You are on page 1of 153

‫قصة أصحاب الكهف‬

‫موقع القصة ف القرآن الكري‪:‬‬

‫ورد ذكر القصة ف سورة الكهف اليات ‪.26-9‬‬

‫ت أَ ّن أَصْحَابَ اْل َكهْفِ وَال ّرقِيمِ كَانُوا ِمنْ َآيَاتِنَا َعجَبًا (‪ِ )9‬إذْ َأوَى اْلفِتَْيةُ‬
‫قال ال تعال‪ :‬أَ ْم َحسِبْ َ‬
‫ض َربْنَا عَلَى‬
‫ف َفقَالُوا َربّنَا َآتِنَا ِم ْن َلدُْنكَ َرحْ َمةً َوهَّيئْ لَنَا ِمنْ َأ ْمرِنَا َرشَدًا (‪ )10‬فَ َ‬
‫ِإلَى الْ َكهْ ِ‬
‫ح ْزبَ ْي ِن أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا َأ َمدًا (‬
‫َآذَاِن ِهمْ فِي اْل َكهْفِ سِنِيَ َع َددًا (‪ُ )11‬ثمّ َبعَثْنَا ُه ْم لَِنعْلَ َم أَيّ الْ ِ‬
‫ح ّق ِإنّ ُهمْ فِتَْيةٌ َآمَنُوا ِبرَّب ِهمْ وَ ِز ْدنَا ُهمْ ُهدًى (‪ )13‬وَ َربَطْنَا َعلَى‬
‫ك نََبأَ ُهمْ بِالْ َ‬
‫ح ُن َنقُصّ عَلَ ْي َ‬
‫‪ )12‬نَ ْ‬
‫ض َل ْن َندْ ُعوَ ِم ْن دُوِنهِ ِإَلهًا َل َقدْ قُلْنَا ِإذًا شَطَطًا‬
‫قُلُوِبهِ ْم ِإذْ قَامُوا َفقَالُوا َربّنَا َربّ السّمَاوَاتِ وَالْأَرْ ِ‬
‫خذُوا ِمنْ دُونِهِ َآِل َه ًة لَ ْولَا َي ْأتُونَ َعلَ ْي ِهمْ ِبسُلْطَا ٍن بَّينٍ فَ َم ْن أَظْ َل ُم مِ ّم ِن افَْترَى‬
‫(‪َ )14‬ه ُؤلَا ِء َق ْومُنَا اتّ َ‬
‫شرْ َلكُمْ َرّب ُكمْ‬
‫ف يَ ْن ُ‬
‫عَلَى ال ّلهِ َكذِبًا (‪ )15‬وَِإذِ اعَْت َزلْتُمُو ُه ْم وَمَا يَعُْبدُونَ إِلّا ال ّل َه َفأْوُوا ِإلَى الْ َكهْ ِ‬
‫ت َتزَاوَرُ َعنْ َك ْه ِفهِمْ‬
‫س ِإذَا طَ َلعَ ْ‬
‫ِمنْ َرحْمَِتهِ وَُيهَّيئْ َل ُكمْ ِم ْن أَ ْمرِ ُك ْم مِر َفقًا (‪َ )16‬وَترَى الشّمْ َ‬
‫ج َو ٍة مِ ْنهُ ذَِلكَ مِنْ َآيَاتِ ال ّلهِ مَ ْن َي ْهدِ‬
‫ض ُهمْ ذَاتَ الشّمَا ِل َوهُ ْم فِي فَ ْ‬
‫ذَاتَ الْيَمِيِ وَِإذَا َغ َربَتْ َت ْقرِ ُ‬
‫حسَُب ُه ْم َأيْقَاظًا وَ ُهمْ ُرقُودٌ‬
‫ج َد َلهُ َولِيّا مُ ْر ِشدًا (‪ )17‬وَتَ ْ‬
‫ال ّلهُ َف ُهوَ الْ ُمهَْت ِد َومَ ْن يُضْ ِللْ فَ َلنْ تَ ِ‬
‫ط ذِرَاعَ ْي ِه بِالْوَصِي ِد َلوِ اطّ َلعْتَ عَلَ ْي ِهمْ َل َولّيْتَ‬
‫ت الشّمَالِ وَكَلُْب ُه ْم بَاسِ ٌ‬
‫ي َوذَا َ‬
‫ت الْيَمِ ِ‬
‫َوُنقَلُّبهُ ْم ذَا َ‬
‫ك َبعَثْنَا ُهمْ لِيََتسَا َءلُوا بَيَْن ُهمْ قَالَ قَاِئلٌ مِ ْن ُهمْ َكمْ لَبِثُْتمْ‬
‫ت مِ ْنهُمْ رُعْبًا (‪ )18‬وَ َك َذلِ َ‬
‫مِ ْن ُهمْ ِفرَارًا وَلَمُلِ ْئ َ‬
‫ض َيوْمٍ قَالُوا َرّبكُ ْم أَعْ َل ُم بِمَا لَبِثُْتمْ فَاْبعَثُوا َأ َحدَ ُكمْ ِبوَ ِرقِ ُك ْم هَ ِذ ِه ِإلَى الْ َمدِيَنةِ‬
‫قَالُوا لَبِثْنَا َي ْومًا َأوْ َبعْ َ‬
‫ف وَلَا ُيشْ ِعرَ ّن بِ ُك ْم أَ َحدًا (‪ِ )19‬إّنهُ ْم إِنْ‬
‫ق مِ ْن ُه َولْيَتَلَطّ ْ‬
‫فَلْيَنْ ُظ ْر َأّيهَا أَزْكَى َطعَامًا فَلَْي ْأتِ ُكمْ ِبرِزْ ٍ‬
‫يَ ْظ َهرُوا عَلَ ْي ُك ْم َيرْجُمُو ُكمْ َأ ْو ُيعِيدُو ُكمْ فِي مِلِّتهِ ْم َولَ ْن ُتفْلِحُوا ِإذًا َأَبدًا (‪ )20‬وَ َكذَِلكَ أَعَْث ْرنَا‬
‫ب فِيهَا ِإذْ يَتَنَازَعُو َن بَيَْن ُهمْ َأ ْم َرهُ ْم َفقَالُوا ابْنُوا‬
‫عَلَ ْي ِهمْ لَِيعْلَمُوا أَ ّن وَ ْع َد ال ّلهِ َحقّ َوأَ ّن السّا َع َة لَا َريْ َ‬
‫جدًا (‪)21‬‬
‫خذَنّ عَلَ ْي ِهمْ َمسْ ِ‬
‫عَلَ ْي ِهمْ بُنْيَانًا َرّب ُهمْ أَ ْع َلمُ ِب ِهمْ قَالَ اّلذِينَ غَلَبُوا عَلَى َأمْ ِر ِهمْ لَنَتّ ِ‬
‫ب َويَقُولُو َن سَ ْبعَةٌ‬
‫سةٌ سَادِ ُس ُهمْ كَ ْلُبهُمْ َرجْمًا بِاْلغَيْ ِ‬
‫سََيقُولُونَ ثَلَاَثةٌ رَاِب ُعهُمْ كَلُْب ُه ْم َويَقُولُو َن خَ ْم َ‬
‫َوثَامُِن ُهمْ كَلُْب ُهمْ ُقلْ َربّي أَعْ َل ُم ِب ِعدِّت ِهمْ مَا يَعْلَ ُم ُه ْم ِإلّا قَلِي ٌل فَلَا تُمَا ِر فِي ِهمْ إِلّا ِمرَاءً ظَا ِهرًا َولَا‬
‫ت فِي ِهمْ مِ ْن ُهمْ َأ َحدًا (‪َ )22‬ولَا َتقُوَل ّن ِلشَيْ ٍء ِإنّي فَا ِع ٌل َذلِكَ َغدًا (‪ِ )23‬إلّا أَ ْن َيشَا َء اللّهُ‬
‫َتسَْتفْ ِ‬
‫ب ِمنْ َهذَا َرشَدًا (‪َ )24‬ولَبِثُوا فِي‬
‫ت َوقُلْ َعسَى أَنْ يَ ْه ِدَينِ َربّي لَِأ ْقرَ َ‬
‫ك ِإذَا َنسِي َ‬
‫وَاذْ ُكرْ َرّب َ‬
‫ب السّمَاوَاتِ‬
‫سعًا (‪ُ )25‬قلِ ال ّلهُ أَ ْع َلمُ بِمَا لَبِثُوا َلهُ غَيْ ُ‬
‫ي وَا ْزدَادُوا ِت ْ‬
‫َك ْه ِف ِهمْ ثَلَاثَ مَِئ ٍة سِنِ َ‬
‫صرْ بِ ِه َوأَسْمِعْ ما َل ُهمْ ِم ْن دُوِنهِ ِم ْن َولِ ّي وَلَا ُيشْرِ ُك فِي حُكْ ِم ِه أَ َحدًا (‪)26‬‬
‫ض َأبْ ِ‬
‫وَالْأَرْ ِ‬

‫سبب نزول قصة أصحاب الكهف‪:‬‬

‫ان سبب نزول قصة أصحاب الكهف‪ ،‬وخب ذي القرني ما ذكره ممد بن إسحاق و غيه ف‬
‫السية أن قريشا بعثوا إل اليهود يسألونم عن أشياء يتحنون با رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ويسألونه عنها؛ ليختبوا ما ييب به فيها فقالوا‪:‬سلوه عن أقوام ذهبوا ف الدهر فل‬
‫يدري ما صنعوا‪ ،‬وعن رجل طواف ف الرض وعن الروح‪ .‬فأنزل ال تعال(( َوَيسَْألُوَنكَ َعنِ‬
‫ت أَ ّن أَصْحَابَ اْل َكهْفِ وَال ّرقِيمِ‬
‫ح َوَيسَْألُوَنكَ َعنْ ذِي اْل َقرْنَ ْينِ)) وقال ههنا‪ ((:‬أَ ْم َحسِبْ َ‬
‫الرّو ِ‬
‫كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ))أي؛ ليسوا بعجب عظيم بالنسبة إل ما أطلعناك عليه من الخبار‬
‫‪.‬العظيمة‪ ،‬واليات الباهرة والعجائب الغريبة‪ .‬والكهف هو الغار ف البل‬

‫القصة‪:‬‬

‫ف زمان ومكان غي معروفي لنا الن‪ ،‬كانت توجد قرية مشركة‪ .‬ضل ملكها وأهلها عن‬
‫الطريق الستقيم‪ ،‬وعبدوا مع ال مال يضرهم ول ينفعهم‪ .‬عبدوهم من غي أي دليل على‬
‫ألوهيتهم‪ .‬ومع ذلك كانوا يدافعون عن هذه اللة الزعومة‪ ،‬ول يرضون أن يسها أحد بسوء‪.‬‬
‫ويؤذون كل من يكفر با‪ ،‬ول يعبدها‪.‬‬

‫ف هذه الجتمع الفاسد‪ ،‬ظهرت مموعة من الشباب العقلء‪ .‬ثلة قليلة حكّمت عقلها‪،‬‬
‫ورفضت السجود لغي خالقها‪ ،‬ال الذي بيده كل شيء‪ .‬فتية‪ ،‬آمنوا بال‪ ،‬فثبتهم وزاد ف‬
‫هداهم‪ .‬وألمهم طريق الرشاد‪.‬‬
‫ل يكن هؤلء الفتية أنبياء ول رسل‪ ،‬ول يتوجب عليهم تمل ما يتحمله الرسل ف دعوة‬
‫أقواهم‪ .‬إنا كانوا أصحاب إيان راسخ‪ ،‬فأنكروا على قومهم شركهم بال‪ ،‬وطلبوا منهم إقامة‬
‫الجة على وجود آلة غي ال‪ .‬ث قرروا النجاة بدينهم وبأنفسهم بالجرة من القرية لكان آمن‬
‫يعبدون ال فيه‪ .‬فالقرية فاسدة‪ ،‬وأهلها ضالون‪.‬‬

‫عزم الفتية على الروج من القرية‪ ،‬والتوجه لكهف مهجور ليكون ملذا لم‪ .‬خرجوا ومعهم‬
‫كلبهم من الدينة الواسة‪ ،‬للكهف الضيق‪ .‬تركوا وراءهم منازلم الرية‪ ،‬ليسكنوا كهفا‬
‫موحشا‪ .‬زهدوا ف السرّية الوثية‪ ،‬والجر الفسيحة‪ ،‬واختاروا كهفا ضيقا مظلما‪.‬‬

‫إن هذا ليس بغريب على من مل اليان قلبه‪ .‬فالؤمن يرى الصحراء روضة إن أحس أن ال‬
‫معه‪ .‬ويرى الكهف قصرا‪ ،‬إن اختار ال له الكهف‪ .‬وهؤلء ما خرجوا من قريتهم لطلب دنيا‬
‫أو مال‪ ،‬وإنا خرجوا طمعا ف رضى ال‪ .‬وأي مكان يكنهم فيه عبادة ال ونيل رضاه سيكون‬
‫خيا من قريتهم الت خرجوا منها‪.‬‬

‫استلقى الفتية ف الكهف‪ ،‬وجلس كلبهم على باب الكهف يرسه‪ .‬وهنا حدثت معجزة‬
‫إلهية‪ .‬لقد نام الفتية ثلثئة وتسع سنوات‪ .‬وخلل هذه الدة‪ ،‬كانت الشمس تشرق عن يي‬
‫كهفهم وتغرب عن شاله‪ ،‬فل تصيبهم أشعتها ف أول ول آخر النهار‪ .‬وكانوا يتقلبون أثناء‬
‫نومهم‪ ،‬حت ل تترئ أجاسدهم‪ .‬فكان الناظر إليهم يس بالرعب‪ .‬يس بالرعب لنم نائمون‬
‫ولكنهم كالستيقظي من كثرة تقلّبهم‪.‬‬

‫بعد هذه الئي الثلث‪ ،‬بعثهم ال مرة أخرى‪ .‬استيقضوا من سباتم الطويل‪ ،‬لكنهم ل يدركوا‬
‫كم مضى عليهم من الوقت ف نومهم‪ .‬وكانت آثار النوم الطويل بادية عليهم‪ .‬فتساءلوا‪ :‬كم‬
‫لبثنا؟! فأجاب بعضهم‪ :‬لبثنا يوما أو بعض يوم‪ .‬لكنهم تاوزوا بسرعة مرحلة الدهشة‪ ،‬فمدة‬
‫النوم غي مهمة‪ .‬الهم أنم استيقظوا وعليهم أن يتدبروا أمورهم‪.‬‬

‫فأخرجوا النقود الت كانت معهم‪ ،‬ث طلبوا من أحدهم أن يذهب خلسة للمدينة‪ ،‬وأن يشتري‬
‫طعاما طيبا بذه النقود‪ ،‬ث يعود إليهم برفق حت ل يشعر به أحد‪ .‬فربا يعاقبهم جنود اللك أو‬
‫الظلمة من أهل القرية إن علموا بأمرهم‪ .‬قد ييونم بي العودة للشرك‪ ،‬أو الرجم حت‬
‫الوت‪.‬‬

‫خرج الرجل الؤمن متوجها للقرية‪ ،‬إل أنا ل تكن كعهده با‪ .‬لقد تغيت الماكن والوجوه‪.‬‬
‫تغيّرت البضائع والنقود‪ .‬استغرب كيف يدث كل هذا ف يوم وليلة‪ .‬وبالطبع‪ ،‬ل يكن عسيا‬
‫على أهل القرية أن ييزوا دهشة هذا الرجل‪ .‬ول يكن صبعا عليهم معرفة أنه غريب‪ ،‬من ثيابه‬
‫الت يلبسها ونقوده الت يملها‪.‬‬

‫لقد آمن الدينة الت خرج منها الفتية‪ ،‬وهلك اللك الظال‪ ،‬وجاء مكانه رجل صال‪ .‬لقد فرح‬
‫الناس بؤلء الفتية الؤمني‪ .‬لقد كانوا أول من يؤمن من هذه القرية‪ .‬لقد هاجروا من قريتهم‬
‫لكيل يفتنوا ف دينهم‪ .‬وها هم قد عادوا‪ .‬فمن حق أهل القرية الفرح‪ .‬وذهبوا لرؤيتهم‪.‬‬

‫وبعد أن ثبتت العجزة‪ ،‬معجزة إحياء الموات‪ .‬وبعدما استيقنت قلوب أهل القرية قدرة ال‬
‫سبحانه وتعال على بعث من يوت‪ ،‬برؤية مثال واقي ملموس أمامهم‪ .‬أخذ ال أرواح الفتية‪.‬‬
‫فلكل نفس أجل‪ ،‬ول بد لا أن توت‪ .‬فاختلف أهل القرية‪ .‬فمن من دعى لقامة بنيان على‬
‫كهفهم‪ ،‬ومنهم من طالب ببناء مسجد‪ ،‬وغلبت الفئة الثانية‪.‬‬

‫ل نزال نهل كثيا من المور التعلقة بم‪ .‬فهل كانوا قبل زمن عيسى عليه السلم‪ ،‬أم كانوا‬
‫بعده‪ .‬هل آمنوا بربم من تلقاء نفسهم‪ ،‬أم أن أحد الواريي دعاهم لليان‪ .‬هل كانوا ف بلدة‬
‫من بلد الروم‪ ،‬أم ف فلسطي‪ .‬هل كانوا ثلثة رابعهم كلبهم‪ ،‬أم خسة سادسهم كلبهم‪ ،‬أم‬
‫سبعة وثامنهم كلبهم‪ .‬كل هذه أمور مهولة‪ .‬إل أن ال عز وجل ينهانا عن الدال ف هذه‬
‫المور‪ ،‬ويأمرنا بإرجاع علمهم إل ال‪ .‬فالعبة ليست ف العدد‪ ،‬وإنا فيما آل إليه المر‪ .‬فل‬
‫يهم إن كانوا أربعة أو ثانية‪ ،‬إنا الهم أن ال أقامهم بعد أكثر من ثلثائة سنة ليى من‬
‫عاصرهم قدرة على بعث من ف القبور‪ ،‬ولتتناقل الجيال خب هذه العجزة جيل بعد جيل‪.‬‬
‫قصة بقرة بن لسرائي‬

‫موقع القصة ف القرآن الكري‪:‬‬

‫ورد ذكر القصة ف سورة البقرة اليات ‪.73-67‬‬

‫خ ُذنَا ُه ُزوًا قَالَ‬


‫قال ال تعال‪َ ((:‬وإِ ْذ قَا َل مُوسَى ِل َقوْ ِم ِه إِنّ ال ّل َه َيأْ ُمرُ ُكمْ أَ ْن َت ْذبَحُوا َب َق َرةً قَالُوا أَتَتّ ِ‬
‫ي قَالُوا ادْعُ لَنَا َرّبكَ يُبَّي ْن لَنَا مَا ِهيَ قَالَ ِإّنهُ َيقُو ُل ِإنّهَا بَ َق َر ٌة لَا‬
‫أَعُو ُذ بِال ّلهِ أَ ْن أَكُو َن ِمنَ الْجَاهِلِ َ‬
‫ك يُبَّي ْن لَنَا مَا لَ ْوُنهَا قَا َل ِإنّهُ‬
‫ع لَنَا َربّ َ‬
‫ض َولَا ِب ْكرٌ َعوَا ٌن بَ ْينَ ذَِلكَ فَا ْفعَلُوا مَا ُت ْؤمَرُو َن قَالُوا ادْ ُ‬
‫فَارِ ٌ‬
‫ك يُبَّي ْن لَنَا مَا هِ َي إِنّ الَْب َقرَ‬
‫ع لَنَا َربّ َ‬
‫ص ْفرَاءُ فَاقِ ٌع َل ْونُهَا َتسُ ّر النّا ِظرِي َن قَالُوا ادْ ُ‬
‫َيقُو ُل ِإنّهَا بَ َق َرةٌ َ‬
‫سقِي‬
‫ض َولَا َت ْ‬
‫ي اْلأَرْ َ‬
‫َتشَابَهَ عَلَيْنَا َوِإنّا إِ ْن شَا َء ال ّلهُ لَ ُمهَْتدُو َن قَا َل ِإنّ ُه َيقُولُ ِإّنهَا َب َق َرةٌ لَا َذلُولٌ تُثِ ُ‬
‫ح ّق َفذَبَحُوهَا َومَا كَادُوا َي ْفعَلُو َن َوِإذْ قَتَلُْت ْم َن ْفسًا‬
‫ت بِالْ َ‬
‫ح ْرثَ ُمسَلّ َم ٌة لَا شَِي َة فِيهَا قَالُوا الْآ َن جِئْ َ‬
‫الْ َ‬
‫ك يُحْيِي ال ّل ُه الْمَ ْوتَى‬
‫ض ِربُو ُه بَِبعْضِهَا َك َذلِ َ‬
‫ج مَا كُنُْت ْم َتكْتُمُونَ َفقُلْنَا ا ْ‬
‫خرِ ٌ‬
‫فَادّارَْأُتمْ فِيهَا وَال ّلهُ مُ ْ‬
‫َوُيرِي ُكمْ آيَاِتهِ َلعَ ّلكُ ْم َتعْقِلُو َن ))‬

‫القصة‪:‬‬

‫مكث موسى ف قومه يدعوهم إل ال‪ .‬ويبدو أن نفوسهم كانت ملتوية بشكل ل تطئه عي‬
‫اللحظة‪ ،‬وتبدو لاجتهم وعنادهم فيما يعرف بقصة البقرة‪ .‬فإن الوضوع ل يكن يقتضي كل‬
‫هذه الفاوضات بينهم وبي موسى‪ ،‬كما أنه ل يكن يستوجب كل هذا التعنت‪ .‬وأصل قصة‬
‫البقرة أن قتيل ثريا وجد يوما ف بن إسرائيل‪ ،‬واختصم أهله ول يعرفوا قاتله‪ ،‬وحي أعياهم‬
‫المر لئوا لوسى ليلجأ لربه‪ .‬ولأ موسى لربه فأمره أن يأمر قومه أن يذبوا بقرة‪ .‬وكان‬
‫الفروض هنا أن يذبح القوم أول بقرة تصادفهم‪ .‬غي أنم بدءوا مفاوضتهم باللجاجة‪ .‬اتموا‬
‫موسى بأنه يسخر منهم ويتخذهم هزوا‪ ،‬واستعاذ موسى بال أن يكون من الاهلي ويسخر‬
‫منهم‪ .‬أفهمهم أن حل القضية يكمن ف ذبح بقرة‪.‬‬
‫إن المر هنا أمر معجزة‪ ،‬ل علقة لا بالألوف ف الياة‪ ،‬أو العتاد بي الناس‪ .‬ليست هناك‬
‫علقة بي ذبح البقرة ومعرفة القاتل ف الرية الغامضة الت وقعت‪ ،‬لكن مت كانت السباب‬
‫النطقية هي الت تكم حياة بن إسرائيل؟ إن العجزات الارقة هي القانون السائد ف حياتم‪،‬‬
‫وليس استمرارها ف حادث البقرة أمرا يوحي بالعجب أو يثي الدهشة‪.‬‬

‫لكن بن إسرائيل هم بنو إسرائيل‪ .‬مرد التعامل معهم عنت‪ .‬تستوي ف ذلك المور الدنيوية‬
‫العتادة‪ ،‬وشؤون العقيدة الهمة‪ .‬ل بد أن يعان من يتصدى لمر من أمور بن إسرائيل‪ .‬وهكذا‬
‫يعان موسى من إيذائهم له واتامه بالسخرية منهم‪ ،‬ث ينبئهم أنه جاد فيما يدثهم به‪ ،‬ويعاود‬
‫أمره أن يذبوا بقرة‪ ،‬وتعود الطبيعة الراوغة لبن إسرائيل إل الظهور‪ ،‬تعود اللجاجة واللتواء‪،‬‬
‫فيتساءلون‪ :‬أهي بقرة عادية كما عهدنا من هذا النس من اليوان؟ أم أنا خلق تفرد بزية‪،‬‬
‫فليدع موسى ربه ليبي ما هي‪ .‬ويدعو موسى ربه فيزداد التشديد عليهم‪ ،‬وتدد البقرة أكثر‬
‫من ذي قبل‪ ،‬بأنا بقرة وسط‪ .‬ليست بقرة مسنة‪ ،‬وليست بقرة فتية‪ .‬بقرة متوسطة‪.‬‬

‫إل هنا كان ينبغي أن ينتهي المر‪ ،‬غي أن الفاوضات ل تزل مستمرة‪ ،‬ومراوغة بن إسرائيل ل‬
‫تزل هي الت تكم مائدة الفاوضات‪ .‬ما هو لون البقرة؟ لاذا يدعو موسى ربه ليسأله عن لون‬
‫هذا البقرة؟ ل يراعون مقتضيات الدب والوقار اللزمي ف حق ال تعال وحق نبيه الكري‪،‬‬
‫وكيف أنم ينبغي أن يجلوا من تكليف موسى بذا التصال التكرر حول موضوع بسيط ل‬
‫يستحق كل هذه اللجاجة والراوغة‪ .‬ويسأل موسى ربه ث يدثهم عن لون البقرة الطلوبة‪.‬‬
‫فيقول أنا بقرة صفراء‪ ،‬فاقع لونا تسر الناظرين‪.‬‬

‫وهكذا حددت البقرة بأنا صفراء‪ ،‬ورغم وضوح المر‪ ،‬فقد عادوا إل اللجاجة والراوغة‪.‬‬
‫فشدد ال عليهم كما شددوا على نبيه وآذوه‪ .‬عادوا يسألون موسى أن يدعو ال ليبي ما هي‪،‬‬
‫فإن البقر تشابه عليهم‪ ،‬وحدثهم موسى عن بقرة ليست معدة لرث ول لسقي‪ ،‬سلمت من‬
‫العيوب‪ ،‬صفراء ل شية فيها‪ ،‬بعن خالصة الصفرة‪ .‬انتهت بم اللجاجة إل التشديد‪ .‬وبدءوا‬
‫بثهم عن بقرة بذه الصفات الاصة‪ .‬أخيا وجدوها عند يتيم فاشتروها وذبوها‪.‬‬
‫وأمسك موسى جزء من البقرة (وقيل لسانا) وضرب به القتيل فنهض من موته‪ .‬سأله موسى‬
‫عن قاتله فحدثهم عنه (وقيل أشار إل القاتل فقط من غي أن يتحدث) ث عاد إل الوت‪.‬‬
‫وشاهد بنو إسرائيل معجزة إحياء الوتى أمام أعينهم‪ ،‬استمعوا بآذانم إل اسم القاتل‪ .‬انكشف‬
‫غموض القضية الت حيتم زمنا طال بسبب لاجتهم وتعنتهم‪.‬‬

‫نود أن نستلفت انتباه القارئ إل سوء أدب القوم مع نبيهم وربم‪ ،‬ولعل السياق القرآن يورد‬
‫ذلك عن طريق تكرارهم لكلمة "ربك" الت ياطبون با موسى‪ .‬وكان الول بم أن يقولوا‬
‫ع لَنَا َربّكَ) ادع لنا ربنا‪ .‬أما أن يقولوا له‪ :‬فكأنم‬
‫لوسى‪ ،‬تأدبا‪ ،‬لو كان ل بد أن يقولوا‪( :‬ادْ ُ‬
‫يقصرون ربوبية ال تعال على موسى‪ .‬ويرجون أنفسهم من شرف العبودية ل‪ .‬انظر إل‬
‫اليات كيف توحي بذا كله‪ .‬ث تأمل سخرية السياق منهم لجرد إيراده لقولم‪( :‬ال َن جِئْتَ‬
‫حقّ) بعد أن أرهقوا نبيهم ذهابا وجيئة بينهم وبي ال عز وجل‪ ،‬بعد أن أرهقوا نبيهم‬
‫بِالْ َ‬
‫بسؤاله عن صفة البقرة ولونا وسنها وعلماتا الميزة‪ ،‬بعد تعنتهم وتشديد ال عليهم‪ ،‬يقولون‬
‫لنبيهم حي جاءهم با يندر وجوده ويندر العثور عليه ف البقر عادة‪.‬‬

‫حقّ"‪ .‬كأنه كان يلعب قبلها معهم‪ ،‬ول يكن ما جاء هو الق‬
‫ت بِالْ َ‬
‫ساعتها قالوا له‪" :‬ال َن جِئْ َ‬
‫من أول كلمة لخر كلمة‪ .‬ث انظر إل ظلل السياق وما تشي به من ظلمهم‪َ ( :‬فذَبَحُوهَا َومَا‬
‫كَادُواْ َي ْفعَلُونَ) أل توحي لك ظلل اليات بتعنتهم وتسويفهم وماراتم ولاجتهم ف الق؟‬
‫هذه اللوحة الرائعة تشي بوقف بن إسرائيل على موائد الفاوضات‪ .‬هي صورتم على مائدة‬
‫الفاوضات مع نبيهم الكري موسى‪.‬‬
‫قصة أصحاب السبت‬

‫موقع القصة ف القرآن الكري‪:‬‬

‫ورد ذكر القصة ف سورة البقرة‪ .‬كما ورد ذكرها بتفصيل أكثر ف سورة العرف اليات‬
‫‪.166-163‬‬

‫قال ال تعال‪ ،‬ف سورة "العراف"‪:‬‬

‫ت ِإذْ تَ ْأتِي ِهمْ حِيتَانُ ُه ْم يَوْمَ‬


‫ح ِر ِإذْ َي ْعدُو َن فِي السّبْ ِ‬
‫ض َرةَ الْبَ ْ‬
‫ت حَا ِ‬
‫"وَا ْسَألْ ُهمْ َع ِن الْ َق ْريَ ِة الّتِي كَانَ ْ‬
‫سقُو َن َوِإذْ قَالَتْ أُ ّم ٌة مِ ْنهُمْ‬
‫ك نَبْلُوهُ ْم بِمَا كَانُوا َي ْف ُ‬
‫سَبِْت ِهمْ ُشرّعًا وََيوْ َم لَا َيسْبِتُو َن لَا َت ْأتِيهِمْ َك َذلِ َ‬
‫ِل َم تَعِظُو َن َقوْمًا اللّ ُه ُمهْلِ ُك ُهمْ َأ ْو ُمعَ ّذُبهُمْ َعذَابًا َشدِيدًا قَالُوا مَ ْعذِ َر ًة ِإلَى َرّبكُ ْم َولَعَ ّل ُهمْ يَّتقُونَ فَلَمّا‬
‫س بِمَا كَانُوا‬
‫َنسُوا مَا ذُ ّكرُوا ِب ِه َأنْجَيْنَا اّلذِي َن يَ ْن َهوْنَ َعنِ السّو ِء َوأَ َخذْنَا اّلذِينَ ظَلَمُوا ِب َعذَابٍ بَئِي ٍ‬
‫سقُو َن فَلَمّا عََتوْا َع ْن مَا ُنهُوا عَ ْن ُه قُلْنَا َلهُمْ كُونُوا ِقرَ َد ًة خَاسِئِيَ ‪.‬‬
‫َي ْف ُ‬
‫ت َفقُلْنَا َل ُهمْ كُونُوا‬
‫وقال تعال ف سورة "البقرة"‪َ :‬ولَ َقدْ عَلِمُْت ُم اّلذِينَ اعَْتدَوْا مِنْ ُك ْم فِي السّبْ ِ‬
‫جعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَ ْينَ َي َدْيهَا َومَا خَ ْلفَهَا وَ َموْعِ َظ ًة لِلْمُّتقِيَ" ‪.‬‬
‫ي فَ َ‬
‫ِق َر َدةً خَاسِئِ َ‬

‫وقال تعال ف سورة "النساء"‪:‬‬

‫ت وَكَا َن َأمْ ُر ال ّلهِ َم ْفعُولًا"‬


‫" َأوْ نَلْعََن ُهمْ كَمَا َلعَنّا أَصْحَابَ السّبْ ِ‬

‫القصة‪:‬‬

‫أبطال هذه الاد ثة‪ ،‬جا عة من اليهود‪ ،‬كانوا ي سكنون ف قر ية ساحلية‪ .‬اختلف الف سّرون ف‬
‫اسها‪ ،‬ودار حولا جدل كثي‪ .‬أما القرآن الكري‪ ،‬فل يذكر السم ويكتفي بعرض القصة لخذ‬
‫العبة منها‪.‬‬
‫وكان اليهود ل يعملون يوم ال سبت‪ ،‬وإن ا يتفرغون ف يه لعبادة ال‪ .‬ف قد فرض ال علي هم عدم‬
‫النشغال بأمور الدنيحا يوم السحبت بعحد أن طلبوا منحه سحبحانه أن يصحص لمح يومحا للراححة‬
‫والعبادة‪ ،‬ل عمل فيه سوى التقرب ل بأنواع العبادة الختلفة‪.‬‬

‫وجرت سنّة ال ف خلقه‪ .‬وحان موعد الختبار والبتلء‪ .‬اختبار لدى صبهم واتباعهم لشرع‬
‫ال‪ .‬وابتلء يرجون بعده أقوى عزمحا‪ ،‬وأشحد إرادة‪ .‬تتربح نفوسحهم فيحه على ترك الشحع‬
‫والطمع‪ ،‬والصمود أمام الغريات‪.‬‬

‫لقد ابتلهم ال عز وجل‪ ،‬بأن جعل اليتان تأت يوم السبت للساحل‪ ،‬وتتراءى لهل القرية‪،‬‬
‫ب يث ي سهل صيدها‪ .‬ث تبت عد بق ية أيام ال سبوع‪ .‬فانارت عزائم فر قة من القوم‪ ،‬واحتالوا‬
‫اليحل –على شيمحة اليهود‪ -‬وبدوا بالصحيد يوم السحبت‪ .‬ل يصحطادوا السحمك مباشرة‪ ،‬وإناح‬
‫أقاموا الوا جز وال فر‪ ،‬فإذا قد مت اليتان حاوطو ها يوم ال سبت‪ ،‬ث ا صطادوها يوم ال حد‪.‬‬
‫كان هذا الحتيال بثابة صيد‪ ،‬وهو مرّم عليهم‪.‬‬

‫فانق سم أ هل القر ية لثلث فرق‪ .‬فر قة عا صية‪ ،‬ت صطاد باليلة‪ .‬وفر قة ل تع صي ال‪ ،‬وت قف‬
‫موقفا إيابيا ما يدث‪ ،‬فتأمر بالعروف وتنهى عن الكر‪ ،‬وتذّر الخالفي من غضب ال‪ .‬وفرقة‬
‫ثالثة‪ ،‬سلبية‪ ،‬ل تعصي ال لكنها ل تنهى عن الكر‪.‬‬

‫وكانت الفرقة الثالثة‪ ،‬تتجادل مع الفرقة الناهية عن النكر وتقول لم‪ :‬ما فائدة نصحكم لؤلء‬
‫العصاة؟ إنم لن يتوفقوا عن احتيالم‪ ،‬وسيصبهم من ال عذاب أليم بسبب أفعالم‪ .‬فل جدة‬
‫من تذيرهم بعدما كتب ال عليهم اللك لنتهاكهم حرماته‪.‬‬

‫وبصرامة الؤمن الذي يعرف واجباته‪ ،‬كان الناهون عن الكر ييبون‪ :‬إننا نقوم بواجبنا ف المر‬
‫بالعروف وإنكار النكر‪ ،‬لنرضي ال سبحانه‪ ،‬ول تكون علينا حجة يوم القيامة‪ .‬وربا تفيد هذه‬
‫الكلمات‪ ،‬فيعودون إل رشدهم‪ ،‬ويتركون عصيانم‪.‬‬

‫بعدما استكب العصاة الحتالوا‪ ،‬ول تد كلمات الؤمني نفعا معهم‪ ،‬جاء أمر ال‪ ،‬وحل بالعصاة‬
‫العذاب‪ .‬لقد عذّب ال العصاة وأنى المرين بالعروف والناهي عن النكر‪ .‬أما الفرقة الثالثة‪،‬‬
‫الت ل تعص ال لكنها ل تنه عن الكر‪ ،‬فقد سكت الن صّ القرآن عنها‪ .‬يقول سيّد قطب رحه‬
‫ال‪" :‬رب ا توي نا لشأن ا ‪-‬وإن كا نت ل تؤ خذ بالعذاب‪ -‬إذ أن ا قعدت عن النكار اليا ب‪,‬‬
‫ووقفحت عنحد حدود النكار السحلب‪ .‬فاسحتحقت الهال وإن ل تسحتحق العذاب" (فح ظلل‬
‫القرآن)‪.‬‬

‫لقد كان العذاب شديدا‪ .‬لقد مسخهم ال‪ ،‬وحوّلم لقردة عقابا لم لمعانم ف العصية‪.‬‬

‫وتكي بعض الروايات أن الناهون أصبحوا ذات يوم ف مالسهم ول يرج من العتدين أحد‪.‬‬
‫فتعجبوا وذهبوا لينظرون ما المر‪ .‬فوجودا العتدين وقد أصبحوا قردة‪ .‬فعرفت القردة أنسابا‬
‫من النس‪ ,‬ول تعرف النس أنسابم من القردة; فجعلت القردة تأت نسيبها من النس فتشم‬
‫ثيابه وتبكي; فيقول‪ :‬أل ننهكم! فتقول برأسها نعم‪.‬‬

‫الروايات ف هذا الشأن كثية‪ ،‬ول ت صح الكث ي من الحاد يث عن ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫و سلم ف شأن ا‪ .‬لذا نتو قف ه نا دون الوض ف م صي القردة‪ ،‬وك يف عاشوا حيات م ب عد‬
‫خسفهم‬

‫قصة طالوت و جالوت‬

‫موقع القصة ف القرآن الكري‪:‬‬

‫ورد ذكر القصة ف سورة البقرة اليات ‪.251-246‬‬

‫قال تعال ‪:‬‬

‫ث لَنَا مَ ِلكًا ُنقَاتِ ْل فِي‬


‫(( َأَلمْ َت َر ِإلَى الْمَ َلِإ ِم ْن بَنِي ِإسْرَائِيلَ ِم ْن بَ ْع ِد مُوسَى ِإذْ قَالُوا لِنَِبيّ َل ُهمُ اْبعَ ْ‬
‫سَبِي ِل اللّ ِه قَا َل َهلْ َعسَيُْتمْ إِنْ ُكتِبَ عَلَ ْي ُكمُ اْلقِتَا ُل َألّا ُتقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا َألّا ُنقَاِت َل فِي سَبِيلِ‬
‫ال ّلهِ َو َقدْ ُأ ْخرِجْنَا ِمنْ ِديَا ِرنَا َوأَبْنَائِنَا فَلَمّا كُتِبَ عَلَ ْي ِهمُ اْلقِتَا ُل َتوَّلوْا ِإلّا قَلِيلًا مِ ْن ُهمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ‬
‫بِالظّالِ ِميَ (‪َ )246‬وقَا َل َلهُ ْم نَبِّي ُهمْ إِ ّن ال ّلهَ َق ْد َبعَثَ لَ ُكمْ طَالُوتَ مَ ِلكًا قَالُوا َأنّى يَكُو ُن َلهُ‬
‫ت سَ َع ًة ِمنَ الْمَا ِل قَا َل إِ ّن ال ّلهَ اصْ َطفَاهُ عَلَ ْي ُكمْ‬
‫حنُ َأ َحقّ بِالْمُ ْلكِ مِ ْن ُه َولَ ْم ُيؤْ َ‬
‫الْمُ ْلكُ عَلَيْنَا َونَ ْ‬
‫س ِم وَال ّل ُه يُ ْؤتِي مُ ْل َكهُ َم ْن َيشَا ُء وَاللّ ُه وَاسِعٌ عَلِيمٌ (‪َ )247‬وقَا َل َلهُمْ‬
‫جْ‬‫وَزَا َدهُ َبسْ َط ًة فِي اْلعِلْ ِم وَالْ ِ‬
‫نَبِّي ُهمْ إِنّ َآَيةَ مُ ْل ِكهِ أَ ْن َي ْأتِيَ ُكمُ التّابُوتُ فِي ِه َسكِينَ ٌة ِمنْ َربّ ُكمْ وََبقِّيةٌ مِمّا َترَكَ َآ ُل مُوسَى وَ َآلُ‬
‫صلَ طَالُوتُ‬
‫هَارُونَ َتحْمِ ُل ُه الْمَلَاِئكَ ُة إِ ّن فِي َذِلكَ َل َآيَ ًة َلكُ ْم إِنْ كُنُْت ْم ُمؤْمِنِيَ (‪ )248‬فَلَمّا فَ َ‬
‫س مِنّي وَ َم ْن لَ ْم يَ ْطعَ ْم ُه َفإِّنهُ مِنّي ِإلّا َمنِ‬
‫بِالْجُنُودِ قَالَ إِ ّن ال ّلهَ مُبْتَلِي ُكمْ بَِن َه ٍر فَ َم ْن شَ ِربَ مِنْ ُه فَلَيْ َ‬
‫ش ِربُوا مِ ْنهُ ِإلّا قَلِيلًا مِ ْن ُهمْ فَلَمّا جَاوَ َز ُه ُهوَ وَالّذِينَ َآمَنُوا َمعَ ُه قَالُوا لَا طَا َقةَ لَنَا‬
‫اغَْترَفَ ُغ ْرفَ ًة بَِي ِدهِ َف َ‬
‫يةً‬
‫ت فَِئةً كَِث َ‬
‫الَْيوْ َم بِجَالُوتَ َوجُنُو ِد ِه قَا َل الّذِينَ يَظُنّو َن َأّنهُ ْم مُلَاقُو اللّهِ َك ْم ِمنْ فَِئ ٍة قَلِي َلةٍ غَلَبَ ْ‬
‫ت َوجُنُو ِدهِ قَالُوا َربّنَا َأفْرِغْ عَلَيْنَا صَ ْبرًا‬
‫ِبِإذْنِ ال ّل ِه وَال ّلهُ َمعَ الصّاِبرِينَ (‪َ )249‬ولَمّا بَرَزُوا ِلجَالُو َ‬
‫ت َأقْدَامَنَا وَانْصُ ْرنَا عَلَى اْلقَوْ ِم اْلكَا ِفرِينَ (‪َ )250‬فهَ َزمُو ُهمْ بِِإذْ ِن اللّ ِه َوقََتلَ دَاوُو ُد جَالُوتَ‬
‫َوثَبّ ْ‬
‫سدَتِ‬
‫ضهُ ْم بَِبعْضٍ َل َف َ‬
‫س َبعْ َ‬
‫حكْ َم َة وَعَلّ َم ُه مِمّا َيشَا ُء َوَلوْلَا َدفْ ُع اللّ ِه النّا َ‬
‫ك وَالْ ِ‬
‫وَ َآتَاهُ ال ّل ُه الْمُلْ َ‬
‫ضلٍ عَلَى اْلعَالَ ِميَ (‪)) )251‬‬
‫ض وََل ِكنّ ال ّلهَ ذُو فَ ْ‬
‫اْلأَرْ ُ‬

‫القصة‪:‬‬

‫ذهب بنو إسرائيل لنبيهم يوما‪ ..‬سألوه‪ :‬ألسنا مظلومي؟‬


‫قال‪ :‬بلى‪..‬‬
‫قالوا‪ :‬ألسنا مشردين؟‬
‫قال‪ :‬بلى‪..‬‬
‫قالوا‪ :‬ابعث لنا ملكا يمعنا تت رايته كي نقاتل ف سبيل ال ونستعيد أرضنا ومدنا‪.‬‬
‫قال نبيهم وكان أعلم بم‪ :‬هل أنتم واثقون من القتال لو كتب عليكم القتال؟‬
‫قالوا‪ :‬ولاذا ل نقاتل ف سبيل ال‪ ،‬وقد طردنا من ديارنا‪ ،‬وتشرد أبناؤنا‪ ،‬وساء حالنا؟‬
‫قال نبيهم‪ :‬إن ال اختار لكم طالوت ملكا عليكم‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬كيف يكون ملكا علينا وهو ليس من أبناء السرة الت يرج منها اللوك ‪-‬أبناء يهوذا‪-‬‬
‫كما أنه ليس غنيا وفينا من هو أغن منه؟‬
‫قال نبيهم‪ :‬إن ال اختاره‪ ،‬وفضله عليكم بعلمه وقوة جسمه‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ما هي آية ملكه؟‬
‫قال لم نبيهم‪ :‬يسرجع لكم التابوت تمله اللئكة‪.‬‬

‫ووقعت هذه العجزة‪ ..‬وعادت إليهم التوراة يوما‪ ..‬ث تهز جيش طالوت‪ ،‬وسار اليش طويل‬
‫حت أحس النود بالعطش‪ ..‬قال اللك طالوت لنوده‪ :‬سنصادف نرا ف الطريق‪ ،‬فمن شرب‬
‫منه فليخرج من اليش‪ ،‬ومن ل يذقه وإنا بل ريقه فقط فليبق معي ف اليش‪..‬‬

‫وجاء النهر فشرب معظم النود‪ ،‬وخرجوا من اليش‪ ،‬وكان طالوت قد أعد هذا المتحان‬
‫ليعرف من يطيعه من النود ومن يعصاه‪ ،‬وليعرف أيهم قوي الرادة ويتحمل العطش‪ ،‬وأيهم‬
‫ضعيف الرادة ويستسلم بسرعة‪ .‬ل يبق إل ثلثئة وثلثة عشر رجل‪ ،‬لكن جيعهم من‬
‫الشجعان‪.‬‬

‫كان عدد أفراد جيش طالوت قليل‪ ،‬وكان جيش العدو كبيا وقويا‪ ..‬فشعر بعض ‪-‬هؤلء‬
‫الصفوة‪ -‬أنم أضعف من جالوت وجيشه وقالوا‪ :‬كيف نزم هذا اليش البار‪..‬؟‍‍!‬

‫قال الؤمنون من جيش طالوت‪ :‬النصر ليس بالعدة والعتاد‪ ،‬إنا النصر من عند ال‪( ..‬كَم مّن‬
‫ي ًة ِبِإذْ ِن اللّهِ)‪ ..‬فثبّتوهم‪.‬‬
‫ت فَِئةً كَثِ َ‬
‫فَِئ ٍة قَلِي َلةٍ غَلَبَ ْ‬

‫وبرز جالوت ف دروعه الديدية وسلحه‪ ،‬وهو يطلب أحدا يبارزه‪ ..‬وخاف منه جنود طالوت‬
‫جيعا‪ ..‬وهنا برز من جيش طالوت راعي غنم صغي هو داود‪ ..‬كان داود مؤمنا بال‪ ،‬وكان‬
‫يعلم أن اليان بال هو القوة القيقية ف هذا الكون‪ ،‬وأن العبة ليست بكثرة السلح‪ ،‬ول‬
‫ضخامة السم ومظهر الباطل‪.‬‬

‫وكان اللك‪ ،‬قد قال‪ :‬من يقتل جالوت يصي قائدا على اليش ويتزوج ابنت‪ ..‬ول يكن داود‬
‫يهتم كثيا لذا الغراء‪ ..‬كان يريد أن يقتل جالوت لن جالوت رجل جبار وظال ول يؤمن‬
‫بال‪ ..‬وسح اللك لداود أن يبارز جالوت‪..‬‬
‫وتقدم داود بعصاه وخسة أحجار ومقلعه (وهو نبلة يستخدمها الرعاة)‪ ..‬تقدم جالوت‬
‫الدجج بالسلح والدروع‪ ..‬وسخر جالوت من داود وأهانه وضحك منه‪ ،‬ووضع داود حجرا‬
‫قويا ف مقلعه وطوح به ف الواء وأطلق الجر‪ .‬فأصاب جالوت فقتله‪ .‬وبدأت العركة‬
‫وانتصر جيش طالوت على جيش جالوت‪.‬‬

‫بعد فترة أصبح داود ‪-‬عليه السلم‪ -‬ملكا لبن إسرائيل‪ ،‬فجمع ال على يديه النبوة واللك‬
‫مرة أخرى‪ .‬وتأت بعض الروايات لتخبنا بأن طالوت بعد أن اشتهر نم داوود أكلت الغية‬
‫قلبه‪ ،‬وحاول قتله‪ ،‬وتستمر الروايات ف نسج مثل هذه المور‪ .‬لكننا ل نود الوض فيها‬
‫فليس لدينا دليل قوي عليها‪.‬‬

‫قصة قابيل و هابيل‬

‫موقع القصة ف القرآن الكري‬

‫ورد ذكر القصة ف سورة الائدة اليات ‪.31-27‬‬

‫القصة‪:‬‬

‫يروي لنا القرآن الكري قصة ابني من أبناء آدم ها هابيل وقابيل‪ .‬حي وقعت أول جرية قتل‬
‫ف الرض‪ .‬وكانت قصتهما كالتال‪.‬‬

‫كانت حواء تلد ف البطن الواحد ابنا وبنتا‪ .‬وف البطن التال ابنا وبنتا‪ .‬فيحل زواج ابن البطن‬
‫الول من البطن الثان‪ ..‬ويقال أن قابيل كان يريد زوجة هابيل لنفسه‪ ..‬فأمرها آدم أن يقدما‬
‫قربانا‪ ،‬فقدم كل واحد منهما قربانا‪ ،‬فتقبل ال من هابيل ول يتقبل من قابيل‪ .‬قال تعال ف‬
‫سورة (الائدة)‪:‬‬
‫ح ّق ِإذْ َق ّربَا ُق ْربَانًا فَُتقُبّ َل مِن َأ َحدِهِمَا َولَ ْم يَُتقَّبلْ ِمنَ ال َخرِ قَالَ‬
‫وَاْتلُ عَلَ ْي ِهمْ نََبَأ ابْنَيْ آ َد َم بِالْ َ‬
‫ت ِإَليّ َيدَ َك لَِتقْتُلَنِي مَا أََن ْا بِبَاسِطٍ‬
‫ك قَا َل إِنّمَا يََتقَّبلُ ال ّلهُ مِ َن الْمُّتقِيَ (‪ )27‬لَئِن َبسَط َ‬
‫َلأَقْتُلَّن َ‬
‫ب اْلعَالَمِيَ (‪( )28‬الائدة)‬
‫ف ال ّلهَ َر ّ‬
‫ك ِإنّي َأخَا ُ‬
‫َي ِديَِإلَ ْيكَ َلَأقْتُلَ َ‬

‫لحظ كيف ينقل إلينا ال تعال كلمات القتيل الشهيد‪ ،‬ويتجاهل تاما كلمات القاتل‪ .‬عاد‬
‫القاتل يرفع يده مهددا‪ ..‬قال القتيل ف هدوء‪:‬‬

‫ك فََتكُو َن ِمنْ أَصْحَابِ النّارِ وَ َذِلكَ َجزَاء الظّالِمِيَ (‪( )29‬الائدة)‬


‫ِإنّي أُرِيدُ أَن تَبُو َء ِبِإثْمِي َوإِثْ ِم َ‬

‫انتهى الوار بينهما وانصرف الشرير وترك الطيب مؤقتا‪ .‬بعد أيام‪ ..‬كان الخ الطيب نائما‬
‫وسط غابة مشجرة‪ ..‬فقام إليه أخوه قابيل فقتله‪ .‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬ل‬
‫تقتل نفس ظلما إل كان على ابن آدم الول كفل من دمها لنه كان أول من سن القتل"‪.‬‬
‫جلس القاتل أمام شقيقه اللقى على الرض‪ .‬كان هذا الخ القتيل أول إنسان يوت على‬
‫الرض‪ ..‬ول يكن دفن الوتى شيئا قد عرف بعد‪ .‬وحل الخ جثة شقيقه وراح يشي با‪ ..‬ث‬
‫رأى القاتل غرابا حيا بانب جثة غراب ميت‪ .‬وضع الغراب الي الغراب اليت على الرض‬
‫وساوى أجنحته إل جواره وبدأ يفر الرض بنقاره ووضعه برفق ف القب وعاد يهيل عليه‬
‫التراب‪ ..‬بعدها طار ف الو وهو يصرخ‪.‬‬

‫اندلع حزن قابيل على أخيه هابيل كالنار فأحرقه الندم‪ .‬اكتشف أنه وهو السوأ والضعف‪،‬‬
‫قد قتل الفضل والقوى‪ .‬نقص أبناء آدم واحدا‪ .‬وكسب الشيطان واحدا من أبناء آدم‪.‬‬
‫واهتز جسد القاتل ببكاء عنيف ث أنشب أظافره ف الرض وراح يفر قب شقيقه‪.‬‬

‫ض ّل مّبيٌ) وحزن حزنا شديدا‬


‫قال آدم حي عرف القصة‪َ ( :‬هذَا ِمنْ عَ َم ِل الشّيْطَانِ إِّنهُ َع ُدوّ مّ ِ‬
‫على خسارته ف ولديه‪ .‬مات أحدها‪ ،‬وكسب الشيطان الثان‪ .‬صلى آدم على ابنه‪ ،‬وعاد إل‬
‫حياته على الرض‪ :‬إنسانا يعمل ويشقى ليصنع خبزه‪ .‬ونبيا يعظ أبنائه وأحفاده ويدثهم عن‬
‫ال ويدعوهم إليه‪ ،‬ويكي لم عن إبليس ويذرهم منه‪ .‬ويروي لم قصته هو نفسه معه‪،‬‬
‫ويقص لم قصته مع ابنه الذي دفعه لقتل شقيقه‪.‬‬
‫أصحاب الخدود‬

‫موقع القصة ف القرآن الكري‪:‬‬

‫ورد ذكر القصة ف سورة البوج اليات ‪ ،9-4‬وتفصيلها ف صحيح المام مسلم‪.‬‬

‫ب الُْأ ْخدُودِ‬
‫صحَا ُ‬
‫شهُو ٍد قُِتلَ أَ ْ‬
‫ج وَالْيَوْ ِم الْ َموْعُودِ َوشَا ِهدٍ َو َم ْ‬
‫قال ال تعال(( وَالسّمَا ِء ذَاتِ الُْبرُو ِ‬
‫ي ُشهُودٌ َومَا َنقَمُوا مِ ْن ُه ْم ِإلّا‬
‫النّارِ ذَاتِ اْل َوقُو ِد ِإذْ ُهمْ عَلَ ْيهَا ُقعُودٌ َو ُهمْ عَلَى مَا يَ ْفعَلُونَ بِالْ ُم ْؤمِنِ َ‬
‫ض وَاللّهُ عَلَى ُك ّل َشيْءٍ شَهِي ٌد إِنّ‬
‫حمِيدِ اّلذِي َل ُه مُ ْلكُ السّمَاوَاتِ وَالْأَرْ ِ‬
‫أَ ْن ُي ْؤمِنُوا بِال ّلهِ اْل َعزِيزِ الْ َ‬
‫حرِيقِ ))‬
‫اّلذِي َن فَتَنُوا الْ ُمؤْمِنِيَ وَالْ ُم ْؤمِنَاتِ ُث ّم َلمْ يَتُوبُوا فَ َلهُمْ َعذَابُ َجهَّنمَ َوَلهُمْ َعذَابُ الْ َ‬

‫القصة‪:‬‬

‫إنا قصة فتا آمن‪ ،‬فصب وثبت‪ ،‬فآمنت معه قريته‪.‬‬

‫لقد كان غلما نبيها‪ ،‬ول يكن قد آمن بعد‪ .‬وكان يعيش ف قرية ملكها كافر يدّعي اللوهية‪.‬‬
‫وكان للملك ساحر ي ستعي به‪ .‬وعند ما تقدّم الع مر بال ساحر‪ ،‬طلب من اللك أن يب عث له‬
‫غلما يعلّمه السحر ليح ّل مله بعد موته‪ .‬فاختي هذا الغلم وأُرسل للساحر‪.‬‬

‫فكان الغلم يذهحب للسحاحر ليتعلم منحه‪ ،‬وفح طريقحه كان يرّ على راهحب‪ .‬فجلس معحه مرة‬
‫وأعجبه كلمه‪ .‬ف صار يلس مع الراهب ف كل مرة يتوجه فيها إل الساحر‪ .‬وكان الساحر‬
‫يضربه إن ل يضر‪ .‬فشكى ذلك للراهب‪ .‬فقال له الراهب‪ :‬إذا خشيت الساحر فقل حبسن‬
‫أهلي‪ ،‬وإذا خشيت أهلك فقل حبسن الساحر‪.‬‬

‫وكان ف طري قه ف أ حد اليام‪ ،‬فإذا بيوان عظ يم ي سدّ طر يق الناس‪ .‬فقال الغلم ف نف سه‪،‬‬
‫اليوم أعلم أيهم أفضل‪ ،‬الساحر أم الراهب‪ .‬ث أخذ حجرا وقال‪ :‬اللهم إن كان أمر الراهب‬
‫أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حت يضي الناس‪ .‬ث رمى اليوان فقلته‪ ،‬ومضى‬
‫الناس ف طريقهم‪ .‬فتوجه الغلم للراهب وأخبه با حدث‪ .‬فقال له الراهب‪ :‬يا بن‪ ،‬أنت اليوم‬
‫أفضل من‪ ،‬وإنك ستبتلى‪ ،‬فإذا ابتليت فل تدلّ عليّ‪.‬‬

‫وكان الغلم بتوفيق من ال يبئ الكمه والبرص ويعال الناس من جيع المراض‪ .‬فسمع به‬
‫أحد جلساء اللك‪ ،‬وكان قد َف َقدَ بصره‪ .‬فجمع هدايا كثرة وتوجه با للغلم وقال له‪ :‬أعطيك‬
‫جيع هذه الداية إن شفيتن‪ .‬فأجاب الغلم‪ :‬أنا ل أشفي أحدا‪ ،‬إنا يشفي ال تعال‪ ،‬فإن آمنت‬
‫بال دعوت ال فشفاك‪ .‬فآمن جليس اللك‪ ،‬فشفاه ال تعال‪.‬‬

‫فذهب جليس اللجس‪ ،‬وقعد بوار اللك كما كان يقعد قبل أن يفقد بصره‪ .‬فقال له اللك‪:‬‬
‫من ردّ عليك بصرك؟ فأجاب الليس بثقة الؤمن‪ :‬ربّي‪ .‬فغضب اللك وقال‪ :‬ولك ربّ غيي؟‬
‫فأجاب الؤ من دون تردد‪ :‬ربّي وربّك ال‪ .‬فثار اللك‪ ،‬وأ مر بتعذي به‪ .‬فلم يزالوا يعذّبو نه ح ت‬
‫دلّ على الغلم‪.‬‬

‫أمر اللك بإحضار الغلم‪ ،‬ث قال له ماطبا‪ :‬يا بن‪ ،‬لقد بلغت من السحر مبلغا عظيما‪ ،‬حت‬
‫أصبحت تبئ الكمه والبرص وتفعل وتفعل‪ .‬فقال الغلم‪ :‬إن ل أشفي أحدا‪ ،‬إنا يشفي ال‬
‫تعال‪ .‬فأمر اللك بتعذيبه‪ .‬فعذّبوه حت دلّ على الراهب‪.‬‬

‫فأُح ضر الرا هب وق يل له‪ :‬ار جع عن دي نك‪ .‬فأ ب الرا هب ذلك‪ .‬وج يئ بشار‪ ،‬وو ضع على‬
‫شرَ فوقع نصفي‪ .‬ث أحضر جليس اللك‪ ،‬وقيل له‪ :‬ارجع عن دينك‪ .‬فأب‪.‬‬
‫مفرق رأسه‪ ،‬ث ُن ِ‬
‫َف ُف ِعلَ به كما ُفعِ َل بالراهب‪ .‬ث جيئ بالغلم وقيل له‪ :‬ارجع عن دينك‪ .‬فأب الغلم‪ .‬فأمر اللك‬
‫بأخذ الغلم لقمة جبل‪ ،‬وتييه هناك‪ ،‬فإما أن يترك دينه أو أن يطرحوه من قمة البل‪.‬‬

‫فأخذ النود الغلم‪ ،‬وصعدوا به البل‪ ،‬فدعى الفت ربه‪ :‬اللهم اكفنيهم با شئت‪ .‬فاهت ّز البل‬
‫وسحقط النود‪ .‬ورجحع الغلم يشحي إل اللك‪ .‬فقال اللك‪ :‬أيحن محن كان معحك؟ فأجاب‪:‬‬
‫كفاني هم ال تعال‪ .‬فأ مر اللك جنوده ب مل الغلم ف سفينة‪ ،‬والذهاب به لو سط الب حر‪ ،‬ث‬
‫تييه هناك بالرجوع عن دينه أو إلقاءه‪.‬‬
‫فذهبوا به‪ ،‬فد عى الغلم ال‪ :‬الل هم اكفني هم ب ا شئت‪ .‬فانقل بت ب م ال سفينة وغرق من كان‬
‫عليها إل الغلم‪ .‬ث رجع إل اللك‪ .‬فسأله اللك باستغراب‪ :‬أين من كان معك؟ فأجاب الغلم‬
‫التوكل على ال‪ :‬كفانيهم ال تعال‪ .‬ث قال للملك‪ :‬إنك لن تستطيع قتلي حت تفعل ما آمرك‬
‫به‪ .‬فقال اللك‪ :‬ما هحو؟ فقال الف ت الؤمحن‪ :‬أن ت مع الناس ف مكان واححد‪ ،‬وت صلب على‬
‫جذع‪ ،‬ث تأخذ سهما من كنانت‪ ،‬وتضع السهم ف القوس‪ ،‬وتقول "بسم ال ر بّ الغلم" ث‬
‫ارمن‪ ،‬فإن فعلت ذلك قتلتن‪.‬‬

‫استبشر اللك بذا المر‪ .‬فأمر على الفور بمع الناس‪ ،‬وصلب الفت أمامهم‪ .‬ث أخذ سهما من‬
‫كنانته‪ ،‬ووضع السهم ف القوس‪ ،‬وقال‪ :‬باسم ال ربّ الغلم‪ ،‬ث رماه فأصابه فقتله‪.‬‬

‫فصرخ الناس‪ :‬آمنا بربّ الغلم‪ .‬فهرع أصحاب اللك إليه وقالوا‪ :‬أرأيت ما كنت تشاه! لقد‬
‫وقع‪ ،‬لقد آمن الناس‪.‬‬

‫فأمر اللك بفر ش قّ ف الرض‪ ،‬وإشعال النار فيها‪ .‬ث أمر جنوده‪ ،‬بتخيي الناس‪ ،‬فإما الرجوع‬
‫عحن اليان‪ ،‬أو إلقائهحم فح النار‪ .‬ففعحل النود ذلك‪ ،‬حتح جاء دور امرأة ومعهحا صحب لاح‪،‬‬
‫فخافت أن تُرمى ف النار‪ .‬فألم ال الصب أن يقول لا‪ :‬يا أمّاه اصبي فإنك على الق‪.‬‬

‫أصحاب الفيل‬

‫موقع القصة ف القرآن الكري‪:‬‬

‫ورد ذكر القصة ف سورة الفيل اليات ‪.5-1‬‬

‫قال تعال ‪:‬‬

‫ج َعلْ كَ ْيدَ ُه ْم فِي تَضْلِيلٍ (‪ )2‬وَأَ ْر َسلَ‬


‫ب الْفِيلِ (‪َ )1‬ألَ ْم يَ ْ‬
‫صحَا ِ‬
‫ك بِأَ ْ‬
‫ف َف َعلَ َرّب َ‬
‫((َأَلمْ َترَ كَيْ َ‬
‫ف َمأْكُولٍ (‪)) )5‬‬
‫جعَ َل ُهمْ َكعَصْ ٍ‬
‫حجَا َر ٍة ِمنْ سِجّيلٍ (‪ )4‬فَ َ‬
‫عَلَ ْي ِهمْ طَ ْيرًا َأبَابِيلَ (‪َ )3‬ترْمِي ِهمْ بِ ِ‬
‫القصة‪:‬‬

‫كانت اليمن تابعة للنجاشي ملك البشة‪ .‬وقام وال اليمن (أبرهة) ببناء كنيسة عظيمة‪ ،‬وأراد‬
‫ج العرب‪ .‬فيجعلهم يجّون إل هذه الكنيسة بدل من بيت ال الرام‪ .‬فكتب‬
‫أن يغيّر وجهة ح ّ‬
‫إل النجا شي‪ :‬إ ن قد بن يت لك أي ها اللك كني سة ل ي ب مثل ها للك كان قبلك‪ ,‬ول ست بن ته‬
‫حت أصرف إليها حج العرب‪ .‬إل أن العرب أبوا ذلك‪ ،‬وأخذتم عزتم بعتقداتم وأنسابم‪.‬‬
‫ف هم أبناء إبراه يم وإ ساعيل‪ ،‬فك يف يتركون الب يت الذي بناه آباء هم ويجّوا لكني سة بنا ها‬
‫نصران! وقيل أن رجل من العرب ذهب وأحدث ف الكنيسة تقيا لا‪ .‬وأنا بنو كنانة قتلوا‬
‫رسول أبرهة الذي جاء يطلب منهم الج للكنيسة‪.‬‬

‫فعزم أبرهة على هدم الكعبة‪ .‬وجهّز جيشا جرارا‪ ،‬ووضع ف مقدمته فيل مشهورا عندهم يقال‬
‫أن اسه ممود‪ .‬فعزمت العرب على تقال أبرهة‪ .‬وكان أول من خرج للقاءه‪ ،‬رجل من أشراف‬
‫من اليمن يقال له ذو نفر‪ .‬دعى قومه فأجابوه‪ ،‬والتحموا بيش أبرهة‪ .‬لكنه ُهزِم وسيق أسيا‬
‫إل أبرهة‪.‬‬

‫ث خرج نفيل بن حبيب الثعمي‪ ،‬وحارب أبرهة‪ .‬فهزمهم أبرهة وُأخِ َذ نفيل أسيا‪ ،‬وصار دليل‬
‫ليش أبرهة‪ .‬حت وصلوا للطائف‪ ،‬فخرج رجال من ثقيف‪ ،‬وقالوا لبرهة أن الكعبة موجودة‬
‫ف م كة –ح ت ل يهدم ب يت اللت الذي بنوه ف الطائف‪ -‬وأر سلوا مع ال يش رجل من هم‬
‫ليدلّهم على الكعبة! وكان اسم الرجل أبو رغال‪ .‬توف ف الطريق ودفن فيها‪ ،‬وصار قبه مرجا‬
‫عند العرب‪ .‬فقال الشاعر‪:‬‬

‫وأرجم قبه ف كل عام * * * كرجم الناس قب أب رغال‬

‫و ف مكان ي سمى الغ مس ب ي الطائف وم كة‪ ،‬أر سل أبر هة كتي بة من جنده‪ ،‬ساقت له أموال‬
‫قريش وغيها من القبائل‪ .‬وكان من بي هذه الموال مائت بعي لعبد الطلب بن هاشم‪ ،‬كبي‬
‫قريش وسيّدها‪ .‬فهمّت قريش وكنانة وهذيل وغيهم على قتال أبرهة‪ .‬ث عرفوا أنم ل طاقة‬
‫لم به فتركوا ذلك ‪.‬‬
‫وبعث أبرهة رسول إل مكة يسأل عن سيد هذا البلد‪ ,‬ويبلغه أن اللك ل يأت لربم وإنا جاء‬
‫لدم هذا البيحت‪ ,‬فإن ل يتعرضوا له فل حاجحة له فح دمائهحم! فإذا كان سحيد البلد ل يريحد‬
‫الرب جاء به إل اللك‪ .‬فلما أخب الرسول عبد الطلب برسالة اللك‪ ،‬أجابه‪ :‬وال ما نريد‬
‫حر به و ما ل نا بذلك من طا قة‪ .‬هذا ب يت ال الرام‪ .‬وب يت خليله إبراه يم عل يه ال سلم‪ ..‬فإن‬
‫ينعه منه فهو بيته وحرمه‪ ,‬وإن يل بينه وبينه فوال ما عندنا دفع عنه‪.‬‬

