You are on page 1of 206

‫الكتاب الول ويشتمل على الفصول التية‬

‫‪ -‬الفصل الول ‪ :‬القرآن الكريم‬


‫سور) الملك – القلم – الحاقة – المعارج (‬
‫‪ -‬الفصل الثاني ‪ :‬الحديث الشريف‬
‫‪ 7‬أحاديث من الربعين النووية )‪(27-21‬‬
‫‪ -‬الفصل الثالث ‪ :‬السيرة‬
‫من السنة الولى إلى السنة الرابعة للهجرة ‪.‬‬
‫‪ -‬الفصل الرابع ‪ :‬صور من حياة الصحابة والتابعين‬
‫مصعب بن عمير – عمر بن عبد العزيز‬
‫‪ -‬الفصل الخامس ‪ :‬العقيدة‬
‫‪ -‬من آثار اليمان‬
‫‪ -‬الفصل السادس‬
‫‪ -‬السلم منهج حياة‬
‫‪ -‬الفصل السابع‬
‫أن يتمتع بحسن الخلق والسمعة الطيبة وحسن المعاملة‬

‫الفصل الول‬

‫مع القرآن الكريم‬

‫جزء تبارك‬
‫من سورة الملك إلى سورة المعارج‬

‫سورة الملك‬
‫مقدمة ‪:‬‬
‫هذا الجزء كله من السور المكية ‪ ..‬وبعض مطالع السور في هذا الجزء من بواكير ما‬
‫نزل من القرآن كمطلع سورة "المدثر" ومطلع سورة "المزمل" ‪ ..‬والقرآن المكي‬

‫‪1‬‬
‫يعالج ‪ -‬في الغالب ‪ -‬إنشاء العقيدة ‪ .‬في الله وفي الوحي ‪ ،‬وفي اليوم الخر ‪ .‬وإنشاء‬
‫التصور المنبثق من هذه العقيدة لهذا الوجود وعلقته بخالقه ‪ .‬والتعريف بالخالق‬
‫تعريفا يجعل الشعور به حيا في القلب ‪ ،‬مؤثرا موجها موحيا بالمشاعر اللئقة بعبد‬
‫يتجه إلى رب ‪ ،‬وبالدب الذي يلزمه العبد مع الرب ‪ ،‬وبالقيم والموازين التي يزن بها‬
‫المسلم الشياء والحداث والشخاص ‪.‬‬
‫***‬
‫وهذه السورة الولى ‪ -‬سورة تبارك ‪ -‬تعالج إنشاء تصور جديد للوجود وعلقاته بخالق‬
‫الوجود ‪ .‬تصور واسع شامل يتجاوز عالم الرض الضيق وحيز الدنيا المحدود ‪ ،‬إلى‬
‫عوالم في السماوات ‪ ،‬وإلى حياة في الخرة ‪ .‬وإلى خلئق أخرى غير النسان في‬
‫عالم الرض كالجن والطير ‪ ،‬وفي العالم الخر كجهنم وخزنتها ‪ ..‬كما أنها تثير في‬
‫حسهم التأمل فيما بين أيديهم وفي واقع حياتهم وذواتهم مما يمرون به غافلين ‪.‬‬
‫وتطلق الحواس والعقل والبصيرة ترتاد الفاق ‪ ،‬وأغوار النفس ‪ ،‬وطباق الجو ‪،‬‬
‫ومسارب الماء ‪ ،‬وخفايا الغيوب ‪ ،‬فترى هناك يد الله المبدعة‪.‬‬
‫الموت والحياة أمران مألوفان مكروران ‪ .‬ولكن السورة تبعث حركة التأمل فيما وراء‬
‫الموت والحياة من قدر الله وبلئه ‪ ،‬ومن حكمة الله‬
‫وتدبيره ‪ ) :‬الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عمل ‪ ،‬وهو العزيز‬
‫الغفور ( ‪.‬‬
‫والسماء خلق ثابت أمام العين الجاهلة ل تتجاوزه إلى اليد التي أبدعته ‪ ،‬ول تلتفت‬
‫لما فيه من كمال ‪ .‬ولكن السورة تبعث حركة التأمل والستغراق في هذا الجمال‬
‫والكمال وما وراءها من حركة وأهداف ‪ ):‬الذي خلق سبع سماوات طباقا ‪ .‬ما ترى في‬
‫خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ؟ ‪. ( ..‬‬
‫والحياة الدنيا تبدو في الجاهلية غاية الوجود ‪ ،‬ونهاية المطاف ‪ .‬ولكن السورة تكشف‬
‫الستار عن عالم آخر هو حاضرللشياطين وللكافرين ‪ .‬وهو خلق آخر حافل بالحركة‬
‫والتوفز والنتظار ‪ ) :‬وأعتدنا لهم عذاب السعير ‪ .‬وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم‬
‫وبئس المصير ‪. ( ..‬‬
‫والنفوس في الجاهلية ل تكاد تتجاوز هذا الظاهر الذي تعيش فيه ‪ ،‬ول تلقي بال إلى‬
‫الغيب وما يحتويه ‪ ..‬فالسورة تشد قلوبهم وأنظارهم إلى الغيب وإلى السماء وإلى‬
‫القدرة التي لم ترها عين ‪ ،‬ولكنها قادرة تفعل ما تشاء حيث تشاء وحين تشاء ‪..‬‬
‫) أأمنتم من في اسماء أن يخسف بكم الرض فإذا هي تمور ؟ أم أمنتم من في‬
‫السماء أن يرسل عليكم حاصبا ؟ فستعلمون كيف نذير ( ‪..‬‬
‫والطير ‪ .‬إنه خلق يرونه كثيرا ول يتدبرون معجزته إل قليل ‪ .‬ولكن السورة تمسك‬
‫بأبصارهم لتنظر وبقلوبهم لتتدبر ‪ ،‬وترى قدرة الله الذي صور وقدر ‪ ) :‬أو لم يروا‬
‫إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ؟ ما يمسكهن إل الرحمن ‪ ،‬إنه بكل شيء‬
‫بصير ( ‪.‬‬
‫والرزق الذي تناله أيديهم ‪ ،‬إنه في حسهم قريب السباب ‪ ،‬وهي بينهم تنافس وغلب ‪.‬‬
‫ولكن السورة تمد أبصارهم بعيدا هنالك في السماء ‪ ،‬ووراء السباب المعلومة لهم كما‬
‫يظنون ‪ ) :‬أم من هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه ؟ بل لجوا في عتور ونفور ( ‪..‬‬
‫وهم يكذبون بالبعث والحشر ‪ ،‬ويسألون عن موعده ‪ .‬فالسورة تصوره لهم واقعا‬
‫مفاجئا قريبا يسوؤهم أن يكون ‪ ) :‬فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا ‪ ،‬وقيل ‪:‬‬
‫هذا الذي كنتم به توعدون ! ( ‪..‬‬
‫وهم يتربصون بالنبي ومن معه أن يهلكوا فيستريحوا من هذا الصوت الذي يقض‬
‫عليهم مضجعهم بالتذكير والتحذير ‪ ..‬فالسورة تذكرهم بأن هلك الحفنة المؤمنة أو‬
‫بقاءها ل يؤثر فيما ينتظرهم هم من عذاب الله على الكفر والتكذيب ‪ ) :‬قل ‪ :‬أرأيتم‬
‫إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا فمن يجير الكافرين من عذاب أليم ؟( ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫وتنذرهم السورة في ختامها بتوقع ذهاب الماء الذي يعيشون به ‪ ،‬والذي يجريه هو‬
‫الله الذي به يكفرون ! ) قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين ؟ (‬
‫‪..‬‬
‫فضل السورة ‪:‬‬
‫أورد ابن كثير أحاديث متعددة في فضلها منها أنها شفعت لصاحبها حتى غفر له ‪ ،‬ومنها‬
‫أنها خاصمت عن صاحبها حتى أدخلته الجنة ومنها أنها هي المانعة وهي المنجية وفيها‬
‫قول رسول الله ‪ ) ‬لوددت أنها في قلب كل إنسان من أمتي (‪0‬‬

‫الدرس الول‬
‫قدرة الله عز وجل وما أعده للشياطين وأتباعهم من الكافرين‬
‫) اليات من ‪( 11 – 1‬‬
‫ت‬ ‫و َ‬ ‫م ْ‬ ‫ق ال ْ َ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ديٌر )‪ (1‬ال ّ ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عَلى ك ُ ّ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫ك َ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫ه ال ْ ُ‬ ‫د ِ‬ ‫ذي ب ِي َ ِ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫ت ََباَر َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ع‬
‫سب ْ َ‬ ‫ق َ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫فوُر )‪ (2‬ال ّ ِ‬ ‫غ ُ‬ ‫زيُز ال ْ َ‬ ‫ع ِ‬ ‫و ال ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫مًل َ‬ ‫ع َ‬ ‫ن َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫م أي ّك ُ ْ‬ ‫وك ُ ْ‬ ‫حَياةَ ل ِي َب ْل ُ َ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫ه ْ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫ر‬‫ص‬ ‫ب‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ُ ٍ‬ ‫و‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫من‬ ‫ّ ْ َ ِ ِ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫َ‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫رى‬ ‫ّ َ َ‬ ‫ت‬ ‫ما‬ ‫قا‬ ‫ً‬ ‫با‬ ‫ِ َ‬ ‫ط‬ ‫ت‬ ‫وا‬
‫َ َ َ ٍ‬ ‫ما‬ ‫س‬
‫ً‬ ‫ْ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫و‬ ‫ه‬ ‫و‬
‫َ َ ُ َ ِ َ ُ َ‬ ‫أ‬‫س‬ ‫خا‬ ‫ر‬ ‫ص‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ِ ْ ِ ْ‬‫ل‬ ‫إ‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫ين‬ ‫ّ َ ْ ِ َ‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ر‬‫َ َ َ‬ ‫ص‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫(‬ ‫‪3‬‬ ‫)‬ ‫ر‬ ‫طو‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ف‬ ‫من‬ ‫ت ََرى ِ‬
‫ّ ْ ِ ِ‬ ‫ٍ‬
‫ن‬‫طي ِ‬ ‫شَيا ِ‬ ‫ما ّلل ّ‬ ‫جو ً‬ ‫ها ُر ُ‬ ‫عل َْنا َ‬ ‫ج َ‬ ‫و َ‬ ‫ح َ‬ ‫صاِبي َ‬ ‫م َ‬ ‫ماء الدّن َْيا ب ِ َ‬ ‫س َ‬ ‫قدْ َزي ّّنا ال ّ‬ ‫ول َ َ‬ ‫سيٌر )‪َ (4‬‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫س‬ ‫ْ‬ ‫ع َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ع َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وب ِئ َ‬ ‫م َ‬ ‫هن ّ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن كفُروا ب َِرب ّ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ول ِل ِ‬ ‫ر )‪َ (5‬‬ ‫عي ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫عت َدَْنا ل ُ‬ ‫وأ ْ‬ ‫َ‬
‫مي ُّز‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ها َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫صيُر )‪ (6‬إ ِ َ‬ ‫ْ‬
‫ي ت َفوُر )‪ (7‬ت َكادُ ت َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫و ِ‬ ‫هيقا َ‬ ‫ش ِ‬ ‫عوا ل َ‬ ‫م ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ها َ‬ ‫في َ‬ ‫ذا ألقوا ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ال َ‬
‫ُ‬
‫ذيٌر )‪ (8‬قالوا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫م نَ ِ‬ ‫م ي َأت ِك ْ‬ ‫ها أل ْ‬ ‫خَزن َت ُ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫سأل ُ‬ ‫ج َ‬ ‫و ٌ‬ ‫ها ف ْ‬ ‫في َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ما أل ِ‬ ‫ظ كل َ‬ ‫غي ْ ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫من َ‬ ‫ّ‬ ‫ما ن َّز َ‬ ‫ْ‬ ‫و ُ‬ ‫َ‬ ‫ذيٌر َ‬ ‫ب َلى َ‬ ‫َ‬
‫في‬ ‫م إ ِل ِ‬ ‫ن أنت ُ ْ‬ ‫ء إِ ْ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫قلَنا َ‬ ‫فكذّب َْنا َ‬ ‫جاءَنا ن َ ِ‬ ‫قد ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ر)‬ ‫عي ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫حا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫في أ ْ‬ ‫ما كّنا ِ‬ ‫ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫و نَ ْ‬ ‫عأ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫س َ‬ ‫و كّنا ن َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫قالوا ل ْ‬ ‫و َ‬ ‫ر )‪َ (9‬‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬
‫ل كِبي‬ ‫ضَل ٍ‬ ‫َ‬
‫ر )‪(11‬‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ح ً‬ ‫م َ‬ ‫فوا ب ِ َ‬ ‫عت ََر ُ‬ ‫‪َ (10‬‬
‫عي ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫حا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫قا ل ْ‬ ‫س ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ذنب ِ ِ‬ ‫فا ْ‬
‫الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬
‫أن يبين الدارس العلقة بين الية الولى وباقي السورة ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫‪ -2‬أن يعدد الدارس المثلة التى وردت فى هذه اليات تبين أن‬
‫الله بيده الملك وأنه على كل شيء قدير ‪.‬‬
‫أن يبين الدارس قدرة الله عز وجل فى كل مثال ) آية ( ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫‪ -4‬أن يبين الدارس العلقة بين كل مثال ) آية ( يظهر قدرة الله‬
‫وبين النسان نفسه ‪.‬‬
‫‪ -5‬أن يصور الدارس ما أعده الله للشياطين وأتباعهم من‬
‫الكافرين من عذاب كما ورد فى اليات ‪.‬‬
‫أن يقص الدارس الحوار الذي يدور بين خزنة جهنم والكافرين‬ ‫‪-6‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ -7‬أن يعبر الدارس عن المشاعر التي تنتابه من تصوره لهذا‬
‫الحوار ‪.‬‬
‫المفردات ‪-:‬‬

‫‪3‬‬
‫– فطور ‪ :‬شقوق أو‬ ‫– تفاوت ‪ :‬اختلف أو خلل‬ ‫‪ -‬ليبلوكم ‪ :‬ليختبركم‬
‫عيوب‬
‫– حسير‪ :‬كليل ‪ ،‬والحسير ‪ :‬المنقطع من العياء‬ ‫– خاسئا ً ‪ :‬ذليل ً صابرا ً‬
‫– رجوما ً للشياطين ‪ :‬ترمي الشياطين بشهب خزيا ً لهم في الدنيا ولهم في الخرة‬
‫عذاب السعير‬
‫– تكاد تميز من الغيظ ‪ :‬تكاد تتمزق وينفصل بعضها من‬ ‫‪ -‬شهيقا ً ‪ :‬صياحا ً‬
‫بعض من شدة غيظها عليهم‬
‫– فسحقا ً ‪ :‬السحق ‪ :‬البعد وهو دعاء عليهم من الله والدعاء من الله قضاء‬

‫ومفتاح السورة كلها ‪ ،‬ومحورها الذي تشد إليه تلك الحركة فيها ‪ ،‬هو مطلعها‬
‫الجامع الموحي ) تبارك الذي بيده الملك ‪ ،‬وهو على كل شيء قدير ( ‪ ..‬وعن حقيقة‬
‫الملك وحقيقة القدرة تتفرع سائر الصور التي عرضتها السورة ‪ ،‬وسائر الحركات‬
‫المغيبة والظاهرة التي نبهت القلوب إليها ‪..‬‬
‫فمن الملك ومن القدرة كان خلق الموت والحياة ‪ ،‬وكان البتلء بهما ‪ .‬وكان خلق‬
‫السماوات وتزيينها بالمصابيح وجعلها رجوما للشياطين ‪ .‬وكان إعداد جهنم بوصفها‬
‫وهيئتها وخزنتها ‪ .‬وكان العلم بالسر والجهر ‪ .‬وكان جعل الرض ذلول للبشر ‪ .‬وكان‬
‫الخسف والحاصب والنكير على المكذبين الولين ‪ .‬وكان إمساك الطير في السماء‬
‫‪.‬وكان القهر والستعلء ‪ .‬وكان الرزق كما يشاء ‪ .‬وكان النشاء وهبة السمع والبصار‬
‫والفئدة ‪ .‬وكان الذرء في الرض والحشر ‪ .‬وكان الختصاص بعلم الخرة ‪ .‬وكان عذاب‬
‫الكافرين ‪ .‬وكان الماء الذي به الحياة وكان الذهاب به عندما يريد ‪..‬‬
‫فكل حقائق السورة وموضوعاتها ‪ ،‬وكل صورها وإيحاءاتها مستمدة من إيحاء ذلك‬
‫المطلع ومدلوله الشامل الكبير ‪ ) :‬تبارك الذي بيده الملك ‪ ،‬وهو على كل شيء قدير‬
‫( !!‬
‫***‬
‫) تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير (‬
‫هذه التسبيحة في مطلع السورة توحي بزيادة بركة الله ومضاعفاتها ‪ ،‬وتمجيد هذه‬
‫البركة الرابية الفائضة ‪ .‬وذكر الملك بجوارها يوحي بفيض هذه البركة على هذا‬
‫الملك ‪ ..‬وهي ترنيمة تتجاوب بها أرجاء الوجود ‪ ،‬ويعمر بها قلب كل موجود ‪..‬‬
‫) تبارك الذي بيده الملك ( ‪ ..‬فهو المالك له ‪ ،‬المهيمن عليه ‪ ،‬القابض على‬
‫ناصيته ‪ ،‬المتصرف فيه ‪ ) ..‬وهو على كل شيء قدير ( ‪ ..‬فل يعجزه شيء ‪ ،‬ول‬
‫يفوته شيء ‪ ،‬ول يحول دون إرادته شيء ‪ ،‬ول يحد مشيئته شيء ‪ .‬يخلق ما يشاء ‪،‬‬
‫ويفعل ما يريد ‪ ،‬وهو قادر على ما يريده غالب على أمره ؛ ل تتعلق بإرادته حدود ول‬
‫قيود ‪.‬‬
‫) الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عمل ‪ ،‬وهو العزيز‬
‫الغفور ( ‪..‬‬
‫ومن آثار تمكنه المطلق من الملك وتصريفه له ‪ ،‬وآثار قدرته على كل شيء وطلقة‬
‫إرادته ‪ ..‬أنه خلق الموت والحياة ‪ ..‬وكلها من خلق الله كما تقرر هذه الية ‪ ،‬التي‬
‫تنشئ هذه الحقيقة في التصور النساني ؛ وتثير إلى جانبها اليقظة لما وراءها من‬
‫قصد وابتلء ) ليبلوكم أيكم أحسن عمل ( ‪ ..‬واستقرار هذه الحقيقة في الضمير يدعه‬
‫أبدا يقظا حذرا متلفتا واعيا للصغيرة والكبيرة في النية المستترة والعمل الظاهر ‪..‬‬
‫ومن ثم يجيء التعقيب ‪:‬‬
‫) وهو العزيز الغفور ( ليسكب الطمأنينة في القلب الذي يرعى الله ويخشاه ‪ .‬فالله‬
‫عزيز غالب ولكنه غفور مسامح ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫) الذي خلق سبع سماوات طباقا ‪ ) . ( ......‬ولقد زينا السماء الدنيا‬
‫بمصابيح ‪ ،‬وجعلناها رجوما للشياطين ‪ ،‬واعتدنا لهم عذاب‬
‫السعير ‪ .... ..... .‬فاعترفوا بذنبهم فسحقا لصحاب السعير ! ( ‪.‬‬
‫وكل ما في هذه اليات آثار لمدلول الية الولى ‪ ،‬ومظاهر للهيمنة المتصرفة في‬
‫الملك ‪ ،‬وللقدرة التي ل يقيدها قيد ‪ .‬ثم هي بعد ذلك تصديق للية الثانية من خلق‬
‫الموت والحياة للبتلء ‪ ،‬ثم الجزاء ‪.‬‬
‫والقرآن يوجه النظر إلى خلق الله ‪ ،‬في السماوات بصفة خاصة وفي كل ما خلق‬
‫بصفة عامة ‪ .‬يوجه النظر إلى خلق الله ‪ ،‬وهو يتحدى بكماله كمال يرد البصر عاجزا‬
‫كليل مبهورا مدهوشا ‪.‬‬
‫) ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ( ‪ ..‬فليس هناك خلل ول نفص ول‬
‫اضطراب ‪ ) ..‬فارجع البصر ( ‪ ..‬وانظر مرة أخرى للتأكد والتثبت ) هل ترى‬
‫من فطور ؟ ( ‪ ..‬وهل وقع نظرك على شق أو صدع أو خلل ؟ ) ثم ارجع البصر‬
‫كرتين ( فربما فاتك شيء في النظرة السابقة لم تتبينه ‪ ،‬فأعد النظر ثم أعده‬
‫) ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير ( ‪.‬‬
‫والجمال في تصميم هذا الكون مقصود كالكمال ‪ .‬بل إنهما اعتباران لحقيقة‬
‫واحدة ‪ .‬فالكمال يبلغ درجة الجمال ‪ .‬ومن ثم يوجه القرآن النظر إلى جمال السماوات‬
‫بعد أن وجه النظر إلى كمالها ‪ ) :‬ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح ( ‪..‬‬
‫وما السماء الدنيا ؟ لعلها هي القرب إلى الرض وسكانها المخاطبين بهذا القرآن ‪.‬‬
‫ولعل المصابيح المشار إليها هنا هي النجوم والكواكب الظاهرة للعين ‪ ،‬التي نراها حين‬
‫ننظر إلى السماء ‪..‬‬
‫ومشهد النجوم في السماء جميل ‪ .‬ما في هذا شك ‪ .‬جميل جمال يأخذ بالقلوب ‪..‬‬
‫والقرآن يوجه النفس إلى جمال السماء ‪ ،‬وإلى جمال الكون كله ‪ ،‬لن إدراك جمال‬
‫الوجود هو أقرب وأصدق وسيلة لدراك جمال خالق الوجود ‪ ..‬ويذكر النص القرآني هنا‬
‫أن هذه المصابيح التي زين الله السماء الدنيا بها هي كذلك ذات وظيفة أخرى ‪:‬‬
‫) وجعلناها رجوما للشياطين ( ‪ ..‬ونحن نؤمن أن الله جعل من هذه المصابيح‬
‫التي تزين السماء الدنيا رجوما للشياطين ‪ ،‬في صورة شهب ‪ ..‬فلنعلم هذا وحده‬
‫ولنؤمن بوقوعه ‪ .‬وهذا هو المقصود ‪ .‬ولو علم الله أن هناك خيرا في الزيادة أو‬
‫اليضاح أو التفصيل لفصل سبحانه ‪ ..‬ثم يستطرد فيما أعده الله للشياطين غير‬
‫الرجوم ‪ ) :‬وأعتدنا لهم عذاب السعير ( ‪ ..‬فالرجوم في الدنيا وعذاب السعير في‬
‫الخرة لولئك الشياطين ‪.‬‬
‫ولما ذكر ما أعد للشياطين من عذاب السعير ذكر بعده ما أعده للذين كفروا من أتباع‬
‫هؤلء الشياطين ‪:‬‬
‫) وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير ( ‪..‬‬
‫ثم يرسم مشهدا لجهنم هذه ‪ ،‬وهي تستقبل الذين كفروا في غيظ وحنق شديد ‪:‬‬
‫) إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور ‪ .‬تكاد تميز من‬
‫الغيظ ! ( ‪..‬‬
‫وجهنم هنا مخلوقة حية ‪ ،‬تكظم غيظها ‪ ،‬فترتفع أنفاسها في شهيق وتفور ؛ ويمل‬
‫جوانحها الغيظ فتكاد تتمزق من الغيظ الكظيم وهي تنطوي على بغض وكره يبلغ إلى‬
‫حد الغيظ والحنق على الكافرين !‬
‫) كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ‪ .‬ألم يأتكم نذير ؟ ( ‪..‬‬
‫وواضح أن هذا السؤال في هذا الموضع هو للتأنيب والترذيل ‪ .‬فهي مشاركة‬
‫لجهنم في الغيظ والحنق ‪ .‬كما هي مشاركة لها في التعذيب ‪ ،‬وليس أمر من الترذيل‬
‫والتأنيب للضائق المكروب !‬

‫‪5‬‬
‫والجواب في ذلة وانكسار واعتراف بالحمق والغفلة ‪ ،‬بعد التبجح والنكار واتهام‬
‫الرسل بالضلل ‪:‬‬
‫) قالوا ‪ :‬بلى ! قد جاءنا نذير فكذبنا ‪ ،‬وقلنا ‪ :‬ما نزل الله من شيء ‪.‬‬
‫إن أنتم إل في ضلل كبير ‪ .‬وقالوا ‪ :‬لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في‬
‫أصحاب السعير ! ( ‪..‬‬
‫فالذي يسمع أو يعقل ‪ ،‬ل يورد نفسه هذا المورد الوبيء ‪ .‬ول يجحد بمثل ما جحد به‬
‫أولئك المناكيد ‪ .‬ول يسارع باتهام الرسل بالضلل على هذا النحو المتبجح الوقح ‪ ،‬الذي‬
‫ل يستند في النكار إلى دليل ‪ .‬ثم ينكر ويدعي ذلك الدعاء العريض على رسل الله‬
‫الصادقين يقول ‪ ) :‬ما نزل الله من شيء ‪ :‬إن أنتم إل في ضلل كبير ( !‬
‫) فاعترفوا بذنبهم فسحقا لصحاب السعير ( ‪..‬‬
‫والسحق البعد ‪ .‬وهو دعاء عليهم من الله بعد اعترافهم بذنبهم في الموقف الذي لم‬
‫يؤمنوا به ولم يصدقوا بوقوعه ‪ .‬والدعاء من الله قضاء ‪ .‬فهم مبعدون من رحمته ‪ .‬ل‬
‫رجاء لهم في مغفرة ‪ ،‬ول إقالة لهم من عذاب ‪ .‬وهم أصحاب السعير الملزمون له ‪.‬‬
‫ويا لها من صحبة ! وياله من مصير !‬

‫التقويم ‪:‬‬
‫بين العلقة بين الية الولى وباقي السورة ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫‪ -2‬عدد المثلة التى وردت فى هذه اليات تبين أن الله بيده‬
‫الملك وأنه على كل شيء قدير ‪.‬‬
‫بين قدرة الله عز وجل فى كل مثال ) آية ( ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫‪ -4‬بين العلقة بين كل مثال ) آية ( يظهر قدرة الله وبين‬
‫النسان نفسه ‪.‬‬
‫‪ -5‬صور ما أعده الله للشياطين وأتباعهم من الكافرين من عذاب‬
‫كما ورد فى اليات ‪.‬‬
‫قص الحوار الذي يدور بين خزنة جهنم والكافرين ‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫‪ -7‬عبر عن المشاعر التي تنتابك عند تصورك لهذا الحوار بين‬
‫خزنة جهنم والكافرين ‪.‬‬
‫ما الشعور الذي يسيطر علي العبد الذي يعيش في كنف‬ ‫‪-8‬‬
‫) العزيز الغفور ( ؟‬
‫التدبر والتفكر فريضة شرعية وفى نفس الوقت تقود‬ ‫‪-9‬‬
‫النسان لليمان بالله وضح ذالك من خلل السورة الكريمة ‪0‬‬
‫‪ -10‬الذي ل يسمع أو يعقل يورد نفسه المهالك ‪ .‬وضح أثر ذلك‬
‫على مصير الكافرين‬

‫الدرس الثاني‬

‫‪6‬‬
‫اعتبار وعظة‬
‫اليات من ) ‪( 18 -12‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سّروا‬ ‫وأ ِ‬ ‫جٌر ك َِبيٌر )‪َ (12‬‬ ‫وأ ْ‬ ‫فَرةٌ َ‬ ‫غ ِ‬‫م ْ‬‫هم ّ‬ ‫ب لَ ُ‬ ‫غي ْ ِ‬ ‫هم ِبال ْ َ‬ ‫ن َرب ّ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ش ْ‬ ‫خ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫} إِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫و‬
‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫ق َ‬ ‫خل َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫عل ُ‬ ‫ر )‪ (13‬أل ي َ ْ‬ ‫دو َ ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫عِلي ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫ه إ ِن ّ ُ‬ ‫هُروا ب ِ ِ‬ ‫ج َ‬‫وا ْ‬ ‫مأ ِ‬ ‫ول َك ُ ْ‬‫ق ْ‬ ‫َ‬
‫ها‬
‫مَناك ِب ِ َ‬ ‫في َ‬ ‫شوا ِ‬ ‫م ُ‬ ‫فا ْ‬ ‫ً‬
‫ض ذَلول َ‬ ‫ُ‬ ‫م الْر َ‬ ‫ْ‬ ‫ل لك ُ ُ‬‫َ‬ ‫ع َ‬ ‫ج َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫و ال ِ‬ ‫ه َ‬ ‫خِبيُر )‪ُ (14‬‬ ‫ف ال َ‬‫ْ‬ ‫طي ُ‬ ‫الل ِ‬ ‫ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ف ب ِك ُ ُ‬
‫م‬ ‫س َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ماء أن ي َ ْ‬ ‫س َ‬ ‫في ال ّ‬ ‫من ِ‬ ‫منُتم ّ‬ ‫شوُر )‪ (15‬أأ ِ‬ ‫ه الن ّ ُ‬ ‫وإ ِل َي ْ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ق ِ‬ ‫من ّرْز ِ‬ ‫وك ُُلوا ِ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ع‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫أن‬ ‫َ‬ ‫ماء‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫من‬ ‫تم‬ ‫من‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫(‬ ‫‪16‬‬ ‫)‬ ‫ر‬ ‫مو‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫إ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ض‬ ‫َ‬
‫ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ ِ‬ ‫ّ َ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ْ ِ ُ‬ ‫ِ َ َ ُ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ا ْ َ‬ ‫ر‬ ‫ل‬
‫ف‬‫فك َي ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫قب ْل ِ ِ‬‫من َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫قدْ ك َذّ َ‬ ‫ول َ َ‬ ‫ر )‪َ (17‬‬ ‫ذي ِ‬ ‫ف نَ ِ‬ ‫ن ك َي ْ َ‬ ‫مو َ‬ ‫عل َ ُ‬‫ست َ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫صًبا َ‬ ‫حا ِ‬ ‫َ‬
‫ر )‪{ (18‬‬ ‫كي ِ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬

‫الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬


‫‪ -1‬أن يبين الدارس المقابلة فى الية ) ‪ ( 12‬وما سبقتها من‬
‫آيات ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يحدد الدارس المثلة فى هذا المقطع التى تؤكد الية‬
‫الولى فى السورة ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يبين الدارس ما فى كل مثال من قدرة الله عز وجل ‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يبين الدارس علقة كل آية تظهر فيها قدرة الله عز وجل‬
‫والنسان نفسه ‪.‬‬
‫‪ -5‬أن يعبر الدارس عن تأثير قراءة هذه اليات فى وجدانه ‪.‬‬
‫أن يكون الدارس يقظا ً منتبها ً لمصيره حتى ل تخسف به‬ ‫‪-6‬‬
‫الرض أو يرسل عليه العواصف المدمرة ‪.‬‬
‫أن يعتبر الدارس بمصير الغابرين المكذبين ‪.‬‬ ‫‪-7‬‬
‫المفردات ‪:‬‬
‫حاصبا ً‬ ‫تمور ‪ :‬تضطرب‬ ‫مناكبها ‪ :‬أرجائها‬ ‫ً‬
‫ذلول ‪ :‬ممهدة‬ ‫–‬
‫‪ :‬العواصف الجامحة التى تدمر وتخرب ‪.‬‬

‫) إن الذين يخشون ربهم بالغيب ‪ ،‬لهم مغفرة وأجر كبير ( ‪..‬‬


‫والغيب المشار إليه هنا يشمل خشيتهم لربهم الذي لم يروه ‪ ،‬كما يشمل خشيتهم‬
‫لربهم وهم في خفية عن العين ‪ ،‬وكلهما معنى كبير ‪ ،‬وشعور نظيف ‪ ،‬وإدراك بصير ‪.‬‬
‫يؤهل لهذا الجزاء العظيم الذي يذكره السياق في إجمال ‪ :‬وهو المغفرة والتكفير ‪،‬‬
‫والجر الكبير ‪.‬‬
‫) وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور ‪ .‬أل يعلم من خلق‬
‫وهو اللطيف الخبير ؟ ( ‪.‬‬
‫أسروا أو اجهروا فهو مكشوف لعلم الله سواء ‪ .‬وهو يعلم ما هو أخفى من الجهر‬
‫والسر ‪ ) .‬إنه عليم بذات الصدور ( التي لم تفارق الصدور ! عليم بها ‪ ،‬فهو‬
‫) أل يعلم من خلق ؟ ( أل يعلم‬ ‫الذي خلقها في الصدور ‪ ،‬كما خلق الصدور !‬
‫وهو الذي خلق ؟ ) وهو اللطيف الخبير ؟ ( الذي يصل علمه إلى الدقيق الصغير‬
‫والخفي المستور ‪.‬‬
‫ثم ينتقل بهم السياق من ذوات أنفسهم التي خلقها الله ‪ ،‬إلى الرض التي خلقها‬
‫لهم ‪ ،‬وذللها وأودعها أسباب الحياة ‪:‬‬
‫) هو الذي جعل لكم الرض ذلول ‪ ،‬فامشوا في مناكبها وكلوا من‬
‫رزقه ‪ ،‬وإليه النشور ( ‪..‬‬

‫‪7‬‬
‫والناس لطول ألفتهم لحياتهم على هذه الرض ‪ ..‬ينسون نعمة الله في تذليلها لهم‬
‫وتسخيرها ‪.‬والقرآن يذكرهم هذه النعمة الهائلة‪،‬ويبصرهم بها ‪ ،‬في هذا التعبير الذي‬
‫يدرك منه كل أحد وكل جيل بقدر ما ينكشف له من علم هذه الرض الذلول ‪.‬‬
‫) فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه ( ‪.‬‬
‫والمناكب والمرتفعات ‪ ،‬أو الجوانب ‪ .‬وإذا أذن له بالمشي في مناكبها فقد أذن له‬
‫بالمشي في سهولها وبطاحها من باب أولى ‪.‬والرزق الذي فيها كله من خلقه ‪ ،‬وكله‬
‫من ملكه ‪ ،‬وهو أوسع مدلول مما يتبادر إلى أذهان الناس من كلمة الرزق ‪ .‬فليس هو‬
‫المال الذي يجده أحدهم في يده ‪ ،‬ليحصل به على حاجياته ومتاعه ‪ .‬إنما هو كل ما‬
‫أودعه الله هذه الرض ‪ ،‬من أسباب الرزق ومكوناته ‪.‬‬
‫) وإليه النشور ( ‪..‬‬
‫إليه ‪ ..‬وإل فإلى أين إن لم تكن إليه ؟ والملك بيده ؟ ول ملجأ منه إل إليه ؟ وهو على‬
‫كل شيء قدير ؟‬
‫والن ‪ -‬وبينما هم في هذا المان على ظهر الرض الذلول ‪ ،‬وفي هذا اليسر‬
‫الفائض بإذن الله وأمره ‪ ..‬الن يهز هذه الرض الساكنة من تحت أقدامهم هزا ويرجها‬
‫رجا فإذا هي تمور ‪ .‬ويثير الجو من حولهم فإذا هو حاصب يضرب الوجوه والصدور ‪..‬‬
‫يهز هذه الرض في حسهم ويثير هذا الحاصب في تصورهم ‪ ،‬لينتبهوا من غفلة المان‬
‫والقرار ‪ ،‬ويمدوا بأبصارهم إلى السماء وإلى الغيب ‪ ،‬ويعلقوا قلوبهم بقدر الله ‪:‬‬
‫) أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الرض فإذا هي تمور ‪ .‬أم أمنتم‬
‫من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير (‬
‫والبشر الذين يعيشون على ظهر هذه الدابة الذلول ‪ ..‬يعرفون كيف تتحول ‪ ..‬في‬
‫بعض الحيان ‪ ،‬عندما يأذن الله بأن تضطرب قليل فيرتج كل شيء فوق ظهرها أو‬
‫يتحطم ! ويمور كل ما عليها ويضطرب فل تمسكه قوة ول حيلة ‪ .‬ذلك عند الزلزل‬
‫والبراكين‪ ..‬وهي تمور ‪ ..‬والبشر ل يملكون من هذا المر شيئا ول يستطيعون ‪.‬‬
‫والبشر كذلك يشهدون العواصف الجامحة الحاصبة التي تدمر وتخرب ‪ ،‬وتحرق‬
‫وتصعق ‪ .‬وهم بإزائها ضعاف عاجزون ‪ ..‬والقرآن يذكر البشر ‪ ..‬يذكرهم بهذه‬
‫الجمحات التي ل يملكون من أمرها شيئا ‪ .‬والرض الثابتة تحت أقدامهم ترتج وتمور ‪،‬‬
‫وتقذف بالحمم وتفور ‪ .‬والريح الرخاء من حولهم تتحول إلى إعصار حاصب ل تقف له‬
‫قوة في الرض من صنع البشر ‪ ،‬ول تصده عن التدمير ‪ ..‬يحذرهم وينذرهم في تهديد‬
‫يرج العصاب‪ ) ..‬فستعلمون كيف نذير ( !!!‬
‫ويضرب لهم المثلة من واقع البشرية ‪ ،‬ومن وقائع الغابرين المكذبين ‪ ) :‬ولقد‬
‫كذب الذين من قبلهم ‪ ،‬فكيف كان نكير ؟ ( ‪ ..‬والنكير النكار وما يتبعه من‬
‫الثار ‪ ،‬ولقد أنكر الله ممن كذبوا قبلهم أن يكذبوا ‪ .‬وهو يسألهم ‪ ) :‬فكيف كان‬
‫نكير ؟ ( وهم يعلمون كيف كان ‪ ،‬فقد كانت آثار الدمار والخراب تصف لهم كيف كان‬
‫هذا النكير ! وكيف كان ما أعقبه من تدمير !‬
‫التقويم ‪:‬‬
‫‪ -1‬بين المقابلة فى الية ) ‪ ( 12‬وما سبقتها من آيات ‪.‬‬
‫‪ -2‬حدد المثلة فى هذا المقطع التى تؤكد الية الولى فى‬
‫السورة ‪.‬‬
‫‪ -3‬بين ما فى كل مثال من قدرة الله عز وجل ‪.‬‬
‫‪ -4‬بين علقة كل آية تظهر فيها قدرة الله عز وجل والنسان‬
‫نفسه ‪.‬‬
‫‪ -5‬عبر عن تأثير قراءتك لهذه اليات فى وجدانك ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫‪ " -6‬تربي اليات فى حس المسلم أن يكون يقظا ً منتبها ً لمصيره‬
‫حتى ل تخسف به الرض أو يرسل عليه العواصف المدمرة " وضح‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫التقوي والخشية توصلن العبد إلي درجة عظيمة عند الله ‪.‬‬ ‫‪-7‬‬
‫أذكر الية الدالة علي ذالك ‪.‬‬
‫السعي علي الرزق في الدنيا ل يشغل النسان عن التطلع‬ ‫‪-8‬‬
‫للخرة أذكر الية الدالة علي ذالك ؟‬
‫العتبار بمصير المكذبين واليقين في قوة الله من عوامل‬ ‫‪-9‬‬
‫عدم الوقوع في المهالك وضح ذالك من خلل السورة وأذكر‬
‫النهاية السيئة لبعض الظالمين المكذبين ‪0‬‬
‫الدرس الثالث‬
‫تأمل وتفكر ‪ ...‬وبيان وإنذار‬
‫اليات من ) ‪( 30- 19‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ن إ ِل الّر ْ‬ ‫ه ّ‬ ‫ُ‬
‫سك ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ض َ‬ ‫قب ِ ْ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫ت َ‬ ‫فا ٍ‬ ‫صا ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫و َ‬ ‫ف ْ‬ ‫ر َ‬ ‫ِ‬ ‫وا إ َِلى الطّي ْ‬ ‫م ي ََر ْ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫}أ َ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫دو ِ‬ ‫من ُ‬ ‫كم ّ‬ ‫صُر ُ‬ ‫م َين ُ‬ ‫جندٌ ل ّك ُ ْ‬ ‫و ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ذي ُ‬ ‫ذا ال ّ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫صيٌر )‪ (19‬أ ّ‬ ‫ء بَ ِ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ش‬ ‫ل َ‬ ‫ه ب ِك ُ ّ‬ ‫إ ِن ّ ُ‬
‫س َ‬
‫ك‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ذي ي َْرُز ُ‬ ‫ّ‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬ ‫في ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫قك ْ‬ ‫ذا ال ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ر )‪ (20‬أ ّ‬ ‫غُرو ٍ‬ ‫ن إ ِل ِ‬ ‫فُرو َ‬ ‫ن الكا ِ‬ ‫ن إِ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫الّر ْ‬
‫دى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ر )‪ (21‬أ َ‬ ‫ون ُ ُ‬ ‫ّ‬ ‫رْز َ‬
‫ه َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫جَ ِ‬ ‫و ْ‬ ‫على َ‬ ‫مك ِّبا َ‬ ‫شي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫فو ٍ‬ ‫و َ‬ ‫عت ُ ّ‬ ‫في ُ‬ ‫جوا ِ‬ ‫ه َبل ل ّ‬ ‫ق ُ‬ ‫َِ‬
‫ل‬‫ع َ‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫أ‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫أن‬ ‫َ‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ق‬ ‫ُ‬ ‫(‬ ‫‪22‬‬ ‫)‬ ‫م‬ ‫قي‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ط‬ ‫را‬ ‫ص‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫يا‬ ‫و‬ ‫س‬ ‫شي‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫من‬
‫ْ َ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ ْ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ِ ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ‬ ‫أ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ذي ذََرأك ُ ْ‬ ‫و ال ّ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن )‪ُ (23‬‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫قِليًل ّ‬ ‫فئ ِدَةَ َ‬ ‫واْل ْ‬ ‫صاَر َ‬ ‫واْلب ْ َ‬ ‫ع َ‬ ‫م َ‬ ‫س ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ل َك ُ ُ‬
‫َ‬
‫م‬‫كنت ُ ْ‬ ‫عدُ ِإن ُ‬ ‫و ْ‬ ‫ذا ال ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫مَتى َ‬ ‫ن َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫وي َ ُ‬ ‫ن )‪َ (24‬‬ ‫شُرو َ‬ ‫ح َ‬ ‫ه تُ ْ‬ ‫وإ ِل َي ْ ِ‬ ‫ض َ‬ ‫في الْر ِ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫ه‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ر‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫(‬ ‫‪26‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫بي‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫ذي‬ ‫ن‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ما‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫د‬ ‫عن‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ما‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ق‬‫ُ‬ ‫(‬ ‫‪25‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫قي‬ ‫د‬ ‫صا‬
‫ّ َ ْ ُ‬ ‫َ َ ِ ٌ ّ ِ ٌ‬ ‫ِ َ ِّ َ‬ ‫ِ ُ ِ َ‬ ‫ِّ َ‬ ‫َ ِ ِ َ‬
‫قلْ‬ ‫ن )‪ُ (27‬‬ ‫عو َ‬ ‫ه ت َدّ ُ‬ ‫ذي كنُتم ب ِ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫هذا ال ِ‬ ‫َ‬ ‫قيل َ‬ ‫َ‬ ‫و ِ‬ ‫ن كفُروا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫جوهُ ال ِ‬ ‫و ُ‬‫ت ُ‬ ‫سيئ ْ‬ ‫َ‬ ‫ة ِ‬ ‫ف ً‬ ‫ُزل ْ َ‬
‫جيُر ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ب‬ ‫ذا ٍ‬ ‫ع َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫كا ِ‬ ‫من ي ُ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫مَنا َ‬ ‫ح َ‬ ‫و َر ِ‬ ‫يأ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫م ِ‬ ‫من ّ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫هل َك َن ِ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫أَرأي ْت ُ ْ‬
‫في‬ ‫و ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫وك ّل َْنا َ‬ ‫ه تَ َ‬ ‫عل َي ْ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫مّنا ب ِ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫و الّر ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫أ َِليم ٍ )‪ُ (28‬‬
‫ن‬‫عي ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫ماء ّ‬ ‫كم ب ِ َ‬ ‫من ي َأ ِْتي ُ‬ ‫ف َ‬ ‫وًرا َ‬ ‫غ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ؤك ُ ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫ح َ‬ ‫صب َ َ‬ ‫نأ ْ‬
‫َ‬
‫م إِ ْ‬ ‫ل أَرأي ْت ُ ْ‬
‫ق ْ َ َ‬ ‫ن )‪ُ (29‬‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ل ّ‬ ‫ضَل ٍ‬ ‫َ‬
‫)‪{ (30‬‬

‫الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬


‫‪ -1‬أن يحدد الدارس المثلة التى تظهر قدرة الله عز وجل فى‬
‫اليات ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يبين الدارس ما فى كل مثال من قدرة الله عز وجل ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يبين الدارس العلقة بين كل مثال والنسان نفسه ‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يحدد الدارس اليات التى تدعو النسان إلى التفكر‬
‫والتدبر فى خلق الله عز وجل ‪.‬‬
‫‪ -5‬أن يظهر الدارس الساليب التى خاطب الله عز وجل بها‬
‫الكافرين فى اليات مع بيان الهدف من كل أسلوب ‪.‬‬
‫أن يدرك أن النصر ل يكون إل من عند الله‬ ‫‪-6‬‬
‫أن يوضح الدارس الفرق الشاسع بين حال الشقي الضال‬ ‫‪-7‬‬
‫عن طريق الدعوة وحال السعيد المهتدي المتمتع بهدي الله ‪0‬‬
‫أن يشكر الدارس الله عز و جل على نعمه الضخمة من‬ ‫‪-8‬‬
‫السمع والبصار والفئدة ‪.‬‬
‫أن يوضح أن مهمة الرسل والدعاة من بعدهم هي النذار‬ ‫‪-9‬‬
‫والبيان‬

‫‪9‬‬
‫‪ -10‬أن يتعلم الدارس أساليب راقية في الدعوة إلي الله من‬
‫خلل قوله تعالي ) فمن يجير الكافرين من عذاب أليم ( وقوله‬
‫) فستعلمون من هو في ضلل مبين (‪0‬‬ ‫تعالي‬
‫المفردات ‪:‬‬
‫– عتو ‪ :‬معاندة واستكبار‬
‫‪ -‬لجوا ‪ :‬استمروا في طغيانهم وضللهم‬
‫– مكبا ً علي وجهه ‪ :‬يمشي منحنيا ً يعثر في طريقه ل يدري أين يذهب وكيف يذهب بل‬
‫تائه حائر ضال ‪0‬‬
‫– ذرأكم ‪ :‬الذرء ‪ :‬الكثار أي بثكم ونشركم في‬ ‫‪ -‬أنشأكم ‪ :‬ابتداء خلقكم‬
‫– زلفة ‪ :‬قريبا ً‬ ‫أقطار الرض‬
‫– تدعون ‪ :‬تستعجلون أو تدعون انه لن يكون‬ ‫– سيئت ‪ :‬بدا فيها الستياء‬
‫– ماء معين ‪ :‬نابع سائح جار علي وجه الرض‬ ‫– غورا ً ‪ :‬ذاهبا ً في الرض إلي أسفل‬
‫‪0‬‬

‫بعدئذ ينتقل بهم من لمسة التهديد والنذير ‪ ،‬إلى لمسة التأمل والتفكير ‪ .‬في مشهد‬
‫يرونه كثيرا ‪ ،‬ول يتدبرونه إل قليل ‪ .‬وهو مظهر من مظاهر القدرة ‪ ،‬وأثر من آثار‬
‫التدبير اللهي اللطيف ‪.‬‬
‫) أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ؟ ما يمسكهن إل‬
‫الرحمن ‪ ،‬إنه بكل شيء بصير ( ‪..‬‬
‫وهذه الخارقة التي تقع في كل لحظة ‪ ،‬تنسينا بوقوعها المتكرر ‪ ،‬ما تشي به من‬
‫القدرة والعظمة ‪ .‬ولكن تأمل هذا الطير ‪ ،‬وهو يصف جناحيه ويفردهما ‪ ،‬ثم يقبضهما‬
‫ويضمهما ‪ ،‬وهو في الحالين ‪ :‬حالة الصف الغالبة ‪ ،‬وحالة القبض العارضة يظل في‬
‫الهواء ‪ ،‬يسبح فيه سباحة في يسر وسهولة ‪ ..‬تأمل هذا المشهد ‪..‬ل يمله النظر ‪ ،‬ول‬
‫يمله القلب ‪ .‬وهو متعة فوق هو مثار تفكير وتدبر في صنع الله البديع ‪ ،‬الذي يتعانق‬
‫فيه الكمال والجمال !‬
‫ثم يوحي بما وراءه من التدبير والتقدير ‪ ) :‬ما يمسكهن إل الرحمن ( ‪..‬‬
‫والرحمن يمسكهن بنواميس الوجود المتناسقة ذلك التناسق العجيب ‪ ،‬الملحوظ فيه‬
‫كل صغيرة وكبيرة ‪..‬والرحمن يمسكهن بقدرته القادرة التي ل تكل ‪ ،‬وعنايته الحاضرة‬
‫التي ل تغيب ‪ .‬وهي التي تحفظ هذه النواميس أبدا في عمل وفي تناسق وفي‬
‫انتظام ‪ .‬فل تفتر ول تختل ول تضطرب غمضة عين إلى ما شاء الله ‪ ) :‬ما‬
‫يمسكهن إل الرحمن ( ‪ ..‬بهذا التعبير المباشر الذي يشي بيد الرحمن تمسك بكل‬
‫طائر وبكل جناح ‪.‬‬
‫) إنه بكل شيء بصير ( ‪ ..‬يبصره ويراه ‪ .‬ويبصر أمره ويخبره ‪ .‬ومن ثم يهيئ‬
‫وينسق ‪ ،‬ويعطي القدرة ‪ ،‬ويرعى كل شيء في كل لحظة رعاية الخبير البصير ‪.‬‬
‫ثم يلمس قلوبهم لمسة أخرى تعود بهم إلى مشهد البأس والفزع من الخسف‬
‫والحاصب ‪ ،‬بعد أن جال بهم هذه الجولة مع الطير السابح المن ‪:‬‬
‫) أم من هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن ؟ إن الكافرون‬
‫إل في غرور ( ‪..‬‬
‫وقد خوفهم الخسف وخوفهم الحاصب ‪ ،‬وذكرهم مصائر الغابرين الذين أنكر الله‬
‫عليهم وأصابهم التدمير ‪ .‬فهو يعود ليسألهم ‪ :‬من هو هذا الذي ينصرهم ويحميهم من‬
‫الله ‪ ،‬غير الله ؟ من هو هذا الذي يدفع عنهم بأس الرحمن إل الرحمن ؟ ) إن‬
‫الكافرون إل في غرور ( ‪ ..‬غرور يهيئ لهم أنهم في أمن وفي حماية وفي‬

‫‪10‬‬
‫اطمئنان ‪ ،‬وهم يتعرضون لغضب الرحمن وبأس الرحمن ‪ ،‬بل شفاعة لهم من إيمان‬
‫ول عمل يستنزل رحمة الرحمن ‪.‬‬
‫ولمسة أخرى في الرزق الذي يستمتعون به ‪ ،‬وينسون مصدره ‪ ،‬ثم ل يخشون‬
‫ذهابه ‪ ،‬ثم يلجون في التبجح والعراض ‪:‬‬
‫) أم من هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه ؟ بل لجوا في عتو ونفور (‬
‫‪..‬‬
‫ورزق البشر كله ‪ ..‬معقود بإرادة الله في أول أسبابه ‪ ،‬في تصميم هذا الكون وفي‬
‫عناصر الرض والجو وهي أسباب ل قدرة للبشر عليها إطلقا ‪ ،‬ول تتعلق بعملهم بتاتا ‪.‬‬
‫فهي أسبق منهم في الوجود ‪ ،‬وهي أكبر منهم في الطاقة ‪ ،‬وهي أقدر منهم على محو‬
‫كل أثر للحياة حين يشاء الله ‪.‬‬
‫وفي هذا المدلول الكبير الواسع العميق تنطوي سائر المدلولت القريبة لكلمة‬
‫الرزق ‪ ،‬مما يتوهم النسان أنها من كسبه وفي طوقه ‪ ،‬كالعمل ‪ ،‬والبداع ‪ ،‬والنتاج ‪..‬‬
‫وكلها مرتبطة بقيام السباب والعناصر الولى من جهة ومتوقفة على هبة الله للفراد‬
‫والمم من جهة أخرى ‪..‬‬
‫) بل لجوا في عتو ونفور ( ‪.‬‬
‫والتعبير يرسم خدا مصعرا ‪ ،‬وهيئة متبجحة ‪ ،‬بعد تقريره لحقيقة الرزق ‪ ..‬وهو تصوير‬
‫لحقيقة النفوس التي تعرض عن الدعوة إلى الله في طغيان عات ‪ ،‬وفي إعراض‬
‫نافر ‪ ،‬وتنسى أنها من صنع الله ‪ ،‬وأنها تعيش على فضله ‪ ،‬وأنها ل تملك من أمر‬
‫وجودها وحياتها ورزقها شيئا على الطلق !‬
‫ولقد كانوا ‪ -‬مع هذا ‪ -‬يتهمون النبي ومن معه بالضلل ؛ ويزعمون لنفسهم أنهم‬
‫أهدى سبيل ! كما يصنع أمثالهم مع الدعاة إلى الله في كل زمان ‪ .‬ومن ثم يصور لهم‬
‫واقع حالهم وحال المؤمنين في مشهد حي يجسم حقيقة الحال ‪:‬‬
‫) أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى ؟ أم من يمشي سويا على صراط‬
‫مستقيم ؟ ( ‪ ..‬والذي يمشي مكبا على وجهه إما أن يكون هو الذي يمشي على‬
‫وجهه فعل ل على رجليه ‪ ..‬وإما أن يكون هو الذي يعثر في طريقه فينكب على وجهه ‪،‬‬
‫ثم ينهض ليعثر من جديد ! وهذه كتلك حال بائسة تعاني المشقة والعسر والتعثر ‪..‬‬
‫وأين هي من حال الذي يمشي مستقيما سويا في طريق ل عوج فيه ول عثرات ‪..‬‬
‫إن الحال الولى هي حال الشقي المنكود الضال عن طريق الله ‪ ،‬المحروم من‬
‫هداه‪ ..‬والحال الثانية هي حال السعيد المهتدي إلى الله ‪ ،‬المتمتع بهداه ‪.‬‬
‫وعلى ذكر الهدى والضلل ‪ ،‬يذكرهم بما وهبهم الله من وسائل الهدى ‪ ،‬وأدوات‬
‫الدراك ثم لم ينتفعوا بها ‪ ،‬ولم يكونوا من الشاكرين ‪:‬‬
‫) قل ‪ :‬هو الذي أنشأكم ‪ ،‬وجعل لكم السمع والبصار والفئدة ‪ ،‬قليل‬
‫ما تشكرون ( ‪..‬‬
‫وحقيقة أن الله هو الذي أنشأ النسان ‪ ،‬حقيقة تلح على العقل البشري ‪ ،‬وتثبت ذاتها‬
‫بتوكيد يصعب رده ‪ .‬فالنسان قد وجد ‪ -‬وهو أرفع وأعلم وأقدر ما يعلم من الخلئق ‪-‬‬
‫وهو لم يوجد نفسه ‪ ،‬فل بد أن يكون هناك من هو أرفع وأعلم وأقدر منه أوجده ‪ ..‬ول‬
‫مفر من العتراف بخالق ‪..‬‬
‫والقرآن يذكر هذه الحقيقة هنا ليذكر بجانبها ما زود الله به النسان من وسائل‬
‫المعرفة ‪..‬‬
‫) وجعل لكم السمع والبصار والفئدة ( ‪..‬‬
‫وما قابل النسان به هذه النعمة ‪ :‬نعمة النشاء ونعمة السمع والبصار والفئدة ‪:‬‬
‫) قليل ما تشكرون ( ‪ ..‬والسمع والبصار معجزتان كبيرتان عرف عنهما بعض‬
‫خواصهما العجيبة ‪ .‬والفئدة التي يعبر بها القرآن عن قوة الدراك والمعرفة ‪ ،‬معجزة‬
‫أعجب وأغرب ‪ .‬ولم يعرف بعد عنها إل القليل ‪ .‬وهي سر الله في هذا المخلوق الفريد‬

‫‪11‬‬
‫‪ ..‬وعلى هذه الهبات الضخمة التي أعطيها النسان لينهض بتلك المانة الكبرى ‪ ،‬فإنه‬
‫لم يشكر ‪ ) :‬قليل ما تشكرون ( ‪ ..‬وهو أمر يثير الخجل والحياء عند التذكير به ‪.‬‬
‫ثم يذكرهم أن الله لم ينشئ البشر ويمنحهم هذه الخصائص عبثا ول جزافا لغير‬
‫قصد ول غاية ‪ .‬إنما هي فرصة الحياة للبتلء ‪ .‬ثم الجزاء في يوم الجزاء ‪:‬‬
‫) قل ‪ :‬هو الذي ذرأكم في الرض وإليه تحشرون ( ‪..‬‬
‫والذرء ‪ :‬الكثار ‪ .‬ويحمل كذلك معنى النتشار ‪ .‬والحشر ‪ :‬الجمع بعد النشر في‬
‫الرجاء ‪ ..‬وليتذكر البشر وهم منتشرون في الرض أن هناك غاية هم صائرون إليها ‪،‬‬
‫هي الجمع والحشر ‪ .‬وأن هناك أمرا وراء هذا ‪ ،‬ووراء البتلء بالموت والحياة ‪.‬‬
‫ثم يحكي شكهم في هذا الحشر ‪ ،‬وارتيابهم في هذا الوعد ‪:‬‬
‫) ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ؟ ( ‪..‬‬
‫وهو سؤال الشاك المستريب ‪ .‬كما أنه سؤال المماحك المتعنت ‪ .‬فإن معرفة موعد‬
‫هذا الوعد وميقاته ل تقدم ول تؤخر‪ ..‬فالمهم أنه آت ‪ ،‬وأنهم محشورون فيه ‪ ،‬وأنهم‬
‫مجازون بما عملوا في الحياة ‪.‬‬
‫ومن ثم لم يطلع الله أحدا من خلقه على موعده ‪ ،‬لنه ل مصلحة لهم في‬
‫معرفته ‪ ..‬بل المصلحة والحكمة في إخفاء ميقاته عن الخلق كافة ‪ ،‬واختصاص الله‬
‫بعلم ذلك الموعد ‪ ،‬دون الخلق جميعا ‪:‬‬
‫) قل إنما العلم عند الله ‪ ،‬وإنما أنا نذير مبين ( ‪.‬‬
‫‪ ..‬ويقف الخلق ‪ -‬بما فيهم الرسل والملئكة ‪ -‬في مقامهم متأدبين عند مقام اللوهية‬
‫العظيم ‪:‬‬
‫) وإنما أنا نذير مبين ( ‪ ..‬وظيفتي النذار ‪ ،‬ومهمتي البيان ‪ .‬أما العلم فعند‬
‫صاحب العلم الواحد بل شريك ‪.‬‬
‫وبينما هم يسألون في شك ويجابون في حزم ‪ ،‬يخيل السياق القرآني كأن هذا اليوم‬
‫الذي يسألون عنه قد جاء‪:‬‬
‫) فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا ‪ ،‬وقيل ‪ :‬هذا الذي كنتم به‬
‫تدعون ( !‬
‫فقد رأوه قريبا مواجها لهم حاضرا أمامهم دون توقع ودون تمهيد ‪ .‬فسيئت وجوههم ‪،‬‬
‫وبدا فيها الستياء ‪ .‬ووجه إليهم التأنيب ‪ ) :‬وقيل ‪ :‬هذا الذي كنتم به‬
‫تدعون ( ‪ ..‬هذا هو حاضرا قريبا ‪ .‬وهو الذي كنتم تدعون أنه لن يكون !‬
‫ولقد كانوا يتربصون بالنبي والحفنة المؤمنة التي معه أن يهلكوا فيستريحوا‬
‫منهم ‪ ..‬كما كانوا يتبجحون أحيانا فيزعمون أن الله سيهلك محمدا ومن معه لنهم‬
‫ضالون ‪ ،‬ولنهم يكذبون على الله فيما يقولون ! فهنا أمام مشهد الحشر والجزاء ‪،‬‬
‫ينبههم إلى أن أمنيتهم حتى لو تحققت ل تعصمهم هم من عاقبة الكفر والضلل ‪.‬‬
‫فأولى لهم أن يتدبروا أمرهم قبل هذا الموعد الذي واجههم به كأنه واقع بهم ‪:‬‬
‫) قل ‪ :‬أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا ‪ ،‬فمن يجير‬
‫الكافرين من عذاب أليم ؟ ( ‪..‬‬
‫وهو سؤال يردهم إلى تدبر حالهم ‪ ،‬والتفكير في شأنهم ‪ ،‬وهو الولى ‪ ..‬ولكنه ل‬
‫يقول لهم ‪ :‬فمن يجيركم من عذاب أليم ؟ ول ينص على أنهم كافرون ‪ .‬إنما يلوح لهم‬
‫بالعذاب الذي ينتظر الكافرين ‪ ..‬وهو أسلوب في الدعوة حكيم ‪ ..‬فلو جابههم بأنهم‬
‫كافرون ‪ ..‬فربما جهلوا وحمقوا وأخذتهم العزة بالثم أمام التهام المباشر والتهديد ‪.‬‬
‫ثم يترقى من هذه التسوية بين المرين ‪ ،‬إلى تقرير موقف المؤمنين من ربهم وثقتهم‬
‫به وتوكلهم عليه ‪ ..‬وثقتهم بهداهم ‪ ،‬وبأن الكافرين في ضلل مبين ‪..‬‬
‫) قل ‪ :‬هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا ‪ .‬فستعلمون من هو في‬
‫ضلل مبين ( ‪..‬‬

‫‪12‬‬
‫وذكر صفة ) الرحمن ( هنا يشير إلى رحمته العميقة الكبيرة برسوله والمؤمنين معه‬
‫؛ فهو لن يهلكهم كما يتمنى الكافرون أو كما يدعون ‪ .‬ويوجه النبي إلى إبراز الصلة‬
‫التي تربطهم بربهم الرحمن ‪ .‬صلة اليمان ) آمنا به ( ‪..‬‬
‫وصلة التوكل ) وعليه توكلنا ( ‪ ..‬عليه وحده ‪ ..‬ثم ذلك التهديد الملفوف ‪:‬‬
‫) فستعلمون من هو في ضلل مبين ( ‪ ..‬وهو أسلوب كذلك من شأنه أن‬
‫يخلخل الصرار على الجحود ؛ ويدعوهم إلى مراجعة موقفهم مخافة أن يكونوا هم‬
‫الضالين ‪ ..‬وفي الوقت ذاته ل يجبههم بأنهم ضالون فعل ‪ ،‬حتى ل تأخذهم العزة‬
‫بالثم ‪ .‬وهو أسلوب في الدعوة يناسب بعض حالت النفوس ‪..‬‬
‫وأخيرا يجيء اليقاع الخير في السورة يلمح لهم بعذاب الدنيا قبل عذاب الخرة ‪،‬‬
‫وذلك بحرمانهم من سبب الحياة الول وهو الماء ‪:‬‬
‫) قل ‪ :‬أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين ؟ ( ‪..‬‬
‫والماء الغور ‪ :‬الغائر الذاهب في الرض ل يقدرون عليه ‪ .‬والمعين ‪ :‬النابع الفائض‬
‫المتدفق ‪ .‬وهي لمسة قريبة في حياتهم ‪ ،‬إن كانوا ما يزالون يستبعدون ذلك اليوم‬
‫ويشكون فيه ‪ ..‬والملك بيد الله وهو على كل شيء قدير ‪ .‬فكيف لو توجهت إرادته‬
‫إلى حرمانهم مصدر الحياة القريب‬
‫التقويم ‪:‬‬
‫‪ -1‬حدد المثلة التى تظهر قدرة الله عز وجل فى اليات ‪.‬‬
‫‪ -2‬بين ما فى كل مثال من قدرة الله عز وجل ‪.‬‬
‫‪ -3‬بين العلقة بين كل مثال والنسان نفسه ‪.‬‬
‫‪ -4‬حدد اليات التى تدعو النسان إلى التفكر والتدبر فى خلق‬
‫الله عز وجل ‪.‬‬
‫‪ -5‬وضح الساليب التى خاطب الله عز وجل بها الكافرين فى‬
‫اليات مع بيان الهدف من كل أسلوب ‪.‬‬
‫‪ -6‬وضح الفرق الشاسع بين حال الشقي الضال عن طريق‬
‫الدعوة وحال السعيد المهتدي المتمتع بهدي الله من خلل اليات ‪.‬‬
‫" أن مهمة الرسل والدعاة من بعدهم هي النذار والبيان "‬ ‫‪-7‬‬
‫وضح ذلك ‪.‬‬
‫‪ " -8‬أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن إن‬
‫الكافرون إل في غرور " ماذا تستفيد من هذه الية‬
‫أمدنا الله بنعم كثيرة ومنها وسائل التعلم ‪ ..‬أذكر الية الدالة‬ ‫‪-9‬‬
‫ً‬
‫علي هذه النعم موضحا كيف نستخدمها في التعرف علي الله‬
‫وهداية الناس ؟‬
‫‪ -10‬اليات الخيرة ترشدنا إلي بعض أساليب الدعوة حتى مع‬
‫الكافرين أذكر اليات ووضح فن الدعوة إلي الله من خللها‬

‫ســورة القلم‬

‫مقدمة السورة‬
‫ل يمكن تحديد التاريخ الذي نزلت فيه هذه السورة سواء مطلعها أو جملتها ‪. .‬‬
‫والروايات التي تقول ‪ :‬إن هذه السورة هي الثانية في النزول بعد سورة العلق كثيرة ‪،‬‬
‫ومن المتفق عليه في ترتيب المصاحف المختلفة أنها هي السورة الثانية ‪ ،‬ولكن سياق‬
‫السورة وموضوعها وأسلوبها يجعلنا نرجح غير هذا ‪ .‬حتى ليكاد يتعين أنها نزلت بعد‬
‫فترة من الدعوة العامة ‪ ،‬التي جاءت بعد نحو ثلث سنوات من الدعوة الفردية ‪ ،‬في‬
‫الوقت الذي أخذت فيه قريش تدفع هذه الدعوة وتحاربها ‪ ،‬فتقول عن رسول الله‬

‫‪13‬‬
‫تلك القولة الفاجرة ؛ وأخذ القرآن يردها وينفيها ‪ ،‬ويهدد المناهضين للدعوة ‪ ،‬ذلك‬
‫التهديد الوارد في السورة ‪.‬‬
‫كذلك ذكرت بعض الروايات أن في السورة آيات مدنية من الية السابعة عشرة إلى‬
‫نهاية الية الثالثة والثلثين ‪ ..‬ونحن نستبعد هذا كذلك ‪ .‬ونعتقد أن السورة كلها مكية ‪.‬‬
‫لن طابع هذه اليات عميق في مكيته ‪ ..‬والذي نرجحه بشأن السورة كلها أنها ليست‬
‫الثانية في ترتيب النزول ؛ وأنها نزلت بعد فترة من البعثة النبوية بعد أمر النبي‬
‫بالدعوة العامة ‪ ..‬والمشهد الخير في السورة يوحي بهذا كذلك ‪ ) :‬وإن يكاد الذين‬
‫كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون ‪ :‬إنه لمجنون ( ‪ ..‬فهو مشهد‬
‫دعوة عامة لمجموعات كبيرة ‪ .‬ولم يكن المر كذلك في أول الدعوة ‪..‬‬
‫***‬
‫لقد كانت هذه الغرسة ‪ -‬غرسة العقيدة السلمية ‪ -‬تودع في الرض لول مرة في‬
‫صورتها الرفيعة المجردة الناصعة ‪ .‬وكانت غريبة على حس الجاهلية السائدة ‪ ،‬ل في‬
‫الجزيرة العربية وحدها بل كذلك في أنحاء الرض جميعا ‪.‬‬
‫وكانت النقلة عظيمة بين الصورة الباهتة المحرفة المشوهة من ملة إبراهيم التي‬
‫يستمسك بخيوط حائلة منها مشركو قريش ‪..‬وبين الصورة الباهرة العظيمة‬
‫المستقيمة الواضحة البسيطة الشاملة المحيطة التي جاءهم بها محمد متفقة في‬
‫أصولها مع الحنيفية الولى ‪ -‬دين إبراهيم عليه السلم ‪.-‬‬
‫وكانت النقلة عظيمة بين الشرك بالله وتعدد الرباب ‪ ،‬وعبادة الملئكة وتماثيلها ‪،‬‬
‫والتعبد للجن وأرواحها‪ ..‬وبين الصورة الباهرة التي يرسمها القرآن للذات اللهية‬
‫الواحدة وعظمتها وقدرتها ‪ ،‬وتعلق إرادتها بكل مخلوق ‪.‬‬
‫كذلك كانت النقلة عظيمة بين الطبقية السائدة في الجزيرة ‪ ..‬وبين البساطة‬
‫والمساواة أمام الله والتصال المباشربينه وبين عباده كما جاء بها القرآن ‪.‬‬
‫ومثلها كانت النقلة بين الخلق السائدة في الجاهلية والخلق التي جاء القرآن يبشر‬
‫بها ‪ ،‬وجاء محمد يدعو إليها ويمثلها ‪.‬‬
‫وكانت هذه النقلة وحدها كافية للتصادم بين العقيدة الجديدة وبين قريش ومعتقداتها‬
‫وأخلقها ‪ .‬ولكن هذه لم تكن وحدها ‪ .‬فقد كان إلى جانبها اعتبارات ‪ -‬ربما كانت أضخم‬
‫في تقدير قريش من العقيدة ذاتها ‪ -‬على ضخامتها ‪.‬‬
‫كانت هناك العتبارات الجتماعية ‪ . .‬فإن رسول الله مع شرف نسبه ‪ ،‬وأنه في‬
‫الذؤابة من قريش ‪ ،‬لم تكن له مشيخة فيهم ول رياسة قبل البعثة ‪ .‬بينما كان هناك‬
‫مشيخة قريش ومشيخة ثقيف وغيرهما ‪ ،‬في بيئة تجعل للمشيخة والرياسة القبلية كل‬
‫العتبار ‪ ،‬فلم يكن من السهل النقياد خلف محمد من هؤلء المشيخة !‬
‫وكانت هناك العتبارات العائلية التي تجعل رجل كأبي جهل "عمرو بن هشام" يأبى أن‬
‫يسلم بالحق الذي يواجهه بقوة في الرسالة السلمية ‪ ،‬لن نبيها من بني عبد مناف ‪..‬‬
‫وكانت هناك اعتبارات أخرى نفعية وطبقية ونفسية من ركام الجاهلية في المشاعر‬
‫والتصورات والوضاع‪.‬‬
‫والرسول ولو أنه نبي ‪ ..‬هو بشر ‪ ،‬تخالجه مشاعر البشر ‪ .‬وكان يتلقى هذه المقاومة‬
‫العنيفة ‪ ،‬وتلك الحرب التي شنها عليه المشركون ‪ ،‬ويعاني وقعها العنيف الليم ‪ ،‬هو‬
‫والحفنة القليلة التي آمنت به على كره من المشركين ‪ ..‬والسخرية والستهزاء ‪ -‬مع‬
‫الضعف والقلة ‪ -‬مؤذيان أشد اليذاء للنفس البشرية ‪ ،‬ولو كانت هي نفس رسول ‪.‬‬
‫ومن ثم نرى في الصور المكية ‪ ..‬أن الله كأنما يحتضن ‪ -‬سبحانه ‪ -‬رسوله والحفنة‬
‫المؤمنة معه ‪ ،‬ويواسيه ويسري عنه ‪ ،‬ويثني عليه وعلى المؤمنين ‪ .‬ويبرز العنصر‬
‫الخلقي الذي يتمثل في هذه الدعوة وفي نبيها الكريم ‪ .‬وينفي ما يقوله المتقولون‬
‫عنه ‪ ،‬ويطمئن قلوب المستضعفين بأنه هو يتولى عنهم حرب أعدائهم ‪ ،‬ويعفيهم من‬
‫التفكير في أمر هؤلء العداء القوياء الغنياء !‬

‫‪14‬‬
‫ونجد من هذا في سورة القلم مثل قوله تعالى عن النبي ‪:‬‬
‫) ن ‪ .‬والقلم وما يسطرون ‪ .‬ما أنت بنعمة ربك بمجنون ‪ .‬وإن لك لجرا غير‬
‫ممنون ‪ .‬وإنك لعلى خلق عظيم ( ‪..‬‬
‫وقوله تعالى عن المؤمنين ‪:‬‬
‫) إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم ‪ .‬أفنجعل المسلمين كالمجرمين ؟ مالكم ؟‬
‫كيف تحكمون ؟! ( ‪..‬‬
‫ويقول عن أحد أعداء النبي البارزين ‪:‬‬
‫) ول تطع كل حلف مهين ‪ .‬هماز مشاء بنميم ‪ .‬مناع للخير معتد أثيم ‪ .‬عتل بعد ذلك‬
‫زنيم ‪ .‬أن كان ذا مال وبنين ‪ .‬إذا تتلى عليه آياتنا قال ‪ :‬أساطير الولين ‪ .‬سنسمه على‬
‫الخرطوم ! ( ‪..‬‬
‫ثم يقول عن حرب المكذبين عامة ‪:‬‬
‫) فذرني ومن يكذب بهذا الحديث ‪ .‬سنستدرجهم من حيث ل يعلمون ‪ .‬وأملي عليهم‬
‫إن كيدي متين ( ‪..‬‬
‫وذلك غير عذاب الخرة المذل للمتكبرين ‪:‬‬
‫) يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فل يستطيعون ‪ .‬أبصارهم ترهقهم‬
‫ذلة ‪ .‬وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ( ‪..‬‬
‫ويضرب لهم أصحاب الجنة ‪ -‬جنة الدنيا ‪ -‬مثل على عاقبة البطر تهديدا لكبراء قريش‬
‫المعتزين بأموالهم وأولدهم ممن لهم مال وبنون ؛ الكائدون للدعوة بسبب مالهم من‬
‫مال وبنين ‪.‬‬
‫وفي نهاية السورة يوصي النبي بالصبر الجميل ‪ ) :‬فاصبر لحكم ربك ول تكن‬
‫كصاحب الحوت ‪. ( ..‬‬
‫ومن خلل هذه المواساة وهذا الثناء وهذا التثبيت ‪ ،‬مع الحملة القاسمة على‬
‫المكذبين والتهديد الرهيب ‪ ،‬يتولى الله ‪ -‬سبحانه ‪ -‬بذاته حربهم في ذلك السلوب‬
‫العنيف ‪ ..‬من خلل هذا كله نتبين ملمح تلك الفترة ‪ ،‬فترة الضعف والقلة ‪ ،‬وفترة‬
‫المعاناة والشدة ‪ ،‬وفترة المحاولة القاسية لغرس تلك الغرسة الكريمة في تلك التربة‬
‫العنيدة !‬

‫الدرس الول‬
‫إلصاق التهمة برسول الله ‪ ‬ودفاع الله عنه وتثبيته‬
‫اليات من ) ‪( 16 : 1‬‬
‫ن لَ َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫وإ ِ ّ‬ ‫ن )‪َ (2‬‬ ‫جُنو ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ك بِ َ‬ ‫ة َرب ّ َ‬ ‫م ِ‬‫ع َ‬ ‫ت ب ِن ِ ْ‬ ‫ما أن َ‬ ‫ن )‪َ (1‬‬ ‫سطُُرو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫و َ‬‫قل َم ِ َ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫}ن َ‬
‫ن )‪(5‬‬ ‫صُرو َ‬ ‫وي ُب ْ ِ‬ ‫صُر َ‬ ‫ست ُب ْ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ظيم ٍ )‪َ (4‬‬ ‫ع ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ٍ‬
‫خل ُ‬ ‫على ُ‬ ‫ك لَ َ‬‫وإ ِن ّ َ‬
‫ن )‪َ (3‬‬ ‫مُنو ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫غي َْر َ‬ ‫جًرا َ‬ ‫َل َ ْ‬
‫عل َ ُ‬
‫م‬ ‫و أَ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫ه َ‬ ‫سِبيل ِ ِ‬ ‫عن َ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫من َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫و أَ ْ‬ ‫ه َ‬‫ك ُ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫ن )‪ (6‬إ ِ ّ‬ ‫فُتو ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫َ‬
‫ب ِأيي ّك ُ ُ‬
‫وَل‬ ‫ن )‪َ (9‬‬ ‫هُنو َ‬ ‫في ُدْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ه ُ‬ ‫و ت ُدْ ِ‬‫دوا ل َ ْ‬ ‫و ّ‬ ‫ن )‪َ (8‬‬ ‫مك َذِّبي َ‬ ‫ع ال ْ ُ‬ ‫فل ت ُطِ ِ‬
‫ن )‪َ َ (7‬‬ ‫دي َ‬ ‫هت َ ِ‬ ‫م ْ‬‫ِبال ْ ُ‬
‫َ‬ ‫ع ل ّل ْ َ‬
‫د أِثيم ٍ‬ ‫عت َ ٍ‬‫م ْ‬‫ر ُ‬ ‫خي ْ ِ‬ ‫مّنا ٍ‬ ‫ميم ٍ )‪َ (11‬‬ ‫شاء ب ِن َ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ز ّ‬ ‫ما َ ٍ‬
‫ه ّ‬ ‫ن )‪َ (10‬‬ ‫هي ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫ف ّ‬ ‫حّل ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫ع كُ ّ‬ ‫ت ُطِ ْ‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫ذا ت ُت ْلى َ‬ ‫َ‬ ‫ن )‪ (14‬إ ِ َ‬ ‫وب َِني َ‬ ‫ل َ‬ ‫ما ٍ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫عدَ ذَل ِك َزِنيم ٍ )‪ (13‬أن كا َ‬ ‫َ‬ ‫ل بَ ْ‬ ‫عت ُ ّ‬ ‫)‪ُ (12‬‬
‫خْرطوم ِ )‪{(16‬‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫على ال ُ‬ ‫َ‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫قا َ‬ ‫آَيات َُنا َ‬
‫م ُ‬ ‫س ُ‬ ‫سن َ ِ‬ ‫ن )‪َ (15‬‬ ‫وِلي َ‬ ‫طيُر ال ّ‬ ‫سا ِ‬ ‫لأ َ‬

‫‪15‬‬
‫الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يذكر الدارس التهمة التى ألصقها الكفار برسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يوضح الدارس دفاع الله عز وجل عن رسوله ضد هذه‬
‫التهمة ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يبين الدارس ما في اليات من تثبيت لرسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يوضح الدارس توجيهات الله عز وجل لرسوله فى هذه‬
‫اليات ‪.‬‬
‫أن يذكر الدارس فيمن نزلت هذه اليات ) ‪. ( 16- 10‬‬ ‫‪-5‬‬
‫أن يتنزه الدارس عن صفات المكذبين التي وردت في اليات‬ ‫‪-6‬‬
‫" فل تطع المكذبين ‪ ...‬سنسمه علي الخرطوم " ‪0‬‬
‫المفردات‬
‫‪ -‬عُُتل ‪ :‬فظ غليظ‬ ‫‪ -‬غير ممنون ‪ :‬غير مقطوع‬
‫‪ -‬الزنيم ‪ :‬الملصق بالقوم ليس منهم وهو الفاحش اللئيم الذي يعرف بالشر والمراد به‬
‫" الخنس ابن شريق " وقيل الوليد ابن المغيرة‬
‫‪ -‬سنسمه علي الخرطوم ‪ :‬سنبين أمره بيانا واضح حتى يعرفوه ول يخفي عليهم كما ل‬
‫تخفي عليهم السمة علي الخراطيم وقيل " سنسمه " سمة أهل النار ‪ :‬يعنى نسود‬
‫وجهه يوم القيامة وعبر عن الوجه بالخرطوم ول مانع من اجتماع الجميع عليه في‬
‫الدنيا والخرة‬

‫) ن ‪ ،‬والقلم وما يسطرون ( ‪..‬‬


‫يقسم الله ‪ -‬سبحانه ‪ -‬بنون ‪ ،‬وبالقلم ‪ ،‬وبالكتابة ‪ ..‬فأما القسم بها فهو تعظيم لقيمتها‬
‫‪ ،‬وتوجيه إليها ‪ ،‬في وسط المة التي لم تكن تتجه إلى التعلم عن هذا الطريق ‪ ،‬وكانت‬
‫الكتابة فيها متخلفة ونادرة ‪ ،‬في الوقت الذي كان دورها المقدر لها في علم الله‬
‫يتطلب نمو هذه المقدرة فيها ‪ ،‬وانتشارها بينها ‪.‬‬
‫يقسم الله ‪ -‬سبحانه ‪ -‬بنون والقلم وما يسطرون ‪ ،‬منوها بقيمة الكتابة معظما لشأنها‬
‫كما أسلفنا لينفي عن رسوله تلك الفرية التي رماه بها المشركون ‪ ،‬مستبعدا لها ‪،‬‬
‫ونعمته على رسوله ترفضها ) ما أنت بنعمة ربك بمجنون ( ‪..‬‬
‫فيثبت في هذه الية القصيرة وينفي ‪ ..‬يثبت نعمة الله على نبيه ‪ ،‬في تعبير يوحي‬
‫بالقربى والمودة ‪ :‬حين يضيفه سبحانه إلى ذاته ‪ ) :‬ربك ( ‪ .‬وينفي تلك الصفة‬
‫المفتراة التي ل تجتمع مع نعمة الله ‪ ،‬على عبد نسبه إليه وقربه واصطفاه ‪.‬‬
‫وإن العجب ليأخذ كل دارس لسيرة الرسول في قومه ‪ ،‬من قولتهم هذه عنه ‪ ،‬وهم‬
‫الذين علموا منه رجاحة العقل حتى حكموه بينهم في رفع الحجر السود قبل النبوة‬
‫بأعوام كثيرة ‪ ..‬ولكن الحقد يعمي ويصم ‪ ،‬والغرض يقذف بالفرية دون تحرج ! وقائلها‬
‫يعرف قبل كل أحد ‪ ،‬أنه كذاب أثيم !‬
‫) وإن لك لجرا غير ممنون ( ‪..‬‬
‫وإن لك لجرا دائما موصول ‪ ،‬ل ينقطع ول ينتهي ‪ ،‬أجرا عند ربك الذي أنعم عليك‬
‫بالنبوة ومقامها الكريم ‪ ..‬وهو إيناس كذلك وتسرية وتعويض فائض غامر عن كل‬
‫حرمان وعن كل جفوة وعن كل بهتان يرميه به المشركون ‪.‬‬
‫ثم تجيء الشهادة الكبرى والتكريم العظيم ‪:‬‬
‫) وإنك لعلى خلق عظيم ( ‪..‬‬
‫‪16‬‬
‫وتتجاوب أرجاء الوجود بهذا الثناء الفريد على النبي الكريم ‪ ..‬ويعجز كل قلم ‪ ،‬ويعجز‬
‫كل تصور ‪ ،‬عن وصف قيمة هذه الكلمة العظيمة من رب الوجود ‪ ،‬وهي شهادة من‬
‫الله ‪ ،‬في ميزان الله ‪ ،‬لعبد الله ‪ ،‬يقول له فيها ‪ ) :‬وإنك لعلى خلق عظيم ( ‪..‬‬
‫ومدلول الخلق العظيم هو ما هو عند الله مما ل يبلغ إلى إدراك مداه أحد من العالمين‬
‫!‬
‫ودللة هذه الكلمة العظيمة على عظمة محمد تبرز من نواح شتى ‪:‬‬
‫تبرز من كونها كلمة من الله الكبير المتعال ‪ ،‬ويسجلها ضمير الكون ‪ ،‬وتثبت في كيانه‬
‫‪ ،‬وتتردد في المل العلى إلى ما شاء الله ‪.‬‬
‫ولقد رويت عن عظمة خلقه في السيرة ‪ ،‬وعلى لسان أصحابه روايات منوعة كثيرة ‪.‬‬
‫وكان واقع سيرته أعظم شهادة من كل ما روي عنه ‪ .‬ولكن هذه الكلمة أعظم بدللتها‬
‫من كل شيء آخر ‪ .‬أعظم بصدورها عن العلي الكبير ‪.‬‬
‫إنه محمد ‪ -‬وحده ‪ -‬هو الذي يرقى إلى هذا الفق من العظمة ‪ ..‬إنه محمد ‪ -‬وحده ‪-‬‬
‫هو الذي يكافئ هذه الرسالة الكونية العالمية النسانية ؛ حتى لتتمثل في شخصه‬
‫حية ‪ ،‬تمشي على الرض في إهاب إنسان ‪ ..‬إنه محمد – وحده الذي علم الله منه أنه‬
‫أهل لهذا المقام ‪ .‬والله أعلم حيث يجعل رسالته ‪ ..‬وهو ‪ -‬جل شأنه ‪ -‬وحده القادر‬
‫على أن يهب عبدا من عباده ذلك الفضل العظيم ‪.‬‬
‫ثم إن لهذه اللفتة دللتها على تمجيد العنصر الخلقي في ميزان الله ؛ وأصالة هذا‬
‫العنصر في الحقيقة السلمية كأصالة الحقيقة المحمدية ‪.‬‬
‫والناظر في هذه العقيدة ‪ ،‬كالناظر في سيرة رسولها ‪ ،‬يجد العنصر الخلقي بارزا‬
‫أصيل فيها ‪ ،‬تقوم عليه أصولها التشريعية وأصولها التهذيبية على السواء‪.‬‬
‫والرسول الكريم يقول ‪ :‬إنما بعثت لتمم مكارم الخلق ‪ ..‬فيلخص رسالته في هذا‬
‫الهدف النبيل ‪ .‬وتتوارد أحاديثه تترى في الحض على كل خلق كريم ‪.‬وتقوم سيرته‬
‫الشخصية مثال حيا وصفحة نقية ‪ ،‬وصورة رفيعة ‪ ،‬تستحق من الله أن يقول عنها في‬
‫كتابه الخالد ‪ ) :‬وإنك لعلى خلق عظيم (‪.‬‬
‫وبعد هذا الثناء الكريم على عبده يطمئنه إلى غده مع المشركين ‪ ..‬ويهددهم بافتضاح‬
‫أمرهم وانكشاف بطلنهم وضللهم المبين ‪:‬‬
‫) فستبصر ويبصرون ‪ .‬بأيكم المفتون ‪ .‬إن ربك هو أعلم بمن ضل عن‬
‫سبيله وهو أعلم بالمهتدين ( ‪..‬‬
‫والمفتون الذي يطمئن الله نبيه إلى كشفه وتعيينه هو الضال ‪ ..‬وهذا الوعد فيه من‬
‫الطمأنينة لرسول الله وللمؤمنين معه ‪ ،‬بقدر ما فيه من التهديد للمناوئين له‬
‫المفترين عليه ‪ ..‬وهذا الوعد من الله يشير إلى أن الغد سيكشف عن حقيقة النبي‬
‫وحقيقة مكذبيه ‪ .‬ويثبت أيهم الممتحن بما هو فيه ؛ أو أيهم الضال فيما يدعيه ‪.‬‬
‫ويطمئنه إلى أن ربه ) هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ( ‪ ..‬وربه‬
‫هو الذي أوحى إليه ‪ ،‬فهو يعلم أنه المهتدي ومن معه ‪ .‬وفي هذا ما يطمئنه وما يقلق‬
‫أعداءه ‪.‬‬
‫ثم يكشف الله له عن حقيقة حالهم ‪ ..‬وهم مزعزعو العقيدة ‪ ..‬التي يتظاهرون‬
‫بالتصميم عليها ‪ .‬إنهم على استعداد للتخلي عن الكثير منها في مقابل أن يتخلى هو‬
‫عن بعض ما يدعوهم إليه ! على استعداد أن يدهنوا ويلينوا و يحافظوا فقط على ظاهر‬
‫المر لكي يدهن هو لهم ويلين ‪ ..‬فهم ليسوا أصحاب عقيدة يؤمنون بأنها الحق ‪ ،‬وإنما‬
‫هم أصحاب ظواهر يهمهم أن يستروها ‪:‬‬
‫) فل تطع المكذبين ‪ .‬ودوا لو تدهن فيدهنون ( ‪..‬‬
‫فهي المساومة إذن ‪ ،‬واللتقاء في منتصف الطريق ‪ .‬كما يفعلون في التجارة ‪ .‬وفرق‬
‫بين العتقاد والتجارة كبير ! فصاحب العقيدة ل يتخلى عن شيء منها ؛ لن الصغير‬

‫‪17‬‬
‫منها كالكبير ‪ .‬بل ليس في العقيدة صغير وكبير ‪ .‬إنها حقيقة واحدة متكاملة الجزاء ‪.‬‬
‫ل يطيع فيها صاحبها أحدا ‪ ،‬ول يتخلى عن شيء منها أبدا ‪.‬‬
‫وقد وردت روايات شتى فيما كان يدهن به المشركون للنبي ليدهن لهم ويلين ؛‬
‫ويترك سب آلهتهم وتسفيه عبادتهم ‪ ،‬أو يتابعهم في شيء مما هم عليه ليتابعوه في‬
‫دينه ‪ ..‬ولكن الرسول كان حاسما في موقفه من دينه ‪ ،‬ل يدهن فيه ول يلين ‪ .‬وهو‬
‫فيما عدا الدين ألين الخلق جانبا وأحسنهم معاملة وأبرهم بعشيرة وأحرصهم على‬
‫اليسر والتيسير ‪ .‬فأما الدين فهو الدين ! وهو فيه عند توجيه ربه ‪ ):‬فل تطع‬
‫المكذبين (‬
‫ولم يساوم في دينه وهو في أحرج المواقف العصيبة في مكة ‪ .‬وهو محاصر‬
‫بدعوته ‪ .‬وأصحابه القلئل يتخطفون ويعذبون ويؤذون في الله أشد اليذاء وهم‬
‫صابرون ‪ .‬ولم يسكت عن كلمة واحدة ينبغي أن تقال في وجوه القوياء المتجبرين ‪،‬‬
‫تأليفا لقلوبهم ‪ ،‬أو دفعا لذاهم ‪ .‬ولم يسكت كذلك عن إيضاح حقيقة تمس العقيدة من‬
‫قريب أو من بعيد ‪.‬‬
‫ثم يبرز قيمة العنصر الخلقي مرة أخرى في نهي الرسول عن إطاعة أحد هؤلء‬
‫المكذبين بالذات ‪ ،‬ويصفه بصفاته المزرية المنفرة ‪ ،‬ويتوعده بالذلل والمهانة ‪:‬‬
‫) ول تطع كل حلف مهين ‪ .‬هماز مشاء بنميم ‪ .‬مناع للخير معتد أثيم ‪.‬‬
‫عتل بعد ذلك زنيم ‪ .‬أن كان ذا مال وبنين ‪ .‬إذا تتلى عليه آياتنا قال ‪:‬‬
‫أساطير الولين ‪ .‬سنسمه على الخرطوم ( ‪..‬‬
‫وقد قيل ‪ :‬إنه الوليد بن المغيرة ‪ ..‬كما قيل ‪ :‬إن آيات سورة القلم نزلت في الخنس‬
‫بن شريق ‪ ..‬وكلهما كان ممن خاصموا رسول الله ولجوا في حربه والتأليب عليه‬
‫أمدا طويل ‪.‬‬
‫وهذه الحملة القرآنية العنيفة في هذه السورة ‪ ..‬شاهد على شدة دوره سواء كان هو‬
‫الوليد أو الخنس ‪ ..‬في حرب الرسول والدعوة ‪ ،‬كما هي شاهد على سوء طويته ‪،‬‬
‫وفساد نفسه ‪ ،‬وخلوها من الخير ‪.‬‬
‫والقرآن يصفه هنا بتسع صفات كلها ذميم ‪...‬‬
‫فهو حلف ‪ ..‬كثير الحلف ‪ .‬ول يكثر الحلف إل إنسان غير صادق ‪ ،‬يدرك أن الناس‬
‫يكذبونه ول يثقون به ‪ ..‬وهو مهين ‪ ..‬ل يحترم نفسه ‪ ،‬ول يحترم الناس قوله ‪ ..‬ولو كان‬
‫ذا مال وذا بنين وذا جاه ‪..‬‬
‫وهو هماز ‪ ..‬يهمز الناس ويعيبهم بالقول والشارة في حضورهم أو في غيبتهم سواء ‪.‬‬
‫وخلق الهمز يكرهه السلم أشد الكراهية ؛ فهو يخالف المروءة ‪ ،‬ويخالف أدب النفس‬
‫‪ ،‬ويخالف الدب في معاملة الناس‪..‬‬
‫وهو مشاء بنميم ‪ .‬يمشي بين الناس بما يفسد قلوبهم ‪ ،‬ويقطع صلتهم ‪ ،‬ويذهب‬
‫بموداتهم ‪ .‬وهو خلق ذميم كما أنه خلق مهين ‪ ،‬ل يتصف به ول يقدم عليه إنسان‬
‫يحترم نفسه أو يرجو لنفسه احتراما عند الخرين ‪ ..‬ولم يكن بد للسلم أن يشدد في‬
‫النهي عن هذا الخلق الذميم الوضيع ‪ ،‬الذي يفسد القلب ‪ ،‬كما يفسد الصحب ‪ ..‬ويفقد‬
‫الناس الثقة بعضهم ببعض ‪.‬‬
‫وهو مناع للخير ‪ ..‬يمنع الخير عن نفسه وعن غيره ‪ .‬ولقد كان يمنع اليمان وهو جماع‬
‫الخير ‪..‬‬
‫وهو معتد ‪.‬متجاوز للحق والعدل إطلقا ‪ .‬ثم هو معتد على النبي وعلى المسلمين‬
‫وعلى أهله وعشيرته الذين يصدهم عن الهدى ويمنعهم من الدين ‪..‬‬
‫وهو أثيم ‪ ..‬يرتكب المعاصي حتى يحق عليه الوصف الثابت ‪ ) .‬أثيم ( ‪ ..‬بدون تحديد‬
‫لنوع الثام التي يرتكبها ‪..‬‬
‫وهو بعد هذا كله ) عتل ( ‪ ..‬وهي لفظة تعبر بجرسها وظلها عن مجموعة من‬
‫الصفات ومجموعة من السمات ‪ ،‬ل تبلغها مجموعة ألفاظ وصفات ‪ .‬فقد يقال ‪ :‬إن‬

‫‪18‬‬
‫العتل هو الغليظ الجافي ‪ .‬وإنه الكول الشروب ‪ .‬وإنه الشره المنوع ‪ .‬وإنه الفظ في‬
‫طبعه ‪ ،‬اللئيم في نفسه ‪ ،‬السيء في معاملته ‪ ..‬ولكن تبقى كلمة ) عتل ( بذاتها أدل‬
‫على كل هذا ‪ ،‬وأبلغ تصويرا للشخصية الكريهة من جميع الوجوه ‪.‬‬
‫وهو زنيم ‪ ..‬وهذه خاتمة الصفات الذميمة الكريهة المتجمعة في عدو من السلم‬
‫‪..‬والزنيم من معانيه اللصيق في القوم ل نسب له فيهم ‪ ،‬أو أن نسبه فيهم ظنين ‪.‬‬
‫ومن معانيه ‪ ،‬الذي اشتهر وعرف بين الناس بلؤمه وخبثه وكثرة شروره ‪.‬‬
‫ثم يعقب على هذه الصفات الذاتيه بموقفه من آيات الله ‪ ،‬مع التشنيع بهذا الموقف‬
‫الذي يجزي به نعمة الله عليه بالمال والبنين ‪:‬‬
‫) أن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال ‪ :‬أساطير الولين ( ‪..‬‬
‫وما أقبح أن يجزي إنسان نعمة الله عليه بالمال والبنين ؛ استهزاءا َ بآياته ‪ ،‬وسخرية‬
‫من رسوله ‪ ،‬واعتداء على دينه ‪ ..‬وهذه وحدها تعدل كل ما مر من وصف ذميم ‪.‬‬
‫ومن ثم يجيء التهديد من الجبار القهار ‪ ،‬يلمس في نفسه موضع الختيال والفخر‬
‫بالمال والبنين ؛ كما لمس وصفه من قبل موضع الختيال بمكانته ونسبه ‪ ..‬ويسمع‬
‫وعد الله القاطع ‪:‬‬
‫) سنسمه على الخرطوم ( ‪..‬‬
‫ومن معاني الخرطوم طرف أنف الخنزير البري ‪ ..‬ولعله هو المقصود هنا كناية عن‬
‫أنفه‪ ..‬والتهديد بوسمه على الخرطوم يحوي نوعين من الذلل والتحقير ‪ ..‬الولى‬
‫الوسم كما يوسم العبد ‪ ..‬والثاني جعل أنفه خرطوما كخرطوم الخنزير !‬
‫وما من شك أن وقع هذه اليات على نفس الوليد كان قاصما ‪ .‬فهو من أمة كانت تعد‬
‫هجاء شاعر ‪ -‬ولو بالباطل ‪ -‬مذمة يتوقاها الكريم ! فكيف بدمغه بالحق من خالق‬
‫السماوات والرض ‪ .‬بهذا السلوب الذي ل يبارى ‪ ..‬إنها القاصمة التي يستأهلها عدو‬
‫السلم وعدو الرسول الكريم صاحب الخلق العظيم ‪..‬‬
‫التقويم ‪:‬‬
‫‪ -1‬أذكر التهمة التى ألصقها الكفار برسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪.‬‬
‫وضح دفاع الله عز وجل عن رسوله ضد هذه التهمة ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫‪ -3‬بين ما في اليات من تثبيت لرسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪.‬‬
‫وضح توجيهات الله عز وجل لرسوله فى هذه اليات ‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫أذكر فيمن نزلت هذه اليات ) ‪. ( 16- 10‬‬ ‫‪-5‬‬
‫" ن والقلم وما يسطرون " أذكر إلي ما تشير إليه الية‬ ‫‪-6‬‬
‫الكريمة ‪0‬‬
‫" إنما بعثت لتمم مكارم الخلق " وضح علقة الحديث‬ ‫‪-7‬‬
‫بالسورة الكريمة مبينا أهمية العنصر الخلقي في الدعوة إلي الله‬
‫‪0‬‬
‫أعداء السلم في كل زمان يتمنون أن يتنازل صاحب الدعوة‬ ‫‪-8‬‬
‫عن جزء من مباديء دعوته وضح ذلك في ضوء قوله تعالي " ودوا‬
‫لو تدهن فيدهنون"‪0‬‬
‫أذكر صفات المكذبين التي وردت في اليات وما دور المسلم‬ ‫‪-9‬‬
‫في التنزه عنها ؟‬

‫‪19‬‬
‫الدرس الثاني‬
‫قصة أصحاب الجنة وما بها من عبر وعظات‬
‫اليات من ) ‪( 33 : 17‬‬
‫ن)‬ ‫حي َ‬ ‫صب ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ها ُ‬ ‫من ّ َ‬‫ر ُ‬ ‫ص ِ‬ ‫َ‬
‫موا لي َ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ق َ‬ ‫ة إ ِذْ أ َ ْ‬ ‫جن ّ ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫حا َ‬ ‫ص َ‬
‫َ‬
‫وَنا أ ْ‬ ‫ما ب َل َ ْ‬ ‫م كَ َ‬ ‫ه ْ‬‫وَنا ُ‬ ‫} إ ِّنا ب َل َ ْ‬
‫ن )‪(19‬‬ ‫مو َ‬ ‫م َنائ ِ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ُ‬ ‫ك َ‬ ‫من ّرب ّ َ‬ ‫ف ّ‬ ‫طائ ِ ٌ‬ ‫ها َ‬ ‫عل َي ْ َ‬
‫ف َ‬ ‫طا َ‬ ‫ف َ‬ ‫ن )‪َ (18‬‬ ‫ست َث ُْنو َ‬ ‫وَل ي َ ْ‬ ‫‪َ (17‬‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫م ِإن‬ ‫حْرث ِك ُ ْ‬ ‫عَلى َ‬ ‫دوا َ‬ ‫غ ُ‬ ‫نا ْ‬ ‫ن )‪ (21‬أ ِ‬ ‫حي َ‬ ‫صب ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫دوا ُ‬ ‫فت ََنا َ‬ ‫ريم ِ )‪َ (20‬‬ ‫ِ‬ ‫ص‬
‫كال ّ‬ ‫ت َ‬ ‫ح ْ‬ ‫صب َ َ‬ ‫فأ ْ‬
‫م‬
‫و َ‬ ‫ها ال ْي َ ْ‬ ‫خل َن ّ َ‬ ‫ن )‪َ (23‬أن ّل ي َدْ ُ‬ ‫فُتو َ‬ ‫خا َ‬ ‫م ي َت َ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ُ‬‫قوا َ‬ ‫فانطَل َ ُ‬ ‫ن )‪َ (22‬‬ ‫مي َ‬ ‫ر ِ‬‫صا ِ‬ ‫م َ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫قاُلوا إ ِّنا‬ ‫َ‬
‫ها َ‬ ‫و َ‬ ‫ما َرأ ْ‬ ‫فل َ ّ‬ ‫ن )‪َ (25‬‬ ‫ري َ‬ ‫قاِد ِ‬ ‫حْرٍد َ‬ ‫عَلى َ‬ ‫وا َ‬ ‫غد َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ن )‪َ (24‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫عل َي ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ولَ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫لَ َ‬
‫مل ْ‬ ‫م أقل لك ْ‬ ‫م أل ْ‬ ‫ه ْ‬‫سط ُ‬ ‫و َ‬ ‫ن )‪ (27‬قال أ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫حُرو ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن )‪ (26‬ب َل ن َ ْ‬ ‫ضالو َ‬
‫َ‬ ‫ن َرب َّنا إ ِّنا ك ُّنا َ‬
‫م‬‫ه ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫ع ُ‬ ‫ل بَ ْ‬ ‫قب َ َ‬ ‫فأ ْ‬ ‫ن )‪َ (29‬‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫قاُلوا ُ‬ ‫ن )‪َ (28‬‬ ‫حو َ‬ ‫سب ّ ُ‬ ‫تُ َ‬
‫سى َرب َّنا‬ ‫ع َ‬ ‫ن )‪َ (31‬‬ ‫غي َ‬ ‫َ‬
‫وي ْلَنا إ ِّنا كّنا طا ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪ (30‬قالوا َيا َ‬ ‫َ‬ ‫مو َ‬ ‫و ُ‬ ‫َ‬
‫ض ي َت َل َ‬ ‫عَلى ب َ ْ‬
‫ع ٍ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ب‬‫ذا ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ول َ‬‫َ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (32‬كذَل ِك ال َ‬ ‫َ‬ ‫غُبو َ‬ ‫ها إ ِّنا إ ِلى َرب َّنا َرا ِ‬ ‫َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫خي ًْرا ّ‬ ‫دلَنا َ‬ ‫َ‬ ‫أن ي ُب ْ ِ‬
‫خر َ‬
‫ن )‪{ (33‬‬ ‫مو َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ة أك ْب َُر ل َ ْ‬ ‫اْل ِ َ ِ‬

‫الهداف الجرائية السلوكية‬


‫أن يقص الدارس قصة أصحاب الجنة ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫أن يبين الدارس ما في هذه القصة من عبر وعظات ‪0‬‬ ‫‪-2‬‬
‫أن يذكر الدارس أكثر العبر التي تأثر بها شخصيا ً من هذه‬ ‫‪-3‬‬
‫القصة ‪.‬‬
‫المفردات‬
‫– ليصرمنها ‪ :‬ليجذن أو ليقطعن ثمرها‬
‫– طائف من ربك ‪ :‬آفة سماوية‬
‫– كالصريم ‪ :‬كالليل السود أى أصبحت مثل الزرع إذا حصد أى هشيما يباد‬
‫– وغدوا علي حرث ‪ :‬أى قوة وشدة وجد وغيظ وهم منفردين وحدهم‬
‫– أوسطهم ‪ :‬أعدلهم وخيرهم ذكر بعض السلف أن هؤلء كانوا من أهل اليمن‬
‫وقيل من أهل الحبشة‬
‫*****‬
‫وبمناسبة الشارة إلى المال والبنين ‪ ،‬والبطر الذي يبطره المكذبون ‪ ،‬يضرب لهم مثل‬
‫بقصة يبدو أنها كانت معروفة عندهم ‪ ،‬شائعة بينهم ‪ ،‬ويذكرهم فيها بعاقبة البطر‬
‫بالنعمة ‪ ،‬ومنع الخير والعتداء على حقوق الخرين ‪:‬‬
‫) إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ‪ ،‬ول‬
‫يستثنون ‪ .‬فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون ‪ ،‬فأصبحت كالصريم‬
‫( ‪..‬‬
‫ها نحن أولء أمام أصحاب الجنة ‪ -‬جنة الدنيا ل جنة الخرة ‪ -‬وها هم أولء يبيتون في‬
‫شأنها أمرا ‪ .‬لقد كان للمساكين حظ من ثمرة هذه الجنة ‪ ..‬على أيام صاحبها الطيب‬
‫الصالح ‪ .‬ولكن الورثة يريدون أن يستأثروا بثمرها الن ‪ ،‬وأن يحرموا المساكين‬

‫‪20‬‬
‫حظهم ‪ ) ..‬إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ‪ ،‬ول‬
‫يستثنون ( ‪.‬‬
‫لقد قر رأيهم على أن يقطعوا ثمرها عند الصباح الباكر ‪ ،‬دون أن يستثنوا منه شيئا‬
‫للمساكين ‪ .‬وأقسموا على هذا ‪ ،‬وعقدوا النية عليه ‪ ،‬وباتوا بهذا الشر فيما اعتزموه ‪..‬‬
‫فلندعهم في غفلتهم أو في كيدهم الذي يبيتوه ‪ ،‬ولننظر ماذا يجري من ورائهم في‬
‫بهمة الليل وهم ل يشعرون ‪..‬‬
‫إن هناك مفاجأة تتم في خفية ‪ ..‬والناس نيام ‪:‬‬
‫) فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون ‪ .‬فأصبحت كالصريم ( ‪..‬‬
‫فلندع الجنة وما ألم بها مؤقتا لننظر كيف يصنع المبيتون الماكرون ‪ ..‬ها هم أولء‬
‫يصحون مبكرين كما دبروا ‪ ،‬وينادي بعضهم بعضا لينفذوا ما اعتزموا ‪:‬‬
‫) فتنادوا مصبحين ‪ :‬أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين ( ‪ ..‬يذكر‬
‫بعضهم بعضا ويوصى بعضم بعضما ويحمس بعضم بعضا !‬
‫ثم يمضي السياق في السخرية منهم ‪ ،‬فيصورهم منطلقين ‪ ،‬يتحدثون في خفوت ‪،‬‬
‫زيادة في إحكام التدبير ‪ ،‬ليحتجنوا الثمر كله لهم ‪ ،‬ويحرموا منه المساكين ‪..‬‬
‫) فانطلقوا وهم يتخافتون ‪ :‬أل يدخلنها اليوم عليكم مسكين ( ‪..‬‬
‫إن السياق ما يزال يسخر من الماكرين المبيتين ‪ ) :‬وغدوا على حرد قادرين (‬
‫أجل إنهم لقادرون على المنع والحرمان ‪ ..‬حرمان أنفسهم على أقل تقدير !!‬
‫وها هم أولء يفاجأون ‪ ) :‬فلما رأوها قالوا ‪ :‬إنا لضالون ( ‪ ..‬ما هذه جنتنا‬
‫الموقرة بالثمار ‪ .‬فقد ضللنا إليها الطريق ! ‪ ..‬ولكنهم يعودون فيتأكدون ‪ ) :‬بل نحن‬
‫محرومون ( ‪ ..‬وهذا هو الخبر اليقين !‬
‫والن وقد حاقت بهم عاقبة المكر والتبييت ‪ ،‬وعاقبة البطر والمنع ‪ ،‬يتقدم أوسطهم‬
‫وأعقلهم وأصلحهم ‪..‬ولكنه يذكرهم ما كان من نصحه وتوجيهه ‪:‬‬
‫) قال أوسطهم ‪ :‬ألم أقل لكم ‪ :‬لول تسبحون ( ؟!‬
‫والن فقط يسمعون للناصح بعد فوات الوان ‪:‬‬
‫) قالوا ‪ :‬سبحان ربنا ‪ ،‬إنا كنا ظالمين ( ‪..‬‬
‫وكما يتنصل كل شريك من التبعة عندما تسوء العاقبة ‪ ،‬ويتوجه باللوم إلى الخرين ‪..‬‬
‫ها هم أولء يصنعون ‪:‬‬
‫) فأقبل بعضهم على بعض يتلومون ( !‬
‫ثم ها هم أولء يتركون التلوم ليعترفوا جميعا بالخطيئة أمام العاقبة الرديئة ‪ .‬عسى‬
‫أن يغفر الله لهم ‪ ،‬ويعوضهم من الجنة الضائعة على مذبح البطر والمنع والكيد‬
‫والتدبير ‪:‬‬
‫) قالوا ‪ :‬يا ويلنا ! إنا كنا طاغين ‪ .‬عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا‬
‫إلى ربنا راغبون ( ‪..‬‬
‫وقبل أن يسدل السياق الستار على المشهد الخير نسمع التعقيب ‪:‬‬
‫) كذلك العذاب ‪ .‬ولعذاب الخرة أكبر لو كانوا يعلمون ( ‪..‬‬
‫‪ ..‬وأما المتقون الحذرون فلهم عند ربهم جنات النعيم ‪:‬‬
‫التقويم ‪:‬‬
‫قص قصة أصحاب الجنة ‪ .‬كما وردت باليات‬ ‫‪-4‬‬
‫بين ما في هذه القصة من عبر وعظات ‪0‬‬ ‫‪-5‬‬
‫أذكر أكثر العبر التي تأثرت بها شخصيا ً من هذه القصة ‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫الدرس الثالث‬
‫المتقون والمجرمون وحوار الله معهم ووصيته لنبيه ‪‬‬

‫‪21‬‬
‫اليات من ) ‪( 52 : 42‬‬
‫ن‬
‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ال ُ‬‫ْ‬ ‫ع ُ‬ ‫ج َ‬ ‫فن َ ْ‬ ‫عيم ِ )‪ (34‬أ َ َ‬ ‫ت الن ّ ِ‬ ‫جّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ِ‬ ‫عندَ َرب ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ن ل ِل ْ ُ‬ ‫} إِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫سو َ‬ ‫ه ت َدُْر ُ‬ ‫في ِ‬ ‫ب ِ‬ ‫م ك َِتا ٌ‬ ‫م لك ُ ْ‬ ‫ن )‪ (36‬أ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫ف تَ ْ‬ ‫م ك َي ْ َ‬ ‫ما لك ُ ْ‬ ‫ن )‪َ (35‬‬ ‫مي َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ج‬ ‫م ْ‬ ‫كال ْ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وم ِ‬ ‫ة إ ِلى ي َ ْ‬ ‫غ ٌ‬ ‫علي َْنا َبال ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ما ٌ‬ ‫م أي ْ َ‬ ‫م لك ُ ْ‬ ‫ن )‪ (38‬أ ْ‬ ‫خي ُّرو َ‬ ‫ما ي َت َ َ‬ ‫هل َ‬ ‫في ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ن لك ُ ْ‬ ‫‪ (37‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫م‬‫ه ْ‬ ‫مل ُ‬ ‫م )‪ (40‬أ ْ‬ ‫عي ٌ‬ ‫ك َز ِ‬ ‫هم ب ِذَل ِ َ‬ ‫هم أي ّ ُ‬ ‫سل ُ‬ ‫ن )‪َ (39‬‬ ‫مو َ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫مل َ‬ ‫ن لك ُ ْ‬ ‫ة إِ ّ‬ ‫م ِ‬ ‫قَيا َ‬
‫ق‬‫سا ٍ‬ ‫عن َ‬ ‫ف َ‬ ‫ش ُ‬ ‫م ي ُك ْ َ‬ ‫و َ‬ ‫ن )‪ (41‬ي َ ْ‬ ‫قي َ‬ ‫صاِد ِ‬ ‫كاُنوا َ‬ ‫م ِإن َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ِ‬ ‫كائ ِ‬ ‫شَر َ‬ ‫فل ْي َأ ُْتوا ب ِ ُ‬ ‫كاء َ‬ ‫شَر َ‬ ‫ُ‬
‫م ِذل ّ ٌ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫ه ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫م ت َْر َ‬ ‫ه ْ‬ ‫صاُر ُ‬ ‫ة أب ْ َ‬ ‫ع ً‬ ‫ش َ‬ ‫خا ِ‬ ‫ن ‪َ 42‬‬ ‫عو َ‬ ‫طي ُ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫فَل ي َ ْ‬ ‫جوِد َ‬ ‫س ُ‬ ‫ن إ َِلى ال ّ‬ ‫و َ‬ ‫ع ْ‬ ‫وي ُدْ َ‬ ‫َ‬
‫ه َ‬
‫ذا‬ ‫ُ ِ َ‬ ‫ب‬ ‫ب‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫من‬ ‫َ َ‬ ‫و‬ ‫ني‬ ‫ْ ِ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫‪43‬‬ ‫ن‬ ‫مو‬ ‫ل‬
‫ّ ُ ِ َ ُ ْ َ ِ ُ َ‬ ‫سا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫د‬ ‫جو‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬
‫ُ ْ َ ْ َ ِ‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ع‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫نوا‬ ‫ُ‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫د‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مِتي ٌ‬ ‫دي َ‬ ‫ن كي ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫مِلي ل ُ‬ ‫وأ ْ‬ ‫ن ‪َ 44‬‬ ‫مو َ‬ ‫عل ُ‬ ‫ث ل يَ ْ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫هم ّ‬ ‫ج ُ‬ ‫ر ُ‬ ‫ست َدْ َ ِ‬ ‫سن َ ْ‬ ‫ث َ‬ ‫دي ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫م ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ه ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫ب َ‬ ‫غي ْ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫عندَ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ‪ 46‬أ ْ‬ ‫قُلو َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫غَرم ٍ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫من ّ‬ ‫هم ّ‬ ‫ف ُ‬ ‫جًرا َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫سأل ُ ُ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫‪ 45‬أ ْ‬
‫و‬
‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫دى َ‬ ‫ت إ ِذْ َنا َ‬ ‫حو ِ‬ ‫ب ال ُ‬ ‫ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫صا ِ‬ ‫َ‬
‫ول ت َكن ك َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حكم ِ َرب ّك َ‬ ‫ْ‬ ‫صب ِْر ل ِ ُ‬ ‫ن ‪ 47‬فا ْ‬ ‫َ‬ ‫ي َك ْت ُُبو َ‬
‫َ‬
‫م ‪49‬‬ ‫مو ٌ‬ ‫مذْ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫عَراء َ‬ ‫ه ل َن ُب ِذَ ِبال ْ َ‬ ‫من ّرب ّ ِ‬ ‫ة ّ‬ ‫م ٌ‬ ‫ع َ‬ ‫ه نِ ْ‬ ‫داَرك َ ُ‬ ‫وَل أن ت َ َ‬ ‫م ‪ 48‬ل َ ْ‬ ‫ظو ٌ‬ ‫مك ْ ُ‬ ‫َ‬
‫قون َكَ‬ ‫فُروا لي ُْزل ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫نك َ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫وِإن ي َكادُ ال ِ‬ ‫َ‬ ‫ن ‪َ 50‬‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫عل ُ‬ ‫َ‬ ‫ج َ‬ ‫ف َ‬ ‫ه َ‬ ‫جت ََباهُ َرب ّ ُ‬ ‫فا ْ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وي َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫و إ ِل ِذكٌر‬ ‫ه َ‬ ‫ما ُ‬ ‫و َ‬ ‫ن ‪َ 51‬‬ ‫جُنو ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫هل َ‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬ ‫قولو َ‬ ‫عوا الذّكَر َ‬ ‫م ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ما َ‬ ‫مل ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫ر ِ‬ ‫صا ِ‬ ‫ب ِأب ْ َ‬
‫ن ‪{ 52‬‬ ‫مي َ‬ ‫عال ِ‬ ‫َ‬ ‫ل ّل ْ َ‬
‫الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يبين الدارس المقابلة بين عاقبة المتقين وعاقبة‬
‫المجرمين كما وردت فى اليات ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يذكر الدارس السئلة التى سألها الله عز وجل فى جداله‬
‫مع المجرمين ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يبين الدارس الهدف من هذا الحوار وما فيه من عبر ‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يصف الدارس حال المجرمين يوم القيامة كما بينت اليات‬
‫‪.‬‬
‫‪ -5‬أن يبين الدارس الوعيد الذى فى اليات للمجرمين ‪.‬‬
‫‪ -6‬أن يبين الدارس توجيهات الله عز وجل لرسوله الكريم فى‬
‫اليات ‪.‬‬
‫‪ -7‬أن يحكي الدارس قصة صاحب الحوت والهدف من ذكرها فى‬
‫اليات ‪.‬‬
‫‪ -8‬أن يبين الدارس موقف الكفار من الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم فى نهاية السورة ‪.‬‬
‫‪ -9‬أن يبين الدارس ما في الية الخيرة من أهمية عظيمة للرد‬
‫على الكفار ‪.‬‬
‫‪ -10‬أن يستخدم الدارس السلوب القرآني فى الحوار فى دعوته‬
‫مع أهل الباطل ‪.‬‬
‫المفردات‬
‫– يوم يكشف عن ساق ‪ :‬يعني يوم القيامة وما يكون فيه من الهوال‬
‫– وأملي لهم ‪ :‬أؤخرهم وأمدهم‬
‫– كصاحب الحوت ‪ :‬يعني ذا النون وهو " يونس بن متي " عليه السلم‬
‫– مكظوم ‪ :‬مغموم ومكروب‬
‫– ليزلقونك بأبصارهم ‪ :‬أي يحسدونك لبغضهم إياك لول وقاية الله لك وحمايته إياك‬
‫منهم ‪0‬‬

