Professional Documents
Culture Documents
كلية التربية
برنامج الدكتوراة في المناهج العامة
الورقة األولى
حول :ماهية العلم ومفهومه
جماالت العلم -طبيعة املعرفة العلمية -خصائص املعرفة العلمية -
فالعلم البشري ليس علما مطلقا ,إن الذي يشتغل بالعلم ـ كما أش;ار بعض العلم;اء إىل ذل;ك ـ ال يش;عر بوج;ود ع;امل
من النظريات املؤكدات متام التأكي;;د ,وال حبق;;ائق مؤسس;ة تأسيس;ا هنائي;ا ,وال ي;رى العلم;اء أهنا تتمت;;ع ب;رباهني قاطع;;ة
مطلق;;ة ح;;ىت تبل;;غ ب;;ذلك مبل;;غ اليقني ,فهم يتص;;ورون العلم باعتب;;اره جمموع;;ة من افرتاض;;ات هلا ش;;يء من ال;;دعائم,
قلت أو كثرت يف شكل نظريات موضعية ال تتخذ صيغة وحدة كاملة.
هلذا نرى رشارد فريدمن احلاصل على ج;ائزة نوب;ل يف الفيزي;اء س;نة 1966يق;ف موقف;ا ص;رحيا من غم;وض مفه;وم
العلم ومعناه فيقول :اشتغلت بالعلم طوال حيايت عارفا متاما م;ا ه;و ,ولكن اإلجاب;ة عن الس;;ؤال :م;ا ه;;و العلم? ه;و
األمر الذي أشعر أين عاجز عنه! .
وه ;;ذا م ;;ا جع ;;ل املفه ;;وم النس ;;يب للعلم يس ;;ود الي ;;وم ل ;;دى فالس ;;فة العلم ,وعن ;;د العلم ;;اء أنفس ;;هم إىل ح ;;د أن ادعى
أح;;دهم ,وه;;و ب;;ول فرايرابن;;د أن ك;;ل ش;;يء يف العلم ج;;ائز ,وص;;نع لنفس;;ه نظري;;ة الفوض;;ى يف نظري;;ة املعرف;;ة ,وأعلن
إنك;;اره ملا يس;;مى ب;املنهج يف العلم ,وكتب كتاب;;ا عنوان;;ه "ض;;د املنهج" ,واعتق;;د بأن;;ه ال ميكن الق;;ول ب;;أن العق;;ل يص;;ل
يف العلم إىل م ;;ا ه ;;و كلي ,كم ;;ا ال ميكن أن يس ;;تبعد الالمعق ;;ول من العلم ,وه ;;ذا م ;;ا جعل ;;ه معجب ;;ا بالص ;;ني عن ;;دما
رفضت مجاعة ماوتسي تونغ العلم الغريب املهيمن يف ثورته الثقافية.
وأغ ;;رب من ذل ;;ك ف ;;إن ب ;;ول فراي ;;راب ن ;;د دع ;;ا إىل إع ;;ادة االعتب ;;ار للس ;;حر والتنجيم والكهان ;;ة واألس ;;اطري ال ;;يت ع ;;زم
العقليون على حموها من األرض ,ورمبا كان هذا إش;ارة إىل ع;رض من أع;راض أزم;ة العق;ل الغ;ريب ,وم;ا ع;زمت علي;ه
مجاعة ما بعد احلداثة من فك الثوابت ,وهدم ما تعارف عليه أهل الغرب من العقالنية وصرامة املنهج والثقنية.
وال ينفي هذا أن للعلم عموما وللمعرفة منطق;ا تنظيمي;ا فيم;ا ي;ذهب إلي;ه فيلس;وف العل;وم وم;ؤرخ اللس;انيات س;لفان
أورو ,فالعلم ميلك نظاما ما يتكون من ثالثة عناصر على األقل ضرورية:
1ـعناصر نظرية (مفاهيم;.)...
2ـعناصر اجتماعية (مؤسسات سياسية ,علمية;.)...,
3ـعناصر نفعية عملية (تقدم اقتصادي وتقين;.)...
