‬و من خلل صعودهم على‬
‫أكتاف الجيال السابقة‪ ،‬يرون ما لم يره المحاولون السابقون‪.‬‬
‫ب‪-‬ملمــح التجديــد فــي ســلفية الصــحوة الســياسية‬
‫والحضارية‪:‬‬
‫شغل سؤال دولة العدل والشورى‪ ،‬طلئع المفكرين النهوضيين عامة‪،‬‬
‫والسلميين خاصة‪ ،‬وبعض السلفيين‪ ،‬فلحظ تيار سلفية الصحوة السياسية‬
‫وغيره؛ أن السلفيات المحافظة‪ ،‬على الصياغة العباسية للعقيدة والتربية والسياسة‬
‫والثقافة حفلت بعيوب كبرى وصغرى‪ ،‬تحد من فاعليتها على مجابهة التحديات‬
‫المعاصرة‪.‬‬
‫وتنبه كثير من المصلحين في العصر الحديث‪ ،‬إلى ماران على الدين من بدع‬
‫ومنكرات‪ ،‬وإلى ما في مناهج تعليمه من ركود وجمود‪ ،‬وإلى أنه ينبغي لنا اليوم أن‬
‫نجدد الديين‪ ،‬بإعادة صيياغة الفكير السيلمي صيياغة جديدة‪ ،‬تراعيي شمول الديين‬
‫وتوازن بيين الغييب والشهادة‪ ،‬كميا فيي صيياغة سييد قطيب وعلي الطنطاوي و‬
‫الزندانيي‪ ،‬وتعود إلى سيلطة النيص‪ :‬مصيباح الكتاب والسينة‪ ،‬فيي زجاجية التطيبيق‬
‫النبوي والراشدي‪ ،‬ومشكاة سنن ال في النسان والطبيعة ‪ ،‬وتستلهم منهما العقيدة‬
‫الصافية البسيطة‪ ،‬الخالية من الغموض والتعقيد والتبعيض‪.‬‬
‫وقيد لقييت محاولت سيلفية الصيحوة السيياسية رفضيا مين التيار السيلفي‬
‫المحا فظ على ال صياغة العبا سية في العقيدة والثقا فة‪ ،‬فجو به ال سلفيون ال سياسيون‬
‫بتبديع وتكفير كثير‪ ،‬نال أمثال الغزالي وسيد قطب والقرضاوي‪.‬‬
‫وسيلفية الصيحوة السيياسية ترى أن الصيلح الكثير إلحاحيا اليوم هيو الذي‬
‫يركز على الشطر المدني من العقيدة الذي عموده العدل‪ ،‬فيعنى بتجديد وسائل تنفيذ‬
‫مبادئ السييياسة الشرعييية‪ ،‬وشروط إسييلم الدولة المسييلمة العشرة‪ :‬كالعدالة‬
‫والشورى‪ ،‬والمير بالمعروف والتعاون على البر والتقوى‪ ،‬ووحدة المية‪ ،‬والجهاد‬
‫السيياسي السيلمي‪،‬أمام طغيان الحاكيم‪ ،‬وحصير الجهاد العسيكري‪ ،‬بدفيع عدوان‬
‫الخارج‪ .‬بصفتها من أركان الدين‪.‬‬
‫و قد ر كز عد يد من الرواد قول وعمل‪ ،‬على في هذه الركان‪ ،‬ك سيد ق طب‪،‬‬
‫ولكن ل زل المجال بحاجة إلى مزيد من التركيز تنظيرا وتطبيقا‪ ،‬ول سيما على قيم‬
‫المجت مع المد ني وتجمعا ته الهل ية‪،‬وقولة كل مة العدل‪ -‬من خلل آليات ها‪ -‬أمام كل‬
‫سلطان جائر‪ ،‬وتكتلتها‪ ،‬باعتبارها جهادا مدنيا مقدسا‪.‬‬
‫وسيبيل ذلك التزاوج بيين الفكير والعميل‪ :‬بفكير تنويري‪،‬ييبين للناس أن العدل‬
‫عدييل الصيلة‪:‬إنيه اجتهاد جدييد‪ ،‬وأن شروطيه كشروط الصيلة‪ ،‬وعميل تربوي‬
‫تدرجيي‪،‬يتسيم بالجرأة والقدام والتضحيية‪ :‬إنيه جهاد يواكيب ذلك الجتهاد‪ ,‬وأن ل‬
‫سيبيل لصيلح الوضاع إل بتواصيل القدام على العميل السيلمي الجمعيي الوثاب‪،‬‬
‫بمثل ذلك تزرع ثقافة المجتمع المدني‪ ،‬وتجمعاته الهلية‪ ،‬في الصحراء العربية‪.‬‬
‫و سلفية الصحوة السياسية‪ ،‬تدعو إلى النهوض العام الشامل‪ ،‬والستفادة من‬
‫أفضل ما أنتجه العقل العباسي السلمي الماضي وفهم الدين فهما شامل من خلل‬
‫مقولة الشاطبي‪ :‬الشريعة نظام‪ ،‬فليست إلغاءا للتراث العباسي‪.‬‬
‫ولكنهيا دعوة أول إلى ترك العتماد علييه‪ ،‬وحصير العتماد بسيلطة النيص‪:‬‬
‫م صباح الكتاب وال سنة‪ ،‬في زجا جة التطي بق النبوي والراشدي‪ ،‬ومشكاة سنن ال‬
‫في النسان والطبيعة‪.‬‬
‫لكنهيا دعوة إلى السيتشهاد بيه والعتضاد‪ ،‬بماوافيق المقياس مين مقولت‬