‫ث انطلق ع بد الطلب مع الر سول لحاد ثة أبر هة‪ .‬وكان ع بد الطلب أو سم الناس وأجل هم‬
‫وأعظم هم‪ .‬فل ما رآه أبر هة أجله وأعظ مه‪ ,‬وأكر مه عن أن يل سه ت ته‪ ,‬وكره أن تراه الب شة‬
‫يلس م عه على سرير مل كه‪ .‬فنل أبر هة عن سريره‪ ,‬فجلس على ب ساطه وأجل سه م عه إل‬
‫جانبه‪ .‬ث قال لترجانه‪ :‬قل له‪ :‬ما حاجتك? فقال‪ :‬حاجت أن يرد علي اللك مائت بعي أصابا‬
‫ل‪ .‬فلما قال ذلك‪ ,‬قال أبرهة لترجانه‪ :‬قل له‪ :‬قد كنت أعجبتن حي رأيتك‪ ,‬ث قد زهدت‬
‫ف يك ح ي كلمت ن! أتكلم ن ف مئ ت بع ي أ صبتها لك وتترك بي تا هو دي نك ود ين آبائك قد‬
‫جئت لدمه ل تكلمن ف يه? قال له عبد الطلب‪ :‬إن أنا رب البل‪ .‬وإن للبيت رب سيمنعه‪.‬‬
‫فاستكب أبرهة وقال‪ :‬ما كان ليمتنع من‪ .‬قال‪ :‬أنت وذاك!‪ ..‬فردّ أبرهة على عبد الطلب إبله‪.‬‬

‫ث عاد عبد الطلب إل قريش وأخبهم با حدث‪ ،‬وأمرهم بالروج من مكة والبقاء ف البال‬
‫الحيطة با‪ .‬ث توجه وهو ورجال من قريش إل للكعبة وأمسك حلقة بابا‪ ،‬وقاموا يدعون ال‬
‫ويستنصرونه‪ .‬ث ذهب هو ومن معه للجبل‪.‬‬

‫ث أ مر أبر هة جي شه والف يل ف مقدم ته بدخول م كة‪ .‬إل أن الف يل برك ول يتحرك‪ .‬فضربوه‬
‫ووخزوه‪ ،‬لك نه ل يقم من مكانه‪ .‬فوجّهوه ناحية الي من‪ ،‬فقام يهرول‪ .‬ث وجّهوه ناحية الشام‪،‬‬
‫فتوجّه‪ .‬ث وجّهوه جهة الشرق‪ ،‬فتحرّك‪ .‬فوجّهوه إل مكة فََبرَك‪.‬‬

‫ث كان ما أراده ال من إهلك اليش وقائده‪ ,‬فأرسل عليهم جاعات من الطي‪ ،‬مع كل طائر‬
‫من ها ثل ثة أحجار‪ :‬ح جر ف منقاره‪ ,‬وحجران ف رجل يه‪ ,‬أمثال ال مص والعدس‪ ,‬ل ت صيب‬
‫منهحم أحدا إل هلك‪ .‬فتركتهحم كأوراق الشجحر الافحة المزقحة‪ .‬فهاج اليحش وماج‪ ،‬وبدوا‬
‫يسألون عن نفيل بن حبيب; ليدلم على الطريق إل اليمن‪ .‬فقال نفيل بن حبيب حي رأى ما‬
‫أنزل ال بم من نقمته‪:‬‬

‫أين الفر والله الطالب * * * والشرم الغلوب ليس الغالب‬

‫وقال أيضا‪:‬‬

‫حدت ال إذ أبصرت طيا * * * وخفت حجارة تلقى علينا‬

‫فكل القوم يسأل عن نفيحل * * * كأن علي للحبشان دينحا‬

‫وأ صيب أبر هة ف ج سده‪ ،‬وخرجوا به مع هم يت ساقط ل مه قط عا صغية تلو الخرى‪ ،‬ح ت‬
‫وصلوا إل صنعاء‪ ,‬فما مات حت انشق صدره عن قلبه كما تقول الروايات‪.‬‬

‫إن لذه القصة دللت كثية يصفا الستاذ سيّد قطب رحه ال ف كتابه (ف ظلل القرآن)‪:‬‬

‫فأما دللة هذا الادث والعب الستفادة من التذكي به فكثية ‪. .‬‬

‫وأول ما توحي به أن ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬ل يرد أن يكل حاية بيته إل الشركي‪ ،‬ولو أنم كانوا‬
‫يعتزون بذا البيت‪ ,‬ويمونه ويتمون به‪ .‬فلما أراد أن يصونه ويرسه ويعلن حايته له وغيته‬
‫عل يه ترك الشرك ي يهزمون أمام القوة العتد ية‪ .‬وتدخلت القدرة سافرة لتد فع عن ب يت ال‬
‫الرام‪ ,‬حت ل تتكون للمشركي يد على بيته ول سابقة ف حايته‪ ,‬بميتهم الاهلية‪.‬‬

‫كذلك تو حي دللة هذا الادث بأن ال ل يقدر ل هل الكتاب ‪ -‬أبر هة وجنوده ‪ -‬أن يطموا‬
‫البيت الرام أو يسيطروا على الرض القدسة‪ .‬حت والشرك يدنسه‪ ,‬والشركون هم سدنته‪.‬‬
‫ليبقي هذا البيت عتيقا من سلطان التسلطي‪ ,‬مصونا من كيد الكائدين‪.‬‬

‫ون ن ن ستبشر بإياء هذه الدللة اليوم ونطمئن‪ ,‬إزاء ما نعل مه من أطماع فاجرة ماكرة ترف‬
‫حول الما كن القد سة من ال صليبية العال ية وال صهيونية العال ية‪ ,‬ول ت ن أو تدأ ف التمه يد‬
‫الفحي اللئيحم لذه الطماع الفاجرة الاكرة‪ .‬فال الذي حىح بيتحه محن أهحل الكتاب وسحدنته‬
‫مشركون‪ ,‬سيحفظه إن شاء ال‪ ,‬ويفظ مدينة رسوله من كيد الكائدين ومكر الاكرين!‬

‫والياء الثالث هو أن العرب ل ي كن ل م دور ف الرض‪ .‬بل ل ي كن ل م كيان ق بل ال سلم‪.‬‬


‫كانوا ف اليمن تت حكم الفرس أو البشة‪ .‬وكانت دولتهم حي تقوم هناك أحيانا تقوم تت‬
‫حاية الفرس‪ .‬وف الشمال كانت الشام تت حكم الروم إما مباشرة وإما بقيام حكومة عربية‬
‫تت حاية الرومان‪ .‬ول ينج إل قلب الزيرة من تكم الجانب فيه‪ .‬ولكنه ظل ف حالة تفكك‬
‫ل تعحل منحه قوة حقيقيحة فح ميدان القوى العاليحة‪ .‬وكان يكحن أن تقوم الروب بيح القبائل‬
‫أربعيح سحنة‪ ,‬ولكحن ل تكحن هذه القبائل متفرقحة ول متمعحة ذات وزن عنحد الدول القويحة‬
‫الجاورة‪ .‬وما حدث ف عام الفيل كان مقياسا لقيقة هذه القوة حي تتعرض لغزو أجنب‪.‬‬

‫وتت راية السلم ولول مرة ف تاريخ العرب أصبح لم دور عالي يؤدونه‪ .‬وأصبحت لم‬
‫قوة دوليحة يسحب لاح حسحاب‪ .‬قوة جارفحة تكتسحح المالك وتطحم العروش‪ ,‬وتتول قيادة‬
‫البشرية‪ ,‬بعد أن تزيح القيادات الضالة‪ .‬ولكن الذي هيأ للعرب هذا لول مرة ف تاريهم هو‬
‫أنم نسوا أنم عرب! نسوا نعرة النس‪ ,‬وعصبية العنصر‪ ,‬وذكروا أنم ومسلمون‪ .‬مسلمون‬
‫ف قط‪ .‬ورفعوا را ية ال سلم‪ ,‬ورا ية ال سلم وحد ها‪ .‬وحلوا عقيدة ضخ مة قو ية يهدون ا إل‬
‫البشريحة رحةح برا بالبشريحة; ول يملوا قوميحة ول عنصحرية ول عصحبية‪ .‬حلوا فكرة سحاوية‬
‫يعلمون الناس باح ل مذهبحا أرضيحا يضعون الناس لسحلطانه‪ .‬وخرجوا محن أرضهحم جهادا فح‬
‫سبيل ال وحده‪ ,‬ول يرجوا ليؤسسوا إمباطورية عربية ينعمون ويرتعون ف ظلها‪ ,‬ويشمخون‬
‫ويتكحبون تتح حايتهحا‪ ,‬ويرجون الناس محن حكحم الروم والفرس إل حكحم العرب وإل‬
‫حكم هم أنفسهم! إنا قاموا ليخرجوا الناس من عبادة العباد جيعا إل عبادة ال وحده‪ .‬عندئذ‬
‫فقط كان للعرب وجود‪ ,‬وكانت لم قوة‪ ,‬وكانت لم قيادة‪ .‬ولكنها كانت كلها ل وف سبيل‬
‫ال‪ .‬وقد ظلت لم قوتم‪ .‬وظلت لم قيادتم ما استقاموا على الطريقة‪ .‬حت إذا انرفوا عنها‬
‫وذكروا عنصريتهم وعصبيتهم‪ ,‬وتركوا راية ال ليفعوا راية العصبية نبذتم الرض وداستهم‬
‫المم‪ ,‬لن ال قد تركهم حيثما تركوه‪ ،‬ونسيهم مثلما نسوه!‬
‫وما العرب بغي السلم? ما الفكرة الت قدموها للبشرية أو يلكون تقديها إذا هم تلوا عن‬
‫هذه الفكرة? وما قيمة أمة ل تقدم للبشرية فكرة? إن كل أمة قادت البشرية ف فترة من‬
‫فترات التاريخ كانت تثل فكرة‪ .‬والمم الت ل تكن تثل فكرة كالتتار الذين اجتاحوا الشرق‪,‬‬
‫والبابرة الذين اجتاحوا الدولة الرومانية ف الغرب ل يستطيعوا الياة طويل‪ ,‬إنا ذابوا ف‬
‫المم الت فتحوها‪ .‬والفكرة الوحيدة الت تقدم با العرب للبشرية كانت هي العقيدة‬
‫السلمية‪ ,‬وهي الت رفعتهم إل مكان القيادة‪ ,‬فإذا تلوا عنها ل تعد لم ف الرض وظيفة‪ ,‬ول‬
‫يعد لم ف التاريخ دور‪ .‬وهذا ما يب أن يذكره العرب جيدا إذا هم أرادوا الياة‪ ,‬وأرادوا‬
‫القوة‪ ،‬وأرادوا القيادة‪ .‬وال الادي من الضلل‪.‬‬

‫قصة الضر‬

‫موقع القصة ف القرآن الكري‪:‬‬

‫ورد ذكر القصة ف سورة الكهف اليات ‪.82-60‬‬

‫القصة‪:‬‬

‫قال تعال‪:‬‬

‫ح َرْينِ أَ ْو َأمْضِ َي ُحقُبًا (‪( )60‬الكهف)‬


‫َوِإذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَا ُه لَا َأْبرَحُ حَتّى أَبْلُغَ مَجْمَ َع الْبَ ْ‬

‫كان لوسى ‪-‬عليه السلم‪ -‬هدف من رحلته هذه الت اعتزمها‪ ,،‬وأنه كان يقصد من ورائها‬
‫امرا‪ ،‬فهو يعلن عن تصميمه على بلوغ ممع البحرين مهما تكن الشقة‪ ،‬ومهما يكن الزمن‬
‫ضيَ حُقُبًا)‪.‬‬
‫الذي ينفه ف الوصول‪ .‬فيعب عن هذا التصميم قائل (َأوْ أَمْ ِ‬

‫نرى أن القرآن الكري ل يدد لنا الكان الذي وقت فيه الوادث‪ ،‬ول يدد لنا التاريخ‪ ،‬كما‬
‫أنه ل يصرح بالساء‪ .‬ول يبي ماهية العبد الصال الذي التقاه موسى‪ ،‬هل هو نب أو رسول؟ أم‬
‫عال؟ أم ول؟‬
‫اختلف الفسرون ف تديد الكان‪ ،‬فقيل إنه بر فارس والروم‪ ،‬وقيل بل بر الردن أو القلزم‪،‬‬
‫وقيل عند طنجة‪ ،‬وقيل ف أفريقيا‪ ،‬وقيل هو بر الندلس‪ ..‬ول يقوم الدليل على صحة مكان‬
‫من هذه المكنة‪ ،‬ولو كان تديد الكان مطلوبا لدده ال تعال‪ ..‬وإنا أبم السياق القرآن‬
‫الكان‪ ،‬كما أبم تديد الزمان‪ ،‬كما ضبب أساء الشخاص لكمة عليا‪.‬‬

‫إن القصة تتعلق بعلم ليس هو علمنا القائم على السباب‪ ..‬وليس هو علم النبياء القائم على‬
‫الوحي‪ ..‬إنا نن أمام علم من طبيعة غامضة أشد الغموض‪ ..‬علم القدر العلى‪ ،‬وذلك علم‬
‫أسدلت عليه الستار الكثيفة‪ ..‬مكان اللقاء مهول كما رأينا‪ ..‬وزمان اللقاء غي معروف هو‬
‫الخر‪ ..‬ل نعرف مت ت لقاء موسى بذا العبد‪.‬‬

‫وهكذا تضي القصة بغي أن تدد لك سطورها مكان وقوع الحداث‪ ،‬ول زمانه‪ ،‬يفي‬
‫السياق القرآن أيضا اسم أهم أبطالا‪ ..‬يشي إليه الق تبارك وتعال بقوله‪( :‬عَ ْبدًا مّنْ عِبَا ِدنَا‬
‫آتَيْنَاهُ َرحْ َم ًة ِمنْ عِن ِدنَا وَعَلّمْنَا ُه مِن ّل ُدنّا عِلْمًا) هو عبد أخفى السياق القرآن اسه‪ ..‬هذا العبد‬
‫هو الذي يبحث عنه موسى ليتعلم منه‪.‬‬

‫لقد خص ال تعال نبيه الكري موسى ‪-‬عليه السلم‪ -‬بأمور كثية‪ .‬فهو كليم ال عز وجل‪،‬‬
‫وأحد أول العزم من الرسل‪ ،‬وصاحب معجزة العصا واليد‪ ،‬والنب الذي أنزلت عليه التوراة‬
‫دون واسطة‪ ،‬وإنا كلمه ال تكليما‪ ..‬هذا النب العظيم يتحول ف القصة إل طالب علم‬
‫متواضع يتمل أستاذه ليتعلم‪ ..‬ومن يكون معلمه غي هذا العبد الذي يتجاوز السياق القرآن‬
‫اسه‪ ،‬وإن حدثتنا السنة الطهرة أنه هو الضر ‪-‬عليه السلم‪ -‬كما حدثتنا أن الفت هو يوشع‬
‫بن نون ‪ ،‬ويسي موسى مع العبد الذي يتلقى علمه من ال بغي أسباب التلقي الن نعرفها‪.‬‬

‫ومع منلة موسى العظيمة إل أن الضر يرفض صحبة موسى‪ ..‬يفهمه أنه لن يستطيع معه‬
‫صبا‪ ..‬ث يوافق على صحبته بشرط‪ ..‬أل يسأله موسى عن شيء حت يدثه الضر عنه‪.‬‬

‫والضر هو الصمت البهم ذاته‪ ،‬إنه ل يتحدث‪ ،‬وتصرفاته تثي دهشة موسى العميقة‪ ..‬إن‬
‫هناك تصرفات يأتيها الضر وترتفع أمام عين موسى حت لتصل إل مرتبة الرائم‬
‫والكوارث‪ ..‬وهناك تصرفات تبدو لوسى بل معن‪ ..‬وتثي تصرفات الضر دهشة موسى‬
‫ومعارضته‪ ..‬ورغم علم موسى ومرتبته‪ ،‬فإنه يد نفسه ف حية عميقة من تصرفات هذا العبد‬
‫الذي آتاه ال من لدنه علما‪.‬‬

‫وقد اختلف العلماء ف الضر‪ :‬فيهم من يعتبه وليا من أولياء ال‪ ،‬وفيهم من يعتبه نبيا‪ ..‬وقد‬
‫نسجت الساطي نفسها حول حياته ووجوده‪ ،‬فقيل إنه ل يزال حيا إل يوم القيامة‪ ،‬وهي‬
‫قضية ل ترد با نصوص أو آثار يوثق فيها‪ ،‬فل نقول فيها إل أنه مات كما يوت عباد ال‪..‬‬
‫وتبقى قضية وليته‪ ،‬أو نبوته‪ ..‬وسنرجئ الديث ف هذه القضية حت ننظر ف قصته كما‬
‫أوردها القرآن الكري‪.‬‬

‫قام موسى خطيبا ف بن إسرائيل‪ ،‬يدعوهم إل ال ويدثهم عن الق‪ ،‬ويبدو أن حديثه جاء‬
‫جامعا مانعا رائعا‪ ..‬بعد أن انتهى من خطابه سأله أحد الستمعي من بن إسرائيل‪ :‬هل على‬
‫وجه الرض أحد اعلم منك يا نب ال؟‬
‫قال موسى مندفعا‪ :‬ل‪..‬‬
‫وساق ال تعال عتابه لوسى حي ل يرد العلم إليه‪ ،‬فبعث إليه جبيل يسأله‪ :‬يا موسى ما‬
‫يدريك أين يضع ال علمه؟‬
‫أدرك موسى أنه تسرع‪ ..‬وعاد جبيل‪ ،‬عليه السلم‪ ،‬يقول له‪ :‬إن ل عبدا بجمع البحرين هو‬
‫أعلم منك‪.‬‬

‫تاقت نفس موسى الكرية إل زيادة العلم‪ ،‬وانعقدت نيته على الرحيل لصاحبة هذا العبد‬
‫العال‪ ..‬سأل كيف السبيل إليه‪ ..‬فأمر أن يرحل‪ ،‬وأن يمل معه حوتا ف مكتل‪ ،‬أي سكة ف‬
‫سلة‪ ..‬وف هذا الكان الذي ترتد فيه الياة لذا الوت ويتسرب ف البحر‪ ،‬سيجد العبد‬
‫العال‪ ..‬انطلق موسى ‪-‬طالب العلم‪ -‬ومعه فتاه‪ ..‬وقد حل الفت حوتا ف سلة‪ ..‬انطلقا بثا عن‬
‫العبد الصال العال‪ ..‬وليست لديهم أي علمة على الكان الذي يوجد فيه إل معجزة ارتداد‬
‫الياة للسمكة القابعة ف السلة وتسربا إل البحر‪.‬‬
‫ويظهر عزم موسى ‪-‬عليه السلم‪ -‬على العثور على هذا العبد العال ولو اضطره المر إل أن‬
‫يسي أحقابا وأحقابا‪ .‬قيل أن القب عام‪ ،‬وقيل ثانون عاما‪ .‬على أية حال فهو تعبي عن‬
‫التصميم‪ ،‬ل عن الدة على وجه التحديد‪.‬‬

‫وصل الثنان إل صخرة جوار البحر‪ ..‬رقد موسى واستسلم للنعاس‪ ،‬وبقي الفت ساهرا‪..‬‬
‫وألقت الرياح إحدى المواج على الشاطئ فأصاب الوت رذاذ فدبت فيه الياة وقفز إل‬
‫حرِ َس َربًا)‪ ..‬وكان تسرب الوت إل البحر علمة أعلم ال با‬
‫خ َذ سَبِي َلهُ فِي الْبَ ْ‬
‫البحر‪( ..‬فَاتّ َ‬
‫موسى لتحديد مكان لقائه بالرجل الكيم الذي جاء موسى يتعلم منه‪.‬‬

‫نض موسى من نومه فلم يلحظ أن الوت تسرب إل البحر‪ ..‬ونسي فتاه الذي يصحبه أن‬
‫يدثه عما وقع للحوت‪ ..‬وسار موسى مع فتاه بقية يومهما وليلتهما وقد نسيا حوتما‪ ..‬ث‬
‫تذكر موسى غداءه وحل عليه التعب‪( ..‬قَالَ ِلفَتَاهُ آتِنَا َغدَاءنَا َلقَ ْد َلقِينَا مِن سَ َف ِرنَا َهذَا نَصَبًا)‪..‬‬
‫ولع ف ذهن الفت ما وقع‪.‬‬

‫ساعتئذ تذكر الفت كيف تسرب الوت إل البحر هناك‪ ..‬وأخب موسى با وقع‪ ،‬واعتذر إليه‬
‫حرِ‬
‫بأن الشيطان أنساه أن يذكر له ما وقع‪ ،‬رغم غرابة ما وقع‪ ،‬فقد اتذ الوت (سَبِي َلهُ فِي الْبَ ْ‬
‫عَجَبًا)‪ ..‬كان أمرا عجيبا ما رآه يوشع بن نون ‪ ،‬لقد رأى الوت يشق الاء فيترك علمة‬
‫وكأنه طي يتلوى على الرمال‪.‬‬

‫ك مَا كُنّا نَبْغِ)‪ ..‬هذا ما كنا نريده‪ ..‬إن‬


‫سعد موسى من مروق الوت إل البحر و(قَا َل َذلِ َ‬
‫تسرب الوت يدد الكان الذي سنلتقي فيه بالرجل العال‪ ..‬ويرتد موسى وفتاه يقصان أثرها‬
‫عائدين‪ ..‬انظر إل بداية القصة‪ ،‬وكيف تيء غامضة أشد الغموض‪ ،‬مبهمة أعظم البام‪.‬‬

‫أخيا وصل موسى إل الكان الذي تسرب منه الوت‪ ..‬وصل إل الصخرة الت ناما عندها‪،‬‬
‫وتسرب عندها الوت من السلة إل البحر‪ ..‬وهناك وجدا رجل‪.‬‬

‫يقول البخاري إن موسى وفتاه وجدا الضر مسجى بثوبه‪ ..‬وقد جعل طرفه تت رجليه‬
‫وطرف تت رأسه‪.‬‬
‫فسلم عليه موسى‪ ،‬فكشف عن وجهه وقال‪ :‬هل بأرضك سلم‪..‬؟ من أنت؟‬
‫قال موسى‪ :‬أنا موسى‪.‬‬
‫قال الضر‪ :‬موسى بن إسرائيل‪ ..‬عليك السلم يا نب إسرائيل‪.‬‬
‫قال موسى‪ :‬وما أدراك ب‪..‬؟‬
‫قال الضر‪ :‬الذي أدراك ب ودلك علي‪ ..‬ماذا تريد يا موسى‪..‬؟‬
‫قال موسى ملطفا مبالغا ف التوقي‪َ ( :‬ه ْل أَتِّب ُعكَ عَلَى أَن ُتعَلّ َم ِن مِمّا عُلّ ْمتَ ُرشْدًا)‪.‬‬
‫قال الضر‪ :‬أما يكفيك أن التوراة بيديك‪ ..‬وأن الوحي يأتيك‪..‬؟ يا موسى (ِإّنكَ لَن َتسْتَطِيعَ‬
‫ص ْبرًا)‪.‬‬
‫َم ِعيَ َ‬

‫نريد أن نتوقف لظة لنلحظ الفرق بي سؤال موسى اللطف الغال ف الدب‪ ..‬ورد الضر‬
‫الاسم‪ ،‬الذي يفهم موسى أن علمه ل ينبغي لوسى أن يعرفه‪ ،‬كما أن علم موسى هو علم ل‬
‫يعرفه الضر‪ ..‬يقول الفسرون إن الضر قال لوسى‪ :‬إن علمي أنت تهله‪ ..‬ولن تطيق عليه‬
‫صبا‪ ،‬لن الظواهر الت ستحكم با على علمي لن تشفي قلبك ولن تعطيك تفسيا‪ ،‬وربا‬
‫رأيت ف تصرفات ما ل تفهم له سببا أو تدري له علة‪ ..‬وإذن لن تصب على علمي يا موسى‪.‬‬

‫احتمل موسى كلمات الصد القاسية وعاد يرجوه أن يسمح له بصاحبته والتعلم منه‪ ..‬وقال له‬
‫موسى فيما قال إنه سيجده إن شاء ال صابرا ول يعصي له أمرا‪.‬‬

‫تأمل كيف يتواضع كليم ال ويؤكد للعبد الدثر بالفاء أنه لن يعصي له أمرا‪.‬‬

‫قال الضر لوسى ‪-‬عليهما السلم‪ -‬إن هناك شرطا يشترطه لقبول أن يصاحبه موسى ويتعلم‬
‫منه هو أل يسأله عن شيء حت يدثه هو عنه‪ ..‬فوافق موسى على الشرط وانطلقا‪..‬‬

‫انطلق موسى مع الضر يشيان على ساحل البحر‪ ..‬مرت سفينة‪ ،‬فطلب الضر وموسى من‬
‫أصحابا أن يملوها‪ ،‬وعرف أصحاب السفينة الضر فحملوه وحلوا موسى بدون أجر‪،‬‬
‫إكراما للخضر‪ ،‬وفوجئ موسى حي رست السفينة وغادرها أصحابا وركابا‪ ..‬فوجئ بأن‬
‫الضر يتخلف فيها‪ ،‬ل يكد أصحابا يبتعدون حت بدأ الضر يرق السفينة‪ ..‬اقتلع لوحا من‬
‫ألواحها وألقاه ف البحر فحملته المواج بعيدا‪.‬‬

‫فاستنكر موسى فعلة الضر‪ .‬لقد حلنا أصحاب السفينة بغي أجر‪ ..‬أكرمونا‪ ..‬وها هو‬
‫ذا يرق سفينتهم ويفسدها‪ ..‬كان التصرف من وجهة نظر موسى معيبا‪ ..‬وغلبت طبيعة موسى‬
‫الندفعة عليه‪ ،‬كما حركته غيته على الق‪ ،‬فاندفع يدث أستاذه ومعلمه وقد نسي شرطه‬
‫ت شَيْئًا ِإ ْمرًا)‪.‬‬
‫ق َأهْ َلهَا َلقَ ْد جِئْ َ‬
‫الذي اشترطه عليه‪( :‬قَالَ َأ َخرَقَْتهَا لُِت ْغرِ َ‬

‫وهنا يلفت العبد الربان نظر موسى إل عبث ماولة التعليم منه‪ ،‬لنه لن يستطيع الصب عليه‬
‫(قَالَ َأَلمْ َأ ُقلْ إِّنكَ لَن َتسْتَطِي َع َم ِعيَ صَ ْبرًا)‪ ،‬ويعتذر موسى بالنسيان ويرجوه أل يؤاخذه وأل‬
‫سرًا)‪.‬‬
‫ت َولَا ُت ْرهِقْنِي ِم ْن َأ ْمرِي ُع ْ‬
‫يرهقه (قَا َل لَا ُتؤَا ِخذْنِي بِمَا َنسِي ُ‬

‫سارا معا‪ ..‬فمرا على حديقة يلعب فيها الصبيان‪ ..‬حت إذا تعبوا من اللعب انتحى كل واحد‬
‫منهم ناحية واستسلم للنعاس‪ ..‬فوجئ موسى بأن العبد الربان يقتل غلما‪ ..‬ويثور موسى‬
‫سائل عن الرية الت ارتكبها هذا الصب ليقتله هكذا‪ ..‬يعاود العبد الربان تذكيه بأنه أفهمه‬
‫ك لَن َتسْتَطِيعَ مَعِي صَ ْبرًا)‪ ..‬ويعتذر موسى بأنه‬
‫ك ِإنّ َ‬
‫أنه لن يستطيع الصب عليه (قَالَ َأَلمْ َأقُل لّ َ‬
‫نسي ولن يعاود السئلة وإذا سأله مرة أخرى سيكون من حقه أن يفارقه (قَا َل إِن سََألُْتكَ عَن‬
‫َشيْ ٍء َبعْ َدهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي َق ْد بَ َلغْتَ مِن ّل ُدنّي ُعذْرًا)‪.‬‬

‫ومضى موسى مع الضر‪ ..‬فدخل قرية بيلة‪ ..‬ل يعرف موسى لاذا ذهبا إل القرية‪ ،‬ول يعرف‬
‫لاذا يبيتان فيها‪ ،‬نفذ ما معهما من الطعام‪ ،‬فاستطعما أهل القرية فأبوا أن يضيفوها‪ ..‬وجاء‬
‫عليهما الساء‪ ،‬وأوى الثنان إل خلء فيه جدار يريد أن ينقض‪ ..‬جدار يتهاوى ويكاد يهم‬
‫بالسقوط‪ ..‬وفوجئ موسى بأن الرجل العابد ينهض ليقضي الليل كله ف إصلح الدار وبنائه‬
‫من جديد‪ ..‬ويندهش موسى من تصرف رفيقه ومعلمه‪ ،‬إن القرية بيلة‪ ،‬ل يستحق من فيها‬
‫خ ْذتَ عَلَ ْي ِه َأجْرًا)‪ ..‬انتهى المر بذه العبارة‪ ..‬قال عبد ال‬
‫ت لَاتّ َ‬
‫هذا العمل الجان (قَا َل لَ ْو شِئْ َ‬
‫ق بَيْنِي َوبَيِْنكَ)‪.‬‬
‫لوسى‪َ ( :‬هذَا ِفرَا ُ‬
‫لقد حذر العبد الربان موسى من مغبة السؤال‪ .‬وجاء دور التفسي الن‪..‬‬

‫إن كل تصرفات العبد الربان الت أثارت موسى وحيته ل يكن حي فعلها تصدر عن أمره‪..‬‬
‫كان ينفذ إرادة عليا‪ ..‬وكانت لذه الرادة العليا حكمتها الافية‪ ،‬وكانت التصرفات تشي‬
‫بالقسوة الظاهرة‪ ،‬بينما تفي حقيقتها رحة حانية‪ ..‬وهكذا تفي الكوارث أحيانا ف الدنيا‬
‫جوهر الرحة‪ ،‬وترتدي النعم ثياب الصائب وتيد التنكر‪ ،‬وهكذا يتناقض ظاهر المر وباطنه‪،‬‬
‫ول يعلم موسى‪ ،‬رغم علمه الائل غي قطرة من علم العبد الربان‪ ،‬ول يعلم العبد الربان من‬
‫علم ال إل بقدار ما يأخذ العصفور الذي يبلل منقاره ف البحر‪ ،‬من ماء البحر‪..‬‬

‫كشف العبد الربان لوسى شيئي ف الوقت نفسه‪ ..‬كشف له أن علمه ‪-‬أي علم موسى‪-‬‬
‫مدود‪ ..‬كما كشف له أن كثيا من الصائب الت تقع على الرض تفي ف ردائها السود‬
‫الكئيب رحة عظمى‪.‬‬

‫إن أصحاب السفينة سيعتبون خرق سفينتهم مصيبة جاءتم‪ ،‬بينما هي نعمة تتخفى ف زي‬
‫الصيبة‪ ..‬نعمة لن تكشف النقاب عن وجهها إل بعد أن تنشب الرب ويصادر اللك كل‬
‫السفن الوجودة غصبا‪ ،‬ث يفلت هذه السفينة التالفة العيبة‪ ..‬وبذلك يبقى مصدر رزق السرة‬
‫عندهم كما هو‪ ،‬فل يوتون جوعا‪.‬‬

‫أيضا سيعتب والد الطفل القتول وأمه أن كارثة قد دهتهما لقتل وحيدها الصغي البيء‪ ..‬غي‬
‫أن موته يثل بالنسبة لما رحة عظمى‪ ،‬فإن ال سيعطيهما بدل منه غلما يرعاها ف‬
‫شيخوختهما ول يرهقهما طغيانا وكفرا كالغلم القتول‪.‬‬

‫وهكذا تتفي النعمة ف ثياب الحنة‪ ،‬وترتدي الرحة قناع الكارثة‪ ،‬ويتلف ظاهر الشياء عن‬
‫باطنها حت ليحتج نب ال موسى إل تصرف يري أمامه‪ ،‬ث يستلفته عبد من عباد ال إل‬
‫حكمة التصرف ومغزاه ورحة ال الكلية الت تفي نفسها وراء أقنعة عديدة‪.‬‬

‫أما الدار الذي أتعب نفسه بإقامته‪ ،‬من غي أن يطلب أجرا من أهل القرية‪ ،‬كان يبئ تته‬
‫كنا لغلمي يتيمي ضعيفي ف الدينة‪ .‬ولو ترك الدار ينقض لظهر من تته الكن فلم يستطع‬
‫الصغيان أن يدفعا عنه‪ ..‬ولا كان أبوها صالا فقد نفعهما ال بصلحه ف طفولتهما‬
‫وضعفهما‪ ،‬فأراد أن يكبا ويشتد عودها ويستخرجا كنها وها قادران على حايته‪.‬‬

‫ث ينفض الرجل يده من المر‪ .‬فهي رحة ال الت اقتضت هذا التصرف‪ .‬وهو أمر ال ل أمره‪.‬‬
‫فقد أطلعه على الغيب ف هذه السألة وفيما قبلها‪ ،‬ووجهه إل التصرف فيها وفق ما أطلعه‬
‫عليه من غيبه‪.‬‬

‫واختفى هذا العبد الصال‪ ..‬لقد مضى ف الجهول كما خرج من الجهول‪ ..‬إل أن موسى‬
‫تعلم من صحبته درسي مهمي‪:‬‬

‫تعلم أل يغتر بعلمه ف الشريعة‪ ،‬فهناك علم القيقة‪.‬‬

‫وتعلم أل يتجهم قلبه لصائب البشر‪ ،‬فربا تكون يد الرحة الالقة تفي سرها من اللطف‬
‫والنقاذ‪ ،‬واليناس وراء أقنعة الزن واللم والوت‪.‬‬

‫هذه هي الدروس الت تعلمها موسى كليم ال عز وجل ورسوله من هذا العبد الدثر بالفاء‪.‬‬

‫والن من يكون صاحب هذا العلم إذن‪..‬؟ أهو ول أم نب‪..‬؟‬

‫يرى كثي من الصوفية أن هذا العبد الربان ول من أولياء ال تعال‪ ،‬أطلعه ال على جزء من‬
‫علمه اللدن بغي أسباب انتقال العلم العروفة‪ ..‬ويرى بعض العلماء أن هذا العبد الصال كان‬
‫نبيا‪ ..‬ويتج أصحاب هذا الرأي بأن سياق القصة يدل على نبوته من وجوه‪:‬‬

‫‪ .1‬أحدها قوله تعال‪:‬‬

‫َفوَ َجدَا عَ ْبدًا ّمنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ َرحْ َمةً ِمنْ عِن ِدنَا وَعَلّمْنَاهُ مِن ّلدُنّا عِلْمًا (‪( )65‬الكهف)‬

‫‪ .2‬والثان قول موسى له‪:‬‬


‫قَالَ َل ُه مُوسَى َهلْ َأتِّبعُكَ عَلَى أَن ُتعَلّ َمنِ مِمّا عُلّمْتَ ُرشْدًا (‪ )66‬قَالَ ِإّنكَ لَن َتسْتَطِي َع َمعِيَ‬
‫ج ُدنِي إِن شَاء اللّهُ صَاِبرًا َولَا‬
‫ط ِبهِ خُ ْبرًا (‪ )68‬قَالَ سَتَ ِ‬
‫ح ْ‬
‫ف تَصِْبرُ عَلَى مَا َلمْ تُ ِ‬
‫صَ ْبرًا (‪ )67‬وَكَيْ َ‬
‫ك مِ ْنهُ ذِ ْكرًا (‪)70‬‬
‫ث لَ َ‬
‫سأَلْنِي عَن شَيْ ٍء حَتّى ُأ ْحدِ َ‬
‫ك أَ ْمرًا (‪ )69‬قَا َل َفإِنِ اتَّبعْتَنِي فَلَا َت ْ‬
‫أَعْصِي َل َ‬
‫(الكهف)‬

‫فلو كان وليا ول يكن نب‪ ،‬ل ياطبه موسى بذه الخاطبة‪ ،‬ول يرد على موسى هذا الرد‪ .‬ولو‬
‫أنه كان غي نب‪ ،‬لكان هذا معناه أنه ليس معصوما‪ ،‬ول يكن هناك دافع لوسى‪ ،‬وهو النب‬
‫العظيم‪ ،‬وصاحب العصمة‪ ،‬أن يلتمس علما من ول غي واجب العصمة‪.‬‬

‫‪ .3‬والثالث أن الضر أقدم على قتل ذلك الغلم بوحي من ال وأمر منه‪ ..‬وهذا دليل مستقل‬
‫على نبوته‪ ،‬وبرهان ظاهر على عصمته‪ ،‬لن الول ل يوز له القدام على قتل النفوس بجرد‬
‫ما يلقى ف خلده‪ ،‬لن خاطره ليس بواجب العصمة‪ ..‬إذ يوز عليه الطأ بالتفاق‪ ..‬وإذن ففي‬
‫إقدام الضر على قتل الغلم دليل نبوته‪.‬‬

‫‪ .4‬والرابع قول الضر لوسى‪:‬‬

‫َرحْ َمةً مّن ّرّبكَ َومَا َفعَلُْتهُ َع ْن َأمْرِي‬

‫يعن أن ما فعلته ل أفعله من تلقاء نفسي‪ ،‬بل أمر أمرت به من ال وأوحي إل فيه‪.‬‬

‫فرأى العلماء أن الضر نبيا‪ ،‬أما العباد والصوفية رأوا أنه وليا من أولياء ال‪.‬‬

‫ومن كلمات الضر الت أوردها الصوفية عنه‪ ..‬قول وهب بن منبه‪ :‬قال الضر‪ :‬يا موسى إن‬
‫الناس معذبون ف الدنيا على قدر هومهم با‪ .‬وقول بشر بن الارث الاف‪ ..‬قال موسى‬
‫للخضر‪ :‬أوصن‪ ..‬قال الضر‪ :‬يسر ال عليك طاعته‪.‬‬

‫ونن نيل إل اعتباره نبيا لعلمه اللدن‪ ،‬غي أننا ل ند نصا ف سياق القرآن على نبوته‪ ،‬ول‬
‫ند نصا مانعا من اعتباره وليا آتاه ال بعض علمه اللدن‪ ..‬ولعل هذا الغموض حول شخصه‬
‫الكري جاء متعمدا‪ ،‬ليخدم الدف الصلي للقصة‪ ..‬ولسوف نلزم مكاننا فل نتعداه ونتصم‬
‫حول نبوته أو وليته‪ ..‬وإن أوردناه ف سياق أنبياء ال‪ ،‬لكونه معلما لوسى‪ ..‬وأستاذا له فترة‬
‫من الزمن‪.‬‬

‫قصة ذو القرني‬

‫موقع القصة ف القرآن الكري‪:‬‬

‫ورد ذكر القصة ف سورة الكهف اليات ‪.98-83‬‬

‫سَألُوَنكَ َع ْن ذِي اْلقَ ْرنَ ْينِ ُق ْل َسأَتْلُو عَلَ ْي ُكمْ مِ ْن ُه ذِ ْكرًا ِإنّا َمكّنّا َل ُه فِي اْلأَرْضِ‬
‫قال ال تعال‪َ ((:‬ويَ ْ‬
‫ب فِي عَ ْينٍ حَمَِئةٍ‬
‫س َوجَ َدهَا َت ْغرُ ُ‬
‫وَآتَيْنَا ُه ِمنْ ُك ّل َشيْ ٍء سَبَبًا َفَأتْبَ َع سَبَبًا حَتّى ِإذَا بَلَ َغ َمغْ ِربَ الشّمْ ِ‬
‫خ َذ فِي ِهمْ ُحسْنًا قَالَ َأمّا َمنْ ظَ َلمَ‬
‫َووَ َجدَ عِ ْن َدهَا َق ْومًا قُلْنَا يَا ذَا اْل َقرْنَ ْي ِن ِإمّا أَ ْن ُتعَ ّذبَ َوِإمّا أَ ْن تَتّ ِ‬
‫حسْنَى‬
‫ف ُنعَ ّذُبهُ ُث ّم يُ َر ّد ِإلَى َرّبهِ فَُي َع ّذبُهُ َعذَابًا ُنكْرًا وََأمّا َمنْ آ َم َن وَعَ ِملَ صَالِحًا فَ َلهُ َجزَاءً الْ ُ‬
‫سوْ َ‬
‫َف َ‬
‫س َوجَ َدهَا تَطْ ُلعُ عَلَى قَوْ ٍم َلمْ‬
‫َوسََنقُولُ َل ُه ِمنْ َأ ْمرِنَا ُيسْرًا ثُ ّم َأتْبَ َع سَبَبًا حَتّى إِذَا بَلَ َغ مَطْلِ َع الشّمْ ِ‬
‫ج َع ْل َلهُ ْم ِمنْ دُوِنهَا سِ ْترًا َك َذِلكَ َو َقدْ َأحَطْنَا بِمَا َل َديْ ِه خُ ْبرًا ُثمّ َأتْبَ َع سَبَبًا حَتّى ِإذَا بَلَ َغ بَ ْينَ‬
‫نَ ْ‬
‫ج َومَ ْأجُوجَ‬
‫سدّْينِ وَ َجدَ ِم ْن دُوِنهِمَا َقوْمًا لَا َيكَادُونَ َي ْف َقهُو َن َقوْلًا قَالُوا يَا ذَا الْ َق ْرنَ ْينِ إِ ّن َي ْأجُو َ‬
‫ال ّ‬
‫ج َع َل بَيْنَنَا وَبَيَْن ُهمْ َسدّا قَالَ مَا مَكّنّي فِيهِ‬
‫ك َخرْجًا عَلَى أَ ْن تَ ْ‬
‫ج َع ُل لَ َ‬
‫ض َفهَ ْل نَ ْ‬
‫سدُو َن فِي اْلأَرْ ِ‬
‫ُم ْف ِ‬
‫حدِيدِ حَتّى ِإذَا سَاوَى بَ ْينَ‬
‫َربّي خَيْ ٌر َفأَعِينُونِي ِبقُ ّو ٍة أَ ْج َعلْ بَيَْن ُكمْ َوبَيَْن ُهمْ َردْمًا آتُونِي ُزَبرَ الْ َ‬
‫ص َدفَيْ ِن قَا َل انْفُخُوا حَتّى ِإذَا َجعَلَ ُه نَارًا قَالَ آتُونِي ُأ ْفرِغْ عَلَ ْي ِه قِ ْطرًا فَمَا اسْطَاعُوا أَ ْن يَ ْظ َهرُوهُ‬
‫ال ّ‬
‫َومَا اسْتَطَاعُوا َلهُ َنقْبًا قَالَ هَذَا َرحْ َمةٌ ِمنْ َربّي َفِإذَا جَا َء وَ ْعدُ َربّي َجعَلَ ُه دَكّا َء وَكَا َن وَ ْعدُ َربّي‬
‫َحقّا ))‬

‫القصة‪:‬‬

‫ل نعلم قطعا من هو ذو القرني‪ .‬كل ما يبنا القرآن عنه أنه ملك صال‪ ،‬آمن بال وبالبعث‬
‫وبالساب‪ ،‬فمكّن ال له ف الرض‪ ،‬وقوّى ملكه‪ ،‬ويسر له فتوحاته‪.‬‬
‫بدأ ذو القرني التجوال بيشه ف الرض‪ ،‬داعيا إل ال‪ .‬فاته غربا‪ ،‬حت وصل للمكان الذي‬
‫تبدو فيه الشمس كأنا تغيب من وراءه‪ .‬وربا يكون هذا الكان هو شاطئ الحيط الطلسي‪،‬‬
‫حيث كان يظن الناس أل يابسة وراءه‪ .‬فألمه ال – أو أوحى إليه‪ -‬أنه مالك أمر القوم الذين‬
‫يسكنون هذه الديار‪ ،‬فإما أن يعذهم أو أن يسن إليهم‪.‬‬

‫فما كان من اللك الصال‪ ،‬إل أن وضّح منهجه ف الكم‪ .‬فأعلن أنه سيعاقب العتدين الظالي‬
‫ف الدنيا‪ ،‬ث حسابم على ال يوم القيامة‪ .‬أما من آمن‪ ،‬فسيكرمه ويسن إليه‪.‬‬

‫بعحد أن انتهحى ذو القرنيح محن أمحر الغرب‪ ،‬توجحه للشرق‪ .‬فوصحل لول منطقحة تطلع عليهحا‬
‫الشمس‪ .‬وكانت أرضا مكشوفة ل أشجار فيها ول مرتفات تجب الشمس عن أهلها‪ .‬فحكم‬
‫ذو القرني ف الشرق بنفس حكمه ف الغرب‪ ،‬ث انطلق‪.‬‬

‫وصل ذو القرني ف رحلته‪ ،‬لقوم يعيشون بي جبلي أو سدّين بينهما فجوة‪ .‬وكانوا يتحدثون‬
‫بلغتهم الت يصعب فهمها‪ .‬وعندما وجدوه ملكا قويا طلبوا منه أن يساعدهم ف صد يأجوج‬
‫ومأجوج بأن يبن لم سدا لذه الفجوة‪ ،‬مقابل خراج من الال يدفعونه له‪.‬‬

‫فوافق اللك الصال على بناء السد‪ ،‬لكنه زهد ف مالم‪ ،‬واكتفى بطلب مساعدتم ف العمل‬
‫على بناء السد وردم الفجوة بي البلي‪.‬‬

‫استخدم ذو القرني وسيلة هندسية ميزة لبناء ال سّد‪ .‬فقام أول بمع قطع الديد ووضعها ف‬
‫الفتحة حت تساوى الركام مع قمت البلي‪ .‬ث أوقد النار على الديد‪ ،‬وسكب عليه ناسا‬
‫مذابحا ليلتححم وتشتحد صحلبته‪ .‬فسحدّت الفجوة‪ ،‬وانقطحع الطريحق على يأجوج ومأجوج‪ ،‬فلم‬
‫يتمكنوا من هدم السّد ول تسوّره‪ .‬وأمن القوم الضعفاء من شرّهم‪.‬‬

‫بعد أن انتهى ذو القرني من هذا العمل البار‪ ،‬نظر لل سّد‪ ،‬وحد ال على نعمته‪ ،‬وردّ الفضل‬
‫والتوفيق ف هذا العمل ل سبحانه وتعال‪ ،‬فلم تأخذه العزة‪ ،‬ول يسكن الغرور قلبه‪.‬‬
‫يقول سيّد قطب رحه ال‪" :‬وبذلك تنتهي هذه اللقة من سية ذي القرني‪ .‬النموذج الطيب‬
‫ح وغربحا;‬
‫للحا كم ال صال‪ .‬يكنحه ال ف الرض‪ ,‬وييسحر له السحباب; فيجتاح الرض شرق ا‬
‫ولك نه ل يت جب ول يت كب‪ ,‬ول يط غى ول يتب طر‪ ,‬ول يت خذ من الفتوح و سيلة للغ نم الادي‪،‬‬
‫وا ستغلل الفراد والماعات والوطان‪ ,‬ول يعا مل البلد الفتو حة معاملة الرق يق; ول ي سخر‬
‫أهلها ف أغراضه وأطماعه‪ ..‬إنا ينشر العدل ف كل مكان يل به‪ ,‬ويساعد التخلفي‪ ,‬ويدرأ‬
‫عن هم العدوان دون مقا بل; وي ستخدم القوة ال ت ي سرها ال له ف التعم ي وال صلح‪ ,‬ود فع‬
‫العدوان وإحقاق ال ق‪ .‬ث ير جع كل خ ي يق قه ال على يد يه إل رح ة ال وف ضل ال‪ ,‬ول‬
‫ينسى وهو ف إبان سطوته قدرة ال وجبوته‪ ,‬وأنه راجع إل ال‪( ".‬ف ظلل القرآن)‪.‬‬

‫يأجوج ومأجوج ‪:‬‬

‫يأجوج ومأجوج اسان أعجميان ‪ ،‬وقيل ‪ :‬عربيان‬

‫وعلى هذا يكون اشتقاقهما من أجت النار أجيجا ‪ :‬إذا التهبت ‪ .‬أو من الجاج ‪ :‬وهو الاء‬
‫الشديد اللوحة ‪ ،‬الحرق من ملوحته ‪ ،‬وقيل عن الج ‪ :‬وهو سرعة العدو‪ .‬وقيل ‪ :‬مأجوج من‬
‫ماج إذا اضطرب‪،‬ويؤيد هذا الشتقاق قوله تعال ( وتركنا بعضهم يومئذ يوج ف بعض ) ‪،‬‬
‫وها على وزن يفعول ف ( يأجوج ) ‪ ،‬ومفعول ف ( مأجوج ) أو على وزن فاعول فيهما‬

‫هذا إذا كان السان عربيان ‪ ،‬أما إذا كانا أعجميي فليس لما اشتقاق ‪ ،‬لن العجمية ل‬
‫تشتق‬

‫وأصل يأجوج ومأجوج من البشر من ذرية آدم وحواء عليهما السلم ‪ .‬وها من ذرية يافث‬
‫أب الترك ‪ ،‬ويافث من ولد نوح عليه السلم ‪ .‬والذي يدل على أنم من ذرية آدم عليه‬
‫السلم ما رواه البخاري عن أب سعيد الدري رضي ال عنه عن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم قال ( يقول ال تعال ‪ :‬يا آدم ! فيقول لبيك وسعديك ‪ ،‬والي ف يديك ‪ .‬فيقول اخرج‬
‫بعث النار ‪ .‬قال ‪ :‬وما بعث النار ؟ قال ‪ :‬من كل ألف تسع مئة وتسعة وتسعي ‪ .‬فعنده‬
‫يشيب الصغي وتضع كل ذات حل حلها‪ ،‬وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ‪ ،‬ولكن‬
‫عذاب ال شديد )‪ .‬قالوا ‪ :‬وأينا ذلك الواحد ؟ قال ‪ ( :‬ابشروا فإن منكم رجل ومن يأجوج‬
‫ومأجوج ألف) رواه البخاري‬

‫وعن عبدال بن عمرو عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ( أن يأجوج ومأجوج من ولد‬
‫آدم ‪ ،‬وأنم لو أرسلوا إل الناس لفسدوا عليهم معايشهم‪ ،‬ولن يوت منهم أحد إل ترك من‬
‫ذريته ألفا فصاعدا )‬

‫صفتهم‬

‫هم يشبهون أبناء جنسهم من الترك الغول‪ ،‬صغار العيون ‪ ،‬ذلف النوف ‪ ،‬صهب الشعور‪،‬‬
‫عراض الوجوه‪ ،‬كأن وجوههم الجان الطرقة ‪ ،‬على أشكال الترك وألوانم ‪ .‬وروى المام‬
‫أحد ‪ :‬خطب رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو عاصب أصبعه من لدغة عقرب ‪ ،‬فقال‬
‫( إنكم تقولون ل عدو ‪ ،‬وإنكم ل تزالون تقاتلون عدوا حت يأت يأجوج ومأجوج ‪ :‬عراض‬
‫الوجوه ‪ ،‬صغار العيون ‪ ،‬شهب الشعاف ( الشعور ) ‪ ،‬من كل حدب ينسلون ‪ ،‬كأن وجوههم‬
‫الجان الطرقة) ‪.‬‬

‫وقد ذكر ابن حجر بعض الثار ف صفتهم ولكنها كلها روايات ضعيفة ‪ ،‬وما جاء فيها أنم‬
‫ثلثة أصناف‬

‫صنف أجسادهم كالرز وهو شجر كبار جدا‬

‫وصنف أربعة أذرع ف أربعة أذرع‬


‫وصنف يفترشون آذانم ويلتحفون بالخرى‬

‫وجاء أيضا أن طولم شب وشبين ‪ ،‬وأطولم ثلثة أشبار‬

‫والذي تدل عليه الروايات الصحيحة أنم رجال أقوياء ‪ ،‬ل طاقة لحد بقتالم‪ ،‬ويبعد أن‬
‫يكون طول أحدهم شب أو شبين‪ .‬ففي حديث النواس بن سعان أن ال تعال يوحي إل عيسى‬
‫عليه السلم بروج يأجوج ومأجوج ‪ ،‬وأنه ل يدان لحد بقتالم‪ ،‬ويأمره بإبعاد الؤمني من‬
‫طريقهم ‪ ،‬فيقول لم ( حرز عبادي إل الطور)‬

‫أدلة خروجهم‬

‫قال تعال ( حت إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ‪ .‬واقترب الوعد‬
‫الق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا ف غفلة من هذا بل كنا ظالي )‬
‫النبياء‪97-96:‬‬

‫وقال تعال ف قصة ذي القرني ( ث أتبع سببا ‪ .‬حت إذا بلغ بي السدين وجد من دونما قوما‬
‫ل يكادون يفقهون قول‪ .‬قالوا يا ذا القرني إن يأجوج ومأجوج مفسدون ف الرض فهل نعل‬
‫لك خرجا على أن تعل بيننا وبينهم سدا ‪ .‬قال ما مكن فيه رب خي فأعينون بقوة أجعل‬
‫بينكم وبينهم ردما ‪ .‬آتون زبر الديد حت إذا ساوى بي الصدفي قال انفخوا حت إذا جعله‬
‫نارا قال آتون أفرغ عليه قطرا ‪ .‬فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا‪ .‬قال هذا رحة‬
‫من رب فإذا جاء وعد رب جعله دكاء وكان وعد رب حقا ‪ .‬وتركنا بعضهم يوج ف بعض‬
‫ونفخ ف الصور فجمعناهم جعا ) الكهف ‪99 -92 :‬‬

‫وهذه اليات تدل على خروجهم ‪ ،‬وأن هذا علمة على قرب النفخ ف الصور وخراب الدنيا‪،‬‬
‫وقيام الساعة‬
‫وعن أم حبيبة بنت أب سفيان عن زينب بنت جحش ان رسول ال صلى ال عليه وسلم دخل‬
‫عليها يوما فزعا يقول ( ل إله إل ال ‪ ،‬ويل للعرب من شر قد اقترب‪ ،‬فتح اليوم من ردم‬
‫يأجوج ومأجوج مثل هذه ( وحلق بأصبعه البام والت تليها ) قالت زينب بنت جحش ‪:‬‬
‫فقلت يا رسول ال ! أنلك وفينا الصالون ؟ قال ‪ ( :‬نعم ‪ ،‬إذا كثر البث )‬

‫وجاء ف حديث النواس بن سعان رضي ال عنه وفيه ( إذا أوحى ال على عيسى أن قد‬
‫أخرجت عبادا ل ل يدان لحد بقتالم ‪ ،‬فحرز عبادي إل الطور ‪ ،‬ويبعث ال يأجوج‬
‫ومأجوج ‪ ،‬وهم من كل حدب ينسلون ‪ ،‬فيمر أولئك على بية طبية ‪ ،‬فيشربون ما فيها ‪،‬‬
‫وير آخرهم فيقولون ‪ :‬لقد كان بذه مرة ماء ‪ ،‬ويصر نب ال عيسى وأصحابه حت يكون‬
‫رأس الثور لحدهم خيا من مئة دينار لحدكم اليوم ‪ ،‬فيغب إل ال عيسى وأصحابه ‪،‬‬
‫فيسل ال عليهم النغف( دود يكون ف أنوف البل والغنم ) ف رقابم فيصبحون فرسى ( أي‬
‫قتلى ) كموت نفس واحدة ‪ ،‬ث يهبط نب ال عيسى وأصحابه إل الرض فل يدون موضع‬
‫شب إل مله زههم ونتنهم فيغب نب ال عيسى وأصحابه إل ال ‪ ،‬فيسل ال طيا كأعناق‬
‫البخت ‪ ،‬فتحملهم فتطرحهم حيث شاء ال ) رواه مسلم وزاد ف رواية – بعد قوله ( لقد‬
‫كان بذه مرة ماء ) – ( ث يسيون حت ينتهوا إل جبل المر ‪ ،‬وهو جبل بيت القدس‬
‫فيقولون ‪ :‬لقد قتلنا من ف الرض ‪ ،‬هلم فلنقتل من ف السماء ‪ ،‬فيمون بنشابم إل السماء‬
‫فيد ال عليهم نشابم مضوبة دما )‬

‫وجاء ف حديث حذيفة رضي ال عنه ف ذكر أشراط الساعة فذكر منها ( يأجوج ومأجوج )‬
‫رواه مسلم‬

‫سد يأجوج ومأجوج‬

‫بن ذو القرني سد يأجوج ومأجوج ‪ ،‬ليحجز بينهم وبي جيانم الذين استغاثوا به منهم‪ .‬كما‬
‫قال تعال ( قالوا يا ذا القرني إن يأجوج ومأجوج مفسدون ف الرض فهل نعل خرجا على‬
‫أن تعل بيننا وبينهم سدا‪ .‬قال ما مكن فيه رب خي فأعينون بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما)‬
‫الكهف‬

‫هذا ما جاء به الكلم على بناء السد ‪ ،‬أما مكانه ففي جهة الشرق لقوله تعال ( حت إذا بلغ‬
‫مطلع الشمس ) ول يعرف مكان هذا السد بالتحديد‬

‫والذي تدل عليه اليات أن السد بن بي جبلي ‪ ،‬لقوله تعال ( حت إذا بلغ بي السدين )‬
‫والسدان ‪ :‬ها جبلن متقابلن‪ .‬ث قال ( حت إذا ساوى بي الصدفي) ‪ ،‬أي ‪ :‬حاذى به‬
‫رؤوس البلي وذلك بزبر الديد‪ ،‬ث أفرغ عليه ناس مذابا ‪ ،‬فكان السد مكما‬

‫وهذا السد موجود إل أن يأت الوقت الحدد لدك هذا السد ‪ ،‬وخروج يأجوج ومأجوج‪،‬‬
‫وذلك عند دنو الساعة‪ ،‬كما قال تعال ( قال هذا رحة من رب فإذا جاء وعد رب جعله دكاء‬
‫وكان وعد رب حقا ‪ .‬وتركنا بعضهم يومئذ يوج ف بعض ونفخ ف الصور فجمعناهم جعا )‬
‫الكهف‬

‫والذي يدل على أن هذا السد موجود ل يندك ما روي عن أب هريرة رضي ال عنه عن النب‬
‫صلى ال عليه وسلم قال ( يفرونه كل يوم حت إذا كادوا يرقونه‪ ،‬قال الذي عليهم‪ :‬ارجعوا‬
‫فستخرقونه غدا ‪ .‬قال ‪ :‬فيعيده ال عز وجل كأشد ما كان ‪ ،‬حت إذا بلغوا مدتم‪ ،‬وأراد ال‬
‫تعال أن يبعثهم على الناس ‪ ،‬قال الذي عليهم ‪ :‬ارجعوا فستخرقونه غدا إن شاء ال تعال‪،‬‬
‫واستثن‪ .‬قال ‪ :‬فيجعون وهو كهيئته حي تركوه ‪ ،‬فيخرقونه ويرجون على الناس ‪ ،‬فيستقون‬
‫الياه ‪ ،‬ويفر الناس منهم ) رواه الترمذي وابن ماجه والاكم‬
‫قصة قارون‬

‫موقع القصة ف القرآن الكري‪:‬‬

‫ورد ذكر قارون ف سورة العنكبوت‪ ،‬وغافر‪ ،‬وورد ذكر القصة بتفصيل أكثر ف سورة‬
‫القصص اليات ‪.82-76‬‬

‫ح ُه لَتَنُوءُ‬
‫قال تعال‪ ((:‬إِ ّن قَارُونَ كَا َن مِن قَوْ ِم مُوسَى فََبغَى عَلَ ْي ِه ْم وَآتَيْنَاهُ ِم َن الْكُنُو ِز مَا إِ ّن َمفَاتِ َ‬
‫ب اْلفَ ِرحِيَ (‪ )76‬وَابْتَ ِغ فِيمَا آتَاكَ‬
‫بِالْعُصَْب ِة أُولِي اْلقُ ّو ِة ِإذْ قَالَ َل ُه َقوْ ُمهُ لَا َت ْفرَحْ إِ ّن ال ّلهَ لَا يُحِ ّ‬
‫ك وَلَا تَبْ ِغ الْ َفسَادَ فِي‬
‫سنَ ال ّل ُه ِإلَيْ َ‬
‫ك ِمنَ ال ّدنْيَا َوأَ ْحسِن كَمَا أَ ْح َ‬
‫ال ّلهُ الدّارَ الْآ ِخ َرةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَ َ‬
‫سدِينَ (‪ )77‬قَا َل ِإنّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِ ْلمٍ عِندِي َأ َولَ ْم َيعْلَ ْم أَ ّن ال ّلهَ َقدْ‬
‫حبّ الْ ُم ْف ِ‬
‫ض إِنّ ال ّل َه لَا يُ ِ‬
‫اْلأَرْ ِ‬
‫ج ِرمُونَ (‬
‫سَألُ عَن ُذنُوبِ ِهمُ الْ ُم ْ‬
‫َأهْ َلكَ مِن قَبْ ِلهِ ِم َن ال ُقرُونِ َم ْن ُهوَ َأشَ ّد مِ ْنهُ قُ ّو ًة َوأَكَْثرُ جَ ْمعًا َولَا ُي ْ‬
‫ت لَنَا مِ ْث َل مَا أُوتِ َي قَارُونُ‬
‫خرَجَ عَلَى َق ْو ِمهِ فِي زِينَِتهِ قَالَ اّلذِي َن ُيرِيدُونَ الْحَيَا َة الدّنيَا يَا لَيْ َ‬
‫‪ )78‬فَ َ‬
‫ِإّنهُ َلذُو حَظّ عَظِيمٍ (‪َ )79‬وقَا َل الّذِينَ أُوتُوا اْلعِ ْلمَ َويْ َلكُ ْم َثوَابُ ال ّل ِه خَيْ ٌر لّ َمنْ آ َم َن وَعَ ِملَ‬
‫صرُونَهُ‬
‫ض فَمَا كَا َن َلهُ مِن فَِئةٍ يَن ُ‬
‫سفْنَا ِب ِه وَِبدَا ِرهِ اْلأَرْ َ‬
‫خَ‬‫صَالِحًا َولَا يُ َلقّاهَا ِإلّا الصّاِبرُونَ (‪ )80‬فَ َ‬
‫س يَقُولُو َن َويْ َكأَنّ‬
‫ح الّذِينَ تَمَّنوْا مَكَانَ ُه بِالَْأمْ ِ‬
‫صرِينَ (‪ )81‬وَأَصَْب َ‬
‫مِن دُونِ ال ّلهِ َومَا كَانَ مِ َن الُنتَ ِ‬
‫خسَفَ بِنَا َويْ َكَأنّ ُه لَا ُيفْلِحُ‬
‫ق لِمَن َيشَاء ِمنْ عِبَا ِدهِ َوَيقْدِ ُر َلوْلَا أَن مّ ّن ال ّلهُ عَلَيْنَا لَ َ‬
‫ال ّلهَ يَ ْبسُطُ الرّزْ َ‬
‫ض َولَا َفسَادًا وَاْلعَاقَِبةُ‬
‫جعَ ُلهَا لِلّذِينَ لَا ُيرِيدُونَ عُ ُلوّا فِي اْلأَرْ ِ‬
‫ك الدّا ُر الْآ ِخ َرةُ نَ ْ‬
‫اْلكَا ِفرُونَ (‪ )82‬تِلْ َ‬
‫لِلْمُّتقِي َ))‬

‫القصة‪:‬‬

‫يروي لنا القرآن قصة قارون‪ ،‬وهو من قوم موسى‪ .‬لكن القرآن ل يدد زمن القصة ول‬
‫مكانا‪ .‬فهل وقعت هذه القصة وبنو إسرائيل وموسى ف مصر قبل الروج؟ أو وقعت بعد‬
‫الروج ف حياة موسى؟ أم وقعت ف بن إسرائيل من بعد موسى؟ وبعيدا عن الروايات‬
‫الختلفة‪ ،‬نورد القصة كما ذكرها القرآن الكري‪.‬‬
‫يدثنا ال عن كنوز قارون فيقول سبحانه وتعال إن مفاتيح الجرات الت تضم الكنوز‪ ،‬كان‬
‫يصعب حلها على مموعة من الرجال الشداء‪ .‬ولو عرفنا عن مفاتيح الكنوز هذه الال‪،‬‬
‫فكيف كانت الكنوز ذاتا؟! لكن قارون بغى على قومه بعد أن آتاه ال الثراء‪ .‬ول يذكر‬
‫القرآن فيم كان البغي‪ ،‬ليدعه مهل يشمل شت الصور‪ .‬فربا بغى عليهم بظلمهم وغصبهم‬
‫أرضهم وأشياءهم‪ .‬وربا بغى عليهم برمانم حقهم ف ذلك الال‪ .‬حق الفقراء ف أموال‬
‫الغنياء‪ .‬وربا بغى عليهم بغي هذه السباب‪.‬‬

‫ويبدو أن العقلء من قومه نصحوه بالقصد والعتدال‪ ،‬وهو النهج السليم‪ .‬فهم يذروه من‬
‫الفرح الذي يؤدي بصاحبه إل نسيان من هو النعم بذا الال‪ ،‬وينصحونه بالتمتع بالال ف‬
‫الدنيا‪ ،‬من غي أن ينسى الخرة‪ ،‬فعليه أن يعمل لخرته بذا الال‪ .‬ويذكرونه بأن هذا الال هبة‬
‫من ال وإحسان‪ ،‬فعليه أن يسن ويتصدق من هذا الال‪ ،‬حت يرد الحسان بالحسان‪.‬‬
‫ويذرونه من الفساد ف الرض‪ ،‬بالبغي‪ ،‬والظلم‪ ،‬والسد‪ ،‬والبغضاء‪ ،‬وإنفاق الال ف غي‬
‫وجهه‪ ،‬أو إمساكه عما يب أن يكون فيه‪ .‬فال ل يب الفسدين‪.‬‬

‫فكان رد قارون جلة واحد تمل شت معان الفساد (قَالَ ِإنّمَا أُوتِيُتهُ عَلَى عِ ْلمٍ عِندِي)‪ .‬لقد‬
‫أنساه غروره مصدر هذه النعمة وحكمتها‪ ،‬وفتنه الال وأعماه الثراء‪ .‬فلم يستمع قارون لنداء‬
‫قومه‪ ،‬ول يشعر بنعمة ربه‪.‬‬