ومن وسائل فهم العلم وتارخيه االعتماد على دراسة العالق;ات بني ه;ذه املكون;ات الثالث;ة ,ف;العلم ال يلخص يف جمرد
النظريات واملعطيات والتجارب ,ألن األفكار ينتجها بشر ومؤسسات ,ويأخذ هبا علماء من البشر.
ومن أج;;ل ه;;ذه النس;;بية وه;;ذا القص;;ور يف العلم جلأ العلم;;اء والب;;احثون إىل طريق;;ة جدي;;دة (موض;;ة العص;;ر) وهي م;;ا
نسميه ما بني التخصصات ,وهي وسيلة تكمل النقص الذي يعاين منه التخص;;ص الواح;;د ,وذل;;ك لض;;رورة وج;;ود
تفك ;;ري كلي ج ;;امع ,أو نظ ;;رة ش ;;املة ,وه ;;ذا م ;;ا أمثر س ;;ببا من أس ;;باب التجدي ;;د يف العل ;;وم االجتماعي ;;ة ,حيث أثبتت
بعض الدراس ;;ات أن معظم التجدي ;;د النظ ;;ري انبث ;;ق من احلدود واهلوامش ال ;;يت تلتقي فيه ;;ا ه ;;ذه العل ;;وم ,مث ;;ل اللق ;;اء
األخري بني البيولوجيا وعلم األجناس (األنرتوبولوجيا) ,ففتح بذلك حق;;ل خص;ب الكتش;افات عن أص;ول الس;كان,
فتيسرت معرفة األنساب بواسطة خصائص الدم.
ه ;;ذا ,وق ;;د أعجب ;;ين هبذا الص ;;دد م ;;ا أش ;;ار إلي ;;ه أب ;;و بك ;;ر بن الع ;;ريب من ض ;;رر التخص ;;ص الض ;;يق ,ق ;;ال" :وال يف ;;رد
[اإلنسان] نفسه ببعض العلوم ,فيكون إنسانا يف الذي يعلم ,هبيمة فيما ال يعلم ,وال سيما من أق;;ام عم;;ره حس اب;;ا
أو حنويا فقد هلك ,فإنه مبنزلة من أراد صنعة شيء فحشد اآللة عمره ,مث مات قبل عمل صنعته .
وينبغي هاهن;;ا أن نش;;ري إىل ظ;;اهرة أزم;;ة األس;;س ,وأزم;;ة الثق;;ة بالعق;;ل والعلم عن;;د الغرب;;يني ,ح;;ىت ظن بعض;;هم أهنم
س;يعلنون عن م;;وت العلم ,وفعال فإن;;ه أعلن بعض;هم عن أزم;ة العل;;وم األوروبي;ة ,ووض;عت; العقالني;ة األوروبي;ة عام;ة,
ووجهه;;ا الب;;ارز امليتافيزيق;;ا موض;;ع تس;;اؤل ,وأص;;بح الش;;عار :ك;;ل حقيق;;ة هي خط;;أ مل يبت في;;ه بع;;د ,معلن;;ا وأن;;ه ال
يتصور مستقبل للعلم إال يف حدود قطيعة ابستمولوجية ,وإعادة تنظيمه تنظيما جذريا ففي ك;ل مرحل;ة من مراح;ل
الت;اريخ يش;;كل العلم في;;ه بن;;اء مس;تقال ,باعتب;;اره منوذج;;ا جدي;;دا منقط;;ع الص;لة مبا قبل;;ه من النم;;اذج فيم;;ا ي;;رى توم;;اس
كون كما أشرنا إىل ذلك.