‫ومواقف‪ ،‬وذلك ل يتيس إل تمحيصه وتصحيحه‪ ،‬واشتيار ما وافق المقياس‪ ،‬كفكرة‬
‫الشا طبي‪ :‬الشري عة نظام كالج سد‪ ،‬وفكرة الشاف عي‪ :‬ل يت صور جزئيات الشري عة إل‬
‫من عرف الكليات‪.‬‬
‫ج‪ -‬لماذا خفت صوت الصحوة السلفية السياسية‪:‬‬
‫عندما نتأمل جهود رواد النهضة الوائل‪ ,‬كالفغاني ومحمد عبده والكواكبي‪,‬‬
‫ومح مد رش يد ر ضا‪ ,‬نجد ها أع مق وأو عى‪ ,‬وأك ثر إدرا كا ل ساليب النهوض‪ ،‬وأك ثر‬
‫قدرة على ربطها بثوابت الدين ومقاصده العظمى‪.‬‬
‫ولكن التيارات السلفية المحافظة‪ ،‬على الصياغة العباسية التي توهمت أن تلك‬
‫الصياغة العباسية للفكر السلمي صالحة لنتاج نهضة‪ ,‬فعادت جذعة لتدرس‬
‫المتون العباسية في الجامعات‪ ,‬وعندما أقلقها سؤال التجديد‪ ,‬اجتهدت‪-‬في حدود‬
‫ثقافتها‪-‬فأعادت إنتاج الصياغة العباسية للعقيدة والتربية والسياسة والثقافة‬
‫العباسي‪ ,‬بكتب جديدة أسماء مؤلفيها‪ ،‬زاهية الترتيب وطرق البحث‪ ,‬محملة‬
‫هوامشها بمئات المراجع‪ ،‬ولكن الروح هباسية‪ ،‬فأعادت إنتاج الخليا الميتة‬
‫والساكنة في الفكر العباسي‪ ,‬بتقنيات حديثة‪ ,‬فصارت آلت الحداثة الشكلية‪ ،‬وسائل‬
‫مغرية لترسيخ الخطاب الديني المحرف الذي انبرى حارسا مقدسا للستبداد‬
‫والتخلف‪.‬‬

‫‪=47‬يقظة الصحوة السلفية السياسية‬


‫بعـــد كوارث الخليـــج‪:‬دعوة الدســـتور ر والمجتمـــع‬
‫المدني السلمي (نموذجا)‬
‫أ‪ -‬ســلفية الصــحوة الســياسية تهــب مرة أخرى بعــد‬
‫كوارث الخليج‪:‬‬
‫ع ند تخل خل نموذج الح كم ال صحراوي الك سروي القم عي‪ ،‬في حرب الخل يج‬
‫الثانية(‪1411‬هي‪1991 /‬م)‪ ،‬سقطت أقنعة الدولة العربية‪ ،‬سواءا أكانت إسلمية أم‬
‫قومية‪ ،‬وتبين إفاقها في التربية والتنمية والتقنية‪ .‬وانكشفت أستار فكر السلفيات‬
‫المحافظة سياسيا ومدنيا واهتز الباب الموارب‪ ،‬فلم يعد أحد ينخدع بفكر المحافظين‬
‫اليوم فيي عهيد المبرياليية الغربيية‪ ،‬على الصيياغة العباسيية للعقيدة والتربيية‬
‫والسيياسة والثقافية‪ ،‬التيي ظلت تنادي بالصيبر على جور سيللت الحجاج‪ ،‬ميا أقام‬
‫الصلة‪،‬خوفا من أن يغلق الحجاج أبواب المساجد‪.‬‬
‫فإما أن تنجح السلفية المتوازنة‪،‬التي تركز على الفقه السياسي‪ ،‬وتعيد أركان‬
‫إسيلم الدولة والمجتميع العشرة إلى الواجهية‪ ،‬فيي النتشار‪ ،‬وإميا أن ينفتيح الباب‬
‫الموارب على مصيراعيه‪ ،‬لمزييد مين العلمنية والمبرياليية والفواحيش فيي أسيواق‬
‫العولمة‪.‬‬
‫لقد أغفل كثير من الناس ارتباط السلفية بالصلح السياسي‪ ،‬وصار تذكيرهم‬
‫بأن ال صحوة ال سياسية أ صل سلفي بد عة‪ ،‬لن ال سلفيات المتأخرة‪ ،‬هم شت شروط‬
‫الدولة الم سلمة‪ ،‬ول سيما العدل الحر ية‪ .‬هذا ما اكتش فه‪ -‬ب عد غي بة طويلة حا كم‬
‫المطيري المين العام للجمعية السلفية‪ ،‬الذي استوعب كوارث الخليج وتبعة فقهائه‬
‫الغافل ين‪ ،‬فأ صدر كتا با بيا نا سلفيا‪ ،‬ضد ال صور ال سلفية الباه تة‪ ،‬بعنوان‪:‬الحر ية أو‬
‫الطوفان‪ .‬صدر ‪1425‬هي (‪2004‬م))‪.‬‬
‫طارحا السؤال على السلفيات الركدة‪" :‬كيف بدأ السلم دينا يدعو إلى تحرير‬
‫النسيان مين العبوديية والخضوع لغيير ال عيز وجيل إلى ديين يوجيب على إتباعيه‬
‫الخضوع للرؤسياء والعلماء مهميا انحرفوا وبدلوا‪ ،‬بدعوى طاعية ولي المير؟"‬
‫(الحرية أو الطوفان‪) 7:‬‬