‫وخرج قارون ذات يوم على قومه‪ ،‬بكامل زينته‪ ،‬فطارت قلوب بعض القوم‪ ،‬وتنوا أن لديهم‬
‫مثل ما أوت قارون‪ ،‬وأحسوا أنه ف نعمة كبية‪ .‬فرد عليهم من سعهم من أهل العلم واليان‪:‬‬
‫ويلكم أيها الخدوعون‪ ،‬احذروا الفتنة‪ ،‬واتقوا ال‪ ،‬واعلموا أن ثواب ال خي من هذه الزينة‪،‬‬
‫وما عند ال خي ما عند قارون‪.‬‬

‫وعندما تبلغ فتنة الزينة ذروتا‪ ،‬وتتهافت أمامها النفوس وتتهاوى‪ ،‬تتدخل القدرة اللية لتضع‬
‫حدا للفتنة‪ ،‬وترحم الناس الضعاف من إغراءها‪ ،‬وتطم الغرور والكبياء‪ ،‬فيجيء العقاب‬
‫سفْنَا ِبهِ َوِبدَا ِر ِه الْأَرْضَ) هكذا ف لحة خاطفة ابتلعته الرض وابتلعت داره‪ .‬وذهب‬
‫خَ‬‫حاسا (فَ َ‬
‫ضعيفا عاجزا‪ ،‬ل ينصره أحد‪ ،‬ول ينتصر باه أو مال‪.‬‬
‫وبدأ الناس يتحدثون إل بعضهم البعض ف دهشة وعجب واعتبار‪ .‬فقال الذين كانوا يتمنون أن عندهم مال قارون وسلطانه وزينته وحظه ف‬
‫الدنيا‪ :‬حقا إن ال تعال يبسط الرزق لن يشاء من عباده ويوسع عليهم‪ ،‬أو يقبض ذلك‪ ،‬فالمد ل أن منّ علينا فحفظنا من السف والعذاب‬
‫الليم‪ .‬إنا تبنا إليك سبحانك‪ ،‬فلك المد ف الول والخ‬

‫قصة أصحاب الرس‬

‫قال تعال ف سورة الفرقان ‪:‬‬

‫س وَ ُقرُونًا بَ ْينَ َذِلكَ كَِثيًا ))‪.‬‬


‫(( وَعَادًا َوثَمُودَ َوأَصْحَابَ الرّ ّ‬

‫وقال تعال ف سورة ق‪:‬‬

‫س َوثَمُو ُد ))‬
‫ب الرّ ّ‬
‫صحَا ُ‬
‫ح وَأَ ْ‬
‫ت قَبْ َل ُهمْ َقوْ ُم نُو ٍ‬
‫(( َك ّذبَ ْ‬

‫القصة‪:‬‬

‫كان من قصتهم ‪ :‬أنم كانوا يعبدون شجرة صنوبر ‪ ,‬يقال لا ( شاهدرخت ) كان يافث بن‬
‫نوح غرسها على شفي عي يقال لا ( روشنا آب )‪.‬‬

‫وإنا سوا أصحاب الرس لنم رسوا نبيهم ف الرض ‪ ,‬وذلك بعد سليمان عليه السلم‬
‫وكانت لم اثنتا عشرة قرية على شاطيء نر يقال له الرس من بلد الشرق ‪ ,‬وبم سي النهر‬
‫‪ ,‬ول يكن يومئذ ف الرض نر أغزر منه ول أعذب منه ول قرى أكثر ول أعمر منها ‪ .‬وذكر‬
‫عليه السلم أساءها ‪ ,‬وكان أعظم مداينهم اسفندار وهي الت ينلا ملكهم ‪ ,‬وكان يسمى‬
‫تركوذ بن غابور بن يارش بن ساذن بن نرود بن كنعان فرعون إ براهيم عليه السلم ‪ ,‬وبا‬
‫العي الصنوبرة وقد غرسوا ف كل قرية منها حبة من طلع تلك الصنوبرة وأجروا إليها نرا من‬
‫العي الت عند الصنوبرة ‪ ,‬فنبتت البة وصارت شجرة عظيمة وحرموا ماء العي والنار ‪ ,‬فل‬
‫يشربون منها ول أنعامهم ‪ ,‬ومن فعل ذلك قتلوه ‪ ,‬ويقولون هو حياة آلتنا فل ينبغي لحد أن‬
‫ينقص من حياتنا ويشربون هم وأنعامهم من نر الرس الذي عليه قراهم ‪ ,‬وقد جعلوا ف كل‬
‫شهر من السنة ف كل قرية عيدا يتمع إليه أهلها فيضربون على الشجرة الت با كلة من‬
‫حرير فيها من أنواع الصور ث يأتون بشاة وبقر فيذبونا قربانا للشجرة ‪ ,‬ويشعلون فيها‬
‫النيان بالطب ‪ ,‬فإذا سطع دخان تلك الذبائح وقتارها ف الواء وحال بينهم وبي النظر إل‬
‫السماء خرو سجدا يبكون ويتضرعون إليها أن ترضى عنهم‪.‬‬
‫فكان الشيطان ييء فيحرك أغصانا ويصيح من ساقها صياح الصب أن قد رضيت عنكم‬
‫عبادي فطيبوا نفسا وقروا عينا‪ .‬فيفعون رؤوسهم عند ذلك ويشربون المر ويضربون‬
‫بالعازف ويأخذون الدستبند – يعن الصنج – فيكونون على ذلك يومهم وليلتهم ث‬
‫ينصرفون‪ .‬وسيت العجم شهورها إشتقاقا من تلك القرى‪.‬‬
‫حت إذا كان عيد قريتهم العظمى إجتمع إليها صغيهم وكبيهم فضربواعند الصنوبرة والعي‬
‫سرادقا من ديباج عليه من أنواع الصور وجعلوا له اثنا عشر بابا كل باب لهل قرية منهم‬
‫ويسجدون للصنوبرة خارجا من السرادق ويقربون لا الذبائح أضعاف ما قربوا للشجرة الت‬
‫ف قراهم‪.‬‬
‫فيجيء إبليس عند ذلك فيحرك الصنوبرة تريكا شديدا ويتكلم من جوفها كلما جهوريا‬
‫ويعدهم وينيهم بأكثر ما وعدتم ومنتهم الشياطي كلها فيحركون رؤوسهم من السجود وبم‬
‫من الفرح والنشاط ما ل يعيقون ول يتكلمون من الشرب والعزف فيكونون على ذلك اثنا‬
‫عشر يوما لياليها بعدد أعيادهم سائر السنة ث ينصرفون‪ .‬فلما طال كفرهم بال عز وجل‬
‫وعبادتم غيه ‪ ,‬بعث ال نبيا من بن إسرائيل من ولد يهودا بن يعقوب ‪ ,‬فلبث فيهم زمانا‬
‫طويل يدعوهم إل عبادة ال عز وجل ومعرفة ربوبيته ‪ ,‬فل يتبعونه‪.‬‬
‫فلما رأى شدة تاديهم ف الغي وحضر عيد قريتهم العظمى ‪ ,‬قال‪ :‬يا رب ان عبادك أبوا إل‬
‫تكذيب وغدوا يعبدون شجرة ل تضر ول تنفع ‪ ,‬فأيبس شجرهم اجع وأرهم قدرتك‬
‫وسلطانك‪ .‬فأصبح القوم وقد أيبس شجرهم كلها ‪ ,‬فهالم ذلك ‪ ,‬فصاروا فرقتي ‪ ,‬فرقة‬
‫قالت‪ :‬سحر آلتكم هذا الرجل الذي زعم أنه رسول رب السماء والرض إليكم ليصرف‬
‫وجوهكم عن آلتكم إل إله‪ .‬وفرقة قالت‪ :‬ل ‪ ,‬بل غضبت آلتكم حي رأت هذا الرجل‬
‫يعيبها ويدعوكم إل عبادة غيها فحجب حسنها وباؤها لكي تغضبوا لا‪ .‬فتنصروا منه وأجع‬
‫رأيهم على قتله ‪ ,‬فاتذوا أنابيب طوال ونزحوا ما فيها من الاء ‪ ,‬ث حفروا ف قرارها بئرا‬
‫ضيقة الدخل عميقة وأرسلوا فيها نبيهم ‪ ,‬وألقموا فاها صخرة عظيمة ‪ ,‬ث أخرجوا النابيب‬
‫من الاء وقالوا‪ :‬نرجوا الن أن ترضى عنا آلتنا إذا رأت إنا قد قتلنا من يقع فيها ويصد عن‬
‫عبادتا ودفناه تت كبيها يتشفى منه فيعود لنا نورها ونضرتا كما كان‪.‬‬
‫فبقوا عامة يومهم يسمعون أني نبيهم عليه السلم وهو يقول‪ :‬سيدي قد ترى ضيق مكان‬
‫وشدة كرب ‪ ,‬فارحم ضعف ركن ‪ ,‬وقلة حيلت ‪ ,‬وعجل بقبض روحي ول تؤخر إجابة دعوت‬
‫‪ ,‬حت مات‪ .‬فقال ال جل جلله لبئيل عليه السلم ‪ :‬أيظن عبادي هؤلء الذين غرهم‬
‫حلمي وأمنوا مكري وعبدوا غيي وقتلوا رسول أن يقوموا لغضب أو يرجوا من سلطان‬
‫كيف وأنا النتقم من عصان ول يش عقاب ‪ ,‬وإن حلفت بعزت لجعلنهم نكالً وعبة‬
‫للعالي‪.‬‬
‫فلم يرعهم وهم ف عيدهم ذلك إل بريح عاصف شديد المرة ‪ ,‬فتحيوا فيها وذعروا منها‬
‫وتضام بعضهم إل بعض ‪ ,‬ث صارت الرض من تتهم حجر كبيت يتوقد وأظلتهم سحابة‬
‫سوداء ‪ ,‬فألقت عليهم كالقبة جرا يلتهب ‪ ,‬فذابت أبدانم كما يذوب الرصاص بالنار‪ .‬فنعوذ‬
‫بال تعال من غضبه ونزول نقمته ول حول ول قوة إل بال العلي العظيم ‪.‬‬

‫وف كتاب ( العرائس ) ‪ :‬أهل الرس كان لم نب يقال له حنظلة بن صفوان وكان بأرضهم‬
‫جبل يقال له فتح مصعدا ف السماء سيل ‪ ,‬وكانت العنقا تتشابه وهي أعظم ما يكون من‬
‫الطي وفيها من كل لون‪ .‬وسوها العنقا لطول عنقها وكانت تكون ف ذلك البل تنقض على‬
‫الطي تأكل ‪ ,‬فجاءت ذات يوم ‪ ,‬فأعوزها الطي ‪ ,‬فانقضت على صب فذهبت به ‪ ,‬ث إنا‬
‫انقضت على جارية فأخذتا فضمتها إل جناحي لا صغيين سوى الناحي الكبيين‪ .‬فشكوا‬
‫إل نبيهم ‪ ,‬فقال‪ :‬اللهم خذها واقطع نسلها فأصابتها صاعقة فاحترقت فلم ير لا أثر ‪,‬‬
‫فضربتها العرب مثل ف أشعارها وحكمها وأمثالا‪.‬‬
‫ث أن أصحاب الرس قتلوا نبيهم ‪ ,‬فأهلكهم ال تعال ‪ ,‬وبقي نرهم ومنازلم مائت عام ل‬
‫يسكنها أحد‪ .‬ث أتى ال بقرن بعد ذلك فنلوها ‪ ,‬وكانوا صالي سني ‪ ,‬ث أحدثوا فاحشة‬
‫جعل الرجل يدعوا ابنته وأخته وزوجته فيعطيها جاره وأخاه وصديقه يلتمس بذلك الب‬
‫والصلة‪ .‬ث ارتفعوا من ذلك إل نوع أخزى ‪ ,‬ترك الرجال للنساء حت شبقن واستغنوا‬
‫بالرجال ‪ ,‬فجاءت شيطانتهن ف صورة امرأة وهي الدلات كانتا ف بيضة واحدة فشهت إل‬
‫النساء ركوب بعضهن بعضا وعلمتهن كيف يضعن ‪ ,‬فأصل ركوب النساء بعضهن بعضا من‬
‫الدلات‪.‬‬
‫فسلط ال على ذلك القرن صاعقة ف أول الليل وخسفا ف آخر الليل وخسفا مع الشمس ‪,‬‬
‫فلم يبق منهم باقية وبادت مساكنهم ‪ ,‬وأحسبها اليوم ل تسكن‪.‬‬

‫قصة الثلثة الذين أووا ال الغار‬

‫موقع القصة ف حديث رسول ال‪:‬‬

‫قال المام البخاري ‪ :‬حدثنا إساعيل بن خليل أخبنا علي بن مسهر عن عبيد ال بن عمر عن‬
‫نافع عن ابن عمر أن‬

‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪:‬‬

‫« انطلق ثلثة نفر من كان قبلكم حت آواهم البيت إل غار فدخلوه ‪ ،‬فاندرت صخرة من‬
‫البل فسدت عليهم الغار ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬إنه ل ينجيكم من هذه الصخرة إل أن تدعوا ال بصال‬
‫أعمالكم ‪ .‬فقال رجل منهم ‪ :‬اللّهم كان ل أبوان شيخان كبيان ‪،‬‬

‫وكنت ل أغبق قبلهما أهل ول مالً ( أي ‪ :‬ل أقدم ف الشرب قبلهما أحدا ) ‪ ،‬فنأى ب‬
‫طلب الشجر يوما فلم أرح عليهما حت ناما ‪ ،‬فجلبت لما غبوقهما فوجدتما نائمي ‪،‬‬
‫ل أو مالً فلبثت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما‬
‫فكرهت أن أوقظهما وأن أغبق قبلهما أه ً‬
‫حت برق الفجر والصبية يتضاغون عند قدمي ( أي يصيحون من الوع ) ‪ ،‬فاستيقظا فشربا‬
‫غبوقهما ‪.‬‬

‫اللّهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نن فيه من هذه الصخرة ‪ ،‬فانفرجت‬
‫شيئا ل يستطيعون الروج منه ‪ .‬فقال الخر ‪ :‬اللّهم إنه كانت ل ابنة عم كانت أحب الناس‬
‫إلّ ‪،‬‬

‫وف رواية ‪ :‬كنت أحبها كأشد ما يب الرجال النساء ‪ ،‬فأردتا على نفسها فامتنعت ‪ ،‬حت‬
‫ألت با سنة من السني فجائتن فاعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تلي بين وبي نفسها‬
‫ففعلت ‪ ،‬حت أذا قدرت عليها وف رواية فلما قعدت بي رجليها‬

‫قالت ‪ :‬اتق ال ول تفضن الات إل بقه ‪ ،‬فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلّ وتركت‬
‫الذهب الذي أعطيتها ‪ .‬اللّهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نن فيه ‪،‬‬
‫فانفرجت الصخرة غي أنم ل يستطيعون الروج ‪ .‬وقال الثالث ‪ :‬اللّهم إن استأجرت أُجراء‬
‫وأعطيتهم أجرهم ‪ ،‬غي رجل واحد ‪ ،‬ترك الذي له وذهب فثمرت أجره حت كثرت منه‬
‫الموال ‪ ،‬فجاءن بعد حي فقال ‪:‬‬

‫ل أجري ‪ ،‬فقلت ‪ :‬كل ما ترى من أجرك من البل والبقر والغنم والرقيق‬


‫يا عب َد ال أدّ إ ّ‬
‫فقال ‪ :‬يا عبدَ ال ل تستهحزئ ب ! فقلت ‪ :‬ل أستهزئ بك ‪ ،‬فأخذه كله فاستقاه فلم يترك‬
‫منه شيئا ‪ .‬اللّهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نن فيه ‪ ،‬فانفرجت‬
‫الصخرة فخرجوا يشون » ‪.‬‬

‫صحيح البخاري (‪ ، )10/415‬صحيح مسلم (‪)4/1982‬‬

‫دروس و عظات‪:‬‬

‫عباد ال ‪ :‬تأملوا هذه القصة العظيمة ‪ ..‬هؤلء الثلثة عرفوا ال ف الرخاء فعرفهم ال ف‬
‫الشدة ‪ ..‬وهكذا كل من تعرف إل ال ف حال الرخاء واليسر ‪ ،‬فإن ال تعال يعرفه ف حال‬
‫الشدة والضيق والكرب فيلطف به ويعينه وييسر له أموره ‪ .‬قال ال تعال ‪َ { :‬و َمنْ يَّت ِق ال ّلهَ‬
‫ث لَا يَحَْتسِبُ } الطلق‪،‬‬
‫خ َرجًا (‪ )2‬وََيرْ ُز ْقهُ ِم ْن حَيْ ُ‬
‫ج َع ْل َلهُ مَ ْ‬
‫يَ ْ‬

‫سرًا (‪})4‬الطلق ‪.‬‬


‫ج َعلْ َل ُه ِمنْ َأ ْم ِرهِ ُي ْ‬
‫و قوله تعال‪َ {:‬و َمنْ يَّت ِق اللّ َه يَ ْ‬

‫فالول من هؤلء الثلثة‪:‬‬

‫ضرب مثلً عظيما ف الب بوالديه ‪ ،‬بقي طوال الليل والناء على يده ل تطب نفسه أن يشرب‬
‫منه ‪ ،‬ول أن يسقي أولده وأهله ‪ ،‬ول أن ينغص على والديه نومهما حت طلع الفجر فدل‬
‫هذا على فضل بر الوالدين ‪ ،‬وعلى أنه سبب لتيسي المور وتفريج الكروب ‪ ، ..‬وبر‬
‫الوالدين هو أعظم ما يكون من صلة الرحم وقد قال النبيصلى ال عليه و سلم ‪ « : :‬من‬
‫أحب أن يبسط له ف رزقه وينسأ له ف أثره ‪ ،‬فليصل رحه » متفق عليه‪.‬‬

‫‪) .‬صحيح البخاري (‪ ، )10/415‬صحيح مسلم (‪4/1982‬‬

‫وهذا جزاء معجل لصاحبه ف الدنيا يبسط له ف رزقه ويؤخر له ف أجله وعمره ‪ ..‬هذا غي‬
‫الزاء الخروي الدخر له ف الخرة ‪ ..‬وقد عظم ال تعال شأن الوالدين حت إنه سبحانه نى‬
‫البن عن أن يتلفظ عليهما بأدن كلمة تضجر كما قال تعال ‪:‬‬

‫{ َوقَضَى َرّبكَ َألّا تَعُْبدُوا ِإلّا ِإيّا ُه َوبِاْلوَاِلدَْي ِن إِ ْحسَانًا ِإمّا يَبْ ُل َغنّ عِ ْندَكَ اْلكَِبرَ َأ َحدُهُمَا َأوْ كِلَاهُمَا‬
‫ف َولَا تَ ْن َه ْرهُمَا َو ُقلْ لَهُمَا َق ْولًا َكرِيًا (‪ )23‬وَا ْخفِضْ َلهُمَا جَنَاحَ الذّ ّل ِمنَ الرّحْ َمةِ‬
‫فَلَا َتقُ ْل َلهُمَا أُ ّ‬
‫صغِيًا (‪. })24‬السراء‬
‫َو ُقلْ َربّ ا ْرحَ ْمهُمَا كَمَا َربّيَانِي َ‬

‫وثان هؤلء الثلثة‪:‬‬

‫رجل ضرب مثلً بالغا ف العفة الكاملة ‪ ،‬حي تكن من حصول مراده من هذه الرأة ‪ ،‬الت‬
‫هي أحب الناس إليه ‪ ،‬ولكن عندما ذكرته بال تركها ‪ ،‬وهي أحب الناس إليه ‪ ،‬ول يأخذ شيئا‬
‫ما أعطاها ‪ .‬جاء ف الصحيحي ف حديث السبعة الذين يظلهم ال تعال ف ظله يوم ل ظل إل‬
‫ل دعته امرأة ذات منصب وجال فقال ‪ :‬إن أخاف‬
‫ظله أن من ضمن هؤلء السبعة ‪ « :‬رج ً‬
‫ال » ‪.‬‬

‫يقول ال حح ع ّز وجلّ حح ‪:‬‬

‫ح ّق َولَا َيزْنُونَ‬
‫{وَاّلذِي َن لَا َيدْعُو َن مَ َع ال ّلهِ ِإَلهًا َآخَ َر َولَا َيقْتُلُو َن الّنفْسَ الّتِي حَرّ َم ال ّلهُ ِإلّا بِالْ َ‬
‫ف َلهُ اْل َعذَابُ َيوْ َم اْلقِيَا َمةِ َويَخْ ُل ْد فِيهِ ُمهَانًا (‪ِ )69‬إلّا َمنْ‬
‫َو َمنْ َي ْف َعلْ َذِلكَ يَ ْل َق َأثَامًا (‪ )68‬يُضَاعَ ْ‬
‫ت وَكَانَ ال ّلهُ َغفُورًا َرحِيمًا (‬
‫تَابَ وَ َآ َم َن وَعَ ِملَ عَمَلًا صَالِحًا َفأُولَِئكَ يَُب ّدلُ ال ّلهُ سَيّئَاِتهِ ْم َحسَنَا ٍ‬
‫‪ . } )ً 70‬الفرقان‬

‫وثالث هؤلء الثلثة‪:‬‬

‫رجل ضرب مثلً عظيما ف المانة والنصح ‪ ،‬حيث ثّر للجي أجره فبلغ ما بلغ ‪ ،‬وسلمه‬
‫إل صاحبه ‪ ،‬ول يأخذ على عمله شيئا ‪ ...‬ما أعظم الفرق بي هذا الرجل وبي أولئك الذين‬
‫يظلمون الجراء ويأكلون حقوقهم ‪ ،‬لسيما إن كانوا من العمال الوافدين فتجد هؤلء‬
‫الكفلء يكاد يصدق فيهم قول ال تعال ‪:‬‬

‫{ َوْيلٌ لِلْمُ َط ّففِيَ (‪ )1‬اّلذِي َن ِإذَا اكْتَالُوا عَلَى النّاسِ َيسْتَ ْوفُونَ (‪َ )2‬وِإذَا كَالُو ُهمْ َأ ْو وَ َزنُوهُمْ‬
‫ك َأّنهُ ْم مَ ْبعُوثُونَ (‪ )4‬لَِيوْمٍ َعظِيمٍ (‪ } )5‬الطففي‬
‫سرُونَ (‪َ )3‬ألَا يَ ُظنّ أُولَئِ َ‬
‫خِ‬‫يُ ْ‬

‫فهحم يريدون من هحؤلء العمال أن يقوموا بالعمل على أكمل وجه ‪ ،‬ولكنهم يبخسونم‬
‫حقوقهم وياطلون ف إعطائهم أجرتم ‪ ،‬وربا رجع بعض أولئك العمال إل بلدانم ول‬
‫يستوفوا أجورهم ‪ ،‬أل فليعلم أن من استأجر أجيا ول يوفه أجره ‪ ،‬فإن ال تعال سيكون‬
‫خصمه يوم القيامة ‪ ...‬لن يكون خصمك هذا العامل السكي الضعيف ‪ ،‬ولكن سيكون‬
‫خصمك رب العالي كما جاء ف صحيح البخاري أن رسول ال صلى ال عليه و سلم‪ :‬قال ‪:‬‬
‫قال ال تعال ‪ « :‬ثلثة أنا خصمهم يوم القيامة ‪ ،‬ومن كنت خصمه فقد خصمته » ‪ ،‬وذكر‬
‫ل استأجر أجيا فاستوف منه ث ل يعطه أجره » ‪.‬‬
‫منهم ‪ « :‬رج ً‬
‫وال سبحانه من فضله وإحسانه ييب دعوة الضطر ‪ ،‬ويرحم عبده الؤمن وييب سؤاله ‪ ،‬كما‬
‫قال سبحانه ‪:‬‬

‫ع ِإذَا دَعَا ِن فَلَْيسْتَجِيبُوا لِي َولْيُ ْؤمِنُوا بِي‬


‫ب دَ ْع َوةَ الدّا ِ‬
‫َوِإذَا َسأََلكَ عِبَادِي عَنّي َفِإنّي َقرِيبٌ ُأجِي ُ‬
‫ب الْمُضْ َط ّر ِإذَا‬
‫ب لَ ُك ْم وقال سبحانه ‪َ :‬أ ّمنْ يُجِي ُ‬
‫ج ْ‬
‫َلعَ ّل ُهمْ َي ْرشُدُونَ وقال سبحانه ‪ :‬ادْعُونِي أَسْتَ ِ‬
‫دَعَا ُه َويَ ْكشِفُ السّوءَ‬

‫عباد ال ‪ :‬ودل هذا الديث على مشروعية التوسل بالعمحال الصالة ‪ ،‬بل إن ذلك التوسل‬
‫سبب لتفريج الكروب ‪ ..‬وانظر إل حال هؤلء الثلثة لا ضاقت بم السبل توسلوا إل ال‬
‫تعال بصال أعمالم ففرج ال عنهم ‪..‬‬

‫قصة اللكي هاروت و ماروت‬

‫موقع القصة ف القرآن الكري‪:‬‬

‫ورد ذكر القصة ف سورة البقرة‬

‫قال ال تعال‪{ :‬وَاتَّبعُوا مَا تَتْلُو الشّيَاطِيُ عَلَى مُلْ كِ سُلَيْمَا َن َومَا َكفَرَ سُلَيْمَانُ َوَلكِنّ الشّيَاطِيَ‬
‫ح َر وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَ َلكَيْ نِ بِبَاِبلَ هَارُو تَ وَمَارُو تَ َومَا ُيعَلّمَا ِن مِ نْ‬
‫س ال سّ ْ‬
‫َك َفرُوا ُيعَلّمُو َن النّا َ‬
‫َأ َحدٍ حَتّى َيقُول ِإنّمَا نَحْ ُن فِتَْن ٌة فَل َتكْ ُف ْر فَيََتعَلّمُو نَ مِ ْنهُمَا مَا يُ َف ّرقُو َن بِ ِه بَيْ نَ الْ َمرْ ِء وَ َزوْجِ ِه وَمَا‬
‫ضرّهُ ْم وَل يَنفَ ُعهُمْ َوَل َقدْ َعلِمُوا لَمَ ْن اشَْترَاهُ‬
‫هُمْ بِضَارّي َن بِ ِه مِنْ أَ َحدٍ إِل ِبإِذْ ِن اللّهِ َويََتعَلّمُونَ مَا يَ ُ‬
‫س ُهمْ َلوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة‪.]102 :‬‬
‫س مَا َشرَوْا ِبهِ أَنفُ َ‬
‫ق َولَبِئْ َ‬
‫مَا لَ ُه فِي الخِ َر ِة ِمنْ خَلَا ٍ‬

‫القصة‪:‬‬

‫والقصة‪ :‬أن اليهود نبذوا كتاب ال واتبعوا كتب السحرة والشعوذة الت كانت ُت ْقرَأ ف‬
‫زمن ملك سليمان عليه السلم‪ .‬وذلك أن الشياطي كانوا يسترقون السمع ث يضمون إل ما‬
‫سعوا أكاذ يب يلفقون ا ويلقون ا إل الكه نة‪ ،‬و قد دونو ها ف ك تب يقرؤون ا ويعلمون ا الناس‬
‫وفشا ذلك ف زمان سليمان عليه السلم‪ ،‬حت قالوا إن الن تعلم الغيب‪ ،‬وكانوا يقولون هذا‬
‫علم سليمان عليه السلم‪ ،‬وما تّ لسليمان ملكه إل بذا العلم وبه سخر الن والنس والطي‬
‫والريح‪ ،‬فأنزل ال هذين اللكي هاروت وماروت لتعليم الناس السحر ابتلءً من ال وللتمييز‬
‫بي السحر والعجزة وظهور الفرق بي كلم النبياء عليهم السلم وبي كلم السحرة‪.‬‬

‫وما يُعلّم هاروت وماروت من أح ٍد حت ينصحاه‪ ،‬ويقول له إنا نن ابتلء من ال‪ ،‬فمن‬
‫تعلم منا السحر واعتقده وعمل به كفر‪ ،‬ومن تعلّم وتوقّى عمله ثبت على اليان‪.‬‬

‫فيتعلم الناس من هاروت وماروت علم السحر الذي يكون سببا ف التفريق بي الزوجي‪،‬‬
‫بأن يلق ال تعال عنحد ذلك النفرة واللف بيح الزوجيح‪ ،‬ولكحن ل يسحتطيعون أن يضروا‬
‫بالسحر أحدا إل بإذن ال تعال‪ ،‬لن السحر من السباب الت ل تؤثر بنفسها بل بأمره تعال‬
‫ومشيئته وخلقه‪.‬‬

‫فيتعلم الناس الذي يضرهحم ول ينفعهحم فح الخرة لنمح سحخروا هذا العلم لضرة‬
‫الشخاص‪.‬‬

‫ولقد علم اليهود أن من استبدل الذي تتلوه الشياطي من كتاب ال ليس له نصيب من‬
‫النة ف الخرة‪ ،‬فبئس هذا العمل الذي فعلوه‪.‬‬

‫واللصة‪ :‬أن ال تعال إنا أنزلما ليحصل بسبب إرشادها الفرق بي الق الذي جاء به‬
‫سليمان وأ ت له ال به مل كه‪ ،‬وب ي البا طل الذي جاءت الكه نة به من ال سحر‪ ،‬ليفرق ب ي‬
‫العجزة والسحر‪.‬‬

‫وإن ورد غي ذلك ف شأن هذه القصة فل يبعد أن يكون من الروايات السرائيلي‬

‫قصة حزقيل‬
‫موقع القصة ف القرآن الكري‪:‬‬

‫قال ال تعال‪ :‬ف سورة البقرة الية ‪:243‬‬

‫ت َفقَالَ َل ُهمُ ال ّل ُه مُوتُوا ُثمّ‬


‫((َأَلمْ َت َر إِلَى اّلذِي َن َخرَجُوا ِم ْن ِديَا ِر ِهمْ َو ُهمْ ُألُوفٌ َحذَ َر الْ َموْ ِ‬
‫شكُرُونَ ))‬
‫س لَا َي ْ‬
‫ضلٍ عَلَى النّاسِ َوَلكِ ّن أَكَْثرَ النّا ِ‬
‫َأحْيَا ُهمْ إِ ّن ال ّلهَ لَذُو فَ ْ‬

‫القصة‪:‬‬

‫قال ممد بن إسحاق عن وهب بن منبه إن كالب بن يوفنا لا قبضه ال إليه بعد يوشع‪ ،‬خلف‬
‫ف بن إسرائيل حزقيل بن بوذى وهو ابن العجوز وهو الذي دعا للقوم الذين ذكرهم ال ف‬
‫كتابه فيما بلغنا‪:‬‬

‫(( َأَلمْ َت َر ِإلَى اّلذِينَ َخرَجُوا ِم ْن ِديَا ِر ِهمْ َو ُهمْ ُألُوفٌ َحذَ َر الْ َموْتِ))‬

‫قال ابن إسحاق فروا من الوباء فنلوا بصعيد من الرض‪ ،‬فقال لم ال‪ :‬موتوا‪ .‬فماتوا جيعا‬
‫فحظروا عليهم حظية دون السباع فمضت عليهم دهور طويلة‪ ،‬فمر بم حزقيل عليه السلم‬

‫فوقف عليهم متفكرا فقيل له‪ :‬أتب أن يبعثهم ال وأنت تنظر؟ فقال‪ :‬نعم‪ .‬فأمر أن يدعو تلك‬
‫العظام أن تكتسي لما وأن يتصل العصب بعضه ببعض‪ .‬فناداهم عن أمر ال له بذلك فقام‬
‫القوم أجعون وكبوا تكبية رجل واحد‪.‬‬

‫وقال أسباط عن السدي عن أب مالك وعن أب صال عن ابن عباس وعن مرة عن ابن‬
‫مسعود وعن أناس من الصحابة ف قوله‪:‬‬

‫ت َفقَالَ َل ُهمُ ال ّل ُه مُوتُوا ُثمّ‬


‫(( َأَلمْ َت َر ِإلَى اّلذِينَ َخرَجُوا ِم ْن ِديَا ِر ِهمْ َو ُهمْ ُألُوفٌ َحذَ َر الْ َموْ ِ‬
‫َأحْيَا ُهمْ ))‬

‫قالوا‪ :‬كانت قرية يقال لا‪" :‬داوردان"‪ ،‬قبل "واسط" وقع با الطاعون فهرب عامة أهلها فنلوا‬
‫ناحية منها فهلك من بقي ف القرية وسلم الخرون فلم يت منهم كثي فلما ارتفع الطاعون‬
‫رجعوا سالي‪ ،‬فقال الذين بقوا‪ :‬أصحابنا هؤلء كانوا أحزم منا لو صنعنا كما صنعوا بقينا‬
‫ولئن وقع الطاعون ثانية لنخرجن معهم‪.‬‬

‫فوقع ف قابل فهربوا وهم بضعة وثلثون ألفا حت نزلوا ذلك الكان وهو واد أفيح‪ ،‬فناداهم‬
‫ملك من أسفل الوادى وآخر من أعله‪ :‬أن موتوا‪ .‬فماتوا حت إذا هلكوا وبقيت أجسادهم مر‬
‫بم نب يقال له‪ :‬حزقيل‪ .‬فلما رآهم وقف عليهم فجعل يتفكر فيهم ويلوى شدقيه وأصابعه‪،‬‬

‫فأوحى ال إليه‪ :‬تريد أن أريك كيف أحييهم؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬وإنا كان تفكره أنه تعجب من قدرة‬
‫ال عليهم فقيل له‪ :‬ناد‪ .‬فنادى‪ :‬يا أيتها العظام إن ال يأمرك أن تتمعي‪ .‬فجعلت العظام يطي‬
‫بعضها إل بعض حت كانت أجسادا من عظام ث أوحى ال إليه؛ أن ناد‪ :‬يا أيتها العظام إن ال‬
‫يأمرك أن تكتسى لما‪ .‬فاكتست لما ودما وثيابا الت ماتت فيها‪ .‬ث قيل له‪ :‬ناد‪ .‬فنادى‪:‬‬
‫أيتها الجساد إن ال يأمرك أن تقومى‪ .‬فقاموا‪.‬‬

‫قال أسباط‪ :‬فزعم منصور عن ماهد أنم قالوا حي أحيوا‪ :‬سبحانك اللهم وبمدك ل إله إل‬
‫أنت‪ .‬فرجعوا إل قومهم أحياء يعرفون أنم كانوا موتى سحنة الوت على وجوههم ل يلبسون‬
‫ثوبا إل عاد كفنا دسا حت ماتوا لجالم الت كتبت لم‪.‬‬

‫وعن ابن عباس؛ أنم كانوا أربعة آلف‪ .‬وعنه‪ :‬ثانية آلف‪ .‬وعن أب صال‪ :‬تسعه آلف‪.‬‬
‫وعن ابن عباس أيضا‪ :‬كانوا أربعي ألفا‪ .‬وعن سعيد بن عبد العزيز‪ :‬كانوا من أهل "أذرعات"‪.‬‬
‫وقال ابن جريج عن عطاء‪ :‬هذا مثل‪ .‬يعن أنه سيق مثل مبينا أنه لن يغن حذر من قدر‪ .‬وقول‬
‫المهور أقوى؛ أن هذا وقع‪.‬‬

‫وقد روى المام أحد وصاحبا "الصحيح" من طريق الزهري عن عبد الميد بن عبد الرحن‬
‫بن زيد بن الطاب عن عبد ال بن عبد ال بن الارث بن نوفل عن عبد ال بن عباس أن عمر‬
‫بن الطاب خرج إل الشام حت إذا كان بسرغ لقيه أمراء الجناد أبو عبيدة بن الراح‬
‫وأصحابه‪ ،‬فأخبوه أن الوباء وقع بالشام‪ ،‬فذكر الديث‪ .‬يعن ف مشاورته الهاجرين والنصار‬
‫فاختلفوا عليه فجاءه عبد الرحن بن عوف وكان متغيبا ببعض حاجته‪ ،‬فقال‪ :‬إن عندي من‬
‫هذا علما؛ سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪ :‬إذا كان بأرض وأنتم با فل ترجوا‬
‫فرارا منه وإذا سعتم به بأرض؛ فل تقدموا عليه فحمد ال عمر ث انصرف‪.‬‬

‫وقال المام أحد‪ :‬حدثنا حجاج ويزيد العن قال‪ :‬حدثنا ابن أب ذئب عن الزهري عن سال‬
‫عن عبد ال بن عامر بن ربيعة أن عبد الرحن بن عوف أخب عمر وهو ف الشام عن النب‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ :‬إن هذا السقم عذب به المم قبلكم فإذا سعتم به ف أرض فل‬
‫تدخلوها‪ ،‬وإذا وقع بأرض وأنتم با فل ترجوا فرارا منه قال‪ :‬فرجع عمر من الشام ‪.‬‬
‫وأخرجاه من حديث مالك عن الزهري بنحوه‪.‬‬

‫قال ممد بن إسحاق‪ :‬ول يذكر لنا مدة لبث حزقيل ف بن إسرائيل‪ ،‬ث إن ال قبضه إليه‪ ،‬فلما‬
‫قبض نسي بنو إسرائيل عهد ال إليهم‪ ،‬وعظمت فيهم الحداث وعبدوا الوثان‪ ،‬وكان ف‬
‫جلة ما يعبدونه من الصنام صنم يقال له‪ :‬بعل‪ .‬فبعث ال إليهم إلياس بن ياسي بن فنحاص بن‬
‫العيزار بن هارون بن عمران‪ .‬قلت‪ :‬وقد قدمنا قصة إلياس تبعا لقصة الضر؛ لنما يقرنان ف‬
‫الذكر غالبا‪ ،‬ولجل أنا بعد قصة موسى ف سورة "الصافات" فتعجلنا قصته لذلك‪ .‬وال‬
‫أعلم‪ .‬قال ممد بن إسحاق فيما ذكر له عن وهب بن منبه قال‪ :‬ث تنبأ فيهم بعد إلياس وصيه‬
‫اليسع بن أخطوب‪ ،‬عليه السلم‬

‫قصةسبأ‬

‫موقع القصة ف القرآن الكري‪:‬‬

‫ورد ذكر القصة ف سورةسبأ اليات ‪.19-15‬‬

‫قال ال تعال‪ ،‬ف سورة "سبأ"‪:‬‬


‫ي وَشِمَالٍ كُلُوا ِمنْ رِزْقِ َربّ ُكمْ وَاشْ ُكرُوا َلهُ‬
‫سكَنِ ِهمْ آَيةٌ جَنّتَانِ َع ْن يَ ِم ٍ‬
‫" َل َقدْ كَا َن ِلسََبٍإ فِي َم ْ‬
‫بَ ْل َدةٌ طَيَّب ٌة وَ َربّ َغفُو ٌر َفأَ ْعرَضُوا َفأَ ْرسَلْنَا عَلَ ْي ِهمْ سَ ْي َل الْ َعرِ ِم َوبَ ّدلْنَا ُه ْم بِجَنّتَ ْي ِهمْ جَنّتَ ْي ِن َذوَاَتيْ‬
‫ك َجزَيْنَاهُ ْم بِمَا َك َفرُوا َو َهلْ ُنجَازِي ِإلّا اْلكَفُورَ‬
‫ط َوَأثْ ٍل َوشَيْ ٍء ِم ْن سِدْ ٍر قَلِي ٍل َذلِ َ‬
‫أُ ُك ٍل خَمْ ٍ‬
‫َوجَعَلْنَا بَيَْن ُهمْ َوبَ ْينَ اْل ُقرَى الّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ُقرًى ظَاهِ َر ًة َوقَدّ ْرنَا فِيهَا السّ ْي َر سِيُوا فِيهَا لَيَالِيَ‬
‫جعَلْنَاهُ ْم َأحَادِيثَ َو َم ّزقْنَا ُهمْ ُكلّ‬
‫سهُ ْم فَ َ‬
‫ي َفقَالُوا َربّنَا بَا ِعدْ بَ ْي َن أَ ْسفَا ِرنَا وَظَلَمُوا أَْن ُف َ‬
‫َوَأيّامًا آمِِن َ‬
‫ت ِلكُلّ صَبّا ٍر َشكُورٍ "‪.‬‬
‫ك لَآيَا ٍ‬
‫ق إِ ّن فِي َذلِ َ‬
‫مُ َمزّ ٍ‬

‫القصة‪:‬‬

‫قال علماء النسب منهم ممد بن إسحاق ‪ :‬اسم سبأ عبد شس بن يشجب بن يعرب بن‬
‫قحطان قالوا ‪ :‬وكان أول من سب من العرب فسمي سبأ لذلك ‪ ،‬وكان يقال له ‪ :‬الرائش لنه‬
‫كان يعطي الناس الموال من متاعه‪ .‬قال السهيلي ‪ :‬ويقال ‪ :‬إنه أول من تتوج‪ .‬وذكر بعضهم‬
‫أنه كان مسلما وكان له شعر بشر فيه بوجود رسول ال صلى ال عليه وسلم فمن ذلك قوله‬
‫‪:‬‬

‫سححيملك بعدنححا ملكححا عظيمحا نبححي ل يرخححص فحي الحرام‬


‫ويلححك بعححده منهححم ملححوك يدينحححون العبحححاد بغححي ذام‬
‫ويلححك بعحدهم منحا محا ملحوك يصححي اللححك فينححا باقتسحام‬
‫ويلححك بعححد قحطححان نبححي تقحححي جبينححه خححي النححام‬
‫يسححمى أحححمدا يححا ليحت أنحي أعمحححر بعححد مبعثححه بعححام‬
‫فحححأعضده وأحححبوه بنصححري بكحححل مدجحححج وبكحححل رام‬
‫متححى يظهححر فكونحوا ناصريحه ومححن يلقححاه يبلغححه سححلمي‬

‫حكاه ابن دحية ف كتابه " التنوير ف مولد البشي النذير "‪.‬‬
‫وقال المام أحد ‪ :‬حدثنا أبو عبد الرحن حدثنا ابن ليعة عن عبد ال بن هبية السبائي عن‬
‫عبد الرحن بن وعلة سعت عبد ال بن العباس يقول ‪ :‬إن رجل سأل النب صلى ال عليه‬
‫وسلم عن سبأ ما هو ؟ أرجل أم امرأة أم أرض ؟ قال ‪ :‬بل هو رجل ‪ ،‬ولد عشرة فسكن‬
‫اليمن منهم ستة وبالشام منهم أربعة ‪ ،‬فأما اليمانيون فمذحج وكندة والزد والشعريون وأنار‬
‫وحي وأما الشامية فلخم وجذام وعاملة وغسان ‪ ،‬وقد ذكرنا ف التفسي أن فروة بن مسيك‬
‫الغطيفي هو السائل عن ذلك كما استقصينا طرق هذا الديث وألفاظهن هناك ول المد‪.‬‬

‫والقصود أن سبأ يمع هذه القبائل كلها ‪ ،‬وقد كان فيهم التبابعة بأرض اليمن واحدهم تبع‬
‫وكان للوكهم تيجان يلبسونا وقت الكم كما كانت الكاسرة ملوك الفرس يفعلون ذلك ‪،‬‬
‫وكانت العرب تسمي كل من ملك اليمن مع الشحر وحضرموت تبعا ‪ ،‬كما يسمون من ملك‬
‫الشام مع الزيرة قيصر ‪ ،‬ومن ملك الفرس كسرى ومن ملك مصر فرعون ‪ ،‬ومن ملك‬
‫البشة النجاشي ومن ملك الند بطليموس ‪ ،‬وقد كان من جلة ملوك حي بأرض اليمن بلقيس‬
‫‪ ،‬وقد قدمنا قصتها مع سليمان عليه السلم وقد كانوا ف غبطة عظيمة وأرزاق دارة وثار‬
‫وزروع كثية وكانوا مع ذلك على الستقامة والسداد وطريق الرشاد فلما بدلوا نعمة ال‬
‫كفرا أحلوا قومهم دار البوار ‪.‬‬

‫قال ممد بن إسحاق عن وهب بن منبه أرسل ال إليهم ثلثة عشر نبيا ‪ ،‬وزعم السدي أنه‬
‫أرسل إليهم اثن عشر ألف نب ‪ ،‬فال أعلم‪.‬‬
‫والقصود أنم لا عدلوا عن الدى إل الضلل ‪ ،‬وسجدوا للشمس من دون ال ‪ ،‬وكان ذلك‬
‫ف زمان بلقيس وقبلها أيضا ‪ ،‬واستمر ذلك فيهم حت أرسل ال عليهم سيل العرم كما قال‬
‫ط َوَأثْلٍ‬
‫تعال َفأَ ْعرَضُوا َفأَ ْرسَلْنَا َعلَ ْي ِهمْ سَ ْيلَ اْل َعرِ ِم َوبَ ّدلْنَا ُهمْ ِبجَنّتَ ْي ِهمْ جَنّتَ ْي ِن َذوَاَتيْ أُ ُك ٍل خَمْ ٍ‬
‫ك َجزَيْنَاهُ ْم بِمَا َك َفرُوا وَ َه ْل نُجَازِي إِلّا اْل َكفُورَ ‪.‬‬
‫َوشَيْ ٍء ِم ْن سِدْ ٍر قَلِي ٍل َذلِ َ‬

‫ذكر غي واحد من علماء السلف واللف من الفسرين وغيهم أن سد مأرب كان صنعته أن‬
‫الياه تري من بي جبلي فعمدوا ف قدي الزمان فسدوا ما بينهما ببناء مكم جدا حت ارتفع‬
‫الاء فحكم على أعال البلي وغرسوا فيهما البساتي والشجار الثمرة النيقة ‪ ،‬وزرعوا‬
‫الزروع الكثية ‪ ،‬ويقال كان أول من بناه سبأ بن يعرب وسلط إليه سبعي واديا يفد إليه‬
‫وجعل له ثلثي فرضة يرج منها الاء ومات ول يكمل بناؤه فكملته حي بعده ‪ ،‬وكان اتساعه‬
‫فرسخا ف فرسخ وكانوا ف غبطة عظيمة وعيش رغيد وأيام طيبة حت ذكر قتادة وغيه أن‬
‫الرأة كانت تر بالكتل على رأسها فيمتلئ من الثمار ما يتساقط فيه من نضجه وكثرته وذكروا‬
‫أنه ل يكن ف بلدهم شيء من الباغيث ول الدواب الوذية لصحة هوائهم وطيب فنائهم‬

‫كما قال تعال‬

‫ي وَشِمَالٍ كُلُوا ِمنْ رِزْقِ َرّب ُكمْ وَاشْ ُكرُوا َلهُ‬


‫(( َل َقدْ كَا َن ِلسََبٍإ فِي َمسْكَِن ِهمْ آَيةٌ جَنّتَانِ َع ْن يَ ِم ٍ‬
‫بَ ْل َدةٌ طَيَّب ٌة وَ َربّ َغفُورٌ))‬

‫وكما قال تعال(( وَِإ ْذ َتأَذّنَ َرّب ُكمْ لَِئ ْن شَ َك ْرتُ ْم َلأَزِي َدنّ ُك ْم وَلَِئنْ َك َف ْرتُ ْم إِنّ َعذَابِي َلشَدِيدٌ ))‬

‫فلما عبدوا غي ال وبطروا نعمته وسألوا بعد تقارب ما بي قراهم وطيب ما بينها من البساتي‬
‫وأمن الطرقات سألوا أن يباعد بي أسفارهم وأن يكون سفرهم ف مشاق وتعب وطلبوا أن‬
‫يبدلوا بالي شرا كما سأل بنو إسرائيل بدل الن والسلوى البقول والقثاء والفوم والعدس‬
‫والبصل فسلبوا تلك النعمة العظيمة والسنة العميمة بتخريب البلد والشتات على وجوه‬
‫العباد كما قال تعال َفأَ ْعرَضُوا َفأَ ْرسَلْنَا عَلَ ْي ِه ْم سَ ْيلَ اْل َعرِ ِم قال غي واحد ‪ :‬أرسل ال على أصل‬
‫السد الفار ‪ ،‬وهو الرذ ويقال ‪ :‬اللد ‪ .‬فلما فطنوا لذلك أرصدوا عندها السناني فلم تغن‬
‫شيئا إذ قد حم القدر ول ينفع الذر كل ل وزر ‪ ،‬فلما تكم ف أصله الفساد سقط وانار‬
‫فسلك الاء القرار ‪ ،‬فقطعت تلك الداول والنار ‪ ،‬وانقطعت تلك الثمار ‪ ،‬وبادت تلك‬
‫الزروع والشجار ‪ ،‬وتبدلوا بعدها برديء الشجار والثار‬
‫ط َوَأْثلٍ قال ابن عباس وماهد‬
‫كما قال العزيز البار َوبَ ّدلْنَا ُه ْم بِجَنّتَ ْي ِهمْ جَنّتَ ْينِ َذوَاَتيْ أُ ُك ٍل خَمْ ٍ‬
‫وغي واحد ‪ :‬هو الراك وثره البير ‪ ،‬وأثل وهو الطرفاء وقيل ‪ :‬يشبهه وهو حطب لثر له‬
‫َوشَيْ ٍء ِم ْن سِدْ ٍر قَلِي ٍل وذلك لنه لا كان يثمر النبق كان قليل مع أنه ذو شوك كثي ‪ ،‬وثره‬
‫بالنسبة إليه كما يقال ف الثل ‪ :‬لم جل غث على رأس جبل وعر ل سهل فيتقى ول سي‬
‫ك َجزَيْنَاهُ ْم بِمَا َك َفرُوا وَ َه ْل نُجَازِي إِلّا اْل َكفُور‬
‫فينتقى ‪ ،‬ولذا قال تعال َذلِ َ‬

‫َ أي ‪ :‬إنا نعاقب هذه العقوبة الشديدة من كفر بنا وكذب رسلنا وخالف أمرنا وانتهك‬
‫ق وذلك أنم لا هلكت أموالم‬
‫ث َو َمزّقْنَاهُمْ ُك ّل مُ َمزّ ٍ‬
‫جعَلْنَا ُه ْم أَحَادِي َ‬
‫مارمنا وقال تعال فَ َ‬
‫وخربت بلدهم احتاجوا أن يرتلوا منها وينتقلوا عنها فتفرقوا ف غور البلد وندها أيدي سبأ‬
‫شذر مذر ‪ ،‬فنلت طوائف منهم الجاز وهم خزاعة نزلوا ظاهر مكة وكان من أمرهم ما‬
‫سنذكره ‪ ،‬ومنهم الدينة النورة اليوم ‪ ،‬فكانوا أول من سكنها ث نزلت عندهم ثلث قبائل من‬
‫اليهود ‪ :‬بنو قينقاع وبنو قريظة وبنو النضي فحالفوا الوس والزرج وأقاموا عندهم ‪ ،‬وكان‬
‫من أمرهم ما سنذكره ‪ ،‬ونزلت طائفة أخرى منهم الشام وهم الذين تنصروا فيما بعد وهم‬
‫غسان وعاملة وبراء ولم وجذام وتنوخ وتغلب وغيهم وسنذكرهم عند ذكر فتوح الشام‬
‫ف زمن الشيخي رضي ال عنهما‪.‬‬

‫قال ممد بن إسحاق ‪ :‬حدثن أبو عبيدة قال ‪ :‬قال العشى بن قيس بن ثعلبة وهو ميمون بن‬
‫قيس‬
‫وفحححي ذاك للمؤتسححى أسححوة‬

‫ومححأرم عفححي عليهححا العحرم‬

‫رخحححام بنتححه لححم حححمي‬

‫إذا جحححاء مححواره لححم يححرم‬


‫فحححأروى الحححزرع وأعنانححا‬

‫عححلى سححعة مححاءهم إذ قسحم‬

‫فصحححاروا أيححادي ل يقححدرون‬

‫عحلى شحرب طفحل إذا محا فطحم‬

‫وقد ذكر ممد بن إسحاق ف كتاب " السية " أن أول من خرج من اليمن قبل سيل العرم‬
‫عمرو بن عامر اللخمي ولم هو ابن عدي بن الارث بن مرة بن أدد بن زيد بن هيسع بن‬
‫عمرو بن عريب بن يشجب بن زيد بن كهلن بن سبأ ويقال ‪ :‬لم بن عدي بن عمرو بن سبأ‬
‫قاله ابن هشام قال ابن إسحاق وكان سبب خروجه من اليمن ‪ ،‬فيما حدثن أبو زيد النصاري‬
‫أنه رأى جرذا يفر ف سد مأرب الذي كان يبس عليهم الاء فيصرفونه حيث شاءوا من‬
‫أرضهم‬

‫فعلم أنه ل بقاء للسد على ذلك ‪ ،‬فاعتزم على النقلة عن اليمن فكاد قومه فأمر أصغر ولده‬
‫إذا أغلظ عليه ولطمه أن يقوم إليه فيلطمه ففعل ابنه ما أمره به فقال عمرو ‪ :‬ل أقيم ببلد لطم‬
‫وجهي فيه أصغر ولدي وعرض أمواله فقال أشراف من أشراف اليمن ‪ :‬اغتنموا غضبة عمرو‬
‫فاشتروا منه أمواله وانتقل ف ولده ‪ ،‬وولد ولده وقالت الزد ‪ :‬ل نتخلف عن عمرو بن‬
‫عامر ‪ ،‬فباعوا أموالم وخرجوا معه فساروا حت نزلوا بلد عك متازين يرتادون البلدان‬
‫فحاربتهم عك فكانت حربم سجال ففي ذلك قال عباس بن مرداس‬
‫وعحك بحن عدنحان الحذين تلعبحوا‬
‫بغسحان ححت طحردوا كحل مطرد‬

‫قال ‪ :‬فارتلوا عنهم فتفرقوا ف البلد فنل آل جفنة بن عمرو بن عامر الشام ونزل الوس‬
‫والزرج يثرب ونزلت خزاعة مرا ونزلت أزد السراة السراة ونزلت أزد عمان عمان ث أرسل‬
‫ال تعال على السد السيل فهدمه وف ذلك أنزل ال هذه اليات وقد روي عن السدي قريب‬
‫من هذا وعن ممد بن إسحاق ف رواية أن عمرو بن عامر كان كاهنا ‪ ،‬وقال غيه كانت‬
‫امرأته طريفة بنت الي الميية كاهنة فأخبت بقرب هلك بلدهم وكأنم رأوا شاهد ذلك‬
‫ف الفأر الذي سلط على سدهم ‪ ،‬ففعلوا ما فعلوا وال أعلم وقد ذكرت قصته مطولة عن‬
‫عكرمة فيما رواه ابن أب حات ف " التفسي "‪.‬‬

‫مائدة عيسى عليه السلم‬

‫موقع القصة ف القرآن الكري‪:‬‬

‫ورد ذكر القصة ف سورة الائدة اليات ‪.115-112‬‬

‫ك أَ ْن يَُنزّلَ عَلَيْنَا مَائِ َد ًة ِمنَ السّمَا ِء قَالَ‬


‫حوَا ِريّونَ يَا عِيسَى اْب َن َمرَْي َم هَ ْل َيسْتَطِيعُ َربّ َ‬
‫((ِإ ْذ قَا َل الْ َ‬
‫ص َدقْتَنَا‬
‫اّتقُوا ال ّل َه إِنْ كُنُْت ْم مُ ْؤمِنِيَ (‪ )112‬قَالُوا ُنرِيدُ أَ ْن َنأْ ُك َل مِ ْنهَا َوتَطْمَِئ ّن قُلُوبُنَا وََنعْ َلمَ أَ ْن َقدْ َ‬
‫َونَكُونَ عَلَ ْيهَا ِمنَ الشّا ِهدِينَ (‪ )113‬قَالَ عِيسَى اْب ُن َمرَْيمَ ال ّل ُهمّ َربّنَا َأْنزِلْ عَلَيْنَا مَائِ َد ًة ِمنَ‬
‫ي الرّازِقِيَ (‪ )114‬قَالَ ال ّلهُ‬
‫ك وَارْ ُزقْنَا َوَأنْتَ خَ ُ‬
‫السّمَا ِء َتكُو ُن لَنَا عِيدًا ِلَأوّلِنَا وَ َآخِ ِرنَا وَ َآَي ًة مِنْ َ‬
‫ِإنّي مَُن ّزُلهَا عَلَ ْي ُكمْ فَ َمنْ َي ْك ُفرْ َب ْعدُ مِ ْن ُكمْ َفِإنّي أُ َع ّذبُهُ َعذَابًا لَا أُ َع ّذُبهُ أَ َحدًا ِمنَ اْلعَالَ ِميَ (‪)))115‬‬

‫القصة‪:‬‬

‫ذكر ال تبارك وتعال سورة الائدة وحيا على رسوله صلى ال عليه وسلم وسيت هذه السورة‬

‫سورة الائدة لنا تتضمن قصة الائدة الت أنزلا ال تعال من السماء عندما سأله عيسى ابن‬
‫مري عليه السلم إنزالا من السماء كما طلب منه ذلك اصحابه وتلميذه الواريون‪،‬‬

‫ومضمون خب وقصة هذه الائدة ان عيسى عليه السلم أمر الواريون بصيام ثلثي يوما فلما‬

‫أتوها سألوا عيسى عليه السلم إنزال مائدة من السماء عليهم ليأكلوا منها وتطمئن بذلك‬

‫قلوبم أن ال تعال قد قبل صيامهم وتكون لم عيدًا يفطرون عليها يوم فطرهم‪ ،‬ولكن عيسى‬

‫عليه السلم وعظهم ف ذلك وخاف عليهم أل يقوموا بشكرها‪ ،‬فأبوا عليه إل أن يسأل لم‬

‫ذلك‪ ،‬فلما ألوا عليه أخذ يتضرع إل ال تعال ف الدعاء والسؤال أن يابوا إل ما طلبوا‬

‫فاستجاب ال عزوجل دعاءه فأنزل سبحانه الائدة من السماء والناس ينظرون إليها تنحدر بي‬

‫غمامتي‪ ،‬وجعلت تدنو قليل قليل وكالا دنت منهم يسأل عيسى عليه السلم أن يعلها رحة‬

‫ل نقمة وأن يعلها سلمًا وبركة‪ ،‬فلم تزل تدنو حت استقرت بي يدي عيسى عليه السلم‬

‫وهي مغطاة بنديل‪ ،‬فقام عيسى عليه السلم يكشف عنها وهو يقول (( بسم ال خي‬

‫الرازقي)) فإذا عليها من الطعام سبعة من اليتان وسبعة أرغفة وقيل‪ :‬كان عليها خل ورمان‬

‫وثار ولا رائحة عظيمة جدًا‪ ،‬ث امرهم عيسى عليه السلم بالكل منها أمر عليه السلم‬

‫الفقراء والحاويج والرضى وأصحاب العاهات وكانوا قريبًا من اللف وثلثائة أن يأكلوا من‬
‫هذه الائدة‪ ،‬فأكلوا منها فبأ كل من به عاهة أو آفة أو مرض مزمن واستغن الفقراء وصاروا‬

‫أغنياء فندم الناس الذين ل يأكلوا منها لا رأوا من إصلح حال اولئك الذين أكلوا ث صعدت‬

‫الائدة وهم ينظرون إليها حت توارت عن اعينهم‪ ،‬وقيل‪ :‬إن هذه الائدة كانت تنل كل يوم‬

‫مرة فيأكل الناس منها‪ ،‬فيأكل آخرهم كما ياكل أولم حت قيل‪ :‬إنه كان ياكل منها كل يوم‬

‫سبعة آلف شخص‪.‬‬

‫ث أمر ال تعال أن يقصرها على الفقراء دون الغنياء‪ ،‬فشق ذلك على كثي من الناس وتكلم‬

‫منافقوهم ف ذلك فرفعت ومُسخ الذين تكلموا ف ذلك من النافقي خنازير‬

‫قصة أصحاب النة‬

‫موقع القصة ف القرآن الكري‪:‬‬

‫ورد ذكر القصة ف سورة القلم ‪ .‬آية ( ‪. ) 33 - 17‬‬

‫قال ال تعال‪:‬‬

‫ص ِرمُنّهَا مُصْبِحِيَ وَلَا َيسْتَثْنُو َن فَطَافَ‬


‫ب الْجَّنةِ ِإ ْذ َأ ْقسَمُوا لَيَ ْ‬
‫صحَا َ‬
‫(( ِإنّا بَ َل ْونَا ُهمْ َكمَا بَ َل ْونَا أَ ْ‬
‫ي أَنِ ا ْغدُوا عَلَى حَ ْرِثكُمْ‬
‫حَ‬‫حتْ كَالصّرِ ِي فَتَنَا َدوْا مُصْبِ ِ‬
‫ك َوهُ ْم نَائِمُو َن َفأَصْبَ َ‬
‫ف ِمنْ َربّ َ‬
‫عَلَ ْيهَا طَائِ ٌ‬
‫ي وَ َغ َدوْا عَلَى َحرْدٍ‬
‫سكِ ٌ‬
‫ي فَانْطَ َلقُوا َوهُ ْم يَتَخَافَتُونَ أَ ْن لَا َيدْخُلَّنهَا الَْيوْمَ عَلَ ْي ُكمْ ِم ْ‬
‫إِنْ كُنُْتمْ صَا ِرمِ َ‬
‫حرُومُونَ قَالَ َأ ْوسَ ُطهُ ْم َألَ ْم َأ ُقلْ َل ُكمْ َل ْولَا‬
‫حنُ مَ ْ‬
‫قَادِرِي َن فَلَمّا َرَأوْهَا قَالُوا ِإنّا لَضَالّو َن َب ْل نَ ْ‬
‫ضهُمْ عَلَى َبعْضٍ يَتَلَا َومُو َن قَالُوا يَا وَيْلَنَا ِإنّا‬
‫ي َفأَقَْب َل َبعْ ُ‬
‫ُتسَبّحُو َن قَالُوا سُبْحَانَ َربّنَا ِإنّا كُنّا ظَالِ ِم َ‬
‫كُنّا طَاغِيَ َعسَى َربّنَا أَنْ يُبْ ِدلَنَا خَ ْيرًا مِ ْنهَا ِإنّا ِإلَى َربّنَا رَاغِبُونَ َك َذلِكَ اْل َعذَابُ وََل َعذَابُ الْآ ِخ َرةِ‬
‫أَكَْب ُر َلوْ كَانُوا َيعْلَمُو َن ))‬

‫وهذا مثل ضربه ال لكفار قريش‪ ،‬فيما أنعم به عليهم من إرسال الرسول العظيم الكري‬
‫إليهم‪ ،‬فقابلوه بالتكذيب والخالفة‪،‬‬

‫كما قال تعال‪:‬‬

‫(( َأَلمْ َت َر ِإلَى اّلذِينَ َب ّدلُوا ِنعْ َم َة اللّهِ ُك ْفرًا َوَأحَلّوا قَ ْو َمهُ ْم دَا َر الْبَوَا ِر جَهَّن َم يَصْ َلوَْنهَا َوبِئْسَ‬
‫اْلقَرَار ))‬

‫القصة‪:‬‬

‫قال إبن عباس‪:‬‬

‫إنه كان شيخ كانت له جنة‪ ،‬وكان ل يدخل بيته ثرة منها ول إل منله حت يعطي كل ذي‬
‫حق حقه‪ .‬فلما قبض الشيخ وورثه بنوه ‪-‬وكان له خسة من البني‪ -‬فحملت جنتهم ف تلك‬
‫السنة الت هلك فيها أبوهم حل ل يكن حلته من قبل ذلك‪ ،‬فراح الفتية إل جنتهم بعد صلة‬
‫العصر‪,‬‬
‫فأشرفوا على ثرة ورزق فاضل ل يعاينوا مثله ف حياة أبيهم‪ .‬فلما نظروا إل الفضل طغوا‬
‫وبغوا‪ ،‬وقال بعضهم لبعض‪ :‬إن أبانا كان شيخا كبيا قد ذهب عقله وخرف‪ ،‬فهلموا نتعاهد‬
‫ونتعاقد فيما بيننا أن ل نعطي أحدا من فقراء السلمي ف عامنا هذا شيئا‪ ،‬حت نستغن وتكثر‬
‫أموالنا‪ ،‬ث نستأنف الصنعة فيما يستقبل من السني القبلة‪ .‬فرضي بذلك منهم أربعة‪ ،‬وسخط‬
‫الامس وهو الذي قال تعال‪( :‬قال أوسطهم أل أقل لكم لول تسبحون)‪.‬‬

‫فقال لم أوسطهم‪ :‬إتقوا ال وكونوا على منهاج أبيكم تسلموا وتغنموا‪ ،‬فبطشوا به‪ ،‬فضربوه‬
‫ضربا مبحا‪ .‬فلما أيقن الخ أنم يريدون قتله دخل معهم ف مشورتم كارها لمرهم‪ ،‬غي‬
‫طائع‪ ،‬فراحوا إل منازلم ث حلفوا بال أن يصرموه إذا أصبحوا‪ ،‬ول يقولوا إن شاء ال‪.‬‬

‫فإبتلهم ال بذلك الذنب‪ ،‬وحال بينهم وبي ذلك الرزق الذي كانوا أشرفوا عليه‪[ .‬تفسي‬
‫القمي‪،‬ج ‪،2‬ص ‪.]381‬‬

‫* إنا سنة إلية‪:‬‬

‫ولعل ف القصة إشارة إل أن ال تعال أجرى نفس السنة على الترفي أو طالم منه شيء من‬
‫العذاب ف الدنيا‪ .‬وف رواية أب الارود عن المام الباقر عليه السلم تأكيد لذلك‪ ،‬اذ قال‪:‬‬
‫(إن اهل مكة أبتلوا بالوع كما أبتلي أصحاب النة)‪.‬‬

‫فهذه السنة تنطبق على كل من تشمل اليات التالية‪( :‬ول تطع كل حلف مهي* هاز مشاء‬
‫بنميم* مناع للخي معتد أثيم* عتل بعد ذلك زنيم* أن كان ذا مال وبني* إذا تتلى عليه آياتنا‬
‫قال أساطي الولي* سنسمه على الرطوم) [القلم‪.]16-10 /‬‬

‫بعد ذلك يقول ربنا عزوجل‪( :‬إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب النة إذ أقسموا ليصرمونا‬
‫مصبحي ول يستثنون)‪.‬‬

‫أي إختبناهم بالثروة بثل ما إختبنا أصحاب الزرعة‪ .‬ومادامت السنن اللية ف الياة‬
‫واحدة‪ ،‬فيجب إذن أن يعتب النسان بالخرين‪ ،‬سواء العاصرين له أو الذين سبقوه‪ ،‬وأن‬
‫يعيش ف الياة كتلميذ‪ ،‬لنا مدرسة وأحداثها خي معلم لن أراد وألقى السمع وأعمل الفكر‬
‫وهو‬
‫شهيد‪.‬‬