وبع;;د م;;ا انقطعت ص;;لة العلم ب;;األخالق يف الغ;;رب ن;;رى ل;;دى بعض الفالس;;فة الي;;وم مب;;دأ االل;;تزام اخللقي ,كم;;ا جند
ذلك عند الفيلسوف "روريت" حيث بني أنه مع مجاع;;ة من الربامجاتيني اجلدد ال ميلك;;ون نظري;ة يف احلقيق;ة ,ألهنم من
أنص ;;ار التض ;;امن ,ويق ;;وم تفس ;;ريهم لقيم ;;ة العلم والبحث اإلنس ;;اين على قاع;;دة أخالقي ;;ة ,ال على نظري ;;ة املعرف;;ة ,وال
على امليتافيزيق ;;ا ,وه ;;ذا العنص ;;ر األخالقي ه ;;و ال ;;ذي فق ;;ده العلم الغ ;;ريب الي ;;وم ,ول ;;ذلك نش ;;أت أزم ;;ة العق ;;ل وأس ;;س
املعرف;;ة ,فك;;اد الن;;اس يف الغ;;رب ييأس;;ون من العق;;ل ,والعلم ,والتق;;دم ,لفق;;دان عنص;;ر آخ;;ر ي;;دعم ه;;ذا العلم اإلنس;;اين
ويغذي;;ه ,ويربط;;ه بوج;;ود آخ;;ر غ;;ري الوج;;ود املش;;اهد احملس;;وس ,وه;;و األم;;ر ال;;ذي يض;;منه اإلس;;الم يف احرتام;;ه لعق;;ل
اإلنسان وكرامته.
2ـ هل العقل من شأنه الوصول إىل العلم?
وص;;ف بعض أئم;;ة املس;;لمني العق;;ل بأن;;ه أم العل;;وم ,وعرف;;ه احملاس;;يب (ت243هـ ) بأن;;ه غري;;زة ,وش;;بهه بالبص;;ر ;,كم;;ا
ش;;به العلم بالس;;راج ,فه;;و عن;;ده :غري;;زة يول;;د العب;;د هبا ,مث يزي;;د في;;ه مع;;ىن بع;;د مع;;ىن ,باملعرف;;ة باألس;;باب الدال;;ة على
املعقول .
ومن وظائف ;;ه الفهم والبي ;;ان ,ويس ;;مى ذل ;;ك عقال أيض ;;ا ,ألن ;;ه من العق ;;ل ك ;;ان ,وأدخ ;;ل املع ;;ىن األخالقي يف وظيف ;;ة
العق ;;ل ,فه ;;و ال ;;ذي ال مييز بني احلق والباط ;;ل فحس ;;ب ,ولكن ;;ه مييز بني اخلري والش ;;ر ,والعاق ;;ل ه ;;و ال ;;ذي يل ;;تزم اخلري
ويبتعد عن الشر.
وأش;;ار أب;;و حام;;د الغ;;زايل إىل مع;;ىن اتف;;ق في;;ه م;;ع رأي احملاس;;يب ,فالعق;;ل عن;;ده أيض;;ا :غري;;زة يتهي;;أ هبا إدراك العل;;وم
النظري ;;ة ( )...فنس ;;بة ه ;;ذه الغري ;;زة إىل العل ;;وم املكتس ;;بة كنس ;;بة العني إىل الرؤي ;;ة ,ونس ;;بة الق ;;رآن والش ;;رع إىل ه ;;ذه
الغريزة يف سياقها إىل انكشاف العلوم هلا كنسبة الشمس إىل البصر .
وسوى األشعري; بني العقل والعلم ,وال فرق عند العرب بني عقلت وعلمت وعرفت عن;د أيب بك;ر بن الع;ريب ,أم;ا
ال;;راغب األص;;فهاين (ت503هـ ) فع;;ر ف;;ه تعريف;;ا لطيف;;ا وق;;ال إمنا :مسي العق;;ل عقال من حيث إن;;ه م;;انع لص;;احبه أن
تقع أفعاله على غري نظام ,ومسي علما من حيث إنه عالمة على الشيء .
وي;;ذهب بعض علم;;اء املس;;لمني إىل أن العق;;ل ليس ج;;وهرا كم;;ا يعتق;;د فالس;;فة اليون;;ان ,وإمنا ه;;و فع;;ل وفاعلي;;ة ,وإن
أنك;;ر الص;;رييف ه;;ذا ,وبني أن :العق;;ل مع;;ىن ركب;;ه اهلل يف اإلنس;;ان ,ال أن;;ه فع;;ل كم;;ا زعم بعض الن;;اس .وأك;;د بعض
املعاصرين لنا أن العقل يف مفهومه القرآين فعالية ,وليس جوهرا ,وصيغ العقل يف الق;رآن فيم;ا نعتق;د ت;دل على ه;ذا,
ألهنا يف أغلبها صيغ فعلية ,ويف صيغة املضارع الدالة على التجدد واالستمرار.