‫"كييف اختزل مفهوم الشريعية لتصيبح السيياسة الشرعيية وحقوق النسيان‬
‫والحريات والعدالة الجتماعيية والمسياواة‪ ،‬ل علقية لهيا بالشريعية" (الحريية أو‬
‫الطوفان‪.)7:‬‬
‫لقيد أسيعدنا أنيا وزملئي؛ ونحين فيي السيجن على ذمية المطالبية بالنظام‬
‫الدستوري السلمي‪1425 ،‬هي (‪2004‬م))‪ .‬عندما قرأنا صوتا سلفيا‪ ،‬يثمن العدل‬
‫والحرية‪ ،‬فيجلو عن السلفية غبار المكنة والزمنة المختلة‪.‬‬
‫أسعدنا أن يكتشف السلفيون المحافظين اليوم في عهد المبريالية الغربية إن‬
‫الصلح سياسي المدني شقيق الصلح الروحي‪.‬‬
‫وأن يتذكروا أن ال سلفيات ال تي لم تث من أركان الدولة ال سلمية العشرة‪ ،‬ب عد‬
‫العصر الموي ‪ ،‬إنما هي صور سلفية مقيسة‪ ،‬وليست هي المقياس‪ ،‬يعتذر لها ول‬
‫يعتذر بها‪ ،‬لنها عانت من المصادرة السياسية والحصار‪ ،‬وضمرت في جو الخوف‬
‫والضطرار‪ ،‬في أغلب ما سجلته من أفكار‪.‬‬
‫أن يكتشيف السيلفيون المحافظيين اليوم فيي عهيد المبرياليية الغربيية على‬
‫الصياغة العباسية للعقيدة والتربية والسياسة والثقافة؛‬
‫أن العدل والحرية من أصول الدين‪.‬‬
‫وع سى أن ل يكون هذا ال صوت المتأخر سحابة صيف عابرة‪ ،‬تحرق ها حرارة‬
‫الصحراء وعواصفها‪ ،‬فيرتد الناس كرة أخرى إلى السلفيات العباسية‪ ،‬التي وضعت‬
‫أركان إسلم الدولة‪ ،‬في إبط أركان إسلم الفراد‪ ،‬وأركان اليمان بالشهادة‪ ،‬هامشا‬
‫لركان اليمان بالغيب‪.‬‬
‫ب‪-‬إما المبريالية أو سلفية تقدس العدل كما تقدس‬
‫الصلة‬
‫ألسنا اليوم أحوج ما نكون إلي سلفية الصحوة السياسية ‪ ،‬بعد أكثر من مائة‬
‫عام عين سيقوط الخلفية العثمانيية‪ ،‬إن الحداث فيي الخلييج منيذ عام ‪1411‬هيي (‬
‫‪1990‬م)‪ .‬بره نت على أن المشكلة ال كبرى في العرب هي ال ستبداد وأن ال ستبداد‬
‫هو الذي شل هم عن حل مشكلت هم في إطار جام عة الدول العرب ية‪ ،‬من أ جل ذلك‬
‫تفردت بهم الدول الكبرى‪ ،‬عندما تفردت الحكومات بشعوبها‪.‬‬
‫من أجل ذلك نقول‪ :‬إن الفقهاء المحافظين اليوم في عهد المبريالية الغربية‬
‫على الصيياغة العباسيية للعقيدة والتربيية والسيياسة والثقافية‪ ،‬الذيين يمشون فيي‬
‫ضباب نظريية (ولي المير العباسيي)‪ ،‬التيي تجعيل الحاكيم قطبيا تدور المية حوله‬
‫كالغنام حول الرا عي‪ ،‬إن ما يحمون التخلف ال سياسي بخطاب دي ني‪ ،‬ويحرفون الكلم‬
‫عن مواضعه‪ ،‬وإن كانوا ل يشعرون‪.‬‬
‫وإنهيم يفتحون الباب الموارب لرياح العلمنية والفرنجية والتغرييب والعولمية‬
‫والهيمنة الطلسية‪ ،‬كما فتحه فقهاء الدولة العثمانية الغافلون من قبل‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك ينبغي اليوم أن يتداعى اعيان المة في كافة أقطارها‪ ،‬وينادوا‬
‫بدولة العدل والشورى‪ ،‬ويذكروا الحاكيم أييا كان وصيفه ملك مملكية أو رئييس‬
‫جمهورييية‪ ،‬بأن البيعيية الشرعييية إنماهييي على الكتاب والسيينة‪ ،‬وإنمييا‬
‫مضمون ها‪:‬شرطان‪ :‬العدل والشورى‪ ،‬ف من أ خل به ما و جب على الناس كا فة‪ ،‬خفا فا‬
‫وثقال‪ ،‬نسيياءا ورجال؛ جهاده سييلما‪ ،‬عييبر البيانات والمقولت والمواقييف‪،‬‬
‫والتجمعات‪ ،‬والعتصامات والتظاهرات والضراب والعصيان المدني‪.‬‬
‫يلفيات‬
‫ين هدموا السي‬
‫يان الحال أو المقال‪ -‬يقولون لهؤلء الذيي‬
‫يم –بلسي‬
‫إنهي‬
‫الراشد ية ال صافية وال سلفية المو ية المجاهدة‪ ،‬وطم سوا معالم ها الرا سخة‪ ،‬بزلت‬
