Professional Documents
Culture Documents
الفصل الول
جزء تبارك
من سورة الملك إلى سورة المعارج
سورة الملك
مقدمة :
هذا الجزء كله من السور المكية ..وبعض مطالع السور في هذا الجزء من بواكير ما
نزل من القرآن كمطلع سورة "المدثر" ومطلع سورة "المزمل" ..والقرآن المكي
1
يعالج -في الغالب -إنشاء العقيدة .في الله وفي الوحي ،وفي اليوم الخر .وإنشاء
التصور المنبثق من هذه العقيدة لهذا الوجود وعلقته بخالقه .والتعريف بالخالق
تعريفا يجعل الشعور به حيا في القلب ،مؤثرا موجها موحيا بالمشاعر اللئقة بعبد
يتجه إلى رب ،وبالدب الذي يلزمه العبد مع الرب ،وبالقيم والموازين التي يزن بها
المسلم الشياء والحداث والشخاص .
***
وهذه السورة الولى -سورة تبارك -تعالج إنشاء تصور جديد للوجود وعلقاته بخالق
الوجود .تصور واسع شامل يتجاوز عالم الرض الضيق وحيز الدنيا المحدود ،إلى
عوالم في السماوات ،وإلى حياة في الخرة .وإلى خلئق أخرى غير النسان في
عالم الرض كالجن والطير ،وفي العالم الخر كجهنم وخزنتها ..كما أنها تثير في
حسهم التأمل فيما بين أيديهم وفي واقع حياتهم وذواتهم مما يمرون به غافلين .
وتطلق الحواس والعقل والبصيرة ترتاد الفاق ،وأغوار النفس ،وطباق الجو ،
ومسارب الماء ،وخفايا الغيوب ،فترى هناك يد الله المبدعة.
الموت والحياة أمران مألوفان مكروران .ولكن السورة تبعث حركة التأمل فيما وراء
الموت والحياة من قدر الله وبلئه ،ومن حكمة الله
وتدبيره ) :الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عمل ،وهو العزيز
الغفور ( .
والسماء خلق ثابت أمام العين الجاهلة ل تتجاوزه إلى اليد التي أبدعته ،ول تلتفت
لما فيه من كمال .ولكن السورة تبعث حركة التأمل والستغراق في هذا الجمال
والكمال وما وراءها من حركة وأهداف ):الذي خلق سبع سماوات طباقا .ما ترى في
خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ؟ . ( ..
والحياة الدنيا تبدو في الجاهلية غاية الوجود ،ونهاية المطاف .ولكن السورة تكشف
الستار عن عالم آخر هو حاضرللشياطين وللكافرين .وهو خلق آخر حافل بالحركة
والتوفز والنتظار ) :وأعتدنا لهم عذاب السعير .وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم
وبئس المصير . ( ..
والنفوس في الجاهلية ل تكاد تتجاوز هذا الظاهر الذي تعيش فيه ،ول تلقي بال إلى
الغيب وما يحتويه ..فالسورة تشد قلوبهم وأنظارهم إلى الغيب وإلى السماء وإلى
القدرة التي لم ترها عين ،ولكنها قادرة تفعل ما تشاء حيث تشاء وحين تشاء ..
) أأمنتم من في اسماء أن يخسف بكم الرض فإذا هي تمور ؟ أم أمنتم من في
السماء أن يرسل عليكم حاصبا ؟ فستعلمون كيف نذير ( ..
والطير .إنه خلق يرونه كثيرا ول يتدبرون معجزته إل قليل .ولكن السورة تمسك
بأبصارهم لتنظر وبقلوبهم لتتدبر ،وترى قدرة الله الذي صور وقدر ) :أو لم يروا
إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ؟ ما يمسكهن إل الرحمن ،إنه بكل شيء
بصير ( .
والرزق الذي تناله أيديهم ،إنه في حسهم قريب السباب ،وهي بينهم تنافس وغلب .
ولكن السورة تمد أبصارهم بعيدا هنالك في السماء ،ووراء السباب المعلومة لهم كما
يظنون ) :أم من هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه ؟ بل لجوا في عتور ونفور ( ..
وهم يكذبون بالبعث والحشر ،ويسألون عن موعده .فالسورة تصوره لهم واقعا
مفاجئا قريبا يسوؤهم أن يكون ) :فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا ،وقيل :
هذا الذي كنتم به توعدون ! ( ..
وهم يتربصون بالنبي ومن معه أن يهلكوا فيستريحوا من هذا الصوت الذي يقض
عليهم مضجعهم بالتذكير والتحذير ..فالسورة تذكرهم بأن هلك الحفنة المؤمنة أو
بقاءها ل يؤثر فيما ينتظرهم هم من عذاب الله على الكفر والتكذيب ) :قل :أرأيتم
إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا فمن يجير الكافرين من عذاب أليم ؟( .
2
وتنذرهم السورة في ختامها بتوقع ذهاب الماء الذي يعيشون به ،والذي يجريه هو
الله الذي به يكفرون ! ) قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين ؟ (
..
فضل السورة :
أورد ابن كثير أحاديث متعددة في فضلها منها أنها شفعت لصاحبها حتى غفر له ،ومنها
أنها خاصمت عن صاحبها حتى أدخلته الجنة ومنها أنها هي المانعة وهي المنجية وفيها
قول رسول الله ) لوددت أنها في قلب كل إنسان من أمتي (0
الدرس الول
قدرة الله عز وجل وما أعده للشياطين وأتباعهم من الكافرين
) اليات من ( 11 – 1
ت و َ م ْ ق ال ْ َ خل َ َ ذي َ ديٌر ) (1ال ّ ِ ق ِ ء َ ي ٍ ش ْ ل َ عَلى ك ُ ّ و َ ه َ و ُ ك َ مل ْ ُ ه ال ْ ُ د ِ ذي ب ِي َ ِ ك ال ّ ِ ت ََباَر َ
َ َ
ع
سب ْ َ ق َ خل َ َ ذي َ فوُر ) (2ال ّ ِ غ ُ زيُز ال ْ َ ع ِ و ال ْ َ ه َ و ُ مًل َ ع َ ن َ س ُ ح َ مأ ْ م أي ّك ُ ْ وك ُ ْ حَياةَ ل ِي َب ْل ُ َ وال ْ َ َ
له ْ َ َ َ َ رص بْ ل ا ع ج ر فا َ ت ُ ٍ و فا َ َ ت من ّ ْ َ ِ ِ ن م ح ر ال ق ْ ل خ َ في ِ رى ّ َ َ ت ما قا ً با ِ َ ط ت وا
َ َ َ ٍ ما س
ً ْ ِ ِ ِ
و ه و
َ َ ُ َ ِ َ ُ َ أس خا ر ص ب ْ ل ا َ
ك ي َ
ِ ْ ِ ْل إ ب ل قَ ين ّ َ ْ ِ َ ن ي ت ر َ ك رَ َ َ ص ب ْ ل ا ع ج ر ا م ُ ث ( 3 ) ر طو ُ ُ
ف من ت ََرى ِ
ّ ْ ِ ِ ٍ
نطي ِ شَيا ِ ما ّلل ّ جو ً ها ُر ُ عل َْنا َ ج َ و َ ح َ صاِبي َ م َ ماء الدّن َْيا ب ِ َ س َ قدْ َزي ّّنا ال ّ ول َ َ سيٌر )َ (4 ح ِ َ
س ْ ع َ َ َ ّ ع َ َ َ
وب ِئ َ م َ هن ّ َ ج َ ب َ ذا ُ م َ ه ْ ن كفُروا ب َِرب ّ ِ ذي َ ول ِل ِ ر )َ (5 عي ِ س ِ ب ال ّ ذا َ م َ ه ْ عت َدَْنا ل ُ وأ ْ َ
مي ُّز َ ُ ً ها َ َ ُ ْ ُ صيُر ) (6إ ِ َ ْ
ي ت َفوُر ) (7ت َكادُ ت َ َ ه َ و ِ هيقا َ ش ِ عوا ل َ م ُ س ِ ها َ في َ ذا ألقوا ِ م ِ ال َ
ُ
ذيٌر ) (8قالوا َ ُ ْ َ َ َ َ َ ْ ُ ّ ُ ْ
م نَ ِ م ي َأت ِك ْ ها أل ْ خَزن َت ُ َ م َ ه ْ سأل ُ ج َ و ٌ ها ف ْ في َ ي ِ ق َ ما أل ِ ظ كل َ غي ْ ِ ن ال َ م َ ِ
ّ َ من َ ّ ما ن َّز َ ْ و ُ َ ذيٌر َ ب َلى َ َ
في م إ ِل ِ ن أنت ُ ْ ء إِ ْ ي ٍ ش ْ ه ِ ل الل ُ قلَنا َ فكذّب َْنا َ جاءَنا ن َ ِ قد ْ َ
َ َ َ ُ
ر) عي ِ س ِ ب ال ّ حا ِ ص َ في أ ْ ما كّنا ِ ُ ل َ ق ُ ع ِ و نَ ْ عأ ْ م ُ س َ و كّنا ن َ ْ ُ قالوا ل ْ و َ ر )َ (9 ٍ َ
ل كِبي ضَل ٍ َ
ر )(11 َ ّ ح ً م َ فوا ب ِ َ عت ََر ُ َ (10
عي ِ س ِ ب ال ّ حا ِ ص َ قا ل ْ س ْ ف ُ ه ْ ذنب ِ ِ فا ْ
الهداف الجرائية السلوكية :
أن يبين الدارس العلقة بين الية الولى وباقي السورة . -1
-2أن يعدد الدارس المثلة التى وردت فى هذه اليات تبين أن
الله بيده الملك وأنه على كل شيء قدير .
أن يبين الدارس قدرة الله عز وجل فى كل مثال ) آية ( . -3
-4أن يبين الدارس العلقة بين كل مثال ) آية ( يظهر قدرة الله
وبين النسان نفسه .
-5أن يصور الدارس ما أعده الله للشياطين وأتباعهم من
الكافرين من عذاب كما ورد فى اليات .
أن يقص الدارس الحوار الذي يدور بين خزنة جهنم والكافرين -6
.
-7أن يعبر الدارس عن المشاعر التي تنتابه من تصوره لهذا
الحوار .
المفردات -:
3
– فطور :شقوق أو – تفاوت :اختلف أو خلل -ليبلوكم :ليختبركم
عيوب
– حسير :كليل ،والحسير :المنقطع من العياء – خاسئا ً :ذليل ً صابرا ً
– رجوما ً للشياطين :ترمي الشياطين بشهب خزيا ً لهم في الدنيا ولهم في الخرة
عذاب السعير
– تكاد تميز من الغيظ :تكاد تتمزق وينفصل بعضها من -شهيقا ً :صياحا ً
بعض من شدة غيظها عليهم
– فسحقا ً :السحق :البعد وهو دعاء عليهم من الله والدعاء من الله قضاء
ومفتاح السورة كلها ،ومحورها الذي تشد إليه تلك الحركة فيها ،هو مطلعها
الجامع الموحي ) تبارك الذي بيده الملك ،وهو على كل شيء قدير ( ..وعن حقيقة
الملك وحقيقة القدرة تتفرع سائر الصور التي عرضتها السورة ،وسائر الحركات
المغيبة والظاهرة التي نبهت القلوب إليها ..
فمن الملك ومن القدرة كان خلق الموت والحياة ،وكان البتلء بهما .وكان خلق
السماوات وتزيينها بالمصابيح وجعلها رجوما للشياطين .وكان إعداد جهنم بوصفها
وهيئتها وخزنتها .وكان العلم بالسر والجهر .وكان جعل الرض ذلول للبشر .وكان
الخسف والحاصب والنكير على المكذبين الولين .وكان إمساك الطير في السماء
.وكان القهر والستعلء .وكان الرزق كما يشاء .وكان النشاء وهبة السمع والبصار
والفئدة .وكان الذرء في الرض والحشر .وكان الختصاص بعلم الخرة .وكان عذاب
الكافرين .وكان الماء الذي به الحياة وكان الذهاب به عندما يريد ..
فكل حقائق السورة وموضوعاتها ،وكل صورها وإيحاءاتها مستمدة من إيحاء ذلك
المطلع ومدلوله الشامل الكبير ) :تبارك الذي بيده الملك ،وهو على كل شيء قدير
( !!
***
) تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير (
هذه التسبيحة في مطلع السورة توحي بزيادة بركة الله ومضاعفاتها ،وتمجيد هذه
البركة الرابية الفائضة .وذكر الملك بجوارها يوحي بفيض هذه البركة على هذا
الملك ..وهي ترنيمة تتجاوب بها أرجاء الوجود ،ويعمر بها قلب كل موجود ..
) تبارك الذي بيده الملك ( ..فهو المالك له ،المهيمن عليه ،القابض على
ناصيته ،المتصرف فيه ) ..وهو على كل شيء قدير ( ..فل يعجزه شيء ،ول
يفوته شيء ،ول يحول دون إرادته شيء ،ول يحد مشيئته شيء .يخلق ما يشاء ،
ويفعل ما يريد ،وهو قادر على ما يريده غالب على أمره ؛ ل تتعلق بإرادته حدود ول
قيود .
) الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عمل ،وهو العزيز
الغفور ( ..
ومن آثار تمكنه المطلق من الملك وتصريفه له ،وآثار قدرته على كل شيء وطلقة
إرادته ..أنه خلق الموت والحياة ..وكلها من خلق الله كما تقرر هذه الية ،التي
تنشئ هذه الحقيقة في التصور النساني ؛ وتثير إلى جانبها اليقظة لما وراءها من
قصد وابتلء ) ليبلوكم أيكم أحسن عمل ( ..واستقرار هذه الحقيقة في الضمير يدعه
أبدا يقظا حذرا متلفتا واعيا للصغيرة والكبيرة في النية المستترة والعمل الظاهر ..
ومن ثم يجيء التعقيب :
) وهو العزيز الغفور ( ليسكب الطمأنينة في القلب الذي يرعى الله ويخشاه .فالله
عزيز غالب ولكنه غفور مسامح .
4
) الذي خلق سبع سماوات طباقا ) . ( ......ولقد زينا السماء الدنيا
بمصابيح ،وجعلناها رجوما للشياطين ،واعتدنا لهم عذاب
السعير .... ..... .فاعترفوا بذنبهم فسحقا لصحاب السعير ! ( .
وكل ما في هذه اليات آثار لمدلول الية الولى ،ومظاهر للهيمنة المتصرفة في
الملك ،وللقدرة التي ل يقيدها قيد .ثم هي بعد ذلك تصديق للية الثانية من خلق
الموت والحياة للبتلء ،ثم الجزاء .
والقرآن يوجه النظر إلى خلق الله ،في السماوات بصفة خاصة وفي كل ما خلق
بصفة عامة .يوجه النظر إلى خلق الله ،وهو يتحدى بكماله كمال يرد البصر عاجزا
كليل مبهورا مدهوشا .
) ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ( ..فليس هناك خلل ول نفص ول
اضطراب ) ..فارجع البصر ( ..وانظر مرة أخرى للتأكد والتثبت ) هل ترى
من فطور ؟ ( ..وهل وقع نظرك على شق أو صدع أو خلل ؟ ) ثم ارجع البصر
كرتين ( فربما فاتك شيء في النظرة السابقة لم تتبينه ،فأعد النظر ثم أعده
) ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير ( .
والجمال في تصميم هذا الكون مقصود كالكمال .بل إنهما اعتباران لحقيقة
واحدة .فالكمال يبلغ درجة الجمال .ومن ثم يوجه القرآن النظر إلى جمال السماوات
بعد أن وجه النظر إلى كمالها ) :ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح ( ..
وما السماء الدنيا ؟ لعلها هي القرب إلى الرض وسكانها المخاطبين بهذا القرآن .
ولعل المصابيح المشار إليها هنا هي النجوم والكواكب الظاهرة للعين ،التي نراها حين
ننظر إلى السماء ..
ومشهد النجوم في السماء جميل .ما في هذا شك .جميل جمال يأخذ بالقلوب ..
والقرآن يوجه النفس إلى جمال السماء ،وإلى جمال الكون كله ،لن إدراك جمال
الوجود هو أقرب وأصدق وسيلة لدراك جمال خالق الوجود ..ويذكر النص القرآني هنا
أن هذه المصابيح التي زين الله السماء الدنيا بها هي كذلك ذات وظيفة أخرى :
) وجعلناها رجوما للشياطين ( ..ونحن نؤمن أن الله جعل من هذه المصابيح
التي تزين السماء الدنيا رجوما للشياطين ،في صورة شهب ..فلنعلم هذا وحده
ولنؤمن بوقوعه .وهذا هو المقصود .ولو علم الله أن هناك خيرا في الزيادة أو
اليضاح أو التفصيل لفصل سبحانه ..ثم يستطرد فيما أعده الله للشياطين غير
الرجوم ) :وأعتدنا لهم عذاب السعير ( ..فالرجوم في الدنيا وعذاب السعير في
الخرة لولئك الشياطين .
ولما ذكر ما أعد للشياطين من عذاب السعير ذكر بعده ما أعده للذين كفروا من أتباع
هؤلء الشياطين :
) وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير ( ..
ثم يرسم مشهدا لجهنم هذه ،وهي تستقبل الذين كفروا في غيظ وحنق شديد :
) إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور .تكاد تميز من
الغيظ ! ( ..
وجهنم هنا مخلوقة حية ،تكظم غيظها ،فترتفع أنفاسها في شهيق وتفور ؛ ويمل
جوانحها الغيظ فتكاد تتمزق من الغيظ الكظيم وهي تنطوي على بغض وكره يبلغ إلى
حد الغيظ والحنق على الكافرين !
) كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها .ألم يأتكم نذير ؟ ( ..
وواضح أن هذا السؤال في هذا الموضع هو للتأنيب والترذيل .فهي مشاركة
لجهنم في الغيظ والحنق .كما هي مشاركة لها في التعذيب ،وليس أمر من الترذيل
والتأنيب للضائق المكروب !
5
والجواب في ذلة وانكسار واعتراف بالحمق والغفلة ،بعد التبجح والنكار واتهام
الرسل بالضلل :
) قالوا :بلى ! قد جاءنا نذير فكذبنا ،وقلنا :ما نزل الله من شيء .
إن أنتم إل في ضلل كبير .وقالوا :لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في
أصحاب السعير ! ( ..
فالذي يسمع أو يعقل ،ل يورد نفسه هذا المورد الوبيء .ول يجحد بمثل ما جحد به
أولئك المناكيد .ول يسارع باتهام الرسل بالضلل على هذا النحو المتبجح الوقح ،الذي
ل يستند في النكار إلى دليل .ثم ينكر ويدعي ذلك الدعاء العريض على رسل الله
الصادقين يقول ) :ما نزل الله من شيء :إن أنتم إل في ضلل كبير ( !
) فاعترفوا بذنبهم فسحقا لصحاب السعير ( ..
والسحق البعد .وهو دعاء عليهم من الله بعد اعترافهم بذنبهم في الموقف الذي لم
يؤمنوا به ولم يصدقوا بوقوعه .والدعاء من الله قضاء .فهم مبعدون من رحمته .ل
رجاء لهم في مغفرة ،ول إقالة لهم من عذاب .وهم أصحاب السعير الملزمون له .
ويا لها من صحبة ! وياله من مصير !
التقويم :
بين العلقة بين الية الولى وباقي السورة . -1
-2عدد المثلة التى وردت فى هذه اليات تبين أن الله بيده
الملك وأنه على كل شيء قدير .
بين قدرة الله عز وجل فى كل مثال ) آية ( . -3
-4بين العلقة بين كل مثال ) آية ( يظهر قدرة الله وبين
النسان نفسه .
-5صور ما أعده الله للشياطين وأتباعهم من الكافرين من عذاب
كما ورد فى اليات .
قص الحوار الذي يدور بين خزنة جهنم والكافرين . -6
-7عبر عن المشاعر التي تنتابك عند تصورك لهذا الحوار بين
خزنة جهنم والكافرين .
ما الشعور الذي يسيطر علي العبد الذي يعيش في كنف -8
) العزيز الغفور ( ؟
التدبر والتفكر فريضة شرعية وفى نفس الوقت تقود -9
النسان لليمان بالله وضح ذالك من خلل السورة الكريمة 0
-10الذي ل يسمع أو يعقل يورد نفسه المهالك .وضح أثر ذلك
على مصير الكافرين
الدرس الثاني
6
اعتبار وعظة
اليات من ) ( 18 -12
َ َ
سّروا وأ ِ جٌر ك َِبيٌر )َ (12 وأ ْ فَرةٌ َ غ ِم ْهم ّ ب لَ ُ غي ْ ِ هم ِبال ْ َ ن َرب ّ ُ و َ ش ْ خ َ ن يَ ْ ذي َ ن ال ّ ِ } إِ ّ
َ َ َ َ َ
و
ه َ و ُ ق َ خل َ ن َ م ْ م َ عل ُ ر ) (13أل ي َ ْ دو َ ِ ص ُ ت ال ّ ذا ِ م بِ َ عِلي ٌ ه َ ه إ ِن ّ ُ هُروا ب ِ ِ ج َوا ْ مأ ِ ول َك ُ ْق ْ َ
ها
مَناك ِب ِ َ في َ شوا ِ م ُ فا ْ ً
ض ذَلول َ ُ م الْر َ ْ ل لك ُ َُ ع َ ج َ ذي َ ّ
و ال ِ ه َ خِبيُر )ُ (14 ف ال َْ طي ُ الل ِ ّ
َ َ َ
ف ب ِك ُ ُ
م س َ خ ِ ماء أن ي َ ْ س َ في ال ّ من ِ منُتم ّ شوُر ) (15أأ ِ ه الن ّ ُ وإ ِل َي ْ ِ ه َ ق ِ من ّرْز ِ وك ُُلوا ِ َ
م ُ ك ي َ لع َ
ل س ر ي أن َ ماء س ال في من تم من َ أ م َ أ ( 16 ) ر مو ت ي ه ذاَ إ َ
ف ض َ
ْ ْ َ ُ ْ ِ ّ َ ِ ّ ْ ِ ُ ِ َ َ ُ ُ ِ ا ْ َ ر ل
ففك َي ْ َ م َ ه ْقب ْل ِ ِمن َ ن ِ ذي َ ب ال ّ ِ قدْ ك َذّ َ ول َ َ ر )َ (17 ذي ِ ف نَ ِ ن ك َي ْ َ مو َ عل َ ُست َ ْ ف َ صًبا َ حا ِ َ
ر ){ (18 كي ِ ن نَ ِ كا َ َ
7
والناس لطول ألفتهم لحياتهم على هذه الرض ..ينسون نعمة الله في تذليلها لهم
وتسخيرها .والقرآن يذكرهم هذه النعمة الهائلة،ويبصرهم بها ،في هذا التعبير الذي
يدرك منه كل أحد وكل جيل بقدر ما ينكشف له من علم هذه الرض الذلول .
) فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه ( .
والمناكب والمرتفعات ،أو الجوانب .وإذا أذن له بالمشي في مناكبها فقد أذن له
بالمشي في سهولها وبطاحها من باب أولى .والرزق الذي فيها كله من خلقه ،وكله
من ملكه ،وهو أوسع مدلول مما يتبادر إلى أذهان الناس من كلمة الرزق .فليس هو
المال الذي يجده أحدهم في يده ،ليحصل به على حاجياته ومتاعه .إنما هو كل ما
أودعه الله هذه الرض ،من أسباب الرزق ومكوناته .
) وإليه النشور ( ..
إليه ..وإل فإلى أين إن لم تكن إليه ؟ والملك بيده ؟ ول ملجأ منه إل إليه ؟ وهو على
كل شيء قدير ؟
والن -وبينما هم في هذا المان على ظهر الرض الذلول ،وفي هذا اليسر
الفائض بإذن الله وأمره ..الن يهز هذه الرض الساكنة من تحت أقدامهم هزا ويرجها
رجا فإذا هي تمور .ويثير الجو من حولهم فإذا هو حاصب يضرب الوجوه والصدور ..
يهز هذه الرض في حسهم ويثير هذا الحاصب في تصورهم ،لينتبهوا من غفلة المان
والقرار ،ويمدوا بأبصارهم إلى السماء وإلى الغيب ،ويعلقوا قلوبهم بقدر الله :
) أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الرض فإذا هي تمور .أم أمنتم
من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير (
والبشر الذين يعيشون على ظهر هذه الدابة الذلول ..يعرفون كيف تتحول ..في
بعض الحيان ،عندما يأذن الله بأن تضطرب قليل فيرتج كل شيء فوق ظهرها أو
يتحطم ! ويمور كل ما عليها ويضطرب فل تمسكه قوة ول حيلة .ذلك عند الزلزل
والبراكين ..وهي تمور ..والبشر ل يملكون من هذا المر شيئا ول يستطيعون .
والبشر كذلك يشهدون العواصف الجامحة الحاصبة التي تدمر وتخرب ،وتحرق
وتصعق .وهم بإزائها ضعاف عاجزون ..والقرآن يذكر البشر ..يذكرهم بهذه
الجمحات التي ل يملكون من أمرها شيئا .والرض الثابتة تحت أقدامهم ترتج وتمور ،
وتقذف بالحمم وتفور .والريح الرخاء من حولهم تتحول إلى إعصار حاصب ل تقف له
قوة في الرض من صنع البشر ،ول تصده عن التدمير ..يحذرهم وينذرهم في تهديد
يرج العصاب ) ..فستعلمون كيف نذير ( !!!
ويضرب لهم المثلة من واقع البشرية ،ومن وقائع الغابرين المكذبين ) :ولقد
كذب الذين من قبلهم ،فكيف كان نكير ؟ ( ..والنكير النكار وما يتبعه من
الثار ،ولقد أنكر الله ممن كذبوا قبلهم أن يكذبوا .وهو يسألهم ) :فكيف كان
نكير ؟ ( وهم يعلمون كيف كان ،فقد كانت آثار الدمار والخراب تصف لهم كيف كان
هذا النكير ! وكيف كان ما أعقبه من تدمير !
التقويم :
-1بين المقابلة فى الية ) ( 12وما سبقتها من آيات .
-2حدد المثلة فى هذا المقطع التى تؤكد الية الولى فى
السورة .
-3بين ما فى كل مثال من قدرة الله عز وجل .
-4بين علقة كل آية تظهر فيها قدرة الله عز وجل والنسان
نفسه .
-5عبر عن تأثير قراءتك لهذه اليات فى وجدانك .
8
" -6تربي اليات فى حس المسلم أن يكون يقظا ً منتبها ً لمصيره
حتى ل تخسف به الرض أو يرسل عليه العواصف المدمرة " وضح
ذلك .
التقوي والخشية توصلن العبد إلي درجة عظيمة عند الله . -7
أذكر الية الدالة علي ذالك .
السعي علي الرزق في الدنيا ل يشغل النسان عن التطلع -8
للخرة أذكر الية الدالة علي ذالك ؟
العتبار بمصير المكذبين واليقين في قوة الله من عوامل -9
عدم الوقوع في المهالك وضح ذالك من خلل السورة وأذكر
النهاية السيئة لبعض الظالمين المكذبين 0
الدرس الثالث
تأمل وتفكر ...وبيان وإنذار
اليات من ) ( 30- 19
ّ َ
نم ُ ح َ ن إ ِل الّر ْ ه ّ ُ
سك ُ م ِ ما ي ُ ْ ن َ ض َ قب ِ ْ وي َ ْ ت َ فا ٍ صا ّ م َ ه ْ ق ُ و َ ف ْ ر َ ِ وا إ َِلى الطّي ْ م ي ََر ْ ول َ ْ }أ َ
َ
ن دو ِ من ُ كم ّ صُر ُ م َين ُ جندٌ ل ّك ُ ْ و ُ ه َ ذي ُ ذا ال ّ ِ ه َ ن َ م ْ صيٌر ) (19أ ّ ء بَ ِ ي ٍ ْ ش ل َ ه ب ِك ُ ّ إ ِن ّ ُ
س َ
ك َ ُ ذي ي َْرُز ُ ّ ه َ َ في ُ ّ َ ْ
م َ نأ ْ م إِ ْ قك ْ ذا ال ِ ن َ م ْ ر ) (20أ ّ غُرو ٍ ن إ ِل ِ فُرو َ ن الكا ِ ن إِ ِ م ِ ح َ الّر ْ
دى َ َ َ
ر ) (21أ َ ون ُ ُ ّ رْز َ
ه َ هأ ْ ه ِ جَ ِ و ْ على َ مك ِّبا َ شي ُ م ِ من ي َ ْ ف َ فو ٍ و َ عت ُ ّ في ُ جوا ِ ه َبل ل ّ ق ُ َِ
لع َ ج و م ُ ك أ ش َ أن َ ذي ّ ل ا و ه ْ
ل ق ُ ( 22 ) م قي ت س م ط را ص لى َ ع يا و س شي م ي من
ْ َ َ َ ِ َ ُ ٍ ِ َ ّ ْ ٍ َ ِ َ َ ِ ّ ِ َ ْ أ ّ
َ َ َ
مذي ذََرأك ُ ْ و ال ّ ِ ه َ ل ُ ق ْ ن )ُ (23 شك ُُرو َ ما ت َ ْ قِليًل ّ فئ ِدَةَ َ واْل ْ صاَر َ واْلب ْ َ ع َ م َ س ْ م ال ّ ل َك ُ ُ
َ
مكنت ُ ْ عدُ ِإن ُ و ْ ذا ال ْ َ ه َ مَتى َ ن َ قوُلو َ وي َ ُ ن )َ (24 شُرو َ ح َ ه تُ ْ وإ ِل َي ْ ِ ض َ في الْر ِ
ْ ِ
ه و َ أ ر ما َ ل فَ ( 26 ) ن بي م ر ذي ن نا َ أ ما ن إ و ه ّ ل ال د عن م ْ ل ع ْ ل ا ما ن إ ْ
ل قُ ( 25 ) ن قي د صا
ّ َ ْ ُ َ َ ِ ٌ ّ ِ ٌ ِ َ ِّ َ ِ ُ ِ َ ِّ َ َ ِ ِ َ
قلْ ن )ُ (27 عو َ ه ت َدّ ُ ذي كنُتم ب ِ ِ ُ ّ
هذا ال ِ َ قيل َ َ و ِ ن كفُروا َ َ َ ذي َ ّ
جوهُ ال ِ و ُت ُ سيئ ْ َ ة ِ ف ً ُزل ْ َ
جيُر ال ْ َ َ َ َ َ
ب ذا ٍ ع َ ن َ م ْ ن ِ ري َ ف ِ كا ِ من ي ُ ِ ف َ مَنا َ ح َ و َر ِ يأ ْ ع َ م ِ من ّ و َ ه َ ي الل ّ ُ هل َك َن ِ َ نأ ْ م إِ ْ أَرأي ْت ُ ْ
في و ِ ه َ ن ُ م ْ ن َ مو َ عل َ ُ ست َ ْ ف َ وك ّل َْنا َ ه تَ َ عل َي ْ ِ و َ ه َ مّنا ب ِ ِ نآ َ م ُ ح َ و الّر ْ ه َ ل ُ ق ْ أ َِليم ٍ )ُ (28
نعي ٍ م ِ ماء ّ كم ب ِ َ من ي َأ ِْتي ُ ف َ وًرا َ غ ْ م َ ؤك ُ ْ ما ُ ح َ صب َ َ نأ ْ
َ
م إِ ْ ل أَرأي ْت ُ ْ
ق ْ َ َ ن )ُ (29 مِبي ٍ ل ّ ضَل ٍ َ
){ (30
9
-10أن يتعلم الدارس أساليب راقية في الدعوة إلي الله من
خلل قوله تعالي ) فمن يجير الكافرين من عذاب أليم ( وقوله
) فستعلمون من هو في ضلل مبين (0 تعالي
المفردات :
– عتو :معاندة واستكبار
-لجوا :استمروا في طغيانهم وضللهم
– مكبا ً علي وجهه :يمشي منحنيا ً يعثر في طريقه ل يدري أين يذهب وكيف يذهب بل
تائه حائر ضال 0
– ذرأكم :الذرء :الكثار أي بثكم ونشركم في -أنشأكم :ابتداء خلقكم
– زلفة :قريبا ً أقطار الرض
– تدعون :تستعجلون أو تدعون انه لن يكون – سيئت :بدا فيها الستياء
– ماء معين :نابع سائح جار علي وجه الرض – غورا ً :ذاهبا ً في الرض إلي أسفل
0
بعدئذ ينتقل بهم من لمسة التهديد والنذير ،إلى لمسة التأمل والتفكير .في مشهد
يرونه كثيرا ،ول يتدبرونه إل قليل .وهو مظهر من مظاهر القدرة ،وأثر من آثار
التدبير اللهي اللطيف .
) أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ؟ ما يمسكهن إل
الرحمن ،إنه بكل شيء بصير ( ..
وهذه الخارقة التي تقع في كل لحظة ،تنسينا بوقوعها المتكرر ،ما تشي به من
القدرة والعظمة .ولكن تأمل هذا الطير ،وهو يصف جناحيه ويفردهما ،ثم يقبضهما
ويضمهما ،وهو في الحالين :حالة الصف الغالبة ،وحالة القبض العارضة يظل في
الهواء ،يسبح فيه سباحة في يسر وسهولة ..تأمل هذا المشهد ..ل يمله النظر ،ول
يمله القلب .وهو متعة فوق هو مثار تفكير وتدبر في صنع الله البديع ،الذي يتعانق
فيه الكمال والجمال !
ثم يوحي بما وراءه من التدبير والتقدير ) :ما يمسكهن إل الرحمن ( ..
والرحمن يمسكهن بنواميس الوجود المتناسقة ذلك التناسق العجيب ،الملحوظ فيه
كل صغيرة وكبيرة ..والرحمن يمسكهن بقدرته القادرة التي ل تكل ،وعنايته الحاضرة
التي ل تغيب .وهي التي تحفظ هذه النواميس أبدا في عمل وفي تناسق وفي
انتظام .فل تفتر ول تختل ول تضطرب غمضة عين إلى ما شاء الله ) :ما
يمسكهن إل الرحمن ( ..بهذا التعبير المباشر الذي يشي بيد الرحمن تمسك بكل
طائر وبكل جناح .
) إنه بكل شيء بصير ( ..يبصره ويراه .ويبصر أمره ويخبره .ومن ثم يهيئ
وينسق ،ويعطي القدرة ،ويرعى كل شيء في كل لحظة رعاية الخبير البصير .
ثم يلمس قلوبهم لمسة أخرى تعود بهم إلى مشهد البأس والفزع من الخسف
والحاصب ،بعد أن جال بهم هذه الجولة مع الطير السابح المن :
) أم من هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن ؟ إن الكافرون
إل في غرور ( ..
وقد خوفهم الخسف وخوفهم الحاصب ،وذكرهم مصائر الغابرين الذين أنكر الله
عليهم وأصابهم التدمير .فهو يعود ليسألهم :من هو هذا الذي ينصرهم ويحميهم من
الله ،غير الله ؟ من هو هذا الذي يدفع عنهم بأس الرحمن إل الرحمن ؟ ) إن
الكافرون إل في غرور ( ..غرور يهيئ لهم أنهم في أمن وفي حماية وفي
10
اطمئنان ،وهم يتعرضون لغضب الرحمن وبأس الرحمن ،بل شفاعة لهم من إيمان
ول عمل يستنزل رحمة الرحمن .
ولمسة أخرى في الرزق الذي يستمتعون به ،وينسون مصدره ،ثم ل يخشون
ذهابه ،ثم يلجون في التبجح والعراض :
) أم من هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه ؟ بل لجوا في عتو ونفور (
..
ورزق البشر كله ..معقود بإرادة الله في أول أسبابه ،في تصميم هذا الكون وفي
عناصر الرض والجو وهي أسباب ل قدرة للبشر عليها إطلقا ،ول تتعلق بعملهم بتاتا .
فهي أسبق منهم في الوجود ،وهي أكبر منهم في الطاقة ،وهي أقدر منهم على محو
كل أثر للحياة حين يشاء الله .
وفي هذا المدلول الكبير الواسع العميق تنطوي سائر المدلولت القريبة لكلمة
الرزق ،مما يتوهم النسان أنها من كسبه وفي طوقه ،كالعمل ،والبداع ،والنتاج ..
وكلها مرتبطة بقيام السباب والعناصر الولى من جهة ومتوقفة على هبة الله للفراد
والمم من جهة أخرى ..
) بل لجوا في عتو ونفور ( .
والتعبير يرسم خدا مصعرا ،وهيئة متبجحة ،بعد تقريره لحقيقة الرزق ..وهو تصوير
لحقيقة النفوس التي تعرض عن الدعوة إلى الله في طغيان عات ،وفي إعراض
نافر ،وتنسى أنها من صنع الله ،وأنها تعيش على فضله ،وأنها ل تملك من أمر
وجودها وحياتها ورزقها شيئا على الطلق !
ولقد كانوا -مع هذا -يتهمون النبي ومن معه بالضلل ؛ ويزعمون لنفسهم أنهم
أهدى سبيل ! كما يصنع أمثالهم مع الدعاة إلى الله في كل زمان .ومن ثم يصور لهم
واقع حالهم وحال المؤمنين في مشهد حي يجسم حقيقة الحال :
) أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى ؟ أم من يمشي سويا على صراط
مستقيم ؟ ( ..والذي يمشي مكبا على وجهه إما أن يكون هو الذي يمشي على
وجهه فعل ل على رجليه ..وإما أن يكون هو الذي يعثر في طريقه فينكب على وجهه ،
ثم ينهض ليعثر من جديد ! وهذه كتلك حال بائسة تعاني المشقة والعسر والتعثر ..
وأين هي من حال الذي يمشي مستقيما سويا في طريق ل عوج فيه ول عثرات ..
إن الحال الولى هي حال الشقي المنكود الضال عن طريق الله ،المحروم من
هداه ..والحال الثانية هي حال السعيد المهتدي إلى الله ،المتمتع بهداه .
وعلى ذكر الهدى والضلل ،يذكرهم بما وهبهم الله من وسائل الهدى ،وأدوات
الدراك ثم لم ينتفعوا بها ،ولم يكونوا من الشاكرين :
) قل :هو الذي أنشأكم ،وجعل لكم السمع والبصار والفئدة ،قليل
ما تشكرون ( ..
وحقيقة أن الله هو الذي أنشأ النسان ،حقيقة تلح على العقل البشري ،وتثبت ذاتها
بتوكيد يصعب رده .فالنسان قد وجد -وهو أرفع وأعلم وأقدر ما يعلم من الخلئق -
وهو لم يوجد نفسه ،فل بد أن يكون هناك من هو أرفع وأعلم وأقدر منه أوجده ..ول
مفر من العتراف بخالق ..
والقرآن يذكر هذه الحقيقة هنا ليذكر بجانبها ما زود الله به النسان من وسائل
المعرفة ..
) وجعل لكم السمع والبصار والفئدة ( ..
وما قابل النسان به هذه النعمة :نعمة النشاء ونعمة السمع والبصار والفئدة :
) قليل ما تشكرون ( ..والسمع والبصار معجزتان كبيرتان عرف عنهما بعض
خواصهما العجيبة .والفئدة التي يعبر بها القرآن عن قوة الدراك والمعرفة ،معجزة
أعجب وأغرب .ولم يعرف بعد عنها إل القليل .وهي سر الله في هذا المخلوق الفريد
11
..وعلى هذه الهبات الضخمة التي أعطيها النسان لينهض بتلك المانة الكبرى ،فإنه
لم يشكر ) :قليل ما تشكرون ( ..وهو أمر يثير الخجل والحياء عند التذكير به .
ثم يذكرهم أن الله لم ينشئ البشر ويمنحهم هذه الخصائص عبثا ول جزافا لغير
قصد ول غاية .إنما هي فرصة الحياة للبتلء .ثم الجزاء في يوم الجزاء :
) قل :هو الذي ذرأكم في الرض وإليه تحشرون ( ..
والذرء :الكثار .ويحمل كذلك معنى النتشار .والحشر :الجمع بعد النشر في
الرجاء ..وليتذكر البشر وهم منتشرون في الرض أن هناك غاية هم صائرون إليها ،
هي الجمع والحشر .وأن هناك أمرا وراء هذا ،ووراء البتلء بالموت والحياة .
ثم يحكي شكهم في هذا الحشر ،وارتيابهم في هذا الوعد :
) ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ؟ ( ..
وهو سؤال الشاك المستريب .كما أنه سؤال المماحك المتعنت .فإن معرفة موعد
هذا الوعد وميقاته ل تقدم ول تؤخر ..فالمهم أنه آت ،وأنهم محشورون فيه ،وأنهم
مجازون بما عملوا في الحياة .
ومن ثم لم يطلع الله أحدا من خلقه على موعده ،لنه ل مصلحة لهم في
معرفته ..بل المصلحة والحكمة في إخفاء ميقاته عن الخلق كافة ،واختصاص الله
بعلم ذلك الموعد ،دون الخلق جميعا :
) قل إنما العلم عند الله ،وإنما أنا نذير مبين ( .
..ويقف الخلق -بما فيهم الرسل والملئكة -في مقامهم متأدبين عند مقام اللوهية
العظيم :
) وإنما أنا نذير مبين ( ..وظيفتي النذار ،ومهمتي البيان .أما العلم فعند
صاحب العلم الواحد بل شريك .
وبينما هم يسألون في شك ويجابون في حزم ،يخيل السياق القرآني كأن هذا اليوم
الذي يسألون عنه قد جاء:
) فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا ،وقيل :هذا الذي كنتم به
تدعون ( !
فقد رأوه قريبا مواجها لهم حاضرا أمامهم دون توقع ودون تمهيد .فسيئت وجوههم ،
وبدا فيها الستياء .ووجه إليهم التأنيب ) :وقيل :هذا الذي كنتم به
تدعون ( ..هذا هو حاضرا قريبا .وهو الذي كنتم تدعون أنه لن يكون !
ولقد كانوا يتربصون بالنبي والحفنة المؤمنة التي معه أن يهلكوا فيستريحوا
منهم ..كما كانوا يتبجحون أحيانا فيزعمون أن الله سيهلك محمدا ومن معه لنهم
ضالون ،ولنهم يكذبون على الله فيما يقولون ! فهنا أمام مشهد الحشر والجزاء ،
ينبههم إلى أن أمنيتهم حتى لو تحققت ل تعصمهم هم من عاقبة الكفر والضلل .
فأولى لهم أن يتدبروا أمرهم قبل هذا الموعد الذي واجههم به كأنه واقع بهم :
) قل :أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا ،فمن يجير
الكافرين من عذاب أليم ؟ ( ..
وهو سؤال يردهم إلى تدبر حالهم ،والتفكير في شأنهم ،وهو الولى ..ولكنه ل
يقول لهم :فمن يجيركم من عذاب أليم ؟ ول ينص على أنهم كافرون .إنما يلوح لهم
بالعذاب الذي ينتظر الكافرين ..وهو أسلوب في الدعوة حكيم ..فلو جابههم بأنهم
كافرون ..فربما جهلوا وحمقوا وأخذتهم العزة بالثم أمام التهام المباشر والتهديد .
ثم يترقى من هذه التسوية بين المرين ،إلى تقرير موقف المؤمنين من ربهم وثقتهم
به وتوكلهم عليه ..وثقتهم بهداهم ،وبأن الكافرين في ضلل مبين ..
) قل :هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا .فستعلمون من هو في
ضلل مبين ( ..
12
وذكر صفة ) الرحمن ( هنا يشير إلى رحمته العميقة الكبيرة برسوله والمؤمنين معه
؛ فهو لن يهلكهم كما يتمنى الكافرون أو كما يدعون .ويوجه النبي إلى إبراز الصلة
التي تربطهم بربهم الرحمن .صلة اليمان ) آمنا به ( ..
وصلة التوكل ) وعليه توكلنا ( ..عليه وحده ..ثم ذلك التهديد الملفوف :
) فستعلمون من هو في ضلل مبين ( ..وهو أسلوب كذلك من شأنه أن
يخلخل الصرار على الجحود ؛ ويدعوهم إلى مراجعة موقفهم مخافة أن يكونوا هم
الضالين ..وفي الوقت ذاته ل يجبههم بأنهم ضالون فعل ،حتى ل تأخذهم العزة
بالثم .وهو أسلوب في الدعوة يناسب بعض حالت النفوس ..
وأخيرا يجيء اليقاع الخير في السورة يلمح لهم بعذاب الدنيا قبل عذاب الخرة ،
وذلك بحرمانهم من سبب الحياة الول وهو الماء :
) قل :أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين ؟ ( ..
والماء الغور :الغائر الذاهب في الرض ل يقدرون عليه .والمعين :النابع الفائض
المتدفق .وهي لمسة قريبة في حياتهم ،إن كانوا ما يزالون يستبعدون ذلك اليوم
ويشكون فيه ..والملك بيد الله وهو على كل شيء قدير .فكيف لو توجهت إرادته
إلى حرمانهم مصدر الحياة القريب
التقويم :
-1حدد المثلة التى تظهر قدرة الله عز وجل فى اليات .
-2بين ما فى كل مثال من قدرة الله عز وجل .
-3بين العلقة بين كل مثال والنسان نفسه .
-4حدد اليات التى تدعو النسان إلى التفكر والتدبر فى خلق
الله عز وجل .
-5وضح الساليب التى خاطب الله عز وجل بها الكافرين فى
اليات مع بيان الهدف من كل أسلوب .
-6وضح الفرق الشاسع بين حال الشقي الضال عن طريق
الدعوة وحال السعيد المهتدي المتمتع بهدي الله من خلل اليات .
" أن مهمة الرسل والدعاة من بعدهم هي النذار والبيان " -7
وضح ذلك .
" -8أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن إن
الكافرون إل في غرور " ماذا تستفيد من هذه الية
أمدنا الله بنعم كثيرة ومنها وسائل التعلم ..أذكر الية الدالة -9
ً
علي هذه النعم موضحا كيف نستخدمها في التعرف علي الله
وهداية الناس ؟
-10اليات الخيرة ترشدنا إلي بعض أساليب الدعوة حتى مع
الكافرين أذكر اليات ووضح فن الدعوة إلي الله من خللها
ســورة القلم
مقدمة السورة
ل يمكن تحديد التاريخ الذي نزلت فيه هذه السورة سواء مطلعها أو جملتها . .
والروايات التي تقول :إن هذه السورة هي الثانية في النزول بعد سورة العلق كثيرة ،
ومن المتفق عليه في ترتيب المصاحف المختلفة أنها هي السورة الثانية ،ولكن سياق
السورة وموضوعها وأسلوبها يجعلنا نرجح غير هذا .حتى ليكاد يتعين أنها نزلت بعد
فترة من الدعوة العامة ،التي جاءت بعد نحو ثلث سنوات من الدعوة الفردية ،في
الوقت الذي أخذت فيه قريش تدفع هذه الدعوة وتحاربها ،فتقول عن رسول الله
13
تلك القولة الفاجرة ؛ وأخذ القرآن يردها وينفيها ،ويهدد المناهضين للدعوة ،ذلك
التهديد الوارد في السورة .
كذلك ذكرت بعض الروايات أن في السورة آيات مدنية من الية السابعة عشرة إلى
نهاية الية الثالثة والثلثين ..ونحن نستبعد هذا كذلك .ونعتقد أن السورة كلها مكية .
لن طابع هذه اليات عميق في مكيته ..والذي نرجحه بشأن السورة كلها أنها ليست
الثانية في ترتيب النزول ؛ وأنها نزلت بعد فترة من البعثة النبوية بعد أمر النبي
بالدعوة العامة ..والمشهد الخير في السورة يوحي بهذا كذلك ) :وإن يكاد الذين
كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون :إنه لمجنون ( ..فهو مشهد
دعوة عامة لمجموعات كبيرة .ولم يكن المر كذلك في أول الدعوة ..
***
لقد كانت هذه الغرسة -غرسة العقيدة السلمية -تودع في الرض لول مرة في
صورتها الرفيعة المجردة الناصعة .وكانت غريبة على حس الجاهلية السائدة ،ل في
الجزيرة العربية وحدها بل كذلك في أنحاء الرض جميعا .
وكانت النقلة عظيمة بين الصورة الباهتة المحرفة المشوهة من ملة إبراهيم التي
يستمسك بخيوط حائلة منها مشركو قريش ..وبين الصورة الباهرة العظيمة
المستقيمة الواضحة البسيطة الشاملة المحيطة التي جاءهم بها محمد متفقة في
أصولها مع الحنيفية الولى -دين إبراهيم عليه السلم .-
وكانت النقلة عظيمة بين الشرك بالله وتعدد الرباب ،وعبادة الملئكة وتماثيلها ،
والتعبد للجن وأرواحها ..وبين الصورة الباهرة التي يرسمها القرآن للذات اللهية
الواحدة وعظمتها وقدرتها ،وتعلق إرادتها بكل مخلوق .
كذلك كانت النقلة عظيمة بين الطبقية السائدة في الجزيرة ..وبين البساطة
والمساواة أمام الله والتصال المباشربينه وبين عباده كما جاء بها القرآن .
ومثلها كانت النقلة بين الخلق السائدة في الجاهلية والخلق التي جاء القرآن يبشر
بها ،وجاء محمد يدعو إليها ويمثلها .
وكانت هذه النقلة وحدها كافية للتصادم بين العقيدة الجديدة وبين قريش ومعتقداتها
وأخلقها .ولكن هذه لم تكن وحدها .فقد كان إلى جانبها اعتبارات -ربما كانت أضخم
في تقدير قريش من العقيدة ذاتها -على ضخامتها .
كانت هناك العتبارات الجتماعية . .فإن رسول الله مع شرف نسبه ،وأنه في
الذؤابة من قريش ،لم تكن له مشيخة فيهم ول رياسة قبل البعثة .بينما كان هناك
مشيخة قريش ومشيخة ثقيف وغيرهما ،في بيئة تجعل للمشيخة والرياسة القبلية كل
العتبار ،فلم يكن من السهل النقياد خلف محمد من هؤلء المشيخة !
وكانت هناك العتبارات العائلية التي تجعل رجل كأبي جهل "عمرو بن هشام" يأبى أن
يسلم بالحق الذي يواجهه بقوة في الرسالة السلمية ،لن نبيها من بني عبد مناف ..
وكانت هناك اعتبارات أخرى نفعية وطبقية ونفسية من ركام الجاهلية في المشاعر
والتصورات والوضاع.
والرسول ولو أنه نبي ..هو بشر ،تخالجه مشاعر البشر .وكان يتلقى هذه المقاومة
العنيفة ،وتلك الحرب التي شنها عليه المشركون ،ويعاني وقعها العنيف الليم ،هو
والحفنة القليلة التي آمنت به على كره من المشركين ..والسخرية والستهزاء -مع
الضعف والقلة -مؤذيان أشد اليذاء للنفس البشرية ،ولو كانت هي نفس رسول .
ومن ثم نرى في الصور المكية ..أن الله كأنما يحتضن -سبحانه -رسوله والحفنة
المؤمنة معه ،ويواسيه ويسري عنه ،ويثني عليه وعلى المؤمنين .ويبرز العنصر
الخلقي الذي يتمثل في هذه الدعوة وفي نبيها الكريم .وينفي ما يقوله المتقولون
عنه ،ويطمئن قلوب المستضعفين بأنه هو يتولى عنهم حرب أعدائهم ،ويعفيهم من
التفكير في أمر هؤلء العداء القوياء الغنياء !
14
ونجد من هذا في سورة القلم مثل قوله تعالى عن النبي :
) ن .والقلم وما يسطرون .ما أنت بنعمة ربك بمجنون .وإن لك لجرا غير
ممنون .وإنك لعلى خلق عظيم ( ..
وقوله تعالى عن المؤمنين :
) إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم .أفنجعل المسلمين كالمجرمين ؟ مالكم ؟
كيف تحكمون ؟! ( ..
ويقول عن أحد أعداء النبي البارزين :
) ول تطع كل حلف مهين .هماز مشاء بنميم .مناع للخير معتد أثيم .عتل بعد ذلك
زنيم .أن كان ذا مال وبنين .إذا تتلى عليه آياتنا قال :أساطير الولين .سنسمه على
الخرطوم ! ( ..
ثم يقول عن حرب المكذبين عامة :
) فذرني ومن يكذب بهذا الحديث .سنستدرجهم من حيث ل يعلمون .وأملي عليهم
إن كيدي متين ( ..
وذلك غير عذاب الخرة المذل للمتكبرين :
) يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فل يستطيعون .أبصارهم ترهقهم
ذلة .وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ( ..
ويضرب لهم أصحاب الجنة -جنة الدنيا -مثل على عاقبة البطر تهديدا لكبراء قريش
المعتزين بأموالهم وأولدهم ممن لهم مال وبنون ؛ الكائدون للدعوة بسبب مالهم من
مال وبنين .
وفي نهاية السورة يوصي النبي بالصبر الجميل ) :فاصبر لحكم ربك ول تكن
كصاحب الحوت . ( ..
ومن خلل هذه المواساة وهذا الثناء وهذا التثبيت ،مع الحملة القاسمة على
المكذبين والتهديد الرهيب ،يتولى الله -سبحانه -بذاته حربهم في ذلك السلوب
العنيف ..من خلل هذا كله نتبين ملمح تلك الفترة ،فترة الضعف والقلة ،وفترة
المعاناة والشدة ،وفترة المحاولة القاسية لغرس تلك الغرسة الكريمة في تلك التربة
العنيدة !
الدرس الول
إلصاق التهمة برسول الله ودفاع الله عنه وتثبيته
اليات من ) ( 16 : 1
ن لَ َ َ
ك وإ ِ ّ ن )َ (2 جُنو ٍ م ْ ك بِ َ ة َرب ّ َ م ِع َ ت ب ِن ِ ْ ما أن َ ن )َ (1 سطُُرو َ ما ي َ ْ و َقل َم ِ َ وال ْ َ }ن َ
ن )(5 صُرو َ وي ُب ْ ِ صُر َ ست ُب ْ ِ ف َ ظيم ٍ )َ (4 ع ِ ق َ ٍ
خل ُ على ُ ك لَ َوإ ِن ّ َ
ن )َ (3 مُنو ٍ م ْ غي َْر َ جًرا َ َل َ ْ
عل َ ُ
م و أَ ْ ه َ و ُ ه َ سِبيل ِ ِ عن َ ل َ ض ّ من َ م بِ َ عل َ ُ و أَ ْ ه َك ُ ن َرب ّ َ ن ) (6إ ِ ّ فُتو ُ م ْ م ال ْ َ
َ
ب ِأيي ّك ُ ُ
وَل ن )َ (9 هُنو َ في ُدْ ِ ن َ ه ُ و ت ُدْ ِدوا ل َ ْ و ّ ن )َ (8 مك َذِّبي َ ع ال ْ ُ فل ت ُطِ ِ
ن )َ َ (7 دي َ هت َ ِ م ِْبال ْ ُ
َ ع ل ّل ْ َ
د أِثيم ٍ عت َ ٍم ْر ُ خي ْ ِ مّنا ٍ ميم ٍ )َ (11 شاء ب ِن َ ِ م ّ ز ّ ما َ ٍ
ه ّ ن )َ (10 هي ٍ م ِ ف ّ حّل ٍ ل َ ع كُ ّ ت ُطِ ْ
ه َ
علي ْ ِ ذا ت ُت ْلى َ َ ن ) (14إ ِ َ وب َِني َ ل َ ما ٍ ذا َ ن َ َ
عدَ ذَل ِك َزِنيم ٍ ) (13أن كا َ َ ل بَ ْ عت ُ ّ )ُ (12
خْرطوم ِ ){(16 ُ ْ
على ال ُ َ ه َ َ ْ َ قا َ آَيات َُنا َ
م ُ س ُ سن َ ِ ن )َ (15 وِلي َ طيُر ال ّ سا ِ لأ َ
15
الهداف الجرائية السلوكية :
-1أن يذكر الدارس التهمة التى ألصقها الكفار برسول الله
صلى الله عليه وسلم .
-2أن يوضح الدارس دفاع الله عز وجل عن رسوله ضد هذه
التهمة .
-3أن يبين الدارس ما في اليات من تثبيت لرسول الله صلى
الله عليه وسلم .
-4أن يوضح الدارس توجيهات الله عز وجل لرسوله فى هذه
اليات .
أن يذكر الدارس فيمن نزلت هذه اليات ) . ( 16- 10 -5
أن يتنزه الدارس عن صفات المكذبين التي وردت في اليات -6
" فل تطع المكذبين ...سنسمه علي الخرطوم " 0
المفردات
-عُُتل :فظ غليظ -غير ممنون :غير مقطوع
-الزنيم :الملصق بالقوم ليس منهم وهو الفاحش اللئيم الذي يعرف بالشر والمراد به
" الخنس ابن شريق " وقيل الوليد ابن المغيرة
-سنسمه علي الخرطوم :سنبين أمره بيانا واضح حتى يعرفوه ول يخفي عليهم كما ل
تخفي عليهم السمة علي الخراطيم وقيل " سنسمه " سمة أهل النار :يعنى نسود
وجهه يوم القيامة وعبر عن الوجه بالخرطوم ول مانع من اجتماع الجميع عليه في
الدنيا والخرة
17
منها كالكبير .بل ليس في العقيدة صغير وكبير .إنها حقيقة واحدة متكاملة الجزاء .
ل يطيع فيها صاحبها أحدا ،ول يتخلى عن شيء منها أبدا .
وقد وردت روايات شتى فيما كان يدهن به المشركون للنبي ليدهن لهم ويلين ؛
ويترك سب آلهتهم وتسفيه عبادتهم ،أو يتابعهم في شيء مما هم عليه ليتابعوه في
دينه ..ولكن الرسول كان حاسما في موقفه من دينه ،ل يدهن فيه ول يلين .وهو
فيما عدا الدين ألين الخلق جانبا وأحسنهم معاملة وأبرهم بعشيرة وأحرصهم على
اليسر والتيسير .فأما الدين فهو الدين ! وهو فيه عند توجيه ربه ):فل تطع
المكذبين (
ولم يساوم في دينه وهو في أحرج المواقف العصيبة في مكة .وهو محاصر
بدعوته .وأصحابه القلئل يتخطفون ويعذبون ويؤذون في الله أشد اليذاء وهم
صابرون .ولم يسكت عن كلمة واحدة ينبغي أن تقال في وجوه القوياء المتجبرين ،
تأليفا لقلوبهم ،أو دفعا لذاهم .ولم يسكت كذلك عن إيضاح حقيقة تمس العقيدة من
قريب أو من بعيد .
ثم يبرز قيمة العنصر الخلقي مرة أخرى في نهي الرسول عن إطاعة أحد هؤلء
المكذبين بالذات ،ويصفه بصفاته المزرية المنفرة ،ويتوعده بالذلل والمهانة :
) ول تطع كل حلف مهين .هماز مشاء بنميم .مناع للخير معتد أثيم .
عتل بعد ذلك زنيم .أن كان ذا مال وبنين .إذا تتلى عليه آياتنا قال :
أساطير الولين .سنسمه على الخرطوم ( ..
وقد قيل :إنه الوليد بن المغيرة ..كما قيل :إن آيات سورة القلم نزلت في الخنس
بن شريق ..وكلهما كان ممن خاصموا رسول الله ولجوا في حربه والتأليب عليه
أمدا طويل .
وهذه الحملة القرآنية العنيفة في هذه السورة ..شاهد على شدة دوره سواء كان هو
الوليد أو الخنس ..في حرب الرسول والدعوة ،كما هي شاهد على سوء طويته ،
وفساد نفسه ،وخلوها من الخير .
والقرآن يصفه هنا بتسع صفات كلها ذميم ...
فهو حلف ..كثير الحلف .ول يكثر الحلف إل إنسان غير صادق ،يدرك أن الناس
يكذبونه ول يثقون به ..وهو مهين ..ل يحترم نفسه ،ول يحترم الناس قوله ..ولو كان
ذا مال وذا بنين وذا جاه ..
وهو هماز ..يهمز الناس ويعيبهم بالقول والشارة في حضورهم أو في غيبتهم سواء .
وخلق الهمز يكرهه السلم أشد الكراهية ؛ فهو يخالف المروءة ،ويخالف أدب النفس
،ويخالف الدب في معاملة الناس..
وهو مشاء بنميم .يمشي بين الناس بما يفسد قلوبهم ،ويقطع صلتهم ،ويذهب
بموداتهم .وهو خلق ذميم كما أنه خلق مهين ،ل يتصف به ول يقدم عليه إنسان
يحترم نفسه أو يرجو لنفسه احتراما عند الخرين ..ولم يكن بد للسلم أن يشدد في
النهي عن هذا الخلق الذميم الوضيع ،الذي يفسد القلب ،كما يفسد الصحب ..ويفقد
الناس الثقة بعضهم ببعض .
وهو مناع للخير ..يمنع الخير عن نفسه وعن غيره .ولقد كان يمنع اليمان وهو جماع
الخير ..
وهو معتد .متجاوز للحق والعدل إطلقا .ثم هو معتد على النبي وعلى المسلمين
وعلى أهله وعشيرته الذين يصدهم عن الهدى ويمنعهم من الدين ..
وهو أثيم ..يرتكب المعاصي حتى يحق عليه الوصف الثابت ) .أثيم ( ..بدون تحديد
لنوع الثام التي يرتكبها ..
وهو بعد هذا كله ) عتل ( ..وهي لفظة تعبر بجرسها وظلها عن مجموعة من
الصفات ومجموعة من السمات ،ل تبلغها مجموعة ألفاظ وصفات .فقد يقال :إن
18
العتل هو الغليظ الجافي .وإنه الكول الشروب .وإنه الشره المنوع .وإنه الفظ في
طبعه ،اللئيم في نفسه ،السيء في معاملته ..ولكن تبقى كلمة ) عتل ( بذاتها أدل
على كل هذا ،وأبلغ تصويرا للشخصية الكريهة من جميع الوجوه .
وهو زنيم ..وهذه خاتمة الصفات الذميمة الكريهة المتجمعة في عدو من السلم
..والزنيم من معانيه اللصيق في القوم ل نسب له فيهم ،أو أن نسبه فيهم ظنين .
ومن معانيه ،الذي اشتهر وعرف بين الناس بلؤمه وخبثه وكثرة شروره .
ثم يعقب على هذه الصفات الذاتيه بموقفه من آيات الله ،مع التشنيع بهذا الموقف
الذي يجزي به نعمة الله عليه بالمال والبنين :
) أن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال :أساطير الولين ( ..
وما أقبح أن يجزي إنسان نعمة الله عليه بالمال والبنين ؛ استهزاءا َ بآياته ،وسخرية
من رسوله ،واعتداء على دينه ..وهذه وحدها تعدل كل ما مر من وصف ذميم .
ومن ثم يجيء التهديد من الجبار القهار ،يلمس في نفسه موضع الختيال والفخر
بالمال والبنين ؛ كما لمس وصفه من قبل موضع الختيال بمكانته ونسبه ..ويسمع
وعد الله القاطع :
) سنسمه على الخرطوم ( ..
ومن معاني الخرطوم طرف أنف الخنزير البري ..ولعله هو المقصود هنا كناية عن
أنفه ..والتهديد بوسمه على الخرطوم يحوي نوعين من الذلل والتحقير ..الولى
الوسم كما يوسم العبد ..والثاني جعل أنفه خرطوما كخرطوم الخنزير !
وما من شك أن وقع هذه اليات على نفس الوليد كان قاصما .فهو من أمة كانت تعد
هجاء شاعر -ولو بالباطل -مذمة يتوقاها الكريم ! فكيف بدمغه بالحق من خالق
السماوات والرض .بهذا السلوب الذي ل يبارى ..إنها القاصمة التي يستأهلها عدو
السلم وعدو الرسول الكريم صاحب الخلق العظيم ..
التقويم :
-1أذكر التهمة التى ألصقها الكفار برسول الله صلى الله عليه
وسلم .
وضح دفاع الله عز وجل عن رسوله ضد هذه التهمة . -2
-3بين ما في اليات من تثبيت لرسول الله صلى الله عليه
وسلم .
وضح توجيهات الله عز وجل لرسوله فى هذه اليات . -4
أذكر فيمن نزلت هذه اليات ) . ( 16- 10 -5
" ن والقلم وما يسطرون " أذكر إلي ما تشير إليه الية -6
الكريمة 0
" إنما بعثت لتمم مكارم الخلق " وضح علقة الحديث -7
بالسورة الكريمة مبينا أهمية العنصر الخلقي في الدعوة إلي الله
0
أعداء السلم في كل زمان يتمنون أن يتنازل صاحب الدعوة -8
عن جزء من مباديء دعوته وضح ذلك في ضوء قوله تعالي " ودوا
لو تدهن فيدهنون"0
أذكر صفات المكذبين التي وردت في اليات وما دور المسلم -9
في التنزه عنها ؟
19
الدرس الثاني
قصة أصحاب الجنة وما بها من عبر وعظات
اليات من ) ( 33 : 17
ن) حي َ صب ِ ِ م ْ ها ُ من ّ َر ُ ص ِ َ
موا لي َ ْ س ُ ق َ ة إ ِذْ أ َ ْ جن ّ ِ ب ال ْ َ حا َ ص َ
َ
وَنا أ ْ ما ب َل َ ْ م كَ َ ه ْوَنا ُ } إ ِّنا ب َل َ ْ
ن )(19 مو َ م َنائ ِ ُ ه ْ و ُ ك َ من ّرب ّ َ ف ّ طائ ِ ٌ ها َ عل َي ْ َ
ف َ طا َ ف َ ن )َ (18 ست َث ُْنو َ وَل ي َ ْ َ (17
َ َ َ
م ِإن حْرث ِك ُ ْ عَلى َ دوا َ غ ُ نا ْ ن ) (21أ ِ حي َ صب ِ ِ م ْ دوا ُ فت ََنا َ ريم ِ )َ (20 ِ ص
كال ّ ت َ ح ْ صب َ َ فأ ْ
م
و َ ها ال ْي َ ْ خل َن ّ َ ن )َ (23أن ّل ي َدْ ُ فُتو َ خا َ م ي َت َ َ ه ْ و ُقوا َ فانطَل َ ُ ن )َ (22 مي َ ر ِصا ِ م َ كنت ُ ْ ُ
قاُلوا إ ِّنا َ
ها َ و َ ما َرأ ْ فل َ ّ ن )َ (25 ري َ قاِد ِ حْرٍد َ عَلى َ وا َ غد َ ْ و َ ن )َ (24 كي ٌ س ِ م ْ كم ّ عل َي ْ ُ َ
ولَ َ ُ ّ ُ َ َ َ ُ َ َ َ ْ ّ لَ َ
مل ْ م أقل لك ْ م أل ْ ه ْسط ُ و َ ن ) (27قال أ ْ مو َ حُرو ُ م ْ ن َ ح ُ ن ) (26ب َل ن َ ْ ضالو َ
َ ن َرب َّنا إ ِّنا ك ُّنا َ
مه ْ ض ُ ع ُ ل بَ ْ قب َ َ فأ ْ ن )َ (29 مي َ ظال ِ ِ حا َ سب ْ َ قاُلوا ُ ن )َ (28 حو َ سب ّ ُ تُ َ
سى َرب َّنا ع َ ن )َ (31 غي َ َ
وي ْلَنا إ ِّنا كّنا طا ِ ُ َ ُ
ن ) (30قالوا َيا َ َ مو َ و ُ َ
ض ي َت َل َ عَلى ب َ ْ
ع ٍ َ
َ
بذا ُ ع َ ول ََ ب َ ذا ُ ع َ ْ َ
ن ) (32كذَل ِك ال َ َ غُبو َ ها إ ِّنا إ ِلى َرب َّنا َرا ِ َ من ْ َ خي ًْرا ّ دلَنا َ َ أن ي ُب ْ ِ
خر َ
ن ){ (33 مو َ عل َ ُ كاُنوا ي َ ْ و َ ة أك ْب َُر ل َ ْ اْل ِ َ ِ
20
حظهم ) ..إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ،ول
يستثنون ( .
لقد قر رأيهم على أن يقطعوا ثمرها عند الصباح الباكر ،دون أن يستثنوا منه شيئا
للمساكين .وأقسموا على هذا ،وعقدوا النية عليه ،وباتوا بهذا الشر فيما اعتزموه ..
فلندعهم في غفلتهم أو في كيدهم الذي يبيتوه ،ولننظر ماذا يجري من ورائهم في
بهمة الليل وهم ل يشعرون ..
إن هناك مفاجأة تتم في خفية ..والناس نيام :
) فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون .فأصبحت كالصريم ( ..
فلندع الجنة وما ألم بها مؤقتا لننظر كيف يصنع المبيتون الماكرون ..ها هم أولء
يصحون مبكرين كما دبروا ،وينادي بعضهم بعضا لينفذوا ما اعتزموا :
) فتنادوا مصبحين :أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين ( ..يذكر
بعضهم بعضا ويوصى بعضم بعضما ويحمس بعضم بعضا !
ثم يمضي السياق في السخرية منهم ،فيصورهم منطلقين ،يتحدثون في خفوت ،
زيادة في إحكام التدبير ،ليحتجنوا الثمر كله لهم ،ويحرموا منه المساكين ..
) فانطلقوا وهم يتخافتون :أل يدخلنها اليوم عليكم مسكين ( ..
إن السياق ما يزال يسخر من الماكرين المبيتين ) :وغدوا على حرد قادرين (
أجل إنهم لقادرون على المنع والحرمان ..حرمان أنفسهم على أقل تقدير !!
وها هم أولء يفاجأون ) :فلما رأوها قالوا :إنا لضالون ( ..ما هذه جنتنا
الموقرة بالثمار .فقد ضللنا إليها الطريق ! ..ولكنهم يعودون فيتأكدون ) :بل نحن
محرومون ( ..وهذا هو الخبر اليقين !
والن وقد حاقت بهم عاقبة المكر والتبييت ،وعاقبة البطر والمنع ،يتقدم أوسطهم
وأعقلهم وأصلحهم ..ولكنه يذكرهم ما كان من نصحه وتوجيهه :
) قال أوسطهم :ألم أقل لكم :لول تسبحون ( ؟!
والن فقط يسمعون للناصح بعد فوات الوان :
) قالوا :سبحان ربنا ،إنا كنا ظالمين ( ..
وكما يتنصل كل شريك من التبعة عندما تسوء العاقبة ،ويتوجه باللوم إلى الخرين ..
ها هم أولء يصنعون :
) فأقبل بعضهم على بعض يتلومون ( !
ثم ها هم أولء يتركون التلوم ليعترفوا جميعا بالخطيئة أمام العاقبة الرديئة .عسى
أن يغفر الله لهم ،ويعوضهم من الجنة الضائعة على مذبح البطر والمنع والكيد
والتدبير :
) قالوا :يا ويلنا ! إنا كنا طاغين .عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا
إلى ربنا راغبون ( ..
وقبل أن يسدل السياق الستار على المشهد الخير نسمع التعقيب :
) كذلك العذاب .ولعذاب الخرة أكبر لو كانوا يعلمون ( ..