‫‪22‬‬
‫وفي هذه الية دليل علي أن العين إصابتها وتأثيرها حقا بأمر الله عز وجل كما ورد‬
‫بذلك أحاديث المروية منها ما رواه مسلم في صحيحه عن ابن عباس عن النبي ‪‬‬
‫قال " العين حق ولو كان شيء سابق القدر سبقت العين وإذا استغسلتم فأغسلوا "‬
‫ومنها ما أخرجه البخاري وأهل السنن عن ابن عباس قال ‪ :‬كان رسول الله ‪ ‬يعوذ‬
‫الحسن والحسين يقول ‪ " :‬أعيذكما بكلمات الله التامة ومن كل شيطان وهامة ومن‬
‫كل عين لمة " ويقول ‪ " :‬هكذا كان إبراهيم يعوذ اسحاق واسماعيل عليهما السلم "‬
‫‪. 00‬‬
‫) إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم ( ‪..‬‬
‫وهو التقابل في العاقبة ‪ ..‬تقابل النقيضين اللذين اختلفت بهما الطريق ‪ ،‬فاختلفت‬
‫بهما خاتمة الطريق !‬
‫وعند هاتين الخاتمتين يدخل معهم في جدل ل تعقيد فيه كذلك ول تركيب ‪ .‬ويتحداهم‬
‫ويحرجهم بالسؤال تلو السؤال عن أمور ليس لها إل جواب واحد يصعب المغالطة‬
‫فيه ‪:‬‬
‫والسؤال الستنكاري الول ‪ ) :‬أفنجعل المسلمين كالمجرمين ؟ ( ‪ ..‬وهو‬
‫سؤال ليس له إل جواب واحد ‪ ..‬ل ‪ .‬ل يكون ‪ .‬فالمسلمون المذعنون المستسلمون‬
‫لربهم ‪ ،‬ل يكونون أبدا كالمجرمين الذين يأتون الجريمة عن لجاج يسمهم بهذا الوصف‬
‫الذميم‪.‬‬
‫) يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فل يستطيعون ‪ .‬خاشعة‬
‫أبصارهم ترهقهم ذلة ‪ .‬وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم‬
‫سالمون ( ‪..‬فيقفهم وجها لوجه أمام هذا المشهد كأنه حاضر اللحظة ‪ ،‬وكأنه‬
‫يتحداهم فيه أن يأتوا بشركائهم المزعومين ‪.‬‬
‫والكشف عن الساق كناية ‪ ..‬عن الشدة والكرب ‪ .‬فهو يوم القيامة الذي يشمر فيه‬
‫عن الساعد ويكشف فيه عن الساق ‪ ،‬ويشتد الكرب والضيق ‪ ..‬ويدعى هؤلء‬
‫المتكبرون إلى السجود فل يملكون السجود ‪ ،‬إما لن وقته قد فات ‪ ،‬وإما لنهم ‪..‬‬
‫يكونون ‪ ..‬وكأن أجسامهم وأعصابهم مشدودة من الهول على غير إرادة منهم‪.‬‬
‫ثم يكمل رسم هيئتهم ‪ ) :‬خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ( ‪ ..‬هؤلء المتكبرون‬
‫المتبجحون ‪ .‬وبينما هم في هذا الموقف المرهق الذليل ‪ ،‬يذكرهم بما جرهم إليه من‬
‫إعراض واستكبار ‪ ) :‬وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ( ‪..‬‬
‫قادرون على السجود ‪ .‬فكانوا يأبون ويستكبرون ‪ ..‬وهم الن يدعون إلى السجود فل‬
‫يستطيعون !‬
‫وبينما هم في هذا الكرب ‪ ،‬يجيئهم التهديد الرعيب الذي يهد القلوب ‪:‬‬
‫) فذرني ومن يكذب بهذا الحديث ( ‪..‬‬
‫وهو تهديد مزلزل ‪ ..‬والجبار القهار القوي المتين يقول للرسول ‪ :‬خلي بيني وبين من‬
‫يكذب بهذا الحديث ‪ .‬وذرني لحربه فأنا به كفيل !‬
‫ومن هو هذا الذي يكذب بهذا الحديث ؟ إنه ذلك المخلوق الصغير الهزيل المسكين‬
‫الضعيف ! ‪ ..‬أي هول مزلزل للمكذبين ! وأي طمأنينة للنبي والمؤمنين ‪..‬‬
‫المستضعفين ‪ ..‬؟‬
‫ثم يكشف لهم الجبار القهار عن خطة الحرب مع هذا المخلوق الهزيل الصغير‬
‫الضعيف !‬
‫) سنستدرجهم من حيث ل يعلمون ‪ .‬وأملي لهم إن كيدي متين ( ‪..‬‬
‫وإن شأن المكذبين ‪ ،‬وأهل الرض أجمعين ‪ ،‬لهون وأصغر من أن يدبر الله لهم هذه‬
‫التدابير ‪ ..‬ولكنه ‪ -‬سبحانه ‪ -‬يحذرهم نفسه ليدركوا أنفسهم قبل فوات الوان ‪ ..‬إنه‬
‫سبحانه يمهل ول يهمل ‪ .‬ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫وفي ظل مشهد القيامة المكروب وظل هذا التهديد المرهوب يكمل الجدل والتحدي‬
‫والتعجيب من موقفهم الغريب ‪:‬‬
‫) أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون ؟ ( ‪..‬‬
‫فثقل الغرامة التي تطلبها منهم أجر على الهداية هو الذي يدفعهم على العراض‬
‫والتكذيب ‪ ،‬ويجعلهم يؤثرون ذلك المصير البشع ‪ ،‬على فداحة ما يؤدون ؟!‬
‫) أم عندهم الغيب فهم يكتبون ؟ ( ‪ ..‬ومن ثم فهم على ثقة مما في الغيب ‪،‬‬
‫فل يخيفهم ما ينتظرهم فيه ‪ ،‬فقد اطلعوا عليه وكتبوه وعرفوه ؟ أو أنهم هم الذين‬
‫كتبوا ما فيه ‪ .‬فكتبوه ضامنا لما يشتهون ؟ ول هذا ول ذاك ؟ فما لهم يقفون هذا‬
‫الموقف الغريب المريب ؟!‬
‫وأمام هذه الحقيقة يوجه الله نبيه إلى الصبر ‪ .‬الصبر على تكاليف الرسالة ‪ ..‬ويذكره‬
‫بتجربة أخ له من قبل ضاق صدره بهذه التكاليف ‪ ،‬فلول أن تداركته نعمة الله لنبذ وهو‬
‫مذموم ‪:‬‬
‫) فاصبر لحكم ربك ‪ ،‬ول تكن كصاحب الحوت ‪ .‬إذ نادى وهو مكظوم ‪.‬‬
‫لول أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم ‪ .‬فاجتباه ربه فجعله‬
‫من الصالحين ( ‪..‬‬
‫وصاحب الحوت هو يونس ‪ -‬عليه السلم ‪ .. -‬وملخص تجربته التي يذكر بها محمدا‬
‫لتكون له زادا ورصيدا‪ ..‬ملخص تلك التجربة أن يونس بن متى ‪ -‬سلم الله عليه ‪-‬‬
‫أرسله الله إلى أهل قرية ‪ .‬قيل اسمها نينوى بالموصل ‪ .‬فاستبطأ إيمانهم ‪ ،‬وشق عليه‬
‫تلكؤهم ‪ ،‬فتركهم مغاضبا ‪ ..‬وقد قاده الغضب والضيق إلى شاطئ البحر ‪ ،‬حيث ركب‬
‫سفينته ‪ ،‬فلما كانوا في وسط اللج ثقلت السفينة وتعرضت للغرق ‪ .‬فأقرعوا بين‬
‫الركاب للتخفف من واحد منهم لتخف السفينة ‪ ..‬فكانت القرعة على يونس ‪ .‬فألقوه‬
‫في اليم ‪ .‬فابتلعه الحوت ‪ ..‬عندئذ نادى يونس ‪ -‬وهو كظيم ‪ -‬في هذا الكرب الشديد ‪..‬‬
‫نادى ربه ‪ ) :‬ل إله إل أنت سبحانك ! إني كنت من الظالمين ( فتداركته نعمة من‬
‫ربه ‪ ،‬فنبذه الحوت على الشاطئ ‪..‬وهنا يقول ‪ :‬إنه لول هذه النعمة لنبذه الحوت وهو‬
‫مذموم ‪ .‬أي مذموم من ربه ‪ ..‬على فعلته ‪ .‬وقلة صبره ‪ .‬وتصرفه في شأن نفسه قبل‬
‫أن يأذن الله له ‪ .‬ولكن نعمة الله وقته هذا ‪ ،‬وقبل الله تسبيحه واعترافه وندمه ‪ .‬وعلم‬
‫منه ما يستحق عليه النعمة والجتباء ‪ ) .‬فاجتباه ربه فجعله من الصالحين ( ‪ ..‬هذه‬
‫هي التجربة التي مر بها صاحب الحوت ‪ .‬يذكر الله بها رسوله محمدا في موقف‬
‫العنت والتكذيب ‪.‬‬
‫إن مشقة الدعوة الحقيقية هي مشقة الصبر لحكم الله ‪ ،‬حتى يأتي موعده ‪ ،‬في‬
‫الوقت الذي يريده بحكمته ‪ .‬وفي الطريق مشقات كثيرة ‪ .‬مشقات التكذيب والتعذيب‬
‫‪ .‬ومشقات اللتواء والعناد ‪ .‬ومشقات انتفاش الباطل وانتفاخه ‪ .‬ومشقات افتتان‬
‫الناس بالباطل المزهو المنتصر فيما تراه العيون ‪ .‬ثم مشقات امساك النفس على‬
‫هذا كله راضية مستقرة مطمئنة إلى وعد الله الحق ‪ ،‬ل ترتاب ول تتردد في قطع‬
‫الطريق ‪ ،‬مهما تكن مشقات الطريق ‪ ..‬وهو جهد ضخم مرهق يحتاج إلى عزم وصبر‬
‫ومدد من الله وتوفيق ‪ ..‬أما المعركة ذاتها فقد قضى الله فيها ‪ ،‬وقدر أنه هو الذي‬
‫يتولها ‪ ،‬كما قدر أنه يملي ويستدرج لحكمة يراها ‪ .‬كذلك وعد نبيه الكريم ‪ ،‬فصدقه‬
‫الوعد بعد حين ‪.‬‬
‫وفي الختام يرسم مشهدا للكافرين وهم يتلقون الدعوة من الرسول الكريم ‪ ،‬في‬
‫غيظ عنيف ‪ ،‬وحسد عميق ينسكب في نظرات مسمومة قاتلة يوجهونها إليه ‪ ،‬ويصفها‬
‫القرآن بما ل يزيد عليه ‪:‬‬
‫) وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ‪.‬‬
‫ويقولون ‪ :‬إنه لمجنون ( ‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫فهذه النظرات تكاد تؤثر في أقدام الرسول فتجعلها تزل وتزلق وتفقد توازنها على‬
‫الرض وثباتها‪ ..‬مصحوبة هذه النظرات المسمومة المحمومة بالسب القبيح ‪ ،‬والفتراء‬
‫الذميم ‪ ) :‬ويقولون ‪ :‬إنه لمجنون ( ‪..‬‬
‫يعقب عليه بالقول الفصل الذي ينهي كل قول ‪ ) :‬وما هو إل ذكر للعالمين ( ‪.‬‬
‫والذكر ل يقوله مجنون ‪ ،‬ول يحمله مجنون ‪ ..‬وصدق الله وكذب المفترون ‪..‬‬
‫ول بد قبل نهاية الحديث من لفتة إلى كلمة ) للعالمين ( ‪ ..‬هنا والدعوة في مكة‬
‫تقابل بذلك الجحود ‪ ..‬وهي في هذا الوقت المبكر ‪ ،‬وفي هذا الضيق المستحكم ‪ ،‬تعلن‬
‫عن عالميتها ‪ .‬كما هي طبيعتها وحقيقتها ‪ .‬فلم تكن هذه الصفة جديدة عليها حين‬
‫انتصرت في المدينة ‪ -‬كما يدعي المفترون اليوم ‪ -‬إنما كانت صفة مبكرة في أيام‬
‫مكة الولى ‪ ..‬كذلك أرادها الله ‪ .‬وكذلك اتجهت منذ أيامها الولى ‪ .‬وكذلك تتجه إلى‬
‫آخر الزمان ‪.‬‬
‫التقويم ‪:‬‬
‫‪ -1‬بين المقابلة بين عاقبة المتقين وعاقبة المجرمين كما وردت‬
‫فى اليات ‪.‬‬
‫‪ -2‬أذكر السئلة التى سألها الله عز وجل فى جداله مع‬
‫المجرمين ‪.‬‬
‫‪ -3‬بين الهدف من هذا الحوار وما فيه من عبر ‪.‬‬
‫‪ -4‬صف حال المجرمين يوم القيامة كما بينت اليات ‪.‬‬
‫‪ -5‬بين الوعيد الذى فى اليات للمجرمين ‪.‬‬
‫‪ -6‬بين توجيهات الله عز وجل لرسوله الكريم فى اليات ‪.‬‬
‫‪ -7‬قص قصة صاحب الحوت مبينا ً الهدف من ذكرها فى اليات ‪.‬‬
‫‪ -8‬بين موقف الكفار من الرسول صلى الله عليه وسلم فى‬
‫نهاية السورة ‪.‬‬
‫‪ -9‬بين ما في الية الخيرة من أهمية عظيمة للرد على الكفار ‪.‬‬
‫‪ -10‬الصبر من عدة الدعاة علي مدار التاريخ وضح ذلك من خلل‬
‫قصة يونس عليه السلم ‪0‬‬
‫‪ -11‬الدعوة دعوة عالمية أذكر اليات الدالة علي هذا المعني من‬
‫خلل القرآن إجمال ومن خلل السورة خاصة ‪ ..‬وما واجبنا‬
‫كمسلمين في ضوء الواقع الذي نعيشه الن ؟‪0‬‬

‫سورة الحاقة‬
‫مقدمة السورة‬
‫هذه سورة هائلة رهيبة ؛ قل أن يتلقاها الحس إل بهزة عميقة ؛ وهي منذ افتتاحها‬
‫إلى ختامها تقرع هذا الحس ‪ ،‬وتطالعه بالهول القاصم ‪ ،‬والجد الصارم ‪ ،‬والمشهد تلو‬
‫المشهد ‪..‬‬
‫والسورة بجملتها تلقي في الحس بكل قوة وعمق إحساسا واحدا بمعنى واحد ‪ ..‬أن‬
‫هذا المر ‪ ،‬أمر الدين والعقيدة ‪ ،‬جد خالص ‪ ..‬جد كله ل هزل فيه ‪ ..‬جد ل يحتمل‬
‫التلفت عنه هنا أو هناك كثيرا ول قليل ‪ .‬وأي تلفت عنه من أي أحد يستنزل غضب الله‬
‫الصارم ‪ ،‬وأخذه الحاسم ‪ .‬ولو كان الذي يتلفت عنه هو الرسول ‪ .‬فالمر أكبر من‬
‫الرسول وأكبر من البشر ‪ ..‬إنه الحق ‪ .‬حق اليقين ‪ .‬من رب العالمين ‪.‬‬
‫يبرز هذا المعنى في اسم القيامة المختار في هذه السورة ‪ ،‬والذي سميت به السورة‬
‫‪" :‬الحاقة " ‪ ..‬ويبرز في مصارع المكذبين بالدين وبالعقيدة وبالخرة قوما بعد قوم ‪..‬‬
‫مصارعهم العاصفة القاصمة الحاسمة الجازمة ‪ ) :‬كذبت ثمود وعاد بالقارعة ‪.. ( . .‬‬

‫‪25‬‬
‫وهكذا كل من تلفت عن هذا المر أخذ أخذة مروعة داهمة قاصمة ‪ ،‬تتناسب مع الجد‬
‫الصارم الحاسم في هذا المر العظيم الهائل ‪.‬‬
‫ويبرز في مشهد القيامة المروع ‪ ،‬وفي نهاية الكون الرهيبة ‪ ،‬وفي جلل التجلي كذلك‬
‫وهو أروع وأهول ‪ ) :‬فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة ‪ .‬وحملت الرض والجبال فدكتا‬
‫دكة واحدة ‪.. (..‬‬
‫ذلك الهول ‪ .‬وهذا الجلل ‪ .‬يخلعان الجد الرائع الجليل على مشهد الحساب عن ذلك‬
‫المر المهول ‪ ..‬هو وما بعده من مقالة الناجين والمعذبين ‪ ) :‬فأما من أوتي كتابه‬
‫بيمينه فيقول ‪ :‬هاؤم اقرأوا كتابيه ‪ .‬إني ظننت أني ملق حسابيه ( ‪ ..‬فقد نجا وما يكاد‬
‫يصدق بالنجاة ‪ ) ..‬وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول ‪ :‬يا ليتني لم أوتي كتابيه ‪ ،‬ولم‬
‫أدر ما حسابيه ‪ .‬يا ليتها كانت القاضية ‪ .‬ما أغنى عني ماليه ‪ .‬هلك عني سلطانيه ( ‪..‬‬
‫بهذا التفجع الطويل ‪ ،‬الذي يطبع في الحس وقع هذا المصير ‪..‬‬
‫ثم يبدو ذلك الجد الصارم والهول القاصم في النطق العلوي بالقضاء الرهيب‬
‫الرعيب ‪ ،‬في اليوم الهائل ‪ ،‬وفي الموقف الجليل ‪ ) :‬خذوه ‪ .‬فغلوه ‪ .‬ثم الجحيم‬
‫صلوه ‪ .‬ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه (‪..‬‬
‫ثم ما يعقب كلمة القضاء الجليل ‪ ،‬من بيان لموجبات الحكم الرهيب ونهاية المذنب‬
‫الرعيبة ‪ ) :‬إنه كان ل يؤمن بالله العظيم ‪.. ( ..‬‬
‫ثم يبرز ذلك المعنى في التلويح بقسم هائل ‪ ،‬وفي تقرير الله لحقيقة الدين الخير ‪:‬‬
‫) فل أقسم بما تبصرون وما ل تبصرون ‪ .‬إنه لقول رسول كريم ‪ .‬وما هو بقول شاعر‬
‫قليل ما تؤمنون ‪ ،‬ول بقول كاهن ‪ ،‬قليل ما تذكرون ‪ .‬تنزيل من رب العالمين ( ‪.‬‬
‫وأخيرا يبرز الجد فى اليقاع الخير ‪ .‬وفي التهديد الجازم والخذ القاصم لكل من‬
‫يتلعب في هذا المر أو يبدل ‪ .‬كائنا من كان ‪ ،‬ولو كان هو محمدا الرسول ‪ ) :‬ولو‬
‫تقول علينا بعض القاويل لخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين ‪ .‬فما منكم من أحد‬
‫عنه حاجزين (‪.‬‬
‫وعندئذ تختم السورة بالتقرير الجازم الحاسم والقول الفصل الخير عن هذا المر‬
‫الخطير ‪ ) :‬وإنه لتذكرة للمتقين ‪ .‬وإنا لنعلم أن منكم مكذبين ‪ .‬وإنه لحسرة على‬
‫الكافرين ‪ .‬وإنه لحق اليقين ‪ ..‬فسبح باسم ربك العظيم (‪.‬‬
‫الدرس الول‬
‫ماهية الحاقة ومصير المكذبين بها‬
‫اليات من ) ‪( 12 : 1‬‬
‫د‬
‫عا ٌ‬ ‫و َ‬ ‫مودُ َ‬ ‫ت ثَ ُ‬ ‫ة ‪ 3‬ك َذّب َ ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫حا ّ‬‫ما ال ْ َ‬ ‫ك َ‬ ‫ما أ َدَْرا َ‬ ‫و َ‬‫ة‪َ 2‬‬ ‫ق ُ‬ ‫حا ّ‬ ‫ما ال ْ َ‬ ‫ة‪َ 1‬‬ ‫ق ُ‬ ‫حا ّ‬‫} ال ْ َ‬
‫ر‬
‫ص ٍ‬‫صْر َ‬ ‫ح َ‬ ‫ري ٍ‬ ‫كوا ب ِ ِ‬ ‫هل ِ ُ‬ ‫فأ ُ ْ‬‫عادٌ َ‬ ‫ما َ‬ ‫وأ ّ‬
‫غية ‪َ 5‬‬
‫َ‬ ‫طا ِ َ ِ‬ ‫كوا ِبال ّ‬ ‫هل ِ ُ‬ ‫فأ ُ ْ‬ ‫مودُ َ‬ ‫ما ث َ ُ‬ ‫فأ ّ‬
‫عة ‪َ َ 4‬‬
‫ر َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫قا‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫ها‬ ‫فت ََرى ال ْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫عل َيهم سبع ل َيال وث َمان ِي َ َ‬
‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫و َ‬ ‫ق ْ‬ ‫سو ً‬ ‫ح ُ‬ ‫ة أّيام ٍ ُ‬ ‫ها َ ْ ِ ْ َ ْ َ َ ٍ َ َ َ‬ ‫خَر َ‬ ‫س ّ‬ ‫ة‪َ 6‬‬ ‫عات ِي َ ٍ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جاء‬ ‫و َ‬ ‫ة‪َ 8‬‬ ‫قي َ ٍ‬‫من َبا ِ‬ ‫هم ّ‬ ‫ل ت ََرى ل َ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ة‪َ 7‬‬
‫ف َ‬ ‫وي َ ٍ‬ ‫خا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫خ ٍ‬ ‫جاُز ن َ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫عى ك َأن ّ ُ‬ ‫صْر َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ذ‬‫خ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫وا‬ ‫ص‬ ‫ع‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫‪9‬‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ئ‬ ‫ط‬ ‫خا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫با‬ ‫ت‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ْ‬
‫ؤ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫وا‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫من‬
‫ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ّ ِ ْ‬ ‫َ َ ْ َ ُ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ ِ‬ ‫ْ ُ َ ُ َ ِ‬ ‫ف ْ ْ ُ َ َ‬
‫و‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ر‬ ‫ِ‬
‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫ل‬
‫َِ ْ َ َ‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫ن‬‫ل‬ ‫‪11‬‬ ‫ة‬ ‫ي‬
‫َ ِ َ ِ‬‫ر‬ ‫جا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫في‬ ‫ْ ِ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫نا‬‫ْ‬ ‫ل‬
‫َ َ َ‬‫م‬ ‫ح‬ ‫ماء‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫غى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ط‬ ‫ما‬‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫نا‬ ‫ِّ‬ ‫إ‬ ‫‪10‬‬ ‫أَ ْ ً ّ ِ َ ً‬
‫ة‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫را‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫خ‬
‫ُ‬
‫ة ‪{ 12‬‬ ‫عي َ ٌ‬‫وا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ها أذُ ٌ‬ ‫عي َ َ‬ ‫وت َ ِ‬‫ت َذْك َِرةً َ‬

‫الجرائية السلوكية ‪:‬‬ ‫الهداف‬


‫أن يبين الدارس خصائص هذه السورة بوجه عام ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫أن يذكر الدارس عن أي شيء تتسائل اليات وأين الجابة ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫أن يبين الدارس أسلوب عرض السورة للحقائق اليمانية ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫أن يحدد الدارس القوام الذين كذبوا بهذا اليوم ‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫أن يصف الدارس نهاية كل قوم كما جاءت بها اليات ‪.‬‬ ‫‪-5‬‬

‫‪26‬‬
‫‪ -6‬أن يعيش الدارس بمخيلته هذه الحوال ويستشعرها بكل‬
‫أحاسيسه ‪.‬‬
‫المفردات‬
‫‪-‬الحاقة ‪ :‬من أسماء يوم القيامة وقد ورد في السورة أسم آخر أيضا " القارعة " و "‬
‫الواقعة "‬
‫‪ -‬بالطاغية ‪ :‬بالصيحة وقيل الذنوب وقيل الطغيان‬
‫– ريح صرصر ‪ :‬باردة عاتية شديدة الهبوب‬
‫– حسوما ‪ :‬كوامل متتابعات مشائيم‬
‫– خاوية ‪ :‬خربة أو بالية‬
‫– المؤتفكات ‪ :‬وهم المم المكذبين بالرسل وقيل قري لوط المدمرة التي اتبعت‬
‫الفك‬
‫– رابية ‪ :‬شديدة أليمة مهلكة‬
‫– حملناكم في الجارية ‪ :‬يمتن الله علي البشرية بنجاة أصولهم في السفينة مع نوح‬
‫عليه السلم‬

‫) الحاقة ‪ .‬ما الحاقة ؟ ‪ .‬وما أدراك ما الحاقة ؟ ( ‪..‬‬


‫القيامة ومشاهدها وأحداثها تشغل معظم هذه السورة ‪ .‬ومن ثم تبدأ السورة‬
‫باسمها ‪ ،‬وتسمى به ‪ ..‬فالحاقة هي التي تحق فتقع ‪ .‬أو تحق فتنزل بحكمها على‬
‫الناس ‪ .‬أو تحق فيكون فيها الحق ‪ ..‬وكلها معان تقريرية جازمة تناسب اتجاه السورة‬
‫وموضوعها ‪..‬‬
‫ثم يتبعها باستفهام حافل بالستهوال والستعظام لماهية هذا الحدث العظيم ‪ ) :‬ما‬
‫الحاقة ؟ ( ‪ ..‬ثم يزيد هذا الستهوال والستعظام بالتجهيل ‪ ،‬وإخراج المسألة عن‬
‫حدود العلم والدراك ‪ ) :‬وما أدراك ما الحاقة ؟ ( ‪ ..‬ثم يسكت فل يجيب على هذا‬
‫السؤال ‪.‬‬
‫ويبدأ الحديث عن المكذبين به ‪ ،‬وما نالهم من الهول ‪ ،‬وما أخذوا به من القصم ‪،‬‬
‫فذلك المر جد ل يحتمل التكذيب ‪ ،‬ول يذهب ناجيا من يصر فيه على التكذيب ‪:‬‬
‫) كذبت ثمود وعاد بالقارعة ‪ .‬فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية ‪ .‬وأما عاد‬
‫فأهلكوا بريح صرصر عاتية ‪ .‬سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام‬
‫حسوما ‪ .‬فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية ‪ .‬فهل ترى‬
‫لهم من باقية ؟ ( ‪.‬‬
‫وهذا اسم جديد للحاقة ‪ .‬إنها فوق إنها تحق ‪ ..‬فهي تقرع ‪ ..‬والقرع ضرب الشيء‬
‫الصلب والنقر عليه بشيء مثله ‪ .‬والقارعة تقرع القلوب بالهول والرعب ‪ ،‬وتقرع‬
‫الكون بالدمار والحطم ‪ ..‬وقد كذبت بها ثمود وعاد ‪ .‬فلننظر كيف كانت عاقبة التكذيب‬
‫‪ ) ..‬فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية ( ‪ ..‬وثمود كانت تسكن الحجر في شمالي الحجاز‬
‫بين الحجاز والشام ‪ .‬وكان أخذهم بالصيحة ‪ ..‬أما هنا فهو يذكر وصف الصيحة دون‬
‫لفظها ‪ ) ..‬بالطاغية ( ‪ ..‬ويكتفي بهذه الية الواحدة تطوي ثمود طيا ‪ ..‬وتعصف بهم‬
‫عصفا ‪ ،‬وتطغى عليهم فل تبقي لهم ظل !‬
‫وأما عاد فيفصل في أمر نكبتها ويطيل ‪ ،‬فقد استمرت وقعتها سبع ليال وثمانية أيام‬
‫حسوما ‪ )..‬وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية ( ‪ .‬والريح الصرصر ‪ :‬الشديدة الباردة‬
‫‪ ..‬وزاد شدتها بوصفها ) عاتية ( ‪ ..‬لتناسب عتو عاد وجبروتها ‪ )..‬سخرها عليهم سبع‬
‫ليال وثمانية أيام حسوما ( ‪ ..‬والحسوم القاطعة المستمرة في القطع ‪ ..‬ثم يعرض‬
‫‪27‬‬
‫المشهد بعدها شاخصا ‪ ) :‬فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية ( ‪..‬‬
‫) صرعى ( ‪ ..‬مصروعين مجدلين متناثرين ) كأنهم أعجاز نخل ( بأصولها وجذوعها‬
‫) خاوية ( فارغة تآكلت أجوافها فارتمت ساقطة على الرض هامدة ‪ ) ..‬فهل ترى‬
‫لهم من باقية ؟ ( ‪ ..‬ل ! فليس لهم من باقية ‪.‬‬
‫‪ ..‬وفي آيتين اثنتين يجمل وقائع شتى ‪ ) :‬وجاء فرعون ومن قبله والمؤتكفات‬
‫بالخاطئة ‪ .‬فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية ( ‪..‬‬
‫وفرعون كان في مصر ‪ -‬وهو فرعون موسى ‪ -‬ومن قبله ل يذكر عنهم تفصيل ‪.‬‬
‫والمؤتفكات قرى لوط المدمرة التي اتبعت الفك أو التي انقلبت ‪ ..‬ويجمل السياق‬
‫فعال هؤلء جميعا ‪ ،‬فيقول عنهم انهم جاءوا ) بالخاطئة ( أي بالفعلة الخاطئة ‪ ..‬من‬
‫الخطيئة ‪ ) ..‬فعصوا رسول ربهم ( ‪ ..‬وهم عصوا رسل متعددين ؛ ولكن حقيقتهم‬
‫واحدة ‪ ،‬ورسالتهم في صميمها واحدة ‪ .‬فهم إذن رسول واحد ‪ ،‬يمثل حقيقة واحدة ‪..‬‬
‫وفي إجمال يذكر مصيرهم في تعبير يلقي الهول والحسم ‪ )..‬فأخذهم أخذة رابية ( ‪..‬‬
‫والرابية العالية الغامرة الطامرة ‪.‬‬
‫ثم يرسم مشهد الطوفان والسفينة الجارية ‪ ،‬مشيرا بهذا المشهد إلى مصرع قوم نوح‬
‫حين كذبوا ‪ .‬وممتنا على البشر بنجاة أصولهم التي انبثقوا منها ‪ ،‬ثم لم يشكروا ولم‬
‫يعتبروا بتلك الية الكبرى ‪:‬‬
‫) إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية ‪ ،‬لنجعلها لكم تذكرة وتعيها‬
‫أذن واعية ( ‪..‬‬
‫‪ ..‬وهذه اللمسة ) لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية ( تلمس القلوب الخامدة‬
‫والذان البليدة ‪ ،‬التي تكذب بعد كل ما سبق من النذر وكل ما سبق من المصائر ‪،‬‬
‫وكل ما سبق من اليات ‪ ،‬وكل ما سبق من العظات ‪..‬‬
‫التقويم ‪:‬‬
‫‪ -1‬بين خصائص هذه السورة بوجه عام ‪.‬‬
‫ما الدرس الرئيسي التي تعلمنا السورة إياه وتدور حول آيات‬ ‫‪-2‬‬
‫السورة ؟ دلل علي ما تقول ببعض اليات ‪0‬‬
‫أذكر عن أي شيء تتسائل اليات وأين الجابة ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫‪ -4‬بين أسلوب عرض السورة للحقائق اليمانية ‪.‬‬
‫‪ -5‬حدد القوام الذين كذبوا بهذا اليوم ‪.‬‬
‫‪ -6‬صف نهاية كل قوم كما جاءت بها اليات ‪.‬‬
‫اذكر بعض المثلة لجنود الله التي أهلك بها الظالمين ؟‬ ‫‪-7‬‬
‫‪ -8‬عبر عن ما ينتابك من مشاعر عند قراءة هذه اليات التى‬
‫تتحدث عن مصير المكذبين ‪.‬‬
‫الدرس الثاني‬
‫أحداث وأهوال يوم القيامة وحال الناجين والمكذبين وأفعالهم ومصير‬
‫كل منهم‬
‫اليات من ) ‪( 37 : 13‬‬
‫ّ‬
‫جَبال فدُكَتا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫مل َ ِ‬ ‫ر نَ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫فإ ِ َ‬ ‫} َ‬
‫وال ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ت الْر ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫و ُ‬ ‫حدَةٌ ‪َ 13‬‬ ‫وا ِ‬ ‫ة َ‬ ‫خ ٌ‬ ‫ف َ‬ ‫صو ِ‬ ‫في ال ّ‬ ‫خ ِ‬ ‫ذا ن ُ ِ‬
‫ذ‬
‫مئ ِ ٍ‬ ‫و َ‬ ‫ي يَ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ماء َ‬ ‫س َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ق ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫وان َ‬ ‫ة ‪َ 15‬‬ ‫ع ُ‬ ‫ق َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ق َ‬ ‫و َ‬ ‫ذ َ‬ ‫مئ ِ ٍ‬ ‫و َ‬ ‫في َ ْ‬ ‫حدَةً ‪َ 14‬‬ ‫وا ِ‬ ‫ة َ‬ ‫دَك ّ ً‬
‫َ‬
‫ة‬
‫مان ِي َ ٌ‬ ‫ذ ثَ َ‬ ‫مئ ِ ٍ‬ ‫و َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫و َ‬ ‫ف ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ش َرب ّ َ‬ ‫عْر َ‬ ‫ل َ‬ ‫م ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫ها َ‬ ‫جائ ِ َ‬ ‫عَلى أْر َ‬ ‫ك َ‬ ‫مل َ ُ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫ة ‪َ 16‬‬ ‫هي َ ٌ‬ ‫وا ِ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مين ِ ِ‬ ‫ه ب ِي َ ِ‬ ‫ي ك َِتاب َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫أو‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ما‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫‪18‬‬ ‫ة‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ف‬
‫ِ‬ ‫خا‬ ‫َ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ك‬ ‫من‬ ‫ِ‬ ‫فى‬ ‫خ‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ضو‬ ‫ُ‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ذ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫و‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫‪17‬‬
‫في‬ ‫و ِ‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫‪20‬‬ ‫ه‬ ‫بي‬ ‫سا‬ ‫ح‬‫ِ‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ني‬ ‫ّ‬ ‫ؤوا كَتابيه ‪ 19‬إّني ظََننت أ َ‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫ْ‬
‫ق‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫ؤ‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫قو‬ ‫في َ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫هِنيًئا‬ ‫شَرُبوا َ‬ ‫وا ْ‬ ‫ة ‪ 23‬كلوا َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫دان ِي َ ٌ‬ ‫ها َ‬ ‫ف َ‬ ‫قطو ُ‬ ‫ُ‬ ‫ة ‪ُ 22‬‬ ‫عال ِي َ ٍ‬ ‫ة َ‬ ‫جن ّ ٍ‬ ‫في َ‬ ‫ة ‪ِ 21‬‬ ‫ضي َ ٍ‬ ‫ة ّرا ِ‬ ‫ش ٍ‬ ‫عي َ‬ ‫ِ‬
‫ل َيا‬ ‫قو ُ‬ ‫في َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫سل ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مال ِ ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ه بِ ِ‬ ‫ي ك َِتاب َ ُ‬ ‫ن أوت ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما َ‬ ‫وأ ّ‬ ‫ة ‪َ 24‬‬ ‫خال ِي َ ِ‬ ‫في الّيام ِ ال َ‬ ‫م ِ‬ ‫فت ُ ْ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫بِ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ة‬
‫ضي َ َ‬ ‫قا ِ‬ ‫ت ال َ‬ ‫كان َ ِ‬ ‫ها َ‬ ‫ه ‪َ 26‬يا لي ْت َ َ‬ ‫ساِبي ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ر َ‬ ‫م أدْ ِ‬ ‫ول ْ‬ ‫ه ‪َ 25‬‬ ‫ت ك َِتاِبي ْ‬ ‫م أو َ‬ ‫ل َي ْت َِني ل ْ‬
‫َ‬

‫‪28‬‬
‫م‬‫غّلوهُ ‪ 30‬ث ُ ّ‬ ‫ف ُ‬‫ذوهُ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ه ‪ُ 29‬‬ ‫طاِني ْ‬ ‫سل ْ َ‬
‫عّني ُ‬ ‫ك َ‬ ‫هل َ َ‬
‫ه ‪َ 28‬‬ ‫ماِلي ْ‬ ‫عّني َ‬ ‫غَنى َ‬ ‫ما أ َ ْ‬ ‫‪َ 27‬‬
‫ه‬
‫سلكوهُ ‪ 32‬إ ِن ّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫فا ْ‬ ‫عا َ‬ ‫ن ِذَرا ً‬ ‫عو َ‬ ‫سب ْ ُ‬
‫ها َ‬ ‫ة ذَْر ُ‬
‫ع َ‬ ‫َ‬
‫سل ٍ‬ ‫ْ‬
‫سل ِ‬ ‫في ِ‬ ‫م ِ‬ ‫صلوهُ ‪ 31‬ث ُ ّ‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫حي َ‬ ‫ج ِ‬‫ال ْ َ‬
‫فل َي ْ َ‬
‫س‬ ‫ن ‪َ 34‬‬ ‫كي ِ‬ ‫س ِ‬
‫م ْ‬ ‫عام ِ ال ْ ِ‬ ‫عَلى طَ َ‬ ‫ض َ‬ ‫ح ّ‬ ‫وَل ي َ ُ‬ ‫ظيم ِ ‪َ 33‬‬ ‫ع ِ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫ن ِبالل ّ ِ‬‫م ُ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫ن َل ي ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫ه إ ِلّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن ‪ 36‬ل ي َأك ُل ُ‬ ‫سِلي ٍ‬ ‫غ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫م إ ِل ِ‬ ‫عا ٌ‬ ‫ول ط َ‬ ‫م ‪َ 35‬‬ ‫مي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫هَنا َ‬ ‫ها ُ‬ ‫م َ‬ ‫و َ‬ ‫ه الي َ ْ‬ ‫لَ ُ‬
‫ن ‪{ 37‬‬ ‫ؤو َ‬ ‫خاطِ ُ‬ ‫ال ْ َ‬

‫الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬


‫‪ -1‬أن يبين الدارس العلقة بين هذه اليات وتساؤلت السورة‬
‫فى بدايتها ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يصف الدارس أحداث وأهوال يوم القيامة كما جاءت بها‬
‫اليات ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يصف الدارس حال وأفعال الناجين وكذلك حال وأفعال‬
‫المكذبين يوم القيامة بالتقابل ‪.‬‬
‫أن يصف الدارس مصير الناجين والمكذبين – بعد الحساب –‬ ‫‪-4‬‬
‫بالتقابل ‪.‬‬
‫‪ -5‬أن يعيش الدارس بمخيلته هذه الحوال ويستشعرها بكل‬
‫أحاسيسه ‪.‬‬
‫*******‬
‫المفردات ‪:‬‬
‫فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة ‪ :‬في الصور أي في البوق وأول ذلك‬ ‫–‬
‫نفخة " الفزع " ثم نفخة " الصعق " ثم نفخة " القيام " لرب العالمين وأكدها‬
‫ههنا أنها واحدة لن أمر الله ل يخالف ول يحتاج إلي تكرار ول تأكيد‬
‫والملك علي أرجائها ‪ :‬الملئكة علي أطرافها‬ ‫–‬
‫ثمانية ‪ :‬من الملئكة أو ثمانية صفوف من الملئكة أو ثمانية مما يعلم‬ ‫–‬
‫الله‬
‫" ل تخفى منكم خافية " ‪ :‬علي المل وما أقساها من فضيحة أما عين‬ ‫–‬
‫الله فكل خافية مكشوفة لها في كل آن‬
‫" هاؤم اقرءوا كتابية " ‪ :‬يهتف من شدة فرحه خذوا اقرءوا كتابيه‬ ‫–‬
‫قطوفها دانية ‪ :‬قريبة يتناولها أحدهم وهو نائم علي سريره‬ ‫–‬
‫خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ‪ :‬يأمر الزبانية أن تأخذه عنفا من المحشر‬ ‫–‬
‫فتضع القيود في عنقه وتدخله جهنم‬
‫– غسلين ‪ :‬صديد أهل النار أي شر‬ ‫حميم ‪ :‬قريب ول شفيع يطاع‬ ‫–‬
‫طعام أهل النار‬
‫) فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة ( ‪ ..‬ونحن نؤمن أن هناك نفخة في‬
‫الصور وهو البوق تحدث بعدها هذه الحداث ‪ .‬ول نزيد في تفصيلها شيئا ‪ .‬لنها غيب ‪..‬‬
‫والتفصيل ل يزيد في حكمة النص شيئا ‪ ..‬فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة ‪ ،‬فتبع هذه‬
‫النفخة تلك الحركة الهائلة ‪ ) :‬وحملت الرض والجبال فدكتا دكة واحدة ( ‪..‬‬
‫ومشهد حمل الرض والجبال ونفضها ودكها دكة واحدة تسوي عاليها بسافلها ‪ ..‬مشهد‬
‫مروع حقا ‪..‬في ذلك اليوم العظيم ‪..‬فإذا وقع هذا ‪ ..‬فهو حينئذ المر الذي تتحدث عنه‬
‫السورة ‪ ) :‬فيومئذ وقعت الواقعة ( ‪ ..‬والواقعة اسم من أسمائها كالحاقة‬
‫والقارعة ‪ .‬فهي الواقعة لنها ل بد واقعة ‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫ول يقتصر الهول على حمل الرض والجبال ودكها دكة واحدة ‪ ،‬فالسماء في هذا اليوم‬
‫الهائل ليست بناجية ‪:‬‬
‫) وانشقت السماء فهي يومئذ واهية ( ‪..‬‬
‫ونحن ل ندري على وجه التحقيق ما السماء المقصودة بهذا اللفظ في القرآن ‪ .‬ولكن‬
‫هذا النص والنصوص الخرى التي تشير إلى الحداث الكونية في ذلك اليوم العظيم‬
‫كلها تشير إلى انفراط عقد هذا الكون المنظور ‪..‬وتناثر أجزائه بعد انفلتها من قيد‬
‫الناموس ‪..‬‬
‫‪ ..‬ثم يغمر الجلل المشهد ويغشيه ) والملك على أرجائها ‪ ،‬ويحمل عرش ربك‬
‫فوقهم يومئذ ثمانية ( ‪..‬‬
‫والملئكة على أرجاء هذه السماء المنشقة وأطرافها ‪ ،‬والعرش فوقهم يحمله‬
‫ثمانية ‪ ..‬ثمانية أملك أو ثمانية صفوف منها ‪..‬أو ثمانية مما يعلم الله ‪ .‬ل ندري نحن‬
‫من هم ول ما هم ‪.‬‬
‫) يومئذ تعرضون ل تخفى منكم خافية ( ‪..‬‬
‫فالكل مكشوف ‪ .‬مكشوف الجسد ‪ ،‬مكشوف الضمير ‪ ،‬مكشوف العمل ‪ ،‬ويتجرد‬
‫النسان من حيطته ومن مكره ومن تدبيره ‪ ..‬ويفتضح منه ما كان حريصا على أن‬
‫يستره حتى عن نفسه ! وما أقسى الفضيحة على المل ‪ ..‬أما عين الله فكل خافية‬
‫مكشوفة لها في كل آن ‪.‬‬
‫وبعدئذ يعرض مشهد الناجين والمعذبين ‪ ،‬كأنه حاضر تراه العيون من أوتي كتابه بيمينه‬
‫ومن أوتي كتابه بشماله ) فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول ‪ :‬هاؤم اقرأوا‬
‫كتابيه ‪ ،‬إني ظننت أني ملق حسابيه( ‪.‬‬
‫والمشهد المعروض هو مشهد الناجي في ذلك اليوم العصيب ‪ ..‬تمل الفرحة جوانحه ‪،‬‬
‫وتغلبه على لسانه ‪ ،‬فيهتف ‪ ) :‬هاؤم اقرأوا كتابيه ( ‪ ..‬ثم يذكر في بهجة أنه لم يكن‬
‫يصدق أنه ناج ‪ ،‬بل كان يتوقع أن يناقش الحساب ‪..‬ومن نوقش الحساب عذب كما‬
‫جاء في الثر‪.‬‬
‫ثم يعلن على رؤوس الشهاد ما أعد لهذا الناجي من النعيم ‪:‬‬
‫) فهو في عيشة راضية ‪ .‬في جنة عالية ‪ .‬قطوفها دانية ‪ .‬كلوا واشربوا‬
‫هنيئا بما أسلفتم في اليام الخالية ( ‪..‬‬
‫) وأما من أوتي كتابه بشماله ( وعرف أنه مؤاخذ بسيئاته ‪ ،‬وأن إلى العذاب‬
‫مصيره ‪ ،‬فيقف في هذا المعرض الحافل الحاشد ‪ ،‬وقفة المتحسر الكسير الكئيب ‪..‬‬
‫) فيقول ‪ :‬يا ليتني لم أوت كتابيه ! ولم أدر ما حسابيه ! يا ليتها كانت‬
‫القاضية ! ما أغنى عني ماليه ! هلك عني سلطانيه ! ( ‪..‬‬
‫وهي وقفة طويلة ‪ ،‬وحسرة مديدة ‪ ،‬ونغمة يائسة ‪ ،‬ولهجة بائسة ‪ ..‬ويتمنى ذلك‬
‫البائس أنه لم يأت هذا الموقف ‪ ،‬ولم يؤت كتابه ‪ ،‬ولم يدر ما حسابه ؛ كما يتمنى أن‬
‫لو كانت هذه القارعة هي القاضية ‪ ،‬التي تنهي وجوده أصل فل يعود بعدها شيئا ‪ ..‬ثم‬
‫يتحسر أن ل شيء نافعه مما كان يعتز به أو يجمعه ‪ ) :‬ما أغنى عني ماليه ( ‪..‬‬
‫) هلك عني سلطانيه ( ‪ ..‬فل المال أغنى أو نفع ‪ .‬ول السلطان بقي أو دفع ‪.‬‬
‫ول يقطع هذه الرنة الحزينة المديدة إل المر العلوي الجازم ‪ ،‬بجلله وهوله وروعته ‪:‬‬
‫) خذوه ‪ .‬فغلوه ‪ .‬ثم الجحيم صلوه ‪ .‬ثم في سلسلة ذرعها سبعون‬
‫ذراعا فاسلكوه ( ‪..‬‬
‫يا للهول الهائل ! ويا للرعب القاتل ! ) خذوه ( ‪..‬‬
‫كلمة تصدر من العلي العلى ‪ .‬فيتحرك الوجود كله على هذا المسكين الصغير الهزيل‬
‫‪ .‬ويبتدره المكلفون بالمر من كل جانب‪..‬‬
‫) فغلوه ( ‪ ..‬فأي السبعين ألفا بلغه جعل الغل في عنقه ‪! ..‬‬
‫) ثم الجحيم صلوه ( ‪ ..‬ونكاد نسمع كيف تشويه النار وتصليه ‪..‬‬

‫‪30‬‬
‫) ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه ( ‪..‬‬
‫وذراع واحدة من سلسل النار تكفيه ! ولكن إيحاء التطويل والتهويل ينضح من وراء‬
‫لفظ السبعين وصورتها ‪.‬‬
‫فإذا انتهى المر ‪ ،‬نشرت أسبابه على الحشود ‪:‬‬
‫) إنه كان ل يؤمن بالله العظيم ‪ .‬ول يحض على طعام المسكين ( ‪..‬‬
‫إنه قد خل قلبه من اليمان بالله ‪ ،‬والرحمة بالعباد ‪ .‬فلم يعد هذا القلب يصلح إل لهذه‬
‫النار وذلك العذاب ‪.‬‬
‫خل قلبه من اليمان بالله فهو موات ‪ .‬وخل قلبه من الرحمة بالعباد ‪ .‬والمسكين هو‬
‫أحوج العباد إلى الرحمة ولكن هذا لم يستشعر قلبه ما يدعو إلى الحتفال بأمر‬
‫المسكين ‪ .‬ولم يحض على طعامه وهي خطوة وراء إطعامه ‪ .‬توحي بأن هناك واجبا‬
‫اجتماعيا يتحاض عليه المؤمنون ‪ .‬وهو وثيق الصلة باليمان ‪.‬‬
‫يليه في النص ويليه في الميزان ) فليس له اليوم ها هنا حميم ‪ .‬ول طعام إل‬
‫من غسلين ‪ .‬ل يأكله إل الخاطئون ( ‪..‬‬
‫وهي تكملة العلن العلوي عن مصير ذلك الشقي ‪ ..‬فهو هنا مقطوع ) فليس له‬
‫اليوم ها هنا حميم ( ‪ ..‬وهو ممنوع ‪ ):‬ول طعام إل من غسلين ( ‪ ..‬والغسلين هو‬
‫غسالة أهل جهنم من قيح وصديد‪ ..‬طعام ) ل يأكله إل الخاطئون ( ‪ ..‬المذنبون‬
‫المتصفون بالخطيئة ‪ ..‬وهو منهم في الصميم !‬
‫التقويم ‪:‬‬
‫بين العلقة بين هذه اليات وتساؤلت السورة فى بدايتها ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫صف أحداث وأهوال يوم القيامة كما جاءت بها اليات ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫صف حال وأفعال الناجين وكذلك حال وأفعال المكذبين يوم‬ ‫‪-3‬‬
‫القيامة بالتقابل ‪.‬‬
‫صف الدارس مصير الناجين والمكذبين – بعد الحساب –‬ ‫‪-4‬‬
‫بالتقابل ‪.‬‬
‫عبر عما تستشعره من أحاسيس ومشاعر عند معايشتك‬ ‫‪-5‬‬
‫لهوال يوم القيامة ‪.‬‬
‫قوله تعالي " يومئذ تعرضون ل تخفي منكم خافية " يلفت‬ ‫‪-6‬‬
‫أنظارنا لدورنا مع أنفسنا وضح ذلك ‪0‬‬
‫أذكر أسباب النجاة وأسباب الهلك يوم القيامة كما توضحها‬ ‫‪-7‬‬
‫آيات السورة ‪0‬‬
‫الدرس الثالث‬
‫افتراءات المكذبين على رسول الله ‪ ‬ورد الله عز وجل عليهم‬
‫اليات من ) ‪( 52 : 38‬‬
‫ريم ٍ‬ ‫ل كَ ِ‬ ‫سو ٍ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫و ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫ن ‪ 39‬إ ِن ّ ُ‬ ‫صُرو َ‬ ‫ما َل ت ُب ْ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ن ‪َ 38‬‬ ‫صُرو َ‬ ‫ما ت ُب ْ ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫س ُ‬‫ق ِ‬ ‫فَل أ ُ ْ‬ ‫} َ‬
‫ما‬‫قِليًل َ‬ ‫ن َ‬‫ه ٍ‬ ‫كا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫و ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫وَل ب ِ َ‬ ‫ن ‪َ 41‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫ما ت ُ ْ‬ ‫قِليًل َ‬ ‫ر َ‬ ‫ع ٍ‬‫شا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫و ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫و بِ َ‬ ‫ه َ‬‫ما ُ‬ ‫و َ‬ ‫‪َ 40‬‬
‫َ‬
‫ض اْل َ‬ ‫عل َي َْنا ب َ ْ‬
‫ل‬
‫وي ِ‬ ‫قا ِ‬ ‫ع َ‬ ‫ل َ‬ ‫و َ‬ ‫ق ّ‬‫و تَ َ‬ ‫ول َ ْ‬‫ن ‪َ 43‬‬ ‫مي َ‬ ‫عال َ ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫من ّر ّ‬ ‫ل ّ‬ ‫زي ٌ‬ ‫ن ‪َ 42‬تن ِ‬ ‫ت َذَك ُّرو َ‬
‫َ‬ ‫‪َ 44‬ل َ َ‬
‫د‬
‫ح ٍ‬‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫من ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ن ‪َ 46‬‬ ‫وِتي َ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫عَنا ِ‬ ‫قطَ ْ‬ ‫م لَ َ‬ ‫ن ‪ 45‬ث ُ ّ‬ ‫ِ‬ ‫مي‬ ‫ه ِبال ْي َ ِ‬ ‫من ْ ُ‬‫خذَْنا ِ‬
‫َ‬
‫ن ‪49‬‬ ‫مك َذِّبي َ‬ ‫كم ّ‬ ‫من ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫مأ ّ‬ ‫عل َ ُ‬‫وإ ِّنا ل َن َ ْ‬ ‫ن ‪َ 48‬‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ه ل َت َذْك َِرةٌ ل ّل ْ ُ‬ ‫وإ ِن ّ ُ‬ ‫ن ‪َ 47‬‬ ‫زي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫عن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫سم ِ َرب ّكَ‬ ‫ح ِبا ْ‬ ‫سب ّ ْ‬ ‫َ‬
‫ن ‪ 51‬ف َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قي ِ‬ ‫ق الي َ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫هل َ‬ ‫وإ ِن ّ ُ‬‫ن ‪َ 50‬‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬‫على الكا ِ‬ ‫سَرةٌ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫هل َ‬ ‫وإ ِن ّ ُ‬ ‫َ‬
‫ظيم ِ ‪{ 52‬‬ ‫ع ِ‬ ‫ال ْ َ‬

‫الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬


‫‪ -1‬أن يذكر الدارس افتراءات المكذبين على رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫‪ -2‬أن يبين الدارس الكيفية التى رد الله بها عز وجل على هذه‬
‫الفتراءات ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يبرز الدارس حقيقة القرآن كما بينت اليات ‪.‬‬

‫المفردات ‪:‬‬
‫لقول رسول كريم ‪ :‬يعني محمدا الرسول البشري أو جبريل الرسول‬ ‫–‬
‫الملكي‬
‫" ولو تقول علينا بعض القاويل " ‪ :‬تهديد لمن يفتري علي الله في شأن‬ ‫–‬
‫العقيدة والدين‬
‫" لخذنا منه باليمين " ‪ :‬معناه لنتقمنا منه باليمين لنها أشد فى البطش‬ ‫–‬
‫" ثم لقطعنا منه الوتين " ‪ :‬الوتين وهو العرق الذي قلب معلق فيه أي‬ ‫–‬
‫قتلناه ‪0‬‬

‫وفي ظل هذه المشاهد العنيفة المثيرة ‪ ،‬المتوالية منذ أول السورة ‪ ..‬يجيء التقرير‬
‫الجازم عن حقيقة هذا القول الذي جاءهم به الرسول الكريم ‪ ،‬فتلقوه بالشك‬
‫والسخرية والتكذيب ‪:‬‬
‫) فل أقسم بما تبصرون وما ل تبصرون ‪ .‬إنه لقول رسول كريم ‪ .‬وما‬
‫هو بقول شاعر ‪ ،‬قليل ما تؤمنون ‪ .‬ول بقول كاهن ‪ ،‬قليل ما تذكرون ‪.‬‬
‫تنزيل من رب العالمين ( ‪..‬‬
‫إن المر ل يحتاج إلى قسم وهو واضح هذا الوضوح ‪ ،‬ثابت هذا الثبوت ‪ ..‬ل يحتاج إلى‬
‫قسم أنه حق ‪ ،‬صادر عن الحق ‪ ،‬وليس شعر شاعر ‪ ،‬ول كهانة كاهن ‪ ،‬ول افتراء مفتر‬
‫! ل ‪ .‬فما هو بحاجة إلى توكيد بيمين ‪:‬‬
‫) فل أقسم بما تبصرون وما ل تبصرون ( ‪..‬‬
‫بهذه الفخامة وبهذه الضخامة ‪ ،‬وبهذا التهويل بالغيب المكنون ‪ ،‬إلى جانب الحاضر‬
‫المشهود ‪ ..‬والوجود أضخم بكثير مما يرى البشر ‪ .‬بل مما يدركون ‪ ..‬ومثل هذه‬
‫الشارة تفتح القلب وتنبه الوعي إلى أن هناك وراء مد البصر ووراء حدود الدراك‬
‫جوانب وعوالم وأسرار أخرى ل يبصرها ول يدركها ‪ .‬وتوسع بذلك آفاق التصور‬
‫النساني للكون والحقيقة ‪.‬‬
‫) إنه لقول رسول كريم ‪ .‬وما هو بقول شاعر قليل ما تؤمنون ‪ ،‬ول‬
‫بقول كاهن قليل ما تذكرون ‪ .‬تنزيل من رب العالمين (‬
‫ولقد كان مما تقول به المشركون على القرآن وعلى رسول الله قولهم ‪ :‬إنه‬
‫شاعر ‪ .‬وإنه كاهن ‪ .‬متأثرين في هذا بشبهة سطحية ‪ ،‬منشؤها أن هذا القول فائق في‬
‫طبيعته على كلم البشر ‪ .‬وأن الشاعر في وهمهم له رئي من الجن يأتيه بالقول‬
‫الفائق ‪ ،‬وأن الكاهن كذلك متصل بالجن ‪ .‬فهم الذين يمدونه بعلم ما وراء الواقع !‬
‫وهي شبهة تسقط عند أقل تدبر لطبيعة القرآن والرسالة ‪ ،‬وطبيعة الشعر أو‬
‫الكهانة ‪..‬‬
‫فالشبهة واهية سطحية ‪ .‬حتى حين كان القرآن لم يكتمل ‪ ،‬ولم تتنزل منه إل سور‬
‫وآيات عليها ذلك الطابع اللهي الخاص ‪ ،‬وفيها ذلك القبس الموحي بمصدرها الفريد ‪. .‬‬
‫والمر أوضح من أن يلتبس عند أول تدبر وأول تفكير ‪ .‬وهو من ثم ل يحتاج إلى قسم‬
‫بما يعملون وما ل يعملون ‪ :‬إنه لقول رسول كريم ‪ .‬وما هو بقول شاعر ‪ .‬وما هو بقول‬
‫كاهن ‪ ..‬إنما هو تنزيل من رب العالمين ‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫وتقرير أنه قول رسول كريم ل يعني أنه من إنشائه ‪ ..‬إنما هو رسول يقول ما يحمله‬
‫عمن أرسله ‪ .‬ويقرر هذا تقريرا حاسما ما جاء بعده ‪ ) :‬تنزيل من رب العالمين ( ‪..‬‬
‫وفي النهاية يجيء ذلك التهديد الرعيب ‪ ،‬لمن يفتري على الله في شأن العقيدة وهي‬
‫الجد الذي ل هوادة فيه ‪:‬‬
‫) ولو تقول علينا بعض القاويل ‪ .‬لخذنا منه باليمين ‪ .‬ثم لقطعنا منه‬
‫الوتين ‪ .‬فما منكم من أحد عنه حاجزين ( ‪..‬‬
‫ومفاد هذا القول من الناحية التقريرية أن محمدا صادق فيما أبلغهم ‪ .‬وأنه لو تقول‬
‫بعض القاويل التي لم يوح بها إليه ‪ ،‬لخذه الله فقتله على هذا النحو الذي وصفته‬
‫اليات ‪ .‬ولما كان هذا لم يقع فهو ل بد صادق ‪.‬‬
‫وأخيرا تجيء الخاتمة التقريرية بحقيقة هذا المر وطبيعته القوية ‪:‬‬
‫) وإنه لتذكرة للمتقين ‪ .‬وإنا لنعلم أن منكم مكذبين ‪ .‬وإنه لحسرة على‬
‫الكافرين ‪ .‬وإنه لحق اليقين ( ‪.‬‬
‫فهذا القرآن يذكر القلوب التقية فتذكر ‪ .‬إن الحقيقة التي جاء بها كامنة فيها ‪ .‬فهو‬
‫يثيرها فيها ويذكرها بها فتتذكرها ‪ .‬فأما الذين ل يتقون فقلوبهم مطموسة غافلة ل‬
‫تتفتح ول تتذكر ‪ ،‬ول تفيد من هذا الكتاب شيئا ‪.‬‬
‫) وإنا لنعلم أن منكم مكذبين ( ‪..‬ولكن هذا ل يؤثر في حقيقة هذا المر ‪ ،‬ول‬
‫يغير من هذه الحقيقة‪ .‬فأمركم أهون من أن يؤثر في حقائق المور ‪.‬‬
‫) وإنه لحسرة على الكافرين ( ‪ ..‬بما يرفع من شأن المؤمنين ‪ ،‬ويحط من قدر‬
‫المكذبين ‪ ..‬ثم إنه حجة عليهم عند الله في اليوم الخر ‪ ،‬يعذبون به ‪ ،‬ويتحسرون لما‬
‫يصيبهم بسببه ‪ .‬فهو حسرة على الكافرين في الدنيا والخرة ‪.‬‬
‫) وإنه لحق اليقين ( ‪ ..‬مع تكذيب المكذبين ‪ .‬حق اليقين ‪ .‬فليس مجرد اليقين ‪،‬‬
‫ولكنه الحق في هذا اليقين ‪..‬فهذه هي طبيعة هذا المر وحقيقته المستيقنة ‪.‬‬
‫هنا يجيء التلقين العلوي للرسول الكريم ‪ ،‬في أنسب وقت وأنسب حالة لهذا‬
‫التلقين ‪:‬‬
‫) فسبح باسم ربك العظيم ( ‪..‬‬
‫والتسبيح بما فيه من تنزيه وتمجيد ‪ .‬وبما فيه من اعتراف وتحقيق ‪ .‬وبما فيه من‬
‫عبودية وخشوع ‪ ...‬هو الشعور الذي يخالج القلب ‪ ،‬بعد هذا التقرير الخير ‪ ،‬وبعد ذلك‬
‫الستعراض الطويل ‪ ،‬لقدرة الله العظيم‪.‬‬
‫التقويم ‪:‬‬
‫‪ -1‬أذكر افتراءات المكذبين على رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪.‬‬
‫‪ -2‬بين الكيفية التى رد الله بها عز وجل على هذه الفتراءات ‪.‬‬
‫‪ -3‬ابرز حقيقة القرآن كما بينت اليات ‪.‬‬
‫علي صاحب الدعوة أن يوطن نفسه علي معاناة السخرية‬ ‫‪-4‬‬
‫والتكذيب وأن يوقن أن الله يدافع عنه ‪ 0‬وضح ذلك ‪0‬‬
‫أذكر المعينات التي يتسلح بها صاحب الدعوة لمواجهة مشاق‬ ‫‪-5‬‬
‫الرسالة ‪0‬‬

‫سـورة المعارج‬
‫مقدمة السورة‬
‫هذه السورة حلقة من حلقات العلج البطيء ‪ ،‬المديد ‪ ،‬العميق ‪ ،‬الدقيق ‪ ،‬لعقابيل‬
‫الجاهلية في النفس البشرية ‪ ..‬أو هي جولة من جولت المعركة الطويلة الشاقة التي‬
‫خاضها في داخل هذه النفس ‪ ،‬ورواسبها وركامها ‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫والحقيقة الساسية التي تعالج السورة إقرارها ‪ :‬هي حقيقة الخرة وما فيها‬
‫من جزاء ؛ وعلى وجه الخصوص ما فيها من عذاب للكافرين ‪ ،‬كما أوعدهم القرآن‬
‫الكريم ‪ .‬وهي تلم ‪ -‬في طريقها إلى إقرار هذه الحقيقة ‪ -‬بحقيقة النفس البشرية في‬
‫الضراء والسراء ‪ .‬وهي حقيقة تختلف حين تكون مؤمنة وحين تكون خاوية من‬
‫اليمان ‪ .‬كما تلم بسمات النفس المؤمنة ومنهجها في الشعور والسلوك ‪ ،‬واستحقاقها‬
‫للتكريم ‪ .‬وبهوان الذين كفروا على الله وما أعده لهم من مذلة ومهانة تليق‬
‫بالمستكبرين ‪ ..‬وتقرر السورة كذلك اختلف القيم والمقاييس في تقدير الله وتقدير‬
‫البشر ‪ ،‬واختلف الموازين ‪...‬‬
‫وتؤلف بهذه الحقائق حلقة من حلقات العلج الطويل لعقابيل الجاهلية وتصوراتها ‪ ،‬أو‬
‫جولة من جولت المعركة الشاقة في دروب النفس البشرية ومنحنياتها ‪ .‬تلك المعركة‬
‫التي خاضها القرآن فانتصر فيها في النهاية مجردا من كل قوة غير قوته الذاتية ‪. .‬‬
‫والذي يقرأ هذا القرآن ‪ ..‬يشعر بالقوة الغالبة والسلطان البالغ الذي كان هذا القرآن‬
‫يواجه به النفوس في مكة ويروضها حتى تسلس قيادها راغبة مختارة ‪ .‬ويرى أنه كان‬
‫يواجه النفوس بأساليب متنوعة تنوعا عجيبا ‪ ..‬ومئات من اللمسات ‪ ،‬ومئات من‬
‫الهتافات ‪ ،‬ومئات من المؤثرات ‪ ..‬يطلع عليها قارئ القرآن ‪ ..‬ويرى كيف انتصر‬
‫القرآن على الجاهلية في تلك النفوس العصية العنيدة ‪.‬‬
‫وهذه السورة تكشف عن جانب من هذه المحاولة في إقرار حقيقة‬
‫الخرة ‪ ،‬والحقائق الخرى التي ألمت بها في الطريق إليها ‪.‬‬
‫***‬
‫ولقد كان التجاه الرئيسي في سورة الحاقة إلى تقرير حقيقة الجد الصارم في شأن‬
‫العقيدة ‪ ..‬فأما التجاه الرئيسي في سورة المعارج فهو إلى تقرير حقيقة الخرة وما‬
‫فيها من جزاء ‪ ،‬وموازين هذا الجزاء ‪ .‬فحقيقة الخرة هي الحقيقة الرئيسية فيها ‪.‬‬
‫الدرس الول‬
‫الهول في مشاهد يوم القيامة والعذاب الواقع بالكافرين‬
‫اليات من ) ‪( 18 : 1‬‬
‫ه ِذي‬ ‫ّ‬
‫ن الل ِ‬ ‫م َ‬ ‫ع‪ّ 2‬‬ ‫ف ٌ‬ ‫دا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬
‫سل ُ‬ ‫ن ل َي ْ َ‬ ‫فري َ‬ ‫كا ِ‬‫ع ‪ 1‬ل ّل ْ َ‬ ‫ق ٍ‬ ‫وا ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫ع َ‬ ‫ل بِ َ‬ ‫سائ ِ ٌ‬ ‫ل َ‬ ‫سأ َ َ‬ ‫َ‬ ‫}‬
‫ن‬‫سي َ‬ ‫م ِ‬ ‫خ ْ‬ ‫داُرهُ َ‬ ‫م ْ‬
‫ق َ‬ ‫ن ِ‬ ‫َ‬
‫وم ٍ كا َ‬ ‫في ي َ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ح إ ِلي ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫والّرو ُ‬ ‫ة َ‬ ‫َ‬
‫ملئ ِك ُ‬ ‫َ‬ ‫ج ال َ‬‫ْ‬ ‫عُر ُ‬ ‫ج ‪ 3‬تَ ْ‬ ‫ْ‬
‫ر ِ‬ ‫عا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ال َ‬
‫ريًبا ‪7‬‬ ‫ق َِ‬‫ون ََراهُ َ‬ ‫دا ‪َ 6‬‬ ‫عي ً‬ ‫ه بَ ِ‬ ‫ون َ ُ‬ ‫م ي ََر ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ميل ‪ 5‬إ ِن ّ ُ‬ ‫ً‬ ‫ج ِ‬ ‫صب ًْرا َ‬ ‫صب ِْر َ‬ ‫فا ْ‬ ‫ة‪َ 4‬‬ ‫سن َ ٍ‬ ‫ف َ‬ ‫أ َل ْ َ‬
‫م‬
‫مي ٌ‬‫ح ِ‬ ‫ل َ‬ ‫سأ ُ‬ ‫وَل ي َ ْ‬ ‫ن‪َ 9‬‬ ‫ه ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫كال ْ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫جَبا ُ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫كو ُ‬ ‫وت َ ُ‬ ‫ل‪َ 8‬‬ ‫ه ِ‬ ‫م ْ‬ ‫كال ْ ُ‬ ‫ماء َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫كو ُ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫و َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ه ‪11‬‬ ‫ذ ب ِب َِني ِ‬ ‫مئ ِ ٍ‬
‫و ِ‬ ‫ب يَ ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ع َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫دي ِ‬ ‫فت َ ِ‬ ‫و يَ ْ‬ ‫مل ْ‬ ‫َ‬ ‫ر ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ودّ ال ُ‬ ‫م يَ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫صُرون َ ُ‬ ‫ما ‪ 10‬ي ُب َ ّ‬ ‫مي ً‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫عا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ه الِتي ت ُ ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫مي ً‬ ‫ج ِ‬ ‫ض َ‬ ‫في الْر َ ِ‬ ‫من ِ‬ ‫و َ‬ ‫ه ‪َ 13‬‬ ‫ؤوي ِ‬ ‫صيلت ِ ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ه ‪َ 12‬‬ ‫خي ِ‬ ‫وأ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫حب َت ِ ِ‬ ‫صا ِ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫وّلى‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫ر‬
‫َ ْ ْ َ َ َ َ‬ ‫ب‬ ‫د‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫عو‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫‪16‬‬ ‫وى‬ ‫َ‬ ‫ش‬‫ّ‬ ‫لل‬‫ّ‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫زا‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫‪15‬‬ ‫ظى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ها‬ ‫ِ َ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫‪14‬‬ ‫ثُ ّ ُ ِ ِ‬
‫ه‬ ‫جي‬ ‫ين‬ ‫م‬
‫عى ‪{ 18‬‬ ‫و َ‬ ‫َ‬ ‫ع َ‬
‫فأ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ج َ‬ ‫و َ‬ ‫‪َ 17‬‬
‫الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يبين الدارس خصائص هذه السورة بوجه عام ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يذكر الدارس أسباب نزول هذه اليات ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يبين الدارس المقصود بكلمة يوم في الية الرابعة ‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يبين الدارس توجيه الله عز وجل لرسوله صلى الله‬
‫عليه وسلم في هذه اليات ‪.‬‬
‫‪ -5‬أن يصف الدارس بعض مشاهد هذا اليوم ‪.‬‬
‫‪ -6‬أن يصف الدارس حال المجرمين فى هذا اليوم ‪.‬‬
‫‪ -7‬أن يصور الدارس الهول الذي يأخذ بالمجرمين في هذا‬
‫اليوم ‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫‪ -8‬أن يعبر الدارس عن ما يدور فى نفسه عند معايشة هذه‬
‫الهوال الواردة في اليات ‪.‬‬
‫‪ -9‬أن يراجع الدارس نفسه ويستعد لهذا اليوم ‪.‬‬
‫المفردات ‪:‬‬
‫– الروح ‪ :‬المراد به‬ ‫‪ -‬ذي المعارج ‪ :‬ذو الدرجات وذو العلو والفواضل‬
‫جبريل عليه السلم‬
‫يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ‪ :‬يوم القيامة قيل لرسول الله ‪‬‬ ‫–‬
‫ما أطول هذا اليوم فقال رسول الله ‪ " ‬والذي نفسي بيده إنه ليخفف‬
‫علي المؤمن حتي يكون أخف عليه من صلة مكتوبة يصليها في الدنيا "‬
‫–‬ ‫كالمهل ‪ :‬المهل ذوب المعادن الكدر كدري الزيت‬ ‫–‬
‫كالعهن ‪ :‬كالصوف المنفوش‬
‫– نزاعة للشوي‬ ‫لظي ‪ :‬يصف النار وشدة حرها‬ ‫–‬
‫‪ :‬تنزع الجلود عن الوجوه والرءوس نزعا‬
‫وجمع فأوعى ‪ :‬جمع المال بعضه علي بعض وخزانه في أوعية ومنع‬ ‫–‬
‫حق الله منه‬

‫) سأل سائل بعذاب واقع ‪ ،‬للكافرين ليس له دافع ‪ ،‬من الله ذي المعارج‬
‫( ‪..‬‬
‫كانت حقيقة الخرة من الحقائق العسيرة الدراك عند مشركي العرب ‪ ،‬وكانوا‬
‫يتلقونها بغاية العجب ‪ ،‬وينكرونها أشد النكار ‪ ،‬ويتحدون الرسول في صور شتى أن‬
‫يأتيهم بهذا اليوم الموعود‪ ،‬أو أن يقول لهم ‪ :‬متى يكون‬
‫وعلى أية حال فالسورة تحكي أن هناك سائل سأل وقوع العذاب واستعجله ‪ .‬وتقرر‬
‫أن هذا العذاب واقع فعل ‪ ..‬وأن أحدا ل يمكنه دفعه ول منعه ‪ . .‬وهذا العذاب للكافرين‬
‫‪ ..‬إطلقا ‪ ..‬فيدخل فيه أولئك السائلون المستعجلون كما يدخل فيه كل كافر ‪ .‬وهو‬
‫واقع من الله ) ذي المعارج ( ‪ ..‬وهو تعبير عن الرفعة والتعالي ‪..‬‬
‫‪ ..‬بعد هذا أخذ في وصف ذلك اليوم الذي سيقع فيه هذا العذاب ‪ ،‬والذي يستعجلون به‬
‫وهو منهم قريب ‪ .‬ولكن تقدير الله غير تقدير البشر ‪ ،‬ومقاييسه غير مقاييسهم ‪:‬‬
‫) تعرج الملئكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ‪،‬‬
‫فاصبر صبرا جميل ‪ ،‬إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا ( ‪..‬‬
‫والرجح أن اليوم المشار إليه هنا هو يوم القيامة ‪ . .‬وفي هذا اليوم تصعد الملئكة‬
‫والروح إلى الله ‪ .‬والروح ‪ :‬الرجح أنه جبريل عليه السلم ‪ ..‬وإنما أفرد بالذكر بعد‬
‫الملئكة لما له من شأن خاص ‪ .‬وعروج الملئكة والروح في هذا اليوم يفرد كذلك‬
‫بالذكر ‪ ،‬إيحاء بأهميته في هذا اليوم وخصوصيته ‪ ،‬وهم يعرجون في شؤون هذا اليوم‬
‫ومهامه ‪..‬‬
‫وأما ) كان مقداره خمسين ألف سنة ( ‪ ..‬فقد تكون كناية عن طول هذا‬
‫اليوم كما هو مألوف في التعبير العربي ‪ .‬وقد تعني حقيقة معينة ‪ ،‬ويكون مقدار هذا‬
‫اليوم خمسين ألف سنة من سني أهل الرض فعل وهو يوم واحد ‪..‬‬
‫وإذا كان يوم واحد من أيام الله يساوي خمسين ألف سنة ‪ ،‬فإن عذاب يوم القيامة‬
‫قد يرونه هم بعيدا ‪ ،‬وهو عند الله قريب ‪ .‬ومن ثم يدعو الله نبيه إلى الصبر الجميل‬
‫على استعجالهم وتكذيبهم بذلك العذاب القريب ‪.‬‬
‫) فاصبر صبرا جميل ‪ .‬إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا ( ‪..‬‬
‫والدعوة إلى الصبر والتوجيه إليه صاحبت كل دعوة ‪ ،‬وتكررت لكل رسول ‪ ،‬ولكل‬
‫مؤمن يتبع الرسول ‪ .‬وهي ضرورية لثقل العبء ومشقة الطريق‪..‬‬

‫‪35‬‬
‫والصبر الجميل هو الصبر المطمئن ‪ ،‬الذي ل يصاحبه السخط ول القلق ول الشك‬
‫في صدق الوعد ‪ .‬صبر الواثق من العاقبة ‪ ،‬الراضي بقدر الله ‪ ،‬الشاعر بحكمته من‬
‫رواء البتلء ‪ ،‬الموصول بالله المحتسب كل شيء عنده مما يقع به ‪.‬‬
‫وهذا اللون من الصبر هو الجدير بصاحب الدعوة ‪ .‬فهي دعوة الله ‪ ،‬وهي دعوة إلى‬
‫الله ‪ .‬ليس له هو منها شيء ‪ .‬وليس له وراءها من غاية ‪ .‬فكل ما يلقاه فيها فهو في‬
‫سبيل الله ‪ ،‬وكل ما يقع في شأنها هو من أمر الله ‪. .‬‬
‫والخطاب هنا للرسول تثبيتا لقلبه على ما يلقى من عنت المناوأة والتكذيب ‪ .‬وتقريرا‬
‫للحقيقة الخرى ‪ :‬وهي أن تقدير الله للمور غير تقدير البشر ؛ ومقاييسه المطلقة غير‬
‫مقاييسهم الصغيرة ‪ ) :‬إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا ( ‪..‬‬
‫ثم يرسم مشاهد اليوم الذي يقع فيه ذلك العذاب الواقع ‪ ،‬الذي يرونه بعيدا ويراه‬
‫الله قريبا ‪ ..‬وهي مشاهد تشي بالهول المذهل المزلزل في الكون وفي النفس‬
‫سواء ‪:‬‬
‫) يوم تكون السماء كالمهل ‪ ،‬وتكون الجبال كالعهن ( ‪..‬‬
‫والقرآن يقرر في مواضع مختلفة أن أحداثا كونية كبرى ستقع في هذا اليوم ‪ ،‬تغير‬
‫أوضاع الجرام الكونية وصفاتها ونسبها وروابطها ‪ .‬ومن هذه الحداث أن تكون السماء‬
‫كالمعادن المذابة‬
‫) ول يسأل حميم حميما ‪ .‬يبصرونهم ‪ .‬يود المجرم لو يفتدي من عذاب‬
‫يومئذ ببنيه ‪ .‬وصاحبته وأخيه ‪ .‬وفصيلته التي تؤويه ‪ .‬ومن في الرض‬
‫جميعا ثم ينجيه ( ‪.‬‬
‫إن الناس في هم شاغل ‪ ،‬ل يدع لحد منهم أن يتلفت خارج نفسه ) ول يسأل‬
‫حميم حميما ( ‪ .‬فلقد قطع الهول المروع جميع الوشائج ‪ ،‬وحبس النفوس على‬
‫همها ل تتعداه ‪ ..‬وإنهم ليعرضون بعضهم على بعض ) يبصرونهم ( كأنما عمدا‬
‫وقصدا ! ولكن لكل منهم همه ‪ ،‬فل يهجس في خاطر صديق أن يسأل صديقه عن‬
‫حاله ‪ ،‬ول أن يسأله عونه ‪..‬‬
‫فما بال ) المجرم ( ؟ إن الهول ليأخذ بحسه ‪ ،‬وإن الرعب ليذهب بنفسه ‪ ،‬وإنه ليود‬
‫لو يفتدي من عذاب يومئذ بأعز الناس عليه ‪ ،‬ممن كان يفتديهم بنفسه في الحياة ‪،‬‬
‫ويناضل عنهم ‪ ،‬ويعيش لهم ‪ ..‬بنيه ‪ .‬وزوجه ‪ .‬وأخيه ‪ ،‬وعشيرته القريبة التي تؤويه‬
‫وتحميه ‪ .‬بل إن لهفته على النجاة لتفقده الشعور بغيره على الطلق ‪ ،‬فيود لو يفتدي‬
‫بمن في الرض جميعا ثم ينجيه ‪ ..‬وهي صورة للهفة الطاغية والفزع المذهل والرغبة‬
‫الجامحة في الفلت ‪..‬‬
‫وبينما المجرم في هذه الحال ‪ ،‬يتمنى ذلك المحال ‪ ،‬يسمع ما ييئس ويقنط من كل‬
‫بارقة من أمل ‪ ،‬أو كل حديث خادع من النفس ‪:‬‬
‫) كل ! إنها لظى ‪ .‬نزاعة للشوى ‪ .‬تدعو من أدبر وتولى وجمع‬
‫فأوعى ( ‪..‬‬
‫‪ ) ..‬كل ! ( في ردع عن تلك الماني المستحيلة في الفتداء بالبنين والزوج والخ‬
‫والعشيرة ومن في الرض جميعا ‪ ) ..‬كل ! إنها لظى ( نار تتلظى وتتحرق‬
‫) نزاعة للشوى ( تنزع الجلود عن الوجوه والرؤوس نزعا ‪ ) ..‬تدعو من أدبر‬
‫وتولى وجمع فأوعى ( ‪ ..‬تدعوه كما كان يدعى من قبل إلى الهدى فيدبر‬
‫ويتولى ‪ .‬ولكنه اليوم إذ تدعوه جهنم ل يملك أن يدبر ويتولى ! ولقد كان من قبل‬
‫مشغول عن الدعوة بجمع المال وحفظه في الوعية ! فأما اليوم فالدعوة من جهنم ل‬
‫يملك أن يلهو عنها ‪ .‬ول يملك أن يفتدي بما في الرض كله منها !‬
‫التقويم ‪:‬‬
‫‪ -1‬بين خصائص هذه السورة بوجه عام ‪.‬‬
‫‪ -2‬أذكر أسباب نزول هذه اليات ‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫‪ -3‬بّين المقصود بكلمة يوم في الية الرابعة ‪.‬‬
‫‪ -4‬بّين توجيه الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم في‬
‫هذه اليات ‪.‬‬
‫" الدعوة إلى الصبر والتوجيه إليه صاحبت كل دعوة ‪،‬‬ ‫‪-5‬‬
‫ً‬
‫وتكررت لكل رسول " وضح ذلك مبينا المقصود بالصبر الجميل‬
‫وما تتعلمه من هذا التوجيه ‪.‬‬
‫‪ -6‬أشارت السورة إلي صفة هامة لزمة لصحاب الدعوة ‪ 0‬ماهي‬
‫؟ ما أهميتها في طريق الدعوة ؟‬
‫‪ -7‬يوم القيامة يوم عصيب ‪ 00‬أذكر اليات التي تبين شدة هذا‬
‫اليوم ؟‬
‫‪ -8‬صف بعض مشاهد هذا اليوم ‪.‬‬
‫‪ -9‬صف حال المجرمين فى هذا اليوم ‪.‬‬
‫ور الهول الذي يأخذ بالمجرمين في هذا اليوم ‪.‬‬ ‫‪ -10‬ص ّ‬
‫‪ -11‬عبر عن ما يدور فى نفسك عند معايشة هذه الهوال‬
‫الواردة في اليات ‪.‬‬
‫‪ -12‬راجع نفسك ‪ :‬بماذا تستعد لهذا اليوم وأهواله ؟‬
‫الدرس الثاني‬
‫تصوير حقيقة النفس البشرية في حالتي إيمانها وخلوها منه‬
‫اليات من ) ‪( 35 : 19‬‬
‫خي ُْر‬ ‫ه ال َ‬‫ْ‬ ‫س ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫وإ ِ َ‬ ‫عا ‪َ 20‬‬ ‫جُزو ً‬ ‫شّر َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫س ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫عا ‪ 19‬إ ِ َ‬ ‫هُلو ً‬ ‫ق َ‬ ‫خل ِ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫سا َ‬ ‫لن َ‬ ‫نا ِْ‬ ‫} إِ ّ‬
‫في‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ِ‬ ‫ّ‬ ‫ن ‪َ 23‬‬ ‫مو َ‬ ‫دائ ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫صلت ِ ِ‬ ‫على َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ‪ 22‬ال ِ‬ ‫صلي َ‬ ‫م َ‬ ‫عا ‪ 21‬إ ِل ال ُ‬ ‫مُنو ً‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫د‬ ‫ص‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫‪25‬‬ ‫م‬ ‫رو‬ ‫ح‬
‫ْ‬
‫ِ َ َ ُ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫سا‬ ‫ّ‬ ‫لل‬ ‫ّ‬ ‫‪24‬‬ ‫م‬‫ٌ‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫م‬ ‫ّ ّ‬ ‫ق‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫م‬ ‫أ ْ َ ِ ْ‬
‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫م‬
‫ِ ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫غي ُْر‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ب َرب ّ َِ‬ ‫ذا َ‬ ‫ع َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ‪ 27‬إ ِ ّ‬ ‫قو َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫هم ّ‬ ‫ِ‬ ‫ب َرب ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ع َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫هم ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬ ‫ن ‪َ 26‬‬ ‫دي ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ما‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫م لِ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫و َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ج ُِ‬ ‫وا ِ‬ ‫على أْز َ‬ ‫ن ‪ 29‬إ ِل َ‬ ‫فظو َ‬ ‫حا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫فُرو ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ِ‬ ‫ن ‪َ 28‬‬ ‫مو ٍ‬ ‫مأ ُ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫أ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫راء‬ ‫و‬ ‫غى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫‪30‬‬ ‫ن‬ ‫مي‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫ي‬‫غ‬‫َ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫ما‬ ‫ي‬ ‫مل َك َت أ َ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫ِ ُ ْ‬ ‫ْ ْ َ ُ ْ‬ ‫َ‬
‫هم‬ ‫ن ُ‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫‪32‬‬ ‫ن‬ ‫عو‬ ‫ُ‬ ‫را‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫نا‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫‪31‬‬ ‫ن‬‫ا َ ُ َ‬
‫دو‬ ‫عا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬
‫َ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ِ ْ َ ْ ِ ِ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ِ َ‬
‫ول َئ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫عَلى َ َ‬
‫في‬ ‫ك ِ‬ ‫ن ‪ 34‬أ ْ‬ ‫ظو َ‬ ‫حا ِ‬ ‫م يُ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫صلت ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬ ‫ن ‪َ 33‬‬ ‫مو َ‬ ‫قائ ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫دات ِ ِ‬ ‫ها َ‬ ‫ش َ‬ ‫بِ َ‬
‫ن ‪{ 35‬‬ ‫مو َ‬ ‫مك َْر ُ‬ ‫ت ّ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫َ‬
‫الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يشرح الدارس خصائص النفس البشرية الخاوية اليمان‬
‫كما صورتها اليات ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يحدد الدارس الصفات التى اتصف بها المؤمن المستثنى‬
‫من الهلع ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يشرح الدارس المقصود بكل صفة من هذه الصفات ‪.‬‬
‫وم الدارس نفسه على هذه الصفات ‪.‬‬ ‫‪ -4‬أن يق ّ‬
‫‪ -5‬أن يسعى الدارس لتحقيق هذه الصفات فى ذاته ‪.‬‬
‫المفردات ‪:‬‬
‫علي صلتهم دائمون ‪ :‬قيل المراد السكون والخشوع وهو يدل علي‬ ‫–‬
‫وجوب الطمأنينة في الصلة – وقيل المراد بذلك الذين إذا عملوا عمل داوموا‬
‫عليه ‪ .‬في الحديث الصحيح " أحب العمال إلي الله أدومها وإن قل " ‪.‬‬
‫بشهادتهم قائمون ‪ :‬محافظون عليها ل يزيدون فيها ول ينقصون منها ول‬ ‫–‬
‫يكتمونها ‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫علي صلتهم يحافظون ‪ :‬علي مواقيتها وأركانها وواجباتها ومستحقاتها‬ ‫–‬
‫فافتتح الكلم بذكر الصلة واختتمه بذكرها فدل علي العتناء بها ‪.‬‬
‫والن وقد انتهى من تصوير الهول في مشاهد ذلك اليوم ‪ ،‬وفي صورة ذلك العذاب‬
‫؛ فإنه يتجه إلى تصوير حقيقة النفس البشرية في مواجهة الشر والخير ‪،‬‬
‫في حالتي إيمانها وخلوها من اليمان ‪:‬‬
‫) إن النسان خلق هلوعا ‪ :‬إذا مسه الشر جزوعا ‪ ،‬وإذا مسه الخير‬
‫منوعا ‪. ( .‬‬
‫وصورة النسان ‪ -‬عند خواء قلبه من اليمان ‪ -‬كما يرسمها القرآن صورة عجيبة ‪..‬‬
‫) إن النسان خلق هلوعا ‪ :‬إذا مسه الشر جزوعا ‪ .‬وإذا مسه الخير‬
‫منوعا (‪ ..‬هلوعا ‪ ..‬جزوعا عند مس الشر ‪ ،‬يتألم للذعته ‪ ،‬ويجزع لوقعه ‪ ،‬ويحسب‬
‫أنه دائم ل كاشف له ‪ ..‬فل يتصور أن هناك فرجا ؛ ول يتوقع من الله تغييرا ‪ .‬ومن ثم‬
‫يأكله الجزع ‪ ،‬ويمزقه الهلع ‪ .‬ذلك أنه ل يأوي إلى ركن ركين يشد من عزمه ‪ ،‬ويعلق‬
‫به رجاءه وأمله ‪ ..‬منوعا للخير إذا قدر عليه ‪ .‬يحسب أنه من كده وكسبه فيضن به‬
‫على غيره ‪ ..‬ويصبح أسير ما ملك منه ‪ ،‬مستعبدا للحرص عليه ! ذلك أنه ل يدرك‬
‫حقيقة الرزق ودوره هو فيه ‪ .‬ول يتطلع إلى خير منه عند ربه وهو منقطع عنه خاوي‬
‫القلب من الشعور به ‪ ..‬وهي صورة بائسة للنسان ‪ ،‬حين يخلو قلبه من اليمان ‪.‬‬
‫ومن ثم يبدو اليمان بالله مسألة ضخمة في حياة النسان ‪ .‬ل كلمة تقال باللسان ‪،‬‬
‫ول شعائر تعبدية تقام ‪ .‬إنه حالة نفس ومنهج حياة ‪ ،‬وتصور كامل للقيم والحداث‬
‫والحوال ‪..‬‬
‫فأما حين يعمره اليمان فهو منه في طمأنينة وعافية ‪ ،‬لنه متصل بمصدر الحداث‬
‫ومدبر الحوال ؛ مطمئن إلى قدره شاعر برحمته ‪ ،‬مقدر لبتلئه ‪ ،‬متطلع دائما إلى‬
‫فرجه من الضيق ‪ ،‬ويسره من العسر ‪ .‬متجه إليه بالخير ‪ ،‬عالم أنه ينفق مما رزقه ‪،‬‬
‫وأنه مجزي على ما أنفق في سبيله ‪ ،‬معوض عنه في الدنيا والخرة ‪ ..‬فاليمان كسب‬
‫في الدنيا يتحقق قبل جزاء الخرة ‪ ،‬يتحقق بالراحة والطمأنينة والثبات والستقرار‬
‫طوال رحلة الحياة الدنيا ‪.‬‬
‫وصفة المؤمنين المستثنين من الهلع ‪ ،‬تلك السمة العامة للنسان ‪،‬‬
‫يفصلها السياق هنا ويحددها ‪:‬‬
‫) إل المصلين ‪ .‬الذين هم على صلتهم دائمون ( ‪..‬‬
‫والصلة فوق أنها ركن السلم وعلمة اليمان ‪ ،‬هي وسيلة التصال بالله والستمداد‬
‫من ذلك الرصيد ‪ .‬ومظهر العبودية الخالصة التي يتجرد فيها مقام الربوبية ومقام‬
‫العبودية في صورة معينة ‪ .‬وصفة الدوام التي يخصصها بها هنا ‪ ) :‬الذين هم على‬
‫صلتهم دائمون ( ‪..‬فهي صلة ل يقطعها الترك والهمال والكسل وهي صلة بالله‬
‫مستمرة غير منقطعة ‪ ..‬وقد كان رسول الله إذا عمل شيئا من العبادة أثبته ‪ -‬أي‬
‫داوم عليه ‪.-‬‬
‫) والذين في أموالهم حق معلوم ‪ .‬للسائل والمحروم ( ‪..‬‬
‫وهي الزكاة على وجه التخصيص والصدقات المعلومة القدر ‪ ..‬وهي حق في أموال‬
‫المؤمنين ‪ ..‬أو لعل المعنى أشمل من هذا وأكبر ‪ .‬وهو أنهم يجعلون في أموالهم نصيبا‬
‫معلوما يشعرون أنه حق للسائل والمحروم ‪ ..‬والسائل الذي يسأل ؛ والمحروم الذي ل‬
‫يسأل ول يعبر عن حاجته فيحرم ‪ .‬أو لعله الذي نزلت به النوازل فحرم وعف عن‬
‫السؤال ‪ .‬والشعور بأن للمحتاجين والمحرومين حقا في الموال هو شعور بفضل الله‬
‫من جهة ‪ ،‬وبآصرة النسانية من جهة ‪ ،‬فوق ما فيه من تحرر شعوري من ربقة الحرص‬
‫والشح ‪ .‬وهو في الوقت ذاته ضمانة اجتماعية لتكافل المة كلها وتعاونها ‪.‬‬
‫) والذين يصدقون بيوم الدين ( ‪..‬‬

‫‪38‬‬
‫فالتصديق بيوم الدين شطر اليمان ‪ .‬وهو ذو أثر حاسم في منهج الحياة شعورا‬
‫وسلوكا ‪ .‬والميزان في يد المصدق بيوم الدين غير الميزان في يد المكذب بهذا اليوم‬
‫أو المستريب فيه ‪ .‬ميزان الحياة والقيم والعمال والحداث ‪.‬‬
‫) والذين هم من عذاب ربهم مشفقون ‪ .‬إن عذاب ربهم غير مأمون ( ‪..‬‬
‫وهذه درجة أخرى وراء مجرد التصديق بيوم الدين ‪ .‬درجة الحساسية المرهفة ‪،‬‬
‫والرقابة اليقظة ‪ ،‬والشعور بالتقصير في جناب الله على كثرة العبادة ‪ ،‬والخوف من‬
‫تفلت القلب واستحقاقه للعذاب في أية لحظة ‪ ،‬والتطلع إلى الله للحماية والوقاية ‪.‬‬
‫وفي قوله هنا ‪ ) :‬إن عذاب ربهم غير مأمون ( ‪ ..‬إيحاء بالحساسية الدائمة التي ل‬
‫تغفل لحظة ‪ ،‬فقد تقع موجبات العذاب في لحظة الغفلة فيحق العذاب ‪ ..‬والقلب‬
‫الموصول بالله يحذر ويرجو ‪ ،‬ويخاف ويطمع ‪ ،‬وهو مطمئن لرحمة الله على كل حال ‪.‬‬
‫) والذين هم لفروجهم حافظون ‪ .‬إل على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم‬
‫فإنهم غير ملومين ‪ .‬فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ( ‪..‬‬
‫وهذه تعني طهارة النفس والجماعة ‪ ،‬فالسلم يريد مجتمعا طاهرا نظيفا ‪ ،‬وفي‬
‫الوقت ذاته ناصعا صريحا ‪ ..‬ومن ثم يذكر القرآن هنا من صفات المؤمنين ) والذين‬
‫هم لفروجهم حافظون إل على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير‬
‫ملومين ‪(..‬‬
‫فيقرر نظافة التصال بالزواج وبما ملكت اليمان ‪ -‬من الماء حين يوجدن بسبب‬
‫مشروع ‪ ) -‬فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ( ‪ ..‬وبذلك يغلق الباب‬
‫في وجه كل قذارة جنسية ‪ ،‬في أية صورة غير هاتين الصورتين الواضحتين الصريحتين‬
‫‪ ..‬فل يرى في الوظيفة الطبيعية قذارة في ذاتها ؛ ولكن القذارة في اللتواء بها ‪.‬‬
‫والسلم نظيف صريح قويم ‪..‬‬
‫) والذين هم لماناتهم وعهدهم راعون ( ‪.‬‬
‫وهذه من القوائم الخلقية التي يقيم السلم عليها نظام المجتمع ‪ .‬ورعاية المانات‬
‫والعهود في السلم تبدأ من رعاية المانة الكبرى ‪ ..‬وهي أمانة العقيدة والستقامة‬
‫عليها اختيارا ل اضطرارا ‪ ..‬ومن رعاية تلك المانة وهذا العهد تنبثق رعاية سائر‬
‫المانات والعهود في معاملت الرض وقد شدد السلم في المانة والعهد وكرر وأكد ‪،‬‬
‫ليقيم المجتمع على أسس متينة من الخلق والثقة والطمأنينة ‪. .‬‬
‫) والذين هم بشهاداتهم قائمون ( ‪..‬‬
‫وقد ناط الله بأداء الشهادة حقوقا كثيرة ‪ ،‬بل ناط بها حدود الله ‪ ،‬التي تقام بقيام‬
‫الشهادة ‪ .‬فلم يكن بد أن يشدد الله في القيام بالشهادة ‪ ،‬وعدم التخلف عنها ابتداء ‪،‬‬
‫وعدم كتمانها عند التقاضي ‪ ،‬ومن القيام بها أداؤها بالحق دون ميل ول تحريف ‪.‬‬
‫وكما بدأ سمات النفوس المؤمنة بالصلة ‪ ،‬ختمها كذلك بالصلة ‪:‬‬
‫) والذين هم على صلتهم يحافظون ( ‪..‬‬
‫وهي صفة ‪ ..‬تتحقق بالمحافظة على الصلة في مواعيدها ‪ ،‬وفي فرائضها ‪ ،‬وفي‬
‫سننها ‪ ،‬وفي هيئتها ‪ ،‬وفي الروح التي تؤدى بها ‪ .‬فل يضيعونها إهمال وكسل ‪ .‬ول‬
‫يضيعونها بعدم إقامتها على وجهها ‪ ..‬وبهذا تختم سمات المؤمنين ‪..‬‬
‫وعندئذ يقرر مصير هذا الفريق من الناس بعد ما قرر من قبل مصير الفريق الخر ‪:‬‬
‫) أولئك في جنات مكرمون ( ‪ ..‬ويجمع هذا النص القصير بين لون من النعيم‬
‫الحسي ولون من النعيم الروحي ‪ .‬فهم في جنات ‪ .‬وهم يلقون الكرامة في هذه‬
‫الجنات ‪ .‬فتجتمع لهم اللذة بالنعيم مع التكريم‪.‬‬
‫التقويم ‪:‬‬
‫‪ -1‬اشرح خصائص النفس البشرية الخاوية اليمان كما صورتها‬
‫اليات ‪.‬‬
‫‪ -2‬حدد الصفات التى اتصف بها المؤمن المستثنى من الهلع ‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫اشرح المقصود بكل صفة من هذه الصفات ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫‪ -4‬تختلف حقيقة النفس البشرية في الضراء والسراء وهذه‬
‫الحقيقة تختلف أيضا حين تكون مؤمنة وحين تكون خاوية من‬
‫اليمان ‪ 0‬وضح ذلك من خلل فهمك لليات ؟‬
‫" اليات تؤكد الرباط الوثيق بين الصلة والزكاة والواجب‬ ‫‪-5‬‬
‫الجتماعي الذي يحقق تكافل المة كلها " وضح ذلك ‪.‬‬
‫" ينبغي للمؤمن أن يكون علي خوف من تقلب القلب خشية‬ ‫‪-6‬‬
‫استحقاقة للعذاب في أي لحظة " وضح ذلك ‪.‬‬
‫" السلم يعني بطهارة النفس والمجتمع ويقيم مجتمعا‬ ‫‪-7‬‬
‫طاهرا نظيفا " وضح ذلك من خلل فهمك لليات ‪.‬‬
‫" المانة بمفهومها الشامل من الدعائم الخلقية للمجتمع‬ ‫‪-8‬‬
‫المسلم " وضح ذلك‬
‫وم نفسك بمدى تحقق هذه الصفات ‪.‬‬
‫ق ّ‬ ‫‪-9‬‬
‫‪ -10‬كيف تسعى لتحقيق هذه الصفات فى نفسك ؟‬

‫الدرس الثالث‬
‫ذرهم يخوضوا ويلعبوا ‪!! ..‬‬
‫اليات من ) ‪( 44 : 36‬‬
‫ل‬
‫ما ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ع ِ‬ ‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫مي ِ‬ ‫ن ال ْي َ ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫ن ‪َ 36‬‬ ‫عي َ‬ ‫هطِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ُ‬ ‫قب َل َ َ‬ ‫فُروا ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬ ‫}‬
‫عيم ٍ ‪ 38‬ك َّل إ ِّنا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة نَ ِ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ل َ‬ ‫خ َ‬ ‫م أن ي ُدْ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ئ ّ‬ ‫ر ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫لا ْ‬ ‫ع كُ ّ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ‪ 37‬أي َطْ َ‬ ‫زي َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ِ‬
‫ب إ ِّنا‬ ‫ر‬ ‫غا‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫وا‬ ‫ق‬ ‫ر‬ ‫شا‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫ق‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫‪39‬‬ ‫ن‬ ‫مو‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫م‬ ‫هم‬ ‫َ ُ‬ ‫نا‬ ‫ْ‬
‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬‫َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ ُ ِ َ ّ‬ ‫ّ ّ َ ْ ُ َ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫لَ َ‬
‫ه ْ‬
‫ن ‪ 41‬فذْر ُ‬ ‫قي َ‬ ‫سُبو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫من ْ ُ‬ ‫خي ًْرا ّ‬ ‫على أن ن ّب َدّل َ‬ ‫ن ‪َ 40‬‬ ‫قاِدُرو َ‬
‫ن‬‫جو َ‬ ‫خُر ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ن ‪ 42‬ي َ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ع ُ‬ ‫ذي ُيو َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫م ُ‬‫و َ‬ ‫قوا ي َ ْ‬ ‫حّتى ي َُل ُ‬ ‫عُبوا َ‬ ‫وي َل ْ َ‬ ‫ضوا َ‬ ‫خو ُ‬ ‫يَ ُ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ه ْ‬ ‫صاُر ُ‬ ‫ة أب ْ َ‬ ‫ع ً‬ ‫ش َ‬ ‫خا ِ‬ ‫ن ‪َ 43‬‬ ‫ضو َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ب ُيو ِ‬ ‫ص ٍ‬ ‫م إ ِلى ن ُ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫عا كأن ّ ُ‬ ‫سَرا ً‬ ‫ث ِ‬ ‫دا ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ن ‪{44‬‬ ‫دو َ‬ ‫ع ُ‬‫ذي كاُنوا ُيو َ‬ ‫َ‬ ‫م ال ِ‬‫ّ‬ ‫و ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ة ذَل ِك الي َ ْ‬ ‫ّ‬
‫م ِذل ٌ‬ ‫ه ْ‬ ‫هق ُ‬ ‫ُ‬ ‫ت َْر َ‬
‫الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يصف الدارس مشهد الكافرين في مكة أثناء قراءة‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم للقرآن وما يختلج في أنفسهم من‬
‫مطامع ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يبين الدارس إجابة الله عز وجل على أطماعهم وما في‬
‫ن‪.‬‬ ‫هذه الجابة من معا ٍ‬
‫‪ -3‬أن يبين الدارس العلقة بين خواتيم السورة ومقدمتها ‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يصف الدارس حال هؤلء المكذبين يوم القيامة كما جاءت‬
‫في خواتيم السورة ‪.‬‬
‫المفردات ‪:‬‬
‫– عزين ‪ :‬متفرقين‬ ‫– مهطعين ‪ :‬مسرعين نافرين منك‬
‫– المشارق والمغارب ‪ :‬قد تعني المشارق والمغارب المتوالية علي بقاع الرض أو‬
‫المشارق والمغارب للكواكب والنجوم في الكون كله ‪.‬‬
‫‪ -‬بمسبوقين ‪ :‬أي بعاجزين‬

‫‪40‬‬
‫– نبدل خيرا منهم ‪ :‬أي يوم القيامة نعيدهم بأبدان خيرا ً من هذه والله قادر علي‬
‫ذلك وهؤلء الكافرون ل يسبقونه ول يفتونه ول يهربون من مصيرهم المحتوم‬
‫– الجداث ‪ :‬القبور‬
‫– نصب يوفضون ‪ :‬ينهضون سراعا والنصب هو الصنم أي كأنهم في إسراعهم إلي‬
‫الموقف كما كانوا في الدنيا يهرولون إلي النصب إذا عاينوه ‪.‬‬
‫– خاشعة أبصارهم ‪ :‬خاضعة ذليلة ‪0‬‬
‫ثم يعرض السياق مشهدا من مشاهد الدعوة في مكة ‪ ،‬والمشركون يسرعون‬
‫الخطى إلى المكان الذي يكون فيه الرسول يتلو القرآن ‪ .‬ثم يتفرقون حواليه‬
‫جماعات ‪ .‬ويستنكر إسراعهم هذا وتجمعهم في غير ما رغبة في الهتداء بما‬
‫يسمعون ‪:‬‬
‫) فما للذين كفروا قبلك مهطعين ؟ عن اليمين وعن الشمال‬
‫عزين ؟ ( ‪..‬‬
‫المهطع هو الذي يسرع الخطى مادا عنقه كالمقود ‪ .‬وعزين جمع عزة كفئة وزنا‬
‫ومعنى ‪ ..‬وفي التعبير تهكم خفي بحركتهم المريبة ‪ ..‬وتساؤل عن هذا الحال منهم ‪..‬‬
‫ما لهم ؟ ) أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم ؟ ( ‪..‬‬
‫وهم على هذه الحال التي ل تؤدي إلى جنة نعيم ‪ ،‬إنما تؤدي إلى لظى مأوى‬
‫المجرمين ! لعلهم يحسبون أنفسهم شيئا عظيما عند الله ؛ فهم يكفرون ويؤذون‬
‫الرسول ‪ ..‬ثم يدخلون الجنة بعد هذا كله لنهم في ميزان الله شيء عظيم ؟! ‪.‬‬
‫) كل ! ( في ردع وفي تحقير ‪ ) ..‬إنا خلقناهم مما يعلمون ( !‬
‫وهم يعلمون مم خلقوا ! من ذلك الماء المهين الذي يعرفون ‪ ..‬فكيف يطمعون أن‬
‫يدخلوا جنة نعيم على الكفر وسوء الصنيع ؟ وهم مخلوقون مما يعلمون ! وهم أهون‬
‫على الله من أن تكون لهم دالة عليه ‪ ،‬وخرق لسنته في الجزاء العادل باللظى‬
‫وبالنعيم ‪.‬‬
‫واستطرادا في تهوين أمرهم ‪ ،‬وتصغير شأنهم ‪ ..‬يقرر أن الله قادر على أن يخلق‬
‫خيرا منهم ‪ ،‬وأنهم ل يعجزونه فيذهبون دون ما يستحقون من جزاء أليم ‪:‬‬
‫) فل أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون ‪ ،‬على أن نبدل خيرا‬
‫منهم وما نحن بمسبوقين ( ‪.‬‬
‫والمر ليس في حاجة إلى قسم ‪ .‬ولكن التلويح بذكر المشارق والمغارب ‪ ،‬يوحي‬
‫بعظمة الخالق ‪ .‬والمشارق والمغارب قد تعني المشارق والمغارب المتوالية على بقاع‬
‫الرض ‪ .‬وهي تتوالى في كل لحظة ‪ ..‬فهل يحتاج أمر أولئك المخلوقين مما يعلمون‬
‫إلى قسم برب المشارق والمغارب ‪ ،‬على أنه ‪ -‬سبحانه ‪ -‬قادر على أن يخلق خيرا‬
‫منهم ‪ ،‬وأنهم ل يسبقونه ول يفوتونه ول يهربون من مصيرهم المحتوم ؟! ‪.‬‬
‫وعندما يبلغ السياق هذا المقطع ‪ ..‬يتجه بالخطاب إلى رسول الله ليدعهم لذلك‬
‫اليوم ولذلك العذاب ‪ ،‬ويرسم مشهدهم فيه ‪ ،‬وهو مشهد مكروب ذليل ‪:‬‬
‫) فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلقوا يومهم الذي يوعدون ‪ .‬يوم‬
‫يخرجون من الجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون ( ‪..‬‬
‫فهؤلء الخارجون من القبور يسرعون الخطى كأنما هم ذاهبون إلى نصب يعبدونه ‪..‬‬
‫وفي هذا التهكم تناسق مع حالهم في الدنيا ‪ .‬لقد كانوا يسارعون إلى النصاب في‬
‫العياد ويتجمعون حولها ‪ ..‬ثم تتم سماتهم بقوله ‪ ) :‬خاشعة أبصارهم ترهقهم‬
‫ذلة (‪ ..‬لقد كانوا يخوضون ويلعبون فهم اليوم أذلء مرهقون ‪ ) ..‬ذلك اليوم الذي‬
‫كانوا يوعدون (‪ ..‬فكانوا يستريبون فيه ويكذبون ويستعجلون !‬
‫التقويم ‪:‬‬

‫‪41‬‬
‫‪ -1‬صف مشهد الكافرين في مكة أثناء قراءة الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم للقرآن وما يختلج في أنفسهم من مطامع ‪.‬‬
‫‪ -2‬بين إجابة الله عز وجل على أطماعهم وما في هذه الجابة‬
‫ن‪.‬‬‫من معا ٍ‬
‫‪ -3‬بين العلقة بين خواتيم السورة ومقدمتها ‪.‬‬
‫‪ -4‬صف حال هؤلء المكذبين يوم القيامة كما جاءت في خواتيم‬
‫السورة ‪.‬‬

‫الفصل الثاني‬

‫الحديث الشريف‬
‫من الحديث الحادي والعشرين إلى الحديث السابع‬
‫والعشرين من الربعين النووية‬

‫الحديث الحادي والعشرون‬


‫مان‬ ‫لي َ‬ ‫ة وا ِ‬ ‫الستقام ُ‬
‫ي‬
‫قف ّ‬ ‫ه الث ّ َ‬ ‫د الل ِ‬ ‫عب ْ ِ‬‫ن َ‬ ‫ن بْ ِ‬ ‫فَيا َ‬ ‫س ْ‬ ‫ة‪ُ ،‬‬ ‫مَر َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ل‪ :‬أبي َ‬ ‫قي َ‬ ‫و ِ‬ ‫مرو‪َ ،‬‬ ‫ع ْ‬
‫عن أبي َ‬
‫ل‪ ،‬ل َ‬ ‫و ً‬‫ق ْ‬‫سل َم ِ َ‬ ‫ل لي في ال ِ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫ل الله‪ُ ،‬‬ ‫سو َ‬ ‫ت‪ :‬يا َر ُ‬ ‫قل ُ‬ ‫ْ‬ ‫قال‪ُ :‬‬ ‫ه َ‬ ‫عن ْ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ََرض َ َ‬
‫قال‪ُ " :‬‬ ‫ك‪َ .‬‬ ‫غي َْر َ‬ ‫ً‬
‫حدا َ‬ ‫َ‬
‫م"‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬ ‫ق ْ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ما ْ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫ت بالل ِ‬ ‫من ْ ُ‬‫ل‪ :‬آ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫هأ َ‬ ‫عن ْ ُ‬
‫ل َ‬ ‫سأ ُ‬ ‫أ ْ‬
‫الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬
‫أن يذكر الدارس المقصود بالستقامة في الحديث ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫أن يذكر الدارس اليات القرآنية التي تؤكد ما ورد فى هذا الحديث ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫أن يبين الدارس فوائد الستقامة ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫أن يستشعر الدارس الستقامة فى قلبه ‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫أن يعتاد الدارس الستقامة فى حياته ‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫مفردات الحديث‪:‬‬
‫"في السلم"‪ :‬أي في عقيدته وشريعته‪.‬‬
‫ل"‪ :‬جامعا ً لمعاني الدين‪ ،‬واضحا ً ل يحتاج إلى تفسير‪.‬‬ ‫"قو ً‬
‫"قل آمنت بالله"‪ :‬جدد إيمانك بالله متذكرا ً بقلبك ذاكرا ً بلسانك لتستحضَر جميع‬
‫تفاصيل أركان اليمان‪.‬‬
‫م واثبت على عمل الطاعات‪ ،‬والنتهاء عن جميع‬ ‫"ثم استقم"‪ :‬أي داو ْ‬
‫المخالفات‪.‬‬
‫المعنى العام‪:‬‬
‫معنى الستقامة‪ :‬إن قول النبي صلى الله عليه وسلم "قل آمنت بالله ثم‬
‫موا ت َت َن َّز ُ‬
‫ل‬ ‫ست َ َ‬
‫قا ُ‬ ‫ما ْ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫قاُلوا َرب َّنا الل ّ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫استقم" مأخوذ من قوله تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫ن‬
‫حَزُنوا‪] {..‬فصلت‪ [30 :‬وقوله تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬ ‫ول ت َ ْ‬ ‫فوا َ‬ ‫خا ُ‬ ‫ة َأل ت َ َ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫علي ْ ِ‬
‫َ َ‬
‫ن{‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ه ْ‬‫ول ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ف َ َ‬ ‫موا َ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫قاُلوا َرب َّنا الل ّ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫و ٌ‬ ‫خ ْ‬‫فل َ‬ ‫قا ُ‬ ‫ما ْ‬ ‫ذي َ‬
‫]الحقاف‪ .[13 :‬والمراد‪ :‬الستقامة على التوحيد الكامل‪.‬‬
‫ً‬
‫والستقامة هي وصية الله لعباده } وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ول‬
‫تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله {‬
‫‪42‬‬
‫كما أنها غاية المؤمن } اهدنا الصراط المستقيم { وأمر الله ورسوله } قل‬
‫ي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه‬ ‫إنما أنا بشر مثلكم يوحى إل ّ‬
‫واستغفروه ‪{ ...‬‬
‫والستقامة درجة بها كمال المور‪ ،‬وبوجودها حصول الخيرات ونظامها‪ ،‬ومن لم‬
‫ده‪ .‬والستقامة هي سلوك الصراط‬ ‫ج ّ‬‫يكن مستقيما ً في حالته ضاع سعيه وخاب ِ‬
‫المستقيم‪ ،‬وهو الدين القويم من غير تعويج عنه يمنة ول يسرة‪ ،‬ويشمل ذلك فعل‬
‫الطاعات كلها الظاهرة والباطنة‪ ،‬وترك المنهيات كلها كذلك‪ ،‬فصارت هذه الوصية‬
‫جامعة لخصال الخير كلها‪ .‬وتشمل الستقامة استقامة القلب واستقامة اللسان ‪.‬‬
‫استقامة القلب‪ :‬وأصل الستقامة استقامة القلب على التوحيد‪ ،‬ومتى‬
‫استقام القلب على معرفة الله وعلى خشيته‪ ،‬وإجلله ومهابته ومحبته‪ ،‬وإرادته ورجائه‬
‫ودعائه‪ ،‬والتوكل عليه والعراض عما سواه‪ ،‬استقامت الجوارح كلها على طاعته‪ ،‬لن‬
‫القلب هو ملك العضاء وهي جنوده‪ ،‬فإذا استقام الملك استقامت جنوده ورعاياه‪ ،‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ " :‬أل وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد‬
‫كله‪ ،‬وإذا فسدت فسد الجسد كله‪ ،‬أل وهي القلب" رواه البخاري ومسلم‪] .‬انظر‬
‫الحديث ‪[6‬‬
‫استقامة اللسان‪ :‬وأعظم ما يراعى استقامته بعد القلب من الجوارح‬
‫اللسان‪ ،‬فإنه ترجمان القلب والمعّبر عنه‪ ،‬ويؤكد هذا ما ورد في رواية الترمذي ‪:‬‬
‫ي ؟ فأخذ بلسان نفسه"‪ .‬وما رواه المام‬ ‫"قلت‪ :‬يا رسول الله ما أخوف ما يخاف عل ّ‬
‫أحمد في مسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬ل يستقيم إيمان عبد حتى‬
‫يستقيم قلبه‪ ،‬ول يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه"‪.‬‬
‫فوائد الستقامة‪ :‬إن الستقامة ثبات وانتصار‪ ،‬ورجولة وفوز في معركة‬
‫الطاعات والهواء والرغبات‪ ،‬ولذلك استحق الذين استقاموا أن تتنزل عليهم الملئكة‬
‫في الحياة الدنيا‪ ،‬ليطردوا من حياتهم الخوف والحزن‪ ،‬وليبشروهم بالجنة‪ ،‬وليعلنوا‬
‫قاُلوا َرب َّنا الل ُ‬
‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫وقوفهم إلى جانبهم في الدنيا والخرة‪ ،‬قال الله تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ة َأل ت َ َ‬
‫ة‬
‫جن ّ ِ‬ ‫شُروا ِبال َ‬ ‫وأ ب ْ ِ‬ ‫حَزُنوا َ‬ ‫ول ت َ ْ‬‫فوا َ‬ ‫خا ُ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ل َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫موا ت َت َن َّز ُ‬ ‫قا ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ما ْ‬‫ثُ ّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ولك ْ‬ ‫ة َ‬ ‫خَر ِ‬‫في ال ِ‬ ‫و ِ‬ ‫ة الدّن َْيا َ‬‫حَيا ِ‬ ‫في ال َ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫ؤك ْ‬ ‫ول َِيا ُ‬‫نأ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن * نَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ع ُ‬ ‫م ُتو َ‬ ‫ال ِّتي كن ْت ُ ْ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫حيم ٍ{‬ ‫ر َر ِ‬‫فو ٍ‬ ‫غ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن * ن ُُزل ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ما ت َدّ ُ‬ ‫ها َ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫ول َك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫هي أن ُ‬
‫ف ُ‬ ‫ما ت َ ْ‬
‫شت َ ِ‬ ‫ها َ‬
‫في َ‬‫ِ‬
‫]فصلت‪.[30 :‬‬
‫ما يستفاد من الحديث‪ :‬يرشد الحديث إلى المر بالستقامة على التوحيد وإخلص‬
‫العبادة لله وحده‪ .‬وحرص الصحابة على تعّلم دينهم والمحافظة على أيمانهم ‪.‬‬
‫التقويم ‪:‬‬
‫أذكر المقصود بالستقامة في الحديث ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫أذكر اليات القرآنية التي تؤكد ما دل عليه هذا الحديث ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫بّين فوائد الستقامة ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫هل تستشعر الستقامة فى قلبك – وما أمارات ذلك ‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫وم مدى تحقيقك الستقامة فى حياتك ‪.‬‬ ‫ق ّ‬ ‫‪-5‬‬
‫اقترح برنامجا عمليا يمكنك به تحقيق الستقامة في جميع مناحي حياتك ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫‪-6‬‬

‫الحديث الثاني والعشرون‬


‫ة‬
‫جن ّ ِ‬‫ق ال َ‬ ‫طري ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫هما أ ّ‬ ‫عن ْ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ي َرضي الل ُ‬ ‫ر ّ‬ ‫صا ِ‬ ‫ه اْلن ْ َ‬ ‫د الل ِ‬ ‫عب ْ ِ‬
‫ن َ‬ ‫ر بْ ِ‬‫جاب ِ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫د الل ِ‬‫عب ْ ِ‬
‫ن أبي َ‬ ‫ع ْ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬
‫صلي ْ ُ‬ ‫ذا َ‬ ‫تإ َ‬ ‫فقال‪ :‬أَرأي ْ َ‬ ‫ه صلى الله عليه وسلم َ‬ ‫ل الل ِ‬ ‫سو َ‬ ‫ل َر ُ‬‫سأ َ‬ ‫جل ً َ‬ ‫َر ُ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‪،‬‬‫حَرا َ‬‫ت ال َ‬ ‫م ُ‬ ‫حّر ْ‬‫و َ‬
‫ل‪َ ،‬‬ ‫حل َ َ‬ ‫ت ال َ‬ ‫حلل ُ‬ ‫وأ ْ‬ ‫ن‪َ ،‬‬ ‫مضا َ‬ ‫ت َر َ‬ ‫م ُ‬ ‫ص ْ‬‫و ُ‬ ‫ت‪َ ،‬‬ ‫صلوِات المك ُْتوبا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫م"‪ .‬رواه مسلم‬ ‫ع ْ‬ ‫ة ؟ قال‪" :‬ن َ َ‬ ‫جن ّ َ‬‫ل ال َ‬ ‫خ ُ‬‫شْيئا‪ ،‬أأدْ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫زدْ على ِذل َ‬ ‫مأ ِ‬ ‫ول َ ْ‬
‫َ‬

‫‪43‬‬
‫َ‬
‫ه‬‫عل ْت ُ ُ‬
‫ف َ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫حل َ َ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫حل َل ْ ُ‬‫عنى أ ْ‬ ‫م ْ‬
‫و َ‬ ‫ه‪َ ،‬‬ ‫جت َن َب ْت ُ ُ‬‫م‪ :‬ا ْ‬ ‫حَرا َ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫حّر ْ‬ ‫عنى َ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ح‬
‫ِ‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫قد‬
‫عت َ ِ‬‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬
‫أن يوضح الدارس ما جاء فى الحديث من العمال التى يدخل بها المؤمن‬ ‫‪-1‬‬
‫الجنة ‪.‬‬
‫أن يؤدى الدارس العمال التي يدخل بها الجنة ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫أن يتعود الدارس البحث عن كل ما ينفعه لدخول الجنة والسؤال عنه ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫أن يعلل الدارس لماذا وافق رسول الله الرجل على ما حدده من أعمال‬ ‫‪-4‬‬
‫لدخول الجنة ‪.‬‬
‫أن يقتدي الدارس برسول الله صلى الله عليه وسلم فى كيفية دعوته‬ ‫‪-5‬‬
‫بالتيسير والتدرج مع المدعوين ‪.‬‬
‫مفردات الحديث‪:‬‬
‫ل"‪ :‬هو النعمان بن قوقل الخزاعي‪.‬‬ ‫"رج ً‬
‫"أرأيت"‪ :‬الهمزة للستفهام‪ ،‬ورأى مأخوذة من الرأي‪ ،‬والمراد‪ :‬أخبرني وأفتني‪.‬‬
‫"المكتوبات"‪ :‬المفروضات‪ ،‬وهي الصلوات الخمس‪.‬‬
‫"الحلل"‪ :‬هو المأذون في فعله شرعًا‪.‬‬
‫"الحرام"‪ :‬كل ما منع الشرع من فعله على سبيل الحتم‪.‬‬
‫"أأدخل الجنة ؟"‪ :‬مع السابقين‪ ،‬من غير سبق عذاب‪.‬‬
‫المعنى العام‪:‬‬
‫يحدثنا جابر رضي الله عنه عن ذلك المؤمن المتلهف إلى جنة عرضها‬
‫دت للمتقين‪ ،‬إذ جاء يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن‬ ‫السماوات والرض أ ُ ِ‬
‫ع ّ‬
‫طريقها‪ ،‬ويستفتيه عن عمل يدخله فسيح رحابها‪ ،‬فيدله رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم على بغيته‪ ،‬وتتحقق لها أمنيته‪.‬‬
‫التزام الفرائض وترك المحرمات أساس النجاة ‪ :‬لقد سأل النعمان‬
‫رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬هل إذا استمر في أداء الصلة‬
‫قوًتا{‬ ‫و ُ‬ ‫م ْ‬‫ن ك َِتاًبا َ‬ ‫مِني َ‬ ‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫عَلى ال ْ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫كان َ ْ‬‫صلةَ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫المفروضة عليه بقوله تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫]النساء‪ .[103 :‬أي فرضا ً محددا ً بوقت ؟‪.‬‬
‫ن‬
‫ضا َ‬ ‫م َ‬ ‫هُر َر َ‬ ‫ش ْ‬‫ثم إذا أدرك شهر رمضان المفروض عليه صيامه بقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫وال ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ن َ‬ ‫قا ِ‬ ‫فْر َ‬ ‫دى َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫وب َي َّنا ٍ‬‫س َ‬ ‫دى ِللّنا ِ‬ ‫ه ً‬‫ن ُ‬ ‫قْرآ ُ‬ ‫ه ال ْ ُ‬ ‫في ِ‬‫ل ِ‬ ‫ز َ‬ ‫ذي أن ِ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ه{ ]البقرة‪ [185 :‬قام بصيامه‪ ،‬ملتزما ً لدابه ومراعيا ً‬ ‫م ُ‬‫ص ْ‬‫فل ْي َ ُ‬‫هَر َ‬ ‫ش ْ‬‫م ال ّ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫هد َ ِ‬ ‫َ‬
‫ش ِ‬
‫لحرمته ؟ ‪.‬‬
‫ثم وقف عند حدود الله تعالى فيما أحل أو حرم‪ ،‬فلم يحل حراما ً ولم يحرم‬
‫ل‪ ،‬بل اعتقد حل ما أحله الله وحرمة ما حرمه‪ ،‬فاجتنب الحرام مطلقًا‪ ،‬وفعل من‬ ‫حل ً‬
‫الحلل الواجب منه ؟‪.‬‬
‫سأل‪ :‬هل إذا فعل ذلك كله‪ ،‬ولم يستزد من الفضائل المستحبة والمرغوب فيها‬
‫‪ -‬كفعل النوافل وترك المكروهات‪ ،‬والتورع عن بعض المباحات أحيانا ً ‪ -‬هل يكفيه ذلك‬
‫للنجاة عند الله تعالى ويدخله الجنة‪ ،‬التي هي منتهى أمله ومبتغاه‪ ،‬مع المقربين الخيار‬
‫والسابقين البرار‪ ،‬دون أن يمسه عذاب أو يناله عقاب؟‪.‬‬
‫ويجيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يطمئن نفسه‪ ،‬ويشرح صدره‪،‬‬
‫ويفرح قلبه‪ ،‬ويشبع رغبته‪ ،‬ويحقق لهفته‪ ،‬فيقول له‪" :‬نعم"‪.‬‬
‫أخرج النسائي وابن حبان والحاكم ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫ب الكبائَر‬ ‫ج الزكاة‪ ،‬ويجتن ُ‬ ‫م رمضان‪ ،‬وُيخر ُ‬ ‫ت الخمس‪ ،‬ويصو ُ‬ ‫"ما من عبد ُيصّلي الصلوا ِ‬
‫ب الجنة يدخل من أيها شاء"‪ .‬ثم تل‪} :‬إن تجتنبوا كبائَر ما‬ ‫السبع‪ ،‬إل ُفتحت له أبوا ُ‬
‫دخل ً كريما { ]النساء‪.[31 :‬‬ ‫ً‬ ‫م ْ‬
‫كم ُ‬ ‫خل ُ‬ ‫ْ‬ ‫فْر عنكم سيئاتكم ون ُدْ ِ‬ ‫ُتنهون عنه ن ُك َ ّ‬

‫‪44‬‬
‫رف‬ ‫والكبائر السبع‪ ،‬هي‪ :‬الزنا‪ ،‬وشرب الخمر‪ ،‬والسحر‪ ،‬والتهام بالزنا لمن عُ ِ‬
‫بالعفة‪ ،‬والقتل العمد بغير ذنب‪ ،‬والتعامل بالربا‪ ،‬والفرار من وجه أعداء السلم في‬
‫ميادين القتال‪.‬‬
‫وموقف رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا يدل على يسر السلم‪ ،‬وأن الله‬
‫ريدُ الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫تعالى لم يكلف أحدا ً من خلقه ما فيه كلفة ومشقة‪ ،‬وهو سبحانه القائل‪} :‬ي ُ ِ‬
‫سَر{ ]البقرة‪ .[185 :‬فالتكاليف في الشريعة‬ ‫ع ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬‫ريدُ ب ِك ُ ْ‬‫ول ي ُ ِ‬ ‫سَر َ‬‫م ال ْي ُ ْ‬ ‫ب ِك ُ ْ‬
‫السلمية كلها متصفة باليسر‪ ،‬وضمن حدود الطاقة البشرية‪.‬‬
‫الزكاة والحج فريضتان محكمتان‪ :‬فالتزام هذين الركنين ممن وجبا عليه‪،‬‬
‫شرط أساسي في نجاته من النار ودخوله الجنة دون عذاب‪.‬‬
‫ولم يذكرهما النعمان رضي الله عنه بخصوصهما ‪ -‬كما ذكر الصلة والصوم ‪ -‬إما‬
‫لنهما لم يفرضا بعد‪ ،‬وإما لكونه غير مكلف بهما لفقره وعدم استطاعته‪ ،‬أو لنهما‬
‫يدخلن في تعميمه بعد ُ بقوله‪ :‬وأحللت الحلل وحرمت الحرام‪ ،‬فإنه يستلزم فعل‬
‫الفرائض كلها‪ ،‬لنها من الحلل الواجب‪ ،‬وتركها من الحرام الممنوع‪.‬‬
‫أهمية الصلة والصيام‪ :‬إن تصدير هذا السائل سؤاله بأداء الصلوات‬
‫المفروضة‪ ،‬يدل دللة واضحة على ما استقر في نفوس الصحابة رضي الله عنهم من‬
‫تعظيم أمرها والهتمام بها‪ ،‬وكيف ل ؟ وهي عماد الدين‪ ،‬وعنوان المسلم يؤديها في‬
‫اليوم والليلة خمس مرات‪ ،‬محافظا ً على أركانها وواجباتها‪ ،‬وسننها وآدابها‪] .‬انظر‬
‫الحديث الثالث من الربعين النووية [‬
‫وأما الصوم‪ :‬فهو في المرتبة الثانية بعد الصلة‪ ،‬وإن كان ل يقل عنها في‬
‫علمت من الدين‬ ‫الفرضية‪ ،‬فقد أجمعت المة على أنه أحد أركان السلم التي ُ‬
‫بالضرورة‪] .‬انظر الحديث الثالث من الربعين النووية [‬
‫ت أن ل إله‬ ‫جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬شهد ُ‬
‫إل الله وأنك رسول الله‪ ،‬وصّليت الخمس‪ ،‬وأديت زكاة مالي‪ ،‬وصمت شهر رمضان ؟‪.‬‬
‫ت على هذا كان مع النبيين‬ ‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬من ما َ‬
‫ب ُأصبعيه ‪ -‬ما لم يعقّ والديه"‪ .‬يعق من‬ ‫والصديقين والشهداء يوم القيامة هكذا ‪ -‬ونص َ‬
‫العقوق‪ ،‬وهو عدم الحسان إلى الوالدين كما أمر الله عز وجل ورسوله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫التيان بالنوافل زيادة قرب من الله تعالى وكمال‪ :‬والمسلم الذي‬
‫يرجو النجاة‪ ،‬وتطمح نفسه إلى رفيع الدرجات عند الله عز وجل‪ ،‬ل يترك نافلة ول‬
‫يقرب مكروهًا‪ ،‬ول يفرق فيما يطلب منه بين واجب أو مفروض أو مندوب‪ ،‬كما ل‬
‫يفرق فيما نهي عنه بين محرم أو مكروه‪.‬‬
‫وهكذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عامة يفعلون‪ ،‬ل يفرقون‬
‫ُ‬
‫سو ُ‬
‫ل‬ ‫م الّر ُ‬ ‫ما آَتاك ُ ْ‬
‫و َ‬‫مروا به أو ن ُُهوا عنه‪ ،‬بل يلتزمون قول الله عز وجل‪َ } :‬‬ ‫فيما أ ِ‬
‫هوا{ ]الحشر‪ .[7 :‬رغبة في الثواب‪ ،‬وطمعا ً في‬ ‫ه َ‬
‫فان ْت َ ُ‬ ‫عن ْ ُ‬‫م َ‬ ‫هاك ُ ْ‬‫ما ن َ َ‬
‫و َ‬‫ذوهُ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ف ُ‬‫َ‬
‫الرحمة والرضوان‪ ،‬وإشفاقا ً من المعصية والحرمان‪.‬‬
‫ونحن إذ نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقر ذلك الصحابي على إعلنه‪:‬‬
‫"والله ل أزيد على ذلك شيئا ً "‪ ،‬ول ينبهه إلى فضل الزيادة والتطوع‪ ،‬نعلم أنه صلى‬
‫ل‪ ،‬وتعليما ً للقادة والهداة إلى الله عز‬ ‫الله عليه وسلم فعل ذلك تيسيرا ً عليه وتسهي ً‬
‫وجل‪ :‬أن يبّثوا روح المل في النفوس‪ ،‬وأن يتخلقوا بالسماحة والرفق‪ ،‬وتقريرا ً لما‬
‫جاء به السلم من التيسير ورفع الحرج‪ .‬على أنه صلى الله عليه وسلم يعلم أن هذا‬
‫المؤمن التقي حين يعبد الله عز وجل بما افترض عليه‪ ،‬ويصل به قلبه‪ ،‬ينشرح صدره‪،‬‬
‫ويشعر باطمئنان نفسي ومتعة روحية‪ ،‬فيحمله كل ذلك على الشغف بالعبادة‪ ،‬والرغبة‬
‫في الزيادة من مرضاة الله عز وجل‪ ،‬بأداء النوافل وترك المكروه‪.‬‬
‫وأفاد الحديث‪:‬‬