‫بذه الدفية يب أن نطالع القصص ونقرأ التاريخ‪ .‬فهذه قصة أصحاب النة يعرضها الوحي‬
‫لتكون أحداثها ودروسها موعظة وعبة للنسانية‪.‬‬
‫ومن اللفت للنظر‪ ،‬إن القرآن ف عرضه لذه القصة ل يدثنا عن الوقع الغراف للجنة‪ ،‬هل‬
‫كانت ف اليمن أو ف البشة‪ ،‬ول عن مساحتها ونوع الثمرة الت أقسم أصحابا على‬
‫صرمها‪ ..‬لن هذه المور ليست بذات أهية ف منهج الوحي‪ ،‬إنا الهم الواقف والواعظ‬
‫والحداث لعبة‪ ،‬سواء فصل العرض أو إختصر‪.‬‬

‫* ومكروا ومكر ال‪:‬‬

‫فأشار القرآن إل أنم كيف أقسموا على قطف ثار مزرعتهم دون إعطاء الفقراء شيئا منها‪،‬‬
‫وتعاهدوا على ذلك‪ .‬ولكن هل فلحوا ف أمرهم؟ كل‪..‬‬
‫(فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصري)‪.‬‬

‫إن ال الذي ل تأخذه سنة ول نوم‪ ،‬ما كان ليغفل عن تدبي خلقه‪ ،‬وإجراء سننه ف الياة‪ .‬فقد‬
‫أراد أن يعل آية تديهم إل اليان به والتسليم لوامره بالنفاق على الساكي وإعطاء كل‬
‫ذي حق حقه‪ ..‬وأن يعلم النسان بأن الزاء حقيقة واقعية‪ ،‬وإنه نتيجة عمله‪.‬‬

‫وهكذا يواجه مكر ال مكر النسان‪ ،‬فيدعه هباء منثورا‪( ،‬ومكروا ومكر ال وال خي‬
‫الاكرين)‪ .‬وإذا إستطاعوا أن يفوا مكرهم عن الساكي‪ ،‬فهل إستطاعوا أن يفوه عن عال‬
‫الغيب والشهادة؟ كل‪ ..‬وقد أرسل ال تعال طائفة ليثبت لم هذه القيقة‪:‬‬
‫(فتنادوا مصبحي* أن أغدوا على حرثكم إن كنتم صارمي* فإنطلقوا وهم يتخافتون* ان‬
‫ليدخلنها اليوم عليكم مسكي* وغدوا على حرد قادرين* فلما رأوها قالوا إنا لضالون* بل‬
‫نن مرومون) [القلم‪.]27-21 /‬‬

‫ف تلك اللحظة الرجة إهتدوا إل ان الرمان القيقي ليس قلة الال والاه‪ ،‬وإنا الرمان‬
‫والسكنة قلة اليان والعرفة بال‪.‬‬
‫وهكذا أصبح هذا الادث الريع بثابة صدمة قوية أيقظتهم من نومة الضلل والرمان‪ ،‬وصار‬
‫بداية لرحلة العروج ف آفاق التوبة والنابة‪ ،‬والت أولا إكتشاف النسان خطئه ف الياة‪.‬‬

‫ومن هنا نتدي إل أن من أهم الكم الت وراء أخذ ال الناس بالبأساء والضراء وألوان من‬
‫العذاب ف الدنيا‪ ،‬هو تصحيح مسية النسان بإحياء ضميه وإستثارة عقله من خلل ذلك‪،‬‬
‫كما قال ربنا عزوجل‪( :‬فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون)‪.‬‬

‫* قصة تستحق التأمل‪:‬‬

‫فما أحوجنا أن نتأمل قصة هؤلء الخوة الذين إعتبوا بآيات ال‪ ،‬وراجعوا أنفسهم بثا عن‬
‫القيقة لا رأوا جنتهم وقد أصبحت كالصري‪ ،‬فنغي من أنفسنا ليغي ال ما نن فيه‪ .‬إذ ما أشبه‬
‫تلك النة وقد طاف عليها طائف من ال بضارتنا الت صرمتها عوامل النطاط وال‬
‫تلف ولو أنم إستمعوا إل نداء الصلحي لا أبتلوا بتلك النهاية الريعة‪ .‬وهكذا كل أمة ل‬
‫تفلح إل إذا عرفت قيمة الصلحي‪ ،‬فإستمعت إل نصائحهم‪ ،‬وإستجابت لبلغهم وإنذارهم‪.‬‬
‫لذا الدور تصدى أوسط اصحاب النة‪ ،‬فعارضهم ف البداية حينما أزمعوا وأجعوا على‬
‫الطيئة‪ ،‬وذكرهم لا أصابم عذاب ال بالق‪ ،‬وحلهم كامل السؤولية‪ ،‬وإستفاد من الصدمة‬
‫الت أصابتهم ف إرشادهم إل العلج الناجع‪.‬‬

‫(قال أوسطهم أل أقل لكم لول تسبحون) من هذا الوقف نتدي إل بصية هامة ينبغي لطلئع‬
‫التغيي الضاري ورجال الصلح أن يدركوها ويأخذوا با ف تركهم إل ذلك الدف‬
‫العظيم‪ ،‬وهي‪ :‬إن الجتمعات والمم حينما تضل عن الق وتتبع النظم البشرية النحرفة‪ ،‬تصي‬
‫إل‬
‫الرمان‪ ،‬وتدث ف داخلها هزة عنيفة (صحوة) ذات وجهي‪ ،‬أحدها القناعة بطأ السية‬
‫السابقة‪ ،‬والخر البحث عن النهج الصال‪ .‬وهذه خي فرصة لم يعرضوا فيها الرؤى والفكار‬
‫الرسالية‪ ،‬ويوجهوا الناس اليها‪.‬‬
‫من هذه الفرصة إستفاد أوسط اصحاب النة‪ ،‬بيث حذر أخوته من أخطائهم‪ ،‬وأرشدهم إل‬
‫سبيل الصواب‪.‬‬

‫(قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالي* فأقبل بعضهم على بعض يتلومون* قالوا ياويلنا إنا كنا‬
‫طاغي* عسى ربنا أن يبدلنا خيا منها إنا إل ربنا راغبون)‪.‬‬

‫وقصة هؤلء شبيه بقوله تعال‪:‬‬

‫ت ِبأَْن ُعمِ‬
‫ض َربَ ال ّلهُ مَثَلًا َق ْريَةً كَانَتْ آمَِن ًة مُطْمَئِّن ًة َيأْتِيهَا رِ ْز ُقهَا رَ َغدًا ِمنْ ُكلّ َمكَانٍ َف َك َفرَ ْ‬
‫((وَ َ‬
‫ف بِمَا كَانُوا يَصَْنعُو َن َولَ َق ْد جَا َء ُهمْ َرسُولٌ مِ ْن ُه ْم فَ َك ّذبُوهُ‬
‫خوْ ِ‬
‫ع وَالْ َ‬
‫س الْجُو ِ‬
‫ال ّلهِ َفَأذَا َقهَا ال ّل ُه لِبَا َ‬
‫ب َوهُمْ ظَالِمُونَ))‬
‫َفَأخَ َذ ُهمُ اْلعَذَا ُ‬
‫قيل‪ :‬هذا مثل مضروب لهل مكة ‪ .‬وقيل‪ :‬هم أهل مكة أنفسهم‪ ،‬ضربم مثل لنفسهم‪ .‬ول‬
‫يناف ذلك‪ ،‬وال سبحانه وتعال أ‬

‫قصةالؤمن و الكافر‬

‫موقع القصة ف القرآن الكري‪:‬‬

‫ورد ذكر القصة ف سورة "الكهف"‪ ،‬بعد قصة أصحاب الكهف‪:‬‬

‫خ ٍل َوجَعَلْنَا بَيَْنهُمَا‬
‫ض ِربْ َل ُهمْ مَثَلًا َرجُلَ ْينِ جَعَلْنَا لَِأ َحدِهِمَا جَنّتَ ْينِ ِم ْن أَعْنَابٍ َوحَ َففْنَاهُمَا بِنَ ْ‬
‫" وَا ْ‬
‫ج ْرنَا خِلَاَلهُمَا َنهَرًا وَكَا َن َل ُه ثَ َمرٌ َفقَالَ‬
‫ت أُكُ َلهَا َوَلمْ تَظْ ِل ْم مِ ْنهُ شَيْئًا َوفَ ّ‬
‫َزرْعًا كِلْتَا الْجَنّتَ ْينِ آتَ ْ‬
‫لِصَاحِبِ ِه َوهُ َو يُحَاوِ ُرهُ َأنَا أَكَْث ُر مِ ْنكَ مَالًا َوأَ َع ّز نَ َفرًا َو َد َخلَ جَنَّتهُ وَ ُهوَ ظَالِ ٌم لَِن ْفسِ ِه قَا َل مَا أَ ُظنّ‬
‫أَ ْن تَبِي َد هَ ِذ ِه َأبَدًا وَمَا أَ ُظنّ السّا َعةَ قَائِ َم ًة وَلَِئنْ ُر ِد ْدتُ ِإلَى َربّي َلَأجِدَ ّن خَ ْيرًا مِ ْنهَا مُنْقَلَبًا قَا َل َلهُ‬
‫ت بِاّلذِي خَ َل َقكَ ِم ْن ُترَابٍ ُث ّم ِمنْ نُ ْط َفةٍ ثُ ّم َسوّاكَ َرجُلًا لَكِنّا هُ َو اللّهُ‬
‫صَاحُِبهُ وَ ُهوَ يُحَاوِ ُر ُه أَ َك َفرْ َ‬
‫ت مَا شَا َء ال ّلهُ لَا قُ ّو َة ِإلّا بِاللّ ِه إِ ْن َترَنِي َأنَا‬
‫ك قُلْ َ‬
‫َربّي وَلَا أُ ْشرِ ُك ِبرَبّي أَ َحدًا َولَ ْولَا ِإ ْذ َدخَلْتَ جَنّتَ َ‬
‫ك مَالًا وَ َوَلدًا َف َعسَى َربّي أَ ْن ُيؤْتِيَنِي خَيْرًا ِمنْ جَنِّتكَ َوُيرْ ِسلَ عَلَ ْيهَا ُحسْبَانًا ِم َن السّمَاءِ‬
‫َأ َقلّ مِ ْن َ‬
‫ط بِثَ َم ِر ِه َفأَصْبَحَ يُقَلّبُ‬
‫ح مَاؤُهَا َغوْرًا فَ َل ْن َتسْتَطِي َع َلهُ طَلَبًا َوأُحِي َ‬
‫صعِيدًا َزَلقًا َأ ْو يُصْبِ َ‬
‫فَتُصِْبحَ َ‬
‫َكفّ ْيهِ عَلَى مَا َأْن َفقَ فِيهَا َو ِهيَ خَا ِوَيةٌ عَلَى ُعرُو ِشهَا َويَقُولُ يَا لَيْتَنِي َلمْ ُأ ْشرِ ْك ِبرَبّي َأ َحدًا َولَ ْم َتكُنْ‬
‫ح ّق ُهوَ خَ ْيرٌ ثَوَابًا وَخَ ْيرٌ‬
‫صرًا هُنَاِلكَ اْلوَلَايَ ُة لِ ّلهِ الْ َ‬
‫صرُونَ ُه ِمنْ دُو ِن اللّ ِه َومَا كَا َن مُنْتَ ِ‬
‫َل ُه فَِئةٌ يَنْ ُ‬
‫ُعقْبًا"‬

‫القصة‪:‬‬

‫قال بعض الناس‪ :‬هذا مثل مضروب ول يلزم أن يكون واقعا‪ .‬والمهور أنه أمر قد وقع‪،‬‬
‫ض ِربْ َل ُهمْ مَثَلًا)) يعن لكفار قريش‪ ،‬ف عدم اجتماعهم بالضعفاء والفقراء‬
‫وقوله‪ ((:‬وَا ْ‬
‫ب َل ُهمْ مَثَلًا أَصْحَابَ اْل َقرَْيةِ إِذْ‬
‫ضرِ ْ‬
‫وازدرائهم بم‪ ،‬وافتخارهم عليهم كما قال تعال‪ ((:‬وَا ْ‬
‫جَا َءهَا الْ ُم ْرسَلُونَ)) كما قدمنا الكلم على قصتهم قبل قصة موسى‪ ،‬عليه السلم‪،‬‬

‫والشهور أن هذين كانا رجلي مصطحبي‪ ،‬وكان أحدها مؤمنا والخر كافرا‪ ،‬ويقال‪ :‬إنه‬
‫كان لكل منهما مال‪ ،‬فأنفق الؤمن ماله ف طاعة ال ومرضاته ابتغاء وجهه‪ ،‬وأما الكافر فإنه‬
‫اتذ له بستاني‪ ،‬وها النتان الذكورتان ف الية‪ ،‬على الصفة والنعت الذكور؛ فيهما أعناب‬
‫ونل تف تلك العناب‪ ،‬والزروع ف خلل ذلك والنار سارحة ههنا وههنا للسقي والتنه‪،‬‬
‫وقد استوسقت فيهما الثمار‪ ،‬واضطربت فيهما النار وابتهجت الزروع والثمار وافتخر‬
‫مالكهما على صاحبه الؤمن الفقي قائل له‪:‬‬

‫((َأنَا أَكَْث ُر مِ ْنكَ مَالًا َوأَ َعزّ َن َفرًا أي))؛ وأمنع جنابا‪ .‬ومراده أنه خي منه‪ ،‬ومعناه‪ ،‬ماذا أغن‬
‫عنك إنفاقك ما كنت تلكه ف الوجه الذي صرفته فيه؟ كان الول بك أن تفعل كما فعلت‬
‫سهِ)) أي؛ وهو على غي طريقة‬
‫لتكون مثلي‪ .‬فافتخر على صاحبه(( َو َدخَ َل جَنَّتهُ َو ُهوَ ظَاِل ٌم لَِنفْ ِ‬
‫مرضية قَا َل ((مَا أَ ُظ ّن أَ ْن تَبِيدَ َه ِذ ِه َأبَدًا))‬

‫وذلك لا رأى من اتساع أرضها‪ ،‬وكثرة مائها وحسن نبات أشجارها؛ ولو قد بادت كل‬
‫واحدة من هذه الشجار لستخلف مكانا أحسن منها‪ ،‬وزروعها دارة لكثرة مياهها‪ .‬ث قال‪:‬‬

‫(( َومَا أَ ُظ ّن السّا َع َة قَائِ َمةً)) فوثق بزهرة الياة الدنيا الفانية‪ ،‬وكذب بوجود الخرة الباقية‬
‫ت ِإلَى َربّي َلَأجِدَ ّن خَ ْيرًا مِ ْنهَا مُ ْنقَلَبًا))‬
‫الدائمة‪ ،‬ث قال‪(( :‬وَلَِئنْ ُر ِددْ ُ‬

‫أي؛ ولئن كان ث آخرة ومعاد فلجدن هناك خيا من هذا‪ .‬وذلك لنه اغتر بدنياه‪ ،‬واعتقد‬
‫أن ال ل يعطه ذلك فيها إل لبه له وحظوته عنده‪ ،‬كما قال العاص بن وائل فيما قص ال من‬
‫خبه وخب خباب بن الرت‬

‫ف قوله‪:‬‬
‫خذَ عِ ْن َد ال ّرحْ َمنِ َع ْهدًا‬
‫ب أَ ِم اتّ َ‬
‫ت الّذِي َك َف َر بِآيَاتِنَا َوقَالَ َلأُوتََي ّن مَالًا وَ َوَلدًا أَطّلَعَ اْلغَيْ َ‬
‫(( َأ َفرََأيْ َ‬
‫وقال تعال إخبارا عن النسان إذا أنعم ال عليه لََيقُولَ ّن َهذَا لِي َومَا أَ ُظ ّن السّا َع َة قَائِ َمةً َولَِئنْ‬
‫حسْنَى))‬
‫ت ِإلَى َربّي إِ ّن لِي عِ ْن َدهُ لَ ْل ُ‬
‫ُر ِجعْ ُ‬

‫قال ال تعال‪:‬‬

‫ظ وقال قارون ِإنّمَا أُوتِيُتهُ عَلَى عِ ْلمٍ‬


‫((فَلَنُنَبَّئ ّن اّلذِينَ َك َفرُوا بِمَا عَمِلُوا َولَُنذِيقَّن ُهمْ ِمنْ َعذَابٍ غَلِي ٍ‬
‫عِ ْندِي أي لعلم ال ف أن أستحقه))‬

‫قال ال تعال‪:‬‬

‫((َأوََل ْم َيعْلَ ْم أَ ّن اللّ َه َقدْ َأهْ َلكَ ِم ْن قَبْ ِلهِ مِ َن اْلقُرُو ِن َمنْ ُهوَ َأ َشدّ مِ ْن ُه ُق ّوةً َوأَكَْثرُ جَ ْمعًا وَلَا ُيسَْألُ‬
‫ج ِرمُو َن وقد قدمنا الكلم على قصته ف أثناء قصة موسى‪ .‬وقال تعال‪َ :‬ومَا‬
‫َعنْ ُذنُوبِ ِهمُ الْ ُم ْ‬
‫ك َل ُهمْ َجزَاءُ‬
‫َأ ْموَالُ ُك ْم وَلَا أَ ْولَادُكُ ْم بِالّتِي تُ َق ّربُ ُكمْ عِ ْن َدنَا ُزْلفَى ِإلّا َمنْ آ َم َن وَعَ ِملَ صَالِحًا َفأُولَئِ َ‬
‫ضعْفِ بِمَا َعمِلُوا َو ُهمْ فِي اْل ُغرُفَاتِ آمِنُونَ))‬
‫ال ّ‬

‫وقال تعال‪:‬‬

‫شعُرُونَ))‬
‫ت بَل لَا َي ْ‬
‫ع َلهُ ْم فِي الْخَ ْيرَا ِ‬
‫ي ُنسَا ِر ُ‬
‫حسَبُو َن أَنّمَا نُ ِم ّدهُ ْم ِبهِ ِم ْن مَا ٍل َوبَنِ َ‬
‫(( َأيَ ْ‬

‫ولا اغتر هذا الاهل با خوله ال به ف الدنيا‪ ،‬فجحد الخرة وادعى أنا إن وجدت ليجدن‬
‫عند ربه خيا ما هو فيه‪ ،‬وسعه صاحبه يقول ذلك قَالَ َلهُ صَاحُِبهُ َوهُ َو يُحَاوِ ُرهُ أي؛ يادله‬
‫ت بِاّلذِي خَلَ َقكَ ِم ْن ُترَابٍ ثُ ّم ِمنْ نُ ْط َف ٍة ُثمّ َسوّاكَ َرجُلًا))‬
‫((أَ َك َفرْ َ‬

‫أي‪ :‬أجحدت العاد وأنت تعلم أن ال خلقك من تراب‪ ،‬ث من نطفة ث صورك أطوارا حت‬
‫صرت رجل سويا سيعا بصيا‪ ،‬تعلم وتبطش وتفهم‪ ،‬فكيف أنكرت العاد وال قادر على‬
‫البداءة(( َلكِنّا ُهوَ ال ّلهُ َربّي)) أي؛ لكن أنا أقول بلف ما قلت وأعتقد خلف معتقدك(( ُهوَ‬
‫ال ّلهُ َربّي َولَا أُ ْشرِ ُك ِب َربّي أَ َحدًا أي))؛ ل أعبد سواه‪ ،‬واعتقد أنه يبعث الجساد بعد فنائها‬
‫ويعيد الموات ويمع العظام الرفات‪ ،‬وأعلم أن ال ل شريك له ف خلقه ول ف ملكه ول إله‬
‫غيه‪ ،‬ث أرشده إل ما كان الول به أن يسلكه عند دخول جنته فقال‪:‬‬

‫ت مَا شَا َء ال ّلهُ لَا قُ ّو َة ِإلّا بِاللّه( ِ( ولذا يستحب لكل من أعجبه‬
‫ك قُلْ َ‬
‫(( َولَ ْولَا ِإ ْذ َدخَلْتَ جَنّتَ َ‬
‫شيء من ماله أو أهله أو حاله أن يقول كذلك‪.‬‬

‫وقد ورد فيه حديث مرفوع‪ ،‬ف صحته نظر؛ قال أبو يعلى الوصلي‪ :‬حدثنا جراح بن ملد‬
‫حدثنا عمر بن يونس‪ ،‬حدثنا عيسى بن عون حدثنا عبد اللك بن زرارة‪ ،‬عن أنس قال‪:‬‬

‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬ما أنعم ال على عبد نعمة؛ من أهل أو مال أو ولد‬
‫فيقول‪ ((:‬ما شاء ال ل قوة إل بال))‬

‫ت مَا شَا َء اللّ ُه لَا‬


‫ت جَنَّتكَ قُلْ َ‬
‫فيى فيه آفة دون الوت وكان يتأول هذه الية‪َ :‬ولَ ْولَا ِإ ْذ دَخَلْ َ‬
‫ُق ّوةَ إِلّا بِال ّلهِ قال الافظ أبو الفتح الزدي‪ :‬عيسى بن عون‪ ،‬عن عبد اللك بن زرارة‪ ،‬عن‬
‫أنس‪ ،‬ل يصح‪.‬‬

‫ث قال الؤمن للكافر‪:‬‬

‫(( َف َعسَى َربّي أَ ْن ُي ْؤتِيَنِي خَ ْيرًا ِمنْ جَنِّتكَ))‬

‫أي؛ ف الدار الخرة ((وَُيرْ ِسلَ عَلَ ْيهَا ُحسْبَانًا ِم َن السّمَاءِ ))‬

‫قال ابن عباس والضحاك وقتادة‪ :‬أي؛ عذابا من السماء‪ .‬والظاهر أنه الطر الزعج الباهر‪،‬‬
‫صعِيدًا َزَلقًا))‬
‫الذي يقتلع زروعها وأشجارها ((فَتُصِْبحَ َ‬

‫ح مَاؤُهَا َغوْرًا))‬
‫وهو التراب الملس الذي ل نبات فيه ((أَ ْو يُصْبِ َ‬

‫وهو ضد العي السارح ((فَ َلنْ َتسْتَطِي َع َلهُ طَلَبًا))‬


‫يعن‪ ،‬فل تقدر على استرجاعه‪ .‬قال ال تعال‪:‬‬

‫(( َوأُحِيطَ بِثَ َم ِرهِ))‬

‫ح ُيقَلّبُ َكفّ ْيهِ عَلَى مَا َأْن َفقَ‬


‫أي؛ جاءه أمر أحاط بميع حواصله وخرب جنته ودمرها(( َفأَصْبَ َ‬
‫فِيهَا وَ ِهيَ خَاوَِيةٌ عَلَى ُعرُو ِشهَا ))‬

‫أي؛ خربت بالكلية‪،‬‬

‫فل عودة لا‪ ،‬وذلك ضد ما كان عليه أمل حيث قال‪:‬‬

‫(( مَا أَ ُظنّ أَ ْن تَبِي َد َه ِذهِ َأَبدًا ))وندم على ما كان سلف منه من القول الذي كفر بسببه بال‬
‫العظيم‪ ،‬فهو يقول‪:‬‬

‫(( يَا لَيْتَنِي َلمْ ُأ ْشرِ ْك ِبرَبّي َأ َحدًا)) قال ال تعال‪:‬‬

‫صرًا ))‬
‫صرُوَن ُه ِمنْ دُو ِن اللّ ِه َومَا كَا َن مُنْتَ ِ‬
‫(( َوَلمْ َت ُكنْ َلهُ فَِئةٌ يَنْ ُ‬

‫ك أي؛ ل يكن له أحد يتدارك ما فرط من أمره‪ ،‬وما كان له قدرة ف نفسه على شيء من‬
‫هُنَالِ َ‬
‫ذلك‪ ،‬كما قال تعال‪:‬‬

‫(( فَمَا َلهُ ِم ْن ُق ّوةٍ َولَا نَاصِر))ٍ و قوله ‪:‬‬

‫حقّ))‬
‫(( اْلوَلَايَ ُة لِ ّلهِ الْ َ‬

‫ومنهم من يبتدىء بقوله‪:‬‬

‫حقّ ))وهو حسن أيضا‪ ،‬كقوله‪:‬‬


‫ك الْ َولَاَيةُ لِ ّل ِه الْ َ‬
‫(( هُنَالِ َ‬

‫ح ّق لِلرّحْ َم ِن وَكَا َن يَ ْومًا عَلَى اْلكَا ِفرِينَ َعسِيًا ))‬


‫(( الْمُ ْلكُ َي ْومَِئذٍ الْ َ‬
‫فالكم الذي ل يرد ول يانع ول يغالب ‪-‬ف تلك الال وف كل حال‪ -‬ل الق‪ .‬ومنهم من‬
‫رفع الق جعله صفة ل الولية وها متلزمتان‪.‬‬

‫وقوله‪:‬‬

‫(( ُهوَ خَ ْي ٌر َثوَابًا َوخَ ْيرٌ ُعقْبًا ))‬

‫أي؛ معاملته خي لصاحبها ثوابا‪ ،‬وهو الزاء‪ ،‬وخي عقبا؛ وهو العاقبة ف الدنيا والخرة‪.‬‬

‫وهذه القصة تضمنت أنه ل ينبغي لحد أن يركن إل الياة الدنيا‪ ،‬ول يغتر با‪ ،‬ول يثق با‪،‬‬
‫بل يعل طاعة ال والتوكل عليه ف كل حال نصب عينيه‪ ،‬وليكن با ف يد ال أوثق منه با ف‬
‫يده‪ .‬وفيها‪ ،‬أن من قدم شيئا على طاعة ال والنفاق ف سبيله‪ ،‬عذب به‪ ،‬وربا سلب منه؛‬
‫معاملة له بنقيض قصده‪ .‬وفيها‪ ،‬أن الواجب قبول نصيحة الخ الشفق‪ ،‬وأن مالفته وبال‬
‫ودمار على من رد النصيحة الصحيحة‪ .‬وفيها‪ ،‬أن الندامه ل تنفع إذا حان القدر‪ ،‬ونفذ المر‬
‫التم‪ .‬بال الستعان وعليه التكل‬

‫قصة ناقة صال‬

‫موقع القصة ف القرآن الكري‪:‬‬

‫ورد ذكر القصة ف مواضع عدة ف سور العراف ‪ -‬هود ‪ -‬الجر ‪ -‬النمل ‪ -‬السجدة‬
‫‪-‬إبراهيم ‪ -‬السراء ‪ -‬القمر ‪ -‬براءة ‪-‬الفرقان ‪ -‬سورة ص ‪ -‬سورة ق ‪ -‬النجم ‪ -‬والفجر‬
‫‪ -‬الشعراء ‪....‬‬

‫القصة‪:‬‬
‫ف سنة ‪ 9‬من الجرة كان اليش السلمي بقيادة سيدنا ممد ( صلى ال عليه و آله‬
‫) يواصل زحفه باتاه منطقة تبوك ‪ ،‬و ذلك لواجهة حشود الرومان العسكرية ف شال شبه‬
‫الزيرة العربية ‪.‬‬
‫كا نت الرحلة شاقّة جدا ‪ . .‬و كان جنود ال سلم يشعرون بالت عب و الظ مأ ‪ . .‬من‬
‫أ جل هذا أ مر سيدنا م مد ( صلى ال عل يه و آله ) بالتو قف ف " وادي القرى " قريبا من‬
‫منطقة تبوك ‪.‬‬
‫عسحكر اليحش السحلمي قرب البال و كانحت هناك منطقحة أثريحة و خرائب و آبار‬
‫للمياه ‪.‬‬
‫تساءل البعض عن هذه الثار ‪ ،‬فقيل انا تعود إل قبيلة ثود الت كانت تقطن ف هذا‬
‫الكان ‪.‬‬
‫نى سيدنا ممد ( صلى ال عليه و آله ) السلمي من شرب مياه تلك البار و دلّهم‬
‫على عي قرب البال ‪ . .‬وقال لم أنا العي الت كانت ناقة صال تشرب منها ‪.‬‬
‫حذر سيدنا ممد ( صلى ال عليه و آله ) جنوده من دخول تلك الثار ال للعتبار من‬
‫مصي تلك القبيلة الت حلّت با اللعنة فاصبحت أثرا بعد عي ‪.‬‬
‫فمن هي قبيلة ثود ؟ و ما هي قصة ناقة سيدنا صال ( عليه السلم ) ؟‬

‫قبيلة مشهورة‪ ،‬يقال لم ثود باسم جدهم ثود أخي جديس‪ ،‬وها ابنا عاثر بن ارم بن سام‬
‫بن نوح‪.‬‬

‫وكانوا عربا من العاربة يسكنون الجر الذي بي الجاز وتبوك وقد مرّ به رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم وهو ذاهب إل تبوك بن معه من السلمي‪.‬‬

‫وكانوا بعد قوم عاد‪ ،‬وكانوا يعبدون الصنام كأولئك‪.‬‬

‫ل منهم وهو عبد ال ورسوله‪ :‬صال بن عبيد بن ماسح بن عبيد بن حادر‬


‫فبعث ال فيهم رج ً‬
‫بن ثود بن عاثر بن ارم بن نوح فدعاهم إل عبادة ال وحده ل شريك له‪ ،‬وأن يلعوا الصنام‬
‫والنداد ول يشركوا به شيئا‪ .‬فآمنت به طائفة منهم‪ ،‬وكفر جهورهم‪ ،‬ونالوا منه بالقال‬
‫والفعال‪ ،‬وهوا بقتله‪ ،‬وقتلوا الناقة الت جعلها ال حجة عليهم‪ ،‬فأخذهم ال أخذ عزيز مقتدر‪.‬‬

‫كما قال تعال ف سورة العراف‪:‬‬

‫{ َوإِلَى ثَمُو َد َأخَاهُمْ صَالِحا قَا َل يَا َقوْمِ اعُْبدُوا ال ّلهَ مَا لَ ُك ْم ِمنْ ِإَلهٍ غَ ْي ُرهُ َق ْد جَا َءتْ ُكمْ بَيَّن ٌة ِمنْ‬
‫َرّب ُكمْ َه ِذهِ نَا َقةُ ال ّلهِ لَ ُكمْ آَيةً َفذَرُوهَا َتأْ ُكلْ فِي أَ ْرضِ ال ّل ِه وَ َل تَ َمسّوهَا ِبسُو ٍء فََي ْأخُذَ ُكمْ َعذَابٌ‬
‫خذُونَ ِم ْن ُسهُوِلهَا قُصُورا‬
‫ض تَتّ ِ‬
‫َألِيمٌ‪ ،‬وَاذْ ُكرُوا إِ ْذ َجعَلَ ُكمْ خُلَفَا َء ِمنْ َب ْعدِ عَادٍ َوَبوّأَ ُك ْم فِي الَرْ ِ‬
‫ل اّلذِينَ‬
‫سدِينَ‪ ،‬قَا َل الْمَ ُ‬
‫ض مُ ْف ِ‬
‫َوتَنْحِتُو َن الْجِبَا َل بُيُوتا فَاذْ ُكرُوا آلَءَ ال ّل ِه وَ َل َتعْثَوْا فِي الَرْ ِ‬
‫ضعِفُوا لِ َمنْ آ َم َن مِ ْن ُهمْ َأَتعْلَمُونَ أَنّ صَالِحا ُم ْرسَ ٌل ِمنْ َرّبهِ قَالُوا إِنّا‬
‫اسْتَكَْبرُوا ِم ْن قَ ْو ِمهِ لِ ّلذِينَ اسْتُ ْ‬
‫بِمَا أُ ْر ِسلَ ِبهِ مُ ْؤمِنُونَ‪ ،‬قَالَ اّلذِينَ اسَْتكَْبرُوا ِإنّا بِاّلذِي آمَنُتمْ ِبهِ كَا ِفرُونَ‪َ ،‬ف َعقَرُوا النّا َق َة وَعََتوْا‬
‫ت ِم ْن الْ ُمرْسَلِيَ‪َ ،‬فَأخَ َذْت ُهمْ الرّ ْج َفةُ َفأَصْبَحُوا‬
‫ح ائْتِنَا بِمَا َت ِع ُدنَا إِنْ كُن َ‬
‫َعنْ َأ ْمرِ َرّبهِ ْم َوقَالُوا يَا صَالِ ُ‬
‫ت َل ُكمْ َولَ ِك ْن ل‬
‫فِي دَا ِر ِهمْ جَاثِمِيَ‪ ،‬فََت َولّى عَ ْن ُه ْم َوقَالَ يَا َقوْمِ لَ َق ْد أَبْ َلغُْتكُمْ ِرسَالَةَ َربّي َونَصَحْ ُ‬
‫حيَ}‪.‬‬
‫تُحِبّو َن النّاصِ ِ‬

‫وقال تعال ف سورة هود‪:‬‬

‫شأَ ُكمْ ِم ْن الَرْضِ‬


‫{ َوإِلَى ثَمُو َد َأخَاهُمْ صَالِحا قَا َل يَا َقوْمِ اعُْبدُوا ال ّلهَ مَا لَ ُك ْم ِمنْ ِإَلهٍ غَ ْي ُرهُ ُه َو أَن َ‬
‫ت فِينَا‬
‫ح َقدْ كُن َ‬
‫وَاسَْتعْ َمرَ ُك ْم فِيهَا فَاسَْت ْغ ِفرُو ُه ُثمّ تُوبُوا ِإلَ ْيهِ إِنّ َربّي َقرِيبٌ مُجِيبٌ‪ ،‬قَالُوا يَا صَالِ ُ‬
‫ك مِمّا َتدْعُونَا ِإلَ ْيهِ ُمرِيبٍ‪ ،‬قَالَ يَا َقوْمِ‬
‫َم ْرجُوّا قَ ْب َل َهذَا َأتَ ْنهَانَا أَ ْن َنعُْبدَ مَا َيعْبُدُ آبَا ُؤنَا َوإِنّنَا لَفِي َش ّ‬
‫ص ُرنِي ِمنْ ال ّلهِ إِنْ عَصَيُْتهُ‪ ،‬فَمَا‬
‫أَ َرَأيُْتمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيَّنةٍ ِمنْ َربّي وَآتَانِي مِ ْنهُ َرحْ َم ًة فَ َم ْن يَن ُ‬
‫ض ال ّل ِه وَ َل تَ َمسّوهَا‬
‫خسِيٍ‪َ ،‬ويَا َقوْ ِم َه ِذهِ نَا َقةُ ال ّلهِ َل ُكمْ آَي ًة َفذَرُوهَا تَأْ ُك ْل فِي أَرْ ِ‬
‫َتزِيدُونَنِي غَ ْي َر تَ ْ‬
‫ك وَ ْعدٌ غَ ْيرُ‬
‫ب َقرِيبٌ‪َ ،‬ف َعقَرُوهَا َفقَالَ تَ َمّتعُوا فِي دَارِ ُكمْ ثَلَاَثةَ َأيّا ٍم َذلِ َ‬
‫ِبسُو ٍء فََيأْ ُخذَ ُكمْ َعذَا ٌ‬
‫َم ْكذُوبٍ‪ ،‬فَلَمّا جَا َء َأمْ ُرنَا نَجّيْنَا صَالِحا وَاّلذِينَ آمَنُوا مَ َع ُه ِبرَحْ َم ٍة مِنّا َو ِمنْ ِخزْيِ يَ ْومِِئذٍ إِنّ َرّبكَ‬
‫ح ُة َفأَصْبَحُوا فِي ِديَارِ ِهمْ جَاثِمِيَ‪َ ،‬كأَ ْن َل ْم َيغْنَوْا فِيهَا‬
‫ي اْلعَزِيزُ‪َ ،‬وأَ َخ َذ الّذِينَ ظَلَمُوا الصّيْ َ‬
‫ُهوَ اْل َقوِ ّ‬
‫َألَ إِ ّن ثَمُودَ َك َفرُوا َرّبهُ ْم َألَ ُبعْدا لِثَمُودَ}‪.‬‬
‫وقال تعال ف سورة الجر‪:‬‬

‫ج ِر الْ ُمرْسَلِيَ‪ ،‬وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا َفكَانُوا عَ ْنهَا ُم ْعرِضِيَ‪ ،‬وَكَانُوا يَ ْنحِتُونَ‬


‫ب الْحِ ْ‬
‫ب أَصْحَا ُ‬
‫{ َولَ َقدْ َكذّ َ‬
‫ح ُة مُصْبِحِيَ‪ ،‬فَمَا أَغْنَى عَ ْن ُه ْم مَا كَانُوا َي ْكسِبُونَ}‪.‬‬
‫ِم ْن الْجِبَا ِل بُيُوتا آمِنِيَ‪َ ،‬فَأخَ َذْتهُ ْم الصّيْ َ‬

‫وقال سبحانه وتعال ف سورة سبحان‪:‬‬

‫ص َر ًة فَظَلَمُوا ِبهَا‬
‫ت إِ ّل أَنْ َك ّذبَ ِبهَا ا َلوّلُو َن وَآتَيْنَا ثَمُودَ النّا َقةَ مُبْ ِ‬
‫{ َومَا مََنعَنَا أَ ْن ُن ْرسِ َل بِاليَا ِ‬
‫خوِيفا}‪.‬‬
‫ت إِ ّل تَ ْ‬
‫َومَا ُن ْرسِ ُل بِاليَا ِ‬

‫وقال تعال ف سورة الشعراء‪:‬‬

‫ح أَ َل تَّتقُون‪ِ ،‬إنّي َلكُمْ َرسُو ٌل َأمِيٌ‪ ،‬فَاّتقُوا‬


‫ت ثَمُودُ الْ ُم ْرسَلِيَ‪ِ ،‬إذْ قَالَ َل ُهمْ َأخُو ُهمْ صَالِ ٌ‬
‫{ َك ّذبَ ْ‬
‫ب الْعَالَمِيَ‪َ ،‬أتُ ْترَكُو َن فِي مَا‬
‫ال ّلهَ َوأَطِيعُونِي‪ ،‬وَمَا أَ ْسَألُ ُكمْ عَلَ ْيهِ مِ ْن َأجْ ٍر إِ ْن َأجْرِي ِإلّ َعلَى َر ّ‬
‫خلٍ طَ ْل ُعهَا هَضِيمٌ‪َ ،‬وتَنْحِتُو َن ِمنْ الْجِبَالِ بُيُوتا‬
‫ع َونَ ْ‬
‫ت وَعُيُونٍ‪ ،‬وَزُرُو ٍ‬
‫هَاهُنَا آمِِنيَ‪ ،‬فِي جَنّا ٍ‬
‫ض َولَ‬
‫سدُو َن فِي الَرْ ِ‬
‫س ِرفِيَ‪ ،‬اّلذِينَ يُ ْف ِ‬
‫فَا ِرهِيَ‪ ،‬فَاّتقُوا ال ّلهَ َوأَطِيعُونِي‪َ ،‬ولَ تُطِيعُوا َأ ْمرَ الْ ُم ْ‬
‫ت ِمنْ‬
‫ت بِآَيةٍ إِنْ ُكنْ َ‬
‫حرِينَ‪ ،‬مَا َأنْتَ ِإ ّل َبشَ ٌر مِثْلُنَا َفأْ ِ‬
‫ت ِمنْ الْ ُمسَ ّ‬
‫يُصْلِحُونَ‪ ،‬قَالُوا إِنّمَا َأنْ َ‬
‫ب يَوْ ٍم َمعْلُومٍ‪ ،‬وَ َل تَ َمسّوهَا ِبسُو ٍء فََي ْأ ُخذَكُمْ‬
‫الصّادِقِيَ‪ ،‬قَالَ َه ِذهِ نَا َقةٌ َلهَا شِ ْربٌ َوَلكُ ْم ِشرْ ُ‬
‫ب إِ ّن فِي َذِلكَ ليَ ًة َومَا كَانَ‬
‫َعذَابُ َيوْمٍ عَظِيمٍ‪َ ،‬ف َع َقرُوهَا َفأَصْبَحُوا نَا ِدمِيَ‪َ ،‬فأَ َخ َذهُ ْم الْ َعذَا ُ‬
‫ك َلهُ َو الْ َعزِي ُز الرّحِيمُ}‪.‬‬
‫أَكَْث ُر ُهمْ ُم ْؤمِنِيَ‪ ،‬وَإِنّ َرّب َ‬

‫وقال تعال ف سورة النمل‪:‬‬

‫ختَصِمُونَ‪ ،‬قَا َل يَا َقوْمِ‬


‫{ َولَ َق ْد أَرْسَلْنَا ِإلَى ثَمُودَ َأخَا ُهمْ صَالِحا أَنْ اعُْبدُوا ال ّلهَ َفِإذَا ُه ْم َفرِيقَانِ يَ ْ‬
‫حسََن ِة َلوْ َل َتسَْتغْ ِفرُونَ ال ّلهَ لَعَ ّل ُكمْ ُت ْرحَمُونَ‪ ،‬قَالُوا اطّّي ْرنَا ِبكَ َوبِ َمنْ‬
‫ِل َم َتسْتَعْجِلُو َن بِالسّيّئَ ِة قَ ْبلَ الْ َ‬
‫سدُونَ فِي‬
‫ط ُيفْ ِ‬
‫س َعةُ َرهْ ٍ‬
‫َم َعكَ قَالَ طَاِئرُ ُكمْ عِ ْن َد اللّ ِه َبلْ َأنُْتمْ قَوْ ٌم ُتفْتَنُونَ‪ ،‬وَكَانَ فِي الْ َمدِيَنةِ ِت ْ‬
‫ض وَ َل يُصْلِحُون‪ ،‬قَالُوا َتقَاسَمُوا بِال ّلهِ لَنُبَيَّتّنهُ َوَأهْلَ ُه ُثمّ لََنقُولَ ّن ِلوَلِّي ِه ثُ ّم لََنقُوَل ّن لِ َولِّيهِ مَا‬
‫الَرْ ِ‬
‫ك أَهْ ِل ِه وَِإنّا لَصَا ِدقُونَ‪َ ،‬ومَ َكرُوا َمكْرا وَ َم َكرْنَا َمكْرا َوهُ ْم َل َيشْ ُعرُونَ‪ ،‬فَان ُظرْ كَيْفَ‬
‫َش ِهدْنَا مَهْ ِل َ‬
‫كَانَ عَاقِبَ ُة َمكْ ِر ِهمْ َأنّا َد ّم ْرنَاهُ ْم َوقَ ْو َم ُهمْ َأجْ َمعِيَ‪ ،‬فَتِ ْلكَ بُيُوُتهُ ْم خَا ِويَ ًة بِمَا ظَ َلمُوا إِ ّن فِي َذِلكَ‬
‫َلَيةً ِل َقوْمٍ يَعْلَمُون‪َ ،‬وأَنَيْنَا اّلذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَّتقُونَ}‪.‬‬

‫وقال تعال ف سورة حم السجدة‪:‬‬

‫ب الْهُو ِن بِمَا كَانُوا‬


‫{ َوأَمّا ثَمُو ُد َف َهدَيْنَاهُ ْم فَاسْتَحَبّوا الْعَمَى عَلَى الْ ُهدَى َفَأ َخذَْت ُهمْ صَا ِعقَ ُة الْ َعذَا ِ‬
‫َي ْكسِبُونَ‪َ ،‬ونَجّيْنَا اّلذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَّتقُونَ}‪.‬‬

‫وقال تعال ف سورة اقتربت‪:‬‬

‫للٍ َو ُسعُرٍ‪َ ،‬أؤُْلقِ َي الذّ ْكرُ‬


‫ضَ‬‫ت ثَمُودُ بِالنّذُرِ‪َ ،‬فقَالُوا َأَبشَرا مِنّا وَاحِدا نَتِّبعُ ُه ِإنّا إِذا َلفِي َ‬
‫{ َك ّذبَ ْ‬
‫ب الَ ِشرُ‪ِ ،‬إنّا ُم ْرسِلُو النّا َق ِة فِتَْنةً َل ُهمْ‬
‫عَلَ ْيهِ ِم ْن بَيْنِنَا َبلْ ُهوَ َكذّابٌ َأ ِشرٌ‪ ،‬سََيعْلَمُونَ غَدا َمنْ الْ َكذّا ُ‬
‫ضرٌ‪ ،‬فَنَادَوْا صَاحَِب ُهمْ فََتعَاطَى‬
‫ب مُحْتَ َ‬
‫فَا ْرَتقِبْ ُه ْم وَاصْ َطِبرْ‪َ ،‬ونَبّ ْئ ُهمْ أَ ّن الْمَا َء ِقسْ َم ٌة بَيَْنهُمْ ُك ّل ِشرْ ٍ‬
‫حةً وَاحِ َد ًة َفكَانُوا َك َهشِيمِ الْ ُمحْتَ ِظرِ‪ ،‬وََل َقدْ‬
‫َف َع َقرَ‪َ ،‬فكَيْفَ كَانَ َعذَابِي َوُنذُ ِر إِنّا أَ ْرسَلْنَا عَلَ ْي ِهمْ صَ ْي َ‬
‫س ْرنَا الْ ُقرْآ َن لِلذّ ْك ِر َفهَ ْل ِمنْ مُدّ ِكرٍ}‪.‬‬
‫َي ّ‬

‫وقال تعال‪:‬‬

‫ث َأشْقَاهَا‪َ ،‬فقَالَ لَ ُهمْ َرسُولُ ال ّل ِه نَا َقةَ ال ّل ِه وَ ُسقْيَاهَا‪َ ،‬ف َك ّذبُوهُ‬


‫ت ثَمُودُ بِ َط ْغوَاهَا‪ِ ،‬إ ْذ انْبَعَ َ‬
‫{ َك ّذبَ ْ‬
‫سوّاهَا‪َ ،‬ولَ يَخَافُ ُعقْبَاهَا}‪.‬‬
‫َف َع َقرُوهَا َف َدمْدَمَ عَلَ ْي ِهمْ َرّب ُهمْ بِ َذنِْب ِهمْ َف َ‬

‫وكثيا ما يقرن ال ف كتابه بي ذكر عاد وثود‪ ،‬كما ف سورة براءة وإبراهيم والفرقان‪،‬‬
‫وسورة ص‪ ،‬وسورة ق‪ ،‬والنجم‪ ،‬والفجر‪.‬‬

‫ويقال أن هاتي المتي ل يعرف خبها أهل الكتاب‪ ،‬وليس لما ذكر ف كتابم التوراة‪.‬‬
‫ولكن ف القرآن ما يدل على أن موسى أخب عنهما‪ ،‬كما قال تعال ف سورة إبراهيم‪:‬‬
‫ض جَمِيعا َفإِ ّن ال ّلهَ َلغَِنيّ حَمِيدٌ‪َ ،‬ألَ ْم َيأِْتكُ ْم نََبأُ اّلذِينَ‬
‫{ َوقَالَ مُوسَى إِ ْن تَ ْك ُفرُوا َأنْتُ ْم َومَ ْن فِي الَرْ ِ‬
‫ح وَعَا ٍد وَثَمُو َد وَاّلذِي َن ِمنْ َب ْعدِ ِهمْ لَ َيعْلَ ُم ُهمْ ِإلّا ال ّل ُه جَا َءْت ُهمْ ُرسُلُ ُهمْ‬
‫ِم ْن قَبْ ِلكُ ْم َقوْ ِم نُو ٍ‬
‫بِالْبَيّنَاتِ} الية‪ .‬الظاهر أن هذا من تام كلم موسى مع قومه‪ ،‬ولكن لا كان هاتان المتان من‬
‫العرب ل يضبطوا خبها جيدا‪ ،‬ول اعتنوا بفظه‪ ،‬وإن كان خبها كان مشهورا ف زمان‬
‫موسى عليه السلم‪ .‬وقد تكلمنا على هذا كله ف التفسي مستقصي‪ .‬ول المد والنة‪.‬‬

‫والقصود الن ذكر قصتهم وما كان من أمرهم‪ ،‬وكيف نى ال نبيه صالا عليه السلم ومن‬
‫آمن به‪ ،‬وكيف قطع دابر القوم الذين ظلموا بكفرهم وعتوهم‪ ،‬ومالفتهم رسولم عليه‬
‫السلم‪.‬‬

‫وقد قدمنا أنم كانوا عربا‪ ،‬وكانوا بعد عاد ول يعتبوا با كان من أمرهم‪ .‬ولذا قال لم نبيهم‬
‫عليه السلم‪:‬‬

‫{اعُْبدُوا ال ّلهَ مَا لَ ُكمْ مِ ْن ِإَلهٍ َغ ْي ُرهُ َق ْد جَا َءْت ُكمْ بَيَّن ٌة ِمنْ َربّ ُكمْ َه ِذ ِه نَا َقةُ ال ّل ِه لَ ُكمْ آَيةً َفذَرُوهَا‬
‫ض ال ّلهِ َولَ تَ َمسّوهَا ِبسُو ٍء فََيأْ ُخذَ ُكمْ َعذَابٌ أَلِيمٌ‪ ،‬وَاذْ ُكرُوا ِإذْ َجعَ َلكُ ْم خُ َلفَا َء ِمنْ‬
‫َتأْ ُكلْ فِي أَرْ ِ‬
‫خذُو َن ِم ْن سُهُولِهَا قُصُورا َوتَنْحِتُو َن الْجِبَا َل بُيُوتا فَاذْ ُكرُوا آلَءَ‬
‫َب ْعدِ عَادٍ َوبَ ّوأَ ُكمْ فِي الَرْضِ تَتّ ِ‬
‫سدِينَ} أي إنا جعلكم خلفاء من بعدهم لتعتبوا با كان من‬
‫ض ُم ْف ِ‬
‫ال ّلهِ َولَ تَعَْثوْا فِي الَرْ ِ‬
‫أمرهم‪ ،‬وتعملوا بلف عملهم‪ .‬وأباح لكم هذه الرض تبنون ف سهولا القصور‪َ { ،‬وتَنْحِتُونَ‬
‫ِم ْن الْجِبَا ِل بُيُوتا فَا ِرهِيَ} أي حاذقي ف صنعتها وإتقانا وإحكامها‪ .‬فقابلوا نعمة ال بالشكر‬
‫والعمل الصال‪ ،‬والعبادة له وحده ل شريك له‪ ،‬وإياكم ومالفته والعدول عن طاعته‪ ،‬فإن‬
‫عاقبة ذلك وخيمة‪.‬‬

‫خلٍ طَ ْل ُعهَا‬
‫ع وَنَ ْ‬
‫ت وَعُيُونٍ‪ ،‬وَزُرُو ٍ‬
‫ولذا وعظهم بقوله‪{ :‬أَتُ ْترَكُو َن فِي مَا هَاهُنَا آمِِنيَ‪ ،‬فِي جَنّا ٍ‬
‫هَضِيمٌ} أي متراكم كثي حسن بي ناضج‪َ { .‬وتَنْحِتُو َن ِمنْ الْجِبَالِ بُيُوتا فَا ِرهِيَ‪ ،‬فَاّتقُوا اللّهَ‬
‫ض َولَ يُصْ ِلحُونَ}‪.‬‬
‫سدُونَ فِي الَرْ ِ‬
‫س ِرفِيَ‪ ،‬اّلذِي َن يُ ْف ِ‬
‫َوأَطِيعُونِي‪َ ،‬ولَ تُطِيعُوا َأ ْمرَ الْ ُم ْ‬
‫ض وَاسَْتعْ َمرَ ُكمْ‬
‫وقال لم أيضا‪{ :‬يَا قَوْمِ اعُْبدُوا ال ّل َه مَا َلكُ ْم ِمنْ ِإَلهٍ غَ ْي ُر ُه هُ َو أَنشَأَ ُك ْم ِمنْ الَرْ ِ‬
‫فِيهَا} أي هو الذي خلقكم فأنشأكم من الرض‪ ،‬وجعلكم عمارها‪ ،‬أي أعطاكموها با فيها من‬
‫الزروع والثمار‪ ،‬فهو الالق الرزاق‪ ،‬وهو الذي يستحق العبادة وحده ل ما سواه‪.‬‬
‫{فَاسَْت ْغ ِفرُو ُه ثُ ّم تُوبُوا ِإلَ ْيهِ} أي أقلعوا عما أنتم فيه وأقبلوا على عبادته‪ ،‬فإنه يقبل منكم‬
‫ب مُجِيبٌ}‪.‬‬
‫ويتجاوز عنكم {إِنّ َربّي َقرِي ٌ‬

‫ل قبل‬
‫ت فِينَا َمرْ ُجوّا قَ ْب َل هَذَا} أي قد كنا نرجو أن يكون عقلك كام ً‬
‫ح َقدْ كُن َ‬
‫{قَالُوا يَا صَالِ ُ‬
‫هذه القالة‪ ،‬وهي دعاؤك إيانا إل إفراد العبادة‪ ،‬وترك ما كنا نعبده من النداد‪ ،‬والعدول عن‬
‫دين الباء والجداد ولذا قالوا‪َ{ :‬أتَنْهَانَا أَ ْن َنعْبُ َد مَا َيعُْبدُ آبَا ُؤنَا َوِإنّنَا َلفِي َشكّ مِمّا َتدْعُونَا إِلَ ْيهِ‬
‫ُمرِيب}‪.‬‬

‫ص ُرنِي ِمنْ ال ّلهِ إِنْ‬


‫{قَا َل يَا َقوْ ِم أَ َرَأيُْتمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيَّنةٍ ِمنْ َربّي وَآتَانِي مِ ْنهُ َرحْ َم ًة فَ َم ْن يَن ُ‬
‫خسِيٍ}‪.‬‬
‫عَصَيُْتهُ فَمَا َتزِيدُونَنِي غَ ْي َر تَ ْ‬

‫وهذا تلطف منه لم ف العبارة ولي الانب‪ ،‬وحسن تأت ف الدعوة لم إل الي‪ .‬أي فما‬
‫ظنكم إن كان المر كما أقول لكم وأدعوكم إليه؟ ما عذركم عند ال؟ وماذا يلصكم بي‬
‫يديه وأنتم تطلبون من أن أترك دعاءكم إل طاعته؟ وأنا ل يكنن هذا لنه واجب علي‪ ،‬ولو‬
‫تركته لا قدر أحد منكم ول من غيكم أن يين منه ول ينصرن‪ .‬فأنا ل أزال أدعوكم إل ال‬
‫وحده ل شريك له‪ ،‬حت يكم ال بين وبينكم‪.‬‬

‫حرِينَ} أي من السحورين‪ ،‬يعنون مسحورا ل تدري ما‬


‫وقالوا له أيضا‪{ :‬إِنّمَا َأنْتَ مِ ْن الْ ُمسَ ّ‬
‫تقول ف دعائك إيانا إل إفراد العبادة ل وحده‪ ،‬وخلع ما سواه من النداد‪ .‬وهذا القول عليه‬
‫المهور‪ ،‬وهو أن الراد بالسحرين السحورين‪ .‬وقيل من السحرين‪ :‬أي من له سحر ‪ -‬وهو‬
‫الرئي ‪ -‬كأنم يقولون إنا أنت بشر له سحر‪ .‬والول أظهر لقولم بعد هذا‪{ :‬ما أنت إل بشر‬
‫ت ِمنْ الصّا ِدقِيَ} سألوا منه أن يأتيهم بارق يدل على صدق‬
‫ت بِآَيةٍ إِنْ كُنْ َ‬
‫مثلنا} وقولم { َفأْ ِ‬
‫ب َيوْ ٍم َمعْلُومٍ‪َ ،‬ولَ تَ َمسّوهَا ِبسُوءٍ‬
‫ب وََل ُكمْ ِشرْ ُ‬
‫ما جاءهم به‪ .‬قال‪{ :‬قَالَ هَ ِذ ِه نَا َق ٌة َلهَا ِشرْ ٌ‬
‫ب َيوْمٍ عَظِيمٍ} كما قال‪َ { :‬قدْ جَا َءْتكُ ْم بَيَّنةٌ ِمنْ َرّبكُ ْم َه ِذهِ نَاقَ ُة ال ّلهِ َل ُكمْ آَيةً‬
‫فََي ْأخُذَ ُكمْ َعذَا ُ‬
‫ب َألِيم} وقال تعال‪{ :‬وَآتَيْنَا‬
‫َفذَرُوهَا َتأْكُ ْل فِي أَرْضِ ال ّل ِه وَ َل تَ َمسّوهَا ِبسُو ٍء فََي ْأخُذَ ُكمْ َعذَا ٌ‬
‫ص َر ًة فَظَلَمُوا ِبهَا}‪.‬‬
‫ثَمُودَ النّا َقةَ مُبْ ِ‬

‫وقد ذكر الفسرون أن ثود اجتمعوا يوما ف ناديهم‪ ،‬فجاءهم رسول ال صال فدعاهم إل‬
‫ال‪ ،‬وذكرهم وحذرهم ووعظهم وأمرهم‪ ،‬فقالوا له‪ :‬إن أنت أخرجت لنا من هذه الصخرة ‪-‬‬
‫وأشاروا إل صخرة هناك ‪ -‬ناقة‪ ،‬من صفتها كيت وكيت وذكروا أوصافا سوها ونعتوها‪،‬‬
‫وتعنتوا فيها‪ ،‬وأن تكون عشراء‪ ،‬طويلة‪ ،‬من صفتها كذا وكذا‪ ،‬فقال لم النب صال عليه‬
‫السلم‪ :‬أرأيتم إن أجبتكم إل ما سألتم‪ ،‬على الوجه الذي طلبتم‪ ،‬أتؤمنون با جئتكم به‬
‫وتصدقون فيما أرسلت به؟ قالوا‪ :‬نعم‪ .‬فأخذ عهودهم ومواثيقهم على ذلك‪.‬‬

‫ث قام إل مصله فصلى ل عز وجل ما قدر له‪ ،‬ث دعا ربه عز وجل أن ييبهم إل ما طلبوا‪،‬‬
‫فأمر ال عز وجل تلك الصخرة أن تنفطر عن ناقة عظيمة عشراء‪ ،‬على الوجه الطلوب الذي‬
‫طلبوا‪ ،‬أو على الصفة الت نعتوا‪.‬‬

‫ل قاطعا‪ ،‬وبرهانا‬
‫فلما عاينوها كذلك‪ ،‬رأوا أمرا عظيما‪ ،‬ومنظرا هائلً‪ ،‬وقدرة باهرة‪ ،‬ودلي ً‬
‫ساطعا‪ ،‬فآمن كثي منهم‪ ،‬واستمر أكثرهم على كفرهم وضللم وعنادهم‪ .‬ولذا قال‪:‬‬
‫{فَظَلَمُوا ِبهَا} أي جحدوا با‪ ،‬ول يتبعوا الق بسببها‪ ،‬أي أكثرهم‪ ،‬وكان رئيس الذين آمنوا‪:‬‬
‫جندع بن عمرو بن ملة بن لبيد بن جواس‪ ،‬وكان من رؤسائهم‪ .‬وهم بقية الشراف‬
‫بالسلم‪ ،‬فصدهم ذؤاب بن عمرو بن لبيد‪ ،‬والباب‪ ،‬صاحب أوثانم‪ ،‬ورباب بن صعر بن‬
‫جلمس‪ ،‬ودعا جندع ابن عمه شهاب بن خليفة‪ ،‬وكان من أشرافهم‪ ،‬فهم بالسلم فنهاه‬
‫أولئك‪ ،‬فمال إليهم فقال ف ذلك رجل من السلمي يقال له مهرش بن غنمة بن الذميل رحه‬
‫ال‪:‬‬

‫وكانت عصبة من آل عمرو *** إل دين النب دعوا شهابا‬

‫عزيز ثود كلهم جيعا *** فهم بأن ييب ولو أجابا‬

‫لصبح صال فينا عزيزا *** وما عدلوا بصاحبهم ذؤابا‬


‫ولكن الغواة من آل حجر ** *** تولوا بعد رشدهم ذبابا‬

‫ولذا قال لم صال عليه السلم‪{ :‬هَ ِذ ِه نَا َقةُ ال ّلهِ} أضافها ل سبحانه وتعال إضافة تشريف‬
‫وتعظيم‪ ،‬كقوله بيت ال وعبد ال {لَ ُكمْ آَيةً} أي دليلً على صدق ما جئتكم به { َفذَرُوهَا‬
‫ض ال ّلهِ َولَ تَ َمسّوهَا ِبسُو ٍء فََيأْ ُخذَ ُكمْ َعذَابٌ َقرِيبٌ}‪.‬‬
‫َتأْ ُكلْ فِي أَرْ ِ‬

‫فاتفق الال على أن تبقى هذه الناقة بي أظهرهم‪ ،‬ترعى حيث شاءت من أرضهم‪ ،‬وترد الاء‬
‫يوما بعد يوم‪ ،‬وكانت إذا وردت الاء تشرب ماء البئر يومها ذلك‪ ،‬فكانوا يرفعون حاجتهم‬
‫من الاء ف يومهم لغدهم‪ .‬ويقال أنم كانوا يشربون من لبنها كفايتهم‪ ،‬ولذا قال‪َ{ :‬لهَا ِش ْربٌ‬
‫َولَ ُك ْم شِ ْربُ يَوْ ٍم َمعْلُومٍ}‪.‬‬

‫ولذا قال تعال‪{ :‬إنا ُم ْرسِلُو النّا َق ِة فِتَْنةً َل ُهمْ} أي اختبار لم أيؤمنون با أم يكفرون؟ وال أعلم‬
‫با يفعلون‪{ .‬فَارَْتقِ ْب ُهمْ} أي انتظر ما يكون من أمرهم {وَاصْطَِبرْ} على أذاهم فسيأتيك الب‬
‫ضرٌ}‪.‬‬
‫ب مُحْتَ َ‬
‫على جلية‪َ { .‬ونَبّ ْئ ُهمْ أَ ّن الْمَا َء ِقسْ َم ٌة بَيَْنهُمْ ُك ّل ِشرْ ٍ‬

‫فلما طال عليهم هذا الال اجتمع أمرهم واتفق رأيهم على أن يعقروا هذه الناقة‪ ،‬ليستريوا‬
‫منها ويتوفر عليهم ماؤهم‪ ،‬وزين لم الشّيْطان أعمالم‪ .‬قال ال تعال‪َ { :‬ف َع َقرُوا النّاقَ َة وَعََتوْا‬
‫ت ِم ْن الْ ُمرْسَلِيَ}‪.‬‬
‫ح ائْتِنَا بِمَا َت ِع ُدنَا إِنْ كُن َ‬
‫َعنْ َأ ْمرِ َرّبهِ ْم َوقَالُوا يَا صَالِ ُ‬

‫وكان الذي تول قتلها منهم رئيسهم‪ :‬قدار بن سالف بن جندع‪ ،‬وكان أحر أزرق أصهب‪.‬‬
‫وكان يقال أنه ولد زانية‪ ،‬ولد على فراش سالف‪ ،‬وهو ابن رجل يقال له صيبان‪ .‬وكان فعله‬
‫ذلك باتفاق جيعهم‪ ،‬فلهذا نسب الفعل إل جيعهم كلهم‪.‬‬

‫وذكر ابن جرير وغيه من علماء الفسرين‪ :‬أن امرأتي من ثود اسم إحداها "صدوقة" ابنة‬
‫الحيا بن زهي بن الختار‪ .‬وكانت ذات حسب ومال‪ ،‬وكانت تت رجل من أسلم ففارقته‪،‬‬
‫فدعت ابن عم لا يقال له "مصرع" بن مهرج بن الحيا‪ ،‬وعرضت عليه نفسها إن هو عقر‬
‫الناقة‪ .‬واسم الخرى "عنيزة" بنت غنيم بن ملز‪ ،‬وتكن أم عثمان وكانت عجوزا كافرة‪ ،‬لا‬
‫بنات من زوجها ذؤاب بن عمرو أحد الرؤساء‪ ،‬فعرضت بناتا الربع على قدار بن سالف‪ ،‬إن‬
‫هو عقر الناقة فله أي بناتا شاء‪ ،‬فانتدب هذان الشابان لعقرها وسعوا ف قومهم بذلك‪،‬‬

‫فاستجاب لم سبعة آخرون فصاروا تسعة‪ .‬وهم الذكورون ف قوله تعال‪{ :‬وَكَا َن فِي الْ َمدِينَةِ‬
‫ض َولَ يُصْ ِلحُونَ}‪ .‬وسعوا ف بقية القبيلة وحسنوا لم عقرها‪،‬‬
‫سدُو َن فِي الَرْ ِ‬
‫ط ُي ْف ِ‬
‫س َعةُ َرهْ ٍ‬
‫ِت ْ‬
‫فأجابوهم إل ذلك وطاوعوهم ف ذلك‪ .‬فانطلقوا يرصدون الناقة‪ ،‬فلما صدرت من وردها‬
‫كمن لا "مصرع" فرماها بسهم فانتظم عظم ساقها‪ ،‬وجاء النساء يذمرن القبيلة ف قتلها‪،‬‬
‫وحسرن عن وجوههن ترغيبا لم ف ذلك فابتدرهم قدار بن سالف‪ ،‬فشد عليها بالسيف‬
‫فكشف عن عرقوبا فخرت ساقطة إل الرض‪ .‬ورغت رغاة واحدة عظيمة تذر ولدها‪ ،‬ث‬
‫ل منيعا ورغا ثلثا‪.‬‬
‫طعن ف لبتها فنحرها‪ ،‬وانطلق سقبها ‪ -‬وهو فصيلها ‪ -‬فصعد جب ً‬

‫وروى عبد الرزاق‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عمن سع السن أنه قال‪ :‬يارب أين أمي؟ ث دخل ف صخرة‬
‫فغاب فيها‪ .‬ويقال‪ :‬بل اتبعوه فعقروه أيضا‪.‬‬

‫قال ال تعال‪{ :‬فَنَادَوْا صَاحَِب ُهمْ فََتعَاطَى َفعَ َقرَ فَكَيْفَ كَانَ َعذَابِي َونُذُرِ}‪ .‬وقال تعال‪ِ{ :‬إذْ‬
‫ث أَ ْشقَاهَا‪َ ،‬فقَا َل َل ُهمْ َرسُو ُل ال ّلهِ نَاقَ َة ال ّلهِ َوسُقْيَاهَا} أي احذروها { َف َكذّبُوهُ َف َع َقرُوهَا َف َدمْدَمَ‬
‫انَْبعَ َ‬
‫سوّاهَا‪َ ،‬ولَ يَخَافُ ُعقْبَاهَا}‪.‬‬
‫عَلَ ْي ِهمْ َرّب ُهمْ بِ َذنِْب ِهمْ َف َ‬

‫قال المام أحد‪َ :‬ح ّدثَنا عبد ال بن ني‪َ ،‬حدّثَنا هشام ‪ -‬أبو عروة ‪ -‬عن أبيه عن عبد ال بن‬
‫زمعة قال‪ :‬خطب رسول ال صلى ال عليه وسلم فذكر الناقة وذكر الذي عقرها فقال‪" :‬إذ‬
‫انبعث أشقاها‪ :‬انبعث لا رجل عارم عزيز منيع ف رهطه‪ ،‬مثل أب زمعة"‪.‬‬

‫أخرجاه من حديث هشام به‪ .‬عارم‪ :‬أي شهم‪ .‬عزيز‪ ،‬أي‪ :‬رئيس‪ .‬منيع‪ ،‬أي‪ :‬مطاع ف قومه‪.‬‬