..وأما المتقون الحذرون فلهم عند ربهم جنات النعيم :
التقويم :
قص قصة أصحاب الجنة .كما وردت باليات -4
بين ما في هذه القصة من عبر وعظات 0 -5
أذكر أكثر العبر التي تأثرت بها شخصيا ً من هذه القصة . -6
الدرس الثالث
المتقون والمجرمون وحوار الله معهم ووصيته لنبيه
21
اليات من ) ( 52 : 42
ن
مي َ سل ِ ِ م ْ ل ال ُْ ع ُ ج َ فن َ ْ عيم ِ ) (34أ َ َ ت الن ّ ِ جّنا ِ م َ ه ْ ِ عندَ َرب ّ ن ِ قي َ مت ّ ِ ن ل ِل ْ ُ } إِ ّ
َ َ َ
ن) سو َ ه ت َدُْر ُ في ِ ب ِ م ك َِتا ٌ م لك ُ ْ ن ) (36أ ْ مو َ حك ُ ُ ف تَ ْ م ك َي ْ َ ما لك ُ ْ ن )َ (35 مي َ ر ِ ِ ج م ْ كال ْ ُ َ
َ َ َ َ َ َ َ
وم ِ ة إ ِلى ي َ ْ غ ٌ علي َْنا َبال ِ َ ن َ ما ٌ م أي ْ َ م لك ُ ْ ن ) (38أ ْ خي ُّرو َ ما ي َت َ َ هل َ في ِ م ِ ن لك ُ ْ (37إ ِ ّ
َ َ َ ْ َ َ ال ْ ِ
مه ْ مل ُ م ) (40أ ْ عي ٌ ك َز ِ هم ب ِذَل ِ َ هم أي ّ ُ سل ُ ن )َ (39 مو َ حك ُ ُ ما ت َ ْ مل َ ن لك ُ ْ ة إِ ّ م ِ قَيا َ
قسا ٍ عن َ ف َ ش ُ م ي ُك ْ َ و َ ن ) (41ي َ ْ قي َ صاِد ِ كاُنوا َ م ِإن َ ه ْ ِ كائ ِ شَر َ فل ْي َأ ُْتوا ب ِ ُ كاء َ شَر َ ُ
م ِذل ّ ٌ َ
ة ه ْ ق ُ ه ُ م ت َْر َ ه ْ صاُر ُ ة أب ْ َ ع ً ش َ خا ِ ن َ 42 عو َ طي ُ ست َ ِ فَل ي َ ْ جوِد َ س ُ ن إ َِلى ال ّ و َ ع ْ وي ُدْ َ َ
ه َ
ذا ُ ِ َ ب ب ّ ذ َ ك ُ ي من َ َ و ني ْ ِ ر َ ذ َ
ف 43 ن مو ل
ّ ُ ِ َ ُ ْ َ ِ ُ َ سا م ه و د جو س ال لى َ إ
ُ ْ َ ْ َ ِ ن و ع د ي نوا ُ كاَ د
َ ْ َ
ق و
َ ُ َ َ
ن
مِتي ٌ دي َ ن كي ْ ِ َ م إِ ّ ه ْ مِلي ل ُ وأ ْ ن َ 44 مو َ عل ُ ث ل يَ ْ حي ْ ُ ن َ م ْ هم ّ ج ُ ر ُ ست َدْ َ ِ سن َ ْ ث َ دي ِ ح ِ ال ْ َ
م ال ْ َ َ َ َ
مه ْ ف ُ ب َ غي ْ ُ ه ُ عندَ ُ م ِ ن 46أ ْ قُلو َ مث ْ َ غَرم ٍ ّ م ْ من ّ هم ّ ف ُ جًرا َ مأ ْ ه ْ سأل ُ ُ م تَ ْ 45أ ْ
و
ه َ و ُ دى َ ت إ ِذْ َنا َ حو ِ ب ال ُ ْ ح ِ صا ِ َ
ول ت َكن ك َ ُ َ َ
حكم ِ َرب ّك َ ْ صب ِْر ل ِ ُ ن 47فا ْ َ ي َك ْت ُُبو َ
َ
م 49 مو ٌ مذْ ُ و َ ه َ و ُ عَراء َ ه ل َن ُب ِذَ ِبال ْ َ من ّرب ّ ِ ة ّ م ٌ ع َ ه نِ ْ داَرك َ ُ وَل أن ت َ َ م 48ل َ ْ ظو ٌ مك ْ ُ َ
قون َكَ فُروا لي ُْزل ِ ُ َ نك َ َ ذي َ ّ
وِإن ي َكادُ ال ِ َ ن َ 50 حي َ صال ِ ِ ن ال ّ م َ ه ِ عل ُ َ ج َ ف َ ه َ جت ََباهُ َرب ّ ُ فا ْ َ
ْ ّ َ ُ وي َ ُ ْ َ َ
و إ ِل ِذكٌر ه َ ما ُ و َ ن َ 51 جُنو ٌ م ْ هل َ ن إ ِن ّ ُ قولو َ عوا الذّكَر َ م ُ س ِ ما َ مل ّ ه ْ ر ِ صا ِ ب ِأب ْ َ
ن { 52 مي َ عال ِ َ ل ّل ْ َ
الهداف الجرائية السلوكية :
-1أن يبين الدارس المقابلة بين عاقبة المتقين وعاقبة
المجرمين كما وردت فى اليات .
-2أن يذكر الدارس السئلة التى سألها الله عز وجل فى جداله
مع المجرمين .
-3أن يبين الدارس الهدف من هذا الحوار وما فيه من عبر .
-4أن يصف الدارس حال المجرمين يوم القيامة كما بينت اليات
.
-5أن يبين الدارس الوعيد الذى فى اليات للمجرمين .
-6أن يبين الدارس توجيهات الله عز وجل لرسوله الكريم فى
اليات .
-7أن يحكي الدارس قصة صاحب الحوت والهدف من ذكرها فى
اليات .
-8أن يبين الدارس موقف الكفار من الرسول صلى الله عليه
وسلم فى نهاية السورة .
-9أن يبين الدارس ما في الية الخيرة من أهمية عظيمة للرد
على الكفار .
-10أن يستخدم الدارس السلوب القرآني فى الحوار فى دعوته
مع أهل الباطل .
المفردات
– يوم يكشف عن ساق :يعني يوم القيامة وما يكون فيه من الهوال
– وأملي لهم :أؤخرهم وأمدهم
– كصاحب الحوت :يعني ذا النون وهو " يونس بن متي " عليه السلم
– مكظوم :مغموم ومكروب
– ليزلقونك بأبصارهم :أي يحسدونك لبغضهم إياك لول وقاية الله لك وحمايته إياك
منهم 0
22
وفي هذه الية دليل علي أن العين إصابتها وتأثيرها حقا بأمر الله عز وجل كما ورد
بذلك أحاديث المروية منها ما رواه مسلم في صحيحه عن ابن عباس عن النبي
قال " العين حق ولو كان شيء سابق القدر سبقت العين وإذا استغسلتم فأغسلوا "
ومنها ما أخرجه البخاري وأهل السنن عن ابن عباس قال :كان رسول الله يعوذ
الحسن والحسين يقول " :أعيذكما بكلمات الله التامة ومن كل شيطان وهامة ومن
كل عين لمة " ويقول " :هكذا كان إبراهيم يعوذ اسحاق واسماعيل عليهما السلم "
. 00
) إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم ( ..
وهو التقابل في العاقبة ..تقابل النقيضين اللذين اختلفت بهما الطريق ،فاختلفت
بهما خاتمة الطريق !
وعند هاتين الخاتمتين يدخل معهم في جدل ل تعقيد فيه كذلك ول تركيب .ويتحداهم
ويحرجهم بالسؤال تلو السؤال عن أمور ليس لها إل جواب واحد يصعب المغالطة
فيه :
والسؤال الستنكاري الول ) :أفنجعل المسلمين كالمجرمين ؟ ( ..وهو
سؤال ليس له إل جواب واحد ..ل .ل يكون .فالمسلمون المذعنون المستسلمون
لربهم ،ل يكونون أبدا كالمجرمين الذين يأتون الجريمة عن لجاج يسمهم بهذا الوصف
الذميم.
) يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فل يستطيعون .خاشعة
أبصارهم ترهقهم ذلة .وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم
سالمون ( ..فيقفهم وجها لوجه أمام هذا المشهد كأنه حاضر اللحظة ،وكأنه
يتحداهم فيه أن يأتوا بشركائهم المزعومين .
والكشف عن الساق كناية ..عن الشدة والكرب .فهو يوم القيامة الذي يشمر فيه
عن الساعد ويكشف فيه عن الساق ،ويشتد الكرب والضيق ..ويدعى هؤلء
المتكبرون إلى السجود فل يملكون السجود ،إما لن وقته قد فات ،وإما لنهم ..
يكونون ..وكأن أجسامهم وأعصابهم مشدودة من الهول على غير إرادة منهم.
ثم يكمل رسم هيئتهم ) :خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ( ..هؤلء المتكبرون
المتبجحون .وبينما هم في هذا الموقف المرهق الذليل ،يذكرهم بما جرهم إليه من
إعراض واستكبار ) :وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ( ..
قادرون على السجود .فكانوا يأبون ويستكبرون ..وهم الن يدعون إلى السجود فل
يستطيعون !
وبينما هم في هذا الكرب ،يجيئهم التهديد الرعيب الذي يهد القلوب :
) فذرني ومن يكذب بهذا الحديث ( ..
وهو تهديد مزلزل ..والجبار القهار القوي المتين يقول للرسول :خلي بيني وبين من
يكذب بهذا الحديث .وذرني لحربه فأنا به كفيل !
ومن هو هذا الذي يكذب بهذا الحديث ؟ إنه ذلك المخلوق الصغير الهزيل المسكين
الضعيف ! ..أي هول مزلزل للمكذبين ! وأي طمأنينة للنبي والمؤمنين ..
المستضعفين ..؟
ثم يكشف لهم الجبار القهار عن خطة الحرب مع هذا المخلوق الهزيل الصغير
الضعيف !
) سنستدرجهم من حيث ل يعلمون .وأملي لهم إن كيدي متين ( ..
وإن شأن المكذبين ،وأهل الرض أجمعين ،لهون وأصغر من أن يدبر الله لهم هذه
التدابير ..ولكنه -سبحانه -يحذرهم نفسه ليدركوا أنفسهم قبل فوات الوان ..إنه
سبحانه يمهل ول يهمل .ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته .
23
وفي ظل مشهد القيامة المكروب وظل هذا التهديد المرهوب يكمل الجدل والتحدي
والتعجيب من موقفهم الغريب :
) أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون ؟ ( ..
فثقل الغرامة التي تطلبها منهم أجر على الهداية هو الذي يدفعهم على العراض
والتكذيب ،ويجعلهم يؤثرون ذلك المصير البشع ،على فداحة ما يؤدون ؟!
) أم عندهم الغيب فهم يكتبون ؟ ( ..ومن ثم فهم على ثقة مما في الغيب ،
فل يخيفهم ما ينتظرهم فيه ،فقد اطلعوا عليه وكتبوه وعرفوه ؟ أو أنهم هم الذين
كتبوا ما فيه .فكتبوه ضامنا لما يشتهون ؟ ول هذا ول ذاك ؟ فما لهم يقفون هذا
الموقف الغريب المريب ؟!
وأمام هذه الحقيقة يوجه الله نبيه إلى الصبر .الصبر على تكاليف الرسالة ..ويذكره
بتجربة أخ له من قبل ضاق صدره بهذه التكاليف ،فلول أن تداركته نعمة الله لنبذ وهو
مذموم :
) فاصبر لحكم ربك ،ول تكن كصاحب الحوت .إذ نادى وهو مكظوم .
لول أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم .فاجتباه ربه فجعله
من الصالحين ( ..
وصاحب الحوت هو يونس -عليه السلم .. -وملخص تجربته التي يذكر بها محمدا
لتكون له زادا ورصيدا ..ملخص تلك التجربة أن يونس بن متى -سلم الله عليه -
أرسله الله إلى أهل قرية .قيل اسمها نينوى بالموصل .فاستبطأ إيمانهم ،وشق عليه
تلكؤهم ،فتركهم مغاضبا ..وقد قاده الغضب والضيق إلى شاطئ البحر ،حيث ركب
سفينته ،فلما كانوا في وسط اللج ثقلت السفينة وتعرضت للغرق .فأقرعوا بين
الركاب للتخفف من واحد منهم لتخف السفينة ..فكانت القرعة على يونس .فألقوه
في اليم .فابتلعه الحوت ..عندئذ نادى يونس -وهو كظيم -في هذا الكرب الشديد ..
نادى ربه ) :ل إله إل أنت سبحانك ! إني كنت من الظالمين ( فتداركته نعمة من
ربه ،فنبذه الحوت على الشاطئ ..وهنا يقول :إنه لول هذه النعمة لنبذه الحوت وهو
مذموم .أي مذموم من ربه ..على فعلته .وقلة صبره .وتصرفه في شأن نفسه قبل
أن يأذن الله له .ولكن نعمة الله وقته هذا ،وقبل الله تسبيحه واعترافه وندمه .وعلم
منه ما يستحق عليه النعمة والجتباء ) .فاجتباه ربه فجعله من الصالحين ( ..هذه
هي التجربة التي مر بها صاحب الحوت .يذكر الله بها رسوله محمدا في موقف
العنت والتكذيب .
إن مشقة الدعوة الحقيقية هي مشقة الصبر لحكم الله ،حتى يأتي موعده ،في
الوقت الذي يريده بحكمته .وفي الطريق مشقات كثيرة .مشقات التكذيب والتعذيب
.ومشقات اللتواء والعناد .ومشقات انتفاش الباطل وانتفاخه .ومشقات افتتان
الناس بالباطل المزهو المنتصر فيما تراه العيون .ثم مشقات امساك النفس على
هذا كله راضية مستقرة مطمئنة إلى وعد الله الحق ،ل ترتاب ول تتردد في قطع
الطريق ،مهما تكن مشقات الطريق ..وهو جهد ضخم مرهق يحتاج إلى عزم وصبر
ومدد من الله وتوفيق ..أما المعركة ذاتها فقد قضى الله فيها ،وقدر أنه هو الذي
يتولها ،كما قدر أنه يملي ويستدرج لحكمة يراها .كذلك وعد نبيه الكريم ،فصدقه
الوعد بعد حين .
وفي الختام يرسم مشهدا للكافرين وهم يتلقون الدعوة من الرسول الكريم ،في
غيظ عنيف ،وحسد عميق ينسكب في نظرات مسمومة قاتلة يوجهونها إليه ،ويصفها
القرآن بما ل يزيد عليه :
) وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر .
ويقولون :إنه لمجنون ( .
24
فهذه النظرات تكاد تؤثر في أقدام الرسول فتجعلها تزل وتزلق وتفقد توازنها على
الرض وثباتها ..مصحوبة هذه النظرات المسمومة المحمومة بالسب القبيح ،والفتراء
الذميم ) :ويقولون :إنه لمجنون ( ..
يعقب عليه بالقول الفصل الذي ينهي كل قول ) :وما هو إل ذكر للعالمين ( .
والذكر ل يقوله مجنون ،ول يحمله مجنون ..وصدق الله وكذب المفترون ..
ول بد قبل نهاية الحديث من لفتة إلى كلمة ) للعالمين ( ..هنا والدعوة في مكة
تقابل بذلك الجحود ..وهي في هذا الوقت المبكر ،وفي هذا الضيق المستحكم ،تعلن
عن عالميتها .كما هي طبيعتها وحقيقتها .فلم تكن هذه الصفة جديدة عليها حين
انتصرت في المدينة -كما يدعي المفترون اليوم -إنما كانت صفة مبكرة في أيام
مكة الولى ..كذلك أرادها الله .وكذلك اتجهت منذ أيامها الولى .وكذلك تتجه إلى
آخر الزمان .
التقويم :
-1بين المقابلة بين عاقبة المتقين وعاقبة المجرمين كما وردت
فى اليات .
-2أذكر السئلة التى سألها الله عز وجل فى جداله مع
المجرمين .
-3بين الهدف من هذا الحوار وما فيه من عبر .
-4صف حال المجرمين يوم القيامة كما بينت اليات .
-5بين الوعيد الذى فى اليات للمجرمين .
-6بين توجيهات الله عز وجل لرسوله الكريم فى اليات .
-7قص قصة صاحب الحوت مبينا ً الهدف من ذكرها فى اليات .
-8بين موقف الكفار من الرسول صلى الله عليه وسلم فى
نهاية السورة .
-9بين ما في الية الخيرة من أهمية عظيمة للرد على الكفار .
-10الصبر من عدة الدعاة علي مدار التاريخ وضح ذلك من خلل
قصة يونس عليه السلم 0
-11الدعوة دعوة عالمية أذكر اليات الدالة علي هذا المعني من
خلل القرآن إجمال ومن خلل السورة خاصة ..وما واجبنا
كمسلمين في ضوء الواقع الذي نعيشه الن ؟0
سورة الحاقة
مقدمة السورة
هذه سورة هائلة رهيبة ؛ قل أن يتلقاها الحس إل بهزة عميقة ؛ وهي منذ افتتاحها
إلى ختامها تقرع هذا الحس ،وتطالعه بالهول القاصم ،والجد الصارم ،والمشهد تلو
المشهد ..
والسورة بجملتها تلقي في الحس بكل قوة وعمق إحساسا واحدا بمعنى واحد ..أن
هذا المر ،أمر الدين والعقيدة ،جد خالص ..جد كله ل هزل فيه ..جد ل يحتمل
التلفت عنه هنا أو هناك كثيرا ول قليل .وأي تلفت عنه من أي أحد يستنزل غضب الله
الصارم ،وأخذه الحاسم .ولو كان الذي يتلفت عنه هو الرسول .فالمر أكبر من
الرسول وأكبر من البشر ..إنه الحق .حق اليقين .من رب العالمين .
يبرز هذا المعنى في اسم القيامة المختار في هذه السورة ،والذي سميت به السورة
" :الحاقة " ..ويبرز في مصارع المكذبين بالدين وبالعقيدة وبالخرة قوما بعد قوم ..
مصارعهم العاصفة القاصمة الحاسمة الجازمة ) :كذبت ثمود وعاد بالقارعة .. ( . .
25
وهكذا كل من تلفت عن هذا المر أخذ أخذة مروعة داهمة قاصمة ،تتناسب مع الجد
الصارم الحاسم في هذا المر العظيم الهائل .
ويبرز في مشهد القيامة المروع ،وفي نهاية الكون الرهيبة ،وفي جلل التجلي كذلك
وهو أروع وأهول ) :فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة .وحملت الرض والجبال فدكتا
دكة واحدة .. (..
ذلك الهول .وهذا الجلل .يخلعان الجد الرائع الجليل على مشهد الحساب عن ذلك
المر المهول ..هو وما بعده من مقالة الناجين والمعذبين ) :فأما من أوتي كتابه
بيمينه فيقول :هاؤم اقرأوا كتابيه .إني ظننت أني ملق حسابيه ( ..فقد نجا وما يكاد
يصدق بالنجاة ) ..وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول :يا ليتني لم أوتي كتابيه ،ولم
أدر ما حسابيه .يا ليتها كانت القاضية .ما أغنى عني ماليه .هلك عني سلطانيه ( ..
بهذا التفجع الطويل ،الذي يطبع في الحس وقع هذا المصير ..
ثم يبدو ذلك الجد الصارم والهول القاصم في النطق العلوي بالقضاء الرهيب
الرعيب ،في اليوم الهائل ،وفي الموقف الجليل ) :خذوه .فغلوه .ثم الجحيم
صلوه .ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه (..
ثم ما يعقب كلمة القضاء الجليل ،من بيان لموجبات الحكم الرهيب ونهاية المذنب
الرعيبة ) :إنه كان ل يؤمن بالله العظيم .. ( ..
ثم يبرز ذلك المعنى في التلويح بقسم هائل ،وفي تقرير الله لحقيقة الدين الخير :
) فل أقسم بما تبصرون وما ل تبصرون .إنه لقول رسول كريم .وما هو بقول شاعر
قليل ما تؤمنون ،ول بقول كاهن ،قليل ما تذكرون .تنزيل من رب العالمين ( .
وأخيرا يبرز الجد فى اليقاع الخير .وفي التهديد الجازم والخذ القاصم لكل من
يتلعب في هذا المر أو يبدل .كائنا من كان ،ولو كان هو محمدا الرسول ) :ولو
تقول علينا بعض القاويل لخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين .فما منكم من أحد
عنه حاجزين (.
وعندئذ تختم السورة بالتقرير الجازم الحاسم والقول الفصل الخير عن هذا المر
الخطير ) :وإنه لتذكرة للمتقين .وإنا لنعلم أن منكم مكذبين .وإنه لحسرة على
الكافرين .وإنه لحق اليقين ..فسبح باسم ربك العظيم (.
الدرس الول
ماهية الحاقة ومصير المكذبين بها
اليات من ) ( 12 : 1
د
عا ٌ و َ مودُ َ ت ثَ ُ ة 3ك َذّب َ ْ ق ُ حا ّما ال ْ َ ك َ ما أ َدَْرا َ و َةَ 2 ق ُ حا ّ ما ال ْ َ ةَ 1 ق ُ حا ّ} ال ْ َ
ر
ص ٍصْر َ ح َ ري ٍ كوا ب ِ ِ هل ِ ُ فأ ُ ْعادٌ َ ما َ وأ ّ
غية َ 5
َ طا ِ َ ِ كوا ِبال ّ هل ِ ُ فأ ُ ْ مودُ َ ما ث َ ُ فأ ّ
عة َ َ 4
ر َ ِ ِ قا ِبال ْ َ
ها فت ََرى ال ْ َ ما َ عل َيهم سبع ل َيال وث َمان ِي َ َ
في َ م ِ و َ ق ْ سو ً ح ُ ة أّيام ٍ ُ ها َ ْ ِ ْ َ ْ َ َ ٍ َ َ َ خَر َ س ّ ةَ 6 عات ِي َ ٍ َ
َ َ
جاء و َ ةَ 8 قي َ ٍمن َبا ِ هم ّ ل ت ََرى ل َ ُ ه ْ ةَ 7
ف َ وي َ ٍ خا ِ ل َ خ ٍ جاُز ن َ ْ ع َ مأ ْ ه ْ عى ك َأن ّ ُ صْر َ َ
م ه َ ذخ َ أ َ
ف م ه ب ر َ
ل سو ر وا ص ع َ
ف 9 ة َ ئ ط خا ْ لبا ت كاَ ف ت ْ
ؤ م ْ لوا ه َ ل ب ق َ من
ُ ْ َ َ ّ ِ ْ َ َ ْ َ ُ ِ ِ َ ُ ِ ْ ُ َ ُ َ ِ ف ْ ْ ُ َ َ
و ن و ع
َ ر ِ
م
ْ ُ ك َ ل ها َ ل
َِ ْ َ َ ع ج نل 11 ة ي
َ ِ َ ِر جا ْ ل ا في ْ ِ م ُ ك ناْ ل
َ َ َم ح ماءَ ْ ل ا غى َ َ ط ماّ َ ل نا ِّ إ 10 أَ ْ ً ّ ِ َ ً
ة ي ب را ة َ ذ خ
ُ
ة { 12 عي َ ٌوا ِ ن َ ها أذُ ٌ عي َ َ وت َ ِت َذْك َِرةً َ
26
-6أن يعيش الدارس بمخيلته هذه الحوال ويستشعرها بكل
أحاسيسه .
المفردات
-الحاقة :من أسماء يوم القيامة وقد ورد في السورة أسم آخر أيضا " القارعة " و "
الواقعة "
-بالطاغية :بالصيحة وقيل الذنوب وقيل الطغيان
– ريح صرصر :باردة عاتية شديدة الهبوب
– حسوما :كوامل متتابعات مشائيم
– خاوية :خربة أو بالية
– المؤتفكات :وهم المم المكذبين بالرسل وقيل قري لوط المدمرة التي اتبعت
الفك
– رابية :شديدة أليمة مهلكة
– حملناكم في الجارية :يمتن الله علي البشرية بنجاة أصولهم في السفينة مع نوح
عليه السلم
28
مغّلوهُ 30ث ُ ّ ف ُذوهُ َ خ ُ ه ُ 29 طاِني ْ سل ْ َ
عّني ُ ك َ هل َ َ
ه َ 28 ماِلي ْ عّني َ غَنى َ ما أ َ ْ َ 27
ه
سلكوهُ 32إ ِن ّ ُ ُ ُ فا ْ عا َ ن ِذَرا ً عو َ سب ْ ُ
ها َ ة ذَْر ُ
ع َ َ
سل ٍ ْ
سل ِ في ِ م ِ صلوهُ 31ث ُ ّ ّ م َ حي َ ج ِال ْ َ
فل َي ْ َ
س ن َ 34 كي ِ س ِ
م ْ عام ِ ال ْ ِ عَلى طَ َ ض َ ح ّ وَل ي َ ُ ظيم ِ َ 33 ع ِ ه ال ْ َ ن ِبالل ّ ِم ُ ؤ ِ ن َل ي ُ ْ كا َ َ
ه إ ِلّ ُ ْ َ ّ َ َ ْ
ن 36ل ي َأك ُل ُ سِلي ٍ غ ْ ن ِ م ْم إ ِل ِ عا ٌ ول ط َ م َ 35 مي ٌ ح ِ هَنا َ ها ُ م َ و َ ه الي َ ْ لَ ُ
ن { 37 ؤو َ خاطِ ُ ال ْ َ
29
ول يقتصر الهول على حمل الرض والجبال ودكها دكة واحدة ،فالسماء في هذا اليوم
الهائل ليست بناجية :
) وانشقت السماء فهي يومئذ واهية ( ..
ونحن ل ندري على وجه التحقيق ما السماء المقصودة بهذا اللفظ في القرآن .ولكن
هذا النص والنصوص الخرى التي تشير إلى الحداث الكونية في ذلك اليوم العظيم
كلها تشير إلى انفراط عقد هذا الكون المنظور ..وتناثر أجزائه بعد انفلتها من قيد
الناموس ..
..ثم يغمر الجلل المشهد ويغشيه ) والملك على أرجائها ،ويحمل عرش ربك
فوقهم يومئذ ثمانية ( ..
والملئكة على أرجاء هذه السماء المنشقة وأطرافها ،والعرش فوقهم يحمله
ثمانية ..ثمانية أملك أو ثمانية صفوف منها ..أو ثمانية مما يعلم الله .ل ندري نحن
من هم ول ما هم .
) يومئذ تعرضون ل تخفى منكم خافية ( ..
فالكل مكشوف .مكشوف الجسد ،مكشوف الضمير ،مكشوف العمل ،ويتجرد
النسان من حيطته ومن مكره ومن تدبيره ..ويفتضح منه ما كان حريصا على أن
يستره حتى عن نفسه ! وما أقسى الفضيحة على المل ..أما عين الله فكل خافية
مكشوفة لها في كل آن .
وبعدئذ يعرض مشهد الناجين والمعذبين ،كأنه حاضر تراه العيون من أوتي كتابه بيمينه
ومن أوتي كتابه بشماله ) فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول :هاؤم اقرأوا
كتابيه ،إني ظننت أني ملق حسابيه( .
والمشهد المعروض هو مشهد الناجي في ذلك اليوم العصيب ..تمل الفرحة جوانحه ،
وتغلبه على لسانه ،فيهتف ) :هاؤم اقرأوا كتابيه ( ..ثم يذكر في بهجة أنه لم يكن
يصدق أنه ناج ،بل كان يتوقع أن يناقش الحساب ..ومن نوقش الحساب عذب كما
جاء في الثر.
ثم يعلن على رؤوس الشهاد ما أعد لهذا الناجي من النعيم :
) فهو في عيشة راضية .في جنة عالية .قطوفها دانية .كلوا واشربوا
هنيئا بما أسلفتم في اليام الخالية ( ..
) وأما من أوتي كتابه بشماله ( وعرف أنه مؤاخذ بسيئاته ،وأن إلى العذاب
مصيره ،فيقف في هذا المعرض الحافل الحاشد ،وقفة المتحسر الكسير الكئيب ..
) فيقول :يا ليتني لم أوت كتابيه ! ولم أدر ما حسابيه ! يا ليتها كانت
القاضية ! ما أغنى عني ماليه ! هلك عني سلطانيه ! ( ..
وهي وقفة طويلة ،وحسرة مديدة ،ونغمة يائسة ،ولهجة بائسة ..ويتمنى ذلك
البائس أنه لم يأت هذا الموقف ،ولم يؤت كتابه ،ولم يدر ما حسابه ؛ كما يتمنى أن
لو كانت هذه القارعة هي القاضية ،التي تنهي وجوده أصل فل يعود بعدها شيئا ..ثم
يتحسر أن ل شيء نافعه مما كان يعتز به أو يجمعه ) :ما أغنى عني ماليه ( ..
) هلك عني سلطانيه ( ..فل المال أغنى أو نفع .ول السلطان بقي أو دفع .
ول يقطع هذه الرنة الحزينة المديدة إل المر العلوي الجازم ،بجلله وهوله وروعته :
) خذوه .فغلوه .ثم الجحيم صلوه .ثم في سلسلة ذرعها سبعون
ذراعا فاسلكوه ( ..
يا للهول الهائل ! ويا للرعب القاتل ! ) خذوه ( ..
كلمة تصدر من العلي العلى .فيتحرك الوجود كله على هذا المسكين الصغير الهزيل
.ويبتدره المكلفون بالمر من كل جانب..
) فغلوه ( ..فأي السبعين ألفا بلغه جعل الغل في عنقه ! ..
) ثم الجحيم صلوه ( ..ونكاد نسمع كيف تشويه النار وتصليه ..
30
) ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه ( ..
وذراع واحدة من سلسل النار تكفيه ! ولكن إيحاء التطويل والتهويل ينضح من وراء
لفظ السبعين وصورتها .
فإذا انتهى المر ،نشرت أسبابه على الحشود :
) إنه كان ل يؤمن بالله العظيم .ول يحض على طعام المسكين ( ..
إنه قد خل قلبه من اليمان بالله ،والرحمة بالعباد .فلم يعد هذا القلب يصلح إل لهذه
النار وذلك العذاب .
خل قلبه من اليمان بالله فهو موات .وخل قلبه من الرحمة بالعباد .والمسكين هو
أحوج العباد إلى الرحمة ولكن هذا لم يستشعر قلبه ما يدعو إلى الحتفال بأمر
المسكين .ولم يحض على طعامه وهي خطوة وراء إطعامه .توحي بأن هناك واجبا
اجتماعيا يتحاض عليه المؤمنون .وهو وثيق الصلة باليمان .
يليه في النص ويليه في الميزان ) فليس له اليوم ها هنا حميم .ول طعام إل
من غسلين .ل يأكله إل الخاطئون ( ..
وهي تكملة العلن العلوي عن مصير ذلك الشقي ..فهو هنا مقطوع ) فليس له
اليوم ها هنا حميم ( ..وهو ممنوع ):ول طعام إل من غسلين ( ..والغسلين هو
غسالة أهل جهنم من قيح وصديد ..طعام ) ل يأكله إل الخاطئون ( ..المذنبون
المتصفون بالخطيئة ..وهو منهم في الصميم !
التقويم :
بين العلقة بين هذه اليات وتساؤلت السورة فى بدايتها . -1
صف أحداث وأهوال يوم القيامة كما جاءت بها اليات . -2
صف حال وأفعال الناجين وكذلك حال وأفعال المكذبين يوم -3
القيامة بالتقابل .
صف الدارس مصير الناجين والمكذبين – بعد الحساب – -4
بالتقابل .
عبر عما تستشعره من أحاسيس ومشاعر عند معايشتك -5
لهوال يوم القيامة .
قوله تعالي " يومئذ تعرضون ل تخفي منكم خافية " يلفت -6
أنظارنا لدورنا مع أنفسنا وضح ذلك 0
أذكر أسباب النجاة وأسباب الهلك يوم القيامة كما توضحها -7
آيات السورة 0
الدرس الثالث
افتراءات المكذبين على رسول الله ورد الله عز وجل عليهم
اليات من ) ( 52 : 38
ريم ٍ ل كَ ِ سو ٍ ل َر ُ و ُ ق ْ ه لَ َ ن 39إ ِن ّ ُ صُرو َ ما َل ت ُب ْ ِ و َ ن َ 38 صُرو َ ما ت ُب ْ ِ م بِ َ س ُق ِ فَل أ ُ ْ } َ
ماقِليًل َ ن َه ٍ كا ِ ل َ و ِ ق ْ وَل ب ِ َ ن َ 41 مُنو َ ؤ ِ ما ت ُ ْ قِليًل َ ر َ ع ٍشا ِ ل َ و ِ ق ْ و بِ َ ه َما ُ و َ َ 40
َ
ض اْل َ عل َي َْنا ب َ ْ
ل
وي ِ قا ِ ع َ ل َ و َ ق ّو تَ َ ول َ ْن َ 43 مي َ عال َ ِ ب ال ْ َ من ّر ّ ل ّ زي ٌ ن َ 42تن ِ ت َذَك ُّرو َ
َ َ 44ل َ َ
د
ح ٍنأ َ م ْ كم ّ من ُ ما ِ ف َ ن َ 46 وِتي َ ه ال ْ َ من ْ ُ عَنا ِ قطَ ْ م لَ َ ن 45ث ُ ّ ِ مي ه ِبال ْي َ ِ من ْ ُخذَْنا ِ
َ
ن 49 مك َذِّبي َ كم ّ من ُ ن ِ مأ ّ عل َ ُوإ ِّنا ل َن َ ْ ن َ 48 قي َ مت ّ ِ ه ل َت َذْك َِرةٌ ل ّل ْ ُ وإ ِن ّ ُ ن َ 47 زي َ ج ِ حا ِ ه َ عن ْ ُ َ
سم ِ َرب ّكَ ح ِبا ْ سب ّ ْ َ
ن 51ف َ ْ َ َ ْ َ َ
قي ِ ق الي َ ِ ح ّ هل َ وإ ِن ّ ُن َ 50 ري َ ف ِعلى الكا ِ سَرةٌ َ ح ْ هل َ وإ ِن ّ ُ َ
ظيم ِ { 52 ع ِ ال ْ َ
31
-2أن يبين الدارس الكيفية التى رد الله بها عز وجل على هذه
الفتراءات .
-3أن يبرز الدارس حقيقة القرآن كما بينت اليات .
المفردات :
لقول رسول كريم :يعني محمدا الرسول البشري أو جبريل الرسول –
الملكي
" ولو تقول علينا بعض القاويل " :تهديد لمن يفتري علي الله في شأن –
العقيدة والدين
" لخذنا منه باليمين " :معناه لنتقمنا منه باليمين لنها أشد فى البطش –
" ثم لقطعنا منه الوتين " :الوتين وهو العرق الذي قلب معلق فيه أي –
قتلناه 0
وفي ظل هذه المشاهد العنيفة المثيرة ،المتوالية منذ أول السورة ..يجيء التقرير
الجازم عن حقيقة هذا القول الذي جاءهم به الرسول الكريم ،فتلقوه بالشك
والسخرية والتكذيب :
) فل أقسم بما تبصرون وما ل تبصرون .إنه لقول رسول كريم .وما
هو بقول شاعر ،قليل ما تؤمنون .ول بقول كاهن ،قليل ما تذكرون .
تنزيل من رب العالمين ( ..
إن المر ل يحتاج إلى قسم وهو واضح هذا الوضوح ،ثابت هذا الثبوت ..ل يحتاج إلى
قسم أنه حق ،صادر عن الحق ،وليس شعر شاعر ،ول كهانة كاهن ،ول افتراء مفتر
! ل .فما هو بحاجة إلى توكيد بيمين :
) فل أقسم بما تبصرون وما ل تبصرون ( ..
بهذه الفخامة وبهذه الضخامة ،وبهذا التهويل بالغيب المكنون ،إلى جانب الحاضر
المشهود ..والوجود أضخم بكثير مما يرى البشر .بل مما يدركون ..ومثل هذه
الشارة تفتح القلب وتنبه الوعي إلى أن هناك وراء مد البصر ووراء حدود الدراك
جوانب وعوالم وأسرار أخرى ل يبصرها ول يدركها .وتوسع بذلك آفاق التصور
النساني للكون والحقيقة .
) إنه لقول رسول كريم .وما هو بقول شاعر قليل ما تؤمنون ،ول
بقول كاهن قليل ما تذكرون .تنزيل من رب العالمين (
ولقد كان مما تقول به المشركون على القرآن وعلى رسول الله قولهم :إنه
شاعر .وإنه كاهن .متأثرين في هذا بشبهة سطحية ،منشؤها أن هذا القول فائق في
طبيعته على كلم البشر .وأن الشاعر في وهمهم له رئي من الجن يأتيه بالقول
الفائق ،وأن الكاهن كذلك متصل بالجن .فهم الذين يمدونه بعلم ما وراء الواقع !
وهي شبهة تسقط عند أقل تدبر لطبيعة القرآن والرسالة ،وطبيعة الشعر أو
الكهانة ..
فالشبهة واهية سطحية .حتى حين كان القرآن لم يكتمل ،ولم تتنزل منه إل سور
وآيات عليها ذلك الطابع اللهي الخاص ،وفيها ذلك القبس الموحي بمصدرها الفريد . .
والمر أوضح من أن يلتبس عند أول تدبر وأول تفكير .وهو من ثم ل يحتاج إلى قسم
بما يعملون وما ل يعملون :إنه لقول رسول كريم .وما هو بقول شاعر .وما هو بقول
كاهن ..إنما هو تنزيل من رب العالمين .
32
وتقرير أنه قول رسول كريم ل يعني أنه من إنشائه ..إنما هو رسول يقول ما يحمله
عمن أرسله .ويقرر هذا تقريرا حاسما ما جاء بعده ) :تنزيل من رب العالمين ( ..
وفي النهاية يجيء ذلك التهديد الرعيب ،لمن يفتري على الله في شأن العقيدة وهي
الجد الذي ل هوادة فيه :
) ولو تقول علينا بعض القاويل .لخذنا منه باليمين .ثم لقطعنا منه
الوتين .فما منكم من أحد عنه حاجزين ( ..
ومفاد هذا القول من الناحية التقريرية أن محمدا صادق فيما أبلغهم .وأنه لو تقول
بعض القاويل التي لم يوح بها إليه ،لخذه الله فقتله على هذا النحو الذي وصفته
اليات .ولما كان هذا لم يقع فهو ل بد صادق .
وأخيرا تجيء الخاتمة التقريرية بحقيقة هذا المر وطبيعته القوية :
) وإنه لتذكرة للمتقين .وإنا لنعلم أن منكم مكذبين .وإنه لحسرة على
الكافرين .وإنه لحق اليقين ( .
فهذا القرآن يذكر القلوب التقية فتذكر .إن الحقيقة التي جاء بها كامنة فيها .فهو
يثيرها فيها ويذكرها بها فتتذكرها .فأما الذين ل يتقون فقلوبهم مطموسة غافلة ل
تتفتح ول تتذكر ،ول تفيد من هذا الكتاب شيئا .
) وإنا لنعلم أن منكم مكذبين ( ..ولكن هذا ل يؤثر في حقيقة هذا المر ،ول
يغير من هذه الحقيقة .فأمركم أهون من أن يؤثر في حقائق المور .
) وإنه لحسرة على الكافرين ( ..بما يرفع من شأن المؤمنين ،ويحط من قدر
المكذبين ..ثم إنه حجة عليهم عند الله في اليوم الخر ،يعذبون به ،ويتحسرون لما
يصيبهم بسببه .فهو حسرة على الكافرين في الدنيا والخرة .
) وإنه لحق اليقين ( ..مع تكذيب المكذبين .حق اليقين .فليس مجرد اليقين ،
ولكنه الحق في هذا اليقين ..فهذه هي طبيعة هذا المر وحقيقته المستيقنة .
هنا يجيء التلقين العلوي للرسول الكريم ،في أنسب وقت وأنسب حالة لهذا
التلقين :
) فسبح باسم ربك العظيم ( ..
والتسبيح بما فيه من تنزيه وتمجيد .وبما فيه من اعتراف وتحقيق .وبما فيه من
عبودية وخشوع ...هو الشعور الذي يخالج القلب ،بعد هذا التقرير الخير ،وبعد ذلك
الستعراض الطويل ،لقدرة الله العظيم.
التقويم :
-1أذكر افتراءات المكذبين على رسول الله صلى الله عليه
وسلم .
-2بين الكيفية التى رد الله بها عز وجل على هذه الفتراءات .
-3ابرز حقيقة القرآن كما بينت اليات .
علي صاحب الدعوة أن يوطن نفسه علي معاناة السخرية -4
والتكذيب وأن يوقن أن الله يدافع عنه 0وضح ذلك 0
أذكر المعينات التي يتسلح بها صاحب الدعوة لمواجهة مشاق -5
الرسالة 0
سـورة المعارج
مقدمة السورة
هذه السورة حلقة من حلقات العلج البطيء ،المديد ،العميق ،الدقيق ،لعقابيل
الجاهلية في النفس البشرية ..أو هي جولة من جولت المعركة الطويلة الشاقة التي
خاضها في داخل هذه النفس ،ورواسبها وركامها .
33
والحقيقة الساسية التي تعالج السورة إقرارها :هي حقيقة الخرة وما فيها
من جزاء ؛ وعلى وجه الخصوص ما فيها من عذاب للكافرين ،كما أوعدهم القرآن
الكريم .وهي تلم -في طريقها إلى إقرار هذه الحقيقة -بحقيقة النفس البشرية في
الضراء والسراء .وهي حقيقة تختلف حين تكون مؤمنة وحين تكون خاوية من
اليمان .كما تلم بسمات النفس المؤمنة ومنهجها في الشعور والسلوك ،واستحقاقها
للتكريم .وبهوان الذين كفروا على الله وما أعده لهم من مذلة ومهانة تليق
بالمستكبرين ..وتقرر السورة كذلك اختلف القيم والمقاييس في تقدير الله وتقدير
البشر ،واختلف الموازين ...
وتؤلف بهذه الحقائق حلقة من حلقات العلج الطويل لعقابيل الجاهلية وتصوراتها ،أو
جولة من جولت المعركة الشاقة في دروب النفس البشرية ومنحنياتها .تلك المعركة
التي خاضها القرآن فانتصر فيها في النهاية مجردا من كل قوة غير قوته الذاتية . .
والذي يقرأ هذا القرآن ..يشعر بالقوة الغالبة والسلطان البالغ الذي كان هذا القرآن
يواجه به النفوس في مكة ويروضها حتى تسلس قيادها راغبة مختارة .ويرى أنه كان
يواجه النفوس بأساليب متنوعة تنوعا عجيبا ..ومئات من اللمسات ،ومئات من
الهتافات ،ومئات من المؤثرات ..يطلع عليها قارئ القرآن ..ويرى كيف انتصر
القرآن على الجاهلية في تلك النفوس العصية العنيدة .
وهذه السورة تكشف عن جانب من هذه المحاولة في إقرار حقيقة
الخرة ،والحقائق الخرى التي ألمت بها في الطريق إليها .
***
ولقد كان التجاه الرئيسي في سورة الحاقة إلى تقرير حقيقة الجد الصارم في شأن
العقيدة ..فأما التجاه الرئيسي في سورة المعارج فهو إلى تقرير حقيقة الخرة وما
فيها من جزاء ،وموازين هذا الجزاء .فحقيقة الخرة هي الحقيقة الرئيسية فيها .
الدرس الول
الهول في مشاهد يوم القيامة والعذاب الواقع بالكافرين
اليات من ) ( 18 : 1
ه ِذي ّ
ن الل ِ م َ عّ 2 ف ٌ دا ِ ه َ َ
سل ُ ن ل َي ْ َ فري َ كا ِع 1ل ّل ْ َ ق ٍ وا ِ ب َ ذا ٍ ع َ ل بِ َ سائ ِ ٌ ل َ سأ َ َ َ }
نسي َ م ِ خ ْ داُرهُ َ م ْ
ق َ ن ِ َ
وم ٍ كا َ في ي َ ْ ه ِ ح إ ِلي ْ ِ َ والّرو ُ ة َ َ
ملئ ِك ُ َ ج ال َْ عُر ُ ج 3تَ ْ ْ
ر ِ عا ِ م َ ال َ
ريًبا 7 ق َِون ََراهُ َ دا َ 6 عي ً ه بَ ِ ون َ ُ م ي ََر ْ ه ْ ميل 5إ ِن ّ ُ ً ج ِ صب ًْرا َ صب ِْر َ فا ْ ةَ 4 سن َ ٍ ف َ أ َل ْ َ
م
مي ٌح ِ ل َ سأ ُ وَل ي َ ْ نَ 9 ه ِ ع ْ كال ْ ِ ل َ جَبا ُ ن ال ْ ِ كو ُ وت َ ُ لَ 8 ه ِ م ْ كال ْ ُ ماء َ س َ ن ال ّ كو ُ م تَ ُ و َ يَ ْ
ه 11 ذ ب ِب َِني ِ مئ ِ ٍ
و ِ ب يَ ْ ذا ِ ع َ ن َ م ْ دي ِ فت َ ِ و يَ ْ مل ْ َ ر ُ ج ِ م ْ ْ
ودّ ال ُ م يَ َ ه ْ صُرون َ ُ ما 10ي ُب َ ّ مي ً ح ِ َ
عا َ ْ ه الِتي ت ُ ْ ّ َ و َ َ
مي ً ج ِ ض َ في الْر َ ِ من ِ و َ ه َ 13 ؤوي ِ صيلت ِ ِ ف ِ ه َ 12 خي ِ وأ ِ ه َ حب َت ِ ِ صا ِ و َ َ
وّلى َ ت و ر
َ ْ ْ َ َ َ َ ب د أ ن م عو ُ ْ د َ ت 16 وى َ شّ للّ ة
ً ع
َ زا ّ َ ن 15 ظى َ َ ل ها ِ َ ّ ن إ ل ّ َ ك 14 ثُ ّ ُ ِ ِ
ه جي ين م
عى { 18 و َ َ ع َ
فأ ْ م َ ج َ و َ َ 17
الهداف الجرائية السلوكية :
-1أن يبين الدارس خصائص هذه السورة بوجه عام .
-2أن يذكر الدارس أسباب نزول هذه اليات .
-3أن يبين الدارس المقصود بكلمة يوم في الية الرابعة .
-4أن يبين الدارس توجيه الله عز وجل لرسوله صلى الله
عليه وسلم في هذه اليات .
-5أن يصف الدارس بعض مشاهد هذا اليوم .
-6أن يصف الدارس حال المجرمين فى هذا اليوم .
-7أن يصور الدارس الهول الذي يأخذ بالمجرمين في هذا
اليوم .
34
-8أن يعبر الدارس عن ما يدور فى نفسه عند معايشة هذه
الهوال الواردة في اليات .
-9أن يراجع الدارس نفسه ويستعد لهذا اليوم .
المفردات :
– الروح :المراد به -ذي المعارج :ذو الدرجات وذو العلو والفواضل
جبريل عليه السلم
يوم كان مقداره خمسين ألف سنة :يوم القيامة قيل لرسول الله –
ما أطول هذا اليوم فقال رسول الله " والذي نفسي بيده إنه ليخفف
علي المؤمن حتي يكون أخف عليه من صلة مكتوبة يصليها في الدنيا "
– كالمهل :المهل ذوب المعادن الكدر كدري الزيت –
كالعهن :كالصوف المنفوش
– نزاعة للشوي لظي :يصف النار وشدة حرها –
:تنزع الجلود عن الوجوه والرءوس نزعا
وجمع فأوعى :جمع المال بعضه علي بعض وخزانه في أوعية ومنع –
حق الله منه
) سأل سائل بعذاب واقع ،للكافرين ليس له دافع ،من الله ذي المعارج
( ..
كانت حقيقة الخرة من الحقائق العسيرة الدراك عند مشركي العرب ،وكانوا
يتلقونها بغاية العجب ،وينكرونها أشد النكار ،ويتحدون الرسول في صور شتى أن
يأتيهم بهذا اليوم الموعود ،أو أن يقول لهم :متى يكون
وعلى أية حال فالسورة تحكي أن هناك سائل سأل وقوع العذاب واستعجله .وتقرر
أن هذا العذاب واقع فعل ..وأن أحدا ل يمكنه دفعه ول منعه . .وهذا العذاب للكافرين
..إطلقا ..فيدخل فيه أولئك السائلون المستعجلون كما يدخل فيه كل كافر .وهو
واقع من الله ) ذي المعارج ( ..وهو تعبير عن الرفعة والتعالي ..
..بعد هذا أخذ في وصف ذلك اليوم الذي سيقع فيه هذا العذاب ،والذي يستعجلون به
وهو منهم قريب .ولكن تقدير الله غير تقدير البشر ،ومقاييسه غير مقاييسهم :
) تعرج الملئكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ،
فاصبر صبرا جميل ،إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا ( ..
والرجح أن اليوم المشار إليه هنا هو يوم القيامة . .وفي هذا اليوم تصعد الملئكة
والروح إلى الله .والروح :الرجح أنه جبريل عليه السلم ..وإنما أفرد بالذكر بعد
الملئكة لما له من شأن خاص .وعروج الملئكة والروح في هذا اليوم يفرد كذلك
بالذكر ،إيحاء بأهميته في هذا اليوم وخصوصيته ،وهم يعرجون في شؤون هذا اليوم
ومهامه ..
وأما ) كان مقداره خمسين ألف سنة ( ..فقد تكون كناية عن طول هذا
اليوم كما هو مألوف في التعبير العربي .وقد تعني حقيقة معينة ،ويكون مقدار هذا
اليوم خمسين ألف سنة من سني أهل الرض فعل وهو يوم واحد ..
وإذا كان يوم واحد من أيام الله يساوي خمسين ألف سنة ،فإن عذاب يوم القيامة
قد يرونه هم بعيدا ،وهو عند الله قريب .ومن ثم يدعو الله نبيه إلى الصبر الجميل
على استعجالهم وتكذيبهم بذلك العذاب القريب .
) فاصبر صبرا جميل .إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا ( ..
والدعوة إلى الصبر والتوجيه إليه صاحبت كل دعوة ،وتكررت لكل رسول ،ولكل
مؤمن يتبع الرسول .وهي ضرورية لثقل العبء ومشقة الطريق..
35
والصبر الجميل هو الصبر المطمئن ،الذي ل يصاحبه السخط ول القلق ول الشك
في صدق الوعد .صبر الواثق من العاقبة ،الراضي بقدر الله ،الشاعر بحكمته من
رواء البتلء ،الموصول بالله المحتسب كل شيء عنده مما يقع به .
وهذا اللون من الصبر هو الجدير بصاحب الدعوة .فهي دعوة الله ،وهي دعوة إلى
الله .ليس له هو منها شيء .وليس له وراءها من غاية .فكل ما يلقاه فيها فهو في
سبيل الله ،وكل ما يقع في شأنها هو من أمر الله . .
والخطاب هنا للرسول تثبيتا لقلبه على ما يلقى من عنت المناوأة والتكذيب .وتقريرا
للحقيقة الخرى :وهي أن تقدير الله للمور غير تقدير البشر ؛ ومقاييسه المطلقة غير
مقاييسهم الصغيرة ) :إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا ( ..
ثم يرسم مشاهد اليوم الذي يقع فيه ذلك العذاب الواقع ،الذي يرونه بعيدا ويراه
الله قريبا ..وهي مشاهد تشي بالهول المذهل المزلزل في الكون وفي النفس
سواء :
) يوم تكون السماء كالمهل ،وتكون الجبال كالعهن ( ..
والقرآن يقرر في مواضع مختلفة أن أحداثا كونية كبرى ستقع في هذا اليوم ،تغير
أوضاع الجرام الكونية وصفاتها ونسبها وروابطها .ومن هذه الحداث أن تكون السماء
كالمعادن المذابة
) ول يسأل حميم حميما .يبصرونهم .يود المجرم لو يفتدي من عذاب
يومئذ ببنيه .وصاحبته وأخيه .وفصيلته التي تؤويه .ومن في الرض
جميعا ثم ينجيه ( .
إن الناس في هم شاغل ،ل يدع لحد منهم أن يتلفت خارج نفسه ) ول يسأل
حميم حميما ( .فلقد قطع الهول المروع جميع الوشائج ،وحبس النفوس على
همها ل تتعداه ..وإنهم ليعرضون بعضهم على بعض ) يبصرونهم ( كأنما عمدا
وقصدا ! ولكن لكل منهم همه ،فل يهجس في خاطر صديق أن يسأل صديقه عن
حاله ،ول أن يسأله عونه ..
فما بال ) المجرم ( ؟ إن الهول ليأخذ بحسه ،وإن الرعب ليذهب بنفسه ،وإنه ليود
لو يفتدي من عذاب يومئذ بأعز الناس عليه ،ممن كان يفتديهم بنفسه في الحياة ،
ويناضل عنهم ،ويعيش لهم ..بنيه .وزوجه .وأخيه ،وعشيرته القريبة التي تؤويه
وتحميه .بل إن لهفته على النجاة لتفقده الشعور بغيره على الطلق ،فيود لو يفتدي
بمن في الرض جميعا ثم ينجيه ..وهي صورة للهفة الطاغية والفزع المذهل والرغبة
الجامحة في الفلت ..
وبينما المجرم في هذه الحال ،يتمنى ذلك المحال ،يسمع ما ييئس ويقنط من كل
بارقة من أمل ،أو كل حديث خادع من النفس :
) كل ! إنها لظى .نزاعة للشوى .تدعو من أدبر وتولى وجمع
فأوعى ( ..
) ..كل ! ( في ردع عن تلك الماني المستحيلة في الفتداء بالبنين والزوج والخ
والعشيرة ومن في الرض جميعا ) ..كل ! إنها لظى ( نار تتلظى وتتحرق
) نزاعة للشوى ( تنزع الجلود عن الوجوه والرؤوس نزعا ) ..تدعو من أدبر
وتولى وجمع فأوعى ( ..تدعوه كما كان يدعى من قبل إلى الهدى فيدبر
ويتولى .ولكنه اليوم إذ تدعوه جهنم ل يملك أن يدبر ويتولى ! ولقد كان من قبل
مشغول عن الدعوة بجمع المال وحفظه في الوعية ! فأما اليوم فالدعوة من جهنم ل
يملك أن يلهو عنها .ول يملك أن يفتدي بما في الرض كله منها !
التقويم :
-1بين خصائص هذه السورة بوجه عام .
-2أذكر أسباب نزول هذه اليات .
36
-3بّين المقصود بكلمة يوم في الية الرابعة .
-4بّين توجيه الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم في
هذه اليات .
" الدعوة إلى الصبر والتوجيه إليه صاحبت كل دعوة ، -5
ً
وتكررت لكل رسول " وضح ذلك مبينا المقصود بالصبر الجميل
وما تتعلمه من هذا التوجيه .
-6أشارت السورة إلي صفة هامة لزمة لصحاب الدعوة 0ماهي
؟ ما أهميتها في طريق الدعوة ؟
-7يوم القيامة يوم عصيب 00أذكر اليات التي تبين شدة هذا
اليوم ؟
-8صف بعض مشاهد هذا اليوم .
-9صف حال المجرمين فى هذا اليوم .
ور الهول الذي يأخذ بالمجرمين في هذا اليوم . -10ص ّ
-11عبر عن ما يدور فى نفسك عند معايشة هذه الهوال
الواردة في اليات .
-12راجع نفسك :بماذا تستعد لهذا اليوم وأهواله ؟
الدرس الثاني
تصوير حقيقة النفس البشرية في حالتي إيمانها وخلوها منه
اليات من ) ( 35 : 19
خي ُْر ه ال َْ س ُ م ّ ذا َ وإ ِ َ عا َ 20 جُزو ً شّر َ ه ال ّ س ُ م ّ ذا َ عا 19إ ِ َ هُلو ً ق َ خل ِ َ ن ُ سا َ لن َ نا ِْ } إِ ّ
في ن ِ ذي َ وال ِ ّ ن َ 23 مو َ دائ ِ ُ م َ ه ْ َ َ ّ ّ ْ ّ
صلت ِ ِ على َ م َ ه ْ ن ُ ذي َ ن 22ال ِ صلي َ م َ عا 21إ ِل ال ُ مُنو ً َ
َ
م و َ ي ب ن
َ قو ُ ّ د ص
َ ُ ي نَ ذي ِ ّ ل وا 25 م رو ح
ْ
ِ َ َ ُ م ْ ل وا ل ِ ئ سا ّ لل ّ 24 مٌ لو ُ ع
ْ م ّ ّ ق ح
َ م أ ْ َ ِ ْ
ه ِ ل وا م
ِ ْ ِ َ ِ
غي ُْر م َ ه ْ ب َرب ّ َِ ذا َ ع َ ن َ ن 27إ ِ ّ قو َ ف ُ ش ِ م ْ هم ّ ِ ب َرب ّ ذا ِ ع َ ن َ م ْ هم ّ ن ُ ذي َ وال ّ ِ ن َ 26 دي ِ ال ّ
ما َ َ ّ ُ م لِ ُ ّ ْ
و َ مأ ْ ه ْ ج ُِ وا ِ على أْز َ ن 29إ ِل َ فظو َ حا ِ م َ ه ْ ج ِ فُرو ِ ه ْ ن ُ ذي َ وال ِ ن َ 28 مو ٍ مأ ُ َ
م ه
ُ َ
ك ِ ئ َ ل و أ َ
ف كَ ِ ل َ ذ راء و غى َ َ ت ب ا ن م َ
ف 30 ن مي لو ُ م ر يغَ م ه ّ ن إ فَ م ه ُ ن ما ي مل َك َت أ َ
ُ ْ َ َ َ ِ ْ َ ِ ْ ُ َ ِ ُ ْ ْ ْ َ ُ ْ َ
هم ن ُ ذي ّ ل وا 32 ن عو ُ را م ه د ه ع
َ و م ه ِ ت نا ما َ ل ِ م ه
ُ ن ذي ّ ل وا 31 نا َ ُ َ
دو عا ْ ل
َ ِ َ َ َ َ ِ ْ َ ْ ِ ِ ْ َ ْ َ ِ َ
ول َئ ِ َ ُ ف ُ عَلى َ َ
في ك ِ ن 34أ ْ ظو َ حا ِ م يُ َ ه ْ صلت ِ ِ م َ ه ْ ن ُ ذي َ وال ّ ِ ن َ 33 مو َ قائ ِ ُ م َ ه ْدات ِ ِ ها َ ش َ بِ َ
ن { 35 مو َ مك َْر ُ ت ّ جّنا ٍ َ
الهداف الجرائية السلوكية :
-1أن يشرح الدارس خصائص النفس البشرية الخاوية اليمان
كما صورتها اليات .
-2أن يحدد الدارس الصفات التى اتصف بها المؤمن المستثنى
من الهلع .
-3أن يشرح الدارس المقصود بكل صفة من هذه الصفات .
وم الدارس نفسه على هذه الصفات . -4أن يق ّ
-5أن يسعى الدارس لتحقيق هذه الصفات فى ذاته .
المفردات :
علي صلتهم دائمون :قيل المراد السكون والخشوع وهو يدل علي –
وجوب الطمأنينة في الصلة – وقيل المراد بذلك الذين إذا عملوا عمل داوموا
عليه .في الحديث الصحيح " أحب العمال إلي الله أدومها وإن قل " .
بشهادتهم قائمون :محافظون عليها ل يزيدون فيها ول ينقصون منها ول –
يكتمونها .
37
علي صلتهم يحافظون :علي مواقيتها وأركانها وواجباتها ومستحقاتها –
فافتتح الكلم بذكر الصلة واختتمه بذكرها فدل علي العتناء بها .
والن وقد انتهى من تصوير الهول في مشاهد ذلك اليوم ،وفي صورة ذلك العذاب
؛ فإنه يتجه إلى تصوير حقيقة النفس البشرية في مواجهة الشر والخير ،
في حالتي إيمانها وخلوها من اليمان :
) إن النسان خلق هلوعا :إذا مسه الشر جزوعا ،وإذا مسه الخير
منوعا . ( .
وصورة النسان -عند خواء قلبه من اليمان -كما يرسمها القرآن صورة عجيبة ..
) إن النسان خلق هلوعا :إذا مسه الشر جزوعا .وإذا مسه الخير
منوعا ( ..هلوعا ..جزوعا عند مس الشر ،يتألم للذعته ،ويجزع لوقعه ،ويحسب
أنه دائم ل كاشف له ..فل يتصور أن هناك فرجا ؛ ول يتوقع من الله تغييرا .ومن ثم
يأكله الجزع ،ويمزقه الهلع .ذلك أنه ل يأوي إلى ركن ركين يشد من عزمه ،ويعلق
به رجاءه وأمله ..منوعا للخير إذا قدر عليه .يحسب أنه من كده وكسبه فيضن به
على غيره ..ويصبح أسير ما ملك منه ،مستعبدا للحرص عليه ! ذلك أنه ل يدرك
حقيقة الرزق ودوره هو فيه .ول يتطلع إلى خير منه عند ربه وهو منقطع عنه خاوي
القلب من الشعور به ..وهي صورة بائسة للنسان ،حين يخلو قلبه من اليمان .
ومن ثم يبدو اليمان بالله مسألة ضخمة في حياة النسان .ل كلمة تقال باللسان ،
ول شعائر تعبدية تقام .إنه حالة نفس ومنهج حياة ،وتصور كامل للقيم والحداث
والحوال ..
فأما حين يعمره اليمان فهو منه في طمأنينة وعافية ،لنه متصل بمصدر الحداث
ومدبر الحوال ؛ مطمئن إلى قدره شاعر برحمته ،مقدر لبتلئه ،متطلع دائما إلى
فرجه من الضيق ،ويسره من العسر .متجه إليه بالخير ،عالم أنه ينفق مما رزقه ،
وأنه مجزي على ما أنفق في سبيله ،معوض عنه في الدنيا والخرة ..فاليمان كسب
في الدنيا يتحقق قبل جزاء الخرة ،يتحقق بالراحة والطمأنينة والثبات والستقرار
طوال رحلة الحياة الدنيا .
وصفة المؤمنين المستثنين من الهلع ،تلك السمة العامة للنسان ،
يفصلها السياق هنا ويحددها :
) إل المصلين .الذين هم على صلتهم دائمون ( ..
والصلة فوق أنها ركن السلم وعلمة اليمان ،هي وسيلة التصال بالله والستمداد
من ذلك الرصيد .ومظهر العبودية الخالصة التي يتجرد فيها مقام الربوبية ومقام
العبودية في صورة معينة .وصفة الدوام التي يخصصها بها هنا ) :الذين هم على
صلتهم دائمون ( ..فهي صلة ل يقطعها الترك والهمال والكسل وهي صلة بالله
مستمرة غير منقطعة ..وقد كان رسول الله إذا عمل شيئا من العبادة أثبته -أي
داوم عليه .-
) والذين في أموالهم حق معلوم .للسائل والمحروم ( ..
وهي الزكاة على وجه التخصيص والصدقات المعلومة القدر ..وهي حق في أموال
المؤمنين ..أو لعل المعنى أشمل من هذا وأكبر .وهو أنهم يجعلون في أموالهم نصيبا
معلوما يشعرون أنه حق للسائل والمحروم ..والسائل الذي يسأل ؛ والمحروم الذي ل
يسأل ول يعبر عن حاجته فيحرم .أو لعله الذي نزلت به النوازل فحرم وعف عن
السؤال .والشعور بأن للمحتاجين والمحرومين حقا في الموال هو شعور بفضل الله
من جهة ،وبآصرة النسانية من جهة ،فوق ما فيه من تحرر شعوري من ربقة الحرص
والشح .وهو في الوقت ذاته ضمانة اجتماعية لتكافل المة كلها وتعاونها .
) والذين يصدقون بيوم الدين ( ..
38
فالتصديق بيوم الدين شطر اليمان .وهو ذو أثر حاسم في منهج الحياة شعورا
وسلوكا .والميزان في يد المصدق بيوم الدين غير الميزان في يد المكذب بهذا اليوم
أو المستريب فيه .ميزان الحياة والقيم والعمال والحداث .
) والذين هم من عذاب ربهم مشفقون .إن عذاب ربهم غير مأمون ( ..
وهذه درجة أخرى وراء مجرد التصديق بيوم الدين .درجة الحساسية المرهفة ،
والرقابة اليقظة ،والشعور بالتقصير في جناب الله على كثرة العبادة ،والخوف من
تفلت القلب واستحقاقه للعذاب في أية لحظة ،والتطلع إلى الله للحماية والوقاية .
وفي قوله هنا ) :إن عذاب ربهم غير مأمون ( ..إيحاء بالحساسية الدائمة التي ل
تغفل لحظة ،فقد تقع موجبات العذاب في لحظة الغفلة فيحق العذاب ..والقلب
الموصول بالله يحذر ويرجو ،ويخاف ويطمع ،وهو مطمئن لرحمة الله على كل حال .
) والذين هم لفروجهم حافظون .إل على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم
فإنهم غير ملومين .فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ( ..
وهذه تعني طهارة النفس والجماعة ،فالسلم يريد مجتمعا طاهرا نظيفا ،وفي
الوقت ذاته ناصعا صريحا ..ومن ثم يذكر القرآن هنا من صفات المؤمنين ) والذين
هم لفروجهم حافظون إل على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير
ملومين (..
فيقرر نظافة التصال بالزواج وبما ملكت اليمان -من الماء حين يوجدن بسبب
مشروع ) -فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ( ..وبذلك يغلق الباب
في وجه كل قذارة جنسية ،في أية صورة غير هاتين الصورتين الواضحتين الصريحتين
..فل يرى في الوظيفة الطبيعية قذارة في ذاتها ؛ ولكن القذارة في اللتواء بها .
والسلم نظيف صريح قويم ..
) والذين هم لماناتهم وعهدهم راعون ( .
وهذه من القوائم الخلقية التي يقيم السلم عليها نظام المجتمع .ورعاية المانات
والعهود في السلم تبدأ من رعاية المانة الكبرى ..وهي أمانة العقيدة والستقامة
عليها اختيارا ل اضطرارا ..ومن رعاية تلك المانة وهذا العهد تنبثق رعاية سائر
المانات والعهود في معاملت الرض وقد شدد السلم في المانة والعهد وكرر وأكد ،
ليقيم المجتمع على أسس متينة من الخلق والثقة والطمأنينة . .
) والذين هم بشهاداتهم قائمون ( ..
وقد ناط الله بأداء الشهادة حقوقا كثيرة ،بل ناط بها حدود الله ،التي تقام بقيام
الشهادة .فلم يكن بد أن يشدد الله في القيام بالشهادة ،وعدم التخلف عنها ابتداء ،
وعدم كتمانها عند التقاضي ،ومن القيام بها أداؤها بالحق دون ميل ول تحريف .
وكما بدأ سمات النفوس المؤمنة بالصلة ،ختمها كذلك بالصلة :
) والذين هم على صلتهم يحافظون ( ..
وهي صفة ..تتحقق بالمحافظة على الصلة في مواعيدها ،وفي فرائضها ،وفي
سننها ،وفي هيئتها ،وفي الروح التي تؤدى بها .فل يضيعونها إهمال وكسل .ول
يضيعونها بعدم إقامتها على وجهها ..وبهذا تختم سمات المؤمنين ..
وعندئذ يقرر مصير هذا الفريق من الناس بعد ما قرر من قبل مصير الفريق الخر :
) أولئك في جنات مكرمون ( ..ويجمع هذا النص القصير بين لون من النعيم
الحسي ولون من النعيم الروحي .فهم في جنات .وهم يلقون الكرامة في هذه
الجنات .فتجتمع لهم اللذة بالنعيم مع التكريم.
التقويم :
-1اشرح خصائص النفس البشرية الخاوية اليمان كما صورتها
اليات .
-2حدد الصفات التى اتصف بها المؤمن المستثنى من الهلع .
39
اشرح المقصود بكل صفة من هذه الصفات . -3
-4تختلف حقيقة النفس البشرية في الضراء والسراء وهذه
الحقيقة تختلف أيضا حين تكون مؤمنة وحين تكون خاوية من
اليمان 0وضح ذلك من خلل فهمك لليات ؟
" اليات تؤكد الرباط الوثيق بين الصلة والزكاة والواجب -5
الجتماعي الذي يحقق تكافل المة كلها " وضح ذلك .
" ينبغي للمؤمن أن يكون علي خوف من تقلب القلب خشية -6
استحقاقة للعذاب في أي لحظة " وضح ذلك .
" السلم يعني بطهارة النفس والمجتمع ويقيم مجتمعا -7
طاهرا نظيفا " وضح ذلك من خلل فهمك لليات .
" المانة بمفهومها الشامل من الدعائم الخلقية للمجتمع -8
المسلم " وضح ذلك
وم نفسك بمدى تحقق هذه الصفات .
ق ّ -9
-10كيف تسعى لتحقيق هذه الصفات فى نفسك ؟
الدرس الثالث
ذرهم يخوضوا ويلعبوا !! ..
اليات من ) ( 44 : 36
ل
ما ِ ش َ ن ال ّ ع ِ و َ ن َ مي ِ ن ال ْي َ ِ ع ِ ن َ 36 عي َ هطِ ِ م ْ ك ُ قب َل َ َ فُروا ِ ن كَ َ ذي َ ل ال ّ ِ ما ِ ف َ َ }
عيم ٍ 38ك َّل إ ِّنا َ َ
ة نَ ِ جن ّ َ ل َ خ َ م أن ي ُدْ َ ه ْ من ْ ُ ئ ّ ر ٍ م ِ لا ْ ع كُ ّ م ُ ن 37أي َطْ َ زي َ ع ِ ِ
ب إ ِّنا ر غا َ م ْ لوا ق ر شا َ م ْ ل ا ب ر ب م س قْ ُ أ ل َ فَ 39 ن مو َ ل ع ي ما م هم َ ُ نا ْ
ق َ ل خَ
ِ ِ ِ ِ َ َ َ ِ ُ ِ َ ّ ّ ّ َ ْ ُ َ
م َ َ َ َ َ لَ َ
ه ْ
ن 41فذْر ُ قي َ سُبو ِ م ْ ن بِ َ ح ُ ما ن َ ْ و َ م َ ه ْمن ْ ُ خي ًْرا ّ على أن ن ّب َدّل َ ن َ 40 قاِدُرو َ
نجو َ خُر ُ م يَ ْ و َ ن 42ي َ ْ دو َ ع ُ ذي ُيو َ م ال ّ ِ ه ُ م ُو َ قوا ي َ ْ حّتى ي َُل ُ عُبوا َ وي َل ْ َ ضوا َ خو ُ يَ ُ
م َ َ َ َ َ ْ
ه ْ صاُر ُ ة أب ْ َ ع ً ش َ خا ِ ن َ 43 ضو َ ف ُ ب ُيو ِ ص ٍ م إ ِلى ن ُ ُ ه ْ عا كأن ّ ُ سَرا ً ث ِ دا ِ ج َ ن ال ْ م َ ِ
ن {44 دو َ ع ُذي كاُنوا ُيو َ َ م ال ِّ و ُ ْ َ
ة ذَل ِك الي َ ْ ّ
م ِذل ٌ ه ْ هق ُ ُ ت َْر َ
الهداف الجرائية السلوكية :
-1أن يصف الدارس مشهد الكافرين في مكة أثناء قراءة
الرسول صلى الله عليه وسلم للقرآن وما يختلج في أنفسهم من
مطامع .
-2أن يبين الدارس إجابة الله عز وجل على أطماعهم وما في
ن. هذه الجابة من معا ٍ
-3أن يبين الدارس العلقة بين خواتيم السورة ومقدمتها .
-4أن يصف الدارس حال هؤلء المكذبين يوم القيامة كما جاءت
في خواتيم السورة .
المفردات :
– عزين :متفرقين – مهطعين :مسرعين نافرين منك
– المشارق والمغارب :قد تعني المشارق والمغارب المتوالية علي بقاع الرض أو
المشارق والمغارب للكواكب والنجوم في الكون كله .
-بمسبوقين :أي بعاجزين
40
– نبدل خيرا منهم :أي يوم القيامة نعيدهم بأبدان خيرا ً من هذه والله قادر علي
ذلك وهؤلء الكافرون ل يسبقونه ول يفتونه ول يهربون من مصيرهم المحتوم
– الجداث :القبور
– نصب يوفضون :ينهضون سراعا والنصب هو الصنم أي كأنهم في إسراعهم إلي
الموقف كما كانوا في الدنيا يهرولون إلي النصب إذا عاينوه .
– خاشعة أبصارهم :خاضعة ذليلة 0
ثم يعرض السياق مشهدا من مشاهد الدعوة في مكة ،والمشركون يسرعون
الخطى إلى المكان الذي يكون فيه الرسول يتلو القرآن .ثم يتفرقون حواليه
جماعات .ويستنكر إسراعهم هذا وتجمعهم في غير ما رغبة في الهتداء بما
يسمعون :
) فما للذين كفروا قبلك مهطعين ؟ عن اليمين وعن الشمال
عزين ؟ ( ..
المهطع هو الذي يسرع الخطى مادا عنقه كالمقود .وعزين جمع عزة كفئة وزنا
ومعنى ..وفي التعبير تهكم خفي بحركتهم المريبة ..وتساؤل عن هذا الحال منهم ..
ما لهم ؟ ) أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم ؟ ( ..
وهم على هذه الحال التي ل تؤدي إلى جنة نعيم ،إنما تؤدي إلى لظى مأوى
المجرمين ! لعلهم يحسبون أنفسهم شيئا عظيما عند الله ؛ فهم يكفرون ويؤذون
الرسول ..ثم يدخلون الجنة بعد هذا كله لنهم في ميزان الله شيء عظيم ؟! .
) كل ! ( في ردع وفي تحقير ) ..إنا خلقناهم مما يعلمون ( !
وهم يعلمون مم خلقوا ! من ذلك الماء المهين الذي يعرفون ..فكيف يطمعون أن
يدخلوا جنة نعيم على الكفر وسوء الصنيع ؟ وهم مخلوقون مما يعلمون ! وهم أهون
على الله من أن تكون لهم دالة عليه ،وخرق لسنته في الجزاء العادل باللظى
وبالنعيم .
واستطرادا في تهوين أمرهم ،وتصغير شأنهم ..يقرر أن الله قادر على أن يخلق
خيرا منهم ،وأنهم ل يعجزونه فيذهبون دون ما يستحقون من جزاء أليم :
) فل أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون ،على أن نبدل خيرا
منهم وما نحن بمسبوقين ( .
والمر ليس في حاجة إلى قسم .ولكن التلويح بذكر المشارق والمغارب ،يوحي
بعظمة الخالق .والمشارق والمغارب قد تعني المشارق والمغارب المتوالية على بقاع
الرض .وهي تتوالى في كل لحظة ..فهل يحتاج أمر أولئك المخلوقين مما يعلمون
إلى قسم برب المشارق والمغارب ،على أنه -سبحانه -قادر على أن يخلق خيرا
منهم ،وأنهم ل يسبقونه ول يفوتونه ول يهربون من مصيرهم المحتوم ؟! .