‫‪45‬‬
‫أن على المسلم أن يسأل أهل العلم عن شرائع السلم‪ ،‬وما يجب عليه وما‬
‫سه‬‫ن نف ُ‬
‫ل له وما يحرم‪ ،‬إن كان يجهل ذلك‪ ،‬ليسيَر على هدى في حياته ‪ :‬وتطمئ َ‬ ‫يح ّ‬
‫لسلمة عمله‪.‬‬
‫كما أفاد‪ :‬أن على المعلم أن يتوسع بالمتعلم ‪ :‬ويبشره بالخير‪ ،‬ويأخذه باليسر‬
‫والترغيب‪.‬‬
‫التقويم ‪:‬‬
‫وضح ما جاء فى الحديث من العمال التى يدخل بها المؤمن الجنة ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫وم مدى أدائك العمال التي وردت فى الحديث والتى تدخل بها الجنة ‪.‬‬ ‫ق ّ‬ ‫‪-2‬‬
‫هل تبحث عن كل ما ينفعك لدخول الجنة وتسأل عنه ؟‬ ‫‪-3‬‬
‫علل ‪ -‬لماذا وافق رسول الله الرجل على ما حدده من أعمال لدخول‬ ‫‪-4‬‬
‫الجنة ‪.‬‬

‫الحديث الثالث والعشرون‬


‫دقة‬ ‫ص َ‬ ‫ر َ‬ ‫ٍ‬ ‫خي‬‫ل َ‬ ‫كُ ّ‬
‫ه قال ‪ :‬قال‬ ‫ه عن ُ‬ ‫ي رضي الل ُ‬ ‫ر ّ‬ ‫ع ِ‬ ‫ش َ‬ ‫صم ٍ ال َ ْ‬ ‫ن عا ِ‬ ‫ثب ِ‬ ‫ر ِ‬
‫ك الحا ِ‬ ‫عن أبي مال ٍ‬
‫ه‬
‫ن‪ ،‬والحمدُ ِلل ِ‬ ‫شطُر ال َِيما ِ‬ ‫ْ‬ ‫هوُر َ‬ ‫ّ‬
‫ه صلى الله عليه وسلم‪" :‬الط ُ‬ ‫ل الل ِ‬ ‫رسو ُ‬
‫ت‬
‫سماوا ِ‬ ‫ُ‬ ‫مل ُ ال ْ ِ‬
‫ن ال ّ‬‫مل ‪ -‬ما ب َي ْ َ‬ ‫ن ‪ -‬أو ت َ ْ‬ ‫مل ِ‬ ‫ه تَ ْ‬ ‫ه والحمدُ ِلل ِ‬ ‫ن الل ِ‬‫سْبحا َ‬ ‫ن‪ ،‬و ُ‬ ‫ميَزا َ‬ ‫تَ ْ‬
‫ك‬ ‫َ‬
‫ةل َ‬ ‫ج ٌ‬‫ح ّ‬
‫ن ُ‬
‫قرآ ُ‬ ‫ْ‬
‫ء‪ ،‬وال ُ‬ ‫ضَيا ٌ‬ ‫صب ُْر ِ‬ ‫ن‪ ،‬وال ّ‬ ‫ة ب ُْرها ٌ‬ ‫صد َ َ‬
‫ق ُ‬ ‫صلةُ نوٌر‪ ،‬وال ّ‬ ‫ض‪ ،‬وال ّ‬
‫َ‬ ‫والر ِ‬
‫قها"‪ .‬رواه‬ ‫موب ِ ُ‬ ‫قها أو ُ‬ ‫عت ِ ُ‬ ‫م ْ‬‫ف ُ‬ ‫ه‪َ ،‬‬ ‫س ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ع نَ ْ‬ ‫فبائ ٌ‬ ‫غدو‪َ ،‬‬ ‫س يَ ْ‬
‫ل الّنا ِ‬ ‫ك‪ ،‬ك ُ ّ‬‫عل َي ْ َ‬‫أو َ‬
‫مسلم‪.‬‬
‫الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬
‫أن يحدد الدارس ما جاء فى الحديث من أنواع العبادات ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫أن يوضح الدارس أهمية كل نوع من أنواع العبادة التى جاءت فى‬ ‫‪-2‬‬
‫الحديث ‪.‬‬
‫أن يذكر الدارس اليات القرآنية الدالة على هذه العبادات وأهميتها ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫ً‬
‫أن يمارس الدارس هذه العبادات تقربا إلى الله عز وجل ‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫أن يستشعر الدارس حلوة ممارسة هذه العبادات فى قلبه ‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫مفردات الحديث‪:‬‬
‫دث ‪ -‬كالوضوء والغسل‪ ،-‬أو إزالة نجس‪،‬‬ ‫ح َ‬
‫ل يترتب عليه رفع َ‬ ‫طهور‪ :‬فع ٌ‬ ‫ال ّ‬
‫كتطهير الثوب والبدن والمكان‪ ،‬أو المراد الوضوء فقط‪.‬‬
‫"شطر"‪ :‬نصف‪.‬‬
‫"الحمد لله"‪ :‬الثناء الحسن على الله تعالى لما أعطى من ن َِعم‪ ،‬والمراد هنا ‪:‬‬
‫ثواب لفظ الحمد لله‪.‬‬
‫فة الحسنات من الميزان الذي توزن به أعمال العباد يوم القيامة‪.‬‬ ‫"الميزان"‪ :‬ك ِ ّ‬
‫"سبحان الله"‪ :‬تعظيم الله تعالى وتنزيهه عن النقائص‪ ،‬والمراد هنا ثواب لفظ‬
‫سبحان الله‪.‬‬
‫"الصلة نور"‪ :‬أي تهدي إلى فعل الخير كم يهدي النور إلى الطريق السليم‪.‬‬
‫"برهان"‪ :‬دليل على صدق اليمان‪.‬‬
‫"الصبر"‪ :‬حبس النفس عما تتمنى‪ ،‬وتحملها ما يشق عليها‪ ،‬وثباتها على الحق‬
‫رغم المصائب‪.‬‬
‫ُ‬
‫"ضياء"‪ :‬هو شدة النور‪ ،‬أي بالصبر تنكشف الكُربات‪.‬‬
‫"حجة"‪ :‬برهان ودليل ومرشد ومدافع عنك‪.‬‬
‫"يغدو"‪ :‬يذهب باكرا ً يسعى لنفسه‪.‬‬
‫"بائع نفسه"‪ :‬لله تعالى بطاعته‪ ،‬أو لشيطانه وهواه بمعصية الله تعالى وسخطه‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫خزي في الدنيا‪ ،‬والعذاب في الخرة‪.‬‬ ‫معتقها"‪ :‬مخّلصها من ال ِ‬ ‫" ُ‬
‫"موبقها"‪ :‬مهلكها بارتكاب المعاصي وما يترتب عليها من الخزي والعذاب‪.‬‬
‫المعنى العام ‪:‬‬
‫الطهارة وثوابها‪ :‬الطهارة شرط لصحة العبادة‪ ،‬وعنوان محبة الله تعالى‪.‬‬
‫مِئنا ً المسلمين الخاشعين‪ ،‬أن ما يقوم به المؤمن‬ ‫مط َ ْ‬‫فلقد بين صلى الله عليه وسلم‪ُ ،‬‬
‫من طهارة لبدنه وثوبه ‪ -‬استعدادا ً لمناجاة ربه ‪ -‬أثر هام وبارز من آثار إيمانه‪ ،‬إذ يعبر‬
‫هُروا{ ]المائدة‪:‬‬ ‫فاطّ ّ‬ ‫جن ًُبا َ‬‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫وإ ِ ْ‬‫به عن إذعانه لمره‪ ،‬واستجابته لندائه‪َ }.‬‬
‫هر{ ]المدثر‪ .[4 :‬فيقوم ويحتمل المكاره‪ ،‬ليقف بين يدي‬ ‫فطَ ّ‬ ‫ك َ‬ ‫‪.[6‬وقال‪} :‬وثياب َ َ‬
‫الله تعالى نقيا ً تقيًا‪ ،‬حسن الرائحة والسمت كما أحسن الله خلقه‪ ،‬وقد وجبت له محبة‬
‫ب المتطهرين{ ]البقرة‪.[222 :‬‬ ‫وابين ويح ّ‬ ‫الله عز وجل‪} :‬إن الله ُيحب الت ّ‬
‫لقد ب َّين صلى الله عليه وسلم أن أجر الطهارة‪ ،‬من وضوء وغيره‪ ،‬يتضاعف عند‬
‫الله تعالى حتى يبلغ نصف أجر اليمان‪ ،‬وذلك لن اليمان يمحو ما سبقه من الخطايا‬
‫الكبيرة والصغيرة‪ ،‬والطهارة ‪ -‬وخاصة الوضوء ‪ -‬تمحو ما سبقها من خطايا صغيرة‪،‬‬
‫فكانت كنصف اليمان‪.‬‬
‫روى مسلم‪ ،‬عن عثمان رضي الله عنه‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫ن الوضوَء خرجت خطاياه من جسده‪ ،‬حتى تخرج من تحت أظفاره"‪.‬‬ ‫"من توضأ فأحس َ‬
‫واليمان تنظيف للباطن من الدران المعنوية‪ ،‬كالشرك بالله تعالى والنفاق وما‬
‫طهور تنظيف للظاهر من الدران الحسية‪.‬‬ ‫أشبه ذلك‪ ،‬وال ّ‬
‫من خصال اليمان‪ :‬الوضوء من خصال اليمان الخفية‪ ،‬التي ل ُيحافظ عليها‬
‫ظ على الوضوء إل مؤمن" رواه ابن‬ ‫إل المؤمن‪ ،‬قال عليه الصلة والسلم‪" :‬لن ُيحاف َ‬
‫ماجه والحاكم‪ .‬لنه أمر غير ظاهر‪ ،‬إلى جانب ما فيه من المكاره‪ ،‬ولذا كان المحافظ‬
‫عليه أسبق إلى دخول الجنة‪.‬‬
‫ح يوما ً‬ ‫روى ابن خزيمة في صحيحه‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصب َ‬
‫فدعا بلل ً فقال‪" :‬يا بلل‪ ،‬بم سبقتني إلى الجنة ؟ إني دخلت البارحة الجنة‪ ،‬فسمعت‬
‫ت ركعتين‪ ،‬ول‬ ‫صل ّي ْ ُ‬
‫ت قط إل َ‬ ‫خشخشتك أمامي" فقال بلل ‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬ما أذ ّن ْ ُ‬
‫أصابني حدث قط إل توضأت عنده‪ .‬فقال صلى الله عليه وسلم‪" :‬لهذا"‪.‬‬
‫ِذك ُْر الله تعالى وشكره‪ :‬إن التعبير عن شكر الله عز وجل بالكثار من ذكره‪،‬‬
‫ول سيما بما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من صيغ وألفاظ‪ ،‬يمل ثوابه‬
‫كفة ميزان العمال الصالحة يوم القيامة‪ ،‬ففي مسند أحمد رحمه الله تعالى‪ ،‬عن أبي‬
‫سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬إن الله‬
‫اصطفى من الكلم أربعا ً ‪ :‬سبحان الله‪ ،‬والحمد لله‪ ،‬ول إله إل الله‪ ،‬والله أكبر‪ ،‬فمن‬
‫ت عنه عشرون سيئة‪ ،‬ومن قال ‪ :‬الله‬ ‫حط ّ ْ‬ ‫كتبت له عشرون حسنة و ُ‬ ‫قال‪ :‬سبحان الله ُ‬
‫أكبر مثل ذلك‪ ،‬ومن قال‪ :‬ل إله إل الله مثل ذلك‪ ،‬ومن قال ‪ :‬الحمد لله مثل ذلك‪ ،‬ومن‬
‫طت عنه ثلثون‬ ‫ح ّ‬ ‫كتبت له ثلثون حسنة‪ ،‬و ُ‬ ‫قال الحمد لله رب العالمين من قبل نفسه ُ‬
‫سيئة"‪.‬‬
‫فمن عبر عما سبق بلسانه‪ ،‬معتقدا ً بما تلفظ بملء قلبه ونفسه‪ ،‬مستحضرا ً‬
‫لمعانيها بفكره وعقله‪ ،‬فإنه ينال جزاًء عظيمًا‪ ،‬لو كان يقاس بالمساحات ويقدر‬
‫سّلما ً يصعد عليه إلى درجات العلى‪.‬‬ ‫سد ّ ما بين السماوات والرض‪ ،‬وكان له ُ‬ ‫بالحجام ل َ َ‬
‫اطمئنان القلب‪ :‬ل بد حال الذكر من استحضار القلب وفهم المعاني ما‬
‫أمكن‪ ،‬حتى يكون لذلك أثر في نفس المسلم‪ ،‬فيطمئن قلبه ويستقيم سلوكه ‪:‬‬
‫قُلوبهم بذك ْر الل ّ َ‬
‫ب{‬ ‫قُلو ُ‬‫ن ال ْ ُ‬‫مئ ِ ّ‬‫ه ت َطْ َ‬ ‫ر الل ّ ِ‬
‫ذك ْ ِ‬‫ه أل ب ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ ُ ْ ِ ِ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫وت َطْ َ‬
‫مئ ِ ّ‬ ‫مُنوا َ‬
‫نآ َ‬ ‫}ا ل ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫]الرعد‪.[28 :‬‬
‫الكثار من الذكر‪ :‬المؤمن في حاجة ماسة إلى اطمئنان قلبه واستقرار‬
‫نفسه‪ ،‬ولذا لبد له أن يكثر من ذكر الله عز وجل‪ ،‬حتى يكون دائما ً على صلة به‪،‬‬

‫‪47‬‬
‫معتمدا ً عليه‪ ،‬مستمدا ً لعونه ونصرته‪ ،‬طالبا ً لعفوه ومغفرته‪ ،‬حتى يذكره الله تعالى في‬
‫َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫سّلكه مسالك الهدى والحق‪َ}:‬يا أي ّ َ‬ ‫ملكوته‪ ،‬فيشمله بفضله ورحمته‪ ،‬وي ُ َ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫صلي‬ ‫ذي ي ُ َ‬ ‫و ال ِ‬ ‫ه َ‬
‫صيل * ُ‬ ‫وأ ِ‬ ‫حوهُ ب ُك َْرةً َ‬‫سب ّ ُ‬ ‫و َ‬‫ه ِذك ًْرا ك َِثيًرا * َ‬ ‫مُنوا اذْك ُُروا الل ّ َ‬ ‫آ َ‬
‫ن‬
‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ِبال ُ‬ ‫كا َ‬ ‫و َ‬‫ر َ‬‫ت إ ِلى الّنو ِ‬‫َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ن الظل َ‬ ‫م ْ‬ ‫جك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ر َ‬
‫خ ِ‬‫ه ل ِي ُ ْ‬ ‫ملئ ِك َت ُ ُ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫علي ْك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما{ ]الحزاب‪.[43-41:‬‬ ‫حي ً‬ ‫َر ِ‬
‫ل‪ :‬عند طلوع الشمس وعند ميلنها للغروب والمراد ‪ :‬جميع الوقات‪.‬‬ ‫بكرة وأصي ً‬
‫الصلة نور‪ :‬الصلة فريضة محكمة وركن أساسي من أركان السلم‪ ،‬وهي ‪-‬‬
‫كما بين صلى الله عليه وسلم ‪ -‬نور مطلق تدل صاحبها على طريق الخير‪ ،‬وتمنعه من‬
‫ء‬
‫شا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ف ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ع ْ‬ ‫هى َ‬ ‫صلةَ ت َن ْ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫المعاصي‪ ،‬وتهديه سبيل الستقامة‪ ،‬قال تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫ر{ ]العنكبوت‪ [45 :‬فهي نور معنوي يستضاء به في طرق الهداية والحق‪ ،‬كما‬ ‫من ْك َ ِ‬ ‫وال ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ُيستضاء بالضياء المادي إلى الطريق القويم والسلوك السليم‪ ،‬وهي تكسب المسلم‬
‫ن‬
‫عى ب َي ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫الهيبة والبهاء في الدنيا‪ ،‬كما تشع النور على وجهه يوم القيامة‪ُ} :‬نوُر ُ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ه ِ‬‫جو ِ‬ ‫و ُ‬ ‫في ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬‫ما ُ‬ ‫سي َ‬ ‫م{ ]التحريم‪ .[8 :‬وقال تعالى‪ِ } :‬‬ ‫ه ْ‬ ‫مان ِ ِ‬ ‫وب ِأي ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫دي ِ‬ ‫أي ْ ِ‬
‫َ‬
‫جوِد{ ]الفتح‪.[29 :‬‬ ‫س ُ‬ ‫ر ال ّ‬ ‫أث َ ِ‬
‫الصلة صلة العبد بربه‪ ،‬ومناجاته لخالقه‪ ،‬ولهذا كانت قرة عين المتقين‪ ،‬يجدون‬
‫حَزَبه ‪-‬أمر أي‪ :‬أصابه‪-‬‬ ‫فيها الراحة والسكينة والمن‪ ،‬وكان صلى الله عليه وسلم إذا َ‬
‫قال‪" :‬يا بلل أقم الصلة‪ ،‬وأرحنا بها" رواه أبو داود‪.‬‬
‫الصدقة برهان‪ :‬البرهان هو الشعاع الذي يلي وجه الشمس‪ ،‬ومنه سميت‬
‫الحجة القاطعة برهانا ً لوضوح دللتها على ما دلت عليه‪.‬‬
‫فكذلك الصدقة برهان على صحة اليمان‪ ،‬وطيب النفس بها علمة على وجود‬
‫اليمان وطعمه‪.‬‬
‫الصبر ضياء‪ :‬الضياء هو النور الذي يحصل فيه نوع حرارة وإحراق‪ ،‬كضياء‬
‫الشمس‪ ،‬بخلف القمر فإنه نور محض فيه إشراق بغير إحراق‪ ،‬وكان الصبر ضياء لنه‬
‫شاق على النفوس‪ ،‬يحتاج إلى مجاهدة النفس وحبسها وكفها عما تهواه‪.‬‬
‫الصبر طريق النصر‪ :‬ل يزال المسلم على صواب ما استمر في صبره‪ ،‬وذلك‬
‫أن النسان يعيش في الدنيا تحوفه الشدائد‪ ،‬وتحيط به المصائب‪ ،‬وكل ذلك يحتاج إلى‬
‫ثبات وقوة‪ ،‬وإل تلشى النسان وضاع‪ ،‬وما أكثر ما يحتاج المسلم في حياته إلى‬
‫الصبر‪ ،‬فالطاعة تحتاج إلى صبر‪ ،‬وترك المعصية يحتاج إلى صبر‪ ،‬وتحمل المكاره‬
‫والمصائب يحتاج إلى صبر‪ ،‬ولذلك كان التخلق بالصبر قوة ل تساويها قوة‪ ،‬ونورا ً‬
‫عظيما ً ل يزال صاحبه مستضيئا ً به‪ ،‬مهتديا ً إلى الحق مستمرا ً على الصواب‪.‬‬
‫القرآن حجة‪ :‬المسلم منهاجه القرآن‪ ،‬وإمامه كتاب الله تعالى‪ :‬يهتدي بهديه‪،‬‬
‫ويأتمر بأمره‪ ،‬وينتهي بنهيه‪ ،‬ويتخلق بأخلقه‪ ،‬فمن فعل ذلك انتفع بالقرآن إذا تله‪،‬‬
‫وكان دليل ً له يدله على النجاة في الدنيا وبرهانا ً يدافع عنه يوم القيامة‪ ،‬ومن تنكب‬
‫الطريق وانحرف عن تعاليم القرآن‪ ،‬كان القرآن خصمه يوم القيامة‪.‬‬
‫طريق الجنة‪ :‬يختم صلى الله عليه وسلم توجيهاته الرائعة وعظاته الباهرة ببيان‬
‫أصناف الناس‪ ،‬إذ الناس جميعا ً يصبحون كل يوم ويمسون‪ ،‬ولكنهم ليسوا على حالة‬
‫واحدة‪ ،‬فهناك من قضى ليله أو نهاره في طاعة الله سبحانه وتعالى ومرضاته‪ ،‬يلتزم‬
‫الصدق في معاملته مع الله عز وجل ومع الناس‪ ،‬فأنقذ نفسه من الهلك وخلصها من‬
‫العذاب‪ ،‬فهو حر النفس‪ ،‬حر الفكر والعقل‪ ،‬حر الرادة‪ ،‬لم يقبل قيمة لنفسه إل الجنة‬
‫الخالدة والنعيم البدي المقيم‪ .‬وهناك من قضى ليله أو نهاره في معصية الله تعالى‪،‬‬
‫ومخالفة أوامره في شؤونه العامة والخاصة‪ ،‬مع الله تعالى ومع الخلق‪ ،‬فأهلك نفسه‬
‫وأوردها المخاطر‪ ،‬وباعها بثمن بخس‪ :‬شقاء في الدنيا وسجن في جحيم أبدي في‬
‫العقبى‪ ،‬إذ كان أسير شهوته وهواه‪ ،‬وطوع شيطانه ونفسه‪" :‬كل الناس يغدو فبائع‬
‫نفسه فمعتقها أو موبقها"‪ .‬كل إنسان ‪ :‬إما ساع في هلك نفسه أو في فكاكها‪ ،‬فمن‬

‫‪48‬‬
‫سعى في طاعة الله فقد باع نفسه لله وأعتقها من عذابه‪ ،‬ومن سعى في معصية الله‬
‫تعالى فقد باع نفسه بالهوان وأوقعها بالثام الموجبة لغضب الله عز وجل وعقابه‪ .‬قال‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫ح َ‬ ‫قد ْ أ َ ْ‬
‫فل َ َ‬ ‫ها * َ‬ ‫وا َ‬ ‫وت َ ْ‬
‫ق َ‬ ‫ها َ‬
‫جوَر َ‬ ‫ها ُ‬
‫ف ُ‬ ‫م َ‬
‫ه َ‬
‫ها * َ َ‬
‫فأل ْ َ‬ ‫وا َ‬
‫س ّ‬‫ما َ‬ ‫و َ‬
‫س َ‬‫ف ٍ‬ ‫ون َ ْ‬‫تعالى‪َ } :‬‬
‫ها{ ]الشمس‪ .[10 - 7 :‬والمعنى‪ :‬قد أفلح من زكى‬ ‫سا َ‬
‫ن دَ ّ‬‫م ْ‬‫ب َ‬ ‫خا َ‬
‫قد ْ َ‬‫و َ‬‫ها * َ‬ ‫َز ّ‬
‫كا َ‬
‫نفسه بطاعة الله‪ ،‬وخاب من زجها في المعاصي‪.‬‬
‫ومما يرشد إليه الحديث‪:‬‬
‫المحافظة على الصلوات بأوقاتها‪ ،‬وأدائها كاملة بأركانها وواجباتها وسننها وآدابها‪ ،‬بعد‬
‫تحقق شروطها كاملة‪.‬‬
‫الكثار من النفاق في وجوه الخير‪ ،‬والمسارعة إلى سد حاجة الفقراء‬
‫والمعوزين‪ ،‬والبحث عن الرامل واليتامى والفقراء المعففين والنفاق عليهم‪ ،‬لتكون‬
‫الصدقة خالصة لوجهه تعالى‪.‬‬
‫الصبر على الشدائد‪ ،‬وخاصة على ما ينال المسلم نتيجة المر بالمعروف والنهي‬
‫عن المنكر والدعوة إلى الله تعالى‪.‬‬
‫القرآن دستور المسلم‪ ،‬فعليه القبال على تلوته مع تفهم معناه والعمل‬
‫بمقتضاه‪.‬‬
‫المسلم يسعى لن يستفيد من وقته وعمره في طاعة الله عز وجل‪ ،‬ول يشغل‬
‫نفسه إل بموله سبحانه‪ ،‬وما يعود عليه بالنفع في معاشه ومعاده‪.‬‬
‫التقويم ‪:‬‬
‫حدد ما جاء فى الحديث من أنواع العبادات ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫وضح أهمية كل نوع من أنواع العبادة التى جاءت فى الحديث وأثرها ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫أذكر اليات القرآنية الدالة على هذه العبادات وأهميتها ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫هل تمارس هذه العبادات تقربا ً إلى الله عز وجل – وكيف تحقق ذلك ؟‬ ‫‪-4‬‬
‫هل تستشعر حلوة ممارسة هذه العبادات فى قلبك ‪ -‬وما علمة ذلك ؟‬ ‫‪-5‬‬

‫الحديث الرابع والعشرون‬


‫ّ ْ‬
‫م الظلم ِ‬ ‫ري ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‬ ‫الله عنه‪ ،‬عن النب ّ‬ ‫ي رضي‬ ‫غفار ّ‬ ‫عن أبي ذَّر ال ْ ِ‬
‫َ‬
‫م على‬ ‫ت الظُل ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫حّر ْ‬ ‫عبادي إّني َ‬ ‫ه قال‪ " :‬يا ِ‬ ‫ل أن ّ ُ‬ ‫ج ّ‬ ‫عّز و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه عن َرب ّ ِ‬ ‫فيما ي َْروي ِ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ل إل َ‬ ‫م ضا ّ‬ ‫ُ‬
‫عبادي كلك ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫موا‪ .‬يا ِ‬ ‫َ‬
‫حّرما فل ت َظال ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫م َ‬ ‫م ُ‬ ‫ُ‬
‫ه ب َي ْن َك ْ‬ ‫علت ُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫وج َ‬ ‫سي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫نَ ْ‬
‫ه‪،‬‬ ‫مت ُ ُ‬ ‫ع ْ‬ ‫ْ‬
‫ن أط َ‬ ‫م ْ‬ ‫ع إل َ‬ ‫م جائ ٌ‬ ‫ّ‬
‫عباِدي ك ُلك ُ ْ‬ ‫م‪ .‬يا ِ‬ ‫دك ُ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫دوني أ ْ‬ ‫سَته ُ‬ ‫ه‪ ،‬فا ْ‬ ‫هدَي ْت ُ ُ‬ ‫َ‬
‫ست ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫كسوني‬ ‫ه‪ ،‬فا ْ‬ ‫وت ُ ُ‬ ‫س ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ر إل َ‬ ‫عا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫عباِدي ك ُلك ُ ْ‬ ‫كم ‪ .‬يا ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ع ْ‬ ‫موني أط ِ‬ ‫ع ُ‬ ‫ست َط ِ‬ ‫فا ْ‬
‫جميعًا‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب َ‬ ‫فُر الذُّنو َ‬ ‫غ ِ‬ ‫ر‪ ،‬وأنا أ ْ‬ ‫ل والّنها ِ‬ ‫ن باللي ْ ِ‬ ‫خطُِئو َ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫عباِدي إ ِن ّك ُ ْ‬ ‫كم ‪ .‬يا ِ‬ ‫س ُ‬ ‫أك ُ‬
‫ضّروني‪ ،‬ولن‬ ‫ضّري فت َ ُ‬ ‫غوا َ‬ ‫ن تْبل ُ‬ ‫مل ْ‬ ‫عباِدي إ ِن ّك ُ ْ‬ ‫م ‪ .‬يا ِ‬ ‫فر لك ُ ْ‬ ‫غ ِ‬ ‫فُروني أ ُ ْ‬ ‫غ ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫فا ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫تب ْل ُ ُ‬
‫جن ّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫مو ِ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫م وإن ْ َ‬ ‫خَرك ُ ْ‬ ‫م وآ ِ‬ ‫ولك ُ ْ‬ ‫نأ ّ‬ ‫وأ ّ‬ ‫عباِدي ل ْ‬ ‫عوني ‪ .‬يا ِ‬ ‫فت َْنف ُ‬ ‫فعي َ‬ ‫غوا ن ْ‬
‫شيئا ً ‪ .‬يا‬ ‫مْلكي َ‬ ‫َ‬
‫م ما زادَ ذلك في ُ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫د ِ‬ ‫ل واح ٍ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ب َر ُ‬ ‫قل ْ ِ‬ ‫قى َ‬ ‫عَلى أت ْ َ‬ ‫كاُنوا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫ب رج ٍ‬ ‫قل ْ ِ‬ ‫ر َ‬ ‫فج ِ‬ ‫عَلى أ ْ‬ ‫م كاُنوا َ‬ ‫جن ّك ُ ْ‬ ‫مو ِ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫م وإن ْ َ‬ ‫خَرك ُ ْ‬ ‫م وآ ِ‬ ‫ولك ُ ْ‬ ‫نأ ّ‬ ‫وأ ّ‬ ‫عباِدي ل ْ‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫خَرك ْ‬ ‫م وآ ِ‬ ‫ولك ْ‬ ‫نأ ّ‬ ‫وأ ّ‬ ‫عباِدي ل ْ‬ ‫ملكي شيئا ‪ .‬يا ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ص ذلك ِ‬ ‫م ما ن َق َ‬ ‫من ْك ْ‬ ‫د ِ‬ ‫واح ٍ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫تك ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫سألت َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫د َ‬ ‫ل واح ٍ‬ ‫عطي ْ ُ‬ ‫سألوني‪ ،‬فأ ْ‬ ‫د‪ ،‬ف َ‬ ‫عي ٍ‬ ‫ص ِ‬ ‫م قاموا في َ‬ ‫م وجن ّك ْ‬ ‫سك ْ‬ ‫وإن ْ َ‬
‫عباِدي‬ ‫حَر ‪ .‬يا ِ‬ ‫ْ‬ ‫خ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ل الب َ ْ‬ ‫خي َط إذا أدْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ص ال ِ‬ ‫دي إل كما ي َن ْق ُ‬ ‫عن ْ ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ص ذلك ِ‬ ‫ما ن َق َ‬
‫ْ‬ ‫ً‬
‫جدَ خْيرا َ‬ ‫م إّياها‪َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫و ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫د‬
‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫فلي َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ف َ‬ ‫فيك ْ‬ ‫مأ َ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫صيها لك ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫مالك ْ‬ ‫إّنما هي أع َ‬
‫ه" رواه مسلم‪.‬‬ ‫س ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ن إل ن َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫فل َيلو َ‬ ‫غي َْر ذلك َ‬ ‫جد َ َ‬ ‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه‪ ،‬و َ‬ ‫الل َ‬

‫الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬


‫‪ -1‬أن يوضح الدارس مفهوم الظلم بصوره المختلفة ‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫‪ -2‬أن يوضح الدارس ما جاء فى الحديث من أوامر ونواه من الله عز وجل‬
‫لعباده ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يلتزم الدارس بما جاء فى الحديث من أوامر ونواه طاعة لله ‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يعبر الدارس عن ما يستشعره من لذة إيمانية عند ممارسته لما جاء‬
‫فى الحديث ‪.‬‬
‫‪ -5‬أن يوضح الدارس قدرة الله وعظمته كما جاءت فى الحديث ‪.‬‬
‫‪ -6‬أن يعبر الدارس عن افتقاره وحاجته إلى الله عز وجل كما ورد فى‬
‫الحديث ‪.‬‬
‫‪ -7‬أن يحدد الدارس الفوائد التى تعود على المسلم إذا التزم بما جاء فى‬
‫الحديث من أوامر ونواهٍ ‪.‬‬
‫مفردات الحديث‪:‬‬
‫"حرمت الظلم"‪ :‬الظلم لغة‪ :‬وضع الشيء في غير محله‪ .‬وهو مجاوزة الحد أو‬
‫التصرف فيحق الناس بغير حق‪ .‬وهو مستحيل على الله تعالى‪ .‬ومعنى حرمت الظلم‬
‫على نفسي ‪ :‬أي ل يقع مني‪ ،‬بل تعاليت عنه وتقدست‪.‬‬
‫"ضال"‪ :‬غافل عن الشرائع قبل إرسال الرسل‪.‬‬
‫"إل من هديته"‪ :‬أرشدته إلى ما جاء به الرسل ووفقته إليه‪.‬‬
‫"فاستهدوني"‪ :‬اطلبوا مني الهداية‪.‬‬
‫"صعيد واحد"‪ :‬أرض واحدة ومقام واحد‪.‬‬
‫خيط"‪ :‬بكسر الميم وسكون الخاء‪ ،‬البرة‪.‬‬ ‫م ْ‬‫"ال ِ‬
‫"ُأحصيها لكم"‪ :‬أضبطها لكم بعلمي وملئكتي الحفظة‪.‬‬
‫"أوفيكم إياها"‪ :‬أوفيكم جزاءها في الخرة‪.‬‬
‫المعنى العام‪:‬‬
‫تحريم الظلم على الله‪ :‬ولفظ الحديث صريح في أن الله عز وجل منع‬
‫نفسه من الظلم لعباده‪" :‬إني حرمت الظلم على نفسي"‪ ،‬وهو صريح في القرآن‬
‫الكريم أيضًا‪ ،‬قال تعالى‪} :‬وما أنا بظلم ٍ للعبيد{ ‪.‬‬
‫تحريم الظلم على العباد‪ :‬حرم الله عز وجل الظلم على عباده‪ ،‬ونهاهم أن‬
‫يتظالموا فيما بينهم‪ ،‬فحرم على كل إنسان أن يظلم غيره‪ ،‬مع أن الظلم في نفسه‬
‫محرم مطلقًا‪ .‬و الظلم نوعان‪:‬‬
‫الول‪ :‬ظلم النفس‪ ،‬وأعظمه الشراك بالله‪ ،‬قال تعالى‪} :‬إن الشرك لظلم‬
‫عظيم{‪ ،‬لن المشرك جعل المخلوق في منزلة الخالق وعبده مع الله تعالى المنزه‬
‫عن الشريك‪.‬‬
‫ويلي ظلم الشراك بالله المعاصي والثام الصغيرة والكبيرة‪ ،‬فإن فيها ظلما ً‬
‫للنفس بإيرادها موارد العذاب والهلك في الدنيا والخرة ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬ظلم النسان لغيره‪ ،‬وقد تكرر تحريمه والتحذير منه في أحاديث النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ففي الصحيحين‪ ،‬عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما‪ ،‬عن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إن الظلم ظلمات يوم القيامة"‪.‬‬
‫الفتقار إلى الله‪ :‬والخلق كلهم مفتقرون إلى الله في جلب المصالح ودفع‬
‫المضار في الدنيا والخرة‪ ،‬فهم في حاجة ماسة إلى هداية الله ورزقه في الدنيا وهم‬
‫بحاجة إلى رحمة الله ومغفرته في الخرة‪ ،‬والمسلم يتقرب إلى الله عز وجل بإظهار‬
‫الحاجة والفتقار‪ ،‬وتتجلى عبوديته الحقة لله رب العالمين في إحدى الصور الثلث‬
‫التالية ‪:‬‬
‫س حاجتهم لله وأن‬ ‫ْ‬
‫ل‪ :‬بالسؤال‪ ،‬والله سبحانه وتعالى يحب أن ي ُظهَِر النا ُ‬ ‫أو ً‬
‫يسألوه جميع مصالحهم الدينية والدنيوية‪ :‬من الطعام والشراب والكسوة‪ ،‬كما يسألونه‬
‫الهداية والمغفرة‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫ثانيًا‪ :‬بطلب الهداية‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬بالمتثال الكامل‪ ،‬وذلك باجتناب كل ما نهى الله تعالى عنه‪ ،‬وفعل كل ما‬
‫أمر الله تعالى به‪.‬‬
‫التقويم ‪:‬‬
‫وضح مفهوم الظلم بصوره المختلفة ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫وضح ما جاء فى الحديث من أوامر ونواه من الله عز وجل لعباده ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫هل تلتزم بما جاء فى الحديث من أوامر ونواه طاعة لله ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫عبر عن ما تستشعره من لذة إيمانية عند ممارستك لما جاء فى‬ ‫‪-4‬‬
‫الحديث ‪.‬‬
‫وضح قدرة الله وعظمته كما جاءت فى الحديث ‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫عبر عن افتقارك وحاجتك إلى الله عز وجل كما ورد فى الحديث ‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫حدد الفوائد التى تعود على المسلم إذا التزم بما جاء فى الحديث من‬ ‫‪-7‬‬
‫أوامر ونواهٍ ‪.‬‬

‫الحديث الخامس والعشرون‬


‫مِته‬ ‫ح َ‬ ‫ةر ْ‬ ‫ع ُ‬ ‫س َ‬ ‫و َ‬ ‫عالى َ‬ ‫هت َ‬ ‫ل الل ِ‬ ‫فض ُ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ب رسول الله صلى‬ ‫صحا ِ‬ ‫ن ناسا من أ ْ‬ ‫ه عنه‪" :‬أ ّ‬ ‫عن أبي ذَّر رضي الل ُ‬
‫هب‬ ‫ه‪ ،‬ذَ َ‬ ‫ل الل ِ‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم‪ :‬يا رسو َ‬ ‫َالله عليه وسلم‪ ،‬قالوا ِللّنب ّ‬
‫ُ‬
‫قون‬ ‫صد ّ ُ‬‫وي َت َ َ‬‫م‪َ ،‬‬ ‫صو ُ‬ ‫ن كما ن َ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫صو ُ‬ ‫صّلي‪ ،‬وي َ ُ‬ ‫ن كما ن ُ َ‬ ‫صّلو َ‬ ‫ر‪ ،‬ي ُ َ‬ ‫ر بالجو ِ‬ ‫دثو ِ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ه ُ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬
‫م‬‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫ن؟إ ّ‬ ‫قو َ‬ ‫صدّ ُ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ج َ‬‫قد ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫و لي َ‬ ‫ل‪" :‬أ َ‬ ‫قا َ‬‫م‪َ .‬‬ ‫ه ْ‬ ‫وال ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ضو ِ‬ ‫ِبف ُ‬
‫ة‬‫هِليل َ ٍ‬ ‫ل تَ ْ‬ ‫وك ُ ّ‬ ‫ة‪َ ،‬‬ ‫ق ً‬‫صد َ َ‬ ‫ة َ‬ ‫ميدَ ٍ‬ ‫ح ِ‬ ‫ل تَ ْ‬ ‫ة‪ ،‬وك ُ ّ‬ ‫ق ً‬‫صد َ َ‬ ‫ة َ‬ ‫ل ت َك ِْبيَر ٍ‬ ‫ة‪ ،‬وك ُ ّ‬ ‫ق ً‬‫صد َ َ‬ ‫ة َ‬ ‫ح ٍ‬ ‫سبي َ‬ ‫ل تَ ْ‬ ‫بك ّ‬
‫َ‬
‫دك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ح ِ‬‫عأ َ‬ ‫ض ِ‬‫ة‪ ،‬وفي ب ُ ْ‬ ‫ق ً‬ ‫صد َ َ‬ ‫ر َ‬ ‫من ْك َ ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫ع ْ‬ ‫ي َ‬ ‫ه ٍ‬ ‫ون َ ْ‬ ‫ة‪َ ،‬‬ ‫ق ً‬‫صد َ َ‬ ‫ف َ‬ ‫معُرو ِ‬ ‫ر ِبال ْ َ‬ ‫م ٍ‬ ‫وأ ْ‬ ‫ة‪َ ،‬‬ ‫ق ً‬‫صد َ َ‬ ‫َ‬
‫ها أجٌر ؟‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫في َ‬ ‫ه ِ‬ ‫نل ُ‬ ‫وي َكو ُ‬ ‫ه َ‬ ‫وت َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫حدَُنا ش ْ‬ ‫ه‪ ،‬أي َأتي أ َ‬ ‫سول الل ِ‬ ‫ة‪ .‬قالوا‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫صدَق ً‬ ‫َ‬
‫عها في‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه وْزٌر ؟ فكذل ِك إ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قا َ‬ ‫َ‬
‫ض َ‬‫و َ‬ ‫ذا َ‬ ‫علي ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م‪ ،‬أكا َ‬ ‫حَرا ٍ‬ ‫عها في َ‬ ‫ض َ‬ ‫و َ‬ ‫و َ‬ ‫مل ْ‬ ‫ل‪ :‬أَرأي ْت ُ ْ‬
‫َ‬
‫جٌر "‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬ ‫هأ ْ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ل كا َ‬ ‫حل َ ِ‬ ‫ال ْ َ‬

‫الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬


‫صل بها المؤمن الدرجات كما جاءت‬‫أن يذكر الدارس أبواب الخير التي يح ّ‬ ‫‪-1‬‬
‫فى الحديث ‪.‬‬
‫أن يذكر الدارس بعض اليات التى تؤكد ما جاء فى الحديث من أبواب‬ ‫‪-2‬‬
‫الخير ‪.‬‬
‫أن يحرص الدارس على أن ينال تلك الدرجات وذلك الخير ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫أن يعتاد الدارس على أن يطرق أبواب الخير التى وردت فى الحديث ‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫أن يجد الدارس لذته في فعل الخيرات التى وردت بالحديث ‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫مفردات الحديث‪:‬‬
‫"أن أناسًا"‪ :‬الناس والناس بمعنى واحد‪ ،‬وهؤلء الناس هم فقراء المهاجرين‪.‬‬
‫"الدثور"‪ :‬جمع د َْثر‪ ،‬وهو المال الكثير‪.‬‬
‫"فضول أموالهم"‪ :‬أموالهم الزائدة عن كفايتهم وحاجاتهم‪.‬‬
‫"تصدقون"‪ :‬تتصدقون به‪.‬‬
‫"تسبيحة"‪ :‬أي قول‪ :‬سبحان الله‪.‬‬
‫"تكبيرة"‪ :‬قول‪ :‬الله أكبر‪.‬‬
‫"تحميدة"‪ :‬قول‪ :‬الحمد لله‪.‬‬
‫"تهليلة" ‪ :‬قول‪ :‬ل إله إل الله‪.‬‬
‫"صدقة"‪ :‬أجر كأجر الصدقة‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫"ُبضع"‪ :‬الُبضع‪ :‬الجماع‪.‬‬
‫"شهوته"‪ :‬لذته‪.‬‬
‫"وزر" ‪ :‬إثم وعقاب‪.‬‬
‫المعنى العام‪:‬‬
‫"يا رسول الله‪ ،‬ذهب أهل الدثور بالجور"‪ .‬لقد حاز أصحاب الموال والغنى كل‬
‫أجر وثواب‪ ،‬واستأثروا بذلك دوننا‪ ،‬وذلك أنهم "يصلون كما نصلي ويصومون كما‬
‫نصوم"‪ .‬فنحن وإياهم في ذلك سواء‪ ،‬ول ميزة لنا عليهم‪ ،‬ولكنهم يفضلوننا ويتميزون‬
‫علينا‪ ،‬فإنهم "يتصدقون بفضول أموالهم" ول نملك نحن ما نتصدق به لندرك مرتبتهم‪،‬‬
‫ونفوسنا ترغب أن نكون في مرتبتهم عند الله تعالى‪ ،‬فماذا نفعل ؟‪.‬‬
‫الحكمة البالغة وأبواب الخير الواسعة‪ :‬يدرك المصطفى صلى الله عليه‬
‫وسلم لهفة هؤلء وشوقهم إلى الدرجات العلى عند ربهم‪ ،‬ويداوي نفوسهم بما آتاه‬
‫الله تعالى من حكمة‪ ،‬فيطيب خاطرهم ويلفت أنظارهم إلى أن أبواب الخير واسعة‪،‬‬
‫ة‬
‫ة فاعله مرتب َ‬ ‫داني مرتب ُ‬ ‫ب المتصدق‪ ،‬وت ُ َ‬ ‫وأن هناك من العمال ما يساوي ثواُبه ثوا َ‬
‫المنفق‪ ،‬إن لم تزد عليها في بعض الحيان‪.‬‬
‫"أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون ؟ " بلى إن أنواع الصدقات بالنسبة‬
‫إليكم كثيرة‪ ،‬منها ما هو إنفاق على الهل‪ ،‬ومنها ما هو ليس بإنفاق‪ ،‬وكل منها ل يقل‬
‫أجره عن أجر النفاق في سبيل الله عز وجل‪.‬‬
‫فإذا لم يكن لديكم فضل مال‪ ،‬فسبحوا الله عز وجل وكبروه واحمدوه وهللوه‪،‬‬
‫ففي كل لفظ من ذلك أجر صدقة‪ ،‬وأي أجر ؟‬
‫وروى أحمد والترمذي‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل ‪ :‬أي العباد‬
‫أفضل عند الله يوم القيامة ؟ قال‪" :‬الذاكرون الله كثيرا ً "‪.‬‬
‫دعوة الخير صدقة على المجتمع‪ :‬وكذلكم‪ :‬باب المر بالمعروف والنهي‬
‫عن المنكر واسع ومفتوح‪ ،‬وأجر من يقوم بهذا الفرض الكفائي ل يقل عن أجر المنفق‬
‫م‬ ‫المتصدق‪ ،‬بل ربما يفوقه مراتب كثيرة ‪" :‬كل معروف صدقة" رواه مسلم‪} .‬ك ُن ْت ُ ْ‬
‫ْ‬ ‫ة أُ ْ‬ ‫ُ‬
‫ن‬‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬‫وت ُ ْ‬
‫ر َ‬ ‫منك َ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫ع ْ‬‫ن َ‬ ‫و َ‬ ‫ه ْ‬‫وت َن ْ َ‬
‫ف َ‬ ‫عُرو ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫مُرو َ‬
‫س ت َأ ُ‬
‫ت ِللّنا ِ‬‫ج ْ‬
‫ر َ‬
‫خ ِ‬ ‫م ٍ‬
‫خي َْر أ ّ‬
‫َ‬
‫ه{ ]آل عمران‪.[110 :‬‬ ‫ّ‬
‫ِبالل ِ‬
‫سعة فضل الله عز وجل‪ :‬وأيضا ً فقد جعل الله عز وجل لكم أجرا ً وثوابا ً‬
‫تنالونه كل يوم وليلة إذا أخلصتم النية وأحسنتم القصد‪ :‬أليس أحدكم ينفق على أهله‬
‫وعياله‪" :‬ونفقة الرجل على أهله وزوجته وعياله صدقة"‪ .‬رواه مسلم‪ ،‬و "إنك لن تنفق‬
‫نفقة تبتغي بها وجه الله تعالى إل أجرت عليها‪ ،‬حتى اللقمة ترفعها إلى فيه امرأتك"‬
‫متفق عليه‪ .‬أي تطعمها إياها‪ .‬بل أليس أحدكم يعاشر زوجته ويقوم بواجبه نحوها‪،‬‬
‫ليعف نفسه ويكفها عن الحرام‪ ،‬ويحفظ فرجه ويقف عند حدود الله‪ ،‬ويجتنب محرماته‬
‫صل‬‫ح ّ‬ ‫التي لو اقترفها كان عليه إثم وعقاب ؟ فكذلك له أجر وثواب‪ ،‬حتى ولو ظن أنه ي ُ َ‬
‫ل الله تعالى‬ ‫لذته وُيشبع شهوته‪ ،‬طالما أنه ُيخلص النية في ذلك‪ ،‬ول يقارب إل ما أح ّ‬
‫له‪.‬‬
‫ومن عظيم فضل الله عز وجل على المسلم‪ :‬أن عادته تنقلب بالنية إلى عبادة‬
‫يؤجر عليها‪ ،‬ويصير فعله وتركه قربة يتقرب بها من ربه جل وعل‪ ،‬فإذا تناول الطعام‬
‫وي على طاعة ربه‪ ،‬كان ذلك عبادة‬ ‫والشراب المباح بقصد الحفاظ على جسمه والتق ّ‬
‫يثاب عليها‪ ،‬ول سيما إذا قارن ذلك ذكر الله تعالى في بدء العمل وختامه‪ ،‬فسمى الله‬
‫تعالى في البدء‪ ،‬وحمده وشكره في الختام‪.‬‬
‫وكذلك‪ :‬يربو الجر وينمو عند الله عز وجل للمسلم الذي يكف عن محارم الله‬
‫دد العهد في كل حين‪ ،‬واستحضر في نفسه أنه يكف عن‬ ‫عز وجل‪ ،‬ول سيما إذا ج ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫معصية الله تبارك وتعالى امتثال ً لمره واجتنابا لما نهى عنه‪،‬طمعا في ثوابه وخوفا_من‬‫ً‬
‫ذا ذُك َِر الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ن إِ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫مُنو َ‬
‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ال ْ ُ‬ ‫عقابه وتحقق فيه وصف المؤمنين الصادقين‪} :‬إ ِن ّ َ‬

‫‪52‬‬
‫ن{‬ ‫وك ُّلو َ‬
‫م ي َت َ َ‬
‫ه ْ‬ ‫و َ َ‬
‫على َرب ّ ِ‬ ‫ماًَنا َ‬
‫م ِإي َ‬‫ه ْ‬
‫ه َزادَت ْ ُ‬
‫م آيات ُ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ت َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫وإ ِ َ‬
‫ذا ت ُل ِي َ ْ‬ ‫م َ‬
‫ه ْ‬ ‫قُلوب ُ ُ‬
‫ت ُ‬ ‫جل َ ْ‬
‫و ِ‬
‫َ‬
‫]النفال‪.[2 :‬‬
‫أبواب الخيركثيرة‪ :‬ول تقتصر أبواب الخير والصدقات على ما ذكر في‬
‫الحديث‪ ،‬فهناك أعمال أخرى يستطيع المسلم القيام بها ويحسب له فيها أجر الصدقة‪.‬‬
‫شّرك عن الناس فإنها صدقة" وعند الترمذي‪" :‬تبسمك في‬ ‫وفي الصحيحين ‪" :‬تكف َ‬
‫وجه أخيك لك صدقة ‪ ..‬وإفراغك دلوك في دلو أخيك لك صدقة"‪.‬‬
‫‪ -‬ما يستفاد من الحديث ‪:‬‬
‫‪ -‬استعمال الحكمة في معالجة المواقف‪ ،‬وإدخال البشرى على النفوس‪ ،‬وتطييب‬
‫الخواطر‪.‬‬
‫‪ -‬فضيلة الذكار المشار إليها في الحديث‪ ،‬وأن أجرها يساوي أجر الصدقة لمن ل يملك‬
‫مال ً يتصدق به ول سيما بعد الصلوات المفروضة‪.‬‬
‫ضّيق على عياله ونفسه‪ ،‬والذكر للغني ولو أكثر‬ ‫‪ -‬استحباب الصدقة للفقير إذا كان ل ي ُ َ‬
‫من النفاق‪ ،‬استزادة في الخير والثواب‪.‬‬
‫‪ -‬التصدق بما يحتاج النسان إليه للنفقة على نفسه أو أهله وعياله مكروه‪ ،‬وقد يكون‬
‫محرما ً إذا أدى إلى ضياع من تجب عليه نفقتهم‪.‬‬
‫‪ -‬الصدقة للقادر عليها ولمن يملك مال ً أفضل من الذكر‪.‬‬
‫‪ -‬فضل الغني الشاكر المنفق والفقير الصابر المحتسب‪.‬‬
‫‪ -‬أهمية المر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع المسلم‪.‬‬
‫‪ -‬حسن معاشرة الزوجة والقيام بحقها بما يحقق سكن نفسها ورغد عيشها‪ ،‬وكذلك‬
‫حسن معاشرة الزوج اعترافا ً بفضله وشكرا ً لحسانه‪.‬‬
‫‪ -‬الحث على السؤال عما ينتفع به المسلم ويترقى به في مراتب الكمال‪.‬‬
‫‪ -‬للمستفتي أن يسأل عما خفي عليه من الدليل‪ ،‬إذا علم من حال المسئول أنه ل‬
‫يكره ذلك‪ ،‬ولم يكن فيه سوء أدب‪.‬‬
‫‪ -‬بيان الدليل للمتعلم‪ ،‬ولسيما فيما خفي عليه‪ ،‬ليكون ذلك أثبت في قلبه وأدعى إلى‬
‫امتثاله‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬مشروعية القياس وترتيب الحكم إلحاقا للمر بما يشابهه أو يناظره‪.‬‬
‫التقويم ‪:‬‬
‫صل بها المؤمن الدرجات كما جاءت فى‬ ‫أذكر أبواب الخير التي يح ّ‬ ‫‪-1‬‬
‫الحديث ‪.‬‬
‫أذكر بعض اليات التى تؤكد ما جاء فى الحديث من أبواب الخير ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫بماذا تستعين بعد الله من وسائل لتحقيق تلك الدرجات وذلك الخير ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫وم مدى حرصك على أن تنال من أبواب الخير التى وردت فى الحديث ‪.‬‬ ‫ق ّ‬ ‫‪-4‬‬
‫صف ما تجد فى نفسك من لذة عند فعل الخيرات التى وردت بالحديث ‪.‬‬ ‫‪-5‬‬

‫الحديث السادس والعشرون‬


‫ن الَناس والعدل فيهم‬ ‫ح َبي َ‬ ‫الصل ُ‬
‫سول الله صلى الله عليه‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ه عنه قال‪ :‬قال ر ُ‬ ‫هَري َْرةَ َرضي الل ُ‬ ‫عن َأبي ُ‬
‫س‪:‬‬
‫م ُ‬ ‫ش ْ‬‫ه ال ّ‬‫في ِ‬ ‫وم ٍ ت َطْل ُ ُ‬
‫ع ِ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫ة‪ ،‬ك ُ ّ‬ ‫ق ٌ‬ ‫صد َ َ‬‫س عليه َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬‫مى ِ‬ ‫سل َ‬ ‫ل ُ‬ ‫وسلم‪" :‬ك ُ ّ‬
‫ه‬‫عل ُ‬ ‫ه عليها أو ت َْر َ‬
‫ف ُ‬ ‫مل ُ ُ‬ ‫ح ِ‬
‫فت َ ْ‬‫ه َ‬ ‫داب ّت ِ ِ‬
‫ل في َ‬ ‫ج َ‬‫ة‪ ،‬وُتعين الّر ُ‬ ‫ق ٌ‬ ‫صد َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن اث ْن َي ْ ِ‬ ‫ل ب َي ْ َ‬ ‫د ُ‬ ‫ع ِ‬‫تَ ْ‬
‫ة‬
‫صل ِ‬ ‫شيها إلى ال ّ‬ ‫ة َتم ِ‬ ‫و ٍ‬ ‫ْ‬
‫خط َ‬ ‫ل َ‬ ‫ُ‬
‫ة‪ ،‬وبك ّ‬ ‫ق ٌ‬‫صد َ َ‬‫ة َ‬ ‫ّ‬
‫ة الطّيب ُ‬ ‫َ‬
‫ة‪ ،‬والكِلم ُ‬ ‫ْ‬ ‫ق ٌ‬ ‫صد َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ع ُ‬ ‫َ‬
‫مت َا َ‬
‫ة"‪ .‬رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫ق ٌ‬‫صد َ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ميط ال َ‬ ‫ُ‬ ‫صد َ َ‬
‫رِيق َ‬ ‫ن الط ِ‬ ‫ذى ع ِ‬ ‫ة‪ ،‬وت ُ ِ‬ ‫ق ٌ‬ ‫َ‬
‫الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬
‫أن يعتاد الدارس على شكر النعمة ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫أن يعدد الدارس الصدقات التى جاءت فى الحديث ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬

‫‪53‬‬
‫أن يعتاد الدارس مزاولة هذا الخير تقربا ً إلى الله تعالى ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫أن يحرص الدارس على تحصيل الخيرات قربة إلى الله تعالى ‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫أن يصف الدارس اللذة التى يجدها فى نفسه عند فعل هذه الخيرات ‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫مفردات الحديث‪:‬‬
‫"سلمى"‪ :‬السلمى‪ :‬عظام الكف والصابع والرجل‪ ،‬والمراد في هذا الحديث‬
‫جميع أعضاء جسم النسان ومفاصله‪.‬‬
‫"تعدل بين اثنين"‪ :‬تحكم بالعدل بين متخاصمين‪.‬‬
‫"وتعين الرجل في دابته"‪ :‬وفي معنى الدابة السفينة والسيارة وسائر ما يحمل‬
‫عليه‪.‬‬
‫"فتحمله عليها"‪ :‬أي تحمله‪ ،‬أو تعينه في الركوب‪ ،‬أو في إصلحها‪.‬‬
‫"وبكل خطوة"‪ :‬الخطوة ‪ :‬بفتح الخاء‪ :‬المرة من المشي‪ ،‬وبضمها‪ :‬ب ُعْد ُ ما بين‬
‫القدمين‪.‬‬
‫"وتميط الذى"‪ :‬بفتح التاء وضمها‪ :‬تزيل‪ ،‬من ماط وأماط‪ :‬أزال‪ .‬والذى‪ :‬كل ما‬
‫يؤذي الماّرة من حجر أو شوك أو قذر‪.‬‬
‫المعنى العام‪:‬‬
‫ذكر في حديثه‪ ،‬لما فيها من‬ ‫مّيات بال ّ‬ ‫سل َ ِ‬ ‫لقد خص النبي صلى الله عليه وسلم ال ّ‬
‫تنظيم وجمال‪ ،‬ومرونة وتقابل‪ ،‬ولذا هدد الله عز وجل وتوعد كل معاند وكافر‬
‫َ‬
‫ه{ ]القيامة‪ [4 :‬أي أن‬ ‫ي ب ََنان َ ُ‬ ‫و َ‬ ‫س ّ‬
‫ن نُ َ‬ ‫عَلى أ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ري َ‬ ‫قاِد ِ‬ ‫بالحرمان منها بقوله‪} :‬ب ََلى َ‬
‫نجعل أصابع يديه ورجليه مستوية شيئا ً واحدًا‪ ،‬كخف البعير وحافر الحمار‪ ،‬فل يمكنه أن‬
‫يعمل بها شيئًا‪ ،‬كما يعمل بأصابعه المفرقة ذات المفاصل من فنون وأعمال‪.‬‬
‫الشكر على سلمة العضاء‪ :‬إن سلمة أعضاء جسم النسان‪ ،‬وسلمة‬
‫حواسه وعظامه ومفاصله‪ ،‬نعمة كبيرة تستحق مزيد الشكر لله تعالى المنعم‬
‫المتفضل على عباده‪ .‬وقال سبحانه‪} :‬ث ُم ل َت ُ َ‬
‫عيم ِ{ ]التكاثر‪[8 :‬‬ ‫ن الن ّ ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫ذ َ‬ ‫مئ ِ ٍ‬‫و َ‬ ‫ن يَ ْ‬‫سأل ُ ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫قال ابن عباس‪ :‬النعيم‪ :‬صحة البدان والسماع والبصار‪ ،‬يسأل الله العباد‪ :‬فيم‬
‫د‬
‫ؤا َ‬ ‫ُ‬
‫والف َ‬ ‫ْ‬ ‫وال ْب َ َ‬
‫صَر َ‬ ‫ع َ‬‫م َ‬ ‫س ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫استعملوها‪ ،‬وهو أعلم بذلك منهم‪ ،‬وهو قوله تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫سُئول{ ]السراء‪.[36 :‬‬ ‫ول َئ ِ َ‬
‫ك َ‬ ‫كُ ّ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ه َ‬
‫عن ْ ُ‬
‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫لأ ْ‬
‫وقال ابن مسعود‪ :‬النعيم المن والصحة‪ .‬وأخرج الترمذي وابن ماجه "أن أول ما‬
‫ح لك جسمك ونرويك من الماء‬ ‫ص ّ‬ ‫ُيسأل العبد عنه يوم القيامة فيقول الله‪ :‬ألم ن ُ ِ‬
‫البارد"‪.‬‬
‫سون ما‬ ‫ومع هذا فإن كثيرا من الناس_ يغفلون عن هذه النعم العظيمة‪ ،‬ويتنا َ‬ ‫ً‬
‫هم فيه من سلمة وصحة وعافية‪ ،‬ويهملون النظر والتأمل في أنفسهم‪ ،‬ومن ث َ ّ‬
‫م‬
‫يقصرون في شكر خالقهم‪.‬‬
‫أنواع الشكر‪ :‬إن شكر الله تعالى على ما أعطى وأنعم يزيد في النعم ويجعلها‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م{ ]إبراهيم‪:‬‬ ‫زيدَن ّك ُ ْ‬ ‫مل ِ‬ ‫شك َْرت ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ل َئ ِ ْ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫وإ ِذْ ت َأذّ َ‬‫دائمة مستمرة‪ ،‬قال تعالى‪َ } :‬‬
‫‪ ،[7‬ول يكفي أن يكون النسان شاكرا ً بلسانه‪ ،‬بل ل بد مع القول من العمل‪ ،‬والشكر‬
‫المطلوب واجب ومندوب‪:‬‬
‫فالشكر الواجب‪ :‬هو أن يأتي بجميع الواجبات‪ ،‬وأن يترك جميع المحرمات‪،‬‬
‫وهو كاف في شكر نعمة الصحة وسلمة العضاء وغيرها من النعم‪.‬‬
‫والشكر المستحب‪ :‬هو أن يعمل العبد بعد أداء الفرائض واجتناب المحارم‬
‫بنوافل الطاعات‪ ،‬وهذه درجة السابقين المقربين في شكر الخالق عز وجل‪ ،‬وهي‬
‫التي ُترشد إليها أكثر الحاديث الواردة في الحث على العمال وأنواع القربات‪.‬‬
‫أنواع الصدقات‪:‬‬
‫العدل بين المتخاصمين والمتهاجرين‪ :‬ويكون ذلك بالحكم العادل‪،‬‬
‫ل‪ ،‬وهو من أفضل القربات‬ ‫حّرم حل ً‬ ‫ل حراما ً ول ي ُ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫وبالصلح بينهما صلحا ً جائزا ً ل ي ُ ِ‬

‫‪54‬‬
‫م{‬‫وي ْك ُ ْ‬ ‫ن أَ َ‬
‫خ َ‬ ‫حوا ب َي ْ َ‬ ‫صل ِ ُ‬
‫خوةٌ َ َ‬
‫فأ ْ‬ ‫ن إِ ْ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ال ْ ُ‬ ‫وأكمل العبادات‪ ،‬قال الله تعالى‪} :‬إ ِن ّ َ‬
‫ر من نجواهم إل من أمَر‬ ‫]الحجرات‪ [10 :‬وقال سبحانه‪}:‬ل خيَر في كثي ٍ‬
‫ف أو إصلح{ والصلح بين المتخاصمين أو المتهاجرين صدقة‬ ‫ة أو معرو ٍ‬ ‫بصدق ٍ‬
‫عليهما‪ ،‬لوقايتهما مما يترتب على الخصام من قبيح القوال والفعال‪ ،‬ولذلك كان واجبا ً‬
‫للفة بين المسلمين‪.‬‬ ‫على الكفاية‪ ،‬وجاز الكذب فيه مبالغة في وقوع ا ُ‬
‫إعانة الرجل في دابته‪ :‬وذلك بمساعدته في شأن ما يركب‪ ،‬فتحمله أو تعينه‬
‫في الركوب‪ ،‬أو ترفع له متاعه‪ ،‬وهذا العمل النساني فيه صدقة وشكر‪ ،‬لما فيه من‬
‫التعاون والمروءة‪.‬‬
‫الكلمة الطيبة‪ :‬وتشمل‪ :‬تشميت العاطس‪ :‬والبدء بالسلم ورده‪ ،‬والباقيات‬
‫ح يرفعه{ ]فاطر‪[10 :‬‬ ‫ل الصال ُ‬ ‫ب والعم ُ‬ ‫طي ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫الصالحات‪} :‬إليه يصعدُ الك َل ِ ُ‬
‫وحسن الكلم مع الناس‪ ،‬لنه مما يفرح به قلب المؤمن‪ ،‬ويدخل فيه السرور‪ ،‬هو من‬
‫أعظم الجر‪.‬‬
‫والكلمة الطيبة بالتالي تشمل الذكر والدعاء‪ ،‬والثناء على المسلم بحق‪،‬‬
‫والشفاعة له عند حاكم‪ ،‬والنصح والرشاد على الطريق‪ ،‬وكل ما يسر السامع ويجمع‬
‫القلوب ويؤلفها‪.‬‬
‫المشي إلى الصلة‪ :‬وفي ذلك مزيد الحث والتأكيد على حضور صلة‬
‫الجماعة والمشي إليها لعمار المساجد بالصلوات والطاعات‪ ،‬كالعتكاف والطواف‪،‬‬
‫وحضور دروس العلم والوعظ‪.‬‬
‫إماطة الذى عن الطريق‪ :‬وهي تنحية كل ما يؤذي المسلمين في طريقهم‬
‫من حجر أو شوك أو نجاسة‪ ،‬وهذه الصدقة أقل مما قبلها من الصدقات في الجر‬
‫والثواب‪ ،‬ولو التزم كل مسلم بهذا الرشاد النبوي‪ ،‬فلم يرم القمامة والوساخ في غير‬
‫مكانها المخصص لها‪ ،‬وأزال من طريق المسلمين ما يؤذيهم‪ ،‬لصبحت البلد السلمية‬
‫أنظف بقاع الرض وأجملها على الطلق‪.‬‬
‫صلة الضحى تجزئ في شكر سلمة العضاء‪ :‬روى مسلم عن‬
‫سلمى أحدكم صدقة‪ ،‬فكل‬ ‫النبي_صلى الله عليه_وسلم قال‪ُ " :‬يصبح على كل ُ‬
‫تسبيحة صدقة‪ ،‬وكل تحميدة صدقة‪ ،‬وكل تهليلة صدقة‪ ،‬وكل تكبيرة صدقة‪ ،‬وأمر‬
‫بالمعروف صدقة‪ ،‬ونهي عن المنكر صدقة‪ ،‬ويجزئُ من ذلك ركعتا الضحى يركعهما"‪،‬‬
‫ل صلة الضحى ركعتان‪ ،‬وأكثرها ثمان‪ ،‬ويسن أن يسلم من كل ركعتين‪ ،‬ووقتها‬ ‫وأق ّ‬
‫يبتدئ بارتفاع الشمس قدر رمح‪ ،‬وينتهي حين الزوال‪.‬‬
‫حمد الله تعالى على نعمه شكر ‪ :‬روى أبو داود والنسائي‪ ،‬عن رسول الله‬
‫صلى الله عليه سلم قال‪" :‬من قال حين ُيصبح ‪ :‬اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد‬
‫من خلقك فمنك وحدك ل شريك لك‪ ،‬فلك الحمد ولك الشكر‪ .‬فقد أدى شكر ذلك‬
‫دى شكَر ليلته"‪.‬‬ ‫اليوم‪ ،‬ومن قال حين ُيمسي‪ ،‬فقد أ ّ‬
‫إخلص النية لله تعالى في جميع الصدقات‪ :‬إن خلوص النية لله تعالى‬
‫وحده في جميع أعمال البر والصدقات المذكورة في هذا الحديث وغيره شرط في‬
‫الجر والثواب عليها‪ ،‬قال الله تعالى‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ح ب َي ْ َ‬
‫صل ٍ‬ ‫و إِ ْ‬‫فأ ْ‬ ‫عُرو ٍ‬
‫َ‬
‫م ْ‬‫و َ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫َ‬
‫صدَق ٍ‬ ‫مَر ب ِ َ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬‫م ِإل َ‬ ‫ه ْ‬
‫وا ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ن نَ ْ‬
‫م ْ‬‫ر ِ‬ ‫في ك َِثي ٍ‬ ‫خي َْر ِ‬‫}ل َ‬
‫ما{‬ ‫ظي ً‬‫ع ِ‬ ‫جًرا َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ْ‬
‫ف ن ُؤِتي ِ‬ ‫و َ‬ ‫س ْ‬‫هف َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ة الل ِ‬ ‫ضا ِ‬ ‫مْر َ‬ ‫غاءَ َ‬ ‫َ‬
‫ل ذَل ِك اب ْت ِ َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ي َف َ‬‫م ْ‬ ‫و َ‬
‫س َ‬ ‫الّنا ِ‬
‫]النساء‪.[114 :‬‬
‫ليس المراد من الحديث حصر أنواع الصدقة بالمعنى العم فيما ذكر فيه‪ ،‬بل‬
‫ق الله‪.‬‬ ‫التنبيه على ما بقي منها‪ ،‬ويجمعها كل ما فيه نفع للنفس أو غيرها من َ ْ‬
‫خل ِ‬
‫وختاما ً فإن هذا الحديث ُيفيد إنعام الله تعالى على النسان بصحة بدنه‬
‫وتمام أعضائه‪ ،‬وأن عليه شكر الله كل يوم على كل عضو منها‪ ،‬وأن من الشكر‪ :‬عمل‬
‫المعروف‪ ،‬وإشاعة الحسان‪ ،‬ومعاونة المضطر‪ ،‬وحسن المعاملة‪ ،‬وإسداء البر‪ ،‬ودفع‬

‫‪55‬‬
‫الذى‪ ،‬وبذل كل خير إلى كل إنسان‪ ،‬بل إلى كل مخلوق‪ ،‬وهذا كله من الصدقات‬
‫المتعدية‪.‬‬
‫ومن الصدقات القاصرة‪ :‬أنواع الذكر والتسبيح والتكبير والتحميد والتهليل‬
‫والستغفار‪ ،‬والصلة على النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وتلوة القرآن‪ ،‬والمشي إلى‬
‫المساجد‪ ،‬والجلوس فيها لنتظار الصلة أو لستماع العلم والذكر‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬اكتساب‬
‫الحلل والتحري فيه‪ ،‬ومحاسبة النفس على ما سلف من أعمالها‪ ،‬والندم والتوبة من‬
‫الذنوب السالفة‪ ،‬والحزن عليها‪ ،‬والبكاء من خشية الله عز وجل‪ ،‬والتفكير في ملكوت‬
‫السماوات والرض‪ ،‬وفي أمور الخرة وما فيها من الجنة والنار والوعد والوعيد‬
‫التقويم ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م{ ]إبراهيم‪ [7 :‬وضح ما يدل‬ ‫زيدَن ّك ْ‬
‫مل ِ‬‫ن شكْرت ُ ْ‬‫م لئ ِ ْ‬ ‫وإ ِذْ ت َأذّ َ‬
‫ن َرب ّك ْ‬ ‫} َ‬ ‫‪-1‬‬
‫فى الحديث على هذا المعنى الوارد فى الية الكريمة ‪.‬‬
‫عدد أنواع الصدقات التى جاءت فى الحديث ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫ً‬
‫وم مدى فعلك لهذه النواع من الخيرات تقربا إلى الله تعالى ‪.‬‬ ‫ق ّ‬ ‫‪-3‬‬
‫إذا كنت تحرص على فعل هذه الخيرات قربة إلى الله تعالى ‪ .‬فاذكر ما‬ ‫‪-4‬‬
‫يعينك على فعل ذلك ؟ وماذا تنوي فعله ) إن كنت من المفرطين فى هذه‬
‫الخيرات أو بعضها (؟ ‪.‬‬
‫صف ما تجده فى نفسك من مشاعر عند فعل هذه الخيرات ‪.‬‬ ‫‪-5‬‬

‫الحديث السابع والعشرون‬


‫اِلبّر وال ِث ْ ُ‬
‫م‬
‫ه عن الّنبي صلى الله عليه‬ ‫عن ْ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ن رض َ‬ ‫عا َ‬ ‫م َ‬‫س ْ‬ ‫ن َ‬ ‫س بْ ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫عن الن ّ ّ‬
‫َ‬ ‫ن ال ْ ُ ُ‬
‫ن‬
‫تأ ْ‬ ‫ه َ‬‫ر ْ‬ ‫وك َ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫س َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ك في ن َ ْ‬ ‫ما حا َ‬ ‫م َ‬ ‫وال ِث ْ ُ‬ ‫ق‪َ ،‬‬ ‫خل ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ل‪" :‬ال ْب ِّر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫وسلم َ‬
‫س"‪ .‬رواه مسلم ‪.‬‬ ‫ه الّنا ُ‬ ‫عل َي ْ ِ‬ ‫ع َ‬ ‫ي َطّل ِ َ‬
‫ه صلى‬ ‫سو َ‬ ‫َ‬ ‫ه قا َ‬
‫ل الل ِ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫ل‪ :‬أت َي ْ ُ‬ ‫عن ْ ُ‬‫ه َ‬ ‫د رضي الل ُ‬ ‫عب َ ٍ‬‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ة بْ ِ‬ ‫ص َ‬‫واب َ‬ ‫وعن َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‪ .‬فقا َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫ع ْ‬ ‫ت‪ :‬ن َ َ‬ ‫ن الب ِّر ؟"‪ .‬قل ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ت َتسأ ُ‬ ‫جئ ْ َ‬ ‫ل‪ِ " :‬‬ ‫الله عليه وسلم فقا َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫وال ِث ْ ُ‬
‫م‬ ‫قلب‪َ ،‬‬ ‫ه ال َ‬ ‫ن إلي ْ ِ‬ ‫مأ ّ‬ ‫واط َ‬ ‫س َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ه الن ّ ْ‬ ‫ت إلي ْ ِ‬ ‫مأن ّ ْ‬ ‫ما اط َ‬ ‫ك‪ ،‬ال ْب ِّر َ‬ ‫قل ْب َ َ‬‫ت َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫"ا ْ‬
‫وك"‪.‬‬ ‫َ‬ ‫وأ ْ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫نأ ْ‬‫َ‬ ‫ما حاك في الن ّ ْ‬ ‫َ‬
‫فت َ ْ‬ ‫س َ‬ ‫فَتاك الّنا ُ‬ ‫وإ ْ‬ ‫ر َ‬ ‫صد ْ ِ‬ ‫وَتردّدَ في ال ّ‬ ‫س َ‬ ‫ف ِ‬ ‫َ‬
‫ل‪،‬‬ ‫َ‬
‫حن ْب َ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫مد َ ب ْ ِ‬ ‫ن‪ :‬أح َ‬ ‫مي ْ ِ‬‫لما َ‬ ‫دي ا ِ‬ ‫سن َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫وي َْناهُ في ُ‬ ‫ن ُر ِ‬ ‫س ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫ث َ‬ ‫دي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫ن‪.‬‬ ‫س ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫سَناٍد َ‬ ‫ي بإ ْ‬ ‫رم ّ‬ ‫دا ِ‬‫وال ّ‬‫َ‬

‫الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬


‫أن يوضح الدارس مفهوم البر كما جاء فى الحديث الشريف ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫أن يوضح الدارس مفهوم الثم كما ورد فى الحديث ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫أن يوضح الدارس العلقة بين مفهوم البر والثم من جهة وقلب المؤمن‬ ‫‪-3‬‬
‫من الفتوى من جهة أخرى ‪.‬‬
‫أن يتحلى الدارس بحسن الخلق ‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫أن يحقق الدارس فى نفسه معنى المراقبة ‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫مفردات الحديث‪:‬‬
‫"البر"‪ :‬بكسر الباء‪ ،‬اسم جامع للخير وكل فعل مرضي‪.‬‬
‫"حسن الخلق"‪ :‬التخلق بالخلق الشريفة‪.‬‬
‫"والثم"‪ :‬الذنب بسائر أنواعه‪.‬‬
‫"ما حاك في النفس"‪ :‬ما لم ينشرح له الصدر ولم يطمئن إليه القلب‪.‬‬
‫المعنى العام‪:‬‬

‫‪56‬‬
‫سر النبي صلى الله عليه وسلم البر في حديث النواس بن سمعان رضي الله‬ ‫ف ّ‬
‫سره في حديث وابصة بما اطمأنت إليه النفس والقلب‪ ،‬وتعليل‬ ‫عنه بحسن الخلق‪،‬وف ّ‬
‫معَي ّن َْين‪:‬‬‫هذا الختلف الوارد في تفسير البر ‪ :‬أنه يطلق ويراد منه أحد اعتبارين ُ‬
‫ص بالحسان إلى الوالدين‪،‬‬ ‫خ ّ‬ ‫خْلق بالحسان إليهم‪ ،‬وربما ُ‬ ‫أ‪ -‬أن يراد بالبر معاملة ال َ‬
‫خْلق عموما‪ً.‬‬ ‫فيقال بر الوالدين‪ ،‬ويطلق كثيرا على الحسان إلى ال َ‬ ‫ً‬
‫ن ال ْب ِّر‬ ‫ول َك ِ ّ‬ ‫ب‪ -‬أن يراد بالبر فعل جميع الطاعات الظاهرة والباطنة‪ ،‬قال الله تعالى‪َ } :‬‬
‫عَلى‬ ‫ل َ‬ ‫ما َ‬ ‫وآَتى ال ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫والن ّب ِّيي َ‬ ‫ب َ‬ ‫وال ْك َِتا ِ‬ ‫ة َ‬ ‫ملئ ِك َ ِ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫ر َ‬ ‫خ ِ‬
‫وم ِ ال ِ‬ ‫وال ْي َ ْ‬‫ه َ‬ ‫ن ِبالل ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫نآ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫في‬ ‫و‬ ‫ن‬
‫ّ ِ ِ َ َ ِ‬ ‫لي‬ ‫ئ‬ ‫سا‬ ‫وال‬ ‫ل‬
‫ّ ِ ِ َ‬ ‫بي‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫وا‬ ‫ن‬
‫َ َ َ ِ َ َ ْ َ‬ ‫كي‬ ‫سا‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫مى‬ ‫تا‬
‫َ َ َ َ‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫بى‬ ‫ر‬
‫ْ َ‬ ‫ق‬‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫وي‬ ‫ُ ّ ِ ِ‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ح‬
‫دوا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الّر َ‬
‫ه ُ‬ ‫عا َ‬ ‫م إ ِذا َ‬ ‫ه ْ‬‫د ِ‬‫ه ِ‬ ‫ع ْ‬‫ن بِ َ‬ ‫موفو َ‬ ‫وال ُ‬ ‫وآَتى الّزكاةَ َ‬ ‫صلةَ َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫وأقا َ‬ ‫ب َ‬ ‫قا ِ‬
‫ول َئ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ك‬ ‫وأ ْ‬ ‫قوا َ‬ ‫صد َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫ول َئ ِ َ‬‫سأ ْ‬ ‫ن الب َأ ِ‬
‫حي َ ْ‬ ‫و ِ‬ ‫ء َ‬ ‫ضّرا ِ‬ ‫وال ّ‬ ‫ء َ‬ ‫سا ِ‬ ‫في ال ْب َأ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫وال ّ‬ ‫َ‬
‫ن{ ]البقرة‪.[177 :‬‬ ‫مت ّقو َ‬ ‫ُ‬ ‫م ال ُ‬ ‫ْ‬ ‫ه ْ‬‫ُ‬
‫معرفة الحق من الفطرة‪ :‬إن قول النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬البر ما‬
‫اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب"‪ ،‬دليل على أن الله سبحانه وتعالى فطر‬
‫عباده على معرفة الحق والسكون إليه وقبوله‪ ،‬وَرك ََز في الطباع محبته‪ ،‬قال صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬كل مولود يولد على الفطرة"‪.‬‬
‫علمتا الثم‪ :‬للثم علمتان‪ :‬علمة داخلية‪ ،‬وهي ما يتركه في النفس من‬
‫اضطراب وقلق ونفور وكراهة‪ ،‬لعدم طمأنينتها إليه‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم‪" :‬الثم‬
‫ما حاك في النفس"‪.‬‬
‫وعلمة خارجية‪ ،‬وهي كراهية اطلع وجوه الناس وأماثلهم الذين يستحي منهم‪،‬‬
‫بشرط أن تكون هذه الكراهية دينية‪ ،‬ل الكراهية العادية‪.‬‬
‫الفتوى والتقوى‪ :‬يجب على المسلم أن يترك الفتوى إذا كانت بخلف ما حاك في‬
‫نفسه وتردد في صدره‪ ،‬لن الفتوى غير التقوى والورع‪ ،‬ولن المفتي ينظر للظاهر‪،‬‬
‫والنسان يعلم من نفسه ما ل يعلمه المفتي‪ ،‬أو أن المستنكر كان ممن شرح الله‬
‫صدره‪ ،‬وأفتاه غيره بمجرد ظن أو ميل إلى هوى من غير دليل شرعي‪ ،‬فإن الفتوى ل‬
‫تزيل الشبهة‪.‬‬
‫أما إذا كانت الفتوى مدعمة بالدليل الشرعي‪ ،‬فالواجب على المسلم أن يأخذ‬
‫بالفتوى وأن يلتزمها‪ ،‬وإن لم ينشرح صدره لها‪ ،‬ومثال ذلك الرخصة الشرعية‪ ،‬مثل‬
‫الفطر في السفر والمرض‪ ،‬وقصر الصلة في السفر ‪..‬‬
‫ه‬ ‫ُ‬
‫سول ُ‬ ‫وَر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ضى الل ُ‬ ‫ق َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ة إِ َ‬ ‫من َ ٍ‬ ‫ؤ ِ‬‫م ْ‬ ‫ول ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما َ‬
‫م ٍ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫ن لِ ُ‬
‫َ‬
‫كا َ‬ ‫و َ‬ ‫كما قال تعالى‪َ } :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م{ ]الحزاب‪ .[36 :‬وينبغي أن يتلقى ذلك‬ ‫ه ْ‬ ‫ر ِ‬ ‫م ِ‬‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫خي ََرةُ ِ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫كو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫مًرا أ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫بانشراح الصدر والرضا والتسليم‪.‬‬
‫معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم‪ :‬في حديث وابصة معجزة كبيرة‬
‫لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أخبره بما في نفسه قبل أن يتكلم به‪ ،‬فقال‬
‫له‪":‬جئت تسأل عن البر ؟"‬
‫إنزال الناس منازلهم‪ :‬لقد أحال النبي صلى الله عليه وسلم وابصة على‬
‫إدراكه القلبي‪ ،‬وعلم أنه يدرك ذلك من نفسه‪ ،‬إذ ل يدرك إل من كان متين الفهم قوي‬
‫الذكاء نّير القلب‪ ،‬أما غليظ الطبع الضعيف الدراك فل يجاب بذلك‪ ،‬لنه ل يتحصل منه‬
‫على شيء‪ ،‬وإنما يجاب بالتفصيل عما يحتاج إليه من الوامر والنواهي الشرعية‪.‬‬
‫ما يستفاد من الحديث‬
‫يرشد الحديث إلى التخلق بمكارم الخلق‪ ،‬لن حسن الخلق من أعظم خصال‬
‫البر‪.‬‬
‫قيمة القلب في السلم واستفتاؤه قبل العمل‪.‬‬
‫أن الدين وازع ومراقب داخلي‪ ،‬بخلف القوانين الوضعية‪ ،‬فإن الوازع فيها‬
‫خارجي‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫إن الدين يمنع من اقتراف الثم‪ ،‬لنه يجعل النفس رقيبة على كل إنسان مع‬
‫ربه‪.‬‬
‫التقويم ‪:‬‬
‫وضح مفهوم البر كما جاء فى الحديث الشريف ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫وضح مفهوم الثم كما ورد فى الحديث ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫وضح العلقة بين مفهوم البر والثم من جهة وقلب المؤمن من الفتوى‬ ‫‪-3‬‬
‫من جهة أخرى ‪.‬‬
‫وم مدى حرصك على التحلي بحسن الخلق ‪.‬‬ ‫ق ّ‬ ‫‪-4‬‬
‫كيف تحقق فى نفسك معنى المراقبة – من خلل فهمك للحديث‬ ‫‪-5‬‬
‫الشريف – وهل تحرص على تحقيق ذلك – وماذا تفعل ؟‬

‫الفصل الثالث‬

‫السيرة النبوية الشريفة‬


‫من السنة الولى إلى السنة الرابعة للهجرة‬

‫السيرة النبوية‬

‫ليس الغرض من دراسة السيرة النبوية وفقهها‪ ،‬مجرد الوقوف على الوقائع‬
‫التاريخية ‪ ،‬ول سرد ما طرف أو جمل من القصص والحداث وإنما الغرض منها ‪:‬‬
‫أن يتصور المسلم الحقيقة السلمية في مجموعها متجسدة في حياته‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬أي إن دراسة السيرة النبوية‪ ،‬ليست سوى عمل‬
‫تطبيقي يراد منه تجسيد الحقيقة السلمية كاملة‪ ،‬في مثلها العلى‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫وإذا أردنا أن نجزىء هذا الغرض ونصّنف أجزاءه ‪ ،‬فإن من الممكن حصرها في‬
‫الهداف التفصيلية التالية‬

‫‪ -‬الهداف العامة لدراسة السيرة النبوية ‪:‬‬


‫‪ .1‬فهم شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم ) النبوية ( من خلل حياته وظروفه‬
‫التي عاش فيها‪ ،‬للتأكد من أن محمدا ً عليه الصلة والسلم لم يكن مجرد عبقري‬
‫سمت به عبقريته بين قومه‪ ،‬ولكنه قبل ذلك رسول أّيده الله بوحي من عنده وتوفيق‬
‫من لدنه‪.‬‬
‫‪ .2‬أن يجد النسان بين يديه صورة للمثل العلى في كل شأن من شؤون الحياة‬
‫في رسول الل ّ ُ‬
‫ة{ ]الحزاب ‪. [21 :‬‬
‫سن َ ٌ‬
‫ح َ‬
‫وة ٌ َ‬
‫س َ‬
‫هأ ْ‬‫ِ‬ ‫َ ُ ِ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫كا َ‬ ‫الفاضلة }ل َ َ‬
‫قدْ َ‬

‫‪58‬‬
‫‪ .3‬أن يجد النسان في دراسة سيرته عليه الصلة والسلم ما يعينه على فهم كتاب‬
‫الله تعالى وتذوق روحه ومقاصده ‪.‬‬
‫‪ .4‬أن يتجمع لدى المسلم من خلل دراسة سيرته صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أكبر قدر من‬
‫العلوم والمعارف السلمية الصحيحة‪ ،‬سواء ما كان منها متعلقا ً بالعقيدة أو الحكام أو‬
‫الخلق‪ ،‬إذ ل ريب أن حياته عليه الصلة والسلم إنما هي صورة مجسدة نّيرة لمجموع‬
‫مبادىء السلم وأحكامه‪.‬‬
‫وإن من أهم ما يجعل سيرته صلى الله عليه وسلم وافية بتحقيق هذه الهداف كلها‬
‫أن حياته عليه الصلة والسلم شاملة لكل النواحي النسانية والجتماعية التي توجد‬
‫في النسان من حيث إنه فرد مستقل بذاته أو من حيث إنه عضو فعال في المجتمع‪.‬‬
‫فحياته عليه الصلة والسلم تقدم إلينا نماذج سامية للشاب المستقيم في سلوكه‪،‬‬
‫المين مع قومه وأصحابه‪ ،‬كما تقدم النموذج الرائع للسلم الداعي إلى الله بالحكمة‬
‫والموعظة الحسنة‪ ،‬الباذل منتهى الطاقة في سبيل إبلغ رسالته‪ ،‬ولرئيس الدولة الذي‬
‫يسوس المور بحذق وحكمة بالغة‪ ،‬وللزوج المثالي في حسن معاملته‪ ،‬وللب في حنو‬
‫عاطفته‪ ،‬مع تفريق دقيق بين الحقوق والواجبات لكل من الزوجة والولد‪ ،‬وللقائد‬
‫الحربي الماهر والسياسي الصادق المحنك‪ ،‬للمسلم الجامع‪-‬في دقة وعدل‪ -‬بين واجب‬
‫التعبد والتبتل لربه‪ ،‬والمعاشرة والفكاهة اللطيفة مع أهله وأصحابه‪ ) .‬من كتاب‬
‫السيرة النبوية د‪ /‬البوطى (‬

‫‪ -‬من الهداف الوجدانية لدراسة السيرة ‪:‬‬


‫أن يحرص الدارس على معايشة سيرة الرسول ‪ ‬وأصحابه الكرام ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫أن يقدر الدارس الصحابة الكرام الذين آزروا رسول الله ‪. ‬‬ ‫‪-2‬‬
‫أن يشعر الدارس بالسعادة والراحة وهو يقرأ سيرة الرسول ‪‬‬ ‫‪-3‬‬
‫وأصحابه ‪.‬‬
‫أن يشعر الدارس بالسعادة وهو يقرأ مواقف الحب من سيرة الرسول ‪‬‬ ‫‪-4‬‬
‫‪.‬‬
‫أن يشعر الدارس بالشوق إلى الستماع إلى حديث رسول الله ‪‬‬ ‫‪-5‬‬

‫وسوف نتناول فيما بعد المرحلة المدنية من سيرة رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ) بداية من الهجرة للمدينة حتى وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ( ‪ ،‬نتعرف‬
‫على الحداث التي وقعت في هذه المرحلة ‪ ،‬ونستلهم منها العبرة والعظة ‪ ،‬ونسعى‬
‫إلى أن نترجم هذه العبر والعظات إلى واقع في حياتنا كلها ‪ ،‬حتى نصل إلى تحقيق‬
‫الهداف السابق ذكرها من دراسة السيرة العطرة ‪.‬‬

‫الدرس الول ‪:‬‬


‫هجــــرة المصــــطفى ‪.. ‬‬

‫‪ -‬الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬


‫‪ .1‬أن يوضح الدارس هجرة الصحابة إلى المدينة ‪.‬‬
‫‪ .2‬أن يشرح الدارس مؤامرة المشركين في دار الندوة وكيف أفسد الله مكرهم ‪.‬‬
‫‪ .3‬أن يظهر الدارس دقة تخطيط النبي ‪ ‬لرحلة الهجرة ‪.‬‬
‫‪ .4‬أن يبين الدارس أحداث هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫‪ .5‬أن يعدد الدارس الدروس المستفادة من رحلة الهجرة ‪.‬‬
‫‪ .6‬أن يصف الدارس حال أهل المدينة حينما سمعوا بخروج النبي ‪ ‬وقدومه‬
‫عليهم ‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫أن يروي الدارس ما كان من أبي أيوب النصاري حال نزول النبي ‪ ‬ضيفا ً عليه‬ ‫‪.7‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ .8‬أن يعطي الدارس صورة لحال النصار مع المهاجرين ‪.‬‬
‫‪ .9‬أن يعبر الدارس عن مشاعره لو كان فيمن كانوا في استقبال النبي على‬
‫مشارف المدينة ‪0‬‬
‫‪ .10‬أن يذكر الدارس ما الذي تعلمه شخصيا ً من دراسته للهجرة ‪0‬‬
‫*********‬
‫بزغ نور الدعوة السلمية في مكة كما عرفت قبل ذلك ‪ ،‬وشاء الله سبحانه أن‬
‫يبدأ الصراع بين الحق والباطل في ربوعها وعلى أرضها ‪ ،‬وهذه سنة الله في الحياة‬
‫وفي الدعوات مصداقا ً لقوله تعالى ‪ :‬كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد‬
‫فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الرض كذلك يضرب الله المثال ‪. (1) ‬‬
‫وقد رأينا قبل ذلك كيف قال ورقة بن نوفل لرسول الله ‪ ‬ـ حين عرض الرسول‬
‫عليه الصلة والسلم أمره عليه ‪ ،‬فقال له ورقة ‪ :‬ياليتني فيها جذعا ً ‪ ،‬ليتني أكون حيا ً‬
‫ي هم ؟ قال ‪ :‬نعم ‪،‬لم يأت رجل‬ ‫مخرج ّ‬‫إذا يخرجك قومك ‪ ،‬فقال رسول الله ‪ : ‬أو ُ‬
‫قط مثل ما جئت به إل عودي وإن يدركني يومك حيا ً أنصرك نصرا ً مؤزرا ً " ‪.‬‬
‫)‪(2‬‬

‫واشتد الصراع بين الحق العزل والباطل المتحفز المسلح القوي ‪ ،‬وصبر‬
‫المسلمون صبر البطال حتى يجعل الله لهم مخرجا ً ‪ ،‬ومرت السنون وتوالت اليام‬
‫وقريش تزيد من عنتها واضطهادها لفتنة المؤمنين ‪ ،‬حتى أصبح المسلمون بين مفتون‬
‫في دينه ومعذب في أيديهم وهارب في الفاق فرارا ً بعقيدته ‪ ،‬ومنهم من ذهب إلى‬
‫أرض الحبشة ‪ ،‬وفي وسط هذا الليل الطويل‪ ،‬والظلمات الكثيفة ‪ ،‬ظهرت بروق رحمة‬
‫الله بالمؤمنين ونصره للعاملين وصدق الله ‪ ‬حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد‬
‫كذبوا جاءهم نصرنا ‪. (3) ‬‬
‫فإذا بيثرب " المدينة المنورة " تفتح ذراعيها للمؤمنين وتحتضن العاملين‬
‫المجاهدين ‪ ،‬إيذانا ً لقامة مجتمع جديد في بلد آمن‪.‬‬
‫إذن الرسول ‪ ‬لصحابه بالهجرة إلى المدينة وأسباب ذلك ‪:‬‬
‫لما شرح الله قلوب أهل يثرب للسلم وحبب إليهم اليمان ‪ ،‬وسرى فيهم‬
‫السلم ‪ ،‬وبايع النصار رسول الله على النصرة له ولمن تبعه وأوى إليهم من‬
‫المسلمين في بيعة العقبة الثانية ‪ ،‬توجهت أنظار المسلمين للهجرة إليها ‪.‬‬
‫عن عروة عن عائشة ‪ :‬قالت ‪ :‬قال رسول الله ‪ " : ‬قد رأيت دار هجرتكم ‪،‬‬
‫رأيت سبخة ذات نخل بين لبتين " )‪ (4‬فأمر الرسول ـ ‪ ‬ـ أصحابه ممن بقي معه‬
‫بمكة من المسلمين بالهجرة إلى المدينة للحوق بإخوانهم من النصار ‪ ،‬وقال ‪" : ‬‬
‫إن الله عز وجل قد جعل لكم إخوانا ً ودارا ً تأمنون فيها " )‪. (5‬‬
‫فخرجوا إليها أرسال ً ‪ ،‬طاعة لله ورسوله ‪ ،‬ونصره لجند الحق وإقامة لمجتمع‬
‫السلم ودولته في المدينة ‪.‬‬
‫هجرة الصحابة إلى المدينة ‪:‬‬
‫هاجر المسلمون زرافات ووحدانا وكان أول من هاجر إلى المدينة من أصحاب‬
‫رسول الله ‪ " ‬أبو سلمة " عبد الله بن عبد السد بن هلل وعامر بن أبي ربيعة‬
‫ومعه امرأته ليلى بنت حثمة العدوية ‪ ،‬ثم عبد الله بن جحش ‪ ،‬ثم هاجر عمر بن‬
‫الخطاب ولحقه من أهله أخوه زيد بن الخطاب ‪ ،‬وعمرو وعبد الله ابنا سراقة بن‬

‫سورة الرعد ‪17-‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫انظر السيرة النبوية للصف الول ص ‪.51‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫سورة يوسف ‪110-‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫البخاري ‪ 370 ، 12/369‬في التعبير ومسلم رقم ‪ 2272‬في الرؤيا ‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫تاريخ ابن جرير الطبري ‪ ، 2/369‬الروض النف ‪ ، 2/211‬سيرة ابن كثير ‪ 2/215‬ومختصر صحيح مسلم كتاب‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫الرؤيا ‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫سهمي زوج حفصه ‪ ،‬وغيرهم ‪ ،‬ثم تتابع المهاجرون رضي‬ ‫حذافة ال ُ‬‫خنيس بن ُ‬ ‫معتمر و ُ‬
‫ال ُ‬
‫الله عنهم في مشاهدة بطولية وإيمانية فريدة على مر التاريخ ‪.‬‬
‫هجرة النساء ‪:‬‬
‫ً‬
‫لم تقتصر الهجرة على الرجال ‪ ،‬بل هاجر النساء كذلك فرارا بدينهن من الشرك‬
‫والعنت والبغي والفجور ليشاركن في صنع المجتمع اليماني الجديد ‪ ،‬وليحملن‬
‫الرسالة ويؤدين المانة ابتغاء رضاء الله والجنة ‪ ،‬فهاجر من النساء المسلمات جموع‬
‫حمنة بنت جحش وأم قيس بنت محصن ‪،‬وأم حبيب‬ ‫كثيرة ‪ ،‬منهن زينب بنت جحش و َ‬
‫بنت ثمامة ‪ ،‬وأم سلمة رضي الله عنها ‪ ،‬وغيرهن كثيرات كن مثال ً للتضحية والفداء‬
‫والصبر في سبيل الله تعالى ‪.‬‬
‫إعداد الرسول ـ ‪ ‬ـ للهجرة ‪:‬‬
‫تتابعث هجرة المسلمين من مكة زرافات ووحدانا حتى كادت مكة أن تخلو من‬
‫المسلمين ‪ ،‬وشعرت قريش بأن السلم أضحت له دار يأوي إليها وحصن يحتمي به‬
‫وقد استقبلهم النصار بالحب والترحاب ‪ .‬ففكر رسول الله ‪ ‬في الهجرة وأخذ يستعد‬
‫لها حتى يأذن الله بذلك ‪.‬‬
‫بدأ الرسول ـ ‪ ‬ـ يعد للهجرة إلى المدينة ‪ ،‬ويضع الخطة لذلك ويأخذ بالسباب‬
‫ويستفرغ الجهد في ذلك ويعمل الحيلة ‪ ،‬ليسلم من أذى المشركين وكيدهم وكان من‬
‫خطوات هذا العداد ما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬اختيار الرفيق والصاحب في الهجرة ‪ ،‬وهو أبو بكر الصديق ‪ ، ‬فقد جاء أبو بكر ‪‬‬
‫يستأذن الرسول في الهجرة فقال له ‪ :‬ل تعجل لعل الله يجعل لك صاحبا ً ‪.‬‬
‫‪ -2‬إعداد الرواحل التي ستحمل الرسول وصحبه إلى المدينة ‪.‬‬
‫‪ -3‬إعداد الدليل وخبير الطريق الذي سيصحب الرسول ‪ ‬ـ وصحبه وقد استأجر‬
‫ديلم بن بكر ‪ ،‬وكان هاديا ً ماهرا ً ‪،‬وكان‬ ‫ُ‬
‫الرسول لذلك عبد الله بن أريقط من بني ال ّ‬
‫على دين قومه ‪ ،‬فأمناه ودفعا إليه الرواحل وواعداه عند الخروج غار ثور ‪.‬‬
‫‪ -4‬استكشاف المكان الذي سيختفي فيه الرسول وصاحبه عند خروجهما من مكة‬
‫حتى يهدأ الطلب وهو غار ثور ‪.‬‬
‫‪ -5‬تدريب على بن أبي طالب على خطة لتضليل المشركين وخداعهم بالنوم مكان‬
‫الرسول ـ ‪ ‬ـ ‪.‬‬
‫‪ -6‬إعداد من يأتي الرسول ـ ‪ ‬ـ بأخبار المشركين بمكة وهو في الغار ‪ ،‬واختير لذلك‬
‫عبد الله بن أبي بكر الصديق ‪.‬‬
‫‪ -7‬إعداد من يأتي بالطعام والشراب ‪ ،‬ويطمس على آثار أقدام من يأتي إلى رسول‬
‫الله ـ ‪ ‬ـ وصاحبه في الغار ‪.‬‬
‫المؤامرة على رسول الله ـ ‪ ‬ـ ‪:‬‬
‫أرادت قريش أن تتخذ موقفا ً حاسما ً بشأن محمد ـ ‪ ‬ـ يقضي عليه وعلى‬
‫دعوته ‪ ،‬خاصة ‪ ،‬وأنه ما زال في مكة ‪ ،‬وبذلك تكون قريش قد أجهزت عليه ـ ‪ ‬ـ‬
‫وعلى الدعوة قبل أن يقضي على ديانتها وهيبتها ‪ .‬فأجتمع كفار مكة وطواغيت الشرك‬
‫في دار الندوة ليتخذوا القرار القاطع ‪.‬‬
‫م نوره ولو كره الكافرون‪. ‬‬
‫)‪(6‬‬
‫‪ ‬يريدون لُيطفئوا نور الله بأفواههم والله ُ‬
‫مت ُ‬
‫قال بعضهم لبعض ‪ :‬إن هذا الرجل قد كان من أمره ما قد رأيتم ‪ ،‬فإنا والله ما نأمنه‬
‫على الوثوب علينا فيمن قد اتبعه من غيرنا ‪ ،‬فأجمعوا فيه رأيكم ‪،‬وتشاوروا ‪ ،‬ثم قال‬
‫قائل منهم ‪ :‬احبسوه في الحديد وأغلقوا عليه الباب ثم تربصوا به كغيره من الشعراء‬
‫الذين كانوا قبله ‪ ،‬حيث ماتوا في سجونهم ‪.‬‬
‫تشاور القوم حول هذا الرأي ثم رفضوه ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬والله لئن حبستموه كما‬
‫تقولون ليخرجن أمره من وراء الباب الذي أغلقتموه إلى أصحابه ‪ ،‬فيثبون عليكم‬
‫الصف ‪80-‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫‪61‬‬
‫فينتزعونه من أيديكم ‪ ،‬ثم يكاثرونكم به حتى يغلبوكم على أمركم ‪ ،‬فما هذا لكم‬
‫براي ‪ ،‬فانظروا غيره‪.‬‬
‫فقال قائل منهم ‪ :‬نخرجه من بين أظهرنا فننفيه من ا لبلد ‪ ،‬فإذا أخرج عنا‬
‫فوالله ل نبالي أين ذهب‬
‫ن حديثه وحلوة‬ ‫حس َ‬ ‫فاستبعد القوم هذا القتراح ‪ .‬وقالوا ‪ :‬ما هذا لكم برأي ‪ ،‬ألم تروا ُ‬
‫منطقة ‪ ،‬وغلبته على القلوب ‪ .‬بما يأتي به ‪ ،‬والله لو فعلتم ذلك ما أمنتم أن يتبعه‬
‫الناس ثم يسير بهم إليكم حتى يطأكم بهم في بلدكم ‪ ،‬فيأخذ أمركم من أيديكم‬
‫ويفعل بكم ما أراد‪.‬‬
‫فقال أبو جهل بن هشام ‪ :‬والله إن لي فيه لرأيا ما أراكم وقعتم على مثله بعد ‪،‬‬
‫فقالوا ‪ :‬وما هو يا أبا الحكم ؟‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫قال ‪ :‬أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتى شابا جلدا نسيبا و سيطا فينا ثم ُنعطي‬
‫كل فتى منهم سيفا ً صارما ً ‪ ،‬ثم يعمدون إليه فيضربو ضربة رجل واحد ‪ ،‬فيقتلونه‬
‫فنستريح منه ‪ ،‬ويتفرق دمه في القبائل جميعا ً فل يقدر بنو عبد مناف على حربهم‬
‫جميعا ً ‪ ،‬فيرضون منا بالدية )‪. (7‬‬
‫فقالوا جميعا ً ‪ :‬هذا هو الرأي ‪ ،‬وتفرق القوم على ذلك وهم مجمعون عليه ‪ ،‬وبدأ‬
‫العداد لغتيال الرسول ـ ‪. ‬‬
‫وهكذا يريد الباطل أن يغتال الحق العزل ولو كان يحمله نبي أو رسول أو‬
‫داعية إلى الصراط المستقيم ‪ ،‬وهذه سنة الباطل في كل زمان ومكان ‪  .‬والله‬
‫غالب على أمره ولكن أكثر الناس ل يعلمون ‪. (8) ‬‬
‫القرآن يفضح المؤامرة ‪:‬‬
‫ما كان الحق سبحانه وتعالى ليترك رسوله ـ ‪ ‬ـ بدون أن ُيعلمه بما بّيت له‬
‫المشركون ودبر له الغادرون وصدق الله ‪ ‬ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين‬
‫‪ ‬فإذا بالحق سبحانه يخبر رسوله ـ ‪ ‬ـ بالمؤامرة ‪ ،‬قال ابن إسحاق ‪ :‬فكان مما‬
‫أنزل الله في ذلك اليوم فيما كانوا أجمعوا له قوله تعالى ‪  :‬وإذ يمكر بك الذين‬
‫كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ‪‬‬
‫وقوله تعالى ‪ :‬أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون ‪.(9) ‬‬
‫تنفيذ الهجرة النبوية ‪:‬‬
‫كان من الطبيعي بعد التفاق على قتل الرسول ‪ ‬ـ أن يصبح وضعه ‪ ‬ـ في‬
‫مكة حرجا ً ‪ ،‬فإن المشركين ل ينتظرون إل موعد التنفيذ ‪ ،‬ثم يجهزون على صاحب‬
‫الرسالة ‪،‬ولقد كان من الطبيعي أن يتحول الرسول ‪ ‬من هذه الرض الجدبة التي‬
‫رفضت الدعوة وتآمرت عليها إلى أرض قبلتها ورحبت بها‪ ،‬خاصة وأن أصحابه عليه‬
‫الصلة والسلم قد سبقوه إليها وأن أهل يثرب يتشوقون إليه ‪ ‬وينتظرون هجرته‬
‫‪،‬وقد أذن الله له في الهجرة ‪ ،‬وأراه سبحانه مكانها في منامه ‪ ،‬وقد أعد لها ـ ‪ ‬ـ‬
‫إعدادا ً جيدا ً كما رأينا ‪.‬‬
‫فتوجه من ساعته إلى صديقه أبي بكر ‪ ،‬وأعلمه أن الله قد أذن له في الهجرة‬
‫فسأله أبو بكر الصحبة فقال ‪ :‬نعم ‪ ،‬ثم عرض عليه إحدى راحلتيه اللتين كانتا معدتين‬
‫لذلك فجهزاهما أحث ) أسرع ( الجهاز‪ ،‬وصنعت لهما سفرة) الزاد الذي يصنع‬
‫للمسافر(في جراب فقطعت أسماء بنت أبي بكر نطاقها وربطت به على فم الجراب‬
‫واستأجر عبد الله بن أريقط من بني الديل ابن بكر وكان هاديا ً ماهرا ً وهو على دين‬
‫كفار قريش فأمناه ودفعا إليه راحلتيهما ووعداه غار ثور بعد ثلث ليال ثم فارق‬
‫الرسول ‪ ‬أبا بكر ووعداه المقابلة ليل ً خارج مكة ‪.‬‬

‫انظر في ذلك سيرة ابن هشام على الروض النف ‪ 222/ 2‬مكتبة الكليات الزهرية‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫يوسف ‪21-‬‬ ‫)(‬ ‫‪8‬‬

‫سيرة ابن هشام على الروض والنف ‪ ، 2/223‬وسيرة ابن هشام ‪ 2/231‬ط الحلبي ‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪9‬‬

‫‪62‬‬
‫وكانت هذه الليلة هي ليلة استعداد قريش لتنفيذ ما أقروا عليه‬
‫فاجتمعوا حول باب الدار ورسول الله داخله ‪ ،‬فلما جاء ميعاد الخروج أمر‬
‫ابن عمه عليا ً بالمبيت مكانه كيل يقع الشك في وجوده أثناء الليل فإنهم‬
‫كانوا يرددون النظر من شقوق الباب ليعلموا وجوده ثم سجى على علي‬
‫ببردته وخرج على القوم وهو يقرأ ‪ :‬وجعل ْنا من بي َ‬
‫م‬ ‫خل ْ ِ‬
‫فهِ ْ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫دا وَ ِ‬
‫س ّ‬
‫م َ‬
‫ديهِ ْ‬
‫ن أي ْ ِ‬
‫َ َ َ َ ِ َْ ِ‬
‫ن }‪ ) {9‬سورة يس ( فألقى الله النوم عليهم‬ ‫م ل َ ي ُب ْ ِ‬
‫صُرو َ‬ ‫م فَهُ ْ‬ ‫دا فَأ َغْ َ‬
‫شي َْناهُ ْ‬ ‫س ّ‬
‫َ‬
‫حتى لم يره أحد ‪ ،‬ولم يزل عليه السلم سائرا ً حتى تقابل مع الصديق‬
‫وسار حتى بلغا غار ثور فاختفيا فيه ‪.‬‬
‫أما المشركون فلما علموا بفساد مكرهم وأنهم إنما باتوا يحرسون علي ابن أبي‬
‫طالب ل محمد بن عبد الله هاجت عواطفهم فأرسلوا الطلب من كل جهة ‪ ،‬وجعلوا‬
‫الجوائز لمن يأتي بمحمد أو يدل عليه ‪ ،‬وقد وصلوا في طلبهم إلى ذلك الغار الذي فيه‬
‫طلبتهم بحيث لو نظر أحدهم تحت قدميه لنظرهما حتى أبكى ذلك أبا بكر ‪ ،‬فقال له‬
‫عليه السلم ‪ ‬ل تحزن إن الله معنا ‪ ‬سورة التوبة ‪40‬‬
‫فأعمى الله أبصار المشركين حتى لم يحن لحد منهم التفاتة إلى ذلك الغار بل‬
‫صار أعدى العداء أمية بن خلف فيه ثلث ليال حتى ينقطع الطلب وكان يبيت عندهم‬
‫عبد الله بن أبي بكر وهو شاب ثقف ) حاذق فطن ( ولقن ) سريع الفهم ‪ ،‬حسن‬
‫التلقي لما يسمعه ويعلمه (فيدلج ) يخرج وقت السحر منصرفا إلى مكة ( من عندهما‬
‫ت بها فل يسمع أمرا ً يكتادان به إل وعاه حتى‬ ‫بسحر فيصبح مع قريش بمكة كبائ ٍ‬
‫يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلم وكان عامر بن فهيرة يروح عليهما بقطعة من‬
‫غنم يرعاها حين تذهب ساعة من العشاء ويغدو بها عليهما فإذا خرج من عندهما عبد‬
‫الله تبع أثره عامر بالغنم كيل يظهر لقدميه أثر ولما انقطع الطلب خرجا بعد أن‬
‫جاءهما الدليل بالراحلتين صبح ثلث ‪ ،‬وسار متبعين طريق الساحل ‪ ،‬وفي الطريق‬
‫لحقهم طالبا ً سراقة بن مالك المدلجي وكان قد رأى رسل مشركي قريش يجعلون‬
‫في رسول الله وأبي بكر دية كل واحد منهما لمن قتله أو أسره ‪.‬‬
‫فبينما هو في مجلس من مجالس قومه بنى مدلج إذ أقبل رجل منهم حتى قام‬
‫عليم وهم جلوس فقال ‪ :‬يا سراقة إني رأيت آنفا ً أسودة ) أشخاصا ً ( بالساحل أراها‬
‫محمدا ً وأصحابه فعرف سراقة أنهم هم ‪ ،‬ولكنه أراد أن يثني عزم مخبره عن طلبهم‬
‫فقال ‪ :‬إنك فلنا ً وفلنا ً انطلقوا بأعيننا يبتغون ضالة لهم ثم لبث في المجلس ساعة‬
‫وقام وركب فرسه ثم سار حتى دنا من الرسول ومن معه فعثرت به فرسه فخر عنها‬
‫ثم ركبها ثانيا ً وسار حتى صار يسمع قراءة المصطفى وهو ل يلتفت ‪ ،‬وأبو بكر يكثر‬
‫اللتفات فساخت قائمتا فرس سراقة في الرض حتى بلغتا الركبتين فخر عنها ثم‬
‫زجرها حتى نهضت فلم تكد تخرج يديها حتى سطع لثرهما غبار ساطع في السماء‬
‫مثل الدخان ‪.‬‬
‫فعلم سراقة أن عمله ضائع سدى ‪ ،‬وداخله رعب عظيم فناداهما بالمان فوقف‬
‫عليه الصلة و السلم ومن معه حتى جاءهم ‪ ،‬ويقول سراقة ‪ :‬وقع في نفسي حين‬
‫لقيت ما لقيت أن سيظهر أمر رسول الله فقلت ‪ :‬إن قومك قد جعلوا فيك الدية‬
‫وأخبرهم بما يريد بهم الناس وعرض عليهم الزاد والمتاع فلم يأخذا منه شيئا ً بل قال‬
‫له ‪ :‬أخف عنا فسأله سراقة أن يكتب له كتاب أمن فأمر أبا بكر فكتب ‪ .‬وبذلك‬
‫انقضت هذه المشكلة التي أظهر الله فيها مزيد عنايته برسوله ‪.‬‬
‫وكان أهل المدينة حينما سمعوا بخروج رسول الله وقدومه عليهم يخرجون إلى‬
‫الحرة ) هي الرض ذات الحجارة السوداء ( حتى يردهم حر الظهيرة فانقلبوا يوما ً بعد‬
‫أن أطالوا انتظارهم ‪ ،‬فلما أووا إلى بيوتهم أوفى رجل من يهود على أطم ) بناء من‬
‫حجر كالقصر ( من آطامهم لمر ينظر إليه فبصر برسول الله وأصحابه يزول بهم‬
‫السراب يظهرهم تارة ويخفيهم أخرى ‪ ،‬فقال اليهودي بأعلى صوته ‪ :‬يا معشر العرب‬

‫‪63‬‬
‫هذا جدكم أي حظكم الذي تنتظرون ‪ ،‬فثاروا إلى السلح فتلقوا رسول الله بظهر‬
‫الحرة ‪.‬‬

‫النزول بقباء‬

‫فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف بقباء والذي حققه‬
‫المرحوم محمود باشا الفلكي أن ذلك كان في اليوم الثاني من ربيع الول الذي يوافق‬
‫‪ 20‬سبتمبر سنة ‪ 622‬وهذا أول تاريخ جديد لظهور السلم بعد أن مضى عليه ثلث‬
‫عشرة سنة ‪ ،‬وهو مضيق عليه من مشركي قريش ورسول الله ممنوع من الجهر‬
‫بعبادة ربه ‪ ،‬أما الن فقد آواه الله هو وصحابته رضوان الله عليهم بعد أن كانوا قليل ً‬
‫يتخطفهم الناس ‪.‬‬
‫هجرة النبياء‬

‫ااااا اااااا ااا ااااااا ‪ ‬اااااااااا اا اااااااا اا اااا‬


‫ااا اا ااا اااا ااا ااا اا اااا ااااا ااااا اااا اا ااااااا ااا‬
‫اااااااا ااااا اااا ااا اااا اااا اااا ااااا ا اااا ااا اااا‬
‫ااااااا ااااا اااااا اااااا اا ااااااا اااااا ااااااا اااااا‬
‫ااا اااا ااااا اا ااااااا اا اااااا اااااا ااا ااااااا ا اا‬
‫ااا ااا اا اااا اااا ‪ .‬ااا ااا اااااااا ااااا اا ) ااااااا (‬
‫ااااا ااااا اااا اااااا ااااا ااااا اااا اا ااااا اااااااااا‬
‫اااااا ااا اااااا اااااااااااا اااااا ‪.‬‬

‫اااا ااا اااا ااا اااا اااااااا ااااا اااا ااااا ااااا‬
‫اااااااا ااا ااااااا اااااا اااا ااا اااا اااااا اااااااا اا‬
‫ااااا اااا ااا اا اااااا اااا اااااا اااا اااااا اا اااااا‬
‫ااااا ااااا ااااااا ااااا اا ااا ااا ااا ااااااا اااااااا‬
‫) اااا ااااااااا اا ااا اااا ااا ااا ااااا اااااااا( ‪.‬‬

‫اا ااا ااا ‪ ) :‬اااااا ااااااا ااا ااااا اااا اا اااااااا‬


‫ااااا ااااا اااااااا ااااا ااااا ( ااا ااااا ااا ااا اااا اااا‬
‫اااا ااااا ااااا ااا اااا ااااا ااااا اا اااااا اااااااا اااا‬
‫ااا اااا اااااا ‪.‬‬

‫فل غرابة أن هاجر عليه السلم من بلد منعه أهلها من تتميم ما أراده الله ‪ ‬سنة الله‬
‫في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديل ً ‪ ) ‬سورة الحزاب الية ‪0 ( 62 :‬‬
‫أعمال مكة‬

‫‪64‬‬
‫هذا ولنبين لك مجمل ما دعا إليه الرسول ‪ ‬بمكة من أصول الدين ‪،‬‬
‫وذلك أمران ‪:‬‬

‫الول – العتقاد بوحدانية الله وأن ل يشرك معه في العبادة غيره سواء‬
‫كان ذلك الغير صنما ً كما يفعل مشركوا مكة أو أبا ً أو زوجة أو بنتا ً كما‬
‫عليه بعض الطوائف الخرى كالنصارى ولول العتقاد بوحدانية الله ما‬
‫كلف أحد نفسه تكاليف الحياة من آداب الخلق بل كان يسير فيما تأمره‬
‫به نفسه من شهواتها وملذاتها ما دام ذلك خافيا ً عن الناس ‪.‬‬

‫الثاني – العتقاد بالبعث والنشور وأن هناك يوما ً ثانيا ً للنسان يجازى‬
‫فيه على ما صنعه في الدنيا إن خيرا ً فخير وإن شرا ً فشر وعلى هذين‬
‫المرين جاء غالب الية المكية فقلما نرى سورة مكة إل مشحونة‬
‫بالستدلل عليها وتوبيخ من تركهما وكل ذلك بأساليب تأخذ بالعقل‬
‫وبراهين ل تحتاج لفلسفة الذين يشغلون أنفسهم بما ل طائل تحته مما‬
‫يضيع الوقت سدى ونزل على رسول الله ‪ ‬بمكة من القرآن معظمه‬
‫وهو ما عدا ثلثا ً وعشرين سورة منه وهي ‪ :‬البقرة ‪ ،‬آل عمران ‪،‬‬
‫النساء ‪ ،‬المائدة ‪ ،‬النفال ‪ ،‬التوبة ‪ ،‬الحج ‪ ،‬النور ‪ ،‬الحزاب ‪ ،‬القتال ) أي‬
‫سورة محمد ( الفتح ‪ ،‬الحجرات ‪ ،‬الحديد ‪ ،‬المجادلة ‪ ،‬الحشر ‪ ،‬الممتحنة ‪،‬‬
‫الصف ‪ ،‬الجمعة ‪ ،‬المنافقون ‪ ،‬التغابن ‪ ،‬الطلق ‪ ،‬التحريم ‪ ،‬النصر ‪ ،‬هذه‬
‫كلها مدنية وباقي القرآن مكي ‪.‬‬
‫ولما نزل عليه الصلة والسلم بقباء نزل على شيخ بني عمرو كلثــوم بــن الهــدم‬
‫وكان يجلس للناس ويتحدث لهم في بيت سعد بن خيثمة لنه كان عذبا ً ونزل أبــو بكــر‬
‫بالسنح ) محلة بالمدينة ( على خارجه بن زيد من بني الحارث من الخزرج ‪.‬‬
‫مسجد قباء ‪:‬‬
‫وأقام رسول الله بقباء ليالي أسس فيها مسجد قباء الذي وصفه الله بأنه‬
‫مسجد أسس على التقوى من أول يوم وصلى فيه عليه السلم بمن معه من النصار‬
‫والمهاجرين وهم آمنون مطمئنون وكانت المساجد على عهد رسول الله في غاية من‬
‫البساطة ليس فيها شيء مما اعتاده بناة المساجد في القرون الخيرة لن الرسول‬
‫‪ ‬وأصحابه لم يكن جل همهم إل منصرفا ً لتزين القلوب وتنظيفها من حظ الشيطان‬
‫فكان سور المسجد ل يتجاوز القامة وفوقه مظلة يتقي بها حر الشمس ‪.‬‬

‫الوصول إلى المدينة ‪:‬‬


‫ثم تحول عليه الصلة و السلم إلى المدينة والنصار محيطون به متقلدي‬
‫دث ول حرج عن سرور أهل المدينة فكان يوم تحوله إليهم يوما ً‬ ‫سيوفهم ‪ ،‬وهنا ح ّ‬
‫سعيدا ً لم يروا فرحين بشيء فرحهم برسول الله ‪ ‬وخرجت النساء والصبيان‬
‫والولئد يقلن ‪:‬‬
‫من ثنيات الوداع‬ ‫طلع البدر علينا‬
‫ما دعا لله داع‬ ‫وجب الشكر علينا‬
‫جئت بالمر المطاع‬ ‫أيها المبعوث فينا‬

‫وكان الناس يسيرون وراء رسول الله ما بين ما ش وراكب يتنازعون زمام ناقته‬
‫كل يريد أن يكون نزيله ‪.‬‬
‫أول جمعة ‪:‬‬