جع;;ل أب;;و حام;;د الغ;;زايل للعق;;ل مكان;;ة متم;;يزة على غ;;ري م;;ا يعتق;;د بعض الب;;احثني ,فه;;و عن;;ده :منب;;ع العلم ,ومطلع;;ه,
وأساس ;;ه ,والعلم جيري من ;;ه جمرى الثم ;;رة من الش ;;جرة ,والن ;;ور من الش ;;مس ,والرؤي ;;ة من العني ,إال أن طائف ;;ة من
احملدثني فيم; ; ; ; ; ; ; ; ; ;;ا ي; ; ; ; ; ; ; ; ; ;;ذكر أب; ; ; ; ; ; ; ; ; ;;و إس; ; ; ; ; ; ; ; ; ;;حاق اإلس; ; ; ; ; ; ; ; ; ;;فراييين أنك; ; ; ; ; ; ; ; ; ;;رت أن يك; ; ; ; ; ; ; ; ; ;;ون العق; ; ; ; ; ; ; ; ; ;;ل طريق; ; ; ; ; ; ;;ا للعلم.
أما العالق;ة بني العق;ل والعلم ال;ديين فق;د ص;ورها أب;و حام;د الغ;زايل على ه;ذا النح;و :وليس خيفى أن العل;وم الديني;ة,
وهي فقه اآلخرة ,إمنا تدرك بكمال العقل ,وصفاء الذكاء ,والعق;ل أش;رف ص;;فات اإلنس;ان .ورأى اإلم;ام املازري
أن صحة الشرع إمنا تعرف بالعقل ,ورد على طائفة من احملدثني تنكر العلم العقلي ,فقال :وأما من قص;;ر العلم على
الشرع فظاهر البطالن ,ألن صحة الشرع إمنا تعرف بالعقل .
ومن األلفاظ القرآنية العربية اليت هلا عالقة بالعقل والعلم لفظ الفك;;ر ,داللته;;ا اللغوي;ة إعم;;ال العق;;ل يف ح;ل مش;كلة,
ويرى بعض األدباء أهنا مقلوب كلمة "فرك" ,إال أن الفرك يستعمل يف فحص احملسوسات ,والفكر يف املعاين.
ويرى الغزايل أن معىن الفكر :إحضار معرفتني يف القلب ليستثمر منهما معرفة ثالثة .والتفك;;ري والتأم;;ل والت;;دبر عن;;ده
كلم;;ات مرتادف;;ة ,أم;;ا الت;;ذكر والنظ;;ر واالعتب;;ار فهي خمتلف;;ة ,ومثرة الفك;;ر إمنا هي تكث;;ري العلم واس;;تجالب مع;;ارف
جديدة ,ويتمادى الفكر يف نظر الغزايل إىل غري هناية ,فالعلوم ال هناية هلا ,وجماري الفكر غري حمصورة ,ومثراته غ;;ري
متناهي;;ة ,وه;;و يف اآلن نفس;;ه ش;;بكة العل;;وم ومص;;يدة املع;;ارف والفه;;وم ,وجيري الفك;;ر فيم;;ا يتعل;;ق بال;;دين وفيم;;ا
يتعلق بغري الدين.
وأم;;ا النظ;;ر فه;;و طلب الص;;واب ,ويقتص;;ر اجلدل على جمرد نص;;رة ل;;ه ,وللح;;ق إن ك;;ان م;;ا جيادل عن;;ه حق;;ا يف واق;;ع
األمر.
بيد أن ثقة الصوفية يف العقل وعلومه غري وثيقة ,وإن متتع بعضهم بتحليالت عقلية بديعة ,وأحسب أن العق;;ل ال;;ذي
ينف;;رون من;;ه ه;;و العق;;ل اجلديل واملماحك;;ات ال;;يت ال ت;;ؤدي إىل اليقني ,أم;;ا العق;;ل مبعن;;اه احلقيقي فال ميكن إلنس;;ان أن
يف ;;رط في ;;ه ,إال إذا فق ;;د إنس ;;انيته ,وال ت ن ايف يف نظرن ;;ا بني ال ;;ذوق العقالين وال ;;ذوق الوج ;;داين تن ;;ايف تن ;;اقض أو
تضاد.