وعندما يبلغ السياق هذا المقطع ..يتجه بالخطاب إلى رسول الله ليدعهم لذلك
اليوم ولذلك العذاب ،ويرسم مشهدهم فيه ،وهو مشهد مكروب ذليل :
) فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلقوا يومهم الذي يوعدون .يوم
يخرجون من الجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون ( ..
فهؤلء الخارجون من القبور يسرعون الخطى كأنما هم ذاهبون إلى نصب يعبدونه ..
وفي هذا التهكم تناسق مع حالهم في الدنيا .لقد كانوا يسارعون إلى النصاب في
العياد ويتجمعون حولها ..ثم تتم سماتهم بقوله ) :خاشعة أبصارهم ترهقهم
ذلة ( ..لقد كانوا يخوضون ويلعبون فهم اليوم أذلء مرهقون ) ..ذلك اليوم الذي
كانوا يوعدون ( ..فكانوا يستريبون فيه ويكذبون ويستعجلون !
التقويم :
41
-1صف مشهد الكافرين في مكة أثناء قراءة الرسول صلى الله
عليه وسلم للقرآن وما يختلج في أنفسهم من مطامع .
-2بين إجابة الله عز وجل على أطماعهم وما في هذه الجابة
ن.من معا ٍ
-3بين العلقة بين خواتيم السورة ومقدمتها .
-4صف حال هؤلء المكذبين يوم القيامة كما جاءت في خواتيم
السورة .
الفصل الثاني
الحديث الشريف
من الحديث الحادي والعشرين إلى الحديث السابع
والعشرين من الربعين النووية
43
َ
هعل ْت ُ ُ
ف َ لَ : حل َ َ ت ال ْ َ حل َل ْ ُعنى أ ْ م ْ
و َ هَ ، جت َن َب ْت ُ ُم :ا ْ حَرا َ ت ال ْ َ م ُ حّر ْ عنى َ م ْ و َ َ
ه.
ُ ّ ل ح
ِ ً ا قد
عت َ ِم ْ ُ
الهداف الجرائية السلوكية :
أن يوضح الدارس ما جاء فى الحديث من العمال التى يدخل بها المؤمن -1
الجنة .
أن يؤدى الدارس العمال التي يدخل بها الجنة . -2
أن يتعود الدارس البحث عن كل ما ينفعه لدخول الجنة والسؤال عنه . -3
أن يعلل الدارس لماذا وافق رسول الله الرجل على ما حدده من أعمال -4
لدخول الجنة .
أن يقتدي الدارس برسول الله صلى الله عليه وسلم فى كيفية دعوته -5
بالتيسير والتدرج مع المدعوين .
مفردات الحديث:
ل" :هو النعمان بن قوقل الخزاعي. "رج ً
"أرأيت" :الهمزة للستفهام ،ورأى مأخوذة من الرأي ،والمراد :أخبرني وأفتني.
"المكتوبات" :المفروضات ،وهي الصلوات الخمس.
"الحلل" :هو المأذون في فعله شرعًا.
"الحرام" :كل ما منع الشرع من فعله على سبيل الحتم.
"أأدخل الجنة ؟" :مع السابقين ،من غير سبق عذاب.
المعنى العام:
يحدثنا جابر رضي الله عنه عن ذلك المؤمن المتلهف إلى جنة عرضها
دت للمتقين ،إذ جاء يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السماوات والرض أ ُ ِ
ع ّ
طريقها ،ويستفتيه عن عمل يدخله فسيح رحابها ،فيدله رسول الله صلى الله عليه
وسلم على بغيته ،وتتحقق لها أمنيته.
التزام الفرائض وترك المحرمات أساس النجاة :لقد سأل النعمان
رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم :هل إذا استمر في أداء الصلة
قوًتا{ و ُ م ْن ك َِتاًبا َ مِني َ م ْ
ؤ ِ عَلى ال ْ ُ ت َ كان َ ْصلةَ َ ن ال ّ المفروضة عليه بقوله تعالى} :إ ِ ّ
]النساء .[103 :أي فرضا ً محددا ً بوقت ؟.
ن
ضا َ م َ هُر َر َ ش ْثم إذا أدرك شهر رمضان المفروض عليه صيامه بقوله تعالىَ } :
وال ْ ُ ُ
ن
م ْ ف َ ن َ قا ِ فْر َ دى َ ه َ ن ال ْ ُم ْ ت ِ وب َي َّنا ٍس َ دى ِللّنا ِ ه ًن ُ قْرآ ُ ه ال ْ ُ في ِل ِ ز َ ذي أن ِ ال ّ ِ
ه{ ]البقرة [185 :قام بصيامه ،ملتزما ً لدابه ومراعيا ً م ُص ْفل ْي َ ُهَر َ ش ْم ال ّ من ْك ُ ْ هد َ ِ َ
ش ِ
لحرمته ؟ .
ثم وقف عند حدود الله تعالى فيما أحل أو حرم ،فلم يحل حراما ً ولم يحرم
ل ،بل اعتقد حل ما أحله الله وحرمة ما حرمه ،فاجتنب الحرام مطلقًا ،وفعل من حل ً
الحلل الواجب منه ؟.
سأل :هل إذا فعل ذلك كله ،ولم يستزد من الفضائل المستحبة والمرغوب فيها
-كفعل النوافل وترك المكروهات ،والتورع عن بعض المباحات أحيانا ً -هل يكفيه ذلك
للنجاة عند الله تعالى ويدخله الجنة ،التي هي منتهى أمله ومبتغاه ،مع المقربين الخيار
والسابقين البرار ،دون أن يمسه عذاب أو يناله عقاب؟.
ويجيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يطمئن نفسه ،ويشرح صدره،
ويفرح قلبه ،ويشبع رغبته ،ويحقق لهفته ،فيقول له" :نعم".
أخرج النسائي وابن حبان والحاكم :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
ب الكبائَر ج الزكاة ،ويجتن ُ م رمضان ،وُيخر ُ ت الخمس ،ويصو ُ "ما من عبد ُيصّلي الصلوا ِ
ب الجنة يدخل من أيها شاء" .ثم تل} :إن تجتنبوا كبائَر ما السبع ،إل ُفتحت له أبوا ُ
دخل ً كريما { ]النساء.[31 : ً م ْ
كم ُ خل ُ ْ فْر عنكم سيئاتكم ون ُدْ ِ ُتنهون عنه ن ُك َ ّ
44
رف والكبائر السبع ،هي :الزنا ،وشرب الخمر ،والسحر ،والتهام بالزنا لمن عُ ِ
بالعفة ،والقتل العمد بغير ذنب ،والتعامل بالربا ،والفرار من وجه أعداء السلم في
ميادين القتال.
وموقف رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا يدل على يسر السلم ،وأن الله
ريدُ الل ّ ُ
ه تعالى لم يكلف أحدا ً من خلقه ما فيه كلفة ومشقة ،وهو سبحانه القائل} :ي ُ ِ
سَر{ ]البقرة .[185 :فالتكاليف في الشريعة ع ْ م ال ْ ُريدُ ب ِك ُ ْول ي ُ ِ سَر َم ال ْي ُ ْ ب ِك ُ ْ
السلمية كلها متصفة باليسر ،وضمن حدود الطاقة البشرية.
الزكاة والحج فريضتان محكمتان :فالتزام هذين الركنين ممن وجبا عليه،
شرط أساسي في نجاته من النار ودخوله الجنة دون عذاب.
ولم يذكرهما النعمان رضي الله عنه بخصوصهما -كما ذكر الصلة والصوم -إما
لنهما لم يفرضا بعد ،وإما لكونه غير مكلف بهما لفقره وعدم استطاعته ،أو لنهما
يدخلن في تعميمه بعد ُ بقوله :وأحللت الحلل وحرمت الحرام ،فإنه يستلزم فعل
الفرائض كلها ،لنها من الحلل الواجب ،وتركها من الحرام الممنوع.
أهمية الصلة والصيام :إن تصدير هذا السائل سؤاله بأداء الصلوات
المفروضة ،يدل دللة واضحة على ما استقر في نفوس الصحابة رضي الله عنهم من
تعظيم أمرها والهتمام بها ،وكيف ل ؟ وهي عماد الدين ،وعنوان المسلم يؤديها في
اليوم والليلة خمس مرات ،محافظا ً على أركانها وواجباتها ،وسننها وآدابها] .انظر
الحديث الثالث من الربعين النووية [
وأما الصوم :فهو في المرتبة الثانية بعد الصلة ،وإن كان ل يقل عنها في
علمت من الدين الفرضية ،فقد أجمعت المة على أنه أحد أركان السلم التي ُ
بالضرورة] .انظر الحديث الثالث من الربعين النووية [
ت أن ل إله جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :يا رسول الله ،شهد ُ
إل الله وأنك رسول الله ،وصّليت الخمس ،وأديت زكاة مالي ،وصمت شهر رمضان ؟.
ت على هذا كان مع النبيين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :من ما َ
ب ُأصبعيه -ما لم يعقّ والديه" .يعق من والصديقين والشهداء يوم القيامة هكذا -ونص َ
العقوق ،وهو عدم الحسان إلى الوالدين كما أمر الله عز وجل ورسوله صلى الله
عليه وسلم.
التيان بالنوافل زيادة قرب من الله تعالى وكمال :والمسلم الذي
يرجو النجاة ،وتطمح نفسه إلى رفيع الدرجات عند الله عز وجل ،ل يترك نافلة ول
يقرب مكروهًا ،ول يفرق فيما يطلب منه بين واجب أو مفروض أو مندوب ،كما ل
يفرق فيما نهي عنه بين محرم أو مكروه.
وهكذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عامة يفعلون ،ل يفرقون
ُ
سو ُ
ل م الّر ُ ما آَتاك ُ ْ
و َمروا به أو ن ُُهوا عنه ،بل يلتزمون قول الله عز وجلَ } : فيما أ ِ
هوا{ ]الحشر .[7 :رغبة في الثواب ،وطمعا ً في ه َ
فان ْت َ ُ عن ْ ُم َ هاك ُ ْما ن َ َ
و َذوهُ َ خ ُ ف َُ
الرحمة والرضوان ،وإشفاقا ً من المعصية والحرمان.
ونحن إذ نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقر ذلك الصحابي على إعلنه:
"والله ل أزيد على ذلك شيئا ً " ،ول ينبهه إلى فضل الزيادة والتطوع ،نعلم أنه صلى
ل ،وتعليما ً للقادة والهداة إلى الله عز الله عليه وسلم فعل ذلك تيسيرا ً عليه وتسهي ً
وجل :أن يبّثوا روح المل في النفوس ،وأن يتخلقوا بالسماحة والرفق ،وتقريرا ً لما
جاء به السلم من التيسير ورفع الحرج .على أنه صلى الله عليه وسلم يعلم أن هذا
المؤمن التقي حين يعبد الله عز وجل بما افترض عليه ،ويصل به قلبه ،ينشرح صدره،
ويشعر باطمئنان نفسي ومتعة روحية ،فيحمله كل ذلك على الشغف بالعبادة ،والرغبة
في الزيادة من مرضاة الله عز وجل ،بأداء النوافل وترك المكروه.
وأفاد الحديث:
45
أن على المسلم أن يسأل أهل العلم عن شرائع السلم ،وما يجب عليه وما
سهن نف ُ
ل له وما يحرم ،إن كان يجهل ذلك ،ليسيَر على هدى في حياته :وتطمئ َ يح ّ
لسلمة عمله.
كما أفاد :أن على المعلم أن يتوسع بالمتعلم :ويبشره بالخير ،ويأخذه باليسر
والترغيب.
التقويم :
وضح ما جاء فى الحديث من العمال التى يدخل بها المؤمن الجنة . -1
وم مدى أدائك العمال التي وردت فى الحديث والتى تدخل بها الجنة . ق ّ -2
هل تبحث عن كل ما ينفعك لدخول الجنة وتسأل عنه ؟ -3
علل -لماذا وافق رسول الله الرجل على ما حدده من أعمال لدخول -4
الجنة .
46
خزي في الدنيا ،والعذاب في الخرة. معتقها" :مخّلصها من ال ِ " ُ
"موبقها" :مهلكها بارتكاب المعاصي وما يترتب عليها من الخزي والعذاب.
المعنى العام :
الطهارة وثوابها :الطهارة شرط لصحة العبادة ،وعنوان محبة الله تعالى.
مِئنا ً المسلمين الخاشعين ،أن ما يقوم به المؤمن مط َ ْفلقد بين صلى الله عليه وسلمُ ،
من طهارة لبدنه وثوبه -استعدادا ً لمناجاة ربه -أثر هام وبارز من آثار إيمانه ،إذ يعبر
هُروا{ ]المائدة: فاطّ ّ جن ًُبا َم ُ ن ك ُن ْت ُ ْ وإ ِ ْبه عن إذعانه لمره ،واستجابته لندائهَ }.
هر{ ]المدثر .[4 :فيقوم ويحتمل المكاره ،ليقف بين يدي فطَ ّ ك َ .[6وقال} :وثياب َ َ
الله تعالى نقيا ً تقيًا ،حسن الرائحة والسمت كما أحسن الله خلقه ،وقد وجبت له محبة
ب المتطهرين{ ]البقرة.[222 : وابين ويح ّ الله عز وجل} :إن الله ُيحب الت ّ
لقد ب َّين صلى الله عليه وسلم أن أجر الطهارة ،من وضوء وغيره ،يتضاعف عند
الله تعالى حتى يبلغ نصف أجر اليمان ،وذلك لن اليمان يمحو ما سبقه من الخطايا
الكبيرة والصغيرة ،والطهارة -وخاصة الوضوء -تمحو ما سبقها من خطايا صغيرة،
فكانت كنصف اليمان.
روى مسلم ،عن عثمان رضي الله عنه ،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
ن الوضوَء خرجت خطاياه من جسده ،حتى تخرج من تحت أظفاره". "من توضأ فأحس َ
واليمان تنظيف للباطن من الدران المعنوية ،كالشرك بالله تعالى والنفاق وما
طهور تنظيف للظاهر من الدران الحسية. أشبه ذلك ،وال ّ
من خصال اليمان :الوضوء من خصال اليمان الخفية ،التي ل ُيحافظ عليها
ظ على الوضوء إل مؤمن" رواه ابن إل المؤمن ،قال عليه الصلة والسلم" :لن ُيحاف َ
ماجه والحاكم .لنه أمر غير ظاهر ،إلى جانب ما فيه من المكاره ،ولذا كان المحافظ
عليه أسبق إلى دخول الجنة.
ح يوما ً روى ابن خزيمة في صحيحه :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصب َ
فدعا بلل ً فقال" :يا بلل ،بم سبقتني إلى الجنة ؟ إني دخلت البارحة الجنة ،فسمعت
ت ركعتين ،ول صل ّي ْ ُ
ت قط إل َ خشخشتك أمامي" فقال بلل :يا رسول الله ،ما أذ ّن ْ ُ
أصابني حدث قط إل توضأت عنده .فقال صلى الله عليه وسلم" :لهذا".
ِذك ُْر الله تعالى وشكره :إن التعبير عن شكر الله عز وجل بالكثار من ذكره،
ول سيما بما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من صيغ وألفاظ ،يمل ثوابه
كفة ميزان العمال الصالحة يوم القيامة ،ففي مسند أحمد رحمه الله تعالى ،عن أبي
سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما ،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال" :إن الله
اصطفى من الكلم أربعا ً :سبحان الله ،والحمد لله ،ول إله إل الله ،والله أكبر ،فمن
ت عنه عشرون سيئة ،ومن قال :الله حط ّ ْ كتبت له عشرون حسنة و ُ قال :سبحان الله ُ
أكبر مثل ذلك ،ومن قال :ل إله إل الله مثل ذلك ،ومن قال :الحمد لله مثل ذلك ،ومن
طت عنه ثلثون ح ّ كتبت له ثلثون حسنة ،و ُ قال الحمد لله رب العالمين من قبل نفسه ُ
سيئة".
فمن عبر عما سبق بلسانه ،معتقدا ً بما تلفظ بملء قلبه ونفسه ،مستحضرا ً
لمعانيها بفكره وعقله ،فإنه ينال جزاًء عظيمًا ،لو كان يقاس بالمساحات ويقدر
سّلما ً يصعد عليه إلى درجات العلى. سد ّ ما بين السماوات والرض ،وكان له ُ بالحجام ل َ َ
اطمئنان القلب :ل بد حال الذكر من استحضار القلب وفهم المعاني ما
أمكن ،حتى يكون لذلك أثر في نفس المسلم ،فيطمئن قلبه ويستقيم سلوكه :
قُلوبهم بذك ْر الل ّ َ
ب{ قُلو ُن ال ْ ُمئ ِ ّه ت َطْ َ ر الل ّ ِ
ذك ْ ِه أل ب ِ ِ ِ ُ ُ ْ ِ ِ ِ ن ُ وت َطْ َ
مئ ِ ّ مُنوا َ
نآ َ }ا ل ّ ِ
ذي َ
]الرعد.[28 :
الكثار من الذكر :المؤمن في حاجة ماسة إلى اطمئنان قلبه واستقرار
نفسه ،ولذا لبد له أن يكثر من ذكر الله عز وجل ،حتى يكون دائما ً على صلة به،
47
معتمدا ً عليه ،مستمدا ً لعونه ونصرته ،طالبا ً لعفوه ومغفرته ،حتى يذكره الله تعالى في
َ
نذي َ ها ال ّ ِ سّلكه مسالك الهدى والحقَ}:يا أي ّ َ ملكوته ،فيشمله بفضله ورحمته ،وي ُ َ
ّ ّ َ
صلي ذي ي ُ َ و ال ِ ه َ
صيل * ُ وأ ِ حوهُ ب ُك َْرةً َسب ّ ُ و َه ِذك ًْرا ك َِثيًرا * َ مُنوا اذْك ُُروا الل ّ َ آ َ
ن
مِني َ ؤ ِ م ْ ْ
ن ِبال ُ كا َ و َر َت إ ِلى الّنو َِ ما ِ ُ ّ
ن الظل َ م ْ جك ُ ْ
م ِ ر َ
خ ِه ل ِي ُ ْ ملئ ِك َت ُ ُ و َ م َ علي ْك ُ ْ َ َ
ما{ ]الحزاب.[43-41: حي ً َر ِ
ل :عند طلوع الشمس وعند ميلنها للغروب والمراد :جميع الوقات. بكرة وأصي ً
الصلة نور :الصلة فريضة محكمة وركن أساسي من أركان السلم ،وهي -
كما بين صلى الله عليه وسلم -نور مطلق تدل صاحبها على طريق الخير ،وتمنعه من
ء
شا ِ ح َ ف ْ ن ال ْ َ ع ْ هى َ صلةَ ت َن ْ َ ن ال ّ المعاصي ،وتهديه سبيل الستقامة ،قال تعالى} :إ ِ ّ
ر{ ]العنكبوت [45 :فهي نور معنوي يستضاء به في طرق الهداية والحق ،كما من ْك َ ِ وال ْ ُ َ
ُيستضاء بالضياء المادي إلى الطريق القويم والسلوك السليم ،وهي تكسب المسلم
ن
عى ب َي ْ َ س َ م يَ ْ ه ْ الهيبة والبهاء في الدنيا ،كما تشع النور على وجهه يوم القيامةُ} :نوُر ُ
ن َ َ
م ْم ِ ه ْ ه ِجو ِ و ُ في ُ م ِ ه ْما ُ سي َ م{ ]التحريم .[8 :وقال تعالىِ } : ه ْ مان ِ ِ وب ِأي ْ َ م َ ه ْ دي ِ أي ْ ِ
َ
جوِد{ ]الفتح.[29 : س ُ ر ال ّ أث َ ِ
الصلة صلة العبد بربه ،ومناجاته لخالقه ،ولهذا كانت قرة عين المتقين ،يجدون
حَزَبه -أمر أي :أصابه- فيها الراحة والسكينة والمن ،وكان صلى الله عليه وسلم إذا َ
قال" :يا بلل أقم الصلة ،وأرحنا بها" رواه أبو داود.
الصدقة برهان :البرهان هو الشعاع الذي يلي وجه الشمس ،ومنه سميت
الحجة القاطعة برهانا ً لوضوح دللتها على ما دلت عليه.
فكذلك الصدقة برهان على صحة اليمان ،وطيب النفس بها علمة على وجود
اليمان وطعمه.
الصبر ضياء :الضياء هو النور الذي يحصل فيه نوع حرارة وإحراق ،كضياء
الشمس ،بخلف القمر فإنه نور محض فيه إشراق بغير إحراق ،وكان الصبر ضياء لنه
شاق على النفوس ،يحتاج إلى مجاهدة النفس وحبسها وكفها عما تهواه.
الصبر طريق النصر :ل يزال المسلم على صواب ما استمر في صبره ،وذلك
أن النسان يعيش في الدنيا تحوفه الشدائد ،وتحيط به المصائب ،وكل ذلك يحتاج إلى
ثبات وقوة ،وإل تلشى النسان وضاع ،وما أكثر ما يحتاج المسلم في حياته إلى
الصبر ،فالطاعة تحتاج إلى صبر ،وترك المعصية يحتاج إلى صبر ،وتحمل المكاره
والمصائب يحتاج إلى صبر ،ولذلك كان التخلق بالصبر قوة ل تساويها قوة ،ونورا ً
عظيما ً ل يزال صاحبه مستضيئا ً به ،مهتديا ً إلى الحق مستمرا ً على الصواب.
القرآن حجة :المسلم منهاجه القرآن ،وإمامه كتاب الله تعالى :يهتدي بهديه،
ويأتمر بأمره ،وينتهي بنهيه ،ويتخلق بأخلقه ،فمن فعل ذلك انتفع بالقرآن إذا تله،
وكان دليل ً له يدله على النجاة في الدنيا وبرهانا ً يدافع عنه يوم القيامة ،ومن تنكب
الطريق وانحرف عن تعاليم القرآن ،كان القرآن خصمه يوم القيامة.
طريق الجنة :يختم صلى الله عليه وسلم توجيهاته الرائعة وعظاته الباهرة ببيان
أصناف الناس ،إذ الناس جميعا ً يصبحون كل يوم ويمسون ،ولكنهم ليسوا على حالة
واحدة ،فهناك من قضى ليله أو نهاره في طاعة الله سبحانه وتعالى ومرضاته ،يلتزم
الصدق في معاملته مع الله عز وجل ومع الناس ،فأنقذ نفسه من الهلك وخلصها من
العذاب ،فهو حر النفس ،حر الفكر والعقل ،حر الرادة ،لم يقبل قيمة لنفسه إل الجنة
الخالدة والنعيم البدي المقيم .وهناك من قضى ليله أو نهاره في معصية الله تعالى،
ومخالفة أوامره في شؤونه العامة والخاصة ،مع الله تعالى ومع الخلق ،فأهلك نفسه
وأوردها المخاطر ،وباعها بثمن بخس :شقاء في الدنيا وسجن في جحيم أبدي في
العقبى ،إذ كان أسير شهوته وهواه ،وطوع شيطانه ونفسه" :كل الناس يغدو فبائع
نفسه فمعتقها أو موبقها" .كل إنسان :إما ساع في هلك نفسه أو في فكاكها ،فمن
48
سعى في طاعة الله فقد باع نفسه لله وأعتقها من عذابه ،ومن سعى في معصية الله
تعالى فقد باع نفسه بالهوان وأوقعها بالثام الموجبة لغضب الله عز وجل وعقابه .قال
ن
م ْ
ح َ قد ْ أ َ ْ
فل َ َ ها * َ وا َ وت َ ْ
ق َ ها َ
جوَر َ ها ُ
ف ُ م َ
ه َ
ها * َ َ
فأل ْ َ وا َ
س ّما َ و َ
س َف ٍ ون َ ْتعالىَ } :
ها{ ]الشمس .[10 - 7 :والمعنى :قد أفلح من زكى سا َ
ن دَ ّم ْب َ خا َ
قد ْ َو َها * َ َز ّ
كا َ
نفسه بطاعة الله ،وخاب من زجها في المعاصي.
ومما يرشد إليه الحديث:
المحافظة على الصلوات بأوقاتها ،وأدائها كاملة بأركانها وواجباتها وسننها وآدابها ،بعد
تحقق شروطها كاملة.
الكثار من النفاق في وجوه الخير ،والمسارعة إلى سد حاجة الفقراء
والمعوزين ،والبحث عن الرامل واليتامى والفقراء المعففين والنفاق عليهم ،لتكون
الصدقة خالصة لوجهه تعالى.
الصبر على الشدائد ،وخاصة على ما ينال المسلم نتيجة المر بالمعروف والنهي
عن المنكر والدعوة إلى الله تعالى.
القرآن دستور المسلم ،فعليه القبال على تلوته مع تفهم معناه والعمل
بمقتضاه.
المسلم يسعى لن يستفيد من وقته وعمره في طاعة الله عز وجل ،ول يشغل
نفسه إل بموله سبحانه ،وما يعود عليه بالنفع في معاشه ومعاده.
التقويم :
حدد ما جاء فى الحديث من أنواع العبادات . -1
وضح أهمية كل نوع من أنواع العبادة التى جاءت فى الحديث وأثرها . -2
أذكر اليات القرآنية الدالة على هذه العبادات وأهميتها . -3
هل تمارس هذه العبادات تقربا ً إلى الله عز وجل – وكيف تحقق ذلك ؟ -4
هل تستشعر حلوة ممارسة هذه العبادات فى قلبك -وما علمة ذلك ؟ -5
49
-2أن يوضح الدارس ما جاء فى الحديث من أوامر ونواه من الله عز وجل
لعباده .
-3أن يلتزم الدارس بما جاء فى الحديث من أوامر ونواه طاعة لله .
-4أن يعبر الدارس عن ما يستشعره من لذة إيمانية عند ممارسته لما جاء
فى الحديث .
-5أن يوضح الدارس قدرة الله وعظمته كما جاءت فى الحديث .
-6أن يعبر الدارس عن افتقاره وحاجته إلى الله عز وجل كما ورد فى
الحديث .
-7أن يحدد الدارس الفوائد التى تعود على المسلم إذا التزم بما جاء فى
الحديث من أوامر ونواهٍ .
مفردات الحديث:
"حرمت الظلم" :الظلم لغة :وضع الشيء في غير محله .وهو مجاوزة الحد أو
التصرف فيحق الناس بغير حق .وهو مستحيل على الله تعالى .ومعنى حرمت الظلم
على نفسي :أي ل يقع مني ،بل تعاليت عنه وتقدست.
"ضال" :غافل عن الشرائع قبل إرسال الرسل.
"إل من هديته" :أرشدته إلى ما جاء به الرسل ووفقته إليه.
"فاستهدوني" :اطلبوا مني الهداية.
"صعيد واحد" :أرض واحدة ومقام واحد.
خيط" :بكسر الميم وسكون الخاء ،البرة. م ْ"ال ِ
"ُأحصيها لكم" :أضبطها لكم بعلمي وملئكتي الحفظة.
"أوفيكم إياها" :أوفيكم جزاءها في الخرة.
المعنى العام:
تحريم الظلم على الله :ولفظ الحديث صريح في أن الله عز وجل منع
نفسه من الظلم لعباده" :إني حرمت الظلم على نفسي" ،وهو صريح في القرآن
الكريم أيضًا ،قال تعالى} :وما أنا بظلم ٍ للعبيد{ .
تحريم الظلم على العباد :حرم الله عز وجل الظلم على عباده ،ونهاهم أن
يتظالموا فيما بينهم ،فحرم على كل إنسان أن يظلم غيره ،مع أن الظلم في نفسه
محرم مطلقًا .و الظلم نوعان:
الول :ظلم النفس ،وأعظمه الشراك بالله ،قال تعالى} :إن الشرك لظلم
عظيم{ ،لن المشرك جعل المخلوق في منزلة الخالق وعبده مع الله تعالى المنزه
عن الشريك.
ويلي ظلم الشراك بالله المعاصي والثام الصغيرة والكبيرة ،فإن فيها ظلما ً
للنفس بإيرادها موارد العذاب والهلك في الدنيا والخرة .
الثاني :ظلم النسان لغيره ،وقد تكرر تحريمه والتحذير منه في أحاديث النبي
صلى الله عليه وسلم ،ففي الصحيحين ،عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ،عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال " :إن الظلم ظلمات يوم القيامة".
الفتقار إلى الله :والخلق كلهم مفتقرون إلى الله في جلب المصالح ودفع
المضار في الدنيا والخرة ،فهم في حاجة ماسة إلى هداية الله ورزقه في الدنيا وهم
بحاجة إلى رحمة الله ومغفرته في الخرة ،والمسلم يتقرب إلى الله عز وجل بإظهار
الحاجة والفتقار ،وتتجلى عبوديته الحقة لله رب العالمين في إحدى الصور الثلث
التالية :
س حاجتهم لله وأن ْ
ل :بالسؤال ،والله سبحانه وتعالى يحب أن ي ُظهَِر النا ُ أو ً
يسألوه جميع مصالحهم الدينية والدنيوية :من الطعام والشراب والكسوة ،كما يسألونه
الهداية والمغفرة.
50
ثانيًا :بطلب الهداية.
ثالثًا :بالمتثال الكامل ،وذلك باجتناب كل ما نهى الله تعالى عنه ،وفعل كل ما
أمر الله تعالى به.
التقويم :
وضح مفهوم الظلم بصوره المختلفة . -1
وضح ما جاء فى الحديث من أوامر ونواه من الله عز وجل لعباده . -2
هل تلتزم بما جاء فى الحديث من أوامر ونواه طاعة لله . -3
عبر عن ما تستشعره من لذة إيمانية عند ممارستك لما جاء فى -4
الحديث .
وضح قدرة الله وعظمته كما جاءت فى الحديث . -5
عبر عن افتقارك وحاجتك إلى الله عز وجل كما ورد فى الحديث . -6
حدد الفوائد التى تعود على المسلم إذا التزم بما جاء فى الحديث من -7
أوامر ونواهٍ .
51
"ُبضع" :الُبضع :الجماع.
"شهوته" :لذته.
"وزر" :إثم وعقاب.
المعنى العام:
"يا رسول الله ،ذهب أهل الدثور بالجور" .لقد حاز أصحاب الموال والغنى كل
أجر وثواب ،واستأثروا بذلك دوننا ،وذلك أنهم "يصلون كما نصلي ويصومون كما
نصوم" .فنحن وإياهم في ذلك سواء ،ول ميزة لنا عليهم ،ولكنهم يفضلوننا ويتميزون
علينا ،فإنهم "يتصدقون بفضول أموالهم" ول نملك نحن ما نتصدق به لندرك مرتبتهم،
ونفوسنا ترغب أن نكون في مرتبتهم عند الله تعالى ،فماذا نفعل ؟.
الحكمة البالغة وأبواب الخير الواسعة :يدرك المصطفى صلى الله عليه
وسلم لهفة هؤلء وشوقهم إلى الدرجات العلى عند ربهم ،ويداوي نفوسهم بما آتاه
الله تعالى من حكمة ،فيطيب خاطرهم ويلفت أنظارهم إلى أن أبواب الخير واسعة،
ة
ة فاعله مرتب َ داني مرتب ُ ب المتصدق ،وت ُ َ وأن هناك من العمال ما يساوي ثواُبه ثوا َ
المنفق ،إن لم تزد عليها في بعض الحيان.
"أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون ؟ " بلى إن أنواع الصدقات بالنسبة
إليكم كثيرة ،منها ما هو إنفاق على الهل ،ومنها ما هو ليس بإنفاق ،وكل منها ل يقل
أجره عن أجر النفاق في سبيل الله عز وجل.
فإذا لم يكن لديكم فضل مال ،فسبحوا الله عز وجل وكبروه واحمدوه وهللوه،
ففي كل لفظ من ذلك أجر صدقة ،وأي أجر ؟
وروى أحمد والترمذي :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل :أي العباد
أفضل عند الله يوم القيامة ؟ قال" :الذاكرون الله كثيرا ً ".
دعوة الخير صدقة على المجتمع :وكذلكم :باب المر بالمعروف والنهي
عن المنكر واسع ومفتوح ،وأجر من يقوم بهذا الفرض الكفائي ل يقل عن أجر المنفق
م المتصدق ،بل ربما يفوقه مراتب كثيرة " :كل معروف صدقة" رواه مسلم} .ك ُن ْت ُ ْ
ْ ة أُ ْ ُ
نمُنو َ ؤ ِوت ُ ْ
ر َ منك َ ِ ن ال ْ ُع ْن َ و َ ه ْوت َن ْ َ
ف َ عُرو ِ ن ِبال ْ َ
م ْ مُرو َ
س ت َأ ُ
ت ِللّنا ِج ْ
ر َ
خ ِ م ٍ
خي َْر أ ّ
َ
ه{ ]آل عمران.[110 : ّ
ِبالل ِ
سعة فضل الله عز وجل :وأيضا ً فقد جعل الله عز وجل لكم أجرا ً وثوابا ً
تنالونه كل يوم وليلة إذا أخلصتم النية وأحسنتم القصد :أليس أحدكم ينفق على أهله
وعياله" :ونفقة الرجل على أهله وزوجته وعياله صدقة" .رواه مسلم ،و "إنك لن تنفق
نفقة تبتغي بها وجه الله تعالى إل أجرت عليها ،حتى اللقمة ترفعها إلى فيه امرأتك"
متفق عليه .أي تطعمها إياها .بل أليس أحدكم يعاشر زوجته ويقوم بواجبه نحوها،
ليعف نفسه ويكفها عن الحرام ،ويحفظ فرجه ويقف عند حدود الله ،ويجتنب محرماته
صلح ّ التي لو اقترفها كان عليه إثم وعقاب ؟ فكذلك له أجر وثواب ،حتى ولو ظن أنه ي ُ َ
ل الله تعالى لذته وُيشبع شهوته ،طالما أنه ُيخلص النية في ذلك ،ول يقارب إل ما أح ّ
له.
ومن عظيم فضل الله عز وجل على المسلم :أن عادته تنقلب بالنية إلى عبادة
يؤجر عليها ،ويصير فعله وتركه قربة يتقرب بها من ربه جل وعل ،فإذا تناول الطعام
وي على طاعة ربه ،كان ذلك عبادة والشراب المباح بقصد الحفاظ على جسمه والتق ّ
يثاب عليها ،ول سيما إذا قارن ذلك ذكر الله تعالى في بدء العمل وختامه ،فسمى الله
تعالى في البدء ،وحمده وشكره في الختام.
وكذلك :يربو الجر وينمو عند الله عز وجل للمسلم الذي يكف عن محارم الله
دد العهد في كل حين ،واستحضر في نفسه أنه يكف عن عز وجل ،ول سيما إذا ج ّ
ً ً
معصية الله تبارك وتعالى امتثال ً لمره واجتنابا لما نهى عنه،طمعا في ثوابه وخوفا_منً
ذا ذُك َِر الل ّ ُ
ه ن إِ َ ذي َ ن ال ّ ِمُنو َ
ؤ ِ م ْ ما ال ْ ُ عقابه وتحقق فيه وصف المؤمنين الصادقين} :إ ِن ّ َ
52
ن{ وك ُّلو َ
م ي َت َ َ
ه ْ و َ َ
على َرب ّ ِ ماًَنا َ
م ِإي َه ْ
ه َزادَت ْ ُ
م آيات ُ ُ ه ْ ت َ َ
علي ْ ِ وإ ِ َ
ذا ت ُل ِي َ ْ م َ
ه ْ قُلوب ُ ُ
ت ُ جل َ ْ
و ِ
َ
]النفال.[2 :
أبواب الخيركثيرة :ول تقتصر أبواب الخير والصدقات على ما ذكر في
الحديث ،فهناك أعمال أخرى يستطيع المسلم القيام بها ويحسب له فيها أجر الصدقة.
شّرك عن الناس فإنها صدقة" وعند الترمذي" :تبسمك في وفي الصحيحين " :تكف َ
وجه أخيك لك صدقة ..وإفراغك دلوك في دلو أخيك لك صدقة".
-ما يستفاد من الحديث :
-استعمال الحكمة في معالجة المواقف ،وإدخال البشرى على النفوس ،وتطييب
الخواطر.
-فضيلة الذكار المشار إليها في الحديث ،وأن أجرها يساوي أجر الصدقة لمن ل يملك
مال ً يتصدق به ول سيما بعد الصلوات المفروضة.
ضّيق على عياله ونفسه ،والذكر للغني ولو أكثر -استحباب الصدقة للفقير إذا كان ل ي ُ َ
من النفاق ،استزادة في الخير والثواب.
-التصدق بما يحتاج النسان إليه للنفقة على نفسه أو أهله وعياله مكروه ،وقد يكون
محرما ً إذا أدى إلى ضياع من تجب عليه نفقتهم.
-الصدقة للقادر عليها ولمن يملك مال ً أفضل من الذكر.
-فضل الغني الشاكر المنفق والفقير الصابر المحتسب.
-أهمية المر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع المسلم.
-حسن معاشرة الزوجة والقيام بحقها بما يحقق سكن نفسها ورغد عيشها ،وكذلك
حسن معاشرة الزوج اعترافا ً بفضله وشكرا ً لحسانه.
-الحث على السؤال عما ينتفع به المسلم ويترقى به في مراتب الكمال.
-للمستفتي أن يسأل عما خفي عليه من الدليل ،إذا علم من حال المسئول أنه ل
يكره ذلك ،ولم يكن فيه سوء أدب.
-بيان الدليل للمتعلم ،ولسيما فيما خفي عليه ،ليكون ذلك أثبت في قلبه وأدعى إلى
امتثاله.
ً
-مشروعية القياس وترتيب الحكم إلحاقا للمر بما يشابهه أو يناظره.
التقويم :
صل بها المؤمن الدرجات كما جاءت فى أذكر أبواب الخير التي يح ّ -1
الحديث .
أذكر بعض اليات التى تؤكد ما جاء فى الحديث من أبواب الخير . -2
بماذا تستعين بعد الله من وسائل لتحقيق تلك الدرجات وذلك الخير . -3
وم مدى حرصك على أن تنال من أبواب الخير التى وردت فى الحديث . ق ّ -4
صف ما تجد فى نفسك من لذة عند فعل الخيرات التى وردت بالحديث . -5
53
أن يعتاد الدارس مزاولة هذا الخير تقربا ً إلى الله تعالى . -3
أن يحرص الدارس على تحصيل الخيرات قربة إلى الله تعالى . -4
أن يصف الدارس اللذة التى يجدها فى نفسه عند فعل هذه الخيرات . -5
مفردات الحديث:
"سلمى" :السلمى :عظام الكف والصابع والرجل ،والمراد في هذا الحديث
جميع أعضاء جسم النسان ومفاصله.
"تعدل بين اثنين" :تحكم بالعدل بين متخاصمين.
"وتعين الرجل في دابته" :وفي معنى الدابة السفينة والسيارة وسائر ما يحمل
عليه.
"فتحمله عليها" :أي تحمله ،أو تعينه في الركوب ،أو في إصلحها.
"وبكل خطوة" :الخطوة :بفتح الخاء :المرة من المشي ،وبضمها :ب ُعْد ُ ما بين
القدمين.
"وتميط الذى" :بفتح التاء وضمها :تزيل ،من ماط وأماط :أزال .والذى :كل ما
يؤذي الماّرة من حجر أو شوك أو قذر.
المعنى العام:
ذكر في حديثه ،لما فيها من مّيات بال ّ سل َ ِ لقد خص النبي صلى الله عليه وسلم ال ّ
تنظيم وجمال ،ومرونة وتقابل ،ولذا هدد الله عز وجل وتوعد كل معاند وكافر
َ
ه{ ]القيامة [4 :أي أن ي ب ََنان َ ُ و َ س ّ
ن نُ َ عَلى أ ْ ن َ ري َ قاِد ِ بالحرمان منها بقوله} :ب ََلى َ
نجعل أصابع يديه ورجليه مستوية شيئا ً واحدًا ،كخف البعير وحافر الحمار ،فل يمكنه أن
يعمل بها شيئًا ،كما يعمل بأصابعه المفرقة ذات المفاصل من فنون وأعمال.
الشكر على سلمة العضاء :إن سلمة أعضاء جسم النسان ،وسلمة
حواسه وعظامه ومفاصله ،نعمة كبيرة تستحق مزيد الشكر لله تعالى المنعم
المتفضل على عباده .وقال سبحانه} :ث ُم ل َت ُ َ
عيم ِ{ ]التكاثر[8 : ن الن ّ ِ ع ْ ذ َ مئ ِ ٍو َ ن يَ ْسأل ُ ّ ْ ّ
قال ابن عباس :النعيم :صحة البدان والسماع والبصار ،يسأل الله العباد :فيم
د
ؤا َ ُ
والف َ ْ وال ْب َ َ
صَر َ ع َم َ س ْ ن ال ّ استعملوها ،وهو أعلم بذلك منهم ،وهو قوله تعالى} :إ ِ ّ
سُئول{ ]السراء.[36 : ول َئ ِ َ
ك َ كُ ّ ُ
م ْ ه َ
عن ْ ُ
ن َ
كا َ لأ ْ
وقال ابن مسعود :النعيم المن والصحة .وأخرج الترمذي وابن ماجه "أن أول ما
ح لك جسمك ونرويك من الماء ص ّ ُيسأل العبد عنه يوم القيامة فيقول الله :ألم ن ُ ِ
البارد".
سون ما ومع هذا فإن كثيرا من الناس_ يغفلون عن هذه النعم العظيمة ،ويتنا َ ً
هم فيه من سلمة وصحة وعافية ،ويهملون النظر والتأمل في أنفسهم ،ومن ث َ ّ
م
يقصرون في شكر خالقهم.
أنواع الشكر :إن شكر الله تعالى على ما أعطى وأنعم يزيد في النعم ويجعلها
َ َ
م{ ]إبراهيم: زيدَن ّك ُ ْ مل ِ شك َْرت ُ ْ ن َ م ل َئ ِ ْ ن َرب ّك ُ ْ وإ ِذْ ت َأذّ َدائمة مستمرة ،قال تعالىَ } :
،[7ول يكفي أن يكون النسان شاكرا ً بلسانه ،بل ل بد مع القول من العمل ،والشكر
المطلوب واجب ومندوب:
فالشكر الواجب :هو أن يأتي بجميع الواجبات ،وأن يترك جميع المحرمات،
وهو كاف في شكر نعمة الصحة وسلمة العضاء وغيرها من النعم.
والشكر المستحب :هو أن يعمل العبد بعد أداء الفرائض واجتناب المحارم
بنوافل الطاعات ،وهذه درجة السابقين المقربين في شكر الخالق عز وجل ،وهي
التي ُترشد إليها أكثر الحاديث الواردة في الحث على العمال وأنواع القربات.
أنواع الصدقات:
العدل بين المتخاصمين والمتهاجرين :ويكون ذلك بالحكم العادل،
ل ،وهو من أفضل القربات حّرم حل ً ل حراما ً ول ي ُ َ ح ّ وبالصلح بينهما صلحا ً جائزا ً ل ي ُ ِ
54
م{وي ْك ُ ْ ن أَ َ
خ َ حوا ب َي ْ َ صل ِ ُ
خوةٌ َ َ
فأ ْ ن إِ ْ َ مُنو َ ؤ ِ م ْ ما ال ْ ُ وأكمل العبادات ،قال الله تعالى} :إ ِن ّ َ
ر من نجواهم إل من أمَر ]الحجرات [10 :وقال سبحانه}:ل خيَر في كثي ٍ
ف أو إصلح{ والصلح بين المتخاصمين أو المتهاجرين صدقة ة أو معرو ٍ بصدق ٍ
عليهما ،لوقايتهما مما يترتب على الخصام من قبيح القوال والفعال ،ولذلك كان واجبا ً
للفة بين المسلمين. على الكفاية ،وجاز الكذب فيه مبالغة في وقوع ا ُ
إعانة الرجل في دابته :وذلك بمساعدته في شأن ما يركب ،فتحمله أو تعينه
في الركوب ،أو ترفع له متاعه ،وهذا العمل النساني فيه صدقة وشكر ،لما فيه من
التعاون والمروءة.
الكلمة الطيبة :وتشمل :تشميت العاطس :والبدء بالسلم ورده ،والباقيات
ح يرفعه{ ]فاطر[10 : ل الصال ُ ب والعم ُ طي ُ م ال ّ الصالحات} :إليه يصعدُ الك َل ِ ُ
وحسن الكلم مع الناس ،لنه مما يفرح به قلب المؤمن ،ويدخل فيه السرور ،هو من
أعظم الجر.
والكلمة الطيبة بالتالي تشمل الذكر والدعاء ،والثناء على المسلم بحق،
والشفاعة له عند حاكم ،والنصح والرشاد على الطريق ،وكل ما يسر السامع ويجمع
القلوب ويؤلفها.
المشي إلى الصلة :وفي ذلك مزيد الحث والتأكيد على حضور صلة
الجماعة والمشي إليها لعمار المساجد بالصلوات والطاعات ،كالعتكاف والطواف،
وحضور دروس العلم والوعظ.
إماطة الذى عن الطريق :وهي تنحية كل ما يؤذي المسلمين في طريقهم
من حجر أو شوك أو نجاسة ،وهذه الصدقة أقل مما قبلها من الصدقات في الجر
والثواب ،ولو التزم كل مسلم بهذا الرشاد النبوي ،فلم يرم القمامة والوساخ في غير
مكانها المخصص لها ،وأزال من طريق المسلمين ما يؤذيهم ،لصبحت البلد السلمية
أنظف بقاع الرض وأجملها على الطلق.
صلة الضحى تجزئ في شكر سلمة العضاء :روى مسلم عن
سلمى أحدكم صدقة ،فكل النبي_صلى الله عليه_وسلم قالُ " :يصبح على كل ُ
تسبيحة صدقة ،وكل تحميدة صدقة ،وكل تهليلة صدقة ،وكل تكبيرة صدقة ،وأمر
بالمعروف صدقة ،ونهي عن المنكر صدقة ،ويجزئُ من ذلك ركعتا الضحى يركعهما"،
ل صلة الضحى ركعتان ،وأكثرها ثمان ،ويسن أن يسلم من كل ركعتين ،ووقتها وأق ّ
يبتدئ بارتفاع الشمس قدر رمح ،وينتهي حين الزوال.
حمد الله تعالى على نعمه شكر :روى أبو داود والنسائي ،عن رسول الله
صلى الله عليه سلم قال" :من قال حين ُيصبح :اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد
من خلقك فمنك وحدك ل شريك لك ،فلك الحمد ولك الشكر .فقد أدى شكر ذلك
دى شكَر ليلته". اليوم ،ومن قال حين ُيمسي ،فقد أ ّ
إخلص النية لله تعالى في جميع الصدقات :إن خلوص النية لله تعالى
وحده في جميع أعمال البر والصدقات المذكورة في هذا الحديث وغيره شرط في
الجر والثواب عليها ،قال الله تعالى:
َ َ َ
ن
ح ب َي ْ َ
صل ٍ و إِ ْفأ ْ عُرو ٍ
َ
م ْو َ ةأ ْ َ
صدَق ٍ مَر ب ِ َ نأ َ م ْم ِإل َ ه ْ
وا ُ ج َ ن نَ ْ
م ْر ِ في ك َِثي ٍ خي َْر ِ}ل َ
ما{ ظي ًع ِ جًرا َ هأ ْ ْ
ف ن ُؤِتي ِ و َ س ْهف َ َ ّ
ة الل ِ ضا ِ مْر َ غاءَ َ َ
ل ذَل ِك اب ْت ِ َ ع ْ ْ
ن ي َف َم ْ و َ
س َ الّنا ِ
]النساء.[114 :
ليس المراد من الحديث حصر أنواع الصدقة بالمعنى العم فيما ذكر فيه ،بل
ق الله. التنبيه على ما بقي منها ،ويجمعها كل ما فيه نفع للنفس أو غيرها من َ ْ
خل ِ
وختاما ً فإن هذا الحديث ُيفيد إنعام الله تعالى على النسان بصحة بدنه
وتمام أعضائه ،وأن عليه شكر الله كل يوم على كل عضو منها ،وأن من الشكر :عمل
المعروف ،وإشاعة الحسان ،ومعاونة المضطر ،وحسن المعاملة ،وإسداء البر ،ودفع
55
الذى ،وبذل كل خير إلى كل إنسان ،بل إلى كل مخلوق ،وهذا كله من الصدقات
المتعدية.
ومن الصدقات القاصرة :أنواع الذكر والتسبيح والتكبير والتحميد والتهليل
والستغفار ،والصلة على النبي صلى الله عليه وسلم ،وتلوة القرآن ،والمشي إلى
المساجد ،والجلوس فيها لنتظار الصلة أو لستماع العلم والذكر ،ومن ذلك :اكتساب
الحلل والتحري فيه ،ومحاسبة النفس على ما سلف من أعمالها ،والندم والتوبة من
الذنوب السالفة ،والحزن عليها ،والبكاء من خشية الله عز وجل ،والتفكير في ملكوت
السماوات والرض ،وفي أمور الخرة وما فيها من الجنة والنار والوعد والوعيد
التقويم :
ُ َ َ َ َ ُ َ
م{ ]إبراهيم [7 :وضح ما يدل زيدَن ّك ْ
مل ِن شكْرت ُ ْم لئ ِ ْ وإ ِذْ ت َأذّ َ
ن َرب ّك ْ } َ -1
فى الحديث على هذا المعنى الوارد فى الية الكريمة .
عدد أنواع الصدقات التى جاءت فى الحديث . -2
ً
وم مدى فعلك لهذه النواع من الخيرات تقربا إلى الله تعالى . ق ّ -3
إذا كنت تحرص على فعل هذه الخيرات قربة إلى الله تعالى .فاذكر ما -4
يعينك على فعل ذلك ؟ وماذا تنوي فعله ) إن كنت من المفرطين فى هذه
الخيرات أو بعضها (؟ .
صف ما تجده فى نفسك من مشاعر عند فعل هذه الخيرات . -5
56
سر النبي صلى الله عليه وسلم البر في حديث النواس بن سمعان رضي الله ف ّ
سره في حديث وابصة بما اطمأنت إليه النفس والقلب ،وتعليل عنه بحسن الخلق،وف ّ
معَي ّن َْين:هذا الختلف الوارد في تفسير البر :أنه يطلق ويراد منه أحد اعتبارين ُ
ص بالحسان إلى الوالدين، خ ّ خْلق بالحسان إليهم ،وربما ُ أ -أن يراد بالبر معاملة ال َ
خْلق عموماً. فيقال بر الوالدين ،ويطلق كثيرا على الحسان إلى ال َ ً
ن ال ْب ِّر ول َك ِ ّ ب -أن يراد بالبر فعل جميع الطاعات الظاهرة والباطنة ،قال الله تعالىَ } :
عَلى ل َ ما َ وآَتى ال ْ َ ن َ والن ّب ِّيي َ ب َ وال ْك َِتا ِ ة َ ملئ ِك َ ِ وال ْ َ ر َ خ ِ
وم ِ ال ِ وال ْي َ ْه َ ن ِبالل ّ ِ م َ نآ َ م ْ َ
في و ن
ّ ِ ِ َ َ ِ لي ئ سا وال ل
ّ ِ ِ َ بي س ال ن ب وا ن
َ َ َ ِ َ َ ْ َ كي سا م ْ ل وا مى تا
َ َ َ َ ي ْ ل وا بى ر
ْ َ قُ ْ ل ا وي ُ ّ ِ َِ ذ ه ب ح
دوا َ ُ ْ َ َ َ الّر َ
ه ُ عا َ م إ ِذا َ ه ْد ِه ِ ع ْن بِ َ موفو َ وال ُ وآَتى الّزكاةَ َ صلةَ َ م ال ّ وأقا َ ب َ قا ِ
ول َئ ِ َ ُ ُ ْ ْ
ك وأ ْ قوا َ صد َ ُ ن َ ذي َ ك ال ّ ِ ول َئ ِ َسأ ْ ن الب َأ ِ
حي َ ْ و ِ ء َ ضّرا ِ وال ّ ء َ سا ِ في ال ْب َأ َ ن ِ ري َ صاب ِ ِ وال ّ َ
ن{ ]البقرة.[177 : مت ّقو َ ُ م ال ُ ْ ه ُْ
معرفة الحق من الفطرة :إن قول النبي صلى الله عليه وسلم" :البر ما
اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب" ،دليل على أن الله سبحانه وتعالى فطر
عباده على معرفة الحق والسكون إليه وقبوله ،وَرك ََز في الطباع محبته ،قال صلى الله
عليه وسلم" :كل مولود يولد على الفطرة".
علمتا الثم :للثم علمتان :علمة داخلية ،وهي ما يتركه في النفس من
اضطراب وقلق ونفور وكراهة ،لعدم طمأنينتها إليه ،قال صلى الله عليه وسلم" :الثم
ما حاك في النفس".
وعلمة خارجية ،وهي كراهية اطلع وجوه الناس وأماثلهم الذين يستحي منهم،
بشرط أن تكون هذه الكراهية دينية ،ل الكراهية العادية.
الفتوى والتقوى :يجب على المسلم أن يترك الفتوى إذا كانت بخلف ما حاك في
نفسه وتردد في صدره ،لن الفتوى غير التقوى والورع ،ولن المفتي ينظر للظاهر،
والنسان يعلم من نفسه ما ل يعلمه المفتي ،أو أن المستنكر كان ممن شرح الله
صدره ،وأفتاه غيره بمجرد ظن أو ميل إلى هوى من غير دليل شرعي ،فإن الفتوى ل
تزيل الشبهة.
أما إذا كانت الفتوى مدعمة بالدليل الشرعي ،فالواجب على المسلم أن يأخذ
بالفتوى وأن يلتزمها ،وإن لم ينشرح صدره لها ،ومثال ذلك الرخصة الشرعية ،مثل
الفطر في السفر والمرض ،وقصر الصلة في السفر ..
ه ُ
سول ُ وَر ُ ه َ ّ
ضى الل ُ ق َ ذا َ ة إِ َ من َ ٍ ؤ ِم ْ ول ُ ن َ م ْ ما َ
م ٍ ؤ ِ ن لِ ُ
َ
كا َ و َ كما قال تعالىَ } :
َ َ
م{ ]الحزاب .[36 :وينبغي أن يتلقى ذلك ه ْ ر ِ م ِنأ ْ م ْ خي ََرةُ ِ م ال ْ ِ ه ْ ن لَ ُ كو َ ن يَ ُ مًرا أ ْ أ ْ
بانشراح الصدر والرضا والتسليم.
معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم :في حديث وابصة معجزة كبيرة
لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أخبره بما في نفسه قبل أن يتكلم به ،فقال
له":جئت تسأل عن البر ؟"
إنزال الناس منازلهم :لقد أحال النبي صلى الله عليه وسلم وابصة على
إدراكه القلبي ،وعلم أنه يدرك ذلك من نفسه ،إذ ل يدرك إل من كان متين الفهم قوي
الذكاء نّير القلب ،أما غليظ الطبع الضعيف الدراك فل يجاب بذلك ،لنه ل يتحصل منه
على شيء ،وإنما يجاب بالتفصيل عما يحتاج إليه من الوامر والنواهي الشرعية.
ما يستفاد من الحديث
يرشد الحديث إلى التخلق بمكارم الخلق ،لن حسن الخلق من أعظم خصال
البر.
قيمة القلب في السلم واستفتاؤه قبل العمل.
أن الدين وازع ومراقب داخلي ،بخلف القوانين الوضعية ،فإن الوازع فيها
خارجي.
57
إن الدين يمنع من اقتراف الثم ،لنه يجعل النفس رقيبة على كل إنسان مع
ربه.
التقويم :
وضح مفهوم البر كما جاء فى الحديث الشريف . -1
وضح مفهوم الثم كما ورد فى الحديث . -2
وضح العلقة بين مفهوم البر والثم من جهة وقلب المؤمن من الفتوى -3
من جهة أخرى .
وم مدى حرصك على التحلي بحسن الخلق . ق ّ -4
كيف تحقق فى نفسك معنى المراقبة – من خلل فهمك للحديث -5
الشريف – وهل تحرص على تحقيق ذلك – وماذا تفعل ؟
الفصل الثالث
السيرة النبوية
ليس الغرض من دراسة السيرة النبوية وفقهها ،مجرد الوقوف على الوقائع
التاريخية ،ول سرد ما طرف أو جمل من القصص والحداث وإنما الغرض منها :
أن يتصور المسلم الحقيقة السلمية في مجموعها متجسدة في حياته
صلى الله عليه وسلم ،أي إن دراسة السيرة النبوية ،ليست سوى عمل
تطبيقي يراد منه تجسيد الحقيقة السلمية كاملة ،في مثلها العلى
محمد صلى الله عليه وسلم .
وإذا أردنا أن نجزىء هذا الغرض ونصّنف أجزاءه ،فإن من الممكن حصرها في
الهداف التفصيلية التالية
58
.3أن يجد النسان في دراسة سيرته عليه الصلة والسلم ما يعينه على فهم كتاب
الله تعالى وتذوق روحه ومقاصده .
.4أن يتجمع لدى المسلم من خلل دراسة سيرته صلى الله عليه وسلم ،أكبر قدر من
العلوم والمعارف السلمية الصحيحة ،سواء ما كان منها متعلقا ً بالعقيدة أو الحكام أو
الخلق ،إذ ل ريب أن حياته عليه الصلة والسلم إنما هي صورة مجسدة نّيرة لمجموع
مبادىء السلم وأحكامه.
وإن من أهم ما يجعل سيرته صلى الله عليه وسلم وافية بتحقيق هذه الهداف كلها
أن حياته عليه الصلة والسلم شاملة لكل النواحي النسانية والجتماعية التي توجد
في النسان من حيث إنه فرد مستقل بذاته أو من حيث إنه عضو فعال في المجتمع.
فحياته عليه الصلة والسلم تقدم إلينا نماذج سامية للشاب المستقيم في سلوكه،
المين مع قومه وأصحابه ،كما تقدم النموذج الرائع للسلم الداعي إلى الله بالحكمة
والموعظة الحسنة ،الباذل منتهى الطاقة في سبيل إبلغ رسالته ،ولرئيس الدولة الذي
يسوس المور بحذق وحكمة بالغة ،وللزوج المثالي في حسن معاملته ،وللب في حنو
عاطفته ،مع تفريق دقيق بين الحقوق والواجبات لكل من الزوجة والولد ،وللقائد
الحربي الماهر والسياسي الصادق المحنك ،للمسلم الجامع-في دقة وعدل -بين واجب
التعبد والتبتل لربه ،والمعاشرة والفكاهة اللطيفة مع أهله وأصحابه ) .من كتاب
السيرة النبوية د /البوطى (
وسوف نتناول فيما بعد المرحلة المدنية من سيرة رسول الله صلى الله عليه
وسلم ) بداية من الهجرة للمدينة حتى وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ( ،نتعرف
على الحداث التي وقعت في هذه المرحلة ،ونستلهم منها العبرة والعظة ،ونسعى
إلى أن نترجم هذه العبر والعظات إلى واقع في حياتنا كلها ،حتى نصل إلى تحقيق
الهداف السابق ذكرها من دراسة السيرة العطرة .
59
أن يروي الدارس ما كان من أبي أيوب النصاري حال نزول النبي ضيفا ً عليه .7
.
.8أن يعطي الدارس صورة لحال النصار مع المهاجرين .
.9أن يعبر الدارس عن مشاعره لو كان فيمن كانوا في استقبال النبي على
مشارف المدينة 0
.10أن يذكر الدارس ما الذي تعلمه شخصيا ً من دراسته للهجرة 0
*********
بزغ نور الدعوة السلمية في مكة كما عرفت قبل ذلك ،وشاء الله سبحانه أن
يبدأ الصراع بين الحق والباطل في ربوعها وعلى أرضها ،وهذه سنة الله في الحياة
وفي الدعوات مصداقا ً لقوله تعالى :كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد
فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الرض كذلك يضرب الله المثال . (1)
وقد رأينا قبل ذلك كيف قال ورقة بن نوفل لرسول الله ـ حين عرض الرسول
عليه الصلة والسلم أمره عليه ،فقال له ورقة :ياليتني فيها جذعا ً ،ليتني أكون حيا ً
ي هم ؟ قال :نعم ،لم يأت رجل مخرج ّإذا يخرجك قومك ،فقال رسول الله : أو ُ
قط مثل ما جئت به إل عودي وإن يدركني يومك حيا ً أنصرك نصرا ً مؤزرا ً " .
)(2
واشتد الصراع بين الحق العزل والباطل المتحفز المسلح القوي ،وصبر
المسلمون صبر البطال حتى يجعل الله لهم مخرجا ً ،ومرت السنون وتوالت اليام
وقريش تزيد من عنتها واضطهادها لفتنة المؤمنين ،حتى أصبح المسلمون بين مفتون
في دينه ومعذب في أيديهم وهارب في الفاق فرارا ً بعقيدته ،ومنهم من ذهب إلى
أرض الحبشة ،وفي وسط هذا الليل الطويل ،والظلمات الكثيفة ،ظهرت بروق رحمة
الله بالمؤمنين ونصره للعاملين وصدق الله حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد
كذبوا جاءهم نصرنا . (3)
فإذا بيثرب " المدينة المنورة " تفتح ذراعيها للمؤمنين وتحتضن العاملين
المجاهدين ،إيذانا ً لقامة مجتمع جديد في بلد آمن.
إذن الرسول لصحابه بالهجرة إلى المدينة وأسباب ذلك :
لما شرح الله قلوب أهل يثرب للسلم وحبب إليهم اليمان ،وسرى فيهم
السلم ،وبايع النصار رسول الله على النصرة له ولمن تبعه وأوى إليهم من
المسلمين في بيعة العقبة الثانية ،توجهت أنظار المسلمين للهجرة إليها .
عن عروة عن عائشة :قالت :قال رسول الله " : قد رأيت دار هجرتكم ،
رأيت سبخة ذات نخل بين لبتين " ) (4فأمر الرسول ـ ـ أصحابه ممن بقي معه
بمكة من المسلمين بالهجرة إلى المدينة للحوق بإخوانهم من النصار ،وقال " :
إن الله عز وجل قد جعل لكم إخوانا ً ودارا ً تأمنون فيها " ). (5
فخرجوا إليها أرسال ً ،طاعة لله ورسوله ،ونصره لجند الحق وإقامة لمجتمع
السلم ودولته في المدينة .
هجرة الصحابة إلى المدينة :
هاجر المسلمون زرافات ووحدانا وكان أول من هاجر إلى المدينة من أصحاب
رسول الله " أبو سلمة " عبد الله بن عبد السد بن هلل وعامر بن أبي ربيعة
ومعه امرأته ليلى بنت حثمة العدوية ،ثم عبد الله بن جحش ،ثم هاجر عمر بن
الخطاب ولحقه من أهله أخوه زيد بن الخطاب ،وعمرو وعبد الله ابنا سراقة بن
البخاري 370 ، 12/369في التعبير ومسلم رقم 2272في الرؤيا . )( 4
تاريخ ابن جرير الطبري ، 2/369الروض النف ، 2/211سيرة ابن كثير 2/215ومختصر صحيح مسلم كتاب )( 5
الرؤيا .
60
سهمي زوج حفصه ،وغيرهم ،ثم تتابع المهاجرون رضي حذافة ال ُخنيس بن ُ معتمر و ُ
ال ُ
الله عنهم في مشاهدة بطولية وإيمانية فريدة على مر التاريخ .
هجرة النساء :
ً
لم تقتصر الهجرة على الرجال ،بل هاجر النساء كذلك فرارا بدينهن من الشرك
والعنت والبغي والفجور ليشاركن في صنع المجتمع اليماني الجديد ،وليحملن
الرسالة ويؤدين المانة ابتغاء رضاء الله والجنة ،فهاجر من النساء المسلمات جموع
حمنة بنت جحش وأم قيس بنت محصن ،وأم حبيب كثيرة ،منهن زينب بنت جحش و َ
بنت ثمامة ،وأم سلمة رضي الله عنها ،وغيرهن كثيرات كن مثال ً للتضحية والفداء
والصبر في سبيل الله تعالى .
إعداد الرسول ـ ـ للهجرة :
تتابعث هجرة المسلمين من مكة زرافات ووحدانا حتى كادت مكة أن تخلو من
المسلمين ،وشعرت قريش بأن السلم أضحت له دار يأوي إليها وحصن يحتمي به
وقد استقبلهم النصار بالحب والترحاب .ففكر رسول الله في الهجرة وأخذ يستعد
لها حتى يأذن الله بذلك .
بدأ الرسول ـ ـ يعد للهجرة إلى المدينة ،ويضع الخطة لذلك ويأخذ بالسباب
ويستفرغ الجهد في ذلك ويعمل الحيلة ،ليسلم من أذى المشركين وكيدهم وكان من
خطوات هذا العداد ما يلي :
-1اختيار الرفيق والصاحب في الهجرة ،وهو أبو بكر الصديق ، فقد جاء أبو بكر
يستأذن الرسول في الهجرة فقال له :ل تعجل لعل الله يجعل لك صاحبا ً .
-2إعداد الرواحل التي ستحمل الرسول وصحبه إلى المدينة .
-3إعداد الدليل وخبير الطريق الذي سيصحب الرسول ـ وصحبه وقد استأجر
ديلم بن بكر ،وكان هاديا ً ماهرا ً ،وكان ُ
الرسول لذلك عبد الله بن أريقط من بني ال ّ
على دين قومه ،فأمناه ودفعا إليه الرواحل وواعداه عند الخروج غار ثور .
-4استكشاف المكان الذي سيختفي فيه الرسول وصاحبه عند خروجهما من مكة
حتى يهدأ الطلب وهو غار ثور .
-5تدريب على بن أبي طالب على خطة لتضليل المشركين وخداعهم بالنوم مكان
الرسول ـ ـ .
-6إعداد من يأتي الرسول ـ ـ بأخبار المشركين بمكة وهو في الغار ،واختير لذلك
عبد الله بن أبي بكر الصديق .
-7إعداد من يأتي بالطعام والشراب ،ويطمس على آثار أقدام من يأتي إلى رسول
الله ـ ـ وصاحبه في الغار .
المؤامرة على رسول الله ـ ـ :
أرادت قريش أن تتخذ موقفا ً حاسما ً بشأن محمد ـ ـ يقضي عليه وعلى
دعوته ،خاصة ،وأنه ما زال في مكة ،وبذلك تكون قريش قد أجهزت عليه ـ ـ
وعلى الدعوة قبل أن يقضي على ديانتها وهيبتها .فأجتمع كفار مكة وطواغيت الشرك
في دار الندوة ليتخذوا القرار القاطع .
م نوره ولو كره الكافرون.
)(6
يريدون لُيطفئوا نور الله بأفواههم والله ُ
مت ُ
قال بعضهم لبعض :إن هذا الرجل قد كان من أمره ما قد رأيتم ،فإنا والله ما نأمنه
على الوثوب علينا فيمن قد اتبعه من غيرنا ،فأجمعوا فيه رأيكم ،وتشاوروا ،ثم قال
قائل منهم :احبسوه في الحديد وأغلقوا عليه الباب ثم تربصوا به كغيره من الشعراء
الذين كانوا قبله ،حيث ماتوا في سجونهم .
تشاور القوم حول هذا الرأي ثم رفضوه ،وقالوا :والله لئن حبستموه كما
تقولون ليخرجن أمره من وراء الباب الذي أغلقتموه إلى أصحابه ،فيثبون عليكم
الصف 80- )( 6
61
فينتزعونه من أيديكم ،ثم يكاثرونكم به حتى يغلبوكم على أمركم ،فما هذا لكم
براي ،فانظروا غيره.
فقال قائل منهم :نخرجه من بين أظهرنا فننفيه من ا لبلد ،فإذا أخرج عنا
فوالله ل نبالي أين ذهب
ن حديثه وحلوة حس َ فاستبعد القوم هذا القتراح .وقالوا :ما هذا لكم برأي ،ألم تروا ُ
منطقة ،وغلبته على القلوب .بما يأتي به ،والله لو فعلتم ذلك ما أمنتم أن يتبعه
الناس ثم يسير بهم إليكم حتى يطأكم بهم في بلدكم ،فيأخذ أمركم من أيديكم
ويفعل بكم ما أراد.
فقال أبو جهل بن هشام :والله إن لي فيه لرأيا ما أراكم وقعتم على مثله بعد ،
فقالوا :وما هو يا أبا الحكم ؟
ً ً ً ً
قال :أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتى شابا جلدا نسيبا و سيطا فينا ثم ُنعطي
كل فتى منهم سيفا ً صارما ً ،ثم يعمدون إليه فيضربو ضربة رجل واحد ،فيقتلونه
فنستريح منه ،ويتفرق دمه في القبائل جميعا ً فل يقدر بنو عبد مناف على حربهم
جميعا ً ،فيرضون منا بالدية ). (7
فقالوا جميعا ً :هذا هو الرأي ،وتفرق القوم على ذلك وهم مجمعون عليه ،وبدأ
العداد لغتيال الرسول ـ .
وهكذا يريد الباطل أن يغتال الحق العزل ولو كان يحمله نبي أو رسول أو
داعية إلى الصراط المستقيم ،وهذه سنة الباطل في كل زمان ومكان .والله
غالب على أمره ولكن أكثر الناس ل يعلمون . (8)
القرآن يفضح المؤامرة :
ما كان الحق سبحانه وتعالى ليترك رسوله ـ ـ بدون أن ُيعلمه بما بّيت له
المشركون ودبر له الغادرون وصدق الله ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين
فإذا بالحق سبحانه يخبر رسوله ـ ـ بالمؤامرة ،قال ابن إسحاق :فكان مما
أنزل الله في ذلك اليوم فيما كانوا أجمعوا له قوله تعالى :وإذ يمكر بك الذين
كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين
وقوله تعالى :أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون .(9)
تنفيذ الهجرة النبوية :
كان من الطبيعي بعد التفاق على قتل الرسول ـ أن يصبح وضعه ـ في
مكة حرجا ً ،فإن المشركين ل ينتظرون إل موعد التنفيذ ،ثم يجهزون على صاحب
الرسالة ،ولقد كان من الطبيعي أن يتحول الرسول من هذه الرض الجدبة التي
رفضت الدعوة وتآمرت عليها إلى أرض قبلتها ورحبت بها ،خاصة وأن أصحابه عليه
الصلة والسلم قد سبقوه إليها وأن أهل يثرب يتشوقون إليه وينتظرون هجرته
،وقد أذن الله له في الهجرة ،وأراه سبحانه مكانها في منامه ،وقد أعد لها ـ ـ
إعدادا ً جيدا ً كما رأينا .
فتوجه من ساعته إلى صديقه أبي بكر ،وأعلمه أن الله قد أذن له في الهجرة
فسأله أبو بكر الصحبة فقال :نعم ،ثم عرض عليه إحدى راحلتيه اللتين كانتا معدتين
لذلك فجهزاهما أحث ) أسرع ( الجهاز ،وصنعت لهما سفرة) الزاد الذي يصنع
للمسافر(في جراب فقطعت أسماء بنت أبي بكر نطاقها وربطت به على فم الجراب
واستأجر عبد الله بن أريقط من بني الديل ابن بكر وكان هاديا ً ماهرا ً وهو على دين
كفار قريش فأمناه ودفعا إليه راحلتيهما ووعداه غار ثور بعد ثلث ليال ثم فارق
الرسول أبا بكر ووعداه المقابلة ليل ً خارج مكة .
انظر في ذلك سيرة ابن هشام على الروض النف 222/ 2مكتبة الكليات الزهرية )( 7
سيرة ابن هشام على الروض والنف ، 2/223وسيرة ابن هشام 2/231ط الحلبي . )( 9
62
وكانت هذه الليلة هي ليلة استعداد قريش لتنفيذ ما أقروا عليه
فاجتمعوا حول باب الدار ورسول الله داخله ،فلما جاء ميعاد الخروج أمر
ابن عمه عليا ً بالمبيت مكانه كيل يقع الشك في وجوده أثناء الليل فإنهم
كانوا يرددون النظر من شقوق الباب ليعلموا وجوده ثم سجى على علي
ببردته وخرج على القوم وهو يقرأ :وجعل ْنا من بي َ
م خل ْ ِ
فهِ ْ ن َ
م ْ
دا وَ ِ
س ّ
م َ
ديهِ ْ
ن أي ْ ِ
َ َ َ َ ِ َْ ِ
ن } ) {9سورة يس ( فألقى الله النوم عليهم م ل َ ي ُب ْ ِ
صُرو َ م فَهُ ْ دا فَأ َغْ َ
شي َْناهُ ْ س ّ
َ
حتى لم يره أحد ،ولم يزل عليه السلم سائرا ً حتى تقابل مع الصديق
وسار حتى بلغا غار ثور فاختفيا فيه .