‫السلف العباسي الصالح‪:‬‬
‫إن لم تضعوا العدل وشروطيه عديل للصيلة‪ ،‬فلكيم سيلفيتكم العباسيية ولنيا‬
‫سلفيتنا الراشد ية وشاهدها ال سلفية الموية‪ ،‬و ما احتذاها من حركات‪ ،‬وازنت ب ين‬
‫إقام العدل وإقام الصلة‪ ،‬ونحن وإياكم كما قال الشنفرى‪:‬‬
‫فإني إلى قوم سواكم لميل‬ ‫*‬ ‫أقيموا بني أمي صدور مطيكم‪،‬‬
‫وشدت لطيات مطايا وأرحل‬ ‫*‬ ‫فقد حمت الحاجات والليل مقمر‪،‬‬

‫ج‪-‬نحو مدرسة سلفية توازن بين عمودي الفسطاط‬


‫العدل والصـلة وتزيـل ماران على العقيدة السـلفية مـن‬
‫غبار الفرعنة والرهبنة والصحراء‪:‬‬
‫ومن أجل ذلك فإن من المعين على السير في طريق دول العدل والشورى‪ ،‬أن‬
‫يتبلور اليوم تيار سيلفي‪ ،‬يوازن بيين شيق العقيدة المدنيي والروحيي‪ ،‬ويراعيي‬
‫الولويات ومعالجة الخطاء الشائعة‪ ،‬في ذلك عدة فوائد‪ :‬إ‬
‫‪-1‬تحرير مصطلح السلفية من اللبس والحتكار وتنقيته‪ ،‬من ما ران عليه‬
‫من غبار ال صحراء والفرع نة والرهب نة‪ ،‬وبيان أن ال سلفية‪ ،‬لي ست مذه با عبا سيا‬
‫منغل قا‪ ،‬إن ما هي أ صل وبو صلة و صور فال صل هو سلطة ال نص‪ :‬م صباح الكتاب‬
‫والسينة‪ ،‬فيي زجاجية التطيبيق النبوي والراشدي‪ ،‬ومشكاة سينن ال فيي النسيان‬
‫والطبيعة‪ ،‬وهو عند التفصيل ثلثة أشياء‪:‬‬
‫أ‪-‬مرجعية مدونات السنة‪ ،‬عند علماء الحديث كالبخاري ومسلم‪.‬‬
‫ب‪-‬منهج في فقه الكتاب والسنة‪ ،‬عبده الشافعي ومن بعدة‪.‬‬
‫ج‪-‬أ صول أج مع علي ها سلف ال مة في الف كر والع مل روح يا ومد ني‪ ،‬عبد ها‬
‫مالك في الموطأ ومن بعده‪.‬‬
‫والصورة النموذجية المحتذاة والمقياس هي العهد النبوي والراشدي‪.‬‬
‫والصيور المحتذيية هيي السيلفيات بعيد عهيد الراشديين‪ ،‬كالسيلفية المويية‬
‫والسلفيات العباسية والحركة الوهابية‬
‫وهيي حركات إصيلح وتجدييد‪ ،‬وكيل سيلفية تثبيت ماهيو معلوم مين الديين‬
‫بالضرورة‪،‬وهي الصول الثلثة‪ ،‬التي أجمع عليه سلف المة‪ ،‬وتجدد في تفصيلت‬
‫يقتضيها المقام‪ ،‬وقد تجدد في وسائل ترى أنه ل يمكن إصلح الحوال من دونها‪،‬‬
‫كسلفية الفقهاء المويين في مقاومة إخلل الحكام المويين بشروط البيعة‪ ،‬وسلفية‬
‫الفقهاء والمحدثين‪ ،‬في مقاومة الزندقة والفكر اليوناني السفسطي‪،‬كمالك والشافعي‬
‫وأبي حنيفة وأحمدج بن حنبل‪.‬‬
‫وقد تكون جهادا فكريا كسلفية الغزالي وابن تيمية‪ ،‬في نقض الفكر السفسطي‬
‫اليوناني‪.‬‬
‫و قد تكون جهادا ع سكريا‪،‬ك سلفية مح مد بن ع بد الوهاب‪ ،‬في تحق يق ش قي‬
‫التوح يد روح يا ومدن يا‪ ،‬و قد تكون جهادا سياسيا سلميا‪ ،‬كحركة الخوان الم سلمين‬
‫في مصر‪.‬‬
‫ولكييين ل هؤلء ول أولئك يحددون مفهوم السيييلفية‪ ،‬أن أولئك مجددون‬
‫مصيلحون‪ ،‬فكروا لزمنتهيم وأمكنتهيم‪ ،‬وفيق مالديهيم مين معطيات وتحديات‪ ،‬وهيم‬
‫مهما حاولوا الخلص من الخطأ فلن ينالوا مالم ينله النبياء‪ ،‬ومن أجل ذلك يعتضد‬
‫ويسيتشهد بماعملوا وقالوا‪ ،‬ولكين ل يعتميد إل على ماصيرح بيه الكتاب والسينة‪،‬‬
‫وطبقه النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ثم ينظر مدى النجاح في مسارهم‪ ،‬فالحركة التي‬
‫ل تنجيح‪ ،‬ل ينبغيي الوقيف عندهيا حتيى لو صيحت‪ ،‬لن العيبرة ليسيت بالفكار‬
‫الصحيحة فحسب‪ ،‬بل أيضا بالفكار الصالحة للحياة‪.‬فهناك فرق بين دور المصلحين‬
‫ودور النبياء‪ ،‬بيناه في مقالت أخرى‪.‬‬