ويالحظ الراغب األصفهاين ما للعلم يف اإلسالم من صلة وثيق;;ة بالعم;;ل ,فيش;;ري إىل تل;;ك العالق;ة اللغوي;ة بني "علم "
و"عم ;;ل " ,ف ;;العلم مقل ;;وب العم ;;ل ,وه ;;ذا ي ;;ومئ إىل ه ;;ذه العالق ;;ة املتين ;;ة يف العقلي ;;ة العربي ;;ة ذات الوجه ;;ة العملي ;;ة يف
احلياة ,ولذلك فسر املفس;رون احلكم;ة يف العربي;ة بأهنا إحك;ام للعلم ,وإحك;ام للعم;ل مع;ا ,فهي حتقي;ق العلم ,وإتق;ان
العمل.
والحظ الراغب مالحظته يبدو أنه انفرد هبا يف تفسري قوله تعاىل":ويعلمهم الكتاب واحلكمة ,وهي أنه " :قد أف;;رد
ذك;;ر احلكم;;ة يف عام;;ة الق;;رآن عن الكت;;اب ,فجع;;ل الكت;;اب رمسا ل م;;ا ال ي;;درك إال من جه;;ة النب;;وات ,واحلكم;;ة ملا
ي;;درك من جه;;ة العق;;ل ,وجعال م;;نز لني ( )...ومجع بينهم;;ا يف ال;;ذكر حلاج;;ة ك;;ل واح;;د منهم;;ا إىل اآلخ;;ر .وفس;;ر
امليزان باحلكمة يف قوله تعاىل" :اهلل الذي أنزل الكتاب باحلق وامليزان " .
ف;;العلم ,واحلكم;;ة ,والعق;;ل ,والعم;;ل مع;;ان متش;;ابكة ي;;ؤدي بعض;;ها إىل بعض ,وق;;د أش;;ار أب;;و بك;;ر بن الع;;ريب إىل ه;;ذا
التداخل بني هذه املعاين يف صورة واضحة رائعة يف مبناها ومعناها ,فقال :وليس للحكمة مع;;ىن إال العلم ,وال للعلم
مع ;;ىن إال العق ;;ل ,إال أن يف احلكم ;;ة إش ;;ارة إىل مثرة العلم وفائدت ;;ه ,ولف ;;ظ العلم جمرد من دالل ;;ة على غ ;;ري ذات ;;ه ,ومثرة
العلم العم;;ل مبوجب;;ه ,والتص;;رف حبكم;;ه ,واجلري على مقتض;;اه يف مجي;;ع األق;;وال واألفع;;ال ,وبن;;اء "عق;;ل" يقتض;;ي أن
جتري األفعال واألقوال على قانون فال يسرتسل يف املمكنات ,وكذلك بناء "حكم" مثله يف اقتضاء ذلك .
وهذا التفسري للعقل بالقانون الضابط لألقوال واألفعال يف غاية األمهية ,وكذلك اقتضاء احلكمة هلذا القانون.
وفسر الغزايل احلكمة بأهنا يف بعض مواضعها من الق;;رآن الفهم يف كت;اب اهلل ,ومن زعم أن;;ه اس;توىف مع;;اين الق;;رآن,
فإمنا يعرب عن نفسه ,وعن حده يف الفهم ,فالقرآن أعطى لإلنسان ثقة يف عقله إذا وفق يف استعماله ,ومل يستهن به,
ومل يس ;;تبعده مما جع ;;ل ل ;;ه ,ومل يقل ;;ل من ش ;;أنه ,ب ;;ل دع ;;ا إىل الربه ;;ان ال ;;ذي يقيم ;;ه العق ;;ل وجعل ;;ه حج ;;ة داخلي ;;ة يف
اإلنسان باإلضافة إىل احلجة اخلارجية وهي الوحي.