‫وقال مُحَمْد بن إسحاق‪ :‬حدثن يزيد بن مُحَمْد بن خثيم‪ ،‬عن مُحَمْد بن كعب‪ ،‬عن مُحَمْد بن‬
‫خثيم بن يزيد‪ ،‬عن عمار بن ياسر قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم لعلي‪" :‬أل أحدثك‬
‫بأشقى الناس؟ قال‪ :‬بلى‪ .‬قال‪ :‬رجلن‪ ،‬أحدها أحيمر ثود الذي عقر الناقة‪ ،‬والذي يضربك يا‬
‫علي على هذا ‪ -‬يعن قرنه ‪ -‬حت تبتل منه هذه ‪ -‬يعن ليته"‪.‬‬
‫رواه ابن أب حات‪.‬‬

‫ت ِمنْ‬
‫وقال تعال‪َ { :‬ف َع َقرُوا النّاقَ َة وَعََتوْا َعنْ َأ ْمرِ َرّبهِ ْم َوقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَ ِع ُدنَا إِنْ كُن َ‬
‫الْ ُم ْرسَلِيَ} فجمعوا ف كلمهم هذا بي كفر بليغ من وجوه‪:‬‬

‫منها‪ :‬أنم خالفوا ال ورسوله ف ارتكابم النهي الكيد ف عقر الناقة الت جعلها ال لم آية‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬أنم استعجلوا وقوع العذاب بم فاستحقوه من وجهي‪ :‬أحدها الشرط عليهم ف‬
‫ب َقرِيبٌ} وف آية{عظيم} وف الخرى{أليم} والكل‬
‫قوله‪{ :‬وَ َل تَ َمسّوهَا ِبسُو ٍء فََي ْأخُذَ ُكمْ َعذَا ٌ‬
‫حق‪ .‬والثان استعجالم على ذلك‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬أنم كذبوا الرسول الذي قد قام الدليل القاطع على نبوته وصدقه‪ ،‬وهم يعلمون ذلك‬
‫علما جازما‪ ،‬ولكن حلهم الكفر والضلل والعناد على استبعاد الق ووقوع العذاب بم‪ .‬قال‬
‫لَث َة أَيّا ٍم َذِلكَ وَ ْعدٌ غَ ْي ُر َمكْذُوبٍ}‪.‬‬
‫ال تعال‪َ { :‬فعَ َقرُوهَا فَقَالَ تَمَّتعُوا فِي دَارِ ُكمْ ثَ َ‬

‫وذكروا أنم لا عقروا الناقة كان أول من سطا عليها قدار بن سالف‪ ،‬لعنه ال‪ ،‬فعرقبها‬
‫فسقطت إل الرض‪ ،‬ث ابتدروها بأسيافهم يقطعونا فلما عاين ذلك سقبها ‪ -‬وهو ولدها ‪-‬‬
‫شرد عنهم فعل أعلى البل هناك‪ ،‬ورغا ثلث مرات‪.‬‬

‫لَث َة َأيّامٍ} أي غي يومهم ذلك‪ ،‬فلم يصدقوه أيضا‬


‫فلهذا قال لم صال‪{ :‬تَمَّتعُوا فِي دَارِ ُكمْ ثَ َ‬
‫ف هذا الوعد الكيد‪ ،‬بل لا أمسوا هوا بقتله وأرادوا ‪ -‬فيما يزعمون ‪ -‬أن يلحقوه بالناقة‪.‬‬
‫{قَالُوا َتقَاسَمُوا بِال ّلهِ لَنُبَيّتَّن ُه َوَأهْلَهُ} أي لنكبسنه ف داره مع أهله فلنقتلنه‪ ،‬ث نحدن قتله‬
‫ك َأهْلِ ِه َوإِنّا‬
‫ولننكرن ذلك إن طالبنا أولياؤه بدمه‪ ،‬ولذا قالوا‪{ :‬ثُ ّم لََنقُوَلنّ ِل َولِّيهِ مَا شَ ِه ْدنَا َمهْلِ َ‬
‫لَصَا ِدقُون}‪.‬‬

‫ش ُعرُون‪ ،‬فَان ُظرْ كَيْفَ كَانَ عَاقَِبةُ َم ْكرِ ِهمْ‬


‫قال ال تعال‪َ { :‬ومَ َكرُوا مَكْرا َو َمكَ ْرنَا َمكْرا َوهُ ْم لَ َي ْ‬
‫َأنّا َد ّم ْرنَا ُهمْ َو َقوْ َم ُهمْ َأجْ َمعِيَ‪ ،‬فَتِ ْلكَ بُيُوُتهُ ْم خَا ِويَ ًة بِمَا ظَ َلمُوا إِ ّن فِي َذِلكَ َلَيةً ِل َقوْمٍ يَعْلَمُونَ‪،‬‬
‫َوأَنَيْنَا اّلذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَّتقُونَ}‪.‬‬
‫وذلك أن ال تعال أرسل على أولئك النفر الذين قصدوا قتل صال حجارة رضختهم فأهلكهم‬
‫ل قبل قومهم‪ ،‬وأصبحت ثود يوم الميس ‪ -‬وهو اليوم الول من أيام النظرة ‪-‬‬
‫سلفا وتعجي ً‬
‫ووجوهم مصفرة‪ ،‬كما أنذرهم صال عليه السلم‪ .‬فلما أمسوا نادوا بأجعهم‪ :‬أل قد مضى‬
‫يوم من الجل‪ .‬ث أصبحوا ف اليوم الثان من أيام التأجيل وهو يوم المعة ‪ -‬ووجوههم‬
‫ممرة‪ ،‬فلما أمسوا نادوا‪ :‬أل قد مضى يومان من الجل‪ ،‬ث أصبحوا ف اليوم الثالث من أيام‬
‫التاع ‪ -‬وهو يوم السبت ‪ -‬ووجوهم مسودة‪ ،‬فلما أمسوا نادوا‪ :‬أل قد مضى الجل‪.‬‬

‫فلما كان صبيحة يوم الحد تنطوا وتأهبوا وقعدوا ينتظرون ماذا يل بم من العذاب والنكال‬
‫والنقمة‪ ،‬ل يدرون كيف يفعل بم؟ ول من أي جهة يأتيهم العذاب‪.‬‬

‫فلما أشرقت الشمس جاءتم صيحة من السماء من فوقهم‪ ،‬ورجفة من أسفل منهم‪ ،‬ففاضت‬
‫الرواح وزهقت النفوس‪ ،‬وسكنت الركات‪ ،‬وخشعت الصوات‪ ،‬وحقت القائق فأصبحوا‬
‫ف دارهم جاثي‪ ،‬جثثا ل أرواح فيها ول حراك با‪ .‬قالوا ول يبق منهم أحد إل جارية كانت‬
‫مقعدة واسها "كلبة" بنت السلق ‪ -‬ويقال لا الذريعة ‪ -‬وكانت شديدة الكفر والعداوة‬
‫لصال عليه السلم‪ ،‬فلما رأت العذاب أطلقت رجلها‪ ،‬فقامت تسعى كأسرع شيء‪ ،‬فأتت‬
‫حيا من العرب فأخبتم با رأت وما حل بقومها واستسقتهم ماء‪ ،‬فلما شربت ماتت‪.‬‬

‫قال ال تعال‪َ { :‬كأَ ْن َلمْ َيغَْنوْا فِيهَا} أي ل يقيموا فيها ف سعة ورزق وغناء‪{ ،‬أَ َل إِ ّن ثَمُودَ‬
‫َك َفرُوا َرّب ُهمْ َأ َل ُبعْدا لَِثمُودَ} أي نادى عليهم لسان القدر بذا‪.‬‬

‫قال المام أحد‪َ :‬ح ّدثَنا عبد الرزاق‪َ ،‬ح ّدثَنا معمر‪َ ،‬ح ّدثَنا عبد ال بن عثمان بن خثيم‪ ،‬عن أب‬
‫الزبي‪ ،‬عن جابر قال‪ :‬لا م ّر رسول ال صلى ال عليه وسلم بالجر قال‪" :‬ل تسألوا اليات‬
‫فقد سألا قوم صال‪ ،‬فكانت ‪ -‬يعن الناقة ‪ -‬ترد من هذا الفج وتصدر من هذا الفج‪ ،‬فعتوا‬
‫عن أمر ربم فعقروها‪ .‬وكانت تشرب ماءهم يوما ويشربون لبنها يوما‪ ،‬فعقروها فأخذتم‬
‫ل واحدا كان ف حرم ال" فقالوا‪ :‬من هو‬
‫صيحة أهد ال با من تت أدي السماء منهم إل رج ً‬
‫يا رسول ال؟ قال‪ :‬هو أبو رغال‪ ،‬فلما خرج من الرم أصابه ما أصاب قومه"‪.‬‬
‫وهذا الديث على شرط مسلم وليس هو ف شيء من الكتب الستة‪ .‬وال تعال أعلم‪.‬‬

‫وقد قال عبد الرزاق أيضا‪ :‬قال معمر‪ :‬أخبن إساعيل بن أمية أن النب صلى ال عليه وسلم‬
‫م ّر بقب أب رغال‪ ،‬فقال‪" :‬أتدرون من هذا؟" قالوا‪ :‬ال ورسوله أعلم‪ .‬قال‪" :‬هذا قب أب‬
‫رغال‪ ،‬رجل من ثود‪ ،‬كان ف حرم ال فمنعه حرم ال عذاب ال‪ ،‬فلما خرج أصابه ما أصاب‬
‫قومه فدفن ها هنا‪ ،‬ودفن معه غصن من ذهب‪ .‬فنل القوم فابتدروه بأسيافهم‪ ،‬فبحثوا عنه‬
‫فاستخرجوا الغصن"‪ .‬قال عبد الرزاق‪ :‬قال معمر‪ :‬قال الزهري‪ :‬أبو رغال أبو ثقيف‪ ..‬هذا‬
‫مرسل من هذا الوجه‪.‬‬

‫حمْد بن إسحاق ف السية عن إساعيل بن أمية‪،‬‬


‫وقد جاء من وجه آخر متصلً كما ذكره مُ َ‬
‫عن بي بن أب بي‪ ،‬قال‪ :‬سعت عبد ال بن عمر يقول‪ :‬سعت رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم حي خرجنا معه إل الطائف‪ ،‬فمررنا بقب‪ ،‬فقال‪" :‬إن هذا قب أب رغال‪ ،‬وهو أبو ثقيف‪،‬‬
‫وكان من ثود‪ ،‬وكان بذا الرم يدفع عنه‪ ،‬فلما خرج منه أصابته النقمة الت أصابت قومه‬
‫بذا الكان فدفن فيه‪ ،‬وآية ذلك أنه دفن معه غصن من ذهب‪ ،‬إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه‬
‫حمْد بن إسحاق‬
‫معه‪ .‬فابتدره الناس فاستخرجوا منه الغصن" وهكذا رواه أبو داود من طريق مُ َ‬
‫به‪ .‬قال شيخنا الافظ أبو الجاج الزي رحه ال‪ :‬هذا حديث حسن عزيز‪.‬‬

‫قلت‪ :‬تفرد به بي بن أب بي هذا‪ ،‬ول يعرف إل بذا الديث‪ ،‬ول يرو عنه سوى إساعيل بن‬
‫أمية‪ .‬قال شيخنا‪ :‬فيحتمل أنه وهم ف رفعه‪ ،‬وإنا يكون من كلم عبد ال بن عمرو من‬
‫زاملتيه‪ .‬وال أعلم‪.‬‬

‫قلت‪ :‬لكن ف الرسل الذي قبله وف حديث جابر أيضا شاهد له‪ .‬وال أعلم‪.‬‬

‫ت َلكُ ْم َولَ ِك ْن لَ تُحِبّونَ‬


‫وقوله تعال‪{ :‬فََت َولّى عَ ْن ُهمْ وَقَالَ يَا قَوْ ِم َل َقدْ َأبْ َلغُْتكُمْ ِرسَاَلةَ َربّي َونَصَحْ ُ‬
‫حيَ} إخبار عن صال عليه السلم‪ ،‬أنه خاطب قومه بعد هلكهم‪ ،‬وقد أخذ ف الذهاب‬
‫النّاصِ ِ‬
‫ت َلكُمْ} أي‪ :‬جهدت‬
‫ل لم‪{ :‬يَا َقوْ ِم َل َقدْ َأبْ َلغْتُ ُكمْ ِرسَاَلةَ َربّي َونَصَحْ ُ‬
‫عن ملتهم إل غيها قائ ً‬
‫ف هدايتكم بكل ما أمكنن‪ ،‬وحرصت على ذلك بقول وفعلي ونيت‪.‬‬
‫{ َولَ ِكنْ لَ تُحِبّو َن النّاصِحِيَ}‪ .‬أي‪ :‬ل تكن سجاياكم تقبل الق ول تريده‪ ،‬فلهذا صرت إل ما‬
‫أنتم فيه من العذاب الليم‪ ،‬الستمر بكم التصل إل البد‪ ،‬وليس ل فيكم حيلة‪ ،‬ول ل بالدفع‬
‫عنكم يدان‪ .‬والذي وجب علي من أداء الرسالة والنصح لكم قد فعلته‪ ،‬وبذلته لكم‪ ،‬ولكن‬
‫ال يفعل ما يريد‪.‬‬

‫وهكذا خاطب النب صلى ال عليه وسلم أهل قليب بدر بعد ثلث ليال‪ :‬وقف عليهم وقد‬
‫ركب راحلته وأمر بالرحيل من آخر الليل فقال‪" :‬يا أهل القليب‪ ،‬هل وجدت ما وعدكم ربكم‬
‫حقا؟ فإن قد وجدت ما وعدن رب حقا"‪ .‬وقال لم فيما قال‪ " :‬بئس عشية النب كنتم‬
‫لنبيكم"‪ ،‬كذبتمون وصدقن الناس‪ ،‬وأخرجتمون وآوان الناس‪ ،‬وقاتلتمون ونصرن الناس‪،‬‬
‫فبئس عشية النب كنتم لنبيكم"‪ .‬فقال له عمر‪ :‬يا رسول ال تاطب أقواما قد جيفوا؟ فقال‪:‬‬
‫"والذي نفسي بيده ما أنتم بأسع لا أقول منهم‪ ،‬ولكنهم ل ييبون"‪.‬‬

‫ويقال أن صالا عليه السلم انتقل إل حرم ال فأقام به حت مات‪.‬‬

‫قال المام أحد‪َ :‬ح ّدثَنا وكيع‪َ ،‬حدّثَنا زمعة بن صال‪ ،‬عن سلمة بن وهرام‪ ،‬عن عكرمة‪ ،‬عن‬
‫ابن عبّاس قال‪ :‬لا مرّ النب صلى ال عليه وسلم بوادي عسفان حي حج قال‪" :‬يا أبا بكر أي‬
‫واد هذا؟" قال وادي عسفان‪ .‬قال‪" :‬لقد م ّر به هود وصال عليهما السلم على بكرات‬
‫خطمها الليف‪ ،‬أزرهم العباء‪ ،‬وأرديتهم النمار يلبون يجون البيت العتيق"‪.‬‬

‫إسناد حسن‪ .‬وقد تقدم ف قصة نوح عليه السلم من رواية الطبان‪ ،‬وفيه نوح وهود‬
‫وإبراهيم‪.‬‬

‫قصة حار العزيز‬

‫موقع القصة ف القرآن الكري‪:‬‬

‫ورد ذكر القصة ف سورة البقرة الية ‪ ,259‬سورة التوبة اليات ‪31-30‬‬
‫قال تعال ف سورة" البقرة"‪:‬‬

‫((َأوْ كَاّلذِي مَرّ عَلَى َق ْريَ ٍة َوهِ َي خَا ِويَةٌ عَلَى ُعرُوشِهَا قَالَ أَنّى ُيحْيِي َه ِذهِ ال ّل ُه بَ ْع َد مَ ْوِتهَا َفَأمَاَتهُ‬
‫ت مَِئةَ عَا ٍم فَانْ ُظرْ ِإلَى‬
‫ض يَوْ ٍم قَالَ َب ْل لَبِثْ َ‬
‫ت َي ْومًا َأوْ َبعْ َ‬
‫ت قَا َل لَبِثْ ُ‬
‫ال ّلهُ مَِئةَ عَا ٍم ُث ّم َبعَثَ ُه قَالَ َك ْم لَبِثْ َ‬
‫س وَانْ ُظ ْر ِإلَى الْعِظَامِ كَيْفَ‬
‫جعَ َلكَ َآَيةً لِلنّا ِ‬
‫ك َلمْ يََتسَّن ْه وَانْ ُظ ْر ِإلَى حِمَارِ َك وَلِنَ ْ‬
‫َطعَا ِمكَ َو َشرَابِ َ‬
‫حمًا فَ َلمّا تَبَّي َن َلهُ قَالَ أَعْ َل ُم أَ ّن ال ّلهَ عَلَى ُك ّل َشيْ ٍء َقدِيرٌ (‪)) )259‬‬
‫ش ُزهَا ُثمّ َن ْكسُوهَا لَ ْ‬
‫نُ ْن ِ‬

‫وقوله تعال ف سورة " التوبة"‪:‬‬

‫ح اْبنُ ال ّلهِ َذِلكَ َق ْوُلهُ ْم ِبأَ ْفوَا ِه ِهمْ‬


‫ت الَْيهُودُ ُع َزْيرٌ اْبنُ ال ّل ِه وَقَالَتِ النّصَارَى الْ َمسِي ُ‬
‫(( َوقَالَ ِ‬
‫خذُوا َأحْبَا َرهُ ْم وَ ُرهْبَاَن ُهمْ‬
‫يُضَاهِئُو َن َقوْ َل اّلذِينَ َك َفرُوا ِم ْن قَ ْب ُل قَاتَ َل ُهمُ ال ّلهُ َأنّى ُي ْؤفَكُونَ (‪ )30‬اتّ َ‬
‫ح ابْ َن َمرَْي َم وَمَا ُأمِرُوا ِإلّا لَِيعُْبدُوا ِإلَهًا وَاحِدًا لَا ِإَلهَ ِإلّا ُهوَ سُبْحَاَنهُ‬
‫أَ ْربَابًا ِمنْ دُو ِن اللّ ِه وَالْ َمسِي َ‬
‫عَمّا ُيشْرِكُونَ (‪)) )31‬‬

‫القصة‪:‬‬

‫قال إسحاق بن بشر‪:‬‬

‫إن عزيرا كان عبدا صالا حكيما خرج ذات يوم إل ضيعة له يتعاهدها‪ ،‬فلما انصرف أتى‬
‫إل خربة حي قامت الظهية وأصابه الر‪ ،‬ودخل الربة وهو على حاره فنل عن حاره ومعه‬
‫سلة فيها تي وسلة فيها عنب‪ ،‬فنل ف ظل تلك الربة وأخرج قصعة معه فاعتصر من العنب‬
‫الذي كان معه ف القصعة ث أخرج خبزا يابسا معه فألقاه ف تلك القصعة ف العصي ليبتل‬
‫ليأكله‪ ،‬ث استلقى على قفاه وأسند رجليه إل الائط فنظر سقف تلك البيوت ورأى ما فيها‬
‫وهي قائمة على عروشها وقد باد أهلها ورأى عظاما بالية فقال‪َ{ :‬أنّى يُحْيِي هَ ِذ ِه ال ّلهُ َب ْعدَ‬
‫َم ْوتِهَا} فلم يشك أن ال يييها ولكن قالا تعجبا فبعث ال مالك الوت فقبض روحه‪ ،‬فأماته‬
‫ال مائة عام‪.‬‬
‫فلما أتت عليه مائة عام‪ ،‬وكانت فيما بي ذلك ف بن إسرائيل أمور وأحداث‪ .‬قال‪ :‬فبعث ال‬
‫إل عزير ملكا فخلق قلبه ليعقل قلبه وعينيه لينظر بما فيعقل كيف ييي ال الوتى‪ .‬ث ركب‬
‫خلفه وهو ينظر‪ ،‬ث كسى عظامه اللحم والشعر واللد ث نفخ فيه الروح كل ذلك وهو يرى‬
‫ويعقل‪ ،‬فاستوى جالسا فقال له اللك كم لبثت؟ قال لبثت يوما أو بعض يوم‪ ،‬وذلك أنه كان‬
‫لبث صدر النهار عند الظهية وبعث ف آخر النهار والشمس ل تغب‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫أو بعض يوم ول يتم ل يوم‪ .‬فقال له اللك‪ :‬بل لبثت مائة عام فانظر إل طعامك وشرابك‪،‬‬
‫يعن الطعام البز اليابس‪ ،‬وشرابه العصي الذي كان اعتصره ف القصعة فإذا ها على حالما ل‬
‫يتغي العصي والبز يابس‪،‬‬

‫فذلك قوله {لَ ْم يََتسَّنهْ} يعن ل يتغي‪ ،‬وكذلك التي والعنب غض ل يتغي شيء من حالما‬
‫فكأنه أنكر ف قلبه فقال له اللك‪ :‬أنكرت ما قلت لك؟ فانظر إل حارك‪ .‬فنظر إل حاره قد‬
‫بليت عظامه وصارت نرة‪ .‬فنادى اللك عظام المار فأجابت وأقبلت من كل ناحية حت‬
‫ركبه اللك وعزير ينظر إليه ث ألبسها العروق والعصب ث كساها اللحم ث أنبت عليها اللد‬
‫والشعر‪ ،‬ث نفخ فيه اللك فقام المار رافعا رأسه وأذنيه إل السماء ناهقا يظن القيامة قد‬
‫قامت‪.‬‬

‫ش ُزهَا ُثمّ‬
‫ف نُن ِ‬
‫س وَان ُظرْ إِلَى اْلعِظَامِ كَيْ َ‬
‫جعَ َلكَ آَي ًة لِلنّا ِ‬
‫فذلك قوله {وَان ُظرْ ِإلَى حِمَارِ َك َولِنَ ْ‬
‫َن ْكسُوهَا لَحْما} يعن وانظر إل عظام حارك كيف يركب بعضها بعضا ف أوصالا حت إذا‬
‫صارت عظاما مصورا حارا بل لم‪ ،‬ث انظر كيف نكسوها لما {فَلَمّا تَبَّينَ َل ُه قَا َل أَعْ َل ُم أَنّ‬
‫ال ّلهَ عَلَى ُكلّ َشيْ ٍء َقدِيرٌ} من إحياء الوتى وغيه‪.‬‬

‫قال‪ :‬فركب حاره حت أتى ملته فأنكره الناس وأنكر الناس وأنكر منله‪ ،‬فانطلق على وهم‬
‫منه حت أتى منله‪ ،‬فإذا هو بعجوز عمياء مقعدة قد أتى عليها مائة وعشرون سنة كانت أمة‬
‫لم‪ ،‬فخرج عنهم عزير وهي بنت عشرين سنة كانت عرفته وعقلته‪ ،‬فلما أصابا الكب أصابا‬
‫الزمان‪ ،‬فقال لا عزير‪ :‬يا هذه أهذا منل عزير قالت‪ :‬نعم هذا منل عزير‪ .‬فبكت وقالت‪ :‬ما‬
‫رأيت أحدا من كذا وكذا سنة يذكر عزيرا وقد نسيه الناس‪ .‬قال إن أنا عزير كان ال أماتن‬
‫مائة سنة ث بعثن‪ .‬قالت‪ :‬سبحان ال! فإن عزيرا قد فقدناه منذ مائة سنة فلم نسمع له بذكر‪.‬‬
‫قال‪ :‬فإن أنا عزير قالت‪ :‬فإن عزيرا رجل مستجاب الدعوة يدعو للمريض ولصاحب البلء‬
‫بالعافية والشفاء‪ ،‬فادعوا ال أن يرد عل ّي بصري حت أراك فإن كنت عزيرا عرفتك‪.‬‬

‫قال‪ :‬فدعا ربه ومسح بيده على عينيها فصحتا وأخذ بيدها وقال‪ :‬قومي بإذن ال‪ .‬فأطلق ال‬
‫رجليها فقامت صحيحة كأنا شطت من عقال‪ ،‬فنظرت فقالت‪ :‬أشهد أنك عزير‪.‬‬

‫وانطلقت إل ملة بن إسرائيل وهم ف أنديتهم ومالسهم‪ ،‬وابن لعزير شيخ ابن مائة سنة وثان‬
‫عشر سنة وبن بنية شيوخ ف الجلس‪ ،‬فنادتم فقالت‪ :‬هذا عزير قد جاءكم‪ .‬فكذبوها‪،‬‬
‫فقالت‪ :‬أنا فلنة مولتكم دعا ل ربه فرد علي بصري وأطلق رجلي وزعم أن ال أماته مائة‬
‫سنة ث بعثه‪ .‬قال‪ :‬فنهض الناس فأقبلوا إليه فنظروا إليه فقال ابنه‪ :‬كان لب شامة سوداء بي‬
‫كتفيه‪ .‬فكشف عن كتفيه فإذا هو عزير‪ .‬فقالت بنو إسرائيل‪ :‬فإنه ل يكن فينا أحد حفظ‬
‫التوراة فما حدثنا غي عزير وقد حرق بتنصر التوراة ول يبقى منها شيء إل ما حفظت‬
‫الرجال‪ ،‬فاكتبها لنا وكان أبوه سروخا قد دفن التوراة أيام بتنصر ف موضع ل يعرفه أحد غي‬
‫عزير‪ ،‬فانطلق بم إل ذلك الوضع فحفره فاستخرج التوراة وكان قد عفن الورق ودرس‬
‫الكتاب‪.‬‬

‫قال‪ :‬وجلس ف ظل شجرة وبنوا إسرائيل حوله فجدد لم التوراة ونزل من السماء شهابان‬
‫حت دخل جوفه‪ .‬فتذكر التوراة فجددها لبن إسرائيل فمن ث قالت اليهود‪ :‬عزير ابن ال‪،‬‬
‫للذي كان من أمر الشهابي وتديده التوراة وقيامه بأمر بن إسرائيل‪ ،‬وكان جدد لم التوراة‬
‫بأرض السواد بدير حزقيل‪ ،‬والقرية الت مات فيها يقال لا ساير أباذ‪.‬‬

‫جعَ َلكَ آَيةً لِلنّاسِ} يعن لبن إسرائيل‪ ،‬وذلك أنه‬


‫قال ابن عباس‪ :‬فكان كما قال ال تعال‪َ { :‬ولِنَ ْ‬
‫كان يلس مع بنيه وهم شيوخ وهو شاب لنه مات وهو ابن أربعي سنة فبعثه ال شابا كهيئته‬
‫يوم مات‪.‬‬

‫قال ابن عباس‪ :‬بعث بعد بتنصر وكذلك قال السن وقد أنشد أبو حات السجستان ف معن‬
‫ما قاله ابن عباس‪:‬‬

‫وأسود رأس شاب من قبله ابنه ***ومن قبله ابن ابنه فهو أكب‬

‫يرى ابنه شيخا يدب على عصاٍ *** وليته سوداء و الرأس أشقرٍ‬

‫وما لبنه حيل و ل فضل قوةٍ *** يقوم كما يشي الصب فيعثر‬

‫يعد ابنه ف الناس تسعي حجة *** وعشرين ل يري و ل يتبختر‬

‫وعمر أبيه أربعون أمرها *** ولبن ابنه تسعون ف الناس غب‬

‫لا هو ف العقول أن كنت داريا *** وأن كنت ل تدري فبالهل تعذر‬

‫الشهور أن عزيرا من أنبياء بن إسرائيل وأنه كان فيما بي داود وسليمان وبي زكريا ويي‪،‬‬
‫وأنه لا ل يبقى ف بن إسرائيل من يفظ التوراة ألمه ال حفظها فسردها على بن إسرائيل‪،‬‬
‫كما قال وهب بن منبه‪ :‬أمر ال ملكا فنل بعرفة من نور فقذفها ف عزير فنسخ التوراة حرفا‬
‫برف حت فرغ منها‪.‬‬

‫ت الْيَهُودُ‬
‫وروى ابن عساكر عن ابن عباس أنه سأل عبد ال بن سلم عن قول ال تعال‪َ { :‬وقَالَ ْ‬
‫ُعزَْي ٌر ابْ ُن ال ّلهِ} لا قالوا ذلك؟ قال بن إسرائيل‪ :‬ل يستطع موسى أن يأتينا بالتوراة إل ف كتاب‬
‫وأن عزيرا قد جاءنا با من غي كتاب‪.‬‬

‫ولذا يقول كثي من العلماء إن تواتر التوراة انقطع ف زمن العزير‪.‬‬

‫وهذا متجه جدا إذا كان العزير غي نب كما قاله عطاء بن أب رباح والسن البصري‪ .‬وفيما‬
‫رواه إسحاق بن بشر عن مقاتل بن سليمان‪ ،‬عن عطاء‪ ،‬وعن عثمان بن عطاء الراسان عن‬
‫أبيه‪ ،‬ومقاتل عن عطاء بن أب رباح قال‪ :‬كان ف الفترة تسعة أشياء‪ :‬بتنصر وجنة صنعاء‬
‫وجنة سبأ وأصحاب الخدود وأمر حاصورا وأصحاب الكهف وأصحاب الفيل ومدينة‬
‫أنطاكية وأمر تبع‪.‬‬

‫وقال إسحاق بن بشر‪ :‬أنبأنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن السن‪ ،‬قال كان أمر عزير وبتنصر ف‬
‫الفترة‪.‬‬

‫وقد ثبت ف الصحيح أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬إن أول الناس بابن مري لنا‪،‬‬
‫إنه ليس بين وبينه نب"‪.‬‬

‫وقال وهب بن منبه‪ :‬كان فيما بي سليمان وعيسى عليهما السلم‪.‬‬

‫وقد روى ابن عساكر عن أنس بن مالك وعطاء بن السائب أن عزيرا كان ف زمن موسى بن‬
‫عمران‪ ،‬وأنه استأذن عليه فلم يأذن له‪ ،‬يعن لا كان من سؤاله عن القدر وأنه انصرف وهو‬
‫يقول‪ :‬مائة موتة أهون من ذل ساعة‪.‬‬

‫وف معن قول عزير مائة موتة أهون من ذل ساعة قول بعض الشعراء‪:‬‬
‫قد يصب الر على السيف *** ويأنف الصب على اليف‬

‫ويؤثر الوت على حالة *** يعجز فيها عن قرى الضيف‬

‫فأما ما روى ابن عساكر وغيه عن ابن عباس ونوف البكال وسفيان الثوري وغيهم‪ ،‬من أنه‬
‫سأل عن القدر فمحى اسه من ذكر النبياء‪ ،‬فهو منكر وف صحته نظر‪ ،‬وكأنه مأخوذ عن‬
‫السرائيليات‪.‬‬

‫وقد روى عبد الرزاق وقتيبة بن سعيد‪ ،‬عن جعفر بن سليمان عن أب عمران الون‪ ،‬عن نوف‬
‫البكال قال‪ :‬قال عزير فيما يناجي ربه‪ :‬يا رب تلق خلقا فتضل من تشاء وتدي من تشاء؟‬
‫فقيل له‪ :‬أعرض عن هذا‪ .‬فعاد فقيل له‪ :‬لتعرضن عن هذا أو لمون اسك من النبياء‪ ،‬إن ل‬
‫أسال عما أفعل وهم يسألون‪ ،‬وهذا ما يقتضي وقوع ما توعد عليه لو عاد فما مُحي‪.‬‬

‫وقد روى الماعة سوى الترمذي من حديث يونس بن يزيد‪ ،‬عن سعيد وأب سلمة‪ ،‬عن أب‬
‫هريرة‪ .‬وكذلك رواه شعيب عن أب الزناد‪ ،‬عن العرج‪ ،‬عن أب هريرة‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ :‬نزل نب من النبياء تت شجرة فلدغته نلة فأمر بهازه فأخرج من‬
‫ل نلة واحدة فروى إسحاق بن بشر عن ابن‬
‫تتها ث أمر با فأحرقت بالنار فأوحى ال إليه‪ :‬فه ّ‬
‫جريج‪ ،‬عن عبد الوهاب بن ماهد‪ ،‬عن أبيه أنه عزير‪ ،‬وكذا روي عن ابن عباس والسن‬
‫البصري أنه عزير‪ ،‬فال أعلم‪.‬‬

‫قصة سيدنا إبراهيم و النمرود‬

‫موقع القصة ف القرآن الكري‪:‬‬


‫ورد ذكر القصة ف سورة البقرة ‪ -‬الية ‪258‬‬
‫قال ال تعال‪:‬‬

‫ج ِإبْرَاهِي َم فِي َربّ ِه أَنْ آتَاهُ ال ّل ُه الْمُ ْلكَ ِإ ْذ قَا َل إِْبرَاهِيمُ َربّي اّلذِي يُحْيِي‬
‫{َألَ ْم َترَ إِلَى اّلذِي حَا ّ‬
‫ت ِبهَا ِمنْ‬
‫ق َفأْ ِ‬
‫شرِ ِ‬
‫س ِم ْن الْ َم ْ‬
‫ت قَالَ َأنَا ُأحْيِي َوُأمِيتُ قَالَ ِإْبرَاهِي ُم َفإِنّ ال ّلهَ َي ْأتِي بِالشّمْ ِ‬
‫َويُمِي ُ‬
‫ت الّذِي َك َفرَ وَال ّلهُ ل َيهْدِي الْ َقوْ َم الظّالِ ِميَ}‪.‬‬
‫ب فَُبهِ َ‬
‫الْ َم ْغرِ ِ‬

‫القصة‪:‬‬
‫مناظرة إبراهيم الليل مع من أراد أن ينازع ال العظيم الليل ف العظمة ورداء الكبياء‬
‫فادعى الربوبية‪ ،‬وه َو أح ُد العبيد الضعفاء‬

‫يذكر تعال مناظرة خليله مع هذا اللك البار التمرد الذي ادعى لنفسه الربوبية‪ ،‬فأبطل الليل‬
‫عليه دليله‪ ،‬وبي كثرة جهله‪ ،‬وقلة عقله‪ ،‬وألمه الجة‪ ،‬وأوضح له طريق الحجة‪.‬‬

‫قال الفسرون وغيهم من علماء النسب والخبار‪ ،‬وهذا اللك هو ملك بابل‪ ،‬واسه النمرود‬
‫بن كنعان بن كوش بن سام بن نوح قال ماهد‪ .‬وقال غيه‪ :‬نرود بن فال بن عابر بن صال‬
‫بن أرفخشذ بن سام بن نوح‪.‬‬

‫قال ماهد وغيه‪ :‬وكان أحد ملوك الدنيا‪ ،‬فإنه قد ملك الدنيا فيما ذكروا أربعة‪ :‬مؤمنان‬
‫وكافران‪ .‬فالؤمنان‪ :‬ذو القرني وسليمان‪ .‬والكافران‪ :‬النمرود وبتنصّر‪.‬‬

‫وذكروا أن نرود هذا استمر ف ملكه أربعمائة سنة‪ ،‬وكان طغا وبغا‪ ،‬وتب وعتا‪ ،‬وآثر الياة‬
‫الدنيا‪.‬‬

‫ولا دعاه إبراهيم الليل إل عبادة ال وحده ل شريك له حله الهل والضلل وطول المال‬
‫ج إبراهيم الليل ف ذلك وادعى لنفسه الربوبية‪ .‬فلما قال الليل‪:‬‬
‫على إنكار الصانع‪ ،‬فحا ّ‬
‫(رب الذي يي وييت قال‪ :‬أنا أحي وأميت)‪.‬‬

‫قال قتادة والسّدّي ومُحَمْد بن إسحاق‪ :‬يعن أنه إذا آتى بالرجلي قد تتم قتلهما‪ ،‬فإذا أمر‬
‫بقتل أحدها‪ ،‬وعفا عن الخر‪ ،‬فكأنه قد أحيا هذا وأمات الخر‪.‬‬

‫وهذا ليس بعارضة للخليل‪ ،‬بل هو كلم خارجي عن مقام الناظرة‪ ،‬ليس بنع ول بعارضة‪ ،‬بل‬
‫هو تشغيب مض‪ ،‬وهو انقطاع ف القيقة‪ ،‬فإن الليل استدل على وجود الصانع بدوث هذه‬
‫الشاهدات من إحياء اليوانات وموتا‪( ،‬هذا دليل) على وجود فاعل‪( .‬و) ذلك‪ ،‬الذي ل بد‬
‫من استنادها إل وجوده ضرورة عدم قيامها بنفسها‪ ،‬ول بد من فاعل لذه الوادث الشاهدة‬
‫من خلقها وتسخيها وتسيي هذه الكواكب والرياح والسحاب والطر وخلق هذه اليوانات‬
‫الت توجد مشاهدة‪ ،‬ث إماتتها ولذا قَالَ ِإْبرَاهِيمُ‪َ { :‬ربّي اّلذِي ُيحْيِي َويُمِيتُ}‪.‬‬

‫فقول هذا اللك الاهل (أنا أحيي وأميت) إن عن أنه الفاعل لذه الشاهدات فقد كابر‬
‫سدّي ومُحَمْد بن إسحاق فلم يقل شيئا يتعلق بكلم الليل‬
‫وعاند‪ ،‬وإن عن ما ذكره قتادة وال ّ‬
‫إذ ل ينع مقدمة ول عارض الدليل‪.‬‬

‫ولا كان انقطاع مناظرة هذا اللك قد تفى على كثي من الناس من حضره وغيهم‪ ،‬ذكر‬
‫دليلً آخر بي وجود الصانع وبطلن ما ادّعاه النمرود وانقطاعه جهرة‪ :‬قَال‪َ { :‬فإِنّ ال ّل َه َيأْتِي‬
‫ت ِبهَا ِمنْ الْ َم ْغ ِربِ} أي هذه الشمس مسخرة كل يوم تطلع من‬
‫ق َفأْ ِ‬
‫شرِ ِ‬
‫س ِمنْ الْ َم ْ‬
‫بِالشّمْ ِ‬
‫الشرق كما سخرها خالقها ومسيها وقاهرها‪ .‬وهو الذي ل إله إل هو خالق كل شيء‪ .‬فإن‬
‫كنت كما زعمت من أنك الذي تي وتيت فأت بذه الشمس من الغرب فإ ّن الذي يي‬
‫وييت هو الذي يفعل ما يشاء ول يانع ول يغالب بل قد قهر كل شيء‪ ،‬ودان له كل شيء‪،‬‬
‫فإن كنت كما تزعم فافعل هذا‪ ،‬فإن ل تفعله فلست كما زعمت‪ ،‬وأنت تعلم وكل أحد‪ ،‬أنك‬
‫ل تقدر على شيء من هذا بل أنت أعجز وأقل من أن تلق بعوضة أو تنتصر منها‪.‬‬
‫فبي ضلله وجهله وكذبه فيما ادعاه‪ ،‬وبطلن ما سلكه وتبجح به عند جهلة قومه‪ ،‬ول يبق له‬
‫ت الّذِي َك َف َر وَال ّلهُ ل َي ْهدِي اْلقَوْمَ‬
‫كلم ييب الليل به بل انقطع وسكت‪ .‬ولذا قال‪{ :‬فَُبهِ َ‬
‫الظّالِمِيَ}‪.‬‬

‫وقد ذكر السّدّي‪ :‬أن هذه الناظرة كانت بي إبراهيم وبي النمرود‪ ،‬يوم خرج من النار‪ ،‬ول‬
‫يكن اجتمع به يومئذ‪ ،‬فكانت بينهما هذه الناظرة‪.‬‬

‫وقد روى عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن أسلم‪ :‬أن النمرود كان عنده طعام‪ ،‬وكان الناس‬
‫يفدون إليه للمية‪ ،‬فوفد إبراهيم ف جلة من وفد للمية ول يكن اجتمع به إل يومئذ‪ ،‬فكان‬
‫بينهما هذه الناظرة‪ ،‬ول يعط إبراهيم من الطعام كما أعطى الناس‪ ،‬بل خرج وليس معه شيء‬
‫من الطعام‪.‬‬

‫فلما قرب من أهله عمد إل كثيب من التراب فمل منه عدليه وقال‪ :‬اشغل أهلي إذا قدمت‬
‫عليهم‪ ،‬فلما قدم‪ :‬وضع رحاله وجاء فاتكأ فنام‪ ،‬فقامت امرأته سارة إل العدلي فوجدتما‬
‫ملني طعاما طيبا‪ ،‬فعملت منه طعاما‪ .‬فلما استيقظ إبراهيم وجد الذي قد أصلحوه؛ فقال‪:‬‬
‫أن لكم هذا؟ قالت‪ :‬من الذي جئت به‪ .‬فعرف أنه رِزْقٌ رَز َقهُموه ال عز وجل‪.‬‬

‫قال زيد بن أسلم‪ :‬وبعث ال إل ذلك اللك البّار ملكا يأمره باليان بال فأب عليه‪ .‬ث دعاه‬
‫الثانية فأب عليه‪ .‬ث دعاه الثالثة فأب عليه‪ .‬وقال‪ :‬اجع جوعك وأجع جوعي‪.‬‬

‫فجمع النمرود جيشه وجنوده‪ ،‬وقت طلوع الشمس فأرسل ال عليه ذبابا من البعوض‪ ،‬بيث‬
‫ل يروا عي الشمس وسلّطها ال عليهم‪ ،‬فأكلت لومهم ودمائهم وتركتهم عظاما باديةً‪،‬‬
‫ودخلت واحد ٌة منها ف منْخَر اللكِ فمكثت ف منخره أربعمائة سنة‪ ،‬عذبه ال تعال با فكان‬
‫ض َربُ رأسُه بالرِازب ف هذه الدة كلها حت أهلكه ال عز وجل با‪.‬‬
‫يُ ْ‬
‫قصةالسامرى و العجل‬

‫موقع القصة ف القرآن الكري‪:‬‬

‫ورد ذكر القصة ف سورة العراف اليات ‪. 154 -148‬‬


‫قال ال تعال‪:‬‬

‫ل جَسَدا َل ُه خُوَا ٌر َألَ ْم َيرَوْا أَّن ُه لَا ُيكَلّ ُم ُهمْ َولَا‬


‫جً‬‫خ َذ َقوْ ُم مُوسَى ِم ْن َبعْ ِد ِه ِمنْ حُلِّي ِهمْ عِ ْ‬
‫{وَاتّ َ‬
‫ط فِي َأْيدِي ِهمْ وَ َرَأوْا َأّنهُ ْم َقدْ ضَلّوا قَالُوا لَِئ ْن َلمْ‬
‫خذُو ُه وَكَانُوا ظَالِ ِميَ‪ ،‬وَلَمّا ُسقِ َ‬
‫َي ْهدِي ِهمْ سَبِيلً اتّ َ‬
‫َي ْرحَمْنَا َربّنَا َويَ ْغ ِفرْ لَنَا لََنكُوَننّ ِم ْن الْخَا ِسرِينَ‪َ ،‬ولَمّا َرجَ َع مُوسَى إِلَى قَ ْو ِمهِ غَضْبَا َن أَسِفا قَالَ‬
‫ج ّرهُ ِإلَ ْيهِ‪ ،‬قَالَ‬
‫ح َوأَ َخذَ ِب َرأْسِ أَخِيهِ يَ ُ‬
‫بِ ْئسَمَا خَ َلفْتُمُونِي ِم ْن َبعْدِي أَعَجِلُْت ْم َأ ْمرَ َربّ ُكمْ َوَأْلقَى ا َلْلوَا َ‬
‫جعَلْنِي َمعَ اْل َقوْمِ‬
‫ت بِي اْلأَ ْعدَا َء وَل تَ ْ‬
‫ض َعفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَل ُتشْمِ ْ‬
‫ابن أُمّ إِنّ اْل َقوْمَ اسْتَ ْ‬
‫ت أَ ْر َحمُ الرّاحِمِيَ‪ ،‬إِ ّن اّلذِينَ‬
‫ك َوأَنْ َ‬
‫الظّالِمِيَ‪ ،‬قَالَ َربّ ا ْغ ِفرْ لِي َولَخِي وََأ ْدخِلْنَا فِي َرحْمَِت َ‬
‫جزِي الْ ُمفَْترِينَ‪،‬‬
‫ك نَ ْ‬
‫ب ِمنْ َرّب ِهمْ َو ِذلّ ٌة فِي الْحَيَا ِة ال ّدنْيَا وَ َك َذلِ َ‬
‫ج َل سَيَنَالُ ُهمْ غَضَ ٌ‬
‫خذُوا الْعِ ْ‬
‫اتّ َ‬
‫ك ِمنْ َب ْع ِدهَا َلغَفُورٌ َرحِيمٌ‪َ ،‬ولَمّا َسكَتَ‬
‫ت ُثمّ تَابُوا ِمنْ َب ْعدِهَا وَآمَنُوا إِنّ َربّ َ‬
‫وَالّذِينَ عَمِلُوا السّيّئَا ِ‬
‫ب َأخَ َذ الَْلوَاحَ َوفِي ُنسْخَِتهَا ُهدًى وَ َرحْ َمةٌ لِ ّلذِينَ ُه ْم ِلرَّب ِهمْ َي ْرهَبُونَ}‪.‬‬
‫َعنْ مُوسَى الْغَضَ ُ‬

‫وقال تعال‪ :‬ف سورةطه اليات ‪. 98-83‬‬

‫ت إِلَ ْيكَ َربّ لَِترْضَى‪ ،‬قَالَ‬


‫ك يَامُوسَى‪ ،‬قَالَ ُه ْم أُولَاءِ عَلَى َأثَرِي وَعَجِ ْل ُ‬
‫{ َومَا أَعْجَ َلكَ َع ْن َق ْومِ َ‬
‫ك ِمنْ َب ْعدِ َك وَأَضَ ّل ُه ْم السّا ِمرِيّ‪َ ،‬فرَجَ َع مُوسَى ِإلَى َقوْ ِمهِ غَضْبَا َن َأسِفا قَالَ يَا َقوْمِ‬
‫َفِإنّا َقدْ فَتَنّا َق ْومَ َ‬
‫ب ِمنْ َرّبكُمْ‬
‫حلّ عَلَ ْي ُكمْ غَضَ ٌ‬
‫َأَلمْ َي ِعدْ ُكمْ َرّب ُكمْ وَعْدا حَسَنا َأفَطَالَ عَلَ ْي ُكمْ اْل َعهْ ُد أَ ْم أَ َر ْدتُ ْم أَ ْن يَ ِ‬
‫َفَأخْلَفُْت ْم مَوْ ِعدِي‪ ،‬قَالُوا مَا أَخْ َلفْنَا َموْ ِعدَ َك بِمَ ْلكِنَا َوَلكِنّا حُمّلْنَا َأوْزَارا ِمنْ زِيَن ِة الْ َقوْ ِم َف َقذَفْنَاهَا‬
‫ل َجسَدا َل ُه خُوَا ٌر َفقَالُوا هَذَا ِإلَ ُهكُ ْم َوإَِل ُه مُوسَى‬
‫ج َل ُهمْ عِجْ ً‬
‫َف َكذَِلكَ َأْلقَى السّا ِمرِيّ‪َ ،‬فَأخْرَ َ‬
‫ضرّا وَل َنفْعا‪ ،‬وََل َقدْ قَالَ َل ُهمْ هَارُو ُن ِمنْ‬
‫ك َلهُمْ َ‬
‫سيَ‪َ ،‬أفَل َي َروْنَ أَ ّل َيرْجِ ُع ِإلَ ْي ِهمْ َقوْ ًل وَل يَمْ ِل ُ‬
‫فََن ِ‬
‫قَ ْب ُل يَا َقوْ ِم ِإنّمَا فُتِنُت ْم ِب ِه وَإِنّ َرّب ُكمْ الرّحْمَا ُن فَاتّبِعُونِي وَأَطِيعُوا َأ ْمرِي‪ ،‬قَالُوا َلنْ نَ ْبرَحَ َعلَ ْيهِ‬
‫ك ِإذْ َرَأيَْت ُهمْ ضَلّوا‪َ ،‬ألّ تَتِّبعَنِي َأ َفعَصَيْتَ‬
‫ي حَتّى َيرْجِ َع ِإلَيْنَا مُوسَى‪،‬قَا َل يَاهَارُو ُن مَا مََنعَ َ‬
‫عَا ِكفِ َ‬
‫ت بَ ْي َن بَنِي إسرائِيلَ َوَلمْ‬
‫ت أَ ْن َتقُو َل َفرّقْ َ‬
‫حيَتِي وَل ِب َرأْسِي إِنّي َخشِي ُ‬
‫َأ ْمرِي‪ ،‬قَالَ يَبَْنؤُ ّم ل َتأْ ُخذْ بِلِ ْ‬
‫ضةً ِم ْن َأثَرِ‬
‫ت قَبْ َ‬
‫صرُوا ِب ِه َفقَبَضْ ُ‬
‫ص ْرتُ بِمَا َلمْ يَبْ ُ‬
‫ب َقوْلِي‪ ،‬قَالَ فَمَا خَطُْبكَ يَاسَا ِمرِيّ‪ ،‬قَالَ بَ ُ‬
‫َت ْرقُ ْ‬
‫الرّسُو ِل فَنََب ْذتُهَا وَ َكذَِلكَ َس ّولَتْ لِي َنفْسِي‪ ،‬قَالَ فَا ْذهَبْ َفإِ ّن َلكَ فِي الْحَيَاةِ أَ ْن َتقُو َل ل ِمسَاسَ‬
‫سفَّنهُ فِي‬
‫ح ّرقَّن ُه ُثمّ لَنَن ِ‬
‫ك َموْعِدا َلنْ ُتخْ َلفَ ُه وَان ُظ ْر ِإلَى ِإلَ ِهكَ اّلذِي ظَلَلْتَ عَلَ ْيهِ عَاكِفا لَنُ َ‬
‫َوإِ ّن لَ َ‬
‫الَْيمّ َنسْفا‪ِ ،‬إنّمَا إَِل ُهكُ ْم ال ّلهُ اّلذِي ل ِإلَ َه إِ ّل ُهوَ َوسِعَ ُك ّل شَيْءٍ عِلْما}‪.‬‬

‫قصة عبادتم العجل ف غيبة كليم ال ( سيدنا موسى عليه السلم ) عنهم‪:‬‬

‫يذكر تعال ما كان من أمر بن إسرائيل‪ ،‬حي ذهب موسى عليه السلم إل ميقات ربه فمكث‬
‫على الطور يناجيه ربه ويسأله موسى عليه السلم عن أشياء كثية وهو تعال ييبه عنها‪.‬‬

‫فعمد رجل منهم يقال له هارون السامري‪ ،‬فأخذ ما كانوا استعاروه من اللي‪ ،‬فصاغ منه‬
‫ل وألقى فيه قبضة من التراب‪ ،‬كان أخذها من أثر فرس جبيل‪ ،‬حي رآه يوم أغرق ال‬
‫عج ً‬
‫فرعون على يديه‪ .‬فلما ألقاها فيه خار كما يور العجل القيقي‪ .‬ويقال إنه استحال عجلً‬
‫جسدا أي لما ودما حيا يور‪ ،‬قال قتادة وغيه‪ .‬وقيل بل كانت الريح إذا دخلت من دبره‬
‫خرجت من فمه فيخور كمن تور البقرة‪ ،‬فيقصون حوله ويفرحون‪.‬‬

‫سيَ}‪ .‬أي فنسي موسى ربه عندنا‪ ،‬وذهب يتطلبه وهو هاهنا!‬
‫{ َفقَالُوا َهذَا ِإَلهُ ُكمْ َوِإلَ ُه مُوسَى فََن ِ‬
‫تعال ال عما يقولون علوا كبيا‪ ،‬وتقدست أساؤه وصفاته‪ ،‬وتضاعفت آلؤه وهباته‪.‬‬

‫قال ال تعال مبينا بطلن ما ذهبوا إليه‪ ،‬وما عولوا عليه من إلية هذا الذي قصاراه أن يكون‬
‫ضرّا وَل‬
‫حيوانا بيما أو شيطانا رجيما‪َ{ :‬أفَل َيرَوْ َن َألّ َي ْرجِ ُع ِإلَيْ ِه ْم قَ ْولً وَل يَمْ ِلكُ َل ُهمْ َ‬
‫خذُو ُه وَكَانُوا ظَالِمِيَ}‪.‬‬
‫ل اتّ َ‬
‫َنفْعا}‪ .‬وقال‪َ{ :‬ألَ ْم َيرَوْا َأنّ ُه ل ُيكَلّ ُم ُهمْ وَل َيهْدِيهِ ْم سَبِي ً‬

‫فذكر أن هذا اليوان ل يتكلم ول يرد جوابا‪ ،‬ول يلك ضرا ول نفعا‪ ،‬ول يهدي إل رشد‪،‬‬
‫اتذوه وهم ظالون لنفسهم‪ ،‬عالون ف أنفسهم بطلن ما هم عليه من الهل والضلل‪.‬‬

‫ط فِي َأْيدِي ِهمْ}‪ .‬أي ندموا على ما صنعوا {وَ َرأَوْا أَّن ُهمْ َقدْ ضَلّوا قَالُوا لَِئ ْن لَ ْم َيرْحَمْنَا‬
‫{ َولَمّا ُسقِ َ‬
‫َربّنَا َويَ ْغ ِفرْ لَنَا لََنكُوَننّ ِمنْ الْخَا ِسرِينَ}‪.‬‬

‫ولا رجع موسى عليه السلم إليهم‪ ،‬ورأى ما هم عليه من عبادة العجل‪ ،‬ومعه اللواح‬
‫التضمنة التوراة‪ ،‬ألقاها‪ ،‬فيقال إنه كسرها‪ .‬وهكذا هو عند أهل الكتاب‪ ،‬وإن ال أبدله غيها‪،‬‬
‫وليس ف اللفظ القرآن ما يدل على ذلك‪ ،‬إل أنه ألقاها حي عاين ما عاين‪.‬‬

‫وعند أهل الكتاب‪ :‬أنما كانا لوحي‪ ،‬وظاهر القرآن أنا ألواح متعددة‪ .‬ول يتأثر بجرد الب‬
‫من ال تعال عن عبادة العجل‪ ،‬فأمره بعاينة ذلك‪.‬‬

‫ولذا جاء ف الديث الذي رواه المام أحد وابن حبان عن ابن عباس قال‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ليس الب كالعاينة"‪ .‬ث أقبل عليهم فعنفهم ووبهم وهجنهم ف‬
‫صنيعهم هذا القبيح فاعتذروا إليه‪ ،‬با ليس بصحيح‪ ،‬قالوا إنا {حُمّلْنَا َأوْزَارا ِمنْ زِيَنةِ اْلقَوْمِ‬
‫َف َق َذفْنَاهَا َف َكذَِلكَ َأْلقَى السّا ِمرِيّ}‪ .‬ترجوا من تلك حلي آل فرعون وهم أهل حرب‪ ،‬وقد‬
‫أمرهم ال بأخذه وأباحه لم‪ ،‬ول يتحرجوا بهلهم وقلة علمهم وعقلهم من عبادة العجل‬
‫السد الذي له خوار‪ ،‬مع الواحد الحد الفرد الصمد القهار!‪.‬‬

‫ل له {يَا هَارُو ُن مَا مََن َعكَ ِإذْ َرَأيَْتهُمْ ضَلّوا‪َ ،‬ألّ‬


‫ث أقبل على أخيه هارون عليه السلم قائ ً‬
‫ت أَ ْن َتقُولَ‬
‫تَتِّبعَنِي}‪ .‬أي هل لا رأيت ما صنعوا اتبعتن فأعلمتن با فعلوا‪ ،‬فقال‪{ :‬إِنّي َخشِي ُ‬
‫ت بَ ْينَ بَنِي إسرائِيلَ}‪ .‬أي تركتهم وجئتن وأنت قد استخلفتن فيهم‪.‬‬
‫َف ّرقْ َ‬
‫ت أَ ْر َحمُ الرّاحِمِيَ}‪ .‬وقد كان هارون‬
‫ك َوأَنْ َ‬
‫{قَالَ َربّ ا ْغ ِفرْ لِي َو َلخِي وََأ ْدخِلْنَا فِي َرحْمَتِ َ‬
‫عليه السلم ناهم عن هذا الصنيع الفظيع أشد النهي‪ ،‬وزجرهم عنه أت الزجر‪.‬‬

‫قال ال تعال‪:‬‬

‫{ َولَ َق ْد قَا َل َلهُ ْم هَارُو ُن ِمنْ قَ ْبلُ يَا قَوْ ِم ِإنّمَا فُتِنُت ْم بِهِ}‪ .‬أي إنا قدر ال أمر هذا العجل وجعله‬
‫يور فتنة واختبارا لكم‪َ { ،‬وإِنّ َربّ ُكمْ ال ّرحْمَانُ}‪ .‬أي ل هذا {فَاتّبِعُونِي}‪ .‬أي فيما أقول لكم‬
‫ي حَتّى َي ْرجِ َع إِلَيْنَا مُوسَى}‪ .‬يشهد ال لارون عليه‬
‫{ َوأَطِيعُوا َأمْرِي‪ ،‬قَالُوا َل ْن نَ ْبرَحَ عَلَ ْيهِ عَا ِكفِ َ‬
‫السلم {وَ َكفَى بِاللّ ِه َشهِيدا}‪ .‬أنه ناهم وزجرهم عن ذلك فلم يطيعوه ول يتبعوه‪.‬‬

‫ث أقبل موسى على السامري {قَالَ فَمَا خَطُْبكَ يَا سَا ِمرِيّ}‪ .‬أي ما حلك على ما صنعت {قَالَ‬
‫ضةً ِم ْن َأثَرِ‬
‫صرُوا ِبهِ}‪ .‬أي رأيت جبائيل وهو راكب فرسا { َفقَبَضْتُ قَبْ َ‬
‫ص ْرتُ بِمَا َلمْ يَبْ ُ‬
‫بَ ُ‬
‫الرّسُولِ}‪ .‬أي من أثر فرس جبيل‪ .‬وقد ذكر بعضهم أنه رآه‪ ،‬وكلما وطئت بوافرها على‬
‫موضع اخضّر وأعشب‪ ،‬فأخذ من أثر حافرها‪ ،‬فلما ألقاه ف هذا العجل الصنوع من الذهب‬
‫ب َفإِ ّن َلكَ فِي‬
‫ت لِي َن ْفسِي‪ ،‬قَالَ فَاذْهَ ْ‬
‫كان من أمره ما كان‪ .‬ولذا قال‪{ :‬فَنََبذُْتهَا وَ َك َذِلكَ َسوّلَ ْ‬
‫الْحَيَا ِة أَ ْن تَقُولَ ل ِمسَاسَ}‪ .‬وهذا دعاء عليه بأن ل يس أحدا‪ ،‬معاقبة له على مسه ما ل يكن‬
‫له مسه‪ ،‬هذا معاقبة له ف الدنيا‪ ،‬ث توعده ف الخرى فقال‪{ :‬وَإِ ّن َلكَ َموْعِدا َل ْن تُخْ َل َفهُ} ‪-‬‬
‫سفَنّ ُه فِي الَْيمّ‬
‫ح ّرقَّنهُ ُث ّم لَنَن ِ‬
‫وقرئ {َلنْ تُخْ َل َفهُ} {وَان ُظرْ إِلَى ِإَل ِهكَ اّلذِي ظَلَلْتَ عَ َل ْيهِ عَاكِفا لَنُ َ‬
‫َنسْفا}‪ .‬قال‪ :‬فعمد موسى عليه السلم إل هذا العجل‪ ،‬فحرقه قيل بالنار‪ ،‬كما قاله قتادة‬
‫وغيه‪ .‬وقيل بالبارد‪ ،‬كما قاله عليّ وابن عباس وغيها‪ ،‬وهو نص أهل الكتاب‪ ،‬ث ذراه ف‬
‫البحر‪ ،‬وأمر بن إسرائيل فشربوا‪ ،‬فمن كان من عابديه علق على شفاههم من ذلك الرماد ما‬
‫يدل عليه‪ ،‬وقيل بل اصفرت ألوانم‪.‬‬

‫ث قال تعال إخبارا عن موسى أنه قال لم‪ِ{ :‬إنّمَا ِإَلهُ ُكمْ ال ّل ُه الّذِي ل ِإَلهَ ِإ ّل هُ َو وَسِعَ ُكلّ َشيْءٍ‬
‫عِلْما}‪.‬‬

‫ب ِمنْ َربّ ِه ْم َوذِّلةٌ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَ َكذَِلكَ‬


‫ج َل سَيَنَاُل ُهمْ َغضَ ٌ‬
‫خذُوا اْلعِ ْ‬
‫وقال تعال‪{ :‬إِ ّن اّلذِينَ اتّ َ‬
‫جزِي الْ ُمفَْترِينَ}‬
‫نَ ْ‬

‫جزِي الْ ُمفَْترِينَ} مسجلة لكل صاحب بدعة‬


‫وهكذا وقع‪ .‬وقد قال بعض السلف‪{ :‬وَ َكذَِلكَ نَ ْ‬
‫إل يوم القيامة!‬

‫ث أخب تعال عن حلمه ورحته بلقه‪ ،‬وإحسانه على عبيده ف قبوله توبة من تاب إليه‪ ،‬بتوبته‬
‫عليه‪ ،‬فقال‪{ :‬وَاّلذِينَ عَ ِملُوا السّيّئَاتِ ُث ّم تَابُوا ِم ْن َبعْ ِدهَا وَآمَنُوا إِنّ َرّبكَ ِم ْن َبعْ ِدهَا َل َغفُورٌ‬
‫َرحِيمٌ}‪.‬‬

‫لكن ل يقبل ال توبة عابدي العجل إل بالقتل‪ ،‬كما قال تعال‪َ { :‬وإِ ْذ قَا َل مُوسَى ِل َقوْ ِمهِ يَا َقوْمِ‬
‫سكُ ْم َذلِ ُك ْم خَ ْيرٌ َلكُمْ عِ ْندَ‬
‫جلَ فَتُوبُوا ِإلَى بَا ِرئِ ُكمْ فَاقْتُلُوا أَن ُف َ‬
‫ِإّنكُمْ ظَ َلمُْتمْ أَن ُفسَ ُكمْ بِاتّخَاذِ ُكمْ اْلعِ ْ‬
‫ب الرّحِيمُ} فيقال إنم أصبحوا يوما وقد أخذ من ل يعبد‬
‫بَا ِرئِ ُك ْم فَتَابَ عَلَ ْي ُكمْ ِإّنهُ هُ َو التّوّا ُ‬
‫العجل ف أيديهم السيوف‪ ،‬وألقى ال عليهم ضبابا حت ل يعرف القريب قريبه ول النسيب‬
‫نسيبه‪ ،‬ث مالوا على عابديه فقتلوهم وحصدوهم فيقال إنم قتلوا ف صبيحة واحدة سبعي‬
‫ألفا!‬

‫ح َوفِي ُنسْخَِتهَا ُهدًى وَ َرحْ َم ٌة لِ ّلذِينَ‬


‫ث قال تعال‪َ { :‬ولَمّا َسكَتَ َع ْن مُوسَى اْلغَضَبُ َأ َخذَ ا َللْوَا َ‬
‫ُهمْ لِ َرّب ِهمْ َي ْرهَبُونَ}‪ .‬استدل بعضهم بقوله‪َ { :‬وفِي ُنسْخَِتهَا}‪ .‬على أنا تكسرت‪ ،‬وف هذا‬
‫الستدلل نظر‪ ،‬وليس ف اللفظ ما يدل على أنا تكسرت‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬

‫ذكر ابن عباس ف حديث الفتون كما سيأت‪ :‬أن عبادتم ‪ ...‬على أثر خروجهم من البحر‪ .‬وما‬
‫هو ببعيد‪ ،‬لنم حي خرجوا {قَالُوا يَا مُوسَى ا ْجعَل لَنَا ِإلَها كَمَا َلهُمْ آِل َهةٌ}‪ .‬وهكذا عند أهل‬
‫الكتاب‪ ،‬فإن عبادتم العجل كانت قبل ميئهم بلد بيت القدس‪ .‬وذلك أنم لا أمروا بقتل من‬
‫عبد العجل‪ ،‬قتلوا ف أول يوم ثلثة آلف‪ ،‬ث ذهب موسى يستغفر لم‪ ،‬فغفر لم بشرط أن‬
‫يدخلوا الرض القدسة‪.‬‬

‫ت أَهْ َلكَْتهُ ْم ِمنْ‬


‫ل لِمِيقَاتِنَا فَلَمّا أَ َخ َذتْ ُهمْ ال ّرجْ َف ُة قَالَ َربّ َل ْو شِئْ َ‬
‫{وَاخْتَا َر مُوسَى َق ْومَ ُه سَ ْبعِيَ َرجُ ً‬
‫ض ّل ِبهَا َمنْ َتشَا ُء َوَتهْدِي َمنْ َتشَاءُ‬
‫قَ ْب ُل َوإِيّايَ َأُتهْ ِلكُنَا بِمَا َفعَ َل السّ َفهَا ُء مِنّا إِ ْن ِهيَ ِإ ّل فِتْنَُتكَ تُ ِ‬
‫ب لَنَا فِي َهذِ ِه الدّنْيَا حَسََن ًة َوفِي ال ِخرَةِ‬
‫ت خَ ْيرُ اْلغَا ِفرِينَ‪ ،‬وَاكْتُ ْ‬
‫ت َولِيّنَا فَا ْغ ِفرْ لَنَا وَارْحَمْنَا َوأَنْ َ‬
‫َأنْ َ‬
‫سأَكْتُُبهَا لِ ّلذِينَ يَّتقُونَ‬
‫ب ِب ِه َمنْ َأشَاءُ وَرَحْمَتِي وَ ِسعَتْ ُك ّل شَيْ ٍء َف َ‬
‫ك قَالَ َعذَابِي أُصِي ُ‬
‫ِإنّا ُه ْدنَا ِإلَيْ َ‬
‫جدُوَنهُ‬
‫َوُيؤْتُونَ الزّكَاةَ وَاّلذِينَ هُ ْم بِآيَاتِنَا ُيؤْمِنُونَ‪ ،‬الّذِينَ يَتِّبعُونَ ال ّرسُولَ النِّبيّ ا ُلمّ ّي الّذِي يَ ِ‬
‫حلّ َل ُهمْ الطّيّبَاتِ‬
‫ف وَيَ ْنهَا ُهمْ َع ْن الْمُنكَ ِر َويُ ِ‬
‫َمكْتُوبا عِ ْن َدهُ ْم فِي الّتوْرَا ِة وَالِنِي ِل َيأْ ُم ُرهُ ْم بِالْ َم ْعرُو ِ‬
‫ص َر ُهمْ وَالَغْلَا َل الّتِي كَانَتْ عَلَ ْي ِه ْم فَاّلذِينَ آمَنُوا ِبهِ‬
‫ث وَيَضَعُ عَ ْن ُهمْ إِ ْ‬
‫حرّمُ َعلَ ْي ِهمْ الْخَبَائِ َ‬
‫َويُ َ‬
‫ك ُهمْ الْ ُمفْلِحُونَ}‪.‬‬
‫صرُوهُ وَاتّبَعُوا النّورَ اّلذِي أُن ِزلَ َم َعهُ ُأ ْولَئِ َ‬
‫وَ َعزّرُو ُه وَنَ َ‬