‫ت صحيح مفهوم ال سلمية عمو ما وال سلفية خ صوصا‪ ،‬بأن ها كل ج هد وجهاد‬
‫روحي أو مدني‪ ،‬ينفع المة‪ ،‬تجسيد هذه الوحدة بين الروحي والمدني‪ ،‬لكي ليكون‬
‫الصلح مفرغا من القيم الروحية‪ ،‬ول تكون الدعوات الروحية مفرغة من المدنية‪.‬‬
‫و من الم هم أن يتذ كر المحافظ ين اليوم في ع هد المبريال ية الغرب ية؛‬
‫على الصيياغة العباسيية للعقيدة والتربيية والسيياسة والثقافية أن السيلفية ليسيت‬
‫إصلحا روحيا فحسب‪ ،‬وأن التوحيد قسمان‪ :‬روحي ومدني‪ ،‬وبيان أن من لم يجعل‬
‫الصلح السياسي من أركان الدين‪ ،‬فقد ابتدع بدعة كبرى في السلم‪ ،‬فلعلقة له‬
‫إذن بمنهج أهل السنة والجماعة‪ ،‬ول بالسلف الصالح العباسي والمملوكي‪ ،‬وما فيه‬
‫من علماء ومحت سبين وأمراء كالطرو شي‪ ،‬فضل عن ال سلف الموي ال صالح‪ ،‬من‬
‫أمراء كعبد ال بن الزبير‪ ،‬وعمر ابن عبد العزيز‪ ،‬وعلماء كالحسن البصري‪ ،‬فضل‬
‫عن ال سلف الراشدي‪ ،‬و ما ف يه من علماء وأمراء ومحت سبين ل من قر يب ول من‬
‫بعيد‪.‬‬
‫‪ -2‬ضبط مفهوم الصلح السياسي السلمي‪ ،‬لكي ل ينحرف عن مداره‪،‬‬
‫ولكيي يعرف الناس ول سييما غيير المطلعيين على العقيدة‪ ،‬أن مبادئ السيياسة‬
‫العشرة‪ ،‬المعروفة في كل أمة متحضرة؛من أصول العقيدة المعتبرة‪.‬‬
‫ولكيي يحترس الناس مين انحرافات الفرق العباسيية‪ ،‬التيي تحكيم الهوى‬
‫وتسميه العقل‪ ،‬وتؤول النصوص الشرعية الصريحة‪.‬‬
‫ولكيي يحترسيوا مين انحرافات دعوة الدسيتور العلمانيي‪ ،‬التيي لتعطيي القييم‬
‫الخلقية حق قدرها‪ ،‬تنبيه دعاة الصلح السياسي‪.‬‬
‫‪=48‬السلفية الوسطى‬
‫أ‪-‬مقياس السـلفية الوسـطى السـاسي‪ :‬العدل عديـل‬
‫الصلة ‪:‬‬
‫السلفية الوسطى هي كل تيار يوازن بين بين شقي العقيدة الروحي والمدني‪،‬‬
‫فمن المهم اليوم أن يدرك الناس‪ ،‬مدى قصور كل حركة فكرية أو اجتماعية‪ ،‬لتركز‬
‫على أن العدل عدييل الصيلة‪ ،‬فل تهتيم بشروط الحكيم العادل ووسيائل وضمانات‬
‫تطبيقه ‪ ،‬كما تهتم بشروط الصلة‪ ،‬فتقمع الحرية وتشيع التناحر والتنابذ بين أهل‬
‫القبلة‪ ،‬وتهميل التسيامح والتعاييش والتعاون‪ ،‬وتهميش العدل والشورى‪ ،‬ول تهتيم‬
‫بثلث ية ال ستقامة‪ :‬الهو ية والخلق والترب ية‪ ،‬أو ثلث ية الكرا مة‪ :‬الحر ية والتنم ية‬
‫والتقنية‪.‬‬
‫وأن تلك الحركات والدعوات والتجاهات‪ ،‬ال تي لتثمين العدل وشروطيه‪ ،‬إن ما‬
‫هي صور سلفية تحتذي صورا سلفية عباسية ومملوكية وعثمانية‪ ،‬عاشت في جو‬
‫القهير السيياسي‪ ،‬وأنيه ل علقتية له بالسيلف الصيالح الراشدي ‪ ،‬ول الموي مين‬
‫بعد هم‪ ،‬كع بد ال بن الزب ير وع مر بن ع بد العز يز‪ ،‬والفقهاء الموي ين الذ ين قاموا‬
‫بالثورات السبع‪ ،‬من أجل العدل‪ ،‬ول بالفقهاء المخضرمين الثلثة‪ :‬أبو حنيفة ومالك‬
‫والشافعي‪.‬‬
‫و ينبغيي أن يتذكير المحافظون اليوم فيي عهيد المبرياليية الغربيية؛ على‬
‫الصيياغة العباسيية للعقيدة والتربيية والسيياسة والثقافية؛أن مين يرفيض التعدديية‪،‬‬
‫وينظر أو يطبق لدولة مذهبية‪ ،‬مخطئ خطأ كبيرا‪ ،‬وهو إن شاء ال معذور مأجور‬
‫باجتهاده‪ ،‬ولكن ل يحتج بعمله على السلم‪.‬‬
‫وأن يتذكروا أن مين خالف علي بين أبيي طالب وأحميد بين حنبيل والمحدثيين‬
‫كالبخاري‪ ،‬فكفير فرقيا إسيلمية كالشيعية الماميية والخوارج والزيديية‪ ،‬فإنيه غافيل‬