‫‪65‬‬
‫وأدركته عليه السلم صلة الجمعة في بني سالم بن عوف فنزل وصلها ‪ ،‬وهذه‬
‫أول جمعة له عليه السلم وأول خطبة خطبها عليه السلم حمد الله وأثنى عليه ثم‬
‫قال ‪:‬‬
‫" أما بعد ‪ :‬أيها الناس فقدموا لنفسكم ‪ ،‬تعلمن والله ليصعقن أحدكم ثم ليدعن‬
‫غنمته ليس لها راع ثم ليقولن له ربه ليس له ترجمان ول حاجب يحجبه دونه ‪ :‬ألم‬
‫يأتك رسولي فبلغك وآتيتك مال ً وأفضلت عليك فما قدمت لنفسك ؟ فينظرن يمينا ً‬
‫وشمال ً فل يرى شيئا ً ‪ ،‬ثم لينظرن قدامه فل يرى غير جهنم ‪ ،‬فمن استطاع أن يقي‬
‫وجهه من النار ولو بشق تمرة فليفعل ‪ ،‬ومن لم يجد فبكلمة طيبة ‪ ،‬فإن بها تجزي ‪،‬‬
‫الحسنة عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف ‪ ،‬والسلم عليكم ورحمة الله وبركاته " ‪.‬‬
‫النزول على أبي أيوب ‪:‬‬
‫ثم ساروا ‪ ،‬وكلما مروا على دار من دور النصار يتضرع إليه أهلها بأن‬
‫ينزل عندهم ويأخذون بزمام الناقة ‪ ،‬فيقول ‪ :‬دعوها فإنها مأمورة ‪ ،‬ولم‬
‫تزل سائرة حتى أتت بفناء بني عدي بن النجار وهم أخواله الذين تزوج‬
‫منهم هاشم جده فبركت بمحلة من محلتهم أمام دار أبي أيوب‬
‫النصاري ‪ ،‬واسمه خالد بن زيد وذلك محل مسجده الشريف فقال عليه‬
‫خي ُْر‬
‫ت َ‬ ‫السلم ههنا المنزل إن شاء الله ) وُقل رب َأنزل ِْني منزًل مبار ً َ‬
‫كا وَأن َ‬ ‫ُ َ ّ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ّ ّ‬ ‫َ‬
‫ن (}‪ ){29‬سورة المؤمنون ( فاحتمل أبو أيوب رحله ووضعه في منزله‬ ‫ال ْ ُ‬
‫منزِِلي َ‬
‫وجاء أسعد بن زرارة فأخذ بزمام ناقته فكانت عنده وخرجت ولئد بني‬
‫النجار يقلن ‪:‬‬
‫يا حبذا محمد من جار‬ ‫نحن جوار من بني النجار‬

‫فخرج إليهن رسول الله فقال ‪ :‬أتحبنني ؟ فقلن نعم ‪ ،‬فقال ‪ :‬الله يعلم‬
‫أن قلبي يحبكن واختار عليه السلم النزول في الدور السفل من دار‬
‫أيوب ليكون أريح لزائريه ولكن لم يرض رضي الله عنه ذلك كرامة‬
‫لرسول الله لما يمكن أن يصيبه من التراب الذي يحدثه وطء القدام أو‬
‫الماء الذي يهراق ‪ ،‬فقد اتفق أن كسرت من زوجته جرة ماء بالليل فقام‬
‫هو وهي بقطيفتهما التي ليس لهما غيرها يمسحان الماء خوفا ً على‬
‫رسول الله ‪ ،‬ولذلك لم يزل أبو أيوب يستعطفه حتى كان في العلو ‪،‬‬
‫وكانت تأتيه الجفان كل ليلة من سراة النصار كسعد بن عبادة وأسعد بن‬
‫زرارة ‪ ،‬وأم زيد بن ثابت فما من ليلة إل وعلى بابه الثلث أو الربع من‬
‫جفان الثريد ‪.‬‬
‫نزول المهاجرون‬
‫ولما تحول مع رسول الله أغلب المهاجرين تنافس فيهم النصار‬
‫فحكموا القرعة فما نزل مهاجر على أنصاري إلى بقرعة ‪.‬‬
‫أخوة السلم‬
‫ومن يتأمل إلى هذه المحبة التي يستحيل أن تكون بتأثير بشر بل بفضل من‬
‫الله ورحمته يفهم كيف انتصر هؤلء القوام على معانديهم من المشركين وأهل‬
‫الكتاب مع قلة العدد والُعدد وكان النصار يؤثرون إخوانهم المهاجرين على أنفسهم ‪،‬‬
‫م‬‫ه ْ‬ ‫من َ‬
‫قب ْل ِ ِ‬ ‫ُ‬
‫ن ِ‬ ‫ما َ‬ ‫لي َ‬ ‫وا ْ ِ‬ ‫داَر َ‬‫ؤوا ال ّ‬ ‫و ُ‬‫ن ت َب َ ّ‬ ‫ذي َ‬‫وال ّ ِ‬‫قال تعالى في سورة الحشر ‪َ :‬‬
‫ن‬
‫ؤث ُِرو َ‬‫وي ُ ْ‬‫ما أوُتوا َ‬ ‫م ّ‬ ‫ة ّ‬ ‫ج ً‬‫حا َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬
‫ر ِ‬‫دو ِ‬
‫ص ُ‬
‫في ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫وَل ي َ ِ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫َ‬
‫جَر إ ِلي ْ ِ‬‫ها َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ن َ‬ ‫حّبو َ‬ ‫يُ ِ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ح نَ ْ‬ ‫من ُيوقَ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫على أن ُ‬ ‫َ‬
‫ه ُ‬ ‫ولئ ِك ُ‬ ‫فأ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫و َ‬‫ة َ‬ ‫ص ٌ‬‫صا َ‬ ‫خ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬
‫ن بِ ِ‬
‫و كا َ‬ ‫ول ْ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫س ِ‬
‫ف ِ‬ ‫َ‬
‫ن }‪ ){9‬سورة الحشر الية ( ‪.‬‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫وهذا أعلى درجات الخوة وكل ذلك كانوا يرونه قليل ً بالنسبة لما وجب عليهم‬
‫لخوانهم ‪ ،‬فإن رسول الله ‪ ‬ليمكن بينهم الخاء حتى آخى بين المهاجرين والنصار‬

‫‪66‬‬
‫فكان كل أنصاري ونزيله أخوين في الله ومن العبث أن نكلف القلم أن يوضح للقارئ‬
‫أن هذه الخوة أرقى بكثير من الخوة العصبية ‪ ،‬بل نكل ذلك للحساس السلمي‬
‫فإنه أفصح منطقا ً من القلم ‪ .‬وعلى الجمال فتلك قلوب ألف الله بينها حتى صارت‬
‫شيئا ً واحدا ً في أجسام متفرقة وعسى الله أن يوفق مسلمي عصرنا إلى هذا الخاء‬
‫حتى يسودوا كما ساد المتحدون وكان هذا الخاء على المواساة والحق وأن يتوارثوا‬
‫بعد الموت دون ذوي الرحام وكان عليه السلم يقول لكل اثنين ‪ ) :‬تآخيا في الله‬
‫أخوين أخوين ( ودام هذا الميراث إلى أن أنزل الله سبحانه قوله في سورة الحزاب‬
‫‪ ‬وأولوا الرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ‪ ) ‬سورة الحزاب الية ‪( 6‬‬

‫هجرة أهل البيت‬


‫ولما استقر عليه السلم بالمدينة أرسل زيد بن حارثة وأبا رافع إلى مكة ليأتيا‬
‫بمن تخلف من أهله وأرسل معهما عبد الله بن أريقط يدلهما على الطريق فقدما‬
‫بفاطمة وأم كلثوم بنتيه عليه السلم وسودة زوجه وأم أيمن زوج زيد وابنها أسامة ‪،‬‬
‫أما زينب فمنعها زوجها العاص بن الربيع وخرج مع الجميع عبدا لله بن أبي بكر بأم‬
‫رومان زوج أبيه‪ ،‬وعائشة أخته وأسماء زوج الزبير بن العوام وكانت حامل ً بابنها عبد‬
‫الله ‪ ،‬وهو أول مولود للمهاجرين بالمدينة ‪.‬‬
‫حمى المدينة‬
‫ولم يكن هواء المدينة في البدء موافقا ً للمهاجرين من أهل مكة فأصاب كثيرا ً‬
‫منهم الحمى وكان رسول الله يعودهم فلما شكوا إليه المر قال ‪ " :‬اللهم حبب إلينا‬
‫المدينة كما حببت إلينا مكة وأشد ‪ ،‬وبارك لنا في مدها وفي صاعها وانقل وباءها إلى‬
‫الجحفة " فاستجاب الله جل وعل دعوته وعاش المهاجرون في المدينة بسلم ‪.‬‬
‫منع المستضعفين من الهجرة‬
‫ومنع مشركو مكة بعضا ً من المسلمين عن الهجرة وحبسوهم وعذبوهم منهم الوليد‬
‫بن الوليد وعياش بن ربيعة وهشام بن العاص فكان عليه السلم يدعو لهم في صلته ‪.‬‬
‫‪ -‬التقويم ‪:‬‬
‫‪ -1‬اكتب الحوار الذي دار بين المشركين في المؤامرة على رسول الله ‪ ‬ثم أجب‬
‫عما يأتي موضحا ً ما تقول ‪:‬‬
‫أ‪ -‬هل للمؤامرة على الرسول وعلى الدعوة السلمية شبيه اليوم ؟‬
‫ب‪ -‬هل انتصر الباطل على الحق رغم كثرة العداد ؟‬
‫ج‪ -‬وهل قتل الداعية يقضي على دعوته ويذهب أثرها ؟‬
‫د‪ -‬وهل هناك من يفتدي الدعوات بالنفس والمال ؟‬
‫‪-2‬ضع علمة )‪ (‬أمام ما تراه صحيحا ً وعلمة )‪ (‬أمام ما تراه خاطئا ً فيما يأتي ‪:‬‬
‫م في‬ ‫أ‪ -‬تشاور كفار قريش في أمر رسول الله ‪ ‬فقال بعضهم نضع له ال ُ‬
‫س ّ‬
‫الطعام ‪.‬‬
‫ب‪ -‬قال بعضهم بل نرميه من شاهق ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ج‪ -‬قال أبو جهل ‪ :‬أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتى شابا جلدا نسيبا وسيطا ونعطي كل‬
‫واحد منهم سيفا ً صارما ثم يعمدون إليه فيضربونه ضربة رجل واحد ‪.‬‬
‫د‪ -‬أعلم رجل من المجتمعين رسول الله ‪ ‬بإجماع قريش على قتله ‪.‬‬
‫هـ‪-‬أعلم الحق تبارك وتعالى رسول الله ‪ ‬بما أجمع عليه المشركون ‪.‬‬
‫و‪ -‬نزل في ذلك قوله تعالى ‪  :‬وإذ يمكر بك الذين كفروا لُيثبتوك أو يقتلوك أو‬
‫يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ‪. ‬‬

‫‪67‬‬
‫‪ -3‬وسائل أهل الباطل كما لم تتغير هي عندما يعجزون عن المواجهة مع‬
‫الدعاة بالوسائل السليمة يلجأون إلى السجن أو القتل وضح ذلك‪.‬‬
‫‪ -4‬الرسول يعد العدة ويستخدم الوسائل المتاحة في زمانه فهل‬
‫يستخدم دعاة اليوم نفس الوسائل وضح ذلك بالمثلة التي يمكن‬
‫استخدامها والتي ل يمكن استخدامها ‪.‬‬
‫‪ -5‬الرسول يطمئن إلى أولد الصديق فماذا كان دورهم وهل كان هذا‬
‫الطمئنان سليمًا‪.‬‬
‫‪ -6‬الشدائد والمحن تظهر معادن الرجال وصدق اليمان اضرب أمثلة من‬
‫الواقع الحالي‪.‬‬
‫‪ -7‬أ‪ -‬ضع اسم قائل كل جملة من الجمل التية أمام قوله فيما يأتي ‪:‬‬
‫‪ ‬لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إل عودي‬
‫‪ ‬أريت دار هجرتكم رأيت سبخة ذات نخل بين لبتين‬
‫‪ ‬إن الله عز وجل قد جعل لكم إخوانا ً ودارا ً تأمنون فيها‬
‫ب‪-‬ضع علمة )‪ (‬أمام الجابة الصحيحة وعلمة )‪ (‬أمام الجابة غير الصحيحة فيما‬
‫يأتي ‪:‬‬
‫‪ ‬أول من هاجر إلى المدينة مصعب بن عمير‬
‫‪ ‬أمر الرسول ـ ‪ ‬ـ أصحابه بالهجرة إلى المدينة‬
‫‪ ‬اقتصرت الهجرة في بدء أمرها على الرجال فقط دون النساء‬
‫‪ ‬كانت الهجرة من مكة إلى المدينة عمل ً سهل ً ‪.‬‬
‫‪ ‬خرج المسلمون مستخفين من مكة مهاجرين إلى المدينة‪.‬‬
‫‪ -8‬وضح دقة تخطيط النبي ‪ ‬لرحلة الهجرة ‪.‬‬
‫‪ -9‬وضح مدى تأثرك بقول النبي ‪ ‬لبي بكر في الغار " ل تحزن إن الله معنا " ‪.‬‬
‫‪ -10‬إرو أمر سراقة بن مالك عند خروجه لطلب النبي ‪ ‬وهو في طريقه إلى المدينة‬
‫‪.‬‬
‫‪ -11‬وضح ما الذي استفدته من موقف النبي ‪ ‬مع سراقة بن مالك ‪.‬‬
‫‪ -12‬علل لماذا كانت الهجرة سنة النبياء ‪.‬‬
‫‪ -13‬عدد الدروس المستفادة من رحلة الهجرة ‪.‬‬
‫‪ -14‬أبرز أهم أعمال النبي ‪ ‬فترة بقائه في قباء ‪.‬‬
‫‪ -15‬صف حال أهل المدينة حينما سمعوا بخروج النبي ‪ ‬وقدومه عليهم ‪.‬‬
‫‪ -16‬أذكر مضمون أول خطبة جمعة للنبي ‪.‬‬
‫‪ -17‬أذكر كيف تم تحديد مكان مسجد النبي ‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -18‬إرو ما كان من أبي أيوب النصاري حال نزول النبي ‪ ‬ضيفا عليه ‪.‬‬
‫‪ -19‬أذكر كيف قابل النبي ‪ ‬حب النصار له وحفاوتهم به ‪.‬‬
‫‪ -20‬أعط صورة لحال لنصار مع المهاجرين ‪.‬‬
‫‪ -21‬ما اسم أول مولود للمهاجرين بالمدينة ‪.‬‬
‫‪ -22‬وضح إلى أي مدى تأثر المسلمون اليوم لضعف التآخي بينهم ‪.‬‬
‫‪ -23‬بين كيف عانى المهاجرون من تغير أجواء المدينة عن مكة ‪.‬‬
‫‪ -24‬أذكر حال مشركي مكة مع من بقى من المسلمين بها ‪.‬‬
‫‪ -25‬عبر عما تعزم عمله في حياتك استفادة من أحداث الهجرة ‪0‬‬
‫‪ -26‬أذكر ما الذي يمكن أن تنصح به الخرين استلهاما من أحداث الهجرة ‪0‬‬

‫الدرس الثاني ‪:‬‬

‫‪ ‬العمال التي قام بها النبي ‪ ‬‬

‫‪68‬‬
‫‪ ‬وأصحابه بعد وصوله إلى المدينة لتأسيس المجتمع الجديد ‪‬‬
‫ويتضمن هذا الدرس ما يلي ‪:‬‬
‫بناء المسجد النبوي الشريف ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫المؤاخاة بين المهاجرين والنصار‬ ‫‪-2‬‬
‫تحصين المدينة بالمن ويتمثل ذلك في ‪:‬‬ ‫‪-3‬‬
‫أ‪-‬معاهدة الرسول لليهود ‪.‬‬
‫ب‪-‬تكوين جيش قوي قادر على الجهاد ورد العدوان ‪.‬‬

‫السنة الولى‬
‫‪ -‬الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬
‫‪ .1‬أن يوضح الدارس الدعائم التي أسس عليها الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫المجتمع الجديد بالمدينة ‪.‬‬
‫‪ .2‬أن يسرد الدارس قصة بناء المسجد النبوي بالمدينة ‪.‬‬
‫‪ .3‬أن يروي الدارس قصة بدء الذان ‪.‬‬
‫‪ .4‬أن يستخلص الدارس العبر والدروس التي تعلمها من قصة بناء المسجد ‪.‬‬
‫‪ .5‬أن يوضح الدارس كيف كانت المؤاخاة بين المهاجرين والنصار بالمدينة ‪.‬‬
‫‪ .6‬أن يستخلص الدارس العبر والعظات من المؤاخاة بين المهاجرين والنصار ‪.‬‬
‫‪ .7‬أن يحدد الدارس على أي شئ عاهد النبي ‪ ‬يهود المدينة ‪.‬‬
‫‪ .8‬أن يوضح الدارس أهداف ونتائج المعاهدة التي أقامها الرسول مع اليهود ‪.‬‬
‫‪ .9‬أن يستخلص الدارس الدروس والعبر من أحداث المعاهدة مع اليهود‬
‫‪ .10‬أن يوضح الدارس موقف المنافقين في المدينة ‪.‬‬

‫‪ ‬أسس البناء للمجتمع المسلم ‪‬‬


‫بعد أن وصل الرسول ‪ ‬المدينة‪ ،‬بدأت مرحلة جديدة من مراحل الدعوة‬
‫السلمية ‪ ،‬مرحلة وضع ركائز الدولة ‪ ،‬وبناء القواعد القوية التي سينطلق منها السلم‬
‫إلى الناس جميعا ً ‪ ،‬لينير العقول ‪ ،‬ويطرد الجهل ‪ ،‬ويدعو الناس إلى عبادة الله وحده ل‬
‫شريك له ‪ ،‬وقد ظهرت على طريق المسلمين عقبات عمل الرسول ـ ‪ ‬على تخطيها‬
‫واحدة بعد الخرى ‪.‬‬

‫مى المدينة ‪:‬‬ ‫ح ّ‬


‫ُ‬
‫ما إن استقر الرسول ‪ ‬في المدينة حتى مرض كثير من المهاجرين ‪ ،‬لختلف‬
‫الديار وتبدل الجواء ‪ ،‬فلم يكن هواء المدينة وجوها موافقا ً للمهاجرين من أهل مكة‬
‫فثقل المرض على المهاجرين ‪ ،‬فقال ‪ " :‬ل يصبر على لواء المدينة وشدتها أحد ُ‬
‫من أمتي إل كنت له شفيعا ً وشهيدا ً يوم القيامة ‪ ،‬ول يدعها رغبة عنها إل أبدل فيها من‬
‫هو خيُر منه " )‪. (10‬‬
‫يدفع الرسول ‪ ‬ـ بذلك الوساوس عن قلوب المؤمنين ليثبتهم ‪ ،‬ويظهر لهم أن‬
‫هذا نوع من الختبار والبتلء سيعافيهم الله منه ‪ ،‬وستكون المدينة وطنا ً للصالحين‬
‫والمتقين من عباده ‪.‬‬
‫وكان من دعاء رسول الله ـ ‪ ‬ـ ‪ :‬اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد ‪ ،‬اللهم‬
‫حماها بالجحفة " )‪.(11‬‬
‫مدها وصاعها ‪،‬وانقل ُ‬ ‫وصححها وبارك لنا في ُ‬
‫وعن أنس قال ‪ :‬قال رسول الله ‪ " : ‬اللهم اجعل في المدينة ضعفي ما جعلت‬
‫بمكة من البركة )‪. (12‬‬
‫حديث صحيح أخرجه مسلم ) ‪ ( 4/113‬وأحمد برقم ‪ 1583‬والبزار وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح‪.‬‬ ‫‪()10‬‬
‫أخرجه البخاري ‪ 7/99‬ومسلم ‪ 4/119‬وأحمد ‪.239– 222– 6/65‬‬ ‫‪()11‬‬
‫أخرجه البخاري ‪ 5/78 /‬ومسلم ‪ 4/115‬وأحمد ‪. 2/142‬‬ ‫‪()12‬‬

‫‪69‬‬
‫بهذا الثبات ‪ ،‬وهذا الدعاء ‪ ،‬وهذه البركة ‪ ،‬ارتفعت الروح المعنوية بين المسلمين‬
‫‪ ،‬واتجهت القوى الفتية إلى البناء ‪.‬‬
‫ومن هنا أخذ الرسول ـ ‪ ‬ـ يضع الدعائم للمجتمع الجديد التي‬
‫تتمثل في ‪:‬‬
‫أ‪-‬صلة الناس بربهم بالعبادة والشعائر ‪.‬‬
‫ب‪-‬صلة المسلمين بعضهم مع بعض بقانون أخلقي ونظام رباني ‪.‬‬
‫ج‪-‬علقة المسلمين بمن يحيطون بهم ول يدينون بدينهم في السلم والحرب‪.‬‬
‫د‪ -‬تدريب المسلمين على الجهاد وتكوين جيش قوي للدفاع عن الدولة ‪.‬‬
‫وقد ظهر ذلك جليا ً في أعمال قام بها الرسول ‪ ‬منها ‪:‬‬

‫‪ -1‬بناء المسجد النبوي الشريف ‪:‬‬


‫بدأ الرسول ‪ ‬ـ منذ دخوله المدينة في تأسيس المسجد ليكون قاعدة لشعائر‬
‫السلم التي طوردت ‪ ،‬ولتقام فيه الصلوات الخمس التي تربط العبد بربه ‪ ،‬وليكون‬
‫مكانا ً لتجمع المسلمين وتآخيهم ‪ ،‬ودارا ً للعلم والتهذيب والتربية ‪ ،‬أستاذها ومعلمها‬
‫رسول الله ‪ ‬ـ ‪ ،‬وطلبها هم أصحابه البرار رضوان الله عليهم ‪ ،‬ومحكمة للقضاء بما‬
‫أنزل الله ‪ ،‬يفصل فيها الرسول ‪ ‬ـ أو من ينوب عنه بين المتخاصمين ‪ ،‬وسا حة‬
‫للشورى يتداول فيها الرسول ‪ ‬والمسلمون في أخص شئونهم وأمورهم ‪ ،‬وركيزة‬
‫لجند الرحمن وقيادة الكتائب ‪ ،‬تعقد فيه اللوية لرؤساء الجيوش وقادة السرايا ‪،‬‬
‫ويزودون بالنصح والرشاد ‪ ،‬وُنزل ً لستقبال الوفود وأخذ البيعة والعهود ‪ ،‬ومركزا ً‬
‫للرسل الذين يوجهون إلى الدول لدعوتهم إلى السلم ‪ ،‬كما كان ملذا ً للمحتاجين‬
‫والمعوزين ‪.‬‬
‫واختار الرسول ‪ ‬ـ موقع هذا المسجد في المكان الذي بركت فيه ناقته ـ ‪، ‬‬
‫وكان يومئذ مربدا ً )‪ (13‬لغلمين يتيمين في المدينة كانا في حجر أسعد بن زرارة وهما‬
‫سهيل ‪ ،‬فساومهما فيه الرسول ‪ ‬ـ فقال ‪ ،‬بل نهبه لك يا رسول الله فأبى‬ ‫لو ُ‬ ‫سه ُ‬
‫حتى ابتاعه بالثمن ‪ ،‬وأخذ الرسول ‪ ‬ينقل التراب يعاونه اصحابه وهو يقول والصحابة‬
‫يرددون معه ‪:‬‬
‫اللهم إن الجر أجُر الخرة‬
‫فأرحم النصار والمهاجرة‬
‫وقد ضاعفت حماسة الصحابة في بناء المسجد رؤيتهم للنبي ‪ ‬ـ يجهد كأحدهم ‪،‬‬
‫ويكره أن يتميز عليهم ‪،‬‬
‫ولهذا قال قائلهم ‪:‬‬
‫لئن قعدنا والرسول يعمل‬
‫لذاك منا العمل المضلل‬

‫اا ااا اااااا ااااا ااااا اااااا اا اااااا اا اااااا اااااا‬


‫ااااا اا ااااااا اااااا ااااااا ااااا اااا اا اااا ااااا ااا‬
‫اااا ااااااا اا اااااا ااا ااااااا ااااا اااا اااااا اا ااااا‬
‫اااا‬
‫ااا اااااااا ا ااا ا‬
‫ااا ااا اااااا اااا اا ااااا ااااا ا ا ا‬
‫اااااا اااا ااا ااااااا ا اااا اااااا اااااا ااااااا ااااا‬
‫ااا اااا ااااااا اااااا ااا ااا اااا اااااا ااااااااااااا اا‬
‫المربد – مكان يجفف فيه التمر ‪.‬‬ ‫‪()13‬‬

‫‪70‬‬
‫ااا ا ااااا اااااااا ااااااااا ااااااااا اااااا ااا ااا ااااا‬
‫ااااا ااااااا اااا اااا اااا ااا‬

‫هذا هو المسجد الذي خّرج الرجال الذين ملوا الدنيا فضل ً وإيمانا وعلما ً ‪ ،‬وصالوا في‬
‫العالمين وجالوا فاتحين الممالك الكافرة قاهرين العروش الظالمة ‪ .‬هذا هو المسجد‬
‫الذي نزل فيه الوحي وعُّلمت فيه الشريعة وانطلقت منه الهداية‪.‬‬

‫بدء الذان‬
‫أوجب اللــه الصــلة علــى المســلمين ليكونــوا دائمـا ً متــذكرين عظمــة العلــي العلــى ‪،‬‬
‫فيتبعون أوامره ويتجنبون نواهيه ‪ ،‬ولذلك قال في محكم كتــابه فــي ســورة العنكبــوت‬
‫إن الصلة تنهى عن الفحشاء والمنكر ‪ ‬الية ‪. 45‬‬
‫ً‬
‫وجعل أفضل الصلة ما كان جماعة ليذاكر المسلمون بعضهم بعضا في شئونهم‬
‫واحتياجاتهم ويقووا روابط اللفة والتحاد بينهم ‪ ،‬ومتى حان وقت الصلة فل بد من‬
‫عمل ينبه الغافل ويذكر الساهي حتى يكون الجتماع عاما ً فائتمر النبي عليه الصلة‬
‫والسلم مع الصحابة فيما يفعل لذلك ‪.‬‬
‫فقال بعضهم ترفع راية إذا كان وقت الصلة ليراها الناس فلم يرضوا ذلك لنها‬
‫ل تفيد النائم ول الغافل ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وقال الخرون تشعل نارا على مرتفع من الهضاب فلم يقبل أيضا ‪.‬‬
‫وأشار آخرون ببوق وهو ما كانت اليهود تستعمله لصلواتهم فكرهه رسول الله‬
‫لنه لم يكن يحب تقليد اليهود في عمل ما ‪.‬‬
‫وأشار بعضهم بالناقوس وهو ما يستعمله النصارى فكرهه الرسول أيضا ً ‪.‬‬
‫وأشار بعضهم بالنداء فيقول بعض الناس إذا حانت وقت الصلة وينادى بها فقبل هذا‬
‫الرأي وكان أحد المنادين عبد الله بن زيد النصاري فبينما هو بين النائم واليقظان إذ‬
‫عرض له شخص وقال ‪ :‬أل أعلمك كلمات تقولها عند النداء بالصلة ؟ قال ‪ :‬بلى ‪،‬‬
‫فقال له ‪ :‬قل " الله أكبر الله أكبر مرتين ‪ ،‬وتشهد مرتين ثم قل ل إله إل الله " فلما‬
‫استيقظ توجه إلى النبي ‪ ‬وأخبره رؤياه فقال ‪ :‬إنها لرؤيا حق ثم قال له ‪ :‬لقن ذلك‬
‫بلل ً فإنه أندى صوتا ً منك ؟‬
‫وبينما بلل يؤذن إذ جاء عمر يجر رداءه فقال ‪ :‬والله لقد رأيت مثله يا رسول‬
‫الله ‪ ،‬وكان بلل أحد مؤذنيه بالمدينة ‪ ،‬والخر عبد الله ابن أم مكتوم ‪ ،‬وكان بلل يقول‬
‫في أذان الصبح بعد حي على الفلح ‪ " :‬الصلة خير من النوم " مرتين وأقره الرسول‬
‫‪ ‬على ذلك )‪. (1‬‬
‫‪ -2‬المؤاخاة بين المهاجرين والنصار ‪:‬‬
‫خرج المهاجرون من ديارهم في مكة ‪ ،‬وتركوا دورهم وأموالهم وذويهم ‪،‬‬
‫وقصدوا المدينة ابتغاء نصرة دين الله وإعزاز رسالته ‪ ،‬فتلقاهم إخوانهم في المدينة‬
‫بالفرح والسرور وتنافسوا في إيوائهم وإكرامهم ‪ ،‬فما نزل مهاجري على أنصاري إل‬
‫بقرعة ‪ ،‬وعقد الرسول ـ ‪ ‬ـ بينهم أخوة متينة فآخى الرسول عليه الصلة والسلم‬
‫بين حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله وأسد الله وأسد رسوله وزيد بن حارثة‬
‫مولى رسول الله ‪ ‬ـ ‪ ،‬وإليه أوصى حمزة يوم أحد ‪ ،‬وبين أبي بكر وخارجه بن زيد‬
‫النصاري الخزرجي ‪ ،‬وبين الزبير بن العوام وسلمة بن سلمة بن وقس ‪ ،‬وبين عبد‬
‫الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع ‪ ،‬وبين مصعب بن عمير وأبي أيوب النصاري ‪ ،‬وبين‬
‫أبي حذيفة ابن عتبة وعباد بن بشر ‪ ،‬وبين عمار وحذيفة بن اليمان ‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫تأليف الله القلوب ‪:‬‬
‫من يتأمل الحب الكبير بين المسلمين في العصر الول يقول ‪ :‬هذا ليس من‬
‫تأثير بشر وعمل إنسان ‪ ،‬وإنما هو بفضل الله ورحمته سبحانه وتعالى ‪ ،‬وصــدق اللــه ‪:‬‬
‫‪ ‬لو أنفقت ما في الرض جميعا ً ما ألفت بيـن قلـوبهم ولكـن اللـه ألـف بينهــم إنـه‬
‫عزيز حكيم ‪  (14) ‬واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعــداء فــألف بيــن قلــوبكم‬
‫فأصبحتم بنعمته إخوانا ً ‪.(15)‬‬
‫وأول ثمار هذا الحب في الله هو تلك الخوة وهذا اليثار الذي ظهر بين‬
‫المهاجرين والنصار ‪ ،‬فاصبحوا بنعمة الله إخوانا ً حتى أشاد القرآن بهذا السمو الروحي‬
‫فقال سبحانه ‪:‬‬
‫‪ ‬والذين تبوءو الدار واليمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ول يجدون في‬
‫صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يؤق شح‬
‫نفسه ‪ ،‬فأولئك هم المفلحون ‪. (16) ‬‬
‫شعر النصار بحاجة إخوانهم من المهاجرين الذين تركوا أموالهم في مكة في سبيل‬
‫الله ‪ ،‬فقدروا ظروفهم ‪ ،‬فآووهم ونصروهم ‪ ،‬وضربوا في الخلص والتفاني المثل‬
‫العلى حتى قال الله فيهم ‪  :‬ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ‪. ‬‬
‫أخوة اليمان العظيمة ‪:‬‬
‫الخاء الحق في الله هو الذي تذوب فيه عصبيات الجاهلية ‪ ،‬فل عزة إل بالسلم‬
‫ول رفعة إل باليمان ‪ ،‬وهو الذي تسقط فيه فوارق النسب واللون والوطن ‪ ،‬وتسقط‬
‫فيه تلك النانية الجشعة ‪ ،‬ويتحرك فيه الفرد بحب الجماعة فل يرى لنفسه مصلحة‬
‫دونها ول عزة بغيرها ‪.‬‬
‫هذا الخاء ل ينبت إل في مجتمع اليمان ول يثمر إل في ظلل التعاليم الربانية ‪،‬‬
‫فل يظهر في البيئات الجاهلية ‪ ،‬ول تعرفه مجتمعات الجشع والجبن والبخل والرذيلة ‪.‬‬
‫روى البخاري أن المهاجرين لما قدموا المدينة أخى الرسول ‪ ‬ـ بين عبد الرحمن بن‬
‫عوف وسعد بن الربيع فقال سعد لعبد الرحمن ‪ :‬إني أكثر النصار مال ً ‪ ،‬فاقسم مالي‬
‫نصفين ‪ ،‬ولي امرأتان فأنظر أعجبهما إليك فسمها أطلقها فإذا انقضت عدتها‬
‫فتزوجها ‪.‬‬
‫قال عبد الرحمن ‪ :‬بارك الله لك في أهلك ومالك ‪ ،‬أين سوقكم ؟‬
‫فدلوه على سوق بني قينقاع فما انقلب إل ومعه فضل من أقط وسمن ‍!! ‪.‬‬
‫صفرة ‪ ،‬فقال النبي ‪ " : ‬مهيم " )‪. (17‬‬ ‫ثم تابع الغدو ‪ . .‬ثم جاء يوما ً وبه أثر ُ‬
‫قال ‪ :‬تزوجت قال كم سقت إليها ؟ قال نواة من ذهب !!‪.‬‬

‫يهود المدينة‬

‫النفال الية ‪63‬‬ ‫‪()14‬‬


‫آل عمران )‪(103‬‬ ‫‪()15‬‬
‫الحشر )‪(9‬‬ ‫‪()16‬‬
‫سؤال عن حاله ‪.‬‬ ‫‪()17‬‬

‫‪72‬‬
‫وكما ابتلى الله المسلمين في مكة بمشركي قريش ابتلهم في المدينة‬
‫ً‬
‫بيهودها وهم بنو قينقاع وقريظة والنضير فإنهم أظهروا العداوة والبغضاء حسدا من‬
‫عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم أنه الحق وكانوا قبل مجئ الرسول يستفتحون‬
‫على المشركين من العرب إذا شبت الحرب بين الفريقين بنبي يبعث قد قرب‬
‫زمانه ‪ ،‬فلما جاءهم ما عرفوا استعظم رؤساؤهم أن تكن النبوة في ولد إسماعيل ‪.‬‬
‫فكفروا بما أنزل الله بغيا ً مع أنهم يرون أن رسول الله محمدا ً لم يأت إل‬
‫مصدقا ً لما بين يديه من كتب الله التي أنزلها على من سبقه من المرسلين مبينا ً ما‬
‫أفسده التأويل منها ولكنهم نبذوه وراء ظهورهم كأنهم ل يعلمون ‪.‬‬
‫)‪(4‬‬
‫وقد تبين الهدى لحد رؤساء بني قينقاع وهو عبد الله بن سلم فترك هواه‬
‫وأسلم بعد أن سمع القرآن وبعد أن كان اليهود يعدونه من رؤسائهم عدوه من‬
‫سفهائهم حينما بلغهم إسلمه ‪.‬‬
‫ً‬
‫فبئسما اشتروا لنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من‬
‫فضله على من يشاء من عباده ‪ ،‬ولما استحكمت في قلوبهم عداوة‬
‫السلم صاروا يجهدون أنفسهم في إطفاء نوره ‪ ‬ويأبى الله إل أن يتم نوره‬
‫ولو كره الكافرون ‪ ‬سورة التوبة الية ‪. 32‬‬

‫وهكذا تظل عداوة اليهود للسلم والمسلمين مبعثها الحقد والحسد والبغي‬
‫والعدوان ‪ ،‬ول يقطعها إل الحق وقوته ‪ ،‬واليمان وجنده وصدق الله‬
‫‪ ‬كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس‬
‫فيمكث في الرض ‪.(18) ‬‬

‫‪-3‬معاهدة الرسول مع اليهود ‪:‬‬


‫أراد الرسول ـ ‪ ‬ـ أن يجعل المدينة دار أمن وسلم حتى يتفرغ لنشر دعوة‬
‫السلم وتربية اصحابه على منهجه ‪،‬ولتكون ملذا ً لكل مؤمن في مشارق الرض‬
‫ومغاربها ‪ ،‬وحتى يستطيع تدريب جيش قوي قادر على رد العدوان ‪ ،‬والدفاع عن الحق‬
‫ورفع راية السلم ‪ ،‬هذا وقد دخل السلم كل بيت من بيوت النصار الذين قابلوا‬
‫الرسول ‪ ‬ـ كما علمت ـ بالحب والترحاب ‪ ،‬و لكن المدينة يسكنها مع النصار‬
‫اليهود ‪ ،‬فما كانت لتصبح دار أمن إل بعد أن يدخل اليهود إلى السلم ‪ ،‬وهذا أمر قد‬
‫نفروا منه ‪ ،‬أو يسالمهم رسول الله ـ ‪ ‬ـ وهذا شيء ممكن الوقوع ‪.‬‬
‫‪ -‬نصوص المعاهدة ‪:‬‬
‫كتب الرسول ‪ ‬معاهدة بين المسلمين واليهود في المدينة ‪ ،‬حملت من‬
‫التسامح والتجاوز والحرية ما لم يعرف في عالم مليء بالتعصبات والنحرافات ‪ ،‬ول‬
‫يعرف إل سياسة السلب والنهب والمصادرة ‪ ،‬وكان من نصوص تلك المعاهدة ما‬
‫يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬المسلمون من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم ‪ ،‬أمة واحدة ‪.‬‬
‫‪ -2‬المسلمون واليهود بينهم الُنصرةُ على من حاربهم ‪ ،‬أو داهم يثرب وعلى المسلمين‬
‫نفقتهم وعلى اليهود نفقتهم ‪.‬‬
‫‪ -3‬للمسلمين دينهم ولليهود دينهم ‪ ،‬ل بغي ول عدوان ول إكراه ‪.‬‬
‫‪ -4‬على أهل هذه الصحيفة النصح والبر دون الثم ‪.‬‬
‫‪ -5‬من ظلم أو بغي فإثمه على نفسه وعلى أهله ‪.‬‬
‫‪ -6‬ما كان من أهل المدينة من شجار يخاف فساده فمرده إلى الله وإلى محمد ‪.‬‬
‫‪ -7‬من خرج من المدينة آمن ‪ ،‬ومن قعد آمن ‪ ،‬إل من ظلم وأثم ‪ ،‬وإن الله جار لمن بّر‬
‫واتقى‪.‬‬
‫‪ -8‬ل يجير مشرك مال ً لقرشي ول نفسا ً ‪ ،‬ول يحول دون مؤمن ‪ ،‬ول يحل لمؤمن بالله‬
‫الرعد ‪(17) :‬‬ ‫‪()18‬‬

‫‪73‬‬
‫واليوم الخر ‪ ،‬وأقر بما في هذه الصحيفة أن ينصر محدثا ً ‪ ،‬ول يؤويه ‪ ،‬وأنه من نصره‬
‫وآواه فإن عليه لعنة الله وغضبه إلى يوم القيامة ‪ ،‬ول يؤخذ منه صرف ول عدل ‪.‬‬
‫‪ -‬أهداف المعاهدة ‪:‬‬
‫ل شك أن هذه المعاهدة كان لها تأثير طيب و أهداف كريمة ونتائج جيدة على‬
‫المجتمع في المدينة وقت اللتزام بها ‪ ،‬حيث تحث بنود هذه المعاهدة على إشاعه‬
‫الستقرار والطمأنينة والمن في المدينة ‪ ،‬وكان من أهدافها ما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬افساح المجال للمسلمين لترتيب أحوالهم ونشر دينهم وتدريب جندهم والتفرغ إلى‬
‫عدوهم ‪.‬‬
‫‪ -2‬إقرار مفهوم الحرية الدينية والعتراف بأهل الكتاب وحب التعايش معهم ‪ ،‬وترك‬
‫التعصب ‪ ،‬وإفساح المجال للنظر والتفكر ‪.‬‬
‫‪ -3‬نشر السكينة في المدينة وما حولها ‪.‬‬
‫‪ -4‬إلغاء النصرة بالقبيلة والعصبية لها ‪ ،‬وإبدالها بالخوة السلمية ‪ ،‬والدفاع عن‬
‫العقيدة الدينية ‪.‬‬
‫‪ -5‬نصرة المظلوم ودحر الظالم ‪ ،‬وعدم موالته ‪ ،‬وردعه ‪ ،‬ومحاسبة الثم ‪.‬‬
‫‪ -6‬العتراف بالدولة السلمية في المدينة وبروزها كحقيقة واقعة وقوة مؤثرة ‪.‬‬
‫‪ -7‬إعطاء الرياسة العليا للرسول ‪ ‬ـ والنزول على حكم الله ورسوله ‪ ،‬ووضع حدود‬
‫لتنظيم العلقات بين المسلمين وغيرهم ‪.‬‬
‫ومن هذا يعلم براعة الرسول ‪ ‬السياسية والتنظيمية ‪ ،‬وحسن تصرفه عليه‬
‫الصلة والسلم ‪ ،‬كما يعلم أن السلم بدأ ينتشر بدولة وقيادة تحمل لواء الدعوة إليه ‪،‬‬
‫والجهاد في سبيله ‪ ،‬كما أن هذا يعطي فكرة ـ واضحة عن قدرة ـ السلم والقيادة‬
‫المسلمة على إدارة المور برفق وعزم وعدالة ‪ ،‬كما يظهر هذا سماحة السلم ‪ ،‬وحبه‬
‫لمعايشة الناس والتفاهم معهم بغير جبر ‪ ،‬وأو إرهاب وقهر ‪.‬‬
‫‪ -‬نتائج تلك المعاهدة ‪:‬‬
‫ل شك أن هذه المعاهدة أتاحت للدولة السلمية الجديدة بعض الوقت‬
‫للستعداد لمصارعة القوى الوثنية المتربصة على الحدود ‪ ،‬ومنازلة جيوشها المتحدة‬
‫والمتحدية للمسلمين ‪ ،‬كما أتاحت الفرصة للستقرار النفسي والتربوي فترة معينة ‪،‬‬
‫كما منعت العون العسكري والمادي بين اليهود والمشركين والوثنيين ‪ ،‬ولو لفترة من‬
‫الوقت ‪ .‬وقد كان من المؤمل من اليهود ـ وهم أهل كتاب ـ أن يتجاوبوا مع الدعوة‬
‫الجديدة ‪ ،‬ويقوموا بمساندتها في لحظات الخطر والصراع ضد العدو الوثني‬
‫المشترك ‪ ،‬ولكن الذي حدث بعد ذلك من عداء اليهود للمسلمين ومن مساندتهم‬
‫للمشركين ‪ ،‬غير مجرى العلقات بينهما ‪ ،‬وجمد بنود الصحيفة المتعلقة بهم ‪ ،‬ل لشيء‬
‫إل لنهم اختاروا النقض على الوفاء ‪ ،‬والخيانة على المانة ‪ ،‬والمنفعة الشخصية على‬
‫الهداف اليمانية والمستقبلية ‪ ،‬وتحمل الرسول ‪ ‬في سبيل البقاء على مودتهم‬
‫الكثير ‪ ،‬يمد يده إليهم ويتحمل الذى مسامحا ً ‪ ،‬حتى إذا رآهم مجمعين على التنكيل به‬
‫‪ ،‬ومحو دينه ومناصرة عدوه ‪ ،‬استدار إليهم ‪ ،‬وانتصف منهم ‪ ،‬وجرت بين المسلمين‬
‫وبين اليهود من الوقائع ما ستعلمه إن شاء الله تعالى ‪ ‬وسيعلم الذين ظلموا أي‬
‫منقلب ينقلبون ‪. ‬‬
‫المنافقون‬
‫كما ابتلى الله المسلمين بالمدينة بجماعة من عرب المدينة أعمى الله بصائرهم‬
‫فأخفوا كفرهم خوفا ً على حياتهم وكان يرأس هذه الجماعة عبد الله بن أبي ابن سلول‬
‫الخزرجي الذي كان مرشحا ً لرياسة أهل المدينة قبل هجرة رسول الله ‪. ‬‬
‫ول شك أن ضرر المنافقين أشد على المسلمين من ضرر الكفار لن أولئك‬
‫يدخلون بين المسلمين فيعلمون أسرارهم ويشيعونها بين العداء من اليهود وغيرهم‬
‫كما حصل ذلك مرارا ً ‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫والساس الذي كان عليه رسول الله أن يقبل ما ظهر ويترك لله ما بطن ‪،‬‬
‫ولكنه عليه الصلة والسلم مع ذلك كان ل يأمنهم في عمل ما ‪0‬فكثيرا ً ما كان يتغيب‬
‫عن المدينة ويولي عليها بعض النصار ولكن لم يعهد أنه وّلى رجل ممن عهد عليه‬
‫النفاق لنه عليه الصلة والسلم يعلم ما يكون منهم لو ولوا عمل ً فإنهم بل شك‬
‫يتخذون ذلك فرصة لضرار المسلمين ‪.‬‬
‫وهذا درس مهم لرؤساء السلم يعلمهم أل يثقوا في العمال المهمة إل بمن‬
‫لم تظهر عليهم شبهة النفاق ‪ ،‬أو إظاهر ما يخالف ما في الفؤاد ‪.‬‬
‫من الدروس المستفادة ‪:‬‬
‫المسجد أول وأهم ركيزه في بناء المجتمع المسلم الذي يكتسب‬
‫صفه الرسوخ والتماسك وذلك عن طريق التزام السلم عقيدة‬
‫وآداب وشريعة ‪.‬‬
‫المسجد رمز لما يتسم به السلم من شمولية وتكامل ‪ .‬فهو مركز‬
‫روحي للشعائر والعبادات ودائرة سياسية عسكرية لتوجيه علقات‬
‫الدولة بالخارج ومدرسة علمية وتشريعية يجتمع فيها الرسول‬
‫وأصحابه ومؤسسة اجتماعية يتعلم فيها المسلمون النظام‬
‫والمساواة والخاء والنضباط ‪.‬‬
‫العقيدة هي الوحيدة التي تجمع الخوة والمحبة والتساند والمودة‬
‫وتقوم بتغذيتها وأي أسس ل تقوم فيها العقيدة بهذا الدور فهي‬
‫وهم خرافة باطلة ‪.‬‬
‫الرسول يرتب أمور الدولة السلمية من الداخل كي تتفرغ‬
‫للمهمات الصعبة والمسئوليات العظام ‪.‬‬
‫اليهود دائما ً في أي زمان ومكان مصدر قلق وتوتر وسبب خلفات‬
‫وعدم استقرار في أي مجتمع يتواجدون فيه حتى في العصر‬
‫الحديث ‪.‬‬
‫المعاهدة تدل على مدى عدالة السلم في حفظ حقوق الغير‬
‫وتحديد الواجبات وتحديد نوع العقوبات للمخالفين للدستور ‪.‬‬

‫التقويم‬
‫‪ -1‬أجب عما يأتي ‪:‬‬
‫أ‪ -‬دعا رسول الله ‪ ‬ـ ربه للمدينة فماذا قال ؟ ولماذا قال هذا القول ؟‬
‫ب‪ -‬لم بدأ الرسول ‪ ‬ـ أول ما وصل إلى المدينة ببناء المسجد الجامع ؟‬
‫ج‪ -‬قال عبد الرحمن بن عوف لسعد بن الربيع ‪ ...................‬أكمل‬
‫‪ -2‬آخى الرسول ‪ ‬بين المهاجرين والنصار ‪ :‬أخوين ‪ ،‬أخوين والمطلوب أن تصل بين‬
‫كل أخوين أخى بينهما رسول الله ‪ ‬فيما يأتي ‪:‬‬
‫حذيفة بن اليمان‬ ‫حمزة بن عبد‬
‫المطلب‬
‫عباد بن بشر‬ ‫أبو بكر الصديق‬
‫أبو أيوب النصاري‬ ‫الزبير بن العوام‬
‫سلمة بن سلمة‬ ‫مصعب بن عمير‬
‫خارجة بن زيد‬ ‫أبو حذيفة بن عتبة‬
‫زيد بن حارثة‬ ‫عمان بن ياسر‬

‫‪75‬‬
‫‪-3‬المؤاخاة بين المهاجرين والنصار قاعدة وضعها الرسول ‪ ‬بعد‬
‫الهجرة لبناء المجتمع المسلم الول في المدينة – ما تعليقك على أهمية‬
‫وضرورة هذه القاعدة في بناء المجتمعات ‪ ،‬وما مدى تطبيقها الن في‬
‫مجتمعات المسلمين ‪.‬‬
‫‪ -4‬أجب عما يأتي ‪:‬‬
‫أ‪ -‬كان اليهود يعرفون أن النبي ‪ ‬هو من ينتظرون ‪ ،‬فلم كانوا ينكرون صحة دعوته؟‬
‫ب‪ -‬اذكر آية من القرآن تبين عناد اليهود لرسول الله ـ ‪. ‬‬
‫‪ -5‬امل الفراغات التية بما يناسبها ‪:‬‬
‫أ‪-‬كما ابتلى الله المسلمين في مكة‪. . . . . . . . . . . . .‬ابتلهم في المدينة‪. . . . . . . .‬‬
‫‪ . . . .‬وكان هؤلء‪ . . . . . . . . . . . . .‬أعداء للوس والخزرج قبل أن يدخلوا السلم‬
‫وكان شغلهم الشاغل ‪ . . . . . . . . . . . . .‬فلما دخل الوس والخزرج السلم‬
‫‪ . . . . . . . . . . .‬بمجيء إخوانهم‪ . . . . . . . . . . . . .‬وصار الكل أنصار الله‬
‫‪.....................‬‬
‫ازدادت‪. . . . . . . . . . . . .‬عليه وصدق الله ‪ ‬لتجدن أشد الناس عداوة للذين أمنوا ‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪.. .‬‬
‫‪ -6‬ما هو دور المسجد في السلم وقارن بينه وبين دور المسجد حاليا ً مع وضع تصور‬
‫على ما يجب أن يكون عليه المسجد حاليا ً ‪.‬‬
‫‪ -7‬الرسول يقيم معاهدة مع اليهود ‪ -‬فهل حافظوا عليها ؟ وعلى ما يدل ذلك ؟‬

‫الدرس الثالث‬

‫الغزوات والسرايا‬
‫مشروعية القتال‬
‫‪ -‬الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬
‫أن يتتبع الدارس تطور المر اللهي بقتال الكفار والمشركين ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫أن يستخلص الدارس الدروس المستفادة من وضوح مبادئ القتال في‬ ‫‪.2‬‬
‫السلم ‪.‬‬
‫أن يروي الدارس أحداث السرايا التي أرسلها الرسول ‪ ‬لعتراض عير‬ ‫‪.3‬‬
‫قريش في العام الول للهجرة‬
‫أن يذكر الدارس من توفى من أعلم المهاجرين والنصار في العام الول‬ ‫‪.4‬‬
‫للهجرة‬

‫قد علم مما تقدم أن رسول الله عليه السلم لم يقاتل أحدا ً على الدخول في الدين‬
‫بل كان المر قاصرا ً على التبشير والنذار ‪.‬‬
‫وكان الله سبحانه ينزل عليه من الذى ما يقويه على الصبر أمام ما‬
‫صب ِْر‬‫كان يلقيه من أذى قريش ‪ ،‬ومن ذلك قوله في سورة الحقاف ) َفا ْ‬
‫ُ‬
‫م ( سورة الحقاف الية ‪. 25‬‬ ‫جل ل ّهُ ْ‬ ‫ل وََل ت َ ْ‬
‫ست َعْ ِ‬ ‫س ِ‬
‫ن الّر ُ‬ ‫صب ََر أوُْلوا ال ْعَْزم ِ ِ‬
‫م َ‬ ‫كَ َ‬
‫ما َ‬
‫وكان كثيرا ً ما يقص الله عليه أنباء إخوانه من المرسلين قبله ليثبت به فؤاده‬
‫ولما ازداد طغيان أهل مكة ألجؤوه إلى الخروج من داره بعد أن ائتمروا على قتله‬
‫فكانوا هم البادئين بالعداء على المسلمين ‪ ،‬حيث أخرجوهم من ديارهم بغير حق ‪.‬‬
‫فبعد الهجرة أذن الله للمهاجرين بقتال مشركي قريش بقوله في سورة الحج‪‬‬
‫أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير * الذين‬

‫‪76‬‬
‫أخرجوا من ديارهم بغير حق إل أن يقولوا ربنا الله ‪ ‬سورة الحج اليتان ‪– 39‬‬
‫‪.40‬‬
‫ه‬ ‫ّ‬
‫ل الل ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫في َ‬ ‫ْ‬
‫قات ِلوا ِ‬ ‫ُ‬ ‫و َ‬ ‫ثم أمرهم بذلك في قوله في سورة البقرة ‪َ ) :‬‬
‫م‬‫ه ْ‬ ‫قت ُلو ُ‬ ‫ُ‬ ‫وا ْ‬ ‫ن }‪َ {190‬‬ ‫دي َ‬ ‫عت َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫دوا ْ إ ِ ّ‬ ‫عت َ ُ‬ ‫ول َ ت َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫قات ُِلون َك ُ ْ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ل‬
‫قت ْ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫شد ّ ِ‬ ‫ة أَ َ‬ ‫فت ْن َ ُ‬ ‫وال ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫جوك ُ ْ‬ ‫خَر ُ‬ ‫ث أَ ْ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫هم ّ‬ ‫جو ُ‬ ‫ر ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫وأ َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫مو ُ‬ ‫فت ُ ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫ث ثَ ِ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ُ‬
‫لو‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫إن‬ ‫ِ ِ‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫ه‬ ‫في‬‫ِ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫تى‬ ‫ح‬ ‫م‬
‫َ َ ِ َ ّ‬ ‫را‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫د‬ ‫ج‬
‫َ ْ ِ ِ‬‫س‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫عن‬ ‫ِ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬
‫َ‬
‫م‬‫ٌ ّ ِ ٌ‬‫حي‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫فو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫غ‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ن‬‫ِ ّ‬ ‫إ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ه‬
‫َ َ ْ‬ ‫ت‬ ‫ان‬ ‫ن‬
‫ِ ِ‬ ‫إ‬‫ف‬‫َ‬ ‫{‬ ‫‪191‬‬ ‫}‬ ‫ن‬
‫ِ ِ َ‬‫ري‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫زاء‬ ‫َ َ‬ ‫ج‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫م‬‫ُ ْ‬ ‫ه‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ق ُ‬
‫ت‬ ‫فا ْ‬ ‫َ‬
‫فل َ‬ ‫هوا ْ َ‬ ‫ن انت َ َ‬ ‫فإ ِ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ل ِل ّ ِ‬ ‫دي ُ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫كو َ‬ ‫وي َ ُ‬ ‫ة َ‬ ‫فت ْن َ ٌ‬‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫حّتى ل َ ت َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫قات ُِلو ُ‬ ‫و َ‬ ‫}‪َ {192‬‬
‫ن (سورة البقرة الية ‪0 193-190‬‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬‫عَلى ال ّ‬ ‫ن إ ِل ّ َ‬ ‫وا َ‬ ‫عدْ َ‬ ‫ُ‬
‫وبذلك لم يكن الرسول يتعرض إل لقريش دون سائر العرب فلما تمال على‬
‫المسلمين غير أهل مكة من مشركي العرب واتحدوا عليهم مع العداء أمر الله‬
‫بقتال المشركين كافة بقوله في سورة التوبة ‪ ‬وقاتلوا المشركين كافة كما‬
‫يقاتلونكم كافة ‪ ‬سورة التوبة الية ‪. 36‬‬
‫وبذلك صار الجهاد عاما ً لكل من ليس له كتاب من الوثنيين وهذا مصداق‬
‫قوله عليه الصلة والسلم ) أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ل إله إل الله‬
‫وان محمدا ً رسول الله ‪ ،‬ويقيموا الصلة ‪ ،‬ويؤتوا الزكاة ‪ ،‬فإذا فعلوا ذلك عصموا‬
‫مني دماءهم وأموالهم إل بحق السلم وحسابهم على الله ( رواه البخاري في كتاب‬
‫اليمان ‪0‬‬
‫ولما وجد المسلمون من اليهود خيانة للعهود حيث إنهم ساعدوا المشركين في‬
‫حروبهم أمر الله بقتالهم بقوله في سورة النفال ‪ ‬وإما تخافن من قوم خيانة‬
‫فانبذ إليهم على سواء إن الله ل يحب الخائنين ‪ ‬سورة النفال الية ‪. 58‬‬
‫وقتالهم واجب حتى يدينوا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ليأمن‬
‫المسلمون جانبهم وصار قتال رسول الله للعداء على هذه المبادئ التية ‪:‬‬
‫)‪ (1‬اعتبار مشركي قريش محاربين لنهم بدؤوا بالعدوان فصار للمسلمين‬
‫قتالهم ومصادرة تجارتهم حتى يأذن الله بفتح مكة أو تعقد هدنة وقتية بين‬
‫الطرفين ‪.‬‬
‫)‪ (2‬متى رئي من اليهود خيانة وتحيز للمشركين قوتلوا حتى يؤمن جانبهم‬
‫بالنفي أو القتل ‪.‬‬
‫ً‬
‫)‪ (3‬متى تعدت قبيلة من العرب على المسلمين أو ساعدت قريشا قوتلت‬
‫حتى تدين بالسلم ‪.‬‬
‫)‪ (4‬كل من بادأ بعداوة من أهل الكتاب كالنصارى قوتل حتى يذعن بالسلم‬
‫أو يعطي الجزية عن يد وهو صاغر ‪.‬‬
‫)‪ (5‬كل من أسلم فقد عصم دمه وماله إل بحقه ‪ ،‬والسلم يقطع ما قبله ‪.‬‬
‫وقد أنزل الله في القرآن الكريم كثيرا ً من الي تحريضا ً على القدام في قتال‬
‫العداء وتبعيدا ً عن الفرار من الزحف فقال في الموضوع الول في سورة النساء ‪ :‬‬
‫فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالخرة ومن يقاتل‬
‫في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا ً عظيما ً ‪ ‬سورة النساء‬
‫الية ‪ . 74‬وقال في الموضوع الثاني في سورة النفال ‪  :‬يا أيها الذين آمنوا إذا‬
‫لقيتم الذين كفروا زحفا ً فل تولوهم الدبار ومن يولهم يومئذ دبره إل‬
‫متحرفا ً لقتال أو متحيزا ً إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم‬
‫وبئس المصير ‪ ‬سورة النفال اليتان ‪. 16 ، 15‬‬
‫بدء القتال‬
‫دوريات التدريب والستعداد ‪:‬‬
‫شرع الرسول ‪ ‬في تدريب أصحابه وبعثهم في دوريات استطلعية حول‬

‫‪77‬‬
‫المدينة ‪ ،‬لغراض تدريبة ‪ ،‬واستكشافية وقتالية ‪ ،‬منهــا مــا قــاده بنفســه ) الغــزوات ( ‪،‬‬
‫مر عليه أصــحابه رضــوان اللــه عليهــم ) الســرايا ( نعــددها كالتــالي وســيأتي‬ ‫ومنها ما أ ّ‬
‫تفصيلها بعد ذلك ‪:‬‬
‫‪ -1‬سرية بقيادة حمزة بن عبد المطلب ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫عبيدة بن الحارث‬ ‫‪ -2‬سرية بقيادة ُ‬ ‫‪-2‬‬
‫ن ‪ :‬دورية قتالية بقيادة الرسول ‪‬‬ ‫دا َ‬ ‫و ّ‬
‫‪ -3‬غزوة ُ‬ ‫‪-3‬‬
‫عشيرة ‪ ،‬دورية قتالية بقوة مائتي راكــب وراجــل بقيــادة‬ ‫‪ -4‬غزوة ال ُ‬ ‫‪-4‬‬
‫الرسول ‪‬‬
‫‪ -5‬غزوة ُبواط ‪ ،‬دوريــة قتاليــة بقــوة مــائتي راكــب وراجــل بقيــادة‬ ‫‪-5‬‬
‫الرسول ‪. ‬‬
‫‪ -6‬سرية بقيادة عبد الله بن جحش‬ ‫‪-6‬‬
‫‪ - 7‬غزوة بدر الولى ‪:‬‬ ‫‪-7‬‬
‫كانت عادة قريش أن تذهب بتجارتها إلى الشام لتبيع وتبتاع ويسمى الركب‬
‫السائر بهذه التجارة عيرا ً وكان يسير معها لحراستها كثير من أشراف القوم وسراتهم‬
‫ول بد لوصولهم إلى الشام من المرور على دار الهجرة فرأى رسول الله ‪ ‬أن يصادر‬
‫تجارتهم ذاهبة وآيبة ليكون في ذلك عقاب لمشركي مكة حتى تضعف قوتهم المالية‬
‫فيكون ذلك أدعى لخذلنهم في ميدان القتال الذي ل بد أن يكون لن قريشا ً لم تكن‬
‫لتسكت عمن سفه أحلمهم وعاب عبادتهم خصوصا ً وهم قدوة العرب في الدين ‪.‬‬
‫سرية حمزة بن عبدالمطلب إلى ساحل البحر من ناحية العيص‬
‫ففي شهر رمضان أرسل عمه حمزة بن عبد المطلب في ثلثين رجل ً من‬
‫المهاجرين وعقد له لواء أبيض حملة أبو مرثد حليف حمزة ليتعرض عيرا ً لقريش‬
‫آيبة من الشام فيها أبو جهل وثلثمائة من أصحابه المشركين فسار حمزة حتى‬
‫وصل ساحل البحر من ناحية العيص فصادف العير هناك فلما تصافوا للقتال حجز‬
‫بين الفريقين مجدي بن عمرو الجهني فأطاعوه وانصرفوا وشكر عليه الصلة‬
‫والسلم مجديا ً على عمله لما كان من قلة عدد المسلمين وكثرة عدوهم ‪.‬‬
‫سرية عبيدة بن الحارث إلى بطن رابغ‬
‫وفي شوال أرسل عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف في ثمانين‬
‫راكبا ً من المهاجرين ‪ ،‬وعقد له لواء أبيض حملة مسطح بن أثاثة ليعترض عيرا ً‬
‫لقريش فيها مائتا رجل ‪ ،‬فوافوا العير ببطن رابغ )‪ (2‬فكان بينهم الرمي بالنبل ‪.‬‬
‫ثم خاف المشركون أن يكون للمسلمين كمين فانهزموا ولم يتبعهم‬
‫المسلمون ‪ ،‬وفر من المشركين إلى المسلمين المقداد بن السود وعتبة بن غزوان‬
‫وكانا قد أسلما وخرجا ليلحقا بالمسلمين ‪.‬‬
‫وفيات‬
‫وفي هذه السنة توفي من المهاجرين عثمان بن مظعون أخو رسول الله ‪‬‬
‫من الرضاع أسلم قديما ً وهاجر الهجرتين ولما دفن أمر عليه الصلة والسلم بأن‬
‫يرش قبره بالماء‪ ،‬ووضع على قبره حجرًا‪ ،‬وقال ‪ :‬أتعلم به قبر أخي وأدفن إليه من‬
‫مات من أهلي ‪.‬‬
‫وهذا كان القصد من وضع الحجار على المقابر‪ ،‬ل ما يقصده أهل العصور‬
‫الخيرة من تشييد الهياكل على القبور‪ ،‬وتصويرها بصور ترى في عين الناظر‬
‫كالصنام‪ ،‬ليأتي أقارب الميت ويصنعوا عندها احتفالت كثيرة‪ ،‬تشبه ما كان يفعله‬
‫مشركو مكة عند معابدهم‪ ،‬ومن العبث فعل شىء لم يفعله رسول الله مما يتعلق‬
‫بأمور الخرة ‪0‬‬
‫ومات من النصار أسعد بن زرارة أحد النقباء الثنى عشر ‪ ،‬كان رضى الله‬
‫عنه نقيب بنى النجار‪ ،‬ولما مات اختار رسول الله نفسه للنقابة عليهم لنه ابن أخت‬

‫‪78‬‬
‫القوم منهم‪ ،‬ومات أيضا البراء بن معرور أحد النقباء ‪ ،‬وهو الذى كان يتكلم عن‬
‫القوم فى العقبة الثانية‪ ،‬ومات من مشركي مكة في هذه السنة الوليد بن المغيرة‬
‫ولما احتضر جزع فقال له أبو جهل ‪ :‬ما جزعك يا عم‪ ،‬فقال‪ :‬والله ما بي جزع من‬
‫الموت ولكن أخاف أن يظهر دين ابن أبي كبشة بمكة‪ ،‬فقال أبو سفيان ‪ :‬ل تخف‬
‫إني ضامن أن ل يظهر ‪.‬‬
‫وفيها أيضا ً مات العاص بن وائل السهمي ‪ .‬وقد كفى الله المسلمين شر‬
‫هذين الشقيين ‪.‬‬
‫السنة الثانية‬
‫‪ -‬الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬
‫‪ .1‬أن يعدد الدارس الغزوات التي سبقت بدر الكبرى في العام الثاني من الهجرة ‪.‬‬
‫‪ .2‬أن يسرد الدارس أحداث كل غزوة من هذه الغزوات ‪0‬‬
‫‪ .3‬أن يسرد الدارس أحداث سرية عبد الله ابن جحش ‪.‬‬
‫‪ .4‬أن يذكر الدارس قصة تحويل القبلة ونتائجها ‪.‬‬
‫‪ .5‬أن يذكر الدارس الفروض التى فرضها الله على المسلمين فى السنة الثانية من‬
‫الهجرة وأهمية كل منها‬
‫‪ .6‬أن يوضح الدارس ما تعلمه من دروس من الحداث التي سبقت غزوة بدر‬
‫الكبرى ‪.‬‬
‫غزوة ودان‬
‫ولثنتي عشرة ليلة خلت من السنة الثانية خرج رسول الله ‪ ‬من المدينة بعد أن‬
‫استخلف عليها سعد بن عبادة ليعترض عيرا ً فسار حتى بلغ ودان وكان يحمل لواءه‬
‫عمه حمزة ولم يلق هناك حربا ً لن العير كانت قد سبقته ‪ .‬وفي هذه الغزوة صالح بني‬
‫ضمرة على أنهم آمنون على أنفسهم ولهم النصر على من رامهم وأن عليهم نصرة‬
‫المسلمين إذا دعوا ثم رجع إلى المدينة بعد مضي خمس عشرة ليلة ‪.‬‬

‫غزوة بواط‬
‫ولم يمض على رجوعه غير قليل حتى بلغه أن عيرا ً لقريش آيبة من‬
‫الشام فيها أمية بن خلف ومائة من قريش وألفان وخمسمائة بعير‬
‫فسار إليها في مائتين من المهاجرين وذلك في ربيع الول وكان يحمل‬
‫لواءه سعد بن أبي وقاص فسار حتى بلغ بواط فوجد العير قد فاتته‬
‫فرجع ولم يلق كيدا ً ‪.‬‬
‫وذلك كله لما كان يأخذه المشركون من الحذر على أنفسهم والجتهاد في‬
‫تعمية أخبارهم عن أهل المدينة ‪.‬‬

‫غزوة العشيرة‬
‫وأعقب رجوعه ‪ ‬خروج قريش بأعظم عير لها فقد جمعوا فيها أموالهم حتى‬
‫لم يبق بمكة قرشي أو قرشية لها مثقال فصاعدا ً إل بعث به في تلك العير وكان‬
‫يرأسها أبو سفيان بن حرب ومعه بضعة وعشرون رجل ً فخرج لها الرسول في‬
‫جمادى الولى ومعه مائة وخمسون من المهاجرين ‪.‬‬
‫واستخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد السد وحمل لواءه عمه حمزة ولم‬
‫يزل سائرا ً حتى بلغ العشيرة فوجد العير قد مضت ‪ .‬وحالف عليه السلم في هذه‬
‫الغزوة بني مدلج وحلفاءهم ‪ ،‬ثم رجع عليه السلم إلى المدينة ينتظر هذه العير‬
‫حينما ترجع ‪.‬‬

‫غزوة بدر الولى‬

‫‪79‬‬
‫وبعد رجوعه عليه السلم بقليل جاء كرز بن جابر الفهري وأغار على سرح‬
‫المدينة وهرب فخرج الرسول في طلبه واستخلف على المدينة زيد بن حارثة‬
‫النصاري وحمل لواءه علي بن أبي طالب فسار حتى بلغ سفوان وفاته كرز فلم يلق‬
‫حربا ً ‪ ،‬وتسمى هذه الغزوة بدرا ً الولى ‪.‬‬

‫سرية عبد الله بن جحش إلى نخلة‬

‫وفي رجب من هذه السنة أرسل سرية عدتها ثمانية رجال يرأسها عبد الله ابن‬
‫جحش وأعطاه كتابا ً مختوما ً ل يفضه إل بعد أن يسير يومين ثم ينظر فيه ‪ .‬فسار عبد‬
‫الله يومين ثم فتح الكتاب فإذا فيه ) إذا نظرت كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة‬
‫فترصد بها قريشا ً وتعلم لنا من أخبارهم ( ‪.‬‬
‫وإنما لم يخبرهم عليه السلم بمقصدهم وهـم بالمدينـة حـذرا ً مـن شـيوع الخـبر‬
‫فيدل عليهم أحد العداء من المنافقين أو اليهود فتترصد لهم قريش ‪ .‬ول يخفى أن‬
‫عدد السرية قليل ل يمكنه المقاومة ‪.‬‬
‫ثم سار عبد الله رضي الله عنه وفي أثناء السير تخلف سعد بن أبي وقاص‬
‫وعتبة بن غزوان لنهما أضل بعيرهما الذي كانا يعتقبانه وسار الباقون حتى وصلوا نخلة‬
‫فمرت بهم عير قرشية تريد مكة فيها عمرو بن الحضرمي وعثمان بن عبد الله ابن‬
‫المغيرة وأخوه نوفل والحكم بن كيسان فأجمع المسلمون أمرهم على أن يحملوا‬
‫عليهم ويأخذوا ما معهم فحملوا عليهم في آخر يوم من رجب فقتلوا عمرو بن‬
‫الحضرمي ‪ ،‬وأسروا عثمان والحكم وهرب نوفل واستاقوا العير وهي أول غنيمة غنمها‬
‫المسلمون من أعدائهم قريش ثم رجعوا ولم يتمكن المشركون من اللحاق بهم‪.‬‬
‫فلما قدموا المدينة وشاع أنهم قاتلوا في الشهر الحرم وعاتبهم قريش‬
‫واليهود بذلك عنفهم المسلمون وقال لهم ‪ : ‬ما أمرتكم بقتال في‬
‫الشهر الحرام فندموا فأنزل الله في سورة البقرة ‪ ‬يسألونك عن الشهر‬
‫الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام‬
‫وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ‪ ‬سورة البقرة الية ‪. 217‬‬
‫فسرى عنهم ‪.‬‬
‫وقد طلب المشركون فداء أسيريهما فقال عليه السلم حتى يرجع سعد وعتبة‬
‫فلما رجعا قبل عليه السلم الفدية في السيرين ‪.‬‬
‫فأما الحكم بن كيسان فأسلم وحسن إسلمه مع المسلمين ‪ ،‬وأما عثمان فلحق‬
‫بمكة كافرا ً ‪.‬‬
‫تحويل القبلة‬
‫مكث عليه السلم بالمدينة ستة عشر شهرا ً يستقبل بيت المقدس في صلته ‪،‬‬
‫وكان يحب أن تكون قبلته الكعبة ويقلب وجهه في السماء داعيا ً الله بذلك ‪ .‬فبينما هو‬
‫في صلته إذ أوحى الله إليه بتحويل القبلة إلى الكعبة فتحول وتحول من وراءه ‪.‬‬
‫وكانت هذه الحادثة سببا ً لفتتان بعض المسلمين الذين ضعفت قلوبهم فارتدوا على‬
‫أعقابهم وقد أكثر اليهود من التنديد على السلم بهذا التحويل وما دروا أن لله‬
‫المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ‪.‬‬
‫صوم رمضان‬
‫وفي شعبان من هذه السنة أوجب الله صوم شهر رمضان على المة السلمية‬
‫وكان عليه السلم قبل ذلك يصوم ثلثة أيام من كل شهر ‪ ،‬والصيام من دعائم هذا‬
‫الدين والفرائض التي بها يتم النظام فإن النسان مجبول على حب نفسه والسعي‬

‫‪80‬‬
‫فيما يعود عليها بالنفع الخاص تاركا ً ما وراء ذلك من حاجات الضعفاء والمساكين ‪ ،‬فل‬
‫بد من وازع يزعه لحاجات قوم أقعدتهم قواهم عن إدراك حاجاتهم ‪ ،‬ول أقوى من ذوق‬
‫قوارص الجوع والعطش إذ بهما تلين نفسه ويتهذب خلقه فيسهل عليه بذل‬
‫الصدقات ‪.‬‬
‫صدقة الفطر‬
‫ولذلك أوجب الشارع الحكيم عقب الصوم زكاة الفطر فترى النسان يبذلها‬
‫بسخاء ومحبة خالصة ‪.‬‬
‫زكاة المال‬
‫وفي هذا العام فرضت زكاة الموال وهذه هي النظام الوحيد الذي به يأكل الفقراء‬
‫والمساكين من إخوانهم الغنياء بل ضرر على هؤلء ‪ ،‬فإذا بلغت الدنانير عشرين أو‬
‫الدراهم مائتين وحال عليها الحول وجب عليك أن تؤدي ربع عشرها أي اثنين ونصفا ً‬
‫في كل مائة وما زاد فبحسابه ‪.‬‬
‫ً‬
‫وإذا بلغت الشياه أربعين والبقر ثلثين والبل خمسا وحال عليها الحول وجب‬
‫عليك كذلك أن تؤدي منها جزءا ً مخصوصا ً حدده الشارع ‪.‬‬
‫ومثلها عروض التجارة ومحصولت الزراعة كل هذا يقبضه المام ويوزعه على‬
‫مستحقيه من الفقراء والمساكين وبقية المذكورين في آية الصدقة ‪ ‬إنما الصدقات‬
‫للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب‬
‫والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم‬
‫حكيم ‪ ‬سورة التوبة الية ‪. 60‬‬

‫واللبيب العاقل البعيد عن التعصب يحكم لول نظرة أن هذا النظام مع عدم‬
‫إضراره بالغنياء مقلل لمصائب الفقر التي ألجأت كثيرا ً من فقراء المم أن يخالفوا‬
‫نظام دولهم ويؤسسوا مبادئ تقويض العمران وتداعي المن لكتساب أرزاقهم‬
‫وحقوقهم في الحياة ‪.‬‬

‫‪ -‬التقويم ‪:‬‬
‫تتبع تطور المر اللهي بقتال الكفار والمشركين ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫حدد المبادئ التي قاتل عليها النبي ‪ ‬أعداء الله ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫استخلص الدروس المستفادة من وضوح مبادئ القتال في السلم ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫حدد مسار تجارة قريش وموقع المدينة من هذا المسار ‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫علل لماذا أراد النبي ‪ ‬أن يصادر تجارة قريش ‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫أروي أحداث السرايا التي أرسلها الرسول ‪ ‬لعتراض عير قريش في‬ ‫‪-6‬‬
‫الول للهجرة ‪0‬‬ ‫العام‬
‫احصر من توفى من أعلم المهاجرين والنصار في العام الول للهجرة‬ ‫‪-7‬‬
‫عدد الغزوات التي سبقت بدر الكبرى في العام الثاني من الهجرة ‪.‬‬ ‫‪-8‬‬
‫علل – لما كانت هذه الغزوات والسرايا قبل غزوة بدر‬ ‫‪-9‬‬
‫وضح إلى أي مدى كشفت هذه الغزوات عن طبيعة المرحلة المدنية ‪.‬‬ ‫‪-10‬‬
‫اسرد أحداث سرية عبد الله ابن جحش في العام الثاني من الهجرة ‪.‬‬ ‫‪-11‬‬
‫ما الدروس العملية التي تعلمتها شخصيا ً من سرية عبد الله بن جحش ‪.‬‬ ‫‪-12‬‬
‫متى كان تحويل قبلة المسلمين إلى الكعبة ؟‬ ‫‪-13‬‬
‫ما الدروس العملية التي تعلمتها من حادثة تحويل القبلة ؟‬ ‫‪-14‬‬
‫ض الصيام وزكاة الفطر والمال على المسلمين ؟‬ ‫متى فُرِ َ‬ ‫‪-15‬‬

‫الدرس الرابع‬
‫‪81‬‬
‫‪ ‬غزوة بدر الكبرى‪‬‬
‫أسبابها – تاريخها – أحداثها – نتائجها – عبرها‬

‫الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬


‫‪ .1‬أن يوضح الدارس سبب غزوة بدر ‪.‬‬
‫‪ .2‬أن يبين الدارس كيف مهدت القدرة اللهية المر لوقوع غزوة بدر الكبرى ‪.‬‬
‫‪ .3‬أن يصف الدارس مشاعر بعض المسلمين عند علمهم بنجاة العير وخروج قريش‬
‫للحرب ‪.‬‬
‫‪ .4‬أن يوضح الدارس مشورة الرسول ‪ ‬لصحابه قبل الغزوة وما دار فيها ‪.‬‬
‫‪ .7‬أن يذكر الدارس كيف استطاع النبي ‪ ‬تقدير عدد جيش المشركين ‪.‬‬
‫‪ .8‬أن يقارن الدارس بين الجيشين من حيث العدد والعدة ‪0‬‬
‫‪ .9‬أن يعدد الدارس صور المدد اللهي للمسلمين قبيل المعركة ‪.‬‬
‫‪ .10‬أن يسرد الدارس الحوار الذي دار بين النبي ‪ ‬والحباب بن المنذر بشأن موقع‬
‫الجيش‬
‫‪ .11‬أن يقص الدارس ما كان بين النبي ‪ ‬وسواد بن غزية ‪.‬‬
‫‪ .12‬أن يعرض الدارس أحداث المبارزات التي سبقت معركة بدر ‪.‬‬
‫‪ .13‬أن يروي الدارس ما كان من عمير بن الحمام قبيل المعركة ‪.‬‬
‫‪ .14‬أن يحصى الدارس قتلى وأسرى المشركين ‪.‬‬
‫‪ .15‬أن يذكر الدارس ما فعله النبى ‪ ‬فى قتلى المشركين وحديثه لهم ‪0‬‬
‫‪ .16‬أن يبين الدارس ما حدث فى أمر الغنائم ‪0‬‬
‫‪ .17‬أن يستخلص الدارس الدروس المستفادة من غزوة بدر الكبرى ‪.‬‬
‫‪ .18‬أن يذكر الدارس المواقف التى أثرت فى نفسه فى غزوة بدر وتستحق منه‬
‫التأمل والتدبر ‪0‬‬
‫‪ .19‬أن يصف الدارس مشاعره وتصوراته عن كل موقف أثر فى نفسه ‪0‬‬
‫‪ .20‬أن يعبر الدارس عما يجيش فى صدره بعد قراءته لحداث غزوة بدر ‪0‬‬
‫‪ .21‬أن يعبر الدارس عما يعزم عمله نتيجة قراءته لحداث غزوة بدر ‪0‬‬
‫***********‬

‫سبب الغزوة ‪:‬‬

‫لم يطل العهد بتلك العير العظيم التي خرج لها عليه السلم وهي متوجهة إلى‬
‫الشام فلم يدركها ولم يزل مترقبا ً رجوعها ‪ ،‬فلما سمع برجوعها ندب إليها أصحابه‬
‫وقال ‪ :‬هذه عير قريش فاخرجوا إليها لعل الله أن ينفلكموها ‪ ،‬فأجاب قوم وثقل‬
‫آخرون لظنهم أن الرسول عليه السلم لم يرد حربا ً ‪ ،‬فإنه لم يحتفل بها بل قال ‪ :‬من‬
‫كان ظهره حاضرا ً فليركب معنا ‪ .‬ولم ينتظر من كان ظهره غائبا ً ‪.‬‬
‫تاريخ الغزوة ‪:‬‬
‫فخرج الرسول ‪ ‬لثلث ليال خلون من رمضان في السنة الثانية من الهجرة بعد‬
‫أن وّلى على المدينة عبد الله ابن أم مكتوم ‪.‬‬
‫أبو سفيان يستنفر قريشا ً ‪:‬‬
‫ولما علم أبو سفيان بخروج الرسول ‪ ‬استأجر راكبا ً ليأتي قريشا ً ويخبرهم‬
‫الخبر ‪ ،‬فلما علموا بذلك أدركتهم حميتهم وخافوا على تجارتهم فنفروا سراعا ً ولم‬
‫يتخلف من أشرافهم إل أبو لهب بن عبد المطلب فإنه أرسل بدله العاص بن هشام بن‬
‫المغيرة‬

‫‪82‬‬
‫وأراد أمية بن خلف أن يتخلف لحديث حدثه إياه سعد بن معاذ حينما كان معتمرا ً‬
‫بعد الهجرة بقليل حيث قال كما رواه البخاري ‪ :‬سمعت من رسول الله يقول ‪ :‬إنهم‬
‫قاتلوك قال ‪ :‬بمكة قال ‪ :‬ل أدري ‪ ،‬ففزع لذلك وحلف أن ل يخرج فعابه أبو جهل ولم‬
‫يزل به حتى خرج قاصدا ً الرجوع بعد قليل ‪ .‬ولكن إرادة الله فوق كل إرادة ‪ ،‬فإن‬
‫منيته ساقته إلى حتفه رغم أنفه ‪.‬‬
‫وكذلك عزم جماعة من الشراف على القعود عليهم لذلك وبهذا أجمعت رجال‬
‫قريش على الخروج فخرجوا على الصعب والذلول أمامهم القينات يغنين بهجاء‬
‫المسلمين ‪ ‬وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال ل غالب لكم اليوم من‬
‫الناس وإني جار لكم ‪ ‬سورة النفال الية ‪. 48‬‬
‫وقد ضرب الله عمل الشيطان هذا مثل ً يعتبر به ذوو الرأي من بعدهم ‪ ،‬فقال‬
‫في سورة الحشر ‪  :‬كمثل الشيطان إذ قال للنسان اكفر فلما كفر‬
‫قال إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين ‪  0‬سورة الحشر الية ‪0 16‬‬
‫كذا كان عمله في هذه الواقعة ‪ ‬فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال‬
‫إني برئ منكم إني أرى ما ل ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب ‪‬‬
‫سورة النفال الية ‪. 48‬‬
‫أحداث غزوة بدر ‪:‬‬
‫أما رسول الله ‪ ‬فلم يكن يعرف شيئا ً مما فعله المشركون ولم يكن خروجه‬
‫قيا خارج المدينة ‪ ،‬واستعرض الجيش فرد من ليس له‬ ‫س ْ‬
‫إل للعير فعسكر ببيوت ال ّ‬
‫قدرة على الحرب ‪ ،‬ثم أرسل اثنين يتجسسان الخبار عن العير ‪ .‬ولما بلغ الروحاء‬
‫جاءه الخبر بمسير قريش لمنع عيرهم ‪ ،‬وجاءه مخبراه بأن العير ستصل بدرا ً غدا ً أو‬
‫بعد غد ‪.‬‬
‫قوة كل من الفريقين ‪:‬‬
‫‪ -1‬قوة المسلمين ‪:‬‬
‫سان ‪،‬‬ ‫بلغت قوة المسلمين بقيادة النبي ‪ ‬ثلثمئة وثلثة عشر رجل ً ‪ ،‬معهم فَر َ‬
‫فرس للزبير بن العوام ‪ ،‬وفرس للمقداد بن عمرو)‪ ، (19‬وسبعون بعيرا ً يتعاقبونها ‪.‬‬
‫ي‬
‫ة وعلـ ّ‬ ‫قال عبد الله بن مســعود ‪ :‬كنــا يــوم بــدر كــل ثلثــة علــى بعيــر كــان أبــو ُلبابـ ُ‬
‫ورســول اللــه ‪ ‬يتعــاقبون علــى بعيــر ‪ ،‬فكــانت عقبــة رســول اللــه ـــ أي موعــد‬
‫مشيه ‪ ‬فقال ‪ :‬نحن نمشي عنك ‪ ،‬فقال ‪ " :‬ما أنتمــا بــأقوى منــي ول أنــا بــأغنى عــن‬
‫الجر منكما " )‪. (20‬‬
‫وجعل رسول الله ‪ ‬اللواء مع مصعب بن عمير وكان أبيض ‪ ،‬وبين يدي رسول‬
‫الله ‪ ‬رايتان ‪ ،‬وجعل الرسول عليه الصلة والسلم على الميمنة الُزبيــر بــن العــوام ‪،‬‬
‫مقداد بن السود وعلى الساقة َقيس بن أبي صعصعة‪.‬‬ ‫وعلى الميسرة ال َ‬
‫‪ -2‬قوة المشركين ‪:‬‬
‫ً‬
‫استطاع المشركون أن يجيشوا تسعمئة وخمسين رجل أكثرهم من قريش ‪ ،‬معهــم‬
‫مئتا فرس وعدد كبير من البل لركوبهم وحمل أمتعتهم وغذائهم في الطريق ‪.‬‬
‫ن ربيعة ‪،‬‬ ‫عتبة ب ُ‬‫ولم يكن للمشركين قائد عام ‪ ،‬وإنما كان على رأسهم رجلن ُ‬
‫وأبو جهل مع عدد من رجالت قريش ‪.‬‬
‫دوريات الستطلع ‪:‬‬
‫سلكت قوات المسلمين طريق القوافل بين المدينة وبدر وطوله مئة وستون‬
‫كيلو مترًا‪ .‬وبث الرسول ‪ ‬أمامه عددا ً من الدوريات للستكشاف والســتطلع ‪ .‬حــتى‬
‫يعرف الخبار ويأمن المباغته في شيء لم يقدر له قدره ‪.‬‬
‫الدورية الولى ‪:‬‬
‫حالف المقداد في الجاهلية السود بن عبد يغوث الزهري فتبناه فكان يقال له المقداد بن السود فلما نزل قول‬ ‫‪()19‬‬
‫الله تعالى " ادعوهم لبائهم " قيل له المقداد بن عمرو‬
‫نقل ً عن السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة لبي شهبة ج ‪99/ 2‬‬ ‫‪()20‬‬

‫‪83‬‬
‫عديّ بن أبي الّزغباء ‪ ،‬فمضيا حتى نزل بدرا ً‬ ‫بعث الرسول ‪ ‬بسبس بن عمرو و َ‬
‫يسـتقيان فيـه ‪ ،‬ويريــدان أن‬ ‫)‪(21‬‬ ‫ً‬
‫ل قريب من الماء ‪ ،‬ثـم أخــذا شـنا لهمـا‬ ‫‪ ،‬فأناخا إلى ت ٍ‬
‫يتسمعا الخبار ‪ ،‬فسمع عديُ وبسبس جاريتين مــن جــواري الحاضــرة وهمــا يتقاضــيان‬
‫على الماء ‪ ،‬تقول إحداهما لصاحبتها ‪ :‬إنما تــأتي العيــر غــدا ً فأعمــل لهــم ‪ ،‬ثــم أقضــيك‬
‫جمع من معلومات‪.‬‬ ‫الذي لك ‪ .‬فنقل ذلك إلى رسول الله ‪ ‬وأصحابه ‪ ،‬ليحللوا ما ُ‬
‫الدورية الثانية ‪:‬‬
‫ي بن أبي طالب والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص‬ ‫ثم بعث الرسول ‪ ‬عل ّ‬
‫في نفر من أصحابه إلى ماء بدر يلتمسون الخبر ‪ ،‬فأصابوا روايا لقريــش فيهــا ‪ :‬أســلم‬
‫غلم بني الحجاج ‪ ،‬وعريض أبو يسار غلم بني العاص بن سعد فأتوا بهمــا رســول اللــه‬
‫ليستجوبهما فسألهما رسول الله ‪ ، ‬فقال ‪ :‬نحن لجيش قريش وليـس لنـا علـم بـأبي‬
‫سفيان ‪ ،‬فقال لهمــا ‪ : ‬كــم القــوم ؟ قــال ‪ :‬كــثير ول نــدري مــا عــددهم ‪ ،‬قــال ‪ :‬كــم‬
‫ينحرون من البل لطعامهم ‪ ،‬قال ‪ :‬يوما ً تسعا ً ويوما ً عشرا ً ‪.‬‬
‫فقال رسول الله ‪ " ‬القوم ما بين التسعمئة واللف ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬فمن فيهم مــن‬
‫عتبة بن ربيعة وشيبه ‪ ،‬وأبو الُبحتري بن هشام وحكيم بن حزام‬ ‫أشراف قريش ؟ قال ‪ُ :‬‬
‫‪ ،‬وذكــرا رؤســاء قريــش ‪ ،‬فقــال ‪ : ‬هــذه مكــة قــد ألقــت إليكــم أفلذ كبــدها " وأراد‬
‫الرسول ‪ ‬أن يستوثق بنفسه ‪.‬‬
‫خروج القائد للستطلع ‪:‬‬
‫ركب الرسول ‪ ‬ومعه أبو بكر ‪ ،‬يستطلع الخبار ‪ .‬فوقف على شيخ من‬
‫العرب ‪ ،‬فسأله عن قريش وعن محمــد وأصــحابه ومــا بلغــه عنهــم ‪ ،‬فقــال الشــيخ ‪ :‬ل‬
‫أخبركما حتى تخبراني من أنتما ؟‬
‫فقال ‪ : ‬إذا أخبرتنا أخبرناك ‪ :‬فقال أو ذاك بذاك ؟قال ‪ :‬نعم ‪.‬‬
‫قال الشيخ ‪ :‬بلغني أن محمدا ً وأصحابه خرجوا يــوم كــذا و كــذا فــإن كـان صــدق الـذي‬
‫أخبرني فهم اليوم بمكــان كــذا وكــذا ‪ .‬للمكــان الــذي بــه رســول اللــه ‪ ، ‬وبلغنــي أن‬
‫قريشا ً خرجوا يوم كذا وكذا ‪ ،‬فإن كان الذي أخــبرني صــدقني فهــم اليــوم بمكــان كــذا‬
‫وكذا ‪ .‬للمكان الذي فيه جيش قريش فلما فرغ من خبره قال ‪ :‬ممن أنتما ؟ فقــال لــه‬
‫رسول الله ‪ " ‬نحن من ماء " ثــم انصــرف عنــه ‪،‬قــال الشــيخ ‪ :‬مــا مــاء ؟ أمــن مــاء‬
‫العراق ؟‬
‫القيادة المسلمة تحلل الخبار وتعرف الحقيقة ‪:‬‬
‫جمعت الخبار التي جاءت بها دوريات الستطلع فأشارت إلى أن العير قد نجت‬ ‫ُ‬
‫وأن الجيش المشرك هو الذي أمام المسلمين الن ‪ ،‬وأن عدد الجيش القرشي ما بين‬
‫التسعمئة واللف ‪ ،‬وأن فيهم عظماء قريش ‪ ،‬وأن عدتهم ل يستهان بها ‪ ،‬فمــاذا يفعــل‬
‫المسلمون أمام هذه المعلومات المتجمعة لديهم ؟‬
‫وهكذا اقترب كل الفريقين من الخر وهو ل يدري ما وراء هذا اللقاء الرهيــب ‪ ،‬وهكــذا‬
‫هيئت السباب لقيام أول معركة في السلم ‪ ،‬قامت بين الحق والباطل قــال تعــالى ‪:‬‬ ‫ُ‬
‫‪ ‬وإذ يعدكم الله إحدى الطا ئفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشــوكة تكــون لكــم‬
‫ويريد الله أن ُيحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ‪ ‬لُيحق الحق وُيبطل الباطل ولو‬
‫كره المجرمون ‪.(22) ‬‬
‫الرسول ‪ ‬يشاور أصحابه ‪:‬‬
‫فجمع عليه السلم كبراء الجيش وقال لهم ) أيها الناس إن الله قد وعدني‬
‫إحدى الطائفتين أنها لكم العير ‪ :‬أو النفير ( فتبين له عليه السلم أن بعضهم يريدون‬
‫غير ذات الشوكة وهي العير ليستعينوا بما فيها من الموال ‪ ،‬فقد قالوا ‪ :‬هل ذكرت لنا‬
‫القتال فنستعد ‪ ،‬وجاء مصداق ذلك قوله تعالى في سورة النفال ‪  :‬وإذ يعدكم‬

‫الشن ـ القربة ا لقديمة الصغيرة ا لتي يوضع فيها الماء ‪.‬‬ ‫‪()21‬‬
‫النفال ‪8-7 :‬‬ ‫‪()22‬‬

‫‪84‬‬
‫الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ‪‬‬
‫سورة النفال الية ‪ 0 7‬ثم قام المقداد بن السود رضي الله عنه فقال ‪ :‬يا رسول الله‬
‫امض لما أمرك الله فوالله ل نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى ‪ ‬فاذهب أنت‬
‫وربك فقاتل إنا ها هنا قاعدون ‪ ‬سورة المائدة الية ‪ 0 24‬ولكن اذهب أنت‬
‫وربك فقاتل إنا معكما مقاتلون ‪ ،‬والله لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من‬
‫دونه حتى تبلغه ‪ ،‬فدعا له بخير الناس ‪.‬‬
‫ي أيها الناس وهو يريد النصار لن بيعة العقبة‬ ‫ثم قال عيه السلم ‪ :‬أشيروا عل ّ‬
‫ربما يفهم منها أنه ل تجب عليهم نصرته إل ما دام بين أظهرهم ‪ .‬وقال فيها ‪ :‬يا رسول‬
‫الله إنا براء من ذمتك حتى تصل إلى دارنا فإذا وصلت إليها فأنت في ذمتنا نمنعك مما‬
‫نمنع منه أبناءنا ونساءنا ‪.‬‬
‫فقال سعد بن معاذ سيد الوس ‪ :‬كأنك تريدنا يا رسول الله ؟ فقال ‪ :‬أجل ‪ ،‬فقال سعد‬
‫‪ :‬قد آمنا بك وصدقناك وأعطيناك عهودنا فامض لما أمرك الله ‪ ،‬والذي بعثك بالحق لو‬
‫استعرضت بنا البحر فخضته لنخوضنه معك ‪ ،‬وما نكره أن تكون تلقى العدو بنا غدا ً ‪،‬‬
‫سْر على‬ ‫إنا لصبر عند الحرب صدق عند اللقاء ‪ ،‬ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك ف ِ‬
‫بركة الله ‪.‬‬
‫فأشرق وجهه عليه السلم وسر بذلك وقال كما في رواية البخاري ‪ ) :‬أبشروا‬
‫والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم ( فعلم القوم من هذه الجملة أن الحرب ل بد‬
‫ة حصلت ‪.‬‬ ‫حاصلة ‪ ،‬وحقيق ً‬
‫أبوسفيان يفلت بالعير ‪ ...‬وقريش تعاند وتصر على الحرب ‪:‬‬
‫فإن أبا سفيان لما علم بخروج المسلمين له ترك الطريق المسلوكة وسار متبعا ً‬
‫ساحل البحر فنجا وأرسل إلى قريش يعلمهم بذلك ويشير عليهم بالرجوع فقال أبو‬
‫جهل ‪ :‬ل نرجع حتى نحضر بدرا ً فنقيم فيه ثلثا ً ننحر الجزر ونطعم الطعام ونسقي‬
‫الخمر وتسمع بنا العرب فل يزالون يهابوننا أبدا ً ‪.‬‬
‫فقال الخنس بن شريق الثقفي لبني زهرة وكان حليفا ً لهم ‪ :‬ارجعوا يا قوم فقد‬
‫نجى الله أموالكم فرجعوا ولم يشهد بدرا ً زهري ول عدوى ‪ ،‬ثم سار الجيش حتى‬
‫وصلوا وادي بدر فنزلوا عدوته القصوى عن المدينة في أرض سهلة لينة ‪.‬‬
‫الجيش السلمي يرد بدرا ً ومشورة الحباب بن المنذر ‪:‬‬
‫أما جيش المسلمين فإنه لما قارب بدرا ً ساروا حتى نزلوا بعدوة الوادي الدنيا‬
‫من المدينة بعيدا ً عن الماء في أرض سبخة ‪ ،‬فأصبح المسلمون عطاشا بعضهم جنب‬
‫وبعضهم محدث ‪ ،‬فحدثهم الشيطان بوسوسته ‪ ،‬ولولا فضل الله عليهم ورحمته لثنيت‬
‫عزائمهم ‪ ،‬فإنه قال لهم ‪ :‬ما ينتظر المشركون منكم إل أن يقطع العطش رقابكم‬
‫ويذهب قواكم فيتحكموا فيكم كيف شاءوا ‪.‬‬
‫فأرسل الله لهم الغيث حتى سال الوادي فشربوا ‪ ،‬واتخذوا‬
‫الحياض على عدوة الوادي واغتسلوا وتوضأوا وملوا السقية ولبدت‬
‫الرض حتى ثبتت عليها القدام ‪ ،‬على حين أن كان هذا المطر مصيبة‬
‫على المشركين فإنه وحل الرض حتى لم يعودوا يقدرون على‬
‫الرتحال ‪ .‬ومصداق هذا قوله تعالى في سورة النفال ‪  :‬وينزل عليكم‬
‫من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت‬
‫به القدام ‪ ‬سورة النفال الية ‪. 11‬‬
‫وقد أرى الله رسوله في منامه العداء كما أراهموه وقت اللقاء قليلي العدة ‪ ،‬كيل‬
‫يفشل المسلمون وليقضي الله أمرا ً كان مفعول ً ‪.‬‬
‫قال تعالى في سورة النفال ‪  :‬إذ يريكهم الله في منامك قليل ً ولو‬
‫أراكهم كثيرا ً لفشلتم ولتنازعتم في المر ولكن الله سلم إنه عليم‬
‫بذات الصدور * وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليل ً ويقللكم‬

‫‪85‬‬
‫في أعينهم ليقضي الله أمرا ً كان مفعول وإلى الله ترجع المور ‪ ‬سورة‬
‫النفال اليتان ‪. 44 ، 43‬‬
‫ثم سار جيش المسلمين حتى نزل أدنى ماء من بدر فقال له الحباب بن المنذر‬
‫النصاري وكان مشهودا ً بجودة الرأي ‪ :‬يا رسول الله أهذا منزل أنزلكه الله ليس لنا‬
‫أن نتقدم عنه أو نتأخر أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ فقال ‪ :‬بل هو الرأي والحرب‬
‫والمكيدة ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول الله ليس لك هذا بمنزل فانهض بالناس حتى تأتي أدنى‬
‫ماء من القوم فإني أعرف غزارة مائه وكثرته فننزله ونغور ما عداه من البار ثم نبني‬
‫عليه حوضا ً فنمله ماء فنشرب ول يشربون‪ .‬فقال الرسول عليه السلم ‪ :‬لقد أشرت‬
‫بالرأي ‪.‬‬
‫ونهض حتى أتى أدنى ماء من القوم ثم أمر بالبار التي خلفهم فغورت لينقطع‬
‫أمل المشركين في الشرب من وراء المسلمين وبنى حوضا ً على القليب الذي نزل‬
‫عليه‪.‬‬
‫ً‬
‫الصحابة يبنون عريشا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫ً‬
‫ثم قال له سعد بن معاذ سيد الوس يا نبي الله أل نبني لك عريشا تكون فيه‬
‫ونعد عندك ركائبك ثم نلقى عدونا فإن أعزنا الله تعالى وظهرنا على عدونا كان ذلك‬
‫ما أحببنا وإن كانت الخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا فقد تخلف عنك‬
‫أقوام يا نبي الله ما نحن بأشد لك حبا ً منهم ول أطوع لك منهم رغبة في الجهاد ونية ‪،‬‬
‫ولو ظنوا أنك تلقى حربا ً ما تخلفوا عنك إنما ظنوا أنها العير ‪ ،‬يمنعك الله بهم‬
‫ويناصحونك ويجاهدون معك ‪ ،‬فقال عليه السلم ‪ :‬أو يقضي الله خيرا ً من ذلك ‪.‬‬
‫ثم بنى للرسول عريش فوق تل مشرف على ميدان الحرب ولما اجتمعوا عدل‬
‫عليه السلم صفوفهم ومناكبهم متلصقة فصاروا كأنهم بنيان مرصوص ثم نظر‬
‫لقريش فقال ‪ ) :‬اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلئها وفخرها تحادك وتكذب رسولك‬
‫اللهم فنصرك الذي وعدتني به ( ‪.‬‬

‫وفي هذا الوقت وقع خلاف بين رؤساء عسكر المشركين فإن عتبة بن ربيعة أراد أن‬
‫يمنع الناس من الحرب ويحمل دم حليفه عمرو بن الخضرمي الذي قتل في سرية عبد‬
‫الله بن جحش ويحمل ما أصيب من عيره ودعا الناس إلى ذلك ‪ ،‬فلما بلغ أبا جهل‬
‫الخبر وسمه بالجبن وقال ‪ :‬والله ل نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد ‪.‬‬

‫وقبل أن تقوم الحرب على ساقها خرج من صفوف المشركين السود بن عبد‬
‫السد المخزومي وقال ‪ :‬أعاهد الله لشربن من حوضهم أو لهدمنه أو لموتن دونه ‪،‬‬
‫فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب وضربه ضربة قطع بها قدمه بنصف ساقه فوقع‬
‫على ظهره فزحف على الحوض حتى اقتحم فيه ليبر قسمه فاتبعه حمزة فقتله ‪.‬‬

‫ثم وقف عليه السلم يحرض الناس على الثبات والصبر وكان فيما قال ‪ ) :‬وإن‬
‫في مواطن البأس مما يفرج الله به الهم وينجي به من الغم ( ‪.‬‬
‫المبارزة ‪:‬‬
‫ثم ابتدأ القتال بالمبارزة فخرج من صفوف المشركين ثلثة نفر عتبة بن ربيعة‬
‫بين أخيه شيبة وابنه الوليد فطلبوا أكفاءهم فخرج إليهم ثلثة من النصار فقالوا ‪ :‬ل‬
‫حاجة لنا بكم إنما نريد أكفاءنا من بني عمنا فأخرج لهم عليه السلم عبيدة بن الحارث‬
‫بن عبد المطلب للول وحمزة بن عبد المطلب للثاني وعلي بن أبي طالب للثالث ‪.‬‬
‫فأما حمزة وعلي فقتل صاحبيهما وأما عبيدة فاختلفا بضربتين كلهما جرح‬
‫صاحبه فحمل رفيقا عبيدة على عتبة فأجهزا عليه وحمل عبيدة بين الصفوف جريحا ً‬
‫يسيل مخ ساقه وأضجعوه إلى جانب موقفه ‪ ‬فأفرشه رسول الله قدمه الشريفة‬

‫‪86‬‬
‫فوضع خده عليها وبشره عليه السلم بالشهادة ‪ ،‬فقال ‪ :‬وددت والله أن أبا طالب كان‬
‫حيا ً ليعلم أننا أحق منه بقوله ‪ :‬ونسلمه حتى نصرع حوله ونذهل عن أبنائنا والحلئل‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم يرص الصفوف ويشحذ الهمم ويحرض‬
‫المؤمنين على القتال ‪:‬‬
‫وبعد انقضاء هذه المبارزة وقف عليه السلم بين الصفوف يعدلها بقضيب في‬
‫يده فمر بسواد بن غزية حليف بني النجار وهو خارج من الصف فضربه بالقضيب في‬
‫بطنه وقال ‪ :‬استقم يا سواد ‪ ،‬فقال أوجعتني يا رسول الله وقد بعثت بالحق والعدل‬
‫فأقدني من نفسك ‪ ،‬فكشف الرسول عليه السلم عن بطنه وقال استقد يا سواد ‪،‬‬
‫فاعتنقه سواد وقبل بطنه فقال عليه السلم ‪ :‬ما حملك على ذلك ؟ فقال ‪ :‬يا رسول‬
‫الله قد حضر ما ترى فأردت أن يكون آخر العهد أن يمس جلدي جلدك ‪ ،‬فدعا له بخير‬
‫‪.‬‬
‫ثم ابتدأ عليه الصلة والسلم يوصي الجيش فقال ‪ ) :‬لتحملوا حتى آمركم وإن‬
‫اكتنفكم القوم فانضحوهم بالنبل ول تسلوا السيوف حتى يغشوكم ( ثم حضهم على‬
‫الصبر والثياب ثم رجع إلى عريشه ومعه رفيقه أبو بكر وحارسه سعد بن معاذ واقف‬
‫على باب العريش متوشحا ً سيفه ‪.‬‬
‫وكان من دعاء الرسول عليه السلم ذاك الوقت كما جاء في صحيح البخاري‬
‫اللهم أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لم تعبد ( فقال أبو بكر ‪ :‬حسبك فإن الله‬
‫سينجز لك وعدك ‪.‬‬
‫فخرج عليه السلم من العريش وهو يقول ‪  :‬سيهزم الجمع ويولون الدبر ‪‬‬
‫سورة القمر الية ‪. 45‬‬
‫ثم قال عليه السلم يحرض الجيش ‪ ) :‬والذي نفس محمد بيده ل‬
‫يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا ً محتسبا ً مقبل ً غير مدبرا ً إل أدخله الله‬
‫الجنة ومن قتل قتيل ً فله سلبه ( فقال عمير بن الحمام وبيده تمرات‬
‫يأكلها ‪ :‬بخ بخ ما بيني وبين أن أدخل الجنة إل أن يقتلني هؤلء ثم قذف‬
‫التمرات من يده وأخذ سيفه وقاتل حتى قتل ‪.‬‬
‫احتدام القتال ‪ ...‬وقتل قادة قريش وأشرافها ‪:‬‬
‫واشتد القتال وحمي الوطيس وأيد الله المسلمين بالملئكة بشرى لهم ولتطمئن به‬
‫قلوبهم ‪ ،‬فلم تكن إل ساعة حتى هزم الجمع وولوا الدبر وتبعهم المسلمون يقتلون‬
‫ويأسرون فقتل من المشركين نحو السبعين منهم من قريش عتبة وشيبة ابنا ربيعة‬
‫والوليد بن عتبة قتلوا مبارزة أول القتال وأبو البختري بن هشام ‪ ،‬ومن القتلى حنظلة‬
‫بن أبي سفيان ‪ ،‬وأبو جهل بن هشام أثخنه فتيان صغيران من النصار لما كانا يسمعانه‬
‫من أنه كان شديد اليذاء لرسول الله ‪ ،‬وأجهز عليه عبد الله بن مسعود ‪ ،‬وقتل نوفل‬
‫بن خويلد قتله علي بن أبي طالب ‪ ،‬وقتل عبيدة والعاصي والد أبي أحيحة سعيد بن‬
‫العاص بن أمية ‪ ،‬وقتل كثيرون غيرهم ‪.‬‬
‫أما السرى فكانوا سبعين أيضا ً قتل منهم عليه السلم وهو راجع عقبة بن ابي‬
‫معيط والنضر بن الحارث اللذين كانا بمكة من أشد المستهزئين ‪.‬‬
‫مقتل أمية بن خلف ‪:‬‬
‫ن خلف رأس الكفر في قريش ‪ ،‬الذي كان يعذب بلل ً والمؤمنين في مكة‬ ‫أمية ب ُ‬
‫ه وصوابه ‪ ،‬حتى كان ينادي على من يأسره أو يأخذ بيــده مــن‬ ‫‪ ،‬أطارت معركة بدر عقل ُ‬
‫هول المعركة ‪.‬‬
‫يقول عبد الرحمن بن عوف ‪ " :‬مررت بأمية بن خلف ‪ ،‬وهو واقف مع ابنه في‬
‫ذهول ‪ ،‬ومعي أدرع لي قد استلبتها فأنا أحملها ‪ ،‬فلما رآني ‪ ،‬ناداني فقال ‪ :‬يا عبد ً الله‬
‫فقلت ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪ :‬هل لك في أن تأخذني أسيرا ً أنا وولــدي ‪ ،‬فأنــا خيــر لــك مــن هــذه‬
‫الدرع التي معك ‪ ،‬فمن أسرني افتديت نفسي منه بإبل كثيرة اللبن ‪ ،‬قــال ‪ :‬فطرحــت‬

‫‪87‬‬
‫الدرع من يدي وأخذت بيده وبيد ابنه وهو يقول ‪ :‬ما رأيت كاليوم قط ‪ .‬ثم قال يا عبــد َ‬
‫م بريشة نعامة في صدره ؟قال عبد ُ الرحمن ‪ :‬قلت ‪ :‬حمزة بــن‬ ‫الله ‪ :‬من الرج ُ‬
‫ل المعل ُ‬
‫عبد المطلب ‪ .‬قال ‪ :‬ذاك الذي فعل بنا الفاعيــل ‪ ،‬قــال عبــد الرحمــن ‪ :‬فــو اللــه إنــي‬
‫لقودهما إذ رآه بلل معي ‪ .‬وكان هو الذي يعذب بلل ً في الجاهلية بمكة على السلم ‪.‬‬
‫ة بــن خلــف ل نجــوت إن نجــا ‪ ،‬قــال‪ :‬قلــت ‪ :‬أي بلل‬ ‫س الكفــر أميـ ُ‬
‫فلما رآه قــال ‪ :‬رأ ُ‬
‫س‬ ‫ت إن نجا قال ‪ :‬ثم صرخ بأعلى صوته‪ :‬يا أنصــار اللــه ‪ 000‬رأ ُ‬ ‫أسيري ‪ ،‬قال ‪ :‬ل نجو ُ‬
‫ة بن خلف ل نجوت ‪ ،‬إن نجا فأحاطوا بنــا ‪ ،‬وأنــا أدفــع عنهــم ‪ ،‬فضــرب رجــل‬ ‫الكفر أمي ُ‬
‫ة ما سمعت بمثلها قط قــال ‪ :‬قلــت لميــة ‪:‬‬ ‫ة صيح ً‬ ‫ل ابنه فوقع ‪ ،‬وصاح أمي ُ‬ ‫ج َ‬
‫بالسيف ر ْ‬
‫ُ‬
‫ج بنفسك ‪ ،‬ول نجاة لك فو الله ما أغني عنك شيئا ً ‪ ،‬قال ‪ :‬فاجتمع الناس فضــربوهما‬ ‫ان ُ‬
‫بأسيافهم حتى فرغوا منهما ‪.‬‬
‫ً‬
‫قال ‪ :‬فكان عبد الرحمن يقول ‪ :‬رحم الله بلل فجعني بأدرعي وبأسيري!!‬
‫وهكذا من ُيغالب الله ُيغلب ومن ُيحاد الله ورسوَله يكن في الذليـن ومـن يتجـبر علـى‬
‫عباده يأخذه أخذ عزيز مقتدر ‪ .‬ويجعله عبرة وآية ‪ ‬والله غالب على أمره ولكــن‬
‫أكثر الناس ل يعلمون ‪.(23) ‬‬
‫بين العقيدة والعاطفة ‪:‬‬
‫جرى في بدر صراعُ رهيب بين العاطفة والعقيدة ‪ ،‬فقد وجد كثير من جند‬
‫السلم مع رسول الله ‪ ‬أقارب لهم في صفوف المشــركين ‪ ،‬يجــد الرجــل أخــاه ‪ ،‬أو‬
‫أباه ‪ ،‬أو عمه أو خاله‪ .‬أو زوج ابنته ‪ ،‬فتقابلت بذلك العاطفة والعقيدة فــذابت العاطفــة‬
‫وتلشت بجانب العقيدة القوية ‪ ،‬وكان المؤمن وقافا ً عند تعاليم الله سبحانه‬
‫‪ ‬يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على اليمان‬
‫ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون ‪. (24) ‬‬
‫عتبة في المؤمنين وأبوه عتبة بن ربيعة في المشركين ‪.‬‬ ‫حذيفة بن ُ‬ ‫فهذا أبو ُ‬
‫فأخذ الولد يتوسل إلى أبيه ويناديه أن يفيء إلى الحق ‪ ،‬ولكـن الوالــد الجاهــل المعانــد‬
‫ه وضــلله إلــى ســوء المصــير فيســقط‬ ‫يظل سادرا ً في الغي والضلل حتى يســلمه غيـ ُ‬
‫صريعا ً في القتال بأيدي المؤمنين‪ .‬وحينما انجلت المعركة وتـم النصـر للمسـلمين أمـر‬
‫رسول الله ‪ ‬أن ُيلقى المشركون في القليب‪ ،‬فلما ُأخذ عتبة بن ربيعــة وســحب إلــى‬
‫القليب ‪ ،‬نظر رسول الله ‪ ‬إلى وجه أبي حذيفة بن عتبة فوجده قد تغير فقال له ‪ :‬يا‬
‫حذيفة ‪ ،‬لعلك قد دخلك من شأن أبيك شيء ؟ فقال ‪ :‬ل والله يــا رســول اللــه ‪ ،‬مــا‬ ‫أبا ُ‬
‫شككت في أبي ول في مصرعه ‪ .‬ولكنني كنــت أعــرف مــن أبــي حلمــا ورأيـا ً وفضـل ً ‪،‬‬
‫فكنت أرجو أن يهديه الله للسلم ‪ ،‬فلما رأيت مــا أصــابه وذكــرت مــا مــات عليــه مــن‬
‫ت أرجو له أحزنني ذلك ‪ .‬فدعا له الرسول ‪ ‬وقال له خيرًا‪.‬‬ ‫الكفر بعد الذي كن ُ‬
‫الرسول يأمر بالقتلى إلى قليب بدر ‪:‬‬
‫وقد أمر عليه السلم بالقتلى فنقلوا من مصارعهم التي كان الرسول عليه‬
‫السلم أخبر بها قبل حصول الموقعة إلى قليب بدر لنه عليه السلم كان من سننه‬
‫في مغازيه إذا مر بجيفة إنسان أمر بها فدفنت ل يسأل عنه مؤمنا ً أو كافرا ً ‪ .‬ثم أمر‬
‫عليه السلم براحلته فشد عليها حتى قام على شفة القليب الذي رمى فيه المشركون‬
‫فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم يا فلان بن فلن ويا فلن بن فلن أيسركم أنكم‬
‫كنتم أطعتم الله ورسوله فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا ً فهل وجدتم ما وعد ربكم‬
‫حقا ً ‪ .‬فقال عمر ‪ :‬يا رسول الله ما تكلم من أجساد ل أرواح فيها فقال ‪ :‬والذي نفس‬
‫محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ‪.‬‬

‫يوسف ‪21 :‬‬ ‫‪()23‬‬


‫التوبة ‪23 :‬‬ ‫‪()24‬‬
‫‪88‬‬
‫وتقول عائشة رضي الله عنها ‪ :‬إنما قال إنهم الن ليعلمون أن ما‬
‫كنت أقول لهم حق ثم قرأت ‪ ‬فإنك ل تسمع الموتى ‪ ‬سورة الروم الية ‪. 52‬‬
‫و ‪ ‬وما أنت بمسمع من في القبور ‪ ‬سورة فاطر الية ‪ ، 22‬تقول يعلمون ذلك‬
‫حينما تبوؤا مقاعدهم من النار ) رواه البخاري ( ‪.‬‬
‫ثم أرسل عليه السلم المبشرين فأرسل عبد الله بن أبي رواحه‬
‫لهل العالية وأرسل زيد بن حارثة لهل السافلة راكبا ً على ناقة رسول‬
‫الله ‪.‬‬
‫وكان المنافقون والكفار من اليهود قد أرجفوا بالرسول ‪ ‬والمسلمين عادة‬
‫العداء في إذاعة الضراء يقصدون بذلك فتنة المسلمين فجاء أولئك المبشرون بما‬
‫سر أهل المدينة وكان ذلك الوقت انصرافهم من دفن رقية بنت رسول الله وزوج‬
‫عثمان ‪.‬‬
‫ً‬
‫ثم قفل رسول الله راجعا وهنا وقع خلاف بين بعض المسلمين في قسمة‬
‫الغنائم ‪ ،‬فالشبان يقولون كنا ردءا ً لكم نشارككم ‪.‬‬
‫الختلف في النفال ونزول سورة النفال ‪:‬‬
‫ولما كان هذا الختلف مما يدعو على الضعف ويزرع في القلوب العداوة والبغضاء‬
‫المؤديين إلى تشتت الشمل أنزل الله حسما ً لهذا الخلف أول سورة النفال ‪‬‬
‫يسألونك عن النفال قل النفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات‬
‫بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين ‪ ‬سورة النفال الية ‪ . 1‬فسطع‬
‫على أفئدتهم نور القرآن فتألفت بعد أن كادت تفترق وتركوا أمر الغنائم لرسول الله‬
‫يضعها كيف شاء كما حكم القرآن فقسمها عليه الصلة و السلم على السواء الراجل‬
‫مع الراجل والفارس مع الفارس ‪.‬‬
‫وأدخل في السهام بعض من لم يحضر لمر كلف به وهم ‪ :‬أبو لبابة النصاري‬
‫لنه كان مخلّفا ً على أهل المدينة ‪ ،‬والحارث بن حاطب لن الرسول عليه السلم خلفه‬
‫على بني عمرو بن عوف ليحقق أمرا ً بلغه ‪ ،‬والحارث بن الصمة وخوّات بن جبير لنهما‬
‫كسرا بالروحاء فلم يتمكنا من السير وطلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد لنهما أرسل‬
‫يتجسسان الخبار فلم يرجعا إل بعد انتهاء الحرب وعثمان بن عفان لن الرسول عليه‬
‫السلم خلفه على ابنته رقية يمرضها ‪ ،‬وعاصم بن عدي لنه خلفه على أهل قباء‬
‫والعالية وكذلك أسهم لمن قتل ببدر وهم أربعة عشر منهم عبيدة بن الحارث بن‬
‫المطلب بن عبد مناف الذي جرح في المبارزة الولى ‪ ،‬فإنه رضي الله عنه مات عند‬
‫رجوع المسلمين من بدر ودفن بالصفراء ‪.‬‬
‫ولما قارب عليه السلم المدينة تلقته الولئد بالدفوف يقلن ‪:‬‬
‫من ثنيات الوداع‬ ‫طلع البدر علينا‬
‫ما دعا لله داع‬ ‫وجب الشكر علينا‬
‫جئت بالمر المطاع‬ ‫أيها المبعوث فينا‬

‫من العبر المستفادة من هذه الغزوة ‪:‬‬


‫الدارس لمعركة بدر والمتتبع لحوادثها يستفيد منها الدروس والعبر الكثيرة ومنها ‪:‬‬
‫وعد ُ الله للمؤمنين العاملين بالنصر ل يتخلف ‪ ،‬وإرادته سبحانه نافــذة ‪ ،‬ل يردهــا‬ ‫‪-1‬‬
‫راد ‪.‬‬
‫أن الله ل يحق الحق ول يبط ـ ُ‬
‫ل الباطــل فــي المجتمعــات إل بالرجــال الصــابرين‬ ‫‪-2‬‬
‫المجاهدين‪.‬‬
‫التكاتف وتوحيد القيادة وعدم الفرقة سبيل إلى النصر والفلح ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫ُ‬
‫البتكارات الجديدة التي تفجأ العدو والتعبئة المنظمة من عوامل كسب المعارك‬ ‫‪-4‬‬
‫‪ .‬وهذا ما فعله الرسول ‪ ‬في بدر ‪ .‬فقد حارب المشركين بتعبئة حديثة واســتفاد مــن‬

‫‪89‬‬
‫كل خبرة عند المؤمنين ‪.‬‬
‫العقيدة الراسخة تعطي الثقة وترفع المعنويات ‪ ،‬وتربي الجندي الــذي ل يهــزم ‪،‬‬ ‫‪-5‬‬
‫قال تعالى ‪:‬‬
‫)‪.(25‬‬
‫‪ ‬كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين ‪‬‬
‫التقويم ‪:‬‬
‫‪-1‬أ‪-‬كم كانت قوة المسلمين في الرجال ‪ ،‬والخيل والجمال في غزوة بدر الكبرى؟‬
‫ب‪-‬من حمل لواء الرسول ‪ ‬في بدر ؟‬
‫ج‪-‬كم كانت قوة المشركين من الرجال ‪،‬والخيل والجمال ؟‬
‫‪ -2‬أجب عن السئلة التية ‪:‬‬
‫أ‪ -‬لم بعث الرسول ‪ ‬أمامه دوريات استطلعية ؟ وما عددها ؟‬
‫ب‪ -‬لم خرج الرسول ‪ ‬بنفسه ليستطلع أخبار جيش المشركين ‪.‬‬
‫ج‪ -‬لم قرر المسلمون الحرب وقد خرجوا للعير ؟‬
‫د‪ -‬لم استشار الرسول ‪ ‬صحابته وهو نبي ؟‬
‫‪ -3‬من قائل هذه الكلمات ‪:‬‬
‫ـ لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ‪.‬‬
‫ـ يا رسول الله أهذا المنزل أنزلكه الله ‪،‬ليس لنا أن نتقدم عنه أو نتأخر؟‬
‫‪ -4‬نزل الرسول ‪ ‬بين الصفوف يلقــى علــى المســلمين فــي بــدر خطبتــه العســكرية‬
‫ليحفـــز الهمـــم فقـــال ‪ . . . . . . . .‬فقـــال عميـــر بـــن الحمـــام ‪. . . . . . . . .‬قـــال‬
‫نعم ‪. . . . . .‬‬
‫فقال عمير ‪. . . . . . . . . .‬‬
‫أكمل الجمل السابقة ثم علق على هذا الحوار العظيم ‪.‬‬
‫‪ -5‬بارز ثلثة من المسلمين ثلثــة مــن المشــركين فــي بــدر ‪ ،‬صــل بيــن كــل متبــارزين‬
‫بخط ‪:‬‬
‫عتبة بن ربية‬ ‫العباس بن عبد‬
‫المطلب‬
‫شيبة بن ربيعة‬ ‫علي بن أبي‬
‫طالب‬
‫الوليد بن عتبة‬ ‫عبيد بن الحارث‬
‫‪ -14‬من الذي قتل أبا جهل ؟وكم عدد قتلى المشركين في معركة بدر؟‬
‫‪-15‬كان لغزوة بدر الكبرى نتائج معينة ‪ ،‬اذكر أهم تلك النتائج ‪.‬‬
‫‪-16‬هل وعد الله المؤمنين بالنصر في بدر ؟ إن كان ذلك ‪ .‬فاذكر آية من القــرآن تــدل‬
‫على ذلك‪.‬‬
‫‪-17‬هل حارب الرسول ‪ ‬المشركين بنظام الكر والفر ؟ أم ابتكر الرسول ‪ ‬أسلوبا ً‬
‫جديدا ً في الحرب ؟ وما هذا السلوب المبتكر الذي اتبعه الرسول ؟‬
‫‪-18‬كان للعقيدة الراسخة أثر في الحرب مع الكفار ما هذا الثر ؟ اذكر آية من القرآن‬
‫تدل على ذلك ‪.‬‬
‫‪-19‬هل بالكلمات والشعارات فقط تكسب المعــارك وتهــزم الجيــوش ؟ أم هنــاك أمــر‬
‫آخر يجب أن يكون ؟ ما هو ؟‬
‫‪ - 20‬أذكر ما فعله النبى ‪ ‬فى قتلى المشركين وحديثه لهم ‪0‬‬
‫‪ -21‬علل أمر النبي ‪ ‬بإرسال المبشرين بالنصر للمدينة ‪.‬‬
‫‪ -22‬بين ما حدث فى أمر الغنائم ‪0‬‬
‫‪ -23‬استخلص الدروس المستفادة من غزوة بدر الكبرى ‪.‬‬
‫‪ -24‬أذكر المواقف التى أثرت فى نفسك فى غزوة بدر وتستحق منه التأمل والتــدبر‬

‫البقرة ‪249‬‬ ‫‪()25‬‬


‫‪90‬‬
‫‪0‬‬
‫‪ -25‬صف مشاعرك وتصوراتك عن كل موقف أثر فى نفسه ‪0‬‬
‫‪ -26‬عبر عما تعزم عمله نتيجة قراءتك لحداث غزوة بدر ‪0‬‬

‫الدرس الخامس‬
‫أسرى بدر‬
‫أن يعدد الدارس آراء الصحابة في أسرى بدر ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫أن يقص الدارس قصة أسر أبي العاص بن الربيع زوج زينب بنت النبي‬ ‫‪.2‬‬
‫‪.‬‬
‫أن يروي الدارس أمر النبي ‪ ‬مع سهيل بن عمرو عند أسره يوم بدر ‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫أن يبين الدارس بعد نظر النبي ‪ ‬في رفضه التمثيل بسهيل بن عمرو ‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫أن يحدد الدارس سبب تأجيل الوليد بن الوليد إعلن إسلمه إلى ما بعد‬ ‫‪.5‬‬
‫فك أسره ‪.‬‬
‫أن يروي الدارس قصة إسلم وهب بن عمير الجمحي ‪.‬‬ ‫‪.6‬‬
‫أن يستخلص الدارس القيم التي أراد النبي ‪ ‬غرسها في حادثة فداء‬ ‫‪.7‬‬
‫عمه العباس ‪.‬‬
‫أن يعلل الدارس لعتاب الله للنبي ‪ ‬في شأن أسرى بدر ‪.‬‬ ‫‪.8‬‬
‫أن يذكر الدارس الدروس والعبر التي تعلمها من قصة السرى وما تم‬ ‫‪.9‬‬
‫معهم ‪.‬‬