أما المشركون فلما علموا بفساد مكرهم وأنهم إنما باتوا يحرسون علي ابن أبي
طالب ل محمد بن عبد الله هاجت عواطفهم فأرسلوا الطلب من كل جهة ،وجعلوا
الجوائز لمن يأتي بمحمد أو يدل عليه ،وقد وصلوا في طلبهم إلى ذلك الغار الذي فيه
طلبتهم بحيث لو نظر أحدهم تحت قدميه لنظرهما حتى أبكى ذلك أبا بكر ،فقال له
عليه السلم ل تحزن إن الله معنا سورة التوبة 40
فأعمى الله أبصار المشركين حتى لم يحن لحد منهم التفاتة إلى ذلك الغار بل
صار أعدى العداء أمية بن خلف فيه ثلث ليال حتى ينقطع الطلب وكان يبيت عندهم
عبد الله بن أبي بكر وهو شاب ثقف ) حاذق فطن ( ولقن ) سريع الفهم ،حسن
التلقي لما يسمعه ويعلمه (فيدلج ) يخرج وقت السحر منصرفا إلى مكة ( من عندهما
ت بها فل يسمع أمرا ً يكتادان به إل وعاه حتى بسحر فيصبح مع قريش بمكة كبائ ٍ
يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلم وكان عامر بن فهيرة يروح عليهما بقطعة من
غنم يرعاها حين تذهب ساعة من العشاء ويغدو بها عليهما فإذا خرج من عندهما عبد
الله تبع أثره عامر بالغنم كيل يظهر لقدميه أثر ولما انقطع الطلب خرجا بعد أن
جاءهما الدليل بالراحلتين صبح ثلث ،وسار متبعين طريق الساحل ،وفي الطريق
لحقهم طالبا ً سراقة بن مالك المدلجي وكان قد رأى رسل مشركي قريش يجعلون
في رسول الله وأبي بكر دية كل واحد منهما لمن قتله أو أسره .
فبينما هو في مجلس من مجالس قومه بنى مدلج إذ أقبل رجل منهم حتى قام
عليم وهم جلوس فقال :يا سراقة إني رأيت آنفا ً أسودة ) أشخاصا ً ( بالساحل أراها
محمدا ً وأصحابه فعرف سراقة أنهم هم ،ولكنه أراد أن يثني عزم مخبره عن طلبهم
فقال :إنك فلنا ً وفلنا ً انطلقوا بأعيننا يبتغون ضالة لهم ثم لبث في المجلس ساعة
وقام وركب فرسه ثم سار حتى دنا من الرسول ومن معه فعثرت به فرسه فخر عنها
ثم ركبها ثانيا ً وسار حتى صار يسمع قراءة المصطفى وهو ل يلتفت ،وأبو بكر يكثر
اللتفات فساخت قائمتا فرس سراقة في الرض حتى بلغتا الركبتين فخر عنها ثم
زجرها حتى نهضت فلم تكد تخرج يديها حتى سطع لثرهما غبار ساطع في السماء
مثل الدخان .
فعلم سراقة أن عمله ضائع سدى ،وداخله رعب عظيم فناداهما بالمان فوقف
عليه الصلة و السلم ومن معه حتى جاءهم ،ويقول سراقة :وقع في نفسي حين
لقيت ما لقيت أن سيظهر أمر رسول الله فقلت :إن قومك قد جعلوا فيك الدية
وأخبرهم بما يريد بهم الناس وعرض عليهم الزاد والمتاع فلم يأخذا منه شيئا ً بل قال
له :أخف عنا فسأله سراقة أن يكتب له كتاب أمن فأمر أبا بكر فكتب .وبذلك
انقضت هذه المشكلة التي أظهر الله فيها مزيد عنايته برسوله .
وكان أهل المدينة حينما سمعوا بخروج رسول الله وقدومه عليهم يخرجون إلى
الحرة ) هي الرض ذات الحجارة السوداء ( حتى يردهم حر الظهيرة فانقلبوا يوما ً بعد
أن أطالوا انتظارهم ،فلما أووا إلى بيوتهم أوفى رجل من يهود على أطم ) بناء من
حجر كالقصر ( من آطامهم لمر ينظر إليه فبصر برسول الله وأصحابه يزول بهم
السراب يظهرهم تارة ويخفيهم أخرى ،فقال اليهودي بأعلى صوته :يا معشر العرب
63
هذا جدكم أي حظكم الذي تنتظرون ،فثاروا إلى السلح فتلقوا رسول الله بظهر
الحرة .
النزول بقباء
فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف بقباء والذي حققه
المرحوم محمود باشا الفلكي أن ذلك كان في اليوم الثاني من ربيع الول الذي يوافق
20سبتمبر سنة 622وهذا أول تاريخ جديد لظهور السلم بعد أن مضى عليه ثلث
عشرة سنة ،وهو مضيق عليه من مشركي قريش ورسول الله ممنوع من الجهر
بعبادة ربه ،أما الن فقد آواه الله هو وصحابته رضوان الله عليهم بعد أن كانوا قليل ً
يتخطفهم الناس .
هجرة النبياء
اااا ااا اااا ااا اااا اااااااا ااااا اااا ااااا ااااا
اااااااا ااا ااااااا اااااا اااا ااا اااا اااااا اااااااا اا
ااااا اااا ااا اا اااااا اااا اااااا اااا اااااا اا اااااا
ااااا ااااا ااااااا ااااا اا ااا ااا ااا ااااااا اااااااا
) اااا ااااااااا اا ااا اااا ااا ااا ااااا اااااااا( .
فل غرابة أن هاجر عليه السلم من بلد منعه أهلها من تتميم ما أراده الله سنة الله
في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديل ً ) سورة الحزاب الية 0 ( 62 :
أعمال مكة
64
هذا ولنبين لك مجمل ما دعا إليه الرسول بمكة من أصول الدين ،
وذلك أمران :
الول – العتقاد بوحدانية الله وأن ل يشرك معه في العبادة غيره سواء
كان ذلك الغير صنما ً كما يفعل مشركوا مكة أو أبا ً أو زوجة أو بنتا ً كما
عليه بعض الطوائف الخرى كالنصارى ولول العتقاد بوحدانية الله ما
كلف أحد نفسه تكاليف الحياة من آداب الخلق بل كان يسير فيما تأمره
به نفسه من شهواتها وملذاتها ما دام ذلك خافيا ً عن الناس .
الثاني – العتقاد بالبعث والنشور وأن هناك يوما ً ثانيا ً للنسان يجازى
فيه على ما صنعه في الدنيا إن خيرا ً فخير وإن شرا ً فشر وعلى هذين
المرين جاء غالب الية المكية فقلما نرى سورة مكة إل مشحونة
بالستدلل عليها وتوبيخ من تركهما وكل ذلك بأساليب تأخذ بالعقل
وبراهين ل تحتاج لفلسفة الذين يشغلون أنفسهم بما ل طائل تحته مما
يضيع الوقت سدى ونزل على رسول الله بمكة من القرآن معظمه
وهو ما عدا ثلثا ً وعشرين سورة منه وهي :البقرة ،آل عمران ،
النساء ،المائدة ،النفال ،التوبة ،الحج ،النور ،الحزاب ،القتال ) أي
سورة محمد ( الفتح ،الحجرات ،الحديد ،المجادلة ،الحشر ،الممتحنة ،
الصف ،الجمعة ،المنافقون ،التغابن ،الطلق ،التحريم ،النصر ،هذه
كلها مدنية وباقي القرآن مكي .
ولما نزل عليه الصلة والسلم بقباء نزل على شيخ بني عمرو كلثــوم بــن الهــدم
وكان يجلس للناس ويتحدث لهم في بيت سعد بن خيثمة لنه كان عذبا ً ونزل أبــو بكــر
بالسنح ) محلة بالمدينة ( على خارجه بن زيد من بني الحارث من الخزرج .
مسجد قباء :
وأقام رسول الله بقباء ليالي أسس فيها مسجد قباء الذي وصفه الله بأنه
مسجد أسس على التقوى من أول يوم وصلى فيه عليه السلم بمن معه من النصار
والمهاجرين وهم آمنون مطمئنون وكانت المساجد على عهد رسول الله في غاية من
البساطة ليس فيها شيء مما اعتاده بناة المساجد في القرون الخيرة لن الرسول
وأصحابه لم يكن جل همهم إل منصرفا ً لتزين القلوب وتنظيفها من حظ الشيطان
فكان سور المسجد ل يتجاوز القامة وفوقه مظلة يتقي بها حر الشمس .
وكان الناس يسيرون وراء رسول الله ما بين ما ش وراكب يتنازعون زمام ناقته
كل يريد أن يكون نزيله .
أول جمعة :
65
وأدركته عليه السلم صلة الجمعة في بني سالم بن عوف فنزل وصلها ،وهذه
أول جمعة له عليه السلم وأول خطبة خطبها عليه السلم حمد الله وأثنى عليه ثم
قال :
" أما بعد :أيها الناس فقدموا لنفسكم ،تعلمن والله ليصعقن أحدكم ثم ليدعن
غنمته ليس لها راع ثم ليقولن له ربه ليس له ترجمان ول حاجب يحجبه دونه :ألم
يأتك رسولي فبلغك وآتيتك مال ً وأفضلت عليك فما قدمت لنفسك ؟ فينظرن يمينا ً
وشمال ً فل يرى شيئا ً ،ثم لينظرن قدامه فل يرى غير جهنم ،فمن استطاع أن يقي
وجهه من النار ولو بشق تمرة فليفعل ،ومن لم يجد فبكلمة طيبة ،فإن بها تجزي ،
الحسنة عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف ،والسلم عليكم ورحمة الله وبركاته " .
النزول على أبي أيوب :
ثم ساروا ،وكلما مروا على دار من دور النصار يتضرع إليه أهلها بأن
ينزل عندهم ويأخذون بزمام الناقة ،فيقول :دعوها فإنها مأمورة ،ولم
تزل سائرة حتى أتت بفناء بني عدي بن النجار وهم أخواله الذين تزوج
منهم هاشم جده فبركت بمحلة من محلتهم أمام دار أبي أيوب
النصاري ،واسمه خالد بن زيد وذلك محل مسجده الشريف فقال عليه
خي ُْر
ت َ السلم ههنا المنزل إن شاء الله ) وُقل رب َأنزل ِْني منزًل مبار ً َ
كا وَأن َ ُ َ ّ َ َ ِ ّ ّ َ
ن (} ){29سورة المؤمنون ( فاحتمل أبو أيوب رحله ووضعه في منزله ال ْ ُ
منزِِلي َ
وجاء أسعد بن زرارة فأخذ بزمام ناقته فكانت عنده وخرجت ولئد بني
النجار يقلن :
يا حبذا محمد من جار نحن جوار من بني النجار
فخرج إليهن رسول الله فقال :أتحبنني ؟ فقلن نعم ،فقال :الله يعلم
أن قلبي يحبكن واختار عليه السلم النزول في الدور السفل من دار
أيوب ليكون أريح لزائريه ولكن لم يرض رضي الله عنه ذلك كرامة
لرسول الله لما يمكن أن يصيبه من التراب الذي يحدثه وطء القدام أو
الماء الذي يهراق ،فقد اتفق أن كسرت من زوجته جرة ماء بالليل فقام
هو وهي بقطيفتهما التي ليس لهما غيرها يمسحان الماء خوفا ً على
رسول الله ،ولذلك لم يزل أبو أيوب يستعطفه حتى كان في العلو ،
وكانت تأتيه الجفان كل ليلة من سراة النصار كسعد بن عبادة وأسعد بن
زرارة ،وأم زيد بن ثابت فما من ليلة إل وعلى بابه الثلث أو الربع من
جفان الثريد .
نزول المهاجرون
ولما تحول مع رسول الله أغلب المهاجرين تنافس فيهم النصار
فحكموا القرعة فما نزل مهاجر على أنصاري إلى بقرعة .
أخوة السلم
ومن يتأمل إلى هذه المحبة التي يستحيل أن تكون بتأثير بشر بل بفضل من
الله ورحمته يفهم كيف انتصر هؤلء القوام على معانديهم من المشركين وأهل
الكتاب مع قلة العدد والُعدد وكان النصار يؤثرون إخوانهم المهاجرين على أنفسهم ،
مه ْ من َ
قب ْل ِ ِ ُ
ن ِ ما َ لي َ وا ْ ِ داَر َؤوا ال ّ و ُن ت َب َ ّ ذي َوال ّ ِقال تعالى في سورة الحشر َ :
ن
ؤث ُِرو َوي ُ ْما أوُتوا َ م ّ ة ّ ج ًحا َ م َ ه ْ
ر ِدو ِ
ص ُ
في ُ ن ِ دو َ ج ُ وَل ي َ ِم َ ه ْ َ
جَر إ ِلي ْ ِها َ ن َ م ْن َ حّبو َ يُ ِ
م َ َ ُ ه َ ح نَ ْ من ُيوقَ ُ َ َ َ
على أن ُ َ
ه ُ ولئ ِك ُ فأ ْ س ِ ف ِ ش ّ و َة َ ص ٌصا َ خ َ م َ ه ْ
ن بِ ِ
و كا َ ول ْم َ ه ْس ِ
ف ِ َ
ن } ){9سورة الحشر الية ( . حو َ فل ِ ُ ال ْ ُ
م ْ
وهذا أعلى درجات الخوة وكل ذلك كانوا يرونه قليل ً بالنسبة لما وجب عليهم
لخوانهم ،فإن رسول الله ليمكن بينهم الخاء حتى آخى بين المهاجرين والنصار
66
فكان كل أنصاري ونزيله أخوين في الله ومن العبث أن نكلف القلم أن يوضح للقارئ
أن هذه الخوة أرقى بكثير من الخوة العصبية ،بل نكل ذلك للحساس السلمي
فإنه أفصح منطقا ً من القلم .وعلى الجمال فتلك قلوب ألف الله بينها حتى صارت
شيئا ً واحدا ً في أجسام متفرقة وعسى الله أن يوفق مسلمي عصرنا إلى هذا الخاء
حتى يسودوا كما ساد المتحدون وكان هذا الخاء على المواساة والحق وأن يتوارثوا
بعد الموت دون ذوي الرحام وكان عليه السلم يقول لكل اثنين ) :تآخيا في الله
أخوين أخوين ( ودام هذا الميراث إلى أن أنزل الله سبحانه قوله في سورة الحزاب
وأولوا الرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) سورة الحزاب الية ( 6
67
-3وسائل أهل الباطل كما لم تتغير هي عندما يعجزون عن المواجهة مع
الدعاة بالوسائل السليمة يلجأون إلى السجن أو القتل وضح ذلك.
-4الرسول يعد العدة ويستخدم الوسائل المتاحة في زمانه فهل
يستخدم دعاة اليوم نفس الوسائل وضح ذلك بالمثلة التي يمكن
استخدامها والتي ل يمكن استخدامها .
-5الرسول يطمئن إلى أولد الصديق فماذا كان دورهم وهل كان هذا
الطمئنان سليمًا.
-6الشدائد والمحن تظهر معادن الرجال وصدق اليمان اضرب أمثلة من
الواقع الحالي.
-7أ -ضع اسم قائل كل جملة من الجمل التية أمام قوله فيما يأتي :
لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إل عودي
أريت دار هجرتكم رأيت سبخة ذات نخل بين لبتين
إن الله عز وجل قد جعل لكم إخوانا ً ودارا ً تأمنون فيها
ب-ضع علمة ) (أمام الجابة الصحيحة وعلمة ) (أمام الجابة غير الصحيحة فيما
يأتي :
أول من هاجر إلى المدينة مصعب بن عمير
أمر الرسول ـ ـ أصحابه بالهجرة إلى المدينة
اقتصرت الهجرة في بدء أمرها على الرجال فقط دون النساء
كانت الهجرة من مكة إلى المدينة عمل ً سهل ً .
خرج المسلمون مستخفين من مكة مهاجرين إلى المدينة.
-8وضح دقة تخطيط النبي لرحلة الهجرة .
-9وضح مدى تأثرك بقول النبي لبي بكر في الغار " ل تحزن إن الله معنا " .
-10إرو أمر سراقة بن مالك عند خروجه لطلب النبي وهو في طريقه إلى المدينة
.
-11وضح ما الذي استفدته من موقف النبي مع سراقة بن مالك .
-12علل لماذا كانت الهجرة سنة النبياء .
-13عدد الدروس المستفادة من رحلة الهجرة .
-14أبرز أهم أعمال النبي فترة بقائه في قباء .
-15صف حال أهل المدينة حينما سمعوا بخروج النبي وقدومه عليهم .
-16أذكر مضمون أول خطبة جمعة للنبي .
-17أذكر كيف تم تحديد مكان مسجد النبي .
ً
-18إرو ما كان من أبي أيوب النصاري حال نزول النبي ضيفا عليه .
-19أذكر كيف قابل النبي حب النصار له وحفاوتهم به .
-20أعط صورة لحال لنصار مع المهاجرين .
-21ما اسم أول مولود للمهاجرين بالمدينة .
-22وضح إلى أي مدى تأثر المسلمون اليوم لضعف التآخي بينهم .
-23بين كيف عانى المهاجرون من تغير أجواء المدينة عن مكة .
-24أذكر حال مشركي مكة مع من بقى من المسلمين بها .
-25عبر عما تعزم عمله في حياتك استفادة من أحداث الهجرة 0
-26أذكر ما الذي يمكن أن تنصح به الخرين استلهاما من أحداث الهجرة 0
68
وأصحابه بعد وصوله إلى المدينة لتأسيس المجتمع الجديد
ويتضمن هذا الدرس ما يلي :
بناء المسجد النبوي الشريف . -1
المؤاخاة بين المهاجرين والنصار -2
تحصين المدينة بالمن ويتمثل ذلك في : -3
أ-معاهدة الرسول لليهود .
ب-تكوين جيش قوي قادر على الجهاد ورد العدوان .
السنة الولى
-الهداف الجرائية السلوكية :
.1أن يوضح الدارس الدعائم التي أسس عليها الرسول صلى الله عليه وسلم
المجتمع الجديد بالمدينة .
.2أن يسرد الدارس قصة بناء المسجد النبوي بالمدينة .
.3أن يروي الدارس قصة بدء الذان .
.4أن يستخلص الدارس العبر والدروس التي تعلمها من قصة بناء المسجد .
.5أن يوضح الدارس كيف كانت المؤاخاة بين المهاجرين والنصار بالمدينة .
.6أن يستخلص الدارس العبر والعظات من المؤاخاة بين المهاجرين والنصار .
.7أن يحدد الدارس على أي شئ عاهد النبي يهود المدينة .
.8أن يوضح الدارس أهداف ونتائج المعاهدة التي أقامها الرسول مع اليهود .
.9أن يستخلص الدارس الدروس والعبر من أحداث المعاهدة مع اليهود
.10أن يوضح الدارس موقف المنافقين في المدينة .
69
بهذا الثبات ،وهذا الدعاء ،وهذه البركة ،ارتفعت الروح المعنوية بين المسلمين
،واتجهت القوى الفتية إلى البناء .
ومن هنا أخذ الرسول ـ ـ يضع الدعائم للمجتمع الجديد التي
تتمثل في :
أ-صلة الناس بربهم بالعبادة والشعائر .
ب-صلة المسلمين بعضهم مع بعض بقانون أخلقي ونظام رباني .
ج-علقة المسلمين بمن يحيطون بهم ول يدينون بدينهم في السلم والحرب.
د -تدريب المسلمين على الجهاد وتكوين جيش قوي للدفاع عن الدولة .
وقد ظهر ذلك جليا ً في أعمال قام بها الرسول منها :
70
ااا ا ااااا اااااااا ااااااااا ااااااااا اااااا ااا ااا ااااا
ااااا ااااااا اااا اااا اااا ااا
هذا هو المسجد الذي خّرج الرجال الذين ملوا الدنيا فضل ً وإيمانا وعلما ً ،وصالوا في
العالمين وجالوا فاتحين الممالك الكافرة قاهرين العروش الظالمة .هذا هو المسجد
الذي نزل فيه الوحي وعُّلمت فيه الشريعة وانطلقت منه الهداية.
بدء الذان
أوجب اللــه الصــلة علــى المســلمين ليكونــوا دائمـا ً متــذكرين عظمــة العلــي العلــى ،
فيتبعون أوامره ويتجنبون نواهيه ،ولذلك قال في محكم كتــابه فــي ســورة العنكبــوت
إن الصلة تنهى عن الفحشاء والمنكر الية . 45
ً
وجعل أفضل الصلة ما كان جماعة ليذاكر المسلمون بعضهم بعضا في شئونهم
واحتياجاتهم ويقووا روابط اللفة والتحاد بينهم ،ومتى حان وقت الصلة فل بد من
عمل ينبه الغافل ويذكر الساهي حتى يكون الجتماع عاما ً فائتمر النبي عليه الصلة
والسلم مع الصحابة فيما يفعل لذلك .
فقال بعضهم ترفع راية إذا كان وقت الصلة ليراها الناس فلم يرضوا ذلك لنها
ل تفيد النائم ول الغافل .
ً ً
وقال الخرون تشعل نارا على مرتفع من الهضاب فلم يقبل أيضا .
وأشار آخرون ببوق وهو ما كانت اليهود تستعمله لصلواتهم فكرهه رسول الله
لنه لم يكن يحب تقليد اليهود في عمل ما .
وأشار بعضهم بالناقوس وهو ما يستعمله النصارى فكرهه الرسول أيضا ً .
وأشار بعضهم بالنداء فيقول بعض الناس إذا حانت وقت الصلة وينادى بها فقبل هذا
الرأي وكان أحد المنادين عبد الله بن زيد النصاري فبينما هو بين النائم واليقظان إذ
عرض له شخص وقال :أل أعلمك كلمات تقولها عند النداء بالصلة ؟ قال :بلى ،
فقال له :قل " الله أكبر الله أكبر مرتين ،وتشهد مرتين ثم قل ل إله إل الله " فلما
استيقظ توجه إلى النبي وأخبره رؤياه فقال :إنها لرؤيا حق ثم قال له :لقن ذلك
بلل ً فإنه أندى صوتا ً منك ؟
وبينما بلل يؤذن إذ جاء عمر يجر رداءه فقال :والله لقد رأيت مثله يا رسول
الله ،وكان بلل أحد مؤذنيه بالمدينة ،والخر عبد الله ابن أم مكتوم ،وكان بلل يقول
في أذان الصبح بعد حي على الفلح " :الصلة خير من النوم " مرتين وأقره الرسول
على ذلك ). (1
-2المؤاخاة بين المهاجرين والنصار :
خرج المهاجرون من ديارهم في مكة ،وتركوا دورهم وأموالهم وذويهم ،
وقصدوا المدينة ابتغاء نصرة دين الله وإعزاز رسالته ،فتلقاهم إخوانهم في المدينة
بالفرح والسرور وتنافسوا في إيوائهم وإكرامهم ،فما نزل مهاجري على أنصاري إل
بقرعة ،وعقد الرسول ـ ـ بينهم أخوة متينة فآخى الرسول عليه الصلة والسلم
بين حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله وأسد الله وأسد رسوله وزيد بن حارثة
مولى رسول الله ـ ،وإليه أوصى حمزة يوم أحد ،وبين أبي بكر وخارجه بن زيد
النصاري الخزرجي ،وبين الزبير بن العوام وسلمة بن سلمة بن وقس ،وبين عبد
الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع ،وبين مصعب بن عمير وأبي أيوب النصاري ،وبين
أبي حذيفة ابن عتبة وعباد بن بشر ،وبين عمار وحذيفة بن اليمان .
71
تأليف الله القلوب :
من يتأمل الحب الكبير بين المسلمين في العصر الول يقول :هذا ليس من
تأثير بشر وعمل إنسان ،وإنما هو بفضل الله ورحمته سبحانه وتعالى ،وصــدق اللــه :
لو أنفقت ما في الرض جميعا ً ما ألفت بيـن قلـوبهم ولكـن اللـه ألـف بينهــم إنـه
عزيز حكيم (14) واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعــداء فــألف بيــن قلــوبكم
فأصبحتم بنعمته إخوانا ً .(15)
وأول ثمار هذا الحب في الله هو تلك الخوة وهذا اليثار الذي ظهر بين
المهاجرين والنصار ،فاصبحوا بنعمة الله إخوانا ً حتى أشاد القرآن بهذا السمو الروحي
فقال سبحانه :
والذين تبوءو الدار واليمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ول يجدون في
صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يؤق شح
نفسه ،فأولئك هم المفلحون . (16)
شعر النصار بحاجة إخوانهم من المهاجرين الذين تركوا أموالهم في مكة في سبيل
الله ،فقدروا ظروفهم ،فآووهم ونصروهم ،وضربوا في الخلص والتفاني المثل
العلى حتى قال الله فيهم :ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة .
أخوة اليمان العظيمة :
الخاء الحق في الله هو الذي تذوب فيه عصبيات الجاهلية ،فل عزة إل بالسلم
ول رفعة إل باليمان ،وهو الذي تسقط فيه فوارق النسب واللون والوطن ،وتسقط
فيه تلك النانية الجشعة ،ويتحرك فيه الفرد بحب الجماعة فل يرى لنفسه مصلحة
دونها ول عزة بغيرها .
هذا الخاء ل ينبت إل في مجتمع اليمان ول يثمر إل في ظلل التعاليم الربانية ،
فل يظهر في البيئات الجاهلية ،ول تعرفه مجتمعات الجشع والجبن والبخل والرذيلة .
روى البخاري أن المهاجرين لما قدموا المدينة أخى الرسول ـ بين عبد الرحمن بن
عوف وسعد بن الربيع فقال سعد لعبد الرحمن :إني أكثر النصار مال ً ،فاقسم مالي
نصفين ،ولي امرأتان فأنظر أعجبهما إليك فسمها أطلقها فإذا انقضت عدتها
فتزوجها .
قال عبد الرحمن :بارك الله لك في أهلك ومالك ،أين سوقكم ؟
فدلوه على سوق بني قينقاع فما انقلب إل ومعه فضل من أقط وسمن !! .
صفرة ،فقال النبي " : مهيم " ). (17 ثم تابع الغدو . .ثم جاء يوما ً وبه أثر ُ
قال :تزوجت قال كم سقت إليها ؟ قال نواة من ذهب !!.
يهود المدينة
72
وكما ابتلى الله المسلمين في مكة بمشركي قريش ابتلهم في المدينة
ً
بيهودها وهم بنو قينقاع وقريظة والنضير فإنهم أظهروا العداوة والبغضاء حسدا من
عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم أنه الحق وكانوا قبل مجئ الرسول يستفتحون
على المشركين من العرب إذا شبت الحرب بين الفريقين بنبي يبعث قد قرب
زمانه ،فلما جاءهم ما عرفوا استعظم رؤساؤهم أن تكن النبوة في ولد إسماعيل .
فكفروا بما أنزل الله بغيا ً مع أنهم يرون أن رسول الله محمدا ً لم يأت إل
مصدقا ً لما بين يديه من كتب الله التي أنزلها على من سبقه من المرسلين مبينا ً ما
أفسده التأويل منها ولكنهم نبذوه وراء ظهورهم كأنهم ل يعلمون .
)(4
وقد تبين الهدى لحد رؤساء بني قينقاع وهو عبد الله بن سلم فترك هواه
وأسلم بعد أن سمع القرآن وبعد أن كان اليهود يعدونه من رؤسائهم عدوه من
سفهائهم حينما بلغهم إسلمه .
ً
فبئسما اشتروا لنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من
فضله على من يشاء من عباده ،ولما استحكمت في قلوبهم عداوة
السلم صاروا يجهدون أنفسهم في إطفاء نوره ويأبى الله إل أن يتم نوره
ولو كره الكافرون سورة التوبة الية . 32
وهكذا تظل عداوة اليهود للسلم والمسلمين مبعثها الحقد والحسد والبغي
والعدوان ،ول يقطعها إل الحق وقوته ،واليمان وجنده وصدق الله
كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس
فيمكث في الرض .(18)
73
واليوم الخر ،وأقر بما في هذه الصحيفة أن ينصر محدثا ً ،ول يؤويه ،وأنه من نصره
وآواه فإن عليه لعنة الله وغضبه إلى يوم القيامة ،ول يؤخذ منه صرف ول عدل .
-أهداف المعاهدة :
ل شك أن هذه المعاهدة كان لها تأثير طيب و أهداف كريمة ونتائج جيدة على
المجتمع في المدينة وقت اللتزام بها ،حيث تحث بنود هذه المعاهدة على إشاعه
الستقرار والطمأنينة والمن في المدينة ،وكان من أهدافها ما يلي :
-1افساح المجال للمسلمين لترتيب أحوالهم ونشر دينهم وتدريب جندهم والتفرغ إلى
عدوهم .
-2إقرار مفهوم الحرية الدينية والعتراف بأهل الكتاب وحب التعايش معهم ،وترك
التعصب ،وإفساح المجال للنظر والتفكر .
-3نشر السكينة في المدينة وما حولها .
-4إلغاء النصرة بالقبيلة والعصبية لها ،وإبدالها بالخوة السلمية ،والدفاع عن
العقيدة الدينية .
-5نصرة المظلوم ودحر الظالم ،وعدم موالته ،وردعه ،ومحاسبة الثم .
-6العتراف بالدولة السلمية في المدينة وبروزها كحقيقة واقعة وقوة مؤثرة .
-7إعطاء الرياسة العليا للرسول ـ والنزول على حكم الله ورسوله ،ووضع حدود
لتنظيم العلقات بين المسلمين وغيرهم .
ومن هذا يعلم براعة الرسول السياسية والتنظيمية ،وحسن تصرفه عليه
الصلة والسلم ،كما يعلم أن السلم بدأ ينتشر بدولة وقيادة تحمل لواء الدعوة إليه ،
والجهاد في سبيله ،كما أن هذا يعطي فكرة ـ واضحة عن قدرة ـ السلم والقيادة
المسلمة على إدارة المور برفق وعزم وعدالة ،كما يظهر هذا سماحة السلم ،وحبه
لمعايشة الناس والتفاهم معهم بغير جبر ،وأو إرهاب وقهر .
-نتائج تلك المعاهدة :
ل شك أن هذه المعاهدة أتاحت للدولة السلمية الجديدة بعض الوقت
للستعداد لمصارعة القوى الوثنية المتربصة على الحدود ،ومنازلة جيوشها المتحدة
والمتحدية للمسلمين ،كما أتاحت الفرصة للستقرار النفسي والتربوي فترة معينة ،
كما منعت العون العسكري والمادي بين اليهود والمشركين والوثنيين ،ولو لفترة من
الوقت .وقد كان من المؤمل من اليهود ـ وهم أهل كتاب ـ أن يتجاوبوا مع الدعوة
الجديدة ،ويقوموا بمساندتها في لحظات الخطر والصراع ضد العدو الوثني
المشترك ،ولكن الذي حدث بعد ذلك من عداء اليهود للمسلمين ومن مساندتهم
للمشركين ،غير مجرى العلقات بينهما ،وجمد بنود الصحيفة المتعلقة بهم ،ل لشيء
إل لنهم اختاروا النقض على الوفاء ،والخيانة على المانة ،والمنفعة الشخصية على
الهداف اليمانية والمستقبلية ،وتحمل الرسول في سبيل البقاء على مودتهم
الكثير ،يمد يده إليهم ويتحمل الذى مسامحا ً ،حتى إذا رآهم مجمعين على التنكيل به
،ومحو دينه ومناصرة عدوه ،استدار إليهم ،وانتصف منهم ،وجرت بين المسلمين
وبين اليهود من الوقائع ما ستعلمه إن شاء الله تعالى وسيعلم الذين ظلموا أي
منقلب ينقلبون .
المنافقون
كما ابتلى الله المسلمين بالمدينة بجماعة من عرب المدينة أعمى الله بصائرهم
فأخفوا كفرهم خوفا ً على حياتهم وكان يرأس هذه الجماعة عبد الله بن أبي ابن سلول
الخزرجي الذي كان مرشحا ً لرياسة أهل المدينة قبل هجرة رسول الله .
ول شك أن ضرر المنافقين أشد على المسلمين من ضرر الكفار لن أولئك
يدخلون بين المسلمين فيعلمون أسرارهم ويشيعونها بين العداء من اليهود وغيرهم
كما حصل ذلك مرارا ً .
74
والساس الذي كان عليه رسول الله أن يقبل ما ظهر ويترك لله ما بطن ،
ولكنه عليه الصلة والسلم مع ذلك كان ل يأمنهم في عمل ما 0فكثيرا ً ما كان يتغيب
عن المدينة ويولي عليها بعض النصار ولكن لم يعهد أنه وّلى رجل ممن عهد عليه
النفاق لنه عليه الصلة والسلم يعلم ما يكون منهم لو ولوا عمل ً فإنهم بل شك
يتخذون ذلك فرصة لضرار المسلمين .
وهذا درس مهم لرؤساء السلم يعلمهم أل يثقوا في العمال المهمة إل بمن
لم تظهر عليهم شبهة النفاق ،أو إظاهر ما يخالف ما في الفؤاد .
من الدروس المستفادة :
المسجد أول وأهم ركيزه في بناء المجتمع المسلم الذي يكتسب
صفه الرسوخ والتماسك وذلك عن طريق التزام السلم عقيدة
وآداب وشريعة .
المسجد رمز لما يتسم به السلم من شمولية وتكامل .فهو مركز
روحي للشعائر والعبادات ودائرة سياسية عسكرية لتوجيه علقات
الدولة بالخارج ومدرسة علمية وتشريعية يجتمع فيها الرسول
وأصحابه ومؤسسة اجتماعية يتعلم فيها المسلمون النظام
والمساواة والخاء والنضباط .
العقيدة هي الوحيدة التي تجمع الخوة والمحبة والتساند والمودة
وتقوم بتغذيتها وأي أسس ل تقوم فيها العقيدة بهذا الدور فهي
وهم خرافة باطلة .
الرسول يرتب أمور الدولة السلمية من الداخل كي تتفرغ
للمهمات الصعبة والمسئوليات العظام .
اليهود دائما ً في أي زمان ومكان مصدر قلق وتوتر وسبب خلفات
وعدم استقرار في أي مجتمع يتواجدون فيه حتى في العصر
الحديث .
المعاهدة تدل على مدى عدالة السلم في حفظ حقوق الغير
وتحديد الواجبات وتحديد نوع العقوبات للمخالفين للدستور .
التقويم
-1أجب عما يأتي :
أ -دعا رسول الله ـ ربه للمدينة فماذا قال ؟ ولماذا قال هذا القول ؟
ب -لم بدأ الرسول ـ أول ما وصل إلى المدينة ببناء المسجد الجامع ؟
ج -قال عبد الرحمن بن عوف لسعد بن الربيع ...................أكمل
-2آخى الرسول بين المهاجرين والنصار :أخوين ،أخوين والمطلوب أن تصل بين
كل أخوين أخى بينهما رسول الله فيما يأتي :
حذيفة بن اليمان حمزة بن عبد
المطلب
عباد بن بشر أبو بكر الصديق
أبو أيوب النصاري الزبير بن العوام
سلمة بن سلمة مصعب بن عمير
خارجة بن زيد أبو حذيفة بن عتبة
زيد بن حارثة عمان بن ياسر
75
-3المؤاخاة بين المهاجرين والنصار قاعدة وضعها الرسول بعد
الهجرة لبناء المجتمع المسلم الول في المدينة – ما تعليقك على أهمية
وضرورة هذه القاعدة في بناء المجتمعات ،وما مدى تطبيقها الن في
مجتمعات المسلمين .
-4أجب عما يأتي :
أ -كان اليهود يعرفون أن النبي هو من ينتظرون ،فلم كانوا ينكرون صحة دعوته؟
ب -اذكر آية من القرآن تبين عناد اليهود لرسول الله ـ .
-5امل الفراغات التية بما يناسبها :
أ-كما ابتلى الله المسلمين في مكة. . . . . . . . . . . . .ابتلهم في المدينة. . . . . . . .
. . . .وكان هؤلء . . . . . . . . . . . . .أعداء للوس والخزرج قبل أن يدخلوا السلم
وكان شغلهم الشاغل . . . . . . . . . . . . .فلما دخل الوس والخزرج السلم
. . . . . . . . . . .بمجيء إخوانهم . . . . . . . . . . . . .وصار الكل أنصار الله
.....................
ازدادت. . . . . . . . . . . . .عليه وصدق الله لتجدن أشد الناس عداوة للذين أمنوا .
. .. .
-6ما هو دور المسجد في السلم وقارن بينه وبين دور المسجد حاليا ً مع وضع تصور
على ما يجب أن يكون عليه المسجد حاليا ً .
-7الرسول يقيم معاهدة مع اليهود -فهل حافظوا عليها ؟ وعلى ما يدل ذلك ؟
الدرس الثالث
الغزوات والسرايا
مشروعية القتال
-الهداف الجرائية السلوكية :
أن يتتبع الدارس تطور المر اللهي بقتال الكفار والمشركين . .1
أن يستخلص الدارس الدروس المستفادة من وضوح مبادئ القتال في .2
السلم .
أن يروي الدارس أحداث السرايا التي أرسلها الرسول لعتراض عير .3
قريش في العام الول للهجرة
أن يذكر الدارس من توفى من أعلم المهاجرين والنصار في العام الول .4
للهجرة
قد علم مما تقدم أن رسول الله عليه السلم لم يقاتل أحدا ً على الدخول في الدين
بل كان المر قاصرا ً على التبشير والنذار .
وكان الله سبحانه ينزل عليه من الذى ما يقويه على الصبر أمام ما
صب ِْركان يلقيه من أذى قريش ،ومن ذلك قوله في سورة الحقاف ) َفا ْ
ُ
م ( سورة الحقاف الية . 25 جل ل ّهُ ْ ل وََل ت َ ْ
ست َعْ ِ س ِ
ن الّر ُ صب ََر أوُْلوا ال ْعَْزم ِ ِ
م َ كَ َ
ما َ
وكان كثيرا ً ما يقص الله عليه أنباء إخوانه من المرسلين قبله ليثبت به فؤاده
ولما ازداد طغيان أهل مكة ألجؤوه إلى الخروج من داره بعد أن ائتمروا على قتله
فكانوا هم البادئين بالعداء على المسلمين ،حيث أخرجوهم من ديارهم بغير حق .
فبعد الهجرة أذن الله للمهاجرين بقتال مشركي قريش بقوله في سورة الحج
أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير * الذين
76
أخرجوا من ديارهم بغير حق إل أن يقولوا ربنا الله سورة الحج اليتان – 39
.40
ه ّ
ل الل ِ سِبي ِ في َ ْ
قات ِلوا ِ ُ و َ ثم أمرهم بذلك في قوله في سورة البقرة َ ) :
مه ْ قت ُلو ُ ُ وا ْ ن }َ {190 دي َ عت َ ِ م ْ ب ال ْ ُ ح ّ ه ل َ يُ ِ ن الل ّ َ دوا ْ إ ِ ّ عت َ ُ ول َ ت َ ْ م َ قات ُِلون َك ُ ْ ن يُ َ ذي َ ال ّ ِ
ل
قت ْ ِ ن ال ْ َ م َ شد ّ ِ ة أَ َ فت ْن َ ُ وال ْ ِ م َ جوك ُ ْ خَر ُ ث أَ ْ حي ْ ُ ن َ م ْ هم ّ جو ُ ر ُ خ ِ وأ َ ْ م َ ه ْ مو ُ فت ُ ُ ق ْ ث ثَ ِ حي ْ ُ َ
م
ْ ُ ك ُ
لو َ ت قا َ إن ِ ِ فَ ه فيِ م
ْ ُ ك لو ُ ِ ت َ
قا ُ ي تى ح م
َ َ ِ َ ّ را ح ْ ل ا د ج
َ ْ ِ ِس م ْ ل ا َ د عن ِ مْ ه
ُ لو ُ ِ ت قاَ ُ ت َ ل و
َ
مٌ ّ ِ ٌحي ر ر فو ُ َ
غ ه
َ ّ لال نِ ّ إ َ
ف ْ ا و ه
َ َ ْ ت ان ن
ِ ِ إفَ { 191 } ن
ِ ِ َري ف َ
كا ْ ل ا زاء َ َ ج ك َ ِ ل َ ذ َ ك مُ ْ ه لو ُ ق ُ
ت فا ْ َ
فل َ هوا ْ َ ن انت َ َ فإ ِ ِ ه َ ن ل ِل ّ ِ دي ُ ن ال ّ كو َ وي َ ُ ة َ فت ْن َ ٌن ِ كو َ حّتى ل َ ت َ ُ م َ ه ْ قات ُِلو ُ و َ }َ {192
ن (سورة البقرة الية 0 193-190 مي َ ظال ِ ِعَلى ال ّ ن إ ِل ّ َ وا َ عدْ َ ُ
وبذلك لم يكن الرسول يتعرض إل لقريش دون سائر العرب فلما تمال على
المسلمين غير أهل مكة من مشركي العرب واتحدوا عليهم مع العداء أمر الله
بقتال المشركين كافة بقوله في سورة التوبة وقاتلوا المشركين كافة كما
يقاتلونكم كافة سورة التوبة الية . 36
وبذلك صار الجهاد عاما ً لكل من ليس له كتاب من الوثنيين وهذا مصداق
قوله عليه الصلة والسلم ) أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ل إله إل الله
وان محمدا ً رسول الله ،ويقيموا الصلة ،ويؤتوا الزكاة ،فإذا فعلوا ذلك عصموا
مني دماءهم وأموالهم إل بحق السلم وحسابهم على الله ( رواه البخاري في كتاب
اليمان 0
ولما وجد المسلمون من اليهود خيانة للعهود حيث إنهم ساعدوا المشركين في
حروبهم أمر الله بقتالهم بقوله في سورة النفال وإما تخافن من قوم خيانة
فانبذ إليهم على سواء إن الله ل يحب الخائنين سورة النفال الية . 58
وقتالهم واجب حتى يدينوا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ليأمن
المسلمون جانبهم وصار قتال رسول الله للعداء على هذه المبادئ التية :
) (1اعتبار مشركي قريش محاربين لنهم بدؤوا بالعدوان فصار للمسلمين
قتالهم ومصادرة تجارتهم حتى يأذن الله بفتح مكة أو تعقد هدنة وقتية بين
الطرفين .
) (2متى رئي من اليهود خيانة وتحيز للمشركين قوتلوا حتى يؤمن جانبهم
بالنفي أو القتل .
ً
) (3متى تعدت قبيلة من العرب على المسلمين أو ساعدت قريشا قوتلت
حتى تدين بالسلم .
) (4كل من بادأ بعداوة من أهل الكتاب كالنصارى قوتل حتى يذعن بالسلم
أو يعطي الجزية عن يد وهو صاغر .
) (5كل من أسلم فقد عصم دمه وماله إل بحقه ،والسلم يقطع ما قبله .
وقد أنزل الله في القرآن الكريم كثيرا ً من الي تحريضا ً على القدام في قتال
العداء وتبعيدا ً عن الفرار من الزحف فقال في الموضوع الول في سورة النساء :
فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالخرة ومن يقاتل
في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا ً عظيما ً سورة النساء
الية . 74وقال في الموضوع الثاني في سورة النفال :يا أيها الذين آمنوا إذا
لقيتم الذين كفروا زحفا ً فل تولوهم الدبار ومن يولهم يومئذ دبره إل
متحرفا ً لقتال أو متحيزا ً إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم
وبئس المصير سورة النفال اليتان . 16 ، 15
بدء القتال
دوريات التدريب والستعداد :
شرع الرسول في تدريب أصحابه وبعثهم في دوريات استطلعية حول
77
المدينة ،لغراض تدريبة ،واستكشافية وقتالية ،منهــا مــا قــاده بنفســه ) الغــزوات ( ،
مر عليه أصــحابه رضــوان اللــه عليهــم ) الســرايا ( نعــددها كالتــالي وســيأتي ومنها ما أ ّ
تفصيلها بعد ذلك :
-1سرية بقيادة حمزة بن عبد المطلب . -1
عبيدة بن الحارث -2سرية بقيادة ُ -2
ن :دورية قتالية بقيادة الرسول دا َ و ّ
-3غزوة ُ -3
عشيرة ،دورية قتالية بقوة مائتي راكــب وراجــل بقيــادة -4غزوة ال ُ -4
الرسول
-5غزوة ُبواط ،دوريــة قتاليــة بقــوة مــائتي راكــب وراجــل بقيــادة -5
الرسول .
-6سرية بقيادة عبد الله بن جحش -6
- 7غزوة بدر الولى : -7
كانت عادة قريش أن تذهب بتجارتها إلى الشام لتبيع وتبتاع ويسمى الركب
السائر بهذه التجارة عيرا ً وكان يسير معها لحراستها كثير من أشراف القوم وسراتهم
ول بد لوصولهم إلى الشام من المرور على دار الهجرة فرأى رسول الله أن يصادر
تجارتهم ذاهبة وآيبة ليكون في ذلك عقاب لمشركي مكة حتى تضعف قوتهم المالية
فيكون ذلك أدعى لخذلنهم في ميدان القتال الذي ل بد أن يكون لن قريشا ً لم تكن
لتسكت عمن سفه أحلمهم وعاب عبادتهم خصوصا ً وهم قدوة العرب في الدين .
سرية حمزة بن عبدالمطلب إلى ساحل البحر من ناحية العيص
ففي شهر رمضان أرسل عمه حمزة بن عبد المطلب في ثلثين رجل ً من
المهاجرين وعقد له لواء أبيض حملة أبو مرثد حليف حمزة ليتعرض عيرا ً لقريش
آيبة من الشام فيها أبو جهل وثلثمائة من أصحابه المشركين فسار حمزة حتى
وصل ساحل البحر من ناحية العيص فصادف العير هناك فلما تصافوا للقتال حجز
بين الفريقين مجدي بن عمرو الجهني فأطاعوه وانصرفوا وشكر عليه الصلة
والسلم مجديا ً على عمله لما كان من قلة عدد المسلمين وكثرة عدوهم .
سرية عبيدة بن الحارث إلى بطن رابغ
وفي شوال أرسل عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف في ثمانين
راكبا ً من المهاجرين ،وعقد له لواء أبيض حملة مسطح بن أثاثة ليعترض عيرا ً
لقريش فيها مائتا رجل ،فوافوا العير ببطن رابغ ) (2فكان بينهم الرمي بالنبل .
ثم خاف المشركون أن يكون للمسلمين كمين فانهزموا ولم يتبعهم
المسلمون ،وفر من المشركين إلى المسلمين المقداد بن السود وعتبة بن غزوان
وكانا قد أسلما وخرجا ليلحقا بالمسلمين .
وفيات
وفي هذه السنة توفي من المهاجرين عثمان بن مظعون أخو رسول الله
من الرضاع أسلم قديما ً وهاجر الهجرتين ولما دفن أمر عليه الصلة والسلم بأن
يرش قبره بالماء ،ووضع على قبره حجرًا ،وقال :أتعلم به قبر أخي وأدفن إليه من
مات من أهلي .
وهذا كان القصد من وضع الحجار على المقابر ،ل ما يقصده أهل العصور
الخيرة من تشييد الهياكل على القبور ،وتصويرها بصور ترى في عين الناظر
كالصنام ،ليأتي أقارب الميت ويصنعوا عندها احتفالت كثيرة ،تشبه ما كان يفعله
مشركو مكة عند معابدهم ،ومن العبث فعل شىء لم يفعله رسول الله مما يتعلق
بأمور الخرة 0
ومات من النصار أسعد بن زرارة أحد النقباء الثنى عشر ،كان رضى الله
عنه نقيب بنى النجار ،ولما مات اختار رسول الله نفسه للنقابة عليهم لنه ابن أخت
78
القوم منهم ،ومات أيضا البراء بن معرور أحد النقباء ،وهو الذى كان يتكلم عن
القوم فى العقبة الثانية ،ومات من مشركي مكة في هذه السنة الوليد بن المغيرة
ولما احتضر جزع فقال له أبو جهل :ما جزعك يا عم ،فقال :والله ما بي جزع من
الموت ولكن أخاف أن يظهر دين ابن أبي كبشة بمكة ،فقال أبو سفيان :ل تخف
إني ضامن أن ل يظهر .
وفيها أيضا ً مات العاص بن وائل السهمي .وقد كفى الله المسلمين شر
هذين الشقيين .
السنة الثانية
-الهداف الجرائية السلوكية :
.1أن يعدد الدارس الغزوات التي سبقت بدر الكبرى في العام الثاني من الهجرة .
.2أن يسرد الدارس أحداث كل غزوة من هذه الغزوات 0
.3أن يسرد الدارس أحداث سرية عبد الله ابن جحش .
.4أن يذكر الدارس قصة تحويل القبلة ونتائجها .
.5أن يذكر الدارس الفروض التى فرضها الله على المسلمين فى السنة الثانية من
الهجرة وأهمية كل منها
.6أن يوضح الدارس ما تعلمه من دروس من الحداث التي سبقت غزوة بدر
الكبرى .
غزوة ودان
ولثنتي عشرة ليلة خلت من السنة الثانية خرج رسول الله من المدينة بعد أن
استخلف عليها سعد بن عبادة ليعترض عيرا ً فسار حتى بلغ ودان وكان يحمل لواءه
عمه حمزة ولم يلق هناك حربا ً لن العير كانت قد سبقته .وفي هذه الغزوة صالح بني
ضمرة على أنهم آمنون على أنفسهم ولهم النصر على من رامهم وأن عليهم نصرة
المسلمين إذا دعوا ثم رجع إلى المدينة بعد مضي خمس عشرة ليلة .
غزوة بواط
ولم يمض على رجوعه غير قليل حتى بلغه أن عيرا ً لقريش آيبة من
الشام فيها أمية بن خلف ومائة من قريش وألفان وخمسمائة بعير
فسار إليها في مائتين من المهاجرين وذلك في ربيع الول وكان يحمل
لواءه سعد بن أبي وقاص فسار حتى بلغ بواط فوجد العير قد فاتته
فرجع ولم يلق كيدا ً .
وذلك كله لما كان يأخذه المشركون من الحذر على أنفسهم والجتهاد في
تعمية أخبارهم عن أهل المدينة .
غزوة العشيرة
وأعقب رجوعه خروج قريش بأعظم عير لها فقد جمعوا فيها أموالهم حتى
لم يبق بمكة قرشي أو قرشية لها مثقال فصاعدا ً إل بعث به في تلك العير وكان
يرأسها أبو سفيان بن حرب ومعه بضعة وعشرون رجل ً فخرج لها الرسول في
جمادى الولى ومعه مائة وخمسون من المهاجرين .
واستخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد السد وحمل لواءه عمه حمزة ولم
يزل سائرا ً حتى بلغ العشيرة فوجد العير قد مضت .وحالف عليه السلم في هذه
الغزوة بني مدلج وحلفاءهم ،ثم رجع عليه السلم إلى المدينة ينتظر هذه العير
حينما ترجع .
79
وبعد رجوعه عليه السلم بقليل جاء كرز بن جابر الفهري وأغار على سرح
المدينة وهرب فخرج الرسول في طلبه واستخلف على المدينة زيد بن حارثة
النصاري وحمل لواءه علي بن أبي طالب فسار حتى بلغ سفوان وفاته كرز فلم يلق
حربا ً ،وتسمى هذه الغزوة بدرا ً الولى .
وفي رجب من هذه السنة أرسل سرية عدتها ثمانية رجال يرأسها عبد الله ابن
جحش وأعطاه كتابا ً مختوما ً ل يفضه إل بعد أن يسير يومين ثم ينظر فيه .فسار عبد
الله يومين ثم فتح الكتاب فإذا فيه ) إذا نظرت كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة
فترصد بها قريشا ً وتعلم لنا من أخبارهم ( .
وإنما لم يخبرهم عليه السلم بمقصدهم وهـم بالمدينـة حـذرا ً مـن شـيوع الخـبر
فيدل عليهم أحد العداء من المنافقين أو اليهود فتترصد لهم قريش .ول يخفى أن
عدد السرية قليل ل يمكنه المقاومة .
ثم سار عبد الله رضي الله عنه وفي أثناء السير تخلف سعد بن أبي وقاص
وعتبة بن غزوان لنهما أضل بعيرهما الذي كانا يعتقبانه وسار الباقون حتى وصلوا نخلة
فمرت بهم عير قرشية تريد مكة فيها عمرو بن الحضرمي وعثمان بن عبد الله ابن
المغيرة وأخوه نوفل والحكم بن كيسان فأجمع المسلمون أمرهم على أن يحملوا
عليهم ويأخذوا ما معهم فحملوا عليهم في آخر يوم من رجب فقتلوا عمرو بن
الحضرمي ،وأسروا عثمان والحكم وهرب نوفل واستاقوا العير وهي أول غنيمة غنمها
المسلمون من أعدائهم قريش ثم رجعوا ولم يتمكن المشركون من اللحاق بهم.
فلما قدموا المدينة وشاع أنهم قاتلوا في الشهر الحرم وعاتبهم قريش
واليهود بذلك عنفهم المسلمون وقال لهم : ما أمرتكم بقتال في
الشهر الحرام فندموا فأنزل الله في سورة البقرة يسألونك عن الشهر
الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام
وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل سورة البقرة الية . 217
فسرى عنهم .
وقد طلب المشركون فداء أسيريهما فقال عليه السلم حتى يرجع سعد وعتبة
فلما رجعا قبل عليه السلم الفدية في السيرين .
فأما الحكم بن كيسان فأسلم وحسن إسلمه مع المسلمين ،وأما عثمان فلحق
بمكة كافرا ً .
تحويل القبلة
مكث عليه السلم بالمدينة ستة عشر شهرا ً يستقبل بيت المقدس في صلته ،
وكان يحب أن تكون قبلته الكعبة ويقلب وجهه في السماء داعيا ً الله بذلك .فبينما هو
في صلته إذ أوحى الله إليه بتحويل القبلة إلى الكعبة فتحول وتحول من وراءه .
وكانت هذه الحادثة سببا ً لفتتان بعض المسلمين الذين ضعفت قلوبهم فارتدوا على
أعقابهم وقد أكثر اليهود من التنديد على السلم بهذا التحويل وما دروا أن لله
المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .
صوم رمضان
وفي شعبان من هذه السنة أوجب الله صوم شهر رمضان على المة السلمية
وكان عليه السلم قبل ذلك يصوم ثلثة أيام من كل شهر ،والصيام من دعائم هذا
الدين والفرائض التي بها يتم النظام فإن النسان مجبول على حب نفسه والسعي
80
فيما يعود عليها بالنفع الخاص تاركا ً ما وراء ذلك من حاجات الضعفاء والمساكين ،فل
بد من وازع يزعه لحاجات قوم أقعدتهم قواهم عن إدراك حاجاتهم ،ول أقوى من ذوق
قوارص الجوع والعطش إذ بهما تلين نفسه ويتهذب خلقه فيسهل عليه بذل
الصدقات .
صدقة الفطر
ولذلك أوجب الشارع الحكيم عقب الصوم زكاة الفطر فترى النسان يبذلها
بسخاء ومحبة خالصة .
زكاة المال
وفي هذا العام فرضت زكاة الموال وهذه هي النظام الوحيد الذي به يأكل الفقراء
والمساكين من إخوانهم الغنياء بل ضرر على هؤلء ،فإذا بلغت الدنانير عشرين أو
الدراهم مائتين وحال عليها الحول وجب عليك أن تؤدي ربع عشرها أي اثنين ونصفا ً
في كل مائة وما زاد فبحسابه .
ً
وإذا بلغت الشياه أربعين والبقر ثلثين والبل خمسا وحال عليها الحول وجب
عليك كذلك أن تؤدي منها جزءا ً مخصوصا ً حدده الشارع .
ومثلها عروض التجارة ومحصولت الزراعة كل هذا يقبضه المام ويوزعه على
مستحقيه من الفقراء والمساكين وبقية المذكورين في آية الصدقة إنما الصدقات
للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب
والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم
حكيم سورة التوبة الية . 60
واللبيب العاقل البعيد عن التعصب يحكم لول نظرة أن هذا النظام مع عدم
إضراره بالغنياء مقلل لمصائب الفقر التي ألجأت كثيرا ً من فقراء المم أن يخالفوا
نظام دولهم ويؤسسوا مبادئ تقويض العمران وتداعي المن لكتساب أرزاقهم
وحقوقهم في الحياة .
-التقويم :
تتبع تطور المر اللهي بقتال الكفار والمشركين . -1
حدد المبادئ التي قاتل عليها النبي أعداء الله . -2
استخلص الدروس المستفادة من وضوح مبادئ القتال في السلم . -3
حدد مسار تجارة قريش وموقع المدينة من هذا المسار . -4
علل لماذا أراد النبي أن يصادر تجارة قريش . -5
أروي أحداث السرايا التي أرسلها الرسول لعتراض عير قريش في -6
الول للهجرة 0 العام
احصر من توفى من أعلم المهاجرين والنصار في العام الول للهجرة -7
عدد الغزوات التي سبقت بدر الكبرى في العام الثاني من الهجرة . -8
علل – لما كانت هذه الغزوات والسرايا قبل غزوة بدر -9
وضح إلى أي مدى كشفت هذه الغزوات عن طبيعة المرحلة المدنية . -10
اسرد أحداث سرية عبد الله ابن جحش في العام الثاني من الهجرة . -11
ما الدروس العملية التي تعلمتها شخصيا ً من سرية عبد الله بن جحش . -12
متى كان تحويل قبلة المسلمين إلى الكعبة ؟ -13
ما الدروس العملية التي تعلمتها من حادثة تحويل القبلة ؟ -14
ض الصيام وزكاة الفطر والمال على المسلمين ؟ متى فُرِ َ -15
الدرس الرابع
81
غزوة بدر الكبرى
أسبابها – تاريخها – أحداثها – نتائجها – عبرها
لم يطل العهد بتلك العير العظيم التي خرج لها عليه السلم وهي متوجهة إلى
الشام فلم يدركها ولم يزل مترقبا ً رجوعها ،فلما سمع برجوعها ندب إليها أصحابه
وقال :هذه عير قريش فاخرجوا إليها لعل الله أن ينفلكموها ،فأجاب قوم وثقل
آخرون لظنهم أن الرسول عليه السلم لم يرد حربا ً ،فإنه لم يحتفل بها بل قال :من
كان ظهره حاضرا ً فليركب معنا .ولم ينتظر من كان ظهره غائبا ً .
تاريخ الغزوة :
فخرج الرسول لثلث ليال خلون من رمضان في السنة الثانية من الهجرة بعد
أن وّلى على المدينة عبد الله ابن أم مكتوم .
أبو سفيان يستنفر قريشا ً :
ولما علم أبو سفيان بخروج الرسول استأجر راكبا ً ليأتي قريشا ً ويخبرهم
الخبر ،فلما علموا بذلك أدركتهم حميتهم وخافوا على تجارتهم فنفروا سراعا ً ولم
يتخلف من أشرافهم إل أبو لهب بن عبد المطلب فإنه أرسل بدله العاص بن هشام بن
المغيرة
82
وأراد أمية بن خلف أن يتخلف لحديث حدثه إياه سعد بن معاذ حينما كان معتمرا ً
بعد الهجرة بقليل حيث قال كما رواه البخاري :سمعت من رسول الله يقول :إنهم
قاتلوك قال :بمكة قال :ل أدري ،ففزع لذلك وحلف أن ل يخرج فعابه أبو جهل ولم
يزل به حتى خرج قاصدا ً الرجوع بعد قليل .ولكن إرادة الله فوق كل إرادة ،فإن
منيته ساقته إلى حتفه رغم أنفه .
وكذلك عزم جماعة من الشراف على القعود عليهم لذلك وبهذا أجمعت رجال
قريش على الخروج فخرجوا على الصعب والذلول أمامهم القينات يغنين بهجاء
المسلمين وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال ل غالب لكم اليوم من
الناس وإني جار لكم سورة النفال الية . 48
وقد ضرب الله عمل الشيطان هذا مثل ً يعتبر به ذوو الرأي من بعدهم ،فقال
في سورة الحشر :كمثل الشيطان إذ قال للنسان اكفر فلما كفر
قال إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين 0سورة الحشر الية 0 16
كذا كان عمله في هذه الواقعة فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال
إني برئ منكم إني أرى ما ل ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب
سورة النفال الية . 48
أحداث غزوة بدر :
أما رسول الله فلم يكن يعرف شيئا ً مما فعله المشركون ولم يكن خروجه
قيا خارج المدينة ،واستعرض الجيش فرد من ليس له س ْ
إل للعير فعسكر ببيوت ال ّ
قدرة على الحرب ،ثم أرسل اثنين يتجسسان الخبار عن العير .ولما بلغ الروحاء
جاءه الخبر بمسير قريش لمنع عيرهم ،وجاءه مخبراه بأن العير ستصل بدرا ً غدا ً أو
بعد غد .
قوة كل من الفريقين :
-1قوة المسلمين :
سان ، بلغت قوة المسلمين بقيادة النبي ثلثمئة وثلثة عشر رجل ً ،معهم فَر َ
فرس للزبير بن العوام ،وفرس للمقداد بن عمرو) ، (19وسبعون بعيرا ً يتعاقبونها .
ي
ة وعلـ ّ قال عبد الله بن مســعود :كنــا يــوم بــدر كــل ثلثــة علــى بعيــر كــان أبــو ُلبابـ ُ
ورســول اللــه يتعــاقبون علــى بعيــر ،فكــانت عقبــة رســول اللــه ـــ أي موعــد
مشيه فقال :نحن نمشي عنك ،فقال " :ما أنتمــا بــأقوى منــي ول أنــا بــأغنى عــن
الجر منكما " ). (20
وجعل رسول الله اللواء مع مصعب بن عمير وكان أبيض ،وبين يدي رسول
الله رايتان ،وجعل الرسول عليه الصلة والسلم على الميمنة الُزبيــر بــن العــوام ،
مقداد بن السود وعلى الساقة َقيس بن أبي صعصعة. وعلى الميسرة ال َ
-2قوة المشركين :
ً
استطاع المشركون أن يجيشوا تسعمئة وخمسين رجل أكثرهم من قريش ،معهــم
مئتا فرس وعدد كبير من البل لركوبهم وحمل أمتعتهم وغذائهم في الطريق .
ن ربيعة ، عتبة ب ُولم يكن للمشركين قائد عام ،وإنما كان على رأسهم رجلن ُ
وأبو جهل مع عدد من رجالت قريش .
دوريات الستطلع :
سلكت قوات المسلمين طريق القوافل بين المدينة وبدر وطوله مئة وستون
كيلو مترًا .وبث الرسول أمامه عددا ً من الدوريات للستكشاف والســتطلع .حــتى
يعرف الخبار ويأمن المباغته في شيء لم يقدر له قدره .
الدورية الولى :
حالف المقداد في الجاهلية السود بن عبد يغوث الزهري فتبناه فكان يقال له المقداد بن السود فلما نزل قول ()19
الله تعالى " ادعوهم لبائهم " قيل له المقداد بن عمرو
نقل ً عن السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة لبي شهبة ج 99/ 2 ()20
83
عديّ بن أبي الّزغباء ،فمضيا حتى نزل بدرا ً بعث الرسول بسبس بن عمرو و َ
يسـتقيان فيـه ،ويريــدان أن )(21 ً
ل قريب من الماء ،ثـم أخــذا شـنا لهمـا ،فأناخا إلى ت ٍ
يتسمعا الخبار ،فسمع عديُ وبسبس جاريتين مــن جــواري الحاضــرة وهمــا يتقاضــيان
على الماء ،تقول إحداهما لصاحبتها :إنما تــأتي العيــر غــدا ً فأعمــل لهــم ،ثــم أقضــيك
جمع من معلومات. الذي لك .فنقل ذلك إلى رسول الله وأصحابه ،ليحللوا ما ُ
الدورية الثانية :
ي بن أبي طالب والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص ثم بعث الرسول عل ّ
في نفر من أصحابه إلى ماء بدر يلتمسون الخبر ،فأصابوا روايا لقريــش فيهــا :أســلم
غلم بني الحجاج ،وعريض أبو يسار غلم بني العاص بن سعد فأتوا بهمــا رســول اللــه
ليستجوبهما فسألهما رسول الله ، فقال :نحن لجيش قريش وليـس لنـا علـم بـأبي
سفيان ،فقال لهمــا : كــم القــوم ؟ قــال :كــثير ول نــدري مــا عــددهم ،قــال :كــم
ينحرون من البل لطعامهم ،قال :يوما ً تسعا ً ويوما ً عشرا ً .
فقال رسول الله " القوم ما بين التسعمئة واللف ،ثم قال :فمن فيهم مــن
عتبة بن ربيعة وشيبه ،وأبو الُبحتري بن هشام وحكيم بن حزام أشراف قريش ؟ قال ُ :
،وذكــرا رؤســاء قريــش ،فقــال : هــذه مكــة قــد ألقــت إليكــم أفلذ كبــدها " وأراد
الرسول أن يستوثق بنفسه .
خروج القائد للستطلع :
ركب الرسول ومعه أبو بكر ،يستطلع الخبار .فوقف على شيخ من
العرب ،فسأله عن قريش وعن محمــد وأصــحابه ومــا بلغــه عنهــم ،فقــال الشــيخ :ل
أخبركما حتى تخبراني من أنتما ؟
فقال : إذا أخبرتنا أخبرناك :فقال أو ذاك بذاك ؟قال :نعم .
قال الشيخ :بلغني أن محمدا ً وأصحابه خرجوا يــوم كــذا و كــذا فــإن كـان صــدق الـذي
أخبرني فهم اليوم بمكــان كــذا وكــذا .للمكــان الــذي بــه رســول اللــه ، وبلغنــي أن
قريشا ً خرجوا يوم كذا وكذا ،فإن كان الذي أخــبرني صــدقني فهــم اليــوم بمكــان كــذا
وكذا .للمكان الذي فيه جيش قريش فلما فرغ من خبره قال :ممن أنتما ؟ فقــال لــه
رسول الله " نحن من ماء " ثــم انصــرف عنــه ،قــال الشــيخ :مــا مــاء ؟ أمــن مــاء
العراق ؟
القيادة المسلمة تحلل الخبار وتعرف الحقيقة :
جمعت الخبار التي جاءت بها دوريات الستطلع فأشارت إلى أن العير قد نجت ُ
وأن الجيش المشرك هو الذي أمام المسلمين الن ،وأن عدد الجيش القرشي ما بين
التسعمئة واللف ،وأن فيهم عظماء قريش ،وأن عدتهم ل يستهان بها ،فمــاذا يفعــل
المسلمون أمام هذه المعلومات المتجمعة لديهم ؟
وهكذا اقترب كل الفريقين من الخر وهو ل يدري ما وراء هذا اللقاء الرهيــب ،وهكــذا
هيئت السباب لقيام أول معركة في السلم ،قامت بين الحق والباطل قــال تعــالى : ُ
وإذ يعدكم الله إحدى الطا ئفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشــوكة تكــون لكــم
ويريد الله أن ُيحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين لُيحق الحق وُيبطل الباطل ولو
كره المجرمون .(22)
الرسول يشاور أصحابه :
فجمع عليه السلم كبراء الجيش وقال لهم ) أيها الناس إن الله قد وعدني
إحدى الطائفتين أنها لكم العير :أو النفير ( فتبين له عليه السلم أن بعضهم يريدون
غير ذات الشوكة وهي العير ليستعينوا بما فيها من الموال ،فقد قالوا :هل ذكرت لنا
القتال فنستعد ،وجاء مصداق ذلك قوله تعالى في سورة النفال :وإذ يعدكم
الشن ـ القربة ا لقديمة الصغيرة ا لتي يوضع فيها الماء . ()21
النفال 8-7 : ()22
84
الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم
سورة النفال الية 0 7ثم قام المقداد بن السود رضي الله عنه فقال :يا رسول الله
امض لما أمرك الله فوالله ل نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى فاذهب أنت
وربك فقاتل إنا ها هنا قاعدون سورة المائدة الية 0 24ولكن اذهب أنت
وربك فقاتل إنا معكما مقاتلون ،والله لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من
دونه حتى تبلغه ،فدعا له بخير الناس .
ي أيها الناس وهو يريد النصار لن بيعة العقبة ثم قال عيه السلم :أشيروا عل ّ
ربما يفهم منها أنه ل تجب عليهم نصرته إل ما دام بين أظهرهم .وقال فيها :يا رسول
الله إنا براء من ذمتك حتى تصل إلى دارنا فإذا وصلت إليها فأنت في ذمتنا نمنعك مما
نمنع منه أبناءنا ونساءنا .
فقال سعد بن معاذ سيد الوس :كأنك تريدنا يا رسول الله ؟ فقال :أجل ،فقال سعد
:قد آمنا بك وصدقناك وأعطيناك عهودنا فامض لما أمرك الله ،والذي بعثك بالحق لو
استعرضت بنا البحر فخضته لنخوضنه معك ،وما نكره أن تكون تلقى العدو بنا غدا ً ،
سْر على إنا لصبر عند الحرب صدق عند اللقاء ،ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك ف ِ
بركة الله .
فأشرق وجهه عليه السلم وسر بذلك وقال كما في رواية البخاري ) :أبشروا
والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم ( فعلم القوم من هذه الجملة أن الحرب ل بد
ة حصلت . حاصلة ،وحقيق ً
أبوسفيان يفلت بالعير ...وقريش تعاند وتصر على الحرب :
فإن أبا سفيان لما علم بخروج المسلمين له ترك الطريق المسلوكة وسار متبعا ً
ساحل البحر فنجا وأرسل إلى قريش يعلمهم بذلك ويشير عليهم بالرجوع فقال أبو
جهل :ل نرجع حتى نحضر بدرا ً فنقيم فيه ثلثا ً ننحر الجزر ونطعم الطعام ونسقي
الخمر وتسمع بنا العرب فل يزالون يهابوننا أبدا ً .
فقال الخنس بن شريق الثقفي لبني زهرة وكان حليفا ً لهم :ارجعوا يا قوم فقد
نجى الله أموالكم فرجعوا ولم يشهد بدرا ً زهري ول عدوى ،ثم سار الجيش حتى
وصلوا وادي بدر فنزلوا عدوته القصوى عن المدينة في أرض سهلة لينة .
الجيش السلمي يرد بدرا ً ومشورة الحباب بن المنذر :
أما جيش المسلمين فإنه لما قارب بدرا ً ساروا حتى نزلوا بعدوة الوادي الدنيا
من المدينة بعيدا ً عن الماء في أرض سبخة ،فأصبح المسلمون عطاشا بعضهم جنب
وبعضهم محدث ،فحدثهم الشيطان بوسوسته ،ولولا فضل الله عليهم ورحمته لثنيت
عزائمهم ،فإنه قال لهم :ما ينتظر المشركون منكم إل أن يقطع العطش رقابكم
ويذهب قواكم فيتحكموا فيكم كيف شاءوا .
فأرسل الله لهم الغيث حتى سال الوادي فشربوا ،واتخذوا
الحياض على عدوة الوادي واغتسلوا وتوضأوا وملوا السقية ولبدت
الرض حتى ثبتت عليها القدام ،على حين أن كان هذا المطر مصيبة
على المشركين فإنه وحل الرض حتى لم يعودوا يقدرون على
الرتحال .ومصداق هذا قوله تعالى في سورة النفال :وينزل عليكم
من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت
به القدام سورة النفال الية . 11
وقد أرى الله رسوله في منامه العداء كما أراهموه وقت اللقاء قليلي العدة ،كيل
يفشل المسلمون وليقضي الله أمرا ً كان مفعول ً .
قال تعالى في سورة النفال :إذ يريكهم الله في منامك قليل ً ولو
أراكهم كثيرا ً لفشلتم ولتنازعتم في المر ولكن الله سلم إنه عليم
بذات الصدور * وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليل ً ويقللكم
85
في أعينهم ليقضي الله أمرا ً كان مفعول وإلى الله ترجع المور سورة
النفال اليتان . 44 ، 43
ثم سار جيش المسلمين حتى نزل أدنى ماء من بدر فقال له الحباب بن المنذر
النصاري وكان مشهودا ً بجودة الرأي :يا رسول الله أهذا منزل أنزلكه الله ليس لنا
أن نتقدم عنه أو نتأخر أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ فقال :بل هو الرأي والحرب
والمكيدة ،فقال :يا رسول الله ليس لك هذا بمنزل فانهض بالناس حتى تأتي أدنى
ماء من القوم فإني أعرف غزارة مائه وكثرته فننزله ونغور ما عداه من البار ثم نبني
عليه حوضا ً فنمله ماء فنشرب ول يشربون .فقال الرسول عليه السلم :لقد أشرت
بالرأي .
ونهض حتى أتى أدنى ماء من القوم ثم أمر بالبار التي خلفهم فغورت لينقطع
أمل المشركين في الشرب من وراء المسلمين وبنى حوضا ً على القليب الذي نزل
عليه.