‫ذكر السدي وابن عباس وغيها أن هؤلء السبعي كانوا علماء بن إسرائيل‪ ،‬ومعهم موسى‬
‫وهارون ويوشع وناذاب وأبيهو‪ ،‬ذهبوا مع موسى عليه السلم ليعتذروا عن بن إسرائيل ف‬
‫عبادة من عبد منهم العجل‪ .‬وكانوا قد أمروا أن يتطيبوا ويتطهروا ويغتسلوا‪ ،‬فلما ذهبوا معه‬
‫واقتربوا من البل وعليه الغمام وعمود النور ساطع صعد موسى البل‪.‬‬

‫فذكر بنو إسرائيل أنم سعوا كلم ال‪ .‬وهذا قد وافقهم عليه طائفة من الفسرين‪ ،‬وحلوا عليه‬
‫ح ّرفُوَنهُ ِم ْن َبعْ ِد مَا َعقَلُو ُه َوهُمْ‬
‫قوله تعال‪َ { :‬و َقدْ كَانَ َفرِيقٌ مِ ْنهُ ْم َيسْ َمعُونَ كَل َم ال ّلهِ ُث ّم يُ َ‬
‫َيعْلَمُونَ}‪.‬‬

‫وليس هذا بلزم‪ ،‬لقوله تعال‪َ { :‬فَأجِ ْر ُه حَتّى َيسْمَعَ كَل َم ال ّلهِ}‪ .‬أي مبلغا‪ ،‬وهكذا هؤلء سعوه‬
‫مبلغا من موسى عليه السلم‪.‬‬
‫وزعموا أيضا أن السبعي رأوا ال‪ ،‬وهذا غلط منهم‪ ،‬لنم لا سألوا الرؤية أخذتم الرجفة‪،‬‬
‫ك حَتّى َنرَى ال ّل َه جَ ْه َر ًة َفأَ َخذَْت ُكمْ الصّا ِعقَةُ‬
‫كما قال تعال‪َ { :‬وإِ ْذ قُلُْت ْم يَا مُوسَى َل ْن ُنؤْ ِم َن لَ َ‬
‫ش ُكرُونَ}‪ .‬وقال هاهنا {فَلَمّا َأ َخذَْت ُهمْ‬
‫َوَأنْتُ ْم تَن ُظرُونَ‪ُ ،‬ث ّم َبعَثْنَا ُك ْم ِمنْ َب ْعدِ َم ْوتِ ُك ْم لَعَ ّل ُكمْ َت ْ‬
‫ت َأهْ َلكْتَ ُه ْم ِمنْ قَ ْب ُل َوإِيّايَ}‪.‬‬
‫ب َلوْ شِئْ َ‬
‫الرّ ْج َفةُ قَالَ َر ّ‬

‫قال ممد بن إسحاق‪ :‬اختار موسى من بن إسرائيل سبعي رجلً‪ :‬الي فالي‪ ،‬وقال انطلقوا‬
‫إل ال فتوبوا إليه با صنعتم وسلوه التوبة على ما تركتم وراءكم من قومكم‪ ،‬صوموا وتطهروا‬
‫وطهروا ثيابكم‪.‬‬

‫فخرج بم إل طور سيناء‪ ،‬ليقات وقّته له ربه‪ ،‬وكان ل يأتيه إل بإذن منه وعلم‪ .‬فطلب منه‬
‫السبعون أن يسمعوا كلم ال‪ ،‬فقال‪ :‬أفعل‪.‬‬

‫فلما دنا موسى من البل‪ ،‬وقع عليه عمود الغمام حت تغشى البل كله‪ ،‬ودنا موسى فدخل ف‬
‫الغمام‪ ،‬وقال للقوم‪ :‬ادنوا‪ .‬وكان موسى إذا كلمه ال‪ ،‬وقع على جبهته نور ساطع ل يستطيع‬
‫أحد من بن آدم أن ينظر إليه‪ .‬فضرب دونه الجاب‪ ،‬ودنا القوم حت إذا دخلوا ف الغمام‬
‫وقعوا سجودا‪ ،‬فسمعوه وهو يكلم موسى‪ ،‬يأمره وينهاه‪ :‬افعل ول تفعل‪ .‬فلما فرغ ال من‬
‫ك حَتّى َنرَى ال ّلهَ‬
‫أمره وانكشف عن موسى الغمام أقبل إليهم فقالوا‪{ :‬يَا مُوسَى َل ْن ُنؤْ ِم َن لَ َ‬
‫َج ْه َرةً}‪ .‬فأخذتم الرجفة‪ ،‬وهي الصاعقة فأتلفت أرواحهم فماتوا جيعا‪ .‬فقام موسى يناشد ربه‬
‫سفَهَاءُ‬
‫ي َأتُهْ ِلكُنَا بِمَا َف َعلَ ال ّ‬
‫ويدعوه‪ ،‬ويرغب إليه ويقول‪َ { :‬ربّ َل ْو شِئْتَ أَهْ َلكَْتهُ ْم ِمنْ قَ ْب ُل َوِإيّا َ‬
‫مِنّا} أي ل تؤاخذنا با فعل السفهاء الذين عبدوا العجل منا فإنا براء ما عملوا‪.‬‬

‫وقال ابن عباس وماهد وقتادة وابن جريج‪ :‬إنا أخذتم الرجفة لنم ل ينهوا قومهم عن عبادة‬
‫العجل‪ .‬وقوله‪{ :‬إِنْ ِهيَ ِإ ّل فِتْنَُتكَ}‪ .‬أي اختبارك وابتلؤك وامتحانك‪ .‬قاله ابن عباس وسعيد‬
‫بن جبي وأبو العالية والربيع بن أنس‪ ،‬وغي واحد من علماء السلف واللف‪ ،‬يعن أنت الذي‬
‫قدّرت هذا‪ ،‬وخلقت ما كان من أمر العجل اختبارا تتبهم به كما‪{ :‬قَا َل َل ُهمْ هَارُونُ ِم ْن قَ ْبلُ‬
‫يَا قَوْ ِم ِإنّمَا فُتِنُت ْم بِهِ}‪ .‬أي اختبت‪.‬‬

‫ضلّ ِبهَا َم ْن َتشَاءُ وََت ْهدِي َم ْن َتشَاءُ}‪ .‬أي من شئت أظللته باختبارك إياه‪ ،‬ومن‬
‫ولذا قال‪{ :‬تُ ِ‬
‫شئت هديته‪ ،‬لك الكم والشيئة ول مانع ول راد لا حكمت وقضيت‪.‬‬

‫ب لَنَا فِي هَ ِذ ِه ال ّدنْيَا َحسََنةً َوفِي‬


‫ت خَ ْيرُ اْلغَا ِفرِينَ‪ ،‬وَاكْتُ ْ‬
‫ت وَلِيّنَا فَا ْغفِ ْر لَنَا وَا ْرحَمْنَا وََأنْ َ‬
‫{َأنْ َ‬
‫ال ِخ َر ِة إِنّا هُ ْدنَا ِإلَ ْيكَ}‪ .‬أي تبنا إليك ورجعنا وأنبنا‪ .‬قاله ابن عباس وماهد وسعيد بن جبي‬
‫وأبو العالية وإبراهيم التيمي والضحاك والسدي وقتادة وغي واحد‪ .‬وهو كذلك ف اللغة‪.‬‬
‫ب ِب ِه َمنْ َأشَاءُ وَرَحْمَتِي وَ ِسعَتْ ُك ّل شَيْءٍ}‪ .‬أي أنا أعذب من شئت با أشاء‬
‫{قَالَ َعذَابِي أُصِي ُ‬
‫من المور الت أخلقها وأقدرها‪.‬‬

‫{وَ َرحْمَتِي َوسِعَتْ ُك ّل َشيْءٍ}‪ .‬كما ثبت ف الصحيحي عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه‬
‫قال‪" :‬إن ال لا فرغ من خلق السماوات والرض كتب كتابا فهو موضوع عنده فوق‬
‫العرش‪" :‬إن رحت تغلب غضب" { َفسَأَكْتُُبهَا لِ ّلذِينَ يَتّقُو َن َويُ ْؤتُو َن الزّكَا َة وَاّلذِينَ ُهمْ بِآيَاتِنَا‬
‫ُي ْؤمِنُونَ}‪ .‬أي فسأوجبها حتما لن يتصف بذه الصفات‪{ :‬الّذِينَ يَتِّبعُونَ ال ّرسُولَ النِّبيّ ا ُلمّيّ}‬
‫الية‪.‬‬

‫وهذا فيه تنويه بذكر ممد صلى ال عليه وسلم وأمته من ال لوسى عليه السلم‪ ،‬ف جلة ما‬
‫ناجاه به وأعلمه وأطلعه عليه‪ .‬وقد تكلمنا على هذه الية وما بعدها ف التفسي با فيه كفاية‬
‫ومقنع‪ ،‬ول المد والنة‪.‬‬

‫وقال قتادة‪ :‬قال موسى‪ :‬يا رب إن أجد ف اللواح أمة هي خي أمة أخرجت للناس يأمرون‬
‫بالعروف وينهون عن النكر‪ ،‬رب اجعلهم أمت‪ ،‬قال‪ :‬تلك أمة أحد‪.‬‬
‫قال‪ :‬رب إن أجد ف اللواح أمة هم الخرون ف اللق‪ ،‬السابقون ف دخول النة‪ ،‬رب‬
‫اجعلهم أمت‪ ،‬قال‪ :‬تلك أمة أحد‪.‬‬

‫قال‪ :‬رب إن أجد ف اللواح أمة أناجيلهم ف صدورهم يقرأونا‪ ،‬وكان من قبلهم يقرأون‬
‫كتابم نظرا‪ ،‬حت إذا رفعوها ل يفظوا شيئا ول يعرفوه‪ ،‬وإن ال أعطاهم من الفظ شيئا ل‬
‫يعطه أحدا من المم‪ ،‬قال‪ :‬رب اجعلهم أمت‪ ،‬قال‪ :‬تلك أمة أحد‪.‬‬

‫قال‪ :‬رب إن أجد ف اللواح أمة يؤمنون بالكتاب الول وبالكتاب الخر‪ ،‬ويقاتلون فضول‬
‫الضللة حت يقاتلوا العور الكذاب‪ ،‬فاجعلهم أمت‪ ،‬قال‪ :‬تلك أمة أحد‪.‬‬

‫قال‪ :‬رب إن أجد ف اللواح أمة صدقاتم يأكلونا ف بطونم ويؤجرون عليها‪ .‬وكان من‬
‫قبلهم من المم إذا تصدق بصدقة فقبلت منه بعث ال عليها نارا فأكلتها‪ ،‬وإن ردت عليه‬
‫تركت فتأكلها السباع والطي‪ ،‬وإن ال أخذ صدقاتم من غنيهم لفقيهم‪ ،‬قال‪ :‬رب فاجعلهم‬
‫أمت‪ ،‬قال‪ :‬تلك أمة أحد‪.‬‬

‫قال‪ :‬رب فإن أجد ف اللواح أمة إذا َهمّ أحدهم بسنة ث ل يعملها كتبت له عشرة أمثالا إل‬
‫سبعمائة ضعف‪ .‬قال‪ :‬رب اجعلهم أمت‪ ،‬قال‪ :‬تلك أمة أحد‪.‬‬

‫قال‪ :‬رب إن أجد ف اللواح أمة هم الشفعون الشفوع لم‪ ،‬فاجعلهم أمت‪ ،‬قال‪ :‬تلك أمة‬
‫أحد‪.‬‬

‫قال قتادة‪ :‬فذكر لنا أن موسى عليه السلم نبذ اللواح‪ ،‬وقال‪ :‬اللهم اجعلن من أمة أحد‪.‬‬

‫وقد ذكر كثي من الناس ما كان من مناجاة موسى عليه السلم‪ ،‬وأوردوا أشياء كثية ل أصل‬
‫لا ونن نذكر ما تيسر ذكره من الحاديث والثار بعون ال وتوفيقه‪ ،‬وحسن هدايته ومعونته‬
‫وتأييده‪.‬‬

‫قال الافظ أبو حات ممد بن حات بن حبان ف صحيحه‪" :‬ذكر سؤال كليم ال ربه عز وجل‬
‫عن أدن أهل النة وأرفعهم منلة"‪ :‬أخبنا عمر بن سعيد الطائي ببلخ‪ ،‬حدثنا حامد بن يي‬
‫البلخي‪ ،‬حدثنا سفيان‪ ،‬حدثنا مطرف بن طريف وعبد اللك بن أبر شيخان صالان‪ ،‬قال‪:‬‬
‫سعنا الشعب يقول‪ :‬سعت الغية بن شعبة يقول على النب عن النب صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"إن موسى عليه السلم سأل ربه عز وجل‪ :‬أي أهل النة أدن منلة؟ فقال‪ :‬رجل ييء بعدما‬
‫يدخل أهل النة النة‪ ،‬فيقال له‪ :‬أدخل النة‪ ،‬فيقول‪ :‬كيف أدخل النة وقد نزل الناس‬
‫منازلم وأخذوا إخاذاتم؟ فيقال له‪ :‬ترضى أن يكون لك من النة مثل ما كان للك من ملوك‬
‫الدنيا؟ فيقول‪ :‬نعم أي رب‪ ،‬فيقال‪ :‬لك هذا ومثله معه‪ ،‬فيقول‪ :‬أي رب رضيت؛ فيقال له‪:‬‬
‫لك مع هذا ما اشتهت نفسك‪ ،‬ولذت عينك‪ .‬وسأل ربه‪" :‬أي أهل النة أرفع منلة؟ قال‪:‬‬
‫سأحدثك عنهم‪ ،‬غرست كرامتهم بيدي‪ ،‬وختمت عليها‪ ،‬فل عي رأت ول أذن سعت ول‬
‫خطر على قلب بشر"‪.‬‬

‫ومصداق ذلك ف كتاب ال عز وجل‪{ :‬فَل تَعْ َل ُم َنفْسٌ مَا أُ ْخ ِفيَ َل ُهمْ ِم ْن ُق ّرةِ أَعُْي ٍن َجزَا ًء بِمَا‬
‫كَانُوا َيعْمَلُونَ}‪.‬‬

‫وهكذا رواه مسلم والترمذي كلها عن ابن أب عمر‪ ،‬عن سفيان وهو ابن عيينه به‪ .‬ولفظ‬
‫مسلم‪" :‬فيقال له‪ :‬أترضى أن يكون لك مثل مُلك مَلك من ملوك الدنيا؟ فيقال رضيت رب‪.‬‬
‫فيقال له‪ :‬لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله‪ ،‬فيقول ف الامسة‪ :‬رضيت رب‪ .‬فيقال‪ :‬هذا لك‬
‫وعشرة أمثاله ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك‪ ،‬فيقول‪ :‬رضيت رب "قال رب فأعلهم‬
‫منلة؟ قال‪ :‬أولئك الذين أردت غرس كرامتهم بيدي وختمت عليها‪ ،‬فلم تر عي ول تسمع‬
‫أذن ول يطر على قلب بشر"‪.‬‬

‫س مَا أُ ْخفِ َي َل ُهمْ ِم ْن ُق ّرةِ أَعُْي ٍن َجزَا ًء بِمَا كَانُوا‬


‫قال‪ :‬ومصداقه من كتاب ال‪{ :‬فَل َتعْ َلمُ نَفْ ٌ‬
‫َيعْمَلُونَ}‪.‬‬

‫وقال الترمذي حسن صحيح‪ :‬قال‪ :‬ورواه بعضهم عن الشعب عن الغيه فلم يرفعه‪ ،‬والرفوع‬
‫أصح‪.‬‬

‫وقال ابن حبان‪" :‬ذكر سؤال الكليم ربه عن خصال سبع" ‪ :‬حدثنا عبد ال بن ممد بن مسلم‬
‫ببيت القدس‪ ،‬حدثنا حرملة بن يي‪ ،‬حدثنا ابن وهب‪ .‬أخبن عمرو بن الارث‪ ،‬أن أبا‬
‫السمح حدثه عن حجية عن أب هريرة عن النب صلى ال عليه وسلم أنه قال‪" :‬سأل موسى‬
‫ربه عز وجل عن ست خصال كان يظن أنا له خالصة‪ ،‬والسابعة ل يكن موسى يبها‪ :‬قال‪ :‬يا‬
‫رب أي عبادك أتقى؟ قال‪ :‬الذي يذكر ول ينسى‪ .‬قال‪ :‬فأي عبادك أهدى؟ قال‪ :‬الذي يتبع‬
‫الدى‪ .‬قال‪ :‬فأي عبادك أحكم؟ قال‪ :‬الذي يكم للناس كما يكم لنفسه‪ .‬قال‪ :‬فأي عبادك‬
‫أعلم؟ قال‪ :‬عال ل يشبع من العلم‪ .‬يمع علم الناس إل علمه‪ .‬قال‪ :‬فأي عبادك أعزّ؟ قال‪:‬‬
‫الذي إذا قدر غفر‪ .‬قال‪ :‬فأي عبادك أغن؟ قال‪ :‬الذي يرضى با يؤتى‪ .‬قال‪ :‬فأي عبادك أفقر؟‬
‫قال‪ :‬صاحب منقوص"‪.‬‬

‫وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ليس الغن عن ظهر‪ ،‬إنا الغن غن النفس‪ ،‬وإذا أراد‬
‫ال بعبد خيا جعل غناه ف نفسه وتقاه ف قلبه‪ ،‬وإذا أراد ال بعبد شرا جعل فقره بي عينيه‪.‬‬

‫قال ابن حبان‪ :‬قوله "صاحب منقوص" يريد به منقوص حالته‪ ،‬يستقل ما أوت ويطلب الفضل‪.‬‬

‫وقد رواه ابن جرير ف تاريه عن ابن حيد‪ ،‬عن يعقوب التميمي‪ ،‬عن هارون بن هبية‪ ،‬عن‬
‫أبيه‪ ،‬عن ابن عباس قال‪ :‬سأل موسى ربه عز وجل فذكر نوه‪ .‬وفيه "قال‪ :‬أي رب فأي‬
‫عبادك أعلم؟ قال‪ :‬الذي يبتغي علم الناس إل علمه‪ ،‬عسى أن يد كلمة تديه إل هدى أو‬
‫ترده عن ردى‪ .‬قال‪ :‬أي رب فهل ف الرض أحد أعلم من؟ قال‪ :‬نعم الضر فسأل السبيل‬
‫إل لقيه‪ ،‬فكان ما سنذكره بعد إن شاء ال‪ ،‬وبه الثقة‪.‬‬

‫ذكر حديث آخر بعن ما ذكره ابن حبان‬

‫قال المام أحد‪ :‬حدثنا يي بن إسحاق‪ ،‬حدثنا ابن ليعة‪ ،‬عن درّاج‪ ،‬عن أب اليثم‪ ،‬عن أب‬
‫سعيد الدري‪ ،‬عن النب صلى ال عليه وسلم أنه قال‪" :‬إن موسى قال‪ :‬أي رب عبدك الؤمن‬
‫مقتر عليه ف الدنيا! قال‪ :‬ففتح له باب من النة فنظر إليها‪ ،‬قال‪ :‬يا موسى هذا ما أعددت له‪.‬‬
‫فقال‪ :‬يا رب وعزتك وجللك لو كان مقطّع اليدين والرجلي يسحب على وجهه منذ يوم‬
‫خلقته إل يوم القيامة‪ ،‬وكان هذا مصيه ل ير بؤسا قط‪ .‬قال‪ :‬ث قال‪ :‬أي رب‪ ،‬عبدك الكافر‬
‫موسع عليه ف الدنيا‪ ،‬قال‪ :‬ففتح له باب إل النار فقال‪ :‬يا موسى هذا ما أعددت له‪ .‬فقال‬
‫موسى‪ :‬أي رب وعزتك وجللك لو كانت له الدنيا منذ يوم خلقته إل يوم القيامة وكان هذا‬
‫مصيه ل ير خيا قط"‪.‬‬

‫تفرد به أحد من هذا الوجه‪ ،‬وف صحته نظر‪ .‬وال أعلم‪.‬‬

‫وقال ابن حبان‪" :‬ذكر سؤال كليم ال ربه جل وعل أن يعلمه شيئا يذكره به" ‪ :‬حدثنا ابن‬
‫سلمة‪ ،‬حدثنا حرملة بن يي‪ ،‬حدثنا ابن وهب‪ ،‬أخبن عمرو بن الارث أن درّاجا حدثه عن‬
‫أب اليثم عن أب سعيد عن النب صلى ال عليه وسلم أنه قال‪" :‬قال موسى‪ :‬يا رب علمن‬
‫شيئا أذكرك به وأدعوك به‪ .‬قال‪ :‬قل يا موسى ل إله إل ال‪ .‬قال‪ :‬يا رب كل عبادك يقول‬
‫هذا‪ ،‬قال‪ :‬قل ل إله إل ال‪ ،‬قال‪ :‬إنا أريد شيئا تصن به‪ .‬قال‪ :‬يا موسى لو أن أهل‬
‫السماوات السبع والرضي السبع ف كفة ول إله إل ال ف كفة مالت بم ل إله إل ال"‪.‬‬

‫ويشهد لذا الديث حديث البطاقة‪ ،‬وأقرب شيء إل معناه الديث الروي ف السنن عن النب‬
‫صلى ال عليه وسلم أنه قال‪" :‬أفضل الدعاء دعاء عرفة‪ .‬وأفضل ما قلت أنا والنبيون من‬
‫قبلي‪ :‬ل إله إل ال وحده ل شريك له‪ ،‬له اللك وله المد وهو على كل شيء قدير"‪.‬‬

‫وقال ابن أب حات‪ :‬عند تفسي آية الكرسي‪ :‬حدثنا أحد بن القاسم بن عطية‪ ،‬حدثنا أحد بن‬
‫عبد الرحن الدسكي‪ ،‬حدثن أب عن أبيه‪ ،‬حدثنا أشعث بن إسحاق‪ ،‬عن جعفر بن أب الغية‬
‫عن سعيد بن جبي‪ ،‬عن ابن عباس‪ :‬أن بن إسرائيل قالوا لوسى‪ :‬هل ينام ربك؟ قال‪ :‬اتقوا ال!‬
‫فناداه ربه عز وجل‪ :‬يا موسى هل ينام ربك‪ ،‬فخذ زجاجتي ف يديك فقم الليل‪ ،‬ففعل موسى‪.‬‬
‫فلما ذهب من الليل ثلثه نعس فوقع لركبتيه‪ ،‬ث انتعش فضبطهما‪ ،‬حت إذا كان آخر الليل‬
‫نعس فسقطت الزجاجتان فانكسرتا‪ ،‬فقال‪ :‬يا موسى لو كنت أنام لسقطت السماوات‬
‫والرض فهلكن كما هلكت الزجاجتان ف يديك قال‪ :‬وأنزل ال على رسوله آية الكرسي‪.‬‬

‫وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا إسحاق بن أب إسرائيل‪ ،‬حدثنا هشام بن يوسف‪ ،‬عن أمية بن شبل عن‬
‫الكم بن أُبان‪ ،‬عن عكرمة‪ ،‬عن أب هريرة قال‪ :‬سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يكي‬
‫عن موسى عليه السلم على النب قال‪" :‬وقع ف نفس موسى عليه السلم هل ينام ال عز‬
‫وجل؟ فأرسل ال إليه ملكا فأَرقّه ثلثا‪ ،‬ث أعطاه قارورتي ف كل يد قارورة‪ ،‬وأمره أن يتفظ‬
‫بما‪ .‬قال‪ :‬فجعل ينام وكادت يداه تلتقيان‪ ،‬فيسقط فيحبس إحداها على الخرى‪ ،‬حت نام‬
‫نومة فاصطفقت يداه فانكسرت القارورتان‪ ،‬قال‪ :‬ضرب ال له مثلً‪ :‬أن لو كان ينام ل‬
‫تستمسك السماء والرض"‪.‬‬

‫وهذا حديث غريب رفعه‪ .‬والشبه أن يكون موقوفا‪ ،‬وأن يكون أصله إسرائيليا‪.‬‬

‫وقال ال تعال‪َ { :‬وِإذْ َأ َخذْنَا مِيثَا َق ُكمْ وَ َر َفعْنَا َف ْوقَ ُكمْ الطّو َر ُخذُوا مَا آتَيْنَا ُك ْم بِ ُق ّوةٍ وَاذْ ُكرُوا مَا‬
‫ض ُل ال ّلهِ عَلَ ْيكُ ْم وَ َرحْمَُتهُ َلكُنُتمْ مِنْ‬
‫فِي ِه َلعَلّ ُكمْ تَّتقُونَ‪ ،‬ثُ ّم َتوَلّيُْت ْم ِمنْ َب ْعدِ َذِلكَ فَ َلوْل فَ ْ‬
‫الْخَاسِرِينَ}‪ .‬وقال تعال‪َ { :‬وِإذْ نََتقْنَا الْجََب َل َف ْوقَ ُهمْ َكَأنّهُ ظُ ّل ٌة وَظَنّوا أَّن ُه وَاقِ ٌع ِب ِهمْ ُخذُوا مَا‬
‫آتَيْنَا ُك ْم ِبقُ ّو ٍة وَاذْ ُكرُوا مَا فِيهِ َلعَ ّلكُ ْم تَّتقُونَ}‪.‬‬
‫قال ابن عباس وغي واحد من السلف‪ :‬لا جاءهم موسى باللواح فيها التوراة أمرهم بقبولا‬
‫والخذ با بقوة وعزم‪ .‬فقالوا‪ :‬انشرها علينا فإن كانت أوامرها ونواهيها سهلة قبلناها‪ .‬فقال‪:‬‬
‫بل اقبلوها با فيها‪ ،‬فراجعوه مرارا‪ ،‬فأمر ال اللئكة فرفعوا البل على رؤوسهم حت صار‬
‫كأنه ظله‪ ،‬أي غمامة‪ ،‬على رؤوسهم‪ .‬وقيل لم إن ل تقبلوها با فيها وإل سقط هذا البل‬
‫عليكم فقبلوا ذلك وأمروا بالسجود فسجدوا فجعلوا ينظرون إل البل بشق وجوههم‪،‬‬
‫فصارت سُنة لليهود إل اليوم‪ ،‬يقولون ل سجدة أعظم من سجدة رفعت عنا العذاب‪.‬‬

‫وقال سنيد بن داود عن حجاج بن ممد‪ ،‬عن أب بكر بن عبد ال قال‪ :‬فلما نشرها ل يبق على‬
‫وجه الرض جبل ول شجر ول حجر إل اهتز‪ ،‬فليس على وجه الرض يهودي صغي ول‬
‫كبي تقرأ عليه التوراة إل اهتز ونفض لا رأسه‪.‬‬

‫قال ال تعال‪ُ{ :‬ثمّ َت َولّيْتُ ْم ِمنْ بَ ْع ِد َذلِكَ}‪ .‬أي ث بعد مشاهدة هذا اليثاق العظيم والمر السيم‬
‫ض ُل ال ّلهِ عَلَ ْيكُ ْم وَ َرحْمَُتهُ}‪ .‬بأن تدارككم بالرسال إليكم‬
‫نكثتم عهودكم ومواثيقكم {فَلَ ْولَا فَ ْ‬
‫وإنزال الكتب عليكم‪{ .‬لَكُنُت ْم ِمنْ الْخَا ِسرِينَ}‪.‬‬

‫قصة إمرأة العزيز و يوسف الصدي‬

‫موقع القصة ف القرآن الكري‪:‬‬

‫ورد ذكر القصة ف سورة يوسف‬

‫قال تعال ‪:‬‬

‫س وَاْلقَ َمرَ َرَأيُْتهُ ْم لِي سَا ِجدِينَ‪،‬‬


‫شرَ َكوْكَبا وَالشّمْ َ‬
‫ت َأحَدَ َع َ‬
‫ت ِإنّي َرَأيْ ُ‬
‫{ِإذْ قَالَ يُوسُفُ َلبِيهِ يَاأَبَ ِ‬
‫قَالَ يَا بُنَ ّي ل تَقْصُصْ ُر ْؤيَاكَ عَلَى إِ ْخوَِتكَ فَيَكِيدُوا َلكَ كَيْدا إِ ّن الشّيْطان لِلِنسَانِ َع ُدوّ مُِبيٌ‪،‬‬
‫ك وَعَلَى آ ِل َي ْعقُوبَ كَمَا‬
‫ث َويُِتمّ ِنعْمََتهُ عَلَ ْي َ‬
‫ك يَجْتَبِيكَ َرّبكَ َوُيعَلّ ُمكَ ِم ْن تَ ْأوِي ِل الَحَادِي ِ‬
‫وَ َك َذلِ َ‬
‫ق إِنّ َرّبكَ عَلِي ٌم حَكِيمٌ}‪.‬‬
‫َأتَ ّمهَا عَلَى َأَبوَْيكَ مِ ْن قَ ْب ُل ِإبْرَاهِي َم َوإِسْحَا َ‬

‫القصة‪:‬‬
‫كان ليعقوب من البني اثنا عشر ولدا ذكرا ‪ ،‬وإليهم تنسب أسباط بن إسرائيل كلهم‪ ،‬وكان‬
‫أشرفهم وأجلهم وأعظمهم يوسف عليه السلم‪.‬‬

‫ح إليهم‪.‬‬
‫وقد ذهب طائفة من العلماء إل أنه ل يكن فيهم نب غيه‪ ،‬وباقي اخوته ل َيوْ َ‬

‫وظاهر ما ذكر من فعالم ومقالم ف هذه القصة يدل على هذا القول‪.‬‬

‫ومن استدل على نبوتم بقوله‪{ :‬قُولُوا آمَنّا بِال ّلهِ وَمَا أُن ِزلَ ِإلَيْنَا َومَا أُن ِزلَ ِإلَى ِإْبرَاهِيمَ‬
‫َوإِسْمَاعِي َل َوإِسْحَاقَ وََي ْعقُوبَ وَالَسْبَاطِ} وزعم أن هؤلء هم السباط‪ ،‬فليس استدلله بقوى‪،‬‬
‫لن الراد بالسباط شعوب بن إسرائيل وما كان يوجد فيهم من النبياء الذين ينل عليهم‬
‫الوحي من السماء وال أعلم‪.‬‬

‫وما يؤيد أن يوسف عليه السلم هو الختص من بي اخوته بالرسالة والنبوة ‪ -‬أنه ما نص على‬
‫واحد من اخوته سواه فدل على ما ذكرناه‪.‬‬

‫ويستأنس لذا با قال المام أحد‪َ :‬حدّثَنا عبد الصمد‪َ ،‬ح ّدثَنا عبد الرحن‪ ،‬عن عبد ال بن‬
‫دينار‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن عمر‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬الكري ابن الكري ابن‬
‫الكري ابن الكري يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم"‪.‬‬

‫انفرد به البُخَاريّ‪ .‬فرواه عن عبد ال بن ممد وعبدة عن عبد الصمد بن عبد الوارث به وقد‬
‫ذكرنا طرقه ف قصة إبراهيم با أغن عن إعادته هنا‪ .‬ول المد والنة‪.‬‬
‫قال الفسرون وغيهم‪ :‬رأى يوسف عليه السلم وهو صغي قبل أن يتلم‪ ،‬كأن أحد عشر‬
‫كوكبا‪ ،‬وهم إشارة إل بقية إخوته‪ ،‬والشمس والقمر وها عبارة عن أبويه‪ ،‬قد سجدوا له‬
‫فهاله ذلك‪.‬‬

‫فلما استيقظ قصها على أبيه‪ ،‬فعرف أبوه أنه سينال منلة عالية ورفعة عظيمة ف الدنيا‬
‫والخرة‪ ،‬بيث يضع له أبواه وأخوته فيها‪ .‬فأمره بكتمانا وأل يقصها على أخوته؛ كي ل‬
‫يسدوه ويبغوا له الغوائل ويكيدوه بأنواع اليل والكر‪.‬‬

‫وهذا يدل على ما ذكرناه‪.‬‬

‫ولذا جاء ف بعض الثار‪" :‬استعينوا على قضاء حوائجكم بكتمانا فإن كل ذي نعمة مسود"‪.‬‬

‫وعند أهل الكتاب أنه قصها على أبيه وأخوته معا‪ .‬وهو غلط منهم‪.‬‬

‫ك يَجْتَبِيكَ َربّكَ} أي وكما أراك هذه الرؤية العظيمة‪ ،‬فإذا كتمتها {يَجْتَبِيكَ َربّكَ} أي‬
‫{وَ َك َذلِ َ‬
‫يصك بأنواع اللطف والرحة‪َ { ،‬وُيعَلّ ُمكَ ِم ْن تَ ْأوِي ِل الَحَادِيثِ} أي يفهمك من معان الكلم‬
‫وتعبي النام ما ل يفهمه غيك‪.‬‬

‫{ َويُتِ ّم ِنعْمََتهُ عَلَ ْيكَ} أي بالوحي إليك {وَعَلَى آ ِل َي ْعقُوبَ} أي بسببك‪ ،‬ويصل لم بك خي‬
‫ك ِمنْ قَ ْب ُل ِإْبرَاهِيمَ َوِإسْحَاقَ} أي ينعم عليك ويسن‬
‫الدنيا والخرة‪{ .‬كَمَا أَتَ ّمهَا عَلَى َأبَ َويْ َ‬
‫إليك بالنبوة‪ ،‬كما أعطاها أباك يعقوب‪ ،‬وجدك اسحاق‪ ،‬ووالد جدك إبراهيم الليل‪{ ،‬إِنّ‬
‫ج َعلُ ِرسَالََتهُ}‪.‬‬
‫ث يَ ْ‬
‫َرّبكَ عَلِي ٌم حَكِيمٌ}كما قال تعال‪{ :‬ال ّلهُ أَعْ َل ُم حَيْ ُ‬

‫ولذا قال رسول ال صلى ال عليه وسلم لا سئل أي الناس أكرم؟ قال‪" :‬يوسف نب ال ابن‬
‫نب ال ابن نب ال ابن خليل ال"‪.‬‬

‫وقد روى ابن جرير وابن أب حات ف تفسييهما‪ ،‬وأبو يعلى والبزار ف مسنديهما‪ ،‬من حديث‬
‫سدّي عن عبد الرحن بن سابط‪ ،‬عن جابر قال‪:‬‬
‫الكم بن ظهي ‪ -‬وقد ضعفه الئمة ‪ -‬على ال ّ‬
‫أتى النب صلى ال عليه وسلم رجل من اليهود يقال له‪ :‬بستانة اليهودي‪ ،‬فقال‪ :‬يا ممد‬
‫أخبن عن الكواكب الت رآها يوسف أنا ساجدة له ما أساءها؟ قال‪ :‬فسكت النب صلى ال‬
‫عليه وسلم فلم يبه بشيء‪ ،‬ونزل جبيل عليه السلم بأسائها‪ ،‬قال‪ :‬فبعث إليه رسول ال‬
‫فقال‪" :‬هل أنت مؤمن إن أخبتك بأساءها؟" قال‪ :‬نعم‪ .‬فقال‪ :‬هي جريان‪ ،‬والطارق‪ ،‬والذيال‪،‬‬
‫وذو الكتفان‪ ،‬وقابس‪ ،‬ووثاب‪ ،‬وعمودان‪ ،‬والفيلق‪ ،‬والصبح‪ ،‬والضروح‪ ،‬وذو الفرع‪.‬‬
‫والضياء‪ ،‬والنور"‪.‬‬

‫فقال اليهودي‪ :‬أي وال إنا لساؤها‪ .‬وعند أب يعلى فلما قصها على أبيه قال‪ :‬هذا أمر‬
‫مشتت يمعه ال والشمس أبوه والقمر أمه‪.‬‬

‫ب ِإلَى َأبِينَا‬
‫ف وَا ْخ َوتِهِ آيَاتٌ لِلسّائِلِيَ‪ِ ،‬إذْ قَالُوا لَيُوسُفُ َوَأخُو ُه أَحَ ّ‬
‫قال تعال {َلقَدْ كَا َن فِي يُوسُ َ‬
‫خ ُل َلكُ ْم َوجْهُ‬
‫ف َأوْ ا ْط َرحُوهُ أَرْضا يَ ْ‬
‫حنُ عُصَْبةٌ إِ ّن َأبَانَا َلفِي ضَل ٍل مُبِيٍ‪ ،‬اقْتُلُوا يُوسُ َ‬
‫مِنّا وَنَ ْ‬
‫َأبِيكُ ْم َوتَكُونُوا ِم ْن َبعْ ِد ِه َقوْما صَالِحِيَ‪ ،‬قَا َل قَائِ ٌل مِ ْن ُهمْ ل َتقْتُلُوا يُوسُفَ َوَأْلقُو ُه فِي غَيَاَبةِ الْجُبّ‬
‫ض السّيّا َرةِ إِنْ كُنُت ْم فَاعِ ِليَ}‪.‬‬
‫يَلَْتقِ ْط ُه بَعْ ُ‬

‫ينبه تعال على ما ف هذه القصة من اليات والكم‪ ،‬والدللت والواعظ والبينات‪ .‬ث ذكر‬
‫حسد إخوة يوسف له على مبة أبيه له ولخيه ‪ -‬يعنون شقيقه لمه بنيامي ‪ -‬أكثر منهم‪ ،‬وهم‬
‫عصبة أي جاعة يقولون‪ :‬فكنا نن أحق بالحبة من هذين {إِ ّن َأبَانَا لَفِي ضَل ٍل مُبِيٍ} أي‬
‫بتقديه حبهما علينا‪.‬‬
‫ث اشتوروا فيما بينهم ف قتل يوسف أو إبعاده إل أرض ل يرجع منها ليخلو لم وجه أبيهم‬
‫أي لتتمحض مبته لم وتتوفر عليهم‪ ،‬وأضمروا التوبة بعد ذلك‪.‬‬

‫سدّي‪:‬‬
‫فلما تالوا على ذلك وتوافقوا عليه {قَا َل قَائِ ٌل مِ ْن ُهمْ} قال ماهد‪ :‬هو شعون‪ ،‬وقال ال ّ‬
‫حمْد بن إسحاق‪ :‬هو أكبهم روبيل‪{ :‬ل َتقْتُلُوا يُوسُفَ وََأْلقُو ُه فِي‬
‫هو يهوذا‪ ،‬وقال قتادة ومُ َ‬
‫ض السّيّا َرةِ} أي الارة من السافرين {إِنْ كُنُت ْم فَاعِلِيَ} ما تقولون ل‬
‫ب يَلَْتقِ ْطهُ َبعْ ُ‬
‫غَيَاَب ِة الْجُ ّ‬
‫مالة‪ ،‬فليكن هذا الذي أقول لكم‪ ،‬فهو أقرب حالً من قتله أو نفيه وتغريبه‪.‬‬

‫فأجعوا رأيهم على هذا‪ ،‬فعند ذلك {قَالُوا يَا َأبَانَا مَا َلكَ ل َتأْمَنّا عَلَى يُوسُفَ َوِإنّا َلهُ‬
‫ح ُزنُنِي أَ ْن َتذْهَبُوا ِبهِ‬
‫ب َوِإنّا َلهُ لَحَافِظُونَ‪ ،‬قَا َل إِنّي لَيَ ْ‬
‫لَنَاصِحُونَ‪ ،‬أَ ْرسِ ْلهُ َمعَنَا غَدا َي ْرتَ ْع َويَلْعَ ْ‬
‫حنُ عُصَْب ٌة ِإنّا إِذا‬
‫ب َوَأنْتُمْ عَ ْنهُ غَافِلُونَ‪ ،‬قَالُوا لَِئ ْن أَكَ َلهُ ال ّذئْبُ َونَ ْ‬
‫ف أَ ْن َيأْكُ َلهُ الذّئْ ُ‬
‫َوأَخَا ُ‬
‫لَخَا ِسرُونَ}‪ .‬طلبوا من أبيهم أن يرسل معهم أخاهم يوسف‪ ،‬وأظهروا له أنم يريدون أن يرعى‬
‫معهم وأن يلعب وينبسط‪ ،‬وقد أضمروا له ما ال به عليم‪.‬‬

‫فأجابم الشيخ‪ ،‬عليه من ال أفضل الصلة والتسليم‪ :‬يا بن يشق عل ّي أن أفارقه ساعة من‬
‫النهار‪ ،‬ومع هذا أخشى أن تشتغلوا ف لعبكم وما أنتم فيه‪ ،‬فيأت الذئب فيأكله‪ ،‬ول يقدر على‬
‫دفعه عنه لصغره وغفلتكم عنه‪.‬‬

‫حنُ ُعصَْبةٌ ِإنّا إِذا لَخَا ِسرُونَ} أي لئن عدا عليه الذئب فأكله من‬
‫ب وَنَ ْ‬
‫{قَالُوا لَِئ ْن أَكَ َلهُ ال ّذئْ ُ‬
‫بيننا‪ ،‬أو اشتغلنا عنه حت وقع هذا ونن جاعة‪ ،‬إنا إذن لاسرون‪ ،‬أي عاجزون هالكون‪.‬‬

‫وعند أهل الكتاب‪ :‬أنه أرسله وراءهم يتبعهم‪ ،‬فضل عن الطريق حت أرشده رجل إليهم‪ .‬وهذا‬
‫أيضا من غلطهم وخطئهم ف التعريب؛ فإن يعقوب عليه السلم كان أحرص عليه من أن يبعثه‬
‫معهم‪ ،‬فكيف يبعثه وحده‪.‬‬
‫ب َوَأوْحَيْنَا إِلَ ْي ِه لَتُنَبّئَّن ُهمْ ِبَأ ْمرِ ِهمْ َهذَا َو ُهمْ ل‬
‫جعَلُوهُ فِي غَيَاَبةِ الْجُ ّ‬
‫{فَلَمّا َذهَبُوا بِ ِه َوأَجْ َمعُوا أَ ْن يَ ْ‬
‫ش ُعرُونَ‪ ،‬وَجَاءُوا َأبَا ُهمْ ِعشَا ًء يَ ْبكُونَ‪ ،‬قَالُوا يَا َأبَانَا ِإنّا َذهَبْنَا َنسْتَِبقُ َوَترَكْنَا يُوسُفَ عِ ْن َد مَتَاعِنَا‬
‫َي ْ‬
‫صهِ ِبدَمٍ َك ِذبٍ قَالَ بَلْ‬
‫ت بِ ُم ْؤ ِمنٍ لَنَا َولَوْ كُنّا صَا ِدقِيَ‪ ،‬وَجَاءُوا عَلَى قَمِي ِ‬
‫ب وَمَا أَنْ َ‬
‫َفأَكَ َلهُ ال ّذئْ ُ‬
‫صفُونَ}‪.‬‬
‫ت َل ُكمْ أَن ُفسُ ُكمْ َأمْرا فَصَ ْب ٌر جَمِي ٌل وَال ّلهُ الْ ُمسَْتعَانُ عَلَى مَا تَ ِ‬
‫َسوّلَ ْ‬

‫ل يزالوا بأبيهم حت بعثه معهم‪ ،‬فما كان إل أن غابوا عن عينيه‪ ،‬فجعلوا يشتمونه ويهينونه‬
‫بالفعال والقال‪ ،‬وأجعوا على إلقائه ف غيابت الب‪ ،‬أي ف قعره على راعونته‪ ،‬وهي الصخرة‬
‫الت تكون ف وسطه يقف عليها الائح‪ ،‬وهو الذي ينل ليملي الدّلء‪ ،‬إذا ق ّل الاء‪ ،‬والذي‬
‫يرفعها بالبل يسمّى الاتح‪.‬‬

‫فلمّا ألقوه فيه أوحى ال إليه‪ :‬أنه ل ب ّد لك من فرجٍ ومرج من هذه الشدة الت أنت فيها‪،‬‬
‫ولتخبن أخوتك بصنيعهم هذا‪ ،‬ف حا ٍل أنت فيها عزيز‪ ،‬وهم متاجون إليك خائفون منك‬
‫ش ُعرُونَ}‪.‬‬
‫{ َوهُ ْم ل َي ْ‬

‫ش ُعرُونَ}‪،‬‬
‫قال ماهد وقتادة‪ :‬وهم ل يشعرون بإياء ال إليه ذلك‪ .‬وعن ابن عبّاس {وَ ُهمْ ل َي ْ‬
‫أي لتخبنم بأمرهم هذا ف حال ل يعرفونك فيها‪ .‬رواه ابن جرير عنه‪.‬‬

‫فلما وضعوه فيه ورجعوا عنه أخذوا قميصه فلطّخوه بشي ْء من د ٍم ورجعوا إل أبيهم عشاء‬
‫وهم يبكون‪ ،‬أي على أخيهم‪ .‬ولذا قال بعض السلف‪ :‬ل يغرّنك بكاء التظلم فربّ ظال وهو‬
‫باك‪ ،‬وذكر بكاء إخوة يوسف‪ ،‬وقد جاءوا أباهم عشا ًء يبكون‪ ،‬أي ف ظلمه الليل ليكون‬
‫أمشي لغدرهم ل لعذرهم‪.‬‬

‫{قَالُوا يَا َأبَانَا ِإنّا َذهَبْنَا َنسْتَبِ ُق َوَترَكْنَا يُوسُفَ عِ ْن َد مَتَاعِنَا} أي ثيابنا { َفأَكَ َلهُ الذّئْبُ} أي ف‬
‫غيبتنا عنه ف استباقنا‪ ،‬وقولم‪َ { :‬ومَا َأنْتَ بِ ُمؤْ ِم ٍن لَنَا َولَوْ كُنّا صَا ِدقِيَ} أي وما أنت بصدق لنا‬
‫ف الذي أخبناك من أكل الذئب له‪ ،‬ولو كنّا غي متهمي عندك‪ ،‬فكيف وأنت تتهمنا ف هذا؟‬
‫فإنك خشيت أن يأكله الذئب‪ ،‬وضمّنا لك أن ل يأكله لكثرتنا حوله‪ ،‬فصرنا غي مصدقي‬
‫ص ِه ِبدَمٍ َكذِبٍ} أي‬
‫عندك فمعذور أنت ف عدم تصديقك لنا والالة هذه‪َ { .‬وجَاءُوا عَلَى قَمِي ِ‬
‫مكذوب مفتعل‪ ،‬لنم عمدوا إل سخلة ذبوها فأخذوا من دمها فوضعوه على قميصه ليوهوه‬
‫أنه أكله الذئب‪ ،‬قالوا‪ :‬ونسوا أن يرّقوه‪ ،‬وآفة الكذب النسيان‪ .‬ولا ظهرت عليهم علئم‬
‫الريبة ل َيرُجْ صنيعهم على أبيهم‪ ،‬فإنه كان يفهم عداوتم له‪ ،‬وحسدهم إياه على مبته له من‬
‫بينهم أكثر منهم‪ ،‬لا كان يتوسّم فيه من الللة والهابة الت كانت عليه ف صغره لا يريد ال‬
‫أن يصه به من نبوته‪ .‬ولا راودوه عن أخذه‪ ،‬فبمجرد ما أخذوه أعدموه وغيبوه عن عينيه‬
‫وجاؤوا وهم يتباكون‪ ،‬وعلى ما تلوا يتواطؤن ولذا {قَا َل َبلْ َس ّولَتْ َل ُكمْ أَن ُفسُ ُكمْ َأمْرا فَصَ ْبرٌ‬
‫صفُونَ}‪.‬‬
‫جَمِي ٌل وَال ّل ُه الْ ُمسْتَعَانُ عَلَى مَا تَ ِ‬

‫وعند أهل الكتاب‪ :‬أن روبيل أشار بوضعه ف الب ليأخذه من حيث ل يشعرون‪ ،‬ويرده إل‬
‫أبيه‪ ،‬فغافلوه وباعوه لتلك القافلة‪ .‬فلما جاء روبيل آخر النهار ليخرج يوسف ل يده فصاح‬
‫ي فذبوه ولطّخوا من دمه جبةَ يوسف‪ .‬فلّما علم يعقوب شقَ‬
‫وشق ثيابه‪ .‬وعمد أولئك إل َجدْ ٍ‬
‫ثيابه ولبس مئزرا أسود‪ ،‬وحزن على ابنه أياما كثية‪.‬‬

‫وهذه الركاكة جاءت من خطئهم ف التعبي والتصوير‪.‬‬

‫شرَى َهذَا غُل ٌم َوَأسَرّوهُ بِضَا َع ًة وَال ّلهُ‬


‫ت سَيّا َر ٌة َفأَ ْرسَلُوا وَا ِر َد ُهمْ َفَأدْلَى دَْل َوهُ قَالَ يَا ُب ْ‬
‫{ َوجَا َء ْ‬
‫س دَرَا ِهمَ َم ْعدُو َد ٍة وَكَانُوا فِي ِه ِمنْ الزّا ِهدِينَ‪ ،‬وَقَالَ اّلذِي‬
‫عَلِيمٌ بِمَا َيعْمَلُونَ‪ ،‬وَ َش َر ْوهُ بِثَ َم ٍن بَخْ ٍ‬
‫ف فِي‬
‫ك َمكّنّا لِيُوسُ َ‬
‫خ َذهُ وَلَدا وَ َك َذلِ َ‬
‫ص َر لمْ َرَأتِ ِه أَ ْك ِرمِي مَ ْثوَاهُ َعسَى أَنْ يَن َفعَنَا َأ ْو نَتّ ِ‬
‫اشَْترَا ُه ِمنْ مِ ْ‬
‫ث وَال ّلهُ غَالِبٌ عَلَى َأمْ ِر ِه َولَ ِكنّ أَكَْث َر النّاسِ ل َيعْلَمُونَ‪َ ،‬ولَمّا‬
‫ض َولِنُعَلّ َم ُه ِمنْ تَ ْأوِي ِل الَحَادِي ِ‬
‫الَرْ ِ‬
‫حسِنِيَ}‪.‬‬
‫جزِي الْمُ ْ‬
‫ك نَ ْ‬
‫بَلَ َغ َأ ُش ّدهُ آتَ ْينَاهُ ُحكْما وَعِلْما وَ َك َذلِ َ‬
‫يب تعال عن قصة يوسف حي وضع ف الب أنه جلس ينتظر فرج ال ولطفه به فجاءت‬
‫سيّارة‪ ،‬أي مسافرون‪.‬قال أهل الكتاب كانت بضاعتهم من الفستق والصنوبر والبطم‪ ،‬قاصدين‬
‫ديار مصر‪ ،‬من الشام‪ ،‬فأرسلوا بعضهم ليستقوا من ذلك البئر‪ ،‬فلما أدل أحدُهم دلوه‪ ،‬تعلّق‬
‫فيه يوسف‪.‬‬

‫شرَى} أي يا بشارت { َهذَا غُل ٌم َوَأسَرّوهُ بِضَا َعةً} أي اوهوا‬


‫فلما رآه ذلك الرجل‪{ :‬قَا َل يَا ُب ْ‬
‫انه معهم غلم من جلة متجرهم‪{ ،‬وَاللّهُ عَلِيمٌ بِمَا َيعْمَلُونَ} أي هو عال با تال عليه اخوته‬
‫وبا ُيسِ ّر ُه واجدوه‪ ،‬من انه بضاع ٌة لم‪ ،‬ومع هذا ل يغيّره تعال‪ ،‬لاله ف ذلك من الكمة‬
‫العظيمة‪ ،‬والقَدَر السابق‪ ،‬والرحة بأهل مصر‪ ،‬با يري ال على يدي هذا الغلم الذي يدخلها‬
‫ف صورة أسي رقيق‪ ،‬ث بعد هذا ي ّلكُه أزمة المورِ‪ ،‬وينفعهم ال به ف دنياهم وأخراهم با ل‬
‫ح ّد ول يوصف‪.‬‬
‫يُ َ‬

‫ولا استشعر أخوة يوسف بأخذ السيارة له‪ ،‬لقوهم وقالوا‪ :‬هذا غلمنا أبق منا فاشتروه منهم‬
‫بثمن بس‪ ،‬أي قليل نزر‪ ،‬وقيل‪ :‬هو الزّيف {دَرَا ِهمَ َم ْعدُو َد ٍة وَكَانُوا فِي ِه ِمنْ الزّا ِهدِينَ}‪.‬‬

‫قال ابن مسعود وابن عبّاس ونوف البكال والسّدّي وقتادة وعطية العوف‪ :‬باعوه بعشرين‬
‫درها اقتسموها درهي‪ .‬وقال ماهد‪ :‬اثنان وعشرون درها‪ .‬وقال عكرمة ومُحَمْد بن‬
‫إسحاق‪ :‬أربعون درها‪ ،‬فال أعلم‪.‬‬

‫عزيز مصر‪:‬‬

‫خ َذهُ‬
‫صرَ ل ْمرََأِتهِ أَ ْك ِرمِي مَ ْثوَاهُ} أي أحسن إليه { َعسَى أَ ْن يَنفَعَنَا أَ ْو نَتّ ِ‬
‫{ َوقَالَ اّلذِي اشَْترَاهُ ِم ْن مِ ْ‬
‫َولَدا} وهذا من لطف ال به ورحته وإحسانه إليه با يريد أن يؤهله له‪ ،‬ويعطيه من خيي‬
‫الدنيا والخرة‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وكان الذي اشتراه من أهل مصر عزيزها‪ ،‬وهو الوزير با الذي {تكون} الزائن مسلمة‬
‫إليه‪ .‬قال ابن إسحاق‪ :‬واسه أطفي بن روحيب‪ ،‬قال‪ :‬وكان ملك مصر يومئذ الريان بن‬
‫الوليد‪ ،‬رجل من العماليق‪ ،‬قال‪ :‬واسم امرأة العزيز راعيل بنت رعاييل‪ .‬وقال غيه‪ :‬كان اسها‬
‫زليخا‪ ،‬والظاهر أنه لقبها‪ .‬وقيل‪" :‬فكا" بنت ينوس‪ ،‬رواه الثعلب عن ابن هشام الرفاعي‪.‬‬

‫حمْد بن السائب‪ ،‬عن أب الصال‪ ،‬عن ابن عبّاس‪ :‬كان اسم‬


‫وقال مُحَمْد بن إسحاق‪ ،‬عن مُ َ‬
‫الذي باعه بصر‪ ،‬يعن الذي جلبه إليها مالك بن ذعر بن نويب بن عفقا بن مديان بن إبراهيم‪،‬‬
‫فال أعلم‪.‬‬

‫وقال ابن إسحاق عن أب عبيدة عن ابن مسعود‪ ،‬قال‪ :‬أفرس الناس ثلثة‪ :‬عزيز مصر حي قال‬
‫لمرأته اكرمي مثواه‪ ،‬والرأة الت قالت لبيها عن موسى {يَا َأبَتِ اسَْت ْأجِ ْر ُه إِ ّن خَ ْيرَ َمنْ‬
‫ت الْ َقوِيّ ا َلمِيُ} وأبو بكر الصديق حي استخلف عمر بن الطاب رضي ال عنهما‪.‬‬
‫اسَْتأْ َجرْ َ‬

‫ث قيل‪ :‬اشتراه العزيز بعشرين دينارا‪ .‬وقيل‪ :‬بوزنه مسكا‪ ،‬ووزنه حريرا‪ ،‬ووزنه وَرِقا‪ .‬فال‬
‫أعلم‪.‬‬

‫ف فِي الَرْضِ} أي وكما قيضنا هذا العزيز وامرأته يسنان إليه‪،‬‬


‫ك َمكّنّا لِيُوسُ َ‬
‫وقوله‪{ :‬وَ َك َذلِ َ‬
‫ويعتنيان به مكنا له ف أرض مصر { َولُِنعَلّ َمهُ ِم ْن َتأْوِيلِ الَحَادِيثِ} أي فهمها‪ .‬وتعبي الرؤيا من‬
‫ذلك {وَال ّلهُ غَالِبٌ عَلَى َأمْ ِرهِ}‪ ،‬أي إذا أراد شيئا فإنه يقيض له أسبابا وأمورا ل يهتدي إليها‬
‫العباد‪ ،‬ولذا قال تعال‪َ { :‬ولَ ِكنّ أَكَْث َر النّاسِ ل َيعْلَمُونَ}‪.‬‬

‫حسِنِيَ} فدل على أن هذا كله كان‬


‫جزِي الْمُ ْ‬
‫{ َولَمّا بَلَغَ أَ ُش ّدهُ آَتيْنَاهُ ُحكْما وَعِلْما وَ َك َذِلكَ نَ ْ‬
‫وهو قبل بلوغ الشد‪ ،‬وهو حد الربعي الذي يوحي ال فيه إل عباده النبيي عليهم الصلة‬
‫والسلم من رب العالي‪.‬‬

‫وقد اختلفوا ف مدة العمر الذي هو بلوغ الشد‪ ،‬فقال مالك وربيعة وزيد بن أسلم والشّعب‪:‬‬
‫هو اللم‪ ،‬وقال سعيد بن جبي‪ ،‬ثان عشرة سنة‪ ،‬وقال الضحاك‪ :‬عشرون سنة‪ ،‬وقال عكرمة‪:‬‬
‫سدّي‪ :‬ثلثون سنة‪ .‬وقال ابن عبّاس وماهد وقتادة‪ ،‬ثلث‬
‫خس وعشرون سنة‪ ،‬وقال ال ّ‬
‫وثلثون سنة‪ ،‬وقال السن أربعون سنة‪ .‬ويشهد له قوله تعال‪{ :‬حَتّى ِإذَا بَلَ َغ َأ ُشدّ ُه َوبَلَغَ‬
‫ي سََنةً}‪.‬‬
‫أَ ْرَبعِ َ‬

‫إمرأة العزيز‪:‬‬

‫ك قَا َل َمعَا َذ اللّ ِه ِإّنهُ َربّي‬


‫ت لَ َ‬
‫ت هَيْ َ‬
‫ب َوقَالَ ْ‬
‫ت الَْبوَا َ‬
‫سهِ وَغَ ّلقَ ْ‬
‫{وَرَا َو َدْتهُ الّتِي ُهوَ فِي بَيِْتهَا َع ْن َن ْف ِ‬
‫ت ِب ِه َوهَ ّم ِبهَا َلوْل أَنْ َرأَى بُ ْرهَانَ َربّهِ َك َذِلكَ‬
‫ي ِإّنهُ ل ُيفْلِحُ الظّالِمُونَ‪ ،‬وََل َقدْ هَمّ ْ‬
‫َأ ْحسَ َن مَ ْثوَا َ‬
‫ص ُه ِمنْ ُدُبرٍ‬
‫ت قَمِي َ‬
‫خلَصِيَ‪ ،‬وَاسْتََبقَا الْبَابَ َو َقدّ ْ‬
‫حشَاءَ إِّن ُه ِمنْ ِعبَا ِدنَا الْمُ ْ‬
‫صرِفَ َع ْنهُ السّوءَ وَاْلفَ ْ‬
‫لِنَ ْ‬
‫ب أَلِيمٌ‪،‬‬
‫ج َن َأوْ َعذَا ٌ‬
‫ك سُوءا إِل أَ ْن ُيسْ َ‬
‫ت مَا َجزَا ُء َم ْن أَرَادَ ِبَأهْلِ َ‬
‫َوَألْفَيَا سَيّ َدهَا َلدَى الْبَابِ قَالَ ْ‬
‫ص َدقَتْ َو ُهوَ‬
‫ص ُه ُق ّد ِمنْ قُُب ٍل فَ َ‬
‫قَالَ ِهيَ رَا َو َدتْنِي َع ْن َن ْفسِي وَ َش ِهدَ شَاهِ ٌد ِمنْ َأهْ ِلهَا إِنْ كَا َن قَمِي ُ‬
‫ص ُه ُق ّد مِنْ‬
‫ت َوهُ َو ِمنْ الصّادِقِيَ‪ ،‬فَلَمّا َرأَى قَمِي َ‬
‫ص ُه ُقدّ ِم ْن ُدبُ ٍر َفكَ َذبَ ْ‬
‫ِم ْن الْكَا ِذبِيَ‪َ ،‬وإِنْ كَا َن قَمِي ُ‬
‫ك ِإنّكِ‬
‫ف أَ ْعرِضْ َع ْن َهذَا وَاسَْت ْغ ِفرِي ِل َذنْبِ ِ‬
‫ُدُبرٍ قَالَ ِإّنهُ مِنْ كَ ْيدِ ُك ّن إِنّ كَ ْيدَ ُكنّ عَظِيمٌ‪ ،‬يُوسُ ُ‬
‫ت ِمنْ الْخَاطِِئيَ}‪.‬‬
‫كُن ِ‬

‫يذكر تعال ما كان من مراودة امرأة العزيز ليوسف عليه السلم عن نفسه‪ ،‬وطلبها منه ما ل‬
‫يليق باله ومقامه‪ ،‬وهي ف غاية المال والال والنصب والشباب‪ ،‬وكيف غلقت البواب‬
‫عليها وعليه‪ ،‬وتيأت له‪ ،‬وتصنعت ولبست أحسن ثيابا وأفخر لباسها‪ ،‬وهي مع هذا كله‬
‫امرأة الوزير‪ .‬قال ابن إسحاق‪ :‬وبنت أخت اللك الريان بن الوليد صاحب مصر‪.‬‬

‫ب بديع المال والبهاء‪ ،‬إل انه نب من سللة النبياء‪،‬‬


‫وهذا كله مع أن يوسف عليه السلم شا ً‬
‫فعصمه ربّه عن الفحشاء‪ .‬وحاه عن مكر النساء‪ .‬فهو سيد السادة النجباء السبعة التقياء‪.‬‬
‫الذكورين ف "الصحيحي" عن خات النبياء‪ .‬ف قوله عليه الصلة والسلم من رب الرض‬
‫والسماء‪" :‬سبعة يظلهم ال ف ظله يوم ل ظل إل ظله إمام عادل ورجل ذكر ال خاليا‬
‫ففاضت عيناه ورجل معلق قلبه بالسجد إذا خرج منه حت يعود إليه ورجلن تابا ف ال‬
‫اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حت ل تعلم شاله ما تنفق يينه وشاب‬
‫نشأ ف عبادة ال ورجل دعته امرأة ذات منصب وجال فقال إن أخاف ال"‪.‬‬

‫والقصود أنا دعته إليها وحرصت على ذلك أشد الرص‪ ،‬فقال‪َ { :‬معَاذَ ال ّل ِه ِإنّهُ َربّي}‪ .‬يعن‬
‫زوجها صاحب النل سيدي {َأ ْحسَ َن مَ ْثوَايَ} أي احسن إل واكرم مقامي عنده {ِإّنهُ ل ُيفْلِحُ‬
‫ت ِبهِ َو َهمّ ِبهَا َلوْل أَنْ َرأَى ُبرْهَانَ َرّبهِ} با فيه‬
‫الظّالِمُونَ} وقد تكلمنا على قوله‪َ { :‬ولَ َقدْ هَمّ ْ‬
‫كفاية ومقنع ف التفسي‪.‬‬

‫وأكثر أقوال الفسرين ها هنا متلقى من كتب أهل الكتاب فالعراض عنه أول بنا‪.‬‬

‫والذي يب أن يعتقد أن ال تعال عصمه وبرّأه ونزّهه عن الفاحشة وحاه عنها وصانه منها‪.‬‬
‫حشَا َء ِإنّ ُه ِمنْ عِبَادِنَا الْ ُمخْلَصِيَ}‪.‬‬
‫صرِفَ عَ ْنهُ السّو َء وَاْلفَ ْ‬
‫ولذا قال تعال‪َ { :‬كذَِلكَ لِنَ ْ‬

‫{وَاسْتََبقَا الْبَابَ} أي هرب منها طالبا الباب ليخرج منه فرارا منها فاتبعته ف أثره { َوأَْلفَيَا} أي‬
‫وجدا {سَّي َدهَا} أي زوجها {َلدَى الْبَابِ}‪ ،‬فبدرته بالكلم وحرّضته عليه {قَالَتْ مَا َجزَا ُء َمنْ‬
‫ب َألِيمٌ}‪ .‬اتمته وهي التهمة‪ ،‬وبرأت عرضها‪ ،‬ونزهت‬
‫جنَ َأوْ َعذَا ٌ‬
‫أَرَادَ بَِأهْ ِلكَ سُوءا إِل أَنْ ُيسْ َ‬
‫ساحتها‪ ،‬فلهذا قال يوسف عليه السلم‪ِ { :‬هيَ رَا َو َدتْنِي َع ْن َن ْفسِي} احتاج إل أن يقول الق‬
‫عند الاجة‪.‬‬

‫{ َوشَ ِهدَ شَاهِ ٌد ِمنْ أَهْ ِلهَا} قيل‪ :‬كان صغيا ف الهد قاله ابن عبّاس‪ .‬وروي عن أب هريرة‪،‬‬
‫وهلل بن يساف‪ ،‬والسن البصري‪ ،‬وسعيد بن جبي‪ ،‬والضحاك واختاره ابن جرير‪ .‬وروى‬
‫فيه حديثا مرفوعا عن ابن عبّاس ووقفه غيه عنه‪.‬‬

‫ل قريبا إل أطفي بعلها‪ .‬وقيل قريبا إليها‪ .‬ومن قال‪ :‬إنه كان رجلً‪ :‬ابن عبّاس‬
‫وقيل‪ :‬كان رج ً‬
‫وعكرمة وماهد والسن وقتادة والسّدّي ومُحَمْد بن إسحاق وزيد بن أسلم‪.‬‬

‫ت وَ ُه َو ِمنْ الْكَا ِذبِيَ}‪ .‬أي لنه يكون قد راودها‬


‫ص َدقَ ْ‬
‫صهُ قُ ّد ِمنْ قُُبلٍ فَ َ‬
‫فقال‪{ :‬إِنْ كَانَ قَمِي ُ‬
‫ت وَ ُهوَ ِم ْن الصّا ِدقِيَ} أي‬
‫صهُ ُق ّد ِمنْ ُدُب ٍر فَ َك َذبَ ْ‬
‫فدافعته حت قدّت مقدم قميصه { َوإِنْ كَانَ َقمِي ُ‬
‫لنه يكون قد هرب منها فاتّبعته وتعلّقت فيه فانشق قميصه لذلك‪ ،‬وكذلك كان‪ .‬ولذا قال‬
‫صهُ ُق ّد ِمنْ ُدُب ٍر قَا َل إِّن ُه ِمنْ كَ ْيدِ ُك ّن إِنّ كَ ْيدَ ُكنّ عَظِيمٌ} أي هذا الذي‬
‫تعال‪{ :‬فَلَمّا َرأَى قَمِي َ‬
‫جرى من مكركن‪ ،‬أنتِ راودتيه عن نفسه‪ .‬ث اتمته بالباطل‪.‬‬

‫ث أضرب بعلها عن هذا صفحا‪ ،‬فقال‪{ :‬يُوسُفُ أَ ْعرِضْ َعنْ َهذَا} أي ل تذكره لحد‪ ،‬لنّ‬
‫كتمان مثل هذه المور هو الليق والحسن‪ ،‬وأمرها بالستغفار لذنبها الذي صدر منها‪،‬‬
‫والتوبة إل ربّها فإنّ العبد إذا تاب إل ال تاب ال عليه‪.‬‬