‫ينبغيي إرشاده‪ ،‬ول عيبرة بمقاله‪ ،‬حتيى لو اسيتشهد بعالم عباسيي‪ ،‬فأقوال العلماء‬
‫إنماهيي للسيتشهاد والعتتضاد‪ ،‬أميا العتماد فإنماهيو على ماصيرح بيه الكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬وطبقه علي بن أبي طالب وعبد ال بن الزبير وعمر بن عبد العزيز‪.‬وقد‬
‫شرحنا في مقالة أخرى‪ ،‬أن بدع الخوارج فظيعة عظمى‪ ،‬ورغم ذلك لم يكفرهم علي‬
‫بن أبي طالب‪.‬‬
‫وينبغيي أن يتذكير المحافظون اليوم فيي عهيد المبرياليية الغربيية؛ على‬
‫الصياغة العباسية للعقيدة والتربية والسياسة والثقافة؛ أن كل المسائل الغيبية‪ ،‬التى‬
‫اختلف حول ها تلم يذ أح مد بن حن بل‪ ،‬وانق سموا على أثر ها‪ ،‬لي ست أ ساسية‪ ،‬ول‬
‫ينب غي الخوض في العقيدة‪ ،‬في مالم ي خض ف يه سلف ال صحابة الراشدي‪ ،‬ك ما ن به‬
‫الشوكا ني والذ هبي‪ ،‬وف عل ا بن ع بد البر والشا طبي‪ ،‬وكل الفريق ين من أ هل ال سنة‬
‫والجما عة‪،‬و من ال سلف ال صالح‪ ،‬ول ينب غي لدعاة ال سلفية المتواز نة‪ ،‬أن يخوضوا‬
‫في ما خا ضت ف يه الفرق العبا سية‪ ،‬في الترك يز على قضا يا غيب ية ظن ية اجتهاد ية‬
‫ثانوية‪ ،‬فالمشكل الكبر اليوم‪ ،‬هو شروط والعدل وضماناته‪.‬‬
‫وينبغي أن يتذكروا أن السلطة والسيادة للمة‪ ،‬في حفظ الشريعة‪ ،‬وأن ال لم‬
‫يفوض الفقهاء ول اللمراء‪ ،‬فيي حفيظ الشريعية‪ ،‬إنميا فوض المية‪ ،‬وأنيه مبدأ‬
‫إسلمي صريح‪.‬‬
‫أن يتذكروا أن القول بتطيبيق الشريعية‪ ،‬مين دون دسيتور إسيلمي‪ ،‬يضمين‬
‫العدل والشورى؛ إنما هو غفلة أو تغافل‪ ،‬عن الوسائل الشرعية‪ ،‬التي هي فرائض‬
‫شرعية‪ ،‬مادام ل يمكن تحقيق المبادئ من دونه‪.‬‬
‫وينبغي أن يتذكروا أنه يجب على أولي المر من أهل الرأي والمكانة والقدرة‬
‫في المة‪،‬من فقهاء ومفكرين وأساتذة جامعات‪ ،‬ومثقفين مهتمين بالشأن العام‪ ،‬بل‬
‫وعلى جميع الناس كافة‪ ،‬من خاصة وعامة‪ ،‬مطالبة أي حاكم بالتزام شروط البيعة‬
‫الشرع ية على الكتاب وال سنة‪ ،‬و هي العدل والشورى‪ ،‬و ما يد خل في إطاره ما من‬
‫حرية وعدل وتعددية وتعايش وتسامح وشورى‪.‬‬
‫ب‪-‬التوسط في التكفير بين التزمت والنفلت‪،‬‬
‫وينبغيي أن يتذكير المحافظون اليوم فيي عهيد المبرياليية الغربيية؛ على‬
‫الصياغة العباسية للعقيدة والتربية والسياسة والثقافة؛أن كل من شهد أن لإله إل‬
‫ال‪ ،‬وصيلى وصيام وزكيى وحيج‪ ،‬وأحيل الحلل وحرم الحرام‪ ،‬الذي صيرحت بيه‬
‫الشريعية‪ ،‬واتجيه إلى القبلة‪ ،‬فإنيه مين أهيل القبلة‪ ،‬وإن كانيت فيي أفكاره انحرافات‬
‫ناتجة عن تأويل فاسد‪ ،‬ل عن رفض لمرجعية القرآن والسنة‪ ،‬وإن كانت في أعماله‬
‫وسلوكه معاص كبرى‪.‬‬
‫ج‪-‬الدعوة للدستور السلمي بصفته ضامنا لشرطي‬
‫البيعة على الكتاب والسنة‪:‬‬
‫الدعوة إلى الدستور السلمي‪ ،‬في دعوة إلى تطبيق وسيلة شرعية‪ ،‬لتحقيق‬
‫شيق العقيدة السيياسي‪،‬وإقامية مين أصيول العقيدة السيلمية‪ ،‬إلى دولة العدل‬
‫والشورى من أي إن سان صدرت‪ ،‬ح تى وإن كان ع ند الناس هذا الش خص يو صف‬
‫باللبرالية أو القومية أو اليسارية أو العلمانية‪ ،‬لنه أنفع للمة من عابد يواصل قيام‬
‫الليل بصيام النهار‪.‬‬
‫لن هذا المتب تل اقت صر على خوي صة نف سه‪ ،‬وذاك المه تم ب صالح ال مة ن فع‬
‫ال مة‪ ،‬وجرى على المقا صد الشرع ية ال صلية‪ ،‬ك ما ب ين الشا طبي في الموافقات‪،‬‬