ً
الصحابة يبنون عريشا لرسول الله صلى الله عليه وسلم :
ً
ثم قال له سعد بن معاذ سيد الوس يا نبي الله أل نبني لك عريشا تكون فيه
ونعد عندك ركائبك ثم نلقى عدونا فإن أعزنا الله تعالى وظهرنا على عدونا كان ذلك
ما أحببنا وإن كانت الخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا فقد تخلف عنك
أقوام يا نبي الله ما نحن بأشد لك حبا ً منهم ول أطوع لك منهم رغبة في الجهاد ونية ،
ولو ظنوا أنك تلقى حربا ً ما تخلفوا عنك إنما ظنوا أنها العير ،يمنعك الله بهم
ويناصحونك ويجاهدون معك ،فقال عليه السلم :أو يقضي الله خيرا ً من ذلك .
ثم بنى للرسول عريش فوق تل مشرف على ميدان الحرب ولما اجتمعوا عدل
عليه السلم صفوفهم ومناكبهم متلصقة فصاروا كأنهم بنيان مرصوص ثم نظر
لقريش فقال ) :اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلئها وفخرها تحادك وتكذب رسولك
اللهم فنصرك الذي وعدتني به ( .
وفي هذا الوقت وقع خلاف بين رؤساء عسكر المشركين فإن عتبة بن ربيعة أراد أن
يمنع الناس من الحرب ويحمل دم حليفه عمرو بن الخضرمي الذي قتل في سرية عبد
الله بن جحش ويحمل ما أصيب من عيره ودعا الناس إلى ذلك ،فلما بلغ أبا جهل
الخبر وسمه بالجبن وقال :والله ل نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد .
وقبل أن تقوم الحرب على ساقها خرج من صفوف المشركين السود بن عبد
السد المخزومي وقال :أعاهد الله لشربن من حوضهم أو لهدمنه أو لموتن دونه ،
فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب وضربه ضربة قطع بها قدمه بنصف ساقه فوقع
على ظهره فزحف على الحوض حتى اقتحم فيه ليبر قسمه فاتبعه حمزة فقتله .
ثم وقف عليه السلم يحرض الناس على الثبات والصبر وكان فيما قال ) :وإن
في مواطن البأس مما يفرج الله به الهم وينجي به من الغم ( .
المبارزة :
ثم ابتدأ القتال بالمبارزة فخرج من صفوف المشركين ثلثة نفر عتبة بن ربيعة
بين أخيه شيبة وابنه الوليد فطلبوا أكفاءهم فخرج إليهم ثلثة من النصار فقالوا :ل
حاجة لنا بكم إنما نريد أكفاءنا من بني عمنا فأخرج لهم عليه السلم عبيدة بن الحارث
بن عبد المطلب للول وحمزة بن عبد المطلب للثاني وعلي بن أبي طالب للثالث .
فأما حمزة وعلي فقتل صاحبيهما وأما عبيدة فاختلفا بضربتين كلهما جرح
صاحبه فحمل رفيقا عبيدة على عتبة فأجهزا عليه وحمل عبيدة بين الصفوف جريحا ً
يسيل مخ ساقه وأضجعوه إلى جانب موقفه فأفرشه رسول الله قدمه الشريفة
86
فوضع خده عليها وبشره عليه السلم بالشهادة ،فقال :وددت والله أن أبا طالب كان
حيا ً ليعلم أننا أحق منه بقوله :ونسلمه حتى نصرع حوله ونذهل عن أبنائنا والحلئل
الرسول صلى الله عليه وسلم يرص الصفوف ويشحذ الهمم ويحرض
المؤمنين على القتال :
وبعد انقضاء هذه المبارزة وقف عليه السلم بين الصفوف يعدلها بقضيب في
يده فمر بسواد بن غزية حليف بني النجار وهو خارج من الصف فضربه بالقضيب في
بطنه وقال :استقم يا سواد ،فقال أوجعتني يا رسول الله وقد بعثت بالحق والعدل
فأقدني من نفسك ،فكشف الرسول عليه السلم عن بطنه وقال استقد يا سواد ،
فاعتنقه سواد وقبل بطنه فقال عليه السلم :ما حملك على ذلك ؟ فقال :يا رسول
الله قد حضر ما ترى فأردت أن يكون آخر العهد أن يمس جلدي جلدك ،فدعا له بخير
.
ثم ابتدأ عليه الصلة والسلم يوصي الجيش فقال ) :لتحملوا حتى آمركم وإن
اكتنفكم القوم فانضحوهم بالنبل ول تسلوا السيوف حتى يغشوكم ( ثم حضهم على
الصبر والثياب ثم رجع إلى عريشه ومعه رفيقه أبو بكر وحارسه سعد بن معاذ واقف
على باب العريش متوشحا ً سيفه .
وكان من دعاء الرسول عليه السلم ذاك الوقت كما جاء في صحيح البخاري
اللهم أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لم تعبد ( فقال أبو بكر :حسبك فإن الله
سينجز لك وعدك .
فخرج عليه السلم من العريش وهو يقول :سيهزم الجمع ويولون الدبر
سورة القمر الية . 45
ثم قال عليه السلم يحرض الجيش ) :والذي نفس محمد بيده ل
يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا ً محتسبا ً مقبل ً غير مدبرا ً إل أدخله الله
الجنة ومن قتل قتيل ً فله سلبه ( فقال عمير بن الحمام وبيده تمرات
يأكلها :بخ بخ ما بيني وبين أن أدخل الجنة إل أن يقتلني هؤلء ثم قذف
التمرات من يده وأخذ سيفه وقاتل حتى قتل .
احتدام القتال ...وقتل قادة قريش وأشرافها :
واشتد القتال وحمي الوطيس وأيد الله المسلمين بالملئكة بشرى لهم ولتطمئن به
قلوبهم ،فلم تكن إل ساعة حتى هزم الجمع وولوا الدبر وتبعهم المسلمون يقتلون
ويأسرون فقتل من المشركين نحو السبعين منهم من قريش عتبة وشيبة ابنا ربيعة
والوليد بن عتبة قتلوا مبارزة أول القتال وأبو البختري بن هشام ،ومن القتلى حنظلة
بن أبي سفيان ،وأبو جهل بن هشام أثخنه فتيان صغيران من النصار لما كانا يسمعانه
من أنه كان شديد اليذاء لرسول الله ،وأجهز عليه عبد الله بن مسعود ،وقتل نوفل
بن خويلد قتله علي بن أبي طالب ،وقتل عبيدة والعاصي والد أبي أحيحة سعيد بن
العاص بن أمية ،وقتل كثيرون غيرهم .
أما السرى فكانوا سبعين أيضا ً قتل منهم عليه السلم وهو راجع عقبة بن ابي
معيط والنضر بن الحارث اللذين كانا بمكة من أشد المستهزئين .
مقتل أمية بن خلف :
ن خلف رأس الكفر في قريش ،الذي كان يعذب بلل ً والمؤمنين في مكة أمية ب ُ
ه وصوابه ،حتى كان ينادي على من يأسره أو يأخذ بيــده مــن ،أطارت معركة بدر عقل ُ
هول المعركة .
يقول عبد الرحمن بن عوف " :مررت بأمية بن خلف ،وهو واقف مع ابنه في
ذهول ،ومعي أدرع لي قد استلبتها فأنا أحملها ،فلما رآني ،ناداني فقال :يا عبد ً الله
فقلت :نعم .قال :هل لك في أن تأخذني أسيرا ً أنا وولــدي ،فأنــا خيــر لــك مــن هــذه
الدرع التي معك ،فمن أسرني افتديت نفسي منه بإبل كثيرة اللبن ،قــال :فطرحــت
87
الدرع من يدي وأخذت بيده وبيد ابنه وهو يقول :ما رأيت كاليوم قط .ثم قال يا عبــد َ
م بريشة نعامة في صدره ؟قال عبد ُ الرحمن :قلت :حمزة بــن الله :من الرج ُ
ل المعل ُ
عبد المطلب .قال :ذاك الذي فعل بنا الفاعيــل ،قــال عبــد الرحمــن :فــو اللــه إنــي
لقودهما إذ رآه بلل معي .وكان هو الذي يعذب بلل ً في الجاهلية بمكة على السلم .
ة بــن خلــف ل نجــوت إن نجــا ،قــال :قلــت :أي بلل س الكفــر أميـ ُ
فلما رآه قــال :رأ ُ
س ت إن نجا قال :ثم صرخ بأعلى صوته :يا أنصــار اللــه 000رأ ُ أسيري ،قال :ل نجو ُ
ة بن خلف ل نجوت ،إن نجا فأحاطوا بنــا ،وأنــا أدفــع عنهــم ،فضــرب رجــل الكفر أمي ُ
ة ما سمعت بمثلها قط قــال :قلــت لميــة : ة صيح ً ل ابنه فوقع ،وصاح أمي ُ ج َ
بالسيف ر ْ
ُ
ج بنفسك ،ول نجاة لك فو الله ما أغني عنك شيئا ً ،قال :فاجتمع الناس فضــربوهما ان ُ
بأسيافهم حتى فرغوا منهما .
ً
قال :فكان عبد الرحمن يقول :رحم الله بلل فجعني بأدرعي وبأسيري!!
وهكذا من ُيغالب الله ُيغلب ومن ُيحاد الله ورسوَله يكن في الذليـن ومـن يتجـبر علـى
عباده يأخذه أخذ عزيز مقتدر .ويجعله عبرة وآية والله غالب على أمره ولكــن
أكثر الناس ل يعلمون .(23)
بين العقيدة والعاطفة :
جرى في بدر صراعُ رهيب بين العاطفة والعقيدة ،فقد وجد كثير من جند
السلم مع رسول الله أقارب لهم في صفوف المشــركين ،يجــد الرجــل أخــاه ،أو
أباه ،أو عمه أو خاله .أو زوج ابنته ،فتقابلت بذلك العاطفة والعقيدة فــذابت العاطفــة
وتلشت بجانب العقيدة القوية ،وكان المؤمن وقافا ً عند تعاليم الله سبحانه
يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على اليمان
ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون . (24)
عتبة في المؤمنين وأبوه عتبة بن ربيعة في المشركين . حذيفة بن ُ فهذا أبو ُ
فأخذ الولد يتوسل إلى أبيه ويناديه أن يفيء إلى الحق ،ولكـن الوالــد الجاهــل المعانــد
ه وضــلله إلــى ســوء المصــير فيســقط يظل سادرا ً في الغي والضلل حتى يســلمه غيـ ُ
صريعا ً في القتال بأيدي المؤمنين .وحينما انجلت المعركة وتـم النصـر للمسـلمين أمـر
رسول الله أن ُيلقى المشركون في القليب ،فلما ُأخذ عتبة بن ربيعــة وســحب إلــى
القليب ،نظر رسول الله إلى وجه أبي حذيفة بن عتبة فوجده قد تغير فقال له :يا
حذيفة ،لعلك قد دخلك من شأن أبيك شيء ؟ فقال :ل والله يــا رســول اللــه ،مــا أبا ُ
شككت في أبي ول في مصرعه .ولكنني كنــت أعــرف مــن أبــي حلمــا ورأيـا ً وفضـل ً ،
فكنت أرجو أن يهديه الله للسلم ،فلما رأيت مــا أصــابه وذكــرت مــا مــات عليــه مــن
ت أرجو له أحزنني ذلك .فدعا له الرسول وقال له خيرًا. الكفر بعد الذي كن ُ
الرسول يأمر بالقتلى إلى قليب بدر :
وقد أمر عليه السلم بالقتلى فنقلوا من مصارعهم التي كان الرسول عليه
السلم أخبر بها قبل حصول الموقعة إلى قليب بدر لنه عليه السلم كان من سننه
في مغازيه إذا مر بجيفة إنسان أمر بها فدفنت ل يسأل عنه مؤمنا ً أو كافرا ً .ثم أمر
عليه السلم براحلته فشد عليها حتى قام على شفة القليب الذي رمى فيه المشركون
فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم يا فلان بن فلن ويا فلن بن فلن أيسركم أنكم
كنتم أطعتم الله ورسوله فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا ً فهل وجدتم ما وعد ربكم
حقا ً .فقال عمر :يا رسول الله ما تكلم من أجساد ل أرواح فيها فقال :والذي نفس
محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم .
89
كل خبرة عند المؤمنين .
العقيدة الراسخة تعطي الثقة وترفع المعنويات ،وتربي الجندي الــذي ل يهــزم ، -5
قال تعالى :
).(25
كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين
التقويم :
-1أ-كم كانت قوة المسلمين في الرجال ،والخيل والجمال في غزوة بدر الكبرى؟
ب-من حمل لواء الرسول في بدر ؟
ج-كم كانت قوة المشركين من الرجال ،والخيل والجمال ؟
-2أجب عن السئلة التية :
أ -لم بعث الرسول أمامه دوريات استطلعية ؟ وما عددها ؟
ب -لم خرج الرسول بنفسه ليستطلع أخبار جيش المشركين .
ج -لم قرر المسلمون الحرب وقد خرجوا للعير ؟
د -لم استشار الرسول صحابته وهو نبي ؟
-3من قائل هذه الكلمات :
ـ لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك .
ـ يا رسول الله أهذا المنزل أنزلكه الله ،ليس لنا أن نتقدم عنه أو نتأخر؟
-4نزل الرسول بين الصفوف يلقــى علــى المســلمين فــي بــدر خطبتــه العســكرية
ليحفـــز الهمـــم فقـــال . . . . . . . .فقـــال عميـــر بـــن الحمـــام . . . . . . . . .قـــال
نعم . . . . . .
فقال عمير . . . . . . . . . .
أكمل الجمل السابقة ثم علق على هذا الحوار العظيم .
-5بارز ثلثة من المسلمين ثلثــة مــن المشــركين فــي بــدر ،صــل بيــن كــل متبــارزين
بخط :
عتبة بن ربية العباس بن عبد
المطلب
شيبة بن ربيعة علي بن أبي
طالب
الوليد بن عتبة عبيد بن الحارث
-14من الذي قتل أبا جهل ؟وكم عدد قتلى المشركين في معركة بدر؟
-15كان لغزوة بدر الكبرى نتائج معينة ،اذكر أهم تلك النتائج .
-16هل وعد الله المؤمنين بالنصر في بدر ؟ إن كان ذلك .فاذكر آية من القــرآن تــدل
على ذلك.
-17هل حارب الرسول المشركين بنظام الكر والفر ؟ أم ابتكر الرسول أسلوبا ً
جديدا ً في الحرب ؟ وما هذا السلوب المبتكر الذي اتبعه الرسول ؟
-18كان للعقيدة الراسخة أثر في الحرب مع الكفار ما هذا الثر ؟ اذكر آية من القرآن
تدل على ذلك .
-19هل بالكلمات والشعارات فقط تكسب المعــارك وتهــزم الجيــوش ؟ أم هنــاك أمــر
آخر يجب أن يكون ؟ ما هو ؟
- 20أذكر ما فعله النبى فى قتلى المشركين وحديثه لهم 0
-21علل أمر النبي بإرسال المبشرين بالنصر للمدينة .
-22بين ما حدث فى أمر الغنائم 0
-23استخلص الدروس المستفادة من غزوة بدر الكبرى .
-24أذكر المواقف التى أثرت فى نفسك فى غزوة بدر وتستحق منه التأمل والتــدبر
الدرس الخامس
أسرى بدر
أن يعدد الدارس آراء الصحابة في أسرى بدر . .1
أن يقص الدارس قصة أسر أبي العاص بن الربيع زوج زينب بنت النبي .2
.
أن يروي الدارس أمر النبي مع سهيل بن عمرو عند أسره يوم بدر . .3
أن يبين الدارس بعد نظر النبي في رفضه التمثيل بسهيل بن عمرو . .4
أن يحدد الدارس سبب تأجيل الوليد بن الوليد إعلن إسلمه إلى ما بعد .5
فك أسره .
أن يروي الدارس قصة إسلم وهب بن عمير الجمحي . .6
أن يستخلص الدارس القيم التي أراد النبي غرسها في حادثة فداء .7
عمه العباس .
أن يعلل الدارس لعتاب الله للنبي في شأن أسرى بدر . .8
أن يذكر الدارس الدروس والعبر التي تعلمها من قصة السرى وما تم .9
معهم .
ولما دخلوا المدينة استشار عليه السلم أصحابه فيما يفعل بالسرى فقال عمر
بن الخطاب يا رسول الله قد كذبوك وقاتلوك وأخرجوك فأرى أن تمكنني من فلن ،
لقريب له ،فأضرب عنقه ،وتمكن حمزة من أخيه العباس وعليا ً من أخيه عقيل .
وهكذا حتى يعلم الناس أنه ليس في قلوبنا مودة للمشركين ،ما أرى أن تكون لك
أسرى فاضرب أعناقهم هؤلء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم .ووافقه على ذلك سعد بن
معاذ وعبد الله بن رواحة ،وقال أبو بكر :يا رسول الله هؤلء أهلك وقومك قد أعطاك
الله الظفر والنصر عليهم أرى أن تستبقيهم وتأخذ الفداء منهم فيكون ما أخذنا قوة لنا
علىالكفار وعسى أن الله يهديهم بك فيكونوا لك عضدا ً .
فقال عليه السلم إن الله ليلين قلوب أقوام حتى تكون ألين من اللين
وإن الله ليشدد قلوب أقوام حتى تكون أشد من الحجارة وإن مثلك يا أبا
سورة
بكر مثل إبراهيم قال فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم
إبراهيم .36وإن مثلك يا عمر مثل نوح قال رب ل تذر على الرض من الكافرين
ديارا ً سورة نوح . 36ورأى عليه السلم رأي أبي بكر بعد أن مدح كل من
الصالحين لن الوجهة واحدة وهي إعزاز الدين وخذلن المشركين ثم
قال لصحابه ،أنتم اليوم عالة فل يفلتن أحد من أسراكم إل بداء وقد
بلغ عريشا ً ما عزم عليه الرسول في أمر السرى فناحت على القتلى
شهرا ً ثم أشير عليهم من كبارهم أن ل يفعلوا كيل ً يبلغ محمدا ً وأصحابه
جزعهم فيشمتوا بهم فسكتوا وصمموا على أن ل يبكوا قتلهم حتى
يأخذوا بثأرهم وتواصوا فيما بينهم أن ل يعجلوا في طلب الفداء لئل
يتغالى المسلمون فيه .
الفداء :
فلم يلتفت إلى ذلك المطلب بن أبي وداعة السهمي وكان أبوه من السرى
فخرج خفية حتى أتى المدينة وفدى أباه بأربعة آلف درهم وعند ذلك بعثت قريش في
91
فداء أسراها وكان أربعة آلف إلى ألف درهم ومن لم يكن معه فداء وهو يحسن
القراءة والكتابة أعطوه عشرة من غلمان المدينة يعلمهم وكان ذلك فداءه .
ومن السرى عمرو بن أبي سفيان ولما طلب من أبيه فداءه أبي وقال :والله
ل يجمع محمد بين ابني ومالي دعوه يمسكوه في أيديهم ما بدا لهم .فبينما أبو سفيان
بمكة إذ وجد سعد بن النعمان النصاري معتمرا ً فعدا عليه فحبسه بابنه عمرو فمضى
قوم سعد إلى رسول الله وأخبروه فأعطاهم عمرا ً ففكوا به سعدا ً .
ومن السرى أبو العاص بن الربيع زوج زينب بن الرسول وكان عليه السلم قد أثنى
عليه خيرا ً في مصاهرته فإنه لما استحكمت العداوة بين قريش ورسول الله بمكة .
طلبوا من أبي العاص أن يطلق زينب كما فعل ابنا أبي لهب بابنتي الرسول
فامتنع وقال :والله ل أفارق صاحبتي وأحب أن لي بها امرأة من قريش ،ولما أسر
أرسلت زينب في فدائه قلدة لها كان حلتها بها أمها خديجة ليلة عرسها .
فلما رأى عليه السلم تلك القلدة رق لها رقة شديدة وقال لصحابه إن رأيتم
أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا قلدتها فافعلوا ،فرضي الصحاب بذلك فأطلقه عليه
السلم بشرط أن يترك زينب تهاجر إلى المدينة .فلما وصل إلى مكة أمرها باللحاق
بأبيها وكان الرسول أرسل لها من يأتي بها فاحتملوها .
هذا ولما أسلم أبو العاص بن الربيع قبيل الفتح رد عليه امرأته بالنكاح الول .
ومن السرى سهيل بن عمرو وكان من خطباء قريش وفصحائها وطالما آذى
المسلمين بلسانه فقال عمر بن الخطاب :دعني يا رسول الله أجزع ثنيتي سهيل
يخرج لسانه فل يقوم عليه خطيبا ً في موطن أبدا ً ،فقال عليه السلم ) :ل أمثل
فيمثل الله بي ،وإن كنت نبيا ً وعسى أن يقوم مقاما ً ل تذمه ( وقدم بفدائه مكرز بن
حفص ولما ارتضى معهم على مقدار حبس نفسه بدله حتى جاء بالفداء .
هذا وقد حقق الله خبر الرسول في سهيل فإنه لما مات عليه السلم أراد أهل مكة
الرتداد كما فعل من العراب فقام سهيل هذا خطيبا ً وقال بعد أن حمد الله وأثنى
عليه وصلى على رسوله أيها الناس من كان يعبد محمدا ً فإن محمدا ً قد مات ومن كان
يعبد الله فإن الله حي ل يموت ألم تعلموا أن الله قال إنك ميت وإنهم ميتون
الزمر 30وقال وما محمد إل رسول قد خلت من قبله الرسل إفإن مات أو
قتل انقلبتم على أعقابكم آل عمران 144ثم قال والله إني أعلم أن هذا الدين سيمتد
امتداد الشمس في طلوعها فل يغرنكم هذا ) يعني أبا سفيان ( من أنفسكم فإنه يعلم
من هذا المر ما أعلم لكنه قد ختم على صدره حسد بني هاشم وتوكلوا على ربكم
فإن دين الله قائم وكلمته تامة وإن الله ناصر من نصره ومقود دينه وقد جمعكم الله
على خيركم ) يريد أبا بكر ( وإن ذلك لم يزد السلم إلى قوة فمن رأيناه ارتد ضربنا
عنقه .فتراجع الناس عما كانوا عزموا عليه ،وكان هذا الخبر من معجزات نبينا .
ومن السرى الوليد بن الوليد افتداه أخواه خالد وهشام فلما افتدى ورجع إلى
مكة أسلم فقيل له :هل أسلمت قبل الفداء فقال :خفت أن يعدوا إسلمي خوفا ً .
ولما أرادا الهجرة منعه أخوه ففر إلى النبي في عمرة القضاء .
ومن السرى السائب بن يزيد وكان صاحب الراية في تلك الحرب فدى نفسه
وهو الجد الخامس للمام محمد بن إدريس الشافعي .
ً
ومنهم وهب بن عمير الجمحي كان أبوه عمير شيطانا من شياطين قريش كثير
اليذاء لرسول الله ،جلس يوما ً بعد انتهاء هذه الحرب مع صفوان بن أمية يتذكران
مصاب بدر فقال عمير والله لول دين علي ليس عندي قضاؤه وعيال أخشى الفقر
بعدي كنت آتي محمدا ً فإن ابني أسير في أيديهم ،فقال صفوان :دينك علي وعيالك
مع عيالي فأخذ عمير سيفه وشحذه وسمه وانطلق حتى قدم المدينة .
فبينا عمر مع نفر من المسلمين إذ نظر إلى عمير متوشحا ً سيفه فقال :هذا
الكلب عدو الله ما جاء إل بشر ،ثم قال للنبي عليه السلم :هذا عدو الله عمير قد
92
جاء متوشحا ً سيفه ،فقال :أدخله علي .فأخذ عمر بحمائل سيفه وأدخله .فلما رآه
عليه السلم قال :أطلقه يا عمر ،أدن يا عمير فدنا وقال :انعموا صباحا ً ،فقال عليه
السلم :قد أبدلنا الله تحية خيرا ً من تحيتك وهي السلم ،ثم قال :ما جاء بك يا عمير
؟ قال :جئت لهذا السير الذي بأيديكم فأحسنوا فيه ،قال :فما بال السيف ؟ قال :
قبحها الله من سيوف وهل أغنت عنا شيئا ً ؟ قال عليه السلم :اصدقني ما الذي جئت
له ؟ قال :ما جئت إل لذلك .قال عليه السلم :كل بل قعدت أنت وصفوان في
الحجر وقلتما كيت وكيت .فأسلم عمير وقال :كنا نكذبك بما تأتي به من خبر السماء
وما ينزل عليك من الوحي وهذا أمر لم يحضره إل أنا وصفوان !! فقال عليه السلم :
فقهوا أخاكم في دينه واقرئوه القرآن وأطلقوا أسيره .فعاد عمير إلى مكة وأظهر
إسلمه .
ومن السرى أبو عزيز بن عمير أخو مصعب بن عمير مر به أخوه فقال للذي
أسره ،شد يدك به ،فإن أمه ذات متاع لعلها تفديه .فقال له يا أخي هذه وصايتك بي
! ثم بعثت أمه بفدائه أربعة آلف درهم
ومن السرى العباس بن عبد المطلب عم رسول الله كان قد خرج لهذه
الحرب مكرها ولما وقع في السر طلب منه فداء نفسه وابن أخيه عقيل بن أبي
طالب ،فقال :علم ندفع وقد استكرهنا على الخروج ؟ فقال عليه السلم :لقد كنت
في الظاهر علينا فأخذت منه فدية نفسه وابن أخيه ،ثم قال للرسول لقد تركتني
فقير قريش ما بقيت ،قال كيف وقد تركت لم الفضل أموال ً وقلت لها إن مت فقد
تركتك غنية ! فقال العباس والله ما اطلع على ذلك أحد .
وهذا العمل غاية ما يفعل من العدل والمساواة فإنه عليه السلم لم
يعف عمه مع علمه بأنه إنما خرج مكرها ً وقدى أعفى غيره جماعة تحقق
له فقرهم فهكذا العدل ،ول غرابة فذلك أدب قوله تعالى :يا أيها الذين
النساء
آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والقربين
. 135
ومن السرى أبو عزة الجمحي الشاعر كان شديد اليذاء لرسول الله بمكة فلما
أسر قال :يا محمد إني فقير وذو عيال وذو حاجة قد عرفتها فامنن ،فمن عليه
فضل ً منه .
العتاب في الفداء :
ولما تم الفداء أنزل الله في شأنه ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى
يثخن في الرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الخرة والله عزيز حكيم
لول كتاب من الله سبق لمسكم في ما أخذتم عذاب عظيم النفال . 68-67
نهى سبحانه عن اتخاذ السرى قبل الثخان في قتل الذين يصدون عن سبيل
الله ويمنعون دين الله من النتشار ،وعاتب بعض المسلمين على إرادة عرض الدنيا
وهو الفدية ،ولول حكم سابق من الله أن ل يعاقب مجتهدا ً على اجتهاده ما دام
المقصد خيرا ً لكان العذاب ،ثم أباح لهم الكل من تلك الفدية المبني أخذها على
النظر الصحيح ،وهذا من أقوى الدلة على صدق نبينا عليه السلم فيما جاء به لنه لو
كان من عنده ما كان يعاتب نفسه على عمل بناء على رأي كثير من الصحابة .
وقد وعد الله السرى الذين يعلم في قلوبهم خيرا ً بأن يؤتيهم خيرا ً مما أخذ
منهم ويغفر لهم فقال :يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من السرى
إن يعلم الله في قلوبكم خيرا ً يؤتكم خيرا ً مما أخذ منكم ويغفر لكم والله
غفور رحيم النفال . 70
وهذه الغزوة هي التي أعز الله بها السلم وقوي أهله ،ودمغ فيه الشرك
وخرب محله مع قلة المسلمين وكثرة عدوهم ،فهي آية ظاهرة على عناية الله تعالى
بالسلم وأهله مع ما كان عليه العدو من القوة بسوابغ الحديد والعدة الكاملة والخيل
93
المسومة والخيلء الزائدة ،ولذلك قال الله ممتنا ً على عباده بهذا النصر ولقد
نصركم الله ببدر وأنتم أذلة آل عمران 123أي قليل عددكم لتعلموا أن النصر إنما هو
من عند الله .فهي أعظم غزوات السلم إذ بها كان ظهوره وبعد وقوعها أشرق على
الفاق نوره فقد قتل فيها من صناديد قريش من كانوا العداء اللداء للسلم ودخل
الرعب في قلوب العرب الخرين فكانت للمسلمين هيبة بها يكسرون الجيوش
ويهزمون الرجال ،فل جرم إن شكرنا العلي العلى على هذه العناية واتخذنا يوم
النصر في بدر وهو السابع عشر من رمضان عيدا ً نتذكر فيه نعمة الله على رسوله
وعلى المسلمين
التقويم
عدد آراء الصحابة في أسرى بدر . -1
صف مدى حزن قريش على قتلهم وأسراهم . -2
قص قصة أسر أبو العاص بن الربيع زوج زينب بنت النبي . -3
إرو أمر النبي مع سهيل بن عمرو عند أسره يوم بدر . -4
بين بعد نظر النبي في رفضه التمثيل بسهيل بن عمرو . -5
حدد سبب تأجيل الوليد بن الوليد إعلن إسلمه إلى ما بعد فك أسره . -6
إرو قصة إسلم وهب بن عمير الجمحي . -7
استخلص القيم التي أراد النبي غرسها في حادثة فداء عمه العباس . -8
علل عتاب الله للنبي في شأن أسرى بدر . -9
94
رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لولي البصار
سورة آل عمران اليتان . 13 ، 12
وعند ذلك تبرأ من حلفهم عبادة بن الصامت أحد رؤساء الخزرج وتشبث بالحلف عبد
ي وقال :إني رجل أخشى الدوائر ، الله بن أب ّ
ً
فأنزل الله تعليما للمسلمين في سورة المائدة يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا
اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم
إن الله ل يهدي القوم الظالمين * فترى الذين في قلوبهم مرض
يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي
بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين
سورة المائدة اليتان . 52 ، 51
وعندما تظاهر يهود بني قينقاع بالعداوة وتحصنوا بحصونهم سار إليهم عليه
السلم في نصف شوال من هذه السنة يحمل لواءه عمه حمزة ،وخلف على المدينة
أبا لبابة النصاري فحاصرهم خمس عشرة ليلة .
جلء بني قينقاع :
ولما رأوا من أنفسهم العجز عن مقاومة المسلمين وأدركهم الرعب سألوا
رسول الله أن يخلي سبيلهم فيخرجوا من المدينة ولهم النساء والذرية ،وللمسلمين
الموال فقبل ذلك عليه السلم ووكل بجلئهم عبادة بن الصامت وأمهلهم ثلث ليال
فذهبوا إلى أذرعات ) بلد بالشام ( ولم يحل عليهم الحول حتى هلكوا وخمس عليه
السلم أموالهم وأعطى سهم ذوي القربى لبني هاشم ولبني المطلب دون بني
أخويهما عبد شمس ونوفل .
ولما سئل عن ذلك قال :إنما بنو هاشم وبنوا المطلب شئ واحد في الجاهلية
والسلم هكذا وشبك بين أصابعه
غزوة السويق :
- 1أن يحدد الدارس سبب وقوع غزوة السويق .
- 2أن يعلل الدارس لسبب تسمية غزوة السويق بهذا السم
كان أبو سفيان متهيجا ً لنه لم يشاهد بدرا ً التي قتل فيها ابنه وذو قرباه فحلف أن ل
يمس رأسه الماء حتى يغزو محمدا ً وليبر بقسمه خرج بمائتين من أصحابه يريد
المدينة ،ولما قاربها أراد أن يقابل اليهود من بني النضير ليهيجهم ويستعين بهم على
حرب المسلمين ،فأتى سيدهم حيي بن أخطب فلم يرض مقابلته فأتى سلم بن
مشكم فأذن له واجتمع به ثم خرج من عنده وأرسل رجال ً من قريش إلى المدينة
فحرقوا في بعض نخلها ووجدوا أنصاريا ً فقتلوه .
ولما علم بذلك رسول الله خرج في أثرهم في مائتين من أصحابه لخمس خلون
من ذي الحجة بعد أن ولى على المدينة بشير بن عبد المنذر ولكن لم يلحقهم لنهم
هربوا وجعلوا يخففون ما يحملونه ليكونوا أقدر على السراع فألقوا ما معهم من جرب
السويق فأخذه المسلمون ،ولذلك سميت هذه الغزوة بغزوة السويق .
صلة العيد
- 1أن يحدد الدارس متى سن النبي سنة صلة العيد
وفي هذا العام سن الله للعالم السلمي سنة عظيمة بها يتمكن أبناء البلد
الواحد من المسلمين أن يجددوا عهود الخاء ويقووا عروة الدين الوثقى وهي الجتماع
في يومي عيد الفطر وعيد الضحى .
وكان عليه السلم يجمع المسلمين في صعيد واحد يصلي بهم ركعتين تضرعا ً
إلى الله أن ل يفصم عروتهم وأن ينصرهم على عدوهم ثم يخطبهم حاضا ً لهم على
الئتلف ومذكرا ً لهم ما يجب عليهم لنفسهم ثم يصافح المسلمون بعضهم بعضا ً ،
وبعد ذلك يخرجون لداء الصدقات للفقراء والمساكين حتى يكون السرور عاما ً لجميع
95
المسلمين فقبل الفطر زكاته وبعد الضحى تضحيته ،نسأله تعالى أن يؤلف بين قلوبنا
ويوفقنا لعمال سلفنا .
زواج علي بفاطمة عليهما السلم :
أن يحدد الدارس متى تزوج النبي بالسيدة عائشة. -1
- 2يحدد الدارس متى تم زواج سيدنا علي بالسيدة فاطمة
وفي هذه السنة تزوج علي بن أبي طالب وعمره إحدى وعشرون سنة ،
بفاطمة بنت رسول الله وسنها خمس عشرة سنة وكان منها عقب رسول الله بنوه :
الحسن والحسين وزينب .
) وفيها ( دخل عليه السلم بعائشة بنت أبي بكر وسنها إذ ذاك تسع سنوات
السنة الثالثة
مقتل كعب بن الشرف
-1أن يحدد الدارس السباب التي دعت النبي لمر قتل كعب بن
الشرف .
-2أن يسمى الدارس الصحابي الذي انتدبه النبي لقتل بن
الشرف .
-3أن يروي الدارس الحوار الذي كان بين النبي ومحمد بن
مسلمة في شأن بن الشرف .
-4أن يصف الدارس الخطة التي وضعها محمد بن مسلمة
ليتمكن من الشرف .
يا الله يقضي علـى الشـقي بالشـقاوة حـتى ل يسـمع ول يبصـر فيتخـذ العـذر رداء
والخيانة شعارا ً فل ينجح معه إل إراحة العالم من شره .
هذا كعب بن الشرف اليهودي عظيم بني النضير أعمته عداوة المسلمين حتى خلع
برقع الحياء وصار يحرض قريشا ً على حرب رسول الله ويهجوه بالشعر ويجتهد في
إثارة الشحناء بين المسلمين ،فكلما جبر عليه السلم كسرا هاضه هذا الشقي بما
ينفثه من سموم لسانه .
قتل كعب بن الشرف
ولما انتصر المسلمون ببدر ورأى السرى مقرنين في الحبال خرج إلى قريش
يبكي قتلهم ويحرضهم على حرب المسلمين فقال عليه السلم :من لكعب بن
؟ فقال محمد بن مسلمة النصاري الوسي :أتحب الشرف فإنه قد آذى الله ورسوله
ً
أن أقتله ؟ قال :نعم ،قال :أنا لك به وأذن لي أن أقول شيئا أتمكن به ،فأذن له ثم
خرج ومعه أربعة من قومه حتى أتى كعبا ً فقال له :إن هذا الرجل ) يريد رسول الله (
قد سألنا صدقة وإنه قد عنانا وإني قد أتيتك أستسلفك ،قال ,أيضا ً والله لتملنه قال :
إنا قد اتبعناه فل نحب أن ندعه حتى ننظر إلى أي شئ يصير شأنه وقد أردنا أن تسلفنا
وسقا ً أو وسقين .قال :نعم ولكن ارهنوني .قالوا :أي شئ تريد ؟ قال :ارهنوني
نساءكم قالوا :كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب ؟ قال :فارهنوني أبناءكم .
قالوا :كيف نرهنك أبناءنا فيسب أحدهم فيقال رهن بوسق أو وسقين هذا عار علينا
ولكن نرهنك اللمة ) يعني السلح ( :فرضى .
فواعده ليل ً أن يأتيه فجاءه ليل ً ومعه أبو نائلة أخو كعب من الرضاع وعّباد ابن بشر
والحارث بن أوس وأبو عبس بن جبر وكلهم أوسيون .
فناداه محمد بن مسلمة فأراد أن ينزل فقالت له امرأته أين تخرج الساعة وأنك
امرؤ محارب ؟ فقال :إنما هو ابن أخي محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة إن الكريم
لو دعى إلى طعنه بليل لجاب .
96
ثم قال محمد لمن معه :إذا جاءني فإني آخذ بشعره فأشمه فإذا رأيتموني استمكنت
من رأسه فاضربوه فنزل إليهم كعب متوشحا ً سيفه وهو ينفح منه ريح المسك فقال
محمد :ما رأيت كاليوم ريحا ً أطيب أتأذن لي أن أشم رأسك قال :نعم فشمه ،فلما
استمكن منه قال :دونكم فاقتلوه ففعلوا وأراح الله المسلمين من شر أعماله التي
كان يقصدها بهم .
ثم أتوا النبي فأخبروه وكان قتل هذا الشقي في ربيع الول من هذا العام وكان
عليه السلم إذا رأى من رئيس غدرا ً ومقاصد سوء ومحبة لثارة الحرب أرسل له من
يريحه من شره .
وقد فعل كذلك مع أبي عفك اليهودي وكان مثل كعب في الشر .
غزوة غطفان
-1أن يحدد الدارس سبب خروج النبي لغزو غطفان .
-2أن يقص الدارس ما كان بين دعثور والنبي .
-3أن يوضح الدارس ما الذي استفاده من تصرف النبي مع دعثور .
-4أن يذكر الدارس كيف تعامل النبي مع خطة قريش لتغير خطة
تجارتها الرئيسي .
بلغ رسول الله أن بني ثعلبة ومحارب من غطفان تجمعوا برياسة رئيس منهم
اسمه دعثور يريدون الغارة على المدينة فأراد عليه السلم أن يغل أيديهم كي ل
يتمكنوا من هذا العتداء فخرج إليهم من المدينة في أربعمائة وخمسين رجل ً لثنتي
عشرة ليلة مضت من ربيع الول وخلف على المدينة عثمان بن عفان .
ولما سمعوا بسير رسول الله هربوا إلى رءوس الجبال ولم يزل المسلمون
سائرين حتى وصلوا ماء يسمى ذا أمر فعسكروا به .
وحدث أنه عليه السلم نزع ثوبه يجففه من مطر بلله وارتاح تحت شجرة
والمسلمون متفرقون فأبصره دعثور فأقبل إليه بسيفه حتى وقف على رأسه وقال :
من يمنعك مني يا محمد ؟ فقال الله .فأدركت الرجل هيبة ورعبة أسقطا السيف من
يده ،فتناوله عليه السلم وقال لدعثور :من يمنعك مني ؟ قال :ل أحد فعفا عنه
فأسلم الرجل ودعا قومه للسلم ،وحول الله قلبه من عداوة رسول الله وجمع الناس
المائدة 54
لحربه إلى محبته وجمع الناس له ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء
وهذا ما ينتجه حسن المعاملة والبعد عن الفظاظة وغلظ القلب فبما رحمة
من الله لنت لهم ولو كنت فظا ً غليظ القلب لنفضوا من حولك فاعف
آل عمران 159
عنهم واستغفر لهم وشاورهم في المر
غزوة بحران
بلغه عليه السلم أن جمعا ً من بني سليم يريدون الغارة على المدينة فسار
إليهم في ثلثمائة من أصحابه لست خلون من جمادي الولى وخلف على المدينة ابن
أم مكتوم ولما وصل إلى بحران تفرقوا ولم يلق كيدا ً فرجع .
97
فجاءت أخبارهم لرسول الله فأرسل لهم زيد بن حارثة في مائة راكب يترقبونهم وكان
ذلك في جمادي الخرة فسارةت السرية حتى لقيت العير على ماء اسمه ) القردة (
بناحية نجد فأخذت العير وما فيها وهرب الرجال ،وقد خمس الرسول عليه السلم
هذه حينما وصلت له
-التقويم :
.1وضح كيف أظهرت بدر كوامن عداء اليهود للمسلمين .
.2بين كيف تحالف ويتحالف الكفر والنفاق دائما ً ضد المسلمين .
.3وضح كيف كانت نهاية يهود بنو قينقاع .
.4حدد السباب التي دعت النبي لمر قتل كعب بن الشرف .
.5ما اسم الصحابي الجليل الذي انتدبه النبي لقتل بن الشرف .
.6اذكر الحوار الذي كان بين النبي ومحمد بن مسلمة في شأن بن
الشرف .
.7صف الخطة التي وضعها محمد بن مسلمة ليتمكن من الشرف .
.8حدد سبب خروج النبي لغزو غطفان .
.9قص ما كان بين دعثور والنبي .
.10وضح ما الذي استفاده من تصرف النبي مع دعثور .
.11كيف تعامل النبي مع خطة قريش لتغير خطة تجارتها الرئيسي ؟
الدرس السابع
غزوة أحد
الهداف الجرائية السلوكية :
98
-1أن يحدد الدارس السباب التي دفعت قريش للعتداء على المســلمين
بالمدينة يوم أحد .
-2أن يروي الدارس الحداث التي دارت بالمدينة وأدت إلى خروج النــبي
لملقاة أعدائه خارجها .
-3أن يستخلص الدارس الدروس المستفادة من مشاروة النبي أصــحابه
في أمر الخروج يوم أحد .
-4أن يعلل الدارس لرفض النبي الستعانة باليهود يوم أحد .
-5أن يبين الدارس دللة موقف سمرة بن جنــدب ورافــع بــن خديــج يــوم
أحد .
-6أن يوضح الدارس موقف المنــافقين و مــا كــان مــن ابــن ســلول يــوم
أحد .
-7أن يذكر الدارس موقف الرماة يوم أحد ودللته .
-8أن يروي الدارس كيف كانت بداية القتال يوم أحد .
-9أن يصف الدارس كيف كانت بداية الخلل في صفوف المسلمين .
-10أن يبين الدارس أثر إشاعة المشركين أن النبي قتل .
-11أن يوضح الدارس كيف يتعامل مع إشاعات أعداء السلم .
-12أن يصور الدارس مشاهد من بطولت الصحابة يوم أحد .
-13أن يعطي الدارس صورة لما تعرض له النبي يوم أحد .
-14أن يبدي الدارس مشاعره تجاه موقف ثبات النبي ومــن معــه مــن
أصحابه يوم أحد .
-15أن يروي الدارس ما كان من سعد بن الربيع وأنـس بـن النضـر يـوم
أحد .
-16أن يصور الدارس مدى حزن النبي على عمه حمزة .
-17أن يحدد الدارس السباب الرئيسية لهزيمة أحد .
-18أن يبين الدارس موقف اليهود والمنافقين من هزيمة أحد .
-19أن يعدد الدارس العبر والدروس التي تعلمها من أحداث ومواقف
غزوة أحد .
لما أصاب قريشا ً ما أصابها ببدر وأغلقت في وجوههم طرق التجارة ،اجتمع من
بقي من أشرافهم إلى أبي سفيان رئيس العير التي جلبت المصائب وكانت موقوفة
بدار الندوة ولم تكن سلمت لصحابها بعد فقالوا :إن محمدا ً قد وترنا وقتل خيارنا وإنا
رضينا أن نترك ربح أموالنا فيها استعدادا ً لحرب محمد وأصحابه وقد رضي بذلك كل
من له فيها نصيب وكان ربحها نحوا ً من خمسين ألف دينار .
فجمعوا لذلك الرجال فاجتمع من قريش ثلثة آلف رجل ومعهم الحابيش وهم
حلفاؤهم من بني المصطلق وبني الهون بن خزيمة ومعهم أبو عامر الراهب الوسي ،
وكان قد فارق المدينة كراهية لرسول الله ومعه عدد ممن هم على شاكلته ،
وخرج معهم جماعات من أعراف كنانة وتهامة ،وقال صفوان بن أمية لبي عزة
ن عليه ببدر وأطلقه من غير فداء :إنك الشاعر الذي ل ينسى القارئ أن الرسول م ّ
ً
رجل شاعر فأعنا بلسانك فقال :إني عاهدت محمدا أن ل أعين عليه وأخاف إن
وقعت في يده مرة ثانية أن ل أنجو فلم يزل به صفوان حتى أطاعه وذهب يستنفر
الناس لحرب المسلمين ،ودعا جبير بن مطعم غلما ً حبشيا ً له اسمه وحشي وكان
راميا ً قلما يخطئ فقال له :اخرج مع الناس فإن أنت قتلت حمزة بعمي طعيمة فأنت
حر .
99
ثم خرج الجيش ومعهم القيان والدفوف والمعازف والخمور واصطحب
الشراف منهم نساءهم كيل ينهزموا ولم يزالوا سائرين حتى نزلوا مقابل المدينة بذي
الحليفة .
أما رسول الله عليه الصلة والسلم فكان قد بلغه الخبر من كتاب بعث به إليه
العباس بن عبد المطلب الذي لم يخرج مع المشركين في هذه الحرب محتجا ً بما
أصابه يوم بدر .ولما وصلت الخبار باقتراب المشركين جمع عليه السلم أصحابه
وأخبرهم الخبر وقال :إن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث نزلوا فإن هم أقاموا
أقاموا بشر مقام ،وإن هم دخلوا علينا قاتلناهم فكان مع رأيه شيوخ المهاجرين
والنصار ورأى ذلك أيضا ً عبد الله بن أبي ،أما الحداث وخصوصا ً من لم يشهد بدرا ً
منهم فأشاروا عليه بالخروج وكان مع رأيهم حمزة بن عبد المطلب .
وما زال هؤلء بالرسول حتى تبع رأيهم لنهم الكثر ون عددا ً والقربون جلدا ً
فصلى الجمعة بالناس في يومها لعشر خلون من شوال وحضهم في خطبتها على
الثبات والصبر وقال لهم ) لكم النصر ما صبرتم ( .
ثم دخل حجرته ولبس عدته فظاهر بين درعين وتقلد السيف وألقى الترس وراء
ظهره .ولما رأى ذوو الرأي من النصار أن الحداث استكرهوا الرسول على الخروج
لموهم وقالوا :ردوا المر لرسول الله فما أمر ائتمرنا فلما خرج عليه السلم قالوا :
يا رسول الله نتبع رأيك فقال :ما كان لنبي لبس سلحه أن يضعه حتى يحكم الله بينه
وبين أعدائه .
ثم عقد اللوية فأعطى لواء المهاجرين لمصعب بن عمير ولواء الخزرج للحباب
بن المنذر ،ولواء الوس لسيد بن الحضير ،وخرج من المدينة بألف رجل .فلما
وصلوا رأس الثنّية نظر عليه السلم كتيبة كبيرة فسأل عنها فقيل هؤلء حلفاء عبد الله
بن أبي من اليهود فقال إنا ل نستعين بكافر على مشرك ،وأمر بردهم لنه ل يأمن
جانبهم من حيث لهم اليد الطولي في الخيانة .
ثم استعرض الجيش فرد من استصغر وكان فيمن رد :رافع بن خديج وسمرة
بن جندب ثم أجاز رافعا ً لما قيل له إنه رام فبكى سمرة وقال لزوج أمه :أجاز رسول
الله رافعا ً وردني مع أني أصرعه فبلغ رسول الله الخبر فأمرهما بالمصارعة فكان
الغالب سمرة فأجازه .
ثم بات عليه السلم محله ليلة السبت واستعمل على حرس الجيش محمد بن
مسلمة وعلى حرسه الخاص ذكوان بن قيس وفي السحر سار الجيش حتى إذا
ي بثلثمائة منكان بالشوط وهو بستان بين أحد والمدينة رجع عبد الله بن أب ّ
أصحابه وقال :عصاني وأطاع الولدان فعلم نقتل أنفسنا ؟ فتبعهم عبد الله بن
عمرو والد جابر بن عبد الله وقال يا قوم أذكركم الله أل تخذلوا قومكم ونبيكم
قالوا لو نعلم قتال ً لتبعناكم آل عمران الية 167فقال له :أبعدكم الله
فسيغني عنكم نبيه .
ي همت طائفتان من المؤمنين أن تفشل : ولما فعل ذلك عبد الله بن أب ّ
بنو حارثة من الخزرج – بنو سلمة من الوس فعصمهم الله .
وقد افترق المسلمون فرقتين فيما يفعلون بالمنخذلين فقوم يقولون نقاتلهم
وقوم يقولون نتركهم ،فأنزل الله في سورة النساء فما لكم في المنافقين
فئتين والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن
يضلل الله فلن تجد له سبيل ً النساء الية . 88ثم سار الجيش حتى نزل
الشعب من أحد ،وجعل ظهره للجبل ووجهه للمدينة .
أما المشركون فنزلوا ببطن الوادي من قبل أحد على ميمنتهم خالد بن الوليد ،
وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل وعلى المشاة صفوان بن أمية .
100
فجعل عليه السلم الزبير بن العوام بإزاء خالد وجعل آخرين أمام الباقين
واستحضر الرماة وكانوا خمسين رجل ً يرأسهم عبد الله بن جبير النصاري فوقفهم
خلف الجيش على ظهر الجبل وقال :ل تبرحوا إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فل تبرحوا
وإن رأيتموهم ظهروا علينا فل تبرحوا .ثم عدل عليه السلم الصفوف وخطب
المسلمين .
وكان فيما قال :ألقي في قلبي الروح المين أنه لن تموت نفس حتى تستوفي
أقصى رزقها ل ينقص منه شئ وإن أبطئ عنها فاتقوا ربكم وأجملوا في طلب الرزق
ل يحملنكم استبطاؤه أن تطلبوه بمعصية الله ،والمؤمن من المؤمن كالرأس من
الجسد إذا اشتكى تداعى له سائر جسده .
ثم ابتدأ القتال بالمبارزة فخرج رجل من صفوف المشركين فبرز له الزبير
ثم حمل اللواء طلحة بن أبي طلحة فقتله علي ، فقتله
فحمل اللواء أخوه عثمان فقتله حمزة ،فحمله أخ لهما اسمه أبو سعيد فرماه سعد
بن أبي طلحة بسهم قضى عليه ،فتناوب اللواء بعده أربعة من أولد طلحة بن أبي
طلحة وكلهم يقتلون ،وخرج من صفوف المشركين عبد الرحمن بن أبي بكر يطلب
البراز فأراد أبوه أن يبرز له ،فقال عليه السلم :مّتعنا بنفسك يا أبا بكر ،ثم حملت
خّيالة المشركين على المسلمين ثلث مرات في كلها ينضحهم المسلمون بالنبل
فيتقهقرون .
ولما التقت الصفوف وحميت الحرب ابتدأ نساء المشركين يضربن بالدفوف
ينشدون الشعار تهييجا ً لعواطف الرجال ،وكان عليه السلم كلما سمع نشيد النساء
يقول ) :اللهم بك أجول وبك أصول وفيك أقاتل ،حسبي الله ونعم الوكيل ( .
وفي هذه المعمعة قتل حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله سيد الشهداء غافله
وحشي وهو يجول في الصفوف وضربه بحربة لم تخطئ ثنايا بطنه .
هذا ،ولما قتل حملة اللواء من المشركين ولم يقدر أحد على الدنو منه ولوا
الدبار ونساؤهم يبكين ويولولن وتبعهم المسلمون يجمعون الغنائم والسلب .
فلما رأى ذلك الرماة الذين يحمون ظهور المسلمين فوق الجبل قالوا :ما لنا
في الوقوف من حاجة ،ونسوا أمر السيد الحكيم فذكرهم رئيسهم به فلم يلتفتوا
وانطلقوا ينتهبون ،أما رئيسهم فثبت وثبت معه قليل منهم
فلما رأى خالد بن الوليد أحد رؤساء المشركين خلوا الجبل من الرماة انطلق
ببعض الجيش فقتل من ثبت من الرماة وأتى المسلمين من ورائهم وهم مشتغلون
بدنياهم ،فلما رأوا ذلك البلء دهشوا وتركوا ما بأيديهم وانتقضت صفوفهم اختلطوا
من غير شعور حتى صار يضرب بعضهم بعضا ً ،ورفعت إحدى نساء المشركين اللواء
فاجتمعوا حوله وكان من المشركين رجل يقال له ابن قمئة قتل مصعب بن عمير
صاحب اللواء وأشاع أن محمدا ً قد قتل فدخل الفشل في المسلمين حتى قال بعضهم
:علم نقاتل إذا كان محمد قد قتل ؟ فارجعوا إلى قومكم يؤمنوكم ،وقال جماعة :
إذا كان محمد قد قتل فقاتلوا عن دينكم .
وكان من نتيجة هذا الفشل أن انهزم جماعة المسلمين من بينهم الوليد بن
عقبة وخارجه بن يزيد ورفاعة بن المعلي وعثمان بن عفان وتوجهوا إلى المدينة
ولكنهم استحيوا أن يدخلوها بعد ثلث .
وثبت رسول الله ومعه جماعة منهم أبو طلحة النصاري استمر بين يديه
يمنع عنه بحجفته وكان راميا ً شديد الرمي فنثر كنانته بين يدي رسول الله وصار
يقول :وجهي لوجهك فداء ،وكل من كان يمر ومعه كنانة يقول له عليه السلم :
انثرها لبي طلحة ،وكان ينظر إلى القوم ليرى ماذا يفعلون فيقول له أبو طلحة :يا
نبي الله بأبي أنت وأمي ،ل تنظر يصيبك سهم من سهام القوم ! نحري دون نحرك .
101
وممن ثبت سعد بن أبي وقاص فكان عليه السلم يقول له :ارم سعد ! فداك
أبي وأمي .ومنهم سهل بن حنيف وكان من مشاهير الرماة نضح عن رسول الله
بالنبل حتى انفرج عنه الناس .ومنهم أبو دجانة سماك بن خرشة النصاري تترس على
رسول الله فصار النبل يقع على ظهره وهو منحن حتى كثر فيه .
وكان يقاتل عن الرسول زيادة بن الحارث حتى أصابت الجراح مقاتله فأمر به
فأدنى منه ووسده قدمه حتى مات .وقد أصابه عليه السلم شدائد عظيمة تحملها بما
ي بن خلف يريد قتله فأخذ عليه السلم الحربة ممن أعطاه الله من الثبات فقد أقبل أب ّ
كانوا معه وقال :خلوا طريقه فلما قرب منه ضربه ضربة كانت سبب هلكه وهو
راجع ،ولم يقتل رسول الله غيره ل في هذه الغزوة ول في غيرها .
وكان أبو عامر الراهب قد حفر حفرا ً وغطاها ليقع فيها المسلمون فوقع
الرسول في حفرة منها فأغمى عليه وخدشت ركبتاه فأخذ علي بيده ورفعه طلحة بن
عبد الله وهما ممن ثبت حتى استوى قائما ً فرماه عتبه بن أبي وقاص بحجر كسر
رباعيته فتبعه حاطب بن أبي بلتعة فقتله ،وشج وجهه عليه السلم عبد الله ابن
شهاب الزهري وجرحت وجنتاه بسب دخول حلقتي المغفر فيهما من ضربة ضربه بها
ابن قمئة غضب الله عليه فجاء أبو عبيدة وعالج الحلقتين حتى نزعهما فكسرت في
ذلك ثنيتاه وقال حينئذ عليه السلم :كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم ؟ فأنزل الله
في سورة آل عمران ليس لك من المر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم
فإنهم ظالمون آل عمران الية 128
وكان أول من عرف رسول الله بعد هذه الدهشة كعب بن مالك النصاري
فنادى :يا معشر المسلمين أبشروا ،فأشار إليه أن اصمت .ثم سار بين سعد بن أبي
وقاص وسعد بن عبادة يريد الشعب ومعه جمع منهم أبو بكر وعمر وعلي وطلحة
والزبير والحارث بن الصمة ،وأقبل عليه إذ ذاك عثمان بن عبدالله ابن المغيرة يقول :
أين محمد ل نجوت إن نجا فعثر به فرسه ووقع في حفرة فمشى إليه الحارث بن
مة وقتله .ولما وصل الشعب جاءت فاطمة فغسلت عنه الدم وكان علي يسكب الص ّ
الماء ثم أخذت قطعة من حصير فأحرقتها ووضعتها على الجرح فاستمسك الدم .ثم
أراد عليه السلم أن يعلوا الصخرة التي في الشعب فلم يمكنه القيام لكثرة ما نزل
من دمه فحمله طلحة بن عبيد الله حتى أصعده فنظر إلى جماعة من المشركين على
ظهر الجبل فقال :ل ينبغي لهم أن يعلونا ،اللهم إل قوة لنا إل بك ثم أرسل إليهم
عمر بن الخطاب في جماعة فأنزلوهم .
وقد أصاب المسلمين الذين كانوا يحيطون رسول الله كثير من الجراحات لن
الشخص منهم كان يتلقى السهم خوفا ً أن يصل للرسول فوجد بطلحة نيف وسبعون
جراحة وشلت يده وأصاب كعب بن مالك سبع عشرة جراحة
أما القتلى فكانوا نيفا ً وسبعين منهم ستة من المهاجرين والباقون من النصار
ومن المهاجرين حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير ومن النصار حنظلة بن أبي
عامر وعمرو بن الجموح وابنه خلد بن عمرو وأخو زوجه والد جابر بن عبد الله فأتت
زوج عمر وهند بنت حرام وحملتهم :زوجها وابنها وأخاها على بعير لتدفنهم بالمدينة
فنهى عيه السلم عن الدفن خارج أحد فرجعوا .
وقتل سعد بن الربيع وأرسل عليه السلم من يأتيه بخبره فوجده بين القتلى وبه
رمق فقيل له إن رسول الله يسأل عنك فقال لمبلغه :قل لقومي يقول لكم سعد بن
الربيع الله الله وما عاهدتم عليه رسوله ليلة العقبة فوالله ما لكم عندي عذر وقتل
أنس بن النضر عم أنس بن مالك فإنه لما سمع بقتل رسول الله قال :يا قوم ما
تصنعون بالبقاء بعده موتوا على ما مات عليه إخوانكم فلم يزل يقاتل حتى قتل رضي
الله عنه .
102
ومثلت قريش بقتلى أحد حتى إن هندا ً زوج أبي سفيان بقرت بطن حمزة
وأخذت كبده لتأكلها ,فلكتها ثم أرسلتها وفعلوا قريبا ً من ذلك بإخوانه الشهداء .
ثم إن أبا سفيان صعد الجبل ونادى بأعلى صوته :أنعمت فعال إن الحرب
سجال يوم بيوم بدر وموعدكم بدر العام المقبل ،ثم قال إنكم ستجدون في قتلكم
مثلة لم آمر بها ولم تسؤني .
ثم إن المشركين رجعوا إلى مكة ولم يعرجوا على المدينة وهذا مما يدل على
أن المسلمين لم ينهزموا في ذلك اليوم وإل لم يكن بد من تعقب المشركين لهم حتى
يغيروا على مدينتهم .
ثم تفقد عليه السلم القتلى وحزن على عمه حمزة حزنا ً شديدا ً ودفن الشهداء
كلهم بأحد كل شهيد بثوبه الذي قتل فيه وكان يدفن الرجلين والثلثة في لحد واحد لما
كان عليه المسلمون من التعب فكان يشق عليهم أن يحفروا لكل شهيد حفرة .
ولما رجع المسلمون إلى المدينة سخر منهم اليهود والمنافقون وأظهروا ما في
قلوبهم من البغضاء وقالوا لخوانهم لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا آل
عمران الية 156
وهذا الذي ابتلى به المسلمون درس مهم لهم يذكرهم بأمرين
عظيمين تركهما المسلمون فأصيبوا .
أولهما :طاعة الرسول في أمره فقد قال للرماة :ل تبرحوا مكانكم إن نحن نصرنا
أو قهرنا فعصوا أمره ونزلوا .
والثاني :أن تكون العمال كلها لله غير منظور فيها لهذه الدنيا التي كثيرا ً ما تكون
سببا ً في مصائب عظيمة وهؤلء أرادوا عرض الدنيا والتهوا بالغنائم حتى عوقبوا .
وفي ذلك أنزل الله في سورة آل عمران التي فصلت غزوة أحد ولقد صدقكم
الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في المر
وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد
الخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على
المؤمنين سورة آل عمران الية 152
فسبب هذا البتلء :التنازع فينبغي التفاق ،والفشل فينبغي
الثبات ،والعصيان :فينبغي طاعة الرئيس .نسأل الله التوفيق .
من عبر الغزوة :
تعتبر غزوة أحد علمة بارزة في التاريخ العسكري للمسلمين يأخذون منها
العظة والعبرة ،ويستلهمون دروسا ً َتهديهم فــي ظلمــات الحــداث و الكــروب ،ومــن
هذه الدروس والعبر :
-1أن طاعة القائد واللتزام بتعليماته من أوجب الواجبات ،فهــو الــذي يســتطيع تقــدير
المصلحة برؤيته الشاملة
س فـي الحــرب والسـلم ،فـإذا تمــت المشـاورة فــواجب القليــة -2أن الشــورى أسـا ٌ
والكثرية اللتزام بها ،وعدم الخروج عليها .
-3ل ينبغي أن يكون النصر في جولة سببا ً إلى إلقاء السلح قبل أن يأذن القائد بذلك
-4أن الهزيمة في جولة من جولت الحرب ليست سببا ً إلى اليــأس ،وإنمــا هــي وقفــة
يجب اتخاذها فرصة لتصحيح الخطاء ،وتجاوز السلبيات.
-5أن الحرب كٌر وفٌر ،هزيمــة ونصــر ،ولكــن الهزيمــة الحقيقيــة هــي يــأس النفــوس ،
وهزيمة القلوب التي ل تقوم بعدها قائمة .
-6أن اليمان بالقدر يبعث في الصدور أمل ً في النهوض ،وسكينة إلى القضــاء ،ويــدفع
إلى الخذ بالسباب ،فما النصر إل من عند الله .
غزوة حمراء السد
103
-1أن يعلل الدارس لخروج النبي في أثر المشركين في
حمراء السد .
-2أن يروي الدارس ما كان بين النبي وأبو عزة الشاعر .
-3أن يبين الدارس العبر التي تعلمها من غزوة حمراء السد
وموقف أبو عزة الشاعر .
لما رجع عليه السلم إلى المدينة أصبح حذرا ً من رجوع المشركين إلى المدينة
ليتمموا انتصارهم ،فنادى في أصحابه بالخروج خلف العدو ،وأن ل يخرج إل من كان
معه بالمس فاستجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح ،فضمدوا جراحاتهم
وخرجوا واللواء معقود لم يحل فأعطاه علي بن أبي طالب وولي على المدينة ابن أم
مكتوم ،ثم سار الجيش حتى وصلوا حمراء السد .
وقد كان ما ظنه الرسول حقا ً ،فإن المشركين تلوموا على ترك المسلمين من غير
شن الغارة على المدينة حتى يتم لهم النصر فأصروا على الرجوع ،ولكن لما بلغهم
خروج الرسول في أثرهم ظنوا أنه قد حضر معه من لم يحضر بالمس وألقى الله
الرعب في قلوبهم فتمادوا في سيرهم إلى مكة وظفر عليه السلم وهم في حمراء
ن عليه ببدر بعد أن تعهد أن ل يكون على المسلمين السد بأبي عزة الشاعر الذي م ّ
ً
فأمر بقتله .فقال :يا محمد أقلني وامنن علي ودعني لبناتي وأعطيك عهدا أن ل أعود
لمثل ما فعلت .
فقال عليه السلم :ل والله ل تمسح عارضيك بمكة تقول :خدعت محمدا ً
مرتين ل يلدغ المؤمن من جحر مرتين ،اضرب عنقه يا يزيد فضرب عنقه .
وفي هذا تأديب عظيم من صاحب الشرع الشريف فإن الرجل الذي ل يحترز
مما أصيب منه ليس بعاقل فل بد من الحزم لقامة دعائم الملك .
حوادث وقعت في ذلك الزمان
-1أن يعدد الدارس أهم أحداث العام الثالث من الهجرة .
وفي هذه السنة زوج عليه الصلة و السلم بنته أم كلثوم لعثمان بن عفان بعد
أن ماتت رقية عنده ،ولذلك كان يسمى ذا النورين .
وفيها تزوج عليه السلم :حفصه بنت عمر بن الخطاب وأمها أخت عثمان بن
مظعون وكانت قبله تحت خنيس بن حذافة السهمي رضي الله عنه فتوفي عنها
بجراحة أصابته ببدر .
وفيها تزوج عليه السلم زينب بنت خزيمة الهللية من بني هلل بن عامر كانت
تدعى في الجاهلية أم المساكين لرأفتها وإحسانها إليهم وكانت قبله تحت عبد الله بن
جحش فقتل عنها بأحد وهي أخت ميمونة بنت الحارث لمها .
وفيها ولد الحسن بن علي رضي الله عنهما .وفيها حرمت الخمر ،وكان
تحريمها بالتدرج لما كان عليه العرب من المحبة الشديدة لها فيصعب إذا تحريمها
دفعة واحدة .وكان ذلك التحريم تابعا ً لحوادث تنفر عنها ،لن المنكر إذا أسند تحريمه
لحادثة أقر الجميع على تقبيحها كان ذلك أشد تأثيرا ً في النفس .فأول ما ب ُّين فيها
قوله تعالى في سورة البقرة يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم
كبير ومنافع للناس سورة البقرة الية . 219فمنفعة الميسر التصدق بربحه على
الفقراء كما كانت عادة العرب ومنفعة الخمر تقوية الجسم .ولما شربها بعض
المسلمين وخلط في القراءة حرمت الصلة على السكران ،فقال تعالى في سورة
النساء يا أيها الذين آمنوا ل تقربوا الصلة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما
تقولون سورة النساء الية . 43ولما حدث من شربها اعتداء بعض المسلمين
على إخوانهم حرمت قطعيا ً بقوله تعالى في سورة المائدة :يا أيها الذين آمنوا
إنما الخمر والميسر والنصاب والزلم رجس من عمل الشيطان
فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة
104
والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلة فهل
أنتم منتهون سورة المائدة اليتان . 91 ، 90
وقد أجاب المسلمون على ذلك بقولهم :انتهينا فليجب المسلمون الن .
التقويم :
-2اقرأ كل عبارة مما يأتي ،ثم ضع علمة ) (أمام العبـارة الـتي تراهـا
صحيحة ،وعلمة ) (أمام العبارة التي تراها خطأ :
إن العقيدة في نفوس المسلمين أعظــم فــي قلــوبهم مــن جيــوش -1
العالمين .
ب -لقد قام المسلمون بالتمثيل بقتلى المشركين ،كما مثلوا بشــهدائهم مــن
قبل.
ج -لقد كان في غزوة أحد عظة وعبرة لولي اللباب في نصرها وهزيمتها .
د -إن مخالفة القائد ،وعدم اللتزام بتوجيهاته من أكبر السباب في الهزيمة
العسكرية.
هـ -كانت الشورى من أسباب الهزيمة في غزوة أحد.
و -ليس لي سلح شأن في القتال إل القوة المادية .
ز -إن الهزيمة في أحد كانت عسكرية ،ولم تكن هزيمة لنفوس المسلمين .
-3اذكر أسباب خروج قريش يوم أحد .
-4بّين مشاورة النبي لصحابه في أمر الخروج يوم أحد .
-5صف بداية الخلل في صفوف الجيش يوم أحد .
-6وضح أثر إشاعات العداء على المسلمين وكيفية التعامل معها .
-7صور ما تعرض له النبي يوم أحد من إيذء .
-8بّين المستفاد من موقف سعد بن الربيع وأنس بن النضر .
-9لقد حفلت غزوة أحد بصور خالدة للبطولة والتضحية في السلم .اذكر
صورتين من هذه الصور .
-10علل خروج النبي في أثر المشركين في حمراء السد .
-11اذكر ما كان بين النبي وأبو عزة الشاعر – وماذا تتعلم من ذلك .
-12بين العبر التي تعلمتها من غزوة حمراء السد .
-13عدد أهم الحداث التي وقعت في العام الثالث من الهجرة .
الدرس الثامن
السنة الرابعــة
سرية أبي سلمة إلى بني أسد
-أن يقص الدارس سبب هذه السرية وأحداثها وعبرها .
105
في بدء السنة الرابعة بلغ رسول الله أن طليحة وسلمة ابني خويلد السديين
يدعوان قومهما بني أسد لحربه عليه السلم ،فدعا أبا سلمة بن عبد السد المخزومي
وعقد له لواء وقال له :سر حتى تنزل أرض بني أسد بن خزيمة فأغر عليهم ،وأرسل
معه رجال ً فسار في هلل المحرم حتى بلغ قطنا ً ) جبل لبني أسد ( فأغار عليهم فهربوا عن
منازلهم ،ووجد أبو سلمة إبل ً وشاء فأخذها ولم يلق حربا ً ورجع بعد عشرة أيام من
خروجه .
سرية عبد الله بن أنيس إلى عرنه
-أن يقص الدارس كيف نجح عبد الله بن أنيس في المهمة التي كلفه
بها النبي
ً
وفي بدئها أيضا بلغه عليه السلم أن سفيان بن خالد بن نبيح الهذلي المقيم بعرنه
) موضع قرب عرفة ( يجمع الجمع لحربه فأرسل له عبد الله بن أنيس الجهني وحده ليقتله
فاستأذن رسول الله أن يتقول حتى يتمكن فأذن له وقال :انتسب لخزاعة فخرج
لخمس خلون من المحرم ،ولما وصل إليه قال له سفيان :ممن الرجل ؟ قال :من
خزاعة ،سمعت بجمعك لمحمد فجئت لكون معك ،فقال له :أجل إني لفي الجمع له
،فمشى عبد الله معه وحدثه وسفيان يستحلي حديثه ،فلما انتهى إلى خبائة تفرق
الناس عنه فجلس معه عبد الله حتى نام ،فقام وقتله ثم ارتحل حتى أتى المدينة ولم
يلحقه الطلب وكفى الله المؤمنين القتال .
سرية عاصم بن ثابت النصاري
-أن يروي الدارس تفاصيل المؤامرة التي تعرض لها سفراء النبي في
يوم الرجيع .
وفي صفر أرسل عليه الصلة والسلم عشرة رجال عيونا ً على قريش مع رهــط
عضل والقارة ،الذين جاءوا رسول اللــه يطلبــون مــن يفقههــم فــي الــدين ,و أمــر
عليهم عاصم بن ثابت النصاري فخرجوا يسيرون الليل ويكمنون النهــار حــتى إذا كـانوا
بالرجيع غدر بهم أولئك الرهط ودلوا عليهم هذيل ً قوم ســفيان بــن خالــد الهــذلي الــذي
كان قتله عبد الله بن أنيس ،فنفروا إليهم فيما يقرب مــن مــائتي رام واقتفــوا آثــارهم
حتى قربوا منهم ،فلما أحس بهم رجــال الســرية لجــأوا إلــى جبــل هنــاك ،فقــال لهــم
العداء انزلوا ولكم العهد أن ل نقتلكم ،فنــزل إليهــم ثلثــة اغــتروا بعهــدهم ،وقــاتلهم
الباقون ومعهم عاصم غير راضين بالنزول في ذمة مشرك .
ولما رأى الثلثة الذين سلموا عيــن الغــدر امتنــع أحــدهم فقتلــوه ،وأمــا الثنــان
فباعوهما بمكة ممن كان له ثأر عنــد المســلمين وهنــاك قتل .وقــد قــال أحــدهما وهــو
خبيب بن عدي حين أرادوا قتله :
ولست أبالي حين أقتل مسلما ً على أي جنب كان في الله
مصرعي وذلك في ذات الله وإن يشأ
يبارك على أوصال شلوٍ ممزع
سرية المنذر بن عمرو ومعه القراء إلى بئر معونة
-1أن يروي الدارس تفاصيل المؤامرة التي تعرض لها قراء القرآن في
بئر معونة .
-2أن يصور الدارس مدى حزن النبي على خطب بئر معونة .
في صفر وفد على رسول الله أبو عامر بن مالك ملعب السنة ،وهو من
رءوس بني عامر ،فدعاه عليه السلم إلى السلم فلم يسلم ولم يبعد ،بل قال :إني
أرى أمرك هذا حسنا ً شريفا ً ،ولو بعثت معي رجال ً من أصحابك إلى أهل نجد فدعوهم
إلى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك ،فقال عليه السلم :إني أخشى عليهم أهل نجد ،
فقال أبو عامر :أنا لهم جار .