وحنن نق;;رأ الي;;وم يف فلس;;فة العل;;وم الغربي;;ة م;;ا جيع;;ل الق;;رن العش;;رين يوس;;م بأن;;ه ق;;رن أزم;;ة العق;;ل يف نظ;;ر بعض كت;;اب
الغ;;رب وفالس;;فته ,وذل;;ك بع;;د أن ظه;;رت نظرية Kurt Godelيف ع;;دم التكام;;ل بني الرياض;;يات ال;;يت ك;;ان يظن
فيها أهنا معيار اليقني والدقة ,مما أدى إىل هدم فكرة بناء لغة منطقية مغلقة كاملة.
وأك ;;د ه ;;ذا ك ;;ارل ب ;;وبر حني انتهى إىل أن النظري ;;ة العلمي ;;ة ليس ;;ت هي ال ;;يت تع ;;رب عن حقيق ;;ة حمددة حتدي ;;دا هنائي ;;ا,
ولكنها على العكس هي اليت ميكن أن توضع موضع النقد والنقض على ضوء مبدأ النقض.
فنقاد العلم اليوم يريدون أن يهدموا م;;ا ك;ان حيلم ب;ه العلم;;اء من إمك;ان الوص;ول إىل لغ;ة علمي;ة عاملي;ة موح;دة ,فق;د
حارب فريابان;د ب;ول يف كتاب;ه "وداع;ا للعق;ل" حمارب;ة ال ه;وادة فيه;ا فك;رتني رئيس;تني ,ومها العق;ل واملوض;وعية اللت;ان
ي ;;زعم العلم أن ;;ه يت ;;وفر عليهم ;;ا ,ويقيس العلم على الفن ,ف ;;العلم عن ;;ده ليس أدق وال أنف ;;ذ من األس ;;طورة! وه ;;ذا مل
يذهب إليه حىت غالة املتصوفة عندنا .فهل من منقذ للعقل والعلم بعد هذا.
خصائص العلم :
وتسمى أيضاً ( عمليات العلم ) وهي جمموعة من العمليات العقلية الالزمة لتطبيق املعرفة العلمية وهي .
املالحظة :انتباه مقصود; ومنظم للظواهر من اجل اكتشاف أسباهبا وقوانينها . -1
القياس :عملية استخدام األدوات لتقدير األشياء املختلفة . -2
التصنيف :تصنيف املعلومات والبيانات إىل فئات أو جمموعات اعتماداً على خواص مشرتكة . -3
التفسري :تفسري البيانات والنتائج يف ضوء املعلومات املتوافرة . -4
االستنتاج :الوصول إىل أفكار معينة اعتمادا على ما متوفر من بيانات . -5
االستنباط :االنتقال من العام إىل اخلاص ومن اجلزء إىل األجزاء . -6
االستقراء :االنتقال من اخلاص إىل العام ومن اجلزء إىل الكل . -7
االتصال :نقل األفكار واملعلومات ونتائج البحوث إىل اآلخرين . -8
التنبوء :استخدام معلومات سابقة لتوقع حدوث نتائج أو ظواهر مستقبلية . -9
وضع الفروض :وضع حل مبدئي ملشكلة ما ويشرتط فيه أن يكون قابل لالختبار . -10
التجريب :يتضمن القدرة على القيام باألنشطة العلمية باستخدام األجهزة واألدوات. -11
يتطابق ظه;ور العِلم م;ع نش;أة اإلنس;انية ،و ق;د ش;هد خالل تارخيه سلس;لة من الث;ورات و التط;ورات خالاللعدي;د من
احلقبات ،لعل أبرزها تلك اليت تلت احلرب العاملية الثانية ،مما جعل العلمينقسم لع;;دة ف;روع أو عُلُ;;وم .تص;نف العل;;وم
حسب العديد من املعايري ،فهي تتميزبأهدافها و مناهجها و املواضيع اليت تدرسها:
حسب األهداف:
منيز العلوماألساسية (مثل الفيزياء) و العلوم التطبيقية (مثل الطب)
حسب املناهج:
منيزالعلوم التجريبية (أي تلك اليت تعتمد على الظواهر القابلة للمالحظ;ة و ال;يت ميكناختب;ار ص;حة نظرياهتا عن طري;ق
التجرب ;;ة) و العل; ;;وم التجريدي; ;;ة أو الص; ;;حيحة (املعتم; ;;دة علىمف; ;;اهيم و كمي; ;;ات جمردة ،واالس; ;;تدالل فيه ;;ا رياض ;;ي-
منطقي).