‫والع مل على المقا صد ال صلية للملة شدد الشارع في طل به‪ ،‬ول يش طب مشروع ية‬
‫عمله‪ ،‬أن ينادي بذلك حميية أو وطنيية‪ ،‬أو رغبية فيي تحقييق الذات‪ ،‬أو ضعيف‬
‫إخلصه النية‪ ،‬أو عدمه‪ ،‬أو وجود بعض المآخذ في سلوكه أو أفكاره أو مذهبه‪.‬‬
‫وإن كان الفضيل فيي العميل على المقاصيد الصيلية للملة‪ ،‬أن يسيتحضر‬
‫الساعي الحتساب وإخلص النية‪ ،‬لن الجهاد السلمي الطغيان اللداخلي جهاد كبير‪،‬‬
‫مشروع فيه طلب الستشهاد‪ ،‬وهو توأم الجهاد الحربي للعدوان الخارجي‪.‬‬
‫ولميا كان العدل هيو سيور الملة‪ ،‬الذي يحفيظ الهويية والتربيية والتنميية‬
‫والتقنية‪،‬صارالقرب إلى السلفية من يولي العدل مكانته‪ ،‬لنه هو النفع للمة‪.‬‬
‫ولذلك فإن مين يدعيو إلى الدسيتور السيلمي؛ سيلطة المية‪ ،‬والتعدديية‬
‫والتسيامح والعدل ودولة المواطنية‪ ،‬ويطالب باسيتقلل القضاء وبمجلس للنواب‪،‬‬
‫وبالف صل ب ين ال سلطات‪،‬أ يا كان داف عه واتجا هه وني ته؛ قائم بالعدل‪ ،‬الذي هو عد يل‬
‫الصلة‪ ،‬أقرب إلى السلفية ‪ ،‬من داعية الدولة البوليسية والقمعية والمذهبية‪ ،‬الذي‬
‫ل يؤمن بسلطة المة‪ ،‬ويقمع التعددية‪ ،‬ويقول‪:‬ولي المر أدرى بالمصلحة‪ ،‬ويقول‪:‬‬
‫القاضيي وكييل عين الميير‪،‬فهذا سيلفي وفيق صييغة عباسيية مملوكيية للعقيدة‬
‫وال سياسة‪ ،‬وذاك و فق صيغة سلفية‪ ،‬تؤ من أن إقا مة الح كم الشوري قري نة إقا مة‬
‫الصلة‪.‬‬
‫ومادامت مبادئ العدل والشورى والحرية والتعايش والتعددية والمساواة‪ ،‬من‬
‫أ صول ال سلم‪ ،‬ف كل من يع مل في طر يق إقامتها‪ ،‬إ سلمي ح تى لو لم يش عر بذلك‪،‬‬
‫حتيى لو نبزه الناس بألقاب وصيفات سيلبية‪ ،‬ومين نبذهيا مين المسيلمين فهيو غيير‬
‫إسلمي‪ ،‬إنما هو كسروي أو رهباني أو صحراوي‪ ،‬لنه آثر هوى الحجاج وكسرى‬
‫وقيصر‪ ،‬على هدى محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫د‪-‬الجهاد الســلميأمام الكفــر الســياسي البواح‬


‫وسط بين حمل السلح والصبر على جور السلطان‪:‬‬
‫الجهاد السيلمي‪ :‬المعنيون بقضيية المجتميع المدنيي‪،‬يوافقون عموم‬
‫الفقهاء المويين ومن نصر مذهبهم من العباسيين‪ ،‬في وجوب إلزام الحاكم‬
‫شرطي البيعة‪:‬العدل والشورى‪ ،‬وعلى أن المقصود بالكفر البواح الذي يشرع‬
‫فيه حمل السلح؛ هو الخلل بأركان إسلم الدولة‪.‬‬
‫ولكنهييم يرون أن الخروج بالسييلح غييير مضمون النتائج‪ ،‬ول مأمون‬
‫العواقب‪ ،‬لسباب عديدة أهمها‪:‬‬
‫اول‪ :‬كل انقلب من دون رأي عام‪ ،‬يح فظ الح كم الشوري‪ ،‬يتحول خلل مال‬
‫يزيد عن ثلثة أجيال إلى استبداد وفساد‪.‬‬
‫ثانييا‪ :‬فالمشكلة إنميا هيي فيي الجماهيير‪ ،‬السيتسلمة لجلديهيا التيي لتتجميع‬
‫ولتتعاون على البر والتقوى‪ ،‬ول سييما فيي سيبيل المير بالمعروف والنهيي عين‬
‫المنكر عموما والمنكرات السياسية خصوصا‪.‬‬
‫ثالثيا‪ :‬مخاطير النقلب‪ ،‬على الميم والوطان‪ ،‬فالسيلح عندميا يتحكيم فيي‬
‫الناس‪ ،‬قد يؤدي إلى الفوضى والحروب الهلية‪ ،‬وتدخلت الدول الجنبية‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬في عصر العلم المفتوح وقنوات التصال‪ ،‬وشيوع الثقافة السياسية‬
‫وحقوق الن سان؛ ح قق الحركات المدن ية وحركات حقوق الن سان نجا حا كبيرا‪ ،‬في‬
‫أكثر بلدان العالم‪.‬‬
‫و مين أجيل ذلك صيار علييه المعول اليوم‪- ،‬لدى حركات الجهاد السيياسي‬