106
فأرسل معه المنذر بن عمرو في سبعين من أصحابه كانوا يسمون القراء لكثرة
ما كانوا يحفظون من القرآن ،فساروا حتى نزلوا بئر معونة ،فبعثوا حرام بن ملحان
بكتاب إلى عامر بن الطفيل سيد بني عامر ،فلما وصل إليه لم يلتفت إلى الكتاب بل
عدا على حرام فقتله ،ثم استصرخ على بقية البعثة أصحابه من بني عامر ،فلم
يرضوا أن يخفروا جوار ملعب السنة ،فاستصرخ عليهم قبائل من بني سليم ،وهم
صية فأجابوه وذهبوا معه ،حتى إذا التقوا بالقراء أحاطوا بهم رعل وذكوان وعُ ّ
جدِ لهم نفعا ً لقلة عددهم وكثرة وقاتلوهم حتى قتلوهم عن آخرهم بعد دفاع شديد لم ي ُ ْ
عدوهم ،ولم ينج إل كعب بن زيد وقع بين القتلى حتى ظن أنه منهم ،وعمرو بن أمية
كان في سرح القوم .
وأ ُْبلغ عليه السلم خبر القراء فخطب في أصحابه ،وكان فيما قال ) :إن
إخوانكم قد لقوا المشركين وقتلوهم وإنهم قالوا ربنا بلغ قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضينا
عنه ورضي عّنا ( .
وكان وصول خبر هذه السرية وسرية الرجيع في يوم واحد فحزن عليهم
حزنا ً شديدا ً وأقام يدعو على الغادرين بهم شهرا ً في الصلة .
غزوة بني النضير
-1أن يروي الدارس أسباب غزوة بني النضير وأحداثها ونتائجها .
-2أن يســتخلص الــدارس العــبر والــدروس الــتي نســتفيد منهــا فــي
صراعنا مع اليهود من خلل أحداث غزوة بني النضير
يا لله ما أسوأ عاقبة الطيش فقد تكون المة مرتاحة البال هادئة الخواطر ،
حتى تقوم جماعة من رؤسائها بعمل غدر يظنون من ورائه النجاح فيجلب عليهم
ويشتتهم من ديارهم .
وهذا ما حصل ليهود بني النضير حلفاء الخزرج الذين كانوا يجاورون المدينة فقد
كان بينهم وبين المسلمين عهود يأمن بها كل منهم الخر ولكن بني النضير لم يوفوا
بهذه العهود حسدا ً منهم وبغيا ً .
فبينما رسول الله وبعض أصحابه في ديار النضير إذا ائتمر جماعة منهم على قتله
طلع عليه السلم على قصدهم بأن يأخذ أحد منهم صخرة ويلقيها عليه من علو ،فا ّ
فرجع وتبعه أصحابه ،ثم أرسل لهم محمد بن مسلمة يقول لهم :اخرجوا من بلدي
فقد هممتم بما هممتم من الغدر ) إذ الحزم كل الحزم أ ل يتهاون النسان مع من
عرف منه الغدر ( فتهيأ القوم للرحيل فأرسل لهم إخوانهم المنافقون ل تخرجوا من
دياركم ونحن معكم لئن أخرجتم لنخرجن معكم ول نطيع فيكم أحدا ً أبدا ً
وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون * لئن أخرجوا ل
يخرجون معهم ولئن قوتلوا ل ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الدبار ثم
ل ينصرون ( (1سورة الحشر اليتان . 12 ، 11
ولكن اليهود طمعوا بهذا الوعد وتأخروا عن الجلء فأمر عليه السلم بالتهيؤ
لقتالهم فلما اجتمع الناس خرج بهم واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم وأعطى
رايته عليا ً ،أما بنو النضير فتحصنوا في حصونهم وظنوا أنها مانعتهم من الله ،
فحاصرهم عليه السلم ست ليال ،ثم أمر بقطع نخيلهم ليكون أدعى إلى تسليمهم
فقذف الله في قلوبهم الرعب ولم يروا من عبد الله بن أّبي مساعدة بل خذلهم كما
خذل بني قينقاع من قبلهم ،فسألوا رسول الله أن يجليهم ويكف عن دمائهم وأن لهم
ما حملت البل من أموالهم إل آلة الحرب ففعل ،وصار اليهود يخربون بيوتهم بأيديهم
كيل يسكنها المسلمون .
ي بن أخطب وسلم ابن ولما سار اليهود نزل بعضهم بخيبر ومنهم أكابرهم ح ّ
أبي الحقيق ،ومنهم من سار إلى أذرعات بالشام واسلم منهم اثنان يامين بن عمرو
وأبو سعد بن وهب .
107
) (1ولم يخمس رسول الله ما أخذ من بني النضير فإنه فئ لم يوجف عليه بخيل ول
ركاب ،ومثل هذا يكون لمعدات الحرب وللرسول يطعم منه أهله ولذوي القربى
واليتامى والمساكين وابن السبيل ،كما قال تعالى في سورة الحشر :ما أفاء
الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القرى واليتامى
والمساكين وابن السبيل كي ل يكون دولة بين الغنياء منكم سورة
الحشر الية . 7
فأعطى عليه السلم من هذا الفئ فقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم
وأموالهم وردوا لخوانهم من النصار ما كانوا قد أخذوه منهم أيام هجرتهم ،وأخذ عليه
السلم أرضا ً يزرعها ويدخر منها قوت أهله عاما ً .
عب َُر الغزوة :
من ِ
-1إن الله يعصم رســوله مــن النــاس ،لُيبلــغ رســالة ربــه ،ويقــوم بــواجبه فــي
التمكين لدين الله تعالى.
-2ينبغي للقائد أل يتهاون مع العدو في المواقف الحاسمة ،وكـذلك فعـل الرسـول
.
-3ضرورة الحذر من اليهــود لحقـدهم الـدفين علـى الرســالة والرســول وسـائر
المؤمنين
-4إن الثقة في نصرة الله وتأييده ،ينبغي أن تكون سلح المؤمنين ،فإن الحصــون
والقلع والسلحة وحدها ل تغني أصحابها شيئا ً .
حوادث
-1أن يعدد الدارس أحداث العام الرابع من الهجرة .
وفي هذا العام ولد الحسين بن علي ،وفيه توفيت زينب بنت خزيمة أم المؤمنين ،
وفيه توفي أبو سلمة رضي الله عنه ابن عمة رسول الله وأخوه من الرضاعة ،وأول
من هاجر إلى الحبشة ،وفيه تزوج عليه السلم أم سلمة هندا ً زوج أبي سلمة بعد
وفاته .
التقويم
.1كان لثار غزوة أحد وهزيمة المسلمين فيها كما يبدو تداعيات على المسلمين
وتجرؤ من القبائل من حولهم وضح ذلك – مبينا ً كيف تصرف النبي بقيادته
الحكيمة تجاه ذلك .
.2أذكر تفاصيل مؤامرة يوم الرجيع وبئر معونة وأثر ذلك على رسول الله .
.3أكمل الفراغات في الجمل التية :
أظهرت بنو النضير . . . . . .لجابة مطلب النبي ولكنهم . . . . . . .لــه -1
الشـــر إذ دخـــل . . . . . . . .إلـــى الـــبيت الـــذي كـــان الرســـول الكريـــم
. . . . . . . .إلى جداره ،لكي يلقى عليه . . . . . . . .تقضي عليه .
تمكن المسلمون بعد إجلء بني النضير مــن . . . . . . . .. . .للمشــركين -2
مــن قريــش ،وســار الجيــش الســلمي إلــى . . . . . . . . . .فعســكر هنــاك
. . . . . .أيام متتابعة يتجرون و .. . . . . . . . . . .ولكن . . . . . . . .
.4اقرأ كل عبارة مما يأتي ثم ضع علمة ) (أمام العبارة التي تراها صــحيحه ،
وعلمة ) (أمام العبارة التي تراها خطأ وصححها :
109
إن للستقرار القتصادي أثرا ً بالغا ً في استقرار الجبهة الداخلية وقوتها . -1
كان للمنافقين في هذه الغزوة دور مشهود في نصرة اليهود. -2
لقد تم توزيع أرض بني النضير على النصار والمهاجرين بالسوية . -5
رفض بنو النضير إنذار الرسول القائد لمناعة حصونهم وتأييد عبد الله بــن -8
أبي لهم .
هـ -كان يهود بني النضير يحدثون أنفسهم باغتيال الرسول الكريم بعد هزيمة
المسلمين في أحد .
-27لقد أثبتت الحداث أن الغدر ونقض العهد من الخلق اليهودية الثابتة .
.5لماذا أعلن بنو النضــير الستســلم ،علــى الرغــم مــن وعــد زعيــم المنــافقين لهــم
بالتأييد ؟
.6كان لغزوة بني النضير أهمية بالغة في تقوية الجبهة الداخليــة للدولــة فــي المدينــة.
اشرح هذه العبارة ودلل عليها .
.7حدد أسباب طرد يهود بني النضير من المدينة .
.8استخلص الدروس المستفادة من غزوة بني النضير .
.9علل :تسمية غزوة ذات الرقاع بهذا السم .
.10بين كيف افسد النبي خدعة أبي سفيان في بدر الخرة .
.11استخلص الدروس المستفادة من غزوة بدر الخرة .
110
الفصل الرابع
الشهيد الشعث
مصعب بن عمير
في هذه العاصمة المشهودة في قلب الجزيرة ،حيث أحاطت بيوت الشراف من
قريش ببيت إبراهيم عليه السلم ،كان يطل على الكعبة بيت عمير بن هاشم بن عبد
مناف فى زهو العز وفخار السلطان 00
وفى ليلة عامرة بالترف واللهو تسابق الشراف إلي الدار الضاحكة يزفون التهاني إلي
ن الله عليهما بمولودهما الجديد 00مصعب م ّ
عمير وزوجته خناس بنت مالك 00فقد َ
بن عمير 00
وتمر الشهور والسنون ويشب مصعب في حياة كلها نعومة وترف وخيلء 00وكان
لصغره بين إخوته محط التدليل من أبويه المسرفين فى الغنى ،وكانت أمه على وجه
الخصوص تبالغ من مظهره بين أقرانه من أبناء الشراف 00حتى صار فى شبابه
أعطر أهل مكة وأجملهم منظرا ً ومظهرا ً ،يفيض تيها ً ودلل ً 00وكان يمر بين الحياء
فتسترعى طلعته ساكنيها 00وكان مصعب فوق ذلك مقبل ً على تلك الحياة الناعمة
المترفة ،آخذا ً منها بأكبر نصيب ،فلقد مهد له شرف أبيه وثروة أمه لكل ما يريد من
متاع وأبهة ،ومن ثم ل يراه الناس إل ضاحكا ً ،مفتونا ً بنفسه وبالدنيا 00أشد ما يكون
الفتتان 00
وتمضى الشهور والسنون وتمضى على مصعب فى إشراقها الفاتن ،فل يرى ألما ً
ول ضنكا ً ول نصبا ً 00ثم تدور وتدور 00فترى أمه على وجهه آثار هم عميق وتفكير
أعمق 00وتقرأ فى أسارير وجهه الجميل جدا ً وعزما ً صارخا ً ل تعرف لهما من سبب
أو اتجاه 00وتحاول الم بما وهبها الله من غريزة خاصة أن تصل إلى ما يدور فى
نفس فتاها فل تستطيع 00ومصعب من خلل ذلك يزيد فى جد الحياة على مرور
اليام إمعانا ً 0وكأن أيامه السوالف حلم رهيب مزعج ،أو أشباح مخيفة تلحقه أينما
حل أو سار ،بل كأن بينه وبين نفسه آماد شاسعة تقطع ما بينهما من صلت !!00
ويبرح بالم الحائرة الضنى ،ويروعها ما صار إليه مصعب ،ولكن الفتى يزداد إمعانا ً
فى السكون 00ثم ما لبث زمنا ً طويل ً حتى جاءها عثمان ابن طلحة النهدى يخبرها أن
مصعبا ً قد أسلم 00فلقد بصر به عثمان يصلى صلة محمد وأصحابه !!00
ودخل مصعب بن عمير دار الرقم 00تلك الدار الخالدة فى تاريخ الدعوة وحياتها
00فأضاف إلى المسلمين قوة إلى قوتهم 00وامتزجت دعوة الرسول بدمه ،فعاد
يصدر عنها فى الصغيرة قبل الكبيرة 00فلقد فكر الفتى قبل أن يؤمن ،وتأمل فى
حقيقة الدين الجديد تأمل الحرار القوياء 00فكان إسلمه أعظم هجرة لحر قوى 00
لقد هاجر هجرته الولى عن متاع الدنيا وزينتها إلى الله ورسوله ،وكانت تلك سر
تغيره العميق ،فصار اللبنة القوية فى بناء السلم بمكة 00
وعلم أهل الفتى بإسلمه ،ويئسوا من إرجاعه عن عقيدته ،فأذاقوه العذاب ألوانا ً
00ثم حبسوه وكبلوه فى السلسل 00ولكن ذلك كله كان أمام النفس الكبيرة
صغائر وتوافه 00وكانت الهجرة إلى الحبشة ،فهاجر مصعب مع إخوانه المؤمنين إلي
أرض النجاشى 00وتلك هجرته الثانية إلي الله ورسوله
112
وأصاب مصعبا ً هناك من جدب العيش ما أصابه ،حتى رجع عسير الحال فيمن رجعوا
إلي مكة 00وعاش فى فقره المدقع يحس بالسعادة فى ظل الرضى بالعقيدة ،
والصحبة لرسول الله ،ثم تمضى الشهور 00فيزداد الفتى توغل ً فى الفقر والحاجة ،
واستمساكا ً بالصبر والثبات ،حتى لقد أقبل ذات يوم – والنبى rجالس فى أصحابه –
وعليه قطعة مهلهلة من ثياب رثة كانت هى كل ما يملك 00قد وصلها بإهاب مرقع
بمختلف القطع حتى تستره وقد صار جسده يتحشف كما يتحشف جلد الحية من شدة
البرد 00فلما رآه الصحابة نكسوا رءوسهم رحمة وإشفاقا ً ،أل ّ يجدوا عندهم ما يرفع
عن الشريف حرجه ،وسلم مصعب بتحية السلم ،فرد صلوات الله وسلمه عليه ،
وأحسن عليه الثناء وقال " :لقد رأيت مصعبا ً وما بمكة فتى من قريش أنعم عند أبويه
نعيما ً منه ،ثم أخرجه من ذلك الرغبة فى الخير فى حب الله ورسوله "
مصعب بن عمير أول سفير لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
المدينة :
ولما انصرف أهل العقبة الولى الثنا عشر من أهل يثرب بعث معهم رسول الله r
مصعب بن عمير يفقههم فى القرآن ويثبت فى قلوبهم قواعد الدين 00فنزل على
أسعد بن زرارة 00وكان يأتى النصار فى دورهم وقبائلهم ،فيدعوهم إلى الله
ورسوله ،فيسلم الرجل والرجلن ،حتى ظهر السلم وفشا فى دور النصار جميعا ً
00
وعلى يد مصعب أسلم سعد بن معاذ وأسيد بن حضير ،وبذلك استقرت كلمة
اليمان بين الحيين الخطيرين فى يثرب ،فلقد أسلم من ورائهم الوس والخزرج عن
آخرهم 00
وكتب ابن عمير إلى رسول الله rيستأذنه أن يجمع بالناس الجمع فأذن له ،فجمع
بهم فى دار سعد بن خيثمة ،فكان أول من جمع فى السلم جمعة 00وبذلك كله أتم
مصعب رسالته فى هجرته الثالثة إلى الله ورسوله 00
واستدار العام 00وخرج حجيج الوس والخزرج لمبايعة الرسول rبمكة بيعة
العقبة الثانية 00وخرج معهم ابن عمير وقد رافق أسعد بن زرارة على راحلته ،ونزل
الجمع العظيم البلد الحرام ،بينما واصل الثنان السير إلى دار الرسول rبأجياد 00
وكان لقاء حارا ً ،حمل فيه الرجل العظيم إلى قائده العظم أخبار النصار وصدقهم
00فاستقبل الرسول القبلة والبشر يعلو جبينه ،ودعا للجميع بخير 00
وبلغ أم مصعب نبأ قدومه وإيثاره الذهاب إلى منزل الرسول rدونها ،فأرسلت إليه
تقول :
-يا عاق 00أتقدم بلدا ً أنا فيه ول تبدأ بى !00؟0
وأجاب ابن عمير رسولها إليه ليقول لها :ما كنت لبدأ بأحد قبل رسول الله r 00
وأخذ ابن عمير ما يأخذ البناء من عطف ،فسار إلى بيت أمه ،فلما سلم عليها لقيته
بحنان يكسوه اللم المرير وقالت :إنك لعلى ما أنت عليه من الصبأة بعد !00؟0
ورد عليها البن على الفور :أنا على دين رسول الله rوهو السلم الذى رضى الله
لرسوله وللمؤمنين !!0
وفزعت الم من رد ولدها 00وقالت :ما شكرت ما رثيتك 00مرة بأرض الحبشة ،
ومرة بأرض يثرب
وهز ابن عمير رأسه فى إصرار وهو يقول :أفر بدينى أو تفتنونى 00
وأرادت الم أن تنتهز فرصة عودة البن إليها ،وفهم أنها تدبر أمر حبسه 00فقال
لها :
-لئن أنت حبستنى لحرصن على قتل من يتعرض لى !!00؟0
113
ويئست الم فبكت وعل نشيجها وتركته لشأنه 00بينما أخذ هو يحاول أن ينفذ بالحق
إلى قلبها طمعا فى هدايتها 00فقال :يا أمى 00إنى لك ناصح وعليك شفيق 00
فاشهدى أنه ل إله إل الله وأن محمدا ً عبده ورسوله 00
ولكن ظلم الجاهلية كان ما يزال يمل قلبها ويطمس بصيرتها 00فقالت :
والثواقب ،ل أدخل فى دينك ،فيزرى برأيى ويضعف عقلى ،ولكنى أدعك وما أنت
عليه وأقيم على دينى 00
وأقام ابن عمير مع رسول الله rبقية ذى الحجة والمحرم وصفر ،ثم هاجر إلى
المدينة ثانية لهلل ربيع الول قبل هجرة النبى إليها باثنتى عشرة ليلة 00وتلك هجرته
الرابعة فى سبيل الله ورسوله 00
ودخل الرسول العظم دار الهجرة ،فأقام بالمدينة الدولة السلمية الولى 00وعاش
ابن عمير تلك السنين العجاف الولى صابرا ً راضيا ً 00حتى دعا داعى الجهاد إلى
الذب عن العقيدة بالسيف 0
واشتعلت نار الحرب بين قريش وحفنة المسلمين فى بدر ،وكان مصعب من فتيانها
الغر وأبطالها الميامين 00فعادت قريش بخذلنها تحمل رداء الخزى والعار بعد قتل
أشرافها وأصحاب الصدارة فيها ،وجرهم كالكلب إلى القليب 00
واشتعلت نار الحرب ،مرة أخرى فى أحد ،وانتصر المسلمون أول النهار 00ولكن ما
لبث أن نظر بعضهم إلى متاع الدنيا فهزموا ،وكان ابن عمير يحمل لواء المسلمين
فثبت به ثبات الرواسى ،فأقبل ابن قميئة من فرسان قريش فضرب يده اليمنى
فقطعها ،فأخذ البطل اللواء بيده اليسرى وهو يتلو قول الله " :وما محمد إل رسول
قد خلت من قبله الرسل " 00وأقبل عدو الله مرة أخرى فضرب يده اليسرى
فقطعها ،فحنا ابن عمير على اللواء فحمله بعضديه 00ثم حمل عليه عدو الله الثالثة
بالرمح فنفذ فى صدره وخرج من ظهره فوقع على الرض وسقط اللواء !! 00
فابتدره رجلن من بنى عبد الدار – سويبط بن سعد ،وأبو الروم بن عمير – وحمله
أخوه أبو الروم 0
ووقف رسول الله على الشهداء بعد المعركة ،يقرأ قول الله تعالى " :من المؤمنين
رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ،فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا
تبديل " 00سورة الحزاب الية 23
ثم أمر rبمصعب فحمل إليه 00فنظره نظرة الوداع الحزين ،وهو يقلب فى ذاكرته
الشريفة أيامه الماضيات بمكة 00وقال يخاطبه :
• " لقد رأيتك بمكة وما بها أحد أرق حلة ول أحسن لمة منك ،ثم أنت
مشعث الرأس فى بردة " 00ثم بكى صلوات الله وسلمه عليه ،واتجه
إلى جسد مصعب وأجساد من حوله من قتلى أحد ،ثم قال :
• إن رسول الله يشهد عليكم أنكم شهداء عند الله يوم القيامة 0ثم أقبل
rعلى الناس 00وقال :
• " أيها الناس ،أئتوهم فزوروهم وسلموا عليهم ،فوالذى نفسى بيده ل
يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إل ردوا عليه السلم " 00
وفتح الله على المسلمين 00فملكوا البلدان والمصار 00وفى حلقة من حلقات
مسجد النبى بالمدينة ،وقف خباب بن الرت يقول :
• هاجرنا مع رسول الله ، rفوجب أجرنا على الله فمنا من مضى ولم يأكل
من أجره شيئأ 00منهم مصعب بن عمير ،قتل يوم أحد فلم يوجد له
شيء يكفن فيه إل نرة 00فكنا إذا وضعناها على رجله خرج رأسه ،
فقال لنا رسول الله " : rاجعلوها مما يلى رأسه ،واجعلوا على رجليه
من الذخر " 00ومنا من أينعت له الثمرة وهو يزهر بها !! 00وسكت
القوم لقاريء يقرأ فى جانب المسجد قول الله تعالى 00 ":والملئكة
114
يدخلون عليهم من كل باب سلم عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار "
0سورة الرعد :اليتان 0 24 ، 23
سطور مضيئة :
• مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف العبدري القرشي 0
• لقب بسفير السلم ومصعب الخير والقاريء 0
• نشأ في بيت ثري ،فقد كانت أمه خناس بنت مالك صاحبة ثروة طائلة 0
• كان مصعب أكثر شباب أهل مكة جاها ً وجمال ً ورقة وثيابا ً ،وكان أعطر أهل
مكة 0
• لما عرفت أمه بإسلمه حبسته وجوعته ،فصبر وخدع حراسه وهرب منهم
ليلحق بالمسلمين في الحبشة
• بكت أمه أمامه ليشفق عليها ويرتد عن السلم فأبي 0
• أثني عليه رسول الله rلما رأي حزن المؤمنين على حاله بعد أن أصبح فقيرا ً
معدما يلبس الخشن من الثياب ،ويأكل القليل من الطعام 0
• أول سفير في السلم حيث أرسله رسول الله rمع الثني عشر رجل الذين
أسلموا من يثرب في بيعة العقبة الولي ليعلمهم السلم 0
• كان أول من جمع فى السلم جمعة .
• وكان ممن أسلم علي يديه أسيد بن الحضير وسعد بن معاذ سيدا قومهما ،
وعاد مصعب بعد ستة أشهر ب 72مسلما 0
• وترك المدينة وليس فيها بيت إل وفيه ذكر الله وذكر رسوله ،فأطلق عليه
المسلمون لقب مصعب الخير ودعا له الرسول r 0
• آخى الرسول بينه وبين أبي أيوب النصاري 0
• حامل لواء النبي rفي غزوتي بدر وأحد 0
• ضربه ابن قميئة في غزوة أحد علي يده اليمني فقطعها فحمل اللواء بيده
اليسري فقطعها ،فانحني على اللواء بعضديه إلي صدره فطعنه ابن قميئة
بالرمح طعنة نفذت إلي صدره فوقع شهيدا ً0
• كان يشبه النبي rحتي إن ابن قميئة ظن أنه قتل رسول الله rوصاح في الناس
يعلنهم ذلك 0
• لم يجدوا له بعدما استشهد إل قطعة من قماش إذا غطت رأسه تعرت رجله ،
وإذا غطت رجليه تعري رأسه ،فأمر رسول الله rأن يجعلوها علي رأسه
ويغطوا رجليه بنبات الذخر 0
• قيل :إنه نزلت فيه الية ) :من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ( [
الحزاب ] 23:
• استشهد tسنة 3هـ وهو ابن أربعين عاما ً أو يزيد قليل ً 0
التقويم :
صف البيئة التى ولد فيها مصعب بن عمير . -1
صف حياة مصعب بن عمير قبل إسلمه . -2
صف حال مصعب بن عمير بعد إسلمه . -3
حدد الهجرات التي هاجرها مصعب بن عمير . -4
صف نشاط مصعب بن عمير في نشر السلم في المدينة . -5
أذكر السماء التى أطلقت على مصعب – ولماذا سمي بهذه السماء . -6
أذكر أسماء بعض الصحابة الذين أسلموا على يد مصعب بن عمير . -7
اشرح محاولت أم مصعب لرده عن دينه . -8
أذكر الغزوات التي شهدها مصعب . -9
115
صف دور مصعب في غزوة أحد . -10
صف مشهد استشهاد مصعب ومشهد دفنه وتكفينه . -11
قارن بين حياة مصعب وحياة كثير من شباب المة الن . -12
صف مشاعرك تجاه مصعب بن عمير . -13
وضح ما الذي تعلمته من قراءة قصة حياة واستشهاد مصعب بن عمير . -14
عبر عما تنوي عمله بعد دراستك لقصة مصعب بن عمير . -15
)(30
.ثم إني استيقظت في جوف الليل ،فإذا ه .وأسلم كل منا جفنيه إلى الكرى
فأطفأ ُ
ل وعّز :أفرأيت إن متعناهمعبد الملك قائم ُيصلي في العتمة وهو يقرأ قوله ج ّ
120
الفصل الخامس
العقيدة
من آثار اليمان
121
ب :وعند تناول كل أثر مما ذكرنا يتم توضيحه بذكر أمثلة من القرآن والسيرة
وبعض الجوانب التطبيقية فى حياة الفرد .
وم الفرد مدى تحقق كل أثر من آثار اليمان فى نفسه باستخدام ج – أن بق ّ
استبانة أو ورشة عمل أو الثنين معا ً
243النساء )(1
123
يعصيه ل في العلنية ول في السر إذ كيف ذلك وهو يعلم أن كل شيء محسوب
ومكتوب ومشهود عليه
تطبيق عملى
أكثر من القول
ى ،الله شاهدى
الله معى ،الله ناظر إل ّ
من كان الله معه وناظرا ً إليه ،وشاهده 00أيعصيه ؟ إياك والمعصية 00
من تحب ؟
إن اليمان يجعل القلب يفيض بحب الله عــن كــل مــا ســواه .ذلــك لن المســتحق
للمحبة هو الله وحده يقول الله تعالى " :ومن الناس مــن يتخــذ مــن دون اللــه
أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا للــه " 44ويقــول تعــالى " يــا
أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يــأتى اللــه بقــوم يحبهــم
ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون فى سبيل الله
ول يخافون لومة لئم " .45ومن هنا نجــد أن أنفــع المحبــة علــى الطلق وأوجبهــا
وأعلها وأجلها محبة من جبلت القلوب على محبته وفطرت الخليقة على تأليهه
124
يقول ابن القيم رحمه الله :من أعجب الشياء أن تعرفه ثم ل تحبه ،أو أن تسمع
داعيه ثم تتأخر عن إجابته ،وأن تعرف قدر الربح فى معاملته ثم تعامل غيره ،وأن
تعرف قدر غضبه ثم تتعرض له ،وأن تذوق ألم الوحشة فى معصيته ثم ل تطلب
النس بطاعته ،وأن تذوق عصرة القلب عند الخوض فى غير دينه والحديث عنه ثم ل
تشتاق إلى انشراح الصدر بذكره ومناجاته ،أو أن تذوق العذاب عند التعلق بغيره ول
تهرب منه إلى نعيم القبال عليه والنابة إليه أ وأعجب من هذا علمك أنك لبد لك منه
وأنك أحوج شئ إليه وأنت عنه معرض وفيما يبعدك عنه راغب " .فإن المحبة لله عز
وجل توجب النس بطاعة الله ،والذل ،والخضوع ،والنكسار بين يدى الله سبحانه ،
والعتراف بالذنب والتقصير فى جنب الرب تبارك وتعالى .
بإجابتك على هذه السئلة وأمثالها تستطيع أن تقيس مدى محبتك لله عز
وجل وتقف على جوانب القصور في نفسك وتستكمل طاعتك لله حتى
تتحول هذه المحبة لله من زعم إلى حقيقة واقعة .
إن المحب لمن يحب مطيع لو كان حبك صادقا ً لطعته
125
عديدة لهذا العطاء وتلك التضحية – وكيف ل وهو القدوة الحسنة لمن كان يرجو الله
واليوم الخر – ولقد رأينا فى حياة الصحابة والصالحين نماذج من العطاء والتضحية
كثيرة ،فهذا على بن أبى طالب كرم الله وجهه ينام فى فراش النبى صلى الله عليه
وسلم يوم الهجرة وهو يعرف أنه هدف للمتآمرين من المشركين ويقول بعض
المفسرين أنه نزل فيه قول الحق سبحانه وتعالى فى سورة البقرة " :ومن الناس
من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد " .وها هم الصحابة
رضوان الله عليهم يهاجرون فى سبيل الله ويتركون الديار والوطان والقارب
والرحام .وها هو أبو بكر يضرب أروع المثلة فى النفاق فى سبيل الله فينفق ماله
كله فى سبيل الله .أخرج أبو داود فى الزهد بسنده عن عروة بن الزبير قال :أسلم
أبو بكر وله أربعون ألف درهم ،قال عروة :أخبرتنى عائشة رضى الله عنها أنه مات
وما ترك دينارا ً ول درهما ً " .وقد أعتق أبو بكر ست رقاب فى سبيل الله .ويأخذ ماله
كله فى الهجرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وها هو أبوبكر وعمر يتنافسان
فى البذل والتضحية فى سبيل الله ،عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال :أمرنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ً أن نتصدق ،فوافق ذلك مال ً عندى .فقلت
اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما ً ،فجئت بنصف مالى ،فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم " :ما أبقيت لهلك ؟ " فقلت مثله .وأتى أبو بكر بكل ما عنده ،فقال له
رسول الله صلى الله عليه وسلم " :ما أبقيت لهلك ؟ " قال :أبقيت لهم الله
ورسوله .قلت ل أسابقك إلى شيء أبدا " . 48وأبو أيوب النصارى مع كبر سنه يصر
على الشتراك فى القتال مع وجود أولده فى ساحة الميدان 0ول عجب فاليمان
يصنع العاجيب فى هذا الشأن فسحرة فرعون الذين يطمعون فى الجر المجزى من
فرعون إن أفلحوا " :أئن لنا لجرا ً إن كنا نحن الغالبين " 49ويعدهم " :نعم
وإنكم لمن المقربين " . 50فلما انتصر الحق واندحر السحر ودخل نور اليمان فى
قلوب السحرة ،وقالوا " آمنا برب هارون وموسى " وتوعدهم فرعون بقوله " :
لقطعن أيديكم وأرجلكم من خلف ولصلبنكم فى جذوع النخل " " .
قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذى فطرنا فاقض ما أنت
ض إنما تقض هذه الحياة الدنيا .إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما قا ِ
51
أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى "
126
كما يحرر النفس من سيطرة الغير ،وذلك أن اليمان يقتضي القرار بأن الله هو
المحيي المميت الخافض الرافع الضار النافع .
" قل ل أملك لنفسى نفعا ً ولضرا ً إل ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب
ى السوء إن أنا إل نذير وبشير لقوم سن ِ َ
لستكثرت من الخير وما م ّ
52
يؤمنون "
يقول الستاذ سيد قطب " :التعبد لله الواحد يرفع النسان عن العبودية لسواه
ويقيم في نفسه المساواة مع جميع العباد فل يذل لحد ول يحني رأسه لغير الواحد
القهار ومن هنا يأتى النطلق التحرري الحقيقي للنسان لنه ليس هناك إل قوة واحدة
53
وإله معبود واحد "
ً ً ً
التحرر من العبوديـة للعبـاد لنهـم ل يملكـون لنفسـهم نفعـا ول ضـرا فضـل عـن أن
يملكوه لغيرهم .فيورث ذلك المؤمن العزة وعلو النفس فل يزل إل لله الكبير المتعال
.
كما أن هذه العقيدة تنزع عن صاحبها كل مظهر للجبن والخور فيندفع فى جهاد
الكفار والطغاة ل يخشى على رزق ول على أجل ،لنه علم انه لن تموت نفس حتى
تستوفى اجلها ورزقها
دردر أم يـوم ق ّيـوم ل ق ّ وصدق من قال :أى يومى من الموت أفــر
ومن المقدور ل ينجو الحذر در ل أرهبـه يـوم ل قــ ّ
قال تعالى " :إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله ل يحب كل خوان
كفور " . 54فمتى دخل اليمان إلى قلب المسلم أورث صاحبه قوة كبيرة ،وذلك
لنه يركن إلى الله تبارك وتعالى القوى المتعال ،الذى ل تأخذه سنة ول نوم .كما
أن اليمان يجعل المؤمن يشعر بالعزة والستعلء والمنعة .
حقا ً إن العزة الحقيقية تكمن فى صاحب اليمان ولقد ربى النبى الصحابة على
العزة ،ذلك أن العز الحقيقى فى جوار الله تبارك وتعالى وهى صفة من صفاته تعالى
فهو المعز ،وكما قال تعالى " :من كان يريد العزة فلله العزة جميعا "" 55
56
ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين ل يعلمون "
ولقد أوصى النبى فى حديث بن عباس " إذا سألت فاسأل الله …… " .دليل العزة
وأن النسان ل يتوجه بالسؤال ال إلى الله تبارك وتعالى 0
فى غزوة أحد لما انهزم المسلمون أراد أحد المشركين أن يستعلى على
المسلمين فقال " :أعل هبل " فطلب رسول من عمر بن الخطاب أن يرد عليه
) قل الله أعلى وأجل ( . ،قال عمر :وماذا نقول؟ قال
كما أن اليمان يبعث في النفس احتقار الموت والرغبة في الستشهاد من أجل
الحق :
} إذ أن اليمان يوحي بأن واهب العمر هو الله ،وأنه ل ينقص بالقدام ول يزيد
بالحجام ،فكم من إنسان يموت وهو على فراشه الوثير ،وكم من إنسان ينجو وهو
يخوض غمرات المعارك والحروب " ! ..وما كان لنفس أن تموت إل بإذن الله
كتابا ً مؤجل " ) آل عمران . 57{ ( 145
أما النصر فهو قانون من الله تبارك وتعالى ،قال تعالى " إنا لننصر رسلنا
والذين آمنوا فى الحياة الدنيا ويوم يقوم الشهاد " " 58ولقد أرسلنا
( العراف 188 52
127
من قبلك رسل إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فانتقمنا من الذين
أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين " 59قانون النصر مع الفئة المؤمنة
ليس مرتبطا بعدد ول قوة ،وإنما النصر يرتبط ارتباطا حقيقيا باليمان ،لذلك فلبد
لمن يريد النصر أن يستكمل جوانب اليمان ،وأن يستيقين كل منا أن النصر مع
اليمان وأن يقدم على الله تبارك وتعالى ،وكما قال ابن القيم " من استطال
الطريق ضعف مشيه "
إن وعد الله بالستخلف والتمكين ل يتحقق إل بشرط اليمان والعمل كما
قال تعالى " :وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى
الرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذى
ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدوننى ل يشركون بى
60
شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون "
يقول الشهيد سيد قطب " إن حقيقة اليمان التى يتحقق بها وعد الله حقيقة
ضخمة تستغرق النشاط النسانى كله وتوجه النشاط النسانى كله 0فما تكاد تستقر
فى القلب حتى تعلن عن نفسها فى صورة عمل ونشاط وبناء وانشاء موجه كله إلى
الله ل يبتغى به صاحبه إل وجه الله وهى طاعة لله واستسلم فى المر فى الصغيرة
والكبيرة ل يبتغى معها هوى فى النفس ول شهوة فى القلب إل هو يتبع لما جاء به
61
الرسول "
كما أن اليمان يعين على الصبر ومواصلة الجهاد في سبيل الله تعالى وعدم اليأس
والشعور بالنس والطمأنينة :فهذه المعاني من لوازم اليمان بالملئكة ،وما أخبر
الله من أفعالها وأحوالها ،فعندما يضل الركب عن الطريق وتسود الجاهلية الجهلء
ويصبح المؤمن غريبا ً في وطنه وبين أهله وقومه ويجد منهم الصدود والستهزاء
والتخذيل والتثبيط عن طاعة الله والستقامة على أمره ،في هذه الغربة يجد المؤمن
أنيسا ً ورفيقا ً يصحبه ويرافقه ويواسيه ويصبره ويطمئنه ويشجعه على مواصلة السير
على درب الهدى ،فهذه جنود الله معه تعبد الله كما يعبد وتتجه إلى خالق السماوات
كما يتجه وتبارك خطواته وتشد من أزره وتذكره بالخير عند ربه ،فهو إذا ً ليس وحده
في الطريق إلى الله ولكنه يسير مع الركب العظيم ومع الكثرية من مخلوقات الله
عز و جل مع الملئكة الكرام ومع النبياء عليهم السلم ومع السموات والرض ،فهو
الكثر رفيقا ً وهو القوى سندا ً فتجعله هذه المشاعر الصادقة صابرا ً مطمئنا ً ل يزيده
صدود الناس إل ثباتا ً وجهادا ً .
128
البركة أساسها اليمان قال تعالى " :ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا
لفتحنا عليهم بركات من السماء والرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا
يكسبون " 62فإذا وجد اليمان وجد معه أسباب الحياة والسعادة وكانت البركة 0
والمعية هى رأس كل شئ والمؤمن يكفيه أن الله معه ويرعاه ،ومن كان الله
معه فل يخاف ول يجبن .فحين خاف أصحاب موسى من فرعون وجنوده أجابهم إجابة
من يوقن بمعية الله تعالى ) :إن معى ربى( "فلما تراءى الجمعان قال أصحاب
63
موسى إنا لمدركون 0قال كل إن معى ربى سيهدين "
وكذلك فعل مع أبى بكر فى الغار فقال له " :يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما
"
وموقف سيدنا عبد الله بن مسعود أثناء جهره بالقرآن وهو ضعيف فيقول " دعونى
64
فإن الله يسمعني "
والولية فهى قرين اليمان ،فالله تبارك وتعالى يقول " :الله ولى الذين آمنوا
يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت
يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون
". 65
129
:9الطمأنينة والرضا :
أي طمأنينة القلب وسكينة النفس ،قال تعالى " :الذين آمنوا وتطمئن
قلوبهم بذكر الله أل بذكر الله تطمئن القلوب " الرعد " . 28هو الذى
أنزل السكينة فى قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا ً مع إيمانهم " ) الفتح
. (4وإذا اطمأن القلب وسكنت النفس شعر النسان ببرد الراحة وحلوة اليقين ،
واحتل الهوال بشجاعة وثبت إزاء الخطوب مهما اشتدت ،ورأى أن يد الله ممدودة
إليه وأنه القادر على فتح البواب المغلقة فل يتسرب إليه الجزع ول يعرف اليأس إلى
قلبه سبيل " .الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور
والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات
أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " البقرة 257
جل الثر فى نفوس المؤمنين : كما أن اليمان بالقضاء والقدر له أ ّ
* إنها تسكب فى القلب السكينة والطمأنينة ،فتعلم أن مــا أخطــأك لــم يكــن ليصــيبك
وأن ما أصابك لم يكن ليخطأك ،وأن المـة لـو اجتمعـت علـى أن ينفعـوك بشـىء لـم
ينفعوك إل بشىء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشىء لن يضــروك إل
در الله .بشىء قد كتبه الله عليك ،ول يكون إل ما ق ّ
* الرضا بما يكون والصبر على المصائب واللم لن المؤمن يعتبر ذلك من بلء الله له
لنه ل يكون ول يقع إل بمشيئته سبحانه .
* إن النفس المؤمنة بقدر الله ل تبطر بنعمة ول تجزع من مصيبة لنها
در لها الخير والشر .كما قال رسول الله صلى تعلم أن الله هو الذى ق ّ
الله عليه وسلم " :عجبا ً لمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك
لحد إل للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا ً له وإن أصابته ضراء
صبر فكان خيرا ً له " رواه مسلم .
التقويم
-1حدد آثار اليمان .
-2وضح بعض آثار اليمان .
-3من آثار اليمان .............. ، ............. ، ............ ، .......... ، ..........
-4من آثار اليمان :الطمئنان على الرزق .وضح ذلك ) يمكن تكرار هذا
السؤال مع كل أثر من آثار اليمان (
-5أذكر آثار اليمان التى استشعرتها فى نفسك .
وم نفسك فى تحقق كل أثر من آثار اليمان . ق ّ -6
الفصل السادس
131
والسلم إظهار الخضوع والقبول لما أتى به محمد رسول الله وبالسلم
يحقن الدم فإن كان مع ذلك الظهار اعتقاد وتصديق بالقلب فذلك اليمان "
) الزبيدى :تاج العروس (
ً
وقد عرف الرسول السلم تعريفات كثيرة وكان أحيانا يعرف الكل بالجزء
تبيانا ً لهمية الجزء .
فعن طلحة بن عبيد الله قال :جاء رجل إلى رسول الله فإذا هو يسأل عن
السلم فقال رسول الله : خمس صلوات في اليوم والليلة .فقال :هل عل ّ
ي
غيرهن؟ قال :ل إل أن تطوع .وذكر له الزكاة فقال هل علي غيرها ؟ قال :ل إل
أن تطوع .فأدبر وهو يقول ل أزيد على هذا ول أنقص منه فقال عليه السلم " :
أفلح أن صدق أو دخل الجنة إن صدق " أخرجه الستة إل الترمذي ،وعن ابن
عمر رضي الله عنهما قال رسول " بني السلم على خمس شهادة أن ل إله إل
الله وأن محمد عبده ورسوله و إقام الصلة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان
" رواه البخاري ومسلم
فقد ذكر الحديث أن بناء السلم يقوم على هذه الركان الخمسة فإذن هذه
الخمسة هي ركائز السلم وليست كل السلم وإن كان السلم عادة من جنس
البناء .ويكفي أن يفتح المسلم كتاب الله فيرى القرآن ذكر غير هذه الشياء الخمسة
فذكر أخلقا ً وذكر اقتصادا ً وذكر اجتماعا ً وذكر سياسة وذكر سلما ً وذكر حربا ً .......
ويكفي أن يفتح كتاب فقه ليرى فيه عبادات ومعاملت وقضاء وجهاد وإرثا ً ويكفي
كذلك أن يفتح صحيح البخاري ليرى غير العقائد والعبادات أحكام البيع والشراء
السلم بتصرف أ /سعيد حوى وأحكام العقود وأحكام سياسة واجتماع وأخلق "
الشهادتين
منهاج سياسي
الجهاد صلة اليمان بال
المر منهاج اقتصادي
بالمعروف اليمان
زكاة
النهي عن منهاج بالملئكة
المنكر عسكري صوم اليمان بالكتب
حكم منهاج تعليمي اليمان
132
عقوبات منهاج أخلقي حج بالرسل
منهاج اجتماعي اليمان باليوم
الخر
) مقتبس من كتاب السلم أ/
سعيد حوى (
" فمن أراد أن يدخل في دين السلم فعليه أول ً أن يقبل أسسه العقلية وأن
يصدق بها تصديقا ً جازما ً حتى تكون له عقيدة وهذه السس تتلخص في أن يعتقد أن
هذا العالم المادي ليس كل شئ وأن هذه الحياة الدنيا ليست هي الحياة كلها
فالنسان كان موجودا ً قبل أن يولد وسيظل موجودا ً بعد أن يموت وأنه لم يوجد
نفسه بل وجد قبل أن يعرف نفسه ولم توجده الجمادات من حوله لنه عاقل ول
عقل لها بل أوجده وأوجد هذه العوالم كلها من العدم إله واحد هو وحده الذي يحي
ويميت وهو الذي خلق كل شئ وإن شاء أفناه وذهب به وهذا الله ل يشبه شيئا مما
في العوالم ........وهذا الله واحد أحد ل شريك له يعبد معه ول وسيط يقرب إليه
ويشفع عنده بل إذنه فالعبادة له وحده خالصة بكل مظاهرها .
له مخلوقات مادية ظاهرة لنا تدرك بالحواس ومخلوقات مغيبه عنا بعضها جماد
وبعضها حي مكلف ومن الحياء ما هو خالص للخير المحض وهم الملئكة ومنها ما
هو مخصوص بالشر المحض وهم الشياطين ،وما هو مختلط من الخير والشر
والصالح والطالح " هم النس والجن " وأنه سبحانه يختار ناسا ً من البشر ينزل
عليهم الملك بالشرع اللهي ليبلغوه البشر وهؤلء هم الرسل .
وأن هذه الشرائع تتضمنها كتب وصحائف أنزلت من السماء ينسخ المتأخر منها ما
دله وأن آخر هذه الكتب هو القرآن وقد حرفت الكتب والصحف قبله أو تقدمه أو يع ّ
ً
ضاعت ونسيت وبقى هو سالما من التحريف والضياع وأن آخر هؤلء الرسل والنبياء
هو سيدنا محمد بن عبد الله العربي القرشي ختمت به الرسالت وبدينه الديان فل
دق بأنه من عند الله وآمن به جملةنبي بعده ....فالقرآن هو دستور السلم فمن ص ّ
وتفصيل سمي مؤمنا واليمان بهذا المعنى ل يطلع عليه إل الله لن البشر ل يشقون
قلوب الناس ول يعلمون ما فيها لذلك وجب عليه ليعده المسلمون واحدا ً منهم أن
يعلن هذا بالنطق بلسانه بالشهادتين وهما :اشهد أن ل إله إل الله وأشهد أن محمد
رسول الله " فإذا نطق بهما صار مسلما ً "....تعريف عام بدين السلم الشيخ على
الطنطاوى
" فالسلم واليمان خضوع لله وإذعان المسلم المؤمن خاضع مذعن لله عن
طريق ما جاء به محمد من عند ربه ...وقد استهوت كلمتا السلم والمسلم
بعض الحاقدين على السلم فقالوا :إن السلم خضوع وإذعان وإلغاء لحق النسان
في أن يكون حرا ً في حياته وفي أسلوب معيشته عائبين بذلك السلم والمسلمين
وهم في هذه المقالة جد مخطئين وذلك أن الذعان الذي يلغي الحرية الشخصية هو
إذعان النسان للنسان مثله يتسلط عليه ويحد من حريته أما إذعان المسلم فليس
إذعانا ً لنسان وإنما إذعان لمنهج الرسول في سموه وعظمته وتكامل بشريته ،
إذعان لمنهج يعبر بالبشرية دنياها في أمن وسلم وسعادة إلى الخرة "
) مع العقيدة والحركة والمنهج في خير أمة أخرجت للناس د /على عبد الحليم
محمود (
التقويم :
برهن أن السلم دين المرسلين والنبيين جميعا من لدن آدم عليه السلم -1
حتى سيدنا محمد
133
عّرف مفهوم السلم -2
اكتب مفهومك عن السلم -3
اا .
بببببب بب ببببببب :اااااا اااااا ااا ا
وإذا وصفنا هذا المنهج بأنه إسلمي فالمعنى المراد هو الطريق السلمي لحياة
النسان في معاشه ومعاده وهذا الطريق هو الشريعة التي تضمنها كتاب الله
مع العقيدة والحركة والمنهج د /على عبد الحليم وأوضحتها سنة رسوله "
محمود
" والسلم منهج .منهج حياة بشرية واقعية بكل مقوماتها .منهج يشمل التصور
العتقادي الذي يفسر طبيعة الوجود ويحدد مكان النسان في هذا الوجود كما يحدد
غاية وجوده النساني ويشمل النظم والتنظيمات الواقعية التي تنبثق منها التصور
العتقادي وتستند إليه وتجعل له صورة واقعية متمثلة في حياة البشر ....
والمنهج السلمي المنبثق من هذا الدين ليس نظاما تاريخيا لفترة من فترات
التاريخ كما أنه ليس نظاما محليا ً لمجموعة من البشر في جيل من الجيال ول في
بيئة من البيئات إنما هو المنهج الثابت الذي ارتضاه لحياة البشر المتجددة لتبني هذه
الحياة دائرة حول المحور الذي ارتضى الله أن تدور عليه أبدا ً وداخل الطار الذي
ارتضى الله أن تظل داخله أبدا ً ولتبقى هذه الحياة مكيفة بالصورة العليا التي أكرم
الله فيها النسان عن العبودية لغير الله وهذا المنهج حقيقة قائمة بإزاء البشرية
المتجددة قيام النواميس الكونية الدائمة التي تعمل في جسم الكون منذ نشأته
والتي تعمل اليوم وغدا ً والتي يلقى البشرية من جراء المخالفة عنها والصطدام بها
) المستقبل لهذا الدين أ /سيد قطب ( ما يلقون من آلم ودمار و نكال "
" ومن ثم تصبح شهادة أن ل إله إل الله وأن محمد رسول الله قاعدة لمنهج
كامل تقوم عليه حياة المة المسلمة بحذافيرها فل تقوم هذه الحياة قبل أن تقوم
هذه القاعدة كما أنها ل تكون حياة إسلمية إذا قامت على غير هذه القاعدة أو
قامت على قاعدة أخرى معها أو عدة قواعد أجنبية عنها
قال تعالى " إن الحكم إل لله أمر أل تعبدوا إل إياه .ذلك الدين القيم "يوسف :
) " 40معالم في الطريق أ /سيد قطب (
وسوف يتم التعرف على طبيعة المنهج السلمي من خلل خصائصه فى الهدف
التالي :
134
ومقوماته ل ليزيد عليه من عنده شيئا ً ول لينقص منه شيئا ً ولكن ليتكيف هو به
وليطبق مقتضياته في حياته "
) خصائص التصور السلمي ومقوماته أ/
سيد قطب (
وخصائص منهج السلم متعددة نذكر منها إجمال ً :
أول ً :الربانية .
ثانيا ً :الشمول .
ثالثا ً :الوسطية .
رابعا ً :اليسر والبساطة والمعقولية .
خامسا ً :العطاء والتجدد .
والن فلننظر في هذه الخصائص بشيء من البيان والتفصيل -:
67
أول ً :الربانية
الهداف الجرائية السلوكية :
-1أن يذكر الدارس مفهوم الربانية .
-2أن يبين الدارس أقسام المنهج السلمي وربانية كل قسم .
-3أن يوضح الدارس ثمرات ربانية منهج السلم .
-4أن يعبر الدارس عن استشعاره لثمرات ربانية منهج السلم .
-5أن يوضح الدارس ما ينبني على إدراكه لربانية المنهج
السلمي .
-1مفهوم الربانية :
الربانية أولى خصائص المنهج السلمي ومصدر هذه الخصائص كذلك " فالسلم
هو المنهج والنظام الوحيد في العالم الذي مصدره كلمات وحي غير محرفة ول
مبدلة ول مخلوطة بأوهام البشر وأغلطهم وانحرافاتهم لن الله تعالى تولى حفظ
كتابه ودستوره بنفسه وهو القرآن المجيد قال تعالى " إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له
لحافظون " الحجر 9 :
-2أقسام المنهج السلمي وربانية كل قسم :
فالسلم منهج رباني مائة بالمائة عقائده وعباداته وآدابه وأخلقه
وشرائعه ونظمه كلها ربانية إلهيه في أسسها الكلية ومبادئها العامة .
-1العقيدة :مصدرها اليات والحاديث التي تخبر عن وحدانية الله
وصفاته وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر والقضاء والقدر
-2العبادات :المراد بها الشعائر وتتلخص العبادة بأصلين-:
الول :أل يعبد إل الله فل عبادة لحد سواه .
الثاني :أل يعبد الله إل بما شرعه ويعرف بواسطة رسله
المبلغين عنه وخاتمهم محمد الذي نسخ شرعه كل شرع
قبله والذي كتب الله له الخلود وتكفل بحفظه إلى أن يرث
الله الرض ومن عليها .
الداب والخلق :المصدر الساسي للخلق ليس العرف ول -5
المجتمع ول العقل ول الضمير ول الشعور بالسرور وإنما هو الوحي
اللهي
فالمانة في قوله تعالى " إن الله يأمركم أن تؤدوا المانات إلى
أهلها " سورة النساء 58 :والتواصي
بالحق والتواضع والوفاء بالعهد وإغاثة الملهوف و إنظار المعسر
واجتناب الفواحش وغض البصر
137
ويلزم هذا الحترام والتقديس وحسن القبول المسارعة إلى التنفيذ
والسمع والطاعة في المنشط والمكره دون تلكؤ أو تكاسل أو تحايل
على الهرب من تكاليف النظام والتزاماته والتقيد بأوامره ونواهيه
ونكتفي هنا بضرب مثالين يبينان مواقف المسلمين والمسلمات في العهد النبوي
من شرع الله تعالى وأمره ونهيه .
أولهما :ما وقع من المؤمنين بالمدينة عقب تحريم الخمر
وقد كان للعرب ولع بشربها وأقداحها ومجالسها وقد عرف الله ذلك
منهم فأخذهم بسنة التدرج في تحريمها حتى نزلت الية الفاصلة
تحرمها تحريما ً باتا ً وتعلن أنها " رجس من عمل الشيطان " المائدة :
90وبهذا حرم النبي شربها وبيعها واهداءها لغير المسلمين فما
كان من المسلمين حين ذاك إل أن جاءوا بما عندهم من مخزون الخمر
و أوعيتها فأراقوها في طرق المدينة إعلنا ً عن براءتهم منها
وثانيهما :موقف النساء المسلمات الول مما حرم الله عليهن من
تبرج الجاهلية وما أوجب عليهن من الحتشام والتستر وهنا تروى
السيدة عائشة رضي الله عنها كيف استقبل نساء المهاجرين والنصار
في المجتمع السلمي الول هذا التشريع اللهي الذي يتعلق بتغير
شئ هام في حياة النساء هو الهيئة والزينة والثياب قالت عائشة "
ول لما أنزل الله " ليضربن بخمرهن على رحم الله نساء المهاجرين ال ّ
جيوبهن " النور 31:شققن مروطهن فاختمرن بها " رواه البخاري
والمروط أكسية من صوف أو خز
د -التحرر من عبودية النسان للنسان :
ومن ثمرات الربانية أنها تحرر النسان من العبودية للنسان ذلك أن
العبودية أنواع وألوان وأن من أشدها خطرا ً وأبعدها أثرا ً لهو خضوع
النسان لنسان مثله يحل له ماشاء متى شاء ويحرم عليه ما شاء كيف
شاء ويأمره بما أراد فيأتمر وينهاه عما يريد فينتهي وبعبارة أخرى
يضع له نظام حياة أو منهج حياة فل يسعه إل الذعان والتسليم
والخضوع والحق أن الذي يملك هذا النظام والمنهج وإلزام الناس به
وإخضاعهم له هو الله وحده ملك الناس إله الناس فمن حقه وحده أن
يأمرهم وينهاهم وأن يحل لهم ويحرم عليهم بمقتضى ربوبيته تعالى
وخلقه لهم وإنعامه عليهم بكل أجناس النعم وأصنافها وأفرادها " وما
بكم من نعمة فمن الله " النحل 53:
ثانيا ً :الشمول
الهداف الجرائية السلوكية :
أن يحدد الدارس جوانب شمولية السلم . -1
أن يشرح الدارس شمولية السلم لكل جانب مستعينا ً باليات القرآنية -2
والحاديث النبوية .
أن يبين الدارس ما ينبني على فهمه لشمول السلم . -3
138
الزمن وامتدت عرضا ً حتى انتظمت آفاق المم وامتدت عمقا ً حتى
الخصائص العامة استوعبت شئون الدنيا والخرة "
للسلم د /يوسف القرضاوي
وإلى هذا الشمول والترابط بين تعاليم السلم وجه الستاذ الشهيد
حسن البنا إخوانه بقوله " السلم نظام شامل يتناول مظاهر الحياة
جميعا ً فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة وهو خلق وقوة أو رحمة
وعدالة وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء وهو مادة وثروة أو كسب
وغنى وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة كما هو عقيدة صادقة وعبادة
صحيحة سواء بسواء " رسالة التعاليم – الشهيد حسن البنا
السلم رسالة الزمن كله -:
إنها رسالة لكل الزمنة والجيال ليست رسالة موقوتة بعصر معين
أو زمن مخصوص ينتهي أثرها بانتهائه كما هو الشأن في رسالت
النبياء السابقين على محمد فقد كان كل نبي يبعث لرحلة زمنية
محدودة حتى إذا ما انقضت بعث الله نبيا ً آخر .أما محمد فهو خاتم
النبيين ورسالته هي رسالة الخلود التي قدر الله بقاءها إلى أن تقوم
الساعة ويطوى بساط هذا العالم فهي تتضمن هداية الله الخيرة
للبشرية .فليس بعد السلم شريعة ول بعد القرآن كتاب ول بعد
محمد نبي ولم يسبق لنبي قبل محمد أن أعلن أن رسالته هي
الخاتمة وأن ل نبي بعده بل بشرت التوراة بمن يأتي بعد موسى وبشر
النجيل بمن يأتي بعد المسيح عيسى عليه السلم إنها رسالة
المستقبل المديد ول شئ وهي أيضا رسالة الماضي البعيد إنها في
جوهرها وأصولها العتقادية والخلقية رسالة كل نبي أرسل وكل
كتاب أنزل فالنبياء جميعا ً جاءوا بالسلم ونادوا بالتوحيد واجتناب
الطاغوت وهذا ما يقرره القرآن الكريم في وضوح " وما أرسلنا من
قبلك من رسول إل نوحي إليه أنه ل إله إل أنا فاعبدون " النبياء 25 :
إنها إذن في جوهرها رسالة كل نبي جاء من عند الله منذ عهد نوح
إلى محمد عليهم الصلة والسلم وإنها رسالة الزمن كل الزمن "
الخصائص العامة للسلم د/
القرضاوي
رسالة العالم كله :
وإذا كانت هذه الرسالة غير محدودة بعصر ول جيل فهي كذلك غير
محدودة بمكان ول بأمة ول بشعب ول بطبقه إنها الرسالة الشاملة
التي تخاطب كل المم وكل الجناس وكل الشعوب وكل الطبقات إنها
ليست رسالة لشعب خاص يزعم أنه وحده شعب الله المختار وأن
الناس جميعا ً يجب أن يخضعوا له .وليست رسالة لقليم معين ،يجب
أن تدين له كل أقاليم الرض وتجبى إليه ثمراتها وأرزاقها ،وليست
رسالة لطبقة معينة مهمتها أن تسخر الطبقات الخرى لخدمة
مصالحها أو اتباع أهوائها .وليس فهمها ول تفسيرها ول الدعوة إليها
حكرا ً على طبقه خاصة كما قد يتوهم كثير من الناس .
إنها هداية رب الناس لكل الناس ورحمة الله لكل عباد الله وهذا ما
وضحه القرآن منذ العهد المكي نقرأ في ذلك " وما أرسلناك إل رحمة
للعالمين " النبياء " 107:قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم
جميعا" العراف 158 :
" إن هو إل ذكر للعالمين " ص87 :
139
رسالة النسان كله :
وهي كذلك رسالة النسان من حيث هو إنسان متكامل إنها ليست
رسالة لعقل النسان دون روحه ول روحه دون جسمه ول لفكاره دون
عواطفه ول عكس ذلك .
إنها رسالة النسان كله روحه وعقله وجسمه وضميره وإرادته
ووجدانه
وبهذا ل يتمزق النسان بين توجهين مختلفين أو سلطتين
متناقضتين هذه تشرق به وهذه تغرب به كالعبد الذي له أكثر من سيد
كل واحد يأمره بغير ما يأمره به الخر كما ذكر القرآن الكريم " ضرب
الله مثل رجل ً فيه شركاء متشاكسون ورجل ً سلما ً لرجل هل يستويان
مثل ً " الزمر 29 :
140
وفي القضايا الدستورية :
" وأمرهم شورى بينهم " الشورى 38:
وفي المسائل القضائية يقول جل جلله " وإذا حكمتم بين الناس أن
تحكموا بالعدل " النساء 58 :
وفي العقوبات الجنائية يقول عز وجل " كتب عليكم القصاص في
القتلى الحر بالحر ".....البقرة178:
وفي العداد الحربي يقول القرآن الكريم " وأعدوا لهم ما استطعتم
من قوة "....النفال 60 :
وفي العلقات الدولية يقول من بيده الخلق والمر :
" ل ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من
دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين "
الممتحنة 8 :إلى غير ذلك من القواعد والمبادئ المبينة إما في
القرآن الكريم أو سنة مطهرة أو إجماع أو قياس وما ذاك إل تأكيد
جازم على ظاهرة الشمولية التي انطوت عليها شريعة الله لترتشف
النسانية من معينها الصافي وتغترف الجيال من بحرها الزاخر على
مدى الزمان واليام " .ومن أحسن من الله حكما ً لقوم يوقنون "
المائدة 50 :
ويقول القانوني الكبير فمبري " إن فقه السلم واسع إلى درجة
أنني أعجب كل العجب كلما فكرت في أنكم لم تستنبطوا منه النظمة
السلم شريعة الزمان والحكام الموافقة لزمانكم وبلدكم "
والمكان د /عبد الله ناصح علوان
" وبعد فإن هذا الشمول – بكل صوره – فوق أنه مريح للفطرة
البشرية لنه يواجهها بمثل طبيعتها الموحدة ول يكلفها عنتا ً ول
يفرقها فرقا ً هو في الوقت ذاته يعصمها من التجاه لغير الله في أي
شأن وفي أية لحظة أو قبول أية سيطرة تستعلي عليها بغير سلطان
الله وفي حدود منهج الله وشريعته في أي جانب من جوانب الحياة
فليس المر والهيمنة والسلطان لله وحده في أمر العبادات الفردية
ول في أمر الخرة – وحدهما – بل المر والهيمنة والسلطان لله وحده
في الدنيا والخرة في السماوات والرض في عالم الغيب وعالم
الشهادة في العمل والصلة وفي كل نفس وكل حركة وكل خالجة
وكل خطوة وكل اتجاه .
" وهو الذي في السماء إله وفي الرض إله " الزخرف 84:
) خصائص التصور السلمي ومقوماته أ /سيد قطب (
ثالثا ً :الوسطية
الهداف الجرائية السلوكية :
أن يوضح الدارس مفهوم الوسطية . -1
ً
أن يحدد الدارس الجوانب التى يكون السلم فيها وسطيا . -2
ً
أن يشرح الدارس وسطية السلم فى كل جانب مستعينا باليات القرآنية -3
والحاديث النبوية .
141
وبحيث ل يأخذ أحد الطرفين أكثر من حقه ويطغى على مقابله مثال
الطراف المتقابلة أو المتضادة :الروحية والمادية والفردية
والجماعية والواقعية و المثالية والثبات والتغير وما شابهها
ومعنى التوازن أن يفسح لكل طرف منها مجاله ويعطى حقه
بالقسط أو بالقسطاس المستقيم بل وكس ول شطط ول غلو ول
تقصير ول طغيان ول إخسار كما أشار إلى ذلك كتاب الله بقوله "
والسماء رفعها ووضع الميزان .أل تطغوا في الميزان .وأقيموا
) الخصائص الوزن بالقسط ول تخسروا الميزان " الرحمن 9-7:
العامة للسلم (
" فمن عظمة التشريع السلمي أنه ل يباعد بين المادة والروح ،ول
يفصل بين الدنيا والخرة بل ينظر إلى الحياة على أنها وحدة متكاملة بين
حق النسان لربه وحقه لنفسه وحقه لغيره وبهذا يتسنى للنسان أن
يمارس الحياة العملية الواقعية بكل طاقاته وأشواقه على أسس من
المبادئ السلمية توافق الفطرة وتتلءم مع واقعية الحياة فالسلم
بتشريعه المتكامل ل يقر الحرمان ول الترهبن ول العزلة الجتماعية
وفي الوقت نفسه ل يقر للنسان أن ينهمك بكليته في الحياة المادية
وينس ربه والدار الخرة بل يهيب به أن يتوازن مع هذا وذاك وأن
يعطي حق الله وحق نفسه وحق الناس دون أن يغلب حقا ً على حق أو
يهمل واجبا على حساب واجب آخر .
والقرآن الكريم قد حض على هذا التوازن بين المادة والروح في كثير من آياته
التي تلمس المشاعر والوجدان قبل أن تخاطب عقل النسان
ففي تذكيره بأداء حق الله في العبادة في غمرة النهماك في
العمال الدينوية والمزاولة التجارية .
يقول سبحانه وتعالى " رجال ل تلهيهم تجارة ول بيع عن ذكر الله
وإقام الصلة وإيتاء الزكاة يخافون يوما ً تتقلب فيه القلوب والبصار "
النور 38 :
وفي تذكيره بأداء حق النفس في التكسب وابتغاء الرزق في غمرة
المناجاة الربانية والنغمات المسجدية يقول سبحانه " فإذا قضيت
الصلة فانتشروا في الرض وابتغوا من فضل الله " الجمعة 10 :
ومن الصول التي وضعها القرآن الكريم في هذه الموازنة :
" وابتغ فيما أتاك الله الدار الخرة ول تنس نصيبك من الدنيا "
القصص 77:
واستنكر القرآن على من يحرم على نفسه الزينة والطيبات قال
تعالى
" قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل
هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة "العراف 32:
وما ذاك إل ليوازن النسان بين الدين والدنيا والخرة والولى ونحن
لو تأولنا مواقف الرسول في تحقيق التوازن ومعالجة ظاهرة
العزلة والنطوائيه والتخلي عن الدنيا لزددنا يقينا أن هذه المواقف
وهذه المعالجة قائمة على إدراك فطرة النسان ورامية إلى تلبية
أشواقه وميوله .....حتى ل يتجاوز أي فرد من أفراد المجتمع حدود
فطرته ول يسلك سبيل ً منحرفا ً يصطدم مع أشواقه بل يسير على
مقتضى المنهج القويم السوي الذي رسمه السلم سيرا ً طبيعيا ً
متوازنا معتدل ً سويا ً بل عوج ول التواء .
142
روى الشيخان عن أنس رضي الله عنه " جاء ثلثة رهط إلى بيوت
أزواج النبي يسألون عن عبادته عليه الصلة والسلم .فلما أخبروا
كأنهم تقالوها ) وجدوها قليلة ( فقالوا :وأين نحن من النبي وقد
غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟
قال أحدهم :أما أنا فإني أقوم الليل أبدا ً
وقال الخر :أنا أصوم ول أفطر
وقال آخر :أعتزل النساء فل أتزوج
فجاء رسول الله فقال :أنتم الذين قلتم كذا وكذا
أما والله إني أخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وافطر وأصلي
وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني "
وثبت في الصحيح أنه عليه الصلة والسلم أنكر على عبد الله بن
عمرو بن العاص حينما علم أنه قد تخلى عن الدنيا وحرم على نفسه
أن ينام وأن يأكل اللحم وأن يؤدي إلى أهله حقها وقال له ناصحا ً
وموجها ومرشدا " إن لك في رسول الله أسوة حسنة إن رسول الله
ينام ويصلي ويأكل اللحم ويؤدي إلى أهله حقوقهن "......يا عبد الله
بن عمرو " إن لله عليك حقا ً وإن لنفسك عليك حقا ً وإن لهلك عليك
ق حقه " ً
حقا فأعط كل ذي ح ٍ
من هذه المواقف التي وقفها النبي عليه الصلة والسلم أعظم
برهان وأقوى حجة على أن هذا السلم العظيم هو دين الفطرة
والتوازن والوسطية والعتدال
ومن دليل التوازن في السلم التوازن بين مصلحتي الفرد والمجتمع وهذه
ظاهرة آخرى فريدة في التشريع السلمي أل وهي التناسق
والنسجام بين حياة الفرد وحياة المجتمع .
فالتشريع السلمي يؤكد وجود الكيان الشخصي للفرد ويعتبره
مسؤول أمام الله وأمام نفسه وأمام المجتمع .
وقفوهم إنهم مسئولون ] الصافات . [ 24 :
ول تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك
كان عنه مسؤول ] السراء .[36 :
ثم هو بالتالي يضمن للنسان الحقوق الساسية :كحقوق الحياة قال تعالى
:ولكم في القصاص حياة يا أولى اللباب ] البقرة . [ 179 :
وحق الحرية قال تعالى :ل إكراه في الدين قد تبين الرشد من
الغي ] البقرة . [ 259 :
وحق التعليم قل هل يستوى الذين يعلمون والذين ل يعلمون
] الزمر . [ 9 :
وحق المساواة إن أكرمكم عند الله أتقاكم ] النور . [ 33 :
وحق التملك ل يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيًرا منهم ]
الحجرات . [ 10 :
فهذه حقوق أساسية لكل إنسان فالتشريع ل يبيح لى كائن في الوجود أن يعبث بها
أو ينتقص منها .
أما فيما يتعلق بحياة الجماعة فالتشريع السلمي يغرس في النفس
النسانية شعورها بمسؤولية الجماعة ويربط بين الناس في نطاق
الوظيفة الجتماعية وحراسة الرأى العام ودعم بناء الدولة ويأمر كل فرد
في المجتمع بمراعاة الصالح العام المشترك ومما يؤكد استشعار الفرد
بمسئولية الجماعة والوظيفة الجتماعية قوله تبارك وتعالى :
143
والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف
وينهون عن المنكر ويقيمون الصلة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله
ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ] التوبة . [ 71 :
* وقد مثل النبي مسئولية الفرد تجاه المجتمع ومسئولية المجتمع تجاه الفرد
بالسفينة .
روى البخاري والترمذي عن النعمان بن بشير رضى الله عنهما عن
النبي أنه قال " مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم
استهموا ) أي اقرعوا ( على سفينة فأصاب بعضهم أعلها وبعضهم
أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من
قا ولم نؤذ من فوقنا فإن فوقهم فقالوا :لو أنا خرقنا في نصيبنا خر ً
عا
عا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جمي ً تركوهم وما أرادوا هلكوا جمي ً
".
والعبادة في السلم تربى المسلم على الستشعار بالوظيفة الجتماعية ومراعاة
الصالح العام المشترك .
فالصلة تقام فى اليوم خمس مرات في جماعة .
والزكاة فرض على كل من يملك نصابها وهي حق للجماعة .
والصوم شعور اجتماعي نبيل يدفع الصائم ليؤدى حق الفقير
والمسكين واليتيم وابن السبيل .
والحج تربية اجتماعية كريمة تدفع الحجاج لكي يتعارفوا ويتشاوروا
ويشهدوا منافع لهم .
والجهاد في السلم فرض عملي يوجب على الفرد أن يبذل روحه
ظا على دولة السلم . عا عن الكيان العام وحفا ً دفا ً
والتربية الجتماعية في السلم وسيلة إيجابية في مراعاة حقوق
الخرين كمراعاة حقوق البوين وحق الرحام وحق الجار وحق المعلم
وحق الرفيق وحق الكبير ووسيلة عملية في اللتزام بالداب العامة كأدب
الطعام والحديث والمجلس والمزاح والتهنئة والتغرية ...
وفي حالة التعارض وعدم التوافق فالسلم يقدم مصلحة الجماعة
على مصلحة الفرد .
ويقول علماء الصول " يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام " .
) السلم شريعة الزمان والمكان د /عبدالله ناصح علوان (
فالسلم هو دين الوسطية والتوازن والعتدال :
طا لتكونوا شهداء على الناس ويكون وكذلك جعلناكم أمة وس ً
دا ] البقرة . [ 143 : الرسول عليكم شهي ً
ً
رابعا :اليسر والبساطة والمعقولية
الهداف الجرائية السلوكية :
أن يوضح الدارس باليات والحاديث والمثلة أن السلم دين يسر . -1
أن يعطى الدارس أمثلة على بساطة السلم ومعقوليته . -2
145
تقلب العمل مهما كان نوعه ولو كان خاطًرا نفسًيا إلى عبادة الله
وطاعة لرب العالمين .
وبناء على هذا يقول علماء الفقه والصول " إن النية الصالحة تقلب
العادة عبادة " .
هذا هو السلم في بساطته ويسره ومعقوليته وواقعيته ) السلم
شريعة الزمان والمكان د /عبدالله ناصح علوان (
خامسا ً :العطاء والتجدد
الهداف الجرائية السلوكية :
أن يوضح الدارس خاصية العطاء والتجدد فى الشريعة السلمية . -1
146
-2مسائل تشريعية قابلة للتجدد .
-3مسائل تشريعية خاضعة للتطور .
أحكام خاضعة للتطور أحكام قابلة للتجدد ثابتة ل تقبل التجدد ول
التطور
مسائل لم يرد فيها المبادئ والقواعد
هي المسائل التى
ً
نص صريح أصل فهي التي لها الرتباط
وردت فيها نصوص
خاضعة للجتهاد الوثيق بالمعاملت
قطعية ل مجال
الزمني حيث يجتهد المالية والشؤون
للجتهاد فيها
في هذه المسائل القضائية والنظم
كمسائل العقيدة
علماء راسخون القتصادية والقضايا
وأركان اليمان
مختصون متسمون الدارية والدستورية
وأحكام العبادات
بالورع والتقوى شريطة عدم
وحرمة الزنى والربا
ومتصفون بالذكاء . التعارض مع نص
والخمر والميسر
كبيان الضمانات صريح أو قاعدة
وقتل النفس ..