حسب املواضيع:
منيزالعلوم الطبيعية (الشاملة كالفيزياء و الكيمياء أو املتخصصة كعلم األحياء أوعلم األرض.
) العلوم اإلنسانية أو البشرية وهي اليت تدرس اإلنسان و جمتمعاته( علوم إجتماعية) و اإلقتصاد و النفس;...
العلوم اإلدراكية مثل العلوم العصبيةو اللسانيات و املعلوماتية ...العلوم اهلندسية)
طبيعة العلم:
ليست العلوم جمرد جمموعة من احلقائق املرتاكمة؛ بالرغم من أمهية معرفة حقائق علمية كثرية مثل زمن دوران
األرض حول نفسهاودوراهنا حول الشمس وأن املاء يغلي عند مائة درجة مئوية ويتجمد عند درجةالصفر...اخل.
إن طبيعة العلم ليس تعلم العلوم بل يشمل على أكثر من ذلك بكثري من معرفة ما يلي:
• العلم نشاط إنساين عاملي.
• العلم مادة وطريقة.
• للمفاهيم العلمية دور يف منو املعرفة العلمية وتطورها.
• القانون العلمي ثابتنسبيا.
• مالحظة األشياء وما حيدث هلا أو بينها.
• تصنيف وترتيب األشياءواملعلومات.
• توقع ما سوف حيدث ووضع االفرتاضات.
• التأكد من صحة التوقعاتواالفرتاضات بالتجريب العملي حتت ظروف ثابتة.
• اخلروج باالستنتاجات .وتثبيتاحلقائق.
• ال ميكن للعامل أن يبدأ من الصفر عند دراسة ظاهرة ما.
• يطلق علىاحلقيقة العلمية هواء العلم.
• النظرية العلمية خاضعة للتعديل والتغيري.
• توضع النظريات العلمية يف قمة هرم املعرفة.
• تتكون املفاهيم من خالل التجريدوالتعميم.
• تكون املفاهيم متمركزة حول الذات مث تتسع اخلربات لتضم املفاهيموالعالقات بني األشياء األخرى.
• اللغة تدعم املفاهيم ألهنا جتعل الكلمات رموزاللمعاين.
• املعرفة العلمية خربة حسية إدراكية.
• املعرفة العلمية احلسيةيقابلها املعرفة العلمية اجملردة (غري احلسية)
• املعرفة يف املقاربة اإلدراكيةيقابلها اإلمكانية أو القدرة يف املقاربة احلالية .
• مفهوم املشكلة أو املسألةيقابله مفهوم; األنشطة.
• مفهوم التعريف يقابله مفهوم; احلدود .
• مفهوم حالملسألة يقابله مفهوم ختطي تعارضات ظاهرية.
• مفهوم االستقراء يقابله مفهوماالستنباط.
• إن العلم يف مفهومه احلايل يتمثٌل باملعارف العالية الدقة،واملتوضعة يف الكتب والوثائق وغريها.
ف;;العلم ه;;و كمي;;ة هائل;;ة من املع;;ارف املرتابط;;ة يف سالس;;ل وأنس;;اق ،ومنتظم;;ة يف بني;;ة واح;;دة تقريب;اً .وه;;ذه املع;;ارف
عالي ; ; ; ; ;;ة الدق ; ; ; ; ; ; ;;ة وتنطبقبدرج ; ; ; ; ; ; ;;ة عالي ; ; ; ; ; ; ;;ة على الواق ; ; ; ; ; ; ;;ع ال ; ; ; ; ; ; ;;ذي نعيش ; ; ; ; ; ; ;;ه .وهي خاض ; ; ; ; ; ; ;;عة لالختب ; ; ; ; ; ;;ار دوم ; ; ; ; ;اٌ.