‫ولما دخلوا المدينة استشار عليه السلم أصحابه فيما يفعل بالسرى فقال عمر‬
‫بن الخطاب يا رسول الله قد كذبوك وقاتلوك وأخرجوك فأرى أن تمكنني من فلن ‪،‬‬
‫لقريب له ‪ ،‬فأضرب عنقه ‪ ،‬وتمكن حمزة من أخيه العباس وعليا ً من أخيه عقيل ‪.‬‬
‫وهكذا حتى يعلم الناس أنه ليس في قلوبنا مودة للمشركين ‪ ،‬ما أرى أن تكون لك‬
‫أسرى فاضرب أعناقهم هؤلء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم ‪ .‬ووافقه على ذلك سعد بن‬
‫معاذ وعبد الله بن رواحة ‪ ،‬وقال أبو بكر ‪ :‬يا رسول الله هؤلء أهلك وقومك قد أعطاك‬
‫الله الظفر والنصر عليهم أرى أن تستبقيهم وتأخذ الفداء منهم فيكون ما أخذنا قوة لنا‬
‫علىالكفار وعسى أن الله يهديهم بك فيكونوا لك عضدا ً ‪.‬‬
‫فقال عليه السلم إن الله ليلين قلوب أقوام حتى تكون ألين من اللين‬
‫وإن الله ليشدد قلوب أقوام حتى تكون أشد من الحجارة وإن مثلك يا أبا‬
‫سورة‬
‫بكر مثل إبراهيم قال ‪ ‬فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ‪‬‬
‫إبراهيم ‪ .36‬وإن مثلك يا عمر مثل نوح قال ‪ ‬رب ل تذر على الرض من الكافرين‬
‫ديارا ً ‪ ‬سورة نوح ‪ . 36‬ورأى عليه السلم رأي أبي بكر بعد أن مدح كل من‬
‫الصالحين لن الوجهة واحدة وهي إعزاز الدين وخذلن المشركين ثم‬
‫قال لصحابه ‪ ،‬أنتم اليوم عالة فل يفلتن أحد من أسراكم إل بداء وقد‬
‫بلغ عريشا ً ما عزم عليه الرسول في أمر السرى فناحت على القتلى‬
‫شهرا ً ثم أشير عليهم من كبارهم أن ل يفعلوا كيل ً يبلغ محمدا ً وأصحابه‬
‫جزعهم فيشمتوا بهم فسكتوا وصمموا على أن ل يبكوا قتلهم حتى‬
‫يأخذوا بثأرهم وتواصوا فيما بينهم أن ل يعجلوا في طلب الفداء لئل‬
‫يتغالى المسلمون فيه ‪.‬‬
‫الفداء ‪:‬‬
‫فلم يلتفت إلى ذلك المطلب بن أبي وداعة السهمي وكان أبوه من السرى‬
‫فخرج خفية حتى أتى المدينة وفدى أباه بأربعة آلف درهم وعند ذلك بعثت قريش في‬

‫‪91‬‬
‫فداء أسراها وكان أربعة آلف إلى ألف درهم ومن لم يكن معه فداء وهو يحسن‬
‫القراءة والكتابة أعطوه عشرة من غلمان المدينة يعلمهم وكان ذلك فداءه ‪.‬‬
‫ومن السرى عمرو بن أبي سفيان ولما طلب من أبيه فداءه أبي وقال ‪ :‬والله‬
‫ل يجمع محمد بين ابني ومالي دعوه يمسكوه في أيديهم ما بدا لهم ‪ .‬فبينما أبو سفيان‬
‫بمكة إذ وجد سعد بن النعمان النصاري معتمرا ً فعدا عليه فحبسه بابنه عمرو فمضى‬
‫قوم سعد إلى رسول الله وأخبروه فأعطاهم عمرا ً ففكوا به سعدا ً ‪.‬‬
‫ومن السرى أبو العاص بن الربيع زوج زينب بن الرسول وكان عليه السلم قد أثنى‬
‫عليه خيرا ً في مصاهرته فإنه لما استحكمت العداوة بين قريش ورسول الله بمكة ‪.‬‬
‫طلبوا من أبي العاص أن يطلق زينب كما فعل ابنا أبي لهب بابنتي الرسول‬
‫فامتنع وقال ‪ :‬والله ل أفارق صاحبتي وأحب أن لي بها امرأة من قريش ‪ ،‬ولما أسر‬
‫أرسلت زينب في فدائه قلدة لها كان حلتها بها أمها خديجة ليلة عرسها ‪.‬‬
‫فلما رأى عليه السلم تلك القلدة رق لها رقة شديدة وقال لصحابه إن رأيتم‬
‫أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا قلدتها فافعلوا ‪ ،‬فرضي الصحاب بذلك فأطلقه عليه‬
‫السلم بشرط أن يترك زينب تهاجر إلى المدينة ‪ .‬فلما وصل إلى مكة أمرها باللحاق‬
‫بأبيها وكان الرسول أرسل لها من يأتي بها فاحتملوها ‪.‬‬
‫هذا ولما أسلم أبو العاص بن الربيع قبيل الفتح رد عليه امرأته بالنكاح الول ‪.‬‬
‫ومن السرى سهيل بن عمرو وكان من خطباء قريش وفصحائها وطالما آذى‬
‫المسلمين بلسانه فقال عمر بن الخطاب ‪ :‬دعني يا رسول الله أجزع ثنيتي سهيل‬
‫يخرج لسانه فل يقوم عليه خطيبا ً في موطن أبدا ً ‪ ،‬فقال عليه السلم ‪ ) :‬ل أمثل‬
‫فيمثل الله بي ‪ ،‬وإن كنت نبيا ً وعسى أن يقوم مقاما ً ل تذمه ( وقدم بفدائه مكرز بن‬
‫حفص ولما ارتضى معهم على مقدار حبس نفسه بدله حتى جاء بالفداء ‪.‬‬
‫هذا وقد حقق الله خبر الرسول في سهيل فإنه لما مات عليه السلم أراد أهل مكة‬
‫الرتداد كما فعل من العراب فقام سهيل هذا خطيبا ً وقال بعد أن حمد الله وأثنى‬
‫عليه وصلى على رسوله أيها الناس من كان يعبد محمدا ً فإن محمدا ً قد مات ومن كان‬
‫يعبد الله فإن الله حي ل يموت ألم تعلموا أن الله قال ‪ ‬إنك ميت وإنهم ميتون ‪‬‬
‫الزمر ‪ 30‬وقال ‪ ‬وما محمد إل رسول قد خلت من قبله الرسل إفإن مات أو‬
‫قتل انقلبتم على أعقابكم ‪ ‬آل عمران ‪ 144‬ثم قال والله إني أعلم أن هذا الدين سيمتد‬
‫امتداد الشمس في طلوعها فل يغرنكم هذا ) يعني أبا سفيان ( من أنفسكم فإنه يعلم‬
‫من هذا المر ما أعلم لكنه قد ختم على صدره حسد بني هاشم وتوكلوا على ربكم‬
‫فإن دين الله قائم وكلمته تامة وإن الله ناصر من نصره ومقود دينه وقد جمعكم الله‬
‫على خيركم ) يريد أبا بكر ( وإن ذلك لم يزد السلم إلى قوة فمن رأيناه ارتد ضربنا‬
‫عنقه ‪ .‬فتراجع الناس عما كانوا عزموا عليه ‪،‬وكان هذا الخبر من معجزات نبينا ‪. ‬‬
‫ومن السرى الوليد بن الوليد افتداه أخواه خالد وهشام فلما افتدى ورجع إلى‬
‫مكة أسلم فقيل له ‪ :‬هل أسلمت قبل الفداء فقال ‪ :‬خفت أن يعدوا إسلمي خوفا ً ‪.‬‬
‫ولما أرادا الهجرة منعه أخوه ففر إلى النبي في عمرة القضاء ‪.‬‬
‫ومن السرى السائب بن يزيد وكان صاحب الراية في تلك الحرب فدى نفسه‬
‫وهو الجد الخامس للمام محمد بن إدريس الشافعي ‪.‬‬
‫ً‬
‫ومنهم وهب بن عمير الجمحي كان أبوه عمير شيطانا من شياطين قريش كثير‬
‫اليذاء لرسول الله ‪ ،‬جلس يوما ً بعد انتهاء هذه الحرب مع صفوان بن أمية يتذكران‬
‫مصاب بدر فقال عمير والله لول دين علي ليس عندي قضاؤه وعيال أخشى الفقر‬
‫بعدي كنت آتي محمدا ً فإن ابني أسير في أيديهم ‪ ،‬فقال صفوان ‪ :‬دينك علي وعيالك‬
‫مع عيالي فأخذ عمير سيفه وشحذه وسمه وانطلق حتى قدم المدينة ‪.‬‬
‫فبينا عمر مع نفر من المسلمين إذ نظر إلى عمير متوشحا ً سيفه فقال ‪ :‬هذا‬
‫الكلب عدو الله ما جاء إل بشر ‪ ،‬ثم قال للنبي عليه السلم‪ :‬هذا عدو الله عمير قد‬
‫‪92‬‬
‫جاء متوشحا ً سيفه ‪ ،‬فقال ‪ :‬أدخله علي ‪ .‬فأخذ عمر بحمائل سيفه وأدخله ‪ .‬فلما رآه‬
‫عليه السلم قال ‪ :‬أطلقه يا عمر ‪ ،‬أدن يا عمير فدنا وقال ‪ :‬انعموا صباحا ً ‪ ،‬فقال عليه‬
‫السلم ‪ :‬قد أبدلنا الله تحية خيرا ً من تحيتك وهي السلم ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬ما جاء بك يا عمير‬
‫؟ قال ‪ :‬جئت لهذا السير الذي بأيديكم فأحسنوا فيه ‪ ،‬قال ‪ :‬فما بال السيف ؟ قال ‪:‬‬
‫قبحها الله من سيوف وهل أغنت عنا شيئا ً ؟ قال عليه السلم ‪ :‬اصدقني ما الذي جئت‬
‫له ؟ قال ‪ :‬ما جئت إل لذلك ‪ .‬قال عليه السلم ‪ :‬كل بل قعدت أنت وصفوان في‬
‫الحجر وقلتما كيت وكيت ‪ .‬فأسلم عمير وقال ‪ :‬كنا نكذبك بما تأتي به من خبر السماء‬
‫وما ينزل عليك من الوحي وهذا أمر لم يحضره إل أنا وصفوان !! فقال عليه السلم ‪:‬‬
‫فقهوا أخاكم في دينه واقرئوه القرآن وأطلقوا أسيره ‪ .‬فعاد عمير إلى مكة وأظهر‬
‫إسلمه ‪.‬‬
‫ومن السرى أبو عزيز بن عمير أخو مصعب بن عمير مر به أخوه فقال للذي‬
‫أسره ‪ ،‬شد يدك به ‪ ،‬فإن أمه ذات متاع لعلها تفديه ‪ .‬فقال له يا أخي هذه وصايتك بي‬
‫! ثم بعثت أمه بفدائه أربعة آلف درهم‬
‫ومن السرى العباس بن عبد المطلب عم رسول الله ‪ ‬كان قد خرج لهذه‬
‫الحرب مكرها ولما وقع في السر طلب منه فداء نفسه وابن أخيه عقيل بن أبي‬
‫طالب ‪ ،‬فقال ‪ :‬علم ندفع وقد استكرهنا على الخروج ؟ فقال عليه السلم ‪ :‬لقد كنت‬
‫في الظاهر علينا فأخذت منه فدية نفسه وابن أخيه ‪ ،‬ثم قال للرسول لقد تركتني‬
‫فقير قريش ما بقيت ‪ ،‬قال كيف وقد تركت لم الفضل أموال ً وقلت لها إن مت فقد‬
‫تركتك غنية ! فقال العباس والله ما اطلع على ذلك أحد ‪.‬‬
‫وهذا العمل غاية ما يفعل من العدل والمساواة فإنه عليه السلم لم‬
‫يعف عمه مع علمه بأنه إنما خرج مكرها ً وقدى أعفى غيره جماعة تحقق‬
‫له فقرهم فهكذا العدل ‪ ،‬ول غرابة فذلك أدب قوله تعالى ‪  :‬يا أيها الذين‬
‫النساء‬
‫آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والقربين ‪‬‬
‫‪. 135‬‬
‫ومن السرى أبو عزة الجمحي الشاعر كان شديد اليذاء لرسول الله بمكة فلما‬
‫أسر قال ‪ :‬يا محمد إني فقير وذو عيال وذو حاجة قد عرفتها فامنن ‪ ،‬فمن عليه‬
‫فضل ً منه ‪.‬‬
‫العتاب في الفداء ‪:‬‬
‫ولما تم الفداء أنزل الله في شأنه ‪ ‬ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى‬
‫يثخن في الرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الخرة والله عزيز حكيم‬
‫لول كتاب من الله سبق لمسكم في ما أخذتم عذاب عظيم ‪ ‬النفال ‪. 68-67‬‬
‫نهى سبحانه عن اتخاذ السرى قبل الثخان في قتل الذين يصدون عن سبيل‬
‫الله ويمنعون دين الله من النتشار ‪ ،‬وعاتب بعض المسلمين على إرادة عرض الدنيا‬
‫وهو الفدية ‪ ،‬ولول حكم سابق من الله أن ل يعاقب مجتهدا ً على اجتهاده ما دام‬
‫المقصد خيرا ً لكان العذاب ‪ ،‬ثم أباح لهم الكل من تلك الفدية المبني أخذها على‬
‫النظر الصحيح ‪ ،‬وهذا من أقوى الدلة على صدق نبينا عليه السلم فيما جاء به لنه لو‬
‫كان من عنده ما كان يعاتب نفسه على عمل بناء على رأي كثير من الصحابة ‪.‬‬
‫وقد وعد الله السرى الذين يعلم في قلوبهم خيرا ً بأن يؤتيهم خيرا ً مما أخذ‬
‫منهم ويغفر لهم فقال ‪  :‬يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من السرى‬
‫إن يعلم الله في قلوبكم خيرا ً يؤتكم خيرا ً مما أخذ منكم ويغفر لكم والله‬
‫غفور رحيم ‪ ‬النفال ‪. 70‬‬
‫وهذه الغزوة هي التي أعز الله بها السلم وقوي أهله ‪ ،‬ودمغ فيه الشرك‬
‫وخرب محله مع قلة المسلمين وكثرة عدوهم ‪ ،‬فهي آية ظاهرة على عناية الله تعالى‬
‫بالسلم وأهله مع ما كان عليه العدو من القوة بسوابغ الحديد والعدة الكاملة والخيل‬

‫‪93‬‬
‫المسومة والخيلء الزائدة ‪ ،‬ولذلك قال الله ممتنا ً على عباده بهذا النصر ‪ ‬ولقد‬
‫نصركم الله ببدر وأنتم أذلة ‪ ‬آل عمران ‪ 123‬أي قليل عددكم لتعلموا أن النصر إنما هو‬
‫من عند الله ‪ .‬فهي أعظم غزوات السلم إذ بها كان ظهوره وبعد وقوعها أشرق على‬
‫الفاق نوره فقد قتل فيها من صناديد قريش من كانوا العداء اللداء للسلم ودخل‬
‫الرعب في قلوب العرب الخرين فكانت للمسلمين هيبة بها يكسرون الجيوش‬
‫ويهزمون الرجال ‪ ،‬فل جرم إن شكرنا العلي العلى على هذه العناية واتخذنا يوم‬
‫النصر في بدر وهو السابع عشر من رمضان عيدا ً نتذكر فيه نعمة الله على رسوله‬
‫وعلى المسلمين‬

‫التقويم‬
‫عدد آراء الصحابة في أسرى بدر ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫صف مدى حزن قريش على قتلهم وأسراهم ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫قص قصة أسر أبو العاص بن الربيع زوج زينب بنت النبي ‪. ‬‬ ‫‪-3‬‬
‫إرو أمر النبي ‪ ‬مع سهيل بن عمرو عند أسره يوم بدر ‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫بين بعد نظر النبي ‪ ‬في رفضه التمثيل بسهيل بن عمرو ‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫حدد سبب تأجيل الوليد بن الوليد إعلن إسلمه إلى ما بعد فك أسره ‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫إرو قصة إسلم وهب بن عمير الجمحي ‪.‬‬ ‫‪-7‬‬
‫استخلص القيم التي أراد النبي ‪ ‬غرسها في حادثة فداء عمه العباس ‪.‬‬ ‫‪-8‬‬
‫علل عتاب الله للنبي ‪ ‬في شأن أسرى بدر ‪.‬‬ ‫‪-9‬‬

‫الدرس السادس ‪:‬‬


‫غزوة بني قينقاع‬
‫الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يوضح الدارس موقف اليهود في المدينة بعد نصر بدر ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يحدد الدارس السبب المباشر لغزوة بني قينقاع ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يروي الدارس ما دار بين النبي ‪ ‬ورؤساء يهود بني قينقاع ‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يبين الدارس كيف كشفت حادثة بنو قينقاع عن تحالف الكفر‬
‫والنفاق على المسلمين ‪.‬‬
‫‪ -5‬أن يصف الدارس كيف كانت نهاية يهود بنو قينقاع بالمدينة ‪.‬‬
‫‪ -6‬أن يوضح الدارس إلى أي مدى نستفيد في صراعنا مع اليهود‬
‫اليوم بما دار في غزوة بنو قينقاع‬
‫هذا ‪ ،‬وإذا كان للشخص عدوان فانتصر على أحدهما حرك ذلك شجو الخر وهاج‬
‫فؤاده فتبدو بغضاؤه غير مكترث بعاقبة عدائه ‪ ،‬وهذا ما حصل من يهود بني قينقاع‬
‫عند تمام الظفر في بدر فإنهم نبذوا ما عاهدوا المسلمين عليه وأظهروا مكنون‬
‫ضمائرهم فبدت البغضاء من أفواههم وانتهكوا حرمة سيدة من نساء النصار ‪ ،‬وهذا‬
‫مما يدعو المسلمين للتحرز منهم وعدم ائتمانهم في المستقبل إذا شبت الحرب في‬
‫المدينة بين المسلمين وغيرهم فأنزل الله في سورة النفال ‪ ‬وإما تخافن من قوم‬
‫خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله ل يحب الخائنين ‪ ‬سورة النفال الية ‪58‬‬
‫‪.‬‬
‫فدعا عليه السلم رؤساءهم وحذرهم عاقبة البغي ونكث العهد فقالوا ‪ :‬يا محمد‬
‫ل يغرنك ما لقيت من قومك فإنهم ل علم لهم بالحرب ولو لقيتنا لتعلمن أنا نحن‬
‫الناس ‪ ،‬وكانوا أشجع يهود فأنزل الله في سورة آل عمران ‪ ‬قل للذين كفروا‬
‫ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد * قد كان لكم آية في‬
‫فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم‬

‫‪94‬‬
‫رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لولي البصار‬
‫‪ ‬سورة آل عمران اليتان ‪. 13 ، 12‬‬
‫وعند ذلك تبرأ من حلفهم عبادة بن الصامت أحد رؤساء الخزرج وتشبث بالحلف عبد‬
‫ي وقال ‪ :‬إني رجل أخشى الدوائر ‪،‬‬ ‫الله بن أب ّ‬
‫ً‬
‫فأنزل الله تعليما للمسلمين في سورة المائدة ‪ ‬يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا‬
‫اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم‬
‫إن الله ل يهدي القوم الظالمين * فترى الذين في قلوبهم مرض‬
‫يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي‬
‫بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ‪‬‬
‫سورة المائدة اليتان ‪. 52 ، 51‬‬
‫وعندما تظاهر يهود بني قينقاع بالعداوة وتحصنوا بحصونهم سار إليهم عليه‬
‫السلم في نصف شوال من هذه السنة يحمل لواءه عمه حمزة ‪ ،‬وخلف على المدينة‬
‫أبا لبابة النصاري فحاصرهم خمس عشرة ليلة ‪.‬‬
‫جلء بني قينقاع ‪:‬‬
‫ولما رأوا من أنفسهم العجز عن مقاومة المسلمين وأدركهم الرعب سألوا‬
‫رسول الله أن يخلي سبيلهم فيخرجوا من المدينة ولهم النساء والذرية ‪ ،‬وللمسلمين‬
‫الموال فقبل ذلك عليه السلم ووكل بجلئهم عبادة بن الصامت وأمهلهم ثلث ليال‬
‫فذهبوا إلى أذرعات ) بلد بالشام ( ولم يحل عليهم الحول حتى هلكوا وخمس عليه‬
‫السلم أموالهم وأعطى سهم ذوي القربى لبني هاشم ولبني المطلب دون بني‬
‫أخويهما عبد شمس ونوفل ‪.‬‬
‫ولما سئل عن ذلك قال ‪ :‬إنما بنو هاشم وبنوا المطلب شئ واحد في الجاهلية‬
‫والسلم هكذا وشبك بين أصابعه‬
‫غزوة السويق ‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن يحدد الدارس سبب وقوع غزوة السويق ‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يعلل الدارس لسبب تسمية غزوة السويق بهذا السم‬
‫كان أبو سفيان متهيجا ً لنه لم يشاهد بدرا ً التي قتل فيها ابنه وذو قرباه فحلف أن ل‬
‫يمس رأسه الماء حتى يغزو محمدا ً وليبر بقسمه خرج بمائتين من أصحابه يريد‬
‫المدينة ‪ ،‬ولما قاربها أراد أن يقابل اليهود من بني النضير ليهيجهم ويستعين بهم على‬
‫حرب المسلمين ‪ ،‬فأتى سيدهم حيي بن أخطب فلم يرض مقابلته فأتى سلم بن‬
‫مشكم فأذن له واجتمع به ثم خرج من عنده وأرسل رجال ً من قريش إلى المدينة‬
‫فحرقوا في بعض نخلها ووجدوا أنصاريا ً فقتلوه ‪.‬‬
‫ولما علم بذلك رسول الله خرج في أثرهم في مائتين من أصحابه لخمس خلون‬
‫من ذي الحجة بعد أن ولى على المدينة بشير بن عبد المنذر ولكن لم يلحقهم لنهم‬
‫هربوا وجعلوا يخففون ما يحملونه ليكونوا أقدر على السراع فألقوا ما معهم من جرب‬
‫السويق فأخذه المسلمون ‪ ،‬ولذلك سميت هذه الغزوة بغزوة السويق ‪.‬‬
‫صلة العيد‬
‫‪ - 1‬أن يحدد الدارس متى سن النبي سنة صلة العيد‬
‫وفي هذا العام سن الله للعالم السلمي سنة عظيمة بها يتمكن أبناء البلد‬
‫الواحد من المسلمين أن يجددوا عهود الخاء ويقووا عروة الدين الوثقى وهي الجتماع‬
‫في يومي عيد الفطر وعيد الضحى ‪.‬‬
‫وكان عليه السلم يجمع المسلمين في صعيد واحد يصلي بهم ركعتين تضرعا ً‬
‫إلى الله أن ل يفصم عروتهم وأن ينصرهم على عدوهم ثم يخطبهم حاضا ً لهم على‬
‫الئتلف ومذكرا ً لهم ما يجب عليهم لنفسهم ثم يصافح المسلمون بعضهم بعضا ً ‪،‬‬
‫وبعد ذلك يخرجون لداء الصدقات للفقراء والمساكين حتى يكون السرور عاما ً لجميع‬

‫‪95‬‬
‫المسلمين فقبل الفطر زكاته وبعد الضحى تضحيته ‪ ،‬نسأله تعالى أن يؤلف بين قلوبنا‬
‫ويوفقنا لعمال سلفنا ‪.‬‬
‫زواج علي بفاطمة عليهما السلم ‪:‬‬
‫أن يحدد الدارس متى تزوج النبي ‪ ‬بالسيدة عائشة‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫‪ - 2‬يحدد الدارس متى تم زواج سيدنا علي بالسيدة فاطمة‬
‫وفي هذه السنة تزوج علي بن أبي طالب وعمره إحدى وعشرون سنة ‪،‬‬
‫بفاطمة بنت رسول الله وسنها خمس عشرة سنة وكان منها عقب رسول الله بنوه ‪:‬‬
‫الحسن والحسين وزينب ‪.‬‬
‫) وفيها ( دخل عليه السلم بعائشة بنت أبي بكر وسنها إذ ذاك تسع سنوات‬

‫السنة الثالثة‬
‫مقتل كعب بن الشرف‬
‫‪ -1‬أن يحدد الدارس السباب التي دعت النبي لمر قتل كعب بن‬
‫الشرف ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يسمى الدارس الصحابي الذي انتدبه النبي ‪ ‬لقتل بن‬
‫الشرف ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يروي الدارس الحوار الذي كان بين النبي ‪ ‬ومحمد بن‬
‫مسلمة في شأن بن الشرف ‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يصف الدارس الخطة التي وضعها محمد بن مسلمة‬
‫ليتمكن من الشرف ‪.‬‬
‫يا الله يقضي علـى الشـقي بالشـقاوة حـتى ل يسـمع ول يبصـر فيتخـذ العـذر رداء‬
‫والخيانة شعارا ً فل ينجح معه إل إراحة العالم من شره ‪.‬‬
‫هذا كعب بن الشرف اليهودي عظيم بني النضير أعمته عداوة المسلمين حتى خلع‬
‫برقع الحياء وصار يحرض قريشا ً على حرب رسول الله ويهجوه بالشعر ويجتهد في‬
‫إثارة الشحناء بين المسلمين ‪ ،‬فكلما جبر عليه السلم كسرا هاضه هذا الشقي بما‬
‫ينفثه من سموم لسانه ‪.‬‬
‫قتل كعب بن الشرف‬
‫ولما انتصر المسلمون ببدر ورأى السرى مقرنين في الحبال خرج إلى قريش‬
‫يبكي قتلهم ويحرضهم على حرب المسلمين فقال عليه السلم ‪ :‬من لكعب بن‬
‫؟ فقال محمد بن مسلمة النصاري الوسي ‪ :‬أتحب‬ ‫الشرف فإنه قد آذى الله ورسوله ‍‬
‫ً‬
‫أن أقتله ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬قال ‪ :‬أنا لك به وأذن لي أن أقول شيئا أتمكن به ‪ ،‬فأذن له ثم‬
‫خرج ومعه أربعة من قومه حتى أتى كعبا ً فقال له ‪ :‬إن هذا الرجل ) يريد رسول الله (‬
‫قد سألنا صدقة وإنه قد عنانا وإني قد أتيتك أستسلفك ‪ ،‬قال ‪,‬أيضا ً والله لتملنه قال ‪:‬‬
‫إنا قد اتبعناه فل نحب أن ندعه حتى ننظر إلى أي شئ يصير شأنه وقد أردنا أن تسلفنا‬
‫وسقا ً أو وسقين ‪ .‬قال ‪ :‬نعم ولكن ارهنوني ‪ .‬قالوا ‪ :‬أي شئ تريد ؟ قال ‪ :‬ارهنوني‬
‫نساءكم قالوا ‪ :‬كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب ؟ قال ‪ :‬فارهنوني أبناءكم ‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬كيف نرهنك أبناءنا فيسب أحدهم فيقال رهن بوسق أو وسقين هذا عار علينا‬
‫ولكن نرهنك اللمة ) يعني السلح ( ‪ :‬فرضى ‪.‬‬
‫فواعده ليل ً أن يأتيه فجاءه ليل ً ومعه أبو نائلة أخو كعب من الرضاع وعّباد ابن بشر‬
‫والحارث بن أوس وأبو عبس بن جبر وكلهم أوسيون ‪.‬‬
‫فناداه محمد بن مسلمة فأراد أن ينزل فقالت له امرأته أين تخرج الساعة وأنك‬
‫امرؤ محارب ؟ فقال ‪ :‬إنما هو ابن أخي محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة إن الكريم‬
‫لو دعى إلى طعنه بليل لجاب ‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫ثم قال محمد لمن معه ‪ :‬إذا جاءني فإني آخذ بشعره فأشمه فإذا رأيتموني استمكنت‬
‫من رأسه فاضربوه فنزل إليهم كعب متوشحا ً سيفه وهو ينفح منه ريح المسك فقال‬
‫محمد ‪ :‬ما رأيت كاليوم ريحا ً أطيب أتأذن لي أن أشم رأسك قال ‪ :‬نعم فشمه ‪ ،‬فلما‬
‫استمكن منه قال ‪ :‬دونكم فاقتلوه ففعلوا وأراح الله المسلمين من شر أعماله التي‬
‫كان يقصدها بهم ‪.‬‬
‫ثم أتوا النبي فأخبروه وكان قتل هذا الشقي في ربيع الول من هذا العام وكان‬
‫عليه السلم إذا رأى من رئيس غدرا ً ومقاصد سوء ومحبة لثارة الحرب أرسل له من‬
‫يريحه من شره ‪.‬‬
‫وقد فعل كذلك مع أبي عفك اليهودي وكان مثل كعب في الشر ‪.‬‬
‫غزوة غطفان‬
‫‪ -1‬أن يحدد الدارس سبب خروج النبي ‪ ‬لغزو غطفان ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يقص الدارس ما كان بين دعثور والنبي ‪. ‬‬
‫‪ -3‬أن يوضح الدارس ما الذي استفاده من تصرف النبي ‪ ‬مع دعثور ‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يذكر الدارس كيف تعامل النبي ‪ ‬مع خطة قريش لتغير خطة‬
‫تجارتها الرئيسي ‪.‬‬
‫بلغ رسول الله أن بني ثعلبة ومحارب من غطفان تجمعوا برياسة رئيس منهم‬
‫اسمه دعثور يريدون الغارة على المدينة فأراد عليه السلم أن يغل أيديهم كي ل‬
‫يتمكنوا من هذا العتداء فخرج إليهم من المدينة في أربعمائة وخمسين رجل ً لثنتي‬
‫عشرة ليلة مضت من ربيع الول وخلف على المدينة عثمان بن عفان ‪.‬‬
‫ولما سمعوا بسير رسول الله هربوا إلى رءوس الجبال ولم يزل المسلمون‬
‫سائرين حتى وصلوا ماء يسمى ذا أمر فعسكروا به ‪.‬‬
‫وحدث أنه عليه السلم نزع ثوبه يجففه من مطر بلله وارتاح تحت شجرة‬
‫والمسلمون متفرقون فأبصره دعثور فأقبل إليه بسيفه حتى وقف على رأسه وقال ‪:‬‬
‫من يمنعك مني يا محمد ؟ فقال الله ‪ .‬فأدركت الرجل هيبة ورعبة أسقطا السيف من‬
‫يده ‪ ،‬فتناوله عليه السلم وقال لدعثور ‪ :‬من يمنعك مني ؟ قال ‪ :‬ل أحد فعفا عنه‬
‫فأسلم الرجل ودعا قومه للسلم ‪،‬وحول الله قلبه من عداوة رسول الله وجمع الناس‬
‫المائدة ‪54‬‬
‫لحربه إلى محبته وجمع الناس له ‪ ‬ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ‪‬‬
‫وهذا ما ينتجه حسن المعاملة والبعد عن الفظاظة وغلظ القلب ‪ ‬فبما رحمة‬
‫من الله لنت لهم ولو كنت فظا ً غليظ القلب لنفضوا من حولك فاعف‬
‫آل عمران ‪159‬‬
‫عنهم واستغفر لهم وشاورهم في المر ‪‬‬

‫غزوة بحران‬
‫بلغه عليه السلم أن جمعا ً من بني سليم يريدون الغارة على المدينة فسار‬
‫إليهم في ثلثمائة من أصحابه لست خلون من جمادي الولى وخلف على المدينة ابن‬
‫أم مكتوم ولما وصل إلى بحران تفرقوا ولم يلق كيدا ً فرجع ‪.‬‬

‫سرية زيد بن حارثة إلى القردة‬


‫لما تيقنت قريش أن طريق الشام من جهة المدينة أغلق فــي وجــه تجــارتهم ول‬
‫يمكنهم الصبر عنها لن بها حياتهم أرسلوا عيرا ً إلـى الشــام مــن طريــق العــراق وكــان‬
‫فيها جمع من قريــش منهــم أبــو ســفيان بــن حــرب وصــفوان بــن أميــة وحــويطب بــن‬
‫عبدالعزى ‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫فجاءت أخبارهم لرسول الله فأرسل لهم زيد بن حارثة في مائة راكب يترقبونهم وكان‬
‫ذلك في جمادي الخرة فسارةت السرية حتى لقيت العير على ماء اسمه ) القردة (‬
‫بناحية نجد فأخذت العير وما فيها وهرب الرجال ‪ ،‬وقد خمس الرسول عليه السلم‬
‫هذه حينما وصلت له‬
‫‪ -‬التقويم ‪:‬‬
‫‪ .1‬وضح كيف أظهرت بدر كوامن عداء اليهود للمسلمين ‪.‬‬
‫‪ .2‬بين كيف تحالف ويتحالف الكفر والنفاق دائما ً ضد المسلمين ‪.‬‬
‫‪ .3‬وضح كيف كانت نهاية يهود بنو قينقاع ‪.‬‬
‫‪ .4‬حدد السباب التي دعت النبي لمر قتل كعب بن الشرف ‪.‬‬
‫‪ .5‬ما اسم الصحابي الجليل الذي انتدبه النبي ‪ ‬لقتل بن الشرف ‪.‬‬
‫‪ .6‬اذكر الحوار الذي كان بين النبي ‪ ‬ومحمد بن مسلمة في شأن بن‬
‫الشرف ‪.‬‬
‫‪ .7‬صف الخطة التي وضعها محمد بن مسلمة ليتمكن من الشرف ‪.‬‬
‫‪ .8‬حدد سبب خروج النبي ‪ ‬لغزو غطفان ‪.‬‬
‫‪ .9‬قص ما كان بين دعثور والنبي ‪. ‬‬
‫‪ .10‬وضح ما الذي استفاده من تصرف النبي ‪ ‬مع دعثور ‪.‬‬
‫‪ .11‬كيف تعامل النبي ‪ ‬مع خطة قريش لتغير خطة تجارتها الرئيسي ؟‬

‫الدرس السابع‬
‫غزوة أحد‬
‫الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬

‫‪98‬‬
‫‪ -1‬أن يحدد الدارس السباب التي دفعت قريش للعتداء على المســلمين‬
‫بالمدينة يوم أحد ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يروي الدارس الحداث التي دارت بالمدينة وأدت إلى خروج النــبي‬
‫‪ ‬لملقاة أعدائه خارجها ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يستخلص الدارس الدروس المستفادة من مشاروة النبي أصــحابه‬
‫في أمر الخروج يوم أحد ‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يعلل الدارس لرفض النبي الستعانة باليهود يوم أحد ‪.‬‬
‫‪ -5‬أن يبين الدارس دللة موقف سمرة بن جنــدب ورافــع بــن خديــج يــوم‬
‫أحد ‪.‬‬
‫‪ -6‬أن يوضح الدارس موقف المنــافقين و مــا كــان مــن ابــن ســلول يــوم‬
‫أحد ‪.‬‬
‫‪ -7‬أن يذكر الدارس موقف الرماة يوم أحد ودللته ‪.‬‬
‫‪ -8‬أن يروي الدارس كيف كانت بداية القتال يوم أحد ‪.‬‬
‫‪ -9‬أن يصف الدارس كيف كانت بداية الخلل في صفوف المسلمين ‪.‬‬
‫‪ -10‬أن يبين الدارس أثر إشاعة المشركين أن النبي قتل ‪.‬‬
‫‪ -11‬أن يوضح الدارس كيف يتعامل مع إشاعات أعداء السلم ‪.‬‬
‫‪ -12‬أن يصور الدارس مشاهد من بطولت الصحابة يوم أحد ‪.‬‬
‫‪ -13‬أن يعطي الدارس صورة لما تعرض له النبي ‪ ‬يوم أحد ‪.‬‬
‫‪ -14‬أن يبدي الدارس مشاعره تجاه موقف ثبات النبي ‪ ‬ومــن معــه مــن‬
‫أصحابه يوم أحد ‪.‬‬
‫‪ -15‬أن يروي الدارس ما كان من سعد بن الربيع وأنـس بـن النضـر يـوم‬
‫أحد ‪.‬‬
‫‪ -16‬أن يصور الدارس مدى حزن النبي ‪ ‬على عمه حمزة ‪.‬‬
‫‪ -17‬أن يحدد الدارس السباب الرئيسية لهزيمة أحد ‪.‬‬
‫‪ -18‬أن يبين الدارس موقف اليهود والمنافقين من هزيمة أحد ‪.‬‬
‫‪ -19‬أن يعدد الدارس العبر والدروس التي تعلمها من أحداث ومواقف‬
‫غزوة أحد ‪.‬‬

‫لما أصاب قريشا ً ما أصابها ببدر وأغلقت في وجوههم طرق التجارة ‪ ،‬اجتمع من‬
‫بقي من أشرافهم إلى أبي سفيان رئيس العير التي جلبت المصائب وكانت موقوفة‬
‫بدار الندوة ولم تكن سلمت لصحابها بعد فقالوا ‪ :‬إن محمدا ً قد وترنا وقتل خيارنا وإنا‬
‫رضينا أن نترك ربح أموالنا فيها استعدادا ً لحرب محمد وأصحابه وقد رضي بذلك كل‬
‫من له فيها نصيب وكان ربحها نحوا ً من خمسين ألف دينار ‪.‬‬
‫فجمعوا لذلك الرجال فاجتمع من قريش ثلثة آلف رجل ومعهم الحابيش وهم‬
‫حلفاؤهم من بني المصطلق وبني الهون بن خزيمة ومعهم أبو عامر الراهب الوسي ‪،‬‬
‫وكان قد فارق المدينة كراهية لرسول الله ‪ ‬ومعه عدد ممن هم على شاكلته ‪،‬‬
‫وخرج معهم جماعات من أعراف كنانة وتهامة ‪ ،‬وقال صفوان بن أمية لبي عزة‬
‫ن عليه ببدر وأطلقه من غير فداء ‪ :‬إنك‬ ‫الشاعر الذي ل ينسى القارئ أن الرسول م ّ‬
‫ً‬
‫رجل شاعر فأعنا بلسانك فقال ‪ :‬إني عاهدت محمدا أن ل أعين عليه وأخاف إن‬
‫وقعت في يده مرة ثانية أن ل أنجو فلم يزل به صفوان حتى أطاعه وذهب يستنفر‬
‫الناس لحرب المسلمين ‪ ،‬ودعا جبير بن مطعم غلما ً حبشيا ً له اسمه وحشي وكان‬
‫راميا ً قلما يخطئ فقال له ‪ :‬اخرج مع الناس فإن أنت قتلت حمزة بعمي طعيمة فأنت‬
‫حر ‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫ثم خرج الجيش ومعهم القيان والدفوف والمعازف والخمور واصطحب‬
‫الشراف منهم نساءهم كيل ينهزموا ولم يزالوا سائرين حتى نزلوا مقابل المدينة بذي‬
‫الحليفة ‪.‬‬
‫أما رسول الله عليه الصلة والسلم فكان قد بلغه الخبر من كتاب بعث به إليه‬
‫العباس بن عبد المطلب الذي لم يخرج مع المشركين في هذه الحرب محتجا ً بما‬
‫أصابه يوم بدر ‪ .‬ولما وصلت الخبار باقتراب المشركين جمع عليه السلم أصحابه‬
‫وأخبرهم الخبر وقال ‪ :‬إن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث نزلوا فإن هم أقاموا‬
‫أقاموا بشر مقام ‪ ،‬وإن هم دخلوا علينا قاتلناهم فكان مع رأيه شيوخ المهاجرين‬
‫والنصار ورأى ذلك أيضا ً عبد الله بن أبي ‪ ،‬أما الحداث وخصوصا ً من لم يشهد بدرا ً‬
‫منهم فأشاروا عليه بالخروج وكان مع رأيهم حمزة بن عبد المطلب ‪.‬‬
‫وما زال هؤلء بالرسول حتى تبع رأيهم لنهم الكثر ون عددا ً والقربون جلدا ً‬
‫فصلى الجمعة بالناس في يومها لعشر خلون من شوال وحضهم في خطبتها على‬
‫الثبات والصبر وقال لهم ) لكم النصر ما صبرتم ( ‪.‬‬
‫ثم دخل حجرته ولبس عدته فظاهر بين درعين وتقلد السيف وألقى الترس وراء‬
‫ظهره ‪ .‬ولما رأى ذوو الرأي من النصار أن الحداث استكرهوا الرسول على الخروج‬
‫لموهم وقالوا ‪ :‬ردوا المر لرسول الله فما أمر ائتمرنا فلما خرج عليه السلم قالوا ‪:‬‬
‫يا رسول الله نتبع رأيك فقال ‪ :‬ما كان لنبي لبس سلحه أن يضعه حتى يحكم الله بينه‬
‫وبين أعدائه ‪.‬‬
‫ثم عقد اللوية فأعطى لواء المهاجرين لمصعب بن عمير ولواء الخزرج للحباب‬
‫بن المنذر ‪ ،‬ولواء الوس لسيد بن الحضير ‪ ،‬وخرج من المدينة بألف رجل ‪ .‬فلما‬
‫وصلوا رأس الثنّية نظر عليه السلم كتيبة كبيرة فسأل عنها فقيل هؤلء حلفاء عبد الله‬
‫بن أبي من اليهود فقال إنا ل نستعين بكافر على مشرك ‪ ،‬وأمر بردهم لنه ل يأمن‬
‫جانبهم من حيث لهم اليد الطولي في الخيانة ‪.‬‬
‫ثم استعرض الجيش فرد من استصغر وكان فيمن رد ‪ :‬رافع بن خديج وسمرة‬
‫بن جندب ثم أجاز رافعا ً لما قيل له إنه رام فبكى سمرة وقال لزوج أمه ‪ :‬أجاز رسول‬
‫الله رافعا ً وردني مع أني أصرعه فبلغ رسول الله الخبر فأمرهما بالمصارعة فكان‬
‫الغالب سمرة فأجازه ‪.‬‬
‫ثم بات عليه السلم محله ليلة السبت واستعمل على حرس الجيش محمد بن‬
‫مسلمة وعلى حرسه الخاص ذكوان بن قيس وفي السحر سار الجيش حتى إذا‬
‫ي بثلثمائة من‬‫كان بالشوط وهو بستان بين أحد والمدينة رجع عبد الله بن أب ّ‬
‫أصحابه وقال ‪ :‬عصاني وأطاع الولدان فعلم نقتل أنفسنا ؟ فتبعهم عبد الله بن‬
‫عمرو والد جابر بن عبد الله وقال يا قوم أذكركم الله أل تخذلوا قومكم ونبيكم ‪‬‬
‫قالوا لو نعلم قتال ً لتبعناكم ‪ ‬آل عمران الية ‪ 167‬فقال له ‪ :‬أبعدكم الله‬
‫فسيغني عنكم نبيه ‪.‬‬
‫ي همت طائفتان من المؤمنين أن تفشل ‪:‬‬ ‫ولما فعل ذلك عبد الله بن أب ّ‬
‫بنو حارثة من الخزرج – بنو سلمة من الوس فعصمهم الله ‪.‬‬
‫وقد افترق المسلمون فرقتين فيما يفعلون بالمنخذلين فقوم يقولون نقاتلهم‬
‫وقوم يقولون نتركهم ‪ ،‬فأنزل الله في سورة النساء ‪ ‬فما لكم في المنافقين‬
‫فئتين والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن‬
‫يضلل الله فلن تجد له سبيل ً ‪ ‬النساء الية ‪ . 88‬ثم سار الجيش حتى نزل‬
‫الشعب من أحد ‪ ،‬وجعل ظهره للجبل ووجهه للمدينة ‪.‬‬
‫أما المشركون فنزلوا ببطن الوادي من قبل أحد على ميمنتهم خالد بن الوليد ‪،‬‬
‫وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل وعلى المشاة صفوان بن أمية ‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫فجعل عليه السلم الزبير بن العوام بإزاء خالد وجعل آخرين أمام الباقين‬
‫واستحضر الرماة وكانوا خمسين رجل ً يرأسهم عبد الله بن جبير النصاري فوقفهم‬
‫خلف الجيش على ظهر الجبل وقال ‪ :‬ل تبرحوا إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فل تبرحوا‬
‫وإن رأيتموهم ظهروا علينا فل تبرحوا ‪ .‬ثم عدل عليه السلم الصفوف وخطب‬
‫المسلمين ‪.‬‬
‫وكان فيما قال ‪ :‬ألقي في قلبي الروح المين أنه لن تموت نفس حتى تستوفي‬
‫أقصى رزقها ل ينقص منه شئ وإن أبطئ عنها فاتقوا ربكم وأجملوا في طلب الرزق‬
‫ل يحملنكم استبطاؤه أن تطلبوه بمعصية الله ‪ ،‬والمؤمن من المؤمن كالرأس من‬
‫الجسد إذا اشتكى تداعى له سائر جسده ‪.‬‬
‫ثم ابتدأ القتال بالمبارزة فخرج رجل من صفوف المشركين فبرز له الزبير‬
‫ثم حمل اللواء طلحة بن أبي طلحة فقتله علي ‪،‬‬ ‫فقتله‬
‫فحمل اللواء أخوه عثمان فقتله حمزة ‪ ،‬فحمله أخ لهما اسمه أبو سعيد فرماه سعد‬
‫بن أبي طلحة بسهم قضى عليه ‪ ،‬فتناوب اللواء بعده أربعة من أولد طلحة بن أبي‬
‫طلحة وكلهم يقتلون ‪ ،‬وخرج من صفوف المشركين عبد الرحمن بن أبي بكر يطلب‬
‫البراز فأراد أبوه أن يبرز له ‪ ،‬فقال عليه السلم ‪ :‬مّتعنا بنفسك يا أبا بكر ‪ ،‬ثم حملت‬
‫خّيالة المشركين على المسلمين ثلث مرات في كلها ينضحهم المسلمون بالنبل‬
‫فيتقهقرون ‪.‬‬
‫ولما التقت الصفوف وحميت الحرب ابتدأ نساء المشركين يضربن بالدفوف‬
‫ينشدون الشعار تهييجا ً لعواطف الرجال ‪ ،‬وكان عليه السلم كلما سمع نشيد النساء‬
‫يقول ‪ ) :‬اللهم بك أجول وبك أصول وفيك أقاتل ‪ ،‬حسبي الله ونعم الوكيل ( ‪.‬‬
‫وفي هذه المعمعة قتل حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله سيد الشهداء غافله‬
‫وحشي وهو يجول في الصفوف وضربه بحربة لم تخطئ ثنايا بطنه ‪.‬‬
‫هذا ‪ ،‬ولما قتل حملة اللواء من المشركين ولم يقدر أحد على الدنو منه ولوا‬
‫الدبار ونساؤهم يبكين ويولولن وتبعهم المسلمون يجمعون الغنائم والسلب ‪.‬‬
‫فلما رأى ذلك الرماة الذين يحمون ظهور المسلمين فوق الجبل قالوا ‪ :‬ما لنا‬
‫في الوقوف من حاجة ‪ ،‬ونسوا أمر السيد الحكيم ‪ ‬فذكرهم رئيسهم به فلم يلتفتوا‬
‫وانطلقوا ينتهبون ‪ ،‬أما رئيسهم فثبت وثبت معه قليل منهم‬
‫فلما رأى خالد بن الوليد أحد رؤساء المشركين خلوا الجبل من الرماة انطلق‬
‫ببعض الجيش فقتل من ثبت من الرماة وأتى المسلمين من ورائهم وهم مشتغلون‬
‫بدنياهم ‪ ،‬فلما رأوا ذلك البلء دهشوا وتركوا ما بأيديهم وانتقضت صفوفهم اختلطوا‬
‫من غير شعور حتى صار يضرب بعضهم بعضا ً ‪ ،‬ورفعت إحدى نساء المشركين اللواء‬
‫فاجتمعوا حوله وكان من المشركين رجل يقال له ابن قمئة قتل مصعب بن عمير‬
‫صاحب اللواء وأشاع أن محمدا ً قد قتل فدخل الفشل في المسلمين حتى قال بعضهم‬
‫‪ :‬علم نقاتل إذا كان محمد قد قتل ؟ فارجعوا إلى قومكم يؤمنوكم ‪ ،‬وقال جماعة ‪:‬‬
‫إذا كان محمد قد قتل فقاتلوا عن دينكم ‪.‬‬
‫وكان من نتيجة هذا الفشل أن انهزم جماعة المسلمين من بينهم الوليد بن‬
‫عقبة وخارجه بن يزيد ورفاعة بن المعلي وعثمان بن عفان وتوجهوا إلى المدينة‬
‫ولكنهم استحيوا أن يدخلوها بعد ثلث ‪.‬‬
‫وثبت رسول الله ‪ ‬ومعه جماعة منهم أبو طلحة النصاري استمر بين يديه‬
‫يمنع عنه بحجفته وكان راميا ً شديد الرمي فنثر كنانته بين يدي رسول الله وصار‬
‫يقول ‪ :‬وجهي لوجهك فداء ‪ ،‬وكل من كان يمر ومعه كنانة يقول له عليه السلم ‪:‬‬
‫انثرها لبي طلحة ‪ ،‬وكان ينظر إلى القوم ليرى ماذا يفعلون فيقول له أبو طلحة ‪ :‬يا‬
‫نبي الله بأبي أنت وأمي ‪ ،‬ل تنظر يصيبك سهم من سهام القوم ! نحري دون نحرك ‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫وممن ثبت سعد بن أبي وقاص فكان عليه السلم يقول له ‪ :‬ارم سعد ! فداك‬
‫أبي وأمي ‪ .‬ومنهم سهل بن حنيف وكان من مشاهير الرماة نضح عن رسول الله‬
‫بالنبل حتى انفرج عنه الناس ‪ .‬ومنهم أبو دجانة سماك بن خرشة النصاري تترس على‬
‫رسول الله فصار النبل يقع على ظهره وهو منحن حتى كثر فيه ‪.‬‬
‫وكان يقاتل عن الرسول زيادة بن الحارث حتى أصابت الجراح مقاتله فأمر به‬
‫فأدنى منه ووسده قدمه حتى مات ‪ .‬وقد أصابه عليه السلم شدائد عظيمة تحملها بما‬
‫ي بن خلف يريد قتله فأخذ عليه السلم الحربة ممن‬ ‫أعطاه الله من الثبات فقد أقبل أب ّ‬
‫كانوا معه وقال ‪ :‬خلوا طريقه فلما قرب منه ضربه ضربة كانت سبب هلكه وهو‬
‫راجع ‪ ،‬ولم يقتل رسول الله غيره ل في هذه الغزوة ول في غيرها ‪.‬‬
‫وكان أبو عامر الراهب قد حفر حفرا ً وغطاها ليقع فيها المسلمون فوقع‬
‫الرسول في حفرة منها فأغمى عليه وخدشت ركبتاه فأخذ علي بيده ورفعه طلحة بن‬
‫عبد الله وهما ممن ثبت حتى استوى قائما ً فرماه عتبه بن أبي وقاص بحجر كسر‬
‫رباعيته فتبعه حاطب بن أبي بلتعة فقتله ‪ ،‬وشج وجهه عليه السلم عبد الله ابن‬
‫شهاب الزهري وجرحت وجنتاه بسب دخول حلقتي المغفر فيهما من ضربة ضربه بها‬
‫ابن قمئة غضب الله عليه فجاء أبو عبيدة وعالج الحلقتين حتى نزعهما فكسرت في‬
‫ذلك ثنيتاه وقال حينئذ عليه السلم ‪ :‬كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم ؟ فأنزل الله‬
‫في سورة آل عمران ‪ ‬ليس لك من المر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم‬
‫فإنهم ظالمون ‪ ‬آل عمران الية ‪128‬‬
‫وكان أول من عرف رسول الله بعد هذه الدهشة كعب بن مالك النصاري‬
‫فنادى ‪ :‬يا معشر المسلمين أبشروا ‪ ،‬فأشار إليه أن اصمت ‪ .‬ثم سار بين سعد بن أبي‬
‫وقاص وسعد بن عبادة يريد الشعب ومعه جمع منهم أبو بكر وعمر وعلي وطلحة‬
‫والزبير والحارث بن الصمة ‪ ،‬وأقبل عليه إذ ذاك عثمان بن عبدالله ابن المغيرة يقول ‪:‬‬
‫أين محمد ل نجوت إن نجا فعثر به فرسه ووقع في حفرة فمشى إليه الحارث بن‬
‫مة وقتله ‪ .‬ولما وصل الشعب جاءت فاطمة فغسلت عنه الدم وكان علي يسكب‬ ‫الص ّ‬
‫الماء ثم أخذت قطعة من حصير فأحرقتها ووضعتها على الجرح فاستمسك الدم ‪ .‬ثم‬
‫أراد عليه السلم أن يعلوا الصخرة التي في الشعب فلم يمكنه القيام لكثرة ما نزل‬
‫من دمه فحمله طلحة بن عبيد الله حتى أصعده فنظر إلى جماعة من المشركين على‬
‫ظهر الجبل فقال ‪ :‬ل ينبغي لهم أن يعلونا ‪ ،‬اللهم إل قوة لنا إل بك ثم أرسل إليهم‬
‫عمر بن الخطاب في جماعة فأنزلوهم ‪.‬‬
‫وقد أصاب المسلمين الذين كانوا يحيطون رسول الله كثير من الجراحات لن‬
‫الشخص منهم كان يتلقى السهم خوفا ً أن يصل للرسول فوجد بطلحة نيف وسبعون‬
‫جراحة وشلت يده وأصاب كعب بن مالك سبع عشرة جراحة‬
‫أما القتلى فكانوا نيفا ً وسبعين منهم ستة من المهاجرين والباقون من النصار‬
‫ومن المهاجرين حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير ومن النصار حنظلة بن أبي‬
‫عامر وعمرو بن الجموح وابنه خلد بن عمرو وأخو زوجه والد جابر بن عبد الله فأتت‬
‫زوج عمر وهند بنت حرام وحملتهم ‪ :‬زوجها وابنها وأخاها على بعير لتدفنهم بالمدينة‬
‫فنهى عيه السلم عن الدفن خارج أحد فرجعوا ‪.‬‬
‫وقتل سعد بن الربيع وأرسل عليه السلم من يأتيه بخبره فوجده بين القتلى وبه‬
‫رمق فقيل له إن رسول الله يسأل عنك فقال لمبلغه ‪ :‬قل لقومي يقول لكم سعد بن‬
‫الربيع الله الله وما عاهدتم عليه رسوله ليلة العقبة فوالله ما لكم عندي عذر وقتل‬
‫أنس بن النضر عم أنس بن مالك فإنه لما سمع بقتل رسول الله قال ‪ :‬يا قوم ما‬
‫تصنعون بالبقاء بعده موتوا على ما مات عليه إخوانكم فلم يزل يقاتل حتى قتل رضي‬
‫الله عنه ‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫ومثلت قريش بقتلى أحد حتى إن هندا ً زوج أبي سفيان بقرت بطن حمزة‬
‫وأخذت كبده لتأكلها ‪ ,‬فلكتها ثم أرسلتها وفعلوا قريبا ً من ذلك بإخوانه الشهداء ‪.‬‬
‫ثم إن أبا سفيان صعد الجبل ونادى بأعلى صوته ‪ :‬أنعمت فعال إن الحرب‬
‫سجال يوم بيوم بدر وموعدكم بدر العام المقبل ‪ ،‬ثم قال إنكم ستجدون في قتلكم‬
‫مثلة لم آمر بها ولم تسؤني ‪.‬‬
‫ثم إن المشركين رجعوا إلى مكة ولم يعرجوا على المدينة وهذا مما يدل على‬
‫أن المسلمين لم ينهزموا في ذلك اليوم وإل لم يكن بد من تعقب المشركين لهم حتى‬
‫يغيروا على مدينتهم ‪.‬‬
‫ثم تفقد عليه السلم القتلى وحزن على عمه حمزة حزنا ً شديدا ً ودفن الشهداء‬
‫كلهم بأحد كل شهيد بثوبه الذي قتل فيه وكان يدفن الرجلين والثلثة في لحد واحد لما‬
‫كان عليه المسلمون من التعب فكان يشق عليهم أن يحفروا لكل شهيد حفرة ‪.‬‬
‫ولما رجع المسلمون إلى المدينة سخر منهم اليهود والمنافقون وأظهروا ما في‬
‫قلوبهم من البغضاء وقالوا لخوانهم ‪ ‬لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ‪ ‬آل‬
‫عمران الية ‪156‬‬
‫وهذا الذي ابتلى به المسلمون درس مهم لهم يذكرهم بأمرين‬
‫عظيمين تركهما المسلمون فأصيبوا ‪.‬‬
‫أولهما ‪ :‬طاعة الرسول في أمره فقد قال للرماة ‪ :‬ل تبرحوا مكانكم إن نحن نصرنا‬
‫أو قهرنا فعصوا أمره ونزلوا ‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬أن تكون العمال كلها لله غير منظور فيها لهذه الدنيا التي كثيرا ً ما تكون‬
‫سببا ً في مصائب عظيمة وهؤلء أرادوا عرض الدنيا والتهوا بالغنائم حتى عوقبوا ‪.‬‬
‫وفي ذلك أنزل الله في سورة آل عمران التي فصلت غزوة أحد ‪ ‬ولقد صدقكم‬
‫الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في المر‬
‫وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد‬
‫الخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على‬
‫المؤمنين ‪ ‬سورة آل عمران الية ‪152‬‬
‫فسبب هذا البتلء ‪ :‬التنازع فينبغي التفاق ‪ ،‬والفشل فينبغي‬
‫الثبات ‪ ،‬والعصيان ‪ :‬فينبغي طاعة الرئيس ‪ .‬نسأل الله التوفيق ‪.‬‬
‫من عبر الغزوة ‪:‬‬
‫تعتبر غزوة أحد علمة بارزة في التاريخ العسكري للمسلمين يأخذون منها‬
‫العظة والعبرة ‪ ،‬ويستلهمون دروسا ً َتهديهم فــي ظلمــات الحــداث و الكــروب ‪ ،‬ومــن‬
‫هذه الدروس والعبر ‪:‬‬
‫‪-1‬أن طاعة القائد واللتزام بتعليماته من أوجب الواجبات ‪ ،‬فهــو الــذي يســتطيع تقــدير‬
‫المصلحة برؤيته الشاملة‬
‫س فـي الحــرب والسـلم ‪ ،‬فـإذا تمــت المشـاورة فــواجب القليــة‬ ‫‪-2‬أن الشــورى أسـا ٌ‬
‫والكثرية اللتزام بها ‪ ،‬وعدم الخروج عليها ‪.‬‬
‫‪-3‬ل ينبغي أن يكون النصر في جولة سببا ً إلى إلقاء السلح قبل أن يأذن القائد بذلك‬
‫‪-4‬أن الهزيمة في جولة من جولت الحرب ليست سببا ً إلى اليــأس ‪ ،‬وإنمــا هــي وقفــة‬
‫يجب اتخاذها فرصة لتصحيح الخطاء ‪ ،‬وتجاوز السلبيات‪.‬‬
‫‪-5‬أن الحرب كٌر وفٌر ‪ ،‬هزيمــة ونصــر ‪ ،‬ولكــن الهزيمــة الحقيقيــة هــي يــأس النفــوس ‪،‬‬
‫وهزيمة القلوب التي ل تقوم بعدها قائمة ‪.‬‬
‫‪-6‬أن اليمان بالقدر يبعث في الصدور أمل ً في النهوض ‪ ،‬وسكينة إلى القضــاء ‪ ،‬ويــدفع‬
‫إلى الخذ بالسباب ‪ ،‬فما النصر إل من عند الله ‪.‬‬
‫غزوة حمراء السد‬

‫‪103‬‬
‫‪ -1‬أن يعلل الدارس لخروج النبي ‪ ‬في أثر المشركين في‬
‫حمراء السد ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يروي الدارس ما كان بين النبي ‪ ‬وأبو عزة الشاعر ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يبين الدارس العبر التي تعلمها من غزوة حمراء السد‬
‫وموقف أبو عزة الشاعر ‪.‬‬
‫لما رجع عليه السلم إلى المدينة أصبح حذرا ً من رجوع المشركين إلى المدينة‬
‫ليتمموا انتصارهم ‪ ،‬فنادى في أصحابه بالخروج خلف العدو ‪ ،‬وأن ل يخرج إل من كان‬
‫معه بالمس فاستجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح ‪ ،‬فضمدوا جراحاتهم‬
‫وخرجوا واللواء معقود لم يحل فأعطاه علي بن أبي طالب وولي على المدينة ابن أم‬
‫مكتوم ‪ ،‬ثم سار الجيش حتى وصلوا حمراء السد ‪.‬‬
‫وقد كان ما ظنه الرسول حقا ً ‪ ،‬فإن المشركين تلوموا على ترك المسلمين من غير‬
‫شن الغارة على المدينة حتى يتم لهم النصر فأصروا على الرجوع ‪ ،‬ولكن لما بلغهم‬
‫خروج الرسول في أثرهم ظنوا أنه قد حضر معه من لم يحضر بالمس وألقى الله‬
‫الرعب في قلوبهم فتمادوا في سيرهم إلى مكة وظفر عليه السلم وهم في حمراء‬
‫ن عليه ببدر بعد أن تعهد أن ل يكون على المسلمين‬ ‫السد بأبي عزة الشاعر الذي م ّ‬
‫ً‬
‫فأمر بقتله ‪ .‬فقال ‪ :‬يا محمد أقلني وامنن علي ودعني لبناتي وأعطيك عهدا أن ل أعود‬
‫لمثل ما فعلت ‪.‬‬
‫فقال عليه السلم ‪ :‬ل والله ل تمسح عارضيك بمكة تقول ‪ :‬خدعت محمدا ً‬
‫مرتين ل يلدغ المؤمن من جحر مرتين ‪ ،‬اضرب عنقه يا يزيد فضرب عنقه ‪.‬‬
‫وفي هذا تأديب عظيم من صاحب الشرع الشريف فإن الرجل الذي ل يحترز‬
‫مما أصيب منه ليس بعاقل فل بد من الحزم لقامة دعائم الملك ‪.‬‬
‫حوادث وقعت في ذلك الزمان‬
‫‪ -1‬أن يعدد الدارس أهم أحداث العام الثالث من الهجرة ‪.‬‬
‫وفي هذه السنة زوج عليه الصلة و السلم بنته أم كلثوم لعثمان بن عفان بعد‬
‫أن ماتت رقية عنده ‪ ،‬ولذلك كان يسمى ذا النورين ‪.‬‬
‫وفيها تزوج عليه السلم ‪ :‬حفصه بنت عمر بن الخطاب وأمها أخت عثمان بن‬
‫مظعون وكانت قبله تحت خنيس بن حذافة السهمي رضي الله عنه فتوفي عنها‬
‫بجراحة أصابته ببدر ‪.‬‬
‫وفيها تزوج عليه السلم زينب بنت خزيمة الهللية من بني هلل بن عامر كانت‬
‫تدعى في الجاهلية أم المساكين لرأفتها وإحسانها إليهم وكانت قبله تحت عبد الله بن‬
‫جحش فقتل عنها بأحد وهي أخت ميمونة بنت الحارث لمها ‪.‬‬
‫وفيها ولد الحسن بن علي رضي الله عنهما ‪ .‬وفيها حرمت الخمر ‪ ،‬وكان‬
‫تحريمها بالتدرج لما كان عليه العرب من المحبة الشديدة لها فيصعب إذا تحريمها‬
‫دفعة واحدة ‪ .‬وكان ذلك التحريم تابعا ً لحوادث تنفر عنها ‪ ،‬لن المنكر إذا أسند تحريمه‬
‫لحادثة أقر الجميع على تقبيحها كان ذلك أشد تأثيرا ً في النفس ‪ .‬فأول ما ب ُّين فيها‬
‫قوله تعالى في سورة البقرة ‪ ‬يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم‬
‫كبير ومنافع للناس ‪ ‬سورة البقرة الية ‪ . 219‬فمنفعة الميسر التصدق بربحه على‬
‫الفقراء كما كانت عادة العرب ومنفعة الخمر تقوية الجسم ‪ .‬ولما شربها بعض‬
‫المسلمين وخلط في القراءة حرمت الصلة على السكران ‪ ،‬فقال تعالى في سورة‬
‫النساء ‪ ‬يا أيها الذين آمنوا ل تقربوا الصلة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما‬
‫تقولون ‪ ‬سورة النساء الية ‪ . 43‬ولما حدث من شربها اعتداء بعض المسلمين‬
‫على إخوانهم حرمت قطعيا ً بقوله تعالى في سورة المائدة ‪  :‬يا أيها الذين آمنوا‬
‫إنما الخمر والميسر والنصاب والزلم رجس من عمل الشيطان‬
‫فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة‬

‫‪104‬‬
‫والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلة فهل‬
‫أنتم منتهون ‪ ‬سورة المائدة اليتان ‪. 91 ، 90‬‬
‫وقد أجاب المسلمون على ذلك بقولهم ‪ :‬انتهينا فليجب المسلمون الن ‪.‬‬

‫التقويم ‪:‬‬

‫‪ -1‬أكمل الفراغات في الجمل التية ‪:‬‬


‫أ‪ -‬كــان عــدد المســلمين فــي غــزوة أحــد ‪ . . . . . . . . . . .‬وقــد أمــر الرســول القــائد‬
‫مجموعــــة مــــن ‪ . . . . . . . . . . .‬بــــأن يعســــكروا فــــوق ‪ . . . . . .‬وكــــان‬
‫عددهم ‪ . . . . . .‬وعين ‪ . . . . . . . . . .‬قائدا ً لهم ‪ ،‬وأمرهم بعدم تــرك هــذا الموقــع‬
‫سواء ‪ . . . . . . . . . . . . .‬المسلمون أم ‪. . . . . . . .‬‬
‫‪ -2‬كان حمزة بن عبد المطلب ‪ . . . . . . . . . . . ..‬من سيوف اللــه ‪ ،‬وكــان‬
‫يصيح في أحد صيحة القتال ‪ . . . . . . . . .‬وقد تمكن ‪ . . . . . . . .‬مــن اغتيــاله‬
‫غدرا ً بتوجيه من ‪ . . . . . . . . .‬فكان ‪ . . . . . . . . .‬الشهداء ‪.‬‬

‫‪ -2‬اقرأ كل عبارة مما يأتي ‪ ،‬ثم ضع علمة ) ‪ (‬أمام العبـارة الـتي تراهـا‬
‫صحيحة ‪ ،‬وعلمة ) ‪ (‬أمام العبارة التي تراها خطأ ‪:‬‬
‫إن العقيدة في نفوس المسلمين أعظــم فــي قلــوبهم مــن جيــوش‬ ‫‪-1‬‬
‫العالمين ‪.‬‬
‫ب‪ -‬لقد قام المسلمون بالتمثيل بقتلى المشركين ‪ ،‬كما مثلوا بشــهدائهم مــن‬
‫قبل‪.‬‬
‫ج ‪ -‬لقد كان في غزوة أحد عظة وعبرة لولي اللباب في نصرها وهزيمتها ‪.‬‬
‫د ‪ -‬إن مخالفة القائد ‪ ،‬وعدم اللتزام بتوجيهاته من أكبر السباب في الهزيمة‬
‫العسكرية‪.‬‬
‫هـ‪ -‬كانت الشورى من أسباب الهزيمة في غزوة أحد‪.‬‬
‫و‪ -‬ليس لي سلح شأن في القتال إل القوة المادية ‪.‬‬
‫ز‪ -‬إن الهزيمة في أحد كانت عسكرية ‪ ،‬ولم تكن هزيمة لنفوس المسلمين ‪.‬‬
‫‪ -3‬اذكر أسباب خروج قريش يوم أحد ‪.‬‬
‫‪ -4‬بّين مشاورة النبي ‪ ‬لصحابه في أمر الخروج يوم أحد ‪.‬‬
‫‪ -5‬صف بداية الخلل في صفوف الجيش يوم أحد ‪.‬‬
‫‪ -6‬وضح أثر إشاعات العداء على المسلمين وكيفية التعامل معها ‪.‬‬
‫‪ -7‬صور ما تعرض له النبي ‪ ‬يوم أحد من إيذء ‪.‬‬
‫‪ -8‬بّين المستفاد من موقف سعد بن الربيع وأنس بن النضر ‪.‬‬
‫‪ -9‬لقد حفلت غزوة أحد بصور خالدة للبطولة والتضحية في السلم ‪ .‬اذكر‬
‫صورتين من هذه الصور ‪.‬‬
‫‪ -10‬علل خروج النبي ‪ ‬في أثر المشركين في حمراء السد ‪.‬‬
‫‪ -11‬اذكر ما كان بين النبي ‪ ‬وأبو عزة الشاعر – وماذا تتعلم من ذلك ‪.‬‬
‫‪ -12‬بين العبر التي تعلمتها من غزوة حمراء السد ‪.‬‬
‫‪ -13‬عدد أهم الحداث التي وقعت في العام الثالث من الهجرة ‪.‬‬

‫الدرس الثامن‬
‫السنة الرابعــة‬
‫سرية أبي سلمة إلى بني أسد‬
‫‪ -‬أن يقص الدارس سبب هذه السرية وأحداثها وعبرها ‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫في بدء السنة الرابعة بلغ رسول الله ‪ ‬أن طليحة وسلمة ابني خويلد السديين‬
‫يدعوان قومهما بني أسد لحربه عليه السلم ‪ ،‬فدعا أبا سلمة بن عبد السد المخزومي‬
‫وعقد له لواء وقال له ‪ :‬سر حتى تنزل أرض بني أسد بن خزيمة فأغر عليهم ‪ ،‬وأرسل‬
‫معه رجال ً فسار في هلل المحرم حتى بلغ قطنا ً ) جبل لبني أسد ( فأغار عليهم فهربوا عن‬
‫منازلهم ‪ ،‬ووجد أبو سلمة إبل ً وشاء فأخذها ولم يلق حربا ً ورجع بعد عشرة أيام من‬
‫خروجه ‪.‬‬
‫سرية عبد الله بن أنيس إلى عرنه‬
‫‪ -‬أن يقص الدارس كيف نجح عبد الله بن أنيس في المهمة التي كلفه‬
‫بها النبي ‪‬‬
‫ً‬
‫وفي بدئها أيضا بلغه عليه السلم أن سفيان بن خالد بن نبيح الهذلي المقيم بعرنه‬
‫) موضع قرب عرفة ( يجمع الجمع لحربه فأرسل له عبد الله بن أنيس الجهني وحده ليقتله‬
‫فاستأذن رسول الله ‪ ‬أن يتقول حتى يتمكن فأذن له وقال ‪ :‬انتسب لخزاعة فخرج‬
‫لخمس خلون من المحرم ‪ ،‬ولما وصل إليه قال له سفيان ‪ :‬ممن الرجل ؟ قال ‪ :‬من‬
‫خزاعة ‪ ،‬سمعت بجمعك لمحمد فجئت لكون معك ‪ ،‬فقال له ‪ :‬أجل إني لفي الجمع له‬
‫‪ ،‬فمشى عبد الله معه وحدثه وسفيان يستحلي حديثه ‪ ،‬فلما انتهى إلى خبائة تفرق‬
‫الناس عنه فجلس معه عبد الله حتى نام ‪ ،‬فقام وقتله ثم ارتحل حتى أتى المدينة ولم‬
‫يلحقه الطلب وكفى الله المؤمنين القتال ‪.‬‬
‫سرية عاصم بن ثابت النصاري‬
‫‪ -‬أن يروي الدارس تفاصيل المؤامرة التي تعرض لها سفراء النبي في‬
‫يوم الرجيع ‪.‬‬
‫وفي صفر أرسل عليه الصلة والسلم عشرة رجال عيونا ً على قريش مع رهــط‬
‫عضل والقارة ‪ ،‬الذين جاءوا رسول اللــه ‪ ‬يطلبــون مــن يفقههــم فــي الــدين ‪ ,‬و أمــر‬
‫عليهم عاصم بن ثابت النصاري فخرجوا يسيرون الليل ويكمنون النهــار حــتى إذا كـانوا‬
‫بالرجيع غدر بهم أولئك الرهط ودلوا عليهم هذيل ً قوم ســفيان بــن خالــد الهــذلي الــذي‬
‫كان قتله عبد الله بن أنيس ‪ ،‬فنفروا إليهم فيما يقرب مــن مــائتي رام واقتفــوا آثــارهم‬
‫حتى قربوا منهم ‪ ،‬فلما أحس بهم رجــال الســرية لجــأوا إلــى جبــل هنــاك ‪ ،‬فقــال لهــم‬
‫العداء انزلوا ولكم العهد أن ل نقتلكم ‪ ،‬فنــزل إليهــم ثلثــة اغــتروا بعهــدهم ‪ ،‬وقــاتلهم‬
‫الباقون ومعهم عاصم غير راضين بالنزول في ذمة مشرك ‪.‬‬
‫ولما رأى الثلثة الذين سلموا عيــن الغــدر امتنــع أحــدهم فقتلــوه ‪ ،‬وأمــا الثنــان‬
‫فباعوهما بمكة ممن كان له ثأر عنــد المســلمين وهنــاك قتل ‪ .‬وقــد قــال أحــدهما وهــو‬
‫خبيب بن عدي حين أرادوا قتله ‪:‬‬
‫ولست أبالي حين أقتل مسلما ً على أي جنب كان في الله‬
‫مصرعي‬ ‫وذلك في ذات الله وإن يشأ‬
‫يبارك على أوصال شلوٍ ممزع‬
‫سرية المنذر بن عمرو ومعه القراء إلى بئر معونة‬
‫‪ -1‬أن يروي الدارس تفاصيل المؤامرة التي تعرض لها قراء القرآن في‬
‫بئر معونة ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يصور الدارس مدى حزن النبي على خطب بئر معونة ‪.‬‬
‫في صفر وفد على رسول الله أبو عامر بن مالك ملعب السنة ‪ ،‬وهو من‬
‫رءوس بني عامر ‪ ،‬فدعاه عليه السلم إلى السلم فلم يسلم ولم يبعد ‪ ،‬بل قال ‪ :‬إني‬
‫أرى أمرك هذا حسنا ً شريفا ً ‪ ،‬ولو بعثت معي رجال ً من أصحابك إلى أهل نجد فدعوهم‬
‫إلى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك ‪ ،‬فقال عليه السلم ‪ :‬إني أخشى عليهم أهل نجد ‪،‬‬
‫فقال أبو عامر ‪ :‬أنا لهم جار ‪.‬‬
‫‪106‬‬
‫فأرسل معه المنذر بن عمرو في سبعين من أصحابه كانوا يسمون القراء لكثرة‬
‫ما كانوا يحفظون من القرآن ‪ ،‬فساروا حتى نزلوا بئر معونة ‪ ،‬فبعثوا حرام بن ملحان‬
‫بكتاب إلى عامر بن الطفيل سيد بني عامر ‪ ،‬فلما وصل إليه لم يلتفت إلى الكتاب بل‬
‫عدا على حرام فقتله ‪ ،‬ثم استصرخ على بقية البعثة أصحابه من بني عامر ‪ ،‬فلم‬
‫يرضوا أن يخفروا جوار ملعب السنة ‪ ،‬فاستصرخ عليهم قبائل من بني سليم ‪ ،‬وهم‬
‫صية فأجابوه وذهبوا معه ‪ ،‬حتى إذا التقوا بالقراء أحاطوا بهم‬ ‫رعل وذكوان وعُ ّ‬
‫جدِ لهم نفعا ً لقلة عددهم وكثرة‬ ‫وقاتلوهم حتى قتلوهم عن آخرهم بعد دفاع شديد لم ي ُ ْ‬
‫عدوهم ‪ ،‬ولم ينج إل كعب بن زيد وقع بين القتلى حتى ظن أنه منهم ‪ ،‬وعمرو بن أمية‬
‫كان في سرح القوم ‪.‬‬
‫وأ ُْبلغ عليه السلم خبر القراء فخطب في أصحابه ‪ ،‬وكان فيما قال ‪ ) :‬إن‬
‫إخوانكم قد لقوا المشركين وقتلوهم وإنهم قالوا ربنا بلغ قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضينا‬
‫عنه ورضي عّنا ( ‪.‬‬
‫وكان وصول خبر هذه السرية وسرية الرجيع في يوم واحد فحزن عليهم ‪‬‬
‫حزنا ً شديدا ً وأقام يدعو على الغادرين بهم شهرا ً في الصلة ‪.‬‬
‫غزوة بني النضير‬
‫‪ -1‬أن يروي الدارس أسباب غزوة بني النضير وأحداثها ونتائجها ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يســتخلص الــدارس العــبر والــدروس الــتي نســتفيد منهــا فــي‬
‫صراعنا مع اليهود من خلل أحداث غزوة بني النضير‬
‫يا لله ما أسوأ عاقبة الطيش فقد تكون المة مرتاحة البال هادئة الخواطر ‪،‬‬
‫حتى تقوم جماعة من رؤسائها بعمل غدر يظنون من ورائه النجاح فيجلب عليهم‬
‫ويشتتهم من ديارهم ‪.‬‬
‫وهذا ما حصل ليهود بني النضير حلفاء الخزرج الذين كانوا يجاورون المدينة فقد‬
‫كان بينهم وبين المسلمين عهود يأمن بها كل منهم الخر ولكن بني النضير لم يوفوا‬
‫بهذه العهود حسدا ً منهم وبغيا ً ‪.‬‬
‫فبينما رسول الله ‪ ‬وبعض أصحابه في ديار النضير إذا ائتمر جماعة منهم على قتله‬
‫طلع عليه السلم على قصدهم‬ ‫بأن يأخذ أحد منهم صخرة ويلقيها عليه من علو ‪ ،‬فا ّ‬
‫فرجع وتبعه أصحابه ‪ ،‬ثم أرسل لهم محمد بن مسلمة يقول لهم ‪ :‬اخرجوا من بلدي‬
‫فقد هممتم بما هممتم من الغدر ) إذ الحزم كل الحزم أ ل يتهاون النسان مع من‬
‫عرف منه الغدر ( فتهيأ القوم للرحيل فأرسل لهم إخوانهم المنافقون ل تخرجوا من‬
‫دياركم ونحن معكم ‪‬لئن أخرجتم لنخرجن معكم ول نطيع فيكم أحدا ً أبدا ً‬
‫وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون * لئن أخرجوا ل‬
‫يخرجون معهم ولئن قوتلوا ل ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الدبار ثم‬
‫ل ينصرون ‪ ( (1‬سورة الحشر اليتان ‪. 12 ، 11‬‬
‫ولكن اليهود طمعوا بهذا الوعد وتأخروا عن الجلء فأمر عليه السلم بالتهيؤ‬
‫لقتالهم فلما اجتمع الناس خرج بهم واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم وأعطى‬
‫رايته عليا ً ‪ ،‬أما بنو النضير فتحصنوا في حصونهم وظنوا أنها مانعتهم من الله ‪،‬‬
‫فحاصرهم عليه السلم ست ليال ‪ ،‬ثم أمر بقطع نخيلهم ليكون أدعى إلى تسليمهم‬
‫فقذف الله في قلوبهم الرعب ولم يروا من عبد الله بن أّبي مساعدة بل خذلهم كما‬
‫خذل بني قينقاع من قبلهم ‪ ،‬فسألوا رسول الله أن يجليهم ويكف عن دمائهم وأن لهم‬
‫ما حملت البل من أموالهم إل آلة الحرب ففعل ‪ ،‬وصار اليهود يخربون بيوتهم بأيديهم‬
‫كيل يسكنها المسلمون ‪.‬‬
‫ي بن أخطب وسلم ابن‬ ‫ولما سار اليهود نزل بعضهم بخيبر ومنهم أكابرهم ح ّ‬
‫أبي الحقيق ‪ ،‬ومنهم من سار إلى أذرعات بالشام واسلم منهم اثنان يامين بن عمرو‬
‫وأبو سعد بن وهب ‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫)‪ (1‬ولم يخمس رسول الله ما أخذ من بني النضير فإنه فئ لم يوجف عليه بخيل ول‬
‫ركاب ‪ ،‬ومثل هذا يكون لمعدات الحرب وللرسول يطعم منه أهله ولذوي القربى‬
‫واليتامى والمساكين وابن السبيل ‪ ،‬كما قال تعالى في سورة الحشر ‪  :‬ما أفاء‬
‫الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القرى واليتامى‬
‫والمساكين وابن السبيل كي ل يكون دولة بين الغنياء منكم ‪ ‬سورة‬
‫الحشر الية ‪. 7‬‬
‫فأعطى عليه السلم من هذا الفئ فقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم‬
‫وأموالهم وردوا لخوانهم من النصار ما كانوا قد أخذوه منهم أيام هجرتهم ‪ ،‬وأخذ عليه‬
‫السلم أرضا ً يزرعها ويدخر منها قوت أهله عاما ً ‪.‬‬
‫عب َُر الغزوة ‪:‬‬
‫من ِ‬
‫‪ -1‬إن الله يعصم رســوله ‪ ‬مــن النــاس ‪ ،‬لُيبلــغ رســالة ربــه ‪ ،‬ويقــوم بــواجبه فــي‬
‫التمكين لدين الله تعالى‪.‬‬
‫‪ -2‬ينبغي للقائد أل يتهاون مع العدو في المواقف الحاسمة ‪ ،‬وكـذلك فعـل الرسـول‬
‫‪.‬‬
‫‪ -3‬ضرورة الحذر من اليهــود لحقـدهم الـدفين علـى الرســالة والرســول ‪ ‬وسـائر‬
‫المؤمنين‬
‫‪ -4‬إن الثقة في نصرة الله وتأييده ‪ ،‬ينبغي أن تكون سلح المؤمنين ‪ ،‬فإن الحصــون‬
‫والقلع والسلحة وحدها ل تغني أصحابها شيئا ً ‪.‬‬

‫غزوة ذات الرقاع‬


‫ً‬
‫‪ -1‬أن يعطي الدارس صورة لمدى يقظة النبي مستشهدا بما‬
‫حدث في غزوة ذات الرقاع ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يعلل سبب تسمية الغزوة بذات الرقاع ‪.‬‬
‫وفي ربيع الخر بلغه عليه السلم أن قبائل من نجد يتهيأون لحربه وهم بنو محارب‬
‫وبنو ثعلبة ‪ ،‬فتجهز لهم وخرج في سبعمائة مقاتل ‪ ،‬وولى على المدينة عثمان بن‬
‫عفان ‪ ،‬ولم يزالوا سائرين حتى وصلوا ديار القوم ‪ ،‬فلم يجدوا فيها أحدا ً غير نسوة‬
‫فأخذهن ‪ ،‬فبلغ الخبر رجالهم فخافوا وتفرقوا في رءوس الجبال ‪.‬‬
‫ثم اجتمع جمع منهم وجاءوا للحرب ‪ ،‬فتقارب الناس وأخاف بعضهم بعضا ً ‪ ،‬ولما‬
‫حانت صلة العصر وخاف عليه السلم أن يغدر بهم العداء وهم يصلون صلى‬
‫بالمسلمين صلة الخوف ‪ ،‬فألقى الله الرعب في قلوب العداء وتفرقت جموعهم‬
‫خائفين منه ‪ . ‬ومال المام البخاري إلى أن هذه الغزوة كانت في السنة السابعة‬
‫وأجمع أهل السير على خلفه ‪.‬‬
‫وسميت بذات الرقاع لما روى البخاري عن أبي موسى رضي الله عنه قال ‪ :‬خرجنا‬
‫مع رسول الله ‪ ‬في غزاة ونحن ستة نفر بيننا بعير نتعقبه ‪ ،‬فنقبت أقدامنا ونقبت‬
‫قدماي وسقطت أظفاري ‪ ،‬وكنا نلف على أرجلنا الخرق ‪ ،‬فسميت ذات الرقاع لما كنا‬
‫نعصب من الخرق على أرجلنا ‪.‬‬

‫غزوة بدر الخرة‬


‫‪ -1‬أن يبين الدارس كيــف أفســد النــبي ‪ ‬خدعــة أبــي ســفيان فــي بــدر‬
‫الخرة ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يوضح الدارس كيف انقلب المسلمون مــن بـدر الخـرة بنعمــة مـن‬
‫الله وفضل لم يمسسهم سوء ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يوضح الدارس أهم الدروس المستفادة من غزوة بدر الخرة ‪.‬‬
‫‪108‬‬
‫ل شعبان هذا العام كان موعد أبي سفيان ‪ ،‬فـإنه بعـد انقضــاء غــزوة أحـد‬ ‫لما أه ّ‬
‫قال للمسلمين ‪ :‬موعدنا بدر العام المقبل ‪ ،‬فأجابه الرسول إلى ذلك ‪.‬‬
‫وكان بدر محل سوق تعقد كل عام للتجارة في شعبان يقيم التجـار فيـه ثمانيـا ً ‪،‬‬
‫فلما حل الجل وقريش مجدبون ‪ ،‬لم يتمكن أبو ســفيان مــن اليفــاء بوعــده فــأراد أن‬
‫يخذل المسلمين عن الخــروج كيل يوســم بخلــف الوعــد ‪ ،‬فاســتأجر نعيــم بــن مســعود‬
‫الشجعي ‪ ،‬ليأتي المدينة ويرجف بما جمعه أبو سفيان مــن الجمــوع العظيمــة ‪ ،‬فقــدم‬
‫نعيم المدينة وقال للمسلمين ‪  :‬إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم‬
‫آل عمران ‪173‬‬
‫إيمانا ً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ‪‬‬
‫ولم يلتفت عليه السلم لهذا الرجاف اتكال ً على ربه ‪ ،‬بل خرج بألف وخمسمائة‬
‫من أصحابه واستخلف على المدينة عبد الله بن عبد الله بن أبي ‪ ،‬ولم يزالــوا ســائرين‬
‫حتى أتوا بدرا ً فلم يجدوا بها أحدا ً ‪ ،‬لن أبا سفيان أشار على قريش بالخروج علــى نيــة‬
‫الرجوع بعد مسير ليلة أو ليلتين ‪ ،‬ظان ـا ً أن إرجــاف نعيــم يفيــد ‪ ،‬فيكــون المخلــف هــم‬
‫المسلمون ‪ ،‬فسار حتى أتى مجنة وهي سوق معروفة من ناحية مـر الظهـران ‪ ،‬فقـال‬
‫لقومه إن هذا عام جدب ول يصلحنا إل عام عشب فارجعوا ‪.‬‬
‫أما المسلمون فأقاموا ببدر ل يشاركهم في تجارته أحد ‪ ‬فانقلبوا بنعمــة مــن اللــه‬
‫آل‬
‫وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان اللــه واللــه ذو فضــل عظيــم ‪‬‬
‫عمران ‪ 174‬ولما سمع بذلك صفوان بن أمية قال لبي سفيان ‪ :‬قد نهيتك أن تعد القوم قــد‬
‫اجترؤوا علينا ورأوا أنا أخلفناهم ‪.‬‬

‫حوادث‬
‫‪ -1‬أن يعدد الدارس أحداث العام الرابع من الهجرة ‪.‬‬
‫وفي هذا العام ولد الحسين بن علي ‪ ،‬وفيه توفيت زينب بنت خزيمة أم المؤمنين ‪،‬‬
‫وفيه توفي أبو سلمة رضي الله عنه ابن عمة رسول الله وأخوه من الرضاعة ‪ ،‬وأول‬
‫من هاجر إلى الحبشة ‪ ،‬وفيه تزوج عليه السلم أم سلمة هندا ً زوج أبي سلمة بعد‬
‫وفاته ‪.‬‬

‫التقويم‬
‫‪ .1‬كان لثار غزوة أحد وهزيمة المسلمين فيها كما يبدو تداعيات على المسلمين‬
‫وتجرؤ من القبائل من حولهم وضح ذلك – مبينا ً كيف تصرف النبي ‪ ‬بقيادته‬
‫الحكيمة تجاه ذلك ‪.‬‬
‫‪ .2‬أذكر تفاصيل مؤامرة يوم الرجيع وبئر معونة وأثر ذلك على رسول الله ‪. ‬‬
‫‪ .3‬أكمل الفراغات في الجمل التية ‪:‬‬
‫أظهرت بنو النضير ‪. . . . . .‬لجابة مطلب النبي ‪ ‬ولكنهم ‪ . . . . . . .‬لــه‬ ‫‪-1‬‬
‫الشـــر إذ دخـــل ‪ . . . . . . . .‬إلـــى الـــبيت الـــذي كـــان الرســـول الكريـــم ‪‬‬
‫‪ . . . . . . . .‬إلى جداره ‪ ،‬لكي يلقى عليه ‪ . . . . . . . .‬تقضي عليه ‪.‬‬
‫تمكن المسلمون بعد إجلء بني النضير مــن ‪ . . . . . . . .. . .‬للمشــركين‬ ‫‪-2‬‬
‫مــن قريــش ‪ ،‬وســار الجيــش الســلمي إلــى ‪ . . . . . . . . . .‬فعســكر هنــاك‬
‫‪. . . . . .‬أيام متتابعة يتجرون و ‪ .. . . . . . . . . . .‬ولكن ‪. . . . . . . .‬‬

‫‪ .4‬اقرأ كل عبارة مما يأتي ثم ضع علمة )‪ (‬أمام العبارة التي تراها صــحيحه ‪،‬‬
‫وعلمة )‪ (‬أمام العبارة التي تراها خطأ وصححها ‪:‬‬
‫‪109‬‬
‫إن للستقرار القتصادي أثرا ً بالغا ً في استقرار الجبهة الداخلية وقوتها ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫كان للمنافقين في هذه الغزوة دور مشهود في نصرة اليهود‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫لقد تم توزيع أرض بني النضير على النصار والمهاجرين بالسوية ‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫رفض بنو النضير إنذار الرسول القائد لمناعة حصونهم وتأييد عبد الله بــن‬ ‫‪-8‬‬
‫أبي لهم ‪.‬‬
‫هـ‪ -‬كان يهود بني النضير يحدثون أنفسهم باغتيال الرسول الكريم ‪ ‬بعد هزيمة‬
‫المسلمين في أحد ‪.‬‬
‫‪ -27‬لقد أثبتت الحداث أن الغدر ونقض العهد من الخلق اليهودية الثابتة ‪.‬‬
‫‪ .5‬لماذا أعلن بنو النضــير الستســلم ‪ ،‬علــى الرغــم مــن وعــد زعيــم المنــافقين لهــم‬
‫بالتأييد ؟‬
‫‪ .6‬كان لغزوة بني النضير أهمية بالغة في تقوية الجبهة الداخليــة للدولــة فــي المدينــة‪.‬‬
‫اشرح هذه العبارة ودلل عليها ‪.‬‬
‫‪ .7‬حدد أسباب طرد يهود بني النضير من المدينة ‪.‬‬
‫‪ .8‬استخلص الدروس المستفادة من غزوة بني النضير ‪.‬‬
‫‪ .9‬علل ‪ :‬تسمية غزوة ذات الرقاع بهذا السم ‪.‬‬
‫‪ .10‬بين كيف افسد النبي ‪ ‬خدعة أبي سفيان في بدر الخرة ‪.‬‬
‫‪ .11‬استخلص الدروس المستفادة من غزوة بدر الخرة ‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫الفصل الرابع‬

‫صور من حياة شهداء الصحابة‬


‫و صور من حياة التابعين‬

‫الشهيد الشعث ‪ :‬مصعب بن عمير‬


‫خامس الخلفاء الراشدين ‪ :‬عمر بن عبد العزيز‬

‫الهدف العام ‪:‬‬


‫مدارسة نماذج واقعية عاشــت بالســلم وللســلم فكــانت منــارات هدايــة‬
‫ومعالم يقتدى بها ‪.‬‬
‫الهداف المرحلية ‪:‬‬
‫أن يحدد نقاط التحول في حياة هؤلء التابعين ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫ي‬
‫أن يتعرف المواقف الفاعلة والمؤثرة في حياة كل تابع ّ‬ ‫‪-2‬‬
‫أن يبين أثر هؤلء التابعين في إطار الدين ونصرته ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫الهداف الوجدانية ‪:‬‬
‫أن يعتز بانتمائه للسلم ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫أن يقتدي بالسلف الصالح ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫أن يقدر الدور الذي قام به التابعي ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫أن يحاكي التابعي في التصرفات الطيبة ‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫أن يتمثل بجيل الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم ‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫أن يعزز حب التابعين في أعماق كل مسلم ‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫أن يعزز حب السلم والعمل له فــي نفــس الفــرد مــن خلل‬ ‫‪-7‬‬
‫الصور من حياة هؤلء العلم ‪.‬‬ ‫عرض هذه‬

‫الشهيد الشعث‬
‫مصعب بن عمير‬

‫الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬


‫أن يصف الدارس البيئة التى ولد فيها مصعب بن عمير ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫أن يصف الدارس حياة مصعب بن عمير قبل إسلمه ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫أن يصف الدارس حال مصعب بن عمير بعد إسلمه ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫أن يحدد الدارس الهجرات التي هاجرها مصعب بن عمير ‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫أن يصف الدارس نشاط مصعب بن عمير في نشر السلم في المدينة ‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫أن يذكر الدارس السماء التى أطلقت على مصعب ‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫أن يذكر الدارس السباب التي أدت إلى تسمية مصعب بهذه السماء ‪.‬‬ ‫‪-7‬‬
‫أن يذكر الدارس أسماء بعض الصحابة الذين أسلموا على يد مصعب بن‬ ‫‪-8‬‬
‫عمير ‪.‬‬
‫‪111‬‬
‫أن يذكر الدارس محاولت أم مصعب لرده عن دينه ‪.‬‬ ‫‪-9‬‬
‫‪ -10‬أن يذكر الدارس الغزوات التي شهدها مصعب ‪.‬‬
‫‪ -11‬أن يصف الدارس دور مصعب في غزوة أحد ‪.‬‬
‫‪ -12‬أن يصف الدارس مشهد استشهاد مصعب ومشهد دفنه وتكفينه ‪.‬‬
‫‪ -13‬أن يقارن الدارس بين حياة مصعب وحياة كثير من شباب المة الن ‪.‬‬
‫‪ -14‬أن يصف الدارس مشاعره تجاه مصعب بن عمير ‪.‬‬
‫‪ -15‬أن يوضح الدارس ما الذي استفاده من قراءة قصة حياة واستشهاد‬
‫مصعب بن عمير ‪.‬‬
‫‪ -16‬أن يعبر الدارس عما ينوي عمله بعد دراسته لقصة مصعب بن عمير ‪.‬‬

‫في هذه العاصمة المشهودة في قلب الجزيرة ‪ ،‬حيث أحاطت بيوت الشراف من‬
‫قريش ببيت إبراهيم عليه السلم ‪ ،‬كان يطل على الكعبة بيت عمير بن هاشم بن عبد‬
‫مناف فى زهو العز وفخار السلطان ‪00‬‬
‫وفى ليلة عامرة بالترف واللهو تسابق الشراف إلي الدار الضاحكة يزفون التهاني إلي‬
‫ن الله عليهما بمولودهما الجديد ‪ 00‬مصعب‬ ‫م ّ‬
‫عمير وزوجته خناس بنت مالك ‪ 00‬فقد َ‬
‫بن عمير ‪00‬‬
‫وتمر الشهور والسنون ويشب مصعب في حياة كلها نعومة وترف وخيلء ‪ 00‬وكان‬
‫لصغره بين إخوته محط التدليل من أبويه المسرفين فى الغنى ‪ ،‬وكانت أمه على وجه‬
‫الخصوص تبالغ من مظهره بين أقرانه من أبناء الشراف ‪ 00‬حتى صار فى شبابه‬
‫أعطر أهل مكة وأجملهم منظرا ً ومظهرا ً ‪ ،‬يفيض تيها ً ودلل ً ‪ 00‬وكان يمر بين الحياء‬
‫فتسترعى طلعته ساكنيها ‪ 00‬وكان مصعب فوق ذلك مقبل ً على تلك الحياة الناعمة‬
‫المترفة ‪ ،‬آخذا ً منها بأكبر نصيب ‪ ،‬فلقد مهد له شرف أبيه وثروة أمه لكل ما يريد من‬
‫متاع وأبهة ‪ ،‬ومن ثم ل يراه الناس إل ضاحكا ً ‪ ،‬مفتونا ً بنفسه وبالدنيا ‪ 00‬أشد ما يكون‬
‫الفتتان ‪00‬‬
‫وتمضى الشهور والسنون وتمضى على مصعب فى إشراقها الفاتن ‪ ،‬فل يرى ألما ً‬
‫ول ضنكا ً ول نصبا ً ‪ 00‬ثم تدور وتدور ‪ 00‬فترى أمه على وجهه آثار هم عميق وتفكير‬
‫أعمق ‪ 00‬وتقرأ فى أسارير وجهه الجميل جدا ً وعزما ً صارخا ً ل تعرف لهما من سبب‬
‫أو اتجاه ‪00‬وتحاول الم بما وهبها الله من غريزة خاصة أن تصل إلى ما يدور فى‬
‫نفس فتاها فل تستطيع ‪ 00‬ومصعب من خلل ذلك يزيد فى جد الحياة على مرور‬
‫اليام إمعانا ً ‪ 0‬وكأن أيامه السوالف حلم رهيب مزعج ‪ ،‬أو أشباح مخيفة تلحقه أينما‬
‫حل أو سار ‪ ،‬بل كأن بينه وبين نفسه آماد شاسعة تقطع ما بينهما من صلت ‪!!00‬‬
‫ويبرح بالم الحائرة الضنى ‪ ،‬ويروعها ما صار إليه مصعب ‪ ،‬ولكن الفتى يزداد إمعانا ً‬
‫فى السكون ‪ 00‬ثم ما لبث زمنا ً طويل ً حتى جاءها عثمان ابن طلحة النهدى يخبرها أن‬
‫مصعبا ً قد أسلم ‪ 00‬فلقد بصر به عثمان يصلى صلة محمد وأصحابه ‪!!00‬‬
‫ودخل مصعب بن عمير دار الرقم ‪ 00‬تلك الدار الخالدة فى تاريخ الدعوة وحياتها‬
‫‪ 00‬فأضاف إلى المسلمين قوة إلى قوتهم ‪ 00‬وامتزجت دعوة الرسول بدمه ‪ ،‬فعاد‬
‫يصدر عنها فى الصغيرة قبل الكبيرة ‪ 00‬فلقد فكر الفتى قبل أن يؤمن ‪ ،‬وتأمل فى‬
‫حقيقة الدين الجديد تأمل الحرار القوياء ‪ 00‬فكان إسلمه أعظم هجرة لحر قوى ‪00‬‬
‫لقد هاجر هجرته الولى عن متاع الدنيا وزينتها إلى الله ورسوله ‪ ،‬وكانت تلك سر‬
‫تغيره العميق ‪ ،‬فصار اللبنة القوية فى بناء السلم بمكة ‪00‬‬
‫وعلم أهل الفتى بإسلمه ‪ ،‬ويئسوا من إرجاعه عن عقيدته ‪ ،‬فأذاقوه العذاب ألوانا ً‬
‫‪ 00‬ثم حبسوه وكبلوه فى السلسل ‪ 00‬ولكن ذلك كله كان أمام النفس الكبيرة‬
‫صغائر وتوافه ‪ 00‬وكانت الهجرة إلى الحبشة ‪ ،‬فهاجر مصعب مع إخوانه المؤمنين إلي‬
‫أرض النجاشى ‪ 00‬وتلك هجرته الثانية إلي الله ورسوله‬

‫‪112‬‬
‫وأصاب مصعبا ً هناك من جدب العيش ما أصابه ‪ ،‬حتى رجع عسير الحال فيمن رجعوا‬
‫إلي مكة ‪ 00‬وعاش فى فقره المدقع يحس بالسعادة فى ظل الرضى بالعقيدة ‪،‬‬
‫والصحبة لرسول الله ‪ ،‬ثم تمضى الشهور ‪ 00‬فيزداد الفتى توغل ً فى الفقر والحاجة ‪،‬‬
‫واستمساكا ً بالصبر والثبات ‪ ،‬حتى لقد أقبل ذات يوم – والنبى ‪ r‬جالس فى أصحابه –‬
‫وعليه قطعة مهلهلة من ثياب رثة كانت هى كل ما يملك ‪ 00‬قد وصلها بإهاب مرقع‬
‫بمختلف القطع حتى تستره وقد صار جسده يتحشف كما يتحشف جلد الحية من شدة‬
‫البرد ‪ 00‬فلما رآه الصحابة نكسوا رءوسهم رحمة وإشفاقا ً ‪ ،‬أل ّ يجدوا عندهم ما يرفع‬
‫عن الشريف حرجه ‪ ،‬وسلم مصعب بتحية السلم ‪ ،‬فرد صلوات الله وسلمه عليه ‪،‬‬
‫وأحسن عليه الثناء وقال ‪ " :‬لقد رأيت مصعبا ً وما بمكة فتى من قريش أنعم عند أبويه‬
‫نعيما ً منه ‪ ،‬ثم أخرجه من ذلك الرغبة فى الخير فى حب الله ورسوله "‬
‫مصعب بن عمير أول سفير لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى‬
‫المدينة ‪:‬‬
‫ولما انصرف أهل العقبة الولى الثنا عشر من أهل يثرب بعث معهم رسول الله ‪r‬‬
‫مصعب بن عمير يفقههم فى القرآن ويثبت فى قلوبهم قواعد الدين ‪ 00‬فنزل على‬
‫أسعد بن زرارة ‪ 00‬وكان يأتى النصار فى دورهم وقبائلهم ‪ ،‬فيدعوهم إلى الله‬
‫ورسوله ‪ ،‬فيسلم الرجل والرجلن ‪ ،‬حتى ظهر السلم وفشا فى دور النصار جميعا ً‬
‫‪00‬‬
‫وعلى يد مصعب أسلم سعد بن معاذ وأسيد بن حضير ‪ ،‬وبذلك استقرت كلمة‬
‫اليمان بين الحيين الخطيرين فى يثرب ‪ ،‬فلقد أسلم من ورائهم الوس والخزرج عن‬
‫آخرهم ‪00‬‬
‫وكتب ابن عمير إلى رسول الله ‪ r‬يستأذنه أن يجمع بالناس الجمع فأذن له ‪ ،‬فجمع‬
‫بهم فى دار سعد بن خيثمة ‪ ،‬فكان أول من جمع فى السلم جمعة ‪ 00‬وبذلك كله أتم‬
‫مصعب رسالته فى هجرته الثالثة إلى الله ورسوله ‪00‬‬
‫واستدار العام ‪ 00‬وخرج حجيج الوس والخزرج لمبايعة الرسول ‪ r‬بمكة بيعة‬
‫العقبة الثانية ‪ 00‬وخرج معهم ابن عمير وقد رافق أسعد بن زرارة على راحلته ‪ ،‬ونزل‬
‫الجمع العظيم البلد الحرام ‪ ،‬بينما واصل الثنان السير إلى دار الرسول ‪ r‬بأجياد ‪00‬‬
‫وكان لقاء حارا ً ‪ ،‬حمل فيه الرجل العظيم إلى قائده العظم أخبار النصار وصدقهم‬
‫‪ 00‬فاستقبل الرسول القبلة والبشر يعلو جبينه ‪ ،‬ودعا للجميع بخير ‪00‬‬
‫وبلغ أم مصعب نبأ قدومه وإيثاره الذهاب إلى منزل الرسول ‪ r‬دونها ‪ ،‬فأرسلت إليه‬
‫تقول ‪:‬‬
‫‪ -‬يا عاق ‪ 00‬أتقدم بلدا ً أنا فيه ول تبدأ بى ‪!00‬؟‪0‬‬
‫وأجاب ابن عمير رسولها إليه ليقول لها ‪ :‬ما كنت لبدأ بأحد قبل رسول الله ‪r 00‬‬
‫وأخذ ابن عمير ما يأخذ البناء من عطف ‪ ،‬فسار إلى بيت أمه ‪ ،‬فلما سلم عليها لقيته‬
‫بحنان يكسوه اللم المرير وقالت ‪ :‬إنك لعلى ما أنت عليه من الصبأة بعد ‪!00‬؟‪0‬‬
‫ورد عليها البن على الفور ‪ :‬أنا على دين رسول الله ‪ r‬وهو السلم الذى رضى الله‬
‫لرسوله وللمؤمنين !!‪0‬‬
‫وفزعت الم من رد ولدها ‪ 00‬وقالت ‪ :‬ما شكرت ما رثيتك ‪ 00‬مرة بأرض الحبشة ‪،‬‬
‫ومرة بأرض يثرب‬
‫وهز ابن عمير رأسه فى إصرار وهو يقول ‪ :‬أفر بدينى أو تفتنونى ‪00‬‬
‫وأرادت الم أن تنتهز فرصة عودة البن إليها ‪ ،‬وفهم أنها تدبر أمر حبسه ‪ 00‬فقال‬
‫لها ‪:‬‬
‫‪ -‬لئن أنت حبستنى لحرصن على قتل من يتعرض لى ‪!!00‬؟‪0‬‬

‫‪113‬‬
‫ويئست الم فبكت وعل نشيجها وتركته لشأنه ‪ 00‬بينما أخذ هو يحاول أن ينفذ بالحق‬
‫إلى قلبها طمعا فى هدايتها ‪ 00‬فقال ‪ :‬يا أمى ‪ 00‬إنى لك ناصح وعليك شفيق ‪00‬‬
‫فاشهدى أنه ل إله إل الله وأن محمدا ً عبده ورسوله ‪00‬‬
‫ولكن ظلم الجاهلية كان ما يزال يمل قلبها ويطمس بصيرتها ‪ 00‬فقالت ‪:‬‬
‫والثواقب ‪ ،‬ل أدخل فى دينك ‪ ،‬فيزرى برأيى ويضعف عقلى ‪ ،‬ولكنى أدعك وما أنت‬
‫عليه وأقيم على دينى ‪00‬‬
‫وأقام ابن عمير مع رسول الله ‪ r‬بقية ذى الحجة والمحرم وصفر ‪ ،‬ثم هاجر إلى‬
‫المدينة ثانية لهلل ربيع الول قبل هجرة النبى إليها باثنتى عشرة ليلة ‪ 00‬وتلك هجرته‬
‫الرابعة فى سبيل الله ورسوله ‪00‬‬
‫ودخل الرسول العظم دار الهجرة ‪ ،‬فأقام بالمدينة الدولة السلمية الولى ‪ 00‬وعاش‬
‫ابن عمير تلك السنين العجاف الولى صابرا ً راضيا ً ‪ 00‬حتى دعا داعى الجهاد إلى‬
‫الذب عن العقيدة بالسيف ‪0‬‬
‫واشتعلت نار الحرب بين قريش وحفنة المسلمين فى بدر ‪ ،‬وكان مصعب من فتيانها‬
‫الغر وأبطالها الميامين ‪ 00‬فعادت قريش بخذلنها تحمل رداء الخزى والعار بعد قتل‬
‫أشرافها وأصحاب الصدارة فيها ‪ ،‬وجرهم كالكلب إلى القليب ‪00‬‬
‫واشتعلت نار الحرب ‪ ،‬مرة أخرى فى أحد ‪ ،‬وانتصر المسلمون أول النهار ‪ 00‬ولكن ما‬
‫لبث أن نظر بعضهم إلى متاع الدنيا فهزموا ‪ ،‬وكان ابن عمير يحمل لواء المسلمين‬
‫فثبت به ثبات الرواسى ‪ ،‬فأقبل ابن قميئة من فرسان قريش فضرب يده اليمنى‬
‫فقطعها ‪ ،‬فأخذ البطل اللواء بيده اليسرى وهو يتلو قول الله ‪ " :‬وما محمد إل رسول‬
‫قد خلت من قبله الرسل " ‪ 00‬وأقبل عدو الله مرة أخرى فضرب يده اليسرى‬
‫فقطعها ‪ ،‬فحنا ابن عمير على اللواء فحمله بعضديه ‪ 00‬ثم حمل عليه عدو الله الثالثة‬
‫بالرمح فنفذ فى صدره وخرج من ظهره فوقع على الرض وسقط اللواء ‪!! 00‬‬
‫فابتدره رجلن من بنى عبد الدار – سويبط بن سعد ‪ ،‬وأبو الروم بن عمير – وحمله‬
‫أخوه أبو الروم ‪0‬‬
‫ووقف رسول الله على الشهداء بعد المعركة ‪ ،‬يقرأ قول الله تعالى ‪ " :‬من المؤمنين‬
‫رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ‪ ،‬فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا‬
‫تبديل ‪ " 00‬سورة الحزاب الية ‪23‬‬
‫ثم أمر ‪ r‬بمصعب فحمل إليه ‪ 00‬فنظره نظرة الوداع الحزين ‪ ،‬وهو يقلب فى ذاكرته‬
‫الشريفة أيامه الماضيات بمكة ‪ 00‬وقال يخاطبه ‪:‬‬
‫• " لقد رأيتك بمكة وما بها أحد أرق حلة ول أحسن لمة منك ‪ ،‬ثم أنت‬
‫مشعث الرأس فى بردة ‪ " 00‬ثم بكى صلوات الله وسلمه عليه ‪ ،‬واتجه‬
‫إلى جسد مصعب وأجساد من حوله من قتلى أحد ‪ ،‬ثم قال ‪:‬‬
‫• إن رسول الله يشهد عليكم أنكم شهداء عند الله يوم القيامة ‪ 0‬ثم أقبل‬
‫‪ r‬على الناس ‪ 00‬وقال ‪:‬‬
‫• " أيها الناس ‪ ،‬أئتوهم فزوروهم وسلموا عليهم ‪ ،‬فوالذى نفسى بيده ل‬
‫يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إل ردوا عليه السلم ‪" 00‬‬
‫وفتح الله على المسلمين ‪ 00‬فملكوا البلدان والمصار ‪ 00‬وفى حلقة من حلقات‬
‫مسجد النبى بالمدينة ‪ ،‬وقف خباب بن الرت يقول ‪:‬‬
‫• هاجرنا مع رسول الله ‪ ، r‬فوجب أجرنا على الله فمنا من مضى ولم يأكل‬
‫من أجره شيئأ ‪ 00‬منهم مصعب بن عمير ‪ ،‬قتل يوم أحد فلم يوجد له‬
‫شيء يكفن فيه إل نرة ‪ 00‬فكنا إذا وضعناها على رجله خرج رأسه ‪،‬‬
‫فقال لنا رسول الله ‪ " : r‬اجعلوها مما يلى رأسه ‪ ،‬واجعلوا على رجليه‬
‫من الذخر " ‪ 00‬ومنا من أينعت له الثمرة وهو يزهر بها ‪ !! 00‬وسكت‬
‫القوم لقاريء يقرأ فى جانب المسجد قول الله تعالى ‪ 00 ":‬والملئكة‬
‫‪114‬‬
‫يدخلون عليهم من كل باب سلم عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار "‬
‫‪0‬سورة الرعد ‪ :‬اليتان ‪0 24 ، 23‬‬
‫سطور مضيئة ‪:‬‬
‫• مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف العبدري القرشي ‪0‬‬
‫• لقب بسفير السلم ومصعب الخير والقاريء ‪0‬‬
‫• نشأ في بيت ثري ‪ ،‬فقد كانت أمه خناس بنت مالك صاحبة ثروة طائلة ‪0‬‬
‫• كان مصعب أكثر شباب أهل مكة جاها ً وجمال ً ورقة وثيابا ً ‪ ،‬وكان أعطر أهل‬
‫مكة ‪0‬‬
‫• لما عرفت أمه بإسلمه حبسته وجوعته ‪ ،‬فصبر وخدع حراسه وهرب منهم‬
‫ليلحق بالمسلمين في الحبشة‬
‫• بكت أمه أمامه ليشفق عليها ويرتد عن السلم فأبي ‪0‬‬
‫• أثني عليه رسول الله ‪ r‬لما رأي حزن المؤمنين على حاله بعد أن أصبح فقيرا ً‬
‫معدما يلبس الخشن من الثياب ‪ ،‬ويأكل القليل من الطعام ‪0‬‬
‫• أول سفير في السلم حيث أرسله رسول الله ‪ r‬مع الثني عشر رجل الذين‬
‫أسلموا من يثرب في بيعة العقبة الولي ليعلمهم السلم ‪0‬‬
‫• كان أول من جمع فى السلم جمعة ‪.‬‬
‫• وكان ممن أسلم علي يديه أسيد بن الحضير وسعد بن معاذ سيدا قومهما ‪،‬‬
‫وعاد مصعب بعد ستة أشهر ب ‪ 72‬مسلما ‪0‬‬
‫• وترك المدينة وليس فيها بيت إل وفيه ذكر الله وذكر رسوله ‪ ،‬فأطلق عليه‬
‫المسلمون لقب مصعب الخير ودعا له الرسول ‪r 0‬‬
‫• آخى الرسول بينه وبين أبي أيوب النصاري ‪0‬‬
‫• حامل لواء النبي ‪ r‬في غزوتي بدر وأحد ‪0‬‬
‫• ضربه ابن قميئة في غزوة أحد علي يده اليمني فقطعها فحمل اللواء بيده‬
‫اليسري فقطعها ‪ ،‬فانحني على اللواء بعضديه إلي صدره فطعنه ابن قميئة‬
‫بالرمح طعنة نفذت إلي صدره فوقع شهيدا ً‪0‬‬
‫• كان يشبه النبي ‪ r‬حتي إن ابن قميئة ظن أنه قتل رسول الله ‪ r‬وصاح في الناس‬
‫يعلنهم ذلك ‪0‬‬
‫• لم يجدوا له بعدما استشهد إل قطعة من قماش إذا غطت رأسه تعرت رجله ‪،‬‬
‫وإذا غطت رجليه تعري رأسه ‪ ،‬فأمر رسول الله ‪ r‬أن يجعلوها علي رأسه‬
‫ويغطوا رجليه بنبات الذخر ‪0‬‬
‫• قيل ‪ :‬إنه نزلت فيه الية ‪ ) :‬من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ( [‬
‫الحزاب ‪] 23:‬‬
‫• استشهد ‪ t‬سنة ‪ 3‬هـ وهو ابن أربعين عاما ً أو يزيد قليل ً ‪0‬‬
‫التقويم ‪:‬‬
‫صف البيئة التى ولد فيها مصعب بن عمير ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫صف حياة مصعب بن عمير قبل إسلمه ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫صف حال مصعب بن عمير بعد إسلمه ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫حدد الهجرات التي هاجرها مصعب بن عمير ‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫صف نشاط مصعب بن عمير في نشر السلم في المدينة ‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫أذكر السماء التى أطلقت على مصعب – ولماذا سمي بهذه السماء ‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫أذكر أسماء بعض الصحابة الذين أسلموا على يد مصعب بن عمير ‪.‬‬ ‫‪-7‬‬
‫اشرح محاولت أم مصعب لرده عن دينه ‪.‬‬ ‫‪-8‬‬
‫أذكر الغزوات التي شهدها مصعب ‪.‬‬ ‫‪-9‬‬
‫‪115‬‬
‫صف دور مصعب في غزوة أحد ‪.‬‬ ‫‪-10‬‬
‫صف مشهد استشهاد مصعب ومشهد دفنه وتكفينه ‪.‬‬ ‫‪-11‬‬
‫قارن بين حياة مصعب وحياة كثير من شباب المة الن ‪.‬‬ ‫‪-12‬‬
‫صف مشاعرك تجاه مصعب بن عمير ‪.‬‬ ‫‪-13‬‬
‫وضح ما الذي تعلمته من قراءة قصة حياة واستشهاد مصعب بن عمير ‪.‬‬ ‫‪-14‬‬
‫عبر عما تنوي عمله بعد دراستك لقصة مصعب بن عمير ‪.‬‬ ‫‪-15‬‬

‫ن عبد العزيز وابنه عبد الملك‬ ‫عمُر ب ُ‬


‫ُ‬
‫ل قوم نجيبا ً ‪ . . .‬وأن نجيب بني ُأمية‬‫ن لك ُ ّ‬‫تأ ّ‬ ‫عِلم َ‬
‫ما َ‬‫"أ ّ‬
‫حدَهُ "‬ ‫ُ‬
‫و ْ‬
‫مة َ‬
‫ن عبد العزيز وأنه ُيبعث يوم القيامة أ ّ‬ ‫عمُر ب ُ‬‫ُ‬
‫حسين [‬
‫] محمد بن علي بن ال ُ‬
‫الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يذكر نسب عمر بن عبد العزيز لبيه ولمه ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يوضــح الجــوانب الــتي أثــرت فــي شخصــية التــابعي عمــر عبــد‬
‫العزيز ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يذكر جهود عمر بن عبد العزيز في طلبه العلم ‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يشرح مؤهلت عمر بن عبد العزيز لخلفة المسلمين ‪.‬‬
‫‪ -5‬أن يربط بين زهد عمر بن عبد العزيز وعدله في الحكم ‪.‬‬
‫‪ -6‬أن يعلـل عـد بعـض المـؤرخين عمـر بـن عبـد العزيـز مـن الخلفـاء‬
‫الراشدين ‪.‬‬
‫‪ -7‬أن يصف الحالة الجتماعية في عهد عمر بن عبد العزيز ‪.‬‬
‫‪ -8‬أن يذكر طائفة من مناقب عمر بن عبد العزيز في الزهد والورع ‪.‬‬
‫‪ -9‬أن يذكر طائفة من مناقب عبد الملك بن عمر بن عبــد العزيــز ومــا‬
‫تعلمه منها ‪.‬‬
‫‪ -10‬أن يذكر الدارس العبر والعظات من مواقف عمر بن عبــد العزيــز‬
‫المتعددة ‪.‬‬
‫أن يعبر الدارس عن مشاعره عن أكــثر المواقــف الــتي تــأثر‬ ‫‪-11‬‬
‫بها من دراسة شخصية عمر بن عبد العزيز وابنه عبد الملك ‪.‬‬
‫نبذة عن حياته وخلفته ‪:‬‬
‫عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم ابن أبي العاص كنيته أبو حفص ولقب‬
‫بالخليفة الصالح ‪ ،‬وبالملك العادل ‪ ،‬وبخامس الخلفاء الراشدين ‪ ،‬ولد فى حلوان بمصر‬
‫سنة ‪ 61‬هـ ‪ ،‬وكان أبوه واليا ً على مصر حين ولدته ‪ ،‬أمه ليلى بنت عاصم بن عمر بن‬
‫الخطاب ‪.‬‬
‫ضربته دابة فى جبهته وهو غلم فجعل أبوه يمسح الدم عنه ويقول ‪ :‬إن كنت أشج‬
‫بنى مروان فإنك لسعيد ‪ ،‬وذلك لن سيدنا عمر بن الخطاب كان يقول ‪ :‬من ولدى‬
‫رجل بوجهه شجة يمل الرض عدل ً ‪.‬‬
‫تعلم على مشايخ قريش ‪ ،‬وتأدب بأدبهم ‪ ،‬واشتهر ذكره ‪ ،‬فلما مات أبوه أخذه عمه‬
‫عبد الملك وخلطه بولده وقدمه على كثير منهم وزوجه ابنته فاطمة ‪.‬‬
‫بويع بالخلفة بعد موت ابن عمه سليمان بن عبد الملك سنة ‪ 99‬هـ ‪ ،‬كان شديد‬
‫التنعم ‪ ،‬فترك كل النعيم والمتاع بعد توليه الخلفة ‪.‬‬
‫حدثت زوجته أنه يكون فى الفراش فيتذكر الخرة فينتفض كما ينتفض العصفور فى‬
‫‪116‬‬
‫الماء ويجلس ويبكي ‪ ،‬فتقول زوجته ياليت بيننا وبين الخلفة بعد المشرقين ‪.‬‬
‫ولى على البلد والقضاء والجيش خيرة الخلق وقتها ‪ ..‬كالحسن البصري ‪،‬‬
‫والفزاري ‪ ،‬وإياس بن معاوية ‪ ،‬والشعبي ‪ ،‬وعبد الرحمن الغافقي ‪ ،‬والسمح بن مالك‬
‫الخولني ‪ ...‬وغيرهم ‪.‬‬
‫قال عنه الصحابي الجليل أنس بن مالك رضى الله عنه ‪ ) :‬ما رأيت أحدا ً أشبه صلة‬
‫بصلة رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى ( رواه النسائي فى سننه ‪.‬‬
‫غزا بلد الروم ووصلت جيوشه بقيادة السمح بن مالك الخولني إلى فرنسا ‪ ،‬أعطى‬
‫الفقراء وزوج الشباب وامتلت خزائن بيت مال المسلمين ولم يجدوا فقيرا ً يعطونه ‪.‬‬
‫مر الطرق وأعد ّ الخانات لبناء السبيل وأقام‬
‫أصلح الراضي الزراعية وحفر البار وع ّ‬
‫المساجد ‪ ،‬وأعاد الراضي المغتصبة لبيت مال المسلمين ‪.‬‬
‫كتب إلى أحد ولته يقول ‪ " :‬إذا دعتك قدرتك على الناس إلى ظلمهم ‪ ،‬فاذكر قدرة‬
‫الله تعالى عليك ‪ ،‬ونفاد ما تأتي إليهم ‪ ،‬وبقاء ما يأتون إليك " ‪....‬‬
‫مواقف مضيئة ‪:‬‬
‫عمُر بن عبد العزيز ينفض يديه من تراب قبر‬ ‫ما كاد التابعي الجليل أمير المؤمنين ُ‬
‫ة‪.‬‬
‫ج ً‬
‫سلفه سليمان بن عبد الملك ‪ ،‬حتى سمع للرض ـ من حوله ـ ر ّ‬
‫ب الخلفة ـ يا أمير المؤمنين ـ قد ُأعدت لك‬ ‫فقال ‪ :‬ما هذه ؟ !‪ .‬فقالوا ‪ :‬هذه مراك ُ‬
‫ه التعب ‪،‬‬
‫مُر بطرف عينه ‪ ،‬وقال بصوته المتهدج الذي نهك ُ‬ ‫لتركبها ‪ . . .‬فنظر إليها عُ َ‬
‫وأذبله السهر ‪ :‬ما لي ولها ؟ ! ‪. . .‬‬
‫ها عّني بارك الله عليكم ‪ ...‬وقربوا لي بغلتي ؛ فإن لي فيها بلغا ً )‪.(26‬‬ ‫حو َ‬
‫نَ ّ‬
‫ط ؛ ليمشي بين يديه ‪. . .‬‬ ‫ب ال ّ‬
‫شَر ِ‬ ‫ثم إنه ما كاد يستوي علىظهر البغلة حتى جاء صاح ُ‬
‫ة من رجاله اصطفوا عن يمينه وعن شماله ‪.‬‬ ‫ومعه ث ُل ّ ُ‬
‫وفي أيديهم حراب ُُهم اللمعة ‪ .‬فالتفت إليه وقال ‪ :‬ما لي بك وبهم حاجة ‪ . .‬فما أنا إل‬
‫رجل من المسلمين ‪.. .‬‬
‫أغدوا كما يغدون ‪ ،‬وأروح كما يروحون ‪ .‬ثم سار وسار الناس معه حتى دخل‬
‫المسجد ‪ ،‬وُنودي في الناس ‪:‬‬
‫الصلة جامعة ‪ . . .‬الصلة جامعة ‪ . . .‬فتسايل الناس على المسجد من كل ناحية ‪.‬‬
‫فلما اكتملت جموعهم ‪ ،‬قام فيهم خطيبا ً ‪ .‬فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه ‪ ،‬ثم‬
‫قال ‪:‬‬
‫أيها الناس إني قد ابُتليت بهذا المر على غير رأي مني فيه ‪ . .‬ول طلب له ‪ . .‬ول‬
‫مشورة من المسلمين ‪ .‬وإني خلعت ما في أعناقكم من بيعتي ‪ . .‬فاختاروا لنفسكم‬
‫خليفة ترضونه ‪. . .‬‬
‫فصاح الناس صيحة واحدة ‪ :‬قد اخترناك يا أمير المؤمنين ورضينا بك ‪ . .‬فَ ِ‬
‫)‪(27‬‬
‫أمرنا‬ ‫ل‬
‫بالُيمن والبركة ‪.‬‬
‫مد َ الله ك َّرة ُأخرى وأثنى‬ ‫قُلوب قد اطمأنت َ‬
‫ح ِ‬ ‫فلما رأى أن الصوات قد هدأت ‪ ،‬وال ُ‬
‫ض الناس على التقوى ‪،‬‬ ‫ح ّ‬ ‫عليه ‪ ،‬وصّلى وسلم على محمد عبده ورسوله ‪ .‬وطفق ي ُ‬
‫دنيا ‪ ،‬وُيرغبهم في الخرة ‪.‬‬
‫وُيزهدهم في ال ّ‬