التقاعدية للموظف عامة .
تشريعية والعاملبقواعد المواريث
عطاء الشريعة المستمر على مدار الزمان أنها أتت وتحديديدل على
ومما
وغيرها
الطلق عدة وتحديد
ميسرة مستنبطة من استقراء النصوص وأسباب النزول ووقائع الحداث مثل :
والنهي عن
للجتهاد في مورد النص " . والوفاة
مجال "ل
والختلط السفور
" الضرر يزال " .
" الضرر ل يزال بالضرر " .
" يتحمل الضرر الخاص لرفع الضرر العام " .
" الضرورات تبيح المحظورات " .
" ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها " .
" درء المفسدة يقدم على جلب المصلحة " .
) السلم شريعة الزمان والمكان د/
عبدالله ناصح علوان (
ااااااا :
-1أذكر خصائص منهج السلم
اشرح مفهوم ربانية السلم -2
اشرح ثمرات ربانية السلم مع إعطاء أمثله على ذلك -3
حدد جوانب شمولية السلم -4
اشرح شمولية السلم لكل جانب مستعينا ً باليات القرآنية -5
والحاديث النبوية
وضح مفهوم الوسطية -6
ً
حدد الجوانب التى يكون السلم فيها وسطيا . -7
ً
اشرح وسطية السلم فى كل جانب مستعينا باليات -8
القرآنية والحاديث النبوية
" السلم يدعو إلى التوازن بين مصلحتي الفرد والمجتمع " -9
وضح ذلك .
147
" -10السلم يأمر كل فرد في المجتمع بمراعاة الصالح العام
المشترك " وضح ذلك من خلل ما تفهم من نصوص القرآن
الكريم .
" -11العبادة في السلم تربى المسلم على الستشعار بالوظيفة
الجتماعية ومراعاة الصالح العام المشترك " وضح ذلك
-12وضح باليات والحاديث والمثلة أن السلم دين يسر .
-13أعط أمثلة على بساطة السلم ومعقوليته .
-14وضح خاصية العطاء والتجدد فى الشريعة السلمية .
الله تعالى هو خالق النسان ومدبر أمره فلنسأله سبحانه :يارب لماذا
خلقت هذا النسان ؟ هل خلقته لمجرد الطعام والشراب ؟ هل
خلقته للهو واللعب ؟ هل خلقته لمجرد أن يمشى على التراب ويأكل
ما خرج من التراب ثم يعود كما كان إلى التراب وقد ختمت القصة ؟ هل
ليعيش تلك الفترة المعذبة ما بين صرخة الوضع وأّنة النزع ؟
إذا فما سر هذه القوى والملكات التى أودعتها النسان من عقل
وإرادة وروح ؟
الله سبحانه وتعالى يرد على تساؤلنا فى كتابه – كتاب الخلود :
وما خلقت الجن والنس إل ليعبدون .ما أريد منهم من رزق وما
أريد أن يطعمون ] الذاريات . [57-56 :
) العبادة في السلم د/
يوسف القرضاوي (
ولكن ما هي العبادة التي خلقنا الله من أجلها وهل هي مقتصرة على مجرد الشعائر
التعبدية فقط ؟
معنى العبادة في اللغة :الطاعة .
ولقد سئل شيخ السلم بن تيمية عن قول الله :
يا أيها الناس اعبدوا ربكم ] البقرة . [ 21:
ما العبادة ؟ وما فروعها ؟ وهل مجموع الدين داخل فيها أم ل ؟
فأجاب رحمه الله عن ذلك إجابة مفصلة تضمنتها رسالته المعروفة
باسم " العبودية " وقد بدأها بقوله :العبادة :هي اسم جامع لكل ما
يحبه الله ويرضاه من القوال والعمال الباطنة والظاهرة فالصلة
والزكاة والصيام والحج وصدق الحديث وأداء المانة وبر الوالدين وصلة
الرحام والوفاء بالعهود والمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد
للكفار والمنافقين والحسان للجار واليتيم والمسكين وابن السبيل
والمملوك من الدميين والبهائم ،والدعاء والذكر والقراءة وأمثال ذلك
من العبادة " .
148
وكذلك حب الله ورسوله وخشية الله وأداء المانة إليه وإخلص
الدين له والصبر لحكمه والشكر لنعمه والرضا بقضائه والتوكل عليه
والرجاء لرحمته والخوف من عذابه وأمثال ذلك هي من العبادة لله " .
) العبودية – بن تيمية (
فالعبادة تسع الحياة كلها فدائرة العبادة رحبة واسعة إنها تشمل
عا.
شئون النسان كلها وتستوعب حياته جمي ً
" وبهذا وذاك يتحقق معنى العبادة ويصبح العمل كالشعائر والشعائر
كعمارة الرض كالجهاد في سبيل الله والجهاد في سبيل الله كالصبر
على الشدائد والرضا بقدر الله ..كلها عبادة وكلها تحقيق للوظيفة
الولى التى خلق الله الجن والنس لها " في ظلل القرآن .
فالعمال الجتماعية النافعة عبادة .
إن كل عمل اجتماعي نافع يعده السلم عبادة من أفضل العبادات ما
دام قصد فاعله الخير ل تصيد الثناء واكتساب السمعة الزائفة عند الناس
.كل عمل يمسح به المسلم دمعة محزون أو يخفف به كربة مكروب أو
يضمد به جراح منكوب أو يقضى به دين غارم مثقل أو يأخذ بيد فقير
متعفف ذي عيال أو يهدي حائًرا ،أو يعلم جاهل ً أو يؤوى قريًبا أو يدفع
عا إلى ذي كبد رطبة فهو شًرا عن مخلوق أو أذى عن طريق أو يسدي نف ً
عبادة وقربة إلى الله إذا صحت النية فيه " .العبادة في السلم – د/
يوسف القرضاوي
من ذلك ما قاله رسول السلم عن الصلح بين المتخاصمين " :أل
أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلة والصدقة .قالوا :بلى ...
قال :إصلح ذات البين ،فإن فساد ذات البين هي الحالقة ل أقول تحلق
الشعر ولكن تحلق الدين " رواه الترمذي .
وعمل النسان في معاشه عبادة بشروط :
فالزارع في حقله والعامل من مصنعه والتاجر في متجره والموظف
في مكتبه وكل ذي حرفة في حرفته يستطيع أن يجعل عمله لمعاشه
دا في سبيل الله إذا التزم بالشروط التية : صلة وجها ً
عا في نظر السلم ،إن الله طيب ل -1أن يكون العمل مشرو ً
يقبل إل طيبا .
-2أن تصحبه النية الصالحة :نية المسلم إعفاف نفسه وإعفاف
أسرته ونفع أمته وعمارة الرض كما أمر الله .
-3أن يؤدى العمل بإتقان وإحسان ففي الحديث " إن الله كتب
الحسان على كل شىء " رواه مسلم .
-4أن يلتزم فيه حدود الله فل يظلم ول يخون ول يغش ول يجور
على حق غيره .
-5أل يشغله عمله الدنيوي عن واجباته الدينية .
ومن ثم صحح وجهتك تكن كل حياتك عبادة .
" إن السلم ليس أفعال ً تعد على الصابع دون زيادة أو نقص كل ..
إنه صلحية النسان للسير في الحياة وهو يؤدى رسالة محدودة
فالمهندس الذي يصنع آلة ما ل يعنيه كم تنتج من السلع والدوات وإنما
يعنيه أن تكون أجهزتها مستعدة على الدوام لنجاز ما تكلف به .
فصلحية العبادة للنطلق وصلحية المدفع للقذف وصلحية القلم
للكتابة هذه الصلحيات هي مناط الحكم على قيمة الشىء فإذا اطمأننا
إلى وجودها قبلناها ورجونا ثمرتها .
149
كذلك النسان .إن السلم يريد أن تستقيم أجهزته النفسية أول ً فإذا
توفرت لها صلحيتها المنشودة بصدق اليقين وسلمة الوجهة فكل عمل
تتعرض له في الحياة يتحول من تلقاء نفسه إلى طاعة الله .
إن آلة صك النقود يدخلها المعدن الغفل ) الخام ( فيخرج منها عملة
مالية غالية الثمن تحمل من اللوان والختام والشارات ما يجعلها شيًئا
آخر كذلك المسلم ..يعالج ما يعالج من شئون الدنيا فيضفى عليه من
طبيعة إيمانه وسناء وجهته ما يجعل أي عمل يقبل عليه يتحول في يده
إلى عبادة غالية القدر .
قال تعالى :بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه
ول خوف عليهم ول هم يحزنزن ] البقرة . [ 112 :
ففي شئون الحياة ليس للعمال الصالحة حصر تنتهى عنده ول رسم
تخريج فيه إنما هو إسلم الوجهة لله وإصلح العمل والبلوغ به حد
) هذا ديننا – الشيخ محمد الغزالي ( الكمال المطلوب " .
فالمسلم شعاره الدائم قول الله سبحانه وتعالى :قل إن صلتي
ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين .ل شريك له وبذلك أمرت وأنا
أول المسلمين ] النعام . [ 162:163 :
" إنه التجرد الكامل لله بكل خالجة في القلب وبكل حركة في الحياة
بالصلة والعتكاف وبالمحيا وبالممات والشعائر التعبدية وبالحياة
الواقعية وبالممات وما وراءه إنها تسبيحة التوحيد المطلق والعبودية
الكاملة تجمع الصلة والعتكاف والمحيا والممات وتخلصها لله وحده .
لله رب العالمين .القوام المهيمن المتصرف المربى الموجه الحاكم
للعالمين في إسلم كامل ل يستبقى في النفس ول في الحياة بقية ل
) يعبدها لله ول يحتجز دونه شيًئا في الضمير ول في الواقع " ..
في ظلل القرآن – أ /سيد قطب (
التقويم :
-1اشرح مفهوم العبادة الشامل .
-2حدد الشروط الواجب توافرها فى العمل حتى يصبح عبادة .
-3هل تحرص على أن تجعل أعمالك كلها عبادة لله عز وجل ؟
وضح ماذا تفعل .
الهدف المرحلي الخامس :أن يؤمن بضرورة تطبيق منهج السلم فى
المجتمع
الهداف الجرائية السلوكية :
أن يكتب الدارس تصوره عن واقع تطبيق السلم فى نواحي الحياة فى -1
مجتمعه .
أن يحدد الدارس دوره فى إقامة المجتمع المسلم . -2
أن يوضح الدارس مدى إسهامه فى تحقيق إقامة المجتمع المسلم . -3
" إن السمة المميزة لطبيعة المجتمع المسلم هي أن هذا المجتمع
يقوم على قاعدة العبودية لله وحده في أمره كله ..هذه العبودية التي
دا رسول الله .. تمثلها وتكّيفها شهادة أن ل إله إل الله ..وأن محم ً
وتتمثل هذه العبودية في التصور العتقادي كما تتمثل في الشعائر
التعبدية كما تتمثل في الشرائع القانونية سواء .
دا لله وحده من ل يعتقد بوحدانية الله سبحانه . فليس عب ً
150
وقال الله ل تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياى فارهبون .
وله ما في السماوات والرض وله الدين واصًبا أفغير الله تتقون
] النحل . [ 52-51 :
دا لله وحده من يتقدم بالشعائر التعبدية لحد غير الله معه أو ليس عب ً
من دونه قل إن صلتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين
لشريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ] النعام . [ 162:163 :
دا لله وحده من يتلقى الشرائع من أحد سوى الله عن " وليس عب ً
الطريق الذي بلغنا الله به وهو رسول الله .
أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله
] الشورى ) [ 21 :معالم في الطريق أ /سيد قطب (
فأين نحن من تعاليم السلم يقول الستاذ البنا :
ما وأنزل صل أحكا ً ما ،وف ّ ما ،ووضع لكم نظا ً " إن الله بعث لكم إما ً
ما وأرشدكم إلى ما فيه خيركم وسعادتكم كتاًبا وأحل حلل ً وحّرم حرا ً
وهداكم سواء السبيل .فهل اتبعتم امامه واحترمتم نظامه وأنفذتم
أحكامه وقدستم كتابه وأحللتم حلله وحرمتم حرامه ؟
كونوا صرحاء في الجواب وسترون الحقيقة واضحة أمامكم .....
....أهذا هو السلم الذى أراده الله أن يكون رحمته العظمى ومنته
الكبرى على العالمين ؟
أهذا هدي محمد الذى أراد أن يخرج الناس من الظلمات إلى النور ؟
أهذا هو تشريع القرآن الذى عالج أدواء المم ومشكلت الشعوب
ووضع للصلح أدق القواعد وأرسخ الصول .....
دا دفاقا قد ة وتياًرا شدي ً من الحق أن نعترف بأن موجة قوية جارف ً
طغى على العقول والفكار في غفلة من الزمن ،وغرور من أمم
السلم وانغماس منهم في الترف والنعيم فقامت مبادئ ودعوات
وظهرت نظم وفلسفات وتأسست حضارات ومدنيات ونافست هذه كلها
فكرة السلم في نفوس أبنائها وغزت أممه في عقر دارها وأحاطت
بهم من كل مكان ودخلت عليهم بلدانهم وبيوتهم ومخادعهم بل احتلت
قلوبهم وعقولهم ومشاعرهم " .
لكل هذه السباب والظروف وجب على المسلم أن يعمل على تطبيق
منهج السلم في نفسه وأهله ووطنه وأمته .
ورحم الله من قال " أقيموا دولة السلم في قلوبكم تقم على
أرضكم "
* لن العمل على إقامة دين السلم بداءة تكليف من الله سبحانه
حا والذى أوحينا وتعالى قال : شرع لكم من الدين ما وصى به نو ً
إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ول تتفرقوا
فيه ] الشورى . [ 13 :
كما أن العمل على تطبيق منهج السلم فى المجتمع المسلم دليل
على صدق اليمان قال تعالى :فل وربك ل يؤمنون حى يحكموك
جا مما قضيت ويسلموا فيما شجر بينهم ثم ل يجدوا في أنفسهم حر ً
تسليما ] النساء . [ 65 :
* كما أن تطبيق منهج السلم فى المجتمع وتحكيم شرع الله سبحانه
وتعالى أمر من الله سبحانه وتعالى لرسوله وللمؤمنين من بعده :
وأن احكم بينهم بما أنزل الله ول تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن
بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض
151
ذنوبهم وإن كثيًرا من الناس لفاسقون .أفحكم الجاهلية يبغون ومن
ما لقوم يوقنون " ] المائدة . [ 50 :49 :
أحسن من الله حك ً
والطريق إلي تطبيق السلم فى المجتمع محدد الخطوات معلوم المراحل :
" -1نريد أول الرجل المسلم في تفكيره وعقيدته في خلقه
وعاطفته وتصرفه فهذا هو التكوين الفردي .
-2ونريد بعد ذلك البيت المسلم في تفكيره وعقيدته وفي خلقه
وعاطفته وعمله وتصرفه فهذا هو تكويننا السري .
ضا .
-3ونريد بعد ذلك الشعب المسلم في ذلك كله أي ً
-4نريد بعد ذلك الحكومة المسلمة التى هي نتاج هذا الشعب
المسلم والتى تقوده إلى المسجد وتحمل الناس على هدي السلم
من بعد كما حملهم على ذلك أصحاب رسول الله أبي بكر وعمر
من قبل .
التقويم :
-1اكتب تصورك عن واقع تطبيق السلم فى نواحي الحياة فى
مجتمعك .
-2حدد ما دورك فى إقامة المجتمع المسلم .
-3وضح مدى إسهامك فى تحقيق إقامة المجتمع المسلم .
الهدف المرحلي السادس :أن تنتفي لدي الدارس أي شبهات حول
الفهم الصحيح للسلم
الهداف الجرائية السلوكية :
-1أن يحدد الدارس أهم الشبهات التي تثار حول الفهم الصحيح
للسلم .
-2أن يوضح الدارس الغرض من إثارة هذه الشبهات ومن وراء
إثارتها .
أن يفند الدارس الشبهات التي تثار حول الفهم الصحيح -3
للسلم .
-من أهم الشبهات التي تثار حول السلم :
) كثير من المسلمين في كثير من العصور خلعوا على السلم نعوًتا
ما
ما من عند أنفسهم ,واستخدموا مرونته وسعته استخدا ً وأوصا ً
فا ورسو ً
ضاًرا مع أنها لم تكن إل للحكمة السامية ,فاختلفوا في معنى السلم
ما ,وانطبعت للسلم في نفوس أبنائه صورا ً عدة تقرب أو فا عظي ًاختل ً
تبعد أو تنطبق على السلم الول الذي مثّله رسول الله وأصحابه خير
تمثيل.
فمن الناس من ل يرى السلم شيًئا غير حدود العبادة الظاهرة
فإن أداها أو رأى من يؤديها اطمأن إلى ذلك ورضي به وحسبه قد وصل
إلى لب السلم ,وذلك هو المعنى الشائع عند عامة المسلمين.
ومن الناس من ل يرى السلم إل الخلق الفاضل والروحانية الفياضة ,
والغذاء الفلسفي الشهي للعقل والروح ,والبعد بهما عن أدران المادة
الطاغية الظالمة.
ومنهم من يقف إسلمه عند حد العجاب بهذه المعاني الحيوية العملية
في السلم فل يتطلب النظر إلى غيرها ول يعجبه التفكير في سواها.
152
ومنهم من يرى السلم نوع من العقائد الموروثة والعمال التقليدية
التي ل غناء فيها ول تقدم معها ,فهو متبرم بالسلم وبكل ما يتصل
قفواحا في نفوس كثير من الذين ث ُ ّ
بالسلم ,وتجد هذا المعنى واض ً
ثقافة أجنبية ولم تتح لهم فرص حسن التصال بالحقائق السلمية فهم
ل ,أو عرفوه صورة مشوهة بمخالطة من لم يعرفوا عن السلم شيًئا أص ً
لم يحسنوا تمثيله من المسلمين ( .رسالة المؤتمر الخامس أ /البنا
كما يعاني كثير من " المثقفين " اليوم أزمة عنيفة بإزاء الدين 0
فأخذوا يرددون بعضا ً من الشبهات التي تدل على أنهم لم يفهموا
السلم فهما ً صحيحا ً ولم يعرفوا حقيقته ،ومن هذه الشبهات :
السلم استنفد أغراضه . -1
السلم دين جامد ل يتفاعل مع الحضارة الحديثة ويصطدم -2
بالعلم .
-3السلم دين المذهبية والتفرق والتطاحن ...ونجد كثيرا ً من
المسلمين يكفر بعضهم بعضا .
-4السلم دين البدع والخرافات والموالد والتمسح بالضرحة
والتوسل بالموات والتكال وترك العمل ..وإهدار الجهود والطاقات
فيما ل ينبني عليه عمل .
-5السلم يضع كهنوتا ً وقدسية وسلطة عظيمة لرجال الدين ..
ولمام المسلمين ) للحاكم أو الخليفة ( فالحلل ما يرى والحرام ما
يحرم والشرع ما شرع ...ومصلحة المة فيما قرره الخليفة ...
والمسلم عليه أن يتبع المام ول يخالفه ...و إل فهو خارج علي
الخليفة مخالفا ً لولي المر !! ..
-6أين حقوق غير المسلمين من الطوائف الخرى في المجتمع
السلمي ؟!! .
-الغرض من إثارة الشبهات ومن يثيرها ؟! :
وينبغي أول ً أن يعرف هذا اللون من " المثقفين " من أين جاءتهم هذه الشبهات
،ليعرفوا إن كانوا وهم يرددونها أصلء في التفكير ،أم مقلدين ،يرددون مال يفهمون
0
إنها قطعا ً ليست شبهاتهم الخاصة ،ول هي نتيجة تفكيرهم الذاتي ،ولنرجع
خطوات إلى الوراء لنعرف شيئا ً من التاريخ الحديث
في العصور الوسطي قامت الحروب الصليبية بين أوربا والعالم السلمي ،
واستعر أوارها 0ثم سكتت بعد فترة من الزمان ،ولكن يخطىء من يظن أنها انتهت
حينذاك 0فها هو ذا اللورد اللنبي يقول في صراحة كاملة حين استولى على بيت
المقدس في الحرب العظمى الولى ) :الن انتهت الحروب الصليبية ( ! !
وفي القرنين السابقين أخذت أوربا المستعمرة تزحف على العالم السلمي ،
وفي سنة 1882دخل النجليز مصر ،بعد خيانة توفيق وتآمره مع جيش الحتلل ضد
الثورة الشعبية بزعامة عرابي 0ولم يكن بد للنجليز من سياسة يثبتون بها أقدامهم
في العالم السلمي ،ويأمنون بها الروح السلمية أن تشتد فتعصف بهم في يوم
قريب 0وهنا ندع مستر جلدستون رئيس الوزارة البريطانية في عهد الملكة فكتوريا
يتحدث في صراحة ووضوح عن هذه السياسة ،فيمسك بيده المصحف ويقول لعضاء
153
مجلس العموم " :إنه ما دام هذا الكتاب بين أيدي المصريين ،فلن يقر لنا قرار في
تلك البلد " 0
وإذن فقد كانت السياسة المطلوبة هي توهين عَُرى الدين ،ونزع قداسته من
نفوس أهله ،وتشويه صورته في أفكارهم وضمائرهم ،لينسلخوا منه ،وينفروا من
التمسك بأحكامه وآدابه ،حتى يستطيع المستعمرون أن يستقروا في هذه البلد !
وكذلك صنع النجليز في مصر 0فقد وضعوا سياسة تعليمية ل تدرس شيئا ً عن
حقيقة السلم ،سوى أنه عبادات وصلوات ،وأذكار ومسابح وطرق صوفية ،وقرآن
يقرأ من أجل " البركة " ،ودعوات نظرية إلى مكارم الخلق ! أما السلم كنظام
اقتصادي واجتماعي ،أما السلم كنظام للحكم ودستور للسياسة الداخلية والخارجية ،
أما السلم كنظام للتربية والتعليم 00أما السلم كحياة ومهيمن على الحياة 00فلم
يدرس منه شيء للطلب ،وإنما درست لهم بدل ً منه الشبهات التي وضعها
المستشرقون وغيرهم من الصليبيين الوربيين 0ليفتنوا بها المسلمين عن دينهم ،
تنفيذا ً لغرض الستعمار الخبيث 0
وسوف نتناول فيما يلي الرد علي هذه الشبهات وتفنيدها ،ولكننا نحب أن ننبه
إلى أن إيراد الشبهة التي يثيرها أعداء السلم ثم الرد عليها بما يبطلها 0ل يعني أن
نعطي الشبهة لونا من الهمية ل تستحقه ،ولونا ً من الشرعية يستوجب منا الحتفال
والهتمام .ولكننا سنعرض إلى بعض منها من باب الحرص على أن يفهم أبناؤنا الفهم
الصحيح للسلم ،وأن نحصن أبناءنا من خطورة ما يثيره أعداء السلم ،بل وكي
يستطيع الدارس أن يرد تلك الشبهات وهذه السهام في نحور من يثيرها ويطلقها .
كما أننا نؤكد أن الرد الحقيقي عليهم ليس هو الدخول في معركة جدلية معهم ،
ولو أفحمهم الرد في لحظتهم ! إنما الرد الحقيقي على خصوم السلم هو إخراج
نماذج من المسلمين تربت على حقيقة السلم ،فأصبحت نموذجا ً تطبيقيا ً واقعيا ً لهذه
الحقيقة ،يراه الناس فيحبونه ،ويسعون إلى الكثار منه ،وتوسيع رقعته في واقع
الحياة 0هذا هو الذي " ينفع الناس فيمكث في الرض " ،وهذا هو مجال الدعوة
الحقيقية للسلم 0شبهات حول السلم أ /محمد قطب
-أن يفند الدارس الشبهات التي تثار حول السلم :
الشبهة الولى :السلم استنفد أغراضه .
الذين يخطر فى بالهم أن السلم قد استنفد أغراضه ،ل يعرفون لماذا جاء
السلم 0إنهم – كما حفظوا فى دروس التاريخ التي وضعها الستعمار لتدرس فى
المدارس – يعرفون أن السلم قد نزل لمنع عبادة الصنام وتوجيه الناس إلى عبادة
الله 0وكان العرب يعيشون قبائل متفرقة متناحرة فألف بينهم ،وجعلهم أمة واحدة 0
وكانوا يشربون الخمر ،ويلعبون الميسر ،ويرتكبون المفاسد الخلقية ،فنهاهم عن
ذلك ،وحرمه عليهم 0كما حرم عليهم بعض العادات السيئة ،كالخذ بالثأر ووأد
البنات و 000ألخ 0ودعا السلم المؤمنين به لنشر الدعوة فقاموا بنشرها ،وقامت
الحروب والغزوات التي انتهت بانتشار السلم إلى حدوده المعروفة اليوم 0
فقط 0تلك كانت مهمة السلم ! وإذن فهي مهمة تاريخية قد انتهت اليوم
واستنفدت أغراضها 00ليس فى العالم السلمي اليوم من يعبد الصنام 0والقبائل
قد ذابت – قليل ً أو كثيرا ً – فى أمم وشعوب 0والخمر والميسر والمسائل الخلقية
متروك أمرها " لتطور " المجتمع 0وقد وجدت رغم تحريم الديان لها ،فل فائدة من
المحاولة 00ونشر الدعوة قد انتهى ،ولم يعد له مكان فى التاريخ الحديث 00وإذن
154
فقد استنفد السلم أغراضه ،وعلينا اليوم أن نتجه إلى " المباديء الحديثة " ففيها
وحدها الغناء 0
ذلك وحي الدراسات التى ندرسها لبنائنا فى المدارس ،وهو كذلك وحي ما
يسمونه " المر الواقع " كما يتبدى فى الذهان الضعيفة والنفوس المستعبدة لسلطان
الغرب 0ولكن هؤلء وأولئك ل يدركون فيما نزل السلم 0
ونكتفي هنا بالشارة إلى الحقائق التالية -:
أول ً " :السلم نظام شامل يتنــاول مظــاهر الحيــاة جميعهــا فهــو دولــة
ووطن ،أو حكومة وأمة ،وهو خلق وقوة ،أو رحمة وعدالة ،وهو ثقافــة
وقانون ،أو علم وقضاء وهو مــادة وثــروة ،أو كســب وغنــى وهــو جهــاد
ودعوة أو هو جيش ،وفكــرة كمــا هــو عقيــدة صــادقة وعبــادة صــحيحة ..
سواءً بسواء " .من الصول العشرين لفهم السلم للمام حسن البنا .
ثانيا ُ :أن السلم لم يكن دعوة نظرية 0وإنما كان نظاما ً عمليا ً يعرف حاجات
الناس الحقيقية ويعمل على تحقيقها 0
ثالثا ً :أنه فى سبيل تحقيق هذه الحاجات يسعى إلى التوازن بين حاجات الجسد
وحاجات العقل وحاجات الروح ،ول يترك جانبا منها يطغى على جانب آخر 0فل يكبت
الطاقة الحيوية في سبيل الرتفاع بالروح ،ول يبالغ في الستجابة لشهوات الجسد
إلى الحد الذي يهبط بالنسان إلي مستوى الحيوان ،ويجمع بين ذلك كله فى نظام
موحد ل يمزق النفس الواحدة بين الشد والجذب ،ول يوجهها وجهات شتي متناقضة 0
ثم يوازن ثانيا ً بين مطالب الفرد ومطالب المجتمع ،فل يطغى فرد على فرد ،ول
يطغي الفرد على المجتمع ،ول المجتمع على الفرد ،ول طبقة على طبقة ،ول أمة
على أمة 0
رابعا ُ :أن السلم فكرة اجتماعية ونظام اقتصادي قائم بذاته 0هو نظام وسط
يعترف بالفرد ويعترف بالمجتمع ،ويوازن بينهما 0فيمنح الفرد قدرا ً من الحرية يحقق
به كيانه ول يطغي به على كيان الخرين ،ويمنح المجتمع – أو الدولة ممثلة المجتمع –
سلطة واسعة في إعادة تنظيم العلقات الجتماعية والقتصادية كلما خرجت عن
توازنها المنشود 0وكل ذلك على أساس الحب المتبادل بين الفراد والطوائف ،ل
على أساس الحقد والصراع .
والعالم الغارق في الستعمار والستعباد ،الذي يصل إلى درجة الوحشية ،ما
يزال يحتاج إلي وحي السلم الذي حرم الستعمار بقصد الستغلل ،وعامل البلد
التي فتحها – بقصد نشر الدعوة – معاملة ما تزال في نظافتها وارتفاعها قمة ل تصل
إليها أبصار القزام في أوربا " المتحضرة " 0فيقرر عمر بن الخطاب ضرب ابن عمرو
بن العاص ،ويكاد يضرب عمرا ً نفسه ،وهو القائد المظفر والحاكم المبجل ،لن ابنه
ضرب شابا ً مصريا ً قبطيا ً بغير وجه حق !
والعالم المفزع من الحرب ما يزال يحتاج إلى قيام السلم ،لن ذلك وحده هو
سبيله الواقعي إلى السلم ،لفترة طويلة من الزمان 0
كل ! لم يستنفد السلم أغراضه 0وإن دوره في مستقبل البشرية التائهة الن
ل يقل بحال عن دوره الهائل الذي أنار به وجه الرض ،حينما كانت أوربا ما تزال في
عصر الظلمات 0
*** *** ***
155
الشبهة الثانية :السلم ..والحضارة
أتريدون أن ترجعوا بنا ألف سنة إلى الوراء 00إلى عهد الخيام ؟ إنه دين جامد ل
يتفاعل مع الحضارة الحديثة ،ول مناص من نبذه إذا أردنا أن نتحضر كبقية خلق الله !
شبهة غبية ل يقول بها أحد درس تاريخ هذا الدين 0وإل فأين ومتى وقف السلم فى
طريق الحضارة ؟
لقد نزل السلم – فيما نزل – فى قوم نصفهم من العراب ،بلغ من جفوتهم
وغلظة قلوبهم أن يقول فيهم القرآن " :العراب أشد كفرا ً ونفاقا ً وأجدر أل يعلموا
حدود ما أنزل الله على رسوله " فكانت معجزته العظمي أن جعل من هؤلء الغلظ
الجفاة أمة من الدميين ،ل يكتفون بأنهم اهتدوا بهدي الله فارتفعوا من حيوانيتهم إلى
أفاق النسانية الرفيعة ،بل أصبحوا هم أنفسهم هداة البشرية يدعونها إلى هدى الله
0وذلك وحده برهان على ما في هذا الدين من قدرة عجيبة على تحضير الناس
وتهذيب النفوس 0
ولكن السلم لم يكتف بهذا العمل الجبار فى داخل النفوس 0وهو العملية
الحقيقية التي تستأهل الجهد وتستحق التسجيل ،لنها الهدف الخير من كل المدنيات
والحضارات 00لم يكتف السلم بهذا التهذيب العميق للفكار والمشاعر ،بل ضم
إليه كل مظاهر المدنية التي يهتم بها الناس اليوم ويحسبونها لباب الحياة ،فتبني كل
الحضارات التي وجدها فى البلد المفتوحة فى مصر وفارس وبلد الروم ،ما دامت ل
تخالف عقيدته في وحدانية الله ول تصرف الناس عن الخير الواجب لعباد الله 0ثم
تبنى كل الحركة العلمية التي كانت لدي اليونان من طب وفلك ورياضة وطبيعة
وكيمياء وفلسفة ،ثم أضاف إليها صفحات جديدة تشهد بتعمق المسلمين فى البحث
واشتغالهم الجدي بالعلم ،حتى كانت خلصة ذلك كله فى الندلس هى التي قامت
عليها نهضة أوربا الحديثة وفتوحاتها فى العلم والختراع 0
فمتي ؟ متى وقف السلم في وجه حضارة نافعة للناس ؟
أما موقف السلم من الحضارة الغربية السائدة اليوم فهو موقفه من كل حضارة
سابقة 0يتقبل كل ما تستطيع أن تمنحه من خير ،ويرفض ما فيها من شرور 0فهو ل
يدعو – ولم يدع قط – إلى عزلة علمية أو مادية ،ول يعادي الحضارات الخرى معاداة
شخصية أو عنصرية ،ليمانه بوحدة البشرية واتصال الوشائج بين البشر من جميع
الجناس وجميع التجاهات 0
وكذلك لم تقف الدعوة السلمية دون التفاعل مع التجارب العلمية التي تنتجها
البشرية فى أي مكان على الرض 0فكل تجربة بشرية صالحة هي غذاء يجب أن
يجربه المسلمون ،وقد قال الرسول " : rطلب العلم فريضة " والعلم حين يطلق
هكذا يشمل كل علم ،وقد كانت دعوة الرسول إلى العلم كافة ،ومن كل سبيل 0
والسلم عمل على تحرير العقل من الخرافة 00فقد كانت البشرية غارقة فى
خرافات عدة ،بعضها صنعه البشر ونسبوه إلى آلهتهم التى صنعوها بأيديهم ،وبعضها
صنعه رجال الدين ونسبوه إلى الله ! وكلها نشأ من الجهالة التى كان يعيش فيها
العقل البشري فى طفولته ،فجاء السلم ليخلص البشرية من الخرافة ممثلة في
اللهة المزعومة ,وفي أساطير اليهود وخرافات الكنيسة ,ويردهم إلي الله الحق ,
في صورة بسيطة يفهمها العقل ويدركها الحس ويؤمن بها الضمير ,ويدعوهم إلي
إعمال عقلهم لتفهم حقائق الحياة ,ولكن في صورة فريدة ل تقيم خصومة بين العقل
والدين ,ول بين الدين والعلم 0ل تضطر النسان إلي اليمان بالخرافة ليؤمن بالله ,
ول تضطره إلي الكفر بالله ليؤمن بحقائق العلم 0وإنما تقر في ضميره في استقامة
156
ووضوح أن الله قد سخر للناس ما في الكون جميعا ً 0وأن كل حقيقة علمية يهتدون
إليها ,أو نفع مادي يحصلون عليه فإنما هو توفيق من الله ,يستحق أن يشكروا الله
من أجله ويحسنوا عبادته ,وبذلك يجعل المعرفة جزءا ً من اليمان ,ل عنصرا ً مخالفا ً
لليمان 0
كما ورد في الصول العشرين لفهم السلم ما يدلل على ذلك :
" والسلم يحرر العقل ويحث على النظر فى الكــون ويرفـع قــدر العلــم
والعلماء ويرحب بالصالح النافع من كل شئ والحكمه ضاله المــؤمن أنــى
وجدها فهو أحق الناس بها "
السلم حرر العقل من الجمود أو عبارة إرث الباء ) وإذا قيل لهم اتبعــوا مــا أنــزل
الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا ( سورة لقمان آية ). (21
والسلم يحرر العقل من المهانة النسانية الكبرى وهى عبـاده الوثـان .أكــبر إكــرام
للعقل وضعه في دائرة الماديات كيفما شاء أما الغيبيــات فقــد أرســل إليــه المرســلين
والنبياء بحجج عقلية بليغة هى معجزه تصدقه وذلك فى ذاتــه خطــاب للعقــل البشــرى
) قل سيروا فى الرض فانظروا كيف بدأ الخلق ( .
والعقل هو قدرة جبارة من لدن الله عز وجل ،ولكن له مجاله وحدوده ،ول يمكــن
أن يحدث تصادم بين النظر الشرعي والنظر العقلي في المور القطعية الثابتة ،وهــذا
ما أوضحه الصل القائل :
" وقد يتناول كل من النظر الشرعي ،والنظر العقلي ما ل يدخل فــى دائرة الخــر ،
ولكنهما لن يختلفا فى القطعي فلن تصــطدم حقيقــة علميــة صــحيحة بقاعــدة شــرعية
ثابتة ،ويؤول الظني منهما ليتفق مع القطعي ،فان كانا ظنيين فالنظر الشرعي أولــى
بالتباع حتى يثبت العقلي أو ينهار"
*** *** ***
الشبهة الثالثة :السلم ...والمذهبية
" السلم دين المذهبية والتفرق والخلف وما أدل علــى ذلــك مــن حــال
المسلمين وتعدد المذاهب والتطاحن بينها وتعــدد الفــرق والجماعــات ...
واتهام بعضها بعضا ً بالكفر : " ..
} إن الختلف المذموم يؤدى إلى تفرق الكلمــة وتعـادى المــة ،وتنـازع الطـوائف ،
ويلبسها شيعا ً ويذيق بعضــها بـأس بعـض .وهـو مـا حـذر منــه القــرآن الكريـم والسـنة
المطهرة أشد تحذير ،يقول القرآن الكريم بعد المر بتقوى اللــه حــق تقــاته ،والثبــات
على السلم إلى الممات " :واعتصموا بحبل الله جميعا ً ول تفرقوا واذكروا نعمة اللــه
عليكم إذ كنتم أعداًء فألف بين قلوبكم فأصــبحتم بنعمتــه إخوانــا " )ســورة آل عمــران
( 103وفى هذا السياق يقول سبحانه " :ول تكونوا كالذين تفرقوا واختلفــوا مــن بعــد
مــا جــاءهم البينــات وأولئك لهــم عــذاب عظيــم " )ســورة آل عمــران . ( 105ويــوجه
الرسول والمؤمنين فى موضع آخر فيقول " :منيبين إليــه واتقــوه وأقيمــوا الصــلة ول
تكونوا من المشركين .مــن الــذين فرقــوا دينهــم وكــانوا شــيعا ً كــل حــزب بمــا لــديهم
ذر القرآن من التفرق أيما تحذير ،ومن ذلك فرحون " ) سورة الروم . ( 32 ، 31وح ّ
قوله تعالى " :قل هو القــادر علـى أن يبعــث عليكــم عــذابا ً مــن فــوقكم أو مــن تحــت
أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويــذيق بعضــكم بــأس بعــض ") النعــام . ( 65فجعــل تفريــق
المة شيعا ً ،يذوق بعضها بأس بعض ،مـن أنــواع العقوبـات القدريـة الـتى ينزلهـا اللـه
157
بالناس إذا انحرفوا عن طريقه ولم يعتبروا بآيــاته ،وقرنهــا القــرآن بــالرجم ينــزل مــن
فوقهم كالذى نزل بقوم لوط ،وبالخسف يقع من تحت أرجلهم كالــذى وقــع لقــارون .
وقال تعالى " :إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ً لست منهم فـى شـىء إنمــا أمرهــم
إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون " ) النعام . ( 159جــاء عــن ابــن عبــاس أن هــذه
الية نزلت فى اليهود والنصارى ،الذين تفرقوا واختلفوا فى دينهــم .وجــاء عــن غيــره
أنهم أهل البدع ،وأهل الشبهات ،وأهل الضللة من هذه المة { .الصحوة الســلمية
بين الختلف المشروع والتفرق المذموم د /يوسف القرضاوى
-طبيعة الخلف بين الناس :
قضت مشيئة الله تعالى خلق النــاس بعقــول ومــدارك متباينــة إلــى جــانب اختلف
اللسنة واللوان والتصورات والفكار قال تعالى :
" ومن آياته خلق السماوات والرض واختلف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك ليات
للعالمين" 69وكل تلك المور تفضي إلى تعدد الراء والحكام وتختلف باختلف قائليها.
وإذا كان اختلف ألســنتنا وألواننــا ومظــاهر خلقنــا آيــة مــن آيــات اللــه تعــالى فـإن
اختلف مداركنا وعقولنا وماتثمره تلك المدارك والعقول آية من آيات الله تعالى كذلك
ودليل من أدلة قدرته البالغة وإن إعمار الكون وازدهار الوجود ،وقيام الحياة ل يتحقق
أي منها لو أن البشر خلقوا سواسية في كل شيء وكل ميسر لما خلق لــه "ولــو شــاء
ربك لجعل الناس أمة واحدة ول يزالون مختلفين إل من رحم ربك ولذلك خلقهم".70
فقد شاء الله أن تتنوع استعدادات النسان واتجاهاته وأن يوهب القدرة على حرية
التجاه وأن يختار هو طريقه ويحمل تبعة الختيار …
فكان من مقتضى هذا أن يكون النــاس مختلفيــن وأن يبلــغ هــذا الختلف حــتى أن
يكون فى أصول العقيدة إل الذين أدركتهم رحمة الله ) .فى ظلل القرآن ( .
وورد في هذا أحد أصول فهم السلم :
" والخلف الفقهي في الفروع ل يكون سببا للتفــرق فــي الــدين ول
يؤدى إلى خصومة ،ول بغضاء ولكل مجتهد أجره ،ول مانع مـن التحقيـق
العلمي النزيه ،في مسائل الخلف ،في ظل الحــب فــي اللــه والتعــاون
على الوصول إلى الحقيقة مــن غيــر أن يجــر ذلــك إلــى المــراء المــذموم
والتعصب “
الخلف دائما يكون فــى الفــروع وليــس فــى الصــول لن أصــول العقــائد ل تتعــدد
وكذلك الخلق ول يكون هناك نسخ فى العقائد ول الخلق فإن الحق واحد فى العقائد
والخلق ويمكن أن يتعدد الحق فى الشرائع ،فى الحكام الفرعية لنها إن شاء اللــه -
عز وجل -قد تتغير من شريعة إلى أخرى حسب ظروف المة .
إن الختلف الذي وقع في سلف هذه المة – ول يزال واقعا ً – جزء من هــذه الظــاهرة
الطبيعية فإن لم يتجاوز الختلف حدوده بل التزمت المة بــآدابه كــان ظــاهرة إيجابيــة
كثيرة الفوائد . 71
وهذا الخلف يجب أن يكون فى إطار الخلف المحمود ،و أل يؤدى إلى تفرق
مذموم ،بل يستغل هذا الخلف في إثراء الراء النافعة وتعددها ،حتى ينتفع بكل
158
الجهود والراء فيما فيه صالح الفرد والمجتمع والمة بأسرها .وإلى هذا يشير قول
القائل " :نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا ً فيما اختلفنا فيه " و " الخلف
فى الرأي ل يفسد للود قضية " .
-ويجب الحذر كل الحذر مــن التعصــب للراء والتعــرض للشــخاص والهيئات بطعــن أو
تجريح وذلك حرصا ً على وحدة المـة وجمـع الكلمــة علـى الصــول الـتي ل خلف فيهــا
) الكتاب والسنة ( ولهذا نورد هذا القول " :وكل أحد يؤخذ من كلمه ويــترك إل
المعصوم صلى الله عليه وسلم ،وكل ما جــاء عــن الســلف رضــوان اللــه
عليهم موافقا للكتاب والسنة قبلنــاه ،وإل فكتــاب اللــه ،وســنة رســوله
أولى بالتباع ،ولكننا ل نعــرض للشــخاص فيمــا أختلــف فيــه بطعــن ،أو
تجريح ونكلهم إلى نياتهم ،وقد أفضوا إلى ما قدموا “
وهذا يعالج الميل القلبي لقوال العلماء والتعصب لها فل عصمة لحــد غيــر رســول
الله -صلى الله عليه وسلم -وذلك المر هام في أخذ الحكام الشــرعية حــتى ل يحيــد
المسلم عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عيه وسلم لقول أحد مــن البشــر مهمــا
كان ،يقول المام الشافعي -رضي الله عنه -وأرضاه ،وغيره من الئمة المحققين “
إذا صح الحديث فهو مذهبي وإذا خـالف قــولي حـديث رســول اللـه -صــلى اللـه عليــه
وسلم -فاضربوا بقولى عرض الحائط " ،إذن كلم الســلف يعــرض علــى كتــاب اللــه
وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم -فما وافقه أخذناه ،ومــالم يــوافقه تركنــاه دون
طعن ،ول تجريح
-أما الذين ينحرفون في منعطف التكفير فيكفيهم هــذه القاعــدة الشــرعية الــتي يقـي
التزامها من الوقوع في هذا المنزلق " :ل نكفر مسلما أقر بالشهادتين وعمل
بمقتضاهما وأدى الفــرائض بــرأي أو معصــية إل أن أقــر بكلمــه الكفــر أو
أنكر معلوما من الدين بالضرورة أو كــذب صــريح القــرآن أو فســره علــى
وجه ل تحتمله أساليب اللغة العربية بحال أو عمــل عمل ل يحتمــل تــأويل
غير الكفر " فإقرار الفرد بالشهادتين يعطيه حق السلم ول يســلبه منــه إل مــا نــص
الشرع على أنه يخرج الفرد من الملة .
*** *** ***
الشبهة الرابعة :السلم ...والبدع
السلم دين البدع والخرافات ..والموالد والتمسح بالضرحة ..وطلــب الحــوائج مــن
الموات الصالحين ..ويدعو إلى التكال وترك العمل والخوض في مسائل ل نفــع مــن
ورائها ...ويدعو إلى صلح القلب ونظافته ودعك من العمل ..كما يقول بعــض العامــة
) طالما القلب نظيف ففيه كفاية ..ول يهم العمل ( :
ونترك الرد للمام البنا من خلل قراءة سريعة للصول العشرين لفهم السلم وهو
يتناول فيها هذه المور في ســهولة ويســر ووضــوح وجلء ...لكــل ذي لــب وبصــيرة ..
فنجده يقول :
" والتمائم والرقــى والــودع والرمــل والعرافــة والكهانــة وادعــاء معرفــة
الغيب وكل ما كان مــن هــذا البـاب منكـر يجـب محـاربته إل مـا كـان مـن
القرآن أو رقية مأثورة "
هذا الصل يتعلق بأمور العتقاد بأن يعتقد المسلم أن الله وحده قدر الشياء وهــو
العتقاد السليم وقد يفسد هذا العتقاد توهم ضر ونفع رقــى أو تمــائم لحــديث رســول
الله -صلى الله عليه وسلم " -من علق تميمة فل أتم الله له " .
ويستثنى من الرقى ما ورد فى القرآن مثل سورة الفلق والفاتحة والنــاس وبعــض
الرقى المأثورة عن رسول الله -صلى الله عليه وســلم -فقــد ورد فــى حــديث تعويــذ
159
البناء أنه كان يقول " أعيذك بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عيــن
لمة “ .
ويقول أيضا " :وكل بدعة فــي ديــن اللــه ل أصــل لهــا استحســنها النــاس ً
بأهوائهم بالزيادة فيه ،أو بالنقص منه ضللة ،تجب محاربتها ،والقضــاء
عليها بأفضل الوسائل التي ل تؤدى إلى ما هو شر منها "
البدعة :كل أمر ل أصل له فى الدين ،والمبتــدع يــأتي فــي الــدين بــأمر مخــترع ل
أصل له على غير مثــال ســبق ،وهــى تتــدرج مــن الكبــائر إلــى صــغائر المــور ،وبهــذا
التعريف تخرج البدعة إذا كانت في المور الدنيوية من دائرة الحرام ،إل إذا اصطدمت
بما جاء في الشرع ،مثل الكل والشرب فى صحاف من ذهب ،أو الفضة ،أما ركوب
عا في الدين ،وإنما يسمى بدعــة السيارة بدل البعير فليس بدعة دينية لنه ليس اخترا ً
صا ،أو قاعدة شرعية . من جهة اللفظ فقط ،وهذه ل حرمة فيها ،إل إذا خالفت ن ً
ويفصل البدع أكثر فيقول " :والبدعة الضافية ،والتركيــة ،واللــتزام فــى
العبــادات المطلقــة خلف فقهــي لكــل فيــه رأى ،ول بــأس بتمحيــص
الحقيقة بالدليل ،والبرهان " .
البدعة التي لها أصل فى الدين ،وتختلف فى كيفيتها ،فتنقسم إلى قسمين :
-1البدعة التركية :مثل ترك سنة الجمعة البعدية ،والمداومة على ذلك ،ومثــل
ترك الصلة على النبى -صلى الله عليه وسلم -فى التشهد .
-2البدعة الضافية :مثل الصلة على النبى -صلوات الله عليه وتسليماته -بعد
الذان بصوت مرتفع مثل صوت الذان .
أما اللتزام فـى العبـادات المطلقـة مثـل أن يصـلى المـرء ثمـانى ركعـات بعـد
الظهر ،ويواظب على ذلك
وأما طلب الحوائج من الموات الصالحين وزيارة الضرحة والتمسح بها فمن المــور
التي تتنافى مع الشرع ويجب أن نعلم أن ":محبة الصالحين واحترامهم والثناء
عليهم بما عرف من طيب أعمالهم قربى إلى الله تعــالى -والوليــاء هــم
المذكورون في قوله تعالى " الذين امنوا وكانوا يتقون " والكرامة ثابتــة
لهم بشرائطها الشرعية مع اعتقاد أنهم رضــوان اللــه عليهــم ل يملكــون
لنفسهم نفعا ول ضرا في حيـاتهم أو بعـد ممـاتهم فضـل عـن أن يهبـوا
شيئا من ذلك لغيرهم"
ونقول أيضا ً أن " :زيارة القبور أيا كانت سنه مشروعة بالكيفية المأثورة
،ولكن الستعانة بالمقبورين وندائهم وطلب قضاء الحاجــات منهــم عــن
قرب أو بعد والنذر لهم وتشييد القبور وســترها وإضــاءتها والتمســح بهــا
والحلف بغير الله وما يلحق بذلك من المبتدعات كبائر تجب محاربتهــا ول
نتأول لهذه العمال سدا للذريعة " .
ويلحظ فيما أوردنا من القول ما يلي :
-1أنه أعطى لهذه الفعال حكم الكبيرة التى تكون شــركا أو معصــية حســب حــال
صاحبها .
-2أنه دعا إلى محاربتها وعدم مهادنتها .
-3إنه دعا الى عدم الترخص فى شأنها بالتأويل والتماس التخريجات لنها ذرائع الى
الشرك وبذلك يكون حكمنا هنا الحكم الشرعى الدقيق بغير تفريط ول إفراط .
أما إقران الدعاء بالتوسل إلى الله بأحد من خلقه :فيكفينــا هــذه العبــارة
التي وردت في أصول الفهم
" والدعاء إذا قرن بالتوسل إلى الله بأحد من خلقــه خلف فرعــى فــي
كيفيه الدعاء وليس من مسائل العقيدة "
ولقد اتفق العلماء على أن التوسل المشروع هو :
160
-1التوسل باسم من أسماء الله الحسنى ،أو بصفة من صفاته العلى ،لقوله تعــالى :
" ولله السماء الحسنى فادعوه بها " العراف 180
-2التوسل بعمل صالح قام به الداعي ،لثبوت ذلك في صحيحي البخاري ومسلم فــي
قصة أصحاب الغار الثلثة الشهيرة .
-3التوسل بدعاء الرجل الصالح .فإذا نابت المسلم نائبة فمن المندوب أن يذهب إلى
رجل صالح يدعو له .
وفي الحديث عن أنس بن مالك رضـي اللــه عنــه – أن رجــل دخــل يــوم الجمعــة إلـى
المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب ،فقال :يا رسول الله هلكت
المواشي وانقطعت السبل فادع الله أن يغيثنا ،قــال :فرفــع رســول اللــه صــلى اللــه
عليه وسلم يديه فقال :اللهم اسقنا ،قال أنس :فطلعــت ســحابة مثــل الــترس فلمــا
توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت ( رواه أحمد والبخاري .
وإذا كان هذا عن التوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم ،فإن التوسل بدعاء غيــره
م بالعمرة :ل تنسنا يــا أخــي مــن
قد سنه لنا حينما قال لعمر -رضي الله عنه – وقد ه ّ
دعائك – رواه الترمذي وأبو داود وأحمد .
أما التوسل المختلف فيه فهو التوسل إلى الله بأحــد مــن خلقــه فــي مطلــب يطلبــه
العبد من ربه فهو خلف في كيفية الدعاء وليس من مسائل العقيدة في شيء .
فقد أجازه البعض استنادا ً إلى ما أورده البخاري أن عمر بن الخطــاب رضــي اللــه عنــه
استسقى بالعباس وقال :اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل
إليك بعم نبينا فيسقون .
وفي الحديث الذي رواه عثمان بن حنيف رضي الله عنه أن أعمى أتــى رســول اللــه
صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ادع الله أن يكشــف لــى عــن بصــري فقــال
النبي صلى الله عليه وسلم ":توضأ وصل ركعتين ثم قل :اللهم إنــي أســألك وأتــوجه
إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة ،إنى توجهت بــك إلــى ربــى فــي
ي واسعفني فى نفسي ( فرجع وقد كشف الله حاجتي هذه لتقضى لي اللهم فشفعه ف ّ
عن بصره -رواه أحمد والترمذي .فهذا الحديث دليل على جــواز الــدعاء مــع التوســل
الى الله بأحد من خلقه
وفي مسألة ترك العمل والخوض في مسائل ل نفع من ورائها :فالسلم
يوجه المسلمين إلى البعد عن التكلف ،كتكلف السؤال عن أشياء لم تقع ،أو لم يحــن
وقت حدوثها ،والخوض فى الخلف الذى وقع بين الصحابة رضوان الله عليهــم ،وفــي
هذا قول بليغ في أصل من أصول الفهم وهو :
" وكل مسألة ل ينبني عليها عمل ،فالخوض فيها مــن التكلــف الــذي
نهينا عنه شرعا ومن ذلك كثرة التفريعات للحكام التي لم تقع والخــوض
في معاني اليات الكريمة التي لم يصــل إليهــا العلــم بعــد ،والكلم فــى
المفاضلة بين الصحاب رضوان الله عليهم ،وما شجر بينهم مــن خلف ،
ولكل منهم فضل صحابته وجزاء نيته وفى التأول مندوحة "
وفي مسألة الهتمــام بصــلح القلــوب دون العمــال :نجد أن الســلم اهتــم
بالقلب وصلحه لنه المنطلق الذي يوجه حركة النسان ،ولكنه مــع ذلــك
لم يهمل عمل الجوارح ،فهي تترجم ما في قلب النسان ليظهر أثــر مــا
في القلب سلوكا ً وعمل ً وحركة ونفعا ً للنفس والمجتمع ،وهذا ما وضحه
حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " :إن الله ل ينظر إلى صوركم ولكــن
ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " و ما أبلغ قول القائل " والعقيــدة أســاس العمــل ،
وعمل القلب أهم من عمل الجارحة وتحصيل الكمــال فــي كليهــا مطلــوب شــرعا وإن
اختلفت مرتبتا الطلب "
*** *** ***
161
الشبهة الخامسة :السلم ...ومصادر التشريع
السلم يضع كهنوتا ً وقدسية وسلطة عظيمة لرجال الدين ..ولمام
المسلمين ) للحاكم أو الخليفة ( فالحلل ما يرى والحرام ما حّرم
والشرع ما شّرع ...ومصلحة المة فيما قرره الخليفة ...والمسلم عليه
أن يتبع المام ول يخالفه و إل فهو خارج علي الخليفة مخالف لولي
المر ...وما أدل على ذلك من حال المسلمين وانتشار الديكتاتوريات
وغياب الحريات !!
ليس في السلم ما يسمى باسم كلمة السماء ول الحق اللهي وليس فى
السلم " رجال دين " كالذين كانوا فى أوربا :فالدين ملك للجميع 0ينهلون منه ،كل
على قدر ما تطيقه طبيعته ومؤهلته الفكرية والروحية ،والجميع مسلمون " ولكل
درجات مما عملوا " وأكرم الناس عند الله أتقاهم ،سواء كانت وظيفته مهندس أو
مدرس أو عامل أو صانع 0وليس الدين حرفة من بين هذه الحرف 0فالعبادات كلها
تتم بغير وساطة رجال الدين 0
أما الجانب الفقهي والتشريعي في السلم فطبيعي أن يتخصص فيه أناس
باعتباره الدستور الذي يقوم عليه الحكم 0ولكن موقفهم هو موقف كل المتخصصين
في الفقه الدستوري والتشريعي في كل بلد من البلد ،ل يملكون بصفتهم هذه سلطة
على الناس ول امتيازا ً " طبقيا " عليهم 0وإنما هم مستشارو الدولة وفقهاؤها
فحسب 0
وحين يقوم الحكم السلمي لن ينتشر " علماء الدين " في الدواوين ،ولن
يتغير في نظام الحكم شيء إل قيامه علي الشريعة السلمية 0ولكن شئون الهندسة
تظل في يد المهندسين ،وشئون الطب في يد الطباء ،وشئون القتصاد في يد
القتصاديين ) علي شرط أن يكون القتصاد السلمي هو الذي يحكم المجتمع ( وهكذا
في كل شئون الحكم 0
فالسلم حدد ووضع المرجع الساســي لمصــادر الحكــام والتشــريع ،
فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " :تركت فيكم ما إن تمسكتم به لــن تضــلوا
بعدي أبدا ً ،كتاب الله ،وسنتي " ونجد أصل ً من أصول الفهم الصحيح للســلم يقــول :
" والقرآن الكريم والسنة المطهرة مرجع كــل مســلم فـى تعــرف أحكــام
السلم ويفهم القرآن طبقـا لقواعـد اللغـة العربيــة مـن غيــر تكلـف ول
تعسف ويرجع فى فهم السنة المطهرة إلى رجال الحديث الثقاة “
إن القرآن الكريم وسنة النبى -صـلى اللـه عليـه وسـلم -هـى المرجـع الساسـي
للمسلم فى معرفة السلم وأحكامه بشرط اعتماد الفهوم التى كان عليها رسول اللــه
-صلى الله عليه وسلم -وأصحابه لن القرآن يفسره حــديث رســول اللــه صــلى اللــه
عليه وسلم وأحواله .
كما نجد أن السلم بّين دوائر عمل المام ) الخليفة ( ونــائبه ...فالســلم
ل يمنح قداسة لحد حتى لخليفة المسلمين ،بل وضع له حــدودا ً ودوائر للعمــل ..ومــع
ت لتحقيــق ذلك ل يقيد التفكير والبداع للقائم على أمر المة ..بل أعطى لــه صــلحيا ٍ
مصلحة المة وذلك بحسب الظروف والعرف والعادات ..وأكد على ذلك مــا جــاء فــي
أصل من أصول الفهم :
" رأى المام ونائبه فيمــا ل نــص فيــه ،وفيمــا يحتمــل وجوهــا عــدة ،
وفى المصالح المرسلة ،معمول به مالم يصطدم بقاعــدة شــرعية ،وقــد
يتغير بحسب الظروف والعرف والعادات .والصــل فــى العبــادات التعبــد
162
دون اللتفات إلى المعاني ،وفى العاديات اللتفات إلى السرار والحكم
والمقاصد “
وهذا الصل أيضا متمم لمصادر الحكـام السـابقة ) الكتـاب والســنة بمفهومهمــا ( وهـو
ينص على أنه حينما ل يوجد نص أو إذا وجد نص له وجوه عدة فــإن رأى المــام الحــاكم
يعمل به في المواضع المذكورة -والمصالح المرسلة .
والمصالح المرسلة :هى التى أرسلها الشــرع فلــم ينــص عليهــا باعتبــار ،أو إهــدار
وهى مثل زراعة صنف بعينه كالقطن مثل ،وكذلك الصناعات المختلفة ،وكل شئ فيه
مصلحة للناس لم ينص عليهــا الشــرع تفصــيل ،فــرأى المــام يعمــل بــه فــى المصــالح
المرسلة وفقا للظروف والعرف والعادات ،شرط أل يصطدم بقاعــدة شــرعية مثــل ل
ضرر ول ضرار ،وينظر فى هذه المصالح المرسلة إلى مصالح المسلمين ولذلك يمكن
تغيير الحكم فيها تبعا للمصلحة السلمية .
وفــي مســألة الخــداع اللفظــي وتســمية الشــياء بغيــر أســمائها :نجــد أن
السلم ينبه أتباعه أن يدوروا مع الحق حيث دار وأن يــتيقظوا وينتبهــوا حــتى ل يــدلس
عليهم أحد ..ول تخدعهم ألفاظ وأسماء ..ول يبعدهم عن الحق عرف خاطئ ..و فــي
هذا المعنى قول القائل :
) والعرف الخاطئ ل يغير حقائق اللفــاظ الشــرعية ،بــل يجــب التأكــد
من حدود المعاني المقصودة بها والوقوف عنــدها ،كمــا يجــب الحــتراز
من الخداع اللفظي في كل نواحي الدنيا والدين ،فالعبرة بالمسميات ل
بالسماء (
فمثل ً إذا جاء خليفة ما أو حاكم ما أو عرف خــاطئ وســمى الربــا بالفــائدة والخمــور
بالمشروبات الروحية فهل هذا يغير من حقيقة حرمتهما ؟!!
وقد تكفــل اللــه بحفــظ الــذكر ) الكتــاب والســنة ( فهمـا مصـدر الحقـائق والحكــام
الشرعية وأصل المسميات .
وفي أمر اتباع المام :نجد أن السلم يشجع أتباعه على العلم والمعرفــة حــتى ل
ســم النــاس إلــى يكونوا مجرد تابعين إمعات ل شأن لهم ،فنجده أحــد أصــول الفهــم ق ّ
ثلثة أقسام ) العوام – من عنده قدرة على العلــم – العلمــاء ( وأوضــح أن لكــل قســم
واجبه " :ولكل مسلم لم يبلغ درجة النظر فى أدلــة الحكــام الشــرعية أن
ما من أئمة الدين ويحسن به مع هذا التباع أن يجتهد ما اســتطاع يتبع إما ً
فى تعرف أدلته وأن يتقبل كل إرشاد مصـحوب بالـدليل مـتى صــح عنـده
صلح من أرشده ،وكفايته ،وأن يستكمل نقصه العلمى إن كان من أهل
العلم حتى يبلغ درجة النظر "
وهذا الصل يوضح كيفية أخذ الحكام من كتاب اللــه ،وســنة رســوله -صــلى اللــه
عليه وسلم -أن الناس ينقسمون فى الخذ من كتاب الله وســنة رســوله -صــلى اللــه
عليه وسلم -إلى ثلث أقسام :
- 1عـوام النـاس :ويتبعـون مـن يفـتيهم ول يلزمهـم أن يعرفـوا الدلـة الشـرعية فـى
الحكام التفصيلية ولكن يجب عليهم معرفة الدليل العام فــى العقــائد لنــه ل يصــح
التقليد فى المور العتقادية .
- 2من عنده قدرة على العلم :ويجب عليه أن يتعــرف علــى دليــل إمــامه ،أو حــتى
كيف يصل إلى هذا الدليل فى كتبه المعدة .
- 3درجة العلماء :وهـو مـا يطلـب منـه أن يحـدث عـن الـدليل التفصـيلي وملبسـات
الدليل حتى يصل إلى درجة الستنباط المباشر من الدلة ) حتى يبلغ درجة النظر (
.
*** *** ***
163
الشبهة السادسة :السلم 000والطائفية
موقف الطوائف غير المسلمة من حكم السلم مسألة يقال عنها
دائما إنها شائكة ودقيقة ،ويتجنب الناس الحديث فيها مخافة وقوع
الفتنة بين المسلمين وغير المسلمين 0
وبهذه الصراحة الكاملة نسأل المسيحيين في الشرق السلمي :ما الذي يخشون
من حكم السلم ؟ هل يخشون النصوص أم يخشون التطبيقات ؟
أما النصوص فتقول " :ل ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم
يخرجوكم من دياركم أن تبّروهم وتقسطوا إليهم 0إن الله يحب المقسطين " سورة
الممتحنة ) ( 8
ل لكم وطعامكم ح َ
ل لهم ، وتقول " :وطعام الذين أوتوا الكتاب ح َ
والمحصنات من المؤمنات ،والمحصنات من الذين أوتو الكتاب " سورة المائدة ) ( 5
والمبدأ الفقهي العام " :لهم ما لنا وعليهم ما علينا " 0
فهي تأمر بالبر بهم والعدل في معاملتهم ،والمساواة بينهم وبين المسلمين في
الحقوق والواجبات التي ل تتعلق بعبادة أو فريضة ،إنما تتعلق بنظام المجتمع وحقوق
المواطنين فيه 0وتزيد على ذلك أن تسعى إلي توثيق الروابط بينهم وبين المسلمين
بالتزاور والمؤاكلة والمشاربة ،وهي ل تكون إل بين الصدقاء المتحابين ،وتتوج ذلك
كله برباط الزواج وهو أوثق رباط 0
أما التطبيقات ،فيحسن أن نترك الحديث فيها لرجل مسيحي أوربي ل يتهم
بالتحيز للسلم 0
يقول سيرت 0و 0أرنولد في صفحة 48من كتابه " الدعوة إلي السلم "
ترجمة حسن إبراهيم حسن وعبد المجيد عابدين وإسماعيل النحراوي :
" ويمكننا أن نحكم من الصلت الودية التي قامت بين المسيحيين والمسلمين
من العرب بأن القوة لم تكن عامل ً حاسما ً في تحويل الناس إلي السلم 0فمحمد
نفسه قد عقد حلفا ً مع بعض القبائل المسيحية ،وأخذ على عاتقه حمايتهم ومنحهم
الحرية في إقامة شعائرهم الدينية 0كما أتاح لرجال الكنيسة أن ينعموا بحقوقهم
ونفوذهم القديم في أمن وطمأنينة " 0
ويقول في صفحة " : 51ومن هذه المثلة التي قدمناها آنفا ً عن ذلك التسامح
الذي بسطه المسلمون الظافرون على العرب المسيحيين في القرن الول من
الهجرة ،واستمر في الجيال المتعاقبة ،نستطيع أن نستخلص بحق أن هذه القبائل
المسيحية التي اعتنقت السلم ،إنما فعلت ذلك عن اختيار وإرادة حرة 0وإن العرب
المسيحيين الذين يعيشون في وقتنا هذا بين جماعات مسلمة لشاهد علي هذا
التسامح " 0
ويقول في صفحة " : 53ولما بلغ الجيش السلمي وادي الردن ،وعسكر أبو
عبيدة في فحل ،كتب الهالي المسيحيون في هذه البلد إلى العرب يقولون :يا
معشر المسلمين أنتم أحب إلينا من الروم ،وإن كانوا علي ديننا 0أنتم أوفى لنا
وأرأف بنا وأكف عن ظلمنا وأحسن ولية علينا " 0
وفي صفحة " : 54وهكذا كانت حالة الشعور في بلد الشام إبان الغزوة التي
وقعت بين سنتي 639 ، 633م والتي طرد فيها العرب جيش الروم من هذه الولية
تدريجا ً 0ولما ضربت دمشق المثل في عقد صلح مع العرب سنة 637م ،وأمنت
بذلك السلب والنهب ،كما ضمنت شروطا أخرى ملئمة ،لم تتوان سائر مدن الشام
164
في أن تنسج على منوالها فأبرمت حمص ومنبج وبعض المدن الخرى معاهدات
أصبحت بمقتضاها تابعة للعرب ،بل سلم بطريق بيت المقدس هذه المدينة بشروط
مماثلة 0وإن خوف الروم من أن يكرههم المبراطور الخارج على الدين على اتباع
مذهبه ،قد جعل الوعد الذي قطعه المسلمون على أنفسهم بمنحهم الحرية الدينية
أحب إلى أنفسهم من ارتباطهم بالدولة الرومانية وبأية حكومة مسيحية 0ولم تكد
المخاوف الولى التي أثارها نزول جيش فاتح في بلدهم تتبدد حتى أعقبها تحمس
قوي لمصلحة العرب الفاتحين " 0
تلك شهادة رجل مسيحي عن السلم 0فما الذي يخشاه المسيحيون إذن من
الحكم السلمي ؟
لعلهم يخشون تعصب المسلمين ضدهم 0فيظهر إذن أنهم ل يعرفون معنى
التعصب 0فلنضرب لهم أمثلة منه على مدار التاريخ 0
كانت محاكم التفتيش في أسبانيا مقصودا ً بها القضاء على المسلمين قبل كل
شيء 0وقد استخدمت فيها أبشع ألوان التعذيب التي عرفت في التاريخ ،من إحراق
الناس أحياء ،ونزع أظافرهم وسل عيونهم وتقطيع أوصالهم ،لكراههم على ترك
دينهم واتباع مذهب مسيحي معين 0فهل لقى المسيحيون في الشرق السلمي شيئا
من ذلك طول مقامهم هناك ؟
والمجازر تقام للمسلمين في الشيشان وكشمير وقبلهما في البوسنة والهرسك
...وما يجري وما يدور كل ساعة في فلسطين ،وما يدور في أفغانستان باسم
محاربة الرهاب وتطهير الصفوف وما يرتكب في العراق من مآسي باسم إقرار
الديموقراطية وإقرار المن والسلم !
التقويم :
حدد الشبهات التي تثار حول السلم . -1
ما الغرض من إثارة هذه الشبهات ؟ ومن يثيرها ؟ -2
كيف ترد على الشبهات التي تثار حول السلم مثل : -3
السلم استنفد أغراضه . -1
السلم دين جامد ل يتفاعل مع الحضارة الحديثة ويصطدم بالعلم . -2
ج -السلم دين المذهبية والتفرق والتطاحن ...ونجد كثير من المسلمين يكفر
بعضهم بعضا .
د -السلم دين البدع والخرافات والموالد والتمسح بالضرحة والتوسل بالموات
والتكال وترك العمل ..وإهدار الجهود والطاقات فيما ل ينبني عليه عمل .
هـ -السلم يضع كهنوتا ً وقدسية وسلطة عظيمة لرجال الدين ..ولمام
المسلمين ) للحاكم أو الخليفة ( فالحلل ما يرى والحرام ما يحرم والشرع ما
شرع ...ومصلحة المة فيما قرره الخليفة ...والمسلم عليه أن يتبع المام ول
يخالفه و إل فهو خارج علي الخليفة مخالفا ً لولي المر !! ..
و -أين حقوق غير المسلمين من الطوائف الخرى في المجتمع السلمي ؟!! .
المصادر :
أ /سعيد حوى -1السلم
د /على عبد الحليم محمود -2مع العقيدة والحركة والمنهج
الشيخ /على طنطاوي -3تعريف عام بدين السلم
165
د /يوسف القرضاوي الخصائص العامة للسلم -4
د /يوسف القرضاوي العبادة فى السلم -5
الشهيد /سيد قطب خصائص التصور السلمي ومقوماته -7
د /عبد الله ناصح علوان السلم شريعة الزمان والمكان -8
أ /محمد قطب شبهات حول السلم -9
الفصل السابع
الهدف العام :أن يتمتع بحسن الخلق والسمعة الطيبة وحسن المعاملة .
72رواه مالك
166
إليها على بصيرة ،والعبادات التي شرعت في السلم واعتبرت أركانا في اليمان ،
ليست طقوسا ً مبهمة من النوع الذي يربط النسان بالغيوب المجهولة ،ويكلفه بأداء
أعمال غامضة وحركات ل معنى لها ...كل كل فالفرائض التي ألزم السلم بها كل
منتسب إليه ،هي تمارين متكررة لتعويد المرء أن يحيا بأخلق صحيحة ،وأن يظل
مستمسكا ً بهذه الخلق مهما تغيرت أمامه الظروف 73ونشرع بتوفيق الله سبحانه
وتعالى في تناول الهداف المرحلية على النحو التالي :
حسن الخلق
مفهوم حسن الخلق : •
الخلق " :عبارة عن هيئة للنفس راسخة تصدر عنها الفعال بسهولة ويسر من
غير حاجة إلى فكر وروية فإن كانت الفعال جميلة سميت خلقا ً حسنا ً وإن كانت
ً74
قبيحة سميت خلقا ً سيئا
حسن الخلق :هو طلقة الوجه وبذل المعروف وكف الذى
والقرآن الكريم دستور المسلمين أمر بحسن الخلق في كثير من آياته الكريمة ،
منها على سبيل المثال قوله تعالى " :وأقم الصلة إن الصلة تنهى عن
الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون" 75فالبعاد عن
الرذائل والتطهير من سوء القول وسوء العمل هو حقيقة الصلة المقبولة ،وقال
تعالى أيضا ً " :وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات
والرض أعدت للمتقين .الذين ينفقون في السراء والضراء
76
والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين"
فهذه دعوة مفتوحة من الله عز وجل إلى جنة عرضها الســموات والرض
للمتحلين بمحاسن الخلق وشمائل الصفات الحميدة
77
وقال عز وجل " :واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين"
فهذه صورة حسية مجسمة – صورة خفض الجناح كما يخفض الطائر جناحيه حين
يهم بالهبوط فهي صورة توضح مدى اللين والتواضع والرفق في معاملة المؤمنين .
78
وامتدح الله سبحانه وتعالى نبيه بقوله عز وجل " :وإنك لعلى خلق عظيم"
"قال بن عباس :وإنك لعلى دين عظيم وهو السلم
وقال عطية :لعلى أدب عظيم ،وقال قتادة :ذكر لنا أن سعيد بن هشام سأل
عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت " :ألست تقرأ القرآن ؟
قال بلى .قالت :فإن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن .
79
ومعنى هذا أنه عليه الصلة والسلم صار امتثال القرآن سجية له وخلقا ً ".