‫ال سلمي الحدي ثة‪ ،‬ال تي تن شط لل مر بالمعروف الجتما عي وال سياسي‪ ،‬عبر تجمعات‬
‫المجتمييع المدنييي الهلييية‪ ،‬و آلياتهييا كالعتصييامات والمظاهرات والبيانات‬
‫والضرابات‪ ،‬و هو أسلوب جربته المم الحديثة فوجدته أحمد عقبى‪.‬‬
‫خامسيا‪ :‬الوصيول إلى الحكيم الشوري ليكفيي مين دون رأي عام متسييس‬
‫يحمييه‪ ،‬فالخلفية الراشدة لم تنهزم أمام كسيرى ول قيصير‪ ،‬بيل أصيابها الداء مين‬
‫داخلها‪،‬بل هدتها النخب غير المتسيسة وأتباعها‪ ،‬من صحابة وتابعين‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬لنقول لحملة السلح على طغيان الدولة‪ :‬إن سبيلكم غير صحيح في‬
‫مصباح الشريعة‪ ،‬ول غير ناجح في سنن ال في النسان والطبيعة‪ ،‬ولكن نقول إن‬
‫التعويل على التكتل السلمي‪ ،‬أضمن وأجدى وأعمق وأبقى وإن تأخرت النتائج‪.‬‬
‫سيابعا‪ :‬ولكين ذلك لن يسيتقر فيي الثقافية والعقيدة والتربيية؛ إل بإعادة العدل‬
‫إلى مركزه فيي منظومية العقيدة‪ ،‬وإنشاء خطاب دينيي يحيل محيل الخطاب الدينيي‬
‫المحرف‪ ،‬المترهبين الذي مرر و برر الفرعنية‪ ،‬وأفسيد ثقافية المسياجد والجواميع‬
‫والمجالس والمعاهد والجامعات والمجامع‪.‬‬
‫ثامنا‪ :‬في قاعدة الجهاد السلمي خروج من جميع الخلفات‪ ،‬التي يضطر فيها‬
‫القائلون بح مل ال سلح إلى إزالة الشكال أو الترج يح أو التأو يل‪ ،‬كحد يث قالوا"افل‬
‫نقاتلهيم؟ قال‪-‬صيلى ال علييه وسيلم‪:-‬ل ميا أقاموا فيكيم الصيلة"‪ ،‬وكحدييث "أفل‬
‫نقاتلهم فقال ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ :-‬ل‪ ،‬إل أن تروا كفرا بواحا"‪.‬‬
‫تا سعا‪ :‬و في ذلك تفع يل لقاعدة في ال مر بالمعروفات والن هي عن المنكرات‬
‫السيياسية شبيه منسيية‪ ،‬صيرحت بهيا جملة مين الحادييث الصيحيحة‪ ،‬وهيي "خيير‬
‫الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر"‪ ،‬و"سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب‪ ،‬ورجل‬
‫قام إلى إمام جائر‪ ،‬فأمره ونهاه‪ ،‬فقتله"‪ ،‬و"باسم ال رب الغلم"‪.‬‬
‫عاشرا‪ :‬فيي عصير العلم المفتوح‪ ،‬وعصير حقوق النسيان‪ ،‬أثبيت العميل‬
‫السيلمي جدواه‪ ،‬فيي أغلب البلدان(انظير تفصييلها فيي كتييب مناهيج الصيلح‬
‫الثلثة‪/‬الدار العربية للعلوم‪/‬بيروت ‪1426‬هي(‪2005‬م)‪.‬‬

‫هــــ‪-‬الدخول فـــي الدولة بدل مـــن الخروج عليهـــا‬


‫أوالستلب‪:‬‬
‫بيان أن السيلوب السيلمي المتدرج فيي المطالبية‪ ،‬بالدسيتور السيلمي هيو‬
‫ال صل في ال سلم‪ ،‬و هو المضمون النجاح على المدى الطو يل‪ ،‬و من أ جل ذلك أ كد‬
‫السيلم أن الكلمية أقوى مين الرصياصة‪ ،‬وأنيه يجيب على كافية أفراد المية‪ ،‬ان‬
‫يجاهدوا سلما في سبيل إقامة معالم العدل والشورى‪ ،‬كل سلطان سياسي أو إداري‬
‫أو قضائي أو اجتماعيي جائر‪،‬ومشروعيية التعرض للذى‪ ،‬فيي النفيس والعرض‬
‫والمال‪ ،‬وأن ذلك في أعلى درجات الحتساب والمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪،‬‬
‫وأن له كل أحكام الجهاد الع سكري‪ ،‬ك ما ب ين الحد يث ال صحيح"أع ظم الجهاد كل مة‬
‫عدل أمام سلطان جائر"‪ ،‬وأن طلب الشهادة في هذا الجهاد مشروع‪ ،‬وأن من يق تل‬
‫ينال أعلى منازل ودرجات الشهداء‪ ،‬كميا صيرح الحدييث الصيحيح"خيير الشهداء‬
‫حمزة بن عبد المطلب‪ ،‬ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله"‪.‬‬

You might also like