‫بلغا ً ‪ :‬كفاية ‪.‬‬ ‫‪()26‬‬


‫ل أمَرنا ‪ :‬فتو ّ‬
‫ل أمرنا ‪.‬‬ ‫فَ ِ‬ ‫‪()27‬‬
‫‪117‬‬
‫دموع العاصية ‪ ،‬وتخُرج‬ ‫وُيذكرهم بالموت بلهجة تستلين القلوب القاسية ‪ ،‬وتستدر ال ّ‬
‫متعب حتى أسمع‬ ‫من فؤاد صاحبها فتستقر في أفئدة السامعين ‪ .‬ثم رفع صوته ال ُ‬
‫الناس جميعا ً ‪ ،‬وقال ‪ :‬أيها الناس من أطاع الله وجبت طاعته ‪ . .‬ومن عصى الله فل‬
‫طاعة له على أحد ‪ . .‬أيها الناس ‪ ،‬أطيعوني ما أطعت الله فيكم ‪ .‬فإذا عصيت الله فل‬
‫حجرته ‪.‬‬‫طاعة لي عليكم ‪ .‬ثم نزل عن المنبر واتجه إلى بيته ‪ ،‬وأوى إلى ُ‬
‫منذ ُ‬
‫جهد الجاهد الذي كان فيه ُ‬ ‫فقد كان ينبغي أن ُيصيب ساعة من الّراحة ؛ بعد ذلك ال ُ‬
‫وفاة الخليفة ‪.‬‬
‫ذرية بعضها من بعض ‪:‬‬
‫ه عبد ُ‬
‫م جنبه إلى مضجعه ‪ ،‬حتى أقبل عليه ابن ُ ُ‬‫عمر بن عبد العزيز ما كاد ُيسل ُ‬ ‫لكن ُ‬
‫مره ـ وقال ‪ :‬ماذا تريد أن تصنع يا‬ ‫الملك ـ وكان يومئذ يتجه نحو السابعة عشرة من عُ ُ‬
‫أمير المؤمنين ؟!!‪.‬‬
‫ي ُأريد ُ أن أغفو قليل ً ؛ فلم تبق في جسدي طاقة ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬أي ب ُن َ ّ‬
‫فو قبل أن ت َُرد ّ المظالم إلى أهلها يا أمير المؤمنين ؟!!‪.‬‬ ‫فقال ‪ :‬أتغ ُ‬
‫ظهر‬‫ك سليمان ‪ .‬وإني إذا حان ال ّ‬
‫م َ‬
‫ت البارحة في ع ّ‬ ‫ي ‪ ،‬إّني قد سِهر ُ‬ ‫فقال ‪ :‬أي ب ُن َ ّ‬
‫ت في الناس ‪ ،‬ورددت المظالم إلى أهلها إن شاء الله ‪ .‬فقال ‪ :‬ومن لك يا أمير‬ ‫صّلي ُ‬
‫المؤمنين بأن تعيش إلى الظهر ؟!‪.‬‬
‫مَر ‪ ..‬وأطارت النوم من عينيه ‪ . .‬وبعثت القوة والعزم‬ ‫فألهبت هذه الكلمة عزيمة عُ َ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫ه إليه وقب ّ َ‬ ‫ُ‬
‫ل ما ب َي ْ َ‬ ‫م ُ‬
‫ي ‪ .‬فدنا منه ‪ ،‬فض ّ‬
‫ن مني أي ب ُن َ ّ‬
‫في جسده المتعب ‪ ،‬وقال ‪ :‬أد ْ ُ‬
‫صلبي من ُيعينني على ديني ‪ .‬ثم قام ‪ ،‬وأمر‬ ‫عينيه ‪ ،‬وقال ‪ :‬الحمد لله الذي أخرج من ُ‬
‫أن ُينادى في الناس ‪ :‬أل من كانت له مظلمة فليرفعها ‪. . .‬‬
‫فمن عبد الملك هذا ؟ ! ‪.‬‬
‫ما خبر هذاالفتى الذي قال عنه الناس ‪ :‬إنه هو الذي أدخل أباه في العبادة ‪ . . .‬وسلكه‬
‫مسلك الزهادة ‪.. .‬‬
‫م بقصة هذا الفتى الصالح من أولها ‪..‬‬ ‫تعالوا ن ُل ِ ّ‬
‫كان لُعمر بن عبد العزيز خمسة عشر ولدا ً فيهم ثلث بنات ‪. . . .‬‬
‫وكانوا جميعا ً على حظ موفور من التقى ‪ ،‬ومقام كبير من الصلح ‪ . .‬لكن عبد الملك‬
‫ً )‪(29‬‬
‫ن‬
‫‪ . . .‬له س ّ‬ ‫متألق ‪ .. .‬لقد كان أديبا ً أريبا‬
‫م ال ُ‬
‫إخوته ‪ ،‬وكوكبهُ ُ‬
‫)‪(28‬‬
‫كان واسطة عقد‬
‫ُ‬
‫ل الكُهول ‪.‬‬ ‫الفتيان ‪ ،‬وعق ُ‬
‫منذ ُ ن ُُعومةِ أظفاره ؛ فكان أقرب الناس سمتا ً إلى‬ ‫ثم إنه نشأ في طاعة الله جل وعز ُ‬
‫وفه من‬ ‫عمر خاصة في تقواه لله ‪ ،‬وتخ ّ‬ ‫مة ‪ ،‬وأشبههم بعبد الله بن ُ‬ ‫آل الخطاب عا ّ‬
‫معاصيه ‪ ،‬وتقّربه إليه بالطاعة ‪.‬‬
‫ن عمه عاصم قال ‪ :‬وفدت على " دمشق " ‪ ،‬فنزلت على ابن عمي عبد الملك‬ ‫دث اب ُ‬
‫ح ّ‬
‫كل منا إلى فراشه ‪ .‬فقام عبد الملك إلى المصباح‬‫وهو عزب فصلينا الِعشاء ‪ ،‬وأوى ُ‬
‫‪،‬‬

‫)‪(30‬‬
‫‪ .‬ثم إني استيقظت في جوف الليل ‪ ،‬فإذا‬ ‫ه‪ .‬وأسلم كل منا جفنيه إلى الكرى‬
‫فأطفأ ُ‬
‫ل وعّز ‪  :‬أفرأيت إن متعناهم‬‫عبد الملك قائم ُيصلي في العتمة وهو يقرأ قوله ج ّ‬

‫الِعقد ‪ :‬القلدة ‪.‬‬ ‫‪()28‬‬


‫أريبا ً ‪ :‬ماهرا ً فطنا ‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪()29‬‬
‫الكرى ‪ :‬النعاس ‪.‬‬ ‫‪()30‬‬
‫‪118‬‬
‫سنين ‪ ‬ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ‪ ‬ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون ‪.(31) ‬‬
‫ب‪...‬‬ ‫قُلو ِ‬
‫فما راعني منه إل أنه كان ُيردد الية وينشج نشيجا ً مكبوتا ً ؛ ُيقطعُ نياط ال ُ‬
‫كاُء ‪ .‬فلما رأيت ذلك ُقل ُ‬
‫ت‪:‬‬ ‫ت ‪ :‬سيقت ُل ُ ُ‬
‫ه الب ُ َ‬ ‫وكان ك ُّلما فرغ من الية عاد إليها ‪ ،‬حتى ُقل ُ‬
‫مستيقظ من النوم ؛ لقطع عليه البكاء ‪ .‬فلما‬ ‫ل إله إل الله والحمد لله ‪ .‬كما يفعل ال ُ‬
‫سمعني سكت ‪ ،‬فلم أسمع له حسا ً ‪. . . .‬‬
‫علماء عصره حتى تملى ‪ .‬من كتاب الله ‪.. .‬‬ ‫وقد تتلمذ الفتى الُعمري على أكابر ُ‬
‫قه في الدين ‪ . . .‬فغدا على حداثة سّنه ؛‬‫وتضلع )‪ (32‬بحديث رسول الله ‪ . . . ‬وتف ّ‬
‫ي َُزاحم الطبقة الولى من فقهاء أهل الشام في زمانه ‪.‬‬
‫فقد ُروي أن عمر بن عبد العزيز جمع قراء الشام وفقهاءها وقال ‪ :‬إني قد دعوتكم‬
‫لمر هذه المظالم التي في أيدي أهل بيتي ؛ فما ترون فيها ؟ ‪.‬‬
‫فقالوا ‪ :‬يا أمير المؤمنين ‪ ،‬إن ذلك أمر كان في غير وليتك ‪ .‬وإن وزر هذه المظالم‬
‫على من غصبها ‪.‬‬
‫فلم يرتح إلى ما قالوه ؟ ‪ .‬فالتفت إليه أحدهم ممن كان يرى غير رأيهم وقال ‪:‬‬
‫ابعث يا أمير المؤمنين إلى عبد الملك ‪ ،‬فإنه ليس بدون من دعوت علما ً ‪ ،‬أو فقها ً ‪ ،‬أو‬
‫عقل ً ‪.‬‬
‫مُر ‪ :‬ما ترى في هذه الموال التي أخذها بنو عمنا‬
‫فلما دخل عليه عبد الملك قال له عُ َ‬
‫ظلما ً ؟ ‪. . .‬‬
‫من الناس ُ‬
‫وقد حضر أصحابها وجعلوا يطلبونها ‪ ،‬وقد عرفنا حقهم فيها ؟ !‪.‬‬
‫كنت‬ ‫دمت قد عرفت أمرها ‪ .‬وإنك إن لم تفعل ؛ ُ‬ ‫فقال ‪ :‬أرى أن ت َُردها إلى أصحابها ما ُ‬
‫مَر ‪ ،‬وارتاحت نفسه ‪ ،‬وزال عنه ما‬ ‫ذوها ظلما ً ‪ .‬فانبسطت أساريُر عُ َ‬ ‫شريكا ً للذين أخ ُ‬
‫أهمه ‪.‬‬
‫مُهما الله ‪ .‬رضي الله عن خامس‬ ‫ط ول ولدا ً مثلُهما يرح ُ‬‫قال ميمون ‪ :‬فلم أر والدا ً ق ّ‬
‫مَر بن عبد العزيز وأرضاه ‪. . .‬‬ ‫خلفاء الراشدين عُ َ‬ ‫ال ُ‬
‫م عليهما يوم ُيبعثان مع الخيار‬‫م عليهما يوم لحقا بالرفيق العلى ‪ . . .‬وسل ُُ‬ ‫وسل ُُ‬
‫البرار ‪. .‬‬
‫سطور مضيئة ‪:‬‬
‫‪ -‬عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص ‪.‬‬
‫‪ -‬كنيته أبو حفص ‪ ،‬ولقب بالخليفة الصالح ‪ ،‬وبالملك العادل ‪ ،‬وبخامس الخلفاء‬
‫الراشدين ‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬ولد في حلوان بمصر سنة ‪ 61‬هـ ‪ ،‬حيث كان أبوه واليا على مصر حين ولدته ‪.‬‬
‫‪ -‬أمه ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب ‪.‬‬
‫‪ -‬كان من فقهاء التابعين حيث روى عن أنس بن مالك وسعيد بن المسيب وسهل بن‬
‫سعد وعبد الله بن جعفر‬
‫‪ -‬ضربته دابة في وجهه وهو غلم فجعل أبوه يمسح الدم عن وجهه ويقول ‪ " :‬إن‬
‫كنت أشج بني مروان فإنك لسعيد " وذلك لن سيدنا عمر بن الخطاب كان يقول ‪":‬‬
‫من ولدي رجل بوجهه شجة يمل الرض عدل ً " ‪ .‬رواه المامان البيهقي وابن عساكر ‪.‬‬
‫‪ -‬كان والي المدينة للوليد بن عبد الملك ووزير سليمان بن عبد الملك بالشام ‪.‬‬
‫‪ -‬بويع بالخلفة بعد موت سليمان بن عبد الملك سنة ‪ 99‬هـ فأصبح الخليفة الثامن من‬
‫سورة الشعراء ‪ :‬من الية ‪. 207 - 205‬‬ ‫‪()31‬‬
‫تضلع ‪ :‬امتل شبعا ً ورّيا ‪ ،‬وتضلع من العلوم ‪ :‬نال منها حظا ً وافرا ً ‪.‬‬ ‫‪()32‬‬
‫‪119‬‬
‫خلفاء بني أمية ‪.‬‬
‫‪ -‬بعد توليه الخلفة جمع عشرة من علماء المدينة وطلب منهم أن يكتبوا إليه بكل‬
‫ظلم أو تعدٍ على أحد ‪.‬‬
‫‪ -‬ولى على البلد والقضاء والجيش خيرة الناس وقتها كالحسن البصري والشعبي‬
‫والفزاري وعبد الرحمن الغافقي وإياس بن معاوية والسمح بن مالك الخولني وغيرهم‬
‫‪.‬‬
‫‪ -‬حارب الخوارج وانتصر عليهم بعد خروجهم عليه ‪.‬‬
‫‪ -‬كان شديد المحاسبة لولته ‪.‬‬
‫‪ -‬قال عنه الصحابي الجليل أنس بن مالك ‪ " :‬ما رأيت أحدا ً أشبه صلةً بصلة‬
‫برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى " ‪.‬‬
‫‪ -‬عده الشافعي من الخلفاء فقال ‪ :‬الخلفاء خمسة أبوبكر وعمر وعثمان وعلي وعمر‬
‫بن عبد العزيز ‪.‬‬
‫‪ -‬غزا بلد الروم ووصلت جيوشه بقيادة السمح بن مالك الخولني إلى فرنسا ‪.‬‬
‫‪ -‬أعطى الفقراء وزوج الشباب وامتلت خزائن بيت مال المسلمين في عهده ولم‬
‫يجدوا فقيرأ يعطونه ‪.‬‬
‫‪ -‬مات وهو بن تسع وثلثين سنة ونصف‬
‫التقويم ‪:‬‬
‫أذكر نسب عمر بن عبد العزيز لبيه ولمه ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫وضح الجوانب التي أثرت في شخصية التابعي عمر عبد العزيز ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫أذكر جهود عمر بن عبد العزيز في طلبه العلم ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫اشرح مؤهلت عمر بن عبد العزيز لخلفة المسلمين ‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫اربط بين زهد عمر بن عبد العزيز وعدله في الحكم ‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫علــل ‪ :‬عــد ّ بعــض المــؤرخين عمــر بــن عبــد العزيــز مــن الخلفــاء‬ ‫‪-6‬‬
‫الراشدين ‪.‬‬
‫صف الحالة الجتماعية في عهد عمر بن عبد العزيز ‪.‬‬ ‫‪-7‬‬
‫أذكر طائفة من مناقب عمر بن عبد العزيز في الزهد والورع ‪.‬‬ ‫‪-8‬‬
‫أذكر طائفة من مناقب عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز وما تعلمته‬ ‫‪-9‬‬
‫منها ‪.‬‬
‫أذكر أبرز القيم الــتى تعلمتهــا مــن دراســتك لشخصــية عمــر بــن عبــد‬ ‫‪-10‬‬
‫العزيز ‪.‬‬
‫ً‬
‫أذكر أبرز المواقف التى تأثرت بها شخصيا مــن حيــاة عبــد الملــك بــن‬ ‫‪-11‬‬
‫عمر بن عبد العزيز ‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫الفصل الخامس‬

‫العقيدة‬
‫من آثار اليمان‬

‫من آثار اليمان‬


‫الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يحدد آثار اليمان ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يوضح بعض آثار اليمان ‪.‬‬
‫وم نفسه فى تحقق كل أثر من آثار اليمان ‪.‬‬ ‫‪ -5‬أن يق ّ‬
‫*********************‬
‫مقدمة ‪:‬‬
‫إن لليمان فى حياة الفرد أهمية كبيرة جدا وذلك أن نور اليمان عندما يدخل فى‬
‫القلب يبدد جميع الظلمات ويحرق جميع الشهوات قال تعالى ‪ " :‬بل نقذف بالحق‬
‫على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق " ‪ .33‬وكذلك فاليمان يصنع المعجزات ويتخطى كل‬
‫الحدود والمقاييس الرضية ‪ ،‬كما أن لليمان دورا ً فى تقويم السلوك وحل المشكلت‬
‫وعندما يدخل اليمان إلى قلب العبد وتشتعل جذوته تتبعه العديد من التغيرات القلبيه‬
‫والحياتية للعبد ‪.‬‬
‫أ‪ -‬الثار اليمانية فى حياة الفرد يمكن أن نذكر منها ما يلى ‪:‬‬
‫‪ -2‬التوكل على الله عز وجل ‪.‬‬ ‫‪ -1‬التوحيد الخالص والخلص لله ‪.‬‬
‫‪ -4‬المحبة والنس بالله ‪.‬‬ ‫‪ -3‬المراقبة والتقـوى ‪.‬‬
‫‪ -6‬القوة والعزة والنصر والتمكين ‪.‬‬ ‫‪ -5‬العطاء والتضحية ‪.‬‬
‫‪ -8‬الطمئنان على الرزق ‪.‬‬ ‫‪ -7‬البركة والولية والنجاة والمعية ‪.‬‬
‫‪ -9‬الطمأنينة والرضا ‪.‬‬

‫النبياء ) ‪(18‬‬ ‫‪33‬‬

‫‪121‬‬
‫ب ‪ :‬وعند تناول كل أثر مما ذكرنا يتم توضيحه بذكر أمثلة من القرآن والسيرة‬
‫وبعض الجوانب التطبيقية فى حياة الفرد ‪.‬‬
‫وم الفرد مدى تحقق كل أثر من آثار اليمان فى نفسه باستخدام‬ ‫ج – أن بق ّ‬
‫استبانة أو ورشة عمل أو الثنين معا ً‬

‫‪ 1‬ـ التوحيد الخالص والخلص ‪ :‬ـ‬


‫الله تبارك وتعالى هو رب كل شئ وهو الذى يستحق وحده العبادة وهو الذى‬
‫يستحق الخضوع والتعظيم وهو الولى بالحب‪ ،‬قال تعالى‪ " :‬قل أغير الله أبغى‬
‫‪35‬‬
‫ربا ً وهو رب كل شئ "‪ 34‬وقال عز وجل ‪" :‬والذين آمنوا أشد حبا لله "‬
‫لذا يجب التسليم الكامل لله تبارك تعالى فى كل أمر من المور " فل وربك ل‬
‫يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم ل يجدوا فى أنفسهم حرجا‬
‫‪36‬‬
‫مما قضيت ويسلموا تسليما "‬
‫‪37‬‬
‫وكذلك الستعانه بالله وحده " إياك نعبد وإياك نستعين " ومن اليمان تعظيم‬
‫شعائره " ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب " ‪ . 38‬وكما أن‬
‫التوحيد ضرورى وهام فإن الخلص والنية هى صلح العمل وقبوله ‪.‬‬
‫قال تعالى ‪ " :‬فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عمل صالحا ول يشرك‬
‫بعبادة ربه أحدا "‪ ،39‬وفى الحديث يقول رسول الله ‪ " ‬إنما العمال بالنيات وإنما‬
‫لكل إمرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن‬
‫كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه"‪ ) ،40‬من سأل‬
‫الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه ( رواه مسلم‬
‫وأصحاب السنن ‪.‬‬
‫وغاية المسلم الذى يسعى إليها هو رضا الله عز وجل وذلك ل ينال إل بقصده تعالى‬
‫وحده والخلص له‪ .‬والمسلم الذى يسعى إلى رضا الله لبد أن يكون أمامه هدف‬
‫واضح يجد فى السعى إليه ويسابق العمر فى تحصيله ومن ثم يدرك أنه لن يصل إلى‬
‫غايته إل بالخلص لله تعالى ‪ .‬روى عن المام أحمد بن حنبل أنه قيل له وهو فى‬
‫الحجاز ‪ " :‬إن الناس من هنا إلى بلد الترك يدعون لك فكيف تؤدى شكر ما أنعم الله‬
‫به على ما بث لك فى الناس؟ " فقال ‪" :‬أسأل الله أل يجعلنا مرائين" ‪.‬‬

‫‪ :2‬التوكل على الله عز وجل ‪ :‬ـ‬


‫التوكل هو صدق اعتماد القلب على الله عز وجل فى استجلب المصالح ودفع‬
‫المضار ‪ ،‬والتوكل هو شرط اليمان ‪ ،‬وكذلك هو مظهره قال تعالى ‪ " :‬وعلى الله‬
‫‪41‬‬
‫فتوكلوا إن كنتم مؤمنين "‬
‫والتوكل على الله تبارك وتعالى واضح فى سير النبياء والمرسلين ‪ ،‬وفى حياة أولى‬
‫العزم من الرسل موسى وإبراهيم ومحمد ‪ : ‬فسيدنا موسى يجيب قومه حين‬
‫يقولون ‪ " :‬إنا لمدركون " فيقول ‪ " :‬كل إن معى ربى سيهدين "‪ ، 42‬وإبراهيم‬
‫يترك زوجته هاجر بمكان قاحل ويدعو ربه ويقول ‪ " :‬ربنا إنى أسكنت من ذريتى‬
‫‪ 234‬النعام )‪(164‬‬
‫‪ 35‬البقرة )‪(165‬‬
‫‪ 36‬النساء )‪(65‬‬
‫‪ 37‬الفاتحة )‪( 5‬‬
‫‪ 38‬الحج ) ‪( 32‬‬
‫‪ 39‬الكهف )‪(110‬‬
‫‪ 40‬رواه البخارى ومسلم‬
‫‪ 41‬المائدة )‪(23‬‬
‫‪ ( 42‬الشعراء ‪62‬‬
‫‪122‬‬
‫بواد غير ذى ذرع عند بيتك المحرم " ‪ .‬والزوجة المؤمنة تسأله ‪ :‬آ الله أمرك‬
‫بهذا ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ .‬قالت ‪ :‬إذا ً لن يضيعنا ‪ .‬وكذلك النبى ‪ ‬يخرج للهجرة إلى المدينة‬
‫والعداء أمام باب داره ويحثو على رءوسهم التراب ويقول شاهت الوجوه ‪ ،‬وتراه‬
‫يطمأن أبى بكر وهما فى الغار وأبوبكر يقول ‪ :‬يارسول الله لو نظر أحدهم تحت‬
‫قدميه لرآنا ويقول ‪ " :‬يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما " ‪ .‬وهذا التوكل على الله‬
‫عز وجل ل يعنى إهمال الخذ بالسباب ‪ .‬فرعاية السباب والسنن الكونية فريضة‬
‫دينية يقتضى أن تأخذ بها ولكن ل تركن إلى السباب ‪.‬‬
‫فعليك ‪:‬‬
‫بب بببب بببببببب بببب ببببببب بببببب بببببب ‪.‬‬
‫بببب بببب بب بببب ببب ببببببب بب ببببب ببببب بب ببب بب ببببببب‬
‫بب ببب ب بببببب بببببببب بببب بببببب ببببب ببببببب ببببب‬
‫بببب ‪.‬‬

‫‪ : 3‬المراقبة والتقوى ‪:‬‬


‫واليمان يورث القلب المراقبة لله والتقوى منه سبحانه وتعالى ‪ .‬والمراقبة حين‬
‫تستقر فى القلب ترتفع بالنسان إلى آفاق عالية من النور والشفافية ‪ ،‬فعلى المسلم‬
‫أن يراقب الله فى سره وعلنيته وعلى كل حال من الحوال ‪ ،‬قال تعالى ‪ " :‬إن الله‬
‫كان عليكم رقيبا "‪ 43‬فمن كان الله مراقبه فليحذر أن يراه الله تعالى على حال‬
‫من تقصير أوتفريط ‪0‬‬
‫وفى المراقبة سعادة الفرد فى الدنيا والخرة ‪ ،‬وذلك من قصة الغلم الذى كان‬
‫يرعى الغنم فى الصحراء وأراد سيدنا عمر أن يختبر صدق إيمانه بأن يبيعه شاة‬
‫ويقول لسيده أكلها الذئب ‪ ،‬فرد على سيدنا عمر‪ :‬إن كان رب الغنم ) صاحبها ( ل‬
‫يرانا ‪ .‬فإن الله يرانا ‪ .‬وكذلك المرأة التى تقول لبنتها أمزجى اللبن بالماء فإن أمير‬
‫المؤمنين ل يرانا ‪ ،‬فتقول البنت ‪ :‬إن كان أمير المؤمنين ل يرانا فرب أمير المؤمنين‬
‫يرانا ‪ .‬وموقف سيدنا سهل بن عبد الله التسترى وهو يحكى لنا ذلك فيقول ‪ :‬كنت‬
‫ابن ثلث سنين أقوم بالليل فأنظر إلى صلة خالى ) محمد بن سوار ( فقال لى‬
‫يوما ً ‪ :‬أل تذكر الله الذى خلقك ؟ فقلت ‪ :‬كيف أذكره ؟ فقال ‪ :‬قل بقلبك عند تقلبك‬
‫ى ‪ ،‬الله‬
‫فى فراشك ثلث مرات من غير أن تحرك لسانك ‪ :‬الله معى ‪ ،‬الله ناظر إل ّ‬
‫شاهدى ‪ ،‬فقلت ذلك ليالى ثم أعلمته فقال ‪ :‬قل كل ليلة سبع مرات فقلت ثم‬
‫أعلمته ‪ ،‬فقال قل ذلك كل ليلة إحدى عشر مرة فقلته فوقع فى قلبى حلوة فلما‬
‫كان بعد سنة قال لى خالى ‪ :‬احفظ ما علمته ودم عليه إلى أن تدخل القبر فإنه‬
‫ينفعك فى الدنيا والخرة ‪ :‬فلم أزل على ذلك سنين فوجدت لذلك حلوة فى‬
‫سرى ‪ ،‬ثم قال لى خالى يوما يا سهل ‪:‬‬
‫اا ااا اااا ااا ااااااااااا ا اااااا ‪ 00‬اااااا ا اااا‬
‫اااااااا ‪00‬‬
‫وأصبح سهل ـ رحمه الله ـ من كبار العارفين وهى ـ أى المراقبة ـ حقيقة ينبغى أن‬
‫يعيش بها النسان دوما ‪0‬‬
‫كما أن اليمان بالملئكة يعين على الستقامة على أمر الله عز و جل ‪ :‬فإن من‬
‫يستشعر بقلبه وجود الملئكة جنود الرحمن ويؤمن برقابتهم لعماله وأقواله‬
‫وشهادتهم على كل ما يصدر عنه ليستحي من الله ومن جنوده فل يخالفه ول‬

‫‪ 243‬النساء )‪(1‬‬
‫‪123‬‬
‫يعصيه ل في العلنية ول في السر إذ كيف ذلك وهو يعلم أن كل شيء محسوب‬
‫ومكتوب ومشهود عليه‬

‫تطبيق عملى‬

‫أكثر من القول‬
‫ى ‪ ،‬الله شاهدى‬
‫الله معى ‪ ،‬الله ناظر إل ّ‬

‫من كان الله معه وناظرا ً إليه ‪ ،‬وشاهده ‪ 00‬أيعصيه ؟ إياك والمعصية ‪00‬‬

‫‪ : 4‬ـ المحبة والنس بالله ‪:‬‬


‫قالوا عن معنى المحبة ‪ :‬هي ‪:‬‬
‫• الميل الدائم بالقلب الهائم ‪0‬‬
‫• موافقة الحبيب ‪0‬‬
‫• استكثار القليل منه واستقلل الكثير من نفسك‪.‬‬
‫• أن تهب كلك لمن أحببت فل يبقى لك منك شئ ‪0‬‬
‫• أن تمحو من القلب ما سوى المحبوب ‪0‬‬
‫• ميلك إليه بكليتك ثم إيثارك له على نفسك وروحك ومالك ‪ ،‬ثم موافقتك له سرا‬
‫وجهرا ‪ ،‬ثم علمك ‪ ،‬بتقصيرك فى حبه ‪0‬‬
‫فالمحبة إذن هى المنزلة التى فيها تنافس المتنافسون وإليها شمر السابقون وبروح‬
‫نسماتها تروح العابدون ‪ ،‬فهى قوت القلوب وغذاء الرواح ‪ ،‬وقرة العيون ‪ ،‬وهى الحياة‬
‫التى من حرمها فهو فى جملة الموات ‪ ،‬والنور الذى من فقده فهو فى بحار الظلمات‬
‫‪ ،‬فهى تحمل النفس وتوصل أصحابها إلى منازل لم يكونوا بالغيها إل بشق النفس ‪0‬‬
‫ااا ااا ااا ااااااا اااا اااااا ااااااا ااا ااااا‬

‫من تحب ؟‬
‫إن اليمان يجعل القلب يفيض بحب الله عــن كــل مــا ســواه ‪ .‬ذلــك لن المســتحق‬
‫للمحبة هو الله وحده يقول الله تعالى ‪ " :‬ومن الناس مــن يتخــذ مــن دون اللــه‬
‫أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا للــه "‪ 44‬ويقــول تعــالى " يــا‬
‫أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يــأتى اللــه بقــوم يحبهــم‬
‫ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون فى سبيل الله‬
‫ول يخافون لومة لئم "‪ .45‬ومن هنا نجــد أن أنفــع المحبــة علــى الطلق وأوجبهــا‬
‫وأعلها وأجلها محبة من جبلت القلوب على محبته وفطرت الخليقة على تأليهه‬

‫البقرة )‪(165‬‬ ‫‪44‬‬

‫المائدة )‪(54‬‬ ‫‪45‬‬

‫‪124‬‬
‫يقول ابن القيم رحمه الله ‪ :‬من أعجب الشياء أن تعرفه ثم ل تحبه ‪ ،‬أو أن تسمع‬
‫داعيه ثم تتأخر عن إجابته ‪ ،‬وأن تعرف قدر الربح فى معاملته ثم تعامل غيره ‪ ،‬وأن‬
‫تعرف قدر غضبه ثم تتعرض له ‪ ،‬وأن تذوق ألم الوحشة فى معصيته ثم ل تطلب‬
‫النس بطاعته ‪ ،‬وأن تذوق عصرة القلب عند الخوض فى غير دينه والحديث عنه ثم ل‬
‫تشتاق إلى انشراح الصدر بذكره ومناجاته ‪ ،‬أو أن تذوق العذاب عند التعلق بغيره ول‬
‫تهرب منه إلى نعيم القبال عليه والنابة إليه أ وأعجب من هذا علمك أنك لبد لك منه‬
‫وأنك أحوج شئ إليه وأنت عنه معرض وفيما يبعدك عنه راغب " ‪ .‬فإن المحبة لله عز‬
‫وجل توجب النس بطاعة الله ‪ ،‬والذل ‪ ،‬والخضوع ‪ ،‬والنكسار بين يدى الله سبحانه ‪،‬‬
‫والعتراف بالذنب والتقصير فى جنب الرب تبارك وتعالى ‪.‬‬

‫فهل تحب الله حقا ً ؟ ) أجب عن السئلة التالية (‬ ‫•‬


‫بببب بببب ‪ :‬بب ‪:‬‬
‫‪ -‬بببب بببببب ببببب ببب بببببب ببببب ب‬
‫‪ -‬بببب ببببب ببببب ببب بببببب ببب بببب بببببب ب‬
‫‪ -‬بببب بب ببببببب ببببب ببب ببببب ببب ب‬
‫‪ -‬ببببب بببب بببب بب بب ببب بب ب‬
‫‪ -‬بببب ببب بببب بب بب ببببب بببببب ب‬
‫‪ -‬بببب بب ببب بببب ‪ .‬ببببب ببببب بببببببببب ب‬
‫‪ -‬بببب بب ببببب بب بب ببب بببب ببب ببببب ببببب ب‬
‫‪ -‬بببب بببب بببببببب ببب بب بببب بببب ببب بببب‬
‫بببب بببب ب‬
‫‪ -‬بببب بببب ببب بببب ببببب ب‬
‫‪ -‬ببب بب بببببب ببببب ببب بببب ببب بببب ب‬
‫‪ -‬ببب بببب بببب بببببب بب بببببببب بب ببببببب ب‬
‫‪ -‬ببب ببببب بببببب ببببببب ببب ببب بببب بببب ب‬
‫‪ -‬بببب بب بببب بب بببببب ببب بببببببب بببببب ببب‬
‫بببببببب‬
‫‪ -‬بببب ببببب بببببب بببببب بب بببب بببب ب‬

‫بإجابتك على هذه السئلة وأمثالها تستطيع أن تقيس مدى محبتك لله عز‬
‫وجل وتقف على جوانب القصور في نفسك وتستكمل طاعتك لله حتى‬
‫تتحول هذه المحبة لله من زعم إلى حقيقة واقعة ‪.‬‬
‫إن المحب لمن يحب مطيع‬ ‫لو كان حبك صادقا ً لطعته‬

‫‪ : 5‬العطاء والتضحية ‪ :‬ـ‬


‫سوف يظل اليمان خامل ً إن لم يبرز عنه عطاء غير محدود وتضحية عزيزة ‪0‬و‬
‫كيف ل والحق سبحانه وتعالى يقول ‪ " :‬إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم‬
‫وأموالهم بأن لهم الجنة "‪ . 46‬بل ونجد الحق سبحانه وتعالى يجعل الجهاد‬
‫" إنما المؤمنون الذين آمنوا‬ ‫والتضحية من موازين اليمان فيقول سبحانه ‪:‬‬
‫بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم فى سبيل الله‬
‫أولئك هم الصادقون "‪ .47‬والرسول صلى الله عليه وسلم أول من ضحى بوقته‬
‫كله ‪ ،‬وجهده وأهله وعشيرته ووطنه وماله والسيرة النبوية الشريفة مليئة بصور‬

‫( التوبة ‪111‬‬ ‫‪46‬‬

‫( الحجرات ‪15‬‬ ‫‪47‬‬

‫‪125‬‬
‫عديدة لهذا العطاء وتلك التضحية – وكيف ل وهو القدوة الحسنة لمن كان يرجو الله‬
‫واليوم الخر – ولقد رأينا فى حياة الصحابة والصالحين نماذج من العطاء والتضحية‬
‫كثيرة ‪ ،‬فهذا على بن أبى طالب كرم الله وجهه ينام فى فراش النبى صلى الله عليه‬
‫وسلم يوم الهجرة وهو يعرف أنه هدف للمتآمرين من المشركين ويقول بعض‬
‫المفسرين أنه نزل فيه قول الحق سبحانه وتعالى فى سورة البقرة ‪ " :‬ومن الناس‬
‫من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد " ‪ .‬وها هم الصحابة‬
‫رضوان الله عليهم يهاجرون فى سبيل الله ويتركون الديار والوطان والقارب‬
‫والرحام ‪ .‬وها هو أبو بكر يضرب أروع المثلة فى النفاق فى سبيل الله فينفق ماله‬
‫كله فى سبيل الله ‪ .‬أخرج أبو داود فى الزهد بسنده عن عروة بن الزبير قال ‪ :‬أسلم‬
‫أبو بكر وله أربعون ألف درهم ‪ ،‬قال عروة ‪ :‬أخبرتنى عائشة رضى الله عنها أنه مات‬
‫وما ترك دينارا ً ول درهما ً " ‪ .‬وقد أعتق أبو بكر ست رقاب فى سبيل الله ‪ .‬ويأخذ ماله‬
‫كله فى الهجرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وها هو أبوبكر وعمر يتنافسان‬
‫فى البذل والتضحية فى سبيل الله ‪ ،‬عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال ‪ :‬أمرنا‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ً أن نتصدق ‪ ،‬فوافق ذلك مال ً عندى ‪ .‬فقلت‬
‫اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما ً ‪ ،‬فجئت بنصف مالى ‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ " :‬ما أبقيت لهلك ؟ " فقلت مثله ‪ .‬وأتى أبو بكر بكل ما عنده ‪ ،‬فقال له‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬ما أبقيت لهلك ؟ " قال ‪ :‬أبقيت لهم الله‬
‫ورسوله ‪ .‬قلت ل أسابقك إلى شيء أبدا "‪ . 48‬وأبو أيوب النصارى مع كبر سنه يصر‬
‫على الشتراك فى القتال مع وجود أولده فى ساحة الميدان ‪ 0‬ول عجب فاليمان‬
‫يصنع العاجيب فى هذا الشأن فسحرة فرعون الذين يطمعون فى الجر المجزى من‬
‫فرعون إن أفلحوا ‪ " :‬أئن لنا لجرا ً إن كنا نحن الغالبين " ‪49‬ويعدهم ‪ " :‬نعم‬
‫وإنكم لمن المقربين "‪ . 50‬فلما انتصر الحق واندحر السحر ودخل نور اليمان فى‬
‫قلوب السحرة ‪ ،‬وقالوا " آمنا برب هارون وموسى " وتوعدهم فرعون بقوله ‪" :‬‬
‫لقطعن أيديكم وأرجلكم من خلف ولصلبنكم فى جذوع النخل " ‪" .‬‬
‫قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذى فطرنا فاقض ما أنت‬
‫ض إنما تقض هذه الحياة الدنيا ‪ .‬إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما‬ ‫قا ِ‬
‫‪51‬‬
‫أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى "‬

‫ضحين فى سبيل الله ؟‬ ‫• هل أنت من الم ّ‬


‫من سمات المضحى ‪:‬‬
‫‪ -‬يعطي عطاًء غير محدود ‪.‬‬
‫‪ -‬يبذل أغلى ما يملك فى سبيل الله من ) وقت ومال وجهد ونفس ‪( ...‬‬
‫‪ -‬وفى ورشة العمل يمكن مناقشة هذه النقطة مع الفراد والخروج بسمات‬
‫أخرى من الواقع ثم باستخدام استبانة يتم تسجيل هذه السمات فيها ويقوم كل‬
‫فرد بتقويم نفسه بأن يراجع هذه السمات فى نفسه ليستطيع الوقوف على‬
‫حاله ‪ :‬هل هو فعل ً من المضحين فى سبيل الله ؟‬

‫القوة والعزة والنصر والتمكين ‪ :‬ـ‬


‫بل شك أن صاحب اليمان يكون قويا وذلك لنه يلجا إلى القوى وهذه صفة من‬
‫صفات الله ‪ .‬يركن إليه ول يخاف من أحد سواه فهو صاحب الحماية ومنه الهداية ‪0‬‬

‫رواه الترمذى وقال حديث حسن صحيح‬ ‫(‬ ‫‪48‬‬

‫الشعراء ‪41‬‬ ‫(‬ ‫‪49‬‬

‫الشعراء ‪42‬‬ ‫(‬ ‫‪50‬‬

‫طه ‪73-72‬‬ ‫(‬ ‫‪51‬‬

‫‪126‬‬
‫كما يحرر النفس من سيطرة الغير ‪ ،‬وذلك أن اليمان يقتضي القرار بأن الله هو‬
‫المحيي المميت الخافض الرافع الضار النافع ‪.‬‬
‫" قل ل أملك لنفسى نفعا ً ولضرا ً إل ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب‬
‫ى السوء إن أنا إل نذير وبشير لقوم‬ ‫سن ِ َ‬
‫لستكثرت من الخير وما م ّ‬
‫‪52‬‬
‫يؤمنون "‬
‫يقول الستاذ سيد قطب ‪ " :‬التعبد لله الواحد يرفع النسان عن العبودية لسواه‬
‫ويقيم في نفسه المساواة مع جميع العباد فل يذل لحد ول يحني رأسه لغير الواحد‬
‫القهار ومن هنا يأتى النطلق التحرري الحقيقي للنسان لنه ليس هناك إل قوة واحدة‬
‫‪53‬‬
‫وإله معبود واحد "‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫التحرر من العبوديـة للعبـاد لنهـم ل يملكـون لنفسـهم نفعـا ول ضـرا فضـل عـن أن‬
‫يملكوه لغيرهم ‪ .‬فيورث ذلك المؤمن العزة وعلو النفس فل يزل إل لله الكبير المتعال‬
‫‪.‬‬
‫كما أن هذه العقيدة تنزع عن صاحبها كل مظهر للجبن والخور فيندفع فى جهاد‬
‫الكفار والطغاة ل يخشى على رزق ول على أجل ‪ ،‬لنه علم انه لن تموت نفس حتى‬
‫تستوفى اجلها ورزقها‬
‫در‬‫در أم يـوم ق ّ‬‫يـوم ل ق ّ‬ ‫وصدق من قال ‪ :‬أى يومى من الموت أفــر‬
‫ومن المقدور ل ينجو الحذر‬ ‫در ل أرهبـه‬ ‫يـوم ل قــ ّ‬
‫قال تعالى ‪ " :‬إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله ل يحب كل خوان‬
‫كفور "‪ . 54‬فمتى دخل اليمان إلى قلب المسلم أورث صاحبه قوة كبيرة ‪ ،‬وذلك‬
‫لنه يركن إلى الله تبارك وتعالى القوى المتعال ‪ ،‬الذى ل تأخذه سنة ول نوم ‪ .‬كما‬
‫أن اليمان يجعل المؤمن يشعر بالعزة والستعلء والمنعة ‪.‬‬
‫حقا ً إن العزة الحقيقية تكمن فى صاحب اليمان ولقد ربى النبى ‪ ‬الصحابة على‬
‫العزة ‪ ،‬ذلك أن العز الحقيقى فى جوار الله تبارك وتعالى وهى صفة من صفاته تعالى‬
‫فهو المعز ‪ ،‬وكما قال تعالى ‪ " :‬من كان يريد العزة فلله العزة جميعا "‪" 55‬‬
‫‪56‬‬
‫ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين ل يعلمون "‬
‫ولقد أوصى النبى فى حديث بن عباس " إذا سألت فاسأل الله ……‪ " .‬دليل العزة‬
‫وأن النسان ل يتوجه بالسؤال ال إلى الله تبارك وتعالى ‪0‬‬
‫فى غزوة أحد لما انهزم المسلمون أراد أحد المشركين أن يستعلى على‬
‫المسلمين فقال‪ " :‬أعل هبل " فطلب رسول ‪ ‬من عمر بن الخطاب أن يرد عليه‬
‫) قل الله أعلى وأجل ( ‪.‬‬ ‫‪ ،‬قال عمر‪ :‬وماذا نقول؟ قال ‪‬‬
‫كما أن اليمان يبعث في النفس احتقار الموت والرغبة في الستشهاد من أجل‬
‫الحق ‪:‬‬
‫} إذ أن اليمان يوحي بأن واهب العمر هو الله ‪ ،‬وأنه ل ينقص بالقدام ول يزيد‬
‫بالحجام ‪ ،‬فكم من إنسان يموت وهو على فراشه الوثير ‪ ،‬وكم من إنسان ينجو وهو‬
‫يخوض غمرات المعارك والحروب ‪ " ! ..‬وما كان لنفس أن تموت إل بإذن الله‬
‫كتابا ً مؤجل " ) آل عمران ‪. 57{ ( 145‬‬
‫أما النصر فهو قانون من الله تبارك وتعالى ‪ ،‬قال تعالى " إنا لننصر رسلنا‬
‫والذين آمنوا فى الحياة الدنيا ويوم يقوم الشهاد " ‪ " 58‬ولقد أرسلنا‬
‫( العراف ‪188‬‬ ‫‪52‬‬

‫( فى ظلل القرآن الشهيد سيد قطب‬ ‫‪53‬‬

‫الحج )‪(38‬‬ ‫‪54‬‬

‫فاطر )‪(10‬‬ ‫‪55‬‬

‫المنافقين ) ‪( 8‬‬ ‫‪56‬‬

‫( العقائد السلمية للشيخ السيد سابق ‪.‬‬ ‫‪57‬‬

‫سورة غافر )‪( 51‬‬ ‫‪58‬‬

‫‪127‬‬
‫من قبلك رسل إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فانتقمنا من الذين‬
‫أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين "‪ 59‬قانون النصر مع الفئة المؤمنة‬
‫ليس مرتبطا بعدد ول قوة ‪ ،‬وإنما النصر يرتبط ارتباطا حقيقيا باليمان ‪ ،‬لذلك فلبد‬
‫لمن يريد النصر أن يستكمل جوانب اليمان ‪ ،‬وأن يستيقين كل منا أن النصر مع‬
‫اليمان وأن يقدم على الله تبارك وتعالى ‪ ،‬وكما قال ابن القيم " من استطال‬
‫الطريق ضعف مشيه "‬
‫إن وعد الله بالستخلف والتمكين ل يتحقق إل بشرط اليمان والعمل كما‬
‫قال تعالى ‪" :‬وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى‬
‫الرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذى‬
‫ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدوننى ل يشركون بى‬
‫‪60‬‬
‫شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون "‬
‫يقول الشهيد سيد قطب " إن حقيقة اليمان التى يتحقق بها وعد الله حقيقة‬
‫ضخمة تستغرق النشاط النسانى كله وتوجه النشاط النسانى كله ‪ 0‬فما تكاد تستقر‬
‫فى القلب حتى تعلن عن نفسها فى صورة عمل ونشاط وبناء وانشاء موجه كله إلى‬
‫الله ل يبتغى به صاحبه إل وجه الله وهى طاعة لله واستسلم فى المر فى الصغيرة‬
‫والكبيرة ل يبتغى معها هوى فى النفس ول شهوة فى القلب إل هو يتبع لما جاء به‬
‫‪61‬‬
‫الرسول ‪" ‬‬
‫كما أن اليمان يعين على الصبر ومواصلة الجهاد في سبيل الله تعالى وعدم اليأس‬
‫والشعور بالنس والطمأنينة ‪ :‬فهذه المعاني من لوازم اليمان بالملئكة ‪ ،‬وما أخبر‬
‫الله من أفعالها وأحوالها ‪ ،‬فعندما يضل الركب عن الطريق وتسود الجاهلية الجهلء‬
‫ويصبح المؤمن غريبا ً في وطنه وبين أهله وقومه ويجد منهم الصدود والستهزاء‬
‫والتخذيل والتثبيط عن طاعة الله والستقامة على أمره ‪ ،‬في هذه الغربة يجد المؤمن‬
‫أنيسا ً ورفيقا ً يصحبه ويرافقه ويواسيه ويصبره ويطمئنه ويشجعه على مواصلة السير‬
‫على درب الهدى ‪ ،‬فهذه جنود الله معه تعبد الله كما يعبد وتتجه إلى خالق السماوات‬
‫كما يتجه وتبارك خطواته وتشد من أزره وتذكره بالخير عند ربه ‪ ،‬فهو إذا ً ليس وحده‬
‫في الطريق إلى الله ولكنه يسير مع الركب العظيم ومع الكثرية من مخلوقات الله‬
‫عز و جل مع الملئكة الكرام ومع النبياء عليهم السلم ومع السموات والرض ‪ ،‬فهو‬
‫الكثر رفيقا ً وهو القوى سندا ً فتجعله هذه المشاعر الصادقة صابرا ً مطمئنا ً ل يزيده‬
‫صدود الناس إل ثباتا ً وجهادا ً ‪.‬‬

‫راجع نفسك ‪ :‬هل ‪..‬‬

‫‪ -‬ل تركن إل إلى الله ؟‬


‫‪ -‬ل تخاف أحدا ً سوى الله ؟‬
‫‪ -‬تشعر بالعزة والستعلء بإيمانك ؟‬
‫‪ -‬إذا سألت تسأل الله وحده ‪ .‬وإذا استعنت استعنت بالله‬
‫وحده ؟‬
‫‪ -‬تسعى لتحقيق شرط النصر فتنصر الله على نفسك ؟‬
‫‪ -‬تثق فى أن نصر الله للمؤمنين ؟‬

‫‪ : 7‬ـ البركة والولية والمعية ‪ :‬ـ‬


‫الـروم )‪( 47‬‬ ‫‪59‬‬

‫النور ) ‪( 55‬‬ ‫‪60‬‬

‫فى ظلل القرآن للشهيد سيد قطب جـ ‪4‬‬ ‫‪61‬‬

‫‪128‬‬
‫البركة أساسها اليمان قال تعالى ‪ " :‬ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا‬
‫لفتحنا عليهم بركات من السماء والرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا‬
‫يكسبون " ‪ 62‬فإذا وجد اليمان وجد معه أسباب الحياة والسعادة وكانت البركة ‪0‬‬
‫والمعية هى رأس كل شئ والمؤمن يكفيه أن الله معه ويرعاه ‪ ،‬ومن كان الله‬
‫معه فل يخاف ول يجبن‪ .‬فحين خاف أصحاب موسى من فرعون وجنوده أجابهم إجابة‬
‫من يوقن بمعية الله تعالى ‪) :‬إن معى ربى( "فلما تراءى الجمعان قال أصحاب‬
‫‪63‬‬
‫موسى إنا لمدركون ‪ 0‬قال كل إن معى ربى سيهدين "‬
‫وكذلك فعل ‪ ‬مع أبى بكر فى الغار فقال له‪ " :‬يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما‬
‫"‬
‫وموقف سيدنا عبد الله بن مسعود أثناء جهره بالقرآن وهو ضعيف فيقول " دعونى‬
‫‪64‬‬
‫فإن الله يسمعني "‬
‫والولية فهى قرين اليمان ‪ ،‬فالله تبارك وتعالى يقول ‪ " :‬الله ولى الذين آمنوا‬
‫يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت‬
‫يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون‬
‫"‪. 65‬‬

‫وم نفسك ‪:‬‬


‫‪-‬ق ّ‬
‫تشعر ببركة الطاعة ؟‬ ‫هل‬
‫إذا حزبك أمر تلجأ إلى الله تطلب منه المدد والعون ؟‬ ‫هل‬
‫تستشعر معية الله ورعايته لك – حال طاعتك له ؟‬ ‫هل‬
‫توقن بمعية الله وحفظه للمؤمنين ؟‬ ‫هل‬
‫تستشعر قرب الله منك فى دعائك وصلتك ؟‬ ‫هل‬

‫‪8‬ـ الطمئنان على الرزق ‪:‬‬


‫} اليمان يقتضي العتقاد بأن الله هو الرازق وأن الرزق ل يسوقه حرص حريص‬
‫ول يرده كراهية كاره ‪ ،‬قال تعالى ‪ " :‬وما من دابة في الرض إل على الله‬
‫رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين ") هود ‪ . ( 6‬وهذه‬
‫العقيدة إذا سيطرت على النفس تخلص النسان من رذيلة البخل والحرص والشره‬
‫والطمع ‪ ،‬ويتصف بفضيلة الجود والبذل والسخاء والنفة والعفة وكان إنسانا ً مأمول‬
‫‪66‬‬
‫الخير مأمون الشر ‪{ .‬‬
‫بل يتسع أثر اليمان إلى أبعد من ذلك حتى تشمل الحياة الطيبة في الدنيا‬
‫والخرة ‪ ،‬وتتمثل هذه الحياة الطيبة في ولية الله للمؤمن وهدايته له ونصره له على‬
‫أعدائه وحفظه مما يثبت له وأخذه بيده كلما عثر أو زلت به قدم فضل ً مما يفيضه‬
‫عليه من متاع مادي يكون عونا ً له على قطع مرحلة الحياة في يسر‬
‫قال تعالى ‪ " :‬من عمل صالحا ً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه‬
‫حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون " النحل ‪ . 97‬فإذا‬
‫وجد اليمان وجدت معه أسباب الحياة والسعادة وكانت البركة في كل شئ‬
‫العراف ) ‪(96‬‬ ‫‪62‬‬

‫الشعراء ) ‪(62-61‬‬ ‫‪63‬‬

‫سيرة ابن هشام )جـ ‪1‬؛ ص ‪(314‬‬ ‫‪64‬‬

‫البقرة )‪(257‬‬ ‫‪65‬‬

‫( العقائد السلمية‬ ‫‪66‬‬

‫‪129‬‬
‫‪ :9‬الطمأنينة والرضا ‪:‬‬
‫أي طمأنينة القلب وسكينة النفس ‪ ،‬قال تعالى ‪ " :‬الذين آمنوا وتطمئن‬
‫قلوبهم بذكر الله أل بذكر الله تطمئن القلوب " الرعد ‪ " . 28‬هو الذى‬
‫أنزل السكينة فى قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا ً مع إيمانهم " ) الفتح‬
‫‪ . (4‬وإذا اطمأن القلب وسكنت النفس شعر النسان ببرد الراحة وحلوة اليقين ‪،‬‬
‫واحتل الهوال بشجاعة وثبت إزاء الخطوب مهما اشتدت ‪ ،‬ورأى أن يد الله ممدودة‬
‫إليه وأنه القادر على فتح البواب المغلقة فل يتسرب إليه الجزع ول يعرف اليأس إلى‬
‫قلبه سبيل ‪ " .‬الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور‬
‫والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات‬
‫أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " البقرة ‪257‬‬
‫جل الثر فى نفوس المؤمنين ‪:‬‬ ‫كما أن اليمان بالقضاء والقدر له أ ّ‬
‫* إنها تسكب فى القلب السكينة والطمأنينة ‪ ،‬فتعلم أن مــا أخطــأك لــم يكــن ليصــيبك‬
‫وأن ما أصابك لم يكن ليخطأك ‪ ،‬وأن المـة لـو اجتمعـت علـى أن ينفعـوك بشـىء لـم‬
‫ينفعوك إل بشىء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشىء لن يضــروك إل‬
‫در الله ‪.‬‬‫بشىء قد كتبه الله عليك ‪ ،‬ول يكون إل ما ق ّ‬
‫* الرضا بما يكون والصبر على المصائب واللم لن المؤمن يعتبر ذلك من بلء الله له‬
‫لنه ل يكون ول يقع إل بمشيئته سبحانه ‪.‬‬
‫* إن النفس المؤمنة بقدر الله ل تبطر بنعمة ول تجزع من مصيبة لنها‬
‫در لها الخير والشر ‪ .‬كما قال رسول الله صلى‬ ‫تعلم أن الله هو الذى ق ّ‬
‫الله عليه وسلم ‪ " :‬عجبا ً لمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك‬
‫لحد إل للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا ً له وإن أصابته ضراء‬
‫صبر فكان خيرا ً له " رواه مسلم ‪.‬‬
‫التقويم‬
‫‪ -1‬حدد آثار اليمان ‪.‬‬
‫‪ -2‬وضح بعض آثار اليمان ‪.‬‬
‫‪ -3‬من آثار اليمان ‪.............. ، ............. ، ............ ، .......... ، ..........‬‬
‫‪ -4‬من آثار اليمان ‪ :‬الطمئنان على الرزق ‪ .‬وضح ذلك ) يمكن تكرار هذا‬
‫السؤال مع كل أثر من آثار اليمان (‬
‫‪ -5‬أذكر آثار اليمان التى استشعرتها فى نفسك ‪.‬‬
‫وم نفسك فى تحقق كل أثر من آثار اليمان ‪.‬‬ ‫ق ّ‬ ‫‪-6‬‬

‫الفصل السادس‬

‫السلم منهج حياة‬


‫‪130‬‬
‫الهدف العام ‪ :‬أن يعرف أن السلم منهج حياة ‪.‬‬
‫الهداف المرحلية ‪-:‬‬
‫‪ -1‬أن يوضح الدارس مفهوم السلم ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يوضح الدارس مفهوم المنهج ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يوضح الدارس خصائص منهج السلم ‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يتعبد لله باتباع منهجه‬
‫‪ -5‬أن يوضح الدارس ضرورة تطبيق منهج السلم فى المجتمع ‪.‬‬
‫أن تنتفي لدى الدارس أي شبهات حول الفهم الصحيح للسلم ‪.‬‬ ‫‪-6‬‬

‫ببببب ببببببب ببببب ‪ :‬بب بببب بببببب ببببب ببببببب‬


‫الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬
‫أن يبرهن الدارس أن السلم دين المرسلين والنبيين جميعا‬ ‫‪-1‬‬
‫من لدن آدم عليه السلم حتى سيدنا محمد ‪‬‬
‫‪ -2‬أن يحدد الدارس مفهوم السلم‬
‫‪ -3‬أن يشرح الدارس مفهومه عن السلم‬
‫السلم ‪ :‬هو الدين عند الله عز وجل قال تعالى ‪ " :‬إن الدين عند الله السلم "‬
‫آل عمران ‪ ، 19‬وقال أيضا ً ‪ " :‬ومن يبتغ غير السلم دينا ً فلن يقبل منه وهو في‬
‫الخرة من الخاسرين " آل عمران ‪ . 85‬والسلم دين المرسلين و النبيين جميعا ً من‬
‫لدن آدم حتى رسالة سيدنا محمد ‪ ‬التي بها ختم الله الرسالت ؛ وقد أكد القرآن‬
‫هذا المعنى تأكيدا ً تاما ً فذكر على لسان سيدنا نوح عليه السلم قوله " وأمرت أن‬
‫أكون من المسلمين " يونس‪ ،72:‬وعلى لسان سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل‬
‫عليهما السلم " ربنا واجعلنا مسلمين لك "البقرة ‪ ،128 :‬وفي وصية سيدنا يعقوب‬
‫لولده " أن الله اصطفى لكم الدين فل تموتن إل وأنتم مسلمون " البقرة ‪، 132 :‬‬
‫وعن موسى عليه السلم " فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين " يونس ‪.84:‬‬
‫وفي معرض الحديث عن التوراة قال تعالى " يحكم بها النبيون الذين أسلموا "‬
‫المائدة ‪ ، 44 :‬وعن يوسف عليه السلم " توفني مسلما ً وألحقني بالصالحين "‬
‫يوسف ‪ ، 101 :‬وعن سحرة فرعون وقد آمنوا بموسى " ربنا أفرغ علينا صبرا‬
‫وتوفنا مسلمين " العراف ‪ ،126 :‬وعن ملكة سبأ وقد آمنت " وأسلمت مع سليمان‬
‫لله رب العالمين " النمل‪ ،44:‬وعن حواريي سيدنا عيسى " أمنا بالله واشهد بأنا‬
‫مسلمون "آل عمران ‪.52 :‬‬
‫وقد ورد في الحديث الصحيح " والنبياء أخوة أبناء علت أمهاتهم شتى ودينهم‬
‫واحد " أخرجه الشيخان وأبو داود‪.‬‬
‫ً‬
‫قال تعالى " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به‬
‫إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ول تتفرقوا فيه " الشورى ‪13 :‬‬

‫مفهوم السلم ‪:‬‬


‫" السلم في الصل معناه الستسلم لله في أمره ونهيه على لسان الوحي فمن‬
‫أسلم وجهه وقلبه لله في كل أمر فهو المسلم "‬
‫الســلم صـــ ‪ 3‬أ‪ /‬ســعيد‬
‫حوى ‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫والسلم إظهار الخضوع والقبول لما أتى به محمد رسول الله ‪ ‬وبالسلم‬
‫يحقن الدم فإن كان مع ذلك الظهار اعتقاد وتصديق بالقلب فذلك اليمان "‬
‫) الزبيدى ‪ :‬تاج العروس (‬
‫ً‬
‫وقد عرف الرسول ‪ ‬السلم تعريفات كثيرة وكان أحيانا يعرف الكل بالجزء‬
‫تبيانا ً لهمية الجزء ‪.‬‬
‫فعن طلحة بن عبيد الله قال ‪ :‬جاء رجل إلى رسول الله ‪ ‬فإذا هو يسأل عن‬
‫السلم فقال رسول الله ‪ : ‬خمس صلوات في اليوم والليلة ‪ .‬فقال ‪ :‬هل عل ّ‬
‫ي‬
‫غيرهن؟ قال ‪ :‬ل إل أن تطوع ‪ .‬وذكر له الزكاة فقال هل علي غيرها ؟ قال ‪ :‬ل إل‬
‫أن تطوع ‪ .‬فأدبر وهو يقول ل أزيد على هذا ول أنقص منه فقال عليه السلم ‪" :‬‬
‫أفلح أن صدق أو دخل الجنة إن صدق " أخرجه الستة إل الترمذي ‪ ،‬وعن ابن‬
‫عمر رضي الله عنهما قال رسول ‪ " ‬بني السلم على خمس شهادة أن ل إله إل‬
‫الله وأن محمد عبده ورسوله و إقام الصلة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان‬
‫" رواه البخاري ومسلم‬
‫فقد ذكر الحديث أن بناء السلم يقوم على هذه الركان الخمسة فإذن هذه‬
‫الخمسة هي ركائز السلم وليست كل السلم وإن كان السلم عادة من جنس‬
‫البناء‪ .‬ويكفي أن يفتح المسلم كتاب الله فيرى القرآن ذكر غير هذه الشياء الخمسة‬
‫فذكر أخلقا ً وذكر اقتصادا ً وذكر اجتماعا ً وذكر سياسة وذكر سلما ً وذكر حربا ً ‪.......‬‬
‫ويكفي أن يفتح كتاب فقه ليرى فيه عبادات ومعاملت وقضاء وجهاد وإرثا ً ويكفي‬
‫كذلك أن يفتح صحيح البخاري ليرى غير العقائد والعبادات أحكام البيع والشراء‬
‫السلم بتصرف أ‪ /‬سعيد حوى‬ ‫وأحكام العقود وأحكام سياسة واجتماع وأخلق "‬

‫ويفهم مما ذكر أن ‪:‬‬


‫السلم عقيدة تتمثل بالشهادتين وأركان اليمان ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫السلم عبادة تتمثل بالصلة والزكاة والصوم والحج وأن هذه هي أركان‬ ‫‪-2‬‬
‫السلم‬
‫السلم بناء يقوم فوق هذه الركان يتمثل بمناهج الحياة في السلم ‪:‬‬ ‫‪-3‬‬
‫المنهاج السياسي والقتصادي والعسكري و الخلقي والجتماعي‬
‫والتعليمي‪.‬‬
‫وللسلم مؤيدات هي طريق قيامه تتمثل بالجهاد والمر بالمعروف‬ ‫‪-4‬‬
‫والنهي عن المنكر وهذه المؤيدات الربانية‪.‬‬
‫مؤيدا‬ ‫السلم‬ ‫أركا‬
‫بناء‬
‫ت‬ ‫ن‬

‫منهاج‬ ‫عبادات‬ ‫عقيدة‬

‫الشهادتين‬
‫منهاج سياسي‬
‫الجهاد‬ ‫صلة‬ ‫اليمان بال‬
‫المر‬ ‫منهاج اقتصادي‬
‫بالمعروف‬ ‫اليمان‬
‫زكاة‬
‫النهي عن‬ ‫منهاج‬ ‫بالملئكة‬
‫المنكر‬ ‫عسكري‬ ‫صوم‬ ‫اليمان بالكتب‬
‫حكم‬ ‫منهاج تعليمي‬ ‫اليمان‬
‫‪132‬‬
‫عقوبات‬ ‫منهاج أخلقي‬ ‫حج‬ ‫بالرسل‬
‫منهاج اجتماعي‬ ‫اليمان باليوم‬
‫الخر‬
‫) مقتبس من كتاب السلم أ‪/‬‬
‫سعيد حوى (‬
‫" فمن أراد أن يدخل في دين السلم فعليه أول ً أن يقبل أسسه العقلية وأن‬
‫يصدق بها تصديقا ً جازما ً حتى تكون له عقيدة وهذه السس تتلخص في أن يعتقد أن‬
‫هذا العالم المادي ليس كل شئ وأن هذه الحياة الدنيا ليست هي الحياة كلها‬
‫فالنسان كان موجودا ً قبل أن يولد وسيظل موجودا ً بعد أن يموت وأنه لم يوجد‬
‫نفسه بل وجد قبل أن يعرف نفسه ولم توجده الجمادات من حوله لنه عاقل ول‬
‫عقل لها بل أوجده وأوجد هذه العوالم كلها من العدم إله واحد هو وحده الذي يحي‬
‫ويميت وهو الذي خلق كل شئ وإن شاء أفناه وذهب به وهذا الله ل يشبه شيئا مما‬
‫في العوالم ‪ ........‬وهذا الله واحد أحد ل شريك له يعبد معه ول وسيط يقرب إليه‬
‫ويشفع عنده بل إذنه فالعبادة له وحده خالصة بكل مظاهرها ‪.‬‬
‫له مخلوقات مادية ظاهرة لنا تدرك بالحواس ومخلوقات مغيبه عنا بعضها جماد‬
‫وبعضها حي مكلف ومن الحياء ما هو خالص للخير المحض وهم الملئكة ومنها ما‬
‫هو مخصوص بالشر المحض وهم الشياطين ‪ ،‬وما هو مختلط من الخير والشر‬
‫والصالح والطالح " هم النس والجن " وأنه سبحانه يختار ناسا ً من البشر ينزل‬
‫عليهم الملك بالشرع اللهي ليبلغوه البشر وهؤلء هم الرسل ‪.‬‬
‫وأن هذه الشرائع تتضمنها كتب وصحائف أنزلت من السماء ينسخ المتأخر منها ما‬
‫دله وأن آخر هذه الكتب هو القرآن وقد حرفت الكتب والصحف قبله أو‬ ‫تقدمه أو يع ّ‬
‫ً‬
‫ضاعت ونسيت وبقى هو سالما من التحريف والضياع وأن آخر هؤلء الرسل والنبياء‬
‫هو سيدنا محمد بن عبد الله العربي القرشي ختمت به الرسالت وبدينه الديان فل‬
‫دق بأنه من عند الله وآمن به جملة‬‫نبي بعده ‪ ....‬فالقرآن هو دستور السلم فمن ص ّ‬
‫وتفصيل سمي مؤمنا واليمان بهذا المعنى ل يطلع عليه إل الله لن البشر ل يشقون‬
‫قلوب الناس ول يعلمون ما فيها لذلك وجب عليه ليعده المسلمون واحدا ً منهم أن‬
‫يعلن هذا بالنطق بلسانه بالشهادتين وهما‪ :‬اشهد أن ل إله إل الله وأشهد أن محمد‬
‫رسول الله " فإذا نطق بهما صار مسلما ً ‪ "....‬تعريف عام بدين السلم الشيخ على‬
‫الطنطاوى‬
‫" فالسلم واليمان خضوع لله وإذعان المسلم المؤمن خاضع مذعن لله عن‬
‫طريق ما جاء به محمد ‪ ‬من عند ربه ‪ ...‬وقد استهوت كلمتا السلم والمسلم‬
‫بعض الحاقدين على السلم فقالوا ‪ :‬إن السلم خضوع وإذعان وإلغاء لحق النسان‬
‫في أن يكون حرا ً في حياته وفي أسلوب معيشته عائبين بذلك السلم والمسلمين‬
‫وهم في هذه المقالة جد مخطئين وذلك أن الذعان الذي يلغي الحرية الشخصية هو‬
‫إذعان النسان للنسان مثله يتسلط عليه ويحد من حريته أما إذعان المسلم فليس‬
‫إذعانا ً لنسان وإنما إذعان لمنهج الرسول ‪ ‬في سموه وعظمته وتكامل بشريته ‪،‬‬
‫إذعان لمنهج يعبر بالبشرية دنياها في أمن وسلم وسعادة إلى الخرة "‬
‫) مع العقيدة والحركة والمنهج في خير أمة أخرجت للناس د‪ /‬على عبد الحليم‬
‫محمود (‬
‫التقويم ‪:‬‬
‫برهن أن السلم دين المرسلين والنبيين جميعا من لدن آدم عليه السلم‬ ‫‪-1‬‬
‫حتى سيدنا محمد ‪‬‬

‫‪133‬‬
‫عّرف مفهوم السلم‬ ‫‪-2‬‬
‫اكتب مفهومك عن السلم‬ ‫‪-3‬‬

‫ببببب ببببببب بببببب ‪ :‬بب بببب بببببب ببببب بببببب‬

‫ببببببب ببببببببب بببببببب ‪:‬‬


‫‪ -1‬أن يشرح الدارس مفهوم المنهج ‪.‬‬

‫اا ‪.‬‬
‫بببببب بب ببببببب ‪ :‬اااااا اااااا ااا ا‬
‫وإذا وصفنا هذا المنهج بأنه إسلمي فالمعنى المراد هو الطريق السلمي لحياة‬
‫النسان في معاشه ومعاده وهذا الطريق هو الشريعة التي تضمنها كتاب الله‬
‫مع العقيدة والحركة والمنهج د‪ /‬على عبد الحليم‬ ‫وأوضحتها سنة رسوله ‪" ‬‬
‫محمود‬
‫" والسلم منهج ‪ .‬منهج حياة بشرية واقعية بكل مقوماتها ‪ .‬منهج يشمل التصور‬
‫العتقادي الذي يفسر طبيعة الوجود ويحدد مكان النسان في هذا الوجود كما يحدد‬
‫غاية وجوده النساني ويشمل النظم والتنظيمات الواقعية التي تنبثق منها التصور‬
‫العتقادي وتستند إليه وتجعل له صورة واقعية متمثلة في حياة البشر ‪....‬‬
‫والمنهج السلمي المنبثق من هذا الدين ليس نظاما تاريخيا لفترة من فترات‬
‫التاريخ كما أنه ليس نظاما محليا ً لمجموعة من البشر في جيل من الجيال ول في‬
‫بيئة من البيئات إنما هو المنهج الثابت الذي ارتضاه لحياة البشر المتجددة لتبني هذه‬
‫الحياة دائرة حول المحور الذي ارتضى الله أن تدور عليه أبدا ً وداخل الطار الذي‬
‫ارتضى الله أن تظل داخله أبدا ً ولتبقى هذه الحياة مكيفة بالصورة العليا التي أكرم‬
‫الله فيها النسان عن العبودية لغير الله وهذا المنهج حقيقة قائمة بإزاء البشرية‬
‫المتجددة قيام النواميس الكونية الدائمة التي تعمل في جسم الكون منذ نشأته‬
‫والتي تعمل اليوم وغدا ً والتي يلقى البشرية من جراء المخالفة عنها والصطدام بها‬
‫) المستقبل لهذا الدين أ‪ /‬سيد قطب (‬ ‫ما يلقون من آلم ودمار و نكال "‬
‫" ومن ثم تصبح شهادة أن ل إله إل الله وأن محمد رسول الله ‪ ‬قاعدة لمنهج‬
‫كامل تقوم عليه حياة المة المسلمة بحذافيرها فل تقوم هذه الحياة قبل أن تقوم‬
‫هذه القاعدة كما أنها ل تكون حياة إسلمية إذا قامت على غير هذه القاعدة أو‬
‫قامت على قاعدة أخرى معها أو عدة قواعد أجنبية عنها‬
‫قال تعالى " إن الحكم إل لله أمر أل تعبدوا إل إياه ‪ .‬ذلك الدين القيم "يوسف ‪:‬‬
‫‪ ) " 40‬معالم في الطريق أ‪ /‬سيد قطب (‬
‫وسوف يتم التعرف على طبيعة المنهج السلمي من خلل خصائصه فى الهدف‬
‫التالي ‪:‬‬

‫الهدف المرحلي الثالث ‪ :‬أن يوضح خصائص منهج السلم‬


‫مقدمة ‪:‬‬
‫للتصور السلمي خصائصه المميزة التى تفرده من سائر التصورات وتجعل‬
‫شخصيته المستقلة وطبيعته الخاصة التى ل تتلبس بتصور آخر ول تستمد من تصور‬
‫آخر هذه الخصائص تتعدد وتتوزع ولكنها تتضام وتتجمع عند خاصية واحدة هى التى‬
‫تنبثق منها وترجع إليها سائر الخصائص ‪ ....‬خاصية الربانية ‪ ...‬إنه تصور رباني جاء‬
‫من عند الله بكل خصائصه وبكل مقوماته وتلقاه النسان كامل ً بخصائصه هذه‬

‫‪134‬‬
‫ومقوماته ل ليزيد عليه من عنده شيئا ً ول لينقص منه شيئا ً ولكن ليتكيف هو به‬
‫وليطبق مقتضياته في حياته "‬
‫) خصائص التصور السلمي ومقوماته أ‪/‬‬
‫سيد قطب (‬
‫وخصائص منهج السلم متعددة نذكر منها إجمال ً ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬الربانية ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬الشمول ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬الوسطية ‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬اليسر والبساطة والمعقولية ‪.‬‬
‫خامسا ً ‪ :‬العطاء والتجدد ‪.‬‬
‫والن فلننظر في هذه الخصائص بشيء من البيان والتفصيل ‪-:‬‬
‫‪67‬‬
‫أول ً ‪ :‬الربانية‬
‫الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يذكر الدارس مفهوم الربانية ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يبين الدارس أقسام المنهج السلمي وربانية كل قسم ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يوضح الدارس ثمرات ربانية منهج السلم ‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يعبر الدارس عن استشعاره لثمرات ربانية منهج السلم ‪.‬‬
‫‪ -5‬أن يوضح الدارس ما ينبني على إدراكه لربانية المنهج‬
‫السلمي ‪.‬‬
‫‪ -1‬مفهوم الربانية ‪:‬‬
‫الربانية أولى خصائص المنهج السلمي ومصدر هذه الخصائص كذلك " فالسلم‬
‫هو المنهج والنظام الوحيد في العالم الذي مصدره كلمات وحي غير محرفة ول‬
‫مبدلة ول مخلوطة بأوهام البشر وأغلطهم وانحرافاتهم لن الله تعالى تولى حفظ‬
‫كتابه ودستوره بنفسه وهو القرآن المجيد قال تعالى " إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له‬
‫لحافظون " الحجر ‪9 :‬‬
‫‪ -2‬أقسام المنهج السلمي وربانية كل قسم ‪:‬‬
‫فالسلم منهج رباني مائة بالمائة عقائده وعباداته وآدابه وأخلقه‬
‫وشرائعه ونظمه كلها ربانية إلهيه في أسسها الكلية ومبادئها العامة ‪.‬‬
‫‪ -1‬العقيدة ‪ :‬مصدرها اليات والحاديث التي تخبر عن وحدانية الله‬
‫وصفاته وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر والقضاء والقدر‬
‫‪ -2‬العبادات ‪ :‬المراد بها الشعائر وتتلخص العبادة بأصلين‪-:‬‬
‫الول ‪ :‬أل يعبد إل الله فل عبادة لحد سواه ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أل يعبد الله إل بما شرعه ويعرف بواسطة رسله‬
‫المبلغين عنه وخاتمهم محمد ‪ ‬الذي نسخ شرعه كل شرع‬
‫قبله والذي كتب الله له الخلود وتكفل بحفظه إلى أن يرث‬
‫الله الرض ومن عليها ‪.‬‬
‫الداب والخلق ‪ :‬المصدر الساسي للخلق ليس العرف ول‬ ‫‪-5‬‬
‫المجتمع ول العقل ول الضمير ول الشعور بالسرور وإنما هو الوحي‬
‫اللهي‬
‫فالمانة في قوله تعالى " إن الله يأمركم أن تؤدوا المانات إلى‬
‫أهلها " سورة النساء ‪ 58 :‬والتواصي‬
‫بالحق والتواضع والوفاء بالعهد وإغاثة الملهوف و إنظار المعسر‬
‫واجتناب الفواحش وغض البصر‬

‫‪ ()67‬الخصائص العامة للسلم بتصرف د‪ /‬يوسف القرضاوي ‪.‬‬


‫‪135‬‬
‫والصدق ومراعاة حقوق الجار وبر الوالدين وصلة الرحام ورعاية‬
‫اليتيم ‪ .....‬إلى آخر تعاليم‬
‫السلم الخلقية كلها ربانية‪.‬‬
‫التشريع لجميع جوانب الحياة سواء في جانب السرة من زواج‬ ‫‪-8‬‬
‫وطلق وعدة وميراث ‪ ...‬أو المعاملت المالية من شركات وزراعة‬
‫وتجارة ‪ ...‬والزواجر كالحدود والقصاص والتعازير أو أحكام الدولة‬
‫في السلم والحرب والمعاهدات ‪....‬‬
‫فهذه كلها ربانية وبهذا تقرر في الصول السلمية أن المشرع‬
‫الوحيد هو الله ‪ .‬فهو الذي يأمر وينهى ويحلل ويحرم ويكلف ويلزم‬
‫بمقتضى ربوبيته وألوهيته وملكه لخلقه جميعا ً فهو رب الناس ملك‬
‫الناس إله الناس له الخلق والمر ‪ .‬وليس لحد غيره حق التشريع‬
‫المطلق إل ما أذن الله فيه مما ليس فيه نص ملزم فهو في‬
‫الحقيقة مجتهد أو مستنبط أو مقنن وليس مشرعا ً أو حاكما حتى‬
‫الرسول ‪ ‬نفسه ليس مشرعا ً وإنما وجبت طاعته لنه مبلغ عن‬
‫الله فأمره من أمر الله " من يطع الرسول فقد أطاع الله "‬
‫النساء ‪ 80 :‬فالحكم الشرعي – بما يتضمن من إيجاب أو استحباب‬
‫أو تحريم أو كراهية أو إباحة إنما هو لله تعالى وليس لحد غيره‬
‫ولهذا يعرف الصوليون الحكم الشرعي بأنه خطاب الله المتعلق‬
‫بأفعال المكلفين اقتضاءا ً أو تخييرا ً " ويعنون بالقتضاء الطلب‬
‫سواء أكان طلبا ً لفعل وهو يشمل الوجوب والندب أم طلبا ً لكف‬
‫وترك وهو يشمل التحريم والكراهة كما يعنون بالتخيير الباحة وهو‬
‫ما كان للمكلف خيرة في فعله وتركه ‪.‬‬
‫وقد دمغ الله بالشرك الذين أعطوا سلطة التشريع المطلق لبعض‬
‫البشر من رجال الدين الذين بدلوا كلمات الله وغيروا شرع الله فأحلوا‬
‫ما حرم الله ‪ .‬ففيما رواه المام أحمد والمام الترمذي أن عدي بن‬
‫حاتم وكان أمير قبيلة طئ في الشام وكان يعلق الصليب على صدره‬
‫دخل على رسول الله وهو ‪ ‬يقرأ ‪ :‬اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا‬
‫من دون الله " التوبة ‪31:‬‬
‫فقال عدي ‪ :‬ما اتخذناهم أربابا فقال ‪ ‬ألم يحلوا لكم الحرام‬
‫ويحرموا عليكم الحلل فأطعتموهم ؟ قال‪ :‬بلى ‪ .‬قال ‪ :‬فذاك عبادتكم‬
‫إياهم "‬
‫فعدي كان يتوهم أن العبادة هي الركوع والسجود فحسب فجاء‬
‫السلم ليوضح أن التوحيد هو العتقاد الجازم بأن الله تعالى هو‬
‫الخالق وتشريعه هو الحق الذي يتبع " إن الحكم إل لله أمر أل تعبدوا‬
‫إل إياه " سورة يوسف ‪40:‬‬
‫" ونذكر أن التصور السلمي يدع للعقل البشري وللعلم البشري‬
‫ميدانه واسعا ً كامل ً فيما وراء أصل التصور ومقوماته ‪ .‬ول يقف دون‬
‫العقل ويصده عن البحث في الكون بل يدعوه إلى هذا المجال الكوني‬
‫بل هو يكل امر الخلفة كله –في حدود تصوره الرباني – للعقل‬
‫البشري وللعلم البشري وندرك مقدار نعمة الله ومقدار رحمته في‬
‫تفضله علينا بهذا التصور الرباني في إبقائه وحفظه على أصله‬
‫الرباني‬
‫)‪(68‬‬
‫‪ -3‬ثمرات الربانية‬

‫‪ ()68‬الخصائص العامة للسلم د‪ /‬يوسف القرضاوي‬


‫‪136‬‬
‫أ‪ -‬العصمة من التناقض والتطرف ‪:‬‬
‫من هذه المزايا وتلك الثار العصمة من التناقض والختلف الذي‬
‫تعانيه المناهج والنظمة البشرية والمحرفة ‪ .‬فالبشر بطبيعتهم‬
‫يتناقضون ويختلفون من عصر إلى عصر بل في العصر الواحد من‬
‫زمن لخر ومن قطر إلى قطر بل في القطر الواحد من إقليم لخر‬
‫وفي القليم الواحد من بيئة لخرى فكثيرا ً ما رأينا تفكير الفرد في‬
‫مرحلة الشباب يناقض تفكيره في مرحلة الكهولة والشيخوخة وكثيرا ً‬
‫ما وجدنا آراءه ساعة الكساد والفقر تخالف آراءه ساعة الرخاء والغنى‬
‫فإذا كانت هذه طبيعة العقل البشري وضرورة تأثره بالزمان والمكان‬
‫والوضاع والحوال فكيف نتصور براءته من التناقض والختلف فيما‬
‫يضعه من مناهج للحياة سواء أكانت مناهج للتصور والعتقاد أم للعمل‬
‫والسلوك إن الختلف والتناقض لزمة من لوازمه ل ريب وصدق الله‬
‫العظيم إذ يشير إلى ذلك فيقول " أفل يتدبرون القرآن ولو كان من‬
‫عند غير الله لوجدوا فيه اختلفا ً كثيرا ً " النساء ‪82:‬‬
‫ومن مظاهر هذا التناقض في المناهج البشرية ما نراه ونلمسه في‬
‫كل النظمة البشرية والدينية الوضعية والمحرفة من إفراط أو تفريط‬
‫كما هو واضح من موقفها من الروحية والمادية ‪ ......‬أو الفردية‬
‫والجماعية أو الواقعية والمثالية أو من العقل والقلب أو من الثبات‬
‫والتطور أو غيرها من المتقابلت التي وقف كل مذهب أو نظام عند‬
‫طرف منها مغفل ً الطرف الخر أو جائرا ً عليه‬
‫ب‪ -‬البراءة من التحيز والهوى ‪:‬‬
‫من ثمرات الربانية في السلم ‪ :‬اشتماله على العدل المطلق‬
‫ً‬
‫وبراءته من التحيز والجور واتباع الهوى مما ل يسلم منه بشر كائنا من‬
‫كان إنه ل يسلم منهج أو نظام وضعه البشر أو تدخلوا فيه من التأثر‬
‫بالهواء المضلة عن سبيل الله المتحيزة إلى جانب دون جانب أو فريق‬
‫دون فريق ‪ .....‬أما نظام الله أو منهج الله فقد وضعه رب الناس‬
‫للناس وضعه من ل يتأثر بالزمان والمكان لنه خالق الزمان والمكان ‪،‬‬
‫ومن ل تحكمه الهواء والنزعات لن المنزه عن الهواء والنزعات ‪،‬‬
‫ومن ل يتحيز لجنس أو لون ول فريق لنه رب الجميع وكلهم عباده ‪.‬‬
‫ومن ثم اعتبر القرآن الكريم ما عدا شريعة الله وحكمه أهواء ‪،‬‬
‫ويجب الحذر منها ومن أصحابها ‪ ،‬يقول تعالى لنبيه " ثم جعلناك على‬
‫شريعة من المر فاتبعها ول تتبع أهواء الذين ل يعلمون " ‪ .‬الجاثية ‪:‬‬
‫‪18‬‬
‫ج‪ -‬الحترام وسهولة النقياد ‪:‬‬
‫ومن ثمرات الربانية كذلك أنها تضفي على المنهج الرباني قدسية‬
‫واحتراما ً ل يظفر بهما أي نظام أو منهج من صنع البشر ومنشأ هذا‬
‫الحترام والتقديس اعتقاد المؤمن بكمال الله تعالى وتنزهه عن كل‬
‫نقص في خلقه وأمره ‪.‬‬
‫ويتبع هذا الحترام والتقديس الرضا بكل تعاليم هذا النظام وأحكامه‬
‫وتقبله بقبول حسن مع انشراح الصدر واقناع العقل وطمأنينة القلب‬
‫فهذا من موجبات اليمان بالله ورسوله " فل وربك ل يؤمنون حتى‬
‫يحكموك فيما شجر بينهم ثم ل يجدوا في أنفسهم حرجا ً مما قضيت‬
‫ويسلموا تسليما " النساء ‪65:‬‬

‫‪137‬‬
‫ويلزم هذا الحترام والتقديس وحسن القبول المسارعة إلى التنفيذ‬
‫والسمع والطاعة في المنشط والمكره دون تلكؤ أو تكاسل أو تحايل‬
‫على الهرب من تكاليف النظام والتزاماته والتقيد بأوامره ونواهيه‬
‫ونكتفي هنا بضرب مثالين يبينان مواقف المسلمين والمسلمات في العهد النبوي‬
‫من شرع الله تعالى وأمره ونهيه ‪.‬‬
‫أولهما ‪ :‬ما وقع من المؤمنين بالمدينة عقب تحريم الخمر‬
‫وقد كان للعرب ولع بشربها وأقداحها ومجالسها وقد عرف الله ذلك‬
‫منهم فأخذهم بسنة التدرج في تحريمها حتى نزلت الية الفاصلة‬
‫تحرمها تحريما ً باتا ً وتعلن أنها " رجس من عمل الشيطان " المائدة ‪:‬‬
‫‪ 90‬وبهذا حرم النبي ‪ ‬شربها وبيعها واهداءها لغير المسلمين فما‬
‫كان من المسلمين حين ذاك إل أن جاءوا بما عندهم من مخزون الخمر‬
‫و أوعيتها فأراقوها في طرق المدينة إعلنا ً عن براءتهم منها‬
‫وثانيهما ‪ :‬موقف النساء المسلمات الول مما حرم الله عليهن من‬
‫تبرج الجاهلية وما أوجب عليهن من الحتشام والتستر وهنا تروى‬
‫السيدة عائشة رضي الله عنها كيف استقبل نساء المهاجرين والنصار‬
‫في المجتمع السلمي الول هذا التشريع اللهي الذي يتعلق بتغير‬
‫شئ هام في حياة النساء هو الهيئة والزينة والثياب قالت عائشة "‬
‫ول لما أنزل الله " ليضربن بخمرهن على‬ ‫رحم الله نساء المهاجرين ال ّ‬
‫جيوبهن " النور ‪ 31:‬شققن مروطهن فاختمرن بها " رواه البخاري‬
‫والمروط أكسية من صوف أو خز‬
‫د‪ -‬التحرر من عبودية النسان للنسان ‪:‬‬
‫ومن ثمرات الربانية أنها تحرر النسان من العبودية للنسان ذلك أن‬
‫العبودية أنواع وألوان وأن من أشدها خطرا ً وأبعدها أثرا ً لهو خضوع‬
‫النسان لنسان مثله يحل له ماشاء متى شاء ويحرم عليه ما شاء كيف‬
‫شاء ويأمره بما أراد فيأتمر وينهاه عما يريد فينتهي وبعبارة أخرى‬
‫يضع له نظام حياة أو منهج حياة فل يسعه إل الذعان والتسليم‬
‫والخضوع والحق أن الذي يملك هذا النظام والمنهج وإلزام الناس به‬
‫وإخضاعهم له هو الله وحده ملك الناس إله الناس فمن حقه وحده أن‬
‫يأمرهم وينهاهم وأن يحل لهم ويحرم عليهم بمقتضى ربوبيته تعالى‬
‫وخلقه لهم وإنعامه عليهم بكل أجناس النعم وأصنافها وأفرادها " وما‬
‫بكم من نعمة فمن الله " النحل ‪53:‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬الشمول‬
‫الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬
‫أن يحدد الدارس جوانب شمولية السلم ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫أن يشرح الدارس شمولية السلم لكل جانب مستعينا ً باليات القرآنية‬ ‫‪-2‬‬
‫والحاديث النبوية ‪.‬‬
‫أن يبين الدارس ما ينبني على فهمه لشمول السلم ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬

‫" الشمول من الخصائص التي تميز بها السلم عن كل ما عرفه‬


‫الناس من الديان والفلسفات والمذاهب بكل ما تتضمنه كلمة‬
‫الشمول من معان وأبعاد وإنه شمول يستوعب الزمن كله ويستوعب‬
‫الحياة كلها ويستوعب كيان النسان كله ‪.‬‬
‫لقد عبر الشهيد حسن البنا عن أبعاد هذا الشمول في رسالة‬
‫السلم فقال وأجاد " إنها الرسالة التي امتدت طول ً حتى شملت آباد‬

‫‪138‬‬
‫الزمن وامتدت عرضا ً حتى انتظمت آفاق المم وامتدت عمقا ً حتى‬
‫الخصائص العامة‬ ‫استوعبت شئون الدنيا والخرة "‬
‫للسلم د ‪ /‬يوسف القرضاوي‬
‫وإلى هذا الشمول والترابط بين تعاليم السلم وجه الستاذ الشهيد‬
‫حسن البنا إخوانه بقوله " السلم نظام شامل يتناول مظاهر الحياة‬
‫جميعا ً فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة وهو خلق وقوة أو رحمة‬
‫وعدالة وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء وهو مادة وثروة أو كسب‬
‫وغنى وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة كما هو عقيدة صادقة وعبادة‬
‫صحيحة سواء بسواء " رسالة التعاليم – الشهيد حسن البنا‬
‫السلم رسالة الزمن كله ‪-:‬‬
‫إنها رسالة لكل الزمنة والجيال ليست رسالة موقوتة بعصر معين‬
‫أو زمن مخصوص ينتهي أثرها بانتهائه كما هو الشأن في رسالت‬
‫النبياء السابقين على محمد ‪ ‬فقد كان كل نبي يبعث لرحلة زمنية‬
‫محدودة حتى إذا ما انقضت بعث الله نبيا ً آخر ‪ .‬أما محمد ‪ ‬فهو خاتم‬
‫النبيين ورسالته هي رسالة الخلود التي قدر الله بقاءها إلى أن تقوم‬
‫الساعة ويطوى بساط هذا العالم فهي تتضمن هداية الله الخيرة‬
‫للبشرية ‪ .‬فليس بعد السلم شريعة ول بعد القرآن كتاب ول بعد‬
‫محمد نبي ولم يسبق لنبي قبل محمد ‪ ‬أن أعلن أن رسالته هي‬
‫الخاتمة وأن ل نبي بعده بل بشرت التوراة بمن يأتي بعد موسى وبشر‬
‫النجيل بمن يأتي بعد المسيح عيسى عليه السلم إنها رسالة‬
‫المستقبل المديد ول شئ وهي أيضا رسالة الماضي البعيد إنها في‬
‫جوهرها وأصولها العتقادية والخلقية رسالة كل نبي أرسل وكل‬
‫كتاب أنزل فالنبياء جميعا ً جاءوا بالسلم ونادوا بالتوحيد واجتناب‬
‫الطاغوت وهذا ما يقرره القرآن الكريم في وضوح " وما أرسلنا من‬
‫قبلك من رسول إل نوحي إليه أنه ل إله إل أنا فاعبدون " النبياء ‪25 :‬‬
‫إنها إذن في جوهرها رسالة كل نبي جاء من عند الله منذ عهد نوح‬
‫إلى محمد عليهم الصلة والسلم وإنها رسالة الزمن كل الزمن "‬
‫الخصائص العامة للسلم د‪/‬‬
‫القرضاوي‬
‫رسالة العالم كله ‪:‬‬
‫وإذا كانت هذه الرسالة غير محدودة بعصر ول جيل فهي كذلك غير‬
‫محدودة بمكان ول بأمة ول بشعب ول بطبقه إنها الرسالة الشاملة‬
‫التي تخاطب كل المم وكل الجناس وكل الشعوب وكل الطبقات إنها‬
‫ليست رسالة لشعب خاص يزعم أنه وحده شعب الله المختار وأن‬
‫الناس جميعا ً يجب أن يخضعوا له ‪ .‬وليست رسالة لقليم معين ‪ ،‬يجب‬
‫أن تدين له كل أقاليم الرض وتجبى إليه ثمراتها وأرزاقها ‪ ،‬وليست‬
‫رسالة لطبقة معينة مهمتها أن تسخر الطبقات الخرى لخدمة‬
‫مصالحها أو اتباع أهوائها ‪ .‬وليس فهمها ول تفسيرها ول الدعوة إليها‬
‫حكرا ً على طبقه خاصة كما قد يتوهم كثير من الناس ‪.‬‬
‫إنها هداية رب الناس لكل الناس ورحمة الله لكل عباد الله وهذا ما‬
‫وضحه القرآن منذ العهد المكي نقرأ في ذلك " وما أرسلناك إل رحمة‬
‫للعالمين " النبياء ‪ " 107:‬قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم‬
‫جميعا" العراف ‪158 :‬‬
‫" إن هو إل ذكر للعالمين " ص‪87 :‬‬

‫‪139‬‬
‫رسالة النسان كله ‪:‬‬
‫وهي كذلك رسالة النسان من حيث هو إنسان متكامل إنها ليست‬
‫رسالة لعقل النسان دون روحه ول روحه دون جسمه ول لفكاره دون‬
‫عواطفه ول عكس ذلك ‪.‬‬
‫إنها رسالة النسان كله روحه وعقله وجسمه وضميره وإرادته‬
‫ووجدانه‬
‫وبهذا ل يتمزق النسان بين توجهين مختلفين أو سلطتين‬
‫متناقضتين هذه تشرق به وهذه تغرب به كالعبد الذي له أكثر من سيد‬
‫كل واحد يأمره بغير ما يأمره به الخر كما ذكر القرآن الكريم " ضرب‬
‫الله مثل رجل ً فيه شركاء متشاكسون ورجل ً سلما ً لرجل هل يستويان‬
‫مثل ً " الزمر ‪29 :‬‬

‫ااااا ااااااا اا ااااا ااااا اااا ‪-:‬‬


‫إن السلم هو رسالة النسان كله وهو رسالته كذلك في كل مراحل‬
‫حياته ووجوده فهذا مظهر من مظاهر الشمول السلمي إنها هداية‬
‫ى سار في أطوار حياته إنها تصحبه‬ ‫ى اتجه وأن ّ‬ ‫الله تصحب النسان أن ّ‬
‫طفل ً ويانعا وشابا وكهل وشيخا وترسم له في كل المراحل المتعاقبة‬
‫المنهج المثل إلى ما يحب الله و يرضاه ‪ .‬فلعجب أن تجد في السلم‬
‫أحكاما وتعاليم تتعلق بالمولود منذ ساعة ميلده وقل إماطة الذى عنه‬
‫والتأذين في أذنه واختيار اسم حسن له وذبح عقيقة عنه شكرا ً لله‬
‫وبعد ذلك نجد أحكاما تتعلق بالنسان صبيا وشابا وكهل وشيخا فل‬
‫توجد مرحلة من حياته إل وللسلم فيها توجيه وتشريع‬
‫ول غرو أن وجدنا في السلم أحكاما تتعلق بالجنين من حيث وجوب‬
‫حمايته والحرص على حياته واستمرار غذائه بمقدار كاف ولهذا حرم‬
‫الشرع الجهاض وقدر دية محددة تجب على من تسبب في إسقاط‬
‫الجنين وشرع للحامل أن تفطر في رمضان إذا خافت على جنينها أن‬
‫يقل غذاؤه وتتأثر صحته إلى غير ذلك من الحكام التي تتعلق بالحمل‬
‫وميراثه وبالحامل ونفقتها مدة الحمل وإن كانت مطلقة " وإن كن‬
‫أولت حملن فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن " الطلق ‪6:‬‬
‫كما وجدنا في السلم أحكاما ً أخرى تتعلق بالنسان بعد موته من‬
‫وجوب تغسيله وتكفنيه والصلة عليه ودفنه بكيفية خاصة ومن شرعية‬
‫التعزية فيه والدعاء له وتنفيذ وصاياه وقضاء ديونه التي عليه للعباد أو‬
‫لله تعالى وغير ذلك مما يشمله كتاب الجنائز وغيره في الفقه‬
‫السلمي‬
‫ومما يدل على شمول الشريعة لكل أنظمة الحياة قوله تبارك‬
‫وتعالى " ما فرطنا في الكتاب من شئ " النعام ‪38 :‬‬
‫‪ ‬ونزلنا عليك الكتاب تبينانا ً لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى‬
‫للعالمين ‪ ] ‬النحل ‪. [ 89:‬‬
‫نوضح قضية الشمول بالمثلة ‪:‬‬
‫ولنقتصر على المسائل المدنية والقتصادية والدستورية والقوانين‬
‫الجنائية والعلقات الدولية ‪.‬‬
‫ففي القضايا المالية يقول الله سبحانه وتعالى ‪:‬‬
‫" يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه‬
‫وليكتب بينكم كاتب بالعدل ‪ ".....‬البقرة‪282:‬‬

‫‪140‬‬
‫وفي القضايا الدستورية ‪:‬‬
‫" وأمرهم شورى بينهم " الشورى ‪38:‬‬
‫وفي المسائل القضائية يقول جل جلله " وإذا حكمتم بين الناس أن‬
‫تحكموا بالعدل " النساء ‪58 :‬‬
‫وفي العقوبات الجنائية يقول عز وجل " كتب عليكم القصاص في‬
‫القتلى الحر بالحر ‪ ".....‬البقرة‪178:‬‬
‫وفي العداد الحربي يقول القرآن الكريم " وأعدوا لهم ما استطعتم‬
‫من قوة ‪ "....‬النفال ‪60 :‬‬
‫وفي العلقات الدولية يقول من بيده الخلق والمر ‪:‬‬
‫" ل ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من‬
‫دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين "‬
‫الممتحنة ‪ 8 :‬إلى غير ذلك من القواعد والمبادئ المبينة إما في‬
‫القرآن الكريم أو سنة مطهرة أو إجماع أو قياس وما ذاك إل تأكيد‬
‫جازم على ظاهرة الشمولية التي انطوت عليها شريعة الله لترتشف‬
‫النسانية من معينها الصافي وتغترف الجيال من بحرها الزاخر على‬
‫مدى الزمان واليام ‪ " .‬ومن أحسن من الله حكما ً لقوم يوقنون "‬
‫المائدة ‪50 :‬‬
‫ويقول القانوني الكبير فمبري " إن فقه السلم واسع إلى درجة‬
‫أنني أعجب كل العجب كلما فكرت في أنكم لم تستنبطوا منه النظمة‬
‫السلم شريعة الزمان‬ ‫والحكام الموافقة لزمانكم وبلدكم "‬
‫والمكان د‪ /‬عبد الله ناصح علوان‬
‫" وبعد فإن هذا الشمول – بكل صوره – فوق أنه مريح للفطرة‬
‫البشرية لنه يواجهها بمثل طبيعتها الموحدة ول يكلفها عنتا ً ول‬
‫يفرقها فرقا ً هو في الوقت ذاته يعصمها من التجاه لغير الله في أي‬
‫شأن وفي أية لحظة أو قبول أية سيطرة تستعلي عليها بغير سلطان‬
‫الله وفي حدود منهج الله وشريعته في أي جانب من جوانب الحياة‬
‫فليس المر والهيمنة والسلطان لله وحده في أمر العبادات الفردية‬
‫ول في أمر الخرة – وحدهما – بل المر والهيمنة والسلطان لله وحده‬
‫في الدنيا والخرة في السماوات والرض في عالم الغيب وعالم‬
‫الشهادة في العمل والصلة وفي كل نفس وكل حركة وكل خالجة‬
‫وكل خطوة وكل اتجاه ‪.‬‬
‫" وهو الذي في السماء إله وفي الرض إله " الزخرف ‪84:‬‬
‫) خصائص التصور السلمي ومقوماته أ‪ /‬سيد قطب (‬

‫ثالثا ً ‪ :‬الوسطية‬
‫الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬
‫أن يوضح الدارس مفهوم الوسطية ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫ً‬
‫أن يحدد الدارس الجوانب التى يكون السلم فيها وسطيا ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫ً‬
‫أن يشرح الدارس وسطية السلم فى كل جانب مستعينا باليات القرآنية‬ ‫‪-3‬‬
‫والحاديث النبوية ‪.‬‬

‫" وهذه خصيصة من أبرز خصائص السلم وهي الوسيطة ويعبر‬


‫عنها بالتوازن ونعني بالوسط أو التعادل بين طرفين متقابلين أو‬
‫متضادين بحيث ل ينفرد أحدهما بالتأثير ويطرد الطرف المقابل‬

‫‪141‬‬
‫وبحيث ل يأخذ أحد الطرفين أكثر من حقه ويطغى على مقابله مثال‬
‫الطراف المتقابلة أو المتضادة ‪ :‬الروحية والمادية والفردية‬
‫والجماعية والواقعية و المثالية والثبات والتغير وما شابهها‬
‫ومعنى التوازن أن يفسح لكل طرف منها مجاله ويعطى حقه‬
‫بالقسط أو بالقسطاس المستقيم بل وكس ول شطط ول غلو ول‬
‫تقصير ول طغيان ول إخسار كما أشار إلى ذلك كتاب الله بقوله "‬
‫والسماء رفعها ووضع الميزان ‪ .‬أل تطغوا في الميزان ‪ .‬وأقيموا‬
‫) الخصائص‬ ‫الوزن بالقسط ول تخسروا الميزان " الرحمن ‪9-7:‬‬
‫العامة للسلم (‬
‫" فمن عظمة التشريع السلمي أنه ل يباعد بين المادة والروح ‪ ،‬ول‬
‫يفصل بين الدنيا والخرة بل ينظر إلى الحياة على أنها وحدة متكاملة بين‬
‫حق النسان لربه وحقه لنفسه وحقه لغيره وبهذا يتسنى للنسان أن‬
‫يمارس الحياة العملية الواقعية بكل طاقاته وأشواقه على أسس من‬
‫المبادئ السلمية توافق الفطرة وتتلءم مع واقعية الحياة فالسلم‬
‫بتشريعه المتكامل ل يقر الحرمان ول الترهبن ول العزلة الجتماعية‬
‫وفي الوقت نفسه ل يقر للنسان أن ينهمك بكليته في الحياة المادية‬
‫وينس ربه والدار الخرة بل يهيب به أن يتوازن مع هذا وذاك وأن‬
‫يعطي حق الله وحق نفسه وحق الناس دون أن يغلب حقا ً على حق أو‬
‫يهمل واجبا على حساب واجب آخر ‪.‬‬
‫والقرآن الكريم قد حض على هذا التوازن بين المادة والروح في كثير من آياته‬
‫التي تلمس المشاعر والوجدان قبل أن تخاطب عقل النسان‬
‫ففي تذكيره بأداء حق الله في العبادة في غمرة النهماك في‬
‫العمال الدينوية والمزاولة التجارية ‪.‬‬
‫يقول سبحانه وتعالى " رجال ل تلهيهم تجارة ول بيع عن ذكر الله‬
‫وإقام الصلة وإيتاء الزكاة يخافون يوما ً تتقلب فيه القلوب والبصار "‬
‫النور ‪38 :‬‬
‫وفي تذكيره بأداء حق النفس في التكسب وابتغاء الرزق في غمرة‬
‫المناجاة الربانية والنغمات المسجدية يقول سبحانه " فإذا قضيت‬
‫الصلة فانتشروا في الرض وابتغوا من فضل الله " الجمعة ‪10 :‬‬
‫ومن الصول التي وضعها القرآن الكريم في هذه الموازنة ‪:‬‬
‫" وابتغ فيما أتاك الله الدار الخرة ول تنس نصيبك من الدنيا "‬
‫القصص ‪77:‬‬
‫واستنكر القرآن على من يحرم على نفسه الزينة والطيبات قال‬
‫تعالى‬
‫" قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل‬
‫هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة "العراف ‪32:‬‬
‫وما ذاك إل ليوازن النسان بين الدين والدنيا والخرة والولى ونحن‬
‫لو تأولنا مواقف الرسول ‪ ‬في تحقيق التوازن ومعالجة ظاهرة‬
‫العزلة والنطوائيه والتخلي عن الدنيا لزددنا يقينا أن هذه المواقف‬
‫وهذه المعالجة قائمة على إدراك فطرة النسان ورامية إلى تلبية‬
‫أشواقه وميوله ‪ .....‬حتى ل يتجاوز أي فرد من أفراد المجتمع حدود‬
‫فطرته ول يسلك سبيل ً منحرفا ً يصطدم مع أشواقه بل يسير على‬
‫مقتضى المنهج القويم السوي الذي رسمه السلم سيرا ً طبيعيا ً‬
‫متوازنا معتدل ً سويا ً بل عوج ول التواء ‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫روى الشيخان عن أنس رضي الله عنه " جاء ثلثة رهط إلى بيوت‬
‫أزواج النبي ‪ ‬يسألون عن عبادته عليه الصلة والسلم ‪ .‬فلما أخبروا‬
‫كأنهم تقالوها ) وجدوها قليلة ( فقالوا ‪ :‬وأين نحن من النبي ‪ ‬وقد‬
‫غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟‬
‫قال أحدهم ‪ :‬أما أنا فإني أقوم الليل أبدا ً‬
‫وقال الخر ‪ :‬أنا أصوم ول أفطر‬
‫وقال آخر ‪ :‬أعتزل النساء فل أتزوج‬
‫فجاء رسول الله ‪ ‬فقال ‪ :‬أنتم الذين قلتم كذا وكذا‬
‫أما والله إني أخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وافطر وأصلي‬
‫وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني "‬
‫وثبت في الصحيح أنه عليه الصلة والسلم أنكر على عبد الله بن‬
‫عمرو بن العاص حينما علم أنه قد تخلى عن الدنيا وحرم على نفسه‬
‫أن ينام وأن يأكل اللحم وأن يؤدي إلى أهله حقها وقال له ناصحا ً‬
‫وموجها ومرشدا " إن لك في رسول الله أسوة حسنة إن رسول الله‬
‫ينام ويصلي ويأكل اللحم ويؤدي إلى أهله حقوقهن ‪ "......‬يا عبد الله‬
‫بن عمرو " إن لله عليك حقا ً وإن لنفسك عليك حقا ً وإن لهلك عليك‬
‫ق حقه "‬ ‫ً‬
‫حقا فأعط كل ذي ح ٍ‬
‫من هذه المواقف التي وقفها النبي عليه الصلة والسلم أعظم‬
‫برهان وأقوى حجة على أن هذا السلم العظيم هو دين الفطرة‬
‫والتوازن والوسطية والعتدال‬
‫ومن دليل التوازن في السلم التوازن بين مصلحتي الفرد والمجتمع وهذه‬
‫ظاهرة آخرى فريدة في التشريع السلمي أل وهي التناسق‬
‫والنسجام بين حياة الفرد وحياة المجتمع ‪.‬‬
‫فالتشريع السلمي يؤكد وجود الكيان الشخصي للفرد ويعتبره‬
‫مسؤول أمام الله وأمام نفسه وأمام المجتمع ‪.‬‬
‫‪ ‬وقفوهم إنهم مسئولون ‪ ] ‬الصافات ‪. [ 24 :‬‬
‫‪ ‬ول تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك‬
‫كان عنه مسؤول ‪ ] ‬السراء ‪.[36 :‬‬
‫ثم هو بالتالي يضمن للنسان الحقوق الساسية ‪ :‬كحقوق الحياة قال تعالى‬
‫‪  :‬ولكم في القصاص حياة يا أولى اللباب ‪ ] ‬البقرة ‪. [ 179 :‬‬
‫وحق الحرية قال تعالى ‪  :‬ل إكراه في الدين قد تبين الرشد من‬
‫الغي ‪ ] ‬البقرة ‪. [ 259 :‬‬
‫وحق التعليم ‪ ‬قل هل يستوى الذين يعلمون والذين ل يعلمون ‪‬‬
‫] الزمر ‪. [ 9 :‬‬
‫وحق المساواة ‪ ‬إن أكرمكم عند الله أتقاكم ‪ ] ‬النور ‪. [ 33 :‬‬
‫وحق التملك ‪ ‬ل يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيًرا منهم ‪] ‬‬
‫الحجرات ‪. [ 10 :‬‬
‫فهذه حقوق أساسية لكل إنسان فالتشريع ل يبيح لى كائن في الوجود أن يعبث بها‬
‫أو ينتقص منها ‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق بحياة الجماعة فالتشريع السلمي يغرس في النفس‬
‫النسانية شعورها بمسؤولية الجماعة ويربط بين الناس في نطاق‬
‫الوظيفة الجتماعية وحراسة الرأى العام ودعم بناء الدولة ويأمر كل فرد‬
‫في المجتمع بمراعاة الصالح العام المشترك ومما يؤكد استشعار الفرد‬
‫بمسئولية الجماعة والوظيفة الجتماعية قوله تبارك وتعالى ‪:‬‬

‫‪143‬‬
‫‪ ‬والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف‬
‫وينهون عن المنكر ويقيمون الصلة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله‬
‫ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ‪ ] ‬التوبة ‪. [ 71 :‬‬
‫* وقد مثل النبي ‪ ‬مسئولية الفرد تجاه المجتمع ومسئولية المجتمع تجاه الفرد‬
‫بالسفينة ‪.‬‬
‫روى البخاري والترمذي عن النعمان بن بشير رضى الله عنهما عن‬
‫النبي ‪ ‬أنه قال " مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم‬
‫استهموا ) أي اقرعوا ( على سفينة فأصاب بعضهم أعلها وبعضهم‬
‫أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من‬
‫قا ولم نؤذ من فوقنا فإن‬ ‫فوقهم فقالوا ‪ :‬لو أنا خرقنا في نصيبنا خر ً‬
‫عا‬
‫عا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جمي ً‬ ‫تركوهم وما أرادوا هلكوا جمي ً‬
‫"‪.‬‬
‫والعبادة في السلم تربى المسلم على الستشعار بالوظيفة الجتماعية ومراعاة‬
‫الصالح العام المشترك ‪.‬‬
‫فالصلة تقام فى اليوم خمس مرات في جماعة ‪.‬‬
‫والزكاة فرض على كل من يملك نصابها وهي حق للجماعة ‪.‬‬
‫والصوم شعور اجتماعي نبيل يدفع الصائم ليؤدى حق الفقير‬
‫والمسكين واليتيم وابن السبيل ‪.‬‬
‫والحج تربية اجتماعية كريمة تدفع الحجاج لكي يتعارفوا ويتشاوروا‬
‫ويشهدوا منافع لهم ‪.‬‬
‫والجهاد في السلم فرض عملي يوجب على الفرد أن يبذل روحه‬
‫ظا على دولة السلم ‪.‬‬ ‫عا عن الكيان العام وحفا ً‬ ‫دفا ً‬
‫والتربية الجتماعية في السلم وسيلة إيجابية في مراعاة حقوق‬
‫الخرين كمراعاة حقوق البوين وحق الرحام وحق الجار وحق المعلم‬
‫وحق الرفيق وحق الكبير ووسيلة عملية في اللتزام بالداب العامة كأدب‬
‫الطعام والحديث والمجلس والمزاح والتهنئة والتغرية ‪...‬‬
‫وفي حالة التعارض وعدم التوافق فالسلم يقدم مصلحة الجماعة‬
‫على مصلحة الفرد ‪.‬‬
‫ويقول علماء الصول " يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام " ‪.‬‬
‫) السلم شريعة الزمان والمكان د‪ /‬عبدالله ناصح علوان (‬
‫فالسلم هو دين الوسطية والتوازن والعتدال ‪:‬‬
‫طا لتكونوا شهداء على الناس ويكون‬ ‫‪ ‬وكذلك جعلناكم أمة وس ً‬
‫دا ‪ ] ‬البقرة ‪. [ 143 :‬‬ ‫الرسول عليكم شهي ً‬
‫ً‬
‫رابعا ‪ :‬اليسر والبساطة والمعقولية‬
‫الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬
‫أن يوضح الدارس باليات والحاديث والمثلة أن السلم دين يسر ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫أن يعطى الدارس أمثلة على بساطة السلم ومعقوليته ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬

‫إن المتتبع لتعاليم الشريعة الغراء يجدها تمتاز باليسر والبساطة‬


‫والمعقولية تمتاز باليسر لن مبادئها الساسية ‪:‬‬
‫‪ ‬يريد الله بكم اليسر ول يريد بكم العسر ‪ ] ‬البقرة ‪, [ 185 :‬‬
‫‪ ‬وما جعل عليكم في الدين من حرج ‪ ] ‬الحج ‪. [ 78 :‬‬
‫سا إل وسعها ‪ ] ‬البقرة ‪. [ 276 :‬‬
‫‪ ‬ل يكلف الله نف ً‬
‫‪ ‬فمن اضطر غير باغ ول عاد فل إثم عليه ‪ ] ‬البقرة ‪. [ 172 :‬‬
‫‪144‬‬
‫دا جازما ً أن السلم بمبادئه السمحة‬ ‫فهذه النصوص وغيرها تؤكد تأكي ً‬
‫ل يكلف للنسان فوق طاقته ول بجملة من المسؤوليات فوق استعداده ‪،‬‬
‫بل كل هذه التكاليف والمسؤوليات تدخل في قدرة المكان البشري ‪،‬‬
‫والطاقة النسانية لكي ل يكون للنسان عذًرا أو سعة في التخلي من‬
‫أمر شرعي أو ارتكاب مخالفة إسلمية ‪.‬‬
‫‪ -‬ولنضرب بعض المثلة على يسر الشريعة السلمية ‪:‬‬
‫* من يسر هذه الشريعة أنها شرعت الحج للمسلم القادر المستطيع‬
‫في العمر مرة واحدة ‪.‬‬
‫* ومن يسرها أنها شرعت الزكاة للغني المالك للنصاب بنسبة ‪%2.5‬‬
‫على المور النقدية ‪ ،‬وعروض التجارة ‪ ....‬في العام مرة واحدة ‪.‬‬
‫* ومن يسرها أن شرعت للمسلم خمس صلوات في اليوم والليلة ‪،‬‬
‫يؤديها في أوقات مخصوصة متفرقة في المكان الذي يريد ‪ ،‬ويسرت أمر‬
‫عا ‪ ....‬في حال‬ ‫دا أو مضطج ً‬ ‫أدائها بالتيمم عند فقد الماء ‪ ....‬وبأدائها قاع ً‬
‫العجز والمرض ‪ ،‬وبالجمع بين صلتين مع قصر الرباعية في السفر ‪...‬‬
‫دا في السنة ‪،‬‬ ‫* ومن يسرها أنها شرعت الصوم شهًرا قمرًيا واح ً‬
‫يصومه المسلم مستديًرا مع الفصول الربعة ‪ ،‬وأباحت للصائم أن يفطر‬
‫ضا أو على سفر ‪...‬‬ ‫إذا كان مري ً‬
‫* ومن يسرها أنها أباحت للمسلم تناول المحرم كشرب الخمر أو أكل‬
‫الميتة ‪ ..‬إذا أشرف على الهلك ‪..‬‬
‫وبناء على هذا يقول علماء الصول " الضرورات تبيح المحذورات " ‪" ،‬‬
‫ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها "‪.‬‬
‫وتمتاز بالبساطة والمنطق والمعقولية لن مبادئها واضحة بسيطة‬
‫مفهومة يعقلها كل ذي عقل ويفهمها كل ذي ثقافة ويستجيب لها كل‬
‫ذي فطرة سليمة ‪..‬‬
‫‪ -‬بعض المثلة على بساطة الشريعة ومعقوليتها ‪:‬‬
‫* من بساطة الشريعة ومعقوليتها أنها أمرت النسان أن يفكر ويقدر‬
‫ما‬‫ويقاتل ‪ ..‬ليصل إلى حقيقة اليمان بواجد الوجود سبحانه ويقر جز ً‬
‫دا بوحدانيته المتفردة وقدرته المطلقة ‪.‬‬ ‫واعتقا ً‬
‫* ومن بساطتها ومعقوليتها أنها جعلت الصلة بين الخالق والمخلوق‬
‫قائمة على العتقاد أن الله هو رب كل شىء وهو القاهر فوق عباده‬
‫وهو يجيب المضطر إذا دعاه وهو على كل شىء قدير ‪.‬‬
‫* ومن بساطتها ومعقوليتها انها حاربت الخرافة والكهنوتية بكل‬
‫أشكالها وصورها حاربت عقيدة التثليث وفكرة الواسطة بين الخالق‬
‫والمخلوق ونعت بشدة على أولئك الذين يخدعون الجماهير بكراسي‬
‫العتراف وبيع صكوك الغفران ومنح الجنة وحرمان النار ‪.‬‬
‫* ومن بساطتها ومعقوليتها أنها تقبل التوبة من كل من يطرق باب‬
‫غا الكفر متمادًيا في الفسوق‬ ‫قا ‪ ...‬مهما كان وال ً‬ ‫الله ‪ ‬تائًبا منيًبا صاد ً‬
‫والعصيان دون واسطة مخلوق ‪.‬‬
‫* ومن بساطتها ومعقوليتها أنها ربطت اليمان بالحياة والعقيدة‬
‫ما إل إذا سلم الناس‬ ‫بالعمل الصالح ‪ ..‬فالمسلم ل يكون عند الله مسل ً‬
‫من لسانه ويده والمؤمن ل يكون عند الله مؤمًنا إل إذا أمنه الناس على‬
‫دمائهم وأموالهم ‪.‬‬
‫* ومن بساطتها ومعقوليتها تقريرها بأن النية الصالحة شرط لقبول‬
‫العمل عند الله ‪ ‬فهذه النية إذا تحققت في المسلم بشكل دائم فإنها‬

‫‪145‬‬
‫تقلب العمل مهما كان نوعه ولو كان خاطًرا نفسًيا إلى عبادة الله‬
‫وطاعة لرب العالمين ‪.‬‬
‫وبناء على هذا يقول علماء الفقه والصول " إن النية الصالحة تقلب‬
‫العادة عبادة " ‪.‬‬
‫هذا هو السلم في بساطته ويسره ومعقوليته وواقعيته ) السلم‬
‫شريعة الزمان والمكان د‪ /‬عبدالله ناصح علوان (‬
‫خامسا ً ‪ :‬العطاء والتجدد‬
‫الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬
‫أن يوضح الدارس خاصية العطاء والتجدد فى الشريعة السلمية ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬

‫ل شك أن الشريعة السلمية بمبادئها العامة وقواعدها الكلية تفــي بحاجــات الزمــن‬


‫المتطور وتواكب حضارات العصور المتقلبة ولسيما المبادئ والقواعد التي لها ارتبــاط‬
‫بأحكام المعاملت والمسائل الدستورية والنظم القتصادية والعلقات الدولية ‪.‬‬
‫ولنضرب على ذلك المثلة ‪:‬‬
‫القرآن الكريم في المسائل الدستورية والمور القضائية نص بوضوح على قاعدة‬
‫العدل ‪.‬‬
‫قال تعالى ‪  :‬اعدلوا هو أقرب للتقوى ‪ ] ‬المائدة ‪. [ 8 :‬‬
‫‪ ‬وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ‪ ] ‬النساء ‪. [ 58 :‬‬
‫فقاعدة العدل التى نصت عليها اليتان الكريمتان قاعدة كلية ثابتة ل‬
‫تتبدل ول تتغير وهذه القاعدة يجب العمل بها في كل زمان ومكان ولكن‬
‫وسائل تطبيق قاعدة العدل متروك للزمن المتطور والحياة المتجددة‬
‫فتطبق قاعدة العدل في محكمة واحدة أو بتعدد المحاكم أو بفصل‬
‫السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية ‪ ..‬فهذا متروك لهل الحل العقد‬
‫‪ .‬بل متروك للصلح من تجارب البشرية ‪ ..‬فمقصد الشريعة الول تطبيق‬
‫العدل فليكن التطبيق بأية وسيلة وبأي صورة ارتضاها أهل الحل والعقد‬
‫وبأي تنظيم أو إطار ‪ ..‬أشار إليه المختصون في هذا المجال مادامت‬
‫المحاكم تطبق قاعدة العدل وتحقق مصلحة المساواة بين الجميع‬
‫ولنقس على ذلك ‪:‬‬
‫مبدأ الشورى في قوله تعالى ‪  :‬وشاورهم في المر ‪ ] ‬آل عمران‬
‫‪. [ 159‬‬
‫وفي قوله ‪  :‬وأمرهم شورى بينهم ‪ ] ‬الشورى ‪. [ 38 :‬‬
‫ومبدأ المساواة في قوله تعالى ‪  :‬إن أكرمكم عند الله أتقاكم ‪. ‬‬
‫ومبدأ إعداد القوة في قوله تعالى ‪  :‬وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة‬
‫‪ ] ‬النفال ‪. [ 60 :‬‬
‫ومبدأ تنظيم الدّين في قوله تعالى ‪  :‬إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى‬
‫فاكتبوه ‪ ] ‬البقرة ‪. [ 282 :‬‬
‫ومبدأ الجنوح للسلم في قوله تعالى ‪  :‬وإن جنحوا للسلم فاجنح لها‬
‫وتوكل على الله ‪ ] ‬النفال ‪. [ 61 :‬‬
‫ومبدأ تنظيم العقود في قوله تعالى ‪  :‬يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود‬
‫‪ ] ‬المائدة ‪. [1 :‬‬

‫فأحكام الشريعة السلمية تنقسم إلى ثلثة أقسام ‪:‬‬


‫‪ -1‬مسائل تشريعية ثابتة غير قابلة للتجدد ول للتطور ‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫‪ -2‬مسائل تشريعية قابلة للتجدد ‪.‬‬
‫‪ -3‬مسائل تشريعية خاضعة للتطور ‪.‬‬

‫أحكام الشريعة السلمية‬

‫أحكام خاضعة للتطور‬ ‫أحكام قابلة للتجدد‬ ‫ثابتة ل تقبل التجدد ول‬
‫التطور‬
‫مسائل لم يرد فيها‬ ‫المبادئ والقواعد‬
‫هي المسائل التى‬
‫ً‬
‫نص صريح أصل فهي‬ ‫التي لها الرتباط‬
‫وردت فيها نصوص‬
‫خاضعة للجتهاد‬ ‫الوثيق بالمعاملت‬
‫قطعية ل مجال‬
‫الزمني حيث يجتهد‬ ‫المالية والشؤون‬
‫للجتهاد فيها‬
‫في هذه المسائل‬ ‫القضائية والنظم‬
‫كمسائل العقيدة‬
‫علماء راسخون‬ ‫القتصادية والقضايا‬
‫وأركان اليمان‬
‫مختصون متسمون‬ ‫الدارية والدستورية‬
‫وأحكام العبادات‬
‫بالورع والتقوى‬ ‫شريطة عدم‬
‫وحرمة الزنى والربا‬
‫ومتصفون بالذكاء ‪.‬‬ ‫التعارض مع نص‬
‫والخمر والميسر‬
‫كبيان الضمانات‬ ‫صريح أو قاعدة‬
‫وقتل النفس ‪..‬‬
‫التقاعدية للموظف‬ ‫عامة ‪.‬‬
‫تشريعية‬ ‫والعاملبقواعد‬ ‫المواريث‬
‫عطاء الشريعة المستمر على مدار الزمان أنها أتت‬ ‫وتحديديدل على‬
‫ومما‬
‫وغيرها‬
‫الطلق‬ ‫عدة‬ ‫وتحديد‬
‫ميسرة مستنبطة من استقراء النصوص وأسباب النزول ووقائع الحداث مثل ‪:‬‬
‫والنهي عن‬
‫للجتهاد في مورد النص " ‪.‬‬ ‫والوفاة‬
‫مجال‬ ‫"ل‬
‫والختلط‬ ‫السفور‬
‫" الضرر يزال " ‪.‬‬
‫" الضرر ل يزال بالضرر " ‪.‬‬
‫" يتحمل الضرر الخاص لرفع الضرر العام " ‪.‬‬
‫" الضرورات تبيح المحظورات " ‪.‬‬
‫" ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها " ‪.‬‬
‫" درء المفسدة يقدم على جلب المصلحة " ‪.‬‬
‫) السلم شريعة الزمان والمكان د‪/‬‬
‫عبدالله ناصح علوان (‬