وقال تعالى في وصايا لقمان لبنه " :ول تصعر خدك للناس ول تمش في
الرض مرحا إن الله ل يحب كل مختال فخور" أي ل تعرض بوجهك عن
الناس إذا كلمتهم أو كلموك ،احتقارا ً منك لهم واستكبارا ً عليهم ،ولكن ألن جانبك
وابسط وجهك إليهم ،ول تمش في الرض جبارا ً عنيدا ً في خيلء وكبر حتى ل
يبغضك الله
ويوجد في السنة المطهرة ذخائر وحقائق لبد أن يلتفت إليها المسلمون ويعملوا
بها منها
73خلق المسلم للشيخ الغزالي
74مختصر منهاج القاصدين
75سورة العنكبوت 45 :
76آل عمران 134 : 133 :
77الشعراء215 :
78سورة القلم 4 :
79تفسير بن كثير
167
الحقيقة الولى أن حسن الخلق يزيد اليمان :
فعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن
80
المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم"
الحقيقة الثانية خيار الناس أحسنهم خلقا ً :
ً 81
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خياركم أحاسنكم أخلقا "
الحقيقة الثالثة حسن الخلق يثقل موازين المؤمن يوم القيامة :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من شيء أثقل في ميزان العبد المؤمن
82
يوم القيامة من حسن الخلق وإن الله يبغض الفاحش البذيء "
الحقيقة الرابعة حسن الخلق يدخل الجنة :
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل :عن أكثر ما يدخل الناس
83
الجنة .فقال ":تقوى الله وحسن الخلق "
ً
الحقيقة الخامسة حسن الخلق يقرب المؤمن مجلسا من رسول الله
صلى الله عليه وسلم في الجنة :
فعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :إن من أحبكم
ي وأبعدكم مني ي وأقربكم مني مجلسا ً يوم القيامة أحاسنكم أخلقا ً وإن أبغضكم إل ّ
إل ّ
يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون" قالوا يا رسول الله :قد علمنا
84
الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون؟ قال " :المتكبرون "
وهكذا رأينا كيف أكد القرآن الكريم والسنة المطهرة على حسن الخلق وأنه صفة
لزمة للمؤمنين الصادقين حيث أنه ل أمة بل أخلق ول حياة لفرد دون خلق كريم .
عليك كذبا ً " ثقة في خلقه وحسن سريرته .فينبغي علــى كــل مســلم أن يكــون عنوانــا
مضيئا ً لدينه ودليل ً ناصعا ً على دعوته ،ول ينبغي أن تدنس سمعته بأي شائبة فهذا ينفر
الناس من الدعوة ويفقدهم الثقة فيها بعدما فقدوا الثقة في رجالها .
87المسد 1 :
88صحيح البخاري
169
والصدق من متممات اليمان ومكملت السلم ولهذا أثني الله تعالي على
المتصفين به فقال تعالي :
" من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه " الحزاب ) ) .( 23من
أخلق السلم م /فتحي شهاب الدين (
وأمرنا الله سبحانه وتعالي بمعية الصادقين قال تعالى " :يأيها الذين آمنوا
التوبة 119 اتقوا الله وكونوا مع الصادقين "
وقال تعالي " فإذا عزم المر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم " محمد 21
وقال تعالي أيضا " :ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله
عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين
النساء 69 وحسن أولئك رفيقا "
وقال عز وجل " :ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء
أو يتوب عليهم "الحزاب 24
وقال عز وجل " :والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون " الزمر
23
والصدق سمة من سمات خيرية المة قال صلي الله عليه وسلم " ل تزال هذه المة
بخير ما إذا قالت صدقت وإذا حكمت عدلت وإذا استرحمت رحمت " متفق عليه
والصدق واليمان قرينان لذا نفي رسول الله صلي الله عليه وسلم اليمان عن
الكذاب " سئل رسول الله صلي الله عليه وسلم :أيكون المؤمن جبانا ؟ قال :نعم ،
أيكون المؤمن بخيل ؟ قال :نعم ،أيكون المؤمن كذابا ؟ قال :ل " .
والصدق ثوابه الجنة ،قال صلي الله عليه وسلم " :عليكم بالصدق فإن الصدق
يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ول يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق
حتى يكتب عند الله صديقا وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن
الفجور يهدي إلى النار ول يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله
كذابا " متفق عليه
كذلك الصدق يرفع المؤمن إلى منزلة الشهداء قال صلي الله عليه وسلم " :من سأل
الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه " رواه مسلم
ومن أقوال العلماء فى الصدق
قال عبد الواحد بن زيد :الصدق الوفاء لله بالعمل
وقال ابن عباس :أربع من كن فيه ربح :الصدق – الحياء – حسن الخلق – الشكر 0
وقال محمد بن علي الكناني وجدنا دين الله تعالي مبنيا على ثلثة أركان :على الحق
والصدق والعدل فالحق على الجوارح والعدل على القلوب والصدق على العقول .
وللصدق مراتب خمسة أولها :صدق اللسان .
حق على كل مسلم أن يحفظ لسانه فل يتكلم إل بالصدق إل إذا كانت هناك مصلحة
تقتضي غير ذلك كتأديب الصبيان والنساء والخوف من الظلمة وقتال العداء والحتراز
على السرار .
وثانيها :صدق النية والرادة -:
يرجع ذلــك إلــى الخلص فــى القــول والعمــل والحركــات والســكنات وقــد عرفــه أحــد
الصالحين فقال الخلص :ما ل يكتبه الملكــان ول يطلــع عليــه النســان ول يفســره
الشيطان .
وثالثها صدق العزم -:
وهو الجزم فيه بقوة تامة ليس فيها ميل ول ضعف ول تردد .
ورابعها الصدق فى الوفاء بالعهد -:
مهما تكلف من مشقة يمضي فى طريقه ول يلتفت ول تثنية العقبات والمعوقــات عــن
الطريق .
170
وخامسها الصدق فى العمال -:
وهي استواء السر والعلن عند العبد حتى ل يقع تحت قول الله تعالى " :لم تقولون
ما ل تفعلون " الصف 21
من أخلق السلم م /فتحى شهاب الدين
ب -كما أن للصدق ثمرات كثيرة منها
راحة الضمير وطمأنينة النفس -: -1
قال صلي الله علية وسلم " :الصدق طمأنينة " رواه الترمذي
البركة فى الكسب وزيادة الخير -: -2
وبينا بورك لهما
قال صلي الله عليه وسلم " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا ّ
فى بيعهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما " متفق عليه
النجاة من المكروه -: -3
قال صلي الله عليه وسلم " عليكم بالصدق وإن رأيتم فيه الهلكة فإن فيه النجاة "
رواة مسلم .
يحكي أن صبيا صغيرا استعد للسفر إلى بغداد ليتعلم هناك وأعطته أمه أربعين دينارا
لينفق منها وأخذت عليه العهد أل يكذب مهما كان المر وخرج الصبي مع القافلة وبينما
هي تسير فى الصحراء هاجمتها عصابة من اللصوص أخذت الموال والبضاعة والمتعة
ثم نظر أحد أفراد العصابة إلى الصبي وسأله هل معك شئ ؟ فقال الصبي معي
أربعون دينارا فضحك اللص وظن أن الصبي يمزح أو أنه صغير ل يفقه ويكذب فأخذه
إلى زعيمهم فسأله نفس السؤال السابق فأجاب بأن معه أربعين دينارا وأخرجها
بالفعل فسألوه ما حملك على الصدق ؟ قال الصبي :عاهدت أمي على الصدق
وأخاف أن أخون العهد فتأثروا بكلم الغلم وقال زعيم العصابة تضحي بمالك حتى ل
تخلف عهدك مع أمك ؟ وأنا ل أخاف أن أخون عهد الله ؟ فأمر اللصوص برد ما أخذوه
من القافلة .
وقال للصبي أنا تائب إلى الله على يديك فقال بــاقي اللصــوص لقــد كنــت كبيرنــا فــى
قطع الطريق وأنت اليوم كبيرنا فى التوبة وتابوا جميعا ...فهذه بركات الصدق .
الفوز بمنازل الشهداء : -4
قال صلي الله عليه وسلم " من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء
وإن مات على فراشه " رواة مسلم
-5مرافقة الكابر فى الجنة قال تعالي " من يطع الله ورسوله فأولئك مع
الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين
وحسن أولئك رفيقا " النساء 69
يقول صاحب الظلل " إنها اللمسة التى تستجيش مشاعر كل قلب فيه ذرة خير وفيه
بذرة من صلح وفيه أثارة التطلع إلى مقام كريم فى صحبة كريمة فى جوار الله
الكريم وهذه الصحبة لهذا الرهط العلوي إنما هي من فضل الله فما يبلغ إنسان بعمله
وحده وطاعته وحدها أن ينالها إنما هو الفضل الواسع الغامر الفائض العميم .
-6الصادق يبلغ درجة الصديقين :إذا تحري المسلم الصدق فى قوله وعمله نال
هذه الدرجة مصداقا لحديث رسول الله صلي الله عليه وسلم " ما زال الرجل يصدق
ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا " متفق عليه .
فعلي كل مسلم عاقل أن يتحرى الصدق فى كل حال إل إن هناك حالت ثلث فقط
يجوز فيها الكذب تحقيقا لمصلحة هي أعظم ما فى الكذب من نصرة أو دفعا لضرر هو
أشد ما فى الكذب من ضرر .فمن الحالت التى يجوز فيها الكذب ،الكذب على العدو
فى حالة حربه للمسلمين لتضليله وليقاعه فى فخ من فخاخ الخداع الحربي ولكن ل
يدخل فى هذا جواز الكذب عليه بتأمين أو معاهدته ثم الغدر به فهذا غير جائز قطعا
لن التأمين أو المعاهدة كل منهما ينهي حالة الحرب القائمة فمن أمثلة الكذب الجائز
171
على العدو ،ما لو وقع مسلم فى أسره فسأله عن مواقع المسلمين الحربية أو عن
عدد المسلمين أو عن أسلحتهم أو عدتهم .
.1ومن المجالت التى يجوز فيها الكذب أن يتوسط إنسان للصلح بين فريقين
متخاصمين ثم ل يجد وسيلة للصلح بينهما أنجع من أن يركب مركب الكذب على
مقدار الضرورة أما إذا تسني له أن يوري بأقواله دون أن يكذب فهو خير له وهو
المر الذى يحبه الله ورسوله ،فعن أم كلثوم قالت :قال رسول الله صلي الله
عليه وسلم " وليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا "
رواه البخاري ومسلم .
.2ومن الحالت التى يجوز فيها الكذب ،حديث الرجل لمرأته وحديث المرأة
لزوجها فى المور التى تشد أواصر الوفاق والمودة بينهما فهذه حالة يتسامح فيها
بشيء من الكذب لتوثيق روابط السرة وإضفاء الجواء الشاعرية على مجالس
النس والسمر والغزل بين الزوجين ففي مثل هذه المجالس تحلو المبالغات وإن
كانت كاذبة وتزداد معطيات المتعة والنس والصفاء وهذا ما يعمل السلم على
تغذيته بين الزوجين فعن أسماء بنت يزيد قالت قال رسول الله صلي الله عليه
وسلم :يأيها الناس ما يحملكم أن تتابعوا على الكذب كتتابع الفراش فى النار
الكذب كله على ابن آدم حرام إل فى ثلث خصال رجل كذب على امرأته ليرضيها
ورجل كذب فى الحرب فإن الحرب خدعه ورجل كذب بين مسلمين ليصلح بينهما
" رواه الترمذي " الخلق السلمية وأسسها عبد الرحمن حسن حنبكه الميداني .
ج -من صور الصدق :
الصدق مع الله وكتابه : .1
أعلى أنواع الصدق وأرفعها هو الصدق مع الله ومع كتابه ويكون ذلك بـ -:
طاعة أوامر الله واجتناب نواهيه .
اللتزام التام بهديه .
عدم التظاهر بالتقوى مع خلو القلب منها .
قال تعالي " :فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم *وإنه
لذكر لك ولقومك وسوف تسألون " الزخرف . 44 : 43
والمثال على ذلك العرابي الذي آمن بالسلم وانضم إلى صفوف المجاهدين مع
الرسول صلي الله عليه وسلم وعندما أراد الرسول صلي الله عليه وسلم أن يقسم له
قسما مع الغنائم قال العرابي ما على هذا اتبعتك ولكني اتبعتك على أن أرمى بسهم
ها هنا – وأشار إلى حلقه – فأقتل فأدخل الجنة فقال له النبي إن تصدق الله يصدقك ،
وبعد الغزوة وجد شهيدا ورمي بالسهم فى الموضع الذي أشار إليه فقال النبي :صدق
الله فصدقه الله .
الصدق مع رسول الله صلي الله عليه وسلم : .2
ويكون ذلك بـ :
اللتزام بهديه صلي الله عليه وسلم وعدم البتداع لن طاعته من طاعة .1
الله قال سبحانه وتعالي " من يطع الرسول فقد أطاع الله " النساء . 80
عدم الكذب عليه ورواية أحاديثه دون زيادة أو نقصان أو تحريف فقد قال .2
ى
على ليس ككذب على أحد فمن كذب عل ّ ّ صلي الله عليه وسلم " إن كذبا
رواه البخاري . متعمدا فليبوأ مقعده من النار "
لذا كان المحدثون حريصين على الصدق مع رسول الله صلي الله عليه وسلم ،فحدث
المام البخاري فقال :سافرت حتى أجمع حديثا من رجل فرآه قد هربت فرسه وهو
يشير إليها برداء كأن فيه شعير فجاءته فأخذها فقال البخاري للرجل :أو كان معك
شعير ؟ قال الرجل :ل ولكن أوهمتها .فقال البخاري ل آخذ الحديث ممن يكذب على
البهائم .
172
الصدق مع الناس : .3
ويكون بالنصيحة لهم ! ففي الحديث " الدين النصيحة ،فقلنا لمن يا رسول الله ؟ قال
لله ولكتابة ولرسوله ولئمة المسلمين وعامتهم " متفق عليه
والصدق فى النصيحة يكون فى غير نفاق ول قلق ول مصلحة خاصة أو هوي ولو كانت
ثقيلة على المنصوحين ،وليس على المسلم أن يخشى الناس إذا ذكرهم بالحق ول
عليه أن يلزمهم به أو يكرههم عليه فقد جاء فى الحديث " ل يمنعن أحدكم هيبة الناس
أن يقول الحق إذا رآه أو شهده أو سمعه " رواة أحمد .
صدق الصناع والتجار : .4
ومن المور التى يجب فيها الصدق الصناعة والتجــارة وقــد ورد عــن النــبي صــلي اللــه
عليه وسلم أحاديث كثيرة منها :
-قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " :التاجر الصدوق المين مع النبيين
والصالحين " رواه الترمذي والصديقين والشهداء
-وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول " :الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة " رواه الشيخان
-وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال :مّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام
سنه صاحبه ،فأدخل يده فيه فإذا طعام رديء فقال " :بع هذا على حدة وهذا وقد ح ّ
على حدة فمن غشنا فليس منا " رواه أحمد
وقال المام الغزالي " كل ما يستضر به العامل فهو ظلم وإنما العدل أن ل يضر
بأخيه المسلم والضابط الكلى فيه أن ل يحب لخيه إل ما يحب لنفسه فكل ما لو
عومل به شق عليه وثقل على قلبه فينبغي أن ل يعامل غيره به بل ينبغي أن يستوي
) إحياء علوم الدين آداب عنده درهمه ودرهم غيره "
الكسب والمعاش (
173
إن التزوير كذب كثيف الظلمات إذ ل يكتم الحق فحسب بل يمحقه ليثبت مكانة
الباطل وخطره على الفراد وفى القضايا الخاصة وخطره فى القضايا العامة شديد
مبين " خلق المسلم .
الصدق فى الفكاهة والمزاح : .6
كثيرا ما يقع فيه الناس ظنا منهم أن مجال الكذب فيه مسموح إذ ل خطر فيه على
أحد غير أن السلم أباح المزاح والمرح والترويح عن النفس لم يجعله طريقا للباطل
أو مجال للكذب .
ففي الحديث ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك منه القوم فيكذب ويل له ويل له "
رواه الترمذي
إلى جوار هذا الوعيد ترغيب للمازح أل يكذب ففي الحديث أنا زعيم بيت فى ربض
الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا " رواه الترمذي .
ولقد كان لنا فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الخر فكان يمزح
ول يقول إل صدقا أتته المرأة تسأل فقال لها الرسول زوجك الذي فى عينه بياض ؟
فقال :ل :فقال صلي الله عليه وسلم إن كل عين فيها بياض فضحكت المرأة .
.7الصدق مع الطفال :
السلم يوصي أن تغرس فضيلة الصدق فى نفوس الطفال حتى يشبوا عليها وقد
ألفوها فى أقوالهم وأحوالهم كلها فعن عبد الله بن عامر قال :دعتني أمي يوما
ورسول الله صلي الله عليه وسلم قاعد فى بيتنا فقالت :تعال أعطك فقال لها صلي
الله عليه وسلم ما أردت أن تعطيه ؟ فقالت أردت أن أعطية تمرا فقال لها أما إنك لو
لم تعطه شيئا كتبت عليك كذبه " رواه أبو داود
وعن أبي هريرة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال من قال لصبي تعال
هاك ثم لم يعطه فهي كذبه " رواة أحمد
فانظر كيف يعلم الرسول صلي الله عليه وسلم المهات والباء أن ينشئوا أولدهم
تنشئه يقدسون فيها الصدق ويتنزهون عن الكذب ولو أنه تجاوز عن هذه المور
وحسبها من التوافه الهينة يخشى أن يكبر الطفال وهم يعتبرون الكذب ذنبا صغيرا
) خلق المسلم ( . وهو عند الله عظيما "
الصدق فى المور المنزلية : .8
وقد مشت الصرامة فى تحري الحق ورعاية الصدق حتى تناولت الشئون المنزلية
الصغيرة فعن أسماء بنت يزيد قالت يا رسول الله إن قالت إحدانا لشيء تشتهيه ! ل
أشتهيه :يعد ذلك كذبا ؟ قال :إن الكذب يكتب كذبا حتى تكتب الكذيبة كذيبه " رواه
مسلم
د -أن يحدد الوسائل التى تعينه على التحلي بالصدق :
لبد للمسلم أن يحول العلم إلى سلوك والمعرفة إلى واقع عملي يراه الناس فيرون
السلم مجسدا فى قيمه ومبادئه ومن الوسائل المقترحة المعينة على التحلي بالصدق
-:
تحديد الصدق تحديدا دقيقا . .1
صدق العزم والتنبيه على التزام الصدق فى المور كلها . .2
الدعاء أن يعيننا الله على اللتزام بالصدق . .3
معاقبة النفس إذا حادت عن الصدق . .4
مصاحبة الصادقين لقول الله عز وجل " يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا .5
مع الصادقين "
الطلع على سير الصادقين وحسن عاقبتهم . .6
المحاسبة الدائمة ويمكن الستعانة بمثل الستبانة التالية فى تقويم .7
نفسك .
174
وم الدارس نفسه فى تحليه بخلق الصدق . هـ .أن يق ّ
) احرص على أن تصل إلى النهاية العظمى فى تحليك بخلق الصدق (
أحيانا) 1ل)صفر دائما )
السئلة م
( ( (2
هل تصدق النية فى كل أمر لله ؟ -1
هل تصدق العزم والرادة فى كل خير -2
؟ -3
هل تتحرى قول الحق وإن كان فيه -4
الهلك ؟ -5
هل تتحرى الصدق فى المزاح ؟ -6
هل تلتزم بالصدق فى البيع والشراء ؟ -7
هل تتحرى الصدق مع الطفال ؟ -8
هل تلتزم بالصدق مع الزوجة ؟ -9
هل تتحرى الصدق فى الشهادة ؟ -10
هل تتحرى الصدق والدقة فى نقل -11
الخبار ؟ -12
هل تتحرى اختيار الصلح فى أي -13
انتخاب ؟
هل تصدق فى الوعد ؟
هل تلتزم بدقة المواعيد ؟
هل تنصح للمسلمين فى الحق ؟
) الدرجة العظمى = 26
درجة (
التقويم
وضح مفهوم الصدق . -1
وضح ثمرات الصدق . -2
اذكر موقف شخصى التزمت فيه بخلق الصدق وما ثمرة ذلك عليك . -3
وضح مجالت الصدق . -4
وضح الوسائل المعينة على التحلي بالصدق . -5
اذكر أى الوسائل العملية التى ترى أن التزامك بها قد أكسبك خلق -6
الصدق فى مجالته المختلفة .
وم نفسك فى تحليك بخلق الصدق . ق ّ -7
ثانيا ً :المانة
175
تمهيد :
" السلم يرقب من معتنقه أن يكون ذا ضمير يقظ تصان به حقوق اللــه
وحقوق الناس وتحرس به العمال من دواعـي التفريـط والهمـال ومـن
خلق المسـلم ثم أوجب على المسلم أن يكون أمينا "
للشيخ الغزالي
( 1أن يوضح الدارس مفهوم المانة :
تعريف المانة :المانة أحد الفروع الخلقية لحب الحق وإيثاره وهي ضد الخيانة .
" والمانة في جانبها خلق ثابت في النفس يعف به النسان عما ليس له به حق
وإن تهيأت له ظروف العدوان عليه دون أن يكون عرضة للدانه عند الناس ويؤدي به
ما عليه أو لديه من حق لغيره وإن استطاع أن يهضمه دون أن يكون عرضة للدانة
عند الناس " ) الخلق السلمية وأسسها عبد الرحمن حنبكة الميداني (
يقول الله تعالي " :يأيها الذين آمنوا ل تخونوا الله والرسول وتخونوا
أماناتكم وأنتم تعلمون " النفاق 27
ويقول عز وجل " :إن الله يأمركم أن تؤدوا المانات إلى أهلها وإذا حكمتم
بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا
بصيرا " النساء 58
ويقول أيضا " :إنا عرضنا المانة على السموات والرض والجبال فأبين أن
يحملنها وأشفقن منها وحملها النسان إن كان ظلوما جهول " الحزاب
72
ويقول صلي الله عليه وسلم " :ل إيمان لمن ل أمانة له ول دين لمن ل عهد له " رواه
أحمد .
والمانة في نظر الشارع واسعة الدللة وهي ترمز إلى معان شتي مناطها جميعا
شعور المرء بتبعة في كل أمر يوكل إليه وإدراكه الجازم بأنه مسئول عنه أمام ربه
على النحو الذي فصله الحديث الكريم " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالمام
راع ومسئول عن رعيته والرجل راع ومسئول عن رعيته والمر أه في بيت زوجها
راعية وهي مسئولة عن رعيتها ،والخادم في مال سيده راع وهو مسئول عن رعيته "
رواه البخاري
والعوام يقصرون المانة في أضيق معانيها وآخرها ترتيبا وهو حفظ الودائع مع أن
حقيقتها في دين الله أضخم وأثقل ...إنها الفريضة التي يتواصي المسلمون برعايتها
ويستعينون بالله على حفظها حتى إنه عندما يكون أحدهم على أهبه السفر يقول له
أخوه " أستودعك أمانتك وخواتيم عملك " من حديث لرسول الله صلى الله عليه
وسلم رواه الترمذى
ولما كانت السعادة القصوى أن يوقي النسان شقاء العيش في الدنيا وسوء المنقلب
في الخرى فإن رسول الله صلي الله عليه وسلم جمع فى استعاذته بين الحالين معا
إذ قال " اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع وأعوذ بك من الخيانة فإنها
بئست البطانة " رواه أبو داود .
فالجوع ضياع الدنيا والخيانة ضياع الدين ،وكان رسول الله فى حياته الولي قبل
البعثة يلقب بين قومه بالمين .وكذلك شوهدت مخايل المانة على موسى حين سقي
لبنتي الرجل الصالح ورفق بهما واحترام أنوثتيهما وكان معهما شريفا عفيفا .
قال تعالي " :فسقي لهما تم تولي إلي الظل فقال رب إني لما أنزلت
إلى من خير فقير .فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي
يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال ل
تخف نجوت من القوم الظالمين قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير
من استأجرت القوي المين " القصص 26 – 24
176
وقد حدث هذا قبل أن ينبأ موسى ويرسل إلى فرعون ول غرو فرسل الله يختارون
من أشرف الناس طباعا وأزكاهم معادنا ً ،والنفس التي تظل معتصمة بالفضيلة على
شدة الفقر ووحشة الغربة هي لرجل قوي أمين والمحافظة على حقوق الله وحقوق
العباد تتطلب خلقا ل يتغير باختلف اليام بين نعمي وبؤسي وذلك جوهر المانة " خلق
المسلم
* وقد ظهر من تعريف المانة أنها تشتمل على ثلثة عناصر :
عفة المين عما ليس له به حق . -
تأدية المين ما يجب عليه من حق لغيره . -
اهتمام المين بحفظ ما استؤمن عليه من حقوق غيره وعدم التفريط بها -
والتهاون بشأنها .
(2أن يحدد الدارس مجالت المانة :
والمجالت التى تدخل فيها المانة كثيرة ومتعددة منها
177
أمانة الذن :أل يصغى بها إلى استماع محرم .
أمانة العقل :فواجب على صاحبه أل يهمله وأن يستغله فى الوصول الى الحق
والخير وإن أهمله أو أهمل أي جارحة من جوارحه يكون فقد أهم مقومات إنسانيته .
والنفس أمانة :فقد فطر الله النفس على التمييز بين الخير والشر وأمرها بكبح
جماع الهوي قال تعالي " :ونفس وما سواها فألهما فجورها وتقواها قد
أفلح من زكاها وقد خاب من دساها " الشمس . 10-7
وزكاها أي نمي فيها جوانب الخير ودساها أي أهملها .
178
والمعروف أن الحكومات أو الشركات تمنح مستخدميها أجورا معينة محاولة التزيد عليها
بالطرق الملتوية هي اكتساب للسحت .
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " :من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا فما
أخذ بعد ذلك فهو غلول " رواه أبو داود
لنه اختلس من مال الجماعة الذي ينفق فى حقوق الضعفاء والفقراء ويرصد للمصالح
الكبرى
قال تعالي " :ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفي كل نفس ما
كسبت وهم ل يظلمون " آل عمران 161
أما الذي يلتزم حدود الله في وظيفته ويأنف من خيانة الواجب الذي طوقه ،فهو عند
الله من المجاهدين لنصرة دينه واعلء كلمته قال رسول الله صلي الله وسلم " :
العامل إذا استعمل فأخذ الحق وأعطي الحق لم يزل كالمجاهد في سبيل الله حتى
يرجع إلى بيته " رواه الطبراني ،وحدث أن استعمل النبي رجل من الزد على الصدقة
ى .قال راوي الحديث :فقام رسول الله فلما قدم بها قال :هذا لكم وهذا أهدي إل ّ
صلي الله عليه وسلم فحمد الله وأثني عليه ثم قال :فيقول :هذا لكم وهذا هدية
ى – أفل جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقا ؟ أهديت إل ّ
والله ل يأخذ أحد منكم شيئا بغير حق – إل لقي الله يحمله يوم القيامة فل أعرفن أحدا
منكم لقى الله يحمل بعيرا ً له رغاء أو بقرةً لها خوار أو شاةً تيعر .ثم رفع يديه حتى
)خلق المسلم ( رؤى بياض أبطيه يقول :اللهم هل بلغت " رواه مسلم
179
وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم أيضا " :إن من أعظم المانة عند الله يوم
) خلق القيامة الرجل يفضي إلي امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها " رواه مسلم
المسلم (
180
نقصان ؟ -9
-10هل تقضي أوقاتك فى طاعة الله ؟
هل تحفظ سمعك عن اللغو ؟ 11
-12هل تتحرز من فضول النظر ؟
-13هل تحفظ سر بيتك ول تحدث أحدا بعلقاتك
-14الزوجية ؟
-15هل تبلغ الرسالة كاملة غير منقوصة وفق ما يريد
-16محملها ؟
-17هل تتق الله ول تستغل منصبك فى الحصول على
-18مال ليس من حقك ؟
-19هل تتقن عملك قدر استطاعتك ؟
-20هل تختار فى النتخاب الْرضي لله ورسوله ؟
هل تحفظ المانات ) الودائع ( ول تتصرف فيها
دون إذن أصحابها ؟
هل تتصدق من مالك الخاص للفقراء
والمساكين ؟
هل تجاهد بمالك لنصرة دين الله ؟
هل تمسك لسانك عن فضول الكلم ؟
هل تتحري الحق حين تقضي بين متخاصمين ؟
هل تؤدى أمانة العلم ول تكتمه عن مريديه ؟
) الدرجة العظمى = 40 = 20 * 2درجة (
يجاب على السئلة فإذا كانت الجابة ) دائما ً ( فلتحمد الله ولتداوم على ذلك ،وإن
كانت ) أحيانا ً ( فاجتهد أن تحقق دوام الصفة ،وإن كانت بـ ) ل ( فاستغفر الله
واقطع مع الله عهدا ً أن تجاهد لتغيير نفسك ومسلكك .
التقويم
-1وضح مفهوم المانة .
-2وضح مجالت المانة .
-3وضح كيفية اكتساب خلق المانة .
-4استخدم بطاقة التقويم السابقة وانظر إلى أى مدى تخلقت بخلق
المانة .
ثالثا ً :الوفاء
الهداف الجرائية السلوكية :
أن يوضح الدارس مفهوم الوفاء . -1
-2أن يصنف الدارس أقسام الوفاء .
-3أن يوضح الدارس أقسام الوفاء مع الله .
-4أن يوضح الدارس أقسام الوفاء مع الناس .
-5أن يوضح الدارس كيفية اكتساب خلق الوفاء .
* أن يوضح الدارس مفهوم الوفاء :
) لسان الوفاء :ضد الغرور .الوفاء فى اللغة :الخلق الشريف العالي الرفيع "
العرب (
الوفاء خصلة طيبة وصفة جميلة يتصف بها ذو المروءات وهي علقة بارزة للذين
) من أخلق سمت أرواحهم فاتصفوا بصفات الكمال النساني
السلم م /فتحي شهاب الدين (
181
فإذا أبرم المسلم عقدا فيجب أن يحترمه وإذا أعطي عهدا فيجب أن يلتزم به ومن
اليمان أن يكون المرء عند كلمته التي قالها ينتهي إليها كما ينتهي الماء عند شطآنه
فيعرف بين الناس بأن كلمته موثق غليظ ل خوف من نقضها ول يطمع فى اصطيادها
) خلق المسلم الشيخ الغزالي (
والقرآن الكريم يأمر بالوفاء عموما والوفاء بالعهد على وجه الخصوص ،يقول تعالي :
" وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئول " السراء 34
وقال عز وجل " :يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود " المائدة 1
فأمر الله سبحانه وتعالي بالوفاء بالعقود ،قال الحسن يعني ذلك عقود الد َْين وهي
ما عقد المرء على نفسه من بيع وشراء وإجازة وكراء ومناكحة وطلق ومزارعة
ومصالحة وتمليك وغير ذلك من المور ،ما كان ذلك غير خارج عن الشريعة ،وكذلك
ما عقده على نفسه تعالي كالحج والصيام والعتكاف والقيام والنذر وما أشبه ذلك من
طاعات كله السلم "
) تفسير القرطبي ( .
فالعهد لبد من الوفاء به كما أن اليمين لبد من الوفاء بها ومناط الوفاء والبر أن
يتعلق المر بالحق والخير وإل فل عهد فى عصيان ول يمين فى مآثم .
وقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " :من حلف على يمين فرأي غيرها خيرا
منها فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير " رواه مسلم
ول يسوغ لمرئ الصرار على الوفاء بيمين ،الحنث فيها أفض وفى الحديث " لن يلج
أحدكم بيمينه فى أهله آثم له عند الله تعالي من أن يعطي كفارته التى افترض الله
عليه " رواه البخاري
ومن ثم فل تعهد إل بمعروف فإذا وثق النسان عهدا بمعروف فليصرف همته فى
إمضائه مادامت فيه عين تطرف وليعلم أن منطق الرجولة وهدي اليقين ل يتركان له
مجال للتردد والنثناء ....
والوفاء بالعهد يحتاج الى عنصرين إذا اكتمل فى النفس سهل عليها أن تنجز ما
التزمت به فإن الله أخذ على آدم أبي البشر عهدا مؤكدا أل يقرب الشجرة المحرمة
لكن آدم ما لبث أن نسي وضعف ثم نكث عهده قال تعالي " :ولقد عهدنا الى
آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما " طه 115
فضعف الذاكرة وضعف العزيمة عائقان كثيفان عن الوفاء الواجب والنسان – كتجدد
الحوادث أمامه وترادف الهموم المختلفة عليه – بفعل الزمان فعله العجيب فى نفسه
فتخبوا المعالم الواضحة ويمس ما كان بارزا فى نفسه ل يكاد يبين ولهذا افتقر إلى
مذكر دائم يغالب أمواج النسيان ويمسك أمام عينيه ما يوشك أن يزهل عنه وما أكثر
آي القرآن التي تواردت لتصف هذا الذكر .
قال تعالي " :اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ول تتبعوا من دونه أولياء
قليل ما تذكرون " العراف . 3
وقال عز وجل " :وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا اليات لقوم
والذكر المطرد التيقظ ضرورة لزمة للوفاء فمن أين يذكرون " النعام 126
لناس العهد أن يفي به ؟ لذلك ضمت آية العهد بعنصر التذكير قال تعالي " :وبعهد
الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلم تذكرون " النعام 152
فإذا ذكر المرء الموثق المأخوذ عليه يجب أن ينضم الى هذا الذكر عزم مشدد على
إنفاذه عزم يذلل الهواء الجامحة ويهون الصعاب العارضه عزم يمض فى سبيل الوفاء
مهما تجشم من مشاق وعزم ومن تضحيات " ) خلق المسلم (
* الوفاء خلق جامع لكثير من الفضائل ويمكن تصنيفه الى قسمين هما :
الوفاء مع الله . -1
الوفاء مع الناس . -2
182
خلق الوفاء :
- 1الوفاء مع الله ) العهد – الحلف – النذر ( .
-2الوفاء مع الناس ) العقود والعهود – البويين – الزوجة – الحقوق ( .
الوفاء مع الله
" والعهود التي يرتبط المسلم بها درجات فأعلها مكانه وأقدمها العهد العظم الذي
بين العبد ورب العالمين فإن الله خلق النسان بقدرته ورباه بنعمته وطلب منه أن
يعرف هذه الحقيقة وأن يعترف بها وأل تشرد به المغويات فيجهلها أو يجحدها " ومن
الوفاء مع الله تعالي
-1الوفاء بالعهد :العهد الذي أخذه الله على بني آدم بالعبودية .
) ألم أعهد إليكم يابني آدم أل تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن
اعبدوني هذا صراط مستقيم ( يس 61 :60
وإذا كان هناك من البشر من لم يستمع إلى المرسلين ويستهد بما جاءوا به فإن له
دوه إلى ربه ويبصره بخالقه مهما جعلت البيئة بصنوف الفساد ح ُ
من فطرته سائقا ي َ ْ
) خلق وضروب التخريف وهذا يعني الميثاق الذي أخذه الله على الناس كافة
المسلم (
) وإذا أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على
أنفسهم ألست بربكم قالوا بلي شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن
هذا غافلين .أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا
بما فعل المبطلون .وكذلك نفصل اليات ولعلهم يرجعون ( العراف
174-172
كما أخذ الله العهد على النبياء أن يؤمنوا برسالة محمد صلي الله عليه وسلم
وينصروه قال تعالي ) :وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب
وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال
أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا أنا معكم
من الشاهدين ( آل عمران 81
وقد صدر المر من الله للمسلمين أمرا عاما بأن يوفوا بعهودهم وخاصة ما عاهدوا
الله عليه .
قال تعالي ) :وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ول تنقضوا اليمان بعد توكيدها
وقد جعلتم الله عليكم كفيل ( النحل 91
والذين يوفون بعهدهم مع الله هم الذين يستحقون صفة الرجولة
قال تعالي ) :من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من
قضي نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديل ( الحزاب 23 :
-2الوفاء فى الحلف :
" الحلف أو القسم ل يكون إل بالله عز وجل ولقد قال النبي صلي الله عليه وسلم
" من حلف بغير الله فقد أشرك " رواه أحمد
فعلى المسلم إذا حلف أن يحلف بالله وعليه أن يوفي و يــبر قســمه وإل
حنث وعليه الكفارة " ) من أخلق السلم (
-3الوفاء بالنذر :
" والنذر أن يلزم النسان نفسه طاعة لله دون إلزام من الشرع .
ويشترط فى النذر أن يكون نطقا باللسان مثل نذرت لله أو لله على ،والنذر واجب
الوفاء لقوله تعالي " :وما أنفقتم من نفقه أو نذرتم من نذر فإن الله
183
يعلمه " البقرة . 270والوفاء به من صفات عباد الله قال تعالي " :يوفون بالنذر
ويخافون يوما كان شره مستطيرا " النسان 7
ضوابط النذر :تتمثل فى حديث النبي صلي الله عليه وسلم " من نذر أن يطيع الله
) من أخلق السلم ( . فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فل يعصه " رواه البخاري
الوفاء مع الناس
184
قال تعالي " :ويل للمطففين .الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون .
وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون " المطففين 3 : 1
قال تعالي " :وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم
من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ول
تبخسوا الناس أشياءهم ول تفسدوا فى الرض بعد إصلحها ذلكم خير
لكم إن كنتم مؤمنين " العراف 85
-احترام العقود والشروط :
و السلم يوحي باحترام العقود التي تسجل فيها اللتزامات وغيرها ويأمر بإنفاذ
الشروط التي تتضمنها قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " :المسلمون عند
شروطهم " رواه البخاري
-سداد الديون :
ومن الشئون التي اهتم السلم بها ونوه بقيمة الوفاء فيها الديون فإن سدادها من
أكثر الحقوق عند الله وقد قطع الدين قطعا عنيفا وساوس الطمع التي تنتاب المدين و
تغريه بالمطال أو إرجاء القضاء ،وأول ما شرعه السلم فى هذا أنه حرم الستدانة إل
للحاجة القاهرة ،فمن الورطات المخوفة أن يقترض المرء فى أمور يمكن الستغناء
عنها ،بل لقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :إن الدين يقتص من
صاحبه يوم القيامة إذا مات إل من تدين فى ثلث خصال :الرجل تضعف قوته فى
سبيل الله فيستدين .يتقوي به على عدو الله وعدوه ،ورجل يموت عنده مسلم فل
يجد ما يكفنه و يواريه إل بدين ،ورجل خاف على نفسه العزوبة فينكح خشية على
رواه بن ماجه دينه فإن الله يقضي عن هؤلء يوم القيامة "
وقد استهان المسلمون بالديون فأخذوها لشهوات الغي فى البطون والفروج
واقترضوها من اليهود والنصارى بالربا الذي حرمه الله تحريما باتا فكان من آثار ذلك
أن نكبوا نكبات جانحة فى ديارهم وأموالهم " )خلق المسلم (
185
) الدرجة العظمى ( 30 = 10 * 3
إذا كانت إجابتك على السؤال بـ ) دائما ً ( فاحمد الله وادعو الله أن يديم عليك ذلك
،وإن كانت بـ ) غالبا ً ( فاحمد الله وادع الله فى المستقبل أن تكون بـ ) دائما ً ( ،
وإن كانت بـ ) أحيانا ً أو ل ( فابحث عن سبب ذلك فى نفسك وادعوا الله أن يعينك
على نفسك واعزم على أن تحاول جاهدا ً فى مستقبل أيامك أن تغّير من نفسك
لتكون دائما ً وفيا ً .
التقويم
وضح مفهوم الوفاء . -1
صنف أقسام الوفاء . -2
وضح أقسام الوفاء مع الله . -3
وضح أقسام الوفاء مع الناس . -4
وضح كيفية اكتساب خلق الوفاء . -5
اذكر نماذج عايشتها أو سمعت بها تحقق فيها خلق الوفاء ) مع الله – مع -6
الناس ( .
وم إلى أى مدى حققت خلق الوفاء ) مع الله – مع الناس ( فى نفسك . ق ّ -7
93متفق عليه
94متفق عليه
95متفق عليه
96في ظلل القرآن
187
ً
،كما أنه فيه إغلقا ُ للنافذة الولى من نوافذ الفتنة والغواية ومحاولة عملية للحيلولة
97
دون وصول السهم المسموم"
والصل فى تحريم النظر قوله تبارك وتعالى :
" قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم
إن الله خبير بما يصنعون " النور31:
ومن الحاديث :
فعن عبادة بن الصامت رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " : .1
اضمنوا ستا ً من أنفسكم أضمن لكم الجنة ،اصدقوا إذا حدثتم ،وأوفوا إذا وعدتم ،
وأدوا إذا ائتمنتم ،و احفظوا فروجكم ،وغضوا أبصاركم ،وكفوا أيديكم " رواه أحمد
وابن حبان
وعن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " :كتب .2
على ابن آدم نصيبه من الزنى فهو مدرك ل محالة العينان زناهما النظر ،والذنان
زناهما الستماع ،واللسان زناه الكلم ،واليد زناها البطش والرجل زناها الخطى ،
والقلب يهوى ويتمنى ،ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه" رواه الشيخان
وعن جرير رضى الله عنه قال :سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن .3
نظر الفجاءة فقال " اصرف بصرك" رواه مسلم والترمذى
وما رواه ابن مسعود رضى الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه .4
ً
وسلم " :النظرة سهم مسموم من سهام ابليس من تركها مخافتى أبدلته إيمانا يجد
حلوته فى قلبه " رواه الطبرانى والحاكم
وعن أبى إمامة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " :ما من .5
مسلم ينظر إلى محاسن امرأة ثم يغض بصره إل أحدث الله له عبادة يجد حلوتها
فى قلبه" رواه أحمد والطبرانى
لماذا غض البصر ؟
تنفيذ أوامر الله عزوجل : .1
قال تعالى " :قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك
أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون" النور 31
وهذه الية اشتملت على ثلث معان :تأديب وتنبيه وتهديد
أما التأديب فقوله تعالى " :قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم " ولبد للعبد من
امتثال أوامر ربه والتأدب معه وإل كان سئ الدب .
وأما التنبيه " ذلك أزكى لهم " فالزكاة هى الطهارة والزيادة لن غــض البصــر يزيــد
طهارة القلب فيزداد العبد من الطاعات .
وأما التهديد " إن الله خبير بما يصنعون " .
قيل لحد الصالحين كيف أغض بصرى قال :أن تعلم أن نظر اللــه إليــك أســرع مــن
نظرك إلى المنظور إليه
.2استجابة لتوجيه النبى صلى الله عليه وسلم :
قال صلى الله عليه وسلم " :يا على ل تتبع النظرة النظرة فإنما لك الولى وليس
لك الخرة " رواه أحمد
وعن جرير رضى الله عنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة
الفجاءة فقال " :اصرف بصرك " رواه مسلم والترمذى .
ضمان دخول الجنه : .3
لحديث عبادة بن الصامت رضى الله عن النبى صلى الله عليه وسلم الذى سبق
ذكره .
تجنب الزنا : .4
في ظلل القرآن 97
188
قال تعالى " :ولتقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيل ً " السراء 32:
وعن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم " قال :كتب على
ابن آدم نصيبه من الزنى فهو مدرك ل محالة العينان زناهما النظر ،والذنان تزنى
وزناهما الستماع ،واللسان زناه الكلم ،واليد زناها البطش ،والرجل زناها الخطى ،
والقلب يهوى ويتمنى ،ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه" رواه الشيخان
فالعين رسول القلب كما قال الشاعر :
ومعظم النار من مستصغر الشرر كل الحوادث مبدأها من النظر
فى أعين الغيد موقوف الخطر والمرء مادام ذا عين يقلبها
ل مرحبا ً بسرور يأتى بالضرر يسر مقلته ما ضر مهجته
لن النسان ضعيف : .5
ً
قال عزوجل " :وخلق النسان ضعيفا " النساء . 28 :فسر سفيان الثورى
هذه اليه قال تمر بالرجل فل يملك نفسه عن النظر إليها .
والشهوة الجنسية من أعتى الشهوات وأشدها إلحاحا ً على النسان ،قال بن القيم
" :إذا عنت لك نظرة فاعلم أنها مسعر حرب فإذا غضضت بصرك كفى الله المؤمنين
القتال ". 98
لن النظر خطر على استقرار الفكر : .6
ً
"إن النظر المتلذذ الجائع ليس خطرا على خلق العفاف فحسب بل خطر على
99
استقرار الفكر وطمأنينة القلب الذى يصاب بالشرود و الضطراب "
المعينات على غض البصر : •1
-1شغل النفس بالحق :
"فالنفس ل تمل السعى والحركة والطلب والعمل فإن لم تشغلها بالحق شغلتك
بالباطل وإن لم تحلق بها فى معالى المور انحدرت بك إلى سفاسفها ،فأخذ لنفسك
100
شغل ً ،وحدد لذهنك هما ً واطلب لجسمك كدا ً "
من أجل ذلك كره سيدنا عمر بن الخطاب الفراغ باعتباره نزلة إلى المذلة وهاوي
إلى الهوى فقال " :انى لكره أن أرى أحدكم فارغا ً ل فى عمل دنيا ول فى عمل آخرة
"
-2كثرة الصيام :
أصل الشهوات واحد كما أن أصل الصبر واحد فمن صبر على شهوة الطعام قويت
إرادته واستطاع الصبر عن شهوة النظر الى الحرام ،ولهذا جاءت الوصية بالصيام
لتدرب الصائم على أن يمتنع باختياره عن شهواته ولذاته الحيوانية ويصر على امتناعه
فل يتغير ول يتحول ول تعد عليه عوادى الغريزة أو نوازع الرغبة ،فيكون غض البصر
نتيجة طبيعية لهذا وثمرة تلقائية له ،لذا أوصى النبى صلى الله عليه وسلم " :ومن
لم يستطع فعليه بالصوم فان له وجاء" جزء من حديث رواه الشيخان ،ومن ذلك
الكثار من صيام النوافل كيوم الثنين والخميس من كل أسبوع .
-3الزواج :
قال النبى صلى الله عليه وسلم " :يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة
فليتزوج فأنه أغض للبصر وأحصن للفرج" رواه الشيخان
وقد وصفه النبى صلى الله عليه وسلم دواًء شافيا ً كى يسلم المسلم من النظر إلى
الحرام ،عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة فأتى زينب فقضى
حاجته ثم خرج الى أصحابه فقال " :إن المرأة تقبل فى صورة شيطان وتدبر فى
189
صورة شيطان فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فإن ذلك يرد ما فى نفسه" رواه
مسلم
ً ً
قال المام النووى " :إنما فعل هذا بيانا لهم وإرشادا لما ينبغى لهم أن يفعلوا يعلمهم
بقوله وفعله"
مراقبة الله عز وجل والخوف منه : -4
قال تعالى " :يعلم خائنة العين وماتخفى الصدور" غافر 19
قال ابن عباس " :الرجل يكون فى القوم فتمر بهم المــرأة فيريهــم أن
ة نظر إليها ،فإن خاف أن يفطنوا يغض بصره عنها ،فإن رأى منهم غفل ً
إليه غض بصره ،وقد اطلع الله عز وجل من قلبه أنه نظر إلى عورتها "
فنار الشهوة فى القلب ل يخمدها غير الخوف من الله
يقول تعالى " :ولمن خاف مقام ربه جنتان" .قال مجاهد " :هو الذى إذا هم
بمعصية ذكر مقام الله عليه فيها فانتهى"
-5المقارنة بين العاجل والجل :
كان عند ذى النون المصرى فتى حسن فمرت امرأة ذات حسن وجمال وخلق فجعل
الفتى يسارق النظر اليها فزجه ذو النون المصرى وأنشد يقول :
واشغل هواك بحور خلد عين دع المصوغات من ماء وطين
فمن شغله اليوم التطلع الى الغيد الحسان فليعقد مقارنة بينهن وبين الحور العين
لتعلم الفارق بين هذه وتلك الحوراء
فالحوراء ما الحوراء :تجرى الشمس من محاسن وجهها إذا برزت ويضئ البرق من
ثناياها إذا ابتسمت لو أطلعت على الدنيا لملت ما بين السماء والرض ريحا ً
ولستنطقت أفواه الخلئق تهليل ً وتكبيرا ً وتسبيحا ً ولما نامت عن النظر إليها عين ،
خمارها على رأسها الذى يخفى جمالها خير من الدنيا وما فيها فكيف جمالها .فما
ظنك بامرأة إذا ضحكت فى وجه زوجها أضاءت الجنة من ضحكها
نظران ل يجتمعان من غض بصره اليوم عن الطين أطلقه غدأ ً فى الحور العين
لذا يقول سيدنا أبو الدرداء " من غض بصره عن النظر الحرام زوج من الحور العين
حيث أحب "
-6البعد عن المثيرات :
ابتعد عن كل ما يثير ول تعذب نفسك ،فكل مكان أو شىء يغرى بعدم غض البصر
والنظر إلى الحرام فيجب البتعاد عنه قدر الستطاعة مثل :البعد عن رفقاء السوء
الذين يزينون المعصية ومقاطعة ما يغضب الله من مجون فى التلفاز والسينما
والمجلت والصحف .
ً
ومن المعينات أيضا على غض البصر نكتفى بذكرها :
.1ممارسة الرياضة لتفريغ الطاقة .
.2قضاء الوقات فى النافع المفيد مثل حفظ القرآن ومطالعة الكتب المفيدة .
.3اصطحاب المصحف فى المواصلت .
التقويم :
-1وضح مفهوم غض البصر وشرعيته .
-2وضح أهمية غض البصر ) لماذا غض البصر ؟ ( .
-3أذكر المور المعينة على غض البصر .
-4اذكر المور التى أخذت بها شخصيا ً مع نفسك حتى تخلقت بغض البصر .
وم مدى تخلقك بغض البصر . -5ق ّ
190
حسن المعاملة
مقدمة :
* مفهوم حسن المعاملة :
ً
التعامل ) :سعي من جانبين يتبادلن قول ً وفعل ً أو شأنا من تخاطب وتراسل وتصالح
وتخاصم وتبايع وغير ذلك (
والرسالة الخاتمة شرعت للبشرية سنن التعايش التي ترتقي بها في مدارج
الصلح والفلح في العاجل والجل .
هذا المنهاج أسسه الدين على صلح القلب ،فالمؤمنون والمؤمنات بعضهم
أولياء بعض ،والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ً ،والمسلم أخو
المسلم ،بل حين ينعقد اليقين وتنشرح الصدور بنوره يتولى الله البر الرحيم
هدى المستيقنين فيؤلف بينهم ويرسخ ودهم قال تعالى " :إن الذين آمنوا
ً 101
وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا "
حين يصدق اليمان تصدر عن صاحبه مكارم الخلق ،وُيهدى إلى الطيب من
القوال والفعال ،ومن وحي ربنا ذي الجلل إلى النبي السوة في كل الحوال
والخصال ،نتعلم كيف يمد اليمان شعوبنا وأمتنا بطيب الفعال
فعن أبي موسى رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
102
" المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا "
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال :قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم " :مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا
103
اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى "
* ومحبة الخير لكل مسلم أمر واجب في السلم ،لزم لصدق اليمان ،وأثر
العقيدة السليمة النقية .ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :والذي
104
نفسي بيده ل يؤمن عبد حتى يحب لخيه ما يحب لنفسه"
من جوانب حسن المعاملة :
حسن المعاملة تشتمل جوانب عدة منها :
-4 -3حسن الجوار -2صلة الرحم -1بر الوالدين
توقير الكبير
-7أن يألف -5العطف على الصغير -6حسن المعاملت المالية
ويؤلف .
114متفق عليه
115رواه أبو داوود
193
تلبية ندائهما بسرعة-18
إكرام أصحابهما في حياتهما وبعد مماتهما -19
التقويم
-1وضح مفهوم بر الوالدين .
-2وضح شرعية بر الوالدين وأهمبته .
-3وضح بعض مظاهر بر الوالدين .
وم مدى تخلقك ببر الوالدين ) راجع نفسك على تحقق مظاهر بر -4ق ّ
الوالدين لديك (
194
* بل إن قطع الرحم تكون عائقا ً في دخول الجنة :فعن جبير بن مطعم أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ":ل يدخل الجنة قاطع" 123أي قاطع رحم.
ويقول المام علي :أكرم قرابتك فإنهم جناحك الذي به تطير وأصلك الذي إليه تصير .
" وأوجب السلم أنظمة لزيادة الترابط بين الرحام :مثل نظام التكافل
والنفقات التي توجب على الموسر أن ينفق على ذوي قرابته ،ونظام المواريث الذي
جعل لكل قريب نصيبا ً على قدر قرابته ،ونظام العاقلة الذي يوجب على العشيرة
124
المساعدة في الدية المفروضة على أي فرد فيها"
فالسلم حريص على سيادة روح المحبة بين جميع أفراد المجتمع وخاصة بين ذوي
الرحام .
125
* ومن ثمرات صلة الرحم في الدنيا والخرة
-1صلة الرحم تدفع عن الواصل ميتة السوء :
لما روى أبو يعلى عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
سمعه يقول " :إن الصدقة وصلة الرحم يزيد الله بهما في العمر ويدفع بهما ميتة
المكروه والمحذور"
لما روى الطبراني -2صلة الرحم تعمر الديار وتثمر الموال :
والحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم "إن الله ليعمر بالقوم الديار ويثمر لهم الموال وما نظر إليهم منذ
خلقهم بغضا ً لهم قيل كيف ذاك يا رسول الله ؟ قال بصلتهم الرحم"
-3صلة الرحم تغفر الذنوب وتكفر الخطايا :
لما روى بن حبان والحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال :أتى النبي صلى
الله عليه وسلم رجل فقال :إني أذنبت ذنبا ً عظيما ً فهل لي من توبة ؟ فقال :هل
لك من أم ؟ قال :ل ،قال فهل لك من خالة ؟ قال نعم :قال فبرها"
-4صلة الرحم تيسر الحساب وتدخل صاحبها الجنة :
لما روى البزار والطبراني والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلث من كن فيه حاسبه الله حسابا ً يسيرا ً وأدخله
الجنة برحمته قالوا وما هي يا رسول الله بأبي أنت وأمي؟ قال :تعطي من حرمك
وتصل من قطعك وتعفو عن من ظلمك فإذا فعلت ذلك يدخلك الله الجنة"
-5صلة الرحم ترفع الواصل إلى الدرجات العلى يوم القيامة :
لما روى البزار والطبراني عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أل أدلكم على ما يرفع الله به الدرجات ؟
قالوا نعم يا رسول الله .قال :تحلم على من جهل عليك وتعفو عن من ظلمك
وتعطي من حرمك وتصل من قطعك "
* وبالمقابل يحذر القرآن الكريم من قطيعة الرحم ويعتبر هذه
القطيعة بغيا ً وإفسادا ً في الرض يستحق صاحبها اللعنة وسوء الدار :
قال تعالى " :والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما
أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء
الرعد 25 : الدار"
وقال أيضا " :فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الرض وتقطعوا ً
أرحامكم .أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم" محمد )
(23-22
123متفق عليه
124من خطبة للشيخ القرضاوي – عن صلة الرحام
125تربية الولد في السلم
195
فإذا كانت هذه نهاية ومصير من يقف من رحمة هذا الموقف الظالم المعادي ،
فحري بكل مسلم أن يصل رحمه ويتجنب القطيعة مهما كانت الظروف ،فإن ذلك
هو سبيل النجاة في الدنيا والخرة .
* من مظاهر صلة الرحام :
التزاور -1
دعوة الرحام على إفطار في شهر رمضان -2
التهنئة بالعيد والمناسبات السعيدة مثل النجاح وغيره -3
المشاركة في الفراح والتراح -4
تبادل الهدايا -5
التقويم
-1وضح مفهوم صلة الرحم .
-2وضح شرعية صلة الرحم .
-3وضح أهمية صلة الرحم .
-4عدد ثمرات صلة الرحم .
-5أذكر بعض مظاهر صلة الرحم .
وم مدى صلتك لرحمك ) راجع نفسك على مظاهر صلة الرحم ( -6ق ّ
196
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"خير الصحاب عند الله تعالى خيرهم لصاحبه وخير الجيران عند الله تعالى خيرهم
130
لجاره"
من كل ما سبق يتبين تأكيد السلم على حسن الجوار لنها سبيل المن
في المجتمع لن الجار هو ستر أخيه ومعوانه وأقرب الناس إليه .
حقوق الجار : •
" حقوق الجار فى نظر السلم ترجع إلي أربعة أصول :هى أل يلحق الرجل بجاره
أذى وأن يحميه ممن يريده بسوء ،وأن يعامله بإحسان وأن يقابل جفاءه بالصفح
131
والحلم "
كف الذى عن الجار :
والذى أنواع منها :الزنى والسرقة والسباب والشتائم والوساخ ،وأخطرها الزنى
والسرقة وانتهاك الحرمة ،وهذا أكده الرسول صلى الله عليه وسلم لما كان يوجه
أصحابه إلى أكرم الخصال وينهاهم عن أقبح الفعال ،فعن المقداد بن السود رضى
الله عنه قال " :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصحابه :ما تقولون فى
الزنى؟ قالوا حرام حرمه الله إلى يوم القيامة ،قال :فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم لن يزنى الرجل بعشرة نسوة أيسر عليه من أن يزنى بامرأة جاره ،قال :
ماتقول فى السرقة ؟ قالوا :حرمها الله ورسوله فهى حرام ،قال :لن يسرق
الرجل من عشرة أبيات أيسر عليه من أن يسرق من جاره " رواه أحمد والطبرانى .
أما أذى اليد وأذى اللســان فيــدخل فــى مضــمون قــوله عليــه الصــلة والســلم "واللــه
ليؤمن والله ليؤمن والله ل يؤمن؟ قيل من يارســول اللــه ؟ قــال الــذى ليــأمن جــاره
بوائقه " رواه الشيخان )بوائقه يعنى شروره(
وتغنى شعراء العرب بحرمة الجار والمحافظة على حرماته كقول عنترة
حتى يوارى جارتى مأواها وأغض طرفى إن بدت لى جارتى
.2حماية الجار :
حماية الجار وكف الظلم عنه أثر من آثار طهارة النفس بل مكرمة مــن أنبــل المكــارم
الخلقية فى نظر السلم .فقد كان لبى حنيفــة جــارا ً بالكوفــة إذا انصــرف مــن عملــه
يرفع صوته فى بيته منشدا ً :
ليوم كريهة وسداد ثغر أضاعونى وأى فتى أضاعوا
فيسمع أبى حنيفه غنائه بهذا البيت ،فأخـذه الحـراس فـى ليلـة مـن الليـالى وحبسـوه،
ففقد أبو حنيفة صوته تلك الليلة وسأل عنـه فـى الغـد فـأخبروه بحبسـه ،فركـب الـى
المير )عيسى بن موسى( وطلب منه إطلق الجــار ،فـأطلقه فـى الحـال فلمـا خــرج
الفتى داعبه أبو حنيفة وقال له سرا ً :فهل أضعناك يــا فــتى فقــال :ل ولكــن أحســنت
وتكرمت أحسن الله جزاءك وأنشد :
عزيز وجار الكثرين ذليل وما ضرنا أنا قليل وجارنا
والصل فى حماية الجار ورفع الظلم عنه وعدم خذلنه مــا روى عــن ابــن عمــر رضــى
الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :المسلم أخو المسلم ل يظلمه
ول يسلمه من كان فى حاجة أخيه كان الله فى حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فــرج
الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ً ســتره اللــه يــوم القيامــة " رواه
الشيخان
130رواه الترمذي
131تربية الولد في السلم
197
الحسان الى الجار
ً
قـــال تعـــالى " :وبالوالـــدين إحســـانا وبـــذى القربـــى واليتـــامى
والمساكين والجــار ذى القربــى والجــار الجنــب والصــاحب بــالجنب وابــن
السبيل " النساء 36:
وعن عمرو بن شعيب عن إبن ابيه عن جده عن النــبى صــلى اللــه عليــه وســلم
قال " :من أغلق بابه دون جاره خــانه عــن أهلــه ومــاله فليــس ذلــك بمــؤمن ،وليــس
بمؤمن من لــم يــأمن جــاره بــوائقه .أتــدرى مــاحق الجــار ؟ إذا اســتعانك أعنتــه ،وإذا
استقرضك أقرضته ،وإذا أفتقر عدت عليه ،وإذا مرض عدته ،وإذا أصابه خيـر هنـأته ،
وإذا اصابته مصيبة عزيته ،وإذا مات اتبعت جنازته ،ول تستطل عليه بالبنيــان فتحجــب
عنه الريح إل بإذنه ،ول تؤذه بقتار ريح قدرك إّل تغرف له منهــا ،وإن اشــتريت فاكهــة
فأهد له منها فإن لم تفعل فإدخلها سرا ً ،ول يخرج بهـا ولــدك ليغيــظ بهـا ولــده " رواه
الطبرانى .
وكان العرب يضربون المثل فى حسن الجوار بــأبى داود وهــو كعــب بــن أمامــة
فيقولون " :كجار أبى داود " وكان أبو داود ،هذا إن هلك لجــاره بعيـُر أوشــاة أخلفهــا
عليه ،وأن مات الجار أعطى أهله مقدار ديته من ماله .
احتمال أذى الجار
قال تعال " :ول تستوى الحسنة ول السيئة ادفع بالتى هــى أحســن
فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم " فصلت 34
ولبد للجار أن يتجاوز عن أخطاء جاره ويتغاض عن هفــواته ،ويتلقــى كــثيرا ً مــن
إساءته بالصفح والحلم ،ولسيما إساءة حدثت من غير قصد أو إساءة ندم عليها وجــاء
معتذرا ً ،قال الحريري فى مقاماته " :أراعى الجار ولو جار" .
ومن المسلم عند علماء التربية والخلق ،أن التسرع إلى دفــع السـيئة بمثلهـا أو
بأشد منها دون نظر ما يترتب عليها من الثر الســئ أو النتــائج الوخيمــة ،دليــل واضــح
على ضيق الصدر والعجز عن كبح جماح الغضــب ،وإنمــا يتفاضــل النــاس فــى الخلق
والسيادة على قدر تدبرهم للعــواقب وتبصــرهم للنتــائج وإســكاتهم لثــورة النفعــال إذا
طغت ،ومن هنا كان الذي يملك نفسه عنــد الغضــب مــن أقــوى القويــاء ومـن أعظــم
132
البطال فى نظر النبي صلى الله عليه وسلم"
بب ببببب ببب بببببب :
.1الهدية المتبادلة مع الجيران .
.2المشاركة فى المناسبات السعيدة .
.3كف الذى عن الجار .
.4الصبر على ماقد يبدو من إيذاء الجيران .
.5إسداء النصح الى الجيران .
التقويم :
أ -وضح مفهوم حسن الجوار وشرعيته .
ب-وضح حقوق الجار .
ج-وضح مظاهر حسن الجوار .
وم مدى تحقيقك لحسن الجوار . د-ق ّ
198
أ -أن يوضح مفهوم توقير الكبير .
ب -أن يوضح شرعية توقير الكبير .
ج -أن يذكر بعض مظاهر توقير الكبير .
وم مدى توقيره للكبير .
د -أن يق ّ
* مفهوم توقير الكبير :
" المسلم الناضج فى فهمه المتأثر تأثرا ً حقيقيا ً بمبادئ السلم ،والذى سرى
روح اليمان فى دمه ،تراه فى جميع تصرفاته إسلمى الحركة ،إنسانى المواقف ،
رحيما ً فى المعاملة رقيقا ً فى المعاشرة ،يزن كل شئ بميزان السلم وإن لم يوافق
تقاليده ويبتغى بعمله رضاء الله مخالفا ً نفسه وهواه ،وهو فيض رحمة على الضعيف
والصغير والمسكين وبحر عطف وحنان لكل ذى حاجة من خلق الله تعالى ،وخير من
133
يجل الكبر منه ويعرف حقه عليه "
ورسولنا له يد طولى فى الحث على توقير الكبير ورحمة الصغير قال صلى الله عليه
134
وسلم " :ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا "
وحفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم حق الكبير فى المامة والمارة فعن ابى
مسعود عقبة بن عمرو البدرى النصارى قال :قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم " :يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ،فإن كانوا فى القراءة سواء ،فأعلمهم
بالسنة فإن كانوا فى السنة سواء فأقدمهم هجرة ،فإن كانوا فى الهجرة سواء
فأقدمهم سنا ً ،ول يؤمن الرجل الرجل فى سلطانه ،ول يقعد فى بيته على تكرمته إل
135
بإذنه "
وعن أبى موسى رضى الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :
إن من إجلل الله تعالى إكرام ذى الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالى فيه
136
والمجافى عنه وإكرام ذى السلطان المقسط "
وعن أنس رضى الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :ما
137
أكرم شاب شيخا ً لسنه إل قيض الله له من يكرمه عند سنه "
ونستخلص من مجموعة هذه الحاديث الصحيحة المور التالية :
إنزال الكبير منزلته اللئقة به : .1
ً
كأن يستشار فى المور ويقدم فى المجلس ويبدأ به فى الضيافة تحقيقا لقوله
عليه الصلة السلم " :أنزلوا الناس منازلهم " ومما يؤكد ذلك مارواه المام أحمد
بإسناد صحيح عن شهاب بن عباد :أنه سمع بعض وفد عبد القيس وهم يقولون :
قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتد فرحهم فلما انتهينا إلى القوم
أوسعوا لنا فقعدنا فرحب بنا النبى ودعانا ثم نظر الينا فقال :من سيدكم وزعيمكم ؟
فأشرنا جميعا ً إلى المنذر بن عائز ،فلما دنا من المنذر أوسع القوم له ،حتى انتهى
إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقعد عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم
فرحب به وألطفه وسأله عن بلده " .
ومن المور المسلم بها والمجمع عليها لدى أهل الحديث أن الصحابة رضى الله
عنهم كانوا يبدأون بضيافة الرسول صلى الله عليه وسلم ثم من كان على يمينه فظل
هذا الفعل سنة متبعة من هديه عليه الصلة والسلم .
199
كأن يتقدم الكبير على الصغير فى صلة الجماعة وفى التحدث مع والى الناس
فى الخذ والعطاء وعند التعامل ،لما روى المام مسلم عن ابن مسعود قال :كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا فى الصلة ويقول " :استووا ول
تختلفوا فتختلف قلوبكم ليلينى منكم أولى الحلم والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين
يلونهم "
الترهيب من استخفاف الصغير من الكبير: .3
كأن يهزأ منه ويسخر عليه ويبجح كلما ً سيئا ً عليه ،ويسئ الدب فى حضرته ،
وينهره فى وجهه فعن أبى إمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :ثلث ل
يستخف بهم ال منافق ،ذو الشيبة فى السلم ،وذو العلم ،و إمام مقسط " رواه
الطبرانى
* من مظاهر احترام الكبير :
البدء بإلقاء السلم على الكبير . .1
.2إعانته على قضاء حوائجه .
.3الفساح للكبير فى المجلس .
.4مخاطبة الكبير بأدب وتلطف .
.5القيام للقادم الكبير .
التقويم
أ -وضح مفهوم توقير الكبير .
ب-وضح شرعية توقير الكبير .
ج -أذكر بعض مظاهر توقير الكبير .
وم مدى توقيرك للكبير . د -ق ّ
أمر السلم بالعناية بكل ضــعيف وكــل مســكين وبكــل كســير الجنــاح
منكوب ،وكذلك المر برحمة الصغير ورعاية ما يناسبه ويتفق مع حاله .
فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال :قبل النبى صلى الله عليه وسلم الحسن بن
على رضى الله عنهما و عنده القرع بن حابس فقال القرع :إن لى عشرة من الولد
ما قبلت منهم أحدا ،فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال " :من ل
138
يرحم ل يرحم "
و عن أبى قتاده الحارث بن ربعى رضى الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله
عليه و سلم " :إنى لقوم إلى الصلة وأريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبى فأتجوز
139
فى صلتى كراهية أن أشق على أمه "
و كان صلى الله عليه و سلم يحمل أمامة على عاتقه فى أثناء الصله و هى
طفلة و هى بنت ابنته زينب رضى الله عنهما .وكان الحسن و الحسين يركبا ظهره
صلى الله عليه و سلم و هو ساجد فيطيل السجود حتى ل يزعجه و ربما كان ذلك و
ما بالناس .
هو يصلى إما ً
رواه الشيخان 138
200
و كان إذا رجع من سفر أسرع إليه الصبيان حتى يرونه فيأخذهم و يركب بعضهم
خلفه وبعضهم أمامه ،وكانت المرأة تأتيه بالصبى ليباركه فيبول الصبى على ثوبه
صلى الله عليه و سلم فتنزعج المرأة و تطلب من الرسول أن يعطيها ثوبه لتغسله و
لكن كان يكتفى بنضح الثوب بالماء ويهون المر على أمه .
و هكذا كان صلى الله عليه و سلم رحمة للصبى و للمهات و للمساكين و جميع
الضعفاء و المؤمنين و هكذا ينبغى أن يكون كل مسلم .
من مظاهر الرحمة بالصغير والعطف عليه : •2
مداعبة الصغار وخاصة الولد . .2
إلقاء السلم على الصغار . .3
المسح على رأس اليتام . .4
تعليم الصغار أمور الدين . .5
ببببببب
-1وضح مفهوم العطف على الصغير .
-2عدد بعض مظاهر العطف على الصغير.
وم مدى عطفك على الصغير .
ج -ق ّ
أن يوضح الدارس السباب التى تؤدى إلى حدوث اللفة . -3
-1أن يوضح الدارس مدى تحقيقه للواجبات العملية اللزمة حتى يتخلق بهذا
الخلق ) .ورشة عمل (
-يألف ويؤلف :في اللغة العربية ) :ألف فلنا إلفا :أنس به وأحبه
ألف بينهم :جمع ،ائتلف الناس :اجتمعوا وتوافقوا
تأّلف فلنا :استماله ،اللفة :الجتماع واللتئام
203
وهناك رذائل حاربها السلم وقد حذر الرسول )صلى الله عليه وسلم ( من هذه
الرذائل وهي تبدو للنظر القاصر تافهة الخطر غير أنها لمن تدبر عواقبها تصدع القلوب
وتجفف عواطف الود واللفة منها :قال صلى الله عليه وسلم " :إياكم والظن فإن
الظن أكذب الحديث ول تجسسوا ول تحسسوا ول تنافسوا ول تحاسدوا ول تباغضوا ول
تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا كما أمركم الله تعالي … المسلم أخو المسلم ل يظلمه
ول يخذله ول يحقره .بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ،كل المسلم
علي المسلم حرام ،ماله وعرضه ودمه … إن الله ل ينظر إلى صوركم وأجسادكم
ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم … التقوي هاهنا ،ويشير إلى صدره ،أل ل يبع
بعضكم علي بيع بعض .وكونوا عباد الله إخوانا … وليحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق
ثلث " رواه مسلم ) خلق المسلم للغزالى ص (171
التقويم
وضح ما المقصود بـ " يألف ويؤلف " . -1
204
الهــدف المرحلــي الســادس :أن يجاهــد نفســه لكتســاب حســن الخلــق .
) ورش عمل (
الوسائل المؤدية إلى حسن الخلق : •1
" زعم بعض الناس أن الخلق ل يمكن تغييرها وهذا رأى خاطئ ،لنه لو كانت
الخلق ل تقبل التغيير لم يكن للمواعظ والوصايا معنى ،وكيف ننكر تغيير الخلق
ونحن نرى الصيد الوحشى يستأنس والكلب يعلم ترك الفتراس والفرس تعلم حسن
المشى وجودة النقياد ،إل أن بعض الطباع سريعة القبول للصلح وبعضها مستصعب ،
وأما خيال من اعتقد أن ما فى الجبلة ل يتغير ،فاعلم أنه ليس المقصود قمع الصفات
بالكلية وإنما من الرياضة رد الشهوة إلى العتدال الذى هو وسط بين الفراط
145
والتفريط وأما قمعها بالكلية فل "
** تجرى ورش عمل حول كل خلق من الخلق المراد اكتسابها ) من
الخلق السابق ذكرها ( :
وتكون الورشة حول كيف يمكن اكتساب هذا الخلق ،وما السباب والوسائل
الموصلة إليه ،وكيف يجاهد الفرد نفسه للتحقق بهذا الخلق .
المصادر
العلمة /ابن قدامة -1مختصر منهاج القاصدين
المقدسى
للشيخ /محمد الغزالى -2خلق المسلم
المام /ابن القيم -3الفوائد
للدكتور /يوسف القرضاوى -4الحلل والحرام
للشهيد /سيد قطب -5فى ظلل القرآن
للشيخ /حسن أيوب -6السلوك الجتماعى فى السلم
للشيخ /عبد الله ناصح -7تربية الولد فى السلم
علوان
للعلمة /بن رجب الحنبلى -8جامع العلوم والحكم
العلمة /ابن كثــــير -9تفسير القرآن العظيم
205
206