• الذي مييز املعارف العلمية عن باقي املعارف ،مثل املعارف العادية ،كاألمثال واملعارف الشعبية والعقائدي;ة والفني;;ة
والفلسفية وغريها هو:
أوالً :درجة دقة تنبؤاهتا العالية وانطباقها على الواقع بشكل كبري.
ثانياً :ترتابط هذه املعارف مع بعضها يف سالسل وأنساق ،فهي مرتابطة بشكل كبري يف بنية واحدة متماسكة.
ثالثا :اعتمادها من قبألغلبيةً كب;رية ،ومنتش;رة يف كاف;ة البل;دان .أي عموميته;ا وتوحي;دها الكب;ري .وه;ذا جيع;ل ت;داوهلا
بني الش;;عوب املختلف;;ة س;;هالً ،إذا مل تص;;طدم م;;ع املع;;ارف العقائدي;;ة – املق;;دس -املعتم;;دة .وه;;ذا بعكس املع;;ارف
الشعبية والعقائدية وباقي املعارف ،اليت يصعب تداوهلابني اجلماعات اليت تتبىن ك;ل واح;دة منه;ا مع;ارف خاص;ة هبا.
واملعارف غري العلمية هائلةجداً وهي يف ك;ل اجملاالت ،ولق;;د تن;وعت وتع;;ددت مص;ادرها وأص;;وهلا ،وه;ذا م;ا جعله;;ا
غريمنسقة ومتناقضة مع بعضها يف أغلب األحيان.
رابع; ;اً :املع ;;ارف العلمي ;;ة ال حتم ;;ل قيم ;;ة إال مق ;;دار دق ;;ة انطباقه ;;ا على الواق ;;ع ،فه ;;ذا ال ;;ذي يعطيه ;;ا قيمته ;;ا ،مث ;;ال:
كالملع;;ادن تتم;;دد ب;;احلرارة ،فليس املهم أن يك;;ون هن;;اك فائ;;دة أو ض;;رراً هلذا التم;;دد ،املهم ه;;و أهنا تتم;;دد باحتم;;ال
شبه مطلق .فالقيمة للمعارف العلمية تأيت من دقة تنبؤها العالية بانطباقها على الواقع.
خامس ;اً :ه;;ذه املع;;ارف متسلس;;لة يف درج;;ةدقتها ،فاملع;;ارف الرياض;;ية اهلندس;;ة واحلس;;اب واجلرب والتفاض;;ل ..ت;;أيت يف
القمة ودقتهاتامة أي مطلقة ،تليه;ا املع;ارف الفيزيائي;ة ودرج;ة دقته;ا تتج;اوز 10ق;وة 12تليه;ا املع;ارف الكيميائي;ة،
مث املعارف البيولوجية ،مث املعارف االجتماعية ...واملعارفالعلمية تنمو وتتوسع وتزداد دقة باستمرار.
م ;;ا مييز املع ;;ارف العلمي ;;ة ه ;;و قابليته ;;ا للتك ;;ذيب ،فنحن نس ;;تطيع أن خنت ;;رب أي ق;;انون (أو نظري;;ة) علمي;;ة ،وإذا كذب ;;ه
اختب;;ار واح;;د ،عن;;دها س;;وف نس;;عى لتغي;;ريه أو تعديل;;ه ،وك;;ذلك إذا تن;;اقض ق;;انون يف جمال معني م;;ع ق;;انون آخ;;ر،
عن;;دها نس;;عى ألزال;;ة ه;;ذا التن;;اقض ،إم;;ا بإلغ;;اء أح;;دهم أو كالهم ،أو تع;;ديل أح;;دهم أوكالهم .فيجب أنال تتن;;اقض
القوانني والنظريات العلمية مع بعضها.
املراجع:
باتريك هيلي ،صور املعرفة :مقدمة لفلسفة العلم املعاصرة ،مركز دراسات الوحدة العربية.2008 ،
ميىن اخلويل ،فلسفة العلم يف القرن العشرين :عامل املعرفة ،الكويت 2000 ،م .
رودرك تشيزهومل ،احلصادي جنيب ،نظرية املعرفة ،الدار الدولية 1994 ،
اآلن شاملرز ،نظريات العلم ،دار توبقال 1991 ،