‫ااااااا ‪:‬‬
‫‪ -1‬أذكر خصائص منهج السلم‬
‫اشرح مفهوم ربانية السلم‬ ‫‪-2‬‬
‫اشرح ثمرات ربانية السلم مع إعطاء أمثله على ذلك‬ ‫‪-3‬‬
‫حدد جوانب شمولية السلم‬ ‫‪-4‬‬
‫اشرح شمولية السلم لكل جانب مستعينا ً باليات القرآنية‬ ‫‪-5‬‬
‫والحاديث النبوية‬
‫وضح مفهوم الوسطية‬ ‫‪-6‬‬
‫ً‬
‫حدد الجوانب التى يكون السلم فيها وسطيا ‪.‬‬ ‫‪-7‬‬
‫ً‬
‫اشرح وسطية السلم فى كل جانب مستعينا باليات‬ ‫‪-8‬‬
‫القرآنية والحاديث النبوية‬
‫" السلم يدعو إلى التوازن بين مصلحتي الفرد والمجتمع "‬ ‫‪-9‬‬
‫وضح ذلك ‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫‪ " -10‬السلم يأمر كل فرد في المجتمع بمراعاة الصالح العام‬
‫المشترك " وضح ذلك من خلل ما تفهم من نصوص القرآن‬
‫الكريم ‪.‬‬
‫‪ " -11‬العبادة في السلم تربى المسلم على الستشعار بالوظيفة‬
‫الجتماعية ومراعاة الصالح العام المشترك " وضح ذلك‬
‫‪ -12‬وضح باليات والحاديث والمثلة أن السلم دين يسر ‪.‬‬
‫‪ -13‬أعط أمثلة على بساطة السلم ومعقوليته ‪.‬‬
‫‪ -14‬وضح خاصية العطاء والتجدد فى الشريعة السلمية ‪.‬‬

‫ببببب ببببببب بببببب ‪ :‬بب ببببب ببب بببببب ببببب بببببب‬


‫الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬
‫أن يشرح الدارس مفهوم العبادة الشامل ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫أن يحدد الدارس الشروط الواجب توافرها فى العمل حتى يصبح عبادة ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫أن يحرص الدارس على أن يتبع منهج السلم في كل شئون حياته ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬

‫الله تعالى هو خالق النسان ومدبر أمره فلنسأله سبحانه ‪ :‬يارب لماذا‬
‫خلقت هذا النسان ؟ هل خلقته لمجرد الطعام والشراب ؟ هل‬
‫خلقته للهو واللعب ؟ هل خلقته لمجرد أن يمشى على التراب ويأكل‬
‫ما خرج من التراب ثم يعود كما كان إلى التراب وقد ختمت القصة ؟ هل‬
‫ليعيش تلك الفترة المعذبة ما بين صرخة الوضع وأّنة النزع ؟‬
‫إذا فما سر هذه القوى والملكات التى أودعتها النسان من عقل‬
‫وإرادة وروح ؟‬
‫الله سبحانه وتعالى يرد على تساؤلنا فى كتابه – كتاب الخلود ‪:‬‬
‫‪ ‬وما خلقت الجن والنس إل ليعبدون ‪ .‬ما أريد منهم من رزق وما‬
‫أريد أن يطعمون ‪ ] ‬الذاريات ‪. [57-56 :‬‬
‫) العبادة في السلم د‪/‬‬
‫يوسف القرضاوي (‬
‫ولكن ما هي العبادة التي خلقنا الله من أجلها وهل هي مقتصرة على مجرد الشعائر‬
‫التعبدية فقط ؟‬
‫معنى العبادة في اللغة ‪ :‬الطاعة ‪.‬‬
‫ولقد سئل شيخ السلم بن تيمية عن قول الله ‪: ‬‬
‫‪ ‬يا أيها الناس اعبدوا ربكم ‪ ] ‬البقرة ‪. [ 21:‬‬
‫ما العبادة ؟ وما فروعها ؟ وهل مجموع الدين داخل فيها أم ل ؟‬
‫فأجاب رحمه الله عن ذلك إجابة مفصلة تضمنتها رسالته المعروفة‬
‫باسم " العبودية " وقد بدأها بقوله ‪ :‬العبادة ‪ :‬هي اسم جامع لكل ما‬
‫يحبه الله ويرضاه من القوال والعمال الباطنة والظاهرة فالصلة‬
‫والزكاة والصيام والحج وصدق الحديث وأداء المانة وبر الوالدين وصلة‬
‫الرحام والوفاء بالعهود والمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد‬
‫للكفار والمنافقين والحسان للجار واليتيم والمسكين وابن السبيل‬
‫والمملوك من الدميين والبهائم ‪ ،‬والدعاء والذكر والقراءة وأمثال ذلك‬
‫من العبادة " ‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫وكذلك حب الله ورسوله ‪ ‬وخشية الله وأداء المانة إليه وإخلص‬
‫الدين له والصبر لحكمه والشكر لنعمه والرضا بقضائه والتوكل عليه‬
‫والرجاء لرحمته والخوف من عذابه وأمثال ذلك هي من العبادة لله " ‪.‬‬
‫) العبودية – بن تيمية (‬
‫فالعبادة تسع الحياة كلها فدائرة العبادة رحبة واسعة إنها تشمل‬
‫عا‪.‬‬
‫شئون النسان كلها وتستوعب حياته جمي ً‬
‫" وبهذا وذاك يتحقق معنى العبادة ويصبح العمل كالشعائر والشعائر‬
‫كعمارة الرض كالجهاد في سبيل الله والجهاد في سبيل الله كالصبر‬
‫على الشدائد والرضا بقدر الله ‪ ..‬كلها عبادة وكلها تحقيق للوظيفة‬
‫الولى التى خلق الله الجن والنس لها " في ظلل القرآن ‪.‬‬
‫فالعمال الجتماعية النافعة عبادة ‪.‬‬
‫إن كل عمل اجتماعي نافع يعده السلم عبادة من أفضل العبادات ما‬
‫دام قصد فاعله الخير ل تصيد الثناء واكتساب السمعة الزائفة عند الناس‬
‫‪ .‬كل عمل يمسح به المسلم دمعة محزون أو يخفف به كربة مكروب أو‬
‫يضمد به جراح منكوب أو يقضى به دين غارم مثقل أو يأخذ بيد فقير‬
‫متعفف ذي عيال أو يهدي حائًرا ‪ ،‬أو يعلم جاهل ً أو يؤوى قريًبا أو يدفع‬
‫عا إلى ذي كبد رطبة فهو‬ ‫شًرا عن مخلوق أو أذى عن طريق أو يسدي نف ً‬
‫عبادة وقربة إلى الله إذا صحت النية فيه " ‪ .‬العبادة في السلم – د‪/‬‬
‫يوسف القرضاوي‬
‫من ذلك ما قاله رسول السلم ‪ ‬عن الصلح بين المتخاصمين ‪ " :‬أل‬
‫أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلة والصدقة ‪ .‬قالوا ‪ :‬بلى ‪...‬‬
‫قال ‪ :‬إصلح ذات البين ‪ ،‬فإن فساد ذات البين هي الحالقة ل أقول تحلق‬
‫الشعر ولكن تحلق الدين " رواه الترمذي ‪.‬‬
‫وعمل النسان في معاشه عبادة بشروط ‪:‬‬
‫فالزارع في حقله والعامل من مصنعه والتاجر في متجره والموظف‬
‫في مكتبه وكل ذي حرفة في حرفته يستطيع أن يجعل عمله لمعاشه‬
‫دا في سبيل الله إذا التزم بالشروط التية ‪:‬‬ ‫صلة وجها ً‬
‫عا في نظر السلم ‪ ،‬إن الله طيب ل‬ ‫‪ -1‬أن يكون العمل مشرو ً‬
‫يقبل إل طيبا ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن تصحبه النية الصالحة ‪ :‬نية المسلم إعفاف نفسه وإعفاف‬
‫أسرته ونفع أمته وعمارة الرض كما أمر الله ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يؤدى العمل بإتقان وإحسان ففي الحديث " إن الله كتب‬
‫الحسان على كل شىء " رواه مسلم ‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يلتزم فيه حدود الله فل يظلم ول يخون ول يغش ول يجور‬
‫على حق غيره ‪.‬‬
‫‪ -5‬أل يشغله عمله الدنيوي عن واجباته الدينية ‪.‬‬
‫ومن ثم صحح وجهتك تكن كل حياتك عبادة ‪.‬‬
‫" إن السلم ليس أفعال ً تعد على الصابع دون زيادة أو نقص كل ‪..‬‬
‫إنه صلحية النسان للسير في الحياة وهو يؤدى رسالة محدودة‬
‫فالمهندس الذي يصنع آلة ما ل يعنيه كم تنتج من السلع والدوات وإنما‬
‫يعنيه أن تكون أجهزتها مستعدة على الدوام لنجاز ما تكلف به ‪.‬‬
‫فصلحية العبادة للنطلق وصلحية المدفع للقذف وصلحية القلم‬
‫للكتابة هذه الصلحيات هي مناط الحكم على قيمة الشىء فإذا اطمأننا‬
‫إلى وجودها قبلناها ورجونا ثمرتها ‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫كذلك النسان ‪ .‬إن السلم يريد أن تستقيم أجهزته النفسية أول ً فإذا‬
‫توفرت لها صلحيتها المنشودة بصدق اليقين وسلمة الوجهة فكل عمل‬
‫تتعرض له في الحياة يتحول من تلقاء نفسه إلى طاعة الله ‪.‬‬
‫إن آلة صك النقود يدخلها المعدن الغفل ) الخام ( فيخرج منها عملة‬
‫مالية غالية الثمن تحمل من اللوان والختام والشارات ما يجعلها شيًئا‬
‫آخر كذلك المسلم ‪ ..‬يعالج ما يعالج من شئون الدنيا فيضفى عليه من‬
‫طبيعة إيمانه وسناء وجهته ما يجعل أي عمل يقبل عليه يتحول في يده‬
‫إلى عبادة غالية القدر ‪.‬‬
‫قال تعالى ‪  :‬بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه‬
‫ول خوف عليهم ول هم يحزنزن ‪ ] ‬البقرة ‪. [ 112 :‬‬
‫ففي شئون الحياة ليس للعمال الصالحة حصر تنتهى عنده ول رسم‬
‫تخريج فيه إنما هو إسلم الوجهة لله وإصلح العمل والبلوغ به حد‬
‫) هذا ديننا – الشيخ محمد الغزالي (‬ ‫الكمال المطلوب " ‪.‬‬
‫فالمسلم شعاره الدائم قول الله سبحانه وتعالى ‪  :‬قل إن صلتي‬
‫ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين‪ .‬ل شريك له وبذلك أمرت وأنا‬
‫أول المسلمين ‪ ] ‬النعام ‪. [ 162:163 :‬‬
‫" إنه التجرد الكامل لله بكل خالجة في القلب وبكل حركة في الحياة‬
‫بالصلة والعتكاف وبالمحيا وبالممات والشعائر التعبدية وبالحياة‬
‫الواقعية وبالممات وما وراءه إنها تسبيحة التوحيد المطلق والعبودية‬
‫الكاملة تجمع الصلة والعتكاف والمحيا والممات وتخلصها لله وحده ‪.‬‬
‫لله رب العالمين ‪ .‬القوام المهيمن المتصرف المربى الموجه الحاكم‬
‫للعالمين في إسلم كامل ل يستبقى في النفس ول في الحياة بقية ل‬
‫)‬ ‫يعبدها لله ول يحتجز دونه شيًئا في الضمير ول في الواقع ‪" ..‬‬
‫في ظلل القرآن – أ‪ /‬سيد قطب (‬
‫التقويم ‪:‬‬
‫‪ -1‬اشرح مفهوم العبادة الشامل ‪.‬‬
‫‪ -2‬حدد الشروط الواجب توافرها فى العمل حتى يصبح عبادة ‪.‬‬
‫‪ -3‬هل تحرص على أن تجعل أعمالك كلها عبادة لله عز وجل ؟‬
‫وضح ماذا تفعل ‪.‬‬

‫الهدف المرحلي الخامس ‪ :‬أن يؤمن بضرورة تطبيق منهج السلم فى‬
‫المجتمع‬
‫الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬
‫أن يكتب الدارس تصوره عن واقع تطبيق السلم فى نواحي الحياة فى‬ ‫‪-1‬‬
‫مجتمعه ‪.‬‬
‫أن يحدد الدارس دوره فى إقامة المجتمع المسلم ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫أن يوضح الدارس مدى إسهامه فى تحقيق إقامة المجتمع المسلم ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫" إن السمة المميزة لطبيعة المجتمع المسلم هي أن هذا المجتمع‬
‫يقوم على قاعدة العبودية لله وحده في أمره كله ‪ ..‬هذه العبودية التي‬
‫دا رسول الله ‪..‬‬ ‫تمثلها وتكّيفها شهادة أن ل إله إل الله ‪ ..‬وأن محم ً‬
‫وتتمثل هذه العبودية في التصور العتقادي كما تتمثل في الشعائر‬
‫التعبدية كما تتمثل في الشرائع القانونية سواء ‪.‬‬
‫دا لله وحده من ل يعتقد بوحدانية الله سبحانه ‪.‬‬ ‫فليس عب ً‬

‫‪150‬‬
‫‪ ‬وقال الله ل تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياى فارهبون ‪.‬‬
‫وله ما في السماوات والرض وله الدين واصًبا أفغير الله تتقون ‪‬‬
‫] النحل ‪. [ 52-51 :‬‬
‫دا لله وحده من يتقدم بالشعائر التعبدية لحد غير الله معه أو‬ ‫ليس عب ً‬
‫من دونه ‪ ‬قل إن صلتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين‬
‫لشريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ‪ ] ‬النعام ‪. [ 162:163 :‬‬
‫دا لله وحده من يتلقى الشرائع من أحد سوى الله عن‬ ‫" وليس عب ً‬
‫الطريق الذي بلغنا الله به وهو رسول الله ‪. ‬‬
‫‪ ‬أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ‪‬‬
‫] الشورى ‪ ) [ 21 :‬معالم في الطريق أ‪ /‬سيد قطب (‬
‫فأين نحن من تعاليم السلم يقول الستاذ البنا ‪:‬‬
‫ما وأنزل‬ ‫صل أحكا ً‬ ‫ما ‪ ،‬وف ّ‬ ‫ما ‪ ،‬ووضع لكم نظا ً‬ ‫" إن الله بعث لكم إما ً‬
‫ما وأرشدكم إلى ما فيه خيركم وسعادتكم‬ ‫كتاًبا وأحل حلل ً وحّرم حرا ً‬
‫وهداكم سواء السبيل ‪ .‬فهل اتبعتم امامه واحترمتم نظامه وأنفذتم‬
‫أحكامه وقدستم كتابه وأحللتم حلله وحرمتم حرامه ؟‬
‫كونوا صرحاء في الجواب وسترون الحقيقة واضحة أمامكم ‪.....‬‬
‫‪ ....‬أهذا هو السلم الذى أراده الله أن يكون رحمته العظمى ومنته‬
‫الكبرى على العالمين ؟‬
‫أهذا هدي محمد ‪ ‬الذى أراد أن يخرج الناس من الظلمات إلى النور ؟‬
‫أهذا هو تشريع القرآن الذى عالج أدواء المم ومشكلت الشعوب‬
‫ووضع للصلح أدق القواعد وأرسخ الصول ‪.....‬‬
‫دا دفاقا قد‬ ‫ة وتياًرا شدي ً‬ ‫من الحق أن نعترف بأن موجة قوية جارف ً‬
‫طغى على العقول والفكار في غفلة من الزمن ‪ ،‬وغرور من أمم‬
‫السلم وانغماس منهم في الترف والنعيم فقامت مبادئ ودعوات‬
‫وظهرت نظم وفلسفات وتأسست حضارات ومدنيات ونافست هذه كلها‬
‫فكرة السلم في نفوس أبنائها وغزت أممه في عقر دارها وأحاطت‬
‫بهم من كل مكان ودخلت عليهم بلدانهم وبيوتهم ومخادعهم بل احتلت‬
‫قلوبهم وعقولهم ومشاعرهم " ‪.‬‬
‫لكل هذه السباب والظروف وجب على المسلم أن يعمل على تطبيق‬
‫منهج السلم في نفسه وأهله ووطنه وأمته ‪.‬‬
‫ورحم الله من قال " أقيموا دولة السلم في قلوبكم تقم على‬
‫أرضكم "‬
‫* لن العمل على إقامة دين السلم بداءة تكليف من الله سبحانه‬
‫حا والذى أوحينا‬ ‫وتعالى قال ‪  : ‬شرع لكم من الدين ما وصى به نو ً‬
‫إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ول تتفرقوا‬
‫فيه ‪ ] ‬الشورى ‪. [ 13 :‬‬
‫كما أن العمل على تطبيق منهج السلم فى المجتمع المسلم دليل‬
‫على صدق اليمان قال تعالى ‪  :‬فل وربك ل يؤمنون حى يحكموك‬
‫جا مما قضيت ويسلموا‬ ‫فيما شجر بينهم ثم ل يجدوا في أنفسهم حر ً‬
‫تسليما ‪ ] ‬النساء ‪. [ 65 :‬‬
‫* كما أن تطبيق منهج السلم فى المجتمع وتحكيم شرع الله سبحانه‬
‫وتعالى أمر من الله سبحانه وتعالى لرسوله وللمؤمنين من بعده ‪ :‬‬
‫وأن احكم بينهم بما أنزل الله ول تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن‬
‫بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض‬
‫‪151‬‬
‫ذنوبهم وإن كثيًرا من الناس لفاسقون ‪ .‬أفحكم الجاهلية يبغون ومن‬
‫ما لقوم يوقنون " ] المائدة ‪. [ 50 :49 :‬‬
‫أحسن من الله حك ً‬
‫والطريق إلي تطبيق السلم فى المجتمع محدد الخطوات معلوم المراحل ‪:‬‬
‫" ‪ -1‬نريد أول الرجل المسلم في تفكيره وعقيدته في خلقه‬
‫وعاطفته وتصرفه فهذا هو التكوين الفردي ‪.‬‬
‫‪ -2‬ونريد بعد ذلك البيت المسلم في تفكيره وعقيدته وفي خلقه‬
‫وعاطفته وعمله وتصرفه فهذا هو تكويننا السري ‪.‬‬
‫ضا ‪.‬‬
‫‪ -3‬ونريد بعد ذلك الشعب المسلم في ذلك كله أي ً‬
‫‪ -4‬نريد بعد ذلك الحكومة المسلمة التى هي نتاج هذا الشعب‬
‫المسلم والتى تقوده إلى المسجد وتحمل الناس على هدي السلم‬
‫من بعد كما حملهم على ذلك أصحاب رسول الله ‪ ‬أبي بكر وعمر‬
‫من قبل ‪.‬‬
‫التقويم ‪:‬‬
‫‪ -1‬اكتب تصورك عن واقع تطبيق السلم فى نواحي الحياة فى‬
‫مجتمعك ‪.‬‬
‫‪ -2‬حدد ما دورك فى إقامة المجتمع المسلم ‪.‬‬
‫‪ -3‬وضح مدى إسهامك فى تحقيق إقامة المجتمع المسلم ‪.‬‬
‫الهدف المرحلي السادس ‪ :‬أن تنتفي لدي الدارس أي شبهات حول‬
‫الفهم الصحيح للسلم‬
‫الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يحدد الدارس أهم الشبهات التي تثار حول الفهم الصحيح‬
‫للسلم ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يوضح الدارس الغرض من إثارة هذه الشبهات ومن وراء‬
‫إثارتها ‪.‬‬
‫أن يفند الدارس الشبهات التي تثار حول الفهم الصحيح‬ ‫‪-3‬‬
‫للسلم ‪.‬‬
‫‪ -‬من أهم الشبهات التي تثار حول السلم ‪:‬‬
‫) كثير من المسلمين في كثير من العصور خلعوا على السلم نعوًتا‬
‫ما‬
‫ما من عند أنفسهم ‪ ,‬واستخدموا مرونته وسعته استخدا ً‬ ‫وأوصا ً‬
‫فا ورسو ً‬
‫ضاًرا مع أنها لم تكن إل للحكمة السامية ‪ ,‬فاختلفوا في معنى السلم‬
‫ما ‪ ,‬وانطبعت للسلم في نفوس أبنائه صورا ً عدة تقرب أو‬ ‫فا عظي ً‬‫اختل ً‬
‫تبعد أو تنطبق على السلم الول الذي مثّله رسول الله وأصحابه خير‬
‫تمثيل‪.‬‬
‫فمن الناس من ل يرى السلم شيًئا غير حدود العبادة الظاهرة‬
‫فإن أداها أو رأى من يؤديها اطمأن إلى ذلك ورضي به وحسبه قد وصل‬
‫إلى لب السلم ‪ ,‬وذلك هو المعنى الشائع عند عامة المسلمين‪.‬‬
‫ومن الناس من ل يرى السلم إل الخلق الفاضل والروحانية الفياضة ‪,‬‬
‫والغذاء الفلسفي الشهي للعقل والروح ‪ ,‬والبعد بهما عن أدران المادة‬
‫الطاغية الظالمة‪.‬‬
‫ومنهم من يقف إسلمه عند حد العجاب بهذه المعاني الحيوية العملية‬
‫في السلم فل يتطلب النظر إلى غيرها ول يعجبه التفكير في سواها‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫ومنهم من يرى السلم نوع من العقائد الموروثة والعمال التقليدية‬
‫التي ل غناء فيها ول تقدم معها ‪ ,‬فهو متبرم بالسلم وبكل ما يتصل‬
‫قفوا‬‫حا في نفوس كثير من الذين ث ُ ّ‬
‫بالسلم ‪ ,‬وتجد هذا المعنى واض ً‬
‫ثقافة أجنبية ولم تتح لهم فرص حسن التصال بالحقائق السلمية فهم‬
‫ل‪ ,‬أو عرفوه صورة مشوهة بمخالطة من‬ ‫لم يعرفوا عن السلم شيًئا أص ً‬
‫لم يحسنوا تمثيله من المسلمين‪ ( .‬رسالة المؤتمر الخامس أ‪ /‬البنا‬
‫كما يعاني كثير من " المثقفين " اليوم أزمة عنيفة بإزاء الدين ‪0‬‬
‫فأخذوا يرددون بعضا ً من الشبهات التي تدل على أنهم لم يفهموا‬
‫السلم فهما ً صحيحا ً ولم يعرفوا حقيقته ‪ ،‬ومن هذه الشبهات ‪:‬‬
‫السلم استنفد أغراضه ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫السلم دين جامد ل يتفاعل مع الحضارة الحديثة ويصطدم‬ ‫‪-2‬‬
‫بالعلم ‪.‬‬
‫‪ -3‬السلم دين المذهبية والتفرق والتطاحن ‪ ...‬ونجد كثيرا ً من‬
‫المسلمين يكفر بعضهم بعضا ‪.‬‬
‫‪ -4‬السلم دين البدع والخرافات والموالد والتمسح بالضرحة‬
‫والتوسل بالموات والتكال وترك العمل ‪ ..‬وإهدار الجهود والطاقات‬
‫فيما ل ينبني عليه عمل ‪.‬‬
‫‪ -5‬السلم يضع كهنوتا ً وقدسية وسلطة عظيمة لرجال الدين ‪..‬‬
‫ولمام المسلمين ) للحاكم أو الخليفة ( فالحلل ما يرى والحرام ما‬
‫يحرم والشرع ما شرع ‪ ...‬ومصلحة المة فيما قرره الخليفة ‪...‬‬
‫والمسلم عليه أن يتبع المام ول يخالفه ‪ ...‬و إل فهو خارج علي‬
‫الخليفة مخالفا ً لولي المر ‪!! ..‬‬
‫‪ -6‬أين حقوق غير المسلمين من الطوائف الخرى في المجتمع‬
‫السلمي ؟!! ‪.‬‬
‫‪ -‬الغرض من إثارة الشبهات ومن يثيرها ؟! ‪:‬‬
‫وينبغي أول ً أن يعرف هذا اللون من " المثقفين " من أين جاءتهم هذه الشبهات‬
‫‪ ،‬ليعرفوا إن كانوا وهم يرددونها أصلء في التفكير ‪ ،‬أم مقلدين ‪ ،‬يرددون مال يفهمون‬
‫‪0‬‬
‫إنها قطعا ً ليست شبهاتهم الخاصة ‪ ،‬ول هي نتيجة تفكيرهم الذاتي ‪ ،‬ولنرجع‬
‫خطوات إلى الوراء لنعرف شيئا ً من التاريخ الحديث‬
‫في العصور الوسطي قامت الحروب الصليبية بين أوربا والعالم السلمي ‪،‬‬
‫واستعر أوارها ‪ 0‬ثم سكتت بعد فترة من الزمان ‪ ،‬ولكن يخطىء من يظن أنها انتهت‬
‫حينذاك ‪ 0‬فها هو ذا اللورد اللنبي يقول في صراحة كاملة حين استولى على بيت‬
‫المقدس في الحرب العظمى الولى ‪ ) :‬الن انتهت الحروب الصليبية ( ! !‬
‫وفي القرنين السابقين أخذت أوربا المستعمرة تزحف على العالم السلمي ‪،‬‬
‫وفي سنة ‪ 1882‬دخل النجليز مصر ‪ ،‬بعد خيانة توفيق وتآمره مع جيش الحتلل ضد‬
‫الثورة الشعبية بزعامة عرابي ‪ 0‬ولم يكن بد للنجليز من سياسة يثبتون بها أقدامهم‬
‫في العالم السلمي ‪ ،‬ويأمنون بها الروح السلمية أن تشتد فتعصف بهم في يوم‬
‫قريب ‪ 0‬وهنا ندع مستر جلدستون رئيس الوزارة البريطانية في عهد الملكة فكتوريا‬
‫يتحدث في صراحة ووضوح عن هذه السياسة ‪ ،‬فيمسك بيده المصحف ويقول لعضاء‬
‫‪153‬‬
‫مجلس العموم ‪ " :‬إنه ما دام هذا الكتاب بين أيدي المصريين ‪ ،‬فلن يقر لنا قرار في‬
‫تلك البلد " ‪0‬‬
‫وإذن فقد كانت السياسة المطلوبة هي توهين عَُرى الدين ‪ ،‬ونزع قداسته من‬
‫نفوس أهله ‪ ،‬وتشويه صورته في أفكارهم وضمائرهم ‪ ،‬لينسلخوا منه ‪ ،‬وينفروا من‬
‫التمسك بأحكامه وآدابه ‪ ،‬حتى يستطيع المستعمرون أن يستقروا في هذه البلد !‬
‫وكذلك صنع النجليز في مصر ‪ 0‬فقد وضعوا سياسة تعليمية ل تدرس شيئا ً عن‬
‫حقيقة السلم ‪ ،‬سوى أنه عبادات وصلوات ‪ ،‬وأذكار ومسابح وطرق صوفية ‪ ،‬وقرآن‬
‫يقرأ من أجل " البركة " ‪ ،‬ودعوات نظرية إلى مكارم الخلق ! أما السلم كنظام‬
‫اقتصادي واجتماعي ‪ ،‬أما السلم كنظام للحكم ودستور للسياسة الداخلية والخارجية ‪،‬‬
‫أما السلم كنظام للتربية والتعليم ‪ 00‬أما السلم كحياة ومهيمن على الحياة ‪ 00‬فلم‬
‫يدرس منه شيء للطلب ‪ ،‬وإنما درست لهم بدل ً منه الشبهات التي وضعها‬
‫المستشرقون وغيرهم من الصليبيين الوربيين ‪ 0‬ليفتنوا بها المسلمين عن دينهم ‪،‬‬
‫تنفيذا ً لغرض الستعمار الخبيث ‪0‬‬
‫وسوف نتناول فيما يلي الرد علي هذه الشبهات وتفنيدها ‪ ،‬ولكننا نحب أن ننبه‬
‫إلى أن إيراد الشبهة التي يثيرها أعداء السلم ثم الرد عليها بما يبطلها ‪ 0‬ل يعني أن‬
‫نعطي الشبهة لونا من الهمية ل تستحقه ‪ ،‬ولونا ً من الشرعية يستوجب منا الحتفال‬
‫والهتمام ‪ .‬ولكننا سنعرض إلى بعض منها من باب الحرص على أن يفهم أبناؤنا الفهم‬
‫الصحيح للسلم ‪ ،‬وأن نحصن أبناءنا من خطورة ما يثيره أعداء السلم ‪ ،‬بل وكي‬
‫يستطيع الدارس أن يرد تلك الشبهات وهذه السهام في نحور من يثيرها ويطلقها ‪.‬‬
‫كما أننا نؤكد أن الرد الحقيقي عليهم ليس هو الدخول في معركة جدلية معهم ‪،‬‬
‫ولو أفحمهم الرد في لحظتهم ! إنما الرد الحقيقي على خصوم السلم هو إخراج‬
‫نماذج من المسلمين تربت على حقيقة السلم ‪ ،‬فأصبحت نموذجا ً تطبيقيا ً واقعيا ً لهذه‬
‫الحقيقة ‪ ،‬يراه الناس فيحبونه ‪ ،‬ويسعون إلى الكثار منه ‪ ،‬وتوسيع رقعته في واقع‬
‫الحياة ‪ 0‬هذا هو الذي " ينفع الناس فيمكث في الرض " ‪ ،‬وهذا هو مجال الدعوة‬
‫الحقيقية للسلم ‪ 0‬شبهات حول السلم أ‪ /‬محمد قطب‬
‫‪ -‬أن يفند الدارس الشبهات التي تثار حول السلم ‪:‬‬
‫الشبهة الولى ‪ :‬السلم استنفد أغراضه ‪.‬‬
‫الذين يخطر فى بالهم أن السلم قد استنفد أغراضه ‪ ،‬ل يعرفون لماذا جاء‬
‫السلم ‪ 0‬إنهم – كما حفظوا فى دروس التاريخ التي وضعها الستعمار لتدرس فى‬
‫المدارس – يعرفون أن السلم قد نزل لمنع عبادة الصنام وتوجيه الناس إلى عبادة‬
‫الله ‪ 0‬وكان العرب يعيشون قبائل متفرقة متناحرة فألف بينهم ‪ ،‬وجعلهم أمة واحدة ‪0‬‬
‫وكانوا يشربون الخمر ‪ ،‬ويلعبون الميسر ‪ ،‬ويرتكبون المفاسد الخلقية ‪ ،‬فنهاهم عن‬
‫ذلك ‪ ،‬وحرمه عليهم ‪ 0‬كما حرم عليهم بعض العادات السيئة ‪ ،‬كالخذ بالثأر ووأد‬
‫البنات و ‪ 000‬ألخ ‪ 0‬ودعا السلم المؤمنين به لنشر الدعوة فقاموا بنشرها ‪ ،‬وقامت‬
‫الحروب والغزوات التي انتهت بانتشار السلم إلى حدوده المعروفة اليوم ‪0‬‬
‫فقط ‪ 0‬تلك كانت مهمة السلم ! وإذن فهي مهمة تاريخية قد انتهت اليوم‬
‫واستنفدت أغراضها ‪ 00‬ليس فى العالم السلمي اليوم من يعبد الصنام ‪ 0‬والقبائل‬
‫قد ذابت – قليل ً أو كثيرا ً – فى أمم وشعوب ‪ 0‬والخمر والميسر والمسائل الخلقية‬
‫متروك أمرها " لتطور " المجتمع ‪ 0‬وقد وجدت رغم تحريم الديان لها ‪ ،‬فل فائدة من‬
‫المحاولة ‪ 00‬ونشر الدعوة قد انتهى ‪ ،‬ولم يعد له مكان فى التاريخ الحديث ‪ 00‬وإذن‬

‫‪154‬‬
‫فقد استنفد السلم أغراضه ‪ ،‬وعلينا اليوم أن نتجه إلى " المباديء الحديثة " ففيها‬
‫وحدها الغناء ‪0‬‬
‫ذلك وحي الدراسات التى ندرسها لبنائنا فى المدارس ‪ ،‬وهو كذلك وحي ما‬
‫يسمونه " المر الواقع " كما يتبدى فى الذهان الضعيفة والنفوس المستعبدة لسلطان‬
‫الغرب ‪ 0‬ولكن هؤلء وأولئك ل يدركون فيما نزل السلم ‪0‬‬
‫ونكتفي هنا بالشارة إلى الحقائق التالية ‪-:‬‬
‫أول ً ‪ " :‬السلم نظام شامل يتنــاول مظــاهر الحيــاة جميعهــا فهــو دولــة‬
‫ووطن ‪ ،‬أو حكومة وأمة ‪ ،‬وهو خلق وقوة ‪ ،‬أو رحمة وعدالة ‪ ،‬وهو ثقافــة‬
‫وقانون ‪ ،‬أو علم وقضاء وهو مــادة وثــروة ‪ ،‬أو كســب وغنــى وهــو جهــاد‬
‫ودعوة أو هو جيش ‪ ،‬وفكــرة كمــا هــو عقيــدة صــادقة وعبــادة صــحيحة ‪..‬‬
‫سواءً بسواء " ‪ .‬من الصول العشرين لفهم السلم للمام حسن البنا ‪.‬‬
‫ثانيا ُ ‪ :‬أن السلم لم يكن دعوة نظرية ‪ 0‬وإنما كان نظاما ً عمليا ً يعرف حاجات‬
‫الناس الحقيقية ويعمل على تحقيقها ‪0‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬أنه فى سبيل تحقيق هذه الحاجات يسعى إلى التوازن بين حاجات الجسد‬
‫وحاجات العقل وحاجات الروح ‪ ،‬ول يترك جانبا منها يطغى على جانب آخر ‪ 0‬فل يكبت‬
‫الطاقة الحيوية في سبيل الرتفاع بالروح ‪ ،‬ول يبالغ في الستجابة لشهوات الجسد‬
‫إلى الحد الذي يهبط بالنسان إلي مستوى الحيوان ‪ ،‬ويجمع بين ذلك كله فى نظام‬
‫موحد ل يمزق النفس الواحدة بين الشد والجذب ‪ ،‬ول يوجهها وجهات شتي متناقضة ‪0‬‬
‫ثم يوازن ثانيا ً بين مطالب الفرد ومطالب المجتمع ‪ ،‬فل يطغى فرد على فرد ‪ ،‬ول‬
‫يطغي الفرد على المجتمع ‪ ،‬ول المجتمع على الفرد ‪ ،‬ول طبقة على طبقة ‪ ،‬ول أمة‬
‫على أمة ‪0‬‬
‫رابعا ُ ‪ :‬أن السلم فكرة اجتماعية ونظام اقتصادي قائم بذاته ‪ 0‬هو نظام وسط‬
‫يعترف بالفرد ويعترف بالمجتمع ‪ ،‬ويوازن بينهما ‪ 0‬فيمنح الفرد قدرا ً من الحرية يحقق‬
‫به كيانه ول يطغي به على كيان الخرين ‪ ،‬ويمنح المجتمع – أو الدولة ممثلة المجتمع –‬
‫سلطة واسعة في إعادة تنظيم العلقات الجتماعية والقتصادية كلما خرجت عن‬
‫توازنها المنشود ‪ 0‬وكل ذلك على أساس الحب المتبادل بين الفراد والطوائف ‪ ،‬ل‬
‫على أساس الحقد والصراع ‪.‬‬
‫والعالم الغارق في الستعمار والستعباد ‪ ،‬الذي يصل إلى درجة الوحشية ‪ ،‬ما‬
‫يزال يحتاج إلي وحي السلم الذي حرم الستعمار بقصد الستغلل ‪ ،‬وعامل البلد‬
‫التي فتحها – بقصد نشر الدعوة – معاملة ما تزال في نظافتها وارتفاعها قمة ل تصل‬
‫إليها أبصار القزام في أوربا " المتحضرة " ‪ 0‬فيقرر عمر بن الخطاب ضرب ابن عمرو‬
‫بن العاص ‪ ،‬ويكاد يضرب عمرا ً نفسه ‪ ،‬وهو القائد المظفر والحاكم المبجل ‪ ،‬لن ابنه‬
‫ضرب شابا ً مصريا ً قبطيا ً بغير وجه حق !‬
‫والعالم المفزع من الحرب ما يزال يحتاج إلى قيام السلم ‪ ،‬لن ذلك وحده هو‬
‫سبيله الواقعي إلى السلم ‪ ،‬لفترة طويلة من الزمان ‪0‬‬
‫كل ! لم يستنفد السلم أغراضه ‪ 0‬وإن دوره في مستقبل البشرية التائهة الن‬
‫ل يقل بحال عن دوره الهائل الذي أنار به وجه الرض ‪ ،‬حينما كانت أوربا ما تزال في‬
‫عصر الظلمات ‪0‬‬
‫*** *** ***‬

‫‪155‬‬
‫الشبهة الثانية ‪ :‬السلم ‪ ..‬والحضارة‬
‫أتريدون أن ترجعوا بنا ألف سنة إلى الوراء ‪ 00‬إلى عهد الخيام ؟ إنه دين جامد ل‬
‫يتفاعل مع الحضارة الحديثة ‪ ،‬ول مناص من نبذه إذا أردنا أن نتحضر كبقية خلق الله !‬
‫شبهة غبية ل يقول بها أحد درس تاريخ هذا الدين ‪ 0‬وإل فأين ومتى وقف السلم فى‬
‫طريق الحضارة ؟‬
‫لقد نزل السلم – فيما نزل – فى قوم نصفهم من العراب ‪ ،‬بلغ من جفوتهم‬
‫وغلظة قلوبهم أن يقول فيهم القرآن ‪ " :‬العراب أشد كفرا ً ونفاقا ً وأجدر أل يعلموا‬
‫حدود ما أنزل الله على رسوله " فكانت معجزته العظمي أن جعل من هؤلء الغلظ‬
‫الجفاة أمة من الدميين ‪ ،‬ل يكتفون بأنهم اهتدوا بهدي الله فارتفعوا من حيوانيتهم إلى‬
‫أفاق النسانية الرفيعة ‪ ،‬بل أصبحوا هم أنفسهم هداة البشرية يدعونها إلى هدى الله‬
‫‪ 0‬وذلك وحده برهان على ما في هذا الدين من قدرة عجيبة على تحضير الناس‬
‫وتهذيب النفوس ‪0‬‬
‫ولكن السلم لم يكتف بهذا العمل الجبار فى داخل النفوس ‪ 0‬وهو العملية‬
‫الحقيقية التي تستأهل الجهد وتستحق التسجيل ‪ ،‬لنها الهدف الخير من كل المدنيات‬
‫والحضارات ‪ 00‬لم يكتف السلم بهذا التهذيب العميق للفكار والمشاعر ‪ ،‬بل ضم‬
‫إليه كل مظاهر المدنية التي يهتم بها الناس اليوم ويحسبونها لباب الحياة ‪ ،‬فتبني كل‬
‫الحضارات التي وجدها فى البلد المفتوحة فى مصر وفارس وبلد الروم ‪ ،‬ما دامت ل‬
‫تخالف عقيدته في وحدانية الله ول تصرف الناس عن الخير الواجب لعباد الله ‪ 0‬ثم‬
‫تبنى كل الحركة العلمية التي كانت لدي اليونان من طب وفلك ورياضة وطبيعة‬
‫وكيمياء وفلسفة ‪ ،‬ثم أضاف إليها صفحات جديدة تشهد بتعمق المسلمين فى البحث‬
‫واشتغالهم الجدي بالعلم ‪ ،‬حتى كانت خلصة ذلك كله فى الندلس هى التي قامت‬
‫عليها نهضة أوربا الحديثة وفتوحاتها فى العلم والختراع ‪0‬‬
‫فمتي ؟ متى وقف السلم في وجه حضارة نافعة للناس ؟‬
‫أما موقف السلم من الحضارة الغربية السائدة اليوم فهو موقفه من كل حضارة‬
‫سابقة ‪ 0‬يتقبل كل ما تستطيع أن تمنحه من خير ‪ ،‬ويرفض ما فيها من شرور ‪ 0‬فهو ل‬
‫يدعو – ولم يدع قط – إلى عزلة علمية أو مادية ‪ ،‬ول يعادي الحضارات الخرى معاداة‬
‫شخصية أو عنصرية ‪ ،‬ليمانه بوحدة البشرية واتصال الوشائج بين البشر من جميع‬
‫الجناس وجميع التجاهات ‪0‬‬
‫وكذلك لم تقف الدعوة السلمية دون التفاعل مع التجارب العلمية التي تنتجها‬
‫البشرية فى أي مكان على الرض ‪ 0‬فكل تجربة بشرية صالحة هي غذاء يجب أن‬
‫يجربه المسلمون ‪ ،‬وقد قال الرسول ‪ " : r‬طلب العلم فريضة " والعلم حين يطلق‬
‫هكذا يشمل كل علم ‪ ،‬وقد كانت دعوة الرسول إلى العلم كافة ‪ ،‬ومن كل سبيل ‪0‬‬
‫والسلم عمل على تحرير العقل من الخرافة ‪ 00‬فقد كانت البشرية غارقة فى‬
‫خرافات عدة ‪ ،‬بعضها صنعه البشر ونسبوه إلى آلهتهم التى صنعوها بأيديهم ‪ ،‬وبعضها‬
‫صنعه رجال الدين ونسبوه إلى الله ! وكلها نشأ من الجهالة التى كان يعيش فيها‬
‫العقل البشري فى طفولته ‪ ،‬فجاء السلم ليخلص البشرية من الخرافة ممثلة في‬
‫اللهة المزعومة ‪ ,‬وفي أساطير اليهود وخرافات الكنيسة ‪ ,‬ويردهم إلي الله الحق ‪,‬‬
‫في صورة بسيطة يفهمها العقل ويدركها الحس ويؤمن بها الضمير ‪ ,‬ويدعوهم إلي‬
‫إعمال عقلهم لتفهم حقائق الحياة ‪ ,‬ولكن في صورة فريدة ل تقيم خصومة بين العقل‬
‫والدين ‪ ,‬ول بين الدين والعلم ‪ 0‬ل تضطر النسان إلي اليمان بالخرافة ليؤمن بالله ‪,‬‬
‫ول تضطره إلي الكفر بالله ليؤمن بحقائق العلم ‪ 0‬وإنما تقر في ضميره في استقامة‬

‫‪156‬‬
‫ووضوح أن الله قد سخر للناس ما في الكون جميعا ً ‪ 0‬وأن كل حقيقة علمية يهتدون‬
‫إليها ‪ ,‬أو نفع مادي يحصلون عليه فإنما هو توفيق من الله ‪ ,‬يستحق أن يشكروا الله‬
‫من أجله ويحسنوا عبادته ‪ ,‬وبذلك يجعل المعرفة جزءا ً من اليمان ‪ ,‬ل عنصرا ً مخالفا ً‬
‫لليمان ‪0‬‬
‫كما ورد في الصول العشرين لفهم السلم ما يدلل على ذلك ‪:‬‬
‫" والسلم يحرر العقل ويحث على النظر فى الكــون ويرفـع قــدر العلــم‬
‫والعلماء ويرحب بالصالح النافع من كل شئ والحكمه ضاله المــؤمن أنــى‬
‫وجدها فهو أحق الناس بها "‬
‫السلم حرر العقل من الجمود أو عبارة إرث الباء ) وإذا قيل لهم اتبعــوا مــا أنــزل‬
‫الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا ( سورة لقمان آية )‪. (21‬‬
‫والسلم يحرر العقل من المهانة النسانية الكبرى وهى عبـاده الوثـان ‪.‬أكــبر إكــرام‬
‫للعقل وضعه في دائرة الماديات كيفما شاء أما الغيبيــات فقــد أرســل إليــه المرســلين‬
‫والنبياء بحجج عقلية بليغة هى معجزه تصدقه وذلك فى ذاتــه خطــاب للعقــل البشــرى‬
‫) قل سيروا فى الرض فانظروا كيف بدأ الخلق ( ‪.‬‬
‫والعقل هو قدرة جبارة من لدن الله عز وجل ‪ ،‬ولكن له مجاله وحدوده ‪ ،‬ول يمكــن‬
‫أن يحدث تصادم بين النظر الشرعي والنظر العقلي في المور القطعية الثابتة ‪ ،‬وهــذا‬
‫ما أوضحه الصل القائل ‪:‬‬
‫" وقد يتناول كل من النظر الشرعي ‪ ،‬والنظر العقلي ما ل يدخل فــى دائرة الخــر ‪،‬‬
‫ولكنهما لن يختلفا فى القطعي فلن تصــطدم حقيقــة علميــة صــحيحة بقاعــدة شــرعية‬
‫ثابتة ‪ ،‬ويؤول الظني منهما ليتفق مع القطعي ‪ ،‬فان كانا ظنيين فالنظر الشرعي أولــى‬
‫بالتباع حتى يثبت العقلي أو ينهار"‬
‫*** *** ***‬
‫الشبهة الثالثة ‪ :‬السلم ‪ ...‬والمذهبية‬
‫" السلم دين المذهبية والتفرق والخلف وما أدل علــى ذلــك مــن حــال‬
‫المسلمين وتعدد المذاهب والتطاحن بينها وتعــدد الفــرق والجماعــات ‪...‬‬
‫واتهام بعضها بعضا ً بالكفر ‪: " ..‬‬

‫} إن الختلف المذموم يؤدى إلى تفرق الكلمــة وتعـادى المــة ‪ ،‬وتنـازع الطـوائف ‪،‬‬
‫ويلبسها شيعا ً ويذيق بعضــها بـأس بعـض ‪ .‬وهـو مـا حـذر منــه القــرآن الكريـم والسـنة‬
‫المطهرة أشد تحذير ‪ ،‬يقول القرآن الكريم بعد المر بتقوى اللــه حــق تقــاته ‪ ،‬والثبــات‬
‫على السلم إلى الممات ‪ " :‬واعتصموا بحبل الله جميعا ً ول تفرقوا واذكروا نعمة اللــه‬
‫عليكم إذ كنتم أعداًء فألف بين قلوبكم فأصــبحتم بنعمتــه إخوانــا " )ســورة آل عمــران‬
‫‪ ( 103‬وفى هذا السياق يقول سبحانه ‪ " :‬ول تكونوا كالذين تفرقوا واختلفــوا مــن بعــد‬
‫مــا جــاءهم البينــات وأولئك لهــم عــذاب عظيــم " )ســورة آل عمــران ‪ . ( 105‬ويــوجه‬
‫الرسول والمؤمنين فى موضع آخر فيقول ‪ " :‬منيبين إليــه واتقــوه وأقيمــوا الصــلة ول‬
‫تكونوا من المشركين ‪ .‬مــن الــذين فرقــوا دينهــم وكــانوا شــيعا ً كــل حــزب بمــا لــديهم‬
‫ذر القرآن من التفرق أيما تحذير ‪ ،‬ومن ذلك‬ ‫فرحون " ) سورة الروم ‪ . ( 32 ، 31‬وح ّ‬
‫قوله تعالى ‪ " :‬قل هو القــادر علـى أن يبعــث عليكــم عــذابا ً مــن فــوقكم أو مــن تحــت‬
‫أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويــذيق بعضــكم بــأس بعــض ") النعــام ‪ . ( 65‬فجعــل تفريــق‬
‫المة شيعا ً ‪ ،‬يذوق بعضها بأس بعض ‪ ،‬مـن أنــواع العقوبـات القدريـة الـتى ينزلهـا اللـه‬

‫‪157‬‬
‫بالناس إذا انحرفوا عن طريقه ولم يعتبروا بآيــاته ‪ ،‬وقرنهــا القــرآن بــالرجم ينــزل مــن‬
‫فوقهم كالذى نزل بقوم لوط ‪ ،‬وبالخسف يقع من تحت أرجلهم كالــذى وقــع لقــارون ‪.‬‬
‫وقال تعالى ‪ " :‬إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ً لست منهم فـى شـىء إنمــا أمرهــم‬
‫إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون " ) النعام ‪ . ( 159‬جــاء عــن ابــن عبــاس أن هــذه‬
‫الية نزلت فى اليهود والنصارى ‪ ،‬الذين تفرقوا واختلفوا فى دينهــم ‪ .‬وجــاء عــن غيــره‬
‫أنهم أهل البدع ‪ ،‬وأهل الشبهات ‪ ،‬وأهل الضللة من هذه المة { ‪ .‬الصحوة الســلمية‬
‫بين الختلف المشروع والتفرق المذموم د‪ /‬يوسف القرضاوى‬
‫‪ -‬طبيعة الخلف بين الناس ‪:‬‬
‫قضت مشيئة الله تعالى خلق النــاس بعقــول ومــدارك متباينــة إلــى جــانب اختلف‬
‫اللسنة واللوان والتصورات والفكار قال تعالى ‪:‬‬
‫" ومن آياته خلق السماوات والرض واختلف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك ليات‬
‫للعالمين"‪ 69‬وكل تلك المور تفضي إلى تعدد الراء والحكام وتختلف باختلف قائليها‪.‬‬
‫وإذا كان اختلف ألســنتنا وألواننــا ومظــاهر خلقنــا آيــة مــن آيــات اللــه تعــالى فـإن‬
‫اختلف مداركنا وعقولنا وماتثمره تلك المدارك والعقول آية من آيات الله تعالى كذلك‬
‫ودليل من أدلة قدرته البالغة وإن إعمار الكون وازدهار الوجود ‪ ،‬وقيام الحياة ل يتحقق‬
‫أي منها لو أن البشر خلقوا سواسية في كل شيء وكل ميسر لما خلق لــه "ولــو شــاء‬
‫ربك لجعل الناس أمة واحدة ول يزالون مختلفين إل من رحم ربك ولذلك خلقهم"‪.70‬‬
‫فقد شاء الله أن تتنوع استعدادات النسان واتجاهاته وأن يوهب القدرة على حرية‬
‫التجاه وأن يختار هو طريقه ويحمل تبعة الختيار …‬
‫فكان من مقتضى هذا أن يكون النــاس مختلفيــن وأن يبلــغ هــذا الختلف حــتى أن‬
‫يكون فى أصول العقيدة إل الذين أدركتهم رحمة الله ‪ ) .‬فى ظلل القرآن ( ‪.‬‬
‫وورد في هذا أحد أصول فهم السلم ‪:‬‬
‫" والخلف الفقهي في الفروع ل يكون سببا للتفــرق فــي الــدين ول‬
‫يؤدى إلى خصومة ‪ ،‬ول بغضاء ولكل مجتهد أجره ‪ ،‬ول مانع مـن التحقيـق‬
‫العلمي النزيه ‪ ،‬في مسائل الخلف ‪ ،‬في ظل الحــب فــي اللــه والتعــاون‬
‫على الوصول إلى الحقيقة مــن غيــر أن يجــر ذلــك إلــى المــراء المــذموم‬
‫والتعصب “‬
‫الخلف دائما يكون فــى الفــروع وليــس فــى الصــول لن أصــول العقــائد ل تتعــدد‬
‫وكذلك الخلق ول يكون هناك نسخ فى العقائد ول الخلق فإن الحق واحد فى العقائد‬
‫والخلق ويمكن أن يتعدد الحق فى الشرائع ‪ ،‬فى الحكام الفرعية لنها إن شاء اللــه ‪-‬‬
‫عز وجل ‪ -‬قد تتغير من شريعة إلى أخرى حسب ظروف المة ‪.‬‬
‫إن الختلف الذي وقع في سلف هذه المة – ول يزال واقعا ً – جزء من هــذه الظــاهرة‬
‫الطبيعية فإن لم يتجاوز الختلف حدوده بل التزمت المة بــآدابه كــان ظــاهرة إيجابيــة‬
‫كثيرة الفوائد ‪. 71‬‬

‫وهذا الخلف يجب أن يكون فى إطار الخلف المحمود ‪ ،‬و أل يؤدى إلى تفرق‬
‫مذموم ‪ ،‬بل يستغل هذا الخلف في إثراء الراء النافعة وتعددها ‪ ،‬حتى ينتفع بكل‬

‫‪ 1‬الروم "‪"52‬‬ ‫‪69‬‬

‫‪ 2‬هود ‪119 - 118‬‬ ‫‪70‬‬

‫‪ 1‬أدب الختلف في السلم د‪ .‬جابر فياض العلواني‬ ‫‪71‬‬

‫‪158‬‬
‫الجهود والراء فيما فيه صالح الفرد والمجتمع والمة بأسرها ‪ .‬وإلى هذا يشير قول‬
‫القائل ‪ " :‬نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا ً فيما اختلفنا فيه " و " الخلف‬
‫فى الرأي ل يفسد للود قضية " ‪.‬‬
‫‪ -‬ويجب الحذر كل الحذر مــن التعصــب للراء والتعــرض للشــخاص والهيئات بطعــن أو‬
‫تجريح وذلك حرصا ً على وحدة المـة وجمـع الكلمــة علـى الصــول الـتي ل خلف فيهــا‬
‫) الكتاب والسنة ( ولهذا نورد هذا القول ‪ " :‬وكل أحد يؤخذ من كلمه ويــترك إل‬
‫المعصوم صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وكل ما جــاء عــن الســلف رضــوان اللــه‬
‫عليهم موافقا للكتاب والسنة قبلنــاه ‪ ،‬وإل فكتــاب اللــه ‪ ،‬وســنة رســوله‬
‫أولى بالتباع ‪ ،‬ولكننا ل نعــرض للشــخاص فيمــا أختلــف فيــه بطعــن ‪ ،‬أو‬
‫تجريح ونكلهم إلى نياتهم ‪ ،‬وقد أفضوا إلى ما قدموا “‬
‫وهذا يعالج الميل القلبي لقوال العلماء والتعصب لها فل عصمة لحــد غيــر رســول‬
‫الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وذلك المر هام في أخذ الحكام الشــرعية حــتى ل يحيــد‬
‫المسلم عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عيه وسلم لقول أحد مــن البشــر مهمــا‬
‫كان ‪ ،‬يقول المام الشافعي ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬وأرضاه ‪ ،‬وغيره من الئمة المحققين “‬
‫إذا صح الحديث فهو مذهبي وإذا خـالف قــولي حـديث رســول اللـه ‪ -‬صــلى اللـه عليــه‬
‫وسلم ‪ -‬فاضربوا بقولى عرض الحائط " ‪ ،‬إذن كلم الســلف يعــرض علــى كتــاب اللــه‬
‫وسنة رسوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فما وافقه أخذناه ‪ ،‬ومــالم يــوافقه تركنــاه دون‬
‫طعن ‪ ،‬ول تجريح‬
‫‪ -‬أما الذين ينحرفون في منعطف التكفير فيكفيهم هــذه القاعــدة الشــرعية الــتي يقـي‬
‫التزامها من الوقوع في هذا المنزلق ‪ " :‬ل نكفر مسلما أقر بالشهادتين وعمل‬
‫بمقتضاهما وأدى الفــرائض بــرأي أو معصــية إل أن أقــر بكلمــه الكفــر أو‬
‫أنكر معلوما من الدين بالضرورة أو كــذب صــريح القــرآن أو فســره علــى‬
‫وجه ل تحتمله أساليب اللغة العربية بحال أو عمــل عمل ل يحتمــل تــأويل‬
‫غير الكفر " فإقرار الفرد بالشهادتين يعطيه حق السلم ول يســلبه منــه إل مــا نــص‬
‫الشرع على أنه يخرج الفرد من الملة ‪.‬‬
‫*** *** ***‬
‫الشبهة الرابعة ‪ :‬السلم ‪ ...‬والبدع‬
‫السلم دين البدع والخرافات ‪ ..‬والموالد والتمسح بالضرحة ‪ ..‬وطلــب الحــوائج مــن‬
‫الموات الصالحين ‪ ..‬ويدعو إلى التكال وترك العمل والخوض في مسائل ل نفــع مــن‬
‫ورائها ‪ ...‬ويدعو إلى صلح القلب ونظافته ودعك من العمل ‪ ..‬كما يقول بعــض العامــة‬
‫) طالما القلب نظيف ففيه كفاية ‪ ..‬ول يهم العمل ( ‪:‬‬
‫ونترك الرد للمام البنا من خلل قراءة سريعة للصول العشرين لفهم السلم وهو‬
‫يتناول فيها هذه المور في ســهولة ويســر ووضــوح وجلء ‪ ...‬لكــل ذي لــب وبصــيرة ‪..‬‬
‫فنجده يقول ‪:‬‬
‫" والتمائم والرقــى والــودع والرمــل والعرافــة والكهانــة وادعــاء معرفــة‬
‫الغيب وكل ما كان مــن هــذا البـاب منكـر يجـب محـاربته إل مـا كـان مـن‬
‫القرآن أو رقية مأثورة "‬
‫هذا الصل يتعلق بأمور العتقاد بأن يعتقد المسلم أن الله وحده قدر الشياء وهــو‬
‫العتقاد السليم وقد يفسد هذا العتقاد توهم ضر ونفع رقــى أو تمــائم لحــديث رســول‬
‫الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ " -‬من علق تميمة فل أتم الله له " ‪.‬‬
‫ويستثنى من الرقى ما ورد فى القرآن مثل سورة الفلق والفاتحة والنــاس وبعــض‬
‫الرقى المأثورة عن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وســلم ‪ -‬فقــد ورد فــى حــديث تعويــذ‬

‫‪159‬‬
‫البناء أنه كان يقول " أعيذك بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عيــن‬
‫لمة “ ‪.‬‬
‫ويقول أيضا ‪ " :‬وكل بدعة فــي ديــن اللــه ل أصــل لهــا استحســنها النــاس‬ ‫ً‬
‫بأهوائهم بالزيادة فيه ‪ ،‬أو بالنقص منه ضللة ‪ ،‬تجب محاربتها ‪ ،‬والقضــاء‬
‫عليها بأفضل الوسائل التي ل تؤدى إلى ما هو شر منها "‬
‫البدعة ‪ :‬كل أمر ل أصل له فى الدين ‪ ،‬والمبتــدع يــأتي فــي الــدين بــأمر مخــترع ل‬
‫أصل له على غير مثــال ســبق ‪ ،‬وهــى تتــدرج مــن الكبــائر إلــى صــغائر المــور ‪ ،‬وبهــذا‬
‫التعريف تخرج البدعة إذا كانت في المور الدنيوية من دائرة الحرام ‪ ،‬إل إذا اصطدمت‬
‫بما جاء في الشرع ‪ ،‬مثل الكل والشرب فى صحاف من ذهب ‪ ،‬أو الفضة ‪ ،‬أما ركوب‬
‫عا في الدين ‪ ،‬وإنما يسمى بدعــة‬ ‫السيارة بدل البعير فليس بدعة دينية لنه ليس اخترا ً‬
‫صا ‪ ،‬أو قاعدة شرعية ‪.‬‬ ‫من جهة اللفظ فقط ‪ ،‬وهذه ل حرمة فيها ‪ ،‬إل إذا خالفت ن ً‬
‫ويفصل البدع أكثر فيقول ‪ " :‬والبدعة الضافية ‪ ،‬والتركيــة ‪ ،‬واللــتزام فــى‬
‫العبــادات المطلقــة خلف فقهــي لكــل فيــه رأى ‪ ،‬ول بــأس بتمحيــص‬
‫الحقيقة بالدليل ‪ ،‬والبرهان " ‪.‬‬
‫البدعة التي لها أصل فى الدين ‪ ،‬وتختلف فى كيفيتها ‪ ،‬فتنقسم إلى قسمين ‪:‬‬
‫‪ -1‬البدعة التركية ‪ :‬مثل ترك سنة الجمعة البعدية ‪ ،‬والمداومة على ذلك ‪ ،‬ومثــل‬
‫ترك الصلة على النبى ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فى التشهد ‪.‬‬
‫‪ -2‬البدعة الضافية ‪ :‬مثل الصلة على النبى ‪ -‬صلوات الله عليه وتسليماته ‪ -‬بعد‬
‫الذان بصوت مرتفع مثل صوت الذان ‪.‬‬
‫أما اللتزام فـى العبـادات المطلقـة مثـل أن يصـلى المـرء ثمـانى ركعـات بعـد‬
‫الظهر ‪ ،‬ويواظب على ذلك‬
‫وأما طلب الحوائج من الموات الصالحين وزيارة الضرحة والتمسح بها فمن المــور‬
‫التي تتنافى مع الشرع ويجب أن نعلم أن ‪ ":‬محبة الصالحين واحترامهم والثناء‬
‫عليهم بما عرف من طيب أعمالهم قربى إلى الله تعــالى‪ -‬والوليــاء هــم‬
‫المذكورون في قوله تعالى " الذين امنوا وكانوا يتقون " والكرامة ثابتــة‬
‫لهم بشرائطها الشرعية مع اعتقاد أنهم رضــوان اللــه عليهــم ل يملكــون‬
‫لنفسهم نفعا ول ضرا في حيـاتهم أو بعـد ممـاتهم فضـل عـن أن يهبـوا‬
‫شيئا من ذلك لغيرهم"‬
‫ونقول أيضا ً أن ‪ " :‬زيارة القبور أيا كانت سنه مشروعة بالكيفية المأثورة‬
‫‪ ،‬ولكن الستعانة بالمقبورين وندائهم وطلب قضاء الحاجــات منهــم عــن‬
‫قرب أو بعد والنذر لهم وتشييد القبور وســترها وإضــاءتها والتمســح بهــا‬
‫والحلف بغير الله وما يلحق بذلك من المبتدعات كبائر تجب محاربتهــا ول‬
‫نتأول لهذه العمال سدا للذريعة ‪" .‬‬
‫ويلحظ فيما أوردنا من القول ما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬أنه أعطى لهذه الفعال حكم الكبيرة التى تكون شــركا أو معصــية حســب حــال‬
‫صاحبها ‪.‬‬
‫‪ -2‬أنه دعا إلى محاربتها وعدم مهادنتها ‪.‬‬
‫‪ -3‬إنه دعا الى عدم الترخص فى شأنها بالتأويل والتماس التخريجات لنها ذرائع الى‬
‫الشرك وبذلك يكون حكمنا هنا الحكم الشرعى الدقيق بغير تفريط ول إفراط ‪.‬‬
‫أما إقران الدعاء بالتوسل إلى الله بأحد من خلقه ‪ :‬فيكفينــا هــذه العبــارة‬
‫التي وردت في أصول الفهم‬
‫" والدعاء إذا قرن بالتوسل إلى الله بأحد من خلقــه خلف فرعــى فــي‬
‫كيفيه الدعاء وليس من مسائل العقيدة "‬
‫ولقد اتفق العلماء على أن التوسل المشروع هو ‪:‬‬

‫‪160‬‬
‫‪ -1‬التوسل باسم من أسماء الله الحسنى ‪ ،‬أو بصفة من صفاته العلى ‪ ،‬لقوله تعــالى ‪:‬‬
‫" ولله السماء الحسنى فادعوه بها " العراف ‪180‬‬
‫‪ -2‬التوسل بعمل صالح قام به الداعي ‪ ،‬لثبوت ذلك في صحيحي البخاري ومسلم فــي‬
‫قصة أصحاب الغار الثلثة الشهيرة ‪.‬‬
‫‪ -3‬التوسل بدعاء الرجل الصالح ‪ .‬فإذا نابت المسلم نائبة فمن المندوب أن يذهب إلى‬
‫رجل صالح يدعو له ‪.‬‬
‫وفي الحديث عن أنس بن مالك رضـي اللــه عنــه – أن رجــل دخــل يــوم الجمعــة إلـى‬
‫المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول الله هلكت‬
‫المواشي وانقطعت السبل فادع الله أن يغيثنا ‪ ،‬قــال ‪ :‬فرفــع رســول اللــه صــلى اللــه‬
‫عليه وسلم يديه فقال ‪ :‬اللهم اسقنا ‪ ،‬قال أنس ‪ :‬فطلعــت ســحابة مثــل الــترس فلمــا‬
‫توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت ( رواه أحمد والبخاري ‪.‬‬
‫وإذا كان هذا عن التوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فإن التوسل بدعاء غيــره‬
‫م بالعمرة ‪ :‬ل تنسنا يــا أخــي مــن‬
‫قد سنه لنا حينما قال لعمر ‪ -‬رضي الله عنه – وقد ه ّ‬
‫دعائك – رواه الترمذي وأبو داود وأحمد ‪.‬‬
‫أما التوسل المختلف فيه فهو التوسل إلى الله بأحــد مــن خلقــه فــي مطلــب يطلبــه‬
‫العبد من ربه فهو خلف في كيفية الدعاء وليس من مسائل العقيدة في شيء ‪.‬‬
‫فقد أجازه البعض استنادا ً إلى ما أورده البخاري أن عمر بن الخطــاب رضــي اللــه عنــه‬
‫استسقى بالعباس وقال ‪ :‬اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل‬
‫إليك بعم نبينا فيسقون ‪.‬‬
‫وفي الحديث الذي رواه عثمان بن حنيف رضي الله عنه أن أعمى أتــى رســول اللــه‬
‫صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ادع الله أن يكشــف لــى عــن بصــري فقــال‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ":‬توضأ وصل ركعتين ثم قل ‪ :‬اللهم إنــي أســألك وأتــوجه‬
‫إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة ‪ ،‬إنى توجهت بــك إلــى ربــى فــي‬
‫ي واسعفني فى نفسي ( فرجع وقد كشف الله‬ ‫حاجتي هذه لتقضى لي اللهم فشفعه ف ّ‬
‫عن بصره ‪ -‬رواه أحمد والترمذي ‪ .‬فهذا الحديث دليل على جــواز الــدعاء مــع التوســل‬
‫الى الله بأحد من خلقه‬
‫وفي مسألة ترك العمل والخوض في مسائل ل نفع من ورائها ‪ :‬فالسلم‬
‫يوجه المسلمين إلى البعد عن التكلف ‪ ،‬كتكلف السؤال عن أشياء لم تقع ‪ ،‬أو لم يحــن‬
‫وقت حدوثها ‪ ،‬والخوض فى الخلف الذى وقع بين الصحابة رضوان الله عليهــم ‪ ،‬وفــي‬
‫هذا قول بليغ في أصل من أصول الفهم وهو ‪:‬‬
‫" وكل مسألة ل ينبني عليها عمل ‪ ،‬فالخوض فيها مــن التكلــف الــذي‬
‫نهينا عنه شرعا ومن ذلك كثرة التفريعات للحكام التي لم تقع والخــوض‬
‫في معاني اليات الكريمة التي لم يصــل إليهــا العلــم بعــد ‪ ،‬والكلم فــى‬
‫المفاضلة بين الصحاب رضوان الله عليهم ‪ ،‬وما شجر بينهم مــن خلف ‪،‬‬
‫ولكل منهم فضل صحابته وجزاء نيته وفى التأول مندوحة "‬
‫وفي مسألة الهتمــام بصــلح القلــوب دون العمــال ‪ :‬نجد أن الســلم اهتــم‬
‫بالقلب وصلحه لنه المنطلق الذي يوجه حركة النسان ‪ ،‬ولكنه مــع ذلــك‬
‫لم يهمل عمل الجوارح ‪ ،‬فهي تترجم ما في قلب النسان ليظهر أثــر مــا‬
‫في القلب سلوكا ً وعمل ً وحركة ونفعا ً للنفس والمجتمع ‪ ،‬وهذا ما وضحه‬
‫حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬إن الله ل ينظر إلى صوركم ولكــن‬
‫ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " و ما أبلغ قول القائل " والعقيــدة أســاس العمــل ‪،‬‬
‫وعمل القلب أهم من عمل الجارحة وتحصيل الكمــال فــي كليهــا مطلــوب شــرعا وإن‬
‫اختلفت مرتبتا الطلب "‬
‫*** *** ***‬
‫‪161‬‬
‫الشبهة الخامسة ‪ :‬السلم ‪ ...‬ومصادر التشريع‬
‫السلم يضع كهنوتا ً وقدسية وسلطة عظيمة لرجال الدين ‪ ..‬ولمام‬
‫المسلمين ) للحاكم أو الخليفة ( فالحلل ما يرى والحرام ما حّرم‬
‫والشرع ما شّرع ‪ ...‬ومصلحة المة فيما قرره الخليفة ‪ ...‬والمسلم عليه‬
‫أن يتبع المام ول يخالفه و إل فهو خارج علي الخليفة مخالف لولي‬
‫المر ‪ ...‬وما أدل على ذلك من حال المسلمين وانتشار الديكتاتوريات‬
‫وغياب الحريات !!‬
‫ليس في السلم ما يسمى باسم كلمة السماء ول الحق اللهي وليس فى‬
‫السلم " رجال دين " كالذين كانوا فى أوربا ‪ :‬فالدين ملك للجميع ‪ 0‬ينهلون منه ‪ ،‬كل‬
‫على قدر ما تطيقه طبيعته ومؤهلته الفكرية والروحية ‪ ،‬والجميع مسلمون " ولكل‬
‫درجات مما عملوا " وأكرم الناس عند الله أتقاهم ‪ ،‬سواء كانت وظيفته مهندس أو‬
‫مدرس أو عامل أو صانع ‪ 0‬وليس الدين حرفة من بين هذه الحرف ‪ 0‬فالعبادات كلها‬
‫تتم بغير وساطة رجال الدين ‪0‬‬
‫أما الجانب الفقهي والتشريعي في السلم فطبيعي أن يتخصص فيه أناس‬
‫باعتباره الدستور الذي يقوم عليه الحكم ‪ 0‬ولكن موقفهم هو موقف كل المتخصصين‬
‫في الفقه الدستوري والتشريعي في كل بلد من البلد ‪ ،‬ل يملكون بصفتهم هذه سلطة‬
‫على الناس ول امتيازا ً " طبقيا " عليهم ‪ 0‬وإنما هم مستشارو الدولة وفقهاؤها‬
‫فحسب ‪0‬‬
‫وحين يقوم الحكم السلمي لن ينتشر " علماء الدين " في الدواوين ‪ ،‬ولن‬
‫يتغير في نظام الحكم شيء إل قيامه علي الشريعة السلمية ‪ 0‬ولكن شئون الهندسة‬
‫تظل في يد المهندسين ‪ ،‬وشئون الطب في يد الطباء ‪ ،‬وشئون القتصاد في يد‬
‫القتصاديين ) علي شرط أن يكون القتصاد السلمي هو الذي يحكم المجتمع ( وهكذا‬
‫في كل شئون الحكم ‪0‬‬
‫فالسلم حدد ووضع المرجع الساســي لمصــادر الحكــام والتشــريع ‪،‬‬
‫فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪ " :‬تركت فيكم ما إن تمسكتم به لــن تضــلوا‬
‫بعدي أبدا ً ‪ ،‬كتاب الله ‪ ،‬وسنتي " ونجد أصل ً من أصول الفهم الصحيح للســلم يقــول ‪:‬‬
‫" والقرآن الكريم والسنة المطهرة مرجع كــل مســلم فـى تعــرف أحكــام‬
‫السلم ويفهم القرآن طبقـا لقواعـد اللغـة العربيــة مـن غيــر تكلـف ول‬
‫تعسف ويرجع فى فهم السنة المطهرة إلى رجال الحديث الثقاة “‬
‫إن القرآن الكريم وسنة النبى ‪ -‬صـلى اللـه عليـه وسـلم ‪ -‬هـى المرجـع الساسـي‬
‫للمسلم فى معرفة السلم وأحكامه بشرط اعتماد الفهوم التى كان عليها رسول اللــه‬
‫‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وأصحابه لن القرآن يفسره حــديث رســول اللــه صــلى اللــه‬
‫عليه وسلم وأحواله ‪.‬‬
‫كما نجد أن السلم بّين دوائر عمل المام ) الخليفة ( ونــائبه ‪ ...‬فالســلم‬
‫ل يمنح قداسة لحد حتى لخليفة المسلمين ‪ ،‬بل وضع له حــدودا ً ودوائر للعمــل ‪ ..‬ومــع‬
‫ت لتحقيــق‬ ‫ذلك ل يقيد التفكير والبداع للقائم على أمر المة ‪ ..‬بل أعطى لــه صــلحيا ٍ‬
‫مصلحة المة وذلك بحسب الظروف والعرف والعادات ‪ ..‬وأكد على ذلك مــا جــاء فــي‬
‫أصل من أصول الفهم ‪:‬‬
‫" رأى المام ونائبه فيمــا ل نــص فيــه ‪ ،‬وفيمــا يحتمــل وجوهــا عــدة ‪،‬‬
‫وفى المصالح المرسلة ‪ ،‬معمول به مالم يصطدم بقاعــدة شــرعية ‪ ،‬وقــد‬
‫يتغير بحسب الظروف والعرف والعادات ‪ .‬والصــل فــى العبــادات التعبــد‬

‫‪162‬‬
‫دون اللتفات إلى المعاني ‪ ،‬وفى العاديات اللتفات إلى السرار والحكم‬
‫والمقاصد “‬
‫وهذا الصل أيضا متمم لمصادر الحكـام السـابقة ) الكتـاب والســنة بمفهومهمــا ( وهـو‬
‫ينص على أنه حينما ل يوجد نص أو إذا وجد نص له وجوه عدة فــإن رأى المــام الحــاكم‬
‫يعمل به في المواضع المذكورة ‪ -‬والمصالح المرسلة ‪.‬‬
‫والمصالح المرسلة ‪ :‬هى التى أرسلها الشــرع فلــم ينــص عليهــا باعتبــار ‪ ،‬أو إهــدار‬
‫وهى مثل زراعة صنف بعينه كالقطن مثل ‪ ،‬وكذلك الصناعات المختلفة ‪ ،‬وكل شئ فيه‬
‫مصلحة للناس لم ينص عليهــا الشــرع تفصــيل ‪ ،‬فــرأى المــام يعمــل بــه فــى المصــالح‬
‫المرسلة وفقا للظروف والعرف والعادات ‪ ،‬شرط أل يصطدم بقاعــدة شــرعية مثــل ل‬
‫ضرر ول ضرار ‪ ،‬وينظر فى هذه المصالح المرسلة إلى مصالح المسلمين ولذلك يمكن‬
‫تغيير الحكم فيها تبعا للمصلحة السلمية ‪.‬‬
‫وفــي مســألة الخــداع اللفظــي وتســمية الشــياء بغيــر أســمائها ‪ :‬نجــد أن‬
‫السلم ينبه أتباعه أن يدوروا مع الحق حيث دار وأن يــتيقظوا وينتبهــوا حــتى ل يــدلس‬
‫عليهم أحد ‪ ..‬ول تخدعهم ألفاظ وأسماء ‪ ..‬ول يبعدهم عن الحق عرف خاطئ ‪ ..‬و فــي‬
‫هذا المعنى قول القائل ‪:‬‬
‫) والعرف الخاطئ ل يغير حقائق اللفــاظ الشــرعية ‪ ،‬بــل يجــب التأكــد‬
‫من حدود المعاني المقصودة بها والوقوف عنــدها ‪ ،‬كمــا يجــب الحــتراز‬
‫من الخداع اللفظي في كل نواحي الدنيا والدين ‪ ،‬فالعبرة بالمسميات ل‬
‫بالسماء (‬
‫فمثل ً إذا جاء خليفة ما أو حاكم ما أو عرف خــاطئ وســمى الربــا بالفــائدة والخمــور‬
‫بالمشروبات الروحية فهل هذا يغير من حقيقة حرمتهما ؟!!‬
‫وقد تكفــل اللــه بحفــظ الــذكر ) الكتــاب والســنة ( فهمـا مصـدر الحقـائق والحكــام‬
‫الشرعية وأصل المسميات ‪.‬‬
‫وفي أمر اتباع المام ‪ :‬نجد أن السلم يشجع أتباعه على العلم والمعرفــة حــتى ل‬
‫ســم النــاس إلــى‬ ‫يكونوا مجرد تابعين إمعات ل شأن لهم ‪ ،‬فنجده أحــد أصــول الفهــم ق ّ‬
‫ثلثة أقسام ) العوام – من عنده قدرة على العلــم – العلمــاء ( وأوضــح أن لكــل قســم‬
‫واجبه ‪ " :‬ولكل مسلم لم يبلغ درجة النظر فى أدلــة الحكــام الشــرعية أن‬
‫ما من أئمة الدين ويحسن به مع هذا التباع أن يجتهد ما اســتطاع‬ ‫يتبع إما ً‬
‫فى تعرف أدلته وأن يتقبل كل إرشاد مصـحوب بالـدليل مـتى صــح عنـده‬
‫صلح من أرشده ‪ ،‬وكفايته ‪ ،‬وأن يستكمل نقصه العلمى إن كان من أهل‬
‫العلم حتى يبلغ درجة النظر "‬
‫وهذا الصل يوضح كيفية أخذ الحكام من كتاب اللــه ‪ ،‬وســنة رســوله ‪ -‬صــلى اللــه‬
‫عليه وسلم ‪ -‬أن الناس ينقسمون فى الخذ من كتاب الله وســنة رســوله ‪ -‬صــلى اللــه‬
‫عليه وسلم ‪ -‬إلى ثلث أقسام ‪:‬‬
‫‪ - 1‬عـوام النـاس ‪ :‬ويتبعـون مـن يفـتيهم ول يلزمهـم أن يعرفـوا الدلـة الشـرعية فـى‬
‫الحكام التفصيلية ولكن يجب عليهم معرفة الدليل العام فــى العقــائد لنــه ل يصــح‬
‫التقليد فى المور العتقادية ‪.‬‬
‫‪ - 2‬من عنده قدرة على العلم ‪ :‬ويجب عليه أن يتعــرف علــى دليــل إمــامه ‪ ،‬أو حــتى‬
‫كيف يصل إلى هذا الدليل فى كتبه المعدة ‪.‬‬
‫‪ - 3‬درجة العلماء ‪ :‬وهـو مـا يطلـب منـه أن يحـدث عـن الـدليل التفصـيلي وملبسـات‬
‫الدليل حتى يصل إلى درجة الستنباط المباشر من الدلة ) حتى يبلغ درجة النظر (‬
‫‪.‬‬
‫*** *** ***‬

‫‪163‬‬
‫الشبهة السادسة ‪ :‬السلم ‪ 000‬والطائفية‬
‫موقف الطوائف غير المسلمة من حكم السلم مسألة يقال عنها‬
‫دائما إنها شائكة ودقيقة ‪ ،‬ويتجنب الناس الحديث فيها مخافة وقوع‬
‫الفتنة بين المسلمين وغير المسلمين ‪0‬‬
‫وبهذه الصراحة الكاملة نسأل المسيحيين في الشرق السلمي ‪ :‬ما الذي يخشون‬
‫من حكم السلم ؟ هل يخشون النصوص أم يخشون التطبيقات ؟‬
‫أما النصوص فتقول ‪ " :‬ل ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم‬
‫يخرجوكم من دياركم أن تبّروهم وتقسطوا إليهم ‪ 0‬إن الله يحب المقسطين " سورة‬
‫الممتحنة ) ‪( 8‬‬
‫ل لكم وطعامكم ح َ‬
‫ل لهم ‪،‬‬ ‫وتقول ‪ " :‬وطعام الذين أوتوا الكتاب ح َ‬
‫والمحصنات من المؤمنات ‪ ،‬والمحصنات من الذين أوتو الكتاب " سورة المائدة ) ‪( 5‬‬
‫والمبدأ الفقهي العام ‪ " :‬لهم ما لنا وعليهم ما علينا " ‪0‬‬
‫فهي تأمر بالبر بهم والعدل في معاملتهم ‪ ،‬والمساواة بينهم وبين المسلمين في‬
‫الحقوق والواجبات التي ل تتعلق بعبادة أو فريضة ‪ ،‬إنما تتعلق بنظام المجتمع وحقوق‬
‫المواطنين فيه ‪ 0‬وتزيد على ذلك أن تسعى إلي توثيق الروابط بينهم وبين المسلمين‬
‫بالتزاور والمؤاكلة والمشاربة ‪ ،‬وهي ل تكون إل بين الصدقاء المتحابين ‪ ،‬وتتوج ذلك‬
‫كله برباط الزواج وهو أوثق رباط ‪0‬‬
‫أما التطبيقات ‪ ،‬فيحسن أن نترك الحديث فيها لرجل مسيحي أوربي ل يتهم‬
‫بالتحيز للسلم ‪0‬‬
‫يقول سيرت ‪ 0‬و ‪ 0‬أرنولد في صفحة ‪ 48‬من كتابه " الدعوة إلي السلم "‬
‫ترجمة حسن إبراهيم حسن وعبد المجيد عابدين وإسماعيل النحراوي ‪:‬‬
‫" ويمكننا أن نحكم من الصلت الودية التي قامت بين المسيحيين والمسلمين‬
‫من العرب بأن القوة لم تكن عامل ً حاسما ً في تحويل الناس إلي السلم ‪ 0‬فمحمد‬
‫نفسه قد عقد حلفا ً مع بعض القبائل المسيحية ‪ ،‬وأخذ على عاتقه حمايتهم ومنحهم‬
‫الحرية في إقامة شعائرهم الدينية ‪ 0‬كما أتاح لرجال الكنيسة أن ينعموا بحقوقهم‬
‫ونفوذهم القديم في أمن وطمأنينة " ‪0‬‬
‫ويقول في صفحة ‪ " : 51‬ومن هذه المثلة التي قدمناها آنفا ً عن ذلك التسامح‬
‫الذي بسطه المسلمون الظافرون على العرب المسيحيين في القرن الول من‬
‫الهجرة ‪ ،‬واستمر في الجيال المتعاقبة ‪ ،‬نستطيع أن نستخلص بحق أن هذه القبائل‬
‫المسيحية التي اعتنقت السلم ‪ ،‬إنما فعلت ذلك عن اختيار وإرادة حرة ‪ 0‬وإن العرب‬
‫المسيحيين الذين يعيشون في وقتنا هذا بين جماعات مسلمة لشاهد علي هذا‬
‫التسامح " ‪0‬‬
‫ويقول في صفحة ‪ " : 53‬ولما بلغ الجيش السلمي وادي الردن ‪ ،‬وعسكر أبو‬
‫عبيدة في فحل ‪ ،‬كتب الهالي المسيحيون في هذه البلد إلى العرب يقولون ‪ :‬يا‬
‫معشر المسلمين أنتم أحب إلينا من الروم ‪ ،‬وإن كانوا علي ديننا ‪ 0‬أنتم أوفى لنا‬
‫وأرأف بنا وأكف عن ظلمنا وأحسن ولية علينا " ‪0‬‬
‫وفي صفحة ‪ " : 54‬وهكذا كانت حالة الشعور في بلد الشام إبان الغزوة التي‬
‫وقعت بين سنتي ‪ 639 ، 633‬م والتي طرد فيها العرب جيش الروم من هذه الولية‬
‫تدريجا ً ‪ 0‬ولما ضربت دمشق المثل في عقد صلح مع العرب سنة ‪ 637‬م ‪ ،‬وأمنت‬
‫بذلك السلب والنهب ‪ ،‬كما ضمنت شروطا أخرى ملئمة ‪ ،‬لم تتوان سائر مدن الشام‬
‫‪164‬‬
‫في أن تنسج على منوالها فأبرمت حمص ومنبج وبعض المدن الخرى معاهدات‬
‫أصبحت بمقتضاها تابعة للعرب ‪ ،‬بل سلم بطريق بيت المقدس هذه المدينة بشروط‬
‫مماثلة ‪ 0‬وإن خوف الروم من أن يكرههم المبراطور الخارج على الدين على اتباع‬
‫مذهبه ‪ ،‬قد جعل الوعد الذي قطعه المسلمون على أنفسهم بمنحهم الحرية الدينية‬
‫أحب إلى أنفسهم من ارتباطهم بالدولة الرومانية وبأية حكومة مسيحية ‪ 0‬ولم تكد‬
‫المخاوف الولى التي أثارها نزول جيش فاتح في بلدهم تتبدد حتى أعقبها تحمس‬
‫قوي لمصلحة العرب الفاتحين " ‪0‬‬
‫تلك شهادة رجل مسيحي عن السلم ‪ 0‬فما الذي يخشاه المسيحيون إذن من‬
‫الحكم السلمي ؟‬
‫لعلهم يخشون تعصب المسلمين ضدهم ‪ 0‬فيظهر إذن أنهم ل يعرفون معنى‬
‫التعصب ‪ 0‬فلنضرب لهم أمثلة منه على مدار التاريخ ‪0‬‬
‫كانت محاكم التفتيش في أسبانيا مقصودا ً بها القضاء على المسلمين قبل كل‬
‫شيء ‪ 0‬وقد استخدمت فيها أبشع ألوان التعذيب التي عرفت في التاريخ ‪ ،‬من إحراق‬
‫الناس أحياء ‪ ،‬ونزع أظافرهم وسل عيونهم وتقطيع أوصالهم ‪ ،‬لكراههم على ترك‬
‫دينهم واتباع مذهب مسيحي معين ‪ 0‬فهل لقى المسيحيون في الشرق السلمي شيئا‬
‫من ذلك طول مقامهم هناك ؟‬
‫والمجازر تقام للمسلمين في الشيشان وكشمير وقبلهما في البوسنة والهرسك‬
‫‪ ...‬وما يجري وما يدور كل ساعة في فلسطين ‪ ،‬وما يدور في أفغانستان باسم‬
‫محاربة الرهاب وتطهير الصفوف وما يرتكب في العراق من مآسي باسم إقرار‬
‫الديموقراطية وإقرار المن والسلم !‬
‫التقويم ‪:‬‬
‫حدد الشبهات التي تثار حول السلم ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫ما الغرض من إثارة هذه الشبهات ؟ ومن يثيرها ؟‬ ‫‪-2‬‬
‫كيف ترد على الشبهات التي تثار حول السلم مثل ‪:‬‬ ‫‪-3‬‬
‫السلم استنفد أغراضه ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫السلم دين جامد ل يتفاعل مع الحضارة الحديثة ويصطدم بالعلم ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫ج‪ -‬السلم دين المذهبية والتفرق والتطاحن ‪ ...‬ونجد كثير من المسلمين يكفر‬
‫بعضهم بعضا ‪.‬‬
‫د‪ -‬السلم دين البدع والخرافات والموالد والتمسح بالضرحة والتوسل بالموات‬
‫والتكال وترك العمل ‪ ..‬وإهدار الجهود والطاقات فيما ل ينبني عليه عمل ‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬السلم يضع كهنوتا ً وقدسية وسلطة عظيمة لرجال الدين ‪ ..‬ولمام‬
‫المسلمين ) للحاكم أو الخليفة ( فالحلل ما يرى والحرام ما يحرم والشرع ما‬
‫شرع ‪ ...‬ومصلحة المة فيما قرره الخليفة ‪ ...‬والمسلم عليه أن يتبع المام ول‬
‫يخالفه و إل فهو خارج علي الخليفة مخالفا ً لولي المر ‪!! ..‬‬
‫و‪ -‬أين حقوق غير المسلمين من الطوائف الخرى في المجتمع السلمي ؟!! ‪.‬‬
‫المصادر ‪:‬‬
‫أ‪ /‬سعيد حوى‬ ‫‪ -1‬السلم‬
‫د‪ /‬على عبد الحليم محمود‬ ‫‪ -2‬مع العقيدة والحركة والمنهج‬
‫الشيخ ‪ /‬على طنطاوي‬ ‫‪ -3‬تعريف عام بدين السلم‬
‫‪165‬‬
‫د‪ /‬يوسف القرضاوي‬ ‫الخصائص العامة للسلم‬ ‫‪-4‬‬
‫د‪ /‬يوسف القرضاوي‬ ‫العبادة فى السلم‬ ‫‪-5‬‬
‫الشهيد ‪ /‬سيد قطب‬ ‫خصائص التصور السلمي ومقوماته‬ ‫‪-7‬‬
‫د‪ /‬عبد الله ناصح علوان‬ ‫السلم شريعة الزمان والمكان‬ ‫‪-8‬‬
‫أ‪ /‬محمد قطب‬ ‫شبهات حول السلم‬ ‫‪-9‬‬

‫الفصل السابع‬

‫حسن الخلق والسمعة الطيبة وحسن المعاملة‬

‫الهدف العام ‪ :‬أن يتمتع بحسن الخلق والسمعة الطيبة وحسن المعاملة ‪.‬‬

‫الهداف المرحلية ‪-:‬‬


‫‪ -1‬أن يوضح مفهوم ) حسن الخلق – السمعة الطيبة – حســن‬
‫المعاملة ( ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يحدد جوانب ) حسن الخلق ‪ -‬السمعة الطيبة ‪ -‬حسن‬
‫المعاملة ( ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يوضح مفهوم كل خلق ‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يوضح مظاهر كل خلق ‪.‬‬
‫‪ -5‬أن يوضح وسائل اكتساب كل خلق ‪ ) .‬ورش عمل (‬
‫‪ -6‬أن يجاهد نفسه لكتساب حسن الخلق ‪ ) .‬ورش عمل (‬
‫*****************‬
‫مقدمة ‪:‬‬
‫لقد حدد رسول السلم الغاية الولى من بعثته ‪ ،‬والمنهاج المبين في دعوته ‪ ،‬بقوله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إنما بعثت لتمم مكارم الخلق"‪ ، 72‬فكأن الرسالة التي‬
‫خطت مجراها في تاريخ الحياة ‪ ،‬وبذل صاحبها جهدا ً كبيرا ً فى نشرها ‪ ،‬وجمع الناس‬
‫حولها ‪ ،‬ل تنشد أكثر من تدعيم فضائلهم ‪ ،‬وإنارة آفاق الكمال أمام أعينهم حتى يسعوا‬

‫‪72‬رواه مالك‬
‫‪166‬‬
‫إليها على بصيرة ‪ ،‬والعبادات التي شرعت في السلم واعتبرت أركانا في اليمان ‪،‬‬
‫ليست طقوسا ً مبهمة من النوع الذي يربط النسان بالغيوب المجهولة ‪ ،‬ويكلفه بأداء‬
‫أعمال غامضة وحركات ل معنى لها ‪ ...‬كل كل فالفرائض التي ألزم السلم بها كل‬
‫منتسب إليه ‪ ،‬هي تمارين متكررة لتعويد المرء أن يحيا بأخلق صحيحة ‪ ،‬وأن يظل‬
‫مستمسكا ً بهذه الخلق مهما تغيرت أمامه الظروف‪ 73‬ونشرع بتوفيق الله سبحانه‬
‫وتعالى في تناول الهداف المرحلية على النحو التالي ‪:‬‬

‫حسن الخلق‬
‫مفهوم حسن الخلق ‪:‬‬ ‫•‬
‫الخلق ‪" :‬عبارة عن هيئة للنفس راسخة تصدر عنها الفعال بسهولة ويسر من‬
‫غير حاجة إلى فكر وروية فإن كانت الفعال جميلة سميت خلقا ً حسنا ً وإن كانت‬
‫ً‪74‬‬
‫قبيحة سميت خلقا ً سيئا‬
‫حسن الخلق ‪ :‬هو طلقة الوجه وبذل المعروف وكف الذى‬
‫والقرآن الكريم دستور المسلمين أمر بحسن الخلق في كثير من آياته الكريمة ‪،‬‬
‫منها على سبيل المثال قوله تعالى ‪ " :‬وأقم الصلة إن الصلة تنهى عن‬
‫الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون"‪ 75‬فالبعاد عن‬
‫الرذائل والتطهير من سوء القول وسوء العمل هو حقيقة الصلة المقبولة ‪ ،‬وقال‬
‫تعالى أيضا ً ‪ " :‬وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات‬
‫والرض أعدت للمتقين ‪ .‬الذين ينفقون في السراء والضراء‬
‫‪76‬‬
‫والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين"‬
‫فهذه دعوة مفتوحة من الله عز وجل إلى جنة عرضها الســموات والرض‬
‫للمتحلين بمحاسن الخلق وشمائل الصفات الحميدة‬
‫‪77‬‬
‫وقال عز وجل ‪" :‬واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين"‬
‫فهذه صورة حسية مجسمة – صورة خفض الجناح كما يخفض الطائر جناحيه حين‬
‫يهم بالهبوط فهي صورة توضح مدى اللين والتواضع والرفق في معاملة المؤمنين ‪.‬‬
‫‪78‬‬
‫وامتدح الله سبحانه وتعالى نبيه بقوله عز وجل ‪" :‬وإنك لعلى خلق عظيم"‬
‫"قال بن عباس ‪ :‬وإنك لعلى دين عظيم وهو السلم‬
‫وقال عطية ‪ :‬لعلى أدب عظيم ‪ ،‬وقال قتادة ‪ :‬ذكر لنا أن سعيد بن هشام سأل‬
‫عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت ‪ " :‬ألست تقرأ القرآن ؟‬
‫قال بلى ‪ .‬قالت ‪ :‬فإن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن ‪.‬‬
‫‪79‬‬
‫ومعنى هذا أنه عليه الصلة والسلم صار امتثال القرآن سجية له وخلقا ً ‪".‬‬
‫وقال تعالى في وصايا لقمان لبنه ‪ " :‬ول تصعر خدك للناس ول تمش في‬
‫الرض مرحا إن الله ل يحب كل مختال فخور" أي ل تعرض بوجهك عن‬
‫الناس إذا كلمتهم أو كلموك ‪ ،‬احتقارا ً منك لهم واستكبارا ً عليهم ‪ ،‬ولكن ألن جانبك‬
‫وابسط وجهك إليهم ‪ ،‬ول تمش في الرض جبارا ً عنيدا ً في خيلء وكبر حتى ل‬
‫يبغضك الله‬
‫ويوجد في السنة المطهرة ذخائر وحقائق لبد أن يلتفت إليها المسلمون ويعملوا‬
‫بها منها‬
‫‪73‬خلق المسلم للشيخ الغزالي‬
‫‪74‬مختصر منهاج القاصدين‬
‫‪75‬سورة العنكبوت ‪45 :‬‬
‫‪76‬آل عمران ‪134 : 133 :‬‬
‫‪77‬الشعراء‪215 :‬‬
‫‪78‬سورة القلم ‪4 :‬‬
‫‪79‬تفسير بن كثير‬
‫‪167‬‬
‫الحقيقة الولى أن حسن الخلق يزيد اليمان ‪:‬‬
‫فعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن‬
‫‪80‬‬
‫المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم"‬
‫الحقيقة الثانية خيار الناس أحسنهم خلقا ً ‪:‬‬
‫ً ‪81‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خياركم أحاسنكم أخلقا "‬
‫الحقيقة الثالثة حسن الخلق يثقل موازين المؤمن يوم القيامة ‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من شيء أثقل في ميزان العبد المؤمن‬
‫‪82‬‬
‫يوم القيامة من حسن الخلق وإن الله يبغض الفاحش البذيء "‬
‫الحقيقة الرابعة حسن الخلق يدخل الجنة ‪:‬‬
‫عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل ‪ :‬عن أكثر ما يدخل الناس‬
‫‪83‬‬
‫الجنة ‪ .‬فقال ‪":‬تقوى الله وحسن الخلق "‬
‫ً‬
‫الحقيقة الخامسة حسن الخلق يقرب المؤمن مجلسا من رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم في الجنة ‪:‬‬
‫فعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إن من أحبكم‬
‫ي وأبعدكم مني‬ ‫ي وأقربكم مني مجلسا ً يوم القيامة أحاسنكم أخلقا ً وإن أبغضكم إل ّ‬
‫إل ّ‬
‫يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون" قالوا يا رسول الله ‪ :‬قد علمنا‬
‫‪84‬‬
‫الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون؟ قال ‪ " :‬المتكبرون "‬
‫وهكذا رأينا كيف أكد القرآن الكريم والسنة المطهرة على حسن الخلق وأنه صفة‬
‫لزمة للمؤمنين الصادقين حيث أنه ل أمة بل أخلق ول حياة لفرد دون خلق كريم ‪.‬‬

‫جوانب حسن الخلق ‪:‬‬ ‫•‬


‫"إن الخلق في منابع السلم الولى من كتاب وسنة هو الدين كله وهو الدنيا‬
‫كلها فإن نقصت أمة حظا ً من رفعة في صلتها بالله أو في مكانتها بين الناس فبقدر‬
‫نقصان فضائلها وإنهزام خلقها " ‪ . 85‬وهى المدخل الموصل إلى السمعة الطيبة‬
‫وحسن المعاملة ‪،‬‬
‫فحسن الخلق يشمل الحياة كلها ولكن نركز على أهم الخلق التى تؤدى إلى السمعة‬
‫الطيبة وحسن المعاملة مع الخرين ‪.‬‬
‫* ومفهوم السمعة الطيبة ‪:‬‬
‫ً‬
‫هو أن يكون الفرد مقبول للخرين ول تؤخذ عليه مآخذ شرعية ‪ .‬فلكي يكون‬
‫الفرد قدوة للخرين يجب أن تكون سمعته طيبة وسريرته نقية حتى يكون محبوبا ً عند‬
‫الله وعند الناس ‪ ،‬وهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان معروفا ً بين قومه‬
‫بالصادق المين ‪ ،‬قال بن عباس رضي الله عنهما لما نزلت الية "وأنذر عشيرتك‬
‫‪86‬‬
‫القربين "‬
‫صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا فجعل ينادي ‪" :‬يا بني فهر يا بني عدي –‬
‫لبطون قريش حتى اجتمعوا فجعل الذي لم يستطع أن يخرج يرسل رسول ً لينظر ما‬

‫‪80‬رواه أبو داوود‬


‫‪ 81‬متفق عليه‬
‫‪ 82‬رواه الترمذي‬
‫‪83‬رواه الترمذي‬
‫‪84‬رواه الترمذي‬
‫‪ 85‬خلق المسلم‬
‫الثرثار ‪ :‬هو كثير الكلم تكلفا ً‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫المتشدق ‪ :‬المتطاول على الناس بكلمه ويتكلم بملء فيه تفاصحا وتعظيما لكلمه‬
‫المتفيهق ‪ :‬الذي يمل فمه بالكلم ويتوسع فيه ويغرب به تكبرا ً وارتفاعا ً وإظهارا ً للفضيلة على غيره‬
‫‪86‬الشعراء ‪214 :‬‬
‫‪168‬‬
‫هو فجاء أبو لهب وقريش فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أرأيتم لو أخبرتكم أن‬
‫خيل ً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي ؟ قالوا ‪ :‬ما جربنا عليك كذبا ً ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " فقال أبو لهب تبا ً لك سائر اليوم ‪ .‬ألهذا جمعتنا‬
‫‪88‬‬
‫فنزل قوله تعالى ‪ " :‬تبت يدا أبي لهب وتب‪" 87 "..‬‬
‫فكان صلى الله عليه وسلم ذو سمعة طيبة بين قومه فأجابوا سؤاله تــوا ً ‪ " :‬مــا جربنــا‬

‫عليك كذبا ً " ثقة في خلقه وحسن سريرته‪ .‬فينبغي علــى كــل مســلم أن يكــون عنوانــا‬

‫مضيئا ً لدينه ودليل ً ناصعا ً على دعوته ‪ ،‬ول ينبغي أن تدنس سمعته بأي شائبة فهذا ينفر‬

‫الناس من الدعوة ويفقدهم الثقة فيها بعدما فقدوا الثقة في رجالها ‪.‬‬

‫ببب ببببببب ببببببب ببب بببببب بببببب ‪:‬‬


‫الصدق – المانة – الوفاء ‪ -‬التورع عن الشبهات ‪ -‬وغض البصر ‪.‬‬
‫وحسن المعاملة ‪ :‬صفة يحرص المسلم على التصاف بها بين الناس وهي مما‬
‫يؤدى إلى السمعة الطيبة ول شك ‪ ،‬والمعاملت التى يكون لها أعظم الثر وينتج عنها‬
‫حسن السيرة من أهمها ‪ :‬بر الوالدين ‪ -‬وصلة الرحم ‪ -‬وحسن الجوار ‪ -‬وتوقير الكبير ‪-‬‬
‫والعطف على الصغير ‪ -‬والسعى فى قضاء حوائج الناس ‪ -‬وأن يألف ويؤلف ‪ ،‬وحسن‬
‫المعاملة المالية ‪.‬‬

‫الخلق المؤدية إلى السمعة الطيبة ‪:‬‬


‫أول ً ‪ :‬الصدق‬
‫الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬
‫أن يوضح الدارس مفهوم الصدق ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫أن يوضح الدارس ثمرات الصدق ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫‪ -5‬أن يوضح الدارس بعض صور الصدق ‪.‬‬
‫أن يوضح الدارس الوسائل المعينة على التحلي بالصدق ‪.‬‬ ‫‪-8‬‬
‫وم الدارس نفسه فى تحليه بخلق الصدق ‪.‬‬ ‫هـ ‪ .‬أن يق ّ‬
‫" إن الله خلق السموات والرض بالحق وطلب إلى الناس أن يبنوا حياتهم على‬
‫الحق فل يقولوا إل حقا ول يعملوا إل حقا ‪ ،‬وحيرة البشر وشقوتهم ترجع إلى‬
‫ذهولهم عن هذا الصل الواضح وإلى تسلط أكاذيب وأوهام على أنفسهم وأفكارهم‬
‫أبعدتهم عن الصراط المستقيم وشردت بهم عن الحقائق التى لبد التزامها ‪ ،‬ومن‬
‫هنا كان الستمساك بالصدق فى كل شأن وتحديد فى كل قضية والمصير إليه فى‬
‫كل حكم دعامة ركينة فى خلق المسلم وصبغة ثابتة فى سلوكه وكذلك كان بناء‬
‫المجتمع فى السلم قائمة على محاربة الظنون ونبذ الشاعات واطراح الريب ‪،‬‬
‫فإن الحقائق الراسخة وحدها هي التى يجب أن تظهر وتغلب وأن تعتمد فى إقرار‬
‫العلقات المختلفة " خلق المسلم للشيخ الغزالي ‪.‬‬
‫أ‪ -‬مفهوم الصدق ‪:‬‬
‫" الخلق‬ ‫" الصدق ‪ :‬هو قول الحق ‪ ،‬وهو القول المطابق للواقع والحقيقة‬
‫السلمية – عبد الرحمن حسن حنبكه "‬

‫‪87‬المسد ‪1 :‬‬
‫‪ 88‬صحيح البخاري‬
‫‪169‬‬
‫والصدق من متممات اليمان ومكملت السلم ولهذا أثني الله تعالي على‬
‫المتصفين به فقال تعالي ‪:‬‬
‫" من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه " الحزاب ) ‪ ) .( 23‬من‬
‫أخلق السلم م ‪ /‬فتحي شهاب الدين (‬
‫وأمرنا الله سبحانه وتعالي بمعية الصادقين قال تعالى ‪ " :‬يأيها الذين آمنوا‬
‫التوبة ‪119‬‬ ‫اتقوا الله وكونوا مع الصادقين "‬
‫وقال تعالي " فإذا عزم المر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم " محمد ‪21‬‬
‫وقال تعالي أيضا ‪" :‬ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله‬
‫عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين‬
‫النساء ‪69‬‬ ‫وحسن أولئك رفيقا "‬
‫وقال عز وجل ‪ " :‬ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء‬
‫أو يتوب عليهم "الحزاب ‪24‬‬
‫وقال عز وجل ‪ " :‬والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون " الزمر‬
‫‪23‬‬
‫والصدق سمة من سمات خيرية المة قال صلي الله عليه وسلم " ل تزال هذه المة‬
‫بخير ما إذا قالت صدقت وإذا حكمت عدلت وإذا استرحمت رحمت " متفق عليه‬
‫والصدق واليمان قرينان لذا نفي رسول الله صلي الله عليه وسلم اليمان عن‬
‫الكذاب " سئل رسول الله صلي الله عليه وسلم ‪ :‬أيكون المؤمن جبانا ؟ قال ‪ :‬نعم ‪،‬‬
‫أيكون المؤمن بخيل ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬أيكون المؤمن كذابا ؟ قال ‪ :‬ل " ‪.‬‬
‫والصدق ثوابه الجنة ‪ ،‬قال صلي الله عليه وسلم ‪ " :‬عليكم بالصدق فإن الصدق‬
‫يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ول يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق‬
‫حتى يكتب عند الله صديقا وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن‬
‫الفجور يهدي إلى النار ول يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله‬
‫كذابا " متفق عليه‬
‫كذلك الصدق يرفع المؤمن إلى منزلة الشهداء قال صلي الله عليه وسلم ‪ " :‬من سأل‬
‫الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه " رواه مسلم‬
‫ومن أقوال العلماء فى الصدق‬
‫قال عبد الواحد بن زيد ‪ :‬الصدق الوفاء لله بالعمل‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬أربع من كن فيه ربح ‪ :‬الصدق – الحياء – حسن الخلق – الشكر ‪0‬‬
‫وقال محمد بن علي الكناني وجدنا دين الله تعالي مبنيا على ثلثة أركان ‪ :‬على الحق‬
‫والصدق والعدل فالحق على الجوارح والعدل على القلوب والصدق على العقول ‪.‬‬
‫وللصدق مراتب خمسة أولها ‪ :‬صدق اللسان ‪.‬‬
‫حق على كل مسلم أن يحفظ لسانه فل يتكلم إل بالصدق إل إذا كانت هناك مصلحة‬
‫تقتضي غير ذلك كتأديب الصبيان والنساء والخوف من الظلمة وقتال العداء والحتراز‬
‫على السرار ‪.‬‬
‫وثانيها ‪ :‬صدق النية والرادة ‪-:‬‬
‫يرجع ذلــك إلــى الخلص فــى القــول والعمــل والحركــات والســكنات وقــد عرفــه أحــد‬
‫الصالحين فقال الخلص ‪ :‬ما ل يكتبه الملكــان ول يطلــع عليــه النســان ول يفســره‬
‫الشيطان ‪.‬‬
‫وثالثها صدق العزم ‪-:‬‬
‫وهو الجزم فيه بقوة تامة ليس فيها ميل ول ضعف ول تردد ‪.‬‬
‫ورابعها الصدق فى الوفاء بالعهد ‪-:‬‬
‫مهما تكلف من مشقة يمضي فى طريقه ول يلتفت ول تثنية العقبات والمعوقــات عــن‬
‫الطريق ‪.‬‬
‫‪170‬‬
‫وخامسها الصدق فى العمال ‪-:‬‬
‫وهي استواء السر والعلن عند العبد حتى ل يقع تحت قول الله تعالى ‪ " :‬لم تقولون‬
‫ما ل تفعلون " الصف ‪21‬‬
‫من أخلق السلم م ‪ /‬فتحى شهاب الدين‬
‫ب‪ -‬كما أن للصدق ثمرات كثيرة منها‬
‫راحة الضمير وطمأنينة النفس ‪-:‬‬ ‫‪-1‬‬
‫قال صلي الله علية وسلم ‪ " :‬الصدق طمأنينة " رواه الترمذي‬
‫البركة فى الكسب وزيادة الخير ‪-:‬‬ ‫‪-2‬‬
‫وبينا بورك لهما‬
‫قال صلي الله عليه وسلم " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا ّ‬
‫فى بيعهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما " متفق عليه‬
‫النجاة من المكروه ‪-:‬‬ ‫‪-3‬‬
‫قال صلي الله عليه وسلم " عليكم بالصدق وإن رأيتم فيه الهلكة فإن فيه النجاة "‬
‫رواة مسلم ‪.‬‬
‫يحكي أن صبيا صغيرا استعد للسفر إلى بغداد ليتعلم هناك وأعطته أمه أربعين دينارا‬
‫لينفق منها وأخذت عليه العهد أل يكذب مهما كان المر وخرج الصبي مع القافلة وبينما‬
‫هي تسير فى الصحراء هاجمتها عصابة من اللصوص أخذت الموال والبضاعة والمتعة‬
‫ثم نظر أحد أفراد العصابة إلى الصبي وسأله هل معك شئ ؟ فقال الصبي معي‬
‫أربعون دينارا فضحك اللص وظن أن الصبي يمزح أو أنه صغير ل يفقه ويكذب فأخذه‬
‫إلى زعيمهم فسأله نفس السؤال السابق فأجاب بأن معه أربعين دينارا وأخرجها‬
‫بالفعل فسألوه ما حملك على الصدق ؟ قال الصبي ‪ :‬عاهدت أمي على الصدق‬
‫وأخاف أن أخون العهد فتأثروا بكلم الغلم وقال زعيم العصابة تضحي بمالك حتى ل‬
‫تخلف عهدك مع أمك ؟ وأنا ل أخاف أن أخون عهد الله ؟ فأمر اللصوص برد ما أخذوه‬
‫من القافلة ‪.‬‬
‫وقال للصبي أنا تائب إلى الله على يديك فقال بــاقي اللصــوص لقــد كنــت كبيرنــا فــى‬
‫قطع الطريق وأنت اليوم كبيرنا فى التوبة وتابوا جميعا ‪ ...‬فهذه بركات الصدق ‪.‬‬
‫الفوز بمنازل الشهداء ‪:‬‬ ‫‪-4‬‬
‫قال صلي الله عليه وسلم " من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء‬
‫وإن مات على فراشه " رواة مسلم‬
‫‪ -5‬مرافقة الكابر فى الجنة قال تعالي " من يطع الله ورسوله فأولئك مع‬
‫الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين‬
‫وحسن أولئك رفيقا " النساء ‪69‬‬
‫يقول صاحب الظلل " إنها اللمسة التى تستجيش مشاعر كل قلب فيه ذرة خير وفيه‬
‫بذرة من صلح وفيه أثارة التطلع إلى مقام كريم فى صحبة كريمة فى جوار الله‬
‫الكريم وهذه الصحبة لهذا الرهط العلوي إنما هي من فضل الله فما يبلغ إنسان بعمله‬
‫وحده وطاعته وحدها أن ينالها إنما هو الفضل الواسع الغامر الفائض العميم ‪.‬‬
‫‪ -6‬الصادق يبلغ درجة الصديقين ‪ :‬إذا تحري المسلم الصدق فى قوله وعمله نال‬
‫هذه الدرجة مصداقا لحديث رسول الله صلي الله عليه وسلم " ما زال الرجل يصدق‬
‫ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا " متفق عليه ‪.‬‬
‫فعلي كل مسلم عاقل أن يتحرى الصدق فى كل حال إل إن هناك حالت ثلث فقط‬
‫يجوز فيها الكذب تحقيقا لمصلحة هي أعظم ما فى الكذب من نصرة أو دفعا لضرر هو‬
‫أشد ما فى الكذب من ضرر ‪ .‬فمن الحالت التى يجوز فيها الكذب ‪ ،‬الكذب على العدو‬
‫فى حالة حربه للمسلمين لتضليله وليقاعه فى فخ من فخاخ الخداع الحربي ولكن ل‬
‫يدخل فى هذا جواز الكذب عليه بتأمين أو معاهدته ثم الغدر به فهذا غير جائز قطعا‬
‫لن التأمين أو المعاهدة كل منهما ينهي حالة الحرب القائمة فمن أمثلة الكذب الجائز‬
‫‪171‬‬
‫على العدو ‪ ،‬ما لو وقع مسلم فى أسره فسأله عن مواقع المسلمين الحربية أو عن‬
‫عدد المسلمين أو عن أسلحتهم أو عدتهم ‪.‬‬
‫‪ .1‬ومن المجالت التى يجوز فيها الكذب أن يتوسط إنسان للصلح بين فريقين‬
‫متخاصمين ثم ل يجد وسيلة للصلح بينهما أنجع من أن يركب مركب الكذب على‬
‫مقدار الضرورة أما إذا تسني له أن يوري بأقواله دون أن يكذب فهو خير له وهو‬
‫المر الذى يحبه الله ورسوله ‪ ،‬فعن أم كلثوم قالت ‪ :‬قال رسول الله صلي الله‬
‫عليه وسلم " وليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا "‬
‫رواه البخاري ومسلم ‪.‬‬
‫‪ .2‬ومن الحالت التى يجوز فيها الكذب ‪ ،‬حديث الرجل لمرأته وحديث المرأة‬
‫لزوجها فى المور التى تشد أواصر الوفاق والمودة بينهما فهذه حالة يتسامح فيها‬
‫بشيء من الكذب لتوثيق روابط السرة وإضفاء الجواء الشاعرية على مجالس‬
‫النس والسمر والغزل بين الزوجين ففي مثل هذه المجالس تحلو المبالغات وإن‬
‫كانت كاذبة وتزداد معطيات المتعة والنس والصفاء وهذا ما يعمل السلم على‬
‫تغذيته بين الزوجين فعن أسماء بنت يزيد قالت قال رسول الله صلي الله عليه‬
‫وسلم ‪:‬يأيها الناس ما يحملكم أن تتابعوا على الكذب كتتابع الفراش فى النار‬
‫الكذب كله على ابن آدم حرام إل فى ثلث خصال رجل كذب على امرأته ليرضيها‬
‫ورجل كذب فى الحرب فإن الحرب خدعه ورجل كذب بين مسلمين ليصلح بينهما‬
‫" رواه الترمذي " الخلق السلمية وأسسها عبد الرحمن حسن حنبكه الميداني ‪.‬‬
‫ج‪ -‬من صور الصدق ‪:‬‬
‫الصدق مع الله وكتابه ‪:‬‬ ‫‪.1‬‬
‫أعلى أنواع الصدق وأرفعها هو الصدق مع الله ومع كتابه ويكون ذلك بـ ‪-:‬‬
‫طاعة أوامر الله واجتناب نواهيه ‪.‬‬
‫اللتزام التام بهديه ‪.‬‬
‫عدم التظاهر بالتقوى مع خلو القلب منها ‪.‬‬
‫قال تعالي ‪ " :‬فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم *وإنه‬
‫لذكر لك ولقومك وسوف تسألون " الزخرف ‪. 44 : 43‬‬
‫والمثال على ذلك العرابي الذي آمن بالسلم وانضم إلى صفوف المجاهدين مع‬
‫الرسول صلي الله عليه وسلم وعندما أراد الرسول صلي الله عليه وسلم أن يقسم له‬
‫قسما مع الغنائم قال العرابي ما على هذا اتبعتك ولكني اتبعتك على أن أرمى بسهم‬
‫ها هنا – وأشار إلى حلقه – فأقتل فأدخل الجنة فقال له النبي إن تصدق الله يصدقك ‪،‬‬
‫وبعد الغزوة وجد شهيدا ورمي بالسهم فى الموضع الذي أشار إليه فقال النبي ‪ :‬صدق‬
‫الله فصدقه الله ‪.‬‬
‫الصدق مع رسول الله صلي الله عليه وسلم ‪:‬‬ ‫‪.2‬‬
‫ويكون ذلك بـ ‪:‬‬
‫اللتزام بهديه صلي الله عليه وسلم وعدم البتداع لن طاعته من طاعة‬ ‫‪.1‬‬
‫الله قال سبحانه وتعالي " من يطع الرسول فقد أطاع الله " النساء ‪. 80‬‬
‫عدم الكذب عليه ورواية أحاديثه دون زيادة أو نقصان أو تحريف فقد قال‬ ‫‪.2‬‬
‫ى‬
‫على ليس ككذب على أحد فمن كذب عل ّ‬ ‫ّ‬ ‫صلي الله عليه وسلم " إن كذبا‬
‫رواه البخاري ‪.‬‬ ‫متعمدا فليبوأ مقعده من النار "‬
‫لذا كان المحدثون حريصين على الصدق مع رسول الله صلي الله عليه وسلم ‪ ،‬فحدث‬
‫المام البخاري فقال ‪ :‬سافرت حتى أجمع حديثا من رجل فرآه قد هربت فرسه وهو‬
‫يشير إليها برداء كأن فيه شعير فجاءته فأخذها فقال البخاري للرجل ‪ :‬أو كان معك‬
‫شعير ؟ قال الرجل ‪ :‬ل ولكن أوهمتها ‪ .‬فقال البخاري ل آخذ الحديث ممن يكذب على‬
‫البهائم ‪.‬‬

‫‪172‬‬
‫الصدق مع الناس ‪:‬‬ ‫‪.3‬‬
‫ويكون بالنصيحة لهم ! ففي الحديث " الدين النصيحة ‪ ،‬فقلنا لمن يا رسول الله ؟ قال‬
‫لله ولكتابة ولرسوله ولئمة المسلمين وعامتهم " متفق عليه‬
‫والصدق فى النصيحة يكون فى غير نفاق ول قلق ول مصلحة خاصة أو هوي ولو كانت‬
‫ثقيلة على المنصوحين ‪ ،‬وليس على المسلم أن يخشى الناس إذا ذكرهم بالحق ول‬
‫عليه أن يلزمهم به أو يكرههم عليه فقد جاء فى الحديث " ل يمنعن أحدكم هيبة الناس‬
‫أن يقول الحق إذا رآه أو شهده أو سمعه " رواة أحمد ‪.‬‬
‫صدق الصناع والتجار ‪:‬‬ ‫‪.4‬‬
‫ومن المور التى يجب فيها الصدق الصناعة والتجــارة وقــد ورد عــن النــبي صــلي اللــه‬
‫عليه وسلم أحاديث كثيرة منها ‪:‬‬
‫‪ -‬قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ‪ " :‬التاجر الصدوق المين مع النبيين‬
‫والصالحين " رواه الترمذي‬ ‫والصديقين والشهداء‬
‫‪ -‬وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال ‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫يقول ‪ " :‬الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة " رواه الشيخان‬
‫‪ -‬وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال ‪ :‬مّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام‬
‫سنه صاحبه ‪ ،‬فأدخل يده فيه فإذا طعام رديء فقال ‪ " :‬بع هذا على حدة وهذا‬ ‫وقد ح ّ‬
‫على حدة فمن غشنا فليس منا " رواه أحمد‬
‫وقال المام الغزالي " كل ما يستضر به العامل فهو ظلم وإنما العدل أن ل يضر‬
‫بأخيه المسلم والضابط الكلى فيه أن ل يحب لخيه إل ما يحب لنفسه فكل ما لو‬
‫عومل به شق عليه وثقل على قلبه فينبغي أن ل يعامل غيره به بل ينبغي أن يستوي‬
‫) إحياء علوم الدين آداب‬ ‫عنده درهمه ودرهم غيره "‬
‫الكسب والمعاش (‬

‫وتفصيله أربعة أمور ‪-:‬‬


‫أن ل يثنى على السلعة بما ليس فيها ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫أن ل يكتم من عيوبها وخفايا صفاتها شيئا أصل ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫أن ل يكتم من وزنها ومقدارها شيئا ‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫أن ل يكتم من سعرها ما لو عرفه المعامل لمتنع ‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫وقال الشيخ علوان الحموي " يحرم على البائع إذا عرف جهل المشتري بالثمن أن‬
‫يغره ويبخسه ويفرط فى بيعه بالغلء بل يجب عليه نصحه ومعاملته كما يعامل غيره‬
‫) مصباح الهداية ومفتاح الولية (‬ ‫بالمعروف "‬
‫الصدق فى الشهادة ‪:‬‬ ‫‪.5‬‬
‫أما الشهادة إن كانت لظهار الحق وإزهاق الباطل فلبد منها وهو لون من ألوان‬
‫" ول تكتموا الشهادة ومن‬ ‫العبادة وهي امتثال لصريح القرآن قال تعالي‬
‫يكتمها فإنه آثم قلبه " البقرة ‪283‬‬
‫والحيف فى الشهادة من أشنع الكذب فالمسلم ل يبالي إذا قام بشهادة ما – أن يقرر‬
‫الحق ولو علي أدني الناس منه وأحبهم إليه ل يمثل به قرابه ول عصبيه ول تزيغه رغبه‬
‫أو رهبة وتزكيه المرشحين لمجالس الشورى والمناصب العالية نوع من الشهادة فمن‬
‫انتخب المغموط فى كفايته وأمانته فقد كذب وزور ولم يقم بالقسط ‪.‬‬
‫وعن أبي بكرة قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " أل أنبئكم بأكبر الكبائر – ثلث‬
‫– قلنا بلي يا رسول الله قال ‪ :‬الشراك بالله وعقوق الوالدين – وقتل النفس وكان‬
‫متكئا فجلس وقال أل وقول الزور وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا ‪ :‬ليته‬
‫سكت " رواه البخاري ‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫إن التزوير كذب كثيف الظلمات إذ ل يكتم الحق فحسب بل يمحقه ليثبت مكانة‬
‫الباطل وخطره على الفراد وفى القضايا الخاصة وخطره فى القضايا العامة شديد‬
‫مبين " خلق المسلم ‪.‬‬
‫الصدق فى الفكاهة والمزاح ‪:‬‬ ‫‪.6‬‬
‫كثيرا ما يقع فيه الناس ظنا منهم أن مجال الكذب فيه مسموح إذ ل خطر فيه على‬
‫أحد غير أن السلم أباح المزاح والمرح والترويح عن النفس لم يجعله طريقا للباطل‬
‫أو مجال للكذب ‪.‬‬
‫ففي الحديث ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك منه القوم فيكذب ويل له ويل له "‬
‫رواه الترمذي‬
‫إلى جوار هذا الوعيد ترغيب للمازح أل يكذب ففي الحديث أنا زعيم بيت فى ربض‬
‫الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا " رواه الترمذي ‪.‬‬
‫ولقد كان لنا فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الخر فكان يمزح‬
‫ول يقول إل صدقا أتته المرأة تسأل فقال لها الرسول زوجك الذي فى عينه بياض ؟‬
‫فقال ‪ :‬ل‪ :‬فقال صلي الله عليه وسلم إن كل عين فيها بياض فضحكت المرأة ‪.‬‬
‫‪ .7‬الصدق مع الطفال ‪:‬‬
‫السلم يوصي أن تغرس فضيلة الصدق فى نفوس الطفال حتى يشبوا عليها وقد‬
‫ألفوها فى أقوالهم وأحوالهم كلها فعن عبد الله بن عامر قال ‪ :‬دعتني أمي يوما‬
‫ورسول الله صلي الله عليه وسلم قاعد فى بيتنا فقالت ‪ :‬تعال أعطك فقال لها صلي‬
‫الله عليه وسلم ما أردت أن تعطيه ؟ فقالت أردت أن أعطية تمرا فقال لها أما إنك لو‬
‫لم تعطه شيئا كتبت عليك كذبه " رواه أبو داود‬
‫وعن أبي هريرة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال من قال لصبي تعال‬
‫هاك ثم لم يعطه فهي كذبه " رواة أحمد‬
‫فانظر كيف يعلم الرسول صلي الله عليه وسلم المهات والباء أن ينشئوا أولدهم‬
‫تنشئه يقدسون فيها الصدق ويتنزهون عن الكذب ولو أنه تجاوز عن هذه المور‬
‫وحسبها من التوافه الهينة يخشى أن يكبر الطفال وهم يعتبرون الكذب ذنبا صغيرا‬
‫) خلق المسلم ( ‪.‬‬ ‫وهو عند الله عظيما "‬
‫الصدق فى المور المنزلية ‪:‬‬ ‫‪.8‬‬
‫وقد مشت الصرامة فى تحري الحق ورعاية الصدق حتى تناولت الشئون المنزلية‬
‫الصغيرة فعن أسماء بنت يزيد قالت يا رسول الله إن قالت إحدانا لشيء تشتهيه ! ل‬
‫أشتهيه‪ :‬يعد ذلك كذبا ؟ قال ‪ :‬إن الكذب يكتب كذبا حتى تكتب الكذيبة كذيبه " رواه‬
‫مسلم‬
‫د‪ -‬أن يحدد الوسائل التى تعينه على التحلي بالصدق ‪:‬‬
‫لبد للمسلم أن يحول العلم إلى سلوك والمعرفة إلى واقع عملي يراه الناس فيرون‬
‫السلم مجسدا فى قيمه ومبادئه ومن الوسائل المقترحة المعينة على التحلي بالصدق‬
‫‪-:‬‬
‫تحديد الصدق تحديدا دقيقا ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫صدق العزم والتنبيه على التزام الصدق فى المور كلها ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫الدعاء أن يعيننا الله على اللتزام بالصدق ‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫معاقبة النفس إذا حادت عن الصدق ‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫مصاحبة الصادقين لقول الله عز وجل " يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا‬ ‫‪.5‬‬
‫مع الصادقين "‬
‫الطلع على سير الصادقين وحسن عاقبتهم ‪.‬‬ ‫‪.6‬‬
‫المحاسبة الدائمة ويمكن الستعانة بمثل الستبانة التالية فى تقويم‬ ‫‪.7‬‬
‫نفسك ‪.‬‬