‫وأهل مصر وإن كانوا يعبدون الصنام إلّ انم يعلمون أن الذي يغفر الذنوب ويؤاخذ با هو‬
‫ال وحده ل شريك له ف ذلك‪ .‬ولذا قال لا بعلها‪ ،‬وعذرها من بعض الوجوه‪ ،‬لنا رأت ما‬
‫ل صب لا على مثله‪ ،‬إل انه عفيف نزيه برئ العرض سليم الناحية‪ ،‬فقال‪{ :‬وَاسْتَ ْغ ِفرِي ِل َذنْبِكِ‬
‫ت ِمنْ الْخَاطِئِي}‪.‬‬
‫ِإّنكِ كُن ِ‬

‫سهِ َق ْد شَ َغ َفهَا حُبّا ِإنّا لََنرَاهَا فِي ضَللٍ‬


‫{ َوقَالَ ِنسْ َو ٌة فِي الْ َمدِيَن ِة امْ َرَأةُ اْل َعزِي ِز ُترَا ِودُ فَتَاهَا َع ْن َن ْف ِ‬
‫ت إِلَ ْي ِه ّن وَاعَْت َدتْ لَ ُه ّن مُّتكًَأ وَآتَتْ ُك ّل وَا ِح َدةٍ مِ ْن ُه ّن سِكّينا‬
‫ت بِ َم ْك ِرهِ ّن أَ ْرسَلَ ْ‬
‫مُبِيٍ‪ ،‬فَ َلمّا سَ ِمعَ ْ‬
‫ت ا ْخرُجْ عَلَ ْي ِهنّ فَ َلمّا َرأَيَْن ُه أَكَْب ْرنَ ُه َوقَطّ ْع َن َأيْ ِدَيهُ ّن َوقُ ْلنَ حَاشَ لِ ّل ِه مَا َهذَا َبشَرا إِ ْن َهذَا إِل‬
‫َوقَالَ ْ‬
‫ص َم وَلَِئ ْن َلمْ َي ْف َعلْ مَا‬
‫سهِ فَاسْتَعْ َ‬
‫ت َف َذلِ ُكنّ اّلذِي لُ ْمتُنّنِي فِي ِه َولَ َقدْ رَاوَدّتهُ َع ْن َن ْف ِ‬
‫مَ َلكٌ َكرِيٌ‪ ،‬قَالَ ْ‬
‫ج ُن َأحَبّ ِإَليّ مِمّا َيدْعُونَنِي إِلَ ْي ِه َوإِل‬
‫آ ُم ُر ُه لَُيسْجََن ّن َولَيَكُو َن ِمنَ الصّا ِغرِينَ‪ ،‬قَالَ َربّ السّ ْ‬
‫صرَفَ عَ ْنهُ كَ ْي َد ُهنّ‬
‫ب َلهُ َرّب ُه فَ َ‬
‫ب ِإلَيْ ِه ّن وَأَ ُك ْن ِمنْ الْجَاهِلِيَ‪ ،‬فَاسْتَجَا َ‬
‫ص ُ‬
‫صرِفْ عَنّي كَ ْي َد ُهنّ أَ ْ‬
‫تَ ْ‬
‫ِإّنهُ ُهوَ السّمِيعُ اْلعَلِيمُ}‪.‬‬

‫يذكر تعال ما كان من قبل نساء الدينة‪ ،‬من نساء المراء‪ ،‬وبنات الكباء ف الطعن على امرأة‬
‫العزيز‪ ،‬وعيبها والتشنيع عليها‪ ،‬ف مراودتا فتاها‪ ،‬وحبها الشديد له‪ ،‬وهو ل يساوي هذا‪ ،‬لنه‬
‫ل لذا‪ ،‬ولذا قلن‪ِ{ :‬إنّا لََنرَاهَا فِي ضَللٍ مُِبيٍ} أي ف وضعها‬
‫مول من الوال‪ ،‬وليس مثله أه ً‬
‫الشيء ف غي مله‪.‬‬

‫ت بِ َمكْ ِر ِهنّ} أي بتشنيعهن عليها والتنقص لا والشارة إليها بالعيب‪ ،‬والذمة بب‬
‫{فَلَمّا سَ ِمعَ ْ‬
‫مولها‪ ،‬وعشق فتاها‪ ،‬فأظهرن ذما‪ ،‬وهي معذورة ف نفس المر‪ ،‬فلهذا أحبت أن تبسط‬
‫عذرها عندهن‪ ،‬وتتبيّن أن هذا الفت ليس كما حسب‪ ،‬ول من قبيل ما لديهن‪ .‬فأرسلت إليهن‬
‫فجمعتهن ف منلا‪ ،‬واعتدت لن ضيافة مثلهن‪ ،‬وأحضرت ف جلة ذلك شيئا ما يقطع‬
‫ج ونوه‪ ،‬وأتت كل واحدة منهن سكّينا‪ ،‬وكانت قد هيّأت يوسف عليه‬
‫بالسكاكي‪ ،‬كالتر ّ‬
‫السلم وألبسته أحسن الثياب‪ ،‬وهو ف غاية طراوة الشباب‪ ،‬وأمرته بالروج عليهن بذه‬
‫الالة‪ ،‬فخرج وهو أحسن من البدر ل مالة‪.‬‬

‫{فَلَمّا َرَأيَْنهُ أَكَْب ْرَنهُ} أي أعظمنه وأجللنه‪ ،‬وهِبْنَه‪ ،‬وما ظنن أن يكون مثل هذا ف بن آدم‪،‬‬
‫وبرهن حسنه‪ ،‬حت اشتغلن عن أنفسهن وجعلن يززن ف أيديهن بتلك السكاكي‪ ،‬ول‬
‫يشعرن بالراح { َوقُلْ َن حَاشَ لِ ّل ِه مَا َهذَا َبشَرا إِ ْن َهذَا إِل مَ َلكٌ َكرِيٌ}‪.‬‬

‫وقد جاء ف حديث السراء "فمررت بيوسف وإذا هو قد أعطي شطر السن"‪.‬‬
‫قال السهيلي وغيه من الئمة‪ ،‬معناه أنه كان على النصف من حسن آدم عليه السلم‪ .‬لن‬
‫ال تعال خلق آدم بيده‪ ،‬ونفخ فيه من روحه‪ ،‬فكان ف غاية نايات السن البشري‪ ،‬ولذا‬
‫يدخل أهل النّة النّة على طول آدم وحسنه‪ ،‬ويوسف كان على النصف من حسن آدم‪ ،‬ول‬
‫يكن بينهما احسن منهما‪ ،‬كما أنه ل تكن أنثى بعد َحوّاء أشبه با من سارة امرأة الليل عليه‬
‫السلم‪.‬‬

‫قال ابن مسعود‪ :‬وكان وجه يوسف مثل البق‪ ،‬وكان إذا أتته امرأة لاجة غطّى وجهه‪ .‬وقال‬
‫غيه‪ :‬كان ف الغالب مبقعا‪ ،‬لئل يراه الناس‪ .‬ولذا لا قدم عذر امرأة العزيز ف مبتها لذا‬
‫العن الذكور‪ ،‬وجرى لن وعليهن ما جرى‪ ،‬من تقطيع أيديهن براح السكاكي‪ ،‬وما ركبهن‬
‫من الهابة والدهش عند رؤيته ومعاينته‪.‬‬

‫سهِ‬
‫{قَالَتْ َف َذلِ ُك ّن الّذِي لُمْتُنّنِي فِيهِ} ث مدحته بالعفة التامة فقالت‪َ { :‬وَلقَدْ رَاوَدّتهُ َع ْن نَ ْف ِ‬
‫صمَ} أي امتنع { َولَئِ ْن َلمْ َي ْف َعلْ مَا آ ُم ُرهُ لَُيسْجََننّ َولََيكُو َن ِمنَ الصّا ِغرِينَ}‪.‬‬
‫فَاسْتَعْ َ‬

‫وكان بقية النساء حرّضنه على السمع والطاعة لسيدته فأب أشدّ الباء‪ ،‬ونأى لنه من سللة‬
‫ب ِإَليّ مِمّا َيدْعُونَنِي إِلَ ْي ِه وَإِل‬
‫ج ُن أَحَ ّ‬
‫النبياء‪ ،‬ودعا فقال‪ :‬ف دعائه لرب العالي‪َ { ،‬ربّ السّ ْ‬
‫ب ِإلَيْ ِه ّن وَأَ ُك ْن ِمنْ الْجَاهِلِيَ}‪ .‬يعن إن وكلتن إل نفسي فليس ل من‬
‫ص ُ‬
‫صرِفْ عَنّي كَ ْي َد ُهنّ أَ ْ‬
‫تَ ْ‬
‫نفسي إل العجز والضعف‪ ،‬ول أملك لنفسي نفعا ول ضرا‪ ،‬إل ما شاء ال‪ ،‬فأنا ضعيف‪ ،‬إلّ‬
‫ما قويتن وعصمتن وحفظتن وأحطتن بولك وقوتك‪.‬‬

‫صرَفَ عَ ْنهُ كَ ْي َد ُهنّ ِإّنهُ هُ َو السّمِي ُع الْعَلِيمُ‪ُ ،‬ثمّ َبدَا َل ُهمْ ِمنْ‬
‫ب َلهُ َربّ ُه فَ َ‬
‫ولذا قال تعال‪{ :‬فَاسْتَجَا َ‬
‫صرُ‬
‫ج َن فَتَيَا ِن قَا َل َأحَ ُدهُمَا إِنّي أَرَانِي أَعْ ِ‬
‫ت لََيسْجُنُّن ُه حَتّى حِيٍ‪َ ،‬ودَ َخ َل َمعَ ُه السّ ْ‬
‫َب ْعدِ مَا َرَأوْا اليَا ِ‬
‫خَمْرا وَقَالَ ال َخ ُر إِنّي أَرَانِي َأحْ ِم ُل فَوْقَ َرأْسِي خُبْزا َتأْ ُك ُل الطّ ْيرُ مِ ْن ُه نَبّئْنَا بَِت ْأوِيلِ ِه ِإنّا َنرَاكَ ِمنْ‬
‫حسِِنيَ‪ ،‬قَا َل ل َي ْأتِيكُمَا َطعَا ٌم ُترْ َزقَاِن ِه إِل نَّبأُْتكُمَا بِتَ ْأوِيلِ ِه قَ ْب َل أَ ْن يَ ْأتَِيكُمَا َذِلكُمَا مِمّا عَلّمَنِي‬
‫الْمُ ْ‬
‫ت مِ ّل َة َقوْ ٍم ل ُي ْؤمِنُو َن بِاللّ ِه َوهُ ْم بِال ِخرَ ِة ُهمْ كَا ِفرُونَ‪ ،‬وَاتَّبعْتُ مِ ّلةَ آبَائِي ِإْبرَاهِيمَ‬
‫َربّي إِنّي تَرَكْ ُ‬
‫ض ِل اللّهِ عَلَ ْينَا وَعَلَى النّاسِ‬
‫ك ِمنْ فَ ْ‬
‫شرِ َك بِال ّل ِه ِمنْ َشيْ ٍء َذلِ َ‬
‫َوإِسْحَاقَ وََي ْعقُوبَ مَا كَا َن لَنَا أَ ْن ُن ْ‬
‫ج ِن َأأَرْبَابٌ مَُت َف ّرقُو َن خَ ْيرٌ أَ ْم ال ّلهُ اْلوَا ِحدُ اْل َقهّارُ‪،‬‬
‫شكُرُونَ‪ ،‬يَا صَاحَِبيِ السّ ْ‬
‫س ل َي ْ‬
‫َولَ ِك ّن أَكَْثرَ النّا ِ‬
‫ح ْكمُ‬
‫مَا تَعُْبدُونَ مِ ْن دُونِ ِه إِل َأسْمَا ًء سَمّيْتُمُوهَا َأنُْتمْ وَآبَاؤُكُ ْم مَا أَنزَ َل ال ّلهُ ِبهَا ِم ْن سُلْطَانٍ إِنْ الْ ُ‬
‫س ل َيعْلَمُونَ‪ ،‬يَا صَاحَِبيِ‬
‫ك الدّينُ اْلقَّيمُ َوَلكِ ّن أَكَْث َر النّا ِ‬
‫إِل لِ ّل ِه َأ َمرَ أَل َتعُْبدُوا إِل ِإيّا ُه َذلِ َ‬
‫ب فََتأْ ُكلُ الطّ ْي ُر ِمنْ َرأْ ِس ِه قُضِ َي الَ ْمرُ‬
‫سقِي َرّبهُ خَمْرا وََأمّا ال َخ ُر فَيُصْلَ ُ‬
‫ج ِن أَمّا أَ َحدُكُمَا فََي ْ‬
‫السّ ْ‬
‫اّلذِي فِي ِه َتسَْتفْتِيَانِ}‪.‬‬

‫يذكر تعال عن العزيز وامرأته أنم بدا لم‪ ،‬أي ظهر لم من الرأي‪ ،‬بعد ما علموا براءة‬
‫يوسف‪ ،‬أن يسجنوه إل وقت‪ ،‬ليكون ذلك أقل لكلم الناس‪ ،‬ف تلك القضية‪ ،‬وأخد لمرها‪،‬‬
‫وليظهروا أنه راودها عن نفسها‪ ،‬فسجن بسببها‪ ،‬فسجنوه ظلما وعدوانا‪.‬‬

‫وكان هذا ما قدر ال له‪ .‬ومن جلة ما عصمه به فإنه أبعد له عن معاشرتم ومالطتهم‪ .‬ومن ها‬
‫هنا استنبط بعض الصوفية ما حكاه عنهم الشافعي‪ :‬أن من العصمة أن ل تد!‪.‬‬

‫جنَ فَتَيَانِ} قيل كان أحدها ساقي اللك‪ ،‬واسه فيما قيل‪" :‬نبوا"‪.‬‬
‫قال ال { َودَ َخ َل َمعَ ُه السّ ْ‬
‫والخر خبازه‪ ،‬يعن الذي يلي طعامه‪ ،‬وهو الذي يقول له الترك (الاشنكي) واسه فيما قيل‪:‬‬
‫"ملث"‪ .‬كان اللك قد اتمهما ف بعض المور فسجنهما‪ .‬فلما رأيا يوسف ف السجن‬
‫أعجبهما سته وهديه‪ ،‬ودلّه وطريقته‪ ،‬وقوله وفعله‪ ،‬وكثرة عبادته ربه‪ ،‬وإحسانه إل خلقه‪،‬‬
‫فرأى ك ّل واحد منهما رؤيا تناسبه‪.‬‬

‫قال أهل التفسي‪ :‬رأيا ف ليلة واحدة‪ ،‬أما الساقي فرأى كأن ثلث قضبان من حبلة‪ ،‬وقد‬
‫أورقت وأينعت عناقيد العنب فأخذها‪ ،‬فاعتصرها ف كأس اللك وسقاه‪ .‬ورأى الباز على‬
‫رأسه ثلث سلل من خبز‪ ،‬وضواري الطيور تأكل من السّ ّل العلى‪.‬‬

‫حسِِنيَ} فأخبها أنه عليم‬


‫فقصّاها عليه وطلبا منه أن يعبها لما‪ ،‬وقال‪ِ{ :‬إنّا َنرَا َك ِمنْ الْمُ ْ‬
‫بتعبيها خبي بأمرها {قَا َل ل يَ ْأتِيكُمَا َطعَامٌ تُرْ َزقَانِ ِه إِل نَّب ْأتُكُمَا بَِتأْوِي ِلهِ قَ ْب َل أَ ْن َيأْتَِيكُمَا}‪ .‬قيل‪:‬‬
‫معناه مهما رأيتما من حلم فإن أعبه لكم قبل وقوعه فيكون كما أقول‪.‬‬

‫وقيل‪ :‬معناه إن أخبكما با يأتيكما من الطعام‪ ،‬قبل ميئه حلوا أو حامضا‪ ،‬كما قال عيسى‪:‬‬
‫{ َوأُنَبُّئ ُكمْ بِمَا َتأْكُلُونَ َومَا َت ّد ِخرُو َن فِي بُيُوتِ ُكمْ}‪.‬‬

‫وقال لما إن هذا من تعليم ال إياي لن مؤمن به موحد له متبع ملة آبائي الكرام إبراهيم‬
‫ض ِل اللّهِ عَ َليْنَا} أي‬
‫ك ِمنْ فَ ْ‬
‫شرِ َك بِال ّل ِه ِمنْ َشيْ ٍء َذلِ َ‬
‫الليل وإسحاق ويعقوب {مَا كَا َن لَنَا أَ ْن ُن ْ‬
‫بأن هدانا لذا {وَعَلَى النّاسِ} أي بأن أمرنا ندعوهم إليه ونرشدهم وندلم عليه وهو ف‬
‫س ل َيشْ ُكرُونَ}‪.‬‬
‫فطرهم مركوز‪ ،‬وف جبلّتهم مغروز {وََل ِكنّ أَكَْث َر النّا ِ‬

‫ث دعاهم إل التوحيد‪ ،‬وذمّ عباد ِة ما سوى الِ عزّ وج ّل وصغّر أمر الوثان‪ ،‬وحقّرها وضعّف‬
‫ج ِن َأأَ ْربَابٌ مَُت َف ّرقُو َن خَ ْيرٌ َأمْ ال ّل ُه الْوَا ِحدُ اْل َقهّارُ‪ ،‬مَا تَعُْبدُونَ مِنْ‬
‫أمرها‪ ،‬فقال‪{ :‬يَا صَاحَِبيِ السّ ْ‬
‫ح ْك ُم إِل لِ ّلهِ} أي‬
‫دُونِ ِه إِل َأسْمَا ًء سَمّيْتُمُوهَا َأنُْتمْ وَآبَاؤُ ُكمْ مَا أَن َزلَ ال ّلهُ ِبهَا مِ ْن سُلْطَا ٍن إِنْ الْ ُ‬
‫التصرف ف خلقه الفعال لا يريد الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء {َأ َمرَ أَل َتعُْبدُوا إِل‬
‫ِإيّاهُ} أي وحده ل شريك له و {ذَِلكَ الدّي ُن الْقَّيمُ}‪ ،‬أي الستقيم والصراط القوي { َولَ ِكنّ أَكَْثرَ‬
‫النّاسِ ل َيعْلَمُونَ} أي فهم ل يهتدون إليه مع وضوحه وظهوره‪.‬‬

‫وكانت دعوته لما ف هذه الال ف غاية الكمال‪ ،‬لن نفوسهما معظمة له منبعثة على تلقي ما‬
‫يقول بالقبول‪ ،‬فناسب أن يدعوها إل ما هو النفع لما‪ ،‬ما سأل عنه وطلبا منه‪.‬‬

‫سقِي‬
‫ج ِن َأمّا َأحَدُكُمَا فََي ْ‬
‫ث لا قام با وجب عليه‪ ،‬وأرشد إل ما أرشد إليه‪ ،‬قال {يَا صَاحَِبيِ السّ ْ‬
‫َرّب ُه خَمْرا} قالوا‪ :‬وهو الساقي‬
‫ضيَ ا َلمْ ُر اّلذِي فِيهِ‬
‫ب فََتأْ ُك ُل الطّ ْيرُ ِمنْ َرْأسِهِ} قالوا‪ :‬وهو الباز {قُ ِ‬
‫{ َوأَمّا ال َخرُ فَيُصْلَ ُ‬
‫َتسَْتفْتِيَانِ}‪ .‬أي وقع هذا ل مالة‪ ،‬ووجب كونه على كل حالة‪ .‬ولذا جاء ف الديث "الرؤيا‬
‫على ِر ْجلِ طائر ما ل تعب فإذا عبت وقعت"‪.‬‬

‫وقد روي عن ابن مسعود وماهد وعبد الرحن بن زيد بن أسلم "أنما قال ل نر شيئا" فقال‬
‫ضيَ الَ ْم ُر الّذِي فِيهِ َتسَْتفْتِيَان}‪.‬‬
‫لما‪{ :‬قُ ِ‬

‫جنِ‬
‫ث فِي السّ ْ‬
‫ك َفأَنسَاهُ الشّيْطان ذِ ْكرَ َرّب ِه فَلَبِ َ‬
‫ج مِ ْنهُمَا اذْ ُك ْرنِي عِ ْندَ َرّب َ‬
‫{ َوقَالَ لِلّذِي َظ ّن َأّنهُ نَا ٍ‬
‫بِضْ َع سِِنيَ}‪.‬‬

‫يب تعال أن يوسف عليه السلم قال للذي ظنه ناجيا منهما وهو الساقي‪{ :‬اذْ ُك ْرنِي عِ ْندَ‬
‫َرّبكَ} يعن أذكر أمري وما أنا فيه من السّجن بغي جرم عند اللك‪ .‬وف هذا دليل على جواز‬
‫ب الرباب‪.‬‬
‫السّعي ف السباب‪ .‬ول يناف ذلك التوكل على ر ّ‬

‫وقوله {فَأَنسَا ُه الشّيْطان ذِ ْكرَ َرّبهِ}‪ ،‬أي فأنسي الناجي منهما الشّيْطان‪ ،‬أن يذكر ما وصّاه به‬
‫يوسف عليه السلم‪ .‬قاله ماهد ومُحَمْد بن إسحاق وغي واحد وهو الصواب‪ ،‬وهو منصوص‬
‫أهل الكتاب‪.‬‬

‫جنِ بِضْعَ سِنِيَ} والبضع ما بي الثلث إل التسع‪ .‬وقيل إل السبع‪.‬‬


‫{فَلَبِثَ} يوسف {فِي السّ ْ‬
‫وقيل إل المس‪ .‬وقيل ما دون العشرة‪ .‬حكاها الثعلب‪ .‬ويقال بضع نسوة‪ .‬وبضعة رجال‪.‬‬
‫ومنع الفّراء استعمال البضع فيما دون العشر‪ ،‬قال‪ :‬وإنا يقال نيّف‪ .‬وقال ال تعال‪{ :‬فَلَبِثَ‬
‫ض ِع سِنِيَ} وهذا رد لقوله‪.‬‬
‫ج ِن بِضْ َع سِنِيَ} وقال تعال‪{ :‬فِي بِ ْ‬
‫فِي السّ ْ‬
‫قال الفراء‪ :‬ويقال بضعة عشر‪ ،‬وبضعة وعشرون إل التسعي‪ ،‬ول يقال‪ :‬بضع ومائة‪ ،‬وبضع‬
‫وألف‪ ،‬وخالف الوهري فيما زاد على بضعة عشر‪ ،‬فمنع أن يقال‪ :‬بضعة وعشرون إل‬
‫تسعي‪ .‬وف الصحيح "اليان بضع وستون شعبة‪ ،‬وف رواية‪ :‬وسبعون شعبة‪ ،‬وأعلها‪ :‬قول ل‬
‫إله إل ال‪ ،‬وأدناها‪ :‬إماطة الذى عن الطريق"‪.‬‬

‫ومن قال‪ :‬إن الضمي ف قوله { َفأَنسَا ُه الشّيْطان ذِ ْكرَ َرّبهِ} عائد على يوسف فقد ضعف ما‬
‫قاله‪ ،‬وإن كان قد روي عن ابن عبّاس وعكرمة‪.‬‬

‫والديث الذي رواه ابن جرير ف هذا الوضع ضعيف من كل وجه‪ ،‬تفرد بإسناده إبراهيم بن‬
‫يزيد الوري الكي وهو متروك‪ ،‬ومرسل السن وقتادة ل يقبل‪ ،‬ول ها هنا بطريق الول‬
‫والحرى‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬

‫فأما قول ابن حبان ف "صحيحه" عند ذكر السبب الذي من أجله لبث يوسفُ ف السجن ما‬
‫لبث‪ :‬أخبنا الفضل بن الباب الحمي‪ ،‬حَ ّدثَنا مسدد بن مسرهد‪َ ،‬ح ّدثَنا خالد بن عبد ال‪،‬‬
‫َح ّدثَنا مُحَمْد بن عمرو‪ ،‬عن أب سلمة‪ ،‬عن أب هريرة قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم "رحم ال يوسف لول الكلمة الت قالا "اذكرن عند ربك" ما لبث ف السجن ما لبث‪،‬‬
‫ورحم ال لوطا‪ ،‬إن كان ليأوي إل ركن شديد‪ ،‬إذ قال لقومه "لو أن ل بكم قوة أو آوي إل‬
‫ركن شديد" قال‪ :‬فما بعث ال نبيا بعده إل ف ثروة من قومه"‪.‬‬

‫فإنه حديث منكر من هذا الوجه‪ ،‬ومُحَمْد بن عمرو بن علقمة له أشياء ينفرد با وفيها نكارة‪،‬‬
‫وهذه اللفظة من أنكرها وأشدّها‪ .‬والذي ف "الصحيحي" يشهد بغلطها‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬

‫ض ٍر َوأُ َخرَ‬
‫ف وَسَبْ َع سُنْبُلَاتٍ خُ ْ‬
‫ت سِمَا ٍن َيأْكُ ُلهُ ّن سَبْعٌ ِعجَا ٌ‬
‫ك ِإنّي أَرَى سَبْ َع َبقَرَا ٍ‬
‫{ َوقَالَ الْمَ ِل ُ‬
‫حنُ‬
‫ضغَاثُ َأحْل ٍم َومَا نَ ْ‬
‫ل َأفْتُونِي فِي ُرؤْيَاي إِنْ كُنُتمْ لِل ّر ْؤيَا َتعُْبرُونَ‪ ،‬قَالُوا أَ ْ‬
‫يَاِبسَاتٍ يَا َأيّهَا الْ َم ُ‬
‫بَِت ْأوِيلِ ا َلحْلَا ِم بِعَالِمِيَ‪َ ،‬وقَا َل الّذِي نَجَا مِ ْنهُمَا َوِادّ َكرَ َب ْعدَ ُأ ّمةٍ َأنَا ُأنَبُّئ ُكمْ بَِت ْأوِي ِل ِه َفأَرْسِلُونِي‪،‬‬
‫ف َيأْكُ ُل ُهنّ سَبْعٌ عِجَافٌ‬
‫ف َأّيهَا الصّدّيقُ َأفْتِنَا فِي سَبْ ِع َب َقرَاتٍ سِمَانٍ َيأْكُ ُل ُهنّ سَبْعٌ عِجَا ٌ‬
‫يُوسُ ُ‬
‫ت لَعَلّي أَرْجِ ُع ِإلَى النّاسِ َلعَ ّل ُهمْ َيعْلَمُونَ‪ ،‬قَا َل َتزْرَعُو َن سَبْعَ‬
‫َوسَبْ ِع سُنْبُلتٍ خُضْ ٍر َوأُ َخرَ يَاِبسَا ٍ‬
‫ك سَبْ ٌع ِشدَادٌ‬
‫صدُْت ْم َفذَرُو ُه فِي سُنْبُ ِل ِه إِل قَلِيل مِمّا َتأْكُلُون‪ُ ،‬ث ّم َيأْتِي ِم ْن َبعْ ِد َذلِ َ‬
‫ي َدأَبا فَمَا حَ َ‬
‫سِنِ َ‬
‫س َوفِيهِ‬
‫ث النّا ُ‬
‫َيأْكُ ْل َن مَا َق ّدمْتُ ْم َل ُهنّ إِل قَلِيل مِمّا تُحْصِنُونَ‪ ،‬ثُ ّم َي ْأتِي ِمنْ َب ْعدِ َذِلكَ عَا ٌم فِيهِ ُيغَا ُ‬
‫صرُونَ}‪.‬‬
‫َيعْ ِ‬

‫هذا كان من جلة أسباب خروج يوسف عليه السلم من السجن على وجه الحترام‬
‫والكرام‪ ،‬وذلك أن ملك مصر وهو الريان بن الوليد بن ثروان بن اراشه بن فاران بن عمرو‬
‫بن عملق بن لوذ بن سام بن نوح رأى هذه الرؤيا‪.‬‬

‫قال أهل الكتاب‪ :‬رأى كأنه على حافة نر‪ ،‬وكأنه قد خرج منه سبع بقرات سان‪ ،‬فجعلن‬
‫يرتعن ف روض ٍة هناك فخرجت سبع هزال ضعاف من ذلك النهر‪ ،‬فرتعن معهن ث ملن عليهن‬
‫فأكلتهن فاستيقظ مذعورا‪.‬‬

‫ث نام فرأى سبع سنبلت خضر ف قصبة واحدة‪ ،‬وإذا سبع أُخر دقاق يابسات‪ ،‬فأكلنهن‬
‫فاستيقظ مذعورا‪ .‬فلما قصها على مله وقومه‪ ،‬ل يكن فيهم من يسن تعبيها بل {قَالُوا‬
‫ضغَاثُ َأحْلمٍ} أي أخلط أحلم من الليل‪ ،‬لعلّها ل تعبي لا‪ ،‬ومع هذا فل خبة لنا بذلك‪،‬‬
‫أَ ْ‬
‫ح ُن بَِتأْوِيلِ ا َلحْلَا ِم ِبعَالِمِيَ} فعند ذلك تذكر الناجي منهما الذي وصّاه‬
‫ولذا قالوا‪َ { :‬ومَا نَ ْ‬
‫يوسف بأن يذكره عند ربه فنسيه إل حينه هذا‪ .‬وذلك عن تقدير ال عز وجل‪ ،‬وله الكمة ف‬
‫ذلك‪ ،‬فلما سع رؤيا اللك‪ ،‬ورأى عجز الناس عن تعبيها‪ ،‬تذكر أمر يوسف‪ ،‬وما كان أوصاه‬
‫به من التذكار‪.‬‬

‫ولذا قال تعال‪َ { :‬وقَا َل الّذِي نَجَا مِ ْنهُمَا} أي تذكر {َبعْ َد ُأمّةٍ} أي بعد مدة من الزمان‪ ،‬وهو‬
‫بضع سني‪ ،‬وقرأ بعضهم‪ ،‬كما حكي عن ابن عبّاس وعكرمة والضحاك‪َ { :‬وِادّ َكرَ َب ْعدَ ُأ ّمةٍ} أي‬
‫بعد نسيان‪ ،‬وقرأها ماهد {َب ْعدَ ُأ ّمةٍ} بإسكان اليم‪ ،‬وهو النسيان أيضا‪ ،‬يقال أ ِمهَ الرجل يأمَه‬
‫أمها وأمها‪ ،‬إذا نسي‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬

‫ت ل أنسى حديثا *** كذا َك الدّه ُر يزري بال ُعقُولِ‬


‫أ ِمهْتُ وكن ُ‬

‫فقال لقومه وللملك {َأنَا ُأنَبُّئ ُكمْ بَِت ْأوِي ِل ِه َفأَرْسِلُونِي}‪ ،‬أي فأرسلون إل يوسف‪ ،‬فجاءه فقال‪:‬‬
‫ف َيأْكُ ُل ُهنّ سَبْعٌ عِجَافٌ‬
‫صدّيقُ َأفْتِنَا فِي سَبْ ِع َب َقرَاتٍ سِمَا ٍن َيأْكُ ُل ُهنّ سَبْعٌ عِجَا ٌ‬
‫ف َأيّهَا ال ّ‬
‫{يُوسُ ُ‬
‫ت لَعَلّي أَرْجِ ُع ِإلَى النّاسِ َلعَ ّل ُهمْ َيعْلَمُونَ}‪.‬‬
‫َوسَبْ ِع سُنْبُلتٍ خُضْ ٍر َوأُ َخرَ يَاِبسَا ٍ‬

‫وعند أهل الكتاب أن اللك لا ذكره له الساقي استدعاه إل حضرته وقص عليه ما رآه ففسره‬
‫له‪ ،‬وهذا غلط‪ ،‬والصواب‪ :‬ما قصّه ال ف كتابه القرآن ل ما عرّبه هؤل ِء الهلة الثيان‪ ،‬من‬
‫فري وهذيان‪.‬‬

‫فبذل يوسف عليه السلم ما عنده من العلم بل تأخر ول شرط ول طلب الروج سريعا‪ ،‬بل‬
‫أجابم إل ما سألوا‪ ،‬وعبّر لم ما كان من منام اللك الدّال على وقوع سبع سني من الصب‬
‫ويعقبهما سبع جدب‪ُ{ :‬ث ّم يَ ْأتِي ِم ْن َبعْ ِد َذلِكَ عَا ٌم فِي ِه ُيغَاثُ النّاسُ} يعن يأتيهم الغيث‬
‫صرُونَ} يعن ما كانوا يعصرونه من القصاب والعناب والزيتون‬
‫والصب والرفاهية { َوفِي ِه َيعْ ِ‬
‫والسمسم وغيها‪.‬‬

‫فعبّر لم‪ .‬وعلى الي دلّهم وأرشدهم‪ ،‬إل ما يعتمدونه ف حالت خصبهم و َجدْبِهم وما يفعلونه‬
‫من ادّخار حبوب سنّى الصب ف السبع الول ف سنبله‪ ،‬إ ّل ما يرصد بسبب الكل ومن‬
‫تقليل البذر ف سن الدب ف السبع الثانية‪ ،‬إذ الغالب على الظن أنه ل يرد البذر من القل‪.‬‬
‫وهذا يدل على كمال العلم وكمال الرأي والفهم‪.‬‬

‫س َوةِ اللتِي‬
‫ك فَا ْسَألْ ُه مَا بَالُ الّن ْ‬
‫ك ائْتُونِي ِبهِ فَلَمّا جَا َء ُه الرّسُو ُل قَالَ ا ْرجِ ْع إِلَى َربّ َ‬
‫{ َوقَالَ الْمَ ِل ُ‬
‫سهِ قُ ْل َن حَاشَ‬
‫قَ ّط ْع َن أَْي ِدَيهُ ّن إِنّ َربّي ِبكَ ْيدِ ِهنّ عَلِيمٌ‪ ،‬قَا َل مَا خَطُْب ُكنّ ِإذْ رَاوَدّتنّ يُوسُفَ َعنْ َن ْف ِ‬
‫سهِ َوِإنّهُ‬
‫ح ّق أَنَا رَاوَدّتهُ َعنْ َن ْف ِ‬
‫ص الْ َ‬
‫لِ ّل ِه مَا َعلِمْنَا عَلَ ْي ِه ِمنْ سُو ٍء قَالَتْ ا ْم َرَأةُ اْلعَزِيزِ ال َن حَصْحَ َ‬
‫ب َوأَنّ ال ّلهَ ل َي ْهدِي كَ ْي َد الْخَائِنِيَ‪َ ،‬ومَا ُأبَرّئُ‬
‫لَ ِم ْن الصّا ِدقِيَ‪َ ،‬ذِلكَ لَِيعْ َلمَ َأنّي َل ْم أَخُ ْن ُه بِاْلغَيْ ِ‬
‫س َلمّا َرةٌ بِالسّو ِء إِل مَا َر ِحمَ َربّي إِنّ َربّي َغفُورٌ َرحِيمٌ}‪.‬‬
‫َن ْفسِي إِ ّن النّفْ َ‬

‫سدّيد‬
‫لا أحاط اللك علما بكمال علم يوسف عليه الصلة والسلم وتام عقله ورأيه ال ّ‬
‫وفهمه‪ ،‬أمر بإحضاره إل حضرته‪ ،‬ليكون من جلة خاصته‪ ،‬فلما جاءه الرّسول بذلك أحب أن‬
‫ل يرج حت يتبي لكل أحد انه حبس ظلما وعدوانا‪ ،‬وأنه بريء السّاحة ما نسبوه إليه بتانا‬
‫{قَالَ ا ْرجِ ْع ِإلَى َرّبكَ} يعن اللك {فَا ْسأَْل ُه مَا بَا ُل الّنسْ َو ِة اللتِي قَ ّط ْعنَ َأْيدَِي ُهنّ إِنّ َربّي بِكَ ْي ِد ِهنّ‬
‫عَلِيمٌ} قيل‪ :‬معناه إن سيدي العزيز يعلم براءت ما نسب إلّ‪ ،‬أي فمر اللك فليسألن‪ :‬كيف‬
‫كان امتناعي الشديد عند مراودتن إياي؟ وحثهن ل على المر الذي ليس برشيد ول سديد؟‬

‫فلما سئلن عن ذلك اعترفن با وقع من المر‪ ،‬وما كان منه من المر الميد و{قُ ْلنَ حَاشَ لِ ّلهِ‬
‫مَا عَلِمْنَا عَلَ ْيهِ ِم ْن سُوءٍ}‪.‬‬

‫حقّ}‪ .‬أي‪ :‬ظهر وتبيّن‬


‫ص الْ َ‬
‫فعند ذلك {قَالَتْ ا ْم َرَأةُ اْل َعزِيزِ} وهي زليخا‪{ :‬النَ حَصْحَ َ‬
‫س ِه وَِإّنهُ لَ ِم ْن الصّا ِدقِيَ} أي فيما يقوله من أنه‬
‫ووضح‪ ،‬والق أحق أن يتبع {َأنَا رَاوَدّتهُ َع ْن َنفْ ِ‬
‫بريء وأنه ل يراودن وأنه حبس ظلما وعدوانا وزورا وبتانا‪.‬‬

‫ب َوأَنّ ال ّل َه ل َي ْهدِي َك ْيدَ الْخَائِنِيَ} قيل إنه من كلم‬


‫وقوله {ذَِلكَ لَِيعْ َلمَ أَنّي َل ْم َأخُنْ ُه بِاْلغَيْ ِ‬
‫يوسف أي إنا طلبت تقيق هذا ليعلم العزيز أن ل أخنه بظهر الغيب‪ .‬وقيل إنه من تام كلم‬
‫زليخا‪ ،‬أي‪ :‬إنا اعترفت بذا ليعلم زوجي أن ل أخنه ف نفس المر‪ ،‬وإنا كان مراودة ل يقع‬
‫معها فعل فاحشة‪.‬‬
‫وهذا القول هو الذي نصره طائفة كثية من أئمة التأخرين وغيهم‪ ،‬ول يك ابن جرير وابن‬
‫أب حات سوى الول‪.‬‬

‫س َلمّا َر ٌة بِالسّو ِء إِل مَا َرحِمَ َربّي إِنّ َربّي َغفُورٌ َرحِيمٌ} قيل‪ :‬إنه من‬
‫ئ َن ْفسِي إِ ّن النّفْ َ‬
‫{ َومَا ُأَبرّ ُ‬
‫كلم يوسف‪ ،‬وقيل‪ :‬من كلم زليخا‪ ،‬وهو مفرع على القولي الولي‪ .‬وكونه من تام كلم‬
‫زليخا أظهر وأنسب وأقوى‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬

‫ي َأمِيٌ‪ ،‬قَالَ‬
‫ص ُه لَِن ْفسِي فَلَمّا كَلّ َم ُه قَالَ ِإّنكَ الَْيوْ َم لَ َديْنَا َمكِ ٌ‬
‫ك ائْتُونِي ِبهِ أَسْتَخْلِ ْ‬
‫{ َوقَالَ الْمَ ِل ُ‬
‫ض يَتََب ّوأُ مِ ْنهَا‬
‫ض ِإنّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ‪ ،‬وَ َكذَِلكَ َمكّنّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْ ِ‬
‫ا ْجعَلْنِي عَلَى َخزَاِئنِ الَرْ ِ‬
‫حسِنِيَ‪َ ،‬ولَ ْجرُ ال ِخ َرةِ خَ ْيرٌ لِلّذِينَ‬
‫ب ِبرَحْمَتِنَا َم ْن َنشَا ُء وَل نُضِي ُع أَ ْج َر الْمُ ْ‬
‫ث َيشَا ُء نُصِي ُ‬
‫حَيْ ُ‬
‫آمَنُوا وَكَانُوا يَّتقُونَ}‪.‬‬

‫لا ظهر للملك براءة عرضه‪ ،‬ونزاهة ساحته عما كانوا أظهروا عنه ما نسبوه إليه قال { َوقَالَ‬
‫ص ُه لَِن ْفسِي} أي اجعله من خاصّت ومن أكابر دولت‪ ،‬ومن أعيان‬
‫الْمَ ِلكُ ائْتُونِي ِبهِ َأسْتَخْلِ ْ‬
‫ي َأمِيٌ} أي ذو مكانة‬
‫ك الْيَوْ َم َل َديْنَا َمكِ ٌ‬
‫حاشيت‪ ،‬فلمّا كلمّه وسع مقاله وتبي حاله {قَا َل ِإنّ َ‬
‫وأمانة‪{ .‬قَا َل اجْعَلْنِي عَلَى َخزَائِ ِن الَرْضِ إِنّي َحفِيظٌ عَلِيمٌ} طلب أن يوليه النظر فيما يتعلق‬
‫بالهراء لا يتوقع من حصول اللل فيما بعد مضي سبع سنّى الصب‪ ،‬لينظر فيها با يرضي‬
‫ال ف خلقه من الحتياط لم والرفق بم‪ ،‬وأخب اللك إنه حفيظ‪ ،‬أي قوي على حفظ ما لديه‬
‫أمي عليه‪ ،‬عليم بضبط الشياء ومصال الهراء‪.‬‬

‫وف هذا دليل على جواز طلب الولية لن علم من نفسه المانة والكفاءة‪.‬‬

‫وعند أهل الكتاب أن فرعون عظّم يوسف عليه السلم جدّا‪ ،‬وسلطه على جيع أرض مصر‬
‫وألبسه خاته‪ ،‬وألبسه الرير وطوّقه الذهب وحله على مركبه الثان‪ ،‬ونودي بي يديه‪ ،‬أنت‬
‫ربّ ومسلط‪ ،‬وقال له‪ :‬لست أعظم منك إل بالكرسي‪.‬‬

‫قالوا‪ :‬وكان يوسف إذ ذاك ابن ثلثي سنة‪ ،‬وزوجه امرأة عظيمة الشأن‪.‬‬

‫وحكى الثعلب أنه عزل قطفي عن وظيفته‪ ،‬وولها يوسف‪.‬‬

‫وقيل‪ :‬إنه مات‪ ،‬ز ّو َجهُ امرأَتهُ زليخا‪ ،‬فوجَدها عذراء لن زوجها كان ل يأت النساء‪ ،‬فولدت‬
‫ليوسف عليه السلم رجلي‪ ،‬وها‪:‬‬

‫أفراي‪ ،‬ومنسا‪ .‬قال‪ :‬واستوثق ليوسف ملك مصر‪ ،‬وعمل فيهم بالعدل فأحبّه الرجال والنساء‪.‬‬

‫وحكي أ ّن يوسف كان يوم دخل على اللك عمره ثلثي سنة‪ ،‬وأن اللك خاطبه بسبعي لغة‪،‬‬
‫وف كل ذلك ياوبه بكل لغة منها‪ ،‬فأعجبه ذلك مع حداثة سّنهِ فال أعلم‪.‬‬

‫ث َيشَاءُ} أي بعد السجن‬


‫ض يَتََب ّوأُ مِ ْنهَا حَيْ ُ‬
‫قال ال تعال‪{ :‬وَ َكذَِلكَ َمكّنّا لِيُوسُفَ فِي الَرْ ِ‬
‫ث َيشَاءُ} أي أين شاء حل‬
‫والضيق والصر صار مطلق الركاب بديار مصر‪{ ،‬يَتََبوُّأ مِ ْنهَا حَيْ ُ‬
‫منها مكرما مسودا معظما‪.‬‬

‫حسِنِيَ} من أي هذا كله من جزاء ال وثوابه‬


‫ب ِب َرحْمَتِنَا َم ْن َنشَا ُء وَل نُضِي ُع َأجْ َر الْمُ ْ‬
‫{نُصِي ُ‬
‫للمؤمن‪ ،‬مع ما يدّخر له ف آخرته من الي الزيل والثواب الميل‪.‬‬

‫ولذا قال‪{ :‬وَ َلجْ ُر ال ِخ َرةِ خَ ْي ٌر لِ ّلذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَّتقُونَ}‪.‬‬

‫ويقال‪ :‬إن قطفي زوج زليخا كان قد مات فوله اللك مكانه وزوجه امراته زليخا فكان وزير‬
‫صدق‪.‬‬

‫وذكر مُحَمْد بن إسحاق أن صاحب مصر ‪ -‬الوليد بن الريان ‪ -‬أسلم على يدي يوسف عليه‬
‫السلم وال أعلم‪ .‬وقد قال بعضهم‪:‬‬

‫ف متّسع الَمن ** وأولُ مفروحٍ به غايةُ الزْن‬


‫ورا َء مضي ِق الو ِ‬

‫ص من السّجن‬
‫فل تيأ َسنْ فال ملّك يوسُفا ** خزائنَه بعدَ الل ِ‬

‫جهَازِ ِهمْ قَالَ ائْتُونِي‬


‫ف َفدَخَلُوا َعلَ ْيهِ َف َع َر َفهُ ْم وَ ُه ْم َلهُ مُن ِكرُون‪ ،‬ولَمّا َج ّهزَ ُهمْ بِ َ‬
‫{ َوجَا َء ِإخْ َو ُة يُوسُ َ‬
‫نلِيَ‪َ ،‬فإِنْ َل ْم َتأْتُونِي ِبهِ فَل كَ ْيلَ َل ُكمْ‬
‫خ لَ ُك ْم ِمنْ َأبِيكُ ْم أَل َت َروْنَ َأنّي أُوفِي الْكَ ْي َل وََأنَا خَ ْي ُر الْمُ ِ‬
‫ِبأَ ٍ‬
‫عِندِي وَل َت ْق َربُونِي‪ ،‬قَالُوا سَُنرَا ِودُ عَ ْن ُه َأبَا ُه َوإِنّا لَفَاعِلُونَ‪َ ،‬وقَالَ ِلفِتْيَانِ ِه اجْعَلُوا بِضَاعََت ُهمْ فِي‬
‫ِرحَالِ ِه ْم َلعَلّ ُه ْم يَ ْع ِرفُوَنهَا ِإذَا انقَلَبُوا ِإلَى َأهْلِ ِه ْم لَعَ ّل ُهمْ يَ ْر ِجعُونَ}‪.‬‬

‫يب تعال عن قدوم أخوة يوسف عليه السلم إل الديار الصرية يتارون طعاما‪ ،‬وذلك بعد‬
‫إتيان سنّى الدب وعمومها على سائر العباد والبلد‪.‬‬

‫وكان يوسف عليه السلم إذ ذاك الاكم ف أمور الديار الصرية دينا ودنيا‪ .‬فلما دخلوا عليه‬
‫عرفهم ول يعرفوه لنم ل يطر ببالم ما صار إليه يوسف عليه السلم من الكانة والعظمة‬
‫فلهذا عرفهم وهم له منكرون‪.‬‬

‫وعند أهل الكتاب‪ :‬أنم لا قدموا عليه سجدوا له‪ ،‬فعرفهم وأراد أن ل يعرفوه‪ ،‬فأغلظ لم ف‬
‫القول‪ ،‬وقال‪ :‬أنتم جواسيس‪ ،‬جئتم لتأخذوا خي بلدي‪ .‬فقالوا‪ :‬معاذ ال إنا جئنا نتار لقومنا‬
‫ب واحدٍ من كنعان‪ ،‬ونن اثنا عشر رجلً‪ ،‬ذهب‬
‫من الهد والوع الذي أصابنا‪ ،‬ونن بنو أ ٍ‬
‫منّا واحدٌ وصغينا عند أبينا‪ ،‬فقال‪ :‬ل بد أن استعلم أمركم‪ .‬وعندهم‪ :‬أنه حبسهم ثلثة أيام‪،‬‬
‫ث أخرجهم وأحتبس شعون عنده ليأتوه بالخ الخر وف بعض هذا نظر‪.‬‬

‫جهَازِ ِهمْ} أي أعطاهم من الية ما جرت به عادته ف إعطاء كلّ‬


‫قال ال تعال { َولَمّا َج ّهزَ ُهمْ بِ َ‬
‫خ لَ ُك ْم ِمنْ َأبِيكُمْ} وكان قد سألم عن حالم‬
‫ي ل يزيده عليه {قَا َل ائْتُونِي ِبأَ ٍ‬
‫إنسان حِ ْم َل بع ٍ‬
‫وكم هم‪ ،‬فقالوا‪ :‬كنا إثن عشر رجلً‪ ،‬فذهب منا واحد وبقي شقيقه عند أبينا‪ ،‬فقال‪ :‬إذا‬
‫قدمتم من العام القبل فأتون به معكم‪.‬‬

‫نلِيَ} أي قد أحسنت نزلكم و ِقرَاكم‪ ،‬فرغّبهم ليأتوه‬


‫{أَل َت َروْنَ َأنّي أُوفِي الْكَ ْي َل وََأنَا خَ ْي ُر الْمُ ِ‬
‫به‪ ،‬ث رهّبهم إن ل يأتوه به‪ ،‬قال‪َ { :‬فإِ ْن َلمْ َت ْأتُونِي ِبهِ فَل كَ ْي َل لَ ُكمْ عِندِي وَل َت ْقرَبُونِي} أي‬
‫فلست أعطيكم مية‪ ،‬ول أقربكم بالكلية‪ ،‬عكس ما أسدى إليهم أولً‪.‬‬

‫فاجتهد ف إحضاره معهم‪ ،‬ليبلّ شوقه منه بالترغيب والترهيب‬

‫{قَالُوا سَُنرَا ِودُ عَ ْن ُه َأبَاهُ} أي سنجتهد ف ميئه معنا‪ ،‬وإتيانه إليك بكل مكن {وَِإنّا َلفَاعِلُونَ}‬
‫أي وإنا لقادرون على تصيله‪.‬‬

‫ث أمر فتيانه أن يضعوا بضاعتهم‪ ،‬وهي ما جاؤا به يتعوّضون به عن الية‪ ،‬ف أمتعتهم من حيث‬
‫ل يشعرون با {لَعَ ّل ُهمْ يَ ْع ِرفُوَنهَا ِإذَا انقَلَبُوا ِإلَى أَهْ ِل ِهمْ لَعَ ّل ُهمْ َي ْر ِجعُونَ} قيل‪ :‬أراد أن يردوها‬
‫إذا وجدوها ف بلدهم‪ .‬وقيل‪ :‬خشي أن ل يكون عندهم ما يرجعون به مرة ثانية‪ .‬وقيل‪ :‬تذمم‬
‫أن يأخذ منهم عوضا عن الية‪.‬‬

‫وقد اختلف الفسرون ف بضاعتهم‪ ،‬على أقوال سيأت ذكرها‪ .‬وعند أهل الكتاب‪ :‬أنا كانت‬
‫صررا من وَرِق‪ ،‬وهو أشبه وال أعلم‪.‬‬
‫{فَلَمّا َر َجعُوا إِلَى َأبِي ِهمْ قَالُوا يَا َأبَانَا مُنِ َع مِنّا اْلكَ ْيلُ َفأَ ْرسِ ْل َمعَنَا َأخَانَا َنكَْتلْ وَِإنّا َل ُه لَحَافِظُونَ‪،‬‬
‫قَالَ َهلْ آمَُنكُمْ عَ َل ْيهِ إِل كَمَا َأمِنتُ ُكمْ عَلَى أَخِيهِ مِ ْن قَ ْب ُل فَال ّل ُه خَيْ ٌر حَافِظا َوهُ َو أَ ْرحَ ُم الرّاحِمِيَ‪،‬‬
‫َولَمّا فَتَحُوا مَتَا َع ُهمْ َو َجدُوا بِضَاعََت ُهمْ ُر ّدتْ ِإلَ ْي ِهمْ قَالُوا يَا َأبَانَا مَا نَ ْبغِي َه ِذهِ بِضَاعَتُنَا ُر ّدتْ ِإلَيْنَا‬
‫ظ َأخَانَا َوَن ْزدَادُ كَ ْي َل َبعِيٍ َذِلكَ كَ ْيلٌ َيسِيٌ‪ ،‬قَالَ َل ْن أُ ْرسِلَ ُه َمعَ ُكمْ حَتّى تُ ْؤتُونِي‬
‫حفَ ُ‬
‫ي َأهْلَنَا َونَ ْ‬
‫َونَمِ ُ‬
‫َم ْوثِقا مِ ْن ال ّلهِ لََت ْأتُونَنِي ِب ِه إِل أَ ْن يُحَاطَ بِ ُكمْ فَ َلمّا آَت ْو ُه َموِْث َق ُهمْ قَالَ ال ّلهُ عَلَى مَا َنقُولُ وَكِيلٌ‪،‬‬
‫ب مَُت َفرّ َقةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُ ْم ِمنْ ال ّلهِ مِنْ‬
‫ب وَا ِحدٍ وَادْخُلُوا ِم ْن َأبْوَا ٍ‬
‫َوقَا َل يَا بَِن ّي ل َتدْخُلُوا ِم ْن بَا ٍ‬
‫ث أَ َم َرهُمْ‬
‫ت وَعَ َل ْيهِ فَلْيََتوَ ّك ْل الْمَُتوَكّلُونَ‪َ ،‬ولَمّا دَخَلُوا ِم ْن حَيْ ُ‬
‫ح ْك ُم إِل لِ ّلهِ عَلَ ْي ِه تَوَكّلْ ُ‬
‫َشيْ ٍء إِنْ الْ ُ‬
‫س َي ْعقُوبَ قَضَاهَا َوِإنّ ُه َلذُو عِ ْل ٍم لِمَا‬
‫َأبُو ُهمْ مَا كَا َن ُيغْنِي عَ ْن ُه ْم ِمنْ ال ّلهِ مِ ْن َشيْءٍ إِل حَا َجةً فِي نَفْ ِ‬
‫عَلّمْنَا ُه وََل ِكنّ أَكَْث َر النّاسِ ل َيعْلَمُونَ}‪.‬‬

‫يذكر تعال ما كان من أمرهم بعد رجوعهم إل أبيهم‪ ،‬وقولم له‪{ :‬مُنِ َع مِنّا اْلكَ ْيلُ} أي بعد‬
‫عامنا هذا إن ل ترسل معنا أخانا‪ ،‬فإن أرسلته معنا ل ينع منا‪.‬‬

‫ت ِإلَ ْيهِ ْم قَالُوا يَا َأبَانَا مَا نَ ْبغِي} أي‪ :‬أي شيء نريد‬
‫{ َولَمّا فََتحُوا مَتَا َع ُهمْ َوجَدُوا بِضَاعََت ُهمْ ُردّ ْ‬
‫ي َأهْلَنَا} أي نتار لم‪ ،‬ونأتيهم با يصلحهم ف سنتهم ومَحْلِهم‬
‫وقد ردت إلينا بضاعتنا {وَنَمِ ُ‬
‫ظ َأخَانَا َوَنزْدَادُ} بسببه {كَ ْيلَ َبعِيٍ}‪.‬‬
‫حفَ ُ‬
‫{ َونَ ْ‬

‫قال ال تعال‪َ { :‬ذلِكَ كَ ْي ٌل َيسِيٌ} أي ف مقابلة ذهاب ولده الخر‪.‬‬

‫وكان يعقوب عليه السلم اض ّن شيء بولده بنيامي‪ ،‬لنه كان يشمّ فيه رائحة أخيه‪ ،‬ويتسلّى‬
‫به عنه‪ ،‬ويتعوض بسببه منه‪.‬‬

‫فلهذا قال‪{ :‬قَا َل َلنْ أُ ْرسِ َلهُ مَ َع ُكمْ حَتّى ُت ْؤتُونِي َموْثِقا ِم ْن اللّ ِه لََت ْأتُونَنِي ِبهِ إِل أَ ْن يُحَاطَ ِب ُكمْ}‬
‫أي إلّ أن تغلبوا كلكم عن التيان به {فَلَمّا آَت ْوهُ َم ْوثِ َق ُهمْ قَالَ ال ّلهُ عَلَى مَا َنقُولُ وَكِيلٌ}‪.‬‬

‫أك ّد الواثيق‪ ،‬وقرّر العهود‪ ،‬واحتاط لنفسه ف ولده‪ ،‬ولن يغن َحذَ ٌر من َقدَر‪ .‬ولول حاجته‬
‫ث الولد العزيزَ‪ ،‬ولكنّ القدار لا أحكام‪ ،‬والرب تعال يقدر ما‬
‫وحاجة قومه إل الية لا بع ّ‬
‫يشاء‪ ،‬ويتار ما يريد‪ ،‬ويكم ما يشاء وهو الكيم العليم‪.‬‬

‫ث أمرهم أن ل يدخلوا الدينة من بابٍ واحد‪ ،‬ولكن ليدخلوا من أبواب متفرقة‪ .‬قيل‪ :‬أراد أن‬
‫ل يصيبهم أحد بالعي وذلك لنّهم كانوا أشكالً حسنة‪ ،‬وصورا بديعة‪ .‬قال ابن عبّاس‬
‫ومُحَمْد بن كعب وقتادة والسّدّي والضحاك‪.‬‬

‫حدّثُون عنه بأثر‪ .‬قال إبراهيم النخعي‪.‬‬


‫وقيل‪ :‬أراد أن يتفرّقوا لعلهم يدون خب ليوسف‪ ،‬أو ُي َ‬
‫والول اظهر‪ ،‬ولذا قال‪َ { :‬ومَا أُغْنِي عَن ُكمْ ِم ْن ال ّلهِ ِم ْن شَيْءٍ}‪.‬‬

‫ث َأمَ َر ُهمْ َأبُو ُهمْ مَا كَا َن ُيغْنِي عَ ْن ُه ْم ِمنْ ال ّلهِ ِم ْن شَيْ ٍء إِل حَا َجةً‬
‫وقال تعال { َولَمّا دَخَلُوا ِم ْن حَيْ ُ‬
‫س ل َيعْلَمُونَ}‪.‬‬
‫س َي ْعقُوبَ قَضَاهَا َوِإنّ ُه َلذُو عِ ْل ٍم لِمَا عَلّ ْمنَاهُ َولَ ِك ّن أَكَْثرَ النّا ِ‬
‫فِي نَفْ ِ‬

‫وعند أهل الكتاب‪ :‬أنه بعث معهم هدية إل العزيز‪ ،‬من الفستق واللوز والصنوبر والبطم‬
‫والعسل‪ ،‬وأخذوا الدّراهم الول‪ ،‬وعوضا آخر‪.‬‬

‫س بِمَا كَانُوا َيعْمَلُونَ‪ ،‬فَ َلمّا‬


‫{ َولَمّا َدخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى ِإلَيْ ِه َأخَا ُه قَا َل ِإنّي َأنَا أَخُو َك فَل تَبْتَئِ ْ‬
‫ي ِإنّ ُكمْ َلسَا ِرقُونَ‪ ،‬قَالُوا‬
‫سقَاَيةَ فِي َر ْحلِ َأخِيهِ ُث ّم َأذّنَ ُم َؤذّ ٌن أَيُّتهَا اْلعِ ُ‬
‫جهَازِ ِهمْ جَ َعلَ ال ّ‬
‫َج ّهزَ ُهمْ بِ َ‬
‫ع الْمَ ِلكِ وَلِ َم ْن جَا َء بِ ِه حِ ْم ُل َبعِيٍ َوَأنَا ِبهِ زَعِيمٌ‪،‬‬
‫صوَا َ‬
‫َوَأقْبَلُوا عَلَ ْي ِه ْم مَاذَا تَ ْف ِقدُونَ‪ ،‬قَالُوا َن ْف ِقدُ ُ‬
‫ض َومَا كُنّا سَا ِرقِيَ‪ ،‬قَالُوا فَمَا َجزَا ُؤهُ إِنْ كُنُتمْ‬
‫قَالُوا تَال ّلهِ َل َقدْ عَلِمُْت ْم مَا جِئْنَا لُِن ْفسِ َد فِي الَرْ ِ‬
‫جزِي الظّالِمِيَ‪ ،‬فََب َدأَ بَِأوْعِيَِت ِهمْ قَ ْبلَ‬
‫ك نَ ْ‬
‫كَا ِذبِيَ‪ ،‬قَالُوا َجزَا ُؤ ُه َمنْ ُو ِجدَ فِي َرحْلِ ِه َف ُهوَ َجزَا ُؤهُ َك َذلِ َ‬
‫ف مَا كَانَ لَِي ْأ ُخذَ َأخَا ُه فِي دِينِ‬
‫خ َر َجهَا ِم ْن وِعَا ِء أَخِيهِ َك َذلِكَ ِك ْدنَا لِيُوسُ َ‬
‫وِعَا ِء َأخِيهِ ُثمّ اسْتَ ْ‬
‫ق َفقَدْ‬
‫سرِ ْ‬
‫ت َمنْ َنشَا ُء َوفَوْقَ ُكلّ ذِي عِ ْلمٍ عَلِيمٌ‪ ،‬قَالُوا إِ ْن َي ْ‬
‫الْمَ ِلكِ إِل أَ ْن َيشَا َء ال ّلهُ نَ ْرفَ ُع دَ َرجَا ٍ‬
‫سهِ وََلمْ يُبْ ِدهَا َل ُهمْ قَالَ َأنُْت ْم شَ ّر َمكَانا وَال أعلم بِمَا‬
‫خ َلهُ ِم ْن قَ ْبلُ َفَأ َسرّهَا يُوسُفُ فِي نَ ْف ِ‬
‫ق أَ ٌ‬
‫َسرَ َ‬
‫حسِِنيَ‪،‬‬
‫خ ْذ أَ َح َدنَا َمكَاَنهُ ِإنّا َنرَا َك ِمنْ الْمُ ْ‬
‫صفُونَ قَالُوا يَا َأّيهَا اْلعَزِيزُ إِ ّن َل ُه أَبا شَيْخا كَبِيا فَ ُ‬
‫تَ ِ‬
‫قَالَ َمعَا َذ ال ّلهِ أَ ْن َنأْ ُخ َذ إِل َمنْ َو َجدْنَا مَتَاعَنَا عِ ْن َدهُ ِإنّا إِذا لَظَالِمُونَ}‪.‬‬

‫يذكر تعال ما كان من أمرهم حي دخلوا بأخيهم بنيامي على شقيقه يوسف وإيوائه إليه‬
‫وإخباره له سرّا عنهم بأنه أخوه‪ ،‬وأمره بكتم ذلك عنهم‪ ،‬وسلّه عما كان منهم من الساءة‬
‫إليه‪.‬‬

‫ث احتال على أخذه منهم‪ ،‬وتركه إياه عنده دونم‪ ،‬فأمر فتيانه بوضع سقايته‪ .‬وهي الت كان‬
‫يشرب با ويكيل با الناس الطعام‪ ،‬عن غرة ف متاع بنيامي‪ .‬ث أعلمهم بأنم قد سرقوا صُواع‬
‫اللك‪ ،‬ووعدهم جعالة على ردّه حِمْل بعي‪ ،‬وضمّنه النادي لم‪ ،‬فأقبلوا على من اتمهم بذلك‬
‫ض َومَا كُنّا‬
‫فأنبوه وهجّنوه فيما قاله لم‪{ :‬قَالُوا تَال ّلهِ َل َقدْ عَلِمُْت ْم مَا جِئْنَا لُِن ْفسِ َد فِي الَرْ ِ‬
‫سَا ِرقِيَ} يقولون‪ :‬أنتم تعلمون منا خلف ما رميتمونا له من السّرقة‪.‬‬

‫جزِي‬
‫{قَالُوا فَمَا َجزَا ُؤ ُه إِنْ كُنُتمْ كَاذِبِيَ‪ ،‬قَالُوا َجزَا ُؤهُ َم ْن وُ ِج َد فِي َرحْ ِلهِ َفهُ َو جَزَا ُؤهُ َك َذِلكَ نَ ْ‬
‫الظّالِمِيَ}‪ .‬وهذه كانت شريعتهم أن السّارق يدفع إل السروق منه ولذا قالوا‪َ { :‬كذَِلكَ‬
‫جزِي الظّالِ ِميَ}‪.‬‬
‫نَ ْ‬

‫خ َرجَهَا مِ ْن وِعَا ِء َأخِيهِ} ليكون ذلك أبعد‬


‫قال ال تعال‪{ :‬فََبدََأ ِبأَوْعِيَِت ِه ْم قَ ْب َل وِعَا ِء أَخِي ِه ُثمّ اسْتَ ْ‬
‫ف مَا كَانَ لِيَ ْأ ُخذَ َأخَا ُه فِي دِينِ‬
‫للتهمة‪ ،‬وأبلغ ف اليلة‪ ،‬ث قال ال تعال‪َ { :‬ك َذلِكَ ِك ْدنَا لِيُوسُ َ‬
‫الْمَ ِلكِ} أي لول اعترافهم بأ ّن جزاءه { َم ْن وُ ِجدَ فِي َرحْ ِلهِ َف ُهوَ جَزَاؤُهُ} لا كان يقدر يوسف‬
‫على أخذه منهم ف سياسة ملك مصر {إِل أَ ْن َيشَا َء اللّ ُه َن ْرفَ ُع دَ َرجَاتٍ َم ْن َنشَاءُ} أي ف العلم‬
‫{ َوفَوْقَ ُكلّ ذِي ِع ْلمٍ عَلِيمٌ}‪.‬‬

‫وذلك لنّ يوسف كان أعلم منهم‪ ،‬وأت رأيا‪ ،‬وأقوى عزما وحزما‪ ،‬وإنا فعل ما فعل عن أمر‬
‫ال له ف ذلك لنه يترتب على هذا المر مصلحة عظيمة بعد ذلك‪ ،‬من قدوم أبيه وقومه عليه‪،‬‬
‫ووفودهم إليه‪.‬‬

‫خ َلهُ مِ ْن قَ ْبلُ}‬
‫ق أَ ٌ‬
‫ق َف َقدْ َسرَ َ‬
‫فلما عاينوا استخراج الصّواع من حل بنيامي {قَالُوا إِنْ َيسْرِ ْ‬
‫يعنون يوسف‪ .‬قيل كان قد سرق صنم جدّه‪ ،‬أب أمه‪ ،‬فكسره‪ .‬وقيل‪ :‬كانت عمته قد علقت‬
‫عليه بي ثيابه‪ ،‬وهو صغي‪ ،‬منطقة كانت لسحاق‪ ،‬ث استخرجوها من بي ثيابه‪ ،‬وهو ل يشعر‬
‫با صنعت‪ ،‬وإنا أرادت أن يكون عندها‪ ،‬وف حضانتها لحبتها له‪ .‬وقيل‪ :‬كان يأخذ الطّعام من‬
‫خ َلهُ ِم ْن قَ ْبلُ‬
‫ق أَ ٌ‬
‫ق َفقَ ْد َسرَ َ‬
‫سرِ ْ‬
‫البيت فيطعمه الفقراء‪ .‬وقيل‪ :‬غي ذلك‪ .‬فلهذا {قَالُوا إِ ْن َي ْ‬
‫صفُونَ}‬
‫سهِ} وهي كلمته بعدها‪ ،‬وقوله {أَنُْت ْم شَ ّر َمكَانا وَال أعلم بِمَا تَ ِ‬
‫ف فِي َن ْف ِ‬
‫َفَأسَ ّرهَا يُوسُ ُ‬
‫أجابم سرّا ل جهرا‪ ،‬حلما وكرما وصفحا وعفوا‪ ،‬فدخلوا معه ف الترفق والتعطف‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫حسِِنيَ‪ ،‬قَا َل َمعَاذَ ال ّلهِ‬
‫خ ْذ أَ َح َدنَا َمكَاَنهُ ِإنّا َنرَا َك ِمنْ الْمُ ْ‬
‫{يَا َأّيهَا اْلعَزِيزُ إِ ّن َل ُه أَبا شَيْخا كَبِيا فَ ُ‬
‫أَ ْن َنأْ ُخ َذ إِل َمنْ َو َجدْنَا مَتَاعَنَا عِ ْن َدهُ ِإنّا إِذا لَظَالِمُونَ} أي إن أطلقنا التهم وأخذنا البيء‪ .‬هذا‬
‫ما ل نفعله ول نسمح به‪ ،‬وإنا نأخذ من وجدنا متاعنا عنده‪.‬‬

‫وعند أهل الكتاب‪ :‬أن يوسف تعرّف إليهم حينئذ وهذا ما غلطوا فيه ول يفهموه جيّدا‪.‬‬

‫ي ُه ْم َألَ ْم َتعْلَمُوا أَ ّن َأبَا ُك ْم َقدْ َأ َخذَ َعلَ ْيكُ ْم َموْثِقا ِمنْ‬


‫{فَلَمّا اسْتَيَْئسُوا مِ ْن ُه خَلَصُوا نَجِيّا قَالَ كَبِ ُ‬
‫ح ُكمَ ال ّل ُه لِي َوهُوَ‬
‫ض حَتّى َي ْأذَ َن لِي َأبِي َأوْ يَ ْ‬
‫ال ّلهِ َو ِمنْ قَ ْب ُل مَا َفرّطُتمْ فِي يُوسُفَ فَ َل ْن َأْبرَحَ الَرْ َ‬
‫ق َومَا َش ِه ْدنَا إِل بِمَا عَ ِلمْنَا َومَا‬
‫ك سَرَ َ‬
‫خَ ْيرُ الْحَا ِكمِيَ‪ ،‬ا ْر ِجعُوا ِإلَى َأبِيكُ ْم َفقُولُوا يَا َأبَانَا إِ ّن ابْنَ َ‬
‫ي الّتِي َأقْبَلْنَا فِيهَا َوإِنّا لَصَا ِدقُونَ‪ ،‬قَالَ َبلْ‬
‫ب حافِ ِظيَ‪ ،‬وَا ْسأَلْ اْل َق ْريَ َة الّتِي كُنّا فِيهَا وَالْعِ َ‬
‫كُنّا لِ ْلغَيْ ِ‬
‫حكِيمُ‪،‬‬
‫ت َل ُكمْ أَن ُفسُ ُكمْ َأمْرا فَصَ ْب ٌر جَمِيلٌ َعسَى ال ّلهُ أَنْ َي ْأتِيَنِي ِب ِهمْ جَمِيعا ِإنّ ُه هُ َو اْلعَلِي ُم الْ َ‬
‫َسوّلَ ْ‬
‫حزْ ِن َف ُهوَ كَظِيمٌ‪ ،‬قَالُوا تَال ّل ِه َتفْتَأُ‬
‫َوَتوَلّى عَ ْن ُهمْ َوقَا َل يَا َأ َسفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضّتْ عَيْنَا ُه ِمنَ الْ ُ‬
‫َتذْ ُكرُ يُوسُفَ حَتّى تَكُونَ حَرَضا َأوْ َتكُو َن ِم ْن الْهَالِكِيَ‪ ،‬قَالَ ِإنّمَا أَ ْشكُو بَثّي َو ُحزْنِي ِإلَى ال ّلهِ‬
‫سسُوا ِم ْن يُوسُفَ وََأخِيهِ وَل تَيَْئسُوا ِمنْ َروْحِ‬
‫حّ‬‫َوأَعْ َل ُم ِمنْ ال ّلهِ مَا ل َتعْلَمُونَ‪ ،‬يَا بَِنيّ ا ْذهَبُوا فَتَ َ‬
‫س ِمنْ َروْحِ ال ّل ِه إِل اْلقَوْ ُم الكَا ِفرُونَ}‪.‬‬
‫ال ّلهِ ِإّنهُ ل يَيْئَ ُ‬

‫يقول تعال مبا عنهم‪ :‬إنم لا استيأسوا من أخذه منه خلصُوا يتناجون فيما بينهم‪ ،‬قال‬
‫كبيهم‪ ،‬وهو روبيل‪َ{ :‬ألَ ْم َتعْلَمُوا أَ ّن َأبَا ُك ْم َقدْ َأ َخذَ عَلَ ْيكُ ْم َموْثِقا ِم ْن اللّهِ} ‪ .‬لتأتنن به ال أن‬
‫ياط بكم؟ لقد أخلفتم عهده وفرطتم فيه كما فرطتم ف أخيه يوسف من قبله فلم يبق ل وجه‬
‫ح الَرْضَ} أي ل أزال مقيما ها هنا {حَتّى َيأْذَ َن لِي َأبِي} ف القدوم عليه‬
‫أقابله به {فَ َل ْن أَْبرَ َ‬
‫ح ُكمَ ال ّل ُه لِي} بأن يقدّرن على ر ّد أخي إل أب {وَ ُهوَ خَ ْي ُر الْحَاكِمِيَ}‪.‬‬
‫{َأوْ يَ ْ‬

‫ك سَرَقَ} أي أخبوه با رأيتم من المر ف الظاهر‬


‫{ا ْرجِعُوا ِإلَى َأبِيكُ ْم َفقُولُوا يَا َأبَانَا إِنّ ابَْن َ‬
‫ب حافِظِيَ‪ ،‬وَاسَْألْ اْل َقرَْيةَ الّتِي كُنّا فِيهَا وَاْلعِيَ‬
‫الشاهدة { َومَا َش ِهدْنَا إِل بِمَا عَلِمْنَا َومَا كُنّا لِ ْلغَيْ ِ‬
‫الّتِي َأقْبَلْنَا فِيهَا}‪ .‬أي فإن هذا الذي أخبناك به ‪ -‬من أخذهم أخانا‪ ،‬لنه سرق ‪ -‬أمر اشتهر‬
‫بصر وعلمه العي الت كنا نن وهم هناك { َوإِنّا لَصَا ِدقُونَ}‪.‬‬

‫{قَا َل َبلْ َس ّولَتْ لَ ُكمْ أَن ُفسُ ُكمْ أَمْرا فَصَ ْب ٌر جَمِيلٌ} أي ليس المر كما ذكرت ل يسرق فإنه ليس‬
‫س ُكمْ َأمْرا فَصَ ْب ٌر جَمِيلٌ}‪.‬‬
‫ت َلكُ ْم أَنفُ ُ‬
‫سجية له‪ ،‬ول {هو} خلقه‪ ،‬وإنا { َسوّلَ ْ‬

‫قال ابن إسحاق وغيه‪ :‬لا كان التفريط منهم ف بنيامي مترتبا على صنيعهم ف يوسف‪ ،‬قال‬
‫لم ما قال‪ ،‬وهذا كما قال بعض السلف‪ :‬إن من جزاء السيئة السيئة بعدها!‪.‬‬

‫ث قال‪َ { :‬عسَى اللّ ُه أَ ْن َيأْتِيَنِي ِبهِ ْم جَمِيعا}‪ .‬يعن يوسف وبنيامي وروبيل {إِّن ُه هُ َو الْعَلِيمُ} أي‬
‫حكِيمُ} فيما يقدره ويفعله وله الكمة البالغة والجة‬
‫بال وما أنا فيه من فراق الحبة {الْ َ‬
‫القاطعة‪.‬‬
‫{ َوتَ َولّى عَ ْن ُهمْ} أي أعرض عن بنيه { َوقَا َل يَا َأسَفَى عَلَى يُوسُفَ}‬

‫ذكّره حزنه الديد بالزن القدي‪ ،‬وحرّك ما كان كامنا‪ ،‬كما قال بعضهم‪:‬‬

‫ب ال ّولِ‬
‫ب إلّ لِلحبي ِ‬
‫ت م َن الوى ** ما ال ّ‬
‫ن ّق ْل فؤادَكَ حيثُ شئ َ‬

‫وقال آخر‪:‬‬

‫ع السّوافكِ‬
‫ف الدّمو ِ‬
‫َل َقدْ َلمَن عن َد القُبورِ عَلى البُكا *** رَفيقي لتذْرا ِ‬

‫ي اللّوى فالدكادِكِ‬
‫ب ثوى ب َ‬
‫فقالَ‪ :‬أتبكي كلّ قب رأيتَه ** لق ٍ‬

‫ب مالِكِ‬
‫ث السى ** فَدعْن فهذَا ك ّلهُ ق ُ‬
‫ت له‪ :‬إن الَسى يبع ُ‬
‫فقل ُ‬

‫حزْنِ} أي من كثرة البكاء { َفهُوَ كَظِيمٌ} أي مكظم من كثرة‬


‫وقوله‪{ :‬وَابْيَضّتْ عَيْنَا ُه ِمنَ الْ ُ‬
‫حزنه وأسفه وشوقه إل يوسف‪.‬‬

‫فلما رأى بنوه ما يقاسيه من الوجد وأل الفراق {قَالُوا} له على وجه الرحة له والرأفة به‬
‫ف حَتّى َتكُو َن َحرَضا َأ ْو تَكُو َن ِمنْ اْلهَاِلكِيَ}‪.‬‬
‫والرص عليه {تَا ل ّلهِ تَفَْتُأ َتذْكُ ُر يُوسُ َ‬

‫يقولون‪ :‬ل تزال تتذكره حت ينحل جسدك‪ ،‬وتضعف قوّتك‪ ،‬فلو رفقت بنفسك كان أول‬
‫بك‪.‬‬

‫{قَا َل ِإنّمَا َأ ْشكُو بَثّي َوحُ ْزنِي ِإلَى ال ّلهِ َوأَعْ َل ُم ِمنْ ال ّلهِ مَا ل َتعْلَمُونَ} يقول لبنيه‪ :‬لست أشكو‬
‫إليكم ول إل أحد من الناس‪ ،‬ما أنا فيه‪ ،‬إنا أشكو إل ال عز وجل‪ ،‬واعلم أن ال سيجعل ل‬
‫ما أنا فيه فرجا ومرجا‪ ،‬وأعلم أن رؤيا يوسف ل بد أن تقع‪ ،‬ول بد أن أسجد له أنا وأنتم‬
‫حسب ما رأى‪ ،‬ولذا قال‪{ :‬وَأَعْ َل ُم ِمنْ ال ّلهِ مَا ل تَعْلَمُونَ}‪.‬‬

‫سسُوا‬
‫حّ‬‫ث قال لم مرضا على تطلب يوسف وأخيه‪ ،‬وأن يبحثوا عن أمرها {يَا بَِنيّ ا ْذهَبُوا فَتَ َ‬
‫ح ال ّلهِ إِل اْل َقوْ ُم الكَا ِفرُونَ} أي‬
‫س ِمنْ َروْ ِ‬
‫ح اللّ ِه ِإنّ ُه ل يَيْئَ ُ‬
‫ِم ْن يُوسُفَ وََأخِيهِ وَل تَيَْئسُوا ِمنْ َروْ ِ‬
‫ل تيئسوا من الفرج بعد الشدة‪ ،‬فإنه ل ييأس من روح ال وفرجه وما يقدره من الخرج ف‬
‫الضايق إل القوم الكافرون‪.‬‬

‫{فَلَمّا َدخَلُوا عَلَ ْي ِه قَالُوا يَا أَّيهَا اْل َعزِي ُز َمسّنَا َوأَهْلَنَا الضّ ّر َوجِئْنَا بِبِضَا َع ٍة ُمزْجَاةٍ َفَأوْفِ لَنَا الْكَ ْيلَ‬
‫ص ّدقِيَ‪ ،‬قَا َل َهلْ َعلِمُْت ْم مَا َفعَلُْتمْ بِيُوسُفَ َوَأخِي ِه ِإذْ َأنُْتمْ‬
‫جزِي الْمُتَ َ‬
‫صدّقْ عَلَيْنَا إِ ّن ال ّلهَ يَ ْ‬
‫َوتَ َ‬
‫ت يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذَا َأخِي َقدْ َم ّن اللّهُ عَلَ ْينَا ِإّنهُ َم ْن يَّتقِ‬
‫جَاهِلُونَ‪ ،‬قَالُوا َأئِّنكَ َلنْ َ‬
‫حسِِنيَ‪ ،‬قَالُوا تَاللّ ِه َلقَدْ آَثرَ َك ال ّلهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنّا لَخَاطِِئيَ‪،‬‬
‫َويَصِْبرْ َفإِ ّن ال ّلهَ ل يُضِي ُع َأ ْجرَ الْمُ ْ‬
‫قَالَ ل تَ ْثرِيبَ عَلَ ْيكُ ْم الَْيوْمَ يَ ْغ ِفرُ ال ّلهُ لَ ُكمْ َو ُهوَ أَ ْر َحمُ الرّاحِمِيَ‪ ،‬ا ْذهَبُوا ِبقَمِيصِي َهذَا َفَأْلقُوهُ‬
‫ت بَصِيا وَْأتُونِي ِبَأهْلِ ُك ْم أَجْ َمعِيَ}‪.‬‬
‫عَلَى َوجْ ِه َأبِي َيأْ ِ‬

‫يب تعال عن رجوع إخوة يوسف إليه وقدومهم عليه ورغبتهم فيما لديه من الية والصدقة‬
‫ضرّ} أي‬
‫عليهم بردّ أخيهم بنيامي إليهم {فَلَمّا دَخَلُوا عَلَ ْيهِ قَالُوا يَا َأّيهَا اْلعَزِيزُ َمسّنَا وََأهْلَنَا ال ّ‬
‫من الدب وضيق الال وكثرة العيال { َوجِئْنَا بِبِضَا َع ٍة ُمزْجَاةٍ } أي ضعيفة ل يقبل مثلها منا‬
‫إل أن يتجاوز عنّا قيل‪ :‬كانت دراهم رديئة‪ .‬وقيل‪ :‬قليلة‪ .‬وقيل حب الصنوبر‪ ،‬وحب البطم‬
‫ونو ذلك‪ .‬وعن ابن عبّاس‪ :‬كانت خَ َل َق ال ِغرَاِئرِ والبال‪ ،‬ونو ذلك‪.‬‬
‫ص ّدقِيَ} قيل‪ :‬بقبولا‪ ،‬قال السّدّي‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫جزِي الْمُتَ َ‬
‫صدّقْ عَ َليْنَا إِ ّن ال ّلهَ َي ْ‬
‫ف لَنَا الْكَ ْيلَ وَتَ َ‬
‫{ َفأَوْ ِ‬
‫بردّ أخينا إلينا‪ ،‬قاله ابن جُ َريْج‪ .‬وقال سفيان بن عُيينة‪ :‬إنا حرمت الصدقة على نبينا ممد‬
‫صلى ال عليه وسلم ونزع بذه الية رواه ابن جرير‪.‬‬

‫فلما رأى ما هم فيه من الال وما جاؤا به ما ل يبق عندهم سواه‪ ،‬من ضعيف الال‪ ،‬تعرف‬
‫إليهم وعطف عليهم‪ ،‬قائلً‪ :‬لم عن أمر ربه وربم‪ .‬وقد حسر لم عن جبينه الشريف وما‬
‫يويه من الال الذي يعرفون فيه {هَلْ عَ ِلمُْتمْ مَا َفعَلُْتمْ بِيُوسُفَ َوأَخِي ِه ِإذْ َأنُْتمْ جَاهِلُونَ}‪.‬‬
‫{قَالُوا} وتعجبوا كل العجب‪ ،‬وقد ترددوا إليه مرارا عديدة‪ ،‬وهم ل يعرفون أنه هو {أَئِّنكَ‬
‫ت يُوسُفُ }‪.‬‬
‫َلنْ َ‬

‫ف وَهذَا َأخِي} يعن أنا يوسف الذي صنعتم معه ما صنعتم‪ ،‬وسلف من أمركم‬
‫{قَا َل َأنَا يُوسُ ُ‬
‫فيه ما فرطتم‪ ،‬وقوله {وَهذَا أَخِي} تأكيد لا قال‪ ،‬وتنبيه على ما كانوا اضمروا لما من السد‪،‬‬
‫وعملوا ف أمرها من الحتيال‪ ،‬ولذا قال‪َ { :‬قدْ َمنّ ال ّلهُ عَلَيْنَا}‪ ،‬أي بإحسانه إلينا وصدقته‬
‫علينا‪ ،‬وإيوائه لنا وشدّه معاقد عزنا‪ ،‬وذلك با أسلفنا من طاعة ربنا‪ ،‬وصبنا على ما كان‬
‫منكم إلينا وطاعتنا وبرنا لبينا‪ ،‬ومبته الشديدة لنا وشفقته علينا {ِإّنهُ َم ْن يَّتقِ َويَصِْبرْ َفإِ ّن ال ّلهَ‬
‫حسِِنيَ}‪.‬‬
‫ل يُضِي ُع َأ ْجرَ الْمُ ْ‬

‫{قَالُوا تَال ّلهِ َل َقدْ آَثرَ َك ال ّلهُ عَلَيْنَا} أي فضلك‪ ،‬وأعطاك ما ل يعطنا {وَإِنْ كُنّا لَخَاطِِئيَ}‪ .‬أي‬
‫فيما أسدينا إليك‪ ،‬وها نن بي يديك‪.‬‬

‫{قَا َل ل تَ ْثرِيبَ عَ َل ْيكُ ْم الْيَوْمَ} أي لست أعاتبكم على ما كان منكم بعد يومكم هذا‪ ،‬ث زادهم‬
‫على ذلك فقال‪{ :‬الَْيوْ َم َي ْغفِ ُر اللّ ُه َلكُ ْم َوهُ َو أَ ْرحَ ُم الرّاحِمِيَ}‪.‬‬

‫ومن زعم أن الوقف على قوله {ل تَ ْثرِيبَ عَلَ ْي ُكمْ}‪ ،‬وابتدأ بقوله {الْيَوْ َم َي ْغفِ ُر ال ّلهُ َل ُكمْ} فقوله‬
‫ضعيف‪ ،‬والصحيح الول‪.‬‬

‫ث أمرهم بأن يذهبوا بقميصه‪ ،‬وهو الذي يلي جسده فيضعوه على عين أبيه‪ ،‬فإنه يرجع إليه‬
‫بصره‪ ،‬بعد ما كان ذهب بإذن ال‪ ،‬وهذا من خوارق العادات ودلئل النبوات وأكب‬
‫العجزات‪.‬‬

‫ث أمرهم أن يتحملوا بأهلهم أجعي إل ديار مصر إل الي والدعة وجع الشمل بعد الفرقة‬
‫على أكمل الوجوه وأعلى المور‪.‬‬

‫ك َلفِي‬
‫ف َلوْل أَ ْن ُتفَنّدُونِي‪ ،‬قَالُوا تَال ّل ِه ِإنّ َ‬
‫ح يُوسُ َ‬
‫ي قَا َل َأبُو ُهمْ ِإنّي َلجِدُ رِي َ‬
‫{ َولَمّا فَصَلَتْ اْلعِ ُ‬
‫ي َأْلقَاهُ عَلَى وَ ْج ِههِ فَا ْرَتدّ بَصِيا قَالَ َأَلمْ َأ ُقلْ َل ُكمْ ِإنّي أَعْ َلمُ‬
‫ضَلِلكَ اْلقَدِيِ‪ ،‬فَلَمّا أَ ْن جَاءَ الَْبشِ ُ‬
‫ف أَسَْت ْغ ِفرُ َلكُمْ‬
‫ِم ْن اللّ ِه مَا ل َتعْلَمُونَ‪ ،‬قَالُوا يَا َأبَانَا اسَْت ْغفِ ْر لَنَا ذُنُوبَنَا ِإنّا كُنّا خَاطِئِيَ‪ ،‬قَالَ َسوْ َ‬
‫َربّي إِّن ُه هُ َو الْ َغفُورُ ال ّرحِيمُ}‪.‬‬

‫قال عبد الرزاق‪ :‬أنبأنا إسرائيل‪ ،‬عن أب سنان‪ ،‬عن عبد ال بن أب الذيل‪ ،‬سعت ابن عبّاس‬
‫ت الْعِيُ}‪ ،‬قال‪ :‬لا خرجت العي هاجت ريح‪ ،‬فجاءت يعقوب بريح قميص‬
‫يقول‪َ { :‬ولَمّا فَصَلَ ْ‬
‫ح يُوسُفَ َلوْل أَ ْن ُتفَّندُونِي} قال‪ :‬فوجد ريه من مسية ثلثة أيام‪.‬‬
‫يوسف فقال‪{ :‬إِنّي َلجِدُ رِي َ‬
‫وكذا رواه الثوري وشعبة وغيهم عن أب سنان به‪.‬‬

‫وقال السن البصري وابن ُجرَيْج الكي‪ :‬كان بينهما مسية ثاني فرسخا‪ ،‬وكان له منذ فارقه‬
‫ثانون سنة‪.‬‬

‫وقوله {َلوْل أَ ْن ُتفَّندُونِي} أي تقولون‪ :‬إنا قلت هذا من الفند‪ ،‬وهو الرف‪ ،‬وكب السن‪ .‬قال‬
‫ابن عبّاس وعطاء وماهد وسعيد بن جبي وقتادة‪{ :‬تُفَّندُونِي} تسفّهون‪ .‬وقال ماهد أيضا‬
‫والسن ‪ :‬ترمّون‪.‬‬

‫سدّي‪ :‬قالوا له كلمة غليظة‪.‬‬


‫ك اْلقَدِيِ} قال قتادة وال ّ‬
‫{قَالُوا تَال ّلهِ ِإّنكَ َلفِي ضَللِ َ‬

‫ي َألْقَاهُ عَلَى وَ ْج ِههِ فَا ْرَتدّ بَصِيا} أي بجرّد ما جاء ألقى‬


‫قال ال تعال‪{ :‬فَلَمّا أَ ْن جَا َء الَْبشِ ُ‬
‫القميص على وجه يعقوب‪ ،‬فرجع من فوره بصيا بعد ما كان ضريرا‪ ،‬وقال لنبيه عند ذلك‬
‫{َألَ ْم َأ ُقلْ َل ُكمْ ِإنّي أَعْ َل ُم ِمنْ ال ّل ِه مَا ل تَعْلَمُونَ} أي أعلم أن ال سيجمع شلي بيوسف وستقر‬
‫عين به وسِيِين فيه ومنه ما يسرن‪.‬‬

‫فعند ذلك {قَالُوا يَا َأبَانَا اسَْت ْغفِ ْر لَنَا ُذنُوبَنَا ِإنّا كُنّا خَاطِئِيَ} طلبوا منه أن يستغفر لم ال عز‬
‫وجل عما كانوا فعلوا‪ ،‬ونالوا منه ومن أبيه‪ ،‬وما كانوا عزموا عليه‪ .‬ولا كان من نيتهم التوبة‬
‫قبل الفعل وفقّهم ال للستغفار عند وقوع ذلك منهم فأجابم أبوهم إل ما سألوا‪ ،‬وما عليه‬
‫ف َأسْتَ ْغ ِفرُ َل ُكمْ َربّي إِّن ُه هُ َو الْ َغفُورُ ال ّرحِيمُ}‪.‬‬
‫عوّلوا قائلً { َسوْ َ‬

‫قال ابن مسعود وإبراهيم التيمي وعمرو بن قيس وابن ُج َريْج وغيهم‪ ،‬أرجأهم إل وقت‬
‫السحر‪ .‬قال ابن جرير‪ :‬حدثن أبو السائب‪ ،‬حَ ّدثَنا ابن إدريس قال‪ :‬سعت عبد الرحن بن‬
‫إسحاق يذكر عن مارب ابن دثار قال‪ :‬كان عمر يأت السجد فسمع إنسانا يقول‪" :‬اللهم‬
‫دعوتن فأجبت‪ ،‬وأمرتن فأطعت‪ ،‬وهذا السّحر فاغفر ل" قال‪ :‬فاستمع إل الصوت‪ ،‬فإذا هو‬
‫من دار عبد ال بن مسعود‪ ،‬فسأل عبد ال عن ذلك؟ فقال‪ :‬إن يعقوب أخّر بنيه إل السّحر‪.‬‬
‫ف أَسَْت ْغفِ ُر َلكُمْ َربّي}‪ .‬وقد قال ال تعال‪{ :‬وَالْ ُمسَْت ْغفِرِينَ بِالَسْحَارِ}‪.‬‬
‫بقوله‪َ { :‬سوْ َ‬

‫وثبت ف "الصحيحي" عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬ينل ربنا كل ليلة إل ساء‬
‫الدنيا‪ ،‬فيقول‪ :‬هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر‬
‫له"‪.‬وقد ورد ف حديث "أن يعقوب أرجأ بنيه إل ليلة المعة"‪.‬‬

‫قال ابن جرير‪ :‬حدثن الثن؛ قال‪َ :‬ح ّدثَنا سليمان بن عبد الرحن أبو أيوب الدمشقي‪َ ،‬ح ّدثَنا‬
‫الوليد‪ ،‬أنبأنا ابن ُج َريْج‪ ،‬عن عطاء وعكرمة عن ابن عبّاس عن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪" :‬سوف استغفر لكم رب"يقول‪ :‬حت ليلة المعة وهو قول أخي يعقوب لبنيه‪.‬وهذا‬
‫غريب من هذا الوجه وف رفعه نظر والشبه أن يكون موقوفا على ابن عبّاس رضي ال عنهما‪.‬‬

‫صرَ إِ ْن شَا َء ال ّلهُ آمِِنيَ‪ ،‬وَ َرفَ َع َأبَ َوْيهِ‬


‫{فَلَمّا َدخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى ِإلَ ْيهِ أََب َويْ ِه َوقَالَ ا ْدخُلُوا مِ ْ‬
‫ش َوخَرّوا َلهُ سُجّدا َوقَالَ يَا َأبَتِ هَذَا تَ ْأوِيلُ ُر ْؤيَاي ِمنْ قَ ْبلُ َق ْد جَعَ َلهَا َربّي َحقّا َوقَدْ‬
‫عَلَى اْلعَرْ ِ‬
‫ج ِن وَجَا َء ِبكُ ْم ِمنْ الَْب ْدوِ ِم ْن َبعْ ِد أَ ْن َنزَغَ الشّيْطان بَيْنِي َوبَ ْينَ‬
‫َأ ْحسَ َن بِي ِإ ْذ أَ ْخ َرجَنِي ِمنْ السّ ْ‬
‫ب َقدْ آتَيْتَنِي ِم ْن الْمُ ْلكِ وَعَلّمْتَنِي ِمنْ‬
‫حكِيمُ‪َ ،‬ر ّ‬
‫اخْ َوتِي إِنّ َربّي لَطِيفٌ لِمَا َيشَا ُء ِإنّ ُه ُهوَ اْلعَلِيمُ الْ َ‬
‫حقْنِي‬
‫ت َوِليّ فِي ال ّدنْيَا وَالخِ َر ِة َتوَفّنِي ُمسْلِما َوَألْ ِ‬
‫ض أَنْ َ‬
‫ث فَا ِطرَ السّمَاوَاتِ وَالَرْ ِ‬
‫َت ْأوِيلِ ا َلحَادِي ِ‬
‫حيَ}‪.‬‬
‫بِالصّالِ ِ‬

‫هذا إخبار عن حال اجتماع التحابي بعد الفرقة الطويلة الت قيل‪ :‬إنا ثانون سنة‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫ثلث وثانون سنة‪ ،‬وها روايتان عن السن‪ .‬وقيل‪ :‬خس وثلثون سنة‪ ،‬قاله قتادة‪ .‬وقال‬
‫حمْد بن إسحاق‪ :‬ذكروا أنه غاب عنه ثان عشرة سنة‪ .‬قال‪ :‬وأهل الكتاب يزعمون أنه‬
‫مُ َ‬
‫غاب عنه أربعي سنة‪.‬‬

‫وظاهر سياق القصة يرشد إل تديد الدة تقريبا‪ ،‬فإنّ الرأة راودته‪ ،‬وهو شاب ابن سبع عشرة‬
‫سنة‪ ،‬فيما قاله غي واحد‪ ،‬فامتنع فكان ف السجن بضع سني‪ ،‬وهي سبع عند عكرمة وغيه‪.‬‬
‫ث أخرج فكانت سنوات الصب السبع‪ ،‬ث لا امل الناس ف السبع البواقي جاء اخوتم‬
‫يتارون ف السنة الول وحدهم‪ ،‬وف الثانية ومعهم أخوه بنيامي‪ ،‬وف الثالثة تعرّف إليهم‬
‫وأمرهم بإحضار أهلهم أجعي‪ ،‬فجاؤا كلهم‪.‬‬
‫{فَلَمّا َدخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى ِإلَ ْيهِ أََب َويْهِ} اجتمع بم خصوصا وحدها دون اخوته { َوقَالَ‬
‫صرَ إِ ْن شَا َء اللّهُ آمِِنيَ}‪ .‬قيل‪ :‬هذا من القدم والؤخر‪ ،‬تقديره قال ادخلوا مصر‬
‫ا ْدخُلُوا مِ ْ‬
‫وآوى إليه أبويه‪ .‬وضعفه ابن جرير وهو معذور‪ .‬وقيل‪ :‬بل تلقاها وآواها ف منل اليام‪ ،‬ث‬
‫سدّي‪ :‬ولو قيل‪ :‬إن‬
‫ص َر إِنْ شَا َء ال ّلهُ آ ِمنِيَ}‪ .‬قاله ال ّ‬
‫لا اقتربوا من باب مصر قال {ادْخُلُوا مِ ْ‬
‫المر ل يتاج إل هذا أيضا‪ ،‬وانه ضمن قوله‪ :‬ادخلوا بعن‪ :‬اسكنوا مصر‪ ،‬أو أقيموا با {إِنْ‬
‫شَا َء اللّهُ آمِِنيَ} لكان صحيحا مليحا أيضا‪.‬‬

‫وعند أهل الكتاب‪ :‬أن يعقوب لا وصل إل أرض جاشر ‪ -‬وهي أرض بلبيس ‪ -‬خرج يوسف‬
‫لتلقيه‪ ،‬وكان يعقوب قد بعث ابنه يهوذا بي يديه مبشّرا بقدومه‪ ،‬وعندهم أن اللك أطلق لم‬
‫أرض جاشر‪ ،‬يكونون فيها ويقيمون با بنعمهم ومواشيهم‪ ،‬وقد ذكر جاعة من الفسرين‪ ،‬أنه‬
‫لا أزف قدوم نب ال يعقوب ‪ -‬وهو إسرائيل ‪ -‬أراد يوسف أن يرج لتلقيه فركب معه اللك‬
‫وجنوده خدمة ليوسف‪ ،‬وتعظيما لنب ال "إسرائيل"‪ ،‬وأنه دعا للملك‪ ،‬وأن ال رفع عن أهل‬
‫مصر بقية سنّى الدب ببكة قدومه إليهم‪ ،‬فال أعلم‪.‬‬

‫وكان جلة من قدم مع يعقوب من بنيه وأولدهم ‪ -‬فيما قاله أبو إسحاق السبيعي عن أبو‬
‫عبيدة عن ابن مسعود ‪ -‬ثلثة وستي إنسانا‪.‬‬

‫وقال موسى بن عبيدة‪ ،‬عن مُحَمْد بن كعب‪ ،‬عن عبد ال بن شداد‪ :‬كانوا ثلثة وثاني إنسانا‪.‬‬

‫وقال أبو إسحاق عن مسروق‪ :‬دخلوا وهم ثلثمائة وتسعون إنسانا‪.‬‬

‫قالوا‪ :‬وخرجوا مع موسى وهم أزيد من ستمائة ألف مقاتل‪ .‬وف نص أهل الكتاب‪ :‬أنم كانوا‬
‫سبعي نفسا وسوهم‪.‬‬
‫قال ال تعال‪{ :‬وَ َرفَ َع َأبَ َوْيهِ َعلَى اْلعَرْشِ} قيل‪ :‬كانت أمه قد ماتت كما هو عند علماء التوراة‪.‬‬
‫وقال بعض الفسرين‪ :‬أحياها ال تعال‪ .‬وقال آخرون‪ :‬بل كانت خالته "ليا" والالة بنلة الم‪.‬‬

‫وقال ابن جرير وآخرون‪ :‬بل ظاهر القرآن يقتضي بقاء حياة أمه إل يومئذ‪ ،‬فل يعوّل على نقل‬
‫أهل الكتاب فيما خالفه‪ ،‬وهذا قوي‪ .‬وال أعلم‪.‬‬

‫ورفعهما على العرش‪ ،‬أي أجلسهما معه على سريره { َوخَرّوا َلهُ سُجّدا} أي سجد له البوان‬
‫والخوة الحد عشر تعظيما وتكريا‪ ،‬وكان هذا مشروعا لم‪ ،‬ول يزل ذلك معمولً به ف‬
‫سائر الشرائع حت حرم ف ملّتنا‪.‬‬

‫ت هَذَا تَ ْأوِيلُ ُر ْؤيَاي ِم ْن قَ ْبلُ} أي هذا تعبي ما كنت قصصته عليك‪ :‬من رؤيت‬
‫{ َوقَالَ يَا َأبَ ِ‬
‫الحد عشر كوكبا‪ ،‬والشمس والقمر‪ ،‬حي رأيتهم ل ساجدين وأمرتن بكتمانا‪ ،‬ووعدتن ما‬
‫جنِ}‪ .‬أي بعد المّ‬
‫سنَ بِي ِإذْ َأ ْخرَجَنِي ِم ْن السّ ْ‬
‫وعدتن عند ذلك { َقدْ َجعَ َلهَا َربّي حَقّا وَ َق ْد أَ ْح َ‬
‫والضيق جعلن حاكما‪ ،‬نافذَ الكلمة‪ ،‬ف الديار الصرية حيث شئت { َوجَا َء بِ ُكمْ مِ ْن الَْبدْوِ} أي‬
‫غ الشّيْطان بَيْنِي َوبَ ْينَ‬
‫البادية‪ ،‬وكانوا يسكنون أرض العربات من بلد اليل { ِمنْ َب ْعدِ أَنْ َنزَ َ‬
‫اخْ َوتِي} أي فيما كان منهم إلّ من المر الذي تقدم وسبق ذكره‪.‬‬

‫ف لِمَا َيشَاءُ} أي‪ :‬إذا أراد شيئا هيّأ أسبابه ويسّرها وسهلها من وجوه ل‬
‫ث قال‪{ :‬إِنّ َربّي لَطِي ٌ‬
‫حكِيمُ}‬
‫يهتدي إليها العباد بل يقدّرها وييسّرها بلطيف صنعه وعظيم قدرته {ِإنّ ُه هُ َو اْلعَلِي ُم الْ َ‬
‫حكِيمُ} ف خلقه وشرعه وقدره‪.‬‬
‫أي بميع المور {الْ َ‬

‫وعند أهل الكتاب أن يوسف باع أهل مصر وغيهم من الطعام الذي كان تت يده بأموالم‬
‫كلها من الذهب والفضة والعقار والثاث وما يلكونه كله‪ ،‬حت باعهم بأنفسهم فصاروا‬
‫أرقاء‪ .‬ث أطلق لم أرضهم‪ ،‬وأعتق رقابم‪ ،‬على أن يعملوا ويكون خس ما يشتغلون من‬
‫زرعهم وثارهم للملك‪ ،‬فصارت سنة أهل مصر بعده‪.‬‬
‫وحكى الثعلب‪ :‬أنه كان ل يشبع ف تلك السني حت ل ينسى اليعان‪ ،‬وأنه إنا كان يأكل‬
‫أكلة واحدة نصف النهار قال‪ :‬فمن ث اقتدى به اللوك ف ذلك‪ .‬قلت‪ :‬وقد كان أمي الؤمني‬
‫عمر بن الطاب رضي ال عنه ل يشبع بطنه عام الرمادة‪ ،‬حت ذهب الدب وأتى الصب‪.‬‬

‫قال الشافعي‪ :‬قال رجل من العراب لعمر بعد ما ذهب عام الرمادة‪ :‬لقد انلت عنك‪ ،‬وإنك‬
‫لبن حرة‪.‬‬

‫ث لا رأى يوسف عليه السلم نعمته قد تت‪ ،‬وشله قد اجتمع‪ ،‬عرف أن هذه الدار ل يقربا‬
‫قرار‪ .‬وأن كل شيء فيها ومن عليها فان‪ .‬وما بعد التمام إل النقصان فعند ذلك أثن على ربّه‬
‫با هو أهله‪ ،‬واعترف له بعظيم إحسانه وفضله‪ .‬وسأل منه ‪ -‬وهو خي السؤولي ‪ -‬أن يتوفاه‪،‬‬
‫أي حي يتوفاه‪ ،‬على السلم‪ .‬وأن يلحقه بعباده الصالي‪ .‬وهكذا كما يقال ف الدعاء‪.‬‬
‫"اللهم أحينا مسلمي وتوفّنا مسلمي" أي حي تتوفانا‪.‬‬

‫ويتمل أنه سأل ذلك عند احتضاره عليه السلم‪ ،‬كما سأل النب صلى ال عليه وسلم عند‬
‫احتضاره أن يرفع روحه إل الل العلى والرفقاء الصالي‪ ،‬من النبيي والرسلي كما قال‬
‫اللهم ف الرفيق العلى ‪ -‬ثلثا ‪ -‬ث قضي‪.‬‬

‫ويتمل أن يوسف عليه السلم سأل الوفاة على السلم منجزا ف صحة بدنه وسلمته‪ ،‬وان‬
‫ذلك كان سائغا ف ملتهم وشرعتهم‪ .‬كما روي عن ابن عبّاس‪ ،‬أنه قال‪ :‬ما تن نب قط الوت‬
‫قبل يوسف‪.‬‬

‫فأما ف شريعتنا فقد نى عن الدعاء بالوت إلّ عند الفت‪ ،‬كما ف حديث معاذ ف الدعاء الذي‬
‫رواه أحد "وإذا أردت بقوم فتنة فتوفنا إليك غي مفتوني" وف الديث الخر "ابن آدم الوت‬
‫ت َنسْيًا مَ ْنسِيّا}‬
‫ت قَ ْبلَ هَذَا وَكُن ُ‬
‫خي لك من الفتنة"‪ .‬وقالت مري عليها السلم‪{ :‬يَا لَيْتَنِي مِ ّ‬
‫وتن الوت علي بن أب طالب لا تفاقمت المور‪ ،‬وعظمت الفت واشتد القتال وكثر القيل‬
‫ي أبو عبد ال صاحب الصحيح لا اشتد عليه الال‪ ،‬ولقي من‬
‫والقال‪ ،‬وتن ذلك البُخَار ّ‬
‫مالفيه الهوال‪.‬‬

‫فأما ف حال الرفاهية‪ ،‬فقد روى البُخَاريّ ومسلم ف "صحيحه"ما من حديث أنس بن مالك‬
‫قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬ل يتمن أحدكم الوت لضرّ نزل به‪ ،‬إما مسنا‬
‫فلعله يزداد‪ ،‬وإما مسيئا‪ ،‬فلعله يستعتب‪ ،‬ولكن ليقل‪ :‬اللهم أحين ما كانت الياة خيا ل‪،‬‬
‫وتوفن إذا كانت الوفاة خيا ل"والراد بالضر ها هنا ما يص العبد ف بدنه من مرض ونوه ل‬
‫ف دينه‪ .‬والظاهر أن نب ال يوسف عليه السلم سأل ذلك إما عند احتضاره‪ ،‬أو إذا كان‬
‫ذلك أن يكون كذلك‪.‬‬

‫وقد ذكر ابن إسحاق عن أهل الكتاب‪ :‬أن يعقوب أقام بديار مصر عند يوسف سبع عشرة‬
‫سنة‪ ،‬ث توف عليه السلم‪ ،‬وكان قد أوصى إل يوسف عليه السلم أن يدفن عند أبويه إبراهيم‬
‫سدّي‪ :‬فَصُبّره وسيّره إل بلد الشام‪ ،‬فدفنه بالغارة عند أبيه إسحاق وجده‬
‫وإسحاق‪ .‬قال ال ّ‬
‫الليل عليهم السلم‪.‬‬

‫وعند أهل الكتاب‪ :‬أن عمر يعقوب يوم دخل مصر مائة وثلثون سنة‪ .‬وعندهم انه أقام بأرض‬
‫مصر سبع عشرة سنة‪ ،‬ومع هذا قالوا‪ :‬فكان جيع عمره مائة وأربعي سنة‪.‬‬

‫هذا نص كتابم‪ ،‬وهو غلط إما ف النسخة‪ ،‬أو منهم‪ ،‬أو قد اسقطوا الكسر‪ ،‬وليس بعادتم‬
‫فيما هو أكثر من هذا‪ ،‬فكيف يستعملون هذه الطريقة ها هنا؟‪.‬‬

‫ت ِإذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا‬


‫وقد قال تعال ف كتابه العزيز‪{ :‬أَمْ كُنُت ْم ُشهَدَا َء ِإ ْذ حَضَ َر َي ْعقُوبَ الْ َموْ ُ‬
‫حنُ‬
‫ق ِإلَها وَاحِدا َونَ ْ‬
‫ك َوإَِلهَ آبَاِئكَ إِْبرَاهِي َم وَِإسْمَاعِي َل وَِإسْحَا َ‬
‫َتعُْبدُو َن ِم ْن بَ ْعدِي قَالُوا َنعُْبدُ ِإَلهَ َ‬
‫َل ُه ُمسْلِمُونَ} يوصي بنيه بالخلص وهو دين السلم الذي بعث ال به النبياء عليهم السلم‪.‬‬

‫وقد ذكر أهل الكتاب‪ :‬أنه أوصى بنيه واحدا واحدا‪ ،‬وأخبهم با يكون من أمرهم‪ ،‬وبشّر‬
‫يهوذا بروج نبّ عظيم من نسله‪ ،‬تطيعه الشعوب وهو عيسى بن مري وال أعلم‪.‬‬

‫وذكروا‪ :‬أنه لا مات يعقوب بكى عليه أهل مصر سبعي يوما‬

‫وأمر يوسف الطباء فطيبوه بطيب‪ ،‬ومكث فيه أربعي يوما ث استأذن يوسف ملك مصر ف‬
‫الروج مع أبيه ليدفنه عند أهله‪ ،‬فأذن له‪ ،‬وخرج معه أكابر مصر وشيوخها‪ ،‬فلمّا وصلوا‬
‫حبون دفنوه ف الغارة‪ ،‬الت كان اشتراها إبراهيم الليل من عفرون بن صخر اليثي‪ ،‬وعملوا‬
‫له عزاء سبعة أيام‪.‬‬

‫قالوا‪ :‬ث رجعوا إل بلدهم وعزّى اخوة يوسف يوسف ف أبيهم‪ ،‬وترققوا له‪ ،‬فأكرمهم‬
‫وأحسن منقلبهم‪ ،‬فأقاموا ببلد مصر‪.‬‬

‫ث حضرت يوسف عليه السلم الوفاة فأوصى أن يمل معهم إذا خرجوا من مصر فيدفن عند‬
‫آبائه‪ ،‬فحنّطوه ووضعوه ف تابوت‪ ،‬فكان بصر حت أخرجه معه موسى عليه السلم‪ ،‬فدفنه‬
‫عند آبائه كما سيأت‪ .‬قالوا‪ :‬فمات وهو ابن مائة سنة وعشر سني‪.‬‬

‫هذا نصهم فيما رأيته وفيما حكاه ابن جرير أيضا‪ .‬وقال مبارك بن فضالة عن السن‪ :‬ألقي‬
‫يوسف ف الب وهو ابن سبع عشرة سنة‪ ،‬وغاب عن أبيه ثاني سنة‪ ،‬وعاش بعد ذلك ثلثا‬
‫وعشرين سنة‪ .‬ومات وهو ابن مائة سنة وعشرين سنة‪ .‬وقال غيه‪ :‬أوصى إل أخيه يهوذا‪،‬‬
‫صلوات ال عليه وسلمه‬
‫قصةلقمان‬

‫موقع القصة ف القرآن الكري‪:‬‬

‫ورد ذكر القصة ف سورةلقمان اليات ‪.19-12‬‬

‫سهِ َو َمنْ َك َفرَ‬


‫ش ُكرُ لَِن ْف ِ‬
‫ش ُكرْ َفِإنّمَا َي ْ‬
‫حكْ َمةَ أَ ِن اشْ ُك ْر لِ ّلهِ َو َمنْ َي ْ‬
‫قال تعال‪ ((:‬وََل َقدْ آَتيْنَا ُلقْمَا َن الْ ِ‬
‫شرْ َك لَظُ ْلمٌ عَظِيمٌ‬
‫شرِ ْك بِاللّ ِه إِ ّن ال ّ‬
‫َفإِ ّن اللّهَ غَِن ّي حَمِي ٌد وَِإ ْذ قَا َل ُلقْمَانُ لِابِْنهِ َوهُ َو َيعِ ُظهُ يَا بُنَ ّي لَا ُت ْ‬
‫َووَصّيْنَا اْلِإْنسَا َن ِبوَاِلدَْي ِه حَمَلَ ْتهُ ُأ ّمهُ وَهْنًا عَلَى وَ ْهنٍ وَفِصَالُ ُه فِي عَامَيْ ِن أَ ِن اشْ ُكرْ لِي وَِلوَاِل َديْكَ‬
‫س َلكَ بِهِ عِ ْل ٌم فَلَا تُ ِطعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي‬
‫شرِ َك بِي مَا لَيْ َ‬
‫ي َوإِ ْن جَا َهدَاكَ عَلى أَ ْن ُت ْ‬
‫ِإَليّ الْمَصِ ُ‬
‫ب ِإلَ ّي ُثمّ ِإَليّ َم ْرجِ ُعكُ ْم َفُأنَبّئُ ُكمْ بِمَا ُكنُْتمْ َتعْمَلُو َن يَا بَُن ّي ِإنّهَا‬
‫الدّنْيَا َمعْرُوفًا وَاتّبِ ْع سَبِي َل َمنْ َأنَا َ‬
‫ض َي ْأتِ ِبهَا ال ّلهُ إِنّ‬
‫خ َرةٍ َأ ْو فِي السّمَاوَاتِ َأوْ فِي الْأَرْ ِ‬
‫صْ‬‫إِ ْن َتكُ مِ ْثقَا َل حَّبةٍ ِم ْن َخرْ َدلٍ فََت ُك ْن فِي َ‬
‫ف وَاْنهَ َعنِ الْمُ ْن َك ِر وَاصِْبرْ عَلَى مَا أَصَاَبكَ إِنّ‬
‫ي يَا بُنَ ّي َأ ِقمِ الصّلَاةَ َوْأ ُمرْ بِالْ َمعْرُو ِ‬
‫ف خَبِ ٌ‬
‫ال ّلهَ لَطِي ٌ‬
‫حبّ ُكلّ‬
‫ض َم َرحًا إِ ّن اللّ َه لَا يُ ِ‬
‫ش فِي اْلأَرْ ِ‬
‫س َولَا تَمْ ِ‬
‫صعّ ْر َخدّكَ لِلنّا ِ‬
‫َذِلكَ ِمنْ َعزْ ِم اْلأُمُو ِر َولَا تُ َ‬
‫ص ْوتُ الْحَمِيِ))‬
‫صوِْتكَ إِ ّن َأْنكَ َر اْلأَصْوَاتِ لَ َ‬
‫ض ِمنْ َ‬
‫ك وَاغْضُ ْ‬
‫صدْ فِي َمشْيِ َ‬
‫مُخْتَا ٍل فَخُو ٍر وَاقْ ِ‬

‫القصة‪:‬‬

‫هو لقمان بن عنقاء بن سدون ويقال لقمان بن ثاران حكاه السهيلي عن ابن جرير والقتيب ‪.‬‬
‫قال السهيلي ‪ :‬وكان نوبيا من أهل أيلة قلت وكان رجل صالا ذا عبادة وعبارة ‪ ،‬وحكمة‬
‫عظيمة ويقال ‪ :‬كان قاضيا ف زمن داود عليه السلم فال أعلم ‪.‬‬
‫وقال سفيان الثوري عن الشعث عن عكرمة عن ابن عباس قال ‪ :‬كان عبدا حبشيا نارا وقال‬
‫قتادة ‪ :‬عن عبد ال بن الزبي قلت لابر بن عبد ال ‪ :‬ما انتهى إليكم ف شأن لقمان قال كان‬
‫قصيا أفطس من النوبة ‪.‬‬
‫وقال يي بن سعيد النصاري عن سعيد بن السيب قال ‪ :‬كان لقمان من سودان مصر ذو‬
‫مشافر أعطاه ال الكمة ومنعه النبوة‪.‬‬
‫وقال الوزاعي ‪ :‬حدثن عبد الرحن بن حرملة قال ‪ :‬جاء أسود إل سعيد بن السيب يسأله‬
‫فقال له سعيد ‪ :‬ل تزن من أجل أنك أسود ‪ ،‬فإنه كان من أخي الناس ثلثة من السودان‬
‫بلل ومهجع مول عمر ولقمان الكيم كان أسود نوبيا ذا مشافر ‪.‬‬
‫وقال العمش عن ماهد كان لقمان عبدا أسود عظيم الشفتي مشقق القدمي وف رواية‬
‫مصفح القدمي وقال ‪ :‬عمر بن قيس كان عبدا أسود غليظ الشفتي مصفح القدمي فأتاه رجل‬
‫وهو ف ملس أناس يدثهم فقال له ‪ :‬ألست الذي كنت ترعى معي الغنم ف مكان كذا‬
‫وكذا ؟‬

‫قال ‪ :‬نعم ‪,‬قال ‪ :‬فما بلغ بك ما أرى ؟ قال ‪ :‬صدق الديث‬


‫‪ ،‬والصمت عما ل يعنين رواه ابن جرير عن ابن حيد عن الكم عنه به ‪.‬‬
‫وقال ابن أب حات ‪ :‬حدثنا أبو زرعة حدثنا صفوان حدثنا الوليد حدثنا عبد الرحن بن أب يزيد‬
‫بن جابر قال ‪ :‬إن ال رفع لقمان الكيم لكمته فرآه رجل كان يعرفه قبل ذلك فقال ‪:‬‬
‫ألست عبد بن فلن الذي كنت ترعى غنمي بالمس قال ‪ :‬بلى قال ‪ :‬فما بلغ بك ما أرى ؟‬
‫قال ‪ :‬قدر ال وأداء المانة وصدق الديث وترك ما ل يعنين ‪.‬‬

‫وقال ابن وهب أخبن عبد ال بن عياش القتبان عن عمر مول غفرة قال ‪ :‬وقف رجل على‬
‫لقمان الكيم فقال ‪ :‬أنت لقمان أنت عبد بن السحاس قال ‪ :‬نعم قال ‪ :‬فأنت راعي الغنم‬
‫السود قال ‪ :‬أما سوادي فظاهر فما الذي يعجبك من امرئ قال ‪ :‬وطء الناس بساطك‬
‫وغشيهم بابك ورضاهم بقولك قال ‪ :‬يا ابن أخي إن صنعت ما أقول لك كنت كذلك قال ‪:‬‬
‫ما هو ؟ قال لقمان ‪ :‬غضي بصري ‪ ،‬وكفي لسان ‪ ،‬وعفة مطمعي وحفظي فرجي وقيامي‬
‫بعدت ووفائي بعهدي وتكرمت ضيفي وحفظي جاري وتركي ما ل يعنين فذاك الذي صين‬
‫كما ترى‪.‬‬

‫وقال ابن أب حات ‪ :‬حدثنا أب حدثنا ابن نفيل حدثنا عمرو بن واقد عن عبدة بن رباح عن‬
‫ربيعة عن أب الدرداء أنه قال يوما ‪ ،‬وذكر لقمان الكيم فقال ‪:‬‬
‫ما أوت عن أهل ول مال ول حسب ول خصال ‪ ،‬ولكنه كان رجل صمصامة سكيتا طويل‬
‫التفكر عميق النظر ل ينم نارا قط ول يره أحد يبزق ‪ ،‬ول يتنحنح ‪ ،‬ول يبول ول يتغوط ول‬
‫يغتسل ‪ ،‬ول يعبث ‪ ،‬ول يضحك ‪ ،‬وكان ل يعيد منطقا نطقه إل أن يقول حكمة يستعيدها‬
‫إياه أحد وكان قد تزوج وولد له أولد ‪ ،‬فماتوا فلم يبك عليهم وكان يغشى السلطان ‪ ،‬ويأت‬
‫الكام لينظر ويتفكر ويعتب فبذلك أوت ما أوت ومنهم من زعم أنه عرضت عليه النبوة فخاف‬
‫أن ل يقوم بأعبائها فاختار الكمة لنا أسهل عليه وف هذا نظر وال أعلم وهذا مروي عن‬
‫قتادة كما سنذكره وروى ابن أب حات و ابن جرير من طريق وكيع عن إسرائيل عن جابر‬
‫العفي عن عكرمة أنه قال ‪ :‬كان لقمان نبيا وهذا ضعيف لال العفي‪.‬‬

‫والشهور عن المهور أنه كان حكيما وليا ول يكن نبيا وقد ذكره ال تعال ف القرآن فأثن‬
‫عليه وحكى من كلمه فيما وعظ به ولده الذي هو أحب اللق إليه ‪ ،‬وهو أشفق الناس عليه‬
‫شرْكَ لَظُ ْلمٌ عَظِيمٌ)) فنهاه عنه‬
‫شرِكْ بِال ّلهِ إِ ّن ال ّ‬
‫فكان من أول ما وعظ به أن قال(( يَا بَُن ّي لَا ُت ْ‬
‫وحذره منه‪.‬‬
‫وقد قال البخاري ‪ :‬حدثنا قتيبة حدثنا جرير عن العمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد ال‬
‫قال لا نزلت " الذين آمنوا ول يلبسوا إيانم بظلم " شق ذلك على أصحاب رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم وقالوا ‪ :‬أينا ل يلبس إيانه بظلم ؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬إنه‬
‫ليس بذاك أل تسمع إل قول لقمان ؟ " يا بن ل تشرك بال إن الشرك لظلم عظيم " ورواه‬
‫مسلم من حديث سليمان بن مهران العمش به ث اعترض تعال بالوصية بالوالدين وبيان‬
‫حقهما على الولد وتأكده وأمر بالحسان إليهما حت ولو كانا مشركي ولكن ل يطاعان على‬
‫الدخول ف دينهما إل أن قال مبا عن لقمان فيما وعظ به ولده‬

‫خ َر ٍة َأوْ فِي السّمَاوَاتِ أَ ْو فِي اْلأَرْضِ‬


‫ك مِ ْثقَالَ حَّب ٍة ِمنْ َخ ْردَ ٍل فََتكُ ْن فِي صَ ْ‬
‫((يَا بَُن ّي ِإنّهَا إِنْ تَ ُ‬
‫َي ْأتِ ِبهَا ال ّلهُ إِ ّن ال ّلهَ لَطِيفٌ خَبِيٌ))‬
‫ينهاه عن ظلم الناس ولو ببة خردل فإن ال يسأل عنها ويضرها حوزة الساب ويضعها ف‬
‫اليزان كما قال تعال‬

‫ط لَِيوْ ِم الْقِيَامَ ِة فَلَا تُظْ َلمُ َنفْسٌ‬


‫((إِ ّن ال ّلهَ لَا يَظْ ِلمُ مِ ْثقَا َل ذَ ّر ٍة وقال تعال َونَضَ ُع الْ َموَازِينَ اْل ِقسْ َ‬
‫شَيْئًا وَإِنْ كَا َن مِ ْثقَا َل حَّبةٍ ِم ْن خَ ْر َدلٍ َأتَيْنَا بِهَا وَ َكفَى بِنَا حَاسِبِيَ ))‬

‫وأخبه أن هذا الظلم لو كان ف القارة كالردلة ولو كان ف جوف صخرة صماء ل باب‬
‫لا ‪ ،‬ول كوة أو لو كانت ساقطة ف شيء من ظلمات الرض أو السماوات ف اتساعهما‬
‫وامتداد أرجائهما لعلم ال مكانا‬

‫ف خَبِيٌ)) أي علمه دقيق فل يفى عليه الذر ما تراءى للنواظر أو توارى كما‬
‫((إِ ّن ال ّلهَ لَطِي ٌ‬
‫س ِإلّا‬
‫ب َولَا يَابِ ٍ‬
‫ض َولَا رَ ْط ٍ‬
‫قال تعال(( َومَا َتسْقُطُ مِ ْن وَ َر َقةٍ ِإلّا َيعْلَ ُمهَا وَلَا حَبّ ٍة فِي ظُلُمَاتِ اْلأَرْ ِ‬
‫ب لَا‬
‫ي وقال عَاِلمِ اْلغَيْ ِ‬
‫ب مُبِ ٍ‬
‫ض ِإلّا فِي كِتَا ٍ‬
‫ي وقال َومَا ِمنْ غَائِبَ ٍة فِي السّمَا ِء وَاْلأَرْ ِ‬
‫ب مُبِ ٍ‬
‫فِي كِتَا ٍ‬
‫ك َولَا أَكَْبرُ إِلّا فِي كِتَابٍ‬
‫ص َغرُ ِم ْن َذلِ َ‬
‫ض َولَا أَ ْ‬
‫ت َولَا فِي اْلأَرْ ِ‬
‫َي ْعزُبُ عَ ْن ُه مِ ْثقَا ُل ذَ ّر ٍة فِي السّمَاوَا ِ‬
‫مُبِيٍ ))‬

‫وقد زعم السدي ف خبه عن الصحابة أن الراد بذه الصخرة الصخرة الت تت الرضي‬
‫السبع وهكذا حكي عن عطية العوف وأب مالك والثوري والنهال بن عمرو وغيهم وف‬
‫صحة هذا القول من أصله نظر ث ف أن هذا هو الراد نظر آخر فإن هذه الية نكرة غي معرفة‬
‫فلو كان الراد با ما قالوه لقال ‪ :‬فتكن ف الصخرة وإنا الراد فتكن ف صخرة أي صخرة‬
‫كانت كما قال المام أحد حدثنا حسن بن موسى حدثنا ابن ليعة حدثنا دراج عن أب اليثم‬
‫عن أب سعيد الدري عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال لو أن أحدكم يعمل ف صخرة‬
‫صماء ليس لا باب ول كوة لرج عمله للناس كائنا ما كان ث قال(( يَا بَُن ّي َأقِ ِم الصّلَاةَ)) أي‬
‫أدها بميع واجباتا من حدودها وأوقاتا وركوعها وسجودها وطمأنينتها وخشوعها وما شرع‬
‫فيها واجتنب ما ني عنه فيها ث قال(( َوأْ ُم ْر بِالْ َم ْعرُوفِ وَانْهَ َع ِن الْمُ ْن َكرِ)) أي بهدك وطاقتك‬
‫أي إن استطعت باليد فباليد وإل فبلسانك فإن ل تستطع فبقلبك ث أمره بالصب فقال وَاصِْبرْ‬
‫عَلَى مَا أَصَاَبكَ وذلك أن المر بالعروف والناهي عن النكر ف مظنة أن يعادى وينال منه‬
‫ولكن له العاقبة ولذا أمره بالصب على ذلك ومعلوم أن عاقبة الصب الفرج وقوله ((إِ ّن َذِلكَ‬
‫صعّ ْر َخدّكَ لِلنّاسِ)) قال ابن‬
‫ِمنْ َعزْ ِم اْلأُمُورِ)) الت ل بد منها ول ميد عنها وقوله ((وَلَا تُ َ‬
‫عباس وماهد وعكرمة وسعيد بن جبي والضحاك ويزيد بن الصم وأبو الوزاء وغي واحد ‪:‬‬
‫معناه ل تتكب على الناس وتيل خدك حال كلمك لم وكلمهم لك على وجه التكب عليهم‬
‫والزدراء لم قال أهل اللغة ‪ :‬وأصل الصعر داء يأخذه البل ف أعناقها فتلتوي رؤوسها فشبه‬
‫به الرجل التكب الذي ييل وجهه إذا كلم الناس أو كلموه على وجه التعظم عليهم‪.‬‬

‫ض َم َرحًا إِ ّن ال ّلهَ لَا يُحِبّ ُك ّل مُخْتَالٍ َفخُورٍ)) ينهاه عن التبختر ف‬


‫ش فِي الْأَرْ ِ‬
‫وقوله(( َولَا تَ ْم ِ‬
‫ض َم َرحًا ِإنّكَ‬
‫ش فِي الْأَرْ ِ‬
‫الشية على وجه العظمة والفخر على الناس كما قال تعال(( َولَا تَمْ ِ‬
‫ق اْلأَرْضَ وََل ْن تَبْلُ َغ الْجِبَالَ طُولًا)) يعن ‪ :‬لست بسرعة مشيك تقطع البلد ف مشيتك‬
‫خرِ َ‬
‫َل ْن تَ ْ‬
‫هذه ‪ ،‬ولست بدقك الرض برجلك ترق الرض بوطئك عليها ولست بتشامك وتعاظمك‬
‫وترفعك تبلغ البال طول فاتئد على نفسك فلست تعدو قدرك ‪.‬‬
‫وقد ثبت ف الديث بينما رجل يشي ف برديه يتبختر فيهما إذ خسف ال به الرض فهو‬
‫يتجلجل فيها إل يوم القيامة وف الديث الخر إياك وإسبال الزار فإنا من الخيلة والخيلة ل‬
‫يبها ال ‪.‬‬
‫كما قال ف هذه الية(( إِنّ ال ّل َه لَا يُحِبّ ُك ّل مُخْتَا ٍل فَخُورٍ)) ولا ناه عن الختيال ف الشي‬
‫ص ْد فِي‬
‫أمره بالقصد فيه فإنه لبد له أن يشي فنهاه عن الشر ‪ ،‬وأمره بالي فقال(( وَاقْ ِ‬
‫َمشِْيكَ)) أي ل تبتاطأ مفرطا ول تسرع إسراعا مفرطا ولكن بي ذلك قواما كما قال تعال‬
‫ض َهوْنًا وَِإذَا خَاطََب ُهمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)) ث‬
‫((وَعِبَادُ ال ّرحْ َمنِ اّلذِي َن يَ ْمشُونَ عَلَى اْلأَرْ ِ‬
‫صوِْتكَ)) يعن ‪ :‬إذا تكلمت ل تتكلف رفع صوتك ‪ ،‬فإن أرفع‬
‫ض ِمنْ َ‬
‫قال(( وَاغْضُ ْ‬
‫الصوات ‪ ،‬وأنكرها صوت المي‪.‬‬
‫وقد ثبت ف الصحيحي المر بالستعاذة عند ساع صوت المي بالليل فإنا رأت شيطانا‬
‫ولذا ني عن رفع الصوت حيث ل حاجة إليه ول سيما عند العطاس فيستحب خفض‬
‫الصوت وتمي الوجه كما ثبت به الديث من صنيع رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فأما‬
‫رفع الصوت بالذان وعند الدعاء إل الفئة للقتال وعند الهلل ونو ذلك فذلك مشروع‬
‫فهذا ما قصه ال تعال عن لقمان عليه السلم ف القرآن من الكم ‪ ،‬والواعظ ‪ ،‬والوصايا‬
‫النافعة الامعة للخي الانعة من الشر وقد وردت آثار كثية ف أخباره ومواعظه ‪ ،‬وقد كان له‬
‫كتاب يؤثر عنه يسمى بكمة لقمان ونن نذكر من ذلك ما تيسر إن شاء ال تعال‪.‬‬
‫قال المام أحد ‪:‬‬
‫حدثنا علي بن إسحاق أنبأنا ابن البارك أنبأنا سفيان أخبن نشل بن ممع الضب عن قزعة عن‬
‫ابن عمر قال أخبنا رسول ال صلى ال عليه وسلم قال إن لقمان الكيم كان يقول إن ال‬
‫إذا استودع شيئا حفظه وقال ابن أب حات ‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشج حدثنا عيسى بن يونس‬
‫عن الوزاعي عن موسى بن سليمان عن القاسم بن ميمرة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫قال قال لقمان لبنه وهو يعظه يا بن إياك والتقنع فإنه موفة بالليل مذلة بالنهار ‪. .‬‬

‫وقال أيضا ‪ :‬حدثنا أب حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا ضمرة حدثنا السري بن يي قال لقمان‬
‫لبنه ‪ :‬يا بن إن الكمة أجلست الساكي مالس اللوك وحدثنا أب حدثنا عبدة بن سليمان‬
‫أنبأنا ابن البارك أنبأنا عبد الرحن السعودي عن عون بن عبد ال قال ‪ :‬قال لقمان لبنه ‪ :‬يا‬
‫بن إذا أتيت نادي قوم فارمهم بسهم السلم ‪ -‬يعن السلم ‪ -‬ث اجلس ف ناحيتهم فل تنطق‬
‫حت تراهم قد نطقوا ‪ ،‬فإن أفاضوا ف ذكر ال فأجل سهمك معهم وإن أفاضوا ف غي ذلك‬
‫فتحول عنهم إل غيهم وحدثنا أب حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا ضمرة عن حفص بن عمر‬
‫قال ‪ :‬وضع لقمان جرابا من خردل إل جانبه وجعل يعظ ابنه وعظة ويرج خردلة حت نفد‬
‫الردل فقال ‪ :‬يا بن لقد وعظتك موعظة لو وعظها جبل تفطر قال ‪ :‬فتفطر ابنه‪.‬‬
‫وقال أبو القاسم الطبان ‪ :‬حدثنا يي بن عبد الباقي الصيصي حدثنا أحد بن عبد الرحن‬
‫الران حدثنا عثمان بن عبد الرحن الطرائفي حدثنا أبي بن سفيان القدسي عن خليفة بن‬
‫سلم عن عطاء بن أب رباح عن ابن عباس قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم اتذوا‬
‫السودان فإن ثلثة منهم من سادات أهل النة لقمان الكيم والنجاشي وبلل الؤذن قال‬
‫الطبان ‪ :‬يعن البشي ‪ ،‬وهذا حديث غريب منكر‪.‬‬

‫وقد ذكر له المام أحد ترجة ف كتاب الزهد ذكر فيها فوائد مهمة وفرائد جة فقال ‪ :‬حدثنا‬
‫حكْ َمةَ قال ‪ :‬الفقه والصابة ف غي‬
‫وكيع حدثنا سفيان عن رجل عن ماهد َولَ َقدْ آتَيْنَا لُقْمَا َن الْ ِ‬
‫نبوة وكذا روي عن وهب بن منبه‬

‫وحدثنا وكيع حدثنا سفيان عن أشعث عن عكرمة عن ابن عباس قال ‪ :‬كان لقمان عبدا‬
‫حبشيا‪.‬‬
‫وحدثنا أسود حدثنا حاد عن علي بن زيد عن سعيد بن السيب أن لقمان كان خياطا‪.‬‬

‫وحدثنا سيار حدثنا جعفر حدثنا مالك يعن ابن دينار قال ‪ :‬قال لقمان لبنه ‪ :‬يا بن اتذ طاعة‬
‫ال تارة تأتك الرباح من غي بضا‬

You might also like