‫‪174‬‬
‫وم الدارس نفسه فى تحليه بخلق الصدق ‪.‬‬ ‫هـ ‪ .‬أن يق ّ‬
‫) احرص على أن تصل إلى النهاية العظمى فى تحليك بخلق الصدق (‬
‫أحيانا)‪ 1‬ل)صفر‬ ‫دائما )‬
‫السئلة‬ ‫م‬
‫(‬ ‫(‬ ‫‪(2‬‬
‫هل تصدق النية فى كل أمر لله ؟‬ ‫‪-1‬‬
‫هل تصدق العزم والرادة فى كل خير‬ ‫‪-2‬‬
‫؟‬ ‫‪-3‬‬
‫هل تتحرى قول الحق وإن كان فيه‬ ‫‪-4‬‬
‫الهلك ؟‬ ‫‪-5‬‬
‫هل تتحرى الصدق فى المزاح ؟‬ ‫‪-6‬‬
‫هل تلتزم بالصدق فى البيع والشراء ؟‬ ‫‪-7‬‬
‫هل تتحرى الصدق مع الطفال ؟‬ ‫‪-8‬‬
‫هل تلتزم بالصدق مع الزوجة ؟‬ ‫‪-9‬‬
‫هل تتحرى الصدق فى الشهادة ؟‬ ‫‪-10‬‬
‫هل تتحرى الصدق والدقة فى نقل‬ ‫‪-11‬‬
‫الخبار ؟‬ ‫‪-12‬‬
‫هل تتحرى اختيار الصلح فى أي‬ ‫‪-13‬‬
‫انتخاب ؟‬
‫هل تصدق فى الوعد ؟‬
‫هل تلتزم بدقة المواعيد ؟‬
‫هل تنصح للمسلمين فى الحق ؟‬
‫) الدرجة العظمى = ‪26‬‬
‫درجة (‬

‫التقويم‬
‫وضح مفهوم الصدق ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫وضح ثمرات الصدق ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫اذكر موقف شخصى التزمت فيه بخلق الصدق وما ثمرة ذلك عليك ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫وضح مجالت الصدق ‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫وضح الوسائل المعينة على التحلي بالصدق ‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫اذكر أى الوسائل العملية التى ترى أن التزامك بها قد أكسبك خلق‬ ‫‪-6‬‬
‫الصدق فى مجالته المختلفة ‪.‬‬
‫وم نفسك فى تحليك بخلق الصدق ‪.‬‬ ‫ق ّ‬ ‫‪-7‬‬

‫ثانيا ً ‪ :‬المانة‬

‫الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬


‫‪ -1‬أن يوضح الدارس مفهوم المانة ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يوضح الدارس مجالت المانة ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يوضح الدارس كيفية اكتساب خلق المانة ‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫تمهيد ‪:‬‬
‫" السلم يرقب من معتنقه أن يكون ذا ضمير يقظ تصان به حقوق اللــه‬
‫وحقوق الناس وتحرس به العمال من دواعـي التفريـط والهمـال ومـن‬
‫خلق المسـلم‬ ‫ثم أوجب على المسلم أن يكون أمينا "‬
‫للشيخ الغزالي‬
‫‪ ( 1‬أن يوضح الدارس مفهوم المانة ‪:‬‬
‫تعريف المانة ‪ :‬المانة أحد الفروع الخلقية لحب الحق وإيثاره وهي ضد الخيانة ‪.‬‬
‫" والمانة في جانبها خلق ثابت في النفس يعف به النسان عما ليس له به حق‬
‫وإن تهيأت له ظروف العدوان عليه دون أن يكون عرضة للدانه عند الناس ويؤدي به‬
‫ما عليه أو لديه من حق لغيره وإن استطاع أن يهضمه دون أن يكون عرضة للدانة‬
‫عند الناس " ) الخلق السلمية وأسسها عبد الرحمن حنبكة الميداني (‬
‫يقول الله تعالي ‪ " :‬يأيها الذين آمنوا ل تخونوا الله والرسول وتخونوا‬
‫أماناتكم وأنتم تعلمون " النفاق ‪27‬‬
‫ويقول عز وجل ‪ " :‬إن الله يأمركم أن تؤدوا المانات إلى أهلها وإذا حكمتم‬
‫بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا‬
‫بصيرا " النساء ‪58‬‬
‫ويقول أيضا ‪" :‬إنا عرضنا المانة على السموات والرض والجبال فأبين أن‬
‫يحملنها وأشفقن منها وحملها النسان إن كان ظلوما جهول " الحزاب‬
‫‪72‬‬
‫ويقول صلي الله عليه وسلم ‪ " :‬ل إيمان لمن ل أمانة له ول دين لمن ل عهد له " رواه‬
‫أحمد ‪.‬‬
‫والمانة في نظر الشارع واسعة الدللة وهي ترمز إلى معان شتي مناطها جميعا‬
‫شعور المرء بتبعة في كل أمر يوكل إليه وإدراكه الجازم بأنه مسئول عنه أمام ربه‬
‫على النحو الذي فصله الحديث الكريم " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالمام‬
‫راع ومسئول عن رعيته والرجل راع ومسئول عن رعيته والمر أه في بيت زوجها‬
‫راعية وهي مسئولة عن رعيتها ‪ ،‬والخادم في مال سيده راع وهو مسئول عن رعيته "‬
‫رواه البخاري‬
‫والعوام يقصرون المانة في أضيق معانيها وآخرها ترتيبا وهو حفظ الودائع مع أن‬
‫حقيقتها في دين الله أضخم وأثقل ‪ ...‬إنها الفريضة التي يتواصي المسلمون برعايتها‬
‫ويستعينون بالله على حفظها حتى إنه عندما يكون أحدهم على أهبه السفر يقول له‬
‫أخوه " أستودعك أمانتك وخواتيم عملك " من حديث لرسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم رواه الترمذى‬
‫ولما كانت السعادة القصوى أن يوقي النسان شقاء العيش في الدنيا وسوء المنقلب‬
‫في الخرى فإن رسول الله صلي الله عليه وسلم جمع فى استعاذته بين الحالين معا‬
‫إذ قال " اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع وأعوذ بك من الخيانة فإنها‬
‫بئست البطانة " رواه أبو داود ‪.‬‬
‫فالجوع ضياع الدنيا والخيانة ضياع الدين ‪ ،‬وكان رسول الله فى حياته الولي قبل‬
‫البعثة يلقب بين قومه بالمين ‪ .‬وكذلك شوهدت مخايل المانة على موسى حين سقي‬
‫لبنتي الرجل الصالح ورفق بهما واحترام أنوثتيهما وكان معهما شريفا عفيفا ‪.‬‬
‫قال تعالي ‪ " :‬فسقي لهما تم تولي إلي الظل فقال رب إني لما أنزلت‬
‫إلى من خير فقير ‪ .‬فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي‬
‫يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال ل‬
‫تخف نجوت من القوم الظالمين قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير‬
‫من استأجرت القوي المين " القصص ‪26 – 24‬‬
‫‪176‬‬
‫وقد حدث هذا قبل أن ينبأ موسى ويرسل إلى فرعون ول غرو فرسل الله يختارون‬
‫من أشرف الناس طباعا وأزكاهم معادنا ً ‪ ،‬والنفس التي تظل معتصمة بالفضيلة على‬
‫شدة الفقر ووحشة الغربة هي لرجل قوي أمين والمحافظة على حقوق الله وحقوق‬
‫العباد تتطلب خلقا ل يتغير باختلف اليام بين نعمي وبؤسي وذلك جوهر المانة " خلق‬
‫المسلم‬

‫* وقد ظهر من تعريف المانة أنها تشتمل على ثلثة عناصر ‪:‬‬
‫عفة المين عما ليس له به حق ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫تأدية المين ما يجب عليه من حق لغيره ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫اهتمام المين بحفظ ما استؤمن عليه من حقوق غيره وعدم التفريط بها‬ ‫‪-‬‬
‫والتهاون بشأنها ‪.‬‬
‫‪ (2‬أن يحدد الدارس مجالت المانة ‪:‬‬
‫والمجالت التى تدخل فيها المانة كثيرة ومتعددة منها‬

‫‪ -‬المانة على دين الله ‪:‬‬


‫" وتلك أعلي مراتب المانة لن أعز ما يملكه النسان وأثمن شئ وأغله دين الله‬
‫وهو أتم النعم وأسبغها على المسلم " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم‬
‫نعمتي ورضيت لكم السلم دينا " المائدة ‪3‬‬
‫والسلم تمام النعم ومارضيه الله لنا وهو تاج الرءوس ووسام الصدور لنه تسمية‬
‫الله تعالي لنا " هو سماكم المسلمين من قبل " الحج ‪78‬‬
‫لذا فإن الحفاظ على السلم فى القلوب اعتقادا وتصديقا وعلى اللسان قول ودعوة‬
‫وبالجوارح عمل وجهادا فى واقع الحياة تطبيقا لمبادئه وسيرا على شريعته كل ذلك‬
‫أمانة فهي أفضل العمل لمن يقوم بها " ومن أحسن قول ممن دعا الى الله‬
‫وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين " فصلت ‪33‬‬
‫ولما كانت المانة فى دين الله بهذا المستوي والمنزلة كانت هي الدين " فمن ل أمانة‬
‫له ل دين له " وكان صلي الله عليه وسلم يودع كل مسافر بهذا الدعاء ويحمله هذه‬
‫المانة حيث أن السفر فى منظور السلم رحلة إيمانية تعبدية " أستودع الله دينك‬
‫وأمانتك وخوابتم عملك " رواه الترمذي " ) من أخلق السلم م‪ /‬فتحي شهاب الدين (‬
‫ويروي أصحاب الرسول صلي الله عليه وسلم " ما خطبنا رسول الله صلي الله عليه‬
‫وسلم إل قال ل إيمان لمن أمانة له ول دين لمن ل عهد له " رواه أحمد‬
‫ذلك أن المانة على دين الله تتمثل فى فهمه ووعيه واستيعابه واللتزام به والدعوة إليه‬
‫وتسخير جميع الطاقات والمكانات الفردية والجماعية الفردية والجماعية لنشره فى‬
‫ربوع العالمين ‪.‬‬

‫‪ -‬المانة على النفس ‪:‬‬


‫فى عقيدة المسلم أن جسمه وعقله ونفسه وروحه وأسرته وماله وما يملك نعمة‬
‫من الله عز وجل وأمانة ائتمنه الله عليه ‪.‬‬
‫فالجسد أمانة وعلى المسلم أن يعتني بصحته وقوته ‪.‬‬
‫قال صلي الله عليه وسلم ‪ " :‬المؤمن القوي خير وأحب الى الله من المؤمن الضعيف‬
‫وفى كل خير " رواه أحمد‬
‫فل يهمل جسده وكل ما يضر به محرم فالقاعدة الصولية " ل ضرر ول ضرار " فقد‬
‫أحل الله الطيب وحرم الخبيث ‪ ،‬قال تعالي ‪ " :‬ويحل لهم الطيبات ويحرم‬
‫عليهم الخبائث " العراف ‪157‬‬
‫أمانة اللسان ‪ :‬أل يستعمل فى كذب أو غيبه أو بدعه ‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫أمانة الذن ‪ :‬أل يصغى بها إلى استماع محرم ‪.‬‬
‫أمانة العقل ‪ :‬فواجب على صاحبه أل يهمله وأن يستغله فى الوصول الى الحق‬
‫والخير وإن أهمله أو أهمل أي جارحة من جوارحه يكون فقد أهم مقومات إنسانيته ‪.‬‬
‫والنفس أمانة ‪ :‬فقد فطر الله النفس على التمييز بين الخير والشر وأمرها بكبح‬
‫جماع الهوي قال تعالي ‪ " :‬ونفس وما سواها فألهما فجورها وتقواها قد‬
‫أفلح من زكاها وقد خاب من دساها " الشمس ‪. 10-7‬‬
‫وزكاها أي نمي فيها جوانب الخير ودساها أي أهملها ‪.‬‬

‫‪ -‬المانة على السرة ‪:‬‬


‫فالسرة بمن فيها أمانة فى رقبة الزوج عليه أن يرعاهم ويرتب شئونهم وفى الحديث "‬
‫وإن لهلك عليك حقا فأعط كل ذي حقا حقه " حديث صحيح‬
‫قال تعالي ‪ " :‬يأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس‬
‫والحجارة " التحريم ‪6‬‬
‫أما الوالدان ‪ :‬فالمانة تقتضي طاعتهما واحترامهما وعدم الضجر منهما والقيام على‬
‫خدمتهما لسيما فى حالة الكبر وبرهما ثمن لدخول الجنة ‪.‬‬
‫والزوجة ‪ :‬أمانة أهلها لدي الزوج بل هي أمانة الله تعالي لدي الرجل وهذه المانة‬
‫سماها الله تعالي بالميثاق الغليظ " وقد أفضي بعضكم إلى بعض وأخذن‬
‫منكم ميثاقا غليظا " النساء ‪21‬‬
‫والولد أمانة ضخمة في عنق المؤتمن عليه أن ينشئهم التنشئة الصالحة ليسعدوا‬
‫في الدنيا والخرة ويسعدوا أوطانهم ‪.‬‬

‫‪ -‬ومن المانات المسئولية والقيادة ‪:‬‬


‫من معاني المانة وضع كل شئ في المكان الجدير به واللئق له فل يسند منصب إل‬
‫لصاحبه الحقيق به ول تمل وظيفة إل بالرجل الذي ترفعه كفايته إليها واعتبار الوليات‬
‫والعمال العامة أمانات مسئولة ثابت من وجوه كثيرة ‪.‬‬
‫ي‬‫فعن أبي ذر قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول أل تستعملني ؟ قال ‪ :‬فضرب بيده على منكب ّ‬
‫ثم قال ‪ :‬يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة ‪ ،‬إل من أخذها‬
‫بحقها وأدي الذي عليه فيها " رواه مسلم ‪.‬‬
‫إن الكفاية العلمية أو العملية ليست لزمه لصلح النفس ‪ ،‬قد يكون الرجل رضي‬
‫السيرة حسن اليمان ولكنه ل يحمل من المؤهلت المنشودة ما يجعله منتجا في وظيفة‬
‫معينة ‪.‬‬
‫ديق ؟ إنه لم يرشح نفسه لدارة شئون المال بنبوته‬ ‫أل تري إلى سيدنا يوسف الص ّ‬
‫" اجعلني على خزائن الرض‬ ‫وتقواه فحسب بل ‪ ،‬بحفظه وعلمه أيضا ‪:‬‬
‫إني حفيظ عليم " يوسف ‪ . 55‬وأبو ذر لما طلب الولية لم يره الرسول جلدا لها‬
‫فحذره منها والمانة تقتضي بأن نصطفي للعمال أحسن الناس قياما بها ‪ ،‬فإذا ملنا إلى‬
‫غيره بهوى أو رشوة أو قرابة ‪ -‬فقد ارتكبنا بتنحية القادر وتولية العاجز – خيانة فادحه‬
‫قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ‪ " :‬من استعمل رجل على عصابة وفيهم من هو‬
‫أرضي لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين " رواه الحاكم ) خلق المسلم للشيخ‬
‫محمد الغزالى ( ‪.‬‬

‫‪ -‬المانة على المال العام ‪:‬‬


‫ومن المانة أل يستغل الرجل منصبه الذي عين فيه لجر منفعة الى شخص‬
‫وقرابته فإن التشبع بالمال العام جريمة ‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫والمعروف أن الحكومات أو الشركات تمنح مستخدميها أجورا معينة محاولة التزيد عليها‬
‫بالطرق الملتوية هي اكتساب للسحت ‪.‬‬
‫قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ‪ " :‬من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا فما‬
‫أخذ بعد ذلك فهو غلول " رواه أبو داود‬
‫لنه اختلس من مال الجماعة الذي ينفق فى حقوق الضعفاء والفقراء ويرصد للمصالح‬
‫الكبرى‬
‫قال تعالي ‪ " :‬ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفي كل نفس ما‬
‫كسبت وهم ل يظلمون " آل عمران ‪161‬‬
‫أما الذي يلتزم حدود الله في وظيفته ويأنف من خيانة الواجب الذي طوقه ‪ ،‬فهو عند‬
‫الله من المجاهدين لنصرة دينه واعلء كلمته قال رسول الله صلي الله وسلم ‪" :‬‬
‫العامل إذا استعمل فأخذ الحق وأعطي الحق لم يزل كالمجاهد في سبيل الله حتى‬
‫يرجع إلى بيته " رواه الطبراني ‪ ،‬وحدث أن استعمل النبي رجل من الزد على الصدقة‬
‫ى ‪ .‬قال راوي الحديث ‪ :‬فقام رسول الله‬ ‫فلما قدم بها قال ‪ :‬هذا لكم وهذا أهدي إل ّ‬
‫صلي الله عليه وسلم فحمد الله وأثني عليه ثم قال ‪ :‬فيقول ‪ :‬هذا لكم وهذا هدية‬
‫ى – أفل جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقا ؟‬ ‫أهديت إل ّ‬
‫والله ل يأخذ أحد منكم شيئا بغير حق – إل لقي الله يحمله يوم القيامة فل أعرفن أحدا‬
‫منكم لقى الله يحمل بعيرا ً له رغاء أو بقرةً لها خوار أو شاةً تيعر ‪ .‬ثم رفع يديه حتى‬
‫)خلق المسلم (‬ ‫رؤى بياض أبطيه يقول ‪ :‬اللهم هل بلغت " رواه مسلم‬

‫‪ -‬المانة في المجالس ‪:‬‬


‫ومن معاني المانة أن تحفظ حقوق المجالس التى تشارك فيها فل تدع لسانك‬
‫يفشي أسرارها ويسرد أخبارها ‪ ....‬فكم من حبال تقطعت ومصالح تعطلت لستهانة‬
‫بعض الناس بأمانة المجلس وذكرهم ما يدور فيه من كلم منسوبا إلى قائله أو غير‬
‫منسوب ‪ ،‬قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ‪ " :‬إذا حدث رجل رجل بحديث ثم‬
‫التفت فهو أمانة " رواه أبو داود ‪.‬‬
‫وحرمات المجالس تصان مادام الذي يجري فيها مضبوطا بقوانين وشرائع الدين وإل‬
‫فليست لها حرمه ‪.‬‬
‫وعلى كل مسلم شهد مجلسا يمكر فيه المجرمون بغيرهم ليلحقوا به الذي أن يسارع‬
‫الى الحيلولة دون الفساد جهد طاقته‬
‫قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ‪ " :‬المجلس بالمانة إل ثلثة مجالس مجلس‬
‫)خلق‬ ‫سفك دم حرام أو فرج حرام أو اقتطاع مال بغير حق " رواه أبو داود‬
‫المسلم (‬

‫‪ -‬المانة في العلقات الزوجية ‪:‬‬


‫وللعلقات الزوجية في نظر السلم قداسة ‪ ،‬فما يضمه البيت من شئون العشرة بين‬
‫الرجل وامرأته يجب أن يطوي في أستار مسبلة فل يطلع عليه أحد مهما قرب ‪،‬‬
‫والسفهاء من العامة يثرثرون بما يقع بينهم وبين أهلهم من أمور ‪ ،‬وهذه وقاحة حرمها‬
‫الله ‪ .‬فعن أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول الله صلي الله عليه وسلم والرجال‬
‫والنساء قعود عنده فقال ‪ " :‬لعل رجل يقول ما فعل بأهله ولعل امرأة تخبر بما فعلت‬
‫مع زوجها ؟ فأزم القوم – سكتوا وجلين – فقلت ‪ :‬أي والله يا رسول الله إنهم ليفعلون‬
‫وإنهن ليفعلن ‪ :‬قال ‪ :‬فل تفعلوا فإنما مثل ذلك شيطان لقي شيطانة فغشيها والناس‬
‫ينظرون " رواه أحمد‬

‫‪179‬‬
‫وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم أيضا ‪ " :‬إن من أعظم المانة عند الله يوم‬
‫) خلق‬ ‫القيامة الرجل يفضي إلي امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها " رواه مسلم‬
‫المسلم (‬

‫‪ -‬المانة فى الودائع ‪:‬‬


‫والودائع التى تدفع إلينا لنحفظها حينا ً ثم نردها إلى ذويها حين يطلبونها هي من‬
‫المانات التى نسأل عنها ‪.‬‬
‫وقد استخلف رسول الله صلي الله عليه وسلم عند هجرته ابن عمه على بن أبي طالب‬
‫رضي الله عنه ليسلم المشركين الودائع التى استحفظها مع أن هؤلء المشركين كانوا‬
‫بعض المة التى استفزته من الرض واضطرته إلى ترك وطنه فى سبيل عقيدته ‪.‬‬
‫قال ميمون بن مهران ‪ :‬ثلثة يؤدين إلى البر والفاجر ‪ :‬المانة والعهد وصلة الرحم ‪.‬‬
‫واعتبار الوديعة غنيمة باردة هو ضرب من السرقة الفاجرة ‪.‬‬
‫عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال ‪ :‬القتل فى سبيل الله يكفر الذنوب كلها إل‬
‫المانة قال ‪ :‬يؤتي بالعبد يوم القيامة وإن قتل فى سبيل الله ويقال أد أمانتك فيقول أي‬
‫رب كيف وقد ذهبت الدنيا ؟ فيقال ‪ :‬انطلقوا بها إلى الهاوية وتمثل له أمانته لهيئتها يوم‬
‫دفعت اليه فيراها فيعرفها فيهوي في أثرها حتى يدركها فيحملها على منكبيه حتى إذا‬
‫ظن أنه خارج زلت عن منكبيه فهو يهوي فى أثرها أبد البدين ثم قال الصلة أمانة‬
‫والوضوء أمانة والوزن أمانة والكيل أمانة ) وأشياء عددها ( وأشد ذلك الودائع ‪.‬‬
‫قال راوي الحديث ‪ :‬فأتيت البراء بن عازب فقلت أل تري إلى ما قال ابن مسعود ؟ قال‬
‫كذا قال البراء صدق أما سمعت قول الله ‪ ) :‬إن الله يأمركم أن تؤدوا المانات‬
‫الى أهلها ( النساء ‪ 58‬خلق المسلم‬

‫‪ -‬المانة فى القضاء ‪:‬‬


‫القضاء أمانة يجب أن تقوم بها لرعاية الحق واعلئه ومحاربة الباطل ولذلك كانت‬
‫الحجج الدافعة والدلة القاطعة فى القرآن والسنة على أن القضاء أمانة يجب أداؤها‬
‫وإل أصبح المسئول عنها هادما لدعائم بناء المة ومهلكا لها يقول تعالي ‪ ) :‬إن الله‬
‫يأمركم أن تؤدوا المانات الى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا‬
‫بالعدل ( النساء ‪85‬‬
‫ويقول عز وجل ‪ ) :‬يا داود إنا جعلناك خليفة فى الرض فاحكم بين الناس‬
‫بالحق ول تتبع الهوي فيضلك عن سبيل الله ( ص ‪26‬‬
‫ويقول النبي الكريم ‪ " :‬إنما أهلك من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه‬
‫وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت‬
‫لقطعت يدها " رواه الستة ) من أخلق السلم م ‪ /‬فتحي شهاب الدين (‬
‫‪ (3‬تطبيق عملي لكتساب خلق المانة ‪:‬‬
‫دائما ) أحيانا ) ل)صفر‬ ‫مسل‬
‫(‬ ‫‪(1‬‬ ‫‪(2‬‬ ‫المانة‬ ‫خلق‬ ‫لكتساب‬ ‫عملي‬ ‫تطبيق‬ ‫سل‬
‫هل تبذل قصارى جهدك لنشر دعوتك المؤتمن‬ ‫‪-1‬‬
‫عليها ؟‬ ‫‪-2‬‬
‫هل تقوم بالكشف الطبي الدوري قياما ً بأمانة‬ ‫‪-3‬‬
‫الصحة ؟‬ ‫‪-4‬‬
‫هل تطمئن لداء زوجتك الصلوات ؟‬ ‫‪-5‬‬
‫هل ت ُن َ ّ‬
‫شأ أبناءك على تعاليم السلم ؟‬ ‫‪-6‬‬
‫هل تحفظ أسرار إخوانك ؟‬ ‫‪-7‬‬
‫هل تؤدي الشهادة بدون تحريف أو زيادة أو‬ ‫‪-8‬‬

‫‪180‬‬
‫نقصان ؟‬ ‫‪-9‬‬
‫‪ -10‬هل تقضي أوقاتك فى طاعة الله ؟‬
‫هل تحفظ سمعك عن اللغو ؟‬ ‫‪11‬‬
‫‪ -12‬هل تتحرز من فضول النظر ؟‬
‫‪ -13‬هل تحفظ سر بيتك ول تحدث أحدا بعلقاتك‬
‫‪ -14‬الزوجية ؟‬
‫‪ -15‬هل تبلغ الرسالة كاملة غير منقوصة وفق ما يريد‬
‫‪ -16‬محملها ؟‬
‫‪ -17‬هل تتق الله ول تستغل منصبك فى الحصول على‬
‫‪ -18‬مال ليس من حقك ؟‬
‫‪ -19‬هل تتقن عملك قدر استطاعتك ؟‬
‫‪ -20‬هل تختار فى النتخاب الْرضي لله ورسوله ؟‬
‫هل تحفظ المانات ) الودائع ( ول تتصرف فيها‬
‫دون إذن أصحابها ؟‬
‫هل تتصدق من مالك الخاص للفقراء‬
‫والمساكين ؟‬
‫هل تجاهد بمالك لنصرة دين الله ؟‬
‫هل تمسك لسانك عن فضول الكلم ؟‬
‫هل تتحري الحق حين تقضي بين متخاصمين ؟‬
‫هل تؤدى أمانة العلم ول تكتمه عن مريديه ؟‬
‫) الدرجة العظمى = ‪ 40 = 20 * 2‬درجة (‬
‫يجاب على السئلة فإذا كانت الجابة ) دائما ً ( فلتحمد الله ولتداوم على ذلك ‪ ،‬وإن‬
‫كانت ) أحيانا ً ( فاجتهد أن تحقق دوام الصفة ‪ ،‬وإن كانت بـ ) ل ( فاستغفر الله‬
‫واقطع مع الله عهدا ً أن تجاهد لتغيير نفسك ومسلكك ‪.‬‬
‫التقويم‬
‫‪ -1‬وضح مفهوم المانة ‪.‬‬
‫‪ -2‬وضح مجالت المانة ‪.‬‬
‫‪ -3‬وضح كيفية اكتساب خلق المانة ‪.‬‬
‫‪ -4‬استخدم بطاقة التقويم السابقة وانظر إلى أى مدى تخلقت بخلق‬
‫المانة ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬الوفاء‬
‫الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬
‫أن يوضح الدارس مفهوم الوفاء ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫‪ -2‬أن يصنف الدارس أقسام الوفاء ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يوضح الدارس أقسام الوفاء مع الله ‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يوضح الدارس أقسام الوفاء مع الناس ‪.‬‬
‫‪ -5‬أن يوضح الدارس كيفية اكتساب خلق الوفاء ‪.‬‬
‫* أن يوضح الدارس مفهوم الوفاء ‪:‬‬
‫) لسان‬ ‫الوفاء ‪ :‬ضد الغرور ‪ .‬الوفاء فى اللغة ‪ :‬الخلق الشريف العالي الرفيع "‬
‫العرب (‬
‫الوفاء خصلة طيبة وصفة جميلة يتصف بها ذو المروءات وهي علقة بارزة للذين‬
‫) من أخلق‬ ‫سمت أرواحهم فاتصفوا بصفات الكمال النساني‬
‫السلم م ‪ /‬فتحي شهاب الدين (‬

‫‪181‬‬
‫فإذا أبرم المسلم عقدا فيجب أن يحترمه وإذا أعطي عهدا فيجب أن يلتزم به ومن‬
‫اليمان أن يكون المرء عند كلمته التي قالها ينتهي إليها كما ينتهي الماء عند شطآنه‬
‫فيعرف بين الناس بأن كلمته موثق غليظ ل خوف من نقضها ول يطمع فى اصطيادها‬
‫) خلق المسلم الشيخ الغزالي (‬
‫والقرآن الكريم يأمر بالوفاء عموما والوفاء بالعهد على وجه الخصوص ‪ ،‬يقول تعالي ‪:‬‬
‫" وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئول " السراء ‪34‬‬
‫وقال عز وجل ‪ " :‬يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود " المائدة ‪1‬‬
‫فأمر الله سبحانه وتعالي بالوفاء بالعقود ‪ ،‬قال الحسن يعني ذلك عقود الد َْين وهي‬
‫ما عقد المرء على نفسه من بيع وشراء وإجازة وكراء ومناكحة وطلق ومزارعة‬
‫ومصالحة وتمليك وغير ذلك من المور ‪ ،‬ما كان ذلك غير خارج عن الشريعة ‪ ،‬وكذلك‬
‫ما عقده على نفسه تعالي كالحج والصيام والعتكاف والقيام والنذر وما أشبه ذلك من‬
‫طاعات كله السلم "‬
‫) تفسير القرطبي ( ‪.‬‬
‫فالعهد لبد من الوفاء به كما أن اليمين لبد من الوفاء بها ومناط الوفاء والبر أن‬
‫يتعلق المر بالحق والخير وإل فل عهد فى عصيان ول يمين فى مآثم ‪.‬‬
‫وقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ‪ " :‬من حلف على يمين فرأي غيرها خيرا‬
‫منها فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير " رواه مسلم‬
‫ول يسوغ لمرئ الصرار على الوفاء بيمين ‪ ،‬الحنث فيها أفض وفى الحديث " لن يلج‬
‫أحدكم بيمينه فى أهله آثم له عند الله تعالي من أن يعطي كفارته التى افترض الله‬
‫عليه " رواه البخاري‬
‫ومن ثم فل تعهد إل بمعروف فإذا وثق النسان عهدا بمعروف فليصرف همته فى‬
‫إمضائه مادامت فيه عين تطرف وليعلم أن منطق الرجولة وهدي اليقين ل يتركان له‬
‫مجال للتردد والنثناء ‪....‬‬
‫والوفاء بالعهد يحتاج الى عنصرين إذا اكتمل فى النفس سهل عليها أن تنجز ما‬
‫التزمت به فإن الله أخذ على آدم أبي البشر عهدا مؤكدا أل يقرب الشجرة المحرمة‬
‫لكن آدم ما لبث أن نسي وضعف ثم نكث عهده قال تعالي ‪ " :‬ولقد عهدنا الى‬
‫آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما " طه ‪115‬‬
‫فضعف الذاكرة وضعف العزيمة عائقان كثيفان عن الوفاء الواجب والنسان – كتجدد‬
‫الحوادث أمامه وترادف الهموم المختلفة عليه – بفعل الزمان فعله العجيب فى نفسه‬
‫فتخبوا المعالم الواضحة ويمس ما كان بارزا فى نفسه ل يكاد يبين ولهذا افتقر إلى‬
‫مذكر دائم يغالب أمواج النسيان ويمسك أمام عينيه ما يوشك أن يزهل عنه وما أكثر‬
‫آي القرآن التي تواردت لتصف هذا الذكر ‪.‬‬
‫قال تعالي ‪ " :‬اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ول تتبعوا من دونه أولياء‬
‫قليل ما تذكرون " العراف ‪. 3‬‬
‫وقال عز وجل ‪ " :‬وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا اليات لقوم‬
‫والذكر المطرد التيقظ ضرورة لزمة للوفاء فمن أين‬ ‫يذكرون " النعام ‪126‬‬
‫لناس العهد أن يفي به ؟ لذلك ضمت آية العهد بعنصر التذكير قال تعالي‪ " :‬وبعهد‬
‫الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلم تذكرون " النعام ‪152‬‬
‫فإذا ذكر المرء الموثق المأخوذ عليه يجب أن ينضم الى هذا الذكر عزم مشدد على‬
‫إنفاذه عزم يذلل الهواء الجامحة ويهون الصعاب العارضه عزم يمض فى سبيل الوفاء‬
‫مهما تجشم من مشاق وعزم ومن تضحيات " ) خلق المسلم (‬
‫* الوفاء خلق جامع لكثير من الفضائل ويمكن تصنيفه الى قسمين هما ‪:‬‬
‫الوفاء مع الله ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫الوفاء مع الناس ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬

‫‪182‬‬
‫خلق الوفاء ‪:‬‬
‫‪ - 1‬الوفاء مع الله ) العهد – الحلف – النذر ( ‪.‬‬
‫‪ -2‬الوفاء مع الناس ) العقود والعهود – البويين – الزوجة – الحقوق ( ‪.‬‬

‫الوفاء مع الله‬
‫" والعهود التي يرتبط المسلم بها درجات فأعلها مكانه وأقدمها العهد العظم الذي‬
‫بين العبد ورب العالمين فإن الله خلق النسان بقدرته ورباه بنعمته وطلب منه أن‬
‫يعرف هذه الحقيقة وأن يعترف بها وأل تشرد به المغويات فيجهلها أو يجحدها " ومن‬
‫الوفاء مع الله تعالي‬
‫‪ -1‬الوفاء بالعهد ‪ :‬العهد الذي أخذه الله على بني آدم بالعبودية ‪.‬‬
‫) ألم أعهد إليكم يابني آدم أل تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن‬
‫اعبدوني هذا صراط مستقيم ( يس ‪61 :60‬‬
‫وإذا كان هناك من البشر من لم يستمع إلى المرسلين ويستهد بما جاءوا به فإن له‬
‫دوه إلى ربه ويبصره بخالقه مهما جعلت البيئة بصنوف الفساد‬ ‫ح ُ‬
‫من فطرته سائقا ي َ ْ‬
‫) خلق‬ ‫وضروب التخريف وهذا يعني الميثاق الذي أخذه الله على الناس كافة‬
‫المسلم (‬
‫) وإذا أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على‬
‫أنفسهم ألست بربكم قالوا بلي شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن‬
‫هذا غافلين ‪ .‬أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا‬
‫بما فعل المبطلون ‪ .‬وكذلك نفصل اليات ولعلهم يرجعون ( العراف‬
‫‪174-172‬‬
‫كما أخذ الله العهد على النبياء أن يؤمنوا برسالة محمد صلي الله عليه وسلم‬
‫وينصروه قال تعالي ‪ ) :‬وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب‬
‫وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال‬
‫أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا أنا معكم‬
‫من الشاهدين ( آل عمران ‪81‬‬
‫وقد صدر المر من الله للمسلمين أمرا عاما بأن يوفوا بعهودهم وخاصة ما عاهدوا‬
‫الله عليه ‪.‬‬
‫قال تعالي ‪ ) :‬وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ول تنقضوا اليمان بعد توكيدها‬
‫وقد جعلتم الله عليكم كفيل ( النحل ‪91‬‬
‫والذين يوفون بعهدهم مع الله هم الذين يستحقون صفة الرجولة‬
‫قال تعالي ‪ ) :‬من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من‬
‫قضي نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديل ( الحزاب ‪23 :‬‬
‫‪ -2‬الوفاء فى الحلف ‪:‬‬
‫" الحلف أو القسم ل يكون إل بالله عز وجل ولقد قال النبي صلي الله عليه وسلم‬
‫" من حلف بغير الله فقد أشرك " رواه أحمد‬
‫فعلى المسلم إذا حلف أن يحلف بالله وعليه أن يوفي و يــبر قســمه وإل‬
‫حنث وعليه الكفارة " ) من أخلق السلم (‬
‫‪ -3‬الوفاء بالنذر ‪:‬‬
‫" والنذر أن يلزم النسان نفسه طاعة لله دون إلزام من الشرع ‪.‬‬
‫ويشترط فى النذر أن يكون نطقا باللسان مثل نذرت لله أو لله على ‪ ،‬والنذر واجب‬
‫الوفاء لقوله تعالي ‪ " :‬وما أنفقتم من نفقه أو نذرتم من نذر فإن الله‬

‫‪183‬‬
‫يعلمه " البقرة ‪ . 270‬والوفاء به من صفات عباد الله قال تعالي ‪ " :‬يوفون بالنذر‬
‫ويخافون يوما كان شره مستطيرا " النسان ‪7‬‬
‫ضوابط النذر ‪ :‬تتمثل فى حديث النبي صلي الله عليه وسلم " من نذر أن يطيع الله‬
‫) من أخلق السلم ( ‪.‬‬ ‫فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فل يعصه " رواه البخاري‬
‫الوفاء مع الناس‬

‫وهو أربعة أقسام‬


‫الوفاء بالعهود والوعود فى المعاملت ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫الوفاء مع البويين ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫‪ – 4‬الوفاء بالحقوق ‪.‬‬ ‫الوفاء مع الزوجة ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫‪ (1‬الوفاء فى المعاملت مع الناس ‪:‬‬
‫وهو أن يفي المسلم فى وعده وعقده مــع الخريــن فــى المعــاملت‬
‫قال تعالي ‪ " :‬يأيهـــا‬ ‫مع الخرين مثل البيع والشراء والزواج وكل أحواله‬
‫الذين آمنوا أفوا بالعقود " المائدة ‪11‬‬
‫‪ (2‬الوفاء مع الوالدين ‪:‬‬
‫قال تعالي ‪ " :‬وقضي ربك أل تعبدوا إل إياه وبالوالدين إحسانا " السراء‬
‫‪23‬‬
‫ويقول النبي صلي الله عليه وسلم ‪ " :‬بر أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك‬
‫"‬
‫ي شئ‬ ‫وقال النبي صلي الله عليه وسلم لرجل يسأله ‪ :‬يا رسول الله هل بقي عل ّ‬
‫من بر أبوي بعد موتهما ؟ قال صلي الله عليه وسلم ‪ " :‬الصلة عليهما والستغفار‬
‫لهما وصلة الرحم التي ل توصل إل بهما وإكرام صديقهما من بعدهما " رواه أبو داود‬
‫‪ (3‬الوفاء بين الزوجين ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬فى حياتهما ‪:‬‬
‫قال تعالي ‪ " :‬وكيف تأخذونه وقد أفضي بعضكم إلي بعض وأخذن منكم‬
‫ميثاقا غليظا " النساء ‪21‬‬
‫والميثاق الغليظ هو الخذ بأمانة الله واستحلل الفروج بكلمة الله يقال فى عقد النكاح‬
‫‪ :‬على كتاب الله وسنة رسول الله ‪ :‬إذن فلبد من الوفاء بحق كل منهما تجاه صاحبه‬
‫ورد كل شئ بينهما إلى كتاب الله وسنه رسول الله صلي الله عليه وسلم مع حسن‬
‫العشرة وعدم الظلم ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬بعد موتهما ‪:‬‬
‫تقول السيدة عائشة رصي الله عنهما ‪ :‬ما غرت على أحد من النساء ما غرت على‬
‫خديجة وما رأيتها قط ‪ .‬تقول ‪ :‬كان النبي يذكرها دائما وربما ذبحت عنده شاة يقطعها‬
‫ويقول نوزعها على صويحبات خديجة ؟‬
‫وتقول السيدة عائشة ما رأيت امرأة أعظم بركة على قومها من جويرية بنت الحارث‬
‫والتي تزوجها الرسول بعد غزوة المريسيع وهى ابنة قائدهم أعتق بتزوجها أهل مائة‬
‫بيت ذلك لنهم أصهار رسول الله صلي الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫‪ -‬حتى فى الحداد ‪ :‬يكون على أي ميت ثلثة أيام فقط إل على الزوج أربعة أشهر‬
‫وعشرا ‪.‬‬
‫قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ‪ " :‬ل يحل لمرأة تؤمن بالله واليوم الخر أن‬
‫تحد على ميت فوق ثلث إل على زوج أربعة أشهر وعشرا " رواه البخاري‬
‫مع أن براءة الرحم تثبت بعد أول حيض لكنه الوفاء ‪.‬‬
‫مثل‬ ‫‪ -4‬الوفاء فى الحقوق ‪:‬‬
‫‪ -‬وفاء البائع بحق المشتري ‪:‬‬

‫‪184‬‬
‫قال تعالي ‪ " :‬ويل للمطففين ‪ .‬الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون ‪.‬‬
‫وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون " المطففين ‪3 : 1‬‬
‫قال تعالي ‪ " :‬وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم‬
‫من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ول‬
‫تبخسوا الناس أشياءهم ول تفسدوا فى الرض بعد إصلحها ذلكم خير‬
‫لكم إن كنتم مؤمنين " العراف ‪85‬‬
‫‪ -‬احترام العقود والشروط ‪:‬‬
‫و السلم يوحي باحترام العقود التي تسجل فيها اللتزامات وغيرها ويأمر بإنفاذ‬
‫الشروط التي تتضمنها قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ‪ " :‬المسلمون عند‬
‫شروطهم " رواه البخاري‬
‫‪ -‬سداد الديون ‪:‬‬
‫ومن الشئون التي اهتم السلم بها ونوه بقيمة الوفاء فيها الديون فإن سدادها من‬
‫أكثر الحقوق عند الله وقد قطع الدين قطعا عنيفا وساوس الطمع التي تنتاب المدين و‬
‫تغريه بالمطال أو إرجاء القضاء ‪ ،‬وأول ما شرعه السلم فى هذا أنه حرم الستدانة إل‬
‫للحاجة القاهرة ‪ ،‬فمن الورطات المخوفة أن يقترض المرء فى أمور يمكن الستغناء‬
‫عنها ‪ ،‬بل لقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪ " :‬إن الدين يقتص من‬
‫صاحبه يوم القيامة إذا مات إل من تدين فى ثلث خصال ‪ :‬الرجل تضعف قوته فى‬
‫سبيل الله فيستدين ‪ .‬يتقوي به على عدو الله وعدوه ‪ ،‬ورجل يموت عنده مسلم فل‬
‫يجد ما يكفنه و يواريه إل بدين ‪ ،‬ورجل خاف على نفسه العزوبة فينكح خشية على‬
‫رواه بن ماجه‬ ‫دينه فإن الله يقضي عن هؤلء يوم القيامة "‬
‫وقد استهان المسلمون بالديون فأخذوها لشهوات الغي فى البطون والفروج‬
‫واقترضوها من اليهود والنصارى بالربا الذي حرمه الله تحريما باتا فكان من آثار ذلك‬
‫أن نكبوا نكبات جانحة فى ديارهم وأموالهم " )خلق المسلم (‬

‫استبانة لتقويم اللتزام بخلق الوفاء‬


‫أحيانا) ل)صف‬ ‫غالبا)‬ ‫دائما)‬ ‫ما يجب فعله‬ ‫م‬
‫ر(‬ ‫‪(1‬‬ ‫‪(2‬‬ ‫‪(3‬‬
‫هل أنت على استعداد لحمل دعوة الله مهما‬ ‫‪-1‬‬
‫كانت الظروف ؟‬ ‫‪-2‬‬
‫هل إذا حلفت مضطرا ل تحلف إل بالله ؟‬ ‫‪-3‬‬
‫هل توفي بالنذر على التو ؟‬ ‫‪-4‬‬
‫هل تنفذ ما اشترطت على نفسك من‬ ‫‪-5‬‬
‫شروط العقود ؟‬ ‫‪-6‬‬
‫هل تعامل زوجتك بحسن العشرة وعدم‬
‫الظلم وفاًء للعقد ؟‬ ‫‪-7‬‬
‫هل تتجنب الستدانة إل فى أشد الظروف‬ ‫‪-8‬‬
‫التى وردت فى حديث رسول الله ) ص ( ؟‬ ‫‪-9‬‬
‫هل توفي بالدين فى الموعد المحدد ؟‬ ‫‪-10‬‬
‫هل تتذكر ماضيك للنتفاع به في حاضرك ؟‬
‫هل توفي بالحق مع أى فرد أيا كانت ديانته ؟‬
‫هل تصل أرحام البويين بعد وفاتهما ؟‬

‫‪185‬‬
‫) الدرجة العظمى ‪( 30 = 10 * 3‬‬
‫إذا كانت إجابتك على السؤال بـ ) دائما ً ( فاحمد الله وادعو الله أن يديم عليك ذلك‬
‫‪ ،‬وإن كانت بـ ) غالبا ً ( فاحمد الله وادع الله فى المستقبل أن تكون بـ ) دائما ً ( ‪،‬‬
‫وإن كانت بـ ) أحيانا ً أو ل ( فابحث عن سبب ذلك فى نفسك وادعوا الله أن يعينك‬
‫على نفسك واعزم على أن تحاول جاهدا ً فى مستقبل أيامك أن تغّير من نفسك‬
‫لتكون دائما ً وفيا ً ‪.‬‬
‫التقويم‬
‫وضح مفهوم الوفاء ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫صنف أقسام الوفاء ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫وضح أقسام الوفاء مع الله ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫وضح أقسام الوفاء مع الناس ‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫وضح كيفية اكتساب خلق الوفاء ‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫اذكر نماذج عايشتها أو سمعت بها تحقق فيها خلق الوفاء ) مع الله – مع‬ ‫‪-6‬‬
‫الناس ( ‪.‬‬
‫وم إلى أى مدى حققت خلق الوفاء ) مع الله – مع الناس ( فى نفسك ‪.‬‬ ‫ق ّ‬ ‫‪-7‬‬

‫رابعا ً ‪ :‬التورع عن الشبهات‬


‫الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يوضح الدارس مفهوم التورع عن الشبهات ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يذكر الدارس بعض مظاهر التورع عن الشبهات ‪.‬‬
‫مفهوم التورع عن الشبهات ‪:‬‬
‫" فسر المام أحمد الشبهة بأنها ‪ :‬منزلة بين الحرام والحلل يعني الحلل المحض‬
‫‪89‬‬
‫والحرام المحض ‪ ،‬وقال ‪ :‬من اتقاها فقد استبرأ لدينه"‬
‫والورع ‪ ) :‬هو اتقاء الشبهات والخذ باليقين ( وله درجات أربع ‪:‬‬
‫" الدرجة الولى ‪ :‬وهي درجة العدول عن كل ما تقتضي الفتوى تحريمه وهذا ل يحتاج‬
‫أمثلة‬
‫الدرجة الثانية ‪ :‬الورع عن كل شبهة ل يجب اجتنابها ولكن يستحب ومن هذا قوله ‪:‬‬
‫‪90‬‬
‫"دع ما يربيك إلى ما ل يربيك"‬
‫‪91‬‬
‫الدرجة الثالثة ‪ :‬الورع عن كل ما ليس لله تعالى وهو ورع الصديقين"‬
‫وينبغي للمسلم أن يتورع عن الشبهات حتى يستبرأ لدينه وعرضه فعن أبي‬
‫النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما قال ‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يقول ‪ " :‬إن الحلل بّين وإن والحرام بّين وبينهما أمور مشتبهات ل يعملهن كثير‬
‫من الناس ‪ ،‬فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ‪ ،‬ومن وقع في الشبهات‬
‫وقع في الحرام ‪ ،‬كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ‪ ،‬أل وإن لكل ملك‬
‫حمى أل وإن حمى الله محارمه ‪ ،‬أل وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد‬
‫‪92‬‬
‫كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ‪ ،‬أل وهي القلب "‬

‫‪89‬جامع العلوم والحكم‬


‫‪90‬رواه الترمذي‬
‫‪91‬مختصر منهاج القاصدين‬
‫‪92‬رواه البخاري ومسلم‬
‫‪186‬‬
‫وكان صلى الله عليه وسلم أورع الناس وأشدهم خشية لله فقال صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ :‬إني لتقلب إلى أهلي فأجد التمرة ساقطة على فراشى فأرفعها لكلها ثم‬
‫‪93‬‬
‫أخشى أن تكون صدقة فألقيها "‬
‫وكذلك كان صحابته رضوان الله عليهم يدعون الشيء لتسعة أعشار حله مخافة‬
‫الوقوع في الحرام ‪.‬‬
‫الدرجة الرابعة ‪ :‬ومن التورع عن الشبهات أل يقف المرء مواقف التهم والطعن ‪،‬‬
‫وهذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال لمن رآه واقفا ً مع السيدة صفية‬
‫‪ : 94‬إنها صفية بنت حيي"‪ 95‬وذلك استبراًء للعرض ودرأ ً للشبهة ‪ ،‬فالشيطان يجري من‬
‫ابن آدم مجرى الدم من العروق‪ .‬فعلى المسلم أن يتورع عن الشبهات استبراًء للدين‬
‫والعرض ‪.‬‬
‫من مظاهر التورع عن الشبهات ‪:‬‬
‫‪ -1‬اللتزام بالمواعيد في العمل ‪.‬‬
‫ترك بعض الحلل مخافة الوقوع فى شبهة الحرام ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫‪ -3‬البعد عن مواطن التهم ‪.‬‬
‫‪ -4‬الحرص على الحلل الطيب ‪.‬‬
‫‪ -5‬عدم التصرف في المانات إل بإذن صاحبها ‪.‬‬
‫التقويم‬
‫وضح مفهوم التورع عن الشبهات ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫أذكر بعض مظاهر التورع عن الشبهات ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫وم مدى تورعك عن الشبهات – ) راجع نفسك فى تحققك بمظاهر التورع‬ ‫ق ّ‬ ‫‪-3‬‬
‫عن الشبهات (‬
‫خامسا ً ‪ :‬غض البصر‬
‫الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يوضح مفهوم غض البصر وشرعيته ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يوضح أهمية غض البصر ) لماذا غض البصر ؟ ( ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يذكر المور المعينة على غض البصر ‪.‬‬
‫وم مدى تخلقه بغض البصر ‪.‬‬ ‫‪ -4‬أن يق ّ‬
‫ببببب بب ببببب ببببببب ‪:‬‬
‫إن السلم يهدف الى إقامة مجتمع نظيف ل تهاج فيه الشهوات فى كل‬
‫لحظة ول تستثار فيه دفعات اللحم والدم فى كل حين ‪ ،‬فعمليات الستثارة تنتهى الى‬
‫سعار شهوانى ل ينطفئ ول يرتوى والنظرة الخائنة والحركة االمثيرة والزينة المتبرجة‬
‫والجسم العارى ‪..‬كلها ل تصنع شيئا ً إل أن تهيج ذلك السعار الحيوانى المجنون وإل أن‬
‫يفلت زمام العصاب والرادة فإما الفضاء الفوضوى الذى ل يتقيد بقيد وإما المراض‬
‫العصبية والنفسية الناشئة من الكبح بعد الثارة وهى تكاد تكون عملية تعذيب ‪ ،‬وإحدى‬
‫وسائل السلم إلى إنشاء مجتمع نظيف هى الحيلولة دون هذه الستثارة وإبقاء الدافع‬
‫الفطرى العميق بين الجنسين سليما ً بقوته الطبيعية دون استثارة مصطنعة وتصريفه‬
‫‪96‬‬
‫فى موضعه المأمون النظيف "‬
‫وغض البصر " أدب نفسى ومحاولة للستعلء على الرغبة فى الطلع على المحاسن‬
‫والمفاتن فى الوجوه والجسام‬

‫‪ 93‬متفق عليه‬
‫‪ 94‬متفق عليه‬
‫‪ 95‬متفق عليه‬
‫‪ 96‬في ظلل القرآن‬
‫‪187‬‬
‫ً‬
‫‪ ،‬كما أنه فيه إغلقا ُ للنافذة الولى من نوافذ الفتنة والغواية ومحاولة عملية للحيلولة‬
‫‪97‬‬
‫دون وصول السهم المسموم"‬
‫والصل فى تحريم النظر قوله تبارك وتعالى ‪:‬‬
‫" قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم‬
‫إن الله خبير بما يصنعون " النور‪31:‬‬
‫ومن الحاديث ‪:‬‬
‫فعن عبادة بن الصامت رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬‬ ‫‪.1‬‬
‫اضمنوا ستا ً من أنفسكم أضمن لكم الجنة ‪ ،‬اصدقوا إذا حدثتم ‪ ،‬وأوفوا إذا وعدتم ‪،‬‬
‫وأدوا إذا ائتمنتم ‪ ،‬و احفظوا فروجكم ‪ ،‬وغضوا أبصاركم ‪ ،‬وكفوا أيديكم " رواه أحمد‬
‫وابن حبان‬
‫وعن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال ‪ " :‬كتب‬ ‫‪.2‬‬
‫على ابن آدم نصيبه من الزنى فهو مدرك ل محالة العينان زناهما النظر ‪ ،‬والذنان‬
‫زناهما الستماع ‪ ،‬واللسان زناه الكلم ‪ ،‬واليد زناها البطش والرجل زناها الخطى ‪،‬‬
‫والقلب يهوى ويتمنى ‪ ،‬ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه" رواه الشيخان‬
‫وعن جرير رضى الله عنه قال ‪:‬سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن‬ ‫‪.3‬‬
‫نظر الفجاءة فقال " اصرف بصرك" رواه مسلم والترمذى‬
‫وما رواه ابن مسعود رضى الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬ ‫‪.4‬‬
‫ً‬
‫وسلم ‪ " :‬النظرة سهم مسموم من سهام ابليس من تركها مخافتى أبدلته إيمانا يجد‬
‫حلوته فى قلبه " رواه الطبرانى والحاكم‬
‫وعن أبى إمامة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال ‪ " :‬ما من‬ ‫‪.5‬‬
‫مسلم ينظر إلى محاسن امرأة ثم يغض بصره إل أحدث الله له عبادة يجد حلوتها‬
‫فى قلبه" رواه أحمد والطبرانى‬
‫لماذا غض البصر ؟‬
‫تنفيذ أوامر الله عزوجل ‪:‬‬ ‫‪.1‬‬
‫قال تعالى ‪ " :‬قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك‬
‫أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون" النور ‪31‬‬
‫وهذه الية اشتملت على ثلث معان ‪ :‬تأديب وتنبيه وتهديد‬
‫أما التأديب فقوله تعالى ‪ " :‬قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم " ولبد للعبد من‬
‫امتثال أوامر ربه والتأدب معه وإل كان سئ الدب ‪.‬‬
‫وأما التنبيه " ذلك أزكى لهم " فالزكاة هى الطهارة والزيادة لن غــض البصــر يزيــد‬
‫طهارة القلب فيزداد العبد من الطاعات ‪.‬‬
‫وأما التهديد " إن الله خبير بما يصنعون " ‪.‬‬
‫قيل لحد الصالحين كيف أغض بصرى قال ‪ :‬أن تعلم أن نظر اللــه إليــك أســرع مــن‬
‫نظرك إلى المنظور إليه‬
‫‪ .2‬استجابة لتوجيه النبى صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫قال صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬يا على ل تتبع النظرة النظرة فإنما لك الولى وليس‬
‫لك الخرة " رواه أحمد‬
‫وعن جرير رضى الله عنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة‬
‫الفجاءة فقال ‪ " :‬اصرف بصرك " رواه مسلم والترمذى ‪.‬‬
‫ضمان دخول الجنه ‪:‬‬ ‫‪.3‬‬
‫لحديث عبادة بن الصامت رضى الله عن النبى صلى الله عليه وسلم الذى سبق‬
‫ذكره ‪.‬‬
‫تجنب الزنا ‪:‬‬ ‫‪.4‬‬
‫في ظلل القرآن‬ ‫‪97‬‬

‫‪188‬‬
‫قال تعالى ‪ " :‬ولتقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيل ً " السراء ‪32:‬‬
‫وعن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم " قال ‪:‬كتب على‬
‫ابن آدم نصيبه من الزنى فهو مدرك ل محالة العينان زناهما النظر ‪ ،‬والذنان تزنى‬
‫وزناهما الستماع ‪ ،‬واللسان زناه الكلم ‪ ،‬واليد زناها البطش ‪ ،‬والرجل زناها الخطى ‪،‬‬
‫والقلب يهوى ويتمنى ‪ ،‬ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه" رواه الشيخان‬
‫فالعين رسول القلب كما قال الشاعر ‪:‬‬
‫ومعظم النار من مستصغر الشرر‬ ‫كل الحوادث مبدأها من النظر‬
‫فى أعين الغيد موقوف الخطر‬ ‫والمرء مادام ذا عين يقلبها‬
‫ل مرحبا ً بسرور يأتى بالضرر‬ ‫يسر مقلته ما ضر مهجته‬
‫لن النسان ضعيف ‪:‬‬ ‫‪.5‬‬
‫ً‬
‫قال عزوجل ‪" :‬وخلق النسان ضعيفا " النساء ‪ . 28 :‬فسر سفيان الثورى‬
‫هذه اليه قال تمر بالرجل فل يملك نفسه عن النظر إليها ‪.‬‬
‫والشهوة الجنسية من أعتى الشهوات وأشدها إلحاحا ً على النسان ‪ ،‬قال بن القيم‬
‫‪ " :‬إذا عنت لك نظرة فاعلم أنها مسعر حرب فإذا غضضت بصرك كفى الله المؤمنين‬
‫القتال "‪. 98‬‬
‫لن النظر خطر على استقرار الفكر ‪:‬‬ ‫‪.6‬‬
‫ً‬
‫"إن النظر المتلذذ الجائع ليس خطرا على خلق العفاف فحسب بل خطر على‬
‫‪99‬‬
‫استقرار الفكر وطمأنينة القلب الذى يصاب بالشرود و الضطراب "‬
‫المعينات على غض البصر ‪:‬‬ ‫‪•1‬‬
‫‪-1‬شغل النفس بالحق ‪:‬‬
‫"فالنفس ل تمل السعى والحركة والطلب والعمل فإن لم تشغلها بالحق شغلتك‬
‫بالباطل وإن لم تحلق بها فى معالى المور انحدرت بك إلى سفاسفها ‪ ،‬فأخذ لنفسك‬
‫‪100‬‬
‫شغل ً ‪ ،‬وحدد لذهنك هما ً واطلب لجسمك كدا ً "‬
‫من أجل ذلك كره سيدنا عمر بن الخطاب الفراغ باعتباره نزلة إلى المذلة وهاوي‬
‫إلى الهوى فقال ‪ " :‬انى لكره أن أرى أحدكم فارغا ً ل فى عمل دنيا ول فى عمل آخرة‬
‫"‬
‫‪ -2‬كثرة الصيام ‪:‬‬
‫أصل الشهوات واحد كما أن أصل الصبر واحد فمن صبر على شهوة الطعام قويت‬
‫إرادته واستطاع الصبر عن شهوة النظر الى الحرام ‪ ،‬ولهذا جاءت الوصية بالصيام‬
‫لتدرب الصائم على أن يمتنع باختياره عن شهواته ولذاته الحيوانية ويصر على امتناعه‬
‫فل يتغير ول يتحول ول تعد عليه عوادى الغريزة أو نوازع الرغبة ‪ ،‬فيكون غض البصر‬
‫نتيجة طبيعية لهذا وثمرة تلقائية له ‪ ،‬لذا أوصى النبى صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬ومن‬
‫لم يستطع فعليه بالصوم فان له وجاء" جزء من حديث رواه الشيخان ‪ ،‬ومن ذلك‬
‫الكثار من صيام النوافل كيوم الثنين والخميس من كل أسبوع ‪.‬‬
‫‪ -3‬الزواج ‪:‬‬
‫قال النبى صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة‬
‫فليتزوج فأنه أغض للبصر وأحصن للفرج" رواه الشيخان‬
‫وقد وصفه النبى صلى الله عليه وسلم دواًء شافيا ً كى يسلم المسلم من النظر إلى‬
‫الحرام ‪ ،‬عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة فأتى زينب فقضى‬
‫حاجته ثم خرج الى أصحابه فقال ‪ " :‬إن المرأة تقبل فى صورة شيطان وتدبر فى‬

‫الفوائد لبن القيم بتصرف‬ ‫‪98‬‬

‫د‪/‬القرضاوى‬ ‫الحلل والحرام‬ ‫‪99‬‬

‫الرقائق للراشد‬ ‫‪100‬‬

‫‪189‬‬
‫صورة شيطان فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فإن ذلك يرد ما فى نفسه" رواه‬
‫مسلم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قال المام النووى ‪ " :‬إنما فعل هذا بيانا لهم وإرشادا لما ينبغى لهم أن يفعلوا يعلمهم‬
‫بقوله وفعله"‬
‫مراقبة الله عز وجل والخوف منه ‪:‬‬ ‫‪-4‬‬
‫قال تعالى ‪ " :‬يعلم خائنة العين وماتخفى الصدور" غافر ‪19‬‬
‫قال ابن عباس ‪ " :‬الرجل يكون فى القوم فتمر بهم المــرأة فيريهــم أن‬
‫ة نظر إليها ‪ ،‬فإن خاف أن يفطنوا‬ ‫يغض بصره عنها ‪ ،‬فإن رأى منهم غفل ً‬
‫إليه غض بصره ‪ ،‬وقد اطلع الله عز وجل من قلبه أنه نظر إلى عورتها "‬
‫فنار الشهوة فى القلب ل يخمدها غير الخوف من الله‬
‫يقول تعالى ‪" :‬ولمن خاف مقام ربه جنتان" ‪ .‬قال مجاهد ‪" :‬هو الذى إذا هم‬
‫بمعصية ذكر مقام الله عليه فيها فانتهى"‬
‫‪ -5‬المقارنة بين العاجل والجل ‪:‬‬
‫كان عند ذى النون المصرى فتى حسن فمرت امرأة ذات حسن وجمال وخلق فجعل‬
‫الفتى يسارق النظر اليها فزجه ذو النون المصرى وأنشد يقول ‪:‬‬
‫واشغل هواك بحور خلد عين‬ ‫دع المصوغات من ماء وطين‬
‫فمن شغله اليوم التطلع الى الغيد الحسان فليعقد مقارنة بينهن وبين الحور العين‬
‫لتعلم الفارق بين هذه وتلك الحوراء‬
‫فالحوراء ما الحوراء ‪ :‬تجرى الشمس من محاسن وجهها إذا برزت ويضئ البرق من‬
‫ثناياها إذا ابتسمت لو أطلعت على الدنيا لملت ما بين السماء والرض ريحا ً‬
‫ولستنطقت أفواه الخلئق تهليل ً وتكبيرا ً وتسبيحا ً ولما نامت عن النظر إليها عين ‪،‬‬
‫خمارها على رأسها الذى يخفى جمالها خير من الدنيا وما فيها فكيف جمالها ‪ .‬فما‬
‫ظنك بامرأة إذا ضحكت فى وجه زوجها أضاءت الجنة من ضحكها‬
‫نظران ل يجتمعان من غض بصره اليوم عن الطين أطلقه غدأ ً فى الحور العين‬
‫لذا يقول سيدنا أبو الدرداء " من غض بصره عن النظر الحرام زوج من الحور العين‬
‫حيث أحب "‬
‫‪ -6‬البعد عن المثيرات ‪:‬‬
‫ابتعد عن كل ما يثير ول تعذب نفسك‪ ،‬فكل مكان أو شىء يغرى بعدم غض البصر‬
‫والنظر إلى الحرام فيجب البتعاد عنه قدر الستطاعة مثل ‪ :‬البعد عن رفقاء السوء‬
‫الذين يزينون المعصية ومقاطعة ما يغضب الله من مجون فى التلفاز والسينما‬
‫والمجلت والصحف ‪.‬‬
‫ً‬
‫ومن المعينات أيضا على غض البصر نكتفى بذكرها ‪:‬‬
‫‪ .1‬ممارسة الرياضة لتفريغ الطاقة ‪.‬‬
‫‪ .2‬قضاء الوقات فى النافع المفيد مثل حفظ القرآن ومطالعة الكتب المفيدة ‪.‬‬
‫‪ .3‬اصطحاب المصحف فى المواصلت ‪.‬‬
‫التقويم ‪:‬‬
‫‪ -1‬وضح مفهوم غض البصر وشرعيته ‪.‬‬
‫‪ -2‬وضح أهمية غض البصر ) لماذا غض البصر ؟ ( ‪.‬‬
‫‪ -3‬أذكر المور المعينة على غض البصر ‪.‬‬
‫‪ -4‬اذكر المور التى أخذت بها شخصيا ً مع نفسك حتى تخلقت بغض البصر ‪.‬‬
‫وم مدى تخلقك بغض البصر ‪.‬‬ ‫‪ -5‬ق ّ‬

‫‪190‬‬
‫حسن المعاملة‬
‫مقدمة ‪:‬‬
‫* مفهوم حسن المعاملة ‪:‬‬
‫ً‬
‫التعامل ‪ ) :‬سعي من جانبين يتبادلن قول ً وفعل ً أو شأنا من تخاطب وتراسل وتصالح‬
‫وتخاصم وتبايع وغير ذلك (‬
‫والرسالة الخاتمة شرعت للبشرية سنن التعايش التي ترتقي بها في مدارج‬
‫الصلح والفلح في العاجل والجل ‪.‬‬
‫هذا المنهاج أسسه الدين على صلح القلب ‪ ،‬فالمؤمنون والمؤمنات بعضهم‬
‫أولياء بعض ‪ ،‬والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ً ‪ ،‬والمسلم أخو‬
‫المسلم ‪ ،‬بل حين ينعقد اليقين وتنشرح الصدور بنوره يتولى الله البر الرحيم‬
‫هدى المستيقنين فيؤلف بينهم ويرسخ ودهم قال تعالى ‪" :‬إن الذين آمنوا‬
‫ً ‪101‬‬
‫وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا "‬
‫حين يصدق اليمان تصدر عن صاحبه مكارم الخلق ‪ ،‬وُيهدى إلى الطيب من‬
‫القوال والفعال ‪ ،‬ومن وحي ربنا ذي الجلل إلى النبي السوة في كل الحوال‬
‫والخصال ‪ ،‬نتعلم كيف يمد اليمان شعوبنا وأمتنا بطيب الفعال‬
‫فعن أبي موسى رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫‪102‬‬
‫" المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا "‬
‫وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ " :‬مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا‬
‫‪103‬‬
‫اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى "‬
‫* ومحبة الخير لكل مسلم أمر واجب في السلم ‪ ،‬لزم لصدق اليمان ‪ ،‬وأثر‬
‫العقيدة السليمة النقية ‪ .‬ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬والذي‬
‫‪104‬‬
‫نفسي بيده ل يؤمن عبد حتى يحب لخيه ما يحب لنفسه"‬
‫من جوانب حسن المعاملة ‪:‬‬
‫حسن المعاملة تشتمل جوانب عدة منها ‪:‬‬
‫‪-4‬‬ ‫‪ -3‬حسن الجوار‬ ‫‪ -2‬صلة الرحم‬ ‫‪ -1‬بر الوالدين‬
‫توقير الكبير‬
‫‪ -7‬أن يألف‬ ‫‪ -5‬العطف على الصغير ‪ -6‬حسن المعاملت المالية‬
‫ويؤلف ‪.‬‬

‫أول ً ‪ :‬بر الوالدين‬


‫الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يوضح مفهوم بر الوالدين ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يوضح شرعية بر الوالدين وأهمبته ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يوضح بعض مظاهر بر الوالدين ‪.‬‬
‫وم مدى تخلقه ببر الوالدين ‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يق ّ‬
‫مفهوم بر الوالدين ‪:‬‬
‫بر الوالدين ‪ :‬الحسان إليهما وطاعة أمرهما في المعروف ‪.‬‬

‫‪ 101‬مريم ‪96 :‬‬


‫‪ 102‬رواه البخاري ومسلم‬
‫‪ 103‬رواه البخاري ومسلم‬
‫‪ 104‬رواه البخاري ومسلم‬
‫* سلوكيات تربوية محمد عبد الحليم حامد‬
‫‪191‬‬
‫• شرعية بر الوالدين وأهميته ‪:‬‬
‫وقد أمر ربنا سبحانه وتعالى بر الوالدين في أكثر من موضع في القرآن الكريم‬
‫قال تعالى ‪ " :‬واعبدوا الله ول تشركوا به شيئا ً وبالوالدين إحسانا ً‬
‫‪105‬‬
‫"‬
‫ً‬
‫وأوصى النسان بالوالدين حسنا قال تعالى ‪ " :‬ووصينا النسان بوالديه‬
‫‪106‬‬
‫حسنا"‬
‫وقرن ربنا الحسان إلى الوالدين بعبادته سبحانه وتعالى ‪.‬‬
‫ً‬
‫قال تعالى ‪ " :‬وقضى ربك أل تعبدوا إل إياه وبالوالدين إحسانا ‪ .‬إما‬
‫يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلهما فل تقل لهما أف ول تنهرهما وقل‬
‫لهما قول ً كريما ً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما‬
‫ً ‪107‬‬
‫كما ربياني صغيرا "‬
‫كما قرن ربنا سبحانه وتعالى شكره سبحانه بشكر الوالدين ‪.‬‬
‫ً‬
‫قال عز وجل ‪ " :‬ووصينا النسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن‬
‫‪108‬‬
‫وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير"‬
‫وحّرم ربنا عقوق الوالدين ولو كانا مشركين ‪.‬‬
‫قال عز وجل ‪ " :‬وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم‬
‫‪109‬‬
‫فل تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا "‬
‫وبر الوالدين من أفضل العمال وأعلى المقامات في السلم فعن عبد الله بن‬
‫مسعود رضي الله عنه قال ‪ :‬سألت النبي صلى الله عليه وسلم ‪ :‬أي العمل‬
‫أحب إلى الله تعالى ؟ قال‪ :‬الصلة على وقتها قلت ثم أي ؟ قال‪ :‬بر الوالدين‬
‫‪110‬‬
‫قلت‪ :‬ثم أي ؟ قال الجهاد في سبيل الله"‬
‫فالوالدين أحق الناس ببر النسان وعطفه فهما سر الوجود وبذل من حياتهما‬
‫وجهدهما وصحتهما بدون مقابل أو انتظار ثناء فعن أبي هريرة رضي الله عنه‬
‫قال ‪ :‬جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول الله من‬
‫أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال ‪ :‬أمك قال ثم من؟ قال ‪ :‬أمك‪ .‬قال ‪ :‬ثم‬
‫‪111‬‬
‫من؟ قال ‪ :‬أمك قال ‪ :‬ثم من؟ قال ‪ :‬أبوك"‬
‫بل ساوى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الجهاد وبر الوالدين ‪ ،‬فعن عبد‬
‫الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال ‪ :‬أقبل رجل إلى نبي الله صلى‬
‫الله عليه وسلم فقال ‪ :‬أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الجر من الله تعالى‬
‫قال ‪ :‬فهل من والديك أحد حي ؟ قال ‪ :‬نعم بل كلهما قال ‪ :‬فتبتغي الجر من‬
‫‪112‬‬
‫الله تعالى؟ قال ‪ :‬نعم قال ‪ :‬فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما"‬
‫وجعل السلم عقوق الوالدين من أكبر الكبائر فعن أبي بكرة نفيع بن الحارث‬
‫رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أل أنبئكم بأكبر‬
‫الكبائر ثلثا ً ‪ .‬قلنا بلى يا رسول الله قال ‪ :‬الشراك بالله وعقوق الوالدين وكان‬
‫متكئا ً فجلس فقال أل وقول الزور وشهادة الزور" فما زال يكررها حتى قلنا ليته‬
‫‪113‬‬
‫سكت "‬

‫‪ 105‬النساء ‪36 :‬‬


‫‪ 106‬العنكبوت ‪8 :‬‬
‫‪107‬السراء ‪24 : 23 :‬‬
‫‪ 108‬لقمان ‪14 :‬‬
‫‪ 109‬لقمان ‪15 :‬‬
‫‪ 110‬متفق عليه‬
‫‪111‬متفق عليه‬
‫‪ 112‬متفق عليه‬
‫‪ 113‬متفق عليه‬
‫‪192‬‬
‫بل حرم التسبب في سب الوالدين فعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قال ‪ :‬من الكبائر شتم الرجل والديه قالوا يا رسول‬
‫الله وهل يشتم الرجل والديه قال ‪ :‬نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه‬
‫‪114‬‬
‫فيسب أمه"‬
‫بل ما هو أكبر من ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم ببر الوالدين بعد موتهما‬
‫فعن مالك بن ربيعة الساعدي رضي الله عنه قال ‪ :‬بينما نحن جلوس عند‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال ‪ :‬يا رسول‬
‫الله هل بقي من بر أبوي شيئ أبرهما به بعد موتهما ؟ فقال ‪ :‬نعم الصلة‬
‫عليهما والستغفار لهما وإنفاذ عهدهما وصلة الرحم التي ل توصل إل بهما‬
‫‪115‬‬
‫وإكرام صديقهما "‬
‫وحرص السلم ببر الوالدين لنهما الجيل أما البوان فقد أودعهما الله من‬
‫الفطرة ما يجعلهما يبذلن لسعادة أولدهما بدون مقابل‬

‫وهذه طائفة من أخبار السلف في التزام الدب مع آبائهم ‪:‬‬


‫ذكر صاحب عيون الخبار هذا الخبر ‪ :‬قيل لعمر بن يزيد كيف بر‬ ‫‪13-‬‬
‫ابنك بك ؟‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قال ما مشيت نهارا قط إل وهو خلفي ول ليل إل مشى أمامي ول رقي‬
‫سطحا ً أنا تحته ‪.‬‬
‫‪ 14-‬وحضر صالح العباسي مجلس المنصور مرة وكان يحدثه ويكثر من قوله‬
‫)أبي رحمه الله( فقال له حاجبه الربيع ‪ :‬ل تكثر من الترحم على أبيك‬
‫بحضرة أمير المؤمنين فقال ل ألومك فإنك لم تذق حلوة الباء فتبسم‬
‫المنصور وقال ‪ :‬هذا جزاء من تعرض لبني هاشم ‪.‬‬
‫* من مظاهر بر الوالدين ‪:‬‬
‫لبد أن تتحول المعرفة إلى سلوك حتى يكون العلم حجة للنسان ل حجة عليه‬
‫ومن مظاهر بر الوالدين‬
‫خفض الجناح لهما‬ ‫‪-1‬‬
‫أن يقبل يديهما‬ ‫‪-2‬‬
‫أن يسعى في قضاء حوائجهما‬ ‫‪-3‬‬
‫الصغاء إليهما وكثرة الجلوس معهما‬ ‫‪-4‬‬
‫الدعاء لهما بظهر الغيب‬ ‫‪-5‬‬
‫بر صديقهما‬ ‫‪-6‬‬
‫إطاعة الم والب في كل ما يأمران به إل المعصية‬ ‫‪-7‬‬
‫مخاطبتهما بلطف وأدب‬ ‫‪-8‬‬
‫المحافظة على سمعتهما وشرفهما‬ ‫‪-9‬‬
‫إكرامهما وإعطاؤهما كل ما يطلبان‬ ‫‪-10‬‬
‫مشاورتهما في كل العمال والمور‬ ‫‪-11‬‬
‫عدم رفع الصوت عاليا ً أمامهما‬ ‫‪-12‬‬
‫عدم مقاطعتهما أثناء الكلم‬ ‫‪-13‬‬
‫عدم إزعاجهما إذا كانا نائمين‬ ‫‪-14‬‬
‫عدم تفضيل الزوجة والولد عليهما‬ ‫‪-15‬‬
‫عدم مد اليد إلى الطعام قبلهما‬ ‫‪-16‬‬
‫عدم الضطجاع وهما جالسان إل إذا أذنا بذلك‬ ‫‪-17‬‬

‫‪114‬متفق عليه‬
‫‪ 115‬رواه أبو داوود‬
‫‪193‬‬
‫تلبية ندائهما بسرعة‬‫‪-18‬‬
‫إكرام أصحابهما في حياتهما وبعد مماتهما‬ ‫‪-19‬‬
‫التقويم‬
‫‪ -1‬وضح مفهوم بر الوالدين ‪.‬‬
‫‪ -2‬وضح شرعية بر الوالدين وأهمبته ‪.‬‬
‫‪ -3‬وضح بعض مظاهر بر الوالدين ‪.‬‬
‫وم مدى تخلقك ببر الوالدين ) راجع نفسك على تحقق مظاهر بر‬ ‫‪ -4‬ق ّ‬
‫الوالدين لديك (‬

‫بببببب‪ :‬ببب ببببببب‬


‫الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يوضح مفهوم صلة الرحم ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يوضح شرعية صلة الرحم ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يوضح أهمية صلة الرحم ‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يعدد ثمرات صلة الرحم ‪.‬‬
‫‪ -5‬أن يذكر بعض مظاهر صلة الرحم ‪.‬‬
‫وم مدى صلته لرحمه ‪.‬‬ ‫‪ -6‬أن يق ّ‬
‫* مفهوم صلة الرحام وشرعيته وأهميته ‪:‬‬
‫صلة الرحام ‪ :‬صلة كل ذي رحم وقرابة فهم أولى الناس بالصلة بعد البوين ‪،‬‬
‫قال تعالى ‪ " :‬واعبدوا الله ول تشركوا به شيئا ً وبالوالدين إحسانا ً وبذي‬
‫القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب‬
‫‪116‬‬
‫بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم"‬
‫‪117‬‬
‫قال تعالى ‪ " :‬واتقوا الله الذي تساءلون به والرحام "‬
‫‪118‬‬
‫وقال عز وجل ‪ " :‬والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل"‬
‫* وجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمان ‪ :‬فعن أبي هريرة‬
‫رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪ " :‬من كان يؤمن بالله‬
‫واليوم والخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الخر فليصل رحمه ومن كان‬
‫‪119‬‬
‫يؤمن بالله واليوم الخر فليقل خيرا ً أو ليصمت "‬
‫وعنه أيضا ً قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬إن الله تعالى خلق الخلق‬
‫حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت ‪ :‬هذا مقام العائذ بك من القطعية قال ‪ :‬نعم‬
‫أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ؟ قالت بلى قال فذلك‪ .‬ثم قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرءوا إن شئتم "فهل عسيتم إن توليتم أن‬
‫تفسدوا في الرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم‬
‫‪121‬‬
‫وأعمى أبصارهم"‪" 120‬‬
‫* وصلة الرحام سبيل إلى زيادة البركة في العمر ‪ :‬فعن أنس رضي الله عنه‬
‫أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له‬
‫‪122‬‬
‫في أثره فليصل رحمه"‬
‫سورة النساء ‪36 :‬‬ ‫‪116‬‬
‫سورة النساء ‪2 :‬‬ ‫‪117‬‬
‫سورة الرعد ‪3 :‬‬ ‫‪118‬‬
‫متفق عليه‬ ‫‪119‬‬
‫محمد ‪23 : 22 :‬‬ ‫‪120‬‬
‫متفق عليه‬ ‫‪121‬‬
‫متفق عليه‬ ‫‪122‬‬

‫‪194‬‬
‫* بل إن قطع الرحم تكون عائقا ً في دخول الجنة ‪ :‬فعن جبير بن مطعم أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪":‬ل يدخل الجنة قاطع" ‪ 123‬أي قاطع رحم‪.‬‬
‫ويقول المام علي ‪ :‬أكرم قرابتك فإنهم جناحك الذي به تطير وأصلك الذي إليه تصير ‪.‬‬
‫" وأوجب السلم أنظمة لزيادة الترابط بين الرحام ‪ :‬مثل نظام التكافل‬
‫والنفقات التي توجب على الموسر أن ينفق على ذوي قرابته ‪ ،‬ونظام المواريث الذي‬
‫جعل لكل قريب نصيبا ً على قدر قرابته ‪ ،‬ونظام العاقلة الذي يوجب على العشيرة‬
‫‪124‬‬
‫المساعدة في الدية المفروضة على أي فرد فيها"‬
‫فالسلم حريص على سيادة روح المحبة بين جميع أفراد المجتمع وخاصة بين ذوي‬
‫الرحام ‪.‬‬
‫‪125‬‬
‫* ومن ثمرات صلة الرحم في الدنيا والخرة‬
‫‪ -1‬صلة الرحم تدفع عن الواصل ميتة السوء ‪:‬‬
‫لما روى أبو يعلى عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫سمعه يقول ‪ " :‬إن الصدقة وصلة الرحم يزيد الله بهما في العمر ويدفع بهما ميتة‬
‫المكروه والمحذور"‬
‫لما روى الطبراني‬ ‫‪ -2‬صلة الرحم تعمر الديار وتثمر الموال ‪:‬‬
‫والحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم "إن الله ليعمر بالقوم الديار ويثمر لهم الموال وما نظر إليهم منذ‬
‫خلقهم بغضا ً لهم قيل كيف ذاك يا رسول الله ؟ قال بصلتهم الرحم"‬
‫‪ -3‬صلة الرحم تغفر الذنوب وتكفر الخطايا ‪:‬‬
‫لما روى بن حبان والحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال ‪ :‬أتى النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم رجل فقال ‪ :‬إني أذنبت ذنبا ً عظيما ً فهل لي من توبة ؟ فقال ‪ :‬هل‬
‫لك من أم ؟ قال ‪ :‬ل ‪ ،‬قال فهل لك من خالة ؟ قال نعم ‪ :‬قال فبرها"‬
‫‪ -4‬صلة الرحم تيسر الحساب وتدخل صاحبها الجنة ‪:‬‬
‫لما روى البزار والطبراني والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلث من كن فيه حاسبه الله حسابا ً يسيرا ً وأدخله‬
‫الجنة برحمته قالوا وما هي يا رسول الله بأبي أنت وأمي؟ قال ‪ :‬تعطي من حرمك‬
‫وتصل من قطعك وتعفو عن من ظلمك فإذا فعلت ذلك يدخلك الله الجنة"‬
‫‪ -5‬صلة الرحم ترفع الواصل إلى الدرجات العلى يوم القيامة ‪:‬‬
‫لما روى البزار والطبراني عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال ‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أل أدلكم على ما يرفع الله به الدرجات ؟‬
‫قالوا نعم يا رسول الله ‪ .‬قال ‪ :‬تحلم على من جهل عليك وتعفو عن من ظلمك‬
‫وتعطي من حرمك وتصل من قطعك "‬
‫* وبالمقابل يحذر القرآن الكريم من قطيعة الرحم ويعتبر هذه‬
‫القطيعة بغيا ً وإفسادا ً في الرض يستحق صاحبها اللعنة وسوء الدار ‪:‬‬
‫قال تعالى ‪ " :‬والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما‬
‫أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء‬
‫الرعد ‪25 :‬‬ ‫الدار"‬
‫وقال أيضا ‪" :‬فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الرض وتقطعوا‬ ‫ً‬
‫أرحامكم ‪ .‬أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم" محمد )‬
‫‪(23-22‬‬

‫‪ 123‬متفق عليه‬
‫‪ 124‬من خطبة للشيخ القرضاوي – عن صلة الرحام‬
‫‪ 125‬تربية الولد في السلم‬
‫‪195‬‬
‫فإذا كانت هذه نهاية ومصير من يقف من رحمة هذا الموقف الظالم المعادي ‪،‬‬
‫فحري بكل مسلم أن يصل رحمه ويتجنب القطيعة مهما كانت الظروف ‪ ،‬فإن ذلك‬
‫هو سبيل النجاة في الدنيا والخرة ‪.‬‬
‫* من مظاهر صلة الرحام ‪:‬‬
‫التزاور‬ ‫‪-1‬‬
‫دعوة الرحام على إفطار في شهر رمضان‬ ‫‪-2‬‬
‫التهنئة بالعيد والمناسبات السعيدة مثل النجاح وغيره‬ ‫‪-3‬‬
‫المشاركة في الفراح والتراح‬ ‫‪-4‬‬
‫تبادل الهدايا‬ ‫‪-5‬‬
‫التقويم‬
‫‪ -1‬وضح مفهوم صلة الرحم ‪.‬‬
‫‪ -2‬وضح شرعية صلة الرحم ‪.‬‬
‫‪ -3‬وضح أهمية صلة الرحم ‪.‬‬
‫‪ -4‬عدد ثمرات صلة الرحم ‪.‬‬
‫‪ -5‬أذكر بعض مظاهر صلة الرحم ‪.‬‬
‫وم مدى صلتك لرحمك ) راجع نفسك على مظاهر صلة الرحم (‬ ‫‪ -6‬ق ّ‬

‫ثالثا ً ‪ :‬حسن الجوار‬


‫الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن يوضح مفهوم حسن الجوار وشرعيته ‪.‬‬
‫ب‪ -‬أن يوضح حقوق الجار ‪.‬‬
‫ج‪ -‬أن يوضح مظاهر حسن الجوار ‪.‬‬
‫وم مدى تحقيقه لحسن الجوار ‪.‬‬ ‫د‪ -‬أن يق ّ‬
‫* مفهوم حسن الجوار وشرعيته ‪:‬‬
‫أوصى السلم بحسن الجوار ليعم المن والسلم ‪ .‬قال تعالى ‪" :‬واعبدوا الله‬
‫ول تشركوا به شيئا ً وبالوالدين إحسانا ً وبذي القربى واليتامى‬
‫والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن‬
‫‪126‬‬
‫السبيل وما ملكت أيمانكم"‬
‫وعن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫‪127‬‬
‫" ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه"‬
‫وأمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم بالتهادي لكي يشيع جو المحبة فعن أبي ذر قال ‪ :‬إن‬
‫خليلي صلى الله عليه وسلم أوصاني "إذا طبخت مرقا ً فأكثر ماءها ثم انظر أهل البيت‬
‫‪128‬‬
‫من جيرانك فأصبهم منها بمعروف"‬
‫واعتبر صلى الله عليه وسلم أن الحسان إلى الجار من اليمان فعن أبي شريح‬
‫الخزاعي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ ":‬من كان يؤمن بالله‬
‫واليوم الخر فليحسن إلى جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الخر فليكرم ضيفه ومن‬
‫‪129‬‬
‫كان يؤمن بالله واليوم الخر فليقل خيرا ً أو ليسكت"‬

‫النساء ‪36 :‬‬ ‫‪126‬‬


‫متفق عليه‬ ‫‪127‬‬
‫رواه مسلم‬ ‫‪128‬‬
‫رواه مسلم‬ ‫‪129‬‬

‫‪196‬‬
‫وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫"خير الصحاب عند الله تعالى خيرهم لصاحبه وخير الجيران عند الله تعالى خيرهم‬
‫‪130‬‬
‫لجاره"‬
‫من كل ما سبق يتبين تأكيد السلم على حسن الجوار لنها سبيل المن‬
‫في المجتمع لن الجار هو ستر أخيه ومعوانه وأقرب الناس إليه ‪.‬‬
‫حقوق الجار ‪:‬‬ ‫•‬
‫" حقوق الجار فى نظر السلم ترجع إلي أربعة أصول ‪ :‬هى أل يلحق الرجل بجاره‬
‫أذى وأن يحميه ممن يريده بسوء ‪ ،‬وأن يعامله بإحسان وأن يقابل جفاءه بالصفح‬
‫‪131‬‬
‫والحلم "‬
‫كف الذى عن الجار ‪:‬‬
‫والذى أنواع منها ‪ :‬الزنى والسرقة والسباب والشتائم والوساخ ‪ ،‬وأخطرها الزنى‬
‫والسرقة وانتهاك الحرمة ‪ ،‬وهذا أكده الرسول صلى الله عليه وسلم لما كان يوجه‬
‫أصحابه إلى أكرم الخصال وينهاهم عن أقبح الفعال ‪ ،‬فعن المقداد بن السود رضى‬
‫الله عنه قال ‪" :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصحابه ‪ :‬ما تقولون فى‬
‫الزنى؟ قالوا حرام حرمه الله إلى يوم القيامة‪ ،‬قال ‪ :‬فقال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم لن يزنى الرجل بعشرة نسوة أيسر عليه من أن يزنى بامرأة جاره‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫ماتقول فى السرقة ؟ قالوا ‪ :‬حرمها الله ورسوله فهى حرام ‪ ،‬قال ‪ :‬لن يسرق‬
‫الرجل من عشرة أبيات أيسر عليه من أن يسرق من جاره " رواه أحمد والطبرانى ‪.‬‬
‫أما أذى اليد وأذى اللســان فيــدخل فــى مضــمون قــوله عليــه الصــلة والســلم "واللــه‬
‫ليؤمن والله ليؤمن والله ل يؤمن؟ قيل من يارســول اللــه ؟ قــال الــذى ليــأمن جــاره‬
‫بوائقه " رواه الشيخان )بوائقه يعنى شروره(‬
‫وتغنى شعراء العرب بحرمة الجار والمحافظة على حرماته كقول عنترة‬
‫حتى يوارى جارتى مأواها‬ ‫وأغض طرفى إن بدت لى جارتى‬
‫‪.2‬حماية الجار ‪:‬‬
‫حماية الجار وكف الظلم عنه أثر من آثار طهارة النفس بل مكرمة مــن أنبــل المكــارم‬
‫الخلقية فى نظر السلم ‪ .‬فقد كان لبى حنيفــة جــارا ً بالكوفــة إذا انصــرف مــن عملــه‬
‫يرفع صوته فى بيته منشدا ً ‪:‬‬
‫ليوم كريهة وسداد ثغر‬ ‫أضاعونى وأى فتى أضاعوا‬
‫فيسمع أبى حنيفه غنائه بهذا البيت‪ ،‬فأخـذه الحـراس فـى ليلـة مـن الليـالى وحبسـوه‪،‬‬
‫ففقد أبو حنيفة صوته تلك الليلة وسأل عنـه فـى الغـد فـأخبروه بحبسـه ‪ ،‬فركـب الـى‬
‫المير )عيسى بن موسى( وطلب منه إطلق الجــار ‪ ،‬فـأطلقه فـى الحـال فلمـا خــرج‬
‫الفتى داعبه أبو حنيفة وقال له سرا ً ‪ :‬فهل أضعناك يــا فــتى فقــال ‪ :‬ل ولكــن أحســنت‬
‫وتكرمت أحسن الله جزاءك وأنشد ‪:‬‬
‫عزيز وجار الكثرين ذليل‬ ‫وما ضرنا أنا قليل وجارنا‬
‫والصل فى حماية الجار ورفع الظلم عنه وعدم خذلنه مــا روى عــن ابــن عمــر رضــى‬
‫الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪ " :‬المسلم أخو المسلم ل يظلمه‬
‫ول يسلمه من كان فى حاجة أخيه كان الله فى حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فــرج‬
‫الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ً ســتره اللــه يــوم القيامــة " رواه‬
‫الشيخان‬

‫‪ 130‬رواه الترمذي‬
‫‪ 131‬تربية الولد في السلم‬
‫‪197‬‬
‫الحسان الى الجار‬
‫ً‬
‫قـــال تعـــالى ‪ " :‬وبالوالـــدين إحســـانا وبـــذى القربـــى واليتـــامى‬
‫والمساكين والجــار ذى القربــى والجــار الجنــب والصــاحب بــالجنب وابــن‬
‫السبيل " النساء ‪36:‬‬
‫وعن عمرو بن شعيب عن إبن ابيه عن جده عن النــبى صــلى اللــه عليــه وســلم‬
‫قال ‪ " :‬من أغلق بابه دون جاره خــانه عــن أهلــه ومــاله فليــس ذلــك بمــؤمن ‪ ،‬وليــس‬
‫بمؤمن من لــم يــأمن جــاره بــوائقه ‪ .‬أتــدرى مــاحق الجــار ؟ إذا اســتعانك أعنتــه ‪ ،‬وإذا‬
‫استقرضك أقرضته ‪ ،‬وإذا أفتقر عدت عليه ‪ ،‬وإذا مرض عدته ‪ ،‬وإذا أصابه خيـر هنـأته ‪،‬‬
‫وإذا اصابته مصيبة عزيته ‪ ،‬وإذا مات اتبعت جنازته ‪ ،‬ول تستطل عليه بالبنيــان فتحجــب‬
‫عنه الريح إل بإذنه ‪ ،‬ول تؤذه بقتار ريح قدرك إّل تغرف له منهــا ‪ ،‬وإن اشــتريت فاكهــة‬
‫فأهد له منها فإن لم تفعل فإدخلها سرا ً ‪ ،‬ول يخرج بهـا ولــدك ليغيــظ بهـا ولــده " رواه‬
‫الطبرانى ‪.‬‬
‫وكان العرب يضربون المثل فى حسن الجوار بــأبى داود وهــو كعــب بــن أمامــة‬
‫فيقولون ‪ " :‬كجار أبى داود " وكان أبو داود ‪ ،‬هذا إن هلك لجــاره بعيـُر أوشــاة أخلفهــا‬
‫عليه ‪ ،‬وأن مات الجار أعطى أهله مقدار ديته من ماله ‪.‬‬
‫احتمال أذى الجار‬
‫قال تعال ‪ " :‬ول تستوى الحسنة ول السيئة ادفع بالتى هــى أحســن‬
‫فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم " فصلت ‪34‬‬
‫ولبد للجار أن يتجاوز عن أخطاء جاره ويتغاض عن هفــواته ‪ ،‬ويتلقــى كــثيرا ً مــن‬
‫إساءته بالصفح والحلم ‪ ،‬ولسيما إساءة حدثت من غير قصد أو إساءة ندم عليها وجــاء‬
‫معتذرا ً ‪ ،‬قال الحريري فى مقاماته ‪ " :‬أراعى الجار ولو جار" ‪.‬‬
‫ومن المسلم عند علماء التربية والخلق ‪ ،‬أن التسرع إلى دفــع السـيئة بمثلهـا أو‬
‫بأشد منها دون نظر ما يترتب عليها من الثر الســئ أو النتــائج الوخيمــة ‪ ،‬دليــل واضــح‬
‫على ضيق الصدر والعجز عن كبح جماح الغضــب ‪ ،‬وإنمــا يتفاضــل النــاس فــى الخلق‬
‫والسيادة على قدر تدبرهم للعــواقب وتبصــرهم للنتــائج وإســكاتهم لثــورة النفعــال إذا‬
‫طغت ‪ ،‬ومن هنا كان الذي يملك نفسه عنــد الغضــب مــن أقــوى القويــاء ومـن أعظــم‬
‫‪132‬‬
‫البطال فى نظر النبي صلى الله عليه وسلم"‬
‫بب ببببب ببب بببببب ‪:‬‬
‫‪ .1‬الهدية المتبادلة مع الجيران ‪.‬‬
‫‪ .2‬المشاركة فى المناسبات السعيدة ‪.‬‬
‫‪ .3‬كف الذى عن الجار ‪.‬‬
‫‪ .4‬الصبر على ماقد يبدو من إيذاء الجيران ‪.‬‬
‫‪.5‬إسداء النصح الى الجيران ‪.‬‬
‫التقويم ‪:‬‬
‫أ‪ -‬وضح مفهوم حسن الجوار وشرعيته ‪.‬‬
‫ب‪-‬وضح حقوق الجار ‪.‬‬
‫ج‪-‬وضح مظاهر حسن الجوار ‪.‬‬
‫وم مدى تحقيقك لحسن الجوار ‪.‬‬ ‫د‪-‬ق ّ‬

‫رابعا ً ‪ :‬توقير الكبير‬


‫الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬
‫تربية الولد في السلم‬ ‫‪132‬‬

‫‪198‬‬
‫أ‪ -‬أن يوضح مفهوم توقير الكبير ‪.‬‬
‫ب‪ -‬أن يوضح شرعية توقير الكبير ‪.‬‬
‫ج‪ -‬أن يذكر بعض مظاهر توقير الكبير ‪.‬‬
‫وم مدى توقيره للكبير ‪.‬‬
‫د‪ -‬أن يق ّ‬
‫* مفهوم توقير الكبير ‪:‬‬
‫" المسلم الناضج فى فهمه المتأثر تأثرا ً حقيقيا ً بمبادئ السلم ‪ ،‬والذى سرى‬
‫روح اليمان فى دمه ‪ ،‬تراه فى جميع تصرفاته إسلمى الحركة ‪ ،‬إنسانى المواقف ‪،‬‬
‫رحيما ً فى المعاملة رقيقا ً فى المعاشرة ‪ ،‬يزن كل شئ بميزان السلم وإن لم يوافق‬
‫تقاليده ويبتغى بعمله رضاء الله مخالفا ً نفسه وهواه ‪ ،‬وهو فيض رحمة على الضعيف‬
‫والصغير والمسكين وبحر عطف وحنان لكل ذى حاجة من خلق الله تعالى ‪ ،‬وخير من‬
‫‪133‬‬
‫يجل الكبر منه ويعرف حقه عليه "‬
‫ورسولنا له يد طولى فى الحث على توقير الكبير ورحمة الصغير قال صلى الله عليه‬
‫‪134‬‬
‫وسلم ‪ " :‬ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا "‬
‫وحفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم حق الكبير فى المامة والمارة فعن ابى‬
‫مسعود عقبة بن عمرو البدرى النصارى قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ " :‬يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ‪ ،‬فإن كانوا فى القراءة سواء ‪ ،‬فأعلمهم‬
‫بالسنة فإن كانوا فى السنة سواء فأقدمهم هجرة ‪ ،‬فإن كانوا فى الهجرة سواء‬
‫فأقدمهم سنا ً ‪ ،‬ول يؤمن الرجل الرجل فى سلطانه ‪ ،‬ول يقعد فى بيته على تكرمته إل‬
‫‪135‬‬
‫بإذنه "‬
‫وعن أبى موسى رضى الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬‬
‫إن من إجلل الله تعالى إكرام ذى الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالى فيه‬
‫‪136‬‬
‫والمجافى عنه وإكرام ذى السلطان المقسط "‬
‫وعن أنس رضى الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬ما‬
‫‪137‬‬
‫أكرم شاب شيخا ً لسنه إل قيض الله له من يكرمه عند سنه "‬
‫ونستخلص من مجموعة هذه الحاديث الصحيحة المور التالية ‪:‬‬
‫إنزال الكبير منزلته اللئقة به ‪:‬‬ ‫‪.1‬‬
‫ً‬
‫كأن يستشار فى المور ويقدم فى المجلس ويبدأ به فى الضيافة تحقيقا لقوله‬
‫عليه الصلة السلم ‪ " :‬أنزلوا الناس منازلهم " ومما يؤكد ذلك مارواه المام أحمد‬
‫بإسناد صحيح عن شهاب بن عباد ‪ :‬أنه سمع بعض وفد عبد القيس وهم يقولون ‪:‬‬
‫قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتد فرحهم فلما انتهينا إلى القوم‬
‫أوسعوا لنا فقعدنا فرحب بنا النبى ودعانا ثم نظر الينا فقال ‪ :‬من سيدكم وزعيمكم ؟‬
‫فأشرنا جميعا ً إلى المنذر بن عائز ‪ ،‬فلما دنا من المنذر أوسع القوم له ‪ ،‬حتى انتهى‬
‫إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقعد عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فرحب به وألطفه وسأله عن بلده " ‪.‬‬
‫ومن المور المسلم بها والمجمع عليها لدى أهل الحديث أن الصحابة رضى الله‬
‫عنهم كانوا يبدأون بضيافة الرسول صلى الله عليه وسلم ثم من كان على يمينه فظل‬
‫هذا الفعل سنة متبعة من هديه عليه الصلة والسلم ‪.‬‬

‫البدأ بالكبير فى المور كلها ‪:‬‬ ‫‪.2‬‬


‫السلوك الجتماعى فى السلم‬ ‫‪133‬‬

‫رواه أبو داود والترمذى‬ ‫‪134‬‬

‫رواه مسلم‬ ‫‪135‬‬

‫رواه أبو داوود‬ ‫‪136‬‬

‫رواه الترمذى‬ ‫‪137‬‬

‫‪199‬‬
‫كأن يتقدم الكبير على الصغير فى صلة الجماعة وفى التحدث مع والى الناس‬
‫فى الخذ والعطاء وعند التعامل ‪ ،‬لما روى المام مسلم عن ابن مسعود قال ‪ :‬كان‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا فى الصلة ويقول ‪" :‬استووا ول‬
‫تختلفوا فتختلف قلوبكم ليلينى منكم أولى الحلم والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين‬
‫يلونهم "‬
‫الترهيب من استخفاف الصغير من الكبير‪:‬‬ ‫‪.3‬‬
‫كأن يهزأ منه ويسخر عليه ويبجح كلما ً سيئا ً عليه ‪ ،‬ويسئ الدب فى حضرته ‪،‬‬
‫وينهره فى وجهه فعن أبى إمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪ " :‬ثلث ل‬
‫يستخف بهم ال منافق ‪ ،‬ذو الشيبة فى السلم ‪ ،‬وذو العلم ‪ ،‬و إمام مقسط " رواه‬
‫الطبرانى‬
‫* من مظاهر احترام الكبير ‪:‬‬
‫البدء بإلقاء السلم على الكبير ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫‪ .2‬إعانته على قضاء حوائجه ‪.‬‬
‫‪ .3‬الفساح للكبير فى المجلس ‪.‬‬
‫‪ .4‬مخاطبة الكبير بأدب وتلطف ‪.‬‬
‫‪ .5‬القيام للقادم الكبير ‪.‬‬
‫التقويم‬
‫أ‪ -‬وضح مفهوم توقير الكبير ‪.‬‬
‫ب‪-‬وضح شرعية توقير الكبير ‪.‬‬
‫ج‪ -‬أذكر بعض مظاهر توقير الكبير ‪.‬‬
‫وم مدى توقيرك للكبير ‪.‬‬ ‫د‪ -‬ق ّ‬

‫خامسا ً ‪ :‬العطف على الصغير‬


‫الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬
‫أن يوضح مفهوم العطف على الصغير ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫أن يعدد بعض مظاهر العطف على الصغير‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫وم مدى عطفه على الصغير ‪.‬‬
‫ج‪ -‬أن يق ّ‬
‫مفهوم العطف على الصغير ‪:‬‬ ‫•‬

‫أمر السلم بالعناية بكل ضــعيف وكــل مســكين وبكــل كســير الجنــاح‬
‫منكوب ‪ ،‬وكذلك المر برحمة الصغير ورعاية ما يناسبه ويتفق مع حاله ‪.‬‬
‫فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال ‪ :‬قبل النبى صلى الله عليه وسلم الحسن بن‬
‫على رضى الله عنهما و عنده القرع بن حابس فقال القرع ‪ :‬إن لى عشرة من الولد‬
‫ما قبلت منهم أحدا ‪ ،‬فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال ‪" :‬من ل‬
‫‪138‬‬
‫يرحم ل يرحم "‬
‫و عن أبى قتاده الحارث بن ربعى رضى الله عنه قال ‪:‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه و سلم ‪ " :‬إنى لقوم إلى الصلة وأريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبى فأتجوز‬
‫‪139‬‬
‫فى صلتى كراهية أن أشق على أمه "‬
‫و كان صلى الله عليه و سلم يحمل أمامة على عاتقه فى أثناء الصله و هى‬
‫طفلة و هى بنت ابنته زينب رضى الله عنهما ‪ .‬وكان الحسن و الحسين يركبا ظهره‬
‫صلى الله عليه و سلم و هو ساجد فيطيل السجود حتى ل يزعجه و ربما كان ذلك و‬
‫ما بالناس ‪.‬‬
‫هو يصلى إما ً‬
‫رواه الشيخان‬ ‫‪138‬‬

‫رواه البخارى‬ ‫‪139‬‬

‫‪200‬‬
‫و كان إذا رجع من سفر أسرع إليه الصبيان حتى يرونه فيأخذهم و يركب بعضهم‬
‫خلفه وبعضهم أمامه ‪ ،‬وكانت المرأة تأتيه بالصبى ليباركه فيبول الصبى على ثوبه‬
‫صلى الله عليه و سلم فتنزعج المرأة و تطلب من الرسول أن يعطيها ثوبه لتغسله و‬
‫لكن كان يكتفى بنضح الثوب بالماء ويهون المر على أمه ‪.‬‬
‫و هكذا كان صلى الله عليه و سلم رحمة للصبى و للمهات و للمساكين و جميع‬
‫الضعفاء و المؤمنين و هكذا ينبغى أن يكون كل مسلم ‪.‬‬
‫من مظاهر الرحمة بالصغير والعطف عليه ‪:‬‬ ‫‪•2‬‬
‫مداعبة الصغار وخاصة الولد ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫إلقاء السلم على الصغار ‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫المسح على رأس اليتام ‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫تعليم الصغار أمور الدين ‪.‬‬ ‫‪.5‬‬

‫ببببببب‬
‫‪ -1‬وضح مفهوم العطف على الصغير ‪.‬‬
‫‪ -2‬عدد بعض مظاهر العطف على الصغير‪.‬‬
‫وم مدى عطفك على الصغير ‪.‬‬
‫ج‪ -‬ق ّ‬

‫سادسا ً ‪ :‬ضبط المعاملت المالية‬


‫الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬
‫أن يوضح المقصود بضبط المعاملت المالية ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫أن يذكر بعض مظاهر النضباط المالي ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫ج‪ -‬أن يعدد بعض مظاهر ضبط المعاملت المالية ‪.‬‬
‫وم مدى انضباطه فى معاملته المالية ‪.‬‬ ‫د‪ -‬أن يق ّ‬
‫المقصود بضبط المعاملت المالية ‪:‬‬
‫ضبط المعاملت المالية ‪ :‬ضبط المعاملت المالية وفق التكاليف الشرعية ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬تحرى الحلل فى الكسب والمعاش ‪ ،‬العتدال فى النفاق ‪ ،‬أداء الحقوق ‪،‬‬
‫الوفاء بالدّين ‪.‬‬
‫ويكتسب ضبط المعاملت الشرعية أهمية بسبب شيوع بعد المظاهر السلبية في‬
‫المعاملت المالية وما ينتج عن ذلك من اهتزاز الثقة والخوة بين الفراد ‪ ،‬ولنه يعتبر‬
‫مقياسا ً حقيقيا ً لتوثيق الفراد ‪ ،‬حيث علق أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه على من‬
‫أثنى خيرا ً على رجل قائل ً ‪ :‬لعلك رأيته يطيل الركوع والسجود قال ‪ :‬نعم فقال عمر‬
‫رضي الله عنه فيما قال ‪ :‬هل عاملته بالدرهم والدينار ؟ قال ‪ :‬ل فقال عمر رضي الله‬
‫عنه ‪ :‬فإنك لم تعرفه ‪.‬‬
‫وقد أمرنا ربنا بالنضباط المالي في كل المعاملت‬
‫قال تعالى ‪ " :‬يأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه‬
‫‪140‬‬
‫"‬
‫ويحذرنا ربنا من خيانة المانة ومن ضمن معاني المانة ‪ ،‬أمانة الودائع قال الله عز‬
‫وجل ‪ " :‬يا أيها الذين آمنوا ل تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم‬
‫‪141‬‬
‫وأنتم تعلمون "‬
‫• من مظاهر النضباط المالي ‪:‬‬
‫عدم السراف ول التقتير ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬

‫‪140‬سورة البقرة ‪282 :‬‬


‫‪ 141‬سورة النفال ‪27 :‬‬
‫‪201‬‬
‫قال الله تعالى "والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين‬
‫ً ‪142‬‬
‫ذلك قواما "‬
‫عدم الستدانة إل لضرورة ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫فالمسلم يفر من الدين ويغلق هذا الباب ابتداء ويخطط لحياته ومعيشته على‬
‫قدر ما يملك وهو ل يقترض لجل الكماليات الزائفة إنما يقترض في الظروف‬
‫الضرورية ول يستكثر بل على قدر حاجته وهو يحرص على رد القرض لصاحبه‬
‫في أسرع وقت لنه يحب أن يلقى الله نقيا ً قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫‪143‬‬
‫وسلم ‪ " :‬يغفر للشهيد كل شيء إل الدين "‬
‫‪144‬‬
‫البعد عن الحرام في التكسب‬ ‫‪-3‬‬
‫لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كان للعرب في الجاهلية أنواع من البيع‬
‫والشراء والتعامل المالي والمبادلت التجارية فأقرهم على البعض مما ل يتنافى‬
‫مع قواعد الشريعة ونصوصها التي جاء بها ونهاهم عن البعض الخر لكونها تضر‬
‫بمصلحة الفرد والجماعة وتؤدي إلى أسوأ المفاسد وأرذل الثار ‪.‬‬
‫من مظاهر ضبط المعاملت المالية ‪:‬‬
‫‪ -1‬عدم الستدانة إل للضرورة ‪.‬‬
‫‪ -2‬جدولة لسد الديون إن وجدت ‪.‬‬
‫‪ -3‬البعد ما أمكن عن الشراء بالتقسيط ‪.‬‬
‫‪ -4‬عدم الغراق في الكماليات ‪.‬‬
‫‪ -5‬عدم التقتير في النفقة على الهل ‪.‬‬
‫‪ -6‬عدم التعامل مع البنوك الربوية ‪.‬‬
‫التقويم‬
‫وضح المقصود بضبط المعاملت المالية ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫أذكر بعض مظاهر النضباط المالي ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫ج‪ -‬عدد بعض مظاهر ضبط المعاملت المالية ‪.‬‬
‫وم مدى انضباطك فى معاملتك المالية ‪.‬‬ ‫د‪ -‬ق ّ‬

‫سابعا ً ‪ :‬يألف ويؤلف‬


‫الهداف الجرائية السلوكية ‪:‬‬
‫أن يوضح الدارس مفهوم يألف ويؤلف ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬

‫أن يوضح الدارس مشروعية اللفة وأهميتها ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬

‫أن يوضح الدارس السباب التى تؤدى إلى حدوث اللفة ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬

‫‪ -1‬أن يوضح الدارس مدى تحقيقه للواجبات العملية اللزمة حتى يتخلق بهذا‬
‫الخلق ‪ ) .‬ورشة عمل (‬
‫‪ -‬يألف ويؤلف ‪ :‬في اللغة العربية ‪ ) :‬ألف فلنا إلفا ‪ :‬أنس به وأحبه‬
‫ألف بينهم ‪ :‬جمع ‪ ،‬ائتلف الناس ‪ :‬اجتمعوا وتوافقوا‬
‫تأّلف فلنا ‪ :‬استماله ‪ ،‬اللفة ‪ :‬الجتماع واللتئام‬

‫‪ 142‬سورة الفرقان ‪67 :‬‬


‫‪ 143‬رواه مسلم‬
‫بتصرف يسير‬ ‫‪144‬تربية الولد في السلم د‪ /‬عبد الله ناصح علوان‬
‫‪202‬‬
‫‪ -‬واللفة في الخلق ‪ :‬وشيجة بين شخصين أو أكثر يحدثها تجاذب الميول النفسية‬
‫والليف ‪ :‬من يألف الناس ( )المعجم‬ ‫كصلة الصداقة ولحمة القرابة ‪.‬‬
‫الوجيز(‬
‫يقول الله تعالي ) هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بيــن قلــوبهم لــو‬
‫أنفقت ما في الرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن اللــه ألــف بينهــم‬
‫إنه عزيز حكيم ( النفال ‪ 62‬ـ ‪63‬‬
‫يقول صلي الله عليه وسلم ‪ " :‬إن المسلم إذا لقي أخاه المسلم فأخذ بيده‬
‫تحاتت عنهما ذنوبهما كما تتحات الورق عن الشجرة اليابسة في يوم ريح عاصفة وإل‬
‫غفر لهما ذنوبهما ولو كانت مثل زبد البحر " رواه الطبراني‬
‫} " واللفة ثمرة حسن الخلق والتفرق ثمرة سوء الخلق ‪ ،‬فحسن الخلق يوجب‬
‫التحاب والتآلف وسوء الخلق يثمر التباغض والتحاسد والتدابر … وقال صلي الله عليه‬
‫وسلم " المؤمن إلف مألوف ول خير فيمن ل يألف ول يؤلف " رواه أحمد والطبراني‬
‫والحاكم ‪) { .‬إحياء علوم الدين ج ‪(144-123 2‬‬
‫} إن السلم دين تجمع وألفة ونزعة التعرف إلى الناس والختلط بهم أصيلة‬
‫في تعاليمه وهو لم يقم علي الستيحاش ول دعا أبناءه إلى العزلة التامة والفرار من‬
‫تكاليف الحياة ول رسم رسالة المسلم في الرض على أنها انقطاع في دير أو عبادة‬
‫في صومعة كل ‪ ،‬كل ‪ ،‬فإن الدرجات العالية لم يعدها الله عز وجل لمثال أولئك‬
‫المنكمشين الضعاف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬المؤمن الذي‬
‫يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي ل يخالط الناس‬
‫ول يصبر علي آذاهم " رواه الترمذى‬
‫• ومن أسباب حدوث اللفة أن تؤدي حق أخيك عليك ‪:‬‬
‫أن تكره مضرته وأن تبادر إلى دفعها " مثل المسلمين في توادهم وتعاطفهم‬ ‫‪-‬‬
‫وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر العضاء بالسهر‬
‫والحمي " رواه البخاري ‪ .‬والتألم الحق هو الذي يدفعك دفعا ً إلى كشف ضوائق‬
‫إخوانك فل تهدأ حتي تزول غمتها وتدبر ظلمتها فإذا نجحت في ذلك استنار وجهك‬
‫واستراح ضميرك ‪.‬‬
‫‪ -‬ومن علئم الخوة الكريمة أن تحب النفع لخيك وأن تهش لوصوله إليه كما تبتهج‬
‫بالنفع يصل إليك أنت ‪.‬‬
‫ومن حق المسلم أن يشعر بأن إخوانه ظهير له في السراء والضراء كما قال‬ ‫‪-‬‬
‫صلي الله عليه وسلم ‪ " :‬المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا " رواه البخارى ‪.‬‬
‫فل يجوز ترك مسلم يكافح وحده في معترك بــل ل بــد مــن الوقــوف بجــانبه علــي أي‬
‫حال لرشاده إن ضل وزجره إن تطاول والدفاع عنه إن هوجم والقتال معه إذا اســتبيح‬
‫… فإذا رأيت أن إساءة نزلت بأخيك أو مهانة وقعت عليه فأره مــن نفســك الســتعداد‬
‫لمظاهرته والسير معه حتي ينال بك الحق ويرد الظلم وهــذا الــواجب يــزداد تأكيــدا إذا‬
‫كنت ذا جاه في المجتمع أو صاحب منصــب تحفــه الرغبــة والرهبــة … أن للجــاه زكــاة‬
‫تؤتي كما تؤتى زكاة المال فــإذا رزقــك اللــه ســيادةً فــي الرض أو تمكينـا ً بيــن النــاس‬
‫فليس ذلك لتنتفخ بعد انكماش أو تزدهي بعد تواضــع إنمــا يســر اللــه لــك ذلــك ليربــط‬
‫بعنقك حاجــات ل تقضــى إل عــن طريقــك فــإن أنــت ســهلتها قمــت بــالحق المفــروض‬
‫وأحرزت الثواب الموعود وإل فقد جحدت النعمة وعرضــتها للــزوال روى عــن رســول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬إن لله عند أقوام نعما ً أقرها عندهم ما كانوا فــي حــوائج‬
‫المسلمين مالم يملوهم فإذا ملوهم نقلها إلى غيرهم" رواه الطبرانى ‪.‬‬

‫‪203‬‬
‫وهناك رذائل حاربها السلم وقد حذر الرسول )صلى الله عليه وسلم ( من هذه‬
‫الرذائل وهي تبدو للنظر القاصر تافهة الخطر غير أنها لمن تدبر عواقبها تصدع القلوب‬
‫وتجفف عواطف الود واللفة منها ‪ :‬قال صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬إياكم والظن فإن‬
‫الظن أكذب الحديث ول تجسسوا ول تحسسوا ول تنافسوا ول تحاسدوا ول تباغضوا ول‬
‫تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا كما أمركم الله تعالي … المسلم أخو المسلم ل يظلمه‬
‫ول يخذله ول يحقره ‪ .‬بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ‪ ،‬كل المسلم‬
‫علي المسلم حرام ‪ ،‬ماله وعرضه ودمه … إن الله ل ينظر إلى صوركم وأجسادكم‬
‫ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم … التقوي هاهنا ‪ ،‬ويشير إلى صدره ‪ ،‬أل ل يبع‬
‫بعضكم علي بيع بعض ‪ .‬وكونوا عباد الله إخوانا … وليحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق‬
‫ثلث " رواه مسلم ) خلق المسلم للغزالى ص ‪(171‬‬

‫‪ -‬الواجبات العملية ‪:‬‬


‫‪ 1‬ـ أن يتعرف علي رواد المسجد الذي يصلي فيه ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ أن يتزاور مع معارفه ويرتب زيارات دورية معهم ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ أن يقدم الهدايا إليهم وخاصة في المناسبات ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ أن يقيم مأدبة طعام ويدعو إليها مثل إفطارات رمضان ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ أن يعتذر فور وقوع خطأ منه ‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ أن يلقي السلم أثناء سيره في الشوارع وخاصة علي التجمعات من أهل‬
‫حيه ‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ أن يبادر إلي تلبية حاجات المعوذين ويجعل لهم نصيبا في أعمال البر ‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ أن يشارك في الخدمات العامة من نظافة وتجميل لحيه السكنى ‪.‬‬
‫‪ 9‬ـ أن يشارك في أعمال جمع وتوزيع الزكاة ‪.‬‬
‫‪ 10‬ـ أن يقيم الرحلت العائلية لصلت المعارف ‪.‬‬
‫تعقد ورشة عمل تناقش فيها تلك الواجبات للوصول إلى أفضل الطرق‬
‫لتنفيذها ‪.‬‬

‫التقويم‬
‫وضح ما المقصود بـ " يألف ويؤلف " ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬

‫‪ -2‬وضح مشروعية اللفة ‪.‬‬


‫ف مألوف … " وضح أهمية تحقق ذلك ‪.‬‬ ‫‪ "-3‬المؤمن إل ُ‬
‫‪ -4‬وضح السباب التى تؤدى إلى حدوث اللفة ‪.‬‬
‫‪ -6‬اذكر نماذج عايشتها رأيت فيها التخلق بهذا الخلق " يألف ويؤلف " ‪ .‬وأثر‬
‫صاحب هذا الخلق على الناس ‪.‬‬
‫وضح مدى تحقيقك لهذا الخلق " يألف ويؤلف " ‪ .‬وهل تجد لذلك‬ ‫‪-7‬‬
‫ً‬
‫أثرا فى حياتك ؟‬

‫الهدف المرحلي الخامس ‪ :‬أن يوضح وسائل اكتساب كل خلــق ‪ ) .‬ورش‬


‫عمل (‬

‫‪204‬‬
‫الهــدف المرحلــي الســادس ‪ :‬أن يجاهــد نفســه لكتســاب حســن الخلــق ‪.‬‬
‫) ورش عمل (‬
‫الوسائل المؤدية إلى حسن الخلق ‪:‬‬ ‫‪•1‬‬
‫" زعم بعض الناس أن الخلق ل يمكن تغييرها وهذا رأى خاطئ ‪ ،‬لنه لو كانت‬
‫الخلق ل تقبل التغيير لم يكن للمواعظ والوصايا معنى ‪ ،‬وكيف ننكر تغيير الخلق‬
‫ونحن نرى الصيد الوحشى يستأنس والكلب يعلم ترك الفتراس والفرس تعلم حسن‬
‫المشى وجودة النقياد ‪ ،‬إل أن بعض الطباع سريعة القبول للصلح وبعضها مستصعب ‪،‬‬
‫وأما خيال من اعتقد أن ما فى الجبلة ل يتغير ‪ ،‬فاعلم أنه ليس المقصود قمع الصفات‬
‫بالكلية وإنما من الرياضة رد الشهوة إلى العتدال الذى هو وسط بين الفراط‬
‫‪145‬‬
‫والتفريط وأما قمعها بالكلية فل "‬
‫** تجرى ورش عمل حول كل خلق من الخلق المراد اكتسابها ) من‬
‫الخلق السابق ذكرها ( ‪:‬‬
‫وتكون الورشة حول كيف يمكن اكتساب هذا الخلق ‪ ،‬وما السباب والوسائل‬
‫الموصلة إليه ‪ ،‬وكيف يجاهد الفرد نفسه للتحقق بهذا الخلق ‪.‬‬

‫* بعض السباب الموصلة إلى حسن الخلق عامة ‪:‬‬


‫تحديد الخلق المراد التخلق به تحديدا ً دقيقا ً ‪.‬‬
‫حمل النفس على العمال الجالبة للخلق ‪.‬‬
‫تكلف الخلق فى البداية حتى يصبح سجية ‪.‬‬
‫معاقبة النفس إن جارت عن الخلق المطلوب ‪.‬‬
‫مصاحبة أهل الخير أصحاب الخلق المطلوب ‪.‬‬
‫النظر فى سير الصالحين فى كتب الخلق والرقائق ‪.‬‬
‫الدعاء والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى للتخلق بهذا الخلق ‪.‬‬
‫العلم بآثار التخلق بالخلق الحسنة فى الدنيا والخرة ‪.‬‬
‫استشعار مراقبة الله عز وجل ‪.‬‬

‫المصادر‬
‫العلمة ‪ /‬ابن قدامة‬ ‫‪ -1‬مختصر منهاج القاصدين‬
‫المقدسى‬
‫للشيخ ‪ /‬محمد الغزالى‬ ‫‪ -2‬خلق المسلم‬
‫المام ‪ /‬ابن القيم‬ ‫‪ -3‬الفوائد‬
‫للدكتور ‪ /‬يوسف القرضاوى‬ ‫‪ -4‬الحلل والحرام‬
‫للشهيد ‪ /‬سيد قطب‬ ‫‪ -5‬فى ظلل القرآن‬
‫للشيخ ‪ /‬حسن أيوب‬ ‫‪ -6‬السلوك الجتماعى فى السلم‬
‫للشيخ ‪ /‬عبد الله ناصح‬ ‫‪ -7‬تربية الولد فى السلم‬
‫علوان‬
‫للعلمة ‪ /‬بن رجب الحنبلى‬ ‫‪ -8‬جامع العلوم والحكم‬
‫العلمة ‪ /‬ابن كثــــير‬ ‫‪ -9‬تفسير القرآن العظيم‬

‫مختصر منهاج القاصدين‬ ‫‪145‬‬

‫‪205‬‬
206

You might also like